التبصرة للخمي

اللخمي، أبو الحسن

مقدمة إدارة الشؤون الإسلامية

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدِّمة كتاب "التَّبْصِرة للخمي" الحمدُ لله حمدًا يوافي نِعَمَه، والصَّلاة والسَّلام على أشرف خَلْقه، وخاتم رُسله، وبعد: فإنَّ علماءَ الإسلام قد خلَّفوا لنا تراثًا علميًّا ضَخْمًا، متعدِّدَ المناحي، ما يزال معظمُه مخطوطًا لم يَرَ النور، ولم يتعرفْ عليه الباحثون، رغم ما فيه من المعاني الدَّقيقة، والأفكارِ العميقة، التي تخدمُ واقعَنا المعاصر، وتنير السُّبُلَ لأمتنا في مجالات الفكر والتشريع والثقافة، حيث يُقدِّرُ بعضُ الخبراء أن ما بقي من تراث علماء الإسلام مخطوطًا يربو على ثلاثةِ ملايين عنوان في زوايا المكتبات، وظلام الصَّناديق والأقبية، لم يُفَهْرَسْ فهرسةً دقيقةً، فَضْلًا عن نشره. فكان من المهمِّ في هذه المرحلة أن تَتَّجِهَ الجهودُ لتقويم هذا التُّراث، واستجلاء ما ينفعُ الناسَ في عصرنا منه، ثم العمل على تحقيقه ونشره.

وإنَّ وزارةَ الأوقاف والشُّؤون الإسلامية بدولة قطر -وقد وَفَّقها الله لأن تضربَ بسهمٍ في إحياء هذا التراث- لتحمد الله سبحانه وتعالى على أنَّ ما أصدرته من نفائسِ التُّراث قد نال استحسانَ أهلِ العلم في مشارقِ الأرض ومغاربها. والمتابعُ لحركة النَّشْر العلميِّ لا يخفى عليه جهودُ دولة قطر في خدمة تُراثِ الأمة منذ ما يزيدُ على سِتَّةِ عُقود، ومَشْروع إحياء التراث الإسلامي؛ الذي بدأته الوزارةُ منذ أربع سنوات؛ امتدادٌ لتلك الجهود، وسَيْرٌ على تلك المَحَجَّة التي عُرفت بها دولةُ قطر. ومنذ انطلاقةِ هذا المشروعِ المباركِ يسَّر اللهُ جلَّ وعلا للوزارة إخراجَ مجموعةٍ من أمهات كتب العلم في فنون مختلفة؛ تُطبع لأوَّل مرة. ففي تفسير القرآن الكريم: أصدرتِ الوزارةُ تفسيرَ الإمام العُليمي (فتح الرحمن في تفسير القرآن)، وفي عِلْم الرَّسْم أصدرتْ كتابَ (مرسوم المُصْحَف للإمام العُقيلي) ونحن بصدد إصدار جديدٍ مُتَميِّزٍ للمحرّر الوجيز لابن عطية مُقابَلًا على نُسَخٍ خَطِّيَّةٍ عِدَّة. وفي السُّنَّة: أصدرتِ الوزارةُ كتابَ: (التَّوضيح شَرْح الجامع الصَّحيح لابن الملقّن) و (حاشية مُسْنَد الإمام أحمد للسّندي)، و (شرحين لموطأ الإمام مالك لكلٍّ من القنازعي والبوني)، و (شرح الرَّافعي على مسند الإمام الشافعي)، و (نخب الأفكار شَرْح معاني الآثار للبَدْر العَيْني)، و (صحيح ابن خُزيمة) بتحقيقه الجديد المُتْقَن، يتبعه

قريبًا بإذن الله السُّنَن الكبرى للنَّسائي باستدراك ما فاتَ في طبعاته السَّابقة، مع مشاريع أخرى في السُّنَّة المُطَهَّرة يُعْلَن عنها في حِيْنها. وفي الفقه: أصدرتِ الوزارةُ: (نِهاية المَطْلَب في دراية المذهب للإمام الجُويني) الذي حَقَّقَه وأتقن تحقيقَه عضو لجنة إحياء التراث الإسلامي أ. د. عبد العظيم الدِّيب -رحمه الله-، وكتاب (الأوسط لابن المُنْذِر) بمراجعة وتدقيق د. عبد الله الفقيه عضو اللجنة، وفي الطَّريق إصداراتٌ أخرى مُهِمَّة، تُمَثِّلُ الفقهَ الإسلاميَّ في عهودهِ الأولى. وفي السِّيرةِ النَّبويةِ: أصدرتِ الوزارةُ الموسوعةَ الإسناديَّةَ (جامع الآثار لابن ناصر الدِّين الدِّمشقي). وفي العقيدة والتَّوحيد: أصدرتِ الوزارةُ كتابًا نَفِيْسًا لطيفًا هو: (الاعتقادُ لابن العَطَّار) تلميذ النَّووي، رحمهما الله. ولم نغفلْ عن إصدار دراساتٍ معاصرة متميِّزة من الرَّسائل العلميَّة وغيرها، فأخرجنا (القيمة الاقتصادية للزمن) و (نوازل الإنجاب) وفي الطَّريق -بإذن الله تعالى- ما تقرُّ به العيونُ من دراساتٍ معاصرةٍ في القرآن والسُّنَّة، ونوازل الأمة. ويسرُّنا اليومَ أن نُقدِّمَ للمسلمين كافةً هذا السِّفْرَ من نفائسِ مصادرِ الفقه المالكيِّ للحافظ الإمام أبي الحسن عليِّ بن محمد اللَّخمي القيرواني؛ الذي حاز الرئاسةَ العلميَّة في بلاد إفريقية، وتوفي سنة 478 هـ.

والكتابُ -كما يقولُ القاضي عِياض- كنز من كُنوز هذه الأمةِ المكنونةِ، وذَخائِرِها المَدْفُونة، وقد اعتمده الشَّيخُ خليل عمدةُ المحققين وخاتمةُ المتأخِّرين، فجعله أحدَ الأربعة الذين بنى عليهم مختصره، ورَمَز له بلفظِ الاختيار، وقد اشتمل كتابُ اللَّخمي هذا على الكثير من اختياراتِه الفقهية، واجتهاداتِه المَذْهبية؛ لأنه كان مُغْرى بتخريج الخِلافِ في المذهب، واستقراء الأقوال، وربما اتَّبع نظره فخالفَ المذهبَ فيما ترجَّح عنده بالدَّليل، فخرجتْ بعضُ اختياراته عن قواعد المذهب، وقد أثنى العلماءُ على هذا الكتاب قديمًا وحديثًا، شِعْرًا ونَثْرًا بما لا يتَّسعُ المجالُ لِذِكْرِه. والحمدُ لله على توفيقه، ونسأله المزيدَ من فَضْلِه إدارةُ الشُّؤون الإسلامية

المقدمة التحقيقية

المقدمة التحقيقية

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أقول -مستعينًا بالله تعالى- بعد حمدِه كما ينبغي لجلاله، والصلاةِ والسلام على نبيِّه المصطفى وصحبِه وآله: لا يزال الإهمال هو السمة الغالبة على التعامل مع الكثير من كتب التراث العربي والإسلامي، وقد وقف هذا الإهمال حائلًا بين الفقهاء والمتفقهين وبين الحصول عليها أو الوصول إلى بعض ما فيها، وقد أودى بكثير من الأصول الخطية لكتب المذاهب الفقهية، ومذهب إمام دار الهجرة -بخاصة- من بينها، حتى إن كلمة مفقود باتت لصيقة بكثير من الأمهات المصنفة فيه، وربَّما كان ما قيل إنه مفقود موجودًا، ولكن عنونته -في الفهارس التي يضعها غيرُ المختصين في الغالب- بكتاب مجهول، أو نسبته إلى مؤلِّف مجهول، دعَّم زعمَ من زعم، وقناعةَ من اقتنع بأنَّه مفقود. وحين أيس الكثيرون من الوصول إلى بعض الآثار المفقودة، لم يجد اليأس إلى نفوسنا سبيلًا، بل عقدنا العزم على البحث عن مخطوطات ما لم يطبع من كتب السادة المالكية؛ فوصلنا إلى بعض الأصول الخطية، وامتلكنا بعضها شراءً ممن كانت بحوزته ولم يقدرها حق قدرها، بينما صوَّرنا البعض الآخر حينما أتيحت لنا الفرصُ لتصويره. وما كتاب "التبصرة" إلا واحدٌ من الدواوين الفقهية التي فُقِد معظمُها، فلم يوقَف في عصرنا على نسخة كاملة منها، بل تناثرت أسفارُها أشتاتًا في شرق العالم وغربِه؛ حتى صار من علامات ثراء المكتبات أن تحتوي على جزءٍ

أو نبذة منها. وأمام هذا الواقع استخرنا الله تعالى في العمل على تحقيق هذا الديوان النفيس ونشره، ومضينا في الأمر قُدُمًا حتى انتهينا بتوفيقه سبحانه إلى ما نقدِّمه اليوم إلى المكتبة الإسلامية في ثوب قشيب من التوثيق والضبط والتحقيق، مُقَدِّمين بين يديه:

أولا: تعريف مختصر بأبي الحسن اللخمي -رحمه الله-

أولًا: تعريف مختصر بأبي الحسن اللخمي -رحمه الله- (¬1) اسمه ونسبه وكنيته: هو أبو الحسن، علي بن محمد بن علي (¬2) الربعي (¬3) اللخمي (¬4)، القيرواني (¬5)، نزيل سفاقس (¬6). ¬

_ (¬1) من مصادر ترجمة اللخمي على ترتيبها الأقدم فالأحدث: ترتيب المدارك، لعياض: 8/ 109، ومعالم الإيمان: 3/ 200، والديباج، لابن فرحون: 2/ 104، التعريف بالرجال المذكورين في جامع الأمهات لابن عبد السلام الأموي (مطبوع بحاشية الجامع بتحقيقنا): 1/ 17، وشجرة النور، لمخلوف: 1/ 117، والفكر السامي، للحجوي: 2/ 215، وتاريخ الإسلام، للذهبي: 32/ 242، والأعلام للزركلي: 4/ 328، وأبو الحسن اللخمي وجهوده في تطوير الاتجاه النقدي في المذهب، للدكتور محمد المصلح. (¬2) ذكر ابن عبد السلام الأموي هذا الجد ولم أقف على من ذكره غيره, انظر: التعريف برجال جامع الأمهات لابن عبد السلام الأموي. (¬3) الربعي: قيل نسبة لربيعة بن نزار واستبعد السمعاني أن تكون كذلك قال: قلما يستعمل ذلك لأنه ربيعة بن نزار شعب واسع فيه قبائل عظام وبطون وأفخاذ استغنى بالنسب إليها عن النسب إلى ربيعة.؛ وذكر أنه يقال الربعي لمن ينتسب إلى ربيعة أو ربعة الأزد من بكر بن وائل. انظر: الأنساب، للسمعاني: 3/ 43. (¬4) اللخمي نسبة إلى لخم وهي قبيلة يمنية نزلت الشام وذكر عياض أن نسبته هذه جاءته من قبل جده لأمه ولم أقف على ترجمة أو ذكر لهذا الجد. (¬5) المدارك، لعياض: 8/ 109. (¬6) قال ياقوت الحموي: سفاقس بفتح أوله وبعد الألف قاف وآخره سين مهملة مدينة من نواحي إفريقية جل غلاتها الزيتون وهي على ضفة الساحل بينها وبين المهدية ثلاثة أيام وبين سوسة يومان وبين قابس ثلاثة أيام وهي على البحر ذات سور وبها أسواق كثيرة ومساجد وجامع وسورها صخر وآجر وفيها حمامات وفنادق وقرايا كثيرة وقصور جمة ورباطات على =

مولده ونشأته

مولده ونشأته: ولد اللخمي -رحمه الله- في مدينة القيروان، وبها كانت نشأتُه (¬1)، ولم يذكر له تاريخ ولادة، عند من ترجم له غير أنَّ عياضًا -رحمه الله- ذكر طول بقائه بعد أقرانه وحيازته بذلك التقدم والتفرد فعلى أقل تقدير أن يكون عمر للثمانين أو ما حولها (¬2)، وكذا يستفاد من رواية ابن حجر في معجم شيوخه لكتاب الملخص لابن القابسي المتوفى سنة 453 هـ - فقد جاءت هذه الرواية من طريق المازري عن اللخمي عن القابسي (إجازة) - فدلت إجازة القابسي على ولادة اللخمي قبل وفاة هذا العالم فما أجيز إلا حيًّا أو متحملًا فدل على ولادته قبل ذلك (¬3). وقد كان بالقيروان حتى خرج منها في الفتنة (¬4) كما ذكر عياض أنه رابع أربعة فقهاء خرجوا من القيروان بعد الفتنة (¬5). وقد اختار مدينة سفاقس فظل بها حتى توفي، ومسجده وقبره بها معروفان (¬6). ¬

_ = البحر. معجم البلدان: 3/ 223. (¬1) هو ما يُفهم من قول عياض -في المدارك-: "القيرواني أصلًا" ومن تبعه ناقلًا عنه. انظر: المدارك: 8/ 109، والديباج، لابن فرحون: 2/ 104، وشجرة النور، لمخلوف: 1/ 117. (¬2) المدارك: 8/ 109، والإمام اللخمي، للدكتور محمد المصلح: 1/ 125. (¬3) المعجم المفهرس، لابن حجر، ص: 39. (¬4) الفتنة يقصد بها نزوح قبائل عربية من بني هلال كانت نازلة بصعيد مصر نحو الغرب لمحاربة المعز ابن باديس صاحب القيروان المنشق عن الخليفة الفاطمي المستنصر، فحاول ابن باديس التصدي لهم وعجز عن ذلك، فهادنهم فغافلوه ودخلوا القيروان وعاثوا فيها، سنة 449 هـ فنزح عنها كثير من أهلها. انظر: تاريخ ابن خلدون: 6/ 210 وما بعدها، والبيان المغرب للمراكشي: 1/ 243. (¬5) انظر: المدارك، لعياض: 8/ 109، ترجمة ابن غرور. (¬6) معالم الإيمان: 3/ 200.

شيوخ اللخمي

شيوخ اللخمي: 1 - أبو الطيب عبد المنعم بن إبراهيم الكندي؛ المعروف بابن بنت خلدون، القيرواني المتوفى سنة 435 هـ (¬1): أخذ عن أبي بكر بن عبد الرحمن، وأبي عمران الفاسي، وغيرهما، وله رحلة إلى المشرق. وبه تفقه اللخمي، وأبو إسحاق بن منظور القفصي، وعبد الحق الصقلي، وابن سعدون وغيرهم، له على المدونة تعليق مفيد، وكان له حظ وافر في أكثر من علم. 2 - أبو إسحاق، إبراهيم بن حسن التونسي، المتوفى سنة 443 هـ (¬2): تفقه بأبي بكر بن عبد الرحمن، وأبي عمران الفاسي، ودرس الأصول على الأزدي. أخذ عنه عبد الحق، وابن سعدون، وعبد العزيز التونسي، وابن أبي جامع وغيرهم، قال عياض: وله شروح حسنة على كتاب ابن المواز والمدونة (¬3). 3 - أبو القاسم عبد الرحمن بن مُحرز القيرواني المتوفى سنة 450 هـ (تقريبًا) (¬4): تفقه بأبي بكر بن عبد الرحمن، وأبي عمران، والقابسي، وأبي حفص ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: ترتيب المدارك: 8/ 66، ومعالم الإيمان: 3/ 184. (¬2) انظر ترجمته في: المدارك، لعياض: 8/ 58، والديباج، لابن فرحون: 1/ 269، وشجرة النور، لمخلوف، ص: 108. (¬3) المدارك، لعياض: 8/ 58. (¬4) انظر ترجمته في: المدارك، لعياض: 8/ 68، والديباج، لابن فرحون: 2/ 153، ومعالم الإيمان: 3/ 185، وشجرة النور، لمخلوف: 1/ 110.

تلامذته

العطار، وبه تفقه اللخمي، وعبد الحميد الصائغ، وله تصانيف حسنة منها تعليق على المدونة سماه: "التبصرة"، وكتابه الكبير المسمى بـ "القصد والإيجاز" وابتلي آخر عمره بالجذام. 4 - أبو القاسم، عبد الخالق بن عبد الوارث السيوري، القيرواني، المتوفى سنة 460 هـ (¬1). قال عياض: خاتمة علماء إفريقية، وآخر شيوخ القيروان، ذو البيان البديع في الحفظ والقيام على المذهب والمعرفة بخلاف العلماء (¬2). تفقه بأبي بكر بن عبد الرحمن، وأبي عمران الفاسي، وغيرهما، وبه تفقه عبد الحميد، واللخمي ولازمه، وعبد الحق، والذكي، له تعاليق على المدونة، أخذ عنه أصحابه، وطال عمره؛ ونقل عياض أنه كان يطعن على اللخمي سيئ الرأي فيه (¬3). تلامذته: 1 - أبو الطيب، سعيد بن أحمد بن سعيد السفاقسي، الينُونِشي (¬4) الفقيه، المتوفى سنة 501 هـ (¬5). قال عياض: سكن أغمات، وكان من المحققين بالفقه والكلام، من أهل البلاغة، والتأليف والنظم والنثر، تفقه بأبي الحسن اللخمي وطبقته وكان من ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: المدارك، لعياض: 8/ 65، والديباج، لابن فرحون: 1/ 95. (¬2) انظر: المدارك، لعياض: 8/ 65. (¬3) انظر: المدارك، لعياض: 8/ 65. (¬4) نسبة ليَنُونِش بالفتْح وكسر النون الثانية: قرية في ساحل أَفْرِيقِيَّةَ انظر: معجم البلدان، لياقوت: 5/ 452، وتاج العروس، للزبيدي: 17/ 472. (¬5) انظر ترجمته في: الغنية: صـ 157، والإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام، للسملالي: 10/ 134.

أهل الخير التام، والفضل الكامل، وسلوك طريق الزهد والورع، متواضعًا حسن الصحبة، كريم العشرة، وشهر اسمه عند السلطان وغيره فلم يزدد إلا خيرًا وانقباضًا وتواضعًا ولم يتشبث بشيء من أمور الدنيا إلى أن توفي -رحمه الله- من سقطة سقطها من درج منزله (¬1). 2 - أبو علي، الحسن بن عبد الأعلى الكلاعي، السفاقسي، السبتي، المتوفى سنة 505 هـ (¬2). تفقه بأبي الحسن اللخمي وعليه كان اعتماده وأخذ أيضًا عن ابن سعدون والجياني وغيرهم من مشايخ إفريقية والمغرب والأندلس، ثم استوطن سبتة أخيرًا، وشاوره بها بعض القضاة، وأريد على قضاء الجزيرة فامتنع؛ قال عياض: كان منقبضًا فاضلًا، لم يجب إلى التدريس ولا تصدر للفتيا، وكان محققًا فَهِمًا فقيهًا أصوليًا متكلمًا عارفًا بعلم الهندسة والحساب والفرائض وغير ذلك من المعارف؛ وتوفي بأغمات في المحرم (¬3). 3 - أبو الفضل، يوسف بن محمد بن يوسف التوزري، القلعي، المعروف بابن النحوي، المتوفى سنة 513 هـ (¬4) من قلعة حماد، صحب اللخمي، وأخذ عن أبي عبد الله المازري، وأبي ¬

_ (¬1) انظر: الغنية، لعياض، ص: 157. (¬2) انظر ترجمته في: الغنية لعياض: صـ 101، التكملة لكتاب الصلة: 1/ 217، وتاريخ الإسلام، للذهبي: 35/ 105. (¬3) الغنية: ص: 101. (¬4) انظر: الذيل والتكملة 2/ 434 وتكملة الصلة, لابن الأبار: 4/ 225، ونيل الابتهاج، للتنبكتي: 2/ 319، وجذوة الاقتباس، لابن القاضي: 2/ 552، وشجرة النور، لمخلوف: 1/ 117.

زكرياء الشقراطيسي، وعن عبد الجليل الربعي، وأخذ عنه محمد بن على عرف بابن الرمامة، وموسى بن حماد الصنهاجي وغيرهما، وكان أبو الفضل من أهل العلم والعمل، وكان ممن انتصر لعدم إحراق الإحياء للغزالي، ولم التقى بأبي الحسن اللخمي سأله ما جاء به، فقال: جئت لأنسخ تأليفك المسمى بالتبصرة، فقال له: إنما تريد أن تحملني في كفك إلى المغرب (¬1). يشير إلى أن عمله كله في هذا الكتاب، توفي ببلده -قلعة حماد- سنة ثلاث عشرة وخمسمائة. 4 - أبو عبد الله، محمد بن عبد الله الصقلي، الغرناطي، الفقيه، المتوفى سنة 518 هـ (¬2): روى كتاب التبصرة، بإجازة من اللخمي وكان جارًا له وقدم غرناطة تاجرًا ولقي بها ابن عطية وذكر ابن بشكوال أخذ الناس عنه بها ووفاته في طريقها. 5 - أبو عبد الله، محمد بن علي بن عمر بن محمد التميمي المازري، القيرواني، المتوفى سنة 536 هـ (¬3): أحد الأئمة الأعلام، أفقه المالكية في عصره لقب بالإمام، أخذ عن اللخمي وابن عبد الحميد السوسي الصائغ، وغيرهما، جمع بين علوم كثيرة ¬

_ (¬1) جذوة الاقتباس، لابن القاضي: 2/ 553. (¬2) انظر: فهرس ابن عطية: ص: 142، والصلة، لابن بشكوال: 1/ 572. (¬3) انظر ترجمته في: الغنية لعياض: صـ 38، وترتيب المدارك، لعياض: 8/ 101، والديباج، لابن فرحون: 1/ 147، وشجرة النور، لمخلوف: 1/ 127 ووفيات الأعيان، لابن خلكان: 4/ 285، وسير أعلام النبلاء، للذهبي: 20/ 105.

وبرع في الفقه والأصول والطب، والحساب والآداب، من مصنفاته: "المعلم بفوائد مسلم"، "إيضاح المحصول في برهان الأصول"، "نظم الفرائد في علم العقائد"، تعليق على المدونة، "شرح التلقين". 6 - أبو الطاهر؛ إبراهيم بن عبد الصمد بن بشير التنوخي، المتوفى بعد سنة 526 هـ (¬1): أخذ عن السيوري، وكان بينه وبين أبي الحسن اللخمي قرابة وتعقبه في كثير من المسائل ورد عليه اختياراته الواقعة في كتاب التبصرة وتحامل عليه في كثير منها. قال عنه ابن فرحون: من العلماء المبرزين في المذهب المترفعين عن درجة التقليد إلى رتبة الاختيار والترجيح. وله كتاب "الأنوار البديعة إلى أسرار الشريعة" و"التنبيه على مبادئ التوجيه"، وكتاب "التذهيب على التهذيب". وقد ذكر أخذه عن اللخمي مخلوف في ترجمته له، أعني ابن بشير (¬2)، وهو ما تعقبه محقق التنبيه لابن بشير، وهو على جانب كبير من الصواب. 7 - أبو حفص عمر بن يوسف بن محمد بن الحذاء القيسي الصقلي المتوفى سنة 526 هـ (¬3): ولد بصقلية وحج وجاور، ورحل إلى سفاقس، ثم إلى الإسكندرية وبها مات، قرأ على عبد الحق، وابن يونس، واللخمي، قال السلفي: كان من ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: الديباج، لابن فرحون، ص: 143، وشجرة النور، لمخلوف: 1/ 126، ومعجم المؤلفين، لكحالة: 1/ 48. (¬2) انظر: شجرة النور: 1/ 126. (¬3) انظر: معجم السفر لأبي طاهر السلفي: هـ 235، تاريخ الإسلام للذهبي: 36/ 148.

مؤلفاته

مشاهير الزهاد وأعيان العباد، له مجدٌ كبير عند أهل صقلية. اهـ (¬1)، وحج سنة إحدى وخمسين. 8 - أبو يحيى ابن الضابط (¬2). 9 - أبو محمد، عبد الحميد بن محمد، المعروف بابن الصائغ، القيرواني السفاقسي المتوفى سنة 486 هـ (¬3): تفقه بالعطار، وابن محرز، والتونسي، والسيوري، وهو من أقران اللخمي وقد ذكر الذهبي أخذه عنه (¬4)، قال عياض: وكان فقيهًا، نبيلًا، فاضلًا، فهمًا، أصوليًّا، زاهدًا، نظارًا، جيد الفقه، قوي العارضة، محققًا، وأصحابه يفضلونه على أبي الحسن اللخمي -قرينه- تفضيلًا كثيرًا. مؤلفاته: لم يعرف لأبي الحسن اللخمي مؤلف غير التبصرة وهي الكتاب الذي نحن بصدده وسيأتي الكلام عليه. ¬

_ (¬1) انظر: المقدمة التحقيقية، لكتاب التنبيه على مبادئ التوجيه، لابن بشير: 1/ 77. (¬2) كذا جاء ذكره في شجرة النور (1/ 117) بين تلامذة اللخمي ولم أقف على من ذكره إنما يعرف بابن الضابط السفاقسي أبو عمرو عثمان بن أبي بكر الصدفي، وهو متفدم الوفاة قبل دخول اللخمي لسفاقس. انظر: ترجمته في شجرة النور: 1/ 109، والديباج، لابن فرحون: 1/ 188. (¬3) انظر ترجمته: المدارك ج 8 ص 105 - 107، وانظر أيضًا: الديباج المذهب، ج 1، ص 25، شجرة النور الزكية، ص 117؛ تراجم المؤلفين التونسيين، ج 3 ص 225. وشجرة النور لمخلوف: 1/ 117. (¬4) تاريخ الإسلام للذهبي: 32/ 242 (ترجمة اللخمي).

تنبيه

تنبيه: مجموع فتاوى اللخمي جمعها الدكتور حميد بن محمد لحمر، وهي وإن كانت من تراثه الفقهي فهي ليست من مؤلفاته، لكنها مستلة من نوازل البرزلي والمعيار كما أوضح جامعها (¬1). ثناء العلماء عليه: ولقد أثنى العلماء على اللخمي قديمًا وحديثًا، وفيه أُلِّفتِ المؤلفات، ولنبدأ بذكر من أثنى عليه بحسب الترتيب الزمني فنقول: * قال عنه القاضي عياض: كان مفتيًا متفننًا، جيد النظر، حسن الفقه، جيد الفهم. . . . فقيه وقته، أبعد الناس صيتًا في بلده. . . . حاز رئاسة بلاد إفريقية جملة. . . . . وكان حسن الخلق مشهور المذهب (¬2). * وقال الإمام الذهبي: طال عمره، وصار عالم إفريقيّة (¬3). * وقال ابن فرحون: كان أبو الحسن فقيهًا فاضلًا دينًا متقنًا ذا حظ من الأدب (¬4). قال الحجوي الثعالبي: حسن الفهم جيد الفقه والنظر أبعد الناس صيتًا في بلده (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: صدر الكتاب عن دار المعرفة بالدار البيضاء بالمغرب بعنوان فتاوى أبي الحسن اللخمي. (¬2) المدارك، لعياض: 109/ 8. (¬3) تاريخ الإسلام: 32/ 242. (¬4) الديباج، لابن فرحون: 1/ 104. (¬5) الفكر السامي، للحجوي: 4/ 50.

النقد الموجه له

* وقال عنه مخلوف: الإمام الحافظ العالم العامل العمدة الفاضل رئيس الفقهاء في وقته وإليه الرحلة (¬1). * ومن الثناء عليه شعرا ما أورده ابن غازي في فهرسته نقلا عن بعضهم (¬2) وإن كانت مجهولة القائل إلا أن في تداولها في مجالس العلم وبين طلبة الفقه ما يؤيد قبولها فهي من أعظم الإشادات بهذا الجبل الراسخ وكأني بها على هذه القافية والروي ترد على مثيلاتها التي سنعرضها في معرض النقود: واظب على نظر اللخمي إن له ... فضلا على غيره للناس قد بانا يستحسن القول إن صحت أدلته ... ويوضح الحق تبيانا وفرقانا ولا يبالي إذا ما الحق ساعده ... بمن يخالفه في الناس من كانا ومما يدل على علو شأنه ورفعة منزله اعتماد الشيخ خليل عمدة المتأخرين وخاتمة المحققين لكلامه بل كان اللخمي أحد الأربعة الذين بنى عليهم الشيخ خليل -رحمه الله- مختصره، ونص على هذا في مقدمته فقال -عطفًا على قوله: "مشيرًا بفيها للمدونة"-: وبـ "الاختيار" للخمي، لكن إن كان بصيغة الفعل فذلك لاختياره هو في نفسه، وبالاسم فذلك لاختياره من الخلاف (¬3). وكذا سار على نهج خليل من اعتماد كلام خليل كل من جاء بعده كبهرام الدميري والمواق وابن غازي والحطاب الرعيني ومن أتى بعد ذلك. النقد الموجه له: على أن اللخمي واختياراته الفقهية قد كانا مثار جدل قديمًا فقد خرجت ¬

_ (¬1) شجرة النور، لمخلوف: 1/ 117. (¬2) انظر: التعلل برسوم الإسناد، لابن غازي، ص: 67. (¬3) انظر: مختصر خليل: صـ 11.

وفاة اللخمي

به عن المذهب، قال عياض: "وهو مغرى بتخريج الخلاف في المذهب واستقراء الأقوال، وربما اتبع نظره فخالف المذهب فيما ترجح عنده فخرجت اختيارته في الكثير عن قواعد المذهب" اهـ (¬1). وهذا مما حدا بعضهم أن ينشد فيه هذا البيت: لقد مزقت قلبي سهام جفونها ... كما مزق اللخمي مذهب مالك (¬2) وفاة اللخمي: توفي اللخمي -رحمه الله- كما ذكرت كتب التراجم والتاريخ- بعد عمر مديد في طلب العلم والتدريس والتصدر للفتوى سنة 478 هـ. ¬

_ (¬1) انظر: ترتيب المدارك، لعياض: 8/ 109. (¬2) انظر: نفح الطيب، للمقري: 2/ 232.

ثانيا: نظرة حول مكانه "التبصرة" بين الدواوين الفقهية ورد بعض ما أثير حولها

ثانيًا: نظرة حول مكانه "التبصرة" بين الدواوين الفقهية ورد بعض ما أثير حولها لا تخفى -على ذي نظر ودين - مكانةُ مختصر الشيخ خليل عند فقهاء المالكية المتأخرين، حيث صار عامة أتباع المذهب على المختصر معتمدين، وإليه راجعين، وعنه صادرين، وليس الباعث على ذلك المكانةَ الرفيعةَ لمؤلِّفه -وحسب- بل ثمة أسبابٌ كثيرةٌ تعلي من قدره وتزيد من شأنه؛ أجلُّها أصالةُ المصادر التي استَخرج منها مسائله، وهي تلك التي أشار إليها في مقدمته التي أجاب فيها سائلَه، حيث قال -رحمه الله- ما ملخَّصُه: ". . .سألني جماعةٌ مختصرًا على مذهب الإمام مالك بن أنس، مبينًا لما به الفتوى، فأجبتُ سؤالهم مشيرًا بـ "فيها" للمدونة، وبـ "الاختيار" للخمي، وبـ "الترجيح" لابن يونس، وبـ "الظهور" لابن رشد، وبـ "القول" للمازري" (¬1). فاختيارات اللخمي في "التبصرة" عمادٌ من عُمُد المختصر الخليلي، وهي من المختصر بمكان، حتى لو خالف اللخمي فيها غيره من الشيوخ، ألا ترى أنَّ خليلًا رمز في مختصره برمزَين لتمييز ما أورد فيه من أقوال اللخمي فهو يشير إلى اختياره هو في نفسه بصيغة الفعل، وإلى اختياره من الخلاف بصيغة الاسم (¬2). ولا يكاد يخلو كتاب من كتب المالكية الذين جاؤوا بعد اللخمي من نقل كلامه واختياراته في "تبصرته"، فهي من أهم ما يُرجَع إليه في تحرير رواية المتقدمين، وتقريب الأحكام من المتفقهين. ¬

_ (¬1) انظر: مختصر خليل: 1/ 1، 2، 3، 4. (¬2) انظر: مختصر خليل: 1/ 3.

نعم؛ وقعت في "التبصرة" اختيارات خرجت عن المذهب، وأيُّ غضاضة في ذلك ما دام المصدرُ كتابَ الله وسنَّةَ رسوله، واللخمي مجتهد يميز الصحيح من السقيم، ويستنبط الأحكام من غير تعصب ولا هوًى ذميم. ومع ما في "التبصرة" من اختيارات من خارج المذهب فقد تلقاها العلماء بالقبول، ولم يعتَرض عليها بشيء سوى ما قيل من أنَّه لا يفتى بها في المذهب. وقد رأيتُ من انبرى للدفاع عن التبصرة بإثبات أنَّها من كتب الفتوى عند المالكية، مستدلًا باعتمادها مصدرًا من مصادر الشيخ خليل في مختصره، وضرب آخرون يمنةً ويسرةً وهم يُنَقِّبُون في بطون الكتب ليستدلوا بما وجدوه على مكانة التبصرة وتبرئتها مما رُميَت -في نظرهم- به. قلتُ: وأيُّ عيبٍ في أن لا تكون "التبصرة" من كتب الفتوى؟ وهل تغمز قناة اللخمي بأنَّ المفتين -على التنزل بإثبات ما نسب إلى بعضهم- لم يكونوا يجيزون الفتوى بما فيها؟ لا، والله، ولكن كثيرًا من القوم أوتوا من قِبَل فهمهم؛ ففهموا الأمور على غير وجهها، ولذلك استحسنتُ أن أتناول هذا المسألة من أكثر من جانب: الجانب الأول: في تقرير أن قيمة الكتاب عند السادة المالكية ليست منوطة بكونه من كتب الفتوى أو من غيرها، بل بما يحويه من فقهٍ ورواية؛ وها هنا أمران: الأمر الأول: أن المالكية أكثروا من جمع الفتاوى والتأليف في النوازل الفقهية، وهذه المصنفات تحتوي على فتاوى العالِم الواحد -سواء صنَّفها بنفسه أو جمعها غيره مما أفتى به- أو على فتاوى مجموعة لعدد -قلَّ أو كثُر- من العلماء يضمُّها كتابٌ واحدٌ، ومثل هذا الكتاب يحط من مكانته التحذير

من الإفتاء بما فيه؛ لأنَّه من كتب الفتاوى، فإن لم يعتدَّ به في بابه، كان أحرى أن لا يعتدَّ به في غير باب الفتوى؛ كالحفظ والتدريس والتعليم، لذلك أصيبَت بعضُ الكتب في مقتل بسبب التنفير عنها، والتحذير من الإفتاء بما فيها، وهي من كتب النوازل والفتاوى لا غير. أما ديوان "التبصرة" فليس من كتب النوازل قطعًا، ولم يُرِد مؤلِّفه من تصنيفه أن يُصَيِّرَهُ كذلك، بل غاية ما قيل فيه: إنَّه وضعَه -شرحًا أو تعليقًا- على المدونة, ونحن -وقد خبرنا الكتاب وعشنا معه زمانًا- نجزم بعدم صحَّة هذا القول، ونزعُم أنَّ الكتاب يشكل حلقة مستقلة في سلسلة التأليف الفقهي عند المالكية، وهو أقرب إلى أن يكون نقدًا لروايات المدونة والترجيح بين آراء المتقدمين فيها وفي غيرها من أن يكون شرحًا، أو تعليقًا عليها بما يفيد التسليم المطلق بما فيها. فما أكثر ما انتصر اللخمي للدليل وردَّ به ما خالفه من أقوال وآراء، وإن كانت مما يفتى به في المذهب! وبهذا يتقرر أن القول بعدم اعتماد "التبصرة" في الفتوى قولٌ مقبول ما لم يُرَد به لمزها أو غمز قناة مصنِّفها -رحمه الله-. الأمر الثاني: أن للإفتاء قواعد تختلف من مذهب إلى مذهب، وللمالكية خصوصيَّة في هذا الباب أوجزها الأخ الشيخ حسن بن عبد الرحمن الحسين المالكي، وننقلها -بنصها- عنه لما فيها من تقريب الأمر من مبتغيه، فقد قال وفَّقه الله: لكلِّ مذهبٍ طريقة مختلفة في تعيين الصَّحيح والرَّاجح أو ما عليه الفتوى، جَرَّ إلى ذلك اختِلافُهم في الأصول، فإن السَّادة الحنفية تراهم لا يَذكُرونَ مشهورًا أو تصحيح روايةٍ؛ لأن مناطَ النَّظر عندهم ليس على

صحةِ نسبة القول للإمام وحسب، فتراهُم يعبرون بـ (المُفْتَى به)؛ لأن في مذهبهم جَمْعًا ممن سَلَّمُوا لَهُم الإمامةَ غيرَ أبي حنيفة، كأبي يوسف ومحمد بن الحسن وزُفر، فلهم مسلكٌ في الإفتاء حينًا برأي هذا وحينًا برأي ذاك، وكذا الشَّافعية ترى عندهم وجوهًا وقديمًا وجديدًا، والحنابلة رواياتٌ؛ معتمدا منها وغير معتمد. فإذا صَحَّ هذا، لَزِمَ منه أن لا تَصِحَّ قاعدةٌ في التقليد والفتوى إلا من ذات المذهب؛ لاختلافهم في الحقائق والمعاني. أما السَّادة المالكية فالعبرةُ عندهم إنَّما تكون بقول الإمام لا غير، فلا يُعدَل عنه البتة لقول أحدٍ من نُظَّار أصحابه، بلا خلاف صحيح يُعتدُّ به؛ لأنه تقرَّر في الأصول أنه لا يجوز إلَّا تقليد المجتهد المطلقِ، ثم قيِّد بالأئمة الأربعة، وعلماءُ المذهب ليسوا من أهل الاجتهاد المطلق. وقرَّر المحقِّقون من أهل المذهب أنه لا ابن القاسم ولا غيره من علمائنا بأهل اجتهادٍ مُطلقٍ (¬1). فإن كان خلافٌ في النَّقل عن الإمام فلهم فيه تفصيلٌ دقيقٌ قائمٌ على قواعدَ مَتينة، من تقليد الأطول صُحبة وآخر النَّاس عهدًا بالإمام، فإن كان الأمرُ بعد عهد تلاميذ الإمام فالقولُ قول المُعتنين بالمدونة من المغاربة لا العراقين؛ لأنهم ألصق بفروع الإمام وحافظوه، وأولئك ألصقُ بما ينصُره من دليل، والحافظُ متقيِّد، والنَّاصر رُبَّما نصرَ بدليل في تضاعيفه ما لا يقبلُه الإمام، خاصَّة أن أولئكَ المنتصرين لا ينتصرون في الغالب بدليل جُزئي نَصَّ عليه الإمامُ، وإنما ينتصرون بأدلَّة جزئيَّة مُستمدةٍ من الأدلة الكُلِّيَّة التي يقول بها الإمام، وهذه الطَّريقة وإن كانت صحيحة في نفسها إلَّا أنه يتطَرَّقُ ¬

_ (¬1) انظر: كفاية المحتاج لمعرفة من ليس في الديباج، للتنبكتي، ص: 216.

إليها احتمالٌ (¬1). فإذا تقرَّر هذا فكل ما يُنقل من خلافٍ عن أصحاب مالك؛ إن كان في مقابل قول الإمام طُرِحَ من جانب المقلِّد؛ لأنهم ليسوا بمجتهدين، وإنما ساغ لمثلهم خلاف مالك وهم مُقلِّدوه للمسألة المرسومة في كتب الأصوليين بتجزُّؤ الاجتهاد. أمَّا المقلِّد الذي ليس هو بأهل لطُرق التَّرجيح والتَّشهير فلا يعمل بغير نصِّ الإمام؛ ولذا أخرجنا القول باستحباب صيام السّتّ من شوال مطلقًا وعزوِ خفاء الحديث عن الإمام مالك من وجوه المذهب؛ لأنه اختيار لمالك لا رأيٌ له مذهبي، فتأمل! أما إذا اختلف المنقول عن الإمام وتعارض، تأتي مسألة تعيين الرَّاجح والمشهور. قالوا: الرَّاجح: ما قَوِيَ دليلُه. والمشهور ما كَثُرَ قائله. وقيل بعكسهما، أي الرَّاجح ما كثر قائله والمشهور ما قوي دليله (¬2). إلاّ أن الاستعمال الصَّواب المُستقر عليه في الراجح هو ما قوي دليله. أما المشهور فبحثه يطول. لكن من المستحسن تبيين أن الذي يَهْتَبِل بمسألة تعيين الرَّاجح والمشهور والتَّقديم بينهما ليس هو المُقلِّد العارف ببعض كتب المذهب مع نظرٍ قليل في الأدلة؛ بل فيمن كانت له أهلية الاجتهاد، والعلم بالأدلَّة وأقوال العلماء وأصول مآخذهم، فإن هذا له تعيين المشهور، وأما من لم يبلغ هذه الدَّرجة وكان حَظُّه من العلم نقل ما في الأمهات؛ فليس له ذلك، ويلزمه الجريان على ما نُصَّ أنه مشهور المذهب. ¬

_ (¬1) انظر: كفاية المحتاج لمعرفة من ليس في الديباج، للتنبكتي، ص: 216. (¬2) انظر: أسهل المدارك شرح إرشاد السالك، للكشناوي: 3/ 133.

ثم إن قيل: الرَّاجحُ ما قَوِيَ دليلُه، بمعنى أن الدَّليل بِحَدِّ ذاته قويٌ ناهضٌ بالحُجَّةِ. إن عمل به لأنه مذهب مالك فقد تَقَوَّلَ على مالك، لأنه لا يصح في العقل أن مَن ظَنَّ رُجحان دليلٍ، صار ما ظَنَّهُ دالًا عليه الدليل -حسب فهمه- مذهبَ مالك، ويلزم منه أن يكون مذهب مالك مذاهب لا مذهب، فلا يَختبئ هذا المُرَجِّح خلف مالك، وليُصرح بأنه يرجِّح لذات الدَّليل بلا التفاتٍ لمالك. وإن قال إنما آخُذ بما قوي دليله من قول مالك، هذا أيضًا أخذٌ بالرَّأي المُقوَّى عندَهُ هو لا رأي مالك؛ لأنه ليس من طرق معرفة نسبة القول لقائله أن يكون هذا القول قويًّا دليلُه عند النَّاظر، إنما النَّظر في النَّاقل عن الإمام والقرائن لا مُطلق قوَّةِ الدَّليل، وتقدَّمَ أن الرُّجحان في الدَّليل عند فلان وفلان من نُظَّار المذهب لا يلزم منه أن يكون راجحًا عند الإمام. أما إذا اختُلِفَ في فهم نص الإمام بين الأصحاب، فالمَهْيَع هنا أن تورد تأويلات وتفسيرات عبارة الإمام التي حرَّرها أصحابه ونظار مذهبه، فينظر في قوتها من جهة دلالة عبارة الإمام، وتوافقها مع قواعده وأصوله وهو أمرٌ ليس بالهين. اهـ النقل بطوله (¬1). قلتُ معقبًا: يظهر مما تقدَّم تقريره أن الفتيا عند المالكية تدور على قول الإمام مالك وما أفتى به، وعليه فلا غرو أن لا يفتي من يتقيد بالرواية عن إمام المذهب من كتاب كـ "التبصرة" و-كثيرٍ من الكتب المصنَّفة في المذهب- غيرها من كتب المتقدمين والمتأخرين ما لم تكن معنيَّة بتحرير قول الإمام ¬

_ (¬1) من المحرَّر الأقوى في التقليد ومعتمد الفتوى، لحسن بن عبد الرحمن الحسين، بحث غير منشور.

والتسليم به، خاصةً أنَّ في "التبصرة" -بين كتب المالكية- جرأة -لا تخفى ولا تُنكر- في الاختيار والترجيح، يلزَم منها رد كثيرٍ من الأقوال، والرد على كثير من القائلين، وإن كانوا -في العلم- من الراسخين. فإذا تقرر هذا فليعلم أنَّ عدم الإفتاء بما في التبصرة -إن سلِّم به- فمردُّه إلى كونها ليست من كتب هذا الفنِّ، وكون مصنِّفها -رحمه الله- غير ملتزم باطرادٍ منهجَ المالكية في الإفتاء. الجانب الثاني: في إثبات أن الدعوى المزعومة واهية متهالكة في ميزان النقد العلمي، وذلك لأنَّها لم تنقل إجماعًا ولا اتفاقًا، بل جاءت أقرب إلى الحكاية منها إلى الرواية في مصدرين؛ أوَّلهما كتاب نفح الطيب، حيث جاء فيه عن المقري الجد (ت 759 هـ) أن الناس (تركوا الرواية فكثر التصحيف وانقطعت سلسلة الاتصال، فصار الفتاوى تنفذ من كتب لا يدرى ما زيد فيها وما نقص منها لعدم تصحيحها وقلة الكشف عنها، ولقد كان أهل المائة السادسة وصدر السابعة لا يسوغون الفتوى من تبصرة الشيخ أبي الحسن اللخمي لكونه لم يصحح على مؤلفه ولم يؤخذ عنه) (¬1). وثانيهما قول ابن مرزوق (ت 781 هـ) في كلام له بعد أن أشكل عليه كلام الشيخ خليل في التوضيح: (نصُّ اللخمي في جوابه صريح في أنه أفتاه بالتيمم لا يشتبه على ناظر، نعم من مسائل خليل الاختصار، فربما أوقعه في بعض المواضع في الاختصار المخل، إلا أن تكون النسخة التي نقل منها محرَّفة، وهذا بعيدٌ لشهرة كتاب اللخمي في هذا الموضع، وإن كان يعتري نسخه الاختلاف في كثير من المواضع، ولذلك تجدني أتوقف عن الفتيا بما فيه، ¬

_ (¬1) نفح الطيب: 2/ 272.

وبلغني عن بعض شيوخنا الفاسيين -حفظهم الله- أن كتاب اللخمي لم يُقْرأ عليه، فكان الشيوخ يجتنبون الفتيا منه لذلك) (¬1). قلتُ: وكلام ابن مرزوق الذي يَذكُر فيه توقُّفَه عن الفتيا بما في "التبصرة"، وحكايتَه مثلَ ذلك عن بعض شيوخه الفاسيين يدل على أنَّ الأمر يتعدى الفترة الزمنية التي حدَّدها المقري بالمائة السادسة وصدر السابعة، لأنَّ ابن مرزوق عاش حتى أواخر القرن الثامن الهجري، ولمناقشة ما حكاه والمقري قبلَه يحسُن أن نناقش تعليلهم للتوقف عن الفتيا من "التبصرة"، حيث علَّلَه المقري بِعدَم تصحيحها على مؤلِّفها، وعلَّله ابن مرزوق بما يعتري نُسَخَها من الاختلاف في كثير من المواضع، ومدار العلَّتَين على التشكيك في نسبة ما في النُّسَخ إلى اللخمي نفسه، بسبب تعارض الكلام وتناقضه -أحيانًا- وهذا الإشكال قد يرتفع بتحقيق الكتاب تحقيقًا علميًّا، ومقابلته على ما وصل إلينا من نُسَخه الخطيَّة ليُنتهى إلى إخراجه على ما يغلب على الظنِّ أنَّه مراد مؤلِّفه -رحمه الله-. ثُمَّ إن التذرُّع بترك الفتيا بما في "التبصرة" بعدم تصحيحه على مؤلِّفه -قد- يَرِد عليه ما يُفهَم منه أن اللخمي صحَّح كتابه، وأذن بتحمُّله عنه وتداوله، حيث ذكرت مصادر ترجمة أبي الفضل يوسف بن محمد المعروف بابن النحوي (ت 513) أنَّه حينما لقي شيخَه أبا الحسن اللخمي سأله الشيخُ عما جاء به، فأجابه أنه يريد نسخ "التبصرة"، فقال له اللخمي: "إنما تريد أن تحملني في كفِّكَ إلى المغرب"، ولم ينهَه عن ذلك، بل عُلمَ من كتب التراجم أن ابن النحوي الذي وفد على اللخمي من قلعة بني حمَّاد في المغرب الأوسط (الجزائر حاليًا)، رجع بالتبصرة وأدخلها إلى فاس (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: المعيار المعرب, للونشريسي: 1/ 37. (¬2) انظر: جذوة الاقتباس، للمكناسي: 2/ 553، وشجرة النور، لمخلوف: 1/ 126.

وتحسُن الإشارة هنا إلى أنَّ عدم تبييض المؤلِّف لكتابه لا يعني الطعن في نسبته -أو نسبة ما فيه- إليه إذ ليس التبييضُ بشرطٍ ولا عادةٍ مطردةٍ عند المؤلفين القدامى ولا المُتأخرين، ولو سُلِّم بعدم الأخذ بما قاله الشيوخ في مسودَّات كتبهم للزم من بابٍ أولى عدم التسليم بما كتبه عنهم غيرهُم، أو رواه عنهم مشافهة من غير عَرْضٍ، أو قيَّده في دروسهم أو من مَجَالسهم، كما هو الحال في كثير من تقييدات المالكية, وأشهرها عند المتأخرين تقييد الزرويلي على تهذيب البراذعي للمدونة، فليُتأمَّل وليُعلَم أنَّ في بعض نُسَخ "التبصرة" التي وقفنا عليها ما نُسِخ من مسودَّة مصنِّفها -رحمه الله-؛ حيث قال نُسَّاخُ النسخة التازية وثنتَين من نُسَخ القرويين في آخر كتاب "الخيار": (هذا آخر ما وجد في مسودة الشيخ) (¬1)، وهذا إن لم يكن دليلًا على اعتماد مسودَّة المؤلِّف -رحمه الله-، فلا أقلَّ من أن يكون دليلًا على اعتمادهم على أصلٍ مخطوط نُقل منها أو قوبِل عليها، والله أعلم. وإن كان لأحد أن يشكك في نسبة ما في "التبصرة" إلى اللخمي، أو صحة نسبة مسائلها إليه ورضاه بها، أو يجزم بعدم تصحيحها على مؤلِّفها، فلا يصح ذلك إلا من تلاميذه الذين هم أقرب الناس إليه وأوثقهم نقلًا عنه، وقد وجدنا من كثرة اعتمادهم على التبصرة ونقلهم واقتباسهم منها، والإحالة إليها بالنص الذي قد يطول أحيانًا فيتعدى الجمل إلى الفقرات والصفحات، كما فعل المازري -وهو أبرز تلاميذ اللخمي، وأكثرهم أخذًا منه ونقلًا عنه- في تعليقته على المدونة التي نسعى إلى تحقيقها ونشرها قريبًا إن شاء الله، وهو ما يوجب الطمأنينة إلى أن تبصرة اللخمي من الكتب المرضيَّة المتلقاة بالقبول، سواء خرجت من مسودَّة المؤلف أو من مبيَّضته. ¬

_ (¬1) يحفظ أصلها بالمسجد الأعظم بتازة, تحت رقمي (235: 243).

ومن مجموع ما تقدَّم أنتهي إلى أن تعليل ترك الفتيا بما في "التبصرة" بكونها لم تصحح على الشيخ، أو بالاختلاف الواقع بين بعضٍ من نُسَخها غيرُ مسلَّمٍ، والله أعلم وأحكم. بقي أن نشير إلى أمرين متعلِّقَين بفتاوى اللخمي على الخصوص، بعيدًا عن الكلام على تبييض "التبصرة" وتصحيحها وما أثير حولَه. الأمر الأوَّل، أن فتاوى اللخمي كثيرة ظاهرة في دواوين المفتين والمصنِّفين في النوازل الفقهية، وقد سعى إلى جمعها وترتيبها الدكتور حميد لحمر فأثمر سعيُه -مشكورًا- إلى إخراج مائة واثنتين وثمانين فتوى نشرها في كتاب بعنوان "فتاوى الشيخ أبي الحسن اللخمي القيرواني"، وهي خلاصة فتاوى اللخمي في نوازل البرزلي، ومعيار الونشريسي، وما يعنينا من ذلك هو اعتماد المالكية هذه الفتاوى على الرغم من أنَّ كثيرًا منها -إن لم يكن أكثرها- موجود في "التبصرة" أو منقولٌ منها بفوارق طفيفة. والأمر الثاني -وبه ختام هذا المبحث- أن متأخري المالكية أجمعوا على تلقي مختصر الشيخ خليل -وما أودعه بين دفتيه- بالقبول، وهو الكتاب الجامع لما به الفتوى في المذهب، فلزم من اعتماده اختيارات اللخمي ونصِّه عليها صراحةً، بل وتقديم التبصرة في ترتيب مصادره الأربعة التي هي لبُّ لباب الكتاب - رفع الخلاف الواقع في اعتمادها في الفتوى أو الإفتاء بما فيها. بل إن الشيخ خليل -رحمه الله- ذهب أبعد من ذلك فأورد في مختصره اختيارات اللخمي التي خالف فيها من سبقَه من أئمة المذهب وفقهائه، مع أنَّ هذا هو عينُ ما اعتبره غيرُه تمزيقًا للمذهب، وخروجًا عليه، فرحم الله الشيخين، وعمَّ بنفعهما العباد.

ثالثا: نظرة علي المحاولات السابقة لتحقيق تبصرة اللخمي ونشرها

ثالثًا: نظرة علي المحاولات السابقة لتحقيق تبصرة اللخمي ونشرها اختار عدد من طلاب الدراسات العليا -بمراحلها المختلفة- أجزاء من كتاب "التبصرة" لتحقيقها، فحقِّقَ أكثرُه في جامعة أم القرى بمكة المكرمة على أيدي عدد من الطلاب، وحُقِّقَت أجزاء منه في كلية الشريعة بجامعة القرويين بفاس وأيْت ملُّول، وكان جهد الطلاب في هاتين الجامعتين مشكورًا يستحق التقدير بالجملة، وإن كان بعضُه دون بعضٍ في مستوى الضبط والتحقيق. ومع تعدد الطلاب واختلاف مشاربهم ومراجعهم، واختلاف النسخ الخطية التي حصل عليها كلُّ واحدٍ منهم واعتمدها في تحقيقه، فضلًا عن تبايُن اصطلاحاتهم ومناهجهم في البحث؛ فقد خرج عملهم على هيئة تستحيل طباعته عليها، وتوجب عليهم أن يوحدوا أعمالهم ومناهجهم قبل التفكير -فضلًا عن الشروع في طباعته- لذلك لم نر في السبق الذي أحرزه هؤلاء الطلاب ما يُعَكِّر علينا أو يعيق إقدامنا على تحقيق الكتاب من جديد تمهيدًا لطباعته ونشره. وقد وجدنا -غَيْرَ مَنْ تقدَّم ذكرهم- منافسًا يمشي على عَرَج - فقد جزِّئ الكتابُ بين نحو عشرةٍ من طلاب جامعة الحسن الثاني في المحمدية بالمغرب الأقصى - لتحقيقه، فأتموا المهمة في عجالة من أمرهم، وأخرجوا الكتاب على ما زعموه تحقيقًا وهو إلى المسخ أقرب منه إلى النسخ فضلًا عن التحقيق، هذا ما تأكد لي في جزء واحدٍ من أجزاء الكتاب أتاني به آتٍ فاطَّلعتُ عليه، ولم يُتَح لي الاطلاع على سواه، ولا حرصتُ عليه بعد أن رأيتُ في ذلك الجزء ما رأيت. وبلغني فيما بعدُ أن إحدى الجهات العلمية العامة في المملكة المغربية

الشريفة تعتزم شراء الكتاب من طلاب المحمدية ونشره، بعد تكليفهم -أو تكليف بعضهم أو غيرهم- بإجراء بعض التعديلات عليه، فثارت في نفسي الغيرة على العلم وأهله، وسعيت إلى -من يُمَثِّلُ أولئك الطلاب بِعَرْضِ مالٍ مجُزٍ- في نظري -مقابلَ التنازل لي عن حق السبق إلى إخراج الكتاب، وتزويدي بما بذلوه مشفوعًا بما اعتمدوه من مخطوطاته لأعيد العمل فيه من جديد، فأنقذ بذلك الكتاب من أن يخرج للقرَّاء محرَّفًا مصحَّفًا، ولكني لم أوفَّق في مسعاي، ولم أبلُغ المراد نظرًا لتلقيهم -كما بلغني- عرضًا ماليًا يبلُغ ضعف ما عرضتُ عليهم. عندئذ شمَّرتُ عن ساعد الجد، وعزمت على الشروع في تحقيق الكتاب من البداية، واستنفرتُ الأصدقاء والأعوان للنصرة والمساعدة؛ فلقيت منهم أكثر مما توقعت من التشجيع والمساندة، وطفقت أجوب مكتبات العالم في جمع أصوله ونُسَخه، حتى اجتمع بين يديَّ ما يغلب على ظني استحالة الوصول إلى غيره، أو الحصول على مزيد عليه. ولا بأس هنا من الإشارة إلى أمرين ذوَي شأنٍ عرضا لي أثناء مرحلة تجميع المخطوطات: أوَّلهما: أني سعيتُ إلى الحصول على صورة لجزءٍ من التبصرة يحفظ أصله في الخزانة الحسنية, بالقصر الملكي العامر في الرباط، فطلبتها من العلامة الأستاذ الدكتور أحمد شوقي بنبين، وتوقَّعت أن أجد بعض المشقة في الحصول عليها، ولكني فوجئت بنقيض ما توقعتُ، حيث أمر فضيلته بتصويرها على عجل، وتكفَّل بإيصال صورة ورقية منها حملها بيديه الكريمتين إلى مكتبي في القاهرة، فكان لموقفه هذا وقعٌ حسنٌ في نفسي ونفوس إخواني في مركز "نجيبويه"،

وإضافة إلى كونِه طوَّق عنقي بجميله، فقد شحذ عزيمتي وأعلى همتي، فكان لي نِعْمَ المعين، جزاه الله عني خير الجزاء، وأنزله منازل الأبرار في عليِّين. وثانيهما: أني قصدتُ الجمهورية الإسلامية الموريتانية في طلب مخطوطات "التبصرة" بعد أن علمت بوجود نسخة لأجزاء منها في مكتبة أهل حبت بشنقيط، ولكني فوجئت من القائمين على المكتبة بالصد والرد، متعللين تارة بوصية واقفها بعدم إخراج شيء من مخطوطاتها -حتى لو كان مصوَّرًا- وتارة بأن المكتبة وما فيها من المخطوطات -أو بعضه- تحتاج إلى ترميم وإصلاح، ولما أكثر الوسطاء بيننا من الإلحاح عليهم، أفصح القوم عن مطالب أَعْجَزُ عن تحمُّلها، فصرفت النظر عن الأمر، واحتسبت عند الله تعالى ما عانيت، وسألته أن يعوضني خيرًا عمَّا منه حُرمتُ وإليه سعَيت، وأحسب أن دعوتي استجيبت فقد زودني العلامة الشيخ محمد فال (أبَّاه) بن عبد الله شيخ محظرة النبَّاغية بجزء أصلي من "التبصرة" وهو أحد كنوز مكتبته الخاصة بارك الله لنا فيه، وله فيها، ثم أتحفني أحد المحبِّين بصورة لجزء ضخم من الكتاب يحفظ أصله في مكتبة آل ناجم بتيشت فالحمد لله حقَّ حمده.

رابعا: صعوبات مررنا بها وحلول اعتمدناها أثناء التعامل مع نسخ "التبصرة"

رابعًا: صعوبات مررنا بها وحلول اعتمدناها أثناء التعامل مع نُسَخ "التبصرة" من الصعوبات التي واجهتنا عندما جدَّ منَّا العزمُ على تحقيق كتاب "التبصرة" عدمُ وجود نسخة تامة له فيما يُعلَم من الخزانات الخاصة والعامة، وتفرُّق ما يوجد من الأجزاء التي يمكن منها تلفيق نسخة كاملة للكتاب في أنحاء العالم؛ الأمر الذي يكبِّد عناء البحث والسفر، وتجشُّم المشاق لجمع شتات الكتاب من الآفاق. غير أنَّ صعوبة التعامل مع المخطوطات بعد جمعها لا تقل عن صعوبة الجمع والجلْب، وقد عانى ذلك الأقدمون؛ لما "يعتري نسخَهَا من الاختلاف في كثير من المواضع" كما قال ابن مرزوق (¬1)، وإن كان هذا حال نُسَخها في زمنه، فما الظنُّ بما وصلنا من النُّسَخ على قلَّتها وسوء حالها، وأخطاء نساخها ومفهرسيها (¬2)!! وقد عانينا -في التعامل مع تلك النُّسَخ- العناء الكثير، وفيما يلي نورد نماذج لبعض مشكلات، وما سلكناه في حلِّها باجتهادنا حسبَ الوسع والطاقة: ¬

_ (¬1) انظر: المعيار المعرب، للونشريسي: 1/ 37. (¬2) من أخطاء المفهرسين أنهم أدرجوا جزءًا من جامع ابن يونس في خزانة القرويين على أنَّه من أجزاء التبصرة وهو الذي قال العابد الفاسي في وصف مخطوطته: إنها تبدأ بكتاب "الشهادات الأول" وتنتهي بكتاب "الرجم"، وكأنَّه شك في أمرها فقال: "لا أدري الآن هل هذا الجزء متصل بالثالث قبله الذي آخره الجوائح أم بينهما انقطاع، وسيحقق بعدُ إن شاء الله. . .)، كما أن النسخة الشنقيطية الثانية (ش 2) جيء بها إلينا على أنَّها جزء من جامع ابن يونس، وتبيَّنا بعد النظر فيها أنَّها من "التبصرة" فاعتمدناها، وقابلنا عليها.

المشكلة الأولى: اختلاف أرقام الحفظ لبعض نسخ التبصرة من موضع إلى موضع؛ وبيان هذا الإشكال أنَّنا حصلنا على بعض النسخ المخطوطة للكتاب مصورة على الميكروفيلم، أو مسحوبة على الحاسوب، وقد أُعطيَت صورُها أرقامًا غير الأرقام التي تحفظ بها أصولها قي الخزانات ودُور الكُتُب، وقد عانينا هذه المشكلة كثيرًا في نسخة القرويين، فضلًا عن حصولنا على بعض النسخ أو الأجزاء غير مرتبة، وعلى فترات تطول أحيانًا. وخروجًا من هذا الإشكال رمزنا لكل منها بالحرف (ق) متبوعًا بأرقام متتالية من (ق 1) إلى (ق 10) وأثبتنا لكل نسخة منها رقم الحفظ الذي أشار إليه العلامة محمد العابد الفاسي -رحمه الله- في كتابه "فهرس مخطوطات خزانة القرويين"، وضربنا صفحًا عن الأرقام الناشئة بسبب التصوير الورقي أو الإلكتروني لبعضها. المشكلة الثانية: تباين أعداد النسخ المخطوطة لكل كتابٍ من كتب "التبصرة" فبعض الكتب وجدناها لها خمس نسخ مخطوطة، وربما أكثر، بينما لم نجد للبعض الآخر إلا النسخة (مثل كتاب التجارة لأرض الحرب)، وحرصًا على ضبط المخطوط على أكمل وجه مستطاع، فقد آلينا على أنفسنا أن نقابل كلَّ كتابٍ منه على نسختين على الأقل ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا، اللهم إلا ما انفردت به نسخة واحدة. وزدنا في عدد النسخ المقابَل عليها كلَّمَا ازدادت مشاكل الكتاب، واقتضت الحاجة مزيدًا من التمحيص لضبط النص وتصحيحه وتقويمه. المشكلتان الثالثة والرابعة: كثرة النسخ المخطوطة للكتاب رغم النقص الذي لم تسلم منه أيٌّ منها، فبين أيدينا بضعٌ وعشرون نسخة خطيَّة، تتفاوت في جودتها وأحجامها ويختلف نسَّاخها وتاريخ نسخها، وليس من بينها نسخة

تعم الكتاب كلَّه أو جُلَّه، وقد نجم عن هذا الواقع مشكلتان: أولاهُما الحاجة الماسة إلى نسخة أمٍّ نحيل إليها في ترقيم المخطوط، وأخراهما إيقاف القارئ على ما يعنيه من النسخ التي قوبل النص عليها في كلِّ كتابٍ كي لا يتيه أثناء البحث عن كلمة أو موضوع في خضم مخطوطات كثيرة لا تساس بخطام، ولا يزمُّها زمام. وقد تغلبنا على مشكلة الافتقار إلى نسخةٍ أمٍّ للكتاب بالجمع بين نسخَتي الكتاب المحفوظتين في برلين وباريس؛ عملًا بغلبة ظنٍّ ترسَّخ لدينا بأنَّهما جزآن من نسخة واحدة، بدلالة وحدة الخط -في الغالب- والناسخ (وهو علي بن محمان)، ومن كُتبَ له كل جزء من جزأيها (وهو القاضي أحمد العبايسي)، ولا فرق إلا في تاريخ النسخ فقد تم الفراغ من نسخ أحد الجزأين سنة 1240 هـ, ومن الجزء الآخر سنة 1244 هـ, ولا يعكِّر هذا الفرق بين علاقة الجزأين ببعضهما، لاحتمال توقف الناسخ عن النَّسخ لبعض الوقت، أو انقطاعه عنه ثم عودته إليه، أو استغراقه للوقت -بطوله- في الكتابة والتصحيح والمقابلة التي تشهد عليها التعليقات المثبتة في حواشيها، وكل ذلك يقعُ من النُّساخ عادةً. وبالجمع بين هذين الجُزأين تمكنَّا من الحصول على نسخة تناهز التمام وإن لم تبلغه، فاعتمدناها نسخة رئيسة، سمَّيناها بالنسخة الأم، وأثبتنا أرقام لوحاتها في النصِّ المحقق. وتغلبنا على مشكلة اختلاف النسخ التي قوبل عليها بعضُ كتُب "التبصرة" عن النسخ التي قوبلت عليها كتُبٌ غيرها، بذكر النسخ التي قوبل عليها كل كتاب في صفحة العنوان المتقدمة عليه، مع ذِكر رمزها، ورقمها، ومكان حفظها.

المشكلة الخامسة: اضطراب ترتيب محتويات الكتب الفقهية داخل مخطوطات "التبصرة": اختلفت النسخ الخطية اختلافًا كبيرًا في ترتيب محتوياتها من كتبٍ وفصولٍ، بل ومسائل في بعض الأحيان. ففي نسخة الجامع الأعظم بتازة يقع كتاب "الحج" عقب كتاب "الأيمان والنذور" مخالفًا بذاك ما في بقية النسخ التي وقفنا عليها؛ حيث وقع كتاب "الحج" فيها جميعًا في آخر العبادات، وهذا هو المعروف في عموم الكتب الفقهية عند السادة المالكية. وفي النسخة التازية أيضًا وقع الترتيب التالي: "الصلح" ثم "الجُعل" ثم الإجارة، ويقابل هذا الترتيب في نسخة الخزانة الحمزية بالرشيدية بعد "الصلح" كتابُ "الرواحل والدواب" ثمَّ كتاب "الجعل" فـ "كِراء الدور". وفي نسخة تازة يأتي "كراء الدور" بعد "الجوائح" وقبل "الرواحل"، مخالفًا بذلك ترتيب نسخة الرشيدية. أما كتاب "الشركة" فيقع في التازَّية بعد "القراض" وقبل "الأقضية"، وفي الرشيدية بعد "كراء الدور" وقبل "القراض". والأمر على خلاف هذا كلِّه في نسخة المكتبة الوطنية بباريس، حيث يتأخر "الصلح" على "الوكالة" ويتقدم على "المساقاة". أما نُسخُ القرويين فقد وقع فيه"لكثير من التقديم والتأخير في ترتيب الكتب، فنجد في (ق 2) الكتب التالية متواليةً "القسم" ثم "الشفعة" ثم "الهبة"، بينما جاء ترتيب هذه الكتب الثلاثة نفسها في (ق 6) على التوالي بدءًا بكتاب "القسم" ثم "الشفعة" ثم "الوصايا"، وفي (ق 7) "الشفعة" ثم "القسم"

ثم "الوصايا". وأختم بأوضح دليل لمسته على الخلاف في ترتيب أبواب "التبصرة" من (ق 1)؛ حيث جاء في آخر هذه النسخة قولُ الناسخ: (كمل السفر السادس من التبصرة لأبي حسن اللخمي، وبتمامه تم جميع الديوان بحمد الله وعونه)، وفي حاشيته اليمنى طُرَّة جاء فيها -بخط مختلف- ما نصُّه: (بل يتلوه كتاب الحدود في القذف، ثم كتاب الأشربة، ثم كتاب الجراح، ثم كتاب الديات). قلتُ: وإن كان الاختلاف بين النسخ في ترتيب محتوياتها راجعًا -في بعض المواضع والمواضيع- إلى اجتهاد الناسخ نفسه، فإن الأمر ليس على هذه الحال دائمًا، بل نجد في نصِّ المؤلِّف ما يرجِّحُ ترتيبًا على غيره في بعض المواضع، وأمثلة ذلك كثيرة؛ فقد قال -رحمه الله- في كتاب الطهارة عند حديثه عن الدم يصيب الثوب: (وقد مضى ذكر ذلك في كتاب الأطعمة وما يحل أكله من ذلك وما يحرم)!!! مع أن كتاب الطهارة -على ما هو معلوم من كتب الفقه الإسلامي بعامة والمالكي بخاصة- يتقدم ما سواه من أبواب الفقه، فتنبَّه! وقال -رحمه الله- في كتاب "الحج الأوَّل": (وقد مضى ذكر هذا الحديث في كتاب النذر)، وفي هذه العبارة تنكيسٌ -بتقديم كتاب "النذر" على كتاب "الحج"- لا يخفى. وقال في كتاب "الجهاد": (وقد تقدَّم بعض ذلك في كتاب الأرضين)، مع أنَّ كتاب "الأرضين" يأتي -متأخرًا عن هذا الموضع- إذ موضعه في أبواب المعاملات من البيوع. وقال في كتاب "الأيمان بالطلاق": (وقد تقدم ذلك في كتاب العتق)، وقال في كتاب "العدة وطلاق السُّنَّة": (وقد تقدم ذكر الطلاق في الحيض في

كتاب اللعان)، إلى غير ذلك من الإشارات الموهمة بوقوع الخلل والاضطراب في ترتيب بعض نسخ الكتاب. ويستمر هذا الاختلاف في ترتيب الكتب داخل ديوان التبصرة حتى آخرها فالنسخة التي اعتمدناها أصلًا، وسمَّيناها النسخةَ الأم، وأثبتنا أرقام لوحاتها في النصِّ المحقق تنتهي بكتاب "الديات"، والأمر كذلك في نسخة القرويين السادسة، بينما نجد في نسختَي القرويين الثانية والسابعة ما يدلُّ على أن التبصرة تنتهي بنهاية كتاب "الجنايات". وأمام الإشكال في ترتيب كتب "التبصرة" سلكنا أوَّل الأمر مسلك المدونة الكبرى في الترتيب، نزولًا عند رأي من ذهب إلى أنَّ "التبصرة" تعليقٌ على المدونة -وإن لم نسلِّم هذا الرأي- وقطعنا في ذلك شوطًا، ولكن الأمر لم يعد ممكنا بعد أن وجدنا فروقًا في أبواب كلًّ من الكتابَين، مع ما قدَّمناه من تصريح الإمام اللخمي نفسِه بالإحالة في كُتُب تقدَّمت في "تبصرته" على ما هي متأخرة عنها في المدونة، والعكس، فعدلنا عن ترتيب المدوَّنة إلى ما عليه ترتيب النسخة الأم بعد ضمِّ جزأيها المصوَّرَين من برلين وباريس، وما لم نجده فيها رتبناه بحسب موضعه في المدونة، وراعينا -في الترتيب- الكتاب الذي قبله لا الذي بعده، حتى استقام الأمر، وزال الإشكال، والحمد لله. قلتُ: وعلى علاقة بالاختلاف في الترتيب ما وقع أحيانًا من اختلاف في ترتيب محتوى الكتاب الواحد، أو الفصل الواحد، كتأخير مطلَع كتاب "القذف" في النسخة الأم، عند موضعه المفترض قياسًا على منهج المصنِّف -رحمه الله-, ومقارنة بما في باقي النُّسَخ، وقد حللنا هذا الإشكال برد الأمر إلى الصواب، مستأنسين في ذلك بما في نسخة القرويين السادسة.

المشكلة السادسة: اختلفت مخطوطات "التبصرة" في عناوين الكتُب داخلها، وإن كان المحتوى واحدًا فيها جميعًا، وقد يكون الأمر هينًا حينما يتعلَّق الأمر بالتقديم والتأخير بين ألفاظ العنوان المعطوفة على بعضها؛ كقوله "كتاب الصدقة والهبة" في نسختَي القرويين الثانية والثامنة، في مقابل قوله "كتاب الهبة والصدقة" في النسخة الأم، ويهون الأمر -أيضًا- عند حصر الاختلاف بزيادة حرفٍ أو نقصان حرف لا يغير المعنى، كقوله "كتاب القسم" في نسخَتَي القرويين الثانية والسابعة، وقوله "كتاب القسمة" في السادسة من نُسَخ القرويين. أما موطن الإشكال فهو انفراد بعض النسخ عن غيرها بكتب ذات عناوين مختلفة ككتاب "الغرر" أو "البيع على الصِّفَةِ" الذي انفردَت به النسخة الأم، ومثله كتاب "التدليس بالعيوب" الذي يحيل عليه المؤلف -اختصارًا- بقوله: في كتاب "العيوب". وفي آخر كتاب "اللعان" من نسخة الخزانة الملكيَّة (الحسنية) قال الناسخ ما نصُّنه: (تمَّت رزمة النكاحات بحمد الله وعونه، والحمد لله وحده) وقال ناسخ النسخة الأمِّ في هذا الموضع: (إلى هنا انتهى كلام الشيخ) ثم أكمل الباب بما هو مثبت. وقد انتهى اجتهادنا فيما يخص هذه الاختلافات وما شابهها بإمرارها كما جاءت، فأثبتنا العناوين كما هي في النسخة الأم، وما لم يكن فيها أثبتناه من مصدَره كما جاء. المشكلة السابعة: تظهر النسخ الخطية التي وصلتنا وجود نقصٍ في بعض كُتُب "التبصرة"، مع تعذر الجزم بكون النقص واقعًا في النسخ التي وصلتنا فقط -فيكون عيبًا من عيوبها- أم فيها وفيما نُسخَت منه من النسخ المتقدمة،

فيكون الناسخ قد أثبَت ما اتَّفق له. ومن أمثلة ذلك النقصُ الواقع في آخر كتاب "العتق الأول" من النسخة الأم، حيث أنهى الناسخ الكتاب بقوله (وتمامه في آخر كتاب الولاء من هذا السفر)، وقد التمسناه في الموضع المشار إليه فلم نجده. ووقع في آخر كتاب "الجهاد" نقصٌ بيِّنٌ؛ حيث أنهاه الناسخ في نسخة القرويين الثالثة بقوله: (ها هنا انتهى الشيخ أبو الحسن -رحمه الله- من كتاب الجهاد، والحمد لله)، وفيما يقابل هذا الموضع من نسخة الإسكوريال بياضٌ يعقبه قول الناسخ: (كمل بحمد الله وحسن عونه كتاب الجهاد، وبتمامه كمل السفر الأول، ويتلوه كتاب الحج. . .). وفي هذا الموضع من النسخة التازية بياضٌ بقدر أربعة أسطر، تركه الناسخ، وقال بعدَه: (تم كتاب الجهاد. . .). وفي آخر (باب في وجوب العمرة ووقتها) من نسخة القرويين الرابعة خَتَمَ الناسخ البابَ بكلمة (بياض) وكأنَّه يرى أن الباب لم يكتمل. وفي الخامسة من نُسَخ القرويين، عقب قول المصنِّف -رحمه الله-: (واختلف في جواز التمتع بالعمرة لأهل مكة وغيرهم من أهل الآفاق)، أورد الناسخ كلمة (بياض)، وأعقَبها بياضًا بمقدار أربعة أسطر ونصف. وجاء حلُّنا لمشكلة نقص بعض الكتب الواقع في بعض النسخ بإكماله من النسخ التي ورَد فيها بتمامه، أمَّا ما سقط منها جميعًا فأبقيناه على حاله، وأشرنا إلى ما قاله النُّساخ مما يفيد سقوطه من الأصل الذي نقلوا منه؛ إذ لم نجد إلى إتمامه سبيلًا، والله المستعان. المشكلة الثامنة: تداخلت النصوص داخل بعض الكتب، وأدرج في

بعضها ما ليس منها، ففي نسخة برلين يتداخل كتاب الصيد بآخر كتاب الزكاة الثاني تداخلًا بيِّنًا، حتى إن الناسخ ليكتب نصف لوحة من الزكاة الثاني يفصل بها بين الحج الثالث والصيد. وأُلحِق الباب الأول من كتاب "الاستحقاق" بآخر كتاب "الغصب" في نسخة القرويين التاسعة، وقال الناسخ بعد ما ألحَقَه (تمَّ كتاب الغصب والحمد لله تعالى). واتَّفقَت المخطوطة الأم في كتاب "الرواحل والدواب" مع النسخ الأخرى من أوَّل قول المصنِّف (وتجوز الإقالة إذا كانت من المكري زيادة قبل النقد وبعده) ثمَّ اختلط الأمر على الناسخ، فأدرَج جزءًا من نهاية كتاب إرخاء الستور أتمَّ به كتاب الرواحل، قائلًا عقب الكلام السابق للمصنِّف: (وكذلك لو حكم السلطان رجلًا أجنبيًّا. . .) إلى أن وصل إلى قوله: (وإن أشكل الأمر لم يمضِ)، ومن الغريب أنه بعد إيراد هذا الكلام بطوله أعقبه بقوله: (تم كتاب الرواحل والدواب من كتاب التبصرة لأبي الحسن اللخمي. . . إلخ). ورفعًا لما قد يُشكل على القارئ أو المراجع والمتابع، نبَّهنا على هذه المواطن ونظائرها عند وقوعها.

خامسا: وصف النسخ المعتمدة في التحقيق

خامسًا: وصف النسخ المعتمدة في التحقيق اعتمدنا في تحقيق "التبصرة" على بضع وعشرين نسخة (¬1)، ليس من بينها نسخة كاملة إلا ما اشتملت عليه المفرَّقة بين برلين وباريس. وفيما يلي وصفٌ تقريبيٌّ لهذه النُّسَخ، مرتبة بحسب ما اتفق لنا في أوان الحصول على كل منها: النسخة الأولى: نسخة برلين المرموز لها بالرمز (ب): يحفظ أصلها في المكتبة الملكية (مكتبة الدولة) ببرلين تحت رقم (3144) وتقع في (378) لوحة من القطع الكبير، عدد مسطراتها اثنان وثلاثون سطرًا في كل لوحة، وفي كل سطر منها سبع عشرة كلمة تقريبًا، وهي مكتوبة بخط مغربي، وقد ميِّزَت فيها العناوين فكتبت بخط كبير، وفي حواشيها طررٌ أكثرُها منقول من تنبيه ابن بشير ومختصر ابن عرفه كما صرح بذلك معلِّقُها. تبدأ هذه النسخة بكتاب الطهارة وتنتهي بكتاب السلم الثالث، وتضم بين دفتيها ثمانية وثلاثين كتابًا هي الكتب التالية على التوالي: (الطهارة - الصلاة الأول- الصلاة الثاني- الجنائز- الصيام- الاعتكاف- الزكاة الأول - الزكاة الثاني- الحج الأول- الحج الثاني- الحج الثالث- الجهاد- كتاب الصيد- الذبائح- الضحايا- العقيقة- الأطعمة- الأشربة- النذور- النكاح الأول- النكاح الثاني- النكاح الثالث- النكاح الأول- النكاح الثاني- النكاح الثالث- الرضاع- العدة وطلاق السنة- المفقود- الظهار- الإيلاء- اللعان- إرخاء الستور- الأيمان بالطلاق- التخيير والتمليك- ¬

_ (¬1) قلتُ هذا باعتبار كل جزء من أجزاء "التبصرة" نسخة ناقصة للكتاب.

الصرف - السلم الأول - السلم الثاني - السلم الثالث). وقد خُتمَت هذه النسخة بقول ناسخها: (تم كتاب السلم الثالث والحمد لله حق حمده على يد أفقر الورى وأحوجهم إلى الغفران علي بن حاج قاسم بن محمان عفا الله عنه، ووافق الفراغ من نَسخِه عشيَّة الثلاثاء الثامن والعشرين من ذي الحجة الحرام آخر شهور عام أربعة وأربعين ومائتين وألف لهجرة من له العز والشرف صلى الله عليه وسلَّم وعظَّم وكرَّم وشرَّف، كَتبَهُ للعالم القدوة الدرَّاكة الفهَّامة شيخ الإسلام وقدوة الأنام، قاضي وقتِه، ووحيد عصره، وفائق زمانه، السيد أحمد العبايسي متَّعَه الله به بمنِّه وكرمه آمين). وفي هذه النسخة ما يدل على أنَّها مصحَّحةٌ أو مقابلة على غيرها؛ حيث لاحظنا أن الناسخ قد يكتب لفظة فوق لفظة مثبتة ترادفها في المعنى. وقد تكررت في هذه النسخة كتُب النكاح الثلاثة؛ حيث بدأ كتاب النكاح الأول في اللوحة (174 ب) وانتهى كتاب النكاح الثالث باللوحة (209 ب)، ثم كُرِّرَ نسخ هذه الأبواب بين اللوحة (210 أ) واللوحة (264 ب) بخط يبدو مختلفًا عن سابِقِه، ونجم عن هذا التكرار اختلال الترقيم في هذا الموضع. ومما نجزم به أن خط الناسخ في هذه الكتب الثلاثة المكررة موافقٌ للخط الذي كتبت به مخطوطة باريس التالية في الوصف، خصوصًا من بداية اللوحة (5 أ) فما بعدها. النسخة الثانية نسخة باريس المرموز لها بـ (ف): تتكون هذه النسخة من ثلاثة أجزاء يحفظ أصلها في المكتبة الوطنية بباريس تحت رقم (1071) وتقع في (396) لوحة من القطع الكبير، عدد مسطراتها بين ثلاثين وواحد وثلاثين سطرًا في كل لوحة، وفي كل سطر منها

سبع عشرة كلمة تقريبًا، وهي مكتوبة بخط مغربي، وقد ميَزّتَ فيها العناوين فكتبت بخط كبير، واختلف خطُّ ناسخها من منتصف اللوحة (5 أ) إلى نهاية الجزء الثاني منها. أما الجزء الثالث فيمتاز عن سابقَيه بوضع النصِّ داخل إطار. يبدأ الجزء الأول من هذه النسخة ببداية كتاب التفليس وينتهي بنهاية كتاب البيوع الفاسدة. ويبدأ جزؤها الثاني ببداية كتاب العرايا وينتهي بنهاية كتاب الرواحل والدواب. أما الجزء الثالث -وهو آخرها- فيبدأ ببداية كتاب القراض وينتهي بنهاية كتاب الديات، وهو آخر كتب "التبصرة". وجملة ما تضمَّنته هذه النسخة بين دفتيها اثنان وخمسون كتابًا هي الكتب التالية على التوالي: (التفليس - اللقطة - المأذون له في التجارة - حريم الآبار - الشفعة - الهبة - الحبس والصدقة - الهبة والصدقة - الوصايا الأول - الوصايا الثاني - العتق الأول - العتق الثاني - التدبير - المكاتب - أمهات الأولاد - الولاء والمواريث - بيع الآجال - البيوع الفاسدة - العرايا - التجارة بأرض الحرب - التدليس بالعيوب - البيع على الصفة أو الرؤية - الاستبراء - بيع الخيار - المرابحة - الوكالة - الصلح - المساقاة - الجوائح - الشركة - الجعل والإجارة - الرواحل والدواب - القراض - الأقضية - الشهادات - المديان - الحجر - الحمالة والحوالة - الحوالة - الرهن - الغصب - الاستحقاق - القسم - الوديعة - العارية - القطع في السرقة - المحاربين - الرجم - القذف - الجنايات - الجراح - الديات). وقد جاء في آخر الجزء الأول من هذه النسخة ما نصُّه: (تم كتاب البيوع

بحمد الله وحسن عونه وتسديده ويُمنه على يد العبد الفقير، المعترف بذنبه، الراجي رحمة ربه، الحقير الذليل إلى الله، عبده محمد بن فتح الله، تاب الله عليه، وغفر له ولوالديه، ولأشياخه، ولجميع المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. اهـ فرحم الله من قرأ ونظر ودعا لناسخه بالرحمة والمغفرة بمنِّه وكرمه، آمين، آمين، آمين، كمل في أوائل ربيع الثاني من عام 1247 هـ). وجاء في آخر الجزء الثاني من هذه النسخة ما نصّه: (تم كتاب الرواحل والدواب من كتاب التبصرة لأبي الحسن اللخمي -رحمه الله-، وبتمامه كمل السفر والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا، على يد أفقر الورى، وأحوجهم إلى رحمة مولاه الملك الديَّان، ذي الفضل والعفو والصفح والامتنان علي بن بلقاسم بن محنان وَفَّقَه الله، كتبه للعالم العَلَم، مجلي غياهب الظلم، الشيخ البركة السيد أحمد العباسي، القاضي في التاريخ، أيَّده الله، وأعانه على ما قلده وأولاه، بمنِّه آمين، في مفتتح حجة الحرام عام أربعين ومائتين وألف). أما الجزء الثالث فقد ختمه الناسخ بما نصُّه: (تمَّ كتاب التبصرة لأبي الحسن اللخمي بحمد الله وحسن عونه، وهو آخر الديوان، وكان الفراغ منه يوم الأحد الثالث والعشرين من محرم فاتح شهور عام اثنين وأربعين ومائتين وألف، على يد أفقر الورى، وأحوجهم إلى الملك المنان علي بن الحاج بلقاسم بن محنان -عفا الله عنه- كتبه للعالم الفاضل، العامل الكامل، قاضي القضاة، ومعدن الصلاح والبركات، أبي العباس السيد أحمد بن سعيد العباسي، نفع الله به، ومتعه بهذا الديوان بمنه وكرمه، آمين، آمين، آمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين).

قلتُ معقِّبًا: المتأمل لهاتين النسختين - أعني نسخة مكتبة الدولة ببرلين ونسخة المكتبة الوطنية بفرنسا - يدرك عدم صحة ما درج عليه المفهرسون من نفي وجود نسخة كاملة لتبصرة اللخمي؛ اللهم إلا إن حملنا النفي على عدم وجود نسخة كاملة من هذا الديوان في مِصْرٍ واحدٍ أو مكتبةٍ واحدة، ولكن بضم نسخة المكتبة الملكية ببرلين إلى نسخة المكتبة الوطنية بباريس؛ تبرز لنا التبصرة في نسخة كاملة غير ملفقة، بل هي بخط ناسخٍ واحد - هو من نَسَخَ القَدْرَ الموجود منها في برلين والجزأين الأخيرين من القدر الموجود في باريس - على الأقل كما هو مصرَّح به بقلمه في ختام هذه الأجزاء - وكانت هذه النسخة في حيازة مالك واحد هو العباسي الذي سمَّاه الناسخ، ونعتَه بما يفيد كونه من أهل العلم وذوي الرُّتَب العليا، وقد لفت نظري إلى هذه الملاحظة - أوَّلَ الأمر - الأخُ الأستاذُ عبدُ المنعم عبد الله الباحثُ -سابقًا- في مركز نجيبويه أثناء اشتغاله بإعداد دراسة كوديكولوجية لبعض مخطوطات التبصرة؛ فجزاه الله خير الجزاء وأجزلَه. النسخة الثالثة: نسخة تازة المرموز لها بالرمز (ت): وهي نسخة أثَّرَت فيها الرطوبة والأرضة، يُحفَظ أصلها في المسجد الأعظم بتازة تحت الرقمَين (235) و (243)، وما وقفنا عليه منها يقع في ثلاثة أجزاء تحتوي على (484) لوحة غير مرتبة، وهي من القطع الكبير، عدد مسطراتها سبعة وعشرون سطرًا، في كل سطرٍ ست عشرة كلمة في المتوسط، كتبت بخط مغربي، وميزت رؤوس الكتب والأبواب والفصول فيها بخط كبير، وقد ميزت بعض كلماتها بمداد أحمر وخط مختلف، كقوله: (قال مالك)،

و (من المدونة)،. . . وغير ذلك. وجملة ما يضمُّه ما وقفنا عليه من هذه النسخة ستة وثلاثون كتابًا هي الكتب التالية على التوالي: (الصلح - الجعل والإجارة - تضمين الصناع - المساقاة - الجوائح - كراء الدور والأرضين - الرواحل والدواب - القراض - الشركة - الأقضية - الشهادات - الدعوى في الدعاوى والأيمان (¬1) - المديان - الحجر - التفليس - المأذون له بالتجارة - الحمالة - الحوالة - الرهن - (بعضُ) الزكاة الثاني - الجهاد - الصيد والذبائح والضحايا والعقيقة - الذبائح - النذور - الحج الأول - الحج الثاني - الحج الثالث - النكاح الأول - النكاح الثاني- الصرف - السلم الأول- السلم الثاني - السلم الثالث - الآجال - البيوع الفاسدة - المرابحة). وقد جاء في آخر السفر الثاني - من هذه النسخة - الذي ينتهي بنهاية كتاب النكاح قولُ الناسخ: (تم السفر الثاني من التبصرة لأبي الحسن اللخمي، على يد العبد الفقير إلى رحمة مولاه مالك بن عبد الرحمن [اليازعي]، وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد وآله وسلم). النسخة الرابعة: نسخة الإسكوريال المرموز لها بالرمز (س): يحفظ أصلها في دَيْر الإسكوريال بإسبانيا تحت رقم (1082)، وقد وقفنا منها على واحدة وأربعن ومائة لوحة من القطع الكبير، عدد مسطراتها واحد وثلاثون سطرًا، في كل سطر ست عشرة كلمة تقريبًا، كتبت بخط مغربي، وميزت رؤوس الكتب والأبواب والفصول فيها بخط كبير، وهي نسخة ¬

_ (¬1) كذا سماه الناسخ مخالفًا لما وقفنا عليه في بقية النسخ، وعند التحقيق تبين أنه كتاب الشهادات الثاني.

عتيقة قيِّمةٌ. تبدأ هذه النسخة بكتاب الطهارة، وتنتهي بكتاب الجهاد، وترتيب الكتب فيها على غير ما هو معهود في غيرها، فالحج -وهو من كتب العبادات- متأخر عن كتاب الجهاد الذي حقُّه التأخير عن كتب العبادات جميعًا. وجملة ما يضمُّه ما وقفنا عليه من هذه النسخة تسعة كتب هي على التوالي: (الطهارة - الصلاة الأول - الصلاة الثاني - الجنائز - الصيام - الاعتكاف - الزكاة الأول - الزكاة الثاني - الجهاد). وقد جاء في آخر هذه النسخة قولُ الناسخ: (كمل بحمد الله وحسن عونه الجهاد، وبتمامه كمل السفر الأول، ويتلوه الحج في السفر الثاني إن شاء الله تعالى، في يوم الجمعة من شهر رمضان المعظم عام ستة وأربعين وسبعمائة، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وسلم). النسخة الخامسة: نسخة الرشيدية المرموز لها بالرمز (ر): يحفظ أصلها في خزانة الزاوية الحمزيِّة, بإقليم الرشيدية، تحت رقم (110) وتقع في ثلاث عشرة وثلاثمائة لوحة من القطع الكبير، عدد مسطراتها أربعة وثلاثون سطرًا في كل لوحة، وفي كل سطر منها سبع عشرة كلمة تقريبًا، كتبت بخط مغربي، أسود المداد، وقد ميِّزَت فيها العناوين فكتبت بخط كبير، وفيها لوحة من كتاب الجنائز لم يتمَّها الناسخ، فأتمها غيره بخط مختلف. في أول هذه النسخة آثار رطوبة طفيفة تظهر في الأطراف، وفي آخرها تآكل بفعل الأرضة، وهي في عمومها جيدة مقروءة. تبدأ النسخة بكتاب الطهارة وتنتهي بكتاب التفليس، وبينهما سقطٌ طويل، والقدر الموجود منها يضم اثنين وثلاثين كتابًا، هي الكتب التالية على

التوالي: (الطهارة - الصلاة الأول - الصلاة الثاني - الجنائز - الصيام - الاعتكاف - الزكاة الأول - الزكاة الثاني - الصيد - الذبائح - الضحايا - المكاتب - الولاء والمواريث - العتق الأول - العتق الثاني - أمهات الأولاد - الاستبراء - تضمين الصناع - المساقاة - الجوائح - الصلح - الرواحل والدواب - الجعل والإجارة - كراء الدور والأرضين - الشركة - القراض - الأقضية - الشهادات - المأذون له في التجارة - المديان - الحجر - التفليس). وعلى هذه النسخة تملكات ترجع لسيدي عبد الرحمن بن آمنة, وسيدي أحمد بن عبد الجليل، وآخرين. أثَّرت الرطوبة في هذه النسخة، واضطرب ترتيب أوراقها بين اللوحة الثالثة والتسعين واللوحة الحادية عشرة بعد المائة، ولم يسقط أيٌّ من هذه اللوحات، ويظهر في مواضع منها تصرُّف الناسخ في متنها، ومنه قوله المدرج في صلب الكتاب على وجه لوحتها الثانية والثلاثين بعد المائتين في نهاية كتاب الزكاة الثاني: (ذكر البلوطي في غريب ألفاظ المدونة أن الرِّطل البغدادي مائة درهم وثمانية وعشرون درهمًا، وأن الدرهم درهم ونصف بالأندلسي، فيكون رطلنا هذا الذي يُتَعَامَلُ به فيما يحتاج إليه من إخراج الكفارة والفطرة وغير ذلك سبع عشرة أوقية وثلث). وقعت في هذه النسخة أخطاء إملائية ونحوية، وجاء في آخرها قول الناسخ: (كان الفراغ منه يوم الأربعاء السابع والعشرين من ذي القعدة عام ستة وأربعين. . . (¬1) على يد عُبيد الله، الراجي عفو مولاه الكريم موسى ابن بركات، عفا الله عنه وبصَّره بعيوب نفسه, كتبه لنفسه، ثم لمن شاء الله بعده، ¬

_ (¬1) ها هنا كلمة مطموسة لعلها ستمائة.

رحم الله كاتبه، والناظر فيه، ولمن دعا بالرحمة، والحمد لله على جميع نعمه، وصلى الله على سيدنا محمد. . . وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين). قلتُ: مع أن مفهرسي الخزانة الحمزيَّة اعتبروا هذه النسخة ذات أربعة أجزاء؛ فإن احتمال كونها جزءًا واحدًا احتمال قويٌّ؛ حيث تجتمع ضمن دفتي مجلد واحد، ولا بداية أو نهاية خاصة لأي من الأجزاء الأربعة المزعومة، بل غاية ما قد يدل على تجزئتها هو وقوع صفحة فارغة في كل موطن من المواطن التي اعتبروها نهاية جزء وبداية آخر؛ فتنبه وانظر صور المخطوطات التي أوردناها في هذه المقدمة. النسخة السادسة: نسخة مراكش المرموز لها بالرمز (م): يحفظ أصلها في خزانة ابن يوسف العامة بمراكش الحمراء، تحت رقم (1/ 112) وتقع في خمس وعشرين ومائة لوحة من القطع الكبير، عدد مسطراتها سبعة وعشرون سطرًا في كل لوحة، وفي كل سطر منها خمس عشرة كلمة تقريبًا، كتبت بخط مغربي أسود المداد، وميِّزَت فيها العناوين فكتبت بخط كبير داكن. تبدأ هذه النسخة بكتاب الصوم -مع نقص في أوَّله- وتنتهي قبل نهاية كتاب الجنائز، وبينهما أحد عشر كتابًا تامًا، هي الكتب التالية على التوالي: (الاعتكاف - الزكاة - الزكاة الثاني - الصيد - الضحايا - العقيقة - المطاعم - الجراح - الجنايات - الديات - الأشربة). أثَّرت الرطوبة في هذه النسخة كثيرًا، واضطرب ترتيب أوراقها في مواضع متعددة، ويدل البرنامج الذي حوته على شدة اختلاطها، وضياع قسم كبير منها، وهي من أسوأ النسخ التي وصلتنا حالًا، وليس عليها ما يشير إلى

اسم ناسخها أو مكان نسخها أو زمانه. النسخة السابعة: نسخة الرباط المرموز لها بالومز (ح): يحفظ أصلها في الخزانة الحسنية، بالقصر الملكي، في الرباط، تحت رقم (12929)، وتقع في اثنتين وخمسن ومائة لوحة من القطع الكبير، عدد مسطراتها واحد وثلاثون سطرًا في كلِّ لوحة، مكتوبة بخط مغربي حسنٍ واضحٍ أسود المداد، وقد أثرت الأرضة في أولها وآخرها، وعليها آثار رطوبة. تبدأ هذه النسخة بكتاب النكاح الأول -مع نقص في أوَّله- وتنتهي بنهاية كتاب الولاء والمواريث، وجملة ما تضمَّنته كاملًا من كتب "التبصرة" بعد النكاح الأول سبعة عشر كتابًا هي على التوالي: (النكاح الثاني - النكاح الثالث - الرضاع - العدة وطلاق السنة - المفقود - إرخاء الستور - الأيمان بالطلاق - التخيير والتمليك - الظهار - الإيلاء - اللعان - العتق الأول - العتق الثاني - المكاتب - التدبير - أمهات الأولاد - الولاء والمواريث). وقد جاء في آخر هذه النسخة قولُ الناسخ: (تمت رزمة. . . من ديوان التبصرة للخمي رحمة الله عليه وبتمامه والفراغ منه عند الغروب في الثامن عشر من شهر المحرم عام [. . .]، (¬1) مفتاح الثمانية مائة صلى الله على محمد خاتم النبيين. . .). النسخة الثامنة: نسخة رباط عثمان المرموز لها بالرمز (ث): يحفظ أصلها في مكتبة الملك عبد العزيز بالمدينة المنورة، تحت رقم (172) وتقع في ثمان عشرة ومائة لوحة، عدد مسطراتها سبعة وعشرون سطرًا في كلِّ لوحة، وهي نسخة جيدة مكتوبة بخط مغربي، وعليها تملكات، وعلى لوحتها ¬

_ (¬1) ما بين المعكوفتين طمس تستحيل معه القراءة.

الأولى بخط حديث أحمر المداد وقفٌ على طلبة العلم، وفي أعلى لوحتها الأخيرة بمداد أحمر -أيضًا- ما نصُّه: (هذا الجزء من تبصرة اللخمي وقف وحبس لله تعالى مقره خزانة رباط سيدنا عثمان - رضي الله عنه - فمن غيَّر فالله حسيبه). تحتوي هذه النسخة على كتاب العدة -مع نقصٍ في أوله- وتليه على التوالي الكتب الستة التالية: (الأيمان بالطلاق- الظهار- إرخاء الستور- الصرف- السلم الأول- السلم الثاني). تحمل هذه النسخة تمليكات، وليس عليها أيُّ إشارة إلى اسم ناسخها أو مكان نسخها وزمانه، وهي نسخة مقابلة، جاء في آخرها ما نصُّه: (قوبل بحسب الطاقة والحمد لله رب العالمين، وصلواته على خاتم النبيين وآله وسلَّم). النسخة التاسعة: نسخة موريتانيا المرموز لها بالرمز (ش 1): يحفظ أصلها في مكتبة الشيخ العلامة محمد فال (أبَّاه) بن عبد الله، وهو شيخ محظرة النبَّاغية، وقد خصَّنا -حفظه الله- بهذه النسخة، ووصفها بأنَّها نبذة من التبصرة، لأنَّها لا تبلغ جزءًا كاملًا من الكتاب، ويقع القدر الموجود منها في ثلاث وعشرين ومائة لوحة، عدد مسطراتها أربعة وعشرون أو خمسة وعشرون سطرًا في اللوحة، وهي نسخة جيدة لولا ما فيها من البياض، وما في أطرافها من الاهتراء، وقد كتبت بخط مغربي مقروء، وأبرز الناسخ عناوينها بخط أخضر. تحوي هذه النسخة بين دفتيها على جزء من كتاب النكاح الثاني يبدأ بباب من زوَّج ابنه في صحَّته، وينتهي بأواسط كتاب اللعان، وبينهما -على التوالي- الكتب الثمانية التالية: (النكاح الثالث- الرضاع- إرخاء الستور- التخيير والتمليك- العدة وطلاق السنَّة- الأيمان بالطلاق- الظهار- الإيلاء).

ليس في هذه النسخة أيُّ إشارة إلى اسم ناسخها أو مكان نسخها، وهي مع غيرها تقع في مجموع، جاء في إحدى أوراقه وبنفس الخط الذي كتبت به النبذة أنَّ الفراغ منه كان في سنة ثلاث وثمانين ومائتين بعد الألف. النسخة العاشرة: نسخة موريتانيا المرموز لها بالرمز (ش 2): يحفظ أصلها في مكتبة أهل ناجم بتيشيت في موريتانيا، وهي مبتورة الطرفين، قُدِّمت إلينا على أنها من نُسَخ "الجامع" لابن يونس، وظهر أنَّها للتبصرة، فاعتمدناها وقابلنا عليها، وهي ناقصة الطرفين، يقع القدر الموجود منها في أربع وتسعين لوحة، عدد مسطراتها واحد وثلاثون سطرًا في اللوحة، وقد كتبت بخط مغربي دقيق، وفي حواشيها تصحيحات وتصويبات تُثبِت أنَّها مصححة أو مقابلة على غيرها. وهذه النسخة سيئة الترتيب ولا يخلو باب منها من نقص، وتحوي هذه النسخة بين دفتيها -على التوالي- الكتب التالية: (الطهارة- الصلاة الأول- الصلاة الثاني- الجنائز- الصيام). ليس على هذه النسخة أيُّ إشارة إلى اسم ناسخها أو مكان نسخها وزمانه. النسخة الحادية عشرة: نسخة القرويين المرموز لها بالرمز (ق 1): يحفظ أصلها في خزانة القرويين بفاس، تحت رقم (369) وهي للجزء السادس من "التبصرة"، تقع في اثنتين وخمسين ومائة لوحة من القطع الكبير، عدد مسطراتها ثلاثون سطرًا في كلِّ لوحة، وقد أثرت في نصفها الأول الرطوبة والأرضة، أما النصف الثاني فقد سَلِم من الرطوبة ولكن الأرضة قرضَت أطراف بعض صفحاته.

تبدأ هذه النسخة بكتاب الغصب وتنتهي بنهاية كتاب الحدود في الزنا، وجملة ما تضمَّنته من كتب "التبصرة" أربعة عشر كتابًا هي على التوالي: (الغصب- الحبس- الهبات- الشفعة- القسمة- الوصايا الأولى- الوصايا الثاني- الديات- الجراح- الجنايات- القطع في السرقة- المحاربين- الأشربة- الحد في القذف- الحدود في الزنا). وقد جاء في آخر هذه النسخة قولُ الناسخ: (كمل السفر السادس من التبصرة لأبي الحسن اللخمي، وبتمامه تم جميع الديوان بحمد الله وعونه، وذلك في شهر رجب الفرد عام سبعة عشر بعد ستمائة. . .). وعلى طُرَّة المخطوط في هذا الموضع استدراك بخط مختلف جاء فيه: (بل يتلوه كتاب الحدود في القذف، ثم كتاب الأشربة، ثم كتاب الجراح، ثم كتاب الديات). النسخة الثانية عشرة: نسخة القرويين المرموز لها بالرمز (ق 2): يحفظ أصلها في خزانة القرويين بفاس، تحت رقم (370) وتقع في اثنتين ومائتي لوحة من القطع الكبير، عدد مسطراتها خمسة وعشرون سطرًا في كلِّ لوحة، وهي نسخة مراجعة منقحة في حواشيها تصحيحات كثيرة. تبدأ هذه النسخة بكتاب حريم الآبار والأنهار وتنتهي بنهاية كتاب الجنايات، وجملة ما تضمَّنته من كتب "التبصرة" سبعة عشر كتابًا هي على التوالي: (حريم الآبار والأنهار- الحبس- الصدقة- الاستحقاق- القسمة- الشفعة- الهبة- الوصايا الأول- الوصايا الثاني- القطع في السرقة- المحاربين- الرجم- الحد في القذف- الأشربة- الجراح- الديات- كتاب الجنايات).

لا تحمل هذه النسخة أيَّ إشارة إلى اسم ناسخها أو مكان نسخها وزمانه. النسخة الثالثة عشرة: نسخة القرويين المرموز لها بالرمز (ق 3): يحفظ أصلها في خزانة القرويين بفاس، تحت رقم (368) وتقع في ثمان وأربعين ومائة لوحة، عدد مسطراتها ثلاثة وعشرون سطرًا في كلِّ لوحة، وعليها آثار رطوبة بالغة لا تحط من قيمتها، لكونها نسخة عتيقة مقابلة. تبدأ هذه النسخة بكتاب الجنائز وتنتهي بنهاية كتاب الجهاد، وجملة ما تضمَّنته من كتب "التبصرة" ستة كتب هي على التوالي: (الجنائز- الصيام- الاعتكاف- الزكاة الأول- الزكاة الثاني- الجهاد). وفي آخرها ما يثبت أنها مقابلة على غيرها، حيث جاء فيها ما نصُّه: (فرغت من مقابلة هذا السفر بالأم يوم الأربعاء السادس عشر من رمضان المبارك عام ثمانية عشر وخمسمائة, والحمد لله كثيرًا كما هو أهله ومستحقه، وهو حسبنا ونعم الوكيل. . . كتبه للفقيه الجليل. . . (¬1) أطال الله بقاءه، وأدام عزه واعتلاءه، وحرس حوباءه (¬2). . . نعمتُه المسندة إليه [. . .] (¬3) أحمد بن عبيد الله). النسخة الرابعة عشرة: نسخة القرويين المرموز لها بالرمز (ق 4): يحفظ أصلها في خزانة القرويين بفاس، تحت رقم (368) وتقع في سبعين ومائة لوحة، عدد مسطراتها ثلاثة وعشرون سطرًا في كلِّ لوحة، مكتوبة بخط مغربي شبيه بخط (ق 3)، وقد أثرت فيها الرطوبة فأحالت لونها إلى لون ¬

_ (¬1) ها هنا بياض في المخطوط حتى نهاية السطر. (¬2) الحَوْباءُ: النفْس ممدودةٌ ساكنةُ الواو والجمع حَوْباوَاتٌ. انظر: لسان العرب، لابن منظور: 1/ 340. (¬3) ما بين المعكوفتين يقابله بياض بمقدار كلمة واحدة.

أحمر داكن. تبدأ هذه النسخة بكتاب الصرف وتنتهي بنهاية كتاب الوكالات، وجملة ما تضمَّنته من كتب "التبصرة" عشرة كتب هي على التوالي: (الصرف- السَّلَم الأول- السَّلَم الثاني- السَّلَم الثالث- الآجال- البيوع الفاسدة- العرايا- بيع الخيار- المرابحة- الوكالات). وفي آخرها ما يثبت أنها مقابلة على غيرها، حيث جاء فيها ما نصَّه: (تم السفر السادس بعون الله وتأييده وصلى الله على محمد وعلى آله، يتلوه في السابع كتاب التجارة إلى أرض الحرب، فرغتُ من مقابلة كل هذا السفر بالنسختين يوم الجمعة الثاني وعشرين من صفر عام [. . .] وخمسمائة، كتبه للفقيه الجليل [هنا فراغ إلى نهاية السطر] أطال الله بقاءه، وأدام عزه واعتلاءه، وحرس حوباءه نعمته المسندة إليه [. . .] (¬1) أحمد بن عبيد الله. اهـ). النسخة الخامسة عشرة: نسخة القرويين المرموز لها بالرمز (ق 5): يحفظ أصلها في خزانة القرويين بفاس، تحت رقم (368) وتقع في واحدة وستين ومائة لوحة، عدد مسطراتها ثلاثة وعشرون سطرًا في كلِّ لوحة، مكتوبة بخط مغربي باهت لا يكاد يقرأ في مواطن كثيرة لكثرة ما اعتراه من الطمس، وقد تآكلت أطراف بعض لوحاتها بفعل الأرضة. تبدأ هذه النسخة بكتاب النذور وتنتهي بنهاية كتاب النكاح الأول، وجملة ما تضمَّنته من كتب "التبصرة" عشرة كتب هي على التوالي: (النذور- الحج الأول- الحج الثاني- الحج الثالث- الصيد- الذبائح- الضحايا- ¬

_ (¬1) ما بين المعكوفتين يقابله بياض بمقدار كلمة واحدة.

العقيقة- الأطعمة- النكاح الأول). وينتهي هذا الجزء بقول الناسخ: (تم السفر الثالث بعون الله تعالى وتأييده، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وذريته وأهل بيته وسلَّم تسليمًا كثيرًا، يتلوه في الرابع كتاب النكاح الثاني، كتبه للفقيه الجليل [بياض إلى آخر السطر] أطال الله بقاءه، وأدام عزه واعتلاءه، وحرس حوباءه، نعمته المسندة إليه [. . .] (¬1) أحمد بن عبيد الله). قلتُ معقبًا: يلاحظ أن النسخ المسماة (ق 3) و (ق 4) و (ق 5) أجزاء من نسخة واحدة بدلالة وحدة الخط والورق والناسخ، بل وتكرار السقط والبياض في المواضع نفسها من كلام الناسخ الذي ختم به كلاًّ منها؛ فتنبه. النسخة السادسة عشرة: نسخة القرويين المرموز لها بالرمز (ق 6): يحفظ أصلها في خزانة القرويين بفاس، تحت رقم (368) وتقع في خمسين ومائة لوحة، عدد مسطراتها تسعة وعشرون سطرًا في كلِّ لوحة، وعلى هوامشها تصحيحات وتَتِمَّات، وهي مكتوبة بخط مغربي مقروء، وفيها خروم كثيرة. تبدأ هذه النسخة بكتاب الاستحقاق وتنتهي بنهاية كتاب الديات، وجملة ما تضمَّنته من كتب "التبصرة" عشرون كتابًا، هي على التوالي: (الاستحقاق- القسمة- الشفعة- الوصايا الأول- الوصايا الثاني- الحبس والصدقة- الهبة والصدقة- الهبة- حريم البئر- العارية- الوديعة- اللقطة- القطع في السرقة- المحاربين- الرجم- الأشربة- القذف- الجنايات- الجراح- الديات). ¬

_ (¬1) ما بين المعكوفتين يقابله بياض بمقدار كلمة واحدة.

وقد جاء في آخر هذه النسخة قولُ الناسخ: (تم كتاب الديات تم بحمد الله تعالى وعونه وبتمامه كمل الديوان كله. الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين)، وتليه حاشية مقدارها أربعة عشر سطرًا ونصفًا بخط دقيق مختلف عن خط المخطوط. النسخة السابعة عشرة: نسخة القرويين المرموز لها بالرمز (ق 7): يحفظ أصلها في خزانة القرويين بفاس، تحت رقم (367) وتقع في تسع وثلاثين ومائة لوحة، عدد مسطراتها خمسة وعشرون سطرًا في كلِّ لوحة، مكتوبة بخط مغربي، وفيها اهتراء وخروم كثيرة من أثر الأرضة. تبدأ هذه النسخة بكتاب الشفعة وتنتهي بنهاية كتاب الجنايات، وجملة ما تضمَّنته من كتب "التبصرة" اثنا عشر كتابًا هي على التوالي: (الشفعة- القسم - الوصايا الأول- الوصايا الثاني- القطع في السرقة- الرجم- الحد في القذف- القذف- الأشربة- الجراح- الديات- الجنايات). وقد جاء في آخر هذه النسخة قولُ الناسخ: (كمل كتاب الجنايات وبكماله تم السفر السابع، وهو الآخر من كتاب التبصرة، لأبي الحسن اللخمي رحمه الله، فتم بذلك جميع الديوان والحمد لله تعالى، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا، وكان الفراغ منه في يوم السبت الثاني لشهر محرم من شهور عام أربعة وعشرين و [ستـ]ـــــمائة (¬1) على يدي العبد الفقير إلى رحمة ربه، الراجي مغفرة ذنبه عبد الله بن عبد الله بن محمد بن سهيل. . . وفقه الله تعالى). ¬

_ (¬1) ما بين المعكوفتين ظني القراءة ويحتمل -تبعًا- لاختلاف القراءة أن تكون الكلمة خمسمائة أو ستمائة والله أعلم بالصواب.

النسخة الثامنة عشرة: نسخة القرويين المرموز لها بالرمز (ق 8): يحفظ أصلها في خزانة القرويين بفاس، تحت رقم (369) وتقع في سبع وثمانين لوحة، عدد مسطراتها خمسة وعشرون سطرًا في كلِّ لوحة، وهي نسخة مغربية الخط، متآكلة الأطراف، كثيرة الخروم، أثرت فيها الأرضة والرطوبة معًا. تبدأ هذه النسخة بكتاب الحبس والصدقة -مع نقص في أوَّله- وتنتهي قبل نهاية كتاب الأشربة، وبينهما عشرُ كتب تامةٍ، هي الكتب التالية على التوالي: (العارية- الصدقة والهبة- الوديعة- الهبات- اللقطة- حريم البئر وإحياء الموات- القطع في السرقة- المحاربين والمرتدين- القذف- الحدود في الرجم). لا تحمل هذه النسخة أيَّ إشارة إلى اسم ناسخها أو مكان نسخها وزمانه، وتنتهي بالحمدلة، والصلاة والسلام على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -. النسخة التاسعة عشرة: نسخة القرويين المرموز لها بالرمز (ق 9): يحفظ أصلها في خزانة القرويين بفاس، تحت رقم (369) وتقع في ثلاث وتسعين لوحة، عدد مسطراتها خمسة وعشرون سطرًا في كلِّ لوحة، وهي مكتوبة بخط مغربي، وقد أثرت فيها الأرضة والرطوبة مجتمعتين؛ فكثرت فيها الخروم، وتكرر الطمس، واستحالت قراءة مواطن كثيرة منها، وبحواشيها تصحيحات وتصويبات. تبدأ هذه النسخة بكتاب الشهادات -على نقصٍ في أوله- وتنتهي بنهاية كتاب الاستحقاق، وجملة ما تضمَّنته من كتب "التبصرة" بعد كتاب الشهادات عشرة كتبٍ، هي على التوالي: (المديان- الحوالة- العارية- اللقطة- المأذون

له في التجارة- حريم البئر- الصدقة والهبة- الهبات- الغصب- الاستحقاق). لا تحمل هذه النسخة أيَّ إشارة إلى اسم ناسخها أو مكان نسخها وزمانه، وقد جاء في آخرها قول الناسخ: (تم كتاب الاستحقاق وبتمامه كمل السفر السادس من التبصرة للخمي، والحمد لله تعالى كما هو أهله، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا، يتلوه إن شاء الله تعالي في السابع كتاب الشفعة). النسخة العشرون: نسخة القرويين المرموز لها بالومز (ق 10): يحفظ أصلها في خزانة القرويين بفاس، تحت رقم (370) وتقع في اثنتين وتسعين لوحة، عدد مسطراتها ثمانية وعشرون سطرًا في كلِّ لوحة، وهي مكتوبة بخط مغربي، ومتأثرة بالرطوبة. تبدأ هذه النسخة بكتاب العِدَّة وطلاق السنة -على نقصٍ فيه- وتنتهي بكتاب المدَبَّر، وجملة ما تضمَّنته من كتب "التبصرة" عدا الكتاب الناقص في أولها تسعة كتب، هي على التوالي: (الرضاع- اللعان- الظهار- التخيير والتمليك- الأيمان بالطلاق- الإيلاء- العتق الأول- العتق الثاني- المدَبَّر). لا تحمل هذه النسخة أيَّ إشارة إلى اسم ناسخها أو مكان نسخها أو زمانه.

سادسا: منهجنا في التحقيق وعملنا في إخراج الكتاب

سادسًا: منهجنا في التحقيق وعملنا في إخراج الكتاب سلكنا في تحقيق النص مسلكًا رجونا من خلاله أن نوفق لضبط الكتاب على ما أراده مؤلفه رحمه الله وإخراجه في حلَّة قشيبة تيسر الوصول إلى كنوزه، والاغتراف من بحوره، فكان مما عملنا فيه ما يلي: 1 - نسخنا النص من النسخة التي اصطلحنا على تسميتها بالنسخة الأم؛ وهي المجمعة من المكتبة الملكية في برلين والمكتبة الوطنية في باريس، والتزمنا بكتابته وفق قواعد الإملاء المعاصرة، وتحليته بعلامات الترقيم والوقف في مواطن الحاجة إليها. 2 - قابلنا الكتاب على ما توفر لنا من النسخ الأخرى، مع زيادة عدد النسخ المقابل عليها عند ازدياد الحاجة إلى المقابلة في ضبط النص وتقويمه، والتزام أن لا يقل عدد النسخ التي يقابل عليها كل كتاب من كتب "التبصرة" عن نسختين، وأن لا يزيد على خمس، ولم نُعْنَ في المقابلة إلا بالفوارق الجوهرية التي تحيل المعنى، أو تؤثر في النصِّ، وقد أشرنا في الحواشي السفلية إلى تلك الفوارق وأثبتنا في المتن الصواب، الذي نعتقد أنه أقرب إلى مراد المؤلِّف -رحمه الله-. 3 - أثبتنا أرقام لوحات النسخة الأم بقسميها، وجعلنا ذلك على يمين النص أو شماله، وقدمنا الرقم بما يبين كونه من نسخة برلين أو نسخة باريس، وأردفنا الرقم بالحرف (أ) إشارة إلى وجه اللوحة، أو بالحرف (ب) إشارة إلى ظهرها. 3 - التزمنا بكتابة الآيات القرآنية وأجزائها بالخط العثماني، وعزوها إلى مواضعها في كتاب الله تعالى، بذكر اسم السورة ورقم الآية التي وردت فيها،

بدءًا بالسورة ضمن معكوفتين، هكذا: [السورة: رقم الآية]، وجَعلنا ذلك عقب ذكر الآية مباشرةً، وليس في الحواشي. 4 - خرَّجنا الأحاديث التي أوردها المؤلف في النص، أو أحال عليها أو أشار إليها دون إيراد نَصِّهَا، من دواوين السنة المعتبرة مع التزام ما يلي في التخريج: أ- إذا كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما، فلا نتوسع في تخريجه، ونكف عن بيان درجته، اكتفاءً بما تفيد رواية أحد الشيخين له من الجزم بصحته. ب- إذا لم يكن الحديث في أيٍّ من الصحيحين فنخرِّجه من دواوين المحدثين المعتبرة بتقديم السنن الأربعة، ثم بقية المصادر مرتبةً حسب الأقدم تصنيفًا، ونورد كلام العلماء فيه، مع التفصيل في بيان حال رجال الإسناد المُتكلَّم فيهم، وعلله إن وُجدت، وتوثيق ذلك كلِّه، وما أنا في الحكم على الحديث إلاَّ ناقلٌ عن المُتقدِّمين، أو مُستأنسٌ بآراء المُتأخِّرين. ج- أثناء العزو إلى الكتب الستة نذكر الكتاب والباب الذي ورد فيه الحديث، مع ما يسهل الرجوع إليه من رقم الحديث التسلسلي، أو رقم الجزء والصفحة، أو جميع ما تقدم. د- عند عزو الحديث أو الأثر إلى غير الكتب الستة نكف عن ذكر اسم الكتاب والباب اكتفاءً بالإشارة إلى موضع النص بالجزء والصفحة أو الرقم التسلسلي أو هما معًا. 5 - عرَّفنا بإيجاز بأعلام المالكية المذكورين في الكتاب. 6 - وثقنا نقول المؤلف -رحمه الله- من كتب المتقدمين، وحرصنا على أن لا

نرجع في توثيق نقوله وعزوها إلى مصنفات المتأخرين عنه، إلا إن كان المصدر معروفًا بتوثيق كلام المتقدمين أو جمعها أو شرحها، كتوضيح الشيخ خليل على الجامع بين الأمهات، والبيان والتحصيل لابن رشد على مستخرجة العتبي. 7 - علَّقنا على مواطن من الكتاب عند الحاجة إلى التعليق، ولم نبالغ في ذلك أو نكثر منه. 8 - شرحنا ما مست الحاجة إلى شرحه من غرائب الألفاظ، وبينا معاني كثير من الكلمات، وعرفنا بالحدود والاصطلاحات، عند الحاجة إلى ذلك؛ بالرجوع إلى المصادر الأصيلة. 9 - قدَّمنا للكتاب بما يعرِّف به، ويجلي قيمته العلمية، ويدفع عنه النقد المجحف، ويعرف بمؤلفه، ويصفُ مخطوطاته، ويوضح منهجنا في تحقيقه، وأردفنا ذلك كله بصور لنماذج من بدايات ونهايات النُّسخ التي وقفنا عليها وأجزاء كل منها. 10 - ذيلنا كل جزء من أجزاء الكتاب بفهرس موضوعاته، وجمعنا في مجلد خاص فهارس الموضوعات لجميع الأجزاء مع ثَبْت بمراجع التحقيق ومصادر التوثيق، وفهارس تفصيلية للآيات والأحاديث والأعلام. قال مقيِّده أبو الهيثم الشهبائي: ولا يفوتني وقد آن أوان رفع القلم أن أقرَّ بالفضل لأهله، وأتوِّج الإقرار بإسداء الشكو لمستحقه، وأخص من أعان على تحقيق هذا الكتاب ونشره، وكلَّ من أدلى في أيِّ مراحل العمل فيه بدلوه، أو تعهدني بشيءٍ من توجيهه ونصحه ورأيه، أو أسهم في التحقيق بفكره وقلمه، فأشكرهم شكر من لا يدعي شيئًا من جهدهم لنفسه، ولا يتشبَّع بما لم يُعطَ من مُعطِه، وأخصُّ من

بينهم الأخَ المحبَّ، والخلَّ الأحبَّ، محمد بن أحمد عَزَب، مدير وحدة الفقه المالكي في مركز نجيبويه، ثم أُعَقِّبُ بأعوانه وإخوانه الباحثين الشرعيين واللغويين والموظفين الإداريين والفنيين في المركز. وأثني بالثناء الجميل على من أسهم في مراجعة هذا العمل من إخواننا الفقهاء العاملين في فرع المركز بموريتانيا، وجُلُّهم من الأساتذة المتضلِّعين بالعلوم العقلية والنقلية، متخرِّجين ومدرِّسين في محظرة النبَّاغية، وأخصُّ من بينهم -مع الإقرار بالفضل لمن لم أُسمِّهم- الأخ الشيخ محمد بن بُتَّار بن الطُّلبة، ممثل المركز ومدير فرعه في موريتانيا، وسائر العاملين معه وتحت إدارته وتوجيهه، فجزى الله الجميع خيرًا، وأعظم لهم أجرًا. والحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات. وكتب المكني بأبي الهيثم الشهباني الدكتور أحمد بن عبد الكريم نجيب المكني بأبي الهيثم الشهباني القاهرة المحروسة في الخامس والعشرين من جمادى الأول 1432 هـ الموافق للثامن والعشرين من إبريل 2011 م

صور المخطوطات صورة اللوحة الأولى منا القسم الأول للمخطوطة الأم المرموز لها بالرمز (ب) والتي يحفظ أصلها تحت رقم 3144 في المكتبة الملكية (مكتبة الدولة) ببرلين

صورة اللوحة الأخيرة من القسم الأول للمخطوطة الأم المرموز لها بالرمز (ب) والتي يحفظ أصلها تحت رقم 3144 في المكتبة الملكية (مكتبة الدولة) ببرلين

صورة اللوحة الأولى من القسم الثاني للمخطوطة الأم المرموز لها بالرمز (ف) والتي يحفظ أصلها تحت رقم 1071 في المكتبة الوطنية بباريس.

صورة اللوحة الأخيرة من القسم الثاني للمخطوطة الأم المرموز لها بالرمز (ف) والتي يحفظ أصلها تحت رقم 1071 في المكتبة الوطنية بباريس.

صورة اللوحة الأولي من النسخة المرموز لها بالرمز (س) والتي يحفظ أصلها تحت رقم (1082) في دير الاسكوريال بمدريد

صورة اللوحة الأولي من النسخة المرموز لها بالرمز (س) والتي يحفظ أصلها تحت رقم (1082) في دير الاسكوريال بمدريد

صوة اللوحة الأولى من السفر الثانى للمخطوطة المرموز لها بالرمز (ت) والتي يحفظ أصلها تحت الرقمين 235 و 243 في خزانة المسجد الأعظم بتازة

صورة اللوحة الأولى من السفر الخامس للمخطوطة المرموز لها بالرمز (ت) والتي يحفظ أصلها تحت الرقمين 235 و 243 في خزانة المسجد الأعظم بتازة

صورة اللوحة الأولى من السفر السادس للمخطوطة المرموز لها بالرمز (ت) والتي يحفظ أصلها تحت الرقمين 235 و 243 في خزانة المسجد الأعظم بتازة

صورة اللوحة الأخيرة مما وقفنا عليه من السفر السادس للمخطوطة المرموز لها بالرمز (ت) والتي يحفظ أصلها تحت الرقمين 235 و 243 في خزانة المسجد الأعظم بتازة

صورة اللوحة الأولى من النسخة المرموز لها بالرمز (ث) وهي نسخة رباط عثمان والتي يحفظ أصلها تحت رقم 172 في مكتبة الملك عبد العزيز بالمدينة المنورة

صورة اللوحة الأخيرة من النسخة المرموز لها بالرمز (ث) وهي نسخة رباط عثمان والتي يحفظ أصلها تحت رقم 172 في مكتبة الملك عبد العزيز بالمدينة المنورة

صورة اللوحة الأولى من النسخة المرموز لها بالرمز (ر) والتي يحفظ أصلها تحت رقم 110 في الخزانة الحمزوية الواقعة في إقليم الرشيدية بالمغرب.

صورة اللوحة الأخيرة من النسخة المرموز لها بالرمز (ر) والتي يحفظ أصلها تحت رقم 110 في الخزانة الحمزوية الواقعة في إقليم الرشيدية بالمغرب.

صورة اللوحة الأولى من النسخة الرموز لها بالرمز (م) والتي يحفظ أصلها تحت رقم 112/ 1 في خزانة ابن يوسف بمراكش

صورة اللوحة الأخيرة من النسخة الرموز لها بالرمز (م) والتي يحفظ أصلها تحت رقم 112/ 1 في خزانة ابن يوسف بمراكش

اللوحة الأولى من النسخة المرموز لها بالرمز (ش 1) والتي يحفظ أصلها في مكتبة الشيخ محمد فال (أباه) بن عبد الله، شيخ محظرة النباغية بموريتانيا

اللوحة الأخيرة من النسخة المرموز لها بالرمز (ش 1) والتي يحفظ أصلها في مكتبة الشيخ محمد فال (أباه) بن عبد الله، شيخ محظرة النباغية بموريتانيا

اللوحة الأولى من النسخة الرموز لها بالرمز (ش 2) والتي يحفظ أصلها في مكتبة أهل ناجم في تيشيت بموريتانيا

اللوحة الأخيرة من النسخة المرموز لها بالرمز (ش 2) والتي يحفظ أصلها في مكتبة أهل ناجم في تيشيت بموريتانيا

صورة اللوحة الأولى من النسخة المرموز لها بالرمز (ح) والتي يحفظ أصلها رقم 12929 في خزانة الحسنية بالقصر الملكي في الرباط

صورة اللوحة الأخيرة من النسخة المرموز لها بالرمز (ح) والتي يحفظ أصلها رقم 12929 في خزانة الحسنية بالقصر الملكي في الرباط

صورة اللوحة الأولي من النسخة المرموز لها بالرمز (ق 1)، والتي يحفظ أصلها تحت رقم 369 في خزانة جامع القرويين بفاس

صورة اللوحة الأخيرة من النسخة المرموز لها بالرمز (ق 1)، والتي يحفظ أصلها تحت رقم 369 في خزانة جامع القرويين بفاس

صورة اللوحة الأولي من النسخة المرموز لها بالرمز (ق 2)، والتي يحفظ أصلها تحت رقم 370 في خزانة جامع القرويين بفاس

صورة اللوحة الأخيرة من النسخة المرموز لها بالرمز (ق 2)، والتي يحفظ أصلها تحت رقم 370 في خزانة جامع القرويين بفاس

صورة اللوحة الأولي من النسخة المرموز لها بالرمز (ق 3)، والتي يحفظ أصلها تحت رقم 368 في خزانة جامع القرويين بفاس

صورة اللوحة الأخيرة من النسخة المرموز لها بالرمز (ق 3)، والتي يحفظ أصلها تحت رقم 368 في خزانة جامع القرويين بفاس

صورة اللوحة الأولي من النسخة المرموز لها بالرمز (ق 4)، والتي يحفظ أصلها تحت رقم 368 في خزانة جامع القرويين بفاس

صورة اللوحة الأخيرة من النسخة المرموز لها بالرمز (ق 4)، والتي يحفظ أصلها تحت رقم 368 في خزانة جامع القرويين بفاس

صورة اللوحة الأولي من النسخة المرموز لها بالرمز (ق 5)، والتي يحفظ أصلها تحت رقم 368 في خزانة جامع القرويين بفاس

صورة اللوحة الأخيرة من النسخة المرموز لها بالرمز (ق 5)، والتي يحفظ أصلها تحت رقم 368 في خزانة جامع القرويين بفاس

صورة اللوحة الأولي من النسخة المرموز لها بالرمز (ق 6)، والتي يحفظ أصلها تحت رقم 368 في خزانة جامع القرويين بفاس.

صورة اللوحة الأخيرة من النسخة المرموز لها بالرمز (ق 6)، والتي يحفظ أصلها تحت رقم 368 في خزانة جامع القرويين بفاس

صورة اللوحة الأولي من النسخة المرموز لها بالرمز (ق 7)، والتي يحفظ أصلها تحت رقم 367 في خزانة جامع القرويين بفاس

صورة اللوحة الأخيرة من النسخة المرموز لها بالرمز (ق 7)، والتي يحفظ أصلها تحت رقم 367 في خزانة جامع القرويين بفاس

صورة اللوحة الأولي من النسخة المرموز لها بالرمز (ق 8)، والتي يحفظ أصلها تحت رقم 369 في خزانة جامع القرويين بفاس

(صورة اللوحة الأخيرة من النسخة المرموز لها بالرمز (ق 8) والتي يحفظ أصلها تحت رقم 369 في خزانة جامع القرويين بفاس

صورة اللوحة الأولي من النسخة المرموز لها بالرمز (ق 9) والتي يحفظ أصلها تحت رقم 369 في خزانة جامع القرويين بفاس

صورة اللوحة الأخيرة من النسخة المرموز لها بالرمز (ق 9)، والتي يحفظ أصلها تحت رقم 369 في خزانة جامع القرويين بفاس

صورة اللوحة الأولي من النسخة المرموز لها بالرمز (ق 10)، والتي يحفظ أصلها تحت رقم 370 في خزانة جامع القرويين بفاس

صورة اللوحة الأخيرة من النسخة المرموز لها بالرمز (ق 10)، والتي يحفظ أصلها تحت رقم 370 في خزانة جامع القرويين بفاس

كتاب الطهارة

كتاب الطهارة (النسخ المقابل عليه) 1 - (ب) = نسخة برلين رقم (3144) 2 - (ح) = نسخة الحمزوية رقم (115) 3 - (س) = نسخة الاسكوريال رقم (1082) 4 - (ش 2) = نسخة أهل ناجم- تيشيت (شنقيط)

باب في وجوب الطهارة للصلاة، وأعدادها ومفروضها ومسنونها وفضائلها

كتاب الطهارة قال الشيخ الفقيه الحافظ أبو الحسن علي بن أبي بكر اللخمي: (¬1) باب في وجوب الطهارة للصلاة، وأعدادها ومفروضها ومسنونها وفضائلها الطهارة للصلاة فرض؛ لقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6]، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَقْبَلُ اللهُ صَلاَةَ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ"، أخرجه البخاري ومسلم (¬2). وقوله: "لاَ يَقْبَلُ اللهُ صَلاَةً بِغَيْرِ طُهُورٍ" أخرجه مسلم (¬3). ولا خلاف بين الأمة في ذلك. ومن "المدونة": قال سحنون (¬4):. . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) قوله: (قال الشيخ. . . أبي بكر اللخمي) زيادة من (س). قلت: وقوله: (ابن أبي بكر) لم أقف على من وضع في نسبه هذا الاسم. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 63، في باب لا تقبل صلاة بغير طهور، من كتاب الوضوء في صحيحه، برقم (135)، ومسلم: 1/ 204، في باب وجوب الطهارة للصلاة، من كتاب الطهارة، برقم (225). (¬3) أخرجه مسلم: 1/ 203، في باب وجوب الطهارة للصلاة، من كتاب الطهارة، برقم (224). (¬4) هو: أبو سعيد، عبد السلام بن سعيد التنوخي، الملقب باسم طائر حديد الذهن بالمغرب يسمونه سحنون لحدة ذهنه وذكائه، المتوفى سنة 240 هـ، قرأ على ابن القاسم، وابن وهب وأشهب ثم انتهت إليه الرياسة في العلم بالمغرب، وله "المدونة" أصل المذهب وعمدته، وهي في الأصل أسئلة سألها أسد بن الفرات لابن القاسم، وهي المعروفة بالأسدية، فلما ارتحل سحنون بها عرضها على ابن القاسم، فأصلح فيها كثيرًا، وأسقط، ثم رتبها سحنود، =

قلت لابن القاسم (¬1): أرأيت الوضوء أكان مالك يوقت فيه واحدة أو اثنتين أو ثلاثًا؟ قال: لا (¬2)، إلا ما أسبغ، ولم يكن مالك يوقت (¬3). وقد اختلفت الآثار في التوقيت، وقال مالك: إنما قال عز وجل: {يَاأَيُّهَا ¬

_ = وبوبها، واحتج لكثير من مسائلها بالآثار من مروياته. انظر ترجمته في: ترتيب المدارك، لعياض: 4/ 45، والديباج، لابن فرحون: 2/ 30، والتعريف بالأعلام والمبهمات، لابن عبد السلام (بهامش الجامع بين الأمهات بتحقيقنا): 1/ 11، ومقدمة المدونة، ص: 11 و 12، طبعة السعادة 1323 هـ، وشجرة النور، لمخلوف، ص: 1/ 69، وطبقات الفقهاء، للشيرازي، ص: 156، وعلماء إفريقية للخشني، ص: 296، والأنساب، للسمعاني: 1/ 197، والفهرست، لابن خير، ص: 240، ووفيات الأعيان، لابن خلكان: 3/ 180، والبيان المغرب: 1/ 109، ومعالم الإيمان: 2/ 77، وسير أعلام النبلاء، للذهبي: 12/ 63. (¬1) هو: أبو عبد الله، عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة العتقي، المصري، المتوفى سنة 191 هـ، الشيخ الصالح الحافظ الحجة الفقيه، ومن الديباج: قال النسائي: ما أحسن حديثه وأصحه عن مالك ليس يختلف في كلمة ولم يروِ أحد الموطأ عن مالك أثبت من ابن القاسم وليس أحد من أصحاب مالك عندي مثله. اهـ، وروى عن الليث وعبد العزيز بن الماجشون ومسلم بن خالد وغيرهم. خرج عنه البخاري في صحيحه، أخذ عنه جماعة منهم: أصبغ، ويحيى بن دينار، والحارث بن مسكين، ويحيى بن يحيى الليثي، وابن الحكم، وأسد بن الفرات، وسحنون. انظر ترجمته في: ترتيب المدارك، لعياض: 3/ 244، والديباج، لابن فرحون: 1/ 465، والتعريف بالأعلام والمبهمات، لابن عبد السلام (بهامش الجامع بين الأمهات بتحقيقنا): 1/ 7، وشجرة النور، لمخلوف، ص: 58، وطبقات الفقهاء للشيرازي، ص: 150، والمعرفة والتاريخ: 1/ 181، والجرح والتعديل، لابن أبي حاتم: 5/ 279، والثقات لابن حبان: 8/ 374، والإكمال، لابن ماكولا: 2/ 153، والجمع بين رجال الصحيحين: 1/ 293، والأنساب، للسمعاني: 4/ 152، واللباب في تهذيب الأنساب: 1/ 321، ووفيات الأعيان، لابن خلكان: 3/ 129، وتهذيب الكمال: 17/ 344، وسير أعلام النبلاء للذهبي: 9/ 120. (¬2) قوله: (لا) ساقط من (س). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 113.

الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] قال ابن القاسم: وما رأيت عند مالك في الغسل والوضوء توقيتًا، ولكنه كان يقول: يتوضأ ويغتسل ويسبغهما جميعًا (¬1). قال الشيخ أبو الحسن -رحمه الله-: قوله: وقد اختلفت الآثار في التوقيت (¬2). اتساع في العبارة، وإنما أراد اختلفت الآثار في الأعداد؛ لأن الموقت هو الواجب، ولم تختلف في الواجب كم هو، وإنما اختلفت الآثار في الأعداد (¬3)؛ وأخرج البخاري عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَّهُ تَوَضَّأ مَرَّةً مَرَّةً، ومَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَثَلَاثًا ثَلَاثًا" (¬4) فثبت بهذه الأحاديث أن الفرض واحدة، وأن الزائد فضيلة؛ لأنه لا يجوز أن يقتصر على واحدة والفرض اثنان أو ثلاثة. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 113. (¬2) في (ر): (في الوضوء) (¬3) قوله: (لأن الموقت. . . في الأعداد) ساقط من (ر). (¬4) وضوؤه - صلى الله عليه وسلم -: "مَرَّةً مَرَّةً" أخرجه البخاري: 1/ 70، في باب الوضوء مرة مرة، من كتاب الوضوء في صحيحه، برقم (156) من رواية ابن عباس. ووضوؤه - صلى الله عليه وسلم -: "مَرَّتيْنِ مَرَّتيْنِ" أخرجه: 1/ 70، من باب الوضوء مرتين مرتين، من كتاب الوضوء في صحيحه، برقم (157) من رواية عبد الله بن زيد - صلى الله عليه وسلم -. ووضوءه - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثًا": 1/ 71، في باب الوضوء ثلاثًا ثلاثًا، من كتاب الوضوء في صحيحه، برقم (158) من رواية حمران مولى عثمان بن عفان - رضي الله عنه -. والحديث بتمامه أخرجه الترمذي في سننه: 1/ 65، في باب ما جاء في الوضوء مرة ومرتين وثلاثًا، من أبواب الطهارة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، برقم (45).

فصل [في الوضوء]

فصل [في الوضوء] الوضوء في أعداده على ثلاثة أقسام: فرض، وفضيلة، وممنوع تارة، وتارة مستحب. فالفرض واحدة، والفضيلة اثنتان، تمام الثلاثة، والممنوع الرابعة إذا أتى بها عقيب الثالثة أو بعد ذلك وقبل الصلاة بذلك الوضوء، فإن كان قد صلى به صلاة كان تجديد (¬1) الطهارة لكل صلاة يصليها بعد ذلك، وإن لم تنتقض طهارته- فضيلة. فإن توضأ في الأولى ثلاثًا فلمّا صلى، جدد الطهارة لصلاة أخرى بثلاث (¬2)، فصارت بإضافتها إلى الأولى ستًّا جاز ذلك، فمنع الرابعة؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فَمَنْ زَادَ عَلَى الثَّلاثِ فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ" (¬3)، وجاز ذلك لصلاة أخرى؛ لحديث أنس قال: "كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ. قِيلَ لَهُ: فَكَيفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ؟ قَالَ: كَانَ يُجْزِىُء أَحَدَنَا وُضُوؤُهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ". أخرجه البخاري ومسلم (¬4). ¬

_ (¬1) في (ر): (تجدد). (¬2) في (س): (بثلاث ثلاث). (¬3) صحيح، أخرجه النسائي في المجتبى: 1/ 88، في باب الاعتداء في الوضوء، من كتاب الطهارة، برقم (140)، وابن ماجه في سننه: 1/ 416، في باب ما جاء في القصد في الوضوء وكراهة التعدي فيه، من كتاب الطهارة وسننها، برقم (422). (¬4) أخرجه البخاري: 1/ 87 في باب الوضوء من غير حدث، من كتاب الوضوء في صحيحه، برقم (211)، ومسلم من حديث بريدة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الصلوات يوم الفتح بوضوء واحد، ومسح على خفيه فقال له عمر: لقد صنعت اليوم شيئًا لم تكن تصنعه قال: عمدا فعلته يا عمر بنحوه، باب جواز الصلوات كلها بوضوء واحد، برقم (415).

وأجاز مالك في المدونة أن يتوضأ مرة إذا أسبغ (¬1). وقال أيضًا: لا أحب الواحدة إلا من العالم (¬2)، وقال (¬3) في سماع أشهب: الوضوء مرتان مرتان، وثلاث ثلاث، وقيل له: فالواحدة؟ قال: لا (¬4). وقال في "مختصر ابن عبد الحكم": لا أحب أن ينقص من اثنتن إذا عمَّتا (¬5). وهذا احتياط (¬6) وحماية؛ لأنّ العامِّي إذا رأى من يُقتدَى به يتوضأ مرة مرة، فعل مثل ذلك وقد لا يحسن الإسباغ بمرة (¬7) فيوقعه فيما لا تجزئ الصلاة به، وإن لم يسبغ في الأولى وأسبغ في الثانية، كان بعض الثانية فرضًا وهو إسباغ ما عجز عن الأولى وبعضها فضيلة (¬8) وهو ما تكرر منها على الموضع الذي أسبغ أولًا، وله أن يأتي برابعة يخصُّ بها الموضع الذي عجز عنه أول مرة، ولا يعمُّ في الرابعة فيدخل في النهي. والفرض في الغسل من الجنابة والحيض والنفاس مرة واحدة (¬9)، ولا فضيلة في تكراره عقيب الغسل، ولا عند كل صلاة، وهو في ذلك بخلاف الوضوء، إلا ما وردت به السنة في الاغتسال للجمعة والعيدين، وما قيل في ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 113. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 31. (¬3) في (ر): (أجاز). (¬4) ذكره في الواضحة من رواية مطرف عن مالك، انظر: الواضحة في السنن، ص: 86. (¬5) انظر: الاستذكار، لابن عبد البر: 1/ 125. (¬6) في (ر): (احتياطًا). (¬7) في (ر): (مرة). (¬8) قوله: (كان بعض الثانية. . . فضيلة) ساقط من (ر). (¬9) قوله: (واحدة) ساقط من (ر).

الاغتسال للإحرام ولدخول مكة ولوقوف عرفة (¬1). فالفرض للغسل والوضوء مرة مرة؛ لقول الله -عز وجل-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6]، وقوله: {فَاطَّهَّرُوا}، و {حَتَّى تَغْتَسِلُوا}، و {حَتَّى يَطْهُرْنَ}، فورد الأمر في جميع ذلك على صيغة واحدة، فلم يلزم بمجرد الأمر -لقوله تعالى في الغسل والطهر- إلا مرة واحدة، وكذلك الوضوء. وقد أنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - على السائل عن الحج: هل هو في كل عام (¬2)؟ فأخبر أن الفرض مرة (¬3)، وأنه كان يكتفي في ذلك بما ورد فيه عن السؤال، والرجوع في ذلك إلى إخبار (¬4) النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الأمر يقتضي فعل مرة واحدة، أولى من الاحتجاج بقول من أنكر عليه سؤاله، وأخبره أن سؤاله وقع غير موقعه. وأما ما قيل: إن الفرض في الوضوء كان لكل صلاة ثم نسخ في فتح مكة- فغلط؛ لحديث أنس قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاَةٍ" (¬5)، وإن أمَّته كانت على خلاف ذلك تلتزم الواجب فتصلي الصلوات بوضوء واحد، وأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك للفضيلة، وإنما سأله عمر عن مخالفته لعادته (¬6)، ولحديث سويد ¬

_ (¬1) زاد في (ر): (فإنه يغتسل، وإن كانت الطهارة للأول لم تنتقض). (¬2) أخرجه مسلم: 2/ 975، في باب فرض الحج مرة في العمر، من كتاب الحج، برقم (1337). (¬3) زاد في (ر): (في العمر). (¬4) قوله: (عن السؤال. . . إلى إخبار) ساقط من (ر). (¬5) سبق تخريجه، ص: 5. (¬6) في (ر): (العادة)، وسؤال عمر - رضي الله عنه - أخرجه مسلم: 1/ 232، في باب جواز الصلوات كلها =

ابن النعمان "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى وَهُوَ بِالصَّهْبَاءِ العَصْرَ وَالمَغْرِبَ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَر"، وهي سنة ست وقيل: سنة سبع، وفتح مكة كان في سنة ثمان، وهو حديث صحيح، رواه مالك في "الموطأ" وأدخله البخاري ومسلم في صحيحيهما (¬1)، فبان بهذين الحديثين أن الفرض لم يكن قبل الفتح لكل صلاة. والوضوء يشتمل على (¬2) ثلاث: فرض، وسنة، وفضيلة، فالفرض: غسل الوجه، واليدين إلى المرفقين (¬3)، والرجلين إلى الكعبين، ومسح الرأس. والسنة: المضمضمة، والاستنشاق (¬4)، ومسح داخل الأذنين. والفضيلة: السواك، وتكرار مغسوله. وهذه جملة متفق عليها. واختلف في غير موضع من مفروضه ومسنونه وفضائله؛ فاختلف في التسمية (¬5) هل هي من فضائله؟ وفي غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء: هل هو ¬

_ = بوضوء واحد، من كتاب الطهارة، برقم (277)، من حديث بريدة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الصلوات يوم الفتح بوضوء واحد ومسح على خفيه، فقال له عمر: لقد صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه! قال: "عمدًا صنعته يا عمر". (¬1) أخرجه البخاري: 1/ 86، في باب من مضمض من السويق ولم يتوضأ، من كتاب الوضوء في صحيحه، برقم (206)، ومالك في الموطأ: 1/ 26، في باب ترك الوضوء مما مسته النار، من كتاب الطهارة، برقم (49)، ولم أقف عليه فيه صحيح مسلم. (¬2) قوله: (يشتمل على) ساقط من (ر). (¬3) المرفقان: منتهى الوضوء وآخر العضدين، وهما المركزان اللذان يتوكأ عليهما المتوكئ. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 17. (¬4) الاستنشاق: قبضك الماء بريح أنفك إلى أنفك. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 9. (¬5) في (ر): (النية).

من سننه أو من فضائله؟ وفي الوجه في أربعة مواضع: في البياض الذي بين العذار (¬1) والأذن، وفي تخليل اللحية، وفي صفة التخليل، وفي غسل ما طال منها عن الذقن. وفي اليدين في ثلاثة مواضع: في المرفقين هل هما داخلتان في الوضوء (¬2)، وفي تخليل الأصابع، وتحريك الخاتم. وفي الرأس في ستة مواضع: في مسح جميعه، وهل يعمُّه بالماء أو يجزئه عمومه بالمسح إذا ذهب الماء عند مسح بعضه؟ وفي تكرار مسحه في الثالثة، وهل تتعلق به فضيلة؟ وفي مسح ما طال من الشعر ومنتهاه هل إلى الجمجمة أو إلى آخر (¬3) منبت الشعر. وفي مسحه بفضل ذارعيه. وفي الأذنين في موضعين: هل مسحهما فرض أو سنة، وفي استئناف الماء لهما. وفي الرجلين في ثلاثة مواضع: في الكعبين ما هما، وهل هما داخلان في الفرض، وفي تخليل الأصابع. واختلف في ترتيب الوضوء وفي موالاته، وهل من شروط الوضوء والغسل إمرار اليد (¬4) مع الماء؟ ¬

_ (¬1) العذار: خَطُّ اللِحْيَة. انظر: لسان العرب: 4/ 454. (¬2) قوله: (في الوضوء) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (آخر) ساقط من (ر). (¬4) في (ر): (اليدين).

وأما التسمية فاختلف فيها على ثلاثة أقوال: فذكر أبو جعفر الأبهري (¬1) عن مالك: أنه استحب ذلك، وبه قال علي بن زياد (¬2) وابن حبيب (¬3)، وروي أنه من فضائله. ¬

_ (¬1) هو: أبو جعفر، محمد بن عبد الله الأبهري، ويعرف بالأبهري الصغير، وبالوتلي، وابن الخصاص، المتوفى سنة 365 هـ، تفقه بأبي بكر الأبهري، وسمع من أبي زيد المروزي، ثم رحل إلى مصر، وتفقه عليه خلق كثير، وله كتاب في مسائل الخلاف كبير، وكتاب تعليق المختصر الكبير مثله، وكتاب في الرد على ابن علية في ما أنكره على مالك. وتوفي في حياة شيخه أبي بكر الأبهري. رحمهما الله. انظر ترجمته في: ترتيب المدارك، لعياض: 7/ 27، والديباج، لابن فرحون: 2/ 228، وشجرة النور، لمخلوف: 1/ 91، طبقات الفقهاء، للشيرازي، ص: 167، والفهرست، لابن النديم، ص: 341. (¬2) هو: أبو الحسن، علي بن زياد التونسي، المولود بطرابلس، والمتوفى سنة 183 هـ، سمع من مالك وروى عنه الموطأ وهو أول من أدخله المغرب، وسمع أيضًا من الثوري، والليث، وغيرهما، وسمع منه سحنون، والبهلول بن راشد، وأسد بن الفرات، وغيرهم. انظر ترجمته في: ترتيب المدارك، لعياض: 3/ 80، والديباج، لابن فرحون: 2/ 592، وشجرة النور، لمخلوف: 1/ 60، وطبقات الفقهاء، للشيرازي، ص: 152، والإكمال لابن ماكولا: 1/ 524، والأنساب، للسمعاني: 1/ 494، والحلل السندسية، للسراج: 1/ 692، والفكر السامي، للحجوي 1/ 443. (¬3) هو: أبو مروان، عبد الملك بن حبيب بن سليمان بن هارون السلمي، الطليطلي، المتوفى سنة 239 هـ، انتقل من "طليطلة" وأسرته إلى البيرة، ورحل سنة 208 هـ للمشرق فسمع من ابن الماجشون، ومطرف، وإبراهيم بن المنذر، وأصبغ، ثم عاد إلى الأندلس ليقوم على مذهب مالك، ألّف كتبًا حسانًا في الفقه وكذلك في التاريخ والأدب منها كتابه المشهور المسمى "الواضحة" وأكثره مفقود إلا جزءا من كتاب الطهارة حقق في جامعة القرويين ونعمل على إخراجه، وقد أخبرني المستشرق المجري ميكلوش موراني أنه عثر على أجزاء أخرى للكتاب ويعمل على إخراجه وطبعه. انظر ترجمته في: المدارك، لعياض: 4/ 122، والديباج، لابن فرحون: 2/ 8، والتعريف بالأعلام والمبهمات، لابن عبد السلام (بهامش الجامع بين الأمهات بتحقيقنا): 1/ 32، وشجرة النور، لمخلوف: 1/ 74، وطبقات الفقهاء للشيرازي، ص: 162.

[فصل في السواك]

وروى عنه الواقدي أنه قال: ليس ذلك مما يؤمر به، من شاء فعل ذلك، ومن شاء لم يفعله، فجعله بالخيار في الفعل والترك، ولم يقدم أحدهما على الآخر، وروى عنه علي بن زياد أنه أنكر ذلك وقال: ما سمعت بهذا، أيريد أن يذبح (¬1)؟! وقوله الأول أحسن؛ لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك (¬2)، وليخرج من الخلاف، ولما يرجى من بركة ذكر الله تعالى. واستحب له أن ينوي بذلك التبرك والتعوذ من الشيطان مما يدخل من الوساوس حينئذٍ؛ لأن فيها معنى التعوذ، وقد أمر الله سبحانه وتعالي نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يستفتح القراءة بالتسمية فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] فقيل: المراد بذلك التعوذ من الشيطان. [فصل في السواك] والسواك مندوب إليه؛ لقول - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ"، أو "كُلِّ وُضُوءٍ" (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 20. (¬2) يشير الإمام اللخمي -رحمه الله- إلى ما أخرجه أبو داود في سننه: 1/ 73، في باب التسمية على الوضوء، من كتاب الطهارة، برقم (101)، وابن ماجه في سننه: 1/ 140، في باب ما جاء في التسمية في الوضوء، من كتاب الطهارة وسننها، برقم (399)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله تعالى عليه". (¬3) هاتان روايتان، الأولى أخرجها البخاري: 1/ 303، في باب السواك يوم الجمعة، من كتاب الجمعة في صحيحه، برقم (847)، ومسلم: 1/ 220، في باب السواك، من كتاب الطهارة، برقم (252). والثانية بلفظ: "عند كل وضوء" أخرجها البخاري تعليقًا: 2/ 682، في باب السواك الرطب واليابس للصائم، من كتاب الصوم: 2/ 682، قبل حديث برقم (1832)، ومالك في الموطأ: 1/ 66، في باب ما جاء في السواك، من كتاب الطهارة، برقم (146).

وهو مخيّر في أن يجعل ذلك عند الوضوء أو الصلاة، واستحسن إذا بعد ما بين الوضوء والصلاة أن يجعله عند الصلاة، وإن جعله عند وضوئه أن يعيده عند صلاته. وإن حضرت صلاة أخرى وهو على طهارته تلك أن يتسوك للثانية. ويتسوكُ بكل عود يابس ورطب، وبالأخضر أحسن؛ لأنه أبلغ في النظافة، إلا أن يكون صائمًا خيفة أن يصل طعمه إلى حلقه. وكره ابن حبيب التسوك بعود الرمان والريحان من ناحية الطب (¬1). ومن لم يجد سواكًا تسوك بإصبعه. واختلف في غسل اليد قبل إدخالها في الإناء، هل هو سنة أو فضيلة، وذلك في موضعين، لمن كان وضوؤه عند قيامه من النوم، أو هو بعيد العهد بالماء. واختلف إذا كان قريب العهد بالماء، فقال ابن القاسم في "العتبية" فيمن أخذ في الوضوء ثم أحدث فاستأنف الوضوء: أحب إلي أن يغسل يده قبل أن يدخلها في إنائه (¬2). وقال أشهب (¬3): لا شيء عليه. والأصل في الأول قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا ¬

_ (¬1) انظر: الواضحة في السنن، ص: 202، ولفظ ابن حبيب: (حدثني علي بن معبد وأصبغ بن الفرج عن السبيعي عن أبي بكر ابن أبي مريم عن ضمرة بن حبيب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن السواك بعود الرمان والريحان، وقال: إنه يحرك عرق الجذام). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 156. (¬3) هو: أبو عمرو، مسكين بن عبد العزيز بن داود بن إبراهيم القيسي، العامري، الجعدي، المتوفى سنة 204 هـ من أهل مصر، وأشهب لقب. انتهت إليه الرئاسة بمصر بعد ابن القاسم روى عن مالك والليث، والفضيل بن عياض، وسليمان بن بلال، وابن لهيعة، وغيرهم. وروى عنه الحارث بن مسكين ويونس الصدفي، وبنو عبد الحكم، وسعيد بن حسان، وسحنون، وقال ابن عبد البر: لم يدرك الشافعي بمصر من أصحاب مالك إلا أشهب، وابن عبد الحكم. انظر ترجمته في: ترتيب المدارك، لعياض: 3/ 62، =

اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُؤئهِ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ" (¬1)، فقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يدري أين باتت" خرج على الغالب من النوم أنه بالليل، قال الله -عز وجل-: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ} [يونس: 67]، فمن نام نهارًا أُلحق حكمه بنوم الليل، وقد يفرق بينهما؛ لأن الشأن في الليل أن الإنسان ينام متجردًا، فتجول يده على جميع جسده، والغالب في النهار أنه لا يتجرد فلا تجول يده على جميع جسده، فإن تجرد ألحق بحكم الليل ودخل في معنى الحديث. فمن كان يعلم من حاله أنه طاهر الجسم أو فيه نجاسة وهو في زمن لا يعرق فيه، كان غسل يده ندبًا؛ لأن مرور اليد على النجاسة وهي غير رطبة لا يؤثر في طهارتها. ولا فرق في ذلك بين النائم واليقظان. ومثله إذا كان في زمن يعرق فيه وهي في موضع لا تمر عليه اليد في الغالب، وإن كانت في موضع تمر عليه جرت المسألة على قولين في الماء اليسير تحل فيه ¬

_ = والديباج: 1/ 307، وما بعدها، والتعريف بالأعلام والمبهمات، لابن عبد السلام (بهامش الجامع بين الأمهات بتحقيقنا): 1/ 29، والانتقاء، لابن عبد البر، ص: 52، وشجرة النور، لمخلوف، ص: 59، وطبقات الفقهاء، للشيرازي، ص: 150، والتاريخ الكبير، للبخاري: 2/ 57، والمعرفة والتاريخ، للفسوي: 1/ 195، والجرح والتعديل، لابن أبي حاتم: 2/ 342، والثقات لابن حبان: 8/ 136، والفهرست لابن النديم، ص: 339، ووفيات الأعيان، لابن خلكان: 1/ 238، وتهذيب الكمال، للمزي: 3/ 296، وتاريخ الإسلام، للذهبي: 14/ 64. (¬1) متفق عليه: أخرجه البخاري: 1/ 81، في باب من مضمض واستنشق من غرفة واحدة، من كتاب الوضوء، برقم (188)، ومسلم: 1/ 233، في باب كراهة غمس المتوضئ وغيره يده المشكوك في نجاستها في الإناء قبل غسلها، من كتاب الطهارة، برقم (278)، ومالك في الموطأ: 1/ 21، في باب وضوء النائم إذا قام إلى الصلاة، من كتاب الطهارة، برقم (37).

النجاسة اليسيرة ولم تغير أحد أوصافه، فاختلف فيه: هل ينجس بذلك أم لا؟ فمن جعله نجسًا أوجب عليه غسل اليد، ومن رأى أنه لا ينجس لم يوجبه وكان غسلها ندبًا. وإذا كان وضوؤه من غير نوم وهو بعيد العهد بالماء ولم يغسل يده أمر أن يغسلها على وجه التنظف؛ لإمكان أن يكون مرت يده على بعض أرفاغه (¬1) أو لاقت وسخًا، فمن لم يفعل فلا شيء عليه. وقد اختلفت الأحاديث في مثل ذلك، فالمشهور عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يبتدئ وضوءه بغسل يديه (¬2). وأخرج البخاري عن ابن عباس حديثًا واحدًا أنه وصف وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فابتدأ بالمضمضة ولم يغسل يده (¬3). ¬

_ (¬1) الرفغ -بضم الراء ووقف الفاء-: باطن الفخذ مع العانة، ويقال إن مجمع العرق حيث كان من الجسم: رفغ، وجمع ذلك أرفاغ: مغبن ومغابن. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 12. قال ابن منظور: الأرفاغ: جمع رفغ، وهو أُصولُ الفَخِذَينِ منْ باطِنٍ وهُمَا ما اكْتَنَفَا أعالِي جانِبَيِ العانَة عِنْدَ مُلْتَقَى أعالِي بواطِنِ الفَخِذَينِ وأعْلى البَطْنِ. وقيل: كُلُّ مجُتْمَعِ وَسَخٍ منَ الجسَدِ. انظر: لسان العرب: 8/ 429. (¬2) يشير الإمام -رحمه الله- إلى ما أخرجه البخاري: 1/ 80، في باب غسل الرجلين إلى الكعبين، من كتاب الوضوء، برقم (184)، ومسلم واللفظ له: 1/ 210، في باب في وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم -، من كتاب الطهارة، برقم (235)، ومالك في الموطأ: 1/ 18، في باب العمل في الوضوء، من كتاب الطهارة، برقم (32)، من حديث عبد الله بن زيد الأنصاري - رضي الله عنه - قال قيل له: توضأ لنا وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعا بإناء فأكفأ منها على يديه فغسلهما ثلاثا ثم أدخل يده فاستخرجها فمضمض واستنشق من كف واحدة. . . الحديث). (¬3) أخرجه البخاري: 1/ 65، في باب غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة، من كتاب الوضوء، برقم (140) من حديث عطاء بن يسار عن ابن عباس: أنه توضأ فغسل وجهه ثم =

والمضمضة والاستنشاق سنتان لفعله - صلى الله عليه وسلم - لهما ولقوله: "مَنْ تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ" (¬1) وليس بواجب؛ لقوله سبحانه: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] والوجه ما واجه، وهذه بواطن. وإن أدخل المتمضمض إصبعه ودلّك بها أسنانه فذلك حسن، فإن طرح الماء صافيًا وإلا غسل تلك الإصبع قبل إعادتها في الإناء وأعاد المضمضة، ويبالغ في الاستنشاق ما لم يكن صائمًا ويضع يده على أنفه عند نثره؛ لأنه أبلغ في النظافة وفي طرح ما هناك. وأنكر مالك في "المجموعة" أن يستنثر (¬2) من غير أن يضع يده على أنفه (¬3). ومن ترك المضمضة أو الاستنشاق أتى بما ترك، ولم يستأنف الوضوء ولم يعد الصلاة إن كان ناسيًا. واختلف في المتعمد، فقيل: لا إعادة عليه، وقال ابن القاسم في "العتبية": أحب إلي أن يعيد ما دام في الوقت (¬4). قال الشيخ -رحمه الله- والإعادة في العمد والنسيان أحسن وأحوط ليخرج من الخلاف ومن القول أنهما فرض. ¬

_ = أخذ غرفة من ماء فمضمض بها واستنشق ثم أخذ غرفة من ماء فجعل بها هكذا أضافها إلى يده الأخرى فغسل بهما وجهه. . ثم قال هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ). (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 71، في باب الاستنثار في الوضوء، من كتاب الوضوء في صحيحه، برقم (159)، ومسلم: 1/ 212، في باب الإيتار في الاستنثار والاستجمار، من كتاب الطهارة، برقم (237)، ومالك في الموطأ: 1/ 19، في باب العمل في الوضوء، من كتاب الطهارة، برقم (33). (¬2) الاستنثار: طرحك الماء من أنفك. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 9. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 41، والبيان والتحصيل: 1/ 92. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 163.

والفرض في الوجه غسل جميعه، وأول ذلك منبت الشعر من الجبهة إلى آخر الذقن، والنزعتان (¬1) من الرأس تمُسحان ولا تغسلان. قال الشيخ أبو محمد عبد الله بن أبي زيد في شعر الصدغين: "من الرأس" (¬2)، يريد ما لم يكن منه داخلًا في دور الوجه فإنه يغسل لأنه من الوجه. وغسل ما بين المنخرين (¬3) وظاهر الشفتين فرض. وفي البياض الذي بين العذار والأذن ثلاثة أقوال، فقيل: يغسل لأنه من الوجه. وقيل: لا يغسل وليس من الوجه، وقيل: يغسله الأمرد والمرأة، والخفيف العذار (¬4) من الرجال، ولا يغسله الكثيف العذار؛ لأنه ساتر لما وراءه. وعلى الأول فقهاء الأمصار؛ الشافعي (¬5) وأبو حنيفة (¬6). وأرى أن تغسل ذلك المرأة ومن ذُكر معها؛ لأن ذلك مواجه منهم. وفي الكثيف العذار نظر، فيصح أن يقال: إنه واجب؛ لأن الخطاب بوجوب الطهارة يتوجه قبل الالتحاء، فلا يزول ذلك الفرض بحدوث ساتر، وأن يقال: إن الفرض الأول سقط، وإن الخطاب يتوجه على ما يقع عليه ¬

_ (¬1) الْأَنْزَعُ: هو الذي له نَزَعَتَانِ بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ بَيَاضَانِ يَكْتَنِفَانِ نَاصِيَتَهُ انظر: حاشية الدسوقي: 1/ 86. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 38، وعبارته: (قال غيره: وشعر الصدغين من الرأس يدخل في المسح) وغيره أي: غير ابن حبيب. (¬3) المنخر: ثُقْبُ الأَنْفِ. انظر: لسان العرب: 5/ 197. (¬4) الأَمْرَدُ: الشابُّ الذي بلغَ خروج لِحْيته وطَرَّ شاربه ولم تبد لحيته، والعِذَار جانب اللحية. انظر: لسان العرب: 3/ 400، 4/ 545. (¬5) انظر: روضة الطالبين: 1/ 51. (¬6) انظر: المبسوط، للسرخسي: 1/ 10

المواجهة في حين أداء الفرض. وذكر القاضي أبو محمد عبد الوهاب (¬1) في بعض كتبه أن غسله سنة (¬2). واختلف في تخليل اللحية وفي غسل ما خرج عن الذقن، فروى ابن القاسم عن مالك أنه لا يخلل، وروى عنه في "العتبية" أنه قال: اللحية من الوجه ويُمِرّ عليها (¬3) الماء. وكأنه ذهب إلى أن الخطاب في الوجه ما واجه الآن، وليس ما كان حين البلوغ، نحو ما تقدم في البياض الذي بين العذار والأذن. وقال محمد بن عبد الحكم (¬4): عليه أن يخلل. ¬

_ (¬1) هو: أبو محمد، عبد الوهاب بن علي بن نصر بن أحمد بن الحسين بن هارون بن مالك بن طوق التغلبي، البغدادي، القاضي، الإمام، المتوفى سنة 422 هـ، قال الخطيب البغدادي: "لم تر المالكية أحدًا أفقه منه"، روى عن الحسين بن محمد بن عبيد العسكري، وعمر بن سبنك، ورأى الأبهري ولم يرو عنه، خرج من بغداد إلى مصر فأكرمه المغاربة فيها حتى اغتنى، قال ابن خلِّكان: عندما وصل إلى الديار المصرية وحصل له شيء من المال وحسُن حاله مرض من أكلة اشتهاها، فذُكر عنه أنه كان يتقلب ويقول: "لا إله إلا الله عندما عشنا متنا". انظر ترجمته في: التعريف بالأعلام والمبهمات، لابن عبد السلام (بهامش الجامع بين الأمهات بتحقيقنا): 1/ 47، وشجرة النور، لمخلوف ص: 103، وتاريخ بغداد، للخطيب: 11/ 31، ووفيات الأعيان، لابن خلكان: 3/ 219، والبداية والنهاية، لابن كثير: 12/ 32. (¬2) الذي وقفت عليه في التلقين قول القاضي: (ثم ينظر فإن كان كثيفًا قد ستر البشرة سترًا لا تتبين معه انتقل الفرض إليه وسقط فرض إيصال الماء إلى البشرة وإن كان خفيفا تبين منه البشرة لزم إمرار الماء عليه). انظر: التلقين: 1/ 19. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 33، 34، والبيان والتحصيل: 1/ 98. (¬4) هو: أبو عبد الله، محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري، الفقيه، المتوفى سنة 268 هـ، سمع من: ابن وهب، ومن أبي ضمرة الليثي، وابن أبي فديك وأشهب بن عبد العزيز، ووالده عبد الله بن عبد الحكم، والشافعي، روى عنه النسائي في "سننه"، وابن خزيمة، وابن صاعد، وآخرون، له تصانيف كثيرة، منها: كتاب في "الرد على الشافعي"، وكتاب" =

وقال الشيخ أبو بكر الأبهري (¬1): ليس عليه غسل ما طال عن الذقن وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أَنَّهُ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً" (¬2)، ومعلوم أن نقل الماء مرة لا يستوعب غسل الوجه وتخليل أصول شعر اللحية. وروى الترمذي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَّهُ كَانَ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ" (¬3). وقد يحمل هذا ¬

_ = أحكام القرآن"، وكتاب "الرد على فقهاء العراق"، وغير ذلك. انظر ترجمته في: المدارك، لعياض: 4/ 157، والديباج، لابن فرحون: 2/ 163، والتعريف بالأعلام والمبهمات لابن عبد السلام (بهامش الجامع بين الأمهات بتحقيقنا): 1/ 60، وشجرة النور، لمخلوف: 1/ 67، وطبقات الفقهاء، للشيرازي، ص: 99، والجرح والتعديل، لابن أبي حاتم: 7/ 300، وطبقات الفقهاء الشافعية، لابن الصلاح: 1/ 191، ووفيات الأعيان، لابن خلكان: 4/ 193، وسير أعلام النبلاء، للذهبي: 12/ 497. (¬1) هو: أبو بكر، محمد بن عبد الله بن صالح بن عمر بن حفص بن عمر بن مصعب بن الزبير بن كعب بن زيد بن مناة بن تميم الأبهري، البغدادي، المتوفى سنة 375 هـ، سمع أبا بكر ابن الباغندي، وأبا القاسم البغوي، وأبا عروبة الحراني، وتفقه ببغداد على أبي عمر محمد بن يوسف القاضي، وولده أبي الحسين، حدث عنه أبو بكر البرقاني، والدارقطني وأثنى عليه، وقال: هو إمام المالكية، إليه الرحلة من أقطار الدنيا. اهـ وقد جمع أبو بكر بين القراءات، وعلو الإسناد، والفقه الجيد، شرح المختصر لعبد الله بن عبد الحكم في أسفار كثيرة ضاع أكثرها وما فضل منها صوره الشيخ إبراهيم المريخي من المكتبة الأزهرية، وصورت النصف الثاني من نسخة حسنة أجود من نسخة الأزهرية من جامعة (جوتة) بألمانيا الشرقية وهو مما ننوي إخراجه بعون الله تعالى، انظر ترجمته في: ترتيب المدارك، لعياض: 6/ 183، والديباج، لابن فرحون: 2/ 206، والتعريف بالأعلام والمبهمات، لابن عبد السلام (بهامش الجامع بين الأمهات بتحقيقنا): 1/ 158، وشجرة النُّور، لمخلوف: 1/ 91، وطبقات الفقهاء، للشيرازي، ص: 167، والفهرست لابن النديم، ص: 341، وتاريخ بغداد، للخطيب البغدادي: 5/ 462، والأنساب للسمعاني: 1/ 77، وسير أعلام النبلاء: 16/ 332. (¬2) سبق تخريجه، ص: 7. (¬3) حسن صحيح، أخرجه الترمذي في سننه: 1/ 46، في باب ما جاء في تخليل اللحية، من =

على أنه كان يخلل الظاهر؛ لأن الماء ينبو عن بعض الشعر لارتفاع بعضه عن بعض، فيكون التخليل (¬1) ليستوعب غسل جميع الوجه الظاهر، ويكون ذلك وفقًا بين الحديثين. ويبدأ في اليدين باليمنى لقول عائشة - رضي الله عنه -: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعجبه التيامن في تنعله وترجله وطهوره". أخرجه البخاري ومسلم (¬2). فإن هو ابتدأ باليسرى أجزأه. ويتمادى بالغسل إلى المرفقين، واختلف في المرفقين، فذهب مالك وأصحابه إلى أنهما داخلان في فرض اليدين، وذهب أبو الفرج (¬3) وغيره إلى أنهما غير داخلين في الفرض (¬4). وقال القاضي أبو محمد عبد الوهاب: حمل الآية على إدخال المرفقين أولى احتياطًا واستظهارًا، فجعل ذلك من باب الأحوط. ¬

_ = أبواب الطهارة برقم (31)، وقال: هذا حديث حسن صحيح. (¬1) التخليل: أصل التخليل أن يدخل يده في خلال شعره أي بينه وفي وسطه، والخلال البين. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونقع للجُبِّي، ص: 15. (¬2) متفق عليه أخرجه البخاري: 1/ 74، في باب التيمن في الوضوء والغسل، من كتاب الوضوء في صحيحه، برقم (166)، ومسلم: 1/ 226، في باب التيمن في الطهور وغيره، من كتاب الطهارة، برقم (268). (¬3) هو: أبو الفرج، عمر، وقيل: عمرو، بن محمد بن عمرو الليثي، البغدادي، القاضي، المتوفى سنة 330 هـ، وقيل: 331 هـ، نشأته ببغداد، صحب القاضي إسماعيل، وتفقه معه، ولي قضاء طرسوس، وصنف "الحاوي في مذهب مالك"، و"اللمع" روى عنه أبو بكر الأبهري. انظر ترجمته في: ترتيب المدارك، لعياض: 5/ 22، والديباج، لابن فرحون: 2/ 127، والتعريف بالأعلام والمبهمات، لابن عبد السلام (بهامش الجامع بين الأمهات بتحقيقنا): 1/ 50، وشجرة النور، لمخلوف، ص: 79. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 34، 35.

واحتج من نصر القول الأول بأن حروف الجر يُبْدَل بعضها من بعض، وأن معنى قوله سبحانه: {إِلَى الْمَرَافِقِ} مع المرافق، ولما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - "أنه كَانَ يُدِيرُ اَلماءَ عَلَى مِرْفَقَيْهِ" (¬1). والحجّة لمن نصر القول الآخر أن (إلى) بابها الغاية، وهي على ذلك حتى يقوم الدليل على أنها أريد بها غير ذلك، مما تستعمل فيه مجازًا، وأنه - صلى الله عليه وسلم - توضأ فأشرع في العضد وفي الساق، وقال: "مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ وَتَحْجيلَهُ فَلْيَفْعَلْ" (¬2). فبان بهذا الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يزيد في ذلك على الفرض للفضيلة. واختلف في تخليل أصابع اليدين: هل هو واجب أو مستحب؟ وفي تخليل أصابع الرجلين: هل هو مرغب فيه أم لا؟ فذهب ابن حبيب إلى أنه واجب في اليدين مستحب في الرجلين (¬3). وقال ابن شعبان (¬4):. . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) صحيح، أخرجه الدارقطني: 1/ 83، في باب وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كتاب الطهارة، برقم (15)، والبيهقي: 1/ 56، في باب إدخال المرفقين في الوضوء، من كتاب الطهارة، برقم (259). (¬2) أخرجه مسلم: 1/ 216، في باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء، من كتاب الطهارة، 1/ 216، برقم (246). (¬3) انظر: الواضحة، لابن حبيب، ص: 98، وانظر: أيضا: النوادر والزيادات: 1/ 36. قلت: زاد في (ب) (قال: وتخليل أصابع الرجلين في الغسل من الجنابة واجب، ومن تركه فلا غسل له؛ لأنه لمعة). (¬4) هو: أبو إسحاق، محمد بن القاسم بن شعبان بن محمد بن ربيعة العماري، من ولد عمار بن ياسر، المصري، المعروف بابن القرطي، الفقيه الحافظ، المتوفى سنة 355 هـ، إليه انتهت رئاسة المالكية بمصر، أخذ عن أبي بكر بن صدقة وغيره وعنه أبو القاسم الغافقي، وحسن =

مستحب في اليدين (¬1). وقال مالك في مدونة أشهب (¬2) في تخليل الرجلين: ما علمت ذلك، ولا من الجنابة، ولا خير في الغلو والجفاء (¬3). وروى عنه ابن وهب (¬4) أنه رجع إلى تخليل أصابع يديه ورجليه (¬5). وبه قال ابن وهب، وبه أقول؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا تَوَضَّأْتَ ¬

_ = الخولاني وجماعة، ألّف: "الزاهي في الفقه" كتاب مشهور، وكتاب "أحكام القرآن"، وكتاب "مختصر ما ليس في المختصر"، وكتاب "الأشراط"، وكتاب "المناسك". انظر ترجمته في: المدارك، لعياض: 5/ 274، والديباج، لابن فرحون: 2/ 194، والتعريف بالأعلام والمبهمات، لابن عبد السلام (بهامش الجامع بين الأمهات بتحقيقنا): 1/ 212، وشجرة النور الزكية: 1/ 80 وسير أعلام النبلاء، للذهبي: 16/ 78. (¬1) انظر: الزاهي، لابن شعبان لوحة رقم: [5 / أ]. (¬2) مدونة أشهب أو كتاب أشهب، "هو كتاب ألفه أشهب على نسق الأسدية، مخالفًا لابن القاسم في أكثر آرائه. . . ولما قرأ أسد على ابن القاسم الأسدية، وضع أشهب يده في مثلها، فخالفه في جُلِّها، وأقامها لنفسه، وكان أشهب يجتهد برأيه في القضايا التي تُلقى إليه، حتى لو خالف مالكًا - رضي الله عنه - في بعض ما يذهب إليه". انظر: في هذا: ترتيب المدارك: 3/ 253 - 266؛ ودراسات في مصادر الفقه المالكي، ص: 194. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 36، والبيان والتحصيل: 1/ 78. (¬4) هو: أبو محمد، عبد الله بن وهب بن مسلم الفهري، القرشي، المصري، المتوفى سنة 197 هـ. كان أحد أئمة عصره، في الحديث والفقه، صحب مالكًا، وسمع منه قبل ابن القاسم ببضع عشرة سنة، وكان مالك إذا كتب إليه في المسائل يكتب: إلى عبد الله بن وهب المفتي؛ وقال في حقه: عبد الله بن وهب إمام. انظر ترجمته في: ترتيب المدارك، لعياض: 3/ 228، والديباج، لابن فرحون: 1/ 413، والتعريف بالأعلام والمبهمات، لابن عبد السلام (بهامش الجامع بين الأمهات بتحقيقنا): 1/ 15، وشجرة النور، لمخلوف، ص: 58، وطبقات الفقهاء، للشيرازي، ص: 127، والطبقات، لابن سعد: 7/ 518، والتاريخ الكبير، للبخاري: 5/ 218، والجرح والتعديل، لابن أبي حاتم: 5/ 189، والتعديل والتجريح، للباجي: 2/ 945. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 87.

فَخَلِّلْ بَيْنَ أَصَابِعِ يَدَيْكَ وَرِجْلَيْكَ" (¬1). وهذا الحديث ذكره الترمذي. وفائدة التخليل: إيصال الماء وإمرار اليد؛ لأنه بذلك يسمى غاسلًا، فإن لم يستوعب الماء تلك الأصابع (¬2) أو شك في عمومه وجب إيصاله باليد. وإن أيقن بوصول الماء كان التخليل على الخلاف في التدليك، والمشهور من قول مالك أنه لا يجزئ الوضوء إلا بإمرار اليد، وبه يسمى غاسلًا. وقال ابن القاسم عن مالك: ليس عليه أن يحرك الخاتم في وضوء ولا غسل (¬3). وقال عبد العزيز بن أبي سلمة: إن كان ضيقًا فليحركه، وإن كان واسعًا فلا (¬4). وقال ابن شعبان: يحركه، ضيقًا كان أو واسعًا (¬5). قال الشيخ أبو الحسن -رحمه الله-: وأرى أن يحرك الضيق لإيصال الماء فإن أيقن بوصول الماء فيه وفي الواسع، كان تحريكه بدلًا من إمرار اليد. وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أنَّه مَسَحَ جَمِيعَ رَأْسِهِ، بَدَأَ مِنْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِما إِلَى قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى المَوْضِعِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ" (¬6). ¬

_ (¬1) حسن غريب، أخرجه الترمذي في سننه 1/ 57، في باب ما جاء في تخليل الأصابع، من أبواب الطهارة، برقم (39)، وقال: هذا حديث حسن غريب. (¬2) في (ب): (المواضع). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 87. (¬4) ذكره بنحوه ابن أبي زيد في النوادر والزيادات: 1/ 37، قال: (ومن الْعُتْبِيَّة روى معن بن عيسى، عن عبد العزيز بن أبي سلمة، قال: إن كان ضَيَّقًا فأُحِلُّه، وأما الواسع فلا) ولم أقف عليه في العتبية. (¬5) انظر: الزاهي، لابن شعبان، لوحة رقم: [5 / ب]. (¬6) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 80، في باب مسح الرأس كله، من كتاب الوضوء في =

والبداية في المسح من أول منبت الشعر من الوجه والنهاية آخر الجمجمة. وقال ابن شعبان: إلى آخر منبت الشعر (¬1). وليس بحسن؛ لأن ذلك من العنق وليس من الرأس. ويمسح النزعتين وما ارتفع إلى الرأس من شعر الصدغين، ويمسح البياض الذي بين الأذن وشعر الرأس، ولا خلاف أنه يؤمر بمسح جميع الرأس ابتداءً؛ اتباعًا للحديث. واختلف إذا اقتصر على بعضه على أربعة أقوال: فقيل: لا يجزئه إلا مسح جميعه. وإلى هذا ذهب القاضي أبو الحسن ابن القصار (¬2) وابن الجلاب (¬3) وغيرهما، وقال محمد بن مسلمة (¬4): إن مسح الثلثين ¬

_ = صحيحه برقم (183)، ومسلم: 1/ 210، في باب في وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - من كتاب الطهارة، برقم (235)، ومالك في الموطأ: 1/ 18، في باب العمل في الوضوء، من كتاب الطهارة، برقم (32). [. . . . .] ص: 26 (¬1) انظر: الزاهي، لابن شعبان، لوحة رقم: [5 / ب]. (¬2) انظر: عيون الأدلة، لابن القصار: 1/ 162. (¬3) هو: أبو القاسم، عبيد الله بن الحسن -ويقال: ابن الحسن- بن الجلاب البصري، المتوفى سنة 378 هـ، إمام فقيه حافظ، تفقه بالأبهري وغيره، وكان من أحفظ أصحابه وأنبههم وتفقه به القاضي عبد الوهاب وغيره من الأئمة، له كتاب في مسائل الخلاف وكتاب "التفريع" في المذهب مشهور معتمد. انظر ترجمته في: المدارك، لعياض: 7/ 76، والديباج، لابن فرحون: 1/ 461، والتعريف بالأعلام والمبهمات، لابن عبد السلام (بهامش الجامع بين الأمهات بتحقيقنا): 1/ 55، وشجرة النور الزكية: 1/ 92، وطبقات الفقهاء للشيرازي، ص: 168، وسير أعلام النبلاء، للذهبي: 16/ 383، واصطلاح المذهب عند المالكية، لمحمد إبراهيم علي، ص: 234. (¬4) هو: أبو هشام، محمد بن مسلمة بن محمد بن هشام بن إسماعيل بن هشام المخزومي، المدني، المتوفى سنة 216 هـ، روى عن مالك، والضحاك بن عثمان، وإبراهيم بن سعد، =

فأكثر أجزأه (¬1)، قال لأن (¬2) المسح لا يستوعب كل شيء مرّ عليه. وقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه مَسَحَ مَرَّةً (¬3). وقال القاضي أبو الفرج: إن اقتصر على الثلث أجزأه؛ لأن الثلث في حيز الكثير في غير موضع. وقال أشهب (¬4) في "العتبية": إن مسح المقدم أجزأه. قيل له. فإن مسح بعض رأسه ولم يعم؟ قال: يعيد؛ أرأيت لو غسل بعض وجهه أو بعض ذراعيه (¬5). وذهب إلى التفرقة بين المقدم والمؤخر، والأول أحسن. وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه مَسَحَ جَمِيعَ رَأْسِهِ (¬6)، وهو المبين لأمته عن الله تبارك وتعالى، ولو كان يجزئه البعض لفعله وأبانه؛ لأنه كان يحب ما خف على أمته. وما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه مَسَحَ بِنَاصِيَتهِ وَعَلَى العِمَامَةِ (¬7). فحجّة للقول بمسح ¬

_ = وشعيب بن طلحة، روى عنه أبو زرعة الدمشقي، وأبو حاتم الرازي، وغيرهما. انظر ترجمته في: ترتيب المدارك، لعياض: 3/ 131، والديباج، لابن فرحون: 2/ 156، وشجرة النُّور، لمخلوف: 1/ 56، والانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء، لابن عبد البر، ص: 102، وطبقات الفقهاء، للشيرازي، ص: 147. (¬1) انظر: التفريع: 1/ 17، 18. (¬2) قوله: (لأن) يقابله في (ر): (وإن كان). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 80، في باب غسل الرجلين إلى الكعبين، من كتاب الوضوء برقم (184)، ومسلم: 1/ 210، في باب في وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - من كتاب الطهارة، برقم (235). (¬4) في (ب): (مالك). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 103. (¬6) سبق تخريجه، ص: 25. (¬7) أخرجه مسلم: 1/ 247، في باب المسح على الناصية والعمامة، من كتاب الطهارة، برقم (247).

جميعه، ولو كان مسح البعض يجزئ، لاقتصر على ما مسح من الناصية، فتماديه بالمسح على الحائل -وهي العمامة- كالمسح على الخفين. وقيل: ومحمل مسحه على العمامة أن ذلك كان لأمر أوجب ذلك، إما لفساد هواء يخشى مع الكشف أذاه، أو لعارض كان برأسه. ولم يُختلف أنه لا يجزئ في التيمم مسح بعض الوجه، وإن كان الخطاب فيه بـ (الباء). ولا حجة في كونه بدلًا من الوضوء؛ لأن التيمم في اليدين يجزئ إلى الكوعين (¬1)، والأصل في ذلك العضو في الوضوء بالماء إلى المرفقين، وليست الباء ها هنا للتبعيض؛ لأنه يجوز أن يقال: امسح برأسك كله، ولو كانت للتبعيض لكان كلامًا متنافيًا ولم يصح أن يؤكده بـ"كله". ويجوز أن يقول: امسح ببعض رأسك، فلو كانت الباء للتبعيض لكان الكلام مستحيلًا، أو يكون أمر ببعض البعض؛ لأن الباء عنده للتبعيض، ويصير الأمر بالبعض من بعض الأول، وهذا مما لا يفهمه أحد من قول الرجل: امسح ببعض رأسك: وهو بمنزلة قوله -عز وجل-: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية: 22]، {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} [يوسف: 17]. واختلف إذا ذهب الماء من اليد قبل استيعاب مسح جميع الرأس، فقال أشهب في سماعه عن مالك: قلت: أحب إليك أن يمسح مرتين مرتين (¬2)؟ قال: ذلك يختلف بكثرة الماء، فتكون المسحة الواحدة، وبقلته (¬3) فتكون اثنتين. ¬

_ (¬1) الكُوعُ: طرَفُ الزند الذي يلي أَصلَ الإِبْهامِ، وقيل: هو من أَصل الإِبْهام إِلى الزَّنْدِ. انظر: لسان العرب: 8/ 316. (¬2) قوله: (مرتين) زيادة من (ب). (¬3) في (س): (وقيل).

وذكره ابن حبيب عن مالك في مسح المرأة رأسها (¬1)، وقال ابن القاسم في "العتبية": إن مسح رأسه بإصبع واحد أجزأه (¬2)، ومعلوم أن الإصبع لا تعم بالماء. وإلى هذا ذهب إسماعيل القاضي لأنه لا يراعي ما بلغ الماء حين المسح، وشبّهه بالتيمم، وقد يستخف مثل ذلك (¬3) للاختلاف في مسح جميع الرأس إذا كان ذهاب الماء بعد مسح الناصية أو الثلث أو الثلثين على الاختلاف المتقدم. والقياس أن يعمَّ جميعه ببلل يديه، كما عليه أن (¬4) يعمّ غيره من أعضاء الوضوء بالغسل. والفرض في مسح الرأس واحدة، وبلوغ اليدين إلى مؤخره، ولا خلاف أنه لو اقتصر على ذلك ولم يردهما أجزأه، والسنة ردهما من القفا إلى مقدم الرأس (¬5). قال القاضي أبو الحسن علي بن القصار (¬6): ولو بدأ رجل من مؤخر رأسه ¬

_ (¬1) انظر: الواضحة، ص: 107. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 179، وعبارته: (وسئل ابن القاسم عن الذي يمسح خفيه ببعض أصابعه أو يمسح على رأسه ببعض أصابعه دون الكف ويصلي، هل يجزيه ذلك ولا يمسح ثانية؟ فقال ابن القاسم، إذا عم بذلك الرأس وإن مسحه بإصبع واحد أجزأه). (¬3) قوله: (يستخف مثل ذلك) يقابله في (س): (يستحب هذا). (¬4) قوله: (عليه أن) ساقط من (ر). (¬5) سبق تخريجه ص: 25. (¬6) هو: أبو الحسن، علي بن عمر بن أحمد، البغدادي، المعروف بابن القصار، المتوفى سنة 397 هـ، كان من كبار تلامذة القاضي أبي بكر الأبهري، وممن تلمذ له القاضي عبد الوهاب، ومن تصانيفه الكتاب المشهور في الخلافيات: "عيون الأدلة" حقق بعضه، اعتمادًا على بقايا نسخة خطية له. انظر ترجمته في: ترتيب المدارك، لعياض: 7/ 7، والديباج، لابن فرحون: 2/ 100، والتعريف بالأعلام والمبهمات، لابن عبد السلام (بهامش الجامع بين الأمهات بتحقيقنا): 1/ 28، وشجرة النور، =

إلى مقدمه لكان المسنون أن يَرُدَّهما من المقدم إلى المؤخر (¬1). واختلف في رد اليدين ثالثة، فقيل: لا فضيلة في ذلك. وعلى هذا غير واحد من البغداديين. وقال إسماعيل القاضي (¬2): جاءت أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسح الرأس ثلاثًا (¬3). قال: ويمكن أن يكون ذلك أن يُمِرّ اليدين من المقدم إلى المؤخر ثم يردهما إلى المقدم ثم يردهما إلى المؤخر؛ نحو ما روي عن عطاء، يريد ولا ¬

_ = لمخلوف: 1/ 92، وطبقات الفقهاء، للشيرازي، ص: 142، وتاريخ بغداد: 12/ 41، واصطلاح المذهب عند المالكية، لمحمد إبراهيم علي، ص: 260. (¬1) انظر: عيون الأدلة، لابن القصار: 1/ 189. (¬2) هو: أبو إسحاق، إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد بن درهم بن بابك الجهضمي، الأزدي، القاضي، المتوفى سنة 282 هـ، أصله من البصرة بها نشأ، واستوطن بغداد وسمع سليمان بن حرب الواشحي وحجاج بن منهال الأنماطي ومسددًا والقعنبي وأبا الوليد الطيالسي وعلي بن المديني، وسمع أيضًا من أبيه ونصر بن علي الجهضمي، وأبي بكر بن أبي شيبة، وأبي مصعب الزهري، وغيرهم وتفقه بابن المعدل، وروى عنه موسى بن هارون، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وأبو القاسم البغوي، ويحيى بن صاعد، وغيرهم. وممن تفقه به وروى عنه ابن أخيه إبراهيم بن حماد، وابنا بكير، وأبو الفرج القاضي، والفريابي، ويحيى بن عمر الأندلسي، وخلق. انظر ترجمته في: المدارك، لعياض: 4/ 276، والديباج، لابن فرحون: 1/ 282، والتعريف بالأعلام والمبهمات، لابن عبد السلام (بهامش الجامع بين الأمهات بتحقيقنا): 1/ 70، وشجرة النور، لمخلوف، ص: 65، وحلية الأولياء، لأبي نعيم: 10/ 250، وتاريخ بغداد، للخطيب: 6/ 284، والمنتظم، لابن الجوزي: 12/ 246، وسير أعلام النبلاء، للذهبي: 13/ 339. (¬3) أخرجه البيهقي في سننه: 1/ 63، باب التكرار في مسح الرأس، من كتاب الطهارة، برقم (301) من حديث عبد خير الهمداني أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - دعا بماء فتوضأ فغسل كفيه ثلاثا ثلاثا وتمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا وغسل وجهه ثلاثا وغسل يديه ثلاثا ثلاثا ومسح برأسه ثلاثا وغسل قدميه ثلاثا ثلاثا ثم قال هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل.

يستأنف الماء للثانية ولا للثالثة. وقد يدخل ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه مسح ثلاثًا في الحديث أنه توضأ ثلاثًا ثلاثًا (¬1)؛ لأنه لم يخص ما سوى الرأس، ولا فائدة في إعادة اليد الثانية والثالثة إلا أن يكون قد بقي في اليد بلل. والغالب بقاء البلل في اليد. والمرأة في مسح الرأس بمنزلة الرجل تمسح جميعه، ويختلف في مسحها الدلالين وما طال من الشعر عن القفا، نحو ما تقدم فيما طال من شعر اللحية عن الذقن. وقال في "المدونة": تمسح الدلالين. قال: وكذلك الرجل الذي له الشعر الطويل (¬2). وقال في "الواضحة": إذا كان شعرها مرسلًا انتهت إلى آخره (¬3). وهذا هو أحد القولين، وعلى القول الآخر ليس عليها أن تمسح إلا ما قابل الجمجمة. وإن كان معقوصًا (¬4) مسحت على عقصتها (¬5) وتباشر الشعر بالمسح، ولا تمسح على الوقاية (¬6)، ولم يرها مالك في ذلك بمنزلة الخفين (¬7)، وكذلك الحناء تكون برأسها، فإن عمّته بالحناء لم يجزها المسح عليها. وإن سترت الحناء بعض الشعر ¬

_ (¬1) سبق تخريجه، ص: 7. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 124. (¬3) انظر: الواضحة: ص 107. (¬4) معقوصًا: أي مميلا على حرف بمعنى الضفائر لأنها مركبة على حرف، والضُّفُر جمع ضفير، يقال ضفير وضفر مثل غدير وغُدُر، ومن قال صفيرة قال في الكثير ضفائر. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 15. (¬5) في (ر): (عفطتها). (¬6) الوقاية: هي الخرقة التي تعقد بها المرأة شعر رأسها لتقيه من الغبار. انظر: الثمر الداني، ص: 53. (¬7) انظر: المدونة: 1/ 124.

فصل اختلفت الأحاديث في تجديد الماء لمسح الرأس

جرى على الاختلاف فيمن مسح بعض رأسه فينظر القدر الذي ظهر، إلا أن تكون فعلت ذلك لعلة فيجزئها المسح. وإن سترت الحناء جميعه، فإذا أزالتها أعادت مسح ما تستر (¬1)، وإن ذهب أو انتثر بعضه مسحت ما ظهر منه على قول لمالك، وعلى قول أشهب لا تعيد المسح إذا لم يذهب ما على الناصية. وعلى قول أبي الفرج ومحمد بن مسلمة: لا تعيد إذا كان قدر الذي لم يذهب منه لو اقتصر عليه بالمسح لأجزأ. واختلف فيمن حلق رأسه بعد مسحه، فقال مالك: ليس عليه أن يعيد المسح. وقال عبد العزيز بن أبي سلمة: يعيد. قال الشيخ أبو الحسن -رحمه الله-: ولو قطعت يده أو (بضعة) (¬2) من مواضع الوضوء بعد أن توضأ لغسل ما ظهر بعد ذلك أو مسحه إذا كان له عذر عن غسله؛ لأن الخطاب بالوضوء يتوجه عن القيام إلى الصلاة، والوضوء قبل ذلك توسعة، فإذا لم يتلبس بالصلاة حتى صار إلى حالة يكون بها ناقص الطهارة لم يجزه ما تقدم. وكذلك من كانت له وفرة فحلقها قبل أن يصلي، فإنه يعيد المسح. فصل اختلفت الأحاديث في تجديد الماء لمسح الرأس اختلفت الأحاديث في تجديد الماء لمسح الرأس، فروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في البخاري ومسلم أَنَّهُ مَسَحَ رَأْسَهُ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدَيْهِ (¬3). وذكر البخاري في باب ¬

_ (¬1) قوله: (مسح ما تستر) يقابله في (س): (المسح لما تستقبل). (¬2) في (ر): (قطعة). (¬3) أخرجه مسلم: 1/ 211، في باب في وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم -، من كتاب الطهارة، برقم (236)، ولم =

غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة أنه لم يجدد الماء لمسح رأسه (¬1). ولم يختلف المذهب أنه يجدد الماء، ويختلف إن هو لم يفعل، ومسح بفضل غسل ذراعيه إذا بقي فيهما من الماء ما يعم به رأسه قياسًا على من توضأ بماء قد توضأ به. وقال ابن الماجشون (¬2): إذا كان بلحيته بلل وبعد منه الماء فليمسح به (¬3). والأذنان يُمسحان ولا يُغسلان. واختلف هل مسحهما فرض أو سنة؟ وهذا في أشراف الأذنين ظاهرهما وباطنهما. فأما الصماخان (¬4) فسنة قولًا واحدًا. وقال مالك في "المدونة": والأذنان من الرأس، يستأنف لهما الماء (¬5)، يريد أنهما بعضه، ولهما حكمه في المسح. ¬

_ = أقف عليه في صحيح البخاري. (¬1) أخرجه البخاري: 1/ 65، في باب غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة، من كتاب الوضوء في صحيحه، برقم (140). (¬2) هو: أبو مروان، وقيل أبو دينار، عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الملك بن عبد العزيز ابن الماجشون، واسم الماجشون ميمون، وكنيته أبو سلمة، المدني، الفقيه، المتوفى سنة 213 أو 214 هـ، دارت عليه الفتوى في أيامه إلى موته وكان ضرير البصر، ويقال عمي آخر عمره، وبيته بيت علم وخير، أخذ عنه ابن حبيب وسحنون. انظر ترجمته في: ترتيب المدارك، لعياض: 3/ 136، والديباج: 2/ 6 شجرة النور، لمخلوف، ص: 56، والانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء، لابن عبد البر، ص: 104، والتعريف بالأعلام والمبهمات، لابن عبد السلام (بهامش الجامع بين الأمهات بتحقيقنا): 1/ 9، وطبقات الفقهاء، للشيرازي، ص: 148، والطبقات الكبرى، لابن سعد: 5/ 442، والتاريخ الكبير، للبخاري: 5/ 424. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 40. (¬4) الصِّماخُ من الأُذن الخرقُ الباطن الذي يُفضي إِلى الرأْس. انظر: لسان العرب: 3/ 34. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 124.

وقال محمد بن مسلمة: مسحهما فرض، وقال عبد الملك بن حبيب: مسحهما سنة (¬1). واختلف بعد القول إنهما (¬2) فرض، إذا لم يمسحهما، فقال محمد بن مسلمة: لا إعادة عليه؛ لأن المسح لا يستوعب، وهو أصله إذا ترك من الرأس الثلث. وقال الشيخ أبو بكر الأبهري: لم يوجب مالك الإعادة عليه لأن الخلاف فيهما من وجهين: أحدهما: هل من الرأس؟ والثاني: هل يجب إيعابه جميع الرأس؟ وقال أبو جعفر الأبهري: قال قوم من أصحابنا: إن ترك ذلك عمدًا أعاد الوضوء، وحملوا قول مالك على النسيان استحبابًا. واختلف في تجديد الماء لهما، فقال مالك: يستأنف الماء لهما (¬3)، وقال محمد بن مسلمة: إن شاء مسحهما مع رأسه (¬4). والأحاديث الصحاح تقتضي أنه لم يكن يستأنف الماء لهما (¬5)، وأن الصحابة - رضي الله عنهم - الناقلين لحديثهم كانوا يعتقدون أنهما من الرأس، وبعضًا من أبعاضه؛ لأنهم إذا بلغوا في صفة وضوئه - صلى الله عليه وسلم- مسح الرأس قالوا: مسح برأسه وغسل رجليه، وقال عبد الله بن زيد بن عاصم: بدأ من مقدم رأسه حتى بلغ بهما قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: الواضحة: ص: 75. (¬2) في (ب): (أنه). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 124. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 39. (¬5) انظر: ما أحلنا عليه في الأحاديث السابقة. (¬6) سبق تخريجه، ص: 25.

فصل فرض الرجلين الغسل إلى الكعبين

فكان عندهم أن قولهم: "مسح برأسه" يفهم منه أن الأذنين داخلتان في ذلك؛ وأنهم لا يحتاجون إلى ذكرهما مع تسليمهم أنهما من أعضاء الوضوء وأنهما يمسحان، وهكذا رويت أحاديث الوضوء في الموطأ، والبخاري، ومسلم: لا يذكرون أنه مسح أذنيه. فصل فرض الرجلين الغسل إلى الكعبين فرض الرجلين الغسل إلى الكعبين. واختلف في الكعبين ما هما؟ وهل هما داخلان في فرض الرجلين؟ فقال في "المدونة": الكعبان (¬1) هما اللذان في الساقين والقطع تحتهما (¬2). قال في "المختصر": وليس الظاهر في ظهر القدم (¬3). وذكر القاضي أبو محمد عبد الوهاب عن ابن القاسم عن مالك أنه قال: هما اللذان في ظهر القدمين عند معقد الشِّرَاك (¬4). والقول الأول أصح، وهو الذي عليه أهل اللغة؛ قال ابن فارس في "مجمل اللغة": الكعب هو عظم طرف الساق عند ملتقى القدم والساق (¬5). وقال الخليل بن أحمد: الكعب ما أشرف من الرسغ فوق القدم، والعير العظم الناتئ فوق القدم (¬6). والعير هو الذي ذكر عن مالك أنه هو الكعب في ¬

_ (¬1) الكعبان: العظمان في أصل الساق. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 17. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 130. (¬3) انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 1/ 124. (¬4) انظر: للقاضي عبد الوهاب: 1/ 19. (¬5) انظر: معجم مقاييس اللغة: 5/ 150. (¬6) انظر: كتاب العين: 1/ 207.

إحدى الروايتين. واختلف في الكعبين هل هما داخلان في الفرض كالاختلاف المتقدم في المرفقين. ولم يرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم -أنه غسل كعبيه إلا ما روي أنه شرع في الساق على وجه الفضيلة (¬1). وقد يفرق بينهما وبين المرفقين أن الحد في الكعبين من غير جنس المحدود. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم: 1/ 216 في باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء، من كتاب الطهارة، برقم (246).

باب في المياه

باب في المياه المياه ستة: طاهر مطهر، وطاهر غير مطهر، وطاهر مختلف في تطهيره، ونجس، ومختلف في طهارته، ومختلف فيه هل هو نجس أو طاهر مطهر. فالأول: مياه السماء والأنهار والآبار والبحار وما يكون عن البرد والجليد. كل هذه المياه مطهرة. وقال مالك في "المجموعة" فيما يجتمع من الندى: يتوضأ به (¬1). والأصل في هذه الجملة قوله سبحانه: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48]، وقوله: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ} [المؤمنون: 18]. ومياه الأنهار والآبار وغيرها (¬2) مطهرة؛ لأنها من السماء أسكنت في الأرض، وداخل في قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48]. والطهور: المطهر؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا" (¬3)، أي: مطهرة؛ لأن التراب كان قبله طاهرًا، وإنما خص بأن يكون مطهرًا، أي يتيمم به فيقوم مقام الماء عند عدمه. وفي الصحيحين أنه - صلى الله عليه وسلم - عاد مريضًا فقال: "لاَ بَأْسَ، طَهُورٌ إِنْ شَاءَ الله" (¬4)، يريد أن المرض ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 114. (¬2) قوله: (وغيرها) ساقط من (ر). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 128، في أوائل كتاب التيمم من صحيحه، برقم (328)، ومسلم: 1/ 370، في أوائل كتاب المساجد ومواضع الصلاة: برقم (521). (¬4) أخرجه البخاري 3/ 1324، في باب علامات النبوة في الإسلام، من كتاب المناقب، برقم =

مطهر من الذنوب، ولم يرد أن المرض طاهر. والقسم الثاني: المياه المستخرجة من الرياحين والورد وغيرها من الأشجار والفواكه: طاهرة غير مطهرة. ولا خلاف بين فقهاء الأمصار وغيرهم -إلا من شذ- أن المياه التي خوطبنا بالطهارة بها غير هذا الصنف، وأنها المياه المشهورة المعروفة. فهذان الصنفان أصل المياه: طاهر مطهر، وطاهر غير مطهر، وما سوى هذين فإنما هو لما يدخل على الماء المطهر ويخالطه، والذي يخالطه ثلاثة: طاهر ينفك منه، وطاهر لا ينفك منه في الغالب، ونجس. فإن خالط الماء أحد المياه الطاهرة المستخرجة من الرياحين وما أشبهها أو غيرها من المائعات، كاللبن والطعام، ولم يتغير أحد أوصافه: لونه أو طعمه أو ريحه، كان على أصله طاهرًا مطهرًا. وإن تغير أحد أوصافه وكانت أجزاء ما خالطه أكثر، كان غير مطهر. وإن كانت أجزاؤه قليلة كان في المسألة قولان، والمعروف من المذهب أنه غير مطهر ويتيمم إن لم يجد غيره، فإن توضأ به أعاد وإن ذهب الوقت. وروى عن مالك: أنه مطهر، وأن تَرْكه مع وجود غيره على وجه الاستحسان. وقال في "المجموعة" في الغدير ترده الماشية فتبول فيه وتروث حتى يتغير لونه وطعمه: ما يعجبني أن يتوضأ به من غير أن أحرمه (¬1). ¬

_ = (3420)، ولم أقف عليه في صحيح مسلم. (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 80.

فصل في الماء والطعام يموت فيه خشاش الأرض

فعلى هذا تجزئ الصلاة به، وتستحسن الإعادة ما لم يخرج الوقت. وإن عدم غيره لم يقتصر على التيمم ويتوضأ به ويتيمم. وفي "السليمانية" في البئر يقع فيه ورق النخل أو ورق الزيتون أو التين فيتغير لون الماء، قال: لا يتغيّر لونه إلا وطعمه قد تغّير، فلا يتوضأ به، فإن فعل وصلى أعاد ما لم يذهب الوقت. وهذا نحو الأول. فصل في الماء والطعام يموت فيه خشاش الأرض فإن تغيّر لون الماء مما يتولد عنه، كالطحلب وخز الماء (¬1) والضريع، أو ما يحدث عن قراره كالحمأة، أو من قراره كالتراب والكبريت والزرنيخ والشبّ والنحاس والحديد، كان طاهرًا مطهرًا. وسواء كان تغيره منه وهو في قراره، أو صنع منه إناء فتغير الماء منه. وقد فرّق بعض أهل العلم بين تغيّر الماء من هذه الأشياء في حال كونها قرارًا لها أو طرح فيه، ولا فرق بين الموضعين. ولم يكره أحد ممن مضى الوضوء من إناء الحديد على سرعة تغير الماء فيه، ومعلوم أنه يغير طعم الماء، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يتوضأ من إناء صفر (¬2)، ومعلوم أنه يغير طعم الماء. وكان عمر بن عبد العزيز يسخن له الماء ¬

_ (¬1) خز الماء: هو ما ينبت في جوانب الجدار الملاصقة للماء. انظر مواهب الجليل، للحطاب: 1/ 78. (¬2) أخرجه البخاري: 1/ 83، في باب الغسل والوضوء في المخضب والقدح والخشب والحجارة، من كتاب الوضوء، برقم (194) ولفظ الحديث: (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زيدٍ قَالَ: أَتَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاء فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ فَتَوَضَّأ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ =

فصل في الوضوء بسؤر بني آدم والدواب

في إناء من صفر (¬1). فصل في الوضوء بسؤر بني آدم والدواب وإن خالط الماء نجاسة فتغير بذلك لونه أو طعمه كان نجسًا قولًا واحدًا. وإن لم يتغير لونه ولا طعمه وكان الماء قليلًا كالجرة والإناء يقع فيهما اليسير من النجاسة، والبئر القليلة الماء تقع فيها الفأرة أو الوزغة أو الدجاجة- فاختلف فيه على أربعة أقوال: فقيل: هو على أصله طاهر مطهر. وقيل: هو مكروه ويستحب تركه مع وجود غيره. وقيل: نجس. وقيل: مشكوك في حكمه هل هو طاهر أو نجس؟ فروى أبو مصعب عن مالك أنه قال: الماء كله طهور، إلا ما تغير لونه أو طعمه أو ريحه لنجاسة حلت فيه، معينًا كان أو غير معين (¬2). فعلى هذا يتوضأ به من غير كراهية. وقيل في طين المطر يكون فيه البول أو الروث فيصيب الإنسان منه شيء: إن له أن يصلي به ولا يغسله (¬3). ¬

_ = وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَقْبَلَ بِهِ وَأَدْبَرَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ). (¬1) لم أقف عليه، وهو مشهور عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كما رواه البخاري: 1/ 82، في باب وضوء الرجل مع امرأته وفضل وضوء المرأة، من كتاب الوضوء في صحيحه، بلفظ: (وتوضأ عمر بالحميم من بيت نصرانية). وما روي عن عمر بن عبد العزيز أورده في النوادر: 1/ 140. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 76. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 127.

وفي مختصر ابن الجلاب: إذا وقع في الماء ما له نفس سائلة من سائر الحيوان في بئر فماتت فيه فلم يتغير لونه ولا طعمه ولا ريحه، فهو طاهر مطهر، إلا أنا نكره استعماله مع وجود غيره (¬1). وقال أشهب في "مدونته" عن مالك في البئر تقع فيه الفأرة فتنسلخ أو لا تنسلخ أنه ينزح منها، قيل له: أرأيت ما أصاب الثوب؟! قال: يرشه وأرجو أن يكون من ذلك في سعة. ولم يأمره بغسله. وقال ابن القاسم في "المدونة"، ومالك في "المجموعة" وعبد الملك بن حبيب: إنه نجس (¬2). وقال في "المدونة" في الدجاج والإوز تأكل القذر فتشرب من الإناء: لا يتوضأ به، وإن لم يجد غيره تيمم. وإن توضأ به وصلى أعاد ما دام في الوقت (¬3). فأباح الاقتصار على التيمم، وهذا دليل على أنه عنده نجس، وأمضى الصلاة به إذا خرج الوقت مراعاة للخلاف. وقال ابن حبيب في الجلالة من الدواب تأكل القذر: فلا يتوضأ بسؤرها، وليتيمم من لم يجد غيره، لأنه نجس (¬4). وقال عبد الملك بن الماجشون ومحمد بن مسلمة في "المبسوط": هو مشكوك فيه. أي مشكوك في حكمه لا يُقطع بأنه طاهر ولا نجس، وقالا: يتوضأ به ويتيمم ويصلي ليكون قد أدى صلاته على وجه مجمع عليه لترجح الدلائل عندهما، فلم يترجح القول أنه طاهر فيقتصر عليه، ولا أنه نجس فيقتصر على التيمم. ¬

_ (¬1) انظر: التفريع: 1/ 54. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 76، والواضحة: 1/ 185. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 116. (¬4) انظر: الواضحة: 1/ 76.

وإلى هذا ذهب محمد بن سحنون (¬1)، إلا أنه قال: يتيمم ويصلي قبل أن تنجس أعضاؤه بذلك الماء ثم يتوضأ ويصلي (¬2). وهو أحسن؛ لأن التيمم إنما كان خيفة أن يكون نجسًا، فينبغي أن يبتدئ بالتيمم فيصلى به، ثم يتوضأ بذلك الماء ويصلي، فإن حضرت صلاة أخرى وهو على وضوئه ذلك تيمم، وصلى صلاة واحدة، وإن انتقضت طهارته توضأ بما بقي من ذلك الماء وتيمم، ويصلي صلاة واحدة أيضًا. والقول إنه طاهر أحسن، ويستحسن تركه مع وجود غيره ليخرج من الخلاف. فإن هو توضأ به وصلى مضت صلاته، وإن لم يجد غيره استحسنت له أن يحتاط فيتيمم ويصلي، ثم يتوضأ ويصلي. فإن هو اقتصر عليه أجزأه (¬3) وإن اقتصر على التيمم لم يجزه وأعاد، وإن ذهب الوقت؛ لأن الإجماع على طهارة الأنهار كالنيل والفرات وما دونها مع كون النجاسات العظيمة تردهما من المدن المبنية عليهما لا ينقطع جَرْي قنيها (¬4) إليها، ¬

_ (¬1) هو: أبو عبد الله، محمد بن سحنون بن سعيد بن حبيب التنوخي، المتوفى سنة 256 هـ، تفقه بأبيه وسمع من ابن أبي حسان، وموسى بن معاوية، وعبد العزيز بن يحيى المدني، وغيرهم، ورحل إلى المشرق فلقي بالمدينة أبا مصعب الزهري وابن كاسب وسمع من سلمة بن شبيب. كان إمامًا في الفقه ثقة عالمًا بالذب عن مذاهب أهل المدينة عالمًا بالآثار صحيح الكتاب. انظر ترجمته في: المدارك، لعياض: 4/ 204، والديباج، لابن فرحون: 2/ 169، والتعريف بالأعلام والمبهمات، لابن عبد السلام (بهامش الجامع بين الأمهات بتحقيقنا): 1/ 39، وشجرة النور، لمخلوف: 1/ 70، وطبقات الفقهاء للشيرازي، ص: 157. (¬2) قوله: (قبل أن تنجس. . . يتوضأ ويصلي) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (فإن هو. . . أجزأه) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (جري قنيها) في (ر) (جريها) قلت: القني جمع: قناة التي تحفر. انظر: مختار الصحاح، صـ 560.

وهي كأنهار نجسة تصبّ في أنهار طاهرة، والإجماع على أن ذلك لم يكن لكونها أنهارًا؛ وأنه متى كان منها موضع متغير بنجاسة أن ذلك نجس، فدل ذلك على أن المُراعى ظهور أحد أوصاف النجاسات وعدمها، وأنها متى وجدت كان نجسًا، ومتى عدمت كان طاهرًا. وإذا كان ذلك لم يكن فرق بين القليل والكثير. والإجماع على أنه لا يتوضأ باللبن ولا بالعسل، وأنه متى حلّ شيء من ذلك في ماء ولم يغير أحد أوصافه -أنه مطهر، لا ينقله ما حلّ فيه عن حكمه في الأصل، ولا يقال: إنه يتوضأ بعسل أو لبن، فلو نقله الأول إلى النجاسة نقله هذا إلى الإضافة؛ ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في بئر بضاعة، وقيل له: أيتوضأ منها، وهي يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "المَاءُ طَهُورٌ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ " (¬1). ومعلوم أنه لم يرد أنه طهور مع ظهور عين النجاسة، فصحَّ أن الماء طاهر إذا لم تتغير أحد أوصافه. وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي المَاءِ الدَّائِمِ" (¬2)، فذلك على وجه الحماية لما يؤدي إليه فعل ذلك من فساد الماء. والفقه والقياس المنع، ولو لم يرد فيه حديث؛ لأنه متى أبيح إلقاء النجاسة في الماء الراكد (¬3) والبول والاستنجاء وغسل ¬

_ (¬1) حسن، أخرجه أبو داود في سننه: 1/ 66، في باب ما جاء في بئر بضاعة، من كتاب الطهارة، برقم (66)، والترمذي في سننه: 1/ 95، في باب ما جاء الماء لا ينجسه شيء، من أبواب الطهارة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برقم (66)، قال الترمذي: هذا حديث حسن. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 94، في باب البول في الماء الدائم، من كتاب الوضوء في صحيحه، برقم (236)، ومسلم: 1/ 235، في باب النهي عن البول في الماء الراكد، من كتاب الطهارة، برقم (282). (¬3) الراكد من الماء: الذي لا يجري، وأصل الركود السكون. تضغثه بيدها أي تخلطه وتحركه =

النجاسات فيه، كثرت النجاس لكثرة الواردين على الماء وبخاصة ما كان قرب المدن، فيتغير لكثرة ما يحلّ فيه، وقد يظن أن ذلك لما جرت به العادة من التغير لطول المكث بالشمس وغيرها فكان الوجه منع (¬1) ذلك؛ لئلا يفسد ذلك على الناس فيما يحتاجون إليه من شرب أو وضوء والاختلاف المتقدم في الماء القليل. وأما إذا كان الماء كثيرًا، كالآبار (¬2) الكبيرة، والمصانع العظيمة: فإنه لا ينجسها ما حل فيها إذا لم يتغير أحد أوصافه، واختلف إذا تغير ريح الماء خاصة؛ فقول مالك وغيره من أصحابه: إنه نجس (¬3). وقال عبد الملك: هو طاهر. والقول الأول أبين. وإن كانت الرائحة عن المجاورة دون الحلول لم ينجس، وليس حكم الرائحة على انفرادها حكم الجسم يحلّ في الماء، ولو كان ذلك لوجب على الإنسان غسل ثوبه إذا علقت به رائحة النجاس. وكذلك روائح الطيب وغيرها إن كانت عما حل فيه من الطيب كان مضافًا، وإن كان عن مجاورة لم يضف، إلا ما كان من البخور؛ فإن له حكم المضاف لأن النار تصعد بأجزاء منه، ويوجد طعم ما يبخر به من المصطكى (¬4) وشبهها، ويرى عليه منها كالدهنية. ولهذا قيل فيما طبخ بعظم الميتة: إنه لا يؤكل. ¬

_ = وأصل الضغث الخلط. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 17. (¬1) قوله: (الوجه منع) ساقط من (ر). (¬2) في (ب): (كالأنهار). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 74. (¬4) المُصْطُكَى: من العُلُوك (وهو اللبان)، روميّ وهو دخيل في كلام العرب. انظر: لسان العرب: 10/ 455.

فصل [الماء المطلق تجتمع فيه الإضافة والنجاسة]

فصل [الماء المطلق تجتمع فيه الإضافة والنجاسة] والسادس: الماء المطلق تجتمع فيه الإضافة والنجاسة، فإن تقدمت النجاسة ثم حل فيه ما أضافه مما هو طاهر كاللبن أو مياه الرياحين، كان الجواب فيه على ما تقدم أنه طاهر على المستحسن من المذهب. وإن تقدمت الإضافة ثم حلت فيه نجاسة كان نجسًا، لأن المضاف والمائعات لا تدفع عن نفسها. ويجري فيه (¬1) قول آخر: إنه طاهر مطهر قياسًا على قوله في "المجموعة" وما ذكر (¬2) في "السليمانية"، إلا أن تكون أجزاء ما أضافه (¬3) أكثر فلا يكون مطهرًا. ويختلف في نجاسته إذا كانت النجاسة تافهة على ما قاله مالك في "العتبية" في الطعام أو في (¬4) الودك (¬5) تقع فيه النقطة من الخمر أو البول، قال: لا ينجس إلا أن يكون الطعام يسيرًا (¬6). وقال ابن نافع في جبابٍ تكون بالشام للزيت تقع فيها الفأرة: إنه طاهر. قال: وليس الزيت كالماء، وكذلك سمعت. . قال: وسئل مالك عن جباب الزيت تقع فيه الفأرة- فكرهه (¬7). وإذا غسل ثوب أو عجن طعام بما حلّت فيه نجاسة، فإن تغير أحد أوصافه نجس الثوب وطرح الطعام، وإن لم يتغير أحد أوصافه وكان الماء ¬

_ (¬1) في (ش 2): (فيها). (¬2) في (ش 2): (ذكره). (¬3) في (ر): (المضاف). (¬4) قوله: (في) ساقط من (ش 2). (¬5) الوَدَكُ: الدسم، وقيل: دَسَمُ اللحمِ. انظر: لسان العرب: 10/ 509. (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 37. (¬7) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 380.

فصل [في الوضوء بالماء المتوضأ به]

كثيرًا، كان طاهرًا ويؤكل الطعام ولا يغسل الثوب (¬1). وإن كان الماء قليلًا كالإناء يقع فيه اليسير من النجاسة، أو البئر القليلة الماء تقع فيه الفأرة أو الدجاجة ولم يتغير أحد أوصافه، كان الحكم في الطعام وغسل الثوب على الخلاف المتقدم في الوضوء بذلك الماء، فعلى القول الأول: يؤكل الطعام ويصلى بالثوب. وعلى القول الآخر: يستحسن غسل الثوب. وإن صلى به قبل غسله لم يعد، ويستحسن طرح الطعام إن كان يسيرًا، ولا يطرح إذا كان كثيرًا لأنه من إضاعة المال. وعلى القول بأنه مشكوك فيه: يعيد الصلاة ما لم يخرج الوقت، ويطرح الطعام وإن أكثر، ولا يجبر على ذلك. وعلى القول الآخر (¬2) أنه نجس: يعيد الصلاة وإن خرج الوقت إذا كان ذلك من مذهبه فصلى به وهو عالم، ويطرح الطعام وإن كثر جبرًا إذا كان ذلك من مذهبه. فصل [في الوضوء بالماء المتوضَّأ به] واختُلف في الماء الذي قد تُوضئ به، فقيل: يتوضأ به، وهو طاهر مطهر. وهو قول ابن القاسم، إلا أنه يستحسن ألا يتوضأ به مع وجود غيره (¬3). وقيل: هو طاهر غير مطهر ولا يتوضأ به، ومن لم يجد سواه تيمم. وهو قول مالك في "مختصر" ابن أبي زيد (¬4)،. . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 78. (¬2) قوله: (الآخر) ساقط من (س) و (ش 2). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 71. (¬4) هو: أبو محمد، عبد الله بن أبي زيد عبد الرحمن النفزاوي, القيرواني , المتوفى سنة 386 هـ, نسبته إلى نفزة؛ وهي مدينة بالجنوب التونسي، وقيل: إحدى قبائل الأندلس، تفقه بأبي بكر بن اللباد، وأبي الفضل الممسي، وابن العسال, وسعدون بن أحمد الخولاني , وغيرهم، ثم ارتحل إلى المشرق فحجّ =

وابن القاسم في كتاب ابن القصار (¬1)، وأصبغ (¬2) في كتاب ابن حبيب. وقيل: يتوضأ به ويتيمم ويصلي صلاة واحدة. ذكره ابن القصار عن الشيخ أبي بكر الأبهري ورآه في معنى المشكوك في حكمه (¬3). والقول الأول أقيس؛ لأن الوضوء به لا يخرجه عن أن يسمى ماء، ولم يأت حديث ولا إجماع أنه لا يتوضأ (¬4) به إلا عبادة (¬5) واحدة , فوجب أن يكون على أصله، ويكره ذلك ابتداءً لأنه لا (¬6) يسلم من دهنية تخرج من الجسم فتخالطه. ¬

_ = وسمع من ابن الأعرابي، وإبراهيم بن محمد بن المنذر، وأحمد بن إبراهيم بن حماد القاضي، واستجاز ابن شعبان , والأبهري، والمروزي، وأخذ عنه من أهل القيروان أبو القاسم البراذعي صاحب التهذيب واللبيدي، وأبو عبد الله الخواص، وغيرهم، ومن الأندلسين أبو بكر بن موهب المقبري أوَّل شرَّاح الرسالة، وأبو عبد الله بن الحذاء وغيرهما. انظر ترجمته في: ترتيب المدارك، لعياض: 6/ 215، والديباج، لابن فرحون ص: 221، والتعريف بالأعلام والمبهمات، لابن عبد السلام (بهامش الجامع بين الأمهات بتحقيقنا): 1/ 43، وشجرة النور، لمخلوف: 1/ 57، وفهرست ابن النديم، ص: 283، وفهرس مخطوطات خزانة القرويين: 1/ 588. (¬1) انظر: عيون الأدلة، لابن القصار: 2/ 705. (¬2) هو: أبو عبد الله، أصبغ بن الفرج بن سعيد بن نافع، مولى عبد العزيز بن مروان، المتوفى سنة 225 هـ , وقيل: 224 هـ , سكن الفسطاط، روى عن الدراوردي، وابن سمعان ويحيى بن سلام وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم. ثم رحل إلى المدينة ليسمع من مالك، فدخلها يوم مات، وصحب ابن القاسم، وأشهب، وابن وهب، وسمعٍ منهم، وتفقه بهم، كان من أفقه أهل مصر، وعليه تفقه ابن المواز، وابن حبيب، كان فقيهًا، نظارًا، له تواليف حسان منها: كتاب سماعه من ابن القاسم اثنان وعشرون كتابًا انظر ترجمته في: ترتيب المدارك، لعياض: 4/ 17، والديباج، لابن فرحونه 1/ 299، والتعريف بالأعلام والمبهمات، لابن عبد السلام (بهامش الجامع بين الأمهات بتحقيقنا): 1/ 6، وشجوة النور، لمخلوف: 1/ 66، وطبقات الفقهاء، للشيرازي، ص: 153. (¬3) قوله: (في حكمه) ساقط من (ر). وانظر: عيون الأدلة، لابن القصار: 2/ 705. (¬4) في (ب) و (س) و (ش 2): (تؤدى). (¬5) في (ش 2): (صلاة). (¬6) قوله: (لا) ساقط من (ر).

باب في الماء والطعام يموت فيه خشاش الأرض

باب في الماء والطعام يموت فيه خشاش الأرض ومن "المدونة" قال مالك: كل ما وقع من خشاش الأرض (¬1) في إناء أو في (¬2) قدر (¬3) فإنه يتوضأ بالماء ويؤكل ما في القدر (¬4). ويحمل قوله على أنها أُخرجت من الماء والطعام بقرب ذلك، فإن طال مكثها حتى خرج منها شيء أو تفرقت أجزاؤها، فإنه يعود الجواب فيه إلى حكم ما حلّت فيه النجاسة، ويختلف في الماء القليل إذا لم يتغير أحد أوصافه ويطرح الطعام؛ لأنه قال في الجراد والحلزون (¬5) وما أشبه ذلك: لا يؤكل إلا بذكاة (¬6). وقال أبو محمد عبد الوهاب في "التلقين": كل ما لا نفس له سائلة كالزنبور والعقرب والصرار وبنات وردان وشبه ذلك حكمه حكم دواب البحر؛ لا ينجس في نفسه ولا ينجس ما مات فيه منها (¬7). فعلى هذا يستعمل الماء ويؤكل الطعام، وكذلك إن طال مكث ذلك فيه وتفرقت أجزاؤه وتغير الطعام به، وإن تغير الماء كان طاهرًا غير مطهر. ¬

_ (¬1) خشاش الأرض: الزنبور وهو ذكر النحل. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 10. (¬2) قوله: (في) ساقط من (ش 2). (¬3) قوله: (في إناء أول في قدر) يقابله في (ر): (إناء فيه ماء أو في قدر فيه طعام). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 115. (¬5) الحَلَزُون: دابة تكون في الرِّمْثِ. انظر: لسان العرب: 5/ 338. (¬6) انظر: الدونة: 1/ 542، ونص ما وقفت عليه فيها: (سئل مالك عن شيء يكون في المغرب يقال له الحلزون يكون في الصحارى يتعلق بالشجر أيؤكل؟ قال: أراه مثل الجراد ما أخذ منه حيا فسلق أو شوي فلا أرى بأكله بأسا، وما وجد منه ميتا فلا يؤكل). (¬7) انظر: التلقين: 1/ 26.

فصل [في اللحوم والأطعمة تطبخ بالماء النجس]

فصل [في اللحوم والأطعمة تطبخ بالماء النجس] واختلف عن مالك في اللحم يطبخ بماء نجس، فقال في "العتبية": يغسل ويؤكل (¬1). وقال عنه أشهب: لا يؤكل. وهو أحسن؛ لأن اللحم يقبل ما طبخ فيه ويخالطه، ويوجد فيه طعم ما يطبخ به. وكذلك الزيتون يطرح في ماء نجس، يختلف فيه حسب ما تقدم، وقال مالك في "المبسوط": إن سقطت فأرة في جرة زيتون طرح ما سقطت فيه (¬2). وإن طبخت بيضة بماء نجس لم تؤكل قياسًا على قوله هذا. وقال ابن القاسم في البيضتين في إحداهما فرخ طبخا معًا: لا تؤكل السالمة (¬3)، ورأى أن الفاسدة أنجست الماء بما خرج منها، ثم أنجس الماء السالمة بما وصل إليها منه. وعلى أحد قولي مالك تؤكل السالمة. وأرى أن يطرح الزيتون؛ لأنه يقبل ما عمل فيه، وتؤكل البيضة؛ لأنها لا تقبل، ومعلوم من الماء يطبخ فيه البيض أنه لا يتغير له لون ولا طعم، ويطبخ في الشيء المتغير اللون والطعم وما فيه أبزار (¬4) ثم يزال قشره فلا يوجد من ذلك التغير ولا من ذلك الطعم فيه شيء. واختلف في الجراد يطبخ وفي بعضه ميت، فقال أشهب: لا يؤكل منه ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 106، 189، والنوادر والزيادات: 1/ 78. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 379. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 374. (¬4) الأبزار هي التوابل، وما يطيب به الطعام. انظر: الصحاح: 2/ 589.

فصل في الوضوء بسؤر بني آدم والدواب وغيرها، من الحيوان وذكر أعراقها وألبانها وأبوالها وأرواثها

شيء، وقال سحنون: يؤكل (¬1) بمنزلة خشاش الأرض تموت في القدر (¬2). وقول أشهب أحسن؛ لأن الجراد يخرج منه في حين الطبخ ما يغير الماء ويقبل الماء الذي يطبخ (¬3) فيه وهو يسقي (¬4) بعضه بعضًا بخلاف البيض. فصل (¬5) في الوضوء بسؤر بني آدم والدواب وغيرها، من الحيوان وذكر أعراقها وألبانها وأبوالها وأرواثها ومن "المدونة": قال مالك: لا بأس بالوضوء بسؤر البغل والحمار (¬6)، وإن أصاب غيره فهو وغيره سواء (¬7)، ولا بأس بعَرَقِ البرذون والبغل والحمار. وقال في "سماع ابن وهب" في الوضوء بفضل الحمار والبغل والفرس وغير ذلك من الدواب، فقال: غيره أحب إلي منه، وإن اضطر إنسان إلى ذلك فلا بأس به. قال الشيخ أبو الحسن -رحمه الله- سؤر بني آدم والحيوان كله -على اختلاف أجناسه- في أسآرها وأعراقها على الطهارة، كان مما يؤكل لحمه أم لا يؤكل، فإن أصاب ثوب رجل لم ينجسه. وإن حلّ في طعام لم يفسده، يؤكل الطعام ويتوضأ بالماء ما لم يتغير أحد أوصافه أو يكون شيء من ذلك شأنه إصابة النجاسة ما خلا الكلب والخنزير فإنه اختلف في سؤرهما هل يتوقى شرعا أو ¬

_ (¬1) في (ب) و (س): (الذكي)، وفي (ش 2): (المذكى). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 357. (¬3) قوله: (يطبخ) زيادة من (س). (¬4) في (ب): (يغير). (¬5) في (ش 2): (باب). (¬6) سُؤر الحمار -بضم السين وتسكين الهمزة- وهو بقية الماء من شربه، وسؤر كل شيء بقية، تقول منه أسأرت أي أبقيت. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 11. (¬7) انظر: المدونة: 1/ 115.

لا؛ لأنها تصيب النجاسة (¬1)؟. وأبوال الحيوان وأرواثها على ثلاثة أوجه: طاهرة، ونجسة، ومختلف فيها، وهي في الجملة تابعة للحومها، فما كان منها محرمًا كان ما يكون (¬2) منها نجسًا، وما كان فيها يؤكل لحمه كالإبل والبقر والغنم وسائر الوحش ما لم يكن ذا ناب من السباع- طاهرًا، أو ما كان مختلفًا في أكله كالخيل والبغال والحمير وكل ذي ناب من السباع يختلف فيما يكون عنها؛ فعلى القول أنها محرمة يكون ذلك نجسًا، وعلى القول أنها مكروهة اللحمان، يتوقى ولا يقطع بنجاسته. والألبان ثلاثة: حلال طاهر، وحرام نجس، ومختلف فيه هل هو حلال طاهر (¬3) أو حرام نجس؛ فلبن ما يؤكل لحمه تابع لِلُحمانها حلال (¬4) طاهر. ولبن الخنزير تابع للحمه حرام نجس، ولبن بنات آدم مخالف للحومهن حلال طاهر؛ لأن تحريم لحومهن إكرام لهن، ولبن ما سوى ذلك كالأتن والسباع والكلاب وما أشبهها مختلف فيه، فقيل: تابع للحومها حرام، وقيل: مكروه وقيل: بخلاف لحومها هو حلال طاهر (¬5). وقال ابن وهب: قال مالك: إن أهل العلم لا يرون على ما أصابه شيء من أبوال الإبل والبقر والغنم- شيئًا (¬6)، وإن أصاب ثوبه فلا يغسله. ويرون على من أصاب ثوبه شيء من أرواث الدواب: الخيل والبغال والحمير أن يغسله. ¬

_ (¬1) قوله: (ما خلا الكلب. . . تصيب النجاسة) ساقط من (ر). (¬2) في (ر): (يخرج). (¬3) قوله: (طاهر) ساقط من (ش 2). (¬4) قوله: (حلال) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (طاهر) ساقط من (ر). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 127.

قال: والذي فرق بين ذلك أن تلك يشرب ألبانها وتؤكل لحومها، وأن هذه لا تؤكل لحومها ولا تشرب ألبانها، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه صَلَّى فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ (¬1). وفي كتاب مسلم: قِيلَ: يَا رَسولَ اللهِ: أُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ؟ قَالَ "نَعَمْ" (¬2). وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أَنهُ طَافَ عَلَى بَعِيره (¬3)، فلو كانت أبوالها وأرواثها نجسة لم يُدْخلها المسجد؛ لأنه لا يؤمن ما يكون منه في حين دخوله ولا طوافه عليه، فلا يجوز أن يعرض المسجد لنجاسة. وأباح للعرنيين أَنْ يَشْرَبُوا أَبْوَالَ الإِبِلِ (¬4)، فلو كانت نجسة لم يبحها، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا شِفَاءَ فِيمَا حَرَّمَ اللهُ" (¬5)، ¬

_ (¬1) متفق عليه, أخرجه البخاري: 1/ 93، في باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها، من كتاب الوضوء في صحيحه، برقم (232)، ومسلم: 1/ 373، في باب ابتناء مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - من كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم (524). (¬2) أخرجه مسلم: 1/ 275، في باب الوضوء من لحوم الإبل، من كتاب الحيض، برقم (360). (¬3) متفق عليه , أخرجه البخاري: 2/ 582 في باب استلام الركن بالمحجن، من كتاب الحج في صحيحه, برقم (1530)، ومسلم: 2/ 926 في باب جواز الطواف على بعير وغيره واستلام الحجر بمحجن ونحوه للراكب، من كتاب الحج، برقم (1272). (¬4) متفق عليه, أخرجه البخاري: 1/ 92، في باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها، من كتاب الوضوء في صحيحه برقم (231)، ومسلم: 3/ 1296، في باب حكم المحاربين والمرتدين، من كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، برقم (1671). (¬5) أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده: 4/ 139، برقم (98)، وابن حبان: 4/ 233، في باب النجاسة وتطهيرها، من كتاب الطهارة, برقم (1391)، والبيهقي في السنن الكبرى: 10/ 5، في باب النهي عن التداوي بالمسكر، من كتاب الضحايا، برقم (19463)، من حديث أم سلمة - صلى الله عليه وسلم - مرفوعًا. وأخرجه البخاري معلقًا: 5/ 2129، في باب شراب الحلوى والعسل، من كتاب الأشربة، موقوفًا على عبد الله بن مسعود.

فكل هذا دليل على طهارة ما يكون مما يؤكل لحمه. وقال المغيرة (¬1) في "المجموعة" في لبن الأتن: إن صلى به أعاد ما دام في الوقت (¬2). وقاله يحيى بن يحيى (¬3). . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) هو: أبو هاشم، المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم المخزومي، المدني، المتوفى سنة 188 هـ , روى عن أبيه عبد الرحمن، ومحمد بن عجلان , وعبد الله بن سعيد بن أبي هند، وهشام بن عروة، وأبي الزناد، ويزيد بن أبي عبيد، ومالك بن أنس، روى عنه ابناه عبد الرحمن وعياش، ومصعب بن عبد الله الزبيري، وأبو مصعب الزهريّ، وإبراهيم بن حمزة الزبيري، وقتيبة بن سعيد، ويحيى بن بكير، وسعيد بن أبي مريم، وابن مهدي، وابن كاسب، والداروردي. وروى له البخاري والنسائي وأبو داود وابن ماجة، ونقل الذهبي أنه عُرض عليه قضاء المدينة من قبل الرشيد، وجائزة أربعة آلاف دينار فامتنع، وكان فقيه أهل المدينة بعد مالك. انظر ترجمته في: ترتيب المدارك، لعياض: 3/ 2، والديباج المذهب: 2/ 343، وشجرة النور، لمخلوف: 1/ 56، والانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء، لابن عبد البر، ص: 100 والتاريخ الكبير، للبخاري: 7/ 320، وطبقات الفقهاء، للشيرازي، ص: 146، وتاريخ دمشق، لابن عساكر: 60/ 68، والتعريف بالأعلام والمبهمات، لابن عبد السلام (بهامش الجامع بين الأمهات بتحقيقنا): 1/ 190. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 87. (¬3) هو: أبو محمد، يحيى بن يحيى بن كثير بن وسلاس الليثي المصمودي، الأندلسي، المتوفى سنة 234 هـ, سمع من مالك، وابن القاسم، وكان إمام أهل بلده والمقتدى به فيهم، والمنظور إليه، والمعول عليه، سماه مالك: عاقل الأندلس، وله رواية الموطأ المشهورة المتدوالة، وبه انتشر مذهب مالك في الأندلس، روى عنه ولده عبيد الله، ومحمد بن العباس بن الوليد، وابن وضاح، وبقي بن مخلد وغيرهم. انظر ترجمته في: المدارك، لعياض: 3/ 379، والديباج، لابن فرحون: 2/ 33، والتعريف بالأعلام والمبهمات، لابن عبد السلام (بهامش الجامع بين الأمهات بتحقيقنا): 1/ 588، وشجرة النور، لمخلوف: 1/ 63، والانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء, لابن عبد البر، ص: =

في "العتبية" (¬1) وقال محمد (¬2): لا يعجبني ذلك، ولحوم بنات بني آدم محرمة وقد جعل لبنهن غذاءً للأبناء (¬3). وليس هذا بالبيّن؛ لأن تحريم لحوم بني (¬4) آدم إكرام لهم، ولحوم هذه رجس، إلا أن القياس أن يكون طاهرًا؛ لأن الحيوان في نفسه على الطهارة، وكذلك عرقه. وإذا كان ذلك فحكم (¬5) الوعاء الذي فيه اللبن طاهر، فوجب أن يكون مثل عرقها وغيره، وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنّهُ رَكِبَ فَرَسًا عُرْيًا وَأَجْرَاه (¬6)، ¬

_ = 105، وطبقات الفقهاء، للشيرازي، ص: 152، وسير أعلام النبلاء، للذهبي: 10/ 519. (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 164. (¬2) هو: أبو عبد الله، محمد بن إبراهيم بن زياد السكندري، المعروف بابن المواز، المتوفى سنة 269 هـ,: تفقه بعبد الله بن عبد الحكم، وعبد الملك بن الماجشون، وأصبغ بن الفرج، ويحيى بن بكير، وروى عن ابن القاسم وكان المعول عليه في الفتوى بمصر واعتزل في آخر عمره له مصنف حافل معروف به، قال عياض: قصد إلى بناء فروع أصحاب المذهب على أصولهم في تصنيفه. . . لأن غيره إنما قصد لجمع الروايات، ونقل منصوص السماعات، ومنهم من تنقل عنه الاختيارات في شروحات أفردها، وجوابات لمسائل سئل عنها، ومنهم من كان قصده الذب عن المذهب فيما فيه الخلاف. اهـ وكتاب ابن المواز مفقود لم يبق منه إلا ما تناثر في كتب الناقلين عنه. انظر ترجمته في: ترتيب المدارك، لعياض: 4/ 167، والديباج، لابن فرحون: 2/ 166، والتعريف بالأعلام والمبهمات، لابن عبد السلام (بهامش الجامع بين الأمهات بتحقيقنا): 1/ 38، وطبقات الفقهاء، للشيرازي، ص: 154، ومرآة الجنان، لليافعي: 2/ 194، وشذرات الذهب، لابن العماد: 2/ 177، والأعلام، للزركلي: 6/ 183. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 374. (¬4) في (س) و (ب): (بنات). (¬5) في (ش 2): (بحكم). (¬6) أخرجه البخاري: 3/ 1052، في باب ركوب الفرس العربي، من كتاب الجهاد والسير في صحيحه، برقم (2711).

فصل واختلف في الحيوان يصيب النجاسة

والشأن في الخيل إذا أجريت أن تعرق، فلو كان عرقه نجسًا لَتوقّاه ولم يركبه على تلك الصفة. وسؤر الجنب والحائض وأعراقهما طاهرة، واختلف قول مالك في سؤر شرب النصراني، فأجازه ومنعه (¬1). وسؤر شرب من يشرب الخمر من المسلمين مثله يختلف فيه. ولا يتوضأ مما أدخل النصراني يده فيه (¬2)، وهو في ذلك بخلاف شربه؛ لأن الماء الذي يلقى نجاسة شفتيه في حين شربه يصير إلى فيه ويشربه. فصل واختلف في الحيوان يصيب النجاسة واختلف في الحيوان يصيب النجاسة هل ينقلها عن حكمها قبل أن تصيب تلك (¬3) النجاسة. فقيل: هي على حكمها في الأصل في أسآرها وأعراقها ولحومها وألبانها وأبوالها. وقيل: ينقلها، وجميع ذلك نجس. واختلف في عرق النصراني لما كان يشرب الخمر ويأكل الخنزير، وفي عرق السكران هل هو نجس أو طاهر، وفي أكل لحوم الجلّالة وألبانها، فقال مالك: تؤكل ولا بأس بها (¬4). وقال ابن حبيب: يكره ذلك. ويختلف على هذا في لبن المرأة تشرب الخمر، وفي لبن (¬5) ما يأكل النجاسة، ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 122. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 122. (¬3) قوله (تلك) في (س) (بذلك). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 542. (¬5) في (ب) و (س) و (ش 2): (بيض).

فقال ابن القاسم في جدي رضع خنزيرة: أحب إليّ أن لا يذبح حتى يذهب ما في جوفه، ولو ذبح مكانه أكل. واستشهد على ذلك بالجلّالة (¬1). وقال في الطير تصاد بالخمر: يؤكل (¬2)، وعلى القول في عرق السكران إنه نجس -لا يحل أكل شيء من ذلك كله حتى تذهب منفعة ما تغذى به من ذلك. وقال مالك في أرواث ما يأكل النجاسة وأبوالها: إنه نجس (¬3). وجمعه في الجواب ما يكون من ذلك من بني آدم (¬4)، وترجح فيه مرة، فذكر أشهب عنه في مدونته، فقيل له: أتعاد منه الصلاة؟ فقال: لا أدري. ولأشهب في "النوادر": إنه طاهر (¬5)، والقول الأول أحسن؛ فإن الجسم ينجس بما حلّ فيه من تلك النجاسة؛ لأنها تشيع فيه، والجسم لا يدفع عن نفسه، فأشبه مخالطة النجاسة المائعات. وفي الترمذي والنسائي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنه نَهَى عَنْ لُحُومِ الجَلاَّلةِ وَألبَانِهَا" (¬6)، وإذا نجس الجسم حرم أكله، وينجس اللبن بنجاسة الوعاء، وقد قال ابن القاسم في لبن الميتة: إنه نجس (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 369. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 318. (¬3) انظر: التفريع: 1/ 26. (¬4) قوله: (وقال مالك في أرواث ما يأكل النجاسة. . . من بني آدم) ساقط من (ش 2). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 85. (¬6) حسن غريب، أخرجه الترمذي في سننه: 4/ 270، في باب ما جاء في أكل لحوم الجلالة وألبانها، من كتاب الأطعمة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -, برقم (1824)، والنسائي في سننه: 7/ 239، في باب النهي عن أكل لحوم الجلالة، من كتاب الضحايا، برقم (4447)، وقال الترمذي: حديث حسن غريب. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 81، وقد عزاه فيه إلى كتاب ابن حبيب.

فصل [وفي ولغ الكلب في الآنية وسؤر الخنزير والهر]

ويختلف على هذا في لحوم المواشي إذا شربت ماءً نجسًا قد تغيّر أحد أوصافه (¬1). واختلف في البقول تسقى بالنجاسة، إلا أن يبعد عهدها به. فصل [وفي ولغ الكلب (¬2) في الآنية وسؤر الخنزير والهر] ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إِذَا وَلَغَ الكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ" (¬3)، وفي كتاب مسلم قال: "فَليرقْهُ ثُمَّ ليَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ" (¬4)، وقال أيضًا: "طُهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ الكَلْبُ فِيهِ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ" (¬5). والجواب عن هذا الحديث من أربعة أوجه: أحدها: هل يجب استعماله؟ والثاني: إذا وجب استعماله هل يحمل الحديث على عمومه في جميع الكلاب، أو في بعضها، وهو ما لا يجوز اتخاذه؟. والثالث: هل ذلك في جميع الأواني، أو على ما يكون فيه الماء دون الطعام؟ والرابع: هل يغسل تعبّدًا أو لأنه نجس؟. ¬

_ (¬1) في (ر): (أجزاؤها). (¬2) ولغ الكلب -بفتح اللام- أي: أدخل فاه في اللبن أو الماء، والمستقبل يلغ بفتح اللام أيضًا. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 11. (¬3) أخرجه البخاري: 1/ 75، في باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان، من كتاب الوضوء في صحيحه, برقم (170)، ومالك في الموطأ: 1/ 34، في باب جامع الوضوء، من كتاب الطهارة، برقم (65). (¬4) أخرجه مسلم: 1/ 234، في باب حكم ولوغ الكلب، من كتاب الطهارة , برقم (89/ 279). (¬5) أخرجه مسلم: 1/ 234، في باب حكم ولوغ الكلب، من كتاب الطهارة, برقم (91/ 279).

فقال مالك في "المدونة": قد جاء هذا الحديث وما أدري ما حقيقته. وقال: إن كان يغسل ففي الماء وحده (¬1). فلم يعزم (¬2) على الأخذ به؛ لقوله: إن كان يغسل (¬3)؛ لأن الحديث عنده معارض لظاهر القرآن؛ لقوله: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4]، وأنه يؤكل من غير غسل. وقال أيضًا: يغسل. وحمل الآية على أن المراد بها أن فعل الكلب ذكاة، وإن لم تدرك ذكاته، وغسل مواضع ذلك من الصيد معنىً آخر ليس هو المراد، مع أن المعلوم أنه لا بد من غسل تلك المواضع؛ لأن الكلب يدميها، فحمل الحديث على جميع الكلاب مرة، ومرة على ما لا يؤذن في اتخاذه , ومرة على بعض الأواني وهو الماء وحده، فقال في"المدونه": لا يطرح الطعام، وأراه عظيمًا أن يعمد إلى رزق من رزق الله تبارك وتعالى فيلقيه لكلب ولغ فيه (¬4)!. ورى عنه ابن وهب أنه قال: يؤكل الطعام ويغسل الإناء (¬5) اتباعًا للحديث فجعل اغسله تعبدًا. وقال سحنون: كل كلب لم يؤذن في اتخاذه نجس (¬6)، وإن كان مأذونًا في اتخاذه فهو طاهر (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 115. (¬2) في (ش 2): (يقدم). (¬3) قوله: (فلم يعزم. . . كان يغسل) ساقط من (ر). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 115، 116. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 381. (¬6) قوله: (نجس) ساقط من (س). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 72، البيان والتحصيل: 16/ 237.

وقال عبد الملك بن الماجشون في ثمانية أبي زيد: إن شرب من اللبن وكان بدويًا أكل، وإن كان حضريًا طرح، وإن شرب من الماء طرح بدويًا كان أو حضريًا، فإن عجن به طعام طرح. قال: لأنه نجس، وقال مطرف (¬1): البدوي والحضري سواء في اللبن، إن كان كثيرًا أكل، وإن كان قليلًا طرح. يريد عبد الملك أنه أذن للبدوي في اتخاذه ولم يؤذن للحضري. فعلى القول أن غسله تعبد، وأنه طاهر يتوضأ به عند عدم غيره، ويستحب له تركه مع وجود غيره. وعلى القول الآخر: أنّه نجس يتيمم به ويدعه، فإن توضأ وصلى أعاد. وحمل الحديث على جميع الكلاب وجميع الأواني أحسن؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يخص شيئًا دون غيره، بل حمله على ما يتخذ أولى؛ لأن ما لا يتخذ قد أمر بقتله (¬2) أو يصرف لمن يجوز له (¬3) اتخاذه. ولا يغسل الإناء بما فيه من الماء للحديث "فليرقه"، ولا يجوز أن يحمل على الصحابة أنهم لم يمتثلوا أمره فيها في إهراقها. ¬

_ (¬1) هو: أبو مصعب، وقيل: أبو عبد الله، مطرف بن عبد الله بن مطرف بن سليمان بن يسار اليساري، الهلالي، مولى ميمونة أم المؤمنين - رضي الله عنه -، المتوفى سنة 220 هـ وهو ابن أخت مالك، وقد كان جد أبيه سليمان بن يسار مشهورًا مقدمًا في العلم والفقه. روى عن مالك وغيره. روى عنه أبو زرعة وأبو حاتم والبخاري وخرج له في صحيحه. انظر ترجمته في: ترتيب المدارك، لعياض: 3/ 133، والديباج، لابن فرحون: 2/ 340، والانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء، ص: 105، والتعريف بالأعلام والمبهمات, لابن عبد السلام (بهامش الجامع بين الأمهات بتحقيقنا): 1/ 40، وشجرة النور، لمخلوف: 1/ 57، وطبقات الفقهاء للشيرازي، ص: 147. (¬2) في (ش 2): (بغسله). (¬3) قوله: (له) زيادة من (ش 2).

* واختلف في سؤر الخنزير، فقال مالك في "المختصر": لا يتوضأ به (¬1). وقال ابن القصار: روى عنه مطرف أنه قال: يغسل سبع مرات اعتبارًا بالكلب (¬2). وقيل: يغسل الإناء منه لأنه لا يتوقى النجاسات. وهذا أحسن. ولا بأس بسؤر السباع ما كان منها لا يفترس، أو كان يفترس إذا كان الماء كثيرًا، فإن كان قليلًا عاد الجواب فيه إلى ما تقدم في الجلّالة وما يأكل النتن. وقد اختلف في ذلك، فقال مرة: يتيمم ولا يتوضأ به. وقال أيضًا: إن شرب من اللبن ما يأكل الجيف من الطير والسباع والدجاج، فإن تيقنت أن في منقاره أذىً لم يؤكل، وما لم تر في منقارها أذى فلا بأس به (¬3)، وليس بمنزلة الماء؛ لأن الماء يطرح. وهذا اختلاف قول؛ لأنه أباح الطعام مع كونه لا يدفع عن نفسه. وطرح الماء على هذا القول على وجه الاستحسان، وعلى قوله في الماء أنه نجس ويتيمم يفسد الطعام. وكذلك روى علي بن زياد عن مالك؛ أن الماء والطعام واحد (¬4). * وسؤر الهر طاهر (¬5)، وإن كان مما يفترس؛ لأن ذلك نادر، ويحمل على الغالب من عيشه، إلا أن يعلم أنه أصاب من ذلك شيئًا ثم شرب من الماء بفور ذلك، فيجتنب منه الوضوء، ويختلف في نجاسته إذا لم يتغير أحد أوصافه. وقال علي بن زياد عن مالك: السباع كلها كالكلب إلا الهر إن لم ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات، لابن أبي زيد: 1/ 71. (¬2) انظر: عيون الأدلة، لابن القصار: 2/ 951، والتفريع: 1/ 52، والنوادر والزيادات: 1/ 71، والبيان والتحصيل: 1/ 216. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 116. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 542. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 44.

يكن (¬1) بخطمه أذى (¬2). وقال مالك: لا بأس بالخبز من سؤر الفأرة، قال: ويغسل بوله (¬3). فأما غسل ذلك، فهو على أحد القولين في كراهية أكلها. ولا بأس بسؤر ما شربت منه أو أكلت؛ لأن محملها فيما تناله على أنه غير نجس حتى يعلم أنها أصابت نجاسة. ¬

_ (¬1) قوله: (يكن) ساقط من (ش 2). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 73. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 116.

باب في آداب الأحداث

باب في آداب الأحداث وينبغي لمن أراد الغائط أو البول أن يبعد عن الناس، وروى المغيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أنه كان إِذَا أَتَى (¬1) حَاجَتَهُ أبْعَدَ فِي المَذهبِ" (¬2). وروي عنه "أنه كَانَ يَرْتَادُ لِبَوْلِهِ مَكَانًا كَمَا يَرْتَادُ مَنْزِلًا" (¬3). ومحمل الحديث "أنه - صلى الله عليه وسلم - أتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا، (¬4): أن ذلك لضرورة؛ لأنه كان - صلى الله عليه وسلم - يغشاه الناس والوفود، ويقوم بأمر الأمة، فنزل به من ذلك ما يضر به الصبر إلى وصوله لبيته أو لا يستطيع إمساكه. وفي الترمذي: قالت عائشة - رضي الله عنه -: "مَنْ حَدَّثكمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَبُولُ قَائِمًا فَلاَ تُصَدِّقُوهُ" (¬5). وهذا يؤيد أن ذلك كان مخالفًا لعادته لضرورة. واستخف مالك أن يبول الرجل قائمًا إذا كان لا يتطاير عليه وكان مستترًا عن الناس (¬6). ¬

_ (¬1) في (ش 2): (أراد). (¬2) حسن صحيح، أخرجه الترمذي في سننه: 1/ 31، في باب ما جاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد الحاجة أبعد في المذهب، من أبواب الطهارة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برقم (20)، وابن خزيمة: 1/ 30، في باب التباعد عن الغائط في الصحارى عن الناس، من كتاب الوضوء في صحيحه، برقم (50). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (¬3) أخرجه الترمذي في سننه معلقًا: 1/ 31، في باب ما جاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد الحاجة أبعد في المذهب، من كتاب الطهارة , قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: 1/ 80: (لم أقف على من أخرج هذا الحديث بهذا اللفظ). (¬4) متفق عليه , أخرجه البخاري: 1/ 90، في باب البول قائمًا وقاعدًا، من كتاب الوضوء، برقم (222)، ومسلم: 1/ 228، في باب المسح على الخفين، من كتاب الطهارة, برقم (273). (¬5) أخرجه الترمذي في سننه: 1/ 17، في باب ما جاء في النهي عن البول قائمًا , من أبواب الطهارة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برقم (12). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 131.

ولا يرفع الرجل ثوبه للحدث حتى يدنو من الأرض، ولا يبول في مهواة ولا في الماء الراكد، وقد تقدم وجه ذلك، ولا بأس به في الماء الجاري، ولا يتكلم على طوفه (¬1). ويستحب أن يستعيذ بالله قبل التلبس بذلك (¬2) إذا كان في صحراء، وإن كان في الحاضرة فقبل دخوله الخلاء، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا أراد دخول الخلاء قال: "أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الخُبُثِ وَالخَبَائِثِ" (¬3). قال الخطابي: أهل الحديث يقرءون "الخبث" بإسكان الباء والصواب بضمها (¬4) جمع خبيث وهو الشيطان. ولا يمس ذكره بيمينه، ولا يستنجي ولا يستجمر بيمينه. واختلف إذا كان في شماله خاتم فيه اسم الله تعالى، هل يستنجي به وهو يزيده. وألا يفعل أحسن، لحديث أنس قال: "كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ الجلاَءَ نَزَعَ خَاتَمهُ ". ذكره الترمذي (¬5). وفي الصحيحين: "أنه نَهَى أَنْ يَمَسَّ الرَّجُلُ ذَكَرَهُ بِيَمِينِه" (¬6). فإذا نزّهت ¬

_ (¬1) في (ش 2): (طرفه)، والطوف: الغائط. انظر: لسان العرب: 9/ 225. (¬2) قوله: (بذلك) زيادة من (ش 2). (¬3) متفق عليه , أخرجه البخاري: 5/ 2330، في باب الدعاء عند الخلاء من كتاب الدعوات، برقم (5963)، ومسلم: 1/ 283، في باب ما يقول إذا أراد دخول الخلاء من كتاب الحيض، برقم (375). (¬4) انظر: شرح النووي على مسلم: 4/ 71. (¬5) حسن غريب، أخرجه الترمذي في سننه , في باب ما جاء في لبس الخاتم في اليمين، من كتاب اللباس، برقم (1746)، وقال: هذا حديث حسن غريب. (¬6) متفق عليه أخرجه البخاري: 1/ 69، في باب النهي عن الاستنجاء باليمين، من كتاب =

فصل ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها لبول ولا لغائط

اليمن عن ذلك فذكر الله أعظم، وقد كره مالك أن تعطى الدراهم فيها اسم الله تعالى ليهودي أو نصراني (¬1)، فهو في هذا أولى. فصل ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها لبول ولا لغائط ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها لبول ولا لغائط إذا كان في الصحاري، واختلف عن مالك في ذلك في المدن، فأجازه في "المدونة" (¬2)، وقال في "مختصر" ابن عبد الحكم: ذلك في الصحاري والسطوح التي يقدر على الانحراف فيها، فأما المراحيض (¬3) التي قد عملت على ذلك فلا بأس (¬4). فأمره في الحاضرة بالانحراف عن القبلة، إلا أن تكون أبنية فتكون ضرورة. قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب: لأن الأبنية قد تضيق ولا يمكن إلا على تلك الصفة (¬5). واختلف في تعليل الحديث فقال من نصر القول الأول: إن ذلك لحقّ من يصلي في الصحاري من الملائكة وغيرهم؛ لئلا ينكشف إليهم. ¬

_ = الوضوء في صحيحه, برقم (152)، ومسلم: 1/ 225، في باب النهي عن الاستنجاء باليمين، من كتاب الطهارة، برقم (267). (¬1) انظر: المدونة: 3/ 294. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 117. (¬3) المراحيض: الكُنُف مأخوذة من رحضت الشيء إذا غسلته فقيل لها مراحيض لأنها يغتسل فيها. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 11. (¬4) انظر: الكافي في فقه أهل المدينة، لابن عبد البر: 1/ 171. (¬5) انظر: المعونة: 1/ 53.

واحتج بحديث ابن عمر - رضي الله عنه - قال: "ارْتَقَيْتُ عَلَى بَيْتِ حَفْصَةَ (¬1) فَرَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى لَبِنَتْين لِحَاجَتِهِ مُسْتَدْبِرَ الكَعْبَةِ مُسْتَقْبِلَ بَيْتِ المَقْدِسِ" (¬2). وقيلَ: إن ذلك لحرمة القبلة تعظيمًا لها وتشريفًا. وهذا تستوي فيه الصحاري والمدن، وهو أحسن. قال أبو أيوب: "فَقَدِمْنَا الشَّامَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ إِلَى القِبْلَةِ، فَنَنْحَرِفُ عَنْهَا وَنَسْتَغْفِرُ اللهَ" (¬3). وعلى من أحب بناء ذلك أن يجعله لغير القبلة إلا أن لا يتسنى ذلك له؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَسْتَقْبِلُوا القِبْلَةَ لِبَوْل وَلا لِغَائِطٍ وَلاَ تَسْتَدْبِرُوهَا، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا" (¬4). فنص على القبلة ألا ينكشف إليها بقبل ولا دبر، ويلزم من قال النهي لأجل المصلين أن يجيز لمن جلس لحاجته أن ينكشف بقبله أو دبره للقبلة إذا سدل ثوبه لناحية المصلي هنالك، فيكون قد خالف نص الحديث، ولا يجوز الخروج عن النص على القبلة إلى المصلين إلا بنص أو دليل. والاحتجاج بحديث ابن عمر - رضي الله عنه - غير صحيح لوجوه: ¬

_ (¬1) قوله: (حَفْصَةَ) ساقط من (ش 2). (¬2) أخرجه البخاري: 1/ 67، في باب التبرز في البيوت , من كتاب الوضوء في صحيحه، برقم (145)، ومالك في الموطأ: 1/ 193، في باب الرخصة في استقبال القبلة لبول أو غائط، من كتاب القبلة، برقم (456). (¬3) قوله: (فقدمنا الشام. . . ونستغفر الله) ساقط من (س) و (ش 2). والأثر أخرجه مسلم: 1/ 224، في باب الاستطابة، من كتاب الطهارة، برقم (264). (¬4) متفق عليه , أخرجه البخاري: 1/ 154، في باب قبلة أهل المدينة وأهل الشام والمشرق، من أبواب القبلة في صحيح, برقم (386)، ومسلم: 1/ 224، في باب الاستطابة، من كتاب الطهارة، برقم (264).

أحدها: أنه إذا نهى أمته عن شيء وفعله كان فعله مقصورا عليه، وكان الواجب على الناس امتثال ما أمروا به أو نهوا عنه من ذلك. والثاني: أنه إذا ورد حديثان تعارضا، أحدهما نازلة في عين، والآخر مطلق لجميع الناس، وجب المصير إلى العام؛ لإمكان أن تكون لتلك النازلة علة أوجبت خروجها عن الأصل، وفعله - صلى الله عليه وسلم - ذلك مرة كنازلة في عين. والثالث: إذا كان مضمون أحد الحديثين يفتقر إلى توقيف والآخر لا يفتقر إلى ذلك وجب المصير إلى ما لا يفتقر إلى توقيف (¬1)، وصفة جلوس الإنسان لا (¬2) تفتقر إلى توقيف ذلك، فالواجب الأخذ بما ورد من النهي في ذلك؛ لأنه نقل عن الأصل (¬3)، وأوجب حكمًا. والرابع: أنه إن كان فعله ذلك متقدمًا كان الحكم إلى الآخر، وإن كان متأخرًا فإنه يجب أن يبين لأمته - صلى الله عليه وسلم -. والخامس: أنه لا يختلف أن مجرد النهي لا يقتضي موضعًا مخصوصًا ولا يجوز أن يحمل أنه خصه بمثل هذا بما فعله في بيته ليطّلع عليه في تلك الحال، والواجب أن ينزه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، ولا يحسن أن ينسب مثل ذلك إلى أحدنا، فكيف بالنبي - صلى الله عليه وسلم -. والسادس: أنه ترك أمته على ما نهاهم عنه، ولا علم عنده هل علم ذلك منه أحد أو لا؛ وفي مسند البزار قال علي - رضي الله عنه -: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ جَلَسَ يَبُولُ قُبَالَةَ القِبْلَةِ فَذَكر فَتَحَوَّلَ عَنْهَا إِجْلالًا لهَا لمْ يَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ حَتَّى يَغْفِرَ ¬

_ (¬1) قوله: (والآخر لا يفتقر. . . إلى توقيف) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (لا) ساقط من (ش 2). (¬3) في (س) و (ش 2): (الأول).

اللهُ لَهُ" (¬1). وقال ابن القاسم في الجماع مستقبل القبلة: لا بأس به. قال: لأن مالكًا لم ير بأسًا بالمراحيض في المدائن وإن كانت مستقبلة القبلة (¬2). والجواب عن ذلك في المدائن والقرى؛ لأنه الغالب، والشأن في كون أهل الإنسان معه , وهذا إذا كانا منكشفين فيمنع في الصحاري، ويختلف في المدن. وإن كانا مستترين جاز في الموضعين جميعًا. وقال عبد الله بن مسعود: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ فَلْيَسْتَتِرْ وَلاَ يَتَجَرَّدْ تجرُّدَ العَيْرَيْنِ" (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه الطبرى في تهذيبه عن الحسن مرسلًا كما في جامع الأحاديث للسيوطي، برقم (21966)، وقال السيوطي: فيه كذاب. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 117. (¬3) ضعيف , أخرجه البزار في مسنده: 5/ 118، برقم (1701)، والطبراني في المعجم الكبير (10/ 196)، برقم (10443)، والبيهقي في السنن الكبرى: 7/ 193، في باب الاستتار في حال الوطء, من كتاب النكاح، برقم (13873)، قال الهيثمي مجمع الزوائد: 4/ 539: (رواه البزار، والطبراني، وفيه مندل بن علي وهو ضعيف وقد وثق، وقال البزار: أخطأ مندل في رفعه، والصواب أنه مرسل وبقية رجاله رجال الصحيح). اهـ والعيرين مثنى العير، قال ابن منظور: العَيْر الحمار أيًّا كان أَهليّا أَو وَحْشِيًّا وقد غلب على الوَحْشِيِّ. انظر: لسان العرب: 4/ 620.

باب في الاستنجاء والاستجمار

باب في الاستنجاء والاستجمار والاستنجاء من النجاسات: البول، والمذي (¬1)، والودي (¬2)، والغائط، ولا يستنجي من الريح، والقول: يُستنجى من هذه- توسعة ومجاز؛ لأن الاستنجاء إزالة النجو، والبول والودي ليس بنجو. واختلف في زوال ذلك هل واجب أو سنة على الأصل في الاختلاف في أحوال (¬3) النجاسات، فمن صلى ولم يستنج ولم يستجمر أعاد أبدًا، على القول أن ذلك فرض، وما لم يذهب الوقت، على القول إنه سنة. والاستنجاء يصح بشيئين: بالماء، والأحجار، فالماء لحديث أنس - رضي الله عنه - قال: "كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْخُلُ الخَلاَءَ فَأَتْبَعُهُ بِإِدَاوَةٍ (¬4) مِنْ مَاءٍ فَيَسْتَنْجِي بِالمَاءِ". أخرجه البخاري ومسلم (¬5). ¬

_ (¬1) المذي: رقيق يغسل منه الذكر لِلِزُوجَتِه وسيلانه ورقته وإنصبابه مع قضيب الذكر، وله شهوة دون شهوة الجماع، وهو في لون أصفر، يقال منه مذى يمذي مذيًا، وأمذى يُمذي إمذاء وهو المذي على وزن الفعل، الذال مكسورة والياء مشددة. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة , للجُبِّي، ص: 13. (¬2) الوذي: بالذال المنقوطة هي اللغة العالية، ويقال فيه أيضا: الودي بالدال غير المنقوطة، وهي اللغة السافلة , وهو ماء أبيض سخين يخرج مع البول يغسل منه الإحليل وحده, وهو عين الذكر لا الذكر كما يزعمون، وإنما ينقض منه الوضوء خاصة على غير المستنكح ولا غسل عليه منه، ويقال منه وذى يذي وودى يدي على ما وصفت لك من اللغة السافلة والعالية. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 12. (¬3) في (س): (زوال). (¬4) الإداوة: إناء. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 11. (¬5) متفق عليه , أخرجه البخاري: 1/ 69، في باب حمل العنزة مع الماء في الاستنجاء, من كتاب =

وفي الترمذي: قالت عائشة - رضي الله عنها -: "مُرْنَ أَزْوَاجَكُنَّ أَنْ يَسْتَطِيبُوا (¬1) بِالمَاءِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَفْعَلُهُ" (¬2). والأحجار لحديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: "آتى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الغَائِطَ فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ، فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ، وَالتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَمْ أَجِدْهُ، فَأَخَذْتُ رَوْثَةً، فَأَخَذَ الحجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ: إِنَّهَا رِجْسٌ" (¬3). واختلف في الاستجمار مع وجود الماء فقيل: تجزئه صلاته (¬4)، والاستحسان ألا يفعل. قال مالك: وليغسل ما هنالك فيما يستقبل (¬5). وقال عبد الملك بن حبيب: لا يجوز ذلك (¬6). وقد ترك الاستجمار ورجع الأمر والعمل إلى الماء، ولا نبيح الفتوى بذلك، ولسنا نجيز اليوم الأحجار إلا لمن لم يجد الماء، وقال مالك: ترك ذلك وجرى الأمر بخلافه (¬7). وهذا هو الحق؛ لأن الأحاديث بالاستجمار إنما نقلت (¬8) عما كان في السفر، وقد يكون ذلك لعدم الماء، والأصل في زوال النجاسات الماء، والصلاة أولى ما احتيط لها. ¬

_ = الوضوء في صحيح, برقم (151)، ومسلم: 1/ 227، في باب الاستنجاء بالماء من التبرز، من كتاب الطهارة، برقم (271). (¬1) في (ش 2): (يستنجين). (¬2) حسن صحيح، أخرجه الترمذي في سننه: 1/ 30، في باب ما جاء في الاستنجاء بالماء، من أبواب الطهارة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برقم (19)، وقال: هذا حديث حسن صحيح. (¬3) أخرجه البخاري: 1/ 70، في باب الاستنجاء بالحجارة، من كتاب الوضوى برقم (155). (¬4) في (ر): (ثلاثة). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 117. (¬6) قوله: (ذلك) ساقط من (ش 2). (¬7) انظر: الواضحة: 1/ 236. (¬8) في (ر): (يغلب).

فصل [فيما يراعى في الاستجمار]

فصل [فيما يراعى في الاستجمار] يراعى في الاستجمار وجهان: الصنف الذي يستجمر به، والعدد الذي يقتصر عليه. والأشياء التي يستجمر بها في الجواز والمنع على خمسة أقسام: فصنف يجوز الاستجمار به، وصنف يمنع الاستجمار به، واختلف في الإجزاء إذا نزل، وثلاثة مختلف فيها في الجواز وفي الإجزاء إذا نزل. فالأول: الأرض على اختلاف أنو اعها من صخر أو مدر وكبريت وزرنيخ وغير ذلك. فهذا يجوز الاستجمار به. والثاني: ما كان استعماله في ذلك سرفًا، كالذهب والفضة والجوهر والياقوت، وما له حرمة كالطعام والملح فلا يستجمر به. واختلف إذا نزل، فقيل: لمجزئ؛ لأن المراد زوال النجاسة وقد أزالها، وإن كان متعديًا فيما فعل به. وقيل: لا تجزئه؛ لأن الصنف الذي أمر به غير ذلك. والثالث: العود والخرق والفحم وما أشبه ذلك مما هو طاهر ولا حرمة له، ولا يتعلق به حق وليس من أنول الأرض، فروى ابن وهب عن مالك إجازته، ومنعه أصبغ وقال: إن فعل أعاد في الوقت. يريد: لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعمل الأحجار؛ ولأن للأرض تعلقًا بالطهارة وهو التيمم. والرابع: ما كان طاهرًا وليست له حرمة ويتعلق به حق الغير، وهو العظم والبعر.

والخامس: ما كان من النجاسة جامدًا روثًا أو غيره واختلف في ذلك عن (¬1) مالك، فروى ابن وهب عنه في سماعه أنه قال: ما سمعت فيه بنهي (¬2) عام، وقد سمعته هكذا ولا أرى به بأسًا (¬3) وكرهه في سماع ابن القاسم (¬4). والقول في جواز ذلك بالعود والخرق أحسن؛ لأن المراد إزلة النجاسة، وما روي في الأحجار فلأنها أوجد وأيسر. ولا يجوز بالروث لحديث ابن مسعود - رضي الله عنه - (¬5). ولا بالعظم والبعر (¬6) لحديث جابر - رضي الله عنه -: "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ يمْسَحَ بِهِمَا" (¬7)، فإن فعل أجزأ؛ لأنه قد أنقى. واختلف في العدد الذي يُكتفَى به، فقيل: إن أنقى بحجر واحد أجزأ، وقيل: لا يكتفى بدون ثلاثة آخرهن نقية (¬8). وهو أحسن لحديث سلمان - رضي الله عنه - وفي بعض الأمهات أن جابرًا (¬9) قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَسْتَنْجِي (¬10) أَحَدُكُمْ بِدُور ثَلاثَةِ أَحْجَارٍ" أخرجه مسلم (¬11). ولأنه موضع غير مرئي، ويمكن أن تلقى يده أول مرة غير الموضع الذي ¬

_ (¬1) في (ش 2): (قول). (¬2) قوله (بنهي)، في (س) (نهي). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 110. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 55. (¬5) سبق تخريجه, ص: 69. (¬6) قوله: (ولا بالعظم والبعر) يقابله في (ش 2): (ولا يأتي بروث ولا عظم ولا بالبعر). (¬7) أخرجه مسلم: 1/ 224، في باب الاستطابة، من كتاب الطهارة، برقم (263). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 24، 25، والبيان والتحصيل: 1/ 54. (¬9) قوله: (وفي بعض الأمهات أن جابرا) زيادة من (ش 2). (¬10) في (ش 2): (لا يستجمر). (¬11) أخرجه مسلم: 1/ 223، في باب الاستطابة، من كتاب الطهارة, برقم (262).

فيه الأذى. وإنما اقتصر النبي - صلى الله عليه وسلم - على حجرين (¬1) لعدم الثالث، وهذه ضرورة. ويمكن أن يكون استعمل من أحد الحجرين رأسيها، وإذا لم يقع الإنقاء إلا بأربع تمادى إلى خمس، وإن أنقى بستة تمادى إلى سبع؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ" (¬2). ¬

_ (¬1) سبق تخريجه، ص: 69. (¬2) متفق عليه, أخرجه البخاري: 1/ 71، في باب الاستنثار في الوضوء، من كتاب الوضوء في صحيحه، برقم (159)، ومسلم: 1/ 212، في باب الإيتار في الاستنثار والاستجمار، من كتاب الطهارة، برقم (237)، ومالك في الموطأ: 1/ 19، في باب العمل في الوضوء، من كتاب الطهارة، برقم (33).

باب في الأسباب التي تنقض الطهارة

باب في الأسباب التي تنقض الطهارة ينقض الطهارة الصغرى ثلاثة: أحدها: ما يخرج من أحد السبيلين، كالبول، والمذي، والودي، والربح، والغائط (¬1). والثاني: النوم وما في معناه مما يذهب العقل، كالجنون، والإغماء (¬2)، والسكر. والثالث: اللذة إذا قارنها مس من قبلة أو ملامسة أو مباشرة, أو مس ذكر. والأصل في الغائط قول الله -عز وجل-: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [المائدة: 6]. وفي الريح حديث عباد (¬3) بن تميم عن عمه قال: شكي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، قال: "لاَ يَنْفَتِلْ -أَوْ لاَ يَنْصَرِفْ- حَتَى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا" (¬4). وفي المذي حديث المقداد - رضي الله عنه - سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يدنو من امرأته ¬

_ (¬1) الغائط: المطمئن من الأرض، وقيل للأذى غائط إذ كانوا يغوطونه في الغائط، ويقال للغائط: البِراز، وأصل ذلك كله من برز الشيء إذا ظهر. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 12. (¬2) الإغماء, يقال: أغمي عليه: قال الجبي: أي زال عقله وحجب عنه، مشتق من الغماء وهو السحاب الرقيق وهو العماء أيضًا بالعين غير منقوطة. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 14. (¬3) في (ش 2): (جابر). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 64، في باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن، من كتاب الوضوء في صحيحه, برقم (137)، ومسلم: 1/ 276، في باب الدليل على أن من تيقن الطهارة ثم شك في الحدث فله أن يصلي بطهارته تلك، من كتاب الحيض، برقم (361).

فصل الخلاف في الوضوء من مس الذكر

فيمذي، قال: "مِنْهُ الوُضُوءُ" (¬1). أخرج هذين الحديثين البخاري ومسلم. وقال محمد بن سحنون: الوضوء من البول والريح سنة. يريد أنه فرض بالسنة بما تلقته الأمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم ينزل فيه قرآن يتلى. وقيل: هو فرض بالقرآن وداخل في قوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [المائدة: 6]؛ لأن من ذهب إلى الغائط -وهو المكان المطمئن من الأرض- تكون منه هذه الأحداث الثلاثة. وهذا غير صحيح لوجوه ثلاثة: أحدها: أن العرب لم تكن تأتي الغائط للبول والربح، وإذا كان ذلك كان الصواب حمل الآية على ما كانت العرب تقصده هنالك. والثاني: أن هذين لم تسمهما العرب الغائط، وألزموا ذلك الاسم ما سواهما، ولذلك سموه نجوًا؛ لأنهم كانوا يستترون لذلك بالنجوة، وهو المكان المرتفع من الأرض، ولم يسموا البول والريح نجوًا. والثالث: أنه إذا كان الغائط، وهو المكان المنخفض من الأرض إنما يقصد لغير البول والربح، كان المقصود بالآية ما كان يؤتى ذلك المكان له، وإن كان يكون في خلال ذلك غيره. فصل الخلاف في الوضوء من مسِّ الذَّكَر اختلفت الأحاديث في الوضوء من مس الذكر، فروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأ" (¬2)، وروي عنه أنه سُئل عن الرجلِ ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 61، في باب من استحيا غيره بالسؤال, من كتاب العلم في صحيحه، برقم (132)، ومسلم: 1/ 247، في باب المذي, من كتاب الحيض، برقم (303). (¬2) أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 42، في باب الوضوء من مس الفرج، من كتاب الطهارة, برقم =

يَمَس ذكره في الصلاة فقال: "وَهَلْ هُوَ إِلاَّ بَضْعَةٌ مِنْكَ؟ " (¬1). واختلف عن (¬2) مالك في ذلك، فأخذ مرة بالحديث الأول وقال: منه الوضوء (¬3)، ومرة بالحديث الآخر (¬4). وقال في سماع ابن وهب: الوضوء من مس الذكر حسن وليس بسنة (¬5). واختلف فيه عن ابن القاسم أيضًا فقال: منه الوضوء، وروى عنه سحنون أنه قال: إعادة الوضوء منه ضعيف (¬6). واختلف -بعد القول إن منه الوضوء- في صفة المس الذي يكون منه الوضوء، فالمتفق عليه من ذلك إذا مسه بباطن الكف من غير حائل ذاكرًا غير ناس ووجد اللذة. واختلف إذا مسه بباطن الأصابع من غير حائل، أو بباطن الكف بحائل ثوب ¬

_ = (89)، والنسائي في المجتبى: 1/ 100، في باب الوضوء من مس الذكر، من كتاب الطهارة, برقم (163)، وابن حبان: 3/ 396، في باب نواقض الوضوء، من كتاب الطهارة في صحيحه، برقم (1112). (¬1) صحيح، أخرجه النسائي في المجتبى: 1/ 101، في باب ترك الوضوء من ذلك (أي مس الذكر)، من كتاب الطهارة, برقم (165)، وابن حبان: 3/ 403، في باب نواقض الوضوء، من كتاب الطهارة, برقم (1120). (¬2) في (ش 2): (قول). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 118، والبيان والتحصيل: 1/ 127، قال في العتبية: (سئل مالك عن الرجل يتوضأ للصلاة ثم يمس ذكره قبل أن يغسل قدميه أينتقض وضوؤه؟ قال: نعم). (¬4) قال في العتبية: (وسئل عن مس الذكر أتعاد منه الصلاة؟ فقال: لا أوجبه وأبى، فروجع فيه فقال: يعيد ما كان في الوقت وإلا فلا). انظر: البيان والتحصيل: 1/ 453. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 54 , 55، والتفريع: 1/ 23، والبيان والتحصيل: 1/ 77، 127، 453، وانظر: أيضًا ما لابن رشد في كتاب الجامع: 17/ 309. (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 166، 453.

أو غيره (¬1) ناسيًا أو عامدًا ولم يجد لذة، أو بظهر اليد أو الذراع ووجد اللذة. فقال ابن القاسم في "المدونة": باطن الأصابع كباطن الكف (¬2). وقال أشهب في سماعه عن مالك: سئل مالك إذا مسّه بباطن الأصابع فقال: الذي يأخذ بنفسي (¬3) إذا مسّه بباطن الكف. وروى عنه ابن وهب أنه قال: إذا مسّه على غلالة خفيفة فلا وضوء (¬4). وقال في مس ذكره في غسله من الجنابة: يعيد وضوءه (¬5). وروى عنه ابن وهب أنه إذا مسه ناسيًا فلا شيء عليه (¬6)، ويختلف إذا كان عامدًا ولم يجد اللذة قياسًا على من لامس امرأته ولم يجد اللذة، وقال: إذا مسه بظهر الكف أو الذراع فلا شيء عليه، وقيل: عليه الوضوء إذا وجد اللذة؛ قياسًا على ملامسة النساء. وهو أقيس؛ لأنه متى وجد اللذة كان عليه الوضوء، وإن كان ناسيًا أو عن حائل أو بظهر الكف، وإن لم يجد اللذة فلا شيء عليه على أي وجه كان مسه. واختلف إذا صلى ولم يعد الوضوء، فقال مالك في "المجموعة": لا أوجب الإعادة. فروجع فقال: إن كان في الوقت وإلا فلا (¬7). ¬

_ (¬1) في (ب) و (ر): (أو غيره ووجد اللذة أو). (¬2) انظر المدونة: 1/ 9. (¬3) قوله: (يأخذ بنفسي) يقابله في (ر): (آخذ لنفسي). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 118. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 118. (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 166. (¬7) المسألة بلفظها في العتبية، انظر: البيان والتحصيل: 1/ 453، والنوادر والزيادات: 1/ 55.

وهذا مثل قوله: الوضوء منه حسن وليس بسنة (¬1). وقال ابن القاسم: لا يعيد في وقت ولا غيره (¬2). وهذا مثل قوله قبل: إن إعادة الوضوء منه ضعيف. وقال ابن نافع: يعيد في الوقت وبعده. وقال ابن حبيب: إن كان عامدًا أعاد أبدًا، وإن كان ناسيًا أعاد في الوقت (¬3). وقال سحنون في كتاب ابنه، في هذا، وفيمن قبّل للذة: يعيد وإن خرج الوقت، وإن طال وجاوز اليومين والثلاثة فلا إعادة عليه (¬4). واختلف في مس المرأة فرجها، فقال مالك: لا وضوء عليها (¬5). وإنما سمعت في مس الرجل ذكره. وروى عنه ابن أبي أويس (¬6): أن عليها الوضوء إذا ألطفت (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 54. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 55. (¬3) انظر: الواضحة، ص: 150. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 55، 56. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 118. (¬6) هو: أبو عبد الله، إسماعيل بن أبي أويس -واسم أبي أويس عبد الله- بن عبد الله ابن أبي أويس بن أبي عامر الأصبحي، ابن عم مالك، وابن أخته وزوج ابنته المتوفى سنة 226 هـ, سمع أباه وأخاه أبا بكر عبد الحميد بن أبي أويس، وخاله مالكًا، وسليمان بن بلال. وقرأ على نافع بن أبي نعيم، وأقدم من لقي عبد العزيز بن الماجشون، وسلمة بن وردان روى عنه قتيبة, وأحمد بن صالح، والذهلي، وصاحبا الصحيح. وإسماعيل القاضي، وأخو حماد، وأبو حاتم السجستاني، وابن أبي خيثمة وابن حبيب، وابن وضاح، وأمم. انظر ترجمته في: ترتيب المدارك، لعياض: التعريف بالأعلام والمبهمات , لابن عبد السلام (بهامش الجامع بين الأمهات بتحقيقنا): 1/ 65، وتهذيب التهذيب، لابن حجر: 1/ 311. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 55.

فصل في أقسام النوم الأربعة

قال الشيخ -رحمه الله-: أما مس الظاهر منه فلا شيء عليها فيه، وهو كالعانة للرجل، وإن مست موضعًا تجد منه اللذة أو وجدتها توضأت، وإلا فلا شيء عليها. فصل في أقسام النوم الأربعة النوم أربعة: خفيف قريب لا وضوء (¬1) فيه، وخفيف طويل يستحب الوضوء منه, وثقيل طويل يجب الوضوء منه، وثقيل قريب اختلف فيه، فقيل: لا ينقض الطهارة؛ لأن النوم ليس بحدث، وإنما هو سبب له، والغالب في القرب السلامة من ذلك، وذكر أبو الفرج عن ابن القاسم أنه قال: هو حدث. قال أبو الفرج: وهذا الصواب؛ قياسًا على المغمى عليه؛ إذْ لم يشترطوا فيه تصرف أحواله. وهو قول أبي هريرة: "مَنِ اسْتَحَقَّ نَوْمًا فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الوُضُوءُ" (¬2). وقاله ربيعة (¬3) وابن أبي سلمة (¬4). ¬

_ (¬1) في (ش 2): (لا شيء). (¬2) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه: 1/ 124، في من كان يقول: إذا نام فليتوضأ، من كتاب الطهارات، برقم (1416). (¬3) هو: أبو عثمان، وقيل: أبو عبد الرحمن، ربيعة بن أبي عبد الرحمن واسم أبي عبد الرحمن فروخ التيمي، القرشي، مولاهم، الإمام، مفتي المدينة , المعروف بربيعة الرأي، المتوفى سنة 136 هـ , روى عن أنس بن مالك، والسائب بن يزيد، وسعيد بن المسيب، وعطاء بن يسار، وغيرهم، وعنه روى يحيى بن سعيد الأنصاري، وسليمان التيمي، وسهيل بن أبي صالح، وهم أقرانه, والأوزاعي، وشعبة, وسفيان الثوري، ومالك بن أنس وبه تفقه، وخلق سواهم. انظر ترجمته في: التاريخ الكبير: 2/ 286، وتاريخ بغداد، للخطيب: 8/ 420، والثقات، لابن حبان: 3/ 65. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 119.

فأما على القول إنه سبب للحدث فإنه تراعى (¬1) الحالة التي كان عليها النوم، وهي ثمانية: قائم، وراكع، وساجد، وجالس غير مستند، ومستند (¬2) ومحتبٍ، ومضطجع، وراكب. فقال ابن حبيب: إن كان قائمًا أو راكبًا أو راكعًا أو جالسًا غير مستند، كان على طهارته؛ لأن القائم والراكب والراكع لا يثبتون (¬3). وإن كان ساجدًا أو جالسًا مستندًا أو مضطجعًا، فعليه الوضوء إذا خالط النوم قلبه وذهب عقله ولم يدر ما فعل. وقال القاضي أبو الحسن ابن القصار: من نام قائمًا أو راكعًا أو ساجدًا أو مضطجعًا فعليه الوضوء (¬4). وسوّى بين هذه الوجوه؛ وهذا يصح على القول (¬5) أن النوم حدث؛ لأن القائم (¬6) لا يصح منه اجتماع الاستثقال والطول، وليس الغالب أيضًا في تلك الحالة تصرف ذلك وخروجه. وللمحتبي ثلاث حالات: فإن استيقظ وحبوته بحالها فهو على طهارته، وذلك دليل على أنه لم تستغرقه آفة النوم. فإن استيقظ لانحلالها كان على أحد القولين: أن النوم حدث في نفسه- تنتقض طهارته، وعلى القول الآخر: هو على طهارته, وكذلك إذا انحلت ولم يشعر ولم يطل، فإن طال وكان مستندًا انتقضت طهارته. ومثله إذا كانت بيده مروحة، فإن لم تسقط من يده كان على طهارته، بن استيقظ لسقوطها كان على ¬

_ (¬1) في (ش 2): (يراعى). (¬2) قوله: (ومستند) ساقط من (س). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 51، وانظر: الواضحة، ص: 152. (¬4) انظر: عيون الأدلة، لابن القصار: 2/ 558. (¬5) قوله: (القول) ساقط من (ش 2). (¬6) في (ر): (النوم).

الخلاف في الإغماء والجنون

القولين، إلا أن يطول وهو غير مستند. الخلاف في الإغماء والجنون ويختلف في المغمى عليه والمجنون، فقال مالك: عليه الوضوء. وقال ابن القاسم: لو خنق قائمًا أو قاعدًا كان عليه الوضوء (¬1). وهذا موافق لما ذكر عنه أولًا أن النوم حدث. وقال القاضي أبو محمد عبد الوهاب في الجنون والإغماء: إنها أسباب للحدث (¬2). فعلى هذا لا يجب على من خنق قائمًا وضوء، وكذلك إذا خنق قاعدًا بحضرة قوم ولم يظهر لهم منه شيء. وفي سماع ابن وهب: قال مالك في الرجل يصاب حتى يذهب عقله هو بمنزلة النائم لا يدري ما هو فيه، فعليه الوضوء. وفي كتاب مسلم: قال أنس: "كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يَنَامُونَ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلاَ يَتَوَضَّئُونَ" (¬3). وفي هذا بيان أنهم لم يكونوا يرون أن النوم حدث في نفسه. فصل رفض الأفعال والخلاف في الرِّدة والمتكرر من الحدث وقال مالك في "مختصر ما ليس في المختصر" فيمن تصنع للنوم ثم لم ينم: ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 121. (¬2) انظر: التلقين: 1/ 22. (¬3) أخرجه مسلم: 1/ 84، في باب الدليل على أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء، من كتاب الحيض، برقم (376).

إنه يتوضأ. وقال أيضًا في كتاب آخر فيمن كان في سفر فقدم سفرته ليفطر، ثم علم أنه لا ماء معه فلم يفطر: أستحب له القضاء (¬1). ولا أرى على أحد من هذين شيئًا، لأن هذا إنما نوى أن يفطر بالأكل فلم يفعل، وأراد الآخر أن ينقض طهارته بالنوم فلم ينم، ولو وجب انتقاض الطهارة لهذا لوجب على من أراد أن يصيب أهله فلم يفعل الغسل. ورفض الأفعال على ثلاثة أوجه: أحدهما: أن يرفض ذلك العمل وهو فيه لم يتمه. والثاني: أن يرفضه بعد تمامه ولم يبق فيه حق يتعلق به. والثالث: أن يتعلق به حق في المستقبل. فإن كان في صلاة أو في صوم ونوى رفضه ثم أتمّه ليس على القربة لله سبحانه لم يجزه، وإن أتمّه على نيّة القربة لله إلا أنّه قال: أجعل ذلك تطوعًا، ثم أقضيه وكان في إحدى الصلوات الخمس، أجزأه ويقضيه استحسانًا. وإن نوى رفض ذلك بعد الفراغ منه، كان فيه قولان: وجوب القضاء، ونفيه. والقياس أنه لا يرتفض على أحد أمرين: إما أن يريد رفض العمل الماضي أو رفض ثوابه، فإن أراد رفض نفس العمل لم يصح؛ لأن ذلك مما يستحيل رفضه بعد انقضائه، وإن أراد رفض ثوابه كان الأمر فيه إلى الله سبحانه إن شاء أثبت له ثوابه وإن شاء لم يثبته. وسقوط الثواب لا يوجب عليه قضاءً؛ لأن القضاء فرض ثان يحتاج إلى أمر ثان. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 25.

فصل غسل الذكر من المذى

والثالث: الوضوء ينوي رفضه بعد تمامه، فهو في معنى الصلاة؛ لأنه فعل مضى ومخالف لها؛ لأنه قد بقي عليه أن يؤدي به طاعة. وقد اختلف فيه أيضًا هل يرتفض أو لا؟ والرفض ها هنا أشكل من الصلاة؛ لأن له أن يخرج منه بالحدث، وإذا كان ذلك ونوى أنه يبقى على غير (¬1) تلك القربة استحب له أن يستأنف الوضوء، ويختلف على هذا إذا نوى رفض اغتساله من الجنابة، هل يجب عليه أن يستأنف؟ واختلف في الارتداد هل ينقض الطهارة. فصل غَسْل الذَّكَر من المذى وقال مالك في المذي إذا كان من سلس من إبردة (¬2) أو ما أشبه ذلك قد استنكحه (¬3) ودام به، فلا وضوء عليه، وإن كان من طول عزبة إذا تذكر خرج منه، أو كان إنما يجده المرة بعد المرة، فإنه يغسل ما به ثم يعيد الوضوء (¬4). فأوجب الوضوء إذا كان من عزبة أو من غير عزبة ولم يتكرر، وأسقط الوضوء منه إذا تكرر. وقال أبو القاسم ابن الجلاب: من سلس مذيه لطول عزبة (¬5) يمكنه رفعها ¬

_ (¬1) قوله: (أنه يبقى على غير) يقابله في: (ر): (أنه على). (¬2) الإِبردة: -بكسر الهمزة والراء- علة معروفة من غلبة البَرْدِ والرطوبة تُفِّتِّر عن الجماع، وهمزتها زائدة، ورجل به إِبْرِدَةٌ هو: تقطِير البول. انظر: لسان العرب: 3/ 82. (¬3) استنكحه: أي تداخله ودام به لأن النكاح دخول الشيء في الشيء، ومنه نكحت الحصباء أخفاف الإبل. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة, للجُبِّي، ص: 13. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 20. (¬5) قوله: (ولم يتكرر، وأسقط الوضوء منه. . . لطول عزبة) ساقط من (ش 2).

بتسرٍّ أو النكاح فعليه الوضوء لكل صلاة (¬1). والصواب أن يتوضأ لكل صلاة وإن لم يمكنه رفعها؛ لأن خروج ذلك على وجه المعتاد ينقض الطهارة قولًا واحدًا. ويجب الوضوء من الأحداث الثلاثة: البول، والربح، والغائط إذا كان خروجه على إرادة أو غلبة من غير إرادة ولم يتكرر. واختلف عن مالك إذا تكرر على ثلاثة أقوال: فقال مرة: لا وضوء عليه. وقال أيضًا: لا شيء عليه إذ كان في زمن يشتد عليه الوضوء فيه. وقال أيضًا في سلس البول (¬2): يتوضأ لكل صلاة، وإن كان الشتاء واشتد عليه الوضوء، وقرن بين الصلاتين، لم أر بذلك بأسًا (¬3). وهذا هو الصواب لأنه منتقض الطهارة في جميع هذه الوجوه، فإن كان في زمن لا يشتد عليه فيه (¬4) الوضوء كان على الأصل في وجوب الطهارة. ويختلف فيه إذا كان في زمن يشق (¬5) ذلك عليه، هل تكلفه الطهارة حينئذ حرج فتسقط عنه، أو لا حرج فيه؟ وقول مالك: إنه يجمع بين الصلاتين فيصلي الظهر والعصر في آخر وقتهما، والمغرب والعشاء في أول وقتهما حسن، فيكون قد أدى الصلاة بطهارة، ولا حرج في ذلك ولا ضرورة تدعو إلى إيقاع الصلاة في غير هذين ¬

_ (¬1) انظر: التفريع: 1/ 26. (¬2) قوله: (في سلس البول) يقابله في (س) و (ش 2): (في شدة البرد). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 59. (¬4) قوله: (فيه) زيادة من (ش 2). (¬5) في (ش 2): (يشتد).

الوقتين، ويختلف إذا لم يجمعا قياسًا على المستحاضة. وكذلك الجواب فيمن تكرر منه المذي، إلا أن يكون لا تسلم لواحد منهما صلاة بطهارة. وقد سئلت عن رجل إن توضأ لم تسلم له صلاة حتى تنتقض طهارته، وإن تيمم لم يحدث به شيء حتى تتم صلاته، فرأيت أن صلاته بالتيمم أولى. واختلف في خروج الدم أو الدود من المخرجين، فقال مالك في "المدونة" في الدود (¬1): إنه لا ينقض الوضوء (¬2). وقال ابن نافع: إلا أن يخرج بأذى (¬3). وقال مالك في "المجموعة" مثل ذلك في الدم: لا وضوء عليه (¬4). وقال ابن القاسم (¬5) في الحصاة تخرج من الإحليل: لا وضوء عليه (¬6). إلا أن يخرج بإثر ذلك بول. وقال محمد بن عبد الحكم (¬7) فيمن خرج من دبره دم صاف أو دود نقي: فيه الوضوء (¬8). فأوجب الوضوء من الدود لأنه كالميتة في حكم النجس، ولأنها تخرج بِبِلّة، وكذلك الحصاة تخرج ببلّة أيضًا. واختلف في المستحاضة فقال مالك: لا وضوء عليها. وقال أيضًا: أحب ¬

_ (¬1) زاد في (ر): (والدم). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 20. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 48. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 48. وعزاه للمختصر. (¬5) في (ب): (وقال محمد بن عبد الحكم). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 48. (¬7) في (ب): (وقال ابن القاسم). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 49.

إليَّ أن تتوضأ لكل صلاة (¬1). وقال في كتاب محمد: إذا جمعت الصلاتين بوضوء واحد تعيد الآخرة في الوقت (¬2). والقول بوجوب الوضوء أحسن، لحديث فاطمة بنت أبي حبيش - رضي الله عنها -: كانت تستحاض فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّما ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالحَيْضَةِ"، ثم أمرها أن تتوضأ لكل صلاة. ذكره الترمذي (¬3). وهو حديث صحيح فيه فائدتان: إحداهما: أن الدم إذا خرج من الذكر أو الدبر ينقض الطهارة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أنه عرق وليس بحيضة (¬4)، وأوجب منه الوضوء ولم يوجب منه الغسل، وإذا لم يكن حيضٌ فلا فرق بين خروج ذلك من فرجها أو من دبرها، أو من مثل ذلك من الرجل. والأخرى: أن تَكرّر (¬5) ما ينقض الطهارة لا يوجب بقاء الإنسان على طهارته؛ لأن الاستحاضة مما تتكرر. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 20. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 59 (¬3) أخرجه الترمذي: 1/ 217، في باب ما جاء في المستحاضة, من أبواب الطهارة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , برقم (125). والحديث متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 91، في باب غسل الدم، من كتاب الوضوء، برقم (226)، ومسلم: 1/ 262، في باب المستحاضة وغسلها وصلاتها، من كتاب الحيض، برقم (333)، ومالك في الموطأ: 1/ 61، في باب المستحاضة , من كتاب الطهارة، برقم (135). (¬4) قوله: (ثم أمرها أن تتوضأ لكل صلاة. . . . وليس بحيضة) ساقط من (ش 2). (¬5) في (س): (يكون).

فصل [في قدر ما يغسل من المذي]

فصل [في قدر ما يغسل من المذي] واختلف فيما يجب غسله من المذي، فقيل: زوال الأذى فقط. وقيل: جميع الذكر (¬1). وهذا غلط، وقد قال مالك في "المدونة" في المذي إذا كان يخرج منه المرة بعد المرة: ينصرف فيغسل ما به ثم يعيد الصلاة (¬2). فلم يجعل عليه سوى إزالة النجاسة. وقد قال البغداديون: معنى قول مالك: "المذي أشد من الودي " إنه (¬3) لا يستجمر منه، ولا يجزئ منه إلا الماء؛ لأنه لا يتكرر كالبول. وقيل في غسل الأنثيين (¬4): إن ذلك لتنقطع عنه مادة المذي. وقال ابن مسلمة: النضح (¬5) لمن خشي أن يشككه ذلك بعد الوضوء فينضح لينقطع الشك عنه. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 49. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 20. (¬3) في (ش 2): (لأنه). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 80. (¬5) النضح: الرش ليكون مبلولًا ولا مبلولًا بين هذين، وهو مخير إذا نضحه أي رشه , وإن شاء جريده عليه وإن شاء تركه لا يضره كما يزعمون. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة , للجُبِّي، ص: 13.

فصل في المباشرة والملامسة [والقبلة]

فصل في المباشرة والملامسة [والقبلة] المباشرة والملامسة والقبلة على خمسة أوجه (¬1): فإن قصد اللذة ووجدها توضأ، وكذلك إذا كان ذلك عن غير قصد ووجد اللذة، وإن قصد اللذة ولم يجدها، أو لم يقصد ولم يجد لم يتوضأ، وفي هذين اختلاف. واختلف أيضًا إذا وجد اللذة على حائل ثوب أو غيره، فقال مالك في "المجموعة": ليس في قبلة أحد الزوجين للآخر بغير شهوة وضوء في مرض أو غيره. وقال أيضًا فيمن قبّلته زوجته وهو يدفعها عن نفسه ويكره ذلك، ولم يجد اللذة فعليه الوضوء (¬2). وقال أيضًا في قبلة أحد الزوجين الآخر على الفم لشهوة: عليها الوضوء، وكذلك أيضًا إذا أكرهها على الفم لشهوة, وإن قبلها على غير الفم لشهوة فلا وضوء عليها، ولا فرق بين الموضعين الفم وغيره إذا لم تكن لذة, والوضوء موكول (¬3) إلى أمانة الإنسان، فمن علم من نفسه أنه لم يلتذ فلا شيء عليه. ¬

_ (¬1) انظر في تفصيل ذلك: المدونة: 1/ 121، والنوادر والزيادات: 1/ 49، 51، وما بعدها، والبيان والتحصيل: 1/ 98، 113. (¬2) قال في العتبية: (سئل عن الرجل يتوضأ ويلبس ثيابه ثم تأتيه امرأته فتغلبه على نفسه حتى تقبله، وهو يشتمها، ويكره ذلك منها، ولا يجد له لذة ولا شيئًا، ولا يحب ذلك منها، وهو له كاره، أترى عليه الوضوء؟ قال نعم أرى عليه الوضوء) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 113. (¬3) في (ر): (مردود).

وقال ابن القاسم في كتاب محمد (¬1) في مريض ناقه لا يجد اللذة للنساء ولا ينشط، فأراد أن يجرب نفسه، فوضع يده على امرأته ينظر هل يتحرك منه شيء فلم يجد لذة، فإنه يتوضأ لأنه للذة وضعها (¬2). وهذا يصح على القول أن الوضوء ينتقض بالنية؛ لأنه نوى نقض الطهارة. وقد اختلف في ذلك، والصواب في هذا أن يبقَى على طهارته؛ لأنه إنما نوى اختبار شيء هل يكون أو لا، فليس كالعازم على رفض الطهارة جملة، وأرى ألا تنتقض الطهارة مع عدم اللذة لحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كُنْتُ أَنَامُ بَينَ يَدَيْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُصَلِّي، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهَا. قَالَتْ: وَالبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ" (¬3). وفي الترمذي: قالت عائشة - رضي الله عنها -: "رُبَّما اغْتَسَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الجنَابَةِ ثُمَّ جَاءَ فَاسْتَدْفَأَ بِي فَضَمَمْتُهُ إِلَيَّ" (¬4). ¬

_ (¬1) لم أقف على من عزاه لكتاب محمد، وهو في العتبية، وعزاه في النوادر أيضا لها. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 153، وله بدل (ناقه): (دنف)، والنوادر والزيادات: 1/ 53. قلت: الناقه نقل فيه ابن منظور عن الجوهري قوله: (الناقه: المريض إذا صَحَّ وهو في عقب علته والجمع نُقَّهٌ)، والدنف: المَرَضُ اللازِمُ المُخامِرُ، وقيل: هو المرض ما كان ورجل دَنَفٌ براه المرضُ حتى أَشْفى على الموت. انظر: لسان العرب: 13/ 549، 9/ 107، بتصرف. (¬3) متفق عليه, البخاري: 1/ 150، في باب الصلاة على الفراش، من أبواب الصلاة في الثياب، في صحيحه, برقم (375)، ومسلم: 1/ 366، في باب الاعتراض بين يدي المصلي، من كتاب الصلاة، برقم (512)، ومالك في الموطأ: 1/ 117، في باب ما جاء في صلاة الليل، من كتاب صلاة الليل، برقم (256). (¬4) حسن، أخرجه الترمذي في سننه: 1/ 210، في باب ما جاء في الرجل يستدفئ بالمرأة بعد الغسل، من أبواب الطهارة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، برقم (123)، قال الترمذي: هذا حديث ليس بإسناده بأس وهو قول غير واحد من أهل العلم، وأخرجه ابن ماجه: 1/ 192، في =

فصل في الإنعاظ

والحكم في اللمس والمباشرة على مثل ذلك، إن وُجدت اللذة توضأ وإن عُدمت فلا وضوء عليه (¬1). وقال مالك في "المدونة": إذا مس امرأته من فوق الثوب للذة فعليه الوضوء (¬2)، وروي عنه أنه قال: إن كان خفيفًا فعليه الوضوء كان كثيفًا لا يصل جسّه إلى جسمها فلا شيء عليه (¬3). وهذا أحسن إذا كان مرور اليدين، فأما إذا ضمها، فالكثيف وغيره سواء. وقال في "المدونة" في المرأة تمس ذكر الرجل (¬4) فعليها الوضوء إلا أن يكون ذلك لمرض أو نحوه فلا شيء عليها (¬5). وقال فيمن يمس شعر امرأته تلذذًا فعليه الوضوء، إلا أن يكون ذلك لمرض أو نحوه (¬6) فلا شيء عليه، وقال أيضًا: ما علمت من يمس شعر زوجته تلذذًا (¬7). فصل في الإنعاظ واختلف في الإنعاظ إذا لم يكن معه مسيس، فقيل: لا شيء عليه إلا أن يمذي. ¬

_ = باب في الجنب يستدفئ بامرأته قبل أن تغتسل، من كتاب الطهارة وسننها، برقم (580) قال القاري: سنده حسن. (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 75. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 121. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 75، رواه عنه علي بن زياد، وانظر: النوادر والزيادات: 1/ 53. (¬4) في (ب): (زوجها). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 121. (¬6) قوله: (إلا أن يكون ذلك لمرض أو نحوه) يقابله في (س): (وإن كان استعمالا)، وفي (ب): (إن كان استحسانًا). (¬7) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 115.

وقيل: عليه الوضوء؛ لأنه لا ينكسر إلا عن مذي. وهذا مع عدم الاختيار. وأرى أن يحمل على عادته، فإن كان شأنه أنه لا يمذي عن ذلك كان على طهارته، وإن كانت عادته (¬1) أنه يمذي توضأ، وإن اختلفت عادته توضأ أيضا، وإن اختبر ذلك بالحضرة أو بعد التراخي فلم يجد شيئًا كان على طهارته. وإن أنعظ (¬2) وهو في الصلاة وكانت عادته أنه لا يمذي مضى عليها، وإن كان ممن يمذي قطع، إلا أن يكون ذلك الإنعاظ ليس بالبين ولا يخشى من مثله المذي وإن كان شأنه المذي بعد زوال الإنعاظ ولا يخشى ذلك قبل أن يتم الصلاة (¬3) فإنه يتمها، إلا أن يتبين له أن ذلك كان قبل أن يتم الصلاة (¬4) فيقضي الصلاة، ولو شك، فيختلف هل تجزئه الصلاة أم لا. ¬

_ (¬1) قوله: (فإن كان شأنه. . . وإن كانت عادته) ساقط من (ش 2). (¬2) الإنعاظ قال فيه الجبي: يُنعِظ: أي يقوم ذكره وإن لم يكن منه وذي ولا مذي ولا مني، يقال منه أنعظ يُنعظ إنعاظا، والفصيح أن يقال نعظ الذكر إذا قام، وأنعظ الرجل ذكره إذا أقامه بتذكر ونحو ذلك، إذا تعدى كان رباعيًا، وإذا لم يتعد كان ثلاثيا. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة , للجُبِّي، ص: 14. (¬3) قوله: (أن يتم الصلاة) ساقط من (ش 2). (¬4) قوله: (أن يتم الصلاة) ساقط من (س).

باب في الشك في الوضوء والصلاة

باب في الشك في الوضوء والصلاة الشك في الوضوء على ثلاثة أوجه: أحدها: أن يشك هل توضأ أو لا؟ والثاني: أن يشك في بعض وضوئه. والثالث: أن يكون كامل الطهارة ثم يشك هل حدث ما ينقضها أم لا. فإن شك هل توضأ أم لا - كان عليه أن يتوضأ إذا كان ممن لا يتكرر ذلك عليه، فإن كان ممن يتكرر عليه نظر، فإن كان عنده في الأول أنه لم يتوضأ وجب عليه الوضوء، وإن كان عنده في الأول أنه على طهارة (¬1) ثم شك لم يكن عليه شيء (¬2). وإن شك في بعض وضوئه وكان ذلك بحدثانه، فإن كان بذلك العضو بلل كان دليلًا على أنه غسله، وإن لم يكن به بلل غسله، وإن طال ذلك مما يجف فيه لو كان غسله, فإن عليه غسله، إلا أن يكون ممن يتكرر ذلك عليه. وإن كان على طهارته وشك هل حدث ما ينقضها، فإن كان ممن يتكرر ذلك عليه لم يكن عليه شيء. واختلف إذا كان ممن لا يتكرر ذلك عليه على خمسة أقوال: فقال مالك في "المدونة": يتوضأ. قال: وهو بمنزلة من شك في صلاته فلم يدر أثلاثًا صلى أم أربعًا (¬3). ¬

_ (¬1) في (ر): (طهارته). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 122. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 122.

وعلى هذا يكون الوضوء عليه واجبًا؛ لأن من شك في الرابعة يجب عليه أن يأتي بها. وقال أبو الحسن ابن القصار: روى ابن وهب عن مالك أنه قال: أحب إليَّ أن يتوضأ (¬1). قال: وروي عنه أنه قال: إن شك في الحدث وهو في الصلاة بنى على يقينه ولم يقطع. وإن كان في غير الصلاة أخذ بالشك. قال: وروي عنه أنه قال: يقطع وإن كان في صلاة (¬2). وقال ابن حبيب. إن خيل إليه (¬3) أن ريحًا خرجت منه فلا يتوضأ إلا أن يوقن به، وإن دخله الشك بالحس فلا شيء عليه. قال: بخلاف من شك هل (¬4) بال أو أحدث؟ فإنه يعيد الوضوء (¬5). فأما على القول إن الوضوء واجب فلا فرق بين أن يكون شك وهو في الصلاة أم لا، فإنه يقطع (¬6)، واختلف على القول إن الوضوء استحسان، فقيل: يستحسن ألا يصلى به. وإن شك وهو في الصلاة إنما يستحب له أن يقطع؛ لأن الشك إنما هو عن شيء تقدم قبل الدخول في الصلاة، وقيل: لا يدخل في الصلاة به، فإن فعل أو شك وهو في الصلاة لم يقطع؛ لأنها صلاة جائزة؛ فيكون قد أبطل عملًا ¬

_ (¬1) انظر: عيون الأدلة، لابن القصار: 2/ 639. (¬2) انظر: عيون الأدلة: 2/ 639، 640. (¬3) قوله: (إن خيل إليه) ساقط من (ش 2). (¬4) في (س): (فقال). (¬5) انظر: الواضحة، ص: 163، والنوادر والزيادات: 1/ 51. (¬6) قوله: (فأما على القول إن الوضوء واجب. . . فإنه يقطع) ساقط من (ش 2).

صحيحًا، وهذا في أحد الحدثين البول والغائط. والشك في الريح على وجهين: فإن شك هل كان ذلك منه فنسيه أم لا، عاد الجواب فيه إلى ما تقدم من الشك في غيره، وإن شك في شيء أحسه هل ذلك ريح أم لا، أيكن عليه شيء، سواء وجد ذلك وهو في صلاة أو قبل، ويجوز له أن يبتدئ الصلاة به. وإلى هذا ذهب ابن حبيب (¬1)؛ لأن الشكين ليسا سواء (¬2)، فليس من شك هل كان ذلك فنسيه مثل من هو مجتمع الحس والذكر، ولا يدري هل كان أو لا (¬3)؟ وقيل: هو مثل الأول؛ لأن كل ذلك منه شك. وإن كان هذا أضعف. واستشهد من نفى الوضوء منه بحديث عباد بن تميم - رضي الله عنه - وقد تقدم (¬4)، وبحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا، فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَخَرَجَ مِنْهُ شَيءٌ أَمْ لاَ، فَلاَ يَخْرُجَنَّ مِنَ المَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا" أخرجه مسلم (¬5). وقال أيضًا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا كانَ أَحَدُكُمْ فِي المَسْجدِ فَوَجَدَ رِيحًا بينَ أَلْيَتَيْهِ، فَلاَ يَخْرُجْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا" ذكره الترمذي وقال: حديث صحيح (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: الواضحة, ص: 163. (¬2) قوله: (الشكين ليسا سواء) يقابله في (ر): (الشك لا يصح به العمل). (¬3) قوله: (أو لا) ساقط من (س). (¬4) سبق تخريجه , ص: 73. (¬5) أخرجه مسلم: 1/ 276، في باب الدليل على أن من تيقن الطهارة ثم شك في الحدث فله أن يصلي بطهارته تلك، من كتاب الحيض، برقم (362). (¬6) حسن صحيح، أخرجه الترمذي في سننه: 1/ 109، في باب ما جاء في الوضوء من الريح، من =

وقال أبو هريرة - رضي الله عنه -: إن الشيطان هو يفيش (¬1) بين أليتي أحدكم. وقال الليث: أغفل أبو هريرة واحدة تخرج لا ريح لها ولا صوت (¬2). وقد صدق الليث، إلا أن الأول أولى (¬3)؛ لأن الغالب الوجه الآخر أنه يكون الصوت أو الريح، وللحديث، ولِمَا ذكر أن الشيطان يُدخل على الإنسان الشك بمثل ذلك. فإن شك في الصلاة هل صلى أم لا؟، وجب عليه أن يأتي بتلك الصلاة ما لم يتكرر ذلك عليه، فإن تكرر، وكان يسبق إليه أنه لم يصلِّ وجب عليه أن يأتي بتلك الصلاة أيضًا، وإن كان يسبق إليه أنه قد صلاها ثم دخله شك وتكرر ذلك عليه، لم يكن عليه شيء. ومثله إذا شك في الرابعة فإن عليه أن يأتي بها إذا لم يتكرر ذلك عليه أو تكرر وكان الأول عنده أنها ثالثة. وإن كان الأول عنده (¬4) أنها رابعة ثم شك لم يكن عليه شيء. واختلف إذا سلم وهو على شك ثم استيقن أنها رابعة- فقال ابن حبيب: تجزئه الصلاة، وقال سحنون: أفسد على نفسه (¬5). ¬

_ = أبواب الطهارة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برقم (75)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. (¬1) الفَيْش: النَّفْجُ يُرِي الرجلَ أَن عنده شيئًا وليس على ما يُرِي. انظر: لسان العرب: 6/ 333. (¬2) الأثر لم أقف عليه إلا في الواضحة لابن حبيب، ص: 161، وأورده مستدلا به ابن منظور في لسان العرب في مادة (فشش). قال: (وفي الحديث. .)، وكذلك الزبيدي في تاج العروس، ولعل الزبيدي عن ابن منظور نقله. (¬3) في (ر): (أصح). (¬4) قوله: (أنها ثالثة. . . عنده) ساقط من (س). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 342.

باب في تنكيس الوضوء وموالاته القدر الذي يكتفي به من الماء

باب في تنكيس الوضوء وموالاته القدر الذي يكتفي به من الماء ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ بَدَأَ بِوَجْهِهِ ثُمَّ ذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ على نحو ما وردت به التلاوة في القرآن" (¬1). واختلف في فعله هل هو على وجه الاستحباب أو سنة لا ينبغي تركها أو واجب؟ فإن لم يفعل ونكس هل يجزئه أو لا (¬2)، فقال مالك في "المدونة": صلاته مجزئة. قيل: أفيعيد الوضوء؟ قال: ذلك أحب إلي (¬3). فجعله استحبابًا. وقال أبو جعفر الأبهري عنه: إن الترتيب سنة. وروى عنه علي بن زياد مثل ذلك أنه قال: يستأنف الوضوء والصلاة. ثم قال: لا يعيد الصلاة وإن كان في الوقت. وقال أبو مصعب: إن صلى به صلوات ابتدأ الوضوء ولاءً على كتاب الله، وأعاد الصلوات (¬4) كلها. فجعل الترتيب فرضًا لأن الصلوات لا تكون إلا من وقتين، فتضمن قوله: "أعاد" إعادة الصلاة بعد خروج الوقت، والإعادة بعد خروج الوقت تكون لإسقاط الواجب. وقال محمد بن مسلمة: إذا غسل يديه ثم رجليه ثم وجهه فإنه يغسل يديه ثم يمسح برأسه ثم يغسل رجليه حتى يكون على نسق القرآن، وكما جاء عن ¬

_ (¬1) سبق تخريجه، ص: 25. (¬2) قوله: (هل يجزئه أو لا) يقابله في (س): (لم يجزئه). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 123. (¬4) في (ر): (الصلاة).

النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإن طال ذلك استأنف الوضوء كله، قال: وهو بمنزلة من غسل وجهه بداية ثم ذهب حتى طال فليس له أن يبني. فجعل كل ما قدمه على الوجه كأنه لم يفعله، ورأى أن الترتيب واجب. والقول الأول أبين؛ لأن التلاوة في الأمر بالوضوء لم تأت على صفة توجب الترتيب، ألا ترى أنه لو نزل بعد ذلك آية أخرى بالأمر ببداية اليدين على الوجه أو الرجلين لم تكن نسخًا، بل يحمل على البيان الأول، ويحمل فعله - صلى الله عليه وسلم - أنه يكون على وجه الاستحباب والابتداء بما بدأ الله -عز وجل- به، فلا يتعلق فرض بمحتمل. وكذلك الصفا (¬1) لم تكن البداية بها بمجرد التلاوة، ولا بمجرد فعله - صلى الله عليه وسلم -؛ لاحتماله أن يكون على وجه الاستحباب، وإنما رجع في ذلك إلى الإجماع، وليس تبدئة الركوع على السجود من هذا الباب في شيء؛ لأن الأمر بالصلاة ورد مجملًا بقوله -عز وجل-: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [البقرة: 83]. فهو مجمل لا يعلم بمجرد التلاوة، كيف يقيمها ولا ما (¬2) يتضمن ذلك الأمر، وكانت الصفة التي فعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الوجوب؛ لأنها من باب بيان المجمل إلا ما قام الدليل عليه أنه غير واجب. ¬

_ (¬1) يعني ما أخرجه مسلم: 2/ 886، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، من كتاب الحج، برقم (1218)، من حديث جابر - رضي الله عنه - في وصف حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158]: "أبدًا بما بدأ الله به فبدأ بالصفا فرقي عليه حتى رأى البيت"، وأخرجه مالك في الموطأ: 1/ 372، باب البدء بالصفا في السعي، من كتاب الحج، برقم (829). (¬2) قوله: (ما) ساقط من (س).

فصل [في الموالاة في الطهارة من الحدثين وما يعرض لها]

فصل [في الموالاة في الطهارة من الحدثين وما يعرض لها] وينبغي موالاة الوضوء والغسل، فإن غُلب على ذلك بعد أن أَخذ من الماء قدر ما يكفيه، ثم غُصبه أو أُهراق له، جاز أن يبنأنه على ما مضى منه وإن بعد طلبه للماء. واختُلف إذا فرّقه متعمدًا أو ناسيًا على أربعة أقوال، فقال مالك وابن القاسم: إن فرقه ناسيًا أجزأه، وإن تعمد فرقه لم يجزئه (¬1). وقال ابن وهب: لا يجزئه ناسيًا كان أو متعمدًا. وقال محمد بن عبد الحكم: يجزئه في الوجهين جميعًا في العمد والنسيان. ولمالك عند ابن حبيب قول رابع: أنه إن فرق ناسيًا لم يجزئه في المغسول ويجزئه في الممسوح. وروي عن ابن عمر - رضي الله عنه - "أَنَّهُ كَانَ يَتَوَضَّأُ بِالسُّوقِ إِلاَّ غَسْلَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ دُعِيَ إِلَى جَنَازَةٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهَا حِينَ دَخَلَ المَسْجِدَ، فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا" (¬2). وفي سماع ابن وهب عن مالك أنه قال في رجل مسح على خفيه ثم نزعهما وأقام طويلًا: يستأنف الوضوء أحب إلي، فإن غسل رجليه رجوت أن يجزئه (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 123. (¬2) أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 36، باب ما جاء في المسح على الخفين، من كتاب الطهارة، برقم (73) عن نافع: أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -، بال في السوق، ثم توضأ فغسل وجهه ويديه , ومسح رأسه, ثم دعي لجنازة ليصلي عليها حين دخل المسجد، فمسح على خفيه ثم صلى عليها. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 99.

وكلا هذين القولين موافق لما ذهب إليه محمد بن عبد الحكم، وقد قيل: لا حجة في فعل ابن عمر؛ لأنه كانت في رجليه علة. وهذا غير صحيح؛ لأنه كان يغسل رجليه، فإن كان له عذر ولم يجد من يغسلهما له لم يجز أن يبتدئ الوضوء إلا في الوقت الذي يتيسر له فيه غسل رجليه؛ إذ البداءة بالوضوء قبل ذلك غير مفيد؛ إذ كان لا يستبيح الصلاة إلا بعد تمامه، مع كونه يعلم (¬1) أن ذلك لا يتعذر عليه في السوق، وظاهر القرآن (¬2) يقتضي الموالاة لقوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6]، فكان ذلك لحق الصلاة إذا قام إليها؛ لأنه لا يصح أن يصلي ببعض الطهارة. فأما إذا رأى (¬3) أن يتوضأ قبل دخول الوقت أو بعده ولا يتلبس بالصلاة حينئذ، فأتى به متفرقًا فإنه يجزئه، لأنه داخل في امتثال ما أمر المصلي به أنه لا يصلي إلا بطهارة في أعضاء وقد فعل. فأما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك في مرة واحدة؛ فإن الإتيان به في مرة أسهل على المتوضئ والمغتسل من تفرقته، وهذا موجود في النفوس أنه متى شرع الإنسان في الغسل وفي الوضوء لا يجب (¬4) ترك بعضه ليأتي به في زمن آخر، ولو كان الفرض من الله سبحانه أن يؤتى به متفرقًا لكان ذلك أشق من الإتيان به في مرة واحدة (¬5)، وهو في زمن البرد أشد، وهو في الغسل إذا فرقه أعظم مشقة. ¬

_ (¬1) قوله: (كونه يعلم) يقابله في (س): (أن نعلم). (¬2) في (ر): (القولين). (¬3) في (ر): (أراد). (¬4) قوله: (يجب) في (ب): (يحب). (¬5) قوله: (واحدة) ساقط من (س).

فصل [في القصد في استعمال الماء في الطهارة وغيرها]

فصل [في القصد في استعمال الماء في الطهارة وغيرها] ويستحب القصد في الماء في الوضوء والغسل ويكره السرف في ذلك، وفي مسلم "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُغَسّلُهُ الصَّاعُ وُيوَضِّئُهُ المُدُّ"، وفي البخاري مثل ذلك (¬1). وقال مالك في "المجموعة": رأيت عياش بن عبد الله بن معبد -وكان فاضلًا- يتوضأ بثلث مد هشام ويفضل له منه، فأعجب مالكا ذلك (¬2). وقال ابن القاسم: سمعت مالكًا يذكر قول الناس في الوضوء حتى يقطر أو يسيل، فسمعته يقول: "قطرًا قطرًا" إنكارًا لذلك (¬3). قال مالك: وكان ربيعة أسرع الناس لبثًا في الوضوء والبول، وقال ابن حبيب: كان ابن هرمز بطيء الوضوء بطيء التنظف من البول (¬4). قال الشيخ أبو الحسن -رحمه الله-: الناس في الاستبراء من البول مختلفون، وليس الرجل المرطوب كغيره, فمن كان يعدم من نفسه أنه بنفس الفراغ تنقطع مادته لم يكن عليه غير ذلك، ومن كان لا تنقطع عنه بفور ذلك فعليه أن يستبرئ نفسه. ومن كانت عادته أنه يمسك عنه فإذا قام نزل ذلك منه، فذلك عليه أن يقوم ثم يعود ويستبرئ، فإن لم يفعل ذلك وخرج منه شيء بعد الوضوء استأنف. ¬

_ (¬1) متفق عليه: أخرجه البخاري: 1/ 84، باب الوضوء بالمد، من كتاب الوضوء، برقم (98)، ومسلم: 1/ 257، باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة. . .، من كتاب الحيض، برقم (325). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 30، والبيان والتحصيل: 1/ 53، والذي في النوادر (عباس)، ولم أقف لعياش بن عبد الله على ترجمة. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 120. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 30.

باب في غسل القيء والمحاجم والقرح ينفجر في الصلاة والصلاة في الخفين والنعلين تكون فيهما النجاسة وفي درع المرأة تصيبه النجاسة

باب في غسل القيء والمحاجم والقرح ينفجر في الصلاة والصلاة في الخفين والنعلين تكون فيهما النجاسة وفي درع المرأة تصيبه النجاسة قال مالك: القيء قيآن: فما يخرج بمنزلة الطعام فليس بنجس، وما تغيّر عن حال الطعام فإنه يغسل (¬1). يريد إذا تغير إلى أحد أوصاف النجاسة التي تنقض الطهارة. وقيل: لا ينقض الوضوء؛ لأنه لم يخرج من الموضع المعتاد. والقياس أن يعيد الوضوء؛ لأن انتقاض الطهارة إنما كان لأجل خروج تلك النجاسة ليس لأجل ذلك الموضع. ولو جرح رجل جائفة (¬2) وكان يخرج منها إحدى النجاستين لكان عليه الوضوء إذا صار خروجه على وجه المعتاد قبل ذلك، وإن تكرر على غير العادة عاد الجواب فيه إلى ما تقدم في سلس البول. قال مالك: ويغسل موضع المحاجم ولا يجزئه المسح. ومن مسح ذلك ولم يغسله ثم صلى أعاد في الوقت (¬3). وقال ابن حبيب: لا إعادة عليه، وما روي عن سعيد بن المسيب في فتل الدم بين الأصابع أكثر من هذا (¬4). قال: ولا شيء على من بصق دمًا في الصلاة ما لم يتفاحش كثرته. فراعى ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 125. (¬2) الجائفةُ: الطعْنةُ التي تبلغ الجوف، وطعْنَةٌ جائفة تُخالِط الجوْف، وقيل: هي التي تَنْفُذُه. انظر: مختار الصحاح، ص: 119، ولسان العرب: 9/ 34. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 125. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 127.

فصل [فيمن كانت به قرحة فنكأها]

قدر النجاسة لا قدر موضعها؛ لأن ما يبقى في موضع المحاجم بعد المسح لو كان مجتمعًا- يسير، وراعى مالك الموضع النجس لأنه كثير، وظاهر قوله في الإعادة في الوقت أن ذلك وإن كان متعمدًا، وهذا مراعاة للخلاف. واختلف إذا بولغ في مسح موضع النجاسة (¬1) فلم يبق منها شيء، أو غسل بشيء من المائعات هل يطهر الموضع أولا؟ وأن يطهر أحسن؛ لأن النهي ألا يتقرب إلى الله -عز وجل- وعليه نجاسة، وهذا لا نجاسة عليه. وقال أبو محمد عبد الوهاب في الدم يصيب السيف: يجزئه مسحه؛ لأنه صقيل لا تتخلله نجاسة، ولأن به ضرورة إلى ذلك، لأنه متى غسل فسد (¬2). فراعى زوال عين النجاسة، وهذا هو الصحيح. وكذلك الفم يطرح منه الدم ثم يطرح معه بصاقًا نقيًا، فإن الريق يطهره على أحد القولين. فصل [فيمن كانت به قرحة فنكأها] وقال مالك فيمن كانت به قرحة فنكأها (¬3) وهو في الصلاة فسال منها دم: إن كان يسيرًا فتله ويمضى في صلاته، وإن كان كثيرًا قطع (¬4). قال الشيخ أبو الحسن -رحمه الله-: ولو سال بنفسه وكان بحضرته ماء فغسله ¬

_ (¬1) في (ب): (المحاجم). (¬2) انظر: المعونة: 1/ 58. (¬3) نكأها: أي سلخها. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 16. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 126.

جاز له أن يتمادى في صلاته؛ قياسًا على أحد قولي مالك فيمن تبين له أن في ثوبه نجاسة وهو في الصلاة؟ أن له أن ينزعه ويتمادى في الصلاة (¬1). وبيان ذلك يأتي فيما بعد. وقال مالك في معنى الحديث في الدرع: "يُطَهِّر مَا بَعْدَهُ" (¬2): ذلك في القشب اليابس. يريد أنه يمر على غيره فيذهب ما يتعلق به من النجاسة (¬3). وقيل: ذلك في الرطب؛ لأن الذيل للمرأة كالخف للرجل؛ لأن المرأة ندبت إلى أن ترخي ذيلها شبرًا، فيصير ذلك مما تدعو الضرورة إليه. وقد اختلف قول مالك فيمن وطئ بالخف على أرواث الدواب، فقال مرة (¬4): يغسله. ثم قال: يدلكه (¬5). فأجاب في الأول بالغسل على الأصل في النجاسات أنها تزال بالماء، ثم رأى أن ذلك مما يتكرر فيصير ضرورة فيجزئه الدلك كالاستجمار في غير ذلك، وكذلك ذيل المرأة، وإذا كان تصرف الرجل والمرأة على الأرض الطاهرة في الغالب ولا يصيبها (¬6) ذلك إلا نادرًا، لم يجزئها في الرطب إلا الغسل. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 128. (¬2) صحيح، أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 24، باب الطهور للوضوء، من كتاب الطهارة , برقم (45)، وأبو داود: 1/ 158، باب في الأذى يصيب الذيل، من كتاب الطهارة, برقم (383)، وأبو داود: 1/ 158، باب في الأذى يصيب الذيل، كتاب الطهارة، برقم (383)، والترمذي: 1/ 226، باب ما جاء في الوضوء من الموطأ، من أبواب الطهارة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برقم (143). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 127. (¬4) قوله: (مرة) يقابله في (ر): (مالك). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 127. (¬6) في (ب): (يصيبها نجاسة).

واختلف في النعلين يطأ بهما على ما يكون من أرواث الدواب، فقال مالك: يدلكهما ويصلي فيهما. وقال ابن حبيب: لا يجزئه ذلك لخفة نزعهما، وهذا أبين. وقال مالك فيمن وطئ على دم أو عذرة (¬1) بخفيه: لم يصل فيهما حتى يغسلهما (¬2). يريد لأن كون ذلك في الطرق نادر، ومن مشى حافيًا فأصاب رجليه شيء مما يكون من الدواب مسحهما وصلى على أحد قولي مالك في النعلين، وأرى ألا يجزئه إلا الغسل، إلا أن يكون فقيرًا يشق عليه شراء ما يصون به رجليه من ذلك. وقال مطرف في كتاب ابن حبيب في مسافر على طهارة، وكان مسح على خفيه فوطئ بخفيه على نجاسة ولا ماء معه: أنه ينزعهما ويتيمم ويصلي؛ لأنه أُرخص في الصلاة بالتيمم، ولم يرخص في الصلاة بالنجاسة. وقال مالك في سماع أشهب فيمن توضأ ثم وطئ على المكان القذر الجاف: لا بأس بذلك؛ قد وسع الله على هذه الأمة، ثم تلا: {وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286] (¬3). وقال أبو بكر بن اللباد (¬4): ذلك إذا مشى بعد ذلك على أرض طاهرة؛ لما ¬

_ (¬1) العذرة: أصلها فناء الدار، وكان يلقون الخبث في أفنية الدور فسمي الخبث عذرة بذلك. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة , للجُبِّي، ص: 16. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 127. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 128، والنوادر والزيادات: 1/ 84. (¬4) هو: أبو بكر، محمد بن محمد بن وشاح اللخمي -مولاهم- الإفريقي، المعروف بابن اللباد. المتوفى سنة 333 هـ, فقيه علامة , تفقه على يحيى بن عمر، وعليه عول، وكان من بحور العلم، وتخرج به أئمة منهم أبو محمد بن أبي زيد، وقد امتحن وضرب وسجن، ومنعه بنو عبيد من الإقراء والفتيا إلى أن توفي، صنف "عصمة الأنبياء"، و"كتاب الطهارة" "و" =

روي: أن الدرع يطهره ما بعده (¬1). وليس هذا الذي أراد مالك، وإنما أراد أن (¬2) الرجل إذا أراد (¬3) رفعها بالحضرة لم يمنع من تلك النجاسة شيء إلا شيئًا لا قدر (¬4) له. ¬

_ = مناقب مالك". انظر ترجمته في: المدارك، لعياض: 5/ 286، والديباج، لابن فرحون: 2/ 196، والتعريف بالأعلام والمبهمات، لابن عبد السلام (بهامش الجامع بين الأمهات بتحقيقنا): 1/ 597، وشجرة النور، لمخلوف: 1/ 84، وطبقات الفقهاء، للشيرازي، ص: 160. (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 84، والحديث سبق تخريجه، ص: 102. (¬2) قوله: (أن) ساقط من (س). (¬3) قوله: (أراد) ساقط من (س). (¬4) في (ش 2): (قذر).

باب في غسل الدم وغيره من النجاسات

باب في غسل الدم وغيره من النجاسات وقال مالك في "المدونة" في الرجل يصلي وفي ثوبه دم يسير من دم حيضة أو غيرهما ثم يراه وهو في الصلاة: فإنه يمضي على صلاته ولا ينزعه، ولو نزعه لم أر به بأسًا. فإن كان دم كثير نزعه واستأنف الصلاة بإقامة (¬1). قال الشيخ أبو الحسن -رحمه الله-: على المصلي أن يتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بجسد طاهر وثوب طاهر في موضع طاهر، ولا خلاف في ذلك، وقد ثبتت الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثل ذلك، فأمر بغسل المذي لحديث المقداد (¬2)، وبغسل المني (¬3) لحديث عمر أنه ذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه تصيبه الجنابة من الليل؟ فقال له: "تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ نَمْ" (¬4). وبغسل دم الحيض من الثوب بحديث أسماء (¬5)، ومر - صلى الله عليه وسلم - على قبرين فقال: "إِنَّهُما لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، وَأَمَّا الآخَرُ ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 128. (¬2) سبق تخريجه , ص: 73. (¬3) المنيّ: على وزن الفعل بكسر النون وتشديد الياء معروف، وهو الذي منه الولد، وفيه لغتان: مني وأمنى منيًا وإمناء. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 13. (¬4) متفق عليه: أخرجه البخاري: 1/ 110، في باب الجنب يتوضأ ثم ينام، من كتاب الغسل، برقم (286)، ومسلم: 1/ 248، في باب جواز نوم الجنب واستحباب الوضوء له وغسل الفرج إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يجامع، من كتاب الحيض، برقم (306). (¬5) متفق عليه , أخرجه البخاري: 1/ 117، في باب غسل دم المحيض، من كتاب الحيض، في صحيحه، برقم (301) ومسلم: 1/ 240، في باب نجاسة الدم وكيفية غسله، من كتاب الطهارة، برقم (291)، ومالك في الموطأ، في كتاب الطهارة، باب جامع الحيضة: 1/ 60، برقم (134).

فكَانَ لاَ يَسْتبرِئُ مِنَ البَوْلِ" (¬1) أي: لا يتوقاه. وقيل: المعنى: لا يستتر من الناس، والأول أحسن؛ لأن الأول حقيقة لقوله: "لا يستبرئ منه"، والثاني مجاز وخروج عن النص. وجميع هذه الأحاديث اجتمع عليه الصحيحان البخاري ومسلم؛ وقال الله -عز وجل- {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ} [التوبة: 28]، فجعل العلة في منعهم المسجد لأنهم في معنى النجس. قال قتادة: الأنجاس: الأخباث (¬2). إذا منع موضع الصلاة من النجاسة كان منع الصلاة أولى، وأجمع أهل العلم على أن على المصلي ألا يتقرب إلى الله - صلى الله عليه وسلم - بالنجاسة. واختلف بعد ذلك في إزالة النجاسة على ثلاثة أقوال: فذهب مالك إلى أن ذلك فرض مع الذكر ساقط مع النسيان، فإن صلى بنجاسة متعمدًا أعاد أبدًا، وإن كان ناسيًا أعاد في الوقت (¬3). وقال ابن وهب: يعيد أبدًا ناسيًا كان أو متعمدًا (¬4). وجعل ذلك فرضًا مع الذكر والنسيان. وقال أشهب: لا إعادة عليه إلا في الوقت ناسيًا كان أو متعمدًا (¬5). ورآه ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 88، في باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله، من كتاب الوضوء، في صحيحه، برقم (213)، ومسلم: 1/ 240، في باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه، من كتاب الطهارة، برقم (292). (¬2) في (س): (الأجناب). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 138. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 41. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 78، قال ابن رشد: (وقد روى البرقي عن أشهب أن من صلى بثوب نجس عامدًا، فلا إعادة عليه إلا في الوقت).

سنة، والأول أحسن، فيعيد إذا كان ذاكرًا وإن ذهب الوقت؛ للقرآن والحديث والإجماع (¬1)، ولا يعيد إذا ذهب الوقت وكان ناسيًا، للحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أَنَّهُ كَانَ فِي الصَّلاَةِ، فَخَلعَ نَعْليْهِ لِنَجَاسَةٍ فِيهِمَا، فَأتمَّ الصَّلاَةَ" (¬2). فاجتزأ بالماضي لأنه كان غير عالم، فكذلك يجزئ جميعها إذا علم بعد الفراغ. واختلف فيمن رأى في ثوبه نجاسة وهو في الصلاة، فقال مالك في "المدونة": يقطع وينزع الثوب ويستأنف الصلاة (¬3). والقطع على أصله استحسان؛ لأنه يقول: إذا لم يعلم حتى فرغ من صلاته أنه يعيد ما دام في الوقت (¬4). وهذا استحسان. وإذا كان ذلك الماضي من صلاته جازئًا، فإعادته استحسان. وقال في "المبسوط": إن كان يستطيع نَزْعه نَزَعه ومضى على صلاته، وإن كان لا يستطيع نزعه أو كانت النجاسة في جسده قطع. وقال عبد الملك بن الماجشون: إذا كان يستطيع نزعه نزعه (¬5) وإلا ¬

_ (¬1) أما القرآن فقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)} [المدثر: 4] وأما السنة فلما جاء من الوعيد في ترك الاستبراء من البول، وما ورد في دم الحيض يصيب الثوب. وهي مسألة قد بسطها ابن عبد البر في الاستذكار، فراجعها فيه إن شئت: 2/ 238، وما بعدها. (¬2) صحيح، أخرجه ابن خزيمة في صحيحه: 1/ 384، في باب ذكر الدليل على أن المصلي إذا أصاب ثوبه نجاسة وهو في الصلاة لا يعلم بها لم تفسد صلاته، من كتاب الصلاة, برقم (786)، وابن حبان في صحيحه: 5/ 560، في باب فرض متابعة الإمام، من كتاب الصلاة, برقم (2185)، وأخرجه الحاكم في المستدرك: 1/ 391، في كتاب الإمامة وصلاة الجماعة باب التأمين، برقم (955)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 128. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 128. (¬5) قوله: (ومضى على صلاته. . . نزعه نزعه) ساقط من (ر).

تمادى وأعاد. وقال أشهب في "مدونته": إذا خرج لغسل النجاسة من ثوبه أو بدنه ثم بنى أجزأه قياسًا على الراعف (¬1). والقول: إنه ينزعه ويبني، أحسن، للحديث: "أنه خلع نعليه وأتم" (¬2). وذهب أحمد بن المعذل إلى قول أشهب أن الإعادة عليه ما دام في الوقت، قال: لأنه لو حضرته الصلاة ولم يجد إلا ثوبًا نجسًا وخاف فوات الوقت صلى فيه. واختاره على تأخيرها ليصليها في ثوب طاهر. قال: ولو أن رجلين تعمدا فصلى أحدهما في الوقت بثوب نجس، وهو ذاكر قادر على غيره، وأخر الآخر الصلاة وهو ذاكر حتى خرج الوقت وصلاها بثوب طاهر ما استوت حالاتهما عند مسلم ولا قربت، فيعيدها الأول ليأتي بأكمل منها (¬3)، وإن خرج الوقت لم (¬4) يعدة لأنه يأتي بأنقص. قال الشيخ -رحمه الله-: واختلف بعد القول إن الإعادة في الوقت- هل ذلك الوقت المختار أو الضروري؟ فقيل: هو الوقت المختار، فيعيد الظهر والعصر ما لم تصفرّ الشمس. وقال مالك في "المبسوط" وعند ابن حبيب: النهار كله في ذلك وقت إلى غروب الشمس، والليل كله إلى طلوع الفجر. وقد يحمل هذا على القول أنه غير مؤثم إذا أخر إلى مثل ذلك متعمدًا، ومن قال: إنه مؤثم، أعاد العصر ما لم تصفرّ الشمس، وينبغي أن يعيد الظهر ما لم تخرج القامة أو ¬

_ (¬1) في (ر): الرعاف. (¬2) انظر: تخريج الحديث السابق، ص: 91. (¬3) قوله: (منها) ساقط من (س). (¬4) في (ش 2): (وإن خرج الوقتَ ولم).

فصل [في يسير القيح والصديد ودم الحيض يصيب الثوب]

لمقدار أربع ركعات من الثانية؛ لأنه الوقت المختار وهو نظير الاصفرار في العصر، وكذلك في صلاتي الليل يعيد الغرب ما لم يغب الشفق والعشاء ما لم يذهب نصف الليل، ولا وجه لقول من قال: يعيد إلى طلوع الفجر؛ قال: لأن جميع الليل وقت للنفل بخلاف النهار؛ لأن النفل بعد الاصفرار مكروه. وليس ذلك بالبّين؛ لأن الإعادة لم تكن لأنها نفل، وانما كانت ليأتي بالفرض بأكمل منه أولًا. وقال ابن حبيب: إذا أبصر النجاسة في ثوبه فلما همّ بالانصراف نسي وأتم صلاته، فإنه يعيد وإن ذهب الوقت؛ لأنه حين أبصرها انتقضت صلاته، وكذلك إذا ذكرها بعد الفراغ وقبل خروج الوقت ثم نسي الإعادة حتى خرج الوقت أنه يعيد (¬1) وكذا القولين بعيد؛ لأن القطع إذا ذكره وهو فيها وهو قادر على طرح الثوب استحسان، وقد قال مالك: يخلعه ويمضي، وكذلك الإعادة إذا ذكرها بعد الفراغ، وفي الوقت الإعادة استحسان. فصل [في يسير القيح والصديد ودم الحيض يصيب الثوب] واختلف عن مالك في يسير القيح والصديد ودم الحيض، فقال مرة: يعفى عن يسيره مثل غيره من الدم لما كان من جنس ما تدعو الضرورة إليه (¬2). وقال من "المبسوط": دم الحيض والقيح كالبول والرجيع (¬3) قليل ذلك ¬

_ (¬1) قوله: (حتى خرج. . . يعيد) ساقط من (ر). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 126. (¬3) الرجيع: الغائط، فعيل بمعنى مفعول، أي رُدّ في الجوف من بعد الطعام إلى حد الأذى. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 16.

وكثيره سواء، والصديد مثله (¬1). وهذا حسن؛ لأنه ليس مما تدعو الضرورة إليه، والقيح والصديد تجوز الصلاة بكثيره متى كانت العلة ال كائن عنها قائمة، فإن ذهبت وبرأ صاحبها كان الحكم في قليله وكثيره سواء؛ لأنه لا ضرورة إليه. وكذلك دم الحيض لأنه (¬2) مما ينفك منه الرجل، وليس ذلك مما يكون في ثياب الرجال، وليس هو أيضًا مما تدعو الضرورة إليه للنساء؛ لأن المرأة إنما يطرأ عليه (¬3) أيام الحيض، فإذا طهرت لم تره إلى مثلها، والبول يتكرر أكثر منه، فلم يعف عن يسيره. ويختلف على هذا في الدم اليسير إذا كان في ثوب غيره فلبسه. وفي اليسير من دم الشاة؛ لأن كل ذلك مما ينفك منه (¬4). والدم على ضربين: نجس، ومختلف فيه، هل هو نجس أو طاهر، فالأول دم الإنسان، ودم ما لا يجوز أكله، ودم ما يجوز أكله إذا كان خروجه في حال الحياة أو في حال الذبح؛ لأنه مسفوح. واختلف فيما يبقى في الجسم بعد الذكاة وفي دم ما ليس له نفس سائلة من الحيوان البرّي، وفي دم الحوت هل هو نجس أو طاهر، فقال مالك في "المدونة" في دم البراغيث: إذا تفاحش يغسل (¬5). قال ابن القاسم: وما رأيت مالكًا يفرق بين الدم، ويجعل دم كل شيء سواء. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 224، والنوادر والزيادات: 1/ 210. (¬2) في (ر): (وهو). (¬3) في (ش 2): (عليها). (¬4) في (ش 2): (عنه). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 128.

قال (¬1): وسألته عن دم القراد (¬2) والذباب (¬3) والسمك؟ فقال: ودم السمك (¬4) أيضًا يغسل (¬5). واختلف في غسل هذه الدماء هل تغسل على وجه الوجوب لأنها نجسة أو استحسانًا وأنها طاهرة؟ فقال مالك في سماع أشهب: دم الحوت ودم الشاة وغيره (¬6) سواء، كله نجس. وقال أيضًا في الثوب يكون فيه الدم يتجفف فيه من الغسل، قال: إن كان كثيرًا كثيفًا يخاف أن يكون التجفيف فيه قد بلّه فأخرج منه ما أصاب جسده، فأرى أن يغسل جسده. قيل له: أفيعيد الصلاة؟ قال: لا أرى ذلك؛ قال الله -عز وجل-: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145] (¬7). وإلى هذا ذهب محمد بن مسلمة، وقد مضى ذكر ذلك في كتاب الأطعمة (¬8) ¬

_ (¬1) ظاهر الكلام يوحي بأنها من كلام ابن القاسم، ولفظ المدونة: 1/ 128: (سألت ابن القاسم عن دم القراد والسمك. . .) فهي من كلام سحنون. (¬2) القراد: أول ما يبدو يقال لواحدته قمقامة بفتح القاف وإسكان الميم فإذا كبر فوق ذلك قيل له حمنانة بحاء غير منقوطة وإسكان الميم، فإذا كبر فوق ذلك قيل له قرادة بضم القاف، فإذا كبر فوق ذلك قيل له حلمة بفتح الحاء واللام، وهو آخر أسمائها. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة , للجُبِّي، ص: 15. (¬3) الذباب: واحد الذِّبان منه ذباب , وجمعه في أقل العدد أذِبَّة وفي أكثر العدد ذِبّان. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة , للجُبِّي، ص: 16. (¬4) السمك: أكبر الحيتان، والحيتان دونها، وقد قيل جمع الحيتان سمك. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة , للجُبِّي، ص: 16. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 128. (¬6) قوله: (وغيره) ساقط من (س) و (ش 2). (¬7) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 116. (¬8) الأولى أن يقول: وسيأتي؛ لأن ما نحن فيه مقدم في كل كتب الفقه ولم أقف على من قدم كتاب الأطعمة على كتاب الطهارة وما يشمله.

فصل [في الاحتلام أو البول يصيب الثوب ولا يدرى موضعه]

وما يحل أكله من ذلك وما يحرم. فصل [في الاحتلام أو البول يصيب الثوب ولا يدرى موضعه] وقال مالك في الثوب يصيبه البول أو الاحتلام فيخطئ موضعه فإنه يغسله كله. وإن شك هل أصابه ذلك أو لا نضحه (¬1)، وهو الشأن، وهو من أمر الناس، وهو طهور لكل ما شك فيه، كان عرف موضعه وشك في غيره غسل ما علم ونضح ما لم يعلم. واتفاقهم على النضح مع الشك وألا يغسل، يقضي على ما اختلفوا فيه إذا شك في الريح، وأن القول قول من قال: إنه لا يتوضأ. واختلف إذا صلى ولم ينضح، فقال ابن القاسم في "المجموعة" و"العتبية": يعيد الصلاة (¬2). وبه قال سحنون وعيسى بن دينار (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 129. (¬2) انظر: والنوادر والزيادات: 1/ 66، والبيان والتحصيل: 1/ 85، 204. (¬3) هو: أبو محمد، عيسى بن دينار بن وهب القرطبي، المتوفى سنة 212 هـ , به وبيحيى بن يحيى انتشر علم مالك بالأندلس، سمع من ابن القاسم وله عشرون كتابًا في سماعه عنه, وكتب إلى ابن القاسم في رجوعه عما رجع عنه من كتاب أسد بن الفرات فيما بلغه وسأله إعلامه بذلك فكتب إليه ابن القاسم (اعرضه على عقلك فما رأيته حسنًا فأمضِه، وما أنكرته فدعه). وهذا يدل على ثقة ابن القاسم بفقهه، له تأليف في الفقه يسمى "كتاب الهدية" كتب به إلى بعض الأمراء , أخذ عنه ابنه أبان وغيره. انظر ترجمته في: ترتيب المدارك، لعياض: 4/ 105، والديباج، لابن فرحون: 2/ 64، والتعريف بالأعلام والمبهمات، لابن عبد السلام (بهامش الجامع بين الأمهات بتحقيقنا): 1/ 36، وشجرة النور، لمخلوف: 1/ 64.

وقال أشهب في أصل سماع أبي زيد من ابن القاسم وابن نافع (¬1) في شرح ابن مزين وابن الماجشون في "الواضحة" لا إعادة عليه. وهذا الاختلاف فيمن أصابته جنابة فغسل ما رأى ولم ينضح بقية الثوب. وقال أبو محمد عبد الوهاب: النضح استحباب (¬2). وهو أحسن، ولو كان ذلك على الوجوب لوجب الغسل، وقد قال ابن القاسم فيما يتطاير من البول مثل رؤوس الإبر: إنه يغسل (¬3). واختلف فيمن أصاب ثوبه الماء المشكوك فيه، فقال مالك في سماع أشهب فيمن غسل ثوبه بماء سقطت فيه فأرة: لو رشّهُ لرجوت أن يكون في ذلك سعة (¬4). وقال في مختصر ابن شعبان في الثوب الرفيع يصيبه الماء المشكوك فيه وغسله يفسده أنه يصلي فيه بغير غسل (¬5)، ولو كان الماء نجسًا لا شك فيه (¬6) غسل الرفيع وغيره، وظاهر قوله أن الثوب إذا لم يكن رفيعًا غسله، وعلى رواية ¬

_ (¬1) هو: أبو محمد، عبد الله بن نافع القرشي، مولى بني مخزوم، لقب بالصائغ. المتوفى سنة 186 هـ, روى عن مالك وتفقه به، وكان من كبار أصحابه , وقد كان أميًا لا يكتب، سمع منه سحنون، ويحيى بن يحيى، وله تفسير على الموطأ. انظر ترجمته في: ترتيب المدارك، لعياض: 3/ 308، والديباج، لابن فرحون: 1/ 409، وشجرة النور، لمخلوف: 1/ 55، وطبقات الفقهاء، للشيرازي، ص: 147، والانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء, لابن عبد البر، ص: 102، والفكر السامي، للحجوي: 1/ 444. (¬2) انظر: المعونة: 1/ 57. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 129. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 106. (¬5) انظر: الزاهي، لابن شعبان، لوحة رقم: [11 / أ]. (¬6) قوله: (وغسله يفسده. . . لشك فيه) زيادة من (س).

فصل في المسح على الجبائر

أشهب عنه (¬1)، ينضح الرفيع لأن ذلك لا يفسده. فصل في المسح على الجبائر ويجوز المسح على الجبائر (¬2) وإن لم تشد على طهارة، بخلاف الخفين؛ لأن مباشرة الماء للجرح يفسده، ولأن غسل (¬3) الجبائر للضرورة، فلم يكن عليه أن يتوضأ في موضع لم يخاطب فيه للصلاة. وكذلك من خشي أن يمسح برأسه عند الوضوء، يجوز له أن يمسح على العمامة وإن لم يكن لبسها على وضوء. ويجوز لمن حدثت به جنابة وخشي إن كشف رأسه وغسله- أن يمسح على الحائل، وإن لم يكن لبسه على وضوء. وقال مالك: في الظفر يكسى الدواء: لا بأس أن يمسح عليه (¬4). وقاله ابن القاسم: في المرارة يكسى الظفر بها. وقيل في العلك يعمل على الظفر مثل ذلك (¬5). ¬

_ (¬1) قوله: (عنه) زيادة من (س). (¬2) الجبائر: جمع جبارة وهي القصب الملفوف أو ألواح تجعل على الذراع المكسورة لتجبرها أي تعيدها كما كانت سميت بذلك على وجه التفاؤل الحسن. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 17. (¬3) في (ر): (إعمال)، وفي (ب): (عمل). (¬4) قوله: (الدواء: لا بأس أن يمسح عليه) يقابله في (ر): (دواءً أو مرارة ثم يمسح عليه: فلا بأس به)، وانظر: المدونة: 1/ 130. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 55، والنوادر والزيادات: 1/ 102، وهو من قول مالك - رضي الله عنه - في سماع ابن القاسم، وعبارته فيهما: (ومن الْعُتْبِية، من سماع ابن القاسم، في مَنْ تنكسر أظفاره, =

وفي الذرور (¬1) يعمل على الجرح: إنه يمسح عليه، وإن لم يجعل عليه خرقًا، فإن برأ وزال غسل ذلك الموضع وإن لم يكن صلى بالطهارة الأولى. وقال مالك فيمن أجنب وبه جرح، فاغتسل ومسح على ذلك الجرح، ثم برأ- غسل (¬2) ذلك الموضع، فإن نسي حتى صلى صلوات، وكان في موضع لا يصيبه الوضوء مثل المنكب والظهر- لم تجزئه الصلاة (¬3). قال الشيخ -رحمه الله-: ولو كان الجرح في الرأس لأعاد الصلاة؛ لأن فرضه في الوضوء المسح وفي الجنابة الغسل، والمسح لا يجزئ عن الغسل، ولو كان في الوجه، أو الذرل أو الرجل- لأجزأه ذلك إذا كان قد توضأ للصلاة، ولم يكن عليه أن يعيد غسل ذلك بنية الجنابة؛ لأن نية الوضوء تجزئ عن نية الجنابة. وإذا عصبت الجبائر بعصابة، وكان حلّها يؤدي إلى فساد ما عملت عليه الجبائر جاز له أن يمسح على العصائب، وإلا حلّت، وغسل ما تحت العصائب، وكذلك الفصادة (¬4) تحل العصائب ويغسل ما تحتها ويمسح موضع الفصد ثم يعيد الرباط إن شاء. ¬

_ = فيجعل عليها عِلْكًا، لأنْ تَنْبُتَ , أيَتَوَضَّأُ على العِلكِ؟ قال: أرجو أن يكون في سَعَة). (¬1) الذَّرُورُ بالفتح ما يُذَرُّ في العين وعلى القَرْحِ من دواء يابس. انظر: لسان العرب: 4/ 303. (¬2) قوله: (غسل) ساقط من (س). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 130. (¬4) الفَصْدُ: قطع العُروق , وافْتَصَدَ فلانٌ: إِذا قطعَ عرْقَه. انظر: لسان العرب: 3/ 336.

باب في غسل بول الغلام والجارية وحكم المرأة فيما يصل إليها من ذلكـ

باب في غسل بول الغلام والجارية وحكم المرأة فيما يصل إليها من ذلكـ وقال مالك: يُغسل بول الغلام والجارية وإن لم يأكلا الطعام، أصاب ذلك رجلًا أو امرأة، وأما الأم فأحب إلي أن يكون لها ثوب سوى الذي ترضع فيه إن كانت تقدر، وإن لم تقدر على ذلك فلتصل في ثوبها، ولتغسل ما أصاب من البول ثوبها جهدها (¬1). وروى الوليد بن مسلم عن مالك في "مختصر ما ليس في المختصر" أنه قال: لا يغسل الثوب من بول الصبي ولا الصبية حتى يأكلا الطعام. وقال ابن وهب مثل ذلك في الصبي دون الصبية، ولم يختلف في أثفالهما (¬2) أنها نجسة تغسل وإن لم يأكلا الطعام. وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أُتي بصبي لم يأكل الطعام، فبال على ثوبه , فنضحه (¬3). وفي كتاب مسلم: قالت عائشة - رضي الله عنها -: "أُتِيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِصَبِيٍّ يَرْضَعُ، فَبَالَ فِي حِجْرِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ" (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 131. (¬2) الثَفْل: ما استقرَّ تحت الشيء من كَدَره. . والثافل الرَّجِيع. انظر: لسان العرب: 11/ 84. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 90، في باب بول الصبيان، من كتاب الوضوء، في صحيحه, برقم (221)، ومسلم: 1/ 238، في باب حكم بول الطفل الرضيع وكيفية غسله، من كتاب الطهارة، برقم (287)، ومالك في الموطأ: 1/ 64، في باب ما جاء في بول الصبي، من كتاب الطهارة, برقم (141). (¬4) أخرجه مسلم: 1/ 237، في باب حكم بول الطفل الرضيع وكيفية غسله، من كتاب الطهارة، برقم (286).

ومحمل ذلك أنه نجس؛ ولو كان طاهرًا لم يصبّ عليه ماءً لا على وجه الغسل ولا على وجه النضح، ومعلوم أن النضح لم يكن إلا ليكون له تأثير في ذلك البول، ولولا ذلك لم يكن لنضحه وجه، والتأثير رفع حكمه , وحكمه إنما يرفعه بأن يصبّ عليه من الماء ما يذهبه، وذلك يصح بالصبّ من غير غسل باليد؛ لأن البول كالماء، وإنما يحتاج إلى اليد إذا جف، والنضح يصح أن يعبر به عما يصب من الماء القليل والكثير، والعرب تسمي الإبل التي يُسقى عليها نواضح، وقال ابن فارس في "مجمل اللغة": يقال للسانية: ناضح، وقد يكون ذلك على وجه النسبة، أي: ذات نضح، كما قالوا: تامر، ولاحم، أي: ذو تمر ولحم. قال: ويقال: نضح فلان عن نفسه، أي: دافع عنها بحجة (¬1). فإن قيل: إنما فعل ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - على وجه التنظف، قيل: فلا ينظف منه إلا ما أكثر من الماء، وإذا كان ذلك عاد الجواب إلى أنه أراد إزالته، وإذا كان ذلك ولم يثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه طاهر ولا نجس- حمل على أنه مثل غيره من أبوال بني آدم، وأنه مثل أثفاله حتى يثبت عنه نص أنها طاهر. ¬

_ (¬1) قوله: (بحجة) ساقط من (ر).

باب في الانتفاع بالماء النجس وتطهير ما وقع فيه من بئر وغيره

باب في الانتفاع بالماء النجس وتطهير ما وقع فيه من بئر وغيره اختلف في الانتفاع بالماء النجس، فأجري الانتفاع به مجرى الانتفاع بالميتة، فقيل: لا ينتفع به بحال، ولا يسقى بهيمة ولا نباتًا. وقيل: لا بأس بالانتفاع به في هذين الوجهين. وقيل: لا بأس أن يسقى ما لا يؤكل لحمه من البهائم وما لا ينتفع به بقرب السقي من النبات؛ لأنه عنده ينجس ما يشربه من حيوان أو نبات. وقال عبد الملك بن الماجشون: إن غلب على ماء البئر ما وقع فيها من نجاسة فما عولج به من عجين أو طعام فلا يجوز أن يطعم لدجاج ولا الحمام ولا النصراني، وهي كالميتة (¬1). وقال ابن وهب عن مالك في "المبسوط": لا بأس بذلك أن يسقى الدواب وأصول الثمر والزرع. قال: وكأنه كره ما يسقى به مما يؤكل من المواشي (¬2). وقال أبو مصعب مثله: إنه لا يسقى ما يؤكل لحمه، ولا بأس أن يسقى الزرع والنخل. وكل هذا موافق للقول إن عرق السكران نجس، وعلى القول: إنه طاهر. لا بأس أن يوكل لحم (¬3) ما شرب منه، وإن ذبحت الغنم أو قلع البقل بالحضرة. وعلى القول الأول لا يؤكل إلا أن يطول بعد شربه، فتخلفه أعراض أخر. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 75، وقد عزاه لابن حبيب. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 131. (¬3) قوله: (لحم) ساقط من (ب).

فصل [في تطهير الآبار مما مات فيها]

وقال في "المدونة" في العسل ينجس: لا بأس أن يعلف النحل (¬1). وعلى قول عبد الملك يمنع من ذلك. فصل [في تطهير الآبار مما مات فيها] وأما تطهر ما وقعت فيه، فقال مالك في "المدونة" في البئر من آبار المدينة تقع فيه الوزغة، أو الفأرة: يسقى منها حتى تطيب وينزحون (¬2) منها على قدر ما يظنون أنها قد طابت. وفي "المجموعة": إذا تزلعت الدابة التي تقع في البئر أو سال من دمها أو فرثها ولم تتزلع فلتنزف إلا أن يغلبهم الماء، فإن غلبهم نزع حتى لا يبقى من النجس شيء، وإن لم تتزلع ولا سال من دمها شيء فلينزح منها شيء، فإن أروحت نزع منها حتى تذهب الرائحة (¬3). وقال أبو مصعب: ينزف ذلك الماء كله، وذكر عن المغيرة وابن الماجشون: ينزع منها خمسون دلوًا. وقال ابن أبي أويس: سبعون دلوًا. قال الشيخ -رحمه الله-: النجاسة على ضربين: فإن كانت مما يمازج الماء كالدم ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 131. (¬2) لفظ المدونة الذي وقفت عليه: (ينزفون). انظر: المدونة: 1/ 131، وكلاهما صحيح، فالنزح في أصل اللغة: البعد، ونَزَحَ البئرَ: إِذا استقى ما فيها حتى يَنْفَدَ، وقيل: حتى يَقِلَّ ماؤُها، ونزَفْت ماءه إذا نزحْته , وأَنزفَت هي نزَحت وذهب ماؤها. انظر: لسان العرب: 2/ 614، 9/ 325. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 75.

والبول وما أشبه ذلك نزع جميعه؛ لأن أعلاه وأسفله سواء في الحكم. وهذا إذا كانت النجاسة ليست (¬1) في بئر أو ما أشبه ذلك، فإن كانت في بئر فإذا ذهب منه ما كان متغيرًا وخلفه غيره فهو طاهر. وإن كانت النجاسة دهنية وما أشبه ذلك مما يعلو الماء ويطفو عليه ولا تمازج جملته، أجزأ من ذلك زوال أعلاه إذا أحكم زوال ذلك وصار يطلع الباقي ولا دهنية عليه. وأما ما ذكره عمن حدد ذلك فيمكن أن يكونوا حصروا ذلك للعامة لقلة ميزهم، وإلا فالأصل ما تقدم ذكره. ¬

_ (¬1) قوله: (ليست) ساقط من (س).

باب في صفة الغسل من الجنابة والحيض والتدلكـ في الغسل والوضوء وعلى من يجب الغسل والنية في جميع ذلكـ

باب في صفة الغسل من الجنابة والحيض والتدلكـ في الغسل والوضوء وعلى من يجب الغسل والنية في جميع ذلكـ يبتدئ الجنب بغسل مواضع الأذى، ثم يغسل تلك المواضع بنية الغسل عن الجنابة. وإن نوى ذلك في حين إزالة النجاسة وغسل غسلًا واحدًا أجزأه, ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة, وينوي الجنابة، وإن نوى الوضوء أجزأه , فإن أتمّ وضوءه وعجل غسل رجليه فحسن، ثم يأخذ في الغسل، وإن أخر غسلهما فلا بأس. وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحيحين أنه فعل الأمرين جميعًا فعجل غسلها تارة وأخره تارة (¬1). ثم يفيض على رأسه ثم على جسده، فإن كانت له وفرة غمس يديه في الماء ثم خلل بهما أصول شعره ثم يفيض عليه الماء ويخلل ¬

_ (¬1) في الوضوء كاملًا قبل الغسل (عن عائشة أم المؤمنين: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ بغسل يديه، ثم توضأ كما يتوضأ للصلاف ثم يدخل أصابعه في الماء، فيخلل بها أصول شعره, ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات بيديه، ثم يفيض الماء على جلده كله) متفق علي , أخرجه البخاري: 1/ 99، في باب الوضوء قبل الغسل، من كتاب الغسل، في صحيحه, برقم (245): ومسلم: 1/ 44، في باب العمل في غسل الجنابة، من كتاب الحيض، برقم (98)، ومالك في الموطأ: 1/ 253، في باب صفة غسل الجنابة, من كتاب الطهارة، برقم (316). وفي تأخير غسل الرجلين: عن ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: توضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضوءه للصلاة غير رجليه وغسل فرجه وما أصابه من الأذى ثم أفاض عليه الماء ثم نحى رجليه فغسلهما هذه غسله من الجنابة) منفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 100، في باب من توضأ في الجنابة ثم غسل سائر جسده ولم يعد غسل مواضع الوضوء مرة أخرى، من كتاب الغسل، في صحيحه، برقم (246)، ومسلم: 1/ 253، في باب صفة غسل الجنابة، من كتاب الحيض، برقم (316).

بيديه حتى يصل الماء إلى أصول شعره. وقد اختلف عن مالك في تخليل اللحية فقال: ذلك عليه في الغسل والوضوء. وقال أيضًا: ليس ذلك عليه فيهما جميعًا. وقال أيضًا: يخلل الجنب ولا يخلل المتوضئ (¬1). وقال ابن حبيب: من لم يخلل لحيته في ذلك وأصابع رجليه لم يجزه (¬2). وقال أبو الحسن ابن القصار: روى ابن وهب عن مالك أن تخليل اللحية من الجنابة واجب، غير أن إيصال الماء إلى البشرة التي تحت الشعر ليس بمفروض (¬3). والقول الأول أحسن، وقد ثبتت الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يخلل أصول شعره في غسله من الجنابة (¬4)، ولم يفرق بين اللحية وغيرها. وروى عنه الترمذي: "أَنَّهُ كَانَ يُخَلّلُ لحيَتَهُ في الوُضُوءِ" (¬5)، ويحتمل أن ¬

_ (¬1) انظر: تفصيل ما ذكر المؤلف في: المدونة: 1/ 125، والنوادر والزيادات: 1/ 63، البيان والتحصيل: 1/ 59، 93، 98. (¬2) لم أقف على كلام ابن حبيب , وفي الواضحة , ص: 98: (. . . وليس في ترك تخليلها (أصابع اليدين) من الرخصة ما في ترك تخليل أصابع القدمين). (¬3) انظر: عيون الأدلة: 1/ 246. (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 99، في باب الوضوء قبل الغسل، من كتاب الغسل، في صحيحه , برقم (245)، ومسلم: 1/ 253، في باب صفة غسل الجنابة، من كتاب الحيض، برقم (316)، ومالك في الموطأ: 1/ 44، في باب العمل في غسل الجنابة، من كتاب الطهارة، برقم (98). (¬5) سبق تخريجه، ص: 21.

يكون ذلك في الوضوء ليعمّ الظاهر من الشعر؛ لأن الماء ينبو عن بعض الشعر؛ لأن الظاهر بعضه أعلى من بعض، وليس مروره عليه كمروره على البشرة. وصفة اغتسال المرأة من الجنابة والحيض على مثل ذلك، وتخلل أصول شعر رأسها وليس عليها أن تنقضه.

فصل [في التدليكـ للمغتسل والمتوضئ]

فصل [في التدليكـ للمغتسل والمتوضئ] وعلى المغتسل والمتوضئ أن يمر اليد مع الماء في حين غسله ووضوئه، فإن انغمس في الماء في حين غسله، أو صبّ الماء على مواضع الوضوء، أو غمسها في الماء، ولم يمر اليد مع ذلك، لم يجز الغسل ولا الوضوء عند مالك (¬1). وقال أبو الفرج: إنما يُخرّج ذلك عندي -والله أعلم- أنه لما (¬2) كان المعتاد من المنغمس في الماء وصابّه عليه أنهما لا يكادان يسلمان من تنكب الماء مواضع المبالغة المأمور به وجب لذلك عليهما أن يمرا أيديهما، فأما إن طال مكث الإنسان في ماء أو والى بين صبِّه عليه من غير أن يمر يده على بدنه (¬3)، فإنه ينوب له عن إمرار اليد. وإلى هذا المعنى ذهب مالك، والله أعلم. وذكر الطبري في "جامع البيان" في موضع غسل الرجلين أن الغسل يقع على ما لم تمر عليه اليدُ (¬4). فصل [أحكام الغسل وعلى من يجب] الغسل ثلاثة: فرض، وسنة، وفضيلة. فالفرض: غُسل الجنب، والحائض، والنفساء، والكافر يُسلم. ¬

_ (¬1) انظر: التفريع: 1/ 21، والتلقين: 1/ 23، والمعونة: 1/ 27، والبيان والتحصيل: 1/ 49. (¬2) قوله: (لما) زيادة من (ب). (¬3) قوله: (على بدنه) ساقط من (س). (¬4) انظر: جامع البيان، للطبري: 4/ 461.

والسنة: غسل الجمعة، والعيدين، وقيل في غسل العيدين: إنه مستحب. والفضيلة: الغسل للإحرام، ولدخول مكة، ولوقوف عرفة. والأصل في الغسل للجنابة قول الله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]، وقوله: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43]، وفي الحائض قوله سبحانه: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] وتدخل النفساء (¬1) في ذلك؛ لأن دم النفاس حيض، وإن كانت الولادة ولم تر دمًا لم يكن عليها غسل، واستحب مالك الغسل وقال: لا يأتي من الغسل إلا خير. وأما الكافر يسلم بعد البلوغ فيغتسل لأنه جنب (¬2)، وفي الجمعة قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ جَاءَ الجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ" (¬3)، وفي العيدين قوله في الجمعة: "هَذَا يَوْمٌ جَعَلَهُ اللهُ عِيدًا لِلمُسْلِمِينَ فَاغْتَسِلُوا" (¬4)، فإذا جُعل الغسل للجمعة لأنه عيد، كان ¬

_ (¬1) النُفَسَاء: ممدود، بضم النون وفتح الفاء والسين. وإنما قيل لها نفساء لسيلان الدم. والنفس: نفس الرجل، والنفس لعين يقال عنه نفست المرأة بفتح النون وكسر الفاء ونُفست بضم وكسر الفاء أيضًا، وجمع نفساء أنفاس مثل عُشَراء وأعشار. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 20. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 140، وهو من قول ابن القاسم وعبارته (والنصراني عندي جنب فإذا أسلم أو تيمم ثم أدرك الماء فعليه الغسل. قال ابن القاسم: وإذا تيمم النصراني للإسلام نوى بتيممه ذلك تيمم الجنابة أيضًا). (¬3) متفق عليه , أخرجه البخاري: 1/ 299، في باب فضل الغسل يوم الجمعة. . .، من كتاب الجمعة، برقم (837)، ومسلم: 2/ 579، في أوائل كتاب الجمعة, برقم (844)، ومالك في الموطأ: 1/ 102، في باب العمل في غسل يوم الجمعة, من كتاب الجمعة، برقم (231). (¬4) صحيح: أخرجه الشافعي في مسنده: 1/ 63، من كتاب إيجاب الجمعة، برقم (268)، والبيهقي في السنن الكبرى: 3/ 243، في باب السنة في التنظيف يوم الجمعة بغسل وأخذ شعر وظفر وعلاج لما يقطع تغير الريح وسواك ومس طيب، من كتاب الجمعة، برقم (5752).

الغسل للعيد مثله. والغسل للعمرة والحج مذكور في كتاب الحج. والغسل يجب على الرجل بوجهين: بالوطء إذا غابت الحشفة وإن لم يكن إنزال، وبالإنزال وإن لم يكن وطء، في يقظة كان أو نوم، ويجب على المرأة بأربع: بمغيب الحشفة من الرجل وإن لم ينزل، وبالإنزال وإن لم يكن وطء، وبالحيض والنفاس (¬1). واختلف في أربع مسائل: أحدها: إذا وطئ ولم ينزل، فاغتسل فأنزل بعد ذلك. والثاني: إذا لاعب أو قبّل أو تذكر ولم ينزل، ثم أنزل بعد ذلك لغير لذة. والثالث: إذا أنزل من إِبْرِدّة أو ضرب أو لدغ عقرب. والرابع: إذا أنزل عن حكةٍ أو ماء سخن. فاختلف في هؤلاء على أربعة أقوال: فقيل: يجب الغسل وقيل: لا غسل عليهم. وقيل: يجب على من لامس أو لاعب؛ لأنه مني لم يغتسل منه، ويسقط عمن جامع. قال محمد: لأنها جنابة قد اغتسل منها (¬2). بخلاف من تذكر ثم أنزل فإنه يغتسل لأنها جنابة لم يغتسل منها. واختلف -بعد القول أن لا غسل في ذلك- في وجوب الوضوء، وفي إعادة الصلاة، فقال مالك في "المجموعة" في سماع ابن القاسم: ليس في ذلك إلا الوضوء ويعيد الصلاة. ¬

_ (¬1) قوله: (في يقظة كان أو نوم، ويجب على المرأة. . . وبالحيض والنفاس) ساقط من (ش 2). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 66.

وقال ابن القاسم عند محمد: إذا وطئ ولم ينزل فاغتسل ثم أنزل- أنه يتوضأ ولا غسل عليه (¬1). وقاله سحنون، ثم قال: يغتسل ثانية، قال: وقال بعض أصحابنا: يعيد الغسل والصلاة، وقال آخرون: يعيد الغسل ولا يعيد الصلاة (¬2). وقال مالك في "المجموعة" فيمن لاعب فوجد اللذة ثم صلى ثم أنزل: يغتسل ويعيد الصلاة. وقاله ابن كنانة (¬3). وقال ابن القاسم: لا يغتسل، وليس بالقوي. ثم قال: يغتسل. وقال أصبغ عند محمد: يغتسل ويعيد الصلاة؛ لأنه لم ينزل إلا وقد خرج وصار إلى قناة الذكر وما والاها. وفي كتاب "التفريع": الوضوء استحباب (¬4). وقال ابن سحنون فيمن لُدغ أو ضرب أسواطًا فأنزل: لا غسل عليه. قال: وإنما يكون الغسل في الماء الذي يخرج باللذة. وذكر ابن شعبان في ذلك قولين، واختار الغسل (¬5). قال: واختلف إذا كانت به حكّة في بدنه فحكها، أو نزل في الماء السخن فأنزل، وليس هذا بحسن؛ لأنه عن لذة أنزل، وأما مع عدم اللذة فيحسن الخلاف. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 160، والنوادر والزيادات: 1/ 66، وعبارتهما: (قال عيسى عن ابن القاسم، في من اغتسل لمجاوزة الختان ولم يُنْزِلْ، ثم خرجَ منه الماء الدافقُ: فلا غُسْل عليه, ولْيتَوَضَّأ). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 67. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 67. (¬4) انظر: التفريع: 1/ 26، وعبارته: (ومن أنزل فاغتسل، ثم خرج منه ماء بعد غسله، فلا غسل عليه ويجب له الوضوء عندي). (¬5) انظر: الزاهي، لابن شعبان، لوحة رقم: [10 / أ].

فوجه القول بوجوب الغسل على جميع من تقدم ذكره حمل الآية على عمومها في قوله سبحانه: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]، ووجه القول بسقوط الغسل حمل الآية على الإنزال المعتاد، والمعتاد مقارنة اللذة، وغير ذلك نادر، وليس الشأن نزول القرآن على ما يكون نادرًا، ولم يلحقه بحكمه؛ لأنه أنقص رتبة، وأما تفرقة محمد بين من اغتسل ومن لم يغتسل فلا وجه لها؛ لأن المخالطة بانفرادها توجب الغسل، والإنزال بانفراده مع عدم الوطء يوجب الغسل، فاغتسل أولًا للمخالطة ويغتسل الآن للإنزال. وأرى إذا سقط الغسل ألا يسقط الوضوء، ويكون له حكم المذْي، وإنما لم يوجب الوضوء عليه في القول الآخر؛ لأنه رآه بمنزلة المذي يخرج سَلَسًا. ومغيب الحَشَفَة يوجب الغسل، وقد عُبّر عن ذلك بـ "التقاء الختانين" (¬1) والمراد المقابلة، كقوله: التقى الرجلان والفارسان، وليس يصح اجتماعهما إلا عند الإصابة, وإذا تقابل الختانان جاوزت الحشفة موضع افتضاض المرأة، فإن غاب بعض الحشفة لم يجب الغسل. والدبر والقبل في ذلك سواء يجب الغسل عليه وعليها، وهذا إذا كانا بالغين. واختلف في غسلها إذا كانت غير بالغ والآخر بالغًا، فقال محمد بن سحنون: تغتسل، وإن كانت صلت بغير غسل أعادت، قاله أشهب. وفي مختصر الوقار (¬2): لا غسل عليها. وهذا هو الأصل لأنها غير مخاطبة إلا بالبلوغ، والأول أحسن لتتعلم ¬

_ (¬1) الختانان: من (ختن) قال ابن منظور: (خَتَنَ الغلامَ والجارية يَخْتِنُهما .. وقيل: الخَتْن للرجال والخَفْضُ للنساء والخَتِين المَخْتُونُ الذكر والأُنثى في ذلك سواء. . . والخِتانُ موضع الختْنِ من الذكر وموضع القطع من نَواة الجارية) انظر: لسان العرب: 13/ 173. (¬2) مختصر الوقار يعني به أحد مختصري أبي بكر محمد بن أبي يحيى زكريا الوقار، المتوفى سنة (269 هـ)، له مختصران في الفقه، كبير وصغير، انظر: شجرة النور: 1/ 68.

فصل الشكـ في الجنابة

وجه ذلك، ولئلا تتهاون بمثل ذلك بعد البلوغ. واختُلف أيضًا في غسلهما إذا كانت بالغة وهو غير بالغ، فأما الصبي فالخلاف فيه على ما تقدم فيها إذا كانت غير بالغة، وأما المرأة فقال في كتاب "العدة" من "المدونة": لا غسل عليها من وطئه إلا أن تلتذ (¬1)؛ لأن التذاذ المرأة بعض إنزالها، وقال أصبغ، عند ابن حبيب: تغتسل (¬2). وهذا أيضًا على وجه الاحتياط والحماية؛ لئلا تعتاد ترك الاغتسال. فصل الشكـ في الجنابة ومن شكّ، هل أجنب أو لا؟ اغتسل. ويختلف: هل ذلك واجب، أو استحباب؟ حسبما تقدم إذا أيقن بالوضوء وشكّ في الحدث، فإن اغتسل ثم تذكر أنّه كان جنبًا أجزأه غسله، وذلك أنه بمنزلة من شكّ هل أحدث أم لا فتوضأ ثم ذكر أنه كان محدثًا، وبمنزلة من شكّ في الظهر فصلاها ثم تذى أنه لم يكن صلاها، فإن صلاته تلك تجزئه، فإن قال: أنا أتخوف أن أكون أجنبت، وليس بشك عنده، إلا أنه يقول: يمكن أن يكون ونسيت- لم يكن عليه غسل، فإن (¬3) اغتسل ثم تذكر أنه كان أجنب اغتسل، ولم يجزئه الغسل الأول فإن وجد بللًا فقال: لا أدري هل ذلك مني أو مذي (¬4)، وأيقن أنه ليس بعرق، فوقف مالك فيه في "المجموعة" وقال: لا أدري. وقال ابن نافع: يغتسل (¬5)، ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 25. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 62. (¬3) في (ش 2): (وإذا). (¬4) في (ش 2): (أو ودي). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 61.

وعلى قول ابن حبيب لا يغتسل، وهو بمنزلة من وجد حسًا وقال: لا أدري هل هو ريح أم لا، والغسل أحوط. وإن (¬1) أيقن أنه مني، وشك متى حدث فإنه يغتسل، ويختلف فيما يعيده من الصلوات، فقال مالك في "الموطأ": يعيد من أحدث نوم نام فيه. وقال في كتاب ابن حبيب: إلا أن يكون يلبسه ولا ينزعه فإنه يعيد من أول نوم نام فيه (¬2). وقال ابن القاسم في المرأة تجد في ثوبها دم حيضة ولا تدري متى أصابها ولا هل أصابها أم لا -فإنه إن كان لا يفارقها ليلًا ولا نهارًا تبيت فيه ويلي جسدها- فتغتسل وتعيد كل صلاة صلتها من يوم لبسته، وتعيد الصيام الواجب إن كانت صامت فيه، وإن كانت تلبسه وتنزعه وتلبسه المرة بعد المرة أو تنزعه بالليل فلا تنام فيه وتلبسه بالنهار، فتنظر إلى أحدث لبسة لبستها فتغتسل (¬3)، وتعيد ما صلت فيه، وهي بمنزلة الذي يجد في ثوبه احتلامًا لا يدري متى أصابه (¬4). وقال ابن حبيب: إنما تعيد صوم يوم واحد؛ لأنه دم حيضة انقطع مكانه، فصارت كالجنب (¬5). قال الشيخ -رحمه الله-: أما التفرقة بين من ينزع ذلك في النهار وبين من لا ¬

_ (¬1) في (ش 2): (وإذا). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 65. (¬3) قوله: (لبستها فتغتسل) ساقط من (ر). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 66. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 66.

ينزعه، فلا وجه له (¬1)؛ لأنه إنما يشك هل أصابه في الليل أو النهار (¬2) وفي كل تلك الليالي هو لابسه بل الذي لا ينزعه عنه (¬3) أولى بألا يعيد إلا لأحدث نومة؛ لأنه لو كان متقدمًا لم يخف عنه في تلك الأيام ويخفى عنه مثل ذلك إذا كانت تغيب (¬4) رؤيته له بالنهار، وهو في الحيض أبين إذا كانت لا تنزعه، لأن الدم لا يخفى إذا كان في الثوب. وأرى أن يؤمر بإعادة الصلاه من أول نوم وليس بواجب، وأما الصوم فلا قضاء عليها إذا كانت تبيت فيه ثم تنزعه قبل طلوع الفجر، وإن كانت تنزعه بعد طلوع الفجر أو كان يكون عليها بالنهار فأرى أن تنظر إلى الدم، فإن كان نقطة أو موضعًا واحدًا ولا يشبه أن تكون إلا عن دفعة واحدة، لم تقض إلا صوم يوم، وإن كانت نقطًا أو مواضع وأمكن أن تكون تلك النقط والمواضع عن أيام- قضت بعدد ذلك ما لم يجاوز عددُها عادتَها في الحيض، ولا أرى أن تزيد على عادتها لأنه يمكن أن يكون جميع ذلك عن يوم أو يومين أو ما أشبه ذلك. وليست بمنزلة من زادت عادتها حقيقة. ولو كان يكون عليها في النهار، وتتفقده ثم وجدته في موضع لو كان متقدمًا لم يخف عليها، لم تقض من الصلوات ولا من الصوم إلا من آخر نوم (¬5). ¬

_ (¬1) في (ش 2): (لها). (¬2) قوله: (أو النهار) ساقط من (س) و (ش 2). (¬3) قوله: (بل. . . عنه) يقابله في (ر): (لا ينزعه عنه، فالنهار). (¬4) قوله: (تغيب) زيا دة من (س) و (ش 2). (¬5) في (س): (يوم).

وقال مالك في النصرانية تحت المسلم: تجبر على الاغتسال من الحيضة؛ لأنه لا يجوز له أن يصيبها حتى تغتسل (¬1). وروى عنه أشهب أنها لا تجبر (¬2)، فأما الجبر فلعموم قوله -عز وجل-: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222]. وأما نفيه فحمل (¬3) الآية على الغالب من نساء المؤمنين وهن المسلمات؛ ولأن الاغتسال لا يصح إلا بنية ولا نية للنصرانية، ولقوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)} [البقرة: 222]، والنصرانية غير داخلة فيمن يحبه الله، وليست من التوابين ولا من المتطهرين. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 137. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 61. (¬3) في (ش 2): (وأما بقية محمل).

باب في وضوء الجنب والوضوء لقراءة القرآن، مس المصحف, والنية في الوضوء والجنابة, ومن اغتسل للجمعة هل يجزئه من الجنابة؟

باب في وضوء الجنب والوضوء لقراءة القرآن، مس المصحف, والنية في الوضوء والجنابة, ومن اغتسل للجمعة هل يجزئه من الجنابة؟ ومن "المدونة" قال ابن القاسم: كان مالك يأمر الجنب ألا ينام حتى يتوضأ جميع وضوئه، غسل رجليه وغير ذلك (¬1). والأصل في ذلك حديث عمر - رضي الله عنه - قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - إنه تصيبه الجنابة من الليل فقال له - صلى الله عليه وسلم -: "تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ نَمْ" (¬2). واختلف في الحديث هل هو على الوجوب أو على الندب؟ واختلف في تعليله، فقال مالك في "المجموعة": هو شيء ألزمه الجنب ليس على وجه الخوف عليه، وجعله واجبًا. وقال ابن الجهم: المعنى أنه كان حقه ألا ينام حتى يغتسل، فرخص له - صلى الله عليه وسلم - إلى أن يصير إلى أخف الطهارتين خوف أن يدركه الموت وهو جنبٌ لم ينل شيئًا من الطهارة. وقيل: إن (¬3) ذلك رجاء أن ينشط فيغتسل. فعلى القول: إن الوضوء ليبيت على إحدى الطهارتين إن أحدث قبل أن ينام أعاد الوضوء، ويتيمم عند عدم الماء، وهو قول ابن حبيب إنه يتيمم، وعلى القول أن ذلك رجاء أن ينشط فيغتسل لا يعيد الوضوء (¬4). وهو قول مالك في كتاب ابن حبيب، وعلى هذا إن عدم الماء لا يتيمم، فإن كان معه من الماء ما لا ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 135. (¬2) سبق تخريجه، ص: 105. (¬3) قوله: (إن) زيادة من (ش 2). (¬4) قوله: (وهو قول. . . لا يعيد الوضوء) ساقط من (ر).

يكفيه للغسل لم يتوضأ، ويحمل الحديث على الندب، ولا يجب الوضوء إلا للصلاة وما أشبهها مما يتعلق به قربة لله تعالى. وفي الترمذي قالت عائشة - رضي الله عنها -: "كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَبِيتُ جُنُبًا لاَ يَمَسُّ مَاءً" (¬1). وفي البخاري ومسلم "أنَهُ كَانَ يَتَوَضَّأُ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ" (¬2)، وظاهر هذا الحديث يقتضي أنها لم تكن هي تتوضأ لأنها لم تذكر أنها كانت تتوضأ، ولا أمرها بذلك، والجنابة تكون بينهما جميعًا. وحديث البراء - رضي الله عنه - "أنه كان - صلى الله عليه وسلم - يستحب ألا ينام الإنسان إلا على طهارة" (¬3)، فاستحب للجنب ما يخف من ذلك وهو أدنى (¬4) الطهارتين. ¬

_ (¬1) صحيح، أخرجه أبو داود: 1/ 108، في باب في الجنب يؤخر الغسل، من كتاب الطهارة، برقم (228)، والترمذي: 1/ 202، في باب ما جاء في الجنب ينام قبل أن يغتسل، من أبواب الطهارة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -, برقم (118). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 110، في باب الجنب يتوضأ ثم ينام , من كتاب الغسل، في صحيحه، برقم (284)، ومسلم: 1/ 248، في باب جواز نوم الجنب واستحباب الوضوء له وغسل الفرج إما أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يجامع، من كتاب الحيض، برقم (305). (¬3) متفق عليه , حديث البراء بن عازب, قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل اللهم أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة واجعلهن آخر ما تتكلم به) قال فرددتها على النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما بلغت اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت قلت ورسولك قال (لا ونبيك الذي أرسلت)، أخرجه البخاري: 1/ 97، في باب فضل من بات على الوضوء، من كتاب الوضوء، في صحيحه, برقم (244)، ومسلم: 4/ 2081، في باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع، من كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، برقم (2710)، واللفظ للبخاري. (¬4) في (ر): (أخف).

[فصل في أحكام الوضوء]

[فصل في أحكام الوضوء] والوضوء خمسة: فرض، وفضيلة، ومختلف فيه، هل هو واجب أو فضيلة، ومباح، وممنوع. فالفرض: الوضوء للصلاة فرضها وسننها ونوافلها، ولسجود القرآن؛ لأن السجود بعض أركان الصلاة. والفضيلة: ما زاد على الواحدة إلى الثلاث، وتجديد الطهارة لكل صلاة، والوضوء للنوم، ولقراءة القرآن، ولرد السلام، وللدعاء. والأصل في ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للبراء: "إِذَا آديْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوعَكَ لِلصَّلاَةِ ثُمَّ اضْطَجعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ. . ." (¬1) الحديث. وقال أبو الجهم: "أَقْبَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ، فَلَقِيَهُ رَجُل فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الجِدَارِ فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ". أخرج هذين الحديثين البخاري ومسلم (¬2). فالوضوء لتلاوة القرآن أولى منه لرد السلام، وفي كتاب مسلم أن أبا موسى الأشعري - رضي الله عنه - "سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَدْعُوَ لِعَمِّهِ أِبِي عَامِرٍ، فَدَعَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) متفق عليه, أخرجه البخاري: 1/ 97، في باب فضل من بات على الوضوء ,من كتاب الوضوء، في صحيحه، برقم: (244)، ومسلم: 4/ 2081، في باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع، من كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، برقم: (2710). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 129، في باب التيمم في الحضر إذا لم يجد الماء وخاف فوت الصلاة من كتاب التيمم، في صحيحه, برقم (330)، ومسلم، في كتاب الحيض، باب التيمم: 1/ 281، برقم (369).

فصل [فيمن له مس المصحف]

بِمَاءٍ فَتَوَضَّأ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيهِ وَدَعَا لَهُ" (¬1). والثالث، واختلف فيه هل هو واجب أو فضيلة، وقد تقدّم. واختلف أيضًا في الوضوء لمس المصحف هل هو واجب أو مندوب إليه. والمباح: الوضوء للدخول على الأمير، أو ليكون على طهارة لا يريد به صلاة (¬2). والممنوع: ما زاد على الثلاث، إلا أن يصلي به ثم يريد صلاة أخرى وهو على طهارة، فيجوز له أن يجدد طهارته أيضًا. فصل [فيمن له مس المصحف] ولا يمس المصحف إلا طاهر؛ لقول الله -عز وجل-: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)} [الواقعة: 79]، ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم: "لاَ يَمَسُّ القُرْآنَ إِلاَّ طَاهِر" (¬3). واختلف في معنى الآية فقيل: هو خبر عن مس الملائكة كقوله سبحانه: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16)} [عبس: 13 - 16]، وقيل: يصح حمل الآية على النهي لنا وإن كان لفظه لفظ الخبر، كقوله سبحانه: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234]، والحكم في كتابة المصحف كالحكم في مسّه. ¬

_ (¬1) متفق عليه, أخرجه البخاري: 4/ 1571، في باب غزوة أوطاس، من كتاب المغازي، في صحيحه، برقم (4068)، ومسلم: 4/ 2498، في باب من فضائل أبي موسى وأبي عامر الأشعريين، من كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، برقم (2498). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 45. (¬3) أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 199، في باب الأمر بالوضوء لمن مس القرآن، من كتاب القرآن، برقم (469)، وأخرجه ابن حبان في صحيحه: 14/ 501، في باب كتب النبي - صلى الله عليه وسلم -، من كتاب التاريخ، برقم (6559).

فصل [في اختلاف نية الوضوء بين الفضيلة ورفع الحديث]

فصل [في اختلاف نية الوضوء بين الفضيلة ورفع الحديث] واختلف فيمن توضأ للفضيلة ثم تبين أنه على غير وضوء هل يستبيح به الصلاة؟. فمنع من ذلك سحنون ومحمد بن عبد الحكم، ولمالك في مثله أنه يصلي به. ورأى أشهب أنه إن فعل وصلى به أجزأه ولا يصلي به فيما يستقبل. وقيل فيمن توضأ للصبح (¬1) ونسي أن يمسح بوأسه ثم توضأ للظهر (¬2) للفضيلة وصلى الظهر ثم ذكر أنه نسي مسح رأسه: يعيد الصلاتين جميعًا ولا يجزئه الوضوء في (¬3) الثاني. وقيل: يجزئه وله أن يصلى به الصبح. وقال أشهب: يجزئه للظهر ويتوضأ للصبح. فأمضى الظهر؛ لأنها طهارة على قول، مراعاة للخلاف، وأمره أن يمسح رأسه لما لم يصل ليأتي بها على وجهٍ مجمع عليه. واختلف أيضًا إذا توضأ للنوم، وللدخول على الأمير- هل يرتفع حكم الحدث فيصلي به، فقال مالك في كتاب (¬4) أشهب فيمن توضأ يريد الطهر ولا يريد به الصلاة: إنه يصلي به. قال: وربما أرسل إليّ الأمير فأتوضأ أريد به الطهر ثم أصلي به (¬5). ¬

_ (¬1) قوله: (للصبح) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (للظهر) زيادة من (ر) و (ش 2). (¬3) قوله: (في) ساقط من (ش 2). (¬4) في (ر): (رواية). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 45.

فصل [في نية الطهارة لصلاة هل تجزئ عن غيرها؟]

وقال ابن حبيب: إذا توضأ للنوم فله أن يصلي به (¬1). وخالف أبو محمد عبد الوهاب في جميع ذلك ورأى أن من تطهر لما يصح فعله بغير وضوء لا يصلي به، ولا يرفع حكم الحدث (¬2). وقول مالك أحسن؛ للحديث المتقدم أنه تيمم لرد السلام وتوضأ لدعاء (¬3)، ومعلوم أنه لم يفعل ذلك إلا لينتقل عن الحكم قبل التيمم وقبل الوضوء، وكذلك الوضوء للنوم لو كان لا تأثير له لم يأمر به، ولا أرى أن يجزئه إذا اغتسل للجمعة عن الجنابة؛ لأن القصد به التنظف، ولا إذا توضأ للفضيلة؛ لأنه لم ينو به رفع (¬4) الحدث. فصل [في نية الطهارة لصلاة هل تجزئ عن غيرها؟] قال الشيخ (¬5) أبو الحسن ابن القصار: من نوى الطهارة لصلاة هل يصلي بها غيرها؟ قال: يتخرج على الروايتين عن مالك فيمن اعتقد رفع النية في الطهارة بعد أن تطهر، فإذا قلنا: إنه لا ترتفع الطهارة فإنه يصلي بها التي نوى وغيرها؛ لأنه اعتقد رفع النية في الوضوء ولا ترتفع. وإذا قلنا: إن طهارته تبطل صلى بذلك الوضوء الصلاة التي نواها وبطل ما بعد ذلك، فلا يصلي به صلاة أخرى؛ لأنه لا يصلي وقد رفع من ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 46. (¬2) انظر: التلقين: 1/ 18. (¬3) ينظر: حديث أبي الجهم وحديث أبي موسى السابقين، ص: 117. (¬4) قوله: (رفع) يقابله في (ر): (شيئًا يزيل). (¬5) قوله: (الشيخ) زيادة من (ش 2).

فصل النية في الوضوء والغسل

صلاته النية (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: ويلزم على هذا إذا اغتسل من الجنابة ينوي استباحة صلاة واحدة، فإنه لا يصلي به إلا تلك الصلاة على أحد القولين. فصل النية في الوضوء والغسل الوضوء والغسل عبادتان يفتقران إلى نية، كالصلاة والصيام، ومن فعل ذلك لتبرُّدٍ أو لسباحة لم تجزئه؛ لأنه لم يتقرب إلى الله سبحانه؛ ولأن امتثال أوامره يتعلق بها الثواب والمخالفة يتعلق بها الإثم والعقاب إن شاء، ولا يكون ممتثلًا منقادًا لأمر الله -عز وجل- إلا بنية لذلك الفعل، فيثاب لامتثال أمره وانقياده له، ويكون قد أطاعه في أمره. وأجاز ابن القاسم إذا لم تكن النية مقارنة للوضوء والغسل وقرب ما بينهما، فقال فيمن دخل الحمام ليغتسل من الجنابة فخرج للطهور فتطهر وهو ناسٍ- يجزئه (¬2). قال: وكذلك الذي يأتي النهر ليغتسل فيه فاغتسل وهو ناسٍ للجنابة، وقال سحنون: يجزئه في النهر ولا يجزئه في الحمام (¬3). وهو أبن، إلا أن يكون دخل قاصدًا للطهور ولم يشتغل بغيره. وإذا أقام في الحمام حسب العادة، ثم اغتسل ناسيًا لم يجزئه، لبعد ما بين النية والفعل؛ ولأن العادة في مثل ذلك الاغتسال عند الخروج لو لم يكن جنبًا، ¬

_ (¬1) انظر: عيون الأدلة: 2/ 998. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 141. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 141.

وعلى قوله: تجزئه الصلاة إذا لم تكن النية مقارنة للفعل (¬1). وقال أبو محمد عبد الوهاب: لا تجزئه الصلاة إلا أن تكون مقارنة للدخول فيها (¬2)، وعلى قوله: لا يجزئه الاغتسال إلا أن تكون النية مقارنة للفعل. فصل (¬3) والنية في الوضوء تجزئ عن الغسل، وفي الغسل تجزئ عن الوضوء؛ لأن كليهما فرض. ولو توضأ ثم تذكر أنه جنب، أجزأه أن يبني على المغسول من وضوئه. ومن اغتسل ثم تذكر أنه غير جنب أجزأه من الوضوء. وإن أجنبت امرأة، ثم حاضت ثم طهرت اغتسلت غسلًا واحدًا تنويهما جميعًا، وإن نوت الحيضة أجزأها عن الجنابة (¬4). واختلف إذا نوت الجنابة، فقال ابن القاسم في سماعه: إنه يجزئها، وقال ابن سحنون عن أبيه: إنه لا يجزئها. وأرى أن حكم الجنابة سقط بدخول الحيض (¬5). والقول الأول أحسن، وهي جنب حائض ويستحب لها أن تنوي الغسل عنهما جميعًا، وقد قال الحسن وعطاء والنخعي: عليها غسلان. واختلف في الغسلين جنابة وجمعة هل يجزئ أحدهما عن الآخر فقال في "المدونة" (¬6): لا يجزئ غسل الجمعة عن الجنابة (¬7). ¬

_ (¬1) قوله: (للفعل) ساقط من (س). (¬2) انظر: المعونة: 1/ 91. (¬3) قوله: (فصل) زيادة من (ش 2). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 134. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 47. (¬6) في (ش 2): (الكتاب). (¬7) انظر: المدونة: 1/ 136.

وقال ابن حبيب: أجمع مالك وأصحابه على (¬1) أن غسل الجنابة لا يجزئ عن غسل الجمعة، وإن نوى الجمعة ونسي الجنابة أجزأه (¬2). وروى ذلك مطرّف وابن الماجشون وابن كنانة وابن نافع وابن وهب وأشهب عن مالك وأفتوا به. وروى ابن القاسم: أنه لا يجزئه (¬3). ولمالك في "المبسوط" فيمن اغتسل للجنابة أنه يجزئه عن غسل الجمعة. وقال محمد بن عبد الحكم: يجزئه غسل الجنابة عن الجمعة ولا يجزئ غسل الجمعة عن الجنابة؛ لأنه تطوع وللتنظف. وهو أحسن، والوجه فيه كما قال. واختلف إذا اغتسل غسلًا واحدًا ينوي به الجنابة والجمعة، فقال مالك في "كتاب الصلاة الثاني" لا بأس بذلك. وقال أبو القاسم ابن الجلاب: لا يجزئه عن واحد منهما (¬4). قال: ويحتمل أن يجزئه عن جمعته ولا يجزئه عن جنابته. وقال مالك فيمن اغتسل للعيد والجمعة: لم يجزئ عن الجمعة (¬5). وهذا صحيح على أصله؛ لأن شرط غسل، الجمعة عنده أن يكون متصلًا بالرواح. ويجوز على قول ابن وهب (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (على) ساقط من (ش 2). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 47. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 47. (¬4) انظر: التفريع: 1/ 21. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 464. (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 154.

باب في إمامة الجنب ومن هو على غير وضوء

باب في إمامة الجنب ومن هو على غير وضوء وقال مالك في الجنب يؤم وهو ناس لجنابته: فصلاة من ائتم به جائزة (¬1). وقال ابن الجهم: إن قرءوا خلفه أجزأتهم صلاتهم، وإن لم يقرءوا لم تجزئهم. ويجري فيه قول ثالث: إنها لا تجزئهم، وإن قرءوا قياسًا على أحد قولي ابن القاسم: إذا أمّ وعليه صلاة ثم ذكرها وهو في الصلاة أنهم يعيدون. قال: وإنما هم بمنزلته يجب عليهم ما يجب عليه (¬2). فجعل صلاتهم متعلقة بصلاته وإن لم يتعمد، ففي الجنب أحرى أن تجب عليهم الإعادة؛ لأنه لا يحتسب بها بحال. والآخر: تجزئه إذا ذهب الوقت. وقال مالك فيمن ذكر أنه جنب بعد أن صلى بهم ركعة: يستخلف من يتم بهم (¬3). وعلى قول ابن الجهم: إن قرءوا صح أن يبنوا على ما صلى بهم، وإن لم يقرؤوا قطعوا. وعلى القول في الناسي لصلاة: يقطعون؛ لأنهم كانوا مأمورين بالإعادة بعد الفراغ، وأنها لا تجزئهم فيقطعون الآن (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 136. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 217، 430. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 235. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 217.

وإذا كان ذاكرًا أو هم عالمون وهو ناس لم تجزئهم. وقال مالك في الإمام ينسى تكبيرة الإحرام: إن صلاة من ائتم به غير جائزة (¬1). وهذا موافق لقول ابن القاسم (¬2): إنه يجب عليهم ما يجب عليه، وعلى قوله في الجنب: يجزئ هؤلاء الآخرين (¬3) صلاتهم وإن لم يكبر إمامهم (¬4). وكل هذا يقضي بالخلاف في صلاة المأموم هل تفسد بفساد صلاة الإمام إذا لم يتعمد؟ وإن تعمد لم تجز بلا خلاف. واختلف إذا كانت صلاته صحيحة ثم قطعها متعمدًا و (¬5) خرج، فقال ابن القاسم: أفسد على من خلفه (¬6). وقال أشهب: لا يفسد عليهم إلا أن يعلمهم بعد ذلك. ويختلف في صلاة الجنب بهم الجمعة (¬7) وهو غير ذاكر، فقال مالك: تجزئهم الجمعة (¬8). وعلى قول ابن الجهم لا تجزئهم وإن قرءوا خلفه؛ لأن من شرطها الإمام، فكأنهم صلوا أفذاذًا. وإذا كان في ثوبه نجاسة فلم يذكر حتى سلم أعاد في الوقت (¬9)، ويختلف في إعادتهم حسب ما تقدم. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 468. (¬2) في (ر): (أشهب). (¬3) قوله: (يجزئ هؤلاء الآخرين) يقابله في (ر) و (ب) و (ش 2): (تجزئهم). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 162. (¬5) في هامش (س): (أو). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 193. (¬7) في (ش 2): (ويختلف في إمامة الجنب في الجمعة). (¬8) انظر: المدونة: 1/ 235. (¬9) انظر: المدونة: 1/ 138.

وإن ذكر بعد ركعة كان حكم الإمام على حكم الفذ، فقيل: يقطع، وقيل: إن خف نَزْعُهُ نَزَعَه وأتم، وإن كان لا يخف نزعه قطع (¬1). وقيل: يتمادى إذا لم يخف نزعه، فإذا كان حكمه التمادي أتم من خلفه أيضًا. وعلى القول إنه يقطع يختلف فيهم، فيصح أن يقال: إنهم يقطعون؛ لوجهين: أحدهما: أنهم (¬2) بمنزلته يفسد عليهم ما يفسد عليه. والثاني: أن قطع الإمام فيه ضرب من العمد لما كان تماديه يجزئه على أحد القولين. ويصح أن يقال: يتمون كالجنب. وإن لم يذكر الإمام ورأى ذلك من خلفه، فإن كان قريبًا منه سبح به وأراه إياه (¬3). قال ابن حبيب: وله أن يدنو منه ويخبره متكلمًا، فإن استخلف بنى الذي كلمه لأنه كلمه لإصلاح الصلاة. وقال سحنون: إذا كان بينه وبين الإمام صفوف فلا بأس أن يخبره متكلمًا، ويبتدئ الذي أخبره، وإن أخبره بإشارة بنى المخبر إذا لم يعمل خلفه عملًا بعد علمه بالنجاسة، يريد يخرج من إمامته ويتم على حكم صلاته (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 214. (¬2) في (ش 2): (لأنهم). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 214. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 214.

باب في الصلاة بالثوب النجس عند عدم الطاهر أو بثوب حرير

باب في الصلاة بالثوب النجس عند عدم الطاهر أو بثوب حريرٍ وقال مالك فيمن معه ثوب نجس، وليس معه غيره: يصلي به، ويعيد إن وجد غيره في الوقت (¬1). قال محمد: والوقت: في الظهر والعصر إلى غروب الشمس. وهذا على أحد قوليه فيمن صلى به ناسيًا أنه يعيد إلى الوقت الضروري وهو غروب الشمس، وعلى القول الآخر يعيد ما لم تصفرّ الشمس. والعادم أعذر من الواجد الناسي. وإن لم يجد إلا ثوب حرير صلى به ولم يصل بالثوب النجس (¬2). وقال ابن القاسم: إن كان معه ثوبان نجس وحرير طاهر صلى في الحرير وأعاد في الوقت (¬3). وقال أصبغ في كتاب محمد: يصلي بالنجس ويعيد في الوقت، وإن صلى في الحرير فلا إعادة عليه (¬4). واختلف فيمن لم يجد إلا ثوب حرير، فقال أشهب في كتاب محمد: يصلي عريانًا أحب إلي (¬5). وقاله ابن القاسم في سماع أصبغ عنه، وهذا خلاف قوله في "المدونة" في المسألة الأولى؛ لأنه قال: يصلي به مع وجود غيره إذا كان ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 139. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 139. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 139. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 216. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 216.

غيره نجسًا. وقوله الأول أحسن؛ لأنه ثوب طاهر، والنهي لمكان السرف، وهذا مضطر غير قاصد إلى السرف، وقد أَبَاحَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِبَاسَهُ لِمَنْ بِهِ حِكَّةٌ (¬1)، فهو في ستر العورة في الصلاة أعذر. واختلف أيضًا فيمق صلى به مختارًا، فقال أشهب: يعيد ما دام في الوقت (¬2)؛ لأنه بمنزلة من صلى عريانًا. وقال ابن حبيب: يعيد أبدًا (¬3). واتفقا إذا كان عليه ما يستره ألا إعادة عليه (¬4). وقال محمد بن عبد الحكم: لا إعادة عليه وإن كان متعمدًا ولا شيء عليه غيره، وليس كالعريان؛ لأن المرأة تصلي في ثوب حرير فيجزئها، وإنما هو عاصٍ بمنزلة المصلي في ثوب غصب، فإن صلاته تجزئ (¬5). ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 3/ 1069، في باب الحرير في الحرب، من كتاب الجهاد والسير، في صحيحه، برقم (2762)، ومسلم: 3/ 1646، في باب إباحة لبس الحرير للرجل إذا كان به حكة أو نحوها، من كتاب اللباس والزينة، برقم (2076). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 228. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 225. (¬4) قوله: (ألا إعادة عليه) يقابله في (س): (أن الإعادة عليه)، وانظر: النوادر والزيادات: 1/ 225. (¬5) في (ش 2): (تجزئه).

باب في صلاة الحقن ومن به قرقرة أو غثيان أو دهمه هم

باب في صلاة الحقن (¬1) ومن به قرقرة أو غثيان (¬2) أو دهمه هم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ وَلاَ هُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ" أخرجه مسلم (¬3). يريد في الطعام إذا كان جائعًا تتعلق (¬4) نفسه به، فإن لم يكن كذلك جاز له البداية بالصلاة؛ لحديث ابن عباس - رضي الله عنه - قال: "كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ فَدُعِيَ إِلَى الصَّلاَةِ فَقَامَ وَطَرَحَ السِّكِّينَ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضّأ (¬5). وصلاة من حضره الطعام على أربعة أوجه: فإن لم يكن متعلق النفس به جاز أن يبدأ بالصلاة. وإن كان متعلق النفس به ولا يعجله عن الصلاة استحب له البداية بالطعام (¬6)، وإن لم يفعل فلا بأس، وإن كان يعجله فيستحب له الإعادة ما لم يذهب الوقت، وإذا شَغَل خواطره (¬7) ولم يدر كيف صلى أعاد وإن ذهب الوقت (¬8). ¬

_ (¬1) الحقن: هو أن ينسجن الغائط والربح فيه، مأخوذ من حقن اللبن إذا سجنه. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة للجُبِّي، ص: 18. (¬2) الغثيان: بفتح الغين والثاء- تغير النفس إذا اتسخت مأخوذ من غثاء السيل، وهو ما جعله من الأوساخ. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 18. (¬3) أخرجه مسلم: 1/ 393، في باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله في الحال وكراهة الصلاة مع مدافعة الأخبثين، من كتاب الصلاة برقم (560). (¬4) في (ش 2): (لتعلق). (¬5) متفق عليه أخرجه البخاري: 1/ 86، في باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان، من كتاب الوضوء، برقم (205)، ومسلم: 1/ 273، في باب نسخ الوضوء مما مست النار كتاب الحيض، برقم (355). (¬6) في (ب): (الصلاة). (¬7) في (ش 2): (خاطره). (¬8) انظر: المدونة: 1/ 139.

وكذلك من به حقن أو قرقرة (¬1) أو غثيان أو نزل به ما يهمه (¬2)، فإن كان ذلك بالشيء الخفيف استحب له البداية بما يذهب ذلك، فإن لم يفعل وصلى به مضت صلاته، وإن أعجله ذلك، وهو يقيم حدودها ويشغل قلبه بالأمر الخفيف، إلا أنه زائد على المعتاد له، استحب له الإعادة ما دام في الوقت، وإن شغل ذلك نفسه حتى لا يعرف كيف صلى أعاد وإن ذهب الوقت، وإن أم (¬3) من نزل به ذلك أعاد وأعادوا (¬4) وإن ذهب الوقت؛ لأنه بمنزلة من أفسد صلاته متعمدًا (¬5). ¬

_ (¬1) القرقرة: صوت الريح في الجوف من قرقر القُمري إذا صوّت. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 18. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 139. (¬3) قوله: (إن أم) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (وأعادوا) ساقط من (ر). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 241.

باب الصلاة في ثوب الكافر ومن لا يتوقى النجاسة من المسلمين، ومن ابتاع ثوبا لبيسا هل يصلي فيه قبل غسله؟

باب الصلاة في ثوب الكافر ومن لا يتوقى النجاسة من المسلمين، ومن ابتاع ثوبًا لبيسًا هل يصلي فيه قبل غسله؟ قال مالك في المدونة (¬1): ولا يصلَّى بثياب أهل الذمة التي لبسوها، ولا بأس بما نسجوا، مضى الصالحون على ذلك، ولا يصلَّى بخفي النصراني اللذين لبسهما (¬2). فمنع ما لبسوه لأنهم لا يتوقون النجاسة، وقد كان القياس فيما صنعوه مثل ذلك لأنهم يستعملونه في مياههم؛ وهو يقول: لا يتوضأ بسؤر يده (¬3). وقد قال في "العتبية" نسجوه: أنهم يبلون الخمر ويحركونه (¬4) بأيديهم فيسقون الثياب قبل أن تنسج، وهم أهل نجاسة؟ قال: لا بأس به؛ لم يزل الناس على ذلك (¬5). فسلم ذلك العمل. وأما ما يلبسه المسلم فإن علم بائعه أنه ممن يصلي، فلا بأس بالصلاة فيه، وإن كان ممن لا يصلي لم يصل به حتى يغسله، وإن لم يعلم بائعه فينظر إلى الأشبه ممن يلبس مثل ذلك، وإن شك فيه فالاحتياط بالغسل أفضل. وهذا في القمص وما أشبهها، وأما ما يستعمل للرأس من منديل أو عمامة فالأمر فيه أخف؛ لأن الغالب سلامته من النجاسة، كان البائع له ممن يصلي أم ¬

_ (¬1) قوله: (في المدونة) زيادة من (ش 2). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 140. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 122. (¬4) في (ش 2): (أنهم يبلون له الخبز ويحكونه). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 50.

لا، إلا أن يكون ممن يشرب الخمر فلا يصلي فيه حتى يغسله، وأما ما يلبس في الوسط فلا أرى أن يصلي فيه حتى يغسله، كان البائع له ممن يصلي أو لا؛ لأن كثيرًا من الناس لا يحسن الاستبراء من البول، وإن كان لا يتعمد الصلاة بالنجاسة. وأما ما ينام فيه فلا يصلي فيه حتى يغسله، كان بائعه من كان؛ لأن الشأن قلة التحفظ لوصول النجاسة إليه. ومحمل قُمُص النساء على غير الطهارة؛ لأن الكثير منهن لا يصلين، إلا أن يعلم أنه كان لمن تصلِّي منهن. ومن باع ثوبًا جديدًا وفيه نجاسة ولم يبين كان ذلك عيبًا فيه؛ لأن المشتري يجب أن يستمتع به جديدًا قبل غسله.

باب في اغتسال النصراني يسلم

باب في اغتسال النصراني يسلم قال مالك: وعلى النصراني إذا أسلم أن يغتسل. قال ابن القاسم: لأنه جنب فإذا أسلم اغتسل، وإن لم يجد الماء تيمم، وإن أدرك الماء اغتسل (¬1). وقال إسماعيل القاضي: لا غسل عليه؛ لأن الإسلام يجب ما قبله. وليس بحسن؛ لأن الإسلام يجبّ ما قبله من السيئات، ولو كان الأمر على ما قال لوجب ألا يتوضأ حتى يحدث بعد الإسلام؛ لأن الطهارة تجب للصلاة؛ فالغسل لمن أجنب والوضوء لمن أحدث. فإذا لم يحتسب بالجنابة المتقدمة لم يحتسب بالحدث، ومن لم تتقدم له جنابة قبل الإسلام اغتسل للتنظف مما يكون بجسده من النجاسة، وإن لم يجد الماء تيمّم (¬2)، فإن كان حديث عهد بالاغتسال أو التنظف لم يكن عليه شيء وإن كان الماء موجودًا. وما روي في الحديث من اغتسال ثمامة (¬3) فإن محمله أنه كان للجنابة؛ لأنها ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 140. (¬2) قوله: (كان أدرك الماء اغتسل. . . وإن لم يجد الماء تيمّم) ساقط من (ش 2). (¬3) اغتسال ثمامة - رضي الله عنه - فيه روايتان، الأولى أن اغتساله كان مجردًا منه بلا أمر، والثاني اغتساله بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فما ورد من الاغتسال مجردًا أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أطلقوا ثمامة"، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله). أخرجه البخاري: 1/ 176، في باب الاغتسال إذا أسلم وربط الأسير أيضا في المسجد، من أبواب المساجد، برقم (450)، ومسلم: 3/ 1386، في باب ربط الأسير وحبسه وجواز المن عليمع من كتاب الجهاد =

الغالب من الرجل المتزوج وغيره. وقال ابن القاسم: إن اغتسل قبل أن يسلم وكان قد أجمع على الإسلام فإنه يجزئه (¬1). يريد أنه وقع في قلبه المعرفة فإذا عرف الله، وأن محمدًا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كان مسلمًا كان لم ينطق بذلك إذا كانت نيته أنه ينطق به، ليس أن يجحد الإقرار به. ولو اغتسل للإسلام ولم ينو به جنابة وإنما يعتقد التنظف وزوال الأوساخ (¬2) لم يجزه من غسل الجنابة. ولو أسلمت امرأة ولم يتقدم لها احتلام ولا أصابها زوج ولا حاضت لم يجب عليها اغتسال، إلا أن يكون بجسدها نجاسة فتزيلها، وإن كانت جنبًا من احتلام أو زوج اغتسلت، وكذلك إذا أسلمت وهي حائض فإذا طهرت اغتسلت. ¬

_ = والسير، برقم (1764). والرواية الثانية أخرجها أحمد في مسنده، برقم (8024)، وابن خزيمة في صحيحه: 1/ 125، في باب الأمر بالاغتسال إذا أسلم الكافر، من كتاب الوضوء، برقم (253) ولفظ أحمد: (عن أبي هريرة أن ثمامة بن أثال أو أثالة أسلم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اذهبوا به إلى حائط بني فلان فمروه أن يغتسل". (¬1) انظر: المدونة: 1/ 140. (¬2) قوله: (ولم ينو به. . . الأوساخ) ساقط من (ر).

باب في الرعاف

باب في الرعاف الرعاف (¬1) أربعة: يسير يذهبه الفتل (¬2)، وكثير لا يذهبه الفتل، ولا يرجو صاحبه انقطاعه متى خرج يغسله لعادة علمها من نفسه. فهذان لا يخرج (¬3) من الصلاة لهما، يفتل هذا ويكف الآخر ما استطاع ويمضي في صلاته. وكثير يرجو انقطاعه متى غسله، فهذا يخرج لغسله ويعود. وكثير يذهبه الفتل لثخانته (¬4)، واختلف فيه هل يفتله ويمضى في صلاته أو يخرج لغسله؟ فقال ابن حبيب: رأيت ابن الماجشون يصيبه الرعاف في الصلاة فيمسحه بأصابعه حتى تختضب، فيغمس أصابعه في حصى (¬5) المسجد ويردها ثم يمضِي في صلاته. وقال مالك في "المبسوط": إذا خرج من أنف المصلي دم ففتله، فإذا كان يسيرًا فلا بأس به، وإن كان كثيرًا فلا أحب ذلك حتى يغسل أثر الدم. فراعى عبد الملك قدر النجاسة ولم يراع قدر الموضع وأنه لا يبقى إلا اليسير، وراعى مالك موضع النجاسة الذي حلت فيه وهو كثير. وقال سعيد بن المسيب (¬6) في رجل رعف فلم ينقطع عنه الدم: ¬

_ (¬1) الرعاف: دم يخرج بسرعة من الأنف؛ لأن أصل الرعاف السرعة يقال منه رعف بفتح الراء والعين ولا يقال رُعف. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 16. (¬2) الفتل: لَيُّ الشيء كَلَيِّ الحبل. انظر: لسان العرب: 11/ 514. (¬3) في (ش 2): (لا يخرجان). (¬4) ثَخِينٌ، من ثَخُنَ أي: كثُفَ وغلُظ وصلُبَ. انظر: لسان العرب: 13/ 77. (¬5) في (ش 2): (حصباء). (¬6) هو: أبو محمد، سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن =

يوميء إيماءً (¬1). قال محمد بن مسلمة: هذا إذا كان الرعاف يضر به إذا سجد، مثل الأرمد ومثل (¬2) من يضر به السجود تضرب عليه (¬3) عيناه أو رأسه. وقال عبد الملك بن حبيب: إذا كان يتلطخ بالدم إذا ركع أو سجد فإنه يوميء، وليس عليه أن يركع ولا يسجد (¬4) ولا يقوم ولا يقعد (¬5). وإذا خرج الراعف لغسل الدم جاز له أن يبني على ما كان صلى؛ لما روي عن عبد الله بن عمر وابن عباس وسعيد بن المسيب - رضي الله عنهم - أنهم خرجوا في الرعاف لغسل الدم، ثم بنوا على ما صلوا (¬6). وقال مالك: لو لم يكن في الرعاف إلا الرأي لرأيت أن يتكلم ويغسل الدم ثم يبتدئ؛ ولكن قد (¬7) جاء في ذلك عمن يقتدى به ما قد جاء (¬8). وقال أيضًا: أحب إلي أن يبتدئ. ¬

_ = مخزوم بن يقظقع القرشي المخزومي، الإمام العلم المتوفى سنة 94 هـ، عالم أهل المدينة، وسيد التابعين، رأى عمر، وسمع عثمان، وعليا، وزيد بن ثابت، وأبا موسى، وسعدًا، وعائشة وأبا هريرة وابن عباس، ومحمد بن مسلمة، وأم سلمة، وخلقا سواهم. انظر ترجمته في: الطبقات الكبرى، لابن سعد: 5/ 119، وتاريخ البخاري: 3/ 510، والمعارف، لابن قتيبة، ص: 437، وسير أعلام النبلاء، للذهبي: 4/ 217. (¬1) انظر: الموطأ: 1/ 40، والمدونة: 1/ 140. (¬2) قوله: (مثل) ساقط من (ش 2). (¬3) في (ب): (تضربه)، وفي (ش 2): (يضرب عليه). (¬4) قوله: (ولا يسجد) ساقط من (ر). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 245. (¬6) أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 38، في باب ما جاء في الرعاف، من كتاب الطهارة، برقم (77، 78، 79). (¬7) قوله: (قد) ساقط من (ش 2). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 241.

ويجوز البناء للراعف إذا كان مأمومًا أو إمامًا (¬1)، واختلف في الفذ، فأجاز مالك ومحمد بن مسلمة أن يبني (¬2). ومنعه عبد الملك بن حبيب (¬3)، والأول أبين، وليس البناء لأجل فضل الجماعة. واختلف أيضًا في الموضع الذي إذا عقده من الصلاة جاز له أن يخرج وهو في حكم الصلاة، وإذا رجع فيما يكون له أن يبني عليه من تلك الركعة، فقال مالك فيمن رعف في أول ركعة أو الثانية أو الثالثة: إما أن يخرج لغسل الدم، وهو في حكم الصلاة، ويلغي كل ركعة لم تتم بسجدتيها، فإن رعف في أول ركعة بعد أن قرأ أو ركع أو سجد سجدة، فإنه يلغي ذلك ويحتسب بالإحرام. وإن رعف في الثانية بعد أن قرأ أو ركع أو سجد سجدة، ألغى جميع ذلك واحتسب بالركعة الأولى. وقال أيضًا: فإن رعف في أول ركعة قطع، فإن رعف في الثانية لم يقطع (¬4). وقال ابن الماجشون مثل ذلك: إن رعف في الأولى قطع، وإن رعف في الثانية بنى على ما صلى منها. ¬

_ (¬1) قوله: (أو إماما) ساقط من (ر). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 241، وعبارته: (وفي الْعُتْبِيَّة عن مالك ما يدل على أنَّه يبني الفذ. وقاله محمد بن مسلمة)، ولعله يعني قوله في العتبية: (قال مالك: وبلغنى أن ابن عباس كان يبنى في الرعاف على ما صلى) قال ابن رشد: وظاهر قول ابن عباس هذا أنه كان يبنى فذًا كان أو في جماعة انظر: البيان والتحصيل: 18/ 169. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 241. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 141.

وقال ابن حبيب: له أن يبني على صلاته، وإن رعف وهو مع الإمام في الأولى أو في الثانية وقد فرغ من قراءة تلك الركعة، فإذا رجع ركع، وإن لم يكن فرغ من القراءة قرأ من الموضع الذي كان انتهوا (¬1) إليه فأتمه (¬2) ثم ركع، وإن رعف وهو راكع ثم رفع تمت له تلك الركعة، ولا يرجع حين يرجع إلى الركوع ولكنه يبدأ فيخر ساجدًا (¬3). وكذلك لو رعف وهو ساجد و (¬4) رفع رأسه من سجوده برعافه، فهو تمام لها، فإذا رجع للبناء لم يعد لسجودها. وإن رعف وقد تم تشهده ثم قام لرعافه فهو قيام من جلسته تلك، وإنما يرجع للقراءة. وإن رعف في مبتدأ جلسته قبل أن يتشهد رجع إلى الجلوس والتشهد. وروى ابن وهب عن مالك أنه قال: إن رعف في الأولى بعد الركوع أو بعد سجدة (¬5)، فليأتنف (¬6). قال: وقال قبل ذلك: لو بنى على ما بقي منها لأجزأه (¬7). وهذا مثل قول ابن حبيب، وهو أبين. واختلف إذا رعف في الأولى (¬8) من الجمعة قبل أن يكملها ثم أتى بعد أن ¬

_ (¬1) في (ب): (انتهى). (¬2) قوله: (فأتمه) سا قط من (ر). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 242. (¬4) قوله: (و) ساقط من (س). (¬5) في (ر): (السجود). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 242. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 242. (¬8) زاد في (ر): (بعد الركوع).

فرغ الإمام، فقال في "المدونة": يبتدئ الظهر أربعًا (¬1). وقال سحنون: يبني على إحرامه ظهرًا. وقال أشهب: استحب له أن يتكلم ويبتدئ الظهر أربعًا، وإن بنى على إحرامه أجزأه. وإن كان قد سجد سجدة فسجد أخرى وصلى ثلاثًا أجزأه. وقال أشهب في كتاب محمد فيمن فاتته الأولى من الجمعة وأدرك الثانية ثم ذكر بعد سلام الإمام سجدة: فإنه يسجدها ويأتي بركعة وتجزئه جمعته (¬2). فعلى هذا تجزئ الراعف الجمعة إذا رعف في الأولى وقد بقي منها سجدة، فيأتي بسجدة وركعة وتجزئه. وإن عقد الأولى ورعف في الثانية وأتى بعد سلام الإمام، لم يحتسب بما كان عمله من قراءة أو ركوع على قوله في "المدونة"، وعلى القول الآخر له أن يحتسب به وتجزئه تلك الركعة. وإن رعف في الأولى قبل أن يستكملها، ثم أتى والإمام في الثانية وهو قادر على أن يأتي بما بقي من الأولى قبل أن يركع الإمام، احتسب بالإحرام خاصة ودخل مع الإمام في الثانية. وعلى القول الآخر يحتسب بما كان عمله ويأتي بما بقي منها ثم يركع مع الإمام ويكون مدركًا للجمعة (¬3). وإذا كان للمأموم أن يحتسب بما كان عمل مع الإمام من قراءة أو ركوع أو سجود كان لم يكملها، فإن ذلك له في ثلاثة مواضع: أحدها: أن يدرك الإمام قائمًا في التي رعف فيها. والثاني: أن يدركه في الثالثة أو الرابعة وهو قادر على أن يأتي بما سبقه به ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 141. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 242، 243. (¬3) انظر: ما فرعه المؤلف وما ساقه من نقول في: النوادر والزيادات: 1/ 242، 243.

الإمام من ركعة قبل أن يركع التي وجده فيها. والثالث: أن يجده فرغ من صلاته وقد سلم. وأي ذلك كان فإنه لا يحول بينه وبين إتمام ركعته ما عمله إمامه بعد خروجه؛ لأنه لم يكن حينئذٍ مأمورًا باتباعه، ولا يحتسب الراعف بما عمله بعد رعافه وقبل خروجه لغسل الدم، وأجاز ذلك ابن حبيب في ثلاث (¬1): إذا رعف وهو راكع أو ساجد فرفع، أو جالس فقام، ورأى أن ركعته أو سجدته تتم بذلك، وإن كان جالسًا لم يرجع للجلوس (¬2). وهذا يصح على القول أن الرفع ليس بفرض، وكذلك القيام؛ لأن الحركة له ليست بفرض، وأنه متى وجد قائمًا سهوًا أو غيره لم يعد إلى الجلوس ليأتي به. وقال في "المدونه": إذا رعف بعد سلام الإمام سلم وأجزأته صلاته (¬3)، وإن رعف قبل سلام الإمام انصرف لغسل الدم. يريد إذا لم يسلم الإمام بالحضرة، فإن سلم الإمام (¬4) قبل أن ينصرف لغسل الدم سلم وأجزأ عنه، على أصله. فاستخف سلامه بالنجاسة لوجوه: أحدها: أن السلام مختلف فيه هل هو فرض أم لا؟ والثاني: أنها كلمة واحدة من أسماء الله عز وجل، فكان قوله إياها بالنجاسة أخف من زيادته في صلاته وخروجه. والثالث: أن السلام دعاء يريد به تارة من عن يمينه أو الملائكة، إن لم يكن عن يمينه أحد، فلم يكن بمنزلة غيره مما تختص به القربة لله سبحانه. ¬

_ (¬1) في (ش 2): (ثلاثة مواضع). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 242. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 140. (¬4) قوله: (انصرف لغسل. . . سلم الإمام) ساقط من (ر).

فصل [في المصلي يصيبه الرعاف فيغسل الدم]

فصل [في المصلي يصيبه الرعاف فيغسل الدم] وإذا غسل الراعف الدم أتمّ في موضعه إذا كان فذًا أو مأمومًا، وكان إن رجع لم يدرك شيئًا من صلاة إمامه، فإن تبين له أنه أخطأ في التقدير، وأنه كان يدركه لو رجع، أجزأته صلاته. وهو قول ابن القاسم في "المبسوط". وإن رجا أن يدركه رجع، فإن وجده قد أتم، أتم هو ولم تفسد عليه صلاته. واختلف في الجمعة إذا علم أنه لا يدركه على ثلاثة أقوال: فقال مالك (¬1) في "المدونة": يرجع إلى الجامع (¬2). وقال المغيرة: إن حال بينه وبين الرجوع واد، فليضف إليها أخرى ثم يصلي أربعًا (¬3). وقال ابن شعبان: الاختيار أن يرجع إلى أدنى موضع يصلي فيه بصلاة الإمام فيتم هناك؛ لأن الجمعة لا تكون إلا في المسجد، فإن أتم في موضعه لم أر عليه إعادة (¬4). فرأى أن الرجوع إلى الجامع مع القدرة على ذلك (¬5) مختلف فيه. وهذا أحسن، وإنما يجب الرجوع إلى الجامع إذا كان يأتي بشروط الجمعة، فأما إذا كان يصليها فذًا، أو (¬6) لا يأتي بها على شروطها كانت صلاته ¬

_ (¬1) قوله: (مالك) زيادة من (ش 2). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 141. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 245. (¬4) انظرت الزاهي، لابن شعبان، لوحة رقم: [20 / ب]. (¬5) قوله: (على ذلك) يقابله في (ش 2): (عليه). (¬6) في (س): (و).

فصل [في الرعاف يعرض للمأموم]

في موضعه أحسن. فصل [في الرعاف يعرض للمأموم] وقال مالك فيمن رعف مع الإمام في الظهر بعدما صلى معه ركعة فخرج فغسل الدم عنه، ثم جاء وقد صلى الإمام ركعتين- إنه يتبع الإمام فيما يصلي ولا يصلي ما فاته به الإمام حتى يفرغ، فإذا فرغ قام فقضى صلاة الإمام وهو غائب عنه (¬1). فجعله قاضيًا، فيقرأ في الأولى بأم القرآن وسورة، وفي الثانية بأم القرآن وحدها. وقد يجتمع في صلاة الراعف قضاء وبناء وذلك في ثلاث مسائل: - وهو أن تفوته الأولى ويدرك الوسطيين ويرعف في الرابعة. - أو يدرك الثانية ويرعف في باقي الصلاة - أو يدرك الثالثة ويرعف في الرابعة. فهو فيما سبقه به الإمام قاضٍ، وفيما رعف فيه بأن. واختلف بأي ذلك يبتدئ، فقال ابن القاسم في كتاب محمد: يبني ثم يقضي (¬2)، وقاله ابن حبيب. وقال سحنون: يبتدئ بالقضاء (¬3). فعلى القول الأول يقرأ فيما يبني بأم القرآن وحدها، وسواء كان الباقي (¬4) ركعة أو ركعتين؛ لأنه إنما يكون بانيًا في الثالثة والرابعة أو في واحدة منهما لا غيرهما. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 187. (¬2) في (ب) و (س): (يقوم). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 246. (¬4) قوله: (الباقي) يقابله في (ش 2): (البناء في).

وإنما يفترق الجواب في الجلوس، فإن أدرك الوسطين ثم أتى بالتي رعف فيها قرأ بأم القرآن وحدها. ثم اختلف في الجلوس، فقال ابن القاسم: يجلس لأنها رابعة إمامه، وقال ابن حبيب: لا يجلس لأنها ثالثته. وهو أحسن، وليس ذلك بموضع جلوس له، وإنما كان جلوسه مع الإمام لئلا يخالفه، فإن أدرك الثانية وحدها كان بانيًا في ركعتين يجلس في الأولى منهما لأنها ثانية له، ويختلف في الأخرى حسبما تقدم، وإن أدرك الثالثة وحدها كان بانيًا في ركعة، فإذا أتى بها جلس لأنها ثانية له ورابعة إمامه، فاتفق فيها الجلوس بالوجهين جميعًا. فإذا فرغ مما رعف فيه أتى بما سبقه به الإمام وقرأ فيه بأم القرآن وسورة، وإن سبقه بركعتين أتى في كل واحدة منهما بأم القرآن وسورة. وقال ابن القاسم في "كتاب محمد" فيمن أدرك الثانية من الظهر: يأتي بركعة بأم القرآن ويجلس لأنها ثانية له ثم يأتي بركعة بأم القرآن ويجلس؛ لأنها رابعة إمامه، ثم بركعة القضاء بأم القرآن وسورة (¬1). وعلى قول سحنون يبتدئ بالقضاء، فإن أدرك الوسطيين كان القضاء ركعة يبتدئ فيها بأم القرآن وسورة، ثم يقوم لأنها ثالثة في الهيئة، وإن أدرك الثانية وحدها، كان القضاء ركعة أيضًا إلا أنه يجلس إذا أتى بها لأنها ثانية له، فإن أدرك الثالثة وحدها كان القضاء ركعتين، يجلس في الأولى منهما وحدها، وإذا فرغ من القضاء أتى بما رعف فيه. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 246.

فصل [في استدبار القبلة للراعف وكلامه حين طلب الماء]

وقال سحنون في "المجموعة" فيمن فاتته الأولى وأدرك الثانية ورعف في الثالثة وأدرك الرابعة: أنه يبتدئ بالتي سبقه بها الإمام ثم بالتي رعف فيها (¬1). فصل [في استدبار القبلة للراعف وكلامه حين طلب الماء] وإن استدبر الراعف القبلة لطلب الماء لم تبطل صلاته، ويطلب الماء ما لم يبعد جدًا. كان تكلم في ذهابه أو رجوعه عمدًا بطلت صلاته. واختلف إذا كان سهوًا؛ فقال ابن حبيب: إن تكلم في ذهابه أبطل صلاته، كان تكلم في رجوعه لم تفسد (¬2). وفي كتاب ابن سحنون: إن تكلم قبل أن يفرغ الإمام حمل ذلك الإمام عنه (¬3). وقال سحنون: إن أبطل الإمام صلاته بعد أن خرج الراعف عنه لم تبطل عليه (¬4)، وإن سها الإمام لم يكن عليه هو من سهوه شيء إلا أن يرجع فيدركه في الصلاة (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 246، 247، وعبارة سحنون: (ولو فاتته الأولى، وصَلَّى الثانية، ورعف في الثالثة، ثم أدرك الرابعة، فليقض الثالثة بأم القرآن، ثم الأولى بأم القرآن وسورة، ولو لحقها من أول كان ثانيًا فيما بقي عليه) وهو لا يعطي سورة ما رسمه المؤلف. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 244. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 244. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 244. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 244.

باب في المسح على الخفين

باب في المسح على الخفين المسح على الخفين جائز في السفر، واختلف عن مالك فيه في الحضر، فمنعه ثم رجع إلى إجازته، وقال في "المجموعة": إني لأقول اليوم مقالة ما قلتها قط في ملأ من الناس: قد أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة عشر سنين وأبو بكر وعمر وعثمان في خلافتهم - رضي الله عنهم -، فذلك خمس وثلاثون سنة، فلم يرهم أحد يمسحون، وإنما جاءت الأحاديث بالقول (¬1)، وكتاب الله -عز وجل- أحق أن يتبع ويعمل به. قال ابن وهب: فرأيته يكره المسح في الحضر والسفر، قال: وسمعته يقول: أما أنا فلا أمسح على الخفين (¬2). وقال مالك في كتاب آخر: لم يكن ربيعة ولا محمد بن أبي الرجال يمسحان. واختلف بعد القول بالمسح على الخفين (¬3) هل لذلك حد؟ قال مالك في "المدونة": ليس لذلك حد (¬4). وذكر عنه أنه قال في التوقيت: للمسافر ثلاثة أيام ولياليها، وللمقيم يوم وليلة، وقد ثبتت الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمسْحِ فِي السَّفَرِ عَلَى الخُفَّيْنِ (¬5)، وروي عنه في ¬

_ (¬1) في (ش 2): (وإنما جاءت أحاديث بالمسح). (¬2) انظر: الأقوال السالفة في: المدونة: 1/ 142، وما بعدها، والنوادر والزيادات: 1/ 93، وما بعدها، والبيان والتحصيل: 1/ 82. (¬3) أي: بعد ثبوت القول بجوازه. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 142. (¬5) أخرجه البخاري: 1/ 78، في باب الرجل يوضئ صاحبه، من كتاب الوضوء، في صحيحه، برقم (180).

فصل [في الاختلاف في صفة المسح]

كتاب مسلم والترمذي "أَنَّهُ وَقَّتَ لِلْمُسَافِرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَاليَها، وَللْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً" (¬1). وقد تضمن هذا الحديث فائدتين: جواز المسح في الحضر، والتوقيت في الحضر والسفر. وهو أحسن؛ لأن الأصل الغسل والمسح رخصة، وقد اختلف في وقتها، فوجب أن تستعمل فيما اتفق عليه، ويبقى ما عداه على أصله وهو الغسل. فصل [في الاختلاف في صفة المسح] واختلف في صفة المسح، هل يبتدئ من مقدم رجله إلى مؤخرها أو من مؤخرها إلى مقدمها، أو تكون العليا من المقدم والسفلى من المؤخر؟ وكل ذلك واسع وجائز (¬2)، غير أنه لا يمر اليد التي بها من تحت الرجل (¬3) على شيء من وجه (¬4) الرِّجل لا عقب ولا غيره، خيفة أن تكون لاقت نجاسة في أسفل الخف فيمر بها على موضع لم تدع الضرورة إليه فيه، وهو وجه الخف. وإذا مسح اليمنى لم يمسح اليسرى حتى يغسل اليد التي مر بها من تحت الخف (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم: 1/ 232، في باب التوقيت في المسح على الخفين، من كتاب الطهارة، برقم (276). (¬2) في (ب): ومجزئ، وانظر: المدونة: 1/ 142. (¬3) قوله: (الرجل) زيادة من (ر). (¬4) في (ر): (حد). (¬5) قوله: (الخف) زيادة من (ر).

وقال مالك: ولا يتبع الغضون -وهو الكسر الذي على ظهر القدمين-، وإن كان في أسفل الخف طين مسحه حتى يصل الماء إلى الخفين. واختلف فيمن اقتصر على أعلى الخف أو أسفله، فقيل: إن اقتصر على أسفله لم يجزه وأعاد أبدًا، كان اقتصر على الأعلى أعاد في الوقت. وقال ابن نافع: إن اقتصر على الأعلى لم يجزه وأعاد أبدًا، وروى ابن عبد الحكم (¬1) عن أشهب أنه يجزئه (¬2)، وإن اقتصر على الأسفل. وقاسه على مسح الرأس إذا مسح الثلث. وقول ابن نافع في ذلك أحسن؛ لأن المسح بدل من الغسل فيبلغ به حيث يبلغ بالغسل إلى الكعبين، وفي الترمذي: "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَسَحَ الأَعْلَى وَالأَسْفَلَ" (¬3). ¬

_ (¬1) هو: أبو محمد، عبد الله بن عبد الحكم بن أعين المصري، المتوفى سنة 214 هـ، صاحب الإمام مالك رحمهما الله، انتهت إليه رئاسة المذهب بمصر، بعد أشهب، روى عن مالك، والليث بن سعد، وابن عُيينة، وغيرهم. وروى عنه عبد الملك بن حبيب، وابن الموَّاز، والربيع بن سليمان، من آثاره ثلاث مختصرات في الفقه المالكي؛ كبير، وأوسط، وصغير، وقد صورت نسخة خطية منه عليها زيادة اختلاف فقهاء الأمصار للبرقي، من مكتبة أسعد باشا في اسطنبول هممت بإخراجها ثم توقفت لأفسح المجال أمام محمد بن عبد الله السالم الذي سجل نفس الكتاب برسالة ماجستير، والأوسط مفقود، وللكبير نسخة غير كاملة في خزانة القرويين يعمل على إخراجها الدكتور حميد لحمر وفقه الله. انظر ترجمته في: ترتيب المدارك، لعياض: 3/ 363، والديباج، لابن فرحون: 1/ 419، شجرة النور، لمخلوف: 1/ 59، وطبقات الفقهاء، للشيرازي، ص: 151، والطبقات، لابن سعد: 7/ 518، والتاريخ الكبير، للبخاري: 5/ 142، ومعرفة الثقات، للعجلي: 2/ 44، والجرح والتعديل: 5/ 105، وحسن المحاضرة، للسيوطي: 1/ 166. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 99. (¬3) ضعيف، أخرجه الترمذي في سننه: 1/ 162، في باب ما جاء في المسح على الخفين أعلاه وأسفله، من أبواب الطهارة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، برقم (97)، ونص الحديث: عن المغيرة بن =

فصل [في الجرموق والخف وشروط المسح عليهما]

فصل [في الجرموق والخف وشروط المسح عليهما] واختلف في المسح على الجُرْموقين (¬1) وعلى الخف إذا لبسه على خف، ولم يكن مسح على الأسفل، فقال ابن القاسم: قال مالك في الجُرْموقين أسفلهما جلد مخروز وظاهرهما جلد مخروز: يمسح عليهما، ثم رجع فقال: لا يمسح عليهما (¬2). وقال ابن حبيب: هما الخفان الغليظان لا ساقين لهما (¬3). وهذا خلف قول ابن القاسم أنه شيء يعمل من غير جلد، ويعمل عليه جلد (¬4). وقال أبو محمد عبد الوهاب: في الجوربين عليهما جلد مخروز اختلاف، فوجه المنع لأنهما دون الخف في متابعة المشي وفي خفة النزع (¬5). وعلى ما قاله ابن حبيب: إنهما الخفان لا ساقين لهما، ولا يقاس على الخف إلا ما كان مثله في جميع وجوهه. ¬

_ = شعبة: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح أعلى الخف وأسفله) قال أبو عيسى: وهذا قول غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء، وبه يقول مالك والشافعي وإسحق، وهذا حديث معلول لم يسنده عن ثور بن يزيد غير الوليد بن مسلم، قال أبو عيسى وسألت أبا زرعة ومحمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقالا: ليس بصحيح. (¬1) الجرموق: بضم الجيم ووقف الراء وضم الميم- وهو موق يبلغ إلى نصف الساق، يلبس على موق آخر، وربما لبس بغير خف آخر والخف الموق. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 18. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 143، وكلامه في المدونة على الجوربين، وقاس الجرموق عليه. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 96. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 143. (¬5) انظر: التلقين: 1/ 31.

ووجه الإجازة: أن الخفاف ليست سواء؛ فقد يكون الخف ضيقًا (¬1) لا يداوم فيهما (¬2) مشي، أو واسعًا يسهل نزعهما (¬3)، ولا يكون ذلك مما يمنع المسح عليه. والمسح على الخفين يصح بأربعة شروط: أحدها: أن يكون لباسه إياهما وهو كامل الطهارة. والثاني: أن يكون لباسه على العادة؛ ليس ليخفف عن نفسه غسل رجليه إذا انتقضت طهارته. والثالث: أن يكون متوضئًا لا متيممًا. والرابع: أن تكون طهارته الآن للوضوء لا للغسل عن جنابة ولا غيرها. فهذه جملة متفق عليها. والأصل في منع المسح إذا لبسهما وهو محدث: حديث المغيرة قال: كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فأهويت لأنزع خفيه فقال: "دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ". فمسح عليهما. أخرجه البخاري ومسلم (¬4). واختلف فيمن توضأ فلما غسل رجله اليمنى أدخلها في الخف، ثم غسل اليسرى فأدخلها، فقال مطرف: يمسح عليهما (¬5). وقال سحنون: لا يمسح (¬6). ¬

_ (¬1) في (س): (ضعيفًا). (¬2) (ش 2): (فيه). (¬3) (ش 2): (نزعه). (¬4) متفق عليه أخرجه البخاري: 1/ 85، في باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان، من كتاب الوضوء، في صحيحه، برقم (143)، ومسلم: 1/ 228، في باب المسح على الخفين، من كتاب الطهارة، برقم (274). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 98. (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 144، وما بعدها.

واختلف أيضًا إذا نكس وضوءه وبدأ بغسل رجليه ثم لبس خفيه ثم كمل وضوءه، فقال مالك في "العتبية": لا يفعل، فإن فعل فلا شيء عليه (¬1). وعلى قول سحنون لا يجزئه المسح. والقول بالإجزاء في جميع ذلك أحسن؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "دَعْهُما فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ"، فدخل بهذا في عموم الحديث. وإن نزع اليمنى في السؤال الأول ثم أعادها أو نزعهما جميعًا في السؤال الآخر ثم أعادهما، جاز المسح قولًا واحدًا. واختلف فيمن كان على طهارة فقال: ألبس خفي كيما أمسح عليهما إذا انتقضت طهارتي، أو فعلت ذلك امرأة وقد خضبت رجليها بالحناء كيما تمسح عليها إذا انتقض وضوؤها، فقال في "المدونه": لا خير في ذلك (¬2). وقال سحنون: على من فعل ذلك وصلى أن يعيد (¬3). وقال مالك في كتاب ابن حبيب: يعيد وإن ذهب الوقت. ورأى أن الرخصة إنما جاءت فيمن لبسه للحاجة إلى لباسه، ليس ليخفف عن نفسه تلك العبادة. وقال عبد الملك بن الماجشون في "ثمانية أبي زيد": لا إعادة في ذلك. واختلف فيمن تيمم ولبس خفيه قبل الصلاة ثم وجد الماء، فقيل: لا يمسح عليهما، وقال أصبغ: يمسح عليهما (¬4). وجعل التيمم يرفع حكم الحدث ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 179، 180. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 144. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 97. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 97.

ويصير به في حكم من أدخلهما طاهرتين. واختلف عن مالك فيمن لبس خفًا على خف ولم يمسح على الأسفل منهما، هل يمسح على الأعلى؟ فأجاز ذلك مرة، ومنعه أخرى وقال (¬1): إلا أن ينزع الأعلى ويمسح على الأسفل (¬2). وإن لبس الأسفل على طهارة ثم أحدث فتوضأ ومسح عليه، ثم لبس الآخر ثم انتقضت طهارته، جاز له أن يمسح على الأعلى قولًا واحدًا (¬3). ومن مسح على خفيه ثم نزعهما غسل رجليه بالحضرة ولم يستأنف وضوءه (¬4)، وإن نزع خفًا نزع الآخر وغسلهما. ولم يجتمع عنده أن تكون إحدى رجليه غسلًا والأخرى مسحًا، ولو لم ينزع الآخر لم أر عليه الإعادة (¬5). ¬

_ (¬1) قوله: (وقال) زيادة من (ر). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 143. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 143. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 143. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 96.

باب في التيمم وصفته

باب في التيمم وصفته التيمم واجب عند عدم الماء بالقرآن والسنة والإجماع. وفصول التيمم سبعة: فالأول: صفة التيمم والأعضاء التي تيمم. والثاني: ما يتمم به. والثالث: الأعذار التي تبيح التيمم. والرابع: هل يتيمم للحدث الأصغر دون الجنابة أو لهما جميعًا؟. والخامس: هل يتيمم للسنن والنوافل؟. والسادس: هل يصلي بتيمم واحد صلوات؟. والسابع: الأوقات التي يتيمم فيها. فصل [فيما ييمم من الأعضاء وصفة التيمم] التيمم في عضوين: الوجه واليدين دون ما سواهما من أعضاء الوضوء. والأصل في ذلك قول الله سبحانه: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]. وصفة التيمم عن الوضوء والجنابة في ذلك سواء، فأمّا الوجه فيمسح جميعه، ويبلغ به حيث يبلغ بوضوئه (¬1) بالماء. واختلف في اليدين في أربعة مواضع: في تجديد التيمم لهما بعد الوجه، وفي مبلغ التيمم منهما، وفي صفة مرور اليد، وفي تخليل الأصابع: ¬

_ (¬1) في (ش 2): (الوضوء).

فأما تجديد التيمم فاختلف فيه على أربعة أقوال: فقال مالك في "المدونة": يستأنف لهما التيمم (¬1). وقال في كتاب محمد: إن لم يفعل وتيمم بضربة واحدة أجزأه ولم يعد (¬2). وقال ابن حبيب: يعيد ما لم يخرج الوقت، وقال ابن نافع: يعيد وإن خرج الوقت (¬3). وقال ابن الجهم: يتيمم بضربة واحدة، لقوله سبحانه: {فَتَيَمَّمُوا}، معناه: فاقصدوا، فكان القصد مرة؛ إذ لم يذكر مرتين. وهذا أبين؛ لظاهر القرآن، ولحديث عمار - رضي الله عنه - قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمَّا أَجْنَبَ وَتَمَرَّغَ فِي التُّرَابِ: "أَمَا كانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا" فَضَرَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِكَفَّيْهِ الأَرْضَ، وَنَفَخَ فِيهِما ثُمَّ مَسَحَ بِهَما وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ". أخرجه البخاري ومسلم (¬4). وقد تتوجَّه المسألة على وجهين: - فعلى القول بجواز التيمم على الصفا وما لا يعلق باليد يتيمم بضربة واحدة. - وعلى القول أنه لا يتيمم إلا بالتراب تجزئه ضربة واحدة إذا بقي في اليدين بعد الوجه ما يعم به اليدين، وإن بقي ما لا يعم به استأنف الضرب. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة 1/ 145. (¬2) قوله: (ولم يعد) ساقط من (ر). وانظر: النوادر والزيادات: 1/ 104. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 104. (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 129، في باب المتيمم هل ينفخ فيهما، من كتاب التيمم، في صحيحه، برقم (331)، ومسلم: 1/ 280، في باب التيمم، من كتاب الحيض، برقم (368).

واختلف في مبلغ التيمم من اليدين، فقال مالك في "المدونة": يتيمم إلى المرفقين، فإن تيمم إلى الكوعين أعاد في الوقت (¬1). وقال ابن نافع في "كتاب ابن سحنون (¬2) ": يعيد أبدًا (¬3). وذكر ابن الجهم، وأبو الفرج عن مالك أن الفرض إلى الكوعين، ويستحب ذلك إلى المرفقين (¬4). والقول الآخر (¬5) أحوط لمعارضة عمر لعمار في نفس (¬6) الحديث، وإذا رُجِعَ في المسألة إلى القياس كان حمل الآية في التيمم على الوضوء أولى من حملها على آية القطع (¬7)؛ لكونهما طهارة تستباح بهما الصلاة، وإذا كانت آيتان مقيدتين ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 146. (¬2) قوله: (ابن سحنون) يقابله في (ر): (سحنون). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 104. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 103، والكلام فيه لأبي الفرج البغدادي عن مالك. (¬5) في (ر): (الأول). (¬6) في (ر): (تفسير). (¬7) يعني آية القطع في السرقة وهي قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] انظر: تفسير القرطبي في خلف أهل العلم في حد القطع فيها، والمؤلف يرمي إلى أن الأمر في التيمم لاحق بالوضوء لا بحد القطع للمشابهة التي بين الوضوء والتيمم فيما يترتب عليهما ويستباح بهما، بخلاف القطع. قال في العتبية: (سئل مالك عمن أفتي بأن التيمم إلى الكفين فتيمم وصلى، ئم أخبر بعد ذلك أن التيمم إلى المرفقين، ما ترى أن يصنع؟ قال أرأيت لو صلى منذ عشرين سنة أي شيء كنت آمره به؟ ثم قال أرى أن يعيد ما دام في الوقت. قال مالك: لقد سمعت رجلًا عظيمًا من أهل العلم يقول إلى المنكبين، واعجبا كيف قاله! فقيل له إنه تأول هذه الآية: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} فقال أين هو من آية الوضوء فيأخذ بهذا ويترك هذا؟ فيا عجبًا مما يقوله). انظر: البيان والتحصيل: 1/ 46، وتفسير القرطبي: 5/ 215.

وثالثة مطلقة كان رد المطلقة إلى المقيدة من جنسها أولى من ردها إلى ما ليس من جنسها. وقال ابن شهاب: يتيمم إلى المنكبين (¬1). وذكر الداودي عن بعض أهل العلم أنه قال: الفرض إلى الكوعين، وإلى المرفقين سنة، وإلى المنكبين فضيلة. وأما صفة تيمم اليدين فقال مالك في "المدونة": يبدأ باليسرى على اليمنى فيمرها من فوق الكفين (¬2) إلى المرفقين، ويمرها أيضًا من باطن المرفقين إلى الكوعين، ويمر اليمنى على اليسرى مثل ذلك (¬3). يريد: ثم يمسح الكفين بعضهما ببعض. وقال محمد بن عبد الحكم: ليس في ذلك حد. وأراهم التيمم ومسح (¬4) بطون (¬5) الكفين ومسح الذراعين على نحو الغسل في الوضوء، وقال: لا فرق بينهما. وقول مالك أحوط وأعم بالتراب، وإن فعل على الصفة الأخرى أجزأه إذا أبقى في يديه من التراب ما يعم به. وأما على القول أنه يتيمم بالصفا فلا يبالي ما فعل. ويختلف في تيمم ما تحت الخاتم وفي تخليل الأصابع، فقال محمد بن عبد ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 105. (¬2) في (ب): (الكوعين). (¬3) انظر: المدونة 1/ 145. (¬4) في (ش 2): (فمسح). (¬5) قوله: (بطون) ساقط من (ر).

فصل [في أقسام المتيمم به من الأرض]

الحكم: ينزع الخاتم ثم يتيمم. وقال ابن شعبان: يخلل المتوضئ أصابع يديه: قال: وهو في التيمم أقوى سبيلًا؛ لأن الماء يبلغ ما لا يبلغ التراب (¬1). وقال محمد بن مسلمة: ليس ينبغي لأحد أن يتعمد ترك شيء من العضو الذي يمسح في التيمم ولا في الوضوء، فإن ترك القليل من ذلك أجزأه؛ لأن المسح لا يعم العضو ولا بد أن يبقى بعضه. فعلى هذا القول يصح تيممه وإن لم ينزع (¬2) الخاتم أو لم يخلل الأصابع. فصل [في أقسام المتيمم به من الأرض] المتيمم به من الأرض على ثلاثة أقسام: جائز: وهو التيمم بالتراب الطاهر، وهو إذا كان على الأرض ولم ينقل عنها، كانت تلك الأرض من الجنس المعهود غالبًا أو على غير ذلك، كالكبريت والزرنيخ ومعدن الحديد والنحاس والرصاص وما أشبه ذلك. وممنوع وهو: التيمم بالتراب النجس، لقول الله سبحانه: {صَعِيدًا طَيِّبًا} والطيِّب ها هنا: الطاهر، وبما لا يقع به التواضع لله، كالزبرجد والياقوت وتبر الذهب، ونقار الفضة وما أشبهه، فهذا وإن كان أحد أبعاض الأرض لا يصح التيمم به، ولو أدركته الصلاة وهو في معدنه ولم يجد سواه جاز أن يتيمم على تلك الأرض. ¬

_ (¬1) انظر: الزاهي، لابن شعبان، لوحة رقم: [8 /أ]. (¬2) في (ر): (ينزل).

ومختلف فيه: وهو التيمم بالتراب إذا لم يكن على الأرض، والتيمم بالأرض إذا كانت صفا لا تراب عليها، كالجبل والصخور والرمل الغليظ؛ وما له حرمة الطعام، كالملح. وما يكون على الأرض وليس من جنسها، كالخشب والحشيش. وشاركه في هذا الوجه الملح الذي ليس بمعدني، أو صعد عليها وليس منها؛ كالثلج والجليد والبرد والماء الجامد (¬1)، فأجاز ابن القاسم في "كتاب محمد" أن يؤتى المريض بالتراب ليتيمم به (¬2)، ومنعه ابن بُكير (¬3) واحتج بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا" (¬4)، قال: ولا يكون ذلك إلا بمباشرة الأكف الأرض. والأول أصوب؛ للحديث المتقدم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تيمم على جدار (¬5)؛ ولأن المعنى المقصود من الأرض موجود فيما نقل عنها. ومثله لو أتي المريض بصخرة على قول (¬6) من قال: إن التيمم بالصفا يجوز، ¬

_ (¬1) انظر: التفريع: 1/ 35. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 107، والبيان والتحصيل: 1/ 158، ولفظ النوادر: (قال عيسى، عن ابن القاسم: وإذا لم تَقْدِرِ النفساء على الغُسْل تَيَمَّمَتْ، ولا بأس أن ترفع إليها ترابًا في طبق، وكذلك إلى المَحْمل للمُسافِر، يري أن ينتقل قال ابن المَوَّاز: وكذلك المريض على سريره). (¬3) هو: أبو زكريا، يحيى بن عبد الله بن بُكير القرشي، المخزومي، مولاهم، المتوفى سنة 231 هـ، سمع مالكًا، والليث وخلقًا كثيرًا، وصنف التصانيف، وسمع من مالك الموطأ سبع عشرة مرة. انظر ترجمته في: ترتيب المدارك: 3/ 369، والديباج، لابن فرحون: 2/ 359، والتاريخ الكبير، للبخاري: 8/ 285، والجرح والتعديل، لابن أبي حاتم: 9/ 165، والثقات لابن حبان: 9/ 262، والضعفاء والمتروكين، لابن الجوزي: 3/ 198، وتهذيب الكمال، للمزي: 31/ 401، وسير أعلام النبلاء للذهبي: 10/ 612 - 615. (¬4) سبق تخريجه، ص: 37. (¬5) سبق تخريجه، ص: 135. (¬6) قوله: (قول) زيادة من (ب).

ولم يجز على قول ابن بكير. ولا يختلف المذهب أن البداءة بالتراب أولى. وهو ظاهر "المدونة" في قوله: يتيمم على الحصباء (¬1) والجبل إذا لم يجد المدر (¬2). ولا يختلف أيضًا أنه يجوز التيمم بما لا تراب عليه عند عدم التراب. واختلف في جواز التيمم به مع وجود التراب فقيل: ذلك جائز، وقيل: لا يجوز. وقال القاضي أبو الحسن علي بن القصار: الصعيد (¬3) عند مالك: الأرض (¬4). يريد: كان عليها تراب أم لا. وقال عبد الملك بن حبيب: الصعيد: التراب (¬5). فمن تيمم على الحصباء أو الجبل ولا تراب عليه وهو يجد ترابًا- أساء، ويعيد ما دام في الوقت، وإن كان غير واجد للتراب فلا إعادة عليه. وقال ابن شعبان: لا يتيمم على رمل لا تراب فيمع ولا على حجر قد سقط ترابه (¬6). وفي "المبسوط": سئل مالك عن التيمم على الحجارة أو الثلج أو الماء الجامد إذا لم يجد الصعيد، فقال: لا بأس به (¬7)، قال: وإذا وجد الصعيد فأحب إلي أن يتيمم به. وهذا مثل قول ابن حبيب لأنه قال: فإذا وجد الصعيد، ولم يجعل ¬

_ (¬1) الحصباء: الحجارة الرقيقة. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 20. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 148. (¬3) الصعيد: الأرض وأصله الأرض التي لا نبات فيها. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 20. (¬4) انظر: عيون الأدلة: 1/ 411. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 103، 107. (¬6) انظر: الزاهي، لابن شعبان، لوحة رقم: [8 /أ]. (¬7) انظر: المدونة: 1/ 148.

الأول (¬1) صعيدًا. واختلف أهل اللغة في ذلك فقال بعضهم: الصعيد وجه الأرض، وقال ابن فارس في "مجمل اللغة": الصعيد: التراب. وقال في كتاب الخليل: تيمم بالصعيد، أي: خُذ من غباره (¬2). وفي كتاب مسلم: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا، وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لِي طَهُورًا" (¬3). واحتج من نصر هذا القول أن القرآن نزل على الغالب من الماء وهو المطلق، وعلى الغالب (¬4) من الأرض دون النادر، والغالب من الأرض التراب، ولا يكاد يعدم ذلك إلا نادرًا. ولا يتيمم على المصنوع من الأرض كالآجر والجص والجير بعد حرقه، فإن فعل مع القدرة على غير مصنوع من الأرض (¬5) أعاد في الوقت وبعده (¬6). وإن تيمم عليه مع عدم غيره أجزأه؛ لأنه قد كان له أن يصلي على أحد الأقوال بغير تيمم. واختلف الناس في التيمم بالملح فأُجيز ومنع، وقيل: يجوز بالمعدني ولا يجوز بغيره، وأجازه القاضي أبو الحسن علي بن القصار جملة من غير تفصيل ¬

_ (¬1) في (ش 2): (الأرض). (¬2) انظر: العين، للخليل بن أحمد: 1/ 290، وانظر: مختار الصحاح، للرازي، ص: 375، ولسان العرب: 3/ 251، ومعجم مقاييس اللغة، لابن فارس: 3/ 287. (¬3) سبق تخريجه عند قوله: (والطهور: المطهر) وهو متفق عليه. (¬4) في (ر): (المعلوم). (¬5) قوله: (من الأرض) زيادة من (ر) و (ب)، وفي (ش 2): (وصلى). (¬6) انظر: التفريع: 1/ 34.

لمعدني (¬1) ولا غيره (¬2). قال الشيخ (¬3): والذي أختاره الوقوف عن التيمم به؛ لأنه طعام يحرم فيه التفاضل، ويمنع من بيعه قبل أن يستوفَى، وهو في غير المعدني أبين؛ لأنه ماء جامد خارج عن الصعيد، ولا خلف أن حكمه في الاستجمار به غير حكم الصعيد، وقد يفرق بين حكم التيمم والاستجمار لملاقاته النجاسة. ويجوز التيمم بتراب السباخ إذا لم يصر ملحًا قولًا واحدًا. واختلف عن مالك في التيمم بالثلج، فأجازه في الكتاب (¬4)، ومنعه في مدونة أشهب (¬5) وإن لم يجد ترابًا، وهو عنده كالعدم. وقال عبد الملك بن حبيب: من تيمم به وصلى وهو قادر على الصعيد أعاد وإن ذهب الوقت، وإن كان غير قادر أعاد ما لم يذهب الوقت (¬6). ويختلف في الماء الجامد والجليد قياسًا على الثلج، وأجاز القاضي أبو الحسن ابن القصار التيمم على الحشيش (¬7)، وأجاز في "مختصر الوقار" التيمم على الخشب. وأرى أن يعيد من تيمم بشيء من ذلك وإن ذهب الوقت، وإن لم يجد سواه تيمم به وصلى وذلك أولى من صلاته بغير تيمم؛ لأنه لم يبق إلا التيمم أو يدع الصلاة، أو يصلي بغير تيمم على القول الآخر، وصلاته بمختلف فيه أولى وأحوط من تركه الصلاة (¬8). ¬

_ (¬1) في (ش 2): (معدني). (¬2) انظر: عيون الأدلة، لابن القصار: 2/ 777. (¬3) قوله: (قال الشيخ) زيادة من (ش 2). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 148. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 107. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 107. (¬7) انظر: عيون الأدلة، لابن القصار: 3/ 1067. (¬8) قوله: (من تركه الصلاة) زيادة من (ر).

فصل [فيمن يباح له التيمم]

فصل [فيمن يباح له التيمم] أباح الله -عز وجل- في كتابه التيمم لرجلين: مريض مقيم، وصحيح مسافر، وللمريض خمسة أحوال يجوز له التيمم فيها: وهو أن يعدم الماء، أو يجده ويعدم من يناوله إياه، أو يجد من يناوله ويخاف متى استعمله (¬1) موتًا أو زيادة مرض أو تأخر بُرْءٍ. والأصل في هذين إذا خاف زيادة مرض أو تأخر برء قول الله -عز وجل-: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، وقوله -عز وجل-: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، ولأنها حالة تبيح الفطر للصائم وإن كان يتأخر الأداء (¬2) إلى زمان آخر فكان التيمم أجوز، وإذ جاز التيمم مع وجود الماء إذا أغلى (¬3) عليه في الثمن، كان لما يلحقه من الضرر في الجسم أبين، وهذا القسم إذا خشي الموت أو دخول علة يستوي فيها المريض والصحيح والمقيم والمسافر. فصل [في تيمم المسافر ومتى يصح؟] التيمم للمسافر يصح عند عدم الماء، ومع وجوده إذا كان يخاف موتًا أو مرضًا ينزل به أو حمى أو سباعًا أو لصوصًا حالت بينه وبين الماء، أو كان معه من هو غير مأمون متى فارق رحله ذهب به، أو كان معه من الماء قدر شربه وهو يخاف العطش، وإن استسقاه غيره وخاف عليه كان عليه أن يسقيه إياه ¬

_ (¬1) في (ش 2): (ويخاف من استعماله). (¬2) في (ر) و (ب): (الأذى). (¬3) في (ش 2): (غلى).

ويتيمم. وهو قول ابن القاسم في "العتبية" (¬1). وإذا وجد الماء بثمن، وكان قليل الدراهم جاز له التيمم، وإن كان موسعًا عليه كان عليه أن يشتريه ما لم يَغْلُ عليه في الثمن. ورَوى عنه أشهب في سماعه أنه قال: يشتريه بثمن مثله. قيل له: لو وجد قربة بعشرة دراهم وهو ذو دراهم كثيرة؟ فقال: ما هذا على الناس، إنما عليه أن يشتريه بالثمن المعروف في ذلك الموضع (¬2). وقال أبو القاسم ابن الجلاب: يحتمل أن يحدّ غلاؤه بالثلث (¬3) زائدًا (¬4)، يريد: فإذا بلغ ذلك جاز له التيمم. وأرى أن ينظر إلى ثمنه بذلك الموضع، فإن كان رخيصًا كان عليه أن يشتريه، وإن زيد في ثمنه مثله أو مثلاه، مثل أن يكون ثمنه بذلك الموضع الدرهم والدرهمين- فلا مضرة في شرائه بثلاثة وأربعة؛ لأن جميع ذلك لا خطب له، والصلاة أولى ما احتيط لها، وقد يكون ثمنه بذلك الموضع غاليًا، فتكون الزيادة الكثيرة مع (¬5) الثمن الأقل (¬6) مما يضر (¬7) به. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 89، 90. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 112. (¬3) انظر: التفريع: 1/ 32. (¬4) قوله: (زائدًا) زيادة من (ب). (¬5) في (ب): (مع ذلك). (¬6) في (ب) و (ش 2): (الأول). (¬7) في (ب): (تضر).

فصل [في تيمم الصحيح المقيم]

فصل [في تيمم الصحيح المقيم] ويصح التيمم للصحيح المقيم وهم ثلاثة: - من يخاف على نفسه متى استعمل الماء، وقد تقدم ذكره. - ومسجون. - ومن ضاق عليه الوقت. فإن لم يتيمم خرج الوقت. فيجوز التيمم للمسجون لأنه كالمريض الذي لا يقدر على استعمال الماء ويمنعه المرض من تناوله، والسجن والمرض يمنعان من الطلب (¬1). ومثله إذا كان الماء موجودًا وهو مربوط، أو غير مربوط والماء في بئر وعدم الآلة التي ينتزع بها (¬2). واختلف إذا لم يكن مسجونًا وهو في ضيق من الوقت، فإن طلب الماء خرج الوقت- على ثلاثة أقوال: - فأجاز له مالك أن يتيمم ويصلي ولا إعادة عليه وإن وجد الماء في الوقت. - وقال أيضًا: يعيد الصلاة إن وجد الماء في الوقت. - وقال في "كتاب محمد": يطلب الماء وإن خرج الوقت (¬3). ولم ير له أن يتيمم؛ لأن القرآن ورد في التيمم للمقيم بشرط المرض. والقول الأول أحسن؛ لأن المعنى الذي جاز به التيمم للمسافر وإن كان صحيحًا وللمريض المقيم- إذا عدم الماء في الوقت لئلا يخرج الوقت عنه وهو ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 146. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 146، 147. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 110.

بغير صلاة ولا مُؤد لتلك العبادة. وإن كانا قادرين على استعمال الماء بعد ذهاب الوقت، فقدم الله سبحانه فضيلة الوقت على فضيلة الطهارة بالماء. وهذا المعنى موجود في الحاضر الصحيح، وإنما خصّ الله -عز وجل- المريض المقيم والصحيح المسافر دون الحاضر الصحيح؛ لأن الغالب عدم الماء لمثلهما، وليس ينزل ذلك بالصحيح الحاضر إلا نادرًا، فإذا نزل به مثل ذلك ألحق في الحكم بهما. ثم لا يخلو الصحيح المقيم من أربعة أحوال: إما أن يكون عادمًا للماء فإن طلبه في طرف المدينة خرج الوقت، أو واجدًا للماء عادمًا للآلة التي ينزعه بها، أو واجدًا للالة فإن تشاغل بانتزاعه واستعماله خرج الوقت، أو كان في إناء فإن توضأ به (¬1) خرج الوقت (¬2). وقد تقدم الكلام على عادم الماء، وعادم الآلة التي يتناول بها مثله، أنه يدخل في جملة من لا يجد، ولا فرق بين عدم القدرة على أداء الصلاة والطهارة في الوقت للاشتغال بطلب الماء أو بطلب الآلة. وأما إذا كانت الآلة موجودة وكان فوت الوقت لاشتغاله بنزع الماء واستعماله، أو لاستعماله من الإناء خاصة، فلا يقع (¬3) عليهما اسم العدم، ولا أنهما (¬4) غير واجدين، إلا أنهما يتساويان في أنهما متى اشتغلا بشيء من سبب الطهارة بالماء خرج الوقت، وقد استقرئ من كتاب الله -عز وجل- فضيلة الوقت على فضيلة الطهارة بالماء، فلم يفترق أن يكون ذلك لسبب الماء أو لسبب استعماله، وهذان الوجهان يشترك فيهما المقيم والمسافر، وقد قال مالك في "المدونة" في الذي يأتي البئر آخر الوقت فإن نزع الماء بالرِّشاء (¬5) وتوضأ خرج الوقت: ¬

_ (¬1) قوله: (به) سا قط من (ش 2). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 110. (¬3) في (س): (يقم). (¬4) قوله: (لا أنهما) يقابله في (س): (لأنهما). (¬5) الرِشا: بكسر الراء وفتح الشين- وهو الحبل وجمعها أرشية انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 19.

فصل [فيمن فقد الماء ومن في حكمه]

فليتيمم (¬1). فراعى الوجهين جميعًا: قدر نزع الماء واستعماله، فيجيء على هذا إذا كان الماء في الإناء أن يراعى قدر استعماله. وإن خشي خروج الوقت أو لا يدرك ركعة من الصلاة- تيمم، ولو منع هذا من التيمم لراعى في الأول قدر نزع الماء وحده. وقال أبو جعفر الأبهري: قال مالك: ويجوز التيمم إذا خاف فوات الوقت متى تشاغل بالغسل أو الوضوء. فصل [فيمن فقد الماء ومن في حكمه] قول الله -عز وجل-: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] يتضمن طلب الماء و (¬2) منع التيمم إلا بعد الطلب وإعوازه. وهذا يتوجّه على من يقدر على استعمال الماء ويرجو بطلبه وجوده، فأما من كان لا يقدر على استعمال الماء لمرض أو كان مجدورًا (¬3) أو محصوبًا (¬4)، أو هو صحيح يخاف على نفسه متى استعمله، أو كان بمخافةٍ (¬5) يعلم أنه لا ماء بها، فالطلب عنه ساقط؛ وكثير من المواضع يعلم أنه لا ماء بها وأن الماء بأماكن معلومة لا يطلب إلا بها. وإن كان ممن يقدر على استعمال الماء، وبمكان يشك به الماء أو طلبَهُ (¬6) فيما ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 146. (¬2) قوله: (طلب الماء و) ساقط من (ر). (¬3) المجدور: الذي أصابه الجدري، بالجيم مضمومة والدال مفتوحة والراء مكسورة. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 19. (¬4) الحَصْبةُ -بسكون الصاد وفتحها وكسرها-: البَثْر الذي يَخْرُج بالبَدَن ويظهر في الجِلْد. انظر: لسان العرب: 1/ 318. (¬5) قوله: (بمخافة) ساقط من (ر)، وفي (ب): (بمجابة). (¬6) في (ر): (وبمكان به الماء ويشق طلبه)، وفي (ب): (وهو بمكان به الماء أو يشك طلبه)، وفي (ش 2): (وبمكان به الماء أو يشك طلبه).

قرب وعلى صفة لا يدركه فيها (¬1) مشقة- فإن الدِّين يسر، وليس طلب من كان نازلًا في منهلٍ كمن هو على ظهر يخاف مفارقة أصحابه، وليس الشيخ كالشاب ولا المرأة كالرجل، ولكل واحد منهم ما يطيقه من غير مشقة. وإن كان في موضع لا ماء فيه وهو في رفقة معهم الماء، فإن كانوا ممن يمنعون من سألهم (¬2) لبعدهم عن الماء الذي أمامهم، جاز له التيمم من غير سؤال لهم، وهو قول مالك في "العتبية". وإن كان يرجوهم إذا سألهم كان عليه أن يسألهم، فإن كانوا نفرًا قليلًا سأل جميعهم، وإن كانت رفقة كثيرة قال مالك: فليس عليه أن يطلب أربعين رجلًا (¬3). وقال ابن جيب عن أصبغ: يطلبه في الرفقة الكبيرة (¬4) ممن حوله ومن (¬5) قرب، فإن لم يفعل هذا: فقد أساء، ولا يعيد، وإن كانت رفقة قليلة فلم يطْلب (¬6) أعاد ما دام في الوقت، وإن كانت مثل الرجلين والثلاثة أعاد أبدًا (¬7). فجعل طلبه من الرفقة الكبيرة استحسانًا، وهذا ضعيف، وتوجه الخطاب في الطلب من النفر اليسير (¬8) من الرفقة الكبيرة كتوجهه لو كانوا بانفرادهم. ¬

_ (¬1) في (ش 2): (لا تدركه معها). (¬2) قوله: (يمنعون من سألهم) يقابله في (س): (يظنون به)، وفي (ش 2): (يضنون به). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 45، 99، 118. (¬4) زاد في (ر): (ويطلبه). (¬5) قوله: (من) زيادة من (ب) و (ش 2). (¬6) في (ش 2): (يطلبها). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 113. (¬8) زاد في (ر): (أيسر عليه من الطلب).

ولا وجه أيضًا لإيجابه الإعادة بعد خروج الوقت إذا كانوا نفرًا مثل الرجلين والثلاثة، وأرى إن كان الغالب عنده أنهم يعطونه إذا سأل (¬1) أعاد أبدًا في الموضعين جميعًا، وإن أشكل الأمر ولم يغلب أحد الأمرين جاز أن يقال: يعيد في الوقت؛ لأن الأصل العلم، وكون الماء ملكًا لغيره، فلا تجب الإعادة بالشك، وأن يقال: الإعادة أبدًا لأن الأصل الطلب، ولا يصحُّ التيمم إلا بعد العلم واليأس في الغالب، ولم تأت هذه الحالة بعد. واختلف عن مالك فيمن تيمم ومعه ماء فنسيه، فقال في "المدونة": إن صلى أعاد ما دام في الوقت (¬2). وقال في "المجموعة": لا إعادة عليه. وروي عنه أنه قال: يعيد أبدًا. وقاله مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم (¬3) وأصبغ، في كتاب ابن حبيب. فلم يوجب عليه الإعادة في القول الأول لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الخَطأُ وَالنِّسْيَانُ" (¬4)؛ ولأنه مخاطب عندما نسي ألا يدع الصلاة وأن يتيمم ذلك الوقت. ¬

_ (¬1) في (ب): (سألهم). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 145. (¬3) انظر: النوادر والزيادات، لابن أبي زيد: 1/ 113. (¬4) صحيح، أخرجه ابن ماجه: 1/ 659، في باب طلاق المكره والناسي، من كتاب الطلاق،، برقم (2045)، وأخرجه ابن حبان: 16/ 202، في باب فضل الأمة، من كتاب إخباره - صلى الله عليه وسلم - عن مناقب الصحابة، برقم (7219)، وأخرجه الحاكم: 2/ 216، في كتاب الطلاق برقم (2801)، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

فصل [فيمن تيمم ثم وجد الماء]

فصل [فيمن تيمم ثم وجد الماء] المتيمم يجد الماء على أربعة أوجه: إما أن يجده قبل أن يتلبس بالصلاة وهو في سعة من الوقت. أو في وقت لا يقدر على استعماله والصلاة قبل ذهاب الوقت. أو في حين كونه في الصلاة. أو بعد فراغه منها وقبل ذهاب الوقت. فإن وجده قبل أن يتلبس بالصلاة، وهو في سعة من الوقت بطل تيممه وتوضأ (¬1)، وإن كان في ضيق من الوقت إن توضأ لم يدرك الصلاة، لم يجب عليه استعماله على الصحيح من المذهب، والمراعى من التشاغل باستعماله على قدر ما تدل عليه الآثار من صفة (¬2) وضوئه - صلى الله عليه وسلم - (¬3)، ليس على ما يكون من التراخي وبعض الوساوس. فإن طرأ عليه الماء وهو في الصلاة لم يجب عليه استعماله، وإن كان في اتساع من ¬

_ (¬1) انظر: التلقين: 1/ 30. (¬2) في (ب): (خفة). (¬3) قد وردت الآثار بأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يحسن الوضوء، ويخففه، فمن الأول ما رواه مسلم في صحيحه عن ابن عباس أنه بات عند خالته ميمونة فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الليل فتوضأ من شن معلق وضوءا خفيفًا (قال وصف وضوءه وجعل يخففه ويقلله)، أخرجه مسلم: 1/ 205، في باب فضل الوضوء والصلاة عقبه، من كتاب الطهارة، برقم (227)، ومن الثاني ما رواه مالك في الموطأ عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من امرئ يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يصلي الصلاة إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة الأخرى حتى يصليها" أخرجه في موطئه: 1/ 59، في باب جامع الوضوء، من كتاب الطهارة، برقم (59).

الوقت وأتم على ما هو عليه (¬1). ويجري فيها (¬2) قول آخر: إنه يقطع، قياسًا على أحد القولين في الأمة تعتق وهي مكشوفة الرأس في الصلاة، والعريان يجد ثوبًا وهو في الصلاة (¬3) ومن ذكر صلاة نسيها وهو في الصلاة (¬4)، أو كان مسافرًا في حضر فنوى الإقامة بعد ركعة (¬5)، أو صلى بقوم ركعة من الجمعة فقدم والٍ بعزلته (¬6). فجميع هذه المسائل مختلف فيها، فقيل: يتمادى ولا شيء عليه، وأن الخطاب يتوجه بذلك قبل أن يتلبس بالصلاة، وقيل: يقطع. وإن وجد الماء بعد الفراغ وقبل ذهاب الوقت كانت المسألة على وجهين: فإن كان وجود الماء بأن طرأ عليه أو كان بموضع لا يعلمه (¬7)، لم تكن عليه إعادة. ¬

_ (¬1) انظر: التلقين: 1/ 30، والتفريع: 1/ 35. (¬2) في (ب): (فيه). (¬3) انظر: تفصيل المسألة في العتبية، قال في رسم استأذن من سماع عيسى: (قيل لسحنون في الأمة يعتقها سيدها وهي في الصلاة وهي مكشوفة الرأس، فقال أرى أن تقطع وتبتدئ الصلاة، وكذلك لو أن عريانًا ابتدأ الصلاة فلما كان في بعض الصلاة وجد ثوبًا إنه يبتدئ ولا يبني) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 508. (¬4) قوله: (ومن ذكر. . . في الصلاة) ساقط من (ر). قلت: قال في المدونة: (وقال مالك: من ذكر صلاة نسيها وهو في صلاة المكتوبة، قال: إن كان وحده فذكرها حين افتتح الصلاة فليقطع وليصل التي نسي، ثم يصلي هذه التي كان فيها، قال: وإن كان إنما ذكرها بعدما صلى من هذه التي كان فيها ركعة، فليضف إليها أخرى ثم ليقطع، وإن ذكرها بعدما صلى ثلاثًا، فليضف إليها ركعة رابعة ثم ليقطع) انظر: المدونة: 1/ 214. (¬5) قال في العتبية: (. . وسئل عن المسافر يؤم بمسافرين فيصلي بهم ركعة ثم يبدو له في المقام، قال يخرج فيقدم رجلًا يتم بهم ويقطع هو صلاته) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 14. (¬6) قال في العتبية: (قال ابن القاسم: إذا عزل الوالي يوم الجمعة، وجاء وال آخر فتمادى المعزول فصلى الجمعة بالناس وهو يعلم بعزله؛ قال: أرى أن يعيدوا وإن ذهب الوقت) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 19. (¬7) قوله: (أو كان بموضع لا يعلمه) يقابله في (س): (الموضع لا يعلم بوجوده)، وزاد في (ش 2): (به).

فصل [في الجنب لا يجد الماء]

وإن كان يعلم بموضعه، وقدَّر أنه لا يصل إليه إلا بعد ذهاب الوقت فوصل إليه قبل (¬1)، وقد تبين أنه أخطأ في التقدير، أو كان مريضًا يقدر على استعمال الماء ولم يجد من يناوله إياه ثم أتى من يناوله (¬2) - أعاد في الوقت استحسانًا (¬3). فصل [في الجنب لا يجد الماء] ومن أجنب ولم يجد ماءً- تيمم. والأصل في ذلك قول الله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاء. . . .} الآية [النساء: 43]، والملامسة واللمس والمباشرة كناية عن الجماع؛ قال الله -عز وجل-: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49]. وقال تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: 187]. وأصل الملامسة واللمس: الاختبار (¬4)؛ قال الله -عز وجل- حكاية عن الجن: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا} [الجن: 8]. وَنَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ المُلاَمَسَةِ (¬5)، وهو الذي يختبر جودة ما يشتريه من دناءته باليد من غير نظر. وقول الله سبحانه: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43] يريد به المسافر، يتيمم ويصلي، ¬

_ (¬1) زاد في (ر): (الوقت الذي قدر). (¬2) قوله: (ثم أتى من يناوله) ساقط من (ر). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 116. (¬4) قال أبو السعود في تفسيره: 2/ 112: (وأنا لمسنا السماء أي: تفحصنا) واللمس هو الطلب. (¬5) متفق عليه أخرجه البخاري: 2/ 754، في باب بيع الملامسة، من كتاب البيوع، في صحيح، برقم (2037)، ومسلم: 3/ 1152، في باب إبطال بيع الملامسة والمنابذة، من كتاب البيوع، برقم (1512).

وليس المراد موضع الصلاة لاستحالة أن يراد بالكلمة الواحدة متضادان: فيراد (¬1) بها نفس الصلاة في السكارى وموضعها في {عَابِرِى سَبِيل}، وهي كلمة واحدة، وإنما ورد النهيان عن شيء واحد وهي الصلاة. وعلى أنه لو ذكرت الصلاة في موضعين من الآية لم يجز إخراجها عن الحقيقة وهي الصلاة إلى المجاز وهو الموضع إلا بدليل. وحديث عمران بن حصين قال: رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا معتزلا لم يصل فقال له: "يَا فُلاَنُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ القَوْمِ؟ " قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلاَ مَاءَ. فَقَالَ: "عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ كافِيك" (¬2). وحديث عمارٍ - رضي الله عنه - قال: أجنبت فتمعكت في التراب، فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إنما يكفيك أن تفعل (¬3) هكذا" ثم ضرب بيديه الأرض ومسح وجهه وكفيه. وهذان الحديثان أخرجهما البخاري ومسلم (¬4). فصل [في أنواع الصلوات التي يتيمم لها] الصلوات أربع: فرائض، وسنن، وفضائل، ونوافل (¬5) على الأعيان وعلى الكفاية (¬6). ¬

_ (¬1) في (ر): (وإنما يراد). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 34، في باب التيمم ضربة، من كتاب التيمم، في صحيحه، برقم (341)، ومسلم: 1/ 474، في باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم (682). (¬3) في (ب): (تقول). (¬4) سبق تخريجه، ص: 171. (¬5) قوله: (وفضائل، ونوافل) ساقط من (س). (¬6) زاد في (س): (ونوافل).

فأما المسافر فيصح تيممه لجميع هذه الصلوات. وهذا قول مالك وأصحابه (¬1). وقال عبد العزيز بن أبي سلمة: لا يتيمم للنافلة لأنه في غير ضرورة منها، وإنما يتيمم للفريضة التي لابد منها (¬2). وظاهر قوله منع التيمم لما كان من السنن على الكفاية، وقد لا يمنع ما كان منها على الأعيان لأنها في معنى ما لابد منه. وحكم المريض المقيم فيما يتيمم له حكم المسافر، يتيمم للفرض، ويختلف في تيممه للنفل. واختلف في تيمم الصحيح المقيم للفرائض، وقد تقدم ذكر ذلك. ويختلف في السنن إذا كانت على الأعيان كالوتر وركعتي الفجر. ولا يتيمم للنوافل ولا للسنن إذا كانت على الكفاية، كالجنائز والعيدين على القول إنها على الكفاية. وقال ابن القاسم في "المدونه" (¬3) في المسافرين والمرضى لا يجدون الماء؛ إنهم يتيممون لخسوف الشمس أو القمر، ولا يتيمم من أحدث خلف الإمام في صلاة العيدين (¬4). قال مالك: لا يصلي على الجنائز بالتيمم إلا المسافر الذي لا يجد الماء (¬5). قال: ولا بأس أن يتيمم لمس المصحف، ويقرأ حزبه من لم يجد الماء إذا كان ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 109. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 119. (¬3) قوله: (المدونة) زيادة من (ر). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 149. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 149.

في السفر (¬1). وقال ابن سحنون: سبيل السنن في التيمم سبيل الفرائض الوتر وركعتي الفجر والعيدين والاستسقاء والخسوف، يتيمم لكل سنة كما يتيمم للفرائض. وقال محمد بن عبد الحكم: قال ابن وهب: إذا خرج للجنازة طاهرًا فأحدث ولم يجد ماءً تيمم، وإن خرج معها على غير طهارة لم يتيمم. يريد أن هذا قصد إلى التيمم اختيارًا، والأول كان متطهرًا فانتقضت طهارته. وإذا جاز أن يصلي السنن بالتيمم عند عدم (¬2) الماء، فإنه يختلف فيه مع وجوده إذا كان إذا توضأ فات إدراكها إما لخروج وقت في الوتر وركعتي الفجر أو بفراغ الإمام في العيدين والاستسقاء والجنائز. وقال مالك في "مختصر ابن عبد الحكم": لا يصلي في الحضر على الجنازة بالتيمم وهو يجد الماء (¬3). يريد إذا كان متى توضأ فاتته تلك الصلاة. وعلى القول الآخر يتيمم ويصلي. وهو أبين للحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تيمم بالمدينة على الجدار لرد السلام (¬4). وقال القاضي أبو الحسن ابن القصار وأبو جعفر الأبهري: قال بعض أصحابنا: إذا خاف فوات الجمعة تيمم لها (¬5). يريد: لما كانت الجمعة فرضًا على الأعيان، وكان اشتغاله بالوضوء يؤدي إلى فوتها، وأنه لا يقدر على الإتيان بها بعد ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 149. (¬2) قوله: (عدم) ساقط من (س). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 111. (¬4) سبق تخريجه ص: 135. (¬5) انظر: عيون الأدلة: 3/ 1163.

فصل في الأوقات التي تؤدى فيها الصلاة بالتيمم

فراغ الإمام أشبه ما يخاف ذهاب وقته من غيرها من الصلوات. وقيل: لا يتيمم لها لأنّ الوقت باق للظهر وهو بدل من الجمعة إلا أنه بدل عن فائت. وقال أشهب في "مدونته" فيمن أحدث في صلاة الجمعة: فلا يتيمم وإن خاف إن ذهب يتوضأ أن تفوته الجمعة، كان فعل لم يجزه. فصل في الأوقات التي تؤدى فيها الصلاة بالتيمم الأوقات التي تؤدى فيها الصلوات بالتيمم أوقات الاختيار، لا أوقات الضرورات، فكل وقت تؤدى فيه الصلاة بالوضوء ولا يجوز تأخيرها عنه مع الاختيار هو الوقت الذي تؤدى فيه الصلاة بالتيمم لا تؤخر عنه. والأصل في ذلك قوله سبحانه: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} ثم قال: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}، فأمر بأداء الصلاة عند عدم الماء بالتيمم في الوقت الذي تؤدى فيه بالوضوء، وما ذكر في الروايات من التأخر إلى آخر الوقت فالمراد به آخر وقت الاختيار في الظهر: آخر القامة، والعصر: ما لم تصفر الشمس، وفي المغرب: ما لم يغب الشفق، وفي العشاء: ما لم يذهب نصف الليل (¬1). والمسافر العادم للماء ثلاثة أوجه: آيس من وجوده، وموقن بوجوده قبل خروج الوقت، وشاكٌّ. والشاكُّ على وجهين: هل بذلك الموضع ماء؟، وموقن بوجوده شاك هل يبلغه قبل خروج الوقت أو لا (¬2). فمن كان على إياس من وجوده تيمم أول الوقت، ومن كان على يقين منه ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 115، 154. (¬2) قوله: (أو لا) ساقط من (س).

أخَّر إلى آخره، ومن كان على شك تيمم أوسطه. قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب في تأخير الموقن: إن ذلك ليجمع بين الوقت وكمال الطهارة، وفي تقديم اليائس: لأن في تأخيره فوات الأمرين، وفي الشاك لأنه لم يبلغ به قوة الرجاء أن يؤخره ولا ضعفه أن يقدمه (¬1). واختلف فيمن كان على يقين من بلوغه قبل ذهاب الوقت فلم يؤخر وتيمم أوله، فقال ابن القاسم في "المدونة": يعيد ما دام في الوقت (¬2)، وقال ابن حبيب: يعيد كان ذهب الوقت. والقول الأول أحسن؛ لقوله سبحانه: {إذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا} ثم قال: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}، فأمره بالصلاة بالتيمم في الوقت الذي أمر فيه بالصلاة بالوضوء، ولم يفرق (¬3)، وإيقاع الصلاة آخر الوقت توسعةٌ على المصلي لا حقٌّ عليه، وإن كان ذلك فمن حق من تعبد (¬4) بصلاة إذا دخل الوقت أن يُقدم على أدائها (¬5)، وله أن يبرئ ذمته منها، فإن وجد ماءً توضأ، كان لم يجده تيمم. ولو أراد من كان على إياس من الماء أو شاكٍّ أن يؤخِّر التيمم والصلاة إلى آخر الوقت، كان ذلك له كما ذلك له في الوضوء. وإنما التعجيل فمن باب أولى. ويتيمم المريض الذي لا يقدر على استعمال الماء، وإن كان يقدر على ¬

_ (¬1) انظر: المعونة: 1/ 39. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 146. (¬3) قوله: (ولم يفرق) ساقط من (س). (¬4) في (س): (يُعيدُ). (¬5) في (ب): (أن يقوم لأدائها).

استعماله وهو على إياس ممن يناوله إياه تيمم أول الوقت، وإن كان على شك تيمم وسط الوقت (¬1). وقد اضطرب المذهب في الوقت الذي يتيمم فيه، فروى السنن وهب وابن نافع عن مالك أنه قال: لا يتيمم أحد من أهل التيمم إلا أن يخاف فوات الوقت (¬2). وروى عنه ابن عبد الحكم في "المختصر" أنه قال: يتيمم المسافر في أول الوقت (¬3). ولم يزد، ولم يفرق بين آيس ولا غيره (¬4). وقال (¬5) في "المجموعة": من لم يجد الماء تيمم وسط الوقت، وإن رجاه فمتى يخاف فوات الوقت، وجعله على قسمين (¬6). ولمطرّف وابن الماجشون وابن عبد الحكم (¬7) في كتاب ابن جيب فيمن كان على إياس: فأول الوقت ومن سواه آخر الوقت (¬8). فجعلوه أيضًا على قسمين ولم يجعلوا وسطًا. والذي أختاره أن لكل عادم للماء وهو يائس أو شاك أو موقن بإدراكه ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 145. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 114. (¬3) انظر: المختصر الصغير بشرح البرقي، لابن عبد الحكم، لوحة رقم: [4 /أ]. (¬4) قوله (ولا غير) يقابله في (ر): (ولا موقن ولا شاكٍّ). (¬5) قوله: (قال) ساقط من (ر). (¬6) انظر: النوادر والزيادات 1/ 115، وأصل القول لابن القاسم في المدونة، قال فيها: (والمريض والخائف يتيممان في وسط الوقت). (¬7) انظر: الجامع، لابن يونس، لوحة: [29 /أ]. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 115.

فصل [في رفع حكم الحدث بالتيمم والخلاف فيه]

قبل ذهاب الوقت أن يوقع (¬1) الصلاة بالتيمم أول الوقت أو وسطه أو آخره، وهو في ذلك بالخيار حسب ما يفعله المتوضئ بالماء. هذا في باب ما يجوز له، والاستحسان ما ذكره ابن القاسم عن مالك. فصل [في رفع حكم الحدث بالتيمم والخلاف فيه] واختلف في التيمم هل يرفع حكم الحدث أم لا؟ واختلف بعد القول: إنه لا يرفع حكم الحدث (¬2) هل يصلي به صلوات إذا كان ممن لا طلب عليه كالمجدور والمحصوب والمريض الذي لا يقدر على مس الماء، أو مسافر بموضع لا يرجو الماء فيه. فذهب غير واحد من البغداديين إلى أنه لا يرفع حكم الحدث. وقال ابن القاسم في "المدونه" في الحائض ترى الطهر وتعدم الماء فتتيمم، قال: ليس لزوجها أن يطأها؛ لأن حكم التيمم طهر لما كانت فيه، فليس لزوجها أن يدخل عليها ما ينقض ذلك (¬3)، فأوقع على التيمم اسم الطهارة وأن المس ينقضها. وقال أصبغ فيمن تيمم ثم لبس خفيه قبل أن يصلي بذلك التيمم: أن له أن يمسح على الخفين متى أحدث (¬4). وجعله بذلك التيمم في حكم من أدخل رجليه في الخف وهما طاهرتان. ¬

_ (¬1) في (ر): (يرفع). (¬2) قوله: (لا يرفع حكم الحدث) يقابله في (ر): (يرفعه). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 150. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 173، وعن العتبية نقله ابن أبي زيد في النوادر والزيادات: 1/ 97.

وقال ابن القرطي: إذا تطهرت الحائض بالماء أو بالتيمم حل له ما كان محرمًا منها (¬1). وقال محمد بن مسلمة في المبسوط (¬2): المتيمم يؤم المتوضئين: لا بأس به (¬3). قال: لأنه قد تطهر بالتيمم الذي أمره الله -عز وجل- به كما يطهر بالماء الذي أمرهم الله به. وقال مالك في "الموطأ": ليس الذي وجد الماء بأطهر منه (¬4). وأجمع هؤلاء على أن التيمم يرفع حكم الحدث، وهذا هو الصحيح من القول؛ لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا" (¬5) فوصف التيمم بما وصف الله سبحانه به الماء بقوله -عز وجل-: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48]، ولا وجه للقول أنه تستباح به الصلاة ولا يرفع حكم الحدث، وهذا كلام متنافٍ؛ لأن حكم الحدث إنما يمنع الصلاة، فإذا أبيحت بالتيمم ارتفع الحكم الأول وهو المنع، وقد قال أبو محمد عبد الوهاب في المتوضئ بالماء معنى رفع الحدث: إنما ينوي استباحة كل شيء كان الحدث مانعًا منه (¬6). وهذا كلام صحيح؛ لأن حكم الحدث قبل الوضوء يمنع الصلاة، فإذا توضأ استباحها، وإذا استباحها ارتفع حكم الحدث وهو المنع. ¬

_ (¬1) لم أقف على لفظه، قال في النوادر: 1/ 121: (وفي كتاب ابن شعبان: أنَّ له وطأها بِالتَّيَمُّمِ)، وابن القرطي هو ابن شعبان، قال في شجرة النور الزكية: 1/ 80: أبو إسحاق محمد بن القاسم بن شعبان المصري المعروف بابن القرطي، وذكر له من كتبه (الزاهي) توفي سنة (355 هـ). (¬2) قوله: (المبسوط) زيادة من (ش 2). (¬3) نقله المؤلف عن ابن مسلمة وأصله في المدونة، قال فيها: (وقال مالك في المتيمم يؤم المتوضئين؟ قال: يؤمهم المتوضئ أحب إلي وإن أمهم المتيمم رأيت صلاتهم مجزئة عنهم. . . قال مالك: وان أمهم المتيمم كانت الصلاة مجزئة) انظر: المدونة: 1/ 150. (¬4) انظر: الموطأ: 1/ 53. (¬5) سبق تخريجه، ص: 37. (¬6) انظر: التلقين: 1/ 18، وانظر: المعونة: 1/ 15.

ولا يعترض هذا بكونه لا تؤدى به إلا صلاة واحدة؛ لأنّا لو تعبدنا في الوضوء بالماء ألا نؤدي به إلا صلاة واحدة لم نقل إن حكم الحدث لتلك الصلاة لم يرتفع، وقد روي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -؛ أنه كان يرى أن الوضوء واجب لكل صلاة وأن ذلك باق إلى الآن لم ينسخ (¬1)، أفتراه يقول: إن حكم الحدث لم يرتفع للصلاة الواحدة؟! وقيل أيضًا: إن الفرض كان قبل فتح مكة أن يتوضأ لكل صلاة. ولا يصح أن يقال لم يكن حكم الحدث يرتفع لتلك الصلوات التي كانوا يصلونها قبل الفتح، ولا حكم للحدث إلا الامتناع من الصلاة قبل الوضوء والتيمم، وارتفاع حكمه ارتفاع الامتناع، وارتفاع الامتناع الاستباحة لما كان ممنوعًا قبل. ولا يصلي فرضين بتيممٍ واحد (¬2)، واختلف في الإجزاء إن فعل (¬3)، ولا بأس أن يصلي نفلين، فأكثر بتيمم واحد إذا أتى بذلك متتابعًا. وإن كان فرضًا ونفلًا نظرت، فإن قدّم النفل استأنف التيمم للفرض كالفرضين (¬4). واختلف في الإجزاء إن هو لم يفعل، وإن قدّم الفرض جاز له أن يعقبه بالنفل (¬5)، كالنفلين. وإن كان فرض وسنة فإن قدم الفرض جاز له أن ¬

_ (¬1) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه: 1/ 58، برقم (168)، والدارمي في سننه: 1/ 175، في باب قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} [المائدة: 6]، من كتاب الطهارة، برقم (657)، ولفظه: عن عكرمة: أن سعدًا كان يصلي الصلوات كلها بوضوء واحد وأن عليًا كان يتوضأ لكل صلاة وتلا هذه الآية {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ}. (¬2) انظر: التفريع: 1/ 36، والنوادر والزيادات: 1/ 117، والبيان والتحصيل: 1/ 174. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 202، 2/ 188، 199، والنوادر والزيادات: 1/ 56، 117، والتفريع: 1/ 36، والمعونة: 1/ 33، والإشراف: 1/ 166. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 149. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 118، 119.

يصلي به السنة، كالعشاء والوتر، وقاله ابن حبيب (¬1). واستحب سحنون أن يستأنف التيمم للوتر، وإن قدم السنة كركعتي الفجر قبل (¬2) صلاة الفجر استأنف التيمم لصلاة الفجر، واختلف إن هو لم يفعل فقال ابن القاسم: يعيد ما دام في الوقت، وقال أشهب: لا إعادة عليه (¬3). وقال ابن القاسم في "المدونة" فيمن تيمم لفرض فركع به ركعتين قبل أن يصلي ذلك الفرض، قال: فليعد التيمم؛ لأنه لما صلى به النفل انتقض تيممه. فعلى هذا يعيد وإن ذهب الوقت لأنه قال: انتقض تيممه (¬4). واختلف أيضًا فيمن تيمم للنفل فصلى به فرضًا قبل أن يصلي به ذلك النفل، أو بعد ما صلاه: هل يعيد ما دام في الوقت أو أبدًا (¬5)؟! واختلف إذا صلى فرضين بتيمم واحد على ثلاثة أقوال: فقال في كتاب محمد: إن فعل ذلك ناسيًا أو جاهلًا جمعهما (¬6) أو فرقهما أعاد الآخرة في الوقت (¬7). وقال أيضًا: يعيدهما وإن ذهب الوقت. وقال أصبغ: إن جمعهما وهما من وقت واحد أعاد الآخرة في الوقت، وإن جمعهما وهما من وقتين مثل الصبح والظهر أعاد الآخرة وإن ذهب الوقت (¬8). ولم يذكر إذا فرقهما وهما من وقت واحد (¬9)، وقال مالك في "المدونة" في ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 118. (¬2) في (س): (و). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 118. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 149. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 118. (¬6) في (س): (جميعهما). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 117. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 117. (¬9) قوله: (واحد) زيادة من (ر).

المجدور والمحصوب: يتيممان لكل صلاة أحدثا أو لم يحدثا (¬1). وقال أبو محمد عبد الوهاب في بعض كتبه: من أصحابنا من يجيز أن يجمع في الفوائت (¬2). والمريض الذي لا يقدر على مس الماء (¬3). قال الشيخ -رحمه الله-: والصحيح إذا كان بموضع لا يرجو به الماء مثل المريض؛ لأنهما متساويان في سقوط الطلب. وقاله أبو الفرج في المنسيات إذا أتى بها في فور واحد أنه يصلي جميعها بتيمم واحد (¬4). وقد تضمنت هذه المسائل أربعة أقوال: فالأول: وجوب التيمم لكل صلاة على أي حال كان المصلي من مرض أو غيره، وعلى أي حال (¬5) كان الأداء من جمع أو تفرقة أو منسيات أو غير ذلك لإيجابه الإعادة وإن ذهب الوقت من غير اعتبار لشيء من هذه الوجوه. واحتج من نصر هذا القول بقوله -عز وجل-: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا. . .} الآية [المائدة: 6]، فاقتضت تجديد الطهارة عند القيام لكل صلاف فسقط تجديد الطهارة بالماء لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى صلاتين من وقتين بتيمم واحد (¬6)، وعن الصحابة في ذلك أنهم قالوا: يجزئ أحدنا وضوءه ما لم يحدث (¬7)، (¬8)، وبقي التيمم على الأصل ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 147. (¬2) انظر: المعونة: 1/ 41، قال فيه: (فأما الجمع بين الفوائت ففيه خلاف بين أصحابنا: فمن أجازه جعلها جنسا كالنفل، ومن منعه اعتبره بالفرائض الحاضرة)، ولم أقف على قوله في المريض. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 118. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 118، وقد نقله أبو الفرج عن مالك رحمهما الله. (¬5) في (ر): (صفة). (¬6) قوله: (أنه صلى صلاتين من وقتين بتيمم واحد) زيادة من (ش 2). (¬7) قوله: (أنهم قالوا: يجزئ أحدنا وضوءه ما لم يحدث) زيادة من (ش 2). (¬8) سبق تخريج ذلك، ص: 8، وفعل الصحابة سبق تخريجه.

أنه يجب كلما (¬1) قام إلى الصلاة. والقول الثاني: أن تجديد التيمم استحباب؛ لأنه لم ير عليه إعادة إذا خرج الوقت، وإن فرق الأداء ولم يجمع ولم يعتبرها هل هي من وقت أو وقتين؟. والحجة لهذا القول: الآية، وأن الله سبحانه أمر بالوضوء وبالتيمم عند عدم الماء، فكان الحكم أن ينوب منابه ويحل محله، وقد أبان النبي - صلى الله عليه وسلم - أن المراد بقوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} أنه ليس يجب كلما قام إلى الصلاة، وأن ذلك إذا انتقض الأول بأحد الأحداث المتقدم ذكرها في أول الكتاب، وليس فعله نسخًا للتلاوة. وإذا كان ذلك (¬2) لم ينتقض التيمم إلا بوجود الماء أو بأحد الأحداث. والقول الثالث: ما حكاه أبو الفرج أنه يجوز أن تؤدى به صلوات كثيرة إذا توجه الخطاب بالأداء في وقت وكان الأداء متتابعًا، فيكون في معنى القيام الواحد. وإلى هذا يرجع قول أصبغ (¬3) لأنه راعى فعلين: الجمع، وكونهما من وقت. ومحمل قوله في الإعادة على أنه عجل العصر وأشركها مع الظهر؛ لأنه لو فعل ذلك في الوضوء بالماء لأعاد العصر ما لم يذهب الوقت، ولو أخر الظهر ثم جمع بينهما في وقت العصر لم يعد لتوجه الخطاب فيهما حينئذ كالمنسيتين. وإن صلى الظهر في آخر القامة وصلى العصر في أول القامة الثانية أعاد العصر ما لم يذهب الوقت؛ لأنه تيمم لها قبل دخول وقتها المختار. والرابع: تيمم من لا يقدر على مس الماء أنه يجوز له أن يصلي به صلوات لما كان ممن لا طلب عليه. وفي جميع هذا نظر، والقياس أن لا فرق بين أن تكون الصلوات كلها ¬

_ (¬1) في (ر): (على كل من). (¬2) في (ب): (كذلك). (¬3) هو ما أورده المؤلف سالفًا بقوله: (وقال أصبغ: إن جمعهما وهما من وقت واحد. . . .).

فرضًا أو كلها نفلًا، أو بعضها فرض وبعضها نفل، فقدم الفرض أو النفل؛ فإن الجواب على تسليم القول أن مقتضى الآية وجوب التيمم كلما أحدث صلاة، وأن تيممه منتقض بسلامه من الفرض فلا يصلي به فرضًا آخر، أي: لا يصلي به نفلًا للإجماع على أنه لا يصلى نفل بغير تميم. ولا يصح أن يقال: إن تيممه باق منتقض في حال واحدة، للفرض منتقض، وللنفل باق. فإن قيل: إن كل ما أتى به نسقًا في معنى القيام الواحد، ولهذا جاز أن يُعْقِبَ الفرض بنفل. قيل له: فيجوز (¬1) إذا سلّم من نفلٍ أن يُعْقِبَه بفرض وأن يعقب الفرض بفرض؟! وإن قيل: إنه غير منتقض التيمم إذا صلى به نفلًا، فإن له أن يصلي به نفلًا آخر، فإن لم يصله بالأول جاز له أن يصلي به فرضًا وإن لم يصله بالنفل إذا كان تيممه الأول بعد دخول وقت الفرض أو قبل ذلك إذا لم يكن مخاطبًا بطلب الماء (¬2). وقال مالك في "سماع أشهب" في مسافر تيمم لركعتي الفجر: أيتيمم للصبح تيممًا آخر؟! فقال: نعم؛ لا يأتي من ذلك إلا خير؛ الأرض تحت قدميه. فأبان أن قوله في التجديد للتيمم على وجه الاستحسان، وعلى قوله إذا صلى فرضيين بتيمم واحد ولم يجمع بينهما أنه يعيد الآخرة ما لم يذهب الوقت، يكون تجديد التيمم إذا تباعد ما بين النفلين أو ما بين النفل والفرض استحسانًا. ¬

_ (¬1) في (ر): (أفيجوز). (¬2) قوله: (الماء) زيادة من (ر).

فصل [يتيمم من به جراحات]

فصل [يتيمم من به جراحات] ومن كانت به جراح متفرقة في جسده، ولا يقدر على غسل السالم إلا بضرر يصل إلى الجراحة تيمم، وإن كان في شق - غسل ما صح ومسح على ما لم يصح. وسواء كانت الجراحة في أكثر الجسد أو في أقله، ما لم يكن السالم قليلًا جدا كاليد والرجل فيتيمم. واختلف في الجنب يتيمم للصلاة ناسيًا للجنابة، فقال في "المدونة": لا يجزئه وعليه أن يتيمم ويعيد الصلاة (¬1)، وروي عنه أنه تجزئه. وقاله محمد بن مسلمة في المبسوط (¬2)؛ لأن التيمم جعل حدًا واحدًا بدل الوضوء والغسل (¬3). ويختلف إذا نوى بالتيمم الجنابة ثم أحدث هل ينوي ثانية (¬4) بالتيمم الحدث الأصغر أو الجنابة؟ فعلى الظاهر من المذهب ينوي بالثاني الجنابة، وعلى ما قاله ابن شعبان أن له أن يصيب الحائض إذا طهرت وتيممت (¬5) - ينوي بالثاني الحدث الأصغر. وإلى هذا يرجع قول ابن القاسم في "المدونة" لأنه قال في الحائض تطهر وهي في السفر ولا ماء معها فتيممت وصلت ثم أراد زوجها أن يطأها، قال: ليس له ولا لها أن يدخلا على أنفسهما أكثر من حدث الوضوء، فإن وقع الجماع فقد أدخلا على أنفسهما أكثر من حدث الوضوء وهو الغسل (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 150. (¬2) قوله: (المبسوط) ساقط من (س). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 208. (¬4) قوله: (ثانية) ساقط من (ر). (¬5) انظر: الزاهي، لابن شعبان، لوحة رقم: [9 / أ]. (¬6) انظر: المدونة: 1/ 150.

فصل [في فاقد الطهورين الماء والصعيد]

فصل [في فاقد الطهورين الماء والصعيد] واختلف فيمن لم يجد ماءً ولا وجد للصعيد سبيلًا على أربعة أقوال (¬1): فذهب مالك وابن نافع إلى أنه غير مخاطب بالصلاة في الوقت ولا بالقضاء بعد الوقت (¬2). وقال أشهب: يصلي ولا يقضي. وقال ابن القاسم: يصلي ويقضي، وإن ذهب الوقت. وقال أصبغ: لا يصلي ويقضي. وروى معن بن عيسى عن مالك في "كتاب ابن سحنون" في أسارى ربطهم العدو ليالي ثم خلى عنهم (¬3) قال: لا يصلون ما مضى (¬4). قال سحنون: وكان ابن نافع لا يرى على الذين ينهدم عليهم الحائط (¬5) الصلاة بعد زوال الوقت (¬6). وقال مالك في "المدونة": يقضون ما فاتهم لأن معهم عقولهم (¬7). وهذا خلاف ما روى عنه معن، إلا أنه لم يذكر ما أوجب القضاء لأنه كان ¬

_ (¬1) انظر: الإشراف: 1/ 169. (¬2) قوله: (الوقت) ساقط من (س). (¬3) قوله: (خلى عنهم) يقابله في (ر): (حل عنهم وثائقهم). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 152، 253. (¬5) في (س): (البيت). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 253. (¬7) انظر: المدونة: 1/ 184.

عليهم أن يصلوا قبل كما (¬1) قال أشهب، فلما لم يصلوا وجب القضاء، أو لأنه لا تصح منهم الصلاة بغير تيمم ويجب القضاء كما قال أصبغ. والذي أختاره أن يصلي على حاله ولا يقضي؛ لحديث عائشة - رضي الله عنها - "أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ قِلاَدَةً فَهَلَكَتْ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي طَلَبِهَا، فَأَدْرَكَتْهُمُ الصَّلاَةُ، فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلِى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ". أخرجه البخاري ومسلم (¬2). فثبت أنه مخاطب بالصلاة دون القضاء من وجهين: أحدهما: أنه لم ينكر عليهم فعلهم؛ فلو كان (¬3) غير جائز لأبانه (¬4)؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة. وإذا كان فعلهم جائزًا كانت الصلاة واجبة؛ لأنه إذا جاز أداء الفرض على تلك الصفة لم يسقط وجوبه متى كان قادرًا على أدائه على وجه الجواز. فإن قيل: إن ذلك منسوخ بآية التيمم. قيل: إنما نسخ أداء الصلاة بغير تيمم مع القدرة عليه، فإذا عدم القدرة على استعمال التيمم عاد الأمر إلى ما كان مخاطبًا به عند عدم الماء. ¬

_ (¬1) قوله: (قبل كما) زيادة من هامش (س) و (ر). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 128، في باب إذا لم يجد ماء ولا ترابًا، من كتاب التيمم، في صحيحه، برقم (329)، ومسلم: 1/ 279، في باب التيمم، من كتاب الحيض، برقم (367). (¬3) (س) في (ر): (كان ذلك). (¬4) قوله: (لأبانه) يقابله في (ر): الرد عليهم فعلهم ولأنكر عليهم ما صنعوه).

وقال الشيخ أبو الحسن (¬1) في "الممهد" في المربوط: ينوي التيمم إلى الأرض بوجهه ويديه حسب طاقته، إذ لا يمكن أكثر من ذلك كما ينوي السجود إلى الأرض. ¬

_ (¬1) زاد في (س): (القصار). قلت: وكتاب الممهد هو لابن القابسي وليس لابن القصار، وقد نقل الونشريسي المسألة بعينها وقال فيها: (مذهبنا ما حكاه اللخمي عن ابن القصار في الممهد من أن المربوط ينوي التيمم إلى الأرض. . .). انظر: المعيار المعرب: 1/ 55، فلعل ابن القابسي نقلها في الممهد عن ابن القصار، وهو ما عناه الشيخ بابن القصار.

باب في الحيض وأحكامه والنفاس والحامل تحيض

باب في الحيض وأحكامه والنفاس والحامل تحيض والحائض ست: مبتدأة، ومعتادة، ومن اختلط أمرها فدخل الحيض على الطهر، ومستحاضة، ومن جاوزت سن الحيض، وحامل. فأمَّا المبتدأة، وهي التي لم يتقدّم لها حيضٌ ترى الدم، فإنّ محمله على أنه حيض يمنع الصلاة والصوم ويمنع زوجها منها. واختلف إذا تمادى فقال مالك: تجلس ما بينها وبين خمسة عشر يومًا (¬1). وقال في "كتاب محمد": تنظر إلى أترابها ولا تستظهر (¬2). وقال أصبغ: تستظهر (¬3) بثلاثة (¬4). وقال ابن المنذر: تنظر إلى قراباتها: أمهاتها وخالاتها وعماتها (¬5). قال الشيخ -رحمه الله-: ولو قيل تنظر إلى أترابها من أقاربها وإلى ما كان عليه أمهاتها وخالاتها وعماتها في سنها لكان حسنًا. وهذا مع تمادي الدم على الرقة، وما يشكل أمره: هل هو حيض أو استحاضة؟ فأمَّا إن كان على لون دم الحيض في لونه وريحه - فإنها تصبر ويحمل على أنه محيض، وأما قول أصبغ إنها تستظهر؛ فليس بحسن؛ لأنّا نحملها على أعلى ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 151. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 131. (¬3) تستظهر: بظاء منقوطة - أي: تستفعل من الظهير وهو البرهان، كأنها إذا زادت على ما عهدت من حيضتها ثلاثة أيام فقد برهنت على تمام حيضتها. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 21. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 131. (¬5) انظر: الأوسط، لابن المنذر: 3/ 73. وقد نقله ابن المنذر عن الأوزاعي.

سن (¬1) أترابها ليس على أدناهم، كما قالوا في النفساء يزيد بها الدم: إنها تحمل على أكثر ما يكون بالنفساء ثم لا تستظهر. واختلف في المعتادة يزيد دمها على عادتها على خمسة أقوال: فقال مالك: تنتظر خمسة عشر يومًا ثم هي مستحاضة. ثم رجع فقال: تنتظر عادتها وتستظهر بثلاثة أيام، ثم (¬2) تحتاط فتصلي وليست عليها، أحب إليَّ من أن تترك الصلاة وهي عليها (¬3). فعلى هذا إذا كان عادتها سبعًا - كانت على حكم الحائض إلى تمام العشر، ثم تعمل إلى تمام الخمسة عشر على الاحتياط، فتصلي وتصوم ولا يصيبها زوجها. ولابن القاسم في "كتاب محمد" أنه بعد الاستظهار بالثلاث على حكم الطاهر ولزوجها أن يصيبها. وقال المغيرة في "المبسوط": إذا زادت على عادتها، فلم تدر: هل ذلك انتقال أو استحاضة؟ فإنها تغتسل إذا مضت أيام حيضتها وتصلي وتصوم ولا يصيبها زوجها احتياطًا، ثم ينظر إلى ما يصير إليه أمرها: فإن كان انتقالًا لم يضرها، وإن استمر استحاضة كانت قد احتاطت (¬4). قال أبو مصعب: هذا قولنا، وبه نفتي (¬5). وقال ابن الجهم عن محمد بن عبد الحكم: إنه لا يأخذ بالاستظهار. ¬

_ (¬1) في (س): (سنة). (¬2) قوله: (أيام، ثم) ساقط من (ر). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 151. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 131. (¬5) قوله: (هذا قولنا، وبه نفتي) يقابله في (ر): (هذا قوله وبه يفتي).

فوجه القول الأول أنها على الحيض بيقين، وانتقالها عنه مشكوك فيه، فأبقاها على الأصل وهو الحيض، وهذا هو القول باستصحاب الحال. وأرى في القول الآخر أنها حالة يشك فيها، فكان الاحتياط أولى، وهو أحسنها؛ لأن الحيض يزيد وينقص، فتصلي وتصوم لإمكان أن يكون استحاضة، ويمنع الزوج لإمكان أن يكون حيضًا. فإن انقطع الدم عند تمام (¬1) الخمسة عشر يومًا وتمادى طهرًا كاملًا تبين أن ذلك التمادي انتقال عادة، فإن كانت احتاطت للصلاة والصوم قضت الصوم ولا شيء عليها في الصلاة. وإن تمادى الدم بعد الخمسة عشر أو انقطع ثم عاد عن قرب (¬2) تبين أن ذلك التمادي استحاضة، فإن كانت احتاطت في الصلاة والصوم أجزأها، وإن لم تكن صلت ولا صامت - قضت. وهذا إذا كان الدم رقيقًا يشبه أن يكون حيضًا أو استحاضة، وإن كان على صفة دم الحيض في لونه وريحه عملت على أحكام الحيض، ولم يجز لها أن تحتاط لصلاة ولا صوم. واختلف فيمن عادتها خمسة عشر يومًا، فقيل: لا تستظهر. وقال مالك في كتاب الحج من كتاب محمد: تستظهر (¬3) بيوم أو يومين (¬4). وقال ابن نافع في "كتاب ابن سحنون": إنها تستظهر بثلاث بعد الخمسة عشر يومًا (¬5). ¬

_ (¬1) قوله: (تمام) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (عن قرب) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (وقال مالك. . . تستظهر) ساقط من (ر). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 132. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 132.

فصل [في الحيض يتقطع على المرأة ويختلط عليها]

وهو أحسن؛ لأن الحيض يزيد وينقص ولا يستحيل فيمن كانت عادتها خمسة عشر يومًا أن يزيدها الدم، وقد كان نساء (¬1) الماجشون يحضن سبعة عشر يومًا، وإذا كانت الزيادة على لون دم الحيض وريحه كان ذلك أبين أن تستظهر. فصل [في الحيض يتقطع على المرأة ويختلط عليها] واختلف إذا اختلط أمر المرأة وكانت تحيض يومًا وتطهر يومًا، أو يومين ويومين (¬2)، أو تحيض يومًا وتطهر (¬3) يومين: فقال مالك: إذا كان هكذا - احتسبت أيام الدم (¬4) وألغتْ ما بين ذلك من الأيام التي لم تر فيها دمًا، فإذا استكملت من أيام الدم قدر أيامها استظهرت بثلاثة، ثم اغتسلت وصلت وكانت مستحاضة (¬5). وقال محمد بن مسلمة: إذا كانت تحيض يومًا وتطهر يومًا فليست بمستحاضة لأنها إنما حاضت من الشهر خمسة عشر يومًا وطهرت خمسة عشر؛ فهي امرأة حاضت أكثر ما يحيض له النساء، وطهرت أقل ما يطهرن له، فليست بمستحاضة (¬6) حتى تلغي من الدم أكثر من خمسة عشر يومًا في الشهر ومن الطهر أقل من خمسة عشر يومًا (¬7). ورأى أنها إذا كانت تحيض يومًا وتطهر يومًا أو تحيض يومًا وتطهر يومين لا تكون مستحاضة وإن تمادى على ذلك عمرها. ¬

_ (¬1) في: (س): (ابن). قلت: وقد نقلها هكذا في الاستذكار: 1/ 349، بدون (ابن)، فلعله يعني الموضع لا العلم، وقد نقل القاضي عياض عن ابن حارث أن ماجشون موضع بخراسان. (¬2) قوله: (ويومين) ساقط من (ش 2). (¬3) قوله: (يوما أو يومين. . . وتطهر) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (الدم) زيادة من (ر). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 151. (¬6) قوله: (لأنها إنما حاضت. . . بمستحاضة) ساقط من (ر). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 126.

فصل [في أحكام المستحاضة]

فصل [في أحكام المستحاضة] وإذا رأت المستحاضة الحيض أمسكتْ عن الصلاة والصوم ولم يأتها زوجها، فإن تمادى بها الدم بعد انقضاء أيام عادتها في الحيض فإنها لا تخلو من ثلاثة أحوال: إما أن يتمادى على ما عهدتْه قبل ذلك من دم الاستحاضة، أو على دم الحيض، أو يشكل أمره: هل هو حيض أو استحاضة؟ فإن انتقل إلى ما عهدته قبل ذلك من لون دم الاستحاضة - لم تستظهر، واغتسلت وصلت وَحَلَّتْ لزوجها (¬1)، وإن تمادى على لون دم الحيض وريحه بقيت على حكم الحائض، وإن شُك فيه: هل هو حيض أو استحاضة؟ لاشتباه لونهما؛ لأن آخر دم الحيض رقيق، فإذا أشكل آخره (¬2) كان فيه ثلاثة أقوال: فقيل: تستظهر بثلاثة أيام. وقيل: لا تستظهر وهي من الآن حلال. وقيل: تجلس خمسة عشر يومًا مثل غير (¬3) المستحاضة. ولا أرى أن تستظهر بشيء، ويحمل على أنه استحاضة؛ لأن هذه امرأة لها عادة في دمين: حيض واستحاضة، فإذا اشتبها ومضى قدر الحيض حمل على أنه استحاضة؛ لأنه أتى في زمنه، وبعد انقضاء زمن الحيض. وإن أشكل الأمر؛ لأن لونه فوق دم الاستحاضة ودون دم الحيض - حُمِلَ على أنه حيض؛ لأنها حائض بيقين، فلم يأتها ما ينقلها عنه (¬4)؛ لأن الحيض يزيد ¬

_ (¬1) قوله: (لزوجها) زيادة من (ر). (¬2) في (ش 2): (أمره). (¬3) قوله: (غير) ساقط من (ب) و (ر). (¬4) قوله: (عنه) ساقط من (ب).

وينقص (¬1) واللون هو إلى الحيض أشبه، فبقيت عليه. واختُلِفَ إذا اغتسلتْ عند انقضاء الحيضة مع وجود دم الاستحاضة، ثُمَّ ذهب دم الاستحاضة: هل تغتسل؟ فقال مرة: لا غسل عليها (¬2). ثم رجع فقال: تغتسل (¬3). والأول أقيس؛ لقول النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالحَيْضَةِ (¬4) " (¬5). ولأنها كانت طاهرًا تصلي مع وجوده وتحل لزوجها، فلم يوجب عدمه غسلًا. وقال مالك في امرأة رأت الدم خمسة عشر يومًا ثم رأت (¬6) الطهر خمسة أيام ثم الدم أيامًا ثم الطهر سبعة أيام، فقال: هذه مستحاضة (¬7). يريد في الأيام التي بين الطهرين الخمسة والسبعة، وأما الدم الذي جاء بعد السبعة فإنها تنظر إلى لونه، فإن كان لونه (¬8) لون دم الاستحاضة بقيت على ما كانت عليه من الصلاة والصوم، وإن كان دم حيض أمسكت وعملت على أحكام الحيض (¬9). واختلف في المرأة ترى الدم وقد جاوزت سن المحيض: فقال محمد: إذا كان مثلها لا تحيض توضأت وصلت (¬10). وقال في كتاب "العدة": تترك (¬11) الصلاة والصوم، وإن طلقها فيه زوجها جبر على الرجعة، ولم يختلف أنها لا تعتد به. وهذا أحسن؛ لأن الله -عز وجل- منع التقرب إليه بهاتين الطاعتين الصلاة والصوم مع وجود الحيض، ولم يفرق بين الطاعتين الصلاة والصوم مع وجود ¬

_ (¬1) قوله: (وينقص) زيادة من (ش 2). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 153. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 153. (¬4) في (ش 2): (بحيضة). (¬5) سبق تخريجه، ص: 85. (¬6) قوله: (رأت) ساقط من (ش 2). (¬7) انظر: المدونة: 1/ 153. (¬8) قوله: (لونه) زيادة من (ش 2). (¬9) في (ش 2): (الحائض). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 129. (¬11) في (ش 2): (بترك).

فصل [في الدم يعرض للحامل]

الحيض (¬1)، ولم يفرق بين وجود الحيض في الصغر أو في الكبر ومنع الوطء فيه، وقال: {قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة: 222]. فهو أذى في الشابة والمسنة، ولم تعتد به لأن العدة فيمن بلغ ذلك السن بالأشهر (¬2) تعتد. فصل [في الدم يعرض للحامل] واختلف في الحامل ترى الدم: فقال مالك وقوم (¬3) من أصحابه: هو حيض. وقال ابن القاسم في "كتاب محمد" في المطلقة تعتد بثلاث حيض ثم يظهر بها حمل: لو أعلم أن الأول حيض مستقيم لرجمتها (¬4). فنفى عن الحامل الحيض. يريد: لأن الحيض جعله الله دليلًا على براءة الرحم وعلى عدم الحمل، ولو صح اجتماع الحيض والحمل لم يكن فيه دليل على البراءة. والقول الأول أحسن؛ لأن الشأن في الحيض أنه لا يأتي إلا من عدم الحمل ويطرأ الحيض على الحمل في نادر من النساء، فيحمل في البراءة به على الغالب، فإن وجد في نادر من النساء غير ذلك كان لها حكم الحيض، وإذا كان حيضًا (¬5) فإنها لا تخلو أن ترى الحيض على (¬6) أوقاتها المعتادة قبل الحمل لم (¬7) يمسك عنها الحمل شيئًا (¬8)، أو أمسك لأجل الحمل ثم أتى بعد ذلك، فإن أتى بعد ذلك، فإن أتى في أوقاتها (¬9) المعتادة ولم يحتبس لأجل الحمل - جلست قدر حيضة واحدة قولًا واحدًا. وهو معنى قول أشهب: إلا أن تكون استرابت من ¬

_ (¬1) قوله: (ولم يفرق بين الطاعتين الصلاة والصوم مع وجود الحيض) ساقط من (ش 2). (¬2) في (ش 2): (فالأشهر). (¬3) في (ش 2): (وغيره). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 339. (¬5) في (ش 2): (كانت حاملًا). (¬6) في (ش 2): (عند). (¬7) في (ش 2): (ثم). (¬8) قوله: (شيئًا) ساقط من (ش 2). (¬9) في (ب): (أوقاته).

حيضتها شيئًا من أول ما حملت فهي على حيضتها (¬1). ويختلف في قدر تلك الحيضة حسب ما تقدم في غير الحامل. واختلف إن احتبس عنها على (¬2) العادة، فقال مالك مرة: تجلس حيضة واحدة كالحائل (¬3). وقال: وما حبس الحمل من حيضتها بمنزلة حبس الرضاع والمرض (¬4)، (¬5). وقال أيضًا: ليس أول الحمل مثل آخره، إن رأته في أوله أمسكت (¬6) قدر ما يجتهد لها (¬7). وقال ابن القاسم: إن رأته في ثلاثة أشهر أو نحوها احتبست (¬8) خمسة عشر يومًا ونحوها، وإن رأته بعد ستة أشهر احتبست (¬9) عشرين يومًا ونحوها (¬10). وقال مالك في "كتاب ابن حبيب": إن رأته في أول شهور الحمل تركت (¬11) قدر أيامها والاستظهار، فإن كان في الشهر الثاني جلست مثلي ذلك ولم تستظهر، وفي الثالث مثل أيامها ثلاث مرات، وفي الرابع تربعها كذلك حتى تبلغ ستين ليلة، وإن تمادى بها الدم لم تزد (¬12). وقال ابن وهب: تُضَعِّف (¬13) أيام حيضتها ثم تغتسل؛ لأن دمها أكثر من دم الحائض (¬14). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 155. (¬2) في (س): (عن). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 155. (¬4) قوله: (حبس الرضاع والمرض) يقابله في (ش 2): ما حبس المرض). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 155. (¬6) زاد في (ر): (عن الصلاة). (¬7) انظر: المدونة: 1/ 155. (¬8) في (ش 2): (احتسبت). (¬9) في (ش 2): (احتسبت) (¬10) انظر: المدونة: 1/ 155. (¬11) زاد في (ر): (الصلاة). (¬12) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 137. (¬13) في (س): (تضيف). (¬14) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 137.

فصل [فيما تبرأ به الحائض من حيضها]

وقال مالك في "المبسوط": تكف عن الصلاة، وليس لذلك وقت، ولكن إذا استرابت من طوله ويُرى أنه سقم حدث، وليس مما يعرض للنساء في الحمل- رأيتُ أن تغتسل وتصلي وتصنع ما تصنع المستحاضة. قال الشيخ -رحمه الله-: أما القول إنها كالحامل فليس بالبين؛ لأن هذه تقدم لها سبب في حبس الدم واجتماعه، ولهذا كان حكم النفاس حكم الحيض وإن بلغ ستين يومًا على أحد الأقوال، ولم يجعل الزائد على الحيضة المعتادة استحاضة. والقول إنه (¬1) تجلس بقدر احتباسه من عدد الحيض المتقدم حسن (¬2)، ولو قيل مثل ذلك في غير الحامل إذا كانت صحيحة وليست بمرضع احتبس الدم عنها أشهرًا، ثم أتاها وتمادى على العادة على لون دم الحيض وريحه. ولا أحملها في الزائد على الخمسة عشر يومًا على الاستحاضة. فصل [فيما تبرأ به الحائض من حيضها] وإذا كانت المرأة ممن ترى القصة البيضاء برئت بها. واختلف: هل تبرأ بالجفوف؟ فإن كانت ممن ترى الجفوف خاصة برئت به. واختلف: هل تبرأ بالقصة؟ وقيل: الجفوف (¬3) أبرأ من القصة فتبرأ به من عادتُها القصةُ، ولا تبرأ بالقصة مَنْ عادتُها الجفوفُ. وقيل عكس ذلك: أن القصة أبرأ وهو أحسن؛ لأن القصة دليل على انقضاء الدم؛ لأن الحيض إذا استكمل خرج أوله مسودا، فكلما مرت به الأيام ضعف ¬

_ (¬1) في (ش 2): (إنها). (¬2) قوله: (حسن) ساقط من (ش 2). (¬3) قوله: (خاصة برأت. . . الجفوف) ساقط من (ر).

فصل [في دم النفاس ومن لم تر دما في نفاسها]

عن الذي قبله حتى يكون آخره رقيقًا صافيًا، ثم يأتي آخر ذلك أبيض كالجير، وذلك لانقضاء الدم، والجفوف يعرض مع بقاء الدم على قوته، ومع كونه مسودا ينقطع ثم يأتي مسودًا، ولهذا قال مالك في المرأة تحيض يومًا وتطهر يومًا: إنها على حكم الحائض إذا أتاها، وعلى حكم الطاهر إذا انقطع عنها، فلم يكن ذلك الجفوف دليلًا على انقطاع الحيضة بل يجمع إلى الأول حتى يكون حيضًا (¬1). فصل [في دم النفاس ومن لم تر دما في نفاسها] وإذا نفست الحامل كانت بدم النفاس في حكم الحائض، ثم لا يخلو أن ينقطع عنها عند العادة للنفساء أو يزيد على العادة أو ينقطع قبلها، فإن زاد أمسكت إلى ستين يومًا ثم هي مستحاضة. ثم رجع وقال: يُسأل عن ذلك النساء وأهل المعرفة، فتجلس أبعد (¬2) ذلك. وإن انقطع قبل مضي عادة النفساء اغتسلت وصلت، فإن عاودها عن قرب ضمت ذلك إلى دم النفاس، ثم ينظر: هل يزيد جميعه على العادة أم لا؟ وإن بعد ما بينهما مقدار طهر انقطع حكم النفاس، ولم تضم الثاني إليه، وكانت هذه حيضة مستأنفة. وقال مالك في "العتبية" في التي تلد ولا ترى دمًا: تغتسل، أو في ذلك شك! لا يأتي من الغسل إلا خير (¬3). وهذا استحسان؛ لأن اغتسال النفساء لم يكن لأجل خروج الولد، وإنما كان للطهر من الحيض، ولو نوت الاغتسال لخروج الولد دون الطهر من الحيض ما أجزأها ذلك. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 152. (¬2) في (ش 2): (بعد). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 397.

فصل [في الحيض والجنابة وما يمتنع بهما وما يحل]

واختلف في الحامل تلد ولدًا ويبقى في بطنها ولد آخر فتضعه بعد شهرين والدم من الأول متمادٍ: فقال ابن القاسم: ينظر إلى أقصى ما يكون النفاس، ولزوجها عليها الرجعة حتى تضع (¬1) الآخر (¬2). وقد قيل: حالها كحال الحامل. والأول أصح؛ لأن هذا الدم هو المعتاد الذي يجتمع مدة الحمل، ثم يخرج بعد خروج الولد، فليس بقاء الولد الثاني يخرجها عن أن تكون نفساء. فصل [في الحيض والجنابة وما يمتنع بهما وما يحل] الحيض يمنع من قُرَبٍ أربع: الصلاة والصوم والاعتكاف؛ لأنه يتضمن الصلاة والصوم، والطواف بالبيت. ولا يمنع السعي بين الصفا والمروة ولا الوقوف بعرفة. واختلف: هل يمنع دخول المسجد وقراءة القرآن؟ ولا يمنع ذكر الله سبحانه بالتسبيح والاستغفار وإن كثر، ويمنع ممّا ليس بقربة شيئين: الطلاق والوطء. واختلف في دخول الحائض والجنب المسجد: فمنعه مالك، وأجازه زيد بن أسلم للجنب (¬3) إذا كان عابر سبيل، وأجازه محمد بن مسلمة جملة وقال: لا ينبغي للحائض أن تدخل المسجد؛ لأنها لا تأمن أن يخرج من الحيضة ما ينزه المسجد عنه، ويدخله الجنب؛ لأنه لا يخاف ذلك منه. قال: وهما في أنهما طاهران سواء وليسا بنجسين. وعلى هذا يجوز كون الجنب فيه، وكذلك الحائض إذا استثفرت بثوب. كما قال مالك في المستحاضة لا بأس أن تطوف إذا استثفرت بثوب (¬4). ¬

_ (¬1) قوله: (حتى تضع) يقابله في (ش 2): (ما لم تضع). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 154. (¬3) قوله: (للجنب) ساقط من (ر) و (ش 2). (¬4) قوله: (كما قال. . . بثوب) ساقط من (ر).

واختلف قول مالك في قراءة القرآن للحائض، فمنع ذلك مرة وأجازه مرة خوف النسيان (¬1)؛ لأن الحيض يتكرر. وأجازه محمد (¬2) بن مسلمة نظرًا إذا كان من (¬3) يُقلب لها الورق. ومر (¬4) على أصله في أنها في حكم محدث وليس في حكم نجس. واختلف قول مالك (¬5) في قراءة الجنب القرآن، فالمشهور عنه المنع (¬6). وقال في سماع أشهب: يقرأ اليسير، وقال (¬7): وأنا (¬8) أشتهِي (¬9) أن يقرأ الجنب القرآن، وددت أني وجدت في ذلك رخصة، ولكني سمعت أنه لا يقرأ إلا اليسير (¬10) وأجاز ذلك مالك (¬11) في "مختصر ما ليس في المختصر" قليلًا كان أو كثيرًا. وقد اختلفت الأحاديث في هذا الأصل: ففي الصحيحين (¬12) عن أبي هريرة قال: "لَقِيتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي بَعْضِ طُرُقِ المَدِينَةِ، وَأَنَا جُنُبٌ، فَانْخَنَسْتُ مِنْهُ وَاغْتَسَلْتُ ثُمَّ جِئْتُ فَقَالَ: أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟. قَالَ: كُنْتُ جُنُبًا، فكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ وَأَنَا جُنُبٌ. فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ، إِنَّ المُؤْمِنَ لاَ يَنْجُسُ" (¬13). فعلى هذا يجوز له أن يقرأ القرآن وأن يجلس في المسجد. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 123. (¬2) قوله: (محمد) ساقط من (س). (¬3) قوله: (من) ساقط من (ش 2). (¬4) في (ش 2): (وهي). (¬5) قوله: (قول مالك) زيادة من (ر). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 124، عيون الأدلة: 1/ 316. (¬7) قوله: (وقال) زيادة من (ش 2). (¬8) يعني: مالكًا -رحمه الله-. (¬9) قوله: (أشتهِي) ساقط من (ش 2). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 124. (¬11) قوله: (مالك) زيادة من (ش 2). (¬12) قوله: (ففي الصحيحين) ساقط من (ر). (¬13) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 109، في باب الجنب يخرج ويمشي في السوق وغيره، من كتاب الغسل، في صحيحه، برقم (281)، ومسلم: 1/ 282، في باب الدليل على أن المسلم لا ينجس، من كتاب الحيض، في صحيحه، برقم (371).

وفي الترمذي قال: قال علي - رضي الله عنه -: "كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ لَنَا (¬1) القُرْآنَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، مَا لَمْ يَكُنْ جُنُبًا" (¬2). قال الترمذي: حديث صحيح. وروي عنه أنه قال: "لاَ أُحِلُّ المَسْجِدَ لجُنُبٍ وَلاَ لحِائِضٍ" (¬3). وإذا تعارضت الأحاديث كان الأخذ بالأحوط أولى. واختلف فيما يحل من الحائض: فقال مالك: أعلاها، ما فوق المئزر (¬4). وقال أصبغ في منع ما دون المئزر: ذلك حماية للذريعة، وليس بضيق إذا اجتنب الفرج (¬5). ¬

_ (¬1) في (ش 2): (بنا). (¬2) حسن صحيح، أخرجه الترمذي في سننه: 1/ 273، في باب ما جاء في الرجل يقرأ القرآن على كل حال ما لم يكن جنبًا، من أبواب الطهارة، برقم (146)، وأحمد في مسنده، برقم (627)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. (¬3) حسن، أخرجه أبو داود في سننه: 1/ 109، في باب في الجنب يدخل المسجد، من كتاب الطهارة، برقم (232) وابن ماجه: 1/ 212، في باب ما جاء في اجتناب الحائض المسجد، من كتاب الطهارة وسننها، برقم (645)، قال ابن حجر في تهذيب التهذيب: 1/ 230: قال الخطابي في شرح السنن ضعفوا هذا الحديث وقالوا: أفلت رواية مجهول وقال ابن حزم: أفلت غير مشهور ولا معروف بالثقة وحديثه هذا باطل، وقال البغوي في شرح السنة: ضعف أحمد هذا الحديث؛ لأن راويه أفلت وهو مجهول، وقال الزيلعي: وهو حديث حسن قال ابن القطان في "كتابه": قال أبو محمد عبد الحق في حديث جسرة هذا: إنه لا يثبت من قبل إسناده ولم يبين ضعفه ولست أقول: إنه حديث صحيح وإنما أقول: إنه حسن فإنه يرويه عبد الواحد بن زياد ثنا أفلت بن خليفة حدثتني جسرة بنت دجاجة عن عائشة وعبد الواحد ثقة لم يذكر بقادح وعبد الحق احتج به في غير موضع من "كتابه" وأفلت ويقال: فليت بن خليفة العامري، قال ابن حنبل: ما أرى به بأسا. وقال فيه أبو حاتم: شيخ، انظر: نصب الراية لأحاديث الهداية، الزيلعي: 1/ 168، وقال ابن حجر: وقال أبو زرعة الصحيح حديث جسرة عن عائشة وضعف بعضهم هذا الحديث بأن راويه أفلت بن خليفة مجهول الحال وأما قول ابن الرفعة في أواخر شروط الصلاة من المطلب بأنه متروك فمردود لأنه لم يقله أحد من أئمة الحديث بل قال أحمد: ما أرى به بأسا، وقد صححه ابن خزيمة وحسنه ابن القطان، انظر: التلخيص الحبير، ابن حجر: 1/ 140. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 153. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 130.

فصل [في الصفرة والكدرة تعرض للمرأة؟]

واختلف إذا رأت الطهر ولم تغتسل: فقال مالك: لا تحل حتى تغتسل (¬1). وقال ابن بكير: المنع استحسان. فأنزلها بمنزلة الجنب، فيجوز الإصابة وتمنع الصلاة. فإن كانا في سفر ولم يجدا ماءً وطال السفر جاز له أن يصيبها، واستحب لها أن تتيمم قبل ذلك وتنوي الطهر من الحيض. فصل [في الصفرة والكدرة تعرض للمرأة؟] الصفرة والكدرة في آخر الحيض من الحيض؛ لأن الشأن آخر الدم يرق (¬2). واختلف إذا رأت ذلك في غير أيام الحيض، فقال مالك في "المدونة": ذلك حيض (¬3). وقال عبد الملك بن الماجشون في "كتاب ابن حبيب": إذا اغتسلت الحائض أو النفساء ثم رأت قطرة من دم أو غسالة دم (¬4) لم تعد الغسل ولتتوضأ (¬5)، وهذا يسمى الترّية (¬6)، (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: الموطأ: 2/ 79. (¬2) في (ش 2): (لأن ذلك الشأن أنَّ آخر الدم يرق). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 152. (¬4) في (ش 2): (من دم أو كالغاسلة). (¬5) قوله: (لم تعد الغسل ولتتوضأ) يقابله في (س) و (ش 2): (لم تغتسل). (¬6) التَرِيَّة: بفتح التاء التي قبل الراء وكسر الراء وفتح الياء وتشديدها وهي منقوطة من أسفل بنقطتين - هي الخرقة التي تعرف بها الحائض حيضتها من طهرها، وقال بعض أهل اللغة: بل الترّية الذي يكون عند انقطاع الدم. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 21، وقال ابن منظور: الترية: في بَقِيَّة حيضِ المراة أَقلُّ من الصفرة والكدرة وأَخْفَى، تراها المرأَة عند طهرها فتعلم أَنها قد طهرت من حيضها، قال شمر: ولا تكون التَّرِيَّة إلا بعد الاغتسال. انظر: لسان العرب: 14/ 101. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 129.

وقال مالك في "مختصر ابن عبد الحكم" في الحائض (¬1) ترى العرق من الدم الكدرة أو الصفرة: فلتدع الصلاة حتى ينقطع ذلك عنها (¬2). وفي البخاري: قالت أم عطية: "كُنَّا لاَ نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالكُدْرَةَ شَيْئًا" (¬3). وفي كتاب أبي داود: قالت: "كُنَّا لاَ نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَلاَ الكُدْرَةَ (¬4) بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا" (¬5)، وحمل على أنه عرق وليس بحيض. تم كتاب الطهارة، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم ¬

_ (¬1) في (س): (الحامل). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 152. (¬3) أخرجه البخاري: 1/ 124، في باب الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض، من كتاب الحيض، برقم (320). (¬4) قوله: (شَيْئًا. وفي كتاب أبي داود: قالت: كُنَّا لاَ نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَلاَ الكُدْرَةَ) ساقط من (ش 2). (¬5) صحيح، أخرجه أبو داود في سننه: 1/ 135، في باب في المرأة ترى الكدرة والصفرة بعد الطهر، من كتاب الطهارة، برقم (307)، وأخرجه الحاكم في المستدرك: 1/ 282، في كتاب الطهارة برقم (621)، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.

كتاب الصلاة الأول

كتاب الصلاة الأول النسخ المقابل عليها 1 - (ب) = نسخة برلين رقم (3144) 2 - (ح) = نسخة الحمزوية رقم (115) 3 - (س) = نسخة الاسكوريال رقم (1082) 4 - (ش 2) = نسخة أهل ناجم - تيشيت (شنقيط)

الصلاة فرض بالقرآن والسنة والإجماع

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم كتاب الصلاة الأول الصلاة فرض بالقرآن والسنة والإجماع: فأما القرآن فقوله تعالى: {فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]، والأمر بها في غير موضع من كتاب الله تعالى. وأما السنة فقوله - صلى الله عليه وسلم -: "بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وإِقَامِ الصَّلاَةِ، وإِيتَاءِ الزَّكاةِ. . ." (¬1) الحديث. وقال - عليه السلام -: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهُمْ إِلاَّ بِحَقِّ الإِسْلاَمِ (¬2)، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ" (¬3). أخرج هذين الحديثين البخاري ومسلم. وأعلمنا الله سبحانه أعداد الصلوات وأوقاتها في كتابه وعلى لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فقال تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} ¬

_ (¬1) متفق عليه: أخرجه البخاري: 1/ 12، في كتاب الإيمان، باب الإيمان، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - بني الإسلام على خمس، برقم (8)، ومسلم: 1/ 45، في باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام، من كتاب الإيمان، برقم (16). (¬2) قوله: (بِحَقِّ الإِسْلاَمِ) يقابله في (ش 2): (بحقها). (¬3) متفق عليه: أخرجه البخاري: 1/ 17، كتاب الإيمان، باب: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}، برقم (25)، ومسلم: 1/ 53، في باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله، من كتاب الإيمان، برقم (22).

[الإسراء: 78]، فتضمنت هذه الآية ثلاث صلوات: الظهر، والعشاء الآخرة، والفجر. وهذا قول مالك في "المستخرجة" (¬1)، وروى عنه ابن نافع في "المبسوط" أن المراد به الصلوات الخمس: الظهر والعصر؛ لقوله سبحانه: {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}، والمغرب والعشاء لقوله: {إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ}. والصبح لقوله تعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ}، ورواه ابن مسلمة عن مالك في كتاب أبي الفرج وكذلك في الواضحة (¬2)، والقول الأول أحسن؛ لأن تقدمة العصر إلى الزوال، وتأخير المغرب إلى العشاء الآخرة لا يجوز إلا لضرورة، ومحمل القرآن (¬3) على الأوقات المختارة، ويلزم على هذا القول ألا إعادة (¬4) على من صلى العصر في أول وقت الظهر، أو قدم العشاء فصلاها مع المغرب؛ قياسًا على الظهر. وقال تبارك وتعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} [هود: 114]، واختلف فيما تضمنته هذه الآية على ثلاثة أقوال، فقيل: ثلاث صلوات، وقيل: أربع، وقيل: خمس. قال أبو إسحاق ابن شعبان: ثلاث صلوات؛ فالصبح طرف، والمغرب طرف، والثالثة العشاء (¬5). فجعل المغرب من طرفي النهار؛ لأنها تصلى عند طرف النهار، وهو: إذا توارت بالحجاب، والعرب تسمي الشيء (¬6) باسم غيره إذا كان من سببه أو ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 322، 323. (¬2) قوله: (والصبح لقوله تعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ}. . . وكذلك في الواضحة) زيادة من (ش 2). (¬3) في (ش 2): (القران). (¬4) في (ر): (الإعادة). (¬5) انظر: الزاهي، لابن شعبان، لوحة رقم: [12 / ب]. (¬6) في (ر): (طرف الشيء).

مقارنًا له. وروى ابن نافع عن مالك أنه قال: {طَرَفَيِ النَّهَارِ} الصبح والظهر والعصر، {وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ}: العشاء. فتضمنت هذه الآية (¬1) أربع صلوات. وقال ابن حبيب: {وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ}: المغرب والعشاء. ووافق مالك في الطرف الثاني أنه الظهر والعصر (¬2). فتضمنت هذه عنده خمس صلوات، ونسبة الظهر والعصر إلى الطرف توسعة ومجاز. ومحمل قولهما في الظهر إذا صليت عند آخر القامة ولا تنسب إلى طرف إذا صليت (¬3) عند الزوال؛ لأن ذلك وسط؛ قال الله -عز وجل- {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} الآية [الروم: 17]. فتضمنت أربع صلوات: الصبح، والظهر، والعصر، والمغرب (¬4)؛ لقوله: {حِينَ تُمْسُونَ} وهو قول مالك في "العتبية" (¬5)، وقال محمد بن المواز: المغرب والعشاء (¬6). والأول أحسن؛ لأن تقدمة العشاء عند الغروب لا يجوز مع الاختيار. ¬

_ (¬1) قوله: (هذه الآية) زيادة من (ر). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 146. (¬3) قوله: (عند آخر القامة. . . إذا صليت) ساقط من (ر). (¬4) في (ر): (والمغرب، فأما المغرب). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 146. والذي وقفت عليه في البيان والتحصيل: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} فذلك المغرب والعشاء والصبح. انظر: البيان والتحصيل: 1/ 323. (¬6) النوادر والزيادات: 1/ 146.

فصل أوقات الصلوات

فصل أوقات الصلوات فلكل واحدة منهن وقتان: فأول وقت الظهر زوال الشمس، وآخر وقتها أن يصير ظل القائم (¬1) مثله بعد طرح ظل الزوال. وأول وقت العصر دخول القامة الثانية، وآخر وقتها ما لم تصفر الشمس. وأول وقت المغرب إذا غربت الشمس، وآخر وقتها ما لم يغب (¬2) الشفق. وأول وقت العشاء غيبوبة (¬3) الشفق وهي الحمرة، ولا ينظر إلى البياض (¬4)، وآخر وقتها ما لم يذهب (¬5) نصف الليل. وقال بعضهم: ثلث الليل (¬6). وأول وقت الصبح طلوع الفجر المعترض في الأفق (¬7)، وآخر وقتها ما لم تطلع الشمس. وقد اتفق في أول الوقت لهذه الصلوات الخمس إلا العشاء، فإنه اختلف في أول وقتها. واختلف في آخر الأوقات جميعًا، فاختلف في مشاركة الظهر العصر في أول القامة الثانية، فذهب محمد بن المواز وعبد الملك إلى أنه لا مشاركة بينهما، ¬

_ (¬1) في (س): (كل شيء). (¬2) في (ر): (يذهب). (¬3) في (س) و (ش 2): (مغيب). (¬4) قوله: (وهي الحمرة، ولا ينظر إلى البياض) زيادة من (ر)، وهو نص المدونة: 1/ 156. (¬5) قوله: (ما لم يذهب) زيادة من (س) و (ش 2). (¬6) قوله: (وقال بعضهم: ثلث الليل) زيادة من (ر). (¬7) قوله: (في الأفق) زيادة من (س)، وانظر: التفريع: 1/ 58، والتلقين: 1/ 39.

وأنه إذا تمّت القامة الأولى خرج وقت الظهر ودخل وقت العصر. ولأشهب في مدونته أنه تشارك العصر في مقدار أربع ركعات من القامة الثانية، فلو صلى حينئذ رجلان أحدهما الظهر والآخر العصر كانا مصليين في وقت، فإذا ذهب ذلك القدر انفردت العصر بالوقت. واختلف في آخر وقت العصر فقال في الكتاب: ما لم تصفر الشمس (¬1). وقال في "المختصر": آخر القامة الثانية (¬2). وقاله (¬3) محمد بن المواز وابن حبيب. واختلف في آخر وقت المغرب على ثلاثة أقوال: فقيل: ليس لها إلا وقت واحد، وهو إذا غربت الشمس. وهو قول البغداديين (¬4) وروايتهم عن مالك. وقال مالك في "الموطأ": إذا ذهبت الحمرة فقد وجبت العشاء وخرج وقت المغرب (¬5). وبه قال محمد بن مسلمة. وقال أشهب في مدونته: يجوز لمن كان في الحضر أن يؤخر المغرب إلى أن يغيب الشفق ويصلي آخر العشاء بعد مغيب الشفق (¬6) ويكون إذا غاب الشفق (¬7) وقتًا لهما، فجعل المغرب تشارك العشاء كما تشارك الظهر العصر في أول القامة الثانية. ¬

_ (¬1) لفظ ما وقفت عليه في المدونة: 1/ 156: (قال ابن القاسم: ما رأيت مالكا يحد في وقت العصر قامتين، ولكنه فيما رأيته يصف كان يقول: والشمس بيضاء نقية)، وانظر: النوادر والزيادات: 1/ 217، 335. (¬2) انظر: النوادر والزيادات، 1/ 154. (¬3) في (س): (وبه قال). (¬4) انظر: التفريع: 1/ 58، والتلقين: 1/ 39. (¬5) انظر: الموطأ: 1/ 12، برقم (23) (¬6) انظر: المدونة: 1/ 205. (¬7) قوله: (إذا غاب الشفق) ساقط من (ر).

واختلف في آخر وقت العشاء، فقال مالك في المختصر، وأشهب في مدونته: ثلث الليل (¬1). وقال ابن حبيب: نصف الليل، ويستحب ألا يجاوز الثلث (¬2). ونحوه عن محمد بن المواز. واختلف في الشفق الذي بمغيبه يخرج وقت المغرب ويدخل وقت العشاء، فقال مالك: هو الحمرة (¬3). وقال في سماع ابن القاسم: أرجو إذا ذهبت الحمرة أن يكون الوقت قد ذهب والبياض الذي (¬4) لا شك فيه. فراعى البياض. وقال ابن شعبان: في "مختصر ما ليس في المختصر": أكثر جوابه في الشفق أنه الحمرة. يريد: أنه اختلف قوله فيه. وذكر عن ابن عمر - رضي الله عنه - أنه البياض، والاختلاف في البياض المعترض (¬5) ليس المستدق. وهذه الرواية أقيس من قوله في كتاب الصيام؛ لأن الطوالع أربعة: الفجر الكاذب وهو المستدق، ثم المعترض، ثم الحمرة (¬6) ثم الشمس، والغوارب أربعة: الشمس، ثم الحمرة، ثم البياض (¬7) المعترض، ثم المستدق. وقد أُجمع على أن حكم المعترض حكم الحمرة، وأنهما وقت لصلاة ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 156. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 156، 157. (¬3) انظر: الموطأ: 1/ 12، برقم (23). (¬4) قوله: (الذي) ساقط من (ش 2). (¬5) زاد بعده في (ر): (وأنه يبقى لآخر الليل، وفي مختصر ما ليس في المختصر عنه أنه قال). (¬6) زاد في (ر): (ثم البياض). (¬7) قوله: (البياض) ساقط من (س).

واحدة، وهي الصبح ما لم تطلع الشمس، ولا حكم للمستدق أول الفجر، فعلى قوله يكون حكم المعترض بعد المغرب: حكم الحمرة. وقد اختلف عن الخليل في مدة بقاء المستدق، فقيل عنه أنه قال: راعيته وأنه يبقى إلى آخر الليل. وفي مختصر ما ليس في المختصر عنه أنه قال: (¬1) إلى نصف الليل. وإذا اختلف عنه أوقف الخبران، على أن ذلك مما لا يقتصر فيه على قوله؛ لأنه لم يخبر عن أمر فائت، ولا يقدر الآن على معرفته، وإنما أخبر عن شيء موجود يقدر الآن على اختباره، وقد اختبر فلم يكن كما (¬2) ذكر عنه، وأيضًا فإن المستدق أول تباشير الشمس عند الطلوع، وآخر بقايا الشمس بعد الغروب، فيبتدئ أولًا مستدِقًّا، فكلما دنت منزلة الشمس قوي الضياء، وكذلك في الغروب الحمرة والبياض عن الشمس، فإذا بعدت الشمس عن الأرض (¬3) ذهبت الحمرة، ثم تبعد فيذهب البياض المعترض، ثم تبعد فيذهب المستدق، فبقاؤه أول الليل وطلوعه (¬4) آخره - متقارب، وقد ذكر أشهب في العشاء الآخرة أن تأخيرها حتى يذهب البياض إذا اجتمع رأي الجماعة على ذلك. فهو يَرُدُّ على من قال: إن البياض يبقى إلى آخر الليل (¬5). واختلف في آخر وقت الصبح فقال في المختصر: الإسفار الأعلى. ونحوه في المدونة. وقال ابن حبيب: ما لم تطلع الشمس. فاتفق في أوائل هذه الصلوات واختلف في أواخرها حسب ما تقدم، ¬

_ (¬1) قوله: (وأنه يبقى إلى آخر الليل. . . عنه أنه قال) ساقط من (ر). (¬2) في (س): (يوجد على). (¬3) قوله: (الشمس عن الأرض) ساقط من (س). (¬4) قوله: (طلوعه) ساقط من (س) و (ش 2). (¬5) قوله: (وقد ذكر أشهب في العشاء. . . يبقى إلى آخر الليل) ساقط من (س) و (ش 2).

والاختلاف في ذلك متردد بين حديثين: حديث ابن عباس وحديث عبد الله (ب) ابن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -، فحديث ابن عباس أن القول بمشاركة الظهر العصر، وأن آخر العصر القامتان وانفراد المغرب بوقت واحد (¬1)، وأن آخر العشاء ثلث الليل، وأن آخر الصبح الإسفار. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَّنِي جِبْرِيلُ - عليه السلام - عِنْدَ البَيْتِ فَصَلَّى بيَ الظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ وَكَانَتْ قَدْرَ الشِّرَاكِ، والعَصْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيءٍ مِثْلَه، والمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ، والعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، والفَجْرَ حِينَ حَرُمَ الطَّعَامُ عَلَى الصَّائِمِ، فَلمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ صَلَّى بِي الظُّهْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيءٍ مِثْلَهُ، والعَصْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيءٍ مِثْلَيْهِ، والمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ، وَالعِشَاءَ ثُلُث اللَّيْلِ، وَالفَجْرَ الإسْفَار (¬2) " (¬3). وحديث عبد الله بن (¬4) عمرو بن العاص أصل للقول بمنع مشاركة الظهر والعصر، وأن آخر العصر ما لم تصفر الشمس، وأن للمغرب وقتين، وآخر العشاء ما لم يذهب نصف الليل، وآخر وقت الصبح ما لم تطلع الشمس: قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَقْتُ الظُّهْرِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ وَكَانَ ظِلّ الرَّجُلِ كَطُولهِ مَا لَمْ تَحْضُرِ العَصْرُ، وَوَقْتُ العَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَوَقْتُ المَغْرِبِ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ، مَا لَمْ يَسْقُطِ الشَّفَقُ، وَوَقْتُ صَلاَةِ العِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الأوسط (¬5)، ¬

_ (¬1) قوله: (واحد) ساقط من (س) و (ش 2). (¬2) قوله: (وَالفَجْرَ الإسْفَار) يقابله في (ش 2): (والفجر حين أسفر). (¬3) أخرجه أبو داود: 1/ 160 في باب في المواقيت، من كتاب الصلاة، برقم (393)، والترمذي: 1/ 278 في باب ما جاء في مواقيت الصلاة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، من أبواب الصلاة، برقم (149)، وأحمد: 1/ 333 في مسند عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -، من مسند بني هاشم، برقم (3081)، والحاكم: 1/ 306 في باب في مواقيت الصلاة، من كتاب الصلاة، برقم (693)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. (¬4) قوله: (عبد الله بن) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (الأوسط) زيادة من (ش 2).

وَوَقْتُ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الفَجْرِ إِلى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ" (¬1). فهذا حديث صحيح أخرجه مسلم، فأبان - صلى الله عليه وسلم - بقوله في الظهر: "مَا لَمْ تَحْضُرِ العَصْرُ" أنه لا شركة بينهما، والأخذ بهذا الحديث أولى؛ لأن الحديثين إذا تعارضا أخذ بآخرهما وأقواهما سندًا، وحديث ابن العاص متأخر مدني، وحديث ابن عباس مكي من أول ما فرضت الخمس، وهو أضعف سندًا. ووجه ثالث: أنه قد عاضده (¬2) على مثل ذلك أبو موسى الأشعري وبريدة، فأخرج مسلم عن أبي موسى قال: "أَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَائِلٌ فَسَأَلهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلآةِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا، قال: فَأَقَامَ الفَجْرَ حِينَ انْشَقَّ، وَالظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ، وَالعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، والمَغْرِبَ حِينَ وَقَعَتِ الشَّمْسُ، وَالعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ ثُمَّ أَخَّرَ الفَجْرَ مِنَ الغَدِ وَانْصَرَفَ القَائِلُ يَقُولُ: طَلَعَتِ الشَّمْسُ أَوْ كَادَتْ، وَأَقَامَ الظُّهْرَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ العَصْرِ بِالأَمْسِ، وَالعَصْرَ انْصَرَفَ مِنْهَا وَالقَائِلُ يَقُولُ: احْمَرَّتِ الشَّمْسُ، وَأَخَّرَ المَغْرِبَ حَتَّى كَانَ عِنْدَ سُقُوطِ الشَّفَقِ ثُمَّ العِشَاءَ حَتَّى كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ ثُمَّ أَصْبَحَ فَدَعَا السَّائِلَ فَقَالَ "الوَقْتُ مَا (¬3) بَيْنَ هَذَيْنِ" (¬4). وأخرج عن بريدة مثل ذلك، وأستحسن أن تكون الفتوى للعامة بالقامتين في العصر، وبالإسفار في الصبح، وثلث الليل في العشاء الآخرة (¬5)؛ لأنه أحوط للصلاة، وأخاف إذا أفتى الرجل ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم: 1/ 426 في باب أوقات الصلوات الخمس، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم (612). (¬2) في (ش 2): (عارَضَهُ). (¬3) قوله: (مَا) زيادة من (ش 2). (¬4) أخرجه مسلم: 1/ 429 في باب أوقات الصلوات الخمس، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم (614). (¬5) قوله: (الآخرة) ساقط من (س).

فصل [في قدر ما بين الأذان والصلاة]

بآخر الوقت أن يتراخى، ويقول: عليَّ بقية من الوقت، فيقع في المحظور، وهو الممنوع أو المكروه، فإذا وكل في هذا إلى قياس معلوم وجعل بينه وبين آخر الوقت في الآخرة بقية كان قد احتاط للصلاة. فصل [في قدر ما بين الأذان والصلاة] ومن المدونة قال مالك: أحب إلينا أن يصلي الناس -في الشتاء والصيف- الظهر (¬1) والفيء ذراع (¬2). يريد: للجماعة؛ لأن الغالب أن الوقت يدخل على الناس وهم على غير طهارة، فيؤخر ذلك القدر ليتوضأ هذا ويغتسل هذا الآخر ويجتمع الناس. وأما الفذ فيستحب له أول الوقت، ولأنه أفضل، وكذلك الجماعة إذا اجتمعت أول الوقت ولم يكونوا ينتظرون غيرهم فإنهم يصلون حينئذ ولا يؤخرون، وفي الصحيحين عن أنس (¬3) عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ" (¬4). ¬

_ (¬1) قوله: (الظهر) ساقط من (س). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 156. (¬3) قوله: (عن أنس) ساقط من (ر). (¬4) متفق عليه أخرجه البخاري: 1/ 374، في باب يؤخر الظهر إلى العصر إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس، من أبواب تقصير الصلاة، برقم (1060)، ومسلم: 1/ 489، في باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر، من كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم (704)، ولفظ البخاري (عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم يجمع بينهما وإذا زاغت صلى الظهر ثم ركب) ولفظ المؤلف أخرجه الترمذي: 1/ 294 في باب ما جاء في التعجيل بالظهر، من أبواب الصلاة، برقم (156)، وأحمد: 3/ 161 في مسند أنس بن مالك - رضي الله عنه -، من مسند المكثرين من الصحابة، برقم (12664)

ومحمل الحديث أن ذلك لاجتماع أصحابه، وأما العصر فإن الجماعة والفذ (¬1) فيها سواء: تصلى أول الوقت أو تؤخر قليلًا؛ لأن الغالب أن الناس على طهارة الظهر (¬2)، وكذلك المغرب؛ الجماعة فيها والفذ سواء إذا غربت الشمس، ولا تؤخر عنه؛ لأن الناس عالمون بدخول الوقت، متوضئون حينئذ. وأما العشاء فبقدر اجتماع الناس؛ لأنهم يكونون في بيوتهم وربما استأنفوا الطهارة، فإن اجتمعوا صلى بهم الإمام، وإن تأخروا انتظرهم، ولا يفعل مثل ذلك في الصبح، وينبغي أن يوقعها الإمام أول الوقت اجتمعوا أو لم يجتمعوا. وقال ابن حبيب: ينبغي أن تؤخر في الصيف إلى وسط الوقت. والأول أحسن. وأوقات الصلوات في الفضل على ثلاث مراتب: فأما المغرب والصبح فأول الوقت فيهما أفضل، وآخره في العشاء أفضل. واختلف في الظهر والعصر، فقيل: أول الوقت أفضل، وقيل: أوله وآخره سواء. وقال محمد بن سحنون: أجمع أهل العلم على أن أول الوقت في المغرب أفضل. وثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير ما طريق (¬3) أنه كان يصليها إذا توارت بالحجاب (¬4). وأما الصبح فورد فيها ثلاثة أحاديث تدل على أن أول الوقت أفضل: ¬

_ (¬1) قوله: (والفذ) ساقط من (ر). (¬2) في (س): (طهارتهم للظهر). (¬3) قوله: (غير ما طريق) ساقط من (ر). (¬4) متفق عليه، البخاري: 1/ 205، في باب وقت المغرب، في كتاب مواقيت الصلاة، برقم (536)، ومسلم: 1/ 441، في باب بيان أن أول وقت المغرب عند غروب الشمس، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة برقم (216 - 636).

أحدها: أنه كان ينادى لها قبل طلوع الفجر. وفائدة ذلك إيقاعها في أول وقتها. والثاني: حديث جابر - رضي الله عنه - قال: "كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي العِشَاءَ، أَحْيَانًا إِذَا رَآهُمُ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ، وَأَحْيَانًا إِذَا رَآهُمْ أَبْطَؤُوا أَخَّرَ، وَالصُّبْحَ كَانُوا - أَوْ كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ" (¬1). يريد: كانوا أو لم يكونوا، كان يصليها بغلس ولم ينتظرهم بها، ولا يبالي إن فاتتهم الجماعة، بخلاف العشاء. والثالث: حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ لاَ يُعْرَفْنَ مِنَ الغَلَسِ (¬2). ومعلوم أنه كان يحب ما هو أرفق بأمته، وأن إيقاع هذه الصلاة أول الوقت أثقل عليهم؛ لأن الوقت يدخل عليهم وهم نيام، فلولا عظم الأجر في ذلك لم يتكلف ذلك بهم، ولهذا استحب مالك أن يصلي أول الوقت فذًّا، ولا يؤخرها ليصليها بعد ذلك في جماعة. وأما ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أَسْفِرُوا بِالفَجْرِ، فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلأَجْرِ" (¬3) فإنه أراد أن يتحقق الفجر؛ لئلا يوقِعَ الصلاة (¬4) في وقت مشكوك فيه ¬

_ (¬1) متفق عليه: أخرجه البخاري: 1/ 205 في باب وقت المغرب، من كتاب مواقيت الصلاة برقم (535)، ومسلم: 1/ 446 في باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها وهو التغليس، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة برقم (646). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 146 في باب في كم تصلي المرأة من الثياب؟، من كتاب أبواب الصلاة في الثياب، برقم (365)، ومسلم: 1/ 445 في باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها وهو التغليس، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة برقم (645)، ومالك: 1/ 5 في باب وقوت الصلاة برقم (4). (¬3) أخرجه الترمذي: 1/ 289 في باب ما جاء في الإسفار بالفجر، من كتاب أبواب الصلاة برقم (154)، والنسائي: 1/ 272 في باب الأسفار، من كتاب المواقيت، برقم (548)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وأحمد: 4/ 142 في حديث رافع بن خديج - رضي الله عنه -، من مسند الشاميين، برقم (17318). (¬4) قوله: (الصلاة) زيادة من (ش 2).

فقال: "أسفروا بالفجر"، ولم يقل: أسفروا بالصلاة. وأما العشاء فالأصل فيها حديث ابن عباس قال: أخَّرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء ليلة حتى رقد الناس واستيقظوا ثم رقدوا واستيقظوا ثم خرج فصلى بهم، فقال: "لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُصَلُّوهَا هكَذَا" (¬1). وقال أشهب في مدونته: تعجيلها أحب للأئمة (¬2)؛ لما يدخل على الناس من الضرر في انتظارها، فأما الرجل يصلي لنفسه أو جماعة اجتمع رأيهم على تأخيرها (¬3) فإني أستحب تأخيرها إلى غيبوبة البياض، وإن أخرت خلف ذلك إلى ثلث الليل فواسع. وهذا أحسن، ما لم يؤد ذلك إلى اختلال (¬4) بعبادةِ فاعلِ ذلك من آخر الليل، فينام عن حزبه أو يؤخر الصبح عن أول وقتها، فإنه يؤمر بتعجيلها ولا يؤخرها. والقول في الظهر والعصر أن (¬5) أول الوقت أفضل (¬6)؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَفْضَلُ اَلْأَعْمَالِ اَلصَّلَاةُ لأوَّلِ أَوْقَاتِهَا" ذكره النسائي (¬7). فوجب حمل الحديث على ¬

_ (¬1) متفق عليه: أخرجه البخاري: 1/ 208 في باب النوم قبل العشاء لمن غلب، من كتاب مواقيت الصلاة برقم (545)، ومسلم: 1/ 444 في باب وقت العشاء وتأخيرها، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة برقم (642). (¬2) في (س) و (ش 2): (إلى الأئمة). (¬3) قوله: (على تأخيرها) ساقط من (ر). (¬4) في (ش 2): (إخلال). (¬5) قوله: (أن) ساقط من (س). (¬6) في (س): (أحسن). (¬7) أخرجه الترمذي: 1/ 325 في باب ما جاء في الوقت الأول من الفضل، من كتاب أبواب الصلاة برقم (173)، والنسائي بمعناه: 1/ 292 في باب فضل الصلاة لمواقيتها، من كتاب المواقيت، برقم (610)، وأحمد: 1/ 374 في مسند عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، من مسند =

عمومه إلا ما ورد النص باختصاصه وهي العشاء. وفي قوله سبحانه: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] فدخل في ذلك جميع الطاعات؛ الصلاة وغيرها، وبهذا أخذ مالك ولم ير تأخير الظهر إلى آخر الوقت إلا للمسافر إذا جد به السير، وقول مالك في الصلاة في الصيف أنها تؤخر ذراعًا فإن ذلك إذا كان الحر المعتاد في ذلك الزمان، فإذا كان شدة الحر أمر الإمام أن يبرد فوق ذلك؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ" (¬1). واختلف في الوقت الذي تبرد إليه، فقال أشهب في مدونته: لا يؤخرها إلى آخر وقتها. وقال محمد بن عبد الحكم: يؤخرها أهل المساجد في شدة الحر حتى يبردوا، ولا يجوز الخروج عن الوقت. فأجاز التأخير إلى آخر الوقت. ¬

_ = المكثرين من الصحابة، برقم (3548)، وابن حبان: 4/ 340 في باب مواقيت الصلاة، من كتاب الصلاة، برقم (1477)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. (¬1) متفق عليه: أخرجه البخاري: 1/ 199 في باب الإبراد بالظهر في شدة الحر، من كتاب مواقيت الصلاة، برقم (512)، ومسلم: 1/ 430 في باب استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم (615)

باب في صفة الأذان والمؤذن ووقت الأذان

باب في صفة الأذان والمؤذن ووقت الأذان والأذان سبع عشرة كلمة: الله أكبر مرتين، أشهد أن لا إله إلا الله مرتين، أشهد أن محمدًا رسول الله مرتين، ثم يرجع ويرفع ما رفع من (¬1) صوته، أشهد أن لا إله إلا الله مرتين، أشهد أن محمدًا رسول الله مرتين، حي على الصلاة مرتين، حي على الفلاح مرتين، الله أكبر مرتين، لا إله إلا الله مرة واحدة. واختلف في موضعين: في صفة رفع الصوت بالتكبير في أوله، وفي الترجيع إذا كان المؤذنون عددًا كثيرًا (¬2)، فظاهر الكتاب (¬3) أن رفع الصوت بالتكبير الأول مساوٍ (¬4) لما يليه من الشهادة (¬5). وقال مالك في سماع أشهب: رأيت الأول من المؤذنين إذا أذن يكبر مرتين، ثم يهلل مرتين (¬6)، ثم يتشهد بالرسالة مرتين يخفض صوته بالتهليل والتشهد (¬7)، ثم يرجع رافعًا صوته بالتهليل وبالتشهد بالرسالة، وذكر بقية الأذان. قال مالك: وما أرى كان الأذان إلا على صفة واحدة؛ يثني كلهم، فلما ¬

_ (¬1) قوله: (ما رفع من) ساقط من (ش 2). (¬2) قوله: (كثيرًا) ساقط من (س) و (ش 2). (¬3) في (س) و (ش 2): (المدونة). (¬4) قوله: (الأول مساوٍ) يقابله في (ر): (في أوله وفي الترجيع الأول متساويًا). (¬5) انظر المدونة: 1/ 157، ولفظها: قال ابن القاسم قال مالك: الأذان الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله، قال: ثم يرجع بأرفع من صوته بها أول مرة فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله، قال: فهذا قول مالك في رفع الصوت. (¬6) قوله: (مرتين) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (بالرسالة مرتين. . . والتشهد) ساقط من (ر).

كثر المؤذنون خففوا على (¬1) أنفسهم فصار لا يثني منهم إلا الأول. فحصل الخلاف في خفض التشهد الأول عن التكبير، وفي إسقاط الترجيع وأنه ثلاث عشرة كلمة، ورفع التكبير الأول ومساواته واسع إذا أعلن (¬2) التشهد الأول، وإنما ينكر من ذلك ما يفعله بعض المؤذنين اليوم (¬3) أنه يخفيه ولا يأتي به على صفة يقع بها إعلام، وإنما جعل الترجيع ليكون ذلك أبلغ في الإعلام (¬4)، فإن فات السامع أوله أمكن ألا يفوته ما بعده، ولهذا يؤذن الثاني والثالث، وأما إسقاط الترجيع فيحتمل أن يكون ذلك لما ذكره مالك، أو لاختلاف الأحاديث في الترجيع، فجمعوا بين الأحاديث؛ لأن كل ذلك عندهم واسع. ويزيد المؤذن (¬5) في الأذان في الصبح بعد قوله: حي على الفلاح - الصلاة خير من النوم (مرتين) وذلك إذا كان الأذان للجماعة. واختلف فيمن يؤذن لنفسه هل يثبت ذلك في أذانه، فقال مالك في مختصر ما ليس في المختصر فيمن كان في ضيعة متنحيًا (¬6) عن الناس فترك ذلك: أرجو أن يكون في سعة. وقوله هذا أحسن، وإنما زيد هذا في الأذان لإمكان أن يسمع النداء من كان في مضجعه، فيؤثِرَ الصلاة على النوم (¬7)، وينشط للقيام، فأما من كان ¬

_ (¬1) في (ش 2): (عن). (¬2) في (ر): (أعاد عين). (¬3) قوله: (اليوم) ساقط من (ش 2). (¬4) في (س): (الإعلان). (¬5) في (ش 2): (المؤذنون). (¬6) في (س): (ضيعة متحيزًا)، وفي (ش 2): (ضيعته متحيزًا). (¬7) قوله: (على النوم) ساقط من (س).

فصل [في وقت الأذان وما يشترط في المؤذن]

وحده أو معه من ليس ينام (¬1) فلا معنى لذلك. وقال مالك: التثويب (¬2) ضلال. يريد: حي على خير العمل. وإنما كره ذلك لأنها كلمة استعملها في أذانهم من خالف السنة، وكان مذهبهم (¬3) التشيع. فصل [في وقت الأذان وما يشترط في المؤذن] والأذان للصلوات بعد دخول الوقت، ومن أذن قبل ذلك أعاد الأذان إذا دخل الوقت، إلا الصبح وحدها (¬4) فإن النداء لها (¬5) قبل الوقت أفضل؛ لقوله - عليه السلام -: "إِنَّ بِلاَلًا يُنَادِي بِلَيْلٍ. . ." (¬6) الحديث، فأمر بالنداء لها قبل الوقت (¬7)؛ ليوقع في أول الوقت. ¬

_ (¬1) في (ر): (بنائم). (¬2) التثويب: فيه قولان، يقال هو الأذان الأول؛ لأن الألفاظ تردد فيه، لأن التثويب مأخوذ من: (ثاب إليه جسمه بعد العلة): أي رجع إليه ومنه قوله -عز وجل-: {جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ} أي يعودون إليه في كل سنة، فلما رددت الألفاظ فيه قيل له تثويب، وقد قيل إن التثويب الإقامة؛ لأن المؤذن أذّن ثم أعاد ذلك الأذان عند الإقامة، وهذا التفسير الأخير يبينه حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الموطأ. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 23. (¬3) في (ش 2): (مذهبه). (¬4) قوله: (وحدها) ساقط من (س) و (ش 2). (¬5) قوله: (لها) زيادة من (ش 2). (¬6) أخرجه البخاري: 1/ 224 في باب الأذان بعد الفجر، من كتاب الأذان، برقم (595)، ومسلم: 2/ 768 في باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، من كتاب الصيام، برقم (1092)، ومالك: 1/ 74 في باب قدر السحور من النداء، من كتاب الصلاة، برقم (161). (¬7) قوله: (الوقت) ساقط من (س).

واختلف في الوقت الذي يؤذن لها فيه، فقال ابن حبيب: إذا أذن بعد خروج وقت العشاء، وهو شطر الليل - فواسع. وقال ابن وهب: سدس الليل الآخر. وهو أحسن؛ لأن الأذان قبل طلوع الفجر ليتهيأ للصلاة، وليصلي من له حزب، وإذا (¬1) كانت عادة المؤذن سدس الليل قام الناس لأذانه، وإذا علم أن عادته نصف الليل لم يقوموا له ولم ينتفع بأذنه. ويستحب أن يكون المؤذن بليغ الصوت ليبلغ القاصي صوته (¬2)، ويوقظ النائم، وينبه الغافل، وفي البخاري: قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ لِلْمُؤَذِّنِ: أَذِّنْ أَذَانًا سَمْحًا وَإِلاَّ فَاعْتَزِلْنَا (¬3). وقال أشهب: ويكون المؤذن من أفضل الحي. وهذا هو الحق؛ لأنه أمين على الأوقات: يُصَلَّى بقوله، ويصام ويفطر؛ فينبغي أن تكون فيه خصلتان: الثقة، والمعرفة بالأوقات. ولا بأس أن يكون المؤذن أعمى إذا كان ثقة لا يخشى عليه أن يفتري (¬4) في الوقت بالتقدير، وكان الذي يعلمه بالوقت ثقة عالمًا بالأوقات. واختلف في أذان الصبي والجُنُبِ والقاعد، فكره مالك ذلك للصبي والقاعد، وقال: لا (¬5)، إلا أن يكون من عذر مرض أو غيره، فيؤذن لنفسه لا ¬

_ (¬1) في (ش 2): (فإذا). (¬2) قوله: (صوته) ساقط من (س). (¬3) أخرجه البخاري معلقا بصيغة الجزم: 1/ 220 في باب رفع الصوت بالنداء، من كتاب الأذان، قبل حديث رقم (584). (¬4) في (س): (يعتدي)، وفي (ش 2): (يقتدي). (¬5) قوله: (لا) زيادة من (ش 2).

للناس (¬1) وكرهه ابن القاسم في العتبية للجنب (¬2). وقال أبو الفرج: لا بأس أن يؤذن الرجل قاعدًا أو جنبًا وأن يكون غير بالغ، ولا يقيم على شيء من هذه الوجوه (¬3). وقال سحنون: لا بأس أن يؤذن الجنب خارج المسجد (¬4). ولم يختلف أنه لا بأس أن يكون على غير وضوء، وعلى وضوء أفضل، والمنع في الصبي أحسن (¬5)، إلا أن يعلم منه الصيانة والضبط لنفسه، ويكون أذانه تبعًا لمن تقدمه من الرجال. وقول سحنون في الجنب حسن؛ لأنه غير ممنوع من الذكر والتسبيح وقراءة الآيات، ولا أرى أن يؤذن قاعدًا، وإنما يتبع الناس في ذلك ما مضى عليه السلف الصالح، ومن (¬6) التواضع لله سبحانه أن يقوم على قدميه (¬7) ويدعو إليه. والأذان راكبًا خفيف إن لم يتعمد الركوب لذلك، ولا يقيم إلا وهو نازل على الأرض على طهارة؛ ليصلي معهم، ولا ينبغي أن يقيم وينصرف. ويؤذن المؤذنون واحدًا بعد واحد، إلا المغرب؛ فإنهم يؤذنون جميعًا احتياطًا ومراعاة لمن يقول (¬8): إن لها وقتًا واحدًا وهو غروب الشمس. وأجاز مالك في سماع ابن وهب لمن كان يؤذن في مسجده وأذن فيه - أن يؤذن في غيره، ثم يرجع إلى مسجده فيصلي فيه. وكره أشهب إذا كان قد صلى تلك الصلاة ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 158. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 127. (¬3) في (س) و (ش 2): (الأحوال). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 167. (¬5) في (ب) و (ر) و (ش 2): (أفضل). (¬6) في (ش 2): (وهو). (¬7) في (ر): (أقدامه). (¬8) قوله: (لمن يقول) يقابله في (ش 2): (للقول).

أن يؤذن لها في موضع آخر (¬1)، قال: ويعيدون الأذان والإقامة ما لم يصلوا. ويستفتح المؤذن أذانه وهو مستقبل القبلة، ثم يدور بجسمه إن شاء، أو يحول صوته إلى حيث يرى أن فيه من يأتي للصلاة. وقال ابن شهاب: يثبت قدميه إلى القبلة ويبلغ بصوته يمينًا وشمالًا، قال: وهي السنة. وكره مالك التطريب في الأذان (¬2)، ولا يسلم على المؤذن في حال أذانه، ولا على الملبي في حالة التلبية، فمن فعل رد عليه بعد فراغه من أذانه وتلبيته. وفي مختصر الوقار: أنه (¬3) لا بأس أن يَرُدَّ عليه حينئذ بالإشارة، ولا يتكلم في أذانه (¬4). فإن فعل وعاد بالقرب - بنى على ما مضى، وإن بعد ما بين ذلك استأنفه من أوله. ومثله إن عرض له رعاف أو غير ذلك مما يقطع أذانه أو خاف تلف شيء من ماله، أو خشي تلف أَحَدٍ؛ أعمى أو صبي أن يقع في أهويةٍ - فإنه يقطع ثم يعود إلى أذانه فيبني إن قرب، ويبتدئ إن بعد. وقال مالك في المؤذن أراد الأذان فأخطأ فأقام ساهيًا: لا يجزئه، ويعيد الأذان (¬5). وقال في كتاب ابن حبيب: وإن أراد أن يقيم فأخطأ فأذن إنه يبتدئ. وقال أصبغ: يجزئه لقول من قال: الإقامة شفع. ¬

_ (¬1) في (س): (واحد). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 158، قال الجبي: التطريب في الأذان: شبه الغناء وأصل الطرب خفة تصيب الرجل عند شدة الفرح وشدة الحزن. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 22. (¬3) قوله: (أنه) زيادة من (س). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 168. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 159.

وقد رغب النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأذان وقال: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا. . ." (¬1). الحديث، وقال: "لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلاَ إِنْس وَلاَ شَيءٌ إِلاَّ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ" (¬2). وفي كتاب مسلم: قال: "المُؤَذِّنُونَ أَطْوُل النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ القِيَامَةِ" (¬3)، وأخبر أنه مطردة للشيطان فقال: "إِذَا نُودِيَ لِلصَّلآةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ التَّأْذِينَ، فَإِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ، حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاَةِ أَدْبَرَ، حَتَّى إِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ، حَتَّى يَحُولَ بَيْنَ المَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُوُل لَهُ: اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا، لمِا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُه" (¬4)، وقيل: "حَتَّى يَضِلَّ الرَّجُلُ إِنْ يَدْرِى كَمْ صَلَّى" (¬5). وندب من سمع المؤذن أن يقول مثل قوله، فقال: "إِذَا سَمِعْتُمُ المُؤَذِّنَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُوُل المُؤَذِّنُ" (¬6). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري: 1/ 222 في باب الاستهام في الأذان، من كتاب الأذان، برقم (590)، ومسلم: 1/ 325 في باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول منها، من كتاب الصلاة، برقم (437)، ومالك: 1/ 68 في باب ما جاء في النداء للصلاة، من كتاب الصلاة، برقم (149). (¬2) أخرجه البخاري: 1/ 221 في باب رفع الصوت بالنداء، من كتاب الأذان، برقم (584)، ومالك: 1/ 69 في باب ما جاء في النداء للصلاة من كتاب الصلاة، برقم (151). (¬3) أخرجه مسلم: 1/ 290 في باب فضل الأذان وهرب الشيطان عند سماعه، من كتاب الصلاة، برقم (387). (¬4) أخرجه البخاري: 1/ 409 في باب يذكر الرجل الشيء في الصلاة من كتاب أبواب العمل في الصلاة، برقم (1164)، ومسلم: 1/ 397 في باب فضل الأذان وهرب الشيطان عند سماعه، من كتاب الصلاة، برقم (389)، ومالك: 1/ 69 في باب ما جاء في النداء للصلاة، من كتاب الصلاة برقم (152) (¬5) قوله: (حتى إذا قضى التثويب. . . كم صلى) ساقط من (س). (¬6) أخرجه مسلم: 1/ 288 في باب استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه ثم يصلي على =

واختلف في منتهى ما يحكيه السامع، فقال مالك في المدونة: إنما ذلك إلى هذا الموضع: "أشهد أن محمدًا رسول الله" فيما يقع في قلبي، ولو فعل ذلك رجل لم أر به بأسًا (¬1). قال سحنون: ولو قال بقية الأذان. وقيل لمالك في المجموعة: إذا قال مثله أيثني (¬2) التشهد؟ قال: يجزئه التشهد الأول. وقال في مختصر ما ليس في المختصر: يقول مثل قوله، فإذا بلغ "حي على الصلاة، حي على الفلاح" قال: لا حول ولا قوة إلا بالله (¬3)، ثم يقول كما يقول بعد ذلك. وهذا أحسن؛ لحديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - رضي الله عنه - "إِذَا قَالَ المُؤَذِّنُ: اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكْبَرُ. فَقَالَ أَحَدُكمُ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ. ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ. ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله. قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُوُل الله. ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ. قَالَ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِالله. ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الفَلَاَحِ. قَالَ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِالله. ثُمَّ قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ. قَال: اللهُ أَكْبَرُ. ثُمَّ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ. قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، مُخْلِصًا مِنْ قَلْبِهِ (¬4) دَخَلَ الجَنَّةَ" (¬5). فإن أذن آخر قال معه؛ لظاهر الحديث. وقيل: ليس ذلك عليه. وقال محمد بن عبد الحكم: إن أقام بعد ذلك فليس ذلك عليه إلا أن يشاء. ¬

_ = النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يسأل الله له الوسيلة، من كتاب الصلاة، برقم (384). (¬1) انظر: المدونة: 1/ 159. (¬2) قوله: (مثله أيثني) ساقط من (ر). (¬3) زاد بعده في (ر): (العلي الحكيم). (¬4) في (س): (من قلب خالصًا). (¬5) أخرجه مسلم: 1/ 289 في باب استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يسأل الله له الوسيلة، من كتاب الصلاة برقم (385).

فصل [في أقسام الأذان]

واختلف إذا سمع النداء من كان في صلاة، فقال مالك قي المدونة: إن كان في مكتوبة لم يقل مثل قوله، وإن كان في نافلة قال مثله (¬1). وقال ابن وهب: يقول مثله وإن كان في مكتوبة. وقال سحنون: لا يقول وإن كان في نافلة. وهذا أشبه؛ لأنه قد تلبس بطاعة، فعليه أن يقبل على ما هو فيه. فصل [في أقسام الأذان] الأذان على خمسة أقسام: سنة، ومختلف فيه هل واجب أو سنة؟ ومستحب، ومختلف فيه هل هو مستحب أم لا؟ وممنوع. فالأول: الأذان في المواضع التي العادة أن يجتمع الناس بها (¬2)، كالجوامع والمساجد، والمواضع التي الشأن اجتماع الناس فيها (¬3) كعرفة ومنى، والعدد الكثير يكونون في السفر. وقال في المدونة: وإمام مصر يخرج إلى الجنازة (¬4) فتحضره الصلاة، فالأذان في هذه المواضع سنة لا تترك، وهو في الجامع والمساجد آكد؛ لأنه حفظ للأوقات ولإقامة الجماعات، فلا يجوز لأحد تركه (¬5). ولمالك في الموطأ أنه ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 159. (¬2) في (س): (إليها). (¬3) قوله: (والمواضع التي الشأن. . . فيها) ساقط من (س) و (ر). (¬4) الجنازة: فيها لغتان بكسر الجيم وفتحها وكسرها أحسن وقيل لها ذلك لأنها تجنز أي تستر. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 22. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 159.

واجب (¬1). ولو ضيع الأذان لم يتحصل لكثير من الناس الأوقات، ولفاتهم أداء الصلاة في الجماعات. والثاني: الأذان للجمعة، قيل: سنة؛ بمنزلة غيرها من الصلوات. وقيل: واجب. وهو أحسن؛ لتعلق الأحكام به من: وجوب السعي، وتحريم البيع والشراء. والثالث: أذان الفَذِّ في السفر فهو مستحب؛ لحديث أبي سعيد، الخدري - رضي الله عنه - (¬2) قال: "إِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ لِلصَّلاَةِ فَارْفَعْ مِن (¬3) صَوْتِكَ، فَإِنَّهُ لاَ يَسْمَعُ مَدَى (¬4) صَوْتِ المُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَيءٌ، إِلاَّ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ"، قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬5). وقال سعيد بن المسيب: من صلى بأرض فلاة (¬6) فأذن وأقام صلى وراءه أمثال الجبال من الملائكة (¬7). والرابع: أذان الفذ في الحضر (¬8) والجماعة في غير المصر (¬9) لا يحتاجون إلى إعلام غيرهم، فقال مرة: الأذان حسن. وفي مختصر ما ليس في المختصر قال: لم يكن مالك يستحب الأذان لمن يصلي وحده إلا أن يكون مسافرًا. وقاله ابن حبيب فيمن صلى وحده (¬10) في منزله أو أم جماعة في غير ¬

_ (¬1) انظر: الموطأ: 1/ 67، برقم (147). ولفظه: (. . . فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأذان). (¬2) في (ر): (الحديث). (¬3) قوله: (مِن) زيادة من (ش 2). (¬4) في (ر): (نداء). (¬5) سبق تخريجه، ص: 243. (¬6) زاد بعده في (ر): (بإقامة صلى عن يمينه ملك وعن يساره ملك، وإن). (¬7) أخرجه مالك في الموطأ 1/ 74، برقم (160)، وعبد الرزاق في مصنفه: 1/ 510 في باب الرجل يصلي بإقامة وحده، من كتاب الصلاة، برقم (1954). (¬8) في (س): (غير سفر). (¬9) قوله: (في غير المصر) ساقط من (س). (¬10) قوله: (وحده) ساقط من (ش 2).

المسجد، قال: فلا أذان لهم إلا المسافر (¬1). وقال ابن المسيب ومالك: وإن أقام فحسن (¬2). وهذا هو الصواب؛ لأن الأذان لم يكن لنفسه، وإنما جعل ليدعى به الغائب للصلاة، وقد كانت صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بغير أذان، فلما كثر الناس أرادوا أن يجعلوا علمًا يجتمع له الناس؛ فقال بعضهم: نوّروا نارًا، وقال بعضهم: نجعل ناقوسًا كناقوس النصارى، وقال بعضهم: قرنًا كقرن اليهود، فأري هذا الأذان في المنام فدعوا إلى الصلاة بالقول: حي على الصلاة، حي على الصلاة، واستفتح بذكر الله وختم به، وهو شأن العرب أن يستفتحوا كلامهم بذكر الله (¬3). وإذا كان ذلك لم يكن لأذان الفذ وجه؛ لأنه لا يدعو أحدًا (¬4)، وحَسُن في المسافر لما جاء فيه أنه يصلي خلفه الجبال من الملائكة (¬5)، فصار في معنى الجماعة. والخامس: الأذان للفوائت والسنن كالعيدين والخسوف (¬6) والاستسقاء والوتر وركعتي الفجر وأذان النساء للفرائض، فذلك مكروه؛ فأما الفوائت ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 158، 159. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 159، ولفظه: (إن أقام فواسع). (¬3) هذان حديثان أولهما إلى قوله: (كقرن اليهود. .) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 219 في باب بدء الأذن، من كتاب الأذان، برقم (579)، ومسلم: 1/ 285 في باب بدء الأذان، من كتاب الصلاة، برقم (377)، وأما الرؤيا فوقعت لعبد الله بن زيد - رضي الله عنه - وليست في الصحيحين، أخرجه أبو داود: 1/ 189 في باب كيف الأذان، من كتاب الصلاة برقم (499)، وابن خزيمة: 1/ 196 في باب الترجيع في الأذان، من كتاب الصلاة، برقم (379). (¬4) قوله: (لأنه لا يدعو أحدًا) ساقط من (ر) و (ش 2). (¬5) قوله: (الجبال من الملائكة) ساقط من (س)، وقد سبق تخريجه، ص: 246. (¬6) الخسوف والكسوف: في الشمس والقمر قولان فصيحان. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 23.

فصل [في حكم الإقامة للصلاة]

فإنه لا يدعو أحدًا إليها (¬1) فيزيدها فوتًا. وأما السنن فالثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يكن يؤذن لها (¬2). وأما النساء فإنه ليس من شأنهن الإمامة (¬3). فصل [في حكم الإقامة للصلاة] الإقامة سُنَّة على الرجال؛ كان في صلاة جماعة (¬4) أو فذًّا، صليت في الوقت أو فائتة. ولا إقامة على النساء، قال ابن القاسم: وإن أقامت المرأة فحسن (¬5). ومن شرط الإقامة أن تعقبها الصلاة في الفور، وإن بَعُدَ (¬6) ما بينهما أعاد الإقامة، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - التوسعة في ذلك، ففي مسلم عن أنس قال: "أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُنَاجِيه رَجُلٌ، فَلَمْ يَزَلْ يُنَاجِيهِ حَتَّى نَامَ أَصْحَابُهُ، ثُمَّ جَاءَ فَصَلَّى بِهِمْ" (¬7)، ولم يقل إنه أعاد الإقامة. ومن ترك الإقامة عامدًا أو سهوًا أجزأته صلاته. وقال ابن كنانة: يعيد ¬

_ (¬1) قوله: (إليها) ساقط من (س). (¬2) مثل ما رواه البخاري وغيره من حديث جابر بن عبد الله قال: لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى) أخرجه في صحيحه: 1/ 327، في باب المشي والركوب إلى العيد والصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة، من كتاب العيدين، برقم (917). (¬3) زاد بعده في (ر): (وكذلك الأذان). (¬4) في (س): (كانت الصلاة جماعة. . .). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 158. (¬6) قوله: (وإن بَعُدَ) يقابله في (ش 2): (فإن تراخى). (¬7) أخرجه مسلم: 1/ 484 في باب الدليل على أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء، من كتاب الحيض، برقم (376)، والحديث في البخاري: 5/ 2319 في باب طول النجوى، من كتاب الاستئذان، برقم (5934).

الصلاة إذا تركها عمدًا (¬1). والأول أحسن. واختلف في الأئمة تجمع (¬2) الصلاتين كالظهر والعصر بعرفة، والمغرب والعشاء بالمزدلفة، والجمع ليلة المطر، وفي جمع المسافر، فقال مالك: يصليها بأذانين وإقامتين (¬3). وقال ابن الماجشون في المبسوط (¬4): بأذان للأولى وإقامتين. وفي التفريع لابن الجلاب أنه يصليهما بإقامتين، بغير أذان (¬5). وذكر بعض المخالفين عن ابن عمر أنه أقام للأولى خاصة وصلى الثانية بغير إقامة (¬6). فأثبت مالك الأذانين؛ لأنه الشأن في صلاة الجماعة، وأسقط عبد الملك الأذان للثانية؛ لأن الأذان إعلام بدخول الوقت ليتطهروا ويكونوا على أُهْبَةٍ (¬7)، وليأتوا الصلاة، وهؤلاء متطهرون مجتمعون، وأسقط بالقول الثالث الأذان فيهما (¬8)؛ لأن الأصل أن يدعى لهما (¬9) من كان غائبًا وهؤلاء حضور ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 160. (¬2) في (س) و (ش 2): (الإمام يجمع). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 160، 429. (¬4) قوله: (في المبسوط) زيادة من (ش 2). (¬5) انظر: التفريع: 1/ 119. (¬6) أخرجه مسلم: 2/ 937 في باب الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة واستحباب صلاتي المغرب والعشاء جميعا بالمزدلفة في هذه الليلة، من كتاب الحج، برقم (1288) عن سعيد بن جبير: "أنه صلى المغرب بجمع والعشاء بإقامة"، ثم حدث عن ابن عمر أنه صلى مثل ذلك، وحدث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صنع مثل ذلك. وزاد أحمد في مسنده: 2/ 59 في مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما -: "بإقامة واحدة"، برقم (5241). (¬7) في (ر): (هيئته). (¬8) في (س): (لهما). (¬9) في (س): (لها).

مجتمعون، وأسقطت الإقامة على القول الآخر للثانية؛ لأن الإقامة أذان في الحقيقة، فالأول إعلام بدخول الوقت ليأخذوا في الطهارة والأهبة للصلاة، والثاني إعلام للدخول في الصلاة ليأتي من لم يأت، وكل واحد منهما متضمن للدعاء إلى الصلاة بقوله فيهما: حي على الصلاة، حي على الفلاح، وفي الصحيحين (¬1) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ لمِنْ شَاءَ" (¬2) يريد: التنفل بين الأذان والإقامة، فسمى الإقامة أذانًا، فإذا سقطت الإقامة للثانية- جاز للفذ ألا يقيم. وهو قول الشعبي والأسود ومجاهد والنخعي وعكرمة وأحمد (¬3) وأصحاب الرأي. وقال مالك في المبسوط فيمن أتى المسجد فوجد الناس صلوا، فقال: يقيم لنفسه أحب إلي من أن يصلي بغير إقامة. فاستحب ذلك ولم يره سنة. وقال محمد بن مسلمة في المبسوط أيضًا: إنما الإقامة لمن يقيم (¬4) لنفسه ولمن يأتي بعده، فإن دخل معه أحد كان قد أقام له. واختلفت الأحاديث في صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمزدلفة، فظاهر حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - "أَنَّهُ صَلَّاهُمَا بِأَذَانَيْنِ وَإِقَامَتَيْنِ" (¬5). وفي مسلم من طريق جابر بن عبد الله "أنه بِأَذَانٍ وَاحِد وَإِقَامَتَيْنِ" (¬6). وفي الموطأ من حديث أسامة ¬

_ (¬1) في (ر): (الحديثين الصحيحين). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 225 في باب كم بين الأذان والإقامة ومن ينتظر الإقامة، من كتاب الأذان، برقم (598)، ومسلم: 1/ 573 في باب بين كل أذانين صلاة، من كتاب صلاة المسافرين. وقصرها، بر قم (838) عن عبد الله بن مغفل المزني - رضي الله عنه -. (¬3) قوله: (وأحمد) ساقط من (ش 2). (¬4) في (س): (يؤم). (¬5) أخرجه البخاري: 2/ 604، في باب متى يصلي الفجر بجمع صلاة الفجر بالمزدلفة، من كتاب الحج، برقم (1599). (¬6) أخرجه مسلم: 2/ 886، في باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - من كتاب الحج، برقم (1218).

"بِإِقَامَتَيْنِ" (¬1). وفي مسلم من طريق ابن عمر "بِإِقَامَةٍ وَاحِدَة" (¬2). وإذا اختلفت الأحاديث رجع إلى ما يعضده القياس، فيؤذن للأولى في الظهر؛ ليعلم بدخول الوقت ويأخذوا في أهبة الصلاة، دون الثانية؛ لأنهم على أهبة مجتمعون، وكذلك في الجمع في المطر. ¬

_ (¬1) أخرجه مالك: 1/ 400 في باب صلاة المزدلفة، من كتاب الحج، برقم (899) عن أسامة بن زيد أنه سمعه يقول: "دفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عرفة، حتى إذا كان بالشعب نزل فبال فتوضأ فلم يسبغ الوضوء، فقلت له: الصلاة يا رسول الله. فقال "الصلاة أمامك" فركب فلما جاء المزدلفة نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ثم أقيمت العشاء فصلاها ولم يصل بينهما شيئا". والحديث أخرجه البخاري: 1/ 65 في باب إسباغ الوضوء، من كتاب الوضوء، برقم (139) عن أسامة ابن زيد أيضًا. (¬2) تقدم تخريجه، ص: 249.

باب في التكبير للإحرام والتسبيح والدعاء قبل القراءة والتكبير بالعجمية وقراءة: {بسم الله الرحمن الرحيم}

باب في التكبير للإحرام والتسبيح والدعاء قبل القراءة والتكبير بالعجمية وقراءة: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مِفْتَاحُ الصَّلاَةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ"، وهذا حديث حسن السند ذكره الترمذي (¬1). قال مالك: ولا يجزئ من التكبير إلا: الله أكبر (¬2). فالوصف بـ (أكبر) أبلغ من الوصف بالكبير، وبالأكبر. واختلف في التسبيح قبل القراءة والدعاء وقراءة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فمنع مالك ذلك مرة وقال: إذا كبر قرأ، وليس بين التكبير والقراءة شيء (¬3). قال ابن القاسم: ولم يكن مالك يرى هذا الذي يقوله الناس: "سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك" (¬4). وفي مختصر ما ليس في المختصر: أن مالكًا كان يقول ذلك بعد إحرامه. وفي مسلم عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه كان يجهر بذلك في الصلاة (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي: 1/ 8 في باب مفتاح الصلاة الطهور، من كتاب أبواب الطهارة، برقم (3) وقال: أصح شيء في هذا الباب وأحسن. وأخرجه أبو داود: 1/ 63، في باب فرض الوضوء، من كتاب الطهارة برقم (61). وابن ماجه: 1/ 101، في باب مفتاح الصلاة الطهور، من كتاب الطهارة، برقم (275). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 161. (¬3) انظر المدونة: 1/ 160. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 161. (¬5) أخرجه مسلم: 1/ 199 في باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة، من كتاب الصلاة برقم (399).

ويختلف على هذا في تقدمة الدعاء قبل القراءة، والجواز أحسن؛ لحديث أبي هريرة قال: "كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالقِرَاءَةِ سَكْتَةً. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، سُكُوتكَ بَيْنَ القِرَاءَةِ وَالتَّكْبِيرِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: أَقُولُ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْني وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَما بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِى مِنَ الخَطَايَا كَما يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالَبرَدِ". أخرجه البخاري ومسلم (¬1). وأما قراءة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فليس بواجب ولا مندوب إليه. واختلف هل يكره في هذا الموضع أو يباح؟ فقال مالك في المدونة: لا يفعل ذلك في المكتوبة سرًّا ولا جهرًا، وعليه أدركت الناس (¬2). وقال في المبسوط: إن جهر بذلك في المكتوبة فلا حرج. وفي مسلم: قال أنس: "صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَكُلُّهُمْ كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ بِالحَمْدُ للهِ، وَلاَ يَذْكُرُونَ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فِي أَوَّلِ القِرَاءَةِ وَلاَ فِي آخِرِهَا" (¬3). فانتفى بهذا الحديث أن (¬4) تكون قراءته فرضًا ولا ندبًا، وكذلك حديث أبي هريرة قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قَالَ الله عز وجل: قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَينِ، فَنِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ. ¬

_ (¬1) متفق عليه: أخرجه البخاري: 1/ 259 في باب ما يقول بعد التكبير، من كتاب صفة الصلاة، برقم (711)، ومسلم: 1/ 419 في باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة برقم (598). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 162. (¬3) متفق عليه: أخرجه البخاري: 1/ 259 في باب ما يقول بعد التكبير، من كتاب صفة الصلاة، برقم (710)، ومسلم: 1/ 299 في باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة، من كتاب الصلاة، برقم (399). (¬4) في (ر): (ألا).

فصل [فيمن لا يحسن العربية كيف يفتتح الصلاة]

يَقُولُ العَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. . ." (¬1) الحديث. وهذه حكاية عما يبتدئ به المصلي عند القراءة. قال مالك: ولا يتعوذ قبل القراءة في المكتوبة، ولكن يتعوذ في قيام رمضان إذا قرأ (¬2). وقال في المجموعة في قول الله -عز وجل-: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98]: إن ذلك بعد أم القرآن لمن قرأ في غير الصلاة (¬3). قال الشيخ -رحمه الله-: الشأن فيمن افتتح الصلاة أنه لا يتعوذ، وأرى ذلك؛ لأن الافتتاح (¬4) بالتكبير ينوب عنه ويجزئ منه، وقد جاء في الحديث أنه "إِذَا أَذَّنَ المُؤَذِّنُ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ. . ." (¬5) الحديث معلوم، وأخبر أن فيه مطردة للشيطان. فصل [فيمن لا يحسن العربية كيف يفتتح الصلاة] واختلف في العجمي لا يحسن (¬6) العربية كيف يفتتح الصلاة، فقال ابن القاسم في "المدونة": لا يفتتح بالعجمية (¬7). ولم يذكر كيف يفعل. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم: 1/ 296 في باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، من كتاب الصلاة، برقم (395) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. ومالك في الموطأ: 1/ 84 في باب القراءة خلف الإمام فيما لا يجهر فيه بالقراءة، من كتاب الصلاة، برقم (188). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 162. (¬3) قوله: (في غير الصلاة) يقابله في (ش 2): (في صلاته). (¬4) قوله: (أنه لا يتعوذ. . . الافتتاح) ساقط من (ر). (¬5) سبق تخريجه، ص: 243. (¬6) في (ر): (يعرف). (¬7) انظر: المدونة: 1/ 161.

وقال أبو الفرج: لا يجزئه غير التكبير يدخل به، أو بالحرف الذي أسلم به. قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب: من شيوخنا من يقول: يحرم بلسانه -يريد: بالعجمية- ومنهم من يقول: يعتقد الدخول في الصلاة بقلبه بغير نطق (¬1). وقال مالك في المدونة: أكره أن يدعو بالعجمية في الصلاة (¬2). وقال في موضع آخر: واسع أن يدعو به في غير الصلاة. وقال في الذي يحلف بالعجمية: وما يدريه أن الذي حلف (¬3) به هو كما قال؟ (¬4) فعلى هذا لو علم أن ذلك هو اسمه عز وجل بذلك اللسان لجاز أن يدعوه به في الصلاة؛ لأن الله -عز وجل- علّم آدم الأسماء كلها، وسمّى نفسه تعالى بكل لسان وأعلمهم كيف يدعونه بلسانهم فقال -عز وجل-: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4]، وقد يحمل ما حكاه أبو محمد عبد الوهاب من إجازة ذلك أن يقول: إن أهل ذلك اللسان نقلوه (¬5) خلفًا عن سلف على ذلك وقد كان فيهم مؤمنون (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: الإشراف: 1/ 229، والمعونة: 1/ 91. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 161. (¬3) في (ر): (قال). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 161. (¬5) في (س): (يعلمونه). (¬6) زاد بعده في (ر): (على ذلك، ومُومنون بالهمز وبالحركة).

فصل [فيما يلزم من لا يحسن القرآن]

فصل [فيما يلزم من لا يحسن القرآن] واختلف فيمن لا يحسن القرآن (¬1)، فقال محمد بن سحنون: فرضه أن يذكر (¬2) الله تعالى في صلاته. يريد: في موضع القراءة. وقال القاضي أبو محمد عبد الوهاب: ليس يلزمه من طريق الوجوب تسبيح ولا تحميد، ويستحب له أن يقف وقوفًا ما، فإن لم يفعل وركع أجزأه (¬3). وقال محمد بن مسلمة: يستحب له أن يقف قدر قراءة أم القرآن وسورة. وليس هذا بالبين؛ لأن الوقوف لم يكن لنفسه، وإنما كان ليقرأ القرآن، فإن لم يحسن ذلك سقط (¬4) القيام (¬5) لغير فائدة، وكذا لا نقول إن فرضه أن يذكر الله؛ لأن الفرض كان لشيء معين، فلم يكن (¬6) الذكر بدلًا منه إلا بنص أو إجماع، ويستحب ذلك لحديث الأعرابي لما أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بإعادة صلاته فقال له: "إِنْ كَانَ مَعَكَ قُرْآنٌ فَاقْرَأْ، وَإِلاَّ فَاحْمَدِ اللهَ وَكَبِّرْهُ وَهَلِّلْهُ" (¬7). ولا يجب؛ لأن الثقات من رواة هذا الحديث في البخاري ومسلم لم يذكروا هذه الزيادة (¬8)، وأيضًا ¬

_ (¬1) قوله: (القرآن) ساقط من (ب). (¬2) في (ر): (يدعو). (¬3) انظر: الإشراف: 1/ 277. (¬4) في (ش 2): (صار). (¬5) في (س): (القيام إذ هو). (¬6) في (ش 2): (يلزم). (¬7) (حسن) أخرجه أبو داود: 1/ 289 في باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، من كتاب الصلاة، برقم (861)، والترمذي: 2/ 100 في باب صفة الصلاة، من كتاب الطهارة، برقم (302) وحسنه. (¬8) قوله: (هذه الزيادة) يقابله في (ر): (لهذه الزيادة أصلًا يتبع).

فإنها لم تأت من طريق صحيح. ويؤمر من لا يحسن القرآن أن يتحرى الصلاة مأمومًا، ويجب عليه أن يتعلم ما يؤدي به فرضه في خلال ذلك، فإن فاتته الجماعة صلى فذًّا حسب ما تقدم. واختلف إذا صلى فذًّا وهو قادر على أن يصلي مأمومًا، فقال أشهب في مدونته في أمي صلى بقوم فيهم من يقرأ ومن لا يقرأ: صلاته مجزئة. قال: وإن كنت لا أحب (¬1) له أن يصلي فذًّا ما دام أمِّيًّا، وصلاة من خلفه فاسدة. فرأى صلاة الإمام مجزئة وإن كان في الجماعة من يقرأ. وقال سحنون: لا يجزئه؛ لأنه قال (¬2) في أمي يؤم الأميين: أرى أن يعيدوا الصلاة أبدًا، إلا ألا (¬3) يجدوا أحدًا يقرأ بهم ويخافوا ذهاب الوقت. وإن فرط في التعليم قضى من الصلاة ما صلاها فذًّا بعد مضى قدر ما يتعلم فيه. ¬

_ (¬1) في (س) و (ش 2): (وإن كنت أكره). (¬2) قوله: (لا يجزئه؛ لأنه قال) زيادة من (ر). (¬3) في (ر): (إلا أن).

باب في تكبيرة الإحرام

باب في تكبيرة الإحرام تكبيرة الإحرام فرض لا تجزئ الصلاة إلا بها، وهذا في الإمام والفذ (¬1)، واختلف (¬2) في المأموم هل يحملها الإمام عنه، أو لا؟ فقال مالك: لا (¬3) يحملها الإمام عنه (¬4). وروى عنه ابن وهب في سماعه أنه قال: إذا نسي تكبير الإحرام وتكبيرة الركوع أنه يجزئ عنه إحرام الإمام. ففرق في القول الأول بين حمل الإمام التكبير والقراءة؛ لأن المأموم عند قراءة الإمام يسكت، ولا يسكت عند تكبيرة الإحرام، وكل واحد منهما يكبر. وقاسه في القول الآخر على قراءة السر أن كل واحد منهما يقرأ، فإن فاتت المأموم القراءة وأدرك الإمام راكعًا- أجزأته تلك الركعة، وكلها أقوال، وإذا لم يحملها الإمام على القول الأول فإنه إن كبر للركوع ينوي بها تكبيرة الإحرام أجزأه، وإن لم ينو بها تكبيرة الإحرام مضى في صلاته وأعاد. وإن لم يكبِّر للإحرام ولا للركوع حتى ركع أو سجد ولم يكبر للسجود قطع وابتدأ. وقال أبو مصعب (¬5): من نسي تكبيرة الإحرام خلف الإمام قطع وابتدأ، ¬

_ (¬1) انظر: التفريع: 1/ 68، والمعونة: 1/ 110. (¬2) زاد في (ر): (عن مالك). (¬3) قوله: (فقال مالك: لا) ساقط من (ر). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 344. (¬5) هو: أبو مصعب، أحمد بن القاسم بن الحارث بن زرارة الزهري، المدني، المتوفى سنة 242 هـ، أحد فقهاء المالكية، وقضاة المدينة النبوية، روى عن مالك "الموطأ"، وتفقه بالمغيرة، ومالك بن دينار. وروى عنه الشيخان وغيرهما. لمختصره في مذهب الإمام مالك نسخة فريدة تحفظ في خزانة جامعة القرويين بفاس تحت رقم 40/ 874، وتقع في 174 ورقة، كُتبت في قرطبة، بقلم أندلسي عتيق، مشوب بخط كوفي سنة 359 هـ، وقد اطلعت =

وإن أحب مضى وأعاد. واختلف إذا كبر للركوع وكان قادرًا على أن يرفع ويكبر ويدرك الإمام راكعًا، فقال مالك في كتاب محمد: يرجع (¬1) ويكبر ثم يعود إلى الركوع. وقال ابن القاسم: أخاف أن يكون قد انعقدت له الركعة بتكبيرة الركوع؛ لما جاء في ذلك من الاختلاف، فإن رفع وركع ثانية كانت خامسة (¬2). واختلف بعد القول بجواز الرفع هل يسلم ثم يكبر أم لا؟ وأرى أن يرفع ولا يسلم، ثم يكبر ويعود إلى الركوع وتجزئه صلاته؛ لأنه إن كان الحق عند الله تعالى أن الإمام لا يحملها فهو في غير صلاة؛ فلا يحتاج إلى تسليم، أو يكون الحق عنده أنه في صلاة وأن الإمام يحملها، وأن رفعه إذا رفع يبطل ما هو فيه، فلا يحتاج إلى سلام أيضًا، ولا تكون خامسة وإن كان رفعه لا يبطل لما كان متأولًا، وأن الحكم ألا يرجع (¬3)، وأن الواجب أن يعود إلى ركوعه، فلا تكون خامسة، ويكون بمنزلة من رفع قبل إمامه وهو قادر أن يعود قبل رفعه، فإنه يعود وتجزئه صلاته، ولا تكون خامسة. ¬

_ = على نسخة مصورة عنها في معهد المخطوطات العربية بالقاهرة. انظر ترجمته في: ترتيب المدارك، لعياض: 3/ 347، والديباج، لابن فرحون: 1/ 30، والانتقاء، لابن عبد البر، ص: 62، والتعريف بالأعلام والمبهمات، لابن عبد السلام (بهامش الجامع بين الأمهات بتحقيقنا): 1/ 241، وشجرة النور، لمخلوف: 1/ 57، وطبقات الفقهاء، للشيرازي، ص: 154، وسير أعلام النبلاء، للذهبي: 11/ 467، وفهرس مخطوطات خزانة القرويين: 1/ 588. (¬1) في (س) و (ش 2): (يرفع). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 345. (¬3) في (س) و (ش 2): (يرفع).

فصل [فيمن نوى الإحرام بتكبيرة الركوع، وفي الإمام ينسى تكبيرة الإحرام]

وإن كبر بعد أن صار راكعًا ينوي (¬1) تكبيرة الافتتاح (¬2) - لم يحتسب بتلك الركعة، واحتسب بالإحرام، وتمادى، وقضى ركعة، وأجزأته صلاته. وإن لم يكن نوى بها تكبيرة الإحرام أعاد، ومثله لو كبر وهو يريد السجود أو رافعًا منه يريد القيام. وإلى هذا ذهب محمد، وليس بالبين؛ لأنه عقد الصلاة في غير قيام. فصل [فيمن نوى الإحرام بتكبيرة الركوع، وفي الإمام ينسى تكبيرة الإحرام] واختلف في الإمام والفذِّ إذا كبر للركوع ينوي بها تكبيرة الإحرام، فقال مالك: لا تجزئه الصلاة (¬3). وقال أبو الفرج: هذا على القول أن أمَّ القرآن هي (¬4) فرض في كل ركعة، ويقول: الصلاة تجزئ على القول أنها فرض في ركعة أو في جل الصلاة؛ لأنه يقرؤها في بقية الصلاة. وقال ابن شعبان: وإنما بطلت لأنه تركها عمدًا. يريد: أن قراءتها فرض في ركعة أو في جل الصلاة والزائد سنة، فإن ترك ذلك سهوًا أجزأته، وإن كان عمدًا لم تجزئه. وإذا نسي الإمام ومن خلفه تكبيرة الإحرام لم تجزئهم صلاتهم، وإن نسيها الإمام وكبر من خلفه وهم عالمون أنه لم يكبر- لم تجزئهم أيضًا (¬5)، وإن كانوا ¬

_ (¬1) في (ر): (ينوي بها). (¬2) في (س) و (ش 2): (الإحرام). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 344. (¬4) قوله: (هي) زيادة من (ش 2). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 468، والتفريع: 1/ 68.

غير عالمين يظنون أنه كبر وهو ناسٍ أجزأتهم الصلاة، قياسًا على أحد القولين إذا أَمَّهُم وهو جُنبٌ أو على غير وضوء ولم يتعمد، وإن كان عامدًا لترك التكبير أو ناسيًا ثم ذكر فتمادى بهم- لم تجزئهم الصلاة. وإن كبّر المأموم قبل إمامه وهو يظن أن الإمام قد كبّر ثم علم أنه لم يكبر- لم تجزئه، قال مالك: ويكبر بعد تكبير (¬1) الإمام ولا يسلم (¬2). وقال سحنون: يسلّم ثم يكبّر. ولو صلى لنفسه بتلك التكبيرة لم يجزئه على قول مالك وأجزأه على قول سحنون. وهذا أبين؛ لأنه عقد على نفسه الصلاة بإحرام؛ فلم يسقط حكم الإحرام. وقال سحنون في كتاب ابنه: لا يجزئه إن تمادى (¬3) على إحرامه. وهذا اختلاف قول، إلا أن يكون أجاب على أصل قول مالك. وقال أشهب في المجموعة: إذا سلم الإمام فجاء رجل يظن أنه في الصلاة فأحرم ودخل معه ثم انصرف الإمام- فإنه يمضي على صلاته، وليس عليه أن يستأنفها (¬4). واختلف إذا كان تكبير الإمام والمأموم معًا، فقال مالك في المجموعة: يعيد الصلاة. وقال ابن القاسم: يعيد التكبيرة، فإن لم يفعل أجزأته الصلاة (¬5). ¬

_ (¬1) في (ر): (تكبيرة). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 162. (¬3) في (ش 2): (أن يتمادى). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 310. (¬5) قال في العتبية: (وسئل ابن القاسم عن الرجل يحرم مع الإمام إحرامًا واحدًا معًا، أترى أن =

فصل [في الشك يعرض للمصلي]

وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: من أحرم مع الإمام أو سلم معه أعاد الصلاة أبدًا (¬1). وقال محمد بن عبد الحكم: إن لم يسبقه الإمام بشيء من حروف التكبير لم تجزئه الصلاة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا كبَّرَ الإِمَامُ فَكَبِّرُوا" (¬2). فصل [في الشك يعرض للمصلي] ومن صلى وحده ثم شك في تكبيرة الإحرام، فإن كان شكه قبل أن يركع كبر بغير سلام ثم استأنف القراءة. واختلف إذا شك بعد أن ركع، فقال عبد الملك في كتاب محمد: يتمادى ويقضي ولا يخرج من صلاته قبل تمامها، لعلها تامة صحيحة (¬3). وقال ابن القاسم: يقطع ويبتدئ (¬4). واختلف أيضًا إذا شك في وضوئه فقال سحنون: يقطع. وقال أيضًا: يمضى ولا يقطع؛ لإمكان أن يكون على وضوء. واختلف إذا تمادى وأتم صلاته ثم ذكر أنه على وضوء، فقال محمد بن ¬

_ = يجزئه عنه؟ قال: أرى أن يجزئه عنه، ولو أحرم بعده، كان أجزأ وأصوب) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 93. (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 344. (¬2) متفق عليه: أخرجه البخاري: 1/ 149 في باب الصلاة في السطوح والمنبر والخشب، من كتاب الصلاة في الثياب، برقم (371)، ومسلم: 1/ 308 في باب ائتمام المأموم بالإمام، من كتاب الصلاة برقم (414) من حديث أنس - رضي الله عنه -. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 346. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 346، 362.

المواز: الذي لا شك فيه من قول مالك وأصحابه أنها تجزئه. وقال ابن وهب وأشهب في العتبية: لا تجزئه (¬1). ويختلف على هذا إذا تذكر أنه كبّر للإحرام هل تجزئه الصلاة؟ وإذا كانت الصلاة لا تجزئ في المسألتين جميعًا لم يؤمر بالإتمام. وأنا أرى أن يتمادى؛ لإمكان أن يكونا في الصلاة بوجه صحيح، وأن يعيد لإمكان أن يكونا في غير الصلاة: هذا لعدم الطهارة وهذا (¬2) لعدم التكبير، وليس ذلك بواجب عليهما؛ لأن كل واحد منهما يقول: إنما علي صلاة واحدة ولا أتكلف صلاتين: فيقطع إذا شاء (¬3) ويصلي صلاة واحدة. واختلف في الإمام يشك في تكبيرة الإحرام، فقال سحنون: يمضى في صلاته، فإذا سلم سألهم، فإن قالوا: أحرمت، رجع إلى قولهم، وإن شكوا أعاد جميعهم. وأن شك هل أحدث أو لا؟ (¬4) استخلف (¬5)؛ لأنه إن لم يكن على وضوء- يصح ما مضى من صلاته لمن (¬6) خلفه، ولو تمادى لأبطل عليهم، والذي شك في الإحرام إن لم يكن أحرم لم تجزئهم صلاتهم (¬7)، فحكمهم وحكمه سواء بطلت ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 82، والنوادر والزيادات: 1/ 341، ونص العتبية: (قال سحنون: وسئل أشهب عن الرجل يدخل المكتوبة فيصلي ركعتين، ثم يشك في أنه بقي عليه مسح رأسه، ثم يتم بقية صلاته، ثم يذكر بعد ذلك أنه قد أتم وضوءه، قال صلاته باطل). (¬2) قوله: (وأن يعيد لإمكان. . . الطهارة وهذا) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (إذا شاء) ساقط من (س) و (ش 2). (¬4) قوله: (أو لا) ساقط من (س). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 347. (¬6) قوله: (صلاته لمن) يقابله في (س): (صلاة من). (¬7) قوله: (صلاتهم) ساقط من (ر).

صلاته أو صحت، وهو يتمادى يتعرض (¬1) أن تجزئهم إن كان قد أحرم، ويعيد إن كان (¬2) لم يحرم. ثم وقف في الوضوء فقال: أليس قد يكون على وضوء؟ (¬3) فلا يجوز له قطع الصلاة، ولا يجوز لهم أن يصلوا بإمامة غيره. وهذا أحسن؛ يتمادى بهم، وتجزئه وتجزئهم إن تذكر أنه أحرم أو أنه على وضوء. وقال سحنون في المجموعة فيمن سلم على (¬4) شك هل هو في الثالثة أو في الرابعة ثم تبين له أنها رابعة: إن صلاته فاسدة. وقال ابن حبيب: هي جائزة (¬5). وقول سحنون أحسن. إلا أن يكون ممن يجهل ويظن أن له إذا شك أن يسلم، فتجزئه؛ لأنه لم يكن قصد العبث في صلاته، والشك في تكبيرة الإحرام أو في الرابعة سواء؛ لأن من شك في تكبيرة الإحرام مأمور بالتمادي؛ لإمكان أن يكون قد أحرم، وهذا مأمور أيضًا بالتمادي على الرابعة، وألا يسلم على شك، فتمادي الأول على الشك إصلاح، وسلام الآخر على الشك إفساد. ¬

_ (¬1) في (ب): (الفرض)، وفي (ر): (التعرض). (¬2) قوله: (كان) زيادة من (ش 2). (¬3) لم أقف عليه، وفي النوادر: 1/ 347: (إذا صَلَّى إمام ركعتين، ثم شك في الوضوء، فليستخلف. بخلاف شكه في الإحرام. ثم وقف في الوضوء، وقال: إن كان متوضئا كيف يجوز له القطع). (¬4) في (ر): (ثم). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 341، ونص النوادر: (ومن الواضحة وكتاب ابن سحنون، ومَنْ لم يَدْرِ أهو في الثالثة أم في رابعة، فسلم على شك، ثم تبين له أَنَّه أتم، فصلاته مجزئة عنه، وإن تمادى بشكه، أَعَادَ الصَّلاَة، وروى ابن عبدوس، عن سحنون، أنَّه إن سلم على شَكٍّ، فقد أبطل، ولا تُجْزِئه).

ولو أحرم للظهر ثم شك بعد ذلك هل أحرم للظهر أو للعصر فأتم صلاته، ثم تذكر أنه كان أحرم للظهر- أجزأته صلاته؛ لأنه لم يحدث نية لصلاة أخرى، وليس عليه أن يستصحب النية في جميع صلاته، وقد تمادى على نية القربة لله سبحانه. واختلف أيضًا إذا ظن أنه في العصر وأتمها على ذلك، ثم تبين أنه في الظهر، فقال أشهب: تجزئه صلاته. وقال يحيى بن عمر: لا تجزئه (¬1). واختلف أيضًا فيمن سلم من ركعتين ثم أتى بركعتين بنية النفل، ثم تذكر، فقال ابن القاسم: لا تجزئه. وقال عبد الملك: تجزئه (¬2). وهو في مسألة أشهب أبين؛ لأن كليهما (¬3) فرض. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 341. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 341. (¬3) في (ش 2): (كلتيهما).

باب في القراءة في الصلاة

باب في القراءة في الصلاة القراءة في الصلاة فرض (¬1) على الفذ والإمام دون المأموم، ثم هي متعينة بأم القرآن. والأصل في ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ صَلاَةَ لمِنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ فَصَاعِدًا" أخرجه البخاري ومسلم (¬2). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ صَلاَةٍ لَمْ يُقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ القُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ، فَهِيَ خِدَاجٌ، فَهِيَ خِدَاجٌ غَيْرُ تَمَامٍ" (¬3). ولا يعترض هذا بقوله - صلى الله عليه وسلم - للأعرابي: "اقْرَأْ بِمَا تيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ" (¬4) لأنها نازلة في عين والأول شَرْعٌ أقامه لجميع الناس؛ لأن الظاهر من الأعرابي أنه لا يحسن القرآن؛ لأن من لا يحسن الظاهر من الأعمال كالركوع والسجود أحرى ألا يحسن القراءة؛ ولإمكان أن يكون لم ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - في حين قوله ذلك أنها تختص بفاتحة الكتاب. ¬

_ (¬1) قوله: (فرض) زيادة من (ش 2). (¬2) أخرجه مسلم: 1/ 295 في باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات من كتاب صفة الصلاة، برقم (37/ 394)، ونحوه في البخاري: 1/ 263 في باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات، من كتاب صفة الصلاة، برقم (723). (¬3) أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة وأنه إذا لم يحسن الفاتحة ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها: 1/ 296، برقم (395) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وأخرجه مالك، كتاب الصلاة، باب القراءة خلف الإمام فيما لا يجهر فيه بالقراءة: 1/ 84، برقم (188)، واللفظ للموطأ. (¬4) متفق عليه: أخرجه البخاري: 1/ 274 في باب حد إتمام الركوع والاعتدال فيه والطمأنينة، من كتاب صفة الصلاة، برقم (760)، ومسلم: 1/ 298 في باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة وأنه إذا لم يحسن الفاتحة ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها، من كتاب الصلاة، برقم (397) من حديث أبي هريرة.

وأما المأموم فإنه لا يقرأ إذا جهر إمامه (¬1)، واختلف إذا أسر، فقال مالك وابن القاسم: يقرأ، وقال ابن وهب: لا يقرأ خلفه، وحكى محمد بن المواز عن أشهب أنه لم يكن يقرأ خلف الإمام (¬2). وقال محمد بن عبد الحكم: يقرأ خلف الإمام، فإن لم يفعل أجزأه؛ لأن الناس مجمعون على أن من أدرك الإمام راكعًا فركع معه أنها تجزئه، ويعتد بها، فلو كان تارك القراءة خلف الإمام لا يعتد بها- لم تجزئه هذه الركعة. قال الشيخ -رحمه الله-: اختلف الناس في القراءة خلف الإمام على ثلاثة أقوال: فقيل: عليه أن يقرأ، جهر الإمام أو أسر. وقيل: لا يقرأ على حال. وقيل: إن جهر لم يقرأ، وإن أسر قرأ. واحتج من ألزم القراءة في الحالتين بأحاديث الأول: "لاَ صَلاَةَ لمِنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ" (¬3)، وحمل الحديث على عمومه في الفذ والإمام، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ صَلاَةٍ لَمْ يُقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ القُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ، فَهِيَ خِدَاجٌ، غَيْرُ تَمَامٍ". قيل: يا أبا هريرة، إني أكون أحيانًا خلف الإمام. قال: اقرأ بها في نفسك يا فارسي (¬4). وفي الترمذي قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الصبح فثقلت عليه القراءة، فلما انصرف قال: "إِنِّي أَرَاكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفَ إِمَامِكُمْ؟ " قلنا: إي والله يا رسول الله، قال: "فَلاَ تَفْعَلُوا إِلاَّ بِأُمِّ القُرْآنِ، فَإِنَّهُ لاَ صَلاَةَ إلا بِهَا" (¬5)، وهذا حديث صحيح. ¬

_ (¬1) انظر: الموطأ: 1/ 84، وما بعدها. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 179. (¬3) سبق تخريجه، ص: 266. (¬4) أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 84، في باب القراءة خلف الإمام فيما لا يجهر فيه بالقراءة، من كتاب الصلاة، برقم (188). (¬5) (حسن) أخرجه الترمذي: 2/ 116 في باب ما جاء في القراءة خلف الإمام، من كتاب =

واحتج من نَفَى القراءة إذا جهر وأثبتها إذا أسر بحديث أبي هريرة قال: "انْصَرَفَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ صَلاةٍ جَهَرَ فِيهَا بِالقِرَاءَةِ، فَقَالَ: هَلْ قَرَأَ أَحَدٌ مَعِي مِنْكُمْ آنِفًا. فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا يَا رَسُولَ الله. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: إِنِّي أَقُولُ مَا لِي أُنَازَعُ القُرْآنَ، قَالَ: فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ القِرَاءَةِ مَعَ رَسُوَلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا جَهَرَ فِيهِ" (¬1). ومفهوم الحديث أنهم نهوا (¬2) عن القراءة في الجهر (¬3). ويحتج لمن قال: لا يقرأ مع الإمام على حال بالحديث الذي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَإِذَا قَرَأَ الإِمَامُ فَأَنْصِتُوا" أخرجه مسلم (¬4)، ولم يفرق بين السر والجهر. وقال ابن عمر في الموطأ: "إذا صلى أحدكم خلف الإمام فحسبه قراءة الإمام، وإذا صلى وحده فليقرأ"، قال نافع: وكان ابن عمر لا يقرأ خلف الإمام (¬5). وقد كان ابن عمر أكثر الناس اتباعًا واقتصاصًا لأفعال النبي - صلى الله عليه وسلم -، ¬

_ = أبواب الصلاة، برقم (311) وقال: (حديث حسن)، وأبو داود: 1/ 277 في باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب، من كتاب الصلاة، برقم (823)، والنسائي: 2/ 141 في باب قراءة أم القرآن خلف الإمام فيما جهر به الإمام، من كتاب صفة الصلاة، برقم (920). (¬1) (حسن) أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 86 في باب ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر فيه، من كتاب الصلاة، برقم (193) وأبو داود: 1/ 278 في باب من كره القراءة بفاتحة الكتاب إذا جهر الإمام، من كتاب الصلاة، برقم (826)، والترمذي: 2/ 118 في باب ما جاء في ترك القراءة خلف الإمام إذا جهر الإمام بالقراءة، من كتاب الصلاة، برقم (312)، وقال: حديث حسن، والنسائي: 2/ 140 في باب ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر به، من كتاب صفة الصلاة، برقم (919). (¬2) في (س): (كفوا). (¬3) في (س): (السر). (¬4) أخرجه مسلم: 1/ 303 في باب التشهد في الصلاة، من كتاب الصلاة، برقم (63/ 404). (¬5) أخرجه مالك: 1/ 86 في باب ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر فيه، من كتاب الصلاة، =

والصلاة مما يتكرر في اليوم خمس مرات، فلو كان العمل على القراءة خلف الإمام لَقَرَأَ ابن عمر ولم يفت الناس بخلاف ذلك. وقال جابر: من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصل، إلا وراء الإمام (¬1). وذكر الطحاوي في شرح معاني الآثار (¬2) عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ (¬3) فَقِرَاءَةُ الإِمَامِ قِرَاءَةٌ لَهُ" (¬4)، وعن علي - رضي الله عنه - قال: "مَنْ قَرَأَ خَلْفَ الإِمَامِ فَلَيْسَ عَلَى الفِطْرَةِ" (¬5). ¬

_ = برقم (192)، والطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/ 220 في باب القراءة خلف الإمام، من كتاب الصلاة، برقم (1216). وأخرجه دون قوله: (قال نافع. . .): الدارقطني في سننه: 1/ 402 في باب ذكر نيابة الإمام عن قراءة المأمومين، من كتاب الصلاة، برقم (2)، والبيهقي في السنن الكبرى: 2/ 161 في باب من قال لا يقرأ خلف الإمام على الإطلاق، من كتاب الحيض، برقم (2727)، وصحح كونه موقوفًا على ابن عمر - رضي الله عنه -. (¬1) (حسن صحيح) أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 84 في باب ما جاء في أم القرآن، من كتاب الصلاة، برقم (187)، والترمذي: 2/ 124 في باب ما جاء في ترك القراءة خلف الإمام إذا جهر الإمام بالقراءة، من كتاب الصلاة، برقم (313)، والبيهقي في السنن الكبرى: 2/ 160 في باب من قال لا يقرأ خلف الإمام على الإطلاق، من كتاب الحيض، برقم (2725) وصححه موقوفًا. (¬2) في (ش 2): (الأخبار). (¬3) قوله: (إمام) ساقط من (س). (¬4) أخرجه ابن ماجه: 1/ 277 في باب إذا قرأ الإمام فأنصتوا، من كتاب إقامة الصلاة، برقم (850)، وأحمد: 3/ 339 في مسند جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -، من مسنده، برقم (14684)، والبيهقي في السنن الكبرى: 2/ 160 في باب من قال لا يقرأ خلف الإمام على الإطلاق، من كتاب الحيض، برقم (2724). (¬5) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه: 2/ 137 في باب القراءة خلف الإمام، من كتاب الصلاة، برقم (2801)، وابن أبي شيبة في مصنفه: 1/ 330 في باب من كره القراءة خلف الإمام، من كتاب =

فصل الخلاف في وجوب الفاتحة في الكل أو الجل على الإمام والفذ

وعن ابن مسعود قال: ليت الذي يقرأ خلف الإمام ملئ فوه ترابًا (¬1). وقال زيد بن ثابت وابن عباس: لا يقرأ خلف الإمام (¬2). فصل الخلاف في وجوب الفاتحة في الكلِّ أو الجُلِّ على الإمام والفَذِّ واختلف في الفذ والإمام هل تجب عليه قراءة أم القرآن في كل ركعة أو في جُلِّ الصلاة أو في ركعة واحدة فرأى مالك مرة (¬3) أنها تجب في كل ركعة. فإن تركها في ركعة واحدة سهوًا (¬4) ألغى تلك الركعة (¬5) ولم يعتد بها، كمن نسي ركعة أو سجدة، وإن لم يذكر حتى سلم وطال بطلت صلاته واستأنفها، ورأى مرة أنها فرض في جل الصلاة، فإن تركها في ركعة من الظهر أو غيرها ما سوى الصبح أجزأته صلاته وسجد سجدتي السهو قبل السلام (¬6). ويختلف على هذا إذا تركها عمدًا هل يسجد وتجزئه صلاته أو يعيدها؟ وإن تركها في ركعتين من إحدى الصلوات الأربع أو من ركعة من الصبح لم تجزئه صلاته، وترجح عنده الأمر مرة هل هي فرض في كل ركعة أم لا (¬7)؟ ¬

_ = الصلوات، برقم (3781)، قال ابن عبد البر في الاستذكار: 1/ 470: غير ثابت عن علي. (¬1) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه: 2/ 138 في باب القراءة خلف الإمام، من كتاب الصلاة، برقم (2806)، والطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/ 219 في باب القراءة خلف الإمام، من كتاب الصلاة، برقم (1209)، وقال الزيلعي في نصب الراية: 2/ 11 إسناده حسن. (¬2) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه: 1/ 330 في باب من كره القراءة خلف الإمام، من كتاب الصلوات، برقم (3787). (¬3) قوله: (مرة) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (فإن تركها في ركعة واحدة سهوًا) في (ر): (فقال مالك: من نسيها في ركعة). (¬5) قوله: (تلك الركعة) يقابله في (ش 2): (واستأنفها). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 163، 164. (¬7) قوله: (أم لا) ساقط من (ر).

فقال: إذا أسقطها من ركعة سجد سجدتي السهو (¬1)؛ لجواز أن تكون ليست بفرض، ويعيد الصلاة؛ لجواز أن تكون فرضًا في كل ركعة. وذكر ابن حبيب عن مالك أنه قال: إن أسقطها من ركعة واحدة أجزأته سجدتا السهو، كان ذلك من أول صلاته أو من آخرها، إلا أن ينساها في ركعة من الصبح أو الجمعة أو من صلاة السفر التي هي ركعتان- فإنه يسجد لسهوه قبل السلام (¬2) ويعيد، وكذلك إذا نسيها من ركعتين من الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء فإنه يسجد لسهوه قبل السلام ويعيد (¬3). وعن ابن الماجشون أنه قال: إذا نسيها من ركعة فسواء كان ذلك من الصبح أو الجمعة أو غيرهما من الصلوات، فإن سجدتي السهو تجزئانه ولا إعادة عليه، وإن نسيها من ركعتين، فأرى أن يمضي على صلاته ثم يسجد لسهو قبل السلام ويعيد (¬4). قال: وإنما ينظر (¬5) إلى السهو إذا كثر وطال، قال ولا أحدّه بركعة من الصبح إلا كما أحده بركعة من الظهر. قال: وقول ابن عبد الحكم وأصبغ: إذا نسيها من ركعة من الصبح أو من ركعتين من سواها فإنه يلغي ذلك، ويبني على ما صح ويسجد لسهوه بعد السلام (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 164. (¬2) قوله: (قبل السلام) ساقط من (س). (¬3) قوله: (وكذلك إذا نسيها. . . قبل السلام ويعيد) ساقط من (ر)، وانظر: النوادر والزيادات: 1/ 349. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 351. (¬5) في (س): (أنظر). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 350.

قال المغيرة في النوادر: إن لم يقرأها من الظهر إلا في ركعة أجزأته، وجعلها فرضًا في ركعة واحدة من أي الصلوات كانت (¬1). وكل هذا الاختلاف فإنه إذا فات موضع الإتيان بها، فإن لم يفت وذكره وهو قائم قبل أن يركع قرأها. واختلف هل يعيد قراءة السورة التي قرأها معها إذا كان قد قرأها؟ وفي سجود السهو، فقال علي بن زياد في المجموعة: لا يعيد قراءتها (¬2). وقال أشهب في مدونته: يعيد قراءتها، وقاله سحنون، قال: ويسجد لسهوه بعد السلام (¬3). وقال ابن حبيب: لا سجود عليه. قال الشيخ -رحمه الله-: إعادة قراءتها أحسن؛ ليأتي بها على حسب ما وردت به السنة، والسجود فيها (¬4) خفيف. واختلف أيضًا إذا ذكر وهو راكع، فذكر ابن عبدوس (¬5) عن سحنون أنه ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 350. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 353. نقله عن مالك. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 352. (¬4) في (ش 2): (في هذا). (¬5) هو: أبو عبد الله، محمد بن إبراهيم بن عبدوس بن بشير القرشي، مولاهم، القروي، المتوفى سنة 260 هـ، أو 261 هـ، أحد أكابر أصحاب سحنون، ورابع المحمدين الأربعة ابن عبد الحكم، وابن المواز، المصريان وابن سحنون، وابن عبدوس القرويان وكلهم من أعلام المذهب جمعهم عصر واحد، ومن أشهر ما صنف ابن عبدوس، المجموعة في خمسين كتابًا مات قبل أن يتمها وشروح على المدونة. انظر ترجمته في: ترتيب المدارك، لعياض: 4/ 222، والديباج، لابن فرحون: 2/ 174، والتعريف بالأعلام والمبهمات، لابن عبد السلام (بهامش الجامع بين الأمهات بتحقيقنا): 1/ 719، وشجرة النور، لمخلوف: 1/ 270، وطبقات الفقهاء للشيرازي، ص: 158، ومعالم الإيمان، لابن الدباغ: 2/ 137.

قال: يرجع فيبتدئ القراءة من أولها، وإن كان قد رفع من الركوع تمادى، واعتد بما يفترض بها أن تجزئه، فإذا سلم أعاد احتياطًا. وفي كتاب محمد كذلك (¬1). قال الشيخ -رحمه الله-: أما على القول أنها فرض في كل ركعة فإنه إذا ذكر وهو راكع أو بعد أن رفع رأسه (¬2) من الركوع أو بعد أن سجد سجدة -فإنه يلغي ذلك كله ويعود إلى القيام والقراءة، وإن ذكر وهو قائم في الثانية- احتسب بها أولى، فإذا أتمها بسجودها لم يجلس؛ لأنها أولى صلاته (¬3)، وإن ذكر وهو قائم في الثالثة- احتسب بها ثانية، ويضيف إلى قراءة أم القرآن سورة، فإذا ركع وسجد جلس؛ لأنها ثانية، وإن ذكر وهو قائم في الرابعة- احتسب بها ثالثة، وأتى بعد تمامها رابعة (¬4)، وسجوده- إذا ذكر وهو في الأولى أو الثانية أو الثالثة وهو قائم فأضاف سورة وجعلها ثانية وجلس (¬5) وسجد- بعد السلام، وإن ذكر (¬6) بعد أن رفع (¬7) من الثالثة فلما أتم السجود جلس أو لم يجلس فذكر في الرابعة- سجد قبل السلام؛ لأن في صلاته زيادة، وهي الركعة الملغية (¬8)، وتقضى (¬9) السورة وحدها تارة، وتارة الجلوس والسورة، ومثله إذا نسيها من الثانية فذكر وهو في ركوعها أو في سجودها- يلغي ذلك، ويعود إلى القيام، وإن ذكر وهو في الثالثة- جعلها ثانية، وأضاف سورة مع أم القرآن إن كان قائمًا وسجوده ¬

_ (¬1) قوله: (وفي كتاب محمد كذلك) ساقط من (س)، وانظر: النوادر والزيادات: 1/ 351. (¬2) قوله: (رأسه) ساقط من (س). (¬3) قوله: (صلاته) ساقط من (س). (¬4) في (س): (بركعة). (¬5) قوله: (وجلس) زيادة من (ش 2). (¬6) في (ش 2): (ذكرها). (¬7) في (ر): (فرغ). (¬8) في (ش 2): (الملغاه). (¬9) في (ش 2): (ونقص).

بعد، وإن ذكر بعد أن رفع- أتمها؛ لأنه في فرض -وهو الركوع- ولا يرجع منه إلى سنة وهي السورة التي مع أم القرآن، ويجلس ويحتسب بها ثانية، وسجوده قبل. وإن نسيها في الثالثة وذكر وهو في الرابعة- احتسب بها ثالثة، وأتى بالرابعة، وسجد قبل، وإن نسيها من الرابعة ألغى ما صار إليه من ركوع وسجود وعاد إلى القيام فقرأها وأتم الرابعة، وسجوده إذا نسيها من الثالثة أو الرابعة- بعد. وأما على القول أنها فرض في جل الصلاة وكان نسيها من أول ركعة فذكر وهو راكع أو بعد أن رفع فإنه يمضي على صلاته؛ لأنه يأتي بها في الثلاثة الباقية ويسجد وتجزئه، وكذلك إذا نسيها من الثانية أو الثالثة أو الرابعة فذكر بعد أن رفع من الركوع فإنه يتم عليها ويسجد قبل السلام؛ بمنزلة من سها (¬1) عن سنة. وقال ابن القاسم في كتاب محمد: إذا ذكر وهو راكع في أول ركعة أو بعد أن رفع وقبل أن يسجد- فإنه يقطع صلاته بسلام ويبتدئ بإقامة، وإن لم يذكر حتى أتمها بسجدتيها أضاف إليها أخرى وسلم وسجد (¬2) سجدتي السهو قبل السلام، وإن ذكر وهو في الثالثة أو ركع ولم يرفع من الركوع رجع فسلم من اثنتين وجعلها نافلة وسجد سجدتي السهو ثم سلم، وإن لم يذكر حتى رفع من الثالثة أتمها أربعًا وسلم وأعاد. قال: وإن قرأها في الأولى ونسيها من الثانية فإنه يتم هذه الثانية ويسجد لسهوه ويسلم منها (¬3). ¬

_ (¬1) قوله: (سها) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (وسجد) ساقط من (س). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 351.

فصل الخلاف في السورة التي مع أم القرأن سنة أو واجبة أو مستحبة

وقال أصبغ: لا أرى أن يقطع إن ذكر وهو راكع في أول ركعة، ولا إذا أتمها ركعتين، ولكنه يمضي حتى يتم صلاته، ويسجد قبل السلام وتجزئه إلا أن يشاء أن يعيد، وإن لم يفعل فصلاته تامة (¬1). فجواب ابن القاسم على أحد قولي مالك المتقدم: أنه ترجح (¬2) عنده هل هي فرض في كل ركعة أو لا؟ وجواب أصبغ على القول أنها فرض في جُلِّ الصلاة. فصل الخلاف في السورة التي مع أم القرأن سُنَّة أو واجبة أو مستحبة واختلف في قراءة السورة التي مع أم القرآن في الصبح وفي الركعتين الأوليين من سواها، هل ذلك سنة أو واجب أو مستحب، فقال مالك في المدونة فيمن ترك ذلك سهوًا: سجد لسهوه قبل السلام (¬3). قال ابن القاسم في العتبية: وإن نسيها حتى تطاول فلا شيء عليه (¬4). وقال أشهب ومالك في مختصر ما ليس في المختصر: لا شيء عليه. لا إعادة ولا سجود (¬5). فجعلها مستحبة. واختلف إذا تركها عمدًا؛ فقال ابن القاسم: يستغفر الله ولا شيء عليه (¬6). وقال عيسى: إن تركها عامدًا أو جاهلًا أعاد أبدًا. فجعلها واجبة، وعلى هذا ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 351. (¬2) الترجح التذبذب بين شيئين عام في كل ما يشبهه. انظر: لسان العرب: 2/ 445. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 163. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 35. (¬5) قوله: (لا إعادة ولا سجود) زيادة من (ر). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 164.

إذا تركها سهوًا ولم يسجد حتى طال الأمر- تبطل صلاته. والقول إنها مستحبة أحسن؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ صَلاَةَ لمِنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ فَصَاعِدًا" (¬1) فمفهوم هذا جواز الاقتصار على أم القرآن (¬2)، وهو كقوله: "القَطْعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا" (¬3) فالحكم معلق (¬4) بربع دينار، والزائد عليه لا يزيد حكمًا. واختلف هل له أن يقرأ في الركعتين الأخريين بسورة بعد أم القرآن، فقيل: لا يفعل، وإن فعل فلا شيء عليه. وقال محمد بن عبد الحكم: من فعل هذا (¬5) فقد أحسن. وهو أصوب؛ لأنه زيادة فضل، وقد أجاز مالك في مختصر ابن عبد الحكم أن يقرأ في كل ركعة من الركعتين الأوليين بالسورتين والثلاث (¬6)، فإذا جاز أن يزيد على سورة في الأوليين: جاز أن يقرأ بسورة في الأخريين. وقال: ولا بأس إذا قرأ في الأولى بعد الحمد بسورة أن يقرأ في الثانية بسورة قبل الأولى (¬7)، وأن يقرأ بها بعد أحسن، ولا يقرأ بسورة في ركعتين، فإن فعل أجزأه. وقال في المجموعة: لا بأس به، وما هو بالشأن. ¬

_ (¬1) سبق تخريجه، ص: 266. (¬2) قوله: (أم القرآن) يقابله في (س): (فاتحة الكتاب). (¬3) أخرجه البخاري: 6/ 2492، في باب قول الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}. وفي كم يقطع، من كتاب الحدود برقم (6407) ومالك في الموطأ: 2/ 832، في باب ما يجب فيه القطع، من كتاب الحدود، برقم (1520) موقوفا على عائشة - رضي الله عنها -. (¬4) في (ش 2): (متعلق). (¬5) قوله: (هذا) ساقط من (س). (¬6) انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 1/ 359. (¬7) قوله: (قبل الأولى) زيادة من (ش 2).

فصل في التأمين بعد الفاتحة

فصل في التأمين بعد الفاتحة يؤمن المصلي (¬1) عند خاتمة الحمد في خمس مواضع، واختلف في سادس: ويؤمن الفذ في صلاة السر والجهر، والمأموم في صلاة السر عند فراغه من قراءة نفسه (¬2) وفى الجهر عند فراغ الإمام من قراءتها (¬3)، ويؤمن (¬4) الإمام في صلاة السر، واختلف في صلاة الجهر فقال مالك: لا يؤمن (¬5). وقال ابن حبيب: يؤمن. وقال ابن بكير: هو بالخيار بين أن يؤمن أو يدع. وقال عبد الوهاب: الأفضل الاجتزاء بتأمين المأموم. والقول إنه يؤمن أحسن؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا" (¬6). وقال ابن شهاب (¬7): كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "آمِينَ" (¬8)، وفي الترمذي "أنه - عليه السلام - أَمَّنَ" (¬9). ¬

_ (¬1) آمين: مطولة الألف ومقصرة لغتان، ويقال: إنه اسم من أسماء الله -عز وجل-. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 24. (¬2) قوله: (عند فراغه من قراءة نفسه) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (عند فراغ الإمام من قراءتها) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (يؤمن) ساقط من (س). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 167. (¬6) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 270، في باب جهر الإمام بالتأمين، من كتاب صفة الصلاة برقم (747)، ومسلم: 1/ 307، في باب التسميع والتحميد والتأمين، برقم (410)، من كتاب الصلاة، ومالك في الموطأ: 1/ 78، في باب ما جاء في التأمين خلف الإمام، من كتاب الصلاة، برقم (194). (¬7) في (ش 2): (وقال أشهب). (¬8) متفق عليه، نفس الموضع السابق. (¬9) لفظ ما وقفت عليه في الترمذي: (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه" أخرجه في سننه: 2/ 30، في باب ما جاء في فضل =

والقول أن المعنى في الحديث: "إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا" أي: إذا قال الإمام: {وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7]؛ لأنه دعاء، ولأن هارون - عليه السلام - كان يؤمن، فقال الله -عز وجل-: {قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا} [يونس: 89] وهذا (¬1) غير صحيح؛ لأنه لا يقال لمن دعا ولم يكن في دعائه تأمين فقال: "اللهم اغفر لي، اللهم ارزقني" فلا يقال: إنه أمن، فكل مؤمنٍ داعٍ، وليس كل داعٍ مؤمنًا، حتى يكون في دعائه آمين. واستحب للإمام أن يجهر به ليقتدي به من خلفه؛ للحديث: "إِذَا أَمَّنَ الإمَامُ فَأَمِّنُوا" وإذا رفع من الركوع قال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد (¬2) إن كان فذًّا، وإن كان إمامًا قال: سمع الله لمن حمده، ويقول من خلفه: ربنا ولك الحمد. واختلف هل يقول ذلك الإمام، فمنع ذلك مالك مرة (¬3)، وأجازه في مختصر ما ليس في المختصر، وقاله ابن نافع وعيسى بن دينار (¬4) عن (¬5) ابن مزين (¬6)، وهو أحسن؛ لحديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "سَمِعَ اللهُ لَمِنْ ¬

_ = التأمين، من أبواب الصلاة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، برقم (250)، وقال: حسن صحيح. (¬1) قوله: (وهذا) ساقط من (س). (¬2) قوله: (ربنا ولك الحمد) ساقط من (ر). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 167. (¬4) قوله: (وعيسى بن دينار) زيادة من (ش 2). (¬5) كذا في (س) و (ر) وكذا هي في (ب) غير أنه رسم فوقها (خـ) مما يدل على أنه اعتبرها (خطأ)، وكتب أعلاها (عند) وما فعله هو الصواب فإنّا وإن لم نقف على ما عند ابن مزين فالصواب أن ابن مزين المتوفى سنة (259 هـ) أو (260 هـ) هو من ينقل عن ابن نافع المتوفى سنة (186 هـ). (¬6) هو: أبو زكريا، يحيى بن إبراهيم بن مزين الطليطلي، القرطبي، المتوفى سنة 259 هـ، روى عن عيسى بن دينار ومحمد بن عيسى الأعشى، ويحيى بن يحيى، وغازى بن قيس =

فصل في رفع اليدين في الصلاة

حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ" (¬1). وفي سماع ابن وهب عن مالك قال: أحب للمأموم ألا (¬2) يجهر بالتكبير وبـ"ربنا ولك الحمد"، ولو جهر بذلك جهرًا يسمع من يليه فلا بأس (¬3). ولم يذكر في الإمام شيئًا، والشأن أن يجهر بذلك وبالتكبير؛ فيقتدي به من خلفه في الركوع والسجود. فصل في رفع اليدين في الصلاة واختلف في رفع اليدين في الصلاة على خمسة أقوال، وعن مالك في ذلك أربع روايات؛ فقال مالك في المدونة: يرفع مرة واحدة عند الإحرام لا غير ذلك (¬4). وروى عنه ابن عبد الحكم أنه يرفع في موضعين: عند الإحرام، وعند رفع ¬

_ = ونظرائهم، ورحل إلى المشرق؛ فلقي بالمدينة مطرفًا، وروى عنه الموطأ ورواه أيضا عن حبيب كاتب مالك، ودخل العراق فسمع من عبد الله بن مسلمة القعنبى، ومن أحمد بن عبد الله بن يونس، وبمصر من أصبغ وغيره، وألف كتبًا حسانًا منها "تفسير الموطأ" وكتاب في تسمية الرجال المذكورين فيه، واستقصى علل الموطأ في كتاب سماه "المستقصية"، وكتاب في فضائل العلم، وكتاب في فضائل القرآن. انظر ترجمته في: المدارك، لعياض: 4/ 238، والديباج، لابن فرحون: 2/ 361، وتاريخ ابن الفرضي: 2/ 781، وجذوة المقتبس، للحميدي، ص: 350، وبغية الملتمس، للضبي، ص: 482. (¬1) أخرجه البخاري: 1/ 258، في باب إلى أين يرفع يديه، من كتاب صفة الصلاة، برقم (705) ومالك في الموطأ: 1/ 75، في باب افتتاح الصلاة، من كتاب الصلاة، برقم (163). (¬2) في (ر): (أن). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 185. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 165.

الرأس من الركوع (¬1). وقال في سماع ابن وهب: يرفع في ثلاثة مواضع: في الإحرام، والركوع، والرفع منه. وقال في مختصر ما ليس في المختصر: لا يرفع اليدين في شيء من الصلاة. قال ابن القاسم: ولم أر مالكًا يرفع يديه إلا (¬2) عند (¬3) الإحرام (¬4). قال: وأحب إليَّ ترك رفع اليدين عند الإحرام. وقال ابن وهب: يرفع يديه (¬5) إذا قام من الاثنتين. وهذا أحسن أن يرفع في الأربعة المواضع؛ لحديث ابن عمر قال: "رَأَيتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاةِ حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يَرْكَعُ وَحِينَ يَرْفَعُ مِنَ الرُّكُوعِ". أخرجه البخاري ومسلم، ومالك في "الموطأ" (¬6)، وزاد البخاري عن ابن عمر "أنه كَانَ يَرْفَعُ إِذَا قَامَ مِنَ اثْنَتَيْنِ، وَيَذْكُرُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ" (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: شرح التلقين، للمازري: 1/ 113. (¬2) قوله: (إلا) ساقط من (ش 2). (¬3) قوله: (إلا عند) يقابله في (ر): (في). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 413. (¬5) قوله: (يرفع يديه) يقابله في (ر): (يريد). (¬6) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 257، في باب رفع اليدين في التكبيرة، من كتاب صفة الصلاة، برقم (702)، ومسلم: 1/ 292، في باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام والركوع وفي الرفع من الركوع وأنه لا يفعله إذا رفع من السجود، من كتاب الصلاة، برقم (390) ومالك في الموطأ: 1/ 75، في باب افتتاح الصلاة، من كتاب الصلاة، برقم (163). (¬7) أخرجه البخاري: 1/ 258، في باب رفع اليدين إذا قام من الركعتين، من كتاب صفة الصلاة، برقم (706).

واختلف في حدّ الرفع، فقيل: حذو الصدر. وقيل: إلى المنكبين (¬1). وقيل: حذو الأذنين. واختلفت الأحاديث نحو ما ذكرنا من الاختلاف في الروايات. ومحمل ذلك على التوسعة؛ يفعل أي ذلك أحب. واختُلف في صفة الرفع، والذي آخذ به أن تكون قائمة لا مبسوطة ولا مضمومة، وأما بسطها (¬2) ففي حالة الدعاء والسؤال رغبًا تارة ورهبًا تارة، وليس المراد برفعهما عند الإحرام: الدعاء، ولا الطلبة لشيء، والقصد به استعظام لما يدخل فيه، وكثيرًا ما يجري من شأن (¬3) الناس عندما يفجأه أمر يستعظمه رفع اليدين كالفَرخِ منه. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 170. (¬2) في (ش 2): (بسطهما). (¬3) في (ر): (أمر).

باب فيمن جاء والإمام راكع: هل يركع في موضع إن خشي أن تفوته الركعة؟

باب فيمن جاء والإمام راكع: هل يركع في موضع إن خشي أن تفوته الركعة؟ وقال مالك: فيمن جاء والإمام راكع: فليركع إن خشي أن يرفع الإمام رأسه إذا كان قريبًا يطمع إذا ركع فدب أن يصل إلى الصف. فإن كان بعيدًا فركع أن ذلك مجزئ عنه (¬1). وأجاز بعد ذلك أن يركع حيث هو (¬2). واختلف في هذه المسألة في ثلاثة مواضع: أحدها: في حد القرب الذي يجوز له أن يركع فيه ثم يمشي منه. والثاني: هل يتمادى إلى الصف وهو في حال ركوعه أو بعد رفعه؟ والثالث: إذا كان بعيدًا هل يصلي في موضعه أو يتمادى إلى الصف وإن فاتته الركعة؟ فأما حد القرب فقيل: قدر ذلك الصفان (¬3) يمشي فرجتين. وقال في العتبية: الصفان والثلاثة (¬4). وكل هذا واسع خفيف. وأما صفة لحوقه بالصف إذا كان قريبًا فظاهر الكتاب أنه يدب راكعًا (¬5)، وقال مالك في سماع أشهب: لا أرى لأحد أن يدب راكعًا؛ لأنه لا يدب راكعًا ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 166. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 301. (¬3) قوله: (الصفان) ساقط من (س). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 330. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 166.

إلا تجافت يداه عن ركبتيه. وهذا أحسن؛ لأن اشتغاله حينئذ بما ينبغي أن يكون عليه في تلك العبادة من خشوع وتسبيح وذكر الله تعالى أفضل؛ ولأن المشي في حال الركوع مما يستقبح، فكان تأخيره حتى يرفع رأسه أولى. وقال مالك في العتبية فيمن جاء والإمام راكع وعند باب المسجد قوم يصلون: فليركع معهم ليدرك الركعة، إلا أن يكونوا قلة فليتقدم إلى الفرج أحب إلي (¬1). فرأى أن اللحوق بالصف أولى من لحوق الركعة مع النفر اليسير، فإذا كان ذلك فأحرى ألا يصلي وحده إذا كان على بعد وإن فاتته الركعة. وهو أحسن؛ لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَلاَ تَأْتْوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ وَالوَقَارُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا" (¬2)، فجعل الإتيان على سكينة أفضل من فوت الركعة، وفضل الصف الأول أفضل من الإتيان بالسكينة؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا عَلَيْهِ" (¬3). إلا أن يكون في آخر ركعة فليركع؛ لأنه إن تمادى لم يدرك شيئًا. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 378. (¬2) متفق عليه، البخاري: 1/ 228، في باب لا يسعى إلى الصلاة وليأت بالسكينة والوقار، من كتاب الأذان، برقم (610)، ومسلم: 1/ 420، في باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم (602). (¬3) سبق تخريجه، ص: 243.

باب في الركوع والسجود وهيئتهما وما يفعل عندهما وفيهما من تكبير أو تسبيح أو دعاء

باب في الركوع والسجود وهيئتهما وما يفعل عندهما وفيهما من تكبير أو تسبيحٍ أو دعاءٍ الركوع والسجود فرض؛ لقول الله -عز وجل-: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77]. واختلف في الصفة التي تجزئ من ذلك، فقال مالك في المدونة: قدر ذلك أن يمكن يديه من ركبتيه في ركوعه، وجبهته من الأرض في سجوده، فإذا أمكن مطمئنًّا فقد تم ركوعه وسجوده (¬1). وفي مختصر ابن الجلاب: الطمأنينة فرض في أركان الصلاة كلها، في قيامها وركوعها ورفع الرأس منها (¬2)، وفي سجودها، وبين السجدتين (¬3). وقال ابن القاسم فيمن لم يعتدل راكعًا حتى رفع، وفيمن رفع من السجود فلم يعتدل جالسًا حتى سجد: فليستغفر الله ولا يعود (¬4). فلم يوجب الطمأنينة في شيء من ذلك، ورأى أن الذي يتضمنه القرآن ما يقع عليه اسم الركوع والسجود، والزائد عليه تطوع. والأول أحسن؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - للذي صلى ولم يحسن الصلاة: "ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، فَقَالَ عَلِّمْنِي يَا رَسُولَ الله، فَأَمَرَهُ بِالتَّكْبِيِر وَالقِرَاءَةِ ثم قال: ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ اجْلِسْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا كَذَلِكَ" ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 168. (¬2) قوله: (منها) ساقط من (ر). (¬3) انظر: التفريع، لابن الجلاب: 1/ 72. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 183.

أخرجه البخاري ومسلم (¬1)، فخرج قوله هذا مخرج البيان لما هو واجب في الصلاة لما تقدم من قوله: "إنك لم تصل"، فأبان بذلك أن الصفة التي أراد الله سبحانه بقوله: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] أن يكون على هذه الصفة، ويجزئ من ذلك أقل ما يقع عليه اسم طمأنينة، وله أن يزيد على ذلك ويمهل ما أحب إذا كان فذًّا. واختلف في حكم الزائد، فقال ابن شعبان: من الناس من يجعل ما وقع عليه الحض والترغيب من الزيادة على أدنى ما يجزئ- نافلة، ومنهم من يجعله فرضًا موسعًا. قال الشيخ -رحمه الله-: والقول إنه نفل أحسن؛ لأنه إذا كان له أن يقتصر على دون ذلك فهو في الزائد متطوع لا شك فيه، وليس بمنزلة من خير في الكفارة بين الإطعام والعتق لأنه يجبر (¬2) على امتثال أحدهما، وهذا بالخيار بين أن يفعل أو لا (¬3) لغير بدلٍ، وكذلك صلاة المسافر أربعًا، واختلف في الاثنتين هل هي فرض أو تطوع؟. والقول إنها تطوع أحسن؛ لأنّه يجوز له أن يقتصر على الاثنتين ولا يأتي عن بقية الأربع ببدل الأربعة (¬4). ويطأطئ (¬5) ظهره، ويساوي برأسه ظهره في الركوع (¬6) ولا ينكسه ولا ¬

_ (¬1) سبق تخريجه، ص: 266. (¬2) في (ر): (مجبور). (¬3) قوله: (أن يفعل أو لا) في (س): (الفعل أو الترك). (¬4) قوله: (الأربعة) ساقط من (س). (¬5) قوله: (يطأطئ) يقابله في (س): (تطامن). (¬6) قوله: (في الركوع) زيادة من (ش 2).

فصل في السجود على الجبهة والأنف جميعا

يرفعه، وفي البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هَصرَ ظَهْرَهُ فِي الرُّكُوعِ" (¬1) وإذا رفع منه اعتدل قائمًا، وإذا سجد مكّن جبهته وأنفه من الأرض. وقال محمد بن مسلمة: أستحب أن يضع يديه حذو أذنيه. وهذا أحسن، وفي مسلم: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سَجَدَ بَيْنَ كَفَّيْهِ" (¬2). ويستحب ألا يضع ذراعيه بالأرض، قال مالك: إلا فيما طال من السجود من النوافل، ويجافي ضبعيه ويفرجهما تفريجًا متقاربًا، ويرفع بطنه عن فخذيه، وإذا رفع من السجدة اطمأن جالسًا (¬3). فصل في السجود على الجبهة والأنف جميعًا السجود على الأنف والجبهة جميعًا لا يقتصر على أحدهما دون الآخر؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: الجَبْهَةِ -وَأَشَارَ إِلَى الأَنْفِ- وَاليَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ" أخرجه البخاري ومسلم (¬4). واختلف إذا اقتصر على أحدهما على ثلاثة أقوال؛ فقال ابن القاسم: إن ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري: 1/ 284، في باب سنة الجلوس في التشهد، من كتاب صفة الصلاة برقم (794). (¬2) أخرجه مسلم: 1/ 301، في باب وضع يده اليمنى على اليسرى بعد تكبيره الإحرام تحت صدره فوق سرته ووضعهما في السجود على الأرض حذو منكبيه، من كتاب الصلاة، برقم (401). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 169. (¬4) متفق عليه البخاري: 1/ 280، في باب السجود على الأنف، من كتاب صفة الصلاة، برقم (779)، ومسلم: 1/ 354، في باب أعضاء السجود والنهي عن كف الشعر والثوب وعقص الرأس في الصلاة، من كتاب الصلاة، برقم (490).

اقتصر على الجبهة دون الأنف أجزأه، وإن اقتصر على الأنف دون الجبهة لم يجزئه وعليه الإعادة وإن ذهب الوقت (¬1). وذكر عنه أبو الفرج في الحاوي أنه قال: تجزئه صلاته وإن (¬2) خرج الوقت. وقال ابن حبيب: يسجد بهما جميعًا، وإن اقتصر على أحدهما فصلاته باطلة (¬3). قال الشيخ -رحمه الله-: أعظم (¬4) الأنف والجبهة في معنى الشيء الواحد؛ لأنه سجود بالوجه، ولهذا عده النبي - صلى الله عليه وسلم - سبعة، ولو كان في معنى العضوين لكانت ثمانية، فرأى ابن القاسم مرة أنه عضو يسجد بعظمه وهي الجبهة فأجزأه ذلك، ورأى مرة أنه يجزئه الأنف (¬5) قياسًا على مسح بعض الرأس. والقول إنه يسجد عليهما جميعًا أحسن؛ اتِّباعًا للحديث. ويختلف إذا كانت بجبهته جراح (¬6) فقال في المدونة: يومئ بجبهته (¬7). وعلى قول ابن حبيب يومئ بالجبهة ويسجد على الأنف، وهو الصواب؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر عن الله تعالى أنه أمر أن يكون السجود بالوجه (¬8) على صفة ولا يجوز (¬9) غيرها. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 167. (¬2) في (ش 2): (وإذا). (¬3) انظر: عيون المجالس، للقاضي عبد الوهاب: 1/ 316. (¬4) قوله: (أعظم) ساقط من (س). (¬5) قوله: (الأنف) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (بجبهته جراح) يقابله في (س): (بجسده جراحة). (¬7) انظر: المدونة: 1/ 171. (¬8) قوله: (بالوجه) ساقط من (ر). (¬9) قوله: (ولا يجوز) يقابله في (ر): (ولا يكون).

فصل في صفة الجلوس بين السجدتين

فصل في صفة الجلوس بين السجدتين وصفة الجلوس فيما بين السجدتين مثل الجلوس في التشهد- يفضي بأليته إلى الأرض (¬1)، ويثنى رجله اليسرى، وينصب اليمنى (¬2)، ويجعل باطن إبهامها إلى الأرض (¬3). وإذا نهض من بعد السجدتين من الركعة الأولى أو الثالثة (¬4) فلا يرجع جالسًا ولكن ينهض كما هو للقيام. وهذا قول مالك (¬5)، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في البخاري ومسلم جواز ذلك (¬6)، ولهذا قيل فيمن فعل ذلك متعمدًا: لا شيء عليه. واختلف إذا فعله سهوًا، فقيل: يسجد للسهو. وقيل: لا شيء عليه مراعاة ¬

_ (¬1) يفضي بأليته إلى الأرض: أى يتسع بها إلى الأرض ويميلها إليها، مأخوذ من الفضاء وهو ما اتسع من الأرض. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 24. (¬2) قوله: (اليمنى) ساقط من (س). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 168. (¬4) في (ر): (الثانية). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 168. (¬6) أخرجه البخاري في باب: 1/ 283، باب من استوى قاعدا في وتر من صلاته ثم نهض، من كتاب صفة الصلاة برقم (789)، وقد شرح الحديث السابق عليه ابن حجر وهو حديث مالك بن الحويرث فقال: (قوله: (كان يقعد في الثالثة أو الرابعة) هو شك من الراوي، والمراد منه بيان جلسة الاستراحة، وهي تقع بين الثالثة والرابعة، كما تقع بين الأولى والثانية، فكأنه قال: كان يقعد في آخر الثالثة أو في أول الرابعة، والمعنى واحد، فشك الراوي أيهما قال، وسيأتي الحديث بعد باب واحد بلفظ: (فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدا. . . اهـ) انظر فتح الباري: 2/ 301. قلت: ولم أقف في مسلم على ما يفيد ما قاله المؤلف -رحمه الله-.

للحديث. قال مالك: وجلوس النساء كذلك، يقعدن على أوراكهن وينصبن اليمنى ويثنين اليسرى (¬1). قال الشيخ -رحمه الله-: وإذا جلس بين السجدتين بسط يديه على ركبتيه، وإذا جلس للتشهد بسط اليسرى وقبض اليمنى وأشار بالسبابة. واختلف هل يحركها، فقال ابن القاسم في العتبية: رأيت مالكًا يحرك السبابة في التشهد مُلِحًّا (¬2). وقال ابن مزين: ينصبها ولا يحركها (¬3). واختلف في تأويل ذلك فقيل المعنى في نصبها الإخلاص فعلى هذا لا (¬4) تحرك وقيل في تحريكها: لأنها مقمعة للشيطان. وقال ابن حبيب: روي أن الإشارة بها مقمعة للشيطان وأن ذلك من الإخلاص فعلى هذا لا تحرك (¬5). وكان يحيى بن عمر يحركها عند قوله: أشهد أن لا إله إلا الله (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 168. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 188. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 188، 189. (¬4) قوله: (لا) ساقط من (ش 2). (¬5) قوله: (فعلى هذا لا تحرك) ساقط من (س)، وأشار في الهامش إلى ما ها هنا غير أن عبارته: (فعلى هذا تحرك). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 188، 189.

باب فيمن نعس خلف الإمام أو غفل عنه حتى ركع أو سجد ومن سبق إمامه بالتكبير أو الركوع أو السجود أو السلام

باب فيمن نعس خلف الإمام أو غفل عنه حتى ركع أو سجد ومن سبق إمامه بالتكبير أو الركوع أو السجود أو السلام (¬1) واختلف فيمن نعس خلف الإمام وهو قائم أو غفل (¬2) حتى ركع الإمام ورفع من الركوع، فقال مالك: إن كان ذلك في أول ركعة ألغاها ولم يعتد بها، وإن كان في الثانية أو الثالثة أو الرابعة أتى بالركوع ما لم يرفع الإمام من سجودها (¬3). وأرى (¬4) أنه إذا كان ذلك في الأولى لم يحصل له من الصلاة إلا الإحرام والقراءة، وليس ذلك بكبير عمل يبني عليه، فلا يأتي بالركوع؛ لأنه بمنزلة من يقضي، وهو في حكم الإمام. وقال أيضًا: يلغيها ولا يصلحها، وإن كان في الثانية أو فيما بعدها - ورأى (¬5) أن ذلك كله قضاء وهو مع الإمام. وقال أيضًا: يأتي بالركوع وإن كان ذلك في أول ركعة (¬6). وهو أحسن، ولا يكون قاضيًا؛ لأن القاضي من يأتي بما سبقه به الإمام قبل أن يدخل معه، وهذا كان مدركًا لتلك الركعة ومخاطبًا بأن يصليها مع ¬

_ (¬1) قوله: (أو السلام) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (أو غفل) ساقط من (ر). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 500، والنوادر والزيادات: 1/ 305. (¬4) في (ر): (ورأى). (¬5) في (س): (أرى). (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 500، والنوادر والزيادات: 1/ 305.

الإمام، فعليه أن يأتي بها حينئذ. واختلف بعد القول أن له أن (¬1) يتمها في الموضع الذي يكون له أن يأتي بالركوع فيه، فقيل: ذلك ما لم يرفع الإمام من سجودها (¬2)؛ فإنه (¬3) إذا كان في سجودها فهو فيها لم يخرج منها بعد، وإذا دخل في الثانية صار مخاطبًا بها. وقال مالك: يأتي بالركوع ما لم يركع الإمام التي تليها (¬4). وقال أيضًا: ما لم يرفع من ركوعها. وأرى أن يصلحها ما لم يركع التي تليها؛ لأنهم لم يختلفوا أنه إذا ركع وغفل عن السجود أن له أن يأتي به. وإن دخل الإمام في التي تليها فليفعل ما لم يركع أو يرفع من الركوع، على القول الآخر؛ لأن (¬5) القراءة يحملها الإمام، فلو أدرك رجل الإمام وهو راكع فركع معه لاحتسب بها، وإذا كان ذلك جاز لهذا أن يكون حينئذ في إصلاح الأولى، فإن لم يفعل حتى ركع الإمام ألغى الأولى وركع معه؛ لأن الركوع ليس مما يحمله الإمام عنه، ولا يوسع له الإصلاح في حال ركوع الإمام وإن لم يرفع منه؛ لأن معظم الركعة حال الركوع وهو الفرض بغير خلاف. واختلف في الرفع منه هل هو فرض أم لا؟ واختلف في المزاحم فقال ابن القاسم: إذا لم يستطع أن يركع مع الإمام فإنه يلغي تلك الركعة، سواء كانت الأولى أو غيرها. قال: والناعس والغافل سواء وليسا كالمزاحم، ويستوي المزاحم والناعس والغافل في أول ركعة (¬6). وقال عبد الملك في كتاب محمد: ¬

_ (¬1) قوله: (أن له أن) يقابله في (ر): (أنه لا). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 305. (¬3) في (ش 2): (لأنه). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 305. (¬5) قوله: (على القول الآخر، لأن) يقابله في (ر): (وعلى القول الآخر أن). (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 500.

المزاحم والناعس والغافل سواء (¬1). قال: والمزاحم أعذر لأنه مغلوب، وإذا عقد ركعة كان له اتباع الإمام، وإن رفع رأسه من السجدتين ما لم يرفع رأسه من الركعة التي تليها (¬2). وعلى أحد أقوال مالك يكون للمزاحم أن يتبعه في الأولى ما لم يركع الثانية؛ لأنه أعذر. وإذا ركع مع الإمام ثم غفل أو زوحم عن السجود- اتبعه ما لم يركع الثانية أو يرفع من ركوعها على القول الآخر، وليس بمنزلة من نابه ذلك قبل الركوع. ومن دخل في صلاة إمام قبل أن يركع ثم ركع الإمام ورفع قبل أن يركع هذا الداخل: كان له أن يركع ويدركه على أحد أقوال مالك (¬3). وإن أحرم والإمام راكع فلم يركع حتى رفع الإمام من غير تراخٍ (¬4) منه: لم يحتسب بها قولًا واحدًا. ومن نعس خلف الإمام حتى ركع الإمام وانقضت صلاته- جاز له أن يصلح التي نعس فيها؛ لأن الذي فعله الإمام وهو ناعس لا يحول بينه وبين إصلاحها. ¬

_ (¬1) قوله: (وليسا كالمزاحم، ويستوي. . . والغافل سواء) ساقط من (ر). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 305. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 166. (¬4) قوله: (تراخٍ) يقابله في (ر): (تزاحم كان).

فصل [في وجوب متابعة الإمام]

فصل [في وجوب متابعة الإمام] أفعال المأموم: الإحرام، والركوع، والسجود، والتكبير، والسلام بعد فعل الإمام، فلا يركع حتى يراه راكعًا، ولا يسجد حتى يراه ساجدًا، ولا يفعل شيئًا من ذلك قبله ولا معه. وهذا هو المستحسن من المذهب، وقال مالك أيضًا: له أن يفعل معه إلا في الإحرام والقيام من اثنتين، والسلام فلا يفعله إلا بعده، أما الإحرام فلا خلاف أنه إن فعله قبل لم يحتسب به (¬1). واختلف إذا كان ذلك معه هل يحتسب بذلك أو لا؟ وقد تقدم ذكر ذلك (¬2). وكذلك أرى جميع أعمال المأموم من ركوع وسجود ورفع وغير ذلك فإنه لا يفعله إلا بعد فعل الإمام؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اَللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ" (¬3) ففيه دليلان: أحدهما: قوله: "ليؤتم به" وذلك يفيد أن يبتدئ الإمام بهذه الأشياء؛ لأنهما إذا فعلا معًا لم يأتم به. والثاني: قوله: "وإذا ركع فاركعوا" فالفاء ها هنا للتعقيب. وقيل لمالك في سماع أشهب في الذي يسبق الإمام (¬4) بالسجود ثم يسجد الإمام وهو ساجد: أيثبت الرجل على سجوده أم يرفع رأسه ثم يسجد؟ فقال: لو ثبت كما هو على ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 298. (¬2) انظر ذلك، ص: 261. (¬3) سبق تخريجه، ص: 262. (¬4) قوله: (الإمام) ساقط من (ر).

سجوده إذا أدركه (¬1) الإمام بسجوده وهو ساجد (¬2). وقال في سماع ابن القاسم فيمن ظن أن الإمام قد (¬3) رفع رأسه فرفع هو رأسه (¬4) فإذا الإمام لم يرفع رأسه (¬5) - فإنه يرجع فيسجد ثم يرفع برفع الإمام ولا يتخلف عنه إلا أن يكون لم يتم سجدتها (¬6) فليتم (¬7). وهو أحسن أن عليه أن يرجع حتى يكون فعله بعد فعل الإمام. وقال سحنون في كتاب ابنه، فيمن رفع قبل الإمام ولم يعلم حتى رفع الإمام: إنه يرجع ويسجد القدر الذي فعله الإمام (¬8). وهذا أتبع (¬9) للحديث. وروى ابن وهب عن مالك في الأعمى يخالف إمامه في فعله أنه إن كان ركوعه وسجوده قبل الإمام فليستأنف الصلاة، وإن كان بعد ركوع الإمام وسجوده بقليل فلا بأس به. يريد: أنه إذا ركع ورفع أو سجد ورفع قبل أن يركع الإمام أو يسجد فذلك لا يجزئه، وإن ركع الإمام ورفع أو سجد ورفع قبل ثم ركع المأموم أو سجد بقرب ذلك- أجزأه، وقياس القول في الغافل والناعس أنه يجزئه وإن بعد. ¬

_ (¬1) قوله: (إذا أدركه) يقابله في (ر): (لأدركه) و (ش 2). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 480. (¬3) قوله (قد) ساقط من (ب). (¬4) قوله: (فرفع هو رأسه) زيادة من (ب). (¬5) قوله: (رأسه) زيادة من (ب). (¬6) في (ش 2): (سجدتيها). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 299. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 299، ولفظ ما وقفت عليه فيه: (قال ابن سحنون: رأيتُ سحنون رفع رأسه قبل الإمام، ثم رفع الإمام، فرجع سحنون فسجد مقدار ما كان الإمام ساجدًا بعده). (¬9) قوله: (وهذا أتبع) يقابله في (ر): (وهو اتباع للحديث).

باب في أداء الصلوات وما يلزم المصلي في صلاته

باب في أداء (¬1) الصلوات (¬2) وما يلزم (¬3) المصلي في صلاته ومن المدونة قال مالك: لا يعجبني أن يتكئ الرجل على حائط في المكتوبة، ولا بأس به في النافلة (¬4). يريد: فيما طال من النوافل، ولا ينبغي ذلك اختيارًا، وأرى أن يلزم (¬5) المصلي الخشوع والإخبات؛ لقول الله -عز وجل-: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 2]، قيل: غض البصر، وخفض الجناح، وحزن القلب (¬6). واستحب بعض أهل العلم إذا كان قائمًا أن يجعل بصره موضع سجوده لأنه فيه ضرب من الخشوع واستشعار الحياء ممن وقف بين يديه سبحانه وتعالى علوًّا كبيرًا. ويكره أن يرفع بصره إلى السماء وهو في الصلاة؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَا بَالُ أَقْوَام يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلاَتِهِمْ؟ ثُمَّ قَالَ: لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ" أخرجه البخاري ومسلم (¬7). ويكره أن يتلثم (¬8)، وكره ابن عمر تغطية اللحية وقال: هي من الوجه. واختلف في وضع اليمنى على اليسرى إذا كان قائمًا، فقال مالك في ¬

_ (¬1) في (ش 2): (آداب). (¬2) قوله: (الصلوات) يقابله في (س): (الصلاة). (¬3) في (ش 2): (يلتزمه). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 169. (¬5) في (س) و (ب): (يلتزم). (¬6) انظر: تفسير الطبري: 9/ 196. (¬7) متفق عليه، البخاري من حديث أنس بن مالك: 1/ 261، في باب رفع البصر إلى السماء في الصلاة، من كتاب صفة الصلاة، برقم (717)، ومسلم بنحوه من حديث جابر بن سمرة: 1/ 321، في باب النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة، من كتاب الصلاة، برقم (428). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 202.

المدونة: لا أعرف ذلك في الفريضة ولكن في النوافل، إذا طال القيام فلا بأس يُعِينُ بذلك نفسه (¬1). وقال في العتبية: لا أرى به بأسًا في المكتوبة والنافلة (¬2). وهو أحسن؛ للثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في البخاري ومسلم في ذلك (¬3). ولأنها وقفة الذليل والعبد لمولاه. قال ابن حبيب: وليس لكونهما من الجسد حدٌّ (¬4). وقيل: يجعلهما حذو صدره لقوله الله -عز وجل-: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] أن يجعلهما حذو نحره. وقيل في كراهية ذلك؛ خيفة أن يظهر بجوارحه من الخشوع ما لم يضمره (¬5) بقلبه (¬6)، وروي عن أبي هريرة أنه قال: أعوذ بالله من خشوع النفاق. قيل: وما خشوع النفاق (¬7)؟ قال: أن يُرى الجسد خاشعًا والقلب غير خاشع (¬8). ويكره أن يجعل يديه حينئذ في خصره، وفي البخاري النهي عن ذلك (¬9). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 169. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 18/ 73. (¬3) أخرجه البخاري: 1/ 259، في باب وضع اليمنى على اليسرى، في كتاب صفة الصلاة، برقم (707)، ومسلم: 1/ 301، في باب وضع يده اليمني على اليسرى بعد تكبيره الإحرام تحت صدره فوق سرته ووضعهما في السجود على الأرض حذو منكبيه، من كتاب الصلاة، برقم (401)، من حديث وائل بن حجر - رضي الله عنه -. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 18/ 71، معزوا لمالك -رحمه الله-. (¬5) قوله: (يضمره) يقابله في (ب): (يظهره). (¬6) قوله: (بقلبه) ساقط من (س). (¬7) قوله: (خشوع النفاق) يقابله في (ر): (هو). (¬8) أخرجه ابن المبارك في الزهد، ص 46. (¬9) متفق عليه، البخاري: 1/ 408، باب الخصر في الصلاة، في أبواب العمل في الصلاة، برقم =

ولا يتكئ على حائط، فإن فعل وكان الاتكاء خفيفًا- لم تفسد صلاته، وإن كان كثيرًا؛ لو أزيل الحائط لسقط المصلي لكان كمن ترك القيام، فإن كان عامدًا غير جاهل أبطل صلاته إن كان في فرض، وإن كان سهوًا أعاد تلك الركعة، وقد يقال: تجزئه؛ للاختلاف في القيام في الصلاة هل هو فرض، وإن كان في نفل أجزأته صلاته سهوًا كان أو عمدًا (¬1). واختلف هل يقرن قدميه، فكره مالك ذلك في المدونة وقال: كان في المدينة من يفعله فعيب عليه (¬2). وله في مختصر ما ليس في المختصر عكس ذلك فقال: تفريق القدمين في الصلاة من عيب الصلاة. وقال أيضًا: إلصاق القدم بالقدم في الصلاة والتفريق بينهما في الصلاة (¬3) واسع على قدر ما تيسر. ولا يضع رِجْلًا على رِجلٍ، ولا يعبث المصلي (¬4) بلحيته ولا بخاتمه، وقيل: لا بأس أن يحوله في أصابعه كلها بعد (¬5) ركوعه خوف السهو (¬6). ويكره أن يكون لباسه ما يشغله (¬7) النظر إليه بأعلام أو غيرها. ¬

_ = (1161)، ومسلم: 1/ 387، في باب كراهة الاختصار في الصلاة، في المساجد ومواضع الصلاة، برقم (545). (¬1) انظر: المدونة: 1/ 169. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 196. (¬3) قوله: (في الصلاة) ساقط من (س، ب). (¬4) قوله: (المصلي) زيادة من (ب). (¬5) في (ر): (بعدد). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 236. (¬7) قوله: (ما يشغله) يقابله في (س): (يشغل).

وكره التزاويق في القبلة لهذا المعنى، ولا يلتفت في صلاته، وفي البخاري قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ذَلِكَ اخْتِلاَسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاَةِ أَحَدِكُمْ" (¬1) فينقصه (¬2) من صلاته ذلك القدر. ويكره أن يكون في كمه ما يحشوه؛ لأن فيه مشغلة (¬3)، وإن تثاءب وضع يده على فيه وكظم (¬4). ولا يكفت ثيابه ولا شعره (¬5) لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك (¬6)، وقال ابن مسعود: إن الشعر يسجد مع المصلي (¬7). قال مالك: إلا أن يكون ذلك لباسه وهيئته، أو يكون يعمل عملًا فيشمر لذلك العمل فدخل في صلاته كما هو فلا بأس به (¬8). قال الشيخ -رحمه الله-: وأرى أن يحل ذلك عند الصلاة. قال مالك في المدونة: لا بأس بالسدل في الصلاة، وإن لم يكن عليه ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري: 1/ 261، في باب الالتفات في الصلاة، من كتاب صفة الصلاة، برقم (718). (¬2) في (ر): (فيسقطه). (¬3) في (ر) و (ش 2): (مشقة). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 237، 234. (¬5) الكفت: جمعُ الثَّوْب باليدين عند الركوع والسجود. انظر: لسان العرب: 2/ 78. (¬6) متفق عليه، البخاري: 1/ 280، في باب السجود على الأنف، من كتاب صفة الصلاة، برقم (779)، ومسلم: 1/ 354، في باب أعضاء السجود والنهي عن كف الشعر والثوب وعقص الرأس، في الصلاة، برقم (490). (¬7) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه: 2/ 185، في باب كف الشعر والثوب، من كتاب الصلاة، برقم (2996)، والطبراني في المعجم الكبير: 9/ 267، برقم (9331). (¬8) انظر: المدونة: 1/ 186.

قميص (¬1) إلا إزار أو رداء (¬2). وليس بحسن أن يصلي حاسر الرأس وإن كان وحده، وإذا سجد أبرز يديه من كميه وباشر بهما الأرض، إلا أن يتقي بكميه حر الأرض أو بردها (¬3). واختلف إذا لم يبرزهما وفعل ذلك اختيارًا، وذلك في الباب الذي يليه (¬4). ويحسر عن جبهته ويستحب له (¬5) أن يباشر بها الأرض من غير حائل حصير ولا غيره. ومن المدونة: قال مالك: إن شاء اعتمد وإن شاء لم يعتمد (¬6). وروى عنه أشهب وابن نافع في العتبية مثل ذلك، في الاعتماد على اليدين من القيام (¬7). وقال مالك في كتاب ابن حبيب: كان ابن عمر يضع على الأرض ركبتيه ثم يديه ثم جبهته، ثم يرفع جبهته ثم يديه ثم ركبتيه، قال: ومالك يرى أن يفعل من ذلك ما تيسر له (¬8)، ليس عنده فيه حد (¬9). واستحب في المبسوط أن يضع يديه على الأرض ثم ركبتيه، قال: وهو أحسن في سكينة الصلاة ووقارها. ¬

_ (¬1) قوله: (قميص) ساقط من (س) و (ش 2). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 197. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 171. (¬4) في (ر) و (ش 2): (الذي يلي هذا). (¬5) قوله: (له) ساقط من (س). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 169، 170. (¬7) قوله: (من القيام) ساقط من (ر). وانظر: البيان والتحصيل: 1/ 296. (¬8) في (س): (عليه). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 183، 184.

وقال عنه ابن القاسم في العتبية أنه قال في القيام من السجود: ولا يعتمد على اليدين. قال: ولا بأس به، ثم كرهه (¬1). قال الشيخ -رحمه الله-: أما باب الرفق والسكينة فأن يبدأ في حال الانحطاط باليدين وبالركبتين في حال القيام. وأما باب استعطاف (¬2) من يستشعر أنه بين يديه سبحانه وتعالى فإنه لا ينكس رأسه عند الانحطاط ولا عند القيام، ولا يبتدىء وبالركبتين في حال الانحطاط، ويرفع اليدين في حال القيام. ونهي عن الإقعاء في الصلاة (¬3)، واختلف في صفته، فقيل: هو جلوس المصلي على أليتيه باسطًا فخذيه كإقعاء الكلب. وقيل: هو أن يجلس على عقبيه (¬4). وكلتا الصفتين ليس بحسن، والسنة الجلوس حسبما تقدم. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 345. (¬2) في (ر) و (ش 2): (استعظام)، وأشار إليها في هامش (س) أنها في نسخة. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 168. (¬4) انظر: صحيح مسلم: 1/ 380، وانظر: النوادر والزيادات: 1/ 187.

باب في الصلاة على الثياب والبسط وغير ذلك

باب في الصلاة على الثياب والبسط وغير ذلك يستحب للمصلي أن يقوم على الأرض من غير حائل، وأن يباشر بجبهته الأرض؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - "يَا رَبَاحُ عَفِّرْ وَجْهَكَ في الأَرْضِ (¬1) ". ولأن ذلك المعمول به في الحرمين: مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسجد الحرام الصلاة فيهما على الحصباء والتراب، لم يتخذ فيهما حصير. وقال - صلى الله عليه وسلم - في المصلي يسوي الحصباء لموضع جبهته: "إن كنت لابد فاعلًا فواحدة" (¬2). فبان بهذا الحديث أنه كان قديمًا بغير فرش ولا حصير، فإن هو صلى على حائل فيستحب أن يكون مما تنبت الأرض كالحصر (¬3) وما أشبه ذلك مما لا يقصد بمثله الترفّه ولا الكبر. واختلف في ثياب القطن والكتان فكرهه في المدونة (¬4)، وأجازه ابن ¬

_ (¬1) في (ر) (الأرض للصلاة). والحديث أخرجه أحمد في السند: 6/ 323، من حديث أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - برقم (26787)، بلفظ: "عن أبي صالح: أن أم سلمة رأت نسيبًا لها ينفخ إذا أراد أن يسجد فقالت: لا تنفخ؛ فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لغلام لنا يقال له: رباح: "ترب وجهك يا رباح"، وأخرجه الحاكم في المستدرك: 1/ 404، في باب التأمين، من كتاب الإمامة وصلاة الجماعة، برقم (1001) وصححه ووافقه الذهبي. (¬2) صحيح، أخرجه أبو داود: 1/ 312، في باب في مسح الحمى في الصلاة،، من كتاب الصلاة، برقم (946). (¬3) في (ر): (كالحصير)، وانظر: المدونة: 1/ 170، والنوادر والزيادات: 1/ 224. والحصير قال فيه الجبي: الحصير: معروف، ويقال له حصير لأنه يحصر ويمنع عن الناس، والحصير الحبس ومنه {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا}. أي محبسًا. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 24. (¬4) في (ب): (الكتاب) انظر: المدونة: 1/ 170، ولفظه في المدونة: (وقال مالك: لا يسجد على =

مسلمة، والأول أحسن؛ لأن الثياب فيها ضرب من الترفه وموضع الصلاة إنما هو التواضع والخضوع والتذلل. وكره الصلاة على ما لا تنبت الأرض كالصوف، فإن فعل أجزأته صلاته، وأكره (¬1) الصلاة على حصر السامان مما عظم ثمنه، والتواضع لله تعالى أفضل. ويباشر بكفيه (¬2) الأرض أو ما يسجد عليه ويبرزهما عن كميه، ويحسر العمامة عن جبهته (¬3)، فإن سجد على كور العمامة البارز عن جبهته، لم تجزئه صلاته، وإن سجد على ما علا جبهته وكان كثيفًا لم تجزئه، وإن كان شيئًا خفيفًا أجزأته (¬4). وقال ابن حبيب: إن كان كثيفًا لم تجزئه، وأعاد ما كان في الوقت إذا مس أنفه الأرض. وقال محمد بن مسلمة: لا ينبغي أن يسجد على ثوبه الذي على جسده ولا على يديه وهما في كميه حتى يفضي بهما إلى الأرض؛ لأنه كأنه سجد على الأرض بغير وجهه ويديه. ¬

_ = الثوب إلا من حر أو برد كتانا كان أو قطنا). (¬1) في (ر): (وكره). (¬2) في (س): (بيديه). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 170. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 170، إلا أن لفظ المدونة: (قلت له: فإن سجد على كور العمامة؟ قال: أكرهه فإن فعل فلا إعادة عليه)، وانظر النوادر والزيادات: 1/ 184، ولفظه: (وإذا مَسَّ المُعْتَمُّ الأرض ببعض جبهته، أجزأه، وأما إن سجد على كُورِها، فإن كان كثيفًا أعاد في الْوَقْتِ، إن مَسَّ أنفُه الأرض، وإن كان قدْرَ الطاقة والطاقتين، قَدْر ما يتَّقي به بَرْد الأرض وحرَّها، لم يُعِدْ).

باب في صلاة المريض والصلاة في المحمل

باب في صلاة المريض والصلاة في المحمل وإذا كان بالمصلي ما يمنعه (¬1) من الركوع والسجود دون القيام والجلوس، فإنه يستفتح الصلاة قائمًا فيقرأ ثم يومئ للركوع ثم يجلس ثم يومئ للسجود (¬2). وإن كان يشق عليه إذا استوى قائمًا أن يجلس صلى جميع صلاته قائمًا (¬3)، ويومئ للركوع والسجود، وإن كان يقدر إذا صلى جالسًا على السجود صلى جالسًا، وليس كالأول إذا كان عاجزًا عن الركوع والسجود، فكان الواجب أن يأتي بالقيام ولا يخل به، وفي المسألة الثانية فيمن هو قادر على أن يأتي بالسجود، فهو إن أتى بالقيام أخل بالسجود، وإن أتى بالسجود أخل بالقيام، فكان الإتيان بالسجود أولى؛ لأنه مجمع عليه أنه فرض، والقيام مختلف فيه هل هو فرض أو لا؛ ولأن السجود أعظم أركان الصلاة؛ لأنه يعفر وجهه في الأرض (¬4)، وهو أقرب حالات العبد إلى الله عز وجل إلا أنه يستفتح الصلاة قائمًا ويومئ للركوع، ثم يجلس ويسجد، ثم يتم صلاته جالسًا. وإن (¬5) كان لا يقدر إذا قام أن يقرأ إلا بأم القرآن وحدها فعل ذلك وصلى قائمًا وركع، ثم يجلس ويسجد، ثم يقوم فيركع؛ لأن الركوع فرض مجمع عليه، ¬

_ (¬1) قوله: (ما يمنعه) يقابله في (س): (علة تمنعه). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 171. (¬3) في نسخة (ب) زاد في هذه اللوحة زيادة بمقدار تسعة أسطر، وفي اللوحة التالية زاد ستة أسطر ونبه لهذه الزيادة في هامش اللوحة. (¬4) في (س) و (ش 2): (التراب). (¬5) في (ش 2): (وإذا).

والإيماء ليس بركوع في الحقيقة، والقراءة مختلف فيها، ولا يصلي جالسًا ليقرأ بأم القرآن وسورة؛ لأن القيام فرض، وقراءة السورة ليست بفرض، فإن كان يقدر على القيام دون القراءة- صلى جالسًا وقرأ، وإذا أومأ للسجود يومئ بيديه إلى الأرض، وإن كانت صلاته جالسًا فعل في الركوع مثل ذلك؛ يجعل يديه على ركبتيه في حين إيمائه إلى الركوع، فإذا رفع أزالهما، فإذا أومأ للسجود جعل يديه على الأرض، وإذا رفع جعلهما على ركبتيه، والإيماء بالرأس والظهر جميعًا (¬1). واختلف هل يجزئه ما يكون إيماء مع القدرة على أكثر منه أم لا؟ وقال في الكتاب (¬2): إذا صلى (¬3) قائمًا يجعل إيماءه للسجود أخفض من إيمائه للركوع (¬4). فكان في هذا بيان أنه ليس عليه أن يأتي بغاية مقدرته. وقال في مختصر ما ليس في المختصر فيمن رُفِعَ إليه شيء فيسجد عليه قال: إذا أومأ إلى حد طاقته وسجد على ما رفع إليه أجزأه، وإن سجد عليه وهو يطيق (¬5) من الانحطاط إلى الإيماء أكثر من ذلك فسدت صلاته. وهذا راجع إلى الاختلاف في الحركة إلى الركوع والسجود هل هما فرض (¬6)، مقصودتان في أنفسهما أو ليستا بفرضٍ، وأن الفرض الركوع والسجود؟ فقيل: إذا سلم من ركعتين (¬7) وانصرف- أنه لا يرجع إلى الجلوس، ولم يجعل الحركة إلى القيام فرضًا. فعلى القول إنه فرض في نفسه أتى بأكثر ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 171، 172. (¬2) في (س): (المدونة). (¬3) قوله: (إذا صلى) ساقط من (ر). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 172. (¬5) في (س): (يطمأن). (¬6) في (ش 2): (فرضان). (¬7) في (س): (ركعة).

المقدور (¬1) عليه، وعلى القول الآخر ليس ذلك عليه. وإن رفع إليه وسادة أو غيرها لم يسجد عليها، ولا خلاف في ذلك، واختلف في ذلك إن فعل، فقال في الكتاب (¬2): تجزئه صلاته (¬3). وقال أشهب في مدونته: لا تجزئه، إلا أن يكون أومأ برأسه. وتقدم قول مالك أنه لا تجزئه إلا أن يومئ غاية ما يقدر عليه. قال الشيخ -رحمه الله-: والقياس ألا يجزئه شيء من ذلك إذا كانت نيته ذلك الإيماء خاصة حتى ينوي في حين إيمائه الأرض فيقصدها بالإيماء، فإذا كانت نيته الإشارة إلى الوسادة التي رفعت إليه دون الأرض- لم تجزئه؛ لأن المراد بالإيماء إلى الأرض أن هذا مطيع غير مستكبر عما دعي إليه من ذلك، ويؤيد ذلك قول مالك أنه يحسر العمامة عن جبهته في حال إيمائه. واختلف في صفة جلوسه في موضع القراءة، فقال في الكتاب (¬4): تربعًا (¬5). وقال محمد بن عبد الحكم: بلغني عن كبار أهل العلم وخيارهم أنهم إذا صلوا جلوسًا يتوركون (¬6) ويثنون أرجلهم على نحو الجلوس بين السجدتين. وذكر عن محمد بن المنكدر وابن أبي حازم وربيعة أنهم كانوا يفعلون مثل ذلك إذا صلوا النفل. ¬

_ (¬1) في (ر): (المقدرة). (¬2) في (س): (المدونة). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 172. (¬4) في (س): (المدونة). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 173. (¬6) في (ر): (يبركون).

قال الشيخ -رحمه الله-: وهذا أحسن؛ وهي الجلسة التي رضيها (¬1) الله لعباده، وهي أقرب إلى التواضع، وهي جلسة الأدنى بين يدي من فوقه، والتربع جلسة الأكفاء. وإذا لم يستطع المريض الصلاة جالسًا إلا مستندًا جاز ذلك؛ قال مالك: ولا يستند لجنب ولا لحائض (¬2). لأنهما -عنده- في حكم النجس، ولذلك منعا المسجد. وروي عن ابن القاسم إن أمسكته الحائض أعاد في الوقت (¬3). بمنزلة من صلى بنجاسة، ويجوز ذلك على قول محمد بن مسلمة؛ لأنهما عنده في حكم الطاهر، وأجاز لهما دخول المسجد، واستشهد لذلك بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "المُؤْمِنُ لا يَنْجُس" (¬4). وإن لم يستطع فمضطجعًا، واختلف هل يبتدئ بالجنب أو بالظهر، فقال في المدونة: يصلي على قدر ما يطيق من قعود، فإن لم يستطع فعلى جنبه أو على ظهره (¬5). وقال محمد بن المواز: يبتدئ بالجنب الأيمن، فإن لم يستطع فبالأيسر، فإن لم يستطع فعلى ظهره يجعل رجليه إلى القبلة ورأسه إلى الشمال، وهو قول مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم (¬6) وأصبغ في كتاب ابن حبيب، وقال سحنون: يصلي على جنبه كما يجعل في لحده. فإن لم يقدر فعلى ظهره. قال ابن ¬

_ (¬1) في (س): (رضي) وفي هامشها في نسخة (رضيها). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 171. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 518. (¬4) سبق تخريجه، ص: 217. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 171. (¬6) انظر: المختصر الصغير بشرح البرقي، لوحة رقم: [17 / ب].

حبيب: قال ابن القاسم: يبتدئ بالظهر قبل الجنب (¬1). قال: وهو وهم. واستشهد من قال: يبتدئ بالجنب بقوله سبحانه: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} [النساء: 103]. قال: ذلك في المريض والخائف، وجعل المعنى في قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاة} [النساء: 103] أي: إذا أردتم أن تقضوا الصلاة. لأنه يصح أن يؤتى بلفظ الماضي، والمراد به المستقبل. وقيل: المعنى: فإذا فرغتم من الصلاة فاذكروا الله باللسان، وهو قول السدي، وهو ظاهر قول الحسن. وحمل قوله سبحانه: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاة} [النساء: 103] على الماضي وعلى الذكر باللسان، وهو الحقيقة في الموضعين من الآية. وقد ورد القرآن أن تُعْقَب الطاعة بالذكر في الحج والصوم والصلاة (¬2)، والآية محتملة للوجهين جميعًا، وإذا كان ذلك (¬3) - سقط الاحتجاج بها على قول ابن القاسم، ولم يحمل قوله على الوهم، بل هو أشبه باستقبال (¬4) القبلة. ولا يحتج على هذا بوضع الميت في قبره؛ لأنه انقطع عمله، وإنما يضطجع ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 256، 257. (¬2) يعني ما جاء في الحج من قوله تعالى في سورة البقرة: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}، منها في الصيام: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، وفي الصلاة، ما في سورة الجمعة: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. (¬3) في (ش 2): (كذلك). (¬4) في (ر): (في استقبال).

فصل [فيما يعرض للمريض يريد الصلاة]

ضجعة النائم، إلا أنه يستحب له أن يكون على جنبه الأيمن. فصل [فيما يعرض للمريض يريد الصلاة] وقال محمد بن عبد الحكم: إذا خاف معاودة علة تضر به إن قام- سقط عنه القيام. وقال فيمن لا يملك خروج الريح منه إذا قام: سقط عنه القيام (¬1) ويصلي جالسًا. وقال ابن القاسم في الكتاب: إذا كان لا يستطيع السجود لرمد بعينه أو قرحةٍ بوجهه أو صداع يجده فإنه يومئ للسجود (¬2). واختلف في الذي يقدح الماء من عينيه ويصلي مستلقيًا، فمنعه ابن القاسم في الكتاب (¬3) وقال: إن فعل أعاد في الوقت وبعده (¬4). وأجاز أشهب أن يصلي مستلقيًا على حاله (¬5). وأجازه مالك في كتاب ابن حبيب فيما قرب كاليوم وشبهه، وكرهه فيما طال أو كثير من الأيام، وقال: ولو كان يستطيع أن يصلي جالسًا ويومئ برأسه في الأربعين يومًا لم أر به بأسًا (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (القيام) ساقط من (س). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 172. (¬3) قوله: (في الكتاب) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (وبعده) ساقط من (ر)، وانظر: المدونة: 1/ 172. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 258. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 258، 259.

فصل [في الصلاة في المحمل]

وفرق مالك وابن القاسم بين الجالس والمضطجع؛ لأن الجالس يأتي بالعوض عن الركوع والسجود- وهو الإيماء بالرأس يطأطئه، والمستلقي لا يأتي بعوض وإنما يأتي عند الركوع والسجود بالنية من غير فعل. ومن افتتح صلاته قائمًا ثم عرض له ما منعه القيام- أتمها جالسًا، وإن افتتحها جالسًا ثم ذهب ما منعه القيام- أتمها قائمًا (¬1). فصل [في الصلاة في المحمل] ولا تجوز صلاة الفرض في المحمل إذا كان قادرًا على أن يأتي بها في الأرض على أتم من ذلك، كالذي يصلي قاعدًا وهو قادر -إذا كان على الأرض- على القيام، أو مضطجعًا وهو قادر على الجلوس، أو يومئ للسجود مع القدرة -لو كان بالأرض- على السجود. وقد اختلف إذا تساوت الحال وكان عاجزًا عن القيام والسجود، أو كان لا يستطيع الجلوس في الأرض فصلى في المحمل على تلك الحالة جالسًا يومئ للركوع والسجود، أو كان لا يستطيع الجلوس فصلى (¬2) مضطجعًا- فكره مالك (¬3) ذلك في الكتاب (¬4). وإن كان شديد المرض لا يستطيع الجلوس. فأجازه في العتبية إذا كان لا يستطيع الجلوس، ومنعه إذا كان يقدر (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 171. (¬2) قوله: (في المحمل على تلك الحالة. . . الجلوس فصلى) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (مالك) ساقط من (ر). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 171. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 146.

فصل النفل يشتمل على ما يشتمل عليه الفرض

وقال ابن حبيب: إذا كانت الحال واحدة صلاته بالأرض (¬1) وعلى الدابة إيماءً فليس عليه أن ينزل بالأرض وليصل على دابته أو في محمله إذا وقفت الدابة واستقبلت القبلة. وذكره عن ابن عبد الحكم (¬2)، وفي العتبية عن مالك مثل ذلك. وقال مالك: لا يجوز أن يصلي في المحمل راكبًا حتى لا يقدر أن يصلي بالأرض جالسًا (¬3). فصل النفل يشتمل على ما يشتمل عليه الفرض النفل يشتمل على ما يشتمل عليه الفرض من القيام والقراءة والركوع والسجود، والأفضل أن يأتي به على حسب ما يفعل في الفرض؛ يقوم ويقرأ ويركع ويسجد، ووإن يسقط القيام فيصلي قاعدًا، ولا يسقط القراءة، وهو بالخيار في الركوع بين أن يقوم ليومئ به، وله أن يومئ به وهو جالس. واختلف في السجود هل يأتي به إيماءً مع القدرة على السجود بالأرض، فقال ابن القاسم في العتبية: لا يومئ للنافلة إلا من علة (¬4). وأجازه ابن حبيب وقال: إذا صلى جالسًا فإن شاء سجد، وإن شاء أومأ من غير علة (¬5). ¬

_ (¬1) في (س): (على الأرض). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 249. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 75. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 515. (¬5) انظر: النوادر والزيادات 1/ 260.

فصل في سقوط القيام على من خاف معاودة مرض إن قام

والقول الأول أحسن؛ لأن الجلوس للسجود كالقيام للركوع، ولو صلى النافلة قائمًا وهو صحيح- لم يجز له أن يومئ للركوع وهو قائم، فكذلك لا يومئ للسجود وهو جالس للسجدة الأولى ولا الثانية. فصل في سقوط القيام على من خاف معاودة مرض إن قام واختلف في المتنفل مضطجعًا على ثلاثة أقوال: فأجاز ذلك ابن الجلاب للمريض خاصة (¬1) وهو ظاهر المدونة، وفي النوادر: المنع وإن كان مريضًا، وأجازه الأبهري للصحيح (¬2)، واحتج بحديث عمران بن حصين قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صلاة الرجل قاعدًا، فقال: "إِنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ القَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى مُضْطَجِعاَّ فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ القَاعِدِ" أخرجه البخاري (¬3). وقوله: "إِنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ" دليل على أنه قادر على القيام. ويجوز لمن ابتدأ جالسًا أن يتم قائمًا، ولمن ابتدأ مضطجعًا أن يتم جالسًا وقائمًا. ولا ينبغي لمن ابتدأ قائمًا أو جالسًا أن يتم مضطجعًا (¬4). ومن ابتدأ قائمًا فأراد أن يتم جالسًا فعلى ثلاثة أوجه: فإن كانت تلك نيته- جاز ذلك، وإن كان التزم القيام لم يكن له أن يتم جالسًا، وإن كانت نيته أن يكملها قائمًا ولم يلتزم ذلك- كان فيها قولان: فأجاز ¬

_ (¬1) انظر: التفريع، لابن الجلاب: 1/ 122. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 251. (¬3) أخرجه البخاري: 1/ 375، في باب صلاة القاعد، من أبواب تقصير الصلاة، برقم (1064). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 173.

ذلك ابن القاسم، ومنعه أشهب (¬1)، والإجازة أحسن؛ لأن الإحرام لا يتضمن التزام القيام، وإنما يتضمن التزام ما لا يجوز أن يعمله بعد عقد الإحرام، مثل أن يريد أن يقطع من ركعة، ويجوز أن (¬2) يحرم على أنه بالخيار بين أن يصلي قائمًا أو قاعدًا، وإذا كان ذلك لم يلزمه القيام بمجرد الإحرام. وقال مالك: إذا مدّ المصلي قاعدًا رجليه طلب الراحة أرجو أن يكون خفيفًا (¬3). قال الشيخ -رحمه الله-: وليس بحسن مع الاختيار. والتنفل في السفر إذا كان يقصر (¬4) في مثله الصلاة بخلاف التنفل في الحضر في الوجهين؛ فيجوز أن يصلي على الدابة وهو غير متوجه للقبلة، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أَنَّه كَانَ يَفْتَتِحُ الصَّلاةَ إِلى القِبْلَةِ، فَإِذَا كَبَّرَ تَوَجَّهَ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ" (¬5). وقال مالك: إذا أومأ للسجود يرفع العمامة عن جبهته (¬6). وأرى أن يومئ إلى الأرض لا إلى الراحلة. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 259. (¬2) قوله: (يجوز أن) ساقط من (ر). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 377، قال فيه: (وسئل مالك عن الرجل يصلي في المحمل يعيا في تربعه فيمد رجليه يستريح في ذلك، قال أرجو أن يكون خفيفًا). (¬4) في (ش 2): (تقصر). (¬5) أخرجه أحمد في مسنده: 3/ 203، في مسند أنس بن مالك - رضي الله عنه -، برقم (13131)، ولفظه: (عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يصلي على راحلته تطوعا استقبل القبلة فكبر للصلاة ثم خلى عن راحلته فصلى حيثما توجهت به). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 250.

فصل لا يشترط الاستقبال للخائف في الفرض ولا للمسافر في النفل

فصل لا يشترط الاستقبال للخائف في الفرض ولا للمسافر في النفل وقال مالك فيمن خاف على نفسه السباع وغيرها: فإنه يصلي على دابته حيث توجهت به، واستحب أن يعيد إن أمن في الوقت ولم يره بمنزلة العدو (¬1). وقال المغيرة: وإن صلى على دابته خوفًا من العدو يعيد ما دام في الوقت. وكل هذا استحسان، ولا شيء عليه إن لم يعد. قال الشيخ: وأرى أن ينظر هل هو على يقين من زوال ذلك قبل خروج الوقت، أو على إياس، أو شاك- حسبما مضى في التيمم؟ ويستحب له إذا كان يرجو انكشاف ذلك قبل خروج الوقت أن يؤخر إلى آخر الوقت المختار. ولا يتنفل المسافر وهو ماش، وليس بمنزلة الراكب (¬2)؛ لأن الراكب كالجالس، وتنفل الجالس جائز، والماشي منشغل بنفسه بما يضاد الصلاة من تصرفه وسعيه في أمور دنياه، والآخر يسار به على بعيره أو في المحمل أو في السفينة، وذلك لا يتأتى في الصلاة (¬3). ¬

_ (¬1) في (س): (العرق)، وانظر: المدونة: 1/ 173. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 250. (¬3) في (ش 2): (وذلك لا ينافي الصلاة).

باب في إمامة الجالس

باب في إمامة الجالس واختلف في إمامة المريض جالسًا بالجواز والمنع، واختلف بعد القول بالإجزاء هل يصلي الناس خلفه قيامًا أو جلوسًا، فمنع مالك ذلك مرة وقال: إن نزل به -وهو إمام- أمر حتى صار لا يستطيع أن يصلي إلا وهو جالس استخلف ورجع إلى الصف (¬1). وقال مطرف وابن الماجشون: إن صلى بهم أعاد من ائتم به وإن ذهب الوقت (¬2). وروى الوليد بن مسلم عن مالك أنه أجاز إمامة الجالس وهم قيام (¬3)، وأجاز ذلك أشهب في مدونته وقال أحمد بن المعذل: لا ينبغي ذلك؛ لأنهم إن جلسوا معه لم آمن أن يكون مخالفًا لما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - حين ائتم به أبو بكر وائتم الناس بأبي بكر - رضي الله عنه - (¬4)، وإن قاموا كان خلافًا لما جاء أنهم صلوا معه جلوسًا (¬5)، ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 174. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 260. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 261. (¬4) متفق عليه، البخاري: 1/ 236، في باب حد المريض أن يشهد الجماعة، من كتاب الجماعة والإمامة، برقم (633)، ومسلم: 1/ 311، في باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر، من كتاب الصلاة، برقم (418). (¬5) لم أقف على ما يفيد كونهم صلوا خلفه جلوسا، ولعله يعني ما في الصحيح: (عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيته وهو شاك فصلى جالسا وصلى وراءه قوم قياما فأشار إليهم (أن اجلسوا). فلما انصرف قال: "إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا". أخرجه البخاري: 1/ 224، في باب إنما جعل الإمام ليؤتم به، من كتاب الجماعة والإمامة، برقم (656)، ومسلم: =

فأحب إلي أن يعتزل الإمامة. وروي عن أبي هريرة وجابر وأسيد بن حضير وقيس بن قهد - رضي الله عنهم - (¬1) أنهم قالوا: يصلون خلفه جلوسًا. وبه قال أحمد بن حنبل والأوزاعي. وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك ثلاثة أحاديث: أحدها: حديث أنس قال: ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرسًا، فصرع عنه فجحش شقه الأيمن، فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد، وصلينا وراءه قعودًا، ثم قال: "إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا (¬2)، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا. . ." (¬3) الحديث. والحديث الثاني: حديث عائشة - رضي الله عنها - "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لمَّا ثَقُلَ بِهِ مَرَضُهُ قَالَ: مُرُوا أَبا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، ثم وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً، فَجَاءَ المسْجِدَ فَجَلَسَ إِلى جَنْبِ أَبي بَكْرٍ، فَصَلَّى قَاعِدًا وَقالو بَكْرٍ وَالنَّاسُ قِيَامًا، فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ بِصَلاةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - والنَّاسُ بِصَلاَةِ أَبِي بَكْرٍ" (¬4). وفي حديث آخر قالت: "يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلاَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَالنَّاسُ بِصَلاَةَ ¬

_ = 1/ 309، في الصلاة باب ائتمام المأموم بالإمام، من كتاب الصلاة، برقم (412). (¬1) (قَهْد) ضبطه ابن حجر قائلا: (بفتح القاف وسكون الهاء) انظر: فتح الباري 2/ 176. (¬2) قوله: (فإذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا) ساقط من (س). (¬3) سبق تخريجه، ص: 262. (¬4) متفق عليه، البخاري: 1/ 243، في باب إنما جعل الإمام ليؤتم به، في كتاب الجماعة والإمامة، برقم (655)، ومسلم: 1/ 311، في باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرهما من يصلي بالناس وأن من صلى خلف إمام جالس لعجزه عن القيام لزمه القيام إذا قدر عليه ونسخ القعود خلف القاعد في حق من قدر على القيام،- من كتاب الصلاة، برقم (418)

أَبِي بَكْرٍ"، أخرجه البخاري ومسلم (¬1). وفي مسلم: قالت عائشة - رضي الله عنها -: "كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي بِالنَّاسِ جَالِسًا وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي قَائِمًا يَقْتَدِي بِصَلاَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -" (¬2). والثالث: ما روي عنه - عليه السلام - أنه قال: "لاَ يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا" (¬3)، ولم يثبت (¬4) وإذا لم يثبت هذا الحديث، وثبت نسخ حديث أنس بحديث عائشة- كان الصواب جواز إمامته، ويصلي الناس خلفه قيامًا. واختلف في إمامة المريض للمرضى (¬5) وأن تجوز أحسن. ¬

_ (¬1) متفق عليه، البخاري: 1/ 251، في باب الرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس بالمأموم، من كتاب الجماعة والإمامة، برقم (681)، ومسلم: 1/ 311، في باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرهما من يصلي بالناس وأن من صلى خلف إمام جالس لعجزه عن القيام لزمه القيام إذا قدر عليه ونسخ القعود خلف القاعد في حق من قدر على القيام،- من كتاب الصلاة، برقم (418). (¬2) متفق عليه، البخاري: 1/ 251، في باب الرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس بالمأموم، من كتاب الجماعة والإمامة، برقم (681)، ومسلم: 1/ 311، في باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرهما من يصلي بالناس وأن من صلى خلف إمام جالس لعجزه عن القيام لزمه القيام إذا قدر عليه ونسخ القعود خلف القاعد في حق من قدر على القيام،- من كتاب الصلاة، برقم (418). (¬3) ضعيف: أخرجه البيهقي في السنن: 3/ 80، في باب ما روي في النهي عن الإمامة جالسا وبيان ضعفه، من كتاب الحيض، برقم (4854). قال البيهقي: (قال علي بن عمر لم يروه غير جابر الجعفي وهو متروك والحديث مرسل لا تقوم به حجة)، وقال الدارقطني في سننه: 1/ 398: (مرسل لا تقوم به حجة)، وقال ابن حبان في صحيحه: 5/ 471: (وهذا لو صح إسناده لكان مرسلا والمرسل من الخبر وما لم يرو سيان في الحكم عندنا). (¬4) قوله: (يثبت) ساقط من (ر) وزاد في هامشها: (يثبت رواه جابر الجهني عن عامر الشعبي مرسلا وجابر الجهني لا يحتج بحديثه لسوء مذهبه). وقوله الجهني صوابه (الجعفي). (¬5) قوله: (للمرضى) ساقط من (ب).

فصل في الإمام يصلي على أرفع مما عليه من خلفه

فصل في الإمام يصلي على أرفع مما عليه من خلفه وقال مالك في الإمام يصلي على أرفع مما يصلي عليه من خلفه، مثل الدكان يكون في المحراب: تكون عليهم الإعادة وإن خرج الوقت؛ لأن هؤلاء يعبثون. وإن كان يسير الارتفاع لم يكن عليهم شيء. ولو صلى رجل في موضع مرتفع لنفسه فأتى رجل فائتم به لأجزأتهم الصلاة (¬1). وإذا أراد من في الدار التي بقرب المسجد أن يصلوا بصلاة إمام المسجد جاز ذلك إذا كان إمام (¬2) المسجد في قبلتهم يرونه ويسمعونه (¬3)، ويكره ذلك إذا كانوا على بُعْدٍ يرونه ولا يسمعونه؛ لأن صلاتهم معه على التخمين والتقدير، وكذلك إذا كانوا على قرب يسمعونه ولا يرونه لحائل بينهم، أو لأنه ليس في قبلتهم؛ لأنهم لا يدرون ما يحدث عليه، وقد يذهب عنهم علم (¬4) الركعة التي هو فيها، فإن نزل جميع ذلك مضى وأجزأتهم صلاتهم. وكذلك أهل المسجد يصلون فيه وفوقه، فإن كان الإمام في صحن المسجد ومن فوقه يرونه فلا بأس به إذا ضاق المسجد بمن مع الإمام، ويكره ذلك مع الاختيار؛ لأن السنة كون المأمومين خلف الإمام، وتكره (¬5) تفرقة الصفوف، فهو في هذا أشد (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 175. (¬2) قوله: (إمام) ساقط من (س). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 175. (¬4) في (ر): (عمل). (¬5) قوله: (وتكره) ساقط من (ر). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 175.

ويكره إذا كان الإمام في بيت المسجد وآخرون فوقه، أو كان الإمام فوقه (¬1) وآخرون في بيته، ويستخف (¬2) ذلك مع الضرورة إذا ضاق الموضع بمن مع الإمام. وكره مالك أن يصلي من في السفينة ومن على سقفها بإمام واحد، وليصل كل قوم بإمامهم، وأجاز مالك في جماعة السفن أن يصلوا بإمامة أحدهم إذا كانت السفن قريبة بعضها من بعض (¬3)، ويستحب أن يكون الإمام من الذين في قبلتهم، وإن لم يكن فالصلاة جائزة، وكذلك أصحاب الأسواق، لا بأس أن يصلوا جماعة وإن كانوا على خلاف السنة من تفرقة الصفوف وفرقت بينهم الطريق؛ لأن هذه ضرورة. ¬

_ (¬1) قوله: (فوقه) ساقط من (س)، وفي (ش 2): (خلفه). (¬2) في (س): (ويستحب). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 175.

باب في الإمامة في الصلاة ومقام المأمومين خلف الإمام

باب في الإمامة في الصلاة ومقام المأمومين خلف الإمام وإذا اجتمع جماعة للصلاة وتساوت حالهم قدّموا لأنفسهم من شاءوا منهم، وإن رجح أحدهم بحالةِ عِلْمٍ، أو صلاح، أو صيانة أو سن، أو حسن هيئة- كان أحق بالإمامة ممن سواه. وإن اختلفت حالاتهم وكان لكل واحد منهم وجه يدلي به ولا يدلي به الآخر، فقيه، وعابد، وقارئ (¬1)، وذو سن كان العالم أولاهم، ثم القارئ إذا كان مقرئًا (¬2) إمامًا في ذلك، ثم الصالح، ثم الأسن (¬3). وإن رجح رجلان بمعنى واحد، فإن رجحا بعلم فأعلمهما، وإن تقاربا في العلم فأصلحهما، وإن تقاربا في الصلاح فأسنهما. وعلى هذا يجري الجواب في مقرئين وصالحين. وأربعة الإمامة إليهم: الأمير، والأب، والعم، وصاحب المنزل، فإن اجتمع أب وابن كانت الإمامة إلى الأب، وكذلك العم وابن الأخ- الإمامة إلى العم. وقال مالك في المستخرجة: وإن كان العم أصغر فهو أحق بالإمامة إلا بإذن الأب أو العم فيجوز أن يؤمهما (¬4). قال سحنون: وذلك إذا كان العم في العلم والفضل مثل ابن الأخ (¬5). ¬

_ (¬1) قوله: (وقارئ) ساقط من (ر). (¬2) في (ر): مفردًا. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 176. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 356. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 356.

وعلى هذا يكون الابن أولى من الأب إذا كان عالمًا أو صالحًا والأب ليس كذلك. وصاحب المنزل أحق بالصلاة وإن حضر من هو أفضل منه من فقيه أو صالح؛ أو ذي سن إلا أن يأذن، ويستحب له أن يقدم غيره ممن ذكرنا. وقال مالك في كتاب ابن حبيب: صاحب الدار أولى بالإمامة وإن كان عبدًا (¬1). قال الشيخ -رحمه الله-: وإن كان منزلا (¬2) لامرأة كان الاستخلاف إليها، ويستحب لها أن تستخلف أحقهم بالإمامة لو لم يكن منزلها. والأصل في هذه الجملة قوله - صلى الله عليه وسلم -: "يَؤُمُّ القَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ -عز وجل-، فَإِنْ كَانُوا فِي القِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ إِسْلامًا وَلاَ يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ وَلاَ يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ" أخرجه مسلم في صحيحه (¬3). وفي رواية أخرى: "أَكبَرُهُمْ سِنًّا" (¬4). فقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقرأهم لأنه كان أفقههم، وإنما كان فقههم من كتاب الله سبحانه، وقدم المتفقه في كتاب الله تعالى على المتفقه في السنة؛ لأن القرآن أصل علم الله تعالى في أرضه على هذه الأمة. وقال لمالك بن الحويرث وصاحبه: "فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 176. (¬2) في (ر): (المنزل) وأشار إليه في في هامش (س) في نسخة. (¬3) أخرجه: مسلم في صحيحه: 1/ 465، في باب من أحق بالإمامه، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم (290/ 673). (¬4) أخرجه مسلم: 1/ 465، في باب من أحق بالإمامة، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم (291/ 673).

فصل في إمامة الفاسق

وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا" أخرجه البخاري ومسلم (¬1). وفي النسائي قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا زَارَ أَحَدُكُمْ قَوْمًا فَلاَ يُصَلِّيَنَّ بِهِمْ" (¬2). فصل في إمامة الفاسق اختلف في إمامة الفاسق، فقيل: الصلاة جائزة، وتستحب الإعادة في الوقت. وقيل: لا تجزئ (¬3)، ويعيد من ائتم به في الوقت وبعده. وقال أبو بكر الأبهري: المسألة على قسمين: فإن كان فاسقًا بتأويل (¬4) أعاد في الوقت، وإن كان فاسقًا بإجماع، كمن ترك الطهارة عامدًا، أو زنى أو شرب الخمر- أعاد في الوقت وبعده. قال: وكذلك وجدته مسطورًا، ذكره القاضي أبو الحسن علي بن القصار عنه (¬5). قال الشيخ -رحمه الله-: أرى أن تجزئ الصلاة إذا كان فاسقًا (¬6) بما لا تعلق له في الصلاة، كالزنا وغصب الأموال وقتل النفس، وكثيرًا ما يُرى من هؤلاء السلاطين ¬

_ (¬1) متفق عليه، البخاري: 1/ 234، في باب اثنان فما فوقهما جماعة، من كتاب الجماعة والإمامة برقم (627)، ومسلم: 1/ 465، في باب من أحق بالإمامة، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم (293/ 674) (¬2) (صحيح) أخرجه النسائي في سننه: 2/ 80، في إمامة الزائر، من كتاب الإمامة، برقم (787). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 284، والتلقين: 1/ 48. (¬4) في (ر): (بتأويل القرآن). (¬5) انظر: عيون الأدلة، لابن القصار: 3/ 1215. (¬6) في (ر): (فسقه) وأشار في هامش (س) أنها في نسخة.

التحفظ في أمور صلواتهم، ولا تجزئ إذا كان فسقه بأمر يتعلق بالصلاة كالطهارة، أو يخل بأمر من فروض الصلاة أو يشك فيه، أو وهو سكران. ويختلف إذا شرب خمرًا ولم يسكر، فقال مالك (¬1) في كتاب محمد: يعيدون وإن ذهب الوقت؛ لأن الخمر في جوفه (¬2). يريد: لأن حكم ما في المعدة على غير (¬3) الطهارة، فصار مصليًا بنجاسة متعمدًا، في موضع من جسده، لم تدع إليه ضرورة. وعلى القول أن عرق من يشرب الخمر نجس يكون جميع الجسد نجسًا، ويعيد ما قرب. واختلف في إمامة القدري والألكن ومن يلحن ومن يقرأ بقراءة ابن مسعود، والصبي، والعبد، وولد الزنا، والخصي، والأقطع، والأشل، والمريض يصلي جالسًا، وفي إمامة المرأة للنساء (¬4). واختلف في الصلاة خلف أهل البدع والأهواء، فقال مالك: لا يصلى خلف القدري (¬5) الجمعة، ومن فعل ذلك أعادها ظهرًا. ووقف مرة في إعادة الصلاة خلف القدري، وعلى هذا يصلي (¬6) الجمعة خلفه. وقال ابن القاسم: يعيد في الوقت (¬7). ¬

_ (¬1) قوله: (مالك) ساقط من (س). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 284. (¬3) قوله: (غير) زيادة من (ر). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 178، والبيان والتحصيل: 2/ 161، والنوادر والزيادات: 1/ 287. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 176. (¬6) في (ش 2): (تصح). (¬7) انظر: المدونة: 1/ 176.

فصل الخلاف في إمامة الألكن

وقال سحنون في العتبية (¬1): لا إعادة على المأموم لا في وقت ولا غيره. قال: وكذلك يقول جميع أصحاب مالك؛ المغيرة وابن كنانة (¬2) وأشهب قال: لأنه مسلم وذنبه لم يخرجه من الإسلام (¬3). وقال محمد بن عبد الحكم: يعيد أبدًا. وهذا مثل قول مالك؛ لأنه قال: لا تصلى خلفه الجمعة؛ لأن الجمعة فرض على الأعيان. واختلف هل يكفر بمآل قوله، فمن كفره بذلك أوجب الإعادة بعد ذهاب الوقت، ومن لم يكفره لم ير الإعادة. وقد تستحسن الإعادة في الوقت ليخرج من الخلاف. وقد روي عن مالك أنه قال فيمن يقول بخلق القرآن: هو كافر، فاقتلوه (¬4). وروي عنه أن يوجع ضربًا ويحبس حتى يتوب. وسئل عن تزويج القدري فقال: لا يزوج (¬5)؛ قال الله تعالى: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة: 221]. وإلى هذا يرجع الخلاف المتقدم. فصل الخلاف في إمامة الألكن واختلف في إمامة الألكن، فروي عن مالك في المجموعة وفي المبسوط ¬

_ (¬1) قوله: (في العتبية) ساقط من (ر). (¬2) هو: أبو عمرو، عثمان بن عيسى بن كنانة مولى عثمان بن عفان، المتوفى سنة 185 هـ. أحد تلامذة الإمام مالك وهو من جلس في حلقته بعد وفاته، وكان مالك يحضره لمناظرة أبي يوسف عند الرشيد. انظر ترجمته في: المدارك، لعياض: 3/ 21، والتعريف بالأعلام والمبهمات، لابن عبد السلام (بهامش الجامع بين الأمهات بتحقيقنا): 1/ 132، وطبقات الفقهاء، للشيرازي، ص: 146، وتاريخ الإسلام، للذهبي: 12/ 293. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 16/ 411، 412. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 16/ 410، والتفريع: 1/ 175. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 390.

فصل في إمامة من يلحن

إجازتها ابتداءً (¬1). وذكر إسماعيل القاضي -ولم أره في المبسوط- أنه قال: إن ذلك إذا كانت لكنته في غير قراءته. وهذا بعيد؛ لأن اللكنة واللثغة تكونان طبعًا وخِلقَةً في الكلام لا تتغير لقراءة ولا لغيرها، ومع أنه لا يحتاج إلى السؤال عن إمامة من يحسن القراءة من أجل أنه لا يبين كلامه في غير قراءة، كما أنه لا يحتاج السؤال عن إمامة من يحسن القراءة إذا كان يلحن في كلامه من غير قراءة. فهذا من الأمور البينة التي لا يسأل مالك عنها، ولا أعلمهم يختلفون أن صلاة من ائتم بالألكن ماضية (¬2) ولا إعادة على من ائتم به، وليس كالذي يلحن؛ لأنا نأمر من كان يلحن أن يصلي مأمومًا، ولا نأمر بذلك الألكن. فصل في إمامة من يلحن وفي إمامة من يلحن أربعة أقوال، فقيل: جائزة، وقيل: ممنوعة، وقيل: إن كان لحنه في أم القرآن لم يجز، وإن كان في غيرها جاز (¬3). وقال أبو الحسن ابن القصار: إن كان لا يغير معنى جازت إمامته، وإن كان يغير المعنى فيقول: "إِيَّاكِ نَعْبُدُ" و"أَنْعَمْتُ عَلَيْهِمْ" (¬4) فيجعل الكاف للمؤنث والإنعام لنفسه- لم تجز إمامته (¬5). وقاله أبو محمد عبد الوهاب (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 282. (¬2) قوله: (ماضية) ساقط من (ب). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 282. (¬4) قوله: (و"أنعمت عليهم") ساقط من (ر). (¬5) انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 1/ 449. (¬6) انظر: عيون المجالس، للقاضي عبد الوهاب: 1/ 469.

قال: وأما الأعجمي الذي يلفظ بالضاد ظاء، والألثغ الذي يلفظ بالراء خفيف الغين طبعًا فتصح إمامته؛ لأنه ليس في ذلك إحالة معنى إنما هو نقصان حروف. والقول بالمنع ابتداءً أحسن إذا وجد غيره ممن يقيم قراءته، فإن أم مع وجود غيره مضت صلاته وصلاتهم؛ لأن لحنه لا يخرجه عن أن يكون قرآنًا، مع أنه لو سُلِّمَ أن ذلك ليس بقرآن لم تفسد صلاته؛ لأنه لم يتعمد كلامًا في صلاته. وقد اختلف فيمن تكلم جاهلًا في صلاته هل تفسد صلاته؟ فكيف بهذا واللحن لا يقع في القراءة في الغالب إلا في أحرف يسيرة، ولو اقتصر المصلي على القدر الذي يسلم من اللحن لأجزأه. ولا فرق بين ما يغير معنى أم القرآن؛ لأن القارئ لا يقصد موجب ذلك اللحن، ولا يعتقد من ذلك إلا ما يعتقده من لا لحن عنده. ويختلف في الإتمام بمن يقرأ بقراءة ابن مسعود، فمنعه في الكتاب، وقال: يخرج ويتركه ولا يأتم به (¬1). وروى ابن وهب عنه أنه قال: أقرأ ابن مسعود رجلًا {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ} [الدخان: 43، 44]، فجعل الرجل يقول: "طعام اليتيم"، فقال له ابن مسعود: "طعام الفاجر"، فقلت لمالك: أترى أن يقرأ كذلك؟ قال: نعم، أرى ذلك واسعًا (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 176. (¬2) لم أقف عليه في الجزء المطبوع من جامع ابن وهب، قال في العتبية: (قال مالك: أقرأ عبد الله ابن مسعود رجلًا {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ}، فجعل الرجل يقول طعام اليتيم، فقال ابن مسعود طعام الفاجر) انظر: البيان والتحصيل: 18/ 419، وقد نقلها بنصها صاحب المعيار: 12/ 110، 111، وأورد مناقشات على اختيار المؤلف هنا.

فصل في إمامة الصبي

فعلى هذه الرواية يجزئ الائتمام به، وهذا موافق لقول ابن شهاب في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ - عليه السلام - عَلَى حَرْفٍ فَرَاجَعْتُهُ فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ فَيَزِيدُنِي حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ" أخرجه البخاري ومسلم (¬1)، قال ابن شهاب: بلغني أن تلك الأحرف السبعة إنما هي في الأمر الواحد لا تختلف في حلال ولا حرام (¬2)، وإليه ذهب ابن مسعود؛ أنه يجعل مكان الكلمة كلمة معناهما واحد. فصل في إمامة الصبي وفي إمامة الصبي ثلاثة أقوال، فمنعها في المدونة في الفرض والنفل (¬3)، وأجازها في المستخرجة في النفل خاصة (¬4)، وقال أبو مصعب: إن أمَّ في الفريضة مضت صلاة من ائتم به. وقال أشهب في مدونته في إمامٍ أحدث فاستخلف صبيًّا فأتم بالقوم، قال: إن عقل الصلاة وأمر بها أجزأته، وأعاد من خلفه ما لم يذهب الوقت، فإن ذهب الوقت فلا إعادة (¬5) عليهم. فمنع من إمامته في الفرض؛ لأنه غير مخاطب بالصلاة من طريق الوجوب، فكان المؤتم به مفزضًا خلف متنفل، ومنع من إمامته في النفل لأن عقده في ¬

_ (¬1) متفق عليه، البخاري: 3/ 1177، في باب ذكر الملائكة، في كتاب بدء الخلق، برقم (3047) مسلم: 1/ 561، في باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف، من صلاة المسافر وقصرها، برقم (819). (¬2) انظر: صحيح مسلم: 1/ 561. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 177. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 395. (¬5) قوله: (فلا إعادة) يقابله في (س): (فالإعادة).

حين دخوله في الصلاة غير لازم؛ بدليل أنه لو خرج من الصلاة قبل تمامها لم يكن عليه قضاؤها، بخلاف البالغ، وأجزأت (¬1) عنه في القول الآخر في الفرض؛ لأن عقده عقد ما لم يخرج منه، وهذا مما لا خلاف فيه. وقد جاءت السنة في (¬2) حجه، وفي أمره إياه بالصلاة، في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مُرُوهُمْ بِهَا لِسَبْع، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ" (¬3). فثبت بهذه الأحاديث أنه قد انعقدت عليه قربة، والحل أمر لم يأت بعد، وأنه مصلي الظهر إن كان في ظهر، ولا يقال: إنه مصل غيره، وإذا كان ذلك كذلك كانا في صلاة واحدة ظهرًا أو عصرًا لهما جميعًا. ويؤيد ذلك حديث أبي (¬4) جميلة أنه كان يؤم قومه وهو ابن سبع سنين، قال: "وَكَانَتْ عَلَيَّ بُرْدَةٌ إِذَا سَجَدْتُ تَقَلَّصَتْ عَنِّي فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الحَيِّ: أَلاَ تُغَطُّونَ عَنَّا اسْتَ قَارِئِكُمْ؟ فَاشْتَرَوا لِي قَمِيصًا". ذكره البخاري في آخر المغازي: قال: "وَكَانَ أَبُو جَمِيلَةَ (¬5) أَدْرَكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَخَرَجَ مَعَهُ عَامَ الفَتْحِ" (¬6). ¬

_ (¬1) في (س): (أجيزت). (¬2) في (س): (بر). (¬3) (صحيح) أخرجه بنحوه أبو داود في سننه: 1/ 187، في باب متى يؤمر الغلام بالصلاة، من كتاب الصلاة، برقم (495). (¬4) في (ر): (ابن). (¬5) زاد بعده في (ر): (وكان ابن جميلة واسمه عمرو بن أبي سلمة، وفيه: ما فرحت في شيء فرحتي بذلك القميص). (¬6) أدخل المؤلف -رحمه الله- السابق على التالي، فهذان حديثان، حديث أبي جميلف أخرجه البخاري: 4/ 1564، في باب من شهد الفتح، في كتاب المغازي، برقم (4050)، والثاني أخرجه في نفس الموضع برقم (4051). والعجب مما وقع في (ر) مما استدرك بهامشها من قوله (وكان ابن جميلة واسمه عمرو بن أبي سلمة، وفيه: ما فرحت في شيء فرحتي بذلك القميص)

فصل في إمامة المرأة

فصل في إمامة المرأة إمامة المرأة الرجال غير جائزة، واختلف في إمامتها للنساء، فقال مالك (¬1) في الكتاب: لا تؤم المرأة (¬2). ولم يفرق، وروى عنه ابن أيمن أنه أجاز أن تؤم النساء، وهو قول الشافعي (¬3). وأجاز أبو ثور والطبري إمامتها الرجال والنساء (¬4). فأما إمامتها النساء فالصواب جوازها ابتداءً عند عدم من يؤمهن من الرجال، وذلك أحسن من صلاتهن أفذاذًا، ويكره مع وجود من يؤمهن من الرجال، فإن فعلن أجزأت صلاتهن لتساوي حالهن؛ ولأنه لم يأت أثر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمنع إمامتهن. وتمنع إمامتهن الرجال؛ لنقصهن عنهم، وقد اعتل للقول بالمنع بأن كلامهن عورة، وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: "خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلهُا وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلهُا" (¬5). وجميع هذا إنما تجيء منه الكراهة ولا يجيء منه عدم الإجزاء؛ لأنه لا يختلف أن صلاة أولهن صفًّا جائزة لا تجب إعادتها، وأنه لو ¬

_ (¬1) قوله: (مالك) ساقط من (ر). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 177. (¬3) قال في الأم 1/ 292: (قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا صلت المرأة برجال ونساء وصبيان ذكور فصلاة النساء مجزئة وصلاة الرجال والصبيان الذكور غير مجزئة). (¬4) انظر: المجموع للنووي: 4/ 255. (¬5) أخرجه مسلم: 1/ 326، في باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول منها والازدحام على الصف الأول والمسابقة إليها وتقديم أولي الفضل وتقريبهم من الإمام، من كتاب الصلاة، برقم (440).

فصل في إمامة العبد

استمع إلى كلام امرأة وهو في الصلاة من غير أن تؤم- لم تفسد صلاته. فصل في إمامة العبد واختلف قول (¬1) ابن القاسم وعبد الملك وأشهب في إمامة العبد، فجعلها ابن القاسم على ثلاثة منازل: جائزة، ومكروهة، وممنوعة. فأجاز أن يكون إمامًا راتبًا في النوافل وقيام رمضان، وإمامًا غير راتب في الفرائض، وكره أن يكون إمامًا راتبًا في الفرائض، وأما في السنن كالعيدين والاستسقاء والخسوف، فإن أمَّ في ذلك أجزأت صلاته ولم يؤمروا بإعادة، ومنع أن يكون إمامًا في الجمعة، فإن فعل لم تجز الصلاة وأعاد وأعادوا (¬2). وأجاز عبد الملك أن يكون إمامًا راتبًا في الفرائض، ويجوز على قوله أن يكون إمامًا في السنن، ومنع أن يكون إمامًا في الجمعة. وأجاز أشهب إمامته في الجمعة وقال: لأنه إذا شهدها صار من أهلها (¬3). وقول ابن القاسم ألا يكون إمامًا راتبًا في الفرائض أحسن، والحر أولى، إلا أن يكون منقطعًا بالفضل والصلاح (¬4)، ولم يكن في الجماعة مثله في الفقه والقراءة والصلاح (¬5)، وأما الجمعة فإن الناس معه عند ابن القاسم في معنى مفترض خلف متنفل؛ لأنه مخير بين أن يصلي الجمعة أو الظهر، فلما كان دخوله ¬

_ (¬1) قوله: (قول) ساقط من (س). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 177، 178. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 236. (¬4) قوله: (والصلاح) ساقط من (س) (¬5) قوله: (في الفقه والقراءة والصلاح) زيادة من (ر)، وانظر: المدونة: 1/ 178.

فصل في إمامة ولد الزنا، والخصي [والأقطع، والأشل]

فيها بالتطوع: أشبه المتنفل. وقول أشهب أنها تجزئه أحسن؛ لأنه وإن كان متطوعًا بالدخول فيها، فإنها فريضته، وتبرأ ذمته بها عن الظهر. فصل في إمامة ولد الزنا، والخصي [والأقطع، والأشل] وكره مالك إمامة ولد الزنا والخصي إذا كان راتبًا (¬1)، وكره ابن وهب إمامة الأقطع والأشل إذا لم يقدر يضع يديه في الأرض (¬2). وأجاز ابن الماجشون في الواضحة إمامة الأقطع والخصي وإن كان إمامًا (¬3) راتبًا إن كان عدلًا (¬4)، وأجازه أشهب في ولد الزنا (¬5)، وغيره أحب إلي منه. قال الشيخ -رحمه الله-: قول مالك في ولد الزنا أحسن؛ لأن ذلك مما يؤذى به، وأما الخصي فجائز إذا كان من أهل الخير والفضل. ومنع إمامة الأشل والأقطع؛ لأن كل واحد منهما عاجز عما يحاوله من اغتساله من الجنابة ووضوئه وزوال النجاسة والتنظف من الوجه الآخر، وأمرهما في ذلك أضعف شأنًا من الصحيح، والصلاة أولى ما احتيط لها. فقال ابن حبيب: يكره للرجل أن يؤم قومًا وهم له كارهون أو أكثرهم أو ذوو النهى والفضل منهم وإن قلوا (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 178. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 161. (¬3) قوله: (إمامًا) ساقط من (س). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 285. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 167. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 282.

فصل في مقام المأموم من الإمام

وقال مالك: إذا كان فيهم من يخاف أن يكرهه فليستأذنهم (¬1). وقال مالك في العتبية في نصراني أمَّ قومًا في سفر ثم علموا به إنهم (¬2) يعيدون أبدًا (¬3)، ولا يقتل (¬4) بما أظهر من الإسلام. وقال مطرف وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب مثل ذلك في الإعادة، وقالا: يستتاب كالمرتد، فإن تاب وإلا قتل، ولا حجة له إن قال: فعلته عبثًا أو مجونًا (¬5). وقال سحنون: إن كان في موضع يخاف على نفسه فدارى به لم يعرض له، وأعاد القوم، وإن كان آمنًا عرض عليه الإسلام، فإن أسلم لم يعيدوا، وإن لم يسلم قتل وأعادوا. وقول مالك أحسن أنه لا يقتل، والقول قوله إن قال: فعلته عبثًا أو مجونًا (¬6)؛ لأنه قد أتى بما يشبه، ويعاقب ويعيد القوم. وليس ذلك بمنزلة نصراني مقيم بين قوم يعرف بالنصرانية فأظهر الإسلام فإنه لا يعذر. فصل في مقام المأموم من الإمام ومقام المأموم من الإمام إن كان واحدًا- عن يمينه، فإن قام عن يساره أداره من خلفه، ورده عن يمينه، فإن كانا اثنين فأكثر قاما خلفه. وحكم الصبي إذا كان ممن يعقل ويثبت في صلاته- حكم الرجل، إن كان ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 282. (¬2) قوله: (إنهم) يقابله في (ر): (إنه قال). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 16/ 411. (¬4) في (ر): (يقبل). (¬5) في (ر): (مخوفًا)، وانظر: النوادر والزيادات: 1/ 290. (¬6) في (ر): (مخوفا).

وحده أقامه عن يمينه، وإن كان معه آخر قاما خلفه، ومقام المرأة خلفهما (¬1) أبدًا، فإن لم يكن مع الإمام غيرها قامت خلفه، وإن كان مع الإمام رجل واحد وامرأة قام عن يمينه وكانت خلفهما، وإن كانا رجلين فأكثر قاما خلفه، وقامت (¬2) هي خلفهم، وسواء كانت المرأة أجنبية أو من ذوي محارمه أو زوجته أو أمته. وقال مالك فيمن صلى لنفسه ثم أتى رجل فائتم به: إنها له صلاة جماعة (¬3). قال الشيخ -رحمه الله-: وكذلك الإمام تصير له (¬4) جماعة أيضًا، فلا يعيد في جماعة أخرى. ¬

_ (¬1) في (س): (خلفه). (¬2) في (س): (كانت). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 178. (¬4) قوله: (تصير له) يقابله في (س): (بمنزلة).

باب في إعادة الصلاة في جماعة ومن كان في صلاة فأقيمت عليه تلك الصلاة أو غيرها

باب في إعادة الصلاة في جماعة ومن كان في صلاة فأقيمت عليه تلك الصلاة أو غيرها ولمن صلى فذًّا أن يعيد تلك الصلاة في جماعة، وذلك في أربع صلوات: الصبح، والظهر، والعصر، والعشاء إذا لم يوتر، واختلف في المغرب وفي العشاء إذا أوتر، فقال مالك: لا يعيد المغرب، وأن أقيمت الصلاة وهو في المسجد فليخرج (¬1). وقال المغيرة: يعيدها. وقال مالك في العتبية: لا يعيد العشاء إذا أوتر (¬2). وقال سحنون في المجموعة: فإن أعادها أعاد الوتر، وقال يحيى بن عمر: لا يعيد الوتر (¬3). وعلى قول المغيرة: يعيد العشاء ابتداءً وإن كان قد أوتر. فمن منع إعادة المغرب قال: لأن الآخرة نافلة ولا يتنفل بثلاث. وقال ابن القاسم: إن أعادها أضاف إليها رابعة لينصرف على شفع (¬4). يريد: إذا أعادها بنية النفل، ولو نوى رفض الأولى لتكون هذه فرضه- لم يشفعها؛ لأن الاحتياط لفرضه أولى، فيخرج من الخلاف أن هذه تعود فرضه. وقال أشهب في مدونته: إن صلى ركعتين وسلم رأيت ذلك واسعًا. وأرى إن أعاد العشاء بنية النفل لم يعد الوتر، وإن أعادها بنية الفرض أعاد الوتر. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 179. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 382. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 326. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 19.

وينبغي إذا كان الوجه في المنع لأن الآخرة نافلة (¬1) ألا يعيد العصر ولا الصبح، وهو قول عبد الله بن عمر؛ قال في الموطأ: لا يعيد الصبح ولا المغرب (¬2). وقال أبو حنيفة: لا يعيد الصبح ولا العصر. ورأى (¬3) أن الآخرة نافلة، وإذا سلّم مالك وغيره من أصحابه أن له أن يعيد الصبح والعصر دل على أن الآخرة ليست بنافلة، وأن يعيد المغرب كما قال المغيرة، وهو أحسن؛ لحديث محجن قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا جِئْتَ فَصَلِّ مَعَ النَّاسِ، وَإِنْ كُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ" (¬4)، فعم، ولو كان ذلك في بعض الصلوات لبيّنه، ولم يجز تأخير البيان (¬5) في ذلك. ولحديث معاذ كان يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يأتي قومه فيؤمهم (¬6)، ولم يخص شيئًا من الصلوات، وفي بعض طرقه أنه كان يصلي المغرب ثم يؤم قومه (¬7). ولحديث الأسود قال: "شَهِدْتُ الصُّبْحَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّتِهِ بِمَسْجِدِ الخَيْفِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَأَى رَجُلَيْنِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ، فَقَالَ: عَلَيَّ بِهِمَا، فَقَالَ: ¬

_ (¬1) في (س): (نفل). (¬2) انظر: الموطأ: 1/ 133، برقم (300). (¬3) في (س): (أرى). (¬4) أخرجه مالك: 1/ 132، في باب إعادة الصلاة مع الإمام، من كتاب صلاة الجماعة، برقم (296)، والنسائي في سننه: 2/ 112، في إعادة الصلاة مع الجماعة بعد صلاة الرجل لنفسه، في كتاب الإمامة، برقم (857). (¬5) في (ر): (البيان عن وقت الحاجة). (¬6) متفق عليه، البخاري: 1/ 248، في باب إذا طول الإمام وكان للرجل حاجة فخرج فصلى، من كتاب الجماعة والإمامة، برقم (668)، ومسلم: 1/ 339، في باب القراءة في العشاء، من كتاب الصلاة، برقم (465). (¬7) أخرجه الترمذي: 2/ 477، في باب ما جاء في الذي يصلي الفريضة ثم يؤم الناس بعد ما صلى، من أبواب السفر، برقم (583)، قال الترمذي: (حسن صحيح).

مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟ فَقَالا: يَا رَسُولَ اللهِ، كُنَّا صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا. فَقَالَ: لاَ تَفْعَلاَ إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ، فَإِنَّهَا لَكُم نَافِلَةٌ" (¬1). أي: زيادة على الواجب، والذي يؤيد أن الآخرة فرض أنهم قالوا: إن صلى فذًا أعاد الآخرة في جماعة؛ ليدرك فضلها، قال أبو محمد عبد الوهاب: ليدرك فضل الجماعة على ما وردت به السنة (¬2). واحتج بالحديث: "صَلاَةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ عَلَى صَلاَةِ الفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً". وإن صلى في جماعة لم يعد، فلو كانت الآخرة نافلة لأعاد من صلى جماعة في جماعة بعد جماعة؛ لأن النفل لا يقف على عدد. وقال عبد الملك بن حبيب فيمن صلى في جماعة: لا يعيد في جماعة إلا أن يكون التي صلى في جماعة بمكة أو بالمدينة أو بيت المقدس، ثم دخل المسجد الحرام أو مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - أو مسجد بيت المقدس فوجد الناس في الصلاة أو أقيمت تلك الصلاة، فإنه يؤمر أن يصلي معهم وإن كان قد صلاها (¬3) في جماعة، وذلك لفضل الصلاة فيها (¬4) على غيرها (¬5). قال: ولهذا استحب مالك لمن صلى في جماعة في غير هذه المساجد ثم دخل بعض هذه المساجد وهم فيها أن يصليها معهم، قال: ألا ترى أنه إنما أمر من صلى وحده ثم أتى مسجدًا وهم فيها أن يصليها معهم؛ لفضل الجماعة على ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي: 1/ 424، في باب ما جاء في الرجل يصلي وحده ثم يدرك الجماعة، من أبواب الصلاة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برقم (219)، قال الترمذي: (حسن صحيح). (¬2) انظر: الإشراف: 1/ 267. (¬3) في (ر): (صلى). (¬4) في (ر): (فيه). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 326.

الفذ. يريد (¬1) ليدرك فضل الجماعة السبع وعشرين درجة. ويلزم على قوله أن لمن صلى في جماعة ثم أتى أحد هذه المساجد- أن يعيد فيها فذًّا؛ لأنه أعظم أجرًا. وقال مالك فيمن أتى المسجد الحرام أو مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقد صلى (¬2) أهله، وهو يطمع أن يدرك الجماعة في غيره- أنه يصليها فيه فذا ولا يخرج إلى جماعة في غيرها (¬3) قال: لأن الصلاة فيها فذًّا أعظم من الجماعة في غيرها (¬4). وهذا الذي قاله صحيح، ومحمل الحديث أن صلاة الجماعة تزيد على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة، أن ذلك إذا صُلِّيَتا جميعًا في مسجده أو جميعًا في غير مسجده، فأما إن صُلِّيَتْ إحداهما في غير مسجده، والأخرى في مسجده فإنها تضعف عليها بألف إذا صليتا جميعًا فذًّا أو جميعًا في جماعة، فإن صليت في غير مسجده فذًّا وصلاها آخر في مسجده جماعة فإنها تفضل (¬5) بسبع وعشرين ألف درجة (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (يريد) ساقط من (س). (¬2) زاد بعدها في (س): (في). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 328. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 181. (¬5) في (ر): (تضعف). (¬6) قوله: (درجة) ساقط من (س).

فصل حكم من صلى فذا تم أعاد في الجماعة تم تبين أنه كان في إحداهما بلا وضوء

فصل حكم من صلى فذًّا تم أعاد في الجماعة تم تبين أنه كان في إحداهما بلا وضوء ومن صلى فذًّا ثم أعاد في جماعة، ثم تبين أنه كان في إحدى الصلاتين على غير وضوء- كان الأمر في ذلك إلى نيته في حين إعادته الآخرة، هل دخل فيها بنية (¬1) الفرض، أو النفل، أو على أن ذلك إلى الله سبحانه؟ فإن كان نوى بالثانية النفل ثم تبين له أنه فيها على غير وضوء- بقي على الأولى، ولم يعد الأولى ولا الثانية، وإن تبين أنه في الأولى على غير (¬2) طهارة لم تجزئه الثانية وأعاد الأولى، وإن كان نوى بالثانية الفرض، ثم تبين أن الأولى على غير وضوء- أجزأته الثانية، وإن تبين أن الثانية على غير وضوء كان في إعادته الأولى قولان: فقيل: لا يعيدها لأنها لا ترتفض، وقيل: ترتفض ويعيدها. وإن نوى أن ذلك إلى الله سبحانه؛ يجعل أيتهما شاء صلاته- لم تكن عليه إعادة، وسواء كان منتقض الطهارة في الأولى أو الثانية. وقد وقع في نصوص هذه المسألة اختلاف، وهو ينصرف إلى هذه الوجوه، وقال مالك في المبسوط فيمن صلى في بيته ثم أتى المسجد فوجد الإمام جالسًا في الصلاة فكبر ودخل معه وجلس ثم سلم الإمام؛ لأنه كان في آخر صلاته قال: إن كانت نية هذا حين دخل مع الإمام (¬3) أن يجعلها فرضًا (¬4)، وصلاته في ¬

_ (¬1) في (س): (نية). (¬2) قوله: (وضوء- بقي على الأول. . . على غير) ساقط من (ر). (¬3) زاد في (ر) بعده: يرى. (¬4) في (ر): (ظهرًا).

فصل حكم من صلى ببيته ثم أتى المسجد فأقيمت تلك الصلاة فلا يتقدمهم فيها

بيته نافلة، فعليه أن يتمها وأمرهما إلى الله سبحانه؛ يجعل أيتهما شاء صلاته، وإن لم يرد رفض الأولى لم يكن عليه أن يتمها (¬1) وقد أجزأت عنه صلاته في بيته (¬2). فصل حكم من صلى ببيته ثم أتى المسجد فأقيمت تلك الصلاة فلا يتقدمهم فيها وقال مالك في المدونة فيمن صلى في بيته ثم أتى المسجد فأقيمت تلك الصلاة: فلا يتقدمهم فيها، فإن فعل أعاد من خلفه؛ لأنه لا يدري أيتهما صلاته وإنما ذلك إلى الله -عز وجل- (¬3)، فكيف تجزئهم صلاة رجل لا يدري هل هي صلاته أم لا (¬4)؟! قال الشيخ -رحمه الله-: ولا تجزئهم أيضًا إذا نوى بها النافلة إلا على قول (¬5) من أجاز إمامة الصبي. ويختلف إذا نوى بالثانية الفرض ورفض الأولى، فمن قال: إنها ترتفض- أجزأتهم صلاتهم خلفه، ومن قال: إنها لا ترتفض- لا تجزئهم إلا أن يتبين أن الأولى كانت على غير طهارة فتجزئهم؛ لأن الآخرة فرض. وإن نوى أن ذلك إلى الله سبحانه ثم تبين له (¬6) أن الأولى على غير وضوء ¬

_ (¬1) قوله: (وأمرهما إلى الله سبحانه. . . أن يتمها) ساقط من (س). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 326. (¬3) زاد في (س) بعده: (يجعل أيتهما شاء صلاته). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 180. (¬5) قوله: (قول) ساقط من (س). (¬6) قوله: (له) ساقط من (س).

فصل [فيمن ابتدأ صلاة في المسجد، فأقيمت عليه تلك الصلاة]

أجزأتهم أيضًا. وقال محمد بن سحنون عن أبيه فيمن صلى في بيته ثم أعادها بالناس: فإنهم يعيدون وإن خرج الوقت ما لم يطل؛ لاختلاف الصحابة في ذلك. ولا خلاف أنه يجوز أن يصلي متنفل خلف مفترض، واختلف هل يصلي مفترض خلف متنفل، والأصل في ذلك حديث معاذ أنه كان يصلي خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يأتي فيؤم قومه (¬1). فذهب مالك إلى أن صلاته كانت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - بنية النفل. وقال غيره: بل كانت صلاته خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - بنية الفرض ثم يأتي فيؤم قومه (¬2) على وجه التنفل. والأشبه أنه كان يصلي لتكون الأولى فرضه (¬3) ولا يترك صلاة في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي بألف في غيره وخلف النبي - صلى الله عليه وسلم - ويجعلها نافلة ليكون فرضه أقل أجرًا. فصل [فيمن ابتدأ صلاة في المسجد، فأقيمت عليه تلك الصلاة] ومن كان في المسجد في صلاة الظهر وأقيمت عليه الظهر، فإن كان قد صلى ركعة أضاف إليها أخرى وسلم ودخل مع الإمام، وإن صلى ركعتين سلم، ودخل مع الإمام (¬4) أيضًا، وإن كان قد صلى ثلاثًا أتم الرابعة بنية ¬

_ (¬1) سبق تخريجه ص: 334. (¬2) قوله: (فيؤم قومه) يقابله في (ر): (قومه فيؤمهم). (¬3) في (ر): (فريضة). (¬4) قوله: (مع الإمام) يقابله في (س): (معه).

الفرض ثم أعادها مع الإمام على أن ذلك إلى الله -عز وجل- (¬1). وإن أتمها بنية النفل أعاد بنية الفرض. واختلف قول ابن القاسم إذا كان في المغرب فأقيمت عليه، فقال في المدونة: إذا كان كما افتتح الصلاة (¬2) أو صلى ركعة قطع، وإن صلى ركعتين أتم الثالثة وخرج (¬3). وقال أيضًا: إن صلى ركعة أضاف إليها أخرى وسلم، كان صلى ركعتين سلم، وإن ركع الثالثة وأمكن يديه من ركبتيه أتمها وخرج (¬4). وقال أشهب: يرجع إلى الجلوس ويسلم من ركعتين ما لم يرفع من الثالثة (¬5). وعند ابن حبيب: إذا أحرم ولم يركع يتم الركعتين ويسلم (¬6). وإن كان في نفل ولم يركع فقال في المدونة: يقطع إذا كان ممن لا تخف عليه الركعتان (¬7). وقال عيسى: يتمها ركعتين، وإن كان قد صلى (¬8) ركعة أتم نفله ودخل مع الإمام ما لم يخف فوات الركعة مع الإمام فإنه يسلم ولا يتمها (¬9). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 179، وما بعدها. (¬2) قوله: (الصلاة) ساقط من (س). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 179. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 329. (¬5) في (س): (الثانية)، وانظر: النوادر والزيادات: 1/ 329. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 329. (¬7) انظر: المدونة: 1/ 188. (¬8) قوله: (وإن كان قد صلى) يقابله في (ر): (فإن صلى). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 329.

قال الشيخ -رحمه الله-: وكذلك أرى في كل ما تقدم أنه يتم ركعتين وإن كان في فرض، ما لم يخف فوات الركعة مع الإمام؛ فإنَّ ركعة من الفرض في جماعة مع الإمام أولى من تمام ركعتين ليكونا نفلًا. وقال مالك في المستخرجة فيمن كان في الظهر فأقيمت عليه العصر: إنه إن كان يطمع أن يفرغ منها ويدرك الصلاة مع الإمام فعل وإلا قطع ودخل مع الإمام، ثم يستأنف الصلاتين (¬1). وقال ابن القاسم: إن كان صلى ركعة أتم ركعتين إلا أن يخاف فوات ركعة الإمام فليقطع. وجعل الجواب مثل ما تقدم إذا كان في الظهر فأقيمت عليه الظهر (¬2). وقال محمد بن عبد الحكم: لا يقطع ويتم صلاته التي هو فيها، ويخففها، فإن أدرك مع الإمام شيئًا صلى، وإن لم يدرك صلى لنفسه، فإن لم يكن دخل في الصلاة خرج من المسجد. وهذا أحسن، ولا يخرج من التي هو فيها للعصر فيزيد الظهر فواتًا، إلا أن يكون إن خرج لم يقدر على صلاة الظهر حتى يمضي القدر الذي تنقضي فيه صلاة الإمام. ¬

_ (¬1) في (ر): (الصلاة)، وانظر: البيان والتحصيل: 1/ 222، 223. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 223.

باب في المسجد تصلى فيه جماعتان

باب في المسجد تصلى فيه جماعتان وإن كان للمسجد إمام راتب كان أحق بالصلاة فيه، ولا يتقدم أحد ليجمع فيه قبله ولا بعد. ومن أتى مسجدًا وقد صلى إمامه لم يكن له أن يجمع فيه ثانية إلا بإذن الإمام، ولو أقام إمامه الصلاة فلم يأته أحد فصلى وحده- لم يكن لغيره أن يجمع فيه، وإن استخلف إمامه من يصلي بالناس ثم أتى بعد أن صلوا لم يكن له أن يجمع فيه (¬1). وقال مالك في الواضحة: إن أذن المؤذن فلم يأته أحد فصلى وحده ثم أتى الإمام المسجد والناس معه، أنه إن كان المؤذن ممن يؤمهم إذا غاب إمامهم فهو كالإمام؛ صلاته وحده صلاة جماعة، لا يجوز لهم أن يجمعوا بعد ذلك تلك الصلاة، وإن كان المؤذن ممن لا يصلي بهم (¬2) إذا غاب إمامهم فهو كرجل من الناس (¬3). قال الشيخ -رحمه الله-: ولو كان شأنه أن يصلي إذا غاب إمامه (¬4) فصلى بهم في وقت صلاة الإمام المعتاد أو بعده بيسير لكان للإمام أن يعيد الصلاة؛ لأن هذه مسابقة له، وإن لم يكن شأنه أن يصلي بهم عند غيبته فأبطأ الإمام، وأضر بالناس انتظاره لطول تأخره- جاز لهم أن يأمروا المؤذن أو غيره أن يصلي بهم. وإن لم يكن للمسجد إمام راتب جاز أن يصلي فيه جماعة بعد جماعة، وإن ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 181. (¬2) قوله: (بهم) ساقط من (س). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 331. (¬4) قوله: (إمامه) ساقط من (س).

كان له إمام راتب في بعض الصلوات لم تعد فيه جماعة في الصلوات التي لها إمام راتب، مثل أن يكون له (¬1) إمام راتب في صلاة الليل دون النهار فإنه لا يجمع فيه في صلاة الليل قبله ولا بعده، ويجوز ذلك في صلاة النهار، فإذا صَلَّتْ (¬2) فيه جماعة ثم أتت جماعة أخرى كان فيها قولان: هل تصلي، أو تمنع؟ وأن تصلي أحسن؛ لأن الذي قبله ممن (¬3) لم يكن له حق في الصلاة فيه، وهذا الجواب في الجماعة، وأما الفذ فإنه لا يمنع أن يصليَ الفرض في كل مسجد له إمام راتب؛ يتقدمه أو يتأخر عنه، وإنما يمنع أن يصلي إذا كان الإمام في صلاة، فيصلي هو لنفسه تلك الصلاة على وجه الفرض أو النفل، ويمنع أن يجلس والإمام يصلي أو يخرج بعد أن تقام الصلاة، فحق الإمام في ذلك في اثنتين: في الجماعة أن تجمع قبله أو معه أو بعده، وفي الفذ أن يصلي حين صلاته ولا يأتم به أو يجلس ولا يصلي معه، أو يخرج بعد أن تقام الصلاة؛ لأن في كل ذلك (¬4) أذىً له، ولا يمنع الفذ أن يتقدمه في تلك الصلاة؛ لأن من الناس من يكون له شغل لا يمكنه معه انتظار الجماعة. ولا يمنع من يأتي بعد سلامه من أن يصليها؛ لأن كثيرًا من الناس تفوته الجماعة فلا يلحق الإمام بذلك أذى؛ لأنه لما علم أن كثيرًا ما يقع ذلك من الناس من غير قصد لتأخير عن الإمام، ولو علم من أحد أنه تعمد ذلك مخالفًا للإمام لمنع. ¬

_ (¬1) في (ر): (لها). (¬2) في (ر): (صليت). (¬3) قوله: (ممن) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (كل ذلك) يقابله في (ر): (ذلك كله).

والأصل في تعلق حق الإمام في ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لمحجن وقد جلس في حين صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَا لَكَ لَمْ تُصَلِّ مَعَنَا؟ " فقال: يا رسول الله قد كنت صليت في أهلي، فقال: "إِذَا جِئْتَ فَصَلِّ مَعَ النَّاسِ، وَإِنْ كنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ" (¬1). وحديث الأسود في (¬2) صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بمسجد الخيف، وقد تقدم. وكل حالة يكون للإمام فيها حق فإن ذلك في المسجد داخله وصحنه سواء، تمنع المخالفة على الإمام بالجلوس؛ فلا يصلي معه ومن الصلاة فذًّا في صحن المسجد في حي صلاته. ¬

_ (¬1) سبق تخريجه، ص: 334. (¬2) زاد في (ر) بعده: (حديث).

باب في المواضع التي يصلى فيها وما تكره الصلاة فيه من ذلك

باب في المواضع التي يصلى فيها وما تكره الصلاة فيه من ذلك يُتَقَرَّبُ إلى الله تعالى بالصلاة (¬1) في الموضع الطاهر، ولا يصلى في موضع فيه نجاسة، ولا فيما الغالب كون النجاسة فيه وإن لم ير عينها كالمجزرة، والمزبلة، والطريق الكثير المسالك؛ لما يكون من الدواب المارة عليها (¬2). وفي الترمذي قال: "نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الصَّلاَةِ فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: فِي المَزْبَلَةِ، وَالمَجْزَرَةِ، وَالمَقْبُرَةِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَفِي الحَمَّامِ، وَأَعْطَانِ الإِبِلِ، وَفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ اللهِ الحرَامِ" (¬3). وقد اختلف في الصلاة في المقبرة وفي الحمام وأعطان الإبل، وإن بسط (¬4) ما يصلي عليه، وفي الصلاة في الكعبة وفوق ظهرها، فأجاز مالك في المدونة الصلاة في المقابر وفي الحمام (¬5)، وأجاز ابن القاسم الصلاة في المقابر وإن كان القبر بين يديه (¬6). وذكر أبو مصعب عن مالك أنه كان يكره (¬7) الصلاة في المقبرة. ¬

_ (¬1) قوله: (بالصلاة) ساقط من (س). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 183. (¬3) (ضعيف) أخرجه الترمذي في سننه: 2/ 177، في باب ما جاء في كراهية ما يصلي إليه وفيه، من أبواب الصلاة، برقم (346)، وابن ماجه في سننه: 1/ 246، في باب المواضع التي تكره فيها الصلاة، من كتاب المساجد والجماعات، برقم (746). (¬4) في (س): (يسقط). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 182. (¬6) انظر: المدونة: 1/ 182. (¬7) قوله: (كان يكره) يقابله في (س): (كره).

وقال أبو محمد عبد الوهاب: تكره الصلاة داخل الحمام (¬1) وفي المقبرة الجديدة (¬2) في الجملة، وتجوز إن فعلت، وإن كانت قديمة وفيها نبش فلا تجوز إلا أن يجعل حصيرًا يحول بينه وبينها. وتكره في مقابر المشركين جملة من غير تفصيل (¬3). فكره الصلاة في المقبرة مع كونها جديدة وطاهرة الموضع للحديث (¬4)، فإن فعل مضى؛ لأن الموضع طاهر، فلم يمتنع (¬5) الإجزاء. وهذا أحسن. وأرى أن تمنع الصلاة في المقبرة وإلى القبر والجلوس عليها والاتكاء إليها، وقد ثبتت الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى أن تتخذ القبور مساجد (¬6)، وفي كتاب مسلم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَجْلِسُوا عَلَى القبورِ وَلاَ تُصَلُّوا إِلَيْهَا (¬7) " (¬8). ولأن للميت حرمة ومن حقه ألا يمتهن بالقعود عليه والاتكاء. وفي سماع ابن وهب قال: سمعت الليث يكره الصلاة في القبور والجلوس عليها والاتكاء عليها. ¬

_ (¬1) انظر: المعونة: 1/ 149. (¬2) في (س): (الحديثة). (¬3) انظر: المعونة: 1/ 150. (¬4) ستأتي هذه الأحاديث في المسألة التالية. (¬5) قوله: (يمتنع) يقابله في (ر): (تمنع). (¬6) منها ما أخرجه مسلم: 1/ 377 في باب النهى عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم (532) من حديث جندب - رضي الله عنه - مرفوعا، وفيه: "ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك". (¬7) في (ر): (عليها). (¬8) أخرجه مسلم: 2/ 668، في باب النهي عن تجصيص القبر والبناء عليه، من كتاب الجنائز، برقم (972).

قال مالك: ولا بأس بالصلاة في مرابض الغنم، ولا خير في الصلاة في معاطن الإبل (¬1). قال في المجموعة: وإن لم يجد غيرها وان بسط ثوبًا فلا يصلي فيها (¬2). وقال ابن وهب عن ابن مزين: وإنما كره ذلك لأن الناس يستترون بها عند الخلاء، قال: وهذا في المناهل، وأما المزبلة فلا بأس. وقال ابن حبيب: إن ذلك لاستتار الناس بها (¬3). قال: فيكره وإن فرش ثوبه، ومن صلى فيها جاهلًا أو عامدًا أعاد أبدًا؛ كمن تعمد الصلاة في الموضع النجس. وقال مالك: في من صلى وأمامه جدار مرحاض: فلا بأس به (¬4) إذا كان موضعه طاهرًا (¬5). قال الشيخ -رحمه الله-: فإن ظهرت النجاسة في ذلك الجدار ببلل أو غيره (¬6) مما أشبهه لم يُصَلِّ إليه؛ لأنه يصير مصليًا إلى نجاسة، وينبغي أن تنزه الصلاة عن قرب النجاسات (¬7). وقال ابن حبيب: لو تعمد الصلاة إلى نجاسة وهي أمامه أعاد، إلا أن تكون بعيدة جدًّا، وينبغي أن تنزه الصلاة عن قرب النجاسة (¬8) وأن يصلى ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 182. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 222. (¬3) زاد بعدها في هامش (س): (عند الخلاء). (¬4) قوله: (به) ساقط من (س). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 182. (¬6) قوله: (غيره) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (وينبغي أن تنزه. . . النجاسات) ساقط من (س). (¬8) قوله: (وينبغي أن تنزه الصلاة عن قرب النجاسة) ساقط من (ر).

عليها، وإن فرش ثوبًا. وكره مالك الصلاة في الكنائس والبِيَعِ قال (¬1): لنجاستها ولما فيها من التصاوير (¬2). وقال الحسن: تكره الصلاة في الكنائس والبِيَعِ؛ لأنها أسست على غير التقوى. قال مالك: ولا أستحب النزول فيها إذا وجد غيرها. وكره ابن القاسم الصلاة إلى قبلة فيها تماثيل (¬3). وقال ابن وهب عن مالك: لا يصلى على بساط فيه تصاوير (¬4) إلا من ضرورة (¬5). وقال مالك في الخاتم فيه التماثيل: لا يلبس ولا يصلى به (¬6). وقال سعيد بن جبير: لا ينقش في خاتمه (¬7) ذكر الله (¬8)، ولا شيئًا فيه الروح. ¬

_ (¬1) قوله: (قال) ساقط من (ر). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 182. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 182. (¬4) في (س): (صور). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: (قال عنه ابن القاسم: وأكره حمل الحصباء من الظل إلى الشمس، وليسجد على فضل ثوبه من الحرِّ، كما فعل عمر، وأكره اتخاذ البسط فيها التصاوير، والصَّلاَة عليها إلى لضرورة). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 182. (¬7) قوله: (ينقش في خاتمه) يقابله في (س): (تنقش في خاتمك). (¬8) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه: 1/ 348، برقم (1362).

باب في الصلاة إلى الكعبة وفيها، ومن يشكل عليه أمر القبلة

باب في الصلاة إلى الكعبة وفيها، ومن يشكل عليه أمر القبلة الصلاة إلى الكعبة فرض؛ لقوله الله -عز وجل-: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] الآية. والمصلي إلى الكعبة ثلاثة: مشاهد لها، وغائب عنها وهو بمكة، وغائب عن مكة: فإن كان مشاهدًا لها كان عليه التوجه إليها، فإن انحرف عنها شيئًا - لم تجزئه الصلاة. وإن كان غائبًا عنها وهو بمكة كان عليه التوجه إليها على وجه القطع، لا على وجه الاجتهاد؛ لأنه قادر على أن يصعد موضعًا مشرفًا هناك أو على أبي قبيس أو على غير ذلك؛ حتى يتحقق أنه إذا كان في بيته كان (¬1) مصليًا إليها. وإن كان غائبًا عن البلد كان فرضه الاجتهاد؛ أصاب عند الله -عز وجل- أو أخطأ، فإن صلى إلى موضع خارج عن الجهة التي يجتهد في القبلة إليها أو تطلب فيه متعمدًا - لم يجزئه (¬2)، وأعاد الصلاة وإن ذهب الوقت. واختلف في الجاهل والناسي والمجتهد المخطئ (¬3)، فقال عبد الملك بن الماجشون في كتاب ابن حبيب: تجزئه الصلاة ويعيد في الوقت. ¬

_ (¬1) في (ب) و (ر) و (ش 2): (أنه كان في بيته). (¬2) قوله: (يجزئه) يقابله في (س): (تجز). (¬3) في (س): (يخطئ).

وخالفه ابن حبيب في الجاهل خاصة وقال: لا تجزئه الصلاة ويعيد وإن ذهب الوقت؛ لأنه عنده عامد. وخالف الشيخ أبو الحسن ابن القابسي في الناسي وقال: إن كان يعرف القبلة وصلى باجتهاد فقوله صحيح، وإن كان بغير اجتهاد لشيء عرض له، فلا يبعد (¬1) أن يقال فيه: يعيد ما كان في الوقت. وقال المغيرة وابن سحنون في المجتهد: يعيد وإن ذهب الوقت (¬2)، وقال ابن سحنون (¬3): هو بمنزلة الأسير يجتهد في صيام رمضان ثم يتبين له أنه صام شعبان، وكالمصلي في الغيم باجتهاد، ثم تبين له أنه صلى قبل الوقت. وقد قيل: إن الفرق بينهما يعني (¬4) بين الوقت والقبلة لأنه ينتقل في القبلة من تحر إلى تحر، وفي الوقت ينتقل إلى القطع، وهذا غير صحيح؛ لأن القبلة لا تتحرى عندنا فتطلب في المغرب ولا في الشمال ولا في مطلع (¬5) الشمس في الصيف، ومن صلى إلى شيء من هذه الجهات كان مصليًا إلى غير القبلة على القطع، فأشبه الوقت، وقد يُحْمَلُ قول مالك في الإعادة في الوقت؛ مراعاةً للخلافِ، لقوله سبحانه: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] فقيل: نزلت في قوم صلوا في ليلة مظلمة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم تبين أنهم صلوا إلى غير القبلة (¬6). وقد قيل غير ذلك، ¬

_ (¬1) في (س): (يعتذر). (¬2) انظر: الإشراف: 1/ 221. (¬3) قوله: (قال ابن سحنون) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (بينهما يعني) ساقط من (س). (¬5) في (ر): (مطالع). (¬6) (ضعيف) أخرجه الترمذي: 2/ 176، في باب ما جاء في الرجل يصلي لغير القبلة في الغيم، في أبواب الصلاة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، برقم (345) قال الترمذي: (هذا حديث =

فصل [فيمن كان بموضع عجز فيه عن تبين القبلة]

ولم يأت شيء من ذلك من طريق فيها صحة. فصل [فيمن كان بموضع عجز فيه عن تبين القبلة] ويختلف إذا كان في موضع لا يتبين فيه دليل لطلب القبلة هل يصلي صلاة أو أربعًا؟ وقال محمد بن عبد الحكم: إذا كان محبوسًا في موضع مظلم بحيث لا يستبين فيه علامات أو غير ذلك من سحاب أو مطر أو كان أعمى ولم يكن يميز القبلة؛ صلى إلى أي الجهات شاء، ليس عليه غير ذلك، قال: ولو قيل: إنه يصلي إلى الجهات الأربع لكان مذهبًا. قال الشيخ -رحمه الله-: هذا أصح؛ قياسًا على الأواني إذا كانت أربعًا أحدها طاهر وأربعة أثواب أحدها طاهر ولم يعرفه، فقيل: إنه يتوضأ بكل واحد، ويصلي أربع صلوات، وكذلك الثياب يصلي بكل واحد منها. فعلى هذا يصلي إلى الأربع جهات. ولو شك في ناحيتين خاصة لصلى صلاتين. وقال أبو محمد عبد الوهاب: إذا كانوا جماعة واختلف اجتهادهم فرأى كل واحد منهم غير ما رأى الآخر، لم يكن لهم أن يأتموا بواحد منهم (¬1). وقد اختلف في هذا الأصل إذا نزل فقال أشهب في كتاب محمد بن سحنون فيمن صلى وراء من لم ير الوضوء من مس الذكر: لا إعادة عليه، وإن صلى وراء من لم ير الوضوء من القبلة أعاد وإن ذهب الوقت؛ لأن القبلة من اللمس، وقال ¬

_ = ليس إسناده بذاك لا نعرفه إلا من حديث أشعث السمان، وأشعث بن سعيد أبو الربيع السمان يضعف في الحديث). (¬1) انظر: الإشراف: 1/ 223.

فصل [في الصلاة في الكعبة وفوقها]

سحنون: هما سواء يعيد في المسألتين وليس أبدًا، ولكن بحدثان ذلك (¬1). وعلى هذا لا يصلي مالكي خلف شافعي؛ لإخلاله بمسح جميع (¬2) الرأس على قول من أوجب مسح جميعه، ولا شافعي خلف مالكي؛ لإخلاله بقراءة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في الصلاة (¬3) ويختلف إذا نزل هل تجزئ المأموم الصلاة. وقال أشهب في مرضى في بيت مظلم صلى بهم أحدهم فإن تبين أن الإمام إلى (¬4) القبلة وحده (¬5) -أجزأته صلاته وحده (¬6) وأعاد من خلفه، وإن أخطأ الإمام القبلة (¬7) أعاد هو وهم، وإن أصابوا القِبْلَة دونه (¬8). وفارق هذا الإمام يصلي على غير وضوء وهو ناسٍ أنها تجزئهم؛ لأن هؤلاء قصدوا إلى مخالفته في اجتهاده فصلوا إلى غير الناحية التي صلى إليها. فصل [في الصلاة في الكعبة وفوقها] واختلف في الصلاة في الكعبة، فمنعها مالك في الفرض والسنة، وأجازها في النفل فقال: ولا يصلي في الكعبة فريضة ولا الوتر ولا ركعتي الفجر، ولا ركعتي الطواف الواجبتين (¬9)، وأما غير ذلك من ركوع الطواف ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 288. (¬2) قوله: (جميع) زيادة من (س). (¬3) قوله: (في الصلاة) ساقط من (س). (¬4) في (ر): (في). (¬5) قوله: (وحده) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (وحده) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (القبلة) ساقط من (ر). (¬8) قوله: (دونه) ساقط من (س). (¬9) في (ر): (الواجب).

فلا بأس به (¬1). وقال أبو محمد عبد الوهاب في الإشراف: مذهب مالك في صلاة الفرض في داخل الكعبة أنها تكره، وتجزئ إذا فعلت (¬2). وأجازها أشهب في مدونته في الفرض إن فعل وقال: لا إعادة عليه، وإن كان لا يُسْتَحَبُّ له أن (¬3) يفعل ذلك ابتداءً. واختلف -بعد القول بالمنع - في وقت الإعادة إن فعل، فقال مالك في المدونة: يعيد ما دام في الوقت (¬4). وقال أصبغ: يعيد وإن ذهب الوقت (¬5). وقال محمد بن المواز: إن صلى في الكعبة ركعتي الطواف الواجب لم تجزئه، وإن ذكر في بلده صلاهما وبعث بدم؛ بمنزلة من نسيهما. وأرى أن يجزئ الفرض إذا صلى في الكعبة، ولا إعادة عليه (¬6) في ذلك. وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الموطأ والبخاري ومسلم أنه صلى النفل في الكعبة (¬7)، وإذا صح ذلك جاز للفذ أن يصلي فيها الفرض؛ لأنه إن كان جدار ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 183. (¬2) انظر: الإشراف: 1/ 271، 272. (¬3) في (ر): (ألا). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 183. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 198. (¬6) قوله: (عليه) ساقط من (س). (¬7) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 189، في باب الصلاة بين السواري في غير جماعة، من أبواب سترة المصلي في صحيحه، برقم (482)، ومسلم: 2/ 966، في باب استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره، من كتاب الحج، برقم (1329)، ومالك في الموطأ: 1/ 398 في باب الصلاة في =

الكعبة من داخلها قبلة لمن هو فيها، فذلك في الفرض والنفل، وإن لم يكن قبلة فلا تجوز في فرض ولا نفل، وإذا ثبت الحديث في النفل قِيسَ عليه الفرض. وقد قيل: إن النفل في ذلك بخلاف الفرض؛ لأن النفل يصلى في السفر إلى غير القبلة؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يُصَلِّ فيها الفرض. وهذا غلط؛ لأن النفل لمن كان في الحضر أو السفر وهو على الأرض في استقبال القبلة والفرض سواء، ولو تنفل رجل في المسجد الحرام في خارج الكعبة إلى غير الكعبة وولاها ظهره لعوقب. وأما صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - الفرض خارج الكعبة فلأنه كان الإمام، وقد كان معه خلق عظيم. فلو صلى بهم، هو في الكعبة، وهم خارجون عنها - صارت سنة أن يصلي الإمام على أرفع مما عليه من خلفه وتحت علو، وهذا مما لا يشبه أن يفعله، ولا يقيمه سنة لأمته. واختلف في الصلاة فوق الكعبة، فقال مالك في المختصر: يعيد من فعل ذلك وإن ذهب الوقت (¬1). ومنعه ابن حبيب في النفل، وهو عنده بخلاف البطن (¬2). وأجازها أشهب في مدونته في الفرض حسب ما تقدم لو صلى في بطنها (¬3). وبه أخذ محمد بن عبد الحكم قال: وهو مثل من صلى على (¬4) أبي ¬

_ = البيت وقصر الصلاة وتعجيل الخطبة بعرفة، من كتاب الحج، برقم (895). (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 198. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 220. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 221. (¬4) في (س): (فوق).

فصل [فيما يسقط فرض استقبال القبلة]

قبيس، فإنما يصلي إلى حيال الكعبة من السماء إلى الأرض. وليس هذا بحسن، وإنما ورد الخطاب في الصلاة إلى الكعبة، ومن صلى عليها لم يصل إليها، والمصلي على أبي قبيس يصلي إليها، وكذلك ينوي من غاب عنها، ولو نوى الصلاة إلى ما فوق خاصة - لم تجزئه الصلاة. ومنع مالك الصلاة في الحجر (¬1). ولم يقل في التوجه (¬2) إليه والصلاة إليه من خارج شيئًا، وقد قيل: إن الصلاة إليه لا تجزئ؛ لأنه لا يُقْطَعُ أنه من البيت، وقيل يجزئه لظاهر الأخبار أنه من البيت وقد تواترت الأخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه من البيت (¬3)، ولهذا ترك محجرًا (¬4) عليه من تلك الناحية دون غيرها، ومرت الأعصار عليه على ذلك والأخبار (¬5) بمثل ذلك، فلو صلى مصلٍّ إليها لم أر عليه إعادة. وهذا في مقدار ستة أذرع، وأما ما زاد عليها فإنما زيد لئلا يكون ذلك الموضع مركبًا فيؤذي الطائفين. فصل [فيما يسقط فرض استقبال القبلة] يسقط فرض استقبال القبلة في الفرض مع الغزو ومع عدم القدرة على استقبالها، وفي النفل في وجه واحد، وهو إذا كان في السفر على ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 173، 183. (¬2) في (س): (الموجه). (¬3) قوله: (وقيل يجزئه لظاهر. . . أنه من البيت) ساقط من (ر). وكون الحجر من البيت متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 573، في باب فضل مكة وبنيانها، من كتاب الحج برقم (1507)، ومسلم: 2/ 968، في باب جدر الكعبة وبابها، في الحج، برقم (1333). (¬4) في (س): (محجورا). (¬5) في (ر): (في الإخبار).

الدابة (¬1)، وإن كان على الأرض كان فرضه القبلة كالفرض. ويجوز في الفرض للمريض إذا كان لا يُستَطَاعُ تحويله إلى القِبْلَةِ لشدة مشقة ذلك عليه أو لخوف زيادة علة، أو لعدم من يحوِّله إليها، ولا يرجو من يدخل عليه إلا بعد ذهاب الوقت: فيصلي على هيئته أول الوقت. وإن كان على شك ممن يأتيه فوسط الوقت، وإن كان على يقين فآخر الوقت (¬2). ويجوز للمكتوف والمربوط وصاحب الهدم والمسايف للعدو والخائف من اللصوص أو السباع إذا كان يخشى، متى وقف أدرَكه العدو أو اللصوص أو السباع (¬3). وذكر الصلاة في السفينة إلى غير القبلة في كتاب الصلاة الثاني. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 173. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 171. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 251، 252.

باب في وقت الحائض تطهر والمغمى عليه يفيق ومن يحتلم أو يسلم

باب في وقت الحائض تطهر والمغمى عليه يفيق ومن يحتلم أو يسلم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ العَصْرَ" (¬1). قال مالك: هذا (¬2) لأهل الأعذار؛ للحائض تطهر، وللصبي يحتلم، وللمغمى عليه يفيق، وللمجنون يفيق (¬3)، والنصراني يسلم (¬4). وقد اختلف في موضعين: أحدهما: هل يقدر الوقت بعد الطهر أو قبله؟ والثاني: هل المراد أن يدرك ركعة بسجدتيها أو الركوع دون السجود؟ فقيل في الحائض: تطهر (¬5) الوقت المراعى فيه بعد غسلها (¬6). وقال سحنون في المجنون يفيق والنصراني يسلم مثل ذلك. وقال مطرف وابن الماجشون: الوقت فيهما قبل الطهارة (¬7). ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 211، في باب من أدرك من الفجر ركعة، من كتاب مواقيت الصلاة في صحيحه، برقم (554)، ومسلم: 1/ 424، في باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم (608). (¬2) في (س): (وذلك). (¬3) في (س): (يبرأ). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 138. (¬5) في (ر): (إن). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 275. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 271، 272.

وقيل في الصبي: المراعى فيه بعد الطهر كالحائض (¬1). وقول سحنون في ذلك حسن، ولا فرق بين الحائض وغيرها، وإنما يتوجه الخطاب أولًا بالطهارة، فإن بقي وقت الصلاة صليت (¬2)، وإلا فلا شيء عليهم. ويلزم على القول: إن المراعى الوقت دون الطهارة إذا كان الباقي إلى الغروب مقدار ركعة - أن يتيمم ويصليها في الوقت، قياسًا على الحضري يخاف خروج الوقت متى استعمل الماء للوضوء أو كان الباقي مقدار خمس ركعات، فمتى اشتغل المحتلم بالغسل خرج الوقت: أن يتيمم (¬3) ويصلي الظهر والعصر. وقال ابن القاسم في كتاب محمد في الحائض تغتسل ثم يتبين أن الماء الذي اغتسلت به نجس، فإن اغتسلت ثانية ذهب الوقت، قال: القياس أن لا شيء عليها ولو أعادت كان أحوط (¬4). قيل: فلو كان الماء طاهرًا ثم أحدثت بريح يخرج منها (¬5) فلما توضأت ذهب الوقت؟ قال: هي مثل الأولى، لا شيء عليها. قال محمد: وكان قد فرق بينهما وجعل على التي أحدثت الوضوء. وقال أشهب: إذا اغتسلت ثم علمت بنجاسة الماء -يريد ولم يتغير أحد أوصافه- فإن أعادت الغسل غربت الشمس، فلتصل بذلك الماء في الوقت أحب إلي من صلاتها بماء طاهر بعد الوقت. ¬

_ (¬1) لعله يعني قول الشيخ أبي محمد بن أبي زيد في النوادر، وهو قوله: (وينبغي في الصبي يحتلم أَنْ يكون مثل قولهم في الحائض تطهر، ولم يختلف فيها). (¬2) في (ر): (صلت). (¬3) في (س): (إن تيمم). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 276. (¬5) قوله: (يخرج منها) ساقط من (ر).

فصل [فيما يعتبر من الركعة]

فصل [فيما يعتبر من الركعة] وقال ابن القاسم في الحديث "مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً" (¬1): هو أن يدركها بسجودها. وقال أشهب: بغير سجود. والأول أبين، وإنما يعبر بالركعة (¬2) عما تشتمل عليه من قراءة وركوع وسجود، يقال: الصبح ركعتان، والظهر أربع ركعات. وأرى أن يراعى قدر الإحرام وقراءة الحمد على القراءة المعتدلة والركوع والسجود. ويختلف هل تقدر الطمأنينة؟ فمن قال: الطمأنينة (¬3) فرض (¬4) في جميع ذلك قدر الطمأنينة في الركوع والرفع منه وفي السجود والجلوس ما بين السجدتين، وعلى القول الآخر يراعى أقل ما يقع عليه اسم ركوع وسجود، وكذلك قراءة الحمد لله على القول أنها فرض في ركعة، فيصح أن يقال: إذا كان يدرك الركعة بسجودها دون القراءة أن الصلاة تجب عليه، ويقال له: اقرأ بها في باقي الصلاة. ويصح أن يقال: لا شيء عليه؛ لأنه يقول: لي أن أعجلها وأقصر القراءة في الركعة الأولى، فإذا عجلتها لم أدرك الركوع والسجود في الوقت فيسقط عني الخطاب بها. وإذا كان عليه من النهار مقدار ما يصلي فيه خمس ركعات صلى الظهر ¬

_ (¬1) سبق تخريجه، ص: 357. (¬2) في (ب) و (ر) و (ش 2): (وإنما تعبر الركعة). (¬3) قوله: (فمن قال: الطمأنينة) ساقط من (س). (¬4) انظر: المعونة: 1/ 96.

والعصر، واختلف في صلاتي (¬1) الليل: المغرب والعشاء؛ فقال مالك: إذا كان عليه من الليل ما يصلي فيه أربع ركعات صلى المغرب والعشاء؛ لأنه إذا صلى المغرب بقي عليه ركعة للعشاء (¬2). وقال عبد الملك بن الماجشون: إذا بقي ما يصلي فيه إلى طلوع الفجر قدر أربع ركعات فليس عليه إلا العشاء؛ لأنها تستوعب الأربع. والقول الأول أصوب، والحديث ورد بمراعاة ركعة من جميع العصر (¬3)، فكذلك العشاء. واختلف في التي تطهر في السفر لمقدار ثلاث ركعات لطلوع الفجر، فقال ابن القاسم وأشهب: تصلي العشاء خاصة (¬4). لأنها إن بدأت بالمغرب طلع الفجر ولم يبق للعشاء وقت. وقال ابن عبد الحكم: تصلي الصلاتين جميعًا (¬5) لأنها إن بدأت بالعشاء بقيت عليها ركعة من الوقت (¬6). والقول الأول أبين (¬7). ¬

_ (¬1) في (ر): (صلاة). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 271. (¬3) هو قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر"، وقد سبق تخريجه، ص: 357. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 182. (¬5) قوله: (جميعًا) ساقط من (ر). (¬6) انظر: البيان والتحصيل. 2/ 182. (¬7) هذا ما هنا للمؤلف من تصويب قول ابن القاسم وأصبغ، وقد خالف ابن رشد وصوب ما لابن عبد الحكم، عملا بالقياس والنظر، وهو فرق ما بين الشيخين.

واختلف إذا طهرت بقدر ما تصلي فيه (¬1) العصر وحدها، وذكرت صلاة نسيتها، فقال ابن القاسم: تصلي الصلاتين جميعًا، فتبتدئ بالمنسية ثم العصر. ثم رجع فقال: تصلي المنسية وحدها (¬2). وقول ابن وهب وأشهب في هذا الأصل أحسن (¬3)؛ أنها تصلي الصلاتين جميعًا وتبتدئ بالعصر ثم المنسية. وقال مالك في حائض طهرت وقد بقي عليها من النهار -فيما ترى بعد أن اغتسلت - قدر أربع ركعات فصلت العصر وبقي عليها ركعة: إنها تصلي الظهر والعصر (¬4). قال محمد بن المواز: وذلك إن علمت بالركعة قبل أن تسلم من العصر، فإن لم تعلم إلا بعد أن سلمت فلا شيء عليها (¬5). وقول مالك أصح؛ لأن أول الوقت للظهر، وهو ها هنا بمنزلة الزوال لغير الحائض، فأشبه من صلى العصر في أول وقت (¬6) الزوال قبل الظهر، فإنه يعيد أبدًا؛ لأنه لا شركة للعصر في ذلك الوقت، وهو وقت يختص بالظهر، وإنما الشركة بعد (¬7) مضي مقدار أربع ركعات. ¬

_ (¬1) قوله: (فيه) ساقط من (س). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 273. (¬3) قوله: (قول ابن وهب وأشهب في هذا الأصل أحسن) يقابله في (س): (وقال ابن وهب وأشهب في هذا الأصل: الأحسن) وأشار في الهامش إلى ما أثبتناه من غيرها. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 277. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 273. (¬6) قوله: (وقت) ساقط من (ر). (¬7) في (س): (بعدما).

وقال ابن القاسم: فإن كان مقدار خمس ركعات فبدأت بالظهر فلما صلت ركعة غابت الشمس، فإنها تضيف إليها ركعة وتصلي العصر، وإن صلت ثلاث ركعات أضافت إليها أخرى وتجعلها نافلة، وتصلي العصر (¬1). قال أصبغ: وإن قطعت في الوجهين جميعًا ولم تضف كان واسعًا (¬2). وهذا هو الخلاف فيمن ذكر صلاة وهو في صلاة قد صلى منها ركعة أو ثلاثًا. وكل موضع الخطاب فيه للحائض تطهر بالصلاتين جميعًا؛ فإنها إذا كانت طاهرة فحاضت في مثله لم يكن عليها قضاء، وإن كان الخطاب فيه للحائض بصلاة واحدة وهي العصر أو العشاء، كان الخطاب فيه للطاهر تحيض لقضاء الأولى، فإن كانت في النهار قضت الظهر، وإن كانت في الليل قضت المغرب؛ لأنها في الذمة. وأرى أن تراعى الطهارة في ذلك أيضًا، فإن حاضت وهي على غير طهارة ولم يبق لطلوع الشمس أو غروبها إلا قدر ركعة أو أكثر مما إذا اشتغلت فيه بالوضوء ذهب الوقت - أن يكون عليها قضاء تلك الصلاة، ومثله إذا بقي عليها مقدار خمس ركعات وهي جنب فأخرت الغسل إلى ذلك الوقت في النهار، فإن اغتسلت غربت الشمس - أن يكون عليها قضاء الصلاتين جميعًا. وإن قدم المسافر في النهار، وقد بقي إلى غروب الشمس قدر خمس ركعات، وهو على غير وضوء، فلما توضأ بقي مقدار أربع ركعات (¬3) فأقل - صلى الظهر سفرية، والعصر حضرية. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 523، والنوادر والزيادات: 1/ 277. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 277. (¬3) قوله: (ركعات) ساقط من (س).

واختلف في المرأة تبتدئ العصر، وقد بقي لغروب الشمس مقدار ركعة فلما صلتها وغربت الشمس حاضت، هل يكون عليها قضاء تلك الصلاة أم لا؟ وألا شيء عليها أشهر في هذا الأصل، والثاني أقيس، وليس الحائض تطهر كالطاهر تحيض؛ لأن تلك لضرورة، وهذه مختارة، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الحائض تطهر إذا بقي عليها للغروب مقدار ركعة أن تصلي العصر؛ لأنها مدركة للركعة، ولا يصح أن تأتي بها بانفرادها، فأُمِرَتْ أن تأتي بها على كمالها، وهذه مختارة للتأخير، ولا أعلم بين الأمة خلافًا أنها مأمورة أن تأتي بجميع أربع ركعات في العصر قبل الغروب، وبجميع الركعتين في الصبح قبل طلوع الشمس، وأنها إذا أخرت إحدى هاتين الصلاتين حتى بقي لطلوع الشمس أو غروبها مقدار ركعة أنها مؤثمة. وقال بعض المتأخرين: إن الثلاث ركعات إذا صليت بعد ذلك قضاء فكذلك أنها في ذلك قاضية. وهو الصحيح (¬1). وإذا حاضت وقد بقي لطلوع الشمس أو غروبها مقدار ركعة - قضت جميع تلك الصلاة؛ لأنه لا يصح أن تأتي بقضاء ما في الذمة بانفرادها بثلاث ركعات من العصر ولا بركعة من الصبح؛ فوجب أن تأتي بجميع تلك الصلاة. ويلزم على هذا فيمن خرج مسافرًا لمقدار ركعة لغروب الشمس ولم يصلِّ العصرَ أنه يصلي أربعًا؛ لأن ثلاثًا في الذمة، وهو فيها في معنى القاضي، بخلاف الحائض تطهر لمقدار ركعة ثم تسافر. وقال أبو محمد عبد الوهاب في الإشراف: إذا مضى بعد الزوال قدر أربع ¬

_ (¬1) قوله: (فكذلك أنها. . . وهو الصحيح) ساقط من (س).

ركعات فحاضت أو أغمي عليها فلا قضاء عليهما (¬1) خلافًا للشافعي (¬2). يريد: في قوله: عليهما القضاء. فرأى أنه إذا أغمي عليه أو حاضت المرأة حتى غربت الشمس أن الوقت كان مضيقًا، وأن الواجب أن يأتيا بالصلاة أول الوقت. وهذا مثل قول مالك -رحمه الله- فيمن أفطر في رمضان لمرض أو سفر ثم صح شوالا أو قدم (¬3) فإن تمادى به ذلك فقضى في شعبان فلا كفارة عليه، وإن مرض بعد خروج شوال وتمادى به حتى دخل رمضان كانت عليه الكفارة (¬4). فجعله في القضاء مترقبًا لا على الفور (¬5) ولا على التراخي. ¬

_ (¬1) في (ر): (عليه). (¬2) انظر: الإشراف: 1/ 209. (¬3) قوله: (أو قدم) ساقط من (ر). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 279. (¬5) في (س): (العذر).

باب في اللباس في الصلاة

باب في اللباس في الصلاة قال الله -عز وجل-: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31]. قال مالك في العتبية: ذلك في الصلوات في المساجد، فيكره أن يصلي بغير رداء (¬1). وذهب على أن الهيئة التي يصلى عليها في المسجد أرفع من الهيئة التي تؤدى بها الصلاة في البيوت. وقال في المدونة: أكره للإمام أن يصلي بغير رداء إذا أمَّهم في مسجد من مساجد الجماعة أو مسجد القبائل، إلا أن يكون أمَّ قومًا في سفر أو موضع اجتمعوا فيه أو في داره، فأحب إلي أن لو جعل العمامة على عاتقه إذا كان مسافرًا أو صلى في داره (¬2). وقال مالك -في شرح ابن مزين في الآية- الزينة: الأردية، والمساجد: الصلوات. وإليه ذهب محمد بن عبد الحكم. وأرى أن يؤمر المصلي أن يصلي في ثوب ساتر لجميع جسده مغطى الرأس. واختلف في الواجب من ذلك، فقيل: يجب عليه (¬3) ستر جميع الجسد. وقيل: الواجب أن يصلي مؤتزرًا بوسطه، ولا شيء عليه فيما سوى ذلك. وقيل: يغطي السوأتين جميعًا (¬4) خاصة. ¬

_ (¬1) في (ر): (أردية)، وانظر: البيان والتحصيل: 1/ 448. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 178. (¬3) قوله: (عليه) ساقط من (س). (¬4) قوله: (جميعًا) ساقط من (ر).

وقيل: لا يجب ستر سوأته ولا غيرها إذا صلى في بيته. وقال أبو الفرج: يجيء على المذهب أن يكون فرضًا. يريد: جميع الجسد، قال: لقول مالك في الكفارة: إن كسا فيها (¬1) المساكين وكانوا نساء؛ فدرع وخمار، وإن كانوا رجالًا؛ فثوب، وذلك أدنى ما تجزئ فيه الصلاة. لأن مالكًا لا يرى أن يجزئ المكفر المئزر، وهذا رجوع منه إلى القول أن الآية في الفذ وغيره سواء. ويؤيد ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يُصَلِّي الرَّجُلُ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيءٌ" (¬2). ولأن الزينة لا تقع على من صلى بمئزر في وسطه لا غير ذلك. وذهب ابن القاسم إلى أن الفرض أن يصليَ بمئزر لا غير ذلك، وإن صلى عريانًا أعاد أبدًا، وإن صلى بمئزر لم يعد في الوقت ولا بعده. وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: ولو صلى رجل وانكشف الفخذ لم يعد، وإن صلت امرأة (¬3) مكشوفة الفخذ أعادت في الوقت (¬4). فلم ير الفرض في الرجل إلا السوأتين. وقال أشهب: من صلى عريانًا أو في ثوب يصف أو في قميص لا يبلغ الركبتين أو يبلغهما، فإن سجد انكشفت عورته أعاد ما دام في الوقت (¬5). فرأى ¬

_ (¬1) قوله: (فيها) ساقط من (س). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 141، في باب إذا صلى في الثوب الواحد فليجعل على عاتقيه، من أبواب الصلاة في الثياب في صحيحه، برقم (352)، ومسلم: 1/ 368، في باب الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه، من كتاب الصلاف برقم (516). (¬3) في (ر): (الأمة). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 200. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 201.

أن ستر السوأتين سنة وأن الفخذ عورة. وقال أيضًا فيمن صلى في تبان أو سراويل أعاد ما دام في الوقت؛ فستر العورة عن أعين المخلوقين فرض (¬1). واختلف في سترها في الصلاة إذا صلى (¬2) مخليًا في بيته هل ذلك فرض أو سنة؟ وستر ذلك عن الملائكة مستحب، وهذا في السوأتين. واختلف في الفخذ في جميع ذلك هل هو عورة أم لا؟ وفي الترمذي قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّي، فَإِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لاَ يُفَارِقُكُمْ إِلاَّ عِنْدَ الغَائِطِ، وَحِينَ يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى أَهْلِهِ فَاسْتَحْيُوهُمْ وَأَكْرِمُوهُمْ" (¬3). وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أنه نَهَى عَنْ لِبْسَتَيْنِ: عَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ بالثَّوْبِ الوَاحِدٍ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيءٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ"، وهذا لفظ البخاري في كتاب اللباس (¬4). قال مالك في العتبية: اشتمال الصماء: أن يشتمل الرجل بالثوب على منكبيه ويخرج يده اليسرى من تحته وليس عليه مئزر، وأجازه إن كان عليه مئزر، ثم كرهه (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 201. (¬2) في (ر): (كان). (¬3) حديث غريب، أخرجه الترمذي في سننه: 5/ 112، في باب ما جاء في الاستتار عند الجماع، من كتاب الأدب، برقم (2800). وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. (¬4) أخرجه البخاري: 5/ 2190، في باب اشتمال الصماء، من كتاب اللباس في صحيحه، برقم (5481). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 277.

فصل [في هيئة لباس المرأة الحرة والأمة في الصلاة]

قال: والاضطباع: أن يرتدي ويخرج ثوبه من تحت (¬1) يده اليمنى (¬2). قال ابن القاسم: وهو من ناحية الصماء (¬3). وقال أبو محمد عبد الوهاب: اشتمال الصماء أن يلتحف بالثوب ويرفعه على أحد جانبيه فلا يكون لِيَده مخرج، ولذلك سميت الصماء (¬4). والاحتباء: أن يجلس ويضم ركبتيه إلى نحو صدره ويدير (¬5) ثوبه من وراء ظهره إلى أن يبلغ به ركبتيه ويشده حتى يكون كالمعتمد عليه، فهذا إذا كان عليه ثوب يستر العورة، فهو داخل في قسم المباح (¬6). قال الشيخ -رحمه الله-: فإن لم يكن عليه ما يستر عورته؛ منع لحق الملائكة، ولإمكان أن يقف عليه أحد؛ فيطلع على ذلك منه. فصل [في هيئة لباس المرأة الحرة والأَمَة في الصلاة] وتصلي المرأة في درع سابغ يستر ظهور قدميها، ومن اليدين ما سوى كفيها، ويكون عليها شيء (¬7) سوى الدرع تسترهما به، وخمار تخمر به رأسها وشعرها. ويختلف هل جميع ذلك فرض أو سنة، أو بعضه فرض وبعضه سنة، ¬

_ (¬1) قوله: (تحت) ساقط من (س). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 203. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 312، والنوادر والزيادات: 1/ 203. (¬4) انظر: المعونة: 2/ 592. (¬5) في (ر): يدني. (¬6) انظر: المعونة: 2/ 592. (¬7) قوله: (شيء) ساقط من (ب).

فقال (¬1) مالك: إن صلت عريانة أعادت أبدًا، وإن انكشف صدرها أو شعرها أو ظهور قدميها أعادت ما دامت في الوقت (¬2). وعلى قول أشهب (¬3) جميع ذلك سنة، فإن صلت عريانة أو مكشوفة الفخذين أو ما سوى ذلك من الفخذين أعادت ما كانت (¬4) في الوقت؛ لأنه قال فيمن صلى عريانًا من الرجال: يعيد ما دام في الوقت (¬5). والمرأة مساوية للرجل في ستر السوأتين، ثم لا يكون بقية جسدها أعلى رتبة في الستر من سوأة الرجل. وعلى قول مالك في المكفر يكون جميع ذلك واجبًا؛ لأنه قال: يكسوها درعًا وخمارًا، وذلك أدنى ما يجزئها فيه الصلاة (¬6). وفي الترمذي عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَقْبَلُ اللهُ صَلاَةَ الحَائِضِ إلَّا بِخِمَارٍ" (¬7). يريد: من بلغ المحيض، فجعل ذلك واجبًا لا تجزىء الصلاة إلا به، وإذا لم تجزئها الصلاة (¬8) إذا لم تخمر رأسها كان أحرى (¬9) ألا ¬

_ (¬1) في (ر): (فعلى قول). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 207. (¬3) في (ب): (وقال أشهب) (¬4) في (ر): (كان). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 206. (¬6) انظر: المدونة: 1/ 596. (¬7) أخرجه الترمذي في سننه: 2/ 215، في باب ما جاء لا تقبل صلاة المرأة إلا بخمار، من أبواب الصلاة، برقم (377)، وأبو داود في سننه: 1/ 229، في باب المرأة تصلي بغير خمار، من كتاب الصلاة، برقم (641)، وابن ماجه في سننه: 1/ 215، في باب إذا حاضت الجارية لم تصل إلا بخمار، من كتاب الطهارة وسننها، برقم (655). قال الترمذي: حديث حسن. (¬8) قوله: (الصلاة) ساقط من (ب). (¬9) قوله: (أحرى) ساقط من (ر).

تجزئها إذا بدا شيء من جسدها (¬1). ولا تتنقب ولا تتلثم، فإن فعلت لم تعد، وتسدل على وجهها إذا صلت في جماعة مع رجال، بحيث تخشى أن يروها. وقال مالك في الجارية بنت إحدى عشرة سنة أو اثنتي عشرة سنة تستر (¬2) من نفسها ما تستره الحرة البالغة في الصلاة (¬3). قال الشيخ -رحمه الله-: ولو كانت بنت ثماني سنين ونحوها؛ لكان الأمر فيها أخف. وإن صلى الصبي في مئزر- فواسع، وأن يعم (¬4) ستر جميع الجسد أحسن. واختلف في الأَمة هل هي في ذلك كالرجل يصلي بمئزر على من أجاز ذلك للرجل، أو هي بخلافه؟ فقال مالك في المدونة: لا تصلي إلا وعليها ثوب يستر جسدها. قيل: أفتصلي بغير قناع؟ قال: ذلك سنتها (¬5). وقال أصبغ في الواضحة: تستر الأَمة في الصلاة ما يستره الرجل، ولو صلت مكشوفة البطن ما ضرها ذلك، وعورتها من السرة إلى الركبتين. قال: والستر على (¬6) الأمة موضوع عند الرجال (¬7). وقال مالك في المبسوط: ومما لا يجب على الأمة أن تستره من الرجال ما ¬

_ (¬1) زاد في (ر) بعده: (أولى). (¬2) قوله: (سنة تستر) يقابله في (ر): (لتستر). (¬3) قوله: (في الصلاة) ساقط من (ر)، وانظر: المدونة: 1/ 185. (¬4) في (س): (يعلم). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 186. (¬6) في (ر): (عن). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 207.

فوق ثدييها: اليد والعنق والصدر. فعلى هذا لا يكون عليها ستر جميع (¬1) ذلك في الصلاة؛ لأنه ليس بعورة. ولمالك في كتاب ابن حبيب أنه يكره للرجل أن يكشف من الأمة عند استعراضه إياها شيئًا؛ لا معصما ولا صدرًا ولا ساقًا (¬2). وقال ابن القاسم في العتبية في أَمة جاءها العتق وهي في الصلاة وقد صلت ركعة قال: إن كان بقربها ثوب فاستترت به رجوت أن تجزئها، وأحب إلي إن كانت قد صلت ركعة أن تضيف إليها أخرى وتجعلها نافلة وتبتدئ الصلاة (¬3)، وكذلك إن لم يكن عندها ثوب، وأعتقت وهي في ركعة، أضافت إليها أخرى وجعلتها نافلة (¬4). وقال أيضًا: إن لم تجد من يعطيها خمارًا وأتمت فلا إعادة عليها، وإن وجدت من يعطيها خمارًا أتمت به، فإن لم تفعل أعادت في الوقت (¬5). وقال أصبغ: أرى قول ابن القاسم إن سبق لها العتق قبل دخولها في الصلاة، وأما التي أعتقت وهي في الصلاة فلا إعادة عليها في الوقت، ولا في غيره، بمنزلة المتيمم يطلع عليه رجل معه (¬6) الماء وهو في الصلاة، فإنه يمضي على صلاته، وإنما استحسن لها الاستتار إذا وجدت. ولو سبق لها العتق قبل أن تدخل ¬

_ (¬1) قوله: (جميع) ساقط من (س). (¬2) قوله: (ولا صدرًا ولا ساقًا) يقابله في (ر): (ولا ساقها) وانظر: النوادر والزيادات: 5/ 21. وقال ابن أبي زيدٍ في النوادر: "قال في الواضحة: وليسأل بائعها عما يريد في ذلك". (¬3) قوله: (الصلاة) ساقط من (ب) و (س). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 118. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 508. (¬6) قوله: (رجل معه) ساقط من (س).

فصل [في الرجل لا يجد الثوب يصلي فيه]

في الصلاة كانت مثل الذي نسي الماء في رحله، فإنه يعيد الصلاة أبدًا (¬1). قال الشيخ -رحمه الله-: الأَمة (¬2) أعذر؛ لأنها لا علم عندها من العتق، وليست بمنزلة من علم فنسي، ويلزم على قول ابن القاسم أنها تبتدئ إذا عتقت وهي في الصلاة أن يقول مثل ذلك المتيمم يطلع عليه الماء وهو في الصلاة؛ أن يقول: بقطع؛ لأن أمرهما واحد. فصل [في الرجل لا يجد الثوب يصلي فيه] وقال مالك في العريان لا يجد ثوبًا يصلي به: فإنه (¬3) يركع ويسجد ولا يومئ، فإن كانوا جماعة صلوا أفذاذًا وتباعد بعضهم عن بعض، وإن كانوا في ليل مظلم صلوا جماعة وتقدمهم إمامهم (¬4). وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: وإن أمهم أحدهم (¬5) فليكونوا صفًّا واحدًا وإمامهم في الصف (¬6). يريد: إذا كان في نهار. وإن كان معهم نساء صلين جانبًا، ويتوارين عن الرجال ويصلين قيامًا ركعًا وسجدًا، إلا ألا يجدن متوارى عن الرجال فيصلين جلوسًا. قال الشيخ -رحمه الله-: وإن كان مع أحد الرجال ثوب صلوا به أفذاذًا، وهو ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 208. (¬2) في (س): المرأة. (¬3) قوله: (به: فإنه) يقابله في (س): (قائمًا). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 186. (¬5) قوله: (أحدهم) ساقط من (ر). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 253.

أولى من أن يؤمهم به (¬1) أحدهم؛ لأن ستر العورة في الصلاة فرض أو سنة على الأعيان، وصلاة الجماعة سنة على الكفاية، فإن كان الثوب مِلكًا لأحدهم لم يجبر على أن يُعَرَّى منه لِيُصَلُّوا به. ويستحب إذا كان ذلك (¬2) الثوب فاضلًا أن يجبر على أن يمكنهم من الصلاة به، وقد ورد الحديث بالمواساة فيما يكون من أمور الدنيا، فهو فيما يتعلق بالدين أولى. وقال ابن القاسم في العتبية في الذي يصلي عريانًا ثم أتي بثوب بعد ركعة: فإنه يتم به الصلاة، وإن أتم على حاله أعاد في الوقت (¬3). وقال سحنون: يقطع ويبتدئ. وقول ابن القاسم أحسن، وطرو (¬4) الثوب على المصلي بمنزلة طرو (¬5) الماء على المتيمم في أنه لا يجب عليه (¬6) القطع، ويفارقه في أنه يجب عليه أن يتم به؛ لأنه مما يتبعض وليس كالتيمم. ¬

_ (¬1) قوله: (به) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (ذلك) ساقط من (ر). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 519، والنوادر والزيادات: 1/ 201. (¬4) في (س): (طروه). (¬5) في (س): (طروه). (¬6) قوله: (عليه) ساقط من (س).

باب في قضاء من فاتته بعض صلاة الإمام

باب في قضاء من فاتته بعض صلاة الإمام اختلف عن مالك -رحمه الله- فيمن أدرك بعض صلاة الإمام، فقال: ما أدرك فهو آخر صلاته ويقضي أولها (¬1). وقال أيضًا: ما أدرك فهو أولها ويأتي بآخرها ويكون بانيًا (¬2). وتختلف على قوله هذا نية الإمام والمأموم؛ فالإمام في آخر صلاته والمأموم ينوي أولها، وعلى قوله الآخر يكون في صلاته على حكم إمامه، وهي آخرة لهما جميعًا. وقال مالك فيمن أدرك مع الإمام ركعتين فسلم الإمام: فإنه يقوم بتكبير؛ لأنه وسط صلاته (¬3). فجعل الذي أدرك أولها، وعلى القول الآخر أن ما أدركه هو آخرها، فيكون وسط صلاته الركعة الثانية من اللتين يأتي بهما. وقال فيمن أدرك ركعة من المغرب: تصير صلاته كلها جلوسًا (¬4). وهذا أيضًا على القول أن الذي أدرك أولها وأنه الذي يأتي بآخرها. وقال أبو محمد عبد الوهاب: لو كان ما يقضيه أول صلاته لوجب ألا يجلس للركعتين اللتين يقضيهما مرتين (¬5). وهذا الذي قاله صحيح، وقياس قوله أنه آخرها يأتي بركعتين ولا يجلس ¬

_ (¬1) انظر: عيون المجالس: 1/ 324. (¬2) في (ر): فائتًا، وانظر: عيون المجالس: 1/ 324. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 187. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 187. (¬5) انظر: المعونة: 1/ 142.

إلا في الآخرة، وقد سلم أنه يقرأ في الركعتين جهرًا وإنما يجهر في الأولين. وقد قال أبو محمد عبد الوهاب في التلقين: من فاته بعض صلاة الإمام فإنه يقضي الأولى كما فعل الإمام (¬1). ومفهوم قوله أنه يفعل مثل فعله في الحركات؛ القيام (¬2) والقعود. وقال أيضًا في الإشراف: ما أدرك آخر صلاته وما فاته أولها. وهذا هو الأولى و (¬3) المشهور من قول مالك، وروي عنه أن ما أدرك فهو أول صلاته وما فاته فهو آخرها (¬4) وهو قول الشافعي (¬5). انتهى قوله. وهذا يرد على قول (¬6) من قال: إن القولين يرجعان لشيء واحد وأنه يكون في القراءة قاضيًا، وفي القيام والجلوس بانيًا؛ لأن المسألة مسألة اختلاف بين الشافعية والحنفية وكل واحد منهم يناظر (¬7) على صحة قوله. وقد قيل: إن مالكًا قال بالقولين جميعًا، ولا وجه له أيضًا (¬8)، إلا أن تكون الركعة (¬9) الواحدة أولى في القراءة ثانية في الجلوس وثانية في القراءة وثالثة في القيام، فأما أن يقال: إن الذي يأتي به أولها، فيكون ذلك في القراءة والقيام، أو آخرها (¬10) فيكون ¬

_ (¬1) انظر: التلقين: 1/ 49. (¬2) قوله: (القيام) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (الأولى و) ساقط من (س). (¬4) زاد في (ر): وهو قول أشهب. (¬5) انظر: الإشراف: 1/ 266، وانظر: عيون المجالس: 1/ 325. (¬6) قوله: (قول) زيادة من (ب). (¬7) في (ر): بناه. (¬8) قوله: (أيضًا) ساقط من (س). (¬9) قوله: (الركعة) ساقط من (س). (¬10) قوله: (القراءة والقيام، أو آخرها) يقابله في (س): (أواخرها).

أيضًا في الوجهين جميعًا. وأما قول مالك فيمن أدرك ركعة من الظهر فسلَّم الإمام وقام للقضاء (¬1)، فإنه يقرأ بأُمِّ القرآن وسورة فإذا ركع وسجد جلس؛ لأن ذلك وسط صلاته، ثم إذا قام أتى بركعة فقرأ فيها بأم القرآن وسورة (¬2) - فإنما (¬3) أجاب على القول أن الذي أدرك أولها. وأرى أن يحتاط في الركعة الثالثة (¬4) بزيادة سورة مع أمِّ القرآن؛ مراعاة للخلاف. وأرى أن يكون قاضيًا في جميع هذه المسائل؛ لقول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا" (¬5). وفي حديث آخر: "فَاقْضُوا" (¬6). فمفهوم قوله: "وَمَا فَاتَكُمْ" أي: ما سبقكم به الإمام فصلوه، وذلك يوجب أن يأتي به حسب ما كان الإمام يفعله، ولقوله: "فَاقْضُوا". وهذا نص منه - عليه السلام - على أن الذي يأتي به هو الذي سبق به الإمام، وإليه يرجع قوله: "فَأَتِمُّوا"؛ لأن من قضى فقد أتم، ومن لم يقض لم يتم. واختلف في الفذ يسقط سجدة من أول ركعة أو من الثانية، فقال ابن القاسم وغيره: يكون بانيًا. ففرق بين الفذ وبين (¬7) المأموم. ¬

_ (¬1) في (ر): (المقضي). (¬2) انظر المدونة: 1/ 187. (¬3) قوله: (ركع وسجد جلس. . . فإنما) ساقط من (س). (¬4) في (ر): (الثانية). (¬5) سبق تخريجه، ص: 283. (¬6) أخرجه النسائي في سننه: 2/ 114، في باب السعي إلى الصلاة، من كتاب الإمامة، برقم (861)، وأحمد في مسنده (7651). (¬7) قوله: (بين) ساقط من (ر).

وقال ابن وهب وأشهب في مدونته: يكون قاضيًا ويأتي بركعة يقرأ فيها بأم القرآن وسورة، وسجوده بعد السلام. وأرى (¬1) أن كل ركعة تبقى على ما كان نوى، ويأتي بالتي أسقط منها السجدة، وقاله ابن القاسم فيمن صلى وركع ونسي السجود ثم صلى الثانية وسجد ونسي منها الركوع، قال: لا يجزئه هذا السجود من سجود الأولى؛ لأنه نيته في هذا السجود إنما كان لركعة ثانية (¬2). ومن أدرك من صلاة الإمام ركعتين كبر إذا استوى قائمًا، وإن أدرك ركعة أو ثلاثًا قام بغير تكبير، وقال ابن الماجشون: بتكبير. والأول أحسن؛ لأن التكبير للرفع من السجود؛ أي: وإن كنت عفرت وجهي في الأرض لله تعالى فإنه أكبر وحقه أعظم. ¬

_ (¬1) في (ر): (رَأَيَا). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 219.

باب في صلاة النوافل والأوقات التي تصلى فيها

باب في صلاة النوافل والأوقات التي تصلى فيها والتنفل عند مالك مثنى مثنى يسلم من كل ركعتين، والليل والنهار في ذلك سواء (¬1). قال: ومن زاد ثالثة سهوًا أتمها أربعًا (¬2)، وإن زاد خامسة لم يأت بسادسة. قال: لأن النفل أربع عند بعض العلماء. وقال محمد بن مسلمة: إن صلى ثلاثًا وكان في نهار أتم أربعًا، وإن كان في ليل قطع متى ذكر؛ لأنها مثنى مثنى. والمراعى في النفل خمسة مواضع: العدد الذي يجوز أن يقتصر عليه. والقراءة هل هي جهرٌ أو سرٌّ؟ وأي ذلك أفضل؛ في بيته أو في المسجد. وهل تصلى جماعة. والوقت الذي تصلى فيه. فأما العدد فاختلف الناس (¬3) فيه؛ فذهب مالك إلى ما تقدم ذكره أنه مثنى مثنى في الليل والنهار (¬4)، فإن صلى ثلاثًا أتمّ أربعًا لا يزيد على ذلك شيئًا، وسواء على أصله نوى الأربع من الأولى (¬5) فإنه يؤمر أن يسلم من ركعتين. فإن دخل على نية ركعتين فأتم صلى (¬6) ثلاثًا فإنه يؤمر أن يتمها أربعًا. وقد تقدم قول ابن مسلمة في ذلك. وقال أبو حامد الإسفرايني: أفضل التطوع بالليل والنهار مثنى مثنى ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 189. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 370. (¬3) قوله: (الناس) ساقط من (ر). (¬4) انظر: الموطأ: 1/ 119، والمدونة: 1/ 189. (¬5) في (ر): (الأول). (¬6) قوله: (فأتم صلى) يقابله في (ر): (فصلى).

يسلم من كل ركعتين. وأما الجواز فإنه لا ينحصر (¬1) بعدد، بل يجوز ركعة، واثنتين، وثلاثًا، وأربعًا، وزيادة على ذلك بتسليمة واحدة. ويجوز أن يدخل في الصلاة ولا ينوي عددًا ثم يسلم عن الكل، وقد روي ذلك عن بعض السلف، قيل له في ذلك، فقال: الذي له أُصَلِّي يعرفُ العددَ. وقال أبو حنيفة: أفضل التطوع بالليل والنهار أربع ركعات بتسليمة واحدة، وأما الجواز فإنه يجوز بالنهار ركعتين ركعتين (¬2) وأربعًا لا يزيد على ذلك، وبالليل ركعتين وأربعًا وستًا وثمانيًا، لا يزيد على ذلك (¬3). فإن كان الخلاف في ذلك حسب ما ذكرناه، فينبغي إذا صلى خمسًا أن يتم سادسة (¬4)، وإن صلى سبعًا أن يتم ثمانيًا، وإن سلم على وتر ثلاث أو خمس أو سبع لم يقض صلاته، ولا يقال له: أفسدت نفلك - فأعده، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك أحاديث كلها تدل على التوسعة في ذلك: أحدها: حديث ابن عمر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى" (¬5). وفي بعض طرقه: "يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتيْنِ" (¬6). ¬

_ (¬1) في (ر): (يخص). (¬2) قوله: (ركعتين) ساقط من (ر). (¬3) انظر: الدر المختار: 2/ 15، واللباب: 1/ 45. (¬4) في (ر): (ستًا) وأشار إليها في هامش (س) في نسخة. (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 337، في باب ما جاء في الوتر، من كتاب الوتر في صحيحه، برقم (946)، ومسلم: 1/ 516، في باب صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل، من كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم (749)، ومالك في الموطأ: 1/ 123، في باب الأمر بالوتر، من كتاب صلاة الليل، برقم (267). (¬6) أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 119، في باب ما جاء في صلاة الليل، من كتاب صلاة =

وحديث ابن عباس قال: "بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ. . ." الحديث (¬1)، وهو في معنى الأول. والثاني: حديث عائشة - رضي الله عنها - "قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ فَيُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا، فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثًا" (¬2). والثالث: حديث عروة عن عائشة - رضي الله عنها -: "قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ لاَ يَجْلِسُ فِيَ شَيءٍ مِنْ ذَلِكَ (¬3) إِلاَ فِي آخِرِهَا" (¬4). وقالت أيضًا: "كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لاَ يَجْلِسُ إِلاَّ فِي الثَّامِنَة ثُمَّ يَنْهَضُ وَلاَ يُسَلِّمُ وَيُصَلِّي التَّاسِعَةَ، فَلَمَّا أَسَنَّ وَأَخَذَهُ اللَّحْمُ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ" (¬5). أخرج هذين الحديثين مسلم. ¬

_ = الليل، برقم (261). (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 78 في باب قراءة القرآن بعد الحدث وغيره، من كتاب الوضوء في صحيحه، برقم (181)، ومسلم: 1/ 525، في باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، من كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم (763)، ومالك في الموطأ: 1/ 121، في باب صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الوتر، من كتاب صلاة الليل، برقم (265). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 708، في باب فضل من قام رمضان، من كتاب صلاة التراويح في صحيحه، برقم (1909)، ومسلم: 1/ 509، في باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي - صلى الله عليه وسلم - في الليل، من كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم (738)، ومالك في الموطأ: 1/ 120، في باب صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الوتر، من كتاب صلاة الليل، برقم (263). (¬3) قوله: (من ذلك) ساقط من (ر). (¬4) أخرجه مسلم: 1/ 508، في باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي - صلى الله عليه وسلم - في الليل، من كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم (737). (¬5) أخرجه مسلم: 1/ 512، في باب جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض، من كتاب صلاة =

فصل [في الجهر بالقراءة في النفل ليلا]

فكان يقوم - عليه السلام - بثلاث عشرة ركعة وإحدى عشرة ركعة، ثم بتسع، ثم بسبع (¬1) لما كبر وأسن (¬2). فصل [في الجهر بالقراءة في النفل ليلًا] يجهر بالقراءة في النفل بالليل، واختلف في النهار، فقال مالك في المبسوط: يخافت بالقراءة. وقال أبو محمد عبد الوهاب في المعونة: اختلف في ذلك، فقيل: ذلك جائز. وقيل: مكروه (¬3). والجواز أحسن؛ لأنه أبلغ في تفهم القارئ له، ولم يرد بمنع ذلك حديث. وقال مالك: يستحب لمن صلى في منزله أن يرفع صوته بالقراءة (¬4). وإذا كان نهارًا فتنفل بحضرة غيره لم يجهر بالقراءة. ولو كان في ناحية المسجد بحيث (¬5) لا يسمعه أحد لم يكن بأس أن يرفع صوته. وقال مالك في المدونة: لا بأس أن يصلي القوم جماعة في ليل أو نهار، وكذلك الرجل يجمع بأهله (¬6). ¬

_ = المسافرين وقصرها، برقم (746). (¬1) قوله: (ثم بسبع) ساقط من (س). (¬2) قوله: (وأسن) ساقط من (ر). (¬3) انظر: المعونة: 1/ 152. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 491. (¬5) في (س): (حيث). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 188.

فصل [في كراهة التنفل بعد الصبح حتى ترتفع الشمس]

قال الشيخ - رضي الله عنه -: التنفل في البيت فذًّا أو مع الأهل أفضل؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَفْضَلُ الصَّلاةِ صَلاتُكُمْ فِي بُيُوتكُمْ إِلاَّ المَكْتُوبَةَ" (¬1). فجعل كتمان التطوع أفضل من صلاتِهِ له في مسجده، وإن كانت الصلاة فيه بألف صلاة، وقياسًا على الصدقات في قول الله سبحانه: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}. . . الآية (¬2) [البقرة: 271]. وقال مالك: النافلة في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - للغرباء أحب إليَّ من صلاتهم في بيوتهم (¬3). فصل [في كراهة التنفل بعد الصبح حتى ترتفع الشمس] وكره مالك التنفل بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس (¬4). وأوقات الصلوات خمسة: وقت فريضة مع الاختيار، ووقت ضرورة، ووقت مع (¬5) النسيان، ووقت صلاة سنة، ووقت صلاة نافلة. وقد مضى في ¬

_ (¬1) حسن، أخرجه الترمذي في سننه: 2/ 312، في باب ما جاء في فضل صلاة التطوع في البيت، من أبواب الصلاة، برقم (450)، والنسائي في السنن الكبرى: 1/ 408، في باب الفضل في ذلك، من كتاب قيام الليل وتطوع النهار، برقم (1292). وقال الترمذي: حديث حسن، وله شاهد في الصحيحين سيأتي تخريجه في كتاب الصيام، ص: 820. (¬2) قوله: (الآية) ساقط من (ر). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 262. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 625. (¬5) قوله: (مع) ساقط من (ر).

أول الكتاب وقت الفريضة مع الاختيار، ووقت الضرورة للحائض والصبي يحتلم، والمغمى عليه. وقال مالك في كتاب الصلاة الثاني في المنسية: إن وقتها حين يذكرها في (¬1) أي وقت كان من ليل أو نهار، وعند طلوع الشمس وعند (¬2) غروبها (¬3). ووقت السنن مختلف في الوتر وركعتي الفجر على أحد القولين أنها سنة (¬4)، ووقت صلاة العيدين والخسوف وسجود القرآن والاستسقاء: فوقت الوتر أوله إذا صلى العشاء، وآخره ما لم يطلع الفجر، هذا مع الاختيار. واختلف إذا طلع الفجر (¬5) هل ذهب الوقت أم لا؟ وذلك يذكر في كتاب الصلاة الثاني. ووقت ركعتي الفجر إذا طلع الفجر، وآخره ما لم يُصَلِّ الصبحَ، فإن صُلِّيَتْ في أول الوقت أو آخره لم تصليا (¬6) وإن كان قادرًا على أن يأتي بهما قبل طلوع الشمس. ووقت العيدين أوله أن ترتفع الشمس عن الطلوع قيد (¬7) رمح من رماح الأعراب، وآخره ما لم تزل الشمس، فإن زالت لم تصل (¬8). ¬

_ (¬1) قوله: (يذكرها في) يقابله في (س): (تذكر). (¬2) قوله: (عند) ساقط من (ر). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 215. (¬4) قوله: (أنها سنة) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (الفجر) ساقط من (ب). (¬6) قوله: (تصليا) يقابله في (ر): (يصلها). (¬7) في (ر): (بقدر). (¬8) في (س): (يصل).

واختلف في الخسوف فقيل: كالعيدين إن خسف بها في مثل ذلك الوقت صليت، وإن زالت الشمس لم تصل. وقيل: تصلى في وقت صلاة. يريد: ما لم تصفر الشمس. وقيل: تصلى وإن اصفرت الشمس (¬1)؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ بِهَا (¬2) فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلاَةِ" (¬3). فأطلق. واختلف في سجود القرآن، فقال في الكتاب: يسجد بعد الصبح ما لم يسفر، وبعد العصر ما لم تصفر الشمس (¬4). وقيل: لا يسجد بعد الصبح ولا بعد العصر. وقيل: يسجد بعد الصبح ولا يسجد بعد العصر. وقال في الاستسقاء: ذلك ضحى. يريد: ما لم تزل الشمس. وقال في العتبية: لا بأس بذلك بعد الصبح وبعد العصر (¬5). واختلف في الصلاة على الجنائز بعد العصر وبعد الصبح وعند غروب الشمس. وبيان (¬6) ¬

_ (¬1) قوله: (الشمس) ساقط من (س). (¬2) قوله: (بها) ساقط من (س). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 355، في باب خطبة الإمام في الكسوف، من كتاب الكسوف في صحيحه، برقم (999)، ومسلم: 2/ 618، في باب صلاة الكسوف، من كتاب الكسوف، برقم (901)، ومالك في الموطأ: 1/ 186، في باب العمل في صلاة الكسوف، من كتاب صلاة الكسوف، برقم (444). (¬4) قوله: (بها) ساقط من (س)، وانظر: المدونة: 1/ 199. (¬5) في (س): (المغرب). (¬6) قوله: (وبيان) يقابله في (ر): (وقد تقدم).

فصل [في الأوقات التي لا يجوز فيها التنفل]

ذلك في كتاب الجنائز. فصل [في الأوقات التي لا يجوز فيها التنفل] التنفل في الليل جائز ما خلا ثلاثًا: بعد غروب الشمس، وبعد طلوع الفجر وقبل الصلاة، وبعد صلاة الفجر، إلى أن تبرز الشمس، على اختلاف في هذه الثلاثة مواضع. ويجوز التنفل في النهار كله ما خلا أربعًا: عند طلوع الشمس حتى ترتفع، وإذا دنت للغروب حتى تغيب. ولا خلاف في هذين، وإذا استوت الشمس حتى ترتفع، وبعد العصر حتى تدنو للغروب، على اختلاف في هذين الوقتين. فأما المغرب والصبح فيكره التنفل قبلهما؛ لأن الصلاة لهما أول الوقت أفضل، وقد قيل في المغرب: إن لها وقتًا واحدًا، وهو حين تغرب الشمس. وقيل: لها وقتان. وأجمعوا على أن أول الوقت في المغرب أفضل، وليس يشتغل بالتنفل حينئذ ويترك فضيلة أول (¬1) الوقت إن كان ممن يصلي فذًّا، وإن كانت جماعة لم يترك فضيلة أول الوقت والجماعة ويتنفل. وكذلك الصبح فضيلتها (¬2) أول الوقت أفضل من التنفل حينئذ، وإن صليت جماعة كان ذلك أبين؛ لأنه لا (¬3) يترك فضيلة الوقت وفضل الجماعة ويشتغل بالتنفل. واستحب ذلك لمن فاته حزبه من الليل، ولا بأس بذلك بعد ¬

_ (¬1) قوله: (أول) ساقط من (ر). (¬2) في (س): (فضيلة). (¬3) قوله: (لا) ساقط من (ب).

غروب الشمس إلى أن تقام الصلاة، وكذلك بعد طلوع الفجر إلى أن تقام الصلاة أيضًا، وفي البخاري ومسلم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ" قال ذلك ثلاث مرات، ثم قال في الثالثة: "لِمَنْ شَاءَ" (¬1). يريد: بين الأذان والإقامة. وفي حديث آخر قال: "صَلُّوا صَلاَةً قَبْلَ صَلاَةِ المَغْرِبِ" (¬2). وقال عقبة بن عامر الجهني: "كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -" (¬3). وأما التنفل بعد صلاة الصبح فالمذهب على منعه؛ لظاهر الحديث. وقال مطرف في كتاب ابن حبيب في الطائف حينئذ: لا بأس أن يركع ما لم يسفر. وقول مالك أنه يؤخر الركوع حتى تطلع الشمس. فأجاز في القول الأول الركوع للطواف حينئذ؛ لأن صلاة الفجر تجوز على اختيارٍ بعد الإسفار ما لم تطلع الشمس، وهو بمنزلة صلاة العصر ما لم تصفرّ الشمس. وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها - "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ، حَتَّى لَقِيَ اللهَ -عز وجل-" (¬4). وأما الصلاة إذا استوت الشمس، فقال مالك في المدونة: ما أدركت أهل ¬

_ (¬1) سبق تخريجه، ص: 250. (¬2) أخرجه البخاري: 1/ 396 في باب الصلاة قبل المغرب، من أبواب التطوع في صحيحه، برقم (1128) بلفظ: "صلوا قبل صلاة المغرب". قال في الثالثة "لمن شاء". (¬3) أخرجه البخاري: 1/ 396 في باب الصلاة قبل المغرب، من أبواب التطوع في صحيحه، برقم (1129). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 213، في باب ما يصلى بعد العصر من الفوائت ونحوه، من كتاب مواقيت الصلاة في صحيحه، برقم (566)، ومسلم: 1/ 572، في باب معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد العصر، من كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم (835).

الفضل والعبادة إلا وهم يهجرون ويصلون نصف النهار (¬1). وقال في المبسوط: وقد جاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة نصف النهار، وليس بمجتمع عليه، وأنا لا أنهى عن الصلاة نصف النهار يوم الجمعة للذي أدركت عليه الناس، ولست أحبها؛ للذي بلغني من النهي فيها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. يريد: حديثه في الموطأ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ وَمَعَهَا قَرْنُ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ فَارَقَهَا، فَإِذَا اسْتَوَتْ قَارَنَهَا، فَإِذَا زَالَتْ فَارَقَهَا، فَإِذَا دَنَتْ لِلْغُرُوبِ قَارَنَهَا، فَإِذَا غَرَبَتْ فارقها"، وَنَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "عَنِ الصَّلاَةِ فِى تِلْكَ السَّاعَاتِ" (¬2). وفي كتاب مسلم من طريق عقبة بن عامر الجهني نحوه (¬3). وذهب قوم إلى أنه لا تكره الصلاة إلا في ساعتين؛ عند طلوع الشمس حتى ترتفع، وإذا دنت للغروب حتى تغيب. واحتجوا في ذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَتَحَرَّى أَحَدُكُمْ فَيُصَلِّي عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلاَ عِنْدَ غُرُوبِهَا" (¬4). وذكر محمد بن جرير الطبري أن ممن أخذ بذلك: بلال، وعبد الله بن ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 195. (¬2) أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 219، في باب النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، من كتاب القرآن، برقم (512). (¬3) أخرجه مسلم: 1/ 568، في باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها، من كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم (831). (¬4) متفق عليهما أخرجه البخاري: 1/ 212، في باب لا يتحرى الصلاة قبل غروب الشمس، من كتاب مواقيت الصلاة في صحيحه، برقم (560)، ومسلم: 1/ 567، في باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيه، من كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم (828)، ومالك في الموطأ: 1/ 220، في باب النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، من كتاب القرآن، برقم (515).

مسعود، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وابن عباس، وذُكر عن علي وأبي أيوب الأنصاري وتميم الداري وأبي الدرداء - رضي الله عنهم - أنهم كانوا يصلون ركعتين بعد العصر، وعن ابن عمر أنه كان يصلي بعد صلاة الفجر، وعن عمر بن الخطاب أنه نهى تميمًا الداري عن الصلاة بعد العصر، فقال له تميم: صليتها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال له عمر: ليس من أجلكم أنهى أيها الرهط، ولكني أخاف من قوم يأتون بعدكم يصلون بعد العصر إلى المغرب حتى يمر بالساعات التي نهي عنها (¬1). وذكر عنه أيضًا فيما كان يضرب عليه الناس أنهم كانوا يؤخرون العصر، فإذا قيل لهم قالوا: كنا نصلي ركعتين. فحمل (¬2) الحديث في النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر أن ذلك حماية؛ لئلا يأتوا بها عند الغروب، أو يعتل (¬3) الآخرون بها في تأخير العصر. وذكر عن طاووس وعمرو بن ميمون وشريح ومسروق والأسود أنهم كانوا يصلون بعد العصر ركعتين. وقد قيل فيمن قرب إلى (¬4) القتل بعد العصر أن له أن يصلي حينئذ ركعتن، ولو كان ممنوعًا لما جاز أن يتقرب إلى الله سبحانه حينئذ بما لا يجوز، وكل هؤلاء فضلاء (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (2/ 58)، برقم (1281)، والمعجم الأوسط (8/ 296) برقم (8684)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 470): "وفيه عبد الله بن صالح قال فيه عبد الملك بن شعيب: ثقة مأمون وضعفه أحمد وغيره". (¬2) في (س): (فجعل). (¬3) في (ر): (يعتد). (¬4) في (ب) و (س) و (ش 2): (على). (¬5) قوله: (فضلاء) ساقط من (ر).

فصل [فيمن شرع في النفل ثم قطعه]

فصل [فيمن شرع في النفل ثم قطعه] من افتتح نفلًا ثم قطعه متعمدًا قضاه، وإن غلب عليه بحدث أو غيره - لم يقضه إذا لم يكن نذره، فأما إن كان منذورًا مضمونًا قضاه، ويختلف إذا كان منذورًا معينًا في ساعة بعينها فغلب على الصلاة حتى خرج ذلك الوقت؛ قياسًا على من نذر صيام يومٍ بعينه، وإن نسيه (¬1) حتى خرج الوقت قضاه، واختلف فيه أيضًا. فصل [فيمن أتى المسجد] ومن أتى المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس (¬2). وقال أبو مصعب: إلا أن يكثر اختلافه لحوائجه فيجزئه ركوعه أول ما يدخل. ومن مر مجتازًا لحاجة فلا بأس أن يمر ولا يركع (¬3)، وكره ذلك زيد بن ثابت أن يمر ولا يركع. ويكره أن يكثر المرور في المسجد لحوائجه. ¬

_ (¬1) قوله: (وإن نسيه) ساقط من (س). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 189. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 189.

باب في صلاة الصبيان وأدبهم عليها ومتى يفرق بينهم في المضاجع

باب في صلاة الصبيان وأدبهم عليها ومتى يفرق بينهم في المضاجع قال مالك: يؤمر الصبي بالصلاة إذا أثغر (¬1). واختلف في الوقت الذي يؤدب فيه على تركها ومتى يفرق بينهم في المضاجع وهل ذلك إذا أمروا بالصلاة أو حين يبلغون عشر سنين؟! فقال مالك في العتبية: إذا أثغر الصبي أمر بالصلاة وأدب عليها (¬2). وقال ابن القاسم: وحينئذ يفرق بينهم في المضاجع (¬3). وروى ابن وهب في ذلك حديثًا؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مُرُوا الصِّبْيَانَ بِالصَّلاَةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي المَضَاجعِ" (¬4). وقال ابن حبيب: إذا بلغ عشر سنين لم يتجرد أحد منهم مع أحد أبويه ولا مع إخوته ولا مع غيرهم، إلا أن يكون مع كل واحد منهم ثوب (¬5). وليس هذا بحسن، وأرى أن يفرق بينهم جملة واحدة (¬6)، وسواء كانوا ذكورًا أو إناثًا، أو ذكرانًا وإناثًا، فإن عمل بذلك لسبع فحسن، وإن أخر ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 191. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 493. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 268. (¬4) حسن صحيح، أخرجه أبو داود في سننه: 1/ 187، في باب متى يؤمر الغلام بالصلاة، من كتاب الصلاة، برقم (495)، وأحمد في مسنده (6756)، والحاكم في المستدرك: 1/ 311، في باب مواقيت الصلاة، من كتاب الصلاة، برقم (708). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 268. (¬6) قوله: (واحدة) ساقط من (س).

لعشر فواسع. وأما العقوبة فبعد عشر. وكره فضيل وسفيان أن يضرب عليها وقالا (¬1): أرشه عليها. وهذا حسن لمن يقدر على ذلك، فإن كان ممن لا يقدر (¬2) أو لم يفعل بعد أن أرشي ضرب عليها؛ وهذا من النبي - صلى الله عليه وسلم - حماية؛ لئلا يبلغ على التهاون بترك الصلاة، فأمر أن يُمَرَّن (¬3) عليها ولا يبلغ إلا وقد ألفتها طباعه؛ ولأن فيه تنبيهًا لهم على الألوهية وانقيادًا إلى الطاعات، وأن له معبودًا سبحانه وتعالى، فلا يأتيه البلوغ إلا وقد خامر ذلك قلبه وطباعه. ¬

_ (¬1) في (ر): (قال). (¬2) قوله: (كان ممن لا يقدر) يقابله في (ر): (لم يقدر). (¬3) في (ر): (يدربن).

باب في القنوت

باب في القنوت القنوت مستحب وليس بسنة، فمن نسيه لم يسجد له (¬1)، ومن تركه عامدًا لم يُعِدْ في وقت ولا غيره. وقال ابن سحنون: القنوت سنة. قال: والقياس أن فيه السهو (¬2). وكذلك قال الحسن وغيره. وقال علي بن زياد: من تركه متعمدًا فسدت صلاته. والقول الأول أحسن؛ لأن مضمون القنوت الدعاء، يدعو به لنفسه، فأشبه الدعاء في السجود وبعد التشهد؛ لأن كل ذلك يختص بحق الآدميين، ففارق ما يختص به حق الله -عز وجل- من الركوع والسجود. وليس للقنوت دعاء مخصوص، وله أن يدعو بما أحب من أمر دنياه وأخراه. والقنوت في الركعة الثانية من صلاة الصبح، وهو بالخيار بين أن يأتي به قبل الركوع أو بعده، ويستحب أن يأتي به قبل (¬3). وقال مالك في سماع أشهب فيمن فاتته الأولى من الصبح فقضاها: إنه لا يقنت فيها (¬4). يريد: لأنه يقنت في الآخرة عند قنوت الإمام. ولو أدركه في الثانية راكعًا ثم قضى الأولى لم يقنت، وإن قنت فواسع؛ لأن الدعاء بعد الفراغ من القراءة في كل الصلوات واسع. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 192. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 192. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 192. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 274

باب في الكلام في الصلاة والنفخ والتنحنح، وهل يسبح للأمر ينزل به. أو يكلم رجلا أو يجاوبه بشيء من القرآن، أو يفتح على من تعايا في قراءته، أو يشمت العاطس، والضحك في الصلاة

باب في الكلام في الصلاة والنفخ والتنحنح، وهل يسبح للأمر ينزل به. أو يكلم رجلًا أو يجاوبه بشيء من القرآن، أو يفتح على من تَعَايَا في قراءته، أو يُشَمِّت العاطس، والضحك في الصلاة الكلام في الصلاة على سبعة أوجه: سهو، وعمد -ساهيًا أنه في الصلاة- فلا تفسد بذلك صلاته. وعامد ذكر أنه في صلاة، وعالم أن ذلك لا يجوز- فتفسد صلاته. وجاهل يظن أن ذلك جائز، فاختلف فيه، فقيل: تبطل صلاته لأنه متعمد، وقيل: تصح لأنه متأول، ولم يقصد انتهاك حرمة الصلاة. وعامد مأموم تكلم لإصلاح الصلاة لسهو دخل على إمامه، فاختلف فيه فقال مالك وابن القاسم: لا تبطل صلاته. وقال المغيرة: لا تجوز، فإن فعل بطلت وعامد تكلم لإنقاذ مسلم؛ لئلا يقع في مهلكة، أو ما أشبه ذلك - فذلك واجب عليه، ويستأنف الصلاة؛ لأنه لم يتكلم لإصلاح صلاته (¬1) إلا أن يكون في خناق من الوقت فلا تبطل ويكون كالمسايف في الحرب؛ لأن هذا تكلم لإحياء نفس وكذلك العدو. وإن خاف تلف ماله أو مال غيره وكان كثيرًا - تكلم واستأنف، وإن كان يسيرًا لم يتكلم، فإن فعل بطلت (¬2) صلاته. ¬

_ (¬1) قوله: (لإصلاح صلاته) يقابله في (س): (إصلاحها). (¬2) في (ر): (أبطل).

وقال سحنون في الإمام يخاف على صبي أو أعمى أن يقع في بئر، أو ذكر متاعًا له خلفه خاف عليه التلف: أن له أن يخرج لذلك ويستخلف (¬1). وعلى قول أشهب: يستخلف (¬2) إن لم يبعد (¬3) أحد من هؤلاء بنى على ما صلى وأجزأه. قياسًا على أصله إذا خرج لغسل دمٍ رآه في ثوبه، أو لقيء (¬4). قال: أحب إلي أن يستأنف، وإن بنى أجزأه. قاسه بالراعف. واختلف فيمن ظن أنه رعف أو أحدث فخرج ثم تبين له أنه (¬5) لم يصبه ذلك: هل يبني؟ وإن كان إمامًا هل يفسد (¬6) عليهم؟ فقال مالك: يبتدئ الصلاة ولا يبني (¬7). وظاهر قول ابن القاسم أنه إن كان إمامًا لم يفسد؛ لأنه لم يتعمد. قال سحنون في المجموعة: لأنه خرج بما يجوز له، ويبتدئ الصلاة خلف الذي استخلفه. وقال في كتاب ابنه: أبطل عليهم؛ لأنه يستطيع أن يعلم ما خرج منه (¬8) قبل أن يخرج من المحراب، إلا أن يكون في ليل مظلم. وقال محمد بن عبد الحكم: يبني ولا يبطل على من خلفه؛ بمنزلة من ظن ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 238. (¬2) قوله: (يستخلف) ساقط من (س). (¬3) في (ر): (يتعمد) وأشار في الهامش للمثبت هنا. (¬4) قوله: (أو لقيء) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (تبين له أنه) يقابله في (ر): (تيقن أنه). (¬6) في (س): (تفسد). (¬7) انظر: المدونة: 1/ 193. (¬8) في (س): (فيه)، وأشار في هامش (س) إلى ما في المتن.

أنه سلم فخرج ثم عاد فسلم. وهو أقيس؛ لحديث ذي اليدين أنه خرج - صلى الله عليه وسلم - وهو يظن أنه أتم، فتكلم ثم بنى (¬1). واختلف فيمن تنحنح مختارًا أو نفخ أو جاوب إنسانًا بالتسبيح (¬2) أو بآية من القرآن أو فتح على من ليس معه في صلاة، فقال مالك في النفخ: أراه بمنزلة الكلام (¬3). وقال في المجموعة: أكرهه، ولا يقطع الصلاة (¬4). وقال أيضًا: إذا تنحنح يُسْمِعُ إنسانًا فلا شيء عليه (¬5). وقال في مختصر ما ليس في المختصر: ذلك كلام؛ لقول الله -عز وجل-: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: 23] وأخذ الأبهري بالقول الأول؛ قال: لأنه ليس له حروف هجاء (¬6). والقول: إن الصلاة صحيحة إذا تنحنح أو نفخ أحسن، وليس هذا من الكلام المراد بالنهي. ¬

_ (¬1) حديث ذي اليدين، حديث متفق عليه: أخرجه البخاري: 1/ 252 في باب هل يأخذ الإمام إذا شك بقول الناس، من كتاب الجماعة والإمامة في صحيحه، برقم (682)، ومسلم: 1/ 403 في باب السهو في الصلاة والسجود له، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم (573)، ومالك في الموطأ: 1/ 93 في باب ما يفعل من سلم من ركعتين ساهيا، من كتاب الصلاة، برقم (210). (¬2) قوله: (بالتسبيح) ساقط من (س). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 194. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 234. (¬5) انظر: النوادر والزيادات:/ 233. (¬6) انظر: النوادر والزيادات:/ 233.

وقال مالك فيمن اضطره أنين من وجع: لم تفسد صلاته. وإذا سها الإمام سبح به (¬1) من خلفه من الرجال. واختلف في المرأة هل تسبح به كالرجل أو تصفق ولا تسبح، فقال في الكتاب: تسبح (¬2). وقيل: تصفق؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ نَابَهُ شَيءٌ فِي صَلاَتِهِ فَلْيُسَبِّحِ الرِّجَالُ، وَلْيُصَفِّقِ النِّسَاءُ" أخرجه البخاري (¬3). ولا يضعف هذا بقوله: "مَنْ نَابَهُ شَيءٌ فِي صَلاَتِهِ فَلْيُسَبِّحْ". لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقتصر في البيان على (¬4) التسبيح خاصة، بل قال: "وَلْيُصَفِّقِ النِّسَاءُ". وعلق ذلك بما ينوب في الصلاة؛ ولأنه لا يختلف أن أول الحديث لا ينسخ آخره، وإنما تكلم الناس هل ينسخ أوله بآخره، وإنما أراد - صلى الله عليه وسلم - أن كلام المرأة فيه شيء، وإذا كانت مندوحة عن ذلك لم تتكلم (¬5)، والتصفيق يبلغ من ذلك ما يبلغ التسبيح؛ لأن التسبيح من الرجال لا يفهم الحادث ما هو (¬6)، وإنما يفهم منه أنه دخل عليه شيء في صلاته، والتصفيق يفهم منه ذلك. ¬

_ (¬1) زاد في (س) بعده: (أحد). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 190. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 407 في باب رفع الأيدي في الصلاة لأمر ينزل به، من كتاب أبواب العمل في الصلاة، برقم (1160)، ومسلم: 1/ 316 في باب تقديم الجماعة من يصلي بهم إذا تأخر الإمام ولم يخافوا مفسدة بالتقديم، من كتاب الصلاة، برقم (421)، ومالك في الموطأ: 1/ 163 في باب الالتفات والتصفيق عند الحاجة في الصلاة، من كتاب قصر الصلاة في السفر، برقم (390)، والحديث ورد بلفظ: (التصفيح). (¬4) في (س): (عن). (¬5) في (ر): (يتكلم). (¬6) زاد في (ر): (في صلاة).

ولا بأس على من استؤذن عليه وهو في الصلاة أن يسبح ليعلمه أنه في الصلاة. وقال ابن حبيب: وما جاز للرجل أن يتكلم به في صلاته من الذكر والقراءة فيجوز أن يراجع (¬1) بذلك رجلًا أو يوقفه؛ وقد استأذن رجل على ابن مسعود وهو في الصلاة فقال: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [يوسف: 99] (¬2). ويجري فيها قول آخر؛ أن الصلاة تبطل قياسًا على أحد القولين فيمن فتح بالقرآن على من ليس معه في الصلاة؛ ولأن الحديث: "مَنْ نَابَهُ شَيءٌ فِي صَلاَتهِ" أنه كان فيما يتعلق بالصلاة؛ "أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر يصلي بالناس فسبحوا به فالتفت أبو بكر، ثم تأخر وتقدم النبي - صلى الله عليه وسلم -. . ." الحديث (¬3). وأجاز ابن القاسم في المدونة أن يسلم على المصلي (¬4). وقال ابن وهب عن مالك في المبسوط: لم يكن يعجبه أن يسلم على المصلي. وأجاز في المدونة إذا سلم على المصلي أن يرد إشارة (¬5). وقال ابن القاسم في المدونة فيمن كان في صلاة وبين يديه كتاب فجعل ¬

_ (¬1) في (ر): (يراجع). (¬2) لم أقف على هذا الأثر وعزاه المالكية للواضحة لابن حبيب، انظر: النوادر والزيادات: 1/ 231. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 242 في باب من دخل ليؤم الناس فجاء الإمام الأول فتأخر الآخر أو لم يتأخر جازت صلاته، من كتاب الجماعة والإمامة في صحيحه، برقم (652)، ومسلم: 1/ 316 في باب تقديم الجماعة من يصلي بهم إذا تأخر الإمام ولم يخافوا مفسدة بالتقديم، من كتاب الصلاة، برقم (421)، ومالك في الموطأ: 1/ 163 في باب الالتفات والتصفيق عند الحاجة فى الصلاف من كتاب قصر الصلاة في السفر، برقم (390). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 189. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 189.

فصل [في قراءة الإمام، وجواز الفتح عليه]

يقرؤه، قال: إن كان عامدًا ابتدأ الصلاة، وإن كان ساهيًا (¬1) سجد للسهو (¬2). يريد: أنه نطق بالقراءة، ولو قرأ في نفسه لم تبطل صلاته وإن كان عامدًا، إلا أن يطيل ذلك. وإن كان فيه قرآن لم يكن عليه شيء وإن نطق وهو عامد. فصل [في قراءة الإمام، وجواز الفتح عليه] وإذا تعايا المصلي في أول (¬3) قراءته، لم يفتح عليه في أول ذلك، حتى يتردد أو يستطعم الفتح (¬4)، وهو المخير بين أن يترك تلك السورة وينتقل إلى غيرها أو يركع، إذا كان ذلك في غير أم القرآن، أو يستطعم ذلك الفتح فيفتح عليه، ثم هو في جواز الفتح ومنعه على وجهين: فيجوز إذا كانا جميعًا في صلاة واحدة. ويجوز لمن هو في غير صلاة أن يفتح على من هو في صلاة. ولا يفتح من هو في صلاة على من هو في غير صلاة، أو في صلاة وليس بإمام له. واختلف إذا فعل ذلك، فقال ابن القاسم في المجموعة وسحنون في كتاب ابنه: تفسد صلاته. قال سحنون: يعيد وإن خرج الوقت (¬5). وقال أشهب في مدونته وعبد الملك بن حبيب في الواضحة: قد أساء ولا ¬

_ (¬1) في (ر): (ناسيًا). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 194. (¬3) قوله: (أول) ساقط من (ر). (¬4) أخرج البيهقي في السنن الكبرى عن علي - رضي الله عنه -: من السنة أن تفتح على الإمام إذا استطعمك. قلت لأبي عبد الرحمن: ما استطعام الإمام؟ قال: إذا سكت. انظر السنن الكبرى: 13/ 213. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 180.

فصل [في أنواع الضحك أثناء الصلاة]

تفسد عليه (¬1) صلاته. قال أشهب: وقد يجوز به الرجل فيسبح به ليدعوه. قال ابن حبيب: لأنه قرآن تكلم به (¬2). فصل [في أنواع الضحك أثناء الصلاة] الضحك في الصلاة على وجهين: بغير صوت، وهو الذي يعبر عنه بالتبسم، وبصوت. فإن كان بغير صوت لم يُفسِد الصلاة؛ وإن كان ذلك تعمدًا. واختلف في السجود (¬3)، فظاهر قول مالك في المدونة (¬4) لا شيء عليه (¬5)، وهو قول ربيعة، وعبد العزيز بن أبي سلمة، وقال مالك في العتبية: يسجد قبل السلام (¬6). وقال في مختصر ما ليس في المختصر: يسجد بعد السلام. وهو قول سحنون (¬7). وأرى أن يسجد قبل (¬8)؛ لأن ذلك وَصم (¬9) في صلاته بمنزلة النقص إذا اشتغل حينئذٍ بما ليس هو فيه، وإن كان قهقة متعمدًا أبطل، فذًّا كان أو مأمومًا ¬

_ (¬1) قوله: (عليه) ساقط من (س). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 180. (¬3) أي: اختلف في سجود السهو من الضحك. (¬4) في (س): (المدونة أنه). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 190. (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 446. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 240. (¬8) في (س): (قبل السلام). (¬9) في (س): (وسم).

أو إمامًا؛ لأنه كلام. واختلف إذا كان مغلوبًا فقيل: يقطع إذا كان وحده، وإن كان مأمومًا (¬1) مضى وأعاد، وإن كان إمامًا فقال ابن القاسم في العتيبة: يستخلف من يتم بالقوم ويتم هو معهم ثم يعيدون إذا فرغوا (¬2). واختلف في الناسي أنه في صلاة، فقال ابن القاسم: ليس بمنزلة الكلام. وجعل (¬3) الجواب فيه في كتاب محمد؛ كالمغلوب إن كان وحده قطع، وإن كان مأمومًا مضى وأعاد، وإن كان إمامًا استخلف، وأعاد مأمومًا وأعاد جميعهم (¬4). وقال أشهب في مدونته: هو كالكلام يمضي وإن كان فذًّا وتجزئه الصلاة. وإليه ذهب محمد. وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم أن الضحك يقطع الصلاة (¬5). يريد: أنهم فرقوا بينه وبين الكلام؛ لأن فيه أمرًا زائدًا على الكلام، وهو قلة الوقار، وفيه ضرب من اللعب. ¬

_ (¬1) في (س): (إمامًا). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 515. (¬3) في (ر): (نقل). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 514. (¬5) انظر: الإجماع، لابن المنذر: 1/ 34.

باب في اختلاف نية الإمام والمأموم ومن دخل ينوي صلاة فتبين أن الإمام في غيرها، أو لم يدر صلاة إمامه وكان حكمه إذا صلى فذا غيرها، ومن دخل في الصلاة على نية الإمام وهو لا يدري في أي صلاة هو، ومن سلم من ركعتين

باب في اختلاف نية الإمام والمأموم ومن دخل ينوي صلاة فتبين أن الإمام في غيرها، أو لم يدر (¬1) صلاة إمامه وكان حكمه إذا صلى (¬2) فذًّا غيرها، ومن دخل في الصلاة على نية الإمام وهو لا يدري في أي صلاة هو، ومن سلم من ركعتين اختلاف نية الإمام والمأموم تكون لأربعة أوجه: أحدها: أن تكون في فرضين أحدهما في ظهر والآخر في عصر. والآخر: أن ينوي المأموم الخميس ويتبين أن الإمام في الجمعة، أو ينوي الجمعة والإمام في الخميس. والثالث: أن تكون ظهرًا لهما إلا أن أحدهما حضري والآخر سفري. والرابع: أن يحرم وهو يرى أنه في أول ركعة من الجمعة، فيتبين أنه في آخرها، ولم يدرك إلا سجودها. وأي ذلك كان - فإن صلاة الإمام ماضية على ما نوى. وإنما يفترق الجواب في المأموم، فإن نوى الظهر فتبين أن الإمام في العصر أو نوى العصر فتبين أن الإمام في الظهر- أعاد المأموم، ولم تجزئه الصلاة. ويجري فيها قول آخر أنه يعيدها ما لم يذهب الوقت، فإن خرج الوقت لم يعد؛ للاختلاف في ذلك، ومراعاةً لمن قال: إنه يجوز أن يصلي مفترض خلف متنفل، وما جاء في ذلك عن معاذ أنه كان يصلي مأمومًا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يؤم قومه (¬3)، وقد راعى مالك وابن القاسم مثل ذلك أنه إذا فات مضى لقول قائل. ¬

_ (¬1) قوله: (يدر) يقابله في (ر): (يدرك). (¬2) في (ر): صلاها. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 248 في باب إذا طول الإمام وكان للرجل حاجة فخرج =

وقال مالك فيمن أحرم ينوي الجمعة ثم تبين أن الإمام في الظهر يوم الخميس (¬1): إنه تجزئه صلاته، وإن أحرم ينوي الظهر يظنها يوم الخميس ثم علم أنه في الجمعة لم تجزئه (¬2). وقال في السليمانية: تجزئه الصلاة والإعادة أحوط. وقال أشهب في السؤال الأول: لا تجزئه الصلاة (¬3). وقد تقدم الاختلاف في هذا الأصل فيمن رعف مع الإمام يوم الجمعة قبل عقد ركعة، ثم سلم الإمام، هل يتم على ذلك الإحرام الظهر أربعًا وإن كانت نيته لركعتين؟ (¬4) واختلف أيضًا في المسافر يدخل خلف رجل يظن أنه سفري ثم يتبين أنه حضري فيتم أربعًا (¬5): هل تجزئه الصلاة؟ وإن كان على رجلين ظهران، فإن كانا من يومين لم يأتم أحدهما بالآخر (¬6). ويختلف إذا فعل هل تجزئ المأموم، وإن كانا من يوم واحد جاز أن يأتم أحدهما بالآخر. وإن كان على أحدهما ظهر حضري والآخر سفري - فإن تقدم السفري سلم من ركعتين وأتم الحضري. ¬

_ = فصلى، من كتاب الجماعة والإمامة في صحيحه، برقم (668)، ومسلم: 1/ 339، في باب القراءة في العشاء، من كتاب الصلاة، برقم (465). (¬1) قوله: (يوم الخميس) ساقط من (س) و (ب). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 193. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 308، والبيان والتحصيل: 2/ 83. (¬4) انظر ذلك في كتاب الطهارة، ص: 159. (¬5) قوله: (فيتم أربعًا) يقابله في (س): (فأتم)، وقوله: (أربعًا) ساقط من (ر). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 309.

واختلف إذا تقدم الحضري هل يتم السفري خلفه أو يسلم من ركعتين؟ وإن أدرك المسافر الإمام جالسًا يظنه في الجلسة الأولى من الظهر، ثم تبين أنه في الجلسة الأخيرة - جاز له أن يبني على ذلك الإحرام ركعتين، وفيه اختلاف. وأجاز أشهب في "كتاب محمد" أن يدخل على نية الإمام وإن لم يعلم في أي صلاة هو، فقال فيمن صلى مع إمام وهو لا يدري أهو يوم الجمعة أو يوم الخميس: يجزئه ما صادف من ذلك، وإن دخل على إحداهما فصادف الأخرى لم تجزئه (¬1). والأصل في ذلك: حديث أبي موسى أنه أحرم وأهل بالتلبية ثم قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو بمكة في حجة الوداع، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بِمَ أَهْلَلْتَ. فَقَالَ: بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: قَدْ أَحْسَنْتَ" (¬2). وقدم علي من ميقاته (¬3)، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بِمَ أَهْلَلْتَ؟ فقال له: بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ لَهُ: أَهْدِ وَامْكُثْ حَرَامًا. . ." الحديث (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 308. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 564، في باب من أهلّ في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - كإهلال النبي - صلى الله عليه وسلم -، من كتاب الحج في صحيحه، برقم (1483)، ومسلم: 2/ 894، باب في نسخ التحلل من الإحرام والأمر بالتمام، من كتاب الحج، برقم (1221). (¬3) في (س): (سعايته). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 564، في باب من أهلّ في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - كإهلال النبي - صلى الله عليه وسلم -، من كتاب الحج في صحيحه، برقم (1483)، ومسلم: 2/ 914، في باب إهلال النبي - صلى الله عليه وسلم - وهديه، من كتاب الحج، برقم (1250).

فصل [فيمن التفت وتكلم بعد أن سلم من ركعتين ساهيا]

فصل [فيمن التفت وتكلم بعد أن سلم من ركعتين ساهيًا] وقال مالك فيمن سلم من ركعتين ساهيًا ثم التفت وتكلم: إن تباعد استأنف، وإن كان خفيفًا رجع وبنى. قال: وقد رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما بنى بتكبير (¬1). واختلف في هذه المسألة في موضعين: أحدهما: إذا لم يكبر هل تفسد صلاته؟ والثاني: هل يرجع إلى الجلوس؟ فقال ابن القاسم (¬2): إذا رجع لم يجلس، وإن لم يكبر أفسد عليه وعلى من خلفه. وقال القنازعي: إن لم يكبر أجزأه. وقال الشيخ أبو محمد بن أبي زيد: رأيت لبعض أصحابنا أنه يكبر ثم يجلس ثم يقوم للبناء (¬3). قال: وأرى أنه إن لم يعمل بعد السلام شيئًا من قيام أو كلام أو استدبار قبلة، لم يكبر، وإن عمل شيئًا من ذلك أحرم، فإن لم يحرم بطلت عليه صلاته. قال الشيخ -رحمه الله-: الأصل في هذا حديث ذي اليدين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سلم من ركعتين ثم قام من موضعه وتكلم ثم أتم (¬4)، ومفهوم الحديث أنه لم يجلس؛ لأنه قال: رجع فصلى ركعتين، وأحال السامع على المعهود ممن يصلي ركعتين، ولم يقل: جلس. والمفهوم من هذا أنه استفتح ركعتين حسب العادة. وأما ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 224، وانظر حديث ذي اليدين السابق تخريجه. (¬2) قوله: (القاسم) يقابله في (ر): (نافع). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 360. (¬4) سبق تخريجه، ص: 395.

تكبير النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه يحتمل أن يكون نوى به الإحرام، ويحتمل أن يكون أراد التكبيرة التي يأتي (¬1) بها إذا استوى قائمًا من اثنتين، وإذا احتمل الوجهين جميعًا (¬2) وكان في حكم الصلاة كان التكبير استحسانًا (¬3). ¬

_ (¬1) قوله: (يأتي) ساقط من (س). (¬2) قوله: (جميعًا) ساقط من (س). (¬3) في (ر): (استحبابًا).

باب في صفوف المصلين والتراص في الصف

باب في صفوف المصلين والتراص في الصف ويبتدئ الصف من خلف الإمام ثم عن يمينه وشماله حتى يتمّ الصف الأول. ولا يبتدئ بالثاني قبل تمام الأول، ولا بالثالث قبل تمام الثاني، وهذا الذي يقتضيه قول مالك في كتاب ابن حبيب، وهو أحسن من قوله في المدونة (¬1)؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ تَصُفُّونَ كَما تَصُفُّ المَلاَئِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟! ثُمَّ قَالَ: يُتِمُّونَ الصَّفَّ الأَوَّلَ وَيَتَرَاصُّونَ" أخرجه مسلم (¬2). وإذا جاء (¬3) رجل وقد تم الصف، فإن وجد مدخلًا من غير ضرورة فعل، وإن لم يجد صلى وحده، ولم يَجُرَّ (¬4) إليه أحدًا من الصف. قال ابن حبيب: وأرخص مالك للعالم إذا كان مجلسه في مؤخر المسجد أو وسطه أن يصلي في موضعه مع أصحابه وإن تقدمتهم الصفوف (¬5). وينبغي للمصلين أن يعتدلوا في الصفوف ويتحاذوا بالمناكب؛ لحديث ابن مسعود قال: "كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلاَةِ، وَيَقُولُ: اسْتَوُوا، وَلاَ تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الأَحْلاَمِ وَالنُّهَى" (¬6). واختلف في الصلاة في الصف بين الأساطين، فأجاز ذلك في المدونة إذا ضاق المسجد للضرورة (¬7)، وأجازها في المبسوط اختيارًا. وقال في ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 194. (¬2) أخرجه مسلم: 1/ 322، في باب الأمر بالسكون في الصلاة، من كتاب الصلاة، برقم (430). (¬3) في (س): (أتى). (¬4) في (ر): (يجتبذ). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 295. (¬6) أخرجه مسلم: 1/ 323 في باب تسوية الصفوف وإقامتها، من كتاب الصلاة، برقم (432). (¬7) انظر: المدونة: 1/ 195.

الصلاة (¬1) في الصف بين السواري: لم يزل ذلك يعمل به عندنا، ولم أسمع أحدًا أنكره ولا كرهه. والأول أحسن، ولا أرى الصلاة هناك لفذ ولا لجماعة، فأما الفذ فلبعده من القبلة، وذلك خلاف السنة. وأما الجماعة فلأنه خلاف الحديث في التراصّ والمحاذاة بالمناكب، وإن كانت ضرورة بسط شيئًا يصلي عليه؛ لأنه موضع يلقي الناس فيه نعالهم، ولا يؤمن منه النجاسة. ¬

_ (¬1) قوله: (في الصلاة) ساقط من (س).

باب في بناء المساجد وصفة بنائها وتعظيم حرمتها وما يجب أن تنزه عنه

باب في بناء المساجد وصفة بنائها وتعظيم حرمتها وما يجب أن تنزه عنه المساجد بيوت الله في أرضه، أسست على التقوى ليتقرب إليه فيها بالطاعات، ذكرها الله في غير موضع من كتابه، وعَظَّمَ قدرها فقال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور: 36]، وحضَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بنائها فقال: "مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ الله، بَنَى اللهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الجَنَّةِ". أخرجه البخاري ومسلم (¬1). ونهى أن يتباهى في بنائها وقال - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتبَاهَى النَّاسُ فِي المَسَاجِدِ" (¬2). وقال - صلى الله عليه وسلم -: "مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تُزَخْرَفَ المسَاجِدُ كَأَنَّهَا البِيَعُ والكنائِسُ" (¬3). وقال مالك: كره الناس ما فعل في قبلة المسجد بالمدينة من التزاويق؛ لأنه يشغل الناس في صلاتهم (¬4). وأرى أن يزال كل ما كان يشغل عن الصلاة وإن ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 172، في باب من بنى مسجدا، من أبواب المساجد في صحيحه، برقم (439)، ومسلم: 1/ 378 في باب فضل بناء المساجد والحث عليها، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم (533). (¬2) صحيح، أخرجه أبو داود في سننه: 1/ 176 في باب في بناء المساجد، من كتاب الصلاة، برقم (449)، وابن ماجه في سننه: 1/ 244 في باب تشييد المساجد، من كتاب المساجد والجماعات، برقم (739). (¬3) لم أقف عليه بهذا اللفظ، وأخرجه البخاري موقوفًا: 1/ 171، في باب بنيان المسجد، من أبواب المساجد في صحيحه، من قول ابن عباس - رضي الله عنهما - بلفظ: (لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 197.

عظم ما كان أنفق فيه. وبناء المساجد على وجهين: واجب، ومندوب إليه. فيجب في كل بلد أو قرية لا مسجد فيها؛ ليجتمع الناس إليه للصلاة، ولا يجوز أن يتمالأ على ترك الجماعة؛ لأن في ذلك تضييعًا للصلوات، وإن كان يجب على مثلهم الجمعة فذلك أَبْيَنُ. وإن كان البلد واسعًا وشق على من بَعُدَ مِنَ الجامع الوصول إليه - كان بناء المسجد في تلك المحلة مندوبًا إليه؛ لأن إقامة الجماعة ليست على الأعيان، وذلك سنة أو فرض على الكفاية، وذلك يسقط بناء الجامع. وتُعَظَّمُ حرمتها وَتجنَّبُ النجاسات والأقذار واللعب والصبيان والمجانين ورفع الأصوات والخصوم والخوض في الباطل (¬1) والبيع والشراء. ولا تسلُّ فيه السيوف، ولا تنشد فيه ضالة إلا أن يجلس إلى قوم فيسألهم، وقد تقدم ذكر دخول الجنب والحائض. وفي مختصر ما ليس في المختصر قال: ويجب على من رأى في ثوبه دمًا كثيرًا في الصلاة أن يخرج عن المسجد ولا يخلعه فيه. قال: وقد قيل: يخلعه فيه (¬2) ويتركه بين يديه وَيُخَمِّرُ الدم، أي: يغطيه. ولا يبصق في جدار المسجد ولا على ظهر الحصباء ولا على الحصير، ولا بأس بذلك إذا واراه أو كان تحت الحصير، وينبغي أن يخلق، ويجمر؛ للحديث (¬3). ويجنب الروائح المكروهة. ¬

_ (¬1) قوله: (في الباطل) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (فيه) ساقط من (س). (¬3) أخرجه أبو داود: 1/ 184 في باب في كراهية البزاق في المسجد، من كتاب الصلاة، برقم (485)، وابن أبي شيبة في مصنفه: 2/ 141 في باب في تخليق المساجد، من كتاب الصلوات، برقم (7445).

ومن أكل ثومًا أو بصلًا أو كراثًا أخرج من المسجد؛ لِحَقِّ المسجد والمصلين والملائكة. فحقُّ المسجد لقول الله -عز وجل-: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: 36] وحق المصلين لقوله - صلى الله عليه وسلم - وقد وجد ريح ثومٍ: "مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا يُؤْذِينَا بِرِيحِهِ" (¬1). وحق الملائكة لحديث جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَكلَ مِنْ البَصَلِ وَالكُرَّاثِ وَالثُّومِ فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا؛ فَإِنَّ المَلاَئِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ" أخرجه مسلم (¬2). ولا يجوز حدث الريح فيه، وإن كان مخليًا؛ لحرمة المسجد والملائكة، ولحديث أبي هريرة: قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ المَلاَئِكَةَ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلاَّهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ، مَا لم يُحْدِثْ. قِيلَ: وَمَا الحدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاط" (¬3). ولا ينام في المسجد لهذا المعنى إلا لضرورة، قال مالك: للضيف أو لمن لا ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 292 في باب ما جاء في الثوم النيئ والبصل والكراث، من كتاب صفة الصلاة في صحيحه، برقم (815)، ومسلم: 1/ 393 في باب نهي من أكل ثومًا أو بصلا أو كراثا أو نحوها، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم (561)، ومالك في الموطأ: 1/ 17 في باب النهي عن دخول المسجد بريح الثوم وتغطية الفم، من كتاب وقوت الصلاة، برقم (30). (¬2) أخرجه مسلم: 1/ 394 في باب نهي من أكل ثومًا أو بصلا أو كراثا أو نحوها، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم (564). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 746 في باب ما ذكر في الأسواق، من كتاب البيوع في صحيحه، برقم (2013)، ومسلم: 1/ 458 في باب فضل صلاة الجماعة وانتظار الصلاة، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم (649).

بيت له (¬1). ومحمل ما كان من النوم اختيارًا قبل هذه الأحاديث. وكذلك ما روي من لعب الحبش في العيد في المسجد (¬2) فمنسوخ بالآية وبالحديث. قال مالك: ولا تقتل في المسجد قملة ولا يلقيها فيه حية، وأما البراغيث فإنها من دواب الأرض فلا بأس أن تطرح فيه حية (¬3). وقال أيضًا: أكره (¬4) قتل ما كثر من القمل والبراغيث، وأستخف ما قل من ذلك (¬5). ويجوز قتل العقرب والفأرة في المسجد لأذاهما، ولأنه يجوز للحل قتلهما في الحرم وفي المسجد الحرام (¬6) ويجوز قتلهما لمن كان في الصلاة، وقتل الغراب والحدأة في الصلاة أثقل، وإن فعل لم تفسد الصلاة، وفي كتاب مسلم عن ابن عمر قال: "أَخْبَرَتْنِي إِحْدَى نِسْوَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الكَلْب العَقُورِ وَالفَأرَةِ وَالعَقْرَبِ وَالغُرَابِ وَالحِدَأَةِ وَالحَيَّةِ. قَالَ: وَفِي الصَّلاَةِ أَيْضًا" (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 533، والبيان والتحصيل: 1/ 263. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 173 في باب أصحاب الحراب في المسجد، من كتاب أبواب المساجد في صحيحه، برقم (443)، ومسلم: 2/ 607 في باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد، من كتاب صلاة العيدين، برقم (892). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 191. (¬4) في (س): (كره). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 238، والبيان والتحصيل: 1/ 320 (¬6) قوله: (وفي المسجد الحرام) ساقط من (ر). (¬7) أخرجه مسلم: 2/ 858 في باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم، من كتاب الحج، برقم (1200).

باب في حكم من ترك الصلاة

باب في حكم من ترك الصلاة تارك الصلاة ثلاثة (¬1): - جاحدٌ لها. - ومقرٌّ بها، ويقول: لا أصليها. - ومقر بها ويقول: أصلي، ولا يفعل. فحكم الأولين القتل (¬2)، واختلف في الثالث إذا لم يصلّ؛ فقيل: يقتل. وقال ابن حبيب: يبالغ في عقوبته حتى تظهر توبته. ولم يجعل في ذلك قتلًا. وإذا كان الحكم القتل فإنه يختلف في الاستتابة، وفي الوقت الذي يقتل فيه. فأما الجاحد لها فقيل: يقتل مكانه. وقيل: يستتاب بثلاثة أيام. قال الشيخ -رحمه الله-: هو مرتد، وقد اختلف في استتابة المرتد، وهل ذلك واجب أو مستحب، وهل يقتل بالحضرة أو يؤخر ثلاثة أيام؟ فحكى ابن القصار عن مالك في تأخيره ثلاثة أيام روايتين: هل ذلك واجب أو مستحب، ورأى (¬3) تأخيره ثلاثة أيام واجبًا، والاستتابة، وهو أن يعرض عليه الرجوع إلى الإسلام، والاعتراف بوجوجها على وجهين: واجب، ومستحسن (¬4). فمن كان يعرف أن له التوبة وأن رجوعه مقبول - كانت الاستتابة استحسانًا، ومن كان يجهل ذلك - كان عليه إعلامه أن ذلك مقبول منه واجبًا. فإذا أُعْلِمَ مرة كانت ¬

_ (¬1) قوله: (ثلاثة) ساقط من (س). (¬2) انظر: التفريع: 1/ 108، والنوادر والزيادات: 14/ 536. (¬3) في (س): (وأرى). (¬4) في (س): (واستحسان).

الاستتابة بعد ذلك بأن يقال له: تب وارجع استحسانًا (¬1)؛ لأنها من باب الدعوة إلى الإسلام قبل القتال (¬2)، فهي واجبة فيمن لم تبلغه الدعوة (¬3)، ومستحبة فيمن بلغته وهذا عالم بما يراد منه، وعلى مَا يقتل. والأصل في ذلك: حديث ثمامة، كان أسيرًا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخّره ثلاثة أيام، فكان يعرض عليه في ذلك الإسلام (¬4). والكافر مخاطب بالدخول في الإسلام الآن، عاصٍ في تأخيره ثلاثة أيام، فأخّره النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد كونه أسيرًا والقدرة على قتله الآن رجاء أن ينقذه الله من النار. وإذا جاز ذلك في الكافر ابتداءً جاز ذلك في المرتد؛ رجاء أن يهديه الله -عز وجل- ويعود إلى الإقرار بالإيمان والصلاة. واختلف إذا كان مقرًّا بالصلاة، فقال مالك في العتبية: يقال له: صل. فإن صلى وإلا قتل. وإن قال: لا أصلي. استتيب، فإن صلى وإلا قتل (¬5). وفرق بين الموضعين. وقال (¬6) أيضًا: لا يؤخر إذا قال: لا أصلي، بخلاف الجاحد؛ لأن المقر بها مخاطب بفعلها، ولها وقت لا تؤخر عنه، والجاحد كافر مخاطب بالإيمان بها لا بالصلاة، فإن أقر بفرضها فحينئذ يخاطب بفعلها. ¬

_ (¬1) في (ر): (وراجع استحبابًا). (¬2) في (ر): (القتل). (¬3) قوله: (الدعوة) ساقط من (س). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري: 4/ 1589 في باب وفد بني حنيفة وحديث ثمامة بن أثال، من كتاب المغازي في صحيحه، برقم (4114)، ومسلم: 3/ 1386 في باب ربط الأسير وحبسه وجواز المن عليه، من كتاب الجهاد والسير، برقم (1764). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 475. (¬6) في (ر): (وقيل).

والقول إنه يستتاب أحسن؛ لأن كليهما مخاطب، إلا أن هذا - بالإيمان بها، وهذا بالصلاة، وكلاهما عاص في تأخير ذلك، فإذا جاز أن يؤخر هذا لحرمة القتل؛ رجاء أن يعود إلى الإيمان - جاز تأخير الآخرة رجاء أن يتوب ويعود إلى الصلاة، ولا خلاف أن حرمة الإيمان أعظم من حرمة الصلاة، والكل حق لله -عز وجل-. ولا وجه لقول عبد الملك إذا قال: أصلي (¬1) ولا يفعل- إنه يعاقب، ولا يقتل. ولا فرق بين أن يقول: لا أصلي أو أصلي ثم لا يفعل؛ لعدم الصلاة منهما جميعًا؛ ولقول الله -عز وجل-: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5] يريد بالتوبة: الدخول في الإسلام، فأخبر أن القتل إنما يُرْفَعُ عنهم إذا أقاموا الصلاة، وهو الفعل ليس الإقرار بها، ولقول النبي - عليه السلام -: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّيَ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا" أخرجه البخاري ومسلم (¬2). وهذا الحديث طابق القرآن أنه إنما يعصمه من إراقة دمه أن يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة. وعلى القول: إنه تلزم الصلاة قبل خروج الوقت؛ فإن المراعى الوقت الضروري، فإن كان في العصر فإذا بقي لغروب الشمس مقدار الإحرام وركعة دون سجودها - لم يعجل عليه بالقتل قبل ذلك، ولا يراعى قدر القراءة ¬

_ (¬1) في (س): (لا أصلي). (¬2) سبق تخريجه عند قوله: (وأما السنة فقوله).

للاختلاف في القراءة في أول ركعة من الصلاة (¬1) وهو يقرأ في الثلاث بعد، ولا قدر لسجودها على قول (¬2) أشهب أن حمل الحديث: "مَنْ أَدْرَكَ رَكعَةً مِنَ الصَّلاَةِ. . ." (¬3) أن المراد بذلك الركوع دون السجود، ومن قال: إن الصلاة سنة كان حكمه حكم من جحدها؛ لأن ذلك رد لكتاب الله -عز وجل-. ¬

_ (¬1) قوله: (الصلاة) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (على قول) يقابله في (ب): (لقول). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 211 في باب من أدرك من الصلاة ركعة، من كتاب مواقيت الصلاة في صحيحه، برقم (555)، ومسلم: 1/ 423 في باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم (607)، ومالك في الموطأ: 1/ 10 في باب من أدرك ركعة من الصلاة، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم (15).

باب جامع في الصلاة

باب جامع في الصلاة الصلاة تشتمل على ثلاثةٍ: فرائض، وسنن، وفضائل، واختلف في مواضع منها: أحدها: هل هو فرض أو فضيلة؟ والثاني: هل هو فرض أو سنة؟ والثالث: هل هو سنة أو فضيلة؟ والرابع: هل هو فضيلة أم لا؟ فالفرض شرط في صحة الصلاة لا تجزئ إلا به، فإن أخلّ به عمدًا بطل، وإن أخل به سهوًا أتى به وأجزأته الصلاة على الاختلاف في صفة الإتيان به. وإن أخل بالسنة سهوًا أجزأته صلاته، ويأتي عن تلك السنة بسجود السهو. واختلف إذا تعمد هل تصح الصلاة أم لا؟ وإن أخل بالفضيلة سهوًا أو عمدًا أجزأته الصلاة، ولا يأتي عن ذلك بسجود. فمن فروضها تكبيرة الإحرام وتعيينها بالقول: "الله أكبر"، والقراءة وأنها تتعين بسورة الحمد، والقيام للقراءة، والركوع، والسجود، والجلسة الأخيرة قدر السلام، والسلام. ومن فروضها وليس مما تشتمل عليه: النية، وكونها مقارنة للدخول أو مقاربة على القول الآخر، والتوجه إلى القبلة مع القدرة على ذلك. واختلف في التكبير سوى تكبيرة الإحرام هل هو سنة أو فضيلة؟ وفي التسبيح في الصلاة، وفي السورة التي مع أم القرآن، هل هي فضيلة أو سنة؟

فصل [فيما تشتمل عليه الصلاة من أقوال]

وفي التسبيح والتحميد لمن لا يحسن القراءة هل هو واجب أو مستحب؟ وفي الطمأنينة في الركوع والسجود هل هي فرض، ولا تجزئ الصلاة بعدهما، أو فضيلة فتجزئ الصلاة، ولا يأتي عنه بسجود؟ وفي الرفع من الركوع هل هو فرض أو سنة؟ واختلف بعد القول إنه فرض، هل الطمأنينة فيه فرض أو فضيلة. والرفع بين السجدتين فرض؛ لأنه فصل بينهما، وإلا كانت سجدة. واختلف في الجلسة بينهما هل هي فرض أو سنة. واختلف بعد القول فيها إخها فرض: هل الطمأنينة فيها فرض؟ أو فضلية، والجلسة الأولى سنة، وقيل: فرض، ويجزئ فيها سجود السهو، والتشهد الأول سنة. واختلف في التشهد الآخر هل هو فرض أو سنة؟ وفي الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - هل هو فرض في الصلاة أم لا؟ وكل ذلك مبين في مواضعه في هذا الكتاب وفي الكتاب الثاني، وجمعت ذلك ها هنا ليكون أقرب لفهم القارئ. فصل [فيما تشتمل عليه الصلاة من أقوال] الصلاة تشتمل من القول على خمس: قراءة، وتكبيرة، وتسبيح، ودعاء، وحمد لله وثناء عليه، وصلاة على نبيه - عليه السلام -. فالقراءة يؤتى بها في القيام؛ خاصة في أول ركعة، ولا يقرأ في الركوع ولا في السجود؛ للثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن ذلك (¬1). ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم، 1/ 348 في باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، من كتاب الصلاة، برقم (479)، ولفظه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أيها الناس إنه لم =

والتكبير يؤتى به للدخول في الصلاة، وللركوع دون الرفع منه، وعند السجود والرفع منه، وإذا قام من اثنتين. والدعاء حسن في القيام بعد الفراغ من القراءة وفي السجود، وفي الجلوس بعد الفراغ من التشهد، وفي الرفع من الركوع، إلا أنه يختص بقوله: "سمع الله لمن حمده" ولا يؤتى به في الجلوس بين السجدتين، ولا يبتدأ به في الجلوس قبل التشهد. واختلف هل يبتدأ به في القيام قبل القراءة؟ وقد تقدم ذلك في أول الكتاب. واستحب مالك ألا يؤتى به في الركوع (¬1)، وأن يخلص الركوع لله سبحانه خاصة بالتعظيم والتسبيح، ثم يثني لنفسه بالدعاء إن أحب في السجود؛ ولأنه أقرب فيما يرجى من الإجابة، وليس الدعاء في الركوع بممنوع، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحيحين أنه كان يقول في ركوعه وسجوده: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي" (¬2). وقالت عائشة - رضي الله عنها -: يتأول القرآن. يريد: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] السورة، وهذا دعاء في الركوع. والثناء على الله والصلاة على نبيه - صلى الله عليه وسلم - يؤتى بهما في الجلوس، ويبتدئ بالثناء على الله ويقول: "التَّحِيَّاتُ للهِ. . ." (¬3) إلى آخر التشهد، ثم يصلي على نبيه - صلى الله عليه وسلم -. وفي ¬

_ = يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا". (¬1) انظر: المدونة: 1/ 168، قال فيها: (وكان مالك يكره الدعاء في الركوع ولا يرى به بأسا في السجود). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 281 في باب الدعاء في الركوع، من كتاب صفة الصلاة في صحيحه، برقم (784)، ومسلم: 1/ 350 في باب ما يقال في الركوع والسجود، من كتاب الصلاة، برقم (484). (¬3) حديث التشهد متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 286، في باب التشهد في الآخرة، من كتاب صفة الصلاة في صحيحه، برقم (797)، ومسلم: 1/ 301، في باب التشهد في الصلاة، من كتاب الصلاة، برقم (402).

مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ركع يقول: "اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي" (¬1). وإذا رفع قال: "اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ وَملْءَ مَا بَيْنَهُما وَملْءَ مَاشِئْتَ مِنْ شَيءٍ بَعْدُ" (¬2). وإذا سجد قال: "اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ" (¬3). ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والسلام: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَسْرَفْتُ، وَمَا أَنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّى، أَنْتَ المُقَدِّمُ وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ" (¬4). وقال في موضع آخر إنه كان يقول إذا رفع من الركوع: "اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَملْءَ الأَرْضِ وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُما وَملْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيءٍ بَعْدُ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالمَجْدِ، أَحَقُّ مَا قَالَ العَبْدُ، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْد، اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لمِا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لمِا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ" (¬5). تم كتاب الصلاة الأول، والحمد لله رب العالمين (¬6) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم: 1/ 534 في باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، من كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم (771). (¬2) أخرجه مسلم: 1/ 347 في باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، من كتاب الصلاة برقم (477). (¬3) أخرجه مسلم: 1/ 534 في باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، من كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم (771). (¬4) انظر تخريج الحديث السابق. (¬5) أخرجه مسلم: 1/ 343 في باب اعتدال أركان الصلاة وتخفيفها في تمام، من كتاب الصلاة، برقم (471). (¬6) قوله: (تم كتاب الصلاة الأول، والحمد لله رب العالمين) ساقط من (ب).

كتاب الصلاة الثاني

كتاب الصلاة الثاني النسخ المقابل عليها 1 - (ب) = نسخة برلين رقم (3144) 2 - (ح) = نسخة الحمزوية رقم (115) 3 - (س) = نسخة الاسكوريال رقم (1082) 4 - (ش 2) = نسخة أهل ناجم - تيشيت (شنقيط)

باب في سجود القرآن، ومواضعه من القرآن والمواضع التي يوقع فيها من الصلوات وغيرها، والوقت الذي يسجد فيه

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليمًا كتاب الصلاة الثاني باب في سجود القرآن، ومواضعه من القرآن والمواضع التي يوقع فيها من الصلوات وغيرها، والوقت الذي يسجد فيه قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي، وَيَقُولُ: يَا وَيْلَهُ، أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الجَنّةُ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأبَيْتُ فَلِيَ النَّارُ". أخرجه مسلم في صحيحه (¬1). فصل [مواضع سجود القرآن] اختلف في سجود القرآن، فقال مالك في المدونة: سجود القرآن إحدى عشرة سجدة، أولهن المص، والرعد، والنحل، وبنو إسرائيل، ومريم، والحج أولها، والفرقان، وطس، والم تنزيل، وص، وحم تنزيل (¬2). وقال في الموطأ: عزائم القرآن إحدى عشرة سجدة، ليس منهن في المفصل شيء. يريد: هذه المتقدم ذكرها. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم: 1/ 87، في باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة، من كتاب الإيمان، برقم (81). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 199.

واختلف في الثلاث التي في المفصل، وهي: النجم، وإذا السماء انشقت، واقرأ باسم ربك، هل يمنع السجود فيها، أو يباح، أو يؤمر به؛ لأنها من العزائم؟ فقيل: لا يسجد فيها؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك السجود فيها، وقال أبو جعفر الأبهري: هو مخير إن شاء فعل وإن شاء ترك. ولمالك في "المبسوط" مثل ذلك، قيل له: أيسجد في: "والنجم"؟ قال: لا بأس. فأباح ولم يأمر. وذكر أبو محمد عبد الوهاب عن مالك أنه قال مرة: عزائم القرآن أربع عشرة سجدة، وأثبت الثلاث التي في المفصل وجعلها من العزائم. وقال ابن شعبان: عن علي بن أبي طالب (¬1) وابن مسعود (¬2) وابن عباس (¬3) - رضي الله عنهم -: العزائم أربعة: الم تنزيل، وحم تنزيل، والنجم، واقرأ باسم ربك، لأنه أمر بالسجود، والبقية وصف (¬4). ¬

_ (¬1) صحيح، أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط: 7/ 310، برقم (7588)، والحاكم في المستدرك: 2/ 577، في باب تفسير سورة اقرأ باسم ربك الذي خلق، من كتاب التفسير، برقم (3957)، والبيهقي في السنن الكبرى: 2/ 315، في باب سجدة النجم، من جماع أبواب سجود القرآن، برقم (3531)، وصححه الذهبي في التلخيص. (¬2) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى: 2/ 315، في باب سجدة النجم، من جماع أبواب سجود القرآن، برقم (3532). (¬3) لم أقف عليه من قول ابن عباس. وإنما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه: 1/ 377، في جميع سجود القرآن واختلافهم في ذلك، من كتاب الصلوات، برقم (4349) من حديث ابن عباس عن علي بن أبي طالب. (¬4) لعل مراد المؤلف: أن ما سوى هذه السور الأربع وصف لحال الساجدين فإنه تعالى قال في الأعراف: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ}، وقال تعالى في الرعد: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ}، وقال تعالى في النحل: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49)} =

وقال ابن وهب وابن حبيب: سجود القرآن خمس عشرة (¬1). وأثبتا ثانية الحج. وليس بحسن؛ لأن المفهوم والمراد بها الركوع والسجود في الصلاة. والقول بإثبات السجود في الثلاث التي في المفصل، وأنها من العزائم أحسن، لحديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}، وقد اجتمع عليه الموطأ والبخاري ومسلم (¬2)، وزاد مسلم عنه أنه قال في {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1]: "سَجَدْتُ بِهَا خَلْفَ أَبِي القَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلا أَزَالُ أَسْجُدُ بهَا حَتَّى أَلْقَاهُ" (¬3). ¬

_ = يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} وفي الحج قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}. غير أن هذا لا يطرد في سجدة آية الحج الثانية قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وهذه ليست بسجدة عند جمهور المالكية ولذا قال ابن الحاجب في الجامع بين الأمهات: 1/ 117: (وَرُوِيَ: أَرْبَعَ عَشْرَةَ دُونَ ثَانِيَةِ الحَجِّ) وقال الشيخ خليل في مختصره، صـ 38: (لا ثانية الحج)، فعلى هذا تخرج من كلام المؤلف، ويتبين مراده. انظر: الزاهي، لابن شعبان، لوحة رقم: [25 / أ]. (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 517، 518. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 265، في باب ما جاء في سجود القرآن، من كتاب القرآن، برقم (480)، ومسلم: 1/ 406، في باب سجود التلاوة، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم (578)، ومالك في الموطأ: 1/ 205، في باب ما جاء في سجود القرآن، من كتاب القرآن، برقم (480). (¬3) الذي وقفت عليه في صحيح مسلم وغيره أن ذلك في الانشقاق لا في العلق، انظر: صحيح مسلم الحاشية السابقة، وهي كذلك عند البخاري، انظر الحاشية السابقة. قلت: والسجود في العلق أخرجه النسائي: 2/ 162، في السجود في اقرأ باسم ربك من صفة الصلاة، برقم (967)، وأخرجه ابن خزيمة: 1/ 278، في باب السجود في {إِذَا السَّمَاءُ =

وثبت عنه أنه سجد في {وَالنَّجْمِ} بمكة (¬1)، ولم يأت عنه في حديث صحيح أنه سجد في سوى المفصل إلا في (ص). وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - في البخاري: ليست من العزائم (¬2). وفي النسائي: قال - صلى الله عليه وسلم -: "سَجَدَهَا دَاوُدُ تَوْبَةً، وَأَسْجُدُهَا شُكْرًا" (¬3). وإذا ثبت السجود في المفصل ولم يثبت نسخه لم يترك السجود فيها، وقد احتج من نفى السجود فيها بقولٍ يذكر عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: "لَمْ يَسْجُدِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِى شَىْءٍ مِنَ المُفَصَّلِ مُنْذُ تحَوَّلَ إِلَى المَدِينَةِ" (¬4). ولحديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: "قَرَأْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: {وَالنَّجْمِ} فَلَمْ يَسْجُدْ" (¬5). ¬

_ = انْشَقَّتْ}، و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}، من كتاب الصلاة، برقم (555). (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 364، في باب النجم، من أبواب سجود القرآن في صحيحه، برقم (1020)، ومسلم: 1/ 405، في باب سجود التلاوة، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم (576). (¬2) أخرجه البخاري: 1/ 363، في باب سجدة (ص)، من أبواب سجود القرآن في صحيحه، برقم (1019). (¬3) صحيح، أخرجه النسائي في المجتبى: 2/ 159، في باب سجود القرآن السجود في (ص)، من كتاب صفة الصلاة، برقم (957). (¬4) منكر، أخرجه أبو داود في سننه: 1/ 446، في باب من لم ير السجود في المفصل، من كتاب سجود القرآن، برقم (1403)، وضعفه، والحديث قال فيه ابن عبد البر في التمهيد: 19/ 20 (هذا عندي حديث منكر) وقال ابن حجر في الفتح: 2/ 555: (ضعفه أهل العلم بالحديث لضعف في بعض رواته واختلاف في إسناده)، وضعفه المناوي في فيض القدير: 4/ 440. (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 364، في باب من قرأ السجدة ولم يسجد، من أبواب سجود القرآن في صحيحه، برقم (1022)، ومسلم: 1/ 406، في باب سجود التلاوة، من =

والاعتراض بهذين غير صحيح، فأما ما ذكر عن ابن عباس - رضي الله عنه - فقد لا يثبت ذلك عنه؛ لأنه لم يشهد جميع إقامة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، وإنما كان قدومه سنة ثمان بعد الفتح. ويعترض بحديث أبي هريرة، وأنه سجد خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - حسبما تقدم، فكان الأخذ به أولى، لصحة سنده؛ ولأن من أثبت أولى ممن نفى؛ ولأن النسخ (¬1) لا يصح إلا بأمر لا يشك فيه، وأن يكون تاريخ الترك متأخرًا، ولأنه لو ثبت أنه متأخر لأمكن أن يكون ذلك في غير صلاة، أو في غير إبان صلاة، ولإمكان أن يكون اجتزأ بسجود الركعة؛ لأن السجود في المفصل في أواخر السور. وقد قال ابن حبيب في مثل هذا: إن القارئ بالخيار بين أن يسجد أو يركع ويسجد (¬2)، ويحتمل حديث زيد في ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - السجود؛ لأن زيدًا كان القارئ فلم يسجد زيد لأنه كان على غير طهارة أو في غير إبان صلاة؛ لأنه لم يقل: سجدت فلم يسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - معي؛ ولأن السجود ندب، وقد يترك مرة ليُعلم أنه ليس بحتم، وقد فعل ذلك عمر - رضي الله عنه - سجد مرة وترك مرة، وقال: إن الله تبارك وتعالى لم يكتبها علينا إلا أن نشاء (¬3). وقال ابن القاسم: كان مالك لا يوجبها، ويأخذ في ذلك بقول عمر - رضي الله عنه - (¬4). واختلف في موضع السجود في حم تنزيل، فقال مالك: {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ ¬

_ = كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم (577). (¬1) في (ر): (النصح). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 518. (¬3) أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 206، في باب ما جاء في سجود القرآن، من كتاب القرآن، برقم (484). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 200.

تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37] (¬1). وقال ابن عمر وابن وهب: {وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] (¬2) وهو أبين؛ لأن سجود القرآن يتضمن ثلاثة معان: مدح من سجد، وذم من عنَد، وأمرٌ بالسجود (¬3). ففي سورة الرعد والنحل والحج (¬4) مدحُ من سجد، فنُدبنا عند ذكرهم إلى المبادرة لامتثال ما امتثلوه، وفي سورة الفرقان (¬5) وغيرها ذم من عند فنُدبنا للسجود عند نفورهم، وأمرنا بالسجود في النجم (¬6) وغيرها، وقد تضمن أول هذه الآية أمرًا بالسجود وآخرها ذم (¬7) من عند، ومدح من امتثل وأطاع. فكان السجود عند ذكر من عند واستكبر أولى؛ لأن زيادة ذلك القدر من التلاوة لا يخرج عن حكم السجود على القول الأول، ويكون قد أتى بسجود مجمع عليه، وذلك أحوط. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 199. (¬2) ذكره ابن أبي زيد في النوادر والزيادات: 1/ 518، وعزاه إلى ابن عباس. (¬3) في (ر): (لم يسجد). (¬4) سجود الرعد في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ}، وسجود النحل في قوله تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} وسجود الحج: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18)}. (¬5) سجود الفرقان هو قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا}. (¬6) سجود النجم في قوله تعالى: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا}. (¬7) في (س): (ذكر).

فصل [أحوال المصلي القارئ لآية السجدة]

فصل [أحوال المصلي القارئ لآية السجدة] لا يخلو قارئ السجدة من ثلاث: أن يكون في نفل، أو فرض، أو في غير صلاة. فإن كان في نفل سجد. وإن كان في فرض في جماعة كره له إذا كان يخشى أن يخلط على من معه، وذلك في موضعين: في الجماعة الكثيرة في صلاة الجهر، وفي الجماعة القليلة في صلاة السر. فإن فعل وقرأ سورة فيها سجدة استحب له ألا يقرأ السجدة، فإن قرأها سجد، ويعلن قراءة السجدة في صلاة السر ليعلم من خلفه أنه لذلك سجد. وفي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي بِنَا الظُّهْرَ، وَيُسْمِعُنَا الآيَةَ أَحْيَانًا" (¬1). واختلف إذا كانت الجماعة قليلة والقراءة جهرًا، أو كان فذًّا، فظاهر قوله في الكتاب المنع (¬2). وأجاز مالك ذلك في العتبية للإمام (¬3). وعلى قوله هذا يجوز للفذ، وأجازه ابن حبيب للإمام والفذ، وهو أحسن، ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 364، في باب من قرأ السجدة ولم يسجد، من أبواب سجود القرآن في صحيحه، برقم (1022)، ومسلم: 1/ 406، في باب سجود التلاوة، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم (577). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 200، قال فيها: (وسألنا مالكا عن الإمام يقرأ السورة في صلاة الصبح فيها سجدة؟ فكره ذلك. وقال: أكره للإمام أن يتعمد سورة فيها سجدة فيقرأها لأنه يخلط على الناس صلاتهم، فإذا قرأ سورة فيها سجدة سجدها. قلت: وهذا قول مالك: قد كره للإمام هذا فكيف بالرجل وحده إذا أراد أن يقرأ سورة فيها سجدة ويسجد في المكتوبة أكان يكره ذلك له؟ فقال: لا أدري وأرى أن لا يقرأها وهو الذي رأيت مالكا يذهب إليه). (¬3) قال في العتبية: (قلت له: سمعتك تكره للإمام أن يقرأ بسورة فيها سجدة مخافة اختلاط ذلك على من وراءه، أرأيت إن كان من خلفه قليلًا لا يخاف أن يخلط عليهم؟ فقال: لا أرى بذلك بأسًا، وإن ناسًا ليفعلون ذلك). انظر: البيان والتحصيل: 1/ 476.

فصل [في أحوال القارئ لآية سجدة في غير الصلاة]

لحديث أبي هريرة قال في: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1]: "سَجَدْتُ بِهَا خَلْفَ أَبِي القَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -" (¬1)، والمعروف أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي الفرض بهم. وقال أيضًا: "كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ يَوْمَ الجُمُعَةِ فِي الصُّبْحِ بـ {الم (1) تَنْزِيلُ} و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} (¬2). وكان عبد العزيز بن مروان يصلي بالناس بمصر يوم الجمعة بـ {الم (1) تَنْزِيلُ}، وروي عن أبي بكر بن حزم أنه كان يؤم بها في الصبح يوم الجمعة. فصل [في أحوال القارئ لآية سجدة في غير الصلاة] والقارئ إذا كان في غير صلاة على ثلاثة أوجه: فإن كان على طهارة وهو في وقت صلاة سجد، وإن كان على غير طهارة أو على طهارة وبعد الإسفار أو الاصفرار لم يقرأها وتعداها. واختلف إذا لم يسفر ولم تصفر الشمس فقال مالك في المدونة: يسجد. وقال في الموطأ: لا يسجد لا بعد الصبح ولا بعد العصر. واحتج بالحديث في النهي عن الصلاة حينئذ (¬3). ¬

_ (¬1) سبق تخريج ذلك وبيان وجه الصواب فيه، ص: 425. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 303، في باب ما يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة، من كتاب الجمعة في صحيحه، برقم (851)، ومسلم: 2/ 599، في باب ما يقرأ في يوم الجمعة، من كتاب الجمعة، برقم (880). (¬3) انظر: الموطأ: 1/ 206، والمدونة: 1/ 199. والحديث الذي احتج به مالك - رضي الله عنه - قال فيه: (. . إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس)، وقد أخرجه البخاري: 1/ 212، في باب الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس، من كتاب مواقيت =

فصل [في من نسي السجود للتلاوة]

وقال مطرف وابن الماجشون عند ابن حبيب: يسجد بعد الصبح ولا يسجد بعد العصر (¬1). وهذا فرق حسن، ولو قيل: يسجد بعد الإسفار (¬2) لكان له وجه؛ لأنه وقت للفريضة مع الاختيار، والاصفرار وقت ضرورة. فصل [في من نسي السجود للتلاوة] ومن نسي أن يسجد للتلاوة وهو في صلاة نفل، فإن تجاوزها بالآية والآيتين سجد ولم يعد لقراءتها، وإن كان على غير ذلك أعاد قراءتها وسجد، وإن لم يذكر حتى ركع (¬3) ورفع قرأها في الثانية وسجد. واختلف إذا ذكر وهو راكع أو جالس أو بعد السلام، فقال مالك في العتبية: إذا ذكر وهو راكع يمضي على ركوعه ولا يسجد. وكذلك لو انحط يسجد فنسي فركع، فإنه يرفع للركوع وتجزئه الركعة (¬4)، وقال أشهب: ينحط للسجود، وإن كانت نيته في حال انحطاطه للركوع. وقال ابن القاسم: إذا كانت نيته للسجود فإنه يخر ساجدًا؛ لأن ركعته تلك لا تجزئ عنه ولو رفع منها (¬5). يريد بخلاف من كانت نيته من أول ¬

_ = الصلاة في صحيحه، برقم (559)، ومسلم: 1/ 566، في باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها، من كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم (825). (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 519. (¬2) الإسفار، يقال: أَسْفَرَ الصبح إِذا انكشف وأَضاء إِضاءة لا يشك فيه. انظر: لسان العرب: 4/ 367. وقال الجبي: تسفر: أي تضيء من أسفر وجهه إذا أضاء، وهو إذا همت الشمس بالطلوع. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 31. (¬3) في (ب): (أو). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 9. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 200.

الركوع، فإنه (¬1) يمضي لتمامها. والقول إنه إذا كانت نيته للركوع إنه يمضي لها أحسن (¬2)؛ لأنه تلبّس بفرض فلا يسقطه لنفل، ولم يختلفوا فيمن نسي الجلوس حتى تلبس بالفرض وهو القيام، أنه لا يرجع منه إلى الجلوس، والجلوس سنة مؤكدة تَفْسُدُ الصلاة بتعمد تركه في المشهور من المذهب، فناسي السجدة أولى. وأما إذا كانت نيته في الانحطاط للسجدة، فإن مالكًا ذهب إلى أن الفرض أن يخر راكعًا فتماديه عليه بنية الامتثال للركوع جازٍ عنه (¬3). وذهب ابن القاسم إلى أن الانحطاط للركوع فرض في نفسه، فلم يجز عنه الانحطاط بنية السجود لأنه لنفل، فلا يجزئ عن فرض (¬4). واختلف فيمن سلّم من ركعتين، فذكر وهو قائم هل يُحْرم ولا يجلس (¬5) أو يجلس ثم يقوم؟ ولم يختلف النص فيمن سبقه الإمام بركعة فظن أن الإمام سلم، وقام للقضاء وسلم الإمام وهو قائم - أنه لا يرجع إلى الجلوس، وقد كانت الحركة إلى القيام في حكم الإمام في موضع لا يحتسب بها (¬6)، فإن ذكر وهو جالس أو بعد السلام لم يكن عليه شيء عند ابن القاسم (¬7)، إلا أن يدخل في نفل آخر. ولأشهب في مدونته: أنه إن ذكر وهو جالس ولم يسلِّم أنه يسجد، ¬

_ (¬1) في (ر): (لأنه). (¬2) أي: يمضي على ركوعه. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 9. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 520. (¬5) قوله: (ولا يجلس) ساقط من (ز). (¬6) في (ر): (به). (¬7) انظر: المدونة 1/ 200.

فصل [فيمن سمع آية سجدة]

وإن ذكر بعد السلام سجد. وهو (¬1) أبين؛ لأن سجود التلاوة إنما كان في صلاة، وقضاؤه استحسان. فصل [فيمن سمع آية سجدة] وعلى من سمع السجدة أن يسجد، وذلك بخمسة شروط: أن يكون القارئ بالغًا، وعلى وضوء، ويسجد حينئذ، ولا يكون قراءته ليسمع الناس حُسْن قراءته، والسامع ممن قصد الاستماع، فهذه جملة متفق عليها (¬2). وإن كان القارئ ممن لا يؤتم به كالمرأة أو الرجل الفاسق أو على غير وضوء، أو (¬3) كان السامع ممن لم يقصد الاستماع، لم يكن عليه سجود. واختلف إذا كان القارئ صبيًّا، أو على (¬4) وضوء ولم يسجد القارئ، وكان قصد الاستماع لقراءته، فقال في المدونة: لا يسجد إذا كان صبيًّا (¬5). وإن كان رجلًا على طهارة (¬6) ولم يسجد، سجد المستمع، وكذلك إذا كانت قراءته ليسمع الناس وسجد (¬7). وأجاز في العتبية إمامة الصبي في النافلة (¬8)، فعلى هذا يسجد بسجوده. ¬

_ (¬1) في (ب): (والأول). قال في التوضيح: 2/ 120، نقلًا عما للمؤلف هنا: (ولو ذكر وهو جالس قبل أن يسلم أو بعد السلام سجد)، وهو يرجح ما أثبتناه. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 200. (¬3) في (ر): (وكان). (¬4) في (ر): (على غير). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 200. (¬6) قوله: (على طهارة) يقابله في (ر): (على غير وضوء). (¬7) انظر: المدونة: 1/ 201. (¬8) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 396.

وقال مطرف وابن الماجشون عند ابن حبيب: إذا لم يسجد القارئ لم يسجد المستمع (¬1). وهذا أقيس؛ لقوله: إن القارئ إمام. فإن كان صبيًّا أو امرأةً لم يسجد. والأول أحسن؛ لأن سجود التلاوة مما ندبا إليه جميعًا ليدخلا في جملة من أمر ومدح بامتثاله، أو ليخرجا من جملة من عند وعصى. وكذلك إذا كان القارئ صبيًّا أو امرأةً أو على غير وضوء، وهذا ما لم يكونا في صلاة، فلا يسجد المأموم إذا لم يسجد الإمام (¬2)، ولا يخالف لورود النهي ألا يختلف عليه. وأرى أن يسجد لسجود القارئ الفاسق (¬3)؛ لأن الظاهر أنهم في طاعة، والسرائر إلى الله سبحانه. واختلف في المعلم، فقيل: يسجد هو ومن يتعلم عليه أول مرة. وقيل: لا شيء عليه (¬4). والأول أبين؛ لأنهما في أول مرة على الأصل في الندب إلى السجود. وإذا كرر المتعلم ذلك العُشْر سقط حينئذ. وإن أتى آخر فقرأ تلك السجدة - سجدها المتعلم وحده، وإن قرأ غيرها سجدا جميعًا؛ لأن قارئ جميع القرآن إذا تهجد به أو قرأه نهارًا - سجد كلما مرت عليه سجدة. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 519. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 200. (¬3) في (ر): (بالناس). (¬4) في (ر): (عليه).

فصل [في التكبير والتسليم لسجود التلاوة، وفي سجدة الشكر]

فصل [في التكبير والتسليم لسجود التلاوة، وفي سجدة الشكر] ويكبر للسجود وللرفع منه إذا كان في صلاة، ويختلف إذا كان في غير صلاة، والتكبير أحسن، لحديث ابن عمر - رضي الله عنه - قال: "كَانَ رَسُولُ الله يَقْرَأُ عَلَيْنَا القُرْآنَ فَإِذَا مَرَّ بِسَجْدَةٍ كَبَّرَ وَسَجَدَ وَسَجَدْنَا مَعَهُ". ذكره أبوَ داود في مسنده (¬1). ولا يسلم منه. ولم ير مالك السجود عند القراءة {وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} [الحجر: 98]؛ لأنه يختص به - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان مثل قوله تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19]. واختلف في سجود الشكر فكرهه مالك (¬2) مرة (¬3). وذكر القاضي أبو الحسن ابن القصار أنه قال: لا بأس به. وبه أخذ ابن حبيب، وهو الصواب؛ لحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سجدة (ص): "سَجَدَهَا دَاوُدُ تَوْبَةً، وَأَسْجُدُهَا شُكْرًا" (¬4)، وحديث أبي بكرة قال: "أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمْرٌ ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود: 1/ 448، في باب في الرجل يسمع السجدة وهو راكب أو في غير الصلاة، من كتاب سجود القرآن، برقم (1413)، قال أبو داود عقبه: (قال عبد الرزاق وكان الثوري يعجبه هذا الحديث). (¬2) قوله: (مالك) زيادة من (ب). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 197. (¬4) سبق تخريجه، ص: 426.

سُرَّ بِهِ فَخَرَّ سَاجِدًا". ذكره الترمذي (¬1). وحديث كعب بن مالك لما بشر بتوبة الله سبحانه عليه خر ساجدا (¬2). أخرجه البخاري. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي: 4/ 141، في باب ما جاء في سجدة الشكر، من كتاب السير، رقم (1578)، وقال: هذا حديث حسن غريب. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 4/ 1603، في باب حديث كعب بن مالك وقول الله -عز وجل-: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا}، من كتاب المغازي في صحيحه، برقم (4156)، ومسلم: 4/ 2120، في باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، من كتاب التوبة، برقم (2769).

باب في الصلاة إلى سترة

باب في الصلاة إلى سترة ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه إذا كان في سفر أو خرج إلى العيدين ركزت له الحربة أو العَنزة فيصلي إليها (¬1)، وأنه كان يصلي إلى بعيره (¬2). ولا خلاف في ذلك إذا كان المصلي بحيث يخشى من يمر بين يديه. والإمام والفذ في ذلك سواء. واختلف إذا كان لا يخشى ذلك، فأجاز (¬3) في المدونة أن يصلي إلى غير سترة (¬4)، ومنعه في العتبية (¬5)، وهو أحسن، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي، فَلاَ يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلْيَدْرَأْهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنْ أَبى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 3/ 1304، في باب صفة النبي - صلى الله عليه وسلم -، من كتاب المناقب في صحيحه، برقم (3360)، ومسلم: 1/ 360، في باب سترة المصلي، من كتاب الصلاة، برقم (503). (¬2) أخرجه البخاري: 1/ 166، في باب الصلاة في مواضع الإبل، من أبواب المساجد في صحيحه، برقم (420). (¬3) في (ر): (فأجاز ذلك). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 202. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 473، والذي وقفت عليه من نص العتبية في كتاب الصلاة الثالث، من سماع أشهب، من كتاب الأقضية الثالث: (وسألته عن الصلاة فوق السطوح التي ليست بمحظورة، أيجعل بين يديه سترة أم يصلي ولا يجعلها؟ فقال: يجعل سترة أحب إلي، فإن لم يقدر فأراه واسعًا. وكذلك الصلاة في الصحارى إلى سترة، فإن لم يجد صلى إلى غير سترة. قلت له: ولا يجعل خطًّا؟ قال: لا يجعل خطًّا، وأرى ذلك واسعًا. قلت له: فأدنى الذي يستر المصلي في صلاته؟ فقال: مثل مؤخرة الرحل في الطول على غلظ الرمح في الغلظ. قيل له: فعصا الحمار؟ فقال: ما أرى ذلك).

شَيْطَانٌ" (¬1). وقال في كتاب مسلم: "فَإِنَّ مَعَهُ القَرِينَ" (¬2)، يريد: قرينه من الجن، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينٌ مِنَ الجِنِّ. قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: وَإِيَّايَ إِلاَّ أَنَّ اللهَ أَعَانَني عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ، فَلاَ يَأْمُرُنِي إِلاَّ بِخَيْرٍ" (¬3)، فكأن الشَيطان الذي معه يحمله على ذلك، وقال: "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَدْنُ مِنْ سُتْرَتِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَحُولُ بَيْنه وَبَيْنَهَا" (¬4). فأبان أنه إذا دنا لم يقدره الله -عز وجل- على الجواز، وقد أمر بتخمير الإناء من الشيطان أو يعرض عليه عودا، فإن ذلك يمنعه منه وإن كان مكشوفًا (¬5). قال: وإذا مر رجل بين يدي المصلي إلى سترة كان الإثم على المار، وإن كان إلى غير سترة، وليس للمار مندوحة في السير إلا بين يديه، وكان يشق عليه الصبر إلى أن يفرغ - كان الإثم على المصلي، إلا أن يكون الغالب أنه لا يمر ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 191، في باب يرد المصلي من مر بين يديه، من أبواب سترة المصلي في صحيحه، برقم (487)، ومسلم: 1/ 362، في باب منع المار بين يدي المصلي، من كتاب الصلاة، برقم (505). (¬2) أخرجه مسلم: 1/ 363، في باب منع المار بين يدي المصلي، من كتاب الصلاة، برقم (506). (¬3) أخرجه مسلم: 4/ 2167، في باب تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس وأن مع كل إنسان قرينًا، من كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، برقم (2814). (¬4) صحيح، أخرجه أبو داود في سننه: 1/ 242، في باب الدنو من السترة، من كتاب الصلاة، برقم (695)، والنسائي في المجتبى: 2/ 62، في باب الأمر بالدنو من السترة، من كتاب القبلة، برقم (748)، وابن حبان: 6/ 136، في باب ما يكره للمصلي وما لا يكره، من كتاب الصلاة في صحيحه، برقم (2373). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري: 3/ 1205، في باب خمس من الدواب فواسق يقتلن في الحرم، من كتاب بدء الخلق في صحيحه، برقم (3138)، ومسلم: 3/ 1594، في باب الأمر بتغطية الإناء وإيكاء السقاء وإغلاق الأبواب من كتاب الأشربة، برقم (2012)، ومالك في الموطأ: 2/ 928، في باب جامع ما جاء في الطعام والشراب، من كتاب صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - برقم (1659).

أحد بذلك الموضع - فلا إثم على واحد منهما، وإن كان للمار مندوحة عن المرور بين يديه كان الإثم على المار. والأصل في تعلق الإثم حديث أبي جهيم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ يَعْلَمُ المَارُّ بَيْنَ يَدَي المُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ، لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ" (¬1). واختلف في القدر الذي يكون بين يدي المصلي، فقيل: قدر شبر، لحديث سهل بن سعد قال: "كَانَ بينَ مُصَلَّى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَبيْنَ الجِدَارِ قَدْرُ مَمَرِّ الشَّاةِ" (¬2). وقدر ذلك شبر، وقد كان شيخنا أبو الطيب رحمة الله عليه ورضوانه. إذا قام إلى الصلاة دنا من الجدار ذلك القدر، لهذا الحديث، وإذا ركع تأخر، وقيل: قدر ذلك ثلاثة أذرع؛ لحديث بلال - رضي الله عنه -: "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى فِي الكَعْبَةِ وَجَعَلَ بَيْنَهُ وَبيْنَ الجِدَارِ ثَلاَثَةَ أَذْرُعٍ" (¬3). وإن ذلك يرجع إلى حديث سهل؛ لأنه إذا كان قيام المصلي من ثلاثة أذرع بقي بعد سجوده إلى الجدار نحو شبر. وقال الداودي (¬4): ذلك واسع، وأكثره ثلاثة أذرع، وأقله ممر شاة. ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 191، في باب إثم المار بين يدي المصلي، من أبواب سترة المصلى في صحيحه، برقم (488)، ومسلم: 1/ 363، في باب منع المار بين يدي المصلي، من كتاب الصلاة، برقم (261)، ومالك في الموطأ: 1/ 154، في باب التشديد في أن يمر أحد بين يدي المصلي، من كتاب قصر الصلاة في السفر، برقم (362). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 188، في باب قدر كم ينبغي أن يكون بين المصلي والسترة، من أبواب سترة المصلي في صحيحه: 1/ 188، برقم (474)، ومسلم: 1/ 364، في باب دنو المصلي من السترة، من كتاب الصلاة، برقم (508). (¬3) أخرجه البخاري: 2/ 580، في باب الصلاة في الكعبة، من كتاب الحج في صحيحه، برقم (1522). (¬4) هو: أبو جعفر، أحمد بن نصر الداودي، الأزدي، المتوفى سنة 402 هـ، أخذ عنه أبو عبد الله البوني، وعليه تفقه، وأبو بكر ابن أبي محمد بن أبي زيد القيرواني، وأبو علي بن الوفاء =

فصل [فيما يجوز اتخاذه سترة]

فصل [فيما يجوز اتخاذه سترة] السترة تجوز بكل طاهر لا يشغل المصلي، إذا كان يثبت حتى تنقضي الصلاة، وكان في الارتفاع شبرًا فأكثر، في غلظ الرمح. وكره مالك السوط، فإن فعل أجزأه. وإذا صلى إلى مثل الرمح أو الحربة فليجعله على جانبه الأيمن، للحديث: "إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى عَمُودٍ أَوْ خَشَبَةٍ، فَلاَ يجْعَلْه نُصْبَ عَيْنَيْهِ، وَلَكِنْ يَجْعَلُهُ عَلَى حَاجِبِهِ الأَيْمَنِ" (¬1)، وقال المقداد: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي إِلَى عَمُودٍ أَو عُودٍ أَو شَجَرَةٍ إِلاَّ جَعَلَهُ إلَى حَاجِبِهِ الأَيْمَنِ أَوْ الأَيْسَرِ، لاَ يَصْمُدُ إِلَيهِ صَمْدًا" (¬2). ¬

_ = وغيرهم، وكان من أئمة المالكية بالمغرب، بأطرابلس ثم تلمسان، وكان فقيهًا، فاضلًا، عالمًا، متيقظًا، مجُيدًا، مؤلفًا، له حظ في اللسان والجدل. وله تآليف منها: النامي في شرح الموطأ، أملاه بطرابلس، وشرح صحيح البخاري، والراعي في الفقه، وكتاب الأموال والإيضاح في الرد على البكرية، وكتاب الأصول، وكتاب البيان وغير ذلك. انظر ترجمته في: ترتيب المدارك، لعياض: 7/ 102، والديباج، لابن فرحون: 1/ 165، وشجرة النور، لمخلوف: 1/ 110، وتاريخ الإسلام، للذهبي: 28/ 56، والتعريف بالأعلام والمبهمات، لابن عبد السلام (بهامش الجامع بين الأمهات بتحقيقنا): 1/ 245، والفكر السامي، للحجوي: 2/ 121، والأعلام للزركلي: 1/ 264. (¬1) أخرجه ابن السكن في سننه بنحوه كما في نصب الراية للزيلعي: 2/ 48، قال: حدثنا سعيد ابن عبد العزيز الحلبي حدثنا أبو تقي هشام بن عبد الملك حدثنا بقية عن الوليد بن كامل حدثنا المهلب بن حجر البهراني عن ضبيعة بنت المقدام بن معدي كرب عن أبيها قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. الحديث. (¬2) ضعيف، أخرجه أبو داود في سننه: 1/ 241، في باب إذا صلى إلى سارية أو نحوها أين يجعلها منه؟، من كتاب الصلاة، برقم (693)، والبيهقي في السنن الكبرى: 2/ 271، في باب السنة في وقوف المصلي إذا صلى إلى أسطوانة أو سارية نحوها، من جماع أبواب ما يجوز =

ويكره أن يصلي إلى الحجر الواحد، ولا بأس بالحجارة يكومها (¬1) ويصلي إليها، ولا بأس أن يصلي إلى ظهر الرجل إذا رضي أن يثبت له حتى تنقضي صلاته. ولا يصلي إلى وجهه ولا إلى جنبه؛ لأن ذلك مما يشغله. واختُلِفَ في الصلاة إلى الحَلْقة، فأجيزتْ؛ لأن الذي يليه ظهر أحدهم، وكرهتْ؛ لأن وجه الآخر يقابله. ويُختلف على هذا في الصلاة إلى سترة رمح أو عَنَزَة إذا كان وراء السترة رجل جالس يستقبل المصلِّي بوجهه. ولا يصلي بلى النائم، وليس بحسن؛ لأنه لا يأمن أن يحدث منه مما تنزه الصلاة عنه، وفي مسند ابن سنجر قال ابن عباس: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أُصَلِّيَ إِلَى النَّائِمِ وَالمتَحَدِّثِينَ" (¬2). ولا إلى ظهر امرأة، امرأته كانت أو أجنبية. ولا بأس بالصلاة إلى الطائفين من غير سترة؛ لأنهم في معنى من هو في صلاة. ويجوز أن يصلي إلى البعير؛ لحديث ابن عمر "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَعْرِضُ رَاحِلتَهُ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا، فَإِنْ ذَهَبَت أَخَذَ الرَّحْلَ فَعَدَّلَهُ وَصَلَّى إِلَيْهِ" (¬3). قال مالك في العتبية: ولا يصلي إلى الخيل والحمير؛ لأن أبوالها نجسة، ¬

_ = من العمل في الصلاة، برقم (3285). (¬1) في (ر): (يكدسها). (¬2) ذكره بدر الدين العيني في عمدة القاري: 4/ 297، وعزاه للبزار في مسنده. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 190، في باب الصلاة إلى الراحلة والبعير والشجر والرحل، من أبواب سترة المصلي في صحيحه، برقم (485)، ومسلم: 1/ 359، في باب سترة المصلى، من كتاب الصلاة، برقم (502).

فصل [في السترة للمأموم]

وأبوال الإبل والبقر والغنم طاهرة (¬1)، قال ابن القاسم: كأنه لا يرى بأسًا بالسترة إلى البقرة والشاة (¬2). فصل [في السترة للمأموم] ومن صلى مأمومًا فليس عليه أن يصلي إلى سترة، وذلك على إمامه، فإن صلى الإمام إلى غير سترة لم يُؤتم به. وقال مالك: لا بأس أن يمر الرجل بين يدي الصفوف (¬3). واختلف في توجيه ذلك، فقال مالك: لأن الإمام سترة لهم (¬4). وقال أبو محمد عبد الوهاب: لأن سترة الإمام سترة له ولمن خلفه؛ لأن المار يعلم أنه في صلاة فيمتنع من المرور بين يديه؛ ولأنه لا يقع ذلك بين الإمام والصف (¬5)، وإنما يقع بين المصلي إلى الفضاء (¬6)، وقال البخاري: سترة الإمام سترة من خلفه (¬7). وهذا مثل ما قاله أبو محمد عبد الوهاب. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 377. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 377. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 202. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 202. (¬5) في (ب): (والصفوف). (¬6) في (ب): (بين المصلي والفضاء)، وانظر: المعونة: 1/ 156. (¬7) انظر: صحيح البخاري: 1/ 183.

باب في الجمع ليلة المطر

باب في الجمع ليلة المطر اخْتَلَفَ قول مالك في الجمع بين المغرب والعشاء إذا كان المطر، فأجاز ذلك مرةً، وأن تقدم العشاء فتصلى قبل مغيب الشفق جماعة (¬1). فقدم فضل الجماعة على فضيلة الوقت. ومنع ذلك في "مختصر ما ليس في المختصر" وقال: لا يجمع بالمدينة إلا في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأما مساجدها فلا. وأرى أن الأصل إيقاع الصلوات في مواقيتها، ولا يستعمل خلاف ذلك إلا فيما جاء فيه العمل، وهو مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الصلاة فيه بألف صلاة فيما سواه، ولا يقاس عليه سائر المساجد؛ لأنها دونه في الفضل. ويستخف فعل (¬2) ذلك في المسجد الحرام، للاختلاف في قدر المساواة بينهما في الفضل. وإذا منع الجمع فإنه يجوز لمن عاد إلى بيته أن يصلي العشاء في بيته ويترك فضل الجماعة للضرورة في الرجوع، وذلك إذا حدث المطر والناس في بيوتهم قبل أن يأتوا لصلاة المغرب، وأنه يجوز لهم ألا يأتوا، ويتركوا الجماعة، وكذلك شدة الريح وشدة البرد، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أنَّه إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ،- وفي حديث آخر: لَيْلَةٌ ذَاتُ بَرْدٍ وَرِيحٍ - يَأْمُرُ المُؤَذِّنَ يَقُول: أَلاَ صَلُّوا فِي الرَحَالِ" (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 203. (¬2) في (س): (قدر). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 227، في باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة، من كتاب الأذان في صحيحه، برقم (606)، ومسلم: 1/ 484، في باب الصلاة في الرحال في المطر، من كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم (697)، ومالك في الموطأ: 1/ 73، في باب النداء في السفر وعلى غير وضوء، من كتاب الصلاة، برقم (157).

فصل [في الجمع بين الصلوات]

فصل [في الجمع بين الصلوات] الجمع يجوز بين المغرب والعشاء إذا كان المطر، أو طين وظلمة وإن لم يكن مطر. وفي العتبية قيل لمالك: وربما تجلى المطر وبقي الطين أَيَجْمَعُونَ؟ قال: نعم (¬1). وظاهر هذا إجازة الجمع إذا كان الطين، وإن لم تكن ظلمة، وقال أيضًا: إذا كان الطين والوحل الكثير أرجو أن له سَعَة أن يصلي في بيته. وعلى هذا يجوز إذا كان في المسجد أن يجمع إذا كان الوحل. واختلف في وقت الجمع، وفي الأذان للثانية، وفي التنفل بين الصلاتين. فأما وقت الجمع فقال في الكتاب: إذا كان مطر، أو طين وظلمة يؤخرون المغرب شيئًا قليلًا ثم يصلونها ثم يصلون العشاء وينصرف الناس وعليهم إسفار قليل (¬2). وقال عنه محمد بن عبد الحكم: يجمع أول وقت المغرب. وقال أشهب في مدونته: إذا كان المطر تؤخر المغرب إلى عند غيبوبة الشفق ثم يجمع (¬3). وقال مالك في مختصر ابن عبد الحكم: تؤخر المغرب، ثم تصلى، ثم يؤذن للعشاء ويصلون حتى يغيب الشفق أو معه، ثم يصلي، ولا يتنفل بينهما (¬4). وأجاز ابن حبيب التنفل بينهما، وقال: الذي رأيت أهل العلم يستحبون: أن يؤذن للمغرب في وقتها ثم تؤخر قليلًا ثم يصلونها، فإذا فرغوا ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 422. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 203. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 266. (¬4) انظر: المختصر الصغير بشرح البرقي، لوحة رقم: [16 / ب].

أذن للعشاء في صحن المسجد أذانًا ليس بالعالي، فيتنفل من أحب (¬1). وقوله في المدونة: في العشاء يصلونها وعليهم إسفار قليل (¬2) أحسن؛ لأن تقديمها قبل ذلك لم تدع إليه ضرورة، وتأخيرها عن الإسفار تأخير عن وقت الضرورة، ويؤدي إلى الانصراف في الظلمة، وأما في المغرب فَهُم بالخيار بين أن يصلوها إذا غابت الشمس؛ لأنه الوقت الأفضل ولم تدعُ ضرورة إلى تأخيرها عنه، أو يؤخرونها لتجمع مع العشاء. ومحمل قول مالك أنها تؤخر عن الوقت الذي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصليها فيه، وفي الصحيحين (¬3) عن رافع بن خديج قال: "كُنَّا نَنْصَرِفُ مِنَ الصَّلاَةِ، وَإِنَّ أَحَدَنَا لَيَرَى مَوَاقِعَ نَبْلِهِ" (¬4) فأما اليوم فالشأن تأخيرها، فمن جمع اليوم في الوقت المعتاد أجزأه من التأخير. واختلف فيمن صلى المغرب في بيته ثم أتى المسجد وقد صلوا المغرب أيضًا، فقال ابن القاسم: يجمع معهم (¬5). وقال مالك في المختصر: لا يجمع (¬6). والأول أحسن؛ لأن الوجه أن تقدم الصلاة لأجل فضيلة الجماعة على فضيلة الوقت. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 265. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 203. (¬3) في (ب): (في الصحيح). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 205، في باب وقت المغرب من كتاب مواقيت الصلاة في صحيحه، برقم (534)، ومسلم: 1/ 441، في باب بيان أن أول وقت المغرب عند غروب الشمس، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم (637). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 204. والنوادر والزيادات: 1/ 266. (¬6) انظر: المختصر الصغير بشرح البرقي، لابن عبد الحكم، لوحة رقم: [17 / ب].

ولا يجمع بين الظهر والعصر إذا كان المطر؛ لأن الناس حينئذ ينصرفون إلى أشغالهم في أمر دنياهم بخلاف الليل، فكان سعيهم لصلاتهم أولى. وهذا فيمن أراد أن يقدم العصر إلى الظهر، فأما إذا كان الجمع أن تصلى الظهر في آخر وقتها والعصر في أول وقتها فلا بأس؛ لأن ذلك يجوز من غير مطر. وهو قول عبد الملك في كتاب محمد. وعلى هذا يحمل حديث ابن عباس قال: "صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الظُّهْرَ وَالعَصْرَ جَمِيعًا، وَالمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ جَمِيعًا فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلاَ سَفَرٍ" (¬1). وقال في كتاب مسلم: "وَلاَ مَطَرٍ" (¬2). أنه أخر الأولى إلى آخر وقتها وعجل الآخرة. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم: 1/ 489، في باب الجمع بين الصلاتين في الحضر، من كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم (49/ 705)، ومالك: 1/ 144، في باب الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر، من كتاب قصر الصلاة في السفر، برقم (330). (¬2) أخرجه مسلم: 1/ 490، في باب الجمع بين الصلاتين في الحضر، من كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم (54/ 705).

باب في جمع المريض

باب في جمع المريض اختلف في الوقت الذي يجمع فيه المريض، فقال مالك في المدونة: إن خاف أن يغلب على عقله - جمع عند الزوال وعند الغروب. وإن كان لطرح المشقة فيما يتكلفه من الحركة جمع في النهار وسط وقت الظهر، وفي الليل عند مغيب الشفق. وفي كتاب ابن حبيب: إذا لم يخف على عقله، وكان الجمع أرفق به لشدة النهوض والوضوء لكل صلاة - فليجمع في آخر وقت هذه وأول وقت هذه، وبمقدار إذا سلم من المغرب غاب الشفق. ووافق ذلك إذا خاف أن يغلب على عقله أن يجمع إذا زالت الشمس وإذا غربت. وجعل مالك في مختصر ابن عبد الحكم ذلك قسمًا واحدًا إذا خاف أن يغلب على عقله أو يشق عليه الوضوء. قال: فلا بأس أن يجمع: يؤخر الظهر إلى العصر والمغرب إلى العشاء (¬1). وفي مختصر ما ليس في المختصر: يجمع أول وقت الظهر وأول وقت المغرب قسما واحدًا أيضا، وقال عيسى إذا جمع أول الوقت؛ لأنه خاف أن يُغلب على عقله فلم يذهب عقله أعاد الأخيرة. وأرى لمن خاف على عقله الخيار بين أن يجمع إذا زالت الشمس؛ لأن له إيقاع الظهر أول الوقت، وله أن يُعجِّل العصر، وله أن يؤخرها فإن سَلِم صلاها، وإلا فلا شيء عليه. ولا يجب تعجيل العصر وإن علم أنه يُغلب على ¬

_ (¬1) انظر: مختصر ابن عبد الحكم بشرح البرقي، لابن عبد الحكم، لوحة رقم: [16 / ب].

عقله، وله أن يؤخر الظهر إلى آخر القامة؛ لأن تعجيل الصلاة أول الوقت ليس بواجب، ويعجل العصر حينئذ إن شاء وإن شاء أخرها ما لم تصفر الشمس. ولو أخرها بعد الاصفرار وهو يعلم أنه وقت نوبة إغمائه حتى تغيب الشمس لم يكن عليه قضاء.

باب في جمع المسافر

باب في جمع المسافر جمع المسافر يصح في الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء، ولا يجمع بين العصر والمغرب، ولا بين العشاء والصبح. والجمع يجوز على ثلاثة أوجه، ويمنع في أربعة: أحدها: أن يقدم العصر فيصليها إذا زالت الشمس مع الظهر، ويقدم العشاء فيصليها إذا غربت الشمس مع المغرب. والثاني: أن يؤخر الظهر فيجمع بينهما آخر وقت العصر، ويؤخر المغرب فيجمع بينهما آخر وقت العشاء. والثالث: أن يصلي كل واحدة في وقتها، فيصلي الظهر والمغرب في آخر وقتهما، والعصر والعشاء في أول وقتهما. وإن زالت الشمس وهو في المنهل ويعلم أنه إذا رحل كان نزوله بعد الغروب أو غربت وهو في المنهل ونزوله إذا رحل بعد طلوع الفجر - جمع في أول وقت الأولى. وإن كان نزوله قبل الاصفرار وقبل ذهاب ثلث الليل - لم يجمع وصلى الأولى ورحل وأخر الآخرة حتى ينزل. وإن زالت الشمس أو غربت وهو على ظهر وكان نزوله قبل الاصفرار أو (¬1) قبل ذهاب ثلث الليل - أخّر الأولى وجمع في آخر وقت الآخرة (¬2) إذا نزل. وإن كان نزوله بعد الغروب أو بعد طلوع الفجر - جمع وصلى الأولى في آخر وقتها، والآخرة في أول وقتها؛ لأنه إنما يتكلف نزولًا واحدًا، وهو قادر على أن يوقع الصلاتين في الوقت المختار، ولا حاجة به إلى ¬

_ (¬1) في (ر): (وقبل). (¬2) في (ر): (الثانية).

فصل [فيما يبيح الجمع]

أن يجعل نزوله أول الوقت ولا آخر الوقت. وإن زالت الشمس وهو في المنهل، وكان نزوله بعد الاصفرار وقبل الغروب - جاز ألا يجمع، ويصلي الظهر وحدها، ويؤخر العصر حتى ينزل، وصلاتها حينئذ أخف من تقديمها عند الزوال؛ لأن ذلك يخصها، ولا يتعلق على المصلي حينئذ إثم (¬1)؛ لأن ذلك للضرورة. ومثله إذا زالت الشمس وهو على ظهر، وكان نزوله بعد الاصفرار وقبل الغروب - فإنه يجوز له أن يؤخر ليجمع إذا نزل. وإلى هذا ذهب ابن مسلمة قال: أحسن ما يجمع فيه أن من خرج وأجمع السير يومه كله إلى الغروب - جمع إن شاء، وكذلك جمع أهل عرفة حين راحوا، قال: ولا نرى إلا أن وقتها للضرورة من الزوال إلى الغروب. فجعل له أن يؤخر ما بينه وبين الغروب. فصل [فيما يبيح الجمع] واختلف في الوجه الذي يبيح الجمع، فقال مالك: لا يجمع إلا أن يَجِد به السير، ويخاف فوات أمر (¬2). وسوى في ذلك بين الجمع عند الزوال، أو الظهر في آخر الوقت والعصر في أول الوقت، وقال ابن حبيب: يجوز ذلك إذا أراد قطع السفر (¬3)، وقال أشهب في كتابه: يجوز ذلك اختيارًا. وللحاضر من غير سفر أن يؤخر الظهر فيصليها في آخر وقتها، والعصر في أول وقتها. ¬

_ (¬1) في (ر): (ذم). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 205. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 265.

قال: وذلك أن يصلي (¬1) الظهر وقد صار ظل كل شئ مثله. ويبتدئ صلاتها إذا كان الفئ قامة. وإذا صلاها أقام وصلى العصر أو يصلي (¬2) المغرب وقد غاب الشفق (¬3)، وإذا صلاها أقام الصلاة وصلى العشاء. وقال مالك عند ابن شعبان: يكره الجمع في السفر للرجال، ويرخص فيه للنساء. وقال أيضًا: إذا ارتحل المسافرون عند الزوال فلا يجمعون. يريد: إن كان نزولهم قبل الغروب فلا يجمعون (¬4). وقول أشهب إنه يجوز الجمع إذا كان يصلي هذه في آخر وقتها والعصر في أول وقتها اختيارًا للمسافر والمقيم - حسن. ولا خلاف أن تأخير الظهر إلى آخر وقتها اختيارًا جائز، ولا يجوز تقدمة العصر أول وقت الظهر، ولا تأخير الظهر فيصلى قبل الاصفرار إلا لضرورة. وإذا كان ذلك فلا يجوز (¬5) إلا للضرورة، مثل أن يخاف على نفسه إذا نزل أو يتكلف مشقة في لحوقه بأصحابه. وإن كان وحده أو معه النفر اليسير ينزلون لنزوله - فلا يباح ذلك له. ويختلف إذا كان يخف عليه اللحوق بهم إلا أنه يصلي فذًّا، وإن صلى قبل أن يرحل صلى جماعة؛ قياسًا على الجمع ليلًا لأجل المطر، فقدم مالك مرة فضيلة الجماعة على فضيلة الوقت، ومنعه مرة. وكذلك تأخير الظهر ليصليها مع العصر في الاصفرار- لا يجوز إلا للضرورة أن يخاف أن يتأخر عن أصحابه، أو يكون وحده ويخاف ذهاب دابته. وقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك ¬

_ (¬1) في (ر): (يقضي). (¬2) في (ر): (يقضي). (¬3) زاد في (ر): (أو يبتدىء صلاتها حينئذ إذا غاب الشفق). (¬4) قوله: (فلا يجمعون) زيادة من (ر). (¬5) في (ر): (فلا يجمع).

ثلاثة أحاديث: أحدها: حديث أنس قال: "كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا ارْتحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى آخِرِ وَقْتِ العَصْرِ، ثُمَّ نَزَلً فَجَمَعَ، وَإِنْ زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ". أخرجه البخاري ومسلم (¬1). وزاد مسلم عن أنس قال: "كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا عَجِلَ بِهِ السَّيْرُ، أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى أَوَّلِ وَقْتِ العَصْرِ فَيَجْمَعُ، وُيؤَخِّرُ الَمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبيْنَ العِشَاءِ حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ" (¬2). والثاني: حديث معاذ قال: "كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوةِ تَبُوك إِذَا ارْتحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَجْمَعَهَا إِلَى العَصْرِ، وَإِذَا ارْتحَلَ بَعْدَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ صَلَّى الظُّهْرَ وَالعَصْرَ جَمِيعًا، وَإِذَا ارْتحَلَ قَبْلَ المَغْرِبِ أَخَّرَ المَغْرِبَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ العِشَاءِ، وَإِذَا ارْتحَلَ بَعْدَ المَغْرِبِ عَجَّلَ العِشَاءَ فَصَلاَّهَا مَعَ المَغْرِبِ" (¬3). والثالث: صلاته - صلى الله عليه وسلم - بعرفة والمزدلفة: قدمَ العصر حين زالت الشمس؛ ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 374، في باب يؤخر الظهر إلى العصر إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس، من أبواب تقصير الصلاة في صحيحه، برقم (1060)، ومسلم: 1/ 489، في باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر، من كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم (46/ 704). (¬2) أخرجه مسلم: 1/ 489، في باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر، من كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم (48/ 704). (¬3) أخرجه مسلم: 1/ 489، في باب الجمع بين الصلاتين في الحضر، من كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم (49/ 705)، ومالك في الموطأ: 1/ 144، في باب الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر، من كتاب قصر الصلاة في السفر، برقم (330).

لأنهم يركبون في الوقوف ولا يدفعون حتى تغرب الشمس، وأخر المغرب؛ لأن الوقت يدخل عليهم وهم ركبان فلا ينزلون إلا بالمزدلفة. ومحمل الحديث أنه كان إذا زالت الشمس قبل أن يرحلوا - صلى الظهر خاصة على ما يكون نزوله منه قبل الاصفرار، ومحمل الحديث في الجمع على ما كان يعلم أن نزوله يكون بعد غروب الشمس، وكذلك في الليل يُحمل ما روي عنه أنه كان يجمع إذا غربت الشمس، وهو في المنهل على ما يعلم أنه ينزل بعد طلوع الفجر، ولو كان نزوله قبل ذهاب نصف الليل- صلى المغرب وحدها. ويصح أن يحمل الحديث في صلاة الظهر وحدها فيما يكون نزوله بعد الاصفرار وقبل الغروب، وقد جمع الصلاتين بعرفة حين زالت الشمس؛ لأنهم يتلبسون بأمر لا ينقضي إلا لغروب الشمس، وأخر المغرب بالمزدلفة؛ لأن الشمس تغرب وهم ركبان ويصلون قبل ذهاب نصف الليل.

باب في قصر المسافر الصلاة

باب في قصر المسافر الصلاة ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - كانوا يقصرون (¬1) الصلاة في السفر مع الأمن، وأتم عثمان صلاته في بعض (¬2) خلافته بمنى خاصة. واختلف في القصر في قوله سبحانه: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101] الآية، هل هو قصر عدد أو قصر هيئة؟ فذهب عمر ويعلى بن أمية وغيرهما (¬3) إلى أن ذلك قصر عدد، وأخرج مسلم عن يعلى بن أمية "أنه قال لعمر: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ}.فَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ؟! فَقَالَ عُمَرُ: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: "صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بِهَا عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتهُ" (¬4). وذكر الطبري عن علي - رضي الله عنه - أنه قال: نزلت {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} ثم بعد حولٍ نزلت {إِنْ خِفْتُمْ}، وحكي عن عائشة - رضي الله عنها - أنها كانت تقول في السفر: أتموا صلاتكم، فقالوا: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي ركعتين، فقالت: إنه كان خوف، فهل تخافون أنتم؟ (¬5). قال: وقال ابن جريج: قلت لعطاء: أي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يتم ¬

_ (¬1) في: (س): (يصلون). (¬2) قوله: (صلاته في بعض) ساقط من (ر). (¬3) في (ر): (وغيرهم). (¬4) أخرجه مسلم: 1/ 478، في باب صلاة المسافرين وقصرها، من كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم (686). (¬5) أخرجه الطبري في تفسيره: 4/ 244.

فصل [فيما يقصر من الصلوات وحكم القصر]

في السفر (¬1) فقال: عائشة وسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنهما - (¬2). وذكر الطحاوي في شرح معاني الأخبار (¬3): عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "قَصَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي السَّفَرِ وَأَتَمَّ" (¬4). وعن المسور وعبد الرحمن بن عبد يغوث وحذيفة أنهم كانوا يتمون (¬5). فصل [فيما يقصر من الصلوات وحكم القصر] تُقصر من الصلوات ثلاثٌ: الظهر، والعصر، والعشاء. واختلف في حكم القصر، فقال مالك في المبسوط: القصر سنة (¬6). وذكر أبو جعفر الأبهري عن الشيخ أبي بكر الأبهري أنه مخير بين القصر والإتمام. وقال إسماعيل القاضي وابن سحنون: إنه فرض؛ لحديث عائشة - رضي الله عنها -: "فُرِضَتِ الصَّلاَةُ رَكْعَتينِ رَكْعَتيْنِ فَزِيدَ فِي صَلاةِ الحضَرِ، وَأُقِرَّتْ صلاَةُ السَّفَرِ عَلَى الفَرِيضَةِ الأُولَى" (¬7). ¬

_ (¬1) في (ر): (السفر الصلاة). (¬2) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/ 424، برقم (2280). (¬3) كذا في جميع النسخ والمشهور "شرح معاني الآثار". (¬4) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/ 415، برقم (2217). (¬5) انظر: شرح معاني الآثار: 1/ 420. (¬6) انظر: المعونة: 1/ 133. (¬7) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 137، في باب كيف فرضت الصلوات في الإسراء، من كتاب الصلاة في صحيحه، برقم (343)، ومسلم: 1/ 478، في باب صلاة المسافرين وقصرها، من كتاب صلاة المسافرين وقصره، برقم (685)، ومالك في الموطأ: 1/ 146، في باب قصر الصلاة في السفر، من كتاب قصر الصلاة في السفر، برقم (335).

والتخيير أبين، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ" (¬1). وهذا يقتضي كونه توسعة ورخصة وتخفيفًا. قال الشيخ -رحمه الله-: وليس هذا لفظ الإيجاب، وهو كقوله: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}. أن التأخير ليس بواجب، وله أن يقدمه. وإذا ثبت التخيير - صح أن يقال: إن القصر سنة، بمعنى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل من الأمرين القصر. ويُحمل حديث عائشة - رضي الله عنها -: "أُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ" (¬2) أي: جعل له أن يأتي بها ركعتين، ولم يوجب أكثر، وبين ذلك أنها كانت أتمت في السفر. ولا يُعترض هذا بأنها أمُّ المؤمنين؛ لأنه لا يختلف أن المرأة لو سافرت إلى أولادها وهم خمسة وبينها وبين كل واحد منهم عشرة أميال، وهي تريد أقصاهم - ما وجب عليها الإتمام، وإِن وطنَ أولادِها ليس بوطن لها، وأن الأم وغيرها في ذلك سواء. فعلى القول إنه مخير إن أتم لم يُعِدْ، وعلى القول إنه سنة - يعيد ما دام في الوقت. وعلى هذا قول مالك وأصحابه لا إعادة إذا ذهب الوقت (¬3). واختلف في صلاة المسافر خلف المقيم بعد القول إنه سنة، أيُّ ذلك أفضل: القصر أو الجماعة إتمامًا؟ لأن الجماعة أيضًا سنةٌ، ويضاعف فيها الأجر بسبعة وعشرين (¬4) جزءًا، وكان ابن عمر يقدم فضل الجماعة، وإذا قدم مكة ¬

_ (¬1) سبق تخريجه، ص: 454. (¬2) سبق تخريجه، ص: 455. (¬3) قال في النوادر: (قَالَ ابْنُ المَواز: ولولا أن مالكًا وأصحابه لم يختلفوا أن مَنْ أتم في السفر إِنمَا يُعِيدُ في الوَقْتِ، لاسْتَحْبَبْتُ أن يُعِيدَ أبدًا. قال غيره: ولم يَرَ مالكٌ الإعادة أبدًا؛ لقوة اختلاف الصحابة في ذلك). انظر: النوادر والزيادات: 1/ 432، وما بعدها. (¬4) قوله: (بسبعة وعشرين) في (س): (سبعة وعشرون)

صلى مأمومًا. وهو الظاهر من قول مالك. وقال في مختصر ما ليس في المختصر: لا بأس بصلاة السفري (¬1) خلف المقيم لِفَضْلِهِ وَسِنهِ (¬2) وَفَهْمِهِ. وقال في ثمانية أبي زيد: لا يُصلي خلف المقيم وإن كان في مسجد، فإن فعل أعاد في الوقت، إلا أن يكون بمسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ومكة والبصرة والكوفة والأمصار الكبار. وقال مطرف: إنما كان مالك يكره للمسافر أن يدخل في صلاة المقيم، فإن فعل فلا إعادة عليه، فقدم مرة فضل الجماعة، ومنع ذلك في القول الآخر إلا أن تعظم الجماعة، وهذا مثل ما ذكر ابن حبيب أن فضل الجماعة يختلف، وأنه كلما كثرت الجماعة كان أعظم أجرًا. ويلزم على قوله: إن الفرض ركعتان - أن يقول: يعيد وإن ذهب الوقت. وإن صلى خلف حضري نوى ركعتين، فإذا صلى الإمام ركعتين سلم هو أو يجلس ولا يتبعه حتى يسلم بسلامه. وقال أشهب في كتاب ابن سحنون في رجلين ذكرا صلاة واحدة من يوم واحد، إلا أن إحداهما سفرية والأخرى حضرية فأمّ الحضريُّ، قال: إذا صلى ركعتين ثبت السفري حتى يتم الحضري فيسلم بسلامه. وقال أيضًا: يتم معه أربعًا، وقال سحنون بالقولين جميعًا. وفي التفريع في مسافر يأتم بحضري أنه يتم معه أربعًا، ثم يعيد في الوقت وبعده (¬3). وهذا جواب من ترجح عنده الخلاف، فأمره أن يتم مراعاة للقول إنه ليس بفرض، ويعيد وإن ذهب الوقت على القول الآخر. ¬

_ (¬1) في (ر): (السفر). (¬2) في (ر): (وسنته). (¬3) انظر: التفريع: 1/ 66.

فصل [في محل النية في صلاة السفر]

فصل [في محل النية في صلاة السفر] الخيار يصح قبل الدخول في الصلاة، فيلتزم قبل أن يتلبس به لأحد الأمرين. ويصح أن يدخل على أنه بالخيار بين أن يتمادى إلى أربع أو يقتصر على ركعتين. واختلف إذا دخل ينوي ركعتين فأتم أربعًا، أو نوى أربعًا فسلم من ركعتين، فقيل: الصلاة جائزة ويعيد ما لم يذهب الوقت. وهذا استحسان. وقيل: يعيد وإن ذهب الوقت. وقال في المدونة فيمن أحرم ينوي أربعًا ثم سلم من ركعتين: لا تجزئه؛ لأن صلاته على أول نيته (¬1). قال محمد: وهو الذي ثبت عليه ابن القاسم. يريد: أنه اختلف قوله، وثبت على أنها لا تجزئه. وقال مالك في مسافر صلى بمسافرين فقام بعد ركعتين فسبحوا به فلم يرجع، قال: أرى أن يقعدوا ويتشهدوا ولا يتبعوه (¬2). قال محمد: ولمالك قول آخر: إنهم يصلون معه ويعيدون. قال: والقول الذي رجع إليه أنهم يسلمون وينصرفون، وهو قول مالك في المختصر (¬3)، فجعل لهم في أحد الأقوال أن يتبعوه في الأربع، وإن كانت نيته ونيتهم ركعتين، ولولا ذلك لم يسبحوا به. وقيل لمحمد: إذا أتم المسافر بمن خلفه ساهيًا، ولعله إنما أراد ركعتين، ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 208، 209. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 209. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 434.

قال: ذلك سواء (¬1). وإليه رجع ابن القاسم أن العمد والسهو في ذلك واحد (¬2)؛ لأن الزيادة في صلاة السفر قد اختلف الناس فيها، فقيل: لا تجزئه إلا أربع. قال: ولذلك قال مالك إذا أتمها وخرج الوقت لا إعادة عليه (¬3). واختُلف في مثل ذلك في الصوم إذا تلبس بصوم يوم من رمضان في السفر، فقال مالك: لا يفطره (¬4). وقال مطرف في كتاب ابن حبيب: هو بالخيار وله أن يفطر (¬5)، واحتج بفطر النبي - صلى الله عليه وسلم - بِالكَدِيدِ (¬6). والصواب في الصوم المنع؛ لأنه تلبس بطاعة فلا يبطلها، وقد كان إفطار النبي - صلى الله عليه وسلم - لعذر: أصاب الناس عطش وأبوا أن يفطروا حتى رأوه أفطر، وليس كذلك الصلاة؛ لأنه يعمل إحدى الطاعتين التي يصح الاقتصار عليها، وهي ركعتان أو أربع، فإن نوى أربعًا كانت نيته قد اشتملت على فرض وهما الركعتان الأوليَانِ، وما هو في معنى التطوع، وهما الركعتان الأخريان، فإن سلم من ركعتين أجزأه ولم يلزمه الوفاء بما نواه من الزائد؛ لأنه لم يتلبس به، وإن دخل في الثالثة لزمه تمام الأربع؛ لأنه حينئذ نية وفعل، فإن سلم قبل تمام الأربع أفسد صلاته. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 436. (¬2) في (ر): (سواء). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 208. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 273. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 21. (¬6) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 686، في باب إذا صام أيامًا من رمضان ثم سافر، من كتاب الصوم، برقم (1842)، ومسلم: 2/ 784، في باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان، من كتاب الصيام، برقم (1113)، ومالك في الموطأ: 1/ 294، في باب ما جاء في الصيام في السفر، من كتاب الصيام، برقم (650).

ولا يخلو المسافر في صلاته أربعًا من أن تكون تلك نيته حين دخوله في الصلاة، وهو من أهل الاجتهاد وذلك رأيه، أو يكون (¬1) يجهل ويظن أن صلاة السفر والحضر سواء، أو عالمًا بالقصر ونسي حين الدخول في الصلاة، وجرى على العادة في الحضر فنوى أربعًا، أو ناسيًا أنه في سفر، أو نوى ركعتين ثم أتم أربعًا ساهيًا يظن أنه في الركعتين ثم علم بالزيادة، أو ساهيًا أنه في سفر، أو عامدًا يرى جواز ذلك وأن له أن ينتقل إلى الأربع: فإن كانت تلك نيته من الأول (¬2) لأربع؛ لأنه من أهل الاجتهاد أو مقلد وقلد (¬3) من ذلك رأيه - مضت صلاته ولا يؤمر بإعادة، وليس لنا أن ننقل المجتهد عن اجتهاده إلى اجتهاد ثان، ولا المقلد إلى تقليد غير من قلده. فإن فعل ذلك جهلًا يرى أن صلاة المسافر والحاضر سواء - مضت صلاته على قول من قال إنه بالخيار، وأعاد على القول إنه سنة في الوقت، وعلى القول إنه فرض وإن ذهب الوقت. وإن كان بالبلد فقهاء ثلاثة كل واحد منهم متمسك بقول منها ويرى غير رأي صاحبه وكلهم أهل للفتوى - جاز لهذا العامي أن يقلد أيهم أحب. وإن كان عالمًا واحدًا وترجحت عنده الأقوال جرت على قولين: أحدهما: أن للمفتي أن يحيله (¬4) على أيهما أحب. والثاني: أنه في ذلك كالناقل، وإنما يخبره بالقائلين، وهو يقلد أيهم أحب؛ بمنزلة لو كان القائلون أحياء. وقد مضى في كتاب الوضوء إذا أحرم للجمعة ¬

_ (¬1) قوله: (يكون) زيادة من (ب). (¬2) في (ر): (في الأولى). (¬3) في (ب): (قلد)، وفي (ر): (أو قلد). (¬4) في (ر): (أن يحمله).

فصل [في أنواع السفر]

ثم رَعَفَ وفاتته الجمعة: هل يبني على إحرامه أربعًا وإن كان الإحرام لركعتين؟ وفي كتاب الصلاة الأول: إذا أحرم وهو يظنه يوم الجمعة فكان يوم الخميس، أو يوم الخميس فكان يوم الجمعة. فصل [في أنواع السفر] السفر خمسة، واجب: وهو السفر لحجّة الفريضة أو للعمرة على القول أنها فرض، وللجهاد إذا تعين النفير. ومندوب إليه: وهو ما يتعلق به طاعة وقربة لله سبحانه ليست بواجبة أو لبر الوالدين أو لصلة رحم أو لتنفيس كربة عن مسلم. ومباح: وهو السفر للتجارة إلا أن يكون ليعود به على من به خصاصة فيكون مندوبًا إليه. والقصر يصح في هذه الأسفار الثلاثة. ومكروه: وهو السفر للصيد واللهو. وممنوع: وهو السفر في معصية، كالخارج للتلصص أو لقطع طريق أو لقتل رجل ظلمًا. واختلف في القصر في هذين: هل يجوز أو يمنع؟ وأرى أن يجوز في الصيد، ويمنع في سفر المعصية، وكذلك الإفطار؛ قال الله سبحانه: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]. فمن خرج في معصية لا يراد به اليسر إنما حكمه المنع من ذلك السفر جملة.

فصل في مدة السفر الذي تقصر فيه الصلاة

فصل في مدة السفر الذي تقصر فيه الصلاة واختلف في مدة السفر الذي تُقصر فيه الصلاة، وفي الموضع الذي يبتدأ منه القصر إذا خرج، أو يبقى فيه على القصر إذا رجع، وفي المدة التي إذا أقامها بموضع ينقطع بها حكم السفر، وفيمن أخذ في السفر ثم رجع لحاجة أو لغي ها قبل مُضيِّ مدة تقصر فيها الصلاة - هل يبقى على حكم السفر؟ فأما مدة السفر فقال مالك مرة: يومان. وقال: يوم وليلة. وهو راجع إلى قوله: يومان؛ لأن السفر ليلًا ونهارًا أشد من (¬1) سفر نهارين بغير ليل. ثم ترك ذلك، وقال: يقصر في ثمانية وأربعن ميلًا (¬2)، وهو قول ابن عباس. فإذا حمل قوله في اليومين للسفر بالإبل والتجارة وأصحاب الأحمال كان موافقًا للأول؛ لأن السفر المتوسط منهم في يومهم أربعة وعشرون ميلًا. وقال في العتبية فيمن خرج إلى ضيعة على خمسة وأربعين ميلًا: يقصر (¬3) وقال في المبسوط: يقصر في أربعين ميلًا، وقال ابن القاسم في العتبية: إن قصر في ستة وثلاثين ميلًا فلا إعادة عليه (¬4). وقال يحيى بن عمر (¬5): يعيد أبدًا. وقال عبد الله بن عبد الحكم: يعيد في ¬

_ (¬1) في (س): (مثل). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 207. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 429. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 190. (¬5) هو: أبو زكريا، يحيى بن عمر بن يوسف بن عامر الكناني، الأندلسي، الأموي، المتوفى سنة 289 هـ، نشأ بقرطبة وسمع بها من ابن حبيب، ومن سحنون بإفريقية، وبمصر من ابن بكير، وسكن القيروان، واستوطن سوسة في آخر عمره، له مصنفات عديدة منها كتاب =

الوقت، وإن قصر في دون ذلك أعاد وإن ذهب الوقت؛ لأنه غير مسافر؛ لأنه لم يختلف فيه (¬1). يريد: لم يختلف المذهب، وقد اختلف الناس فيه. وثبت عن ابن عمر أنه كان يقصر في ثلاثين ميلًا. وقال مالك في المبسوط في مسافر البحر: لا يقصر حتى ينوي اليوم التام؛ لأن الأميال والبُرُدَ لا تعرف في البحر. وفي السليمانية في النصراني يقدم من مصر يريد القيروان فأسلم بقَلَشَانة - أنه يتم. قال: لأن الباقي من سفره لا يقصر فيه، وإنما وجب عليه الفرض من قلشانة. وعلى قوله لا يقصر من احتلم من الصبيان أو حاض من النساء إلا أن يكون الباقي من سفرهما ما تقصر فيه الصلاة؛ لأن صلاة الصبي إن كان يصلي قبل ذلك تطوع، وفي المرأة تسافر وهي حائض ثم تطهر في بقية سفرها ولم يبق منه ما تقصر في مثله الصلاة - نظر. ولو كان مجنونًا فأفاق لنظر الباقي من سفره هل يقصر في مثله أم لا؟ ¬

_ = "الرد على الشافعي" وكتاب "اختصار المستخرجة" المسمى بالمنتخبة، وكتاب الرؤية. وكتاب "الوسوسة"، وكتاب "أحمية الحصون" وكتاب "فضل الوضوء والصلاة". وكتاب النساء. وكتاب الرد على الشكوكية. وكتاب الرد على المرجئة. انظر ترجمته في: ترتيب المدارك، لعياض: 4/ 357، والديباج، لابن فرحون: 2/ 354، وطبقات الفقهاء للشيرازي، ص: 163، وعلماء إفريقية للخشني، ص: 184، وتاريخ ابن الفرضي: 2/ 181، وجذوة المقتبس، للحميدي، ص: 354، وبغية الملتمس، للضبي: 505، ومعالم الإيمان، للدباغ: 2/ 233، وسير أعلام النبلاء، للذهبي: 13/ 462. (¬1) انظر: النوادر والزيادات، لابن أبي زيد: 1/ 423.

فصل المراعى في السفر السير

فصل المراعى في السفر السير والمراعى في السفر السير، ولا يضاف إليه الرجوع، فمن خرج لسفر أربعة وعشرين ميلًا ثم يعود من فوره - لم يقصر. وقال مالك في الرجل يدور في القرى وليس بين منزله وبين أقصاها أربعة برد أنه لا يقصر (¬1). يريد: أنه لا يحسب من ذلك ما كان في معنى الرجوع. وإن خرج يمينًا ثم أمامًا ثم شمالًا ثم يعطف راجعًا حتى يدخل البلد الذي خرج منه فإنه يحسب ما كان يمينًا وأمامًا وشمالًا ما لم يستدر فيصير وجهه -في تصرفه ذلك الذي كان يدور فيه- إلى البلد الذي خرج منه؛ لأنه كالراجع فلا يحتسب مع ما تقدم إذا كانت نيته الرجوع إلى البلد الذي خرج منه، إلا أن يكون فيما خرج به لبيعه، ويطوف به على تلك الأماكن مما يشك هل ينقضي بيعه فيه قبل أن يسير ما تقصر بمثله الصلاة، فإنه يتم؛ لأن الأصل الإتمام، فلا ينتقل إلى القصر بالشك في غاية سفره. والشك على ثمانية أوجه: أولها: أن يشك هل يسافر أم لا؟ كالذي يبرز للسفر، فإن أدركه صاحبه سافر، وإلا لم يسافر، أو يكون طريقه على صاحب له لا يسافر إلا بسفره. والثاني: أن يكون عازمًا على السفر، ولا يدري متى يفصل من المكان الذي يبرز إليه (¬2). والثالث: أن يكون الشك في مدة السفر، كالذي يخرج لطلب آبق أو ضالة لا يدري يقرب وجود ذلك أم لا، أو خرج يطوف القرى بما يبيعه، ولا يدري ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 207. (¬2) في (ر): (منه).

يقرب البيع والرجوع أم لا. والرابع: أن يصح سفره ويشك هل يرتفع حكم سفره؟ كالذي يتقدم له سفر يقصر فيه (¬1) ثم يقدم بلدًا لِبَيع ما معه ولا يدري أيقيم أربعة أيام أم لا؟ والخامس: أن يخرج عن بلده أميالًا ثم يذكر حاجة فيبعث (¬2) رسوله ليأتيه بها. والسادس: أن يرجع بنفسه. والسابع: أن يكون سفره في البحر فترده الريح. والثامن: أن يرده الغاصب. فإن برز ليدركه صاحبه وكان لا يسير إلا بسيره وهو على شك هل يدركه أم لا - أتم. وإن كان على وعد وثقة من لحوقه قبل أربعة أيام - قصر، وإن كان على شك هل يلحقه قبل أربعة أيام أم لا - أتم. وقال مالك في سماع أشهب في الذين يكترون من مصر إلى الحج، ويبرزون على بريد ويحبس الناس هناك اليوم واليومين، قال: أحب إلي أن يتموا؛ لأنهم لا يدرون متى يسار بهم (¬3). فهؤلاء عازمون على السفر، إلا أنهم لم يسيروا منه ما تقصر فيه الصلاة، وأمرهم في فصولهم بيد غيرهم، فكانوا على الأصل وهو الإتمام. وإن خرج لطلب آبق أو ضالة فإنه يتم؛ لأنه لا يدري هل يقرب وجوده ¬

_ (¬1) في (س): (الصلاة). (¬2) في (ر): (ويبعث). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 421، وعزاه لابن نافع في المجموعة.

أم لا، قال مالك: ولو سافر أيامًا فإنه يتم فإذا رجع قصر (¬1). واستحسن إذا سافر مدة تقصر في مثلها ثم أخذ في التمادي في الطلب - أن يقصر حينئذٍ، بخلاف من كانت نيته لسفر قريب ثم زاد عليه؛ لأن هذا كان شاكًّا في مبتدأ سفره فتبين بعد ذلك أنه بعيد، فيعمل في التمادي على ما تبيّن. وإذا قدم من بلد بعيد وكان يقصر الصلاة ليبيع تجارة معه، وهو على شك في مدة إقامته في البلد الذي قدمه والتصرف فيما معه هل ذلك أربعة أيام أو أكثر أو أقل فإنه يتم؛ لأن غاية سفره قد بلغه وانقضى، والرجوع إحداث سفر ثان. قال مالك في المبسوط: إلا أن تكون حاجتهم عند من يعلم أنه سيفرغ منها في يومين أو ثلاثة فليقصر، فإن شك أتم. وفي كتاب محمد فيمن سافر فلما بلغ أقل من أربعة بردٍ وجّه رفيقًا كان معه إلى المنزل الذي خرج منه إلا أن هذا لا خروج له للوجه الذي أراد، حتى يرجع إليه رسوله، قال: لا يزال مقصرًا. ورأى أنه لما (¬2) كان باقيًا بنفسه أنه على حكم السفر، وإن شك في مقامه إلى أن يعود رسوله هل يقيم أربعة أيام أم لا؟ واختلف إذا رجع بنفسه ففي كتاب محمد أنه في رجوعه على حكم السفر - يقصر حتى يدخل البلد، فإذا دخله وكان له بها أهل أتم، وإن لم يكن له بها أهل قصر. وإن كان قبل سفره يتم بها فإنه لا يتم الآن؛ لأنه خرج رافضًا لذلك المقام لما لم تكن نيته الرجوع إليه (¬3). قال محمد: وقد اخْتَلَفَ في هذا الأصل قول مالك. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 207. (¬2) في (ب): (لو). (¬3) قوله: (إليه) زائد من (ب).

وقال ابن القاسم في المجموعة: يتم في رجوعه. ورأى أن حكم السفر قد سقط لما أخذ في الرجوع فيتم في رجوعه، وفي البلد الذي يعود إليه إذا كان قبل خروجه يتم به. واختلف فيمن خرج مسافرًا في البحر فسافر أيامًا ثم ردته الريح، قال مالك: يتم الصلاة (¬1). يريد: في رجوعه، وفي البلد الذي أقلع منه وإن لم يكن وطنه إذا كان يتم فيه؛ لأنه لم يصح رفضه. وقال سحنون: يقصر إذا لم يكن له مسكنًا. يريد: لما لم يكن رجوعه باختيار من نفسه فكان كالمكره على الرجوع. والقول الأول أبين؛ لأنه في شك من أول سفره إذا كان سفره بالريح، فكان الحكم فيه بمنزلة ما تقدم ذكره (¬2) فيمن لا يسير إلا بسير صاحبه، ولو رده غاصب لكان على القصر في رجوعه وفي إقامته إلا أنه لا يقصر ثانية إلا أن ينوي إقامة أربعة أيام (¬3). وقال مالك فيمن دخل مكة فأقام بها بضع عشرة ليلة، ثم بدا له فخرج (¬4) ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 210. (¬2) قوله: (ذكره) ساقط من (ب). (¬3) قوله: (إلا أنه لا يقصر ثانية إلا أن ينوي إقامة أربعة أيام) في هامش (س): (إلا أنه لا يتم إلا بعد أربعة أيام) وأشار لكونها في نسخة، ولم نستبن العبارة، وقد نقلها الشيخ خليل في توضيحه: 2/ 30، فقال: (ولو رده غاصب لكان على القصر في رجوعه وفي إقامته إلا أن ينوي إقامة أربعة أيام) وكذا نقلها الحطاب في مواهب الجليل: 2/ 502، والخرشي: 2/ 60 في شرحه على المختصر. قلت: فعلى هذا يصح ما في هامش (س)؛ لأن قوله: (إلا أنه لا يقصر ثانية) غير مستقيم مع تاليه وسقطت من نقل الشيخ خليل وتالييه. (¬4) في (ر): (أن يخرج).

فصل في مبتدأ القصر

إلى الجُحْفَة ليعتمر منها ثم يقيم بمكة اليوم واليومين ثم يخرج أنه يتم بمكة؛ لأنها كانت له وطنًا (¬1). وقال أيضا: يقصر بها (¬2). وهو أبين؛ لأنه قد سافر إلى مدة يقصر في مثلها الصلاة، فصار بذلك رافضًا للمقام الأول. ولو خرج من مكة ليعتمر من التنعيم ثم يخرج من فوره لأتم في خروجه إلى العمرة وفي رجوعه وفي مكة إذا رجع؛ لأن هذه كانت نيته لما خرج: العودة إلى مكة؛ فلم يصح رفض مقامه الأول لما كان خروجه إلى الأميال اليسيرة، يفارق بذلك من كان خروجه على ألا يعود ثم حدثت نيته في العودة. فصل في مبتدأ القصر وأما مبتدأ القصر فقال مالك مرة: إذا برز عن بيوت القرية قصر، وإذا رجع قصر حتى يدخل البيوت أو قربها (¬3). وقال أيضًا: إذا كانت قرية يجمع أهلها فلا يقصر حتى يجاوزها بثلاثة أميال، وإذا رجع قصر إلى حد ذلك. وإن كانت لا يجمع أهلها قصر إذا جاوز بساتينها عن يمين وشمال، وليس ذلك عليه في مزارعها. وقال ابن حبيب: إذا جاوز البيوت وانقطع منها انقطاعًا بينًا قصر، كانت مما يجمع أهلها أو لا يجمع. وقال في مختصر ما ليس في المختصر في مسافر البحر: يقصر إذا توارى عن البيوت. وقال أيضا: إذا خلفها. وهو قول محمد. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 207. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 207. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 206.

فصل في الإقامة التي ترفع حكم السفر

فصل في الإقامة التي ترفع حكم السفر واختلف في الإقامة التي ترفع حكم السفر: فقال محمد: ذلك أن ينوي ما يقيم فيه عشرين صلاة. وقال ابن القاسم في العتبية: أربعة أيام، ولا يحتسب باليوم الذي يدخل فيه (¬1). وهو أحسن؛ للحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدم مكة فبات بذي طوى ثم دخل صبح رابعة من ذي الحجة، ثم خرج يوم التروية، وهو اليوم الثامن، بعد أن صلى الصبح، ولم يزل يقصر حتى خرج (¬2). وذلك إحدى وعشرون صلاة سوى صلاته بذي طوى. وقد تنازع الناس في هذه المسألة، فقال ربيعة: إذا نوى إقامة يوم وليلة أتم الصلاة. وروي عن علي وابن عباس عشرة أيام (¬3). وقال الأوزاعي: اثنا عشر يومًا. وروي عن عمر خمسة عشر يومًا. واختلف عن ابن عمر فروي عنه أنه قال مثل ذلك، وروي عنه اثنا عشر يومًا مثل قول الأوزاعي. واختلف فيه عن ابن عباس أيضًا، فقال في البخاري: "أقامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - تِسْعَةَ عَشَرَ يَقْصُرُ، فَنَحْنُ إِذَا سَافَرْنَا تِسْعَةَ عَشَرَ نَقْصُرُ، وَإِنْ زِدْنَا أَتْمَمْنَا" (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 27. (¬2) أخرجه مسلم: 2/ 886، في باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - من كتاب الحج، برقم (1218). (¬3) انظر: سنن الترمذي: 2/ 431، في قولي علي - رضي الله عنه -، ولم أقف على قول ابن عباس الذي ذكره المؤلف، وفي الترمذي: (قال ابن عباس فنحن إذا أقمنا ما بيننا وبين تسع عشرة صلينا ركعتين وإن زدنا على ذلك أتممنا الصلاة، وروي عن علي أنه قال من أقام عشرة أيام أتم الصلاة). (¬4) أخرجه البخاري: 1/ 367، في باب ما جاء في التقصير وكم يقيم حتى يقصر، من أبواب تقصير الصلاة في صحيحه، برقم (1030).

وقال أنس: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ المَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتيْنِ رَكْعَتيْنِ حَتَّى رَجَعَ. قِيلَ لَهُ: أَقَمتُمْ بِمَكَّةَ شَيْئًا؟ قَالَ: أَقَمْنَا بِهَا عَشْرًا". أخرجه البخاري. واختلف إذا نوى الإقامة وهو في الصلاة بعد أن صلى منها ركعة، فقال مالك: يجعلها نافلة ثم يبتدئ صلاة مقيم (¬1). وقال ابن القاسم في العتبية: وإن كان إمامًا قدم غيره، وخرج وابتدأ هو الصلاة معهم (¬2)، وقال عيسى: يبتدئ هو وَهُم الصلاةَ. وقال ابن الماجشون عند ابن حبيب: إذا عقد (¬3) ركعة أضاف إليها أخرى وأجزأته عن صلاته فذًّا كان أو إمامًا، وإن لم يعقد (¬4) ركعة وكان فذًّا - أتم على إحرامه أربعًا، وإن كان إمامًا يستخلف. يريد: ويتم على إحرامه أربعًا. وأرى أن يتم ما هو عليه ركعتين وإن كان كما أحرم وتجزئه، وإنما يخاطب بالأربع في صلاة أخرى، وهو في هذه بمنزلة من دخل بالتيمم ثم طرأ عليه الماء. واختلف في الناعس والغافل في أول ركعة، هل الإحرام ركن يبني عليه؟ وقال مالك فيمن أراد مكة من مصر يسير يومًا ويقيم يومًا: أنه يقصر في جميع سفره وإقامته حتى يأتي مكة (¬5). وكذلك الجواب إذا كان يسير يومًا ويقيم ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 431. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 45. (¬3) في (س) و (ش 2): (قيد). (¬4) في (س): (يقيد). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 207.

يومين، أو يسير يومًا ويقيم ثلاثة - يقصر في سفره وإقامته. وإن كان يقيم أربعة أيام - أتم في إقامته، ثم ينظر في سفره فيما بينه وبين ذلك، فإن كان فيه ما تقصر فيه الصلاة - يقصر. واختلف إذا كان فيما بين ذلك ما لا تقصر فيه الصلاة هل يتم الصلاة؛ لأن أيام الإقامة فاصلة بين السفرين، أو يقصر؛ لما كانت نيته من الأول يسير جميع ذلك؟ والأول أقيس. وقال مالك في المجموعة فيمن خرج إلى ضيعتين له بينه وبين الأولى ثلاثون ميلًا، وبين الأولى والثانية مثل ذلك، وينوي إقامة عشرة أيام لا يدري كم يقيم في كل ضيعة - إنه يقصر حتى يجمع على إقامة أربعة أيام في الأولى (¬1). فأمره بالقصر؛ لأن نيته سفرٌ جملته ستون ميلًا، وهو شاكّ في الفصل فيه، والشك لا يرفع حكم السفر. وقال محمد بن مسلمة، فيمن قدم مكة ينوي المقام بها، وهو يريد الحج، وليس بينه وبين الخروج إلى منى إلا أقل من أربعة أيام: إنه يقصر حينئذ حتى يرجع إلى مكة بعد حجه؛ لأنه إنما قدم مجتازًا يريد المقام بعد الرجعة. وقال مالك في مختصر ما ليس في المختصر: يتم الصلاة بمكة قبل الخروج. والقول الأول أبين، ولا تضم إقامته الأولى إلى ما بعدها كما لا يضم السفر الأول إلى ما بعده إذا كان بينهما إقامة أربعة أيام. وقول مالك في هذا موافق للقول في تلك المسألة في تلفيق السفرين. وقال مالك في المجموعة في الرعاة يتبعون الكلأ بماشيتهم: يتمون (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 424. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 426.

وكذلك إذا خرج أهل الجيش بمحشرهم: يتمون الصلاة. يريد: أهل الخيل يركبونها للرعي، والخيل المحشرة (¬1) يترك ركوبها وتخرج للرعي، فأمرهم بالإتمام؛ لأن الشأن في مثلهم أنهم يسيرون الأميال اليسيرة ثم ينزلون بالموضع يقيمون به الأيام ثم ينتقلون إلى غيره، فأما من كان يسير الأميال الكثيرة العشرين والثلاثين ثم ينزل فيقيم دون الأربع فهو يقصر في سيره وإقامته، وإن كان يقيم أربعة أيام فأكثر أتم في إقامته، ويختلف في قصره في سيره. ¬

_ (¬1) في (ب): (المجشورة).

باب في انتقال نية المسافر

باب في انتقال نية المسافر وقال مالك فيمن خرج مسافرًا فمر في طريقه على رجل فواعده أن يسافر معه وبينهما ما لا تقصر فيه الصلاة، فإن كان لا يسير إلا بسيره لم يقصر حتى يجاوز بيوت صاحبه، وإن كان عازمًا على السفر، وإن لم يسر من واعده - قصر إذا جاوز بيوت قريته. وقال ابن القاسم فيمن تقدم قومًا للخروج إلى موضع تقصر فيه الصلاة، ينتظرهم في الطريق حتى يلحقونه: إنه إن كان عازمًا على السفر وإن لم يسر من ينتظره - قصر إذا جاوز بيوت قريته، وإن كان لا يبرح إلا بهم أتم حتى يلحقونه (¬1). قال الشيخ -رحمه الله-: فإن عزم بعد ذلك على السير وإن لم يلحقوه - قصر إذا بقي من سفره ما تقصر في مثله الصلاة، ومثله إذا كان طريقه على من واعده، وكان لا يسير إلا بسيره ثم عزم على السفر، وإن لم يسر صاحبه فإنه يقصر إذا بقي من سفره ما يقصر في مثله. وإن خرج وهو عازم على السفر وكان يقصر، فلما صار ببعض الطريق عزم ألا يسير إلا بسيره - رجع إلى الإتمام إذا لم يكن بين الموضع الذي خرج منه وبين صاحبه ما يقصر فيه. ومثله إذا خرج من بلد ومن نيته أن يمر ببلده ويدخل على أهله، ثم عزم على ألا يدخل، وإن كانت نيته ألا يدخل ثم عزم على أن يدخل إليهم - أتم إذا لم يكن بين الموضع الذي خرج منه وبين أهله ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 206.

فصل ومن خرج لسفر ولم يكن صلى الظهر والعصر وقد بقي للغروب ثلاث ركعات صلاهما سفريتين

ما يقصر في مثله، وإن كانت نيته أن يدخل ثم رجع إلى ألا يدخل - قصر إذا كان الباقي من سفره ما يقصر فيه. واختلف في صلاته في ذلك المنهل الذي نوى التمادي به، فقيل: يتم حتى يرتحل (¬1) منه؛ لأنه كان في حكم المقيم. وقال ابن حبيب: يقصر؛ لأنه رفض الإقامة. وليس هو عنده بمنزلة من نوى السفر من وطنه. ويختلف على هذا لو قدم بلدًا لتجارة ومن نيته أن يقيم به أربعة أيام، فلما كان بعد يوم أو يومين عزم على السفر، فعلى قول ابن حبيب يقصر وإن لم يخرج؛ لأنه لم يكن وطنه. وإن كانت نيته أن يخرج إليه أهله ثم يتمادى على سفره، فإن كان خروجهم إلى موضع لا يجب على من به أن يأتي الجمعة - بقي على القصر، ويختلف إذا كان على دون ذلك. فصل ومن خرج لسفر ولم يكن صلى الظهر والعصر وقد بقي للغروب ثلاث ركعات صلاهما سفريتين ومن خرج لسفر ولم يكن صلى الظهر ولا العصر وقد بقي لغروب الشمس مقدار ثلاث ركعات - صلاهما سفريتين، فإن بقي مقدار ركعة أو ركعتين صلى الظهر حضرية؛ لأنه سافر بعدما خرج وقتها، والعصر سفرية؛ لأنه خرج (¬2) في وقتها. ويختلف هل يبتدئ بالظهر، وإن كان فيها قاضيًا؟ أو بالعصر؛ لأنه فيها مؤد؟ وإن قدم من سفره وقد بقي للغروب خمس ركعات صلاهما ¬

_ (¬1) في (س): (يدخل). (¬2) قوله: (خرج) زيادة من (ر).

حضريتين، وإن كان مقدار ركعة إلى أربع صلى الظهر سفرية والعصر حضرية، إلا أن ها هنا يبتدئ بالظهر؛ إذا بقي للغروب أربع ركعات، أو ثلاث؛ لأنه إذا بدأ بالظهر وهي ركعتان بقي وقت العصر ركعة أو ركعتان، فإن كان الذي بقي للغروب مقدار ركعة أو ركعتين جرت على القولين هل يبتدئ بالظهر أو بالعصر؟ واختلف إذا خرج لمقدار ركعتين وقد صلى العصر ونسي الظهر، هل يصلي الظهر سفرية أو حضرية؟ وأن يصليها حضرية أحسن، ولا مشاركة للظهر مع العصر حينئذ. واختلف أيضًا في مشاركة العصر للظهر عند الزوال، فقيل: إذا زالت الشمس اختص ذلك الوقت بالظهر، فمن صلى العصر حينئذ قبل الظهر كان بمنزلة من صلى الظهر قبل الزوال: يعيد وإن ذهب الوقت، وقيل ذلك وقت مشترك لهما، والإعادة ما كان في الوقت. والقول الأول أصوب؛ فالزوال يختص بالظهر أربع ركعات للمقيم، وركعتان للمسافر، وكذلك آخر النهار يختص بالعصر أربع ركعات للمقيم، وركعتان للمسافر؛ لأن الزوال وقتٌ للظهر بإجماع، وجاءت السنة بمشاركة العصر في السفر وما أشبه ذلك أن يصلي بعد الظهر، فاتبع ذلك على ما جاءت به السنة والآثار. ولم يأت في حديث ولا غيره أن العصر صليت قبل الظهر، وكذلك عند الغروب جاءت السنة أن آخر الوقت للعصر؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ". . .مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَة مِنَ العَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ العَصْرَ" (¬1). وقاس العلماء مشاركة الظهر لها فيما قبل ذلك قياسًا على مشاركة العصر للظهر، ولم تأت سنة ولا إجماع بأن آخر ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 211، في باب من أدرك من الصبح ركعة، من كتاب مواقيت الصلاة في صحيحه: 1/ 211، برقم (554)، ومسلم: 1/ 424، في باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم (608)، ومالك في =

فصل من ذكر صلاة حضرية في سفر صلاها صلاة حضر

قبل ذلك قياسًا على مشاركة العصر للظهر، ولم تأت سنة ولا إجماع بأن آخر الوقت يكون وقتًا للظهر، فوجب أن يبقى للعصر خاصة. وإن خرج مسافرٌ في آخر الليل ولم يكن صلى المغرب ولا العشاء، أو قدم من سفر في آخر الليل ولم يكن صلاهما - فإن المعتبر مقدار ركعة لطلوع الفجر لا غير ذلك، فإن بقي لمن خَرَجَ مقدار ركعة - صلى العشاء سفرية، وإن قدم لمقدار ركعة صلاها حضرية؛ لأن المغرب لا يتغير حكمها لمسافر ولا لمقيم، وإنما يفترق الجواب في العشاء ولها آخر الوقت، ويفترق الجواب أيضًا بماذا يبتدئ؟ فإن بقي مقدار ما يصلي أربع ركعات بدأ بالمغرب، وإن بقي مقدار ركعتين أو ثلاث - دخل الخلاف المتقدم (¬1)؛ لأنه إن بدأ بالمغرب صار قاضيًا للعشاء، ومذهب ابن وهب أنه يبتدئ بالتي حضر وقتها على القضاء. وأرى أن يبتدئ بالمغرب إذا بقي مقدار ثلاث ركعات؛ لأنه إن بدأ بالعشاء بقي مقدار ركعة. فصل من ذكر صلاة حضرية في سفر صلاها صلاة حضر ومن ذكر صلاة حضر في سفر - صلاها صلاة حضر؛ لأنه العدد الذي عمرت به ذمته، فسفره لا يحط بعض ذلك عنه. وإن ذكر صلاة سفر في حضر صلاها ركعتين، فإن صلاها أربعًا أجزأته؛ لأنها صلاة منسية، فبالفراغ منها خرج الوقت؛ فلم تجب إعادة على القول أنها سنة، ولا على القول أن القصر فرض؛ للاختلاف في ذلك، والقول إنه مخير أَبينُ؛ لأن ذلك له جائز مع بقاء الوقت. ¬

_ = الموطأ: 1/ 6، في باب وقوت الصلاة، من كتاب وقوت الصلاة، برقم (5). (¬1) في (س): (بخلاف المتقدم).

وقال مالك: صلاة الأسير في دار الحرب أربع، إلا أن يسافر به (¬1). وصلاة الجيش في أرض الحرب ركعتان. وإن حاصروا حصنًا شهرين أو ثلاثة قصروا (¬2)، وليس دار الحرب كغيرها. قال الشيخ -رحمه الله-: ولو كان الجيش مثل الطوائف نزلوا بنية المحاصرة وهم الظاهرون ولا يخشون ممن يجليهم عن ذلك الموضع وهم يعلمون أن إقامتهم تطول- لأتموا. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 209. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 297.

باب في الصلاة في السفينة وهل يركب البحر إذا كان لا يأتي بالصلاة على شروطها؟

باب في الصلاة في السفينة وهل يركب البحر إذا كان لا يأتي بالصلاة على شروطها؟ قال مالك: يكره ركوب البحر لما يدخل على الإنسان من نقص في صلاته وغير ذلك (¬1). قال الشيخ -رحمه الله-: ركوب البحر على ثلاثة أوجه: - جائز: إذا كان يعلم أن من شأنه أنه يأتي بفرضه قائمًا، ولا يميد (¬2). - ومكروه: إذا لم تتقدم له عادة بركوبه، ولا يعلم إذا ركبه هل يميد فيعطل صلاته، أم لا؟ ولا يقال: إنه ممنوع؛ لأن الغالب السلامة. - وممنوع (¬3): إذا كان يعلم من شأنه أنه يميد ولا يقدر على أداء الصلاة، أو كان لا يقدر على الصلاة لكثرة الراكب، أو لا يقدر على السجود. وقال مالك في سماع أشهب: إذا لم يقدر أحدهم أن يركع أو يسجد إلا على ظهر أخيه فلا يركبون لحج ولا لعمرة؛ أيركب حيث لا يصلي؟! ويل لمن ترك الصلاة (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 319. (¬2) المَيْدُ: ما يُصِيبُ من الحَيْرَةِ عن السُّكْر أَو الغَثَيانِ أَو ركوب البحر، والمائد الذي يركب البحر فَتَغْثي نَفْسُه من نَتْن ماء البحر حتى يُدارَ بِهِ، ويَكاد يُغْشَى عليه. انظر: لسان العرب، لابن منظور: 2/ 153. (¬3) في (س): (معلوم). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 252.

ويكره أيضًا إذا كان لا يقدر على الصلاة إلا جالسًا. وقال في المبسوط فيمن أراد ركوب البحر في وقت صلاة الظهر، فأراد أن يجمع الظهر والعصر قبل أن يركب قائمًا؛ لما يعلم من شدة البحر وأنه لا يصلي فيه قائمًا، قال: يجمعهما في البر قائمًا أَحَبُّ إِلَيَّ من أن يصليهما في وقتهما قاعدًا (¬1). وقال في العتبية: إذا لم يقدروا على القيام قعدوا، ولا بأس أن يؤمهم أحدهم (¬2). ومحمل قوله في هذين السؤالين على ما يفعله من ركب أو عزم على ركوبه، ليس على ما يختاره له من الركوب أو الترك. واستحب مالك لمن كان في السفينة وهو قادر على الخروج - أن يخرج فيصلي في البر (¬3). لأن صلاته في البر (¬4) أقرب للسكينة والوقار، وليعفر وجهه في التراب. وقال مالك: إذا كانوا لا يقدرون على الصلاة جماعة تحت سقفها إلا أن يحنوا رؤوسهم - أنهم يصلون على ظهرها (¬5) أفذاذًا؛ لأن في ذلك نقص هيئة، فإن فعلوا ووفوا بالقيام - مضت صلاتهم، وعليهم أن يستقبلوا القبلة، فإن دارت السفينة داروا إلى القبلة (¬6). وهذا في الفرض. واختلف في النفل، ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 265. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 159. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 210. (¬4) قوله: (في البر) ساقط من (ب). (¬5) في (س): (صدرها). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 210.

فجعله في المدونة مثل ذلك، بخلاف الدابة (¬1)، وقال في المختصر: لا يتنفل في السفينة إلا إلى القبلة (¬2)، وأجاز ابن حبيب أن يتنفل على حاله. والأول أحسن، ولا مشقة في ذلك بخلاف الدابة. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 210، ونصها الذي وقفت عليه مخالف لما للمؤلف، فال فيه: (وكان مالك يوسع لصاحب السفينة أن يصلي حيثما كان وجهه، مثل ما وسع للمسافر على الدابة والمحمل). وهذا واضح المخالفة لما للمؤلف ويبدو أن النص به تصحيف حيث سقطت منه (لا)، قلت: ونص المدونة في طبعة أخرى: (وكان مالك لا يوسع لصاحب السفينة أن يصلي حيثما كان وجهه مثل ما يوسع للمسافر علي الدابه والمحمل). انظر: المدونة، طبعة دار صادر: 1/ 123. وهو ونص المؤلف موافق لنص تهذيب المدونة، قال فيه: (ولا يتنفل في السفينة إيماء حيث ما توجهت به مثل الدابة)، انظر: تهذيب المدونة: 1/ 292. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 252.

باب في ركعتي الفجر

باب في ركعتي الفجر الأصل فيهما حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى شَيءٍ مِنَ النَّوَافِلِ أَشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَي الفَجْرِ" (¬1). وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لهما أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا". أخرجه مسلم (¬2). واختلف هل هما سنة أو من الرغائب؟ فقال مالك: يستحب العمل بهما (¬3). وقال أصبغ: هما من الرغائب. وقال أشهب: هما سنة وليستا كالوتر (¬4). واختلف فيما يقرأ به فيهما؟ وهل القراءة سرًّا أو جهرًا؟ فقال مالك: الذي أفعل أنا في القراءة بأم القرآن وحدها (¬5). وقال في كتاب محمد: سرًّا. لحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "إِنِّي لأَقُولُ: أَقَرَأَ فِيهِمَا بِأُمِّ القُرْآنِ أَمْ لاَ؟ " (¬6). وقال أيضًا في "مختصر ما ليس في المختصر": يقرأ فيهما بسورتين من قصار ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري: 1/ 393، في باب تعاهد ركعتي الفجر ومن سماهما تطوعا، من أبواب التطوع في صحيحه، برقم (1116). (¬2) أخرجه مسلم: 1/ 501، في باب استحباب ركعتي سنة الفجر والحث عليهما وتخفيفهما وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهما، من كتاب صلاة المسافرين وقصرها في صحيحه، برقم (725). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 401. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 401. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 210. (¬6) أخرجه البخاري بنحوه: 1/ 393، في باب ما يقرأ في ركعتي الفجر، من أبواب التطوع في صحيحه، برقم (1118)، وعبد الرزاق واللفظ له في مصنفه: 3/ 60، في باب القراءة في ركعتي الفجر، من كتاب الصلاة، برقم (4793). وبنحوه أخرجه ابن حبان في صحيحه، في باب النوافل، من كتاب الصلاة، برقم (2466).

فصل يؤتى بهما بعد الفجر

المفصل. وفي كتاب مسلم عن أبي هريرة: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَرَأَ فِيهِمَا بِأُمِّ القُرْآنِ، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} " (¬1). وروي عن ابن عباس أنه قرأ في الأولى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا. . .} الآية [البقرة: 136]، وفي الثانية {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران: 64] (¬2). وفي هذا دليل على أنه كان في بعض الأوقات يجهر بالقراءة. ولا وجه للقول أنه يسر فيهما؛ لأنهما من صلاة النهار؛ لأن بعدهما صلاة الصبح والقراءة فيها جهرًا. فصل يؤتى بهما بعد الفجر ويؤتى بهما بعد الفجر، ومن صلاهما قَبْلُ أعاد (¬3). ويستحب له أن يأتي بهما في بيته، وإن خرج إلى المسجد قبل أن يركعهما - ركعهما فيه. واختلف هل يأتي بركعتين تحية المسجد قبلهما؟ وإذا أتى بعد أن ركعهما هل يركع تحية المسجد ثم يجلس؟ فقال مالك في مختصر ابن عبد الحكم: يركع للحديث: "إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ فَلْيَرْكعْ. . ." (¬4). وقال في العتبية: ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم: 1/ 502، في باب استحباب ركعتي سنة الفجر والحث عليهما وتخفيفهما والمحافظة عليهما وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهما، من كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم (726). (¬2) أخرجه مسلم: 1/ 502، في باب استحباب ركعتي سنة الفجر، من كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم (727). (¬3) بعد الفجر أي: بعد دخول وقته، لا بعد أداء صلاته، وقوله: (وصلاهما قبل)، أي: قبل دخول الوقت. (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 170، في باب إذا دخل المسجد فليركع ركعتين، من =

كل ذلك قد رأيت من يفعله، وأما أنا فأحب إلي أن يقعد (¬1). وقال أيضًا مثل قوله الأول. ويختلف على هذا إذا أتى المسجد ولم يركع، فعلى قوله الأول: هو بالخيار بين أن يبتدئ بتحية المسجد ثم بركعتي الفجر، أو بركعتي الفجر خاصة؛ لأن الابتداء بالفرض قبل الجلوس ينوب عن تحية المسجد، فكذلك ركعتا الفجر تنوب عن تحية المسجد. وعلى القول الآخر يأتي بركعتي الفجر خاصة، وهذا راجع إلى الخلاف في النفل بعد طلوع الفجر، فعلى من أجاز ذلك - يركع تحية المسجد وركعتي الفجر، ويتنفل بعد ذلك ما أحب. وقد قال مالك وأشهب: لا بأس أن يصلي بعد الفجر ست ركعات. وقال في الذي يفوته حزبه من الليل: له أن يصليه بعد الفجر. وأجاز التنفل حينئذ، وإنما يكره ذلك ابتداءً حمايةً؛ لئلا تُوقع الصبح في آخر وقتها، ويتهاون بقيام الليل فيأتي به بعد الفجر. وأما من أتى المسجد ولم يأت الإمام، أو كان قد أتى وتأخر عن إقامة الصلاة: فلا بأس أن يتنفل الآخر ما شاء ما لم تقم الصلاة. وقال مالك فيمن أتى المسجد ولم يركع ركعتي الفجر والناس في الصلاة، فإن لم يكن دخل المسجد ركعهما إن لم يخف أن يفوته الإمام بالركعة، فإن خاف ¬

_ = أبواب المساجد في صحيحه، برقم (433)، ومسلم: 1/ 495، في باب استحباب تحية المسجد بركعتين، من كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم (714)، ومالك في الموطأ: 1/ 162، في باب انتظار الصلاة والمشي إليها، من كتاب قصر الصلاة في السفر، برقم (386). وانظر: الاستذكار، لابن عبد البر: 2/ 305، 306 (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 238.

أو كان دخل المسجد - صلى مع الإمام وتركهما (¬1). وقال ابن الجلاب: يخرج من المسجد ويركعهما إذا كان الوقت واسعًا (¬2). وقول مالك أحسن لوجهين: أحدهما: أن في خروجه حينئذ أذى للإمام. والآخر: أن صلاته للفرض جماعة تضاعف له على صلاة الفذ بسبع وعشرين صلاة - أولى من صلاته ركعتين نفلًا. وركعتا الفجر عند مالك تفتقران إلى نية. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 212. (¬2) انظر: التفريع: 1/ 128.

باب في الوتر وهل هو واجب؟ وما يقرأ فيه

باب في الوتر وهل هو واجب؟ وما يقرأ فيه الوتر سنة، واختلف في وجوبه، وعدده، وهل يفتقر إلى نية؟ وهل يختص بقراءة؟ وفي آخر وقته. فقال سحنون: يجرح تاركه. وقال أصبغ: يؤدب من تركه. فجعلاه واجبًا. وقال أبو جعفر الأبهري وأبو محمد عبد الوهاب: ليس بواجب (¬1). وهو أبين؛ للحديث "أن أَعْرَابِيًّا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الصَّلاةِ، فَقَالَ: خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ. قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ؟ قَالَ: لاَ إِلاَّ أَنْ تَطَّوَّعَ. . .، فَقَالَ: وَاللهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلاَ أَنْقُصُ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ" (¬2). فيه دليل أن الوتر ليس بواجب من خمسة مواضع: أحدها: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "خَمْسُ صَلَوَاتٍ" ولو كان واجبًا لقال: ست صلوات. والثاني: قوله عند قول الأعرابي: هل علي غيرهن؟ قال: "لا". والثالث: قوله: "إِلاَّ أَنْ تَطَّوَّعَ". فجعل ما بعد الخمس تطوعًا، إن شاء فعل. والرابع: قول الأعرابي: لا أزيد. والخامس: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ" فسلم له قوله: "لا أزيد". وقال - صلى الله عليه وسلم -: "صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكعَةً ¬

_ (¬1) انظر: الإشراف: 1/ 288. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 25، في، كتاب الإيمان، باب الزكاة من الإسلام، من كتاب الإيمان في صحيحه، برقم (46)، ومسلم: 1/ 40، في، كتاب الإيمان، باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام، من كتاب الإيمان، برقم (11).

تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى" (¬1). أي: توتر له تلك الصلاة التي هي مثنى مثنى، وصلاة الليل ليست بواجبة، فكذلك ما يوترها - وسئل ابن عمر - رضي الله عنهما - عن الوتر: "أَوَاجِبٌ هُوَ؟ فَقَالَ: أَوْتَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وأَوْتَرَ المُسْلِمُونَ" (¬2). واختلف في عدده، فقال مالك: الوتر واحدة (¬3). وقال في كتاب الصيام: يوتر بثلاث (¬4). وهو خلاف قوله الأول. وقال في المسافر: لا يوتر بواحدة (¬5). وروى عنه عليّ بن زياد أنه يوتر بواحدة. وقال سحنون فيمن أوتر بواحدة: يشفعها بأخرى إن كان بالحضرة، وإن تباعد أجزأه. وقال ابن المواز فيمن ذكر سجدة لا يدري من الشفع أو من الوتر: إنه يسجد سجدة ثم يعيد الشفع والوتر. فجعل الوتر ثلاثًا، فإن أوتر بواحدة لم تجزئه؛ لأنه إن كانت السجدة من الوتر فقد أصلحه، وإن كانت من الشفع بطل، وسلم الوتر. واختلف بعد القول إنه ثلاث، هل من شرطه أن يؤتى بهما معًا؟ فقال مالك في المجموعة فيمن تنفل بعد العشاء ثم انصرف: فلا ينبغي أن يوتر بواحدة ليس قبلها شيء (¬6). وروى عنه ابن نافع أنه قال: لا بأس بذلك (¬7). ¬

_ (¬1) سبق تخريجه في كتاب الصلاة الأول، ص: 379. (¬2) أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 124، في باب الأمر بالوتر، من كتاب صلاة الليل، برقم (271). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 212. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 287. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 212. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 491. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 491.

وقال ابن القاسم في العتبية فيمن صلى مع الإمام أشفاعًا ثم انصرف ثم رجع فوجده في الوتر فدخل معه، قال: لا يعتد به، وأحب إلي أن يشفعها بركعة ثم يوتر. قيل له: فإن فعل؟ قال: إن فعل فالوتر ليس بواحدة. وفي رواية أخرى: فالوتر ليست بواجبة (¬1). واختلف هل يفتقر إلى نية؟ فقال مالك في كتاب محمد فيمن أحرم بشفع ثم بدا له أن يجعله وترًا، أو أحرم لوتر ثم أراد أن يجعله شفعًا، قال: ليس ذلك له في الأمرين جميعًا. وقال أصبغ: إن فعل أجزأه (¬2). وقال محمد: لا يجزئه إذا أحرم بشفع (¬3) ثم جعله وترًا، ولعله يجزئه إذا أحرم بوتر فشفعه. فجعله شفعًا فجعله أصبغ جائزًا وإن لم ينوه في حال الإحرام. وهذا ظاهر قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ". . . إِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكعَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى" (¬4). وظاهر هذا أنه إذا خشي الصبح وهو في الشفع انصرف من ركعة. واختلف في إعادة الوتر إذا صلى بعده شفعًا، فقال مالك: لا يعيده. وقال في المبسوط فيمن أوتر ثم ظن أنه لم يصل إلا ركعتين فأوتر بركعة ثم تذكر بعد أن فرغ أنه كان أوتر قال: يضيف إليها أخرى ثم يستأنف الوتر. واختلف فيمن زاد في الوتر ركعة ساهيًا، فقال مالك: يجزئه ويسجد لسهوه (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 11/ 99. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 492. (¬3) في (ر): (لشفع). (¬4) سبق تخريجه في كتاب الصلاة الأول عند قوله: (أحدها: حديث ابن عمر). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 213، 214.

فصل أول وقت الوتر بعد صلاة العشاء

وقال في المبسوط: يستأنف وتره. وهذا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اجْعَلُوا آخِرَ صَلاِتكُمْ بِالليلِ وِتْرًا" (¬1). فإن شفع وتره بركعة أو صلى بعده شفعًا - أعاده. وأما القراءة فيه فقد اختلفت فيها الأحاديث، فروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقرأ في الأولى بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} وفي الثانية بـ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وفي الثالثة بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. وروي عنه: أنه كان يقرأ في الآخرة بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمعوذتين (¬2). وبهذا أخذ مالك في الآخرة. وروي عنه في مختصر ما ليس في المختصر أنه كان يقرأ في الأولى والثانية بمثل ما جاء في الحديث الأول. وقال في المجموعة: إن الناس ليلتزمون في الوتر قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمعوذتين وما ذلك بلازم، وإني لأفعله، وأما الشفع فما عندي فيه شيء تستحب القراءة به فيه (¬3). وهو أبين؛ للحديث: ". . فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً. ." (¬4) ففيه دليل أن الشفع لا يفتقر إلى نية ولا لقراءة. فصل أول وقت الوتر بعد صلاة العشاء أول وقت الوتر بعد صلاة العشاء، فمن قدمه على الصلاة لم يجزئه، وإن صلى بعد العشاء ثم تبين أن صلاة العشاء كانت على غير طهارة لم يجزئه. ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه، البخاري: 1/ 339، في باب ليجعل آخر صلاته وترًا، من كتاب الوتر في صحيحه، برقم (953)، ومسلم: 1/ 517، في باب صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل، من كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم (751). (¬2) حسن صحيح، أخرجه الترمذي، في سننه: 2/ 326، في أبواب الوتر، باب ما جاء فيما يقرأ به في الوتر، من أبواب الوتر: 2/ 326، برقم (463). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 490. (¬4) سبق تخريجه، ص: 379.

واختلف في آخر وقته، فقال مالك: يصلى بعد الفجر ما لم يصلِّ الصبح (¬1). وقال أبو مصعب: لا يقضي بعد الفجر. وقال ابن الجهم (¬2): إنما قال مالك: يُصَلَّى بعد الفجر وإن كان من صلاة الليل، للاختلاف في الفجر، فقال قوم: هو من الليل. وقال قوم: هو من النهار. وقال قوم: حال بين حالين. فلتأكيده أحب قضاءه في هذا الموضع، ولا أرى أن يُقْضَى بعد الفجر، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بَادِرُوا الصُّبْحَ بِالوِتْرِ" أخرجه مسلم (¬3)، وقوله: ". . .فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكعَةً. .". واختلف بعد القول إنه يصَلَّى بعد الفجر إذا ذكره بعد أن تلبس بصلاة الصبح، أو لم يتلبس بها وضاق الوقت فإن أوتر أدرك ركعة من الصبح، فقال مالك: إذا ذكر وهو في جماعة قطع؛ لأن الوتر سنة، فهو إن ترك فضل الجماعة ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 212. (¬2) هو: أبو بكر، محمد بن أحمد بن محمد بن الجهم المروزي، البغدادي، المعروف بابن الورَّاق، المتوفى سنة 327 هـ وقيل: 329 هـ، وقيل: 332 هـ، صحب إسماعيل القاضي، وتفقه معه ومع أصحابه ابن بكير وغيره، وروى عن إبراهيم بن حماد، ومحمد بن عبدوس، وعبد الله بن محمد النيسابوري، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وروى عنه أبو بكر الأبهري، وأبو إسحاق الدِّينوَري، وغيرهما، وألَّف كتبًا على مذهب مالك، منها: الرَّدُّ على محمد بن الحسن، ومسائل الخلاف، والحجة لمذهب مالك، وشرح مختصر ابن عبد الحكم الصغير، وبيان السُّنَّة. انظر ترجمته في: ترتيب المدارك، لعياض: 5/ 19، والديباج، لابن فرحون: 2/ 185، وشجرة النور، لمخلوف: 1/ 78، وطبقات الفقهاء، للشيرازي، ص: 166، وتاريخ بغداد، للخطيب: 1/ 287، والتعريف بالأعلام والمبهمات، لابن عبد السلام (بهامش الجامع بين الأمهات بتحقيقنا): 1/ 189. (¬3) أخرجه مسلم: 1/ 517، في باب صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل، من كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم (750).

صلى صلاة هي سنة. وقال أيضًا: لا يقطع (¬1). وقال ابن وهب عنه: إن شك تمادى مع الإمام، ثم أوتر، ثم أعاد الصبح. يريد: يتمادى بنية النفل. وقال في المدونة في الفذ: يقطع (¬2). ففرق بينه وبين من كان في جماعة. وقال في المبسوط: لا يقطع. وقال في كتاب ابن حبيب في الإمام: يقطع. وعلى القول الآخر لا يقطع. ولا خلاف أنه إذا ذكر بعد الفراغ من الصبح أن صلاته ماضية ولا يوتر. وإن استيقظ وقد بقي لطلوع الشمس قدر ركعتين صلى الصبح وترك الوتر (¬3). وقال أصبغ: يصلي الوتر والصبح، وكذلك إذا بقي مقدار أربع ركعات. فعلى قول ابن القاسم يوتر بواحدة ويصلي الصبح. وقال أصبغ في كتاب محمد: يوتر بثلاث ويصلي الصبح. والقول إنه لا يقطع (¬4) إذا تلبس بالصلاة، وألا يزاحم بالوتر الصبح - أحسن، وقد ذهب وقت الوتر بطلوع الفجر، فكيف بمن دخل في الصلاة أو ضاق عليه الوقت؟ ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 213. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 214. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 212. (¬4) زاد في (ر) و (ب): (ويصلي).

باب في قضاء الصلاة بعد خروج وقتها

باب في قضاء الصلاة بعد خروج وقتها قضاء الصلاة ساقط عن الحائض والنفساء والمجنون والمغمى عليه، وواجب على الناسي والمتعمد والنائم. واختلف فيمن يصح منه الأداء وغلب على الطهارة والتيمم، وقد تقدم ذلك، والقضاء على النائم والناسي على الفور، بخلاف قضاء الصوم؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ نَسِيَ صَلاَةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، فَإِنَّ الله -عز وجل- يَقُولُ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] " (¬1). فتضمن هذا الحديث وجوب القضاء على الناسي والنائم وأنه على الفور؛ لقوله: ". . .إِذَا ذَكَرَهَا. . ." في أي وقت ذكر؛ من ليل أو نهار، وعند طلوع الشمس أو غروبها قضى فيه، وقياسًا على الحائض تطهر حينئذ فإنها تصليها، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَدْرَكَ رَكعَةً مِنَ الصُّبْحِ. . ." الحديث (¬2)، فكل واحد من هؤلاء له عذر في الصلاة حينئذ. ثم لا يخلو الناسي من أربعة أحوال: إما أن يذكر وهو في الصلاة، أو بعد الفراغ منها وقبل خروج وقتها، أو بعد أن خرج الوقت، أو قبل أن يتلبس بها. فإن كان في صلاة كان فيها قولان: هل تفسد، أو يستحب له القطع في بعض الحالات؟ فقال مالك: إن كان مأمومًا مضى على صلاته، ولم يستحب له ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 215، في باب من نسي الصلاة فليصل إذا ذكرها ولا يعيد إلا تلك الصلاة، من كتاب مواقيت الصلاة في صحيحه، برقم (572)، ومسلم: 1/ 477، في باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم (684)، ومالك في الموطأ، في باب النوم عن الصلاة، من كتاب وقوت الصلاة: 1/ 13، برقم (25). (¬2) سبق تخريجه، ص: 357.

القطع؛ لأنه في فضل الجماعة. وإن كان في المغرب سلم من ثلاث ولم يضف إليها رابعة؛ لأنها فرضه، والإعادة استحسان. وفي رواية أخرى أنه يضيف إليها رابعة. وهذا مبني على القول إنها تفسد. واختلف إذا كان إمامًا، فقيل: يقطع ويقطعون ولا يستخلف؛ لأن القطع استحسان. ولو تمادى ولم يقطع لأجزأت، فكان في قطعه شبه من العمد، وفارق الحدث؛ لأن القطع هنالك مجمع عليه. وقال ابن القاسم عند محمد: يستخلف، كالحدث لما لم يقطع عابثا. وإن كان في آخر ركعة جاز أن يتم بهم. وإن كان فذًّا وذكر بعد الإحرام وقبل الركوع قطع. ولمالك في العتبية: إنه يتم ركعتين ثم يسلم، وإن كان قد ركع أضاف ثانية وسلم، فإن كان صلى ركعتين سلم، ولو كان صلى ثلاثا أضاف رابعة وكانت هي فرضه والإعادة استحسان. وقال: يقطع بعد ثلاث، والقطع في جميع ما تقدم استحسان. ولو ذكر عندما أحرم ثم أتم أجزأته صلاته؛ لأنه قال فيمن صلى صلوات وهو ذاكر لصلاة نسيها: إنها تجزئه ويعيد الآخرة في الوقت. وقال ابن حبيب: تفسد عليه التي ذكر فيها، وتجب عليه الإعادة أبدًا. وقال أشهب فيمن ذكر الصبح وهو في صلاة الجمعة وكان إن خرج أدرك الصبح وركعة من الجمعة قطع، وإن كان لا يدرك ركعة تمادى ثم يصلي الصبح ولا يعيد الجمعة، بمنزلة صلاة خرج وقتها. وأرى فيمن ذكر صلاة وهو في صلاة أن يتمادى في صلاته فذًّا كان أو إماما أو مأموما، وهو بمنزلة من طرأ عليه الماء وهو في الصلاة بالتيمم، ولا يتوجه الخطاب بالمنسية وهو متلبس بأخرى.

فصل من ذكر شيئا بعد أن سلم من صلاته

فصل من ذكر شيئًا بعد أن سلم من صلاته وإن ذكر بعد أن سلم من صلاته صلى ما نسي، وأعاد التي سلم منها ما لم يخرج الوقت. واختلف في الوقت الذي يعيد فيه، فقال مالك: يعيد الظهر والعصر ما لم تغرب الشمس (¬1)، والمغرب والعشاء ما لم يطلع الفجر. وقال في المبسوط: إذا ذكر الظهر بعد أن صلى العصر فإنه يصلي العصر ما لم تصفر الشمس. قال: وكذلك المغرب والعشاء. يريد: أنه يعيد العشاء ما لم يذهب نصف الليل، وهو الوقت المختار. فعلى هذا إن ذكر الصبح بعد أن صلى الظهر والعصر ولم تصفر الشمس أعاد العصر وحدها، وإن صلى الظهر وحدها أعادها ما لم تدخل العصر. وكذلك في صلاتي الليل تعاد الصلاة ما لم يخرج وقت الاجتهاد؛ لأنه إنما تعاد الصلاة ليؤتى بها على أفضل ما أتى بها قبل، وصلاتها في ذلك الوقت أفضل. واختلف إذا ذكر الإمام صلاة نسيها في الوقت وأعادها، هل يعيد من ائتم به في تلك الصلاة؟ فقال ابن القاسم مرة: لا يعيد (¬2). وقال أيضا: هم بمنزلته، يجب عليهم ما يجب عليه (¬3). وأن لا إعادة عليهم أحسن؛ لأن إعادته ليأتي بالترتيب، ليس لأنه بمنزلة من لم يصل، ولم يخلواهم بشيء من ذلك. واختلف فيمن ذكر صلاة نسيها بعد أن صلى الجمعة، فقال مالك وابن ¬

_ (¬1) انظر: المدونة 1/ 214، 215. (¬2) في هامش (س): (لا يعيدون). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 217.

فصل من ذكر صلاة كبل أن يلتبس بالصلاة التي هو في وقتها

القاسم في كتاب محمد: يعيد الجمعة ظهرًا (¬1). وقال الليث وأشهب: لا إعادة عليه، والفراغ من الجمعة بمنزلة خروج الوقت. قال: وأما إذا نسيها حتى يدنو من الغروب فلا يعجبني أن يصلي الجمعة ولو كان عند آخر وقت الظهر أو بعده بقليل (¬2). فصل من ذكر صلاة كبل أن يلتبس بالصلاة التي هو في وقتها وإن ذكر صلاة (¬3) قبل أن يتلبس بالتي هو في وقتها بدأ بالتي نَسِيَ، إلا أن يكون في آخر وقت الأخْرَى، مثل أن يَذْكُرَ الصبحَ عند غروبِ الشمسِ ولم يصلِّ العصرَ أو العشاءَ عند طلوع الشمس ولم يُصلِّ الصبحَ، فإن بدأ بالتي نسي غربت الشمس أو طلعت - فقال مالك وابن القاسم: يبدأ بالتي نسي (¬4). وكذلك إذا نسي ثلاث صلوات (¬5) أو أربعًا، وإن نسي سِتًّا فأكثر - بدأ بالتي هو في وقتها، واختلف قولُهُ إذا كانت خمس صلوات: فقال: يبدأ بها وهي يسيرة (¬6). وقال: يبدأ بالتي هو في وقتها (¬7). وقال ابن وهب: يبدأ بالتي هو في وقتها وإن كانت المنسيةُ صلاةً واحدة. ¬

_ (¬1) في (ر): (ظهرًا أربعًا). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 339. (¬3) في (ر): (صلاة نسيها). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 215. (¬5) قوله: (صلوات) ساقط من (ر). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 215. (¬7) انظر: المدونة: 1/ 215.

فصل اختلف إذا ذكر صلاة وهو في أول وقت التي هو فيها

وقال أشهب في مدونته: يبدأ بأيّتهما أحب (¬1). قال: وذلك واسع لاختلاف أهل العلم في ذلك، فمنهم من قال: يبدأ بالأولى، وهو قول مالك وابن شهاب، ومنهم من قال: يبدأ بالآخرة، وهو قول سعيد بن المسيب وعبد العزيز بن أبي سلمة. وقال محمد بن مسلمة: يبدأ بالمنسيات وإن كَثُرَتْ إذا كان يأتي بجميعها مرة واحدة. قال: ولو أن رجلا صلى جُنبًا شَهْرينِ وَلَمْ يَعْلَمْ - فإنه يبتدئ بها قَبْلَ صلاةِ يومِهِ وإن خَرج وقتُها إذا كان لا يفرقها حتى يصلي جميعها. وقال محمد بن عبد الحكم: إذا كانت صلواتٌ كثيرةٌ، فإن صَلاها كلها فاته وقت التي حضر وقتها - فإنه يُصَلِّي بعض تلك الصلوات، فإذا خاف فواتَها صلاها ثم صلى بعدها ما بَقِيَ. وقولُ ابنِ وهب أبين، وإنما يتوجه القضاءُ على الفور إذا لم يتعين ذلك الوقت للصلاة، وإن تعين لم تزل عن وقتها؛ فتكُونَان فائتتين جميعا. فصل اختلف إذا ذكر صلاة وهو في أول وقت التي هو فيها واخْتُلف إذا ذَكَرَ صلواتٍ كثيرة وهو في أول وقت التي هو فيها: في أول الظهر (¬2)، أو في أول وقت العصر. فقال ابن القاسم: إذا كان يقدر على أن يصلي (¬3). ما نَسِيَ والظهرَ والعصرَ قَبْلَ أن تغرب الشمس - بَدَأَ بما نَسِيَ، وإلا ¬

_ (¬1) في (ر): (بأيهما شاء). (¬2) في (س): (وقت الظهر). (¬3) في (س): (يأتي).

فصل القضاء في المنسيات على الفور

بدأ بالتي هو في وقتها (¬1). واختُلف فيه عن مالك: فرُوِيَ عنه مثلُ ذلك: أن المُراعَى إلى غروب الشمس، ورُوِيَ عنه اصفرار الشمس (¬2). وقال أشهب وابن حبيب: المُراعَى في ذلك الوقت المختار. وقال ابن حبيب: إذا كان إن (¬3) أخر الظهر إلى وقت يجوز لغيره تأخيرُها- أَتَم ما ذَكَرَ، بدأ بها وإن كَثُرَتْ، وإن كان إن بدأ بها خَرَجَ الوقتُ- بدأ بالظهر، إلا أن تكون المنسيةُ خمسَ (¬4) صلوات فأقلّ (¬5). وعلى قوله إذا ذَكَرَ في أولِ وقتِ العصرِ فإنه يقدم (¬6) ما لم تَصْفَرَّ الشمسُ. وعلى قول ابن مسلمة يبدأ بِهِن وإنْ كَثُرْنَ وغربتِ الشمسُ إذا كان لا يفرقها. وعلى قول محمد بن عبد الحكم يبدأ بالمنسياتِ، فإذا خاف فواتَ وقت التي هو فيها صَلاها ثم صَلى ما بَقِيَ، والقول إنه يبتدئ بالمنسيات ما لم يخرج الوقت المختار- أحسن، ولا يخرجها إلى الوقت المذموم وهو قادر على الوقت المختار. فصل القضاء في المنسيات على الفور القضاء في المنسيات على الفَوْرِ، ولا يؤخرُها إذا كان قادرًا على الإتيان بجميعها من غير حَرَجٍ، فإن كثرت وكان لا يقدر على الإتيان بجميعها مرةً إلا ¬

_ (¬1) انظر النوادر والزيادات: 1/ 335، والبيان والتحصيل: 2/ 88. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 355. (¬3) في (س): (الوقت). (¬4) في (س): (الخمس). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 355. (¬6) في (ر): (يقدر).

على مشقةٍ - أَتَى بما يقدر عليه من ذلك حتى يوفي (¬1) جميعَها، والترتيب في ذلك واجبٌ، يقضي الأُولَى فالأُولَى. ويُختلف إذا أخّرَ الأُولَى، فعلى قول ابن القاسم في (¬2) المدونة: تجْزِئُهُ ولا يعيدُ (¬3) قِياسًا على قوله فيمن صَلى صلواتٍ وهو ذاكرٌ لصلاة، فإن فعل ذلك نَاسِيًا ذِكْرَ ظهرِ أمس، فلما صلاها ذَكَرَ صبحًا قَبْلَهَا- لم يُعِدِ الظهرَ؛ لأنه بالتسليم منها بمنزلةِ صلاةٍ خَرَجَ وقتُها، ويُختلف إذا ذَكَرَ وهو فيها، هل تفسد عليه. ¬

_ (¬1) في (ر): (يَقْضِي). (¬2) قوله: (ابن القاسم في) يقابله في (ر): (فعلى قول مالك). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 216.

باب في السهو في الصلاة

باب في السهو في الصلاة وقال مالك في إمامٍ (¬1) سَلمَ من ركعتين فَسبحوا به فلم يفقهْ، فقال له رجل ممن معه في الصلاة: لم تتم. فالتفتَ إلى القومِ فقال: أحقٌ ما يقول هذا؟ قالوا: نعم. قال: يُصلِّي بهم ما بَقِيَ من صلاتهم، ويصلي معه بقيةَ صلاتهم، الذين تَكَلموا والذين لم يتكلموا، ويفعلون في ذلك مثل ما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم ذي اليدين (¬2). وقد اختُلِفَ في هذه المسألة في ثلاثةِ مواضعَ: أحدها: هل تفسد صلاة من كَلم الإمامَ؟ والثاني: إذا كان الإمامُ على يقين أنه أَتَم، هل يرجع إلى قولهم أو ينصرف؟ والثالث: إذا شك، هل يجوز له أن يسألهم، أو يُتِمُّ ولا يسألهم؟ فقال مالك: تصح صلاة من كلم الإمام؛ للحديث، كان ذلك في الركعة الثانية أو غيرها (¬3). وقيل: إن تكلم في الثانية صَحتْ، وإن كان ذلك في الأولى أو الثالثة لم تَصَح؛ لأن الحديثَ كان في اثنتين. وقال ابن كنانة: تبطل صلاةُ من تَكَلمَ في أيِّ ركعة تَكَلمَ. قال: وإنما كان ذلك لمن خَلْفَ النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصةً؛ لأن الفرائضَ كانت تُنْسَخُ والوحيُ يَنْزِلُ. ¬

_ (¬1) في (ر): (الإمام). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 218، وحديث ذي اليدين سبق تخريجه، ص: 395. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 218.

وهذا يفسد من نفس الحديث؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أنه لم يُنسخْ، لقوله: "مَا قَصُرَتْ" ثم سأل فقال: "أَحَقٌّ مَا يَقُولُ هَذَا"؟ فقالوا: نعم. ثُم أَتَم هو ومن مَعَهُ، فلم تبطل صلاتُه ولا صلاتُهم، ولا فرقَ بين الثانية وغيرها؛ لأن كل ذلك مما تدعو إليه الضرورةُ لإصْلاح الصلاةِ. وفي كتاب مسلم أنه - صلى الله عليه وسلم - تَكَلمَ في الثالثة (¬1) وَأَتَم (¬2). فالإمام بعد إخبارهم على ثلاثة أوجهٍ: إما أنْ يذكر أنّه لم يُتم، أو يبقَى على يقينِه، أو يَشُكَّ. فإنْ تذكّر أنّه صلّى ركعتين أتمّ ولم يكلِّمهم. واختُلِف إذا بقِي على يقينه: هل يتمّ بهِم أو ينصرف؟ فذكر ابنُ القصَّار عن مالك في ذلك قولين. وقال محمد بن مسلمة: إن كثُر منْ خلْفهُ صدّقهُم وأتمّ بِهِم، وإن كان الاثنانِ والثلاثةُ لم يصدقهم وانْصرف وأتمُّوا هُم. وهذا أحسنها؛ لأنّ الغالب في العدد الكثير أن السهو مع الإمام. وأما إذا شك الإمامُ عند قولهم، فالمعروفُ من المذهب أنه يَبْنِي على ما تَيَقنَ، ولا يسألهم. وقال أَصْبَغُ في كتاب ابن حبيب: يسألهم، وليس ذلك عنده بمنزلة من شَك قبل السلام. وأجاز محمد بن عبد الحكم أنْ يسألَهم وإنْ لم يكنْ سَلم، ورأى أن ذلك كله لإصلاح الصلاةِ، وخارجٌ عن الكلامِ المَنْهِيِّ عنه، فلا فرقَ بين أن يكون ¬

_ (¬1) في (ر): (الثانية). (¬2) أخرجه مسلم: 1/ 404، في باب السهو في الصلاة والسجود له، من كتاب الصلاة ومواضع الصلاة برقم (574).

فصل إذا شك الإمام ومن خلفه فأخبرهم عدلان أنهم أتموا

قبلَ السلام أوبَعْدَه، ولا تفسد عليه ولا على من كَلمَهُ. وعكسه أَن يرى الإمامُ أنه في ركعتين ويقوم للإتْمَام، ويرى من خَلْفَهُ أنه أَتَم فَسَبحوا به وأشاروا إليه (¬1) فلم يفقَهْ، فإنّه يكلمه واحدٌ من الجماعة، فإنْ تذكرَ أو شَك رَجَعَ إليهم وسَلمَ. وإن بَقِيَ على يقينِهِ وكان معه النفرُ اليسيرُ أَتَم صلاتَه ولم يَرْجِعْ إلى قولهِم. ويُخْتَلَفُ إِذا كان معه العَدَدُ الكثيرُ، فَعَلَى قول محمد بن مسلمة يرجع إليهم؛ لأن الغالبَ أن الوَهْمَ مَعَهُ، وإذا كان له أن يتمادى لقلةِ من خَلْفَهُ فإنه يختلف فيمن خلفه: هل يسلمون الآن أو ينتظرونه حتى يتم ثم يُسَلِّمُ بِهِم ويسجد من خلفه سجود السهو؟ لأنهم على يقين أن الإمامَ قد سها فزاد الركعتين. وعلى القول أن الصلاة تَبْطُلُ إذا زِيْدَ فيها مثلُ نصفِها- ينتظرونه مَا لَمْ يَدْخُلْ في السادسة؛ فيسلمون ولا ينتظرونه (¬2). فصل إذا شك الإمام ومن خلفه فأخبرهم عدلان أنهم أتموا وإذا شَك الإمامُ ومن خلفه فأخبرهم عَدْلان أنهم أَتَمُّوا رَجَعَ (¬3) إليهما وسَلمَ. واختلف إذا أخبره عدلٌ واحدٌ فقال مالك مرةً: لا يَجتزئ بذلك. ولم يرَ أن تبرأ ذمتُهُ بقول الواحدِ. وقال في كتاب محمد: إذا أخبره واحدٌ أنه أتم طوافه - أَرْجُو أن يكون في ذلك بعض السعة. وأراه من باب الإخبار لا من باب ¬

_ (¬1) قوله: (إليه) ساقط من (ر). (¬2) في (س): (ينظرونه). (¬3) في (ر): (رجعوا).

فصل [في نسيان سجدة من الصلاة]

الشهادات. وعلى هذا يَجتزئ بخبر (¬1) الواحدِ العدلِ في الصلاة إذا أخبره أنه أَتَم، والحر والعبد والمرأة في ذلك سواء. وإن شك فأَخْبره واحدٌ أنه لم يتم- عَمِلَ على أنْ يأتي بما شك فيه؛ لأنه الحكم لو لم يخبره. وقول المخبر: أَتْممْتَ. بخلاف قوله: إنك في ركعتين. وإن كان على يقين أنه أتَم، أو أنه في ركعتين- لم يَرْجِعْ لقول من ليس معه في صلاته، إلا أن يكونوا عددًا كثيرًا -عَلَى قول محمد بن مسلمة- فيَرجعُ إليهم إذا (¬2) قالوا: أَتْممْتَ. أو: إنك في ركعتين. فصل [في نسيان سجدة من الصلاة] وإذا نَسِيَ سَجْدَةً من الرابعة سجدها وأعاد التشهدَ وسجد بعد السلام- وإن نَسِيَ سجدة من الثالثة بَطَلَتْ؛ لأن الرابعة حالتْ بينه و (¬3) بين إصلاحها وأتى بركعة وسجوده (¬4) بعد السلام. وإن نَسِيَها من الأولى أو الثانية كان فيها قولان: فقال ابن القاسم: يكون بانيًا فيقرأ في الركعة (¬5) التي يأتي بها بأمِّ القرآن وَحْدَها، وسجوده قبل السلام؛ لأنه زاد الركعة الملغاة (¬6)، وعادت الثالثة ثانية؛ فنقص منها السورة التي مع أم ¬

_ (¬1) قوله: (بخبر) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (إذا) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (بينه و) ساقط من (س). (¬4) في (س): (وسجدة). قال في هامش المخطوطة في نسخة: (وسجوده). (¬5) في (ر): (الرابعة). (¬6) في (ر): (الملغية)، وأشار لها في هامش (س).

فصل من شك في سجدة من الرابعة

القرآن والجلسة (¬1). وقال ابن وهب وأشهب في مدونته: يكون قَاضيًا فيقرأ بأمِّ القرآنِ وسورةٍ، وسجوده بعد السلام (¬2). وإن نَسِيَ سجدتين مجتمعتين كان الجوابُ فيها مثلَ ما تقدم في السَّجدَة الواحدة، وإن كانتا مفترقتين، إحداهُما من الرابعة والأخْرَى من الثالثة- خَر إلى سجدةٍ يُتِمُّ بها الرابعة ثُم أَتَى بركعةٍ بأمِّ القرآن، وسجوده بعد. وإن كانت واحدة من الثالثة والأخْرى من الأُولَى أو الثانية كان بانيًا على قول ابن القاسم، فإن ذكر بإثرِ سجودِ الرابعة جَلَسَ وتَشَهدَ؛ لأنها ثانية، ثُم يَأتِي بركعتين بأمِّ القُرْآن، وسجوده قَبْلُ؛ لأنه زاد الملغيتين ونقص السورة التي مع أمِّ القرآن من الثانية. وعلى القول الآخر يكون قاضيًا فيأتي بالأُولَى بالحمد وسورةٍ، والثانية بالحمد، وسجوده بَعْدُ. فصل من شك في سجدة من الرابعة فإن شَك في سجدةٍ من الرابعة- سَجَدَها وتَشَهدَ وسَلمَ وسجد بعد السلام، وإن شَك: هل هي من الثالثة أو الرابعة؟ كان فيها قولان: فقول ابن القاسم يسجد الآن؛ لإمكان أَن تكون من الرابعة، ثم يأتي بركعة؛ لإمكان أن تكون من الثالثة. وقال أشهب: يأتي بركعة ولا يسجد الآن؛ لأنه إنما عليه سجدةٌ أو ركعةٌ، ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 377، والبيان والتحصيل: 1/ 511. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 377.

فصل من صلى خامسة ثم ذكر سجدة من الرابعة

والركعةُ تنوب عن السجدة (¬1). وإن شَك في سجدتين: هل هما مجتمعتان أو مفترقتان؟ أو هل هما من الثالثة أو الرابعة؟ فإنّه يأتي الآن بسجدتين؛ لإمكان أن تكونا مجتمعتين من الرابعة، ثم بركعةٍ؛ لإمكان أن تكونا مجتمعتين من الثالثة أو مفترقتين إحداهما من الثالثة والأخرى من الرابعة. وإنْ شَك: هل هما مفترقتان أو مجتمعتان من الركعتين الأوليين؟ أتى بركعتين؛ لإمكان أن تكونا مفترقتين، ثم يختلف هل يكون فيهما قاضيًا أو بانيًا؟ فصل من صلى خامسة ثم ذكر سجدة من الرابعة وإن صلى خامسةً ثم ذكر سجدةً من الرابعة كان فيها قولان: فقيل: يأتي بسجدة يتم بها الرابعة؛ لأن الخامسةَ زائدةٌ فهي ملغيّة لا تحول بينه وبين إصلاح الرابعة. وقيل: بطلت الرابعةُ بالخامسة. واختُلِفَ بعد القول ببطلانها، فقيل: يأتي بها. وقيل: لا يأتي بها؛ لأن الخامسة تعود رابعةً، وقد أتى بها بنية الرابعة. وإن شَك أنْ تكون السجدةُ من الخامسة أو الرابعة- فعلى القول الأول يأتي بسجدة؛ لإمكان أن تكون من الرابعة ويسلم وسجوده بعد (¬2). وعلى القول الثاني يأتي بركعةٍ؛ لإمكان أن تكونَ من الرابعة وقد بَطَلَتْ، ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 375. (¬2) قوله: (وسجوده بعد) يقابله في (ر): (ويسجد سجدتين بعد السلام).

والخامسة لا تنوب عنها. وعلى القول الآخر يُسَلِّمُ ويَسْجُدُ لسهوه، ولا شيءَ عليه غير ذَلِك؛ لأنه يقول: إذا كانت السجدةُ من الخامسة فقد سَلِمَتْ الرابعةُ، وإن كانتْ من الرابعة فقد بَطَلَتْ وسَلِمَت الخامسةُ، وهي تنوب عنها. وإن قال: لا أدري أسقطتُ سجدةً أو سجدتين مجتمعتين أو مفترقتين؟ فعلى القول الأول يكون بمنزلة من لم يصلِّ الخامسةَ؛ فيأتي بسجدتين ينوي بههما تَمَامَ الرابعة؛ لإمكان أن تكونا مجتمعتين منها، والخامسةُ ملغية لا تحول بين إصلاحها. وعلى القول الثاني يأتي بسجدة ينوي بها الخامسة؛ لإمكان أن تكونا مفترقتين؛ فتكون الرابعةُ قد بَطَلَتْ بالخامسة، والخامسةُ تَنُوبُ عنها وهي ناقصة سجدة. ولا يأتي بسجدتين بحال؛ لأنه إن كانتا مجتمعتين من الخامسة فقد سَلِمَتْ الرابِعَة، وإن كانتا من الرابعة فَقَدْ سَلِمَتْ الخامسةُ وهي تَنُوبُ عنها. وعلى القول الآخر يأتي بركعة؛ لإمكان أن تكونا مجتمعتين من الرابعة أو إحداهما وقد بَطَلَتْ، والخامسة تمنع إصْلاحها، فكان عليه أن يأتي بركعة. وقال ابن القاسم في إِمَامٍ سها في الظهر فَصَلى خمسًا؛ فتبعه قومٌ سَهْوًا وقوم عَمْدًا، وقولم قعدوا ولم يتبعوه: فإنه يعيد من اتبعه عامدًا، وتَمّت صلاةُ من سواه من إمامٍ أو مأمومٍ (¬1). قال محمد: فإن قال بعد السلام: كنتُ ساهيًا عن سجدةٍ- بَطَلَتْ صلاةُ من جَلَسَ، وتمتْ صلاةُ من اتبعه سَهْوًا أو عَمْدًا (¬2). يريد: إذا أسقطوها هم ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 218. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 388.

أيضا. والصواب أن تَتِم صلاةُ من جلس ولم يتبعه؛ لأنه جلس متأولا، وهو يرى أنه لا يجوز له اتباعُه، وهذا أعذر من الناعس والغافل. وتَبْطُلُ صلاةُ من اتبعه عَمْدًا إذا كان عالما أنه لا يجوز له اتباعُهُ، وإن كان جاهلا يظنُّ أن عليه اتباعَهَ- صَحتْ صلاتُهُ. وقد قال مالك فيمن أَدْرَكَ الإمامَ في الثانية فَسَها الإمامُ وصَلى خامسة فَصَلاها معه وهو لا يعلم: صَحتْ صلاتُهُ، وكملت له رابعة، ولو عَلِمَ بَطَلَتْ صلاتُهُ. فأبطل الصلاة مع العمد وإن تبين أنها رابعة. واخْتُلِفَ إذا ذكرَ الإمام في تشهد الرابعة أنه لم يسجد في الأُولى وكان سجدها من خلفه: قال محمد: تمَتْ صلاةُ القوم، ويقضي الإمامُ تلك الركعة كما فاتَتْه بعينها، ولا يتبعه فيها أحدٌ دَخَلَ معه تلك الساعة، فصار الإمام بمنزلة المستخلف بعد ركعة (¬1). وقول سحنون لا تُجزئهم تلك الركعةُ التي سجدوا فيها دوُنَهُ (¬2) ولا يحتسب جميعُهُم إلا بثلاثِ ركعات، ويأتي الإمامُ بركعة ويتبعونه فيها. واختُلف إذا ذَكَرَ الإمامُ وهو قائم في الثانية: فقيل: يُستحب لمن خَلْفَهُ أن يعيد سجودَها معه، وهو بمنزلة من رفع من الركعة أو السجدة قبل إمامه، فإن لم يرجع مع الإمام أجزأته ركعته. وقال سحنون: يجب عليهم أن يسجدوها معه (¬3). وقال ابن القاسم في العتبية: لا يسجدوها معه، وسجدتُهم الأولى تُجْزئهم، ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 380. (¬2) قوله: (دونه) زيادة من (ر). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 388.

فصل من نسي السجود في الأولى فذكر وهو قائم في الثانية

فإذا أتمُّوا قام الإمامُ ومن سها بسهوه فَصَلَّوا ركعةً بسجدتيها يؤمُّهم فيها الإمامُ (¬1). قال: وأحب إلي أن يعيدَ (¬2) الذين سجدوا دون الإمام، وهو أحبُّ إلي من أن يأمرهم أن يسجدوا ثانيةً فيزيدوا في صلاتِهم متعمدين أو يقوموا معه، ولا يسجدوا فيكونوا قد صَلوا خمسًا (¬3). فصل من نسي السجود في الأولى فذكر وهو قائم في الثانية ومن نَسِيَ السجودَ من الأولى (¬4) فَذَكَرَ وهو قائم في الثانية عاد إلى سجودها، وإن ذَكَرَ بعد أن رفع من الثانية بَطَلَتْ الأُوْلَى وعادتْ الثانيةُ أُوْلَى. واختُلِفَ إذا ذَكَرَ وهو راكعٌ، فقيل: ذلك عقدٌ للركعة؛ فيمضي فيها، وقد بَطَلَت الأُولى (¬5). وقيل: ليس بعقدٍ لها، ويعود إلى إصلاح الأُولى (¬6). وجعله محمد بالخيار بين أن يمضي على التي هو فيها، أو يمضي على إصلاح الأولى؛ لما كان لا تصح له سوى رَكْعَةٍ (¬7)، وإِنما يفترق الأمرُ في النية، وإما أن يرفع ويَنْوِي تَمَامَ ما هو فيه أو (¬8) إصلاح الأولى، وفي (¬9) كلا الأمرين ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 63، والنوادر والزيادات: 1/ 383. (¬2) في (ر): (يعيدوا). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 63. (¬4) في (ر): (أول ركعة). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 374. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 374. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 374. (¬8) في (ر): (و). (¬9) في (ر): (وفيه).

[فصل في هيئة العود للإصلاح]

إنما يأتي بسجوده. [فصل في هيئة العود للإصلاح] (¬1) واختُلِفَ بعد القول أنه يعود إلى إصلاح الأُولى: هل يرفع لينحطّ إلى السجود من القيام حسبما كان يفعل لو لم يسهُ؟ وإن نَسِيَ وسجد واحدةً- لم يعد إلى القيام؛ لأنه كان انحط إلى السجود من قيام. واختُلِفَ: هل ينحط للسجود أو يجلس ثم يسجد إذا لم يكن جلس؟ والقولُ إن وضع اليدين على الركبتين عقد الركعة أحسنُ؛ لأن المقصودَ من تلك القُرْبَةِ أن يمْتثل الخضوعَ لله سبحانه على تلك الصفة، والمراد بالرفع أن ينحط إلى السجود من قيام؛ لأنه أبلغ للتواضع لتلك القربة الأخرى. وأما إذا نَسِيَ سجدةً فالصوابُ أن يجلسَ ثم يسجد، وهو في هذا بخلاف من قام من الجلسة الأولى قبل التَشَهُّدِ، فإن ذلك لا يرجع إلى الجلوس؛ لأنه تلبس بالفرْضِ الذي بعد تلك السُّنة، فلا يسقطُهُ لسُنةٍ، وهذا تَلَبُّس بفرضٍ حكمه أن يسقط لأجل فرض وهي السجدة، فإذا سقط لأجل فرض (¬2) ولم يعتد به كان بمنزلة من لم يتلبس به، ووجب أن يأتي بالجلوس ثم يسجد. وإن نَسِيَ السجودَ من الأُولى والرُّكوع من الثانية وأتى بسُجُودِهَا- كان فيها قولان: فقال ابن القاسم: لا يجزئه هذا السجودُ عن سجود الأولى (¬3)؛ لأن ¬

_ (¬1) قوله: (فصل. . . للإصلاح) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (لأجل فرض) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (عن سجود الأولى) يقابله في (س): (هذا السجودُ الأول).

نيتَهُ كانت فيه للثانية (¬1). وقال محمد بن مسلمة فيمن سها عن سجودِ الرابعة وأَتَى بسجدتين عن سَهْوٍ دَخَلَ عليه في صلاتِهِ قَبْلَ السلام، ثم ذَكَرَ أَنه لم يَسْجُدْ في الرابعة: إن سجدتي السهو تجزئانه عن سجدتَي الرابعة. وعلى هذا تجزئه سجدتا الثانية عن الأولى، بل هو في هذه أَحْرَى؛ لأنه فرضٌ كلُّهُ، وهذا نفل عن فرض. وإن قرأ وسجد ونسي الركوعَ فقال مالك في سماع أشهب: يرجع قائما ثم يركع (¬2). قال: ولو أنّه قَرَأَ قبل أن يركع كان أحب إلي، ويجري فيها قولٌ آخرُ: أنه يرجع مُحْدَوْدِبًا؛ فيطمئنُّ راكعًا ثم يرفع فتجزئه، وهذا على القول أن الانحطاطَ من الركوع ليس بفرضٍ (¬3). وإِنْ رَكَعَ وسَها عن الرفع من الركوع وانحط للسجود فقال مالك في العتبية: تجزئه (¬4). فجعل الرفعَ سنةً. وقال أَيْضًا: يَتَمَادَى وَيُعِيدُ (¬5). وهذا جوابُ من ترجح (¬6) عنده الأمرُ (¬7): هل هو فرضٌ أو سنة؟ فلم يأمرْهُ (5) الرجوع إلى الرفع؛ لإمكان أن يكون سنة، ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 220. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 477، والنوادر والزيادات: 1/ 377. (¬3) يشير المؤلف إلى مسالة القصد إلى الأركان هل هو فرض أم لا؟ انظر ما قاله ابن الحاجب في مختصره: 1/ 137 عن هذا، والدسوقي في حاشيته: 1/ 235، 341، وغيرهما. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 53، والنوادر والزيادات: 1/ 356. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 356. (¬6) سبق تعريف الترجح في كتاب الصلاة الأول، ص: 275. وهو بمعنى التذبذب بين شيئين. (¬7) قوله: (الأمر) ساقط من (س).

وأَمَرَ بالإعادة؛ لإمكان أن يكون فَرْضًا. وقال محمد: يرجع إلى الركوع مُحْدَوْدِبًا ثم يرفع ويسجد بعد السلام، وإن رَجَعَ إلى القيام أعاد صلاتَهُ. فَجَعَلَ الرفْعَ فَرْضًا. وقال ابن حبيب: يرجع إلى القيام مُعْتَدِلًا كالرافع من الركوع. وهذا أحسنُ؛ لأن القصد من الرفع أَن ينحط منه للسجود. قال: وإن لم يذكر حتى رَكَعَ التي تليها مَضَى في صلاتِهِ حَتى يُتِمها على تلك الركْعَةِ وَيُعِيدُ. قال: ولم يأمرْهُ أَن يُلْغِيَ تلك الركعة للاختلاف. قال الشيخ أبو الحسن - رضي الله عنه -: وقياس القول أنه يرجع إلى القيام إذا كان في تلك الركعة- أن يقول: يلغيها إذا حال بينه وبين إصلاحها ركعةٌ أخرى. ويختلف إذا تَرَكَ الرفعَ متعمِّدًا، هل تَبطل صَلاته، فَقال ابنُ حبيب: يَمْضِي ويعيد للاختلاف. وقياس قول محمد تفسد عليه، والصحيح أن الرفع فرض لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - للأعرابي: ". . .ارْجعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكلعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَافِعًا. . ." الحديث (¬1). وإن نَسِيَ الجلسة الأُولى (¬2) حتى استوى قائمًا لَمْ يرجع، لحديثِ ابن بحينة قام من اثنتين فسبحوا به فلم يرجع، فلما فَرَغَ من صلاتِهِ سجد ثم سلم، وقال: "هَكَذَا صَنَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -". وهذا حديث صحيح ذكره الترمذي (¬3)، وليس ¬

_ (¬1) سبق تخريجه في كتاب الصلاة الأول، ص: 266. (¬2) في (ر): (الوسطى). (¬3) حديث ابن بحينة في الترمذي بغير لفظ المؤلف، وهو عنده من طريق المغيرة بن شعبة، أخرجه في سننه: 2/ 201، في أبواب الصلاة، باب ما جاء في الإمام ينهض في الركعتين ناسيا، من أبواب الصلاة برقم (365)، وقال: حديث حسن صحيح.

فصل في السهو عن الأقوال

في حديث الموطأ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سبح به وهو قائم. واختلف إذا لم يستوِ قائمًا، فقال مالك في المدونة: إن استقل عن الأرض تمَادى (¬1). وقال في الواضحة: يرجع ما لم يستوِ قائمًا (¬2). وهو أحسنُ، فيرجع ما لم يتلبس بالفرض الذي بعد الجلوس وهو القيام. وإن رجع بعد أن استوى قائما سَهْوًا- لم تفسد صلاتُهُ. وسجد عند ابن القاسم بعد السلام. وقال أَشْهَبُ: قَبْلُ (¬3). وهو أَبْيَنُ؛ لأنه اجتمع عليه سهوان، زيادة ونقصان. وقال سحنون: إذا رَجَعَ فليتمّ جلوسه ولا يقوم، ويكون سجودُهُ على هذا بعد السلام (¬4). والأولُ أصوب؛ لأن حكمَ الجلوسِ سقط بالقيام، وكذلك إذا رجع عامدًا وظَن أن ذلك الواجب عليه، فإن صلاتَهُ تَصِحُّ. فصل في السهو عن الأقوال وهذا الجوابُ عَنْ تَرْكِ الأفعال، وأما الأقوال فهو أن يسهو في القراءة فيسر فيما يجهر فيه، أو يجهر فيما يسر فيه، أو يسهو عن التكبير مما سوى تكبيرة الإحرام، أو عن قول: سَمِعَ اللهُ لمن حمدَهُ، أو عن التشهدَيْنِ أو عن السلام. فقد تَقَدَم في الكتاب الأول (¬5). إذا سها عن تكبيره الإحرام، وعن القراءة. فإن سها فأسر في الجَهْر أَو جَهَرَ في السرِّ حَتى رَكَعَ- مَضَى في صَلاته ولم يرجع ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 222. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 356. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 358. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 358. (¬5) قوله: (الأول) ساقط من (س)، والمؤلف يعني كتاب الصلاة الأول.

لتلك القراءة؛ لأن سهوه ذلك عن سنةٍ، فلا يعود إليه بعد أن (¬1) تَلَبسَ بفرض، وسجوده إذا جَهَرَ فيما يسرُّ فيه بعد السلام. واختُلِفَ إذا أَسَر فيما يُجْهَرُ فيه، فقال ابن القاسم: يسجد قبل السلام (¬2). وقال أشهب عن مالك في مدونتِهِ: يسجد بعد السلام. قال (¬3): وهو أحبُّ إلي مِن أَن يسجدهما قبل. وإن ذَكَرَ قبل أن يَرْكَعَ وكان (¬4) قد أسر فيما يجهر فيه أعاد القراءة جَهْرًا. واختُلِفَ في السّجود، فقال ابن القاسم في العتبية: يسجد بعد السلام. وقال أشهب: لا سجودَ عليه. والأول أحسنُ؛ لأن السجودَ يُتَقَربُ بِهِ إلى الله سبْحانَهُ؛ لأجل غفلته في حين تقربه إليه حتى دخل عليه ذلك السهو، ولو كان إتيانُه بتلك السنة التي سها عنها يسقط عنه السجود- لم يسجد إذا سَها عن فَرْض؛ لأنه لا بد له أنْ يَأْتِيَ بذلك الفَرْض. واختُلِفَ إذا أَسَر فيما يجهر فيه عَمْدًا، فقال ابن القاسم في العتبية: يُعيد ويُعيدون (¬5). وقال عيسى بن دينار: ويعيدون في الوقت (¬6). وقال أصبغ: يستغفرون الله، ولا شيءَ عليهم (¬7). ¬

_ (¬1) قوله: (بعد أن) يقابله في (س): (إذا). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 223. (¬3) قوله: (قال) ساقط من (س). (¬4) قوله: (كان) ساقط من (ر). (¬5) في (ب) و (س) و (ش 2): (يُعيدون وإن ذهب الوقت). وانظر: البيان والتحصيل: 2/ 34، والنوادر والزيادات: 1/ 354. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 357. (¬7) قوله: (يستغفرون الله، ولا شيءَ عليهم) يقابله في (س): (يستغفر الله، ولا شيءَ عليه). =

وعلى هذا يجري الجواب إذا جهر فيما يسرُّ فيه عَمْدًا، وكذلك من تعمد ترك شيءٍ من السنن، فقد اختلف فيه على أربعة أقوال: فَقيل: لا شيء عليه. وقيل: يعيد ما دام في الوقت. وقيل: تبطل صلاته. وقيل: يسجد سجود السهو. وهو أبينها، ولا تبطل الصلاة؛ لأنه (¬1) لم يترك واجبًا، ويأتي بالسجود تقربًا إلى الله -عز وجل-. ولا يكون في ترك السُّنّة أدنى رتبة ممن سها عنها، وذكر ابن الجلاب هذه الأقوال، إلا الإعادة في الوقت (¬2). واختلف في الإمام يسرّ فيما يجهر فيه فسبحوا به فلم يجهر، فلما فرغ قال: قرأت سّرًا. هل يصدق؟ قال مالك: ما أراه قرأ، وليعد من صلى خلفه (¬3). وقال ابن القاسم في العتبية: إن قال: كنت ناسيًا سجد وسجدوا، وإن قال: كنت عامدًا أعاد وأعادوا. فصدّقه إذا ادعى سهوًا (¬4). قال الشيخ أبو الحسن: وأرى أن يصدق إذا كان لا يُتهم في دينه فإن كان على (¬5) غير ذلك لم يصدق، إلا أن يكون نظروا إليه حين قيامه، فيعمل (¬6) على ما يتبين لهم حينئذ. وفي الصحيحين: "قِيلَ لِخَبَّاب: بِمَ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ" (¬7). فإن رُئِيَ ذلك من هذا الإمام، وإلا لم ¬

_ = وانظر: البيان والتحصيل: 2/ 34، والنوادر والزيادات: 1/ 355. (¬1) في (س): (لأنه إذا). (¬2) انظر: التفريع: 1/ 95. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 424، والنوادر والزيادات: 1/ 354. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 34. (¬5) قوله: (على) ساقط من (ر). (¬6) في (ر): (فيعملوا). (¬7) أخرجه البخاري: 1/ 264، في باب القراءة في العصر، من كتاب صفة الصلاة في صحيحه، =

يصدق؛ ولأن القراءة في النفس لا تجزئ إذا لم يحرك بها لسانه. واختُلِفَ في السجود إذا سها عن تكبيرة أو تكبيرتين: فقال مالك: من نَسِيَ تكبيرة فليسجد (¬1). وقال أيضا: لا يسجد (¬2)، وإن نسي تكبيرتين سجد (¬3). وفيمن نسي "سمع الله لمن حمده" مثل ذلك. واختُلِفَ إذا جعل موضع "سمع الله لمن حمده" "الله أكبر"، وموضع "الله أكبر" "سمع الله لمن حمده": هل يسجد أم لا؟ فقال في الواضحة: يسجد؛ لأنه زاد ونقص (¬4). فإن نسي ثلاثَ تكبيرات فأكثر، أو نسي التكبير كله سوى تكبيرة الإحرام - سجد قبل السلام، فإن لم يسجد قبل سجد بعد، فإن لم يسجد حتى طال الأمرُ أعاد الصلاة. وهو قول ابن القاسم في المدونة (¬5)، وهذا يصح على القول أنه إذا تعمد ذلك يعيد. وخالف أشهب في جميع ذلك فقال في مدونته فيمن نَسِيَ التكبيرَ في الرُّكوع والسُّجود: ما أرى عليه في ذلك سجودًا واجبًا، أرأيتَ لو سها عن التسبيح في الرُّكوع والسُّجود، أكان عليه في ذلك سجدتا السهو! قال: وأحبُّ إلي أن يسجد بعد السلام؛ لأني لا أراه لازمًا (¬6). ¬

_ = برقم (727)، ولم أقف عليه في صحيح مسلم. (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 355. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 221. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 356. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 356. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 221. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 355.

فصل وإن نسي التشهد الأول قبل أن يفارق الأرض رجع

وأوجب (¬1) السُّجود إذا نَسِيَ التكبير السبع أو الخمس في العيدين. الخلاف فيمن ترك سُنَّة عمدًا ويختلف إذا ترك (¬2) التكبيرَ كله سوى تكبيرة الإحرام عمدًا: هل تبطل صلاته أم لا؟ وعلى قول أشهب- لا شيءَ عليه؛ وأنه عنده بمنزلة من ترك (¬3) التسبيح. وعلى القول أنه سنة- يعيد الصلاة. وقيل: لا يعيد ويسجد. وكل هذا في الإمام والفذِّ، وأما المأموم فلا سجودَ عليه إن سها في جميع التكبير، ولا إعادة إن تعمد ذلك. فصل وإن نسي التشهد الأول قبل أن يفارق الأرض رجع وإن نَسِيَ التشهدَ الأول ثُم ذكر (¬4) قبل أن يفارق الأرضَ- رَجَعَ فتشهدَ، ويختلف إذا فارق الأرضَ ولم يستوِ قائمًا حسبما تقدم فيمن نَسِيَ الجلوس؛ لأن الجلسة إنما كانت ليتشهدَ فيها، فإذا جلس ولم يتشهد- رَجَعَ فتشهدَ، فإن استوى قائمًا لم يرجع وَيَسْجُدُ قبل السلام، فإن لم يسجد قبلُ سجد بَعْدُ، فإن لم يسجد حتى طال ذلك- سجد ولم يعدِ الصلاة. واختُلف في التَّشَهُّدِ الأخير (¬5)، فجعله مرةً مثل التَّشَهُّدِ الأول، وقال في ¬

_ (¬1) في (ر): (فأوجب). (¬2) في (س): (نسي). (¬3) قوله: (من ترك) ساقط من (ب). (¬4) قوله: (ثم ذكر) ساقط من (ب). (¬5) في (ر): (الآخر).

المبسوط: إذا انصرف وكان على طهر قريبًا من مُصلاه- رجع إليه وجَلَسَ وكبرَ وتشهدَ لسهوه ثُم سَلمَ، وإن بعد مُصلاه وهو على طهْره- جَلَسَ حيثُ هو وكبر ثم تشهدَ، وإن لم يذكر حتى انتقض وضوؤُه- توضأ واستأنف الصلاةَ في الوقت وبعده (¬1). وقد اشتمل هذا الجواب (¬2) على ثلاثة أوجه: أحدها: أنه يرجع إلى مُصلاه إذا كان قريبًا، ولم يجعله في مكان ذَكَرَ فيه. والثاني: أنه جعل التشهدَ واجبًا تُعاد له الصلاةُ وإن ذَهَبَ الوقتُ. والثالث: إصلاح الصلاة من الواجب وإن طال. وهذا مثل قول ربيعة فيمن نسي بعضَ صلاتِهِ- أنه يأتي به وإن بعد ما بينهما ما لم تنتقض طهارتُهُ. قال ابن نافع: قال مالك: فإن كان إمامًا نَسِيَ التشهدَ- صَنَعَ كما يصنع من نَسِيَ ذلك وحدَه، وإن طال حتى تجب عليه الإعادة فليس على الناس أن يستأنفوا معه. يريد إذا تشهدُوا. قال: وإن كان مأمومًا حمله عنه (¬3) الإمام. وقال ابن القاسم في المجموعة: إذا نَسِيَ تشهد الأخير حتى سلم الإمامُ- فليتشهدَ ولا يدعو ويسلِّم (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 223. (¬2) في (ر): (الخلاف). (¬3) في (ب): (عليه). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 361، وعبارته: (قال مالك من نسي التشهد حتى سلم الإمام وهو معه، قال يتشهد ويسلم ولا يدعو بعد التشهد)، وقد ذكره في النوادر والزيادات: 1/ 357، بلفظ: (ومن نسي التشهد الآخر، حتي سلم الامام، فليتشهد، ويدعو ويسلم). والظاهر أنه تصحيف.

فصل فيمن نسي السلام

فصل فيمن نسي السلام وإنْ (¬1) نَسِيَ السلامَ فإنه لا يخلو أن يذكره وهو بموضعه ولم يطل، أو بعد أن فارق الموضع ولم يطل، أو بعد أن طال. فإن ذكر وهو بموضعه- استقبل القبلة وسَلمَ، ولم يكن عليه أن يكبِّرَ ولا أن يتشهد، ويسجدُ لسهوه بعد السلام. واختُلف إذا فارق الموضع هل يكبِّر؟ وهل يكون تكبيرُهُ وهو قائم أو بَعْدَ أَن يجلس؟ وهل يَتَشَهَّدُ؟ فقال مالك في المختصر: يكبّر ثم يجلس (¬2). وقال ابن القاسم في المجموعة: يجلس ثم يكبِّرُ وَيَتَشَهَّدُ ويسلِّم ويَسجدُ بعد السلام (¬3). وقال في كتاب ابن سحنون: يجلس ويسلم. ولم يذكر تكبيرا (¬4)، وفي كتاب محمد: يكبِّرُ وهو قائم. ولم يجعل عليه (¬5) أن يتشهدَ. ولا أرى عليه تَكْبيرًا بحال؛ لأنه لم يخرج من الصلاة لما لمْ يُسلِّم، وهو بخلاف من سلم من اثنتين وخالف بموضعه، فإنه يرجع بتكبير على اختلاف فيه، إلا أن يطول (¬6) ذلك مراعاة لمن قال إنه يخرج من الصلاة بغير سلام؛ لأنه ¬

_ (¬1) في (ر): (وإذا). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 358. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 357. (¬4) في (ر) و (ب): (وقال في كتاب ابن حبيب: يكبر ويسلم، ولم يذكر التشهد). وانظر: النوادر والزيادات: 1/ 357. (¬5) قوله: (عليه) ساقط من (س). (¬6) في (س): (يقول).

فصل في أحاديث السهو

لما نَسِيَ السلام نوى في حين انصرافِهِ الخروجَ من الصلاة. وإعادةُ التشهدِ استحسانٌ، وقد استحسن مالك فيمن قَرأَ ونَسِيَ الركوعَ حتى سجد فعاد إلى الركوع -أن يعيد القراءةَ قبل أن يركع (¬1)، وإن طال الأمرُ وانتقضتْ طهارتُهُ- اسْتَأنْفَ الصلاة، وإن لم تنتقضْ فَسَدَتْ على أصله في المدونة (¬2)، ولم تفسد على قوله في المبسوط إذا نسي التشهدَ. وقال ابن القاسم فيمن شك في السلام: سَلّمَ ولا سجود عليه (¬3). قال: لأنه إن كان سلم فسلامُه هذا لغير شيء، وإن لم يسلم فسلامُه هذا يجزئُهُ (¬4). يريد: إذا كان في مقامه ولم يطل، فإن فارق الموضع (¬5) وطال- عاد الجواب في السجود وفي إعادة الصلاة إلى ما تَقَدمَ إذا لم يكن سلم؛ لإمكان أن يكونَ لم يسلِّمْ. فصل في أحاديث السهو وأحاديثُ السهْوِ ثلاثةٌ: حديثُ ابن بحينة قال: قام النبي - صلى الله عليه وسلم - من اثنتين ولم يجلس، فلما قضى صلاته سجد سجدتين قبل السلام (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 477، والنوادر والزيادات: 1/ 377. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 221، 222. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 224. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 224. (¬5) في (ب): (أو طال). (¬6) متفق عليه أخرجه البخاري: 1/ 285، في باب من لم ير التشهد الأول واجبًا لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام من الركعتين ولم يرجع، من كتاب صفة الصلاة في صحيحه، برقم (795)، ومسلم: 1/ 399، في =

وحديث ذي اليدين: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في سلم من اثنتين ثم قام إلى خشبة في المسجد، فقال ذو اليدين: أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت؟ فقال: "كل ذلك لم يكن. . ." (¬1)، وفي حديث آخر: "ما قصرت وما نسيت"، ثم قال لأصحابه: "أحق مما يقول هذا؟ " قالوا: نعم. فصلى ركعتين ثم سلم ثم سجد سجدتين (¬2). واختلفت الرواية: هل سَلمَ بعد سجوده؟ (¬3). والثالث: حديث ابن مسعود "أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا. فَقِيلَ لَهُ: أَزِيدَ فِى الصَّلًاةِ؟ فَقَالَ (¬4): وَمَما ذَاكَ؟. قِيلَ: صَلَّيْتَ خَمْسًا. فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَالتَّسْلِيمِ" (¬5). وقد اجتمع على هذه الأحاديث البخاري ومسلم. وأبان في الحديث الأول أن الجلسة الأُوْلَى ليست بفرضٍ؛ لأنها لو كانت فَرْضًا لم يُجْزِ عنها سجودُ السهو. وأبان في حديث ذي اليدين أن فِعل ما يضاد الصلاةَ إذا كان على سهو - لا يفسدها؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نوى الخروجَ من الصلاة واسْتَدْبَرَ القبلةَ ومَشَى وجَلَس وتَكَلمَ، وكلُّ ذلك إذا فَعَل المُصَلِّي منه واحدًا عَمْدًا- بَطَلَتْ صلاتُه. فأخذ مالك بهذا فيما قرب أن الصلاة لا تَبْطُلُ (¬6)، واختلف عنه فيما طال ¬

_ = باب السهو في الصلاة والسجود له، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة برقم (570). (¬1) سبق تخريجه، ص: 395. (¬2) سبق تخريجه، ص: 499. (¬3) قوله: (سجوده) ساقط من (ر). (¬4) في (س): (فقال مالك). (¬5) متفق عليه أخرجه البخاري: 1/ 411، في باب إذا صلى خمسا، من أبواب السهو في صحيحه، برقم (1168)، ومسلم: 1/ 400، في باب السهو في الصلاة والسجود له، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم (572). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 371.

وبعد، فقال مرةً: تبطُلُ الصلاةُ. وقال في المبسوط في مسألة التَشَهدِ: لا تبطُلُ. وقد تَقَدمَ. وقال ربيعة: لا تبطُلُ، فلو نَسِيَ ركعة من الظهر فذَكَرَها عند المغرب (¬1) وهو على طَهَارَةٍ لأتى بها وأجزَأت عنه. وإليه ذهب أشهبُ في مدونته فقال فيمن سَلم من ركعتين: يَبنِي ما لم يَخرج من المَسْجِدِ، قال: وذلك استحسان. قيل له: فإن كان في صَحْن السجد؟ (¬2) قال: فإن تجاوز الصفوفَ بقدر ما لا ينبغي أن يصلي بصلاتهم اسْتُحْسِنَ ذلك (¬3). قال: والقياس أن يقال: ما لم ينتقض وضوؤه (¬4)، ويقول: إذا خطا خطوةً انتقضتْ صلاتُهُ. وذَكَرَ قَوْل ربيعة. يريد: أن ذلك مما يضاد الصلاة، وإما أن يُقال: قليله وكثيره يُفْسِدُ الصلاةَ. أو يُقال: لا يفسدها لما كان سَهْوًا. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث ذي اليدين (¬5)، إن ذلك لا يفسد الصلاة، ولم يزل به في أكثر، واستأنف الصلاة، والقياس يُلْحقه به؛ لأن الصلاةَ لم تَفْسد في حديث ذي اليدين؛ لأجل كونه قليلًا، وإنما كان لأجلِ كويهِ على وجهِ السَّهُوِ. وأبان في حديثِ ابن مسعود (¬6) أن الزيادةَ في العدد لا تُفسدُ الصلاةَ، وذلك أيضًا كان سَهْوًا، وكانت الزيادةُ يسيرةً وهي ركعة. واختُلِفَ إذا كَثُرَ السَّهْوُ فقال عبد الملك بن الماجشون: يُعيد الصلاة، ¬

_ (¬1) في (ب): (الغروب). (¬2) في (ب): (صحراء). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 377. (¬4) قوله: (ينتقض وضوؤه) يقابله في (ب): (تنتقض طهارته). (¬5) حديث ذي اليدين: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سلم من اثنتين. . . سبق تخريجه ص: 395. (¬6) حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر خمسًا .. سبق تخريجه، ص: 518.

فصل في أحاديث الشك

وزيادةُ الركعتين في الظهر طولٌ. قال: وليس هذا من قِبل أنها نصف الصلاة؛ لأنِّي لا أرى زيادةَ ركعةٍ في الصبح طوُلًا وهي نصف الصلاة (¬1). وقال ابن نافع وابن كنانة في ثمانية أبي زيد: يُراعى نصف الصلاة، فتفسد الصبحُ وصلاة الجمعةِ والمسافرِ بزيادةِ ركعة، والظهرُ في الحضر بزيادة ركعتين (¬2). وقال مطرّف عن مالك: لو صَلى الظهْرَ ثمانيًا، والمسافرُ أكثرَ من أربع لم تَبْطُلْ صلاتُهُ. ففرق مطرف بين ذلك وبن من أطال في غير صلاةٍ؛ لأن هذا في قربة بطاعة لله سبحانه فلم تَبْطُل. فصل في أحاديث الشك وأحاديث الشك ثلاثة: - حديث أبي هريرة قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصَلِّي جَاءَهُ الشَّيْطَانُ فَلَبَسَ عَلَيْهِ، حَتَّى لًا يَدْرِي كَمْ صَلَّى، فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ" (¬3). - وحديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ في صَلَاتهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى، فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 361. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 361. (¬3) متفق عليه أخرجه البخاري: 1/ 413، في باب السهو في الفرض والتطوع، من أبواب السهو، برقم (1175)، ومسلم: 1/ 397، في باب السهو في الصلاة والسجود له، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة برقم (389)، ومالك في الموطأ: 1/ 100، في باب العمل في السهو، من كتاب السهو، برقم (224).

سَجْدَتيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتهُ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا كَانَتْ تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ" (¬1). - وحديث ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ". . . إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاِتهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ وَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ. . ." (¬2)، وقال أيضًا: ". . .فَلْيَتَحَرَّ أَقْرَبَ ذَلِكَ إِلَى الصَّوَابِ. . ." (¬3)، وقال: ". . فَلْيَنْظُرْ أَحْرَى ذَلِكَ إِلَى الصَّوَابِ. . ." (¬4). فأما الحديثان الأولان فقد تَعارضا؛ لأنه لم يجعل عليه في الأول أن يأتي بما شَك فيه، وجَعَلَ ذلك عليه في الحديث الآخر وأجاز بعض أهل العلم أن يأخذ بأيهما أحب، لعدم الترجيح (¬5)، ومنهم من أخذ بحديث أبي سعيد؛ لأنه ترجّح على الأول بالقياس؛ لأن محمل من شك، هل صَلى؟ على أنه لم يصلِّ حتى يعلم أنه صَلى؛ لأن الأصل عدم الفعل حتى يعلم أنه فعل، ولأن الركعة في الذمة بيقينٍ، فلا يبرأ منها بشكّ، وقياسًا على من شك في جملةِ الصلاة: هل صلى أو لم يصلِّ؟ فإنه لا يبرأ من ذلك بالشكّ. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم: 1/ 400، في باب السهو في الصلاة والسجود له، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة برقم (571). (¬2) متفق عليه أخرجه البخاري: 1/ 156، في، أبواب القبلة، باب التوجه نحو القبلة حيث كان، من أبواب القبلة في صحيحه، برقم (392)، ومسلم: 1/ 400، في باب السهو في الصلاة والسجود له، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة: برقم (572). (¬3) أخرجه مسلم: 1/ 400، في باب السهو في الصلاة والسجود له، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة برقم (572). (¬4) أخرجه مسلم: 1/ 400، في باب السهو في الصلاة والسجود له، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم (95/ 572). (¬5) قوله: (في الحديث. . . . . الترجيح) يقابله في (ر)، (ب): (وذكر الطبري عن بعض أهل العلم أنه يأخذ بأيِّها أَحَب، لعدم التواريخ). وكلام الطبري المذكور في (ر) انظره في تهذيب الآثار: 1/ 64.

ومن الناس من تأول الحديثَ الأول على من يتكرر (¬1) ذلك منه (¬2)، وهذا فاسد لوجهين: أحدهما: أن مفهوم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإذا وجد ذلك أحدكم" فإنه بأول الوجود. والثاني: أنه فَتوى لمن نزل ذلك به، وليس بنازلة في عين، فيقال: إنه فهم من السائل أنه يتكرر عليه. وهذا مع تساوي الشك فإنه يأتي بما شك فيه، واختُلِفَ إذا غلب على ظنه أنها أربع: فقيل: الجواب كالأول، وعليه أن يأتي بركعة. وقيل: تجزئه صلاتُهُ ولا يأتي بركعة (¬3)؛ لحديث ابن مسعود، وأنه يتحرى أقرب ذلك إلى الصواب. قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما إذا ترجح له أنها رابعةٌ والشكُّ في نفسه بعد ذلك قويٌّ - فإنه يأتي بركعة. وإن ضَعُفَ الشكُّ وصار عنده كالوَسْوَسَةِ في التحري؛ فيستحسن أن يجتزئ بها من غير ركعة. وكل هذا إذا لم يتكرر عليه الشكُّ، وإنْ تكررَ حمل على أَنها أربع ولم يكن عليه أَن يأتي بالرابعة. وهذا إذا كان السابقُ إليه أنه في أربع ثُم شكّ أنْ يكون في ثلاثة. وإن سبق إليه أنه في ثلاثة ثُم شَك: هَل هي رابعة؟ أتى بالرابعة أبدًا. وقال مالك في كتاب محمد: فإن كَثُرَ عليه الشكّ في صلاتِهِ: لا يدري سها أم لا- فإنه يسجد بعد السلام، وإن كَثُرَ عليه السهوُ تَرَكَ سجودَ السهو (¬4). ¬

_ (¬1) في (ب): (يكثر). (¬2) قوله: (منه) زيادة من (ب). (¬3) في (ر): (بالركعة). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 363.

فصل في الخلاف في سجود السهو في إيقاعه

قال محمد: وهي خلاف التي قبلها (¬1). يريد: أن من كثر عليه الشكُّ ليس عليه أن يأتي بما شك فيه، فلم يسقط عنه سجودُ السهوِ، والآخر كَثُرَ عليه السهوُ (¬2) ولم يشك فيه فكان عليه أن يَأْتِيَ بما سَهَا. وأَسْقَطَ عنه سجودَ السهو؛ لتكرره عليه. وقال ابن حبيب: اختَلَفَ قَوْلُ مالك في الذي يكثر عليه السهوُ، فأَمَرَهُ مرةً بالسُّجود، ومرةً قال: لا سجودَ عليه (¬3). فصل في الخلاف في سجود السهو في إيقاعه اختُلِفَ في سجود السهْوِ في ستة مواضعَ: أحدُها: هل يُوقِعُهُ قبلَ السلام أو بعده؟ والثاني: هل يَتَشَهَّدُ له إذا كان قبلُ؟ والثالث: هل يُسلم منه إذا كان بعدُ؟ والرابع: إذا كان سهوان: زيادة ونقصان، هل يجزئُهُ سجودٌ واحدٌ قبل السلام؟ أو يأتي بسجودين قبلُ وبعدُ؟ والخامس: إذا كان سهوُهُ مع الإمام وقد سَتقَهُ بركعة ثُم أتى بها فدخل عليه سهو آخر- هل يسقط حكم سهوه ويبقى على (¬4) سهو الإمام، بمنزلة لو ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 363. (¬2) قوله: (سجودُ السهوِ، والآخر كَثُرَ عليه السهوُ) يقابله في (س): (والآخر كثر عليه سجود السهو). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 362. (¬4) قوله: (حكم سهوه ويبقى على) يقابله في (ر): (عليه حكمه ويبقى على حكم).

لم يَسْهُ، أَوْ أتى بسجودٍ لسوه؟ والسادس: إذا لم يَسجدْ حتى طال الأمرُ، وقد كان سجو قبلَ السلام. فقال مالك: يسجد للنقصان قبل السلام وللزيادة بعد (¬1). فيسجد للنقص لحديث ابن بحينة، والزيادة لحديث ذي اليدين. وقال في المجموعة: ما كان الناس يَحْتَاطون في سُجودِ السهْوِ لا قبلُ ولا بعدُ، كان ذلك كفُه عندهم سهلًا (¬2). وقال أشهب في كتاب محمد (¬3): إذا جعل سجدتَيْ الزِّيادةِ قبلَ السلامِ أعاد الصلاةَ. وقال ابن القاسم: يعيدهما بَعْدَ السلام (¬4). وقال أصبغ: لا شيءَ عليه (¬5). قال: وهو قول مالك. قلتُ: وهو قول ابن القاسم (¬6) في المدونة: إن كان السجود لنقص فجعله بعد السلام أجزأته صلاته وسجوده (¬7). وقيل لمالك: يؤمنا (¬8) قومٌ يرون خلاف ما ترى، فيجعل سجودَ النقصِ بعد السلام؟ فقال: اتبعوه فإن ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 241. وعبارته ونصّه: (قال سحنون: فلهذه الأحاديث يسجد في الزيادة بعد السلام وفي النقصان قبل السلام). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 363. (¬3) قوله: (في كتاب محمد) ساقط من (س). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 364. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 364. (¬6) قوله: (ابن القاسم) ساقط من (ر). (¬7) انظر: المدونة: 1/ 222. (¬8) في (ر): (إنه يَلِينَا).

الخلاف شر (¬1). وقال ابن القاسم فيمن جَعَلَ سجودَ الزيادةِ قبلَ السلام: أجزأه على قول مالك في الإمام يَرَى خلاف ما يَرَى من خَلْفَهُ، فلم يَرَ عليه شيئا في الوجهين جميعا إذا قَدمَ سجودَ الزيادةِ أو أَخرَ (¬2) سجودَ النقْصِ (¬3). وقد رُوِيَ عَنْ عليّ بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وابن مسعود، وعمار بن ياسر، وأنس بن مالك، وابن عباس، وابن الزبير: أن السجودَ كلهُ بعدُ. وهو قول الحسن البصريِّ، والنخْعي، وابن أبي لَيْلَى، والثوريِّ، والحسن بن صالح، وأصْحَابِ الرأي. وقال أبو هريرة، والزُّهْري، وربيعةٌ، والأوزاعي، والليثُ، والشافعيُّ: السجودُ كلُّه قبلُ (¬4). وقال مالك: إذا اجتمع سهوان: زيادةٌ ونقصان- سجد لهما قبل السلام. وقال عبد العزيز بن أبي سلمة: يأتي بسجودين للنقص قبلُ، وللزيادة بعدُ (¬5). وأرى ذلك كله واسعًا في الزِّيادة والنقص، يوقعه إنْ شَاءَ قَبْلُ، وإن شاء بَعْدُ؛ لأن السجودَ ليس يجبر به شيءٌ على الصحيح من المذهب، وإنما هو ترغيم للشيطان، ولِيَأتي بقربة لموضع غفلته عن أن يكون قلبه فيما وجب عليه لله -عز وجل- من تلك القربة. وقد أبان ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي سعيد الخدري. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 222. (¬2) في (ب): (وأخر). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 222. (¬4) انظر: مناقشة العلماء لذلك في: شرح معاني الآثار، للطحاوي: 1/ 440، وتهذيب الآثار للطبري، ص: 64، ومعرفة السنن والآثار، للبيهقي: 3/ 440. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 363.

فقال (¬1): ". . .إن كانت صلاته إتمامًا كان ترغيمًا للشيطان" (¬2). ومن سها خلفَ إمامه ولم يَسْهُ الإمامُ- فالإمام يحمل ذلك عنه. وإن سها الإمامُ دون المأمومِ- سجدا جميعًا الإمام والمأموم، فإن تقدم سهو الإمام ثم دخل هذا معه في بقية صلاته سجد لسهوِ إمامِهِ، فان كان سجودُ ذلك السهو قبلَ السلام سجد إذا سجد الإمامُ لسهوِهِ فإذا سَلمَ الإمامُ (¬3) قضى هو ما سَبَقَهُ به. وإن كان سَهْوُ الإمامِ يُسجد له بعدَ السلام- لم يسجد المأموم إلا بعد قضائه لما سَبَقَهُ به الإمامُ. واختلف إذا دخل على المأموم فيما يقضي سهو آخر، فقال ابن القاسم وأشهب في كتاب محمد: إذا كان سجودُ الإمام قبلَ السلام سجد هذا لسهوه ثانيةً: إن كان قبلُ فقبلُ، وإن كان بعدُ فبعدُ (¬4). قال محمد: وإنْ كان سهوًا (¬5) الإمامِ بَعْدُ فَدَخَلَ على المأموم سهوٌ آخر، وكان السهوُ الثاني مما يُسْجَدُ له قَبْلُ- سجد لهما قَبْلُ وأَجْزَأتا عَنْهُ، وصَارَ كأنهُ وَجَبَ عليه سَهْوانِ قَبْلُ وبَعْدُ، فَإِنْ كان السهوُ الثاني يُسْجَدُ له بَعْدُ- فسجدتاه بعد السلام تجزيانه (¬6). وقال عبد الملك بن الماجشون في كتاب ابن حبيب: إذا سجد مع الإمام ¬

_ (¬1) في (ر): (فقال مالك). (¬2) سبق تخريجه. (¬3) قوله: (فإذا سلم الإمام) ساقط من (ر). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 171. (¬5) في (ر): (سجود). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 407، ولم ينسبه لمحمد صراحة، ونصه: "قال غيره في المجموعة. . ."، أي غير ابن القاسم.

فصل لا إحرام لسجود السهو

سجودَ السهْوِ قَبْلَ السلام، ثم دخل عليه سهو فيما يقضيه لنفسه- فلا يسجد له، كان له قَبْلُ أو بَعْدُ؛ لأنه لا يَسْجد لسَهْوينِ إِنْ كانا في صلاةٍ واحدةٍ إلا مَرةً وَاحِدَةً (¬1). قال ابنُ حبيب: وإِنْ كان سُجُودُ سَهْوِ الإمامِ بَعْدَ السلام فَقام الرجل لقَضاءِ مَا عَلَيْهِ فَسَها فِيما يَقْضِي سَهْوًا (¬2) قبلَ السلام- والسجدتان اللتان وَجَبَتا عليه لسَهْوِ الإمامِ تَجْمعان له السهْوَيْنِ جميعًا (¬3). قال الشيح: القولُ إذا سجد مع الإمام قبلَ السلام، ثُم دَخَلَ عليه سَهْوٌ آخر- أَن يَسْجُدَ له أَحْسَنُ؛ لأَن ذلك السجودَ كان تقربًا وترغيمًا عن السهوِ الأولِ، والثاني لم يتقرب عنه بشيء، وإنْ كان سَهْوُ الإمامِ مما يُسْجَدُ له بَعْد أَن يجزئه سجودٌ واحدٌ؛ لأَن السهْوَ- وإنْ تكررَ (¬4) في الصلاةِ الواحدةِ- يجزئه عن جميعِهِ سُجُوْدٌ واحدٌ. ومن كان سهْوُ إمامِهِ قَبْلُ فَلَمْ يَسْجُدْ مع الإمام وسَجَدَ بعد قضاء ما فاته به الإمام، وإن كان سجودُ الإمام بعدَ السلام فَسَجَدَ معه قَبْلَ القضاءِ- أَجْزَأهُ ذلك، ولم تفسد صلاتُهُ، ولم يُعِدِ السجود. فصل لا إحرام لسجود السهو وقال مالك في كتاب محمد: لا إحْرامَ (¬5) لهُما: كانَتَا قبل السلام أو بعدَهُ. وقال أيضًا: يحرم لهما إذا كانَتَا بعد السلام. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 408. (¬2) قوله: (سهوًا) ساقط من (ر). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 408. (¬4) في (ب): (كثر). (¬5) في (ر): (الإحرام).

وقال ابن القاسم في المجموعة: إذا كانَتَا بعْدَ السلام ونَسِيَ أَن يسجد لهما حتى طال فليسجدهما (¬1) ولا إحْرامَ علَيْهِ. ثُم رَجَعَ فَقال: يُحْرِمُ لهما (¬2). قال محمد: فإن سلم ثم ذكر اللتين قبل السلام فليرجع بإحرام ويسجدهما (¬3)، وكذلك كل من يرجع لإصلاح ما بقي من صلاته فيما قرب (¬4). قال مالك: ويتشهد لهما، قال محمد: كانتا قبل السلام أو بعده (¬5). قال: وكان ابن القاسم يوجب التشهد فيهما (¬6) قبلُ وبعد، ورواه عن مالك (¬7). وكان ابن عبد الحكم يوجبه بعد السلام، ويستحبه قبل السلام (¬8)، ولم يَرَ عبدُ الملك فيما قبل السلام تشهُّدًا (¬9). قال الشيخ - رضي الله عنه -: مفهوم الحديثين حديث ابن بحينة وحديث ذي اليدين أنه سجد وسلم ولم يتشهدْ ولم يكِّبر للإحرام لهما في حديث ذي اليدين. ولا أرى الإخلالَ بشيء من ذلك من تكبيرٍ أو تشهدٍ مما يوجب إعادتهما، ولا خلاف أنهما يفتقران إلى طَهَارةٍ إذا كانَتَا بعد السلام. فإن كان على طهارة وانتقضتْ بَعْدَ أنْ سجد سجدةً- توضأ واستأنفهما. ¬

_ (¬1) في (ر): (فليسجد لهما). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 364. (¬3) في (ر): (ويسجد بهما). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 366. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 364. (¬6) في (ر): (فيما). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 364. (¬8) انظر: المختصر الصغير بشرح البرقي، لابن عبد الحكم، لوحة رقم: [14 / ب]. (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 364.

فصل من نسي سجدتي السهو

واختُلِفَ إذا انتقضتِ الطهارةُ بعدَ أن سَجَدَهما وقبلَ أن يسلم: فقال مالك: يتطهر ويستأنفهما (¬1). وقال ابن القاسم في المدونة: فإن لم يعدهما أَجْزَأتَا عَنهُ (¬2). فصل من نسي سجدتي السهو ومن نَسِيَ سَجْدَتَيِ السهوَ حتى طال، فإن كانَتا بعدَ السلام سجدهما ولم تبطل صلاتُهُ. واختلف إذا كانتا قبل السلام: فقال مالك في المدونة: من سَها عن ركعةٍ أو سجدةٍ أو سَجْدَتَيِ السهوِ قبلَ السلامِ فطال ذلك فَلْيُعِدْ (¬3). فساوى بين من نَسِيَ السجدتَيْنِ أو ركعةً، ولم يُفرِّق عن أي شيء كان سجودُهُ. وقال في مختصر ابن عبد الحكم: إن كانَتَا عن القيامِ من اثنتين، أو ترك أم القرآن من ركعةٍ بَطَلَتْ صلاتُهُ، وإن كانتا عن غير هذين (¬4) لم تَبْطُلْ (¬5). وقال محمد بن المواز: اختلف قول ابن القاسم في إيجاب الإعادة إذا كانتا عن (¬6) نقص الثلاث تكبيراتِ، أو عن قَوْلِ "سَمِعَ اللهُ لمن حَمِدَهُ" ثلاث مرات (¬7). وقال محمد بن عبد الحكم: لا إعادةَ عليه وإن كانَتَا عن القيامِ من اثنتين أو ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 222. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 222. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 219. (¬4) في (ر): (هاتين). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 360، 361. (¬6) في (ب): (في). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 367.

تَرْك القراءة من ركعةٍ، فإن ذكر السجدتَيْنِ من فريضةٍ وهو في فريضة، فإن كانتا بعد السلام- مضى في صلاتِهِ وسجدهما إذا فَرَغَ منها (¬1). ويختلف إذا كانَتَا قبلَ السلام حسبما تَقَدمَ، فقال في المدونة: تَفسد صلاتُهُ هذه ويكون بمنزلةِ من ذَكَرَ صلاةً وهو في صلاةٍ (¬2). وعلى قول ابن عبد الحكم يمضي في صلاتِهِ ولا شيءَ عليه؛ لأن الأُولى لم تفسد بعد (¬3)، وإذا فرغ منها سَجَدَ. وعلى قول مالك في المختصر إن كانتا عن القيام من اثنتين أو تَرْك أمِّ القرآن من ركعة تفسد التي هو فيها على القول أن من ذَكَرَ صلاةً وهو في صلاة بطلت التي هو فيها. وقول ابن عبد الحكم في هذا أحسن؛ لأَن الأُولى لا (¬4) تَبْطل، وإذا لم تبطل تلك مضى في هذه. وقد تقدم ذكرُ الخلافِ فِي من ترَكَ شيئًا من السُّنَن عَمْدًا: أنه لا تبطل صلاتُهُ، وإذا لم تبطل في ترك ذلك عمدا لم تبطل على من ترك السجود عنه سهوًا حتى طال. ومن سها في سجود السهو فَسَجَدَ ثلاثًا، فإن كان سُجُوْدُ قبلُ- كان قد زاد (¬5) في صلاتِهِ سجدةً (¬6)، وليسلم ثم يسجد سَجْدَتَيِ السهْو بعد، وإن كان سجوده بعد السلام أَجْزَأَهُ ولا شيءَ عليه. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 367. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 225. (¬3) قوله: (بعد) ساقط من (ب). (¬4) قوله: (لا) ساقط من (س). (¬5) في (ب): (زاد زيادة). (¬6) قوله: (سجدةً) ساقط من (ب).

فصل من ذكر سجدة أو ركعة من صلاة بعد أن تلبس بأخرى

فصل من ذكر سجدة أو ركعة من صلاة بعد أن تلبس بأخرى ومن ذَكَرَ رَكْعَةً أو سَجْدَةً مِنْ صلاةٍ بعد أن تلبس بأخْرَى- فإنه لا يخلو أن يكون ذَكَرَ (¬1) ذلك من فَرْضٍ وهو في فرضٍ، أو نفلٍ، أو ذَكَرَ ذلك من نفلٍ وهو في نفل أو فرض. فقال ابن القاسم: إِنْ ذَكَرَ ذلك من فَرْضٍ وهو في فَرْضٍ أو نفلٍ (¬2)، ولم يطل ما بينهما، ولا أطال القيام، ولا ركع (¬3) - عاد إلى إتمْام الأُولى، فإنْ أطال القيامَ أو رَكعَ بَطَلَتْ الأُولى، وكان بمنزلة من ذَكَرَ صلاة وهو في صلاةٍ وإن لم يكن رَكَعَ- قَطَعَ وصلى الأُولى، وإن كان ركع- أضاف إليها أخرى وسلم وصلى الأُولى، وإن نَسِيَ (¬4) ذلك من نفلٍ وذَكَرَ وهو في نفلٍ ولم يركع- رَجَعَ إلى إصلاحِ النفل، وإن ركع أبطل الأول وأتَم الثاني ولم يقضِ الأُولى؛ لأن من دخل في نفل فغلب على تمامِهِ لم يقضِهِ، وإن ذَكَرَ من نفلٍ وهو في فرضٍ لم يقضه ولم يرجعْ إلى النفل وإن قرب وإن لم يركع. وهذا أصل قوله في المدونة (¬5). واختُلِفَ إذا ذَكَرَ ذلك من فرضٍ وهو في فَرْضٍ فِيْما يحول بَيْنَهُ وبيْن إصْلاح الأول (¬6) على أَرْبَعةِ أَقوال: فقال ابن القاسم في المدونة: إن كان قريبًا ¬

_ (¬1) قوله: (أن يكون ذَكَرَ) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (أو نفل) ساقط من (س). (¬3) في (ر): (ولا الركوع). (¬4) في (ر): (وإن ذكر). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 224. (¬6) في (ر): (الأولى).

رَجَعَ إلى صلاتِهِ، وإن تباعد وهو في (¬1) القيام أو ركع- انتَقَضَتْ صلاته التي أسقط منها (¬2). وقال ابن وهب في كتاب محمد: إن صَلى في الثانية (¬3) ركعةً خفيفةً لم تَبْطُل الأُولى وأتمها، وإن تطاول ذلك جدًّا- أعاد. ورَوَى ابن وهب عن مالك في المبسوط في هذا الأصل إن كان صلى ركعةً كان بالخيار: بين أن يقطع ويرجع إلى إصلاح الأُولى، أو يمضي على صلاته ويعيد تلك. وقال مالك في مختصر ما ليس في المختصر: من سَهَا عن شيءٍ من فريضتِهِ حتى أَحْرَمَ لنافلةٍ - بَطَلَتْ عليه صلاتُهُ. فأبطل الأُصلى بنفس الإحرامِ للثانية. وقال أشهب: لو صَلى سبعَ ركعاتٍ - عاد إلى المكتوبة. وإلى هذا ذَهَبَ مطرف في ثمانية أبِي زيد فقال: من دَخَلَ مِن مكتوبةٍ في نافلةٍ قبل السلام (¬4) فذلك خفيفٌ، وإنْ ذَكَرَ بَعْدَ أنْ رَكَعَ ركعتين فإنما عليه سجودُ السهوِ، ولا يكون أسوأ حالًا من الذي يصلِّي خمسًا أو ستًّا وكلّها صلاة، وليس كمن فَارَقَ الصلاة واشتغل بحديثٍ أو طعامٍ أو عملٍ وطال ذلك منه. وقول أشهب ومطرف في هذا أحسن: ألا تبطل الأُولى وإن طال؛ لأنه في قربة، وقد تقدم ذكر الاختلاف (¬5) إذا طال فيما يُضاد الصلاةَ من كلامٍ ومشي ¬

_ (¬1) قوله: (تباعد وهو في) يقابله في (ر): (طال). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 225. (¬3) قوله: (في الثانية) ساقط من (ب). (¬4) قوله: (قبل السلام) ساقط من (ر). (¬5) في (ب): (الخلاف).

واستدبارِ قبلةٍ، وهو في هذا أخفُّ. واختُلِفَ إذا ذكر ذلك من نفل وهو في فرض، فقال ابن القاسم: لا يرجع إلى إصلاح الأولى. وقال محمد بن عبد الحكم: يرجع، فإن صَلى ركعتين نافلةً فسلم منها، ثُم دَخَلَ في المكتوبة، فلما صلى منها ركعةً أو ركعتين ذَكَرَ سجدة من النافلة، قال: يعود إليها فيصلحها بسجدة، ثُم يتشهدُ، ثُم يسلِّمُ. قال: وكذلك لو سَهَا عن السلام من النافلة -وإن كان في الرابعة من المكتوبة- فإنه يرجع للنافلة فيسلم منها، ثُم يسجد، ثُم يبتدئ الفرض. ورأى أنه إن كان الابتداء تطوعًا فقد صار التمامُ فرضًا، فأشبه من ذكر ذلك من فرضٍ وهو في فرضٍ. وقال مطرّف في ثمانية أبي زيد فيمن دَخَلَ من نافلةٍ في مكتوبة قبلَ أن يُسلِّم من النافلة: وإن ذكر قبل أن يركع جَلَسَ، ثُم سلّم من نافلتِهِ، وإن لم يذكر حتى ركع- مَضَى إلى الرابعة لينصرف على شفع، ثُم يسجد لسهوه قبل السلام؛ لتركه السلام من الركعتين الأوليين. ويُخْتَلفُ إذا ذَكَرَ ذلك من نفلٍ وهو في نفلٍ: فقال ابن القاسم: يرجع إلى إصلاح الأُولى ما لم يركع (¬1). وعلى قول ابن عبد الحكم يرجع إليه وإن ركع. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 225.

فصل ومن صلى ركعتين نفلا ثم قام إلى ثالثة سهوا رجع فجلس وتشهد

فصل ومن صلى ركعتين نفلًا ثم قام إلى ثالثة سهوًا رجع فجلس وتشهد ومن صلى ركعتين نفلًا ثُم قام إلى ثالثة (¬1) سهوًا- رَجَعَ فَجَلَسَ وتشهدَ وسلم. واختُلِفَ إذا ذَكَرَ وهو راكع: فقال مالك: يرفع ويتمُّها أربعًا. وقال أَيْضًا: يَرْجع إلى الجلوس. وبه أَخَذَ ابنُ القاسم (¬2). وإن ذكر بعد أن رفع من الثالثة أتمها أَربعًا، وإن ذَكَرَ بعد أَن رَفَعَ من الخامسة (¬3) رَجعَ إلى الجلوس ولم يأتِ بسادسة (¬4)، وسواء كان رَفَعَ من الخامسة أم لا، وسجوده إذا رجع بعد أن قام إلى الثالثة- بعد السلام (¬5). واختُلِفَ إذا أتم الرابعة: فقال مالك: يسجد بعدُ (¬6). وقال ابن القاسم: يسجد قبلُ؛ لأنه نقصان (¬7). وقال محمد بن مسلمة: لأنه نقص الجلوس. قال الشيخ أبو الحسن - رضي الله عنه -: إن جَلَسَ بعد تمامِ الاثْنَتين لم يكن عليه سجودٌ قبلَ السلام ولا بعدَه؛ لأن الأربعة صحيحة عند بعض أهل العلم، إلا أن يقال: عليه السجودُ لسهوِه واشتغالِهِ عن تلك الطاعة التي كان فيها حتى دَخَلَ ¬

_ (¬1) في (ر): (نافلة). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 225. (¬3) قوله: (وإن ذَكَرَ بعد إن رَفَعَ من الخامسة) يقابله في (ب): (فإن كان ذكر بعد أن ركع الخامسة). (¬4) قوله: (ولم يأتِ بسادسة) ساقط من (ب). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 225. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 370. (¬7) انظر: المدونة: 1/ 221.

في الثالثة والرابعة؛ لأنه لم يفعل ذلك تعمدًا على قول قائل. وقد قيل: إن السجود ها هنا لنقص السلام. وهذا غير صحيح؛ لأن السلام قد أتى به، ولو كان ذلك لنقص السلام لكان سجود من صلى الظهر خمسًا قبل السلام؛ لأنه عنده نَقَصَ سلام إذ لم يأتِ به عقب الرابعة كما لم يأتِ به عقب الثانية. واخْتَلَفَ قولُهُ في المدونة (¬1) إذا صلى النفل خمسًا: هل يسجد قبلُ أو بعدُ. وأرى إذا لم يكن جَلَسَ في الثانية أن يَسجد قبلُ؛ لأنه نَقَصَ الجلوس وزاد الخامسة، وإن جلس في الثانية (¬2) سجد بعد السلام. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 225. (¬2) في (ق): (الثالثة).

باب صفة التشهد، وصفة السلام، وعدده

باب صفة التشهد، وصفة السلام، وعدده الأصل في التَّشَهُّدِ حديثُ عبد الله بن مسعود قال: كنا إذا كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - قلنا: السلام على الله من فلانٍ وفلان، السلام على فلان وفلان، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَقُولُوا: السَّلامُ عَلَى اللهِ مِنْ فُلانٍ، فَإِنَّ اللهَ هُوَ السَّلًامُ، وَلكِنْ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ: التَّحِيَّاتُ للهَ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالحِينَ، فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمُوهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، أَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ يَتَخَّيرُ مِنَ الدُّعَاءِ مَا شَاءَ". وهذا حديث صحيح اجتمع عليه البخاريُّ ومسلم (¬1). فأمر بالتشهد وبين صفته، وأن الدعاء بعد التشهد، وحمل اللفظ على العموم بقوله: "أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ صَالِح فِى السَّماءِ وَالأَرْضِ"، يريد: من بني آدم والجن والملائكة، وأرى أن ينويهم الإنسان حين سلامه. فصل السلام من الصلاة فرضٌ السلام من الصلاة فرضٌ، واختُلِفَ في عدَدِه، وفي صفِتِه. فأما عددُه: فقال مالك في الفذِّ: يُسلِّم واحدةً قبالة وجهِهِ ويتيامن قليلًا (¬2). وقال في سماع ابن وهب: يُسَلِّم تَسْليمتين عن يَمِينِهِ وعن يَسارِهِ. ¬

_ (¬1) سبق تخريج هذا الحديث في كتاب الصلاة الأول، ص: 536. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 226.

وقال في الإمام: يُسلِّم واحدةً قُبالة وجهِهِ ويتيامن قليلًا (¬1). كالفذِّ في قولِهِ الأول. وقال في سماع أشهب في الإمام يُسلِّم تَسْليمتَيْن، قال: ولا يسلِّم من خَلْفَهُ حتى يفرغ منهما (¬2). وقال أبو الفرج عن مالك: يُسلِّم تسليمةً تِلْقاءَ وجهه، وإن كان على يساره أحدٌ رَد عليه تسليمةً ثانيةً. يريد: إن كان معه واحد يسلم واحدة، وإن كان عن يساره أحدٌ (¬3) سلم أخْرَى على من كان على يساره. وهو أحسن. وقد أخرج مسلم في ذلك حديثين عن سعد بن أبي وقاص (¬4) وعبد الله بن مسعود (¬5) "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتينِ". قال سعد: يسلم عن يمينه ويساره حتى أرى بياض خَديه. واختلف في المأموم يسلم عن يساره ولم يسلم عن يمينه حتى تكلم، فقيل: بَطَلَتْ صلاتُهُ. وقال مطرّف: صلاتُهُ تامةٌ، عامدًا كان أو ناسيًا، فذًّا أو إمامًا (¬6). قال الشيخ -رحمه الله-: إن تَعَمدَ الخروجَ بها لم تبطل وإن سلمها للفضل، ولكن يعود ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 226. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 413، والنوادر والزيادات: 1/ 191. (¬3) قوله: (رد عليه. . . يساره أحد) ساقط من (س). (¬4) أخرجه مسلم: 1/ 409، في باب السلام للتحليل من الصلاة عند فراغها وكيفيته، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة برقم (11/ 582). (¬5) أخرجه مسلم: 1/ 409، في باب السلام للتحليل من الصلاة عند فراغها وكيفيته، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة برقم: (118/ 581). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 190.

ويسلم الأولى فيخرج بها من الصلاة، ثُم إنْ نَسِيَ وانصرفَ وطال الأمرُ- بَطَلَتْ صلاتُهُ. وإن فعل ذلك سهْوًا فظن أنه سلم الأُولى ويرى أن الثانية يصح الخروج بها من الصلاة لم تَبْطُلْ، وإن كان يرى أنها فضيلة وطال (¬1) الأمرُ بَطَلَتْ. وإذا فات المأمومَ بعضُ صلاة الإمام فقضى ما فاته بَعْدَ سلامِ الإمامِ، فإن كان الإمام لم ينصرف ولا من كان عن يسار المأموم- رَد عليهما. واختُلِفَ إذا انصَرَفَ: فقال مالك مرة: لا يردُّ عليهما. وقال مرةً: يردُّ. وهو أحسن؛ لأن السلامَ يتضمّن دعاء حقًّا، وهو تحية تقدمت منهم يجب رَدُّها، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ". . إِذَا قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالحِينَ، فَإِنَّهُ إِذَا قَالَ ذَلِكَ أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ فِى السَّماءِ وَالأَرْضِ" (¬2). وأما صفةُ السلام فقال مالك في السليمانية: الأَوْلى أن يقول: السلام عليكم (¬3). ويقول: سلام عليكم (¬4). قال: وهي تحيةُ أهل الجنة، {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ} [الرعد: 24]، ولا يقول في الأُولى: عليكم السلام. وقال في الثانية: ذلك واسع، السلام عليكم أو عليكم السلام، وأحبُّ إليّ السلام عليكم (¬5). وقال في المبسوط: يستحبّ لمن أراد أن يُسلِّم أن يقول: السّلام عليك أيُّها ¬

_ (¬1) في (ر): (أو طال). (¬2) سبق تخريجه. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 189. (¬4) هذا لغير مالك - رضي الله عنه -؛ قَالَ ابْنُ القرطي: "وقال بعض الناس في السلام: سلام عليكم. وبالألف واللام أولى". انظر: النوادر والزيادات: 1/ 190. (¬5) قوله: (وقال في الثانية. . . السلام عليكم) ساقط من (س). وانظر: المدونة: 1/ 226.

النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين (¬1). قال محمد بن مسلمة: أراد ما جاء عن عائشة (¬2) وابن عمر (¬3) أنهما كانا يقولان عند سلامهما إذا قضيا التشهد: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام عليكم. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 190. ونقله فيه عن المجموعة لا المبسوط. (¬2) أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 91، في باب التشهد في الصلاة من كتاب الصلاة، برقم (205). (¬3) ما ورد عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 91، في باب التشهد في الصلاة، من كتاب الصلاة، برقم (204).

باب الإمام يستخلف، وفيمن لم يصل مع خليفة الإمام، وإذا لم يستخلف واستخلفوا لأنفسهم، أو صلوا وحدانا، أو طائفتين بإمامين

باب الإمام يستخلف، وفيمن لم يصلِّ مع خليفة الإمام، وإذا لم يَستخْلفْ واستخلفوا لأنفسهِم، أو صَلَّوا وحْدانًا، أو طائفتين بإمامين ومن المدونة قال مالك: وإذا أحْدَثَ الإمامُ فله أَن يستخلف. قِيلَ لابن القاسم: فإن قَدم الإمامُ رجلًا هل يكون إمامًا قبل أن يبلغ موضع الإمام الأول؟ قال: لم أَسْمَعْ من مالك فيه شيئًا، إلا أن مالكًا قال: إذا أَحْدَثَ الإمامُ فله أن يستخلف (¬1). قال الشيح: إذا قَبِلَ استخلافَ الإمامِ كان إمامًا في موضعه ذلك، فإن كان موضعُ الإمام قريبًا تقدم إليه، وإن كان بعيدًا صلى بهم في موضعِهِ. ويُستحب للإمام الأول أنْ يَستخلفَ من الصفِّ الأول، قال ابن القاسم: وإن استخلف بكلام وقال: يا فلان تقدم بهم، لم يَضُرهُم؛ لأنه في غير صلاةٍ. وقال في العتبية: وإن قَدمَهُ في بعض القراءة قرأ الثاني من حيثُ انتهى الأولُ (¬2). وإن أحْدَثَ راكعًا فليرفع رأسَهُ ويستخلفُ من يدب راكعًا فيرفع بهم (¬3). وقيل: يستخلف قبلَ أَن يرفَعَ رأسَهُ؛ لِئلا يرفعوا برفعه (¬4). قال ابن القاسم: وإن استخلف في الجلوس تقدم بهم جالسًا، وفي القيام يتقدم بهم قائمًا (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 227. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 186، والنوادر والزيادات: 1/ 315. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 62، والنوادر والزيادات: 1/ 315. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 315. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 138، والنوادر والزيادات: 1/ 315.

وقال سحنون في كتاب ابنه: وإن استخْلَفَ الإمامُ رجلًا فلم يتقدم؛ حتى تقدم غيرُه وصلى المُسْتَخْلَفُ وراءَهُ- فصلاتهم تَامةٌ (¬1). فلم يَرَ استخلافَ الإمامِ مما يَلْزَمُ المستخلَفَ قبولُهُ، ولا يكون باستخلافِهِ إمامًا، وحمل قول مالك: له أن يستخلف- أن ذلك جائزٌ؛ لأن ذلك من حسن النظر لهم لما كانوا ممنوعين من الكلام، وليس بلازم له ولا لهم أن يستخلف؛ لأنهم إنما التزموا إمامَةَ الأول، ولم يجعلوا له أن يستخلف؛ لأن ما حدث على الإمام أمرٌ طَرَأَ لم يتحسسُوا إليه في حين ائْتِمَامِهِم (¬2) به فيجعلوا له أن يستخلف عليهم فيه، فإذا غلب الإمام (¬3) على تمام الصلاة- كانوا في حكم أنفسهم، فإن استخلف الإمام الأولُ رجلًا مكانَه كان المستخلَفُ بالخيار بين القبول والترك، وإن قَبِلَ أيضًا كانوا بالخيار بين الصلاة خَلْفَهُ أو يَسْتَخْلِفُوا غيرَهُ. وهذا الذي يقتضيه قولُ سحنون. واختُلِفَ في ثلاثةِ مواضعَ: أحدها: إذا صَلَّوا وحدانًا بغير إمامٍ. والثاني: إذا صَلَّوا بإمامين. والثالث: إذا استخلَفَ الأمام من فاتَته ركعةٌ، فقام بعد فراغِهِ من صلاة الإمام للقضاء، فيما يفعله من خَلفَه؟ فقال ابن القاسم في المدونة: إذا صلّوا وحدانًا كانت صلاتهم تامةً (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 316. (¬2) في (ر): (ائتموا). (¬3) في (ر): (الأول). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 227.

وقال ابن عبد الحكم في كتاب محمد: لا تجزئهم. قال: ومن ابتدأ الصلاةَ بإمامٍ فأتمها فذًّا، أو ابتدأها فذًّا وأتمها بإمامٍ فَليعِد (¬1). قال: وكذلك من لَزِمَه أن يقضي فذًّا فقضى بإمامٍ. يريد: مثل من فاتَتهم ركعةٌ فلا يقضونها بإمام (¬2). وقول ابن القاسم في الذين قَضَوا بعد حَدَث الإمام أفذاذًا- أحسن؛ لأنهم إنما دخلوا على إمامة رجل بعينه، فلما غلبوا عليه بَقوا أفذاذًا بغير إمامٍ، فصلّوا على ما بَقوا عليه، ولم تلزمهم إمامة آخر؛ لأنهم لم يكونوا التزموها. وقال أشهب في مدونته: إن قدّموا رجلين فأم هذا طائفةً وهذا طائفةً- كانت صلاة جميعهم مجزئةً، وبئس ما صنعت الطائفة الثانية بتقديمها الإمام. وهذا موافق لقول ابن القاسم؛ لأنه إذا صح أن يصلّوا كل واحد لنفسه- صح أن يصلوا بإمامين، أو بعضهم بإمام وبعضهم لنفسه. وعلى قول ابن عبد الحكم لا يصلُّون طائفتين، وإن فعلوا صحت صلاة من استخلف أولًا، إلا أن يكون الثاني أحق بالإمامة. وقال أشهب في مدونته: إن أحدث الإمام وهو مسافرٌ وخلفه مسافرون ومقيمون، فقدم رجلًا من المقيمين، وكان الإمام صلى بهم ركعةً بسجدتيها: فإن هذا المقيم يصلّي تمام صلاة المسافر، فإذا تشهد قام فصلى لنفسه تمام صلاة المقيم (¬3). وإن تأخر إذا تشهد من غير أن يسلّم وقدم رجلًا من المسافرين فسلم بهم، ثم قام المقيمون فقضوا ما بقي عليهم من صلاتهم وحدانًا بغير إمامٍ- ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات، لابن أبي زيد: 1/ 316، 317. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 316. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 438.

رأيت ذلك جائزًا، وإن قام فصلى لنفسه بقية صلاة المقيم فاتبعه المقيمون وثبت المسافرون جلوسًا حتى أتم بالمقيمين ثم سلم بهم وسلّموا جميعًا بسلامه المقيمون والمسافرون- رأيت ذلك مجزئًا عنهم جميعًا. وعلى قول ابن عبد الحكم تفسد صلاة من اتبعه من المقيمين. وذكر سحنون في المجموعة قولًا ثالثًا: أن الإمام إذا استخلف من فاتته ركعةٌ فقام لقضائها بعد فراغه من صلاة الإمام ومعه من فاتته تلك الركعة- أن لهم أن يقوموا لقضائها فيصلّيها كلّ واحد منهم لنفسه ثم يسلمون بسلامه (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: كل ذلك واسع وأرى من فاتته ركعة إذا كان المستخلف من فاتته ركعة وقام لقضائه بالخيار بين خمسة أوجه: إن شاؤوا صلّوا تلك الركعة وسلموا وانصرفوا، قياسًا على الطائفة الأولى في صلاة الخوف، أنها تتمّ الآن وتنصرف، ولا تنتظر فراغ صلاة الإمام. وإن شاؤوا استخلفوا من يسلم بهم كما قال أشهب: وإن شاؤوا قضوا معه ما سبقهم به الإمام أو أفذاذًا (¬2). وإن شاؤوا أمهلوا حتى يسلموا بسلامه؛ لأنه إذا كان كلّ واحد منهم في قضاء لم يكن بين فراغهم بعدٌ. وإن شاءوا صبروا حتى يقضي المستخلف ركعةً ثم يقضون، قياسًا على حديث ابن عمر في الطائفة الأولى في صلاة الخوف (¬3): ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 317. (¬2) قوله: (وإن شاؤوا. . . أفذاذًا) زيادة من (ر). (¬3) متفق عليه، أخرجه، البخاري: 1/ 319، في باب صلاة الخوف، من، أبواب صلاة الخوف في صحيحه، باب صلاة الخوف، برقم (900)، ولفظه: (عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل نجد، فوازينا العدو، فصاففنا لهم، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي لنا، فقامت طائفة معه تصلي، وأقبلت طائفة على العدو، وركع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمن معه، وسجد =

فصل من دخل على الإمام وهو رأحع فأحدث جاز استخلافه

أنهم لا يتمّون حتى تنقضي صلاة إمامهم. وبه أخذ أشهب (¬1). فصل من دخل على الإمام وهو رأحع فأحدث جاز استخلافه ومن دخل مع إمامٍ وهو راكعٌ وأحدث واستخلفه- فإن كان إحرامه بعد أن أحدث الإمام- لم يصح استخلافه، وإن كان قبل صح وركع، فإذا ركع صار كأحدهم، ثم يرفع بهم، وإن أدركه بعد أن رفع ولم يسجد، فأحرم ثم أحدث الإمام ثم استخلفه- لم ينبغ له أن يسجد بهم؛ للاختلاف في إمامته بهم في السّجود، فإن فعل ذلك كان فيها قولان: فقيل: لا تجزئهم؛ لأن ذلك السّجود في معنى التطوع؛ لما كان لا ينوب عن فرضه، فأشبه صلاة مفترض خلف متنفّلٍ. وقيل: يجزئهم (¬2)؛ لما كان اتباعه الإمام فيها قبل أن يحدث واجبًا عليه. وذكر محمد بن المواز القولين جميعًا (¬3). وقال محمد فيمن أدرك الركعة الآخرة من الجمعة فأحرم والإمام راكعٌ فلم يركع حتى أحدث الإمام فاستخلفه- أنّه يركع بهم مكانه، والقوم على حالهم ¬

_ = سجدتين، ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصل، فجاؤوا فركع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهم ركعة وسجد سجدتين، ثم سلم، فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة وسجدتين)، وأخرجه مسلم، في صلاة المسافرين وقصره، في باب صلاة الخوف، من كتاب صلاة المسافرين وقصره، برقم (839). (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 483. (¬2) في (س): (تجزئه). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 318.

ركوعا، ثم يرفع بهم (¬1) ويكون ممن أدرك تلك الركعة، وتجزئه جمعةً (¬2). قال: وإن رفع القوم بغير إمامٍ قبل أن يرفع (¬3) لم يضره، وعلى المستخلف أن يخر راكعًا ويرجعون (¬4) هم إلى ركعتهم مثل من رفع قبل إمامه، وإن لم يفعلوا لم تجزهم (¬5). وقال فيمن صلى وحده ركعةً من الصبح ثم أحرم معه رجلٌ في الثانية، ثم أحدث الأول: فإن هذا يصلّي ركعةً ثم يجلس يتشهد (¬6) ثم يقضي الأولى وإن كان وحده (¬7). وقال ابن القاسم في مسافرٍ أمه حضريٌّ فأحدث الحضريّ قبل أن يركع أول ركعة فخرج وترك المسافر: كان على المسافر أن يصلّي أربعًا (¬8). واختلف في الإمام يحدث فيستخلف ثم يتوضأ، فإذا جاء أخرج المستخلف وأتم بهم، فقال ابن القاسم في العتبية: لا ينبغي ذلك، فإن فعل فينبغي إذا تمت الصلاة أن يشير إليهم حتى يقضي لنفسه ثم يسلم ويسلّمون. قال: وقد جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر يصلّي بالناس فتأخر وتقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬9). ¬

_ (¬1) قوله: (بهم) ساقط من (ر). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 481. (¬3) في (ر): (يَرْكع). (¬4) في (س): (ويرفعون). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 481. (¬6) في (ب): (يتشهد). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 317. (¬8) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 40. (¬9) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 517، والحديث سبق تخريجه، ص: 397.

وقال يحيى بن عمر: لا يجوز هذا لأحدٍ بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). قال الشيخ أبو الحسن: وقول ابن القاسم في هذا أحسن؛ لأن الحديث ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولنا أن نقتدي بأفعاله - صلى الله عليه وسلم - , ولم يأت ما ينسخ ذلك، وقد أخرج البخاري ومسلم أن أبا بكر كان يصلي بالناس في مرض النبي - صلى الله عليه وسلم -، فوجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خفة فخرج إلى المسجد وأبو بكر يصلي بالناس، فتأخر أبو بكر وقعد النبي - صلى الله عليه وسلم - وصلى بالناس وأبو بكر إلى جنبه يسمع الناس تكبير النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا من آخر فعله لم ينسخه شيء (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 311. (¬2) متفق عليه, أخرجه البخاري: 1/ 242، في باب من دخل ليؤم الناس فجاء الإمام الأول فتأخر الآخر أو لم يتأخر جازت صلاته, من كتاب الجماعة والإمامة في صحيحه, برقم (652)، ومسلم: 1/ 316، في باب تقديم الجماعة من يصلي بهم إذا تأخر الإمام ولم يخافوا مفسدة بالتقديم، من كتاب الصلاة, برقم (421).

باب في الجمعة ووجوبها

باب في الجمعة ووجوبها الجمعة فرضٌ، لقول الله -عز وجل-: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] الآيتين، فأمر بالسعي إليها، ومنع البيع، وذم على الترك، وكل ذلك يقتضي الوجوب. وفي الصحيحين: "أَقْبَلَتْ عِيرٌ مِنَ الشَّامِ بطعامٍ وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَائِم يَخْطُبُ، فَانْفَضَّ النَّاسُ إِلَيْهَا، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا؛ فَنزلَتِ الآيةُ. . ." (¬1)، وفي النسائي قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الرَّوَاحُ حَق عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ" (¬2)، وفي الترمذي، قال: "مَنْ ترَكَ الجُمُعَةَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ تَهَاوُنًا. . ." (¬3)، وفي النسائي: "مِنْ غَير ضَرُوةٍ طَبَعَ اللهُ عَلَى قَلْبِهِ" (¬4)، وفي مسلم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَيَنْتَهِينَّ أَقْوَام عَنْ ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 728، في باب قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا}، من كتاب البيوع في صحيحه, برقم (1958)، ومسلم: 2/ 590، في باب في قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}، من كتاب الجمعة، برقم (863). (¬2) صحيح، أخرجه النسائي: 3/ 89، في باب التشديد في التخلف عن الجمعة, من كتاب الجمعة, برقم (1371)، وأخرجه بنحوه أبو داود: 1/ 147، في باب في الغسل يوم الجمعة, من كتاب الطهارة برقم (342)، قال المناوي في فيض القدير: 4/ 323: إسناده صالح. (¬3) حسن، أخرجه الترمذي: 2/ 373، في باب ما جاء في ترك الجمعة من غير عذر، من أبواب الجمعة، برقم (500)، وقال: حديث حسن. (¬4) صحيح، أخرجه النسائي في السنن الكبرى: 1/ 516، في باب التشديد في التخلف عن الجمعة من كتاب الجمعة، وابن ماجه في سننه: 1/ 357، في باب فيمن ترك الجمعة من غير عذر، من كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، برقم (1126)، وابن خزيمة: 3/ 175 , =

وَدْعِهِمُ الجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَن اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الغَافِلِينَ" (¬1) وقوله: "أقوام" إشارة إلى معينين، ويحتمل أن يكونوا منافقين، كما قال في الحديث الآخر: "إنه يحرق بيوتًا على من فيها يتأخرون عن العشاء" (¬2). ¬

_ = في باب ذكر الدليل على أن الوعيد لتارك الجمعة هو لتاركها من غير عذر، من كتاب الجمعة في صحيحه, برقم (1856)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: 2/ 420، رواه أحمد وإسناده حسن. (¬1) أخرجه مسلم: 2/ 591، في كتاب الجمعة باب التغليظ في ترك الجمعة, في كتاب الجمعة برقم (865). (¬2) أخرجه البخاري بنحوه: 1/ 231، في, كتاب الجماعة والإمامة, باب وجوب صلاة الجماعة، من كتاب الجماعة والإمامة في صحيحه: 1/ 231، برقم (618)، ومسلم: 1/ 451، في باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم (651).

باب في الغسل للجمعة، وعلى من تجب والأعذار التي تسقط وجوبها، وهل تنعقد بمن لا تجب عليه؟

باب في الغسل للجمعة، وعلى من تجب والأعذار التي تسقط وجوبها، وهل تنعقد بمن لا تجب عليه؟ (¬1) الغسل للجمعة سنةٌ، واختلف في وجوبه، وهل من شرطه أن يكون متصلًا بالرواح؟ ولا خلاف أنه ليس بشرط في الإجزاء، وَأنَّ من صلى بغير غسلٍ ناسيًا أو عامدًا أجزأته صلاته، فقال ابن حبيب: لا يأثم تاركه (¬2). وقال أبو جعفر الأبهري: اختلف أصحاب مالك في ذلك: فقال بعضهم: هو سنةٌ مؤكدةٌ، لا يجوز تركها إلا لعذرٍ. وقال بعضهم: هو مستحبٌ. قال: واستدل من قال بوجوبه يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "غُسْلُ الجُمُعَةِ وَاجِب عَلَى كل محتلِم" (¬3). واستدل من قال: إنه مستحب بحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كَانَ النَّاسُ عمَالَ أنْفُسِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ كُفَاةٌ، وَكَانَ يَكون لَهُمْ تَفَلٌ (¬4)، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لهم: لَو اغْتَسَلْتُمْ" (¬5)، وبقوله: "مَنْ تَوَضَّأ فَبِهَا ونعمَتْ، وَمَنِ اغتسَل فَالغسْل أفْضل" (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (وهل. . . لا تجب عليه) ساقط من (ر). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 463. (¬3) سبق تخريجه، ص: 547. (¬4) التَّفِل: الذي قد ترك استعمال الطيب من التَّفَل وهي الريح الكريهة. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: 1/ 514. (¬5) أخرجه مسلم: 2/ 581، في باب وجوب غسل الجمعة على كل بالغ كان الرجال وبيان ما أمروا به، من كتاب الجمعة، برقم (847). (¬6) حسن، أخرجه أبو داود: 1/ 151، في باب في الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة, من =

قال الشيخ: الغسل لمن لا رائحة له- حسنٌ، ولمن له رائحةٌ واجبٌ، كالحوات والقصاب وغيرهما، وعلى من أكل ثومًا أو بصلًا أو كراثًا نيئًا (¬1) أن يستعمل ما يزيل ذلك عنه؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذه الشَّجَرَةِ فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا" (¬2). فأسقط حقه من المسجد، وإذا كان من حق المصلّين والملائكة والمسجد أن يخرج عنهم، وكان حضور الجمعة واجبًا -وجب عليه أن يزيل ما عليه من تلك الروائح، وأما قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيمن كان يوجد منه الريح: ". . . لو اغتسلتم" ولم يوجب ذلك، فإن تلك (¬3) الروائح قد ألفها بعضهم من بعضٍ ولم يستثقلوها (¬4)، وليست رائحة العباء كغيرها. ومن شرط الغسل عند مالك أن يكون متصلًا بالرواح، وإن نام بعد الغسل أو تغدى- استأنفه، وإن راح ثم انتقضت طهارته توضأ وأجزأه غسله. واختلف فيمن اغتسل في الفجر ثم غدا (¬5) به وأقام لوقت الصلاة (¬6)، أو لم يواصل به الرواح - ثلاثة أقوال: - فقال ابن القاسم في كتاب محمَّد: من اغتسل للجمعة في الفجر لم يجزه. - وقال مالك في العتبية فيمن يغتسل يوم الجمعة ويغدو إلى المسجد ¬

_ = كتاب الطهارة برقم (354)، والترمذي: 2/ 269، في باب ما جاء في الوضوء يوم الجمعة، من أبواب الجمعة, برقم (497)، وقال: حديث حسن. (¬1) قوله: (نيئًا) ساقط من (ب). (¬2) سبق تخريجه في كتاب الصلاة الأول، ص: 410. (¬3) في (س): (ترك). (¬4) في (ر): (يستقذروها). (¬5) في (ر): (تحرى). (¬6) في (ر): (وأقام للصلاة).

فصل الجمعة واجبة على الرجال الأحرار المقيمين

ويصلّي الصبح ويقيم في المسجد حتى يصلّي الجمعة: لا يعجبني ذلك (¬1). ولم يعجبه الغسل تلك الساعة. - وقال ابن وهب (¬2): لا بأس إن اغتسل بعد الفجر ونوى (¬3) به الجمعة أن يروح به، والأفضل أن يكون غسله متصلًا بالرواح. فأجاز الغسل وإن لم يكن متصلًا، يغتسل في الفجر ثم يروح به، والرواح عند الزوال إلى ما بعد، وهذا أشهر (¬4)؛ لحديث عائشة (¬5): أن الغسل كان بسبب ما يوجد من تلك الروائح، فإذا لم يحدث بعد الغسل روائح أجزأه غسله. وعلى قول مالك: هو سنة، وليس علته التنظف. فصل الجمعة واجبة على الرجال الأحرار المقيمين الجمعة واجبةٌ على الرّجال الأحرار المقيمين، قال مالك: ولا جمعة على النّساء، ولا على الصبيان، ولا على العبيد (¬6). ولا على المسافرين. فسقطت عن النّساء بإجماعٍ، والإجماع فيهن في موضعين أحدهما: سقوطها، والآخر: أنهن إن حضرنها وصلينها أجزأت عن الظّهر. وأما الصبيان ففرض الصلاة ساقطٌ عنهم، الجمعة وغيرها. وأما العبيد ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 311. (¬2) في (س): (ابن شهاب)، وانظر المسألة في: النوادر والزيادات: 1/ 462، والبيان والتحصيل: 2/ 154، معزوة لابن وهب. (¬3) في (ر): (وينوي). (¬4) في (س): (أسعد). (¬5) سبق تخريجه، ص: 549. (¬6) انظر: المدونة: 1/ 227.

فاختلف فيهم في ثلاثة مواضع: أحدها: هل تجب عليهم؟ والثاني: إذا لم تجب عليهم هل تنعقد بهم؟ والثالث: هل يصحّ أن يقيمها العبد بالأحرار؟ ولا خلاف أنه إن صلاها مأمومًا أجزأته عن الظّهر، والمعروف من قول مالك أنها غير واجبة على العبيد (¬1). وقال ابن شعبان في مختصر ما ليس في المختصر: المشهور من قول مالكٍ أنها غير واجبةٍ على العبيد (¬2)، يريد: أنه اختلف قول مالك فيها. وقال أيضًا: على من قدر من العبيد إتيان الجمعة أن يأتيها، يلزمون ذلك، ويقامون إليها من حوانيت ساداتهم. وفي موطأ ابن وهب المؤرّخ قال: سئل مالك عن العبيد: هل عليهم جمعة؟ فقال: أما من قدر عليها منهم فنعم. فرأى أن الأصل في الصلوات تساوي الحرّ والعبد فيها، وهي صلوات كلها، إلا ما خصه نصّ أو إجماعٌ، ولا حق للسيّد في وقت الصلوات، وروى عنه أبو مصعب أنه قال: لا أحبّ للمكاتب ترك الجمعة. واختلف في إمامة العبد في الجمعة بعد القول أنها غير واجبة عليه، فمنع ذلك مالك في كتاب الصلاة الأول (¬3). وقال ابن القاسم: فإن فعل أعاد وأعادوا (¬4). وفي كتاب ابن حبيب: الإعادة وإن ذهب الوقت (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 227. (¬2) الزاهي، لابن شعبان، لوحة رقم: [7 / ب]. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 177. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 177. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 478.

وأجاز أشهب في كتاب محمَّد: أن يؤم فيها، وقال: إذا كانت تجزئه مأمومًا وتصير (¬1) هي الفريضة لشهودها وواجبة عليه- أن تجزئهم (¬2). ورأى أنها ساقطة في حقّ السيّد، وإذا حضرها وجبت عليه كسائر الصلوات. ورأى مالك أن فرضه أربع، فإذا أمهم كان قد أتى بركعتين عن أربع، وذلك غير مجزئ، ويجزئ إذا كان مأمومًا بالإجماع، وذكر انعقادها به يأتي فيما بعد. وسقطت في السفر؛ لأن من شرطها العصر، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد مر عليه في سفره جمعٌ ولم يجمّع، وكان وقوفه في حجته (¬3) يوم الجمعة فلم يجمّع (¬4). وكذلك إذا دخل المسافر الحضر هو على حكم المسافر في القصر، فلا تجب عليه جمعةٌ. ¬

_ (¬1) في (س): (ونظيره). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 478. (¬3) في (س): (جمعته). (¬4) كونه يوم جمعة لما قاله عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: (. . . نزلت فيه على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قائم بعرفة يوم جمعة) أخرجه البخاري: 1/ 25، في باب زيادة الإيمان ونقصانه، من كتاب الإيمان, برقم (45)، وكونه لم يجمع لما رواه البخاري وفيه: (أن الحجاج بن يوسف عام نزل بابن الزبير سأل عبد الله - رضي الله عنه - كيف تصنع في الموقف يوم عرفة؟ فقال سالم إن كنت تريد السنة فهجّر بالصلاة يوم عرفة. فقال عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - صدق إنههم كانوا يجمعون بين الظهر والعصر في السنة. فقلت لسالم أفعل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال سالم وهل تتبعون في ذلك إلا سنته) أخرجه البخاري: 2/ 598، في باب الجمع بين الصلاتين بعرفة, من كتاب الحج في صحيحه, برقم (1579). وأخرج مسلم من حديث جابر - رضي الله عنه - وفيه:. . . فلما كان يوم التروية توجهوا إلى مني فأهلوا بالحج وركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى به الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثم مكث قليلًا حتى طلعت الشمس، أخرجه مسلم: 2/ 886، في باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، من كتاب الحج، برقم (1218).

فصل الأعذار التي تجيز التخلف عن الجمعة

واختلف إذا شهدها وصلاها مأمومًا، واستخلف على إقامتها: فقال مالك: إذا صلاها مأمومًا أجزأت. وقال ابن الماجشون في ثمانية أبي زيد: لا تجزئه وإن كانت صلاته للظهر ركعتين؛ لأنه صلاها على نية الجمعة (¬1). وقول مالك أحسن، وأن تجزئه قياسًا على المرأة، فالجمعة ساقطة عنها، وإن شهدتها أجزأتها عن أربع. وقال مالك في العتبية: إذا أحدث الإِمام فاستخلف المسافر- لم تجزهم، ويعيدون الخطبة والصلاة ما لم يذهب الوقت، فإن ذهب الوقت أعادوا ظهرًا أربعًا (¬2). وأجاز أشهب أن يستخلف (¬3) إن حدث على الإِمام شيءٌ قبل دخوله في الصلاة أو بعد، وقاله سحنون (¬4)، ومنع مطرف وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب قبل الإحرام، وقالا (¬5) يعيد ويعيدون، وإن استخلف بعد الإحرام أجزأته وأجزأتهم؛ لأنها بالإحرام منعقدةٌ عليه وصار تمامها عليه فرضًا. فصل الأعذار التي تجيز التخلف عن الجمعة الأعذار التي تجيز التخلف عن الجمعة أربعةٌ، وهي: ما يتعلق بالنفس، والأهل، والدّين، والمال. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 478. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 235. (¬3) في (ر): (استخلف). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 235. (¬5) في (س): (وقال لا).

فأما ما يتعلق بالنفس فالمرض الذي يشقّ معه (¬1) الإتيان إليها، أو علةٌ لا يمكنه اللبث في الجامع حتى تنقضي الجمعة لنزول به، أو غير ذلك، أو كان مقعدًا ولا يجد مركوبًا، أو أعمى ولا يجد قائدًا ولا يهتدي للوصول (¬2) بانفراده. واختلف في المطر الشديد: هل يكون عذرًا؟ فقال مالك: عليه أن يشهد (¬3). وقال أيضًا: ليس ذلك عليه. ومن العذر أن يخاف سلطانًا إن ظهر قتله أو عاقبه أو ضاره، وقال سحنون: إذا خاف غريمًا أن (¬4) يحبسه- لم يسعه (¬5) التخلف، كان له مالٌ أو لم يكن. وقوله: إذا لم يكن له مال، ليس بحسن. واختلف في تخلّف العروس، فقال مالك: لا يتخلف عن الجمعة ولا غيرها (¬6). وقال سحنون: قال بعض الناس: يتخلف ولا يخرج، وهذا حق لها بالسّنة (¬7). وهذا لا يصح، إلا أن يقول: إنها من فروض الكفاية. - والعذر في الأهل أن تكون زوجته أو ابنته أو أحد أبويه قد اشتد به (¬8) المرض أو احتضر أو مات؛ فيجوز له التخلّف، وكذلك لو كان مريضًا يخشى ¬

_ (¬1) في (ر): (عليه). (¬2) في (ر): (بالوصول). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 457. (¬4) قوله: (أن) ساقط من (ر). (¬5) في (ر): (يمنعه). (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 356. (¬7) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 356. (¬8) في (ر): (فيه).

عليه الضيعة ولم يكن له من يقوم به. وإن كان أجنبيًّا ومات (¬1) واحتيج إلى مواراته فقد اختلف في هذا الأصل: فقال مالك في الرجل يكون مع صاحبه فيمرض ويشتدّ عليه مرضه: لا يدع الجمعة إلا أن يكون في أسباب الموت (¬2). وقال في الرجل يهلك في يوم الجمعة فيتخلف عليه الرجل من إخوانه ينظر في شأنه: لا بأس به (¬3). وروي عن ابن عمر أنه دعي لعثمان (¬4) ابن زيد بن نفيل وقد كان احتضر، فمضى إليه وترك الجمعة. وذكر ابن نافع عن مالك أنه قال في رجلٍ بلغه موت بعض أهله، يخرج إلى جنازته وهو قريبٌ من المدينة ويدع الجمعة؟ فقال: لا، وأرى أن يؤثر الجمعة. وقال سحنون: يحضر الجمعة إذا لم يخف تغير (¬5) الميت. - وأما الدين فإن كان إن ظهر خاف أن يلزم بأمر لا يجوز، من قتل رجل، أو ضربه، أو سبّه، أو بيعة من لا يجوز العقد له (¬6) - جاز له التخلف، وهو قول مالك. ¬

_ (¬1) في (ر): (أو مات). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 456. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 272. (¬4) كذا بالمخطوطة، والصواب (لسعيد)، والأثر أخرجه، الحاكم في المستدرك: 3/ 495، برقم (5850)، وابن سعد، في الطبقات الكبرى: 3/ 384، والمسألة ذكرها في النوادر والزيادات: 1/ 456. (¬5) في (س): (تغيير). (¬6) في (ر): (به).

فصل [فيمن تجب الجمعة بحضوره من أصحاب الأعذار]

- وأما المال فإن كان يخاف سلطانًا إن ظهر أخذ ماله، أو يخاف أن يسرق بيته، أو يحترق شيءٌ من ماله- جاز له التخلف. واختلف إذا اجتمع العيد والجمعة: فروى ابن القاسم عن مالك: أنه يشهد الجمعة (¬1). قال مالك: ولم يبلغني أن أحدًا أذن لأهل العوالي إلا عثمان (¬2). وفي الواضحة عن ابن وهب ومطرف وابن الماجشون أنهم سمعوا مالكًا يرى الأخذ بذلك ولا يستنكره (¬3). فصل [فيمن تجب الجمعة بحضوره من أصحاب الأعذار] وإذا سقطت الجمعة عمن تقدم ذكره من صاحب عذرٍ من مرضٍ أو غيره أو صبيّ أو امرأةٍ أو عبدٍ أو مسافرٍ - فإنهم إذا حضروها على ثلاثة أصناف: - فصنفٌ إذا حضر تجب (¬4) عليهم وتجب بهم على غيرهم وهم أصحاب الأعذار من الرجال الأحرار (¬5)، فإذا حضروا وجبت عليهم لوجوبها قبل العذر، فإذا لم يكن في عدد من سواهم من تجب عليهم الجمعة إلا بإضافتهم إليهم وجبت عليهم. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 233. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 358. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 233. (¬4) في (ر): (أو تجب). (¬5) قوله: (الأحرار) ساقط من (س)،

- وصنفٌ لا تجب عليهم مع (¬1) حضورهم ولا تنعقد، وهم الصبيان. - وصنفٌ لا تجب عليهم، واختلف هل تنعقد بهم؟ وهم النساء والعبيد والمسافرون، فقال أشهب: إذا نفر الناس عن الإِمام ولم يبق معه إلا عبيدٌ - صلى بهم الجمعة، وكذلك إذا لم يبق معه إلا النساء وليس معهن رجلٌ - فإنه يصلي بهن ركعتين (¬2). قال: وليس بين العبيد والنساء اختلاف، وكذلك على أصله إذا لم يبق معه إلا المسافرون (¬3). وقال سحنون: لا يجمع إلا أن يبقى معه من الرجال الأحرار جماعةٌ دون العبيد والمسافرين والنّساء، وينتظرهم إذا كان يطمع برجوعهم حتى لا يبقى من النهار إلا قدر ما تصلى فيه وركعةٌ من العصر (¬4). واختلف أيضًا إذا هربوا عنه بعد أن صلى بهم ركعة أو ركعتين وقبل أن يسلّم، فقال ابن القاسم وسحنون: لا تصحّ له جمعةً (¬5). وإن كان قد صلى ركعةً أضاف إليها أخرى، ولو صلى الإِمام بهم ركعة، ثم نفر هو عنهم- أبطل عليهم عند ابن القاسم، ولم تبطل على قول أشهب. وقد قال أشهب (¬6) في مدونته في إمام أحدث متعمّدًا وهو يتشهد: يقدم القوم رجلًا منهم فيسلم بهم ويتوضأ هو ويعيد الصلاة؛ لأن (¬7) تحليل الصلاة ¬

_ (¬1) في (ر): (بعد). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 455. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 455. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 454. (¬5) في (ب): (الجمعة). (¬6) قوله: (قد قال أشهب) ساقط من (ر). (¬7) في (ر): (إلا أن).

السلام، فمن لم يسلم لم يقض صلاته. فلم ير أنه أبطل عليهم الماضي من صلاتهم وهم فيه على حكم الجماعة قبل أن تبطل على نفسه، ولهذا قال: إذا هربوا عنه بعد ركعةٍ أنه تصح له جمعةً؛ لأن إبطالهم التمادي لا يبطل عليهم ما قد صلى بهم، وبقيت له ركعةٌ على حكم الجماعة، كما إذا أبطل هو صلاته لا تبطل عليهم، وقد تقدم في كتاب الوضوء إذا صلى بهم وهو جنبٌ: تجزئهم (¬1) الجمعة؟ ¬

_ (¬1) في (بما: (هل تجزئهم). وانظر قول المؤلف في كتاب الوضوء، ص: 143.

باب فيمن زوحم يوم الجمعة عن الركوع والسجود

باب فيمن زوحم يوم الجمعة عن الركوع والسجود اختلف فيمن زوحم عن الرّكوع: فقال ابن القاسم: يلغي تلك الركعة، وسواء زوحم في الأولى أو في الثانية، قال: وليس بمنزلة الناعس (¬1). وقال عبد الملك بن الماجشون: لا يلغيها، وهو أعذر من الناعس (¬2). وهذا أحسن؛ لأن الناعس والغافل معه شيءٌ من التفريط. وإن ركع ثم زوحم عن السّجود أتى به على القولين جميعًا، فقال مالك مرة: يأتي به إن كان في أول ركعة ما لم يركع الثانية (¬3). وقال أيضًا: ما لم يرفع من الركوع. وقد مضى ذلك في الكتاب الأول. فإن صحت الأولى وزوحم عن سجود الثانية- أتى بالسجود عند ابن القاسم ما لم يسلم الإِمام، وعند أشهب: يسجد وإن سلم (¬4). وهو أحسن، وليس السلام كعقد ركعة، وإنما يحول بينه وبين سجود الأولى ركوع الثانية؛ لأنه مخاطب أن يصلّي التي تلي ما غلب على سجودها، ويتبع الإِمام ولا يخالف، وليس كذلك السلام. واختلف أيضًا إذا فاتته الأولى، وأدرك ركوع الثانية، وزوحم عن السجود حتى سلم الإِمام- فقال ابن القاسم: لا تجزئه الجمعة (¬5). ورأى أنه لا ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 12. (¬2) انظر: الغوادر والزيادات: 1/ 305. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 228. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 304. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 228.

يكون مدركًا، إلا أن يصلّى ركعة بسجدتيها مع الإِمام. وقال أشهب: إنه يسجد ويأتي بركعة، وتجزئه جمعة (¬1). واحتج يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَدرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ السَّجْدة" (¬2). واختلف بعد القول إنها لا تجزئه جمعةٌ، فقال عبد الملك في كتاب محمَّد: يتمّ عليها أربعًا (¬3)، يريد: أنه يتمّ سجودها ويأتي بثلاث ركعات. وقال محمَّد: يسلّم ويستأنف الصلاة أربعًا، وقال أصبغ: يتمّ سجود الأولى ويأتي بركعة ثم يستأنف الصلاة أربعًا (¬4). واختلف فيمن أدرك من الجمعة ركعةً فلما سلم ذكر هذا الرجل سجدةً من التي صلى (¬5) مع الإِمام: فقول ابن القاسم: تبطل الجمعة، وقول أشهب: يخرّ إلى سجدة ويأتي بركعة وتجزئه الجمعة، وقول أصبغ: يتمها جمعةً ويعيدها (¬6). وعلى القول أنها لا تجزئه- يختلف: هل يبني عليها أربعًا وتجزئه عن ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 303. (¬2) أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 11، في باب من أدرك ركعة من الصلاة من كتاب وقوت الصلاة برقم (18)، وأبو داود في سننه: 1/ 298، في باب في الرجل يدرك الإِمام ساجدًا كيف يصنع؟، من كتاب الصلاة: 1/ 298، برقم (393)، وابن خزيمة: 3/ 57، في باب إدراك المأموم الإِمام ساجدًا والأمر بالاقتداء به في السجود، من كتاب الصلاة في صحيحه, برقم (1622)، والحاكم في المستدرك: 1/ 407، في باب التأمين، من كتاب الإمامة وصلاة الجماعة، برقم (1012)، وقال: هذا حديث صحيح قد احتج الشيخان برواته عن آخرهم. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 304. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 304. (¬5) في (س): (سَلم). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 399.

الظهر؟ أو يسلّم ويستأنف الظهر أربعًا؟ وقال محمَّد: فإن أتى بركعةٍ بعد سلام الإِمام (¬1)، ثم شك في سجدة لا يدري من أيّ ركعةٍ هي، فقال ابن القاسم: يسجد سجدة ويأتي بركعة ويسجد لسهوه ويعيدها ظهرًا. وقال أشهب: يأتي بركعة ويسلم ويسجد لسهوه ويعيدها ظهرًا، وقال ابن عبد الحكم وأشهب في المجموعة مثل قول عبد الملك. قال أشهب: ولا يقال له أثبت بركعة؛ لأنها إذا بطلت التي أدرك خرج من أن تكون جمعةً، وصار عليه ظهرٌ، وليس الإتيان في هذه بركعة من صلاح فرضه، فخالفت غيرها (¬2). والذي حكى ابن المواز عنه خلاف لحافي المجموعة عنه (¬3). قال عبد الملك: لا يأتي بركعة، ولكنه يسجد ثم يتشهد ويسلّم، ويسجد لسهوه بعد السلام، ويعيدها ظهرًا (¬4). قال مالك (¬5): وهذا أحب إلى يسجد خوفًا أن تكون من الآخرة (¬6) ولا يأتي بركعة؛ لأنها إن كانت من الركعة الآخرة (¬7) فهي جمعة تامة لا يحتاج فيها إلى ركعة، وإن كانت من الأولى فلا جمعة له، وعليه الظهر أربعًا، ولا تنفعه ¬

_ (¬1) قوله: (سلام الإِمام) يقابله في (ر): (السلام). (¬2) انظر: النوادر والزيادات 1/ 400. (¬3) قوله: (والذي. . . . المجموعة عنه) يقابله في (ر): (والذي حكاه عنه محمَّد بخلاف قوله في المجموعة). انظر: النوادر والزيادات: 1/ 400. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 400. (¬5) في (ر): (محمَّد). (¬6) في (ب): (الأخيرة). (¬7) في (ب): (الأخيرة).

الركعة التي أتى بها (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: أرى أن يأتي بسجدة ينوي بها تمام التي صلى مع الإِمام، ثم يأتي بركعة ويسلّم، وتجزئه جمعة على القول أن كل ركعة لا يعتدّ بها لا تحول بينه وبين إصلاح التي قبلها، وهو قول مطرّف، والتي ركعها بعد سلام الإِمام لا يعتدّ بها من الجمعة لما لم تتم التي قبلها، وإذا كان لو سلم (¬2) واشتغل ذلك القدر في كلام أو غيره، ثم ذكر لم تفسد عليه صلاته- كان من اشتغل ذلك القدر في القربة لله -عز وجل- أحرى ألا يحول بينه وبين الإصلاح. وقال مالك فيمن لم يستطع السجود إلا على ظهر أخيه: لا تجزئه، وعليه الإعادة وإن ذهب الوقت (¬3). وقال أشهب: يعيد ما دام في الوقت. وقال محمَّد بن عبد الحكم: إذا أدرك الأولى وزوحم عن سجود الثانية فسجد على ظهر أخيه وسلم الإِمام ولم يسلّم هذا وتطاول- فإنه يسجد، وتجزئه صلاته. فرأى أشهب أنه إذا لم يستطع السجود بالأرض كان فرضه الإيماء، وإنما عليه أن يأتي من ذلك بحسب قدرته مع الإِمام، ولا يؤخر عنه حتى يأتي بها على الأرض بعد ذلك، وإذا كان فرضه أن يأتي به معه إيماء فسجد على ظهر أخيه، أشبه من كان فرضه الإيماء، فرفعت له وسادة فسجد عليها. ورأى مالك: أن له أن يؤخر ذلك، فإذا قام (¬4) الإِمام إلى الثانية سجد هو ¬

_ (¬1) انظر: المدونة 1/ 229. (¬2) في (ر): (سلم الإِمام). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 228. (¬4) في (س): (قدم).

على الأرض، إلا ألا يقدر ويركع الإِمام فيومئ هو ويدركه في الثانية. وإن زوحم عن سجود الثانية أمهل حتى يجلس للتشهد، فيسجد على الأرض، فإن خشي أن يسلم الإِمام -أومأ للسجود على القول أن السلام كعقد ركعة، وعلى القول أنه ليس كعقد ركعة- يؤخر حتى يسلّم الإِمام، فيسجد على الأرض.

باب في المواضع التي تجب فيها الجمعة

باب في المواضع التي تجب فيها الجمعة الجمعة تجب في الأمصار والقرى العظام التي تشبه الأمصار، واختلف فيما سوى ذلك: فقال مالك مرةً: تقام في القرية المجتمعة التي قد اتصلت دورها وفيها الأسواق (¬1). وقال مرةً: المتصلة البنيان. ولم يذكر الأسواق (¬2). وقال في سماع أشهب: إذا كانت القرية بيوتها متلاصقةً، وطرقها في وسطها، ولها أسواق، ومسجد يجمعون فيه الصلاة- فإنهم يجمعون الجمعة (¬3). وكل هذا جنوح إلى ما يشبه المدن؛ لأن الأصل ما أقيمت فيها، وإلى هذا ذهب سحنون: أنها تقام في المدن وما أشبهها. وسئل محمَّد بن سحنون عن القرى التي أحدثت فيها المنابر فقال: لا أرى ذلك؛ لأنه أمر اختلف فيه، ولو كان ذلك واجبًا على أهل القرى لأقامها سحنون إذ صلي كما أقامها لأهل قلشانة وسوسة وصفاقس، فما أجاز ذلك فيها إلا زحفا (¬4). وأنكر ابن سحنون على ابن طالب حين أقامها بأولج وقرقورية. قال الشيخ: وقد أخبرني بعض أهل أولج أن بها عشرة مساجد، وقال يحيى بن عمر: الذي أجمع (¬5) عليه مالكٌ وأصحابه (¬6) أن الجمعة لا تقام إلا ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 233. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 233. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 451. ولم يذكر سماع أشهب، وهو في كتاب الصلاة الثاني، من كتاب أوله اغتسل على غير نية. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 453. (¬5) في (س): (اجتمع). (¬6) قوله: (وأصحابه) ساقط من (ر).

بثلاثة: المصر، والجماعة، والإمام الذي تخاف مخالفته، فمتى عدم شيءٌ من هؤلاء لم تكن جمعة. فجميع هذه الروايات يشدّ بعضها بعضًا، أنها إنما تقام بالمدن والأمصار وما كان من القرى يشبهها (¬1). وراعى مالك مرةً العدد، فروى عنه مطرف وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب أنه قال: إذا كانوا ثلاثين رجلًا أو ما قاربهم جمَّعوا (¬2). قال ابن حبيب: وهو مثل قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا اجتمع ثلاثون بيتًا. . ." (¬3) والبيت: مسكن الرجل الواحد. وفي مختصر ما ليس في المختصر قال: إذا كانت قرية فيها خمسون (¬4) رجلًا ومسجد يجمّعون فيه الصلوات - فلا بأس أن يصلوا صلاة الخسوف، وعلى هذا لا يصلون الجمعة إلا أن يكونوا هذا القدر؛ لأن الجمعة أولى بطلب ذلك فيها. وقال الشيخ أبو بكر الأبهري: لا حد لهم. وقال أبو الحسن ابن القصار: وليس عند مالك للجماعة التي تجب عليهم الجمعة حدّ محدود، غير أني رأيت لمالك نصًّا: أنها لا تقام بالثلاثة ولا بالأربعة، وقال أبو محمَّد عبد الوهاب: إنهم لا حد لهم، إلا أن يكونوا عددًا يمكنهم الثواء وتتقرى بهم قرية (¬5). ¬

_ (¬1) في (ب): (شبها بها). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 452. (¬3) ذكره سحنون في المدونة: 1/ 233، وعزاه إلى ابن وهب عن القاسم بن محمَّد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا، وفيه علة أخرى وهي الانقطاع بين ابن وهب والقاسم بن محمَّد رحمهم الله. (¬4) في (ب): (ثلاثون). (¬5) انظر: الإشراف: 1/ 322.

والرواية المتقدمة في مراعاة القرى ترد ما ذهب إليه البغداديون أنه لا حد لهم، وقد قال مالك في المدونة في الأمير يمرّ بقرية لا تجب فيها الجمعة فجهل فجمع بهم: فلا جمعة له ولا لهم (¬1). ولم يختلف المذهب أن الجمعة مفارقةٌ للصلوات الخمس، وأن ما سوى الجمعة يقام بالواحد والاثنين، وأن للجمعة حكمًا آخر، وصفة تطلب، وقدرًا تقام الجمعة بحصوله وتسقط بعدمه، وإذا كان ذلك وجب ألا تقام إلا على صفة (¬2) مجمع عليها، وأن الخطاب يتوجه بها، فمتى عدم لم تقم لمختلف فيه؛ لأن أصل الظهر أربع، فلا ينتقل عنه بمشكوك فيه. وقال مالك في أهل الخصوص، وهم جماعة، واتصال تلك الخصوص كاتصال البيوت: إنهم يجمِّعون الجمعة وإن لم يكن لهم والٍ (¬3). ولم يقل إذا كان (¬4) لهم مسجد، وقال في العتبية: ليس على أهل العمود جمعة؛ لأنهم عنده ليس لهم قرار (¬5). ويختلف في أهل الخصوص والقرى الآن؛ لأنها ليست تشبه بالمدن، وقال مالك في سماع ابن وهب في حصون تكون على الساحل، فقال: إنما هي على أهل القرى والمدن، فأما غير أهل القرية، فلا أدري (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 238. (¬2) قوله: (تقام الجمعة. . . إلا على صفة) ساقط من (س). (¬3) في (ر): (إمام). وانظر: النوادر والزيادات: 1/ 452. (¬4) في (س): لم يكن. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 450. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 453.

فصل الخلاف فيمن يقيم الجمعة ويصليها بالناس

ولم ير سحنون على أهل المنستير جمعةً (¬1)، وقاله محمَّد بن عبد الحكم، وقال: لا تكون الجمعة إلا في العيال والولد والأسواق. وقال زيد بن بشر: إذا كان الحصن على أكثر من فرسخ وفيه خمسون رجلًا فأكثر جمعوا (¬2). فصل الخلاف فيمن يقيم الجمعة ويصليها بالناس واختلف فيمن يقيم الجمعة، ويصليها بالناس، فقال مالك في المدونة في أهل مصرٍ مات واليهم، ولم يستخلف عليهم أحدًا قال: إذا حضرت الصلاة قدّموا رجلًا منهم، فخطب، وصلى بهم الجمعة، وكذلك القرى التي لأهلها أن يجمّعوا، وقال: إن لله فرائض في أرضه لا ينقضها إن وليها والٍ، أو لم يلها، نحوً من هذا. يريد: الجمعة. (¬3) وقال محمَّد بن مسلمة في المبسوط: لا يصليها إلا سلطان أو مأمور أو رجل مجمع عليه، ولا ينبغي أن يصليها إلا أحد هؤلاء، قاله في باب الصلاة في العتبية (¬4). وقد تقدم قول يحيى بن عمر إنها لا تقام إلا بثلاث، قال: والإمام الذي تخاف مخالفته، وهذا آكد من قول ابن مسلمة، قال يحيى: وأتى قوم عمرو بن العاص فسألوه أن يأذن لرجل منهم أن يؤمهم في الفطر والأضحى، فأذن لهم، ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 453. قلت: مُنَسْتِير: بضم أوله وفتح ثانيه وسكون السين المهملة وكسر التاء المثناة من فوقها وياء وراى وهو موضع بين المهدية وسوسة بإفريقية. انظر: معجم البلدان: 5/ 209. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 453. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 233. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 451.

فصل الجمعة تصلى في الجامع لا على ظهره

ثم جاؤوه فسألوه أن يأذن لهم في الجمعة، فقال: هيهات، لا يقيم الجمعة إلا من أخذ بالذنوب وأقام الحدود، وأعطى الحقوق، وقول مالك أبين, لأنها قربة أمر الله سبحانه بأدائها، فلا وجه لتعلقها بإمام يخاف، وقد قال مالك، وابن القاسم: إذا منع الإِمام الناس من إقامتها وقدروا على إقامتها فعلوا (¬1). وفرق أشهب بين الإِمام أن يمنعهم أو يكون ممن لا يمنع، فصلوها بغير أمره (¬2)، ولم يختلفوا أنه إذا كان إمامًا مقامًا من الأمير فخطب أو صلى بعض الصلاة، ثم حدث عليه ما نقض طهارته أو غير ذلك أن له أن يستخلف ولا يفتقر في ذلك إلى الأمير، ولو ذهب كان لهم أن يستخلفوا، وهذه ضرورة (¬3). فصل الجمعة تصلى في الجامع لا على ظهره الجمعة تصلى في الجامع، لا على ظهره، ولا خارجًا منه في الطريق، ولا في الديار، ولو كانت قريبة منه، واختلف فيمن صلاها في شيء من هذه المواضع الثلاث، هل تجزئه صلاته؟ فقال ابن القاسم في المدونة فيمن صلاها على ظهر المسجد: يعيد وإن ذهب الوقت (¬4). وقال مالك، ومطرف وابن الماجشون وأصبغ في ثمانية أبي زيد: صلاته جائزة ولا إعادة عليه. قال ابن الماجشون: لا بأس أن يصلي المؤذن على ظهر المسجد؛ لأنه موضع أذانه إذا قعد الإِمام على المنبر، وإذا صلى خارج المسجد في الطريق أجزأته صلاته عند ابن القاسم (¬5) ولم ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 237. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 451، 452. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 227. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 175. (¬5) انظر المدونة: 1/ 232، والنوادر والزيادات: 1/ 479، وعبارة المدونة: (إن كان الطريق =

تجزه عند سحنون، وقال: صلاتهم باطلة، وكان يقول: إذا مر على الذين يجلسون للصلاة في الطريق: ضع رجلك على عنقه وجز، ويأمرهم بالدخول، ويقول: إن صليتم ها هنا فصلاتكم باطلة، وهذا أحسن، لقولهم: إن الجامع من شرط الجمعة، فمن تركه مختارًا، لم تجزئه (¬1)، والصلاة على ظهر المسجد أخف وأولى أن تجزئ من الصلاة في الطريق؛ لأن لظهره من الحرمة ما لبطنه. وأما الصلاة في الديار التي حول المسجد، فقال مالك: لا تصلى فيها وإن أذن أهلها (¬2)، وقال ابن القاسم عند ابن مزين: فإن فعل فعليه الإعادة وإن ذهب الوقت، وقال ابن نافع: يكره أن يتعمد ذلك إذا لم تتصل الصفوف، وإن امتلأ المسجد والأفنية واتصلت الصفوف، فلا بأس بذلك، قال: وقد صلي في حجر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - حين ضاق المسجد (¬3). ¬

_ = بينهما فصلى في تلك الأفنية بصلاة الإِمام ولم تتصل الصفوف إلى تلك الأفنية فصلاته تامة. قال: وإن صلى رجل في الطريق وفي الطريق أرواث الدواب وأبوالها؟ قال مالك: صلاته تامة، ولم يزل الناس يصلون في الطريق من ضيق المساجد وفيها أرواث الدواب وأبوالها. قلت: وكذلك قول مالك في جميع الصلوات إذا ضاق المسجد بأهله). (¬1) قال في المدونة: (فيمن صلى يوم الجمعة على ظهر المسجد بصلاة الإِمام، قال: لا ينبغي ذلك؛ لأن الجمعة لا تكون إلا في المسجد الجامع). انظر: المدونة: 1/ 232 (¬2) انظر: المدونة: 1/ 232. (¬3) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى: 3/ 111، باب المأموم يصلي خارج المسجد بصلاة الإِمام في المسجد وليس بينهما حائل، من كتاب الحيض: 3/ 111، برقم (5032) وقال مالك في المدونة: (.. حدثني غير واحد ممن أثق به: أن الناس كانوا يدخلون حجر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام ويصلون فيها الجمعة وكان المسجد يضيق على أهله فيتوسعون بها وحجر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ليست من المسجد، ولكنها شارعة إلى المسجد ولا بأس بمن صلى في أفنية المسجد ورحابه التي تليه، فإن ذلك لم يزل من أمر الناس لا يعيبه أهل الفقه ولا يكرهونه، ولم يزل الناس يصلون في حجر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بني =

فصل الجمعة تقام في جامع واحد

فصل الجمعة تقام في جامع واحد الجمعة تقام في جامع (¬1) واحد، وإن كان بالمصر جامعان أقيمت في الأقدم منهما، وإن أقيمت في الأحدث وحده أجزأت، وإن أقيمت في الجامعين مع القدرة على الاكتفاء بواحد أجزأت من صلاها في الأقدم وأعادها الآخرون، قاله مالك في مختصر ما ليس في المختصر، وقال بعض الناس: تجزئ من أقامها أولًا، ويعيد من أقامها بعد، وإذا لم يسعهم جامع واحد جاز أن تصلى في جامعين، وقال محمَّد بن عبد الحكم: أما مثل الأمصار العظام مثل مصر وبغداد فلا بأس أن يجمعوا في مسجدين (¬2). قال الشيخ: إقامتها في مسجدين أولى إذا أكثر الناس، ويعيد من يصلي في الأفنية من الجامع؛ لأن الصلاة لهم حينئذ لا يأتون بها على حقيقتها، وقد يكون الإِمام في السجود وهم في الركوع، وقال أبو الحسن ابن القصار: إذا كانت المدينة ذات جانبين كبغداد فيشبه أن يجيء على المذهب أن يجمّعوا في الجانبين (¬3) يريد اختيارًا، وأنها تفسير بذلك كالمدينتين. ¬

_ = المسجد). انظر: المدونة: 1/ 233. (¬1) في (س): (مسجد). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 453. (¬3) في (س): (الجامعين). وانظر: عيون المجالس: 1/ 416. وقد عزاه إلى أبي يوسف من أصحاب أبي حنيفة.

فصل في الخلاف هل المراعى في شهودها ثلاثة أميال

فصل في الخلاف هل المراعى في شهودها ثلاثة أميال وعلى من كان خارجًا عن المدينة شهودها إذا كان قريبًا على ثلاثة أميال، واختلف هل المرَاعى ثلاثة أميال من المنار أو من طرف المدينة، فقال مالك في المجموعة: عزيمة الجمعة على من كان بموضع يسمع منه النداء، وذلك ثلاثة أميال (¬1)، وظاهره من المنار، وقاله أبو محمَّد عبد الوهاب: إن المراعى من المنار (¬2)، وقال محمَّد بن عبد الحكم: إنما ينظر إلى ثلاثة أميال من العصر، وحيث يقصر الصلاة المسافر في خروجه, وليس ينظر إلى المسجد، وقد يكون بين المسجد وآخر البلد أكثر من ثلاثة أميال. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 233. (¬2) انظر: المدونة 1/ 162.

باب في البيع، والشراء يوم الجمعة بعد النداء للجمعة ووجوب السعي إليها

باب في البيع، والشراء يوم الجمعة بعد النداء للجمعة ووجوب السعي إليها النداء للجمعة يوجب السعي إليها ويمنع البيع والشراء، لقول الله -عز وجل-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9]. وهذا فيمن كان قريب الدار إذا سعى بعد النداء أدرك الخطبة فما بعدها، وإن كان بعيد الدار، وجب عليه أن يسعى قبل ذلك بما يعلم أنه إذا سعى أدرك، ويمنع البيع والشراء حينئذ، وليس من هو في طرف المدينة كمن هو في وسطها, ولا المدينة الكبيرة كالصغيرة. واختلف فيمن باع أو أشترى بعد النداء، فقال مالك في المدونة: يفسخ البيع (¬1)، وقال في المجموعة: البيع ماضٍ وليستغفر الله (¬2)، وقال المغيرة: يفسخ ما لم يفت، فإن فات بتغير الأسواق مضى بالثمن (¬3)، وقال ابن القاسم وأشهب في الواضحة: يفسخ ما لم يفت، فإن فات مضى بالقيمة (¬4). واختلف في القيمة متى تكون؛ فقال ابن القاسم: حين قبضها مشتريها، وقال أشهب: بعد صلاة الإِمام وحين يحل البيع (¬5)، وقال عبد الملك بن ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 234. (¬2) انظر: النوادو والزيادات: 1/ 469. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 468. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 468. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 468.

الماجشون في ثمانية أبي زيد: إذا كان قوم اعتادوا البيع ذلك الوقت، فسخت تلك البياعات كلها، وإن لم تكن عادة زجروا عن ذلك، ولم يفسخ البيع. واختلف بعد القول أن البيع يمضي، في الربح، فقال مالك: الربح للمشتري، ولا أراه عليه حرامًا، وقال ابن القاسم في العتبية: لا يأكل الربح، وأحب إلى أن يتصدق به، وقال أصبغ: يكره أن ينتفع بذلك الربح، لمّا كان اشتغاله به عن العبادة (¬1)، وقد فعل مثل ذلك سليمان - عليه السلام - لما اشتغل بالخيل فقتلها (¬2). قال الشيخ: وقول المغيرة في ذلك حسن، أنه ينقض البيع مع القيام، عقوبة وحماية، لئلا يعودا إلى مثل ذلك، فإن فات مضى؛ لأن الثمن والمثمون صحيحان لا فساد فيهما. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 469، وعبارته: (وروى ابن وهب وعليٌّ عن مالك، في من باع بعد النداء يوم الجمعة، قال: بئس ما صنع وليستغفر الله. قال عنه عليٌّ: ولا أرى الربح فيه عليه بحرام. ومن العتبية، قال أصبغ، عن ابن القاسم: فإن باعها المبتاع بربح، فلا يأكل الربح، وأَحَبُّ إِلَي أن يتصدق به. وقاله أصبغ) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 516. (¬2) روى الطبراني في الأوسط عن أبي بن كعب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: {فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاق} قال: "قطع، أعناقها وسوقها" قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن قتادة إلا سعيد بن بشير. أخرجه الطبراني: 7/ 108، برقم (6997). وقال الطبري في تفسيره: اختلف أهل التأويل في معنى مسح سليمان بسوق هذه الخيل الجياد وأعناقها فقال بعضهم: معنى ذلك: أنه عقرها وضرب أعناقها من قولهم: مسح علاوته: إذا ضرب عنقه. انظر: تفسير الطبري: 10/ 579. وذكر البغوي في تفسيره: (قال الحسن: لما شغلت الخيل نبي الله سليمان - عليه السلام - حتى فاتته صلاة العصر غضب لله -عز وجل- فعقر الخيل). انظر تفسير البغوي: 1/ 335. وللمفسرين أقوال أخر في ذلك، فانظرها فيما ذكرنا وفي غيرها.

فصل الأذان الثاني هو الذي يمنع البيع

واختلف بعد القول بفسخ البيع في فسخ ما لا يتكرر نزوله، فقال محمَّد بن عبد الحكم في الإقالة والشركة والتولية والأخذ بالشفعة: يفسخ؛ لأنه بيع. وقال ابن القاسم في العتبية في النكاح: إنه يمضي بالعقد ولا يفسخ (¬1)، قال: والهبة والصدقة نافذة، إلا في البيع، وقال أصبغ في النكاح: يفسخ؛ لأنه بيع (¬2). قال الشيخ: قول ابن القاسم في هذا أحسن، فلا يفسخ النكاح ويحتاط للفروج، ولا تباح لأحد مع قوة الخلاف، وتمضي الهبة والصدقة بالعقد، بخلاف البيع؛ لأنه في البيع يرد إلى كل واحد ماله، فلا يلحقه كبير مضرة، وليس كذلك الهبة والصدقة؛ لأنه ملك شيئًا بغير عوض، فيبطل عليه، إلا أن تكون الهبة للثواب؛ لأنها بيع، انتهى. فصل الأذان الثاني هو الذي يمنع البيع الأذان الذي يمنع البيع، الأذان الثاني، وهو إذا قعد الإِمام على المنبر، وقال أبو محمَّد عبد الوهاب: للجمعة أذانان، أذان عند الزوال، والآخر عند جلوس الإِمام على المنبر (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 516. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 469. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 165.

وذكر البخاري أن الثاني حدث في زمان عثمان بن عفان (¬1)، فجعل ابن عبد الحكم الثاني واجبًا (¬2)، لما يتعلق به من الأحكام من وجوب السعي، وتحريم البيع، وقد يقع التحريم، ووجوب السعي لبعض الناس بالأذان الأول، إذا كان بموضع بعيد إن سعى ذلك الوقت (¬3) أدرك الإِمام على المنبر. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري: 1/ 310، في باب الجلوس على المنبر عند التأذين، من كتاب الجمعة في صحيحه, برقم (874). (¬2) انظر: المختصر الصغير بشرح البرقي، لابن عبد الحكم، لوحة رقم: [9 / ب]. (¬3) قوله: (الوقت) ساقط من (س).

باب في سلام الإمام على الناس إذا خرح عليهم, أو صعد المنبر، وجلوسه قبل الخطبة, وقيامه للخطبة, وما يلزمه في خطبته, وما يلتزم به السامعون من استقباله والإنصات له, في التنفل بعد خروج الإمام قبل الخطبة, وفي حال الخطبة

باب في سلام الإِمام على الناس إذا خرح عليهم, أو صعد المنبر، وجلوسه قبل الخطبة, وقيامه للخطبة, وما يلزمه في خطبته, وما يلتزم به السامعون من استقباله والإنصات له, في التنفل بعد خروج الإِمام قبل الخطبة, وفي حال الخطبة وإذا خرج الإِمام على الناس سلم على الذين يخرج عليهم، واختلف في سلامه إذا صعد المنبر، فقال مالك في المدونة: لا يسلم (¬1)، وقال عبد الملك بن حبيب: ينبغي للإمام أن يسلم إذا جلس للخطبة ويسمع من يليه، وذلك إذا كان أوان دخوله المسجد، كان ممن يرقى المنبر، أو ممن يجلس يخطب إلى جانبه، وينبغي لمن سمعه أن يرد عليه (¬2). قال ابن حبيب: وحدثني ابن أبي أويس عن محمَّد بن بلال قال: رأيت عمر بن عبد العزيز يخلع نعليه إذا رقي المنبر، ورأيته يسلم إذا رقي المنبر، لا يخفي صوته بذلك، وإذا صعد الإِمام المنبر يوم الجمعة، جلس حتى يؤذن المؤذنون. واختلف هل يجلس إذا صعد للخطبة في العيدين، والاستسقاء، ويوم عرفة؛ فقال مالك في المدونة: يجلس إذا صعد المنبر قبل أن يخطب (¬3)، وقال في المبسوط: لا يجلس، وإنما يجلس في الجمعة انتظارًا للمؤذن أن يفرغ (¬4)، ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 231. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 471. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 231. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 179.

قال عبد الملك: وكان يرى إذا استوى على المنبر خطب قبل أن يجلس في العيدين؛ لأنه لا ينتظر فيهما مؤذن. قال الشيخ: وقوله في المدونة أحسن؛ لأن جلوسه ذلك أهدى له لما يريد أن يفتتحه، وفيه زيادة وقار، ويخطب الإِمام قائما، متوكئا على عصا، قال ابن شهاب: وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قام للخطبة أخذ عصا فتوكأ عليها وهو قائم. ثم كان أبو بكر وعمر وعثمان يفعلون ذلك (¬1)، قال مالك: وذلك مما يستحب للأئمة أصحاب المنابر أن يخطبوا ومعهم العصي (¬2). ويستقبله الناس بوجوههم، ويرمقونه بأبصارهم، وليس ذلك عليهم إذا جلس وقبل أن يأخذ في الخطبة، قال ابن القاسم في المدونة: رأيت مالكًا متحلقًا في أصحابه قبل أن يأتي الإِمام، وبعد أن يأتي الإِمام وهو قاعد لا يقطع حديثه ولا يصرف وجهه إلى الإِمام، فإذا سكت المؤذن وقام للخطبة، تحول هو وأصحابه إلى الإِمام واستقبلوه بوجوههم (¬3). وسئل مالك عن التفات الرجل يوم الجمعة والإمام يخطب، قال: لا بأس به؛ إن الرجل ليحول ظهره إلى القبلة والإمام يخطب (¬4)، فلا يكون به بأسٌ، ولم ير على من كان في الصف الأول أن يستقبل الإِمام. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 232، وحديث والتوكؤ على العصا أخرجه أبو داود من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -: 1/ 354، في باب الرجل يخطب على قوس، من كتاب الصلاة برقم (1096)، وأحمد في مسنده، برقم (17889). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 232. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 230. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 474.

فصل الإنصات للخطبة والاستماع لها واجب

فصل الإنصات للخطبة والاستماع لها واجب الإنصات للخطبة والاستماع لها واجب، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ انصِتْ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ، فَقَدْ لَغَوْتَ" (¬1) وإذا كان من استنصت المتكلم لاغيًا، كان المتكلم الأول ابين أنه لاغ، وفي كتاب مسلم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَرَّكَ الحَصْبَاءَ فَقَدْ لَغَا" (¬2) فلا يجوز حينئذ أن يحرك شيئًا له صوت، كتاب، ولا ثوب جديد، ولا ما أشبه ذلك؛ لأن ذلك مما يشغل السامع، وقال مالك في المبسوط: إذا تكلم رجلان فلا بأس أن يشير إليهما بيده ينهاهما أو يغمزهما أو يسبح بهما ولا يرفع صوته بالتسبيح. وقال في الاستغفار، والتهليل، والاستجارة من النار، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، إذا مر الإمام بذكر ذلك: لا بأس به، ما لم يرفع صوته أو يشتغل بذلك عن الاستماع، ولا بأس أن يتكلم الإِمام في الخطبة إذا كان في أمر أو نهي، ولا بأس أن يجاوبه من كلمه الإِمام، وقد قال عمر بن الخطاب لرجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - تأخر (¬3): أي ساعة ¬

_ (¬1) متفق عليه, أخرجه البخاري: 1/ 316، في باب الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب، من كتاب الجمعة، في صحيحه, برقم (892)، ومسلم: 2/ 583، في باب في الإنصات يوم الجمعة في الخطبة، من كتاب الجمعة, برقم (851)، ومالك في الموطأ: 1/ 103، في باب ما جاء في الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب، من كتاب الجمعة, برقم (232). (¬2) أخرجه مسلم: 2/ 587، في باب فضل من استمع وأنصت في الخطبة، من كتاب الجمعة، برقم (857)، ولفظ ما وقفت عليه فيه: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام ومن مس الحصى فقد لغا". (¬3) هو: عثمان بن عفان - رضي الله عنه -. انظر: فتح الباري، لابن حجر: 2/ 359.

هذه؟ فأجابه الآخر: ما زدت على أن توضأت" (¬1). واختلف في الإِمام إذا تكلم بما لا يجوز من سبّ من لا يجوز سبّه أو مدح من لا يجوز مدحه، هل يسكت الناس عند ذلك؟ فقال مالك في المجموعة: لا ينبغي الكلام وإن خرج إلى ما لا يجوز له. (¬2) وقد قال عبد الملك بن حبيب: إذا لغا الإِمام في خطبته، أو تكلم بغير ما يعني الناس، أو خرج إلى اللعن أو الشتم، لم يكن على الناس الإنصات عند ذلك، ولا التحول إليه، قال: وقد فعل ذلك سعيد بن المسيب لما لغا الإِمام أقبل سعيد على رجل يكلمه، فلما رجع إلى الخطبة سكت سعيد (¬3)، وهذا هو الصواب، والأول حماية، لئلا يعود الإِمام إلى ما يجوز من القول وهم فيما أخذوا فيه لم يعلموا برجوعه، فيكونوا قد لغوا، وحماية خوف أن ينالهم من الإِمام إذا فعلوا ذلك بعض ما يكرهون. وقال مالك في العتبية في الإِمام يأخذ في قراءة كتاب ليس من أمر الجمعة، فليس على الناس الإنصات (¬4)، ومن المدونة قال مالك: ويجب على من لم يسمع الإِمام الإنصات، ومن عطس والإمام يخطب فليحمد الله سرًّا في نفسه، ولا يشمت، قال: ولا يتكلم أحد إذا جلس الإِمام بين الخطبتين، ولا بأس بالكلام إذا نزل من المنبر إلى أن يدخل في الصلاة (¬5). ¬

_ (¬1) متفق عليه, أخرجه البخاري: 1/ 300، في باب فضل الغسل يوم الجمعة, من كتاب الجمعة، في صحيحه, برقم (838)، ومسلم: 2/ 580، في كتاب الجمعة, في أوائل كتاب الجمعة, برقم (845). وانظر: المدونة: 1/ 231. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 475. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 475. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 475. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 230.

فصل فيمن افتتح الصلاة يوم الجمعة فلم يركع حتى خرج الإمام

فصل فيمن افتتح الصلاة يوم الجمعة فلم يركع حتى خرج الإِمام وقال مالك في المدونة فيمن افتتح الصلاة يوم الجمعة، فلم يركع حتى خرج الإِمام، قال: يمضي على صلاته، ولا يقطع، وإن أتى بعد ما خرج الإِمام أو قبل أن يأتي الإِمام، فلم يركع حتى خرج الإِمام، فليجلس ولا يركع (¬1). واختلف إذا لم يجلس وأخذ في الصلاة، فقال مالك في مختصر ما ليس في المختصر: يقطع، وقال سحنون في العتبية فيمن دخل المسجد والإمام جالس والمؤذنون يؤذنون، فأحرم للصلاة ساهيًا، فلم يفرغ من الركعتين حتى فرغ المؤذنون، وقام الإِمام يخطب: فإنه يمضي في صلاته ولا يقطع، قال: وإنما يكره ذلك ابتداء، فإذا فعل ذلك أحد مضى ولم يقطع، وقد روى ذلك ابن وهب عن مالك (¬2)، وهو أحسن، وقد أخرج البخاري ومسلم: أن رجلًا أتى والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب، فجلس ولم يركع، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قُمْ فَارْكَع رَكعَتينِ، وَتجوَّزْ فِيهِما"، ثم قال: "إِذا جَاءَ أَحَدُكمْ المَسْجِدَ، وَالإمَام يَخْطُب فَليرْكعْ رَكْعَتينِ، وَلْيتجَوَّزْ فيهما" (¬3)، فأمر بتحية المسجد لكل من أتى حينئذ. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 229. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 367. (¬3) متفق عليه, أخرجه البخاري: 1/ 315، في باب إذا رأى الإِمام رجلًا جاء وهو يخطب أمره أن يصلي ركعتين، من كتاب الجمعة في صحيحه, برقم (315)، ومسلم: 2/ 596، في باب التحية والإمام يخطب، من كتاب الجمعة, برقم (875).

باب في أحكام الخطبة

باب في أحكام الخطبة واختلف في الخطبة في أربعة مواضع، اختلف، هل هي فرض أو سنة؟ واختلف بعد القول: إنها فرض، هل الطهارة لها فرض؟ أو تجزئ بغير طهارة؟ وهل الفرض خطبتان أو خطبة؟ وهل يجزئ من ذلك ما قل؟ أو لا يجزئ إلا ما له قدر وبال؟ فقال مالك وغير واحد من أصحابه: الخطبة فرض فمن صلى بغير خطبة لم تجزئهم (¬1)، وأعادوا في الوقت وبعده، ولم يذكر وجوب الطهارة، وقال سحنون: الخطبة فرض، والطهارة لها فرض، فمن صلى بخطبة وهو على غير طهارة لم تجزئهم وأعادوا أبدًا (¬2)، وقال أبو محمَّد عبد الوهاب: الخطبة فرض (¬3). والطهارة لها مستحبة، فمن صلى بغير خطبة لم تجزئهم، فإن صلى بخطبة على غير طهارة، أجزأتهم (¬4). وقال عبد الملك بن الماجشون: الخطبة سنة (¬5)، وقال في ثمانية أبي زيد: من صلى بغير خطبة أجزأه، ولم يعد، والقول: بوجوبها دون الطهارة لها أحسن، لقول الله -عز وجل-: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] الآيتان، ودليل وجوبها من وجوه: ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 243، وعبارته: (وسئل عن القرى التي لا يكون فيها إمام إذ صلى بهم رجل منهم الجمعة أيخطب بهم؟ قال نعم، لا تكون الجمعة إلا بخطبة) وانظر: النوادر والزيادات: 1/ 470. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 476. (¬3) انظر: الإشراف: 1/ 407، وعبارته: (الخطبة شرط في انعقاد الجمعة، خلافًا لعبد الملك وداود). (¬4) انظر: المعونة: 1/ 164، والإشراف: 1/ 332. (¬5) انظر: المعونة: 1/ 329.

فصل في الخلاف هل الخطبتان معا فرض أو واحدة

أحدها: تحريم البيع حين النداء، فلو كانت غير واجبة، لم يحرم البيع إلا عند الدخول في الصلاة. والثاني: قوله سبحانه: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} وأول الذكر في الجمعة الخطبة، فكان محموله على أول ذكر يكون بعد النداء، وهي الخطبة، إلا أن يقوم دليل أن المراد الذكر الثاني، وهو ما يكون في الصلاة، والثالث: أن الأحاديث الصحاح وردت أن السبب في نزول الآية كان في الذين فروا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قائم يخطب (¬1)، لعير قدمت من الشام، فنزل ذمهم بذلك، والذم يكون لترك واجب. ولا تجب الطهارة لها؛ لأنه ذكر الله -عز وجل- وحمد وثناء وصلاة على نبيه عليه السلام ووعظ، ولا خلاف في أن هذا الصنف لا يفتقر إلى طهارة، فوجب أن يرد ما اختلف فيه من ذلك إلى ما أجمعوا عليه، ولا حجة في أن الشأن كون الإِمام في ذلك متطهرًا؛ لأن ذلك للصلاة التي هي عقيب الخطبة، وليس بحسن أن يخطب (¬2) ثم يخرج للوضوء أو يتوضأ في الجامع. فصل في الخلاف هل الخطبتان معًا فرضٌ أو واحدة واختلف بعد القول أن الخطبة فرض، فقيل: الفرض أن يأتي بخطبتين، فإن خطب واحدة، لم تجزئهم، وأعادوا الجمعة، وكذلك إذا خطب خطبتين ولم يخطب من الثانية ما له من الكلام قدرٌ وبالٌ لم تجزئهم، وهو قول ابن القاسم (¬3). وقال ¬

_ (¬1) الآية التي نزلت في ذلك هي قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا}، والحديث سبق تخريجه في أول باب الجمعة، ص: 547. (¬2) قوله: (أن يخطب) ساقط من (ر). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 236.

فصل [خطبة الإمام وحده ومن تفوته الخطبة]

مالك في كتاب ابن حبيب: من السنة أن يخطب الإِمام خطبتين، فإن نسي الثانية أو أحصر عنها، فتركها فالأولى تكفيهم، ولو لم يكن أيضًا أتمّها، إلا أنه أثنى على الله -عز وجل- وتشهد، أو أمر أو نهى أو وعظ وقال خيرًا وإن كان خفيفًا جدًّا، فذلك يجزئ عنه، قال: وإن أحصر أيضًا في الثناء على الله -عز وجل- والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى نزل، فذلك يجزئه، ولا يبالي أصابه ذلك في الأولى أو في الثانية (¬1). قال الشيخ: وأرى أن تجزئ الخطبة الواحدة، وألا يجزئ من ذلك إلا ما له قدرٌ وبالٌ؛ لأن الشيء اليسير في معنى العدم. وقال ابن حبيب: وليقصر الخطبتين والثانية أقصرهما، قال: وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يدع أن يقرأ في خطبته {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} إلى قوله {فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70] (¬2) وينبغي، أن يقرأ في الخطبة الأولى بسورة تامة من قصار المفصل، وكان عمر بن عبد العزيز يقرأ تارة {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} وتارة {وَالْعَصْرِ} (¬3). فصل [خطبة الإِمام وحده ومن تفوته الخطبة] وقال أبو الحسن ابن القصار: ليس عن مالك في الإِمام يخطب وحده دون من تنعقد به الجمعة نصٌّ، والذي يوجبه النظر: أن لا تصح إلا بحضرة ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 473. (¬2) حسن، أخرجه أبو داود في سننه: 1/ 644، في باب في خطبة النكاح، من كتاب النكاح، برقم (2118)، والترمذي في سننه: 3/ 413، في باب ما جاء في خطبة النكاح، من كتاب النكاح، برقم (1105)، وقال الترمذي: حديث عبد الله حديث حسن. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 472، 473.

الجماعة، وبه قال الشافعي، وقال أصحاب أبي حنيفة: يجوز (¬1)، ولا خلاف أنه إذا خطب بجماعة تنعقد بهم جمعة، ثم أتى من فاتته الخطبة أنه يجوز له أن يصلي مع الإِمام، وتجزئه جمعةً، كما تجزئ من فاتته الخطبة وركعة واحدة مع الإِمام، فإنه يقضي ركعة وتجزئه جمعةً، ولو ابتدأ الإِمام فخطب وصلى ركعة واحدة ثم أتاه الناس، فأتم بهم جماعة لم تجزئهم (¬2). ومن شرط الخطبة أن تكون مُقَدَّمَةً على الصلاة فإن قدم الصلاة ثم خطب لم تجزئه الصلاة، وأعادها حتى تكون بعد الخطبة، وهو قول ابن القاسم (¬3). ¬

_ (¬1) قال ابن عابدين في حاشيته: (. . . لو خطب وحده جاز وأفاد شيخنا اعتمادها). انظر: حاشية ابن عابدين: 1/ 147. وقال في شرح فتح القدير: 2/ 60: (لو خطب وحده من غير أن يحضره أحد أنه يجوز، وهذا الكلام المعتمد لأبي حنيفة). (¬2) في (ر): (لم تجزئه). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 236.

باب في استخلاف الإمام, وكيف إن عزل بعد الخطبة وقبل الصلاة, أو وهو في الصلاة

باب في استخلاف الإمام, وكيف إن عزل بعد الخطبة وقبل الصلاة, أو وهو في الصلاة وقال مالك فيمن قدم رجلًا فخطب عنه وصلى هو بالناس الجمعة: لا تجزئهم، ويعيدون ظهرًا، يريد: إذا خرج الوقت، ويلزم على قوله إذا خطب الإِمام ثم قدم من يصلي بالناس اختيارًا ألا تجزئهم الجمعة، بخلاف ما تدعو إليه الضرورة من أن تنتقض طهارته أو يرعف، فيجوز له أن يستخلف. فإن نابه ذلك في بعض الخطبة أتم الثاني ما بقي، وإن كان بعد تمام الخطبة صلى بهم المستخلف، وإن كان بعد أن صلى ركعة صلى بهم الركعة الثانية، ولم يستأنف المستخلف شيئًا مما (¬1) فعله الأول، فإن ذهب ولم يستخلف، استخلفوا لأنفسهم، فإن لم يستخلفوا لأنفسهم وأتموا أفذاذًا، لم تجزئهم (¬2). واختلف إذا أتى الأمر بعزل الأول، فقال مالك في المدونة: إن خطب الأول ثم قدم والٍ سواه لم يصلّ بهم بالخطبة الأولى، وليبتدئ هذا القادم الخطبة (¬3). قال محمَّد: وإن قدم الثاني حين صلى الأول بالقوم ركعة، فإنه يتم بهم الركعة الثانية ويسلم، وتعاد الخطبة والصلاة من أولها, ولا يجوز أن يصلي الثاني من الجمعة ركعة ولا أقل بلا خطبة؛ لأن خطبة الأول باطلة (¬4). وقال ابن حبيب: إذا جاء الأمر بعزل الأول وهو يخطب أو بعد أن فرغ من ¬

_ (¬1) قوله: (شيئًا من) ساقط من (ر). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 235، 236. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 236. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 480.

خطبته، فلا بأس أن يصلي الوالي القادم بالناس على خطبة المعزول، ولا يجدد خطبة (¬1). ولا خلاف أنه لو قدم الثاني بعد أن فرغ الأول من الصلاة أنها جائزة، ولا تعاد. وقال ابن القاسم في العتبية: إن تمادى المعزول فصلى بالناس الجمعة وهو يعلم بعزلته، قال: أرى أن يعيدوا وإن ذهب الوقت، وإن أذن له الوالي القادم فصلى بهم، كانت صلاته جائزة، إذا كان إذنه له قبل الصلاة، وإن كان إذنه له بعد أن صلى بهم فعليهم الإعادة (¬2). يريد: إذا كان الأول عالمًا بعزلته ثم صلى. قال: وإن جاء الوالي الآخر وقد خطب الأول، فأرى أن يخطب خطبة أخرى ولا يصلي بهم بخطبة غيره، فإن أذن له في الصلاة وقد خطب فأرى أن يبتدئ خطبة ثانية (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 479، 480. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 480. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 480، والبيان والتحصيل: 2/ 19، 20.

باب في صفة صلاة الجمعة والقراءة فيها، وهل يتنفل بعدها

باب في صفة صلاة الجمعة والقراءة فيها، وهل يتنفل بعدها صلاة الجمعة ركعتان، فمن صلاها أربعًا أعاد وصلى ركعتين، ولم يعد الخطبة إذا لم يبعد ما بينهما، فإن بعد أعاد الخطبة والصلاة، ويختلف إذا لم يعد الصلاة حتى خرج وقت الجمعة، هل يعيدها ظهرًا قياسًا على من صلى الظهر قبل صلاة الإِمام؟ فقيل: يعيدها وإن ذهب الوقت، وقال ابن نافع: لا يعيدها؛ لأنه إنما يعيد أربعًا، وكذلك صلاها (¬1)، وكذلك هذا لا إعادة عليه بعد ذهاب الوقت؛ لأنه إنما يعيد أربعًا، وهذا إذا تعمد الأربع (¬2). ويختلف إذا نوى ركعتين وزاد ركعتين سهوًا، فقيل: لا تجزئه؛ لأنه زاد في الصلاة مثلها، وقيل: تجزئ، وكثرة السهو لا تفسد الصلاة (¬3). فصل القراءة في صلاة الجمعة جهرًا والقراءة فيها جهرًا، قال مالك في المدونة: أحبّ إلى أن يقرأ فيها بسورة الجمعة، و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} (¬4)، وقال أيضًا: يقرأ في الثانية بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، قال: وهم يقرؤون اليوم بالتي تلي الجمعة (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 462. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 461، 462. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 361. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 237، وعبارتها: (قال ابن القاسم: أحب إلى أن يقرأ في صلاة الجمعة: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1]، مع سورة الجمعة). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 477. قلت: والتي تلي الجمعة هي سورة (المنافقون).

قال الشيخ: وكل ذلك وأسع، ليس في الثانية شيء مؤقت، وأما الأولى فينبغي أن يلتزم قراءة سورة الجمعة؛ لأن آخرها متضمن لوجوبها، ووجوب السعي لها، وترك البيع والشراء، ففي قراءتها تذكرة لوجوبها، وتحضيض على أن لا يفرط فيها. وقال مالك في المدونة: إذا سلم الإِمام، فأحبّ إلى أن ينصرفوا ولا يركعوا في المسجد، فإن ركعوا فواسع (¬1)، وقال في غير المدونة: لا بأس أن يركعوا في المسجد. قيل: إنما يترك التنفل إذا كانوا ينصرفون ولا يجلسون، فأما إن كانوا يقيمون في المسجد فلا بأس أن يركعوا، فأجرى التنفل بعدها في أحد القولين على صلاتي العيد إذا صليتا في المسجد، فاختلف هل يتنفل قبلهما وبعدهما (¬2)، أم لا؟ وكذلك تنفل الإِمام إذا أتى، فقال ابن حبيب: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل المسجد رقي المنبر ولم يتنفل" (¬3). قال سحنون في العتبية: وكذلك ينبغي للإمام أن يفعل؛ لا يركع قبل أن يرقى المنبر (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 237. (¬2) قوله: (وبعدهما) في (ب): (أو بعدهما). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 470. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 470.

باب فيمن صلى الظهر يوم الجمعة قبل صلاة الإمام, أو صلاها في سفر ثم دخل إلى حضره هل يعيدها مع الإمام؟ ومن فاتتهم صلاة الجمعة فهل يصلون الظهر جماعة؟

باب فيمن صلى الظهر يوم الجمعة (¬1) قبل صلاة الإمام, أو صلاها في سفر ثم دخل إلى حضره هل يعيدها مع الإمام؟ ومن فاتتهم صلاة الجمعة فهل يصلون الظهر جماعة؟ واختلف فيمن صلى الظهر يوم الجمعة بعد الزوال وقبل صلاة الإِمام، فقال المغيرة وابن القاسم وأشهب وعبد الملك في المجموعة: لا تجزئه، وليعدها إن فأتته الجمعة، قال أشهب: وسواء صلاها سهوًا، أو وهو مجمع على ألا يصلي الجمعة إذا صلى في وقت لو مضى لأدرك الجمعة أو ركعة منها، وإن لم يدرك منها ركعة لم يعدها، وسواء أيضًا صلاها والإمام فيها أو قبل أن يحرم، وقال ابن نافع في كتاب ابن سحنون: إن صلاها في بيته وهو لا يريد الخروج لم يعدها، قال: وكيف يعيدها أربعًا وقد صلاها كذلك؟! (¬2) والقول الأول أقيس، إلا أن يترجح يقول من قال: إن الجمعة ليست بفرض. فصل في المسافر يصلي [الظهر ويدرك الجمعة في وطنه] اختلف في المسافر يصلي الظهر ركعتين، ثم دخل وطنه قبل صلاة الجمعة وهو قادر على أن يصليها مع الإِمام، فقال مالك في كتاب محمَّد: يصلي الجمعة وقد انتقضت صلاته، قال: وكذلك المريض يصلي الظهر ثم يفيق في وقت يدرك من الجمعة ركعة من غير تفريط، فإن انتقضت طهارتهما وهما في الصلاة، ¬

_ (¬1) في (س): (يوم الخميس). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 461، 462.

فصل فيمن فاتتهم الجمعة هل يصلون جماعة

فليعيدا الظهر أربعًا (¬1). وقال ابن دينار عن ابن القاسم: لو أحدث الإِمام فقدمه فصلى بهم لأجزأهم (¬2). وقال سحنون في كتاب ابنه: ليس عليه إذا دخل من سفره أن يصلي الجمعة، إلا أن تكون صلاته الظهر على ثلاثة أميال من وطنه، وقال أشهب في المجموعة: إذا صلاها جماعة في سفره ثم قدم فصلى الجمعة، فالأولى فرضه (¬3)، قال: وكذلك ينبغي ألا يأتي الجمعة، وكذلك غير الجمعة لا ينبغي إذا دخل حضرًا وكان صلاها في جماعة أن يعيدها في جماعة، ولو صلاها فذًّا كان له أن يعيدها جمعة أو ظهرًا في جماعة، والله أعلم أيتهما صلاته (¬4). فصل فيمن فاتتهم الجمعة هل يصلون جماعة واختلف فيمن فاتتهم الجمعة، هل يصلونها جماعة؟ فقال مالك في المدونة (¬5) فيمن فاتتهم صلاة الجمعة: فلا يجمّعون، وليصلوا الظهر أفذاذًا، وأجاز ذلك لأصحاب الأعذار: المرضى، وأهل السجون، والمسافرين (¬6)، وقال في المجموعة في الذين تفوتهم الجمعة: لا بأس أن يجمّعوا (¬7). وروي عن ابن القاسم أنه قال: لا يجوز الجمع، لا للمرضى ولا للمسجونين (¬8)، وليس ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 459. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 460. (¬3) في (س): (فريضة). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 460. (¬5) قوله: (المدونة) زيادة من (ر). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 238. (¬7) انظر النوادر والزيادات: 1/ 460. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 461.

هذا بحسن، ولا وجه يمنع الجمع لأصحاب الأعذار، وأما من ترك الجمعة اختيارًا، فيصح ألا يمنعوا؛ لأنهم وإن تعدوا في الأول في ترك الجمعة، فلا يمنعوا الآن من فضل الجماعة، فيفوتهم فضل الوجهين جميعًا، ويصح أن يمنعوا جماعة (¬1)؛ لئلا يتهاون بالجماعة، ولأن فيه أذى للإمام. ¬

_ (¬1) في (ر): (حماية).

باب في وقت الجمعة، وإذا كان الإمام يؤخر الجمعة عن وقتها، هل يصلي الناس الظهر أربعا، أو ينتظرونه؟

باب في وقت الجمعة، وإذا كان الإِمام يؤخر الجمعة عن وقتها، هل يصلي الناس الظهر أربعًا، أو ينتظرونه؟ أول وقت الجمعة إذا زالت الشمس، واختلف في آخر وقتها، فقيل: ما لم يدخل وقت العصر، فمن أخرها حتى دخل وقت العصر لم يصلّها، وصلى الظهر أربعًا، وذكر أبو محمَّد عبد الوهاب في الإشراف عن الشيخ أبي بكر الأبهري أنه قال: فإن صلى ركعة بسجدتيها قبل دخول وقت العصر، فإنّه يتمّها جمعة، وإن صلى دون ذلك، بني وأتمّها ظهرًا (¬1)، وقيل: يصلي جمعة ما لم تصفرّ الشمس (¬2). وقال سحنون: ما لم يبق للغروب بعد الجمعة إلا أربع ركعات للعصر (¬3). وقال ابن القاسم: ما لم يبق إلا ركعة للعصر، وروى مطرف عن مالك: أنها تصلى ما بينهم وبين غروب الشمس، وإن لم يصل العصر إلا بعد الغروب (¬4). وأما قول من قال: ما (¬5) لم يدخل وقت العصر، فقد تقدم في باب: من نسي صلاة فذكر بعد أن صلى الجمعة (¬6)، وقال سحنون: ربما تبين لي (¬7) أن ¬

_ (¬1) انظر: الإشراف: 1/ 318. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 456. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 454. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 239. ونصها: (قال: يصلي بهم الجمعة ما لم تغلب الشمس، وأن لا يدرك بعض العصر إلا بعد الغروب). (¬5) قوله: (ما) ساقط من (س). (¬6) انظر ذلك ضمن: فصل: فيمن ذكر صلاة بعد سلامه من صلاته، ص: 493. (¬7) قوله: (لي) ساقط من (س).

وقت الجمعة ما لم يبق من النهار إلا مقدار أربع ركعات للعصر، فذكر له قول من قال: وقتها ما لم تصفرّ الشمس، فأنكره ولم يقل به (¬1). وقال مطرّف عن مالك في الواضحة: لو أن إمامًا صلى الجمعة بغير خطبة سهوًا أو عمدًا لغيبة إمامهم، أن عليهم أن يعيدوا الصلاة بالخطبة ما بينهم وبين غروب الشمس، ولو لم يصلوا العصر إلا بعد غروب الشمس، قال ابن حبيب: وكان ابن الماجشون يرى وقتها ما بينه وبين العصر، فإن لم يصلوها حتى صلّوا العصر، صلّوا الظهر أربعًا (¬2). قال الشيخ: أما أول الوقت، فالأصل فيه حديث أنس قال: "كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الجُمُعَةَ حِينَ تميلُ الشَّمْسُ". أخرجه البخاري (¬3)، وحديث سلمة بن الأكوع قال: "كُنَّا نُجَمِّعُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ". أخرجه مسلم (¬4)، وحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ رَاح في السَّاعَةِ الأُولَى فكَأنما قَرَّبَ بَدَنَة. . ." (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 454. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 476. (¬3) أخرجه البخاري: 1/ 307، في باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس، من كتاب الجمعة, في صحيحه، برقم (862). (¬4) أخرجه مسلم: 2/ 589، في باب صلاة الجمعة حين تزول الشمس، من كتاب الجمعة، برقم (860). (¬5) أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 101، في باب العمل في غسل يوم الجمعة من كتاب الجمعة، برقم (227)، وله شاهد في الصحيحين بنحوه, أخرجه البخاري: 1/ 301، في باب فضل الجمعة, من كتاب الجمعة, في صحيحه, برقم (841)، ومسلم: 2/ 582، في باب الطيب والسواك يوم الجمعة من كتاب الجمعة برقم (850).

والرواح: بعد الزوال، وأما حديث أبي سهيل بن مالك وقوله (¬1): "كُنَّا نُصَلِّي الجُمُعَةَ، ثُمَّ نَرْجِعُ فَنَقِيلُ قَائِلَةَ الضَّحَاءِ" (¬2). فإنه يريد أن القائلة التي اعتادوا في غير الجمعة وهي قائلة الضحاء يجعلونها (¬3) بعد انقضاء الجمعة؛ لأن التبكير إلى الجمعة يمنعهم منها، والضحاء الممدود: بعد الضحى، وأما آخر وقتها، وهل تصلى بعد الاصفرار وعند الغروب فإنه لم يأت فيه (¬4) حديث، إلا أن العمل كان على أنهما تصلى في وقت الظهر المختار، وليس الوقت الضروري، فأجري وقتها (¬5) مرة على ما ورد عليه العمل، فإذا ذهب ذلك الوقت لم تصل، وصليت ظهرًا أربعًا قياسًا على العيدين أنهما تصلى ضحوة إلى الزوال، فإذا زالت الشمس لم تصل، وكذلك صلاة الجمعة. وأجري مرة على وقت الظهر في الضرورة والاختيار؛ لأن الظهر تسقط بوجوبها وتحل في وقتها، وإذا كان ذلك فيجب أن يؤتى بها في وقت إن خطب وصلى بقي للعصر ركعة، بمنزلة من كان عليه صلاتان -صلاة الظهر والعصر- وقد تقدم أن ذلك وقت للضرورة، وأبى أصحاب الاختيار تقدير الوقت لهم أن يصلوا الظهر وجميع العصر قبل الغروب، فإنه مؤثم إن صلى بعض العصر بعد الغروب، وإليه يرجع قول سحنون أن الوقت أن تصلى الجمعة وأربع ¬

_ (¬1) قوله: (حديث أبي سهيل بن مالك وقوله) يقابله في (س): (الحديث). (¬2) أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 9، في باب وقت الجمعة, من كتاب وقوت الصلاة، برقم (13). قلت: الضحاء -بالفتح والمد-: إذا ارتفع النهار واشتد وقع الشمس. انظر: لسان العرب، لابن منظور: 14/ 474. (¬3) في (س): (يخلفونها). (¬4) في (س): (في). (¬5) في (ر): (أمرها).

فصل [في الإمام يؤخر الجمعة]

ركعات قبل الغروب (¬1). فصل [في الإِمام يؤخر الجمعة] وقال ابن القاسم في المدونة: إذا كان الإِمام يؤخر صلاة الجمعة ويأتي من ذلك ما يستنكر، أنهم يجمّعون لأنفسهم إن قدروا على ذلك، فإن لم يقدروا صلوا لأنفسهم الظهر أربعًا، ويتنفلون بعد صلاتهم (¬2)، ولم يذكر الوقت الذي يستنكر متى هو، والجواب فيه يرجع إلى الخلاف المتقدم، فعلى القول الأول: يؤخرون ما لم يخافوا إن صلوا الظهر أن يدخل وقت العصر، فإن خافوا ذلك صلوا الظهر أربعًا وانصرفوا، إلا أن يخافوا الانصراف، فيتنفلون بصلاتهم معه. وعلى القول الآخر: يؤخرون إلى أن يبقى من الوقت إلى الغروب ما يصلى فيه ثماني ركعات الظهر والعصر، فإذا بقي ذلك القدر صلوا وانصرفوا. قال ابن حبيب: فإن بلغت بهم المخافة في صلاتهم إياها في وقتها كانوا كخائف من عدو أطل عليه لا يقدر أن يركع قائمًا خيفة أن يفجأه، فأجاز له العلماء الصلاة إيماء (¬3)، فكذلك هؤلاء يومئون برؤوسهم (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 454. (¬2) في (ر): (بصلاتهم). وانظر: المدونة: 1/ 237. (¬3) في (س): (قائمًا). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 289، 290.

باب في سقوط الجمعة عن الحاج

باب في سقوط الجمعة عن الحاج ولا جمعة على الحاج، وهي السّنة، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنَّهُ وَقَفَ يَوْمَ عَرَفَةَ وَكَانَ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَلَمْ يُجَمِّعْ" (¬1). والحاج على وجهين: مسافر، فالجمعة ساقطة عنه كان في حج أو غيره، ومن هو من أهل مني أو عرفة، فالجمعة ساقطة عنهم؛ لأنهم لو لم يكونوا في حج لم تجب عليهم الجمعة؛ لأنه ليس بقرار تجب في مثله الجمعة، وعلى ما قال مالك (¬2): إن الجمعة تجب فيما كان شبيهًا بالأمصار؛ ولأن أسواقها أيام الحج خاصة، وقال مالك في المدونة: لا جمعة في أيام مني كلها, ولا يوم عرفة ولا يوم التروية, وقال فيمن قدم مكة, فأقام بها أربعة أيام قبل يوم التروية، ثم حبسه كريّه (¬3) يوم التروية بمكة حتى يصلي أهل مكة الجمعة, قال: أرى عليه الجمعة؛ لأنه قد صار مقيمًا (¬4). وقال محمَّد بن عبد الحكم: يلحق بالإمام، فإن أدرك الظهر بمنى، وإلا صلاها في الطريق أفضل من أن يصلي الجمعة بمكة. قال الشيخ -رحمه الله-: أما من كان يقصر بمكة، ثم أدركه يوم التروية، فلا جمعة عليه، ويلحق بمنى، وأما من كان يتم؛ لأن نيته كانت إقامة أربعة أيام، فأدركه يوم التروية وهو موضع الخلاف، فرأى مالك أنه مقيم، فدخل في جملة من دخل في الجمعة، ورأى ابن عبد الحكم: أن سنة الحاج في ذلك اليوم أن تكون صلاته الظهر بمنى. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم: 2/ 885، في باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، من كتاب الحج، برقم (1218). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 233. (¬3) أي: يمنعه من استأجره. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 239.

باب في السفر يوم الجمعة

باب في السفر يوم الجمعة اختلف في السفر يوم الجمعة قبل الزوال (¬1)، فأجيز وكره، واختلف فيه بعد الزوال، فكره ومنع، وقال مالك في كتاب ابن حبيب: لا بأس بذلك ما لم تزل الشمس فإن زالت لم يخرج، وقد وجب عليه شهودها (¬2)، وقال أيضًا في رجل يسافر يوم الجمعة بعد ما أصبح: لا ينبغي إلا من عذر، فكرهه قبل الزوال، وأجازه في السؤال الأول. وقال أيضًا: من أحب السفر يوم الجمعة، فأحب إلى أن لا يخرج حتى يشهد الجمعة، فإن لم يفعل، فهو في سعة، وقال أيضًا: إن زالت (¬3) الشمس فلا يخرج (¬4)، وأرى ذلك كله استحسانًا وهو بعد الزوال آكد، وليس بواجب، ولا تجب إلا أن يسمع النداء، ولو كان شهودها بعد الزوال يجب لوجب على من اشترى بدنانير سلعة عندما قارب الحول أن يزكي تلك الدنانير؛ لأن الزوال في معنى المقاربة، والوجوب بالنداء. ¬

_ (¬1) قوله: (قبل الزوال) ساقط من (ب) و (س). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 459، والبيان والتحصيل: 1/ 381. (¬3) في (ر) و (ب): (زاغت). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 459.

باب في صلاة الخوف

باب في صلاة الخوف الأصل في صلاة الخوف طائفتين بإمام واحد- قول الله سبحانه: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء: 102]، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلاها بأصحابه في السفر طائفتين ركعة بكل طائفة (¬1)، ولا خلاف في المذهب في جواز ذلك في السفر، واختلف فيه في الحضر، فأجازه مالك (¬2)؛ قياسًا على السفر، ومنعه عبد الملك بن الماجشون في المبسوط، وقال: إنما تأولها أهل العلم في السفرة لقوله تعالى سبحانه: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 101] ولأن صلاته - صلى الله عليه وسلم - كانت على تلك الهيئة في السفر، ورأى أنها رخصة تتبع على حالها (¬3)، ولا يقاس عليها. فصل صلاة الخوف طائفتين بإمام توسعة ورخصة صلاة الخوف طائفتين بإمام توسعة ورخصة، ولهم أن يصلوها بإمامين، قال محمَّد بن المواز: صلاة الخوف توسعة، قال: ولو صلوا بإمام واحد أو بعضهم بإمام وبعضهم لنفسه، لكانت صلاتهم جائزة (¬4). فعلى هذا يجوز أن تصلى طائفتين بإمامين، ولو كان الوجه في صلاة الطائفتين بإمام أن لا يختلف ¬

_ (¬1) حديث صلاة الخوف متفق عليه, أخرجه البخاري: 1/ 319، في باب صلاة الخوف، من أبواب صلاة الخوف، في صحيحه, برقم (900)، ومسلم: 1/ 574، في باب صلاة الخوف، من كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم (839). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 240. (¬3) في (س): (حيالها). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 149.

على الأئمة ما جاز أن يصلي بعضهم أفذاذًا؛ لأن ذلك غير جائز لمن جمعه مع الإِمام المسجد. وصلاة الخوف كصلاة الأمن في العدد، في السفر ركعتان، وفي الحضر أربع، ولا تأثير للخوف في أعدادها، فإن كان في سفر صلى بكل طائفة ركعة، وإن كان في الحضر صلى بكل طائفة ركعتين، والمغرب الطائفة (¬1) الأولى ركعتين، والثانية ركعة، والسفر والحضر فيها سواء، فإن صلى بهم الظهر في السفر صلى ركعة ثم ثبت قائمًا، وأتم المأمومون (¬2) ركعة، ثم انصرفوا إلى القتال، وتأتي الطائفة الأخرى فيصلي بها ركعة ويسلم، ثم يقضون الركعة التي سبقهم بها الإِمام، وإن كانت صلاة المغرب صلى بالطائفة الأولى ركعتين، فإذا تشهد قام وأتم القوم الركعة التي بقيت عليهم، ثم تأتي الطائفة الأخرى، فيصلي بهم ركعة ثم يسلم، ثم أتم القوم ما سبقهم به (¬3). وقد اختلف في الإِمام والطائفة الأولى والثانية، فأما الإِمام إذا تشهد فاختلف فيه في ثلاثة مواضع: فقال مرة: يقوم ثم يتم القوم (¬4)، وقال مرة: يثبت جالسًا ويتمون (¬5). وهذا الموضع لم تأت فيه سنة فتتبع، والأمر فيه واسع إن شاء الله، إن شاء قام وإن شاء جلس، وأن يجلس حتى يأتي الآخرون أحسن؛ لأنه أرفق به. ¬

_ (¬1) في (ب): (بالطائفة). (¬2) في (ب) و (س) و (ش 2): (المأموم). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 240. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 240. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 483.

واختلف في قراءته على القول أنه يقوم، فقيل: يقرأ الحمد لله (¬1) على العادة، وقيل: لا يقرأ (¬2) حتى يأتي الآخرون، ولأشهب في مدونته ومحمد بن سحنون في (¬3) المبسوط أنه يستفتح القراءة بالطائفة الثانية بالحمد، ولم يريا له أن يقرأ قبل أن يأتي القوم (¬4)، وهو أصوب؛ للحديث أن الطائفة الآخرة أتت فصلى بها ركعة (¬5)، وظاهر هذا أنه قرأ بهم، فلو كان يقرأ قبل أن يأتوا لقال: ركع بهم لما أتوا، والوجه الآخر: إذا أتم بالطائفة الثانية ركعة, فقال مرة: يسلم ويتم القوم لأنفسهم (¬6)، وقال: يثبت حتى يتموا ثم يسلم ويسلمون (¬7). واختلف في الطائفة الأولى فقال: لا تتم، فإذا صلى بها الإِمام ركعة انصرفت للقتال، ثم تأتي الطائفة الأخرى، فإذا صلى بها ركعة سلم، ثم قضت الطائفتان (¬8) وقال أشهب في مدونته (¬9): تتم هذه الطائفة الآخرة ثم تنصرف، ثم تأتي الطائفة ¬

_ (¬1) قوله: (لله) ساقط من (س). (¬2) في (ر): (لا يقرؤها). (¬3) في (س): (وفي). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 404، في قول سحنون. (¬5) حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -، قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف بإحدى الطائفتين ركعة والطائفة الأخرى مواجهة العدو ثم انصرفوا، وقاموا مقام أصحابهم، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة، ثم سلم النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم قضى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة. متفق عليه, أخرجه البخاري: 1/ 319، في باب صلاة الخوف, من أبواب صلاة الخوف, في صحيحه, برقم (900)، ومسلم: 1/ 574، في باب صلاة الخوف، من كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم (839). (¬6) قوله: (لأنفسهم) ساقط من (ب). وانظر: المدونة: 1/ 240. (¬7) انظر: المدونة 1/ 240. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 483. (¬9) قوله: (مدونته) ساقط من (س).

الأولى فتقضي، وقد عارض ابن حبيب أشهب وحمل عليه أن الطائفتين تقضي معًا (¬1). وليس قوله كذلك، وفي بعض أحاديث ابن عمر أن القضاء للطائفتين بعد سلام الإِمام كان مختلفًا لم يقضوا معًا (¬2)، وقيل في الطائفة الثانية: إنها تحرم مع الإِمام وهي في القتال، وكل هذا الاختلاف لاختلاف الأحاديث، وقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك أربعة أحاديث؛ حديث يزيد بن رومان - رضي الله عنه -: "أن الطائفة الأولى أتمت ثم انصرفت للقتال، ثم أتت الطائفة الأخرى، فصلى بها ركعتين، ثم ثبت حتى أتمت وسلم بهم" (¬3)، وحديث ابن عمر، قال: "صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلاة الخوْفِ بِإِحْدَى الطَّائِفَتينِ رَكْعَةً وَالطَّائِفَةُ الأُخْرَى مُوَاجِهَةُ العَدُوِّ، ثُمَّ اَنْصَرَفُوا وَقَامُوا مَقَام أَصْحَابِهِمْ، وَجَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّى بِهِم، ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَضى هَؤُلاء رَكْعَةً، وَهَؤُلاَءِ رَكْعَةً" (¬4). وبهذا الحديث أخذ أشهب (¬5). وحديث القاسم بن محمَّد: أنه سلم لما أتم بالطائفة الأخرى، ثم أتموا (¬6). وحديث ابن عباس - رضي الله عنه - قال: "قَامَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، وَكَبَّرَ ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 483. (¬2) انظر: حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - السابق تخريجه. وانظر: النوادر والزيادات: 1/ 483. (¬3) متفق عليه, أخرجه البخاري: 4/ 1513، في باب غزوة ذات الرقاع، من كتاب المغازي، في صحيحه, برقم (3900)، ومسلم: 1/ 575، في باب صلاة الخوف، من كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم (842)، ومالك في الموطأ: 1/ 183، في باب صلاة الخوف، من كتاب صلاة الخوف، برقم (440). (¬4) متفق عليه, أخرجه البخاري: 1/ 319، في باب صلاة الخوف, من أبواب صلاة الخوف، في صحيحه, برقم (900)، ومسلم: 1/ 574، في باب صلاة الخوف، من كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم (839). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 483. (¬6) أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 183، في باب صلاة الخوف من كتاب صلاة الخوف، برقم (441)، وأبو داود: 1/ 395، في باب من قال إذا صلى ركعة وثبت قائمًا أتموا لأنفسهم، من =

وَكَبَّر النَّاسُ مَعَه, ثُمَّ رَكَعَ وَرَكَعَ النَّاسُ مَعَهُ، ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ الناس مَعَهُ، ثُمَّ قَامَ لِلثَّانِيَةِ، فَقَامَ الَّذِينَ سَجَدُوا مَعَهُ وَحَرَسُوا إِخْوَانَهُمْ وَآتتِ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى. . ." الحديث (¬1). خرّج هذه الأحاديث البخاري ومسلم والموطأ، وإن كان (¬2) بعضهم يزيد على بعض، ومحملها على أنها صلوات، وكل ذلك توسعة ورخصة، يفعل الإِمام والمأمومون أي ذلك شاؤوا، إلا أن الترجيح يختلف مع كون الآخر سائغًا، وسلام الإِمام إذا أتم بالطائفة الآخرة أحسن؛ لأن العمل على أن الإِمام لا ينتظر تمام صلاة من خلفه، ولو أن إمامًا صلى ركعة فذًّا، ثم أتى قوم، فصلى بهم بقية الصلاة لم ينتظرهم، ولا خلاف في ذلك، فصلاة الأمن والخوف في ذلك سواء؛ لأن تعجيل سلامه وتأخيره في باب الخوف واحد. وأما قضاء الطائفة الأولى، فقول مالك: إنهم لا ينصرفون قبل أن يتموا (¬3). أبين؛ لأنهم قادرون علي أن يأتوا ببقية الصلاة، وإذا جاز ذلك كان الأخذ به أولى من أن ينصرفوا، فيفعلوا ما يضاد الصلاة قبل تمامها، ورجح أشهب (¬4) حديث ابن عمر (¬5)؛ لأن الأصل أن المأموم لا يأتي بما بقي عليه من ¬

_ = كتاب الصلاة، برقم (1239)، والبيهقي: 3/ 254، في باب من قال تقوم الطائفة الثانية فيركعون لأنفسهم الركعة الباقية بعد سلام الإِمام، من كتاب صلاة الخوف، برقم (5811)، من حديث القاسم بن محمَّد عن صالح بن خوات الأنصاري عن سهل بن أبي حثمة موقوفًا عليه, والحديث في صحيح البخاري دون ذكر التسليم. (¬1) أخرجه البخاري: 1/ 320، في باب يحرس بعضهم بعضا في صلاة الخوف، من أبواب صلاة الخوف، في صحيحه: 1/ 320، برقم (902). (¬2) قوله: (كان) ساقط من (س). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 240. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 483. (¬5) سبق تخريجه.

فصل إذا كان الخوف في الحضر ومعهم مسافرون

صلاته من قضاء وبناء حتى يخرج من حكم الإِمام. واختلف إذا كان العدو في القبلة، هل يصلي بهم جميعًا أو طائفتين؟ فقال أشهب في مدونته: لا يفعل؛ لأنه يتعرض إلى (¬1) أن يفتنه العدو أو يشغله (¬2)، قال (¬3): فإن فعل أجزأه وأجزأهم. وفي كتاب مسلم: "أن العدو لما كان في القبلة، صف النبي - صلى الله عليه وسلم - خلفه صفين، فكّبر وكّبروا معه، وركع وركعوا معه، ثم سجد وسجد الصف الذي يليه خاصة، ثم قام وقام الصف الذي سجد معه, وانحدر الصف المؤخر، فسجدوا، ثم قاموا وتقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم، ثم ركع النبي - صلى الله عليه وسلم - وركع جميعهم معه، ثم سجد هو (¬4) والصف الذي يليه الذي كان مؤخرًا، وقام الصف المؤخر في نحو العدو، فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة والصف الذي يليه، انحدر الصف المؤخر، فسجدوا، ثم سلم النبي - صلى الله عليه وسلم - بهم جميعًا" (¬5) وهذه صفة حسنة، وليس يخشى فيها ما يخشى إذا كان سجودهم كلهم معًا. فصل إذا كان الخوف في الحضر ومعهم مسافرون وإذا كان الخوف في الحضر ومعه مسافرون، فيستحسن أن يكون الإِمام من أهل السفر؛ لئلا يتغير حكم صلاتهم؛ لأنهم يصلون ركعتين، ولو كان أهل السفر ¬

_ (¬1) قوله: (إلى) ساقطة من (س). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 484. (¬3) قوله: (قال) ساقط من (س). (¬4) قوله: (هو) ساقط من (ر). (¬5) أخرجه مسلم: 1/ 574، في باب صلاة الخوف، من، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الخوف، برقم (840).

الاثنين والثلاثة لتقدم الحضري، وإذا تقدم السفري صلى بالطائفة الأولى ركعة، ثم ثبت قائمًا، وأتم من خلفه من أهل الحضر ثلاث ركعات، والسفر ركعة، ثم أتت الطائفة الأخرى فيصلي بهم ركعة ثم يسلم، ويأتي أهل السفر بركعة وأهل (¬1) الحضر بثلاث ركعات (¬2)، ويكون في صلاتهم قضاء، وهي الركعة التي سبقهم بها الإِمام، وبناء وهي الركعتان الآخرتان، وقد اختلف في ذلك، هل يبدأ بالقضاء أو بالبناء؟ وقد تقدم ذكر ذلك في باب الرعاف. وقال محمَّد بن مسلمة في المبسوط (¬3): إذا صلى الإِمام بطائفة ركعة وقام ينتظر أن يتموا لأنفسهم، فأتم بعضهم وانصرف، وبقي بعضهم لم يتم حتى ذهب الخوف أجزأت صلاة (¬4) من أتم وانصرف، وأما من لم يصلّ الركعة الثانية، فلا يفارق الإِمام، ولا ينتظر الإِمام أحدًا، ويقرأ الإِمام ويتبعه من لم ينصرف، فإن كان في الظهر وهم مقيمون فصلى ركعتين ثم ذهب الخوف وهو قائم، وكان بعضهم لم يصلّ شيئًا، وبعضهم صلى ركعة، وبعضهم صلى ركعتين، قال: يتبعه من لم يصلّ الركعتين، ويمهل من صلى (¬5) ركعة حتى يصليها الإِمام ثم يتبعه في الرابعة، ويمهل من صلى الركعتين حتى يسلم بسلام الإِمام، وهذا معنى ما ذهب إليه. وإن صلى بهم طائفة واحدة؛ لأنه لم يكن خوف، فلما صلى ركعة حدث الخوف، فينبغي أن يقطع بعضهم فيكونوا وجاه العدو، ويصلي بالذين معه ¬

_ (¬1) قوله: (أهل) ساقط من (س) و (ب). (¬2) قوله: (ركعات) ساقط من (ب). وانظر: المدونة: 1/ 240. (¬3) قوله: (في المبسوط) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (صلاة) ساقط من (س). (¬5) قوله: (صلى) يقابله في (س): (يصلي).

فصل وإذا دخل على الإمام سجود سهو في أول صلاته

ركعة إن كانوا في سفر، ثم يسلم ويتمون، ثم ينصرفون، ثم تأتي الطائفة الأولى فتصلي لأنفسهم ركعة بقية صلاة الإِمام. فصل وإذا دخل على الإِمام سجود سهو في أول صلاته وإذا دخل على الإِمام سجود سهو في أول صلاته فأتمت الطائفة الأولى قبل أن تنصرف، سجدت عن ذلك السهو، إن كان نقصًا فقبل، وإن كان زيادة فبعد، ولا يسجد الإِمام إلا بعد تمام صلاته، فعلى حديث القاسم (¬1): يسجد ويسجدون معه (¬2)، إن كان عن (¬3) نقص وينصرف، وإن كان عن زيادة سلم وسجد وانصرف وسجد من خلفه إذا أتموا. ويختلف على حديث يزيد ابن رومان (¬4) إذا كان السجود قبل، هل يسجد بهم الآن قبل أن يتم من خلفه؟ أو ¬

_ (¬1) قوله: (القاسم) ساقط من (س). (¬2) أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 183، في باب صلاة الخوف، من كتاب، صلاة الخوف، برقم (441)، وأبو داود: 1/ 395، في باب من قال إذا صلى ركعة وثبت قائما أتموا لأنفسهم، من كتاب الصلاة، برقم (1239)، ولفظه: (عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات الأنصاري أن سهل بن أبي حثمة الأنصاري حدثه أن صلاة الخوف أن يقوم الإِمام وطائفة من أصحابه وطائفة مواجهة العدو فيركع الإِمام ركعة ويسجد بالذين معه ثم يقوم فإذا استوى قائما ثبت قائما وأتموا لأنفسهم الركعة الباقية ثم سلموا وانصرفوا والإمام قائم فكانوا وجاه العدو ثم يقبل الآخرون الذين لم يصلوا فيكبروا وراء الإِمام فيركع بهم ويسجد بهم ثم يسلم فيقومون فيركعون لأنفسهم الركعة الباقية ثم يسلمون. قال أبو داود وأما رواية يحيى بن سعيد عن القاسم نحو رواية يزيد بن رومان إلا أنه خالفه في السلام ورواية عبيد الله نحو رواية يحيى بن سعيد قال ويثبت قائما. (¬3) في (س): (على). (¬4) قوله: (ابن رومان) ساقط من (س).

فصل صلاة الخوف بحسب الطاقة

بعد أن يتموا؟ فقال ابن القاسم: يسجد بهم بعد فراغهم (¬1). وقال مالك في العتبية في إمام صلى ركعة ثم دخل معه قوم فأحدث فقدم أحدهم، وكان على الأول سجود سهو قبل السلام، قال: يسجد يهم إذا قضى الركعة التي سبقه بها الإِمام (¬2)، وقال أيضًا: يسجد قبل أن يقضي تلك الركعة (¬3)، وهو أحسن. فصل صلاة الخوف بحسب الطاقة صلاة الخوف بحسب الطاقة، فإن كان يقدر على أن يقف مستقبل القبلة ويركع ويخاف عند السجود خاصة, أتى بها على ذلك وأومأ للسجود، وإن كان يخاف إذا ركع أومأ للركوع، وإن كان العدو لغير القبلة وخاف إن استقبل القبلة صلى مستدبرها، وإن كان يخاف متى وقف وأمسك عن القتال حتى يصلي صلى وهو يقاتل، وإن احتاج إلى الكلام وأن ينذر غيره تكلم ولم تبطل صلاته. واختلف إذا انهزم العدو، هل يقف لتمام صلاته؟ أم لا؟ فقال ابن عبد الحكم في كتاب ابن حبيب: صلاتهم بالأرض أحسن، وإن كان طلبه أثخن في قتلهم، وقال ابن حبيب: هم في سعة؛ لأنهم مع عدوهم لم يصيروا إلى حقيقة الأمن (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 240، 241. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 172. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 318، 319. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 484.

وقال محمَّد في قوم خافوا العدو فصلّوا صلاة الخوف على سنتها طائفتين ولم يعاينوا عدوًّا أن ذلك مجزئ عنهم، قال أشهب: وكذلك لو أنهم نظروا إلى سواد فظنوه عدوًّا فصلوا صلاة الخوف طائفتين ثم تبين أن ذلك السواد إبل (¬1) أو غيرها أن صلاتهم تامة، قال محمَّد: وأحبّ إلى أن يعيدوا الصلاة (¬2). ¬

_ (¬1) في (س): (باطل). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 485.

باب في صلاة الخسوف

باب في صلاة الخسوف الصلاة عند خسوف الشمس والقمر سنة، والأصل في ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد خسفت الشمس: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ الله، لاَ يَخْسِفَانِ لمِوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لحَيَاتِهِ، فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلاَة حَتَّى تَنْجلي" (¬1). وصلاة خسوف الشمس: أربع ركعات يستفتح الصلاة فيقرأ ويركع، ثم يرفع فيقرأ ويركع، ثم يرفع، ثم يسجد سجدتين، ثم يقوم فيقرأ ويركع، ثم يرفع فيقرأ ويركع، ثم يرفع، ثم يسجد سجدتين ثم يسلم، ويطيل القراءة والركوع (¬2). واختلف في أربعة مواضع: أحدها: في الطول هل هو محدود أم لا؟ والثاني: في السجود هل هو مطول، أم على المعتاد في غيرها من الصلاة؟ والثالث: في قراءة الحمد في الثانية والرابعة. الرابع: الجهر بالقراءة. فقال مالك في المختصر: يطيل أول ركعة قدر سورة البقرة، وفي الثانية قدر سورة آل عموان، والثالثة: قدر سورة النساء، والرابعة: قدر سورة المائدة، ويمكث في الركوع في كل ركعة قدر قيامه فيها (¬3). وقال أبو محمَّد عبد الوهاب: يستحب تطويلها ما أمكن، ولم يضر بمن خلفه إن كان إمامًا ولم. يجد ¬

_ (¬1) سبق تخريجه في كتاب الصلاة الأول، ص: 384. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 242، 243. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 509، 510.

في ذلك حدًّا (¬1). واختلفت الأحاديث في ذلك، فلم يُرْوَ في أكثرها حدٌّ في القيام، وروى ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام في الأولى نحوًا من سورة البقرة، ثم دون ذلك (¬2). ولم يُرْوَ عنه - صلى الله عليه وسلم - في الركوع حدٌّ. وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم -، أنه أمر بالصلاة حتى تنجلي لا أكثر من ذلك (¬3). ومعلوم أن أمد الخسوف مختلف، يقرب مرة فلا تطال الصلاة، ويبعد مرة فتطال، ما لم يضر ذلك بالمصلين فلا يكلفوا (¬4) ما يضر بهم ويشق، فذًّا كان أو إمامًا أو مأمومين، ويرجع إلى الدعاء. واختلف في السجود فقال ابن القاسم في المدونة: يطال (¬5). وقد قال مالك في مختصر ابن عبد الحكم: لا يطال (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: المعونة: 1/ 181. (¬2) متفق عليه, أخرجه البخاري: 5/ 1994، في باب العمل في صلاة الكسوف، من كتاب صلاة الكسوف: 1/ 186، برقم (445)، والبخاري: 5/ 1994، في باب كفران العشير وهو الزوج وهو الخليط من المعاشرة، من كتاب النكاح، في صحيحه, برقم (4901)، ومسلم: 2/ 626، في باب ما عرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار، من كتاب الكسوف، برقم (907)، ومالك في الموطأ: 1/ 186، في باب العمل في صلاة الكسوف، من كتاب صلاة الكسوف، برقم (445). (¬3) متفق عليه, أخرجه البخاري: 1/ 360، في باب الدعاء في الخسوف، من كتاب الكسوف، في صحيحه, برقم (1011)، ومسلم: 2/ 630، في باب ذكر النداء بصلاة الكسوف الصلاة جامعة، من كتاب الكسوف، برقم (915). (¬4) في (س): (يكلف). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 242. (¬6) انظر: التفريع: 1/ 85.

والأول أحسن؛ لحديث عائشة قالت: "مَا سَجَدْتُ سُجُودًا قَطُّ كَانَ أَطْوَلَ مِنْه". أخرجه البخاري ومسلم (¬1)، وهذا أيضًا ما لم يضر بأحد، وليس صبر الناس على طول السجود سواء. وقال مالك في المدونة: يستفتح كل ركعة بالحمد. وقال محمَّد بن مسلمة: ليس ذلك عليه في الثانية من الأولين، ولا في الرابعة (¬2)؛ لأن كل ركعتين (¬3) مقام ركعة، وليس يقرأ في كل ركعة بسورة الحمد مرتين، والقول الأول أبين؛ لأن الركوع حال بين القراءتين، ولا فرق بين أن يحول بين القراءتين ركوع بانفراد (¬4)، أو ركوع وسجود، وهو في الحقيقة مستأنف للقراءة. وقال مالك: لا يجهر بالقراءة، ولو جهر النبي - صلى الله عليه وسلم - لعرف ما قرأ (¬5)، وذكر الترمذي عن مالك أنه قال: يجهر بالقراءة، وهو أحسن؛ للثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في البخاري ومسلم أنه جهر بالقراءة (¬6)، وقياسًا على غيرها من السنن التي يؤتى بها نهارًا؛ الاستسقاء والعيدين. ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 357، في باب طول السجود في الكسوف، من كتاب الكسوف، في صحيحه, برقم (1003)، ومسلم: 2/ 627، في باب ذكر النداء بصلاة الكسوف الصلاة جامعة, من كتاب الكسوف برقم (910). (¬2) انظر: المعونة: 1/ 181. (¬3) في (س): (ركعة). (¬4) في (ر) و (ب): (بانفراده). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 242. (¬6) متفق عليه, أخرجه البخاري: 1/ 361، في باب الجهر بالقراءة في الكسوف، من كتاب الكسوف، في صحيحه, برقم (1016)، ومسلم: 2/ 618، في باب صلاة الكسوف، من كتاب الكسوف، برقم (5/ 901).

فصل في الخلاف في الوقت التي تصلى فيه صلاة الخسوف والموضع الذي توقع فيه

فصل في الخلاف في الوقت التي تصلى فيه صلاة الخسوف والموضع الذي توقع فيه اختلف في الوقت الذي تصلى فيه، والموضع الذي توقع (¬1) فيه، ومن المخاطب بها؟ وهل من سنتها الجماعة؟ فقال مالك في المدونة: تصلى ما لم تزل الشمس (¬2)، وجعلها في الوقت كالعيدين، وروى عنه ابن وهب أنه قال: تصلى في وقت صلاة وإن زالت الشمس (¬3)، وقال مطرف وابن الماجشون: تصلى بعد العصر ما لم تحرم الصلاة (¬4)، وهذا أحسن، وليست كالعيدين، وهذه صلاة أمر بها عند حادث يحدث فوجب أن تصلى عنده ما لم يكن الوقت مَنْهِيًّا عنه. وأما الموضع الذي تصلى فيه فقيل: تصلى في المسجد (¬5) كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقال ابن حبيب: إن شاء صلاها في المسجد تحت سقفه وإن شاء في صحنه، وإن شاء برز إليها خارجًا من المدينة (¬6)، قال الشيخ: أما المصر الكبير فلا ينبغي أن يعدو بها المسجد لوجهين: أحدهما: تكليف الناس الخروج، وقد يشق ذلك على كثير منهم. ¬

_ (¬1) في (س): (ترفع). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 242. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 242. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 511. (¬5) انظر: التفريع: 1/ 84. (¬6) قوله: (برز إليها خارجًا من المدينة) يقابله في (ب): (خارجًا في البراز). وانظر: النوادر والزيادات: 1/ 510.

فصل في الخلاف فيمن يخاطب بها

والثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالمبادرة إلى الصلاة، وإذا خرجوا إلى الصلاة خارج العصر (¬1) في البراز مضى صدر (¬2) مما أمروا أن يكونوا فيه في صلاة، وقد تنجلي قبل البلوغ إلى البراز (¬3)، وأما إن كان البلد الصغير كان ذلك واسعًا؛ لأن الشأن في السنن التي يجتمع الناس لها أن تقام خارجًا. فصل في الخلاف فيمن يخاطب بها واختلف فيمن يخاطب بها، وهل من (¬4) سنتها الجماعة دون الفذ؟ فذهب في المدونة إلى أنها على المسافر والمقيم والفذ (¬5)، قال ابن حبيب: والصبيان والعبيد (¬6)، وقال أشهب في المجموعة: ومن لم يقدر أن يصليها مع الإِمام من النساء والضعفاء فلهم أن يصلوها أفذاذًا أو بإمام، ومع الناس أحب إليّ لمن قدر (¬7). وقال مالك في "مختصر ما ليس في المختصر": إذا كانت قرية فيها خمسون رجلًا ومسجد يجمِّعون فيه الصلوات فلا بأس أن يجمِّعوا صلاة الخسوف، ¬

_ (¬1) قوله: (خارج المصر) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (البراز مضى صدر) يقابله في (س): (البراري مضي صدرًا). (¬3) في (س): (البراري). (¬4) قوله: (من) ساقط من (س). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 243، 242. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 510. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 511.

فصل في الخلاف في صلاة خسوف القمر وفي صفتها

فأجراها مجرى الجمعة فيمن تجب عليه، وكالعيدين في أحد الأقوال، وهذا خلاف قوله في المدونة (¬1)، وقال ابن حبيب: من فاتته مع الإِمام فليس عليه أن يصليها، فجعل من شرطها الجماعة إلا أن يكون انقضاء صلاة الإِمام بعد أن تجلت فلا تصلى قولًا واحدًا. فصل في الخلاف في صلاة خسوف القمر وفي صفتها اختلف في صلاة الخسوف (¬2)، وفي صفتها، وفي الموضع الذي تصلى فيه، وفي الجمع لها. فقال مالك في المدونة: تصلى ركعتين كالنافلة ويدعون ولا يجمعون (¬3). وقال عبد العزيز ابن الماجشون (¬4): هي كصلاة خسوف الشمس وتصلى أفذاذًا (¬5). وأما الموضع الذي تصلى فيه فقال مالك في المجموعة: يفزع الناس في ¬

_ (¬1) يعني قوله فيها: (هل يصلي أهل القرى وأهل العمود والمسافرون صلاة الخسوف في قول مالك؟ قال: نعم. قال: وقال مالك في المسافرين يصلون صلاة الخسوف جماعة إلا أن يعجل بالمسافرين السير، قال: وإن كان رجلًا مسافرا صلى صلاة الخسوف وحده على سنتها). قلت: أجازها لمن لا جمعة عليه. انظر: المدونة: 1/ 242. (¬2) في (س): (خسوف القمر). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 243. (¬4) قوله: (ابن الماجشون) ساقط من (س). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 512.

فصل فزع الناس إلى الصلاة عند الأمر يحدث

خسوف القمر إلى الجامع ويصلون أفذاذًا (¬1)، والمعروف من المذهب أن الناس يصلونها في بيوتهم ولا يكلفون الخروج ليلًا؛ لمشقة ذلك عليهم. واختلف هل يمنعون من الجمع فقال مالك في المدونة والمجموعة (¬2): لا يجمعون (¬3)، وأجاز أشهب الجمع (¬4)، وهو أبين؛ لأن المنع من إلزامهم الخروج لمشقة (¬5) ذلك، فإذا صاروا إلى الجامع لم يمنعوا الجمع قياسًا على خسوف الشمس. فصل فزع الناس إلى الصلاة عند الأمر يحدث وأرى أن يفزع الناس إلى الصلاة عند الأمر يحدث مما يخاف أن يكون عقوبة من الله سبحانه كالزلازل، والظلمات، والريح الشديدة، وهو قول أشهب في الظلمة والريح الشديدة، وقال: يصلون أفذاذًا أو جماعة إذا لم يجمعهم الإِمام ويحملهم عليه (¬6). وكره في المدونة: السجود عند الزلازل، وسجود الشكر (¬7)، وروي عنه: ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 511. (¬2) قوله: (والمجموعة) زيادة من (ق). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 243. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 511. (¬5) في (س): (ومشقة). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 512. (¬7) انظر: المدونة: 1/ 243.

أنه أجاز السجود عند النعمة والشكر، وعلى هذا يجوز السجود عند خوف الزلازل وغيرها (¬1)، يسجد هذا شكرًا وهذا خوفًا، وأما الصلاة حينئذٍ فتجوز قولًا واحدًا. ¬

_ (¬1) في (ر): (عند الخوف والزلازل وغيرها).

باب في الاستسقاء والصلاة له, والصدقة, والصوم

باب في الاستسقاء والصلاة له, والصدقة, والصوم الأصل في الاستسقاء قول الله تعالى: {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ} [البقرة: 60] الآية، وفي شريعتنا حديث أنس قال: "جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَائم يَخْطُبُ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، قَحَطَ النَّاسُ وَهَلَكَتِ المَوَاشِي وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ الله أَنْ يَسْقِيَنَا. فَدَعًا فَمُطِرْنَا مِنَ الجُمُعَةِ إِلَى الجُمُعَةِ، فَقَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيرُهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، تهَدَّمَتِ البُيُوتُ وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ وَهَلَكَتِ المَوَاشي. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: اللَّهُمَّ عَلَى رُءُوسِ الجِبَالِ وَالآكَامِ وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ. فانْجَابَتْ عَنِ المَدِينَةِ انْجِيَابَ الثَّوْبِ" (¬1)، وحديث عباد بن تميم قال: "خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى المُصَلَّى لِيَسْتَسْقِيَ، فتوَجَّهَ إِلَى القِبْلَةِ قَائِمًا يَدْعُو، وَقَلَبَ رِداءهُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتْينِ جَهَرَ فِيهِمَا بِالقِرَاءَةِ وَانْصَرَفَ". اجتمع على هذين الحديثين الموطأ والبخاري ومسلم (¬2). ¬

_ (¬1) متفق عليه, أخرجه البخاري: 1/ 343، في باب الاستسقاء في المسجد الجامع، من كتاب الاستسقاء، في صحيحه, برقم (967)، ومسلم: 2/ 612، في باب الدعاء في الاستسقاء، من كتاب صلاة الاستسقاء، برقم (897)، ومالك: 1/ 191، في باب ما جاء في الاستسقاء، من كتاب الاستسقاء، في موطئه، برقم (450). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 347، في باب الجهر بالقراءة في الاستسقاء، من كتاب الاستسقاء، في صحيحه, برقم (978)، ومسلم، كتاب صلاة الاستسقاء، برقم (894)، ومالك في الموطأ: 1/ 190، في باب العمل في الاستسقاء، من كتاب الاستسقاء، برقم (448).

فصل [فيما يكون له الاستسقاء وأحكامه]

فصل [فيما يكون له الاستسقاء وأحكامه] الاستسقاء يكون لأربع: - للمحل والجدب يحل بالقوم فيستسقوا ليحيا به الزرع أو غيره. - والثاني: استسقاء القوم عند الحاجة إلى الشرب لشفاههم أو لدوابهم ومواشيهم كالقوم يكونون في سفر في صحراء، أو في سفينة، أو في حضر، وقد أخذوا زرعهم ثم احتاجوا إلى ذلك. - والثالث: استسقاء من لم يكن في محل، ولا حاجة إلى الشرب، وقد أتاهم من الغيث ما إن اقتصروا عليه كانوا في دون السعة، فلهم أن يستسقوا، ويسألوا الله المزيد من فضله، قال مالك: كل قوم احتاجوا إلى زيادة على ما عندهم فلا بأس أن يستسقوا (¬1). - والرابع: استسقاء من كان في خصب لمن كان في محل وجدب، قاله بعض أهل العلم. وهذه الأربعة الأقسام في الحكم على ثلاثة أوجه: سنة لا تترك، ومباح، ومندوب إليه. والقسمان الأولان: سنة لا يسع (¬2) تركها، وفي مثلها جاء الحديث (¬3)، قال مالك: الاستسقاء سنة (¬4). يريد: على من نزل به مثل ذلك؛ لأن في تمادي المحل ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 516. (¬2) في (ر) و (ب): (لا ينبغي). (¬3) أي: الحديثان السابقان. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 512.

والجدب هلاك النفوس، وفساد الدين، وإضاعة الحريم، فيلجأ إلى الله سبحانه في رفع ذلك. والقسم الثالث: مباح؛ لأن عندهم ما يأمنون عليه (¬1) هذه الوجوه. والرابع: مندوب إليه؛ لقول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث الرقية: "مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ" (¬2)، وقال: "دَعْوَةُ المُسْلِمِ لأَخِيهِ بِظَهْرِ الغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ. . ." أخرج هذين الحديثين البخاري ومسلم (¬3). والاستسقاء يصح لنزول الغيث، ولمدّ نهر إذا أمسك عن عادته، قال أصبغ في كتاب ابن حبيب: وقد فعل ذلك عندنا بمصر، واستسقوا خمسة وعشرين يومًا متوالية، يستسقون على سنة صلاة الاستسقاء، وحضر ذلك ابن القاسم وابن وهب ورجال صالحون فلم ينكروا ذلك (¬4). قال الشيخ: والأصل في تكرار الاستسقاء قوله - صلى الله عليه وسلم -: "يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، فَيَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي" (¬5). زاد مسلم: "قِيلَ: يَا رَسُولَ ¬

_ (¬1) في (ب): (عليه جميع). (¬2) أخرجه مسلم: 4/ 1726، في باب استحباب الرقية من العين والنملة والحمة والنظرة, من كتاب السلام، برقم (2199). (¬3) أخرجه مسلم: 4/ 2094، في باب فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب، من كتاب الذكر والدعاء والتوبة، برقم (2733)، ولم أقف علي الحديثين في صحيح البخاري، قلت: وقد أخرج البخاري الحديث الثاني في الأدب المفرد: 1/ 219، برقم (625). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 515، 516. (¬5) متفق عليه, أخرجه البخاري: 5/ 2335، في باب يستجاب للعبد ما لم يعجل، من كتاب الدعوات، برقم (5981)، ومسلم: 4/ 2095، في باب بيان أنه يستجاب للداعي ما لم يعجل، من كتاب الذكر والدعاء والتوبة، برقم (91/ 2735)، ومالك في الموطأ: 1/ 213 , =

فصل يخرج للاستسقاء ثلاثة: الرجال، ومن يعقل من الصبيان, والمتجالات من النساء

الله مَا الِاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: يَقُولُ: دَعَوْتُ، وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يُسْتَجَابُ لِي، فَيتحَسَّرُ عِنْدَ ذَلِكَ، وَيَدع الدُّعَاءَ" (¬1). ويدعى بالاستصحاء (¬2)، إذا أضر المطر بالناس في زروعهم أو غير ذلك من أملاكهم، وقد تقدم الحديث في مثل ذلك (¬3). فصل يخرج للاستسقاء ثلاثة: الرجال، ومن يعقل من الصبيان, والمتجالات من النساء يخرج للاستسقاء ثلاثة: الرجال، ومن يعقل الصلاة من الصبيان، والمتجالات من النساء. واختلف في خروج أربعة: من لا يعقل الصلاة من الصبيان، والشواب من النساء، وأهل الذمة، والبهائم، وأباح في المدونة خروج أهل الذمة (¬4)، ومنع ذلك أشهب في مدونته. واختلف بعد القول بجواز خروجهم في الوقت الذي يخرجون فيه: فقال ابن حبيب: يخرجون وقت خروج الناس ويعتزلون ناحية (¬5)، ولا يخرجون قبل ¬

_ = في باب ما جاء في الدعاء، من كتاب القرآن، برقم (497). (¬1) أخرجه مسلم: 4/ 2095، في باب فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب، من كتاب الذكر والدعاء والتوبة، برقم (92/ 2735). (¬2) أي: يدعى بصرف المطر إلى غير المنازل والبيوت, وما يضره كثرة المطر. (¬3) انظر هذا في حديث أنس المتقدم، ص: 617. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 244، قال فيها: (وقال مالك: لا أرى أن يمنع اليهود والنصارى إذا أرادوا أن يستسقوا). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 516.

فصل يأمر الإمام الناس قبل صلاة الاستسقاء بالتوبة

الناس ولا بعدهم؛ لأنه يخشى إن استسقوا قبل أو بعد أن يوافقوا نزول الغيث فيكون في ذلك فتنة للناس. وقال القاضي أبو محمَّد عبد الوهاب: لا بأس أن يخرجوا بعد، والقول بمنعهم جملةً أحسن، ولا يتقرب إلى الله سبحانه بأعدائه، وقال بعض الناس: من أعظم العار أن يتوسل إليه سبحانه أولياؤه بأعدائه، ومنع في المدونة من خروج من لا يعقل من الصيبيان والحيض من النساء، وجعل النساء على ثلاثة منازل: متجالة يحسن خروجها، وشابّة طاهرة يكره خروجها، وإن خرجت لم تمنع، وحائض تمنع من الخروج (¬1). وعلى أصله في منع هؤلاء يمنع من خروج البهائم، وأجاز ذلك موسى بن نصير؛ حيث استسقى بأهل القيروان فأمر بالولدان على حدة، وبالنساء على حدة، وأخرج الإبل والبقر والغنم على حدة (¬2)، قال ابن حبيب: فرأيت الحزامي وغيره من علماء المدينة يستحسنون فعله ذلك ويقولون: إنما أراد بإخراج المواشي، وتفرقة الولدان من آبائهم (¬3) أن يستدعي بذلك رقة القلوب، والاجتهاد في الدعاء (¬4). فصل يأمر الإِمام الناس قبل صلاة الاستسقاء بالتوبة وينبغي للإمام أن يأمر الناس قبل الاستسقاء بالتوبة وبالخروج من المظالم إلى أهلها وأن يتقربوا إلى الله سبحانه بالصدقة. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 244. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 515. (¬3) في (ب): (الولدان عن النساء). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 515.

واختلف: هل يؤمرون بالصوم؟ فقال مالك مرة: ما علمت أنه يصام قبل الاستسقاء، وأنكر ذلك (¬1)، وقال أيضًا: إنه يصام (¬2)، واستحب عبد الملك بن حبيب أن يقدموا صوم ثلاثة أيام آخرها اليوم الذي يستسقون فيه (¬3)، وهو أحسن، ولا فرق بين الصوم في ذلك والصدقة، وكلما أكثر من القرب (¬4) كان أرجى لما يراد من إدراك تلك الحاجة، وقد استحب العتاقة عند الكسوف وكذلك هذا. ويخرج الناس مشاة متواضعين في ثياب تواضع وعلى حال استكانة، وجلين، بخلاف يوم العيد؛ لأن ذلك يوم سرور وزينة، ويخرج الإِمام على مثل ذلك، فيصلي بهم ركعتين، ويخطب خطبتين، ويقرأ في الركعتين بسورتين من قصار المفصل جهرًا (¬5). واختلف في تقدمة الخطبة على الصلاة، فقدم في المدونة الصلاة على الخطبة (¬6)، وقال أشهب في مدونته: اختلف الناس في ذلك، واختلف فيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واختلف فيه قول مالك، فكان من قوله الأول أن الخطبة قبل الصلاة (¬7) كالجمعة، ثم رجع إلى أنها بعد كالعيدين. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 17/ 121، 2/ 324، ولابن رشد في توجيه قول مالك من عدم الإنكار تعليل فطالعه به. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 515. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 515. (¬4) في (ب): (التقرب). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 513. (¬6) انظر: المدونة: 1/ 245. (¬7) قوله: (الصلاة) ساقط من (س).

ويخطب مستقبل الناس بوجهه مستدبر القبلة ثم يحول وجهه، ويستسقي مستقبل القبلة مستدبر الناس، والخطبة مقدمة على الاستسقاء، ويجري في الخطبة على العادة، وأنه (¬1) يعظهم ويذكرهم، ويعلمهم أن ذلك بما كسبت أيديهم، ولا يدعو يومئذٍ للأمير، فليس هو يوم ذلك، ويخلص الأمر لله سبحانه, وينبغي إذا أخذ في الدعاء للاستسقاء أن يكثر من الاستغفار، ويقلّب الإِمام رداءه فيجعل ما يلي الجسد (¬2) إلى السماء، فيصير ما على اليمين على اليسار وما على اليسار على اليمين (¬3)، فإذا فرغ من الاستسقاء قال مالك: ثم ينزل فينصرف (¬4) وقيل: إن شاء انصرف على ذلك، وإن شاء تحول إليهم فكلمهم بكلمات ورغبهم في الصدقة والتقرب إلى الله سبحانه ثم ينصرف (¬5). واختلف في الوقت الذي يحوّل فيه رداءه، وفي تحويل المأمومين من الرجال -ولا يحول النساء بحال (¬6)؛ لأن في ذلك كشفة لهن- فقال في المدونة: يحول إذا فرغ من الخطبة، واستقبل للاستسقاء (¬7)، وقال في المجموعة: بين الخطبتين، وقال ابن الماجشون: بعد صدر من الخطبة (¬8)، وقال مالك في المدونة: يحول الناس أرديتهم وهم قعود (¬9). وقال الليث: لا يحول إلا الإِمام (1)، وهو أحسن؛ لأن الأحاديث وردت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) في (ر): (أنه). (¬2) في (ب): (جسده). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 513. (¬4) في (ر): (ينزل ثم ينصرف). انظر: المدونة: 1/ 244. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 513. (¬6) قوله: (بحال) ساقط من (ب). (¬7) انظر: المدونة: 1/ 244. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 514. (¬9) انظر: المدونة: 1/ 244.

يحول إلا الإِمام (¬1)، وهو أحسن؛ لأن الأحاديث وردت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حول رداءه وحده (¬2). واختلف هل يخطب ويستسقي على المنبر؟ فمنع من ذلك في المدونة (¬3)، وأجازه في المجموعة (¬4). وأما الأمر برد المظالم الآن وإن كان ذلك من الواجب قيل لوجهين: أحدهما: أنه يخاف (¬5) أن يكون ما اقترفوه السبب لمنع الغيث لقول الله سبحانه: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30]. والآخر. أن يكون ذلك السبب لمنع إجابة الدعاء؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ". . . في الرَّجُل يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ أَغبرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ, وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذيَ بِالحَرَامِ، فَأنى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ"، أخرجه مسلم (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 513. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 343، في باب تحويل الرداء في الاستسقاء، من كتاب الاستسقاء، في صحيحه، برقم (966)، ومسلم: 2/ 611، في أول كتاب صلاة الاستسقاء، برقم (894)، ومالك في الموطأ: 1/ 190، في باب العمل في الاستسقاء، من كتاب الاستسقاء برقم (448)، ولفظ البخاري: (عن عبد الله بن زيد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استسقى فقلب رداءه). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 244، قال فيها: (وليس يخرج في صلاة الاستسقاء بمنبر). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 516، قال فيها: (قال أشهب: ووسع أن يخرج فيها بالمنبر أو لا يخرج). (¬5) قوله: (أنه يخاف) ساقط من (س). (¬6) أخرجه مسلم: 2/ 703، في باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيته، من كتاب الزكاة، برقم (1015).

وكذلك ما كان من التباعات لله سبحانه من تضييع صلاة، ومنع زكاة، أو غير ذلك، وندبوا إلى الصدقة (¬1) والصيام؛ لأن ذلك قربان يقدمه قبل سؤال حاجته، وأمروا أن يكونوا مشاة متذللين غير متزينين؛ لأنه صفة سير المذنب إذا أخذ بذنبه وكان يسعى في الفكاك منه، وقال ابن عباس: "خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الاسْتِسْقَاءِ مُتَبَذِّلًا مُتَوَاضِعًا مُتَضَرِّعًا، حَتَّى أَتَى المُصَلَّى، فَلَمْ يَخْطُبْ خُطْبَتكُمْ هَذِهِ، وَلَكِنْ لَم يَزَلْ في الدعَاء وَالتَّضَرُّعِ وَالتَكْبِيرِ، وَصَلَّى رَكْعَتْينِ كَمَا يُصَلِّي في العِيدِ"، وهذا (¬2) حديث صحيح، ذكره الترمذي (¬3) في مسنده (¬4). وأما تقدمة الصلاة والاستسقاء، فالذي في الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - قدم الاستسقاء ثم صلى (¬5)، والقياس أن تقدم الصلاة؛ لأنها عن أعظم ما يتوسل به، وتقدم بين يدي الحوائج، وقد كان- النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد حاجة توضأ وصلى، ثم سأل, وقال - صلى الله عليه وسلم - في الدعاء عند الاستخارة: "أِذَا هَمَّ أَحَدُكمْ بِالأَمْرِ، فَلْيَرْكَعْ رَكعَتَيْنِ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ. . . الحديث" (¬6). ¬

_ (¬1) في (س): (الصلاة). (¬2) في (س): (وقال الترمذي هذا). (¬3) قوله: (الترمذي) ساقط من (س). (¬4) حسن صحيح، أخرجه الترمذي: 2/ 445، في باب ما جاء في صلاة الاستسقاء، عن أبواب السفر، برقم (558). (¬5) أخرجه البخاري: 1/ 347، في باب الجهر بالقراءة في الاستسقاء، من كتاب الاستسقاء، في صحيحه برقم (978)، ولفظه: (عن عباد بن تميم عن عمه قال: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - يستسقي فتوجه إلى القبلة يدعو وحول رداءه ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة). (¬6) أخرجه البخاري: 1/ 391، في باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى، من أبواب التطوع، في صحيحه: 1/ 391، برقم (1109).

واستحب أن يكثر الخطيب من الاستغفار؛ لقوله -عز وجل- في قصة نوح - عليه السلام -: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: 10، 11] وروي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه استسقى فلم يزد على الاستغفار حتى انصرف (¬1)، وفي هذا أيضًا تنبيه أن إمساك الغيث باكتساب الذنوب، فكان التوسل لنزوله بسؤال غفرانها، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ وَبَهِيمَتَكَ، وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ، وَأَحْي بَلَدَكَ الميتَ" (¬2). وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قلب رداءه في الاستسقاء (¬3)، وقيل: إنه تفاءل بذلك؛ لانقلاب الجدب إلى الخصب، والتحويل (¬4) عند الاستسقاء أحسن؛ لأنه قبل ذلك غير مستسقٍ، فلم يأت الوقت الذي يسأل فيه ذلك، وليس في الحديث أن الناس حوّلوا لتحويله، وذلك واسع. والخطبة بالأرض أصوب وأقرب للتواضع، وهو يوم استكانة وخضوع، فكونه في الأرض (¬5) أقرب لما يحاول من نفسه. ¬

_ (¬1) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه: 6/ 61، في باب ما يدعى به في الاستسقاء، من كتاب الدعاء، برقم (29486). (¬2) إسناده صحيح، أخرجه أبو داود: 1/ 375، في باب رفع اليدين في الاستسقاء, من كتاب الصلاة برقم (1176)، وصحح إسناده النووي في الأذكار (1/ 150). (¬3) سبق تخريجه عند قوله: (باب في الاستسقاء والصلاة له). (¬4) في (س): (والتحول). (¬5) في (ر) و (س) و (ش 2): (فكأنه بالأرض).

باب في صلاة العيدين، والغسل لها ومن المخاطب بها؟

باب في صلاة العيدين، والغسل لها ومن المخاطب بها (¬1)؟ صلاة العيدين: الفطر والأضحى سنة على من هو مخاطب بالجمعة، وهم الرجال الأحرار المقيمون، واختلف فيمن سواهم من النساء والعبيد والصبيان والمسافرين وأهل القرى الذين لا تجب عليهم جمعة، فقال مالك في المدونة: في النساء والعبيد والإماء لا تجب عليهم ولا يؤمرون بالخروج إلى العيدين (¬2)، وقال في العتبية: إنما يجمع في العيدين من تلزمهم الجمعة (¬3)، فعلى هذا تسقط عن المسافرين، وقال مطرّف وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: صلاة العيدين سنة لجميع المسلمين النساء، والعبيد، والمسافرين، ومن عقل الصلاة من الصبيان، ويلزم هؤلاء أن يصلوها في بيوتهم وحيث شاؤوا وإن لم يشهدوها في جماعة. قال الشيخ: تلزم أهل (¬4) القرى الصغار قياسًا على قوله في المسافرين. واختلف بعد القول بسقوطها عن هؤلاء على ثلاثة أقوال: فقيل: لمن شاء أن يتطوع بالصلاة بها (¬5) فذًّا أو جماعة. وقيل: لا يتطوع بها بحال. ¬

_ (¬1) قوله: (بها) ساقط من (س). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 246. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 497، النوادر والزيادات: 1/ 498. (¬4) قوله: (أهل) ساقط من (ب). (¬5) في (س): (لها).

وقيل: يتطوع بها جماعة ولا يتطوع بها فذًّا. فقال مالك في المدونة فيمن فاتته الصلاة مع الإِمام: إن شاء صلى وإن شاء لم يصلّ، وإن صلى فليصلّ مثل صلاة الإِمام ويكبر مثل تكبيره في الأولى والثانية (¬1)، وقال في النساء إذا لم يشهدن العيد: فإن صلين فيصلّين أفذاذًا (¬2). وعلى هذا يصليها المسافرون وأهل القرى الصغار، إن شاؤوا أفذاذًا وإن شاؤوا جماعة بغير خطبة عليهم (¬3)، وقال ابن القاسم في العتبية: إن شاء من لا تجب عليهم الجمعة (¬4) أن يصلوها بإمام فعلوا, ولكن لا خطبة عليهم، وإن خطب فحسن، واستحب ذلك أشهب (¬5)، وهذا كله أصل واحد أنه يؤتى بها بعد سقوطها، قال ابن القاسم: ورأيته يستحب أن تصلى (¬6). وقال مالك في المبسوط في (¬7) الإِمام يكون في السفر فتحضره صلاة الفطر والأضحى قال: ليس ذلك عليهم، ولم أسمع أحدًا ممن مضى صلى الفطر والأضحى وهو مسافر، وقال أيضًا: ليس ذلك عليهم لا جماعة ولا فرادى (¬8)، ولم أسمع أحدًا ممن مضى صنع ذلك، وعند ابن شعبان في قرية فيها عشرون رجلًا: لا أرى أن يصلوا صلاة العيد، ولا يصليها إلا من تجب عليهم صلاة ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 246. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 246. (¬3) قوله: (عليهم) ساقط من (ر). (¬4) في (س): (الخطبة). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 498. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 246. (¬7) قوله: (في) ساقط من (س). (¬8) في (ر) و (ب): (أفذاذًا).

الجمعة (¬1)، فمنع في هذين القولين أن يتطوع بالصلاة بها جماعة، وفي القول الآخر ولا فرادى (¬2)، وجعلها ابن حبيب على كل من يصلي (¬3)؛ لحديث أم عطية قالت: "أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في صَلاَةِ العِيدَينِ أَنْ نُخْرِجَ العَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الخُدُورِ وَالحُيَّضَ، وَأَمَرَ اَلحُيَّض أَنْ يَعْتَزِلْنَ مُصَلَّى المُسْلِمِينَ، وَيشْهَدْنَ الخيرَ وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِحْدَانَا لاَ يَكُونُ لها جِلْبَابٌ فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا"، أخرجه البخاري ومسلم (¬4). ورأى (¬5) مالك أنها لا تكون أعلى رتبة من الجمعة؛ لأنها صلاة يجتمع لها الناس بموضع واحد، وهي ركعتان جهرًا، ويخطب لها، ثم لم تجب على كل (¬6) من هو مخاطب بالصلاة، فكذلك العيدان، ومحمل حديث أم عطية في الأمر بخروج النساء على الندب بدليل الأمر بالحيَّض (¬7)، ولا يختلف أن ذلك غير واجب عليهن. قال مالك: ولا أحب أن (¬8) يسافر أحد حتى يصليها (¬9). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 498، من رواية ابن القاسم عن مالك في المجموعة. (¬2) في (ر): (أفذاذًا). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 500. (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 139، في باب وجوب الصلاة في الثياب, من أبواب الصلاة في الثياب, في صحيحه: 1/ 139، برقم (344)، ومسلم: 2/ 605، في باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة, من كتاب صلاة العيدين، برقم (890). (¬5) في (س): (وروى). (¬6) قوله: (كل) ساقط من (س). (¬7) قوله: (بالحيض) ساقط من (س). (¬8) قوله: (ولا أحب أن) يقابله في (س): (الاحتياط ألا). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 498.

فصل غسل العيدين ليس بواجب

فصل غسل العيدين ليس بواجب ومن المدونة قال مالك: في غسل (¬1) العيدين أراه حسنًا، ولا أوجبه كوجوب غسل الجمعة (¬2). قال الشيخ: حديث ابن شهاب في الموطأ يتضمن الغسل للعيدين والمساواة بينه وبين غسل الجمعة؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجمعة: "إِنَّ هَذَا يَوْمٌ جَعَلَهُ اللهُ عِيدًا لِلْمُسْلِمِينَ، فَاغْتَسِلُوا" فأمر بالاغتسال في الجمعة؛ لأنه شابه العيد، ومن به (¬3) روائح وأحب شهود العيد، وجب عليه الاغتسال لإزالة ذلك، قال مالك في مختصر ابن عبد الحكم: والغسل للعيدين قبل الفجر واسع (¬4)، وقال ابن حبيب: وبعد الفجر أفضل (¬5)، وكل هذا واسع؛ لأن الغدو من الأمصار حينئذٍ يفارق الجمعة إذا اغتسل في الفجر. قال مالك: وتستحب الزينة والطيب (¬6)، والمشي إلى العيدين (¬7). قال الشيخ: وهذا في الذهاب إلى الصلاة بخلاف الرجوع؛ لأنه في أول ذهاب إلى ربه ليتقرب إليه، فينبغي أن يذهب راجلًا متذللًا، وهو سير (¬8) العبد ¬

_ (¬1) قوله: (في غسل) يقابله في (س): (وغسل). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 245. (¬3) في (ب): (له). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 428، وعيون الأدلة: 3/ 1359، والنوادر والزيادات: 1/ 497، والكل موافق للمثبت. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 498. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 497. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 498. (¬8) في (ر): (كسير).

فصل صلاة العيدين تقام بالبراز

إلى مولاه، ففارق الرجوع، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان يخرج إلى العيدين ماشيًا، ويرجع راكبًا (¬1). فصل صلاة العيدين تقام بالبِرَاز صلاة العيدين تقام في البراز خارج المدينة، ولا تقام في المسجد، ولا في الجامع (¬2)، قال مالك: من السنة أن يخرج أهل الأمصار (¬3) في العيدين إلى المصلى فيصلون فيه؛ لخروج النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، إلا أهل مكة فإن السنة أن يصلوا العيدين في المسجد الحرام، ولا يخرجون عنه إلى غيره (¬4). ويكبر في حين خروجه, وفي كونه في المصلى حتى يأتي الإِمام، وبعد أن يأتي حتى يأخذ في الصلاة (¬5)، وهذا هو المستحسن من المذهب (¬6)، وهي رواية ابن وهب عن مالك، واضطرب القول (¬7) في مبتدأ التكبير وفي منتهاه، فقال مالك في ¬

_ (¬1) لم أقف عليه بهذا اللفظ, وإنما أخرجه ابن ماجه: 1/ 411، في باب ما جاء في الخروج إلى العيد ماشيًا، من كتاب الصلاة والسنة فيه برقم (1294)، ومن طريقه البيهقي: 3/ 281، في باب المشي إلى العيدين، من كتاب صلاة العيدين، برقم (5940)، من حديث عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد، عن أبيه, عن جده بلفظ: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج إلى العيد ماشيًا ويرجع ماشيًا). قال البوصيري في مصباح الزجاجة: 1/ 153: هذا إسناد ضعيف لضعف عبد الرحمن وأبيه. (¬2) في (ب): (الجوامع). (¬3) في (ر) و (ب): (كل مصر). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 248. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 248. (¬6) في (ب): (المذهب وهو حسن). (¬7) قوله: (القول) ساقط من (س).

المدونة: يكبر إذا خرج لذلك عند طلوع الشمس تكبيرًا يسمع نفسه ومن يليه وفي المصلى، فإذا خرج الإِمام قطع (¬1)، وقال في المجموعة: ومن غدا قبل طلوع الشمس فلا بأس، ولكن لا يكبر حتى تطلع الشمس (¬2)، وهذا مثل الأول، وقال ابن حبيب: ومن غدا إلى العيدين فلا يكبِّر حتى يسفر (¬3)، وقال مالك في المبسوط: يكبر للعيدين بعد صلاة الفجر (¬4)، وقال عبد الملك ابن الماجشون (¬5): وكنا رأينا أن ذلك؛ لأن رمي الجمرة بعد الفجر، وقال محمَّد بن مسلمة في المبسوط: التكبير من حين يغدو الإِمام يتحرى غدوه، فيكبر حتى يصلي الإِمام (¬6) فإذا كبر في الخطبة كبر الناس معه، وقال مالك في العتبية: يكبر حين يصل (¬7) إلى المصلى إلى أن يرقى الإِمام المنبر (¬8)، وإلى أن يسكت على المنبر (¬9)، قال مالك في الخروج إلى العيدين: بقدر ما إذا بلغ حلت (¬10) الصلاة (¬11)، وقال أيضًا: من غدا إليها قبل طلوع الشمس فلا بأس (¬12). قال الشيخ: الغدو في ذلك يختلف، ولا يمهل من كان في البلد الكبير إلى ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 248. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 498، 499. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 500. (¬4) في (ر) و (ب): (الصبح). (¬5) قوله: (ابن الماجشون) ساقط من (س). (¬6) قوله: (الإمام) ساقط من (س). (¬7) في (س): (يغدو). (¬8) قوله: (المنبر) ساقط من (س). (¬9) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 492. والنوادر والزيادات: 1/ 499. بلفظ: "يسكت الإِمام عن التكبير". (¬10) في (س): (حالت). (¬11) انظر: المدونة: 1/ 246. وقول الإِمام مالك هنا في خروج الإِمام لصلاة العيد وليس المأموم. (¬12) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 498.

طلوع الشمس فتفوتهم الصلاة إذًا (¬1)، وأن (¬2) يبكر الناس كل قوم إلى موضعهم بقدر ما يرون أنهم يكونون مجتمعين قبل وصول الإِمام. وأما خروج الإِمام فبقدر ما إذا بلغ حلت الصلاة (¬3)، فإذا وصل أخذ في الصلاة، وهو أن ترتفع الشمس وتبيض وتذهب عنها الحمرة، وفي النسائي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الوقت الذي تحل فيه النافلة أن تشرق الشمس وترتفع قدر (¬4) رمح ويذهب شعاعها (¬5)، يريد رمحًا من رماح الأعراب (¬6)، وهي هذه التي تسمى القناة، وهذا أول وقتها، وآخره ما لم تزل الشمس، فإن أتى العلم بذلك أنه يوم عيد قبل أن تزول الشمس وبقي من الوقت ما إن خرجوا صلوها قبل أن تزول الشمس (¬7) خرجوا وصلوا، وإن أتى العلم بعد ذلك لم تصل في بقية ذلك اليوم ولا في غيره (¬8) وهذا قول مالك -رحمه الله- (¬9)، وفي النسائي: "أَنَّ قَوْمًا رَأَوُا الهِلاَلَ وَأَتَوُا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا وَأَنْ يَخْرُجُوا مِنَ الغَدِ" (¬10)، وبه آخذ. ¬

_ (¬1) قوله: (إذا) ساقط من (س). (¬2) قوله: (أن) ساقط من (س). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 246. (¬4) في (ر) و (ب): (قيد). (¬5) صحيح، أخرجه النسائي في السنن الكبرى: 1/ 279، في، كتاب المواقيت، باب النهي عن الصلاة بعد العصر، من كتاب المواقيت: 1/ 279، برقم (572)، وصححه ابن عبد البر في التمهيد: 4/ 23، وقال: حديث صحيح وطرقه كثيرة حسان شامية. (¬6) في (س): (الحراب). (¬7) قوله: (وبقى من. . . تزول الشمس) ساقط من (س). (¬8) في (س): (غده). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 500. (¬10) صحيح، أخرجه النسائي: 3/ 180، في باب الخروج إلى العيدين من الغد، من كتاب صلاة العيدين، برقم (1557)، وأحمد في مسنده: 5/ 57، مسند الكوفيين، حديث رجال =

فصل لا يؤذن لصلاة العيدين

فصل لا يؤذن لصلاة العيدين ولا يؤذن لصلاة العيد (¬1)، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يصليها بغير أذان ولا إقامة (¬2). وإذا صلى العيدين بالمصلى لم يتنفل قبلها ولا بعدها، واختلف إذا صليت في المسجد فقال مالك (¬3): يتنفل قبل الصلاة وبعدها، وقال في الواضحة: لا يتنفل قبل ويتنفل (¬4) بعد (¬5)، وقال في المبسوط: إذا صلى الإِمام العيدين في المسجد، فلا أرى أن يصلي فيه أحد قبل الصلاة ولا بعدها، بذلك مضت السنة، يريد: أنه لا يتنفل يوم (¬6) العيد قبل الصلاة ولا بعدها, ولا (¬7) فرق بين أن تصلى في المصلى ولا (¬8) في المسجد. ¬

_ = من الأنصار، برقم (20598)، وأبو داود: 1/ 370، في باب إذا لم يخرج الإِمام للعيد من يومه يخرج من الغد، من كتاب الصلاة برقم (1157). (¬1) في (ب): (العيدين). (¬2) متفق عليه, أخرجه البخاري: 1/ 332، في باب موعظة الإِمام النساء يوم العيد، من كتاب العيدين، في صحيحه, برقم (935)، ومسلم: 2/ 603، أوائل كتاب صلاة العيدين، برقم (885). (¬3) في (ب): (مالك مرة). (¬4) في (ب): (ولا يتنفل). (¬5) قال في النوادر: (قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وهو أَحَبُّ إِلَيَّ. واستحب في موضع آخر نحو رواية ابن وهب عن مالك) ورواية ابن وهب عن مالك هي: (أنه لا بَأْسَ بالتنفل فيه بعدها، ولا يتنفل قبلها) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 504. (¬6) في (ر): (في). (¬7) في (س): (ولأنه لا). (¬8) في (س): (أو).

واختلف هل يتنفل في بيته، فأجازه مالك في المدونة (¬1)، وقال ابن حبيب: وقال قوم هي: سبحة ذلك اليوم، فليقتصر عليها إلى الزوال، قال: وهذا أحب إلى (¬2). فصل صلاة العيدين ركعتان جهرًا صلاة العيدين ركعتان جهرًا، يستفتح (¬3) الأولى بسبع تكبيرات قبل القراءة، والثانية بخمس إذا استوى قائمًا قبل القراءة سوى التكبيرة التي يقوم بها من الثانية. قال أشهب في كتاب محمَّد: وإن كبّر الإِمام في الأولى أكثر من سبع وفي الثانية أكثر من خمس (¬4) لم يتبع (¬5)، ومن نسي التكبير من الأولى أو الثانية حتى قرأ فإن لم يركع عاد إلى التكبير وأعاد القراءة، قال مالك: ويسجد لسهوه بعد السلام (¬6)، وقد قيل في هذا: الأصل لا (¬7) سجود عليه؛ لأنه زيادة قرآن، فإن لم يذكر حتى ركع مضى على صلاته وسجد قبل السلام، إلا أن يكون مأمومًا فلا ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 247، قال فيها: (كره مالك أن يصلي في المصلى قبل صلاة العيد وبعدها شيئًا. قال فقلت لمالك: فإن رجعت من المصلى أأصلي في بيتي؟ قال: لا بأس بذلك، قال: وإنما كان يكره مالك الصلاة في المصلى يوم الأضحى والفطر قبل صلاة العيد وبعدها، فأما في غير المصلى فلم يكن يرى بذلك بأسا). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 504. (¬3) في (ر): (يستفتح في). (¬4) قوله: (وفي الثانية. . . خمس) ساقطة من (ر). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 504. (¬6) انظر: المدونة: 1/ 247. (¬7) في (س): (ألا).

يسجد؛ لأن الإِمام يحمل ذلك (¬1) عنه. واختلف فيمن دخل مع الإِمام وهو في القراءة، هل يقضي التكبير والإمام في القراءة؟ فقال ابن وهب: يكّبر واحدة (¬2)، وقال ابن الماجشون في المبسوط، وابن القاسم في العتبية: إن أدركه قائما في الأولى كبّر سبعًا، وإن وجده راكعًا كبر واحدة ولا شيء عليه، وإن أدركه بعد أن (¬3) رفع من ركوع الأولى- قضى بعد سلام (¬4) الإِمام ركعة يكبر فيها سبعًا، وإن وجده قائما يقرأ في الثانية كبر معه خمسًا، وإن وجده جالسًا فأحرم وجلس ثم سلم الإِمام قام فصلى ركعتين يكبر في الأولى سبعا وفي الثانية خمسًا (¬5)، وقال أيضًا: يكبر في الأولى ستًّا، مثل قوله في المدونة (¬6). ورأى ابن وهب أن التكبير كالقراءة يسبق بها الإِمام، فإنها (¬7) لا تقضى (¬8)؛ لأنها أقوال من الإمام بخلاف الأفعال، ولأن الإِمام إمام في التكبير أيضًا؛ لأنه لا يكبر تكبيرة من السبع وغيرها إلا بعد تكبير الإِمام، ورأى ابن القاسم أن التكبير بخلاف القراءة؛ لأن المأموم عند قراءة الإِمام ساكت، وهذا يكبر معه فافترقا. ¬

_ (¬1) في (ر): (يحمله). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 503. (¬3) قوله: (بعد أن) يقابله في (ر): (بعدها). (¬4) قوله: (بعد سلام) يقابله في (ر): (بعد صلاة). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 66. (¬6) انظر: المدونة: 1/ 247. (¬7) في (ر): (فإنه). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 503.

ويختلف إذا وجده في الثانية هل يكبر خمسًا أو سبعًا؟ فعلى القول الأول (¬1) أن ما أدرك آخر صلاته يكبر خمسًا ويقضي سبعًا، وعلى القول أن الذي أدرك أولها، يكبر سبعًا ويقضي خمسًا. واختلف في رفع اليدين في التكبر، فقال مالك في المدونة: يرفع في الأولى (¬2)، وروى عنه ابن كنانة ومطرف: أنه يستحب الرفع في جميع التكبير، وقال في المجموعة: وليس رفع اليدين مع كل تكبيرة سنة، ولا بأس على من فعله (¬3). ومن المدونة قال مالك: ويقرأ بـ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}، وبـ {سَبِّحِ} ونحوهما (¬4)، وفي الموطأ وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الفطر والأضحى، بـ {ق}، و {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} (¬5)، واستحب ذلك ابن حبيب (¬6)، والأول أرفق بالناس اليوم، وليس الناس اليوم في النية والخير على ما كانت عليه الصحابة، وقد أطال معاذ بقومه الصلاة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أفتان أنت يا معاذ" (¬7)، ¬

_ (¬1) قوله: (الأول) ساقط من (ب) وهي مستدركه في هامش (ر) ومنها يبدأ اختلاط في الفقرات بمقدار ستة أسطر. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 246. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 502. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 246. (¬5) أخرجه مسلم: 2/ 607، في باب ما يقرأ به في صلاة العيدين، من كتاب صلاة العيدين، برقم (891)، ومالك: 1/ 180، في باب ما جاء في التكبير والقراءة في صلاة العيدين، من كتاب العيدين، برقم (433). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 502. (¬7) متفق عليه: أخرجه البخاري: 1/ 249، في باب القراءة في العشاء من باب من شكا إمامه إذا طول، من كتاب الجماعة والإمامة في صحيحه, برقم (673)، ومسلم: 1/ 339، في كتاب الصلاة، برقم (465).

فصل لا تصلى العيدان في مواضع

وأنكر عليه التطويل. فصل لا تصلى العيدان في مواضع ومن المدونة قال مالك: ولا تصلى العيدان في موضعين (¬1)، وقال سحنون في أهل مدينة حضرهم العيد وأصابهم مطر شديد ولم يقدروا على الخروج، فصلوا في المسجد فلم يحملهم المسجد ولا الأفنية: لا أرى لمن بقي أن يجمعوا الصلاة، وإن أحبوا صلوا أفذاذًا. قال الشيخ: إن كان الباقي جمعًا كثيرًا، فإنه يختلف فيهم، هل يجمعون في مسجد آخر، قياسا على الجمعة، هل تصلى في جامعين؟ (¬2) وقد تقدم ذكر ذلك (¬3)، وإن بقي النفر اليسير فيختلف فيهم هل يجمعون في غير المسجد قياسًا على من لم يصلِّ الجمعة مع الإِمام؟ وقد اختلف (¬4) فيهم، وهؤلاء كأصحاب الأعذار في الجمعة، وقال مالك في المبسوط، فيمن يلقاه الناس (¬5) منصرفين من صلاة العيد-: إن شاء مضى فصلى في المصلى، وإن شاء في بيته، وإن شاء ترك (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 248. (¬2) في (ر): (جماعين). (¬3) انظر: باب الجمعة, ص: 571. (¬4) قوله: (فيهم هل. . . وقد اختلف) ساقط من (س). (¬5) قوله: (الناس) ساقط من (ر). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 503، قال فيه: (. . . ومن فاتته، فلا بَأْسَ أَنْ يصليها في المصلى أو في غيره، فإن صلى في المصلى فليصبر إلى فراغ الخطبة).

فصل [في صفة الخطبة في العيد]

فصل (¬1) [في صفة الخطبة في العيد] ويخطب للعيدين خطبتين، يستفتح كل خطبة بالتكبير، وكلما مضى في الخطبة عاد إلى التكبير، واختلف في ثلاثة مواضع: أحدها: في عدد التكبير. والثاني: هل الإكثار منه أولى أو التقليل؟ والثالث: هل (¬2) يكبر الناس بتكبيره؟ فقال مالك في المبسوط: يستفتح الإِمام الخطبة إذا سعد بالتكبير، قال: ومن السنة أن يكبّر تكبيرًا كثيرًا، ثم في الثانية أكثر من الأولى، ويكبروا بتكبيره (¬3)، وقال ابن حبيب: يستفتح الأولى بسبع تكبيرات تباعا، ثم إذا مضت كلمات كبر ثلاثًا، وكذلك في الثانية إذا استفتحها، وإذا مضى في خطبته، وقال المغيرة في المبسوط: كنا نعد الإكثار من التكبير عيا، ويستراح إليه في الخطبة, ولم ير أن يكبر الناس بتكبير الإِمام فيها (¬4). والخطبة في العيدين بعد الصلاة وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه خطب بعد الصلاة (¬5)، ¬

_ (¬1) قوله: (فصل) زيادة من (س). (¬2) في (ر): (التكبير هل). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 505. (¬4) انظر: المنتقى: 2/ 355. (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 326، في باب المشي والركوب إلى العيد والصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة، من كتاب العيدين، في صحيحه, برقم (914)، ومسلم: 2/ 605، أوائل كتاب صلاة العيدين، برقم (888).

قال أشهب: ومن خطب قبل (¬1) الصلاة أعادها بعد، فإن لم يفعل فقد أساء وتجزئه (¬2). واختلف في أول من خطب قبل الصلاة، فقال مالك في المبسوط: أول من فعل ذلك عثمان - رضي الله عنه - (¬3) قال: وإنما فعل ذلك ليدرك الناس الصلاة، والسنة أن تقدم الصلاة، قال: وبذلك عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر (¬4) وعثمان صدرا من خلافته (¬5)، وفي البخاري ومسلم "أن أول من فعل ذلك مروان، فكلمه في ذلك أبو سعيد الخدري وجبذه لما أراد أن يصعد منبرا -صنعه له كثير ابن الصلت من طين- ثم قال له أبو سعيد: أين الابتداء بالخطبة؟ فقال له مروان: قد ترك ما تعلم، فقال له أبو سعيد: ما أعلم خير مما لا أعلم" (¬6)، وقال في موضع آخر: ". . . إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا. . ." (¬7)، وإنما كان امتناع ¬

_ (¬1) في (ر): (بعد). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 505. (¬3) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه: 3/ 284، في باب أول من خطب ثم صلى، من كتاب صلاة العيدين، برقم (5645). (¬4) متفق عليه, أخرجه البخاري: 1/ 327، في باب الخطبة بعد العيد، من كتاب العيدين، في صحيحه, برقم (920)، ومسلم: 2/ 605، أوائل كتاب العيدين، برقم (8/ 888). (¬5) أخرجه البخاري: 1/ 327، من باب الخطبة بعد العيد، في كتاب العيدين، في صحيحه, برقم (919). (¬6) متفق عليه, أخرجه البخاري: 1/ 326، في باب الخروج إلى المصلى بغير منبر، من كتاب العيدين، في صحيحه, برقم (913)، ومسلم: 2/ 605، أوائل كتاب العيدين، برقم (889). (¬7) أخرجه البخاري: 1/ 326، في باب الخروج إلى المصلى بغير منبر، من كتاب العيدين، في صحيحه, برقم (913).

الناس من الجلوس؛ لأنه كان يؤدي في خطبته من لا يحل أذاه، فينصرف الناس لئلا يسمعوا ذلك منه، فقدم الخطبة على الصلاة. قال الشيخ: ولا ينبغي أن يؤتى للصلاة إذا كان يفعل ذلك، ومن قدر أن يأتي بعد فراغ (¬1) الخطبة للصلاة فحسن. ¬

_ (¬1) في (ب): (الفرع من).

باب في التكبير أيام التشريق

باب في التكبير أيام التشريق قال مالك: التكبير أيام التشريق على الرجال، والنساء، وأهل البوادي، والمسافرين، وغيرهم من المسلمين (¬1). وقد اختلف في ثلاثة مواضع من التكبير: أحدها: في صفته. والثاني: في عدد الصلاة التي يكبر في أعقابها. والثالث: هل يكبر في غير (¬2) أعقاب الصلوات؟ فقال مالك في المدونة: يقول، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ثلاثًا (¬3)، وقال أيضًا: ليس في ذلك حد، إن شاء كبر (¬4) ثلاثًا، وإن شاء أربعًا، وإن شاء خمسًا، وقال في مختصر ابن عبد الحكم: التكبير خلف الصلوات أن يقول، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، وإن كبر ثلاث تكبيرات أجزأه. قال: والأول أحب إلى (¬5). قال مالك: وأول التكبير دبر صلاة الظهر من يوم النحر، وآخره في الصبح من آخر أيام التشريق، يكبر في الصبح ويقطع في الظهر (¬6). وقال سحنون: بعض أصحابنا يرون التكبير بعد صلاة الظهر من آخر ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 248. (¬2) قوله: (غير) ساقط من (ب). (¬3) قوله: (ثلاثًا) ساقط من (س). (¬4) قوله: (إن شاء كبر) مكرر في (ر). (¬5) انظر: المختصر الصغير بشرح البرقي، لوحة رقم: [12 / أ]، والمدونة: 1/ 248، 249. (¬6) انظر: المدونة: 1/ 249.

أيام التشريق، ويحتج بالرمي يريد لما كان الناس ذلك اليوم بمنى إلى وقت الظهر والرمي بعد الزوال. وأما التكبير في غير أعقاب الصلوات في تلك الأيام فقال مالك في المدونة: قد رأيت الناس يفعلون ذلك، فأما الذين أدركتهم وأقتدي بهم فلم يكونوا يكبرون إلا دبر الصلوات (¬1). وقال في موضع آخر: لا بأس بتكبير أهل الآفاق في أيام منى في غير دبر الصلوات، وأما الذين أدركت وأقتدي بهم فلم يكونوا يكبرون إلا دبر الصلوات (¬2). وقوله هذا أحسن؛ لأن تكبير الناس في الآفاق (¬3) اقتداء بتكبير أهل مني، وهم يكبرون دبر الصلوات وغيرها (¬4)، ولا وجه إلى أن يقتدي بهم في بعض ذلك دون بعض. وقال ابن حبيب: يكبر أهل الآفاق دبر الصلوات وفي خلال ذلك ولا يجهرون، وأهل مني يجهرون في كل الساعات إلى الزوال من اليوم الرابع فيرمون، ثم ينصرفون بالتكبير والتهليل حتى يصلوا الظهر والعصر بالمحصب ثم ينقطع التكبير (¬5). وقال ابن الماجشون في المبسوط: إذا رمى في اليوم الرابع انقطع التكبير، ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 248، 249. (¬2) قوله: (وأما الذين. . . الصلوات) ساقطة من (ر). (¬3) في (ب): (بالآفاق). (¬4) قوله: (وغيرها) ساقطة من (ر). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 506.

وإن كان بمنى، ومن تعجل في النفر (¬1) الأول فإنه يكبر بعد فرائضه مثل من لم يحج. قال مالك: فإن نسي الإِمام التكبير حتى قام وذهب، فإن كان قريبًا قعد وكبر، وإن تباعد فلا شيء عليه. قال ابن القاسم: فإن ذهب الإِمام والقوم جلوس كبروا (¬2). وفي الواضحة: قال مالك في قول الرجل لأخيه في العيدين: تقبل الله منا ومنك، وغفر لنا ولك، ما أعرفه، ولا أُنكره (¬3)، قال ابن حبيب: لم يعرفه سنة، ولا أنكره لأنه قول حسن، ورأيت من أدركت من أصحابه لا يبدؤون به، ولا ينكرونه (¬4) على من قاله لهم، ويردون عليه مثله، قال: ولا بأس عندي أن يبتدئ به (¬5). تم كتاب الصلاة الثاني من التبصرة وصلى الله على سيدنا محمَّد وعلى آله وسلم ¬

_ (¬1) في (س): (اليوم). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 246. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 509. (¬4) في (س): (ينكرون ذلك). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 509.

كتاب الجنائز

كتاب الجنائز النسخ المقابل عليها 1 - (ب) = نسخة برلين رقم (3144) 2 - (ر) = نسخة الحمزوية رقم (115) 3 - (ش) (2) = نسخة أهل ناجم - تيشيت (شنقيط)

باب في الصلاة على الميت, وصفتها ومقام الإمام من الميت

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كتاب الجنائز باب في الصلاة على الميت, وصفتها ومقام الإِمام من الميت من حق المسلم على المسلم (¬1) إذا مات أربعة: غسله، وتكفينه، والصلاة عليه، ومواراته، ولا خلاف في هذه الجملة، واختلف في منازل بعضها من الوجوب، فأما تكفينه ومواراته - صلى الله عليه وسلم - فواجبان قولًا واحدًا، واختلف في غسله والصلاة عليه، هل ذلك واجب؟ أو سنة؟ فقال الشيخ أبو (¬2) محمَّد بن أبي زيد: غسله (¬3) سنة، وقال أبو محمَّد عبد الوهاب غسله (¬4) واجب (¬5)، واحتج من نصر هذا القول يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في ابنته: "اغْسِلْنَهَا. . ." الحديث (¬6)، وبقوله ¬

_ (¬1) قوله: (على المسلم) ساقط من (ب) و (ش). (¬2) قوله: (أبو) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (غسله) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (غسله) ساقط من (ش)، وفي (ر): (هو) (¬5) انظر: التلقين: 1/ 55. (¬6) متفق عليه, أخرجه البخاري: 1/ 422، في: باب غسل الميت ووضوئه بالماء والسدر، من كتاب الجنائز، برقم (1195)، ومسلم: 2/ 646، في باب في غسل الميت، من كتاب الجنائز، برقم (939). ولفظه بتمامه: "دخل علينا النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن نغسل ابنته فقال اغسلنها ثلاثًا أو =

في المحرم: "اغْسِلُوهُ. . ." (¬1) قال: وهذا أمر، وأمره على الوجوب، وليس في كلا الحديثين أمر بيِّن، فأما الأول فإنما خرج مخرج التعليم لصفة الغسل، وكذلك في المحرم خرج مخرج البيان لصفة ما يجوز أن يعمل بالمحرم وما يجنب (¬2) من الطيب، وتغطية الرأس، وقد كان غسل الموتى قبل هاتين النازلتين أمرأ معروفًا ومعمولًا به. وأما الصلاة فقال ابن عبد الحكم في كتاب محمَّد: هي فرض (¬3) وتلا قول الله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: 84]. وقال (¬4) أبو محمَّد عبد الوهاب: إنها فرضٌ (¬5)، وقال أصبغ: هي سُنَّةٌ (¬6)، فأمَّا ما ذهب إليه ابنُ عبد الحكم من (¬7) أنها فرضٌ بالآية فليس بحسن؛ لأن النهي عن الشيء أمرٌ بضده إذا كان له ضدٌّ واحد، كالنهي عن الفطر أمر بالصوم، والأمر بالصوم نهيٌ عن الفطر، وليس كذلك إذا كان له أضداد فضد المنع من الصلاة على المنافقين إباحة الصلاة على المؤمنين، والندب، والوجوب، فليس لنا أن نحمل الآية على الوجوب دون الإباحة والندب، إلا أنه لم تختلف ¬

_ = خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئًا من كافور فهذا فرغتن فآذننى فلما فرغنا آذناه فألقى إلينا حقوه فقال أشعرنها إياه". (¬1) متفق عليه, أخرجه البخاري: 1/ 425، في باب الكفن في ثوبين، من كتاب الجنائز، برقم (1753)، ومسلم: 2/ 865، في باب ما يفعل بالمحرم إذا مات من كتاب الحج، برقم (1206). ولفظه بتمامه: "اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه ولا وجهه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا". (¬2) في (ر): (يجب). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 150. (¬4) في (ش): (وقاله). (¬5) انظر: التلقين: 1/ 56، والمعونة: 1/ 204. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 150. (¬7) قوله: (من) ساقط من (ب) و (ش).

الأمة أن الناس مأخوذون بالصلاة على موتاهم، وأنهم لا يسعهم ترك ذلك واختلف بعد القول إنها فرض في العبارة عنه، فقيل: فرض على الكفاية، وقيل: على الأعيان حتى يقوم به بعضهم، والمعنى في ذلك واحد فهو من فروض الكفاية؛ لأنه يكتفى فيه بقيام بعضهم، وفرض على أعيان تلك الجماعة التي بذلك الموضع حتى يقوم به بعضهم، فيسقط عن الباقين. والسنة أيضًا (¬1) أن تصلى جماعة بإمام، وإن (¬2) صلى واحدٌ أجزأه, ويستحب أن تعاد الصلاة لفضل الجماعة، وقد مُرَّ بجنازة عبد الرحمن بن عوف على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّينَ عليه بعد أن صُلي عليه (¬3). وذكر ابن القصار عن مالك أنه أجاز أن يصلى على الميت في القبر (¬4)، وإن كان قد صُلِّي عليه فهو في هذا أخف. وقد ندب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى (¬5) الاستكثار من الجماعة فقال: "مَا مِنْ مَيِّتٍ يُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّة مِنَ المُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً، كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ فِيهِ، إِلاَّ شُفِّعُوا فِيه" (¬6)، وقال: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَقُومُ عَلَى جَنَازَتهِ أَربَعُونَ رَجُلًا. . إِلاَّ شَفَّعَهُمُ اللهُ فِيهِ"، أخرج هذين الحديثين مسلم (¬7). ¬

_ (¬1) قوله: (أيضًا) ساقط من (ر) و (ش). (¬2) في (ش): (فإن). (¬3) لم أقف عليه بهذا السياق، والثابت أن أم المؤمنين عائشة وبعض أمهات المؤمنين - رضي الله عنهم - صلين على سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - وسيأتي تخريجه, ص: 676. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 235. (¬5) قوله: (إلى) ساقط من (ر). (¬6) أخرجه مسلم: 2/ 654، في باب من صلى عليه مائة شفعوا فيه, من كتاب الجنائز، برقم (947) وله بدل: "يشفعون فيه": "يشفعون له". (¬7) أخرجه مسلم: 2/ 655، في باب من صلى عليه أربعون شفعوا فيه, من كتاب الجنائز، برقم (948).

فصل أركان الصلاة على الميت

وهذا تنبيهٌ منه - صلى الله عليه وسلم - وحضٌّ على هذه العدة، وأرى أن يجتهد في المائة ولا يقصر (¬1) عن (¬2) الأربعين. فصل أركان الصلاة على الميت الصلاة على الميت تشتمل على ثلاثة: تكبير، ودعاء، وسلام. فالتكبير أربع، وإن كبر دون ذلك لم تجزئ (¬3) الصلاة، وزاد تكبيرة وسلم إن لم يبعد، وإن بعد استأنف الصلاة، وإن كبر خمسًا أجزأت الصلاة ولم تفسد. والأصل في الأربع، صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - على النجاشي فكبر عليه أربع تكبيرات (¬4)، وعلى هذا العمل، وأجزأت إذا كبر خمسًا، لحديث زيد بن أرقم أنه (¬5) كبر على جنازة خمسًا فقيل له: فقال: "كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُكَبِّرُهَا" أخرجه مسلم (¬6). واختلف في المأموم إذا كان الإِمام يُكبّر خمسًا، فقال مالك: إذا كبر الرابعة سلم من وراءه ولم ينتظر تسليمه، وقال ابن وهب، وأشهب، وعبد الملك: يثبتون ¬

_ (¬1) في (ب): (ينقص). (¬2) في (ش): (على). (¬3) في (ش): (تجزئه). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 420، في باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه، من كتاب الجنائز، برقم (1188)، ومسلم: 2/ 656، في باب في التكبر على الجنازة, من كتاب الجنائز، برقم (951)، وأخرجه مالك في الموطأ: 1/ 226، في باب التكبير على الجنائز، من كتاب الجنائز، برقم (532) ولفظه بتمامه: "عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعى للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه فخرج بهم إلى المصلى وكبر أربع تكبيرات". (¬5) قوله: (أنه) ساقط من (ش). (¬6) أخرجه مسلم: 2/ 659، في باب الصلاة على القبر، من كتاب الجنائز، برقم (957).

بغير تكبير حتى يسلموا بتسليمه (¬1)، وهو أبين (¬2)، لحديث زيد بن أرقم (¬3). واختلف فيمن فاتته تكبيرة والإمام ممن (¬4) يكبر خمسًا، فقال أشهب: لا يكبرها معه وإن فعل لم يعتد بها مما فاته (¬5)، وقال أصبغ (¬6): يكبر معه الخامسة, ويحتسب بها من الأربع (¬7)، وعلى أصل مالك لا ينتظر تسليمه, يكبر لنفسه وينصرف. وقال مالك في المدونة فيمن أتى وقد سبقه الإِمام ببعض التكبير لا يكبر حتى يكبر الإِمام فيكبر بتكبيره (¬8)، وقال في العتبية: يكبر تكبيرة واحدة؛ لأن الأولى بمنزلة تكبيرة الإحرام، ولا يقض ما سبقه به الإِمام (¬9). يريد: إذا فاته أكثر من واحدة. وقال في مختصر ابن عبد الحكم: يدخل في الصلاة بالنية بغير تكبير، فإذا كبر كبر معه (¬10)، وقال الشيخ أبو الحسن (¬11) ابن القابسي: إن مضى أيسر الدعاء كبر، وإن مضى أكثره أمهل. وليس يجري (¬12) هذا على أصل المدونة؛ لأنه يقول: وإن فاته بعض التكبير يقضيه بعد سلام الإِمام متواليًا من غير دعاء (¬13). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 88، والبيان والتحصيل: 2/ 216. (¬2) قوله: (وهو أبين) يقابله في (ش): (وهذا بين). (¬3) قوله: (بن أرقم) ساقط من (ش). (¬4) قوله: (ممن) ساقط من (ب). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 589، والبيان والتحصيل: 2/ 301. (¬6) قوله: (ممن يكبر خمسًا، فقال أشهب: لا يكبرها. . . أصبغ) ساقط من (ش). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 637، والبيان والتحصيل: 2/ 301. (¬8) انظر: المدونة: 1/ 181. (¬9) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 241. (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 636. (¬11) (في (ش): (أبو الحسن علي). (¬12) (في (ر): (يجيء). (¬13) انظر: المدونة: 1/ 256.

فصل يرفع الأيدي في التكبيرة الأولى

وإذا كان كذلك (¬1)، كان كالتكبير (¬2) الآن، وإن لم (¬3) يدرك شيئًا من الدعاء فيكبر الآن أدرك شيئًا من الدعاء أم لا (¬4)، وأما على القول أنه يصلى على الغائب- فإنه يصح أن يمهل حتى يكبر الإِمام فيكبر بتكبيره، وإذا (¬5) سلم الإِمام قضى ما فاته به (¬6)، ويدعو فيما بين ذلك وإن غابت الجنازة عنه. فصل يرفع الأيدي في التكبيرة الأولى وقال مالك في المدونة: ترفع الأيدي في التكبيرة الأولى وحدها (¬7)، وروى عنه ابن وهب: أنه يرفع (¬8) في الأربع (¬9)، وقال ابن القاسم (¬10) في مختصر ما ليس في المختصر: حضرت مالكًا غيرَ مرةٍ فكان (¬11) لا يرفع يديه لا في الأولى ولا في الأخيرة (¬12). وذكر ابن شعبان عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان يرفع في التكبيرات الأربع (¬13). ¬

_ (¬1) في (ش): (ذلك). (¬2) في (ش): (التكبير). (¬3) قوله: (لم) ساقط من (ش). (¬4) قوله: (فيكبر الآن. . . أم لا) ساقط من (ب)، ويقابله في (ش): (أصلى). (¬5) في (ش): (فإذا). (¬6) قوله: (به) ساقط من (ب) و (ش). (¬7) انظر: المدونة: 1/ 252. (¬8) في (ش): (ترفع). (¬9) انظر: المدونة: 1/ 253. (¬10) قوله: (ابن القاسم) ساقط من (ب). (¬11) قوله: (فكان) ساقط من (ب) و (ش). (¬12) قوله: (الأولى ولا في الأخيرة) يقابله في (ر) و (ش): (أول ولا في آخر). (¬13) لم أقف عليه مرفوعًا، وقال الدارقطني في علله: 13/ 21، 22: (حَديث نافع، عن ابن =

فصل الشأن في الصلاة على الميت الدعاء دون القراءة

فصل الشأن في الصلاة على الميت الدعاء دون القراءة الشأن في الصلاة على الميت الدعاء دون القراءة، واختلف في الثناء على الله -عز وجل- (¬1)، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقيل لابن القاسم: هل وقَّت مالكٌ ثناءً على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى المؤمنين؟ فقال: ما علمت أنه قال إلا الدعاء للميت فقط (¬2)، وروي عن مالك أنه استحسن قول أبي هريرة - رضي الله عنه - (¬3)، وفيه الثناء على الله -عز وجل- والحمد لله، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم الدعاء، والأحاديث وردت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالدعاء خاصة. وأخرج مسلم (¬4) حديث عوف بن مالك، ومضمونه: الدعاء خاصة (¬5)، غير أن الشأن أن يبتدأ كل أمر ذي بالٍ بحمد الله سبحانه والثناء عليه. وفي الترمذي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر من يريد الدعاء أن يبدأ بالحمد لله -عز وجل- والثناء عليه, ثم يصلي على ¬

_ = عُمَر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صلى على جنازة رفع يديه في كل تكبيرة, وإذا انصرف سلم): يرويه يحيى بن سعيد الأنصاري، واختُلِفَ عنه؛ فرواه عمر بن شبة، عن يزيد بن هارون، عن يحيى بن سعيد، عن نافع، عن ابن عُمَر، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وخالفه جماعة رووه عن يزيد بن هارون مَوقوفًا، ورواه عمر بن شبة، عن يزيد بن هارون، عن يحيى ابن سعيد، عن نافع، عن ابن عُمَر، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك رواه عبد الرحمن بن اليمان- شيخ يروي عنه الأوزاعي، وأبو شهاب الحناط, وغيرهما، عن نافع، عن ابن عُمَر مَوقوفًا. وهو الصواب. وانظر: الزاهي، لابن شعبان، لوحة رقم: [53 / ب]. (¬1) قوله: (على الله -عز وجل-) ساقط من (ر). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 251. (¬3) أخرجه مالك: 1/ 228، في باب ما يقول المصلي على الجنازة, من كتاب الجنائز، برقم (535). (¬4) قوله: (مسلم) ساقط من (ر). (¬5) أخرجه مسلم: 2/ 662، في الدعاء للميت في الصلاة من كتاب الجنائز، برقم (963) من حديث عوف بن مالك - رضي الله عنه - قال: صلَّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جنازة فحفظتُ من دعائه وهو يقول: "اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله. . ." الحديث.

النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم يدعو (¬1)، ومنه: قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "الدُّعَاءُ مَوْقُوفٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لاَ يَصْعَدُ مِنْهُ شَيءٌ حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -" (¬2). قال ابن سحنون: يدعو ثم يسلم. قال ابن حبيب: كل (¬3) ذلك واسع أن يبتدئ بالحمد والثناء بعد كل تكبيرة، أو بعد التكبيرة الأولى فقط. واختلف إذا كبّر الرابعة هل يدعو؟ فقال سحنون: يدعو ثم يسلم (¬4)، وقال ابن حبيب: يسلم عقب (¬5) التكبير من غير دعاء (¬6)، والأول أبين، ومحمل التكبيرة الأخيرة محمل ما قبلها، أن عقبها الدعاء، ويستحب إذا كبّر الرابعة أن يقول: اللهم اغفر لنا, ولوالدينا, ولسلفنا الصالحين، والمؤمنين والمؤمنات، ممن كان، ومن هو آت، إلى يوم الميقات (¬7)، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، واجعل في الموت راحتنا، وقرة أعيننا، وأسعدنا بلقائك. وقال مالك في المجموعة في الصلاة على الطفل: يُسأل له الجنة ويُستعاذ له من النار، وقال ابن حبيب: يقال بعد حمد الله -عز وجل- والصلاة على نبيه - صلى الله عليه وسلم -: اللهم إنه عبدك، وابن عبدك، أنت خلقته، وأنت قبضته إليك، وأنت أعلم بما كان ¬

_ (¬1) أخرج الترمذي 2/ 488، في باب ما ذكر في الثناء على الله والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل الدعاء, من أبواب السفر، برقم (593) من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: كنتُ أصلِّي والنبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر، وعمر معه فلما جلست بدأت بالثناء على الله، ثم الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم دعوت لنفسي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "سل تعطه سل تعطه". قال الترمذي: حديث حسن صحيح. (¬2) أخرجه الترمذي: 2/ 356، في باب ما جاء في فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - من أبواب الوتر، برقم (486) من حديث أبي قرة الأسدي عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب قال. . . فذكره. وضعفه المباركفوري في تحفة الأحوذي (2/ 498) وقال: الحديث ضعيف؛ لجهالة أبي قرة الأسدي. اهـ. (¬3) قوله: (قال ابن سحنون. . . كل) يقابله في (ش): (ثم). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 591. (¬5) في (ش): (عقيب). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 591، 592. (¬7) في (ر): (القيامة).

فصل [في وقوف الإمام على الجنازة]

عاملًا وصائرًا إليه، اللهم جاف الأرض عن جنبيه, وأفسح له في قبره, وافتح أبواب السماء لروحه، وأبدل له دارًا خيرًا من داره، وأعذه من عذاب القبر، وعذاب النار، وصيره إلى جنتك برحمتك، وألحقه بصالح سلف المؤمنين في كفالة إبراهيم، واجعله لنا ولأبويه سلفًا وذخرًا وفَرَطًا وأجرًا، وثَقِّل به موازينهما (¬1)، وأعظم به أجورهما (¬2)، ولا تحرمنا وإياهما (¬3) أجره، ولا تفتنا وإياهما (¬4) بعده، يقول ذلك بإثر كل تكبيرة. قال الشيخ - رضي الله عنه -: وقد قيل: لا يعذب، لقوله (¬5) الله -عز وجل-: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15]، ولا يعذب إلا من عصى وخالف بعد توجه الخطاب عليه (¬6)، وإذا كان ذلك لم يستعذ له من النار. فصل [في وقوف الإِمام على الجنازة] ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحيحين أنه قام في امرأة عند وسطها (¬7)، قال أبو هريرة: لأنه يسترها عن الناس (¬8)، وروى ابن غانم عن مالك مثل ذلك (¬9)، وكان ¬

_ (¬1) في (ش): (موازينَهم). (¬2) في (ش): (أجورهم). (¬3) في (ش): (وإياهم). (¬4) في (ش): (وإياهم). (¬5) قوله: (لقوله) يقابله في (ش): (لأن). (¬6) قوله: (عليه) ساقط من (ب) و (ش). (¬7) متفق عليه, أخرجه البخاري: 1/ 447، في باب الصلاة على النفساء إذا ماتت في نفاسها، من كتاب الجنائز، برقم (1266)، ومسلم: 2/ 664، في باب أين يقوم الإِمام من الميت للصلاة عليه, من كتاب الجنائز، برقم (964). (¬8) لم أقف عليه مسندًا، وذكره ابن أبي زيد في النوادر والزيادات: (1/ 590). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 590.

ابن مسعود يقوم عند وسط الرجل ومنكبي المرأة (¬1). وقال أشهب في المجموعة: عند وسط الميت أحب إليَّ وذلك واسع (¬2)، يريد: حيث شاء منه، قال: وإن تيامن إلى صدره فحسن، ولم يفرق بين الرجل والمرأة، وقال ابن شعبان: وحيث وقف الإِمام من الجنازة في الرجل والمرأة فواسع (¬3). والذي أستحسنه للأئمة (¬4) اليوم التيامن (¬5) إلى الصدر في الرجل وفي المرأة إذا كان على نعشها قبة (¬6)، أو كان كفنها (¬7) بالقطن، فإن لم يكن فوسطها؛ لأن الكفن إذا لم يكن فيه قطن يصفها، والإمام يسترها، وأول من جعل على النعش قبة للنساء عمر - رضي الله عنه - جعله (¬8) على زينب بنت جحش سترها (¬9)، وأول من ضرب فسطاطًا على قبر هو (¬10) ضربه على قبرها (¬11). ¬

_ (¬1) ذكره سحنون في المدونة (1/ 175) وقال: عن أنس بن عياض عن إسماعيل بن رافع المدني عن رجل قال: سمعت إبراهيم النخعي يقول كان ابن مسعود. . . الحديث. قال القابسي كما في التوضيح لخليل (2/ 163): (والذي في المدونة عن ابن مسعود في إسناده نظر، وفيه رجل مجهول، عن إبراهيم، وإبراهيم لم يدرك ابن مسعود، وهو مخالف للحديث الذي أخرجه أهل الصحيح). اهـ. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 589. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 590، وانظر: الزاهي، لابن شعبان, لوحة رقم: [53 / ب]. (¬4) في (ر) و (ش): (والذي استحسنه الأئمة). (¬5) في (ش): (أن يتيامن). (¬6) في (ش): (قبلة). (¬7) قوله: (أو كان كفنها) يقابله في (ش): (وكان نعشها). (¬8) قوله: (جعله) ساقط من (ب). (¬9) في (ش): (يسترها). (¬10) قوله: (هو) ساقط من (ب)، ويقابله في (ش): (عمر). (¬11) أخرجه ابن أبي شيبة: 3/ 24، في باب في الفسطاط يضرب على القبر، من كتاب الجنائز, =

باب في حمل الجنازة، والمشي معها

باب في حمل الجنازة، والمشي معها ومن المدونة قال مالك في حمل سرير الميت: ليس في ذلك شيء مؤقت به، احمل (¬1) إن شئت بعض الجوانب ودع بعضها (¬2)، وإن شئت فاحمل، وإن شئت فدع (¬3). وقال أشهب في مدونته: أحب إليَّ أن يُحمل من الجوانب الأربع يبدأ بالمقدم الأيمن من الجانب الأيمن ثم المؤخر، يريد: الأيمن، قال ثم المقدم الأيسر ثم المؤخر الأيسر، وقال ابن مسعود في المدونة: "احْمِلُوا الجَنَازة مِنْ جَوَانِبِهَا الأرْبَعِ فَإِنَّهَا السُّنَّةُ" (¬4)، وإنما تكلم على ما كانت عليه الصحابة أنهم يحملون موتاهم بأنفسهم تواضعًا، وابتغاءً للأجر (¬5)، وإكرامًا للقريب، والحميم، وقد حمل سعد بن أبي وقاص جنازة عبد الرحمن بن عوف (¬6)، وعمر ¬

_ = برقم (11751) دون التنصيص على أنه أول من ضربه. (¬1) قوله: (احمل) ساقط من (ر). (¬2) في (ش): (بعضا). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 253. (¬4) ذكره ابن القاسم في المدونة (1/ 253) قال: قال ابن وهب عن الحارث بن نبهان عن منصور عن عبيد بن نسطاس عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن ابن مسعود قال. . . فذكره. وأخرجه بمعناه عبد الرزاق: 3/ 512، في باب صفة حمل النعش، من كتاب الجنائز، برقم (6517)، والبيهقي: 4/ 19، في باب من حمل الجنازة فدار على جوانبها الأربعة, من كتاب الجنائز، برقم (6625) من حديث أبي عبيدة بن مسعود عن أبيه. وضعفه ابن التركماني في الجوهر النقي (4/ 19 - 20) وقال: هذا الأثر منقطع أبو عبيدة لم يدرك أباه. (¬5) في (ش): (الأجر). (¬6) أخرجه البيهقي: 4/ 20، في باب من حمل الجنازة فوضع السرير على كاهله بين العمودين =

فصل في صفة المشي خلف الجنازة

ابن الخطاب جنازة أُسيد بن الحُضَير (¬1)، وابن عمر جنازة أبي هريرة (¬2)، وكان الرجل منهم يرغب أن يكون له أجر (¬3) العمل، ثم لا يقنع بذلك حتى يريد أن يحرز الأجر بالجوانب الأربع، ثم أجر الصلاة، ثم أجر المواراة. قال أبو مصعب: أحبُّ إليّ أن يحفن الرجل (¬4) ثلاث حفنات بيده في قبر الميت عند دفنه، يريد ليكون له أجر المواراة. فصل في صفة المشي خلف الجنازة الذين يصحبون الميت ثلاثة (¬5): رجال مشاة، وركبان، ونساء، فأما الرجال فقيل: يكونون أمامها، وقال مالك في المجموعة: أمامها أفضل (¬6)، وقال أشهب في مدونته هو السنة، والمشي خلفها واسع، وقال أبو مصعب: المشي أمامها ووراءها واسع وكل ذلك فَعَلَه الصالحون، ولم يقدم أحدهما (¬7) على الآخر وهذا الذي يقتضيه قول مالك في المدونة؛ لأنه (¬8) قال: لا بأس ¬

_ = المقدمين، من كتاب الجنائز، برقم (6626) من حديث إبراهيم بن سعد عن أبيه قال: رأيت سعد بن أبي وقاص في جنازة عبد الرحمن بن عوف قائما بين العمودين المقدمين واضعًا السرير على كاهله. (¬1) لم أقف عليه مسندًا، وذكره ابن أبي زيد في النوادر والزيادات 1/ 572. (¬2) لم أقف عليه بهذا السياق، وأخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (4/ 340)، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (67/ 350) من حديث نافع مولى ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: كنت مع ابن عمر في جنازة أبي هريرة وهو يمشي أمامها، ويكثر الترحم عليه, ويقول كان ممن يحفظ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين. (¬3) قوله: (أجر) ساقط من (ب). (¬4) قوله: (الرجل) ساقط من (ش). (¬5) قوله: (ثلاثة) يقابله في (ش): (على ثلاثة). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 572. (¬7) في (ش): (أحدهم). (¬8) في (ش): (أنه).

بالمشي أمام الجنازة (¬1). وقوله: لا بأس، لا يفهم منه أنه أفضل، ولا أنه أولى، وروي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال: المشي خلفها أفضل (¬2). واحتج من قال أمامها (¬3) أفضل؛ لأنه شافع، والشفيع يكون أمام من يشفع (¬4) له، وهذا غير صحيح، وليس من الأدب فيمن مشى مع من (¬5) يشفع (¬6) له أن يجعله وراءه، وأيضًا فإن الشفاعة حين الصلاة ولم يأت ذلك بعد، ولا خلاف أنه لا يجوز حين الشفاعة وهو وقت الصلاة أن يجعل الميت خلفه ويتقدم ليستشفع له (¬7)، وفي النسائي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ". . . في المَاشِي حَيْثُ شَاءَ مِنْهَا. ." (¬8). واختلف في الركبان، فقال أشهب في مدونته: أحب إلى أن يتقدموها، وقال غيره: يكونون (¬9) خلفها مع النساء (¬10)، يريد: أمام النساء (¬11)، وأما النساء فخلف الرجال، وخلف حملة الجنازة؛ لأنهم رجال. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 254. (¬2) أخرجه ابن أبي شيبة: 2/ 477، في: باب: في المشي أمام الجنازة من رخص فيه من كتاب الجنائز، برقم (11239)، والبيهقي: 4/ 25، في باب المشي خلفها، من كتاب الجنائز، برقم (6659)، وحسن إسناده الحافظ ابن حجر في فتح الباري (3/ 183)، وقال: إسناده حسن وهو موقوف له حكم المرفوع. (¬3) في (ش): (إن أمامها). (¬4) و (¬6) في (ش): (يستشفع). (¬5) في (ر) و (ش): (حي). (¬7) في (ش): (ويتقدم يستشفع). (¬8) أخرجه النسائي: 4/ 55، في باب مكان الراكب من الجنازة, من كتاب الجنائز، برقم (1942)، وأبو داود: 2/ 222، في باب المشي أمام الجنازة, من كتاب الجنائز، برقم (3180)، والترمذي: 3/ 349، من باب ما جاء في الصلاة على الأطفال، في كتاب الجنائز، برقم (1031)، وابن ماجه: 1/ 475، في باب ما جاء في شهود الجنائز، من كتاب الجنائز، رقم (1481)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (¬9) في (ش): (يكون). (¬10) قوله: (مع النساء) ساقط من (ر). (¬11) قوله: (النساء) ساقط من (ش).

باب في الصلاة على الميت في المسجد

باب في الصلاة على الميت في المسجد واختلف في الصلاة على الميت في المسجد بالكراهة والجواز والمنع، فكره مالك ذلك في المدونة (¬1)، وقال ابن حبيب: لو صُلِّي عليها في المسجد ما كان ضيقًا، لما روي من الصلاة على سُهَيل (¬2) وعمر فيه (¬3)، وقال ابن (¬4) سحنون: ترك ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - وخرج في النجاشي إلى المصلى (¬5)، وقال ابن شعبان: لا توضع الجنازة في المسجد لأنها ميتة (¬6). وهذا يقتضي أن يكون ممنوعًا، لحرمة المسجد؛ لأنه نجس, وإليه يرجع قول ابن القاسم في كتاب الرضاع في قوله: إن لبن المرأة إذا ماتت نجس لا يحل شربه، فجعله نجسًا لنجاسة الوعاء (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 254. (¬2) في (ر): (سهل). والحديث أخرجه مسلم: 2/ 668، في باب الصلاة على الجنازة في المسجد، من كتاب الجنائز، برقم (973)، ومالك في الموطأ: 1/ 229، في باب الصلاة على الجنائز في المسجد، من كتاب الجنائز، برقم (545). ولفظه بتمامه: "عن عباد بن عبد الله بن الزبير: أن عائشة أمرت أن يمر بجنازة سعد بن أبي وقاص في المسجد فتصلي عليه فأنكر الناس ذلك عليها فقالت ما أسرع ما في الناس ما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سهيل بن البيضاء إلا في المسجد". (¬3) أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 230، في باب الصلاة على الجنائز في المسجد، من كتاب الجنائز، برقم (541). (¬4) قوله: (ابن) ساقط من (ب). (¬5) سبق تخريجه, ص: 650. (¬6) انظر: الزاهي، لابن شعبان، لوحة رقم: [53 / ب]. (¬7) انظر: المدونة: 2/ 300، ولفظ ما وقفت عليه فيها: (قلت: أرأيت اللبن في ضروع الميته أيحل أم لا في قول مالك؟ قال: لا يحل. قلت: فكيف أوقعت الحرمة بلبن هذه المرأة الميتة ولبنها لا يحل؛ ألا ترى أنه لو حلب من ثديها وهي ميتة لم يصلح لكبير أن يشربه, ولا يجعله =

وذهبت عائشة - رضي الله عنها - وغيرها من أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم - إلى جواز الصلاة عليه في المسجد، وأمرت أن يدخل عليها إلى المسجد (¬1) سعد بن أبي وقاص لتصلي عليه في المسجد (¬2)، وفي كتاب مسلم: أرسل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يمروا عليهن بجنازة سعد في المسجد فيصلين عليه, ففعلوا فوقفوا (¬3) به على حُجَرِهِنّ يصلين عليه، فأنكر ذلك بعض الناس، فقالت عائشة - رضي الله عنها -: "مَا أَسْرَعَ مَا نَسِىَ النَّاسُ مَا صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءِ إِلَّا فِي جَوْفِ المَسْجِدِ" (¬4)، وهذا أحسن، ولو كان نجسًا ما أدخله النبي - صلى الله عليه وسلم - المسجد، وفي البخاري: قال ابن عباس: "لا يَنْجَسُ المُسْلِمُ حَيًّا وَلاَ ميتًا" (¬5)، وقال سعد بن أبي وقاص: لو كان نجسًا ما مسسته (¬6)، وقيل لعائشة - رضي الله عنها -: يغتسل غاسل الميت؟ فقالت: أو أنجاس موتاكم؟ (¬7) وليس عدم الحياة يوجب ¬

_ = في دواء, فكيف تقع الحرمه بالحرام؟! قال: اللبن يحرم علي كل حال ألا ترى لو أن رجلا حلف أن لا يأكل لبنا فأكل لبنا قد وقعت فيه فأرة فماتت أنه حانث). (¬1) قوله: (إلى المسجد) ساقط من (ش). (¬2) أخرجه مالك: 1/ 229، في باب الصلاة على الجنائز في المسجد، من كتاب الجنائز، برقم (540)، من حديث أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -، وصححه البغوي في شرح السنة (5/ 350) وقال: هكذا وقع في هذه الرواية هذا الحديث منقطعا، وهو حديث صحيح. (¬3) في (ش): (ووُقف). (¬4) سبق تخريجه، ص: 660. (¬5) أخرجه البخاري معلقا بصيغة الجزم: 1/ 422، في باب غسل الميت ووضوئه بالماء والسدر، من كتاب الجنائز، حديث رقم (1195)، من قول ابن عباس - رضي الله عنهما -. (¬6) أخرجه البخاري معلقا بصيغة الجزم: 1/ 422، في باب غسل الميت ووضوئه بالماء والسدر، من كتاب الجنائز، قبل حديث رقم (1195)، من قول سعد - رضي الله عنه -. (¬7) لم أقف عليه بهذا السياق، وأخرج عبد الرزاق في مصنفه: 3/ 406، في باب من غسل ميتا اغتسل أو توضأ، من كتاب الجنائز، برقم (6105) أنها قالت: (إن كان صاحبكم نجسا =

كون الميت نجسًا، ألا ترى أن الشاة تعدم منها (¬1) الحياة بالذكاة ولا (¬2) تكون نجسة؛ لأنها حلال، وتموت حتف أنفها فيكون حكمها أنها نجسة (¬3) لما كانت محرمة الأكل، فلم يكن عدم الحياة ما (¬4) يوجب كون الحيوان (¬5) نجسًا، إلا أن يكون عدمه (¬6) على صفة تمنع أكل، ويكون رجسًا، وتحريم لحوم بني آدم إكرام لهم وتشريف، فكانت حرمته حيًا وميتًا سواء؛ لأن حرمة لحمه بعد موته كحرمته قبل، وكذلك النبيذ قبل الشدة طاهر؛ لأنه حلال، وفي حال الشدة نجس؛ لأنه حرام، وتزول الشدة فيكون حلالًا طاهرًا. ¬

_ = فاغتسلوا). قال ابن التركماني في الجوهر النقي (1/ 300): وقد صح عن عائشة إنكار الغسل عن غسل الميت. اهـ (¬1) في (ش): (منه). (¬2) في (ش): (فلا). (¬3) في (ش): (نجاسة). (¬4) قوله: (ما) ساقط من (ش). (¬5) في (ش): (الحياة). (¬6) في (ش): (عدمها).

باب في الصلاة على قاتل نفسه، وعلى من قتل في حد أو كان حكمه القتل فمات قبل القتل، أو كان حده الجلد فمات منه، وفي الصلاة على اللصوص، وولد الزنا، وعلى أهل الأهواء

باب في الصلاة على قاتل نفسه، وعلى من قتل في حَدِّ أو كان حكمه (¬1) القتل فمات قبل القتل (¬2)، أو كان حدُّه الجلد فمات منه، وفي الصلاة على اللصوص، وولد الزنا، وعلى (¬3) أهل الأهواء وقال مالك: يُصَلَّى على من قتل نفسه، وقال في امرأة خنقت نفسها: يُصلَّى عليها (¬4). فالصلاة جائزة على كل مسلم أتى كبيرةً، قتلًا كانت أو غيره؛ لأن ذلك لا يخرجه من الإِسلام، وإنما يفترق الجواب في صلاة الإِمام وأهل الفضل، فقال مالك: كل من قتله الإِمام في قصاص أو في حد، وفي المرجوم لا (¬5) يصلِّي عليه الإِمام، ولا على اللصوص (¬6)، وسواء كان هو القاتل لهم، أو كابروا (¬7) قومًا فقتلوهم. قال ابن القاسم: وأما من (¬8) ضربه السلطان (¬9) فمات من ذلك الضرب فإن الإِمام يصلي عليه؛ لأن حدّه الجلد ولم يكن القتل (¬10). وروى ابن وهب عن مالك في الميت يكون معروفًا بالفسق والشر، قال: ¬

_ (¬1) في (ب): (حده). (¬2) قوله: (القتل) ساقط من (ش). (¬3) قوله: (على) ساقط من (ش). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 254. (¬5) قوله: (وفي المرجوم لا) يقابله في (ش): (فلا). (¬6) قوله: (ولا على اللصوص) يقابله في (ش): (وكذلك المرجوم واللصوص). (¬7) في (ب): (كابدوا). (¬8) قوله: (من) ساقط من (ش). (¬9) قوله: (السلطان) ساقط من (ر). (¬10) انظر: المدونة: 1/ 254.

لا تصل عليه، واتركه لغيرك (¬1). قال: وإنما يرغب في الصلاة على الرجل الصالح و (¬2) الذي يذكر عنه الخير (¬3). وعلى هذا يكره للإمام أن يصلي على من هذه صفته، وعلى من مات من الضرب، وغير ذلك من عقوبات الكبائر. ولمحمد بن عبد الحكم في ذلك قول ثالث، قال: يصلي الإِمام على المرجوم إن شاء، واستشهد بالحديث: "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى عَلَى مَاعِزٍ وَالغَامِدِيَّةِ" (¬4)، وعلى هذا يصلى على من قتله في قود أو حرابة. وأرى (¬5) فيمن حكمه الأدب بالضرب أو القتل أو غير ذلك فمات قبل أن يؤدب بذلك، اجتناب الإِمام وأهل الخير والفضل الصلاة عليه، ليكون ذلك ردعًا لغيره من الأحياء, ولا يجتنب الصلاة على من امتثل فيه الحد والأدب بالضرب (¬6) فمات منه أو القتل؛ لأن فيما فعل به من ذلك كفاية في الردع للأحياء, ولا يجمع على الميت مع ذلك أن لا (¬7) يجتهد له في المغفرة وحطّ الوزر، وقد "ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى على ماعز، وعلى الغامدية, بعد أن رجما (¬8) في الزنى". ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 614. (¬2) قوله: (الصالح و) ساقط من (ر) و (ش). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 614. (¬4) أخرجه البخاري: 6/ 2500، في باب الرجم بالمصلى، من كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة, برقم (6434) وأخرجه مسلم: 3/ 1321، في باب من اعترف على نفسه بالزنى، من كتاب الحدود، برقم (1695). (¬5) في (ش): (ورأى). (¬6) قوله: (أو القتل أو غير. . . والأدب بالضرب) ساقط من (ش). (¬7) قوله: (لا) ساقط من (ش). (¬8) في (ب): (رجمهما).

وقال ابن القاسم في الصلاة على أولاد الزنا: هم في ذلك كأولاد الرشدة (¬1). أي: لا يجتنب أهل الخير الصلاة عليهم، وقد قيل: إنه خير الثلاثة؛ لأنه لا وزر عليه من ذلك، والوزر على أبويه. وقال مالك في المدونة، في القدرية والإباضية: لا يصلى على موتاهم ولا يعاد مرضاهم (¬2). وقال سحنون: أدبًا لهم، فإن خيف عليهم أن يضيعوا غسلوا وصلي عليهم (¬3). وقال مالك في "مختصر ما ليس في المختصر" فيمن يقول القرآن مخلوق: هو كافر فاقتلوه (¬4). وقال في رجل خطب إليه رجل من القدرية: لا يزوجه (¬5)، قال الله تعالى: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة: 221]، فعلى هذا يوارى ولا يصلى عليه، وقد قال أيضًا فيمن قال بخلق القرآن: يضرب ويسجن حتى يتوب (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 256. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 258. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 613. (¬4) في (ش): (اقتلوه). (¬5) في (ش): (تزوجه). (¬6) في (ب) و (ش): (يموت).

باب في الصلاة على ولد النصراني يكون ملكا لمسلم فيموت قبل أن يسلم، أو بعده

باب في الصلاة على ولد النصراني يكون مِلْكًا لمسلم فيموت قبل أن يسلم (¬1)، أو بعده (¬2) واختلف في الصغير من ولد أهل الكتاب يموت قبل أن يسلم، وهو ممن لا ذمة له، فقيل: هو على حكم الكافر لا يصلى عليه إلا أن يسلم، ويعرف ما أجاب إليه، وسواء كان معه أبواه أو (¬3) لم يكونا، صار في سهمانه، أو اشتراه من حربي قدم به (¬4)، أو توالد في ملك مسلم من عبديه النصرانين كان من نية صاحبه أن يدخله في الإِسلام أم لا، وهذا قول مالك وابن القاسم (¬5). وقال معن: إن اشتراه ومن نيته أن يدخله في الإِسلام صلي عليه (¬6)، وقال ابن الماجشون: إن لم يكن معه أبواه في حين الابتياع ولم ينته إلى أن يتدين أو يدعى، وملكه مسلم فله حكم المسلمين، في الصلاة والمواراة (¬7)، والقود، والمعاقلة والعتق (¬8). وقال مالك في كتاب ابن حبيب: إن مات بحدثان ملكه وفوره لم يصل عليه، ولم يجزئ عن رقبة واجبة، وإن لم يكن بحدثان ملكه وقد تشرع بشريعة الإِسلام، وزياه بزينة الإِسلام، فله حكم الإِسلام في الصلاة والمواراة (¬9) والقود ¬

_ (¬1) قوله: (فيموت قبل أن يسلم) ساقط من (ب). (¬2) في (ش): (بعد). (¬3) في (ش): (و). (¬4) قوله: (به) ساقط من (ب). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 254. (¬6) انظر: المدونة: 1/ 254. (¬7) في (ش): (الموارثة). (¬8) زاد في (ش): (والعتق عن الواجب)، وانظر: النوادر والزيادات: 1/ 599. (¬9) في (ش): (الموارثة).

والعتق عن الواجب (¬1). قال ابن حبيب: فأما من ولد من الكتابين في ملك مسلم فلا يجبر. يريد: بخلاف الأول إذا (¬2) توالد في ملك كافر (¬3)، وعكس أبو مصعب الجواب، فقال: من ولد من النصارى أو اليهود في ملك مسلم فهو على فطرة الإِسلام. يريد: بخلاف من توالد في ملك كافر، فوجه القول الأول، أنه لما كان على أحكام النصرانية إذا كان لأبويه ذمة (¬4)، أو قبل أن يملكه المسلم (¬5)، فلا ينتقل (¬6) عنها إلا بالمعرفة بالله سبحانه فحينئذ يكون له حكم الإِسلام، ووجه القول أنه على (¬7) حكم الإِسلام إذا لم يكن معه أبواه, قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولد عَلَى الفِطْرَةِ، فَأبوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ. . ." الحديث (¬8)، أي: على (¬9) السلامة من الكفر حتى يهود أو ينصر، وقيل: على الإِسلام، لقول الله سبحانه: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] أي ذلك كان (¬10) فإنه ليس بكافر قطعًا ولا مؤمن؛ لأنه من يوم توالد إلى أن (¬11) يعقل، كالبهيمة لا ينسب إلى معرفة ولا إلى جحود، وهو غير عارف بالله -عز وجل-، ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 601. (¬2) قوله: (الأول إذا) يقابله في (ش): (الذي). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 602. (¬4) في (ش): (حرمة). (¬5) في (ش): (مسلم). (¬6) في (ش): (تنتقل). (¬7) قوله: (أنه على) يقابله في (ش): (أن له). (¬8) متفق عليه, أخرجه البخاري: 1/ 465، في باب ما قيل في أولاد المشركين، من كتاب الجنائز، برقم (1319)، ومسلم: 4/ 2046، في باب معنى كل مولود يولد على الفطرة، من كتاب القدر، برقم (2658)، ومالك: 1/ 241، في باب جامع الجنائز، من كتاب الجنائز، برقم (571). (¬9) في (ش): (هو على). (¬10) قوله: (أي ذلك كان) يقابله في (ش): (وأي هو على السلامة ذلك). (¬11) في (ش): (حين).

وغير عارف بوجوه الجحود وإذا كان كذلك (¬1) كان ولد الذمي إذا كان صغيرًا لا يعقل على أحكام من كفر (¬2)، للعهد والذمة التي لأبيه, وأنه لا يعارض في ولده بدين ينقل إليه، ليس لأنه كافر، فإذا كان مسبيًا وحده, أو مع أبويه، أو توالد في ملك مسلم، لم يكن على أحكام الكفر (¬3)؛ لعدم الذمة وعدم العهد في الآباء، وإذا كان الأب عبدًا وتوالد (¬4) له ولد في ملك مسلم لم يكن له حق إلا في نفسه إلا أن (¬5) يجبر على الإِسلام؛ لأنه قد اختار في حين القتال الرق (¬6) على الإِسلام، فأما ولده فلا مقال له في دينه, وأما قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ". . . اللهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا بِهِ (¬7) عَامِلِينَ" (¬8) فإنما أخبر أن الله -عز وجل- يعلم الشيء أن لو كان كيف كان (¬9) يكون، وذلك مثل قول الله سبحانه: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام: 28]، ولم يرد أنهم يكونون (¬10) في الآخرة على حكم، ما لو عاشوا لفعلوه (¬11) من إسلام أو كفر؛ لأن الإنسان لا يجازى بما لم يعمل، ولا يثاب ولا يعاقب على ما لم يعمله من خير أو (¬12) شر، ولا خلاف أنه لو نوى إنسان أن يشرب خمرًا أو يقتل رجلًا ثم لم يفعل أنه لا يقام عليه ¬

_ (¬1) في (ش): (ذلك). (¬2) قوله: (من كفر) يقابله في (ش): (الكافر). (¬3) زاد في غير (ب) هنا: (بعد الوجه). والظاهر أنه تحريف (¬4) في (ش): (وولده). (¬5) قوله: (إلا أن) يقابله في (ر) و (ش): (ألا). (¬6) في (ر): (الكفر). (¬7) قوله: (به) ساقط من (ب) و (ش). (¬8) متفق عليه, أخرجه البخاري: 6/ 2434، في باب الله أعلم بما كانوا عاملين، من كتاب الجنائز، برقم (6225)، ومسلم: 4/ 2046، في باب معنى كل مولود يولد على الفطرة، من كتاب القدر، برقم (26/ 2658). (¬9) قوله: (كان) ساقط من (ب). (¬10) في (ش): (يكذبون). (¬11) في (ر): (لعقده). (¬12) في (ش): (من).

فصل لا يصلى على السقط ولا يغسل ولا يحنط

حكم من فعل ذلك، والصغير أبين؛ لأنه لم تكن منه نية لفعل شيء، وكذلك أولاد المسلمين إذا ماتوا صغارًا، الله أعلم بما كانوا عاملين لو عاشوا، هل يعملون بعمل أهل السعادة؟ أو أهل الشقاوة؟ وهل يكون مسلمًا أو كافرًا؟ إلا أنه يكون على حكم من لم يعمل شيئًا من ذلك. فصل لا يصلى على السقط ولا يُغسَّل ولا يحنط ومن المدونة قال مالك: لا يصلى على الصبي، ولا يغسل، ولا يحنط، ولا يورث حتى يستهل صارخًا (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: للسقط حالتان لا خلاف فيهما، إحداهما: أن تسقطه ميتًا لا حراك به فالحكم فيه كما قال مالك: لا يغسل ولا يحنط ولا يصلى عليه ولا يورث وإن كان قبل ذلك في البطن يتحرك، والثانية: أن يستهل صارخًا فهذا لا خلاف فيه أن له حكم الحياة في جميع أموره وإن مات بالفور وتبين أنه لم يكن ممن له بقاء. واختلف في الحركة والرضاع والعطاس فقال مالك مرة (¬2): لا يكون بذلك حكم الحياة (¬3). قال ابن حبيب: وإن أقام يومًا يتنفس ويفتح عينيه ويتحرك لم يكن حكمه حكم الحي (¬4) حتى يسمع له صوت وإن كان خفيًا (¬5) (¬6). وقال إسماعيل ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 255. (¬2) قوله: (مرة) ساقط من (ر) و (ش). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 597. (¬4) قوله: (لم يكن. . . الحي) زيادة من (ر) (¬5) قوله: (خفيًا) ساقط من (ر). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 596.

القاضي في الحركة: هي بمنزلة الحركة التي كانت وهو في البطن فلا يحكم له فيها بحياة. وقيل: (¬1) إذا تحرك حركة بينة، أو ارتضع، أو عطس، فله بذلك حكم الحي، وهو في الرضاع حسنٌ؛ لأن الرضاع لا يكون إلا من حياة محققة، وأما الحركة فإن لم تكن بينة فلا، وقد يضطرب بعض لحم (¬2) الشاة بفور السلخ، وأما الحركة البينة وما يرى أنها لا تكون إلا مع تحقق الحياة أو لطول بقائه فله حكم الحي؛ لأنه ليس في الصراخ أكثر من البيان على وجود الحياة، فلا فرق بين أن يكون ذلك من صوت أو غيره، والعطاس (¬3) أضعفها, لما قيل يمكن أن يكون ريحًا. وقال أبو محمَّد عبد الوهاب: أمارة الحياة الصراخ أو ما يقوم مقامه من طول المكث إذا طالت به مدة يعلم أنه لو لم يكن حيًا لم يبق إليها, ولا معتبر بالحركة؛ لأنها لا تدل على الحياة، قال: لأن المقتول يتحرك وليس بحي (¬4). يريد: الحركة التي يمكن وجود مثلها بعد خروج النفس، ولا يختلف في ذلك، وإنما الكلام في الحركة البينة التي لا تكون إلا مع وجود الحياة، وكذلك طول المكث، فإن لم تكن حركة بينة أو عدمت ومضى من المدة ما يرى أنه لو لم تكن حياة لتغير وفسد، ولو لم يشهد ولادته من يوثق بقوله، واختلف ورثته في حياته فقال من ينتفع بحياته: كان صرخ، وقال الآخرون: لم يصرخ، وطالت المدة لما يرى أنه لو لم تكن حياة لتغير وفسد، لكان (¬5) ذلك دليلًا لمن قال إنه صرّح، وأنه كان حيًا، ويصلى عليه ويورث. ¬

_ (¬1) في (ر): (وقتل). (¬2) قوله: (لحم) ساقط من (ب). (¬3) قوله: (العطاس) ساقط من (ب). (¬4) انظر: المعونة: 1/ 200. (¬5) في (ش): (كان).

فصل واختلف في الصلاة على ولد المسلم مرتد قبل البلوغ

فصل واختلف في الصلاة على ولد المسلم مرتدٌّ قبل البلوغ اختلف في ولد المسلم (¬1) يرتد قبل أن يحتلم، فقال ابن القاسم في المدونة: لا تؤكل ذبيحته، وإن مات لم يصل عليه (¬2). وقال سحنون: يصلى عليه؛ لأنه يكره على الإِسلام بغير قتل ويورث ولو كانت له زوجة ورثته، قال: ومن رأى أنه لا يصلى عليه يجعل ردته فرقة لزوجته (¬3). وعكسه أن يسلم ابن الكافر قبل البلوغ فاختلف فيه نحو الاختلاف الأول، فقال ابن القاسم مرة: هو إسلام، وإن كانت مجوسية أو مشركة جاز وطؤها، فعلى قوله هذا (¬4) إذا ماتت يصلى عليها ويرثها ورثتها (¬5) المسلمون، وتحرم في حال الحياة على زوجها إن كان لها زوج كافر. وقال أيضًا: ليس ذلك بإسلام، وإن مات له قريب مسلم لم يرثه، وإن كان كافرًا ولم يتماد هو على إسلامه ورثه، والقول الأول أحسن، أن لمن ارتد حكم الكافر، ولمن أسلم حكم المسلم، وقد كان إسلام عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - وعبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قبل البلوغ، وكان محملهما عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وعند أصحابه على أنهما مسلمان، ولأنه لا يستحيل وجود المعرفة بالله -عز وجل- ممن لم يبلغ، ولا يمتنع أن ¬

_ (¬1) في (ر): (المسلمة). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 256. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 605. (¬4) قوله: (هذا) ساقط من (ب) و (ش). (¬5) قوله: (ورثتها) ساقط من (ب).

يخلق الله -عز وجل- في قلبه المعرفة به، وإذا جاز ذلك لم يكن للمنع وجه، ولأنا نحمل أولاد المسلمين قبل البلوغ على الإِسلام، وعلى المعرفة بالله تعالى، وإن ذلك قد لزم قلوبهم لما نشأوا عليه ولما (¬1) ربوا عليه من تعلم القرآن وغير ذلك، ولا نقول إنهم لم يسلموا ولا إنهم على غير الإِسلام، وإذا كان إسلام هؤلاء إسلامًا صح أن يكون ارتداد الآخر ارتدادًا، ولأنه لا يستحيل أن يسلبه الله -عز وجل- المعرفة، وإذا جاز ذلك كان ارتداده الآن (¬2) ارتدادًا، فلم تؤكل ذبيحته ولم يورث ولم يصل عليه، ويفرق بينه وبن زوجته في حال الحياة إلا أن يكون من الصِّغر بحيث لا تمييز عنده. ¬

_ (¬1) في (ش): (وما). (¬2) قوله: (ارتداده الآن) يقا بله في (ش): (ارتدادا الأول).

باب في الصلاة على الغائب والغريق، ومن أكله السبع والمصلوب، ومن دفن بغير صلاة وهل تعاد الصلاة على من صلي عليه؟

باب في الصلاة على الغائب والغريق، ومن أكله السبع والمصلوب، ومن دفن بغير صلاة وهل تعاد الصلاة على من صلي عليه؟ اختلف في الصلاة على الغائب، فمنعها (¬1) مالك في المدونة، وقال: لا يصلى على يد ولا على رجل ولا على رأس، ويصلى على البدن (¬2)، قال ابن القاسم: إذا بقي أكثر البدن، فإن اجتمع الرأس والرجلان بغير بدن فهو قليل (¬3). وقال أشهب في مدونته: إن وجد نصف بدنه ومعه الرأس لم يغسل ولم يكفن ولم يصل عليه حتى يوجد أكثر بدنه (¬4)، وقال مالك في العتبية: إذا وجد أكثره متقطعًا يصلى عليه (¬5)، وقال في الواضحة: لا يصلى عليه (¬6)، والأول أحسن، وقال عبد العزيز بن أبي سلمة: يغسل ما وجد منه، ويصلى عليه كان رأسًا أو يدًا أو رجلًا، وينوي بالصلاة عليه الميت لا الحي (¬7). يريد: في اليد والرجل ينوي إن كان ميتًا، لإمكان أن يكونا من حي، وقال عيسى بن دينار في شرح ابن مزين: بلغني أن أبا عبيدة بن الجراح صلى على رؤوس بالشام (¬8). ¬

_ (¬1) في (ش): (فمنعه). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 255. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 255. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 621، والبيان والتحصيل 2/ 280. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 279. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 619. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 620، والبيان والتحصيل: 2/ 281. (¬8) قوله: (بالشام) ساقط من (ش). والأثر أخرجه ابن أبي شيبة: 3/ 38، في باب في الصلاة =

ويختلف على هذا في الصلاة على الغريق وغيره ممن هو غائب، فعلى قول مالك لا يصلى عليه، وقال عبد العزيز بن أبي سلمة: يصلى على الغريق ومن أكله السبع كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في النجاشي (¬1)، وقال ابن حبيب: قال غيره: هذا من خواص النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يصل أحد على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ما ووري (¬2)، وقيل يمكن أن يكون رفع النجاشي للنبي - صلى الله عليه وسلم -. قال الشيخ - رضي الله عنه -: القول بجواز الصلاة على الغائب أحسن، للحديث في النجاشي، ولو كان ممنوعًا لم يفعله (¬3) النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان جائزًا له (¬4) خاصة لأبانه لأمته؛ لأنه عالم أن أمته تقتدي بأفعاله، ولم يكن ليتركهم على فعل ما لا يجوز، فتركه إياهم مع ظاهر فعله دليل على أنه أجاز فعل (¬5) ذلك لهم، ولا يعترض هذا بأنه رفع له؛ لأنه لم يأت بذلك حديث، وإنما قيل: يجوز ذلك، ومحمله على أنه لم يرفع حتى يعلم أنه رفع (¬6)، ولو كان الجواز لأنه رفع له لَأَبَانه، ولا يعترض أيضًا بترك الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن ووري؛ لأن ذلك داعية إلى ما حذر منه عند موته في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَخذُوا قُبُورَ أَنبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ" (¬7). ¬

_ = على العظام وعلى الرءوس، من كتاب الجنائز، برقم (11901، 11900). (¬1) قوله: (في النجاشي) يقابله في (ش): (بالنجاشي). والحديث تقدم تخريجه, ص: 650. وانظر: النوادر والزيادات: 1/ 620، والبيان والتحصيل: 2/ 281. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 621. (¬3) في (ش): (يفعل). (¬4) قوله: (جائزًا له) يقابله في (ش): (له جائزة). (¬5) قوله: (فعل) ساقط من (ر) و (ش). (¬6) قوله: (حتى يعلم أنه رفع) ساقط من (ر). (¬7) متفق عليه, أخرجه البخاري: 1/ 446، في باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور، من =

فصل [واختلف فيمن دفن من غير صلاة]

وإذا كان الغريق ومن أكله السبع في غير القبلة، استقبل في حين الصلاة عليه القبلة، وإن استدبروا موضع الميت، وهذا الظاهر من صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - على النجاشي أنه استقبل بالناس القبلة والحبش (¬1) عن يمين من المدينة إذا استقبلوا (¬2) القبلة، وكذلك من أكله السبع وذهب لغير القبلة، وأما المصلوب فيستقبل قبلة خشبته (¬3). فصل [واختلف فيمن دُفِنَ من غير صلاة] اختلف فيمن دفن من غير صلاة على أربعة أقوال: فقال مالك في المبسوط: لا ينبش ولا يصلى على قبره ولكن يدعون. وقاله سحنون، قال: ولا أجعل ذلك ذريعة إلى الصلاة على القبور (¬4). وقال أيضًا: إن لم يكن في إخراجه ضرر ولا طول ولا تغير أخرج، وإلا لم يخرج ولم يصل على قبره (¬5). وقال ابن وهب (¬6) ويحيى بن يحيى (¬7): لا يخرج كان قرب ويصلى على قبره. قال ابن وهب: بأربع تكبيرات وإمام (¬8)، وقال ابن القاسم في العتبية: إن كان عندما دفن أخرج وصلي عليه، وإن خافوا تغيره صلوا عليه وهو في القبر (¬9)، وقول ¬

_ = كتاب الجنائز، برقم (1265)، ومسلم: 1/ 376، في باب النهي عن بناء المساجد على القبور، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة برقم (529). (¬1) في (ش): (الحبيش). (¬2) في (ش): (استقبل). (¬3) في (ر): (قبله خشبة). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 630، والبيان والتحصيل: 2/ 255. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 631. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 631، والبيان والتحصيل: 2/ 254. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 631. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 631، والبيان والتحصيل: 2/ 254. (¬9) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 267.

ابن وهب في هذا أحسن، فلا يخرج وإن قرب لإمكان أن يكون حدث عليه أمر من الله سبحانه فلا ينبغي أن يكشف، فإنه قد ذكر أن بعض الناس وجد قد حول وجهه عن القبلة، وبعضهم قد أزيل عنه كفنه، وعلى صفات مختلفة، ويصلى على القبر كما روي في الصحيحين: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على الذي كان يخدم المسجد بعد ما دفن وهو في قبره (¬1). ومن دفن ولم يغسل وقد صلي عليه لم يخرج. ولمالك في العتبية في الإِمام يتابع التكبير من غير دعاء: أنه تعاد الصلاة ما لم يدفن، قال: كالذي يترك القراءة في الصلاة، قال: ولو ترك بعض التكبير أنزل وأتم ما بقي من التكبير ما لم يدفن (¬2). واختلف أيضًا فيمن دفن بعد أن صلي عليه، فالمشهور من المذهب أن لا تعاد الصلاة عليه (¬3)، وذكر ابن القصار عن مالك: أنه أجاز ذلك، ورأى ما وارى اللَّحد منه بمنزلة ما وارى الكفن (¬4)، فيصير بمنزلة من أعيدت عليه الصلاة قبل الدفن، وقد فعل ذلك أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - صلين على سعد بن أبي وقاص (¬5)، وعبد الرحمن بن عوف (¬6) بعد صلاة الناس عليهما، وإنما يتقى ذلك بعد الدفن حماية أن تتخذ مساجد، لما في الحديث (¬7). ¬

_ (¬1) متفق عليه, أخرجه البخاري: 1/ 175، في باب كنس المسجد والتقاط الخرق والقذى والعيدان، من أبواب المساجد، برقم (446)، ومسلم: 2/ 659، في باب الصلاة على القبر، من كتاب الجنائز، برقم (956). (¬2) قوله: (قال: كالذي. . . ما لم يدفن) ساقط من (ش). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 257. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 235. (¬5) سبق تخريجه، ص: 661. (¬6) سبق تخريجه، ص: 649. (¬7) سبق تخريجه، ص: 674.

باب في اجتماع الجنائز ومنازل الأولياء

باب في اجتماع الجنائز ومنازل الأولياء ومن المدونة: قال مالك في الجنازتين تجتمعان للصلاة فقدم (¬1) إحداهما للصلاة: ليس بحسن (¬2)، وإن صُلِّي على جنازة ثم أتي بأخرى فنحيت الأولى ووضعت حتى يُصلَّى على الأخرى (¬3)، قال: هذا خفيف، وإن أتي بالثانية قبل (¬4) أن يسلم من الأولى لم تدخل في صلاة الأولى، فإن نوى ذلك أجزأت عن الأولى وأعادوا الصلاة على الثانية (¬5). وفي المبسوط قيل لمالك: فإن صلوا (¬6) على الأولى ثم أتي بأخرى فأرادوا أن يصلوا على الأخيرة؟ قال: إن بقي مع الأولى من يكتفى به حتى لا يحتاج إلى من انصرف عنها فلا بأس. قال الشيخ - رضي الله عنه -: إذا لم تكن إحدى الجنازتين جارًا أو قريبًا كان بالخيار بين أن يمضي مع الأولى، أو يصلي على التي جيء بها, للحديث أن الأجر (¬7) في الصلاة والدفن سواء، وإن كانت الأولى لقريب أو جار والثانية لأجنبي مضى مع الأولى، وإن كانت الأولى لأجنبي والثانية لقريب أو جار صلى على الثانية ومضى معها، وإن كانتا لجارين أو قريبين لم يمض مع الأولى وصلى على الثانية ومضى معها, ليكون قد قام بما يجب لهما. ¬

_ (¬1) قوله: (للصلاة فقدم) يقابله في (ش): (الصلاة تقدم). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 257. (¬3) في (ش): (الآخرة). (¬4) في (ر): (بعد). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 257. (¬6) في (ش): (صلى). (¬7) في (ر): (والآخر).

وقال مالك في الجنائز تجتمع: إن كانوا رجالًا كلهم جعلوا صفًا (¬1) واحدًا خلف واحد، ويقوم الإِمام ويبدأ بأهل السِّنِّ والفضل، ثم قال: ذلك واسع إن شاؤوا جعلوهم صفًا واحدًا، ويقوم الإِمام عند وسط الأوسط منهم (¬2)، وإن (ب) شاؤوا واحدًا خلف واحد، قال: وإن كن نساء فكذلك يصنع بهن كما يصنع بالرجال بعضهن خلف بعض، أو صفًا واحدًا (¬3)، وهو في النساء أحسن ليبعد بهن عن الجماعة. وكذلك الرجال إذا لم يكثر الكفن ولم يكن قطن. وإن كانوا رجالًا ونساءً أو صبيانًا وعبيدًا وجعل بعضهم خلف بعض قدم (¬4) الرجال، ثم الصبيان، ثم العبيد، ثم الخناثى، ثم النساء، ثم الصبايات، ثم الإماء، ويجعل أفضل الرجال مما يلي الإِمام، وإن لم يكن فضل أو لم يعلم (¬5) فالأسن، ويراعى مثل ذلك في العبيد والنساء يكون الأفضل مما يلي الإِمام (¬6)، فإن لم يكن فضل أو لم يعلم فالأسن. واستحب إذا كان فيهم خصي وهو حر أن يقدم على الصبيان؛ لأن الذي نزل به لم ينقله عن الذكورية، وقد قيل: إنه يكون إمامًا راتبًا في الفرائض لمن (¬7) هو غير خصي، فهو في الجنازة أبين ألا يقدم الصبي عليه. ¬

_ (¬1) قوله: (صفًا) ساقط من (ب) و (ش). (¬2) قوله: (وسط الأوسط منهم) يقابله في (ش): (وسطهم). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 257. (¬4) قوله: (قدم) يقابله في (ش): (ثم). (¬5) قوله: (أو لم يعلم) ساقط من (ر) و (ش). (¬6) قوله: (الإِمام) ساقط من (ر). (¬7) في (ر): (كمن).

فصل في اختلاف الأولياء

فصل في اختلاف الأولياء واختلف إذا اختلف (¬1) أولياء الجنائز فقيل: يقدم (¬2) أفضل الأولياء، وإن كان ميته مؤخرًا، وقيل: يقدم (¬3) ولي أفضل الميتين؛ لأنه هو الذي يلي الإِمام، ومثله إذا كان رجلًا وامرأة, وكان ولي المرأة أفضل، فقول مالك يتقدم ولي المرأة (¬4)، وقول ابن الماجشون: يتقدم ولي الرجل؛ لأنه يقول هذا وليي (¬5)، فأنا أتقدم عليه (¬6)، وغيره تبع، وأرى إن تشاحا أن يتقدم كل واحد على وليّه ولا يجمعون (¬7) في صلاة واحدة, ويقرع بينهم في أيهم يبتدئ إلا أن يتراضيا أن يبدأ بأحدهما. ¬

_ (¬1) في (ش): (اختلفت). (¬2) في (ش): (يتقدم). (¬3) في (ش): (يتقدم). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 586. (¬5) في (ب): (يليني). (¬6) قوله: (عليه) ساقط من (ش). (¬7) في (ش): (يجتمعون).

باب في منازل الأولياء في المتقدم على الميت الواحد والوصي، والسلطان

باب في منازل الأولياء في المتقدم (¬1) على الميت الواحد (¬2) والوصيّ (¬3)، والسلطان الصلاة على الميت إلى الأولياء، وأولاهم الابن، ثم ابن الابن، ثم الأب، ثم ابنه وهو الأخ، ثم ابن الأخ، ثم الجد، ثم ابنه وهو العم، ثم ابن العم وإن سفل، ثم المولى الأعلى، وكل هؤلاء أول من الزوج، والزوج أولى منهم بغسلها وإنزالها في قبرها، وهذا قول مالك وأصحابه (¬4)، وأنزلوا (¬5) هذا منزلة التعصيب والقيام بالدم، وأرى أن يندب ابن الميت أن يقدم أبا الميت؛ لأنه جده, واستحب لأخي الميت أن يقدم جده, ولا ينبغي أن يتقدم ولد (¬6) الوليّ (¬7) جده؛ لأنه أب كما لا يتقدمه في صلاة الفريضة، إلا أن يكون الابن أو (¬8) الأخ ممن له الفضل والصلاح، وليس كذلك الجد. وإن اجتمع وليّ ومن أوصاه الميت بالصلاة عليه كان الموصى إليه بالصلاة (¬9) أولى؛ لأن ذلك من حق الميت وهو أعلم بمن يستشفع له، قال مالك في العتبية: إلا أن يعلم أن ذلك كان من الميت لعداوة بينه وبين ولده، وإنما أراد أن يغيظه, فلا تجوز وصيته، يريد: إذا كان الوليّ ممن له دين وفضل، وإلا كان الموصى إليه أولي؛ لأن الولي إذا لم يكن معروفًا بالخير، وكانت العداوة؛ اتهم في ¬

_ (¬1) في (ش): (التقديم). (¬2) قوله: (الواحد) يقابله في (ش): (الولي). (¬3) في (ب): (والولي). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 262. (¬5) في (ر): (وأنزله). (¬6) قوله: (ولد) ساقط من (ر). (¬7) في (ش): (ولد). (¬8) في (ب): (و). (¬9) قوله: (بالصلاة) ساقط من (ش).

التقصير له في الدعاء، وإذا لم يكن له ولد وكان ابن عم مع العداوة كان ذلك ابن، وأرى إذا كان الوليّ معروفًا بالدين والفضل أن يقدم على الموصى له وان لم تكن عداوة؛ لأن في تقدمة الأجنبيّ وصما (¬1) على الوليّ. وإن كان موصى إليه على الصلاة وسلطان كان الموصى إليه أولى؛ لأن ذلك من حق الميت وهو الناظر لنفسه. وإن كان ولي وسلطان كان السلطان أولى إذا كان الأمير الأعلى. واختلف فيمن سواه على ثلاثة أقوال: فقال مطرف وابن عبد الحكم وأصبغ: الولي أولى، وإنما ذلك للأمير الذي تؤدى إليه الطاعة دون من إليه الصلاة من قاضٍ أو صاحب شرطة أو خليفة الوالي الأكبر (¬2). وقال مالك في المدونة: ذلك إلى أمير المصر إذا حضر، وكذلك القاضي وصاحب الشرطة إذا كانت إليهما (¬3) الصلاة (¬4). قال في المجموعة: فإن كان القاضي لا يصلي فليس بأحق, قال (¬5) سحنون: وكذلك أمير الجند إذا كانت له الخطبة, والقاضي إذا لم تكن له الصلاة كغيره من الناس، وإنما يكون صاحب الصلاة والمنبر (¬6) أحق من الأولياء، إذا كان إليه سلطان الحكم من قضاء، أو شرطة، وإلا فهو كسائر الناس (¬7). فلم يجعل ذلك إليه إلا باجتماع ¬

_ (¬1) في (ش): (وصيا). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 585. (¬3) في (ش): (إليهم). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 262. (¬5) في (ب): (وقال). (¬6) في (ب) و (ش): (والأمير). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 585، 586.

شيئين (¬1): أن تكون بيده أسباب السلطنة وهو القضاء أو الشرطة، والآخر: أن يكون الأمير الأعلى جعل ذلك إليه وهذا راجع إلى الاختلاف في الولي الأقرب يجعل ما بيده من الصلاة للأجنبي، فقيل: ذلك له وإن كره الأبعد. وقيل: ليس ذلك له، والأبعد أحق, وكذلك السلطان هو بنفسه أحق, فإن جعل ذلك إلى غيره كان الولي أولى على أحد القولين، وإذا كان الابن أو الأخ أو غيرهما من الأولياء غير بالغ كان كالعدم، ليس إليه صلاة ولا استخلاف، وذلك إلى من بعده من ولي لو لم يكن هو، فإن لم يكن ولي فأحد صالحي المؤمنين. ¬

_ (¬1) في (ر): (سببين).

باب في الشهيد هل يغسل، أو يكفن أو يصلى عليه

باب في الشهيد هل يغسل، أو يكفن أو يصلى عليه ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر بقتلى أُحدٍ فدفنوا على هيئتهم ولم يغسلوا ولم يكفنوا ولم يُصلَّ عليهم (¬1). وقال مالك في الشهيد في المعترك: لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ويدفن بثيابه (¬2). ولا خلاف في المذهب في ذلك إذا مات بحضرة القتل بأرض الحرب (¬3). واختلف إذا لم يمت بفور القتل، وإذا قتله العدو بأرض الإِسلام، وهل يزاد على ما عليه؟ وفيما ينزع عنه؟ فأما حياته بعد القتال (¬4)، فقال مالك: إن عاش فأكل أو شرب، أو عاش حياة بينة غسل وكفن وصُلي عليه, وإن كان إنما هو رمق وهو (¬5) في غمرات الموت فلا يغسل ولا يصلى عليه (¬6)، وقال أشهب: إنما ذلك فيمن مات في المعترك فقضى، فأما من حمل إلى داره فمات، أو مات في أيدي الرجال، أو بقي في المعترك حتى مات، فإنه يُغسّل ويصلى عليه (¬7)، وقال سحنون: إذا بقي في المعترك وكانت له حياة بينة حتى لا يقتل قاتله إلا بقسامة غسل وصلي عليه (¬8)، وقال ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري: 1/ 450، في باب الصلاة على الشهيد، من كتاب الجنائز، برقم (1278). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 258. (¬3) في (ش): (العدو). (¬4) في (ش): (القتل). (¬5) في (ش): (إنما هو). (¬6) قوله: (فلا يغسل ولا يصلى عليه) ساقط من (ش)، ويقابله في (ب): (فلا بأس)، وانظر: المدونة: 1/ 258. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 616. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 616.

ابن القصار: إذا عاش يومًا أو أكثر فأكل أو شرب (¬1) غُسل وصُلي عليه، فأما قول أشهب فليس بالبين؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصل على قتلى أحد وهم سبعون (¬2). والغالب أن موتهم مختلف فلم يفرق. وقد قيل: إن ترك الصلاة عليهم؛ لأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، فعلى هذا يكون قول سحنون حسنًا؛ لأنه مات بقتل العدو فدخل (¬3) بذلك في عموم الآية بخلاف من لم تنفذ مقاتله، لإمكان أن يكون مات من غير ذلك، ولأنه لو كان ذلك القتل من مسلم لم يقتل قاتله إلا بقسامة. وقال ابن القاسم: إذا أغار أهل الحرب على قرية من قرى المسلمين فدفع المسلمون عن أنفسهم أنه يصنع بهم ما يصنع بالشهداء (¬4). وقال في العتبية: إن قتلوهم (¬5) في منازلهم في غير معترك ولا ملاقاة فإنهم (¬6) يغسلون (¬7) ويصلى عليهم، بخلاف من قتل في المعترك (¬8)، وقال ابن وهب: هم بمنزلة من قتل في المعترك (¬9)، وقاله أصبغ قال (¬10): وكذلك إن غافصوهم أو قتلوهم وهم نيام، ¬

_ (¬1) قوله: (فأكل أو شرب) يقابله في (ش): (يأكل ويشرب). (¬2) أخرجه البخاري: 1/ 450، في باب الصلاة على الشهيد، من كتاب الجنائز، برقم (1278) من حديث جابر - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول (أيهم أكثر أخذًا للقرآن)، فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللَّحد وقال (أنا شهيدٌ على هؤلاء يوم القيامة) وأمر بدفنهم في دمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم. (¬3) في (ر): (وقد حل). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 260. (¬5) في (ر) و (ش): (قاتلوهم). (¬6) قوله: (فإنهم) ساقط من (ب) و (ش). (¬7) في (ش): (يغسلوا). (¬8) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 296، 295، والنوادر والزيادات: 1/ 617، 616. (¬9) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 296، والنوادر والزيادات: 1/ 617. (¬10) قوله: (قال) ساقط من (ب).

وكذلك إذا كانت فيهم (¬1) امرأة أو صبي صغير قتلوا بسلاح أو غيره، يفعل بهم ما يفعل بالشهيد (¬2)، وقال ابن شعبان: الشهيد من قتل بأرض الحرب خاصة، من الرجال والنساء والصبيان (¬3). فحمل ابن وهب الأمر على عمومه فيمن قتله العدو، وحمل ابن القاسم ذلك فيمن نزل به ما نزل بمن لم يصلَّ (¬4) عليهم، وأنهم كانوا في ملاقاة، فما خرج عن ذلك بقي على الأصل في الموتى أنهم (¬5) يغسلون ويصلى عليهم، ولم يفرق بين أن تكون الملاقاة بأرض الحرب أو بأرض الإِسلام، وقد كان قتلى أحد بأرض الإِسلام وكان العدو (¬6) هو الزاحف إليهم، وقد صُلي على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وكان القاتل له كافرًا، فيحتمل أن يكون ذلك؛ لأنه قتل في غير معترك، أو يكون ذلك؛ لأنه عاش وأكل وشرب وإن كان قد أنفذت مقاتله، أو يكون لأنهم رأوا أن ترك الصلاة على الشهيد منسوخ، لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه خرج إلى قتلى أحد قبل موته فصلى عليهم صلاته على الميت. (¬7) أخرجه البخاري ومسلم (¬8). وسئل ابن عمر عن غسل الشهيد فقال: قد غسل عمر وكفن وحنط وصلي عليه، وكان شهيدًا (¬9). ¬

_ (¬1) في (ش): (إليهم). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 296، والنوادر والزيادات: 1/ 617. (¬3) انظر: الزاهي، لابن شعبان، لوحة رقم: [52 /أ]. (¬4) قوله: (فيمن نزل به ما نزل بمن لم يصلَّ) يقابله في (ش): (في مثل من ترك النبي الصلاة). (¬5) في (ر): (لأنهم). (¬6) قوله: (كان العدو) ساقط من (ر). (¬7) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 451، في باب الصلاة على الشهيد، من كتاب الجنائز، برقم (1279)، ومسلم: 4/ 1795، في باب إثبات حوض نبينا - صلى الله عليه وسلم - وصفاته، من كتاب فضائل الصحابة, برقم (2296). (¬8) قوله: (ومسلم) ساقط من (ر). (¬9) أخرجه بمعناه الشافعي في الأم: 1/ 446، في باب ما يفعل بالشهيد، من كتاب الجنائز، وابن أبي شيبة: 6/ 448، في باب من قال يغسل الشهيد، من كتاب السير، برقم (32821).

فصل [تكفين الشهيد]

فصل [تكفين الشهيد] لا خلاف في الشهيد يوجد (¬1) عُريانًا أنه يوارى بثوب، وإن كان عليه ما لا يستر جميع جسده أنه يعم بقية ذلك بما يستره، والأصل في ذلك حديث مصعب بن عمير: قُتل يوم أحد ولم يترك إلا نَمِرَة له إن غطي بها رأسه بدت رجلاه وإن غطيت بها رجلاه بدا رأسه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "غَطُّوا رَأْسَهُ وَاجْعَلُوا (¬2) عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ (¬3) الإِذْخِرِ" (¬4). وإن لم يوجد إلا دون ذلك غطي من سرته إلى ركبتيه (¬5)، فإن كان فيه (¬6) فضل غطي ما فوق ذلك إلى صدره. واختلف إذا كان عليه ما يواري جميع جسده (¬7) فقال مالك: لا يزاد عليه شيء (¬8)، وقال أشهب في مدونته وأصبغ في العتبية: لا بأس بذلك (¬9)، والأول أحسن وأتبع للأثر، ومحمل الحديث أنه يبعث يوم القيامة على هيئة ما قتل عليه, لله سبحانه، وكما قال في المحرم: "لا تخمِّرُوا رَأْسَهُ وَلاَ تَمسّوهُ بِطِيب وَكفِّنُوهُ في ثَوْبَيْهِ (¬10) فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّيًا" (¬11)، وقال: "لا يُكْلَمُ أَحَدٌ في سَبيلِ اللهِ- واللهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ في سَبِيلِهِ- إِلاَّ جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دمًا ¬

_ (¬1) في (ش): (أنه يوجد). (¬2) في (ش): (وألقوا). (¬3) قوله: (مِنَ) ساقط من (ش). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري: 3/ 1415، في باب هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى المدينة، من كتاب فضائل الصحابة - رضي الله عنهم -، برقم (3684)، ومسلم: 2/ 649، في باب في كفن الميت، من كتاب الجنائز، برقم (940). (¬5) في (ب) و (ش): (ركبته). (¬6) في (ش): (فيها). (¬7) قوله: (جميع جسده) يقابله في (ر): (جميعه). (¬8) انظر: المدونة: 1/ 258. (¬9) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 299. (¬10) في (ب) و (ش): (ثوبه). (¬11) سبق تخريجه، ص: 647.

اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ المِسْكِ (¬1) " (¬2)، واختلف فيما ينزع عنه، فقال ابن القاسم: ينزع عنه الدرع والسيف والرمح، يريد: آلة الحرب، ولا ينزع الفرو ولا القلنسوة ولا الخفان (¬3)، وقال في العتبية: ولا المنطقة إلا أن يكون لها خطب (¬4)، وقال مالك في مختصر ما ليس في المختصر: يدفن في الثوب الحديد (¬5) الذي يلبسه للنشاب (¬6) والمنطقة، يريد بالحديد (¬7): الدرع، وعلى هذا لا تنزع (¬8) عنه الفاتخة. وقال ابن القاسم في العتبية: لا ينزع عنه (¬9) الخاتم إلا أن يكون نفيس الفص (¬10)، وعلى قوله لا ينزع عنه الثوب الجديد إلا أن يكون كثير الثمن. وقال أشهب في مدونته: تنزع عنه القلنسوة والخفان والحشو، وليس هذا بحسن، وأرى ألا ينزع عنه شيء، إلا السيف، والرمح، ونزع الخاتم خفيف. وقال أشهب في العتبية فيمن مات في المعترك وهو جنب: لا يغسل ولا يصلى عليه (¬11)، وقاله (¬12) ابن الماجشون (¬13)، وقال سحنون: يغسل (¬14). ¬

_ (¬1) في (ر): (مسك). (¬2) متفق عليه, أخرجه البخاري: 3/ 1032، في باب من يجرح في سبيل الله -عز وجل-، من كتاب الجهاد والسير، برقم (2649)، ومسلم: 3/ 1495، في باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله، من كتاب الإمارة, برقم (1876). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 258. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 210. (¬5) في (ر): (الجديد). (¬6) في (ر): (الذي لم يلبسه الشاب). (¬7) قوله: (بالحديد) المثبت من (ب)، وفي بقية النسخ (بالجديد). (¬8) في (ش): (لا ينزع). (¬9) قوله: (عنه) ساقط من (ش). (¬10) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 209، 210، والنوادر والزيادات: 1/ 618، منسوبًا إلى مُطَرِّف. (¬11) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 249، 250، والنوادر والزيادات: 1/ 616. (¬12) في (ش): (وقال). (¬13) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 616، والبيان والتحصيل: 2/ 2500. (¬14) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 292.

باب في تلقين الميت, وغسله, وتجريده, والماء الذي يغسل به، والثوب الذي ينشف به، واغتسال غاسله

باب في تلقين الميت, وغسله, وتجريده, والماء الذي يغسل به، والثوب الذي ينشف به، واغتسال غاسله يلقن الميت عند الاحتضار (¬1): لا إله إلا الله؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ" (¬2) أخرجه مسلم، ولقوله: "مَنْ كانَ آخِرُ قَوْلهِ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ دَخَلَ الجَنّة" (¬3)، ويعاد ذلك عليه مرة بعد مرة، ويجعل بينهما مهلة. ويستحب أن يقرأ عنده القرآن، ويكون عنده طيب، ويجتنبه الحائض والجنب، واختلف في ذلك، والمنع أولى؛ لما روي: "أن المَلاِئكَةَ لا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ جُنُب" (¬4). ويغمض إذا قضى، وغمض النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا سلمة (¬5)، وقيل: إن أبا بكر غمَّض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس بصحيح، والذي في الصحيح (¬6) أنه كان غائبًا عند موته وأتى ¬

_ (¬1) قوله: (الاحتضار) يقابله في (ش): (الاحتضار قول) (¬2) أخرجه مسلم: 2/ 631، في باب تلقي الموتى لا إله إلا الله، من كتاب الجنائز، برقم (916). (¬3) صحيح، أخرجه أبو داود: 2/ 257، في باب في التلقين, من كتاب الجنائز، برقم (3116)، وأحمد: 5/ 247، في حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه -, من مسند الأنصار، برقم (22180)، والحاكم: 1/ 503، في كتاب الجنائز، برقم (1299)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه, ووافقه الذهبي، وقال ابن حجر في تلخيص الحبر (2/ 103): (أعله ابن القطان بصالح بن أبي عريب، وأنه لا يعرف، وتعقب بأنه روى عنه جماعة، وذكره ابن حبان في الثقات). اهـ (¬4) صحيح، أخرجه أبو داود: 1/ 108، في باب في الجنب يؤخر الغسل، من كتاب الطهارة, برقم (227)، والنسائي: 1/ 141، في باب في الجنب إذا لم يتوضأ، من كتاب الطهارة, برقم (261)، وأحمد: 1/ 139، في مسند علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، من مسند العشرة المبشرين بالجنة, برقم (1172)، والحاكم: 1/ 278، في كتاب الطهارة, برقم (611)، من حديث علي - رضي الله عنه - بلفظ: لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا كلب ولا جنب، وصححه، ووافقه الذهبي. (¬5) أخرجه مسلم: 2/ 634، في باب في إغماض الميت والدعاء له إذا حضر، من كتاب الجنائز، برقم (920). (¬6) في (ر): (الصحيحين).

وعمر يقول: إنه لم يمت، فتلا: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30] (¬1). وقال ابن شعبان: لا يؤخر غسل الميت بعد خروج روحه (¬2)، يريد: خيفة تغير الرائحة (¬3) والانفجار، ولا حجة في تأخير غسل النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن ذلك مأمون عليه. ويبتدئ الغاسل بالميامن ومواضع الوضوء؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في ابنته: "ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الوُضُوءِ مِنْهَا" (¬4)، "واغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا. . . بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُورا. . ." (¬5) وفي حديث آخر: ". . . أَوْ سَبْعًا. . ." (¬6)، وقد تضمن هذا الحديث البداية بالميامن، وأن يوضأ، وأن يكون وترًا من الثلاث إلى ما بعد، وجواز غسله بالماء المضاف، ثم يفيض الماء على سائر جسده، ويخص بالإنقاء الفم والأنف والأرفاغ كالإبطين وغيرهما, ولا بأس أن يفضي باليد إلى الفرج إذا كانا زوجين، أو ملك يمين، وإن كانا أجنبيين لف على يده ثوبًا كثيفًا لا يجد معه حس (¬7) ما تمر عليه اليد. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري: 3/ 1341، في باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لو كنت متخذا خليلا، من كتاب فضائل الصحابة برقم (3467). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 545. (¬3) قوله: (تغير الرائحة) يقابله في (ش): (التغير عليه). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 73، في باب التيمن في الوضوء والغسل، من كتاب الوضوء، برقم (165)، ومسلم: 2/ 646، في باب في غسل الميت، من كتاب الجنائز، برقم (42/ 939). (¬5) سبق تخريجه، ص: 647. (¬6) متفق عليه, أخرجه البخاري: 1/ 423، في باب ما يستحب أن يغسل وترا، من كتاب الجنائز، برقم (1196)، ومسلم: 2/ 646، من باب في غسل الميت، من كتاب الجنائز، برقم (939). (¬7) في (ر): (جس).

فصل في تجريد الميت عند الغسل وستر عورته

واختلف إذا كان في الموضع أذى لا يزيله إلا مباشرة (¬1) اليد، فأجاز مالك (¬2) في المدونة أن يباشر ذلك (¬3)، ومنعه ابن حبيب، وهو أحسن، ولا يكون الميت في إزالة تلك (¬4) النجاسة أعلى رتبة من الحي إذا كان لا يستطيع إزالتها لعلة أو لغيرها إلا بمباشرة غيره لذلك الموضع، فإنه لا يجوز أن يوكل من يمس فرجه لإزالة ذلك، ويجوز أن يصلي على حاله، فهو في الميت أخف، ولا يكشف ويباشر ذلك منه. ولا يقتصر الغاسل على دون الثلاث؛ لأن الاقتصار على الواحدة لا يأتي على ما يراد من الإنقاء، والاقتصار على اثنتين خلاف ما تضمنه الحديث من أن يكون وترًا، وإن أنقى في أربع زاد خامسة، وإن أنقى في ست زاد سابعة. فصل في تجريد الميت عند الغسل وستر عورته تجريد الميت عند الغسل، وستر عورته أو جميع جسده, أو منع غسله جملة, يختلف (¬5)، وذلك راجع إلى صفة المغسول والغاسل، وهما على سبعة أوجه: غسل الرجل الرجل، والمرأة المرأة، والرجل المرأة (¬6)، والمرأة الرجل إذا كانا زوجين، أو بينهما محرم، أو أجنبين لا زوجية بينهما ولا محرم (¬7)، وغسل الصبي والصبية. فأما غسل الرجل الرجل، فاختلف فيه على ثلاثة أقوال: فقيل: يجرد ما سوى السوأتين (¬8)، وهو قول مالك في المدونة (¬9)، وقال ابن حبيب: من السرة ¬

_ (¬1) في (ش): (بماشرة). (¬2) في (ب): (ذلك). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 260. (¬4) قوله: (تلك) ساقط من (ش). (¬5) في (ش): (تختلف). (¬6) قوله: (والرجل المرأة) ساقط من (ش). (¬7) قوله: (لا زوجية بينهما ولا محرم) يقابله في (ر): (لا زوجة ولا ذات محرم). (¬8) في (ر): (السوأة). (¬9) انظر: المدونة: 1/ 260.

إلى الركبة (¬1)، وهذا راجع إلى ما تقدم في كتاب (¬2) الصلاة، هل الفخذ عورة، أم لا؟ والسترة (¬3) في ذلك أحسن. وصفة ستر العورة أن يجمع ثوبًا ويجعل هناك، وليس يبسط؛ لأنه يصف، وقال محمَّد بن سحنون (¬4): استحب أن يجعل على صدره خرقة (¬5)، وهذا أحسن فيمن طال مرضه، ونحل جسمه؛ لأن منظره حينئذٍ يقبح، والميت يكره أن يرى ذلك منه في حال الحياة. وأما غَسل المرأة المرأة، فالظاهر من المذهب أنها تستر منها ما يستر الرجل من الرجل من السرة إلى الركبة، وعلى قول سحنون تستر جميع جسدها؛ لأنه قال في المرأة تدخل الحمام: إنها تدخل في ثوب (¬6) يستر جميع جسدها، وقد يستخف ذلك في المتجالة. واختلف في غسل أحد الزوجين الآخر مجردًا (¬7)، فقال مالك في المدونة: يستر كل واحد منهما عورة صاحبه (¬8)، وأجاز ابن حبيب أن يغسل كل واحد منهما صاحبه بادي العورة (¬9)، والأمر في ذلك واسع، إلا أن يحتاج الغاسل في ذلك إلى معونة غيره فليستر (¬10) العورة بلا خلاف، ثم ينظر فيما بعد ذلك، فإن غسل الزوج زوجته وكان المشارك له في الغسل أحدًا من ذوي محارمها أعني (¬11) في صب الماء، ستر جميع جسدها، فإن كانت امرأة متجالة ستر من ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 543. (¬2) في (ر): (كتب). (¬3) في (ش): (الستر). (¬4) قوله: (بن سحنون) يقابله في (ش): (بن عبد الحكم). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 543. (¬6) قوله: (في ثوب) يقابله في (ش): (بثوب). (¬7) في (ب): (متجردًا). (¬8) انظر: المدونة: 1/ 260. (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 549. (¬10) في (ش): (فتستر). (¬11) في (ب): (أعني أُعين).

السرة إلى الركبة، وكذلك إذا كانت امرأة من ذوي محارمه (¬1)، ولا ينبغي أن يعاونه في ذلك أحد من ذوي محارمها من النساء إذا كانت متجالة (¬2)، ويباعد بين أنفاس الرجال والنساء (¬3). وأما غسل المرأة زوجها فلا بأس أن يشاركها في ذلك النساء في صب الماء من غير مس، أو أحد من ذوي محارمها من الرجال، وتستر منه من السرة إلى الركبة، ولا يشاركها في ذلك أحد من (¬4) أولياء الرجل، إلا أن تكون الزوجة متجالة. وأما غسل الصبي، فإن كان صغيرًا، أو في الإثغار، فلا بأس أن يغسل مجردًا (¬5)، وأن يغسله النساء مع وجود الرجال، فإن ناهز الحلم جرى على حكم الرجل، فيغسله الرجال مستور السوءة (¬6)، ولا يغسله النساء. وأما غسل الصبية، فإن لم تبلغ أن تشتهى جاز أن يغسلها النساء مجردة، وستر العورة (¬7) أفضل، ولا بأس أن يغسلها الرجال عند عدم النساء، وتستر سوءتها (¬8)، وإن بلغت أن تشتهى جرت على أحكام المرأة. واختلف إذا ماتت المرأة مع الرجال وليس هناك نساء، أو مات رجل مع نساء وليس هناك رجال وبينهم (¬9) رحم محرم، فأجاز مالك في المدونة أن يغسل كل واحد منهما الآخر من فوق الثوب (¬10)، وقال أشهب: أحب (¬11) إليّ في أمه ¬

_ (¬1) في (ب): (محارمها). (¬2) في (ش): (غير متجالة). (¬3) ورد فيه حديث لا يثبت ذكره العجلوني في كشف الخفاء (1/ 328) بلفظ: (باعدوا بين أنفاس الرجال والنساء) وقال: قال القاري غير ثابت, وإنما ذكره ابن الحاج في المدخل في صلاة العيدين، وذكره ابن جماعة في منسكه في طواف النساء من غير سند. اهـ. (¬4) قوله: (من) ساقط من (ش). (¬5) في (ب): (متجردا). (¬6) في (ش): (السرة). (¬7) في (ش): (السوءة). (¬8) في (ب): (عورتها). (¬9) في (ش): (رجل وبينهما) (¬10) انظر: المدونة: 1/ 261. (¬11) قوله: (أحب) ساقط من (ر).

وأخته أن ييممهما، وكذلك المرأة في ابنها (¬1)، وقاله ابن نافع في المبسوط. وقال مالك: لا أرى أن يغسل زوج المرأة أم امرأته ولكن ييممها. وفرق بين أن يكون التحريم من (¬2) النسب أو (¬3) الصهر. وهذا أحسن، وليس ذلك في نفوس (¬4) الناس كتحريم النسب، وإذا كان بينهما محرم من النسب، وغسلت المرأة الرجل، فلا بأس أن تلصق الثوب بالجسد، وتحرك الثوب وتغسل به (¬5). وإن غسل الرجل المرأة صب الماء من تحت الثوب ولم يلصقه بها لئلا يصف، ويلف على يده ثوبًا كثيفًا، ويمرها من تحت الثوب. وإذا (¬6) لم يكن بينهما محرم رجع إلى التيمم فتُيَمِّم المرأةُ الرجلَ، الوجه واليدين إلى المرفقين، وييمم الرجلُ المرأةَ إلى الكوعين. ¬

_ (¬1) في (ش): (ابنه). وانظر: النوادر والزيادات: 1/ 552. (¬2) في (ر): (في). (¬3) في (ش): (أو من). (¬4) في (ش): (نفر من). (¬5) قوله: (وتحرك الثوب وتغسل به) يقابله في (ش): (ويحرك الثوب فتغسل له). (¬6) في (ب): (فإن).

فصل [في الماء الذي يغسل به]

فصل [في الماء الذي يغسل به] واختلف في الماء الذي يغسل به فقال مالك في المدونة: يغسل بماء وسدر، ويجعل في الآخرة (¬1) كافورًا إن تيسر (¬2)، فأجاز غسله بالمضاف من الماء، كما في الحديث (¬3). وقال ابن حبيب: يغسل في الأولى (¬4) بالماء وحده، وفي الثانية بماء وسدر، وفي الثالثة بغير سدر (¬5) ويجعل فيه كافورًا، والأول أبين للحديث، وللاختلاف في وضوء الحي بالماء المضاف. وقال ابن شعبان: لو غسل بماء الورد والقرنفل لم أكرهه إلا من ناحية السرف (¬6)؛ لأنه لا يطهر فيختار (¬7) له من الماء ما يطهر به (¬8)، وقول (¬9) مالك: إنه (¬10) ييمم عند عدم الماء (¬11)، دليل على أن ذلك عبادة. قال: ولا يغسل بماء زمزم (¬12)، وهذا يصح على أصله؛ لأنه يقول: إن ¬

_ (¬1) في (ب): (الأخيرة). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 260. (¬3) سبق تخريجه، ص: 689. (¬4) في (ش): (الأول). (¬5) قوله: (سدر) ساقطة من (ر). (¬6) انظر: الزاهي، لابن شعبان، لوحة رقم: [3 / ب]. (¬7) في (ر): (فيحتاج). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 545. (¬9) في (ش): (وقال). (¬10) قوله: (إنه) ساقط من (ش). (¬11) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 290. (¬12) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 545.

فصل لا ينجس الثوب الذي ينشف به الميت

الميت نجس, ولا يقرب ذلك الماء للنجاسة (¬1)، وقد ذكر أن بعض الناس استنجى به فحدث به الباسور (¬2)، وأهل مكة يتوقون ذلك ولا يرون (¬3) الاستنجاء به، وعلى القول إن الميت طاهر يجوز أن يغسل بماء زمزم، بل هو أولى؛ لما يرجى من بركته. فصل لا ينجس الثوب الذي ينشف به الميت وقال سحنون: لا ينجس الثوب الذي ينشف فيه (¬4) الميت (¬5)، وقال محمَّد بن عبد الحكم: (¬6) ينجس (¬7)، وتقدم قول ابن القاسم إن الميت نجس, وعلى قوله، ينجس الثوب الذي ينشف فيه، والقول إنه طاهر أحسن، وقد مضى بيان ذلك، ويختلف فيما يصيب الإنسان من مائه على الاختلاف المتقدم في نجاسته. وقال مالك في العتبية: يغتسل غاسل الميت وعليه أدركت الناس (¬8)، واستحب ذلك ابن القاسم وأشهب (¬9)، وقال ابن حبيب: لا غسل عليه (¬10)، وقاله ¬

_ (¬1) قوله: (الماء للنجاسة) يقابله في (ر) و (ش): (بنجاسة). (¬2) في (ب): (وقد ذكر أن الاستنجاء به يحدث الباسور). (¬3) في (ر): (يتقون). وقوله: (ذلك ولا يرون) ساقط من (ر) و (ش). (¬4) في (ش): (به). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 546. (¬6) قوله: (وقال محمَّد بن عبد الحكم): يقابله في (ش): (والقول إنه طاهر أحسن) (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 546. (¬8) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 206. (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 546. (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 546.

فصل أولياء الميت أولى بغسله

جملة (¬1) من الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم -، وذكر حديث أسماء (¬2)، فقيل: الوجه في استحباب اغتساله الثلاث (¬3)، لئلا يتوقى غاسله ما يصيبه، فلا يبالغ في غسله لتحفظه منه. فصل أولياء الميت أولى بغسله والأولياء أولى بغسل الميت، وأولاهم بغسله أولاهم بالصلاة عليه، وأما المرأة فأولى النساء بغسلها ابنتها، ثم ابنة الابن، ثم على مثل منازل الرجال لغسل الرجل. والزوجان أولى بغسل بعضهما بعضًا، والأصل في ذلك غسل أسماء لأبي بكر (¬4)، وغسل علي لفاطمة (¬5) رضوان الله عليهما (¬6)، وقالت عائشة - رضي الله عنها -: "لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا غَسَّلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلا أَزْوَاجُهُ" (¬7). ¬

_ (¬1) في (ش): (وقال جماعة). (¬2) أخرجه مالك: 1/ 223، في باب غسل الميت، من كتاب الجنائز، برقم (521) عن عبد الله بن أبي بكر أن أسماء بنت عميس غسلت أبا بكر الصديق حين توفي ثم خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين، فقالت: إني صائمة وإن هذا يوم شديد البرد فهل علي من غسل فقالوا لا. (¬3) قوله: (اغتساله الثلاث) يقابله في (ش): (غسله). (¬4) سبق تخريجه. (¬5) صحيح، أخرجه الحاكم: 3/ 179، في باب ذكر وفاة فاطمة - رضي الله عنها - والاختلاف في وقتها، من كتاب معرفة الصحابة - رضي الله عنهم -، برقم (4769)، والبيهقي: 3/ 396، في باب الرجل يغسل امرأته إذا ماتت، من كتاب الجنائز، برقم (6452)، وحسن إسناده الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 143) وقال: (وقد احتج بهذا الحديث أحمد وابن المنذر وفي جزمهما بذلك دليل على صحته عندهما). اهـ (¬6) قوله: (عليهما) زائدة في (ز). (¬7) صحيح: أخرجه أبو داود: 2/ 213، في باب في ستر الميت عند غسله، من كتاب الجنائز، برقم (3141)، وأحمد: 6/ 267، في حديث السيدة عائشة - رضي الله عنها -، من باقي مسند الأنصار، برقم =

ويغسل الرجل (¬1) زوجته وإن كان عبدًا وهي حرة، وتغسله زوجته وإن كانت أمة وهو حر. قال سحنون: وتغسل النصرانية زوجها المسلم بحضرة المسلمين، قال: ويقضى للرجل بغسل زوجته الحرة، إذا كان الزوج حرًا أو عبدًا وأذن له سيده. ولا يقضى للمرأة بغسل زوجها على أوليائه، وقال محمد: يقضى لها، قال سحنون: ولا يقضى للزوج بغسل زوجته إذا كانت أمة (¬2). ففرق بين القضاء له ولها مع وجود الأولياء؛ لأن غسل الرجل إلى أوليائه، فلا ينتزع (¬3) ذلك منهم، وغسل المرأة إلى النساء دون (¬4) أوليائها، فكان الزوج أحق منهن (¬5)، فإن لم يكن للزوج ولي، أو كان وعجز عن الغسل، أو (¬6) أحب أن يجعل ذلك إلى غيره، كانت الزوجة أحق (¬7) وقضي لها بذلك (¬8)، قولًا واحدًا، ولهذا قضي للزوج إذا كان عبدًا وأذن له سيده، وإن كانت الزوجة حرة؛ لأن القضاء بذلك على النساء ليس على الأولياء. ولم يُقضَ للزوج بغسل زوجته إذا كانت أمة؛ لأن القضاء بذلك على وليها وهو السيد، وكأنه أجاز للسيد غسلها والاطلاع عليها، وليس بالبين، والزوج أحق منه، وأما قوله (¬9): لا يقضى للزوجة إذا كان الزوج عبدًا، فصحيح على أصله إذا كان السيد رجلًا، أو كان للعبد أولياء، والسيد يقدم ¬

_ = (26349)، والحاكم: 3/ 61، في كتاب المغازي والسرايا، برقم (4398)، والبيهقي: 3/ 387، في باب ما يستحب من غسل الميت في قميص، من كتاب الجنائز، برقم (6413)، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وسكت عنه الذهبي في التلخيص. (¬1) في (ش): (الزوج). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 550. (¬3) في (ش): (فلم تنتزع). (¬4) قوله: (دون) ساقط من (ب). (¬5) في (ر): (منهم). (¬6) في (ش): (و). (¬7) في (ش): (أحق منهن). (¬8) في (ر): (لها به)، وفي (ش): (لها). (¬9) قوله: (قوله) ساقط من (ش).

فصل [وإذا كان النكاح مجمعا على فساده لم يغسل أحدهما الآخر]

على الأولياء، فإن أسقط حقه كان الأمر إلى الأولياء، وإن كان العبد (¬1) ملكًا لامرأة كان الأمر إلى أولياء العبد، ابنه أو (¬2) أخيه أو (¬3) ما أشبه ذلك، فإن لم يكن ولي قضي للزوجة، ولم يكن لسيدته (¬4) منعها إن قالت: أنا أُولِّي ذلك أجنبيًا، وعلى قول محمد يقضى للزوجة على جميع من ذكر من مولى أو ولي، وهو أحسن، والزوجة أستر لزوجها، ولا يؤمن عند تقليبه أن ينكشف. فصل [وإذا كان النكاح مجمعًا على فساده لم يغسِّل أحدهما الآخر] وإذا كان النكاح فاسدًا مجمعًا على فساده لم يغسل أحدهما الاخر، وإن كان مختلفًا فيه (¬5) مما يمضي بالعقد، مضى على حكم الصحيح، وإن كان مما (¬6) يفسخ قبل ويثبت بعد مُنعا الغسل قبل، ولم يمنعاه بعد، وقال سحنون: إذا كان النكاح في المرض لم يغسل أحدهما الآخر؛ لأنهما لا يتوارثان، ولأن من أصحابنا من يفسخه إذا صح (¬7)، وهذا أحسن (¬8) مع وجود من يجوز (¬9) منه الغسل، فإن عدم وصار الأمر إلى التيمم، كان غسل أحدهما الآخر من فوق (¬10) الثوب أحسن؛ لأن غير واحد من أهل العلم أجازه. قال سحنون: وإن ظهر بأحدهما عيب، جنون أو جذام أو برص فالغسل بينهما جائز (¬11)، ¬

_ (¬1) قوله: (العبد) ساقط من (ش). (¬2) في (ش): (و). (¬3) في (ش): (و). (¬4) في (ب): (لسيده). (¬5) قوله: (وإن كان مختلفًا فيه) يقابله في (ش): (لا يتوارثان). (¬6) في (ش): (مما لم). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 550. (¬8) في (ر): (حسن). (¬9) في (ر): (يحرم). (¬10) في (ر) و (ش): (تحت). (¬11) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 550.

وهذا يصح على قول ابن القاسم؛ لأنه يقول: إذا وقع الطلاق أو (¬1) الموت فات موضع الرد (¬2)، وأما على قول عبد الملك فإنه إذا مات الزوج وكان العيب به غسلته؛ لأن الإجازة خير لها، فتأخذ الصداق، والميراث (¬3). وإن كان العيب بها (¬4) كان لأوليائه أن يقوموا بالعيب ويمنعوها الميراث، والصداق، فلا تغسله، وإن كانت هي الميتة والعيب بها وقام الزوج بالعيب ليسقط (¬5) عن نفسه الصداق وكانت فقيرة لم يغسلها. وكذلك إذا كان العيب به (¬6) وقام أولياؤها بالعيب ليمنعوه الميراث لم يغسلها. وإن زالت العصمة بطلاق بائن ثلاثًا، أو واحدة بخلع، ومات أحدهما في العدة، لم يكن بينهما غسل. واختلف في الرجعي، فمنع ذلك في المدونة، وأجازه في المبسوط؛ لبقاء الموارثة، والأول أحسن؛ لأن المراعى التحريم في حال الحياة، وقد كانت حرامًا لا يجوز له مسها قبل أن يحدث رجعة، فكذلك بعد الموت لا يجوز له أن يمسها، ولا لها أن تطلع عليه. وأما الملك، فيجوز أن يغسل كل واحد منهما الآخر، إذا كانت الإصابة جائزة في حال الحياة كالأمة والمدبرة، وإن لم يجرِ بينهما من ذلك شيء في حال الحياة، وأم الولد، وهم في ذلك كالزوجين وإن انتقل ملك الأمة إلى الورثة بنفس الموت، ولا يجوز ذلك فيمن لا تجوز بينهم (¬7) الإصابة كالمعتقة إلى أجل، والمعتق بعضها، ومن له فيها شرك، والمكاتبة، ولا غسل بين المرأة وعبدها ولا مدبرها. ¬

_ (¬1) قوله: (أو) ساقط من (ش). (¬2) قوله: (لأنه يقول. . . الرد) ساقط من (ر). (¬3) في (ش): (جميع الميراث). (¬4) قوله: (بها) ساقط من (ر). (¬5) في (ش): (يسقط). (¬6) قوله: (به) ساقط من (ش). (¬7) في (ش): (بينهما).

باب في الحنوط للميت

باب في الحنوط للميت ويحنط الميت بالمسك والكافور، والعنبر، وغير ذلك من الطيب، وكل جنس طاهر يتطيب به وكذلك العنبر، وإن صح أنه تقذفه دابة من دواب البحر فإنه طاهر. ومواضع الحنوط خمسة: على ظاهر جسد الميت، وفيما بين أكفانه، ولا يجعل فوق الكفن، وهو (¬1) قول مالك في المدونة (¬2). والثالث: أن يجعل على (¬3) المساجد السبع (¬4): الجبهة (¬5)، والأنف والركبتين، وأطراف أصابع الرجلين، واليدين (¬6)، وهو قول ابن القاسم في شرح ابن مزين للموطأ (¬7). والرابع: أن يجعل في منافذ الوجه السبعة: الأذنين، والعينين، والفم، والمنخرين. والخامس: أن يجعل في المغابن، وهي: الأرفاغ، وهو: كل موضع يجتمع فيه الوسخ: الإبطين (¬8)، ومراجع الركبتين، وهي المآبض، وهو قول عطاء. وهذا مع اتساع الطيب، فإن قل فالبداية عند ابن القاسم في شرح ابن مزين بالمساجد السبعة، وأراه فعل ذلك إكرامًا لتلك المواضع لما كان يتقرب بها (¬9) إلى الله سبحانه. قال: فإن كثر فعلى الجسد، وبين الأكفان، ولم يزد على ذلك (¬10). ¬

_ (¬1) في (ش): (وهذا). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 262. (¬3) في (ش): (في). (¬4) في (ش): (السبعة). (¬5) قوله: (الجبهة) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (واليدين) ساقط من (ش). (¬7) قوله: (للموطأ) ساقط من (ر). (¬8) في (ش): (كالإبطين). (¬9) قوله: (بها) ساقط من (ش). (¬10) في (ر) زيادة (زينة) بعد قوله: (على ذلك).

باب في كفن الميت وهل يكون من رأس المال؟ وتكفين من لا مال له وتحسين الكفن وصفته

باب في كفن الميت وهل يكون من رأس المال؟ وتكفين من لا مال له وتحسين (¬1) الكفن وصفته الكفن من رأس المال مبدًّى على الورثة والغرماء، فإن لم يخلف الميت إلا قدر كفنه كفن منه (¬2)، ولم يكن للغرماء ولا للورثة في ذلك مقال، إلا أن يكون رهنًا فإن المرتهن أحق به. والأصل في كونه من رأس المال حديث مصعب بن عمير: قتل يوم أحد ولم يترك إلا نمرة كفن فيها (¬3)، ولا خلاف في ذلك. واختلف إذا سرق كفنه بعد الدفن، فقال مالك في المبسوط: يجدد له كفن. وقال ابن القاسم في العتبية: من رأس المال، وإن كان عليه دين، كالأول (¬4). وقال سحنون: ليس ذلك على ورثته (¬5). وقال أيضًا: إن لم يقسم ماله كُفِّنَ من رأس المال، وإن قسم فلا شيء على ورثته، وإن (¬6) أوصى بثلثه لم يجدد كفنه من ثلث ولا غيره (¬7). قال: وإن وجد بعد ذلك الكفن المسروق بعد أن دفن كان ميراثًا. قال محمد بن عبد الحكم: إلا أن يكون عليه دين فيكون للغرماء. ¬

_ (¬1) في (ب): (وتجهيز). (¬2) في (ر) و (ش): (فيه). (¬3) سبق تخريجه، ص: 686. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 256. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 256، 257. (¬6) في (ش): (وإن كان). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 562.

فصل يكفن الميت من تلزمه نفقته

فصل يكفن الميت من تلزمه نفقته وإذا لم يكن للميت مال، وكان له من تلزمه (¬1) نفقته من والد أو ولد، كان كفنه عليه، فعلى الأب أن يكفن ولده الصغير، والكبير الزَّمِن، وعلى الابن أن يكفن أبويه، وهو قول ابن القاسم وابن الماجشون. وإذا لم يكن له والد أو ولد، أو كانوا فقراء فعلى بيت المال، فإن لم يكن بيت مال، أو لم يقدر على ذلك منه (¬2) فعلى جميع المسلمين. وقال أصبغ: ليس ذلك على الابن ولا على الأب. وفرق بين النفقة في الحياة والكفن، واختلف في ذلك قول سحنون فقال مرة: ذلك على الأب في ابنه الصغير وفي ابنته البكر. وقال مرة: ليس ذلك عليه، وقال أيضًا: استحسن ذلك في الولد، وأما الأبوان فلا شيء عليه فيهما، والقول الأول أحسن. ولا فرق بين النفقة، والكسوة، والكفن، والمؤن، حتى يواريه في قبره، وقد فهم من الشرع أن الله سبحانه خص كل واحد من هؤلاء بالقيام بالآخر عند العدم لدفع المعرة، ولا يتكفف الناس، والإجماع (¬3) على أن على السيد (¬4) أن يكفن عبده (¬5) وإن سقط الملك (¬6) بالموت. واختلف في الزوجة على ثلاثة أقوال: فقال مالك مرة (¬7) في الواضحة: يقضى على الزوج بكفن زوجته وإن كانت موسرة (¬8)، وقال في العتبية: إن كانت موسرة فمن مالها، وإن كانت معسرة فعليه (¬9). وقال ابن القاسم ¬

_ (¬1) في (ش): (يلزمه). (¬2) قوله: (منه) ساقط من (ب)، ويقابله في (ش): (منها). (¬3) في (ش): (وللإجماع). (¬4) في (ش): (للسيد). (¬5) قوله: (عبده) ساقط من (ر). (¬6) في (ب): (الملك عنه). (¬7) قوله: (مرة) ساقط من (ر) و (ش). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 564. (¬9) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 252.

وسحنون: لا شيء على الزوج بحال (¬1)، وهو أحسن؛ لأن النفقة كانت على وجه المعاوضة لمكان الزوجية، وقد انقطعت بالموت. وإن اجتمع أبي وزوج، فإن لم يكن دخل الزوج فعلى الأب، وإن دخل بها (¬2) سقط عن (¬3) الأب، ويختلف في الزوج حسب ما تقدم. وإن اجتمع أب وابن كان الكفن على الابن؛ لأن نفقته كانت في حال الحياة على الولد دون الأب. واختلف إذا كان زوج وابن، فقال مالك في العتبية: ذلك على الزوج (¬4)، وقال ابن القاسم: على الابن (¬5) وهو أبين (¬6)، فإن كان للأم (¬7) خادم، وكان الابن ينفق عليها (¬8) فإنه يختلف هل يكون كفنها على الابن؟ ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 565. (¬2) قوله: (بها) ساقط من (ر) و (ش). (¬3) في (ب): (على). (¬4) لم أقف عليه، وقال في النوادر: (وذكر العتبي، عن ابن الماجشون في كفن الزوجة، أنه على الزوج وإن كانت ملية وأن روايته عن مالك، أن ذلك عليه) فلعله مذكور عند العتبي في غير العتبية كما تدل عليه عبارة ابن أبي زيد، والذي وقفت عليه في العتبية أنه فرق في الزوجة بين كونها بكرا لم يدخل بها وبين كونها مدخولا بها، قال: (قال في المرأة تموت ولا مال لها، على من ترى كفنها- وثم أبوها وزوجها؟ فقال: أما إن كانت بكرًا فعلى أبيها، وإن كانت متزوجة- وقد دخل بها زوجها فليس ذلك على أبيها) وعبارة ابن رشد في شرح المسألة تنبيء بما ذكرناه فإنه قال: (اختلف في وجوب كفن الزوجة على الزوج على ثلاثة أقوال، أحدها: أنه لا يجب على الزوج مليئة كانت أو معدمة وهي رواية عيسى هذه؛ والثاني: أنه يجب عليه مليئة كانت أو معدمة، وهو قول ابن الماجشون. . . إلخ) ولم يحل على سماع فلعله من باب ما ذكرنا، انظر: البيان والتحصيل: 2/ 252. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 565، والبيان والتحصيل: 2/ 252. (¬6) قوله: (وهو أبين) ساقط من (ر). (¬7) في (ش): (للابن). (¬8) في (ر): (عليهما).

فصل [في تحسين كفن الميت]

فصل [في تحسين كفن الميت] أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يُحسَّنَ كَفَنُ المَيِّتِ. أخرجه مسلم (¬1)، فإن اختلف الورثة عند ذلك (¬2) كان القول في ذلك قول من دعا إلى ذلك، دون من دعا إلى دون ذلك مما فيه معرة أو تقصير، ودون من دعا إلى سرف. واختلف إذا أوصى الميت أن يكفن في سرف، فقال مالك (¬3): الزائد على ما هو (¬4) سداد ساقط، ويرجع ميراثًا (¬5). وقال أيضًا: يجعل الفضل في ثلثه، وقال سحنون: إن أوصى أن يكفن في ثوب واحد فزاد بعض الورثة آخر وأنكر الآخرون فلا ضمان عليه إذا كان في تركتهم (¬6) محمل لذلك (¬7)، يريد: لأن عليهم في كفنه في ثوب واحد وصمًا، وإن كان عليه دين لم يوسع كالأول. وإن كان كفنه من بيت المال وسع عليه، وإن كان مواساة من الناس كان دون ذلك في باب ما يجبرون عليه. وقال عيسى في شرح ابن مزين: يجبر الورثة والغرماء على ثلاثة أثواب من مال الميت، وإن قالوا: تكون غليظة، لم يكن ذلك لهم إذا كانت لا تشبهه (¬8). ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم: 2/ 651، في باب في تحسين كفن الميت، من كتاب الجنائز، برقم (943). (¬2) قوله: (عند ذلك) ساقط من (ر) و (ش). (¬3) قوله: (فقال مالك) ساقط من (ر). (¬4) في (ش): (فيه). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 560. (¬6) في (ب): (تركته). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 561، والبيان والتحصيل: 2/ 287. (¬8) في (ب): (لا تشبه).

فصل المراعى في الكفن ثلاثة

فصل المراعى في الكفن ثلاثة المراعى في الكفن ثلاثة: عدده، ولونه، وصفته (¬1). فأما عدده، فيستحب أن يكون وترًا ثلاثا إلى ما فوق ذلك (¬2) سبع أو خمس، ولا يكفن في واحد إلا أن لا (¬3) يوجد غيره، والاثنان وإن كان (¬4) شفعًا أولى من الواحد وإن كان وترًا؛ لأن الواحد يصف (¬5) والاثنان أستر، وثلاثة أولى من أربعة، وخمسة أولى من ستة (¬6)، ولا أرى أن يجاوز السبعة؛ لأنه في معنى السرف، وإن كانت السبعة مدارج من غير قميص ولا عمامة فحسن. واختلف في شيئن (¬7): العمامة والقميص، فقال مالك قي المدونة: من شأن الميت عندنا أن يعمم (¬8). وقال ابن حبيب أحب إلى مالك ثلاثة أثواب، تُعَدُّ فيها العمامة، والمئزر، والقميص، ويلف (¬9) في ثوبين، وذلك في المرأة ألزم؛ لأنها تحتاج إلى مئزر، ودرع، وخمار، وثوبين تدرج فيهما (¬10). واستحب في المدونة العمامة (¬11)، وفي الواضحة: القميص، وقيل لابن القاسم في العتبية: أيجعل في الكفن عمامة أو قميص (¬12)، أو يؤزر الميت؟ فقال: ¬

_ (¬1) في (ب): (جنسه). (¬2) قوله: (ذلك) ساقط من (ش). (¬3) قوله: (أن لا) ساقط من (ش). (¬4) في (ش): (كانا). (¬5) في (ر): (نصف). (¬6) قوله: (وثلاثة أولى من أربعة، وخمسمة أولى من ستة) يقابله في (ش): (وثلاث أولى من أربع، وخمس أولى من ست). (¬7) قوله: (في شيئين) ساقط من (ش). (¬8) انظر: المدونة: 1/ 262. (¬9) في (ر): (وتلف). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 558. (¬11) انظر: المدونة: 1/ 262. (¬12) في (ب): (وقميص).

فصل ندب لون الكفن أن يكون أبيضا

أحب ما في كفن الميت إلي (¬1) ثلاثة أثواب لا يجعل فيها قميص ولا عمامة ولا مئزر ولكن يدرج فيها إدراجًا، وكذلك كُفِّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). قال الشيخ - رضي الله عنه -: وكل ذلك واسع فيجوز أن يقتصر على المدارج (¬3) من غير قميص، وأن يكفن في قميص ومدارج، ولا يقتصر على قميص من غير مدارج (¬4)، وليس الشأن الاقتصار على العمامة والمدراج من غير قميص. فصل ندب لون الكفن أن يكون أبيضًا وأما الألوان (¬5) فيستحب البياض، فإن كان مصبوغًا فما كان بالطيب مثل: الورس، والزعفران دون الأزرق والأخضر والأسود، والرجال والنساء في ذلك سواء. واختلف في المعصفر فكرهه مالك في المدونة (¬6)؛ لأنه ليس بطيب، وأجازه في المجموعة. وأما جنسه: فالكتان والقطن. واختلف في الحرير والخز فمنع ذلك في المدونة (¬7) للرجال والنساء ورأى (¬8) أن ذلك إنما جاز لهن في الحياة (¬9)؛ لأنه زينة، كما جاز لهن لباس الذهب، والموت يقطع ذلك، ويعدن فيه كالرجال في الحياة؛ لأنه سرف، ولأن ¬

_ (¬1) قوله: (ما في كفن الميت إلي) يقابله في (ش): (إليَّ أن يكفن الميت في). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 258، 259. (¬3) في (ب): (المدراج). (¬4) في (ب) (مدراج). (¬5) في (ر): (الأولان). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 262. (¬7) انظر: المدونة: 1/ 262. (¬8) في (ش): (وأرى). (¬9) في (ش): (حال الحياة).

مصيره الآن (¬1) إلى المهنة والصديد، وكما لا يلبس الآن الحي (¬2)، وأجاز في سماع ابن وهب الحرير للرجال والنساء، وقال: لا أحب ذلك وإن فعل فواسع، ورأى أن المنع سقط بالموت؛ لأنه حينئذٍ غير مخاطب، فأشبه لباس الصبيان له في حال الحياة (¬3)، وقال ابن حبيب: يجوز (¬4) ذلك للنساء، ويمنع للرجال (¬5)، وأجراهم فيه على حكم الحياة. وأرى أن يجوز من ذلك (¬6) كل ما فيه جمال من غير سرف، والخز الذي يعمل الآن بالأندلس داخل في جملة الحرير؛ لأن سداه أو (¬7) طعمته حرير، وليس كالذي يعمل بالمشرق. وقال أبو محمد عبد الوهاب: يجوز لباس الخز؛ لأنه ليس بحرير، وقد لبسه السلف، وكرهه مالك لأجل السرف (¬8). ¬

_ (¬1) قوله: (الآن) ساقط من (ش). (¬2) في (ب): (الحلي). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 563، والبيان والتحصيل: 2/ 298. (¬4) في (ش): (نحو). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 563. (¬6) في (ش): (نحو ذلك). (¬7) في (ش): (و). (¬8) انظر: المدونة: 1/ 262.

باب في خروج النساء الى الجنائز

باب في خروج النساء الى الجنائز النساء في خروجهن إلى الجنائز ثلاث (¬1): متجالة: يجوز ذلك لها وإن كان الميت منها أجنبيًا. وشابة: يجوز لها أن تخرج إذا كان الميت زوجًا أو ولدًا (¬2) أو أخًا أو ما أشبه ذلك (¬3)، ولا يجوز إذا كان أجنبيًا. وقال أيضًا: لا بأس بشهودهن الجنائز (¬4)، ما لم يكثرن (¬5) كُنَّ ركبانًا أو مشاة، وقد كن يخرجن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكانت أسماء تقود فرس الزبير وهي حامل حتى عوتب في ذلك (¬6)، والأول أحسن، وقد قالت عائشة - رضي الله عنها -: "لَوْ أَدْرَكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لمنَعَهُنَّ المَسْجِدَ (¬7) " (¬8). وامرأة برزة رائعة جسيمة (¬9) يكره خروجها، وإن كان الميت أحد أقاربها، ويكره لها التصرف بحال. ¬

_ (¬1) قوله: (إلى الجنائز ثلاث) يقابله في (ر): (على ثلاث)، وفي (ش): (إلى الجنائز ثلاثة). (¬2) في (ش): (ابنا). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 262. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 262. (¬5) قوله: (ما لم يكثرن) يقابله في (ر): (إذا لم يتكرر). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 578، والبيان والتحصيل: 2/ 221. (¬7) في (ب): (المساجد)، والمثبت من بقية النسخ وصحيح مسلم. (¬8) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 296، في باب انتظار الناس قيام الإمام العالم، من كتاب صفة الصلاة، برقم (831)، ومسلم: 1/ 329، في باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة، من كتاب الصلاة، برقم (445). (¬9) في (ش): (جميلة).

وإذا مات ميّت مع نسوة ولا رجل (¬1) معهن صلين عليه (¬2)، قال ابن القاسم في المدونة: أفذاذًا، ولا تؤمهن واحدة منهن (¬3). وقال أشهب: يصلين عليه جماعة وتؤمهن واحدة منهن (¬4)، وهو أحسن. وقد روى ابن أيمن عن مالك أنه أجاز إمامة المرأة للنساء في الفريضة، فهن في الصلاة على الجنائز أولى. ¬

_ (¬1) في (ب): (ولا رجال). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 591. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 263. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 591.

باب في السلام من الصلاة على الجنائز

باب في السلام من الصلاة على الجنائز وقال مالك في المدونة: يسلم الإمام ومن خلفه تسليمة واحدة، وُيسمع الإمام من خلفه، ويسمع من خلفه (¬1) أنفسهم، فإن أسمعوا من يليهم فلا بأس (¬2). وقال في العتبية: يرد المأموم على الإمام تسليمة أخرى (¬3)، وقال أشهب في مدونته: يسلم الإمام تسليمتين عن يمينه وشماله، ويسلم القوم كذلك، وهو أحسن أن يجري السلام في العدد على ما يجري في غيرها من الصلوات، فيرد المأموم على الإمام وعلى من على شماله بعد التسليمة التي يخرج بها (¬4)؛ لأنّ ردّ التحية فرض، والإمام يسلّم على من خلفه فيردون عليه، وكل واحد من المأمومين قد سلم عليه (¬5) بالتي خرج بها صاحبه من الصلاة. ¬

_ (¬1) في (ر): (خلفهم). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 263. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 219، والنوادر والزيادات: 1/ 590. (¬4) في (ر): (منها). (¬5) قوله: (عليه) ساقط من (ش).

باب في تجصيص القبور، وتسنيمها ومن حفر قبرا لميته فدفن فيه غيره

باب في تجصيص القبور، وتسنيمها ومن حفر قبرًا لميته (¬1) فدفن فيه غيره كره مالك تجصيص القبور (¬2)؛ لأن ذلك من المباهاة وزينة الحياة الدنيا، وتلك منازل الآخرة، وليس بموضع المباهاة، وإنما يزين الميت عمله. واختلف في تسنيمها، والحجارة التي تبنى عليها، فكره ذلك مالك في المدونة (¬3)، وقال ابن القاسم في العتبية: لا بأس بالحجر، والعود (¬4) يعرف به الرجل قبر وليه، ما لم يكتب فيه (¬5). وقال أشهب في مدونته: تسنيم القبر أحب إلي، فإن رفع فلا بأس (¬6)، يريد: إن زيد على التسنيم، وقال محمد بن مسلمة: لا بأس بذلك، قال: وقبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - مسنمة وهو أحسن. وفي البخاري ومسلم: "أَنَّ قَبْرَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُسَنَّمٌ" (¬7). وقال خارجة بن زيد في البخاري: "رَأَيْتُنِي وَنَحْنُ شُبَّانٌ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ، وَإِنَّ أَشَدَّنَا وَثْتةً الَّذِي يَثبُ قَبْرَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ حَتَّى يجاوِزَهُ" (¬8)، وهذا الذي أراد أشهب بقوله: إن رفع. ويمنع من بناء البيوت على الموتى؛ لأن ذلك مباهاة، ولا يؤمن ما يكون فيها من فساد. وقيل لمحمد بن عبد الحكم (¬9) في الرجل يوصي أن يبنى على قبره، فقال: لا ولا كرامة يريد: بناء البيوت، ولا بأس بالحائط ¬

_ (¬1) في (ش): (لميت). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 263. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 263. (¬4) في (ب): (والعمود). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 220، والنوادر والزيادات: 1/ 652، 653. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 650. (¬7) أخرجه البخاري: 1/ 467، في باب ما جاء في قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر - رضي الله عنهما -، من كتاب الجنازة برقم (1325)، ولم أقف عليه في صحيح مسلم. (¬8) أخرجه البخاري معلقا بصيغة الجزم: 1/ 457، في باب الجريد على القبر، من كتاب الجنائز، قبل حديث رقم (1295). (¬9) قوله: (عبد الحكم) يقابله في (ش): (مسلمة الحكم)

اليسير الارتفاع، ليكون حاجزًا بين (¬1) القبور؛ لئلا يختلط (¬2) على الإنسان موتاه مع غيرهم، ليترحم عليهم، ويجمع إليهم (¬3) غيرهم. وليس لأحد أن يدفن في مقبرة غيره، إلا أن يضطر إلى ذلك فإن اضطر لم يمنع؛ لأن الجبانة أحباس لا يستحق فيها أحد شيئًا، ويمنع مع الاختيار؛ لأن للناس أغراضًا في صيانة موتاهم، وتعاهدهم بالترحم. وقال سحنون: سألت بعض أهل العلم عمن (¬4) حفر قبرًا في الجبانة (¬5) فدفن غيره فيه؟ قال: على الثاني أن يحفر للأول قبرًا مثله في ذلك الموضع (¬6). وقال أبو بكر بن اللباد: عليه قيمة حفر ذلك القبر (¬7). وقال الشيخ أبو الحسن (¬8): عليه الأقل مما يحفر به الأول (¬9) أو قيمة الأول (¬10). وقال الشيخ - رضي الله عنه -: القياس أن يكون عليه الأكثر من قيمة الأول، أو ما يستأجر به الثاني؛ لأنه بتعديه أدخله (¬11) في الأجرة الثانية، وإن كان الحفر الأول في موضع مملوك أخرج منه الميت إذا كان بالفور. ¬

_ (¬1) في (حمزاوية): (من). (¬2) في (ش): (تختلط). (¬3) في (ش): (عليهم). (¬4) في (ش): (على من). (¬5) في (ش): (بالجبانة). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 651. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 651. (¬8) في (ش): (الشيخ أبو الحسن ابن القابسي). (¬9) في (ش): (الآن). (¬10) قوله: (وقال الشيخ. . . قيمة الأول) ساقط من (ر). (¬11) قوله: (الثاني؛ لأنه بتعديه أدخله) يقابله في (ش): (للثاني؛ لأن تعديه أدخلت)

باب في إمام الجنائز تنتقض طهارته، وهو يصلى عليها بالتيمم، أو بثوب نجس؟

باب في إمام الجنائز (¬1) تنتقض (¬2) طهارته، وهو يصلى عليها بالتيمم، أو بثوب نجس؟ ومن المدونة: قال ابن القاسم في إمام الجنازة يحدث بعد أن كبَّر: إنه يأخذ بيد رجل فيقدمه فيتم (¬3) بهم الصلاة فاستحب أن يقدمه من غير كلام وإن كان هو في غير صلاة؛ لأنه أتم (¬4) لصلاة المأمومين فقد يجهلون ويتكلمون عند كلامه. واختلف فيمن أحدث ولم يجد ماءً، هل يتيمم؟ أو كان على غير طهارة، هل يبتدئ الصلاة بالتيمم؟ فقال ابن وهب: إن خرج معها على طهارة فانتقضت ولم يجد ماء تيمم، وإن خرج معها على غير طهارة لم يتيمم. يريد: لأن من تعمد الخروج معها بغير طهارة بمنزلة من تعمد الصلاة عليها بالتيمم مع القدرة على الماء (¬5)، ويجوز على قوله إذا (¬6) لم يخرج معها وكان في موضعه حتى أتي بها (¬7) وهو على غير طهارة أو كان الماء موجودًا فمتى (¬8) تشاغل بالوضوء فاتته الصلاة عليها، أو كان دخل في الصلاة بالوضوء فانتقضت (¬9) طهارته (¬10) وهو في هذا أبين. وقال مالك في مختصر ابن عبد الحكم: لا يصلى على الجنازة في الحضر بالتيمم وهو يجد الماء، وقوله: وهو يجد الماء، مثل قول ابن وهب: إنه يجوز ¬

_ (¬1) في (ب): الجنازة. (¬2) في (ش): (تنقض). (¬3) في (ش): (ليتم). (¬4) في (ب) و (ش): أسلم. (¬5) قوله: (على الماء) ساقط من (ش). (¬6) في (ش): (إنما). (¬7) قوله: (حتى أتي بها) ساقط من (ش). (¬8) في (ش): (فإذا). (¬9) في (ش): (ثم انتقضت). (¬10) قوله: (طهارته) زيادة من (ب).

مع عدمه (¬1). وقال أشهب في كتاب محمد فيمن رأى في ثوبه نجاسة، أو رعف في الصلاة على الجنازة، أو العيدين- فإنه يخرج ولا يتكلم، فيغسل الدم، ثم يرجع فيقضي بقية التكبير، وكذلك في العيدين، وإن قضى ما فاته من صلاة العيدين في بيته فحسن، فإن لم يكن دخل في صلاة الجنازة، ولم يعقد من صلاة (¬2) ركعة، وخاف إن ذهب يغسل الدم فوت صلاة العيد والجنازة، دخل كما هو في الصلاة، ولم ينصرف (¬3). ¬

_ (¬1) في (ب): (عدم الماء). (¬2) في (ب) و (ش): (صلاة العيد). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 247.

باب في الأوقات التي تصلى فيها الجنائز

باب في الأوقات التي تصلى فيها الجنائز (¬1) ويصلى على الميت في الليل والنهار، وبعد العصر ما لم تصفرّ الشمس، وبعد الصبح ما لم يسفر، فإن اصفرت الشمس أخَّر حتى تغرب، فإن أسفر الصبح أخر حتى تطلع الشمس وتحل النافلة، وهذا قول مالك في المدونة (¬2). وفي التفريع لابن الجلاب: إن ذلك جائز إلا عند غروب الشمس وطلوعها (¬3). ولأبي مصعب في ذلك قول ثالث، قال: الصلاة على الجنائز جائزة في الساعات كلها. وأرى أن تصلى ما لم تدن الشمس للغروب، أو تبرز الشمس حتى يحل النفل، لحديث عقبة بن عامر الجهني قال: "ثَلاَثُ سَاعَاتٍ نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُصَلَّى فِيهِنَّ وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرة حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَصْفَرُّ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ". أخرجه مسلم (¬4)، فإذا نهى عن أن نقبر في ذلك الوقت فالصلاة حينئذ أولى بالمنع. ¬

_ (¬1) في (ب): (باب في الأوقات التي يصلى على الميت الجنازة فيها). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 263. (¬3) انظر: التفريع: 1/ 261. (¬4) أخرجه مسلم: 1/ 568، في باب باب الأَوْقَاتِ الَّتِى نُهِىَ عَنِ الصَّلاَةِ فِيهَا، من كتاب صلاة المسافرين، برقم (831/ 293).

وقال مالك: إذا حضرت المغرب والجنازة فإن بُدئ بالمغرب فهو أصوب، وإن بُدئ بالجنازة لم أر في ذلك بأسًا، يريد: ما لم يُخش على الميت فساد فيبدأ به، أو يخشى فوات المغرب فيبدأ بها وإن خشي على الميت. وإن حضرت العشاء والجنازة، أو الظهر والجنازة بدأ بأيهما شاء، فيبدأ بالجنازة؛ لأن الوقت في الصلاة واسع ويبدأ بالصلاة إن أحب؛ لأن التنفل بعدها جائز إلا أن يخشى تغيّر الميت فيبدأ به، أو يخشى فوات وقت الصلاة بذهاب نصف الليل، أو تدخل القامة الثانية فيبدأ بالصلاة، وإن حضرت الصبح، أو العصر والجنازة، استحب البداية بالجنازة؛ لأن التنفل بعدهما مكروه، إلا أن يخشى طلوع الشمس في الصبح، أو اصفرارها في العصر، فيبدأ بالصلاة. فصل وإذا ماتت المرأة وجنينها يضطرب في بطنها وإذا ماتت امرأة حامل وجنينها يضطرب، فإن كان غير متم، وفي وقت العادة أنها (¬1) إذا أسقطته وهي حية لم يعش، لم يُبْقَر عنه. واختلف إذا كان في شهر يعيش فيه الولد إذا وضعته، كالتي دخلت في السابع أو التاسع أو العاشر، وكان متى بُقِرَ عليه رُجيت حياته، فقال مالك: لا يبقر عليه (¬2)، وقال أشهب وسحنون: يبقر عليه (¬3). ¬

_ (¬1) قوله: (أنها) ساقط من (ب). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 264. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 640.

فقدم مالك حق الأم؛ لأن في ذلك مثلة بها. وقدم الآخران حق الولد، وهو أحسن، وإحياء نفس أولى من صيانة ذلك (¬1) من ميت. وقال مالك في المبسوط: يخرج إن استطيع ذلك من مخرج الولد، وهذا مما لا يستطاع. وإن ابتلع رجل دنانير غصبًا أو كانت وديعة فلم تخرج منه، غرمها الغاصب، موسرًا كان أو معسرًا، وإن مات الغاصب (¬2) ولا شيء على المودعَ إذا فعل ذلك خوفًا عليها موسرًا كان أو معسرًا وإن مات الغاصب ولا شيء له بقر بطنه وأخذت وإن خلَّف مالًا أخذت من تركته (¬3)، ثم يعود المقال في ذلك لورثته بمنزلة ما إذا ابتلع مال نفسه، فإن كان المال يسيرًا لم يَبْقُرْ ورثته عنه. واختلف إذا كان كثيرًا، فقال ابن القاسم في رجل لقيه لصوص ومعه جوهر له أو وديعة فابتلعه ثم قتل: فإنه يشق بطنُهُ إذا (¬4) لم يوصل إليه إلا بذلك، وقال في الدنانير يبتلعها: كذلك إلا أن تكون يسيرة؛ (¬5)، وقال ابن حبيب: لا يشق بطنه وإن كانت قيمة الجوهر ألف دينار، واستشهد بقول مالك في الجنين (¬6)، وهذا أحسن إذا كان الميت ممن له عبادة، أو رجل فقيه، أو ما أشبه ¬

_ (¬1) قوله: (وإحياء نفس. . . ذلك) يقابله في (ب): (وصيانة نفس أولى من صيانة مثل ذلك). (¬2) قوله: (وإن مات الغاصب) ساقط من (ب). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 639، 640. (¬4) في (ب): (لأنه). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 639. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 640، وفيه أنه استشهد بقول عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها -: (كسر عظم المؤمن ميتا ككسره حيا). ولعله يعني تقديم حق الأم على حق الجنين كما مرّ عن مالك.

ذلك، فإنه يغلب حقه في دفع المثلة عنه. وقال ابن القاسم: إذا دفن الميت في ثوب ليس له، نُبِشَ ونُزِعَ عنه إلا أن يطول أو يروح (¬1)، وقال سحنون: إذا كان لصاحبه بيِّنة، أو صدَّقه أهل الميت، أو ادَّعى رجل أنه سقط خاتمه في القبر، أو دنانير كانت في كُمِّه، أن له أن يستخرج ذلك ما لم يتغير الميت. تم كتاب الجنائز من التبصرة بحمد الله وحسن عونه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 641.

كتاب الصيام

كتاب الصيام النسخ المقابل عليها 1 - (ب) = نسخة برلين رقم (3144) 2 - (ر) = نسخة الحمزوية رقم (115) 3 - (ق 3) = نسخة القرويين رقم (368/ 4) 4 - (ش 2) = نسخة أهل ناجم - تيشيت (شنقيط)

باب في صوم شهر رمضان، والوقت الذي يجب صومه وما يجب منه

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كتاب الصيام أوجب الله تعالى الصيام بالقرآن في تسعة مواضع: صوم رمضان، وقضاؤه على من أفطره في السفر، وقضاؤه على من أفطره لمرض، والصوم على المتمتع، وإماطة الأذى، وجزاء الصيد، والظِّهار، وقتل النفس، وكفارة اليمين. وجاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنه أَمَرَ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ بِالجِمَاعِ، بِصِيَامِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ" (¬1). ومنازل هذا الصوم مختلفة فمنه مأمور به ابتداء، ومنه مأمور به عند عدم القدرة على غيره، ومنه ما هو مخير بين فعله والإتيان بغيره. باب في صوم شهر رمضان، والوقت الذي يجب صومه وما يجب منه (¬2) قال الله -عز وجل-: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} الآية [البقرة: 183]، وقال: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن} [البقرة: 185] ثم قال: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 684، في باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدق عليه فليكفر، من كتاب الصوم في صحيحه برقم: (1834)، ومسلم: 2/ 781، في باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم، من كتاب الصيام، برقم (81/ 1111). (¬2) في (س): (عنه).

فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185]، وقال: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187]. فأفادت الآية الأولى وجوب الصوم جملة، دون معرفة العين المأمور بصيامها، وأفادت الآية الثانية معرفة العين المأمور بصيامها، وأنه شهر رمضان، دون معرفة الزمن المأمور به منه، ودون معرفة ما أمرنا بالإمساك عنه، وأفادت الآية الثالثة معرفة الزمان المأمور بإمساكه، مبتدأه ومنتهاه، وأن مبتدأه طلوع الفجر، ومنتهاه غروب الشمس، والذي يجب الإمساك عنه ثلاثة: الأكل، والشرب، والجماع. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ مِنْ سَحُورِهِ أَذَانُ بِلاَلٍ، فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ وَيُوقِظَ نَائِمَكُمْ، وَلَيْسَ أَنْ يَقُولَ الفَجْرُ، وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ وَرَفَعَهَا إِلَى فَوْق وَطَأْطَأَ إِلَى الأرْضِ حَتَّى يَقُولَ هَكَذَا، ثُمَّ مَدَّ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ" (¬1). وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا، وَأَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا، وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ" (¬2) أخرج هذين الحديثين البخاري ومسلم. ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 224، في باب الأذان قبل الفجر، من كتاب الأذان في صحيحه، برقم (596)، ومسلم: 2/ 768، في باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، من كتاب الصيام، برقم (1093). (¬2) متفق عليه أخرجه البخاري: 2/ 691، في باب متى يحل فطر الصائم، من كتاب الصوم في صحيحه برقم (1853)، ومسلم: 2/ 772، في باب بيان وقت انقضاء الصوم وخروج النهار، من كتاب الصيام، برقم (1100).

فأبان في الحديث الأول أن الفجر المراد في القرآن هو الثاني، دون الأول، وأبان في الحديث الثاني أن المراد بقوله سبحانه: {. . . إِلَى اللَّيْلِ. . .} أن يغيب دَوْر الشمس، وأنه لا يجوز الإفطار عند مغيب بعضها، ولا يلزم الإمساك لبقاء ضيائها بعد مغيب (¬1) جميعها. ¬

_ (¬1) في (ق 3): (ضياء).

باب في الصوم والإفطار بالشهادة، وخبر الواحد

باب في الصوم والإفطار بالشهادة، وخبر الواحد الصوم والفطر يصح بثلاثة شروط: بالرؤية، فإن لم تكن رؤية فبالشهادة، فإن لم تكن (¬1) شهادة فبإكمال العدة ثلاثين، والأصل في ذلك: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَيهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكمِلُوا العِدَّةَ ثَلَاثِينَ". أخرجه البخاري ومسلم (¬2)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ". . . فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا وَانْسُكُوا" (¬3). والصيام بالشهادة ثلاث حالات: فحالة يصام بشهادة رجلين، وحالة لا يكتفى بشهادة شاهدين. وحالة يصح الاقتصار فيها على شهادة واحد، على اختلاف في هذين القسمين، فيصح الاقتصار على شهادة رجلين في الغيم وإن عظم المصر، وفي الصحو في المصر الصغير، واختلف إذا كان الصحو، والمصر كبير (¬4). واختلف في مواسم الحج، هل يكتفى في ذلك بشهادة شاهدين؟ والظاهر من قول مالك وغيره من أصحابه: الجواز (¬5)، وروى ابن وضاح عن سحنون ¬

_ (¬1) قوله: (فبالشهادة، فإن لم تكن) ساقط من (س). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 674، في باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فافطروا، من كتاب الصوم في صحيحه برقم (1810)، ومسلم: 2/ 762، في باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤية الهلال وأنه إذا غم في أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوما، من كتاب الصيام، برقم (1081). (¬3) صحيح، أخرجه النسائي في المجتبى: 4/ 132، في باب قبول شهادة الرجل الواحد على هلال شهر رمضان، من كتاب الصيام، برقم (2116). (¬4) قوله: (واختلف. . . والمصر كبير) مكرر في (ر). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 267، قال فيها: (سمعت مالكًا يقول في الموسم: يقام بشهادة رجلين =

المنع، وقال: وأي ريبة أكبر من هذا؟ (¬1) ولم يرو عنه في العدد الذي يكتفى به في ذلك شيءٌ. وقال محمد بن عبد الحكم: رأيت أهل مكة يذهبون في هلال الموسم مذهبًا لا ندري من أين أخذوه، إنهم لا يقبلون إلا أربعين (¬2) رجلًا، قال: والقياس أنه يجوز فيه شاهدان، كالفروج والدماء (¬3)، وهذا موافق لقول سحنون في أنه لا يُكتفى بشاهدين. فوجه الأول الحديث: "فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا وَانْسُكُوا" (¬4) فعمَّ ولم يخصّ (¬5)، ومحمل جوابه - صلى الله عليه وسلم - على ما يكون بالمدينة وما يكون بالأمصار وغيرها إلى أن تقوم الساعة من الأمصار وغيرها، ولو لم يكن إلا قصر الحديث على أهل المدينة لكان فيه كفاية، فقد كان فيها خلق عظيم. وأما ما ذكر عن سحنون وأهل مكة فله وجهان: أحدهما: أن الحديث مختلف في سنده. والثانية: تقدمة القياس على خبر الواحد؛ لأن الغالب صدق العدد الكثير إذا قالوا: لم نر، ووهم الاثنين (¬6) يصير من باب التعارض في الشهادات، ولو كان الاختلاف عن موضع واحد، حصروا النظر إليه، وأثبتوا الموضع بجدار ¬

_ = إذا كانا عدلين). (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 8، قال فيه: رَوَى ابن وَضَّاح، عن سحنون، في عدلين شَهِدَا في الهلال، والسماء صاحية ولا يَشهدُ غيرهما، فقال: وأيُّ رِيبةٍ أكبر من هذا؟). (¬2) في (ر): (أقل من أربعين). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 10. (¬4) سبق تخريجه، ص: 724. (¬5) قوله: (فعمَّ ولم يخصّ) ساقطة من (ش)، ويقابله في (ر): (مفهوم الحصر). (¬6) قوله: (ووهم الاثنين) يقابله في (س): (وأوهم الاثنان).

فصل إذا شهد شاهدان على الهلال

أو شجرة أو ما أشبه ذلك مما يقتدى به لموضعه كان تكاذبًا، وكان الأخذ بقول الجم الغفير والعدد الكثير أولى، وليس كذلك الشهادة على الفروج والدماء؛ لأنها شهادة واحدة، وإخبار عن أمر لم يشهده غيرهما فيدعي تكذيب ما شهدا به، ولو نزل مثل ذلك في القتل فشهد اثنان بالقتل وشهد عدد كثير بنفيه، لم يؤخذ بقول الشاهدين، إذا كانت الشهادتان عن موطن واحد. فصل إذا شهد شاهدان على الهلال وإذا شهد شاهدان على الهلال فأكمل عدة ذلك الشهر ثلاثين، والسماء مصحية فلم يروا شيئًا سقطت شهادتهما، ولم يعمل بها، ولم يصم الناس إن شهدا على هلال شعبان، ولم يفطروا إن شهدا على هلال رمضان، قال مالك: هؤلاء شهود سوء (¬1). يريد: أنه قد تبين كذبهم؛ لأن الهلال لا يخفى مع إكمال العدة؛ لأنها ليلة إحدى وثلاثين، وإنما يخفى ويدركه بعض الناس مع نقص الأول. وقد قال يحيى بن عمر: إذا شهد شاهد على هلال رمضان، وآخر على هلال شوال لم يفطر الناس بشهادتهما (¬2). قال الشيخ - رضي الله عنه -: إن شهد الأول أنه رأى هلال رمضان ليلة الأحد، والآخر أنه رأى هلال شوال ليلة الاثنين لم تلفق الشهادتان؛ لأنهما لم يجتمعا على أن يوم الاثنين يوم فطر، والأول يقول: لا يكون يوم فطر إلا بنقص رمضان ولا علم عندي من نقصه، وإن شهد الثاني أنه رأى الهلال ليلة الثلاثاء وهو صحو لم يفطر الناس؛ لأن شهادة الأول سقطت وقد تبين أنه كَذب أو ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 8. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 9.

وَهم؛ لأن ليلة الثلاثاء على شهادة الأول ليلة إحدى وثلاثين، ولا يخفى ذلك مع الصحو، وإن كان غيم ضمت الشهادتان على أحد القولين في ضم الأقوال، لاتفاق الشهادتين أنهما يوم فطر، ولم يتبين كذب الأول، والأخذ به في هذا أحسن. فصل واختلف في الصوم بشهادة الواحد واختلف في الصوم بشهادة الواحد إذا أخبر عن رؤية نفسه فمنع مالك أن يصام بشهادته لا على وجه الوجوب، ولا على الندب، ولا على الإباحة (¬1). وقال سحنون: لو كان مثل عمر بن عبد العزيز ما صمت بقوله ولا أفطرت (¬2). وقال أحمد بن ميسر: إذا أخبر عما ثبت في البلد، أو أخبر عن بلد آخر أنه رئي به صيم بقوله. وأجازه ابن الماجشون في البلد نفسه إذا أخبر عن رؤية نفسه أو رؤية غيره، فقال ابن ميسر: إذا أخبرك الرجل العدل أن الهلال ثبت عند الإمام وأمر بالصيام، أو نقل ذلك عن بلد آخر، لزمك العمل على خبره (¬3). قال الشيخ أبو محمد ابن أبي زيد - رضي الله عنه -: كما أن الرجل ينقل إلى أهله وابنته البكر مثل ذلك، فيلزمهم الصيام بقوله (¬4). وقال عبد الملك بن الماجشون في كتاب ابن حبيب: ينبغي إذا كان الناس مع إمام يُضَيِّع أمر الهلال ألا يَدَعُوا ذلك من أنفسهم، فمن ثبت عنده برؤية نفسه، أو برؤية من يثق بصدقه صام ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 267، 266. (¬2) قوله: (وقال سحنون. . . ولا أفطرت) ساقط من (س) و (ب). انظر: النوادر والزيادات: 2/ 8. (¬3) في (ق 3): (خبره، والصيام بشهادته). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 9.

عليه وأفطر، وحمل عليه من يقتدي به (¬1). وأجاز في هذا ثلاثة أشياء: الفطر والصوم، بقول الواحد، إذا كان أخبر عن رؤية نفسه، وأن يحمل عليه من يقتدي به (¬2)؛ لأنه يقطع بصدق نفسه، وأن يحملهم على قول غيره إذا كان ثقة عنده (¬3)، فإذا جاز أن يحمل من يقتدي به على الصوم بقول الواحد عند تضييع الإمام جاز للإمام أن يحمل الناس على مثل ذلك؛ لأنه لا يجوز أن يفعل عند عدم الإمام إلا ما يجوز للإمام أن يفعله، والأصل في ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ بِلاَلًا يُنَادِي بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ" (¬4). فأباح الأكل بقول بلال وحده، وألزم الإمساك بقول ابن أم مكتوم وحده، والأول يخبر عن رؤية نفسه، والثاني يخبر عما يخبره به غيره، وعلى هذا يجوز أن يفطروا بقول الواحد إذا أخبر عن غروب الشمس، فإن قيل: المؤذن في هذا بخلاف غيره؛ لأن الناس أقاموه لذلك، فأشبه الوكيل، قيل: يلزم على هذا أن يجوز مثل ذلك في الهلال إذا أقاموا واحدًا لالتماسه لهم فيعملوا على ما يخبرهم به من هلال رمضان أو شوال، مع أن العمل على ما يقوله المؤذن، كان السامع له من أهل تلك المحلة أو غيرها، وفي النسائي: عن ابن عباس قال: "جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: أَبْصَرْتُ الهِلاَلَ اللَّيْلَةَ. فَقَالَ: أَتَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنّي مُحَمَّدٌ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: يَا بِلاَلُ، قُمْ فَأَذِّنْ فِي النَّاسِ فَلْيَصُومُوا غَدًا" (¬5). وقد قيل في هذا الحديث: إنه يحتمل أن ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 12. (¬2) قوله: (وأجاز في هذا ثلاثة أشياء:. . . عليه من يقتدي به) ساقط من (ش). (¬3) قوله: (عنده) ساقط من (ش). (¬4) سبق تخريجه في كتاب الصلاة الأول، ص: 239. (¬5) (صحيح) أخرجه النسائي في المجتبى: 4/ 132، في باب قبول شهادة الرجل الواحد على هلال شهر رمضان، من كتاب الصيام، برقم (2113)، وابن ماجه في سننه: 1/ 529، في =

فصل وعلى من رأى الهلال أن يصوم صبيحة تلك الليلة

تكون تقدمت شهادة للآخر (¬1) بمثل ذلك. فصل وعلى من رأى الهلال أن يصوم صبيحة تلك الليلة وعلى من رأى هلال رمضان أن يصوم صبيحة تلك الليلة وإن لم يره غيره، وإن أفطر هو كان عليه القضاء والكفارة، إلا أن يكون متأولًا ويظن أنه لا يلزمه الصوم برؤيته بانفراده، وإن رأى هلال شوال بَيَّتَ الفطرَ، وأفطر إن كان في سفر يقصر في مثله، وإن كان لا يقصر (¬2) في مثله مع جماعة أمسك عن الأكل، وإن كان وحده أفطر (¬3)، وإن كان في حضر أمسك، وقال مالك في الموطأ: لا يأكل؛ لأن الناس يتهمون أن (¬4) يفطر من ليس بمأمون، ويقول أولئك إذا ظهر عليهم: قد رأينا الهلال (¬5)، وهذا منه على وجه الاحتياط، وإن خفي له كل. وقد اختلف في الزوجين يشهد عليهما بطلاق الثلاث وهما يعلمان أنهما شهدا بزور فقيل: لا بأس أن يصيبها إذا خفي له، فما يكون من واحد وهو الأكل أخفى مما يكون بين اثنين وهو الوطء. قال أشهب: إذا ظهر على من يأكل ذلك اليوم وقال: رأيت الهلال، عوقب إذا كان غير مأمون، إلا أن يكون ذكر ذلك قبل، وأذاعه، وإن كان مأمونًا لم يعاقب، وقدم إليه ألا يعاود، فإن فعل عوقب، إلا أن يكون من أهل ¬

_ = باب ما جاء في الشهادة على رؤية الهلال، من كتاب الصيام، برقم (1652) والحاكم في المستدرك: 1/ 437، من كتاب صلاة العيدين، برقم (1104)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد متداول بين الفقهاء ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. (¬1) في (ر): (لأحد). (¬2) قوله: (لا يقصر) ساقط من (س). (¬3) قوله: (وإن كان وحده أفطر) ساقط من (س). (¬4) قوله: (أن) ساقط من (ر). (¬5) انظر: الموطأ: 1/ 287، برقم (632).

الدين و (¬1) الرضا فلا يعاقب، ويغلظ عليه في الموعظة (¬2). قال الشيخ - رضي الله عنه -: وإذا رأى هلال ذي الحجة وحده كان عليه أن يقف وحده على رؤيته، وعلى من رأى الهلال أن يرفع ذلك إلى الإمام إذا كان الرائي عدلًا، واختلف في غير العدل، فقال أشهب: إن لم يكن منكشفًا، وأشبه أن تقبل شهادته، كان عليه أن يرفع، وإن كان منكشفًا، فأحب ذلك له، وليس بواجب (¬3). وقال أبو محمد عبد الوهاب: إذا كان فاسقًا، أو عبدًا، أو امرأة، فليس عليه أن يُعلم الإمام؛ لأنه يضع من نفسه لغير فائدة (¬4). والقول الأول أبن؛ لأنه قد يجتمع ممن (¬5) لا يحكم بقوله عدد (¬6) ما (¬7) يقع بقولهم العلم، وأيضا فإن ذلك يؤدي إلى ظهور الشهادة؛ لأن كثيرًا من الناس يقف عن الشهادة على الهلال خوفًا أن ترد شهادته (¬8) لانفراده، وقال محمد بن عبد الحكم: قد يأتي من رؤيته ما يشتهر (¬9) حتى لا يحتاج فيه إلى الشهادة والتعديل إذا كان عددًا لا يمكن فيهم (¬10) التواطؤ على الباطل (¬11). ¬

_ (¬1) قوله: (الدين و) ساقط من (ش). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 7. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 6. (¬4) انظر: المعونة: 1/ 283. (¬5) في (ش): (منهم). (¬6) قوله: (لا يحكم بقوله عدد) ساقط من (ش). (¬7) قوله: (ما): زيادة من (ش). (¬8) قوله: (شهادته) ساقط من (ش). (¬9) في (س) و (ش): (يشهد). (¬10) (في هامش (س) و (ش): (فيه). (¬11) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 10.

فصل رؤية الهلال نهارا

فصل رؤية الهلال نهارا وقال مالك (¬1) في كتاب ابن حبيب، وشرح ابن مزين في الهلال يرى قبل الزوال: وهو لليلة القابلة. (¬2) وقال ابن وهب، وعيسى بن دينار، وابن حبيب: هو لليلة الماضية، (¬3) فيمسك الناس على قولهم عن الأكل، إن كان ذلك في هلال رمضان، ولا يجوز الإمساك إن كان في (¬4) هلال شوال، ووجه ذلك، أن الله -عز وجل- أجرى العادة في رؤية الهلال عند الغروب ولم يختلفوا أن ذلك لمقاربته من الشمس، وأن انتقاله على قدر قدره الله سبحانه، كما قال: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} [يس: 39]، فإذا بعدت منزلته ورئي في المنزلة التي (¬5) العادة أن يكون فيها في الليلة الثانية، ويستحيل أن يكون في أول ليلة، حمل على أنه في الليلة الثانية (¬6)، وكذلك إذا خفي في أول ليلة لغيم أو ما أشبه ذلك فرئي في الليلة الثانية في المنزلة التي العادة أنه يكون فيها في الليلة الثانية، ولا يصح أن يكون فيها في أول ليلة، أنه يحمل على أنه لليلتين. ¬

_ (¬1) قوله: (مالك) ساقط من (س). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 267. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 12. (¬4) قوله: (في) ساقط من (ش). (¬5) قوله: (التي) ساقط من (ش). (¬6) قوله: (ويستحيل. . . الليلة الثانية) ساقط من (س).

باب في النية للصائم والوقت الذي يجب أن يؤتى بها فيه ولا تؤخر عنه والوقت الذي يوسع أن يؤتى بها فيه

باب في النية للصائم (¬1) والوقت الذي يجب أن يؤتى بها فيه ولا تؤخر عنه والوقت الذي يوسع أن يؤتى بها فيه الصيام قربة تفتقر إلى نية كالصلاة وغيرها من القرب، والأصل في ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ". . . الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ. . ." (¬2) الحديث، فدخل في ذلك الصوم وغيره، وقوله: "وَمَنْ لَمْ يبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَلاَ صِيَامَ لَهُ" رواه النسائي (¬3)، فلو ظل رجلٌ سائرَ يومه لم يأكل ولم يشرب بغير نية لم يكن متقربًا إلى الله سبحانه، ووقت النية موسع من غروب الشمس إلى طلوع الفجر. واختلف إذا قدّم النية قبل الغروب، أو أَخَّرَها حتى طلع الفجر، فقال مالك في مختصر ابن عبد الحكم: لا يجزئ الصوم إلا بنية قبل طلوع الفجر (¬4)، وقال أبو محمد عبد الوهاب: قبل الفجر أو معه (¬5). وهو أحسن؛ لقول الله سبحانه: {. . . وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ. . .} [الآية]. وإذا كان الأكل مباحًا حتى يطلع الفجر، لم تجب النية إلا في الموضع الذي يجب فيه الإمساك، ولا فائدة في تقدمة النية قبل ذلك، إذا كان بعد النية يأكل حتى يطلع الفجر. ¬

_ (¬1) قوله: (للصائم) في (ش): (في الصيام). (¬2) متفق عليه البخاري: 1/ 3، في باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كتاب بدء الوحي، برقم (1) وأخرجه مسلم: 3/ 1515، في باب قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الأعمال بالنية. . ."، من كتاب الإمارة، بلفظ: "الأعمال بالنية"، برقم (1907). (¬3) صحيح، أخرجه النسائي في المجتبى: 4/ 197، في باب ذكر اختلاف الناقلين لخبر حفصة، من كتاب الصيام، برقم (2334). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 12. (¬5) انظر: المعونة: 1/ 282.

وقال ابن القاسم: لو كان يطأ فأقلع حين رأى الفجر صح صومه (¬1). وإذا كان كذلك فلا شك أن النية إنما تجب عند التلبس (¬2) بالطاعة، وهو وقت الإمساك، والإمساك يجب عند رؤية الفجر، وفي كتاب الصوم من البخاري قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ لا يُنَادِي حَتَّى يَطْلُعَ الفَجْرُ" (¬3) هذا نص قوله، وهو طبق القرآن، وإذا وردت النصوص بهذا لم يعارض بقياس، فيقال: إنه يجب أن يمسك جزءًا من الليل، وأما تقدمة النية قبل الغروب فهو راجع إلى صفة الصوم. والصوم على ثلاثة أقسام: فالأول: المتتابع كرمضان، وشهري الظهار، وقتل النفس، ومن نذر شهرًا بعينه، أو نذر متابعة ما ليس بعينه. والثاني: ما هو مخير في متابعته كرمضان في السفر، وقضاء من أفطره عن مرض، أو سفر، أو ما أشبه ذلك، وكفارة الأيمان، وإماطة الأذى، وجزاء الصيد. والثالث: ما لا تصح متابعته؛ كصوم الاثنين والخميس، وما أشبه ذلك. فأما ما تجب متابعته فالنية في أوله لجميعه جازية (¬4). وقال محمد بن عبد الحكم: وقد قال مالك: إن التبييت ليس على الناس في رمضان، قال: والناس مجمعون فيه على الصوم، قال: وقال مالك: لا صيام ¬

_ (¬1) الذي في النوادر والزيادات: قال ابن القاسم، وقال ابن الماجشون: أما في الواطئ فليقضِ؛ لأن إزالته لفرجه جماع بعد الفجر: 2/ 19. (¬2) في (ر): (الالتباس). (¬3) سبق تخريجه في كتاب الصلاة الأول، ص: 239. (¬4) انظر: المعونة: 1/ 282.

إلا لمن يبيت (¬1). قال: وقوله الذي هو موافق للسنة أحب إلينا، يريد: أن عليه مبايتة كل ليلة. واختلف فيما لا تجب متابعته وفيما لا تصح المتابعة فيه على ثلاثة أقوال: فقيل: النية (¬2) في أول ذلك تجزئ، وقيل: لا تجزئ، وعليه أن يجدد النية كل ليلة، وقيل: تجزئ فيما يتابع دون غيره (¬3). وما كان حكمه المتابعة- فانقطع ذلك لمرض أو سفر أو حيض، صار حكمه عند الرجوع إلى التلبس بالصوم حكم ما لا تصح متابعته- مختلف فيه: فقال مالك في المبسوط فيمن كان شأنه سرد (¬4) الصوم لا يدعه: فإنه لا يحتاج للتبييت؛ لما قد أجمع عليه من ذلك (¬5)، وقال في العتبية: لا يجزئ المسافر إلا التبييت في كل ليلة من رمضان (¬6)، وقال غيره: لما كان له أن يفطر كان عليه أن يبيت في كل ليلة، (¬7) وهذان قولان فيما كان متابعته بالخيار. وقال ابن الجلاب فيمن أفطر في رمضان لمرض أو سفر أو حيض أو تعمد: وجب عليه تجديد النية (¬8). وقال مالك في المختصر في ناذر يوم الخميس يصبح يظنّه الأربعاء، قال: ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 214، 213. (¬2) في (س): (بالنية). (¬3) انظر: التفريع: 1/ 172. (¬4) في (س): (طرد). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 346. (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 346، قال فيه: (ولا يجزئه الصيام في السفر إلا أن يبيته في صيام رمضان). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 14. (¬8) انظر: التفريع: 1/ 172.

يمضي على صيامه، ويكفيه من نيته ما تقدم من إيجابه (¬1)، وقال ابن القاسم: لا يجزئه (¬2). وقال أشهب فيمن شأنه صوم يوم (¬3) الخميس فيمر به وهو لا يعلم حتى يصبح، قال: إن كان ربما أفطره لم يجزئه إلا أن يقول: أصوم كل خميس إلا ما أبيت (¬4) إفطاره (¬5). فلا يجزئه على أصل ابن القاسم بحال، والقياس أن تجزئ النية في كل صوم نوى متابعته وإن كان له ألا يتابعه، ولا فرق بينه وبين رمضان، ولا يجزئ فيما لا يتابع؛ لأن الأصل في النية أن تكون مقارنة للأعمال، وإلا كان عملًا بغير نية، لا سيما ما كان يتخلل (¬6) تلك الأعمال مما يضادها، فكان حمله في النية على ما كان في تلك الأيام والليالي من الفطر أولى من حمله على نية تقدمت في ليلة لصوم صامه قبل ذلك، ولا يوسع في ذلك بأكثر مما وردت به السنة، وهو تقدمتها من أول الليل، وهذا للضرورة؛ لأن الناس مضطرون إلى النوم، والغالب طلوع الفجر وهم نيام، إلا من كان له حزب، فلو كُلِّف الناس النية عند طلوع الفجر، تكلفوا الامتناع من النوم؛ لئلا يدركهم الفجر وهم نيام، وفي هذا حرج، وذلك ساقط بقوله سبحانه: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وبقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْر} [البقرة: 185] (¬7) ولو جاز أن يجتزئ ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 15. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 16. (¬3) قوله: (يوم) ساقط من (ش). (¬4) في (س): (ما ثبت). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 15. (¬6) قوله: (لا سيما ما كان يتخلل) يقابله في (س): (شيئًا ما كان بحال). (¬7) قوله: (وبقوله. . . العسر) ساقط من (ر).

من تقدم له نذر كل خميس بما تقدم له من النية من أول نذره وكان نذره من ستة أو عشرة عن هذا الخميس لأحزأت النية عن هذا الرمضان بالنية التي كانت من حين البلوغ؛ لأنه معتقد أن يصوم كل رمضان يأتي وهو حي، ومثله إذا أوجب صوم كل محرم أو رجب.

باب في صفة الصيام

باب في صفة الصيام الصوم الشرعي: الإمساك عن أربعة: الأكل، والشرب، والجماع وإن لم يكن إنزال، والإنزال (¬1) وإن لم يكن جماع، كالذي يستمتع بأهله خارج الفرج فينزل، ولا يفسد بالإنزال عن الاحتلام، وإن كان ذلك مما يوجب الغسل. واختلف في المذي، هل يفسد الصوم، أم لا؟ والقبلة والمباشرة والملامسة (¬2) غير محرمات في أنفسهن، وأمرهن متعلق في الإباحة والتحريم والكراهة بما يكون عنها، فمن كان يعلم من عادته أنه لا يسلم عند ذلك من الإنزال، أو يسلم مرة ولا يسلم أخرى، كان ذلك محرمًا عليه وعلى هذا يحمل قول مالك في المدونة فيمن باشر مرة واحدة أو قبّل قبلة واحدة: إن عليه القضاء والكفارة (¬3)، وقول ابن القاسم في المبسوط فيمن باشر مرة واحدة: إن عليه القضاء والكفارة، (¬4) ومن كان يعلم من عادته السلامة من ذلك، وأنه لا يكون عنه إنزال ولا مذي كان مباحًا، وإن كان لا يسلم من الإمذاء كان على الخلاف فمن (¬5) أفسد به الصوم كان الإمساك عن سببه واجبًا، ومن لم يفسد به كان الإمساك مستحبًا. وقال أبو القاسم ابن الجلاب: القضاء عن المذي مستحب (¬6). وقال ابن حبيب: إذا نظر على غير تعمد فأمذى فلا ¬

_ (¬1) قوله: (وإن لم يكن إنزال، والإنزال) يقابله في (س): (بالإنزال). (¬2) قوله: (والملامسة) ساقط من (ش). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 268. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 269، الذي في النوادر والزيادات: ورَوَى ابن القاسم، عن مالكٍ في المباشرة: أَنَّه إذا التذَّ وأنعظَ ولم يُمذِ، فأحبُّ إليَّ أنْ يقضيَ: 2/ 48. (¬5) في (ر): (فيمن). (¬6) انظر: التفريع: 1/ 181.

قضاء عليه، وفرق بين ذلك وبين أن يمني (¬1)، فلم يرَ أن يفسد به الصوم، والذي يتذاكر به أن القضاء عليه (¬2) واجب. والقول الأول أحسن، وإنما ورد القرآن بالإمساك عما ينقض الطهارة الكبرى دون الصغرى، ولو وجب القضاء بما ينقض الطهارة الصغرى لفسد الصوم بمجرد القبلة والمباشرة والملامسة وإن لم يكن مذي، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَّهُ كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ" (¬3)، وأخرج مسلم عن عمر بن أبي سلمة أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن القبلة للصائم، فأفتاه بجواز ذلك (¬4)، وعمر بن أبي سلمة حينئذٍ حديث السن، فالصوم والصلاة في هذا مختلفان، واتفق الجميع على أنه لا يجيء في عمده كفارة، ولا يقطع التتابع إذا كان صيام ظهار أو قتل نفس. ونظرُ الرجل إلى أهله على وجه التلذذ جائز، إلا أن يديم النظر فيكون الأمر في ذلك إلى عادته، فإن كان يعلم أنه لا يحدث منه أكثر من التلذذ جاز ذلك له (¬5)، وإن كان يحدث منه الإنزال كانت الاستدامة محرمة، وإن كان ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 48. (¬2) في (س) و (ش): (عنه). (¬3) أخرجه مسلم: 2/ 776، في باب بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته، من كتاب الصيام، برقم (1106). (¬4) لم أقف عليه بهذا السياق، وبمعناه أخرجه أبو داود في سننه: 1/ 725، في باب القبلة للصائم، من كتاب الصيام، برقم (2385)، وابن حبان: 8/ 313، باب قبلة الصائم، من كتاب الصوم في صحيحه، رقم (3544) بإسناد صحيح من حديث جابر بن عبد الله قال: قال عمر بن الخطاب: هششت فقبلت وأنا صائم فقلت يا رسول الله صنعت اليوم أمرا عظيما قبلت وأنا صائم قال: "أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم" -قال عيسى بن حماد في حديثه -قلت لا بأس به- ثم اتفقا- قال "فمه". (¬5) قوله: (له) ساقط من (ر).

فصل الفطر يقع بالمأكول والمشروب المعتاد وغير المعتاد

يحدث (¬1) مذي فعلى الاختلاف المتقدم، وذهب القاضي أبو محمد عبد الوهاب أنه إذا دخل عليه إنزال ولم يكن سببه منه لم يفسد صومه (¬2)، وأظنه قاسه على الاحتلام. ويدخل فيما (¬3) ذهب إليه من ذلك ما (¬4) يكون عند (¬5) المسابقة وغيرها. فصل الفطر يقع بالمأكول والمشروب المعتاد وغير المعتاد الفطر يقع بالمأكول والمشروب المعتادين وبغير المعتادين كالعقاقير، وبما ليس من المأكولات إذا كان يغذِّي كالتراب والنوى. واختلف في وقوع الفطر بتسع: بالتافه من الطعام كفلقة الحبة، وبما فوق ذلك إذا كان مما تدعو إليه الضرورة كغبار الدقيق، وبما لا يغذِّي كالحصاة والبلغم، وبما يصل من العين، وإذا قاء ثم غلب على رجوع شيء منه، وإذا تقيأ (¬6) وإن لم يرجع شيء منه، وفي الحقنة بالمائعات، وفي وقوع الفطر بالنية لمن تقدم له التبييت قبل أن يصبح، فلا يفسد الصوم فلقة (¬7) الحبة تكون في الفم، إذا لم يتعمد وكان مغلوبًا (¬8) ومضت مع ريقه. ¬

_ (¬1) قوله: (كان يحدث) يقابله في (س): (حدث). (¬2) انظر: المعونة: 1/ 290. (¬3) في (س): (بما). (¬4) في (س): (بما). (¬5) في (س): (على). (¬6) أي: تعمد إخراج ما في جوفه. (¬7) في (س): (ففلقة). (¬8) في (س): (مغلوبة).

واختلف في غير المغلوب إذا كان ساهيًا أو جاهلًا أو عامدًا، فقال في كتاب أبي مصعب: إذا كان ساهيًا فعليه القضاء، وإن كان متعمدًا كان عليه القضاء والكفارة (¬1)، وأجراه (¬2) على حكم الكثير من الطعام. وقال في مختصر ابن عبد الحكم: إن كان جاهلًا فلا شيء عليه، وقال ابن حبيب: إن كانت (¬3) بين أسنانه فلا شيء عليه، ساهيًا كان أو عامدًا أو جاهلًا، وإن تناولها من الأرض كانت كسائر الطعام- عليه في السهو القضاء، وفي الجهل والعمد القضاء والكفارة. قال: من قِبَلِ الاستخفاف بصومه، وليس من قِبَلِ أنه تغذى (¬4)، وقول أبي مصعب أحسن. والإمساك عن حقير الطعام وغيره واجب، ولا يسقط القضاء إلا فيما لا ينفك منه وتدعو الضرورة إليه، وقال أشهب في مدونته في غبار الدقيق: عليه القضاء، وقال أبو محمد عبد الوهاب: لا شيء عليه (¬5). والأول أحسن، وهو الأصل، ويلزم الصائم اجتناب ذلك، ولا شيء في غبار الطريق؛ لأنه ضرورة لا ينفك الناس منه. واختلف في الحصاة والدرهم، فذهب ابن الماجشون في "المبسوط": أن له حكم الطعام، فعليه في السهو القضاء، وفي العمد القضاء والكفارة، وقال ابن القاسم في كتاب ابن حبيب: لا قضاء عليه إلا أن يكون متعمدًا فيقضي لتهاونه بصومه (¬6). فجعل القضاء مع العمد من باب العقوبة، والأول أشبه؛ ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 41. (¬2) في (س): (وأجازه). (¬3) في (ر): (كان). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 41. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 39. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 41.

لأن الحصاة تشغل المعدة إشغالًا ما، وتنقص من كلب (¬1) الجوع، ولا شيء في البلغم إذا نزل إلى الحلق وإن كان قادرًا على طرحه، واختلف إذا وصل اللهوات (¬2) ثم عاد، فقال ابن حبيب: أساء ولا شيء عليه، وقال سحنون في كتاب ابنه: عليه القضاء، وشك في الكفارة (¬3). ولا شيء على من ذرعه القيء إذا لم يرجع إلى حلقه، أو رجع قبل وصوله، واختلف إذا رجع قبل وصوله مغلوبًا أو غير مغلوب وهو ناسٍ - فروى ابن أبي أويس عن مالك في المبسوط عليه القضاء إذا رجع شيء وإن لم يزدرده (¬4)، وقال في مختصر ما ليس في المختصر: لا شيء عليه إذا كان ناسيًا، وهذا اختلاف قول، فعلى قوله في المغلوب يقضي؛ يقضي (¬5) الناسي وهو أولى بالقضاء، وعلى قوله في الناسي لا شيء عليه: يسقط القضاء عن المغلوب. واختلف في المتعمد للقيء (¬6) فقال ابن الماجشون: عليه القضاء والكفارة (¬7). وقال عروة بن الزبير ويحيى بن سعيد في مدونة أشهب: من ¬

_ (¬1) الكلب: المقصود بها الشدة والحدة قال في لسان العرب: (الكَلَبُ بالتحريك وقد كَلِبَ الشتاءُ بالكسر والكَلَبُ أَنْفُ الشّتاءِ وحِدَّتُه،. . الكُلْبةُ كُلُّ شِدَّةٍ وقيل: أَقْصى الفم) انظر: لسان العرب: 1/ 721. (¬2) اللهوات: جمع لهاة، قيل: هي ما بين مُنْقَطَع أَصل اللسان إِلى منقطَع القلب من أَعلى الفم. انظر: لسان العرب: 15/ 258. (¬3) الذي في النوادر والزياداتد (قال ابن سحنون، عن أبيه في البلغم يخرج من صدر الصائم، ومن رأسه، فيصير على طرف لسانه، ويُمكنه طرحه فيبتلعه ساهيًا: فعليه القضاءُ. وشكَّ في الكفارة في عمده، ولم يشكَّ في القضاء). انظر: النوادر والزيادات: 2/ 42. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 45، والازدراد: الابتلاع. انظر: لسان العرب: 3/ 194. (¬5) قوله: (يقضي) ساقط من (ب)، وفي (ر): (يكون). (¬6) قوله: (للقيء) ساقط من (ر). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 45.

فصل الخلاف في وقوع الفطر بما يصل من العين

استقاء فقد أفطر (¬1)، وقيل: لا يقع به فطر، ويستحب القضاء لإمكان أن يكون رجع شيء. وهو أحسن، وهو الظاهر من قول ابن القاسم؛ لأنه لم يرَ ذلك في صوم الظهار قاطعًا للتتابع (¬2)، وهذا هو الصواب، وغيره وهم، وإنما ورد القرآن بامتناع إدخال الطعام وليس أن يخرجه، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - إخبارًا عن الله سبحانه: ". . يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَحلي. ." (¬3) الحديث. فصل الخلاف في وقوع الفطر بما يصل من العين واختلف في وقوع الفطر بما يصل من العين إلى الحلق فقال في المدونة: عليه القضاء (¬4)، وقال أبو مصعب: لا قضاء عليه، وهذا راجع إلى ما تقدم من فلقة الحبة، بل هذا على أصل ابن حبيب أخف ليسارة ما يصل من ذلك الموضع. والاكتحال جائز لمن يعلم من عادته أنه لا يصل إلى حلقه، ويختلف فيه إذا كان يعلم من عادته أنه يصل، فمن أوقع به الفطر منع، ومن لم يوقع به الفطر منعه على وجه الاستحسان ليسلم من الخلاف. وذكر أشهب عن مالك في مدونته قولين: الكراهة، والجواز (¬5)، وقال: ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 271. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 271. (¬3) أخرجه البخاري: 2/ 670، في باب فضل الصوم من كتاب الصوم في صحيحه برقم (1795). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 44. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 44، 45.

فصل الخلاف في وقوع الفطر بالنية من غير أكل

وما كان الناس يشددون في مثل هذه الأشياء هكذا، وعلى هذا يجري الجواب فيما يقطر في الأذن، فيجوز إذا كان لا يصل، ويختلف فيه إذا كان يصل، إلا أن يكون الواصل من ذلك ليس بالتافه. ويمنع الاستعاط (¬1)؛ لأنه في منفذ متسع، ولا ينفك المستسعط من وصول ذلك إلى حلقه. واختلف في الاحتقان بالمائعات، هل يقع به فطر؟ وألا يقع أحسن؛ لأن ذلك مما لا يصل إلى المعدة، ولا إلى موضع ينصرف منه ما يغذي الجسم بحال. فصل الخلاف في وقوع الفطر بالنية من غير أكل واختلف في وقوع الفطر بالنية من غير أكل ولا غيره مما يقع به الفطر إذا كانت النية بعد انعقاد الصوم وصحته، فجعله في المدونة مفطرًا، وعليه القضاء (¬2)، وفي كتاب ابن حبيب أنه على صومه، قال: ولا يخرجه من الصوم إلا الإفطار بالفعل وليس بالنية (¬3). والأول أحسن؛ لأن الإمساك لا يكون قربة لله سبحانه إلا بالنية، فإذا أحدث هذا نية أنه لا يمسك بقية يومه لله تعالى لم يكن مطيعًا ولا متقربًا لله سبحانه، وكان بمنزلة من صلى من الفريضة ركعتين ثم نوى أنه يتمها، على ¬

_ (¬1) الاستعاط من السَّعُوطُ، والسَّعُوطُ -بالفتح- والصَّعوطُ اسم الدواء يُصبُّ في الأَنف. انظر: لسان العرب: 7/ 314. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 51. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 51.

فصل [في الاحتقان وغيره يصل جوف الصائم]

أنه غير متقرب لله سبحانه بما بقي من عمل تلك الصلاة وهو ذاكر غير ناسٍ لما دخل فيه، أو غسل بعض أعضائه بنية الطهارة ثم أتم ذلك على وجه التبرد، فإنه لا يجزئه شيء من ذلك، وإن كان نوى أنه يفطر بالفعل بالأكل أو الشرب أو غيره، ثم بدا له وأتم على ما كان عليه أجزأه صومه، وليس كالأكل؛ لأن الأول نوى أن يكون في إمساكه غير متقرب لله سبحانه، وهذا نوى أن يفعل شيئًا يفطر به، فلم يفعل، وبقي على نية القربة، فكان بمنزلة من كان على طهارة ثم بدا له أن ينقض ذلك بالحدث، أو بإصابة أهله، ثم لم يفعل فإنه يكون على طهارته. وقال مالك في المجموعة في رجل كان صائمًا في رمضان في السفر فأجهده العطش فقرب إليه سفرته ليفطر فأهوى بيده فقيل له: ليس في الرحل ماء، قال: أحب إليَّ أن يصوم يومًا مكانه، فإن كان عليه قضاؤه، وإلا فقد احتاط (¬1)، وكان صوم يوم يسيرًا. قال الشيخ - رضي الله عنه -: يستحب له على هذا أن يستأنف الطهارة. وأن لا شيء عليه في هذا كله أحسن، ولو كان على هذين أن يستأنفا الصوم والطهارة لكان على من أراد أن يصيب أهله ثم لم يفعل أن يغتسل. فصل [في الاحتقان وغيره يصل جوف الصائم] الاحتقان بما لا يبلع، وصب الدهن في الذكر، ووصول ما يعالج به الجائفة إلى الجوف، والحجامة، والغيبة، لا يقع بشيء من ذلك فطر، وقال الأوزاعي في الغيبة: إنها تفطر؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 25.

بِهِ، فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَع طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ" أخرجه البخاري (¬1)، وجميع فقهاء الأمصار وغيرهم: على أنه لا يقع بذلك فطر، وليس العمل على الحديث؛ لأن مفهوم الحديث: من لم ياع قول الزور لا (¬2) يدع الأكل والشرب، ولا خلاف أنه لا يجوز لمن اغتاب أن يأكل ويشرب، وإذا كان ذلك وسقط العمل بمضمون الحديث كان على صومه، وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَّهُ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ" أخرجه البخاري (¬3). والحديث: "أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ" (¬4) غير صحيح (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري: 2/ 673، في باب من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم، من كتاب الصوم في صحيحه، برقم (1804). (¬2) في (ر): (لم). (¬3) في (ر): (البخاري ومسلم) ولم أقف عليه في مسلم. والحديث أخرجه البخاري: 2/ 685، في باب الحجامة والقيء للصائم، من كتاب الصوم في صحيحه، برقم (1836). (¬4) أخرجه البخاري معلقًا: 2/ 684، في باب الحجامة والقيء للصائم، من كتاب الصوم في صحيحه. (¬5) قوله: (غير صحيح) فيه نظر لأهل العلم، قال الترمذي في سننه: 3/ 144: (قال الشافعي: قد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه احتجم وهو صائم، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أفطر الحاجم والمحجوم" ولا أعلم واحدا من هذين الحديثين ثابتا)، وقال الحاكم في المستدرك: 1/ 594، بعد أن ذكر له روايات عديدة: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وفي الباب عن جماعة من الصحابة بأسانيد مستقيمة مما يطول شرحه في هذا الموضع سمعت أبا الحسن أحمد بن محمد العنبري يقول: سمعت عثمان بن سعيد الدارمي يقول: قد صح عندي حديث: "أفطر الحاجم والمحجوم" لحديث ثوبان وشداد بن أوس، وأقول به، وسمعت أحمد بن حنبل يقول به، ويذكر أنه صح عنده حديث ثوبان وشداد)، وقال ابن عبد البر في الاستذكار: 3/ 323، (وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أفطر الحاجم والحجوم" من طرق يصحح بعضها أهل العلم بالحديث)، وقال ابن حجر في فتح الباري: 4/ 177، (قال عثمان الدارمي: صح حديث: "أفطر الحاجم والمحجوم" من طريق ثوبان وشداد قال وسمعت أحمد يذكر ذلك وقال المروزي قلت لأحمد أن يحيى بن معين قال ليس فيه شيء يثبت فقال هذا مجازفة وقال ابن خزيمة صح الحديثان جميعا وكذا قال بن حبان والحاكم =

فصل ما يقع به الفطر

وأيضًا: فإنه لا خلاف بين أهل العلم أن من أعان صائمًا على الفطر فقرب إليه طعامًا أنه لا يكون المعين بذلك مفطرًا، وكذلك إذا أكرهه على الفطر فإنه لا يكون بذلك مفطرًا. فصل ما يقع به الفطر الفطر يقع بالأكل والشرب، كان ذلك عن عمد، أو نسيان، أو إكراه, أو اجتهاد أو (¬1) يرى أن الفجر لم يطلع، أو أن الشمس غربت، أو غير ذلك من التأويل، ويفترق الجواب في وجوب القضاء وإمساك بقية ذلك اليوم، فإن كان متعمدًا وجب عليه القضاء أي جنس كان صومه ذلك، ويفترق الجواب في إمساك بقية ذلك اليوم، فإن كان معينًا كرمضان، والنذر المعين، وما أشبه ذلك مما ليس بمضمون في الذمة، كان عليه إمساك بقيته, وإن كان مضمونًا لم يكن عليه إمساك. وإن كان فطره على غير عمد كان الجواب في الإمساك والقضاء على ثلاثة أقسام (¬2): فتارة يجب الإمساك والقضاء، وتارة يجب الإمساك دون القضاء، وتارة يجب القضاء دون الإمساك، على اختلاف في بعض هذه الوجوه. فإن كان ذلك في رمضان أمسك وقضى، وإن كان في قضاء رمضان كان بالخيار في إمساكه، والاستحباب الإمساك، ويجب القضاء، وإن كان صوم تجب متابعته كالظهار وقتل النفس فأفطر أول يوم وجب عليه (¬3) القضاء، ويستحب له أن يمسك بقية يومه ثم يستأنف العدة شهرين، وإن كان فطره في ¬

_ = وأطنب النسائي في تخريج طرق هذا المتن وبيان الاختلاف فيه فأجاد وأفاد). (¬1) قوله: (أو) ساقط من (ش). (¬2) في (ش): (أقوال). (¬3) قوله: (عليه) ساقط من (س) و (ب) و (ش).

تضاعيف صومه كان في ماضي صومه (¬1) ثلاثة أقوال: فقيل: يقطع حكم المتابعة وعليه استئنافه، وقيل: يمضي (¬2) صومه ويقضي يومًا يصله بصومه (¬3) ويجزئه, وقيل: إن صح منه التبييت ثم أكل ناسيًا، أو وهو يظن أن الفجر لم يطلع، أو الشمس قد غربت كان له أن يبني على ما مضى، وإن لم يصح منه التبييت وكان بيت الفطر (¬4) ظنًا منه أنه أتم صومه، أو لغير ذلك استأنف الصوم (¬5)، وأما إمساك بقية ذلك اليوم فمن قال: يسقط حكم الماضي، يكون له أن يفطر، ومن قال: لم يسقط الماضي، لم يفطر إن (¬6) كان بيت صومه، وإن لم يبيته أفطره، وإن نسي أن يصل اليوم (¬7) عند انقضاء الشهرين ثم ذكر بعدما أكل ولم يكن بيت صومه لم يجزئه. واختلف إذا ذكر قبل أن يأكل، وكانت نيته أن يقضي ذلك اليوم ويصله، هل يجزئه صوم ذلك اليوم، أم لا؟ فقال عبد الملك: يمسك عن الأكل ويجزئه (¬8)، وقال ابن القاسم وغيره: لا يجزئه (¬9)، وإذا لم يصح صومه لأنه أكل فيه أو لعدم التبييت على قول ابن القاسم، فإنه يختلف، هل يبطل الماضي ويستأنف صومه، أو يقضي يومًا ويجزئه؟ ¬

_ (¬1) قوله: (في ماضي صومه) يقابله في (ر): (فيما مضى من صومه). (¬2) في (س): (يقضي). (¬3) في (ر): (بالشهرين). (¬4) قوله: (الفطر) ساقط من (ش). (¬5) قوله: (الصوم) ساقط من (س). (¬6) في غير (ب): (وإن). (¬7) في (ش): (الصوم). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 61. (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 61.

وأحسن هذه الأقوال أن يجزئه صومه الماضي ولا يجب عليه أن يستأنفه قياسًا على الصلاة؛ لأن متابعتها واجبة فإن سلم من ركعتين ساهيًا ثم ذكر بقرب ذلك بنى على ما مضى ولم يكن عليه أن يستأنف الصلاة من أولها. وفي ذكره بعد أن يطول اختلاف، وإن كان صومًا لا تجب متابعته كجزاء الصيد، وفدية الأذى، وكفارة الأيمان، وجب القضاء وهو بالخيار في الإمساك، وإن كان منذورًا (¬1) غير معين وجب القضاء وهو بالخيار في الإمساك، وإن كان منذورًا معينًا كان عليه أن يمسك دقيته، واختلف في القضاء على أربعة أقوال: فقال ابن القاسم: يقضي إذا أفطره ناسيًا (¬2)، ولا يقضي إن مرضه، وقال مالك (¬3) في المبسوط: يقضي إذا مرضه (¬4). فعلى هذا يقضي إذا نسيه، وقال سحنون: لا قضاء عليه نسي أو مرض، وقال عبد الملك بن الماجشون: إذا كان يومًا يرجو بركته فلا قضاء عليه (¬5)، فوجه القضاء قياسًا على صوم رمضان إذا غلب على صومه بمرض أو غيره فهو معين، والقضاء واجب متى غلب عليه، ووجه سقوطه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتكْرِهُوا عَلَيْهِ" (¬6). فقرن النسيان بالاستكراه. والناذر متطوع بالتزام صوم عين غلب ¬

_ (¬1) في (س): (نذر يوم أو). (¬2) قوله: (أفطره ناسيًا) يقابله في (ر): (أفطر وهو ناس). (¬3) قوله: (مالك) ساقط من (ش). (¬4) الذي وقفت عليه في المدونة: (أن مالكًا قال فيمن نذر أن يصوم شهرًا بعينه فمرض فلا قضاء عليه؛ لأن الحبس إنما أتى من الله -عز وجل- ولم يكن من سببه)، انظر: المدونة: 1/ 281، وجاء في النوادر والزيادات عن مالك: (ومن نذر صوم شهر بعينه فما غلب عليه من الإغماء والحيض في المرأة فلا قضاء فيه، وأخاف في المرض أن يقضي. قال محمد: والمعروف من قول مالك أن لا يقضي ما مرض منه)، انظر: النوادر والزيادات: 4/ 27. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 62. (¬6) سبق تخريجه في كتاب الطهارة, ص: 185.

عليها فلم يلزمه القضاء على الأصل في التطوعات، ويفارق القضاء عن رمضان؛ لأن ذلك لم يجب بمجرد الأمر الأول وإنما وجب بقوله -عز وجل-: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وهو أمر ثانٍ، وفرض ثانٍ، وإن نذر أيامًا متتابعة غير معينة كان الجواب فيها إذا أفطر في أول يوم أو (¬1) في تضاعيف صومه وبعد تمام العدة على ما تقدم في المظاهر، وإن نذر صوم شهر بعينه فأفطر يومًا منه أمسك (¬2) بقية يومه ذلك وقضاه إن كان متعمدًا، واختلف إذا أفطر جميعه عمدًا هل يقضيه متتابعًا؟ فقال ابن القاسم: يقضيه مفترقًا إن شاء، وقال أشهب في مدونته: يقضيه متتابعًا، قال: وإن صام بعضه ثم أفطر بقيته أجزأه ما صام منه وقضى ما أفطر منه متتابعًا (¬3). والفطر (¬4) في القضاء على ثلاثة أوجه: فإن بيت الصيام ثم قام من آخر الليل وقد طلع الفجر فأكل ثم تبين له أن الفجر قد طلع فإنه يمسك بقية يومه، واختلف في قضائه، فقال ابن القاسم في المدونة: لا قضاء عليه (¬5)، وقال في العتبية: أحب إليَّ أن يقضي (¬6)، وإن كانت نيته (¬7) من الليل أنه يقوم فيتسحر (¬8) ثم يعقد الصيام بعد سحوره، فتسحر، ثم تبين له أن الفجر قد طلع، كان له أن يأكل بقية يومه ولا قضاء عليه، وكذلك إذا لم ينو الصيام ¬

_ (¬1) في (س): (و). (¬2) في (ر): (أمسك في). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 56. (¬4) في (ر) و (ب): (والتطوع)، وهي مستدركة في هامش (ر). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 278. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 15. (¬7) قوله: (كانت نيته) يقابله في (س): (كان بيته). (¬8) في (س): (من الليل).

من أول الليل فلما استيقظ من آخره أكل وهو يرى أن الفجر لم يطلع ثم نوى الصوم ثم تبين له أن الفجر قد كان طلع، فإن له أن يأكل بقية يومه ولا قضاء عليه. والإكراه في وجوب القضاء كالمرض، فإن أكره على الفطر في صوم يوم من رمضان، أو في صوم مضمون، وجب عليه القضاء، وإن كان منذورًا معينًا كان القضاء على ما تقدم من الخلاف إذا مرضه، وإن كان متطوعًا لم يقضه. والإكراه لا يسقط التتابع، فإن أكره في شهري الظهار، أو قتل النفس قضى ذلك اليوم ووصله بصومه, ولم يستأنفه.

باب فيمن يجب عليه الصيام

باب فيمن يجب عليه الصيام الصيام يجب بأربعة شروط: البلوغ، والعقل، والإقامة, والقدرة عليه من غير حرج ولا ضرر يدرك الصائم، ويسقط عن اثني عشر: عن الصبي، والمجنون، والمغمى عليه، والحائض، والنفساء، والمسافر، والمريض، والصحيح الضعيف البنية العاجز عن الوفاء به، والشيخ الكبير، والحامل، والمرضع، والمتعطش، على شروط تسقط عنهم الصوم وتبيح (¬1) لهم الفطر. وصفة سقوطه مختلفة، هل هو في الأداء والقضاء؟ أو في أحدهما: الأداء دون القضاء؟ أو القضاء دون الأداء؟ وإذا سقط الخطاب بالأداء دون القضاء فأحب لمن خوطب بالقضاء أن يعجل صومه في رمضان ويجعله أداء، ولم يجز ذلك للحائض ولم يجزئها، وأجزأ المسافر، والمريض، والحامل، ثم هم على منازل (¬2)، فمنهم من يستحب له أن يجعله أداء، ومنهم من يكره له، ومنهم من لا يجوز له ويمنع منه، فإن فعل أجزأه، وبيان ذلك يأتي فيما بعد إن شاء الله تعالى، فسقط الصوم عن الصبي والمجنون والمغمى عليه؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ. . ." (¬3) الحديث، وسقط عن الحائض والنفساء؛ لقوله: ¬

_ (¬1) قوله: (تسقط عنهم الصوم وتبيح) يقابله في (س): (يسقط عنهم الصوم ويباح). (¬2) في (س): (منازلهم). (¬3) صحيح، أخرجه أبو داود في سننه: 2/ 544، في باب المجنون يسرق أو يصيب حدًا، من كتاب الحدود، برقم (4398)، والترمذي في سننه: 2/ 32، في: باب فيمن لا يجب عليه حد، من كتاب الحدود، برقم (1423)، والنسائي في المجتبى: 6/ 156، في باب من لا يقع طلاقه من الأزواج، من كتاب الطلاق، برقم (3432)، وابن حبان: 1/ 255، في باب التكليف, من كتاب الإيمان في صحيحه، برقم (142)، والحاكم في المستدرك: 2/ 67، من كتاب البيوع، برقم (2350)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم =

فصل [حكم صوم الصبية]

"مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ، قالت امرأة: يا رسول الله، وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا؟ قال: أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ. . ." (¬1)، ووجب القضاء؛ لقول عائشة - رضي الله عنها - وسئلت عن الحائض هل تقضي الصلاة؟ فقالت: "كُنَّا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصِّيَامِ وَلاَ نُؤْمَرُ بقَضَاءِ الصَّلاَةِ"، أخرج هذين الحديثين البخاري ومسلم (¬2). وسقط عن المريض والمسافر الأداء ووجب القضاء، لقول الله سبحانه: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}، وسقط الأداء عن بقية من ذكرناه، لمشاركتهم المريض والمسافر في مشقة الصوم، ولقول الله سبحانه: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}، ولقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29]. فصل [حكم صوم الصبية] الصوم ساقط عن الصَّبِيَّة ما لم تبلغ, ولبلوغها ثلاث علامات: الاحتلام, والحيض, والحمل, فإن حاضت أو احتلمت في بعض يوم لم تمسك بقيته ولم تقضه، وتقضي ما سوى ذلك من أيام حيضتها؛ لأنها دخلت في الخطاب بالحيض، وإن لم يعلم بلوغها إلا بظهور الحمل نظرت، فإن تبين حملها ¬

_ = يخرجاه، ووافقه الذهبي. (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 116 في باب ترك الحائض الصوم، من كتاب الحيض في صحيحه، برقم (298)، ومسلم: 1/ 87 , في باب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات, وبيان إطلاق لفظ الكفر على غير الكفر بالله؛ ككفر النعمة والحقوق, من كتاب الإيمان, برقم (80). (¬2) متفق عليه, أخرجه البخاري: 1/ 122، في باب لا تقضي الحائض الصلاة، من كتاب الحيض في صحيحه، برقم (315)، ومسلم: 1/ 265، في باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة، من كتاب الحيض، برقم (335).

فصل [في صوم المجنون]

في رمضان أمسكت باقيه، وقضت ماضيه، وإن تبين في شوال أو ذي القعدة قضت جميعه؛ لأن الحمل لا يتبين في أقل من ثلاثة أشهر، وإن تبين في نصف ذي الحجة قضت نصف شهر (¬1)، وإن تبين بعد انقضائه لم تقض شيئًا. فصل [في صوم المجنون] المجنون غير مخاطب بالصوم في حال جنونه ولا خلاف في ذلك، واختلف هل هو مخاطب بالقضاء على ثلاثة أقوال: فقيل: عليه القضاء. وسواء بلغ صحيحًا أو مجنونًا، قلَّت السنون التي جُنَّ فيها أو كثرت وهو قول مالك وابن القاسم في المدونة (¬2). وقيل: إن قلّت السنون كالخمس ونحوها كان عليه القضاء، وإن كثرت كالعشر وما فوق ذلك لم يكن عليه قضاء، ذكره ابن حبيب عن مالك والمدنيين من أصحابه (¬3). وقيل: إن بلغ مجنونًا فلا قضاء عليه، وإن بلغ عاقلًا ثم جن كان عليه القضاء، قال ابن الجلاب: وأظنه قول عبد الملك (¬4). وقد اتفقت هذه الروايات على أنه إذا بلغ صحيحًا ثم جُنَّ وقلَّت السنون أن عليه القضاء، فمن أوجب القضاء على المجنون قاسه على الحائض أنها تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، ومن أوجبه فيما قلَّ قاسه على توجيه القول في ¬

_ (¬1) قوله: (نصف شهر) يقابله في (ر): (نصفه). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 185، قال فيها: (قال مالك في المجنون إذا أفاق: قضي الصيام ولم يقض الصلاة)، (بتصرف). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 30. (¬4) انظر: التفريع: 1/ 183.

فصل [أحوال المغمى عليه]

الحائض أنها لم تقض الصلاة لتكررها وقضت الصوم؛ لأنه مما لا يتكرر، فإذا كثر ما لزم المجنون من الصوم لطول السنين كان (¬1) بمثابة الصلاة للحائض، ومن أسقطه عمن بلغ مجنونًا قاسه على الصبي؛ لأنه لم تمر به (¬2) حالة يتوجّه عليه الخطاب فيها بشيء من الفروض ففارق المريض والحائض؛ لوجود العقل منهما وأنهما من أهل التكليف. فصل [أحوال المغمى عليه] للمغمى عليه خمسُ حالاتٍ: حالة لا يجزئ معها الصوم، وحالة يجزئ، وثلاث مختلف فيهن، هل يجزئ معها الصوم، أم لا؟ فإن كان الإغماء قبل طلوع الفجر متماديًا إلى غروب الشمس لم يجزئه صوم ذلك اليوم، وإن كان الإغماء بعد طلوع الفجر وأغمي عليه أيسر النهار أجزأه، واختلف إذا كان الإغماء قبل الفجر والإفاقة بعده ولم يطل ذلك، فقال مالك في المدونة: لا يجزئه، (¬3) وفي سماع أشهب عنه: أنه يجزئه (¬4). واختلف إذا كان الإغماء بعد طلوع الفجر، والإفاقة (¬5) نصف النهار أو أكثره فقال مالك (¬6) في المدونة: يجزئه إذا أغمي عليه نصف النهار، ولا يجزئه في أكثره (¬7)، وقال في كتاب ابن حبيب: إن أغمي عليه نصف النهار لم يجزئه، وقال ¬

_ (¬1) قوله: (كان) ساقط من (س). (¬2) في (ش): (عليه). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 276. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 28. (¬5) قوله: (والإفاقة) ساقط من (ش). (¬6) قوله: (مالك): ساقط من (ش). (¬7) انظر: المدونة: 1/ 277.

أشهب: إن أغمي عليه أكثر النهار يقضي استحسانًا, ولو اجتزأ به رجوت أن يجزئه (¬1)، وقال ابن وهب: يجزئه. قال الشيخ - رضي الله عنه -: وأرى أن لا يجزئه إلا أن يغمى عليه بعد الفجر أيسر النهار فيكون قد انعقد (¬2) له أوله وتقرب إلى الله سبحانه بإمساك معظمه، ويعفى عما أغمي عليه فيه لقلته، ولا يجزئه إذا كان الإغماء قبل الفجر؛ لأنه لم يكن حينئذٍ من أهل التكليف، وهو بمنزلة المجنون وليس بمنزلة النائم؛ لأن النائم مخاطب ويقضي الصلاة وهذا لا يقضيها؛ لسقوط الخطاب عنه، وهو بمنزلة الصبي يحتلم في بعض النهار، وقول ابن حبيب: إن للمغمى عليه أن يأكل بقية يومه (¬3) مما يؤيد هذا، وأن لا يجزئه إذا كان الإغماء بعد الفجر نصف النهار أو أكثره؛ لأن المراد من الصائم حبس نفسه عن الملاذ من طعام أو شراب وغير ذلك حسبة لله وابتغاء مرضاته، وهذه صفة لا توجد من المجنون ولا المغمى عليه، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - مخبرًا عن ربه -عز وجل- في الصائم: ". . . يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِى. . ." الحديث (¬4)، وقيل في معنى قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة: 45]: إنه الصوم، ويجري الجواب في المجنون إذا جُنَّ قبل الفجر أو بعده أيسر النهار أو أكثره على ما تقدم في المغمى عليه، وإن طلع الفجر على من به سكر أذهب عقله لم يجزئه صومه ذلك اليوم ولم يجز أن يفطر بقيته وإن كان غير جاز عنه. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 27. (¬2) في (س): (استقر). (¬3) انظر كلام ابن حبيب في: النوادر والزيادات: 2/ 22. (¬4) سبق تخريجه، ص: 742.

فصل [حالات المريض]

فصل [حالات المريض] لا يخلو المريض من أربعة أوجه: إما أن يكون مرضه خفيفًا لا يشق معه الصوم، أو يشق ولا يخشى على صاحبه غير ما هو فيه، أو يخشى حدوث علة أخرى، أو طول المرض، فحكم الأول حكم الصحيح يجب عليه الصوم، وهو في القسم الثاني بالخيار بين الصوم والفطر، وليس له في الثالث والرابع أن يصوم، فإن هو صام أجزأه، ولم يكن عليه قضاء وعلى هذا يجري الجواب في الصحيح الضعيف البنية إن كان لا يجهده الصوم لزمه، وإن كان يجهده لا غير ذلك كان بالخيار، فإن كان يخاف حدوث علة لم يكن له أن يصوم، وإذا لم يصم لم يكن عليه قضاء مع استصحاب حاله، وإن انتقلت (¬1) حالته إلى القدرة على الصوم أو كان توجُّه الصوم عليه في شدة الحر ثم صار إلى زمن لا يضر به فيه كان عليه القضاء (¬2)، فعلى هذا يجري أمر الشيخ الكبير. فإن كان معه القدرة (¬3) ما لا يشق معه الصوم, أو كان في زمن لا يشق ذلك عليه فيه لزمه أن يصوم, وإن كان شدة حر ولو كان في غير لقوي على الصوم أفطر وقضى إذا صار إلى غير ذلك الوقت، فإن بلغ به الكبر إلى العجز جملة أفطر ولا شيء عليه من إطعام ولا غيره، وهذا هو الصواب من المذهب (¬4)، والمتعطش يتوجه عليه الصوم في شدة الحر، فله أن يفطر ويقضي في غير ذلك الوقت، وإن كان لا يقدر أن يوفي بالصوم في شتاء ولا صيف لحاجته للشرب لعلة به أفطر، فإن ذهبت عنه تلك العلة قضى وإلا فلا شيء عليه. ¬

_ (¬1) قوله: (حاله، وإن انتقلت) ساقط من (ش). (¬2) قوله: (كان عليه القضاء) ساقط من (س). (¬3) في (ر) و (ب): (القوة). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 33، 34.

فصل [حالات الحامل]

فصل [حالات الحامل] للحامل ثلاث حالات: حالة يجب معها الصوم، وحالة يجب معها الفطر، وحالة تكون بالخيار بين الصوم و (¬1) الفطر. فإن كانت في أول حملها وعلى حالة لا يجهدها الصوم لزمها. وإن كانت تخاف على ولدها متى صامت، أو حدوث علة لزمها الفطر ومنعت من الصوم (¬2). فإن كان يجهدها أو يشق عليها، ولا تخشى إن هي صامت شيئًا من ذلك كانت بالخيار بين الصوم أو الفطر، وإذا أفطرت لشيء من هذه الوجوه التي يكون لها أن تفطر لأجلها كان عليها القضاء. واختلف في الإطعام على أربعة أقوال: فقال في المدونة: تطعم (¬3)، ثم قال: لا إطعام عليها (¬4)؛ لأنها مريضة (¬5)، وقال ابن الماجشون: إن كان خوفها متى صامت على نفسها لم تطعم؛ لأنها مريضة، وإن كانت قوية وإنما تخاف على ولدها أطعمت (¬6)، وقال أبو مصعب: إذا خافت على ولدها قبل مضي (¬7) ستة أشهر أطعمت، فإن دخلت في الشهر السابع لم تطعم؛ لأنها مريضة، يريد: أن المرض يسقط الإطعام وإن شاركه الخوف على الولد. ¬

_ (¬1) في (ش): (أو). (¬2) قوله: (ومنعت من الصوم) ساقط من (س). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 278. (¬4) قوله: (عليها) ساقط من (ش). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 278. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 34. (¬7) قوله: (مضي) ساقط من (س).

فصل [حالات المرضع]

فصل [حالات المُرْضِع] وللمرضع ثماني حالات؛ يلزمها (¬1) الصوم في أربع، ويلزمها الإفطار في ثلاث، وهي بالخيار في الثامنة. فإن كان الرضاع (¬2) غير مضر بها ولا بولدها، أو كان مضرًا بها وهناك مال يستأجر به للابن أو للأب أو للأم، والولد يقبل غيرها لزمها الصوم. وإن كان مضرًا بها تخاف على نفسها أو على ولدها والولد لا يقبل غيرها، أو يقبل غيرها (¬3) ولا يوجد من يستأجر له، أو يوجد وليس هناك مال يستأجر منه لزمها الإفطار. وإن كان يجهدها الصوم ولا تخاف على نفسها ولا على ولدها والولد لا يقبل غيرها كانت بالخيار بين الصوم والإفطار. وإذا كان الحكم الإجارة له فإنه يبتدأ بمال الولد، فإن لم يكن له مال (¬4) فمال الأب، فإن لم يكن له مال (¬5) فمال الأم، وإنما كانت البداية بمال الولد؛ لأن الرضاع مكان الإطعام، فإذا سقط الرضاع عن الأم لمانع أقيم له ذلك من ماله كطعامه، ثم مال الأب؛ لأن نفقته عليه عند عدم مال الابن، وكان على الأم عند عدمها؛ لأنها قادرة على صيانة صيامها بشيء تبذله من مالها، إلا أن تكون الإجارة مما يجحف بها، ومتى أفطرت بشيء من هذه الوجوه التي ذكرناها كان القضاء واجبًا. واختلف في الإطعام فقال في المدونة: تطعم (¬6)، وفي مختصر ابن عبد ¬

_ (¬1) في (ش): (لا يلزمها). (¬2) في (ر): (الصوم). (¬3) قوله: (أو يقبل غيرها) ساقط من (س). (¬4) قوله: (له مال) ساقط من (ب). (¬5) قوله: (له مال) زيادة من (س). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 278.

الحكم: لا إطعام عليها (¬1)، وهو أحسن قياسًا على المريض والمسافر، وكل واحدة ممن أبيح لها الفطر من حامل أو مرضع أعذر (¬2) من المسافر، وإنما ترجح مالك في الإطعام مراعاة لقول من قال: إن المراد بقول الله سبحانه: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] إنها في الحامل والمرضع إذا لم يصوما (¬3)، وقد اختلف في الصحيح لأن (¬4) الآية نزلت في الناس عامة فكانوا بالخيار بين الصوم أو الإفطار والإطعام، وأن الآية نزلت في ذلك ثم نسخت بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (¬5) وهو الصحيح، ولو كانت الآية نزلت (¬6) في الحامل والمرضع لكانت التلاوة وعلى اللاتي يطقنه، وفي قوله -عز وجل-: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} الخطاب بلفظ التذكير أيضًا، ولأن الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما لم يجز لهما صيام معه (¬7)، وذلك خلاف النص في قوله سبحانه: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}. ¬

_ (¬1) انظر: عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس: 1/ 258. (¬2) في (س): (أو عذر). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 33. (¬4) في (ش): (أن). (¬5) متفق عليه, أخرجه البخاري: 4/ 1638 في باب تفسير سورة البقرة, من كتاب التفسير في صحيحه, برقم (4237)، ومسلم: 2/ 802، في باب بيان نسخ قوله تعالى وعلى الذين يطيقونه فدية بقوله فمن شهد منكم الشهر فليصمه, من كتاب الصيام، برقم (1145). (¬6) قوله: (نزلت) ساقط من (س) و (ش). (¬7) قوله: (صيام معه) في (ش): (الصيام).

باب في الصوم في السفر

باب في الصوم في السفر ومن سافر سفرًا تقصر في مثله الصلاة كان بالخيار بين الصوم أو الفطر، واختلف أَيُّ (¬1) ذلك أفضل؟ فقال مالك في المدونة: الصوم أحبُّ إليَّ (¬2)، وقال في مختصر ابن عبد الحكم و (¬3) في سماع أشهب: إن صام فحسن وإن أفطر فحسن (¬4)، ورأى أنهما سيان، ولم يقدم أحدهما على الآخر، وقال عبد الملك بن الماجشون: الفطر أحب إلي (¬5)، وهذا ما لم يكن السفر للغزو وقرب لقاء العدو، فإن الفطر أفضل للتقوي على القتال والحرب، وقول مالك الأول أحسن، والصوم أفضل إذا لم يكن عدو (¬6)؛ لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: "سافرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة ونحن (¬7) صيام، فنزلنا منزلًا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَالفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ. . ." (¬8) أخرجه مسلم، فيه فائدتان: تقدمة الصوم مع الأمن، وتقدمة الإفطار عند الخوف، والحاجة للتقوي على الحرب، والأحاديث في صوم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في السفر ¬

_ (¬1) قوله: (أَيُّ) ساقط من (ش). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 272، قال فيها: (قال مالك: الصيام في رمضان في السفر أحبُّ إليِّ لمن قوي عليه). (¬3) قوله: (في مختصر ابن عبد الحكم و) ساقط من (س). (¬4) انظر: المختصر الصغير بشرح البرقي، لابن عبد الحكم، لوحة رقم: [23 / أ]. والنوادر والزيادات: 2/ 19. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 20. (¬6) قوله: (فإن الفطر. . . يكن عدو) ساقط من (س). (¬7) في (ش): (عن). (¬8) أخرجه مسلم: 2/ 789، في باب أجر المفطر في السفر إذا تولى العمل، من كتاب الصيام، برقم (1120).

كثيرة، ولأن القرآن والآثار تظاهرت بفضل صوم (¬1) شهر رمضان، وأن الله سبحانه عظم حرمته فكان صوم عينه أولى من صوم غيره، ولأنه لا يختلف أن (¬2) الإتيان بالفرائض على وجه الأداء أولى من الإتيان بها على وجه القضاء، ولقوله سبحانه: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148]، فدخل في ذلك المسارعة إلى الصوم وغيره من القرب، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" أخرجه البخاري (¬3). وأما ما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ" (¬4) فقد أخرج البخاري ومسلم: أن السبب كان (¬5) في ذلك أنه رأى رجلًا قد ظلل عليه وأجهده الصوم، وزاد مسلم: قد اجتمع عليه الناس فقال: ما هذا؟ قالوا: رجل صائم، فقال عند ذلك: "لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ". فخرج الجواب على نازلة في عين، فكان مقصورًا عليها وعلى مثلها. ¬

_ (¬1) قوله: (صوم) ساقط من (ر) و (ش). (¬2) قوله: (أن) ساقط من (س). (¬3) متفق عليه, أخرجه البخاري: 1/ 22، في باب صوم رمضان احتسابا من الإيمان، من كتاب الإيمان في صحيحه، برقم (38)، ومسلم: 1/ 523، في باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح، من كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم (760). (¬4) متفق عليه, أخرجه البخاري: 2/ 687، في باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن ظلل عليه واشتد الحر: "ليس من البر الصوم في السفر"، من كتاب الصوم في صحيحه، برقم (1844)، ومسلم: 2/ 786، في باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية، من كتاب الصيام، برقم (1115). (¬5) قوله: (كان) ساقط من (ش).

فصل واختلف إذا تلبس بالصيام في السفر هل يكون بالخيار في إتمامه

فصل واختلف إذا تلبس بالصيام في السفر هل يكون بالخيار في إتمامه واختلف إذا تلبس بالصيام في السفر، هل يكون بالخيار في إتمامه؟ فمنع ذلك مالك (¬1) في المدونة (¬2)، وأجازه مطرف في كتاب ابن حبيب واحتج بإفطار النبي - صلى الله عليه وسلم - حين بلغ الكُدَيْد (¬3). واختلف بعد القول بمنعه؛ إن هو أفطر، هل عليه كفارة؟ فقال في المدونة: يكفِّر (¬4)، وقال (¬5) في المبسوط: لا كفارة عليه، وهو قول المخزومي، وابن كنانة (¬6)، وقال ابن الماجشون: إن أفطر بالجماع كفَّر، وإن أفطر بالأكل والشرب لم يكفِّر؛ لأنه للتقوى أفطر (¬7). والقول الأول أحسن؛ لقول الله سبحانه: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] فإن أفطر كان منتهكًا لحرمة يوم من رمضان وكانت عليه الكفارة إلا أن يكون متأولًا، وأما فطر النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن السبب كان فيه أن الناس شق عليهم الصوم وأجهدهم فأمرهم بالفطر فوقفوا عنه، فقيل له: "إِنَّمَا يَنْظُرُونَ إلى مَا فَعَلْتَ. فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَشَرِبَ مِنْهُ" (¬8). ¬

_ (¬1) قوله: (مالك) ساقط من (ر). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 272. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 24، 25. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 272. (¬5) قوله: (قال) ساقط من (س). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 272. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 24. (¬8) أخرجه مسلم: 2/ 785، في باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير =

واختلف أيضًا إذا أصبح صائمًا في رمضان ثم سافر، هل يكون إمساك بقية ذلك اليوم واجبًا، أو مستحبًا؟ فقال مالك في كتاب ابن حبيب: يستحب له ذلك من غير إيجاب (¬1)، وهو ظاهر قوله في المدونة: لا كفارة عليه إن أفطر (¬2) وكأنه (¬3) رأى أن حلوله في السفر كحلوله في المرض، قال أشهب في مدونته في سقوط الكفارة: لأنه متأوِّل لقول الله سبحانه: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]، قال: يقول: فكما لو أصبحت صائمًا ثم أفطرت لمرض كان جائزًا فكذلك ما قرن الله -عز وجل- بالمرض من السفر إذا أصبحت في الحضر ثم سافرت أفطرت (¬4)، انتهى قوله. وهذا نحو ما ذكره ابن حبيب عن مالك أن الإمساك مستحب، وأوجب المخزومي وابن كنانة عليه الإمساك والكفارة إن هو أفطر (¬5) والقول الأول أحسن، وقد أبان أشهب الوجه في ذلك (¬6)، ولم يختلف المذهب أنه لا يجوز له الفطر قبل أن يتلبس بالسفر (¬7). واختلف في الكفارة إن هو (¬8) فعل على أربعة أقوال: فقال أشهب في ¬

_ = معصية إذا كان سفره مرحلتين فأكثر وأن الأفضل لمن أطاقه بلا ضرر أن يصوم ولمن يشق عليه أن يفطر، من كتاب الصيام، برقم (1114). (¬1) قوله: (يستحب. . . إيجاب) ساقط من (س). وانظر: النوادر والزيادات: 2/ 24. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 273. (¬3) قوله: (كأنه) ساقط من (س). (¬4) النوادر والزيادات: 2/ 24. (¬5) النوادر والزيادات: 2/ 24. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 25. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 19، 20. (¬8) قوله: (هو) ساقط من (ر)

كتاب ابن سحنون: لا كفارة عليه سافر أو لم يسافر (¬1)، وقال سحنون: يكفّر سافر أو لم يسافر، ثم رجع فقال: إن سافر لم يكفّر، وإن لم يسافر كفّر (¬2)، وقال ابن القاسم، وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: إن أفطر قبل أن يأخذ في أهبة السفر كفّر سافر أو لم يسافر، وإن أكل (¬3) بعد أن أخذ في أهبة السفر متأولا ثم سافر لم يكفّر (¬4). قال ابن الماجشون: وإن عرض له ما حبسه عن السفر كفّر (¬5)، قال الشيخ - رضي الله عنه -: الذي يقتضيه المذهب أن الكفارة مما يجبر الإنسان على إخراجها، ولا يوكل إلى أمانته، ولا إلى قوله، فمتى أفطر الصائم متعمدا غير ناس ثم ادعى أنه فعل ذلك على الجهل، وذكر الوجه الذي ظن (¬6) جواز الإفطار من أجله فإنه ينظر فيما ادعى من ذلك، فإن ادعى ما لا يشبه لم يصدق، وألزم الكفارة، وإن ادعى ما يشبه صدق ولم يلزم بها، وجميع ما وقع في هذه المسائل من الاضطراب فذلك راجع إلى ما وقع للمفتي (¬7)، هذا يرى أنه أتى في دعواه بما لا يشبه فلم يصدقه، والآخر رأى خلاف ذلك فصدقه، وجميع هذا الاختلاف يحسن فيمن ظهر عليه. وأرى أن ينظر إلى من عثر عليه في ذلك هل مثله يجهل تلك المنزلة أم لا؟ فمن كان مثله يجهل ذلك صدق، وإلا ألزم بالكفارة، وإن جاء مستفتيا ولم ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 23. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 23. (¬3) في (ش): (كان). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 23، 24. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 23. (¬6) في (ر) (تأول). (¬7) قوله: (ما وقع للمفتي) يقابله في (ر): (هذا المعنى) وأشار للمثبت في الهامش.

فصل [لزوم نفل الصوم بالشروع والنذر]

يُشهد عليه صدق فيما يدعيه من ذلك ولم يلزم الكفارة (¬1). فصل [لزوم نفل الصوم بالشروع والنذر] وإن تلبس بصوم في (¬2) السفر متطوعًا أو نذره في السفر لم يكن له أن يفطره، فإن أفطره قضاه. واختلف إذا ابتدأ ذلك في الحضر ثم سافر في يوم صومه، فقال في المدونة: إن كان متطوعا كان عليه القضاء (¬3)، وقال ابن حبيب: لا قضاء عليه (¬4). ويختلف إذا نذر ذلك اليوم فأصبح فيه صائمًا ثم سافر فأفطره، فعلى قول مالك في المدونة: يقضيه، وعلى قول ابن الماجشون (¬5): لا قضاء عليه؛ لأنه جعل ذلك السفر بمنزلة من ابتدأه صحيحًا ثم مرض، وجعل الإمساك إذا كان ذلك اليوم من رمضان ثم سافر فيه مستحبًا (¬6). ويختلف إذا نذر يومًا معينًا كالاثنين والخميس ثم سافر فجعل ذلك اليوم وهو في سفره، ويختلف في إمساكه وفي قضائه إن لم يصمه، فيصح أن يقال: له أن يفطر ثم لا يكون عليه قضاء؛ لأن السفر كالمرض، ويصح أن يؤمر بصومه، وإن أفطره لزمه القضاء؛ لأن السفر من سببه، وله فيه اختيار، ولا اختيار له في ¬

_ (¬1) في (ر): (كفارة في الفتيا). (¬2) قوله: (في) ساقط من (س) و (ب). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 272. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 21. (¬5) قوله: (ابن الماجشون) يقابله في (ر) و (ش): (ابن حبيب). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 272.

المرض، وقد اختلف في هذا الأصل، ووقف مالك في مسألة المدونة، فقال في المرأة التي نذرت الاثنين والخميس فتحيض فيهما أو تمرض أو تسافر فقال: لا قضاء عليها إذا حاضت أو مرضت، وأما السفر فلا أدري (¬1)، قال ابن القاسم: وكأني رأيته يستحب لها القضاء (¬2). ولو ابتدأ رجل صيام شهري ظهاره في حضر ثم سافر لم يفطر، وهو قول مالك، وإن أفطر استأنف (¬3)، وهو كالمتعمد لتفرقة صومه، ولم يختلفوا في ذلك لما كان السفر باختياره بخلاف المرض، وقال في المجموعة: فإن أفطر في سفره لمرض فإن كان السفر هاج ذلك ابتدأ، وإن كان لحر أو برد بنى ولم يبتدئ، وإن أشكل الأمر استحب له الابتداء (¬4). قال الشيخ - رضي الله عنه -: والقياس أن لا شيء عليه وإن كان السفر (¬5) هاج المرض، وليس يُتهم أحد أن يتعمد سفرًا ليكون عنه مرض فيفطر، وهذا أعذر ممن يفطر ناسيًا. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 284. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 284. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 330، 331. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 61. (¬5) في (س): (السفر البر).

باب إذا توجه الخطاب بالصوم, أو سقط في بعض يوم

باب إذا توجه الخطاب بالصوم, أو سقط في بعض يوم وإذا احتلم الصبي في بعض يوم لم يمسك بقيته، ولم يقضه، واختلف في النصراني يسلم بعد الفجر، فقال مالك في الموطأ: يمسك بقية ذلك اليوم (¬1) وقال في المدونة: يستحب له القضاء (¬2) وقال أشهب في المجموعة: لا يمسك بقية ذلك (¬3) اليوم (¬4). وعلى قوله (¬5) لا يقضيه، وهو أحسن، والإسلام يجبُّ ما قبله. واختلف في المغمى عليه يفيق بعد الفجر، فقال ابن حبيب: لا يمسك بقية يومه ذلك (¬6)، والذي يقتضيه المذهب: أن يمسكه؛ لأنه صوم مختلف فيه، هل يجزئه، أم لا؟ وعلى هذا يجري الجواب فيمن جُنَّ ثم أفاق بعد الفجر، والقول الأول أقيس، والثاني أحوط. وإن أصبحت امرأة طاهرًا فحاضت، أو حائضًا فطهرت، لم تمسك بقية يومها ذلك، وإن قدم زوجها من سفر مفطرًا كان له أن يصيبها إذا طهرت، وكذلك إن كانت غير بالغ. ¬

_ (¬1) انظر: الموطأ: 1/ 305، في باب ما جاء في قضاء رمضان والكفارات، من كتاب الصيام، برقم (675). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 281. (¬3) قوله: (ذلك) ساقط من (س). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 30. (¬5) أي: وعلى قوله: (لا يمسك) فإنه لا يتحتم عليه القضاء. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 22.

وإن كانت نصرانية وهو يوم طهرها كان له أن يصيبها، واختلف إذا أصبحت طاهرًا، فقيل: له أن يصيبها؛ لأنها كافرة غير مخاطبة بصيام، وقيل (¬1): لا يصيبها؛ لأنها متعدية بترك الإسلام والصيام. والأول أحسن، وليس يتوجه الخطاب بالصيام إلا بعد تقدم الإسلام. وإن أصبح مفطرًا لمرض ثم صح لم يصح منه إمساك بقية ذلك اليوم، وإن أصبح صحيحًا ثم مرض جاز له ألا يمسك بقيته، وإن أصبح مفطرًا في السفر ثم دخل إلى حضر لم يصح منه إمساك بقية ذلك اليوم، واختلف إذا أصبح صائمًا في الحضر ثم سافر، هل له أن يفطر بقية يومه؟ وقد تقدم الكلام عليه. واختلف فيمن أصبح صائمًا في رمضان ثم اضطره ظمأ فشرب، فاختلف في القدر (¬2) الذي يباح (¬3) له شربه، وفي إمساك بقية يومه، فقال عبد الملك بن حبيب (¬4): يصيب من الماء ما يرد به نفسه، ثم يمسك حتى يمسي، وقال سحنون في كتاب ابنه: له أن يأكل ويطأ (¬5). وهو أقيس؛ لأنه أفطر بوجه مباح قياسًا على المتعطش، إذا كان يعلم أنه لا يوفي بصيامه إلا أن يشرب في نهاره مرة واحدة فإن له أن يبيت الفطر ويأكل ويصيب أهله. ولو كان برجل مرض يحتاج من الدواء في نهاره إلى الشيء اليسير يشربه لم يؤمر بالصيام، ولا بالكف عما سوى ما يُضطر إليه. ¬

_ (¬1) في (س): (قال). (¬2) في (س): (العذر). (¬3) في (س): (يبيح). (¬4) في (ر): (ابن الماجشون). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 36.

باب في صوم الأسير

باب في صوم الأسير وإذا تلبست على الأسير الشهور ولم يعلم شهر صومه، فإن ترجح عنده أنه شهر بعينه صامه، وإن لم يترجح عنده شيء وتساوى الشك، ولم يغلب على ظنه أنه شهر من تلك الشهور كان فيه قولان: هل يصوم شهرًا، أي ذلك أحب، أو يصوم سنة كلها؟ قياسًا على من نذر صوم يوم من (¬1) الجمعة يصومه أبدًا ثم نسيه، ولم يغلب على ظنه يوم من أيام الجمعة فاختلف فيه، هل يصوم يومًا؟ أو يصوم الدهر كله (¬2)؟ واختلف أيضًا فيمن تلبست عليه القبلة لغيم أو غيره ولم تترجح عنده ناحية، فقيل: يصلي صلاة واحدة إلى أي جهة (¬3) أحب، وقال ابن عبد الحكم: القياس أن يصلي إلى الجهات الأربع، وعلى هذا يصوم السَّنة كلها، فأوجب في القول الأول أن يصوم أي أيام الجمعة أحب، قياسًا على القبلة إذا عميت الدلائل لأنه (¬4) يتحرى جهة يصلي إليها، ولا يترك الصلاة لأجل عدم معرفتها، ومنع من ذلك في القول الثاني قياسًا على صيام أول يوم منه عند الشك، ولا فرق بين أن يشك في أول يوم منه أو في جميعه، ولأن التحري إنما يؤمر به في موضع يشك هل هو في شعبان؟ أو في رمضان؟ وما أشبه ذلك (¬5). وإن كان على يقين أن الشهر الذي هو فيه ليس برجب ولا شوال لصام ¬

_ (¬1) قوله: (من) ساقط من (ش). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 69. (¬3) في (ر) و (ش): (ذلك). (¬4) قوله: (لأنه) ساقط من (ش). (¬5) قوله: (فأوجب في القول. . . وما أشبه ذلك) ساقط من (س) و (ر).

فصل في تلبس الشهور على الأسير

شهرين الشهر الذي هو فيه، لإمكان أن يكون هو رمضان، والذي يليه، لإمكان أن يكون الأول شعبان. وإن كان يشك في الشهر الذي هو فيه هل هو رمضان، أو شوال؟ صام الذي هو فيه لا أكثر من ذلك، فإن كان رمضان فقد صامه، وإن كان شوال كان قضاء. فإن كان يشك هل هو شعبان، أو رمضان، أو شوال؟ صام شهرين الذي أهلَّ عليه (¬1)، والذي يليه، فإن كان الذي أهلَّ عليه رمضان كان قد صامه، وإن كان شعبان كان الذي يليه رمضان، وإن كان الأول شوالًا كان له قضاء، وكان (¬2) قد استظهر بالثاني. فصل في تلبس الشهور على الأسير (¬3) واختلف في الأسير تتلبس عليه الشهور فقال مالك وابن القاسم وأشهب وابن الماجشون: يصوم بالتحري شهرًا (¬4). ووقع في بعض نسخ ابن الجلاب عن ابن القاسم، أنه قال: لا يصوم بالتحري حتى يعلم (¬5). ورأى أنه غير مخاطب بالصوم مع عدم المعرفة بعينه، ومحل ذلك عنده إذا لم يترجح دليل بذلك الشهر، ولم يغلب على ظنه أنه شهر من تلك الشهور ولو كان على يقين ¬

_ (¬1) قوله: (الذي أهلَّ عليه) يقابله في (ر): (الشهر الذي هو فيه). (¬2) في (س): (إن كان). (¬3) هذا الفصل مستدرك من هامش (ب)، وهو متداخل بما قبله ومكمل له. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 31. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 31، والبيان والتحصيل: 2/ 331.

فصل صوم الأسير بالتحري

أنه ليس شعبان، وشك فيما بعد ذلك من الشهور لصام شهرًا واحدًا؛ لأنه مؤدٍّ أو قاضٍ، وعليه أن يصوم الشهر الذي هو فيه لإمكان أن يكون رمضان، وقال محمد بن عبد الحكم فيمن شك في شهر فقال: لا أدري أهذا شعبان، أم رمضان؟ فقال: يصوم هذا على الشك، ثم يقضيه وإن تبين أنه رمضان، يريد: أنه يصوم الأول والثاني، وإن تبين له أن الأول رمضان قضاه ويجزئ عنه، وقول آخر: أنه لا يقضيه، قياسًا على من شك أنه أجنب فاغتسل ثم تبين له أنه كان جنبًا فاختلف فيه، هل يجزئه ذلك الغسل، أم لا؟ ولو صام الشهر الأول ثم تبين له أنه رمضان قبل دخوله في الصوم الثاني لم يجزئه (¬1). فصل صوم الأسير بالتحري وإذا صام الأسير بالتحري في أرض العدو ثم صار إلى أرض الإسلام، فإن تبين له أن صومه كان قبل رمضان قضاه، وإن علم أنه كان رمضان أو بعده مضى صومه، وإن لم يتبين له شيء ولا حدث أمر يشككه سوى ما كان عليه أجزأه صومه، وإن شك هل كان رمضان أو بعده أجزأه، وإن شك هل كان رمضان (¬2) أو قبله قضاه، وإن صام ثلاثة أعوام بالتحري ثم تبين له أن صومه كان شعبان لم يحتسب بالأول، وكان الثاني قضاء عن الأول، والثالث قضاء عن العام الثاني، ويقضي شهرًا عن آخر عام وهذا قول ابن الماجشون وسحنون (¬3)، والذي يقتضيه قول مالك: أنه لا يحتسب بشيء يعني: من تلك الشهور ويقضي جميعها (¬4) وهو ¬

_ (¬1) نهاية المستدرك من (ب). (¬2) قوله: (أو بعده أجزأه, وإن شك هل كان رمضان) ساقط من (ش). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 31. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 331.

أحسن (¬1) بمنزلة رجل صلى الظهر في يومين قبل الزوال فإنه يجب عليه أن يعيد الصلاتين، ولا تكون الثانية قضاء عن الأولى، وإن صام الأسير شهرًا تطوعًا ثم تبين له (¬2) أنه رمضان لم يجزئه عند ابن القاسم (¬3)، ويجري على قول آخر: أنه يجزئ، قياسًا على قوله فيمن صام رمضان قضاء عن عام فرَّط فيه أنه يجزئه عن العام الذي هو فيه، ولا يضره ما نوى؛ لأنه استحق العين. ¬

_ (¬1) قوله: (أحسن) زيادة من (ر). (¬2) قوله: (له) ساقط من (ش). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 31.

باب فيمن شكـ في الفجر, أو في طلوع الشمس أو في أول يوم من رمضان

باب فيمن شكـ في الفجر, أو في طلوع (¬1) الشمس أو في أول يوم من رمضان اختلف فيمن شك في الفجر فأحب أن يأكل، بالمنع والكراهة والجواز، فقال في المدونة: يكره له ذلك (¬2)، وقيل: هو ممنوع، وحملوا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ لاَ يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ أصبحت" (¬3)، قال: والمعنى أي: قاربت الصبح. وقال ابن حبيب: القياس والذي أختاره جوازَ ذلك، وأن يأكل إذا شك حتى يتبين؛ لقول الله -عز وجل- (¬4)، وقاله ابن عباس (¬5). وأرى أن يكون الإمساك واجبًا مع الغيم، ومستحبًا مع الصحو؛ لأن السحاب ساتر لما خلفه، ويمكن أن يكون الفجر قد طلع فيكون قد أكل في زمن الإمساك، وليس كذلك في الصحو؛ لأن الفجر الأول والثاني عن شعاع الشمس، وهو في الأول ضعيف لبعد منزلة الشمس، فكلما دنت منزلة الشمس زاد الضياء حتى يصير إلى حالة لا (¬6) يشك فيها؛ لقوته (¬7) عن الأول وضعفه عن الثاني حتى يتمكن فيتبين، ولهذا قال ابن عباس: يأكل مع الشك (¬8) كأنه يقول: هو شأن ¬

_ (¬1) كذا فيما وقفنا عليه, ولعل الصواب (غروب) ليناسب ما تحته. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 266. (¬3) سبق تخريجه في كتاب الصلاة الأول، ص: 239. (¬4) يعني قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ} [البقرة: 188]. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 18. (¬6) قوله: (لا) ساقط من (س). (¬7) في (س): (لعزته). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 18.

الفجر ثم يتبين، وإنما ورد (¬1) المنع في القرآن بالتبين (¬2). ثم لا يخلو من أكل وهو على شك لأجل الغيم من ثلاثة أحوال: إما أن يتبين له أن أكله كان قبلُ فيُمضي صومه، أو بعدُ فيقضيه، أو لا يتبين له هل كان ذلك قبل أو بعد فيختلف فيه، هل يقضي واجبًا أو استحسانًا (¬3) أو لا شيء عليه؟ فقال في المدونة: عليه القضاء (¬4)، وقال أشهب في مدونته: يستظهر بالقضاء، وقال ابن حبيب: يستحب له القضاء. ويجري فيها قول ثالث: أن لا شيء عليه (¬5). قياسًا على من أيقن بالوضوء وشكّ في الحدث، فيجب القضاء؛ لأن الصوم في ذمته بيقين فلا يبرأ منه إلا بيقين أنه وفَّى به على وجه صحيح، ولا يجب لأنه على الأصل وهو الليل، وهو زمن أكل حتى يعلم أنه دخل في وقت محظور وهو النهار، ويستحسن لإمكان أن يكون ذلك بعد الفجر. وقال مالك في المجموعة في رجل قال له رجل: تسحرت في الفجر، وقال له آخر: قبلُ، قال: يقضي ذلك اليوم (¬6)، ومحمل المسألة على أنه لا علم عنده إلا ما اختلفا فيه فعاد أمره إلى الشك، ولو كان عنده علم وأنه لم يطلع لم يكن عليه قضاء بقول آخر أنه طلع. ¬

_ (¬1) في (س): (أراد). (¬2) في (ر): (بالتبيين). (¬3) في (ر) و (ب): (استحبابًا). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 266. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 18. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 18.

فصل في صوم يوم الشكـ

فصل في صوم يوم الشكـ اختلف في صوم يوم الشك على وجه (¬1) التطوع، وعلى وجه الاحتياط خوفًا أن يكون من رمضان، وفي الإجزاء به إن ثبت بعد ذلك أنه من رمضان، فأجاز مالك صومه على وجه التطوع، ومنعه على وجه الاحتياط أن يكون من رمضان (¬2). وقال محمد بن مسلمة: من شاء صامه ومن شاء أفطره. يريد: يصومه متطوعًا (¬3). قال: ويكره (¬4) أن يؤمر الناس بفطره (¬5) لئلا يظن أنه يجب عليه فطر قبل الصوم كما وجب بعده، وقيل: يكره صومه تطوعًا؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ بِيَوْمٍ أَو يَوْميْنِ. . ." (¬6) وحمل الحديث على عمومه. وأجازت عائشة - رضي الله عنها - وأسماء صومه على وجه الاحتياط, قالت عائشة - رضي الله عنها -: "لأَنْ أَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ" (¬7)، وأجاز ذلك عبد الله (¬8) بن عمر، وأحمد بن حنبل في الغيم دون الصحو. ¬

_ (¬1) في (ش): (جهة). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 274. (¬3) انظر: المعونة: 1/ 285. (¬4) انظر: الإشراف على نكت مسائل الخلاف: 1/ 425، 426. (¬5) في (س): (بفطر). (¬6) حسن صحيح، أخرجه الترمذي في سننه: 3/ 68 في باب لا تقدموا الشهر بصوم، من كتاب الصوم، برقم (684)، وقال: حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم كرهوا أن يتعجل الرجل بصيام قبل دخول شهر رمضان لمعنى رمضان وإن كان رجل يصوم صوما فوافق صيامه ذلك فلا بأس به عندهم. (¬7) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى: 4/ 211، في باب من رخص من الصحابة في صوم يوم الشك، من كتاب الصيام، برقم (7760). (¬8) في (س): (عبد الملك).

وأرى أن يجوز صومه على وجه التطوع؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - لأحد أصحابه: "هَلْ صُمْتَ شَيْئًا مِنْ هَذَا الشَّهْرِ - يعني: شعبان؟ قال: لا، قال: فَإِذَا أَفْطَرْتَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ" (¬1). ولا يجوز على معنى الاحتياط أن يكون من رمضان مع الصحو؛ للحديث في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ بِيَوْم ولا بِيَوْمَيْنِ. . ." (¬2)، ولأن ذلك من الغلو والتعمق في الدين والاحتياط في غيرً موضع شبهة، ويجوز مع الغيم بل يؤمر به على طريق (¬3) الوجوب أو الاستحسان، قياسًا على الشك في الفجر مع الغيم، فلم يختلف المذهب أنه لا يكره بل يؤمر به على وجه الوجوب أو الاستحسان، ولا فرق بين السؤالين؛ لأن هذا في الليل بيقين وهو في زمن يجوز فيه الفطر، شاك هل دخل عليه زمن الصوم؟ وهل حرم عليه الأكل؟ وهذا في شعبان بيقين، وهو زمن يجوز فيه الفطر، شاك هل دخل عليه زمن الصوم، وأن يكون السحاب ستر الهلال كما ستر الفجر، والمذهب كله مبني على أنه لا يكره الأخذ بالاحتياط في محرم ومباح، مع وجود الشبهة، وقد أمر مالك الحائض يتمادى بها الدم أن تستظهر بثلاث ثم تصلي وتصوم (¬4) قال: ورأيت أن أحتاط لها فتصلي وليست عليها، أحب إلي من أن تترك الصلاة وهي عليها (¬5)، فرأى أن تمادي ذلك الدم مشكل هل هو حيض، أو استحاضة؟ وقد كان ¬

_ (¬1) متفق عليه, أخرجه البخاري: 2/ 700 في باب الصوم آخر الشهر، من كتاب الصوم في صحيحه, برقم (1882)، ومسلم: 2/ 818، في باب استحباب ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة, من كتاب الصيام، برقم (1161). (¬2) سبق تخريجه، ص: 775. (¬3) في (ش): (جهة). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 152. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 154.

الأصل الحيض، ومنع الصلاة والصوم فأمرها أن تأخذ بالأحوط مع إمكان أن يكون حيضًا، والحيض لا تصح معه صلاة ولا صوم (¬1) تطوعًا ولا غيره، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الحَلاَلُ بَيِّنٌ وَالحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لدِينِهِ وعِرْضِهِ. . ." (¬2) وهذا يدخل فيه الصوم وغيره. ولهذا ذهب بعض أهل العلم أنه يصام بشهادة واحد ولا يفطر به؛ لأن شهادته لطخ (¬3) أوجبت شكًا. ويختلف إذا شك في هلال ذي الحجة مع الغيم، فعلى قول مالك يكمل عدة الماضي ثلاثين، ولا يحتاط للوقوف، وعلى قول ابن عمر يحتاط للوقوف، فيقف يومين على النقص لذي القعدة، وعلى إكمال العدة. وإذا صامه على وجه الاحتياط ثم تبين أنه من رمضان لم يجزئه عند مالك (¬4)، قال أشهب في مدونته: وهو بمنزلة من صلى الظهر على شك من الوقت لغيم ستره ثم كشف الغيم فعلم أنه صلى في الوقت فلا تجزئه صلاته (¬5). قال الشيخ - رضي الله عنه -: وليس السؤالان سواء؛ لأن من شك في وقت الظهر مأمور أن يؤخر حتى لا يشك، ولا يقال له: احتط بتعجيل (¬6) الصلاة في وقت ¬

_ (¬1) في (ر) "الصلاة والصوم". (¬2) متفق عليه, أخرجه البخاري: 1/ 28، في باب فضل من استبرأ لدينه، من كتاب الإيمان في صحيحه، برقم (52)، ومسلم: 3/ 1219، في باب أخذ الحلال وترك الشبهات، من كتاب المساقاة، برقم (1599). (¬3) قال في لسان العرب: 3/ 51، (سمعت لَطْخًا من خَبَرٍ أَي: يسيرًا). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 6، والإشراف على نكت مسائل الخلاف: 1/ 425. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 275. (¬6) في (س): (لتعجيل).

فصل يستحب تعجيل الفطر وتأخير السحور

يشك فيه، ومن شك في الفجر أو في الهلال مأمور أن يعجل الإمساك، وهو بمنزلة من شك في صلاة هل هي عليه، أم لا؟ أو هل أجنب أو لا؟ فصلى أو اغتسل ثم تذكر أن ذلك عليه فإنه يجزئه (¬1)، وكذلك المرأة يتمادى بها الدم فتحتاط بالصلاة والصوم بعد الاستظهار بالثلاث على أحد قولي مالك (¬2)، لما كانت على شكٍّ هل هي حائض أم مستحاضة أنها (¬3) تجزئها الصلاة والصوم إن تبين بعد ذلك أنه استحاضة. وروي عن عطاء بن أبي رباح، وعمر بن عبد العزيز، والحسن، والثوري، والأوزاعي، وأصحاب الرأي (¬4)، فيمن أصبح صائمًا (¬5) يوم الشك غير عالم بالهلال ثم علم في أوله أو آخره أنه يجزئه، وقد قيل فيمن صام رمضان قضاء عن غيره: إنه يجزئه عن الذي هو فيه (¬6)؛ لأنه مستحق العين. فصل يستحب تعجيل الفطر وتأخير السحور يستحب تعجيل الفطر وتأخير السحور؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الفِطْرَ" (¬7) أخرجه مسلم، وقوله: "تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ ¬

_ (¬1) قوله: (فإنه يجزئه) ساقط من (ش). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 152. (¬3) قوله: (أنها) ساقط من (س). (¬4) انظر: الحجة على أهل المدينة: 1/ 403. (¬5) قوله: (صائمًا) ساقط من (س). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 287. (¬7) متفق عليه, أخرجه البخاري: 2/ 692، في باب تعجيل الفطر، من كتاب الصوم في صحيحه، برقم (1856)، ومسلم: 2/ 771، في باب فضل السحور وتأكيد استحبابه واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر، من كتاب الصيام، برقم (48/ 1098)، ومالك في الموطأ: 1/ 288، في باب ما جاء في تعجيل الفطر، من كتاب الصيام، برقم (634).

بَرَكَةً" (¬1) أخرجه البخاري ومسلم. والسحور: الأكل عند السحر، ولا خلاف أن السحور مستحب غير واجب. واختلف في تعجيل الفطر، وفي الإمساك بعد الغروب بنية الصوم، فقيل: الإمساك غير جائز، وهو بمنزلة الإمساك يوم الفطر أو يوم النحر، وقيل: ذلك جائز، وله أجر الصائم، وروي ذلك عن ابن الزبير (¬2)، وابن عمر: أنهما كانا يواصلان، وعن عامر بن الزبير: أنه كان يواصل ليلة سبع، وليلة سبع عشرة، وليلة سبع وعشرين (¬3)، وقال أحمد وإسحاق: لا بأس بالوصال إلى السحر (¬4). واحتج من منع بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا، وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ" (¬5)؛ أي: صار مفطرًا، وبنهيه عن الوصال. واحتج من أباح ذلك أن النهي عن الوصال على وجه الرفق بأمته؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - واصل وواصل بهم (¬6)، فلو كان الوصال محرمًا لم يصح أن يفعله، ولا أن يحملهم عليه (¬7) إذا كان ذلك معصية، ويعاقب من خالف نهيه من غير أن يدخلهم فيه، ¬

_ (¬1) متفق عليه, أخرجه البخاري: 2/ 678، في باب بركة السحور من غير إيجاب من كتاب الصوم في صحيحه، برقم: (1823)، ومسلم: 2/ 770، في باب فضل السحور وتأكيد استحبابه واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر، من كتاب الصيام، برقم (45/ 1098). (¬2) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه: 2/ 331، في باب من رخص في الوصال للصائم، من كتاب الصيام، رقم (9599) من حديث أبي نوفل بن أبي عقرب قال: دخلت على ابن الزبير صبيحة خمسة عشر من الشهر وهو مواصل. (¬3) أخرجه ابن عبد البر في الاستذكار: 3/ 334، في باب النهي عن الوصال في الصوم، من كتاب الصيام، بلفظ: "أن عامر بن عبد الله بن الزبير كان يواصل في شهر رمضان ثلاثا فقيل له ثلاثة أيام قال لا ومن يقوى يواصل ثلاثة أيام يومه وليله". (¬4) انظر: الكافي، لابن قدامة: 1/ 448، قال فيه: (إن أخر فطره إلى السحر جاز). (¬5) سبق تخريجه، ص: 722. (¬6) قوله: (بهم) ساقط من (س). (¬7) قوله: (عليه) ساقط من (ر).

قالت عائشة - رضي الله عنها -: "نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الوِصَالِ رَحْمَةً لَهُمْ. . ." (¬1). وروي عنه في البخاري أنه قال: "لاَ تُوَاصِلُوا، فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ. . ." (¬2)، فالوصال إلى السحر جائز مباح بهذا الحديث، وإلى الليلة القابلة مكروه غير محرم؛ لحديث (¬3) عائشة - رضي الله عنها -، وبمواصلته بمن واصل من أصحابه، ثم قال: "لَوْ مُدَّ لِيَ الشَّهْرُ لَوَاصَلْتُ وِصَالًا يَدَعُ المُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ. . ." (¬4)، وهذا يفهم منه الكراهية لا التحريم. ¬

_ (¬1) متفق عليه, أخرجه البخاري: 2/ 678، في باب بركة السحور من غير إيجاب, من كتاب الصوم في صحيحه, برقم (1822)، ومسلم: 2/ 774، في باب النهي عن الوصال في الصوم، من كتاب الصيام، برقم (1102)، ومالك في الموطأ: 1/ 300، في باب النهي عن الوصال في الصيام، من كتاب الصيام، برقم (667). (¬2) أخرجه البخاري: 2/ 693، في باب الوصال ومن قال ليس في الليل صيام، من كتاب الصوم في صحيحه، برقم (1862). (¬3) في (س): (فحديث). (¬4) متفق عليه, أخرجه البخاري: 6/ 2645 في باب ما يجوز من اللو، من كتاب التمني في صحيحه، برقم (6814)، ومسلم: 2/ 775، في باب النهي عن الوصال في الصوم، من كتاب الصوم، برقم (1104).

باب في قضاء رمضان والزمن الذي يقضى فيه, وهل القضاء على الفوز؟ والإطعام عمن فرط في القضاء, وهل يقضى متتابعا؟ وإذا كان عليه صومان رمضان وظهار أو صوم تمتع بأيهما يبدأ؟

باب في قضاء رمضان والزمن الذي يقضى فيه, وهل القضاء على الفوز؟ والإطعام عمن فرط في القضاء, وهل يقضى متتابعًا؟ وإذا كان عليه صومان رمضان وظهار أو صوم تمتع بأيهما يبدأ؟ وعلى من أفطر رمضان لمرض أو سفر أو غير ذلك أن يقضي عدة ما أفطر، فإن قضى للهلال وكان الشهر الذي أفطره ثلاثين، والذي يقضيه تسعة وعشرين زاد يومًا، ولم يجزه الاقتصار على عدد الثاني، وإن كان الأول تسعة وعشرين (¬1) والثاني ثلاثين اقتصر منه على عدد الأول، ولم يكن عليه أن يتم الثاني، وقيل: يجتزئ بالثاني عن الأول إن كان أقل، وعليه تمامه إذا كان كثر، وهذا وهم، وخلاف لقول الله سبحانه: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185]. فصل [في الزمن الذي يقضى فيه، وهل القضاء على الفور؟] قضاء رمضان يصح في كل زمن يصح فيه صوم التطوع، ولا يجوز في الأيام المنهي عن صيامها، ولا في زمن وجب صومه لغير القضاء كرمضان، وشهر نذر صيامه، فإن قضاه في يوم الفطر أو يوم النحر الأول لم يجزئه. واختلف في صيام أيام التشريق الثلاثة على ثلاثة أقوال، فقيل: يجزئه، وقيل: لا يجزئه، وقيل: يجزئه الثالث خاصة، وهو الرابع من أيام منى لما ¬

_ (¬1) قوله: (زاد يومًا. . . وعشرين) ساقط من (س).

كان للحاج أن يتعجل فيه، ولا يرمي (¬1) فيه، وتوجيه هذه الأقوال في كتاب الظهار. واختلف إذا قضاه في رمضان آخر، فظاهر قول ابن القاسم في المدونة أنه لا يكون قضاء، ويجزئه عن الذي هو فيه (¬2)، وعلى هذا حمل إسماعيل القاضي، وأبو الفرج المسألة عنه (¬3)، وحمل ابن جعفر التِّلْبَانِيَّ قوله أنه يكون قضاء عن الأول الماضي (¬4)، وقال سحنون: يجزئه عن الأول (¬5)، ولابن القاسم في العتبية، ولأشهب في مدونته: أنه لا يجزئ عن واحد منهما (¬6). فوجه الأول أن رمضان مستحق العين فلا يكون قضاء، ويجزئه عن الذي هو فيه؛ لأن الواجب عليه صومه وقد فعل، ونيته أن ذلك لغيره (¬7) لا تخرجه عن أن يكون متقربًا لله سبحانه، ووجه القول أنه يكون قضاء أن عليه أن ينوي بصومه عين الشهر الذي هو فيه، فإذا لم ينوه لم يجزئه، ووجه القول أنه لا يجزئ عن واحد منهما أن الله -عز وجل- لم يجعله محلًا للقضاء، وأوجب على من ¬

_ (¬1) قوله: (فيه، ولا يرمي) يقابله في (س): (فلا يرمي). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 287. (¬3) في (ب): (عليه)، وانظر كلام أبي الفرج في: النوادر والزيادات: 2/ 32. (¬4) قوله: (وحمل ابن جعفر. . . الماضي) يقابله في (ب): (وحمل أبو جعفر التلباني جواب ابن القاسم أنه يجزئ عن الماضي، وقال يحيى بن عمر: أرى وقف سحنون على الآخر لا مع الأول، وأنا أقول بقول أشهب: ألا يجزئ عن واحد منهما، وقال أشهب: لا كفارة عليه في هذا. يريد أشهب: إلا كفارة التفريط, وقيل عن ابن المواز: لا يجزئ عن واحد منهما، ويكفر عن الأول بمد لكل يوم ويكفر عن كل يوم من هذا كفارة المتعمد، قال أبو محمد بن أبي زيد: لم يعذر بجهل ولا تأويل، وهذا شيء بلغني عن ابن المواز ولم يقر له عندنا كتاب الصوم، والصواب ما قال أشهب). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 32. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 32، والبيان والتحصيل: 2/ 338، قال في العتبية: (قال يحيى: قال ابن القاسم في الرجل يصوم رمضان، فينوي به قضاء رمضان قد كان أفطره في سفر، أو مرض؛ قال: لا يجزئ عليه لشهر رمضان عامه ذلك، ولا للذي نوى صيامه قضاء عنه). (¬7) في (س): (لغرة).

أفطره (¬1) أن يكون القضاء في غير رمضان، فسقط أن يكون قضاء لهذا، ولم يكن أداء لعدم النية فيه له، وعلى هذا يجري الجواب إذا صامه قضاء عن ظهار أو نذر مضمون، فقال في كتاب الظهار من المدونة: لا يجزئ عن واحد منهما (¬2)، ويجري فيها الخلاف المتقدم، هل يجزئ عن الذي هو فيه، أو عن الماضي؟ وكذلك إذا أشرك في صومه وجعله عن الصومين جميعًا عن الماضي وعن ما هو فيه إذا أشرك (¬3)، وفرّق ابن حبيب فجعله جازيًا عن الذي هو فيه إذا أشرك، وغير جازٍ -إذا أفرد النية- عن الماضي (¬4)، والقياس ألا فرق بينهما، ويدخله في الاشتراك أنه نوى بعض اليوم عن الماضي، وبعضه عن ما هو فيه، وذلك فاسد. وقد اختلف إذا أشرك في الحج وأتى بحجة الإسلام ينوي بها نذره وحجة الإسلام، فقيل: تجزئ عن حجة الإسلام (¬5)، وقيل: عن النذر (¬6)، وقيل: لا تجزئ عن واحد منهما. وإذا سلم ابن حبيب أنه لا يجزئ عن الذي هو فيه لعدم النية مع كونه مستحق العين فكذلك إذا أشرك. ومثله إذا قضى رمضان في شهر كان نذر عينه فإنه يختلف؛ هل يجزئ عن ¬

_ (¬1) قوله: (أفطره) ساقط من (ش). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 330، قال في المدونة: (أرأيت لو أن رجلًا كان عليه صيام شهرين من ظهار، فصام شهرًا قبل رمضان ورمضان ينوي بذلك شهري ظهاره جاهلًا يظن أن رمضان يجزئه من ظهاره, ويريد أن يقضي رمضان في أيام أخر؟ فقال: لا يجزئه من رمضان ولا من ظهاره شهر رمضان). (¬3) قوله: (إذا أشرك) ساقط من (ق 3). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 32. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 339، وهو رأي المخزومي. (¬6) انظر: المدونة: 1/ 287.

فصل [من زال عذره في شعبان]

النذر، أو يكون قضاء، أو لا يجزئ عن واحد منهما؟ وإن نذر صوم الأبد صام رمضان بنية الفرض (¬1)، وأطعم عن كل يوم مسكينًا. وقال (¬2) سحنون في كتاب ابنه: إذا نذر صيام الدهر ووجبت عليه كفارة يمين، وليس عنده ما يكفر به: أنه يصوم عن يمينه، ويطعم عن كل يوم مسكينًا (¬3). قال الشيخ - رضي الله عنه -: وكذلك لو وجب عليه صيام عن ظهار، ولم يجد ما يشتري به رقبة، صام عن ظهاره، وذلك أوجب من النذر، ولا يجوز له أن يطعم وهو قادر على الصوم. واختلف إذا كان في سفر في رمضان فصامه قضاء عن رمضان آخر، فقال ابن القاسم: لا يجزئه (¬4)، وقال محمد بن عبد الحكم: القياس أنه يجزئه، وهذا أخف من الأول لما كان يجوز له إفطاره (¬5). فصل [من زال عذره في شعبان] ومن أفطر لمرض أو سفر ثم قدم أو صح في شعبان كان عليه أن يعجل القضاء في شعبان ولا يؤخره إلى شوال، فإن فعل صام وكان عليه أن يطعم عن تفريطه وتأخيره عن كل يوم مسكينًا، وإن صح أو قدم في شوال كان في القضاء بالخيار بين أن يعجله الآن أو يؤخره ما بينه وبين شعبان، فإن أخره ¬

_ (¬1) زاد في (ب): (ولم يمنع في ذلك ما تقدم من النذر). (¬2) في (س): (قول). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 70. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 287. (¬5) قوله: (وقال محمد. . . إفطاره) ساقط من (س).

فصامه في شعبان لم يكن عليه إطعام. والأصل في جواز تأخيره حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَصُومَهُ إِلاَّ فِي شَعْبَانَ للشُّغُلِ برَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -" (¬1) أخرجه البخاري ومسلم. وإن صح شهرًا غير شعبان، أو أقامه بعد قدومه فلم يصمه حتى مات، كان عليه الإطعام عند مالك، وجعله مفرطًا (¬2)، وكذلك يجب على أصله لو حدث به مرض أو أحدث سفرًا اتصل به رمضان أنه (¬3) يكون عليه الإطعام، وجعله مترقبًا ليس على الفور ولا على التراخي، فإن صح منه القضاء في شعبان مع القدرة على تعجيله قبل ذلك لم (¬4) يكن عليه إطعام ولم يعده مفرطًا، وإن مات قبل شعبان كان عليه الإطعام (¬5)، ورآه مفرطًا إذا لم يعجله (¬6). وهذا نحو قول الشافعية في الحج: إنه على التراخي، فإن مات قبل أن يحج كان مأثومًا (¬7). والقياس أحد وجهين: إما أن يقال: إن القضاء على الفور، وأنه يجب عقيب زوال العذر (¬8)، كالصلاة إذا نسيها أو نام عنها أنه يصليها عقيب الذكر وزوال ما ¬

_ (¬1) متفق عليه, أخرجه البخاري: 2/ 689، في باب متى يقضي قضاء رمضان، من كتاب الصوم في صحيحه, برقم (1849)، ومسلم: 3/ 154، في باب قضاء رمضان في شعبان، من كتاب الصيام، برقم (2743). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 285. (¬3) قوله: (أنه) ساقط من (س). (¬4) في (س): (ولم). (¬5) في (س): (القضاء). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 284. (¬7) انظر: المجموع، للنووي: 7/ 102. (¬8) في (س): (القدر).

كان فيه من نوم، فيكون مفرطًا متى لم يصلِّ، ويكون عليه الإطعام لتفريطه. أو يقال: إن القضاء على التراخي، فلا شيء عليه قبل ذلك مما صح فيه أو قدمه عاش أو مات، فسقط أن يكون على الفور؛ لحديث عائشة - رضي الله عنها -، وأنه بخلاف الصلاة، وإذا سقط أن يكون على الفور لم يكن عليه إطعام إذا مات قبل أن يقضي. وقد اختلف الناس في الإطعام إذا لم يقض في شعبان، فقال القاسم بن محمد، وسعيد بن جبير (¬1)، وعطاء بن أبي رباح (¬2): عليه الإطعام، وبه أخذ مالك وأصحابه (¬3). وذكره البخاري عن أبي هريرة، وابن عباس. (¬4) وقال أصحاب الرأي: لا كفارة عليه (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 308، في باب فدية من أفطر في رمضان من علة، من كتاب الصيام، برقم (679). (¬2) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه: 4/ 234، في باب المريض في رمضان وقضائه، من كتاب الصيام، برقم (7622). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 286. (¬4) أخرجه البخاري معلقًا: 2/ 688، في باب متى يقضى قضاء رمضان، من كتاب الصيام في صحيحه. (¬5) انظر: العناية على الهداية: 2/ 354، 355.

فصل [في الإطعام، مقداره ووقته]

فصل [في الإطعام، مقداره ووقته] الإطعام عن ذلك مُدٌّ لكل مسكين. واختلف في الوقت الذي يطعم فيه فقال في الكتاب: إذا أخذ في القضاء (¬1)، وقال أشهب في مدونته: إذا صار مفرطًا أطعم (¬2)، وإن مضى يوم من شعبان أطعم عن يوم؛ لأنه صار مفرطًا فيه، ويؤمر بصوم باقيه، فإن لم يفعل فكلما مضى يوم أطعم عنه، وهذا هو القياس، وأظن ابن القاسم (¬3) ذهب فيه مذهب الهدي عن الفوات والفساد؛ أنه يأتي به في حجة القضاء، وإن مات قبل أن يصوم ووصى بالإطعام أنفذ ذلك من ثلثه، وإن لم يوصِ به (¬4) لم يكن على ورثته شيء. فصل [فيمن لزمه قضاء صومين وضاق الوقت] وإذا كان عليه صومان؛ رمضان وصوم (¬5) تمتع وهو في شعبان وكان الذي بقي منه محلًا لأحد الصومين، صام عن رمضان، وإن كان محلًا للصومين كان فيها (¬6) قولان: فقال في الكتاب: يبدأ بالصوم عن التمتع (¬7)، وقال أشهب: يبدأ ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 285. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 286. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 285، 286. (¬4) قوله: (به) ساقط من (س). (¬5) قوله: (صوم) ساقط من (س). (¬6) في (ش): (فيه). (¬7) انظر المدونة: 1/ 279، قال فيها: (سألنا مالكا عن الرجل يكون عليه الصيام في رمضان وصيام الهدي بأيهما يبدأ في صيامه؟ فقال: بالهدي إلا أن يرهقه رمضان آخر فيقضي رمضان ثم يقضي صيام الهدي بعد ذلك).

بأيهما أحب (¬1). والأول أحسن؛ لأن الأوامر على الفور، إلا ما قام الدليل على جواز تأخيره، وقد ورد الدليل على جواز تأخير قضاء رمضان، ولم يرد مثل ذلك في الآخر، فوجب أن يصوم عقيب وصوله، لقوله سبحانه: {إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] وهذا في السبعة، وأما الثلاثة فإن كان في الحج وضاق الوقت وبقي إلى الوقوف (¬2) ثلاثة أيام، وعليه من رمضان ثلاثة أيام صام عن التمتع؛ لأن الوقت تعين لها، وهو وقت أداء، وعن رمضان قضاء، وإن كان عليه بقية من الوقت وهو بمكة، وممن يتم الصلاة، كان بالخيار يبدأ بأيهما أحب؛ لأن الصومين موسع وقتهما، وإن كان أحدهما أداء والآخر قضاء، وإن كان ممن يقصر الصلاة كان الخطاب بصيام التمتع؛ لأن صوم رمضان وقضاءه في السفر ساقط، وإن لم يصم الثلاثة حتى رجع فالجواب عنها كالجواب المتقدم عن السبعة. وإن كان الصومان أحدهما عن ظهار وقد أصاب، والآخر عن رمضان وهو قادر على (¬3) أن يأتي بهما قبل حلول رمضان الآخر ابتدأ بالظهار على قول مالك؛ لأنه يحمله فيه على الفور. وقال أشهب في مدونته: يبتدئ بأيهما (¬4) أحب (¬5)، وكأنه رأى أن الأمر فيهما سواء على التراخي. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 55. (¬2) قوله: (إلى الوقوف) يقابله في (س): (للوقوف). (¬3) قوله: (على) زائد من (ر). (¬4) في (س): (بأيهم). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 56.

فصل يستحب قضاء رمضان متتابعا

فصل يستحب قضاء رمضان متتابعًا يستحب أن يقضي رمضان متتابعًا عقيب صحته أو قدومه؛ لأن المبادرة إلى امتثال الطاعات أولى من التراخي عنها، وقياسًا على الصلاة يكون وقتها موسعًا والإتيان بها أول الوقت أحسن؛ لأن إبراء الذمة من الفرائض أولى، وليخرج من الخلاف لقول من يقول: القضاء على الفور، ومن قول (¬1) من يقول إنه يقصي متتابعًا، ولأن (¬2) في القضاء متفرقًا خلاف ما نُدبنا إليه من المبادرة إلى القضاء لتراخي الأول عن الآخر. ¬

_ (¬1) قوله: (من قول) ساقط من (س). (¬2) في (س): (ولا).

باب فيما تجب به الكفارة على من أفطر في رمضان

باب فيما تجب به الكفارة على من أفطر في رمضان الكفارة تجب بأربعة شروط وهو: أن يفطر بأحد الوجوه التي أمر بالإمساك عنها عامدًا، غير ناسٍ، ولا جاهل، ولا متأوِّلٍ. واختلف في الكفارة إذا كان ناسيًا في الجماع خاصة، وفي الجاهل في الأكل وغيره، وفي المتأوِّلِ تأويلًا بعيدًا، وفي المتعمد بإيصال الطعام من غير مدخل الطعام، أو من مدخل الطعام مما ليس بطعام كالحصاة والدرهم، وفي المتعمد للفطر بالنية إذا ترك التبييت ولم يأكل ولم يشرب حتى أمسى، وفي الكفارة عن الفطر بالإكراه، وفي (¬1) أعيان مسائل مرجعها (¬2) إلى أنه هل يعد متعمدًا أم لا؟ واختلف قول مالك فيمن جامع ناسيًا فقال في المدونة: لا كفارة عليه (¬3)، وفي كتاب ابن حبيب: عليه الكفارة (¬4)، وفي المبسوط: يتقرب إلى الله سبحانه بما استطاع من الخير، وكل هذا مرجح لحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: احْتَرَقْتُ احْتَرَقْتُ، فَقَالَ: مَا لَكَ؟، فَقَالَ: أَصَبْتُ امْرَأَتِي نَهَارًا فِيَ رَمَضَانَ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالكَفَّار. . ." (¬5)، فحمل الحديث مرة على العمد لقول السائل: احترقت، والأشبه أن ذلك إنما يقال عند العمد؛ لأن ¬

_ (¬1) قوله: (في) ساقط من (س). (¬2) في (ش): (مرجوعها). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 277. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 49. (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري: 6/ 2501 في باب من أصاب ذنبا دون الحد فأخبر الإمام فلا عقوبة عليه بعد التوبة إذا جاء مستفتيا، من كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة في صحيحه، برقم (6436)، ومسلم: 2/ 783 في باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم ووجوب الكفارة، من كتاب الصيام، برقم (1112).

فصل [في موجب الكفارة]

العقوبة والعذاب بالنار إنما تكون على من تعمد، وقياسًا على الأكل والشرب، وحمله مرة على عمومه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسأله هل تعمد، أو جهل، أو نسي؟ وكانوا حديثي عهد بالإسلام، وليس كلهم يعرف الفرق بين أحكام الخطأ (¬1) والعمد، ورأى مرة أن الأمر محتمل هل كان عن عمد أو جهل، فجعله منزلة بين منزلتين، فلم يوجب الكفارة ولا أسقطها. فصل [في موجب الكفارة] واختلف في الكفارة على من أنزل (¬2) عن قبلة أو مباشرة مرة من غير تكرار، فقال مالك في المدونة: إذا قبل مرة واحدة فأنزل فعليه الكفارة (¬3)، وقال ابن القاسم في المبسوط: إذا باشر مرة فأنزل فعليه الكفارة (¬4)، وقال أشهب وسحنون: لا كفارة عليه، إلا أن يتابع القبل والمباشرة، واتفق جميعهم في الإنزال عن النظر ألا كفارة عليه إلا أن يتابع (¬5). والأصل أنه لا تجب الكفارة إلا على من قصد الفطر وانتهاك حرمة الصوم، وإذا كان ذلك وجب أن ينظر إلى عادة من نزل به ذلك، فإن كان شأنه أنه ينزل عن قبلة أو مباشرة مرة، أو كانت عادته (¬6) مختلفة مرة ينزل، ومرة لا ينزل كانت عليه الكفارة؛ لأن فاعل ذلك قاصد لانتهاك صومه ومتعرض له، وإن كانت عادته السلامة فقدر أنه لا ينزل حسب ¬

_ (¬1) في (س): (القضاء). (¬2) في (س): (استنزل). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 268. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 48. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 48. (¬6) في (س): (عادة).

فصل [في الخلاف فيمن أفطر جاهلا هل عليه كفارة]

عادته (¬1) إن كان منه خلاف العادة لم تكن عليه كفارة، فقد يبعد عهد الرجل بأهله فيحدث منه ما لم يظنه (¬2)، وقد يحمل قول مالك في وجوب الكفارة؛ لأن ذلك لا يجري إلا فيمن (¬3) يكون ذلك طبعه، فاكتفى بما ظهر منه، وحمل أشهب الأمر على (¬4) الغالب من الناس أنهم يسلمون من ذلك، وقولهم في النظر دليل على ذلك. فصل [في الخلاف فيمن أفطر جاهلًا هل عليه كفارة] اختلف في الجاهل فجعله ابن حبيب كالعامد، فقال في الذي يتناول فلقة حبة: إن كان ساهيًا فلا كفارة عليه، وإن كان جاهلًا أو عامدًا كان عليه القضاء والكفارة (¬5). والمعروف من المذهب أن الجاهل في حكم المتأول، ولا كفارة عليه؛ لأنه لم يقصد انتهاك صومه، ولو كان رجل حديث عهد بالإسلام يظن أن الصيام هو الإمساك عن الأكل والشرب دون الجماع، لم تجب عليه كفارة إن جامع. وقد قال مالك (¬6) في من قدم من سفر ليلًا فأصبح مفطرًا يظن أنه لا يجزئه الصوم إلا أن يقدم نهارًا، أو في من خرج يرعى غنمًا على ثلاثة أميال فأفطر ظنًا منه أن ذلك سفر يبيح الفطر، وفي امرأة رأت الطهر ليلًا فلم تغتسل حتى أصبحت ¬

_ (¬1) قوله: (أنه لا. . . عادته) ساقط من (س). (¬2) قوله: (فقد يبعد. . . ما لم يظنه) ساقط من (س). (¬3) في (س): (ممن). (¬4) قوله: (على) ساقط من (س). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 43. (¬6) قوله: (مالك) ساقط من (س).

فأفطرت ظنًا أنه لا يجزئها الصوم إلا أن تغتسل قبل الفجر-: لا كفارة على أحد منهم، وكل هؤلاء أفطروا على الجهل بموجب الحكم (¬1). واختلف إذا قالت: حيضتي اليوم، فأفطرت قبل أن تحيض، ثم حاضت في ذلك اليوم، فقال في المدونة: عليها الكفارة (¬2)، ورآه من التأويل البعيد، وقال محمد بن عبد الحكم: لا كفارة عليها، وقال عبد الملك بن حبيب: لا كفارة على من أفطر بتأويل، إلا في التأويل البعيد كالذي يغتاب، أو يحتجم فتأول أنه أفطر، والذي يقول: اليوم تأتي حُمَّاي (¬3)، والتي تقول: اليوم أحيض (¬4). وقال ابن القاسم في الذي احتجم ثم أفطر متأولًا: لا كفارة عليه (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 277، 278. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 277. (¬3) أي: الحمّى، قال ابن القيم: (الحُمَّى حرارةٌ غريبة تشتعل في القلب، وتنبثُّ منه بتوسط الروح والدم في الشرايين والعروق إلى جميع البدن، فتشتعل فيه اشتعالًا يضر بالأفعال الطبيعية، قال: وهى تنقسم إلى قسمين: عَرَضية: وهى الحادثةُ إما عن الورم، أو الحركة، أو إصابةِ حرارة الشمس، أو القَيْظ الشديد. . . ونحو ذلك. ومرضية: وهى ثلاثةُ أنواع، وهى لا تكون إلا في مادة أُولى، ثم منها يسخن جميع البدن. فإن كان مبدأ تعلقها بالروح سميت حُمَّى يوم؛ لأنها في الغالب تزول في يوم، ونهايتُها ثلاثة أيام، وإن كان مبدأُ تعلقها بالأخلاط سميت عفنية، وهى أربعة أصناف: صفراوية، وسوداوية، وبلغمية، ودموية. وإن كان مبدأ تعلقها بالأعضاء الصلبة الأصلية، سميت حُمَّى دِق، وتحت هذه الأنواع أصنافٌ كثيرة. وقد ينتفع البدن بالحُمَّى انتفاعًا عظيمًا لا يبلغه الدواء، وكثيرًا ما يكون حُمَّى يوم وحُمَّى العفن سببًا لإنضاج موادَّ غليظة لم تكن تنضِجُ بدونها، وسببًا لتفتح سُدَدٍ لم يكن تصل إليها الأدوية المفتحة) انظر: زاد المعاد: 4/ 26. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 37. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 37.

قال الشيخ - رضي الله عنه -: أصل المذهب أن (¬1) الكفارة إنما تجب على من قصد الفطر جرأة وانتهاكًا، وإذا كان ذلك نظر إلى من أفطر بتأويل، فإن جاء مستفتيًا، ولم يظهر عليه صدق فيما يدعيه (¬2)، وأنه لم يفعل ذلك جرأة، فلا كفارة عليه، وإن ظهر عليه نظر فيما يدعيه، فإن كان مما يرى أن مثله يجهله صُدِّق، وإن أتى بما لا يشبه لم يصدق وألزم الكفارة، وهذا فائدة قولهم: إن هذا ينوَّى، ولا ينوَّى الآخر، ويجبر على الكفارة، ولو كان إخراج الكفارة إليه إذا ادَّعى ما لا يشبه لم يكن للتفرقة وجه، وهذا الأصل في الحقوق التي لله سبحانه في الأموال فيمن كان لا يؤدي زكاته، أو وجبت عليه كفارة أو عتق عن ظهار، أو قتل، أو هدي، فامتنع من أداء ذلك أنه يجبر على إنفاذه، وقاله محمد بن المواز فيمن وجبت عليه كفارة فمات قبل إخراج ذلك (¬3): إنها تؤخذ من تركته إذا لم يفرط. فإن قيل: الكفارات مختلف فيها، هل هي على الفور، أو على التراخي؟ فكيف يجبر على إخراجها مع القول: إنها على التراخي؟ قيل: إنما يصح أن يؤخرها إذا كان معتقدًا أنه يخرجها، فأما من عُلِم منه جحودها، وأنه يقول: لا شيء عليَّ. فلا يؤخر بها، وهذا في الحقوق التي تجب عليه لله سبحانه، ولم يوجبها على نفسه. واختلف فيما تطوع بإيجابه على نفسه (¬4)، فقال: مالي صدقةٌ للمساكين في غير يمين، فقال ابن القاسم: لا يجبر على إنفاذ ذلك، وقال في كتاب الصدقة من كتاب محمد: يجبر (¬5)، وبقية ما يتعلق بذلك مذكور في كتاب الهبات. ¬

_ (¬1) قوله: (المذهب أن) ساقط من (س). (¬2) قوله (صدق فيما يدعيه) تكررت في (ر) خطأ. (¬3) قوله: (ذلك) ساقط من (ش). (¬4) قوله: (واختلف فيما تطوع بإيجابه على نفسه) ساقط من (ش). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 206.

فصل [في الاختلاف إذا أفطر بما لم يدخل من الفم]

فصل [في الاختلاف إذا أفطر بما لم يدخل من الفم] واختلف إذا أفطر بما لم يدخل من الفم، فقال سحنون: لا كفارة عليه، قال: وإنما الكفارة فيما يتعمد إدخاله من الفم إلى الحلق (¬1)، وقال أبو مصعب في السعوط وتقطير الدهن في الأذن والحقنة: إن وصل شيء من ذلك إلى الجوف عليه القضاء والكفارة، وإن وصل من العين فلا قضاء عليه. يريد: لأنه منفذ لطيف، وهذا الخلاف إذا كان فاعل ذلك عالمًا بوصوله، وأن ذلك غير جائز له، فان كان جاهلًا يظن أن ذلك جائز لمّا لم يكن من الحلق عاد الجواب إلى ما تقدم من التأويل، فمضى أبو مصعب على الأصل في متعمد الفطر. وذهب سحنون إلى أن الكفارة إنما وردت فيمن أتى من الجرم (¬2) والانتهاك أعظم من هذا وهو الوطء، وألحق به الأكل والشرب المعتاد؛ لأنه بمثابته في الانتهاك ولم يلحق به من لزوم شروط الصوم من الإمساك عن الوطء والأكل والشرب، وأتى مثل ذلك من تقطيره في أذن وما أشبهه؛ لأن جرمهما مختلف فلم يلحق بحكم الأعلى، وإلى هذا يرجع الاختلاف فيمن بيت الفطر ولم يأكل ولم يشرب حتى أمسى، فقال مالك وابن القاسم: عليه الكفارة (¬3)، وقال أشهب: لا كفارة عليه (¬4)، وذكر أبو الفرج عن مالك قولين: وجوب الكفارة، وسقوطها، فلزومها؛ لأنه متعمد للفطر غيرُ متأوِّلٍ، ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 45. (¬2) في (س): (المحرم). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 285. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 51.

فصل [واختلف في الكفارة على من أفطر مكرها]

وسقوطها؛ لأنه لم يجتزئ (¬1) بالانتهاك بالأكل والشرب. واختلف في الكفارة إذا ابتلع حصاة أو درهمًا - مع تسليم القول أنه مفطر، فأسقطت الكفارة في أحد القولين؛ لأن جرمه دون من انتهك صومه بالأكل والشرب، وإلى مثل هذا ذهب أبو حنيفة (¬2)، والشافعي. (¬3) وأوجب أبو حنيفة الكفارة إذا جامع في الفرج، وأسقطها إذا أصاب دون الفرج، أو أنزل عن القبل (¬4) وإن تابع، أو ابتلع حصاة، وذكر عن الزهري والأوزاعي والثوري مثل ذلك (¬5)، وقال الشافعي: لا تجب الكفارة على من أكل متعمدًا، ولا تجب فيما سوى الجماع الذي هو الإيلاج في قبل أو دبر (¬6). فصل [واختلف في الكفارة على من أفطر مكرهًا] واختلف في الكفارة على من أفطر مكرهًا، فقال مالك وابن القاسم وأشهب: إذا أكره زوجته عليه أن يكفر عنها (¬7)، وقال سحنون: لا كفارة عليه عنها؛ لأنها لم تجب عليها، وليس كالحج؛ لأن الحج عمده وخطؤه وإكراهه سواء (¬8). وقال مالك في كتاب ابن حبيب فيمن أكره رجلًا على الشرب: عليه ¬

_ (¬1) في (س): (يجبر). (¬2) انظر: فتح القدير: 2/ 336. (¬3) انظر: الأم: 2/ 100. (¬4) انظر: المبسوط: 3/ 89. (¬5) انظر: المغني: 4/ 365. (¬6) انظر: الأم: 2/ 100. (¬7) انظر: المدونة: 1/ 268. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 39.

الكفارة (¬1)، وقال فيمن جامع زوجته وهي نائمة: عليها القضاء، ولم يجعل في ذلك كفارة، خلاف الأولى؛ لأنها حينئذٍ غير مخاطبة (¬2)، وقال الشافعي: لا قضاء عليها (¬3). وقولُ سحنون: أن (¬4) لا كفارة على المرأة إذا أكرهت بالوطء، ولا على من أكره بالشرب - أحسنُ؛ لأن المكره أعذر من الناسي، فإذا لم يكن على الناسي في ذلك كفارة كان المكره أبين ألا كفارة عليه. ويكفِّر المكرِهُ عن نفسه وعن اجترائه على انتهاك صوم غيره؛ لأن الإطعام والعتق إنما هو كفارة عما أتى من الذنب في إفساد الصوم، ولا فرق بين أن يفسد صوم نفسه أو صوم غيره، فعليه أن يأتي بالكفارة ليسقط عن نفسه ما أتى من ذلك، فيصح أن يكفِّر بالصوم، وإن كفَّر بالعتق كان الولاء له، فإن كره غيره على الشرب أتى بكفارة واحدة, وإن أكره زوجته على الوطء أتى بكفارتين؛ لأنه أفسد صومه وصومها. وقد تأول بعض أهل العلم قول مالك في الكفارة في الإكراه على الوطء على قوله في كتاب ابن حبيب في لزوم الكفارة إذا وطئ ناسيًا (¬5). ويقوي ذلك ما في الزاهي: إذا أكره العبد زوجته, أنها جناية في رقبته، فجعل الكفارة عليها، ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 39 قال فيه: (في مَن أفطر مُكرهًا، أو أُدخل حَلقه شيءٌ لم يتعمَّدْه، أو أمرٌ غالبٌ، من ذباب، أو عُودٍ, أو ماءٍ, أو دقيقٍ، أو غُبار، أو غيره وقد رفع النبي - صلى الله عليه وسلم - المأثمَ في الخطأ، والنسيان، والإكراه, فلا يُكفِّرُ المُكرهُ على الفطر، وليقضِ كما أمر الله المريضَ بعدَّةٍ من أيام أُخر). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 278. (¬3) انظر: المسائل التي تفرد بها الشافعي: ص 19، والمجموع: 5/ 331. (¬4) قوله: (أن) ساقط من (س). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 49.

ولها أن ترجع على المكرِه بما لزمه (¬1)، وهذا ينتقض بقوله في الكفارة: على من أكره غيره على الشرب؛ لأنه لا خلاف أن لا كفارة على من أكل أو شرب ناسيًا، وإذا لم تكن على الناسي كفارة مع أن معه شبهة من التفريط لم يكن على المكرَه، وذهب ابن شعبان إلى أن الكفارة عليه عنها، فإن كان معسرًا كفرت عن نفسها ورجعت عليه. ¬

_ (¬1) قوله: (ويقوي ذلك. . . بما لزمه) ساقط من (س). وانظر: الزاهي، لابن شعبان, لوحة رقم: [38 / أ، ب].

باب في أصناف الكفارات, وهل هي على الترتيب أو التخيير؟ وعقوبة من أفطر في رمضان

باب في أصناف الكفارات, وهل هي على الترتيب أو التخيير؟ وعقوبة من أفطر في رمضان اختلف في الصنف الذي يكفِّر به على أربعة أقوال: فقال مالك: يكفِّر بالإطعام، قال ابن القاسم: ولا يعرف مالك غير الإطعام، ولا يأخذ بالعتق ولا بالصوم (¬1)، وقال: قال الله -عز وجل-: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] فجعل الكفارة صنفًا واحدًا. وذكر ابن القاسم عن مالك في كتاب ابن مزين أنه جعل الكفارة عن الأكل ثلاثة أصناف: إطعام أو صوم أو عتق، قال: واستحب البداية بالإطعام ثم بالصوم ثم بالعتق. وقال أبو مصعب: إن أكل أو شرب فليس عليه كفارة إلا بالإطعام، وإنما العتق والصيام عن الجماع. وقال أشهب: يكفّر بأي الأصناف الثلاثة شاء. ولم يفرق بين أن تكون الكفارة عن أكل أو جماع (¬2). وقال ابن حبيب: يكفِّر بالعتق أحب إلي، فإن لم يجد فبالصيام، فإن لم يستطع فبالإطعام. قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما الكفارة عن الجماع فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها ثلاثة أصناف: عتق، وصيام شهرين متتابعين، وإطعام ستين مسكينًا. واختلف عنه هل هي على الترتيب، أو التخيير؟ فأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة أنه قال: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَلَكْتُ. فَقَالَ: مَا لَكَ؟. قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ. فَقَالَ لَهُ: هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 284. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 52.

فَتُعْتِقهَا؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعيْنِ؟ قَالَ: لاَ. فَقَالَ: فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟. قَالَ: لاَ، قال: فَأُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَقٍ من تَمْرٍ فَقَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ. . ." الحديث (¬1)، وقال أبو هريرة في الموطأ: "أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعتق رقبة, أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكينا" (¬2)، فجعله في الحديث الأول على الترتيب، وظاهر قوله في الحديث الثاني التخيير، وقد يجعل (¬3) اللفظ في الحديث الثاني من قول أبي هريرة ليجمع بين الحديثين فيكون المعنى أنه أمره بعتق، أو صيام عند عدم العتق، أو اطعام عند عدم القدرة على الصيام؛ ليزول التعارض؛ لأنه متى كان حديثان مفسر ومجمل رُدَّ المجمل إلى المفسر. وجعل أبو مصعب الكفارة على قدر الجرم، ورأى أن المجترئ على الانتهاك بالجماع أعظم جرمًا ممن اجزأ على ذلك بالأكل، وقد تقدم القول في هذا فيمن أفطر بالنية ولم يأكل. وإن كفّر بالإطعام أطعم ستين مسكينًا مُدًّا مُدًّا لكل مسكين، قال ابن القاسم: فإن أطعم ثلاثين مسكينًا مدَّين مدَّين لم يجزئه (¬4). ويختلف هل يكون من الصنف الذي يأكله المكفِّر، أو مما يأكله أهل البلد؟ حسبما تقدم في كفارة الأيمان. ¬

_ (¬1) سبق تخريجه في أول كتاب الصيام، ص: 721. (¬2) أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 296، في باب كفارة من أفطر في رمضان، من كتاب الصيام، برقم (697). (¬3) في (ب): (يحمل). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 284.

فصل [في تأديب المفطر عمدا]

فصل [في تأديب المفطر عمدًا] ومن ظهر عليه أنه أكل أو شرب في رمضان عوقب على قدر ما يرى أن فيه ردعًا له ولغيره من الضرب أو السجن، أو يجمع عليه الوجهان جميعًا: الضرب والسجن، والكفارة ثابتة بعد ذلك، تجمع عليه العقوبة في المال والجسم. ويختلف فيمن أتى مستفتيًا ولم يظهر عليه، فقال مالك في المبسوط: لا عقوبة عليه، قال (¬1): ولو عوقب خشيت ألا يأتي أحد يستفتي في مثل ذلك، وذكر الحديث، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعاقب السائل (¬2)، ويجري فيها قول آخر: أنه يعاقب قياسًا على شاهد الزور إذا أتى تائبًا، فقال في كتاب السرقة: يعاقب (¬3)، وقال سحنون: لا عقوبة عليه (¬4). والقول الأول أحسن، ولا تسقط العقوبة خيفة أن لا يأتي أحد مستفتيًا (¬5) ولو كان ذلك لسقط الحد عن المعترف بالسرقة والزنى. ¬

_ (¬1) قوله: (قال) ساقط من (س). (¬2) الحديث السالف الذي فيه: (وقعتُ على امرأتي وأنا صائم. . .). (¬3) قال في المدونة: 4/ 540: (وأما الشاهدان إذا رجعا، إن كانا عدلين بينة عدالتهما، وأتيا من أمرهما بأمر يعرف به صدق قولهما، وأنهما لم يتعمدا فيه حيفا، لم أر أن يقال لهما شيء، وأقيلا وجازت شهادتهما بعد ذلك إذا تبين صدق ما قالا، وإن كانا على غير ذلك من بيانه ومعرفة صدقه, لم أر أن تقبل شهادتهما فيما يستقبلان، ولو أدبا لكانا لذلك أهلا). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 436. (¬5) قوله: (ولا تسقط. . . مستفتيًا) زيادة من (ب).

وأرى أن ينظر إلى السائل، فإن كان من أهل الستر، ومن يرى أن ذلك منه فلتة، لم ترفع الشهادة عليه لما أمر بالستر، وإن كان مستهزئًا، ومن تعرف منه قلة المراعاة لدينه بلغت عليه الشهادة وعوقب.

باب في من نذر الصيام, وما يلزم متابعته وما يلزم من نذر سنة بعينها أو بغير عينها، ومن نذر شهرا هل يجزئه تسعة وعشرون يوما، أو نصف شهر هل يجزئه أربعة عشر يوما

باب في من نذر الصيام, وما يلزم متابعته وما يلزم من (¬1) نذر سنة بعينها أو بغير عينها، ومن نذر شهرًا هل يجزئه تسعة وعشرون يومًا، أو نصفَ شهر هل يجزئه أربعة عشر يومًا ومن نذر صومًا معينًا، أو مضمونًا في الذمة، لزمه الوفاء به؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ" (¬2). واختلف في المتابعة إذا نذر صيامًا مضمونًا أيامًا أو شهرًا أو سنة على ثلاثة أقوال: فقال مالك في كل ذلك: هو بالخيار؛ إن شاء تابع، وإن شاء فرق (¬3). وقال ابن كنانة في كتاب ابن حبيب: عليه أن يأتي بذلك متتابعًا. وقال ابن الماجشون: إن نذر أيامًا لم يكن عليه أن يتابعها، وإن نذر جزءًا من شهر، أو شهرين أو سنة، كان عليه أن يتابع (¬4) وهذا أحسن؛ لأن الذي ¬

_ (¬1) في (س): (منه). (¬2) أخرجه البخاري: 6/ 2463 في باب النذر في الطاعة, من كتاب الأيمان والنذور في صحيحه, برقم: (6318)، ومالك في الموطأ: 2/ 476، في باب العمل في المشي إلى الكعبة، من كتاب النذور والأيمان، برقم (1014). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 281. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 266، وفيه: (قال ابنُ حبيبٍ: ومَن نذرَ صومَ سنةٍ بغير عينها، أو شهرٍ غير معيَّنٍ أو أيامٍ، فابنُ كنانةَ يقولُ: يتابعها حتى ينويَ التفرقة, وابن القاسم يجيز له التفرقة في ذلك كله حتى ينويَ التتابع. وابن الماجشون يوجبُ في الشهر والسنةِ أو جزءٍ من شهرٍ أَنْ يتابع حتى ينويَ التفرقة, وأما أياما، فله أَنْ يُفرِّقَهَا حتَّى ينويَ التتابع. وهذا قول ابن =

عهده الناس أن الشهر عبارة عن جملة متتابعة من الهلال إلى الهلال، والسنة كذلك، وقولُ القائل في ثلاثين يومًا "شهرًا" - مجازٌ، أو إنما هو نسبة إلى ذلك الشهر الذي هو من الهلال إلى الهلال (¬1)، وهو فيمن نذر سنة أبين. واختلف في القدر الذي يصومه من نذر سنة مضمونة أو معينة، فقال مالك فيمن نذر سنة مضمونة بغير عينها: يصوم اثني عشر شهرًا ليس فيها رمضان (¬2)، ولا يوم الفطر، ولا أيام الأضحى، ويجعل الشهر بفطره منه ثلاثين يومًا، فيقضي على قوله إذا كان شوال ناقصًا يومين، وإذا كان ذو الحجة ناقصًا أربعة أيام مكان الثلاثة التي أفطر، وقول محمد بن عبد الحكم في هذا: أنه يقضي عدد ما أفطر لا غير ذلك، ووافق أشهب ابن القاسم في هذه المسألة إذا كان نذر سنة غير معينة ولم ينوِ متابعتها، وخالفه إذا نوى متابعتها، فقال في مدونته: لا قضاء عليه عن رمضان، ولا عن يوم الفطر، ولا عن يوم النحر، ولا أيام التشريق واجبًا، واستحب له قضاء ذلك، قال: لأنه إذا نوى المتابعة فلا بد أن يدخل في تلك السنة أبدًا رمضان والأيام المنهي عن صيامها، وساوى في ذلك بين المضمون والمعين. وأن يفطر في اليوم الرابع من أيام التشريق إذا عين أو نوى المتابعة، وكان عنده بمنزلة من قال: لله تعالى علي أن أصلي (¬3) يومًا بعينه، أو بغير عينه، فلا قضاء عليه في الأوقات التي تصلى فيها الصلوات الخمس، ولا الأوقات المنهي عن الصلاة فيها (¬4). ¬

_ = شهاب، وبه أقولُ). (¬1) قوله: (إلى الهلال) ساقط من (س). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 281. (¬3) في (س): (أصوم). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 281.

فصل [فيمن نذر صيام سنة]

وعلى هذا ينبغي أن يكون الجواب على مذهب ابن كنانة وابن الماجشون؛ لأن الحكم عندهم المتابعة وإن لم ينوها (¬1). فصل [فيمن نذر صيام سنة] وإن نذر سنة بعينها صام منها ما كان يصام، وأفطر الأيام المنهي عنها، ولا قضاء عليه عن رمضان (¬2). واختلف في القضاء عن الأيام المنهي عنها (¬3)، فإن قال: لله علي أن أصوم هذه السنة، فإن سماها فقال: سنة سبعين أو ثمانين أو ما أشبه ذلك صام ما بقي منها قلّ أو كثر، ولا قضاء عليه عن الماضي، فإن قال: هذه السنة ولم يزد، فالقياس أن لا شيء عليه إلا صيام ما بقي منها كالأول. وقال مالك في "العتبية" فيمن حلف وهو في نصف سنة: إن فعل كذا وكذا ليصومن (¬4) هذه السنة، قال: إن نوى باقيها فذلك له، وإن لم ينو شيئًا ائتنف من يوم حلف اثني عشر شهرًا (¬5). وفي هذا نظر؛ لأن قوله: هذه السنة، يقتضي التعريف، وهو بمنزلة من قال: لله عليَّ أن أصلي هذا اليوم، فليس عليه إلا صلاة ما بقي منه، وإن قال ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 266. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 281. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 65. (¬4) قوله: (ليصومن) ساقط من (س). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 6/ 72، قال فيه: (وسُئل عمَّن قال في النصف من السنة: امرأتي طالق البتة إن فعلت كذا وكذا هذه السنة، فقال: إن كان نوى ما بَقِيَ من السَّنَةِ فذلك لَهُ، وإن لم يكن نوى شيئًا فليستقبل من يومَ حلف اثني عشر شهرًا).

لله عليَّ أن أصوم شهرًا، فابتدأه للهلال، فكان ذلك الشهر تسعة وعشرين يومًا أجزأه. واختلف إذا ابتدأ لغير الهلال، فقال في المدونة: يصوم ثلاثين يومًا (¬1)، وقال محمد بن عبد الحكم: القياس أن تجزئه تسعة وعشرون يوما، فليس عليه إلا أقل الشهور عدة، كما لو قال: لله علي أن أصوم أيامًا (¬2)، كان عليه أقل الأيام؛ وهي ثلاثة، قال: وكذلك لو قال: صدقة دراهم. قال الشيخ - رضي الله عنه -: وهذا أحسن للسنة والقياس، وهو أيضًا أحد قولي مالك، فأما السنة فحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "آلَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا فَاعْتَزَلهنَّ فِي مَشْرُبَةٍ تِسْعةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، ثُمَّ نَزَلَ، فَقِيلَ لَهُ: آلَيْتَ شَهْرًا، وَإِنَّمَا أَقَمْتَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا؟ فقال: إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا" (¬3). وأما القياس، فلأن كون الشهر تسعة وعشرين يومًا ليس بنادر، ونقصان شهور السنة متساويًا أو متقاربًا لتمامها، فلم يكن إلزامه أحدهما أولى من الآخر، وقياسًا على قول مالك فيمن قال: لله عليَّ هدي، فإن الشاة تجزئه (¬4)، والشاة أقل الهدايا، وللهدايا أعلى وأدنى، فأعلاها البدن، وأدناها الغنم، فإن لم يلزمه أعلى الهدايا لم يلزمه أتم الشهور. وإن قال: لله عليَّ أن أصوم نصف شهر، فإن ابتدأ أول الهلال صام خمسة ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 281. (¬2) في (س): (يومًا). (¬3) أخرجه البخاري: 1/ 147، في باب الصلاة في السطوح والمنبر والخشب، من كتاب الصلاة في صحيحه، برقم (371). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 568.

عشر يومًا، وإن ابتدأه بعد مضي خمسة عشر يومًا منه فكان ذلك الشهر تسعة وعشرين يومًا أكمل خمسة عشر يومًا. وقال عبد الملك بن الماجشون في كتابه: من أصحابنا من رأى الأربعة عشر (¬1) التي صامها نصفًا تامًّا (¬2)، مثل من حلف: لاكلمتك في شهر، من قبل أن يمضي النصف منه، فكلمه بعد العصر من خمسة عشر يومًا ثم نقص الشهر، فلا حنث عليه؛ لأن العمل في النصف الأول على خمسة عشر يومًا ليس على أربعة عشر ونصف، قال: والأول أحوط. قال الشيخ - رضي الله عنه -: حقيقة نصف الشهر إذا كان ناقصًا أربعة عشر يومًا وليلة إلى طلوع الشمس، فإن لم يكلمه (¬3) قبل طلوعها لم (¬4) يحنث، هذا مقتضى اللفظ إلا أن يكون للحالف قصد فيحمل عليه؛ لأن من غروب الشمس إلى طلوعها نصف، ومن طلوعها إلى غروبها نصف، فأما الصوم فالنصف فيه أربعة عشر ونصف نهار الآخر؛ لأن قصد الحالف صيام النهار دون الليل، ففارق الحالف على الكلام، فيصوم (¬5) خمسة عشر يومًا؛ لأنه ليس يقصد أن يصوم بعض يوم. ¬

_ (¬1) قوله: (عشر) ساقط من (س). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 65. (¬3) في (س): (لم يكمله). (¬4) قوله: (لم) ساقط من (س). (¬5) في (س): (فيصير).

باب فيمن قال: لله علي أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان, ومن نذرصوم يوم فنسيه, أو نذر صوم الاثنين والخميس فنسي فصمام قبله أو بعده

باب فيمن قال: لله عليَّ أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان, ومن نذرصوم يوم فنسيه, أو نذر صوم الاثنين والخميس فنسي فصمام قبله أو بعده ومن المدونة قال ابن القاسم فيمن قال: لله علي أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان، فقدم فلان ليلًا، صام صبيحة تلك الليلة، وإن قدم نهارًا فلا شيء عليه (¬1). وقال أشهب في مدونته وابن الماجشون وأصبغ في كتاب محمد: إن عليه القضاء وإن قدم نهارًا (¬2) وإن أصبح ذلك اليوم صائمًا متطوعًا، أو ينوي قضاء صوم يوم من رمضان أو ظهار أجزأه عما صامه له، وعليه قضاء النذر. واختلف إذا كان قدومه يوم الفطر أو النحر فقال أشهب في مدونته: لا شيء عليه؛ لأنه نذر في معصية (¬3)، وعلى قول عبد الملك: يقضيه؛ لأنه لم يكن قصد نذرًا في معصية، وإنما وافق قدومه ذلك اليوم، وقد قال: إذا قدم. والناذر مريض قضى ذلك اليوم واصلًا في أول صحته، قال: لأني لم أجده أراد بركة يوم بعينه، لا يوم جمعة ولا يوم خميس ولا اثنين، وإنما أراد شكر الله تعالى بصومه، ولزمه تعجيله لما ألزم نفسه من تعجيل صومه عند قدومه، فحمل النذر على أن المراد به تعجيل الصوم لا عين ذلك اليوم، قال: وإن بيَّته وهو يعلم أنه يدخل في أول نهاره لم يجزئه؛ لأنه صامه قبل ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 283. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 67. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 68.

وجوبه، ويصوم غد ذلك اليوم (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: وليس هذا الكلام بالبيّن، بل القصد عين ذلك اليوم، وعليه يحمل نذره, وكثيرا ما يجري مثل ذلك إذا فُرِّج عن الرجل كربة في يوم، أو أمر نزل به، أو نجاة من مرض، أن يتقرب إلى الله سبحانه بصوم ذلك اليوم الذي فُرِّج عنه فيه، ويلتزم صومه فيما بعد، وقد قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة واليهود تصوم عاشوراء، فسألهم عن ذلك (¬2) قالوا: هذا اليوم الذي نجَّى الله فيه موسى بن عمران - عليه السلام -، فنحن (¬3) نصومه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ؛ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ". أخرجه البخاري ومسلم (¬4)، وسئل عن صوم الاثنين فقال: "فِيهِ وُلِدْتُ وَفِيهِ بُعِثْتُ" أو: "أُنْزِلَ عَلَيَّ" (¬5). وإذا كان القصد بالنذر عين ذلك اليوم كان الصحيح أن لا قضاء عليه، وكذلك أرى إذا قدم ليلًا أن لا شيء عليه؛ لأن الوقت الذي قدم فيه لم يعلق به نذرًا، وإنما علّق النذر باليوم شكرًا لله سبحانه، والليل لا يصام بانفراده ولا ينعقد النذر إلا أن ينذر ذلك اليوم للأبد، فيصام بعد ذلك اليوم الذي قدم فيه، إن قدم نهارًا، وإن قدم ليلًا لم يصم صبيحته. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 68. (¬2) قوله: (فسألهم عن ذلك) ساقط من (س). (¬3) قوله: (ابن عمران - عليه السلام -، فنحن) ساقط من (س). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 704، في باب صيام يوم عاشوراء، من كتاب الصوم في صحيحه، برقم (1900)، ومسلم: 2/ 795، في باب صوم يوم عاشوراء، من كتاب الصيام، برقم (1130). (¬5) أخرجه مسلم: 2/ 818 , في باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة وعاشوراء والاثنين والخميس، من كتاب الصيام، رقم (1162)، بلفظ: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن صوم الاثنين؟ فقال: فيه ولدت وفيه أنزل علي".

فصل [في نذر صوم يوم بعينه]

واختلف إذا نذر صوم يوم فنسيه، فقال ابن القاسم في العتبية: يصوم يوم الجمعة، قال: وهو آخر أيام (¬1) الجمعة وأولها يوم السبت (¬2)، ولسحنون في ذلك ثلاثة أقوال؛ فقال: يصوم يومًا من أيام الجمعة أيها شاء، وقال أيضًا: يصوم آخر يوم من أيام الجمعة، فيكون في معنى القضاء، وقال: أيضًا يصوم الدهر (¬3)، وهو آخر قوله، وهذا أقيسها؛ لأنه شاك في كل يوم هل هو المنذور؟ وهل يجوز له فطره، أم لا؟ وإن نذره للأبد صام يومًا واحدًا، بخلاف الأول إذا نذر صوم يوم من جمعة واحدة، فلا يؤمر هذا بصيام جميع أيام الجمعة, فيكون قد ألزم صيام الدهر، وذلك حرج، وأي يوم صام أجزأه، ولا وجه للاختصاص بيوم الجمعة؛ لأنه في الأيام التي قبل شاكٌّ هل يجوز له الفطر، أم لا؟ فصل [في نذر صوم يوم بعينه] ومن نذر (¬4) صوم يوم بعينه كالاثنين والخميس أو غير ذلك لزمه الوفاء به، وكره مالك هذا الذي يقول: لله عليَّ أن أصوم يوم كذا، يؤقته (¬5)، ويستحب لمن أحب أن يتقرب إلى الله سبحانه بصيام أو صلاة أو غيرهما من الطاعات أن يفعل ذلك من غير نذر؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَنْذِرُوا. . ." الحديث (¬6)، ولأن النذر ¬

_ (¬1) في (س): (يوم). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 343. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 69. (¬4) قوله: (ومن نذر) ساقط من (س). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 283. (¬6) أخرجه مسلم: 3/ 1261، في باب النهي عن النذر وأنه لا يرد شيئا، من كتاب النذر، برقم (1640).

يعقب ندمًا، والغالب في الناذر أنه يأتي (¬1) بما نذر متثاقلًا متباطئًا لأجل ما عقد، فكان الإتيان بذلك بغير نذر نشيطًا راغبًا إذا حضرته نية أو عزم - أولى. ومن نذر صوم يوم الخميس ثم صام قبله وهو يظن أنه الخميس لم يجزئه، وإن صام بعده أجزأه وكان قضاء. واختلف إذا بيَّت (¬2) الفطر في يوم الخميس، ثم تبين له قبل أن يأكل، فقيل: يمسكه، ولا يجزئه، وقيل: يجزئه، وقد تقدم ذلك في ذكر النية للصوم (¬3). ¬

_ (¬1) في (س): (لا يأتي). (¬2) في (س): (ثبت). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 16.

باب في الأيام المنهي عن صيامها وما يرغب في صيامه, وهل يصام الدهر

باب في الأيام المنهي عن صيامها وما يرغب في صيامه, وهل يصام الدهر والأيام المنهي عن صيامها ثمانية: يوم الفطر، ويوم النحر، وأيام منى، ويوم الشك، ويوم الجمعة, ويوم السبت، أن يُفْرَد أحدُهما، أو يُخَصَّ بصيام، على اختلاف في بعض هذه الأيام، فأما يوم الفطر ويوم النحر فقد ثبتت الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنهي عن صيامهما (¬1) (¬2)، وأجمع أهل العلم على تحريم صيامهما (¬3). واختلف في أيام منى على ثلاثة أقوال، فقيل: لا يصام منها شيء، وقيل: لا بأس بصومها، وقيل: يصام الرابع وحده، فذكر أشهب في مدونته أن يفطر جميعها وإن نذرها، وقال مالك في مختصر ابن عبد الحكم: إذا صامها المتظاهر رجوت أن تجزئه (¬4)، وهو قول المخزومي في السليمانية، وفي الحاوي: إذا نذر اعتكافها أنه يوفي بنذره, فيصومها ويعتكفها (¬5). وقال محمد: روي عن مالك إذا صامها عن كفارة ¬

_ (¬1) في (س): (صيامها). (¬2) منها ما أخرجه البخاري واللفظ له: 2/ 702، في باب صوم يوم الفطر، من كتاب الصوم في صحيحه، برقم (1889)، ومسلم: 2/ 799، في باب النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى، من كتاب الصيام، رقم (1137)، من حديث أبي عبيد مولى ابن زهر قال: شهدتُ العيدَ مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال هذان يومان نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صيامهما يوم فطركم من صيامكم واليوم الآخر تأكلون فيه من نسككم. (¬3) في (س): (صيامها). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 74. (¬5) في (س): (أو يعتكفها).

يمين أنه وقف، وقال: لا أدري (¬1)، وقال في المدونة: يجزئه الرابع (¬2). فاما المنع فللحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث كعب بن مالك، وأوس بن الحارث وهو بمنى فناديا (¬3): ". . . أَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ" أخرجه مسلم (¬4) وفي الموطأ قال: "نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صِيَامِ أَيَّامِ مِنى" (¬5). وأما جواز صومها فلتظاهر الأخبار (¬6) عن صيام يومين، فقال أبو هريرة (¬7) وأبو سعيد الخدري (¬8) وعائشة - رضي الله عنها - (¬9): "نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صِيَامِ يَوْميْنِ: الفِطْرِ وَالأَضْحَى"، وقال عمر - رضي الله عنه -: "إِنَّ هَذَيْنِ يَوْمَانِ (¬10) نَهَى ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 24. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 279، والنوادر والزيادات: 2/ 74، وفيه: (قال عنه غيرُ واحدٍ: إنَّ اليومَ الرابعَ لم يختلف قولُه فيه أنَّه يصومه من نذره, وأن يَصِلَ فيه صيامًا واجبًا، ولا يبتدئَ فيه، ولا يُصام تطوُّعًا). (¬3) في (س): (ينادي). (¬4) أخرجه مسلم: 2/ 800، في باب تحريم صوم أيام التشريق، من كتاب الصيام، برقم (1142). (¬5) أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 376، في باب ما جاء في صيام أيام منى، من كتاب الحج، برقم (837). (¬6) كذا فيما بين أيدينا من نسخ الكتاب والمراد: (فلتظاهر الأخبار بالنهي). (¬7) أخرجه مسلم: 2/ 799، في باب النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى، من كتاب الصيام، برقم (138/ 1139)، ومالك في الموطأ: 1/ 300، في باب صيام يوم الفطر والأضحى والدهر، من كتاب الصيام، برقم (665). (¬8) أخرجه مسلم: 2/ 799، باب النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى، من كتاب الصيام، برقم (141/ 1138). (¬9) أخرجه مسلم: 2/ 800 , باب النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى، من كتاب الصيام، برقم (143/ 1140). (¬10) في (س): (يومين).

رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صِيَامِهِمَا: يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، وَالآخَرُ يَوْمٌ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ"، وهذه أحاديث صحاح أخرجها البخاري ومسلم (¬1)، فاجتمعت هذه الأحاديث على اختصاص النهي عن هذين اليومين، فلو كان جميع تلك الأيام محرمًا لم يكن لاختصاص اليومين وجه، ولإجماع المذهب على جواز صومها للمتمتع، ولو كانت محرمة العين لم يجز صومها (¬2) للمتمتع كما لم يجز له أن يصوم يوم النحر، ويحتمل أن يكون ذلك على وجه الندب لمن كان بمنى خاصة لما كانوا عليه من المنع من النساء، وقد تقدم الحديث أن النداء بالنهي كان للناس بمنى، ولأن من صام امتنع من النساء، فندبهم أن لا يتكلفوا من ذلك فوق ما يقدم حتى تنقضي أيام الحج. وأما التفرقة بين الرابع وغيره فلأنه أضعف رتبة؛ لأن المتعجل يسقطه، وقد تقدم ذكر يوم الشك. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ، إِلاَّ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ" (¬3)، وقال: "لاَ تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلاَ يَوْمَ الجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الأَيَّامِ" (¬4)، ودخل على جويرية بنت الحارث - رضي الله عنها - يوم جمعة وهي صائمة فقال: "أَصُمْتِ أَمْسِ؟ فَقَالَتْ: لاَ. قَالَ: أَتُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا. قَالَتْ: لاَ. قَالَ: فَأَفْطِرِي" (¬5) انفرد به البخاري، وانفرد مسلم بقوله: "لاَ ¬

_ (¬1) سبق تخريجه، ص: 814. (¬2) في (س): (صومهما). (¬3) متفق عليه, أخرجه البخاري: 2/ 700، في باب صوم يوم الجمعة، من كتاب الصوم في صحيحه، برقم (1884)، ومسلم: 2/ 801، في باب كراهة صيام يوم الجمعة منفردًا، من كتاب الصيام، برقم (147/ 1144). (¬4) أخرجه مسلم: 2/ 801 , في باب كراهة صيام يوم الجمعة منفردًا، من كتاب الصيام: 2/ 801، برقم (148/ 1144). (¬5) أخرجه البخاري: 2/ 701، في باب صوم يوم الجمعة, من كتاب الصوم في صحيحه, برقم (1885).

فصل الأشهر المرغب في صيامها

تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الجُمُعَةِ. . ." (¬1) واجتمعا على ما سوى ذلك. وقال الداودي، في قول مالك في الموطأ (¬2): لم يبلغ مالكًا الحديث، ولو بلغه لم يحالفه، يريد. لم يبلغه الحديثُ بالمنع. قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "لاَ تَصُومُواُ يوْمَ السَّبْتِ إلاَّ فِيمَا افْتُرضَ عَلَيْكُمْ. . ." (¬3) ذكره الترمذي، وهو حديث حسن السند، وقد ذُكرت هذه الأحاديث في هذه الأيام وفيما بعدها؛ لأن المنع والترغيب وتعلُّق الفضل ببعضها دون بعض موضع توقيف، ليس يؤخذ بقياس. فصل الأشهر المرغب في صيامها الأشهر المرغب في صيامها ثلاثة: المحرم، ورجب، وشعبان، ومن أيام السنة ستة من شوال، وعشر ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر، ومن أيام الجمعة الاثنين والخميس. والأصل في هذه الجملة قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الفَرِيضَةِ صَلاَةُ اللَّيْلِ" أخرجه مسلم (¬4)، ¬

_ (¬1) سبق تخريجه، ص: 814. (¬2) يقصد قول مالك: (وقال يحيى سمعت مالكا يقول لم أسمع أحدا من أهل العلم والفقه ومن يقتدى به ينهى عن صيام يوم الجمعة وصيامه حسن، وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه وأراه كان يتحراه)، انظر: الموطأ، كتاب: الصيام، باب صيام اليوم الذي يشك فيه: 1/ 309، برقم (684). (¬3) أخرجه الترمذي في سننه: 3/ 120، في باب ما جاء في صوم يوم السبت، من كتاب الصوم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -, برقم (744)، وقال: هذا حديث حسن. (¬4) أخرجه مسلم: 2/ 821 , في باب فضل صوم المحرم، من كتاب الصيام, برقم (1163).

وقالت عائشة - رضي الله عنها -: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ" (¬1) اجتمع عليه الصحيحان. وقال أبو أيوب: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ" (¬2) أخرجه مسلم، وقال: "مَا مِنْ أَيَّامٍ أَحَبُّ إِلَى اللهِ أَنْ يُعْبَدَ فِيهَا مِنْ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ، يَعْدِلُ صِيَامُ كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا صِيَام سَنهٍ، وَقِيَام كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْهَا بِقِيَامِ لَيْلَةِ القَدْرِ" (¬3)، وقال: "صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ السَّنَهَ الماضِيَةَ وَالثَّانِيَةَ، وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ السَّنةَ الماضِيَةَ" (¬4) أخرجه مسلم يريد: في يوم عرفة ما لم يكن في حج، فإن فطره حينئذٍ أفضل للتقوِّي على الدعاء (¬5)، وقال أبو هريرة - رضي الله عنه -: "أَوْصَانِي خَلِيلي بِثَلاَثٍ؛ بِصِيَامِ ثَلًاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَي الضُّحَى، وألا أَنَامَ قَبْلَ أَنْ أُوتَرَ" (¬6)، أخرجه البخاري ومسلم. ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 695، في باب صوم شعبان، من كتاب الصوم في صحيحه، برقم (1868)، ومسلم: 2/ 809، في باب صيام النبي - صلى الله عليه وسلم - في غير رمضان واستحباب أن لا يخلى شهرا عن صوم، من كتاب الصيام، برقم (782). (¬2) أخرجه مسلم: 2/ 822، في باب استحباب صوم ستة أيام من شوال اتباعا لرمضان، من كتاب الصيام، برقم (1164). (¬3) إسناده ضعيف, أخرجه الترمذي في سننه: 3/ 131، في باب ما جاء في العمل في أيام العشر، من كتاب الصوم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -, برقم (758)، وقال: (هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث مسعود بن واصل عن النهاس)، وقال ابن حجر في فتح الباري 2/ 461: (إسناده ضعيف). (¬4) أخرجه مسلم: 2/ 818، في باب استحباب ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة وعاشوراء، من كتاب الصيام، برقم (1162). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 74. (¬6) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 699، في باب صيام أيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة، من كتاب الصوم في صحيحه، برقم (1880)، ومسلم: 1/ 499، في باب =

واختلف متى تصام الثلاثة من الشهر فقالت عائشة - رضي الله عنها - في كتاب مسلم: "كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ. وَلا يُبَالِي مِنْ أَيِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ كَانَ يَصُومُ" (¬1)، وقال أبو ذر - رضي الله عنه - في الترمذي: قال لي رسول - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا صُمْتَ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَصُمْ: ثَلاَثَة عَشرَ وَأَرْبَعَة عَشرَ وَخَمْسَةَ عَشْرَ" (¬2)، وقيل: يصوم من أوله؛ لأن تعجيل كل خيرٍ خيرٌ من تأخيره, وإلى هذا ذهب الشيخ أبو الحسن، قال الشيخ - رضي الله عنه -: ولأنه لا يدري ما يقطعه عن ذلك من موت أو (¬3) مرض أو سفر أو عدم نشاط، وقيل: يبتدئ كل عشر (¬4) بصوم يوم، يصوم أول يوم، وأحد عشر، وأحد وعشرين، ليكون قد استفتح كل عشر بالطاعة، وفي مسلم قال أبو قتادة - رضي الله عنه -: "سُئِلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، فَقَالَ: فِيهِ وُلِدْتُ وَفِيهِ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَيّ فِيهِ (¬5)، وَفي الترمذي قالت عائشة - رضي الله عنها -: "كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَتَحَرَّى صَوْمَ الِاثْنَيْنَ وَالخَمِيسِ" (¬6)، ومنه: قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: "قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: تُعْرَضُ الأَعمالُ يَوْمَ الِاثْنينِ وَالخَمِيسِ فَأُحِبُّ ¬

_ = استحباب صلاة الضحى، من كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم (721). (¬1) أخرجه مسلم: 2/ 818 في باب استحباب ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة وعاشوراء، من كتاب الصيام، برقم (1160). (¬2) حسن، أخرجه الترمذي في سننه: 3/ 134، في باب ما جاء في صوم ثلاثة أيام من كل شهر، من كتاب الصوم، برقم (761)، والبيهقي في السنن الكبرى: 4/ 294، في باب من أي الشهر يصوم هذه الأيام الثلاثة، من كتاب الصيام، برقم (8228)، وقال الترمذي: حديث أبي ذر حديث حسن. (¬3) قوله: (موت أو) ساقط من (س). (¬4) قوله: (كل عشر) ساقط من (س). (¬5) سبق تخريجه، ص: 809. (¬6) أخرجه الترمذي في سننه: 3/ 121، في باب ما جاء في صوم يوم الاثنين والخميس، من كتاب الصوم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -, برقم (745)، وقال: حديث حسن غريب من هذا الوجه.

فصل في الخلاف في صيام الدهر

أَنْ يُعْرَضَ عَمِلي وَأَنَا صَائِمٌ" (¬1). فصل في الخلاف في صيام الدهر اختلف الناس في صيام الدهر، فقال مالك وابن القاسم في المجموعة: لا بأس به. وقال ابن حبيب: إنما النهي إذا صام فيه ما نهي عنه (¬2)، وذهب غير واحد إلى المنع؛ لحديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - قال: "بَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَنِّي أَسْرُدُ الصَّوْمَ وَأُصَلِّي اللَّيْلَ، فقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: لاَ تَفْعَلْ، صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لجِسْمِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنَيِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزوَّارِكَ عَلَيْكَ حَقًّا. قُلْتُ: إِنِّي لأقوى عَلَى ذَلِكَ، قَالَ: فَصُمْ صِيَامَ دَاوُدَ، كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَهُوَ أَفْضَلُ الصَّيَامِ، قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: لاَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، لاَ صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ، [لاَ صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ" (¬3). وقال أيضًا فيمن صام الأبد]: ". . . مَا صَامَ وَلاَ أَفْطَرَ. . ." (¬4) أخرجه البخاري ومسلم. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي في سننه: 3/ 122، في باب ما جاء في صوم يوم الاثنين والخميس، من كتاب الصوم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، برقم (747)، وقال: حديث حسن غريب. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 77. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 698، في باب حق الأهل في الصوم، من كتاب الصوم في صحيحه، برقم (1876)، ومسلم: 2/ 812، في باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به، من كتاب الصيام، برقم (1159). (¬4) أخرجه مسلم: 2/ 818، في باب استحباب ثلاثة أيام من كل شهر، من كتاب الصيام، برقم (1162)، ولم أقف عليه في صحيح البخاري.

فكان في هذا أربعة أدلة: أحدها: أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بالفطر، ولم يكن يأمر بالأدنى عن الأفضل. والثاني: قوله: ". . . لاَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ"، فأخبر أن الفطر في ذلك أفضل من الصوم. والثالث: دعاؤه على من صام الأبد، بقوله: "لاَ صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ. . .". والرابع: أنه إذا صام في معنى من لم يكتب له أجر؛ لقوله: "مَا صَامَ وَلاَ أَفْطَرَ"، يريد: أنه ما أفطر؛ لأنه كان ممسكًا، ولا صام؛ لأنه لا يكتب له فيه أجر الصائم.

باب في قيام رمضان، والقنوت فيه

باب في قيام رمضان، والقنوت فيه قيام رمضان مندوب إليه؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ" (¬1)، وهو في العشر الأواخر آكد؛ لحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا كَانَ العَشْرُ الأوَاخِرُ مِنْ رَمَضَانَ شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَأَحْيَا لَيْلَهُ" (¬2)، ولأن ليلة القدر فيه، فيجتهد في العمل فيه رجاء موافقتها. والجمع في قيام رمضان وإظهاره في المساجد حسن؛ لأن كثيرًا من الناس لا يستظهر القرآن، وقد جمع الناسَ عمرُ بن الخطاب - رضي الله عنه - على ذلك في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3) ليدرك قيامه من كان لا يقرأ القرآن، أو كان يقرأه ويعجز عن القيام به إذا كان وحده، وإن كان ممن يقوم بذلك وهو في بيته، كان قيامه في بيته أفضل؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَفْضَلُ الصَّلاةِ صَلاَتكُمْ فِي بُيُوتكُمْ إِلاَّ المَكْتُوَبَةَ" (¬4) أخرجه البخاري ومسلم. فأجاز التنفل في المساجد، وفرق بينهما ¬

_ (¬1) متفق عليه, أخرجه البخاري: 1/ 22، في باب تطوع قيام رمضان من الإيمان، من كتاب الإيمان في صحيحه، برقم (37)، ومسلم: 1/ 523، في باب الترغيب في قيام رمضان، من كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم (759). وأما زيادة: "وما تأخر". فشاذة ضعيفة في هذا الحديث - كما بينه الحافظ في الفتح: 2/ 211. (¬2) متفق عليه, أخرجه البخاري: 2/ 711، في باب العمل في العشر الأواخر من رمضان، من كتاب صلاة التراويح في صحيحه، برقم (1920)، ومسلم: 2/ 832 في باب الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان، من كتاب الاعتكاف، برقم (1174). (¬3) أخرجه البخاري: 2/ 707، في باب فضل من قام رمضان، من كتاب صلاة التراويح في صحيحه، برقم (1906)، ومالك في الموطأ: 1/ 114، في باب الترغيب في الصلاة في رمضان، من كتاب الصلاة في رمضان، برقم (250). (¬4) متفق عليه, أخرجه البخاري: 6/ 2658، في باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا =

في الفضل. وكذلك القرب المتطوع بها إخفاؤها أفضل، ولا حرج في إعلانها، قال الله -عز وجل-: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271]، فالإخفاء خير لما يخشى أن يدخل في ذلك من الرياء والسمعة، ولا يُعتَرَض هذا بقيام النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ممن لا يجوز ذلك عليه. واختلف في العدد الذي يقوم به الإمام، وفي القدر الذي يقرأ به في كل ركعة، فقال مالك في المدونة: يقوم بتسع وثلاثين ركعة، يوتر منها بثلاث (¬1)، وقال في مختصر ما ليس في المختصر: الذي يأخذ بنفسي في ذلك الذي جمع عليه عمر - رضي الله عنه - الناس إحدى عشرة ركعة بالوتر، وهي صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإحدى عشرة ركعة من ثلاث عشرة ركعة قريب. وذكر مالك في الموطأ عن السائب بن يزيد أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أمر أبي بن كعب، وتميمًا الداري أن يقوما بالناس بإحدى عشرة ركعة، قال: "وَكَانَ القَارِئُ يَقْرَأُ بِالمِئِينَ"، وفي رواية أخرى: "بالمائتين (¬2) حَتَّى كُنَّا نَعْتَمِدُ عَلَى العِصِيِّ مِنْ طُولِ القِيَامِ" (¬3)، وذكر عن يزيد بن رومان أنه قال: "كَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ فِي ¬

_ = يعنيه, من كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة في صحيحه، برقم (6860)، ومسلم: 1/ 539، في باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد، من كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم (781). (¬1) انظر: المدونة: 1/ 287. (¬2) قوله: (وفي رواية أخرى بالمائتين) ساقط من (س) و (ر). (¬3) أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 115، في باب ما جاء في قيام رمضان، من كتاب الصلاة في رمضان، برقم (251).

رَمَضَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ بِثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ رَكْعَةً" (¬1). وقال ابن حبيب: إن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أمر الناس أن يقوموا بإحدى عشرة ركعة، ثم رجع إلى ثلاث وعشرين (¬2). وأما القدر الذي يقرأ به في كل ركعة فقيل: بالمائتين، وقيل: بالعشرين والثلاثين آية، وقيل: بالعشر آيات. وتقدم حديث السائب أنه كان يقوم بالمائتين، وينصرف في بزوغ الفجر، وذكر مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه أنه قال: "كُنَّا نَنْصَرِفُ فِي رَمَضَانَ فَنَسْتَعْجِلُ الخَادِمَ بِالطَّعَامِ مَخَافَةَ الفَجْرِ" (¬3)، فكان الأمر من طول القيام في زمن الصحابة على ذلك، ثم صار الأمر في زمن التابعين على دون ذلك، فذكر مالك عن ابن هرمز أنه قال: "كَانَ القَارِئُ يَقُومُ بِسُورَةِ البَقَرَةِ فِي ثَمَانِي رَكَعَاتٍ فَإِذَا قَامَ بِهَا فِي اثْنَتَي عَشْرَةَ رَكْعَةً رَأَى النَّاسُ أَنَّهُ قَدْ خَفَّفَ" (¬4)، ثم صار الأمر في التخفيف إلى دون ذلك، فذكر ابن وهب عن عمر بن عبد العزيز أنه أمر القرَّاء أن يقوموا في كل ركعة بعشر آيات. (¬5) ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 115، في باب ما جاء في قيام رمضان، من كتاب الصلاة في رمضان، برقم (252). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 521. (¬3) أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 116، في باب ما جاء في قيام رمضان، من كتاب الصلاة في رمضان، برقم (254). (¬4) أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 115، في باب ما جاء في قيام رمضان، من كتاب الصلاة في رمضان، برقم (253). (¬5) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه: 2/ 162، في باب صلاة رمضان، من كتاب الصلوات، برقم (7676).

فصل [ولا باس أن يقوم الإمام بالناس في المصحف عند عدم من يستظهر القراءة]

فصل [ولا باس أن يقوم الإمام بالناس في المصحف عند عدم من يستظهر القراءة] ولا بأس أن يقوم الإمام بالناس في المصحف (¬1) عند عدم من يستظهر القرآن، أو عند وجوده إذا كان الذي يستظهره لا تُرضى حاله، أو يكون الرجل الصالح، أو من يرجى التبرك بإمامته. وليس لمن قام في غير المصحف إذا وقف عليه شيء أن ينظره حينئذٍ في المصحف؛ لأن في ذلك شغلًا في تصفح الورق، ويلتمس ذلك، فيكون قطعًا لما دخل فيه، وليس كذلك من استفتح في المصحف؛ لأنه متمادٍ في القراءة لا يعطل ما هو فيه (¬2) لغيره. وإمامة من استكمل القرآن أحسن؛ ليتذكر المأمومون جميع ما تضمنه القرآن من القصص، والمواعظ، والفرائض، والوعد، والوعيد، ولا يؤم من لا يستكمله إلا لعدم غيره، أو لعذر، وإذا أمَّ جماعة في مسجد قرأ الثاني من حيث انتهى الأول، والثالث من حيث انتهى الثاني. واختلف في إمامة الصبي في ذلك، ولا بأس بإمامة العبد، وأجاز مالك في العتبية للعبد أن يؤم النساء (¬3)، ولم يرَ ذلك داخلًا في نهي النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مَحْرَمٌ" (¬4)؛ لأنهن جماعة. ¬

_ (¬1) في (س): (الصحف). (¬2) قوله: (فيه) ساقط من (س). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 483. (¬4) متفق عليه, أخرجه البخاري: 2/ 1094، في باب من اكتتب في جيش فخرجت امرأته =

واختلف في صلاة الأمير مأمومًا، فأجازه مالك (¬1)، وكرهه ربيعة، وقال: لا يصنع (¬2) ذلك، وليصل في بيته إلا أن يأتيه فيقوم بالناس (¬3) والقول الأول أحسن؛ لأن تقدمته من حقوقه، ليس حقًا لله تعالى، فإذا أسقط حقه في ذلك جاز، وقد أتى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر يصلي بالناس، فأراد أبو بكر - رضي الله عنه - أن يتأخر، فأومأ إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - "أَنِ امْكُثْ مَكَانَكَ. . ." (¬4) الحديث، وأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكون مأمومًا، وأتى وعبد الرحمن بن عوف يصلي بالناس، فصلى خلفه مأمومًا" (¬5) وهذا في ولاة العدل، وأما ولاة الجور فلا حق لهم في التقدمة، إلا من باب القهر. ومن أتى المسجد ولم يصلِّ العشاء والإمام في القيام، جاز له أن يصلي فرضه ناحية ثم يدخل مع الإمام، وهو في ذلك بخلاف من أتى والإمام في الفرض. وقال مالك فيمن دخل في الركعة الثانية من الركعتين الأوليين في القيام (¬6) فصلاها معه ثم سلم الإمام فلا يسلم، وليقم لقضاء الركعة التي ¬

_ = حاجة وكان له عذر هل يؤذن له، من كتاب الجهاد والسير في صحيحه، برقم (2844)، ومسلم: 2/ 978، في باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره, من كتاب الحج، برقم (1341). (¬1) انظر: المدونة: 1/ 288. (¬2) في المدونة "لا يصلح"، والمثبت من النسخ. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 289. (¬4) سبق تخريجه في كتاب الصلاة الأول، ص: 397. (¬5) أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 35، في باب ما جاء في المسح على الخفين، من كتاب الطهارة، برقم (71)، وأبو داود في سننه: 1/ 85، في باب المسح على الخفين، من كتاب الطهارة، برقم (149)، وابن خزيمة: 3/ 9، في باب الرخصة في ترك انتظار الإمام إذا أبطأ وأمر المأمومين أحدهم بالإمامة، من كتاب الإمامة في الصلاة في صحيحه، برقم (1515). (¬6) قوله: (في القيام) ساقط من (س).

فصل [اختلف في القنوت في النصف الآخر من رمضان]

بقيت، فإن قاموا معه لشفع ثانٍ (¬1) فليتوخَّ أن يكون قيامه معهم وركوعه، وسجوده موافقًا لسجودهم، ثم يجلس ويقومون ويتشهد ويسلم، فإن شاء قام وإن شاء قعد حتى يتموا شفعهم، وقال ابن القاسم: يدخل مع الإمام في التي هي له ثانية وهي لهم ثالثة فيتبعهم فيها (¬2)، وقال مالك في المبسوط فيمن قام بين الأشفاع يركع (¬3): إن لحقوه (¬4) قبل أن يركع رأيت أن يدخل معهم إن كان لا يستطيع أن يصلي ما دخل فيه ثم يلحقهم، وإن كان قد صلى ركعة شفع إليها أخرى ثم لحقهم (¬5). فصل [اختلف في القنوت في النصف الآخر من رمضان] واختلف في القنوت في النصف الآخر من رمضان، فقال مالك في المدونة: ليس على ذلك العمل، فلا يقنت في أوله ولا في آخره ولا في الوتر (¬6)، وقال ابن حبيب: وقد كان يقنت الناس في قيام رمضان بعد رفع الإمام رأسه من صلاة الوتر بعهد عمر (¬7) وبعده في الزمن الأول، في النصف الأخير من رمضان يجهر (¬8) الإمام بكلامه ودعائه في القنوت، ¬

_ (¬1) قوله: (ثانٍ) زيادة من (ق). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 524. (¬3) قوله: (يركع) ساقط من (س). (¬4) في (س): (لحوقه). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 524. (¬6) انظر: المدونة: 1/ 289. (¬7) قوله: (بعهد عمر) ساقط من (س). (¬8) في (س): (غير).

وينصت من خلفه، إلا أنهم يؤمنون على دعائه كلما وقف (¬1)، روى ذلك مالك بن أنس عن عمر بن الخطاب. وأخبرني مطرف عن مالك عن داود بن الحصين عن الأعرج يقول: "مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ إِلاَّ وَهُمْ يَلْعَنُونَ الكَفَرَةَ فِي رَمَضَانَ" (¬2)، وقال عبد الملك: فمن أخذ بهذا اليوم في النصف الآخر وفعله على سنته فحسن، ورواه ابن وهب عن مالك. وقال مالك في المدونة في الإمام يوتر ولا يسلم من الشفع: لا تخالفه؛ إن سلم فسلم وإلا فلا تسلم (¬3). وذكر محمد بن عبد الحكم عن أشهب أنه قال: يسلم من خلفه من اثنتين ثم يقوم إلى الثالثة، وقال مالك: من أدرك ركعة من الوتر مع الإمام فأضاف إليها أخرى فصل إن كان إمامُهُ فَصَلَ، وإلا وصل كما وصل. تم كتاب الصيام من التبصرة بحمد الله وحسن عونه وصدى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه (¬4) ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 192. (¬2) أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 115، في باب ما جاء في قيام رمضان, من كتاب الصلاة في رمضان، برقم (253). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 289. (¬4) قوله: (تم كتاب. . . وآله وصحبه) زيادة من (ق).

كتاب الاعتكاف

كتاب الاعتكاف النسخ المقابل عليها 1 - (ب) = نسخة برلين رقم (3144) 2 - (س) = نسخة الاسكوريال رقم (1082) 3 - (ق 3) = نسخة القرويين رقم (368/ 4)

شروطه, وما يلزم المعتكف في اعتكافه, وما يوسع له أن يفعله من غير الاعتكاف، وبم يلزم؟

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلى الله على محمد وآله وسلم تسليمًا كتاب الاعتكاف وشروطه, وما يلزم المعتكف في اعتكافه, وما يوسع له أن يفعله من غير الاعتكاف، وبم يلزم؟ ومن المدونة قال مالك: لا يكون الاعتكاف إلا بصوم (¬1)، لقول الله -عز وجل-: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187]. قال الشيخ - رضي الله عنه -: فصول الاعتكاف تسعة: أحدها: جوازه. والثاني: بم يلزم؟ والثالث: تعلق الصوم به؟ والرابع: معرفة مدة الاعتكاف، وكم القدر الذي لا يجوز الاقتصار على دونه (¬2)؟ والخامس: الموضع الذي يعتكف فيه؟ والسادس: الوقت الذي يدخل فيه معتكفه ويخرج منه. والسابع: ما يفعله في معتكفه وما يستحب له أن يفعله من غير جنس الاعتكاف، وما يمنع منه. والثامن: ما يجوز له أن يخرج إليه، وما يمنع منه. والتاسع: ما يطرأ عليه مما يوجب خروجه؛ من المرض والحيض للمرأة, أو خوفٍ أو مطالبةٍ بدينٍ، أو حَدٍّ. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 290. (¬2) في (س): (الاقتصار عليه).

فصل في جواز الاعتكاف

فصل في جواز الاعتكاف فأما جوازه فالأصل فيه قول الله -عز وجل-: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187]. وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في البخاري ومسلم أنه اعتكف وأصحابه معه، واعتكف أزواجه (¬1). والاعتكاف وإن كان تبتلًا فليل المعتكف ونهاره سواء - فإنه غير داخل في نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن التبتل، قال سعد بن أبي وقاص: "نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ عَنِ التبتُّلِ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لاَخْتَصَيْنَا" أخرجه البخاري ومسلم (¬2). ومحمل النهي فيمن يداوم على ذلك. وأما الاعتكاف فهو المدة اليسيرة. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن عمرو بن العاص: "بَلَغَني أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ"، قال: نعم، فنهاه عن ذلك، وقال: "إِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ نفِهَتْ لَهُ النَّفْسُ، وَهَجَمَتْ لَهُ العَيْنُ؛ صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لجِسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا. . ." الحديث (¬3). ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 713، في باب الاعتكاف في العشر الأواخر والاعتكاف في المساجد كلها، من كتاب الاعتكاف في صحيحه، برقم (1922)، ومسلم: 2/ 829، في باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان، من كتاب الاعتكاف، برقم (1172). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 5/ 1952، في باب ما يكره من التبتل والخصاء، من كتاب النكاح في صحيحه، برقم (4786)، ومسلم: 2/ 1020، في باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنة واشتغال من عجز عن المؤن بالصوم، من كتاب النكاح، برقم (1402). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 698، في باب صوم داود - عليه السلام -، من كتاب الصوم في صحيحه، برقم (1878)، ومسلم: 2/ 812، في باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به أو فوت به حقا، من كتاب الصيام، برقم (1159).

فصل الاعتكاف يلزم بالنذر

فنهاه عن المداومة على ذلك. فأما قدر مدة الاعتكاف فلا بأس بذلك، فإن نابه شيء (¬1) من ذلك أذهبه ما يعود إليه إذا قطعه. فصل الاعتكاف يلزم بالنَّذْر الاعتكاف يلزم بالنذر، وبالدخول فيه وإن لم يتقدمه نذر، فإن نذر اعتكاف أيام أو تَلَبَّسَ بالاعتكاف من غير نذر وهو ينوي أيامًا لزمه الوفاء بذلك متتابعًا. وفرّق مالك بين الاعتكاف إذا نذر أيامًا والصوم، فإن نذر صوم أيامٍ كان له أن يفرّقها، وإن نوى اعتكاف أيام لم يفرق (¬2). وهذا صحيح للعادة أن من دخل معتكفه وهو ينوي أيامًا أنه يأتي به متتابعًا، ولولا العادة لم يلزمه ذلك؛ لأن أقل الاعتكاف كأقل الصوم، فأقل الاعتكاف يوم، ولا يجوز أقل منه، وأقل الصوم يوم (¬3) ولا يجوز بعض يوم، وإذا جاز لمن قال: لله عَليَّ صوم عشرة أيام. أن يفرقها (¬4) ويأتي بأقل ما يصح أن يصام بانفراده، وهو يوم جاز (¬5) في الاعتكاف، وكما لو قال: لله عليَّ أن أعتكف عشرة أيام، يومًا في كل شهر- جاز ذلك، ولم يلزمه أن يأتي به متتابعًا. ¬

_ (¬1) قوله: (نابه شيء) يقابله في س: (ناله شر) (¬2) انظر: المدونة: 1/ 281، 297. (¬3) قوله: (يوم) ساقط من (س). (¬4) في (س): (يقومها). (¬5) قوله: (مثل ذلك) يقابله في س: (مثله).

فصل الاعتكاف شرط صحة الصوم

فصل الاعتكاف شرط صحة الصوم الصوم عند مالك شرط في صحة الاعتكاف، ولا يصح اعتكاف إلا بصوم (¬1)، وليس من شرطه أن يختص بصوم تطوع؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتكف في رمضان، فجاز أن يفعله (¬2) في رمضان، أو في قضائه، أو في صوم التظاهر، أو قتل النفس، ونذر الصوم المعين وغير المعين. وهذا ما لم يكن الاعتكاف منذورًا. قال عبد الملك بن الماجشون: فإن نذره لم يكن له أن يفعله (¬3) في صوم وجب لغيره، وكان عليه أن يأتي به في صوم تطوع. ومحمل (¬4) قوله إذا كان الناذر يرى أنه إنما يكون في صوم له، وأنه لا يكون في صوم واجب، ولو كان يعلم موضع ذلك من العلم، وأن له أن يجعله في صوم واجب وأوجبه على ما يوجبه الشرع - جاز له أن يجعله في أي صوم أحب، وكذلك لو كان يجهل أن من شرطه الصوم، ويرى أن له أن يأتي به مفطرًا، فإن له أن يجعله في صوم واجب؛ لأنه لم يلتزم له صوم التطوع. ويختلف في اعتكاف من لا يستطيع الصوم؛ كالرجل الضعيف البِنْيَةِ، والمتعطش، والشيخ الكبير. قياسًا على المعتكف يمرض (¬5) وهو قادر على الاعتكاف سوى الصوم، أو يمرض مرضًا لا يقدر معه المقام (¬6) فيخرج ثم ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 290. (¬2) في س: (يجعله). (¬3) في س: (يجعله). (¬4) في س: (ومجمل). (¬5) في (س): (بمرض). (¬6) في س: (على القيام).

يصح في بعض يوم، والحائض تطهر في بعض يوم، هل يرجعان حينئذٍ، ومن مضى له يوم الفطر وقد بقي عليه بقية من اعتكافه؟ فاختلف في هذا الأصل هل يكون في معتكفه وهو مفطر، أو لا يعود، ولا يكون في معتكفه حتى يصح منه الصوم، فقال في المجموعة: إذا مرض فأقام في المسجد على اعتكافه إلا أنه لا يقدر على الصوم من الضعف فيفطر، فقال: يعتكف وهو مفطر؟! ليس هذا اعتكافًا، ولكن يخرج ثم يقضي، وهذا هو ظاهر المدونة (¬1). وقال أبو محمد عبد الوهاب: لا يخرج إلا لمرض لا يستطيع معه المقام (¬2). وقال مالك: إذا صح المريض، أو طهرت الحائض في بعض يوم، رجعا إلى معتكفهما فأتما فيه بقيته (¬3). واختلف (¬4) قوله، فقال (¬5) فيمن أتى عليه يوم الفطر وقد بقي عليه من اعتكافه بقية، هل يكون ذلك اليوم في معتكفه على اعتكافه، أو يحرج لأجل أنه مفطر؟ وهذا كله أصل واحد، فعلى قوله في المجموعة لا يعود المريض ولا الحائض إذا طهرت حتى تغرب الشمس، ويكون الآخر يوم العيد في بيته. وعلى قوله في المريض والحائض يعودان في بعض يوم، ويكونان على اعتكافهما وهما مفطران: لا يخرج المريض إذا غلب على الصوم، ولا يخرج الآخر يوم العيد، وهذا أصوبهما لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يخرج من معتكفه إذا أصبح (¬6). فيه دليل على جواز الاعتكاف بغير صوم؛ لأن الليلة الآخرة ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 291. (¬2) انظر: التلقين: 1/ 76. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 290. (¬4) قوله: (رجعا. . . واختلف) ساقط من (س). (¬5) قوله: (فقال) يقابله في (ق 3): بياض. (¬6) لعله يشير إلى ما أخرجه البخاري: 2/ 709، في باب التماس ليلة القدر في السبع الأواخر، =

فصل في مدة الاعتكاف

يعتكفها ولا يصوم صبيحتها، ولقول سحنون في الحائض أنها إذا خرجت لا تنصرف وهي على الاعتكاف. وكذلك أرى ألا يمنع من كان صحيحًا عاجزًا عن الصوم. وأجاز مالك الجوار بغير صوم، قال: مثل جوار أهل مكة، يجاور بالنهار، وقد (¬1) ينقلب بالليل إلى أهله، وليس عليه في جِواره صوم. فصل في مدة الاعتكاف أقل الاعتكاف يوم، وأكثره عشرة أيام، والأصل في أقله حديث عمر قال: يا رسول الله، إني نذرت اعتكاف يوم في الجاهلية، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَوْفِ بِنَذْرِكَ" (¬2). وفي أكثره حديث ابن عمر، وعائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان (¬3). فلا ينبغي أن يجاوز العشر؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أشد الناس عبادة، وقام حتى تورمت (¬4). . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = من كتاب صلاة التراويح في صحيحه، برقم (1912)، من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: اعتكفنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العشر الأوسط من رمضان فخرج صبيحة عشرين فخطبنا وقال. . . الحديث. (¬1) قوله: (قد) زيادة من (ق 3). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 714، في باب الاعتكاف ليلا، من كتاب الاعتكاف في صحيحه، برقم (1927)، ومسلم: 3/ 1277، في باب نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم، من كتاب الأيمان، برقم (1656). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 713، في باب الاعتكاف في العشر الأواخر والاعتكاف في المساجد كلها، من كتاب الاعتكاف في صحيحه، برقم (1921)، ومسلم: 2/ 830، في باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان، من كتاب الاعتكاف، برقم (1171). (¬4) في (ق 3): (ورمت).

قدماه (¬1)، ولم يجاوز باعتكافه عشرة أيام؛ إلا عندما رفعت ليلة القدر. والظاهر أنه زاد ليلة، ولنا فيه أسوة حسنة. وإن نذر فوق ذلك لزمه الوفاء به ما لم يطل (¬2) ذلك مما يرى أنه يضر بنفسه ضررًا بينًا فيرد الزائد على ما كان يجوز أن ينذره، لحديث سعد قال: "رَدَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ" (¬3). وكره مالك في المدونة اعتكاف ما دون العشر (¬4). وقال في العتبية: ما أعرف اعتكاف يوم أو يومين من أمر الناس. وقال أيضًا: لا بأس به (¬5). وهو أبين؛ لحديث عمر، والآخر استحسان وترغيب في الخير. واختلف إذا نذر اعتكاف يوم، هل يلزمه أن يعتكف ليلة ذلك اليوم، أو يجزئه ذلك من طلوع الفجر؟ واختلف أيضًا إذا نذر اعتكاف ليلة، هل يجزئه يوم وليلة، أو يسقط نذره فلا يلزمه شيء؟ فقال ابن القاسم: إذا نذر اعتكاف يوم أو اعتكاف ليلة - يلزمه أن يعتكف يومًا وليلة، وساوى بين السؤالين. وقال سحنون في كتاب ابنه: إن نذر اعتكاف ليلة لم يلزمه شيء، وإن نذر اعتكاف يوم لزمه أن ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 4/ 1830، في باب تفسير سورة الفتح، من كتاب التفسير في صحيحه، برقم (4556)، ومسلم: 4/ 2171، في باب إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة، من كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، برقم (2189). (¬2) في (س): (يصل). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري: 5/ 1952، في باب ما يكره من التبتل والخصاء، من كتاب النكاح في صحيحه، برقم (4786)، ومسلم: 2/ 1020، في باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنة واشتغال من عجز عن المؤن بالصوم، من كتاب النكاح، برقم (1402). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 297. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 306.

فصل الاعتكاف في المساجد دون البيوت

يعتكف يومًا وليلة، وإن دخل عند طلوع الفجر لم يجزئه. وقال أبو محمد عبد الوهاب: إذا دخل قبل (¬1) طلوع الفجر أجزأه (¬2). ولمالك في المبسوط مثله، وقول سحنون إذا نذر اعتكاف ليلة أحسن، ولا يلزمه أكثر مما ألزم نفسه، وإن كان يصح أن يؤتى به - وَفَّى به، وإن كان ذلك مما لا يصح أن يؤتى به سقط نذره. ويلزم على قول ابن القاسم أن يقول فيمن نذر أن يصلي ركعة: أن يأتي بركعتين، أو يصوم بعض يوم: أن يصوم يومًا كاملًا. وأما إن نذر يومًا كاملًا فالصحيح أن الليل غيى داخل في النذر. قال الله -عز وجل-: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ} [الحاقة: 7]. ولا خلاف أن ذلك العذاب لم يكن خمسة عشر يومًا، وإنما كان ابتداؤه نهارًا وخاتمته نهارًا، فكانت الأيام ثمانية، والليالي سبعة. وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يدخل معتكفه إذا صلى الصبح (¬3)، ففيه دليل على جواز اعتكاف اليوم دون الليل. فصل الاعتكاف في المساجد دون البيوت الاعتكاف في المساجد دون البيوت؛ لقول الله -عز وجل-: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] ولأنه المروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وأزواجه أنهم اعتكفوا في المسجد (¬4). ¬

_ (¬1) في (س): (عند) والمثبت هو الموافق لما في المعونة. (¬2) انظر: المعونة 1/ 311. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 718، في باب الاعتكاف في شوال، من كتاب الاعتكاف في صحيحه، برقم (1936)، ومسلم: 2/ 830، في باب متى يدخل من أراد الاعتكاف فى معتكفه، من كتاب الاعتكاف، برقم (1172). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 713، في باب الاعتكاف في العشر الأواخر والاعتكاف =

وفي اعتكاف أزواجه في (¬1) المسجد مع كون النساء مندوبات إلى الكون في مبيتهن (¬2) في بيوتهن دليل بَيَّنَ أَنَّ للاعتكاف تَعَلُّقًا بالمسجد، وأنه في ذلك بخلاف النوافل، وللمعتكف أن يعتكف في أي المساجد شاء إذا كان موضعًا لا تجب فيه جمعة، أو كانت تجب فيه وهو ممن لا تجب عليه كالمرأة والعبد والمسافر، أو تجب عليه وكان اعتكافه ينقضي قبل يوم الجمعة. فإن كان يأتي الجمعة قبل انقضائه - كان اعتكافه في المسجد الجامع، وإن اعتكف في (¬3) مسجد سواه ثم أتت الجمعة قبل انقضائه وهو في غير المسجد الجامع (¬4) خَرَجَ إليها. واختلف فيما يفعله بعد ذلك، فقال مالك وابن الجهم: يتم اعتكافه في الجامع. وقال عبد الملك: يعود إلى مكانه ويصح اعتكافه. وقال في المجموعة: إذا خرج إلى الصلاة فسد اعتكافه. والقول أنه لا يفسد أحسن، وهو بالخيار بين أن يتم اعتكافه في الجامع، أو يعود إلى المسجد الذي اعتكف فيه، وهذا في الخروج إلى الجمعة أعذر من الذي يخرج إلى طعامه. وإذا اعتكف مدة تنقضي قبل يوم الجمعة فمرض قبل انقضاء اعتكافه فليخرج، ولا يفسد اعتكافه. ثم يختلف هل يُتِمَّ في الجامع أو يعود إلى معتكفه؟ ¬

_ = في المساجد كلها، من كتاب الاعتكاف في صحيحه، برقم (1922)، ومسلم: 2/ 829، في باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان، من كتاب الاعتكاف، برقم (1172). (¬1) قوله: (وفي اعتكاف أزواجه في) ساقط من (س). (¬2) قوله: (في مبيتهن) ساقط من (س). (¬3) قوله: (وأنه في ذلك. . . وإن اعتكف في) ساقط من (س). (¬4) قوله: (قبل انقضائه. . . الجامع) ساقط من (س).

ولا يعتكف في بيت القناديل (¬1)؛ لأنها لا تُدْخَلُ إلا بإذن، ولا على ظهر المسجد (¬2)، ولا في صومعته. واختلف فيما سواه من المسجد على ثلاثة أقوال: فقال في المدونة: يعتكف في عجز المسجد وفي رحابه (¬3). وقال ابن وهب عنه: لم أره إلا في رحبة المسجد. وقال في المجموعة: لم أره إلا في عجز المسجد. والقول الأول أحسن، وذلك واسع يعتكف حيث شاء من المسجد (¬4). واختلف إذا اعتكف في رحبة المسجد، هل يَضرِبُ خباءً يكون فيه؟ فأجاز ذلك في المدونة (¬5). وقال ابن وهب عنه: لم أسمع أنه ضرب خباءً يبات (¬6) فيه. والأول أحسن، وقد ضرب أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبية يعتكفن فيها: عائشة، وحفصة، وزينب (¬7). وقال أبو سعيد الخدري: "أصبح النبي - صلى الله عليه وسلم - صبيحة عشرين، فقوض الذين اعتكفوا معه أبنيتهم. . ." الحديث (¬8). ولأن ¬

_ (¬1) قوله: (القناديل) ساقط من (س). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 300. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 294، قال فيها: (ولا بأس أن يعتكف رجل في رحاب السجد). (¬4) قوله: (حيث شاء من المسجد) يقابله في (س): (كيف شاء). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 298. (¬6) قوله: (يبات) ساقط من (س). (¬7) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 715، في باب اعتكاف النساء، من كتاب الاعتكاف في صحيحه، برقم: (1928)، ومسلم: 2/ 830، في باب متى يدخل من أراد الاعتكاف في معتكفه، من كتاب الاعتكاف، برقم (1172). (¬8) لم أقف على لفظه، و (قوض) يقابلها في (ر): (ضرب)، وكذا في (س)، وفي هامش (ب) بعد قوله: (أبنيتهم): (فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إني رأيت ليلة القدر، ورأيت كأني أسجد في ماء وطين" أخرج هذين الحديثين البخاري ومسلم). ولا محل له بالنظر لسياق المسألة وإن كان صحيحًا من حديث أبي سعيد، دون ما هو مثبت فهما حديثان الأول من حديث عائشة - رضي الله عنها -، والثاني من حديث أبي سعيد.

فصل الخلاف في الوقت الذي يدخل المعتكف فيه معتكفه

المعتكف محتاج إلى ما يُكِنَّهُ إذا كان في الصيف من الشمس والحر، وإن كان في الشتاء من الريح والبرد، وليستتر بعمله عن الناس. فصل الخلاف في الوقت الذي يدخل المعتكف فيه معتكفه اختلف في الوقت الذي يدخل المعتكف فيه معتكفه، فقال في المدونة: يدخل المغرب ويخرج المغرب إلا أن يكون آخر اعتكافه انقضاء آخر رمضان فإنه يكون ليلة الفطر على اعتكافه، ويخرج صبيحة تلك الليلة (¬1). وفي المعونة: إذا دخل قبل طلوع الفجر في وقت يصح له الصوم أجزأه (¬2). وأرى أن يكون دخوله معتكفه وخروجه منه عند طلوع الفجر؛ فأما دخوله فلحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَعْتكِفُ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَكُنْتُ أَضرِبُ لَهُ خِبَاءً فَيُصَلِّي الصُّبْحَ ثُمَّ يَدْخُلُهُ" (¬3). وأما خروجه فلحديث أبي سعيد الخدري قال: حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين، وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها (¬4). وقد أخذ بعض أهل العلم من هذا الحديث جواز اعتكاف الليل دون النهار؛ لأن الليلة الآخرة لا يعتكف يومها. واختلف في مقامه ليلة الفطر في معتكفه، فقال مالك في العتبية: إن خرج ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 300. (¬2) انظر: المعونة: 1/ 311. (¬3) أخرجه البخاري: 2/ 715، في باب اعتكاف النساء، من كتاب الاعتكاف في صحيحه، برقم (1928). (¬4) أخرجه البخاري: 2/ 713، في باب الاعتكاف في العشر الأواخر والاعتكاف في المساجد كلها، من كتاب الاعتكاف في صحيحه، برقم (1923).

فصل يتضمن الاعتكاف والصلاة وتلاوة القرآن والذكر

فلا إعادة عليه (¬1). وقال أبو محمد عبد الوهاب: يستحب له ذلك (¬2). فإن لم يفعل جاز إذا انصرف بعد الغروب؛ لزوال مدة الاعتكاف. وقال عبد الملك ابن الماجشون: إن فعل فأصاب أهله فسد اعتكافه. والأول أحسن، ولا يلزم اللبث تلك الليلة إلا لمن نواها قبل ذلك، فإن كانت نيته الاعتكاف لغروب الشمس من آخر الشهر - لم يلزمه سوى ما نوى، وكما لو نوى أن يخرج قبل ذلك بيوم أو بيومين، ويحتمل الحديث أن تكون تلك نيته - صلى الله عليه وسلم -، أو تَطَوّعٌ بالتمادي، ليس ذلك لازما. فصل يتضمن الاعتكاف والصلاة وتلاوة القرآن والذِّكْر متضمن الاعتكاف: الصلاة، وتلاوة القرآن، والذكر لله تعالى؛ فعلى من دخل معتكفه أن يلتزم ذلك في ليله ونهاره بقدر طاقته، ولا يدع ذلك إلا لغلبته، قال مالك: ولم يبلغني أن أبا بكر ولا عمر ولا عثمان ولا أحد ممن سلف من سلف هذه الأمة ممن أدركت أقتدي بهم اعتكف، ولا أراهم تركوه إلا لشدة الاعتكاف؛ لأن ليله ونهاره سواء (¬3). ولا بأس أن يكون إمامًا، وأن يؤذن في صحن المسجد. واختلف قول مالك في صعوده المنار للأذان، فأجازه وكرهه، ولا بأس أن يقيم في مكانه (¬4). ويختلف في سعيه وتماديه بالإقامة إلى موضع الإمام، فكره ¬

_ (¬1) في (س): (فلا اعتكاف عليه). وانظر: البيان والتحصيل: 2/ 309. (¬2) انظر: المعونة: 1/ 311. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 299. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 294.

ذلك في المدونة (¬1)، ويجوز على قوله الآخر في إباحته صعود المنار؛ فأما إمامته فاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يستخلف في حين اعتكافه، وأما الأذان والإقامة فلأن مضمونهما الذكر والتهليل، وهو من جنس ما دخل له، وكره صعوده مرة؛ لأنه من غير جنس ما دخل له، وأجاز ذلك ليسارة ذلك القدر (¬2). وأما سعيه في الإقامة فواسع؛ لأن للمعتكف أن يطلب فضيلة الصف الأول، وإذا كان ذلك لم يضره أن يكون حينئذ في إقامة، وأجاز مالك (¬3) أن يتحدث مع من يأتيه ما لم يكثر (¬4)، وأن يجلس للعلم، ويكتبه إذا لم يكثر أيضًا، وترك ذلك أحب إليه (¬5). وأجاز له إذا كان حكمًا أن يحكم بالأمر الخفيف (¬6). وأجاز ابن القاسم أن يشتري ويبيع فيما خف إن كان من عيشه (¬7). قال مالك: ولا بأس أن يَنْكِح ويُنكح (¬8) ويتطيب (¬9). واختلف في صلاته على الجنازة وهو في مكانه فكرهه في المدونة (¬10)، وفي ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 300. (¬2) في (س): (العذر). (¬3) قوله: (مالك) ساقط من (س). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 300. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 293. (¬6) انظر: المدونة: 1/ 300. (¬7) انظر: المدونة: 1/ 293. (¬8) يصح فيها (يُنْكَح) باعتبار جواز ذلك للمعتكفه وهو نكاحها من غير مسيس، قال في الاستذكار: 3/ 403، (قال مالك: لا بأس بنكاح المعتكف نكاح الملك ما لم يكن المسيس، والمرأة المعتكفة أيضا تنكح نكاح الخطبة ما لم يكن المسيس) والسياق بعد يرشح ما ضبطناه به. (¬9) انظر: المدونة: 1/ 294. (¬10) انظر: المدونة: 1/ 293.

المعونة: إجازته (¬1). فأما حديثه واشتغاله عن الاعتكاف بمثل ذلك فالأصل في ذلك الحديث، قال: "جَاءَتْ صَفِيَّةُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - تَزُورُهُ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ ساعَةً". أخرجه البخاري ومسلم (¬2). وهذا الحديث أصل يقضي على جميع ما تقدم من اشتغاله في استماع العلم، أو كتبه، أو عقد نكاح، ولأن في ذلك راحة وقوة على ما يريده بعد ذلك، والأصل في عقد النكاح لنفسه ولغيره، وفي التطيب بخلاف المحرم - حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُدْنِي إِلَيَّ رَأْسَهُ وَهْوَ مُجَاوِرٌ فِى المَسْجِدِ، فَأُرَجِّلُهُ وَأَنا حَائِضٌ" (¬3) فلو كان كالمحرم لم يرجل رأسه. وللمعتكف أن يحلق رأسه ويقلم أظفاره؛ إذا فعل في ذلك كفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في ترجيل رأسه، ولا يجوز له أن يقبِّل ولا يباشر، فإن فعل بطل اعتكافه إذا وجد اللذة، وسواء كان عامدًا أو ناسيًا، في ليل أو نهار، وكذلك إذا وطئ. وإن أكل نهارًا ناسيًا لم يبطل اعتكافه، وإن كان عامدًا بطل. قال ابن القاسم: إذا سكر ليلًا، ثم ذهب عنه قبل طلوع الفجر، فسد اعتكافه (¬4). وقال أبو محمد ¬

_ (¬1) انظر: المعونة: 1/ 313. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 715، في باب هل يخرج المعتكف، من كتاب الاعتكاف في صحيحه، برقم (1930)، ومسلم: 4/ 1712، في باب بيان أنه يستحب لمن رؤي خاليا بامرأة وكانت زوجته أو محرما له أن يقول هذه فلانة؛ ليدفع ظن السوء به، من كتاب السلام، برقم (2175). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 714، في باب الحائض ترجل المعتكف، من كتاب الاعتكاف في صحيحه، برقم (1924)، ومسلم: 1/ 244، في باب جواز غسل رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها والاتكاء في حجرها وقراءة القرآن فيه، من كتاب الحيض، برقم (297). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 293.

فصل [في ما يخرج له المعتكف]

عبد الوهاب: يفسد اعتكافه إذا ركب شيئًا من الكبائر، كشرب الخمر، والزنى، واللواط (¬1). وقال ابن القصار: السباب والغيبة ليس بمنصوص عليها، هل ينقض اعتكافه أم لا؟ قال: ولكن إن كان يجري مجرى الكبائر فهي تنقض (¬2)، كما قال: إذا سكر. قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما القول في بطلانه بالزنى واللواط -لأنهما من الكبائر- فكلام مستغنى عنه؛ لأن المعتكف لا يجوز له أن يصيب زوجته، ويفسد اعتكافه متى فعل، وهذا يغني عن ذكر فعل شرب الخمر والزنى وغيره، وأبطل الاعتكاف بشرب الخمر، وأصلهما في ذلك قول ابن القاسم: إذا سكر. وليس الشرب كالسكر، وإنما أبطل ابن القاسم اعتكافه لأنه عطَّل ما دخل فيه إلى طلوع الفجر. ولو شرب لبنًا وهو يعلم أنه يُذْهِبُ عقله، ويعطل عليه من اعتكافه ذلك القدر، أو استعمل شيئًا من المحظورات فعطله مثل ذلك القدر لبطل اعتكافه، وقد يفسد اعتكافه لنفس الشرب وإن لم يسكرة لبطلان صلاته على قول مالك في كتاب محمد إذا شرب: يعيد الصلاة في الوقت وبعده؛ لأن النجاسة في بطنه وفيه، ويبني على ما كان من اعتكافه بعد ذهاب (¬3) ذلك. فصل [في ما يخرج له المعتكف] يجوز للمعتكف أن يخرج لخمسٍ: لشراء طعامه على اختلافٍ فيه، ولحاجة الإنسان، وللاغتسال للجمعة، ولصلاة الجمعة إذا كان اعتكافه في غير المسجد ¬

_ (¬1) انظر: التلقين: 1/ 76. (¬2) انظر: النكت والفروق، لعبد الحق الصقلي: 1/ 100. (¬3) قوله: (ذهاب) ساقط من (س).

الجامع على أحد القولين في جواز الاعتكاف ابتداءً وقد تقدم ذلك، وللاغتسال للجنابة إن حدث به احتلام. واختلف قوله لخروجه لشراء طعامه، فمنعه مرة مع الاختيار والضرورة، وقال: لا أرى لمن كان غير مكتفٍ أن يعتكف. وأجازه مرة مع القدرة على أن يستَعِدَّ له (¬1). وهذا أوسع ما وقع له فيما أباح للمعتكف أن يفعله مما يضاد الاعتكاف، وعلى هذا يجوز لمن اعتكف في غير الجامع أن يخرج لصلاة الجمعة ثم يعود إلى معتكفه. وعلى قول عبد الملك أنه يفسد اعتكافه إذا خرج لصلاة الجمعة - يفسد اعتكاف من خرج إلى شراء طعامه. ويستحب أن يكون اغتساله وقضاء حاجته في أقرب المواضع إليه. قال في المجموعة: بموضع غير مسكون. وقال في المدونة: وقد كان رجال صالحون من أهل الفضل يجتنبون دخول منازلهم نهارًا؛ خوفًا واحتياطًا أن يأتي من ذلك بعض ما يكرهون (¬2)، وهو في الاعتكاف أولى بالاحتياط؛ لأن القبلة والمباشرة تفسده، ولا تفسد الصوم إلا أن يعلم من نفسه النزوع عن مثل ذلك. وإن أجنب خرج ساعتئذٍ؛ لأن الجنب ممنوع من المقام في المسجد على قول مالك، ولأنه يجلس لغير ما دخل إليه. قال مالك: ولا ينتظر غسل ثوبه وتجفيفه. قال: وإني لأحب له أن يتخذ ثوبًا غير ثوبه؛ إذا أصابته أصابة أخذه وترك ثوبه (¬3). ويختلف في خروجه لغسل الجمعة قياسًا على الاختلاف في خروجه ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 292. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 270، والكلام فيها على الصائم دون اعتكاف، ولذلك قال المؤلف: (وهو في الاعتكاف أولى). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 292.

فصل

لصلاة العيدين؛ لأن كليهما سنة. ولا يجوز له أن يخرج لعيادة مريض، ولا لشهود جنازة، ولا لأداء شهادة، فإن فعل فسد اعتكافه. قال مالك في العتبية: يؤديها في المسجد وتنقل عنه (¬1). فأجاز نقل الشهادة مع كون المنقول عنه صحيحًا (¬2) لمكان عذره؛ لأن منع النقل لإمكان أن يتبين من الشاهد عند حضوره ريبة، وقد مضى ذلك في كتاب الشهادات (¬3). فصل للمعتكف أن يخرج من معتكفه إذا حدث به مرض، أو طرأ على الموضع خوف، أو حاضت المرأة أو نفست. فأما المرض فيجوز الخروج معه إذا كان لا يمكنه المقام في المسجد؛ إما لنزول أمرٍ، أو لشدة مرض لا يقدر معه على شيء من الاعتكاف، أو لحاجة لمن يقوم به ويتعذر ذلك عليه في كونه في المسجد. واختلف إذا غلب على الصوم خاصة، هل يخرج أم لا؟ وقد تقدم ذكر ذلك. واختلف قول مالك إذا ثبت عليه دين، أو وجب عليه حد، أو أمر يوجب سجنه، فقال مرة: يخرج ثم يبتدئ. وقال أيضًا: إن بنى على ما مضى أجزأه، وأحب إلي أن يستأنف. قال: ولا أحب للإمام أن يخرجه؛ إلا أن يتبين أنه إنما اعتكف لواذًا (¬4) وفرارًا من الحق، فيرى في ذلك رأيه (¬5). ¬

_ (¬1) لم أقف عليه في العتبية، وفي النوادر والزيادات: 2/ 93: (ولا يخرج لأداء شهادة عند سلطانٍ، ولكن يؤديها في المسجد). (¬2) قوله: (صحيحًا) ساقط من (س). (¬3) كتاب الشهادات لم يأت بعد. (¬4) في (س): (لواذًا). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 299.

وأرى إن كان في أول اعتكافه أن يخرج، ولا يخرج إن كان في آخره؛ إلا أن يكون اعتكافه الأيام اليسيرة فلا يخرج وإن كان في أوله، إلا أن يخشى تغيبه فيخرج ما لم يأت بحميل، وأجاز مالك في العتبية أن يخرج إذا مرض أحد أبويه واشتد به المرض (¬1). وإذا صح الخروج ممن تقدم ذكره افترق الجواب في البناء والابتداء: فللمريض، والحائض، والنفساء أن يبنوا قولًا واحدًا (¬2). واختلف قول مالك فيمن خرج لخوف، فقال مرة: يبتدئ. ثم رجع إلى أن يبني (¬3). وقال فيمن أخرجه القاضي لدين: إن بنى أجزأه. واستحب الابتداء (¬4)، وقال ابن القاسم: يبتدئ. وقال مالك فيمن خرج لمرض أحد أبويه: يبتدئ (¬5). فأما البناء فقياسًا على المريض والحائض. وأما الابتداء فلأن كل واحد منهم قادر على الاحتراز مما أوجب عليه الخروج، فيعتكف هذا بعد قضاء ما عليه من دين، والآخر في موضع لا يخشى نزول الخوف فيه. ولو كان اعتكافه في أمن ثم طرأ الخوف لبنى، قياسًا على المريض، ولأن كليهما أمر طارئ من الله سبحانه لا مدخل لهما فيه. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 321. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 290. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 297، قال فيها: (قيل لمالك: إن اعتكف المعتكف في الثغور أو في السواحل، فجاءه الخوف أيترك ما هو فيه من اعتكافه ويخرج؟ فقال: نعم. فقيل له: فإذا أمن أيبتديء أم يبني؟ قال: يبني. . .). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 299. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 322.

فصل [في انقطاع الاعتكاف لعذر]

فصل [في انقطاع الاعتكاف لعذر] وإذا غُلب المعتكف على تمام ما دخل فيه لمرض، فإنه لا يخلو اعتكافه ذلك من ثلاثة أوجه: إما أن يكون منذورًا مضمونًا، أو منذورًا (¬1) معينًا، أو متطوعًا به بغير نذر. فإن كان منذورًا مضمونًا وجب عليه قضاء الأيام التي مرضها إذا صح، واصلًا لما مضى (¬2) من الاعتكاف. ويختلف إذا كان منذورًا معينًا، فقال ابن القاسم في المدونة فيمن نذر اعتكاف شعبان فمرضه: لا قضاء عليه (¬3). وعلى قول مالك في المبسوط فيمن نذر صوم يوم فمرضه أن عليه القضاء- يكون على من نذر اعتكاف ذلك اليوم القضاء. وعلى قول عبد الملك ينظر إلى اعتكافه، فإن علقه بوقت يرجو بركته على غيره كرمضان والمحرم وما أشبه ذلك، فصح بعد انقضائه- لم يكن عليه قضاء، وإن لم يكن له قصد في فضيلة ذلك على غيره- كان عليه القضاء، وإن كان متطوعًا لم يكن عليه قضاء. وقال ابن القاسم في المدونة فيمن نذر اعتكاف شعبان فمرضه: لا شيء عليه. وإن نذرته امرأة اعتكافًا فحاضت، وصلت قضاءها بما اعتكفت (¬4). قال ابن عبدوس: إنما فرق ابن القاسم بينهما لأن الأول مرض الشهر كله، والحائض إنما تحيض بعض الشهر ثم تكون طاهرًا فعليها أن تقضي. ¬

_ (¬1) قوله: (منذورًا) ساقط من (س). (¬2) قوله: (مضى) ساقط من (س). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 297. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 297.

قال الشيخ - رضي الله عنه -: ولا فرق بين أن يتقدم الحيض أو الاعتكاف، وإن نذرت الشهر وهي تنوي ما تكون منه طاهرًا- لم يكن عليها في أيام الحيض شيء. وإن أدخلت أيام الحيض في نذرها وهي ممن تظن أنه يجوز اعتكافها فيه فَغُلِبَتْ جرت في أيام الحيض على الاختلاف في المرض. وإن كانت عالمة أنه لا يجوز لها نذرها- لم يلزمها قضاء؛ لأنه نذر في معصية، ويستحسن لها أن تعتكف مثل تلك الأيام؛ لتكون كفارة لنذرها. وإذا كان النذر مضمونًا في الذمة فجعله في شعبان ومرض بعد أن اعتكف خمسة أيام منه ثم صح في رمضان، فإن كان أوجبه على ما يوجبه الشرع ولم ينذر له صومًا- جاز أن يحتسب بخمسة (¬1) من رمضان؛ لأنه قد كان له أن يجعله في رمضان ويجزئه عن صومه، فلما جعله في شعبان كان متطوعًا بالصوم في شعبان، فلما غُلب عليه لم يجب عليه قضاؤه، وبقي الاعتكاف على أصله مضمونًا. وإن كان نذر صومه وألا يجعله في واجب- لم يجزئه إن اعتكف خمسة من رمضان؛ لأنه كان مضمونًا، فإن صح في آخره بقي على حكم الاعتكاف حتى يقضي خمسة من شوال، فإن صح من أوله كان بالخيار بين أن يقطع ويستأنف جميع اعتكافه أو يتمادى على اعتكافه، ثم يقضي خمسًا من شوال؛ لأن عليه في بقائه على الاعتكاف حتى ينقضي رمضان ضررًا، وتلحقه فيه مشقة، فجاز له أن يقطع؛ قياسًا على من فاته الحج أو أحصر بعدو أنه لا يلزمهما البقاء على الإحرام لقابل؛ لمشقة ذلك وإن كانا مختلفين في صفة الإحلال. وإن صح في ¬

_ (¬1) في (س): (لخمس).

بعض يوم فرجع إلى معتكفه- لم يحتسب به (¬1). وإن صح عند الغروب ورجع حينئذٍ احتسب به. وإن صح قبل طلوع الفجر كان له أن يحتسب عند مالك. وقال سحنون: لا يحتسب به. وهو أبين؛ لأنه قد بقي من نذره اعتكاف ليلة ذلك اليوم، فإن زاد ليلة عند انقضاء اعتكافه أجزأه للاختلاف في ذلك. وقال ابن حبيب فيمن أفطر ناسيًا: مضى على اعتكافه، ولم يجب عليه قضاء ذلك اليوم لا بصيام ولا باعتكاف؛ لأنه تطوع، إلا أن يكون اعتكافه من نذر واجب، فيجب عليه قضاء ذلك اليوم بصيام أو اعتكاف، ويصله بأيامه التي نذر، فإن أخره استأنف. ¬

_ (¬1) قوله: (فرجع إلى معتكفه - لم يحتسب به) يقابله في (س): (رجع إلى معتكفه, ولم يحتسب به).

باب في قيام ليلة القدر، وهل هي معلومة أم لا؟

باب في قيام ليلة القدر، وهل هي معلومة أم لا؟ قال الله -عز وجل-: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)} [القدر: 3] يريد سبحانه: فيما يضاعف فيها من ثواب الأعمال؛ الصلاة، والذكر له، فالحسنة تضاعف في غيرها بسبعمائةٍ، وتزيد فيها على ذلك أكثر من ألف. قال مالك: "سمعت من أثق به يقول: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُرِىَ أَعْمَارَ النَّاسِ قَبْلَهُ، فَكَأَنَّهُ تَقَاصَرَ أَعْمَارَ أُمَّتِهِ أَنْ لاَ يَبْلُغُوا مِنَ العَمَلِ الَّذِي بَلَغَهُ غَيْرُهُمْ مِنْ طُولِ العُمْرِ، فَأَعْطَاهُ اللهُ لَيْلَةَ القَدْرِ" (¬1). وفي الصحيحين قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" (¬2). واختلف في ليلة القدر هل تتعين بليلة؟ واختلف بعد القول أنها لا تتعين، هل تختص بالعشر الأواخر من رمضان، أو بالشهر كله أو لا تختص برمضان، ويصح أن تكون في ليلة من سائر السنة؟ فذهب ابن مسعود إلى أنه يصح أن تكون في غير رمضان، وقال: من يقم الحول يصب ليلة القدر، وقال أُبيُّ بن كعب: "قَدْ عَلِمَ أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ، وَأَنَّهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ لِئلا يَتَّكِلَ النَّاسُ" (¬3). وقال أبو سعيد الخدري: "اعْتَكَفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - العَشْرَ ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 321، في باب ما جاء في ليلة القدر، من كتاب الاعتكاف، برقم (698). (¬2) متفق عليه, أخرجه البخاري: 2/ 672، في باب من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا ونية، من كتاب الصوم في صحيحه برقم (1802)، ومسلم: 1/ 523، في باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح، من كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم (1817)، ومالك في الموطأ: 1/ 113، في باب الترغيب في الصلاة في رمضان، من كتاب الصلاة في رمضان، برقم (249). (¬3) أخرجه مسلم: 2/ 828، في باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها وبيان محلها وأرجي =

الأَوَّلَ (¬1) مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ اعْتكَفَ العَشْرَ الأَوْسَطَ، ثُمَّ أَطْلَعَ رَأْسَهُ فَكَلَّمَ النَّاسَ فَدَنَوْا مِنْهُ، فَقَالَ: إِنِّي اعْتَكَفْتُ العَشْرَ الأوَّلَ أَلْتَمِسُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ اعْتَكَفْتُ العَشْرَ الأَوْسَطَ، ثُمَّ أُنْبِئْتُ فَقِيلَ لِي: إِنَّهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلْيَعْتَكِفْ". أخرج هذين الحديثين مسلم (¬2). واختلف الذين قالوا: إنها تتعين على أربعة أقوال: فقال أبو سعيد الخدري: إنها ليلة إحدى وعشرين؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ في صَبِيحَتِهَا فِي مَاءٍ وَطِينٍ". قال: فرأيت أثر الماء والطين على جبهته وأنفه ليلة إحدى وعشرين (¬3). قال ابن سلام: وهو قول الشافعي، وأهل المدينة يقولون: إنها ليلة ثلاث وعشرين. وفي كتاب مسلم عن عبد الله بن أنيس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "رَأَيْتُ لَيْلَةَ القَدْرِ وَلَكِنِّي أُنْسِيتُهَا، وَأُرَانِي أَسْجُدُ في مَاءٍ وَطِينٍ" فَمُطِرْنَا لَيْلَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ. وكان عبد الله بن أنيس يقول: هي ليلة ثلاث وعشرين (¬4). قال: وأهل البصرة يرون أنها ليلة أربع وعشرين، وأهل الكوفة يرون أنها ليلة سبع ¬

_ = أوقات طلبها، من كتاب الصيام، برقم (762). (¬1) في (س): (العشر الأواخر). (¬2) أخرجه مسلم: 2/ 827، في باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها وبيان محلها وأرجى أوقات طلبها، من كتاب الصيام، برقم (1168). (¬3) أخرجه البخاري: 2/ 713، في باب الاعتكاف في العشر الأواخر والاعتكاف في المساجد كله، من كتاب الاعتكاف في صحيحه, برقم (1923)، ومالك في الموطأ: 2/ 207، في باب الاعتكاف، من أبواب الصيام، برقم (377). (¬4) أخرجه مسلم: 2/ 827، في باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها وبيان محلها، من كتاب الصيام، برقم (1168).

وعشرين، وهو قول أبي بن كعب. وقيل له: بأي شيء تقول ذلك يا أبا المنذر؟ فقال: بالعلامة أو بالآية التي أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عَن الشَّمْسِ أنَّها تَطْلُعُ يَوْمَئِذٍ لاَ شُعَاعَ لَهَا". أخرجه مسلم (¬1). والذي أرى: أنها تختص بالعشر الأواخر، وبالوتر منه، ولا تختص بليلة منه لا تكون في غيرها؛ لحديث ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اطْلُبُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ، فِي الوِتْرِ مِنْهَا" (¬2). وحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ" (¬3). وروت عائشة (¬4)، وأبو سعيد الخدري (¬5)،. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم: 2/ 828، في باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها وبيان محلها وأرجى أوقات طلبها، من كتاب الصيام، برقم (762). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 388، في باب فضل من تعار من الليل فصلى، من أبواب التهجد في صحيحه برقم (1105)، ومسلم: 2/ 822، في باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها وبيان محلها، من كتاب الصيام، برقم (207/ 1165). (¬3) أخرجه مسلم: 2/ 828، في باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها وبيان محلها وأرجى أوقات طلبها، من كتاب الصيام، رقم (212/ 1166)، بلفظ: (فالتمسوها في العشر الغوابر). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 710، في باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر، من كتاب صلاة التراويح في صحيحه برقم (1916)، ومسلم: 2/ 828، في باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها وبيان محلها، من كتاب الصيام، برقم (1169). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 713، في باب الاعتكاف في العشر الأواخر والاعتكاف في المساجد كلها، من كتاب الاعتكاف في صحيحه، برقم (1923)، ومسلم: 2/ 824، في باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها وبيان محلها وأرجى أوقات طلبها، من كتاب الصيام، برقم (213/ 1167)، ومالك في الموطأ: 1/ 319، في باب ما جاء في ليلة القدر، من كتاب الاعتكاف، برقم (692).

وابن عباس (¬1) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك، وكل هذه الأحاديث أخرجها البخاري، وقد تضمنت اختصاصها بالعشر الأواخر، وأنها تختص بالوتر منها، ولا تختص بليلة منها، وأنه يصح أن تكون ليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث، وخمس، وسبع، وتسع، ولو كانت تختص بليلة إحدى وعشرين- لم يصح أن تلتمس فيما بعد ذلك إلى آخر الشهر، ولا يصح أيضًا القول أنها تختص بليلة ثلاث وتلتمس فيما بعد، ولا في سبع وتلتمس في تسع، ولولا أنه يصح وجودها فيما بعد الإحدى وعشرين لم يكن لقوله: التمسوها في العشر. جملة وجه. ومما يدل على أنها تختلف أوقاتها ما رواه أبو سعيد الخدري أنها كانت في سنة (¬2) ليلة إحدى وعشرين، وما رواه عبد الله بن أنيس أنها كانت ليلة ثلاث وعشرين. ويرد على القائل أنها تختص بليلة إحدى وعشرين بحديث عبد الله بن أنيس أنها كانت ليلة ثلاث، وبحديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "التَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ" (¬3). فقد أعرى ليلة إحدى وعشرين منها. ويرد على القائلين أنها ليلة ثلاث وعشرين بحديث أبي سعيد، وحديث عائشة. ويرد على القائلين أنها ليلة سبع وعشرين ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري: 2/ 711، في باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر، من كتاب صلاة التراويح في صحيحه، برقم (1917). (¬2) قوله: (في سنة) ساقط من (س). (¬3) متفق عليه, أخرجه البخاري واللفظ له: 6/ 2565، في باب التواطؤ على الرؤيا، من كتاب التعبير في صحيحه, برقم (6590)، ومسلم: 2/ 822، في باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها وبيان محلها وأرجى أوقات طلبه, من كتاب الصيام، برقم (205/ 1165)، ومالك في الموطأ: 1/ 320، في باب ما جاء في ليلة القدر، من كتاب الاعتكاف، برقم (694).

بحديث أبي سعيد، وحديث عبد الله بن أنيس أنها كانت في بعض السنين قبل السبع، ومحمل هذه الأحاديث أنها كانت في سنة على خلاف ما كانت عليه في الأخرى. كمل كتاب الاعتكاف من التبصرة بحمد الله وحسن عونه والصلاة والسلام على سيدنا محمد نبيه وعبده (¬1) ¬

_ (¬1) قوله: (وحسن عونه والصلاة والسلام على سيدنا محمد نبيه وعبده) زيادة من (ز).

كتاب الزكاة الأول

كتاب الزكاة الأول النسخ المقابل عليها 1 - (ب) = نسخة برلين رقم (3144) 2 - (س) = نسخة الاسكوريال رقم (1082) 3 - (ق 3) = نسخة القرويين رقم (368/ 4) 4 - (م) = نسخة مراكش رقم (112/ 1)

باب في وجوب الزكاة, وقتال مانعها, وفيما تجب فيه الزكاة من الأموال وذكر النصاب والحول

كتاب الزكاة الأول باب في وجوب الزكاة, وقتال مانعها, وفيما تجب فيه الزكاة من الأموال وذكر النصاب والحول أوجبَ اللهُ سبحانَه الزكاةَ في غيرِ موضع منْ كتابِه، وقتال منْ منَعَها (¬1)، فقال تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5] فلم يرفع القتل والقتال وإن تابوا وأقاموا الصلاة؛ إلا أن يؤدوا الزكاة، وأخبر أنه ممن ينفذ فيه الوعيد يوم القيامة، فقال: {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ} [التوبة: 35]، وقال: {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 180]. وثبتت الأخبارُ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بمثل هذه الآيات الثلاث (¬2): وجوب الزكاة، وقتال مانعها، وعقوبته في الآخرة بمثل ذلك. فقال - صلى الله عليه وسلم -: "بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ" (¬3). وبعثَ معاذًا إلى اليمن، فقال له: "ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنِّي ¬

_ (¬1) قوله (وقتال منْ منَعَها) يقابله في (م): (وقتل مانعها). (¬2) قوله: (بمثل هذه الآيات الثلاث) يقابله في (م): (في هذه الثلاثةِ وجوه). (¬3) تقدم تخريجه في كتاب الصلاة الأول، ص: 223.

رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ" (¬1). وقال: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى الله" (¬2). فلم يجعل لهم عصمة دمهم وإن آمنوا وصلوا وأقروا (¬3) بالصلاة وبالزكاة إلا بأدائها، وهذا في الجماعة التي تقدر على الامتناع فيحتاج معها إلى القتال، وأما الواحد وما أشبه ذلك (¬4) والنفر اليسير (¬5)؛ فتؤخذ منه بالقهر وتجزئه ولا يقتل. وقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ آتَاهُ اللهُ مَالًا، فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ، لَهُ زَبِيبَتَانِ، يُطَوَّقُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ -يَعْنِي شِدْقَيْهِ- ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا كَنْزُكَ أَنَا مَالُكَ، ثُمَّ تَلاَ: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ. . .} الآية [آل عمران: 180]. وقد اجتمع على هذه الأحاديث البخاري، ¬

_ (¬1) متفق عليه أخرجه البخاري: 2/ 505، في باب وجوب الزكاة, من كتاب الزكاة، برقم (1331)، ومسلم: 1/ 50، في باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، من كتاب الإيمان، برقم (19). (¬2) متفق عليه أخرجه البخاري: 1/ 17، في باب فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم، من كتاب الإيمان، برقم (25)، ومسلم: 1/ 52، في باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله، من كتاب الإيمان، برقم (21). (¬3) قوله: (عصمة دمهم وإن آمنوا وصلوا وأقروا) يقابله في (م): (أن يعصم دمه وإن آمن وصلى وأقر). (¬4) قوله: (وما أشبه ذلك) يقابله في (ر): (وما أشبهه). (¬5) قوله: (والنفر اليسير) ساقط من (س).

ومسلم (¬1). وزاد مسلم: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلاَ فِضَّةٍ لاَ يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِح مِنْ نَارٍ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ" (¬2). وجميع هذه الآيات والأحاديث من باب المجمل يفيد وجوب الزكاة دون معرفة ما يصح الامتثال به، ومعناها ومعنى ما يتعلق بها من الأحكام (¬3)؛ وهي ستة: معرفة الجنس الذي تجب فيه الزكاة، والنصاب، والقدر الذي يؤخذ، والوقت الذي تؤخذ فيه، والمخاطب بالزكاة، والوجه الذي تصرف فيه. فالجنس ثلاثة: العين، والحرث، والماشية. قال مالك: وهي السُّنَّة المعمول بها عندنا. فالعين: الذهب، والفضة، وما يكون عن الحرث من الأطعمة المقتاتة التي هي أصل للمعاش (¬4). والماشية: الإبل، والبقر، والغنم (¬5). ونصاب الفضة: خمس أواقٍ، والذهب: عشرون دينارًا، والذي يجب فيهما ربع العشر. ¬

_ (¬1) متفق عليه, أخرجه البخاري: 2/ 508، باب إثم مانع الزكاة، من كتاب الزكاة، برقم (1338)، ومسلم: 2/ 684، في باب إثم مانع الزكاة، من كتاب الزكاة، برقم (988)، ومالك بنحوه في الموطأ: 1/ 256، في باب ما جاء في الكنز، من كتاب الزكاة، برقم (598)، واللفظ للبخاري. (¬2) أخرجه مسلم: 2/ 680، في باب إثم مانع الزكاة, من كتاب الزكاة، برقم (987). (¬3) قوله: (ومعناها ومعنى ما يتعلق بها من الأحكام) يقابله في (م): (وليعلق بها من الكلام). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 302. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 302.

فصل [في الوقت الذي تجب فيه الزكاة]

ونصاب الأطعمة: خمسة أوسق، والذي يجب فيها العشر حالة، وحالة نصف العشر، ونصاب الماشية والذي يجب فيها مختلف غير مقصور على شيء واحد، يذكر في موضعه إن شاء الله. فصل [في الوقت الذي تجب فيه الزكاة] والوقت الذي تجب فيه على ثلاثة أقسام: مرور الحول في العين حالة، وحالة بنفس الملك، وهو إذا صار له من معدن. ومرور الحول ومجيء الساعي في الماشية لا تجب إلا بمجموعهما إذا كان قوم لهم ساعٍ، فإن لم يكن طم ساع (¬1)، فمرور الحول كالعين. والزهو وبدو الصلاح في الثمار والزرع وإن لم يحل الحول. والمالك المأمور بها: الحر المسلم. والذكر والأنثى، والصغير والكبير، والعاقل والمجنون في ذلك سواء، وهي ساقطة عن العبد. والمستحق لها ومن تُصْرَف إليه: المُسَمَّوْن في كتاب الله -عز وجل- في قوله سبحانه: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا. . .} [التوبة: 60]. وصفة إصرافها يأتي فيما بعد إن شاء الله -عز وجل-. ¬

_ (¬1) قوله: (لهم ساع) ساقط من (م).

باب في زكاة العين

باب في زكاة العين والأصل في ذلك قول الله سبحانه: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. . .} الآية [التوبة: 34]، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الوَرِقِ (¬1) صَدَقَةٌ" (¬2)، وقوله: "فِي الرِّقَةِ رُبْعُ العُشْرِ" (¬3)، وقوله: "فِي عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْف دِينَارٍ" (¬4). فأفادت الآية تعلق الزكاة بالعين دون معرفة النصاب والقدر الذي يؤخذ، وأفاد الحديث الأول معرفة نصاب الورق دون ما يؤخذ منه، وأفاد الحديث الثاني معرفة ما يؤخذ للفقراء وغيرهم، وأفاد الحديث الثالث معرفة نصاب الذهب والقدر المأخوذ منه. ¬

_ (¬1) في (م): (من الذهب). (¬2) متفق عليه أخرجه البخاري: 2/ 529، في باب ما أدي زكاته فليس بكنز، من كتاب الزكاة، برقم (1390)، ومسلم: 2/ 673، في باب لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ، من كتاب الزكاة برقم (979)، ومالك في الموطأ: 1/ 244، في باب ما تجب فيه الزكاة من كتاب الزكاة، برقم (577)، واللفظ للبخاري. (¬3) أخرجه البخاري: 2/ 527، في باب زكاة الغنم، من كتاب الزكاة، برقم (1386)، ومالك في الموطأ: 1/ 257 بلفظ: "وفي الرقة إذا بلغت خمس أواقٍ. . ."، في باب صدقة الماشية من كتاب الزكاة، برقم (599). (¬4) أخرجه ابن ماجه: 1/ 571، في باب زكاة الورق والذهب، من كتاب الزكاة برقم (1791)، وابن خزيمة: 4/ 28، في باب إسقاط الصدقة صدقة المال عن الخيل والرقيق بذكر لفظ مختصر غير مستقصي في الرقيق خاصة، من كتاب الزكاة، برقم (2284)، والدارقطني: 2/ 92، في باب وجوب زكاة الذهب والورق والماشية والثمار والحبوب، من كتاب الزكاة، برقم (1).

واختلف في هذه الجملة في ثلاثة مواضع: أحدها: الآية، هل المراد بها غير الزكاة؟ والثاني: نصاب الذهب. والثالث: الرقة، هل هو اسم للورق خاصة، أو للذهب والورق؟ فأما الآية فقيل: المراد بها النفقة في الجهاد، ثم نسخ ذلك بالزكاة. وقال غير واحد من الصحابة وغيرهم: المراد بها الزكاة، وهو أحسن. والقول أن الآية منسوخة بالزكاة غير صحيح؛ لأن سورة براءة من آخر ما نزل، وقد كان الأمر بالزكاة في سورة المزمّل وهي مكية من أول ما نزل، وأثني على فاعلها في سورة {قَدْ أَفْلَحَ} (¬1)، وهي مكية. وقد كان إخراجُ الزكاة بالمدينة قبل براءة (¬2) ظاهرًا، يُبعث (¬3) السعاة فيها والعمال عليها. وقول الله -عز وجل-: {وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34] محتمل أن يريد جميع من سمى في الآية الأخرى في قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ. . .} [التوبة: 60]؛ لأن كل ذلك من سبيل الله. قال مالك: سبل الله كثيرة (¬4). ويحتمل أن يريد الجهاد بقوله: {فِي سَبِيلِ اللهِ}؛ لأن الجهاد أحد الوجوه التي تصرف فيها الزكاة، ولا خلاف أن ذلك لم ينسخ. واختلف الناس في نصاب الذهب، فقيل: المعتبر فيه الفضة؛ لأن الحديث ¬

_ (¬1) يعني: سورة المؤمنون. (¬2) يعني: سورة التوبة. (¬3) في (م): (ابعثوا). (¬4) انظر المدونة 1/ 474.

فيه لم يصحّ، فمن مَلَك من الذهب ما يبلغ قيمته نصاب الفضة وجبت فيه الزكاة، وإن كان عدده أقل من عشرين دينارًا، وما لم يبلغ قيمته نصاب الفضة لم تجب فيه زكاة وإن كان عدده أكثر من عشرين دينارًا، فإن اتفق أن كان العدد عشرين دينارًا والقيمة مائتي (¬1) درهم وجبت الزكاة قولًا واحدًا. والقول الأول أصوب؛ لأن الحديث قد صحبه العمل بالمدينة. قال مالك: السُّنة التي لا اختلاف فيها عندنا أن الزكاة تجب في عشرين دينارًا كما تجب في مائتي درهم (¬2). وهذا مما يتكرر نزوله، ويشهد العمل (¬3) به, فلا يعارض بقياس ولا غيره (¬4)، والأوقية أربعون درهمًا، قالت عائشة - رضي الله عنها -: "كَانَ صَدَاقُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لأَزْوَاجِهِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا". وَالنَّشُّ (¬5): نصف أوقية فتلك خمسمائة درهم. انتهى قولها، أخرجه مسلم (¬6). والدينار: درهم وثلاثة أسباع درهم، وهو سُبُع العشرة. والعشرة دراهم: سبعة دنانير، ولا خلاف في ذلك. ¬

_ (¬1) في (م): (مائة). (¬2) انظر: الموطأ: 1/ 246. (¬3) في (م): (العلم). (¬4) قوله: (ولا غيره) ساقط من (س). (¬5) قوله: (وَنِشًّا. والنش) يقابله في (م): (ونيسًا. والنيس). (¬6) أخرجه مسلم: 2/ 1042، في باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد وغير ذلك من قليل وكثير واستحباب كونه خمسمائة درهم لمن لا يجحف به, من كتاب النكاح، برقم (1426).

فصل

فصل واختلف إذا كانت العشرون دينارًا نقصًا، وتجوز بجواز الوازنة على ثلاثة أقوال: فقيل: فيها الزكاة. وقيل: لا زكاة فيها. وقيل: إن كان النقص يسيرًا زُكّيت وإلا فلا. قال مالك في الموطأ: فيها الزكاة دنانير كانت أو دراهم وإن كانت بينة النقص (¬1). ولم يحد في النقص حدًا. وقال في كتاب محمد: فيها الزكاة وإن كان كل دينار ينقُص عن الوازن ثلاث حبات (¬2)، وذكر الأبهري عنه أنه قال: لا زكاة فيها إلا أن يكون ذلك النقص مما تختلف فيه الموازين (¬3)، فإن كان النقص في أكثر الموازين فلا، فراعى في هذا القول الوازن، ولم يراع الجواز. ولابن القاسم في العتبية: التفرقة بين النقص الكثير واليسير (¬4). وقاله مالك أيضًا. والقياس أن لا زكاة فيها إذا كانت تنقص عن القدْر الذي أوجبه النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه حدَّ لنا حدًّا تجب به، فما دونه لا زكاة فيه. والاستحسان أن يزكى لما كان مالكها ومالك الوازنة فيما يتصرفان فيه بهما سواء. فإن كان النقص كثيرًا، ولا تجوز بجواز الوازنة- لم تجب فيها الزكاة قولًا ¬

_ (¬1) انظر: الموطأ: 1/ 246. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 111. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 111. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 401.

واحدًا، وكذلك إذا كان النقصُ من عددِ الدنانير أو الدراهم قليلًا أو كثيرًا. فإذا كانت الدراهم غير خالصة؛ مختلطة بالنحاس مثل الدراهم الجارية اليوم- فإنه ينظر إلى وزن ما فيها من الفضة، وقيمة ما فيها من النحاس. ويختلف هل تقوّم السكة أم لا؟ (¬1) وأن تقوّم أبين. وتضاف الفضة والذهب في الزكاة، فمن كان عنده عشرة دنانير، وأوقيتان ونصف فضة- وجبت فيها الزكاة، وأخرج من كل واحدة ربع عشره، ومن وجبت عليه زكاة ذهب؛ فلا بأس أن يخرج عنها دراهم؛ لأنها أسهل على الفقير من التصرف بها، ولأن الصرْف لا (¬2) يختلف، فلم يدخل عليهم في ذلك ضررٌ. واختلف هل يُخْرج عن الدراهم ذهبا أم لا؟ (¬3) فأجازه مالك في المدونة (¬4)، وقيل (¬5): ليس ذلك له؛ لأنه يكلف الفقير ما (¬6) كان له مندوحة عنه، فإن فعل أجزأ؛ لأنه لم يَغبنه في قيمة (¬7)، ولا أجرة لمن يتكلف صرف مثل ذلك. وإذا أخرج عن الذهب فضة أو عن الفضة ذهبًا، فإنه يخرج قيمة ذلك؛ لأن المساكين بذلك الجزء كالشركاء، فجاز أن يشتريه بفي كان يبيعه الفقير لو دفع ذلك إليه، وقد قيل غير ذلك مما هو خطأ، وإذا كان مع رجلٍ أربعون دينارًا مسكوكة؛ أخرج دينارًا (¬8) منها. ¬

_ (¬1) قوله: (أم لا؟) ساقط من (ق 3). (¬2) قوله: (لا) ساقط من (م). (¬3) قوله: (أم لا؟) ساقط من (ق 3). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 21. (¬5) في (ق 3): (ومنعه في المبسوط، وقال). (¬6) في (ق 3): (صرف ما). (¬7) قوله: (في قيمة) زيادة من (ق 3). (¬8) قوله: (مسكوكة. . . دينارًا) ساقط من (م).

وإن كانت عشرون دينارًا صحاحًا؛ كان بالخيار، فإن أحب أخرجَ قيمةَ نصفِ دينارٍ مسكوكٍ، أو أخرج دينارًا فباعه فأعطى المساكين نصف ثمنه وأمسك لنفسه نصفه؛ لأنه لا اختلاف أنه يخرج عن أربعين دينارًا، منها مسكوكًا أو مثله، فكذلك إذا كان الواجب فيها نصف دينار؛ فإنه يخرج قيمة نصف المسكوك، ولو كانت الأربعون سِككًا (¬1) مختلِفة أخرج قيمة ربع عشرها. واختلف في الحلي إذا كان للتجارة وهو غير مدير. فقيل: يُخرج ما وجَب عليه من ذلك مَصوغًا، أو قيمة ذلك الجزء على أنه مصوغ؛ لأن الصياغة تبع، فيجري على حكم الأكثر. وقيل: يخرج عن الذهب دون الصياغة، فيخرج وزن ذلك الذهب ومثله في الجودة على أنه غير مصوغ؛ لأن الصياغة كالعرض، فإذا باعه بعد ذلك، أُخرج عما زادت الصياغة، إلا أن يكون مديرًا، فيخرج عن قيمتها مَصُوغًا. وأما الآنية فيخرج عن الوزن دون الصياغة التي فيها، قولًا واحدًا. وقال ابن القاسم في المدونة: وإن كان وزنها خمسمائة درهم، وقيمتها لموضع الصياغة ألفًا، خَرَّجَ عن الوزْن وحده (¬2). قال: ولو اشترى إناءً مصوغًا، وزنه عشرةُ دنانيرَ، وقيمتُه عشرون- لم يزكه الآن. فإن باعه بما تجب فيه الزكاة- زكَّاه ساعة بيعه إذا حال الحول بمنزلة ما لا تجب فيه الزكاة يحول عليه الحول، فربح فيه فباعه بما تجب فيه الزكاة- فإنه يزكيه مكانه (¬3). ¬

_ (¬1) في (م): (سكًا). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 306. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 306.

ومحمل جوابه, على أنه يراد به التجمل دون الاستعمال. ولو كان يراد للاستعمال، لكسِرت في يد من هي في يده، وإن باعها نقض البيعُ، فإن أفاتها تصدق بما ينوب الصنعة؛ لأنه ثمن لما لا يحل. فإن كانت تراد للتجمل خاصة- صح الجواب على ما قال في المدونة؛ لأن ذلك غير محرّم، ويحتمل أن يكون ذلك عنده مما يُكره، فأمره أن يزكي عن الوزن؛ لأنه لا يستحسَن بقاءها للتجمل. فإن باعها على حالها- مضى البيع وزكَّى عن الثمن، أو يقول: ذلك جائزٌ ابتداء. فيزكي عن الوزن دون الصياغة إذا كان له قدرٌ وَبالٌ، حسب ما قال إن الوزْنَ خمسمائة، والقيمةَ ألفٌ، أو الوزنَ عشرةٌ، والقيمةَ عشرون، ولو كانت تبعًا، لزكى عن جميع ذلك قبل البيع على القول أن الأتباع لا تُراعَى، وإن كان مديرًا زكَّى عن الجميع وإن لم تكن تبعًا، ويلزم على قوله إذا لم تكن تبعًا وكان مديرًا في تلك الآنية- أن يزكي الآن، وُيتم بالصياغة النصابَ إذا كان الوزن عشرة، والقيمة عشرون، وهو بمنزلة رجل في يده عشرة دنانيرَ، وعرض قيمته عشرة وهو مما يُدارُ.

باب في زكاة الحلي, والسيف المحلي, والخاتم, وما أشبه ذلك

باب في زكاة الحلي, والسيف المُحلي, والخاتم, وما أشبه ذلك لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في زكاة الحُلي شيءٌ. وقال الترمذيُّ محمد بنُ عيسى: لا يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب شيءٌ، وثبت عن عائشة، وأسماء وجابر، أنهم كانوا لا يرون في حُلي النساء إذا اتخذنَه للباس زكاة. وروي ذلك عن أنس، وعمر (¬1) وغيرهما (¬2) وهو قول مالك (¬3). والحليُ في وجوب الزكاة وسقوطها إذا كان مِلكًا للرّجل على تسعة وجوه (¬4): تجب في وجه، وتسقط في وجه، ويختلف في سبعة أوجه. فتجب إذا اتخذه تجارة، وتسقط إذا اتخذه قنية لزوجته، أو أمته، أو ابنته، أو ما أشبه ذلك ممن يجوز لها استعماله. واختلف إذا اتخذهُ ليتزوج به امرأة، أو أمَةً يُحليها إياهُ (¬5) إذا تزوج أو اشترى، أو لابنة له لتلبسه إذا كبرت، أو للإجارة, أو كنزًا، أو ليبيعَه ¬

_ (¬1) في (س): (وعمرة). (¬2) في (م): (وغيرهم). (¬3) انظر: جامع الترمذي: 3/ 28. ولفظه الذي وقفت عليه: (. . . رأى أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين في الحلي زكاة ما كان منه ذهب وفضة، وبه يقول سفيان الثوري وعبد الله بن المبارك. وقال بعض أصحاب النبي - صلي الله عليه وسلم - منهم ابن عمر وعائشة وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك: ليس في الحلي زكاة وهكذا روي عن بعض فقهاء التابعين، وبه يقول مالك بن أنس، والشافعي وأحمد وإسحق قال أبو عيسى: وهذا أصح من حديث أبي معاوية, وأبو معاوية وهم في حديثه فقال: عن عمرو بن الحارث عن ابن أخي زينب، والصحيح إنما هو عن عمرو بن الحارث ابن أخي زينب). (¬4) قوله: (للرّجل على تسعة وجوه) يقابله في (س): الرجل على تسعة أوجه). (¬5) قوله: (امرأة, أو أمَةً يُحليها إياهُ) يقابله في (س): (المرأة, أو لامرأة أو أمة يحليها به إياه).

ولا يتربص به غلاء، أو عدم النية، ولم ينو فيه قنية ولا غيْرها. فذكر محمد بن المواز عن مالك فيمن حبسه ليُصْدِقه امرأة يتزوجها أن فيه الزكاة. وعن أشهب سقوطُها. وذكر ابن حبيب فيمن حبسه لامرأة يتزوجها، أو أمة يشتريها، قال عن (¬1) ابن القاسم: تجب الزكاة فيه. وعن أشهب وأصبغ: سقوطُها. والقول أن الزكاة واجبة في السؤالين جميعًا أحسن؛ لأن الوجه الذي يوجب سقوط الزكاة لم يكن، وهو الآن كنز؛ وعلى هذا يجري الخلاف فيمن أمسك حُليًّا لابنة له لتلبَسه إذا كبرت فتجب الزكاة على قول مالك وابن القاسم (¬2)، وتسقط على قول أشهب وأصبغ (¬3)، وأن تجب أصوبُ، وقد تقدم وجه ذلك. وذكر بعض البغداديين عن مالك فيمن اتخذه للإجارة (¬4) روايتين: وجوب الزكاة، وسقوطها. وقال محمد بن مسلمة، وعبد الملك ابن الماجشون: تجب فيه الزكاة (¬5). وهو أبين؛ لأن الصواب فيما اتخذ من الديار والعبيد للإجارة- أنه في معنى التجارة، وهو في الحلي أبين، ولأن الأصل وجوب الزكاة فيما يراد للتنمية، وسقوطها فيما لا يراد لذلك كالسكنى والاستخدام. وأما (¬6) ما أريد به الإجارة، فقد أريد به التنمية، ولا فرق بين أن يريد ذلك من أثمان الرقاب، أو من الغلات. ¬

_ (¬1) قوله (عن) ساقط من (س). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 306. (¬3) النوادر والزيادات، لابن أبي زيد: 2/ 116. (¬4) في (م): (للتجارة). (¬5) انظر: المعونة: 1/ 221. (¬6) قوله: (أما) ساقط من (س).

فصل إذا كان الحلي لامرأة

واختلف فيمن ورث حليًّا، وحبَسه للبيع، أو لحاجة إن احتاج إليه (¬1) في المستقبل. فقال ابن القاسم: تجب فيه الزكاة (¬2). وقال أشهب في مدونته: لا زكاة فيه. يريد أنه إنما تجب الزكاة إذا حبَسه ليرجُو له (¬3) حوالة الأسواق وغلاءها، فيكون تجارة، وإذا حبَسه لبيعه ولا ينوي بحبسه غلاء الأسواق- فليس بتجارة؛ وعلى هذا لو ورثه ولم ينو فيه شيئًا من هذه الوجوه؛ لا تجارة ولا قنية، لزكَّاه على مذهب ابن القاسم، ولم يزكه على مذهب أشهب. فرأى ابن القاسم أنه كالعين، تجب فيه الزكاة ما لم تكن نيته القنية: وهي استعماله. ورأى أشهب أنه كالعرض، لا زكاة فيه حتى ينوي به التجارة. وإلى هذا ذهب مالك في مختصر ما ليس في المختصر، فقال: فيمن ورث حُليًّا ولم ينو به التجارة كان على حال القنية (¬4). فصل إذا كان الحلي لامرأة والحلي إذا كان لامرأة، على ستة أوجه: فإما أن تتخذه للباس، أو للإجارة، أو كنزًا، أو تجارة، أو لابنة لها تلبسه (¬5) الآن، أو بعد ذلك. فتسقط منه الزكاة في وجهين: وهو أن تتخذه للباس (¬6)، أو لابنة لها لتلْبسه الآن. ¬

_ (¬1) قوله: (إليه) ساقط من (س). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 322. (¬3) قوله: (له) ساقط من (س). (¬4) قوله: (كان. . . القنية) ساقط من (م). (¬5) قوله: (لابنة لها تلبسه) يقابله في (س): (لا نية لها لتلبسه). (¬6) في (س): (للباسها).

وتجب في وجه وهو أن تتخذه للتجارة. ويختلف في ثلاثة أوجه: إذا اتخذته للإجارة، أو كنزًا، أو لابنة لها لتلبَسه إذا كبرت. فذكر بعض البغداديين عن مالك في الحلي إذا اتخذ للإجارة روايتين: وجوب (¬1) الزكاة، وسقوطها. وعن محمد بن مسلمة: وجوبها (¬2). ولم يفرق بين ملكِه لرجل، أو لامرأة. وذكر ابن حبيب عن مالك وأصحابه، أن لا زكاة عليهن فيه إذا اتخذنه ليكرينه من العرائس، أو ليُعرنَه ولا حاجة لهن في لباسه. قال: لأنه من لباسهن، وهن إن شئن أن يلبَسنه لبِسنه. ولو كان لرجل يُعيره، أو يكريه- لزكَّاه. وفرّق في ذلك بين الرجال والنساء، ولا فرْق بين السؤالين. ومتى اعترفت المرأة أنها لم تتخذه لنفسها، وإنما اتخذته لغيرها؛ للإجارة، أو لعارية- كانت فيه (¬3) كالرجال. وقال مالك في المدونة في المرأة تتخذ الجيب (¬4) لتكريَه للعرائس: لا زكاة عليها فيه (¬5). وقال في كتاب محمد: وإن كانت ممن قد عَنست ولا تنتفع به- فلا زكاة عليها ¬

_ (¬1) في (س): (في وجوب). (¬2) في (م): (وجوب الزكاة). (¬3) في (م): (فيها). (¬4) في (س) (الحلي). قلت: الجيب، والحلي عبّر بهما في المدونة, قال فيها: (قلنا لمالك: فلو أن امرأة اتخذت حليا تكريه فتكتسب عليه الدراهم مثل الجيب وما أشبهه تكريه للعرائس لذلك عملته؟ فقال: لا زكاة فيه) انظر: المدونة: 1/ 305، والجيب: حلي على الصدر في موضع الجيب، ولذلك يسمى جيبًا. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة, للجُبِّي، ص: 34. (¬5) قوله: (عليها فيه) يقابله في (م): (عليهن فيها). وانظر: المدونة: 1/ 305.

فصل لا زكاة على الرجل في خاتمه وحلية مصحفه وسيفه

فيه. وهذه الرواية أشد من رواية ابن حبيب؛ لأن الجيب مما يُتخذ للعرائس خاصة، ولا تلبسه من عنست بحال، وهو كنزٌ إلا أن تريد به الإجارة. وإن حبَسته لابنة لها إذا كبرت تلبَسُه، فاختلف في زكاته حسب ما تقدم، وإن انكسر من حليهن فحبسنه ليعرنه- فهو على ما كان عليه قبل ذلك، لا زكاة عليهن فيه إذا كان قبل ذلك على وجه لا تجب فيه الزكاة. وما كان لهن مما اتخذنه لشعورهن، وأزرار جيوبهن، وأقفال ثيابهن، وما جرى مجرى لباسهن- فلا زكاة عليهن فيه؛ لأنه قنية (¬1) لوجه جائز. وما كان من ذلك لغير لباسهن: كحلية المرايا، والصناديق، والمفدمات (¬2)، والمذاب (¬3)، وما أشبه ذلك مما لا يجوز اتخاذه ولا استعماله في ذلك الوجه، فعليهن فيه الزكاة. فصل لا زكاة على الرجل في خاتمه وحلية مصحفه وسيفه ولا زكاة على الرجل في خاتمه، ولافي حِلية (¬4) مصحفه وسيفه، وما شبه ذلك مما اتخذه للقنية بوجه جائز. واختلف في حِلية المنِطقة، والفاتخة (¬5)، والدَرَقَة (¬6)، والرمح: فأجيز، ومُنع؛ فمن منع ذلك، أوجب الزكاة؛ ومن ¬

_ (¬1) قوله: (إذا كان. . . لأنه قنية) ساقط من (م). (¬2) المفدمات: المُفْدَم من الثياب المُشْبَع حمرة, وقيل هو الذي ليست حُمرته شديدة, وأَحْمر فَدْم مشبع، انظر: لسان العرب لابن منظور: 12/ 450. (¬3) في (س): (والمريات). (¬4) قوله: (حلية) ساقط من (س). (¬5) قوله: (والفاتخة) ساقط من (م). قلت: الفَتْخَةُ، والفَتَخَةُ: خاتم يكون في اليد، والرجل بفص، وغير فص وقيل هي الخاتم أَيًّا كان. انظر لسان العرب: 3/ 40. (¬6) يقال للتُّرْس إذا كان من جلود ليس فيه خشَب ولا عَقَبٌ: حَجَفةٌ ودَرَقَةٌ. انظر لسان العرب: 9/ 39.

فصل من اشترى حليا للتجارة وفيه الذهب والفضة والزبرجد والياقوت

أباحه، لم يجعل فيه زكاة. ويختلف في زكاة حلي الصبيان، فقال ابن شعبان: فيه الزكاة. والظاهر من قول مالك، ألا زكاة فيه (¬1)؛ لأنه قال: لا بأس أن يُحْرموا وعليهم الأسورة (¬2)، وإذا جاز لهم لباسُه لم تكن فيه زكاة (¬3). فصل من اشترى حليًا للتجارة وفيه الذهب والفضة والزبرجد والياقوت وقال مالك في المدونة، في رجل اشترى حليًا للتجارة وفيه الذهب، والفضة، والزبرجَد، والياقوت، قال: ينظر إلى ما فيه من الذهب، والفضة فيزكيه، ولا يزكي ما فيه من اللؤلؤ والزبرجد والياقوت حتى يبيعه (¬4)، فإذا باعه؛ زكاه ساعة يبيعه (¬5) إن كان حال عليه الحول. وإن كان ممن يدير ماله في التجارة، زكَّى (¬6) عن وزن ما فيه من الذهب والفضة، وقوَّم ما سواهما (¬7). ومحمل قوله، على أنه منظوم ليس بمصوغ عليه، لقوله: يزكي وزن الذهب والفضة (¬8). واختلف إذا كان مربوطًا مصوغا عليه. فقال مالك في المدونة: إذا كان لا ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 305. (¬2) في (س): (أسورة). (¬3) قوله: (لأنه قال. . . فيه زكاة) ساقط من (م). (¬4) قوله: (حتى يبيعه) ساقط من (م). (¬5) قوله: (ساعة يبيعه) يقابله في (م): (ساعتير يببعه). (¬6) في (س): (وزكَّى). (¬7) انظر: المدونة: 1/ 306. (¬8) قوله: (وقوم ما. . . الذهب والفضة) ساقط من (م).

يستطيع نزعه، فهو كالعرض يُشترى للتجارة فلا زكاة فيه حتى يبيعه فيزكيه زكاة واحدة (¬1). يريد: وإن مضت له سنون قبل البيع. قال: وإن كان ممن يدير قَوَّمه (¬2). قال في كتاب محمد: وإن كان الذهب والفضة، جُلّ ذلك أو أكثره- فلا أبالي، ولا زكاة فيه حتى يبيعه. وقال أيضًا: يزكي ما فيه من الذهب والفضة. يريد: بالتحري، ولا يزكي ما فيه من اللؤلؤ والزبرجد حتى يبيعه، إلا أن يكون مديرًا، فيقوّمه. وقيل في هذا الأصل يراعي الأكثر، فإن كان الأكثر الذهب والفضة- زكَّى جميع ذلك، وإن كان اللؤلؤ (¬3) والزبرجد الأكثر (¬4) - لم يزكه. وهذا الجواب في الشراء. وأما (¬5) الميراث فلا زكاة فيه على قوله في المدونة، أنه كالعرض حتى يبيعه ويستأنف بالثمن حولًا (¬6). وعلى القول الآخر يتحرى الذهب والفضة فيزكيها، ولا شيء عليه فيما سوى ذلك حتى يبيع، فيستأنف بما ينُوب اللؤلؤ والزبرجد حولًا، وسواء كان ممن يدير (¬7) أم لا. وعلى القول بمراعاة الأكثر؛ يزكي جميعَه. و (¬8) إن كان الذهب والفضة الأكثر؛ يزكي الذهب والفضة بالتحري، وما سواهما بالقيمة. و (¬9) إن كان الذهب والفضة الأقل؛ لم يزكه. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 305. (¬2) في (م): (يريد يؤمله). (¬3) قوله: (اللؤلؤ) ساقط من (م). (¬4) قوله: (الأكثر) ساقط من (س). (¬5) في (س): (وأما في). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 305. (¬7) في (م): (كان مديرًا). (¬8) قوله: (و) ساقط من (س). (¬9) قوله: (و) ساقط من (س).

باب في زكاة الأرباح، وأولاد الماشية والغلات, ومن تجر في ماله بعد الحول وقبل أن يخرج زكاته، أوضاع ماله عند تمام الحول

باب في زكاة الأرباح، وأولاد الماشية والغلات, ومن تجِر في ماله بعد الحولِ وقبل أن يُخْرِجَ زكاته، أوضَاع مالُه عند تمامِ الحولِ وأرباحُ العين- الذهبُ، والفضةُ- تزكى (¬1) على حولِ الأصل، فمن كان له مائة درهم، فباعها عند رأس الحول بعشرين دينارًا- زكاها حينئذ، أو كانت (¬2) له عشرون دينارًا، فتجر بها (¬3)، فباع ذلك عند رأس (¬4) الحول بأربعين دينارًا- زكى عن الجميع. وهذا هو المعروف من قول مالك وأصحابه. ورُويَ عنه أن الربح فائدة، فإن كان الأصل أقلَّ من نصاب؛ استأنف بالجميع حولًا، وإن كان الأصل نصابًا؛ زكَّى الأصل، ولم يزكِّ الربح حتى يتم له حول. وقال ابن القاسم فيمن كانت له عشرة دنانير حال عليها الحول، فأنفق منها خمسة دنانير، ثم اشترى بالخمسة الباقية سلعة، فباعها بخمسة عشر- فلا زكاة عليه. وإن تقدم الشراء، ثم أنفق الخمسة الباقية، ثم باع السلعة بخمسة عشر- زكَّى عن جميع ذلك نصف دينار (¬5). وذكر سحنون عن غيره أنه قال: عليه الزكاة إذا باع بخمسة عشر، وسواءٌ (¬6) ¬

_ (¬1) في (م): (هل يزكى). (¬2) قوله: (أو كانت) يقابله في (س): (ومن كان). (¬3) قوله: (فتجر بها) في (س): (فربح فيها). (¬4) قوله: (رأس) ساقط من (م). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 303. (¬6) قوله: (وسواء) ساقط من (س).

تقدم الإنفاق أو الشراء (¬1). وقال أشهب في كتاب محمد: لا زكاة عليه، تقدم الشراء أو البيع (¬2)، إلا أن يبيع بعشرين دينارًا (¬3). وهذا أحسن؛ لأنه أنفق يوم (¬4) أنفق من غير نصاب، ولم يخاطب حينئذ بزكاة، والربح فائدة حقيقة مقطوع به أنه لم يكن من يوم ملك الأول، وإنما حسب مالك: الربح في أحد قوليه على الحول الأول، قياسًا على أولاد الماشية، أنها تلد قبل (¬5) الحول لشهر أو بأقل (¬6) من ذلك- فتزكي على حول الأصل، ولو كان لرجل ثلاثون شاة (¬7)، ولا ساعي له، فحال عليها الحول، ثم أكل منها شاة، ثم ولدت فصارت تسعًا وثلاثين- لم يكن عليه فيها زكاة وإن كان الأصل أن الأولاد مزكاة على حول الأمهات؛ لأنه يوم أكل لم يكن مخاطبًا بزكاة، إلا أن تكون قيمة العرض الذي اشترى بالخمسة يوم أنفق، خمسة عشر- فتجب عليه زكاة العشرين. وقال مالك فيمن له عشرون دينارًا حال عليها الحول، فابتاع بها بعد ذلك سلعة، فأقامت حولًا أيضًا، ثم باعها بأربعين دينارًا (¬8) - أنه يزكي عن الحول الأول عن عشرين دينارًا، وعن الحول الثاني عن تسعة وثلاثين دينارًا (¬9) ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 305. (¬2) في (س): (الإنفاق). (¬3) قو له: (دينارًا) ساقط من (س)، وانظر: المدونة: 1/ 305. (¬4) قوله: (أنفق يوم) يقابله في (س): (إن أنفق يومًا). (¬5) قوله: (أنها تلد قبل) يقابله في (س): (أنها تلد ذلك قبل). (¬6) في (م): (وأقل). (¬7) في (س): (شهرًا). (¬8) قوله: (دينارًا) ساقط من (س). (¬9) قوله: (دينارًا) ساقط من (س).

ونصف (¬1). قال ابن القاسم: إلا أن يكون له عرْض قيمته نصف دينار، فيزكي عن العام الثاني عن الأربعين دينارًا (¬2). وروى أشهب وابن عبد الحكم عن مالك في هذه المسألة أنه قال: زكاة حول الربح من يوم ربحه (¬3). فرأى أن الربح فائدة في الحقيقة، والأصل ألا زكاة على مال حتى يحول عليه الحول؛ لأن من ملك عشرة دنانير، فأقامت في يده إحدى عشر شهرًا، ثم اشترى بها سلعة، فباعها عند تمام الحول بعشرين دينارًا، يعلم أن الربح فائدة. ولو اشترى السلعة من أول الحول، وتغير سوقها حينئذ فصارت تسوى عشرين- لزكى إذا باع عن عشرين دينارًا. وأولاد الماشية مزكاة على (¬4) حول الأمهات، ولم يختلف في ذلك قول مالك، ولا أحد من أصحابه وسواء كانت الأمهات قبل الولادة نصابًا أو دون النصاب. وإن كانت الولادة قبل تمام الحول- أو بعده، ثم ماتت الأمهات- زكيت الأولاد على حول الأمهات. وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - تعد السّخلة يحملها الراعي، ولا يأخذها، ولا يأخذ الأكولة، ولا الرُّبّى، ولا الماخِض، ولا فحل الغنم، ويأخذ الجذعة والثنية (¬5)، فأوجب الزكاة في الأولاد. وقال بعض أهل العلم: إذا كان الأصل نصابًا؛ زكيت الأولاد على حول ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 304. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 305. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 305. (¬4) في (م): (عن). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 357.

فصل [فيمن ضاع من زكاته بعد وجوبها دون تفريط]

الأصل، وإن كان الأصل دون نصاب- لم يزكِّ الأولاد على حول الأصل، واستأنف بالجميع حولًا (¬1). وهو مثل قول مالك فيمن له نصاب ماشية، ثم أفاد إليها ماشية من جنسها؛ أن الفائدة تزكى على حول الأصل. فإن كان الأصل دون نصاب؛ استأنف بالجميع حولًا (¬2). وقيل أيضًا: إن ذهبت الأمهات؛ زكيت الأولاد على حولها (¬3)، وهذا أيضًا موافق لقول مالك إذا ذهب النصاب قبل مجيء الساعي، وبقيت الفائدة، أو بقي من الأصل دون نصاب- أنه يستأنف حولًا (¬4). واختلف عن مالك في زكاة غلات ما اشتري للتجارة: من العبيد، والديار، وغيرها. فقال مرة: ذلك (¬5) فائدة (¬6)، ويستأنف بها حولًا. وقال أيضًا: يزكي على حول الأصل في ذلك المال (¬7). يريد: لأنه ربْح جرّهُ ذلك المال، فأشبه الربح في الأصل المشترى. فصل [فيمن ضاع من زكاته بعد وجوبها دون تفريط] ومن كان له عشرون دينارًا حال عليها الحول، ثم ضاع منها دينار قبل أن يفرط في إخراج الزكاة- لم يزكِّ الباقي (¬8). وقيل: عليه في الباقي الزكاة؛ لأن ¬

_ (¬1) انظر: المعونة: 1/ 237. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 356. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 467. (¬4) قوله: (حولًا) ساقط من (س). (¬5) قوله: (ذلك) ساقط من (س). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 127. (¬7) انظر: المعونة: 1/ 237. (¬8) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 389.

المساكين بعد تمام الحول كالشركاء له، فالضائع من جميعهم، والباقي لجميعهم. والأول أشبه؛ لأن الزكاة مواساة من الأغنياء للفقراء، فإذا كان وقت الأخذ منه فقيرًا؛ لم تجب عليه مواساة. وإذا كان الباقي بعد الضياع عشرين دينارًا؛ زكّاها (¬1) نصف دينار. ويتفق القولان ها هنا أن الضياع (¬2) من جميعهم، والباقي لهم. وإن فرَّط في إخراج الزكاة بعد الحول، ضمِن زكاة (¬3) ما ضاع؛ لأنه بالتفريط يصير في الذمة. ¬

_ (¬1) في (س): (ها هنا). (¬2) في (م): (الضائع). (¬3) قوله: (زكاة) ساقط من (س).

باب في زكاة أموال العبيد، والمكاتبين, ومن أسلم من أهل الكفر؛ والصبيان والمجانين, والأسير, والمفقود

باب في زكاة أموال العبيد، والمكاتبين, ومن أسلم من أهل الكفر؛ والصبيان والمجانين, والأسير, والمفقود وقال مالك في العبيد، والمكاتبين، وأمهات الأولاد: لا زكاة عليهم في ناضِّهم، ولا في حروثهم، ولا في ماشيتهم، وإن أعتقوا استانفوا حولًا بالعين والماشية من يوم العتق (¬1). ويختلف في الحرث، والثمار (¬2). فعلى قول مالك إن أعتقوا قبل أن تطيب زكيت، وإن أعتقوا بعد أن طابت فلا زكاة (¬3)، وقال المغيرة: لا تجب الزكاة إلا بالخرص. فعلى هذا تجب فيها الزكاة إذا كان العتق قبل خرص الثمار على الناسي، وعلى قول ابن مسلمة، تجب عليهم الزكاة إذا كان العتق بعد الخرص وقبل اليبس. وكذلك الكافر يُسْلِم، يستأنف الحول بالناض والماشية، ويزكي الحبوب والثمار، إذا أسلم قبل الطيب. ويختلف إذا أسلم بعد الطيب وقبل الخرص، أو قبل اليبس. فصل [في زكاة أموال الصبيان, والمجانين] وتزكى أموال الصبيان والمجانين, وهم في ذلك كالبالغ العاقل، وهو قول مالك (¬4). فأما ماشيتهم وحروثهم، فتزكى؛ لأن النماء فيها موجود. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 308. (¬2) في (س): (ولا الثمار). (¬3) في (م): (لم يزكوا). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 306.

ويختلف في ناضّهم؛ لأنهم مغلوبون فيه على التنمية، فأشبه من كان بالغًا رشيدًا (¬1)، فغلب على التنمية لأنه سقط منه، فوجده بعد أعوام، أو دفنه فنسي موضعه، أو ورث مالًا فلم يعلم به إلا بعد أعوام، وقد اختلف في هؤلاء، هل يزكون لسَنَة، أو لجميع تلك الأعوام، أو (¬2) يستأنفون الحول؟. وإذا كان للبالغ الرشيد أن يستأنف الحول في جميع ذلك، لم يكن على الصبي زكاة؛ لأن للوصي ألَّا ينميه، فإن نَمَّاه وتجر له فيه؛ زكَّاه قولًا واحدًا. قال ابن حبيب: وُيزَكِّي الوليُّ لليتيمِ مالَه ويُشْهِدُ، وإن لم يُشْهِدْ وكان مأمونًا؛ صُدِّق (¬3). وهذا أحسن في كلِّ بلدٍ القضاءُ فيه بقولِ مالك. وإن كان بلدٌ فيه من يقولُ بسقوط الزكاة من مال الصبيان، لرأيت أن يرفع ذلك إلى حاكم الموضع، فإن كان ممن يرى في ذلك (¬4) قول مالك، أمره بإخراجها، وحكم له بذلك، وإن كان ممن لا يرى ذلك؛ لم يزكِّه هو. وقد قال مالك في كتاب الرهن فيمن مات، ووجد في تركته خمر: إن الوليَّ يرفع ذلك إلى السلطان. قال: (¬5) خوفًا أن يتعقب عليه (¬6) يريد من الاختلاف ¬

_ (¬1) قوله: (رشيدًا) ساقط من (س). (¬2) في (س): (و). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 137. (¬4) قوله: (في ذلك) ساقط من (س). (¬5) قوله: (قال:) ساقط من (س). (¬6) انظر: المدونة: 4/ 161، ونَصُّه فيها: قال مالك في الرجل يوصي إلى الرجل فتكون في تركته خمرٌ. قال: قال مالك: أرى أن يهريقها الوصي، ولا يهريقها إلا بأمر السُّلْطَان خوفًا من أن يتعقبَ بأمر من يأتي بطلبه فيها.

فصل [تزكى ماشية الأسير والمفقود وزرعهما ونخلهما]

هل تتخذ خَلاًّ؟ وكذلك الزكاة، إلا أن يكون الولىُّ (¬1) من أهل الاجتهاد، وممن يرى في ذلك قول مالك، وخفي له إخراجها للجهل بمعرفة أصل ما وضع (¬2) يده عليه- فليخرجها. فصل [تُزكَّى ماشية الأسير والمفقود وزرعهما ونخلهما] وقال ابن القاسم في المجموعة: تُزكَّى ماشيةُ الأسيرِ والمفقودِ, وزروعُهما، ونخلهما (¬3)، ولا يُزَكى نَاضُّهما (¬4). فحملها على الحياة، فيزكى ما كان على النماء فيه موجودًا وهي الماشية، والزرع، والنخل. وأسقطها من الناض مما غلما (¬5) على تنميته وهو العين. ولو حملهما على الوفاة، لم يزكِّ عليهما شيئًا من ذلك؛ لإمكان أن يقع لكل وارث دون النصاب. ¬

_ (¬1) في (م): (الأول). (¬2) في (م): (وقع). (¬3) قوله: (ونخلهما) ساقط من (س) و (م). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 137. (¬5) في (س): (غلب).

باب في زكاة العروض

باب في زكاة العروض ولا زكاة في عروض القنية، لقول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ عَلَى المُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلاَ فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ" اجتمع عليه الموطأ، والبخاري، ومسلم (¬1). ولا زكاة في ثمنهم حتى يحول عليه الحول من يوم يقبضه. ولا زكاة في عروض التجارة قبل البيع، فإذا بيعت؛ زكَّى الثمن إذا حالَ عليه (¬2) الحولُ، من يومِ ملكَ (¬3) أصلَ المالِ التي اشْتُريت به تلك العروض. قال مالك: الأمر عندنا، في الرجل يشتري بالذهب والفضة سلعة للتجارة، ثم يمسكها حتى يحول عليها الحول- أنه لا زكاة عليه فيها (¬4) حتى يبيعها (¬5). * واختلف إن هو زكاها قبل البيع، هل يجزئه ذلك أم لا؟ والزكاة تجب في عروض التجارة بأربعة شروط، وهي: أن يكون ملكه إياها بشراء لا بميراث، ولا بهبة، ولا صدقة. وأن يكون ثمنها عينًا: ذهبًا، أو فضةً. ¬

_ (¬1) متفق عليه, أخرجه البخاري: 2/ 532، في باب ليس على المسلم في فرسه صدقة، من كتاب الزكاة، برقم (1394)، ومسلم: 2/ 675، في باب لا زكاة على المسلم في عبده وفرسه، من كتاب الزكاة، برقم (982)، ومالك في الموطأ: 1/ 277، في باب ما جاء في صدقة الرقيق والخيل والعسل، من كتاب الزكاة، برقم (611). (¬2) قوله: (عليه) ساقط من (س) و (م). (¬3) قوله: (ملك) ساقط من (س). (¬4) قوله: (فيها) ساقط من (س). (¬5) انظر: التفريع: 1/ 135.

وقد نقد ثمنها (¬1) قبل بيعها. وأن يعود الثمن عينًا: ذهبًا، أو فضةً. فإن ورثها، أو وهبت له، أو تصدق عليه بها، أو استقرضها لم تنفع فيه نية التجارة، ولم يجب في ثمنها إن بيعت بعين زكاة؛ لأن الأصل في الزكاة، بالعين. فإن اشترى بعين، ثم باع بعين؛ زكى على الأصل الأول. وإذا كان أصل العرض ميراث، أو ما أشبه ذلك (¬2)، ثم بِيعَ (¬3) بعين- لم تجب فيه زكاةٌ؛ لأنه لا يردّه إلى أصل وجبت فيه الزكاة. واختلف إذا اشتراه على عين عنده فلم ينقده حتى باع بربح، أو اشتراه بعَرْض كان عنده للقنية، أو بميراث، أو اشتراه بعين، فزكى عن قيمته قبل أن يبيعه. فقال مالك (¬4) في كتاب محمد فيمن اشترى على عين عنده فلم ينقده حتى باع بربح: يُزكّي الربح على أصل المال، بمنزلة لو نقد. قال: ولو لم يكن عنده الثمن لكان الربح فائدة. وقال مرة: حول الربح من يوم اشترى تلك السلعة. وقال أيضًا: يستأنف به حولا من يوم باع تلك السلعة (¬5). فوجهُ الأول: أن المال كان (¬6) سبب (¬7) ذلك الربح، ويمكن أن يكون لو لم يكن عنده لم يشترها. ¬

_ (¬1) قوله: (ثمنها) ساقط من (س). (¬2) قوله: (ذلك) ساقط من (م). (¬3) في (م): (لم يبع). (¬4) قوله: (مالك) ساقط من (س). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 324. (¬6) قوله: (كان) ساقط من (س). (¬7) في (م): (بسبب).

ووجه الثاني: أنه إنما يكون ربحُ المال منه بمنزلة الولادة إذا تجر فيه، وحرَّكه، وصار إلى غيره، ثم باع (¬1) ما أخذ (¬2) بالعاوضة عنه، فإذا كان ذلك المال قائم العين لم يخرج من يده (¬3)، عُلم أنه لم يربح فيه، وهذا هو القياس، وصار بمنزلة من اشترى على ذمته. ووَجه القول (¬4) أن حول الربح من يوم اشترى تلك السلعة؛ لأنها سلعة اشتريت للتجارة، وربح المال منه بمنزلة الولادة، فوجب أن يكون حولُه من يوم مَلك تلك السلعة. ووجه القول الثالث: أنه يستأنف بالربح حولًا من يوم ربح؛ لأن حُكم الأرباح حكم الأصول التي كان عنها (¬5) ذلك الربح، وأصل الربح في هذه المسألة سلعة، ولا زكاة في السلع، أو (¬6) ذمة الذي اشترى عليها، ولا زكاة في الذمم. وإذا لم تجب في الأصل زكاة كان الربح فائدة، وهذا القول هو أصل المذهب وعمدته. وأما القول بزكاتها من يوم اشترى تلك السلعة فجُنوح إلى قول من قال إن العروض تزكى. ويختلف على هذا إذا اشترى سلعة بعين وهو فقير، ثم باع بربح، هل يكون حول الربح من يوم اشترى، أو من يوم صار إليه الربح؟ ومثله لو كان موسرًا، فاشترى سلعة بثمن إلى أجل، ومن نيته أن ينقد فيها من ¬

_ (¬1) في (س) و (م): (يبيع). (¬2) في (م): (ما أخذه به). (¬3) في (س): (لم ينقده)، وفي (م): (لم يبق عن يده). (¬4) في (م): (الأول). (¬5) قوله: (الأصول التي كان عنها) يقابله في (م): (الأموال التي كان عليها). (¬6) في (س): (و).

ثمنها الذي يبيعها به لا مِن ناضٍّ عنده، أو ينقد من ثمن سلعة عنده للقنية، فلا يكون حولُ الربح حولَ ما عنده من الناضِّ. ويختلف هل يكون حوله من يوم اشترى، أو من يوم ربح؟. ولمالك في كتاب ابن سحنون، في رجل اشترى سلعة بمائتي دينار، فنقد فيها أربعين دينارًا ليس له غيرها، ثم باعها بعد الحول بثلاثمائة، قال: يزكي الأربعين وما قابلها (¬1) من الربح، وما بقي فهو فائدة (¬2). * واختلف إذا اشترى العرض بعين، ثم زكى عن قيمة العرض قبل بيعه. فقال ابن القاسم: لا تجزئه الزكاة، وعليه إذا باعه أن يزكى عن الثمن الذي باع به. وحكى ابن شعبان عن أشهب: أن الزكاة تجزئه، ولا إعادة عليه. وهو أحسن. وقد روي عن عمر، وابن عمر، وعائشة: أن الزكاة تجب في العروض قبل البيع. وهو قول غير واحد من الفقهاء: الشافعي، وأبي حنيفة، والثوري، والأوزاعي. وقد قال مالك غير مرة في مثل هذا (¬3) اختلف الناس فيه إنه يجزئ (¬4) إذا نزل، ويمضي ولا يردّ للخلاف (¬5). ومن المدونة قال ابن القاسم فيمن كانت عنده دابة (¬6) للتجارة، ¬

_ (¬1) في (س) و (م): (قبلها). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 127، 166، والبيان والتحصيل: 2/ 377. (¬3) قوله: (مثل هذا) ساقط من (م). (¬4) في (م): (يجري). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 153. (¬6) في (م): (جارية).

فاستهلكها رجل، فأخذ رب الدابة عن قيمتها سلعة: فإن نوى بها التجارة، زكَّى ثمنها ساعة يبيعها (¬1) - إذا حال الحول على أصل ذلك المال، وهو ثمن الدابة المستهلكة، وباع بنصاب. فإن أخذ في قيمة الدابة عينًا، زكاه إذا كان نصابًا، وحال الحول من يوم زكى الأصل (¬2). فإن كان دون نصاب، أو لم يحل الحول؛ فلا زكاة عليه حتى (¬3) يتم الحولَ والنضاب. وإن أخذ عن القيمة سلعة نوى بها القنية؛ لم تجب (¬4) في ذلك زكاة حتى يبيعها، ويحول الحول على ثمنها من يوم يقبضه (¬5)، وليس بمنزلة من قبض القيمة ثم اشترى بها. وإن كانت الدابة المستهلكة للقنية، فأخذ القيمة؛ لم تجب فيها زكاة حتى يحول الحول من يوم يقبضها (¬6). وقال أشهب في مدونته: إذا كانت الدابة المستهلكة للقنية، فأخذ عن القيمة سلعة، ونوى بها التجارة ثم باعها- زكَّى الثمن إذا حال الحول من يوم أخذ تلك السلعة عن القيمة. وهذا صحيح على أصله؛ لأنه يرى أن (¬7) الدين كالعين، ولا تجب الزكاة على أصل ابن القاسم؛ لأنه يرى أن الدين كالعرض، فأشبه من باع عرضًا للقنية (¬8) بعرض نوى به التجارة. ¬

_ (¬1) قوله: (ساعة يبيعها) ساقط من (س). (¬2) قوله: (فإن أخذ. . . الأصل) ساقط من (م). (¬3) في (س): (ثم). (¬4) في (م): (تجز). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 309. (¬6) في (س): (يقضبه). وانظر: المدونة 1/ 309. (¬7) قوله: (أن) ساقط من (س). (¬8) في (م): (لنفسه).

ومن باع عرضًا كان عنده للقنية، فإنه لا يخلو أن يبيعه بعين نقدًا، أو بعين إلى أجل، أو بعرض، فإن باعه بعين نقدًا؛ كان الحول من يوم يقبض الثمن. واختلف إذا باعه بعين إلى أجل. فقال مالك، وابن القاسم: لا زكاة عليه حتى يحول الحول من يوم يقبض الثمن (¬1). وقال عبد الملك (¬2) وابن الماجشون، والمغيرة: الحول من يوم باع، فإن باعه بثمن إلى سنة؛ زكَّى الثمن ساعة يقبضه وإن كان إلى ستة أشهر، فإذا مرّت له ستة أشهر أخرى؛ زكاه. قال عبد الملك: لأنه إذا باعه بالديْن، فقد سلك به (¬3) مسلك التجارة، ومطلب الربح والزيادة. واختلف (¬4) فيمن باع عرضًا كان عنده للقنية بعرض نوى به التجارة، هل (¬5) يكون حكمُ الثاني حكمَ الأول؟ ولا زكاة عليه حتى يحول الحول على الثمن الثاني من يوم يبيعه، أو تصح فيه نية التجارة، ويكون حوله من يوم اشتراه؛ قياسًا على من اشترى بعين على ذمته، وهو فقير؛ لأن الذمة لا زكاة فيها، وقد تقدم الخلاف في ذلك. ومن كان له عرض للقنية، لم تصح فيه نية التجارة. فإن باعه؛ استأنف بالثمن حولًا (¬6). واختلف إذا كان للتجارة، فنوى به القنية ثم باعه. فقال مالك في ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 352. (¬2) قوله: (عبد الملك) ساقط من (س). (¬3) قوله: (به) ساقط من (م). (¬4) في (س): (ويختلف). (¬5) في (م): (وهذا). (¬6) انظر: التلقين: 1/ 60.

فصل النية في العروض المشتراة على أقسام

المدونة: لا زكاة عليه فيه (¬1). وقال في مختصر ما ليس في المختصر: يزكي الثمن (¬2)؛ لأن أصله كان للبيع. فصل النية في العروض المشتراة على أقسام النية في العروض (¬3) المشتراة على سبعة أقسام: قنية، وتجارة، وإجارة، أو ينوي وجهين: قنية وإجارة، أو تجارة وإجارة، أو تجارة واستمتاعًا بالاستخدام والوطء، أو إجارة واستمتاعًا بالاستخدام أو الوطء؛ فإن نوى القنية بانفرادها، أو القنية والإجارة؛ لم تجب عليه زكاة إذا باع العرض بعد ذلك؛ فإن نوى به (¬4) التجارة بانفرادها؛ وجبت فيها الزكاة. واختلف فيما سوى ذلك فقيل (¬5): تكون كالقنية، ويستأنف بالثمن حولًا. وقيل: كالتجارة؛ فيزكي الثمن على حول الأصل الذي اشترى به. والقول بوجوب الزكاة أحسن؛ لأن من نوى الإجارة، فقد نوى التجارة، ولا فرق (¬6) بين أن يلتمس الربح والفضل من أثمان الرقاب، أو من المنافع، وإنما سقطت الزكاة من القنية؛ لأن صاحبَه قطع التماس الفضل من الوجهين جميعًا، وقد أوجب الله -عز وجل- الزكاة في الماشية. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 309. (¬2) قوله: (الثمن) ساقط من (س). (¬3) في (م): (العين). (¬4) قوله: (به) ساقط من (س). (¬5) في (م): (هل). (¬6) قوله: (ولا فرق) ساقط من (م).

وإن نوى بها القنية، لما كان النماء فيها موجودًا من الولد، والغلات، وغيرها مع بقاء الأصل، وإن نوى التجارة والإجارة، كان ذلك أبين في وجوب الزكاة، ومثله إذا نوى التجارة والاستمتاع بالاستخدام أو الوطء؛ لأنه معلوم أن كل من نوى التجارة بانفرادها، يستمتع في خلال ذلك بالاستخدام، وبالركوب، والإكراء إلى أن يتفق له البيع، ولو كان الشراء لأجل حاجته إلى الاستمتاع، أو الاستخدام (¬1)، ولولا ذلك لم يشتر، لغلب حكم القنية، وكذلك الحلي إن كان أصل كسْبه (¬2) إياه لأهله. وإن اتفق فيما بين ذلك إجارة؛ أكراه كانت القنية أحق به وإن كان أصل ملكِه لأجل الإجارة. وإن احتاج أهله فيما بين ذلك للباسه لبسوه؛ كان له حُكم ما يشترى للإجارة (¬3) خاصة، وكذلك إذا كان أصل ملكه للإجارة، ويستمتع بالوطء والاستخدام فيما بين ذلك. وإن كانت عمدته الشراء للوطء أو (¬4) للاستخدام فآجره فيما بين ذلك؛ كان له حكمُ القنية. ومن كانت له بقر للحراثة، ثم باعها؛ استأنف بالثمن حولًا، وهي قنية، وسواء كان يحرث عليها للقنية أو للتجارة؛ لأن التجارة إنما هي فيما يزرَع، ففارق ما اشترى للتجارة. وكذلك آلة العطار يستأنف بثمنها حولًا؛ لأن التجر فيما يعمل فيها، ليس فيما يبيع فيه منافعها. ¬

_ (¬1) قوله: (وبالركوب. . . الاستخدام) ساقط من (م). (¬2) في (س): (ملكه) (¬3) في (س): (للتجارة). (¬4) في (س): (و).

فصل الخلاف فيمن أكرى داره خمس سنين بمائة دينار ومضى الحول

فصل الخلاف فيمن أكرى داره خمس سنين بمائة دينار ومضى الحول واختلف فيمن أكرى داره خمس سنين بمائة دينار نقدًا، ثم مضى الحول. فقال ابن القاسم: يزكي عما ينوب السنة الماضية، ثم ينظر إلى الباقي، فيزكي منه ما يقابل قيمة الدار مهدومة (¬1). وقال سحنون: يزكي عن جميع المائة (¬2). وهو أحسن؛ لأن الدار لا تكرى تلك المدة بالنقد إلا وهي مأمونة الانهدام، ولو كان يخاف عليها في تلك المدة؛ لكان الكراء فاسدًا. واختلف أيضًا فيمن كانت بيده مائة دينار مضى لها ستة أشهر، فأكرى بها دارًا سنة، ثم أكرى تلك السنة بمائتين (¬3)، ثم تمت السَّنَة من يوم العقد على أصل ذلك المال. فقيل (¬4): يزكي عن مائتين؛ لأنه لا يراعى الانهدام، أو عن مائة وخمسين؛ لأنه استوجب عن الستة الأشهر الماضية مائة لا رجوع عليه فيها، مترقبة (¬5) إن انهدمت الدار رُجع عليه فيها، وله هو مرجع على من كان اكترى منه بخمسين، فيجعل الديْن فيها، ويزكي عن (¬6) خمسين. وقيل: يزكي مائة. وهو أحسن (¬7) على القول بمراعاة الانهدام؛ لأن ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 128، والبيان والتحصيل: 2/ 398. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 128. (¬3) في (م): (ثمانين). (¬4) في (س): (فهل). (¬5) في (م): (مؤقته). (¬6) قوله: (عن) ساقط من (س). (¬7) قوله: (وهو أحسن) ساقط من (م).

المكتري يقول: الانهدام (¬1) يفسخ العقد في الباقي، وإنما في يدي مال قبضته من ستة أشهر؛ فلا زكاة فيه، وإنما حال الحول على مالي الذي دفعته إلى المكتري الأول، فإذا قبضته زكيته. وعلى أصل سحنون يزكي عن الجميع؛ لأنه لا يراعي الانهدام. ومن اكترى أرضًا ليزرعها لقوته، أو لتجارة (¬2)، أو كانت له أرض يملكها (¬3)، فزرعها لقوته، أو لتجارة، فأخرج ذلك الزرع خمسة أوسق- زكَّاه زكاة (¬4) الزرع. ويفترق الجواب فيما باعه بعد ذلك، إذا باع بنصاب من العين بعد حول من يوم زكي زكاة الحرث، فإن زرع ذلك للقنية؛ استأنف بالثمن حولًا، وسواءٌ اكترى الأرض، أو كانت ملكًا له. واختلف إذا اكترى الأرض للتجارة. فقال مالك، وابن القاسم: عليه الزكاة في ثمن ما باع (¬5). وقال أشهب: لا زكاة عليه، ويستأنف بالثمن حولًا (¬6). فجعل مالك الحكم للأرض دون الزريعة، وإذا كانت الأرض مِلكًا له وزرع للتجارة؛ كان غلة. وهذا موافق لقوله لا تكترى (¬7) الأرض بطعام. . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) قوله: (الانهدام) ساقط من (م). (¬2) قوله: (أو لتجارة) ساقط من (م). (¬3) قوله: (يملكها) ساقط من (س). (¬4) قوله: (زكَّاه زكاة) يقابله في (م): (زكى). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 310. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 134. (¬7) قوله: (لا تكترى) يقابله في (س): (ألا تكرى).

ليعمل فيها طعامًا (¬1)، ولأحد قوليه في الشريكين في الزرع إذا كانت الأرض من عند أحدهما أن الزرع له دون صاحب الزريعة (¬2)؛ وعلى هذا تجب الزكاة إذا أُكْرِيَت (¬3) للتجارة، وإن كانت الزريعة للقنية. ولا تجب الزكاة إذا اكتريت (¬4) للقنية, ثم زرعها للتجارة بزريعة كانت عنده للتجارة. وعلى أحد قوليه في الشريكين في الزرع، أنه لصاحب الزريعة؛ تجب (¬5) الزكاة فيه إذا كانت الأرض ملكًا له وزرعها للتجارة بزريعة كانت عنده للتجارة، ولا تجب الزكاة إذا اكترى الأرض للتجارة وزرعها بزريعة كانت عنده للقنية (¬6). وتجب الزكاة إذا اكتراها للقنية وزرعها للتجارة بزريعة كانت عنده (¬7) للتجارة، وإذا أخرجت الأرض دون خمسة أوسق، ثم باع ذلك الحبَّ بنصاب من العين وكان للتجارة- زكَّى الثمن على أصل حول ذلك المال قبل الحرث، ولا يسقط الحول الأول إذا (¬8) وجد خمسة أوسق فأكثر. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 547. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 604. (¬3) قوله: (إذا اكْرِيَت) يقابله في (س): (فإن اكتريت). (¬4) في (س): (أكرى)، وفي (م): (اكترى). (¬5) في (س): (تكون تجب). (¬6) قوله: (ولا تجب. . . للقنية) مكرر في (س). (¬7) قوله: (كانت عنده) زيادة من (م). (¬8) في (س): (إلا إذا).

باب في زكاة المدير في التجارة

باب في زكاة المدير في التجارة ومن المدونة قال مالك فيمن كان يدير ماله في التجارة, مثل: البزَّازين (¬1)، والحناطين (¬2)، والزيَّاتين، ومثل الذين يجهزون الأمتعة إلى البلدان: فليجعلوا لزكاتهم من السنة شهرًا، فإذا جاء ذلك الشهرة قوّموا ما عندهم للتجارة فزكوه، وما في أيديهم من ناضٍّ، وما كان لهم من دين يرتجون قضاءه، فإن جاءهم العام الآخر ولم يقبضوه زكوه (¬3) أيضًا، قال ابن القاسم: ولو كان له عرضٌ فبار عليه؛ زكَّاه للسَّنَة الثانية (¬4) والديْن والعرض في هذا سواء (¬5). وقد قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لحماس وقد كان يبيع الجلود فإذا باعها (¬6) اشترى مثلها: "زكِّ مالك. فقال: ما عندي شيء تجب فيه الزكاة. فقال له: قوَّمه" (¬7). فأمره بالتقويم؛ لأنه مع عدم التقويم على وجهين: إما أن يزكي على كل ما نضَّ له، فيكون قد زكَّى ماله في العام الواحد مرارًا، أو لا يزكي بحالٍ لعدم اجتماع نصاب في مرة واحدة (¬8)،. . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) البَزُّ: الثياب، والبزاز: بائع البَزِّ. انظر: لسان العرب: 5/ 311. (¬2) قوله: (والحناطين) ساقط من (م). قلت: الحِنطة: البُرُّ، وبائعه حنَّاط. انظر: الصحاح، للجوهري: 3/ 1120. (¬3) قوله: (ولم يقبضوه زكوه) يقابله في (م): (ولم يقتضه زكاه). (¬4) قوله: (كان عرضًا فبار عليه؛ زكَّاه للسَّنَة) في (م): (كان عرض فإن عليه زكاة السنة). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 311. (¬6) في (ق 1): (فرغ منها). (¬7) أخرجه البيهقي في سننه الكبرى: 4/ 147، في باب زكاة التجارة؛ من كتاب الزكاة برقم: (7392). (¬8) قوله: (واحدة) ساقط من (س).

أو لعدم معرفة الأحوال (¬1)، فيكون قد أسقط فرضًا، فكان التقويم عدلًا بينه وبين الفقراء. واختلف في الوقت الذي يجب فيه التقويم، وفي زكاة ديونه، وما بار من عروضه، وفيمن كان يبيع العرض بالعرض (¬2). فأما الوقت الذي يُقوَّم فيه؛ فاختلف فيه على ثلاثة أقوال: فقال مالك (¬3) في المدونة: يجعلون لأنفسهم من السنة (¬4) شهرًا يقومون فيه (¬5). وقال أشهب في كتاب محمد: إذا كان يبيع العرض بالعرض (¬6) يريد: أن لا يجب عليه أن يقوم عند تمام الحول على أصل ذلك المال؛ لأنه حينئذ فيما في يديه على وجهين: إما أن تكون عروضًا كلها؛ فلا زكاة في العروض، أو يكون بعضُه ناضًا دون نصاب؛ فلا زكاة في ذلك أيضًا، فلا يؤمر بالتقويم حينئذ؛ لأنه على يقين أنه لم تجب عليه زكاة جميع ذلك، فجاز له أن يؤخر التقويم عن (¬7) رأس الحول؛ لأن في إلزامه التقويم حينئذ ظلمًا عليه، ولا يؤخر لحولٍ آخر؛ لأن في ذلك ظلمًا على المساكين، فأمره أن يجعل لنفسه شهرًا يكون عدلًا بينه وبين المساكين (¬8)، وإن أتى رأس الحول وفي يده نصاب من العين؛ زكَّاه خاصة؛ ¬

_ (¬1) قوله: (معرفة الأحوال) يقابله في (م): (حرفة للأحوال). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 312. (¬3) قوله: (مالك) ساقط من (س). (¬4) قوله: (من السنة) ساقط من (س). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 311. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 170. (¬7) في (س): (على). (¬8) قوله: (فأمره. . . وبين المساكين) ساقط من (م).

لأنه يقطع أنه لم يخاطب بزكاة أكثر منه، فإن نضَّ له شيء بعد ذلك؛ زكَّاه. فإن اختلط عليه بعد ذلك جعل لنفسه شهرًا، فقد يكثر ما ينضُّ له بعد ذلك فيقرب شهره، أو يقل فيبعد، ثم يقوَّم جميع ما في يديه، وأسقط من ذلك قدر ما ينوب ما كان زكَّاه، إنْ نصفًا فنصفًا، وإن ثلثًا فثلثًا، وزكَّى الباقي. وإن مر عليه حول من يوم قوَّم، زكَّى عن جميع ذلك، وكان هو حوله أبدًا. وإلى هذا ذهب ابن نافع فى شرح ابن مُزَيْن، قال فيمن كان يبيع العرض بالعرض: فإنه إن باع بعد ذلك بعين فإنه يُحصيه، فإذا تم مائتي درهم، أو عشرين دينارًا (¬1)؛ زكَّى ذلك، ثم يزكي كما نضَّ له شيء من قليل أو كثير، ولا تقويم عليه (¬2). يريد: إذا لم يختلط عليه ذلك وإلا (¬3) قوم. وقيل لأشهب في كتاب محمد فيمن كان يبيع العرض بالعرض ثم باع بعد سنين بخمسة دنانير: أيزكي؟ فقال: لا، أفي خمسة دنانير زكاة؟ فقيل له: إنه قد بقي عنده من عروضه. قال: لا قيمة عليه ولا زكاة ما لم يكن له شهر يزكي فيه. فاتفقت هذه الأقاويل على أنه لا يجب التقويم في موضع يقطع أنه لم تجب عليه فيه زكاة، ولا يُراعى ما كان من البيع بالعين في الحول الأول؛ لأنه لم يكن مخاطبًا بزكاة، وإنما يراعى الاختلاط إذا تم الأول، ودخل في الثاني. وكل هذا أيضًا منهما (¬4) مخالف لما قال ابن القاسم، وقال أشهب (¬5) فيمن كان يبيع ¬

_ (¬1) قوله: (عشرين دينارًا) يقابله في (م): (عشرة دنانير). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 170. (¬3) في (س): (فإن اختلط). (¬4) قوله: (منهما) ساقط من (س). (¬5) قوله: (وقال أشهب) ساقط من (ق 3).

فصل فيما بار من عروض المدير وفيه الخلاف

العرض بالعرض، ثم باع بدراهم، أنه يقوم إذا نضَّ له دراهم (¬1). وقال أشهب في شرح ابن مزين، فيمن كان يبيع العرض بالعرض: أنه لا تقويم عليه حتى يمضي له حول مستقبل من يوم باع بالعين (¬2)؛ لأنه إنما صار من أهل الإدارة، ودخل في سنتها في الوقت الذي باع فيه بالعين، وهذا ضعيف وهذا (¬3) ظلم على الفقراء. ومن أقام في يديه مالٌ ناضٌّ ستة أشهر، ثم جلس به للإدارة؛ فإنه يبني على قول مالك على تلك الأشهر المتقدمة قبل أن يدير ماله، ويستأنف الحول على قول أشهب من يوم أخذ في الإدارة (¬4)، والأول أحسن. فصل فيما بار من عروض المدير وفيه الخلاف اختلف فيما بار من عروض المدير، فقال ابن القاسم: يقوم دلك (¬5). وقال ابن نافع، وسحنون: لا تقويم عليه (¬6). وهذا إذا بار أيسر ما في يديه. فرأى ابن القاسم: التقويم لما كانت تبعًا، وأجراها على حكم ما لم يَبُر. ورأى ابن نافع وسحنون: أنها مراعاة في نفسها، وقد خرجت عن الإدارة. ولو بار نصفُ ما في يديه أو أكثرُه أو جميعُه، لم يُقوَّم قولًا واحدًا. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 311. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 170. (¬3) قوله: (ضعيف وهذا) يقابله في (م): (معيب وفيه). (¬4) و (¬5) و (¬6) انظر: المدونة: 1/ 311، وما بعدها.

واختلف في ديونه أيضًا، فقال ابن القاسم: يزكيها (¬1). وقال المغيرة: لا زكاة عليه في الدين. ومحمل الخلاف فيما كان من الدين مؤجلًا أجلًا بعيدًا، وهو تبع لما في يديه، فمَرَّ ابن القاسم في ذلك على أصله، وأجراه على حكم الأكثر. ورأى المغيرة: أنه مراعى في نفسه لما بذلك عن حكم (¬2) الإدارة. ويختلف أيضًا فيما أقرضه من مال الإدارة، فقال ابن حبيب: لا زكاة عليه فيما أقرض من ماله (¬3). يريد: أنه خرج به عن التجارة. وعلى أصل ابن القاسم: يزكيه إذا كان القرض (¬4) أقل ماله (¬5). وقال مطرِّف، وابن الماجشون، عن مالك في كتاب ابن حبيب، فيمن كان يبيع العروض بالعروض، ولا ينض له شيء: أنه يقوِّم ويزكي (¬6). وهذا مراعاة لاختلاف الناس فيما ذكرناه قبل في زكاة العروض، مع أنه اجتمع (¬7) في ذلك أنه مال محرَّك مُنمَّى، وقد جاءت السُّنة بزكاة الأموال النامية وإن لم تكن عينًا كالماشية، وفي كتاب الزكاة الثاني ذكرُ زكاة ماشية المدير إذا كانت دون نصاب، أو كانت نصابًا (¬8) وكان يديرها بالبيع قبل مجيء الساعي. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 311. (¬2) قوله: (بذلك عن حكم) يقابله في (م): (عن ذلك على حد). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 171. (¬4) في (س): (العرض). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 171. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 171. (¬7) في (م): (اجتمع عليه). (¬8) قوله: (نصابًا) ساقط من (س).

وأما إن كانت في يديه حوائط للإدارة، وأتى وقت التقويم وفيها ثمار غير مأبورة، أو مأبورة، قُوِّمت مع الأصل (¬1)؛ لأنها حينئذ ليست بغَلَّة، ولأنها تُباع قبل أنْ تَجِبَ فيها زكاةُ الخرصِ. وإن كانت وقت التقويم قد طابت، وفيها خمسة أوسق فأكثر- لم تقوَّم مع الرقاب؛ لأنها تزكى زكاة الخرص. وإن كانت دون خمسة أوسق، أو كانت خمسة أوسق، وهي من جنس لا تجب فيه الزكاة كالفواكه وما أشبه ذلك، جرت على القولين (¬2). فمن قال: إنها لا تكون غلة بالطيب قوِّمت مع الأصل. ومن قال: إنها بالطيب غلة لم تقوَّم مع الأصل إلا على (¬3) قول من قال: غَلاَّتُ ما اشتري للتجارة مزكاة كالأصل. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 444. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 267. (¬3) قوله: (القولين. . . إلا على) ساقط من (م).

باب في زكاة الديون، وحكم أحواله إذا كان الاقتضاء متفرقا، وكيف إن اختلط أحوال الاقتضاء

باب في زكاة الديون، وحكم أحواله إذا كان الاقتضاء متفرقًا، وكيف إن اختلط أحوال الاقتضاء ولا زكاة في الديون وإن أقام أحوالًا، حتى يقبض فيزكى لعام واحد (¬1). واختلف إذا تطوع بإخراج زكاته من ذمته قبل قبضه (¬2). فقال ابن القاسم في المدونة: لا يجزئه (¬3). وقال أشهب في كتاب محمد: يجزئه لما روي عن ابن عمر من الاختلاف في ذلك، وقول ابن شهاب: إن الدَّيْنَ يُزَكَّى. قال: وإن كنت لا آمر به، فإن فعل رأيته محسنًا (¬4)؛ لأنه قد وجبت عليه في الدين الزكاة، وإنما يمنعنا أن نأمره بأدائها خوفًا أن يتلف قبل أن يقبضه، فيكون قد أدى عما لا يلزمه. قال: ولو كنا على ثقة من قبضه، لرأيت ذلك عليه (¬5)، فجعل الدين إذا كان على موسر كالعين في قوله: إذا كان على ثقة من قبضه، أن عليه زكاته، ويلزم على قوله إذا قبضه بعد حولين أن يزكيَهُ لعامين (¬6)؛ لأنه بقبضه سلم مما كان خاف منه. والديون أربعة: فما كان أصله قرضًا، أو ثمن سلعة للتجارة؛ زكَّاه ساعة يقبضه إذا تقدم له حول. وما كان أصله فائدةً بميراث، أو هبة، أو صدقة، أو مهر امرأة، أو أرش جناية؛ استانف به بعد قبضه حولًا، ويلزم على قول أشهب ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 315. (¬2) قوله: (قبضه) ساقط من (س). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 315. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 149. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 315. (¬6) في (س): (لمالين).

فصل من له ثلاثين دينارا ذهبا حال عليها الحول فاقتضى منها عشرة

في جعله إياه كالعين، أن يحسب الحول من يوم ملك ذلك الدَّيْن. وإن كان الدَّيْن عن ثمن سلعة للقنية باعها بالنقد ثم تأخر الثمن في الذمة؛ استأنف في بالثمن حولًا من يوم القبض على قول مالك (¬1). واختلف إذا بيعت بثمن إلى أجل فقال ابن القاسم: يستأنف الحول من يوم القبض (¬2). وقال عبد الملك بن الماجشون: الحول من يوم البيع (¬3). والرابعُ: ديون المدير، واختلف هل تزكى وهي في الذمة قبل قبضها أو لا؟، وقد تقدم الكلام على هذين القسمين (¬4). فصل من له ثلاثين دينارًا ذهبًا حال عليها الحول فاقتضى منها عشرة ومن كان له دين ثلاثون دينارًا حال عليها الحول، واقتضى منها عشرة، لم تكن عليه فيها زكاة، فإن اقتضى بعد ذلك عشرة أو العشرين الباقية؛ زكَّاهما جميعًا، وكان حول الجميع يوم اقتضيت (¬5) الثانية. وإن كان (¬6) اقتضى في الأول (¬7) عشرين فزكاها ثم اقتضى عشرة؛ زكاها أيضًا، وكان حول الثانية يوم ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 121. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 126. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 135. (¬4) في (ق 3): (المسألتين). (¬5) في (م): (قبضت). (¬6) قوله: (كان) ساقط من (س). (¬7) في (س): (أول).

اقتضيت، ولم يجمعا، وهذا قول ابن القاسم (¬1). وقد اختلف في الفصلين جميعًا، فخالف أشهب إذا اقتضى عشرة، ثم عشرة (¬2) أو عشرين، وزكَّى جميع ذلك، فقال: يعود حول العشرة الأولى يوم اقتضيت؛ لأنه عنده إنما منعه أن يزكيها يوم اقتضيت، خيفة ألا يقتضي غيرها (¬3). وخالف محمد بن مسلمة إذا اقتضى عشرين ثم عشرة، قال: يعود حول الأولى يوم اقتضيت حول الثانية؛ لأنه لما زكَّى الأولى عادت إلى ما لا زكاة فيه، وتصير بمنزلة مال أفاده ذلك اليوم وهو دون نصاب، فيضمه إلى حول الثانية وهي العشرة، وبيان ذلك يأتي فيما بعد إن شاء الله. وإن اقتضى عشرة، ثم عشرة، ثم عشرة، فعلى مذهب ابن القاسم: يكون حول الأولى يوم اقتضى الثانية، وحول الثانية (¬4) يوم اقتضيت (¬5). وعلى مذهب أشهب: يكون حول كل واحد منها يوم اقتضيت. وعلى مذهب ابن مسلمة: يعود حول الجميع يوم اقتضيت (¬6) الثانية (¬7)، وكل هذا الاختلاف (¬8) مع بقاء جميع ذلك المال في يديه، وكيف يزكِّي في المستقبل؟ وإن أنفق المقتضى من ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 320. (¬2) قوله: (ثم عشرة) ساقط من (م). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 144. (¬4) في (ق 3): (الثالثة)، وهو خطأ. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 144. (¬6) قوله: (وعلى مذهب. . . يوم اقتضيت) ساقط من (م). (¬7) في (ق 3): (الثالثة). (¬8) قوله: (الاختلاف) ساقط من (س).

الدين؛ كان الحكم فيه بمنزلة لو كان قائم العين (¬1) لم ينفق، فإن اقتضى عشرة دنانير (¬2) فأنفقها، ثم اقتضى عشرة- زكى العشرين. وإن اقتضى عشرين فزكاها ثم أنفقها ثم اقتضى عشرة- زكَّاها أيضًا، وهذا الحكم في الإنفاق. ويفترق الجواب في الضياع، فإن اقتضى عشرين فزكَّاها ثم ضاعت ثم اقتضى عشرة- زكاها، وإن ضاعت العشرون قبل أن يزكيها، وبعد أن فرط في زكاتها- فكذلك يزكيها وما اقتضى بعدها، وإن ضاعت الأولى قبل، أن يفرط في زكاتها- لم يكن عليه فيها زكاة، ولا فيما اقتضى بعدها إلا أن يكون في الاقتضاء الثاني نصاب (¬3). واختلف إذا كان الاقتضاء الأول أقل (¬4) من نصاب مثل: أن يقتضي عشرة فضاعت، ثم اقتضى عشرة، فقال ابن القاسم وأشهب: يزكي العشرين جميعًا (¬5). وقال محمد: لا زكاة عليه فيها (¬6). قال الشيخ - رضي الله عنه -: والمسألة على وجهين: فإن كانت نيته حين اقتضى الأولى (¬7) أن يضمها إلى ماله أو يتصرف بها، ولا يمنع نفسه منها حتى يقبض الثانية- كان الجواب على (¬8) ما قاله ابن القاسم وأشهب أنه يضمن ¬

_ (¬1) قوله: (قائم العين) يقابله في (س): (قائمًا). (¬2) قوله: (دنانير) زيادة من (م). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 304. (¬4) قوله: (أقل) ساقط من (م). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 304. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 185. (¬7) في الأصل: (الأول). (¬8) قوله: (الجواب على) يقابله في (س): (الحول).

زكاتها، ويزكي الثانية. وإن كانت نيته أن يوقفها (¬1) ولا يتصرف فيها حتى يقبض الباقي- كان الجواب على ما قال محمد؛ لأن كل مال لم يفرط في زكاته حتى ضاع، لا يضمن زكاته. وإن عدمت النية؛ زكَّاهما جميعًا، وحمل على الغالب من حال الناس أنهم على التصرف فيما يصل إليهم، ولا يوقفون ذلك لمكان الزكاة. وقال أبو محمد عبد الوهاب: إذا اقتضى أقل من نصاب فأنفقه، ثم اقتضى بعد ذلك تمام نصاب- فإنه (¬2) يزكي على الجميع على اختلاف بين أصحابنا في إنفاقه (¬3) أو ضياعه أو بقائه، ثم يزكي بعد ذلك ما يقتضيه من قليل أو كثير. انتهى قوله (¬4). قال الشيخ - رضي الله عنه -: المعروف من الاختلاف إنما هو في الضياع، وأما إنفاقه فلا أعرفه وقد كان بعض شيوخنا يقول ذلك، ويقول: القياس ألا يزكي ما تقدم إنفاقه قبل اقتضاء الثاني؛ لأنه أنفقه ولم يخاطب فيه بزكاة، ويرى أن (¬5) ما قيل ¬

_ (¬1) في (م): (يدفعها). (¬2) في (م): (فله أن). (¬3) في (س): (إنفاقها). (¬4) انظر: التلقين: 1/ 218، وما بعدها، ونصه: "وإن كان دون النِّصَابِ فلا يخلو أن يكونَ عنده ما يتم به نصابٌ، أو لا يكون عنده؛ فإن لم يكن عنده لم تكن عليه زكاة فيما قبضه للعلة التي ذكرناها، وإن قبض بعد تمام النصابِ زكَّى جميعَ النصابِ؛ أنفق الأول أو بقى عنده، على اختلاف بين أصحابنا في إنفاقه وضياعه أو بقائه، ثم زكى ما يقبضه من بعد من قليلٍ أو كثيرٍ". (¬5) قوله: (أن) ساقط من (س).

في ذلك من وجوب الزكاة؛ فإنما هو مراعاة للخلاف، ولقول من يقول: إن الدَّيْن يزكى قبل قبضه، وأنه كان مخاطبًا بزكاة ما أنفقه قبل القبض (¬1)، وكذلك إذا انفق عشرة حالَ عليها الحول، وعنده (¬2) عرض حَالَ عليه الحول (¬3) ثم باعه؛ فإن القول بوجوب الزكاة في جميع ذلك؛ مراعاة للقول: إن الزكاة تجب في العروض قبل البيع. ومحمل ما ذكر (¬4) من الخلاف في بقاء ذلك؛ فإنما هو على الأحوال، فعلى قول ابن القاسم، الحول فيهما (¬5) يوم اقتضي الثاني. وعلى قول أشهب؛ يكون حول الأولى يوم اقتضيت، فلو اقتضى من دين حالَ عليه الحول دينارين، فاشترى بكل دينار سلعة، ثم باع كل واحدة منهما بعشرين دينارًا، فإن كان اشترى بالثاني بعد أن باع ما اشتراه بالأول- زكَّى عن إحدى وعشرين، يزكي الأول بربحه، والثاني بغير ربحه؛ لأنه تَجِر في الأول قبل (¬6) أن تجب فيه الزكاة فكان ربحه بمنزلته، وتَجِر في الثاني بعد أن وجبت فيه الزكاة؛ لأن في يده من الأول عشرين دينارًا (¬7)، فلم يكن ربحه بمنزلته إلا في العام الثاني، وإن اشترى بالثاني قبل أن يبيع الأول، زكَّى الأربعين؛ لأنه تَجِر في الثاني (¬8) قبل أن تجب فيه الزكاة، فكان ربحه بمنزلته. ¬

_ (¬1) في (م): (الانتصاب). (¬2) في (س): (وعند). (¬3) قوله: (الحول) ساقط من (س). (¬4) في غير (ب) و (س): (ذكرنا). (¬5) في (س): (فيها). (¬6) قوله: (قبل) ساقط من (ق 3). (¬7) قوله: (دينارًا) ساقط من (س). (¬8) قوله: (وإن اشترى. . . تجر في الثاني) ساقط من (م).

فصل [اختلاط أحوال الاقتضاء والفوائد]

فصل [اختلاط أحوال الاقتضاء والفوائد] اختلف إذا اختلط أحوال الاقتضاء أو أحوال الفوائد، هل تزكى على الحول الأول أو على الآخر؟ وقال محمد ابن المواز في الدَّيْن إذا أكثر واشتد عليه إحصاؤه لكثرة أحواله: فليقدم ما شاء منه إلى ما قبله، ولا يؤخر منه شيئًا إلى ما بعده (¬1). وقال في الفوائد تختلط أحوالها: يرد الأول إلى الآخر بخلاف الدَّيْن (¬2)، وبه قال سحنون في الفوائد (¬3). وقال عبد الملك (¬4): يضم الفوائد الآخرة إلى الأولى (¬5)، قال: وهو قول مالك. وهذا مراعاة للاختلاف في الفوائد، هل تزكى بنفس الملك؟، وهو قول ابن عباس، والحسن البصري، والزهري. وفرَّق محمد بين الفوائد والدَّيْن لقوة الاختلاف في زكاة الدَّيْن قبل قبضه، وضعَّفه في الفوائد. وإذا لم يُرَاع الخلافُ؛ فإن القياس أن يجعل حولًا بين الحولين، ويزكِّي جميع ذلك عليه، وذلك عدل (¬6) بينه وبين المساكين، وهذا هو الأصل في كل حق تنازعهُ رجلان إذا لم يكن لأحدهما مزية على صاحبه؛ أن يُقْسَم بينهما. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 143. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 148. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 149. (¬4) المقصود بـ: عبد الملك هنا: ابن حبيب. انظر: النوادر والزيادات: 2/ 149. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 149. (¬6) قوله: (ذلك عليه، وذلك عدل) يقابله في (م): (عدلًا).

باب في زكاة الفوائد من الذهب والفضة، وإذا اجتمع فوائد ودين

باب في زكاة الفوائد من الذهب والفضة، وإذا اجتمع فوائد ودَيْن ومن أفاد عشرين دينارًا أو مائتي درهم؛ لم تجب زكاتها بنفس المِلك له حتى يمر عليها حول. فإن أفاد مالين؛ فإنه يراعي قدرُهما والأوقات التي أفادهما فيها، فأما قدرهما فإنه لا يخلو من ثلاثة أوجه: إما أن يكونا نصابًا بمجموعهما، أو يكون كل واحد منهما نصابًا، أو يكون أحدهما نصابًا والآخر دون النصاب. وكذلك الوقت الذي أفادهما فيه، فإنه لا يخلو من ثلاثة أوجه: إما أن يكون واحدًا بعد واحد ثم بقيا في يده حتى يجمعهما الحول، أو اجتمعا في ملك ولم يجمعهما الحول، أو افترقا فلم يجتمعا في ملك ولا حول، فإن كان كل واحد منهما دون نصاب مثل: أن يفيد عشرة فأقامت في يده حولًا، ثم أنفقها، ثم أفاد عشرة فأقامت في يده حولًا، فلا زكاة عليه؛ لأنه لم يجمعهما ملك ولا حول. واختلف إذا جمعهما الملك ولم يجمعهما الحول مثل: أن يفيد عشرة فأقامت العشرة في يده ستة أشهر، ثم أفاد عشرة فأقامت في يده ستة أشهر، فحال الحول على الأولى فأنفقها، ثم أقامت الثانية ستة أشهر فتم حولها، فقال ابن القاسم: لا زكاة عليه؛ لأنه لم يجمعهما حول. وقال أشهب: يزكي عن العشرين جميعًا، وإن بقيت في يده العشرة الأولى حتى حال الحول على الثانية؛ زكاهما على القولين جميعًا (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 144، 145.

واختلف في حول الأولى، فقال ابن القاسم: حولها حول الثانية، لا يفترقان أبدًا. وقال أشهب: يعود حول الأولى يوم كان تم حولها، فإن ربح فيها وفي الثانية ما تعودان به إلى نصاب، زكَّاهما جميعًا على حولهما (¬1). ويختلف إذا أفاد عشرة ثم عشرين، أو عشرين ثم عشرة في صفة الأحوال على نحو ما تقدم في الاقتضاء، إذا اقتضى عشرة ثم عشرين (¬2)، أو عشرين ثم عشرة. فعلى قول ابن القاسم؛ إن تقدمت العشرة، زُكِّيت على حول العشرين، وإن تأخرت زُكِّيت على حولها ولم تضم إلى العشرين. فعلى قول أشهب؛ تُزكَّى العشرة على حولها (¬3) وإن تقدمت. وعلى قول ابن مسلمة إذا زُكِّيت العشرون؛ ضُمّت إلى العشرة، وزُكِّيت فيما بعد ذلك على حولها. وإن كان في كل فائدة عشرون؛ زُكَّيت كل واحدة بانفرادها، ولا يزالان على ذلك ما لم ينقصا إذا جُمعا عن عشرين دينارًا أو مائتي درهم، ويراعَى حينئذ من أيهما ابتدأ النقص، فإن كان حول الأولى المحرَّم، والثانية رجب فأتى المحرَّم وفي كل واحدة عشرة دنانيرة زكَّى الأولى ربع دينار ثم يجمعهما على مذهب ابن القاسم وقد سقطت الزكاة من الثانية إلا أن يتجر (¬4) في أحدهما؛ فيزكي الثانية، فإن ربح قبل رجب أو عند حلول الثانية؛ زكاها على حولها (¬5)، وإن ربح في شعبان أو رمضان؛ زكَّاها حينئذ وانتقل حولها إلى يوم زكَّاها، وإن ¬

_ (¬1) في (س): (حولها). وانظر: النوادر والزيادات: 2/ 144. (¬2) في (ق 3): (عشرة). (¬3) في (س): (حالها). (¬4) في (س): (يتحرّى). (¬5) في (س): (حلولها).

لم يربح حتى أتى المحرم؛ زكاهما جميعًا ولم يفترقا أبدًا، فإن كان النقص من الثانية؛ لأنه زكى الأولى ولم ينقصا عن عشرين (¬1)، فلما زكَّى الثانية نقصتا جميعًا فجمعهما إن شاء. وإن ربح في إحداهما قبل المحرَّم؛ زكَّى التي في المحرَّم وبقيت على حولها. وإن ربح في صَفَر أو فيما بعد ذلك وقبل رجب؛ زكَّاها حينئذ ويكون ذلك حولها. وإن ربح في رجب زكَّاهما ولم يفترقا أبدًا. وقال أشهب في كتاب ابن حبيب: إذا زُكِّيت الأولى ثم أنفقها أو تلفت؛ أنه يزكي الثانية إذا حال عليها الحول وإن لم يكن في يده سوى عشرة (¬2). وقال محمد بن مسلمة في رجل أفاد مائتي درهم، ثم أفاد بعد ستة أشهر ألف درهم، فزكى المائتين عند تمام حولها، ثم زكى الألف أيضًا عند تمام حولها، فإذا مرت ستة أشهر بعد ذلك فحال على المائتين الحول لم يزكها؛ لأنها ناقصة عن النصاب، فإذا بلغت حول الألف وقت زكاتها (¬3)؛ اختلطت بها وزُكِّيت معها، فرأى أنه لما زكَّى الألف؛ صار بمنزلة ما لو أفاد تلك الألف وقت زكَّاها، فلا يؤمر بزكاة المائتين؛ لأنها أقل من نصاب، والألف حينئذ لم يَحُل عليها الحول. ¬

_ (¬1) قوله: (ينقصا عن عشرين) يقابله في (س): (ينقصْهَا عن شهرين). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 144. (¬3) قوله: (وقت زكاتها) ساقط من (ق 3).

فصل وإذا اجتمع فائدة واقتضاء

فصل وإذا اجتمع فائدة واقتضاء وإذا اجتمع فائدة واقتضاء، فإن بقي (¬1) الجميع في يده؛ كان النظر في صفة الأحوال. وإن كان إنفاقًا؛ كان النظر في وجوب الزكاة وسقوطها. فإن كان له دين عشرون دينارًا حال عليها الحول، ثم أفاد عشرة فأقامت بيده حولًا فأنفقها، ثم اقتضى عشرة- فيزكِّي (¬2) عن عشرين نصف دينار؛ لأن الفائدة تضم إلى ما اقتضى بعدها، ولا تضاف إلى ما اقتضى قبلها، وإن اقتضى عشرة دنانير (¬3) أولًا فأنفقها، ثم أفاد عشرة فأقامت في يده (¬4) حولًا- لم تضف إلى الأولي؛ لأنه لم يجمعهما مِلْك، فإن اقتضى بعد ذلك عشرة؛ زكَّى عن ثلاثين، والعشرة الآخرة أوجبت الزكاة في العشرتين الأوليين؛ لأن الاقتضاء يضاف بعضه إلى بعض وهو عشرون ففيها الزكاة لو لم تكن الفائدة، والفائدة تضاف إلى ما اقتضى بعدها وهما عشرون؛ ففيها الزكاة لو لم يتقدم الاقتضاء الأول. ولو كان الاقتضاء الآخر خمسة لم تجب في شيء من ذلك زكاة؛ لأن جملة الاقتضاء خمسة عشر ولا زكاة فيها، والفائدة مع اقتضاء ما (¬5) بعدها خمسة عشر؛ فلا زكاة في ذلك، فإن اقتضى بعد ذلك خمسة، زكَّى عن الثلاثين، ولو اقتضى عشرة فأنفقها، ثم أفاد خمسة فأقامت حولًا، ثم أنفقها، ثم اقتضى خمسة - لم تجب عليه زكاة؛ لأن جملة الاقتضاء خمسة عشر، والفائدة وما بعدها عشرة، ¬

_ (¬1) في (م): (نقص). (¬2) في (م): (فزكى). (¬3) قوله: (دنانير) زيادة من (م). (¬4) قوله: (في يده) يقابله في (م): (عشرة). (¬5) قوله: (اقتضاء ما) يقابله في (س): (ما اقتضى).

فصل من كاتب عبده بدنانير فلم يقبضها حتى حال الحول

فإن اقتضى بعد ذلك خمسة زكَّى عن جملة الاقتضاء؛ لأنها عشرون، ويبقى الأمر في الفائدة موقوفًا؛ لأن الذي بعدها عشرة، فإن اقتضى بعد ذلك خمسة؛ زكَّى الفائدة والخمسة المقتضاة أخيرًا. ولو كان الاقتضاء المتقدم خمسة والفائدة عشرة، ثم اقتضى بعدهما عشرة- لزكيت الفائدة مع ما اقتضى بعدها؛ لأنهما عشرون، ويبقى الاقتضاء الأول موقوفًا فإن اقتضى بعد ذلك خمسة؛ زكى الخمستين؛ لأن بالآخرة تم جميع الاقتضاء عشرين، وإن اقتضى عشرة فلم ينفقها حتى أفاد عشرة، ثم أنفق عشرة الاقتضاء، ثم حال الحول على الفائدة- لزكى عن عشرين على قول أشهب (¬1)؛ لأنه قد جمعهما المِلك، ولم يزكهما على قول ابن القاسم؛ لأنه لم يجمعهما حول (¬2). فصل من كاتب عبده بدنانير فلم يقبضها حتى حال الحول ومن المدونة قال فيمن كاتب عبده على دنانير، فلم يقبضها حتى حال عليها الحول: إنها فائدة فيستقبل بها حولًا من يوم قبضها (¬3). قال الشيخ - رضي الله عنه -: اختلف في الكتابة هل هي غلة، أو ثمن للرقبة؟ واختلف في غلات ما اشتري للتجارة، وإذا كان ذلك وكان العبيد للتجارة؛ وجبت الزكاة فيما أخذ منه من (¬4) وجهين: على القول إنها ثمن ¬

_ (¬1) تقدم في النوادر والزيادات: 2/ 144. (¬2) تقدم في النوادر والزيادات: 2/ 145. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 321. (¬4) في (س): (في).

للرقبة، وعلى القول إنها غلة وأن الزكاة تجب في غلات ما اشتري للتجارة، وتسقط على القول إنها غلة (¬1)، وأن الغلات فائدة. وإذا كان العبد للقنية؛ لم تجب الزكاة من وجهين: لم تجب على القول إنها غلة، ولا على القول: إنها ثمن للرقبة، على أصل ابن القاسم (¬2). وتجب على قول عبد الملك فيما كان للقنية، فتباع بثمن إلى أجل، أن الزكاة تجب من يوم البيع؛ لأن الكتابة كالثمن المؤجل، واستحسن إذا كانت الكتابة نحو خراج العبد أو ما قاربه، أن تجري على حكم الغلة، وإن كانت أكثر بالشيء البيَّن، أن تجري على حكم الثمن للرقبة، ثم ينظر هل كان للتجارة أو للقنية؟ وعلى هذا يجري الجواب إذا بيعت الكتابة؛ فتجب الزكاة في ثمنها، في الموضع الذي كانت تجب فيه قبل البيع إذا أديت، وتسقط في الموضع الذي كانت ساقطة فيه قبل البيع. وفرَّق في قول آخر بين اقتضائها قبل البيع، وبين الثمن إذا بيعت فأجرى حكمها قبل البيع على أنها غلة، وبعد البيع على أنها ثمن للرقبة لما كانت الرقبة للمشتري إن عجز فتجب الزكاة إذا كان العبد للتجارة، إذا حال الحول على ما كان قبل الكتابة لو بيع وهو عبد، وهذا الحكم في بائع الكتابة (¬3). وأما مشتريها، فيزكي ما يقبض (¬4) منه على أصل ذلك المال الذي اشتراها به، وسواء حمل شراء المشتري على الغلة، أو على الرقبة؛ لأن من اشترى منافعًا ونوى بها التجارة، زكى ثمنها كما يزكي مشتري الرقاب للتجارة. ¬

_ (¬1) قولى: (وأن الزكاة. . . غلة) ساقط من (م). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 127. (¬3) قوله: (لو بيع. . . الكتابة) ساقط من (م). (¬4) في (م): (يقتضي).

فصل من بيده مائة دينار وعليه دين مثلها وحال عليها الحول

فصل من بيده مائة دينار وعليه دين مثلها وحال عليها الحول ومن المدونة قال مالك فيمن بيده مائة دينار حال عليها الحول، وعليه دين مثلها، فوُهبت له المائة الدَّيْن (¬1): أنه يستأنف بالمائة التي في يده حولًا؛ لأنها صارت فائدة (¬2). وقال غيره: يزكي ما في يديه (¬3)، وهو أبين؛ لأن الدَّيْن لم يكن معلقًا بها، وإنما الدَّيْن في الذمة، فالموهوب ليس فيما في يديه (¬4). واختلف إذا لم يوهب له وأفاد عرضًا عند رأس الحول، فعلى قول مالك: يستأنف حولًا وكأنه أفاد المائة يوم أفاد العرض، وعلى القول الآخر: يزكي ما في يديه. واختلف إذا وهب صاحب المال (¬5) دينه لغير غريمه، فقال أشهب: لا زكاة فيها على الواهب، ولا على الموهوب له (¬6). وقال ابن القاسم: الزكاة فيها على الواهب (¬7). وقال محمد: لأن قبض الموهوب له كقبضه لها (¬8)، قال محمد: ولأنها ¬

_ (¬1) في (م): (الدينار). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 322. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 320. (¬4) قوله: (وهو أبين. . . في يديه) ساقط من (م). (¬5) في (س): (المائة). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 322. (¬7) انظر: المدونة: 1/ 322. (¬8) قوله: (لها) ساقط من (س). وانظر: النوادر والزيادات، لابن أبي زيد: 2/ 162.

تؤخذ الزكاة منها. وقول أشهب أحسن؛ لأنه وهبها وهي دَيْن، فلم يكن على الواهب فيها زكاة، ولا على (¬1) الموهوب؛ لأنها فائدة. وقول ابن القاسم، استحسان، ومراعاة للخلاف، فإن الحوالة ليست بقبض، وأن الهبة إنما تصح بقبض الغريم لها، وكأنها على ملك الواهب حتى تقبض، وأرى أن تزكى على تسليم هذا القول منها إذا كان لا (¬2) يرى أن الحوالة عليها قبض. وقال ابن القاسم في كتاب محمد: إذا أحال بمائة عليه على مائة له على غريم، أن على المحيل زكاتها إذا قبضها المحال بها، وعلى المحال بها زكاتها أيضًا (¬3). قال الشيخ - رضي الله عنه -: يزكِّي هذه المائة اثنان: المحال عليه إذا كان عنده عرض يوفي بها، والمحال لها؛ لأنه لا فرق بين أن يقبضها من غريمه أو من المحال بها عليه، وإنما يختلف في المحيل بها، فعلى قول أشهب: لا زكاة عليه، وعلى قول ابن القاسم: يزكيها. وقال محمد بن سحنون في رجل تصدق على رجل بألف درهم، وعزلها (¬4) للمتصدَّق عليه فأقامت سنين، فإن قبله المتصدَّق عليه، استقبل بها حولًا وسقط منها زكاة ما مضى، وإن لم يقبلها رجعت إلى مولاها، وزكاها لما مضى من السنين (¬5). ¬

_ (¬1) في غير (س): (وعلى). (¬2) قوله: (لا) ساقط من (س). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 414. كتاب الزكاف ضمن سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم. (¬4) في (م): (وعدتها). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 405.

فصل لا زكاة على قوم ورثوا دارا فباعها القاضي ووضع ثمنها فأقام أحوالا

فصل لا زكاة على قوم ورثوا دارًا فباعها القاضي ووضع ثمنها فأقام أحوالًا ومن المدونة قال مالك في قوم ورثوا دارًا، فباع عليهم القاضي، ووضع ثمنها على يدي عدل حتى يقسم بينهم، فأقام أحوالًا ثم قبضوه: لا زكاة عليهم حتى يحول الحول من يوم قبضوه (¬1). فأسقط الزكاة لما كانوا مغلوبين على تنمية ذلك المال. وإن كانوا عالمين به، وكان موقوفًا بإيقاف القاضي، فقد اختلف في هذه المسألة، فقيل: يزكونه إذا اقتضوه لعام واحد (¬2)؛ لأنه ضمار، والضمار (¬3): المال (¬4) المحبوس عن أهله. وقيل: يزكونه للأعوام كلها؛ لأنه ملك لهم بنفس الموت. وقيل: إن وضعه القاضي على يدي عدل (¬5)، زكَّى للأعوام كلها. واختلف أيضًا هل عِلْمُ (¬6) الوارث بذلك وعدم علمه (¬7) سواء؟ فقيل: إذا ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 323. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 123. (¬3) الضمار: المال المحبوس عن صاحبه الذي يكون على الذي حبسه ضمانه، والضمار: المال الذي يغتصبه صاحبه، فيكون في يد الغاصب في ضمانه حين غصبه، فعلى الغاصب فيه الزكاة، ولا يكون على سيِّده فيه الزكاة للسِّنين كلها، إلا سنة واحدة. انظر: البيان والتحصيل: 2/ 372. (¬4) قوله: (المال) ساقط من (س). (¬5) قوله: (عدل)، زاد بعده في (س): (زكَّى لعام وإلا استؤنف بها حولًا، وقيل: إن وضعه على يدي عدل). وانظر: البيان والتحصيل: 2/ 372. (¬6) في (م): (يحكم على). (¬7) قوله: (بذلك وعدم علمه) يقابله في (س): (في ذلك، وإذا لم يعلم).

لم يعلم؛ استأنف به حولًا، وإن علم؛ زكَّاه لعام. وقيل: للأعوام كلها. وقال مالك في المدونة فيمن ورث مالًا بمكان بعيد، ثم قبضه الوارث بعد ثلاثة أحوال: إنه لا شيء عليه فيه (¬1)؛ حتى يحول الحول من يوم يقبضه (¬2) رسوله (¬3). وقال في كتاب محمد: إن لم يعلم ووضعه الوالي على يدي ثقة، ومضى له سنون كثيرة (¬4)؛ يزكيه لعام واحد. وقال مطرِّف في الواضحة: إن لم يعلم به؛ استأنف به حولًا، وإن علم ولم يستطع التخلص إليه؛ زكَّاه لعام واحد، وإن كان يقدر على التخلص إليه؛ زكاه لماضي السنين (¬5). وإن وضعه السلطان على يدي عدل؛ زكَّاه لماضي السنين (¬6) وإن لم يعلم به (¬7)؛ لأن قبض السلطان للغائب والصغير كقبضه. والذي يقتضيه قول مالك في المدونة: أنه يستأنف الحول (¬8) من يوم القبض (¬9) وإن كان عالمًا به؛ لأنه جعل الحول من يوم يقبضه رسوله، فقد علم به ثم بعثه (¬10) فيه، فلو كان للعلم تأثيرٌ، لكان الحول من يوم علم، ولا فرق في الحقيقة بين علمه وعدمه إذا كان غير قادر على أخذه. ¬

_ (¬1) قوله: (فيه) ساقط من (س). (¬2) في (س): (قبضه أو). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 321. (¬4) قوله: (كثيرة) ساقط من (س). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 125. (¬6) قوله: (وإن وضعه. . . لماضي السنين) ساقط من (م). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 124. (¬8) في (س): (حولًا). (¬9) انظر: المدونة: 1/ 321. (¬10) (في (س): (بعث).

وكل هذا الذي تقدم اضطراب، والصحيح من ذلك أحد وجهين: فإما أن يقال: إن عدم القدرة على التصرف فيه والتنمية تمنع الزكاة، فلا تجب إلا من (¬1) بعد القدرة على ذلك، علم بالمال أو لم يعلم، وضع على يدي عدل أو لم يوضع، وإلى هذا ذهب مالك في المدونة في الدار التي بيعت على الورثة (¬2)، أو يقال: إن عدم القدرة على التنمية لا يمنع الزكاة، فتجب لسائر الأعوام، وإن لم يعلم، ولم يوضع على يدي أحد، وهذا أحسنُها؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أمرت أن آخذها من أغنيائكم، وأردها في فقرائكم" (¬3). ولم يفرق. ولم يختلف المذهب فيمن ورث ماشية أو نخلًا؛ أنها تزكى لماضي الأعوام، علم أو لم يعلم، وُضعِت على يدي عدلٍ أم لا (¬4)؛ لأن التنمية فيها موجودة بخلاف العين (¬5)، وكذلك الأسير والمفقود تزكى ماشيتهم وثمارهم بخلاف العين، وإذا بعث الورثة رسولًا؛ فإنه لا يختلف أنه يحسب حولًا من يوم قبضه، ولا ينظر إلى وقت وصوله إلى الوارث؛ لأنه كان قادرًا على أن يوكله على تنميته، فإن كانت المسافة والمقام المعتاد فيما بين ذلك عامًا أو عامين زكَّى عن تلك الأعوام، وإن عرض مَانِعٌ في الطريق؛ عدوٌ أو غيره، فأقام لأجله أعوامًا- عاد الخلاف في تلك المدة التي وقع فيها المنع على ما تقدم، إذا علم ولم يقدر على التخلص إليه. ¬

_ (¬1) قوله: (من) ساقط من (س). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 321. (¬3) قوله: (قال: "أمرت أن آخذها من أغنيائكم، وأردها في فقرائكم") يقابله في (س): (أمر أن يأخذها من أغنيائهم ويردها في فقرائهم). سبق تخريجه. (¬4) قوله: (يدي عدلٍ أم لا) يقابله في (م): (يد أو لم توضع). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 324.

فصل [فيمن سقط ماله ثم وجده]

ويختلف إذا حبسه الرسول تعديًّا أعوامًا (¬1)، هل يستأنف به حولًا أو يزكيه لعامٍ واحدٍ؟ ولا خلاف أنه لا يزكيه لتلك الأعوام؛ لأنه صار دَيْنًا. فصل [فيمن سقط ماله ثم وجده] ويختلف في المال يسقط من صاحبه على نحو ما تقدم إذا ورثه وعلم به، هل يستأنف حولًا من يوم وجوده، أو يزكيه لعام واحد أو للأعوام؟ وهل يفترق الجواب إذا وُقف على يدي عدلٍ؟ فقال مالك في العتبية: إذا وجده صاحبه بعد سنين؛ زكَّاه لعام واحد (¬2). وقال المغيرة، وسحنون: يزكيه لكل عام (¬3). وقال ابن حبيب: يستأنف حولًا إذا كان صاحبه منقطع الرجاء منه؛ لأنه ضمار، ولا زكاة في الضمار، وهذا إذا حبسه لصاحبه (¬4). واختلف إذا حبسه الملتقط لنفسه بعد الحول، ولم يحركه حتى أتى صاحبه، فقال مالك في كتاب محمد: يزكيه ملتقطه لحول من يوم نوى ذلك، ويزكيها صاحبها لعام (¬5)، وإن أقامت بعد ذلك أعوامًا (¬6). وقال ابن القاسم في المجموعة: لا زكاة عليه إذا لم يحركها وإن نوى (¬7) حبسها لنفسه للحديث (¬8)، ¬

_ (¬1) قوله: (تعديًّا أعوامًا) يقابله في (م): (بعد أعوام). (¬2) قوله: (زكَّاه لعام واحد) يقابله في (م): (زكى العام). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 138، والبيان والتحصيل: 2/ 372. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 372. (¬5) في (س): (لعام واحد). (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 372. (¬7) قوله: (نوى) ساقط من (م). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 138.

فصل من اشترى حائطا للتجارة ولا ثمرة فيه ثم أثمر عنده

والأول أبين؛ لأنها صارت دينًا عليه. واختلف فيمن دفن مالًا ثم ذهب عنه موضعُه (¬1)، ثم وجده بعد أعوام، فقال مالك في كتاب محمد: يزكيه لماضي السنين. وقال محمد بن المواز: إن دفنه في صحراء، أو في موضع لا يحاط به- فهو كالمغصوب، والضائع، وأما البيت والموضع الذي يحاط به؛ فيزكيه لكل سنة (¬2). وعكس ابن حبيب الجواب فقال: إن دفنه في صحراء؛ زكاه لماضي السنين؛ لأنه عرّضه للتلف لما دفنه بموضع يخفى عليه، وإن كان بموضع لا يخفى عليه؛ لم يزكه للأعوام (¬3). قال الشيخ: وأرى أن يزكيه لتلك الأعوام، وسواء كان دفنه في بيته، أو في صحراء، وقد تقدم وجه ذلك. فصل من اشترى حائطًا للتجارة ولا ثمرة فيه ثم أثمر عنده ومن اشترى حائطًا للتجارة ولا ثمرة فيه، ثم أثمر عنده؛ فإنه في ثمرته على ثلاثة أوجه: إما أن يجُدّ الثمرة، أو يبيع الأصل بثمرته بعد الطيب، أو قبله، فإن كانت الثمرة من صنف يُزكى وهي خمسة أوسق فأكثر زكَّاها زكاة الخرْص، فإن جدَّها ثم باعها؛ زكَّى عن المكيلة لا عن الثمن (¬4)، وكذلك إن باع الأصول واستثنى الثمار، وإذا أدخل الثمار في البيعِ؛ فضَّ الثمن، فما ناب ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 138. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 139. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 141. (¬4) قوله: (عن المكيلة لا عن الثمن) يقابله في (م): (على ثمن المكيلة لا على التمر).

الأصول؛ زكَّي زكاة العين، وما ناب الثمار؛ زكَّي زكاة الخرص. وإن كانت الثمار من صنف يزكَّى وهو دون خمسة أوسق، أو من صنف لا يزكى وهي خمسة أوسق فأكثر؛ نظرت فإن كانت قد جُذَّت ثم باعها؛ كان الثمن فائدة، وإن باع الأصول والثمار قبل الجِذاذ وكانت قد طابت؛ زكَّى عن جميع الثمن على القول: إن الثمار لا تكون غلة بالطيب، وأما على القول: إنها غلة بالطيب؛ فيفض الثمن، فما ناب الغَلة كان فائدة. واختلف أيضًا إذا باع الأصول والثمار بعد اليبس، فعلى القول: إنها غلة باليبس؛ يفض الثمن، وعلى القول: إنها لا تكون غلة إلا بالجِذاذ؛ يزكي عن جميع الثمن، وإن بيعت الأصول بثمارها قبل الطيب؛ زكَّى عن جميع الثمن، وعلى هذا يجري الجواب في الغنم إذا اشتُريت قبل تمام صوفها، فتمَّ عند المشتري ثم جزه فباعه؛ فهو غلة. وإن باعها بصوفها وقد تم ولم يَتَوَذَّح (¬1)، كان كالطيب في الثمار. وإن تعسّل كان كاليبس في الثمرة؛ لأنه لم يبق إلا جدادُ هذه، وجزازُ هذه. واختلف إذا اشتراها وعليها صوف قديم (¬2) قديم (¬3)، فجزه ثم باعه، فقول ابن القاسم: أنه مشترى، يزكيه على الأصل في المال الذي اشتريت به الغنم، وعند أشهب: أنه غلة. والأول أبين؛ لأنه مشترى ويزاد في الثمن لأجله، ولو ثبت أن البائع للغنم باع الصوف قبل بيعه إياها، لرجع المشتري بما ينوب ذلك الصوف من الثمن. ¬

_ (¬1) الوَذَحُ: ما تَعَلَّقَ بأصواف الغنم من البَعرِ والبول. انظر: لسان العرب: 2/ 632. (¬2) قوله: (قديم) ساقط من (س). (¬3) قوله: (قد تم) ساقط من (م).

باب في زكاة من عليه دين

باب في زكاة من عليه دَيْن وقال مالك فيمن وجبت عليه زكاة وعليه دين يغترق جميع ما في يديه: أن الدَّيْن يُسقط زكاةَ العينِ: الذهب والفضة، ولا يسقط زكاة الحرث، ولا الماشية (¬1)، ولا زكاة العين إذا كان (¬2) من مَعْدِن (¬3). وقد اختلف الناس في هذه المسألة، فقال أصحاب الرأي: يسقط الدَّيْن زكاة العين والمواشي، ولا يسقط زكاة الحرث، ولا زكاة العين إذا كان من معدن (¬4). وقال سليمان بن يسار، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، والنَّخَعي، والثوري، والليث، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور - رضي الله عنهم -: لا زكاة على من كان عليه دَيْن في شيء من الأشياء. وقال ربيعة، وحماد بن أبي سليمان، وابن أبي ليلى: لا يُسقط الدَّيْنُ الزكاةَ بحالٍ. واختلف فيه عن الشافعي، فقال مرة بقول ابن يسار وغيره ممن ذكرنا معه، ومرة بقول ربيعة (¬5). واختلف المذهب في زكاة الفطر، فقال أشهب: لا يسقط الزكاة بخلاف العين، وقيل: لا زكاة عليه كالعين (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (الحرث، ولا الماشية) يقابله في (م): (الحبوب والماشية). (¬2) قوله: (إذا كان) ساقط من (م). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 153، والمعونة: 1/ 214. (¬4) قوله: (ولا زكاة. . . من معدن) ساقط من (م). انظر: المعونة: 1/ 215. (¬5) انظر: المعونة: 1/ 223. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 154، ونصه فيها قال: من "المجموعة" قال أشهبُ: ولم يَثْبُتْ أنَّ =

واختلف المذهب في زكاة العين إذا كان له من العروض أو غيرها ما يحمل دينه، فقال مالك وابن القاسم: يجعل دينه في عروضه (¬1)، وسواء كانت للقنية أو للتجارة، ويُزكي ناضّه (¬2). وذكر عبد الملك عن الليث وسفيان (¬3)، ومحمد بن عبد الحكم أنهم قالوا: يجعل (¬4) الدَّيْن في الناضّ، ولا يجعل في العروض (¬5). قال الشيخ - رضي الله عنه -: القياس أن لا زكاة على من عليه دَيْن (¬6) أيّ صنف كان الذي (¬7) تجب فيه الزكاة؛ لأن الزكاة مواساة من الأغنياء إلى الفقراء، ومن كان عليه دَيْن يستغرق ما في يديه؛ فهو فقير ممن تحل له الزكاة قبل أن تؤخذ منه ¬

_ = الأئمة قالوا ذلك عند أخذهم زكاة الفطرِ، والحَبِّ، والثَّمرِ، والماشيةِ، أَنْ يسقطوا زكاة ذلك بالدينِ، وقد قالوه في العين، وكان عثمان ينادي به عند الحولِ فِي مَنْ عليه دَينٌ". (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 158. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 325. (¬3) في (ق) (فتيان) وكتب فوقها (خ) وفي هامش (س) (فتيان) وقال عبارة لم أستبن منها مراده قال فيها: (نقله الشيخ فتيان وقال هو بن. . . . وقد كان امتحن) ولم أقف على من اسمه فتيان سوى من ترجم له القاضي عياض في مداركه قال: (فتيان بن أبي السمح، وذكر وفاته سنة (232 هـ) ويبعد أن يكون هو المقصود، أو يكون مراد الشيخ ينطلق إليه، فلم أقف على من نقل عنه من المالكية المتقدمين والمتأخرين. والله أعلم (¬4) قوله: (أنهم قالوا: يجعل) يقابله في (م): (أنهما قالا: لا يجعل). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 326. (¬6) قال ابن القاسم وابن وهب وأشهب عن مالك أن يزيد بن خصيفة حدثه أنه سأل سليمان بن يسار عن رجل له مال وعليه دين مثله، أعليه زكاة؟ قال: لا. قال ابن وهب وأخبرني غير واحد عن ابن شهاب ونافع مثل قول سليمان بن يسار، قال ابن مهدي عن أبي الحسن عن عمرو بن حزم، قال: سُئل جابر بن يزيد عن الرجل يصيب الدراهم وعليه دين أكثر منها؟ فقال: لا زكاة عليه حتى يقضي دينه. انظر: المدونة: 1/ 329. (¬7) في (س): (من الدين الذي).

زكاة ما في يديه، وقد يكون الدَّيْن أكثر مما في يديه، فيكون من الغارمين، وليس هذه صفة من تجب عليه الزكاة. ومن المدونة قال مالك: لا يجعل الدين في عروضه إذا كانت ثياب جسده ويجعلها في الفاضل (¬1). يريد: عن لبسة واحدة. قال ابن القاسم: ويجعل دَيْنه في خاتمه (¬2). وقال أشهب: لا يجعل دَيْنه فيه. والأول أحسن، ولا مضرة في زوال الخاتم (¬3): ويجعل دَيْنه في ثوبي جمُعته إلا أن لا تكون لهما تلك القيمة (¬4)، وهذا استحسان. ومن حق الطالب (¬5) أن يُباعا وإن قَلَّت قيمتهما. واختلف في المدبَّر، فقال ابن القاسم: يجعل دَيْنه في قيمته على أنه لا تدبير فيه. وقال سحنون: لا يجعل دَيْنه في قيمته، ولا في قيمة خدمته (¬6). وهذا هو الأصل ألا يجعل الدَّيْن إلا فيما يجوز أن يباع للغرماء، والأول استحسان واحتياط للزكاة، ومراعاة للقول أنه يجوز بيعه في الحياة بين لم يكن عليه دَيْن. وأرى أن يجعل دَيْنه فيما يجوز أن يباع من خدمته بالنقد، وذلك السنتان (¬7) ونحوهما قياسًا على المعتق إلى أجل، ولم يختلفوا أن الدَّيْن يجعل في قيمة خدمته. ¬

_ (¬1) انظر: المعونة: 1/ 214. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 325. (¬3) قوله: (وقال أشهب. . . زوال الخاتم) ساقط من (م). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 326. (¬5) في (س): (الغريم). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 326. (¬7) في (س): (اسْتنان).

واختلف في المُكَاتَب. فقال ابن القاسم: يجعل دَيْنه في قيمة كتابته على حاله (¬1). وقال أصبغ في قيمة عبد: لا كتابة فيه مثله كالمدَبِّر. والأول: أقيس، والثاني: احتياط للزكاة، ومراعاة للخلاف أن الكتابة ليست بعقد لازم. وقال محمد: لو أخدم رجلٌ رجلًا عبده سنين، أو أخدم هو عبدًا لغيره سنين أو حياته، لجعل دينه فيما تساوي تلك الخدمة، أو مرجع ذلك العبد (¬2). قال الشيخ - رضي الله عنه -: قوله يجعل دينه (¬3) في الخدمة إذا كانت حياته، ليس بحسن؛ لأن ذلك مما لا يجوز بيعه بنقد ولا بغيره، وأظنُّه قاس ذلك على المدبَّر، وليس مثله؛ لأن الجواب في المدَبَّر مراعاة للخلاف في جواز بيعه في الحياة (¬4)، ولا خلاف أنه لا يجوز للمُخدَم أن يبيع تلك الخدمة حياته، وكذلك المرجع لا يجوز أن يجعل فيه الدين؛ لأن بيعه لا يجوز. وأما إذا كانت الخدمة سنين معلومة؛ فيحسُن أن يُجعَل الدَّيْن في قيمتها؛ لأنه لا (¬5) يجوز بيعها. ويختلف فيها بعد ذلك ولأن حقه متعلق بحياة العبد، وقد تقدم مثل ذلك فيمن اكترى دارًا، ثم أكراها بالنقد. وقال مالك: إذا كان عليه إجارة أجراء قد عملوا حط عنه في ذلك من ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 326. (¬2) قوله: (لجعل دينه فيما تساوي تلك الخدمة، أو مرجع ذلك العبد) يقابله في (س): (لحسب في دَيْنه ما تسوَى ذلك الخدْمةِ وَمرجع ذلك العبد). انظر: المدونة: 1/ 4، 326/ 589. (¬3) قوله: (دينه) ساقط من (ق 3). (¬4) قوله: (في الحياة) ساقط من (س). (¬5) قوله: (لا) ساقط من (ق 3).

فصل من بيده مائة دينار وعليه دين مائة وله على أحد دين مائة

الزكاة (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: ولا يحط عنه الزكاة إذا لم يعملوا على أصل مالك إذا كانت الإجارة ليس فيها محاباة؛ لأنه يجعل دينه فيه. فصل من بيده مائة دينار وعليه دين مائة وله على أحد دين مائة ومن المدونة قال مالك فيمن بيده مائة دينار، وعليه دَيْن مائة (¬2)، وله دَيْن على آخر مائة: أنه يجعل الدَّيْن الذي عليه في الدَّيْن الذي له، ويزكّي المائة التي في يديه (¬3). فجعل الدَّيْن الذي عليه في عدد الدَّيْن الذي له (¬4)، وقال ابن القاسم: إن كان دينه على غير مليًّ، فليحسب قيمته (¬5). وقال سحنون: يجعل عدد ما عليه في قيمة ما له من الدَّيْن (¬6). قال الشيخ - رضي الله عنه -: لا يخلو الدّينان أن يكونا حالَّين، أو مؤجلين، أو أحدهما حالٌّ والآخر إلى أجل، وفي كل هذه الوجوه لا يختلف الجواب في الدَّيْن الذي عليه، أنه يحسب عدده، وإنما يفترق الجواب (¬7) في الدَّيْن الذي له، فإنه يحسب تارة عدده، وتارة قيمته، وتارة لا يحسب قيمته ولا عدده، فإن كان الدَّيْن الذي ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 328. (¬2) قوله: (وعليه دين مائة) ساقط من (س). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 326. (¬4) قوله: (ويزكي. . . الذي له) ساقط من (س). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 158. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 158. (¬7) قوله: (الجواب) ساقط من (س).

فصل من بيده مائتا دينار وعليه دين مائة

له حالاًّ على موسر، حسب عدده، وسواء كان الدَّيْن الذي عليه حالاًّ، أو مؤجلًا، وإن كان دينه مؤجلًا والذي عليه حالاًّ؛ جعل في قيمة دينه، وإن كانا مؤجلين وتساوى الأجل، وكان أجل (¬1) دينه يحل أولًا؛ جُعل في عدد دينه، وإن كان أجل ما عليه يحل قبلُ؛ جعل عدد ما عليه في قيمة ماله. فإن كان أجَّلَ ما عليه إلى ستة أشهر وأجل دينه سنة؛ قوّم دَيْنه (¬2) على أنه يقبض إلى ستة أشهر؛ لأنه الذي يبقى من أجل دينه إذا حلَّ ما عليه، وإن كان غريمه موسرًا بنصف دينه وهو حال؛ جعل نصف ما عليه في نصف ما له، وزكَّاه، وإن كان لا يعلم ما ينوبه في الحصاص، جعل في قيمته دينه، وهذا استحسان، والقياس ألا يجعل في شيء منه؛ لأنه لا ينبغي أن يُباع ما في ذمة غريمه إذا كان لا يعلم قدر ما ينوبه في الحصاص، نصف، ولا ثلث، ولا ربع. وإن كان دَيْنه على فقير ولا يشتري ما عليه لفقره، أو لتعذر ما يرجى من يسره - لم يجعله في عدد ولا قيمة. فصل من بيده مائتا دينار وعليه دين مائة واختلف إذا كان في يده مائتا دينار وعليه دين مائة، فقيل: يجعل دينه في مائة، ويزكي مائة واحدة (¬3). وقيل: إذا زكَّى مائة؛ جعل دينه فيها، وزكَّى المائة الأخرى إلا ما نقصت الزكاة من (¬4) الأولى، وسواء اتفق حول المائتين أو ¬

_ (¬1) قوله: (أجل) ساقط من (س). (¬2) قوله: (وإن كان أجل. . . قوّم دَيْنه) ساقط من (م). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 160. (¬4) قوله: (من) ساقط من (س).

اختلف (¬1). وقيل: إن اتفق حول المائتين؛ زكى مائة واحدة، وإن اختلف؛ زكى التي حل حولها، وجعل دينه في الثانية، فإذا حل حول الثانية ولم يقبض ذلك الدين؛ جعل دينه في الأولى وزكَّى الثانية. ومن كان معه مائتا دينار، إحداهما معدنية والأخرى فائدة (¬2)، ولم يزكِّ واحدة منهما؛ فإنه يبدأ بزكاة المعدنية؛ لأن الدَّيْن لا يُسقط زكاتها، ثم يجعل دينه فيها، ثم يزكي المائة الأخرى إلا ما نقصت الزكاة من المائة الأولى. وكذلك الماشية إذا كان في يده مائة دينار وعليه مثلها، وله نصاب ماشية حال عليه الحول؛ فإنه يزكي ماشيته، ثم يجعل دينه فيها، ثم يزكي ما في يديه من العين. ومن كان عليه دَيْن من نفقة زوجته؛ حط عنه فيها الزكاة، وسواء كانت بقضية أم لا. واختلف في نفقة الولد والوالدين، فقال ابن القاسم: لا تسقط بها الزكاة وإن كانت بفريضة من القاضي (¬3). وقال أشهب: تسقط الزكاة بنفقة الولد وإن لم تكن بفريضة من القاضي؛ لأنها لم تزل، ولا تُسقط نفقة الوالدين إلا أن تكون بفريضة من القاضي (¬4)، وهذا أقيس، وكل موضع يكون لمن أنفق إذا قام بنفقته أن يقضى له فيها، فإنها تحط عنه الزكاةُ. وقال محمد: وأما المرأة في زكاتها، ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 160. (¬2) قوله: (والأخرى فائدة) ساقط من (ق 1) و (م). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 328. (¬4) قوله: (لأنها لم تزل. . . من القاضي) ساقط من (م). وانظر: المدونة: 1/ 328.

فلا تلزمها نفقة ولدها، ولا رضاعُه إلا في عدم الأب، ومثلها لا ترضع وهي مليةٌ فلتسترضع له، وكذلك في موت الأب ولا مال لهم (¬1). يريد: فيصيرُ أجرُ رضاعه كالدَّيْن عليها تحط به الزكاة، وهذا أحسن إذا كانت قد اسزضعت لهم؛ لأن الإجارة صارت دَيْنًا عليها وإن لم تكن استأجرت، فالقياس ألا شيء عليها إذا لم يكن لها لبن، وإن كان لها لبن (¬2) فامتنعت من ذلك لشرفها، استأجرت له. واختلف في صداق الزوجة، فقال ابن القاسم: تسقط به الزكاة (¬3). وقال ابن حبيب: لا تسقط به الزكاة لما كان الغالب ألا تقدم (¬4) عليه به الآن، وإنما يطالب به عند موته، أو فراقه (¬5)، وهو أشبه. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 156. (¬2) قوله: (وإن كان لها لبن) ساقط من (م). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 152. (¬4) قوله: (ألا تقدم) يقابله في (س): (الإنعام). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 152.

باب في زكاة القراض، وما يزكي منه وهو في يد العامل، أو تؤخر زكاته إلى وقت المفاصلة

باب في زكاة القراض، وما يزكي منه وهو في يد العامل، أو تؤخر زكاته (¬1) إلى وقت المفاصلة ومن عمل بمال قراض؛ فإنه لا يخلو المال بعد العمل من ستة أوجه: إما أن يكون في ماشية، أو ثمار، أو (¬2) زرع، أو رقيق، أو عروض وهو مدير أو غير مدير، أو يكون عينًا. فتجب فيه الزكاة وهو عند العامل، وقبل رجوعه إلى يد صاحبه في ثلاثة أوجه: إذا كان في ماشية إبل، أو بقر، أو غنم. وإذا كان في زرع، أو ثمَّار مما تجب فيها الزكاة، أو رقيق، فيمر (¬3) يوم الفطر قبل بيعه. وإن كان في عروض وهو غير مدير؛ لم تجب زكاته؛ لأنه لو كان في يد صاحبه؛ لم تجب فيه زكاة. واختلف في المدير، فقال ابن القاسم في كتاب محمد بن سحنون: لا يزكيه إلا عند المفاصلة. وقاله سحنون. وقال ابن حبيب: يزكي الآن، ويخرج زكاة ذلك المال من عنده لا من القراض (¬4). وهو ظاهر قول مالك في كتاب محمد. ويختلف إذا كان غير مدير والمال عين، فقال مالك وابن القاسم: لا يزكي إلا عند المفاصلة (¬5). ¬

_ (¬1) قوله: (تؤخر زكاته) يقابله في (س): (يؤخذ فزكاته). (¬2) قوله: (ماشية، أو ثمار، أو) ساقط من (س). (¬3) في (س): (فمن). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 175. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 175.

وعلى القول في المدير أنه يزكي قبل المفاصلة، يزكي غير المدير العين؛ لأن أعلى مراتبه أن يقدر أن ما في يديه من العروض كالعين، ولا يكون نضوض المال عند الحول أدنى رتبة من العروض (¬1) للإدارة. وأرى أن يزكي العين الآن؛ لأن كون (¬2) المال في يدي العامل لم يُخرجه عن ملك ربه، والعامل وكيل له فيه على وجه التنمية، ولا فرق بين أن يوكِّل من يتجر له فيه بدنانير معلومة، أو بجزء من ربحه، ولم يختلف إذا كان في يد العامل (¬3) بإجارةٍ، بدنانيرَ معلومةٍ، أنه يزكى قبل رجوعه، ولأنه كان قادرًا على أخذه والمفاصلة فيه حينئذ، فلم يكن تركه له باختياره طلبًا للتنمية مما يمنع من أخذ ما أوجب الله سبحانه فيه. وقياسًا على أخذ الزكاة منه إذا كان في ماشية أو زرع. ولا أعلمهم اختلفوا بعد القول: أنه لا يزكي إلا عند المفاصلة، أن الزكاة تجزئ إذا زكَّى قبل ذلك. وقال ابن حبيب: إذا أخرج الزكاة قبل المفاصلة، أو جهل العامل فزكَّاه دون رب المال- مضي ذلك ولم يجبُر المال إن خسر فيه العامل ما أخرج فيه من الزكاة (¬4). قال الشيخ - رضي الله عنه -: وقد يختلف إذا أخرجها بغير أمر رب المال؛ لأن رب المال لم ينوِ زكاة ماله، وقد اختُلف فيمن كفّر عن غيره بغير إذنه. ¬

_ (¬1) قوله: (كالعين. . . من العروض) ساقط من (م). (¬2) قوله: (الآن؛ لأن كون) يقابله في (م): (إلا أن يكون). (¬3) قوله: (في يد العامل) ساقط من (س). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 175.

فصل [في إخراج الزكاة التي في يد العامل]

فصل [في إخراج الزكاة التي في يدِ العامل] وإذا كان الحُكم أن يخرج الزكاة وهي في يد العامل، فإنه يُعتبر في ذلك ثلاثة أوجه: أحدها: هل يخرج الزكاة من عين (¬1) ذلك المال أو يخرجها رب المال من عنده؟. والثاني: هل يزكي جميع المال أو ما ينوب رب المال دون نصيب العامل؟ والثالث: هل تسقط الزكاة عند المفاصلة من رأس المال، أو تكون مفضوضة عليهما العامل ورب المال (¬2)، أو تلغى كالنفقة؟ فأما الماشية فتخرج الزكاة عنها منها. واختلف كيف تكون المحاسبة فيها عند المفاصلة، فقال مالك (¬3) في المدونة: تكون على رب المال في رأس ماله، ولا شيء على العامل منها (¬4). وقال في المجموعة: يطرح قدرُها من رأس المال (¬5). وهذا مثل الأول. وقال مالك في مختصر ابن عبد الحكم: تلغى كالنفقة (¬6). وقاله أشهب في ¬

_ (¬1) في (س): (غير). (¬2) قوله: (العامل ورب المال) ساقط من (م). (¬3) قوله: (مالك) ساقط من (س). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 358. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 178. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 178. والذي وقفت عليه في النوادر قول ابن حبيب: "وقال ابن حبيبٍ: هو كالنفقةِ مُلغاةٌ"، ولم أجد ذكرًا لقول الإمامِ ابنِ عبد الحكم.

كتاب محمد (¬1). ويجري فيها قول ثالث أنها متى بيعت بربح؛ فضت الزكاة، وكان على العامل منها بقدر ربحه، وتخرج زكاة الزرع منه، ثم يختلف هل يسقط قدرها من رأس المال، أو تلغى كالنفقة، أو فض عليهما حسبما تقدم في الماشية؟ واختلف في رقيق القراض، فقال في المدونة: على صاحب (¬2) المال، ولا تخرج من المال (¬3). وقال أشهب، وأصبغ في كتاب ابن حبيب: تخرج من مال القراض، ثم يكون رأس المال ما بقي بعد إخراجها (¬4). وقاسها على الغنم. وقال مالك في مختصر ابن عبد الحكم: تلغى كالنفقة (¬5). وقال أشهب في المدونة: إن بِيعوا بربح؛ كان على (¬6) العامل منها بقدر ربحه (¬7)؛ لأنه كان شريكًا له يومئذ، وذكره أشهب في كتاب محمد عن مالك. ويختلف في زكاة المدير وغيره من العين، هلْ تخرج منه أو من عند صاحب المال؟ فأما إخراجها من المال؛ فعلى الأصل في زكاة العين، وقياسًا على زكاة الماشية. وقال في كتاب محمد: إذا كان العامل غائبًا ببلد بعيد، ولا يدري ما حدث عليه- فلا يزكي حتى يعلم أو يرجع إليه. قال: (¬8) بمنزلة المدير تجهز إلى ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 178. (¬2) قوله: (على صاحب) يقابله في (س): (هي على أصل). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 386. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 178. (¬5) قوله: (وقال أشهب. . . تلغي كالنفقة) ساقط من (م). (¬6) قوله: (على) ساقط من (س). (¬7) انظر: المدونة: 3/ 659. (¬8) قوله: (قال) ساقط من (س).

بعض البلدان، فلا يزكيه حتى يرجع إليه، أو يأتيه علمه (¬1) بالأمر (¬2) البين، فيزكيه لما مضي من السنين (¬3). فجعل المدير وغيره سواء، أن المال يزكى وإن كان في يد العامل، ويزكيه رب المال من عنده لا من عين ذلك المال. ولم يختلف المذهب في زكاة العين إذا حضرت للمفاصلة (¬4)، أنها مفضوضة على رأس المال والربح، وأنه لا يجوز أن تكون زكاة المال على العامل وحده، ولا على رب المال وحده، وإذا كان ذلك نظر في الشاة التي أخذت عن الزكاة، فإن كانت الغنم على حالها حتى بيعت وفيها فضلٌ - كانت الشاة مفضوضة على رأس (¬5) المال، والربح على حسب (¬6) ما تقدم في زكاة العين، وإن كانت لا ربح فيها وإنما كان (¬7) الربح فيما اشترى بها بعد ذلك- كانت الشاة على رب المال، ويحط قدرُها من رأس المال، ولا يصح أن تُلغى؛ لأن ذلك يؤدي إلى أن تجعل الزكاة على العامل وحده. وكذلك في الزرع إذا زكي، ثم بيع بغير ربح أو ربح فيه بعد ذلك، وكذلك الأمر في رقيق القراض، يراعى الربح هل كان في أثمَّانهم بعد البيع، أو فيما تجر فيه بعد البيع؟. ¬

_ (¬1) قوله: (علمه بالأمر) يقابله في (م): (عليه الأمر)، وفي (س): (إلا من). (¬2) في (س): (إلا من). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 142. (¬4) قوله: (حضرت للمفاصلة) يقابله في (س): (حضر المفاصلة). (¬5) في (س): (رب). (¬6) في هامش (س): (صح أصلًا: حسب). (¬7) قوله: (كان) ساقط من (س).

فصل [في تزكية مال القراض إذا نض]

وقال محمد (¬1) فيمن أخذ مائة دينار قراضًا، واشترى بها رقاب نخل فأثمرت وطابت، فباع الثمرة بمائة دينار، والأصل بمائة دينار بعد أن حال الحول على العامل، قال: زكاة الثمرة منها، وهو عُشرُها، أو نصف عشرها، ثم يكون للعامل ربع ثمنها، ولا زكاة عليه فيه؛ لأن زكاة ذلك قد أخرجت، ثم يكون للعامل (¬2) ربع ثمن الرقاب؛ خمسة وعشرون دينارًا، وعليه زكاتها نصف دينار وثُمن دينار، وعلى رب المال زكاة خمسة وسبعين دينارًا. ولو كان المشتري بالمال اشترى (¬3) أشجارًا مما لا زكاة في ثمرها مثل: الجوز، والتين والرمان، فأثمرت وباع الثمرة بمائة دينار، والأصل بمائة دينار- كان للعامل خمسون، نصفها من الثمرة، ونصفها من الأصل، فما كان من الثمرة؛ فلا زكاة فيه، وما كان من الأصل ففيه الزكاة (¬4). فصل [في تزكية مال القراض إذا نضَّ] واختلف إذا لم يزكَّ مال القراض حتى نضَّ، وأحضر للمقاسمة في نصيب العامل، هل يزكى على ملك صاحب المال، أو على ملك العامل ويكون بذلك الجزء كالشريك؟ فروى أشهب عن مالك: أنه يزكي على ملك صاحب المال، فإن عمل به شهرًا وهو تمام حول رب (¬5) المال زكاه (¬6). ولو كان رأس المال ¬

_ (¬1) في (س): (مالك). (¬2) قوله: (ربع ثمنها. . . يكون للعامل) ساقط من (م). (¬3) قوله: (اشترى) ساقط من (ق 3). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 142. (¬5) قوله: (رب) ساقط من (س). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 179.

خمسة دنانير ربح فيها خمسة، ولصاحب المال عشرة دنانير- زكَّى العامل نصيبه وإن كان دينارًا واحدًا. وكذلك إن كان على العامل دَيْن، أو كان عبدًا أو نصرانيًّا (¬1). فإن كان المال لعبد أو نصراني؛ لم يزكِّ العامل نصيبه، وإن صار له نصاب، وهو حر مسلم، لا دين عليه (¬2). وقال ابن القاسم: لا يزكى إلا أن يعمل به حولًا، وإن فاصل في ذلك المال قبل الحول؛ استأنف به حولًا؛ لأنه فائدة (¬3). وإن كان على صاحب المال دَيْن يغترق جميع المال، أو على العامل ما يغترق نصيبه من الربح- لم يزكه. وإن بقي بعد دينه دينار؛ زكَّاه. وإن كان المال لعبد أو نصراني، لم يزكِّ العامل (¬4)، وعلى قوله: إن كان المالُ لحرٍّ مسلمٍ، والعامل عبد أو نصراني؛ لم يزكِّ، كما لم يزكِّ إذا كان عليه دَيْن، وكل هذا اضطراب؛ لأنه جعله كالشريك في قوله: أنه (¬5) لا يزكي حتى يعمل به حولًا ولا يكون عليه دَيْن، ثم نقض ذلك بقوله: إذا فاصله قبل تمام السنة؛ لأنه لا يحتسب بما مضى من الشهور قبل المفاصلة، وأنه يزكي نصيبه وإن كان أقل من نصاب. وقياد قوله: لا زكاة عليه إذا لم يعمل به حولًا، أو كان عليه دَيْن لا يسقط (¬6) الزكاة، إذا كان العامل حرًّا مسلمًا. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 179. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 179. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 12/ 409. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 330. (¬5) قوله: (في قوله: أنه) ساقط من (س). (¬6) قوله: (لا يسقط) يقابله في (س) و (ق 3): (يسقط).

وإن كان المال لعبد أو لنصراني، فقال في كتاب محمد: لا يزكي حتى يصير له في نصيبه عشرون دينارًا، وهذا موافق لقوله في مراعاة الحول، وما عليه من الدَّيْن. وقياد قوله في الشاة: أنها (¬1) على صاحب المال دون العامل، تكون زكاة العين كذلك على رب المال دون العامل، وهو أقيس في المسألتين جميعًا؛ لأن ما يأخذه العامل ثمنًا لمنافعه، وهو بمنزلة من باع سلعة للقنية بثمن إلى أجل، وقول ابن القاسم في ذلك: أنه يستأنف بالثمن حولًا. ويؤيد هذا قوله: إذا فاصله قبل تمام الحول، أنه يستأنف بالثمن حولًا. وقال محمد: مثل ما يخرج من الربح للعامل، مثل الإجارة يخرجها من مال بعد وجوب الزكاة في ذلك المال (¬2). واختلف إذا عمل به أعوامًا، فقال مالك في كتاب محمد: يزكي لعام واحد (¬3). وقال أيضًا: يزكي لجميع الأعوام (¬4). وهذا هو الصحيح؛ لأن المال كان في تلك الأعوام في يد وكيله على وجه التنمية، فمن عمل به ثلاثة أحوال وكان في الأول مائة، وفي الثاني مائتين، وفي الثالث ثلاثمائة- زكَّى عن كل عام ما كان في يديه إلا ما حطت الزكاة. وإن كان في الأول مائة، وفي الثاني مائتين، وفي الثالث مائة (¬5) - زكى عن مائة (¬6) مائة في كل عام إلا ¬

_ (¬1) قوله: (أنها) ساقط من (س). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 185. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 185. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 185. (¬5) في (س): (مائتين). (¬6) قوله: (مائة) ساقط من (س) و (م).

ما حطت الزكاة؛ لأن المائة التي خُسرت في العام الأوسط تسقط زكاتها؛ لأنه مال غير (¬1) مفرط في زكاته، فلا تتعلق في الذمة. وإن كان في الأول مائتان، وفي الثاني مائة، والثالث مائتان- زكَّى عن الأول عن مائة، ثم عن مائة، ثم عن مائتين. وفي كتاب محمد إذا زكَّى صاحب المال ماله وهو في يد العامل، أنه يزكي عن رأس ماله ما ينوبه (¬2) من الربح، وهذا أيضًا إنما يصح على القول أنه كالشريك. واختلف في العامل إذا تفاصلا بعد أعوام هل يزكي لعام واحد أو لأعوام (¬3). وأرى أن يزكي لجميع الأعوام؛ لأنه على أحد الوجهين: إما أن يقول (¬4) أنه مزكى على ملك رب المال؛ والزكاة تجب لجميع الأعوام، أو على ملك العامل وأنه شريك فيه (¬5)؛ فيزكيه لجميع الأعوام. أو يقال: إنه فائدة فيستأنف به (¬6) حولًا، ولا وجه أن يزكى لعام واحد. وقال محمد فيمن أخذ مائة دينار قراضًا، عمل فيها ثمانية أشهر فتحاسبا، فجاءه برأس المال، وبقي الربح في سلعة فباعها بعد الحول، وصار للعامل ¬

_ (¬1) قوله: (غير) ساقط من (م). (¬2) في (ق 3): (وما ينويه). (¬3) في (س): (للأعوام كلها). (¬4) في (س): (يقدر). (¬5) قوله: (فيه) ساقط من (س). (¬6) قوله: (به) ساقط من (س).

عشرون دينارًا- فلا زكاة عليه (¬1). وهذا أصل ابن القاسم في المدونة إذا صار إلى العامل ربح قبل تمام الحول، أنه يستأنف به حولًا. وفي المجموعة: أن عليه الزكاة. يريد: (¬2) لأنه قد بقي عليه عمل (¬3) من سبب القراض وهو الربح، فعليه أن يبيعه لرب المال حتى ينضّ، ولا يستحق العامل نصيبه من الربح إلا بذلك. قال محمد: فإن باع بخمسة وتسعين؛ وباع ما بقي بخمسة وعشرين (¬4) لم تكن على العامل زكاة عند ابن القاسم حتى يبيع الباقي بخمسة وأربعين. وأما صاحب المال، فإن بقي بيده ما إن (¬5) ضمه إلى ما يأخذه وجبت فيه الزكاة- زكَّى وإلا لم يزكِّ (¬6). قال محمد: ويزكي نصف دينار (¬7). يريد: ربع عُشر (¬8) نصف دينار، وجعل الربح مفضوضًا (¬9)، فما قابل الخمسة وتسعين، سقطت زكاته؛ لأن العامل فاصل فيه (¬10) قبل الحول، وما قابل الخمسة من (¬11) بقية رأس المال، زكَّاه على قول أشهب عن مالك؛ لأنه إذا أضاف الخمسة وربحها إلى ربح رب ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 330. (¬2) قوله: (يريد) ساقط من (س). (¬3) قوله: (عمل) ساقط من (م). (¬4) قوله: (وباع. . . وعشرين) ساقط من (ق 3). (¬5) قوله: (إن) ساقط من (م). (¬6) قوله: (زكَّى وإلا لم يزكِّ) يقابله في (م): (وإن لم يزكه). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 183. (¬8) في (م): (عشره). (¬9) في (ق 3): (مفوضًا)، وفي (م): (مقسومًا). (¬10) في (س): (منه). (¬11) قوله: (من) ساقط من (ق 3).

المال (¬1)، فيما قابل ما فاصل فيمن وجده نصابًا، فزكى جميع ذلك على ملك رب المال؛ لأن ما قابل ما فاصله (¬2) فيه لو كان مقبوضًا (¬3) قبل ذلك عند رب المال لأضاف الباقي في يد العامل إليه، كما قال فيمن دفع خمسة دنانير قراضًا فربح فيها حتى (¬4) صارت عشرة وبيد رب المال عشرة أخرى أن على العامل الزكاة. وفَضُّ الربح حسب ما ذكره محمد ليس بحسن؛ لأن الربح لا يستحق إلا بعد نضوض المال. ولو خسر في السلعة فلم يحصل فيها إلا خمسة دنانير؛ لكانت لصاحب المال، ولو جعل العامل شريكًا فيها، فبيعت بخمسة دنانير، لكانت مفضوضة (¬5) على قدر ما بقي من رأس المال، وعلى قدر ربح ذلك اليوم، وفي فساد ذلك ما يمنع الفض على ما كان من القيمة يوم (¬6) المفاصلة. ¬

_ (¬1) قوله: (ربح رب المال) يقابله في (م): (الربح). (¬2) قوله: (ما فاصله) يقابله في (م): (مفاصلته). (¬3) في (م): (مقسومًا). (¬4) قوله: (حتى) ساقط من (س). (¬5) في (م): (مقسومة). (¬6) في (م): (من).

باب في الإمام هل يسأل الناس عن زكواتهم، وفي أخذها ممن يعلم أنه لا يؤديها؟ وهل تنقل إلى غير البلد الذين وجبت فيه؟ ومن وجبت عليه زكاة وهو في سفر

باب في الإمام هل يسأل الناس عن زكواتهم، وفي أخذها ممن يعلم أنه لا يؤديها؟ وهل تنقل إلى غير البلد الذين وجبت فيه؟ ومن وجبت عليه زكاة (¬1) وهو في سفر وقال ابن القاسم: لا بأس أن يسأل الإمام إذا كان عدلًا الناس عما في أيديهم، وهل وجبت عليهم زكاة؟ (¬2) وقد فعل ذلك أبو بكر. ومن قدم بتجارة، فقال: هذا الذي معي مضاربة (¬3)، أو بضاعة، أو علي دَيْن، أو لم يحل عليَّ الحول، أو أنا عبدٌ، أو نصرانيٌّ، أو حديث عهد بعتق، أو إسلام، صُدِّق (¬4). واختلف في يمينه، فقال في المدونة: لا يحلف (¬5). وقال في موضع آخر: إن كان من غير البلد وكان (¬6) ممن يتهم حلف. وأرى أن تكشف عنه الرفقة التي أتى فيها، فإن لم يوجد من يقول خلاف ذلك؛ صُدِّق. وأما المقيم فلا يحمل على الصدق في حدوث العتق والإسلام؛ لأن مثل ذلك لا يخفى، وكذلك إن ادعى أن ما في يديه قراض، ¬

_ (¬1) قوله: (زكاة) ساقط من (س). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 330. (¬3) في (م): (مقارضة). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 331. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 331. (¬6) قوله: (من غير البلد وكان) زيادة من (م).

فصل [في أخذ الإمام الزكاة ممن لا يؤديها]

وأن عليه من الدين ما يستغرق ما في يديه؛ فيكشف عن ذلك، وأما إذا قال لم يحل الحول؛ صُدِّق. فصل [في أخذ الإمام الزكاة ممن لا يؤديها] وقال مالك: إذا علم الإمام من رجل أنه لا يؤدي زكاة ماله قال إذا (¬1) علم ذلك أخذت منه (¬2). يريد: إذا ادعى أنه يؤدي زكاته، وهذا على القول أنها تجزئه إذا ثبت أنه أداها. وأما على القول أنها لا تجزئه إذا كان الإمام عدلًا؛ فإنها تؤخذ منه، وإن اعترف أنه لم يزكِّ ولدَّ عن أدائها؛ أخذت منه جبرًا وأجزأته، وإن عُدمت منه النية بمنزلة من طلق في الحيض وأبى أن يرتجع، فإنَّ الإمام يرجع عليه، وتصح الرجعة، ولو أخذ ذلك القدر من ماله من بعد الحول وفرق في المساكين- لم يجزئه عن الزكاة. ويُختلف إذا أخرج ذلك الرجل من ماله على وجه الزكاة؛ قياسًا على من أعتق عن إنسان بغير إذنه (¬3) عن كفارة وجبت عليه، أو ذبح أضحيته بغير أمره. وقد اختلف في ذلك، فإن امتنع جماعة من أداء الزكاة، ولم يقدر على أخذها إلا بقتالهم، قوتلوا عليها، وإن امتنع جحدًا، كان كافرًا، ويقتل إن لم (¬4) ¬

_ (¬1) قوله: (قال إذا) يقابله في (س): (وقد). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 334. (¬3) في (م): (أمره). (¬4) قوله: (ويقتل إن لم) يقابله في (م): (ويسأل إن).

فصل [فيمن عجل زكاته قبل أن يقرب الحول]

يقر بها وإن أطاع بأدائها. وقال مالك في خوارج غلبوا على بلد (¬1) ثم ظفر بهم. قال: تؤخذ زكاة تلك السنين (¬2) عنهم (¬3). فإن قالوا: قد أديناها في تلك الأعوام؛ لم يصدقوا إذا كان امتناعهم لئلا يؤدوها وإن كان امتناعهم لغير ذلك؛ صُدِّقوا (¬4). فصل [فيمن عجَّل زكاته قبل أن يقرب الحول] ومن عجَّل زكاته (¬5) لعام واحد (¬6)، أو لعامين، أو في العام نفسه قبل أن يقرب الحول- لم تجزئه (¬7). واختلف إذا قرُب الحول، فقال مالك في العتبية: لا تجزئه (¬8). قال: أرأيت الذي يصلي الظهر قبل الزوال، والصبح قبل الفجر، أليس يعيد؟ وهذا مثله (¬9). وقال أشهب في كتاب ابن حبيب تجزئه (¬10). واختلف بعد القول إنها تجزئ إذا قرب الحول- في حد القرب، فقال في ¬

_ (¬1) في (م): (بلدهم). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 334. (¬3) قوله: (عنهم) ساقط من (ق 3). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 334. (¬5) في (م): (زكاة ماله). (¬6) قوله: (واحد) زيادة من (م). (¬7) انظر: المدونة: 1/ 335. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 190. (¬9) انظر: المدونة: 1/ 335. (¬10) قوله: (تجزئه) ساقط من (س)، وانظر: النوادر والزيادات: 2/ 190.

كتاب محمد: إذا كان مثل اليوم واليومين؛ أجزأه، ولا يجزئه ما فوق ذلك (¬1). وقال ابن حبيب: لا تجزئه إلا ما كان (¬2) مثل الخمسة الأيام، والعشرة لا أكثر من ذلك (¬3)، وقيل: تجزئه الخمسة عشر يومًا. وقال ابن القاسم في المستخرجة: أرى الشهر قريبًا، ويجزئه (¬4). فرأى في القول الأول: أنه شرع غير معلل عُلِّق بوقت؛ فلا يجوز تقدمته عليه كالصلاة. وفي القول الثاني: أنه شرع معلل، وأن التأخير يتعلق به حق المالك، وحق المساكين، فإذا أخرجها عندما قرب من ذلك؛ أجزأته. وذهب بعض أهل العلم إلى أنها تجزئ وإن عُجِّلت لعام أو لعامين. وفي الترمذي قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: "اسْتَأْذَنَ العَبَّاسُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي تَعْجِيلِ صَدَقَتِهِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ فَرَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ" (¬5) وفي حديث آخرَ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّا أَخَذْنَا زَكَاةَ العَبَّاسِ عَامَ الأَوَّلِ لِلْعَامِ" (¬6) وقد أجاز أيضًا في حديث أبي موسى تعجيل الكفارة قبل الحنث (¬7). وقال الليث: لا تجزئ إن ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 190. (¬2) قوله: (ما كان) يقابله في (س): (في). (¬3) قوله: (لا أكثر من ذلك) يقابله في (س): (غير ذلك). انظر: النوادر والزيادات: 2/ 190. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 371، والنوادر والزيادات: 2/ 190. (¬5) أخرجه أبو داود: 1/ 510، في باب تعجيل الزكاة، من كتاب الزكاة، برقم (1624)، والترمذي: 3/ 63، في باب تعجيل الزكاة، من كتاب الزكاة، برقم (678)، وابن ماجه: 1/ 572، في باب تعجيل الزكاة قبل محلها، من كتاب الزكاة، برقم (1795)، وأحمد، في مسند العشرة المبشرين بالجنة، من مسند علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: 1/ 104، برقم (822). (¬6) أخرجه الترمذي: 3/ 63، في باب تعجيل الزكاة، من كتاب الزكاة، برقم (679). (¬7) متفق عليه أخرجه البخاري: 5/ 2101، في باب لحم الدجاج، من كتاب الذبائح والصيد =

فصل [في نقل الزكاة]

عجلت قبل الوقت؛ خوفًا أن يعود المعطى موسرًا عند الحول. وقد أجاز ابن القاسم للمعسر أن يكفر قبل الحنث بالصيام وإن كان موسرًا يوم يحنث. وهذا في زكاة العين، ولا يصح في زكاة الحرث؛ الزرع (¬1)، والثمار؛ لأنها زكاة عما لم يملك بعد، فلا يدري ما قدره. وتجوز في المواشي إذا لم تكن لهم سعاة على مثل ما يجوز في العين (¬2)، أو كان لهم سعاة على القول- أنها تجزئ إذا أخرجها قبل مجيء الساعي. فصل [في نقل الزكاة] واختلف في نقل الزكاة على أربعة أقوال: فقال مالك: تقسم في البلد الذي أخذت منه، وإن أصابت قومًا سَنَةٌ، فأذهبت (¬3) مواشيهم، فنقل إليهم بعض ذلك- رأيته صوابًا، وقال أيضًا: لا بأس أن يوجه بالزكاة من بلد إلى بلد (¬4). وقال سحنون: إن أخرجها في غير قريته وفيها فقراء، لم تجزئه (¬5). وقال ابن الماجشون في ثمانية أبي زيد: إنما يقسم في الموضع الذي أخذت منه الزكاة سهم الفقراء والمساكين، وأما الستة الأسهم؛ سهم العاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب، والغارمين، وفي سبيل الله، وابن السبيل، فيقسم بأمر الإمام في ¬

_ = برقم (5199)، ومسلم: 3/ 1268، في باب نذر من حلف يمينًا فرأى غيرها خيرًا منها، من كتاب الأيمان، برقم (1649). (¬1) في (م): (والزرع). (¬2) في (م): (العتق). (¬3) في (س): (أو ذهبت). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 335. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 508.

أمهات البلاد التي فيها الأئمة (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: مفهوم حديث معاذ أن لا تنقل لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أَخبرْهُمْ أَنَّ اللهَ -عز وجل- فَرَضَ (¬2) عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتردُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ" (¬3) وأيضًا فإن القياس إذا كان فقراء بين أغنياء، أن لا تنقل عنهم زكواتهم، ويكلفوا إلى أن يطلبوا زكوات قوم آخرين في بلد آخر، أو يقيموا على خصاصة، أو يكلف من هو بينهم من الأغنياء مواساتهم، فيكون قد كلفوا زكاة أخرى (¬4) إلا أن تنزل بقوم سنة، فتنقل إليهم لتغليب أحد الضررين؛ لأن الغالب فيمن نزل بهم ذلك، فنقلها إليهم لتحيا بها النفوس، ولا يخشى ذلك على من تنقل عنهم. وقد رُوي عن معاذ أنه نقل الزكاة، وقال لا نقبل الثمن: "ائْتُونِي بِخَمِيسٍ أَوْ لَبِيسٍ (¬5) مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرةِ، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَأَنْفَعُ لأَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِالمَدِينَةِ" (¬6). والحديث محتمل أن يكون نقل ما بعد سهم الفقراء والمساكين كما قال ابن الماجشون؛ لأنه كان بالمدينة المجاهدون (¬7)، وهم يأخذونها لقوله تعالى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60]. والمهاجرون هم في معنى ابن السبيل والمؤلفة قلوبهم، أو ¬

_ (¬1) في (م): (الآية). (¬2) في (س): (افترض). (¬3) سبق تخريجه، ص: 857. (¬4) قوله: (زكاة أخرى) يقابله في (م): (زكواتهم). (¬5) في (م): (أسير). (¬6) أخرجه البيهقي في سننه الكبري: 4/ 113، في باب من أجاز أخذ القيم في الزكوات، من كتاب الزكاة، برقم (7164). (¬7) في (م): (المهاجرون).

فصل [فيمن كان في سفر ومعه زكاة ماله]

نقل الجميع للحاجة التي كانت بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في (¬1) إعطاء من يدخل في الإسلام، وينقذهم من الكفر، فقام ذلك مقام من أعطي في سنة الجدب (¬2)، وقد قال مالك في المستخرجة (¬3): أستحب لأهل الأمصار أن يحملوا زكواتهم إلى المدينة؛ لأنها دار الهجرة والتنزيل، وأهلها يصبرون على لأوائها وشدتها (¬4). فصل [فيمن كان في سفر ومعه زكاة ماله] وعلى من كان في سفر أن يزكي ما معه من المال (¬5) ولا يؤخره إلى بلده. واختلف في زكاة ما خَلَّفَه في بلده، فقال مالك: يزكيه الآن إلا أن يحتاج ولا قوة (¬6) معه، فليؤخره إلى (¬7) أن يجد من يسلفه، فليستسلف (¬8)، يريد: يخرج الزكاة ويتسلف ما يحتاج إليه. وقال أيضًا: يؤخر زكاته حتى يقسم في بلاده (¬9). فراعى في القول الأول موضع المالك، ومرة موضع المال، وهو أبين أن يكون فقراء من فيهم ذلك المال أحق بزكاته، وأيضًا فإن الزكاة معلقة بعين ¬

_ (¬1) قوله: (في) ساقط من (ق 3). (¬2) في (م): (الحرب). (¬3) قوله: (في المستخرجة) ساقط من (س) و (م). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 430. (¬5) قوله: (من المال) ساقط من (س). (¬6) في (س): (قومة). (¬7) في (س): (إلا). (¬8) انظر: المدونة: 1/ 335. (¬9) انظر: المدونة: 1/ 335.

ذلك المال، فليس يجب على المالك أن يخرج عنه من ذمته، وهذا إذا كان سفره مما يعود منه قبل وجوب الزكاة، فعاقه عن ذلك أمر. وإن كان سفره مما يعلم أنه لا يعود حتى يحول الحول، فعليه أن يوكل من يخرج عنه عند حلول حوله، فإذا لم يفعل، كان متعديًا، وتصير الزكاة في ذمته، وإذا صارت في الذمة؛ وجب عليه أن يخرجها الآن. وإن كان محتاجًا على أحد قولي مالك، أن المراعى موضع المالك (¬1)، وكذلك مع القول بجواز نقلها. وأما على قول سحنون فيؤخر حتى يصل (¬2) إلى بلده (¬3). ¬

_ (¬1) في (س): (المال). (¬2) في (س): (يصير). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 335.

باب فيمن يوخذ منه العشر من أهل الذمة والحربيين

باب فيمن يوخذ منه العشر من أهل الذمة والحربيين وإذا خرج الذمِّي تاجرًا إلى أُفُقِه؛ لم يؤخذ منه شيء. وإن خرج إلى غير أفقه؛ أخذ منه إن قدم بتجارة عُشر ثمنها إذا باع (¬1)، وإذا قدم بعين فاشترى به تجارة؛ أخذ منه عُشر تلك السلع (¬2). وإن قدم بفضة استأجر على ضربها، وكانت ألف درهم؛ ضرب له تسعمائة، وأتى من ينظر للمسلمين بمائة للأجير (¬3) يضربها لهم، أو يبيع منافعه في ضرب مائة. ولو قدم بثياب استأجر على صبغها وهي مائة؛ صبغ له تسعين، وإن لم ينظر في ذلك حتى ضرب الألف، وصبغ الثياب (¬4) المائة، أخذ منه قيمة ذلك الجزء الذي كان يستحق المسلمون، وُيعشر أيضًا ذلك العُشر، فإن باع أو اشترى بعد ذلك في ذلك البلد؛ لم يؤخذ منه شيء. وكذلك إن خرج إلى بلد آخر من ذلك الأفق؛ لم يؤخذ منه شيء، وإن خرج إلى أفق آخر؛ أخذ (¬5) منه أيضًا. واختلف إذا رجع إلى بلده بتجارة، هل يؤخذ منه شيء؟ فقال مالك (¬6) في ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 206. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 207. (¬3) في (م): (لأجير). (¬4) قوله: (الثياب) زيادة من (م). (¬5) قوله: (أخذ) ساقط من (م). (¬6) قوله: (مالك) ساقط من (س).

المجموعة: تؤخذ منه (¬1). وقال في مختصر ابن عبد الحكم: لا يؤخذ منه مما قدم به شيء (¬2). واختلف القول (¬3) إذا أكرى إبله، فقال أشهب: لا شيء عليه (¬4) في الكراء (¬5). وقال ابن القاسم وغيره: يؤخذ منه (¬6). واختلف بعد القول أنه يؤخذ منه، فقيل: يؤخذ منه (¬7) العُشر بالموضع الذي عقد فيه (¬8). وقيل: بالموضع الذي قصد (¬9) إليه (¬10). وقال بعض أهل العلم (¬11): يفض (¬12) الكراء على قدر مسيره في أرضه، وما بعده، فما سار في بلاده؛ سقط عنه، وما سار في غيره؛ أخذ منه (¬13). ويُختلف على هذا إذا أسلم في سلعة ليقبضها في غير بلده، هل يراعى ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 207. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 207. (¬3) قوله: (القول) ساقط من (ق 3). (¬4) قوله: (عليه) ساقط من (م). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 207. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 207. (¬7) قوله (فقيل: يؤخذ منه) ساقط من (م). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 208. (¬9) في (س): (يصل) و (م): (تصل). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 208. (¬11) قوله: (وقال بعض أهل العلم) يقابله في (س) و (م): (وقيل). (¬12) في (ق 3): (يقبض). (¬13) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 100.

فصل [في القدر الذي يؤخذ من الحربيين]

موضع العقد أو موضع القبض؟ وقال مالك فيما قدموا به إلى مكة والمدينة من الحنطة والزيت: يؤخذ منه نصف العشر (¬1). وكذلك إلى ما كان من أعراض المدينة من القرى التي يكثر حملهم (¬2) إليها، من المدينة (¬3) ورُوي عن مالك أنه قال: يؤخذ منه فيها العُشر (¬4)، فقد أغنى الله أهل المدينة وغيرها من المسلمين (¬5). وقال ابن نافع: لا يؤخذ منهم بهذين البلدين إلا نصف العشر كما فعل عمر - رضي الله عنه - (¬6). ومن أراد من أهل المدينة (¬7) أن يرجع بما قدم (¬8) به من التجارة- لم يمنع من ذلك، ولم يؤخذ منه شيء. وإن قدم بجارية للتجارة، لم يحل بينه وبينها؛ لأن العشر إنما يستحق من الأثمان. فصل [في القدر الذي يؤخذ من الحربيين] واختلف في الحربيين إذا قدموا بتجارة في القدر الذي يؤخذ منهم، وهل يؤخذ من عين ما قدموا به، أو من أثمانه؟ فقال مالك: يؤخذ منهم العشر (¬9). وقال ابن القاسم، وابن نافع: ليس في ذلك حد معلوم، إنما هو ما ¬

_ (¬1) انظر: التفريع: 1/ 260، والنوادر والزيادات: 2/ 206. (¬2) قوله: (التي يكثر حملهم) يقابله في غير (م): (ليكثر حملها). (¬3) قوله: (من المدينة) زيادة من (م). (¬4) انظر: التفريع: 1/ 260. (¬5) انظر: التفريع: 1/ 260، والنوادر والزيادات: 2/ 206. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 206. (¬7) في (م): (الذم). (¬8) في (س): (قد مر). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 209.

راضاهم (¬1) المسلمون عليه (¬2). وقال أشهب في المجموعة: إلا أن ينزلوا من غير مقاطعة، فلا يزاد عليهم على العشر (¬3). يريد: إذا لم ينظر في ذلك حتى باعوا- وهذا أحسن إذا لم تتقدم لهم عادة ولم يفت ببيع -، كان الأمر على ما تراضوا عليه من قليل أو كثير. وإن لم ينظر في ذلك حتى فات بالبيع أجروا (¬4) على حكم أهل الذمة. قال ابن القاسم: فإن نزلوا على دنانير معلومة؛ لم يُحل بينهم وبين رقيقهم (¬5). قال: وقال مالك: فإن نزلوا (¬6) على العشرة حيل بينهم وبين وطء الإماء حتى يبيعوا. وإن لم يبيعوا ورجعوا بسلعهم أخذ منهم العشر بخلاف (¬7) الذميين (¬8). قال ابن القاسم: وإن نزلوا على العشرة فليس للوالي أن يقاسمهم رقيقهم حتى يبيعوا إلا أن يبدو لهم في البيع، والخروج إلى بلد آخر، أو إلى بلدهم، إلا أن ينزلوا على أن يقاسمهم رقيقهم (¬9) ما بأيديهم، فلا يكون لهم أن يطؤوا، ولا يبيعوا حتى يقاسموا (¬10). ¬

_ (¬1) في (ق 3): (راضهم). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 209. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 209. (¬4) قوله: (فات بالبيع أجروا) يقابله في (م): (قارب البيع أخذوا). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 209. (¬6) قوله: (فإن نزلوا) ساقط من (م). (¬7) قوله: (وطء الإماء. . . بخلاف) ساقط من (م). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 210. (¬9) قوله: (رقيقهم) ساقط من (ق 3). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 210.

وقال أشهب في كتاب ابن المواز: لهم أن يرجعوا بسلعهم إلا أن يشترط عليهم شروط (¬1). وقال مالك في المجموعة في الذمِّيِّ يقدم بالخمر أو ما يحرم علينا (¬2): تركوا حتى يبيعوه، فيؤخذ منهم عُشر الثمن، وإن خيف من خيانتهم، جعل عليهم أمين (¬3). قال ابن نافع: وذلك إذا جلبوه لأهل الذمة لا إلى أمصار المسلمين التي لا ذمة فيها (¬4). وقال ابن شعبان: لا يجوز الوفاء لهم (¬5) بذلك، ولا النزول بمثل هذا، وتُهراق الخمر، وتُعرقب الخنازير، فإن نزلوا على أن يقروا على ذلك، وهم بحدثان نزولهم، قيل لهم: إن شئتم فعلنا ذلك وإلا فارجعوا. وإن طال مكثهم، فُعل (¬6) ذلك وإن كرهوا (¬7). ¬

_ (¬1) في (س): (شرط). وانظر: النوادر والزيادات: 2/ 210. (¬2) في (م): (عليه). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 207. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 207. (¬5) قوله: (الوفاء لهم) يقابله في (س): (لهم الوفاء). (¬6) في (س): (فعلى). (¬7) انظر: الزاهي، لابن شعبان، لوحة رقم: [48 / ب]، والنوادر والزيادات: 3/ 370.

باب في زكاة معادن الذهب والفضة

باب في زكاة معادن الذهب والفضة الزكاة تجب في معادن الذهب، والفضة دون معادن النحاس، والحديد، والرصاص. وذلك بأربعة شروط: أن يؤخذ من معدن واحد ونيل واحد عشرون دينارًا (¬1)، أو مائتا درهم بعد الكلفة والمؤنة. واختلف فيما نيل من المعدن بغير كلفة، أو كلفة يسيرة على ثلاثة أقوال: فقيل: يخمَّس. وقيل: يزكَّى. وقيل: إن كان له قدر خُمْس (¬2) خُمِّس. وقال مالك في المدونة في الندرة (¬3) توجد في المعدن من غير كبير عمل: تخمَّس (¬4). وقال في كتاب ابن سحنون: تزكى (¬5). وظاهر قوله في كتاب محمد: أنها تخمَّس إذا كانت كثيرة (¬6). وقال أيضًا في كتاب ابن سحنون في الرِّكازِ: لا يخمَّس إذا كان قليلًا (¬7)، فعلى هذا لا تخمَّس الندرة إذا كانت قليلة، وليست بأعلى رتبة من الرِّكاز، وإذا لم تخمَّس ضمها إلى ما أصاب (¬8) في المعدن، وجرت على حكم الزكاة. ومحمل قوله: إنها تخمَّس؛ إذا لم يصب سواها، وإن أصاب غيرها وكان إن ¬

_ (¬1) قوله: (دينارًا) ساقط من (س). (¬2) قوله: (خمس) زيادة من (م). (¬3) في (س): (النذرة)، (¬4) انظر: المدونة: 1/ 337. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 337. (¬6) انظر: المدونة: 1/ 337. (¬7) انظر: المدونة: 1/ 337. (¬8) في (م): (صار).

أضيفت الندرة إليه؛ بلغ نصابًا (¬1)، وإذا لم تضف؛ لم يكن في (¬2) الباقي نصاب، أجري أمرهما (¬3) على ما هو أكثر للمساكين من خمُس الندرة، أو رُبع عُشر الجميع، هذا على تسليم القول: إنها تخمَّس. والقول: إنها تزكى، أحسن؛ لأن الخُمس في الرِّكاز، وهذا معدن (¬4). وقال سحنون: والرِّكازُ هو (¬5) دفنُ الجاهليةِ، فيؤخذ [منه الخمس (¬6)، (¬7) لقوله -عز وجل-] (¬8): {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41]، وإذا انقطع نيل المعدن، ثم حفر وأدرك نيلًا آخرة لم يضف إلى الأول. ويعتبر نيل كل واحد بانفراده، فما كان منه نصابًا؛ زُكِّي. وأما المعدنان، فاختلف إن ابتدأ في عمل أحدهما، فلم ينقطع نيله حتى عمل في الآخر وأدرك نيلًا، فقال سحنون: لا يضافان (¬9). ¬

_ (¬1) قوله: (بلغ نصابًا) ساقط من (م). (¬2) قوله: (في) ساقط من (س). (¬3) في (س): (أمرها). (¬4) انظر تفصيل المسألة في المدونة: 1/ 337. (¬5) قوله: (هو) ساقط من (ق 3). (¬6) قوله (فيؤخذ منه الخمس)، في (م): (فوجب). (¬7) انظر: المدونة: 1/ 337. (¬8) في (س): (بقوله). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 201. ونصه فيه: قال سحنونٌ: وإذا أصاب في نيل المعدن مائة درهمٍ، ثم انقطعَ فابتدأ العملَ فأخرج مائة أخرى، فلا يضم ذلك بعضه إلى بعض، كزرع ائتنفه بعد حصادٍ، ولو أن له أربع معادن، أو أُقطعها لم يضم ما يصيب في واحدٍ منها في باقيها، ولا يُزكِّي إلا عن مائتي درهم فأكثر، من كلِّ معدنٍ، وكل معدنٍ كسبه مؤتنفه في الزرعِ، وليس كزرع يضم بعضه إلى بعضٍ زرعه في عامٍ واحدٍ.

فصل [في زكاة المعادن]

وقال محمد بن مسلمة: يضافان (¬1). وإن وجد في معدن أوقيتين (¬2)، ثم استأنف العمل في ثانٍ ونيلُ الأول قائمٌ، فوجد فيه أيضًا أوقيتين (¬3)، ثم انقطع نيله، ثم عاد إلى الأول فأخذ منه أوقية أو أوقيتن- زكَّاهما جميعًا؛ لأنهما خمس أواقٍ. قال (¬4): وإن كان له تسعة عشر دينارًا، فحال عليها الحول، وأصاب في معدن دينارًا- فإنه يزكي العشرين. وعلى قول سحنون؛ لا زكاة عليه في هذه العشرين قياسًا على قوله في المعدنين. فصل [في زكاة المعادن] واختلف في معادن: الذهب، والفضة، والنحاس، والحديد، والرصاص، يظهر في أرض (¬5) ملك لرجل، فقال مالك: الأمر فيه إلى الإمام، يقطعه لمن رآه (¬6). قال: لأن المعادن يجتمع إليها شرار الناس. وقال في كتاب ابن سحنون: هو باقي على ملك (¬7) صاحب الأرض ولا ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 201. ونصه فيه: وقال محمد بن مسلمة: يضم بعضها على بعض وُيزكّي الجميع كالزرعِ. (¬2) قوله: (أوقيتين) ساقط من (م). (¬3) قوله: (أيضًا أوقيتين) يقابله في (م): (نصابًا وأوقيتين). (¬4) قوله: (قال) ساقط من (م). (¬5) قوله: (أرض) ساقط من (س) و (م). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 340. (¬7) في (م): (حكم).

مقال لأحد عليه فيه (¬1). قال ابن حبيب: ولا يبالي كان أصل الأرض قبل ذلك من أرض الحرب والصلح، أو العنوة، فهي لمن ظهرت في أرضه، وليس ظهور المعدن في الأرض يزيل ملك صاحبها عنها (¬2). واختلف فيه قول (¬3) سحنون؛ فروي عنه مثل ذلك (¬4)، وقال أيضًا: أما معادن الذهب، والفضة، فالأمر فيها إلى الإمام لحفظ الزكاة (¬5). فأما معادن (¬6)؛ الحديد، والنحاس، والرصاص، فلمالك الأرض؛ لأنه لا زكاة فيها (¬7). وهذا ضعيف لوجهين: أحدهما: أن زكاة العين والزرع موكولة إلى أمانة أهلها بخلاف ما يخرص. والثاني (¬8): أنه لو لم يكل (¬9) الزكاة إلى أمانتهم؛ لجُعل معهم أمين، وليس كون الشركة بجُزء الزكاة مما يوجب أن يؤخذ منه جميع المال، ويخرج عن ملكه. والقول: أنه لمالك الأرض أصوب، ويأمره الإمام أن لا يجتمع (¬10) إليه ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 340. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 204. (¬3) في (س) و (م): (عن). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 205. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 205. (¬6) قوله: (الذهب، والفضة. . . فأما معادن) ساقط من (م). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 205. (¬8) قوله: (أن زكاة. . . والثاني) ساقط من (م). (¬9) في (س) و (ب): (تكن). (¬10) في (م): (يجمع).

فصل [القول في المعادن وملكها وإقطاعها وأخذ الزكاة مما يخرج منها من ذهب أو ورق]

أحد يُخشى منه ضرر ولا فساد، فإن لم يفعل؛ باعه ممن لا يخشى ذلك منه. فصل [القول في المعادن وملكها وإقطاعها وأخذ الزكاة مما يخرج منها من ذهب أو ورق] واختلف بعد القول أنه لمالكه إذا أعطاه لمن يعمل فيه على معاوضة في الصفة التي يجوز أن يُعطى عليها، وعلى ملك من يزكي، فأنزله ابن الماجشون وغيره بمنزلة من أعطى مالًا قراضًا، أو مساقاة، وأجاز أن يعطي المعدن على جزء نصف، أو (¬1) ثلث، أو ربع، أو بأجرة (¬2) يأخذها العامل، فيكون ما أخرج لمالكه. فأنزله مالك، وأشهب، وسحنون بمنزلة من أكرى أرضه بأجرة معلومة يأخذها صاحبُها، فيكون ما أخرج للعامل، ويزكي (¬3) على ملك العامل. وأجاز في كتاب محمد أن يعطى على الثلث، والخمُس، ويجوز على هذا أن يعطى بأجرة يأخذها العامل ويكون ما أخرج لمالكه. وأجاز مالك في كتاب ابن سحنون للإمام أن يعطي المعدن لمن يعمل فيه على شيء معلوم (¬4) يؤديه إليه بمنزلة من أكرى أرضه. وقال أشهب في كتاب محمد، في أهل الصلح يسلمون وفي أيديهم معدن، فيأذنون (¬5) لمن يعمل فيه من سواهم: فلا بد من زكاة ذلك (¬6). قال: وكذلك من عاملهم عليها قبل ¬

_ (¬1) قوله (نصف، أو) سا قط من (م). (¬2) في (س): (ثلث وربع أو بإجارة). (¬3) في (م): (يزكى). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 198. (¬5) في (س): (أو أذنوا). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 199.

الإسلام إن كان مسلمًا يؤدي زكاته بمنزلة من اكترى منهم أرضهم (¬1). فيه فائدتان: أنه يزكيه المسلم وإن كان في (¬2) الأصل للكافر (¬3)، وأنه بمنزلة الاكتراء، ولا يجوز على هذا أن يعطيه بجزء مما يخرجه، إلا على قول الليث في كراء الأرض بالجزء، ويُمنع على قول ابن القاسم، أن يُعْطَى معدن الذهب بذهب، كما يمنع من كراء الأرض بالحنطة لمن يزرعها حنطة، ويمنع من كرائها بفضة كما يمنع من كراء الأرض بالعسل والملح. واختلف عبد الملك وسحنون في زكاته، فقال عبد الملك (¬4): إذا أعطى لمن يعمل فيه، فالشركاء فيما خرج منه كالواحد، والعبدُ فيه كالحر، والذمي كالمسلم (¬5) فإنما يزكى على ملك صاحبه (¬6). وقال سحنون: هو كالزرع ليس على عبد ولا على ذمي فيه شيء، وحكم الإشراك فيه حكمهم في الزرع (¬7). والأول أحسن؛ لأن ما يؤخذ من المعدن قد كان فيه موجودًا، فلم يخرج العامل فيه من عنده شيئًا، وإنما حفر عن شيء موجود حتى كشف عنه، فالذي كان فيه موجودًا، هو الذي يزكى، ومكتري الأرض أخرج من عنده الزريعة ووضعها في الأرض، وهي التي نبتت، وإذا كان ذلك؛ وجب أن يزكى المعدنُ على ملك صاحبه. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 200. (¬2) قوله: (في) زيادة من (م). (¬3) قوله: (الأصل للكافر) يقابله في (س): (للكافر في الأصل). (¬4) قوله: (وسحنون. . . عبد الملك) ساقط من (م). (¬5) انظر: المصدر السابق، الموضع نفسه. (¬6) قوله: (فإنما يزكي. . . صاحبه) ساقط من (ق 3). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 201.

فإن كان لحر مسلم؛ زُكي، وإن كان العامل عبدًا، أو ذميًّا، أو جماعة. وإن كان المعدن لذمي؛ لم يزكِّ العامل وإن كان حرًّا مسلمًا (¬1). وفي كتاب الشركة ذكر بيع (¬2) المعادن، وموت (¬3) من أقطعت له. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 201. (¬2) قوله: (بيع) ساقط من (م). (¬3) قوله: (موت) ساقط من (م).

باب القول في الركاز

باب القول (¬1) في الرِّكاز قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وَفي الرِّكَازِ الخُمُسُ" (¬2). قال الشيخ - رضي الله عنه -: يعتبر في الرِّكاز خمسة أوجه: جنسه. هل هو عين أو عرض؟ وقدره. وهل يكلف فيه عمل؟. والموضع الذي وجد فيه هل هو فلاة أو مملوك؟. وهل وجده مسلم أو كافر؟. فإن كان عينًا وله قدر، ولم يتكلف فيه كبير عمل- خُمِّس قولًا واحدًا. واختلف إذا كان عرضًا، أو عينًا لا قدر له، أو له قدر (¬3) وقد تكلف فيه المؤنة، فقال مالك مرة: إذا كان جوهرًا، أو لؤلؤًا، أو حديدًا، أو نحاسًا- يُخمَّس (¬4). وقال أيضًا: لا خمس فيه (¬5). وقال مالك (¬6) في المدونة: إذا كان عينًا، وكان يسيرًا؛ خمس (¬7). ¬

_ (¬1) قوله: (القول) ساقط من (س). (¬2) أخرجه مالك، في باب زكاة الرِّكاز، من كتاب الزكاة: 1/ 249، برقم (585)، والحديث في الصحيحين أخرجه البخاري: 2/ 545، في باب في الرِّكاز الخمس، من كتاب الزكاة: برقم (1428)، ومسلم، في باب جرح العجماء والمعدن والبئر جبار، من كتاب الحدود: 3/ 1334، برقم (1710). (¬3) قوله: (ولم يتكلف. . . له قدر) ساقط من (م). (¬4) قوله: (يخمس) ساقط من (م). وانظر: المدونة: 1/ 340. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 340. (¬6) قوله: (مالك)، ساقط من (ق 1) و (م). (¬7) انظر: المدونة: 1/ 340.

وقال في كتاب ابن سحنون: لا خمس فيه (¬1). واختلف عنه إذا أدركه بعد الكلفة والمؤنة، فقال: يخمَّس (¬2). وقال في الموطأ، والمدونة: سمعت أهل العلم يقولون في الرِّكاز: إنما هو دفن الجاهلية ما لم يطلب بمال، ولم يتكلف فيه كبيرُ عمل، وأما ما طلب بمال أو تكلف فيه كبير عمل (¬3) فأصيب مرة وأُخطئ مرة- فليس بركاز. قال مالك: وهذا الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا (¬4). قال الشيخ - رضي الله عنه -: الصواب أن يخمَّس العين، والجوهر، والعروض والقليل والكثير (¬5)، وما تكلف فيه العمل لعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وَفي الرِّكَازِ الخُمُسُ" ولم يفرق، وقياسًا على المغانم أنها تخمَّس، العين، والعروض، والقليل والكثير، وإن تكلف فيه القتال. وقد قال سحنون في الرَّكاز: دفن الجاهلية، وفيه الخمس (¬6) لقول الله -عز وجل-: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41]، وما وجد على البحر من تماثيل الذهب والفضة- خُمَّس (¬7). وما وُجد من ترابها، وليس بمعدن فغسل فوجد فيه الذهب وأَيْضة- خُمِّس (¬8) إن كان يتكلف من ذلك العمل (¬9) اليسير ويختلف فيه إذا ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 205. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 205. (¬3) قوله: (وأما ما طلب. . . كبير عمل) ساقط من (س). (¬4) انظر: الموطأ: 1/ 249، وانظر: المدونة: 1/ 340. (¬5) قوله: (والكثير) ساقط من (ق 1). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 337. (¬7) انظر: المدونة: 4/ 456. (¬8) انظر: المدونة: 4/ 456. (¬9) في (س): (الغسل).

فصل [في زكاة الركاز]

كان ما له قدر، وفيه مشقة. ومحمل قوله في كتاب اللقطة، أنه يزكى، ولا يخمِّس على أنه تعظم فيه التكلف. فصل [في زكاة الركاز] وإذا وُجد الرِّكاز في فلاة من الأرض؛ كان لواجده، وفيه الخمس (¬1). واختلف إذا وجده وحده (¬2) في أرض مملوكة بشراء، أو خطبة (¬3)، أو عنوة، أو صلح؛ فقال مطرف، وابن الماجشون، وابن نافع، وأصبغ في كتاب ابن حبيب: هو لواجده (¬4). وقال ابن نافع موضع آخر: إذا كان جاهليًّا (¬5). وقال مالك في كتاب ابن سحنون فيمن وجد ركازًا في منزل غيره: أنه لصاحب المنزل (¬6). وقال عبد الملك بن الماجشون فيمن استأجر رجلًا يحفر له في داره، فوجد ركازًا: هو لصاحب الدار (¬7). وهذا خلاف ما حكى (¬8) عنه ابن حبيب. وقال مالك في المدونة فيمن وجد ركازًا من دفن الجاهلية في بلاد قوم صالحوا عليها: فأراه لأهل تلك الدار الذين صالحوا عليها دون من أصابه (¬9). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 202. (¬2) قوله: (وحده) زيادة من (م). (¬3) قوله: (أو خطة) ساقط من (م). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 202. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 202. نقلًا عن: الواضحة لابن حبيب. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 205. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 203. (¬8) في (م): (ذكر). (¬9) انظر: المدونة: 1/ 339.

وإن أصيب في أرض عنوة؛ كان لجماعة المسلمين أهل تلك البلاد الذين افتتحوها دون من أصابه. قال ابن القاسم: لأن ما في داخلها بمنزلة ما في خارجها، وهو لجميع أهل الجيش (¬1)، ويخمَّس. قال ابن القاسم في كتاب محمد: إلا أن لا يوجد أحد ممن كان افتتحها، ولا من ورثتهم، فيكون لجماعة المسلمين عنهم (¬2) ما كان لهم، وهو أربعة أخماسه، ويوضع خمسه موضع الخمس إلا أن يعلم أنه لم يكن لأهل تلك العنوة فيكون لمن وجده، ويخرج خُمسه (¬3). وقال سحنون في العتبية: اذا لم يبق من الذُين افتتحوها أحد، ولا من أولادهم، ولا من نسلهم (¬4) - جعل مثل اللقطة، وتصدق به على المساكين. وإن كانت الأرض لا يعرف كانت عنوة، أو صلحًا، أو ملكًا (¬5) - فهو لمن أصابه (¬6). وقال أشهب في مدونته فيمن وجد شيئًا من دفن الجاهلية في بلد قوم صالحوا عليها: إن كانوا مما يجوز أن يكون لهم (¬7)؛ كان فيه التعريف، وليسوا بأعظم حرمة في دفنهم من المسلمين في دفنهم إذا وجد كان فيه التعريف (¬8). وإن كان مما لا يجوز أن يكون لهم، وإنما هو لمن لم تكن له ذمة، ولا ممن يرثه أهل ¬

_ (¬1) قوله: (لجميع أهل الجيش) يقابله في (س): (لجماعة أهل تلك البلاد)، وفي (م): (وهو لجميع أهل تلك البلاد). (¬2) قوله: (عنهم) ساقط من (م). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 339. (¬4) في (س): (نسبهم). (¬5) قوله: (ملكا) ساقط من (ق 1) و (م). (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 456. (¬7) قوله: (لهم) ساقط من (س). (¬8) قوله: (وليسوا. . . فيه التعريف) ساقط من (م).

الذمة- ففيه الخمس، وسائره لمن وجده (¬1). وقال ابن القاسم في المدونة: إن أصابه إنسان في دار نفسه (¬2)، فإن كان من الذين صالحوا على تلك الأرض؛ كان له، وإن كان من غير الذين صالحوا على تلك الأرض، كان للذين صالحوا على تلك الأرض (¬3). يريد: إذا كان الذين صالحوا على تلك الأرض جماعة، وإن كان واحدًا؛ كان له، وهذا مثل قول مالك: إن الرِّكاز لبائع الأرض دون المشتري (¬4). وقد قال ابن القاسم في مثل هذا: أن ما في داخلها بمنزلة ما في خارجها (¬5). وقول مالك أنه لمالك الأرض دون المشتري، أحسن؛ لأن من اختط أرضًا أو أحياها، ملكها وملك ما في بطنها، ولا خلاف أنه أحق به، وليس جهله به هي هنا (¬6) مما يُسقط ملكه عنه، وإنما يدخل المشتري في الشراء على المعتاد، فجهل الأول والثاني مختلف؛ فجهل الأول لا يزيل (¬7) ملكه، ويوجب له ملك ما في بطنها وإن لم يقصده، وجهل المشتري لا يوجب له شراء ما لم يقصده، ولا يسقط ملك الأول؛ لأنه لم يقصد بيعه. ويختلف إذا استأجر المشتري أجيرًا فحفر له، فوجد الأجير ركازًا؛ هل يكون له أو للمشتري أو للبائع؟ ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 202. (¬2) قوله (دار نفسه) يقابله في (س): (بيته). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 339. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 339. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 339. (¬6) قوله: (هي هنا) ساقط من (س) و (م). (¬7) قوله: (لا يزيل) يقابله في (م): (يريد).

باب فيمن يجوز له أخذ الزكاة

باب فيمن يجوز له أخذ الزكاة أوجب الله تعالى في كتابه الزكاة لثمانية أصناف (¬1): الفقراء، والمساكين، والعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب، والغارمين، وفي سبيل الله، وابن السبيل. فأما الفقير (¬2) فتعطى بثلاثة شروط وهي: أن يكون حرًّا، مسلمًا، ممن لا تلزم المزكي نفقته. فإن أعطى عبدًا، أو أم ولد، أو مدبَّرًا، أو معتقًا إلى أجل، أو معتقًا بعضه- لم يجزئه إذا كان عالمًا؛ لأن هؤلاء وإن كانوا فقراء في معنى الموسر؛ لأن نفقتهم على من له الرق فيهم، فإن عجز عن الإنفاق عليهم؛ بيع هذا، وعجل عتق الآخر. وإن أعطى كافرًا وهو عالم؛ لم تجزئه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ: "أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً فِى أَمْوَالهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، وَتُرَدُّ (¬3) فِى فُقَرَائِهِمْ" (¬4). فاقتصر في ردها على المسلمين. وإن أعطاها لغني، أو عبد، أو نصراني وهو عالم- لم تجزئه (¬5)، وإن لم يعلم وكانت قائمة بأيديهم؛ انتزعت منهم، وصرفت لمن يستحقها. وإن أكلوها غرموها على المستحسن من القول؛ لأنهم صانوا (¬6) بها أموالهم، وإن هلكت بأمر من الله، وكانوا غروا من أنفسهم (¬7) - غرموها، وإن لم يغروا؛ لم يغرموها، ¬

_ (¬1) قوله: (أصناف) ساقط من (س). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 281. (¬3) في (م): (وتوضع). (¬4) سبق تخريجه، ص: 857. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 281. (¬6) في (س): (صونوا). (¬7) في (م): (بأنفسهم).

ويختلف (¬1) فيمن كان وجبت عليه؛ هل يغرمها؟ وكذلك الإمام، أو من جعل إليه تفريقها. وحكم مخُرج الزكاة إذا أخطأ (¬2)، حكم الوكيل يخطئ فيما وُكل عليه؛ لأنه بنفس إخراجها وتميزها من جملة ماله؛ بريء منها إن ضاعت. ولا يجزئه أن يعطيها من تلزمه نفقته، من زوجة، أو ولد، أو والد؛ لأن منفعتها عائدة عليه. واختلف إذا أعطت الزوجةُ زكاتَها لزوجها، فمنع من ذلك في المدونة (¬3). وذكر أبو الحسن ابن القصار عن بعض شيوخه، أن ذلك على وجه الكراهية، فإن فعلت أجزأها. وقال ابن حبيب: إن كان يستعين بما تعطيه في النفقة عليها؛ لم تجزئها، وإن كان بيده ما يُنفق عليها منه (¬4) وهو فقير، ويصرف ما تعطيه في كسوته ومصلحته؛ أجزأها (¬5). قال الشيخ - رضي الله عنه -: وإن أعطى أحد الزوجين الآخر ما يقضي منه دينًا؛ جاز؛ لأن منفعة ذلك لا تعود على المعطي. واختلف إذا أعطى رجل زكاته من لا تلزمه نفقته من أقاربه؛ فكره مالك ذلك في المدونة خوفًا أن يحمدوه عليها (¬6). وذكر مطرف عنه في كتاب ابن حبيب أنه قال: لا بأس بذلك (¬7). ¬

_ (¬1) في (س): (لم يختلف). (¬2) في (على): (حصل). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 345. (¬4) قوله: (منه) ساقط من (م). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 295. (¬6) انظر: المدونة: 1/ 347. ونصها: "إنما أخاف بذكر هذه الأشياء يحمدونه عليها". (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 295.

فصل [في عجز الفقير والمريض عن الزكاة]

قال: وحضرت مالكًا يعطي زكاته قرابته (¬1). قال الواقدي: قال مالك: أفضل من وضعت زكاتك فيه قرابتك الذين لا تعولُ (¬2). وهذا أحسن لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لزوجة عبد الله بن مسعود: "لكِ أَجْرَانِ: أَجْرُ القَرَابَةِ، وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ" (¬3). فصل [في عجز الفقير والمريض عن الزكاة] وإذا كان الفقير أو المسكين غير قادر على الاكتساب لزَمانة، أو ضرارة بَصَرٍ، أو صِغر، أو شيخوخة أُعطي من الزكاة. واختلف إذا كان شابًّا صحيحًا، فأجاز مالك (¬4) في مختصر ما ليس في المختصر: أن يُعطى، وقال يحيى بن عمر: لا يُعطى وإن فعل فلا يُجزئه؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلاَ لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ" (¬5). وقال في حديث آخر: "وَلاَ لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ" (¬6) فاقتضى الحديث الأول المنع لوجود الصحة، لا ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 295. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 295. (¬3) متفق عليه أخرجه البخاري: 2/ 533، في باب الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر، من كتاب الزكاة، برقم (1397)، ومسلم: 2/ 649، في باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد، من كتاب الزكاة، برقم (1000). (¬4) في (م): (ذلك). (¬5) حسن، أخرجه أبو داود: 1/ 514، في باب من يُعطَى من الصدقة وحَدُّ الغني، من كتاب الزكاة، برقم (1634)، والترمذي: 3/ 42، في باب ما جاء في من لا تحل له الصدقة، من كتاب الزكاة، برقم (652)، وقال الترمذي: حديث حسن، وأحمد: 2/ 164، في مسند المكثرين من الصحابة، من مسند عبد الله بن عمرو، برقم (6530). (¬6) صحيح، أخرجه أبو داود: 1/ 513، في باب من يعطى من الصدقة وحد الغني، من كتاب =

فصل [في حد الغنى الذي يمنع أخذ الزكاة]

أكثر من ذلك. وأما قوله: مُكتسب؛ فيحتمل أن يريد به من له قوة (¬1) على الاكتساب بصحة بدنه، أو لأن له صناعة، والصحيح على خمسة أوجه: فمن كانت له صناعة فيها كفاية لمؤنته، ومؤنة عياله؛ لم يُعط، ولا فرق بين أن يكون غنيًّا بمال، أو صنعة يقوم منها عيشُه فيها كفاية (¬2). وإن لم تكن فيها كفاية؛ أُعطي ما يكون (¬3) تمام الكفاية إلى ما يجد (¬4). وإن كسدت صناعتُه؛ كان كالزَّمِنِ (¬5). وإن لم تكن له صناعة، ولا يجد في الموضع ما يحترف فيه (¬6)، أُعطي الزكاة. وإن كان يجد ما يحترفُ فيه (¬7) لو تكلف ذلك، كان موضع الخلاف، فأجيز له الأخذ بالقرآن؛ لأنه فقير، ومُنع للحديث. فصل [في حد الغنى الذي يمنع أخذ الزكاة] واختلف في معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنيٍّ إِلاَّ لخِمْسَةٍ (¬8) " (¬9) ¬

_ = الزكاة، برقم (1633)، والنسائي: 5/ 99، في باب مسألة القوي المكتسب، من كتاب الزكاة، برقم (2598)، وأحمد: 4/ 224، في مسند الشاميين، من حديث رجلين أتيا النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم (18001). (¬1) في (س): (قدرة). (¬2) قوله: (فيها كفاية) ساقط من (ق 3). (¬3) قوله: (ما يكون) ساقط من (س). (¬4) قوله: (إلى ما يجد) ساقط من (ق 3). (¬5) في (م): (كالدين). (¬6) في (م): (يتحرف به). (¬7) في (م): (يتحرف به). (¬8) من قوله: (إلا لخمسة) ساقط من (س) و (م). (¬9) صحيح، أخرجه مالك: 1/ 514، في باب أخذ الصدقة ومن يجوز له أخذها، من كتاب الزكاة، برقم (604)، وأبو داود: 1/ 514، في باب من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني، من كتاب الزكاة، برقم =

على ثلاثة أقوال: فقيل: هو من كانت له كفاية وإن كانت دون نصاب للحديث: "مَنْ سَأل وَلَهُ أُوقِيَّةٌ أَوْ عَدْلهُا فَقَدْ سَأَلَ إِلحافًا" (¬1). وقيل: هو من له نصاب، وأن الغني الذي حرمت عليه، هو كالغني (¬2) الذي تجب عليه. ومن كان له دون نصاب، حلت له للحديث: "أمرت أن آخذها من أغنيائهم، فأردها في فقرائهم" (¬3). وقيل: المراد الكفاية، فمن كان له أكثر من نصابٍ ولا كفاية فيه (¬4)؛ حلت له. وهذا ضعيف؛ لأنه غني تجب عليه الزكاة، فلم يدخل في اسم الفقراء، ولأنه لا يدري هل يعيش إلى أن ينفق (¬5) ما في يديه، ولا خلاف بين الأمة فيمن كان له نصاب، وهو ذو عيال ولا يكفيهم ما في يديه، أن الزكاة واجبة عليه، وهو في عداد الأغنياء، وإذا كان ذلك (¬6) فلم يحلَّ أن يعطى. وأما قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ سَأَل وَلَهُ أُوقِيَّةٌ أَوْ عَدْلهُا فَقَدْ سَأَلَ إِلحافًا" محمله على من سأل من غير الزكاة فلا تجب مواساته، ألا ترى أنه لا (¬7) تجب مواساة من له دار وخادم لا فضل في ثمنهما (¬8)، ويجوز له أن يأخذ من ¬

_ = (1635)، والحاكم: 1/ 566، في كتاب الزكاة، برقم (1481)، وصححه. (¬1) صحيح، أخرجه أبو داود: 1/ 511، في باب من يعطى من الصدقة وحد الغني، من كتاب الزكاة، برقم (1627)، والنسائي: 5/ 98، في باب إذا لم يكن له دراهم وكان له عدلها، من كتاب الزكاة، برقم (2596). (¬2) في (س): (الغني). (¬3) سبق تخريجه، ص: 965. (¬4) قوله: (فيه) ساقط من (م). (¬5) قوله: (إلى أن ينفق) يقابله في (س): (بلى أن يفنى)، وفي (م): (حتى يذهب). (¬6) في (م): (ذلك كذلك). (¬7) قوله: (لا) ساقط من (س). (¬8) قوله: (في ثمنهما) يقابله في (س) و (م): (فيهما).

فصل [في العاملين على جمع الزكاة ومن لا يستعمل عليها]

الزكاة (¬1)، وفي الحديث: "أو عِدْلِهَا". والدار والخادم أكثر من عدل الأوقية، ولم يكن ذلك مما (¬2) يمنع من أن يعطى الزكاة. واختلف هل يعطى الفقير نصابًا، وأرى أن ينظر إلى زكوات (¬3) الناس بذلك البلد، فإن كان يخرج به زكاة واحدة في العام، وُسع (¬4) له في العطاء على قدر (¬5) ما يُرى أنه يُغنيه إلى مثل ذلك الوقت إذا كان في الزكاة متسعٌ لذلك، وإن كان يخرج به (¬6) زكاتان: العين والزرع، أعطي من الأولى ما يبلغه الثانية إذا كان فيها محمل لذلك. وإن كان يخرج به زكاة العين، والحرث والماشية، أعطي من كل واحدة ما يبلغه الأخرى. والغِنَى المراعى: العين، وعروض التجارة، وفضلة بينة (¬7) على القنية. فإن كانت له دار أو خادم لا فضلة فيهما، أو كانت فيهما فضلة يسيرة؛ أُعطي من الزكاة. وإن كانت فضلة بينة؛ لم يُعطَ. فصل [في العاملين على جمع الزكاة ومن لا يستعمل عليها] قال الله -عز وجل-: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: 60]، وهم الذين يستعملون على جمع الزكاة (¬8)، فيعطى أجرته بقدر سعيه، وتعبه، وما تكلّف من القرب والبعد. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 344. قال: وبلغني عن عمر بن عبد العزيز فيمن له الدار والخادم والفرس أن يعطى من الزكاة. (¬2) قوله: (مما) ساقط من (س) و (م). (¬3) قوله: (إلى زكوات) يقا بله في (س): (زكاة). (¬4) في (س): (قدم). (¬5) قوله: (على قدر) ساقط من (س) و (م). (¬6) قوله: (به) ساقط من (س). (¬7) في (م): (بيده). (¬8) قوله: (جمع الزكاة) يقابله في (س): (جميع الزكوات).

ويجوز أن يستعمل عليها غني؛ لأنه يأخذ ذلك بوجه الأجرة، ولا يستعمل عليها أحد من آل النبي - صلى الله عليه وسلم -. واختلف في العبد والنصراني، فقال محمد: لا يستعملان عليها؛ لأنهما لا حق لهما في الزكاة، فإن استعملا وفات (¬1)؛ انتزع منهما ما أخذا وأعطيا من الفيء. وأجاز ذلك أحمد بن نصر، وقاسهما على الغني. قال: وقول محمد (¬2) استحسان. وأجاز محمد بن عبد الحكم أن يُعطَى منها للجاسوس، وإن كان نصرانيًّا. ويجوز على هذا أن يستعمل عليها العبد والنصراني، ويعطيا الأجرة منها. والأصل في جواز استعمال الغني قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنيٍّ إِلاَّ لخِمْسَةٍ: لِغَازٍ فِى سَبِيلِ اللهِ، أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا، أَوْ لِغَارِمٍ، أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ، أَوْ رَجُلٍ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ (¬3) " الحديث (¬4). وفي منع من كان من آل النبي - صلى الله عليه وسلم - قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن عبد المطلب ابن الحارث، وللفضل بن عباس وقد سألاه أن يستعملهما على الزكاة فقال: "إِنَّ الصَّدَقَةَ لاَ تَحِلُّ لآلِ مُحَمَّدٍ، إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ" أخرجه مسلم (¬5). ¬

_ (¬1) في (م): (عليها). (¬2) في (م): (سحنون). (¬3) قوله: (أو لرجل. . . جار مسكين) ساقط من (ق 3). (¬4) سبق تخريجه، ص: 968. (¬5) أخرجه مسلم: 2/ 756، في باب ترك استعمال آل النبي - صلى الله عليه وسلم - على الصدقة، من كتاب الزكاة، برقم (1072).

فصل [في المؤلفة قلوبهم]

ولا أرى أن يمنع استعمال العبد والنصراني عليها، وأن يأخذا العوض منها (¬1)؛ لأن كل واحد منهما بائع (¬2) لمنافعه، فيأخذ العوض منها قياسًا على الغني. وأما منع - صلى الله عليه وسلم - آله من الاستعمال عليها، فإن ذلك تنزيه وإعظام لحرمته؛ لأن أخذها على وجه الاستعمال عليها لا يخرجها عن أوساخ الناس، والإذلال في الخدمة لها وفي سببها. فصل [في المؤلفة قلوبهم] واختلف في المؤلفة قلوبهم على ثلاثة أقوال: فقيل: هو الكافر يؤلف بالعطاء ليدخل في الإسلام (¬3). يريد: إذا كان مثله يرجى ذلك منه. وقيل: هو المسلم يكون حديث عهد بالإسلام، يُرى فيه من الضعف ما يخشى عليه، فيُعطى ليثبت في الإسلام. وقيل: هو الرجل من عظماء المشركين يسلم، فيُعطى ليستألف بذلك غيره من قومه ممن لم يدخل في الإسلام. وكل هذا قريب بعضه من بعض، ولا فرق بين أن يعطى كافر لينقذه الله به من النار، أو المُسلم خوفًا أن يعود إلى الكفر، أو ليدخل غيره في الإسلام، فكل ذلك عائد إلى الإيمان للدخول فيه، أو للثبات عليه. وقد روُي عن صفوان بن أمية أنه قال: "أَعْطَانِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ حُنَيْنٍ ¬

_ (¬1) قوله: (منها) ساقط من (م). (¬2) في (م): (تابع). (¬3) انظر: التفريع: 1/ 167، والمعونة: 1/ 169، والتلقين 1/ 67، للقاضي عبد الوهاب.

وَإِنَّهُ لأَبْغَضُ الخَلْقِ إِلَيَّ، فَمَا زَالَ يُعْطِينِي حَتَّى إِنَّهُ لأَحَبُّ الخَلْقِ إِلَيَّ" (¬1). وهذا حجة للقول الأول؛ لأنه لا يبغضه وهو مؤمن. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي لأُعْطِي الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِليَّ مِنْهُ، خَشْيَةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللهُ فِي النَّارِ" (¬2). وهذا حجة للقول الثاني. وقد اختلف في سهم المؤلفة قلوبهم، هل هو منسوخ أم لا؟ فقال ابن شهاب في المدونة: لم يُنسخ من الآية شيءٌ (¬3). وهذا هو الصحيح، وقد كان الأمر على العطاء (¬4) لهم في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وخلافة أبي بكر، وصدرًا من خلافة عمر ثم قال لأبي سفيان: قد أغنى الله عنك وعن ضربائك، ولكنك (¬5) في الفيء كأحدهم. فلا يقال فيما توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمل به بعده (¬6): إنه منسوخ. وقال عمر بن عبد العزيز، وابن شهاب، وأبو محمد عبد الوهاب: إذا دعت الحاجة إلى ذلك في بعض الأوقات؛ رد إليهم سهمهم (¬7). وهذا أحسن؛ لأنه ¬

_ (¬1) صحيح، أخرجه الترمذي: 3/ 53، في باب ما جاء في إعطاء المؤلفة قلوبهم، من كتاب الزكاة، برقم (666)، وأحمد: 3/ 401، في مسند المكيين، من مسند صفوان بن أمية، برقم (15339)، وابن حبان: 11/ 159، في باب الغنائم وقسمتها، من كتاب السير، برقم (4828). (¬2) متفق عليه أخرجه البخاري: 1/ 18، في باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل، من كتاب الإيمان، برقم (27)، ومسلم: 1/ 132، في باب تألف قلب من يخاف على إيمانه لضعفه والنهي عن القطع بالإيمان من غير دليل قاطع، من كتاب الإيمان، برقم (150). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 344. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 344. (¬5) في (س): (ولا أظنك). (¬6) قوله: (بعده) ساقط من (م). (¬7) انظر: المعونة: 1/ 169.

فصل [في عتق الرقاب من الزكاة]

يرتجى من كافر الدخول في الإسلام بالعطاء، ولا يقدر عليه بالسيف. ويخشى على الآخر الارتداد واللحوق بدار الحرب، وُيرجى أن يكون العطاء يصده عن ذلك، فيعطى كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خَشْيَةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللهُ فِي النَّارِ" (¬1). ويرى (¬2) من كافر بعد الأسر الأنفة والتجبر، ويختار القتل على الدخول في الإسلام بالقهر، والتهديد بالسيف، ويرجى منه باللين، والاستئلاف والعطاء الدخول في الإسلام، فيُعطى عند (¬3) ذلك. فصل [في عتق الرقاب من الزكاة] وأما قول الله سبحانه: {وَفِي الرِّقَابِ} [البقرة: 177]. يريد: العتق، فينبغي أن تشترى من الزكاة (¬4) رقبة مسلمة (¬5)، سالمة من العيوب، ليس فيها عقد حرية مما يكون (¬6) ولاؤها للمسلمين. واختلف في خمس: في عتق المعيب، وإعطاء المكاتب، وهل يُعطى الرجل مالًا ليعتق عبده، أو يفدي به أسيرًا أو يعتق بعض عبد، فقال أصبغ في العتبية: إن أعتق عبدًا (¬7) معيبًا، مما (¬8) لا يجزئ عن الواجبات- لم يجزئه (¬9). والذي يدُل ¬

_ (¬1) سبق تخريجه، ص: 973. (¬2) في (س): (وكم رئي). (¬3) في (م): (من). (¬4) قوله: (فينبغي أن تشترى من الزكاة) يقابله في (م): (فتشترى). (¬5) في (س): (كاملة). (¬6) قوله: (مما يكون) يقابله في (م): (فيكون). (¬7) قوله: (إن أعتق عبدًا) ساقط من (س)، وقوله: (عبدًا) ساقط من (م). (¬8) قوله: (مما) ساقط من (ق 3). (¬9) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 419، والنوادر والزيادات: 2/ 285.

عليه قول مالك وغيره من أصحابه- أنها تجزئه (¬1). وقال أحمد بن نصر: إنها تجزئه. ولم يُجز مالك في كتاب محمد، أن يعطى من الزكاة لمن يعتق عبده عن نفسه، وأجازه في مختصر ما ليس في المختصر. وكره مالك في المدونة، أن يُعان منها مكاتب (¬2). وأجازه غيره (¬3)، فإن وفَّى وإلا انتزع منه ذلك. وقال مالك (¬4) في كتاب محمد: إن أعطي ما يتم به عتقه؛ فلا بأس (¬5). وقال أيضًا: لا يعجبني ذلك (¬6). وقال أصبغ، ومحمد بن عبد الحكم: يجزئه (¬7). وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: لا يفتدي منه أسيرًا (¬8). وأجاز ذلك ابن حبيب (¬9)، ومحمد بن عبد الحكم، فأجرى أمر العتق من الزكاة مرة (¬10) مجرى العتق عن الواجبات؛ الظهار والقتل، فلا يجزئه إلا ما يجزئ فيه، ومرة لم يقس عليه. ويختلف على هذا (¬11) إذا أعتق بعض عبد، فمن أجراه مجرى العتق عن ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 285. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 330. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 285. (¬4) قوله: (مالك) ساقط من (م). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 285. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 285. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 285. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 285. (¬9) انظر. النوادر والزيادات: 2/ 285. (¬10) قوله: (مرة) ساقط من (ق 3). (¬11) قوله: (على هذا) ساقط من (م).

الواجبات؛ منع ذلك (¬1) وسواء أعتق بعضًا وبقي الباقي رقيقًا، أو أعتق ما تم به عتقه (¬2). ومنع مطرف في كتاب ابن حبيب، أن يُعتق بعضُ عبدٍ إذا كان لا يتم به عتقه (¬3)، وأجازه إذا كان يتم به عتقه (¬4)، وراعى في ذلك الولاء؛ لأن ميراثه إذا لم يتم عتقه لمن له بقية رقه. وإذا تم عتقه؛ كان للمسلمين من الولاء بقدر ما عتق منه من (¬5) الزكاة (¬6). وعلى القول في المكاتب والأسير أنها تجزئ، يجوز (¬7) عتق بعض عبد وإن لم يتم عتقه؛ لأنه لا ولاء للمسلمين في المكاتب والأسير، ولا فيمن أعطي مالًا (¬8) ليعتق عبده عن نفسه. وإذا لم يراع الولاء؛ فلا شك أن للعبد في عتق بعضه منفعة، فإن أعتق نصفه؛ كان له يوم من نفسه. ولو دفع رجل زكاته للإمام، فرأى أن يعتق منها ولد رب المال، أو والده- جاز له ذلك (¬9)؛ لأنه فك رقبة، والولاء للمسلمين، وهو في هذا أجوز منه في الأسير والمكاتب. ¬

_ (¬1) قوله: (منع ذلك) ساقط من (ق 1). (¬2) قوله: (ما تم به عتقه) ساقط من (م). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 285. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 285. (¬5) في (م): (في). (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 419. (¬7) في (س): (بجزء). (¬8) قوله: (مالًا) ساقط من (م). (¬9) قوله: (له ذلك) ساقط من (س) و (م).

وقال محمد بن عبد الحكم فيمن أخرج زكاته فلم تنفذ حتى أسر: لا بأس أن يفتدي. ولو افتقر (¬1) لم يُعْطَ منها. ومن اشترى رقبة منها من زكاته، ثم قال: هي حرة عن المسلمين، وولاؤها لي، فإن ولاءها للمسلمين وشرطه باطل، وهو مجزئ عنه. واختلف إذا قال: هو حر عني، وولاؤه للمسلمين، فقال ابن القاسم: لا تجزئه وولاؤه له (¬2). وقال أشهب في كتاب محمد: تجزئه، وولاؤه للمسلمين (¬3). قال: وكذلك من يُعطى عبدًا ليُعتقه عن سيده فيعتقه عن نفسه، وهو حر وولاؤه لسيده، أو يعطى أضحية ليذبحها عن صاحبها، فذبحها عن نفسه، فهي مجزية (¬4) عن صاحبها (¬5). وقد قال العبد (¬6) الصالح: ربك أعلم بمن أنزلها من رأس الجبل (¬7). وهذا أحسن؛ لأنه إنما اشتراها للزكاة فهي للمسلمين بنفس الشراء، ولو ¬

_ (¬1) في غير (م): (افترق). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 284. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 284. (¬4) في (م): (عزيمة). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 284. (¬6) في (س) و (م): (الرجل). (¬7) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 349، 18/ 172. ونصه: "قال مالك: بلغني أنَّ رجلًا سافر فأدركه الأضحى في السفر، فمرَّ على راعٍ وهو يرعى على رأس جبل، فقال: يا راعي أتبيع منِّي شاة صحيحة أضحي بها؟ قال: نعم. قال: أنزلها فاتركها فاشتراها منه، ثمَّ قال له: اذبحها عنِّي فذبحها الراعي. وقال: اللهمَّ تقبل منِّي. فقال له ذلك الرجل: ربُّك أعلم بمَنْ أنزلها من رأس الجبل، ثمَّ سار وتركها". وانظر: النوادر والزيادات: 4/ 328.

فصل [في تعريف الغارم وشروط اعتباره]

هلكت، كافت منهم، فإنما أعتق عن نفسه ملك غيره، فلا شيء له (¬1) من ولائه. ولو كان له عبد ملكه، فقال: هو حرٌّ عني، وولاؤه للمسلمين- لم يجزئه قولًا واحدًا. فصل [في تعريف الغارم وشروط اعتباره] والغارم: من عليه دينٌ، فيجوز له (¬2) أن يأخذ من الزكاة ما يقضيه منه (¬3)، وذلك بأربعة شروط: أن لا يكون عنده ما يقضي منه دينه، والدين لآدمي، ومما يحبس فيه، ولا تكون تلك المداينة في فساد، فإن كان الدينُ حقًّا لله سبحانه كفارة ظهار أو قتل - لم يُعطَ ذلك. واختلف إذا تداين في فساد، فقيل لا يعطى منها (¬4) ما يقضي ذلك الدَّيْن (¬5)، وقال محمد بن عبد الحكم: إذا حسُنت حاله أُعطي؛ لأنه غارم، وقد كان له أن يصرف ما تسلف فيما يجوز، وهو دَيْن يلزم ذمته ويُحاصُّ به الغرماء. قال: وإن كان الدَّيْنُ عن جناية خطأ وهي دون الثلث؛ قضي عنه، وإن كانت أكثر من الثلث؛ لم يقض؛ لأن العاقلة لا تحمل مع العُسر، ولا يحاصُّ به الغرماء. وإن كانت الجناية عمدًا؛ جرت على القولين فيما إذا كانت المداينة عما ¬

_ (¬1) في (م): (عليه). (¬2) قوله: (له) ساقط من (س). (¬3) قوله: (ما يقضيه منه) يقابله في (س): (ما يقضي منه دينه)، وقوله (منه) في (م) (من حينه). (¬4) قوله: (منها) ساقط من (س). (¬5) قوله: (الدَّيْن) ساقط من (س).

لا يجوز، فإن لم يتب لم يُعطَ قولًا واحدًا. قال الشيخ - رضي الله عنه -: ولو أتلف غني ماله فيما لا يجوز؛ لم يُعط بالفقر؛ لأنه يصرفه في مثل الأول إلا أن تعلم منه توبة أو يخاف عليه، ولا يعطى منها ابن سبيل إن (¬1) خرج في معصية، وإن خشي عليه الموت، نظر في تلك المعصية، فإن كان يريد قتل إنسان، أو هتك حرمة- لم يعط، ولا يعطى منها ما يستعين به على الرجعة إلا أن يكون قد تاب، أو يُخاف عليه الموت في بقائه إن لم يعطَ. وإن كان عليه رزق لزوجته عن مدة فرطت، وكان موسرًا في حين إنفاقها على نفسها، كان من الغارمين، وإن كان معسرًا، لم يكن من الغارمين (¬2)؛ لأن النفقة ساقطة عن الزوج في حال عسره، كان كانت النفقة لما يستقبل، وكذلك نفقة الولد والوالدين- يعطى بالفقر. ومن تحمل بمال، والمتحمل به موسر- لم يعطَ، وإن كان معسرًا أعطي ما يقضي منه (¬3) حمالته، إلا أن تكون تلك المداينة في فساد. وقال محمد بن عبد الحكم فيمن كانت عليه زكاة فرَّط فيها، فلم يخرجها ناسيًا أو عامدًا حتى تلف ماله، ثم أتى يطلب مع الغارمين ما يؤدي منه زكاته، كان فيها قولان: أحدهما: أن ذلك له؛ لأنه مما يأخذه به السلطان ويحكم عليه به، ثم ترد إلى مواضع الزكاة وقد قضيت ذمته. ¬

_ (¬1) قوله: (إن) ساقط من (س) و (م). (¬2) قوله: (لم يكن من الغارمين) يقابله في (س): (لم يعط). (¬3) قوله: (منه) ساقط من (ق 3).

والثاني: أنه لا يعطى، ولا يقضى من الزكاة زكاة وهذا أحسن؛ لأن هذه غصوب، ولا تقضى الغصوب من الزكاة. وقال محمد بن المواز في كتاب الوصايا: لا يقضى منها دَيْن ميت. وقال ابن حبيب: يقضى منها وهو من الغارمين. قال: وكان امتناع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة على من عليه دَيْن قبل نزول الآية، فلما نزلت الآية صار قضاءُ ذلك (¬1) على السلطان. ومن المدونة قال ابن القاسم فيمن له ألفُ درهم، وعليه ألفان، وله دار وخادم قيمتهما ألفان: فليس من الغارمين، ويكون دينه في داره وخادمه، ويزكَّى ما في يديه. وإن قضى الألف التي عنده، وبقيت عليه ألف؛ كان من الغارمين إذا لم يكن في الدار والخادم فضل عن دار وخادم تعينه (¬2). وقال أشهب: إذا لم يكن في الدار والخادم فضل بعد قضاء الألف التي بقيت عليه من الخادم والمسكن إلا قدر مسكنه وخادمه، ولا فضل له فيما بقي- فأرى أن يعطى من الزكاة، وأن يكون من الغارمين (¬3). يريد: أن الغريم يبيع من الدار بقدر الدَّيْن، ويكون البعض الباقي لا فضل فيه. ¬

_ (¬1) قوله: (قضاءُ ذلك) يقابله في (س): (فرضًا). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 342. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 288.

فصل [في صفة الغارمين]

فصل [في صفة الغارمين] واختلف في صفة الغارمين، فقيل: هو من فدحه الدين (¬1) وإن كان له ما يؤدي منه دَيْنه (¬2). وعند ابن حبيب نحوه. وقال أبو محمد عبد الوهاب: الغارمون الذين لا يجدون وفاء لقضاء دينهم، وتكون معهم أموال بإزاء ديونهم، فيعطون ما يقضون به ديونهم (¬3). وهذا ضعيف، وقد يكون دينهم (¬4) مائة دينار، وفي يده مائة دينار، فليس يقضى دينه لتبقى في يديه مائة (¬5) دينار. فصل [في معني قوله -عز وجل-: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ}] وأما قوله -عز وجل-: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60]. يريد: الغزو، ويُعطى منها الغازي إذا كان غنيًّا في بلده، فقيرًا بالموضع الذي هو فيه. واختلف إذا كان غنيًّا بالموضع الذي هو فيه، فقيل: يُعطى لظاهر الحديث: "لاَ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنىًّ إِلاَّ لخِمْسَةٍ: لِغَازٍ. . ." الحديث (¬6)، ولأن أخذه في معنى المعاوضة والأجرة إذا كان أوقف نفسه لذلك، أو هو في حين غزو، ولأنه يقاتل عن المسلمين، ولأن في إعطائه ضربًا من الاستئلاف لمشقة ما ¬

_ (¬1) فَدَحَه الدَّين أَي: أَثقله، انظر: لسان العرب: 2/ 540. (¬2) قوله: (دينه) ساقط من (م). (¬3) انظر: المعونة: 1/ 270. (¬4) قوله: (دينهم) ساقط في (م). (¬5) قوله: (في يديه مائة) يقابله في (م): (فيه). (¬6) قوله: (لا تحل. . . الحديث) ساقط من (م). سبق تخريجه، ص: 968.

فصل [في قوله تعالى: {وابن السبيل}]

يتكلفون من بذل النفوس. وقيل: لا يعطى إلا أن يكون هناك فقير. وعلى هذا القول يكون كابن السبيل، ويعطى الغزاة وإن كانوا أغنياء إذا كانوا في (¬1) نحر العدو مقيمين بذلك الموضع، فيستألفون بالعطاء لمقامهم به، ويصرف منها للغازي بقدر ما يحتاج إليه في غزوه. وقال محمد بن عبد الحكم: يُجعل منها نصيب في الحملان، والسلاح، وُيشترى منها القوس، والمساحي، والحبال، وما يحتاج إليه لحفر الخنادق، والمنجنيقات للحصون، وتنشأ منها المراكب للغزو، وكراء النواتية (¬2)، ويعطى منها للجواسيس الذين يأتون بأخبار العدو للمسلمين (¬3)، مسلمين كانوا أو نصارى، وُيبنى منها حصن على المسلمين، ولو حصر قوم من العدو قومًا من المسلمين لا قوة لهم بدفعهم، فصالحوهم (¬4) على مال، فلا بأس أن يُعطوا من ذلك، وأرى ذلك كله داخل في عموم قوله: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60]. فصل [في قوله تعالى: {وَابْنِ السَّبِيلِ}] وأما قوله تعالى: {وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60]، وهو المسافر المنقطع فيعطى منها (¬5) بثلاثة شروط: إذا لم يكن سفره في معصية، وكان فقيرًا بالموضع الذي هو به وإن كان غنيًّا ¬

_ (¬1) قوله: (في) ساقط من (س). (¬2) النوَّاتيةُ: الملاحون. انظر: لسان العرب: 2/ 101. (¬3) قوله: (للمسلمين) ساقط من (س). (¬4) في (م): (فصالحهم المسلمون). (¬5) قوله: (منها) ساقط من (م).

في بلده، وكان لا يجد من يسلفه. واختلف إذا وجد من يسلفه وهو غني في بلده (¬1)، فقال مالك في كتاب محمد بن سحنون: لا يعطى (¬2). وقال ابن القاسم في كتاب محمد (¬3): يُعطى (¬4). وقال محمد بن عبد الحكم: ليس عليه أن يتسلف؛ لأنه يُخاف تلف ماله، ويبقى الدَّيْن في ذمته إلا أن يجد من يسلفه، على أنه إن سلم ماله وإلا فهو في حلٍّ (¬5)، فلا يعطى حينئذ. وهذا أحسن، ولو كان رجلًا مقيمًا ببلدة اضطره أمر إلى الخروج لا يستطيع المقام معه، لأعطي ما يبلغه في سفره ذلك، كان كابن السبيل وهو وإن لم يقع عليه اسم ابن السبيل؛ فإنه في معناه لوجود السبب الذي من أجله جاز لابن السبيل أن يأخذ. وإن كان سفره لغير مستعتب، وهو مضطر إلى الرجوع- أعطي للوجهين جميعًا؛ لذهابه ومجيئه. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 282. ونصه فيه: "قال مالكٌ: ولا بَأْسَ أَنْ يعطَى الغازي وابنُ السبيلِ منها وإن كان معهما ما يكفيهما، وهما غنيَّانِ ببلدهما، ولو لم يقبلا، كان أحبَّ إليَّ لهما". (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 283. ونصه فيه: "ومن المجموعة، وكتاب ابن سحنون، قال ابن نافعٍ، عن مالكٍ، في الغريب الغنيِّ ببلده يجد من يسلفه قال: لا يعطَى، فإن لم يجد من يسلفه، فليعطَ". (¬3) قوله: (في كتاب محمد) يقابله في (م): (في كتاب ابن حبيب). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 283. (¬5) في (م): (حال).

باب في تبدية أهل الزكاة، وهل يصدق من ادعى أنه فقير أو غارم، أو ابن سبيل، أو مكاتب أو أنه تحمل بحمالة، ومن أخذ الزكاة بوجه جائز هل تنتزع منه بعد ذلك؟

باب في تبدية أهل الزكاة، وهل يصدق من ادعى أنه فقير أو غارم، أو ابن سبيل (¬1)، أو مكاتب أو أنه تحمل بحمالة (¬2)، ومن أخذ الزكاة بوجه جائز هل تنتزع منه بعد ذلك؟ يبدأ من الزكاة أجر العاملين، ثم بالفقراء والمساكين على العتق؛ لأن سد الخلة للمؤمن أفضل، ولأن ذلك من حق من وجبت عليهم الزكاة لئلا تصرف (¬3) زكاتهم لغير الفقراء، إلا بعد سد خلتهم؛ لأن صرفها إلى غيرهم يوجب عليهم المواساة لأولئك الفقراء قبل العام الثاني. وإن كان هناك مؤلفةٌ (¬4)، بُدِئَ بهم؛ لأن استنقاذهم من النار (¬5) وإدخالهم في الإسلام، أو تثبيتهم عليه إن كانوا قد أسلموا أفضل الأعمال، وذلك أولى من إطعام فقير. وقد يُبدأ بالغزو إذا خُشي على الناس. ويُبدأ بابن السبيل على الفقير إن كان يُدركه في بقائه، أو تأخره عن بلده، ضرر (¬6)، والفقير في وطنه أقل ضررًا (¬7). ¬

_ (¬1) قوله: (أو ابن سبيل) ساقط من (م). (¬2) قوله: (أو أنه تحمل بحمالة) ساقط من (م). (¬3) في (س): (تصير). (¬4) في (س) و (م) (مؤلفة قلوبهم). (¬5) في (س): (الكفر). (¬6) قوله: (تأخره عن بلده، ضرر) يقابله في (س): (تأخذه عن بلده ضرورة). (¬7) في (س): (ضرورة).

فصل [فيمن ادعى الفقر]

فصل [فيمن ادعى الفقر] ومن ادعى أنه فقير؛ صُدِّق ما لم يكن ظاهره يشهد بخلاف ذلك، فإن ادعى أن له عيالًا وأراد الأخذ لهم فإن كان من أهل الموضع وقدر على كشف ذلك- كشف عنهم (¬1)، وإن لم يقدر (¬2) صُدِّق على ذلك، أو كان طارئًا صُدِّق. وإن كان معروفًا بالغنى (¬3) كُلِّف بيان كيف (¬4) ذهاب ماله، وإن كانت له صناعة فيها كفاية، فادعى كسادها؛ صُدِّق. واستحسن أن يكشف عن بيان ذلك، فإن لم يعلم هل فيها كفاية أم لا صدق. وإن ادعى أنه مكاتب كلف بيان ذلك (¬5)؛ لأنه على العبودية والصدقة لا تحل للعبد. وأرى أن يكشف عن الكتابة وعن قدرها، ثم القول قوله: أنه عاجز. وإن ادعى أنه من الغارمين كان عليه أن يبين إثبات (¬6) الدعوى والعجز عنه؛ لأنه على براءة الذمة من الدَّيْن حتى يثبت، وبعد إثباته على الملاء إذا كان عن مبايعة حتى يثبت العجز، إلا أن يكون الدَّيْن من طعام أكله، أو ثوب لبسه، ويدعي من له ذلك الدَّيْن بقاءه. وإن ادعى أنه تحمل بحمالة، وأن الطلب توجه عليه بها، وأنه عاجز عنها ¬

_ (¬1) في (م): (منه). (¬2) قوله: (وإن لم يقدر) يقابله في (س): (وإلا). (¬3) في (س): (بيسار). (¬4) قوله: (كيف) ساقط من (ق 3). (¬5) قوله: (فمن لم يعلم. . . بيان ذلك) ساقط من (م). (¬6) قوله: (إثبات) ساقط من (م).

فصل [في تعريف الفقير والمسكين]

كُلِّف بيان جميع (¬1) ذلك. وإن ادعى أنه ابن سبيل؛ أعطي إذا كان على هيئة الفقير. قال مالك في المجموعة: وأين يجد من يعرفه (¬2). وقال في الذي يقيم السَّنَة والسنتين، ثم يدعي أنه لم يقم إلا لأنه (¬3) لم يجد ما يتحمل به، أيعطى (¬4) على أنه ابن سبيل؟ فقال: المجتاز أبين أن يُصَدَّق (¬5)، وإن صدق هذا أعطي (¬6). فصل [في تعريف الفقير والمسكين] واختلف في الفقير والمسكين، فقال مالك في كتاب ابن سحنون: الفقير الذي لا غنى له، ويتعفف ولا يسأل، والمسكين الذي لا غنى له، وهو يسأل (¬7). وقال في المجموعة: الفقير الذي يحرم الرزق، والمسكين الذي لا يجد غنى، ولا يسأل، ولا يُفطن له (¬8). ¬

_ (¬1) قوله: (جميع) ساقط من (م). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 284. (¬3) قوله: (وأين يجد. . . إلا لأنه) ساقط من (م). (¬4) في (س): (أعطي). (¬5) قوله: (أن يُصَدَّق) ساقط من (س) و (م). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 283، 284. ونصه فيه: "الغريب يقيمُ بالبلدِ سنةً وسنتين، ثم يذكر أنَّه إنَّمَا أقام إذ لم يجدد ما يتحمل به، أيعطَى على أنَّه ابن السبيل؟ قال: المجتاز أبين، فإن عُرِفَ هذا أُعْطِيَ، وأخاف أَنْ يأخذ ويقيم". (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 281، 282. (¬8) قوله: (ولا يُفطن له) يقابله في (م): (ولا يعطى له). انظر: النوادر والزيادات: 2/ 282.

وقال أبو محمد عبد الوهاب: الفقير الذي له الشيء اليسير الذي لا يكفيه، والمسكين الذي لا يملك شيئًا. وقيل عكسه: الفقير الذي لا شيء له، والمسكين (¬1) الذي له ما لا يكفيه (¬2). وقال أبو القاسم ابن الجلاب: هما اسمان لمعنى واحد، وهو من يملك شيئًا يسيرًا لا يكفيه، ولا يقوم بمؤنته (¬3). واحتج من قال إن الفقير (¬4) له شيء بقول الشاعر: أما الفقيرُ الذي كانت حَلُوبَتُهُ ... وَفقَ العيالِ فلم يُتْرك له سَبَدُ وأما من قال: إنه الذي لا شيء له؛ فلأن اشتقاق الفقير من فقار الظهر، فكأنه بمنزلة من أصيب فقاره، ومن أصيب في ذلك خشي عليه الموت. واختلف في قوله -عز وجل-: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} [البقرة: 273]، فاحتج به من نفى عن الفقير السؤال؛ لأنه يظن به أنه غني لتعففه عن المسألة، وقد بلغ به الجهد والخصاصة حتى ظهرت عليه، وعرفت في سيمته. وقيل فيها غير ذلك، واحتج بها من قال: إنه يسأل، لقوله تعالى: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273]. يقول: إنه يسأل الناس (¬5) ولا يلحف، وليس كذلك؛ لأن الله تعالى قد أخبر أنه يتعفف عن المسألة، والمراد؛ أنه لا يسأل ولا يُلحف (¬6)؛ لأنه يصح أن يسمى: ¬

_ (¬1) قوله: (الذي لا يملك. . . والمسكين) ساقط من (م). (¬2) انظر: التلقين: 1/ 67، والمعونة: 1/ 268. (¬3) انظر: التفريع: 1/ 166. (¬4) في (م): (الفقير من). (¬5) قوله: (الناس) ساقط من (م). (¬6) قوله: (ولا يُلحف) ساقط من (س) و (م).

مُلحفًا إذا كان عنده شيء وإن لم يتكرر منه السؤال. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ سَأَلَ وَلَهُ أُوقيَّةٌ أَوْ عَدْلهُا فَقَدْ سَأَلَ إِلحافًا" (¬1) واستشهد من قال: المسكين (¬2) يقع على من له شيء. بقوله -عز وجل-: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف: 79]، فأثبت لهم سفينة وليس كذلك، والمساكين ها هنا المسكنة وقلة المقدرة على الدفاع من ظلم ذلك الملك وهذا مثل قوله -عز وجل-: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ} [البقرة: 61]، واحتج من قال لا شيء له بقوله -عز وجل-: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 16]، وليس هذا أيضًا بالبين، وإنما وصف بأنه ذو متربه (¬3)؛ لأن ذلك نهاية ما يبلغه من الفقر، وفيه دليل على أنه يكون مسكينًا فوق هذه الصفة، ولهذه خُصَّ من بين غيره، فقيل: {ذَا مَتْرَبَةٍ}. واستشهد من نفى عنه السؤال بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ المِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، وَلَكِنِ المِسْكِينُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ غِنًى يُغْنِيهِ، وَيَسْتَحْيِ فَلا يَسْأل النَّاسَ إِلحافًا" وهذا لفظ البخاري (¬4)، ومحمل هذا الحديث أنه ليس كغيره ممن بلغ به الحال ولا يسأل، وليس لأنه لا يقع عليه اسم مسكين. وفي الترمذي: "جَاءَتِ امْرَأةٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ المِسْكِينَ لَيقُومُ عَلَى بَابِي، فَمَا أَجِدُ لَهُ شَيْئًا أُعْطِيهِ إِيَّاهُ، فَقَالَ: إِنْ لَمْ تَجِدِي إِلاَّ ظِلْفًا ¬

_ (¬1) سبق تخريجه، ص: 969. (¬2) قوله: (المسكين) ساقط من (م). (¬3) قوله: (وليس هذا. . . ذو متربة) ساقط من (م). (¬4) متفق عليه أخرجه البخاري: 2/ 538، في باب قول الله تعالى: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273]، من كتاب الزكاة، برقم (1409)، ومسلم: 2/ 719، في باب المسكين الذي لا يجد غنى ولا يفطن له فيتصدق عليه، من كتاب الزكاة، برقم (1039)، ومالك: 2/ 923، في باب ما جاء في المساكين، من كتاب صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - برقم (1645).

مُحْرَقًا فَادْفَعِيهِ إِلَيْهِ" (¬1). وفي البخاري ومسلم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ثَلاَثَةٌ: أَبْرَصُ وَأَقْرَعُ وَأَعْمَى، فَبَعَثَ اللهُ إِلَيْهِمْ مَلَكًا فَأتَى الأبْرَصَ فَقَالَ لَهُ: أَيُّ شَيءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ فَقَالَ لَهُ: لَوْن حَسَنٌ وَجِلْدٌ حَسَنٌ، فَمَسَحَهُ فَذَهَب مَا بِهِ، وَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا وَجِلْدًا حَسَنًا -الحديث بطوله ثم قال:- ثُمَّ أَتي الملَكُ للأبرَصِ فِي صُورَتهِ فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ، تَقَطَّعَتْ بِهِ الحِبَالُ فِي سَفَرِه، ولاَ بَلاَغَ اليَوْمَ إِلاَّ بِاللهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْألكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الحَسَنَ وَالجِلْدَ الحَسَنَ بَعِيرًا أتبلَّغُ بهِ فِي سَفَرِي" (¬2)، ثم سمي نفسه للثاني والثالث مسكينًا. ¬

_ (¬1) صحيح، أخرجه الترمذي: 3/ 52، في باب ما جاء في حق السائل، من كتاب الزكاة، برقم (665)، وقال: حديث حسن صحيح. (¬2) متفق عليه أخرجه البخاري: 3/ 1276، في باب ما ذكر عن بني إسرائيل، من كتاب الأنبياء برقم (3277)، ومسلم: 4/ 2275، في كتاب الزهد والرقائق، برقم (2964).

باب في انتزاع الزكاة بعد أخذها

باب في انتزاع الزكاة بعد أخذها ومن أخذ الزكاة لفقره لم يردها إن استغنى قبل إنفاقها وإن أخذها ليغزو بها فجلس انتزعت منه لأن الغزو في معنى المعاوضة فإذا لم يوفِّ به أخذت منه. وكذلك ابن السبيل يأخذ ما يتحمل به إلى بلده فلم يفعل انتزع منه إلا أن يكون ذلك القدر يسوغ له لفقره وإن لم يكن ابن سبيل، وفي الغارم يأخذ ما يقضي به دينه ثم يستغنى قبل أدائه إشكال. ولو قيل تنتزع منه، لكان وجهًا. فصل [في تحريم الصدقة على آل النبي - صلى الله عليه وسلم -] لا تحل الصدقة لآل النبي - صلى الله عليه وسلم - لقوله: "لاَ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لآلِ مُحَمَّدٍ". أخرجه البخاري، ومسلم (¬1). واختلف في ثلاثة مواضع من معنى الحديث: أحدها: من آله بنو هاشم، أو قريش؟، والثاني: دخول مواليهم في التحريم، والثالث: هل تدخل صدقة التطوع في التحريم؟ فقال ابن القاسم في كتاب محمد: آله بنو هاشم (¬2). وقال أصبغ: هم عشيرته الأقربون آل غالب؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - حين نزلت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]. نادى: "يا آل قصي، يا آل عبد مناف (¬3) " (¬4). ¬

_ (¬1) سبق تخريجه، ص: 971. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 297. (¬3) أخرجه مسلم بنحوه: 1/ 193، في باب قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}، من كتاب الإيمان، برقم (208). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 297، والبيان والتحصيل: 2/ 382.

والقول الأول أحسنُ؛ لأن العشيرة غير الأقارب، والعشيرة تتسع، وإنما نزل القرآن في الأقرب (¬1) من العشيرة، ليس الأقربين مطلقًا، وليس الأقربون كالأقرب من العشيرة (¬2). وأجازها ابن القاسم لموالي آل محمد (¬3). ومنع ذلك مطرف، وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب. وقال مالك في كتاب ابن حبيب أيضًا (¬4): لا يعطى لآل محمد من التطوع. وأجازه ابن القاسم في كتاب محمد (¬5). والذي آخذ به، أنها تحرم على بني هاشم دون من بعدهم، وأن مواليهم بمنزلتهم، وأن الزكاة، والكفارات، والتطوع في ذلك سواء لحديث أبي رافع قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلًا من بني مخزوم على الصدقة، فقال لأبي رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اصحبني كيما تصيب منها. فقال: لا، حتى آتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسأله، فأتاه (¬6) فسأله، فقال: "إِنَّ الصَّدَقَةَ لاَ تَحِلُّ لَنَا، وَلا لموَالِينَا". وهذا حديث صحيح ذكره الترمذي في مسنده (¬7) فيه فائدتان: إحداهما: أن الصدقة حلال لبني مرة بن كعب، فمن بعدهم إلى غالب، ¬

_ (¬1) في (س): (الأقارب). (¬2) قوله: (ليس الأقربين. . . من العشيرة) ساقط من (م). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 382. (¬4) قوله: (أيضًا) ساقط من (ق 3). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 297، والبيان والتحصيل: 2/ 382. (¬6) قوله: (فأتاه) زيادة من (م). (¬7) أخرجه أبو داود: 1/ 519، في باب الصدقة على بني هاشم، من كتاب الزكاة، برقم (1650)، والترمذي: 3/ 46، في باب ما جاء في كراهية الصدقة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأهل بيته ومواليه، من كتاب الزكاة، برقم (657)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وبنحوه أحمد: 6/ 10، في باقي مسند الأنصار، من حديث أبى رافع - رضي الله عنه -، برقم (23923).

خلاف ما ذهب إليه أصبغ؛ لأن مخزوم تجتمع مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مرة. والثانية: أن مواليهم بمنزلتهم في تحريم الصدقة، وأعطيت بَرِيرَة شاة من صدقة، فأهدت منها للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقيل له: إنها صدقة، وأنت لا تأكل الصدقة. فقال: "هِيَ عَلَيْهَا صَدَقَة، وَلَنَا هَدِيَّةٌ" (¬1). فتضمن هذا الحديث أيضًا إباحتها لبني مرة؛ لأن عائشة تجتمع مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرة، وأن أزواجه غير داخلات في التحريم، فإباحته إياها لَبرِيرَة، ومولاتها في التحريم بمنزلتها، ولو كان أزواجه بمنزلته؛ لحرمت على بَرِيرَة كما حرمت على أبي رافع. وأخرج مسلم عن زيد بن أرقم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أُوصِيكُمْ بِأَهْلِ بَيْتِي، أُوصِيكُمْ بِأَهْلِ بَيْتِي، أُوصِيكُمْ بِأَهْلِ بَيْتِي (¬2) قيل لزيد: مَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ، نِسَاؤُهُ؟ قَالَ: لاَ، إِنَّ المَرْأَةَ تُقِيمُ مَعَ الرَّجُلِ الزَّمَان (¬3) ثُمَّ يُفَارِقُهَا فَتَرْجِعُ إِلَى بَيْتِ أَهْلِهَا. وَأَهْلُ بَيْتِهِ: أَهْلُهُ وَعَصَبَتُهُ الذين حُرِمُوا الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ. وَهُمْ آلُ عَلِيٍّ وَآلُ عَقِيلٍ وَآلُ جَعْفَرٍ وَآلُ عَبَّاسٍ. كُلُّ هَؤُلاَءِ يُحْرَمُونَ الصَّدَقَةَ" (¬4). ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 5/ 1959، في باب من فضائل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، من كتاب النكاح، برقم (4809)، ومسلم: 2/ 2411، في باب إنما الولاء لمن أعتق، من كتاب العتق، برقم (1504). (¬2) قوله: (أوصيكم. . . بأهل بيتي) ساقط من (م). (¬3) في (م): (العصر). (¬4) أخرجه مسلم: 4/ 1873، في باب من فضائل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، من كتاب فضائل الصحابة، برقم (2408).

فصل [في خمس الركاز]

فصل [في خمس الرِّكاز] خمس الرِّكاز (¬1) حلال للأغنياء كخمس الغنائم، ويُبدأ بالفقراء. وكره ابن القاسم أن يعطي منه أحد (¬2) قرابته؛ خوف المحمدة، وقد تقدم ذكر الاختلاف عن مالك في ذلك في الزكاة (¬3). واختلف هل يُعطي منه من تلزمه نفقته كالولد والوالد؟ فكره ذلك ابن القاسم. وقال غيره: يجوز ذلك إذا أعطاهم، كما يعطي غيرهم من الأباعد على غير إيثار؛ لأن الخمس فَيء، وهو حلال للأغنياء؛ إلا أن الفقير يؤثر عليه. كمل الأول من الزكاة (¬4) ¬

_ (¬1) في (م): (الزكاة). (¬2) في (س): (واجده). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 347. ونصها: "إنما أخاف بذكر هذه الأشياء يحمدونه عليها". وقد تقدم هذا. (¬4) في (م): (تم كتاب الزكاة الأول من التبصرة بحمد الله وحسن عونه والصلاة على سيدنا محمد وعلى آله وسلم).

كتاب الزكاة الثاني

كتاب الزكاة الثاني النسخ المقابل عليها 1 - (ب) = نسخة برلين رقم (3144) 2 - (ر) = نسخة الحمزاوية رقم (115) 3 - (م) = نسخة مراكش رقم (112/ 1)

باب في زكاة الإبل

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلى الله على محمد وآله وسلم تسليمًا كتاب الزكاة الثاني باب في زكاة الإبل الأصلُ في ذلك قولُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنَ الإِبِلِ صَدَقَةٌ" (¬1)، وقوله: "فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الإِبِلِ كما دُونَهَا مِنَ الغَنَمِ مِنْ كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إِلَى خَمْسٍ وَثَلاَثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ أُنْثَى، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلاَثِينَ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أُنْثَى، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ إِلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّة طَرُوقَةُ الجَمَلِ (¬2)، فَإِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى وَسِتِّينَ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعيِنَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَسَبْعِينَ إِلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى وَتِسْعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الجَمَلِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمائَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ" تفرَّد به البخاري دون مسلم (¬3). ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 508، في باب ما أدى زكاته فليس بكنز، من كتاب الزكاة، برقم (1340)، ومسلم: 2/ 673، من كتاب الزكاة، برقم (979)، ومالك في الموطأ: 1/ 244، في باب الزكاة في العين من الذهب والورق، من كتاب الزكاة، برقم (577). (¬2) في (ب) و (م): (الفحل). (¬3) أخرجه البخاري: 2/ 509 في باب ما أدى زكاته فليس بكنز، من كتاب الزكاة، برقم (1340)، =

وقد اشتمل هذا الحديث على اثني عشر نصابًا، وهي: خمسة، وعشرة، وخمسة عشر، وعشرون، في كل خمس شاةٌ. والإبل صدقة ما بعد هذه الأربع (¬1)، وخمسة وعشرون، وستة وثلاثون، وستة وأربعون، وإحدى وستون، وستة وسبعون، وإحدى وتسعون، وما بعد العشرين ومائة، ففي كل أربعين، وفي كل خمسين. واخْتُلِفَ في ثالث عشر، وهو إحدى وعشرون ومائة، هل هو نصابٌ قائمٌ بنفسه، أم لا حُكمَ للواحدةِ (¬2)؟ واشتمل على صنفين من الصدقة: غنمٍ وإبلٍ؛ فالغنمُ صدقةُ أربعة نصب: خمسة، وعشرة، وخمسة عشر، وعشرون. في كل خمسٍ شاةٌ، والإبلُ صدقةٌ ما بعد هذه الأربع، وهي خمسةٌ: بنتُ مخاضٍ، وابنُ لبونٍ، وبنتُ لبونٍ (¬3)، وحِقةٌ، وجَذَعَةٌ. فبنتُ مخاضٍ، وابنُ لبون صدقةُ نصابٍ واحدٍ، وهو خمسة وعشرون. وبنتُ لبونٍ صدقةُ ثلاثةٍ: ستة وثلاثون وستة وسبعونَ، ففيها ابنتَا لبونٍ، وما زاد على عشرين ومائةٍ، ففي كل أربعينَ بنتُ لبونٍ. والحقةُ صدقةُ ثلاثة ستَّةٌ وأربعونَ، وإحدى وتسعون، ففيها حقتان. وما زاد على عشرينَ ومائةٍ في قوله: في كلِّ خمسينَ حِقَّةٌ. والجذَعَةُ صَدَقةُ نِصَابٍ واحدٍ، وهو إحدى وستونَ. وفي ثلاثينَ ومائةٍ حقةٌ وبنْتَا لَبُونٍ، وفي أربعينَ ومائةٍ حِقَّتَانِ وبنتُ لَبُوْنٍ. ثم على هذا ¬

_ = ومالك في الموطأ: 1/ 257، في باب صدقة الماشية، من كتاب الزكاة برقم (599). (¬1) قوله: (في كل خمس ... هذه الأربع) ساقط من (ب) و (م). (¬2) في (ب): (للولادة). (¬3) قوله: (وبنت لبون) ساقط من (ب).

الحساب إلى المائتين، فيجتمع فيها في المائتين (¬1) السِّنان؛ أربعُ حِقَاقٍ، أو خمسُ بناتِ لبونٍ. واخْتُلِفَ من هذه الجملة في ثلاثةِ مواضعٍ: في خمسةٍ وعشرينَ إذا لم يكن فيها بنتُ مخاضٍ ولا ابنُ لبونٍ ذكر (¬2)، وفي إحدى وعشرينَ ومائةٍ، وفي المائتين. فأما الخمسة وعشرون فإنها لا تخلو من أربعةِ أحوالٍ: إمَّا أن يكون فيها السِّنان جميعًا، أو يُعْدَمَا منها جميعًا، أو يكون فيها أحدهما بنتُ مخاضٍ، أو ابنُ لبونٍ. فإن كان فيها أحدُ السنين كان الواجبُ فيها الموجودُ لا غيره، وإن كان فيها السِّنَان جميعًا كان الواجبُ بنتَ مخاضٍ من غيرِ خيارٍ، فليس لصاحب الإبل أنْ يعطيَ ابنَ لبونٍ، ولا للسَّاعِي أنْ يجبرَه على دفعه. واخْتُلِفَ إذا تراضَيا جميعًا بأخذه، فأجازه ابنُ القاسم في كتاب محمدٍ (¬3)، ومنعَه أشهب (¬4). والأولُ أصوبُ وقد يكون في أخذه نظر للمساكين؛ إمَّا لأنه أكثر ثمنًا، أو يكون رأيه: أن ينحره لهم يأكلونه، والثمن سواء، فهو أفضل؛ لأنه أكثر لحمًا لمَّا كان أكبر بسنة (¬5). وإن عدم منها السنان جميعًا كان على صاحب الإبل أن يأتي المصَدِّق بابنة ¬

_ (¬1) قوله: (المائتين) ساقط من (م). (¬2) قوله: (ذكر) زيادة من (ب). (¬3) انظر: النوادر والزيادات 2/ 216، وما بعدها. ونصه في النوادر: "قال مالكٌ: وأمَّا خمسةٌ وعشرون من الإبل، فإن لم يكن فيها السنان، فليس الساعي بمخير، ولا يأخذ منه إلا بنتَ مَخاضٍ. قال ابنُ القاسمِ: إلا أنْ يشاء المصدق فأخذ ابن لبونٍ. يريدُ: ويرى ذلك نظرًا". (¬4) انظر: النوادر والزيادات 2/ 217. ونصه في النوادر: "وقال أشهبُ: ليس ذلك للمصدقِ بخلاف المائتين. وإذا كان أحدُ السنين في الخمس والعشرين، وفي المائتين، فليس له غيره". (¬5) في (م): (منه).

مخاض، أحب أم كره، وهو قول ابن القاسم (¬1). وقاله أشهب في كتاب محمد (¬2)، وجعل حكم عدم (¬3) السنين حكم وجودهما، فلما كان الواجب مع وجودهما بنت مخاض من غير تخيير كان كذلك إذا عُدما. واستشهد ابن القاسم لذلك بقول مالك في المائتين أنه جعل الحكم إذا عدم منها الحقاق وبنات اللبون كالحكم إذا وجدا أنه بالخيار، يقول: فينبغي على قول مالك في الخمسة وعشرين، أن يكون الحكم إذا عدما بمنزلته (¬4) لو وجدا، والحكم إذا وجدا بنتُ مخاض من غير خيار، فكذلك إذا عدما. وقد حمل محمدٌ عَلَى (¬5) ابنِ القاسم أنه يقول: إنه بالخيار، لاستشهاده بالمائتين (¬6). وليس الأمر كذلك. وقد أبان ذلك في المدونة، وقال: عليه أن يأتي بابنة مخاضٍ أحبَّ أو كَرِه (¬7). ويختلف إذا لم يُلْزِمه المصَدِّق ابنةَ مخاضٍ حتى إذا (¬8) أحضرَ صاحبُ الإبلِ ابنَ لبونٍ، فقول ابن القاسم يجبر المصَدِّق على قبوله، ويكون بمنزلته (¬9) لو كان فيها. وعلى أصل (¬10) أصبغ لا يجبر. وبيان ذلك يأتي عند ذكر المائتين. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 217. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 217. (¬3) في (ب): (عدد). (¬4) في (م): (بمنزلة). (¬5) في (ب): (على قول). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 216. (¬7) انظر: المدونة: 1/ 352. (¬8) قوله: (إذا) زيادة من (م). (¬9) في (ق 3): (بمنزلة). (¬10) في (ب): (قول).

واختلف في إحدى وعشرين ومائة على ثلاثة أقوال: فقال في المدونة: المصَدِّق بالخيار بين أن يأخذ ثلاث بنات لبون، أو حقتين (¬1). وقال ابن القاسم: فيها ثلاث بنات لبون، ولا خيار للمصَدِّق (¬2). وقال مالك في المبسوط وغيره: فيها (¬3) حقتان، ولا خيار للمصَدِّق (¬4). وبهذا أخذ المغيرة، ومحمد بن مسلمة، وأشهب، وابن الماجشون (¬5). وإن الواحدة هنا لا تنقلُ الحكمَ، وهو أبينها؛ لأن المفهوم من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فما زاد زيادة العشرات لقوله: "ففي كل أربعين وفي كل خمسين" (¬6). فالذي ينقل حكم الخمسين، هو الذي ينقل حكم (¬7) الأربعين؛ لمساواته (¬8) بينهما. ولو أخذ من إحدى وعشرين ومائة ثلاث بنات لبون لأخذت من عشرين ومائة؛ لأن الواحدة الزائدةَ على العشرين ومائة (¬9) وقصٌ غير داخلةٍ في الزكاة. ولا يوجد في شيء من المسائل أن الوَقَص ينقل فرضا؛ وإنما ينقل الفرض ما هو فرض (¬10) مزكى؛ مثال ذلك أن يقال (¬11) في أربع وعشرين الغنم، فإن زادت ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 352. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 352. (¬3) قوله: (فيها) ساقط من (ب). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 215، 216. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 216. (¬6) سبق تخريجه. في أول الزكاة الثاني، ص: 997. (¬7) قوله: (حكم) ساقط من (م). (¬8) في (ب): (لمساواة). (¬9) قوله: (ومائة) ساقط من (م). (¬10) قوله: (فرض) ساقط من (ق 3) و (م). (¬11) في (م): (يقول).

واحدة كان فيها بنتُ مخاضٍ، ثم ما زاد إلى خمسٍ وثلاثينَ وَقَصٌ معفوٌّ عنه لا يغير حكمًا، فإن زادت واحدة فكانت ستًا وثلاثين كان فيها بنتُ لبونٍ، ثم ما زادَ إلى خمس وأربعين معفوٌّ عنه. فإن أوجبت في إحدى وعشرين ومائة ثلاث بنات لبون بقوله "ففي كل أربعين حقة (¬1) "، كانت الواحدة لغوًا (¬2)؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن الزكاة تُؤخذُ عن الأربعين، وعن الخمسين، لا عن غير ذلك. والواحدة الزائدة على العشرين كالواحدة الزائدة على الثلاثين ومائة، وما ذُكر في ذلك عن ابن شهاب، فقد اختَلَفت الرواياتُ عنه فيه. وإذا سُلِّم أن الواحدة نقلت الحكم جاز أن يُقال له (¬3) أن يأخذَ ثلاثَ بناتِ لبونٍ من غير خيارٍ فيكون الوَقَصُ واحدةً أولى من أن يأخذَ حقتين فيكون الوقصُ إحدَى وعشرين. وقد قال أشهب في مدونته: إن أخذَ ثلاثَ بناتِ لبونٍ أخذها عن عشرين ومائة (¬4)؛ لقوله: "ففي كل أربعين"، وليس في الواحدة شيءٌ، وإن أخذَ حِقّتين أخذهما عن مائة؛ لقوله (¬5): "ففي كل خمسين حقة"، وليس في إحدى وعشرين شيء، وجعل المصَدِّق بالخيار. فعلى قوله يكون بالخيار (¬6) في وجود السنين أو عدمهما. فإن وجد واحدة لم يكن له غيرها. وقال محمد: عليه أن يأتيه بما طلب منه المصَدِّق، وإن لم يكن في الإبل، ويلزمه أن يقول ¬

_ (¬1) قوله: (حقة) ساقط من (ب) و (م). (¬2) قوله: (لغوًا) ساقط من (م). (¬3) قوله: (له) ساقط من (م). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 216. (¬5) قوله: (لقوله) ساقط من (ب) و (ر) و (م). (¬6) قوله: (فعلى قوله يكون بالخيار) ساقط من (م).

فصل المائتان من الإبل لزكاتها طريقان

مثل ذلك في المائتين. وقد كان بعضُ أهلِ العلمِ يقول: إنما قال مالكٌ: المصَدِّق بالخيار؛ لأنه أشكل عليه الأمر في ذلك، فكان للساعي أن يحكم بأي الوجهين شاء. وهذا غير صحيح. وليس للمصَدِّق أن يحكم في مسألة اختلاف بما رآه؛ لأنه ليس بحاكم، ولا أقيم لذلك؛ وإنما هو وكيلٌ على قبضٍ، فإذا خالفه المأخوذُ منه (¬1) كان الأمرُ فيه (¬2) إلى من يُحَكِّمَانه (¬3) بينهما من فقيه أو غيره. وأيضًا فتخيير المالك إذا أشكل الأمر أولى من تخيير الساعي؛ لأنه الغارمُ فلا يلزم بشك؛ ولأنه لا يخلو أن يكون المصَدِّق عاميًّا أو مجتهدًا؛ فإن كان عاميًا لم يخير (¬4)، وإن كان من أهل الاجتهاد عمل على ما يتبين له من غير خيار إن وافقه على ذلك المالك، وإن خالفه ترافعا (¬5) إلى من يحكم بينهما. فصل المائتان من الإبل لزكاتها طريقان فأما المائتان فلزكاتها طريقان. فإن زُكِّيت بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ففي كل خمسين حقة. . ." (¬6)، كان فيها أربعُ حقاقٍ. وإن زُكِّيت بقوله: "ففي كل أربعين" (¬7) كان فيها خمسُ بناتِ لبونٍ. ¬

_ (¬1) قوله: (منه) ساقط من (م). (¬2) قوله: (فيه) زيادة من (ر). (¬3) في (م): (يحكم). (¬4) في (ق 3): (لم يجز). (¬5) في (م): (ترافع). (¬6) سبق تخريجه، ص: 997. (¬7) قوله: (بقوله: "ففي كل أربعين") يقابله في (ق 3) و (م): (بالأربعين).

واخْتُلِفَ إذا كان فيها الحقاقُ وبناتُ اللبونِ أو عُدِما على ثلاثة أقوال: فقول مالك، وابن القاسم: الأمر في ذلك إلى المصَدِّق يأخذ بأي الطريقين أحب، وهو المقدم على صاحب الإبل (¬1). وفي كتاب محمد مثل ذلك إذا كان فيها السنان، فإن عدما كان الأمرُ لصاحب الإبلِ. وقال أبو محمد عبد الوهاب: ليس للمصَدِّق أن يجبرَ (¬2) المالكَ (¬3) على أحد السنين، وإن كانا موجودين (¬4)، وعلى قوله: يكون الأمرُ لصاحبِ الإبلِ، وإن كانا مع معدومين، وهذا أبينُ لحديث ابن مسلمة أنه كان لا يساق إليه شيء فيه وفاء من حقه إلا أخذه وقد كان الأمر إلى أصحاب المواشي، وإذا (¬5) كان الوجهُ الذي يوجبه (¬6) على نفسه حقًا لم يكن للمصدق أن يمتنع منه. والأصل في الزكاة (¬7) التيسير ومثله إذا كان في الإبل أحد السنين وقال صاحبُ الإبلِ: أنا أعد على نفسي بالوجه الآخر وأحضره إذا كان معدومًا؛ أن ذلك له، هذا القياس، ولم يختلف إذا كان في الإبلِ الحقاقُ وبناتُ اللبونِ وكانت الحِقاقُ قوام الإبل وخيارها، أنه ليس للمصدق (¬8) أن يأخذ الحقاق؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - للمصدق: "تَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ" (¬9). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 351. (¬2) في (ب): (يخير). (¬3) في (م): (صاحب الإبل). (¬4) انظر: المعونة: 1/ 226. (¬5) قوله: (كان لا يساق. . . المواشي، وإذا) ساقط من (ق 3). (¬6) في (ر): (يعرفه). (¬7) في (م): (الزكوات). (¬8) قوله: (للمصدق) ساقط من (م). (¬9) أخرجه البخاري: 2/ 529، في باب لا تُؤخذ كرائمُ أموالِ الناسِ في الصدقةِ، من كتاب =

فصل [الخلاف في إعطاء القيمة في الزكاة]

فصل [الخلاف في إعطاء القيمة في الزكاة] واخْتُلِفَ فيمن وجبت عليه سِنٌّ من الإبل فدفع دونها دراهمَ بقدرِ ما بينهما أو أجود، وأخذ الفضل. فقال مالكٌ في مختصر ما ليس في المختصر: لا بأس به (¬1). وقال ابن القاسم وأشهب في المجموعة: يُكرَه ذلك (¬2)، فإن فعل أجزأه (¬3). وقال أصبغ في كتاب محمد: لا يجزئه؛ إلا أن يَردَّ الفضلَ إذا دفع أجود (¬4). قال الشيخ - رضي الله عنه -: لا تخلو المسألةُ من ثلاثةِ أوجهٍ: إما أن يكونَ ذلك بمراضاة المصدق، أو المسكين، أو بغير مراضاةٍ من أحدٍ. فإن كان ذلك بمراضاةِ المصدق؛ لأنه يرى ذلك من حُسن النظر للمساكين كان ذلك جائزًا لحديث معاذ؛ بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - مصدقًا إلى أهل اليمن، فقال لهم: "ائْتُونِي بِعَرْضٍ ثِيَابٍ خَمِيصٍ أَوْ لَبِيسٍ فِي الصَّدَقَةِ، مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ، وَخَيْرٌ لأَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالمَدِينَةِ" (¬5). وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنَ الإِبِلِ صَدَقَةُ الجَذَعَةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ تُقْبَلُ مِنْهُ الحِقَّةُ وَيَجْعَل مَعَهَا شَاتَيْنِ- إِنِ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ- أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا". الحديث أخرجه البخاري (¬6). ¬

_ = الزكاة، برقم (1389)، ومسلم: 1/ 50، في باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، من كتاب الزكاة، برقم (19)، بلفظ: "وتوق كرائم أموالهم". (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 221. (¬2) قوله: (ذلك) زيادة من (ر). (¬3) النوادر والزيادات: 2/ 221. (¬4) النوادر والزيادات: 2/ 221. (¬5) أخرجه البخاري معلقا: 2/ 525، في باب العرض في الزكاة، من كتاب الزكاة، أورده في ترجمة الباب من كلام سيدنا معاذ - رضي الله عنه -. (¬6) أخرجه البخاري: 2/ 527، في باب من بلغت عنده صدقة بنت مخاض وليست عنده، =

فصل الخلاف في زكاة الشنق

وإن كان ذلك بمراضاة من مسكين، وبعد تمكين من الشيء الذي يبايعه فيه، ولم يحابِهِ في الثمن، أجزأه على كراهيةٍ فيه ابتداءً؛ خوفًا أَن يكون الرِّضا من المسكين خِيفَةَ ألا يعطيه إياها إنْ لم يرضَ، أو يمنعه غيرها في المستقبل، وإن كان راغبًا في البيع ولم يستوفِ القيمة أخرج الفضل وأجزأه. وإن كان ذلك (¬1) من المسكين خيفة ألا يعطيه إياها، ولم يكن البيع من حسن النظر، أو فعل ذلك بغير مراضاةٍ منْ أحدٍ، وكان من حسنِ النَّظَرِ أن يُسَلِّمَ عينها ولا يشتري منهم بحالٍ، لم يجزئه. فإن فعل ذلك على وجه النظرِ للمساكين، ولم يحابِ نفسَه، أجزأه، وإن لم يكن ذلك بمراضاةٍ منَ المساكين، فيُكره ذلك ابتداء حماية. ولا يشتري السن (¬2) التي وجبت عليه قبل أن يبرزَها (¬3) بدينٍ، وإن كان ذلك بمراضاةٍ من السَّاعي، فيدخله الدينُ بالدينِ والغررُ، ولا يجوزُ بالنقدِ للغررِ. فصل الخلاف في زكاة الشنق اخْتُلِفَ عن مالك في زكاة الشّنق، وهو ما دون خمسة وعشرين من الإبل، فكان زكاتها من الغنم. فقال في المدونة: تُزَكَّى (¬4) من كَسْبِ البلد ضأنًا أو معزًا (¬5). وقال في كتاب ابن سحنون: يخرج عنها من كسبه دون كسب البلد، فإن كان ¬

_ = من كتاب الزكاة، برقم (1385). (¬1) قوله: (ذلك) ساقط من (م). (¬2) في (ر): (في السن). (¬3) في (م): (يغررها). (¬4) في (ر): (يزكي). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 354.

فصل [في ولد الناقة واعتبار سنة في تسميته]

كسبه المعزى أجزأته وإن كان كسب البلد ضأنًا، وإن كان كسبه ضأنًا أعطى منها وإن كان كسب البلد معزى (¬1). وقاله عبد الملك بن حبيب (¬2). وأرى ذلك كله واسعًا يُخرِجُ من أيها أحبَّ كان ذلك كسبه أو كسب البلد؛ لأن الحديث ورد فيما يحرجه من ذلك مطلقًا. فأي ذلك أخرج كان ممتثلًا به (¬3)؛ لأنه يقع عليه اسم شاة. فصل [في ولد الناقة واعتبار سنة في تسميته] ولد الناقة أول سنة حوار، وليس يؤخذ في الزكاة، وفي الثانية ابن مخاض، والأنثى بنت مخاض نسبت إلى أمها؛ لأن أمها في الثانية ذات مخاض. وفي الثالثة بنت لبون؛ لأن أمها وضعت فيها، وصارت ذات لبن. وفي الرابعة حقة، سميت بذلك؛ لأنها استحقت أن يحمل عليها الحمل ويطرقها (¬4) الفحل، وفي الخامسة جذعة. وهي آخر أسنان الزكاة. ولا يؤخذ شيء من ذلك إلا أنثى، إلا ابن لبون فإنه يؤخذ مكان بنت مخاض إذا لم توجد بنت مخاض. ولا يجزئ شيء من هذه الأسنان في الأضاحي والهدايا. وأول سِنِّ الهدايا والضحايا من الإبل الثَّنِي، وهو ابن ست سنين. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 221. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 218. (¬3) قوله: (به) ساقط من (ر)، وفي (م): (له). (¬4) قوله: (يطرقها) ساقط من (م).

باب زكاة البقر

باب زكاة البقر الأصل في ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ صَاحِبِ بَقَرٍ لاَ يُؤَدِّى زَكاتَهَا، إِلاَّ جَاءَتْ يَوْمَ القِيَامَةِ، أَكْثَر مَا كَانَتْ، أُقْعِدَ لهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلاَفِهَا" (¬1) أخرجه مسلم. وقوله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: "فِي كُلِّ ثَلاَثِينَ بَقَرَةً تَبِيعٌ، وَفي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ" (¬2). وللبقر نصابان: ثلاثون، وأربعون، وما دون الثلاثين وقصٌ لا زكاةَ فيه. فإن بلغت ثلاثين كان فيها تبيعٌ، وفي أربعين مسنةٌ (¬3)، وفي ستين تبيعانِ، وفي سبعين تبيعٌ ومسنةٌ، وفي ثمانين مسنتان، وفي تسعين ثلاثُ توابعٍ، وفي مائةٍ تبيعانِ ومسنةٌ، وفي مائةٍ وعشرةٍ تبيعٌ ومسنتانِ، وفي عشرينَ ومائةٍ تتفق الفريضتان أربعُ توابعٍ أو ثلاثُ مسناتٍ. ويختلف إذا وجد فيها السنان جميعًا أو عُدِمَا، هل يكون الأمرُ في الوجه الذي يعد به (¬4) ويزكى عليه من توابعَ أو مسناتٍ إلى المصدقِ، أو إلى صاحبِ البقرِ، حسب ما تقدم في المائتين من الإبل؟ واختلفت الأحاديث في السن التي تجب في الثلاثين. فروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم: 2/ 648، في باب إثم مانع الزكاة من كتاب الزكاة، برقم (988). (¬2) أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 259، في باب ما جاء في صدقة البقر، من كتاب الزكاة، برقم (600)، والترمذي: 3/ 20، في باب زكاة البقر، من كتاب الزكاة برقم (623)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن. (¬3) قوله: (وللبقر نصابان: ثلاثون. . . أربعين مسنة) ساقط من (م). (¬4) قوله: (يعد به) يقابله في (م): (يعرفه).

أنه قال: "في ثلاثين جذع" (¬1). وروي عنه أنه قال "فيه جذع أو جذعة" (¬2). واختلفت الروايات على مثل ذلك في المذهب، فقال في المدونة: فيها جذعٌ (¬3). وقال (¬4) في كتاب ابن حبيب: جذع، أو جَذعَةٌ (¬5). ولم تختلف الأحاديث والروايات أن الذكر يجزئ. واختلف هل يؤخذ مع وجود (¬6) الأنثى. فعلى القول: إن الإعطاء لصاحب المال- يلزم الساعي قبول الجذع مع وجود الجذعة. وعلى القول: إن الأمر للمصدق، إن أخذ جذعة لم يكن لصاحب المال أن ينتزعها منه. وإن لم يكن في البقر إلا جذع أخذه، ولم يكن للمصدق أن يكلفه أن يأتي بأنثى. ويختلف إذا لم يكن فيها إلا أنثى، فأراد المصدق أخذها، وقال صاحب المال: أنا آتي بذكر. هل يكون القول قول المصدق، أو قول المالك؟ ¬

_ (¬1) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه: 2/ 363، في باب في صدقة البقر ما هي، من كتاب الزكاة، برقم (9933). (¬2) أخرجه مالك في الموطأ: 2/ 67، في باب ما جاء في ميراث العقل والتغليظ فيه، من كتاب العقول، برقم (1557)، وأبو داود: 2/ 564، في باب زكاة البقر، من كتاب الزكاة برقم (4550)، وابن ماجه: 2/ 884، في باب القاتل لا يرث، من كتاب الديات، برقم (2646)، كلهم بلفظ: جذعة. (¬3) أخرجه مالك في الموطأ: 2/ 867، في باب ما جاء في ميراث العقل والتغليظ فيه، من كتاب العقول، برقم (1557)، وأبو داود: 2/ 564، في باب زكاة البقر، من كتاب الزكاة برقم (4550)، وابن ماجه: 2/ 884، في باب القاتل لا يرث، من كتاب الديات، برقم (2646)، كلهم بلفظ: جذعة. وانظر: المدونة: 1/ 355. (¬4) قوله: (قال) ساقط من (ر) و (م). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 218. (¬6) قوله: (يؤخذ مع وجود) يقابله في (ر) و (م): (تؤخذ).

واختلف في سن الجذع، فقال ابن حبيب: هو ابن سنتين (¬1)، وهو العجل (¬2) الذي فطم عن أمه. وقال ابن نافع في المجموعة: هو ابن ثلاث سنين (¬3). والأول أصح وهو المعروف عند أهل اللغة. واختلفت الأحاديث أيضًا والروايات في السن الذي يؤخذ عن الأربعين، فروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "فيها ثنية"، وأنه قال: "فِيهَا مُسِنَّةٌ" (¬4). قال ابن حبيب وأبو محمد عبد الوهاب: المسنة بنت أربع سنين (¬5). هذا مع تسليمهم أن الجذع ابن سنتين، والثنية بنت ثلاث سنين (¬6)، فإذا دخلت في الرابعة فهي رِباع. وقال أبو إسحاق ابن شعبان: هي ابنة ثلاث سنين (¬7)، وأخذ بقوله - صلى الله عليه وسلم -: إن الواجب فيها ثنية. وهو الصحيح؛ لأنه حديث مفسر يقضي على المجمل في قوله: مسنة؛ ولأنه اسم شامل للثنية والرباع، ولا تؤخذ إلا أنثى. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 218. (¬2) في (م): (الفحل). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 218. ونصه فيه: "ومن المجموعة، قال ابن نافعٍ: والجذع من البقر الذي أوفى سنتين، ودخل في الثالثة مثل الدَّوَابِّ". (¬4) أخرجه مالك في الموطأ: 2/ 144، في باب صدقة البقر، من كتاب الزكاة، برقم (339). (¬5) انظر: المعونة: 1/ 231. ونصه: "مسنة -ولا يؤخذ إلا أنثى وسنها أربع سنين-". وانظر: النوادر والزيادات: 2/ 218. ونصه فيه: "ودخل في الرابعة وهو سنُّ المسنةِ، ولا يؤخذ إلَّا أُنثى". (¬6) قوله: (سنين) زيادة من (ر) و (م). (¬7) انظر: الزاهي، لابن شعبان، لوحة رقم: [30 / أ].

باب فى زكاة الغنم

باب فى زكاة الغنم الأصل فيها قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وَفِي صَدَقَة الغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إِلَى مِائَتَيْنِ شَاتَانِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إِلَى ثَلاَثِمِائَةٍ فَفِيهَا ثَلاَثُ شِيَاهٍ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلاَثِمِائَةٍ فَفِي كُلِّ مِائَة شَاة، فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً وَاحِدَةً، فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا". أخرجه البخاري في صحيحه (¬1). فوقّت - صلى الله عليه وسلم - في الغنم أربعةَ نُصُبٍ: أربعين، وإحدى وعشرين ومائة، ومائتين وواحدة، ثم العدد بالمئين في كل مائة شاةٌ، وأوجب (¬2) في النصاب شاةً، وفي النصابين (¬3) شاتين. ولم يأتِ بيان في سنها ولا في صفتها من طريق صحيح عَلِمتُه. واخْتُلِفَ في ذلك على ثلاثة أقوال: فقال ابن القاسم وأشهب في المجموعة: يؤخذ الجذع والجذعة، والثني والثنية، والضأن والمعز في ذلك سواء (¬4). وهذا ظاهر المدونة (¬5). وقال أبو الحسن ابن القصار: الواجب عندنا الإناث من الجذعة والثنية. وهو قول الشافعي. وقال أبو حنيفة: يجوز أن يؤخذ الجذع، كما يجوز أن تؤخذ ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري: 2/ 527، في باب زكاة الغنم، من كتاب الزكاة برقم (1386). (¬2) في (ر): (وأوجبت). (¬3) في (ق 3) و (ب): (النصاب الثاني). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 217. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 354.

الثني (¬1)؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خُذِ الجَذَعَةَ وَالثَّنِيَّةَ" (¬2). وقال ابن حبيب: يؤخذ الجذع من الضأن فصاعدًا، وهو ابن سنة تامة والثنية (¬3)، من المعز (¬4)؛ وهما اللذان يجوزان في الأضاحي. ولا يجوز أن يكون ذكرًا؛ لأنه تيسٌ، وقد نهي عن أخذه إلا أن يكون تيسًا من كرائم المعز، فيلحق بالفحول، فيؤخذ إن طاع (¬5) به ربه. والقول: إن الواجب جذعة أو ثنية من الضأن والمعز، أحسنها؛ لوجوه ثلاثة: أحدها: أنه مروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان سنده ليس بالقوي. والثاني: أنه قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، والأشبه أنه قال ذلك لما مضى عليه من العمل؛ لأن زكاة الماشية مما تقدم العمل بها في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -. والثالث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوجب في زكاة الإبل أربع أسنانٍ كلها إناثٌ: بنتُ مخاض، وبنتُ لبونٍ، وحقة، وجذعة، ولم يجز فيها ذكر إلا ابنُ لبونٍ عند عدم بنتِ مخاضٍ، فأجاز أن يؤخذ ذكرًا يزيد سنةً عن الأنثى التي تجب في تلك الفريضة، فيعلم أن المقصود من الزكاة الإناث؛ ولأن الغالب فيما (¬6) يكون في كسب الإنسان من الإبل والغنم الإناث. فوجب أن يخرج من الغالب في كسبه. ¬

_ (¬1) قوله: (يجوز أن تؤخذ الثني) يقابله في (م): (يأخذ الأنثى). (¬2) أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 265، في باب ما جاء فيما يعتد به من السخل في الصدقة، من كتاب الزكاة، برقم (601). (¬3) قوله: (وقال ابن حبيب ... تامة والثنية) ساقط من (م). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 217. ونصه فيه: "وذهب ابن حبيبٍ، إلى أنَّه إنما يؤخذ الجذع من الضأن، والثنيُّ من المعز كالضحايا". (¬5) في (م): (أطاع). (¬6) في (م): (ما).

فأما قول ابن حبيب وقياسه الزكاة على الأضاحي فغير صحيح؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبان أن (¬1) الأصلين مفترقان، وأوجب الزكاة في أربع أسنانٍ من الإبل ليس فيها شيءُ يجزئُ في الأضاحي، وأوجبها في البقر في سنين: أحدهما يجزئُ في الأضاحي، والآخر لا يجزئُ؛ فعُلِم بذلك أنهما أصلان لا يُقاس أحدُهما على الآخرِ. وإذا كان الواجبُ جذعةً أو ثنيةً، فعلى القولِ: إنَّ الأمرَ في الأخذِ للمصدقِ، يكون له أن يأخذَ الثنيةَ ويدعَ الجذعةَ. وعلى القول الآخرِ يكونُ فيه (¬2) الأمرُ إلى صاحبِ الغنمِ، فيدفع الجذعةَ ويمنع من الثنية وإنْ كَرِه المصدقُ. وهذا إذا كانت الغنمُ مختلطةً صغارًا وكبارًا وجيدةً ورديئةً، فإنه يأخذُ الجذعةَ والثنيةَ. قال عمر - رضي الله عنه -: وذلك عدل بين غذاء (¬3) الغنم (¬4) وخيارها. واختلف إذا كانت جنسًا واحدًا- خيارًا كلها: رُبى (¬5) أو أكولة (¬6)، أو مواخض (¬7)، أو علوفة (¬8) كلها (¬9)، أو فحولًا، أو دنية كلها عجافًا، أو ذواتِ عوارٍ، أو سخالًا، على أربعةِ أقوالٍ: فقال مالكٌ في المدونة: إنها كالمختلطة، ¬

_ (¬1) قوله: (أن) ساقط من (م). (¬2) قوله: (فيه) ساقط من (م). (¬3) قوله: (بين غذاء) يقابله في (م): (عند عدم). (¬4) في (ق 3): (المال). (¬5) الرُّبَى: هي: الحامل التي دنت ولادتها، انظر: النهاية (2/ 180)، وقال في هامش (ر): (الربى: الشاة تحبس في البيت للبن، والجمع رباب). (¬6) قوله: (أو أكولة) ساقط من (ق 3) و (م). (¬7) المواخض، جمع: ماخض، وهي: الحامل التي دنت ولادتها، انظر: لسان العرب: 7/ 228. (¬8) العلوفة هي: التي تُسمن للأكل، انظر: النهاية (1/ 58). (¬9) قوله: (كلها) ساقط من (ق 3)، وقوله (كلها أو فحولا) ساقط من (م).

ويأتي ربها بزكاتها من غيرها (¬1). ولمطرف في ثمانيةِ أبي زيدٍ مثل قولِ مالكٍ إذا كانت رُبىً، أو مواخضَ، أو أكولةً، أو سخالًا، أو فحولًا (¬2)، أنه لا يؤخذ منها. وخالف إذا كانت عجافًا كلها، أو كانت (¬3) ذاتَ (¬4) عوارٍ، أو تيوسًا. فقال: يأخذ (¬5) منها عجفاءَ، أو ذاتَ عوارٍ، أو تيسًا. وقال ابن الماجشون في الثمانية: يؤخذ منها وإن كانت رُبىً أو مواخضَ، أو أكولةً أو عجافًا أو ذاتَ عوارٍ؛ إلا أن تكون فيها جذعةٌ أو ثنيةٌ، ووافق إذا كانت سخالًا أنه لا يأخذ منها. وقال محمد بن عبد الحكم في جميع هذه الأصناف التي تقدم ذكرها، وفي السخالِ: لولا خلافُ أصحابِنا لكان بينًا أن تؤخذ منها واحدةٌ منْ أوسطها، ولا يكون عليه ثنيةٌ ولا جذعةٌ. قال: وقول عمر تؤخذ الجذعةُ والثنيةُ؛ لأنه العدلُ بين غذاء المالِ (¬6) والخيار (¬7). يريد: أن قولَ عمرَ خرج على ما يكون عليه الغنمُ في الغالبِ أنها خيارٌ وشرارٌ، وكبارٌ وصغارٌ. فإن كانت غنمًا على خلافِ المعتادِ فكانت جنسًا واحدًا أخذَ منها، وأُجريت على الأصلِ في زكاةِ الأموالِ أنَّها منها، إلا ما وردَ النَّصُّ أنه من غيرِه، وكانت كالتمورِ في أحدِ الأقوالِ: إن كانت جنسًا واحدًا أخذت زكاته منه، وإن كانت أجناسًا كانت من الوسط. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 355. (¬2) قوله: (أو فحولًا) ساقط من (ر) و (م). (¬3) قوله: (كانت) ساقط من (ر) و (م). (¬4) في (م): (ذوات). (¬5) في (م): (يؤخذ). (¬6) قوله: (غذاء المالِ) يقابله في (ر) و (م): (الغذاء). (¬7) انظر تفصيل هذه المسألة في: النوادر والزيادات: 2/ 219، 222.

واخْتُلِفَ عن مالكٍ إذا كانت أغنامُ الناسِ كلها عجافًا لجدبٍ (¬1) نزلَ بهم. فروى ابنُ وهبٍ عنه أنه قال: يؤخذ منها (¬2). وروى عنه أشهب أنه قال: لا يؤخذ، ولا يُبْعَثُ السعاةُ سنةَ الجدبِ (¬3). وقال (¬4): لأنه يأخذ ما ليس له هناك ثمن، وإن جلبه لم ينجلب (¬5). قال: وإنما ذلك (¬6) نظر للمساكين (¬7)، وليس لأهل المواشي (¬8). وأرى إذا كانت الغنم قريبة من العمران، أو بعيدة ولها بالمكان الذي هي به ثمن، جلبت هذه، وبيعت هذه. وإن كانت على بعد ولا ثمن لها إن بيعت هناك تركت لقابل. وتكون الزكاة على تعليله معلقة بأعيان (¬9) الماشية المزكاة، لا في الذمة. فإن هلكت الغنمُ (¬10) أو غُصِبت لم يكن على صاحبِ الغنمِ شيءٌ. فإن هلك بعضها كان المساكينُ شركاءَ في الباقي بقدرِ الشاةِ. واختلف إذا كانت الغنم مختلطة جيادًا ورديئة، فأرادَ المصدق أن يأخذَ ذاتَ عوارٍ؛ لأنه أفضلُ للمساكين بغير رضا صاحبِ الماشيةِ، فأجاز ذلك ابن ¬

_ (¬1) في (ر): (الحدث). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 236. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 236. (¬4) قوله: (وقال) ساقط من (م). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 236، والبيان والتحصيل: 2/ 438. (¬6) في (ر): (ذكره). (¬7) في (ر) و (م): (للمسلمين). ونص البيان والتحصيل "للمسلمين" انظر: البيان والتحصيل: 2/ 438. (¬8) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 438. (¬9) في (م): (يعني). (¬10) قوله: (الغنم) ساقط من (ر).

القاسم، ومنعه محمد إلا برضاه والأولُ أبينُ؛ لأن الأصل في تركِ ذواتِ العوارِ لم يكن لحقِّ صاحبِ الماشيةِ. واختلف إذا ضربت فحولُ الظباءِ إناث الغنم فتوالدت، هل تزكى سِخَالهُا؟ وهل يتم بها النصابُ. فأوجب ذلك أبو الحسن ابن القصار، ومنعه محمد بن عبد الحكم، وسواء كان الولدُ شبيهًا بالأمِّ أو بالفحلِ، والأول أبين، إذا كان الولدُ شبيهًا بالأمِّ. ولا أعلمهم يختلفون لو ضربت فحول الغنم إناث الظباء، أنَّ سخالها لا تُضافُ إلى الفحولِ، ولا يتم بها نصابها؛ لأن الولد إنما يضاف في الزكاة إلى الأمهات، وعلى حولها يجري.

باب إذا اجتمع جنسان من صنف واحد في ملك واحد، ضأن ومعز وبقر وجواميس، أو إبل وبخت

باب إذا اجتمع جنسان من صنفٍ واحدِ في ملكٍ واحدٍ، ضأنٌ ومعزٌ وبقرٌ وجواميسُ، أو إبلٌ وبختٌ الضأنُ والمعزُ في الزكاةِ صِنْفٌ واحدٌ يُجمع بعضُه إلى بعضٍ، وكذلك البقرُ والجواميسُ صنفٌ (¬1)، والإبلُ العرابُ والبختُ صنفٌ. فإذا كانت الغنمُ أربعين شاة، وهي ضأنٌ ومعز، أخذت الشاة من أكثرها. وقال ابن القاسم: إذا كانت متساويةً يأخذ المصدق من أيها شاء (¬2)، (¬3). والقياس أن يكون فيها نصفُ ضائنةٍ ونصفُ ماعزة (¬4)، من غيرِ خيارِ المصدقِ (¬5). وليس قولُ المصدقِ: آخذُ ضائنةً بأولى من قول ربِّ الماشيةِ: أنا أدفعُ مَعزة. وإذا لم يكن قولُ أحدِهما أولى من الآخر كان نصفًا ونصفًا. فإن كانت الغنمُ ثمانين، أربعين ضأنًا، وأربعين معزًا، كان الساعي بالخيار، يأخذ من أيهما شاء. وإن كانت مائة وعشرينَ، وكان أحدُ الصنفين دونَ النصابِ: تسعةً وثلاثينَ إلى ما دون ذلك، كانت الصدقةُ من النصابِ دون غيره. وإن كان في كل واحدٍ منهما نصاب، وهي متساوية، ستونَ وستون، كان المصدقُ بالخيارِ ¬

_ (¬1) قوله: (صنف) ساقط من (ر)، وفي (م): (صنف واحد). (¬2) قوله: (شاء) زيادة من (م). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 224. ونصه: (من المجموعة، قال مالكٌ: ومن له ضأنٌ ومعزٌ يجب فيها شاةٌ، أخذها من أكثرهما فإن استويا، فمن أيهما شاء". (¬4) في (ر): (معزا)، وفي (م): (معزية). (¬5) قوله: (المصدقِ) ساقط من (ر).

يأخذ شاةً منْ أيهما شاء، إذا كان أفضل للمساكين. واختلف إذا كانت ثمانين وأربعين (¬1)؛ فقال ابن القاسم: يأخذُ من الأكثرِ (¬2). وقال محمد بن مسلمة: المصدق بالخيار يأخذ من أيهما شاء؛ لأن كلَّ واحدةٍ منهما لو كانت وحدَها أخذ منها شاة، فله أن يأخذَ من هذه، ويطرحَ الأخرى (¬3). وهو أحسن؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوجب في أربعين شاة، وعفا عما زاد عليها إلى العشرين ومائة، فلم يجعل فيها شيئًا، وكان للمصدق أن يأخذ الشاة من الضأن وإن كانت أربعين، ويترك ما سواها. واختلف عن مالكٍ في هذا الأصلِ؛ فرأى مرةً أنَّ الزكاةَ إنما تؤخذُ عن الأربعين (¬4)، ومرةً عن العشرين ومائة (¬5). فعلى قوله: إنها تؤخذ عن الأربعين يصح أن يكون المصدق بالخيار. وعلى قوله: إنها تؤخذ عن العشرين ومائة يصح القول: إنها تؤخذ من الأكثر، إلا أن تكون الضأنُ لم يَحُلْ عليها الحولُ، فلا يؤخذ منها على قول ابن مسلمة؛ لأنه علل بزكاتها على الانفراد. فإذا أراد أن يأخذ منها على الانفراد، ويسقط الباقي، قال المالك: لم يَحْلْ عليها الحولُ، فليس لك أن تأخذ منها. وإن كان جميعها مائة وإحدى وعشرين، وكان أحد الصنفين إحدى ¬

_ (¬1) في (م): (أو أربعين). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 254. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 357. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 447. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 447.

وثمانين، والآخر أربعين، أخذ من كل واحدة منهما شاة. فإن كانت اثنتين وثمانين، وتسعة وثلاثين أخذ الساعي (¬1) الشاتين من الأكثر. وقد قال في مثلها: إنه يأخذ من كل واحدةٍ منهما شاةً (¬2). فقال في أربعين بقرة وعشرين جاموسًا: إنه يأخذ تبيعًا من البقر، وتبيعًا من الجواميس (¬3). فعلى هذا يأخذ من الضأن شاةً عن ستين ونصف، ثم يُضاف بقيتها إلى المعز، فتوجد المعز أكثر، فيأخذ منها؛ لأنها أكثر من الفاضل عن الستين ونصف. وقال ابن القاسم: إذا كان جميعُها (¬4) مائة وستين: عشرين ومائة ضائنة، وأربعين معزة، أخذ منها ضائنة ومعزة (¬5)؛ لأن المعز أوجبت الشاة الثانية، وفيها نصابٌ. وعلى القول: إنَّ الوقصَ داخلٌ في الزكاةِ، وإن الزكاةَ تُؤخذُ عن ستين ومائة، يأخذُ الضائنة عن ثمانين من الضأنِ، ويكون بالخيارِ في الأخرى. وعلى قولِ سحنون، يأخذ شاتينِ مِنَ الضأنِ؛ لأنه نَقَصَ الأربعين عن العشرين ومائة، فتكون ستين ضائنة وعشرين معزة فيها شاةٌ من الأكثرِ، وكذلك الصنفُ (¬6) الآخرِ. وإن كانت الضأنُ مائةً وإحدى وعشرين، والمعز أربعين، أخذ الشاتينِ من الضأنِ. وهذا قول ابنِ القاسم. وقال محمد بن مسلمة: الساعي بالخيار بين أن يأخذ ضائنتين؛ لأن ذلك مما يجب فيها لو لم ¬

_ (¬1) قوله: (الساعي) ساقط من (ر) و (م). (¬2) انظر: التلقين: 1/ 64، والمعونة: 1/ 233. (¬3) انظر: التلقين: 1/ 64، والمعونة: 1/ 233. (¬4) في (م): (كان جميعًا)، وفي (ب): (كانا جميعا) (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 225. ونصه: "قال أبو محمد: ورأيتُ لسحنون، ولم أروه في مَنْ له عشرون ومائة ضأنيَّةٌ وأربعون معزية، أنَّه يأخذ الشاتين من الضأن". (¬6) في (ر): (النصف).

يكن فيها معز، أو يأخذ ضائنة ومعزة؛ لأنه قد كانت تكون في الضأن شاةٌ، وفي المعز شاةٌ (¬1). يريد: إذا كانت المعزُ حَالَ عليها الحولُ، وإن حالَ الحولُ على المعزِ وحدها زكَّى جميعها زكاة الاجتماع. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 359.

باب [في ما يؤخذ من النصاب من صنفي البقر]

باب (¬1) [في ما يؤخذ من النصاب من صنفي البقر] وإن كانت بقرًا وجواميس، والواجب فيها سن واحدة كالثلاثين أو كالأربعين (¬2)، أخذت الزكاة من أكثرها، وإن تساوت كان المصدق بالخيار عند ابن القاسم. وإن كان الواجبُ فيها أسنان كالستين، وأحدها أكثر، فقال ابن القاسم: إذا كانت أربعين من البقر، وعشرين من الجواميس أخذ من كل واحدة تبيعًا (¬3)؛ لأنه يأخذ تبيعًا عن ثلاثين منَ البقرِ، وتبقى عشرة تُضاف إلى عشرين من الجواميس، وهي أكثر. وقال سحنون: يأخذ تبيعين من البقر؛ لأنه يفُضُّ الجواميسَ على (¬4) البقرِ، فيكون عشرون من البقرِ، وعشرة من الجواميس. والأول أصوب، ولا أعلم للفَضِّ (¬5) وجْهًا. وإن كانت سبعين، فيها من الجواميسِ عشرون؛ أخذَ من البقرِ مسنةً، ومنَ الجواميسِ تبيعًا (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (باب) زيادة من (م). (¬2) قوله: (أو كالأربعين) يقابله في (م): (والأربعين). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 359. (¬4) قوله: (يفُضُّ الجواميسَ على) يقابله في (م): (نقص الجواميس عن). (¬5) في (م): (نقص). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 130.

باب [في ما يؤخذ من النصاب من صنفي الإبل]

باب (¬1) [في ما يؤخذ من النصاب من صنفي الإبل] وكذلك الإبلُ، إذا كان الواجبُ فيها سنًا واحدًا، بنت مخاضٍ، أو بنت لبونٍ، أو حقة، أو جذعة: أخذت من الأكثر، وإن كان فيها صنفان، وكانت ستة وسبعين (¬2)، منها (¬3) العراب خمسون، أَخذ من كل واحدة منها بنتَ لبونٍ، وإن كانت العرابُ ستين أخذ بنتي لبون منها، ولم يأخذ من البخت شيئًا؛ لأنه إذا أخذ بنت لبون من العراب عن نصف الجميع، وهي ثمانية وثلاثون، كان الباقي منها اثنين وعشرين من العراب (¬4)، ومن البخت ستة عشر، فالعراب أكثر. وهو قول ابن مسلمة في الإبل البخت والعراب (¬5). ¬

_ (¬1) قوله: (باب) زيادة من (م). (¬2) في (ر): (وتسعين). (¬3) في (م): (منها الإبل). (¬4) قوله: (من العراب) ساقط من (م). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 359.

باب في زكاة ماشية المدير

باب في زكاة ماشية المدير (¬1) وإذا كان الرجلُ يديرُ مالَه في التجار، وله ماشيةٌ يُديرُها أيضًا، فإن كانت دون نصابٍ قومها مع ماله. وإن كان لا يديرها وهي للتجارة يرجو فيها حوالة الأسواق، وإن كانت أقل (¬2) مما في يديه للإدارة كان في تقويمها قولان: هل تكون تبعًا للكثير، وهو الذي يُدارُ، أم لا؟ والصوابُ ألا تُقوَّم، وأن يكونَ كلُّ مالٍ مراعى في نفسه، وله حكمُ نفسه لا حكم غيره. وإن كانت للقنية ليشرب لبنها، ويستعمل صوفها، لم تُقَوَّم، ولم يزكِّ ثمنها إن باعها. وإن كانت للغلة ليبيع لبنها وصوفها كان فيها قولان: هل ذلك قنية، أو تجارة؟ فمن قال: إن ذلك تجارة، يختلف هل يقومها المدير أم لا (¬3)؟ وإن كانت نصابًا وحالَ عليها الحولُ من يوم اشتراها لم يُقَوِّمْهَا وإن كان مديرًا؛ لأنها تُزَكَّى زكاةَ الماشيةِ. فإنْ باعها قبل أن يأتيه الساعي، فقال ابن القاسم في كتاب ابن سحنون: تزكى وترد إلى المال الأول (¬4). يريد: مال (¬5) الإدارة. وينبغي على قوله أن يزكى على الأقل (¬6) من القيمة ¬

_ (¬1) قوله: (ماشية المدير) يقابله في (ت): (الماشية). (¬2) قوله: (وإن كانت أقل) يقابله في (م): (وكانت أولى). (¬3) قوله: (أم لا) ساقط من (ق 3) و (م). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 231. (¬5) قوله: (مال) زيادة من (ر) و (م). (¬6) قوله: (يزكى على الأقل) يقابله في (م): (تزكى عن الأول).

يوم قوم للإدارة، أو ما باع به. فإن كانت القيمةُ يومَ قوم أقل لم يزكِّ الزائد؛ لأنه نما في الحول الثاني، وإن كانت القيمةُ أكثرَ من الثمنِ لم يلزمه أن يزكي عما حطت القيمة؛ لأنَّ كلَّ مالٍ تأخرت زكاته بوجه جائز لا يضمن تلك الزكاة إذا ضاع ذلك المال، وكذلك إذا نقص. ويجري فيها (¬1) قول آخر: أنه يزكي عن الثمن الذي باع به قليلًا كان أو كثيرًا؛ لأنها خرجت من الإدارة لما أقامت حولًا، فيزكي الثمن إذا باع قبل مجيء السَّاعي، أو زكاة الغنم ما لم تنقص عن النصاب إذا كان ممن لا ساعي له. وإذا كانت الغنمُ في وقتِ تقويمِها (¬2) للإدارةِ نِصابًا، وهي مما يُدار، ومعلومٌ أنها لا تبقى عنده حتى يحول عليها الحولُ، فإنه يُقَوِّمُها الآن. وإن كانت دون النصاب فقومها، ثم بارت عليه، وأقامت حتى حالَ عليها الحولُ، وتمت بولادتها نصابًا، لم يلزمه أنْ يزكي زكاةَ الماشيةِ حتى يحولَ الحولُ عليها (¬3) من يوم قوم؛ لأنه أدَّى زكاتَها بأمرٍ واجبٍ عليه، وتصير بمنزلة من أفادها يوم قوم، فلا يلزمه أنْ يزكي الآن زكاةَ الماشيةِ حتى يحولَ الحولُ منْ يومِ قوم (¬4)، فيكون قد زكى مالًا واحدًا في عامٍ واحدٍ مرتين. ¬

_ (¬1) في (م): (فيه). (¬2) في (م): (تقويمه). (¬3) قوله: (عليها) زيادة من (ر). (¬4) قوله: (حتى يحولَ الحولُ من يوم قوم) ساقط من (م).

باب فيمن اشترى ماشية بدنانير، أو كانت له ماشية فباعها بدنانير. هل يزكي الثاني على حول الأول؟ وفي تحويل الماشية في الماشية

باب فيمن اشترى ماشيةً بدنانيرَ، أو كانت له ماشيةٌ فباعَها بدنانيرَ. هل يُزَكِّي الثاني على حولِ الأوَّلِ؟ وفي تحويلِ الماشيةِ في الماشيةِ اختلف فيمن كانت بيده دنانيرُ فأقامت ستةَ أشهرٍ، ثم ابتاعَ بها نصاب غنم، أو كان بيده نصابُ غنمٍ فَزَكَّاه، ثم باعَه بدنانيرَ بعد ستة أشهرٍ (¬1) من يوم زكَّاها، هل يستأنف بالمال (¬2) الثاني حولًا، أو يزكي على الحولِ الأولِ؟ فقال مالك فيمن كانت بيده دنانيرُ ابتاعَ بها غنمًا: إنه يستأنف حولًا (¬3) من يوم اشترى الغنم (¬4). وإن كانت بيده غنمٌ فزكاها، ثم باعها بدنانيرَ، زكى الثمنَ من يوم (¬5) زَكَّى الغنمَ، ولم يستأنف الحولَ من يوم باعَ الغنمَ. وقال محمد بن مسلمة: إذا اشترى بالعين غنمًا زكّى الغنمَ على حولِ العينِ، ولم يستأنفِ الحولَ (¬6). وقال محمد بن عبد الحكم: إذا باعَ الغنمَ (¬7) بعينٍ استأنفَ الحول من يوم باعَ (¬8). قال: وذلك (¬9) مثل الذي يشتري الغنم بدنانير ¬

_ (¬1) قوله: (ثم ابتاع بها. . . بعد ستة أشهر) ساقط من (م). (¬2) في (ر) و (م): (بالملك). (¬3) قوله: (أو يزكي على الحول. . . يستأنف حولًا) ساقط من (ر). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 358. (¬5) قوله: (زكى الثمنَ من يوم) ساقط من (ر). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 232. (¬7) في (م): (العين). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 232. ولكن أورد النص عن أشهب، "قال أشهبُ: ومَن باع غنمًا بعَرَضٍ أو بعينٍ، ثم ابتاع بذلك غنمًا؛ فليأتنف بها حولًا". (¬9) قوله: (وذلك) ساقط من (م).

قد مضى لها ستة أشهر فلا يكون عليه أن يحتسبَ من حولِ الدنانيرِ. واخْتُلِفَ أيضًا إذا اشترى غنمًا بدنانيرَ، ثم باع الغنم قبل مجيء الساعي، وقبل أن تجريَ فيها زكاةٌ، فقال مالك وابن القاسم في المدونة: يرجع في زكاته إلى زكاة العين، فيزكي ثمنها من يوم أفادَ الذهبَ الذي اشْتُرِيَتْ به (¬1). وقال أيضًا في غير المدونة: يزكي من يوم اشترى الغنم (¬2). قال الشيخ -رحمه الله-: بناء (¬3) الحول في المالين على وجهين: فإن كان المالان مما يجمعان (¬4) في الزكاة جمعهما (¬5) في الحول. فمثال ذلك: الذهب والفضة وهما مما يجمعان في الزكاة. فإذا كان له عشرةُ دنانيرَ ومائة درهم وجبت عليه الزكاة. وكذلك في بناء الحول، إذا أقامت بيده (¬6) ستة أشهر ثم باعها بمائتي درهم، فأقامت بيده ستة أشهر، وجبت عليه الزكاة. وإذا كان المالان مما لا يجمعان في الزكاة، كالعين والماشية، فكذلك لا يجمعان في الحول. فلو كانت لرجل عشرة دنانير وعشرون شاة لم يجمعا في الزكاة، فكذلك إذا أقامت الدنانير في يده ستة أشهر، ثم ابتاع بها (¬7) أربعين شاة، لم يزكِّها إلا لحول من يوم الشراء (¬8)، ولم يبنِ على حول العين، كما لا ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 358. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 229. (¬3) قوله: (بناء) ساقط من (م). (¬4) في (م): (يضمان). (¬5) في (ر): (يضمان للزكاة جميعًا). (¬6) في (ق 3) و (م): (أقامت الذهب في يده). (¬7) قوله: (بها) ساقط من (م). (¬8) قوله: (إلا لحول من يوم الشراء) ساقط من (ر) و (م).

فصل الخلاف فيمن له ماشية فباعها بنصاب ماشية من جنسها أو من غير جنسها

يجمعان في النصاب؛ لأن الأصل ألا يُزكى مالٌ إلا باجتماع وجهين (¬1): أن يكون نصابًا، ويقيم بيده حولًا. فإن انخرم أحدهما لم تجب زكاة. وكذلك إذا أقامتِ الغنمُ في يديه ستةَ أشهرٍ، وهو تمام حولِ العينِ، وأقام (¬2) ثمن الغنم في يديه ستة أشهر، وهو تمام حول الغنم، لم تجب فيه (¬3) زكاةٌ. فصل الخلاف فيمن له ماشية فباعها بنصاب ماشية من جنسها أو من غير جنسها واخْتُلِفَ فيمن له ماشية فباعها بنصاب ماشية من جنسها، أو من غير جنسها، على أربعةِ أقوالٍ: فقال مالكٌ (¬4) في المدونةِ فيمن باعَ غنمًا بغنمٍ: إنه يبني الثانيةَ على حولِ الأولى. وإن باعها بإبلٍ، أو بقرٍ، استأنف بالثانية حولًا، ولم يزكِّها على حولِ الأولى (¬5). وقال في كتاب ابن سحنون فيمن باعَ غنمًا بغنم: إنه يستأنف للثانية حولًا (¬6). وقال أيضًا: يزكي للثانية (¬7) على حولِ الأولى، مثل قوله الأول (¬8). وقال في المدونة فيمن باع غنمًا بإبل أو بقر: إنه يستأنف بالثانية ¬

_ (¬1) في (ق 3) و (م): (فصلين). (¬2) في (ر): (أو أقام). (¬3) في (ر) و (م): (عليه). (¬4) قوله: (مالك) ساقط من (م). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 363. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 230. (¬7) قوله: (للثانية) ساقط من (ق 3) و (م). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 230.

حولًا (¬1). وقال في كتاب محمد: يزكيها على حول الأولى، إذا كانت الأولى نصابًا، فإن كانت دون نصاب استأنف بالثانية حولًا (¬2). وقال محمد بن مسلمة: يبني على حول الأولى. وإن كانتِ الأولى أقل من نصابٍ، فقال فيمن له بعير أقام في يديه ستة أشهر، ثم باعه بأربعين شاة، ثم جاءه المصدق بعد ستة أشهر أخرى: زكَّى زكاة الغنم؛ لأنها ماشية حال على أصلها الحول (¬3). قال الشيخ - رضي الله عنه -: لا خلاف في زكاة العين؛ الذهب والفضة، أنه ليس من شرط وجوب الزكاة فيه أن يقيمَ ذلك العين حولًا. وإنه إذا تجر فيه ثم عاد عينًا، أنه يزكي هذا العين الثاني على حولِ الأول؛ بل ذلك أوجب في الزكاة إذا تجر فيه؛ لأن تنمية (¬4) العين لا تصح إلا بانتقال الأول. فإن بقيت العينُ على حالها، وغلب على التنمية، كان فيها قولان: هل تسقطُ الزكاةُ، أم لا؟ والماشية بعكس ذلك، فتجب الزكاةُ إذا بقيتِ الغنمُ أو الإبل أو البقر في يده حولًا؛ لأن النماء موجودٌ مع بقاء عينها، وبقيت على الأصل، أنه لا تجب الزكاة إلا مع بقاء تلك العين حولًا. ورأى مرة أنَّ الزكاةَ واجبةٌ، إذا باعها من جنسها (¬5)، بمنزلة من باع ذهبًا بذهبٍ. ورأى مرة أنه يستأنف الحول، لما كان النماء موجودًا مع بقاء عينها من غير نقلِ ملكٍ. وإذا باعَ الغنمَ الأولى (¬6) لم تجبْ في الثانيةِ زكاةٌ إلا بعد حولٍ. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 363. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 363. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 230. (¬4) في (ر): (سنة). (¬5) في (ق 3): (بجنسها). (¬6) قوله: (الغنمَ الأولى) يقابله في (م): (الأول).

واخْتُلِفَ بعد تسليم القول فيمن باع غنمًا بغنم، أنه يزكي الثانية على حول الأولى. واختلف إذا تخللهما عينٌ، فباعَ الغنمَ بدنانيرَ، ثم اشترى بالدنانيرِ التي أخذ عن الغنم (¬1) غنمًا، فقال محمد بن المواز: يستأنف بالثانية حولًا (¬2). قال: وصارت كذهب فيها زكاة، فابتاع بها غنمًا، أنه يستأنف بها حولًا (¬3). يريد: يسقط حكم الأولى. قال: وكذلك لو باع غنمه بذهب، ثم استقاله منها، فرجعت إليه، فإنه يستأنف بها حولًا. قال: وسواءٌ قبضَ الثمنَ أو لم يقبضه. وقال عبد الملك بن الماجشون: يزكي الآخرة مع حولِ غنمه التي باعَ. قال: وكذلك لو أخذ بذلك الثمن (¬4) إبلًا أو بقرًا؛ لأنه لم يخرجها إلا لما فيه الزكاة ثانية، ما لم يكن البدل ذهبًا أو وَرِقًا، اشترى بها ماشية لقنية أو لتجارة، فإنه يستأنف بها حولًا. وإلى هذا يرجع قول ابن القاسم في المدونة، فيمن استهلكت له غنم، فأخذ في قيمتها غنمًا. فقال ابن القاسم مرة: يزكي الثانية على حول الأولى (¬5)، وقال أيضًا (¬6): إنه يستأنف بالثانية حولًا (¬7). فرآه في القول الأول بمنزلة من كانت عنده ذهب، ثم أولجها في عروض، ثم باعها بذهب. والقول الآخر (¬8) أحسن، والغنم ¬

_ (¬1) قوله: (بالدنانير التي أخذ عن الغنم) ساقط من (ر)، وفي (م): (بالدنانير). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 230. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 231. (¬4) قوله: (الثمن) ساقط من (ر). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 361. (¬6) في (ق 3): (مرة). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 231. (¬8) في غير (ر): (الأولى).

في هذا بخلاف العين؛ لأن الذهب ليس من شرطه بقاء العين الواحدة حولًا، ومن شرط الغنم على الصحيح من المذهب ألا تزكى حتى تقيم العين الواحدة حولًا، وإذا كان ذلك استأنف بالماشية الثانية حولًا، وإن كانتِ الغنمُ الأولى دون نصابٍ كان ذلك أبين؛ لأنه لا يزكي الآخرة على حول الأولى وكذلك إذا كانت الأولى لقنية فاشترى الثانية ينوي بها التجارة.

باب فيمن ابتاع غنما للقنية أو ورثها

باب فيمن ابتاع غنمًا للقنية أو ورثها وإذا اشترى غنمًا للقنية أو ورثها، وحالَ عليها الحولُ وهي نصاب؛ زكاها، والقنية والتجارة في ذلك سواء؛ لأن النماء فيها في الحالين سواء، الولد واللبن والصوف. ولم تفترق القنية من غيرها. واخْتُلِفَ إذا باعها قبل أن يزكيها أو بعد أن زكاها. فقال مالكٌ في المدونة: إذا باعها بعد ستة أشهر من يوم اشتراها أو ورثها فإنه يستأنف حولًا، ثم رجع فقال: يحتسب بما مضى من الشهور من يوم اشترى ثم يزكي (¬1). وقال محمد: إن كان زكاها قبل البيع زكى الثمن إذا تم حول الغنم. قال: ولم يختلف في ذلك قول مالك ولا أصحابه (¬2). وقال أشهب في مدونته: يستأنف بالثمن حولًا من يوم يقبضه (¬3). والقول: إن الزكاةَ في جميع ذلك واجبةٌ؛ زُكِّيت الغنمُ أو لم تزكَّ- أحسن؛ لأن النماءَ موجودٌ فيها، ونية القنية في ذلك غير مؤثرة، ولو كان للنية في ذلك تأثيرٌ لم تزكَّ وهي غنم. وقد يُحمل قولُ مالك في استئناف الحول على القول: إذا كانت للتجارة، أنه لا يبنى (¬4) الثمن على حول الغنم، كما قال محمد بن عبد الحكم. وكذلك قوله: إنه يحسب الحول من يوم ابتاعها، ليس من يوم ملك الدنانير (¬5). وهو على ما تقدم إذا ابتاعها للتجارة فإنه يستأنف بالغنم حولًا، ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 358. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 232، 233. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 233. (¬4) في (ر): (لا ينمى). (¬5) في (ق 3): (الدينار).

فإن باع قبل أن يزكي زكاة الغنم زكى على أصل العين الذي اشتريت به. وإنما خالف في ذلك ابن مسلمة، فقال: يبني الغنم على حول العين. واختُلف أيضًا إذا اشتراها للقنية، وهي دون نصاب، فقال في المدونة: إذا كانت أربعة من الإبل، لا زكاة عليه في الثمن الآن (¬1)، وهي مخالفة للتي كانت نصابًا. وقال محمد بن مسلمة فيمن باع بعيرًا بأربعين شاة بعد ستة أشهر ثم جاءه المصدق بعد ستة أشهر أخرى: إنه يزكي الغنم (¬2). وهو أقيس على تسليم القول: إن الإبل تبنى على حول الدنانير؛ لأن الإبلَ تجبُ في عينها الزكاة. وكون الأصل دون نصاب بمنزلة من كان له عشرة دنانير فباعها بمائتي درهم. وقد قال مالك فيمن ابتاع أربعة أبعرة يعمل عليها بثمن تجب فيه الزكاة، أو لا تجب فيه الزكاة، ثم باعها بعد عام أو عامين بنصاب من العين: زكّى ثمنها ساعتئذٍ (¬3). وقد قيل في هذه المسألة: هو كمبتاع المساكن (¬4) للغلة فاختلف هل تكون تجارة أو قنية؟ وقد تقدم ذكر ماشية المديان في الكتاب الأول. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 362. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 230. ولم ينسبه لمحمد بن مسلمة. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 230. (¬4) في (ر): (المساكين).

باب في زكاة فائدة المواشي، وما هلك من الماشية بعد أن نزل به الساعي

باب في زكاة فائدة المواشي، وما هلك من الماشية بعد أن نزل به الساعي ومن كانت في يده ماشية ثم أفاد ماشية أخرى؛ فإن كانت الأولى دون نصاب أضافها إلى الثانية وزكاهما على حول الثانية، وإن كانت الأولى نصابًا أضاف إليها الثانية (¬1) وزكاهما على حول الأولى. وهذا إذا كانت جنسًا واحدًا: إبلًا كلها أو بقرًا أو غنمًا. فإن كانت الأولى نصابًا فلم يأته المصدق حتى نقصت عن النصاب زكّاهما على حول الثانية، فإن كانت الأولى دون النصاب فلم يأته الصدق حتى صارت نصابًا زكّاهما على حول الأولى، والمواشي في الفائدة (¬2) خلاف العين أنها (¬3) تزكّى على حول الأولى. واخْتُلِفَ في تعليل ذلك، فقيل: ذلك للضرورة في خروج السعاةِ؛ لأنَّ خروجهم في الحول مرةً واحدةً، فلما كان ينتفع تارة إذا جاءه قبل تمام حوله بشهر فلم يزكِّ إلى قابل، فكذلك يُنظر الآن ويزكي الفائدة (¬4) قبل الحول، وهذا غير صحيح. وفي العتبية خلاف ذلك: أن (¬5) الجوابَ فيمن لا سعاة لهم على ¬

_ (¬1) قوله: (إليها الثانية) يقابله في (ر) و (م): (الثانية إلى الأولى). (¬2) في (ق 3): (الفوائد). (¬3) قوله: (أنها) ساقط من (م). (¬4) قوله: (فلما كان ينتفع تارة إذا جاءه قبل تمام حوله بشهر فلم يزكِّ إلى قابل، فكذلك يُنظر الآن ويزكي الفائدة) في (م): (ينتفع تارة). (¬5) في (م): (أما).

مثل هذا (¬1). وقيل: ذلك؛ لأن زكاةَ الماشيةِ على النصابِ. فما زاد عليه كان وَقَصًا لا يزكيه حتى يدخلَ في النصاب الثاني. وإنما يزكي على الجمع ليس على الانفراد. فلو كان بيد رجل أربعون شاة، ثم أفاد بعد أربعة أشهر أربعين شاة، ثم أفاد (¬2) بعد أربعة أشهر أربعين شاة أيضًا؛ لم يزك عن كل أربعين على الانفراد، ولو كان ذلك لزكى عن مائة وعشرين ثلاث شياه. ومثله لو كان بيده مائة وواحدة، ثم أفاد مائة، فإنه يزكي عن الجميع ثلاث شياه. ولو زكّى كل مال بانفراده على حوله لزكى شاتين (¬3)، وهذا خلاف ما سنه النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهذا التعليل أشبه من الأول. والأصل المجتمع عليه أنه لا تجب في مال زكاة حتى يحول عليه الحول. وإذا كان ذلك كان من حق هذا أن يزكي الآن على (¬4) المائة الواحدة، ثم يزكّي زكاةَ الجميع في العام المقبل، وإلى هذا ذهب الشافعيُّ. وكذلك إن كانت مائة وعشرين (¬5) أفادها على ثلاث مرات، فإنه إذا حالَ الحولُ زكى الجميعَ على مذهبِ مالكٍ على حولِ الأولى. وقد تُزَكَّى الماشيةُ في العامِ الواحدِ مرتينِ، وفي العامين زكاةً واحدةً. فالأولى أن يزكيها رجل، ثم يبيعها من ساعته، فيشتريها من له نصابُ ماشيةٍ ويأتيه الساعي في ذلك اليوم، فإن له أن يزكيها أيضًا، أو يموت الأول (¬6) بعد ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 468. (¬2) قوله: (أفاد) ساقط من (م). (¬3) في (ق 3): (مائتين). (¬4) في (م): (عن). (¬5) في (م): (وعشرون). (¬6) قوله: (أو يموت الأول) ساقط من (م).

فصل [فيمن جاءه الساعي وقد نفق من نصاب ما يزكي شاة]

أن زكاها وللوارث نصاب من جنسها، فإنه يزكيها أيضًا. والوجه الثاني أن تقيم بيد الأول حولًا ثم يبيعها أو يموت قبل مجيء الساعي بيوم، والمشتري أو الوارث لا ماشية له، فإنه يستأنف بها حولًا. فصل [فيمن جاءه الساعي وقد نفق من نصاب ما يزكي شاة] ومن المدونة قال مالكٌ فيمن نزل به الساعي، وله مائتا شاة وشاة فهلكت منها واحدةٌ بعد أن نزل به الساعي وقبل أن يسعى عليه: إنه يزكي عن ما بقي، ولا شيء عليه فيما مات (¬1). وقال في كتاب محمد: إذا نزل به الساعي فسأله عن غنمه، فأخبره أنها مائتا شاة فقال له: نصبح فنأخذ منها شاتين، فولدت واحدة قبل الصبح، أو كانت مائتين وواحدة فماتت منها واحدة قبل الصبح، فإنه يزكي على ما يجد من عددها حين يصدق، ولا ينظر إلى ما كان قبل ذلك (¬2). فأسقط عنه زكاة ما هلك، وإن كان قد صدقه في العدد؛ لأن كل ما هلك من المال بعد الحول وقبل الأخذ منه من غير تفريط تسقط زكاته. وكذلك لو عد عليه ولم يأخذ منها شيئًا حتى هلك بعضها سقطت زكاته، وزكى عن الباقي. وتصديقه وعَدُّهُ سواء، وهذا إذا كانت الزكاة من عين تلك الماشية، ولو كانت إبلًا، فسأله عن عددها، فقال: عشرون. فصدّقه، فقال: يصبح ويأخذ أربع شياه، فهلك بعضها قبل أن يصبح، أو سرق جميعها، لم تسقط عنه زكاته؛ ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 364. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 227.

لأنه سلم ذلك إليه ليأخذ الزكاة من الذمة. وقال محمد: إذا لم يجد فيها نصابًا، يريد: كانت دون أربعين شاة، فذهب عنه المصدق، ثم رجع إليه، فوجدها قد بلغت نصابًا بولادة (¬1)، أنه لا يأخذ منها شيئًا. قال: ولا ينبغي للمصدق أن يرجع فيها، ولا يمر في العام الواحد مرتين. وفرق ما بين ما توالد قبل أن يذهب عنه، أو بعد ما ذهب عنه، ثم رجع إليه فزكى الأول ولم يزك الثاني. وقال محمد بن عبد الحكم في المسألة الآخرة: عليه أن يزكيها، ولا أدري ما وجه قول مالك، وقوله هذا أحسن؛ لأنه نصاب حال عليه الحول، وما كانت هذه صفته، فقد وجبت فيه (¬2) الزكاة، وإنما سقط عنه الرجوع لمشقة ذلك عليه، فإذا تكلف ذلك وفعل أخذ الزكاة. وينبغي إذا نزل الساعي، وهي مائتان، فقال له: نأخذ منها شاتين، فأصبح وقد ولدت؛ ألا يزكي إلا ما قال له أنه يزكي عليه أولا؛ لأن الولادة صارت (¬3) في العام الثاني. ¬

_ (¬1) قوله: (قد بلغت نصابًا بولادة) يقابله في (م): (ولدت وبلغت نصابا). (¬2) في (م): (عنه). (¬3) قوله: (صارت) ساقط من (م).

باب فيمن له نصاب ماشية فحال عليها الحول، ثم مات قبل مجيء الساعي

باب فيمن له نصاب ماشية فحال عليها الحول، ثم مات قبل مجيء الساعي ومن المدونة، قال ابن القاسم فيمن حال الحول على ماشيته، ثم مات قبل مجيء الساعي، فأوصى أن يخرج زكاتها: إن وصيته تنفذ من الثلث في الوجه الذي تصرف فيه الزكاة الذي سمى الله -عز وجل- في كتابه. ولا شيء للساعي عليها (¬1). فجعلها في الثلث؛ لأنه مات قبل وجوبها. ووجوبها معلق بمجيء الساعي. ولو لم يوصِ بها لم يكن على ورثته شيء. وجعلها في أصناف الزكاة؛ لأن ذلك قصد الميت. ولم يكن للساعي عليها سبيل؛ لأنها ليست بزكاة. ولو علم أن الوصية كانت من الميت؛ لأنه ظن أن الزكاة وجبت عليه، مثل أن يقول: وجبت علي زكاة ماشيتي؛ لأن الحول حال علي، أو ما أشبه ذلك مما يعلم (¬2) أنه لم يقصد التطوع، لم يجب على الورثة أن ينفذوا وصيته على أصل المذهب؛ أن وجوبها معلق بمجيء الساعي. وهذا الجواب فيمن لهم سعاة. وأما من لا سعاة لهم، فإنه يجري الجواب فيها على زكاة الزرع والثمار، فيخرج الزكاة منها إذا مات بعد أن حال الحول؛ أوصى بإخراج الزكاة، أو لم يوص. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 367. (¬2) في (م): (لم يعلم).

باب في إخراج الولاة الزكاة، ومن أخرح زكاة ماله دون الإمام

باب في إخراج الولاة الزكاة، ومن أخرح زكاة ماله دون الإمام تفرقة زكاة العين والحرث والماشية إلى أئمة العدل وإلى من أقاموه لها دون أصحاب الأموال. والأصل في ذلك قول الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103]. فعمَّ ولم يخص، وقوله في آية الصدقات (¬1): {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: 61]، وهم جُبَاتُها. وثبتت الأخبارُ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه كان يبعثُ السعاةَ والمصدقينَ لزكاةِ الحبوبِ والمواشي. وبَعثَ معاذًا وأبا موسى إلى اليمن، فقال معاذٌ لأهل اليمن: "ائْتُونِي بِخَمِيصٍ أَوْ لَبِيسٍ، مَكَانَ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ، وَأَنْفَعُ لأَصْحَابِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بِالمَدِينَةِ" (¬2). وبعث ابنَ اللُّتْبِيَّة (¬3) على الصدقةِ. وأما العين فالشأن فيها أن يدفع الرجل صدقته إلى الإمام، ولا يبعث فيها؛ لأنَّ الوقت الذي تحلّ فيه زكاة العين مختلف، وليس كزكاة الماشية. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عَفَوْتُ لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الخَيْلِ وَالرَّقِيقِ، فَهَاتُوا صَدَقَةَ الرِّقَةِ" (¬4) الحديث. ¬

_ (¬1) قوله: (في آية الصدقات) ساقط من (م). (¬2) قوله: (بالمدينة) ساقط من (م)، والحديث سبق تخريجه ص: 945. (¬3) تقدم تخريجه عند قوله: (فإن كان ذلك بمراضاةِ المصدق؛ لأنه يرى ذلك من حُسن النظر للمساكين كان ذلك جائزًا)، ص: 1005. (¬4) أخرجه الترمذي: 3/ 16، في باب ما جاء في زكاة الذهب والوَرِق، من كتاب الزكاة برقم (620) بلفظ: "قد عفوت عن صدقة الخيل والرفيق فهاتوا صدقة الرقة"، والحديث أخرجه أبو داود: 1/ 494، في باب في زكاة السائمة، من كتاب الزكاة برقم (1574)، وابن ماجه: =

وهذا حديث صحيح ذكره الترمذي. فاقتضى قوله: "هاتوا" دَفْعَها إليه. فإن كان قوم ليس لهم والٍ (¬1)، أو كان غيرَ عدلٍ، كان إنفاذها إلى أصحاب الأموال ويقومون فيها مقام الإمام. فإن مكنوا منها الإمام إذا كان غير عدل مع القدرة على إخفائها عنه لم تجزئ (¬2)، ووجب إعادتها. واختلف إذا أراد أصحابها إنفاذها مع وجود أئمة العدل، أو مكّنوا منها الإمام إذا كان غير عدل من غير إكراه مع القدرة على إخفائها عنه، هل يجزئ أم لا؟ فإن كان لهم إمام عدل وشغل عن البعثة فيها وعن النظر في إخراجها كان لأصحاب الأموال أن يخرجوا زكاةَ العينِ والحرث، وينفذوها إلى مستحقيها، ولا يحبسوها عنهم، ولا يخرجوا زكاة الماشية وينتظروا بها الإمام. فإن هم أنفذوها ولم ينتظروه أجزأت (¬3)، وفيها اختلاف فقال القاضي أبو الحسن ابن القصار فيمن أخرج زكاته مع القدرة ووجود الإمام العدل: أجزأت في الأموال الباطنة، ولم تجزئهم في الأموال الظاهرة، يريد بالباطنة: العين، وبالظاهرة: الحرث والماشية. وقال محمد: لا أحب ذلك له، فإن فعل وخفي له ذلك عن الإمام فإنها تجزئ أي صنف كانت. واختلف إذا لم يعلم ذلك إلا من قوله. فقال ابن القاسم: لا يقبل قوله. وقال أشهب (¬4): يقبل قوله إذا كان من أهل الصلاح والعدل (¬5)، ولا يقبل قوله ¬

_ = 1/ 570، في باب زكاة الوَرِق والذهب، من كتاب الزكاة برقم (1790). (¬1) في (م): (إمام). (¬2) في (م): (لم يجز). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 368. (¬4) في (م): (الشيخ). (¬5) في (ر): (والفضل).

إذا كان من أهل التهم (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما إذا كان من أهل التُّهم، ولم يُعلم ذلك إلا بقوله، لم يُصدَّق. ولا يُختلف في ذلك، وإنما الخلاف إذا كان مخرجها عدلًا أو غير عدل، فأخرجها ببينة. فوجه منع الإجزاء ورود النص بجعل ذلك إلى الأئمة، ولأن فيه حماية وحفظًا للزكوات، وحسمًا لدخول التأويل، ولئلا يلحق من ليس بعدل بالعدل، ووجه الإجزاء: لأنَّ جعل ذلك للأئمة لم يكن لحق لهم فيها، وإنما هم فيها كالوكلاء يوصلونها إلى من يستحقها. فمن وصلها إليهم أجزأتهم؛ لأنَّ من له حق قد (¬2) أخذه. والباطنة والظاهرة في ذلك سواء. وإذا تخلف السُّعاةُ لشغل أو لأمر لم يقصدوا فيه إلى تضييع الزكاة، فأخرج رجل زكاة ماشيته أجزأت. وقال عبد الملك بن الماجشون في كتاب محمد: لا تجزئ. والأول أحسن. فإذا أجزأت على ما قاله ابن القصار إذا لم يتخلف؛ لأنها من الأموال الظاهرة، كان إذا تخلف أحرى في الإجزاء. والقياس أن يخرجها ابتداء من غير كراهية قياسًا على زكاة الحرث، فكلتا الزكاتين كان يخرج إليها العمال. وأيضًا فإن الزكاة يتعلق بها حق الأصناف الذين (¬3) سماهم الله -عز وجل- في كتابه، والإمام وكيل لهم، فليس شغلُ الوكيلِ مما يمنع من له حق من (¬4) قبض حقه؛ لأن في ذلك ضررًا لهم. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 277. (¬2) قوله: (قد) ساقط من (م). (¬3) في (م): (لأصناف). (¬4) قوله: (من) زيادة في (م).

وأما إذا كان الإمامُ غيرَ عدلٍ، فدفعت إليه الزكاة كرهًا، ولم يقدر على إخفائها، فإنها تجزئه على قوله في المدونة؛ لأنه قال: يؤخرها حتى يدفعَها إليه (¬1). وقال مالك في كتاب محمد وفي المستخرجة: تجزئه، ثم رجع فقال: لا تجزئه (¬2)، وقال أشهب: تجزئه (¬3)، وإن كان الآخذ لها يأكلها. والأحوط أن يعيد. قال الشيخ - رضي الله عنه -: إذا كانت الزكاة غير متعلقة بالذمة كالعين، والحرث، وما إليه تمييزه، فميز زكاته ثم أخذت، أجزأت عنه (¬4)؛ لأنه بنفس تمييزها برئ منها، وهي وديعة. ولو ضاعت لم يضمنها، وإن أُخِذَت منْ جملة مالِه قبل أن يُمَيِّزَها لم تجزئه وزكى عن الباقي، إلا أن يكون الباقي دون نصابٍ؛ لأن الظلمَ على جميعه. وكذلك الماشية تجب فيها جذعة أو ثنية وهي في الغنم، فإن ميزها كانت كالعين وأجزأت، وإن أخذت من الجملة قبل التمييز لم تجزئه وزكى عن الباقي، إلا أن يكون الباقي دون نصاب، وإن كانت في الذمة، كالشاة عن خمس من الإبل وابنة مخاضٍ عن خمسٍ وعشرين، وليس فيها بنتُ مخاضٍ، فأجبر على أن أخذت من ذمته، لم تجزئه؛ لأن الغصبَ على الذمةِ ليس على الزكاة. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 368. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 455. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 277. (¬4) قوله: (عنه) ساقط من (م).

باب في زكاة ماشية الخلطاء

باب في زكاة ماشية الخلطاء ومن البخاري قال أنس: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وَلاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ" (¬1)، "وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُما يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ" (¬2). ومحمل النهي عن التفرقة والجمع إذا قرب الحول وكان ذلك أضرَّ بالزكاة. قال مالكُ: وذلك أن يكون ثلاثة نفر لكل واحدٍ منهم أربعون شاةً، فإذا أظلهم الساعي جمعوها؛ لتكون فيها شاةٌ، أو يكون لرجلين، لكل واحدٍ منهما مائةُ شاةٍ وشاةٌ، ففيها على الاجتماع ثلاثُ شياهٍ، فيفرقانها ليكون عليهما شاتان (¬3). وإذا كان الافتراقُ أو الجمعُ غيرَ مضرٍّ بالزكاة، وهو خير للمساكين، زكيت على ما توجد عليه من جمع أو افتراق. واختلف في الحديث في أربعة مواضع: أحدها هل محمله على الوجوب، أو الندب؟ والثاني: هل هو في الخليطين من غير شركة، أو في الشريكين؟ والثالث: الوقت الذي يحملان فيه في التفرقة والاجتماع على الفرار من الزكاة. والرابع: صفة الخلطة التي بوجودها (¬4) يزكيان زكاة المالك الواحد. فالمعروفُ من قولِ مالكٍ وأصحابِه: أنَّ محملَ الحديثِ على الوجوبِ. فإنْ فَرَّقا أو جَمَعَا قصدًا للفرارِ زَكَّيَا على ما كانا عليه قبل الافتراق والاجتماع. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري: 2/ 526، في باب لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع، من كتاب الزكاة، برقم (1382). (¬2) أخرجه البخاري: 2/ 526، في باب ما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية، من كتاب الزكاة، برقم (1383). (¬3) انظر: الموطأ: 1/ 258. (¬4) في (م): (توجبها).

ورُوِي عنه في "مختصر ما ليس في المختصر" فيمن باع إبلًا بعد الحولِ بذهبٍ فرارًا من الزكاة (¬1): أنه يزكي زكاةَ الذهبِ. فعلى هذا يكون محملُ الحديثِ عنده على الندبِ؛ لأنه فرَّ قبل الوجوبِ. ولو تصدق رجلٌ من ماله بقدر ما يسقط عنه الحج وعلم ذلك، أو سافر في رمضان إرادة لسقوط الصوم عنه الآن، أو أَخَّر صلاةَ حضرٍ حضرَ وقْتُها (¬2) ليصليها في السفر ركعتين، أو أخرت امرأةٌ صلاةً بعد دخولِ وقتِها رجاءَ أن تحيضَ، فحاضت قبل خروج الوقت، فجميع ذلك مكروهٌ. ولا يجب على هذا في السفر صيامٌ، ولا أن يصليَ أربعًا، ولا على الحائضِ قضاءٌ، ويدخل في عموم نهيه عن الافتراق والاجتماع الشريكان والخليطان من غير شركة. واختلف في معنى قوله: "وما كان من خليطين" (¬3)، فقيل: المراد الخُلطة من غيرِ شركةٍ؛ لقوله: "فإنهما يتراجَعانِ" (¬4). قال: والشريكان لا يتراجعان. قال الشيخ - رضي الله عنه -: ويصحُّ التراجع من الشريكين على أحد قولي مالك: أن الأوقاصَ غيرُ مزكاةٍ (¬5)، فلو كانت الشركةُ في مائةٍ وعشرينَ من الغنمِ: ¬

_ (¬1) قوله: (من الزكاة) ساقط من (م). (¬2) في (ر): (عن وقتها). (¬3) أخرجه البخاري: 2/ 526، في باب ما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية، من كتاب الزكاة، برقم (1383). (¬4) هو تتمة الحديث السابق. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 356، والوَقَصُ ما بين الفريضتين، وقال الجوهري: الوَقَص نحو أَن تبلغ الإِبلُ خَمْسًا ففيها شاة ولا شيء في الزيادة حتى تبلغ عشرًا فما بين الخَمْس إِلى العشر وَقَصٌ. انظر لسان العرب: 7/ 106

فصل المراعى في الخلطة آخر السنة دون أولها

لأحدهما ثمانون، وللآخر أربعون، فأُخِذت منها شاةٌ، لرجع صاحبُ الثمانين بقيمةِ سدس الشاة؛ لأن الشاة أُخِذَت عن أربعين، وهو أولُ نصابِ الغنمِ، والزائدُ عفوٌ لم يؤخذ عنه شيء. فلو كانت ثمانين بانفرادها كانت الشاةُ عن الأربعين، واجتماعهما كذلك الشاة عن أربعين (¬1). فانتفع بسقوط نصف شاةٍ عن كلِّ واحدٍ فالشركة في الشاة المأخوذة أثلاث. ولأشهب في كتاب محمد فيمن مات وترك زرعًا، قال (¬2): إلا ما جاء من ترادد الشركاءِ والخلطاءِ في المواشي. فأثبت التراجع بين الشركاء، وإلى هذا ذهب بعضُ أهلِ العلمِ في الحديث: أنه على الشريكين؛ لأن الأصلَ المجتمعَ عليه في غيرِ الماشيةِ أنه لا يُزَكِّي أحدٌ عن ملكِ غيرِه. فصل المراعى في الخلطة آخر السَّنَة دون أولها المراعى في الخلطةِ آخر السنةِ دونَ أولها، فإن اجتمعا في أول السنة وافترقا في آخرها، أو افترقا في أولها واجتمعا في آخرها، زَكَّيَا على مَا هُمَا عليه من آخرها ما لم يقرب ذلك. واختلف في حد القرب الذي إذا صارا إليه حملا على التهمة. فقال ابن القاسم: إذا كان ذلك قبل الحول بشهرين فأقل فهما خلطاء (¬3). وقال عبد الملك بن حبيب: أدنى ذلك الشهرُ فما فوقه، وما كان دون الشهر لم يجز لهما (¬4) افتراقٌ ولا اجتماعٌ. وقال محمد بن المواز: إن اجتمعا أو ¬

_ (¬1) قوله: (وهو أول نصاب الغنم. . . عن أربعين) ساقط من (م). (¬2) قوله: (قال) ساقط من (م). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 370. (¬4) في (ر): (لهم).

فصل [شروط الخلطة]

افترقا قبل الشهر فجائزٌ ما لم يقرب جدًا، أو يكون الساعي قد أظلهما. وقال أبو محمد عبد الوهاب: إذا لم يقصدا الفرار، زكاها الساعي على ما يجدها عليه من اجتماع أو افتراق. ويقبلُ قولَ أربابِها؛ لأن الظاهرَ أنهم يفعلون ذلك للارتفاق بالافتراق (¬1) والاجتماع، فيجبُ ألا يخالفَ ما ظهر ويُصارُ إلى خلافه؛ إلا بأمارة تُقَوِّي التُّهمةَ (¬2). قال الشيخ - رضي الله عنه -: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وَلاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ" (¬3) خطابٌ للمالِكِينَ أنْ لا يفعلوا ذلك خشيةَ الصدقةِ (¬4) وليس يُفهم منه وقتٌ يحملون فيه على التهمة في الفرار. والأصل في الزكوات أنها إلى أمانات أربابها، فيجب أن يوعظوا حسب ما ورد في الحديث ألا يقصدوا لذلك، ويحملون فيما فعلوه أن ذلك لغير الفرار. وإن كانا من أهل العدالة فهو أبين، إلا أن يعلمَ أنهم رجعوا بعد مُضِيِّ الساعي بالأمرِ القريبِ إلى ما كانوا عليه قبل أن يأتيهم فذلك تهمةٌ، ويؤخذون بما عادوا إليه على قول من حمل الحديث على الوجوبِ، إلا أنْ يعلمَ أنَّ ذلك لأمرٍ حدثَ. فصل [شروط الخلطة] الخلطةُ تصحُّ بخمسة: الراعي، والفحل، والدلو، والمراح، والحلاب. فإذا اجتمعت هذه الخمسة أو أكثرها كانوا خلطاء. واختلف هل تصح الخلطةُ ¬

_ (¬1) قوله: (للارتفاق بالافتراق يقابله في (م): (للارتفاق في الفرقة)، وفي (ق 3): (للارتفاع بالفرقة). (¬2) انظر: المعونة: 1/ 242. (¬3) سبق تخريجه، ص: 1042. (¬4) قوله: (خطاب للمالكين. . . الصدقة) ساقط من (ت).

فصل

بأقلها: باثنين، أو بواحد. فقال ابن القاسم وأشهب: لا يكونان خُلَطاء إلا أن يجتمعا في جل ذلك. وقال عبد الملك بن حبيب: أصل ما يوجب الخلطة أن يكون الراعي واحدًا؛ لأنه إذا جمعها الراعي جمعها (¬1) المرعى والفحل. وقال أبو محمد عبد الوهاب: صفة الخلطة المؤثرة: الراعي، والفحل، والدلو، والمسرح، والمبيت، قال: وقد اخْتَلَفَ أصحابُنا في المراعي منها. فمنهم من قال: إذا اجتمعا في وصفين فما زاد كانت خلطة. ومنهم من يقول: الاعتبار الراعي والمرعى، ومنهم من يقول: الراعي وحده، ومنهم من يقول: في أكثرها (¬2). وقولُ ابن حبيب أحسن؛ لأنَّ معظم الانتفاع الراعي (¬3) فهي منفعة تطول، وهي المقصودة؛ لأنها تجتمع سائر يومها فيما تحيا (¬4) به أو تزيد وتنمَّى به. ولا يراعى الفحل؛ لأنَّ حاجةَ الغنمِ إليه في بعضِ الأزمنة، وقد يكون لأحد الخليطين ضأن وللآخر معز، فلا يكون فحلها واحدًا ولا يؤثر ذلك في الخلطةِ. والدلو أيضًا غير مقصود، وإنما يحتاج إليه (¬5) في بعض الأزمنة في بعض اليوم ساعة من نهار. فصل الخُلْطَةُ تَصِحُّ (¬6) إذا كان كلُّ واحدٍ منَ الخليطين مخاطبًا بالزكاة، حُرًّا، مسلمًا، له نصابٌ، وحالَ عليه الحولُ. واختلف إذا كان أحدُهما نصرانيًا، أو ¬

_ (¬1) قوله: (الراعي جمعها) ساقط من (م). (¬2) انظر: المعونة: 1/ 239. (¬3) في (م): (الرعي). (¬4) في (ر): (تجيء). (¬5) قوله: (إليه) ساقط من (م). (¬6) قوله: (تَصِحُّ) ساقط من (م).

عبدًا، فقال محمدٌ: يزكي الحرُّ المسلمُ وحدَه مِلْكَه وحده، كالانفرادِ لو لم يخالط أحدًا. وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: يزكي على الخلطة، فما نابه أدَّاه، ويسقط ما ينوب النصراني والعبد (¬1) ويختلف على هذا إذا كان لأحدهما نصابٌ قد حالَ عليه الحولُ، والآخرُ له دون نصابٍ أو نصاب (¬2) ولم يحل عليه الحول، فعلى قولِ محمد: يزكي من له نصابٌ وحالَ عليه الحولُ زكاة الانفراد. وعلى قول عبد الملك: يزكِّي زكاةَ الخلطاءِ، فما نابه على وجه الخلطة أدَّاه، ويسقط ما ينوب من له دون نصاب، أو لم يحلْ عليه الحولُ، وهو أحسن؛ لأن الارتفاقَ بالخلطة قد وجدَ فلا يزكّي زكاةَ الانفرادِ، ومثله إذا كانت الغنم شركة وأحدهما نصرانيًا أو عبدًا وينوبه من الشركة دون نصابٍ، أو كانت الشركة بأغنامهما وأحدهما مُحْدَث الكسب فتمّ حول أحدهما، فيختلف: هل يزكي من توجه عليه الخطابُ في نصيبه بمنزلة من لا شريك له أم لا؟ ومن المدونة قال مالكٌ: إذا كان جميع الأغنام تجب فيها الزكاة، وليس في نصيب كل واحد منهما ما تجب فيه الزكاة، فتعدى المصدق فأخذ منها شاة، أنها لا تكون على من أخذت من غنمه خاصة، وهي على عدد الأغنام يترادان فيها على عدد غنمهم (¬3). قال الشيخ - رضي الله عنه -: وإذا كان جميعُ الغنمِ أربعين شاة بين أربعةِ نفرٍ، فأخذ منها الساعي شاة، فإنه لا يخلو من أربعة أوجه: ¬

_ (¬1) هنا خلل في ترتيب لوحات (الحمزاوية) بداية من اللوحة المرقمة، برقم (93) إلى اللوحة المرقمة، برقم (111). (¬2) قوله: (نصاب) ساقط من (ر). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 371.

إما أن يكون ذلك مذهبه، فإنهم يتراجعون فيها. وسواء كان عالمًا أنها بين أربعة، أو يظن أنها لواحد، وإن كان مذهبه: ألا زكاة فيها لما كان لكلِّ واحدٍ منهم دون نصابٍ، وأخذها وهو عالمٌ أنها بين أربعة، كانت الشاةُ مظلمة ممن أخذت من غنمه. وإن كان يظن أنها لواحد تراجعوا فيها؛ لأن اجتماعها أوجب الخطأ عليها، ثم يختلف إذا كانت مختلفةَ العددِ، هل يتراجعون فيها على عدد الغنم، أو على عدد المالكين؟ وإن كان جميعها دون الأربعين كانت مظلمة ممن أخذت منه قولًا واحدًا. وإن كان لأحدهما تسعة وثلاثون ولآخر ثلاثون، فأخذ منها شاة، عاد الجواب إلى ما تقدم في الأربعين. وينظر هل أخذ ذلك لأنه مذهب له، أو على وجه الخطأ أو التعدي؟ وإن كان جميعها سبعين: لأحدهما أربعون، وللآخر ثلاثون (¬1)، فأخذ منها شاة، كانت على صاحب الأربعين، فإن أخذت من غنمه لم يكن على صاحبه شيء، وإن أخذت من غنم صاحب الثلاثين رجع عليه بقيمتها، وإن أخذ شاتين نظرت؛ فإن أخذها من الأربعين لم يرجع على صاحبه بشيء، وإن أخذها من الثلاثين رجع بواحدة، وإن أخذ من غنم كل واحد واحدة؛ فإن كانت التي أخذت من الأربعين مما يجزئ في الزكاة لم يرجع عليه (¬2) صاحبه بشيء. وإن كانت مما لا تجزئ والأخرى مما تجزئ رجع صاحب الثلاثين عليه بقيمتها. وهذا إذا ابتدأ بالأخذ من الثلاثين، وإن ابتدأ بالأخذ من الأربعين لم ¬

_ (¬1) قوله: (وإن كان جميعها سبعين: لأحدهما أربعون، وللآخر ثلاثون) يقابله في (م): (وإن كانت إحداها أربعين والأخرى ثلاثين). (¬2) في (ر): (على).

يكن عليه غيرها، وسواء كانت مما تجزىء أم لا؛ لأنه لما أخذها من الأربعين عاد (¬1) إلى ما لا زكاة فيه فسقطت منها الزكاة، ثم أخذ الثانية بعد سقوط الزكاة من الأولى، فهي مظلمة منه. ومثله إذا لم يكن منها شيء يجزئ فإنه لا تراجع بينهما، ولا زكاة على صاحب الأربعين؛ لأنه لم يفرط في زكاته حتى غصبت منه. وإن كان لواحدٍ مائةٌ وعشرةٌ من الغنمِ، وللآخر إحدى عشرة شاة، كانت فيها شاةٌ على صاحبِ المائةِ وعشرةِ (¬2)، فإن أخذ منها شاتين عاد الجواب إلى ما تقدم، فإن كان ذلك مذهبه تراجعا فيهما، وسواء كان عالمًا أن فيها شركة أم لا، وسواء أخذهما من غنم أحدهما أو من غنم كل واحد منهما شاة فإنهما يتراجعان. فإن كان مذهبه: أن لا شيء على صاحب الأحد عشر، وعلم صفة الشركة، وأخذها من غنم صاحب المائة وعشرة، لم يرجع على صاحبه بشيء، وإن كان أخذها من صاحب (¬3) الأحد عشر رجع بواحدة، وكانت الأخرى مظلمة منه، وإن أخذ من كل واحد واحدة، وكانت التي أخذت من الكثيرة تجزئ في الزكاة، لم يرجع أحدهما على الآخر بشيء، وإن كانت لا تجزئ، والتي أخذت من القليلة تجزئ، كانت التي أخذت من الكثيرة مظلمة ويرجع عليه الآخر بقيمة شاته. وإن لم تكن فيها شاة تجزئ (¬4) لم يرجع أحدهما على صاحبه بشيء، وأخرج صاحب الكثيرة شاة أخرى مما تجزئ. ¬

_ (¬1) في (م): (عادت). (¬2) قوله: (من الغنم، وللآخر. . . المائة وعشرة) ساقط من (م). (¬3) قوله: (صاحب) ساقط من (م). (¬4) في (م): (شيء يجزئ).

وإن أخذهما الساعي وهو يرى أنهما لواحد، ولو علم بصفة الشركة أخذ شاة، كان فيها قولان: فقال محمد: يتَحَاصَّانِ في الشاتين على عدد أغنامهما. قال: لأنه رأي من ذهب إلى هذا، وهو كحكم نفذ فلا يرد (¬1). وحُكِي عن ابن عبد الحكم أنه جعل واحدة من صاحب الكثيرة ويتراجعان في الأخرى على مائة جزء وأحد وعشرين جزءا (¬2)، يريد: لأن اجتماعهما أوجب الخطأ في الأخرى. ويجري فيها قولٌ ثالث: أن الثانية تكون عليهما نصفان قياسًا على القول: إذا شهد أربعة بالزنى واثنان بالإحصان فرُجم، ثم رجع جميعهم بعد الحكم. فقيل: تكون ديته عليهم أسداسًا. وقيل: نصفين؛ لأنَّ كلَّ فريقٍ يقول: لولا أنتم لم يرجم. فالقول: "إنها (¬3) أسداسٌ" موافقٌ لقول ابن عبد الحكم: إنها تكون على العدد. ومن المدونة، قال مالكٌ إذا كان لواحدٍ تسعةٌ من الإبلِ وللآخر خمسة كان (¬4) على كل واحد منهما شاة، ثم رجع فقال: يتراجعان في الشاتين على عدد إبلهما (¬5). ورأى أنَّ الوَقَصَ داخلٌ في الزكاةِ. والأولُ أحسنُ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أوجب في خمس من الإبل شاة" (¬6) ثم لم يجعل في الزائد شيئًا، فهو معفو عنه ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 250، وله بدل قوله: (يرد): (ينقض). (¬2) انظر: النوادر والزيادات، لابن أبي زيد: 2/ 250. (¬3) قوله: (إنها) ساقط من (م). (¬4) قوله: (كان) ساقط من (م). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 731. (¬6) أخرجه أبو داود: 1/ 490، في باب في زكاة السائمة، من كتاب الزكاة، برقم (1568)، والترمذي: 3/ 17، في باب ما جاء في زكاة الإبل والغنم، من كتاب الزكاة برقم (621)، وقال: حديثٌ حسن.

ساقط الحكم. ولو كان لأحدهما تسعٌ وللآخر ستٌّ لكان فيها ثلاثُ شياهٍ، ويتراجعان في الثالثةِ قولًا واحدًا، ويصح أن تنقل الخلطة الزكاة من الغنم إلى الإبل، وذلك أن يكون لأحدهما خمس عشرة من الإبل وللآخر عشرة، ففيها على الانفراد الغنم، وعلى الخلطةِ بنتُ مخاضٍ. ويصح أن تنقل أحدهما دون الآخر، وذلك أن يكون لأحدهما خمسٌ وعشرون من الإبل، وللآخر عشرة، فيزكيان على الخلطة بنتَ مخاضٍ في خمسٍ وثلاثينَ، وعلى الانفراد صاحبُ العشرةِ شاتين، وصاحبُ الخمسِ وعشرين بنتَ مخاضٍ (¬1). والعشرة ها هنا لم تنقل عن السن الأول، وتنقل عن سن إلى غيره. ويصحُّ أن تنقل الخلطةُ من عدد ما يجب على الانفراد، وتنقل من سن إلى غيره (¬2). وذلك أن يكون لكل واحد خمس وعشرون من الإبل (¬3)، ففيها على الانفراد بنت مخاض، وعلى الخلطة حقة. وإذا كان لرجل خمسة وعشرون من الإبل فخالط بخمسة عشر رجلًا له عشرة، وبعشرة رجلًا له عشرة، فعليه فيها خمسة أتساع بنت لبون، وهو معهما كخليط واحد. واختلف في خليطيه على ثلاثة أقوال: فقيل: يزكي كل منهما على مثل ذلك، فعلى كل واحد منهما تسعا بنت لبون، ويصير ثلاثتهم في حكم رجل ¬

_ (¬1) قوله: (في خمس. . . بنت مخاض) ساقط من (م). (¬2) قوله: (ويصح. . . غيره) ساقط من (م). (¬3) قوله: (من الإبل) ساقط من (م).

واحد. وقيل: يزكي كل واحد منهم على جميع ملك خليطه دون خليط خليطه، فيكون على كل واحد منهما سبعا (¬1) بنت مخاض؛ لأن له عشرة ولخليطه خمسة وعشرون فذلك خمس وثلاثون. وقيل: يزكي كل واحد منهما على ما خالط به خليطه دون جميع ملكه، فيزكي من خولط بخمسة عشر خُمُسَي بنت مخاضٍ، ومن خولط بعشرة من الغنم عليه شاتان (¬2). وفي المبسوط قول رابع: إن صاحب الخمس وعشرين يزكي مع كل واحد على ما خالطه به خاصة، ولا يجمع ملكه بعضه إلى بعض. ولو كان له عشرة أخرى لم يخالط بها أحدًا كانت زكاته عنده على ثلاثة أوجه: فيزكي الخمسة عشر مع صاحب العشرة بثلاثة أخماس بنت مخاض، والعشرة التي مع صاحب العشرة بشاتين، ثم يزكي العشرة المنفردة بسبعي بنتِ مخاضٍ؛ لأن جميع ملكه خمس وثلاثون، فيها بنتُ مخاضٍ تنوب العشرة المنفردة سُبُعَاها، ويمضي ما سوى هذه العشرة على ما زكاه مع (¬3) الخليطين. ¬

_ (¬1) في (م): (تسعا). (¬2) قوله: (عليه شاتان) ساقط من (م) و (ب). (¬3) في (م): (من).

باب [في خليط الخليط]

باب (¬1) [في خليط الخليط] واختلف إذا كان لرجل ثمانون شاة، فخالط بأربعين رجلًا له أربعون. فقيل: فيها شاةٌ، على صاحبِ الثمانين ثُلُثَاها وعلى صاحب الأربعين ثُلُثُها. وقيل فيها شاةٌ (¬2) وسدسٌ: فيكون (¬3) على صاحب الثمانين ثُلُثَا شاة، وعلى صاحب الأربعين نصفٌ. فصاحبُ الثمانين يُزكّي جميع ملكه مع خليطه، فعليه ثُلُثَا شاةٍ، وخليطه يزكي على ما خالطه صاحبه (¬4) به فقط. وعلى ما قاله عبد الملك في المبسوط يكون فيها شاةٌ ونصفٌ (¬5). واختلف أيضًا إذا خالطَ صاحبُ الثمانين بأربعين رجلًا له أربعون، وبالأربعين رجلًا له أربعون، هل يكون جميعهم في ذلك كرَجُلٍ واحدٍ، أو يكون هو خليط لهما، وكلُّ واحدٍ منهما خليط له في جميع ماله (¬6)، أو فيما خالطه به فقط (¬7)؟ ¬

_ (¬1) قوله: (باب) زيادة من (م). (¬2) قوله: (على صاحب. . . شاة) ساقط من (م). (¬3) قوله: (فيكون) زيادة من (م). (¬4) قوله: (صاحبه) ساقط من (م). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 254، 255. (¬6) في (م): (ملكه). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 255.

فصل [زكاة النعم المصدق بها]

فصل [زكاة النعم المصدق بها] وإذا تزوجت امرأةٌ على إبلٍ أو غنمٍ مضمونةٍ كان حولها من يوم تقبضها، وإن كانت معينةً كان حولها من يوم تزوجت ليس من يوم تقبضها. واختلف إذا طلقها قبل الدخول بها (¬1)، ورجع إليه نصف ذلك، هل يكون فائدة، ويستأنف بها حولًا من يوم الطلاق، أو يزكيه على أصل ملكه قبل أن يتزوج به؟ (¬2) فإن تزوجت على ثمانين شاة فأقامتْ بيدها حولًا، ثم أتاهما السَّاعي بعد أن اقتسماها وصار لكل واحد منهما أربعون شاة، أخذ من الزوجة شاة. واختلف في الزوج، هل يَأخذ منه شاة، أم لا؟ فقال أشهب: يستأنف به (¬3) حولًا، وإن عادت إليه على أصل الملك الأول، لما كانت الغلة للمرأة، ولا يرجع الزوج بها، وأجراه على حكم العين إذا غلب على تنميته، فإن أقامتِ الغنمُ بيد الزوجِ قبل النكاح حولًا، وبيد الزوجةِ بعد النكاح حولًا، أخذ على القول الأول شاةً عن العام الأول، ولا شيءَ عليه في العام الثاني؛ لأنها صارت دون نصابٍ. وإن صارت إليه إحدى وأربعون شاة أخذ منه شاتين عن العامين جميعًا (¬4). واختلف إن وجدها ولم يقتسماها، هل يجب فيها نصفُ شاةٍ على المرأة، أو يكون عليها فيها شاةٌ دون الزوج، أو تكون الشاة عليهما جميعًا؟ فعلى القول: إن نصيب الزوج فائدة، تكون على الزوجة على قول عبد الملك في كتاب ابن ¬

_ (¬1) قوله: (بها) ساقط من (م). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 126. (¬3) قوله: (به) ساقط من (م). (¬4) قوله: (جميعًا) ساقط من (م).

حبيب (¬1) نصف شاة؛ لأنها تعاد بخليطها، فيسقط عنها ما ينوبه. وعلى قول محمد: لا تعاد به (¬2) وتكون عليها شاةٌ كاملةٌ. وعلى القول الأول: إن نصيب الزوج يعود إليه على الملك الأول، تكون الشاةُ عليهما جميعًا. ويختلف إذا أقامت الغنم بيد الزوج حولًا، ثم بيد الزوجة حولًا، ثم أتاهما الساعي ولم يقتسماها، واختلف هل يجب فيها نصف شاة، أو شاة ونصف، أو شاتان؟ فعلى القول: إن ما يأخذه الزوج فائدة. لا زكاة (¬3)، وإنَّ للمرأة أن تحاسبَ بالخليط، وإن لم يحلْ عليه الحولُ يكون عليها نصفُ شاةٍ، ولا شيءَ على الزوجِ. وعلى قول محمد: إنها لا تعاد بالخليط، يكون عليها شاة (¬4)؛ لأن الزوج يستأنف بنصيبه حولًا. وعلى القول: إن نصيب الزوج يعود على أصل ملكه. تكون فيها شاتان على الزوج: شاةٌ عن أول عام، وعلى المرأة شاةٌ؛ لأنه إذا أخذ من الزوج شاة عن أول عام عاد نصيبه إلى أقل من نصاب، فكان على المرأة على قول محمدٍ شاةٌ؛ لأن خليطَها له دونَ نِصَاب، وعلى قول عبد الملك يكون لها أن تعاد به، فيكون عليها نصفُ شاةٍ،، ويزاد عليها بقدر ما نقصت الواحدة من نصيب زوجها. وهذا إذا كانت جملة الغنم ثمانين، فإن كانت اثنتين وثمانين كان نصيبُ الزوجِ إحدى وأربعين، فيؤخذ منه عن أول عام شاةٌ، ويكون خليطًا فيما بعد الشاة، وتكون الشاةُ الثانية عليهما جميعًا. ¬

_ (¬1) في (ت): (محمد). (¬2) قوله: (به) ساقط من (م). (¬3) قوله: (لا زكاة) ساقط من (م). (¬4) قوله: (عليها شاة) يقابله في (ق 3): (عليها نصف شاة).

فصل [يراعى متى وقع الطلاق والقسمة]

فصل [يراعى متى وقع الطلاق والقسمة] ويراعى متى وقع الطلاق والقسمة. ولا يخلو أن يكون الطلاق والمقاسمة بقرب مجيء الساعي، أو قبل (¬1) ذلك بأمد بَيِّنٍ، أو بعد أن بعد أمد الطلاق وقربت المقاسمة من مجيء الساعي، فإن وقع الطلاق والمقاسمة ومجيء الساعي في فور واحد (¬2) متقارب زكيت على ما وجدها عليه من الافتراق؛ لأنه لا تهمة عليهما (¬3) في المقاسمة؛ لأن المقاسمة كانت عندما وقعت الشركة، وهما في هذا الوجه بخلاف من تقدمت له مخالطة. ولو وجدها الساعي ولم يقسما لم يزكها إلا على حكم (¬4) الافتراق؛ لأن الوجه الذي من أجله يزكي (¬5) على الاجتماع، وهو الارتفاق بالمسرح والراعي وغير ذلك، لم يكن. وإن طال أمرهما على الشركة بعد الطلاق أجريا في الافتراق والاجتماع على حكم الخلطاء. وإن وقعت المقاسمة عندما أظلهما الساعي لم يزكَّ على الافتراق، وإن وجدها لم تقسم زكيت على حكم الشركة. ¬

_ (¬1) في (ق 3): (قرب). (¬2) قوله: (واحد) ساقط من (م). (¬3) في (ق 3): (عليهما). (¬4) في (م): (وجه). (¬5) في غير (م): (تزكيا).

باب فيمن هرب بماشية عن الزكاة

باب فيمن هرب بماشية عن الزكاة واختلف فيمن هرب بماشيته خمس (¬1) سنين وهي أربعون شاة، ثم جاء الساعي وهي بحالها لم تزد ولم تنقص. فقال ابن القاسم: تؤخذ منها شاة؛ لأنه يبتدئ بأول عام، والباقي تسعة وثلاثون، فلا زكاة عليه (¬2) فيها. وقال أشهب وعبد الملك: يؤخذ منها خمس شياه؛ لأنه يبتدئ بآخر عام وهي أربعون فيأخذ منها شاة، وأربعة في ذمته، والدين لا يسقط زكاة الماشية (¬3). والقول الأول أحسن؛ لأن الشاة التي كان الحكم أن تؤخذ أول عام موجودة، وهي التي غصبت، ولا تكون في الذمة إلا بإتلاف أو بعد التغير بنقص، وإن تغيرت بزيادة أخذت بزيادتها؛ ولو كان ذلك دنانير وهي عشرون دينارًا منع زكاتها خمس سنين، فإن لم يكن له عرض يجعل فيه قدر زكاة الأعوام الفارطة زكاها عن عام واحد؛ لأن الدين يُسْقِطُ زكاةَ العينِ بخلافِ الماشيةِ. واختلف إذا كان له عرض لم يحل عليه الحول، فقال ابن القاسم: يزكى عن أول عام نصفَ دينار (¬4)، وقاله ابن وهب. وعلى القول الآخر: يزكي عن الأعوام (¬5) كلها إذا كانت قيمة العرض دينارين. واختلف أيضًا (¬6) إذا صارت الأربعون شاة في العام الخامس ألف شاة ¬

_ (¬1) قوله: (خمس) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (عليه) ساقط من (م). (¬3) في (م): (الزكاة من الماشية)، وانظر: النوادر والزيادات: 2/ 242. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 304. (¬5) في (م): (الأول). (¬6) ساقط من (ت).

بفائدة أفادها (¬1). فقال ابن القاسم: إنه يزكي شاة واحدة (¬2)؛ لأنه يبتدئ بأول عام فيحط الأولى (¬3) عن النصاب، وتكون الفائدة إلى دون نصاب ولم يَحُل الحولُ على الفائدة فيستأنف بها حولًا. وقال عبد الملك وأصبغ: يزكي أربع عشرة شاة يأخذ عشرًا (¬4) عن آخرِ عامٍ وبه يبتدئ، وأربع في الذمة. وقال أشهب: يزكي عن الألف للسنين الماضية، بمنزلة من تخلف عنه الساعي، وليس هذا بحسن، وليس على هذا أن يؤدي عن كل عام إلا ما تعدى فيه وغصبه، لا أكثر من ذلك. وأما من تخلف عنه الساعي، فقد قيل: إن ذلك سنة تتبع على حالها، وليس ذلك لأنه بقياس. وقد خالف عبد الملك فيمن غاب عنه الساعي وقال: لا يزكي الألف إذا أفادها في العام الخامس إلا عن عام واحد (¬5). ولو هرب بماشيته وهي ألف ووجدها في العام الخامس أربعين، وقال: لم تزل على ذلك منذ هربت، وحينئذٍ كان الهلاك، لم يقبل قوله وزكيت على ما كانت عليه، إلا هذا العام فإنه يزكي عنه شاة واحدة؛ لأنه متهم في قوله لما هرب بها، والظالم أحق أن يحمل عليه (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (بفائدة أفادها) يقابله في (م): (بإفادة). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 234. (¬3) في (م): (الأول). (¬4) قوله: (يأخذ عشرًا) يقابله في (م): (بإحدى عشرة). (¬5) قوله: (واحد) ساقط من (م). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 241.

وإن غاب بها وهي أربعون، ثم وجدها في العام الخامس ألفًا، فقال: أفدت الزائد على ما كانت عليه في هذا العام، قبل قوله عند ابن القاسم (¬1)، ولم يقبل قوله (¬2) عند ابن حبيب. والأولُ أحسنُ، ومحمله على ما كانت عليه إلا هذا العام، ولا يؤخذ بغيرِ ما أقرَّ به. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 450. (¬2) ساقط من (ت).

باب فيمن غاب عنه الساعي أعواما، وقد زادت غنمه فيما بين ذلك أو نقصت

باب فيمن غاب عنه الساعي أعوامًا، وقد زادت غنمه فيما بين ذلك أو نقصت وإذا لم يأتِ السُّعاةُ (¬1) لأخذ زكاة الماشية، وعلم أنهم لا يأتون لفتنة عرضت أو لغير ذلك، جاز عند مالك (¬2) لأصحاب الماشية تأخيرها، وإن أقامت أعوامًا حتى يأتوا لقبضها، وقد تقدم ذلك (¬3) وأن القياس أن تنفذ تلك الزكاة لمن سَمَّى الله تعالى، وجعل له فيها حقًّا، قياسًا على زكاة الحبوب والعين أنها تنفذ ولا يؤخر إخراجها لعدم المصدق؛ ولأن الساعي وكيل عليها ليوصلها إلى الفقراء والمساكين، وليس ذلك لحق له فيها وإنما هو واسطة لغيره، فإذا عدم كان لمن له فيها حق أن يقوم بحقه، ولا يمنع من حقه لعدم وكيله، وعدم من يأخذها ليوصلها إليه (¬4). وقد قال عبد الملك في كتاب محمد: إنه إذا أنفذها، ثم أتى السعاة: إنها لا تجزئه، وهذا ضعيف، وقد اختلف إذا أخرجها قبل مجيء الساعي ولم يتخلف عنه، ثم أتى وعلم أنه أخرجها، هل تجزئه؟ فهو إذا تخلف عنه أحرى أن تجزئه، ولا خلاف فيمن لا سعاةَ لهم أنهم يقومون مقامهم فيها، وينفذونها لأصحابها. وإذا كانت لرجل أربعون شاة، وتخلف عنه الساعي خمس سنين ثم أتاه وهي بحالها، زكاها للعام الأول شاةً، ولا شيء عليه فيما بعد ذلك، ولا خلاف ¬

_ (¬1) في (م): (الساعي). (¬2) في (ق 3): (مالك وأصحابه). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 236. (¬4) قوله: (إليه) ساقط من (م).

فيمن غاب عنه الساعي أنه يبتدئ بالعام الأول، بخلاف من هرب بماشيته فارًا من الزكاة (¬1)، فإنه قد اختلف فيه، هل يبتدئ بأول عام فيزكيها شاة، أو بآخر عام فيزكيها خمس شياه (¬2)؟ وإن كانت خمسًا من الإبل كان فيها خمس شياه للأعوام الخمسة؛ لأن زكاتها من غيرها، فلم يتغير الفرض. وإن كان فقيرًا ولا يجد ما يزكي عنها إلا أنْ يبيعَ بعيرًا منها، فإنه يزكيها بخمسِ شياهٍ. واختلف إذا كانت خمسًا وعشرين من الإبل، فقال ابن القاسم: فيها بنتُ مخاضٍ عن العام الأول، وست عشرة شاة عن الأربعة أعوام (¬3). وقال عبد الملك في المبسوط: إن لم يكن فيها بنتُ مخاضٍ زَكَّى عن خمسة أعوام خمس بنات مخاض (¬4)، وروي (¬5) أنه إن كان فيها في العام الأول بنتُ مخاضٍ وعزلها للمساكين ألا يكون عليه في (¬6) الأعوام الأربعة إلا غنم، ويكون فيها بنتُ مخاضٍ إذا أتى الساعي وهي جذعةٌ للمساكين وإن هلكت على المساكين (¬7)، فإن أبقى بنتَ المخاضِ لنفسه زكى عن خمس سنين خمسَ بناتِ مخاضٍ، فإن صار فيها بنتُ مخاضٍ في الرابعة زكى أربعَ بناتِ مخاضٍ، وعن الخامسة أربع شياه؛ إلا أن يكونَ أبقى بنت مخاض لنفسه (¬8). وكذلك إن كانت ¬

_ (¬1) قوله: (فارًا من الزكاة) ساقط من (م). (¬2) قوله: (خمس شياه) يقابله في (م): (خمس سنين). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 240. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 240. (¬5) في (م): (وأرى). (¬6) في (م): (عن). (¬7) في (م): (للمساكين). (¬8) قوله: (فإن أبقى. . . مخاض لنفسه) في (م) بعد قوله: (زكاته في الذمة).

فصل الخلاف فيمن له أربعون شاة وفي العام الخامس صارت ألفا

خمس من الإبل، وغاب عنه (¬1) خمس سنين، فالقياس أن يضمن الغنم وإن ضاعت الإبل؛ لأن كل عام مضت (¬2) زكاته في الذمة. واخْتُلِفَ إذا باعَ غنمه قبل أن يأتيه الساعي، فقال محمد: إذا تخلف الساعي خمس سنين وهي أربعون، ثم باعها وهي أربعة وأربعون، فإنه يزكي من (¬3) الثمن إذا باع بأكثر من عشرين دينارًا عن خمس سنين، عن كل سنة ربع عشر الثمن. وإن كانت ثلاثًا وأربعين زكى الثمن ربع عشره لأربع سنين، وإن كانت اثنين وأربعين زكى عن ثلاث سنين؛ إلا أن ينقص في ذلك كله من العشرين دينارًا نصفَ دينار (¬4)، وقيل: يزكي الثمن لعام واحد. وقال ابن القاسم في كتاب محمد: ولو أكلها لم تكن عليه زكاةٌ. وقياس القول: أنه إذا أخرج زكاتها ولم يكن يتخلف الساعي أنها تجزئه، أن تقول (¬5): عليه الزكاة لبعض السنين وإن أكلها. فصل الخلاف فيمن له أربعون شاة وفي العام الخامس صارت ألفًا واخْتُلِفَ فيمن له أربعون شاة، ثم صارت في الخامس من الأعوام (¬6) ألفًا. فقال مالك وابن القاسم: يزكي الألف عن خمس سنين إلا ما انتقصتها ¬

_ (¬1) في (م): (عنها). (¬2) في (ق 3): (مضى). (¬3) قوله: (من) زيادة من (ر). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 231. (¬5) في (م): (يقول). (¬6) قوله: (الخامس من الأعوام) يقابله في (م): (العام الخامس).

الزكاة (¬1). وقال عبد الملك بن الماجشون في كتاب ابن سحنون: لا يزكي الفائدة إلا عن العام الخامس (¬2)، فيبتدئ على قوله بالزكاة عن العام الأول عن الأربعين شاة، وعن العام (¬3) الخامس خاصة إذا حال الحول على الفائدة بتسع؛ لأن زكاة العام الأول تُنقِصها عن الألف، وإن لم يحل الحول على الفائدة لم يزكِّ إلا عن الأربعين شاة؛ لأنه إذا ابتدأ بأول عام كانت الفائدة مضافة إلى غير نصاب. وهذا القول أحسن، وإلزامه الزكاة عن أعوام تقدمت لم يكن ملك فيها ذلك المزكى ظلم عليه. واخْتُلِفَ بعد تسليم القول: أنه يزكي الفائدة عن الأعوام الماضية إذا كان الأصل في العام الأول أربعين شاة (¬4)، ثم هلك بعضها، ثم عادت أربعين شاة (¬5) في العام الخامس بولادة أو بمبادلة، فإذا كان الأصل دون نصاب ثم صار في العام الخامس نصابًا بولادة، ثم أفاد إليها فصارت ألفًا. فقال في كتاب محمد: إذا كان الأصل نصابًا ثم هلك بعضها ثم عادت نصابًا بولادةٍ أو بمبادلةٍ أو بمناقلة (¬6)، ثم أفاد إليها فصارت ألفًا: أنه يزكي الألف لجميع تلك الأعوام (¬7). وقال محمد: لا يزكيها عن الأعوام الماضية إلا أن تبقى تلك الأربعون، ثم يفيد إليها (¬8). وقال أشهب: يزكيها ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 238. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 242. (¬3) قوله: (العام) ساقط من (م). (¬4) قوله: (شاة) ساقط من (م) و (ر). (¬5) قوله: (شاة) ساقط من (م). (¬6) قوله: (أو بمناقلة) زيادة في (م). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 239. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 239.

فصل [الزمن الذي يخرج فيه السعاة]

لجميع الأعوام (¬1)، وإن كان الأصلُ دونَ نصابٍ، ثم صارت في العام الخامس نصابًا، وهذا زيادة عرق، وإن كانت في تلك الأعوام ألفًا، ثم هلكت فأتى الساعي وهي أربعون، كان عليه شاة؛ لأن كل ما لم يفرط في زكاته حتى هلك لا تضمن زكاته. فصل [الزمن الذي يخرج فيه السعاة] ومن المدونة، قال مالك: يبعث السعاة قبل الصيف، وحين تطلع الثريا ويسير الناس بمواشيهم إلى مياههم، وعلى ذلك العمل عندنا (¬2)؛ لأن في ذلك رفقًا بالناس لاجتماعهم على الماء، وعلى السعاة لاجتماع الناس (¬3). قال في كتاب محمد: ولا يبعث السعاةُ في عام الجدبِ حتى يحيا الناس؛ لأنه يأخذ منهم ما ليس له ثمن، وإن جلبت لم ينجلب (¬4). قال: وإنما ذلك نظر للمساكين وليس لأهل المواشي، فإذا حَيِى الناسُ في العام المقبلِ أُرسل السعاةُ، وأخذوا زكاة العامين (¬5). وروى عنه ابن وهب أنه قال: لا تؤخر الصدقة عند أهلها (¬6) وإن كانت ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 239. (¬2) قوله: (عندنا) ساقط من (م). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 376. (¬4) في (ق 3): (جلبه لم ينجلب)، وانظر: النوادر والزيادات: 2/ 236. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 236. (¬6) قوله: (لا تؤخر الصدقة عند أهلها) يقابله في (ر): (لا تؤخذ الصدقة عن أهلها).

عجافًا كلُّها، وليأخذ (¬1) منها (¬2). وهذا أحسن إن كانت تنجلب، أو يكون لها ثمنٌ ما وإن قلَّ، وإلا أخر ذلك للعام المقبل. فإن هلكت قبل ذلك لم يكن على صاحب الماشية شيء. قيل لمالك: فمن لا يرد عليهم السعاة لبعد المياه التي تجتمع (¬3) إليها المواشي. فقال: أرى على هؤلاء أن يجلبوا ما وجب عليهم إلى المدينة (¬4). فقيل له: إنها ضعاف ويخاف عليها. قال: لا بد من جلبها، أو يصطلحوا على قيمتها (¬5)، ثم قال: لا يسوقونها ولكن يشترون. وما كنت أرى الناس ها هنا إلا يبتاعون ذلك (¬6)، وذلك حين ذكر له أنهم (¬7) يشق عليهم أن يجلبوا ذلك إلى مسيرة عشرين يومًا. قال: وأما الحوائط فلا يكلفوا حمل ما عليهم، ولا يُكلف أحدٌ حملَ زكاةِ ثمرته إلى من يلي أخذها؛ إنما يأتونهم في حوائطهم، وكذلك الزرع والماشية (¬8). قال الشيخ - رضي الله عنه -: وهذا أصوب، والأصل أن الناس يزكون أموالهم في مواضعها، وهناك تؤخذ منهم؛ وقد كانت السعاة والمصدقون يخرجون في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - لمثل ذلك، وهو الذي يقتضيه قول الله -عز وجل-: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: 61]، ¬

_ (¬1) في (ر): (وليأخذها). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 236. (¬3) في (م): (الذي تنجلب). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 257. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 257. (¬6) قوله: (ذلك) زيادة من (ر). (¬7) في (م): (أنه). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 257.

فهم الذين يخرجون لأخذها، فيعطَوْن الأجر لخروجهم لذلك، فمن بعد عن السعاة ولم يكن بحضرته فقراء يعطيهم إياها استأجر عليها من يجلبها إلى المدينة، والإجارة منها. وقال مالك: لا أحب لصاحب الماشية أن تنزل السعاة عنده ولا يعيرهم دوابه؛ يريد: (¬1) خيفة التهمة أن يخففوا عنه. قال: وشرب السعاة الماء من منازل أرباب الماشية خفيف. ¬

_ (¬1) قوله: (يريد) ساقط من (م).

باب في زكاة الماشية المغصوبة وهي بيد الغاصب أو بعد ردها، وفيمن باع غنما فردت بعيب أو لفلس، بعد أن زكيت أو قبل أن تزكى

باب في زكاة الماشية المغصوبة وهي بيد الغاصب أو بعد ردها، وفيمن باع غنمًا فردت بعيب أو لفلس، بعد أن زُكِّيَت أو قبل أن تزكى واخْتُلِفَ في الماشية تغصب ثم ترد إلى صاحبها بعد ثلاثة أعوام. فقال ابن القاسم في المدونة: يزكيها لعام واحد (¬1)، وقال أيضًا: يزكيها للأعوام الثلاثة. وقاله أشهب، قال: لأنها لم تَزُلْ عن ملكه، وما أخذت السعاة منها أجزأ عنه بخلاف العين تغصب، وهي بمنزلة الحائط يغصب فيثمر سنين ثم يرد إلى من صار له (¬2)، أن عليه صدقة ثمرته (¬3). والخلاف في هذا راجع إلى الاختلاف في رد الغلات. فعلى القول: "إن الغلات ترد" يزكي عن السنين الثلاثة، وهذا الذي قصد إليه (¬4) أشهب في التفرقة بين غصب العين والماشية والثمرة؛ لأن العين إذا غصب كان ربحه للغاصب، والماشية والنخل ترد غلاتها فتجب فيها الزكاة؛ لأن النماء موجود فيها. وعلى القول: "إن غلات الماشية لا ترد" تصير كالعين، تغلب على تنميته بتلفه، أو يكون قد ورثه ولم يعلم به، فاختلف فيه على ثلاثة أقوال: هل يستأنف به حولًا من يوم يصير إليه، أو يزكيه لعام واحد، أو للأعوام كلها؟ وقد يرجح القول في الماشية، فيقال: على ربها أن يزكيها لتلك الأعوام، وإن لم تُرد الغلات بخلاف العين؛ لأن ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 376. (¬2) قوله: (إلى من صار له) ساقط من (م). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 376. (¬4) قوله: (إليه) ساقط من (م).

فصل [في الساعي يأتي وقد قامت الغرماء]

الولد يرد معها وهو نماءٌ له قدرٌ وبالٌ، وهو أعظم نفعًا من غلات الصوف واللبن، ففارق بهذا العينَ. ومحمل قول ابن القاسم في هذه المسألة: "أنه يزكي الماشية لعام واحد" على أنه لم يرَ على الغاصب ردَّ غلة الماشية، ولو جعل عليه رد الغلات كلها (¬1) لزكاها عن تلك الأعوام من غير خلاف. ويختلف إذا زكيت عند الغاصب ثم ردها، هل يحاسب صاحبها بما أخذ منه الساعي (¬2) من الزكاة؟ على القول: إن الغلات للغاصب؛ لأن صاحبها يقول: لو ردت علي قبل أن يأتيك المصدق لم أزكها، ولم يكن له أن يأخذها منك لو علم أنها غصب على هذا القول. فصل [في الساعي يأتي وقد قامت الغرماءُ] وقال سحنون في كتاب ابنه فيمن اشترى أربعين شاة فأقامت في يده حولًا، فأخذ منه المصدق شاة ثم ردها بعيب: إنه يرجع بالثمن كله؛ لأن الرد بالعيب نقض بيع، فالزكاة على البائع، ولو ردت قبل أن يأتيه المصدق (¬3)، ثم جاء وهي عند البائع، زكاها على حولها الأول (¬4)؛ لأن الرَّد بالعيب نقضُ بيعٍ. ولو زكيت عند المشتري ثم فلس فأخذها البائع، فكذلك الزكاة على البائع، وكأن الشاةَ أُخِذت عن البائع؛ لأنا نقضنا البيع ورددناها على الملك الأول. ولو جاء الساعي وقام الغرماء لأخذها ربها؛ لأنه أدرك ماله فهو أحق به، ¬

_ (¬1) قوله: (كلها) ساقط من (م). (¬2) قوله: (منه الساعي) يقابله في (م): (منها). (¬3) قوله: (المصدق) ساقط من (م). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 234.

ويأخذ منه الساعي شاة عن البائع (¬1). ولو هرب بها المشتري عن الساعي، ثم أتى بعد حولين وفلس فإن أخذها صاحبها زكاها الساعي شاة واحدة عن البائع، ولو أسلمها البائع زكاها الساعي بشاتين عن العامين جميعًا (¬2)؛ لأن الدين لا يرد زكاة الماشية. ولو تماوتت إلا شاة واحدة، كان البائعُ أحقَّ بها، ولا سبيل للساعي عليها (¬3). قال محمد: فذكرت له ما قال بعض أصحابنا: إن الساعي أحق بهذه الشاة إذا كان الغريمُ غيرَ بائع الغنم، فأجازه (¬4). قلت له: قال بعد ذلك: إن الساعي أحق بها وإن كان الغريمُ هو بائع الشاة إذا كانت من الأربعين، قال: ليس كما قال. قلت: فلو ماتت كلها واشترى هذه الشاة أن الساعي أحق بها، قال: أصاب. قلت: فإن كان عليهم عين (¬5) دين يحيط بماله تحاصَّ الغريم والساعي، قال: ليس كما قال، والساعي أحق. قلت (¬6) قال: فإن كان الغريمُ هو بائع الشاة كان أولى بها من الساعي إذا لم تكن من الأربعين التي هرب بها، قال: أصاب (¬7). قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما ما اختلفا فية إذا كانت الشاة من غنم البائع، هل يكون البائع أحق بها، أو الساعي؟ فإنَّ (¬8) ذلك راجعٌ إلى الاختلاف، هل أخذ ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 234. (¬2) قوله: (جميعًا) ساقط من (م)، وانظر: النوادر والزيادات: 2/ 235. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 235. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 235. (¬5) قوله: (عين) ساقط من (م). (¬6) قوله: (قلت) زيادة من (ر). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 235. (¬8) في (م): (قال).

البائع لما باعه به (¬1) في الفلس نقض بيع، أو ابتداء بيع؟ فجعله سحنون نقض بيع وأنها إنما تزكى على ملك البائع إذا كان نِصَابًا، وجعله الغير كابتداء البيع، فيكون الساعي أحق بها؛ لأنه يزكيها على ملك المشتري. وأما إذا ماتت الأولى واشترى هذه الشاة بعينها (¬2)، فينبغي أن يكون الغريم أحق بها؛ لأن كل ما فرط في زكاته حتى صارت الزكاة في ذمته لا يبدأ بالزكاة على الغرماء، ولا يحاصّ بها، وهذا قد هرب بماشيته سنين فصارت الزكاة في الذمة، وهذه الشاة ليست من التي هرب بها. ويؤخذ من قول الغير ها هنا: أن الزكاةَ إذا كانت في الذمة يحاصُّ بها الغرماء. ¬

_ (¬1) قوله: (به) ساقط من (ر) و (م). (¬2) قوله: (بعينها) زيادة من (ر).

باب في زكاة الحرث، والأصناف التي تجب فيها الزكاة، ونصابها، والقدر الذي يجب للمساكين فيها

باب في زكاة الحرث، والأصناف التي تجب فيها الزكاة، ونصابها، والقَدْر الذي يجب للمساكين فيها الزكاةُ تجبُ فيما أَخرجت الأرض إذا كان مقتاتًا مدخرًا أصلًا للعيش غالبًا (¬1)، وكان خمسة أوسق فصاعدًا- العشرُ إذا كان بَعْلًا، أو يشرب بالعيون، وما أشبه ذلك مما لا تتكلف فيه مؤنة. وإن كان مما يتكلف سقيه بالغرب، أو بدالية، أو سانية، فنصف العشر. والأصل في ذلك قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} الآية [البقرة: 267]، وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ} ثم قال: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141]، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ صَدَقَةٌ" اجتمع عليه الموطأ والبخاري ومسلم (¬2). وقال: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ تَمْرٍ وَلا حَبٍّ صَدَقَةٌ" أخرجه مسلم (¬3)، وقال: "فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا العُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بالنَّضْح نِصْفُ العُشْرِ" أخرجه البخاري ومسلم (¬4). ¬

_ (¬1) قوله: (غالبًا) ساقط من (م). (¬2) متفق عليه؛ أخرجه البخاري: 2/ 508، في باب ما أدى زكاته فليس بكنز، من كتاب الزكاة برقم (1340)، ومسلم: 2/ 673، في باب ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة، من كتاب الزكاة، برقم (979)، ومالك في الموطأ: 1/ 244، في باب الزكاة في العين من الذهب والورق، من كتاب الزكاة، برقم (577). (¬3) أخرجه مسلم: 2/ 673، في باب ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة، من كتاب الزكاة برقم (979). (¬4) أخرجه البخاري: 2/ 540، في باب العشر فيما يسقي من ماء السماء وبالماء الجاري، من =

فأفادت هذه الآيات والأحاديث أربعة أشياء: وجوب الزكاة فيما أخرجت الأرض، ومعرفة الجنس المزكى (¬1)، والنصاب، والقدر المأخوذ للمساكين. فأفادت الآيةُ الأولى تعلق الزكاةِ بما أخرجتِ الأرضُ خاصةً دونَ معرفةِ الجنسِ والنصابِ (¬2)، وهو من بابِ المجملِ. وأفادتِ الآيةُ الثانيةُ معرفةَ الجنسِ من تمرٍ وزرعٍ وغيرهما مما ذكر في الآية. وأفاد الحديثُ الأولُ معرفة النصاب، وأحد (¬3) الأصناف المزكاة وهو التمر. وأفاد الحديثُ الثاني معرفةَ وجوبِ الزكاةِ في الحبِّ. وأفاد الحديثُ الثالثُ معرفةَ ما يُعْطَى المساكين وهو العشرُ تارةً، ونصفُ العشرِ تارةً. فأوجبَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الزكاةَ في شيئين: التمرِ والحبِّ مبهمًا (¬4)، ولم يبين ذلك الحَبَّ ما هو؟ واخْتَلَفَ قولُ مالكٍ في ذلك على ثلاثةِ أقوالٍ، فقال مرةً: الزكاةُ تجبُ (¬5) في القمحِ، والشعيرِ، والسُّلْتِ، والعَلَس، والأُرْز، والذُّرة، والدخن، والقِطْنِيَّةِ (¬6)، وقال في كتاب محمد: كل ما كان من الحبوبِ يُؤْكَلُ ويُدَّخَرُ ويُخْبَزُ ففيه الزكاةُ. ¬

_ = كتاب الزكاة، برقم (1412)؛ ولم أقف عليه في صحيح مسلم. (¬1) قوله: (المزكي) ساقط من (م). (¬2) قوله: (والقدر المأخوذ. . . والنصاب) ساقط من (م). (¬3) في (م): (وإجزاء). (¬4) في (ر): (منهما). (¬5) قوله: (تجب) ساقط من (م). (¬6) انظر: الموطأ: 1/ 272، والمدونة: 1/ 384، ونصُّ قول المدونة: "الذي تؤدى منه زكاة الفطر في قول مالك؟ قال: القمح والشعير والذرة والسلت والأرز والدخن والزبيب والتمر والأقط. قال: وقال مالك: لا أرى لأهل مصر أن يدفعوا إلا القمح؛ لأن ذلك جل عيشهم، إلا أن يغلو سعرهم فيكون عيشهم الشعير، فلا أرى بأسًا أن يدفعوا شعيرًا. قال مالك: وأما ما ندفع نحن بالمدينة فالتمر".

وقال في مختصر ابن عبد الحكم: كلُّ حَبٍّ يأكله الناسُ ويدخرونه (¬1) ففيه الزكاةُ (¬2). وقال أبو محمد عبد الله بن أبي زيد: يريد (¬3) إذا كان أصلًا للعيش (¬4). وقال أبو محمد عبد الوهاب: كل مقتات من الحبوب يدخر وما جرى مجراه ففيه الزكاةُ (¬5). قال الشيخ - رضي الله عنه -: ورد الحديثُ بزكاةِ التَّمْرِ، وهو أصلُ القوتِ وغالبُ العيشِ بالمدينةِ وسائر مدن النخيل. وقد أخرج مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنَهُ كَانَ يَأْخُذُ لأهْلِهِ مِنْ خَيبرَ قُوتَ سَنَةٍ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ شَعِيرٍ وَثَمَانيِنَ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ" (¬6). وأتى الحديثُ في الحَبِّ غيرَ مفسرٍ، فَرَدَّه مالكٌ مرةً إلى ما يكونُ منَ العيشِ غالبًا قياسًا على التَّمرِة وإنما يكون ذلك فيما يختبز، ولا يجب على هذا زكاة القطنية (¬7)؛ لأنها لا تُختبز إلا في الشدائد وعند الضرورات، وليس ذلك الشأنُ فيها. وممن ذهب إلى أن لا زكاةَ في القِطْنِيَّةِ: الحسنُ، وابنُ سيرين، والشَّعْبيُّ، ¬

_ (¬1) في (م): (ويدخر). (¬2) انظر: المختصر الصغير بشرح البرقي، لابن عبد الحكم، لوحة رقم: [20 / ب]. والنوادر والزيادات: 2/ 109، 261. ونصُّ قول النوادر: "كلُّ ما كان من تمرٍ، أو عنبٍ، أو زيتونٍ، أو حَبٍّ يُدَّخَرُ ويأكله الناس -يريدُ: وهو لهم قوتٌ وأصلُ معاشٍ- ففيه الزكاةُ". (¬3) قوله: (يريد) ساقط من (م) و (ت). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 261. (¬5) انظر: المعونة: 1/ 248. (¬6) أخرجه مسلم: 3/ 1186، في باب المساقاة والمعاملة بجزء من الثمر والزرع، من كتاب الزكاة، برقم (1551). (¬7) في (ر): (القطاني).

وابنُ أبي ليلى، والحسنُ بن صالح، والثوريُّ، وابنُ المبارك، ويحيى بن آدم (¬1)، وأبو عبيدة، وعلى رواية ابن عبد الحكم لا تقتصرُ الزكاة على ما ذكره عنه ابن القاسم، بل تجب على كل بلد فيما يكون عندهم من ذلك مقتاتًا أصلًا للعيش (¬2)؛ فمن ذلك: التين. قال أبو الحسن ابن القصار: يرجح فيه قول مالك (¬3)، قال: وإنما تكلم على بلده ولم يكن التين عندهم، وإنما كان يجلب إليهم، وأما بالشام وغيرها ففيه الزكاة؛ لأنه مقتات عندهم غالبًا كما يقتات السمسم والتمر بالعراق (¬4). انتهى قوله. قال الشيخ - رضي الله عنه -: وكذلك كثيرٌ من أريافِ الأندلسِ، هو عندهم أصل للعيش، ويعوِّلون عليه لأنفسهم ولعيالهم كما يعول أهلُ اليمن على التمرِ أو قريب منه، فمن كان ذلك شأنهم وجبت عليهم فيه الزكاة. ومعلوم أن الاستعمال له والاقتيات به أكثر من الزبيب؛ ولم يختلف المذهب أن الزكاةَ تجبُ في الزبيبِ، وهو في التينِ عند من ذكرنا أبينُ. والقول بوجوب الزكاة في القَطَاني (¬5) أحسن؛ لأنها تراد للاقتيات وإن كان غيرها أكثر ما (¬6) يراد لذلك. وقول أبي محمد عبد الوهاب: "إنها تجب في ¬

_ (¬1) في (م): (أكثم). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 109، 261. (¬3) قال مالك في المدونة: "الفواكه كلها: الجوز واللوز والتين، وما كان من الفواكه كلها مما يبس ويدخر ويكون فاكهة؛ فليس فيها زكاة". انظر: المدونة: 1/ 341، 391. (¬4) انظر تفصيل المسألة في: النوادر والزيادات: 2/ 303؛ والبيان والتحصيل: 2/ 485، والمقدمات الممهدات: 1/ 359. (¬5) في (م): (القطنية). (¬6) قوله: (أكثر ما) يقابله في (م): (لما).

كلِّ مقتاتٍ مدخرٍ (¬1) ليس بحسن، إلا أن يكون أصلًا للعيش، وهذا هو الفرق بين ما تجب فيه الزكاة، وبين ما يحرم فيه التفاضل ولا تجب فيه الزكاة، كالجوز واللوز وما أشبه ذلك؛ لأنه وإن كان مقتاتًا مدخرًا فإنه لا تجب فيه الزكاة؛ لأنه ليس أصلًا للعيش. واخْتُلِفَ فيما كان يدخر ويراد للتفكه. فقال مالك وابن القاسم: لا زكاة في ذلك (¬2). وقال عبد الملك بن الماجشون في كتاب ابن حبيب: تجب الزكاة في الثمار كلها ذوات الأصول، ما ادُّخر منها وما لم يدخر (¬3)؛ لقول الله -عز وجل-: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ}. وقال: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141]، قال (¬4): فَعَمَّ الثمارَ كلها (¬5). قال الشيخ - رضي الله عنه - (¬6): فيلزمه أن يقول: إنها تجب في غير ذوات الأصول؛ لقول الله سبحانه: {وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ}، والمذهب على أن الزكاة تجب فيما لا يدخر ويتفكه، إذا كان عامة ذلك الجنس الادخار: كالبلح وهو مما يتفكه (¬7) وليس بمقتات ولا مدخر، فجعل فيه الزكاة؛ لأن الغالب من ثمر النخل الادخار، فألحق القليل ¬

_ (¬1) انظر: المعونة على مذهب عالم المدينة: 1/ 248، وقد تقدم. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 109. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 109. وفيه: "وشذَّ ابن حبيبٍ، في الفواكه فقال: في الثمار كلها مُدخرها وغير مدخرها، إذا كانت ذوات أصول؛ فخالف أهل المدينة". (¬4) قوله: (قال) زيادة من (ر). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 261. وفيه: "قال مالك: السَّنةُ المجتمع عليها عندنا أنَّه لا زكاة في الفواكه، ولا في الخضر كلها، ولا في القصبِ زكاة. قال غيره: ولم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن الخلفاء أنَّ أحدًا منهم أخذ الزكاة من ذلك، وليس هذا من الحوادث، فهو كنقلِ التواتر". (¬6) قوله: (قال الشيخ - رضي الله عنه -) يقابله في (م): (قلت). (¬7) في (ر): (يدخر).

فصل [زكاة ذوات الزيت]

بحكمه. وعلى القول أن الأتباع مراعاة في نفسها لا يزكى؛ لأنه ليس مما في الحديث ولا أصلًا للعيش، وكذلك العنب الشتوي هو تفكهٌ. وتجب الزكاة فيما يزهي من النخل، وإن كان لا يتمر (¬1)؛ لأنه مما هو أصل للعيش (¬2). والاختلاف، هل تجب الزكاة بنفس الزهو وقبل أن يصير تمرًا؟ فصل [زكاة ذوات الزيت] الزكاةُ تجبُ فيما يُراد منه زيته، وذلك في خمسة: الزيتون، والجُلْجُلان، وحب الفجل وبزر (¬3) الكَتَّان والقُرْطُم، على اختلاف في هذه الثلاثة. فقال مالك في المدونة: في حب الفجل الزكاة إذا بلغ خمسة أوسق (¬4). وقال في المجموعة: في بزر الكتان وحب القرطم لا زكاة فيهما (¬5). قيل له: إن بعض الناس يعصر منه الزيت الكثير، فقال: فيزكى إذا كثر. (¬6) قال سحنون. وقد قال: لا زكاة فيه، قال (¬7): وهو أحب إليَّ (¬8). وقال ابن القاسم في كتاب محمد: لا زكاة في بِزْرِ الكتان، ولا في زيته؛ إذ ليس بعيش (¬9). وقيل في بزر الفجل ¬

_ (¬1) في (ت): (لا يثمر). (¬2) في (م) و (ق 3): (يعيش). (¬3) قوله: (بزر) ساقط من (ر). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 384. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 262. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 262. (¬7) قوله: (قال) زيادة من (ر). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 263. (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 263.

أيضًا: لا زكاة فيه (¬1). ويلحق بهذه بزر السَّلْجَم إذا عمل بمصر، والجوز إذا عمل (¬2) بخراسان، وقد ذكر أنهم يعوِّلون على زيتها للأكل. فأمَّا الزيتون فالأصل فيه قول الله سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ} [الأنعام: 141]؛ ولأنه في البلدان التي هو بها مقتات وأصل للعيش. وكذلك الجلجلان باليمن والشام هو عندهم عمدة في الاستعمال للأكل، ولا تجب فيه الزكاة عندنا بالمغرب على أصل المذهب: أن الزكاة إنما تجب فيما كان مقتاتًا أصلًا للعيش؛ لأنه (¬3) إنما يراد للعلاج ويقام منه الادهان كالبنفسج (¬4) والورد والياسمين وما أشبه ذلك، وقد تقدم من (¬5) قول أبي الحسن ابن القصار في التين: أنه لا يزكى في المدينة، ويزكى بالشام (¬6)، ولأن هذه الأشياء لم يأتِ في زكاتها نص عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما تُرَدُّ إلى غيرها مما تجب فيه الزكاة إذا وجدت فيها الشروط التي تجب بها الزكاة. وأما بزر الكَتَّان فالصواب أن لا زكاة فيه؛ لأنه لا يراد للأكل، ولا في حب القرطم؛ لأنه ليس مما يعيش (¬7)، ولأن النصاب في الحبوب خمسةُ أوسقٍ، ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 17/ 302. (¬2) قوله: (إذا عمل) ساقط من (م). (¬3) ساقط من (ت). (¬4) قوله: (منه الادهان كالبنفسج) يقابله في (ر): (به مقام الادهان بالبنفسج). (¬5) قوله: (من) ساقط من (م). (¬6) انظر تفصيل المسألة في: النوادر والزيادات: 2/ 303؛ والبيان والتحصيل: 2/ 485، والمقدمات الممهدات: 1/ 359، وقد تقدم. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 262، وانظر: البيان والتحصيل: 2/ 482.

فإذا كانت هذه الأوسق لا تُخرج من الزيت إلا يسيرًا علم أنها ليست من الأموال التي قصد وجوب الزكاة فيها بذلك النصاب؛ لأن الزكاةَ مواساةٌ من الأغنياءِ إلى الفقراءِ، ولا يصح أن يجعل نصاب أكثر من خمسة أوسق. ولو قَحَطَت السماء عن الزيتون فحط زيته عن المعتاد بالشيء البين، فصار إلى النصف أو ما أشبه ذلك، لم تجب الزكاة في خمسة أوسق منه، والعادة (¬1) أنه يعصر من قفيز زيتون ما يزيد على العشرين قفيزًا زيتًا، ربما الخمسة والستة ونحو ذلك. وقد قحطت السماء عندنا في بعض السنين فكان يخرج من القفيز الزيتون خمسة أقفزة زيتًا ونحوها، وهذا شبيه بالجوائح، فإن وجد من الزيتون فوق خمسة أوسق مما يخرج قريبًا (¬2) من الخمسة الأوسق على الوجه المعتاد كانت فيه الزكاة. وهذا (¬3) بخلاف القرطم لورود النص بوجوب الزكاة في الزيتون دون الآخر. وتجب الزكاة في حب الفجل بمصر؛ لأنه يراد للأكل وهو مما يكثر زيته. ¬

_ (¬1) في (م): (والمعتاد). (¬2) قوله: (قريبًا) ساقط من (م). (¬3) قوله: (وهذا) ساقط من (م).

باب في نصاب ما أخرجت الأرض، وما يضم بعضه إلى بعض إذا اختلف حصاده أو اختلفت أجناسه

باب في نصاب ما أخرجت الأرض، وما يُضَمُّ بعضه إلى بعض إذا اختلف حصاده أو اختلفت أجناسه النِّصَابُ في ذلك خمسةُ أوسقٍ. والوَسْقُ ستون صاعًا بصاعِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو بقفيزنا قفيزٌ وربع، فذلك ستة أقفزة وربع. فإذا كان ذلك وجبت الزكاة إذا كان صنفًا واحدًا، وسواء كان حصاده معًا أو مختلفًا إذا كان حصاد الأول بعد زراعة الثاني، فإن كانت زراعة الثاني بعد حصاد الأول (¬1) لم يُضَمَّ بعضه إلى بعض، فإن كان كل واحد منهما بانفراده دون خمسة أوسق لم تجب فيهما زكاة. وإن زرع ثالثًا بعد حصاد الأولِ وقبل حصادِ الثاني لم يُضَمَّ الأول إلى الثالث وضُمَّ الأوسط إلى الأول والثالث، فإن كان في الأول (¬2) وسقان والثالث (¬3) كذلك والأوسط ثلاثة أوسق زكى عن الجميع؛ لأنك إن أضفت الأوسط إلى الأول كانا خمسة أوسق. وإن أضفته إلى الثالث كانا خمسة أوسق، وهذا قول ابن مسلمة. وإن كان الأوسط وسقًا أو وسقين لم تجب في شيء من ذلك الزكاة، وإن كان الأوسط وسقين والآخر وسقين (¬4) والأول ثلاثة زكى الأول والأوسط دون الآخر، وإن كان الأول وسقين والأوسط وسقين والآخر ثلاثة زكى الأوسط والآخر دون الأول. ¬

_ (¬1) قوله: (حصاد الأول) يقابله في (ر): (حصاده). (¬2) قوله: (فإن كان في الأول): ساقط من (ت). (¬3) في (ت): (والثاني). (¬4) قوله: (لم تجب في. . . وسقين) ساقط من (م).

فصل [في الحائط فيه أصناف أو صنف وفيما يضم بعضه إلى بعض]

واخْتُلِفَ عن مالك في ذلك، فقال في كتاب ابن سحنون: ما زرع في الصيف في أوله ضُمَّ إلى ما زرع في آخره، وما زرع في الشتاء في أوله ضُمَّ إلى ما زرع في آخره، ولا يُضَمُّ ما زرع في الصيف إلى ما زرع في الشتاء (¬1). وروى عنه ابن نافع أنه قال: لا زكاة عليه حتى يرفع من كل ما حصد ما تجب فيه الزكاة (¬2)، وهذا أحسن. ولا يضاف إلا (¬3) ما اجتمع نباته، وإن افترق حصاده. وأرى إذا كانت زراعة الثاني عندما قرُب حصاد الأول ألا يضافا؛ لأن الأول في معنى المحصود، وإن يَبِسَ ولم يبق إلا حصاده كان ذلك أبين. فصل [في الحائطِ فيه أصنافٌ أو صِنْفٌ وفيما يُضَمُّ بعضه إلى بعض] واخْتُلِفَ فيما يضاف بعضه إلى بعض من الحبوب، فقال مالك: القمح والشعير والسُّلْت صنف واحد يُضَمُّ بعضه إلى بعض في الزكاة (¬4). فإذا اجتمع من ذلك خمسة أوسق وجبت في ذلك الزكاة. واخْتُلِفَ في العَلَس، فقيل: هو صنف رابع لا يضم بعضه إلى بعض (¬5). وقال ابن كنانة: هو صنف من الحنطة يكون في اليمن مستطيل مصوف ويجمع مع الحنطة. قال: وهي الإشْقَالِيَّة (¬6). وقيل: هو بين الحنطة والشعير. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 265. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 265. (¬3) في (م): (إلى). (¬4) قوله: (في الزكاة) ساقط من (م)، ومثبت من (ر). انظر: الموطأ: 1/ 274. (¬5) قوله: (بعضه إلى بعض) يقابله في (م) و (ر): (إليها). (¬6) الإشْقَالِيَّة، وهو حَبٌّ مستطيل يشبه الُبرّ وهو باليمن، وانظر: النوادر والزيادات: 2/ 262 =

فصل [في الحائط فيه أصناف، وفيما يجمع منها من الزكاة]

قال مالك: والأرز والذرة والدُّخْن أصناف، ولا يضم بعضها إلى بعض، وأضاف ربيعة الذرة إلى القمح (¬1). وقال الليث: القمح (¬2) والشعير والسُّلْت والأرز والذرة والدُّخْن صنف يجمع في الزكاة (¬3)؛ وهذا أقيس لاتفاق المذهب على أن أخباز جميع هذه الستة صنف يحرم التفاضل فيه. وإذا كانت هذه الحبوب لا تستعمل على حالها، والمقصود منها أن تعمل خبزا، وكان خبزُها صنفًا واحدًا، وجب أن يكون حبها صنفًا واحدًا. ولا خلاف في القِطْنِيَّة أنها غير مضافة إلى ما تقدم. واخْتُلِفَ هل هي في نفسها صنف واحد في الزكاة والبيع، أو أصناف (¬4)؟ فذكر أبو محمد عبد الوهاب فيها قولين: هل تجمع في الزكاة والبيع أم لا؟ (¬5) وقال مالك في العتبية: الكِرْسِنَّةُ (¬6) من القِطْنِيَّة. فصل [في الحائط فيه أصنافٌ، وفيما يُجمع منها من الزكاة] التمور كلها (¬7) صنف واحد تجمع في الزكاة، وكذلك ما يزهى ولا يكون تمرًا، أو لا يزهي د نما يكون بَلَحًا على القولِ بزكاتِه، وكذلك العنب الشتوي ¬

_ = والبيان والتحصيل: 2/ 513. (¬1) انظر: المدونة: 1/ 384. (¬2) قوله: (القمح) ساقط من (ر). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 384. (¬4) قوله: (أو أصناف) يقابله في (م): (أم لا). (¬5) قوله: (فذكر أبو محمد. . . أم لا؟) ساقط من (م). (¬6) الكِرْسِنَّةُ: هي شَجَرَةٌ صَغيرَةٌ لها ثَمَرٌ في غُلُفٍ مُصَدِّع، مُسْهِلٌ، مُبَوِّلٌ للدَّم، مُسَمِّنٌ للدَّوابِّ، نافِعٌ للسُّعالِ، عَجِينُه بالشَّراب يُبْرِئُ من عَضَّةِ الكَلْبِ الكَلِبِ. انظر تاج العروس: 1/ 8151. (¬7) في (ق 3): (هل).

فصل [في زكاة النخل والثمار]

والصيفي على تسليم القول بزكاة الشتوي، والتين (¬1) الصيفي والشتوي على قول من أوجب الزكاة فيه، فجميعه صنف. والزيوتُ أصنافٌ لا يُضَمُّ بعضُها إلى بعضٍ، فإن أصابَ منَ الزيتونِ ثلاثة أوسق، ومن الجلجلان وسقين، لم تجب في ذلك زكاة؛ لأن منافعها غير متشابهة (¬2)، والتفاضل بينهما جائز. ولا زكاة فيما يؤخذ من الجبال أو غيرها من زيتون وتمر وكرم مما لا مالك له، فإن تملكه بعد ذلك بالإحياء زكاه. فصل [في زكاة النخل والثمار] وإذا كان القمح مختلفًا جيدًا ورديئًا أُخِذَ من كل شيء منه بقدره، ولم يؤخذ من الوسط. وكذلك إذا اجتمع القمحُ والشعيرُ والسُّلْتُ، أو اجتمع أصنافُ القَطَانيِّ، أخذ من كل شيء بقدره ولم يؤخذ من الوسط (¬3). وكذلك أصنافُ الزبيبِ. واخْتُلِفَ في التمر، فقال مالك في المدونة: إذا كان ذلك جنسًا واحدًا -جعرورًا كله (¬4) أو غيره- أُخذ منه، ولم يكن عليه أن يأتي بأفضلَ منه، وإن كانت أجناسًا أُخِذَ من الوسط (¬5). وقال في كتاب محمد: يُؤخذُ من كلِّ صنفٍ منها بقدره، قيل له: فإن كان جُلُّ ¬

_ (¬1) في (ر): (والتمر). (¬2) قوله: (غير متشابهة) يقابله في (م): (متباينة). (¬3) في (ت): (الأوسط). (¬4) قوله: (كله) ساقط من (م)، ومثبت من (ر). (¬5) في (م): (وسطه)، وانظر: المدونة: 1/ 377.

ذلك الجيد، (¬1) والقليل من الخبيث (¬2)، فقال: يُؤخذ من كل صنفٍ ما يصيبه من حصته من الصدقة (¬3)، وقال في المجموعة: إذا كان جيدًا كله أو رديئًا كله فليتبع الوسط، وقاله عبد الملك بن الماجشون (¬4) وابن نافع- قال: بمنزلة الغنم تُعَدُّ سِخَالهُا ولا تؤخذ (¬5)، يريد: لو كانت سِخَالًا كلها أنه يأتي بالزكاة من غيرها. وقوله في كتاب محمد أصوب، وهو الحق. وأصل الزكوات في (¬6) العين الذهب والفضة والحبوب أنها من عين المزكى، لا من غيره. ويصرف إلى المساكين ما وجب لهم من ذلك إذا كان مما يدخر: كالتمر والزبيب والقمح (¬7) وغيرها، ولا يُباعُ عليهم (¬8) شيءٌ مما وجب لهم من ذلك؛ إلا أن يكون في بيعه حسن نظر لهم، فإن باع ذلك من وجبت عليه زكاته لنفسه فأدرك فسخ البيع، وإن فات ذلك، جاز بيعه وغرم مثله للمساكين، فإن باعه لهم نظر في ذلك، فإن كان إجازة البيع حسن نظر لهم مضى (¬9)، وإلا رُدَّ إن كان قائمًا، أو أُغْرِم المثلَ إنْ ذهب به المشتري. وأما البلح، والزهو، والرُّطَب الذي لا يتمر، والعنب الذي لا يتزبب، ¬

_ (¬1) في (ق 3): (الجمعِ). (¬2) في (ق 3): (منه الجنيب). (¬3) انظر: المعونة على مذهب عالم المدينة: 1/ 253. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 263. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 263. (¬6) ساقط من (ت). (¬7) قوله: (والقمح) ساقط من (م). (¬8) في (م): (لهم). (¬9) في (م): (أمضي).

الشأن أن أربابه يبيعونه (¬1) لما كان لا يدخر؛ فيباع ذلك جملة وتخرج الزكاة من الثمن؛ لأن فيه حُسن نظرٍ للمساكين، ولا كلفة على المالك في بيعه جملة، وإن أخرج عين ذلك وصرفه في المساكين ولم يبعه أجزأه. وقال مالك في الجُلْجلانِ: إن كان يعصرُ أخذ من زيته، وإن كان يبيعونه حبًّا أخذ من ثمنه (¬2). وقال أشهب في مدونته في الزيتونِ يبيعه صاحبه قبل عصره: إن المصدق فيه بالخيار، إن شاء أخذ منه زكاة ثمنه، وإن شاء أخذ مكيلة زكاته ويعصره له (¬3). وقال محمد بن عبد الحكم: تجب الزكاة فيه حبًّا وليس عليهم عصره (¬4)، وهو أقيس لقول الله -عز وجل-: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141]. قال محمد بن مسلمة: جعل الله وقتها ذلك لا تؤخر عنه ولا تقدم قبله، وهذا يتضمن إخراج الزكاةِ منه على هيئة ما هو عليه وقت حصادِه، وهو مفهوم الحديثِ أنَّ الزكاةَ جزءٌ من المكيلة التي هي خمسة أوسق، وقياسًا على سائرِ الحبوبِ أنها تخرج زكاتها إذا صارت حبًّا. وكذلك الجُلْجلان ليس عليه عصره وإن كان ممن يعصر نصيبه منه. وقال مالك في كتاب محمد في العنب: تخرج مكيلة ذلك زبيبًا. قيل له: فإن كان أهله (¬5) إنما يبيعونه عنبًا في السوق كل يوم، ولا يعرف خرصه، ولا يجد ¬

_ (¬1) في غير (ت): (يبيعوه). (¬2) انظر: الموطأ: 1/ 272، والمدونة: 1/ 384. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 269، ونصه فيه: "قال أشهبُ: إلا في الزيتون للزيتِ، فالمصَدِّق مُخَيَّرٌ أنْ يأخذَ منه زيتًا أو قيمه الزيت". (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 496. (¬5) قوله: (أهله) ساقط من (م).

من يخرصه له، قال: وأرى أن يؤدي من ثمنه (¬1). وقال مالك (¬2) فيمن باع الفول أخضر: أحب إليّ (¬3) أن يتوخى خرص ذلك يابسًا وإن زاد قليلًا (¬4). وقال مالك: لا بأس أن يبيع الرجل زرعه عند حصاده، ويكون المبتاعُ أمينًا عليه يخبره بكيله، ويخرج الزكاة على ذلك (¬5). قال: ولا بأس أن يشترط بائع الحائط الزكاة على مشتريه (¬6)، يريد: إذا كان المشتري أمينًا وممن يوثق بقوله، وإلا فعليه أن يخرصه ولا يقتدي بقوله لأنه (¬7) لا يدري أصدقه أم كذبه؟ وكذلك إذا اشترط الزكاة على المشتري، يجوز له (¬8) إذا كان المشتري ثقة ممن لا يتهم في إمساكها، ولا في القدر الذي يخرجه، وإن كان ربها يقبض ذلك فيخرجه بنفسه فقد يخونه فيما يدفعه إليه إذا كان غير مأمون، وهذا إذا كان البيع بعد الخرص، أو قبل وعلم أن فيه ما تجب فيه الزكاة بأمر لا يشك فيه، فإن شكَّ فيه لم يجز البيع إلا أن يشترطَ ذلك الجزء على كل حال، فإن وجبت فيه الزكاةُ صرف ذلك للمساكين، وإن لم تجب فيه (¬9) الزكاة أخذ البائع ذلك ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 267. (¬2) قوله: (مالك) ساقط من (م) و (ر). (¬3) قوله: (إليَّ) ساقط من (م). (¬4) انظر: الموطأ: 1/ 271. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 269. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 270. (¬7) قوله: (بقوله لأنه) يقابله في (م): (بقول من). (¬8) قوله: (له) زيادة في (م). (¬9) قوله: (فيه) ساقط من (م).

الجزء (¬1) لنفسه، وبعد أن يعلم المشتري هل هو بالنضح فيكون المستثنى نصف العشر، أو بَعْلًا أو سيحًا فيكون العشر (¬2). وإذا كان معلومًا أن فيه خمسة أوسق فأكثر فسرقت الثمرة قبل الجداد، أو بعد الجداد، ولم يتراخ (¬3) عن الإخراج، لم يضمن المشتري الزكاة، وإن سُرِقَ البعض وبقي ما لا زكاة فيه كان للبائع جزءُ الزكاةِ، وإن لم يشترط البائعُ على المشتري الزكاةَ فأصابَ الثمرةَ بعد البيعِ جائحةٌ لم تسقطِ الزكاةُ عن البائعِ؛ لأنَّ الثمنَ له لا يرجع عليه المشتري فيه بشيء إذا كانت الجائحةُ بعد اليُبْسِ، ولأن المالك لما باع رضي أن تكون الزكاةُ مضمونةً عليه يدفعها من ذمته. واخْتُلِفَ إذا سلمت الثمرة أو الزرع، وأعسر البائع قبل دفع الزكاة، فقال ابن القاسم: يرجع على المشتري بقدر الزكاةِ إذا كان قائمًا، ويرجع هو على البائع متى أيسر (¬4)، وقال أشهب: لا شيءَ على المشتري (¬5)، وهو أحسن إذا كان البيع ليخرج الزكاة، ثم حدث ما منع من (¬6) ذلك، فإن كان ممن يعلم أنه لا يخرج زكاته أخذ ذلك من المشتري قائمًا كان أو فائتًا؛ لأن الأول متعدٍّ في بيع جزء المساكين. قال مالك: وإن وهب الثمرة قبل طيبها كان زكاتها على الموهوب له، وإن كان (¬7) وهبها بعد طيبها كانت الزكاةُ على الواهب (¬8)، وقيل: ¬

_ (¬1) قوله: (الجزء) ساقط من (ر). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 377. (¬3) في (ت): (ولم يتراخى). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 274. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 275. (¬6) قوله: (من) ساقط من (م). (¬7) قوله: (كان) ساقط من (م). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 274.

فصل [في قدر ما يخرح في زكاة الحرث]

زكاتها منها، وهذا أبين إذا كان سقيها على الموهوب له، وإن كان ربها يسقيها (¬1) كانت زكاتها عليه؛ لأن الهبة تتضمن جميعها، بمنزلة ما لو باعها، فإن البيعَ يتضمن جميعها جزءَ الزكاةِ وغيرَه. فإن قال: "إنما قصدت أن تكون زكاتها منها" أُحْلِف على ذلك وزكيت منها. فصل [في قدر ما يخرح في زكاة الحرث] والزكاة فيما كان يشرب من عروقه، أو سيحًا، أو بالعيون، والأنهار، أو بعلًا بالسماء، وما (¬2) أشبه ذلك مما لا يتكلف فيه (¬3) مؤنة العشر، فإن كان يسقى بالغرب، أو بالدالية فنصف العشر، فحط (¬4) نصف العشر لمكان ما يتكلف في ذلك من المؤنة بنفسه أو بماله. والأصل في ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا العُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ". أخرجه البخاري ومسلم. وقال ابن فارس: العَثَرِيُّ الذي يشرب سيحًا، قال: وقيل هو العِذْي والعِذْي عنده ما سقته السماء، وكلا القولين مخالفٌ للحديثِ؛ لأنه قد ذكر في الحديث ما تسقيه السماء والعيون، والعثري غيرهما: وهو ما يشرب بعروقه. واخْتُلِفَ إذا كان الشرب بالوجهين جميعًا: بالسماء والنضح. فقال مالك في كتاب محمد: إن سقى نصف السنة بالعيون، ثم انقطع عنه وسقى بالنضح، ¬

_ (¬1) قوله: (ربها يسقيها) يقابله في (م): (سقيها على الواهب). (¬2) في (م): (أو ما). (¬3) قوله: (فيه) ساقط من (م). (¬4) قوله: (فنصف العشر، فحط) ساقط من (ر).

أخرج نصف زكاته (¬1) عُشْرًا، والنصف الآخر نصفُ العشرِ، فإن سقى ثلثي السنة بالعين، والثلث بالنضح، جُعِل القليل تبعًا للكثير، وسواء كان المبدأ القليل أو الكثير. وقال أبو محمد عبد الوهاب: يتخرج فيها قول آخر؛ أنه يؤخذ من كل واحد منهما بحسابه (¬2). قال: وقال ابن القاسم: إنما ينظر إلى الذي يحيا به الزرع (¬3)، يريد: الآخر الذي به تم، كان قليلًا أو كثيرًا، وأرى أن ينظر إلى ما كان يرى أنه في ذلك النخل أو الزيتون أو الزرع أولًا قبل الثاني، فإن قيل: عشرة أوسق، فأصاب بعد ذلك خمسة عشر وسقًا، زكى ثلثيه على الأول، والثلث على الثاني، فإن كان الأول هالكًا، ولولا الثاني لم يؤخذ من تلك الثمار شيء صح أن يزكي على الآخر. والقياس أن يراعي الأول؛ لأن به تم الثاني. ولو انفرد به الثاني ولم يتقدم الأول لم ينتفع بالثاني، وإن كان لا يعرف قدر ما كان في الثمار قبل الثاني رجع إلى قدر السقي (¬4). وسأل قومٌ لهم أراضي إلى جنبها وادٍ مستقل عنها، فأنفقوا فيه نفقة كثيرة حتى طلع الماء وصار يسقي تلك الأرض؛ فرأيت أن يُزَكُّوا عن أول عام نصف العشر، وكذلك ما يكون من النخيلِ لا ماء له فاكترى له ماء أن (¬5) يزكي نصف العشر؛ لأن أكثرَ الماءِ ربما يتكلف (¬6) فيه أكثر مما يتكلف من اكتراء الماء أو استخراجه أو اشتراه فأحيا به زرعه أو ثمرة نخلة في الغرب والدالية، وإن اشترى الماء ولم يكترِ زكى العشر؛ لأن السقيَ من بابِ الغلةِ، وقد يبيعه بعد ذلك. ¬

_ (¬1) قوله: (نصف زكاته) يقابله في (ق 3): (زكاة النصف). (¬2) و (¬3) المعونة: 252. (¬4) في (ق 3): (السقيين). (¬5) قوله: (أن) زيادة من (م). (¬6) في (ق 3): (يخرج) و (ب).

باب فيما يخرص من الثمار، وهل يحط من الخرص لمكان ما يأكله من الثمار أصحابها، أو يعرونه، وكيف إذا أخطأ الخارص في خرصه

باب فيما يخرص من الثمار، وهل يحط من الخرص لمكان ما يأكله من الثمار أصحابها، أو يُعْرُونَهُ (¬1)، وكيف إذا أخطأ الخارصُ في خَرْصِه الذي يُخرص شيئان؛ النخلُ والعنبُ، ولا يخرص الزيتون، ولا الزرع، ولا ما أشبه ذلك مما ليس بشجر؛ لأن العادةَ تقدمت بخرص النخل والعنب، ولا يكاد يعرف الخرص فيما سواهما؛ ولأن الشأن في الزهو (¬2) والرطب والأعناب أن أصحابها يأكلون منها حينئذٍ. وقال مالك في كتاب محمد: يخرص ليأكلوه كيف شاءوا رطبًا أو غيره (¬3). واخْتُلِفَ في الزيتون والزرع يحتاج أهله إلى الأكل منه، أو كانوا غير مأمونين يخشى أن يكتموا منه، هل يخرص، أو يجعل عليه أمين؟ فقال عبد الملك بن الماجشون: إذا احتاج أهل الزيتون أن ينتفعوا ببعضه وهو أخضر، وخافوا أن لا يخرصوا (¬4) كيل ما أخذوا منه مقطعًا، فإنه يخرص عليهم (¬5) كما تخرص الثمار كلها، ثم يخرجون زكاته من الزيت. وقال محمد بن عبد الحكم: إذا اتهم الإمام قومًا بالتقصير فيما يجب عليهم من ¬

_ (¬1) في (ر): (يُعيِرُونَه). (¬2) الزهو هو: البُسْرُ إذا ظَهَرَت فيه الحُمْرة، وقيل: إذا لَوَّنَ. انظر: لسان العرب: 14/ 363. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 379. (¬4) في (ر): (يحصروا). (¬5) قوله: (عليهم) ساقط من (م).

زكاة الزيتون والزرع، فإنه يوكل من يتحفظ بذلك (¬1). والقول الأول أحسن: أن يخرص عليهم إذا وجد من يعرف الخرص في مثل ذلك، فإن لم يوجد جُعِل أمين، فإن احتاجوا إلى شيء لم يمنع أهله من الانتفاع به، وأحصى عليهم. واخْتُلِفَ هل يترك الخارص (¬2) لأصحاب الثمار لمكان ما يأكلون، أو يعرون، أو يفسد، أو يسقط، فقال مالك في المدونة: لا يُترك لهم لمكان الأكل والفسادِ شيءٌ (¬3). وقال عبد الملك بن حبيب: يخفف لانتفاعهم وما ينالون (¬4) منه في رءوس النخل (¬5)، قال: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر بالتخفيف للواطئة، والساقطة، واللاقطة، وما ينال العيال. وقال أبو محمد عبد الوهاب: وعن مالك في تخفيف الخرص وترك العرايا والثنايا روايتان؛ إحداهما: أنه يترك لهم ما يأكلون وما يُعْرون (¬6)، والصواب أن يُترك لهم لمكان ما يفسد وما يذهب (¬7) من غير سببهم، وما يلتقطه غيرهم، وما يأكله المارة، وأما ما يأكلونه أو يعرونه فلا يترك لهم على القول: إن الزكاة تجب بالطيب. وأما من قال: لا تجب إلا باليبس أو الجداد فيترك لهم ذلك؛ لأنهم الآن لم يجب عليهم شيء، وأكلهم الآن وهباتهم إنما تقع فيما لم تجب فيه الزكاة. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 505. (¬2) في (م): (يزكوا الخراص). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 379. (¬4) في (ر): (يأكلون). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 266. ونصه فيه "قال ابن حبيب: وليخفَّفُ الخارصُ ويوسِّعْ على أهله لما ينتفعون وينالون من رءوس النخلِ". (¬6) انظر: المعونة: 1/ 255. (¬7) قوله: (وما يذهب) ساقط من (ر).

فصل [المراعى في خرص التمر والزيتون]

فصل [المراعى في خرص التمر والزيتون] المراعى في التمر إذا خرص وهو زهو ما يكون منه خمسة أوسق تمرًا، إذا كان ذلك النخل مما يتمر. واخْتُلِفَ فيما يكون بلحًا ولا يزهي، أو يزهي ولا يصير تمراَّ، أو ما لا يتزبب من العنب، فقيل: يخرص (¬1) كالأول لو كان يكون فيه تمر، فما بلغ خمسة أوسق وجبت فيه الزكاة وقيل: يخرص على حاله. وقال عبد الملك بن الماجشون في المبسوط في العنب الذي لا يصلح زبيبًا قال: إذا بلغ خرص عنبه خمسة أوسق أخذ منه (¬2)، وكذلك الثمار التي تكون بمنزلة العنب، والأول أصوب؛ لأنَّ غالبَ الأموالِ التي جاء الشرعُ بوجوبِ الزكاةِ فيها هي ما يكون تمرًا، وهو القدر الذي تجب الزكاة فيه، وهي الأصل؛ وإنما قيست عليها هذه فلا يحط عنها. وأما الزيتون فالمراعى فيه كيله حين خرصه، ولا ينظر إلى نقصه بعد ذلك بخلاف التمر؛ لأنه إنما يخرص بعد كماله، وطحينه حينئذٍ أحسن وأطيب؛ وليس يؤخر ذلك إلا لمكان الاشتغال (¬3) بجمع غيره، ليس لمصلحة في كمال ولا طيب. وقال محمد بن سحنون: إذا خَرَصَ ثلاثةٌ حائطًا، فقال أحدهم: خَرْصُهُ ثمانون (¬4)، وقال الثاني: تسعون (¬5) والثالث: مائة، أُخذ من قول كل خارص ¬

_ (¬1) في (م): (ينقص). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 270. (¬3) في (م): (الانشغال). (¬4) في (م): (بمائتين)، وفي (ت): (ثمانين). (¬5) في (ت): (تسعين).

فصل [في خرص العنب والنخل، وكيف إن نقص أو زاد أو أجيح]

ثُلُثُ خَرْصِه (¬1). فصل [في خرصِ العنب والنخل، وكيف إن نقص أو زاد أو أُجيحَ] واخْتُلِفَ إذا خرص الخارص ثم تبين أنه أخطأ، وأن في ذلك أكثر أو أقل، هل يكون ذلك كحكم مضى، أو يرجع فيه إلى ما تبين؟ فقال مالك في المدونة: إذا خرص الخارص أربعة أوسق فجدَّ منه خمسة، أحب إليَّ أن يؤدي زكاته (¬2)؛ لأنَّ الخراصَ اليوم لا يصيبون (¬3). وقال في كتاب محمد: فإن وجد نُقصانًا فلا يعطيهم (¬4). فرأى ذلك عليهم؛ لأنهم يتهمون، قال: وإذا زاد على ما خرص، وكان الخارصُ من أهل الأمانة والبصر، لم يكن عليه إلا ما خرص (¬5). وعلى قوله هذا (¬6) إذا وجد نقصانًا، وكان الخارصُ من أهل الأمانة والبصر (¬7)، لم يسعه أن يخرج على ما وجد من النقصان؛ بل يخرج على ما خرص عليه الخارص (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 270. ونصه: "ومن المجموعة، وكتاب ابن سحنونٍ، قال مالكٌ: إذا خرصَ خارصٌ مائة وَسقٍ، وخرص آخر فيه تسعين، وآخر ثمانين أخذ من قول كل واحدٍ ثلثه". (¬2) قوله: (زكاته) ساقط من (م). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 379. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 266. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 267. (¬6) قوله: (هذا) ساقط من (م). (¬7) قوله: (والبصر) ساقط من (ر) و (م). (¬8) قوله: (من النقصان. . . الخارص) ساقط من (ر) و (م).

وقال أشهب: إن كان في زمن العدل أخرج على ما خرص عليه زاد أو نقص، وإن كان في زمن الجور أخرج على ما وجد (¬1). وقال ابن نافع: يؤدي زكاة الزائد خرَّصَه عالم أو غير عالم (¬2). وعلى قوله لا يؤدي عن زكاة النقص إذا ثبت ذلك، وهذا أصوب. والأصل الذي فرضه الله سبحانه: أن يخرج زكاة ما يُجدُّ، وإنما جعل الخرص لئلا يحال بينهم وبين الانتفاع بأموالهم، وليس يوجب أمرًا غير ما كان قبل الخرص. فإن سرقت الثمار بعد الخرص أو أجيحت لم يكن عليه شيء، وإن أجيح بعضها زكى عن الباقي إن كان فيه (¬3) خمسة أوسق فأكثر، فإن كان أقل لم يكن عليه شيء. وإن تأخر المصدق عنه فعزل ذلك في الجرين فهلك، فلا شيء عليه، وإن أدخله بيته ضمن. وقال أشهب في كتاب محمد: إن كان هو الذي يلي إخراج ذلك للمساكين، ولم يفرط، فذلك مجزئ عنه من زكاته. وإن لم يكن هو يلي إخراج ذلك للمساكين لم يجزئه، ولم يكن عليه فيه ضمان، وعليه زكاة ما بقي إن بقي ما فيه زكاة (¬4). قال محمد: قول أشهب هو الذي نحن عليه (¬5)؛ قال: ولكن لو حمل ذلك كله إلى منزله بعد انتظار منه، حين خاف الضيعة لطول انتظاره، لم يكن عليه (¬6) ضمان (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 266. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 267. (¬3) قوله: (فيه) ساقط من (ت). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 193. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 193. (¬6) قوله: (عليه) ساقط من (م). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 193.

قال الشيخ - رضي الله عنه -: وكذلك إذا كان الجرين غير مأمون فنقله ولم ينتظر المصدق لم يضمن. والقياس إذا نقله ليوقفه (¬1) حتى يأتي المصدق أن لا ضمان عليه، وإن كان الجرين مأمونًا، وإنما ضَمَّنه مالكٌ حماية لئلا تضيع الزكاة بإدخال التأويلات فيها؛ ولأن كثيرًا ممن تجب عليهم غير مأمون. ¬

_ (¬1) في (ق 3): (ليرفعه).

باب هل تجب زكاة الثمار بالطيب، أو باليبس أو بالجداد؟

باب هل تجب زكاة الثمار بالطيب، أو باليبس أو بالجداد؟ الزكاة تجب عند مالك بالطيب، فإذا أزهى النخل وطاب الكرم وحل بيعه، أو أفرك الزرع واستغنى عن الماء، وأسودَّ الزيتون أو قارب الاسوداد، وجبت الزكاة فيه (¬1). وقال المغيرة: تجب بالخرص، ورأى أن المصدق في ذلك كالساعي في الغنم. وقال محمد بن مسلمة: تجب بالجداد. وفائدة ذلك إذا مات المالك فعلى قول مالك: إذا مات بعد الطيب تزكى على ملكه؛ لأنه مات بعد ما وجبت فيها الزكاة، فإن كان في جميعها خمسة أوسق ولم يصر (¬2) لكل وارث إلا وسق أخرجت منها (¬3) الزكاة. وقال المغيرة: تجب بالخرص (¬4)، فإن خرص عليه قبل موته فذلك ثابت على ورثته، يخرجون ذلك ثم يرثون ما بعده. وإن مات قبل أن يخرص عليه، فإنما يخرص على ورثته، فمن صار له خمسة أوسق زكَّاه (¬5). وقال محمد بن مسلمة في المبسوط: إنما تجب بعد الجذاذ، وبعد الحصاد (¬6)، وإنما قدم الخرص توسعة على أصحاب الثمار، ولو قدم رجل زكاته بعد ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 383. (¬2) في (م): (يصل). (¬3) في (ق 3): (منه). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 505. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 505. (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 505.

فصل [في زكاة الزرع الأخضر يموت صاحبه ويوصي بزكاته]

الخرص قبل الجداد لم يجزئه؛ لأنه أخرجها قبل وجوبها؛ كزكاة الفطر إذا أخرجها قبل طلوع الفجر. انتهى قوله. وقد قال مالك مرة: يترك الخارص لأصحاب الثمار لمكان ما يأكلون ويعرون (¬1)، وهذا مثل قول المغيرة: إنها لا تجب بالطيب، فلا يحسب عليهم ما خرج منها قبل اليبس بأكل أو بعارية (¬2). وتكون فائدة الخرص على هذا خيفة أن يكتم منها بعد اليبس أو بعد الجذاذ؛ لقول الله سبحانه: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141]، فالوقت الذي يجب فيه هو الوقت الذي يجب فيه إخراجه. قال: وجعل وقتها ذلك لا تؤخر عنه ولا تقدم قبله (¬3). فصل [في زكاة الزرع الأخضر يموت صاحبه ويوصي بزكاته] وقال مالك فيمن مات عن زرع وأوصى بزكاته قال (¬4): إن كان أخضر أنفذت وصيته في ثلثه (¬5)، ولا تبدَّى على الوصايا؛ لأنها ليست بزكاة (¬6)، ولا يضع ذلك الزكاة مما وصى به إذا كان في الموصى به خمسة أوسق، وإن لم يصر لكل مسكين إلا مدٌّ واحدٌ؛ لأنه إنما أبقاه على ملكه. ولا يضع ذلك الزكاة عن ورثته، فمن صار له في حظه ما تجب فيه الزكاة زكَّاه، ومن صار له دون ذلك ¬

_ (¬1) انظر: التفريع: 1/ 162. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 505. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 505. (¬4) قوله: (قال) ساقط من (ر). (¬5) في (ت): (من الثلث). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 382.

لم يكن عليه شيء (¬1). وإن أوصى زكاته بعد أن أفرك واستغنى عن الماء زكي على ملك الميت، وأخرجت الزكاة من رأس المال، ولا زكاة على الورثة، وإن صار لكل وارث من نصيبه خمسة أوسق (¬2). وإن أوصى بذلك لمعينين وهو أخضر، وكانوا يسقونه ويلون عمله (¬3)، زكي ذلك (¬4) على أملاكهم، فمن صار له في نصيبه خمسة أوسق زكَّاه (¬5). قال محمد: وكذلك النخل المحبسة على قوم بأعيانهم لا زكاة فيه إلا على من يصير له في حظه ما تجب فيه الزكاة؛ لأن المؤنة فيه عليهم كالوارث، ويلزم على هذا إذا صار له دون نصاب، وله مال سوى الحبس إذا أضاف إليه الحبس صار نصابًا (¬6)، أن يزكي جميع ذلك (¬7). وعلى أحد (¬8) القولين في المحبس عليه يموت بعد الإبار وقبل الطيب: أن لا شيء لورثته فيها. تُزكَّى هذه على ملك المحبس إذا كان في جميعها خمسة أوسق، وإن كان المحبس عليهم جماعة. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 382. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 382. (¬3) في (م): (النظر). (¬4) قوله: (ذلك) ساقط من (م). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 383. (¬6) قوله: (صار نصابًا) ساقط من (م). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 187. (¬8) في (م): (هذا).

باب في زكاة الثمار المحبسة والماشية والعين

باب في زكاة الثمار المحبسة والماشية والعين قال مالك: تؤدى الزكاة عن الحوائط المحبسة في سبيل الله، وعلى قوم بأعيانهم، أو بغير أعيانهم، وعن الإبل المحبسة في سبيل الله يحمل عليها أو على نسلها، وعن الدنانير المحبسة في سبيل الله (¬1) لتسلف (¬2)، وما كان ليفرق من الدنانير والإبل والبقر والغنم، فحال عليها الحول قبل أن تفرق، لم تؤخذ منها زكاة (¬3). قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما الحوائط فتؤخذ منها الزكاة. ويفترق الجواب في النصاب، فإن كان الحبس على قوم بأعيانهم، وكانوا هم يسقون ويلون ذلك (¬4)، نظر إلى ما ينوب كل واحد منهم، فمن بلغ نصيبه خمسة أوسق زَكَّاه، ومن كان نصيبه دون ذلك لم يزكه؛ لأنها طابت على أملاكهم، وسواء كان الحبس شائعًا أو لكل واحد منهم نخل بعينها. فإن كان ربها يسقي ويلي النظر لها (¬5)، ويقسم الثمرة، زكيت إذا كان في جملتها خمسة أوسق، وإن كانت دون ذلك وكان لصاحب الحبس نخل لم يحبسها؛ فإذا أضافها إلى الحبس بلغت خمسة أوسق زكيت بجميعها، وإن كانت حبسًا على غير معينين (¬6)، أو في سبيل الله زكيت إذا كان في جميعها خمسة أوسق. ¬

_ (¬1) قوله: (في سبيل الله) ساقط من (م). (¬2) في (ق 3): (للسلف). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 380. (¬4) قوله: (ذلك) ساقط من (م). (¬5) قوله: (النظر لها) ساقط من (م). (¬6) في (م): (معسر).

وإن كان الحبس على مسجد أو مساجد زكيت على ملك المحبس، فإن كان في جملتها خمسة أوسق زكيت، وإن لم ينب كل مسجد إلا وسق وإن مات المحبس زكيت على ملكه لو كان حيًا، وعلى هذا المذهب: أنها تزكى على ملك المحبس. وقال طاوس ومكحول فيما حبس على المساكن: لا زكاة فيه، وهذا هو القياس؛ لأنه إن قدر أنه باقٍ على ملك المحبس لم تجب فيه زكاة؛ لأن الميتَ غيرُ مخاطب بزكاة، وإن حمل على أن ملكه سقط عنه لم تجب فيه زكاة أيضًا؛ لأن المساجد غيرُ مخاطبةٍ بالزكاة، وحوزها للمسجد كحوزها للعبد إذا كان صغيرًا، أو حوز العبد لنفسه إذا كان كبيرًا؛ وإنما استسلم مالك في هذا (¬1) للعمل، ليس لأنه القياس. وأما الدراهم تحبس لتسلف، فإنها لا تزكى إذا أسلفت وصارت دينًا حتى تقبض؛ فإذا قبض منها نصاب زكي، وسواء كان الحبس على معينين أو مجهولين، وإذا كانت في ذمة المتسلف زكى عنها (¬2) من هي في ذمته، إذا كان له ما يوفي بها كسائر الديون، وإن قبضت زكيت على ملك المحبس لعام واحد. وإن كان الحبس إبلًا أو غنمًا لينتفع بألبانها وأصوافها زُكي جميعها على ملك المحبس إذا كان في جميعها نصاب، وسواء كان الحبس على مجهولين أو معينين، فإن حبس أربعين شاة على أربعة نفر، لكل واحد منهم عشرة بأعيانها، زكيت لأنه إنما أعطى المنافع، والرقاب باقية على ملكه، وهذا بخلاف حبس النخل؛ لأن النخل لا زكاة في رقابها، وإنما الزكاة في الثمار وهي المعطاة؛ فيصح أن تزكى على ملكهم، والغنم غير معطاة فزكيت على ملك المحبس، وإن ¬

_ (¬1) قوله: (في هذا) ساقط من (ر). (¬2) في (ر): (عليها).

حبسها ليؤخذ نسلها كانت الزكاة في الأمهات على المحبس، ثم ينظر في الأولاد فإن كان الحبس على معينين لم تزكَّ الأولاد مع الأمهات؛ لأن الولادةَ على ثلاثة وجوه: إما أن يكون قبل تمام الحول، فقد خرجت عن ملك صاحبها قبل الحول، فلم يصح أن تضم إلى الأمهات، أو بعد تمام الحول وقبل مجيء الساعي، فهي (¬1) في معنى ما لم يحل عليه الحول؛ لأنه لو باعها حينئذٍ لم تجب فيها زكاة الماشية، وإن أتى الساعي وهي حوامل فولدت بعد ذلك فهي محسوبة (¬2) من العام الثاني، وقد خرجت عن ملكه بالعطية، فلا زكاة فيها إلا على من صار له من المعينين نصاب، وحال عليه الحول من يوم الولادة. وإن كان الحبس على مجهولين لم تجب فيها زكاة على قول ابن القاسم (¬3)، فإن جعل شيئًا من ذلك في سبيل الله ليفرق وليس حبسًا فلم يفرق حتى حال عليه الحول، فإن كانت دنانير لم تجب فيها زكاة (¬4)، واخْتُلِفَ في الماشية فقال ابن القاسم: لا زكاة فيها (¬5). وقال محمد: فيها الزكاة (¬6)، قال: وكذلك النخل (¬7)، وفرق بينها وبين العين؛ لأن النماء في هذه موجود في حال الوقف بخلاف الدنانير. ¬

_ (¬1) في (ق 3): (فهو). (¬2) في (ت): (مجوسية). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 188. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 188. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 189. (¬6) النوادر والزيادات: 2/ 187. (¬7) النوادر والزيادات: 2/ 187.

باب في زكاة الفطر

باب في زكاة الفطر الأصل في ذلك حديث ابن عمر - رضي الله عنه - قال: "فَرَضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زَكَاةَ الفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى المُسْلِمِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ (¬1) مِنَ المُسْلِمِينَ" (¬2). وقال مالك: زكاة الفطر سُنَّةٌ (¬3)؛ يريد: لأنها أخذت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم ينزل فيها قرآنٌ. وقال في المجموعة: هي فرض بقول الله سبحانه: {وَآتَوُا الزَّكَاةَ} [التوبة: 5]، فرأى أنها داخلةٌ في عمومِ الآية (¬4) لتسمية النبي - صلى الله عليه وسلم - إياها زكاة؛ ولأن الزكاةَ وردتْ (¬5) في القرآنِ مجملةً فأبانتِ السنةُ المرادَ بها. واخْتُلِفَ في تأويل قول ابن عمر: "فَرَض. . .". فقيل معناه: قدّر قدرها، وأنها صاعٌ. وقال محمد بن عبد الحكم: المعنى: أَوْجَبَ، وهو المفهوم من كتاب مسلم؛ لأنه قال: "فرض على الناس". وفي كتاب الترمذي قال عبد الله بن (¬6) عمرو ¬

_ (¬1) قوله: (على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى صغير أو كبير) يقابله في (ق 3): (على العبدِ والحرِّ والذكرِ والأنثى والصغير والكبير). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 547، باب فرض صدقة الفطر، من كتاب الزكاة، برقم (1432)، ومسلم: 2/ 677، في باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير، من كتاب الزكاة، برقم (984). (¬3) انظر: الموطأ: 1/ 283. (¬4) في (ق 3): (الزكاةِ). (¬5) قوله: (وردت) ساقط من (م). (¬6) قوله: (عبد الله بن) ساقط من (م) و (ر).

فصل من تجب عليهم زكاة الفطر

ابن العاص: "بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُنَادِيًا فِي فِجَاجِ مَكَّةَ: أَلاَ إِنَّ صَدَقَةَ الفِطْرِ وَاجِبَةٌ عَلَى كلِّ مُسْلِمٍ" (¬1)، ثم ذَكر باقي الحديث على مثل حديث ابن عمر. واخْتُلِفَ في تأويل قول الله -عز وجل-: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 14، 15]، فقيل: تزكَّى (¬2) بزكاة الفطر، وصلى صلاة العيد (¬3). وقيل: تَزكَّى بالإسلام وصلى الخمس؛ وهذا هو الأشبه بقوله: {تَزَكَّى} وإنما يقال فيمن أدى الزكاة: زَكَّى؛ وعلى أنه ليس في التلاوة أمرٌ، وإنما تضمنت مدحَ من فعل ذلك. ويصح المدحُ على فعلِ المندوبِ. فصل من تجب عليهم زكاة الفطر أوجب النبي - صلى الله عليه وسلم - زكاةَ الفطرِ على الحرِّ، والعبدِ، والذكرِ، والأنثى، والصغيرِ، والكبيرِ. وروي عنه أنه قال: "عَمَّنْ تُمَوِّنُونَ" (¬4) وليس إسناده بذلك. وإخراج الرجل زكاته عن يمُونه على ثلاثة وجوه: واجبة، وساقطة، ومختلف فيها. فتجب عليه عمن تلزمه نفقته من الأحرار، وهم خمسة: الابن، والبنت، والأم، والأب، والزوجة (¬5). ولو استأجر حرًا بطعامه (¬6) لم يلزمه ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي: 3/ 60، في باب صدقة الفطر، في كتاب الزكاة، برقم (674). (¬2) قوله: (قد أفلح. . . تزكى) ساقط من (م). (¬3) قوله: (وصلى صلاة العيد) ساقط من (ر). (¬4) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى: 4/ 161، في باب إخراج زكاة الفطر عن نفسه وغيره ممن تلزمه مؤنته من أولاده وآبائه وأمهاته. . .، من كتاب الزكاة، برقم (7471)، ولفظه: "عن جعفر بن محمد عن أبيه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرض زكاة الفطر على الحر والعبد والذكر والأنثى ممن تمونون". (¬5) انظر: التفريع: 1/ 164، والنوادر والزيادات: 2/ 305، والتلقين: 1/ 67. (¬6) قوله: (حرًا بطعامه) يقابله في (ق 3): (أجيرًا بطعام بطن).

إخراجها عنه، ولم يدخل في عموم الحديث؛ لأن هذه مبايعةٌ (¬1)، باع منافعه بطعامه، فليس عليه سوى ما تبايع به. واخْتُلِفَ في الزوجة، فقال مالكٌ وابنُ القاسم: على الزوج أن يؤدي عنها زكاة الفطر (¬2)، وقال ابن أشرس: تؤدي من مالها عن نفسها وعن رقيقها، ورأى أن نفقته عليها من باب المعاوضة (¬3)، وهي عوض عن الاستمتاع. ويفترق الجواب في إخراجها عن عَبِيدِه على نحو ما تقدم فيمن تلزمه نفقته من الأحرار، فيخرجها عن كل عبد في يديه وتحت قهره، ولم يتعلق به حق لغير سيده، وسواء كان العبدُ ليس فيه عقدُ حريةٍ، أو كان مدبرًا، أو أم ولد، أو معتقًا إلى أجلٍ (¬4). واخْتُلِفَ في المكاتَب، والمعتق بعضه (¬5)، والمخدم، ومن جَنَى جنايةً فمرَّ يومُ الفطرِ قبل تسليمه، وتسقط عمن أبق فأيس منه، أو أُسِرَ أو غُصِبَ ويحتج في الغصب، فلا يرجو انتزاعه، ويلزم (¬6) إخراجها عمن هو في ملك غيره كعبد الأب، والأم إذا كانا فقيرين ولا غنى بهما عنه. واخْتُلِفَ في عبد الابن، والابنة، والزوجة قبل الدخول، والمخدم ولا يلزم إخراجها عن عبده الكافر، ولا عن عبد عبده وإن كان مسلمًا (¬7). وقال مالك في المدونة: يخرج السيد عن عبده المكاتب زكاة الفطر، وقيل: لا شيء على السيد، ولا على العبد (¬8). وهو أبين؛ لأنَّ السيدَ قد باعه نفسه، وإنما ¬

_ (¬1) في (م): (متتابعة). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 389. (¬3) في (م): (المتابعة). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 385. (¬5) قوله: (بعضه) ساقط من (ر). (¬6) في (م): (ويصح يلزم). (¬7) انظر: المدونة: 1/ 386، 387. (¬8) انظر: المدونة: 1/ 385.

له الآن عليه مال ولم يعجز. وقال مالك في المدونة في المعتق بعضه: يؤدي السيدُ عنه (¬1) بقدرِ ما له فيه، ويسقط ما ناب العتق (¬2). وقال أشهب: على السيد بقدر ما له فيه، وعلى العبد بقدر ما عتق منه (¬3)؛ وقال مالك في المبسوط مثل ذلك، وقال عبد الملك في كتاب محمد: على المتمسك بالرق جميع ذلك، وقال محمد بن مسلمة في المبسوط: يؤدي السيد بقدر ما له فيه (¬4) والعبد بقدر ما عتق منه، بمنزلة إذا جرح فإن لم يكن للعبد مالٌ زَكَّى السيدُ جميعَ ذلك؛ قال (¬5): لأنه لا يخرج نصفَ صاعٍ. فأسقط في القول الأول (¬6) عن العبد ما ينوب العتيق؛ لأنه في ذلك الجزء على أحكام العبيد في الجراح وفي الميراث، وألزم في القول الثاني أن يخرج عن نفسه عن الجزء العتيق؛ لأن مؤنته في ذلك الجزء على نفسه، وقد جُعلت (¬7) زكاةُ الفطرِ تابعةً للنفقةِ في غيرِ موضعٍ، ولأن له في ذلك الجزء حكم نفسه يتجر لنفسه ويصون ماله (¬8)، والجناية عليه: يؤخذ ما يخص ذلك الجزء دون من له الرق، والجناية منه: يؤدي من ماله ما يخص ذلك الجزء العتيق، والجناية والموت (¬9) والموتُ أمرٌ طارئٌ، وألزم السيد في القول الثالث جميع الزكاة قياسًا على الميراثِ؛ لأنه لو مات كان له جميعُ ميراثِه. وقول أشهب أقيس. ¬

_ (¬1) قوله: (عنه) ساقط من (م). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 307. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 386. (¬4) قوله: (فيه) ساقط من (م). (¬5) قوله: (قال) ساقط من (م). (¬6) قوله: (الأول) ساقط من (م). (¬7) في (م): (جعل الله)، وفي (ر): (جعل). (¬8) قوله: (ماله) ساقط من (م). (¬9) قوله: (عليه: يؤخذ. . . والموت) ساقط من (م) و (ر)، وقد صوبها في (ق 3) بعد أن فقرها في أولها وآخرها.

واخْتُلِفَ في المُخْدَمِ على ثلاثةِ أقوالٍ: فقال ابنُ القاسم في المدونة: زكاته على من له الرقبة (¬1)، وقال في كتاب محمد: على من له الخدمة. وقال عبد الملك ابن الماجشون: إن قلت الخدمة فعلى السيد. واخْتُلِفَ في نفقته هل هي على السيد، أو على المخدم؟ فمن جعلها على السيد جعل الزكاة عليه؛ لأنه اجتمع فيه وجهان: الملك والنفقة، ولا يختلف في ذلك؛ وإنما يدخل الاختلاف على القول: إن النفقة على من له الخدمة، فجعلت مرة على من عليه النفقة، وإن كان الملك لغيره؛ لظاهر الحديث: "عَمَّنْ تُمَوِّنُونَ" (¬2). وكونها على المالك أحسن. وقال أشهب في كتاب محمد: هو بمنزلة عبد يستأجر بنفقته، وعلى هذا يجري الجواب: إذا أوصى بخدمة عبده لرجل، وأبقى الرقبة لورثته، وكذلك إذا أوصى بالخدمة لرجل والمرجع لآخر، وجعل له المرجع من الآن، فقيل: النفقة على من له المرجع؛ وعلى هذا تكون الزكاة عليه؛ لأنه قد اجتمع فيه وجهان: الرقبة والنفقة لواحد (¬3) وقيل: تكون النفقة على من له الخدمة (¬4)، وعلى هذا يختلف هل تكون الزكاة على المخدم تابعة للنفقة، أو على من له المرجع؟ وإن جعل المرجع للموصى له بعد انقضاء الخدمة، وأبقى الرقبة ما بينه وبين انقضاء الخدمة على ملك الورثة، عاد الخلاف المتقدم في النفقة والزكاة ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 387. (¬2) سبق تخريجه، ص: 1102. (¬3) من هنا ساقط بمقدار نصف لوحة من نسخة (م). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 476.

بين الورثة والمخدم، ولا شيء على الموصى له برقبة؛ لأنه لا شيء له فيه من الآن وميراثه إن مات، وقيمته إن قتل للورثة، ولو جعل له رقبته من الآن لكان ميراثه وقيمته للموصى له به. والزكاة على العبد المرهون على سيده (¬1)؛ لأنه على ملكه وفي نفقته. وإذا كان لكل واحد من الأبوين خادم، ولا غنى بهما عنهما وهما فقيران، كان على الابن الإنفاق عليهما والزكاة عنهما إذا لم تكن الأم في عصمة الأب (¬2)، وإن كانت في عصمته وكانا يستغنيان بخادم الأب عن خادم (¬3) الأم، كان على الابن الإنفاق على الأبوين وعلى خادم الأب دون خادم الأم، والزكاة عنهم دون خادم الأم، وإن كانا يستغنيان بخادم الأم عن خادم الأب لم يكن عليه الإنفاق على الأبوين ولا على خادميهما؛ لأن الأب موسرٌ بالخادم وعليه أن يبيعها وينفق ثمنها على نفسه وعلى زوجته وخادمها؛ فإذا نفد ثمنها عادت النفقة على الأبوين والخادم على الولد. والولد يكون له الخادم على مثل ذلك، فإن كان الولد في غنى عن تلك الخادم لكونه في جملة الأب وفي عياله لم يلزم الأب النفقة على الولد ولا على خادمه؛ لأنه موسرٌ بثمنِ الخادم (¬4)، إلا بعد نفاد ثمنه، وإن لم تكن له مندوحةٌ عنه كان على الأب الإنفاق عليهما والزكاة عنهما. وقد اضطرب في هذه المسألة. وإن تزوجت البكرُ على خادمٍ بعينها وقبضتها، فإن لم تكن لها مندوحةٌ ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 387. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 264. (¬3) في (ر): (جارية). (¬4) في (ق 3): (العبدِ).

عنها كانت كخادمها التي لم تتزوج ما، فإن كانت في غنى عنها كانت زكاة الابنة على الأب، وكانت زكاة الجارية على الابنة، فلا تسقط عن الأب النفقة لمكان الخادم؛ لأن من حق الزوج أن لا تباع للإنفاق على الابنة لما كانت صداقها (¬1)، وكذلك سائرُ الصداقِ لا يسقطُ به الإنفاقُ عن الأب، وإن كانت الابنةُ فقيرةً ليس لها ما تُزَكِّي منه عنها كان في المسألة قولان: أحدهما أن الزكاةَ ساقطةٌ عنها، والآخر: إنها واجبةٌ، ويباع من الأمةِ بقدر ذلك، إلا أن يشاءَ الزوج أن يزكي عنها. واخْتُلِفَ إذا دعي الزوج إلى الدخول فامتنع ولزمه الإنفاق على زوجته، فقال ابن القاسم في المدونة: يزكي عن خادمها (¬2). وقال ابن الماجشون في مختصر ما ليس في المختصر: ليس ذلك عليه إلا بعد الدخول؛ لأنَّ الخادمَ بعد الدخول تخدمهما جميعًا، ولم يختلف في المدخول ما فيما أعلمه (¬3) أن عليه أن يزكي عن خادمها إذا كانت ممن يجب عليه أن يُخْدِمَها، لما كان عليه أن يأتي بخادم (¬4) تخدمها ويزكي عنها. وقد خفف عنه الشراء، ولعله لو لم تكن لها خادم لاشتراها ولم يستأجر. ¬

_ (¬1) في (ق 3): (صداقًا). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 389، 390. (¬3) قوله: (فيما أعلمه) ساقط من (ر). (¬4) في (ق 3): (بجارية).

باب في الفقير، هل تلزمه زكاة الفطر؟

باب في الفقير، هل تلزمه زكاة الفطر؟ اخْتُلِفَ في ذلك على ثلاثة أقوال: فقال مالك في المدونة فيمن تحل له زكاة الفطر: إنه يؤديها، قال: وإن كان محتاجًا ووجد من يُسَلِّفُه فَلْيَتَسَلَّف (¬1). وقال ابن حبيب: إذا كان عنده فضلٌ عن قوتِ يومِه أخرجها. يريد: فضلًا عن قوتِه وقوتِ عيالِه. وهذا راجع إلى ما في المدونة. وقال أبو محمد عبد الوهاب: يخرجها إذا كان لا يلحقه ضرر بإخراجها من فساد معاشه، أو جوعه، أو جوع عياله (¬2). وقال ابن الماجشون في المبسوط: الحدُّ الذي تجبُ به وتسقط من حال اليسرِ والفقر (¬3) أنه من كانت تحلُّ له سقطت عنه. وقاله مالك في كتابِ محمدٍ، قيل له: إن كانت له عشرةُ دراهم فأخرجَ زكاةَ الفطرِ أيأخذُ منها؟ فقال: أَيُخْرِجُ ويأخذُ؟! لا، إذا كان هكذا فلا يأخذ، قيل له: إذا كانت له عشرةُ دراهم، فلا يأخذ، قال: ليس لهذا حدٌّ معلوم (¬4). فأوجبها في القولِ الأولِ على الفقيرِ لظاهرِ الحديثِ، ولاتفاقِ المذهبِ على وجوبها عمن ينفق عليه من صغيرٍ أو كبير (¬5) أو عبدٍ، وإن كانا فقيرين. وألزمها في القول الثاني مع الفقرِ ما لم يؤدِّ ذلك إلى حرجٍ؛ لأنَّ الدينَ يُسْر، فإن كان رأسُ مالِه الشيءَ اللطيفَ، وله عيالٌ، كان إخراجُها مما يجحف ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 384. (¬2) انظر: المعونة على مذهب عالم المدينة: 1/ 263. (¬3) في (ق 3): (والعسرِ). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 304. (¬5) قوله: (أو كبير) زيادة من (ق 3).

به، وقد يؤدي ذلك إلى أن يتكففَ من لم يكن ذلك من شأنه، وأُسقِطت في القول الثالث عن الفقيرِ لقولِ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَغْنُوهُمْ عَنْ طَوَافِ هَذَا اليَوْم" (¬1) فمفهوم هذا: أنها مواساةٌ ممن هو غنيٌّ لمن هو يتكففُ. ولم يختلف المذهب في أنه ليس من شرطِ الغنيِّ أن يملكَ نصابًا، واخْتُلِفَ في صفةِ الفقيرِ الذي تحل له، فقيل: هو الذي تحلُّ له زكاةُ العينِ (¬2). وقال أبو مصعب: لا يُعْطَاها مَنْ أخرجها (¬3)، ولا يُعطى فقيرٌ أكثرَ منْ زكاةِ إنسانٍ؛ وهو الصَّاعُ. وهذا الظاهرُ منْ قوله: "أَغْنُوهُمْ عَنْ طَوَافِ هَذَا اليَوْم"، فكان القصدُ: غِنَاهُم ذلك اليوم، والقصدُ بما سواها من الزكواتِ ما يغنيه (¬4) عما يحتاج من النفقةِ والكسوةِ في المستقبلِ، وقد قيل: يُعْطَى ما يكونُ فيه كفافٌ لسنته؛ ولهذا قيل: إنه لا بأسَ أن يُعطى الزكاةَ منْ له نِصَابٌ لا كِفَايةَ فيه؛ ولا أعلمُهم يختلفونَ أنه لا يُعْطَى زكاةَ الفطرِ من يَمْلِكُ نِصَابًا. واختلف هل تجب على من له عبدٌ، ولا شيءَ له سواه، أو يعطاها؟ فقال مالكٌ في المبسوطِ فيمن له عبد لا يملك غيره: عليه زكاةُ الفطرِ. فرآه موسرًا بالعبد، وقال في موضعٍ آخر: لا شيءَ عليه، وقاله أشهب في مدونته، ورأى أنها مواساةٌ. وسبيلُ المواساةِ: ألا يُكَلَّفها من هذه صفته ولا يُعْطَاها من له عبدٌ على قولِ أبي مصعب، ويُعطاها على القولِ الآخر. ¬

_ (¬1) ضعيف، أخرجه البيهقي في سننه: 4/ 175، في باب وقت إخراج زكاة الفطر، من كتاب الزكاة، برقم (7528). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 362. (¬3) في (ر): (من أخذها). (¬4) في (ر): (يعينه).

واختلف هل تجب على من عليه دينٌ. فقال أشهب في مدونته: عليه أن يؤدِّيها، ورآها كزكاةِ الحرث والماشية: أن الدين لا يسقطها، وقال: ليس يمنع الدينُ من الزكاةِ إلا زكاةَ العينِ. وقال أبو محمد عبد الوهاب: يبدأ بأداء الدين، فإن فضلَ شيءٌ أدى منه الزكاة، وإن لم يفضل شيء سقطت عنه (¬1). ¬

_ (¬1) قوله: (فإن فضلَ شيءٌ أدى منه الزكاة، وإن لم يفضل شيء سقطت عنه) يقابله في (ر): (كزكاة العيد)، وبه ينتهي ما سقط من (م)، وانظر: المعونة: 1/ 214.

باب في الوقت الذي تجب به زكاة الفطر

باب في الوقت الذي تجب به زكاة الفطر اختلف في ذلك على أربعة أقوال: فقيل: تجبُ بغروبِ الشمسِ من آخرِ يومٍ من رمضانَ، وقيل: بطلوعِ الفجرِ من تلك الليلةِ، وقيل: بطلوع الشمس من يوم الفطر (¬1)، وقيل: الأمرُ فيها مترقبٌ (¬2) في جميع ذلك اليوم، وبغروب الشمس من ذلك اليوم ينختم وجوبها. وفائدة ذلك في ستة أسئلة: في الولادة، والموت، والإسلام، والبيع، والطلاق، والعتق. فعلى القول: إنها تجب بغروب الشمس من آخر رمضان، تجب على من مات بعد الغروب، وتسقط عمن توالد، أو أسلم ذلك الوقت، وتكون في البيع على البائع دون المشتري، وفي الطلاق على الزوج دون الزوجة، وفي العتق على السيد دون العبد؛ إذا كان البيع والطلاق والعتق بعد غروب الشمس. وعلى القول: إن المراعى: طلوع الفجر، تجب على من كان حيًا، أو باعَ أو طلَّقَ أو أعتقَ بعد طلوعِ الفجرِ، أو توالد أو أسلم قبل طلوع الفجر (¬3)، وتسقط ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 335. (¬2) في (م): (موقت). (¬3) قوله: (طلوع الفجر) ساقط من (م) و (ر).

عمن مات، أو طلق أو أعتق أو باع قبل، أو توالد أو أسلم بعد. وتكون الزكاة على المشتري والزوجة والعبد، وكذلك على من قال: تجب بطلوع الشمس، يراعى فيمن كان قبل أو بعد حسب ما تقدم. فأمَّا من (¬1) قال: إنها مترقبة في سائر ذلك اليوم، يراعى مثل ذلك في سائر ذلك اليوم (¬2)، وجميع هذه الأقوال (¬3) مروية عن مالك؛ إلا القول بطلوع الشمس، فإنه عن بعض أصحابه (¬4). وأخذ أشهب وأصبغ بالقول الأول، وأخذ ابن القاسم ومطرف وابن الماجشون بالقول الثاني، أنها تجبُ بطلوعِ الفجرِ (¬5)، وأما (¬6) إيجابها بغروب الشمس من آخر يوم من (¬7) رمضان فلقول ابن عمر: "فَرَضَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - زَكَاةَ الفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ" (¬8) فأول الفطر: ذلك الوقت، ولأنه لا يخلو أن يكونَ المرادُ بها الشكر منا لإكمال عدة رمضان، أو لتعقب قربة الصوم ¬

_ (¬1) قوله: (فأمَّا من) يقابله في (م): (فكان). (¬2) قوله: (يراعى. . . ذلك اليوم) ساقط من (م). (¬3) في (م): (الأقاويل). (¬4) نص الباجي في المنتقى على من قال ذلك، فقال إنه القاضي أبو محمد، وصححه ابن الجهم، وقال ابن رشد في المقدمات: 1/ 168، حكى هذا القول عبد الوهاب.، وقال الشيخ خليل في التوضيح: 2/ 363 حكاه القاضي أبو محمد عن جماعة من الأصحاب. قال: ابن الجهم: وهو الصحيح من المذهب. وأنكر بعضهم هذا القول). ولم أقف على من سمى مَن مِن أصحاب مالك -رحمه الله- قال ذلك. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 307. (¬6) قوله: (أما) ساقط من (م). (¬7) قوله: (يوم من) زيادة في (م). (¬8) سبق تخريجه، ص: 1101.

بقربة الصدقة. وأي ذلك كان، فإن ذلك يجب (¬1) بغروب الشمس، وأما مراعاةُ طلوع الفجر فلأنه الوقت الذي يفطر فيه، وهو الذي كان بالأمسِ ممنوعًا من الأكلِ فيه، فيكون معنى الفطر من رمضان: أن يدخلَ في زمنٍ لم يكن يفطر فيه، وليس المرادُ غروب الشمس من تلك الليلة؛ لأن جملةَ ليالي رمضان موضع الفطر، وقد لزم هذا الاسم ذلك اليوم، فقيل: يوم الفطر، وإن كان يوم النحر مثله يُفطر ولا يُصام، وأما الاعتبار بطلوع الشمس فلقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أَغْنُوهُمْ عَنْ طَوَافِ هَذَا اليَوْم"، وهو أبينها. ولو كان الوجه الشكر بإكمال الصوم أو بالدخول في الفطر لم يجب على من لم يتقدم له صوم من صغير أو مولود أو من أسلم قبل أن يصح منه صوم (¬2) أو مريض أو مسافر، وفي الإجماع على وجوبها على هؤلاء دليل على بطلان ما سواه، ووجه اعتبار جملة ذلك اليوم إلى الغروب فلأن وقتها موسع، ومتى أعطى فيه كان مؤديًا، ولا يكون قاضيًا إلا بغروبِ الشمسِ. واخْتُلِفَ فيمن أسلم، فقال مالك في المدونة: إن أسلم بعد طلوع الفجر من يوم الفطر استحب له أن يؤدي زكاة الفطر. وقال في كتاب ابن حبيب: إن أسلم قبل طلوع الفجر من يوم الفطر وجبت عليه زكاة الفطر. وقال ¬

_ (¬1) قوله: (فإن ذلك يجب) يقابله في (م): (فإنما تجب). (¬2) قوله: (أو من أسلم. . . منه صوم) ساقط من (م).

أشهب: إن أسلم بعد طلوع الفجر من يوم آخر (¬1) من رمضان فلا أرى ذلك لازمًا له؛ لأنه لم يصم من رمضان شيئًا، ولم يكن من أهله، وإني لأستحب ذلك له (¬2). وهذا ينتقض عليه بالصغير والمريض (¬3) والمسافر. ¬

_ (¬1) في (م): (في آخر يوم). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 308. (¬3) في (م): (بالصغر والمرض).

باب [زكاة فطر العبد المشترى]

باب (¬1) [زكاة فطر العبد المشترى] واخْتُلِفَ فيمن اشترى عبدًا شراءً فاسدًا، فقبضه فمر يوم الفطر وهو عنده، ثم رده بعد ذلك. فقال ابن القاسم: زكاته على المشتري؛ لأنَّ ضمانه منه ونفقته عليه (¬2). وقال أشهب عند ابن حبيب (¬3): إنْ مَضَى يومُ الفطرِ بعد أن فاتَ (¬4) العبد كانت زكاة الفطر (¬5) عنه على المشتري، وإن لم يفت بشيء فالفطرة على البائع (¬6). وقال ابن الماجشون: إن فسخ بيعه ورد العبد إلى سيده قبل فوته كانت فطرته على سيده، وإن مضى يوم الفطر وهو عند المشتري؛ لأنه لم يكن بيعًا، وإن فات ولم يفسخ ففطرته على مشتريه، وإن لم يفت إلا بعد الفطر. قال ابن حبيب: وكذلك لو بيع وبه عيب فَرُدَّ به أو لم يُرَدَّ فسبيله سبيل البيع الفاسد. قال الشيخ - رضي الله عنه -: وما بيع على خيار فمضى يوم الفطر وهو عند المشتري، ففطرته على البائع قولًا واحدًا، بخلاف البيع الفاسد، وإن قبله المشتري قبل غروب الشمس من آخر رمضان كانت فطرته عليه؛ ويختلف إن قبله بعد غروب الشمس، أو بعد طلوع الفجر، أو بعد طلوع الشمس حسب ما تقدم. ¬

_ (¬1) قوله: (باب) زيادة من (م). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 388. (¬3) قوله: (عند ابن حبيب) ساقط من (م). (¬4) في (م): (مات). (¬5) قوله: (زكاة الفطر) يقابله في (ق 3): (الزكاة). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 312.

باب في الوقت الذي تخرج فيه زكاة الفطر، والصنف الذي تخرج منه، ومن يتولى إخراجها إلى المساكين، وإن أخرجها ثم ضاعت قبل وصولها إليهم

باب في الوقت الذي تخرج فيه زكاة الفطر، والصنف الذي تخرج منه، ومن يتولى إخراجها إلى المساكين، وإن أخرجها ثم ضاعت قبل وصولها إليهم قال مالك: تخرج قبل الغدو إلى المصلى، ورأيت أهل العلم يستحبون أن تخرج إذا طلع الفجر قبل الغدو إلى المصلى، قال: وذلك واسعٌ قبل الصلاة وبعدها (¬1). وقوله الأول أحسن (¬2). وقد أخرج البخاري ومسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر بإخراجها قبل الخروج إلى الصلاة (¬3). واخْتُلِفَ إذا قدمها قبل وجوبها، فقال مالك في المدونة: إن أخرجها قبل ذلك بيوم أو يومين فلا بأس به (¬4). وقال محمد بن مسلمة: لا تجزئه. وقاله عبد الملك بن الماجشون في كتاب محمد. والأول أشبه، وإن علم أنها قائمة بيد من أخذها إلى الوقت الذي تجب فيه أجزأت قولًا واحدًا؛ لأن لدافعها إذا كانت لا تجزئ أن ينتزعها منه، فإذا ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 385. (¬2) في (م): (أرجح). (¬3) في (ق 3): (المصلى)، والحديث متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 547، باب فرض صدقة الفطر، أبواب زكاة الفطر، من كتاب الزكاة، برقم (1432)، ومسلم: 2/ 677، في باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير، من كتاب الزكاة، برقم (984). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 385.

فصل [الصنف الذي تخرح منه زكاة الفطر]

تركها كان كمن ابتدأ دفعها حينئذٍ، ولأنه مستغنٍ ببقائها في يديه عن طوافِ ذلك اليوم. فصل [الصنف الذي تخرح منه زكاة الفطر] واخْتَلَفَتِ الأحاديثُ في الصنفِ الذي تخرج منه ففي حديث ابن عمر أنها تخرج من صنفين: التمر والشعير (¬1). وقال أبو سعيد الخدري: "كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ" (¬2). وقال هذا البخاري: فلما جاء معاوية، وجاءت السمراء، قال: "أُرَى مُدًّا مِنْ هَذه يعدل مُدَّيْنِ" (¬3). واخْتَلَفَ المذهبُ في ذلك، فقال ابن القاسم في المدونة: يخرج من القمح والشعير، والسُّلْت، والأرز، والذرة، والدخن، والتمر، والزبيب، والأقط (¬4). وقال أشهب في كتاب محمد: يؤدي مما فرضه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الشعير، والتمر، والزبيب، والأقط، يدخل (¬5) مع الشعير القمح والسلت؛ لأنهما منه. وقال مالك في كتاب محمد في القِطْنِيَّة والتين: لا يؤدي منه، وإن كان عيشَ قومٍ (¬6). قال محمد: ولا تخرج من السويق، ¬

_ (¬1) انظر نفس الموضع من الحديث السابق. (¬2) أخرجه البخاري: 2/ 548، في باب الصدقة قبل العيد، أبواب زكاة الفطر، من كتاب الزكاة، برقم (1439). (¬3) أخرجه البخاري: 2/ 548، في باب صاع من زبيب، أبواب زكاة الفطر، من كتاب الزكاة، برقم (1437). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 391. (¬5) في (ق 3): (قال: ويكون يدخل). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 303.

فصل [في الإمام الذي تدفع له الزكاة]

وإن كان عيشَ قوم، واستشهد بحديث أبي سعيد. وقال ابن القاسم: تخرج من ذلك إذا كان عيشًا لهم (¬1). واخْتُلِفَ هل يراعى عيشه (¬2)، أو عيش البلد؟ فقال مالك في المدونة: يخرج من عيش البلد (¬3). وقال أشهب في كتاب محمد: المُراعَى ما يقوتُ به نفسه وعِياله (¬4). قال الشيخ - رضي الله عنه -: وظاهر الحديث: التوسعةُ في ذلك، وأرى أن يخرجَ كلُّ قومٍ من عَيشِهم أيَّ صِنْفٍ كان، وهو بالخيار بين أن يخرجَ من قوتِه، أو قوتِ البلدِ الذي هو به. ومن كان في سفر أخرجَ عن نفسه من الصنفِ الذي يأكلُه، أو يأكله أهلُ ذلك البلد، وأخرج أهله مما يأكلونه أو يأكله أهل بلدهم، وإن أخرج عن أهله أخرج من المصنف الذي يأكلونه، وإن أخرجوا عنه فمن الصنف الذي يأكله على الاختلاف في إخراجِ كلِّ واحدٍ منهم عن الآخر؛ لأنه نقلُ الزكاةِ. فصل [في الإمام الذي تدفع له الزكاة] ومن المدونة قال مالك: إذا كان الإمام يعدل لم يسع أحدا أن يفرق شيئًا من الزكاة، ولكن يدفع إلى الإمام زكاته (¬5). وهذا للحديث في زكاة الفطر أنها كانت تدفع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 391. (¬2) في (م) و (ر): (عيش المكفر). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 391. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 303. (¬5) قوله: (زكاته) ساقط من (م). وانظر: المدونة: 1/ 392. (¬6) لم أقف على ما يفيد ذلك، وأخرج البيهقي: (. . . قال المغيرة بن شعبة: كيف تصنع في صدقة =

وإن كان غير عدل، أو عدلًا وكان يفرط في إخراجها، لم تدفع إليه وقال أيضًا: إن كان الإمامُ يقسمها من غيرِ ضيعةٍ (¬1) كان الأمرُ إلى المزكي؛ إن شاء قسمها، وإن شاء دفعها إليه، قال: وأحب إليَّ أن يدفعها إلى المسجد مع طعام المسلمين. وقال أيضًا: أَحَبُّ إليَّ أن يُفَرِّقَها أربَابُها. وقال في المدونة: لا بأسَ أن يعطي الرجلُ صدقةَ الفطرِ عنه وعن عياله مسكينًا واحدًا (¬2). وقال أبو مصعب: لا يعطى مسكين أكثر من زكاة إنسان واحد (¬3)، وهو صاع، ولا يعطى من أخذ. وأرى ذلك؛ لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أَغْنُوهُمْ عَنْ طَوَافِ هَذَا اليَوْم" (¬4)؛ فالصاع يغنيه عن ذلك. وقال ابن القاسم فيمن أخرجها فضاعت قبل وصولها إلى المساكين: إنها تجزئه (¬5). وليس بالبين، وليس هو مخاطبا بالإخراج وإنما خوطب بالإطعام، فلا يبرأ إلا بوصول ذلك إلى من وجبت مواساته. ولو دفع ذلك إلى الإمام ¬

_ = أموالي؟ قال: منها ما أدفعها إلى السلطان، ومنها ما أتصدق بها. فقال: مالك وما لذلك، قال: إنهم يشترون بها البزوز ويتزوجون بها النساء ويشترون بها الأرضين. قال: فادفعها إليهم؛ فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرنا أن ندفعها إليهم وعليهم حسابهم) أخرجه في سننه: 4/ 115، في باب الاختيار في دفعها إلى الوالي، من كتاب الزكاة، برقم (7172). (¬1) قوله: (من غيرِ ضيعةٍ) يقابله في (ر): (صنفها). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 392. (¬3) قوله: (واحد) ساقط من (م). (¬4) سبق تخريجه، ص: 1109. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 392.

فضاعت لم يكن عليه شيء؛ لأنه وكيل له. ولو قدمها قبل وجوبها فضاعت عنده، أو عند الإمام، لم يجزئه. ولو أسلمها إلى الفقيرِ فضاعت عنده قبل يوم الفطر لأجزأه. تمَّ كتابُ الزكاة الثاني بحمد الله وحسن عونه وصلى الله على محمد نبيه وعبده (¬1). ¬

_ (¬1) قوله: (بحمد الله وحسن عونه وصلى الله على محمد نبيه وعبده) يقابله في (ق 3): (بعون الله وتأييده).

كتاب الحج الأول

كتاب الحج الأول النسخ المقابل عليها 1 - (ب) = نسخة برلين رقم (3144) 2 - (ق 5) = نسخة القرويين رقم (368/ 3)

باب في جوب الحج، وبماذا يجب، وعلى من يجب، وهل هو على الفور؟

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم كتاب الحج الأول باب في جوب الحج (¬1)، وبماذا يجب، وعلى من يجب، وهل هو على الفور؟ الحج فريضة لقول الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97]، ولقوله سبحانه: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: 27]، وهذه الآية وإن كانت في شرع إبراهيم عليه السلام، فقد توجه الخطاب علينا بها لقوله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} [النحل: 123]. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ. . ." (¬2) فذكر الحج، ولا خلاف في ذلك. واختلف في صفة الاستطاعة، فقال مالك في كتاب محمد: ذلك على قدر الناس. وقد يجد الرجل الزاد والراحلة ولا يقوى على المسير، وآخر يقوى أن ¬

_ (¬1) الحج: القصد -بفتح الحاء- والحج بكسر الحاء القوم الحجاج، والحجة بفتح الحاء الفعلة الواحدة من الحج، والحجة أيضًا اللحمة التي يتعلق بها القرط من الآذان، والحجة بالضم البرهان، والحج -بالفتح أيضًا- القطع حججته حجًا قطعته قطعًا، والحجة بالكسر أيضًا السنة. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 40. (¬2) سبق تخريجه في أول كتاب الصلاة الأول، ص: 223.

يمشي على رجليه، ولا شيء أبين مما قال الله -عز وجل-: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] (¬1). وقال عبد العزيز بن أبي سلمة وسحنون وابن حبيب: الاستطاعة زاد ومركوب (¬2)؛ والأول أحسن. والاستطاعة والوجوب على أربعة أقسام: فتارة تكون بوجود الزاد والمركوب، وتارة تكون بعدمهما، وتارة يجب بوجود أحدهما، الزاد بانفراده، أو المركوب بانفراده، فمن كان لا يستطيع المشي من موضعه أو يستطيع بمشقة فادحة، وليس معه من المال ما يكتري به ويتزود، وعيشه في المقام من وجه يتعذر عليه في سفره إلى الحج؛ لم يجب عليه إلا بالاستطاعة على الوجهين جميعًا. وإن كان يستطيع المشي، وعيشه في المقام من صنعة لا يتعذر عليه عملها في السفر والعيش منها، أو كان شأنه التكفف، وكان سفره في رفقة وجماعة لا يخشى الضيعة فيها- وجب عليه مع عدم الجميع. وإن كان يستطيع (¬3) المشي ولا صنعة له، أو له صناعة يتعذر عليه عملها في سفره، وليس شأنه التكفف- وجب عليه بوجود الزاد، والكراء عليه. وإن كان لا يستطيع المشي وله حرفة يقوم منها عيشه في سفره ذلك - وجب عليه بوجود المذكور، إلا أن يكون في حرفته فضلًا عن عيشه مما يكتري به. وقال أبو محمد عبد الوهاب: من قدر على الوصول إلى البيت من غير ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 317، والإشراف: 1/ 457، والمعونة: 1/ 315. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 317. (¬3) في (ب): (لا يستطيع).

تكلف بذلة يخرج بها عن عادته، لزمه ذلك (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما الخروج عن عادته في المشي إذا لم تكن عادته وشأنه فغير مراعى. ولم يزل الناس والصحابة والتابعون يعدون ذلك شرفًا. وكان بعضهم يحج ماشيًا وهو قادر على الركوب. وإن أراد السؤال والتكفف فيمن ليس ذلك شأنه فهو حسن. واختلف فيمن يخرج يسأل الناس، فقال مالك في مختصر ابن عبد الحكم: لا بأس بذلك. وقال أيضًا: لا أرى للذي لا يجد ما ينفق أن يخرج إلى الحج أو الغزو ويسأل الناس (¬2). يريد: فيمن كان عيشه في مقامه من غير المسألة، فيكره أن يخرج فتلزم الناس مواساته، ويتعلق عليهم (¬3) منه فرض لم يكن. والمراعى في الزاد والمركوب (¬4): ما يبلغ دون الرجوع، إلا أن يعلم أنه إن بقي هناك ضاع وخشي على نفسه؛ فيراعى ما يبلغه ويرجع به إلى أقرب المواضع، مما يمكنه التمعش (¬5) فيه. ومن كانت به زمانة أو ضرارة بصر، أو غير ذلك مما يقدر معها على الركوب، وله مال يكتري به لركوبه ومن يخدمه- لزمه الحج، وإن كان صحيحًا يقدر على المشي لزمه الحج إذا كان يقدر على أن يستأجر من يقوده، ثم هو في القدرة على العيش على ما تقدم، إن كان له مال أو كان يتكفف. ¬

_ (¬1) انظر: التلقين: 1/ 78. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 319. (¬3) قوله: (عليهم) ساقط من (ب). (¬4) في (ب): (والركوب). (¬5) في غير (ب): (التعيش).

فصل في الخلاف في أفضلية المشي راكبا أو ماشيا للحج

فصل في الخلاف في أفضلية المشي راكبًا أو ماشيًا للحج واختلف في الحج راكبًا أو ماشيًا أَيُّ ذلك أفضل؟ فاحتج من قال راكبًا أفضل: بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حج راكبًا (¬1). وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: وددت أني حججت ماشيًا (¬2). وحج حسين بن علي - رضي الله عنهما - وابن جريج والثوري ماشيًا (¬3). وأرى المشي أفضل لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - "مَا اغْبَرَّتْ قَدَمَا عَبْدٍ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَمَسَّهُ النَّارُ" أخرجه البخاري (¬4) فدخل في ذلك المشي إلى الحج والمساجد والغزو؛ لأن كل ذلك من سبل الله. وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه خرج إلى جنازة ماشيًا، ورجع راكبًا (¬5). وفي الترمذي قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: من السنة أن ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري: 2/ 552، في باب الحج على الرحل، من كتاب الحج في صحيحه، برقم (1445)، بلفظ: (حج أنس على رحل ولم يكن شحيحا وحدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حج على رحل وكانت زاملته). (¬2) أخرجه الطبري في تفسيره: 9/ 134، تفسير قوله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: 27]. (¬3) انظر: عمدة القاري شرح صحيح البخاري، للعلامة بدر الدين العيني: 9/ 130، ونصه (عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام حجا ماشيين وحج الحسن بن علي - رضي الله عنهما - خمسة وعشرين حجة ماشيا وأن النجائب لتقاد بين يديه وفعله ابن جريج والثوري). (¬4) أخرجه البخاري: 3/ 1035، في باب من اغبرت قدماه في سبيل الله، من كتاب الجهاد والسير، برقم (2656). (¬5) حسن صحيح، أخرجه أبو داود: 3/ 178، في باب الركوب في الجنازة، من كتاب الجنائز، برقم (3179) من حديث ثوبان بلفظ: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِدَابَّةٍ وَهُوَ معَ =

يخرج إلى العيدين ماشيًا (¬1). وقال مالك: يستحب المشي إلى العيدين (¬2). وقال فيمن يخرج إلى الاستسقاء: يخرج ماشيًا متواضعًا، غير مظهر لزينة (¬3). وكل هذه طاعات يستحب للعبد أن يأتي مولاه متذللًا ماشيًا ومتواضعًا غير مظهر لزينة. وقد رُئي بعض الصالحين بمكة (¬4)، فقيل له: أراكبًا جئت؟ فقال: ما حق العبد العاصي الهارب أن يرجع إلى مولاه راكبًا، ولو أمكنني لجئت على رأسي. (¬5) وأما حج النبي - صلى الله عليه وسلم - راكبًا ففيه وجهان: أحدهما: أنه كان يحب ما خفّ على أمته، ولو مشى لم يركب أحد ممن حج معه. والثاني: أنه كان قد أسن، فكان أكثر صلاته بالليل جالسًا. ¬

_ = الجَنَازَةِ فَأَبَى أَنْ يَرْكَبَهَا فَلمَّا انْصَرَفَ أُتِىَ بِدَابَّةٍ فَرَكِبَ فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ "إِنَّ الْمَلاَئِكَةَ كَانَتْ تَمْشِى فَلَمْ أَكُنْ لأَرْكَبَ وَهُمْ يَمْشُونَ فَلَمّا ذَهَبُوا رَكِبْتُ". وأخرجه الترمذي: 3/ 225، عن جابر بن سمرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اتبع جنازة أبي الدحداح ماشيًا، ورجع على فرس، في باب ما جاء في الرخصة في ذلك، من كتاب الجنائز، برقم (1014)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (¬1) حسن، أخرجه الترمذي: 2/ 410، في باب المشي يوم العيد، من كتاب العيدين، برقم (530) وقال: حديث حسن، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 499. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 512، وعزاه لمختصر ابن عبد الحكم. (¬4) قوله: (وقد رُئي. . . بمكة) ساقط من (ب). (¬5) انظر: حلية الأولياء، أبو نعيم: 10/ 145.

فصل الحج يجب في البر على الطريق المعتاد

فصل الحج يجب في البَرِّ على الطريق المعتاد الحج يجب في الَبرِّ على الطريق المعتاد، من غير غرم يغرمه لمانع طريق، فإن منع من ذلك الطريق فوجد السبيل من غيره؛ فإن كان أبعد منه لم يسقط الحج، وإن كان أوعر بأمر تدرك منه مشقة، أو كان مخوفًا من سباع أو عدو أو لصوص أو ما أشبه ذلك- لم يلزمه الحج، وإن كان المنع لغرم وكان يسيرًا لزم الحج. قال أبو محمد عبد الوهاب: إذا كان كثيرًا يجحف به لم يلزمه ذلك (¬1). وظاهر قوله إذا كان كثيرًا ولا يجحف به- لأن الكثير من الناس يختلف لاختلاف كثرة المال وقلته. والحج في البحر واجب على كل من كان في الجزائر، مثل صقلية والأندلس؛ لأنها بحار مأمونة. وكذلك إذا كان الراكب يأتي بصلواته، ولا يعطلها، ولا ينقص فروضها، فإن كان يعرض له ميدٌ يمنعه من الصلاة لم يلزمه أن يأتي بفرض فيسقط به فرضًا. ويختلف إذا كان يأتي بصلاته جالسًا، أو كان لا يجد موضعًا لسجوده لكثرة الراكب، وضيق الموضع، فقال مالك: إذا لم يستطع الركوع والسجود إلا على ظهر أخيه فلا يركبه. ثم قال: أيركب حيث لا يصلي، ويل لمن ترك الصلاة (¬2). وقال أشهب فيمن لا يستطيع الصلاة في الجمعة، إلا على ظهر أخيه: ¬

_ (¬1) انظر: المعونة، للقاضي عبد الوهاب: 1/ 315. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 252.

فصل [حج النساء]

أنه يجزئه (¬1). فهذا هو المعروف إذا كان يأتي بالبدل، وإن كان دون الأول في الرتبة أن ذلك جائزٌ، كالذي يسافر بحيث لا يجد الماء، وينتقل إلى التيمم. ومن كان قادرًا على الحج في البر فأراد أن يحج في البحر، وهو قادر على أن يأتي بصلاته على هيئتها، فإن كان إن خرج في البر -حجّ من عامه، وإن ركب (¬2) البحر لم يدرك في ذلك العام- منع من البحر على القول أن الحج على الفور. ويستحسن ألا يفعل على القول الآخر. وإن كان لا يدرك الحج من عامه إن خرج في البر خرج على أيهما أحب (¬3). فصل [حج النساء] الحج يجب على النساء بثلاثة أوجه: بوجود الزاد، والمركوب، والوليّ، فإن اجتمع ذلك وجب الحج بلا خلاف، ويفترق الجواب مع عدم ذلك. واختلف إذا كانت تستطيع المشي، وفي حجها في البحر، وفي حجها مع عدم الوليّ إذا كانت جماعة ناس لا بأس بحالهم. فأما المشي، فقال في المدونة: إذا نذرت مشيًا، وعجزت في بعض الطريق (¬4) ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 252. (¬2) في (ب): (دخل). (¬3) قوله: (وإن كان. . . أيهما أحب) في (ب) تقديم وتأخير في العبارة. (¬4) قوله: (الطريق) ساقط من (ب).

تعود ثانية. قال: والرجال (¬1) والنساء في ذلك سواء (¬2). فعلى هذا يجب عليها الحج إذا كانت قادرة على المشي؛ لأن الوفاء بحجة الفريضة آكد من النذر. وقال في كتاب محمد: لا أرى عليها مشيًا، وإن قويت عليه؛ لأن مشيهن عورة، إلا أن يكون المكان القريب من مكة. (¬3) وهذا يحسن في المرأة الرائعة والجسيمة، ومن يُنظر لمثلها عند مشيها، وأما المتجالة (¬4) ومن لا يؤبه إليها من النساء فيجب عليها كالرجل، وهي داخلة في عموم قوله تعالى: {يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج: 27]. ولقوله - صلى الله عليه وسلم - لعقبة بن عامر - رضي الله عنه - حين قال: "إِنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ إِلَى بَيْتِ الله، قال: مُرْهَا فَلْتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ" (¬5). وقد مضى ذكر هذا الحديث في كتاب النذر (¬6). وأما حجها في البحر، فقال مالك في كتاب محمد: ما لها وللبحر، البحر ¬

_ (¬1) في (ب): (والرجل). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 561. (¬3) انظر: المقدمات الممهدات: 1/ 193. (¬4) المتجالة: يقال: امرأَة قد تَجالَّتْ، تجالَّت: أَي أَسَنَّت وكَبِرَتْ، والمتجالة: هي التي لا إرب للرجال فيها. انظر: لسان العرب: 11/ 116، ومنح الجليل: 1/ 373. (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 660، في باب من نذر المشي إلى الكعبة، من كتاب جزاء الصيد، برقم (1767). ومسلم: 5/ 79، في باب مَنْ نَذَرَ أَنْ يَمْشِىَ إِلَى الكَعْبَةِ، من كتاب النذور، برقم (4339)، ومالك في الموطأ: 2/ 473، في باب فيمن نذر مشيًا إلى بيت الله فعجز، من كتاب النذور والأيمان، برقم (1010). (¬6) كتاب النذر سيأتي بعد، ص: 1651.

فصل الخلاف في الحج؛ هل هو على الفور أم لا؟

هولٌ شديدٌ، والمرأةُ عورةٌ، وأخاف أن تنكشف، وترك ذلك أحب إليّ (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: وقد وردت السنة بجواز ركوب النساء في البحر في حديث أم حرام بنت ملحان - رضي الله عنها - في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عُرِضَ عَلَيَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي مُلُوكًا عَلَى الأَسِرَّةِ أَوْ مِثْلَ المُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ، يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا البَحْرِ. فَقَالَتْ: ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَدَعَا لَهَا" (¬2). وركوب النساء البحر جائز إذا كانت في سريرٍ، أو ما أشبه ذلك، مما تستتر فيه، وتستغني به عن مخالطة الرجال عند حاجة الإنسان، وإن كانت على غير ذلك لم يجز، ومنعت. فصل الخلاف في الحج؛ هل هو على الفور أم لا؟ واختلف في الحج، هل هو على الفور، أو يجوز التراخي به بعد القدرة، فذكر البغداديون عن مالك أنه على الفور (¬3)، ولمالك في غير مسألة ما يستقرأ منه أنه على التراخي (¬4)، فقال في المجموعة، فيمن أراد الحج، ومنعه أبواه: لا يعجل عليهما في ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 319، 320، وعبارته: "ومن (المَجْمُوعَة)، قال ابن القاسمِ: نَهَى مالكٌ عن حجِّ النساءِ في البحرِ، وكره أَنْ يحجَّ أحدٌ في البحر، إلا مثلَ أهلِ الأندلسِ والذي لا يجدُ منه بُدًّا، وذكر في كتاب ابن الْمَوَّاز، وغيره، قول الله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ}. ما أسمعُ للبحرِ ذكرًا". (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 3/ 1027، في باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء، من كتاب الجهاد والسير، في صحيحه، برقم (2636)، ومسلم: 6/ 49، في باب فضل الغزو في البحر، من كتاب الإمارة، برقم (5043)، ومالك في الموطأ: 2/ 464، في باب الترغيب في الجهاد، من كتاب الجهاد، برقم (994). (¬3) انظر: عيون المجالس: 2/ 772. (¬4) انظر: المقدمات الممهدات: 1/ 193.

فصل الحج واجب على كل حر بالغ

حجة الفريضة، وليستأذنهما العام والعامين. (¬1)، فلم يره على الفور. وقال في كتاب محمد: لا يحج إلا بإذن أبويه إلا الفريضة، فليخرج وليدعهما (¬2)؛ فجعله على الفور. وقال في المرأة يموت عنها زوجها، فتريد الخروج إلى الحج: لا تخرج في أيام عدتها (¬3). وجعله على التراخي. وعلى القول الأول أنه على الفور تخرج إن كانت في العدة، وإن كان لها زوج خرجت إن أحبت، وإن كره زوجها على القولين جميعًا؛ لأن التراخي حق لها، فإن أحبت أن تبرئ ذمتها معجلًا لم يكن للزوج أن يمنعها. والحج يجب على الإنسان في عمره مرة واحدة للحديث الوارد في ذلك، وقد مضى ذكره في كتاب الوضوء (¬4). فصل الحج واجب على كل حُرٍّ بالغ الحج واجب على كل حُرٍّ، بالغ، عاقل، وساقط عن الصغير، والمجنون، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلاَثٍ: عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ. . . الحديث" (¬5). وعن العبد لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه حج بنسائه (¬6)، ولم يحج ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 321. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 321. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 47. (¬4) أنظر ذلك، ص: 10. (¬5) سبق تخريجه، ص: 751. (¬6) حج النبي - صلى الله عليه وسلم - بنسائه متفق عليه، البخاري: 1/ 113، في باب كيف كان بدء الحيض وقول =

بأمهات أولاده. وسقوط الحج عن الصبي، والعبد لا يمنع أن يأتيا به (¬1) على وجه التطوع، والأصل في ذلك في الصبي حديث السائب بن يزيد - رضي الله عنهما -، قال: "حَجَّ بِي أَبِي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَنا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ". أخرجه البخاري (¬2). وبحديث ابن عباس - رضي الله عنهما -، قال: "رَفَعَتِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: أَلِهذَا حَجٌّ؟ قَالَ "نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ" أخرجه مسلم (¬3). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "عَلِّمُوا الصَّبِيَّ الصَّلاةَ لِسَبعْ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ" (¬4). فبان بهذا أن القُرَبَ تصحُّ من الصبي الصغير، إذا كان في سن من يعقل. ¬

_ = النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هذا شيء كتبه الله على بنات آدم"، من كتاب الحيض برقم (290)، ومسلم: 2/ 870، في باب بيان وجوه الإحرام وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع والقران وجواز إدخال الحج على العمرة ومتى يحل القارن من نسكه، من كتاب الحج، برقم (1211)، وأبو داود: 1/ 554، في باب إفراد الحج، من كتاب المناسك، برقم (1782)، ولفظ أبي داود عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: (يا رسول الله أترجع صواحبي بحج وعمرة وأرجع أنا بالحج؟ فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الرحمن بن أبي بكر فذهب بها إلى التنعيم فلبت بالعمرة). (¬1) قوله: (يأتيا به) يقابله في (ب): (يأتيانه). (¬2) أخرجه البخاري: 2/ 658، في باب حج الصبيان، من كتاب الحج، برقم (1759). (¬3) أخرجه مسلم: 4/ 101، في باب صحة حج الصبي وأجر من حج به، من كتاب الحج، برقم (3317). (¬4) صحيح، أخرجه الترمذي: 2/ 259، في باب متى يؤمر الصبي بالصلاة، من أبواب الصلاة، برقم (407) قال الترمذي حديث سبرة بن معبد الجهني حديث حسن صحيح وعليه العمل عند بعض أهل العلم، وأخرجه ابن خزيمة: 2/ 102، في باب أمر الصبيان بالصلاة وضربهم على تركها قبل البلوغ كي يعتادوا بها، من كتاب الصلاة برقم (1002)، والحاكم في المستدرك: 1/ 389، في باب التأمين، من كتاب الإمامة وصلاة الجماعة، برقم (948)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

واختلف إذا كان في سن من لا يعقل، فأجاز ذلك في المدونة، وإن لمن يبلغ أن يتكلم. (¬1) وقال في كتاب محمد: لا يحج بالرضيع، وأما ابن أربع سنين وخمس سنين؛ فنعم (¬2). ولا أرى أن يصح الحج إلا ممن يعقل، وأما الرضيع فكالبهيمة. ويختلف على قوله في الصغير إذا عقد الإحرام على المجنون والمطبق، فعلى قوله في كتاب محمد: لا يحج به. وينبغي إن فعل ألا ينعقد عليه إحرام، وأجاز ذلك في المدونة، وقال في المجنون إذا أحجّه والده: هو بمنزلة الصبي في جميع أموره. (¬3) وقال في المغمى عليه يُحْرِمُ به ثم يفيق: لا ينعقد عليه ذلك الإحرام. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 398، وعبارته: (قال مالك: والصغير الذي لا يتكلم إذا جرده أبوه، يريد بتجريده الإحرام فهو محرم ويجنبه ما يجنب الكبير). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 358، وعزاه لابن المواز. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 438.

باب في الاغتسال للإحرام، والتلبية، والنية في ذلك، والحكم في الهدي فيمن معه هدي

باب في الاغتسال للإحرام، والتلبية (¬1)، والنية في ذلك، والحكم في الهدي فيمن معه هدي الغسل في الحج ثلاثة: للإحرام، ولدخول مكة، ولوقوف عرفة (¬2). وذلك على كل من عقد على نفسه الإحرام، إلا الحائض والنفساء. فإنهما لا تغتسلان لدخول مكة؛ لأنه لا يصح منهما طواف، وتغتسلان للإحرام؛ لأنه ينعقد عليهما حينئذ، ولوقوف عرفة؛ لأنه يصح منهما الوقوف. ويتدلك في الأول خاصة، ولا يتطيب في شيء منها، فمن فعل ذلك فعليه الفدية، وقال أشهب في المجموعة: لا فدية في الأول (¬3)؛ لحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ" (¬4). وذكر عن عائشة - رضي الله عنها - أنها كانت تغتسل لرمي الجمار (¬5). ¬

_ (¬1) التلبية -على وزن تفعلة- هي الإجابة، وأصل ذلك من ألب فلان بالموضوع إذا أقام به فمعنى لبيك أي إقامة بعد إقامة بين يديك، وهي أيضًا للزوم الشيء والمداومة عليه، انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 40. (¬2) قيل لعرفة عرفة لأن آدم - عليه السلام - تعرف فيها بحواء وقيل لمنى منى لأن آدم - عليه السلام - تمنى فيها بحواء. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 41. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 343. (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 104، في باب إذا جامع ثم عاد ومن دار على نسائه في غسل واحد، من كتاب الغسل في صحيحه، برقم (264)، ومسلم: 4/ 10، في باب الطيبِ لِلْمُحْرِمِ عِنْدَ الإِحْرَامِ، من كتاب الحج في صحيحه، برقم (2883)، ومالك في الموطأ: 1/ 328، في باب ما جاء في الطيب في الحج، من كتاب الحج، برقم (719). (¬5) لم أقف عليه عن عائشة - رضي الله عنها - وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال: كانوا يغتسلون إذا راحوا إلى الجمار) أخرجه في مصنفه: 3/ 403، برقم (15373).

والأصل في الاغتسال للإحرام: حديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه -، قال: "رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تجَرَّدَ لإِهْلاَلِهِ وَاغْتَسَلَ". ذكره الترمذي (¬1). وحديث أسماء - رضي الله عنها - أمرها النبي - صلى الله عليه وسلم -وكانت قد نفست-: "أَنْ تَغْتَسِلَ ثُمَّ تُهِلَّ" (¬2). ولدخول مكة حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - كان إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية، ثم يبيت بذي طوى. فإذا صلى الصبح اغتسل، ويحدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك (¬3). وذكر عنه مالك في الموطأ: أنه كان يغتسل للإحرام، ولدخول مكة ولوقوف عرفة (¬4). ويستحب أن يكون الاغتسال عند الإحرام. واختلف في الذي يغتسل بالمدينة ثم يحرم من ذي الحليفة، فقال مالك: ذلك واسع (¬5). واستحب ذلك ابن الماجشون (¬6). ¬

_ (¬1) حسن غريب، أخرجه الترمذي في سننه: 3/ 192، في باب الاغتسال عند الإحرام، من أبواب الحج، برقم (830)، وابن خزيمة: 4/ 161، في باب استحباب الاغتسال للإحرام، من كتاب المناسك، برقم (2595) وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب وقد استحب قوم من أهل العلم الاغتسال عند الإحرام وبه يقول الشافعي. (¬2) أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 322، في باب الغسل للإهلال، من كتاب الحج، برقم (701). وأبو داود: 2/ 78، في باب الحائِضِ تُهِلُّ بِالحَجِّ، من كتاب المناسك، برقم (1745). والنسائي في السنن الكبرى: 2/ 331، في باب الغسل للإهلال، من كتاب الحج، برقم (3643). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 570، في باب الاغتسال عند دخول مكة، من كتاب الحج، برقم (1498)، وأخرجه مسلم بنحوه: 4/ 62، في باب استحباب المبيت بذي طوى عند إرادة دخول مكة، من كتاب الحج، برقم (3103). (¬4) أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 322، في باب الغسل للإحلال، من كتاب الحج، برقم (702). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 394. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 323.

فصل [انعقاد الإحرام]

فصل [انعقاد الإحرام] الإحرام ينعقد بالنية والتلبية، وليس عليه أن يسمي حجًا ولا عمرة؛ قياسًا على الصلاة والصوم، فليس عليه أن يسمي ما يدخل فيه من صلاة ولا صوم، فإن سمى حجًا أو عمرة فواسع. ويختلف إذا نوى وتوجّه ناسيًا التلبية، أو نوى ولم يتوجه، فقال مالك في المدونة: إن توجه ناسيًا التلبية فهو محرم بنيته (¬1). يريد: لأنه حصل منه نية وفعل، وهو التوجه، ولم ير التلبية كتكبيرة الإحرام. وقال ابن حبيب: التلبية كتكبيرة الإحرام. وأما إن نوى ولم يتوجه فيختلف هل ينعقد عليه ما نوى قياسًا على من عقد على نفسه يمينًا أو طلاقًا بالنية من غير نطق؟ وقد اختلف عن مالك في ذلك، وهو في هذا بخلاف الصوم؛ لأنه في الصوم نية وفعل، وهو الإمساك عن الأكل والشرب، وفي الإحرام نية بغير فعل. وكذلك إن قرن، فإن النية والتلبية تكفيه، فإن سمّى الحج والعمرة فواسع، ويلزم الحج والعمرة تمتعًا (¬2) أو العمرة ثم الحج، فإن التزم الحج ثم العمرة (¬3) كان مفردًا وإن نطق بالحج ثم العمرة. نظرت، فإن كان أوجب القران بالنية معًا، أوجبتهما معًا، ثم أخذ في النطق، فنطق بالحج ثم بالعمرة كان قارنًا. وإن لم يوجب ذلك إلا بالنطق لزمه الحج وحده. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 395. عن ابن القاسم. (¬2) في (ب): (معًا). (¬3) في (ب): (والعمرة).

وقال محمد فيمن أراد أن يهل بالحج مفردًا فأخطأ، فقرن أو تكلم بالعمرة، قال: ليس ذلك بشيء، فإنما ذلك إلى نيته، وهو على حجه (¬1). يريد: لأن الزائد على ما نواه لفظ بغير نية. وقال أشهب فيمن لبّى يريد الإحرام، ولم ينو شيئًا: الاستحسان أن يكون مفردًا، والقياس أن يكون قارنًا. قال: وإن نوى شيئًا فنسي ما أحرم به كان قارنًا لا بد (¬2). قال الشيخ - رضي الله عنه -: جوابه في السؤالين على مثل أهل المدينة، أنه يخرج مرة للعمرة، ومرة للحج. فأما أهل الغرب فإنما يحرمون للحج لا يعرفون غيره، ولا يريدون إلا إياه. وقد قيل فيمن حلف بيمين، فلم يدر بماذا حلف: أن كل يمين لم يعتدِ الحالف الحلف ما لا يدخل في يمينه مع الشك. وإن شك هذا، هل أفرد أو قرن - تمادى على نية القران وحده. وإن شك، هل أحرم بعمرة أو بحج مفردًا؛ طاف وسعى لإمكان أن يكون إحرامه لعمرة. ولا يحلق لإمكان أن يكون في حج. ويتمادى على عمل الحج، ويهدي لتأخير الحلاق، وليس للقران؛ لأنه لم يحدث نية للحج، وإنما تمادى على نية تقدمت، وتلك النية كانت لشيء واحد. فإن كانت لعمرة؛ فقد تمت بالطواف والسعي، وتماديه بعد ذلك لا يكون به قارنًا. وإن كانت نيته للحج كان مفردًا، وكان ذلك الطواف له لا للعمرة؛ لأنه ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 331، وعبارته: (قال ابنُ القاسمِ: قال مالكٌ: ومَن أراد أَنْ يُهِلَّ بالحجِّ مفردًا، فأخطأ، فقرن أو تكلَّمَ بالعمرة، فليس ذلك بشيءٍ، وهو على حجِّهِ). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 331، 332.

فصل التلبية

لم يُحْدِثْ نية للعمرة. فصل التلبية التلبية عند الإحرام فمن كان راكبًا، فإذا استوت راحلته وكان توجهه بفور الركوب- لبّى، ومن كان راجلًا، فإذا توجه للذهاب. وترفع الأصوات بالتلبية لحديث السائب - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَرَنِي جِبْرِيلُ أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي وَمَنْ مَعِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتهمْ بِالتَّلْبِيَةِ" (¬1). قال مالك: ولا أعرف هذا الذي يعقر حلقه (¬2). وأما المرأة فتسمع نفسها. وتستحب التلبية على كل شرف من الأرض، وفي بطون الأودية، ودبر كل صلاة؛ فرضًا أو نفلًا. ولا بأس بذلك في المساجد التي بين مكة والمدينة؛ لأنها ليست بمعمورة. ولا بأس بذلك في المسجد الحرام ومسجد منى؛ لأنهما مواضع للحج، وذلك الشأن فيهما، ولا يرفع في غيرها من المساجد. قيل لمالك في الملَبيّ الذي لا يسكت، قال: لا ينبغي ذلك. {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 3] (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 334، في باب رفع الصوت بالإهلال، من كتاب الحج، برقم (736)، وأبو داود في سننه: 2/ 99، في باب كيفية التلبية، من كتاب المناسك، برقم (1816)، والترمذي في سننه: 3/ 191، في باب رفع الصوت بالتلبية، من أبواب الحج، برقم (829). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 19، ولفظه: (. . . لا أرى أن يصيح جدًا حتى يعقر حلقه). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 441.

واختلف في منتهى التلبية إذا كان قاصدًا لمكة، فقال في المدونة: إذا كان محرمًا بالحج لبَّى حتى يأخذ في الطواف. وإن كان في عمرة قطع إذا دخل أوائل الحرم، إلا أن يكون إحرامه من التنعيم أو الجعرانة، فيقطع إذا دخل مكة أو المسجد، وذلك واسع (¬1). ورد محمدٌ الحاجَ إلى المعتمر، فقال: إذا دخل الحرم كف عن التلبية، وسواء كان حاجًا أو معتمرًا أو قارنًا، ورد مالك في المختصر المعتمر إلى الحاج. وقال: إن لَبَّى حتى يدخل المسجد فواسع. (¬2) قال الشيخ - رضي الله عنه -: لا فرق في ذلك بين الحج والعمرة، وينبغي أن يلبي حتى يتلبس بما أجاب إليه؛ لأن التلبية إجابة بما دعي إليه، وقد سلموا أنه لا يجتزئ بذلك عند الميقات ويسكت. وإذا كان ذلك أمر المعتمر أن يكون على تلبية حتى يأخذ في الطواف، كما أمر من كان في حج أن يكون في تلبيته حتى يتلبس بما أجاب إليه، وهو الوقوف على المستحسن من المذهب. ومن نسي التلبية حتى فرغ من حجِّه إلى عمرته كان عليه الهدي. واختلف إذا ابتدأ بالتلبية ثم قطع، هل يكون عليه دم أو لا. فإن تمادى بعد أن ابتدأ بالتلبية على التهليل والتكبير أجزأه، ولم يهد. ¬

_ (¬1) انظر المدونة: 1/ 397. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 333.

فصل [في موضع تقليد الهدي]

فصل [في موضع تقليد الهدي] ومن كان معه هدي قلده أو أشعره من حيث يحرم. ومن أتى ذا الحليفة، وميقاته الجحفة (¬1) كان بالخيار بين أن يُقَدِّم الإحرام والتقليد والإشعار من ذي الحليفة، أو يؤخر الجميع إلى الجحفة، ولا ينبغي أن يقدم أحدهما الآن، ويؤخر الأخرى إلى الجحفة، وإن لم يكن معه هدي كان له أن يعجِّل الإحرام من ذي الحليفة. فصل الهدي ثلاثة: إبل، وبقر، وغنم الهدي ثلاثةٌ: إبلٌ وبقرٌ وغنمٌ، وعلاماته ثلاثةٌ؛ تقليدٌ وإشعارٌ وتجليلٌ. الإبل تقلّد وتشعر وتجلل، والبقر تقلد ولا تشعر، والغنم لا تقلد ولا تشعر، وهذا قول مالك في المدونة (¬2). واختلف في إشعار الإبل إذا لم يكن لها أسنمة، وفي إشعار البقر كانت لها أسنمة أم لا، وفي تقليد الغنم، فقال مالك في المدونة في الإبل: تشعر جملة (¬3). ولم يفرق. ¬

_ (¬1) الجحفة: بضم الجيم ووقف الحاء غير منقوطة هي الميقات وكان اسمها في الجاهلية مهبعة فسكنها قوم فأتاها السيل فاجتحفهم أي أهلكهم فسميت الجحفة بذلك. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 42. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 456. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 442.

وقال في كتاب محمد: وإن لم يكن لها أسنمة لم تشعر. وقال في البقر: إن كانت لها أسنمة تشعر. وهذا خلاف قوله الأول. وقال ابن عمر - رضي الله عنهما - وابن شهاب: البقر تشعر، وإن لم يكن لها أسنمة، لعموم الحديث (¬1). وقال ابن حبيب: الغنم تقلد (¬2). وأرى أن تشعر الإبل وإن لم يكن لها أسنمة؛ لعموم الحديث. وكذلك البقر؛ لقول ابن عمر - رضي الله عنه -؛ لأنه صاحب، وقد أهدى النبي - صلى الله عليه وسلم - البقر (¬3) وهو مشاهده، ومحمل قوله أنها أشعرت، ولو لم تشعر لم يقل ذلك. وأرى أن تقلد الغنم؛ لحديث عائشة - رضي الله عنها -، "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَلَّدَ الغَنَمَ". أخرجه البخاري ومسلم (¬4). وتقلد الإبل نعلين، ولا بأس بالنعل الواحدة، وقال ابن حبيب: ومن لم ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 442. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 442. (¬3) قوله: (البقر) ساقط من (ب). والحديث صحيح، أخرجه الدارمي في سننه: 2/ 88، في باب البقرة تجزئ عن البدنة، من كتاب المناسك، برقم (1904)، والبيهقي في السنن الكبرى: 4/ 353، في باب القارن يهريق دما، من كتاب الحج، برقم (8559)، وفي الصحيحين بلفظ (ضحى) بدلًا من (أهدى)، أخرجه البخاري: 1/ 113، في باب كيف كان بدء الحيض وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (هذا شيء كتبه الله على بنات آدم)، من كتاب الحيض، برقم (290)، ومسلم: 2/ 911، في باب جواز العمرة في أشهر الحج، من كتاب الحج، برقم (1241). (¬4) متفق عليه، البخاري: 2/ 609، في باب تقليد الغنم، من كتاب الحج، برقم (1615)، ومسلم: 2/ 957، في باب استحباب بعث الهدي إلى الحرم لمن لا يريد الذهاب بنفسه واستحباب تقليده وفتل القلائد. . .، من كتاب الحج، برقم (1321).

يجد نعلين، فليقلد ما شاء (¬1). وكان ابن عمر - رضي الله عنهما - يقلد أذن مزادته (¬2). واستحب مالك أن يعلق ذلك مما أنبتت الأرض (¬3). وقال ابن حبيب: تجعل القلائد مما شئت (¬4). وهو أحسن؛ لحديث عائشة - رضي الله عنها -، قالت: "فَتَلْتُ قَلاَئِدَ هَدْي (¬5) رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ عِهْنٍ" (¬6). واختلف في أي الجانبين يكون الإشعار، فقال مالك في المدونة: في الأيسر (¬7)، وقال في المبسوط: يستحب في الأيسر، ولا بأس بالأيمن (¬8). قال الشيخ - رضي الله عنه -: الأيمن أحسن؛ لحديث ابن عباس في: "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَشْعَرَ نَاقَتَهُ فِي صَفْحَةِ سَنَامِهَا الأَيْمَنِ وَقَلَّدَهَا نَعْلينِ". أخرجه مسلم (¬9). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 442. (¬2) قوله: (يقلد أذن مزادته) يقابله في (ب): (أخذ من أذنه). قلت: المزادة: هي التي يحمل فيها الماء، وهي ما فُئم بجلد ثالث بين الجلدين ليتسع. انظر: لسان العرب: 3/ 198. وانظر الأثر في مصنف ابن أبي شيبة: 3/ 419. (¬3) انظر: المنتقى: 3/ 548. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 442. (¬5) قوله: (هدي) ساقط من (ب). (¬6) متفق عليه، البخاري: 2/ 610، باب تقليد الغنم، في كتاب الحج، برقم (1618)، ومسلم: 2/ 957، باب استحباب بعث الهدي إلى الحرم لمن لا يريد الذهاب بنفسه واستحباب تقليده وفتل القلائد. . .، في كتاب الحج، برقم (1321). (¬7) انظر: المدونة: 1/ 456. (¬8) انظر: المنتقى: 3/ 549. (¬9) أخرجه مسلم: 2/ 912، في باب تقليد الهدي وإشعاره عند الإحرام، من كتاب الحج، برقم (1243).

فصل [في تجليل الهدي]

قال مالك: وتشعر عرضًا (¬1). وقال ابن حبيب: طولًا (¬2). فصل [في تجليل الهدي] ويجلل الهدي بعد الإشعار، والجلال على قدر السعة، قال ابن حبيب: فمنهم من يجلل الوشي، ومنهم يجلل الحبر، والمشطب، والقباطي، والأنماط، والملاحف والأزر (¬3). قال مالك في كتاب محمد: ويشق على الأسنمة إذا كانت قليلة الثمن لئلا تسقط، وما علمت مَنْ تَرَكَ ذلك إلا ابن عمر - رضي الله عنهما -، استبقاء للثياب؛ لأنه كان يجلل الحلل المرتفعة، وكان لا يجلل حتى يغدو من منى (¬4). وروي عنه: أنه كان يجلل بذي الحليفة، فاذا مشى ليلةً نزعه، وإذا قرب من الحرم جللها، وإذا خرج إلى منى جللها، وإذا كان النحر نزعه (¬5). وقال مالك في الموطأ: أما الجلال؛ فينزع لئلا يخرقه الشوك، وأما القباطي؛ فتترك عليها لأنها جماد (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 456. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 441. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 440. قلت: القباطي جمع قُبْطِيَّة، ثياب كتان بيض رِقاق تعمل بمصر، وهي منسوبة إِلى القِبْط، والأنماط: ضرب من البُسُط له خَمْل رقيق واحدها نمَط، وثوبٌ مُشَطَّبٌ فيه طَرائق. انظر: لسان العرب: 7/ 373، 7/ 417، 1/ 496. (¬4) أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 380، باب العمل في الهدى حي يساق، في كتاب الحج برقم (850). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 441، 440. (¬6) لم أقف عليه في الموطأ.

واختلف أي ذلك يقدم: الصلاة أو التقليد أو الإشعار؟ فقال مالك في المدونة: تقلد، ثم تشعر، ثم يدخل المسجد فيصلي (¬1). وقال في المبسوط: يركع ثم يقلد ثم يشعر. وهو أحسن؛ لحديث ابن عباس - رضي الله عنهما -، وقد تقدم (¬2) والتقليد والإشعار قبل الإحرام، إذا كان الهدي تطوعًا، أو كان عن تمتع، أو قران مضى، وعن عام فرط. فإن تمتع بعمرة لم يقلد، ويشعر قبل أن يحرم بالحج؛ لأن دم المتعة لم يجب قبل الإحرام، وإيجابه قبل الإحرام تطوع، والتطوع لا يجزئ عن واجبه. واختلف إن فعل وقدم الإشعار والتقليد قبل الإحرام، فقال أشهب وعبد الملك: لا يجزئه. وقال ابن القاسم: يجزئه (¬3). وكذلك القران لا يوجب الهدي عند التقليد قبل أن يحرم بالقِرَانِ، فإن فعل؛ لم يجزئه على قول أشهب وعبد الملك، وأجزأه على قول ابن القاسم. وفي كتاب الحج الثاني من المدونة: إذا أهدت امرأة هديًا تطوعًا، وهي معتمرة، ثم حاضت قبل أن تطوف، فأردفت الحج وصارت قارنة: أنه يجزئها ذلك الهدي عن دم القران (¬4). وكذلك الرجل يعتمر، ثم يردف الحج قبل الطواف، وكان قد قلد هديًا قبل ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 422. (¬2) أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 380، باب العمل في الهدى حين يساق، في كتاب الحج برقم (850). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 422. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 441.

فصل [في لباس المحرم وتطييببه]

أن يقرن، فإن هو طاف وسعى للعمرة، ثم أخّر نحر الهدي لينحره عن التمتع؛ كان فيه قولان: فقال مرة: يجزئه عن دم القران. ومرة قال: لا يجزئ (¬1). وكل هذا راجع إلى التقليد والإشعار، هل يجب به الهدي أم لا؟ وهذا فيما سوى الغنم، فإنها تجب على قول مالك بالنية والسوق، أو بالنية بانفرادها وإن لم تسق (¬2)؛ لأنها لا تقلد ولا تشعر، فلم يبق إلا النية. فصل [في لباس المحرم وتطييببه] ومن المدونة قال مالك: أكره المفدم (¬3) بالعصفر للنساء والرجال أن يحرموا فيه؛ لأنه ينتفض. وكرهه للرجال في غير الإحرام (¬4). قال الشيخ - رضي الله عنه -: يستحب للمحرم لباس البياض، وهو في المصبوغ على ثلاثة أوجه: جائز إذا اخضر وازرق، أو ما أشبه ذلك. وممنوع إذا كان بالورس (¬5)، أو الزعفران، أو ما أشبه ذلك مما هو طيب، ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 403. (¬2) في (ب): (تشعر). (¬3) المفدم -بضم الميم وفتح الفاء والدال- ويقال: المفدم بضم الميم وتسكن الفاء وفتح الدال وتخفيفها وهو الثوب الذي قد أشبع في العصفر أو شبهه من الأصبغة حتى صار ثخينًا ثقيلًا، ومنه الفدم من الرجال وهو الأبله الجاهل. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 40، وقال في لسان العرب: 12/ 450، (المُفْدَم من الثياب المُشْبَع حمرة). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 395. (¬5) الورس: صبغ إلى الصفرة، وفيه رائحة طيبة. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 44، وقال في لسان العرب: 6/ 254، (الورس: نبتٌ أصفر، إِذا أَصاب الثوبَ لَوَّنَه).

فإن فعل افتدى. ويجوز إن كان معصفرًا غير مفدم. وكره المفدم لأنه ينتفض، وقال أشهب في المجموعة: لا فدية عليه إن فعل، ولم يره من الطيب المؤنث (¬1). ولا بأس بما كان مصبوغًا بورس أو زعفران إذا غسل حتى ذهب لونه، وإن ذهبت الرائحة وبقي اللون كره، ولا فديه فيه؛ لأنه لم يكن ممنوعًا لعينه وإنما ذلك لريحه؛ لأنه طيب. ولا يحرم في ثوب فيه رائحة الطيب، وإن لم يكن فيه عين الطيب، قال محمد: إن كثرت الرائحة افتدى (¬2). وهذا صحيح؛ لأن المنع ألا يتطيب، والمراد من الطيب ريحه، ولو جعل في ثوبه طيبًا قد قدم وذهب ريحه لم تكن فيه فدية. وقال مالك في كتاب ابن المواز: ولا ينام على مصبوغ بورس ولا زعفران، فإن فعل افتدى، إلا أن يغشيه بثوب كثيف (¬3). يريد: لأن الجلوس عليه لباس. ولو كان ثوبًا كثيفًا، وظهر ريحه بعد ذلك، وعلق بجسمه ريح لافتدى. قال مالك: ولا بأس بالمزعفر لغير المحرم، وكنت ألبسه (¬4). ¬

_ (¬1) المؤنث من الطيب، هو طِيبُ النساءِ مثل الخَلُوق والزَّعْفران وما يُلَوِّنُ الثيابَ، وأَما ذُكورةُ الطِّيبِ فما لا لَوْنَ له مثلُ الغالية والكافور والمِسْكِ والعُود والعَنْبَر ونحوها من الأَدهان التي لا تُؤَثِّر. وقال العدوي في حاشيته: الطّيب المذكّر ما ظهر لونه وخفي ريحه كالورد، ومؤنّثه عكسه كالمسك. انظر: لسان العرب: 2/ 112، وحاشية العدوي: 1/ 693. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 343. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 343. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 18/ 195.

وقال: في الحديث في النهي "أَنْ يَتَزَ عْفَرَ الرَّجُلُ" (¬1): هو أن يلطخ جسده بالزعفران. قال: وقد روي عنه - صلى الله عليه وسلم - "أنَّهُ كَانَ يَصْبغُ ثِيَابَهُ كُلَّهَا وَالعِمَامَةَ بِالزَّعْفَرَانِ" (¬2). قال الشيخ - رضي الله عنه -: الحديث في المحرم ألا يلبس شيئًا مسه ورس ولا زعفران، دليل على جوازه لغير المحرم؛ لأنه لو كان ممنوعًا في الجملة لم يخص به المحرم، وإنما يذكر في ذلك ما يشترك فيه حكم المحرم من غيره. والمرأة كالرجل في اجتناب الطيب، والصغير كالكبير في الإحرام؛ فيجرد، ويجنب لباس المخيط، ويحسر عن رأسه، ويجنب لباس الخفين والشمشك. قال مالك في المدونة: ولا بأس أن يحرم بهم وفي أرجلهم الخلاخل، وعليهم الأسورة (¬3). ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم: 5/ 2198، باب التزعفر للرجال، كتاب اللباس في صحيحه، برقم (5508)، ومسلم: 3/ 1662، باب نهي الرجل عن التزعفر، كتاب اللباس والزينة في صحيحه، برقم (1662). (¬2) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه: 5/ 160، في باب الثياب الصفر للرجال، من كتاب العقيقة، برقم (24749). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 400.

باب في إفراد الحج والتمتع والقران

باب في إفراد الحج والتمتع والقران ومن المدونة قال مالك: إفراد الحج أحب إلي (¬1)، وقال أشهب: فإن لم يفرد فالقران أولى من التمتع، إلا أن يكون قدومه وقد بقي بينه وبين الحج طول يشتد عليه القيام، فالتمتع أولى من الإفراد (¬2). قال الشيخ - رضي الله عنه -: التمتع أولى من الإفراد والقران إن لم يشتد ذلك عليه؛ للحديث والقياس. فأما الحديث فيه: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْي فَلْيَحِلَّ، وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً، قالوا: يَا رَسُولَ اللهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلأَبدِ؟ قَالَ: بَلْ لِلأَبدِ. ثُمَّ قَالَ: لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الهَدْيَ، وَلجَعَلْتُهَا عُمْرَةً". اجتمع عليه البخاري ومسلم (¬3). فتضمن الحديث ثلاثة أوجه: أحدها: أمره - صلى الله عليه وسلم - أن ينتقلوا من غير التمتع إلى التمتع، ومعلوم أنه لا ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 394. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 365، وعبارته: "ومن (المجموعة)، قال أشهبُ: عن مالكٍ: أما من قدم مكة مرافقًا للحجِّ، فالإفراد له أحب إليَّ، وأما من قدم، وبينه وبين الحج طولُ زمانٍ يشتدُّ عليه، فردَ الإحرام، ويُخاف على صاحبه، فله الصبر، فالتمتع له أحب إلي، ومن قدم مقارنا، ولم يشأ الإفراد، فالقِران له أحب إلي من التمتع". (¬3) متفق عليه، بنحوه، البخاري: 2/ 594، في باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت وإذا سعى على غير وضوء بين الصفا والمروة، من كتاب الحج في صحيحه، برقم (1568)، ومسلم: 2/ 883، في باب بيان وجوه الإحرام وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع والقران وجواز إدخال الحج على العمرة ومتى يحل القارن من نسكه، من كتاب الحج، برقم (1216).

فصل [في القران وإرداف الحج والعمرة]

ينقلهم من أفضل إلى أدنى. والثاني: أن إحرامه ومحله غير التمتع لم يكن بتوقيف من الله تعالى لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الهَدْيَ، وَلجَعَلْتُهَا عُمْرَةً" ولا يقول ذلك فيما فعله بتوقيف من الله. والثالث: أن إخباره أن هذا أفضل مما كان فيه، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لمَا سُقْتُ الهَدْيَ، وَلجَعَلْتُهَا عُمْرَةً". وأما القياس فإنه لا يختلف أن قربتين أفضل من واحدة، وأن التمتع قد يقرب بقربتين؛ لأن جميعهما مكتوب له، وأن المفرد لم يأت إلا بقربة. وبان بهذا أيضًا: أن المتمتع أفضل من القارن؛ لأن القارن لا يأتي إلا بعمل واحد. فصل [في القران وإرداف الحج والعمرة] يصح أن يؤتى بالقران في عقد واحد وفي عقدين إذا تقدم عقد العمرة ثم أردف الحج، ولا يصح إذا تقدم عقد الحج إرداف العمرة عليه. وإرداف الحج على العمرة (¬1) يصح إذا لم يعمل من عمل العمرة شيئًا، واختلف إذا شرع في عملها، ولم يتحلل منها على أربعة أقوال: فقال أشهب في كتاب محمد (¬2): إذا شرع في الطواف ولو شوطًا لم يردف الحج (¬3). ¬

_ (¬1) قوله: (الحج على العمرة) يقابله في (ب): (العمرة على الحج). (¬2) قوله: (محمد) ساقط من (ب). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 368.

وقال ابن القاسم: يرتدف إذا كان في الطواف (¬1). واختلف قوله إذا أتمّه ولم يركع: أيرتدف، أم لا؟ فإن أتمّه وركع لم يرتدف (¬2). وذكر (¬3) أبو محمد عبد الوهاب أنه يرتدف، وإن كان في السعي ما لم يتم، ويفرغ منه (¬4). وإذا كان الحكم أن يكون قارنًا فإنه لا فرق عند ابن القاسم بين أن يتمادى فيما كان فيه من عمل العمرة، أو يقطعه، وكذلك إذا كان الحكم ألا يكون قارنًا. وقال أشهب في كتاب محمد: إن تمادى في طوافه لم يكن قارنًا، فإن قطع بعض التمادي؛ كان قارنًا (¬5). والأول أحسن، والمراعى وقت العقد، فإن كان ساقطًا لم يوجبه قطع التمادي، وإن كان ثابتًا لم يبطله ما حدث بعده من عمل. ومن أردف الحج من الحل طاف طواف القدوم إذا دخل مكة، وإن كان إردافه بعد أن دخل الحرم لم يطف، وأَخَّرَ ذلك حتى يرجع من عرفات؛ لأنها حل. واختلف إذا لم يصح إرداف الحج على العمرة، أو العمرة على الحج: هل يجب القضاء؟ ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 368. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 416. (¬3) في (ب): (قال). (¬4) انظر: المعونة: 1/ 358. (¬5) انظر: التفريع: 1/ 217.

فصل [فيما يجب على من تمتع بالعمرة إلى الحج]

فقال مالك: لا قضاء عليه (¬1). وذكر أبو محمد عبد الوهاب في هذا الأصل قولين: أحدهما: أن عليه القضاء. والثاني: لا قضاء عليه وهو أحسن (¬2). والأول أحسن؛ لأنه فاسد رد من أصله، وهو أعذر من مرضه؛ لأنه كان عقدًا صحيحًا فعرض له ما منع من تمامه، وهو المرض. فصل [فيما يجب على من تمتع بالعمرة إلى الحج] التمتع بالعمرة إلى الحج يوجب الهدي بأربعة شروط، وهي: أن يأتي بالعمرة في أشهر الحج، ثم يحج من عامه قبل أن يعود إلى بلده، أو إلى ما هو في البعد مثل بلده، وتكون العمرة مقدمة على الحج. فإن كانت العمرة قبل أشهر الحج ثم حجّ من عامه، أو كانت في أشهر الحج ولم يحج من عامه ذلك، أو حج فيه بعد أن رجع إلى بلده أو إلى موضع هو في البعد مثل بلده، أو لم يرجع وكانت العمرة بعد الحج في ذي الحجة من ذلك العام لم يكن متمتعًا. وفي كتاب محمد: إذا حل من العمرة ثم خرج إلى قدر مسافة بلده، قال: إن كان ذلك إلى أفق غير الحجاز، مثل الشام أو مصر أو العراق فذلك يجزئه، ويسقط عنه الدم (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 399. (¬2) قوله: (والثاني: لا قضاء عليه. وهو أحسن) زيادة من هامش (ق 5)، وأشار إلى أنها من نسخة صحيحة. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 366.

ولا أعلم لهذا وجهًا، وإذا رجع إلى مثل بلده فالحجاز وغيره سواء. وقال محمد فيمن دخل مكة في أشهر الحج بعمرة، وهو يريد سكناها، ثم حج من عامه: أنه متمتع، ولعله أن يبدو له، فعليه الهدي (¬1). والصواب في هذا أنه غير متمتع؛ لأنه من ساكني الحرم، ومحمله على نيته في الإقامة حتى يحدث نية السفر، ولو أحدث نية السفر (¬2)، وألا يقيم لم يكن متمتعًا؛ لأن هذه نية حدثت بعد صحة النية الأولى. وقال مالك فيمن له أَهْلٌ بمكة وأَهْلٌ ببعض الآفاق، فقدم مكة معتمرًا في أشهر الحج، قال: هذا من مشتبهات الأمور، والاحتياط في ذلك أعجب إليَّ (¬3). وقال أشهب في كتاب محمد: إن كان يأتي أهله بمكة منتابًا فعليه الهدي، وإن كان سكناه بمكة ويأتي التي بغير مكة منتابًا فلا هدي عليه (¬4). وهذا صحيح، ولم يتكلم مالك على مثل هذا، وإنما جاوب فيمن (¬5) يكثر المقام بالموضعين. ومن أتى بعمرة في رمضان فَأَهَلَّ هلال شوال بعد طوافه وسعيه وقبل حلاقه- لم يكن متمتعًا، فإن كان بقي عليه شيء من السعي كان متمتعًا، وهو قول مالك (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 413. (¬2) قوله: (ولو أحدث نية السفر) ساقط من (ب). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 409. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 365. (¬5) في (ق 5): (فيمن كان). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 418.

ويصح أن يُقال: إذا لم يبق إلا الشوط والشوطان من السعي أن ليس بمتمتع؛ لأن اليسير في حيز اللغو. وقال فيمن قدم معتمرًا، وحل في غير أشهر الحج، ثم أنشأ عمرة أخرى في أشهر الحج: إنه متمتع (¬1). وفيمن قدم قارنًا في غير أشهر الحج، فطاف وسعى قبل أن يهلّ هلال شوال: إنه متمتع (¬2). والقياس في هذا: أنه ليس بمتمتع؛ لأن طوافه وسعيه للعمرة والحج، وقد انقضت عمرته، وإنما بقيت عليه أعمال الحج خاصة. ولا شركة للعمرة في شيء مما بقي عليه من الوقوف ورمي وطواف للإفاضة، إلا الحلاق خاصة، فإنه لهما، فقد قال فيمن قدم مراهقًا وهو قارن، ورمى جمرة العقبة: إنه يحلق، وإن لم يكن طاف (¬3). وقال ابن الجهم: يؤخر الحلاق حتى يطوف ويسعى (¬4)؛ لأنه لم يطف للعمرة بعد، ولم يبح له أن يحلق قبل أن يطوف للعمرة. فإذا طاف بعد الرمي وسعى حل له الحلاق والسعي. وهذا هو القياس (¬5)، فإذا منع هذا الحلاق لأن العمرة لم يأت ¬

_ (¬1) انظر: الموطأ: 1/ 344، برقم (765) (¬2) انظر: المدونة: 1/ 406. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 421، وعبارته: (قلت لابن القاسم: أرأيت من دخل مكة معتمرا مراهقا فلم يستطع الطواف بالبيت خوفا أن يفوته الحج، فمضى إلى عرفات وفرض الحج فرمى الجمرة، أيحلق رأسه أم يؤخر حلاق رأسه حتى يطوف بالبيت لمكان عمرته في قول مالك؟ قال: قال مالك: هذا قارن وليحلق إذا رمى الجمرة ولا يؤخر حتى يطوف بالبيت). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 413، وعبارته: (وذهب ابنُ الجهمِ، إلى أَنَّه إن كان قارنًا، فلا يحلق بعدَ الرميِ، حتى يطوفَ، ويسعَى). (¬5) قوله: (وهذا هو القياس) ساقط من (ب).

عملها بعد، فكذلك إذا قدم الطواف والسعي قبل أن يهلّ شوال؛ لأن العمرة قد انقضت، ولم يبق إلا الحلاق، فإن وطئ قبل الوقوف بعرفة فسد الحج وحده. وإن تمتع أهل مكة وأهل ذي طُوى لم يكن عليهم دم. قال إسماعيل القاضي: الأصل في هذا القصر؛ لأنه لا يقصر حتى يجاوز ذي طوى. وقد اختلف فيمن سواه ممن قربت داره، كأهل منى وعرفة ومر الظهران، فقال مالك: عليهم الدم (¬1). وقال ابن حبيب: القرى المجاورة لمكة مثل مر ظهران وضجنان (¬2) والنخلتان وعرفة والرجيع، وما لا تقصر فيه الصلاة لا متعة لهم، فأما ما بعد مما تقصر فيه الصلاة- عليهم هدي التمتع (¬3)، هكذا روى ابن عباس. قال: فهو مذهب مالك (¬4) وأصحابه (¬5). فرأى أن من كان على ما لا تقصر فيه الصلاة داخل في حاضر المسجد. وقد اختلف في ذلك، فقيل: من كان دون المواقيت إلى مكة. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 400، 401. (¬2) قوله: (وضجنان) ساقط من (ب). وفي معجم البلدان: 3/ 453، (ضجنان -بالتحريك ونونين- قال أبو منصور: لم أسمع فيه شيئا مستعملا غير جبل بناحية تهامة يقال له: ضجنان، ولست أدري مم أخذ، ورواه ابن دريد بسكون الجيم، وقيل: ضجنان جبيل على بريد من مكة، وهناك الغميم في أسفله مسجد صلى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وله ذكر في المغازي وقال الواقدي: بين ضجنان ومكة خمسة وعشرون ميلا). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 366. (¬4) قوله: (مالك) ساقط من (ب). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 366.

وقيل: من كان على ما لا تقصر فيه الصلاة مثل ما حكى ابن حبيب. والقياس في أهل منى وعرفة: ألا هدي عليهم إن أحرموا بالحج من مكة قبل أن يرجعوا إلى أوطانهم؛ لأن هؤلاء زادوا ولم ينقصوا، وقد كان لهم أن يؤخروا الإحرام حتى يرجعوا إلى أوطانهم، ولا يكون عليهم دم المتعة إن أحرموا بالحج. فصل [في تمتع وقران أهل مكة] ولم يختلف المذهب في أهل مكة يتمتعون ألّا دم عليهم، واختلف إذا قرنوا، فقال مالك: لا دم عليهم (¬1). وقال عبد الملك بن الماجشون: عليهم الهدي؛ لأنهم أسقطوا أحد العملين بخلاف التمتع (¬2)، وهو أحسن، وإسقاط أحد العملين يستوي فيه المكي وغيره. واختلف في جواز التمتع بالعمرة لأهل مكة وغيرهم من أهل الآفاق (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 406. (¬2) انظر: الإشراف: 1/ 463، والمعونة: 1/ 360. (¬3) في (ق 5): كتب ناسخ المخطوطة في نهاية الكلام (بياض)، وترك مساحة بمقدار أربعة أسطر ونصف.

باب في مواقيت الحج والعمرة، والوقت الذي يحرم فيه الحاج

باب في مواقيت الحج والعمرة، والوقت الذي يحرم فيه الحاج (¬1) المواقيتُ خمسةٌ: ذو الحليفة، والجحفة، ويلملم، وقرن، وذات عرق. فذو الحليفة لأهل المدينة، والجحفة لأهل الشام ومصر والمغرب، ويلملم لأهل اليمن، وقرن لأهل نجد، وذات عرق لأهل العراق. ومن أتى على أحد هذه المواقيت من غير أهله فمهَلُّه منه، وليس له أن يؤخر عنهم إلا أهل الشام والمغرب إذا مروا على ذي الحليفة خاصة، فلهم أن يؤخروا إلى الجحفة؛ لأن ميقاتهم أمامهم، ولهم إن لم يمروا بالجحفة أن يؤخروا إحرامهم (¬2)؛ ليحرموا إذا حاذوها. وكذلك كل من لم يمر بميقاته فمهَلُّه إذا حاذاه في بر أو بحر. وقال ابن حبيب: إذا لم يكن مرور أهل الشام وأهل المغرب بالجحفة، فلا رخصة لهم في ترك الإحرام من ذي الحليفة (¬3). يريد: إذا لم يكن مرورهم على موضع يحاذي ميقاتهم. وقال أبو قرة عن مالك فيمن كان من أهل المدينة، وكان طريقه (¬4) على غير طريق المدينة: فإنه يحرم إذا حاذى الجحفة، ومن كان مسكنه أمام ميقات من هذه المواقيت فمهَلُّه من موضعه، وليس له أن يتعداه لما بعد، ولا عليه أن ¬

_ (¬1) في (ب): (الحج). (¬2) قوله: (إحرامهم) ساقط من (ب). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 336. (¬4) في (ب): (طوافه).

يرجع إلى ما خلفه من الميقات، سواء أراد حجًا أو عمرة. ويفترق الجواب في أهل مكة وغيرهم ممن هو ساكن في الحرم، فإهلاله بالحج من موضعه، وبالعمرة من خارج الحرم. والأصل في هذه الجملة: حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "وَقَّتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَهْلِ المَدِينَةِ ذَا الحُلَيْفَةِ وَلأَهْلِ الشَّامِ الجُحْفَةَ وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا وَلأَهْلِ اَليَمَنِ يَلَمْلَمَ، فَهُنَّ لهم وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِن غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الحجَّ وَالعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَمِنْ أَهْلِهِ، وَكَذَا حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْ مَكَّةَ". أخرجه البخاري، ومسلم (¬1). ويخرج من عموم هذا الحديث إحرام من كان في الحرم بالعمرة، فليس موضعه ميقاتًا لها حتى يخرج إلى الحل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عائشة - رضي الله عنه - أن تخرج إلى التنعيم، فتعتمر منها (¬2). وقد اختلف في القارن من الحرم، فمنعه مالك في المدونة (¬3)، وأجازه سحنون وإسماعيل القاضي؛ لما كان المفرد بالحج ممنوعًا من الطواف حتى يخرج إلى الحل، ومنها (¬4) عرفات. وكذلك المعتمر يقرن من الحرم، ثم لا يعمل شيئًا ¬

_ (¬1) متفق عليه، البخاري: 2/ 555، في باب مهل أهل الشأم، من كتاب الحج، برقم (1454)، ومسلم: 2/ 838، في باب مواقيت الحجة والعمرة، من كتاب الحج، برقم (1181). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 120، في باب امتشاط المرأة عند غسلها من المحيض، من كتاب الحيض في صحيحه، برقم (310)، ومسلم: 2/ 870، في باب بيان وجوه الإحرام وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع والقران وجواز إدخال الحج على العمرة ومتى يحل القارن من نسكه، من كتاب الحج، برقم (1211)، ومالك في الموطأ: 1/ 410، في باب دخول الحائض، من كتاب الحج، برقم (924). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 401، والذي وقفت عليه فيها: (قال ابن القاسم: لا يقرن الحج والعمرة أحد من داخل الحرم). (¬4) في (ب): (وهي).

حتى يرجع من عرفة، إلا أن يحب أن يطوف قبل وقوف عرفة، فإنه يطوف ولا يسعى إلا أن يخرج إلى الحل، فيجوز له حينئذ أن يطوف ويسعى. واختلف فيمن أفرد الحج من مكة، ثم طاف وسعى قبل أن يخرج إلى عرفة، هل يحتسب به؟ فقال مالك في المدونة: إذا رجع من عرفة طاف وسعى، فإن هو لم يفعل حتى رجع إلى بلده رأيت السعي الأول بين الصفا والمروة يجزئه وعليه الدم وذلك أيسر شأنه عندي (¬1). وقال أبو الحسن ابن القصار: وقد روي عن مالك أنه إن كان قد طاف وسعى، ثم فرغ من حجه- أجزأه. وأجاز ذلك الشافعي وأبو حنيفة؛ لأن الطواف بانفراده ليس من شرطه أن يؤتى به من الحِلِّ، فيجمع فيه بين الحل والحرم، وكذلك السعي بين الصفا والمروة ليس من شرطه أن يؤتى به من الحل. فقد قيل: إن سعيه مسعى هاجر بينهما، حيث عطش إسماعيل عليه السلام. وإذا كان ذلك؛ كان الصواب أنه جائز حسبما روي عن مالك في أحد القولين. وقال مالك: يستحب (¬2) للمعتمرين من أهل مكة أن يحرموا بالحج من المسجد الحرام (¬3). وقال في كتاب محمد: ولا يحرم من بيته، بل من جوف المسجد. قيل له: ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 404. (¬2) قوله: (يستحب) ساقط من (ب). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 422.

فصل [فيمن تعدى الميقات]

فمن عند باب المسجد؟ قال: لا، بل من جوف المسجد (¬1). وأهل مكة وكل من بها من غير أهلها سواء، وقال في المبسوط: إن شاء أَهَلَّ أَهْلُ مكة من مكة، ولا يخرج من الحرم (¬2). وكل هذا أحسن أن يحرم من حيث شاء من مكة، والاستحباب أن يكون من المسجد. وقال مالك فيمن كان من أهل الآفاق، ودخل مكة يريد العمرة، ثم أراد أن يحرم بالحج وعليه نفس: أحب إلي أن يخرج إلى ميقاته، فيحرم منه (¬3). واستحب ابن القاسم لمن دخل مكة حلالًا، ثم أراد أن يحرم بالحج أن يخرج إلى الحل (¬4)، وعلى قول مالك يستحب له أن يخرج إلى ميقاته. فصل [فيمن تعدَّى الميقات] تعدي الميقات على ثلاثة أوجه: فمن تعداه وهو يريد دخول مكة لحج أو لعمرة كان عليه الدم. وإن كان يريد دخولها لا لحج ولا لعمرة، ثم بدا له بعد أن جاوز الميقات فأحرم بحج أو بعمرة؛ لم يكن عليه دم. وقال في كتاب محمد: عليه الدم، وإن كان لا يريد دخولها ثم بدا له أن يدخلها فأحرم فلا دم عليه (¬5). وقال أيضًا ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 335، ولفظه الذي وقفت عليه: (يحرم من جوف المسجد، لا من بابه، ولا من منزله). (¬2) انظر: المعونة: 1/ 327. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 401. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 339. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 339.

فيمن تعدى الميقات وهو صرورة، ثم أحرم: فعليه الدم (¬1). ولم يفرق بين أن يكون يريد دخول مكة أو لا، وجعل الفرض على الفور. وحكى أبو محمد عبد الوهاب عنه أن على من دخل مكة حلالًا الدم (¬2). وعلى هذا يصح قوله في كتاب محمد فيمن جاوز الميقات وهو يريد دخول مكة، ثم أحرم أن عليه الدم. والصواب: ألا دم إلا على من أراد الحج أو العمرة، ومن تعدى الميقات وهو يريد الإحرام رجع ما لم يحرم، أو يخاف فوات أصحابه، ولا يجد من يصحبه، أو يشارف مكة، فإنه يمضي ويهدي. واختلف فيمن تعدى الميقات ثم أحرم بالحج ثم فاته الحج، فقال ابن القاسم: لا دم عليه؛ لِتعدِّي الميقات. وقال أشهب: عليه الدم (¬3). والأول أحسن؛ لأنه صار أمره إلى عمرة، ولم يتعد الميقات، فيجب لها الدم، وإنما تعدى في الحج ولم يتم. واختلف في المريض من أهل المدينة يريد الحج، فقال مالك في كتاب محمد: لا ينبغي لمن جاوز الميقات أن يؤخر الإحرام لما يرجو من قوة، ويحرم، فإن احتاج إلى شيء افتدى، وقال أيضًا: لا بأس أن يؤخر إلى الجحفة (¬4). والأول أقيس، وهو مخاطب بالإحرام من ميقاته، فإن احتاج إلى شيء من المخيط أو تغطية الرأس فعل وافتدى. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 417. (¬2) انظر: التلقين: 1/ 80. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 339. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 338.

فصل [في أحوال الداخل إلى مكة]

واختلف في الإحرام قبل الميقات، فأجاز ذلك مالك مرة (¬1)، وحمل الحديث في الإحرام من الميقات أنه تخفيف، فمن فعل فقد زاد خيرًا. وكره ذلك مرة، ورأى أن الميقات سُنَّة لا تقدم ولا تأخر عنه (¬2). وقد روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه أنكر على عمران بن حصين إحرامه من البصرة (¬3). وقد أحرم ابن عمر - رضي الله عنه - من الشام (¬4)، وكان الأسود وعلقمة وعبد الرحمن وأبو إسحاق يحرمون من بيوتهم. ولا خلاف أنه إن فعل فأحرم قبل الميقات في أشهر الحج بالحج، أو أحرم في غير أشهر الحج بالعمرة أن إحرامه منعقد. قال محمد: ومن أحرم بالحج أو العمرة؛ فلا يقيم بأرضه، إلا إقامة المسافر (¬5). فصل [في أحوال الداخل إلى مكة] دخول الرجل مكة على ثلاثة أوجه: حرام، وحلال، ومختلف فيه: هل يدخلها حلالًا، أم لا؟ فالأول: الدخول لحج أو عمرة، فهذا يأتي حرامًا من المواقيت التي سماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات 2/ 336، قال فيه: (ومن أحرم من بلده، وقبل الميقات فلا بأس بذلك). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 395، قال فيها: (فان أحرم قبل الميقات أكان يلزمه مالك الإحرام قال: نعم). (¬3) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه: 3/ 126، في من كره تعجيل الإحرام، من كتاب الحج، برقم (12697). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 336، وفيه أنه أحرم من بيت المقدس. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 337.

والثاني: الدخول لقتال بوجه جائز، ذكره أبو الحسن ابن القصار، ودخول من يتكرر دخوله مثل الحطابين وأصحاب الفواكه وغيرهم ممن قرب من مكة، وكل هؤلاء يجوز أن يدخلوها حلالًا (¬1). والاستحباب: أن يأتي أول مرة محرمًا، فإذا تكرر منه بعد ذلك لم يكن علي شيءٌ. والثالث: دخولها لتجارة أو لحاجة، فيختلف فيه على ثلاثة أقوال: فقال ابن شهاب (¬2) وأبو مصعب: لا بأس أن يدخلها حلالًا (¬3). وذكر أبو الحسن ابن القصار عن مالك أنه استحب أن يدخلها حرامًا، وإلى هذا يرجع قوله في المدونة؛ لأنه قال: إن فعل فلا هدي عليه (¬4). وذكر أبو محمد عبد الوهاب عنه أنه قال: عليه الدم (¬5). وأرى أن الإحرام واجب عليه. واحتج من أباح ذلك بدخول النبي - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح حلالًا. واحتج من منع ذلك بأن مكة كانت ذلك اليوم حلالًا لما أُبيحَ فيها القتال، قال: وهو معنى قوله تعالى: {وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ} أنها كانت ذلك اليوم حلالًا، ثم عادت حرمتها بعد ذلك. قال الشيخ - رضي الله عنه -: حديث ابن عباس - رضي الله عنه - يتضمن جواز الدخول حلالًا؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في المواقيت: "لمِنْ أَرَادَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ" (¬6) وعَلَّقَ الأمر بإرادة من أراد الدخول لحج أو لعمرة، ومن لم يرد ذلك فلا شيء عليه. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 405. (¬2) في (ب): (أشهب). (¬3) انظر المدونة: 1/ 407. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 405. (¬5) انظر: التلقين: 1/ 80. (¬6) سبق تخريجه، ص: 1158.

فصل [في ابتداء الحج ومنتهاه]

فصل [في ابتداء الحج ومنتهاه] للحج وقتٌ يبتدئ فيه عَقدُه، ومنتهى ينحل منه فيه. والأصل في ذلك قول الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}. فأوله شوال، واختلف عن مالك في آخرها، فقال: عشر من ذي الحجة. وقال: ذو الحجة كله (¬1). وشوال وذو القعدة إلى الزوال من تسع ذي الحجة محل لعقد الإحرام والطواف والسعي لمن أتى من الحل، فإذا زالت الشمس كان وقتًا للوقوف إلى طلوع الفجر من العاشر، فإذا طلع الفجر كان وقتًا للوقوف بالمشعر الحرام ما لم تطلع الشمس. ويستحب ألا يؤخر إلى بعد الإسفار، وذلك وقت للنحر والرمي والحلاق (¬2) لمن يعجل من ضعفة النساء والصبيان. ثم ذلك وقت للرمي والنحر والحلاق والطواف ما لم تغرب الشمس، وهذا هو المستحب، فإن أخّر ذلك إلى آخر أيام النحر فعل وأجزأه، ولا دم عليه لما أخر من الحلاق والطواف؛ لأنه وقت. واختلف في الدم عن تأخير الرمي في جمرة العقبة إذا رماها قبل أن تخرج أيام التشريق، فإن خرجت ولم يرم كان عليه الدم. واختلف إذا أخر الحلاق والطواف بعد أن خرجت أيام التشريق (¬3)، فقيل: عليه الدم. وقيل: لا دم عليه؛ لأن الوقت باق حتى يخرج الشهر، فإن خرج الشهر كان عليه الدم قولًا واحدًا، وعليه أن يحلق ويطوف. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 340. (¬2) قوله: (والحلاق) ساقط من (ب). (¬3) قوله: (فإن خرجت. . . أيام التشريق) ساقط من (ب).

فصل [من أحرم قبل شوال]

فصل [من أحرم قبل شوال] واختلف إذا عقد الإحرام بالحج قبل حلول شوال، فقال مالك: ينعقد إحرامه، ويكون في حج (¬1)، بمنزلة من عقد ذلك بعد دخوله (¬2). وقيل: لا ينعقد الإحرام؛ لأنه بمنزلة من قدم الظهر قبل الزوال، ويتحلل بعمرة؛ لأن شوالًا وما بعده إلى الزوال من يوم عرفة محل للإحرام والطواف والسعي، وليس للوقوف بعرفة. ولو أحرم في شوال ثم قدم مراهقًا لم يعد إلى الإحرام خاصة. فلو كان المحرم وما بعده من شهور السنة إلى شوال محلا للإحرام والطواف والسعي لم يكن للآية فائدة، ولا لاختصاص الذكر في الأشهر للإحرام والطواف والسعي فائدة، إذا كان غيره من الشهور في ذلك بمنزلتها. وأما قوله: يتحلل بعمرة (¬3)؛ فاستحسان. وهو بمنزلة من دخل في صلاة، ثم ذكر أنه كان صلاها، فإنه كان يستحب له أن ينصرف على شفع. قال ابن القاسم: فإن قطع فلا شيء عليه (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 395، قال فيها: (قلت لابن القاسم أكان مالك يكره للرجل أن يحرم من قبل أن يأتي الميقات؟ قال: نعم. قلت: فإن أحرم قبل الميقات أكان يلزمه مالك الإحرام؟ قال: نعم). (¬2) انظر: الموطأ: 1/ 344، برقم (765). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 275. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 275.

باب في حج العبد والمرأة والصبي والمجنون

باب في حج العبد والمرأة والصبي والمجنون تقدم القول في سقوط الحج عن العبد، فقال مالك فيمن أتى مكة ومعه عبد أو جارية: فله أن يدخلهما بغير إحرام، ويخرجهما إلى منى وعرفات غير محرمين. قال: وقد يريد بيع الجارية (¬1). وقال في كتاب محمد: أما العبد الذي له الهيئة فأحب إليَّ أن يدخله محرمًا، وأما الصغير والعجمي والجارية يأتي بها للبيع فلا. وإن ناشدته الله أن يتركها تحرم، فأستحب له أن يحرمها (¬2). واستحب أن يحرم العبد الذي له الهيئة؛ لأن مثله يرغب في ذلك. ولا ضرر على السيد في ذلك؛ لأن ذلك لا يعطل عليه شيئًا من خدمته. واختلف إذا أراد بيعه بعد أن أحرم، فأجاز ذلك في المدونة (¬3). وقال سحنون: لا يجوز بيعه. وقال: متى يأخذه المشتري بعد الحج أو قبله؟ قال: ألا ترى أن (¬4) ابن القاسم يقول: إذا أجّر عبده شهرًا لم يجز بيعه. قال الشيخ - رضي الله عنه -: وقد يفرق بين السؤالين؛ لأن العبد المُحرِم منافعه لمشتريه، وفي الإجارة منافعه قد بيعت، فيحتسب من كان في الإحرام بهذا، فإن كان المشتري محرمًا كان ذلك أخف وإن كان الموضع بعيدًا؛ لأنه خارج معه، ومسافر به، وإن كان غير محرم فذلك فاسد، إلا أن يكون الموضع قريبًا، والأيام يسيرة. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 407. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 359. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 490. (¬4) قوله: (أن) ساقط من (ب).

وإذا أذن السيد لعبده في الإحرام فأحرم لم يكن له أن يحله. وإن لم يحرم كان له عند مالك أن يمنعه الإحرام (¬1)، وليس بالبين؛ لأن السيد قد أسقط حقه في ذلك، وهو بمنزلة ما لو قال: أنت حر اليوم من هذا العمل. فإنه لا يستعمله فيه، وهو في الحج أبين؛ لما تعلق العبد في ذلك من طاعة الله تعالى وفكاك رقبته؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الحَجُّ الَمْبرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الجَنَّةُ" (¬2) فدخل في عموم هذا الحر والعبد، والفرض والتطوع، وإن أحرم بغير إذنه كان له أن يحلّه. ويستحب للسيد ألا يحله إذا كان السيد محرمًا، كما كان استحب له أن يأذن له في الأول قبل أن يحرم. واختلف إذا أحله في وجوب القضاء إذا أذن له بعد ذلك في الحج، أو عتق العبد، فقال ابن القاسم: يقضي إذا أذن له. وقال أشهب وسحنون: لا قضاء عليه. وهو أبين؛ لأن السيد قد رد إحرامه من أصله بحق تقدم العقد، وليس بمنزلة الفوات؛ لأن الفوت أمر طرأ على العقد بعد صحته، ثم لا يخلو العبد في الإحرام الذي أحله منه السيد من أربعة أوجه: إما أن يكون تطوعًا، أو منذورًا في حج لعام بعينه، أو منذورًا مضمونًا، أو نوى حجة الإسلام، وهو يظن أن ذلك عليه. فإن كان تطوعًا بغير نذر، أو نذر حج ذلك العام لم يلزمه القضاء إن أذن له السيد، أو أعتق في عام آخر. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 490. (¬2) متفق عليه أخرجه البخاري: 2/ 629، 983، في باب وجوب العمرة وفضلها، من كتاب الحج، برقم (1683)، ومسلم: 2/ 983، في باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة، من كتاب الحج في صحيحه، برقم (1349)، ولفظ البخاري: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".

وإن أذن له، أو أعتق في ذلك المقام الذي أحله منه، وهو يدرك الحج ندب إلى الوفاء به، وليس بواجب. وإن كان منذورًا أو مضمونًا فأحرم ينوي قضاء ذلك النذر ثم رد السيد إحرامه- كان عليه القضاء متى أعتق؛ لأن السيد إنما رد ذلك الإحرام، ولم يرد النذر ولا العقد المتقدم قبل الإحرام. واختلف هل للسيد أن يرد عقده للنذر، فأجاز ذلك ابن القاسم، ومنعه أشهب. وهو أحسن؛ لأن ذلك العقد لا يضر السيد مادام العبد في ملكه، ولا يحط من الثمن إن باعه. وإن أحرم ينوي حجة الإسلام، وظن أن ذلك عليه لم يكن عليه شيء مادام في الرق، وإن أذن له السيد. فإن أعتق أتى بحجة الإسلام فقط. وإذا أحرم العبد فأذن سيده، ثم فاته الحج لمرض أو لخطأ العدد كان عليه القضاء، وليس للسيد أن يمنعه من ذلك، على القول أن القضاء على الفور. وعلى القول أن له التراخي يستحب ألا يخالف السيد إذا منعه السنة والسنتين. واختلف إذا تعمد الفوات والفساد، فقال أشهب في كتاب محمد: ليس على السيد أن يأذن له، وذلك عليه إذا أعتق. وهو أصل مالك وابن القاسم. وقال أصبغ: عليه أن يأذن له. وقال ابن حبيب: إن لزمه صوم- لم يمنعه السيد وإن أضرّ به. وكذلك إذا نكح بإذنه، وظاهر (¬1) - لم يمنعه من الصوم، وإن أضرّ به. وهو قول ابن وهب وابن الماجشون وابن شهاب ويحيى بن سعيد، ورأوا أن القضاء على الفور (¬2). ¬

_ (¬1) أي: ظاهر العبد من امرأته، وأراد الفيئة. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 361.

فصل إذا أحرمت المرأة بغير إذن زوجها تطوعا كان له أن يحلها

فصل إذا أحرمت المرأة بغير إذن زوجها تطوعًا كان له أن يحلها وإذا أحرمت المرأة بغير إذن زوجها تطوعًا كان له أن يحلها، وإن أحرمت بحجة الإسلام من الميقات أو قبله بالمشي القريب وقد قرب الحج- لم يكن له أن يحلّها. وإن كان إحرامها بعيدًا من الميقات أو من الميقات، وعلى بُعدٍ من وقت الحج- كان له أن يحلّها إذا كانت له إليها حاجة؛ لأنه خرج معها، وهو مُحِلٌّ لم يحرم بعد. وكذلك إذا كان موضعها قريبًا من مكة، ولم ترد إلا الحج وأحب أن ينتفع بها حتى يقرب الحج. ولو كان قد أحرم لم يحلها، [وإن كان بعيدًا. وكذلك إذا خرجت دونه لم يكن له أن يجعل من يحلها]. وإذا أحرمت بوجه جائز ثم تعدى فأصابها بغير رضاها كان عليه أن يُحِجَّهَا، وينفق عليها وإن كانت نفقة عام القضاء أكثر من الأول؛ لأنه السبب في تكلفها النفقة الثانية. وإن مات أخذت ذلك من ماله، وإن ماتت هي قال في كتاب محمد: يهدي عنها (¬1). ولم يجعل عليه شيئًا من نفقة العام الذي أفسد. ولو قيل: إن ذلك عليه لكان له وجه؛ لأنه بوطئه كالمتلف لتلك النفقة لما كانت لا تحتسب بها. ولا يخلو إحلال الزوج زوجته من أربعة أوجه: إما أن يحلها من حجة الإسلام، أو من تطوع، أو نذر معين، أو نذر مضمون: - فإن أحلها من حجة الإسلام لم يكن عليها أن تقضي غيرها. - وإن أحلها من تطوع أو نذر معين كان عليها القضاء عند ابن القاسم، ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 421.

فصل [إذا حج بابنه الصغير وهو لا يتكلم]

ولا شيء عليها عند أشهب وسحنون. - وإن كان نذرًا مضمونًا كان عليها القضاء قولًا واحدًا. وإن أحرمت تنوي قضاء المضمون وحجة الإسلام والتطوع على قول ابن القاسم- أجزأت عن حجة الإسلام، وأتت بعد ذلك بالحجة الأخرى (¬1). وكذلك العبد يعتق وكان السيد أحله من حجة التطوع، أو منذور مضمونًا، أو أحرم ينوي حجة الإسلام، ولو أحله منها السيد أجزأت عند ابن القاسم عن حجة الإسلام، وأتى بعد ذلك بالتي كان حل منها. وقد كان تقدم ذكر الخلاف في ذلك في كتاب النذور (¬2). فصل [إذا حج بابنه الصغير وهو لا يتكلم] وقال مالك: إذا حج الأب بابنه الصغير وهو لا يتكلم- لا يجرده حتى يدنو من الحرم، فإذا جرده يريد الإحرام فهو محرم، ويجنبه ما يُجنَّبُ الكبير، ولا يطوف به أحد لم يطف، ولا يدخل طوافين في طواف، ولا بأس أن يسعى به بين الصفا والمروة من لم يسع، وهو أخف، ولا يجمع بين الرمي عن نفسه وعن الصغير (¬3). واختلف إذا طاف عن نفسه وطاف بالصبي معه محمولًا، فقال ابن القاسم في كتاب محمد: يجزئ عن الصبي وحده، ولا يجزئ عن الرجل (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 491، 492. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 491. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 398. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 359.

وقال عبد الملك: يجزئ عن الرجل، ولا يجزئ عن الصبي. وقال أصبغ: لا يجزئ عن الرجل -مثل قول ابن القاسم- (1)، وإن أعاد عن الصبي فهو أحب إليَّ (2) وقال ابن القاسم أيضًا: يجزئ عن الصبي، وأحب إليَّ أن يعيد عن نفسه. (¬3) ولمالك عند ابن شعبان: لا يجزئ عن واحد منهما؛ في الطواف عن الصبي وعن نفسه (¬4). قال الشيخ - رضي الله عنه -: القياس أن يجزئ عن الصبي، ولا فرق بين أن يطوف به محمولًا على دابة، أو على رجل، وإنما المقال في الرجل إذا أشرك في عمله، وقصد الطواف عن نفسه وعن الصبي. وقال محمد في رجل حمل رجلًا فطاف به طوافًا واحدًا: لم يجز عن واحد منهما (¬5). وقول ابن القاسم: يجزئ عنهما ويعيد عن نفسه على وجه الاستحسان، وهو في هذا بخلاف من أتى بحجة عن نذره وعن حجة الإسلام؛ لأن تلك حجة واحدة، وهذان شخصان طائفان بأنفسهما جميعًا، فوجب أن يجزئ عنهما، والاستحباب أن يعيد عن نفسه. ولو طاف به ماشيًا لأجزأ عنهما. ولا خلاف فيمن طاف لنفسه وبرجل معه ليعلمه الطواف جاز عنهما جميعًا. وكذلك أرى إذا طاف به محمولًا أن يجزئ عنهما، فيجزئ عن المحمول بمنزلة لو كان على دابة إذا طيف به على ذلك لعذر لمرض أو غيره، ويجزئ الآخر أيضًا؛ لأنه طائف بنفسه، وقياسًا على السعي بين الصفا والمروة. ¬

_ (1، 2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 359. (¬3) قوله: (وعن نفسه) ساقط من (ب). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 496. والزاهي، لابن شعبان، لوحة رقم: [42 / ب]. (¬5) في النوادر والزيادات أن هذا قول مالك، انظر: 2/ 496.

وأما الرمي فهو على وجهين: فإن رمى سبعة عن نفسه وعن الصبي لم يجزئ عنهما بلا خلاف. ويختلف: هل يحتسب بها عن نفسه أو عن الصبي؟ ولا يجزئ عن واحد منهما. وإن رمى سبعة عن نفسه، ثم سبعة عن الصبيّ، ثم تقدم إلى الجمرة الأولى ففعل مثل ذلك، ثم الثالثة كذلك أجزأ عنهما قولًا واحدًا. وإن رمى الأولى بأربع عشرة حصاة، واحدة عن نفسه، وأخرى عن الصبي حتى أتم أجزأ عنهما جميعًا (¬1)؛ لأن ذلك تخلل لا يمنع الإجزاء. وقد قال فيمن نسي حصاة فذكر من الغد: أنه يرميها، ويبني على ما تقدم (¬2). وإذا طاف به غير محمول رمل الأشواط الثلاثة وفي بطن المسيل. واختلف إذا كان محمولًا، فقال ابن القاسم: لا يرمل به. وقال أصبغ: يرمل به (¬3). والأول أحسن؛ لأن سبب ذلك في الطواف أن يري المشركين النبي - صلى الله عليه وسلم - قوة أصحابه، وكان المشركون قد قالوا: قد أوهنتهم حمى يثرب (¬4). ومن طيف به محمولًا لِصغرٍ أو مرضٍ خارج عن ذلك. ¬

_ (¬1) قوله: (جميعًا) ساقط من (ب). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 434. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 376. (¬4) انظر: صحيح البخاري: 2/ 581، وصحيح مسلم: 2/ 923.

فصل [في حج وصي اليتيم]

فصل [في حج وصي اليتيم] وقال ابن القاسم في وصي اليتيم يخرج إلى الحج: فلا يخرج يتيمه إلا أن يخشى عليه الضيعة، ولا يجد من يكفله فيجوز له ذلك. قال: وإذا جاز له أن يخرجه جاز له أن يحجه. قال: وكذلك الأب في ولده لا يخرجه وينفق عليه من مال الصبي، إلا أن لا يجد من يكفله، ويخاف عليه الضيعة. فإن أخرجه اختيارًا كان ضامنًا لما أكرى عليه، ولما زادت نفقته لو لم يشخص به (¬1). قال محمد: وإذا خرج الصبي بوجه جائز أنفق عليه نفقة الحج كلها من مال الصبي، كان أبًا أو وصيًا أو أمًا. قال: وقيل: بل ما أصاب الصبي من صيد فذلك في مال الصبي (¬2). فأجيز أن يحرم به إذا خرج به؛ لما يرجى له من الأجر في ذلك، ولأن الغالب السلامة مما يوجب عليه دمًا. (¬3) وإن كان يحتاج إلى الفدية لم يمنع من ذلك أن يحرم به؛ لأن خطب الفدية يسير، وقد أبيح للوصي أن يتصدق من ماله بالشيء اليسير، فهو في هذا الموضع أخف. وأما الصيد فليس هو الغالب. وأرى (¬4) لو خرج به تعديًا؛ لأنه لا يخشى عليه لو خلفه أن يجوز له أن يحرمه؛ لأن التعدي إنما كان قبل، فإذا وصل إلى الميقات كان إحرامه أولى وأفضل. ويكون على الصبي من النفقة القدر الذي كان ينفقه لو لم يخرج به والزائد من مال ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 399. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 358. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 358. (¬4) في (ب): (وإن).

فصل [في حج من طرأ تكليفه عشية عرفة]

الوصي، إلا أن يكون السعر في الطريق أو البلد الذي يوصل إليه أرخص. وإن أصاب صيدًا في الطريق (¬1) قبل الإحرام أو (¬2) في الحرم كان في مال الوصي إذا أخرجه تعديًا. وإن أخرجه بوجه جائز كان ما أصاب في مال الصبي؛ لأنه لو لم يحرم به لكان ذلك في ماله، فلم يؤثر الإحرام في ذلك شيئًا. فصل [في حج من طرأ تكليفه عشية عرفة] وإذا أسلم النصراني أو أعتق العبد أو احتلم الصبي أو حاضت الجارية بعرفة عشية عرفة، أو قبل طلوع الفجر من ليلة المزدلفة- أحرم حينئذ ولبى ووقف، وأجزأه عن حجة الإسلام. وإن كان العبد أو الصبي أو الجارية في إحرام مضوا على إحرامهم ذلك، ولم يكن لهم أن يحلوه، ولم يجزئه عن حجة الإسلام (¬3). ¬

_ (¬1) قوله: (الطريق) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (أو) ساقط من (ب). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 407.

باب فيمن جاء مكة ليلا أو بعد العصر أو في الصبح وفي استلام الركن

باب فيمن جاء مكة ليلًا أو بعد العصر أو في الصبح وفي استلام الركن وقال مالك فيمن جاء مكة ليلًا: لا بأس أن يدخل حينئذ، ويستحب أن يدخل نهارًا (¬1). وقد كان عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - يدخل مكة لطواف العمرة ليلًا وقال محمد: إن جاء بعد العصر أحب له أن يقيم بذي طوى حتى يمسي؛ ليصل بين طوافه وركوعه وسعيه (¬2). فإذا دخل فلا بأس أن يؤخر الطواف حتى تغرب الشمس. فإن طاف فيركع ويسعى إن كان بطهر واحد. فإن انتقض وضوؤه توضأ، وأعاد الطواف والسعي إن كان بمكة. وإن خرج وتباعد بعث بهدي (¬3). قال محمد: ويقدم المغرب على ركعتي الطواف (¬4) وقال أبو مصعب: ذلك واسع. ويختلف إذا أتى بعد أن صلى الصبح، فعلى قول مالك: يؤخر الدخول حتى تطلع الشمس، فإن دخل أمسك عن الطواف (¬5)، وعلى قول مطرف يدخل حينئذ ويطوف ويركع؛ لأنه أجاز الركوع للطواف بعد الصبح ما لم يسفر. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 395. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 383. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 383. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 383، وعزاه في النوادر لكتاب ابن المواز عن مالك. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 329، وعبارته: (من كتاب ابن الْمَوَّاز، قال ابن وهبٍ: قيل لمالكٍ فِي مَنْ أتَى الميقاتَ بعد الفجر: أيركع ركعتين ثم يحرم؟ قال: بل يقيمُ حتى يصلى الصبحَ، فأحبُّ إلينا أنْ يقيمَ حتى تحين النافلةُ، فإنْ أحرم بأثرِ المكتوبةِ، أجزأه، وكان قال: لا يفعل. ثم رجع، وبرجوعه أخذ ابن القاسمِ).

فصل [فيما يفعله من دخل المسجد الحرام ومسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -]

فصل [فيما يفعله من دخل المسجد الحرام ومسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -] ويبتدئ من دخل المسجد الحرام باستلام الركن، ثم الطواف (¬1). وذلك تحية ذلك المسجد، ولا يبتدئ بالركوع. ويبتدئ في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - بركعتين تحية المسجد قبل أن يأتي القبر ويسلم، وهذا قول مالك (¬2) وقال ابن حبيب: يقول إذا دخل: بسم الله، والسلام على رسول الله (¬3). يريد: أن يبتدئ بالسلام من موضعه، ثم يركع. ولو كان دخوله من الباب الذي بناحية القبر (¬4)، ومروره عليه فوقف فسلم، ثم تمادى إلى موضع قريب (¬5) فصلى فيه- لم يكن ضيقًا. ويستلم من الأركان الأسود واليماني، ولا يستلم اللذين يليان الحجر؛ لأن البيت لم يتم من هناك على قواعد إبراهيم عليه السلام. وقد كان عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - أعاد ذلك الموضع على قواعد إبراهيم - عليه السلام -، واستلمهما، ثم أزال ذلك الحَجَّاجُ، وأعاده على ما كان عليه قبل، فلم يُستلَما (¬6). ويستلم الحجر الأسود بالفم، فإن لم يستطع لزحام أو غيره فباليد. واختلف في تقبيل اليد، فقال مالك (¬7) في المدونة: لا يُقَبّل (¬8). وقال في ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 419. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 336. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 336. (¬4) في (ب): (يرى منه القبر). (¬5) قوله: (قريب) ساقط من (ب). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 500. (¬7) قوله: (مالك) ساقط من (ب). (¬8) انظر: المدونة: 1/ 365.

مختصر ما ليس في المختصر: يقبل. وقال أشهب: إن قبل يده فحسن. ويستلم اليماني باليد لا بالفم (1). واختلف في تقبيل اليد، فقال في المدونة: لا يُقبّلها (2). وقال في كتاب محمد: يُقبّل. وهو أحسن في الموضعين جميعًا، لحديث أبي الطفيل - رضي الله عنه -، قال: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَطُوفُ بِالبَيْتِ رَاكِبًا وَيسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ مَعَهُ وَيُقَبِّلُ المِحْجَنَ". أخرجه مسلم (¬3). وإذا جاز أن يقبل المحجن عند الحاجة لليد جاز أن يقبل اليد التي يجتمع بها. وقال مالك في المجموعة: إذا استقبل الركن حمد الله وكبّر. وقال ابن حبيب يقول عند استلامه: بسم الله، والله أكبر، اللهم إيمانًا بك، وتصديقًا لما جاء به محمد نبيك (¬4). وأنكر ذلك مالك في المدونة، وقال: يكبر ويمضي (¬5). ومن لم يقدر على الاستلام فإنه لا يدع التكبير، ويستلم في أول شوط، وليس عليه بعد ذلك في بقية الأشواط شيء، إلا أن يشاء. وكذلك إذا فرغ من الطواف وأراد الركوع فليس عليه أن يعود إلى الاستلام، فإن ركع ثم أراد الخروج إلى السعي عاد فاستلم. وإن طاف بعد ذلك تطوعًا ابتدأ بالاستلام، ولا بأس أن يستلم من ليس في طواف. وكره مالك أن يضع الخدين على الحجر (¬6). ¬

(1، 2) انظر: المدونة: 1/ 395. (¬3) أخرجه مسلم: 2/ 927، في باب جواز الطواف على بعير وغيره واستلام الحجر بمحجن ونحوه للراكب، من كتاب الحج، برقم (1275). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 373. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 396. (¬6) انظر: المدونة: 1/ 419.

باب في أعداد الطواف والرمل فيه والقراءة والكلام وإنشاد الشعر وهل يشرب حينئذ

باب في أعداد الطواف والرمل (¬1) فيه والقراءة والكلام وإنشاد الشعر وهل يشرب حينئذ والطواف سبع: مفروضة، ومسنونة، ومتطوعة، لا يقتصر على دون سبعة، ولا يزاد عليها. ويبتدئ الطائف من الركن الأسود، ثم يجعل البيت عن يساره، فإن ابتدأ من اليماني تمادى في السابع إلى الأسود وأجزأ (¬2)، ويكون قد ألغى ما بين اليماني إلى الأسود. وإن ابتدأ من الحجر ألغى ذلك الشوط، واحتسب من بعده بسبع. وإن طاف منكوسًا، فجعل البيت عن يمينه لم يجزئه (¬3)، وأعاد، وإن كان قد رجع إلى بلده. والطواف ماشيًا، ولا يطوف راكبًا إلا لعذر مرض أو غيره، وليس عليه أن يؤخر ذلك ليصح. وقالت أم سلمة - رضي الله عنه -: "شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنِّي أَشْتَكِى. فقال: طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكبَةٌ" (¬4)، وفي البخاري ومسلم أن ¬

_ (¬1) الرَّمَل: المشي السهل لا خبَبا ولا سكونًا وإن مالكًا قد قال في الرمل أنه الخبب وإنما الخبب المشي الذي يرقص فيه الجسم، والرمل هو المشي السهل، كما قلت لك. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 41. (¬2) قوله: (إلى الأسود وأجزأ) ساقط من (ب). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 425. (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 177، في باب إدخال البعير في المسجد للعلة، من كتاب الصلاة، برقم (452)، ومسلم، في باب جواز الطواف على بعير وغيره، من كتاب الحج، برقم (1276)، وأخرجه مالك في الموطأ: 1/ 370، في باب جامع الطواف، من كتاب الحج، برقم (826).

النبي - صلى الله عليه وسلم -طاف راكبًا (¬1)، قال ابن عباس- رضي الله عنه -: "لأنْ يَرَاهُ النَّاسُ وَلِيُشْرِفَ وَيَسْأَلُوهُ، فَإِنَّ النَّاسَ غَشّوه". قال أيضًا: "كَرَاهِيَةَ أَنْ يُضْرَبَ النَّاسُ عَنْهُ" أخرجه مسلم (¬2). وقال ابن القاسم فيمن طاف راكبًا من غير عذر: يعيد ما لم يقف. فإن رجع إلى بلده أو بَعُدَ أو تطاول أجزأه، وأهدى، ولا يطاف في الحجر ولا من وراء زمزم، ولا في سقائف المسجد (¬3)، وإن طاف في الحجر لم يجزئه؛ لأن الموضع الذي ينصرف منه الناس يلي البيت، وهو من البيت، فإنما طاف ببعض البيت. ولو تسور من الطرف (¬4) لأجزأه؛ لأنه ليس من البيت، وليس بحسن أن يفعل ذلك. وإن طاف في سقائف المسجد من زحام الناس أجزأه. وإن فعل ذلك اختيارًا أو فرارًا من الشمس أعاد (¬5). قال ابن القاسم في المجموعة: لا يجزئه، وإن كان فرارًا من الشمس. قال أشهب: وهو كالطائف من خارج المسجد (¬6). وعلى قولهما: لا يجزئ الطائف من وراء زمزم؛ لأنه يحول بينك وبين البيت، كما حالت اسطوانات السقائف بينه وبين البيت. ¬

_ (¬1) سبق تخريجه في كتاب الطهارة ص: 52. (¬2) أخرجه مسلم من حديث عائشة - رضي الله عنها -: 2/ 926، في باب جواز الطواف على بعير وغيره، من كتاب الحج، برقم (1273). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 427. (¬4) في (ب): (الطواف). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 427. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 377.

فصل لا يطوف جنبا ولا بغير وضوء

فصل لا يطوف جنبًا ولا بغير وضوء ولا يطوف جُنُبًا، ولا بغير وضوء. واختلف إذا فعل، فقال مالك وابن القاسم: لا يجزئه، وهو بمنزلة من لم يطف، يرجع وإن بلغ بلاده (¬1). وإن أصاب النساء في عمرة أفسدها، فيطوف (¬2) ويسعى ويحل، ويلبي بعمرة أخرى. وكذلك إذا كان في حج وطاف طواف الإفاضة بغير وضوء- توضأ، ثم يأتي بعمرة أخرى. وإن كان ذلك في طواف القدوم، ثم لم يذكر حتى أصاب النساء- كان بمنزلة من لم يطف للإفاضة؛ لأن السعي (¬3) الذي كان حين قدم بطل ببطلان الطواف الذي قبله. وقد كان عليه أن يأتي بالسعي إذا طاف طواف الإفاضة، فإذا لم يفعل توضأ وطاف وسعى، ثم يحل، ثم يأتي بعمرة (¬4). وقال المغيرة فيمن طاف بغير وضوء: يعيد ما كان بمكة، فإذا أصاب النساء وخرج إلى بلده أجزأه، ولا شيء عليه. وأما السعي بين الصفا والمروة فلم يختلف المذهب أنه يصح، وإن كان جنبًا، أو على غير وضوء (¬5). وقد قيل: الأصل في وجوب الطهارة للطواف حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "أَوَّل مَا بَدَأَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ أنَّهُ ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 426. (¬2) في (ق 5): (فيطوف بوضوء). (¬3) قوله: (السعي) ساقط من (ب). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 424. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 427، قال فيها: (هل يجزئ الجنب أن يسعى بين الصفا والمروة في قول مالك إذا كان قد طاف بالبيت وصلى الركعتين طاهرا؟ قال: إن سعى جنبا أجزأه في رأيي).

تَوَضَّأَ ثُمَّ طافَ بِالبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَة" (¬1). وقالت: "قَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا أَحِيضُ، فَلَمْ أَطُفْ بِالبَيْتِ. . ." الحديث (¬2). وكلا الحديثين محتمل، ويحتمل أن يكون وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - للطواف، والصلاة، ويحتمل أن يكون للصلاة؛ لأن عقب الطواف صلاة، ومحتمل أن يكون ذلك للطواف على وجه الاستحسان؛ لأنه تيمم لرد السلام. ويحتمل حديث عائشة -رضي الله عنها- في امتناعها من الطواف أن يكون ذلك للطواف، أو لأجل الصلاة التي بعقب الطواف أو لحرمة المسجد؛ لأن الحائض لا تدخله. واختلف فيمن طاف بثوب نجس، فقال ابن القاسم: لا إعادة عليه، وهو بمنزلة من صلى، ثم ذكر بعد خروج الوقت. وقال أشهب: يعيد (¬3). وإن صلى الركعتين بثوب نجس لم يُعِد على أصل ابن القاسم أنه بالفراغ ¬

_ (¬1) متفق عليه، البخاري: 2/ 584، في باب من طاف بالبيت إذا قدم مكة قبل أن يرجع إلى بيته ثم صلي ركعتين ثم خرج إلى الصف، من كتاب الحج، برقم (1536)، ومسلم: 2/ 906، في باب ما يلزم من طاف بالبيت وسعى من البقاء على الإحرام وترك التحلل، من كتاب الحج، برقم (1235). (¬2) متفق عليه، البخاري: 2/ 563، في باب كيف تهل الحائض والنفساء، من كتاب الحج، برقم (1481)، ومسلم: 2/ 870، في باب بيان وجوه الإحرام وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع والقران وجواز إدخال الحج على العمرة ومتى يحل القارن من نسكه، من كتاب الحج، برقم (1211). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 380، وعبارته: (ومن طاف بثوبٍ نجسٍ، فعلم بعد طوافه فنزعه، وصلى بثوب طاهرٍ، فلا شيء عيه، فإن ركع به الركعتين، أعادهما فقط إن كان قريبًا ولم ينتقضْ وضوءه، وإن انتقض وضوءه أو طال ذلك، فلا شيء عليه، كزوال الوقت. قال أشهبُ: إن علم به في طوافه، نزعه إن كان كثيرًا، وأعاد طوافَه، وإن علم بعد فراغه، أعاد الطواف والسعيَ فيما قَرُبَ إن كان واجبًا، وإن تباعد فلا شيء عليه، ويُهدي وليس بواجبٍ).

فصل [في الرمل في الحج]

بمنزلة ما خرج وقته. وفي كتاب محمد: يعيد ما دام بمكة، فإن خرج إلى بلده أجزأه ولم يعدهما، وبعث بهدي. وليس هذا بالبيّن. وأرى أن يعيد إذا كان بمكة ما لم تخرج أيام الرمي؛ لأنه في ذلك مؤد غير قاض (¬1). ويختلف إذا خرجت أيام الرمي، ولم يخرج شهر ذي الحجة هل يعيد، أم لا؟ فإن خرج شهر ذي الحجة لم يعد؛ لأن الركعتين تابعتان للطواف، فلا شيء عليه في الموضع الذي يكون فيه مؤديًا لا قاضيًا. فإذا أخّر الطواف حتى يصير قاضيًا، وعليه الدم، كان قضاء الركعتين على مثل ذلك. فصل [في الرمل في الحج] الرَّمَل (¬2) في الحج في الطواف الأول، وهو طواف القدوم. ولا يرمل في طواف الإفاضة، ولا في طواف الوداع، ولا في طواف التطوع. واختلف هل يرمل في طواف الإفاضة إذا قدم مراهقًا (¬3) ولم يطف للقدوم، وهل يرمل في طواف القدوم إذا أحرم بالحج من التنعيم؟ فقال محمد: كان ابن عمر - رضي الله عنه - إذا أهَلَّ من مكة يرمل في الطواف (¬4) يريد: إذا رجع من ¬

_ (¬1) قوله: (غير قاض) يقابله في (ق 5): (لا قاض). (¬2) الرَّمَل: المشي السهل لا خبَبا ولا سكونًا، وإن مالكًا قد قال في الرمل: إنه الخبب، وإنما الخبب المشي الذي يرقص فيه الجسم، والرمل هو المشي السهل. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 41. (¬3) المراهق الذي ضاق عليه الزمن فلم يتيسر له طواف القدوم. انظر: الثمر الداني، ص: 375. (¬4) صحيح، أخرجه أحمد في مسنده، برقم (6463)، وابن أبي شيبة في مصنفه: 3/ 374، باب في من قال ليس على أهل مكة رمل، من كتاب الحج، برقم (15063).

عرفة؛ لأن من أحرم من مكة لا يطوف حتى يرجع. وقال مالك: أحب إليّ أن يرمل. وقال فيمن أحرم من التنعيم: أحب إليّ أن يرمل، وليس ذلك في الواجب كالذي يحرم من الميقات (¬1). وقال أيضًا: ذلك سواء، أحرم من الميقات أو بغيره. وأما العمرة؛ فيرمل في الطواف لها إذا أحرم من الميقات. ويختلف إذا أحرم من التنعيم أو غيره من المواضع القريبة. والأصل في الرمل حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "لمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ يُرِيدُ عُمْرَةَ القَضَاءِ، قَالَ المُشْرِكُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَطُوفُوا بِالبَيْتِ مِنَ الهُزَالِ، وَقَدْ أَوْهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَرْمُلُوا ثَلاَثَةَ أَشْوَاطٍ لِيَرَى المُشْرِكُونَ جَلَدَهُمْ، قَالَ: وَلَم يَمْنَعْهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ كُلَّهَا إِلاَّ الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ". أخرجه البخاري ومسلم (¬2). ثم أثبته (¬3) - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع في طواف القدوم دون طواف الإفاضة، وإذا كان ذلك سببه، وأثبت فيمن قدم من غير مكة، وأسقط من طواف الإفاضة ومن طواف التطوع- سقط عمن دخل من التنعيم لحج أو لعمرة؛ لأنه في معنى المقيم. والرمل على الرجال، ولا رمل على النساء. واختلف في المريض يطاف به محمولًا، فقال محمد: يرمل به. وقال ابن القاسم: لا يرمل بالصبي إذا طيف به محمولًا. وقال أصبغ: يرمل به (¬4). وعلى قول ابن القاسم ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 492. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 581، في باب كيف كان بدء الرمل، من كتاب الحج في صحيحه، برقم (1525)، ومسلم: 2/ 923، في باب استحباب الرمل في الطواف والعمرة وفي الطواف الأول من الحج، من كتاب الحج، برقم (1266). (¬3) في (ب): (أثلثه). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 376.

فصل [في آداب الطواف]

هذا لا يرمل بالمريض، وهو أحسن فيه وفي الصبي؛ لأن السنة وردت في ذلك فيمن كان صحيحًا؛ ليرى قوته. والمريض وإن طيف به محمولًا خارج عن ذلك ومن تركه فقيل: يعيد الطواف إن كان قريبًا. وقيل: لا إعادة عليه. واختلف بعد القول ألا إعادة عليه: هل عليه الدم، أم لا؟ ولا أرى في مثل ذلك إعادة ولا دمًا؛ لأنه ليس بمؤكد، وقد كان فيه السبب ما تقدم ذكره. فصل [في آداب الطواف] ويلتزم في الطواف السكينة والوقار والإخبات لله تعالى. ويُقْبِلُ على التكبير، والتهليل والحمد لله والثناء والدعاء. واختلف في قراءة القرآن حينئذ، فكره ذلك مالك في المدونة (¬1). وأجازه أشهب في كتاب محمد إذا كان يخفى، ولا يكثر. ولا بأس بالكلام والحديث ما لم يكثر، ولا ينشد شعرًا (¬2)، وليس هناك موضعه، وقد يستحب من ذلك ما كان يتضمن وعظًا وتحريضًا على طاعة الله البيتين والثلاثة. ويكره أن يشرب الماء، إلا أن يضطره ظمأ. واختلف في التلبية في الطواف، فأجاز ذلك مالك (¬3)، وكرهه (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 426. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 426. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 333، وعبارته: (قال أشهبُ، عن مالكٍ: لا يقطع الحاج التلبيةَ، وإن دخل أوائل الحرمِ، ولكن يقطعها في الطوافِ، وإن لبَّى فواسعٌ، ثم يعاودها حتى يروحَ إلى عرفة)، وانظر: التفريع: 1/ 199، وعبارته: (وروي عن مالك أنه لا يقطع التلبية حتى يأخذ في الطواف، وإن لبى في طوافه فلا حرج عليه). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 397.

فصل [في أنواع الطواف]

وألا يفعل أحسن؛ لأن التلبية إجابة لما دعي له، فإذا تلبس بما دعي إليه كان الاشتغال بامتثال ما دعي إليه أولى. فصل [في أنواع الطواف] طواف الحج ثلاثة: طواف القدوم، وطواف الإفاضة، وطواف الوداع. وهي مختلفة الأحكام؛ سنة وفرضًا وندبًا. فطواف القدوم سنة؛ لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه له (¬1) وطواف الإفاضة فرض؛ لأمر الله تعالى به، فقال بعد ذكر الوقوف والتحريم: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} وطواف الوداع مندوب إليه؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَنْفِرَنَّ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ آخِر عَهْدِهِ بِالبَيْتِ" أخرجه مسلم، والبخاري نحوه (¬2). وقد يجزئ عن جميعها طواف الإفاضة، إذا أضاف إليه السعي لمن أتى مراهقًا، وكان نفره (¬3) عقب الطواف، والأصل في سقوطه عن المراهق ¬

_ (¬1) استدل من قال بأن طواف القدوم سنة بحديث جابر في البخاري: 2/ 594، في باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت وإذا سعى على غير وضوء بين الصفا والمروة من كتاب الحج، في صحيحه، برقم (1568) وفيه: (وحاضت عائشة - رضي الله عنها - فنسكت المناسك كلها غير أنها لم تطف بالبيت فلما طهرت طافت بالبيت)، وحديث ابن عباس في مسلم: 2/ 905، في باب ما يلزم من أحرم بالحج ثم قدم مكة من الطواف والسعي، من كتاب الحج، برقم (1233)، وفيه: (فقال ابن عمر فقد حج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فطاف بالبيت قبل أن يأتي الموقف فبقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحق أن تأخذ). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 624، في باب طواف الوداع، من كتاب الحج في صحيحه برقم (1668)، ومسلم: 2/ 963، في باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض، من كتاب الحج، برقم (1327)، واللفظ لمسلم. (¬3) في غير (ق 5): (بعد).

إحرام الصحابة بالحج من مكة بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم نفروا إلى عرفات، ولم يطوفوا بالبيت (¬1). وقال مالك: بلغني أن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يأتون مراهقين، فينفرون بحجهم ولا يطوفون ولا يسعون، ثم يَقْدَمُونَ منى، ولا يفيضون من منى إلى آخر أيام التشريق، فيأتون فينيخون عند باب المسجد، ثم يدخلون ويطوفون بالبيت ويسعون، ثم ينصرفون (¬2). وهذا أصل في سقوطه فيمن خرج عقب طواف الإفاضة، ولأن آخر عهده بالبيت، فدخل بذلك الطواف في عموم الحديث. ولا يجزئ طواف القدوم عن طواف الإفاضة؛ لأنه قدم الشيء قبل وجوبه، بمنزلة من صلى صلاة قبل وقتها. واختلف في طواف الوداع، هل يجزئ عن طواف الإفاضة؟ فقال مالك: يجزئه (¬3). وقال محمد بن عبد الحكم: لا يجزئه. وأصل المذهب: ألا (¬4) يجزئ التطوع عن الواجب، فمن تطوع بركعتين ثم ذكر أن عليه صلاة الفجر، أو بصوم يومٍ، ثم ذكر أن عليه صوم يوم من رمضان؛ لم تجزئه تلك الصلاة، ولا ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في صحيحه: 2/ 562، في باب التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإهلال عند الركوب على الدابة، من كتاب الحج برقم (1476)، ولفظه: (عن أنس - رضي الله عنه - قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن معه بالمدينة الظهر أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين ثم بات بها حتى أصبح، ثم ركب حتى استوت به على البيداء، حمد الله وسبح وكبر، ثم أهلّ بحج وعمرة، وأهلّ الناس بهما، فلما قدمنا أمر الناس فحلوا حتى كان يوم التروية أهلوا بالحج). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 424. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 493، ولفظه: (قلت لابن القاسم: أرأيت من خرج من مكة ولم يطف طواف الوداع؟ قال: قال مالك: إن كان ذلك قريبًا رجع إلى مكة فطاف طواف الوداع، وإن كان قد تباعد يمضي ولا شيء عليه). (¬4) في (ب): (أن).

ذلك الصوم عن الفرض. واختلف إذا تقدمت نية الفرض، ثم أحدث نية التطوع ناسيًا للفرض، وأتى به عقب نية الفرض، فقال مالك: لا يجزئه عن الفرض. وقال عبد الملك: يجزئه (¬1). وذلك فيمن سلم من ركعتين من الظهر، ثم أتى بركعتين عقب ذلك بنية التطوع، أنه يجزئ عن تمام الظهر. أو صام تسعة وخمسين يومًا من ظهاره، ثم نوى في الآخر (¬2) تمام الستين التطوع. أو بيت الفطر، ثم ذكر قبل (¬3) أن يأكل؛ فقال: يجزئه ذلك اليوم عن تمام الشهرين (¬4). ورأى أنه باق على النية الأولى (¬5)، وطوافه باق على النية الأولى؛ لأنه لم ينو رفضها، وإنما أحدث النية الثانية ظنًا منه أنه وَفَّى بالنية الأولى. وينبغي أن يرد الجواب في الطواف إلى ذلك، فإن نوى التطوع وهو ذاكر لما عليه من طواف الإفاضة؛ لم يجزئه التطوع عنه. وإن كان ذلك على وجه النسيان بعد أن نوى طواف الإفاضة، ثم انحلت نيته بقرب ذلك أجزأه. وإن أحدث نية التطوع أجزأه على قول عبد الملك، ولم يجزئه على أصل قول مالك في الصلاة والصوم. وقد اختلف فيما بعدت فيه النية في الحج، هل يجزئه فعله بغير نية محدثة؟ فقيل فيمن أتى عرفة ولم يعرفها: أنها تجزئه عن الوقوف. وقيل: لا تجزئه. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 389. (¬2) في (2): (اليوم الأخير). (¬3) قوله: (قبل) ساقط من (ب). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 389. (¬5) قوله: (ورأى أنه. . . الأولى) ساقط من (ب).

فصل [في طواف القدوم]

فصل [في طواف القدوم] الطواف الأول يسقط عمن أحرم من مكة، وعمن أحرم من الحل إذا كان مراهقًا. وعمن أحرم من الحل بعمرة ثم أردف الحج من الحرم، ولا دم في شيء من ذلك. واختلف فيمن أتى غير مراهق من الحل فترك الطواف والسعي حتى خرج إلى عرفة، فقال ابن القاسم: عليه الدم (¬1)، ورأى أن تقدمه قبل الوقوف سنة. وقال أشهب: لا شيء عليه (¬2) ورآه مندوبًا إليه؛ يريد: لأن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أحلوا من العمرة أحرموا بالحج من مكة، فلو كان مؤكدًا لأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يخرجوا إلى التنعيم فيحرموا، ثم يدخلوا فيطوفوا (¬3). فصل [في الموالاة بين الطواف وركعتي الطواف والسعي] ويوالي بين الطواف والركوع والسعي. وإن فرق الطواف متعمدًا لم يجزئه، إلا أن يكون ذلك التفريق يسيرًا، أو يكون لعذر وهو على طهارته. فإن انتقضت طهارته توضأ، واستأنف الطواف من أوله (¬4). وسواء انتقضت تعمدًا أو غلبة، قال ابن القاسم في كتاب محمد: ولو بنى بعد أن توضأ لرجع كمن لم يطف (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 399. (¬2) انظر: المنتقى: 3/ 517. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 568، في باب التمتع والإقران والإفراد بالحج وفسخ الحج لمن لم يكن معه هدي، من كتاب الحج في صحيحه، برقم (1493)، ومسلم: 2/ 844، في باب الإهلال من حيث تنبعث الراحلة، من كتاب الحج، برقم (1187). (¬4) قوله: (أوله) ساقط من (ق 5). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 380.

وإن أقيمت الصلاة على الطائف، وقد بقي عليه شوط أو شوطان فلا بأس أن يتممهما إلى أن تعتدل الصفوف. وإن كان في أول الطواف قطع وصلى، ثم بنى على ما كان من طواف (¬1)؛ لأن الخروج إلى الفريضة ضرورة. واختلف إذا خرج لصلاة جنازة، فقال ابن القاسم: يبتدئ. وقال أشهب في كتاب محمد: يبني (¬2) وقال ابن القاسم: وإن خرج لنفقة نسيها ابتدأ (¬3) وعلى قول أشهب يبني إذا كان في مثل ما يبني أو كانت جنازة، وهو في الخروج إلى النفقة أعذر. واختلف إذا فرق بين الطواف والركوع ناسيًا، فقال في كتاب محمد: إذا نسيهما حتى سعى (¬4) ركعهما، وأعاد السعي (¬5). قال: وقيل يبتدئ. وقال مالك: إن انتقض وضوءه بعد تمام طوافه وقبل أن يركع توضأ، واستأنف الطواف تطوعًا أو واجبًا (¬6)؛ لأن الركعتين من الطواف، ويوصلان بالطواف إلا أن يبعد، فلا يرجع ويركع ويهدي. وإن كان الطواف تطوعًا لم يبتدئه، إلا أن يشاء إذا لم يتعمد الحدث. ويلزم على قوله في الناسي (¬7) -أنه يبني- أن يقول مثل ذلك إذا انتقضت طهارته، فيجدد الطهارة ويبني، وإن ¬

_ (¬1) في (ق 5): (كان طاف). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 378. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 426، ولفظ ما وقفت عليه فيها: (ولقد سألنا مالكا عن الرجل يطوف بعض طوافه فيذكر نفقة له قد كان نسيها فيخرج فيأخذها ثم يرجع؟ قال: يستأنف ولا يبني). (¬4) في (ب): (يسعى). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 386. (¬6) في (ق 5): (وكان واجبًا)، وانظر: المنتقى: 3/ 505. (¬7) في (ق 5): (الثاني).

كان الطواف واجبًا. قال في كتاب الحج الثاني من المدونة: إذا لم يذكر الركعتين حتى جامع يعتمر ويهدي. وإن كان لم يركعهما حتى عاد إلى بلده؛ ركعهما حيث هو، وأهدى (¬1). وقال المغيرة: يركعهما، ويرجع. وإذا نسيهما من الطواف الأول، ثم ذكر قبل يوم التروية- أعاد الطواف والسعي. وإن ذكر يوم التروية أو يوم عرفة كان كالمراهق، يخرج ولا يطوف. ويستحب له إذا كان يوم التروية: أن يطوف قبل أن يخرج. فإن خرج قبل أن يطوف فذكر وهو بعرفة، أو بعد الوقوف، فإنه إذا طاف طواف الإفاضة أضاف إليه السعي. واختلف في الدم: هل يسقط عنه ويكون كالمراهق، أو لا يسقط؛ لأن النسيان فيه ضرب من التفريط؟ وإن لم يذكر حتى أصاب النساء اعتمر وأهدى. وإن نسيهما من طواف الإفاضة، ثم ذكر في أيام الرمي- أعاد الطواف وركع ولا دم عليه. وإن خرجت الأيام، ولم يخرج شهر ذي الحجة- طاف وركع، واختلف في الدم. وإن خرج الشهر كان عليه الدم، فإن أصاب النساء اعتمر وأهدى كالأول. وإن نسيهما من الطواف الأول ثم ذكر بعد خروج ذي الحجة، ولم يصب النساء- كان عليه هدي لتأخير طواف الإفاضة؛ لأنه يصير بمنزلة من لم يطف، لما لم يضف إليه السعي. ويختلف هل يكون عليه هدي لتأخير طواف القدوم (¬2)؛ لأنه كان عليه أن يقدمه، فلما أفات ذلك حتى وقف كان عليه هدي، ثم عليه أن يطوف طواف الإفاضة ويركع ويسعى، فلما نسي ذلك حتى خرج الشهر كان عليه هدي أيضًا. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 458. (¬2) قوله: (يصير بمنزلة. . . طواف القدوم) ساقط من (ق 5).

فصل [فيمن فرق بين الطواف والسعي]

وظاهر المدونة: ألا دم عليه عن الأول. وقال مالك فيمن طاف الطواف الأول على غير وضوء: لا دم عليه لما أخر من الطواف إذا أصاب النساء؛ لأنه لم يتعمد، وهو بمنزلة المراهق، وجل الناس يقولون: لا عمرة عليه، والعمرة تجزئ من ذلك كله (¬1)، وقال محمد: إذا ذكر بعد فراغه من حجه وهو بمكة- أن الطواف الأول كان على غير وضوء- طاف وسعى، ولا دم عليه. وليس بمنزلة المتعمد والناسي (¬2). فصل [فيمن فرَّق بين الطواف والسعي] وإن فرق بين الطواف والسعي لم يجب عليه أن يستأنف. وكذلك، إذا فرق بين السعي نفسه، وخرج لجنازة أو لنفقة أو ما أشبه ذلك ما لم يطل- فإنه يستأنف الطواف. وقال مالك في كتاب محمد فيمن طاف، ولم يخرج إلى الصفا يسعى، حتى طاف تنفل (¬3) سُبْعًا أو سُبعين: أحب إليّ أن يعيد الطواف ثم يسعى، وإن لم يعد الطواف رجوت أن يكون في سعة (¬4) وقال فيمن طاف وركع ثم مرض ولم يستطع المشي حتى انتصف النهار: يكره أن يفرق بين الطواف والسعي. قال ابن القاسم: يبتدئ (¬5). وهذا استحسان، فإن لم يفعل أجزأه. قال مالك فيمن طاف ليلًا، وأخر ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 424. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 380. (¬3) قوله: (تنفل) بياض في (ب). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 383. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 382، 383.

السعي حتى أصبح، فإن كان بطهر أجزأه (¬1) وإن كان قد نام وانتقض وضوؤه فبئس ما صنع، وليعد الطواف والسعي والحلاق ثانية إن كان بمكة. وإن خرج من مكة؛ أهدى وأجزأه (¬2). وهذا يدل على أن إعادة المريض استحسان؛ لأن هذا فرّق مختارًا، وهو قادر على أن يسعى قبل أن يصبح. فرآه مجزئًا عنه، ولا إعادة عليه إن لم تنتقض طهارته. وقوله أيضًا: إذا انتقضت الطهارة أنه يعيد. استحسان، ولو كان واجبًا لرجع وإن بلغ بلده؛ لأن السعي يصح بغير طهارة إذا سعى بالقرب، ويصح من الحائض، فلم يكن لمراعاة انتقاضها إذا بعد وجه. ¬

_ (¬1) قوله: (قال مالك. . . بطهر أجزأه) ساقط من (ب). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 383.

باب في طواف الوداع وطواف التطوع

باب في طواف الوداع وطواف التطوع الأصل في طواف الوداع قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَنْفِرَنَّ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ آخِر عَهْدِهِ بِالبَيْتِ" (¬1) فكل من خرج من مكة من أهلها أو غيرهم، من حاج أو معتمر، ولم يكن خروجه بفور طوافه للإفاضة أو طواف التطوع، أو من قدم لتجارة أو غيرها، ولم يكن حج ولا اعتمر، فخرج أحد ممن تقدم ذكره، وهو لا يريد الرجوع، أو يريد ذلك بعد أن يبعد عن مكة- فإنه يطوف عند خروجه. ومن كان خروجه بفور طوافه من حج أو عمرة، أو طاف تطوعًا، أو لم يكن بفور ذلك، وكان سفره إلى الموضع القريب لم يكن عليه طواف. قال مالك في المدونة فيمن خرج للعمرة: إن كان يعتمر من التنعيم أو الجعرانة لم يكن عليه طواف الوداع، وإن كان يعتمر من الجحفة أو غيرها من المواقيت فإنه يطوف للوداع، قال ابن القاسم: طواف الوداع على النساء والصبيان والعبيد وعلى كل أحد (¬2). ومن شرطه: أن يكون عند سفره وخروجه من غير تراخ، فإن اشتغل بعده بالشيء اليسير فلا بأس. قال مالك: إن اشترى بعض جهازه أو طعامه، فأقام في ذلك ساعة لم يكن عليه إعادة (¬3). قال ابن القاسم: وإن أقام يومًا أو بعض يوم أعاد (¬4). وقال ابن الماجشون في المبسوط: إن بات ليستأنف كراءً، أو ¬

_ (¬1) سبق تخريجه، ص: 1185. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 493. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 492. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 493.

لِيُعِدَّ مرفقًا لم يُعدْ. وقال مالك في مختصر ما ليس في المختصر: ومن ودع ثم أقام الغد بمكة فهو في سعة أن يخرج. والقول الأول أسعد بالحديث. ولو جاز أن يجتزئ بذلك مع طول الإقامة لأجزأ (¬1) طواف الإفاضة؛ لأنه يجزئ عن طواف الوداع إذا خرج بالفور. وأما إن خرج من فوره، فأقام بذي طوى؛ فليس عليه أن يعيد. واستحب مالك لمن خرج، ولم يطف للوداع أن يرجع إن كان قريبًا (¬2)، ولم يخف فوات أصحابه، ولا منعًا من كَرِيَّه. فإن خاف ذلك، وكان قد أبعد؛ لم يرجع. وقد رد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - رجلًا من مر الظهران لم يطف للوداع (¬3). وإن حاضت امرأة قبل أن تطوف للوداع خرجت، ولم يحبس عليها كريها، وإن لم تكن طافت للإفاضة، فقال مالك: يحبس عليها كريها أقصى ما يحبسها الدم، ثم تستظهر بثلاث، ولا يحبس عليها أكثر من ذلك (¬4). قال محمد: اختلف قول مالك في ذلك، فقال مرة: خمسة عشر يومًا. وقال مرة: سبعة عشر يومًا، وتستظهر بيوم أو يومين. وقال مرة: شهرًا أو نحوه (¬5). وليس هذا بالبين؛ لأنها إذا جاوزت الخمسة عشر يومًا أو سبعة عشر يومًا كانت في حكم الطاهر؛ تصلي وتصوم، ويأتيها زوجها، ¬

_ (¬1) في (ب): (لأخر). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 493. (¬3) أخرجه مالك: 1/ 370، في باب وداع البيت، من كتاب الحج، برقم (824)، والبيهقي في السنن الكبرى: 5/ 162، في باب طواف الوداع، من كتاب الحج، برقم (9529). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 493. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 435.

فصل [في طواف التطوع]

وتطوف. وإن كانت تحيض يومًا وتطهر يومًا طافت يوم طهرها، وخرجت. وعلى قوله في كتاب محمد: يحبس عليها شهرًا يكون الدم لا غاية له، وتمسك إذا لم يتغير الدم عن حاله الأول من أول ما رأته. وإن أقامت شهرًا، أو لم تكن مستحاضة، إلا أن يتغير الدم عن حاله إلى الاستحاضة، قال في المدونة: إن كانت نفساء حبس عليها كريها (¬1) أكثر ما يحبس النساء الدم من غير سقم (¬2). وقال في كتاب محمد: الحيض من شأن النساء. وأما الحمل فيقول: لو أعلم أنها حامل. وكل هذا فعلى عاداتهم في الأكرية ما بين مكة والمدينة (¬3)؛ لأن الرفاق لا تتعذر وهي مارة وراجعة. وأما غير ذلك من السفر إلى مصر والشام فإن للجمال ألا يتأخر؛ لأنه لا يقدر على أن يتأخر على رفقته، ولا أن يسافر وحده. ثم يختلف، هل عليها أن تكري آخر مكانه، ويفاسخها الكراء (¬4). فصل [في طواف التطوع] والسنة فيمن طاف أسبوعًا تطوعًا أن يعقبه بركعتين (¬5)، فمن لم يفعل حتى ¬

_ (¬1) قوله: (كريها) ساقط من (ق 5). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 493. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 9. (¬4) في (ب): (ويفاسخها). (¬5) يعني لما رواه البخاري وغيره، عن عمرو، سألنا ابن عمر - رضي الله عنهما -: أيقع الرجل على امرأته في العمرة قبل أن يطوف بين الصفا والمروة؟ قال: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فطاف بالبيت سبعا، ثم صلى خلف المقام ركعتين وطاف بين الصفا والمروة وقال: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)، أخرجه في صحيحه: 2/ 587، في باب صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لسبوعه ركعتين، في =

طال (¬1)، أو انتقضت طهارته استأنفه. وإن أعقب الأسبوع (¬2) الأول بأسبوع ثان قبل أن يركع قطعه، ثم ركع عن الأول. وإن لم يفعل حتى أتم الثاني أتى لكل أسبوع بركعتين وأجزأه، قال ابن القاسم في المدونة (¬3): لأنه أمر قد اختلف فيه (¬4). وكذلك لو أتى بأسبوع ثالث أو رابع؛ فإنه يأتي لكل أسبوع بركعتين، ويجزئه. وقياس المذهب: أن ذلك طول يحول بينه وبين إصلاح الأول، ويوجب عليه الاستئناف فيما تقدم من الطواف. وقد اختلف فيمن نسي ركعتين حتى سعى، هل يستأنف الطواف، أم لا؟. وكره مالك أن يدخل البيت بالنعلين أو الخفين، أو يصعد منبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثل ذلك. وأجاز ذلك ابن القاسم في دخول الحجر (¬5). وليس بالبين؛ لأنه من البيت، إلا ما زاد على ما كان من البيت، وهو ما بعد ست أذرع منه. وكره مالك لمن دخل البيت وجلس فيه أن يجعل نعليه فيه، ويجعلهما في حجرته (¬6). ¬

_ = كتاب الحج، برقم، (1544). (¬1) في (ب): (سعى). (¬2) السبّوع والأسبوع: هي الطلقات السبع اللاتي الثلاث الأول منها خبب والأربع منها مشي سهل. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 41. (¬3) في (ق 5): (غير المدونة). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 426. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 426، 427. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 503.

باب في السعي بين الصفا والمروة

باب في السعي بين الصفا والمروة ورد القرآن بإباحة السعي بين الصفا والمروة؛ لقول الله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}. وتضمنمت الآية الندب لقوله تعالى: {مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}. وجاءت السنة في إثباته، قالت عائشة: "سَنَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -الطَّوَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَدَعَ ذَلِكَ" (¬1)، وثبت الأمر به، فقال ابن عمر: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ؛ فَلْيَطُفْ بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ وَلْيُقَصِّرْ وَلْيَتَحَلَّلْ، ثُمَّ لْيُهِلَّ بِالحَجِّ. . ." الحديث، وقد أخرج هذين الحديثين البخاري ومسلم (¬2)، وقد تضمن هذا الحديث وجهين: الأمر به، وأنه على حكم الإحرام. وقد اختلف في وجوبه، فذهب مالك وأصحابه إلى أنه واجب في الحج والعمرة، وعلى من تركه حتى رجع إلى بلده الرجوع ليأتي به (¬3). ومن أصاب أهله بعد الطواف وقبل السعي؛ كان قد أفسد، وعليه القضاء. وإن فعل ذلك في حج، ولم يكن طاف للقدوم، ثم طاف للإفاضة، ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 592، في باب وجوب الصفا والمروة وجعل من شعائر الله، من كتاب الحج في صحيحه، برقم (1561)، ومسلم: 2/ 928، في باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن لا يصح الحج إلا به، من كتاب الحج، برقم (1277). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 607، في باب من ساق البدن معه، من كتاب الحج في صحيحه، برقم (1606)، ومسلم: 2/ 901، في باب وجوب الدم على المتمتع وأنه إذا عدمه لزمه صوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، من كتاب الحج، برقم (1227). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 427.

فصل [في موالاة السعي بين الصفا والمروة بعد الطواف]

ولم يسع حتى أصاب أهله - كان عليه أن يأتي بعمرة. قال الثوري وإسحاق في المعتمر يصيب أهله قبل أن يسعى: يهريق دمًا، وقد تمت عمرته، ولم يوجبا السعي. وقال ابن عباس: العمرة الطواف (¬1) وذكر ابن القصار عن إسماعيل القاضي أنه ذكر عن مالك فيمن ترك السعي بين الصفا والمروة حتى تباعد وطال الأمر، فأصاب النساء: أنه يهدي، ويجزئه. قال: وأحسبه ذهب في ذلك إلى ما وصفنا للاختلاف، ولقول بعضهم: ليس بواجب. وقال بعضهم: إنه تطوع. فصل [في موالاة السعي بين الصفا والمروة بعد الطواف] السعي بين الصفا والمروة في الحج مرة واحدة، يؤتى به عقب طواف القدوم، ثم لا سعي فيما (¬2) بعد ذلك إذا طاف للإفاضة أو للوداع. ومن لم يطف للقدوم لأنه مراهق، أو تركه متعمدًا - أتى به عقب طواف الإفاضة. فمن لم يأت به عقب طواف الإفاضة، وأتى به عقب طواف الوداع - أجزأه عند مالك (¬3)؛ لأنه يرى أن طواف التطوع في الحج يجزئ عن الواجب. ولا يجزئ عند محمد بن عبد الحكم. وكذلك في العمرة: أن يؤتى به مرة واحدة بعد الطواف، فإن لم يأت به حتى أصاب النساء؛ كان قد أفسد عمرته. ومن أتى بالسعي في الحج أو العمرة قبل الطواف، ثم أعقبه بالطواف لم يجزئه، وكان بمنزلة من لم يسع. ¬

_ (¬1) انظر: عمدة القاري شرح صحيح البخاري، للعلامة بدر الدين العيني: 9/ 257. (¬2) في (ق 5): (ما). (¬3) انظر: المعونة: 1/ 374.

والسعي بين الصفا والمروة سبع، ويبتدئ بالصفا ويختم بالمروة وإذا وقف على الصفا أربعًا وعلى المروة أربعًا؛ كان الذي بينهما سبعًا، وإن بدأ بالمروة زاد شوطًا. ويستحب أن يقف على الصفا والمروة في موضع (¬1) يرى منه البيت، ويستقبل البيت في حين وقوفه، فإن وقف أسفل أجزأه، ويكون قائمًا، إلا من له عذر من مرض (¬2) لا يستطيع معه القيام، فلا بأس أن يكون جالسًا. وإن جلس مع القدرة على القيام أجزأه. والنساء في ذلك كالرجال، إلا أنهن يقمن أسفل ذلك، ولا يخالطهن الرجال. فإن لم يكن هناك رجال فالأعلى أفضل (¬3). وإذا وقف الواقف هناك استفتح بذكر الله بالتكبير والحمد والثناء، ثم الدعاء. واختلف في رفع اليدين حين الدعاء، وذلك واسع؛ بجعل بطونهما إلى الأرض وظهورهما إلى السماء وهو الرهب، أو بجعل بطونهما إلى السماء وظهورهما إلى الأرض وهو الرغب. ولا يجعلهما قائمتين كما يفعل في الإحرام في الصلاة. وإذا نزل من الصفا فأتى بطن الوادي سعى حتى يخرج منه. واختلف في أصل ذلك السعي، فقيل: الأصل فيه: هاجر، لما تركها إبراهيم عليه الصلاة والسلام وإسماعيل، ولم يكن بالموضع ماء، فعطش إسماعيل عليه ¬

_ (¬1) قوله: (في موضع) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (له عذر من مرض) يقابله في (ب): (عذر مرض). (¬3) قوله: (أفضل) ساقط من (ب).

الصلاة والسلام، فصعدت الصفا لتنظر هل بالموضع ماء، فلم تر شيئًا، فنزلت وسعت في بطن السيل حتى أتت المروة، قوقفت بمثل ذلك (¬1)، وذكر الترمذي عن ابن عياس: "أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِيُرِيَ المُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ" (¬2). تم كتاب الحج الأول ¬

_ (¬1) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره: 7/ 461، في تفسير قول الله تعالى {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم: 37]. (¬2) أخرجه الترمذي: 2/ 217، في باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة، من أبواب الحج، برقم (863)، قال الترمذي: حديث ابن عباس حديث حسن صحيح، وهو الذي يستحبه أهل العلم، أن يسعى بين الصفا والمروة، فإن لم يسع ومشى بين الصفا والمروة رأوه جائزا. والحديث متفق عليه وقد سبق تخريجه، ص: 1183.

كتاب الحج الثاني

كتاب الحج الثاني النسخ المقابل عليها 1 - (ب) = نسخة برلين رقم (3144) 2 - (ق 5) = نسخة القرويين رقم (368/ 3)

باب في المبيت ليلة عرفة, أو ليالي منى, أو غيرها, وذكر أيام الحج، وموضع الوقوف بعرفة, وخطب الحج، ومتى يقطع التلبية

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم كتاب الحج الثاني باب في المبيت ليلة عرفة, أو ليالي منى, أو غيرها, وذكر أيام الحج، وموضع الوقوف بعرفة, وخطب الحج، ومتى يقطع التلبية ومن المدونة قال مالك: يكره أن يدع الرجل المبيت بمنى ليلة عرفة، كما يكره أن يبيت ليلة من ليالي منى إلا بمنى، وعليه الدم إن فعل، وإن ترك المبيت ليلة عرفة لم يكن عليه دم (¬1). فلم يرَ في الليلة (¬2) الأولى دمًا؛ لأن مبيت تلك الليلة ليس لأمر يفعل فيها ولا في غدها، وإنما هي جواز لعرفة. وأيام الحج فيما بعد؛ وهي خمسة: يوم عرفة ويوم النحر وأيام الرمي الثلاثة. ويستحب أن يكون يوم التروية -وهو اليوم الثامن- بمنى (¬3) يخرج من مكة إلى منى (¬4) بقدر ما إذا بلغ منى صلى بها الظهر، ثم يغدو من منى بعد طلوع الشمس؛ لحديث جابر - رضي الله عنه -، قال: "لمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيةِ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى مِنًى وَتَوَجَّهَ النَّاسُ مَعَهُ فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالعَصرَ وَالمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ وَاَلصُّبْحَ". ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 429. (¬2) قوله: (في الليلة) يقابله في (ب): (عليه في غير الليلة). (¬3) في (ب): (لما). (¬4) قوله: (إلى منى) ساقط من (ب).

أخرجه مسلم (¬1). وكره مالك أن يقدم الناس إلى منى قبل يوم التروية، وإلى عرفة قبل يوم عرفة (¬2). واختلف في تقدمة (¬3) الأثقال، وكره ذلك مالك حماية أن يتقدم الناس إلى منى قبل يوم التروية بأنفسهم (¬4)، ولأنه لا بد أن يكون معها من يصونها. وأجازه أشهب في المجموعة. وكره مالك في البنيان الذي أحدث في منى (¬5)، قال في كتاب محمد: لأنه يضيق على الناس (¬6). وكره بنيان مسجد عرفة، قال: وإنما أحدث بعد بني هاشم بعشر سنين (¬7). وقيل في يوم التروية: إنما سمي بذلك لأن قريشًا كانت تحمل الماء من مكة إلى منى لحاج العرب يسقونهم مع الزاد، فقيل: رَويَّ الحاج. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم: 2/ 886، في باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، من كتاب الحج، برقم (1218). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 420. (¬3) في (ق 5): (تقديمه). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 420، قال فيها: (وأكره للناس هذا الذي يصنعون يقدمون أبنيتهم إلى منى قبل يوم التروية, وأكره لهم أيضا أن يتقدموا هم أنفسهم قبل يوم الزوية إلى منى، قال: وأكره لهم أن يتقدموا إلى عرفة قبل يوم عرفة هم أنفسهم أو يقدموا أبنيتهم). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 420. (¬6) عزاه في النوادر للعتبية، انظر: النوادر: 1/ 489. قال في العتبية: (فقيل له ما اتخذ الناس من البنيان بمنى، فكره ذلك وقال ذلك مما يضيق على الناس، ولم يعجبه البنيان بها)، انظر: البيان والتحصيل: 1/ 253. (¬7) انظر: المدونة: 1/ 420.

فصل [في منازل الحج وحدودها وخطبة الحج]

فصل [في منازل الحج وحدودها وخطبة الحج] عرفة كلها منزل وموقف، ما خلا بطن عُرَنَة (¬1)؛ فإنها من الحرم وليست من عرفة، والمزدلفة كلها منزل ما عدا بطن مُحَسِّر، فإنه ليس من المزدلفة، ومنى كلها منزل ومنحر ما خلا ما خلف العقبة إلى مكة فإنه ليس من منى، فلا ينحر فيه، ولا يبيت فيه. ويستحب أن ينزل الناس من عرفة بنمرة؛ لحديب جابر - رضي الله عنه -، قال: "أَمَرَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ فَتُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَنَزَلَ بِهَا" أخرجه مسلم (¬2). فإذا زالت الشمس اغتسل الناس، وجمع بهم الإمام حينئذٍ (¬3) الظهر والعصر. قال ابن حبيب: ولا ينبغي لأحد أن يترك الجمع مع الإمام (¬4). ويبتدئ الإمام الخطبة قبل الصلاة ويخطب خطبتين. وخطب الحج ثلاث: الأولى يوم السابع بمكة، والثانية يوم عرفة بعرفة، والثالثة أول أيام الرمي، وهو الحادي عشر. قال ابن شهاب: كانت يوم النحر فأخرتها الأمراء للشغل. والأولى والثالثة خطبة واحدة بعد الصلاة، والثانية خطبتان قبل الصلاة. ولا يجلس إلا في خطبة يوم عرفة (¬5)، وكل واحدة تتضمن ما يفعل من يوم يخطب إلى التي ¬

_ (¬1) في (ق 5): (عرفة). (¬2) سبق تخريجه, ص: 1203. (¬3) قوله: (حينئذ) زيادة من (ب). (¬4) في (ب): (الناس). (¬5) قوله: (ولا يجلس. . . يوم عرفة) ساقط من (ب).

تليها، والأخيرة ما يفعل إلى انقضاء الحج. قال ابن حبيب: تفتتح الخطب الثلاث بالتكبير كالأعياد، ويكبر في خلال كل خطبة (¬1). واختلف في وقت قطع التلبية، فقال مالك مرة: يقطع إذا زالت الشمس وراح إلى الصلاة. وقال: إذا راح إلى الموقف (¬2). وقال في كتاب محمد: إذا وقف. وذكر أبو محمد عبد الوهاب في الإشراف: يلبي حتى يرمي جمرة العقبة (¬3). وهذا أحسن؛ للحديث: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أَرْدَفَ أُسَامَةَ - رضي الله عنه - مِنْ عَرَفَةَ إِلَى المُزْدَلِفَةِ، وَأَرْدَفَ الفَضْلَ - رضي الله عنه - مِنَ المُزْدَلِفَةِ إِلَى مِنى، فَكِلاهُمَا قَالَ (¬4): "لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ". أخرجه البخاري ومسلم (¬5). ولأن التلبية إجابة إلى ما دعي إليه، وقد اتفقوا على أنه لا يكتفي من ذلك بالتلبية عند ما يعقد الإحرام ثم يقطع. وإذا كان ذلك فينبغي أن يلبي حتى يتلبس بالفعل الذي دعي إليه. ويوم النحر: يوم الحج الأكبر، فيه الرمي والنحر والحلاق والإفاضة. ويقال: حتى يتلبس بالوقوف بعرفة، كما قال محمد. وقال أشهب في كتاب محمد: إذا قطع التلبية بعرفة؛ فليهلل وليكبر وليذكر الله. وقيل: يكثر الذكر والتهليل والتكبير والتحميد والتمجيد والتعظيم والدعاء والاستغفار والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -. ويفعل مثل ذلك إذا دفع من عرفة، وفي مبيته ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 504. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 397. (¬3) انظر: الإشراف: 1/ 479. (¬4) قوله: (قال) ساقط من (ب). (¬5) أخرجه البخاري: 2/ 559، في باب الركوب والارتداف في الحج، من كتاب الحج، برقم (1469)، ومسلم: 2/ 931، في باب استحباب إدامة الحاج التلبية حتى يشرع في رمي جمرة العقبة يوم النحر، من كتاب الحج، برقم (1281).

فصل [في مكان الوقوف بعرفة]

بمزدلفة، وفي مقامه بمنى، كما يفعل من رفع الصوت بالتلبية؛ لقوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198]. وقوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} [البقرة: 200]، وقوله: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203]. وفي "الموطأ": "أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خَرَجَ أَيَّامَ مِنىً بَعْدَ ارْتفَاعِ النَّهَارِ جِدًّا، فَكَبَّرَ وَكَبَّرَ النَّاسُ لِتكْبِيرِهِ، ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ ارْتفَاعِ النَّهَارِ جِدًّا، فَكَبَّرَ وَكَبَّرَ النَّاسُ لِتكْبِيرِهِ، ثُمَّ خَرَجَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ، فَكَبَّرَ وَكَبَّرَ النَّاسُ لِتكبِيرِهِ، حَتَّى بَلَغَ التَكبِيرُ للْبَيْتِ، فَعُرِفَ أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ لِرَمْيِ الجِمَارِ" (¬1). فصل [في مكان الوقوف بعرفة] وقال ابن حبيب: يقف بعرفة عند الهضاب من سفح الجبل، وحيث يقف الإمام أفضل (¬2). وفي كتاب مسلم: "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - جَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ لِلصَّخَرَاتِ (¬3)، وَجَعَلَ حَبْلَ المُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ" (¬4). وقال مالك في كتاب محمد: لا أحب أن أقف على جبال عرفة، ولكن مع الناس، وليس في موضع من ذلك فضل (¬5) إذا وقف مع الناس. واختلف فيمن وقف بمسجد عرفة على ثلاثة أقوال: فقال مالك في كتاب ¬

_ (¬1) أخرجه مالك: 1/ 404، في باب تكبير أيام التشريق، من كتاب الحج، برقم (906). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 392. (¬3) في (ب): (للمحراب). (¬4) سبق تخريجه، ص: 1203. (¬5) في (ب): (أفضل).

محمد: لم يصب من وقف به. قيل له: فإن فعل حتى دفع الإمام؟ قال: لا أدري. فكأنه شكَّ هل هو من الحل أو من الحرم. وقال أصبغ: لا حج له. ورآه من غير عرفة (¬1). وقال محمد: ويقال إن حائط المسجد القبلي على حده، ولو سقط لسقط في عرنة (¬2). وعلى هذا يجزئ الوقوف فيه؛ لأنه من الحل. وكذا عند ابن مزين: أنه يجزئ (¬3) الوقوف فيه. واستحب مالك أن يقف راكبًا؛ للحديث: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وَقَفَ رَاكِبًا" (¬4). ويقف على الدواب ما لم يضر بها؛ لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تتخذ ظهورها كراسي (¬5). ومن لم تكن له دابة فقائمًا، ولا يجلس إلا لعلة، أو لكلال. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 394. (¬2) في (ب): (عرفة)، وانظر: النوادر والزيادات: 2/ 501. (¬3) قوله: (يجزئ) يقابله في (ب): (لم يجزئ). (¬4) سبق تخريجه، ص: 1178. (¬5) أخرجه أحمد: 4/ 234، في مسند الشاميين من حديث معاذ بن أنس - رضي الله عنه -، برقم (18081)، وابن خزيمة: 4/ 142، في باب الزجر عن اتخاذ الدواب كراسي، من كتاب المناسك، برقم (2544)، وابن حبان: 12/ 437، في باب المثلة من كتاب الحظر والإباحة برقم (5619).

باب فيمن وقف بعرفة مغمى عليه، أو مر بعرفة وهو لا يعرفها، أو يعرفها ولم يقف بها، ومن أخطأ العدد فوقف بعد يوم عرفة, أو أتى مفاوتا وعليه صلاة

باب فيمن وقف بعرفة مغمى عليه، أو مر بعرفة وهو لا يعرفها، أو يعرفها ولم يقف بها، ومن أخطأ العدد فوقف بعد يوم عرفة, أو أتى مفاوتًا وعليه صلاة واختلف في وقوف عرفة لثلاثة: أحدها: هل يجزئه إذا كان مغمى عليه؟ والثاني: إذا كان في عقله هل يجزئه كونه بها وإن لم يعرفها أو حتى يعرفها؟ وإن لم يقف أو حتى يقف؟ والثالث: هل يجزئه وقوف النهار؟ فقال مالك فيمن أُتي به إلى عرفة وهو مغمى عليه، ووقفوا (¬1) به على حاله تلك: أنه يجزئه (¬2). وروى عنه مطرف وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: إن أغمي عليه بعرفة قبل الزوال لم يجزئه، وإن أغمي عليه بعد الزوال، فإن كان ذلك قبل أن يقف أجزأه، وإن اتصل به الإغماء حتى دفع به، وليس عليه أن يقف ثانيًا إن أفاق من بقية ليلته. قالا: وهو كالذي يغمى عليه في رمضان قبل الفجر، فلا يجزئه. وإن طلع الفجر وهو في عقله، ثم أغمى عليه بعد ذلك لم يضره. وقال مالك في مختصر ما ليس في المختصر: إن وقف مفيقًا ثم أغمى عليه أجزأه، وإن وقف مغمى عليه فلم يفق حتى طلع الفجر لم يجزئه (¬3). ¬

_ (¬1) في (ب): (ودفعوا). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 433. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 396، 397.

وقال أشهب في مدونته: ووقف في المدونة فيمن مر بعرفة ولم يقف بها، فلم يقل: إنه يجزئه أو لا يجزئه (¬1). وعلى قوله في المغمى عليه أنه يجزئه، ولو لم يكن في عقله - يجزئ هذا وجوده من الوقوف. وقال مالك في كتاب محمد فيمن دفع إلى عرفة قبل غروب الشمس، ثم لم يخرج منها حتى غربت الشمس: أنه يجزئه (¬2). وإن خرج قبل أن تغرب الشمس، ولم يرجع حتى طلع الفجر لم يجزئه (¬3)، وهذا إنما حصل منه المرور بغير نية الوقوف؛ لأنه على نية الانصراف. وقال محمد فيمن مر بعرفة ليلًا، وشقها وهو يعرفها، ولم ينزل بها: أنه يجزئه إذا نوى به الوقوف، وذكر الله. ولو كان مروره وهو لا يعرفها، ولم ينزل بها لم يجزئ، وبطل حجه. يريد: بعدم النية، وهذا أحسنها، فلا يجزئه إلا أن ينوي الوقوف، ويذكر الله تعالى، عرفها أو لم يعرفها. وإن لم ينو الوقوف، أو نواه ولم يذكر الله لم يجزئه. وقد أوجب الله تعالى وقوف عرفة (¬4)، وأبان النبي - صلى الله عليه وسلم - صفته, فعلم أن الفرض ليس بأن يمضي لذلك الوضع فيمشى فيه، أو ينام فيه ثم ينصرف. وكذلك أرى في المغمى عليه أنه لا يجزئه إذا زالت الشمس وهو مغمى عليه، أو كان في عقله ثم أغمي عليه قبل أن يقف؛ لأن ذلك يرجع إلى أن الفرض وجود جسمه لا غير ذلك. والمغمى عليه أبين ألا يجزئه؛ لأنه مخاطب ¬

_ (¬1) نقله أيضا في مدونة سحنون, انظر: المدونة: 1/ 432. (¬2) النوادر والزيادات: 2/ 395. (¬3) النوادر والزيادات: 2/ 395. (¬4) أي: قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196].

أن يتقرب إلى الله بالوقوف، والمغمى عليه غير متقرب إلى الله. وقوله الآخر: إذا كان في عقله ووقف أحسن. وقوله في المغمى عليه عند ابن حبيب دليل أن الوقوف بالنهار يجزئ؛ لأنه بمنزلة الصائم في طلوع الفجر، ولو كان الفرض الليل دون النهار لقال: إذا كان في عقله بعد غروب الشمس أجزأه، وإن غربت وهو مغمى عليه لم يجزئه. وقال يحيى بن عمر في أهل الموسم ينزل بهم ما نزل بالناس سَنَةَ العلوي، وهروبهم من عرفة قبل أن يتموا الوقوف: أنه يجزئهم ولا دم عليهم (¬1)، إنما يصح على القول: أن وقوف النهار دون الليل يجزئ. وفي الترمذي: "أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ بِالمُزْدَلِفَةِ، فَقَالَ: يَا رسُولَ الله، جِئْتُ مِنْ جَبَلَىْ طَيِّئٍ، مَا تَرَكْتُ مِنْ جَبَلٍ إِلاَّ وَقَفْتُ عَلَيْهِ، هَلْ لِى مِنْ حَجٍّ؟ فَقَاَلَ رسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: مَنْ شَهِدَ صَلاَتَنَا هَذِهِ، وَوَقَفَ بِهَا مَعَنَا حَتَّى يَدْفَعَ، وَقَدْ وَقَفَ قَبْلَ ذَلِكَ بِعَرَفَةَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ" (¬2). وهو حديث صحيح. وأيضًا فلا يشبه أن يكون الفرض من غروب الشمس إلى ما بعد، ويكون ما قبله من عند الزوال إلى غروب الشمس تطوعًا، ويكلف أمته الوقوف من الزوال إلى الغروب، مع كثرة ما فيه من المشقة فيما لم يفرض عليهم، ثم يكون ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 431. (¬2) صحيح، أخرجه أبو داود: 1/ 600، في باب من لم يدرك عرفة، من كتاب المناسك، برقم (1950)، والترمذي: 3/ 238، في باب ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج، من كتاب الحج، برقم (891)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي: 5/ 263، في باب فيمن لم يدرك صلاة الصبح مع الإمام بالمزدلفة، من كتاب مناسك الحج، برقم (3039).

حظه من الفرض لما دخل بغروب الشمس الانصراف إلى ما سواه؛ لأن الأحاديث إنما جاءت: أنه لما غربت الشمس دفع ولم يقف. ويكون الفرض المشي حتى يحل. يخرج من الحل. والوقوف عبادة يؤتى بها على صفة ما أتى به النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد أتى الناس يبين لهم معالم دينهم، وقد علموا أنه فرض عليهم الوقوف بعرفة، وأتوا لامتثال ما فرض عليهم، وهو المبين لأمته. ولو كان في تطوع والفرض من غروب الشمس لبينه؛ لأنه ليس يفهم من مجرد فعله أنه كان في تطوع، بل المفهوم أنهم كانوا في امتثال ما أمروا بمع وما أتوا إليه، وقد احتج في القول الأول: أن الفرض في الليل دون النهار بأشياء، منها: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الحَجُّ عَرَفَةُ، مَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ صَلاَةِ الصُّبْحِ فَقَدْ أَدْرَكَ الحَجَّ" (¬1). وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَفاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ قَبْلَ الصُّبْحِ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ" (¬2). وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ بِلَيْلٍ فَقَدْ أَدْرَكَ، وَمَنْ فَاتَهُ عَرَفَات بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَهُ الحَجُّ" (¬3). معلق الفوات بالليل والاحتجاج بهذا ليس بالبين؛ لأن الوقوف له أول، وهو من الزوال، ¬

_ (¬1) صحيح، أخرجه أبو داود: 1/ 599، في باب من لم يدرك عرفة، من كتاب المناسك، برقم (1949)، والترمذي: 3/ 235، في باب من أدرك الإمام بجمع، من كتاب الحج، برقم (889)، والنسائي: 5/ 256، في باب فرض الوقوف بعرفة, من كتاب مناسك الحج، برقم (3016)، وابن ماجه: 2/ 1003، في باب من أتى عرفة قبل الفجر ليلة جمع، من كتاب المناسك، برقم (3015)، وأحمد: 4/ 309، في مسند الكوفيين، من حديث عبد الرحمن بن يعمر - رضي الله عنه -، برقم (18796). (¬2) أخرجه البيهقي في سننه الكبير: 5/ 173، في باب إدراك الحج بإدراك عرفة قبل طلوع الفجر من يوم النحر، من كتاب الحج، برقم (9596). (¬3) ضعيف، أخرجه الدارقطني: 2/ 241، في باب المواقيت، من كتاب الحج، برقم (21). قال الدارقطني: مداره على رحمة بن مصعب، وهو ضعيف ولم يأت به غيره.

وآخر وهو ما لم يطلع الفجر. وإنما تضمنت هذه الأحاديث معرفة آخر الوقت، وقد كان وقوف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في أول الوقت، فأخبرهم: أنه من فاته الوقوف معه لم يفته الحج، وأن الوقوف (¬1) باقٍ إلى طلوع الفجر، وهو مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَدْرَكَ العَصْرَ" (¬2). وأول العصر إذا دخلت القامة الثانية، وكذلك قوله قي: "فَقَدْ أَدْرَكَ الحَجَّ" (¬3)، ولفظة الإدراك إنما يعتد بها في الغالب عما يخشى فواته، ويدل على ذلك: الإجماع على أنه لا يجوز أن يتعمد الناس باجتماعهم للوقوف قبل الفجر، ويدَعُونَ النهار. واحتج للقول الأول في ذلك أيضًا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن لضعفة أهله في الدفع من المزدلفة بليل، ولم يأذن بذلك من عرفة (¬4). ولو كان النهار فرضًا لأذن لهم. وهذا غير صحيح لوجهين: أحدهما: أنهم استأذنوه في جمع، ولم يستأذنوه بعرفة، فمنعهم، فيعلم افتراق الحكمين. والثاني: أنهم لو استأذنوه فمنعهم لأمكن أن يكون ذلك لأنهم في أفضل يوم وأفضل الساعات، ولما يرجى من الغفران والرحمة، وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَا رُئيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ أَصْغَرُ وَلاَ أَدْحَرُ وَلاَ أَحْقَرُ وَلاَ أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ ¬

_ (¬1) في (ب): (الوقت). (¬2) سبق تخريجه في كتاب الصلاة الأول، ص: 357. (¬3) في كتاب الصلاة الأول. (¬4) متفق عليه, أخرجه البخاري: 2/ 602، في باب من قدم ضعفة أهله بليل، من كتاب الحج، برقم (1592). ومسلم: 2/ 941، في باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء وغيرهن، من كتاب الحج، برقم (1295).

عَرَفَةَ" (¬1). وما ذلك إلا لما يرى من تنزل الرحمة، وتجاوز الله عن الذنوب العظام، وليس المبيت بالمزدلفة كذلك. والثالث: أنه لا مضرة عليهن في الدفع من عرفة باتساع الموضع، وتدركهن (¬2) المضرة إذا دفعن (¬3) من المزدلفة؛ لازدحام الناس عند الجمرة. ولم أرَ نصًا في القَدْرِ الذي يجزئ من الذكر، إلا ما قاله محمد: إذا ذكر الله. ولم يزد على هذا، فظاهر قوله: أنه يجزئه من ذلك ما قل. وقد اختلف في مثل هذا في الخطبة في الجمعة، هل يكفي من ذلك ما قل، أو لا يجزئ إلا ما له بال وقدر؟ وقال محمد بن المواز فيمن أتى عرفة مقاربًا للفجر وهو ناسٍ لصلاة، فإن صلى فاته الوقوف وطلع الفجر وبطل، فقال: إن كان قريبًا من جبال عرفة وقف ثم صلى. وإن كان بعيدًا بدأ بالصلاة، وإن فاته الحج، قال محمد بن عبد الحكم: إن كان من أهل مكة وما حولها بدأ بالصلاة، وإن كان من أهل الآفاق مضى إلى عرفة فوقف وصلى (¬4). فغلَّبَ أحد الضررين، وأرى إن ذكر وقد دخل أول عرفة فصار إلى الحل بدأ بالصلاة، وأجزأه المرور من الوقوف على القول أنه إذا مر بها مارًا ولم يقف أنه يجزئه. وعلى القول: أنه لا يجزئه المرور (¬5) من الوقوف؛ يختلف بأي ذلك يبدأ؟ وأرى أن يبدأ بالوقوف؛ لأنه قد تزاحم الفرضان، فيبتدئ بما يدركه بتأخيره ¬

_ (¬1) ضعيف، أخرجه مالك: 1/ 422، في باب جامع الحج، من كتاب الحج، برقم (944). (¬2) في (ق 5): (وتدركهم). (¬3) في (ق 5): (دفعوا). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 396. (¬5) قوله: (المرور) ساقط من (ب).

فصل [الخطأ في عرفه]

ضرر، وهو الحج، ثم يؤخر الصلاة. ولأنه قادر على أن يأتي بها بفور الوقوف من غير تراخٍ، فكان ذلك أولى من تأخير قربة لا يقدر على أن يوفي لها إلا العام. ومثله لو ذكر الصلاة قبل أن يبلغ عرفة، وكان متى اشتغل بها فاته الوقوف، فإنه يتمادى ويقف، ثم يقضي الصلاة، وعلى القول الآخر: يتمادى فإذا فى خل أول عرفة صلى، وأجزأه عن الوقوف. فصل [الخطأ في عرفه] وقال مالك في مختصر ما ليس في المختصر إذا وقف الناس يوم الجمعة، ثم تبين أن التعريف كان يوم الخميس: أنه يجزئهم الحج (¬1). وقاله ابن القاسم في العتبية (¬2). وقال أيضًا: لا يجزئهم. واختلف فيه قول سحنون. وألَّا يجزئ أحسن؛ للحديث: "مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ الصّبْحِ، فَقَدْ أَدْرَكَ الحَجَّ" (¬3). ولا خلاف أن آخر وقت الوقوف بعرفة ما لم يطلع الفجر، وإذا كان ذلك كان الوقوف بعد خروج الوقت قضاء. وليس هذا مما يصح به القضاء في الصلاة، ولو جاز أن يقضي في اليوم الثاني لقضى في الثالث والرابع. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 409. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 54، قال فيه: (إذا أخطأ أهل الموسم فكان وقوفهم بعرفة يوم النحر مضوا على عملهم وإن تبين ذلك لهم وثبت عندهم في بقية يومهم ذلك أو بعده, وينحرون من الغد، ويتأخر عمل الحج كله في الباقي عليهم يومًا لا ينبغي لهم أن يتركوا الوقوف من أجل أنه يوم النحر). (¬3) سبق تخريجه، ص: 1212.

باب في الدفع من عرفة ونزول المزدلفة والوقوف بالمشعر الحرام

باب في الدفع من عرفة ونزول المزدلفة والوقوف بالمشعر الحرام وإذا غربت الشمس دفع (¬1) الناس من عرفات، فإذا أتوا المزدلفة جمعوا بين المغرب والعشاء، ويبدؤوا بالصلاة قبل أن يحطوا رحالهم، قال مالك: إلا أن يكون الرحل الخفيف، وأما المحامل والزوامل فيبدؤوا بالصلاة (¬2). وفي الحديث: أنه بدأ بالمغرب، ثم حطت الرحال، ثم صليت العشاء (¬3). واختلف فيمن صلى المغرب قبل المزدلفة، أو جمع الصلاتين بعد مغيب الشفق وقبل المزدلفة، فقال ابن القاسم: يعيد الصلاة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الصَّلاَةُ أَمَامَكَ". قال: إلا ألا يستطيع أن يمضي (¬4) مع الناس لعلةٍ به أو بدابته، فإنه يمهل حتى يغيب الشفق، ثم يصليها. وقال أشهب في كتاب محمد: لا إعادة عليه، إلا أن تكون صلاته قبل مغيب الشفق فيعيد العشاء وحدها. وهو أحسن؛ لأن الإتيان بالصلاة في وقتها أفضل، والتأخير إلى المزدلفة رخصة؛ لأن الناس بعرفة عند الغروب (¬5) بمنزلة من غربت عليه الشمس وهو على ظَهْر، فيوسع له أن يؤخر حتى يبلغ المنهل، وهذا فيمن أدرك الوقوف مع الإمام، فأما من لم يقف مع الإمام فإنه يصلي كل صلاة لوقتها. وقال ابن ¬

_ (¬1) في (ب): (دفعت). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 31. (¬3) متفق عليه، وقد سبق تخريجه وإيراد لفظه في كتاب الصلاة الأول، ص: 250. (¬4) في (ب): (فيمضي). (¬5) في (ب): (المغرب).

القاسم: إن طمع أن يقف ويرجع إلى المزدلفة في ثلث الليل رأيت أن يؤخر حتى يأتي المزدلفة، ويجمع بينهما. ويقيم الناس بالمزدلفة حتى يصبحوا ويصلوا (¬1) الصبح، ثم يقفوا بالمشعر الحرام، ثم يدفعوا قبل الإسفار الثاني. واختلف في ثلاثة مواضع: أحدها: إذا دفع من عرفة إلى منى، ولم ينزل بالمزدلفة. فقال مالك: عليه الدم (¬2). فإن نزل بها ثم دفع أول الليل ووسطه فلا دم عليه. وقال عبد الملك ابن الماجشون في المبسوط: لا دم عليه إن دفع من عرفات إلى منى. والثاني: إذا أتى بعد الفجر، ثم نزل بالمزدلفة، فقال ابن القاسم: لا دم عليه. وقال أشهب: عليه الدم. والثالث: إذا نزل بالمزدلفة ولم يقف بالمشعر الحرام، فقال مالك وابن القاسم: لا دم (¬3) عليه، وإن وقف بالمشعر الحرام ولم ينزل بالمزدلفة كان عليه الدم (¬4). وجعلوا النزول بالمزدلفة آكد من الوقوف بالمشعر الحرام. وقال عطاء وابن شهاب وغيرهما: عليه الدم. وقال علقمة والشعبي والنخعي: إذا لم يقف بالمشعر الحرام فقد فاته الحج. وهذا الأمر لقول الله تعالى في الوقوف بالمشعر الحرام (¬5): {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ شَهِدَ ¬

_ (¬1) قوله (يصبحوا ويصلوا) يقابله في (ب): (حتى يصبح ويصلون). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 426. (¬3) في (ب): (هدي). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 433. (¬5) قوله: (بالمشعر الحرام) ساقط من (ب).

صَلاَتَنَا هَذِهِ, وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى يَدْفَعَ، وَوَقَفَ قَبْلَ ذَلِكَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ" (¬1)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من أدرك جمعًا فوقف (¬2) مع الناس حتى يفيض فقد أدرك، ومن لم يدرك ذلك فلا حج له" (¬3). وفي كتاب مسلم: "أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ, فَيَقِفُونَ عِنْدَ المَشْعَرِ الحَرَامِ بِاللَّيْلٍ، فَيَذْكُرُونَ اللهَ مَا بَدَا لَهُمْ، ثُمَّ يَدْفَعُونَ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ الإِمَامُ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ مِنًى لِصَلاَةِ الفَجْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِذَا قَدِمُوا رَمَوُا الجمْرَةَ, وَكَانَ يَقُولُ: أَرْخَصَ لأُولَئِكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -" (¬4). فأمر أهله بالوقوف قبل الفجر، وجعل الرخصة في تعجيل الوقوف ليس في إسقاطه، وذكر محمد بن المواز عنه مثل ذلك. ¬

_ (¬1) صحيح، أخرجه أبو داود: 1/ 600، في باب من لم يدرك عرفة, من كتاب المناسك، برقم (1950)، والترمذي: 3/ 238، في باب ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع، من كتاب الحج، برقم (891)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي: 5/ 263، في باب من لم يدرك صلاة الصبح مع الإمام بالمزدلفة، من كتاب مناسك الحج، برقم (3039)، وابن ماجه: 2/ 1003، في باب من أتى عرفة قبل الفجر ليلة جمع، من كتاب المناسك، برقم (3016)، وأحمد: 4/ 261، في مسند الكوفيين، من حديث عروة بن مضرس - رضي الله عنه -، برقم (18326). (¬2) في (ب): (فقد وقف). (¬3) صحيح، أخرجه النسائي: 5/ 263، في باب من لم يدرك صلاة الصبح مع الإمام بالمزدلفة، من كتاب مناسك الحج، برقم (3040)، وأبو يعلى: 2/ 245، في مسند عروة بن مضرس، برقم (946). (¬4) سبق تخريجه، ص: 1213.

باب فيما يفعله الحاج يوم النحر من رمي ونحر وحلاق ولباس وطوف, وهل يحل له النساء والصيد؟

باب فيما يفعله الحاج يوم النحر من رمي ونحر وحلاق ولباس وطوف, وهل يحل له النساء والصيد؟ ومن دفع من المشعر الحرام ثم أتى منى رمى جمرة العقبة، ثم ينحر أو يذبح إن كان معه هدي، ثم يحلق، ثم يلبس المخيط، ثم يطوف طواف الإفاضة, فيحل له إذا طاف: النساء والطيب والصيد، ثم يعود إلى منى فيصلي بها الظهر. فإذا (¬1) أخطأ فقدم النحر على الرمي رمى ولا شيء عليه، وإن قدم الحلاق على الرمي رمى وعليه الفدية (¬2). واختلف إذا قدم الإفاضة على الرمي، فقال مالك وابن القاسم: تجزئه الإفاضة، وعليه الهدي. وقال أيضًا: لا تجزئه، وهو كمن لم يفض (¬3). وقال أصبغ: أحب إليَّ أن يعيد الإفاضة، وهو في يوم النحر آكد. واختلف إذا قدم الحلاق على الذبح، فقال مالك: يذبح، ولا شيء عليه (¬4). وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: عليه الفدية (¬5): لقول الله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196]. يريد: فينحر. وحمل مالك الآية على بلوغه المحل وإن لم ينحر، وإن قدم الإفاضة على الذبح ¬

_ (¬1) في (ب): (فإن). (¬2) انظر: الإشراف: 1/ 485. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 414. (¬4) انظر: التفريع: 1/ 230. (¬5) في (ق 5): (الفدية وقال ابن حبيب).

أجزأته الإفاضة ويذبح، ويجري فيها قول (¬1) آخر: أنه يعيد. واختلف إذا قدم الإفاضة على الحلاق، فقال مالك: يجزئه. وقال في كتاب محمد: قول ابن عمر أحب إليّ، فيحلق بمنى، ثم يعيد الإفاضة. فإن لم يعد أجزأه، وعلى قوله هذا يعيد من قدم الإفاضة على الذبح، وقد جاءت السنة في هذه الأربعة أن الترتيب فيها حسبما تقدم في أول الباب: الرمي، ثم الذبح، ثم الحلاق، ثم الإفاضة، وجاء القرآن بتقديم الذبح على الحلاق والإفاضة (¬2) في قوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196]. وكذلك قوله: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}. فيه: تقديم الذبح، ثم الحلاق والإفاضة. وجاءت السنة في التوسعة فيمن خالف ذلك وهو غير عالم، فروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان في حجة الوداع يوم النحر بمنى، فجاء رجل، فقال: يا رسول الله، لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي؟ فقال: "ارْمِ وَلاَ حَرَجَ". وقال آخر: لم أشعر، فحلقت قبل أن أذبح؟ قال: "اذْبَحْ وَلاَ حَرَجَ". وقال آخر: أفضت إلى البيت قبل أن أرمي؟ قال: "ارْمِ وَلاَ حَرَجَ". قال: فما سئل عن شيء قُدِّم ولا أُخِّر إلا قال: "افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ" اجتمع عليه البخاري ومسلم والموطأ (¬3)، وبعضهم يزيد على بعض. ¬

_ (¬1) قوله: (قول) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (والإفاضة) ساقط من (ب). (¬3) متفق عليه, أخرجه البخاري: 1/ 43، في باب الفتيا وهو واقف على الدابة وغيرها، من كتاب العلم، برقم (83)، ومسلم: 2/ 948، في باب من حلق قبل النحر، من كتاب الحج، برقم (1306)، ومالك: 2/ 385، في باب من قدم نسكًا قبل نسك, من كتاب الحج، برقم (500).

فصل [فيمن وطئ أهله في الحج]

والرمي والنحر يبيحان الحلاق دون إصابة النساء والصيد والطيب. واختلف في اللباس والاغتسال وإماطة الأذى من قص الأظفار وغير ذلك، فقال مالك: جائز (¬1). فصل [فيمن وطئ أهله في الحج] الوطء في الحج محرم، لقول الله تعالى: {فَلَا رَفَثَ. . .} الآية [البقرة: 197]. ولا يحل لمن أحرم بالحج أَهْلَهُ (¬2) حتى يقف بعرفة، ويرمي جمرة العقبة، ويطوف ويسعى. فإن وطئ قبل عرفة فسد حجه وأبدله. واختلف إذا وطئ بعد الوقوف على أربعة أقوال: فقال مالك في المدونة: إن وطئ بعد الوقوف يوم النحر قبل الرمي والطواف فسد حجه وأبدله (¬3). فإن وطئ يوم النحر بعد أن رمى، أو طاف للإفاضة ولم يرم، أو وطئ في اليوم الثاني ولم يرم ولم يطف، فسد حجه (¬4). قال أبو محمد عبد الوهاب عنه: أنه قال: إن وطئ بعد الوقوف وقبل أن يفعل شيئًا لم يفسد (¬5). وذكر ابن الجهم (¬6) عن أبي مصعب عن مالك: أن حجه يفسد إذا وطئ قبل طواف الإفاضة، وإن كان قد رمى. قال: وهذا أقيس؛ لقول الله تعالى: ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 409. (¬2) أي: الوطء. (¬3) قوله: (وأبدله) ساقط من (ق 5). (¬4) قوله: (حجه) ساقط من (ب). وانظر: المدونة: 1/ 458. (¬5) قوله: (أبو محمد. . . يفسد حجه) ساقط من (ب). وانظر: المعونة: 1/ 387. (¬6) قوله: (الجهم) ساقط من (ب).

{فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ. . .} الآية [البقرة: 197]، وما لم يحصل كمال تحلله فقد أرفث في الحج فيجب فساده، ولأنها حال ممنوع فيها الوطء لبقاء الإحرام، فوجب أن يفسد اعتبارًا لوقوعه قبل الرمي، ولأنها حال لو قتل فيها الصيد لوجب فيه الجزاء، ولأنها عبادة من شرطها الطواف أصلها العمرة، ولأن الوطء مع بقاء نسك من مناسك الحج يفسد أصله إذا وطئ قبل الوقوف، ولأن أول الإحرام مرتبط بآخره، فلما كان الوطء محُرَّمًا في آخره كما هو محرم في أوله فسد حجه، فسد أوله بآخره كالصلاة، والصوم. انتهى قوله. قال عبد الملك بن الماجشون: من وطئ قبل جمرة العقبة فسد حجه، وإن كان وطؤه بعد الطواف وبعد أن خرجت أيام منى. واحتج من قال: ألا يفسد إذا وطئ بعد الرمي وقبل الطواف، قال: لأنه إنما أفسد طوافًا في إحرام، فإذا أحرم بعمرة كان قد وفَّى به، وهذا فاسد؛ لأن العمرة لا تنوب عن الحج، ولا يستطيع أن يأتي بطواف حج إلا أن يحرم بحج. كما لا يجبر من أكل من جزاء الصيد إلا أن يأتي بجزاء صيد، ولو ذبح نسكًا لا يريد به جزاء صيد فأخرج قدر ذلك من لحمه لم يجزئه. وقال ابن وهب وأشهب في كتاب محمد: وإن وطئ يوم النحر بعد الإفاضة قبل الرمي أفسد؛ لأن الإفاضة قبل الرمي لا تجزئ عنه، فصار بمنزلة من وطء قبل الرمي والإفاضة. وإن وطئ في العمرة قبل الطواف، أو قبل أن يركع، أو قبل السعي أفسد. واختلف إذا وطئ ولم يبقَ إلا الحلاق، فقال مالك: يهدي ويجزئه. وقال في كتاب محمد: أفسد العمرة (¬1). والأول أبين؛ لأنه لم يبق عليه عمل للعمرة. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 410.

فصل [في الحلق والتقصير في الحج]

وقد قال: ينحر المعتمر هديه قبل الحلاق؛ لأنه قد حل. فصل [في الحلق والتقصير في الحج] الناس في الحلاق والتقصير على ثلاثة أوجه: حلاق، وتقصير، ومخير بين الحلاق والتقصير. فالحلاق لمن لا وفرة (¬1) له وللأقرع ولمن لبد أو عقص أو ضفر من الرجال. والتقصير للنساء، ولا يجوز أن يحلقن؛ لأنه لهن مُثْلَة، إلا لمن كان برأسها أذى وفي الحلاق صلاح لها (¬2). وكذلك بنت تسع أو عشر تقصر ولا تحلق إلا لعذر، وإن كانت صغيرة جدًا جاز أن تحلق أوتقصر. والخيار لمن له وفرة من الرجال ولم يلبد، ولا ضفر ولا عقص؛ لقول الله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27]. والحلاق أفضل؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ ارْحَمِ المُحَلِّقِينَ". قَالُوا: وَالمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "اللَّهُمَّ ارْحَمِ المُحَلِّقِينَ. . ." الحديث. (¬3) وفيه: بيان أن الحلاق والتقصير سنة، ليس إباحة بعد حظر؛ لأن حلاق من له وفرة مثلة. ¬

_ (¬1) الوَفْرَة: شَعر الرأْس إِذا وصل إِلى شحمة الأُذن. انظر: لسان العرب: 5/ 287. (¬2) قوله: (لها) ساقط من (ب). (¬3) متفق عليه, أخرجه البخاري: 2/ 616، في باب الحلق والتقصير عند الإحلال، من كتاب الحج، برقم (1640)، ومسلم: 2/ 945، في باب في تفضيل الحلق على التقصير وجواز التقصير، من كتاب الحج، برقم (1301)، ومالك: 1/ 395، في باب الحلاق, من كتاب الحج، برقم (886).

وقال روح بن يزيد: قال لي عمر بن عبد العزيز: إياك والمثلة؛ حلاق الرأس واللحية (¬1). فجعله مثلة وقرنه بحلاق (¬2) اللحية, وقد كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وفرات (¬3) فحلقوا (¬4). ويؤيد (¬5) ذلك تقصير النساء، فلو كان مباحًا لم يقصرن؛ لأن ذلك لا يقصد به إماطة الأذى. قال مالك في تقصير الرجال: يجزئ ذلك يجز، وإن أخذ من أطرافه أخطأ ويجزئه (¬6). وليس كذلك المرأة، وقالت عائشة - رضي الله عنها -: يجزئهن قدر التطريف (¬7). قال مالك: وحلاق المعتمر أحب إليّ إلا (¬8) أن تتقارب أيام الحج، فيقصر أحب إليَّ (¬9). ¬

_ (¬1) أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى: 5/ 380. (¬2) قوله: (وقرنه بحلاق) يقابله في (ب): (وقوله لحلاقه). (¬3) أخرج أبو داود من حديث عائشة - رضي الله عنها -: (كان شعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوق الوفرة)، أخرجه في سننه: 2/ 481، في باب ما جاء في الشعر، من كتاب الترجل، برقم: (4187). (¬4) أخرج البخاري من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -: كان يقول: (حلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجته)، أخرجه في صحيحه: 2/ 616، في باب الحلق والتقصير عند الإحلال، من كتاب الحج، برقم (1639). وعند مسلم: عن نافع أن عبد الله قال: حلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحلق طائفة من أصحابه وقصر بعضهم. . . الحديث). أخرجه في صحيحه: 2/ 945، في باب تفضيل الحلق على التقصير وجواز التقصير، من كتاب الحج، برقم: (1301). (¬5) في (ب): (يزيد). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 411. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 412. (¬8) قوله: (إلا) ساقط من (ب). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 412.

فصل [في رمي الجمار]

واختلف فيمن حلق بالنُّورة، وأرى أن يجزئه، واستحب مالك إذا حلق أن يأخذ من لحيته وشاربه وأظفاره، وذكر أن ابن عمر - رضي الله عنها - كان يفعله (¬1). فصل [في رمي الجمار] الجمار ثلاثة: الأولى، وهي تلي مسجد منى، والوسطى وجمرة العقبة. والرمي أربعة أيام: يوم النحر، وأيام التشريق الثلاثة، إلا لمن تعجل، فيرمي يوم النحر جمرة العقبة وحدها، ويرمي فيما بعد الثلاثة؛ يبتدئ بالتي تلي مسجد منى ثم الوسطى ثم العقبة، كل واحدة بسبع، فذلك سبعون حصاة. واختلف فيمن تعجل، فالظاهر من المذهب أن يسقط اليوم الرابع. وقال ابن حبيب: يرميه في الثالث. وأظنه قاسه على رعاة الإبل. ويرمي جمرة العقبة يوم النحر على هيئة ما يأتون عليه من المزدلفة، فلا ينزل للرمي من أتى راكبًا، ولا يركب له من أتى ماشيًا. ويرمي الأيام الثلاثة ماشيًا؛ لأن الناس نازلون في منازلهم، فيمضون للرمي مشاة ولا يركبون؛ لأنه خارج عما يراد من التواضع لله تعالى. والرمي متوالٍ، يكبر مع كل حصاة، ويرفع صوته بالتكبير، ويرمي جمرة العقبة يوم النحر من أسفلها لا من فوقها، وفي الأخيرتين من فوقهما، فإذا رماهما تقدم أمامهما واستقبل القبلة، ووقف للدعاء والذكر والحمد والثناء على الله تعالى. وقال محمد في الوسطى: إذا رمى ينصرف منها ذات الشمال في بطن المسيل فيقف، ولا وقوف عند جمرة العقبة إذا رميت، لا في ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 412.

أول يوم ولا فيما بعد (¬1). ويجوز لرعاة الإبل إذا رموا يوم النحر أن يتأخروا عن رمي الغد؛ لحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: أرخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرعاة الإبل في البيتوتة عن منى، يرمون يوم النحر ثم يرمون الغد، أو من بعد الغد ليومين، ثم يرمون يوم النفر (¬2). قال مالك في الموطأ: يرمون يوم النحر، فإذا مضى اليوم (¬3) الذي يليه رموا من الغد لليوم الذي مضى، ثم يرمون ليومهم (¬4). وذلك أنه لا يقضي أحد شيئًا حتى يقضي ما (¬5) يجب عليه. وقال في مسند الترمذي: يرمون يوم النحر، ثم يجمعون رمي يومين بعد يوم، فيرمونه في أحدهما. قال مالك: ظننت أنه قال: اليوم الأول، ثم يرمون يوم النفر (¬6). وقوله في الموطأ أتى به على وجه الشك أو على وجه التخيير، فلو كانت الرواية "يرمون الغد ليومين" لكانت تعجيلًا. ولو كانت من بعد الغد ليومين ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 402. (¬2) صحيح، أخرجه أبو داود: 1/ 603، في باب رمي الجمار، من كتاب المناسك، برقم (1975)، والترمذي: 3/ 288، في باب ما جاء في الرخصة للرعاء أن يرموا يومًا ويدعوا يومًا، من كتاب الحج، برقم (955)، وقال: هذا حديث حسن صحيح. ومالك: 1/ 408، في باب الرخصة في رمي الجمار، من كتاب الحج، برقم (919)، وأحمد: 5/ 450، في باقي مسند الأنصار، من حديث عاصم بن عدي - رضي الله عنه -، برقم (23827). (¬3) قوله: (اليوم) ساقط من (ب). (¬4) الموطأ: 1/ 409، برقم (920). (¬5) قوله: (حتى يقضي ما) ساقط من (ق 5). (¬6) انظر: سنن الترمذي: 4/ 52.

فصل [في الحصى التي يرمى بها]

لكانت تأخيرًا، فلما أشكل الأمر في الحديث لقوله: "أو من بعد الغد" أمره بالتأخير؛ ليكون قد أتى به بعد الوجوب. وإن عجل أجزأه، ولم يكن بمنزلة من لم يرم؛ لإمكان أن يكون ذلك من لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - فيكون تخييرًا. فصل [في الحصى التي يُرمى بها] واللقط أحب إلى مالك من الكسر (¬1). وفي كتاب مسلم: أنها تكون مثل حمى الخذف (¬2). ولا يرمي بحصى الجمار؛ لأنه قد رمي بها، فإن فعل أجزأه عند مالك (¬3). وقال ابن شعبان: لا يجزئه. لأنه قد تعبد به مرة كمن توضأ بماء قد توضأ به مرة (¬4). قال: ولأن المعروف أن ما يتقبل من الحصى يرفع، فيكره أن يرمي بما لم يتقبل. وكرهه أيضًا مالك في الحصاة الواحدة (¬5). وهذا إذا كانت مما رمى به غيره، ولو كرر الرمي بحصاة واحدة سبع مرات لم يجزئه. وأول وقت الرمي يوم النحر بعد الفجر، فمن رمى قبل لم يجزئه. ويستحب أن يؤخر حتى تطلع الشمس، ثم له سعة في التأخير ما لم تزل الشمس فلا يؤخر عنه. قال ابن القاسم في العتبية: فإن زالت الشمس (¬6)؛ فات الرمي، إلا لمريض أو ناسٍ (¬7). وأول وقت الرمي في أيام التشريق بعد الزوال، ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 401. (¬2) أخرجه مسلم: 2/ 944، في باب استحباب كون حصى الجمار بقدر حصى الخذف، من كتاب الحج، برقم (1299). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 436. (¬4) قوله: (كمن توضأ بماء قد توضأ به مرة) يقابله في: (ب): (كماء توضأ به مرة). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 436. (¬6) قوله: (الشمس) ساقط من (ب). (¬7) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 51

فمن رمى قبل ذلك لم يجزئه، ثم له سعة ما لم تصفر الشمس. قال ابن القاسم: فإن اصفرت فقد فات الوقت إلا لمريض أو ناسٍ. والمذهب: على ألا دم عليه حتى تغرب الشمس. وقال ابن القاسم فيمن نسي حصاة من الجمرة الأولى، وقد رمى بعد ذلك الوسطى وجمرة العقبة: أتم على الأولى فرماها بحصاة، وأعاد رمي اللتين بعدها (¬1). وسواء ذكر ذلك في بقية يومه أو من ليلته أو من الغد أو في الليلة التي تليها فإنه يتم الأولى، ويعيد رمي اللتين بعدها، إلا في وجه واحد فإنه إذا ذكر بعد أن رمى اليوم الثاني قبل أن تغرب الشمس فإنه يتم الأولى، ويعيد رمي اللتين بعدها ثم يعيد رمي جميع الثلاث، فإذا غربت الشمس لم يعد رمي يومه ذلك (¬2). وكذلك إذا ذكر في اليوم الثالث بعد أن رمى الثلاث فيه، فإنه يتم الأولى ويعيد رمي اللتين بعدها، ثم يعيد رمي يومه. وإن غربت الشمس لم يكن عليه شيء لا لليوم الأول الذي أسقط منه ولا لغيره؛ لأن أيام الرمي قد خرجت بغروب الشمس. وقال فيمن نسي حصاة فلم يدرِ هل هي من الأولى أو من الثانية أو الثالثة: يتم الأولى بحصاة، ثم يعيد اللتين بعدها. وقال أيضًا: يبتدئ رمي جميع الثلاث. وجوابه هذا يحتمل أن يكون لأن الرمي عنده يكون متواليًا، ويستأنف الجميع في هذه وفي المسألة التي قبل. أو يكون قال ذلك لأنه يمكن أن يكون نسي أول حصاة ثم ابتدأ الرمي ليوم ثانيه حصاة، وهو يظن أنه رمى الأولى، فإن كل (¬3) حصاة تحتاج إلى نية. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 435، 436. (¬2) قوله: (ذلك) ساقط من (ب). (¬3) في (ب): (وإن كان).

وقال أبو مصعب: من نسي رمي جمرة من الجمار فليرمِ متى ذكر. وإنما هو بمنزلة الصلاة يصليها متى ذكر، ولم يقل إن كانت الأولى أعاد ما بعدها. وقال مالك: فيمن ترك حصاة أهراق دم، وإن ترك جمرة أو الجمار كلها فبدنة، فإن لم يجد فبقرة، فإن لم يجد فشاة (¬1). قال أحمد بن المعذِّل: والهدي ما سيق من الحل، وما لم يسق من الحل فلا يقع عليه اسم هدي. يريد: أن قول مالك "يهريق دما" ليس عليه أن يجمعٍ بين حل وحرم، ولا أن يقلده. وقال الطبري: الهدي عندي إنما سمي هديًا لأنه يتقرب به مهديه إلى الله تعالى، بمنزلة الهدية يهديها الرجل إلى غيره متقربًا بها إليه (¬2). وعلى قوله يصح أن يسمى هديًا ما لم يجمع فيه بين حل وحرام. ومن فرق رميه فرمى كل جمرة بحصاة، ثم كرر (¬3) حتى أتمّ سبعًا، احتسب بالأولى وبحصاة واحدة من الثانية، وأتمّها، واستأنف الثانية بسبع، وإن نكس رميه فرمى الأولى ثم الثالثة ثم الثانية أعاد الثالثة. وإن ابتدأ بالثانية ثم الثالثة ثم الأولى أعاد رمي الثانية ثم الثالثة. وكذلك إن ابتدأ بالثانية ثم الأولى ثم الثالثة احتسب بالأولى، ثم أعاد الثانية والثالثة. وكذلك إن ابتدأ بالثالثة ثم الثانية ثم الأولى احتسب بالأولى وحدها. وإن ابتدأ بالثالثة ثم الأولى ثم الثانية أعاد الثالثة وحدها. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 434. (¬2) انظر: تفسير الطبري: 2/ 226. (¬3) قوله: (ثم كرر) ساقط من (ب).

فصل [في رمي المريض للجمار]

فصل [في رمي المريض للجمار] ويرمي المريض إذا قدر على الرمي ووجد من يحمله، فإن لم يستطع الرمي، أو لم يجد من يحمله، أو يخشى متى حمل زيادة مرض، رُمي عنه. قال مالك في كتاب محمد: وأحب إليّ إن طمع أن يصح أن ينتظر إلى آخر أيام التشريق (¬1). واختلف في موضعين: إذا رمي عنه, هل يوقف عند حد الجمرتين؟ فقال ابن القاسم في المدونة: يوقف عنه (¬2). وقال في كتاب محمد: لا يوقف عنه. وبالأول قال أشهب وهو أحسن، ولا فرق بين الرمي عنه والوقوف. والثاني: هل يسقط عنه الدم إذا صح قبل ذهاب أيام الرمي فرمى بنفسه؟ فقال مالك: لا يسقط عنه. وقال في كتاب محمد: لا هدي عليه. وهو أحسن. وإذا جاز لرعاة الإبل التأخير مع القدرة على الرمي لاشتغالهم بشيء من أمر الدنيا كان المريض أعذر، وألا دم عليه. ويرمى عن المجنون، والمغمى عليه، واختلف في الوقوف عنهما حسبما تقدم في المريض، ويهدى عنه, إلا أن يفيق قبل مغيب الشمس من آخر أيام التشريق؛ فيرمي بنفسه، ويسقط عنه الدم على المستحسن من القول. فصل [في ترتيب أعمال الحج: جمرة العقبة والحلاق والإفاضة] تقدم القول أن رمي جمرة العقبة والحلاق والإفاضة يُؤتى بها يوم النحر، فمن أَخَّرَ الرمي عن ذلك اليوم، أو أخر رمي الثلاث عن أن يرميها في أوقاتها، ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 407. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 436.

رمى إن لم تخرج أيام التشريق، فإن خرجت فلا رمي عليه. ومن أخر الحلاق حتى رجع إلى بلده، أو خرجت أيام منى، حلق وأهدى، وإن كان بمكة حلق ولا شيء عليه. وقال في كتاب محمد فيمن نسي الحلاق: إن ذكر في أيام منى حلق ولا شيء عليه، وإن ذهبت أيام منى حلق وأهدى (¬1). وقال فيمن أخّر طواف (¬2) الإفاضة فطاف بعد أن ذهبت أيام منى: فإن قرب فلا شيء عليه، وإن تطاول فعليه الهدي. وقد اختلف قوله في معنى قول الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] فقال مرة: شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة. وقال مرة: شهر ذي الحجة كله (¬3). فعلى هذا لا يكون عليه هدي إلا أن يؤخر الحلاق والإفاضة حتى يخرج ذو الحجة. وعلى القول الآخر عليه الدم إذا خرجت أيام منى. وقوله في المدونة: لا دم عليه في تأخير الطواف وإن خرجت أيام منى ما لم يطل (¬4) - استحسان للخلاف في الأصل. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 410. (¬2) قوله: (طواف) ساقط من (ب). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 340. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 404.

باب الاشتراك في الهدي، ومواضع النحر, ومن نحر هدي غيره تعديا، أو بوجه شبهة

باب الاشتراك في الهدي، ومواضع النحر, ومن نحر هدي غيره تعديًا، أو بوجه شبهة ولا يشترك في هدي الواجب كجزاء الصيد والمتعة وتعدي الميقات وفدية الأذى، وسواء كانوا أهل بيت أو أجنبيين. فإن اشترك سبعة في بدنة أو بقرة عن واجب لم يجز، واختلف في التطوع، فقال مالك في المدونة: لا يشترك فيه؛ كانوا أجنبيين أو أهل بيت (¬1). وقال في كتاب محمد: لا بأس أن يشترك في التطوع، وأما الواجب فلا. قال: ومعنى حديث جابر - رضي الله عنها -: "نَحَرْنَا البَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ" (¬2) - في التطوع، وكانوا معتمرين (¬3). وفي كتاب مسلم: "قال جابر - رضي الله عنهما -: أَمَرَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَحْلَلْنَا أَنْ نُهْدِيَ، وَيَجْتَمِعَ النّفَرُ مِنَّا فِي الهَدِيَّةِ. قَالَ: وَذَلِكَ حِينَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا مِنْ حَجِّهِمْ" (¬4). وأجاز مالك لأهل البيت الاشتراك في الأضحية، ومنعه في الأجنبيين، وليس للعدد الذي يشترك فيه عنده (¬5) حد. قال: ويجوز أن تذبح البدنة عن سبعة وأكثر. وكذلك هدي التطوع يجوز على هذا أن يشترك في البدنة والكبش سبعة وأكثر. ويجوز أن يشتركوا في الثمن؛ لأنه إذا جاز للأجنبين أن يتطوعوا بذبح ما هو شركة بينهم جاز أن يشتروه لمثل ذلك، وأن يخرجوا الثمن قبل ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 468. (¬2) أخرجه مسلم: 2/ 954، في باب الاشتراك في الهدي، من كتاب الحج، برقم (1318)، ومالك: 2/ 486، في باب الشركة في الضحايا، من كتاب الضحايا، برقم (1032). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 455. (¬4) أخرجه مسلم: 2/ 955، في باب الاشتراك في الهدي، من كتاب الحج، برقم (1318). (¬5) قوله: (عنده) ساقط من (ب).

فصل [في النحر بمنى]

الشراء، وأن تكون أجزاؤهم فيه متفقة ونحتلفة. وذكر ابن المنذر عن ابن عمر وأنس - رضي الله عنهم - وعطاء ابن أبي رباح والحسن وطاووس وسالم بن عبد الله وعمرو بن دينار والثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي: أنهم أجازوا الاشتراك في الواجب البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة. وهذا في المتعة دون جزاء الصيد، وهو مقصور عندهم على هذا العدد، لا يزاد على سبعة، ويجوز أن يكون عن ستة وخمسة وأقل. ولا يجوز الاشتراك في الشاة عن الواجب، وأصلهم في ذلك حديث جابر، وقد نحا مالك إلى مثل ذلك فيمن نذر بدنة فلم يجدها أنه يهدي بقرة، فإن لم يجد فسبعة من الغنم. فجعل بدل البدنة سبعًا من الغنم، وإذا كان ذلك وكانت الشاة تجزئ عن التمتع كان السبعة بالخيار بين أن يأتي كل واحد بشاة، أو يأتوا ببدنة. فصل [في النحر بمنى] النحر والذبح بمنى ومكة مختلف، فأما منى فيختص ذلك فيها بأيام معلومة؛ وهي: يوم النحر ويومان بعده، فإن ذهبت لم تكن منحرًا ولا مذبحًا إلا لمثله من قابل. وأما مكة فكل أيام السنة منحر ومذبح. ومن كان معه هدي في الحج، وفاته أن ينحره بمنى في تلك الأيام، نحره بمكة. ويفترقان أيضًا في وجه آخر: أنه لا ينحر بمنى عند مالك إلا إذا وقف به بعرفة. وأجاز ابن الماجشون أن ينحر بمنى وإن لم يوقف به، وهو أحسن؛ لأن

الهدي لم يتقيد (¬1) بوقوف، ولا تعبد الناس فيه بذلك، وما روي من كون هدايا الناس معهم في الموقف، فلأن ذلك لأن منى لم يكن بها ساكن يحفظها فيها إن بات هناك، والناس حينئذٍ بعرفة، فلو تركت بمنى لضاعت. واختلف بعد القول أَنَّ مِنْ شرط النحر بمنى الوقوف به في ثلاث مسائل: أحدها: إذا ساق الهدي في حجّ فضلَّ قبل الوقوف ثم وجده في أيام منى، فنحره بمكة. والثاني: إذا أوقفه ثم ضلّ، فوجده بعد أيام منى. والثالث: إذا أوقفه، ثم نحره بمكة في أيام منى أو بعدها، هل يجزئه في جميع ذلك؟ فقيل: يجزئه، ولا بدل عليه. وقيل: عليه البدل؛ لأنه لما ساقه في حج وجب نحره بمنى، فلما لم ينحر بها لم يجزئه. وقال أشهب: إن فاته الوقوف نحره بمكة، وأجزأه، وإن كان في أيام منى، وإن وقف به لم يجزئه بمكة في أيام منى، وإن كان بعد أن ذهبت أيام منى أجزأه. وإنما لم يجب عند البدل إذا لم يقف به أو وقف وخرجت أيام منى؛ لأن الحكم أن ينحر بمكة، وإذا وقف به ولم تخرج أيام منى كان الحكم أن ينحره بمنى، فإن ترك منى ونحره بمكة كان متعديًا وأبدله. وأرى أن يجزئ ذلك كله؛ لأنها مواضع للذبح، وكلها يُتَقَرَّبُ إلى الله تعالى فيها بالذبح، ولا خلاف أن لمن أتى بجزاء الصيد في الحج (¬2) أن ينحره بمنى، وإن خالف نص القرآن؛ ¬

_ (¬1) في (ب): (يتعبد). (¬2) قوله: (في الحج) ساقط من (ب).

فصل [في نحر الرجل غير هديه]

لقوله تعالى: {بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] وإذا جاز ذلك مع مخالفة النص جاز أن ينحر بمكة ما كان حكمه أن ينحر بمنى (¬1). وقال مالك فيمن كان عليه جزاء صيد في عمرته، أو في شيء نقصه في عمرته، فأوقفه بعرفة، ثم نحره بمنى: أجزأه (¬2). فبان بهذا أن هذه كلها منحر، ينوب بعضها عن بعض. وتنحر الإبل قيامًا مقيدة، فتقيد لقوله تعالى: {صَوَافَّ} [الحج: 36]، أي: تصف أيديها بالقيود، وقائمة لقوله: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [الحج: 36] ووجوبها: سقوطها إلى الأرض بعد النحر، وفي البخاري: أن ابن عمر مر على رجل أناخ بدنته لينحرها، فقال: "ابْعَثْهَا قَائِمَةً مُقَيَّدَةً، سُنّةَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -" (¬3). وتضجع الغنم للذبح، وكذلك البقر إن ذبحت، وإن نحرت نحرت قيامًا. فصل [في نحر الرجل غير هديه] نحر الرجل هدي غيره على ثلاثة أوجه: عن صاحبه، وعن نفسه عمدًا وخطأً؛ فإن نحره عن صاحبه أجزأ صاحبه، وإن لم يوكله، حضر صاحبه أو غاب، ومن وجد هديًا ضالًا أَخَّرَ نحره إلى آخر أيام منى (¬4)؛ رجاء أن يأتي صاحبه، ولا يؤخره بعد ذلك، وإن عجّل نحره في أول يوم أجزأ. وإن وجده بعد أيام منى لم ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 482. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 452. (¬3) متفق عليه, أخرجه البخاري: 2/ 612، في باب نحر الإبل مقيدة، من كتاب الحج، برقم (1627)، ومسلم: 2/ 956، في باب نحر البدن قياما مقيدة، من كتاب الحج، برقم (1320). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 447.

يعجل بنحره، إلا أن يخشى ضيعته، أو يشق حفظه فينحره بمكة. واختلف إذا نحره عن نفسه عمدًا ولم يوكله على نحره، أو وكله، أو نحره عن نفسه خطأً؟ فقيل: يجزئ صاحبه. وقيل: لا يجزئه. وقيل: يجزئه في الخطأ، ولا يجزئ في العمد. قال محمد: إن نحر الضالَّ عن نفسه أجزأ صاحبه (¬1). قال: وقد جاء: (ربك أعلم بمن أنزلها من رأس الجبل) (¬2). فإذا أَجْزأَتْ صاحبه مع العمد بغير وكالة كانت أحرى أن تجزئه إذا وكله فذبح عن نفسه. وقال في المدونة: إذا أخطأ أجزأت عن صاحبها (¬3). وقال أشهب: لا يجزئه. وأرى أن يجزئ ذلك كله، وإن وكله فذبح عن نفسه أبين في الإجزاء؛ لأنه مع عدم الوكالة تعدى في الذبح والنية، وفي الوكالة تعدى في النية ليس في الذبح، والنية إذا ذبحت إلى ربها. ولو وكّل رجل رجلًا فذبح له نسكًا ولم يسمِّهِ، والذابح يظنها شاة لحم أجزأت، فالمالك ينوي القربة، والذابح ينوي الذكاة. ويختلف بعد القول أنها لا تجزئ عن صاحبها، هل تجزئ عن ذابحها إذا ضمن قيمتها؟ فقال أشهب: لا تجزئ عن واحد منهما. وقال أبو قرة عن مالك في مختصر ما ليس في المختصر: من ذبح شاة صاحبه المقلدة عن نفسه خطأً أجزأته، وعليه قيمتها، ويُبْدِلُ صاحبها. واختلف إذا ذبح كل واحد أضحية صاحبه خطأً، فقال ابن القاسم: لا يجزئ عن واحد منهما بخلاف الهدي. وقال أشهب: تجزئ ذابحها إذا ضمن، ولا ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 456. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 349. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 480.

تجزئ عن ربها إذا لم يضمن (¬1). وقال ابن القصار: في الإجزاء عن صاحبها (¬2) ينبغي أن يكون على روايتين. وجعل ذلك بعد ألا يوجبها صاحبها. قال: وكذلك إن تعمد الذابح بذبحها عن نفسه. وأجزأ الهدي عند ابن القاسم عن صاحبه؛ لأنه وجب وخرج عن ملكه قبل الذبح (¬3)، ولم تجزئ الأضحية (¬4)؛ لأنها لم يجب ذبحها قبل ذلك، ولم يجزئ الهدي عند أشهب عن ذابحه إذا ضمن، وأجزأت الأضحية؛ لأنه ضمن الهدي وقت ذبح في الحرم. ولا يجزئ إلا ما قد جمع فيه بين حلٍّ وحرم، وأجزأت الأضحية؛ لأنه يغرم قيمتها حية قبل الذبح. ولا يصح ما روى أبو قرة عن مالك: أنها تجزئ الذابح، إلا أن يقول: إن سَوْقه من الحل استحسان، فإن لم يفعل أجزأه، كما قال في الطواف الأول والسعي: لا يأتي به إلا من أتى من الحل، فإن أحرم من مكة وطاف وسعى قبل خروجه إلى عرفة، ثم حل وأصاب النساء أو رجع إلى بلده، أجزأه. ويختلف في البيع إذا لم يجزئ، فأصل ابن القاسم ألا يباع؛ لأنه قال فيما عطب من الهدي قبل بلوغ المحل، وفي الأضحية إذا وجدها ربها بعد خروج الأضحى: لا تباع. وقال عبد الملك في الهدي يعطب قبل بلوغ المحل: له أن يبيعه. وقاله أشهب في الأضحية إذا لم يضمن الذابح. وهو أقيس؛ لأنها لم تتم فيها قربة، والمنع أحوط؛ مراعاةً لمن يقول أنها تجزئ، وأنها قربة. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 329. (¬2) في (ب): (أصحابها). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 329. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 329.

باب في الهدي يستحق أو يوجد به عيب, وما يجوز أن يؤكل من الهدايا, وإذا اختلط ما يؤكل منه وما لا يؤكل منه, وإذا أطعم منه غنيا أو ذميا, والحكم في الولد واللبن, وهل تركب البدن؟

باب في الهدي يستحق أو يوجد به عيب, وما يجوز أن يؤكل من الهدايا, وإذا اختلط ما يؤكل منه وما لا يؤكل منه, وإذا أطعم منه غنيًا أو ذمِّيًّا, والحكم في الولد واللبن, وهل تُركَبُ البُدْنُ؟ الهدي خمسة: مضمون، ومعين منذور، ومعين مُتَطَوَّع به، ومنذور ثمنه، ومتطوع بثمنه. فإن كان مضمونًا فاستحق أبدله. وسواء كان لوصم (¬1) في حج أو عمرة أو منذورًا إذا لم يعينه، وكأنه لم يهد شيئًا (¬2). وإن كان معينًا منذورًا أو متطوعًا به لم يكن عليه بدله، وكان له إذا رجع بالثمن أن يصنع به ما شاء؛ لأنه لم يوجب ثمنًا ولا تطوع به، وإنما أوجب عينًا أو تطوع بها فاستحقت، كمن أعتق عبدًا أو نذر عتقه فأعتقه، ثم استحق، فرجع بالثمن فإنه يصنع به ما أحب. وإن أوجب الثمن أو تطوع به فاشترى به، ثم استحق الثاني (¬3) الذي اشترى لم يكن عليه الآن بدله. فإن رجع بالثمن كان مخاطبًا في الثمن بما كان مخاطبًا به قبل الشراء. فإن نذر الثمن قيل له: أوف بنذرك، واشتر به. وإن تطوع به استحب له أن يمضيه من غير إيجاب. ¬

_ (¬1) قوله: (لو صم) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (وكأنه لم يهد شيئًا) ساقط من (ب). (¬3) في (ق 5): (الهدي).

فصل [فيمن وجد بالهدي عيبا]

فصل [فيمن وجد بالهدي عيبًا] وإن وجد عيبًا لا يجزئ به في الواجب وهو مضمون - أبدله في الاستحقاق. ويختلف هل له بيع هذا المعيب وإن قلده؟ فقال أبو مصعب فيمن أعتق عبدًا عن واجب، ثم استحق بعضه: له أن يرد عتق ما لم يستحق منه ويرجع بالثمن. وهو في الهدي أبين؛ لأنه يتطوع بعتق المعيب، ولا يتطوع بهدي المعيب. وإن كان العيب يسيرًا أجزأه، ويستحب أن يجعل ما يرجع به عن العيب في هدي. وإن كان الهدي معينًا استوى الكثير والقليل، فيمضي هديًا. قال محمد: إذا رجع بالعيب صنع به ما شاء. وإن نذر الثمن أو تطوع به كان الحكم في العيب اليسير والكثير سواءً؛ يمضي هذا هديًا، ويرجع بالعيب. فإن كان نذر الثمن وجب أن يجعل ما رجع به في هدي، وإن تطوع بالثمن استحب ذلك له. فصل [في تقليد الهدي وإشعاره] الهدي يجب بالتقليد والإشعار إذا سيق عن وصم في حج أو عمرة، فإن أفلس أو مات لم يكن لغرمائه، ولا لورثته عليه سبيل يريد: لأن الدين طرأ بعد التقليد، ولو كان دينًا تقدم التقليد لَرُدَّ (¬1). ويختلف إذا كان نذرًا أو تطوعًا، فالمعروف من المذهب أنه كالأول يسقط ملك صاحبه عنه بالتقليد والإشعار، وقال في امرأة ساقت هديًا ¬

_ (¬1) قوله: (يريد: لأن. . . التقليد لرد) زيادة من (ب).

تطوعًا في عمرة، ثم أردفت الحج وأوقفته، ونحرته بمنى عن قرانها: يجزئها. فلم يوجبه بالتقليد والإشعار، ولو وجب وسقط ملكها عنه ما صح أن يجزئها عن واجب. وإذا سيق الهدي عن واجب لا تبرأ الذمة إلا ببلوغه؛ لقول الله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95]. فإن ضلّ أو سُرِقَ أو هلك أو عطب قبل بلوغه لم يجزئه. واختلف إذا نزل به عيب، ثم بلغ محله، فقال مالك: ينحره ويجزئه (¬1). وقال أبو بكر الأبهري: القياس ألا يجزئ (¬2). يريد قياسًا على موته. والإجماع والمذهب: ألا تبرأ الذمة إلا بالتقليد والإشعار. فإن قلّد وأشعر عن واجب وهو هزيل أو معيب، فسمَّى هديًا (¬3) لم يجزئ. وكذلك إن سمن أو ذهب العيب؛ لأنه قد أوجبه بالتقليد والإشعار. وعلى القول أن الهدي لا يجب بالتقليد والإشعار يكون له بيعه ورده. وقال عبد الملك: إذا عطب قبل بلوغ المحل له أن يبيعه. وتقدم قول أبي مصعب في العبد (¬4) يستحق بعضه: أن له أن يرد ما عتق منه، ولم يستحق؛ لأن المهدي والمعتق لم يرد التطوع، وإنما ظن أن ذلك يجزئه. وإن انتقل إلى حالة يجوز أن يهدي فيها أجزأه. ويختلف إذا جنى على الهدي، فقال ابن القاسم: يمضي هديًا ويجزئه. ويرجع على الجاني بقيمة العيب، فيجعله في هدي. وعلى قول أبي بكر الأبهري: لا يجزئ، وعليه البدل. وله أن يُغَرِّمَ الجاني هديًا كاملًا؛ ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 410. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 14. (¬3) قوله: (وهو هزيل. . هديًا) ساقط من (ب). (¬4) في (ب): (في العيب).

فصل [في الأكل من الهدي]

لأن المجني عليه يقول: تعديك أوجب عليَّ غرم هدي كامل؛ فتغرم ما أدخلتني فيه. كمن أكره محرمًا فحلق رأسه، أو أكره زوجته فأصابها أن على المكرِه أن يكفر عن هذا بفدية الأذى، وعلى الزوج أن يُحِجَّهَا ويهدي عنها، فإن كان معسرًا كَفَّرَ هذا، وحجت الزوجة، ورجعا على الفاعل متى أيسر. وقال ابن القاسم في الهدي يعطب في الطريق أو ينزل به عيب لا يقدر على الوصول به: ليس له أن يبيعه (¬1). وقال ابن الماجشون في المبسوط: له بيعه، وليس بهدي (¬2). إنما أراد أن يقضي به هديًا عليه، فلم يبلغ، ولم يكن هديًا. وقال ابن حبيب: إلا أن مالكًا كره أن يبيعه. فصل [في الأكل من الهدي] الهدي والأكل منه على أربعة أوجه: جائز قبل بلوغ محله وبعد، وممنوع قبل وبعد، وجائز قبل ممنوع بعد، وممنوع قبل جائز بعد. فكل هدي واجب في الذمة عن حج أو عمرة، من فسادٍ أو متعة أو قران أو تعدي ميقات أو ترك النزول بعرفة نهارًا أو ترك النزول بالمزدلفة أو ترك رمي الجمار أو تأخير الحلاق - يجوز الأكل منه قبل وبعد (¬3). وأما جزاء الصيد وفدية الأذى فيأكل منه قبل، ولا يأكل منه بعد (¬4). والمنذور المضمون إذا لم يسمِّه للمساكين يأكل منه قبل وبعد، وإن سماه ¬

_ (¬1) في (ب): (عليه). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 450. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 410. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 410.

للمساكين وهو مضمون أكل منه قبل، ولم يأكل منه بعد. وإن كان منذورًا معينًا (¬1) ولم يسمِّه للمساكين أو قلده وأشعره من غير نذر - أكل منه بعد، ولم يأكل منه قبل (¬2). وإن نذره للمساكين وهو معين، أو نوى ذلك حين التقليد، لم يأكل منه قبل ولا بعد. وذكر محمد قولًا آخر: أنه لا يأكل من هدي الفساد. ويلزم على هذا ألا يأكل من شيء ساقه عن وصم في حج أو عمرة. وذكر ابن نافع عن مالك في المبسوط في الجزاء والفدية، أنه قال: لا ينبغي أن يأكل. فإن فعل فلا شيء عليه. فمنع في القول الأول (¬3) من الأكل منه لما جعل للمساكين فيهما مدخلًا إذا كفّر بالإطعام، ولم يمنع في القول الآخر قياسًا على المتعة وغيرها، وأجرى الهدي على الأصل إذا سيق عن وصم، فإنه لا يمنع الأكل منه. والقياس في الجزاء ألا يأكل؛ لأنه إنما غرم قيمة شيء أتلفه، فوجب أن يجري على الأصل في قيمة المتلفات: ألا حق له في الانتفاع من القيمة، وهو في إماطة الأذى أخفّ؛ لأنه إنما غرم عن شيء انتفع به، كالوطء والمتعة، اختلف في الأكل مما نذره للمساكين، فقال مالك مرة: لا يأكل منه. واستحب مرة ترك الأكل منه (¬4)، ورأى أن التقليد والإشعار والذبح إنما أوجب الالتزام. ¬

_ (¬1) قوله: (معينًا) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (أكل منه بعد، ولم يأكل منه قبل) يقابله في (ب): (كل منه قبل، ولم يأكل منه بعد). (¬3) قوله: (الأول) ساقط من (ب). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 453.

ولو أوجبه للمساكين ولم يسمه هديًا لم يجزئ على أحد القولين، ولم يجبر (¬1) على منع الأكل، فكذلك إذا سماه هديًا. ومنع من الأكل من كل معين هلك قبل محله (¬2) للحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث هديًا، فقال المبعوث معه: يا رسول الله، كيف أصنع بما أعطيت؟ فقال: "انْحَرْهَا وَأَلْقِ قَلائِدَهَا فِي دَمِهَا، ثُمَّ خَلِّ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهَا" (¬3). قال مالك: فإن أكل صاحبه، أو أمر من أكل منه ضمن (¬4). وإن بعث به فعطب لم يأكل منه المبعوث معه، وإن أكل فلا شيء عليه، إلا أن يأكل بأمر صاحبه فيضمن صاحبُهُ. وقال أبو محمد عبد الوهاب في منع صاحبه أن يأكل منه: لأنه يتهم أن يكون أعطبه ليأكل منه (¬5). وليس بحسن، بل ذلك عند مالك شرعٌ؛ لأنه قال: يضمن إن أمر المبعوث معه (¬6) بالأكل وإن لم يأكل (¬7)، ولا تهمة في هذا أن يعطيه ليطعم غيره. ¬

_ (¬1) في (ب): (ولم يجزئ). (¬2) قوله: (محله) ساقط من (ب). (¬3) صحيح، أخرجه أبو داود: 1/ 547، في باب في الهدي إذا عطب قبل أن يبلغ، من كتاب المناسك، برقم (1762)، والترمذي: 3/ 253، في باب ما جاء إذا عطب الهدي ما يصنع بمع من كتاب الحج، برقم (910)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه: 2/ 1036، في باب الهدي إذا عطب، من كتاب المناسك، برقم (3106). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 415. (¬5) انظر: المعونة، للقاضي عبد الوهاب: 1/ 390. (¬6) قوله: (معه) ساقط من (ب). (¬7) انظر: المدونة: 1/ 415.

وقال محمد فيمن كان معه هدي جزاء صيد فضَلَّ منه، فأبدله، فعطب البدل في الطريق، فأكل منه، ثم وجد الأول: نحره عن الجزاء، وأبدل الثاني؛ لأنه يصير كالتطوع. وهذا أبين؛ لأن البدل لم يكن لأجل التهمة. ومن كان معه هدي متعة وجزاء صيد فاختلطا بعد الذبح لم يأكل من واحد منها (¬1)؛ لجواز أن يكون هدي الجزاء. وإن عطب أحدهما قبل بلوغه جاز أن يأكل منه؛ لأنهما مضمونان. وإن كان أحدهما تطوعًا والآخر مضمونًا لم يأكل منه؛ لجواز أن يكون التطوع، ويأتي بالبدل؛ لجواز أن يكون المضمون (¬2). فإن كان قد بلغ المحل ثم اختلط أكل من أيهما أَحَبَّ، ما لم يكن المضمون جزاء صيد. وقال ابن الماجشون: إذا ضل جزاء الصيد وأبدله ثم وجد الأول نحرهما وأكل من الثاني، قال محمد: وإن أكل من الثاني بعد أن بلغ وقبل أن يجد الأول أبدله. فإن لم يبدله حتى وجد الأول فلا شيء عليه؛ لأن الثاني يصير تطوعًا أكل منه بعد بلوغه (¬3). وقال الثوري وأصحاب الرأي: إذا ضلَّ الهدي الواجب فأبدله ثم وجد الأول نحره، وإن نحر الثاني فهو أفضل، وإن باع فلا شيء عليه (¬4). وقول ابن الماجشون "أن له أن يبيع الواجب إذا عطب قبل بلوغه" نحوٌ من هذا. وإن كان مضمونًا أو منذورًا معينًا للمساكين فعطب أحدهما قبل محله واختلطا لم يأكل؛ لجواز أن يكون المنذور، وعليه البدل؛ لجواز أن يكون هو ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 452. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 452. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 452. (¬4) انظر: المبسوط, للسرخسي: 4/ 255.

فصل [في إطعام الغني والذمي من الهدي]

المضمون. وإن بلغا أكل من الثاني خاصة، فإن كان الأول (¬1) الذي عطب المنذور كان هذا تطوعًا والأكل منه جائز، وإن كان الأول المضمون جاز أن يأكل من بدله. فصل [في إطعام الغني والذمي من الهدي] وكل هدي جاز أن يأكل منه جاز أن يطعم منه الغني والذمي، وكل هدي لم يجز أن يأكل منه فإنه يُطْعِمه مسلمًا فقيرًا لا تلزمه نفقته كالكفارة. قال ابن القاسم: فإن أطعم منه غنيًا وهو لا يعلم، وقد اجتهد لم يُجْزئْهُ في الزكاة والجزاء والفدية (¬2). وفي كتاب محمد: أنه يجزئه. وإن أطعم ذميًا وهو لا يعلم لم يجزئه على القول الأول، وأجزأه على القول الآخر. ويختلف إذا علم أنه غني أو ذمي، وجهل الحكم هل يجزئه أم لا (¬3)؟ فقال ابن القاسم: إن أطعم ذميًا من غير الجزاء والفدية فهو خفيف، وقد أساء. يريد: نذر المساكين، وهو موافق لقوله: إن ترك الأكل منه استحباب (¬4). وعلى القول الآخر يكون كالجزاء. واختلف إذا أكل من الجزاء والفدية بعد القول بالمنع، هل يكون عليه أن يأتي بهدي كامل، أو يكون عليه بقدر ما أكل؟ وقال في التطوع: إن أكل منه قبل بلوغه أتى بمثله. وعلى القول الاخر يكون عليه بقدر ما أكل. وقال فيما ¬

_ (¬1) قوله: (الأول) ساقط من (ب). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 480. (¬3) قوله: (أم لا) ساقط من (ب). (¬4) في (ق 5): (استحسان). وانظر: قوله السابق: (واستحب مرة ترك الأكل منه).

فصل [في نتاج البدنة وهل تركب]

نذره للمساكين: عليه قدر ما أكل (¬1). ولم يجعل عليه البدل؛ لأن منع الأكل عنده أضعف من التطوع. فصل [في نتاج البدنة وهل تُركب] وإذا أنتجت البدنة حُمِلَ ولدُها على غيرها، فإن لم تَجْهَدْ فعليها، فإذا خيف عليها إن حملته تركته إن كانت في مستعتب (¬2) ليكبر فيبلغه، وإن لم يكن في مستعتب ذبحه ولم يأكل منه؛ لأنه مُعَيَّنٌ لا بدل عليه فيه إن هلك، فأشبه التطوع، وإن ذبحه وهو قادر على حمله أو إبقائه في مستعتب كان عليه هديٌ كبير؛ لأنه كبعض أمه، وجرى فيه من العقد ما جرى في أمه. ولا يشرب من لبنها قبل ري فصيلها، فإن فعل فأضرَّ به حتى مات كان بمنزلة إذا قتله. قال مالك: وليتصدق بما فضل بعد ري فصيلها (¬3). وقيل: لا بأس أن يشربه (¬4). ولا يركبها إلا ألا يجد ما يكري (¬5) به، أو لا يجد ما يكتريه (¬6). واختلف إذا استراح، فقال ابن القاسم: لا ينزل؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ارْكَبْهَا" (¬7). وقال إسماعيل القاضي: مذهب مالك يدل على أنه إذا استراح ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 453. (¬2) المستعتب: هو المكان الذي تمكن الإقامة فيه، أو هو المكان الآمن. انظر: منح الجليل: 2/ 389. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 548. (¬4) في (ب): (أن يشتريه). وانظر: الدونة: 1/ 548. (¬5) في (ق 5): (يركب). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 480. (¬7) انظر: المدونة: 1/ 243.

نزل. وفي مختصر ابن الجلاب: إذا استراح نزل (¬1). وهو أحسن؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ارْكبْهَا بِالمَعْرُوفِ إِذَا أُلْجِئْتَ إِلَيْهَا حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا" أخرجه مسلم (¬2). ولأن ملكه سقط عنها بالتقليد والإشعار؛ فوجب ألا ينتفع بها إلا لضرورة، ولأن فيه ضربًا من العود في الصدقة. قال مالك: ولا يركبها (¬3)، ولا يحمل عليها زادًا، ولا شيئًا يتعبها به. ¬

_ (¬1) انظر: التفريع: 1/ 215. (¬2) أخرجه مسلم: 2/ 957، في باب جواز ركوب البدنة المهداة لمن احتاج إليه، من كتاب الحج، برقم (1324). (¬3) في (ق 5): زيادة: محمل.

باب في الهدي والصيام عن التمتع

باب في الهدي والصيام عن التمتع الأصل في ذلك قول الله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196]. وللمتعة أربعة شروط؛ وهي: أن يأتي بها في أشهر الحج قبل الحج، ثم يحجّ من عامه قبل أن يرجع إلى بلده. فإن كانت قبل أشهر الحجّ ثم حجّ من عامه، أو في أشهر الحجّ ولم يحجّ من عامه، أو حجّ من عامه بعد أن رجع إلى بلده، أو إلى مثله في المسافة، أو اعتمر بعد الحج في بقية ذي الحجة- لم يكن متمتعًا، ويجزئ من الهدي عن المتعة الشاةُ؛ لقوله تعالى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196]. ولا يقلد هدي المتعة إلا بعد الإحرام بالحج (¬1)، وكذلك القران. واختلف إذا قلد أو أشعر قبل الإحرام بالحج، فقال أشهب وعبد الملك في كتاب محمد: لا يجزئه. وقال ابن القاسم: يجزئه (¬2). فلم يجزئه في القول الأول لأن المتعة إنما تجب إذا أحرم بالحج، وإذا قلّده وأشعره قبل ذلك كان تطوعًا، والتطوع لا يجزئ عن الواجب، وأجزأ في القول الآخر قياسًا على تقديم الكفارة قبل الحنث، والزكاة إذا قرب الحول. والذي تقتضيه السنة التوسعة في جميع ذلك، فقد مضى ذكر ذلك في مواضعه. ومن أحرم بالحج وعَدِمَ الهدي كان في عدمه على ثلاثة أوجه: على إياس من وجوده، أو على يقين أنه يجده قبل الوقوف بعرفة، أو شاك، ¬

_ (¬1) قوله: (بعد الإحرام بالحج) ساقط من (ب). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 461.

فإن كان آيسًا صام، وصيامه موسع من حين يحرم إلى يوم عرفة، ولا يؤخره لبعد يوم عرفة. واختلف عن مالك في صيام يوم عرفة، والاستحباب أن يستكمل الثلاث قبل يوم عرفة؛ ليقوى على الذكر والدعاء. وإن شك استحب له أن يؤخر صومه إلى آخر الوقت؛ رجاء أن يأتي بما هو أفضل، وهو الهدي. وإن صام ثم وجد الهدي قبل خروج وقت الصوم أجزأه. واختلف إذا صام على يقين أنه يجده قبل خروج وقت الصوم، فعلى قول ابن القاسم يجزئه الصوم، وعلى قول ابن حبيب لا يجزئه. وهذا قياس على قولهما فيمن كان على يقين من وجود الماء قبل خروج الوقت فصلى بالتيمم، ثم وجد الماء في الوقت. وقد تقدم وجه قوليهما في كتاب الطهارة (¬1). وآخر الوقت الذي لا يتأخر عن أن يبتدئ بالصوم فيه السابع والثامن والتاسع، وليست هذه الأيام وقتا لالتماس الهدي؛ لقوله تعالى: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196]. فإذا كان الصوم قبل يوم النحر -لأنه محرم الصوم- علم أنه مطالب بالهدي والانتقال إلى الصوم قبل يوم النحر. واستحب مالك لمن وجد الهدي قبل أن يستكمل صيام الأيام الثلاثة أن ينتقل إلى الهدي (¬2)، وهذا يحسن لمن قدّم الصوم عن الوقت المضيق، كالذي يصلي ¬

_ (¬1) انظر كتاب الطهارة، ص: 193. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 335. قال فيها: (أرأيت الرجل يصوم ثلاثة أيام في الحج ثم يجد ثمن الهدي في اليوم الثالث هل ينتقض صومه؟ قال: قال مالك: يمضي على صيامه. قلت: أرأيت =

بالتيمم وسط الوقت، وليس كالذي يؤخر الصوم إلى الوقت المضيق. ومن لم يصم قبل عرفة صام أيام التشريق، وإن لم يفعل صام متى ذكر، ولم يؤخر؛ لأن الصوم كان معلقًا بوقت، فمن تركه عامدًا أو ناسيًا كان القضاء على الفور؛ قياسًا على الصلاة. وكذلك من لم يصم عن قرانه الثلاثة قبل عرفة صام أيام التشريق؛ لأنه تمتع بالعمرة في أشهر الحج (¬1). واختلف قول مالك إذا كان الدم عن ترك النزول بالمزدلفة أو المبيت بمنى أو عن بعض الجمار أو غيره مما دخل عليه بعد الوقوف بعرفة، فرأى مرة: أنه يصوم أيام (¬2) التشريق كالمتمتع؛ لأنه مقيس (¬3) عليه ثلاثة وسبعة إذا رجع. ورأى مرة: ألا يصومها، وأن الرخصة في صيامها لمن وجب عليه الدم قبل (¬4). وقال (¬5) في كتاب محمد في فدية الأذى: لا يصومها في أيام منى (¬6). يريد: لأنه مخاطب بثلاثة أيام لا أكثر، بخلاف المتمتع. ولو أحرم رجل بعمرة في أيام منى، ولم يكن أحرم بالحج فوجب عليه صوم عشرة أيام- لم يوقع الثلاثة في أيام منى، وإنما جاءت الرخصة بصيامها للحجاج. وإن كان الدم عن فساد حجٍّ أو فوات وأتى بحجة القضاء كان ¬

_ = إن كان أول يوم صام ووجد ثمن الهدي؟ فقال: قال مالك: إن شاء أهدى وإن شاء تمادى في صيامه). (¬1) انظر: المدونة: 1/ 414. (¬2) قوله: (أيام) ساقط من (ب). (¬3) في (ب): (مفسد). (¬4) في (ب): (قبلها). وانظر: النوادر والزيادات: 2/ 460. (¬5) قوله: (وقال) ساقط من (ب). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 460.

فصل [في صوم السبعة أيام بعد الحج]

حكمه في الهدي والانتقال إلى صيام الثلاثة قبل الوقوف حكم المتمتع. فإن لم يصم قَبْلُ صام أيام منى على أحد قولي مالك، وسبعة إذا رجع. وإن صام قبل أن يتلبس بحجة القضاء كان تقدمة الصوم على الخلاف في تقدمة الهدي، فقد قيل في تقدمته: جائز، ويكره، ولا يجزئ، وكذلك الصوم. وقال مالك فيمن عجز عن المشي: أنه يركب ويهدي، فإذا رجع مشى المواضع التي ركبها (¬1). فصل [في صوم السبعة أيام بعد الحج] وقال مالك في المدونة في معنى قول الله تعالى: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196]: إذا رجعوا من منى (¬2). وقال في كتاب محمد: إذا رجع إلى أهله، إلا أن يقيم بمكة (¬3). وهذا بيّن، وليس المراد أن يصوم في الطريق؛ لأنه في سفر، وقد وضع الله تعالى عن المسافر صوم رمضان، مع أنه (¬4) مُفْتَرَضُ العين مُعَظَّمُ الحرمة، ولم يجعل عليه من ذلك إلا الأقل، وما الغالبُ أنه يخف، وهي الثلاثة، ولهذا جعل مالك في كُلِّ (¬5) صَوْمٍ وجب في الحج عدد عشرة أيام أنه يؤخر ¬

_ (¬1) قوله: (أنه يركب. . . ركبها) ساقط من (ب). وانظر: المدونة: 1/ 466، قال فيها: (فإذا عجز عن المشي ركب أيضا حتى إذا استراح نزل، ويحفظ المواضع التي مشى فيها والمواضع التي ركب فيها، فإذا كان قابلا خرج أيضا فمشى ما ركب، وركب ما مشى وأهراق لما ركب دما). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 431. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 459. (¬4) قوله: (مع أنه) ساقط من (ب). (¬5) قوله: (كل) ساقط من (ب).

السبعة حتى يصل إلى بلده؛ قياسًا على المتمتع (¬1). وكذلك المعتمر، يؤخر السبعة حتى يعود إلى أهله، إلا أن يقيم ببلد قبل ذلك (¬2). وقال محمد: سألتِ امرأةٌ مالكًا، وقالت: قرنت عام أول، ولم أجد هديًا، وقد قدمت العام؟ فقال لها: صومي ثلاثة أيام في إحرامك، وسبعة إذا رجعتِ (¬3). فلم ير عليها صومًا في السفر، وإن كانت عادت إلى أهلها. وعلى هذا لو أفطر رمضان في سفر، ثم قدم أهله فلم يصم حتى عاد إلى السفر، أو أفطر لمرض، ثم صح فلم يصم حتى سافر ألا شيء عليه حتى يعود إلى قرار. والظاهر من المذهب فيمن عجل صوم السبعة قبل وقوفه بعرفة ألا يجزئه، وأرى أن يجزئه؛ لأن التأخير حتى يرجع توسعة لمكان سفره، وهو بمنزلة من صام رمضان (¬4) في سفره. ¬

_ (¬1) في (ب): (التمتع). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 459، قال فيه: (والمعتمر في الصيام، كالحاجِّ، يصوم ثلاثةً -يريد في إحرامه- وسبعة بعد ذلك). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 459، وعزاه لابن وهب. (¬4) قوله: (رمضان) ساقط من (ب).

باب في وجوب العمرة ووقتها

باب في وجوب العمرة ووقتها العمرة عند مالك سُنَّة. وقال ابن الجهم وابن حبيب: واجبة كوجوب الحج (¬1). والأول أحسن؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصِيَامِ رَمَضَانَ وَحَجِّ البَيْتِ" (¬2). ولم يقل، ست، وفرض الحج من آخر ما نزل، ومعنى قول الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] أَمْرٌ لمن دخل فيهما بالإتمام. وقيل: أمر من أتى بعمرة أن يرجع (¬3) إلى بلده، ثم يأتنف السفر للحج. وكلا التأويلين لا يقتضي وجوب العمرة، ولا تدخل العمرة في عموم الأمر بالحج؛ لأن هذين قد لزم كل واحد منهما اسم يختص به، قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} فلم يشرك العمرة بالاسم مع الحج. وقال مالك: العمرة في السنة مرة، ولو اعتمر لزمه (¬4). وقال مطرف في كتاب ابن حبيب: لا بأس بالعمرة في السنة مرارًا. وقال محمد بن المواز: أرجو ألا يكون به بأس، وقد اعتمرت عائشة - رضي الله عنها - عمرتين في شهر (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 362. (¬2) سبق تخريجه في أول كتاب الصلاة الأول، ص: 223. (¬3) قوله: (أن يرجع) ساقط من (ب). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 403. (¬5) كذا فيما وقفنا عليه من مخطوطات الكتاب، ولم نقف على هذا الأثر، أعني كون أم المؤمنين اعتمرت مرتين في شهر، والذي وقفت عليه في مسند الشافعي: 1/ 113، من كتاب المناسك، برقم (516): (عن ابن المسيب: أن عائشة - رضي الله عنها - اعتمرت في سنة مرتين مرة من ذي =

ولا أرى أن يمنع أحد من أن يتقرب إلى الله تعالى بشيء من الطاعات، ولا من الازدياد في الخير في موضع لم يأت بالمنع منه نص. والوقت الذي يؤتى بها فيه على وجهين، فمن لم يتقدم له حجّ، ولا يريده في ذلك العام فيعتمر من السنة أيَّ وقتٍ أحب، وفي أشهر الحج وأيامه ويوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق، ويكون الناس في الوقوف بعرفة وهو يعمل عمل العمرة. وأما من حج فلا يعتمر حتى تغيب الشمس من آخر أيام التشريق. قال: وإن تعجل في يومين فلا يحرم بعمرة. وإن فعل لم تنعقد. قال ابن القاسم: إلا أن يحرم في آخر أيام التشريق بعد الرمي فيلزمه (¬1) قال محمد: يلزمه الإحرام، ولا يحل في آخر أيام التشريق حتى تغرب الشمس، وإحلاله قبل ذلك باطل. قال: وإن وطئ قبل ذلك أفسد عمرته، وقضاها، وأهدى (¬2). والقياس إذا انحل الإحرام للحج أن ينعقد الإحرام للعمرة، ويصح عملها (¬3). ¬

_ = الحليفة ومرة من الجحفة)، وفيه برقم (517) عن صدقة بن يسار عن القاسم بن محمد أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: اعتمرت في سنة مرتين قال صدقة فقلت هل عاب ذلك عليها أحد قال سبحان الله أم المؤمنن فاستحييت. وفي النوادر والزيادات: 2/ 362، (وقد اعتمرت عائشةُ مرتين في عامٍ، وفعله ابنُ عمر، وابن المنكدر، والمِسورُ. وكرهت عائشة عمرتين في شهرٍ) قلت: وعبارة النوادر هي العبارة التي نقلها المؤلف فلعلها تصحفت من الناسخ. (¬1) انظر: المدونة: 1/ 432. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 363. (¬3) إلى هنا في (ق 5)، كتب: (بياض)، مما يشي بأن الباب لم يتم كما وضعه المؤلف -رحمه الله-.

باب فيمن أحصر بعدو أو مرض

باب فيمن أحصر بعدو أو مرض ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أحرم بعمرة، فلما بلغ الحديبية وصده المشركون حَلَّ (¬1). وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه أحرم بعمرة، وكان نزل الحجاج بمكة لقتال ابن الزبير - رضي الله عنه - فقال: "إِنْ صُدِدْتُ صَنَعْتُ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -" (¬2). ولا خلاف فيمن أحصر بعدو، وهو محرم بحج أو عمرة أن له أن يحل، ولا قضاء عليه إذا لم تكن حجة الإسلام. واختلف فيمن أحصر بمرض أو كسر أو حبس في دم أو دين، فقال مالك: لا يحله إلا البيت، وعليه قضاء ما حل منه من حج أو عمرة (¬3)، وهو قول ابن عباس وابن عمر والشافعي (¬4). وقال عطاء بن أبي رباح والنَّخَعِيُّ والثوري وأبو حنيفة وأبو ثور: العَدُوّ والمرض سواء (¬5). وللمحصر بعَدُوٍّ خمس حالات يصح الإحلال في ثلاث، ويمنع في وجه، ويصح في وجه إذا شرط الإحلال، فإن كان العدو طارئًا بعد الإحرام، أو متقدمًا ولم يعلم، أو علم وكان يرى أنه لا يصده فصده- جاز الإحلال. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري: 2/ 639، في باب إذا أحصر المعتمر، من أبواب الإحصار وجزاء الصيد، برقم (1713). (¬2) أخرجه البخاري: 2/ 641، أبواب الإحصار وجزاء الصيد، باب إذا أحصر المعتمر، برقم (1712). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 428. (¬4) انظر: الأم: 2/ 163. (¬5) انظر: شرح معاني الآثار، للطحاوي: 2/ 252، والمبسوط، للسرخسي: 4/ 97.

وقد أحرم النبي - صلى الله عليه وسلم - والمشركون بمكة، وهو يرى أنهم لا يمنعونه، فلما منعوه حل (¬1). وإن علم أنهم يمنعونه لم يحل، وعلى هذا الوجه يحمل ما قاله محمد بن المواز (¬2). وإن شكّ فمنعوه لم يحل، إلا أن يشترط الإحلال، كما قال ابن عمر - رضي الله عنهما -. ومن صُدَّ عن طريقه وهو قادر على الوصول من غير مضرة لم يحل، وإن كان أبعد، إلا أن يكون طريقًا مخوفًا، أو فيه مشقة بيّنة، ولا يرجو انكشاف ذلك قريبًا. وقد قاضى النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل مكة على أن يأتي من العام المقبل، ثم حلّ (¬3)؛ لأن الصبر إلى قابل فيه مضرة. واختلف فيمن أحصر وهو محرم بالحج في ثلاثة مواضع: في الوقت الذي يجوز أن يحل فيه، وهل عليه دم إذا حل، وهل يلزمه القضاء إذا كان محرمًا بحجة الإسلام؟ فمذهب ابن القاسم إذا كان على إياس من انكشافه حل مكانه. وإن كان يرى أنه يذهب قبل ذلك أو شك أُمهل حتى يصير إلى وقت إن ترك لم يدرك، فيحل، وقال أشهب: لا يحل حتى يوم النحر، ولا يقطع التلبية حتى يروح الناس إلى عرفة (¬4). يريد: لأن الحج لما كان معلمًا بوقت، وكان الإمساك عن الوطء والطيب ¬

_ (¬1) سبق تخريجه، ص: 1255. (¬2) قال في كتاب ابن المواز: (قيل لابن القاسم: فكان أحصر بعدوٍّ، قبل أن يحرم، ثم أحرم لطول السفرِ أو لغيره، قال: ما أحسب هذا يحله إلا البيت؛ لأنه أحرم بعد أن تبين له المنع). انظر: النوادر والزيادات: 2/ 434. (¬3) أخرجه البخاري: 2/ 960، في باب الصلح مع المشركين، من كتاب الصلح، برقم (2552). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 439.

وغيره عبادة، وقد التزم المحرم بالحج الإمساكَ عن هذه الأشياء إلى وقت، كان عليه أن يبقى على تلك الطاعة إلى ذلك الوقت. ويلزم على قوله: إن أحرم بعمرة وهو على بعد أن لا يحل إلا في الوقت الذي كان يحل فيه من أحرم بحج لو لم يحصر، وقد كان إحلال النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ما مضى الوقت الذي كان يحل فيه. ومن أحرم بالحج من موضع لا يدرك فيه الحج من عامه، ثم أحصر من ذلك العام، لم يحل إلا أن يصير إلى وقت إن حل لم يدرك الحج عامًا قابلًا (¬1). وقال ابن القاسم فيمن حل ممن أحصر بعدو: لا هدي عليه. وقال أشهب في كتاب محمد: عليه الهدي، وإن لم يجد صام، وقد قال الله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] (¬2) قال: فهذا فيمن أحصر بعدو، وتأول ابن القاسم الآية على المرض. والأول أحسن؛ لأن الآية نزلت بالحديبية، وقد حصرهم العدو، فقال تعالى: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ} والأمن يكون من الخوف، فكان حمل الآية على الخوف الذي كانوا فيه، وعلى المعهود من هذا الاسم؛ حتى يقوم دليل أن المراد الأمن من المرض. وقد اختلف في موجِب هذين: أُحْصِر وحُصِر، فذكر إسماعيل القاضي عن أبي عبيدة، أنه قال: ما كان من مرض أو ذهاب نفقة قيل: أُحْصِر، وما كان من حبس قيل: حُصِر. واستشهد بقول ابن عباس - رضي الله عنهما -: لا حصر إلا من عدو. وقال ابن فارس في مجمل اللغة: ناس يقولون حصره المرض، وأحصره العدو. وهذا عكس ما حكاه أبو عبيدة. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 434. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 432، بغير نقل المؤلف.

وقال ابن فارس: الإحصار: أن يحصر الحاج عن بلوغ المناسك بمرض أو غيره. فسوَّى بين المرض والعدو. وقال أبو عمرو: حصرني الشيء وأحصرني إذا حبسني، قال الله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 273]. يريد الله تعالى أن الفقر أحصرهم، وليس المرض. وقيل: حصره إذا ضَيَّقَ عليه، وأحصره إذا منعه شيئًا، وإن لم يضيق عليه غيره. فمن منع من في (¬1) مدينة أن يخرج منها كان قد حصره؛ لأنه ضيق عليه، وإن منع من كان خارجًا منها أن يدخل إليها كان قد أحصره. وقال مالك وابن القاسم فيمن أحصره العدو: يحل من حجة الإسلام، وكان عليه القضاء (¬2). وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: لا قضاء عليه (¬3). والأول أحسن؛ لأنها مضمونة. فإذا أحصر عن هذا العام بقي الحج في الذمة على حاله. وكذلك من نذر حجة مضمونة عليه القضاء، وإن نذر عامًا بعينه أو التزمه بالإحرام من غير نذر لم يكن عليه قضاء، وكذلك إن نذر عمرة مضمونة قضاها، وإن عينها لشهر أو وقت فانقضى ذلك الوقت لم يكن عليه شيء. وقال عبد الملك في كتاب محمد: إن انكشف الخوف قبل أن يحل فله أن يحل؛ لأن العدو بلغ به ذلك (¬4). ¬

_ (¬1) قوله: (في) ساقط من (ب). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 398. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 433. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 434. وعبد الملك هو ابن الماجشون.

فصل [فيمن أحصر عن الحج]

يريد: إذا فاته الحج وهو على بعد من مكة، وإن كان قريبًا لم يحل إلا بعمرة، وكذلك إن كان إحرامه بعمرة فذهب الخوف وهو قريب من مكة لم يحل دون مكة. وقال في المبسوط فيمن حل له الإحلال، فلم يفعل حتى أصاب النساء: فإن كان نوى أن يحل فلا شيء عليه، وإن نوى أن يقيم على إحرامه لقابل كان قد أفسد حجه إلى قابل، ثم عليه أن يقضي حجته تلك. قال: ومن اعتمر في أشهر الحج، ثم أهلَّ بحجةٍ من مكة، ثم أحصره العدو بعرفة حتى فاته الحج- حل، ولم يستحدث طوافًا يحل له، وعليه هدي لمتعته كما لو تم حجه. وإن كان قارنًا فأحصر أو أفسد كان كمن لم يحصر (¬1) وهو في حج تام، فعليه هدي القِران وهدي الفساد في العام الثاني. وأصل ابن القاسم في هذا: أن يسقط عنه دم المتعة؛ لأنه قد صار عمله إلى فساد (¬2) ولم تتم المتعة. واختلف عنه في دم القران عن العام الذي فات. فصل [فيمن أحصر عن الحج] لا يخلو المحصر عن الحج أن يكون بعيدًا من مكة، أو قريبًا، أو فيها، أو بعد أن خرج منها ولم يقف، أو بعد وقوفه بعرفة. فإن كان على بعدٍ حل مكانَهُ، وكذلك إن كان قريبًا وصُدَّ عن البيت، وإن صُدَّ عن عرفة خاصة دخل مكة، وحل بعمرة. وكذلك إن كان بمكة وكان إحرامه من الحل فإنه يحل بعمرة مكانَهُ، وليس عليه أن يخرج إلى الحل. وإن كان إحرامه من مكة وقدر أن يخرج ¬

_ (¬1) في (ق 5): (لم يُصَدَّ). (¬2) في (ق 5): (عمرة).

إلى الحل فعل، ثم يدخل بعمرة. فإن لم يخرج وطاف وسعى وحلق ثم أصاب النساء لم يكن عليه شيء. وقد قال مالك فيمن أحرم من الحرم، وطاف وسعى قبل الوقوف، ثم طاف طواف الإفاضة، ثم حل وأصاب النساء: فلا شيء عليه. وإن خرج من مكة، ثم صُدَّ عن الوقوف خاصة حل بعمرة، وإن صُدَّ عن الوقوف وعن مكة حل مكانه. وإن وقف بعرفة ثم صد عن مكة وكانت حجته معينة حل ولا قضاء عليه، وإن كانت مضمونة، أو كانت حجة الإسلام جرت على القولين، فعلى قوله في المدونة إذا أفسد قبل الإفاضة أنه (¬1) يأتي بعمرة؛ يكون لهذا أن يحل، ثم يأتي بعمرة بعد ذلك، وعلى ما ذكره ابن الجهم أنه لا يجزئه الحج يكون هذا بالخيار بين أن يحل ويأتي بعد ذلك بالحج، أو يتكلف المقام على إحرامه حتى يطوف ويجزئه، ولا يستأنف الحج بعد ذلك. وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: إن كان العدو بمكة ولم يدخلها هذا ذهب فوقف بعرفة وشهد جميع المناسك. وإن (¬2) زالت أيام منى والعدو بمكة فليحل ويمضي. يريد: ولا قضاء عليه؛ لأنه يقول في المحصر عن حجة الإسلام: لا شيء عليه. ¬

_ (¬1) في (ب): (الذي). (¬2) قوله: (إن) ساقط من (ب).

باب الأصل في حديث ابن عباس

باب الأصل في حديث ابن عباس الأصل في ذلك (¬1) حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خثعمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ فِي الحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قًالَ: نَعَمْ. وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ". اجتمع عليه الموطأ والبخاري ومسلم (¬2). وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "أَتَى رَجُلٌ إِلَى (¬3) رَسُولِ الله، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَحُجَّ، فَقَاَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ؟. قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَاقْضِ دَيْنَ اللهِ، فَهْوَ أَحَقُّ بِالقَضَاءِ" (¬4). وقال - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ صَامَ عَنْهُ وَليُّهُ" (¬5). يريد: إن شاء، ليس أن يجبر. وفي مسلم: "قَالَتِ امْرَأَةٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرِ ¬

_ (¬1) قوله: (ذلك) ساقط من (ب). (¬2) متفق عليه أخرجه البخاري: 2/ 551، في باب وجوب الحج وفضله، من كتاب الحج، برقم (1442)، ومسلم: 2/ 973، في باب الحج عن العاجز، من كتاب الحج، برقم (1334)، ومالك: 1/ 359، في باب الحج عمن يحج عنه، من كتاب الحج، برقم (798). (¬3) قوله: (رجل إلى) ساقط من (ب). (¬4) أخرجه البخاري: 6/ 2667، في باب من شبه أصلًا معلومًا بأصل مبين، من كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، برقم (6885) بلفظ: أن امرأة جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فماتت قبل أن تحج. . . الحديث. (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 690، في باب من مات وعليه صوم، من كتاب الصوم، برقم (1851)، ومسلم: 2/ 803، في باب قضاء الصيام عن الميت، من كتاب الصيام، برقم (1147).

رَمَضَانَ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: صُومِي. قَالَتْ: إَنَّهَا لم تَحُجّ؟ قَالَ: حُجِّي عَنْهَا" (¬1). وقد تضمنت هذه الأحاديث النيابة في الحج والصلاة -وهي ركعتا الطواف- والصوم. وفي البخاري: "أَمَرَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَةً جَعَلَتْ أُمُّهَا عَلَى نَفْسِهَا صَلاَةً بِقُبَاءٍ، فَقَالَ: صَلِّي عَنْهَا" (¬2). ولم يختلف قول مالك في العتق والصدقة عن غيره، وهو يسقط الاعتراض، لقول الله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39] لأنهما ليسا من سعي المعتق عنه ولا المتصدق عليه. واختلف المذهب في حج الإنسان عن غيره وهو حي أو ميت بأمره أو بغير أمره، فأجاز مالك (¬3) ذلك مرة اتباعًا للحديث، ومنع مرة لما كانت أعمال أبدان، ولم ير النيابة فيها، وقال: لا يحج أحد عن أحد (¬4). وقال في كتاب محمد في امرأة أوصت أن يحج عنها: إن حمل ذلك ثلثها، فإن لم يكن يحمل جعل في رقبة، فحمل ذلك ثلثها قال: يعتق عنها ولا يحج (¬5). فلم يجز ذلك وإن كان بوصية من الميت، وقال ابن وهب وأبو مصعب: لا يحج أحد عن أحد إلا الابن عن أبيه. فخصّ الولد كان بوصية ذلك أم لا، كان الأب شيخًا كبيرًا أو غير ذلك. وقال ابن حبيب: جاءت الرخصة في الحج عن الكبير الذي لا مَنْهَضَ له ولم يحج، وعمن مات ولم يحج أن يحج عنه ولده وإن ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم: 2/ 805، في باب قضاء الصيام عن الميت، من كتاب الصيام برقم (1149). (¬2) أخرجه البخاري معلقًا: 6/ 2464، في باب من مات وعليه نذر، من كتاب الأيمان والنذور. (¬3) قوله: (مالك) ساقط من (ب). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 481. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 483.

فصل [فيمن حج عن غيره]

لم يوصِّ به، ويجزئه إن شاء الله. وقال أشهب في كتاب محمد: إن حج عن الشيخ الكبير أجزأه (¬1)، وقيل لمالك: إن رجلًا أمرني وهو حي أن أحج عنه، فقال: افعل ما أمرك (¬2)، وأرى ذلك سواء الموت والحياة، والابن والأجنبي، والشيخ والشاب، سواء كل ذلك جائز، وكلها أعمال أبدان، إلا أن يكون حيًا قادرًا على الحج فلا يصح أن يحج عنه، كما لا يجوز ذلك في الصلاة والصوم إذا كان قادرًا على الأداء. فصل [فيمن حج عن غيره] حج الإنسان عن غيره على أربعة أوجه: تطوعًا، وعلى الإجارة، وعلى البلاغ في الثمن تكون أجرته نفقته، وعلى البلاغ في الحج إن وفَّى بالحج أخذ العوض، وإلا فلا شيء له، وقد تقدم ذكر التطوع. وتكره الإجارة في الجملة، قال مالك في كتاب محمد: الرجل (¬3) لو آجر نفسه في سوق الإبل وحمل اللَّبِن لكان (¬4) أحب إليَّ من أن يعمل عملًا لله سبحانه وتعالى بالإجارة (¬5). قال ابن القاسم: وإن آجر نفسه ثم أراد نقض الإجارة لما بلغه ألا يحج أحد عن أحد لم يكن له ذلك، وإن كانت الإجارة بنفقته جاز، وينبغي أن يبينها ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 482. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 481. (¬3) قوله: (الرجل) ساقط من (ب). (¬4) قوله: (لكان) ساقط من (ب). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 481.

قبل العقد، فإن لم يفعل مضى، وينفق نفقة مثله. قال محمد: ينفق ما لا بد منه مثل الكعك والزيت والخل واللحم المرة بعد المرة والثياب والوطاء واللحاف، فإن رجع رَدَّ ما فضل. قال: وإنا لنكره ذلك (¬1). يريد: إلا بشيء معلوم. والإجارة من بلد الموصي إن أوصى به منه ثم مات به. قال ابن القاسم: وَيُحْرِمُ من ميقات الميت وإن لم يشترط ذلك عليه (¬2). وقال أشهب في كتاب محمد: يحج عنه من الموضع الذي أوصى. يريد: إن كان بغير بلده. قال محمد بن عبد الحكم: إن كان من أهل مصر فمات بخراسان وأوصى بالحج حُجَّ عنه من خراسان. وهو أحسن، وإنما يحج من بلد الميت إذا مات به، إلا ألا يجد من يستأجر لتلك الوصية من موضع وصَّى به. وفي السليمانية قال: لا ينبغي لمن أُجِّرَ لِحَجٍّ أن يركب من الدواب والجمال إلا ما كان الميت يركبه؛ لأنه كذلك أراد أن يوصي، ولا يقضي به دينه ويسأل الناس، وهذه خيانة، وإنما أراد الميت أن يحج عنه بماله، والعادة اليومَ (¬3) خلاف ذلك، وأنه يصنع به ما أحب، ويحج ماشيًا وكيف تيسر. وقال مالك في كتاب محمد فيمن أوصى أن يُمشى عنه: لا يمشي عنه ويهدي عنه هديين، فإن لم يجد فواحد يجزئه، قيل: فإن وعده ابنه بذلك، قال: أحب له أن يفعل (¬4)، وقال ابن القاسم: ينظر إلى ما يكري به والنفقة إلى مكة فيهدي عنه به هديًا (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 486. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 403. (¬3) قوله: (اليوم) ساقط من (ب). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 488. (¬5) في (ب): (هدايا)، وانظر: النوادر والزيادات: 2/ 488.

فصل [فيمن استؤجر على حج فصد عن البيت]

فصل [فيمن استؤجر على حج فَصُدَّ عن البيت] ومن استؤجر على حج عام بعينه فصده عدو أو مرض أو أخطأ العدد حتى فاته الحج كان له من الأجر (¬1) بقدر ما بلغ، وانفسخ الباقي عن الذي استأجره، ثم يرجع الأمر إلى حكمه في نفسه؛ فإن صده عدو حَلَّ مكانَهُ، وإن مرض قبل أن يحرم رجع، وإن كان قد أحرم أقام حتى يأتي مكة ويحل بعمرة ولا شيء له في تماديه، وكذلك إن فاته الحج لخطأ العدد فلا شيء له (¬2) في تماديه؛ لأن العام الذي استؤجر عليه ذهب أو في معنى الذاهب، وإنما تماديه لحق الله تعالى فيما يحل به (¬3) من الإحرام، ولو أقام على إحرامه لقابل لم يكن له شيء، وإن حل من إحرامه قضى قابلًا ولا شيء له، وإن كانت الإجارة على حجة مضمونة فصده عدو حل من إحرامه (¬4)، ثم ينظر فإن كان لا يشق الصبر لقابل لم تفسخ إجارته، وإن كان يشق عليه كان الموصى لقابل (¬5) بالخيار بين أن يصبر أو يفسخ. وكذلك إن مرض وفاته الحج قبل أن يحرم؛ هو بالخيار إذا كان على بُعد، ولا خيار له إذا لم تدركه مشقة في الصبر. وإن كان أحرم وأقام على إحرامه لقابل وحج أجزأه واستحق جميع الأجرف وكذلك إن حل بمكة وأقام لقابل ووفى بالحج، وإن لم يقم حطَّ من الأجر بقدر الباقي من مكة إلى عرفة، وما ¬

_ (¬1) في (ق 5): (الحج). (¬2) في (ق 5): (عليه). (¬3) قوله: (يحل به) يقابله في (ب): (يهديه). (¬4) قوله: (من إحرامه) ساقط من (ب). (¬5) قوله: (الموصى لقابل) ساقط من (ب).

فصل [فيمن مات وكان الحج على الإجارة]

بقي (¬1) من أعماله حتى ينقضي الحج. وقال ابن حبيب: يأخذ الأجرة كلها لأنه بلغ مكة وزاد على ما استؤجر عليه مقامه محرمًا. وهذا ضعيف؛ لأن مدة (¬2) ما استؤجر له قد بقي، وهي أعمال يخرج لها ويتكلفها ويقيم الأيام لأجلها. وإن استؤجر بنفقته على عام بعينه فصده عدو حل ورجع فله نفقة رجوعه، وإن تمادى وأقام بمكة حتى حج (¬3) لم تكن له نفقة من الموضع الذي صُدَّ فيه حتى رجع إليه، وله النفقة من الموضع الذي صد فيه حتى رجع (¬4)، وكذلك إن مرض قبل أن يحرم له النفقة ما أقام مريضًا، وفي رجعته ولا شيء له في تماديه إلى مكة، قال ابن القاسم: وإن كان قد أحرم تمادى وله نفقته في تماديه وفي رجعته على الذي دفع إليه المال ليحج به؛ لأنه لما أحرم لم يستطع الرجوع (¬5). فصل [فيمن مات وكان الحج على الإجارة] وإن مات وكان الحج على الإجارة كان له بقدر ما سار واستُرجع منه الباقي، وإن كانت الإجارة بنفقته كان له ما أنفق واسترجع الفاضل، وإن كانت على البلاغ على أنه إن وفَّى بالحج وإلا فلا شيء له لم يكن له فيما سار من الطريق شيء، وكل هذا إذا كانت الإجارة على شيء عيَّنه. وإن كانت الحجة مضمونة في الذمة استؤجر من ماله من يتم بقية الطريق ويحج. ¬

_ (¬1) في (ق 5): (يقيم). (¬2) في (ب): (عمرة). (¬3) قوله: (حج) ساقط من (ب). (¬4) أي إلى بلده. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 488.

فصل [في مخالفة الأجير على الحج ما استؤجر عليه]

وإن سقطت نفقته والإجارة على دنانير معلومة كانت مصيبتها منه، وعليه أن يتمادى ويوفي بالحج، وكذلك إن كانت على البلاغ في الحج، وإن كانت الإجارة بنفقته ولم يحرم رجع وكانت له نفقة رجوعه، إلا أن تكون المراضاة أن نفقته من الثلث فيرجع في باقي الثلث، إلا أن يكون المدفوع جميع ثلث الميت وعليه راضوه فلا شيء عليهم. وإن سقطت النفقة بعد ما أحرم كان عليه أن يتمادى، وكل شيء دخل عليه لم يتعمده من إغماء أو غيره في مال الميت إن كان على البلاغ فإن تعمد كان في ماله، وإن كان عمله على الإجارة كان في ماله العمد والخطأ، وإن وجب التراجع عن بعض الطريق فإن البعض بقدر كل موضع، فليس ما ينوب الطريق من إفريقية إلى مصر بمنزلة ما ينوب من مصر إلى مكة، وصعوبة الحجاز وغرره وقلة المياه وخوف الهلاك. فصل [في مخالفة الأجير على الحج ما استؤجر عليه] واختلف فيمن استؤجر على الحج فتمتع، فقال ابن القاسم: لا يجزئه ويحج من قابل (¬1). وقال في كتاب محمد فيمن أخذ مالًا ليحج عن ميت في بعض الآفاق، فاعتمر عن نفسه وحج عن الميت من مكة، قال: أراه مجزئًا عنه إلا أن يشترطوا أن يحج من أفق الميت (¬2) أو من المواقيت، فلا يجزئه ويرجع ثانية (¬3). وقال محمد: إذا اعتمر عن نفسه ثم حج، فإن كان خروجه عن الميت ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 403. (¬2) قوله: (الميت) ساقط من (ب). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 489.

جاز، وأما إن حج عن الميت من مكة فعليه البدل (¬1). واختلف أيضًا إذا اشترطوا عليه ألا يتمتع فتمتع، فقال مالك: يجزئ عن الميت. وقال ابن القاسم: لا يجزئه. ثم رجع إلى قول مالك أنه يجزئه. واختلف إذا قرن؛ فقال ابن القاسم: لا يجزئه ويرد المال، وقال في كتاب محمد: يرجع ثانية ويجزئه (¬2)، ولا تفسخ الإجارة. وقال ابن الجلاب عن ابن القاسم: إن استؤجر على أن يحج مفردًا لم يجزئه وعليه الإعادة (¬3). وقال ابن الماجشون: يجزئه وعليه الدم. وقال ابن عبد الحكم عن مالك مثله (¬4). وقال ابن حبيب: إن تمتع أو قرن أو جعل ذلك كله عن الميت أجزأه، وإن جعل العمرة عن نفسه والحج عن الميت لم يجزئه، وغرم المال (¬5). وأرى إن تمتع أن يجزئ؛ لأن الهدي ليس بوصم في الحج، وإنما هو لإتيانه بعمرة حينئذٍ. وقال أشهب في مدونته في رجل حج عن رجل واعتمر عن آخر وقد أمراه بذلك: إن دم القران على المعتمر، وقد أوجب الله سبحانه حجه. ولا خلاف فيمن قدم قبلها عمرة أنها تجزئه، وأما إن قرن فلا أرى أن يجزئ؛ لأنه أشرك في الطواف والسعي، وإنما أتى ببعض ما استؤجر عليه، ثم ينظر فإن كانت الإجارة على ذلك العام رد المال، وإن كانت مضمونة وأتى مستفتيًا أو كان أظهر ذلك لأنه ظن أن ذلك جائز، لم تفسخ الإجارة وحج من قابل، فإن كتم ذلك ثم ظهر عليه فسخت الإجارة؛ لأنه لا يؤمن أن ينوي في ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 489. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 489. (¬3) انظر: التفريع: 1/ 194. (¬4) انظر: التفريع، لابن الجلاب: 1/ 194. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 489.

فصل [فيمن حج مستأجرا وبقي معه فضلة مال]

مثل ذلك في العام الآخر. فصل [فيمن حج مستأجرًا وبقي معه فضلة مال] وقال ابن القاسم فيمن قال: حُجوا عني بهذه الأربعين دينارًا، فأعطيت لمن حجّ عنه على البلاغ وفضلت عشرون (¬1) كانت ميراثًا (¬2)، وكذلك إن قال: أعطوا فلانًا أربعين دينارًا يحج بها عني فاستؤجر بثلاثين؛ كان الفاضل ميراثًا، قال: لأن مالكًا قال فيمن أوصى أن يشترى عبد فلان بمائة دينار، فاشتروه بثمانين: كان (¬3) الفاضل ميراثا. وقال محمد: إن سمى من يحج عنه أعطي ذلك كله إلا أن يرضى بدون ذلك بعد علمه بالوصية (¬4). وأرى إن لم يعين من يحج عنه أن يكون الباقي ميراثًا، إلا أن يرى أنه مما يحج عنه به حجتين أو أكثر، فيصرف الباقي في حج، إلا أن يكون قصد الميت أن ينفق المستأجر ذلك المال في حجه. وقال أشهب في كتاب محمد فيمن أوصى أن يحج عنه بمائة دينار فاستؤجر من حج بخمسين: فإن كان أوصى لرجل بعينه أخذ الخمسين الباقية، وإن لم يكن بعينه (¬5) فليحج بالخمسين الأخرى (¬6)، قال: وإن أوصى أن يحج عنه بثلثه ¬

_ (¬1) قوله: (عشرون) ساقط من (ب). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 488. (¬3) قوله: (كان) ساقط من (ب). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 484. (¬5) قوله: (أخذ الخمسين. . . لم يكن بعينه) ساقط من (ب). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 485.

وهو صرورة دفع جميعه في حجة واحدة، فإن لم يكن صرورة فاستحسن أن يدفع في حجة، قال (¬1): وإن حج به حججًا فلا بأس (¬2). وقال ابن القاسم: إن كان الثلث كثيرًا أعطي لرجال في حجج (¬3). وهذا إذا لم يعين من يحج بثلثه، فإن عين أُعطِي جميع الثلث، وحج عنه (¬4) حجة واحدة. وهذا مفهوم قول ابن القاسم في الثاني من الوصايا (¬5). وإن لم يبلغ ما سمى من المال ما يحج به من بلد الميت استؤجر من القرب (¬6) من، هذا إذا لم يسمِّ الموضع الذي يُحج عنه منه. واختلف إذا سماه، فقال ابن القاسم: يرجع المال (¬7) ميراثًا. وفرَّق بين من سمى ومن لم يسمِّ (¬8)، وقال أشهب: ¬

_ (¬1) قوله: (قال) ساقط من (ق 5). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 484. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 53، قال في سماع يحيى: (سئل عن رجل أوصى أن يحج عنه بثلث ماله فوجدوا ثلثه ألف دينار ونحو ذلك، أيخرج عنه ما يحج به عنه حجة واحدة ويكون ما بقي للورثة؟ أو يهدى عنه بما بقي؟ قال: بل ينفذ ذلك كله في الحج عنه يعطاه رجال يحجون به عنه حتى يستوعب الثلث بالغًا ما بلغ). (¬4) قوله: (عنه) ساقط من (ب). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 368. (¬6) في (ق 5): (أقرب). (¬7) قوله: (المال) ساقط من (ب). (¬8) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 51، 52، قال في العتبية: (وسئل عن الرجل يوصي بستين دينارًا يحج بها عنه فلا يجدون من يحج بها عنه من الأندلس لقلتها، أيبعث بها إلى إفريقية أو مصر فيكرى بها من يحج بها من ثم، والموصي إنما أوصى من الأندلس وبها مات؟ وهل يختلف عندك إن قال: حجوا بها عني من الأندلس أو قال: حجوا بها عني ولم يقل من الأندلس إلا أنه من أهلها وبها مات؟ قال ابن القاسم: نعم يختلف. أما قوله حجوا بها عني ولم يسم من الأندلس ولا من مكان يحج بها منه فإنهم إن لم يجدوا من =

يستأجر من أقرب منه (¬1). وقال محمد: إن كان صرورة. وقول أشهب أحسن (¬2)، وإن لم يكن صرورة كان ميراثًا إذا عرفت عزيمة الميت أنه أراد من ذلك الموضع. وقول أشهب أحسن، وليس محل قوله: إن لم يحمل أن يسقط الحج كره، وعمرة الوصية الحج بالحج، وذكر الموضع الذي يحرم منه في معنى المبالغة، وما يستحسنه. ¬

_ = يحج بها عنه من بلده بعثوا بها إلى المواضع التي يجدون بها من يحج بها عنه منها. وإن كان إفريقية أو مصر، فإن لم يجدوا ففيما وراء ذلك المدينة أو أمامها حتى ينفذوها فيما أوصى. وأما قوله: من الأندلس فإن وجدوا من يحج بها من الأندلس كما أوصى وسمى وإلا ردت إلى الورثة ولم يخرج بها إلى ما وراء ذلك). (¬1) قوله: (منه) ساقط من (ب). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 488.

باب تبدية الحج على التزوج

باب تبدية الحج على التزوج (¬1) وقال مالك فيمن كان عزبًا صرورة، وله مال كفاف- الحجِّ أو التزويج: أنه يبدأ بالحج (¬2). ولم يبين: هل ذلك واجب، أو مستحب. فعلى قوله: إن الحج على الفور (¬3) يكون واجبًا. وعلى القول أن له التراخي يكون مستحبًا؛ لأن الوقت موسع. ولا أعلمهم يختلفون بعد القول أنه على الفور أنه إن قدم التزويج أنه ماضٍ، ولا يرد المال من الزوجة. وفي السليمانية: إن خشي العنت بدأ بالتزويج. ولو كانت له زوجة وله من المال كفاف حجه، فإن خلف منه نفقتها لم يبلغه الباقي، وإن لم يخلف منه النفقة قامت بالطلاق- فإنه يحج. وعلى القول الآخر: يمهل حتى يجد. وقد قيل فيمن له أولاد: يخرج ويزكهم وإن تكففوا. يريد: ما لم يخش عليهم الموت. وأرى أن يقيم معهم، وفي خروجه عنهم إذا ضاعوا حرج، والحرج ساقط. ¬

_ (¬1) قوله: (باب. . . التزوج) ساقط من (ب). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 448، والنوادر والزيادات: 2/ 319. (¬3) انظر: عيون المجالس: 2/ 770، والتلقين: 1/ 79، والمعونة: 1/ 321، والإشراف: 1/ 459.

باب في حج المرأة بغير ولي

باب في حج المرأة بغير ولي (¬1) وقال مالك في المرأة تريد الحج لا ولي لها، أو لها ولي وأبى أن يخرج معها: لا بأس أن تخرج مع جماعة رجال ونساء لا بأس بحالهم (¬2). وقال أيضًا: تخرج مع من يوثق به من الرجال والنساء (¬3). وقال محمد بن عبد الحكم: لا تخرج مع رجال ليسوا منها بمحرم. وقال ابن حبيب بقول مالك إن كانت صرورة، ولا تخرج لغير الفريضة إلا مع ذي محرم من الرجال. وقول ابن عبد الحكم أحسن وأحوط؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُسَافِرُ المَرْأَةُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ" (¬4). فعم جميع الأسفار؛ ولأن الفساد لا يتعذر في الليل، وإن كانت مع جماعة إذا لم يكن ولي يطِّلع عليها ويحفظها، وهذا إذا لم تنضف إلى أحد من الجماعة، فإن انضافت إليهم كان ¬

_ (¬1) قوله: (باب. . . بغير ولي) ساقط من (ب). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 27. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 457. (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 369، في باب في كم يقصر الصلاة، من أبواب تقصير الصلاة، برقم (1038)، ومسلم: 2/ 977، في باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره، من كتاب الحج، برقم (1339)، ومالك: 2/ 978، في باب ما جاء في الوحدة في السفر للرجال والنساء، من كتاب الاستئذان، برقم (1766).

ذلك أمكن، ومخالف لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "باعدوا بين أنفاس الرجال والنساء" (¬1). وهذا في الشابة، وأما المتجالة فلا تمنع السفر كيف شاءت في الفريضة والتطوع. تم كتاب الحج الثاني، والحمد لله (¬2) ¬

_ (¬1) لا أصل له، ذكره العجلوني في كشف الخفاء: 1/ 279 وقال: "قال القاري: غير ثابت، وإنما ذكره ابن الحاج في "المدخل" في صلاة العيدين، وذكره ابن جماعة في منسكه في طواف النساء من غير سند، ولفظه يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "باعدوا بين أنفاس الرجال والنساء"، ذكره دليلًا لقولهم لا تدنوا النساء من البيت في الطواف مخافة اختلاطهن بالرجال إن كانوا" اهـ. (¬2) قوله: (تم كتاب. . . والحمد لله) زيادة من (ق 5).

كتاب الحج الثالث

كتاب الحج الثالث النسخ المقابل عليها 1 - (ب) = نسخة برلين رقم (3144) 2 - (ق 5) = نسخة القرويين رقم (368/ 3)

باب في حكم من فاته الحج أو أفسده

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أول الحج الثالث (¬1) باب في حكم من فاته الحج أو أفسده ولمن أحرم بالحج ففاته أن يحل بعمرة، فإن كان بمكة أو قريبًا منها- استحب له أن يحل؛ لأنه لا يأمن أن يدخل عليه فساد من حاجته إلى النساء، أو يصيب صيدًا؛ فكان إحلاله أولى وأسلم له. وإن كان على بعد كان بالخيار بين أن يمضي فيحل، أو يبقى على إحرامه لقابل؛ لأن عليه مشقة في كلا الأمرين: في بقائه على إحرامه، وفي مضيه؛ فيحل فيقيم عند أهله لقابل، أو يعود فيتكلف الخروج للقضاء. فلم يؤمر أن يقدم أحدهما على الآخر. وقاله أشهب في كتاب محمد، في عبد أحرم بالحج بإذن سيده، ففاته، قال: فليس لسيده أن يمنعه أن يحل بعمرة إن كان قريبًا، وإن كان بعيدًا كان له أن يبقيه فيه على إحرامه لقابل، أو يأذن له فيحل بعمرة (¬2). وقال محمد فيمن أحرم بحج فأفسده، وفاته: إنه ينحل بعمرة، ولا يقيم على إحرامه لقابل (¬3). يريد: لأنه إن أقام لقابل على إحرامه ثم حج لم يجزه عن الفائت؛ لأنه ¬

_ (¬1) قوله: (أول الحج الثالث) يقابله بياض في (ب)، ولم يكتب الناسخ عنوان الباب، ومقابله بياض بمقدار سطر ونصف. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 429. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 424، وعزاه فيه لمالك -رحمه الله-.

فاسد. فأمره بالإحلال ليأتي قابلًا بحجة تجزئه، ولاسيما على القول أن الحج على الفور. وإن استأنف إهلالًا بالحج لم ينعقد، وكان على حجه الفاسد؛ لأن إحرامه الأول لم ينحل. ومن فاته الحج فنوى أن ينحل بعمرة، ثم بدا له أن يقيم لقابل؛ كان ذلك له (¬1). قال محمد: ولكن إن أحب أن يقيم على إحرامه لقابل، ثم بدا له إن عجل بعمرة (¬2)؛ كان ذلك له. وقال ابن القاسم فيمن فاته الحج فطاف وسعى، وقال هذا لحج قابل: أخاف ألا يكون ذلك مجزئًا عنه. وهذا مراعاة لاختلاف الناس فيمن طاف وسعى قبل أشهر الحج: أنه لا يجزئه. وقد قال مالك في الكتاب الأول، فيمن قرن فطاف وسعى قبل أشهر الحج: أنه يجزئه (¬3). والإعادة بعد ذلك أحوط. وقد قيل: معنى قول ابن القاسم ألا يجزئه؛ لما كان له أن ينحل عقبه بعمرة. وهذا غير صحيح؛ لأنه لا خلاف أنه باق على إحرامه للحج، ولم ينحل بذلك الطواف، والإحلال له جائز ما لم تدخل أشهر الحج؛ فيؤمر حينئذ ألا ينحل. واختلف إذا فعل، فقال مرة: إحلاله باطل. وقال مرة: يصح إحلاله، ولا يكون متمتعًا. وقال أيضًا: يكون متمتعًا. فلم ير إحلاله في القول الأول يصح لما صار إلى وقت ينوب فيه الإنسان إلى أن ينشئ الحج. وقوله: أنه يصح إحلاله إن أراد أن يحل في أوائل أشهر الحج؛ لأنه قد تكلف مشقة في الصبر إلى الآن، وفي بقائه على ذلك شهرين آخرين إذا أضيف إلى الأول مشقة. فكان له ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 428. (¬2) قوله: (ثم بدا. . . عجل بعمرة) ساقط من (ب). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 406.

فصل [فيمن وطئ أهله في حج أو عمرة]

أن يحل وينتفع بأهله ما بينه وبين آخر الوقت. ولا يكون متمتعًا فيلزمه هديين: هدي التمتع بالإحلال، وهدي التمتع بالعمرة؛ لأنه لم يبتدئ عمرة، وإنما أتى بها لمكان الإحلال، فكان عليه هدي التمتع بالإحلال وحده. فإن لم يحل حتى أتى بالحج لقابل لم يكن عليه هدي؛ لأن الهدي لم يكن لمكان الفوات، وإنما كان لأجل الانتفاع بالإحلال. وإن أصاب أهله بعد أن فاته الحج، وقتل صيدًا أو تطيب- كان قد أفسد الحج. وإن كان له أن ينحل بعمرة؛ فلا يكون مفسدًا لعمرة؛ لأنه كان له أن يبقى على إحرامه لقابل، إلا أن إفساده الحج لا ينقله عن حكم الفوات، وأن له أن ينحل بعمرة، ويقضي الفائت حسبما كان له (¬1) لو لم يفسد. فصل [فيمن وطئ أهله في حج أو عمرة] وقال مالك فيمن جامع امرأته في الحج: يفترقان قابلًا من حيث يحرمان، ولا يجتمعان حتى يحلا (¬2). قال أبو الحسن ابن القصار: ولم يبين هل ذلك واجب، أو مستحب. قال: وعنه أنه يستحب. قال الشيخ - رضي الله عنه -: ذلك مستحب لمن فعله جهلًا بالتحريم، وواجب إذا كان عالمًا بتحريمه، فيجبر على الافتراق، وسواء كان معه الآن تلك الزوجة، أو غيرها أو سُرِّيَّةً؛ لأنه لا يؤمن أن يأتي مع من هو معه مثل ذلك. قال مالك: ومن أفسد عمرة أو حجًا؛ أحرم من حيث كان أحرم بهما، إلا أن ¬

_ (¬1) قوله: (له) ساقط من (ب). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 458.

فصل [فيمن أفسد حجة الإسلام أو التي نذرها]

يكون أحرم من أبعد من الميقات، فليس عليه أن يحرم إلا من الميقات (¬1). ولم ير في تقديم الإحرام على الميقات فضل، ومحمل قوله: -أنه لا يحرم إلا من حيث أحرم أولًا- على أنه كان أحرم من هناك بوجه جائز؛ لأنه جاوز الميقات، وهو لا يريد دخول مكة، أو غير ذلك من العذر، ومن كان تعدى أولًا أُمِرَ الآن ألا يتعدى ميقاته. وقد قال: أستحب لمن قدم مكة بعمرة، ثم أحب أن ينشئ الحج، وعليه نفس أن يخرج لميقاته (¬2). وإن كان إحرامه الأول من الميقات، فتعدى في الثاني، أو أتى به من دون الميقات- أجزأه، وعليه الهدي؛ لأنه لو تعدى الميقات في حجة الإسلام أجزأه. فصل [فيمن أفسد حجة الإسلام أو التي نذرها] وإن أفسد حجة الإسلام، أو حجة كان نذرها في الذمة أتى بحجة واحدة. واختلف إذا أفسد القضاء، فقال عبد الملك: عليه حجة واحدة. وهي الأولى: حجة الإسلام، أو التي نذر. وقال ابن القاسم: يأتي بحجتين (¬3). إحداهما عن الأولى التي في الذمة، والأخرى عن التي أفسد آخرًا، قال: وقد قاله فيمن أفطر يومًا من رمضان ثم أفطر القضاء؛ عليه يومان، قال: والحج مثله (¬4). وقال أصبغ: الصوم بخلاف الحج؛ لأن الحج عمل ثان أفسده فعليه قضاؤه. قال وليس بالقوي، ولا الواجب إلا القضاء عن الأول فقط. وقول عبد الملك ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 424. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 401. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 427. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 427.

أحسن؛ لأنه لم يختلف في السؤال الأول إذا أفسد حجة الإسلام أن ليس عليه سوى حجة الإسلام، وأنه في ذلك بمنزلة من لم يتقدم له إفساد. فإذا جعل إحرامه في العام الثاني قضاء عن حجة الإسلام، وسقط حكم التي أفسد، ولم يخاطب عنها بشيء، وكأنه لم يأت بالتي أفسد- كان حكم الثانية والثالثة حكم الأول، وأن الخطاب إنما يتوجه عليه أن يأتي بالتي في الذمة خاصة، كأنه لم يكن أفسد. ولو صح أن يكون عليه قضاء الفاسد وقضاء ما في الذمة، لكان ذلك عليه في أول عام إذا أفسد، فيقضي التي أفسد والتي في الذمة. وقال ابن القاسم فيمن قرن، وطاف أول ما دخل مكة وسعى، ثم جامع: عليه أن يقضي الحج والعمرة. قال له سحنون: ولمَ لا يكون قد تمت عمرته حين طاف وسعى؟ فقال: لأن ذلك الطواف والسعي للعمرة والحج (¬1). ومعارضة سحنون صحيحة، ولا ينبغي أن يكون عليه عن العمرة شيء؛ لأنها تمت بفراغه من السعي، فلم يبق إلا الحلاق، منع منه بقاؤه على الحج، وإنما أفسد بوطئه بعد ذلك الحج وحده، ولم يغلب على العمرة. قال أيضًا فيمن قرن ففاته الحج: يحل بعمرة، ويقضي قارنًا (¬2). والقياس أن يقضي الحج وحده؛ لأن الفوات من الحج وحده، ولم يغلب على العمرة؛ لأن الوقت الذي ينحل فيه وقت لها، وقد وفى بها. وقال ابن القاسم فيمن أفسد وهو مفرد، فقضى قارنًا: لم يجزه (¬3). لأن حج القارن ليس تامًا كتمام المفرد، إلا بما أضاف إليه من الهدي. فإن أفسد وهو ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 458. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 403. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 403.

فصل [فيمن أفسد حجه]

قارن؛ قضى قارنًا، وإن قضى الحج والعمرة مفردين؛ لم يجزه. وقال عبد الملك: إن كان مفردًا، فقضى قارنًا؛ أجزأه (¬1). وهو أحسن لوجهين: أحدهمما: أن الهدي عنده يرفع الوصم، ويصير تامًا كتمام المفرد. والثاني: أن من أتى بحجة الإسلام قارنًا؛ أجزأه. فإن كان الفرض حجًا بانفراده، فتطوع بإضافة العمرة- أجزأه. ولا يقال له: إنه غير جائز؛ لأنه اشترك بين فرض وتطوع. وإن كان ذلك فإنه لا يخلو أن تكون الحجة التي أفسد حجة الإسلام، فلا يكون إفساده أوكد في الوجوب مما كان يجزئه أن يأتي به ابتداء أو تطوعًا، فلا يكون التطوع آكد. وكذلك، إذا أفسد وهو قارن، فأتى بالحج والعمرة مفردين يجزئانه؛ لأنه أتى بأفضل مما أفسدة لأنه أفسد طوافًا واحدًا وسعيًا واحدًا، وأتى بطوافين وسعيين. والقارن يأتي بالهدي لإسقاط أحد العملين، وإسقاط أحد السفرين، فجمعها بدم. والمتمتع يأتي بدم لإسقاط أحد السفرين. وقد وفى هذا بالعملين مَنْ أتى بالعمرة مِنْ أشهر الحج. وإن أتى بها قبل أشهر الحج كان أبين؛ لأنه أتى بعملين سلم فيهما من الهدي. فصل [فيمن أفسد حجه] وإن أفسد وهو متمتع، فقضى مفردًا غير متمتع؛ أجزأه (¬2). وأن أفسد مفردًا فقضى متمتعًا أجزأه أيضًا؛ لأن الهدي لإتيانه بالعمرة حينئذ ليس لوصم في الحج. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 426. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 425.

فصل [فيما يلزم من الدم لفوات أو فساد الحج]

وذكر أبو محمد في النوادر، فيمن قرن، ثم أفسد بالوطء، ثم قضى قارنًا متمتعًا لم يجزئه (¬1). ولا وجه لهذا؛ لأنه إنما أفسد عمرة لا غير ذلك، فعليه قضاؤها. وقال عبد الملك فيمن تمتع فأفسد العمرة، ثم أنشأها بحج: أنه يأتي لقابل بالحج والعمرة (¬2). لأنه أفسد متعته، وهذا مثل الأول إنما أفسد عمرة ثم بعد ذلك أنشأ الحج، فعليه عمرة؛ لأنها التي أفسد. فصل [فيما يلزم من الدم لفوات أو فساد الحج] وأما ما يلزم من الدم عن هذه الأشياء، وعلى مَنْ أفردَ ثم فاته الحج هدي واحد. وإن أفرد ثم أفسد فهدي. وإن اجتمع فوات وفساد فهديان. وإن قرن وأفسد فثلاث هدايا: هديان في العام الأول للقران والفساد، وهدي للقران في العام الثاني. وإن قرن ثم فاته الحج كان عليه هدي الفوات وهدي القران بحَجَّة القضاء. واختلف في هدي القران عن العام الفائت، فقال ابن القاسم في كتاب محمد: عليه الدم. ومرة قال: لا دم عليه. وهو أحسن؛ لأنه إنما آل أمره إلى عمرة، ولم يتم القران. وإن اجتمع قران وفساد وفوات- كان عليه هدي الفوات والفساد والقران بحجة القضاء. ويختلف في هدي القران عن الفائت. وقال ابن القاسم فيمن تمتع وقرن، ثم فاته الحج: عليه دم القران ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 426. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 370.

وحده (¬1). وهو أحسن؛ لأنه لما فاته الحج صار بمنزلة من أتى بعمرتين بغير حج. فأما دم القران للقضاء فإنه يؤخر حتى يقضي، فإن عجله قبل أن يحرم ونحره بمكة لم يجزه. واختلف إذا قلده وأشعره قبل أن يحرم، ثم نحره بمنى بعد أن أحرم، هل يجزئه أم لا؟ واختلف في دم الفساد، ودم الفوات، فقال مالك مرة: له أن يعجله. وقال مرة: لا يعجله، فإن فعل أجزأه. وقال مرة: لا يجزئه. والأول أحسن؛ لأنه أتى بهما عن أمر تقدم وجوبه في الذمة، ولا وجه لتأخره. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 431.

باب فيما يحرم على المحرم من الوطء واللباس والصيد وغيره

باب فيما يحرم على المحرم من الوطء واللباس والصيد وغيره الإحرام يمنع الرجل خمسة عشر شيئا: الوطء وإن لم يكن إنزال، والإنزال وإن لم يكن وطء في الفرج، وعقد النكاح لنفسه ولغيره، والخطبة، ولبس المخيط، وتغطية الرأس، ولبس الخفين أو الشمشكين مع القدرة على النعلين، وحلق الرأس وغيره من البدن، وقص الأظفار، وإزالة الشعث عن جميع الجسد الرأس وغيره، والطيب، والاصطياد، وقتل الصيد وإن كان قد صاده غيره، وإمساكه وإن كان قد صاده قبل ذلك، وقتل القمل. والمرأة مساوية للرجل في ذلك سوى ثلاث: لبس المخيط، وتغطية الرأس، ولبس الخفين. والأصل في منع الوطء: قول الله تعالى: {فَلَا رَفَثَ. . .} الآية [البقرة 197]. وفي الحلاق: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196]. وفي الاصطياد: قوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96]، وفي قوله تعالى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ. . .} [المائدة: 95]، ومن السنة: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَنْكِحُ المُحْرِمُ، وَلاَ يُنْكحُ، وَلاَ يَخْطُبُ" (¬1)، وقال: "لاَ يَلْبَسُ المُحْرِمُ القَمِيصَ، وَلاَ العَمَائِمَ، وَلاَ السَّرَاوِيلات، وَلاَ البَرَانِسَ، وَلا الأَخْفَافَ إِلاَّ أَلاَّ يَجِدَ نَعْليْنِ، فَلْيَلْبَسْ خُفَّينِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ، وَلاَ يَلْبَس شَيْئًا مَسَّهُ وَرْسٌ وَلاَ ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم: 2/ 1028، في باب تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبه، من كتاب النكاح، برقم (1409)، ومالك: 1/ 348، في باب نكاح المحرم، من كتاب الحج، برقم (772).

زَعْفَرَانٌ" (¬1). فتضمن منع المخيط وتغطية الرأس والرجلين والتطيب. وقال في الذي وقصت به راحلته: "لاَ تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلاَ رَأْسَهُ" (¬2). فمنع تغطية الوجه. وقال لكعب بن عُجرة: "أَتُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ"؟ قال: نعم. قال - صلى الله عليه وسلم -: "احْلِقْ، وَانْسُكْ بِشَاةٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتّةَ مَسَاكِينَ، مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ، أَوْ صُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ" (¬3) وقال: "لاَ تَنْتَقِبُ المُحْرِمَةُ وَلاَ تَلْبَسُ القُفَّازَيْنِ" (¬4). فيُفسِدُ الحج التقاء الختانين فما بعد وإن لم ينزل، والإنزال وإن لم يَصُبَّ في الفرج، وسواء كان عالمًا بتحريم ذلك أو جاهلًا أو ناسيًا. وإن كان الإنزال على أَمرٍ الغالب أن ينزل منه، أو متردد هل يكون أم لا؟ أفسد. وإن كان الغالب ألا ينزل فأنزل لم يفسد حجه، وعليه الهدي. فإن حركته دابته فأدام حتى أنزل أفسد. فإن رهقه ولم يستدم لم يفسد وأهدى. وكذلك المرأة تحركها دابتها، فتجد اللذة وتستديم حتى تنزل؛ فقد أفسدت. وقال في محرم أو محرمة عبثا بأنفسهما حتى أنزلا: أفسد، وإن قبل، أو ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 5/ 2184، في باب لبس القميص، من كتاب اللباس، برقم (5458)، ومسلم: 2/ 834، في أول كتاب الحج، برقم (1177). (¬2) صحيح، أخرجه النسائي: 5/ 145، في باب تخمير المحرم وجهه ورأسه، من كتاب مناسك الحج، برقم (2714)، وابن ماجه: 2/ 1030، في باب المحرم يموت، من كتاب المناسك، برقم (3084). (¬3) صحيح، أخرجه مالك: 1/ 417، في باب فدية من حلق قبل أن ينحر، من كتاب الحج، برقم (937)، والنسائي: 5/ 194، في باب في المحرم يؤذيه القمل في رأسه، من كتاب مناسك الحج، برقم (2851)، وأحمد: 4/ 241، في مسند الكوفيين، من حديث كعب بن عجرة، برقم (18131). (¬4) أخرجه البخاري: 2/ 653، في باب ما ينهى من الطيب للمحرم والمحرمة، من أبواب الإحصار وجزاء الصيد، برقم (1741).

باشر، أو ضم أهله فأنزل أفسد (¬1). واختلف في النظر والتذكر إذا كرر فأنزل، فقال مالك: أفسد حجه (¬2). وروى أشهب عنه: ألا شيء على من تذكر حتى أنزل، ويهدي (¬3). وقال محمد: رواية ابن القاسم أحب إلينا إذا أدام ذلك وكرره. قال: وكذلك النظر (¬4). يريد: إن كرر أفسد عند ابن القاسم، ولم يفسد عند أشهب. ولم يختلفا إذا لم يكرر النظر ولا التفكير فأنزل ألا يفسد، وعلى هذا: إذا قَبَّلَ امرأة أو غمز، وشأنه ألا ينزل عند ذلك فأنزل؛ ألا يفسد (¬5). وفرَّق مالك بين الصوم والحج، فقال فيمن نظر، أو تفكر ولم يدم فأنزل: عليه القضاء، ولا كفارة عليه. وإن أدام ذلك؛ كان عليه القضاء والكفارة (¬6). وقال في الحج: إذا لم يدم لم يفسد (¬7). ولا فرق بين الموضعين، فإما أن يقال للجميع: ألا شيء عليه أو أن ذلك عليه، إلا أن يحمل قوله في قضاء الصوم على الاستحسان ولا شيء عليه في الجميع فيستخف قضاء الصوم ليسارته. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 439. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 439. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 419. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 420. (¬5) قوله: (وعلى هذا. . . ألا يفسد) ساقط من (ب). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 270. (¬7) انظر: المدونة: 1/ 439.

فصل [في غسل المحرم]

ومن أصاب محرمة طائعة أو مكرهة، زوجته كانت أو غيرها أفسد حجها، وعليه أن يحجها من ماله بعد إحلالها من هديه. قال محمد: فإن ماتت قبل أن يحجها أهدى عنها. ولم يجعل عليه أن يغرم نفقة العام الذي أفسد عليها. قال مالك (¬1): وإن طلقها وتزوجت غيره؛ فعلى الزوج الآخر أن يأذن لها (¬2). وقال فيمن أحرمت أمته بإذنه، ثم أكرهها: عليه أن يحجها، ويهدي عنها (¬3)، وإن باعها قبل ذلك كان عيبًا ترد به، إلا أن يتبرأ منه (¬4). وعلى قول سحنون لا يجوز البيع؛ لأن المشتري يجبر على أن يدعها تحج القضاء، فكان بيعًا في تحجير، إلا أن يفلس البائع. فصل [في غُسل المحرم] وإن أجنب المحرم فاغتسل أَمَرَّ يديه مع الماء على جسده (¬5)، ولم يدلك تدلكًا ينقي الوسخ، فإن فعل افتدى. قال مالك: ولا يغمس رأسه في الماء خشية أن يقتل الدواب (¬6). يريد: فيمن كانت لهم وفرات حسب عادتهم، فإن لم يكن وعلم ألا شيء برأسه، أو كان حديث عهد بالحلاق- فلا بأس أن ¬

_ (¬1) في (ب): قال (محمد). والذي في النوادر: (وفي كتاب محمد). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 421. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 424 (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 421، وهو معزوٌ فيه لمحمد. (¬5) قوله: (على جسده) ساقط من (ب). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 462.

فصل [في لباس المحرم]

يغمس رأسه. قال: ولا يغسله بالخطمي (¬1). وهذا نحو الأول، يمنع من ذلك من كانت له وفرة؛ لأنه يغمس شعره، فإن فعل افتدى. والأمر فيمن لا وفرة له أخف؛ لأنه لا ينقله عند من ينظر إليه عما كان عليه. وللمحرم أن يغتسل اختيارًا للتبرد، ويكره له دخول الحمام. واختلف عن مالك إن فعل، فقال مرة: الحمام ينقي الوسخ. قال مرة: إن تدلك فعليه الفدية. وقال أيضًا: إن تدلك وأنقى الوسخ افتدى (¬2). وأرى أن يفتدي وإن لم يتدلك؛ لأن الشأن فيمن دخل الحمام ثم اغتسل أن الشعث يذهب عنه، ويزول الوسخ بصب الماء بعد عرقه فيه، وإن لم يتدلك. فصل [في لباس المحرم] قال مالك: ولا بأس أن يبدل المحرم ثيابه، وأن يبيعها (¬3). واختلف في تغطية الرجل وجهه، وفي القفازين للمرأة وفي الخاتم للرجل وفي السوارين، وتقلد السيف وشد المنطقة اختيارًا، وما شابه ذلك، كالعصائب: فمنع تغطية الوجه في المدونة، وقال: إن فعل فعليه الفدية (¬4). وقال أبو مصعب وأبو الحسن ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 462. قلت: الخطمي -بفتح الخاء وتسكين الطاء- هو الخبازي، والجاشي، المصوف المتشجر جدًا إذا درس صارت له رغوة تغسل بها الرؤوس ولها لعابة وهو الغاسول. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة للجُبِّي، ص: 41. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 461. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 459. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 395.

ابن القصار وأبو محمد عبد الوهاب: لا شيء عليه (¬1). والأول أحسن؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الذي وقصت به راحلته: "لاَ تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ" ذكره مسلم (¬2)، ولأن المرأة أحق بالستر، فقد أمرت ألا تستر وجهها، ويلزم على القول أن ليس ذلك على الرجل: أن يكون (¬3) لها أن تستر وجهها. وقال مالك في المرأة: لا تلبس القفازين، فإن فعلت افتدت (¬4). فقال ابن حبيب: لا أبلغ بها الفدية لما جاء فيهما من الرخصة عن عائشة. والمنع أحسن للحديث وقد تقدم. ويجوز لبس الخاتم والسوار والعصائب للمرأة؛ لأن لباس المخيط يجوز لها. واختلف في هذه الأشياء، هل هي داخلة في معنى المخيط، فيمنع منها الرجل؟ فالمعروف من قوله المنع. وقال في مختصر ما ليس في المختصر: لا بأس أن يلبس المحرم الخاتم. وأجاز في الحج الأول من المدونة أن يحرم الصبي وعليه الأسورة وفي رجليه الخلاخل (¬5). ولم يختلف المذهب أن الصبي يجرد عند الإحرام من الثياب، ويجنب ما يجنب الكبير (¬6)، ومحمل قوله في الصبي على قوله في الخاتم للرجل. وقال أصبغ فيمن تقلد سيفًا من غير حاجة إليه: يفتدي. وقال محمد: لا فدية عليه (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: التلقين: 1/ 83. (¬2) أخرجه مسلم: 2/ 865، في باب ما يفعل بالمحرم إذا مات، من كتاب الحج، برقم (1206). (¬3) في (ق 5): (يقول). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 342. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 400. (¬6) انظر: المدونة: 1/ 398. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 347، من قول مالك وابن وهب رحمهما الله.

فصل [فيما يحرم على المحرم من الوطء والصيد واللباس]

ويختلف على هذا في لباس المنطقة اختيارًا. وقال فيمن أصابه جرح فعصبه: يفتدى (¬1). وقال في مختصر ما ليس في المختصر، ومثله في كتاب محمد، فيمن أصاب أصبعه شيء، فوضع عليه حناء، ولفها بخرقة: لا شيء عليه (¬2). وهذا أحسن في هذا الأصل، ولا يدخل هذا في معنى النهي عن لباس المخيط. فصل [فيما يحرم على المحرم من الوطء والصيد واللباس] ومن أصاب أهله مرارًا فعليه هدي واحد؛ لأن الهدي للفساد، وهو بأول مرة قد أفسد، كمن أصاب أهله في يوم رمضان مرارًا فكفارة واحدة تجزئه. وإن أصاب صيدًا بعد صيد كان عليه لكل صيد جزاء؛ لأنه من باب غرم قيم المتلفات، فكل نفس أتلفها غرم قيمتها. وأما إماطة الأذى واللباس فعلى ثلاثة أوجه: فإن حلق وقلم أظفاره وتطيب، فإن كانت نيته فعل جميعها فعليه فدية واحدة، وإن بَعُدَ ما بين تلك الأفعال فذلك سواء. وإن كانت نيته أحدها، ثم حدثت نية ففعل أيضًا، فإن بَعُدَ ما بين الفعلين؛ فعليه لكل شيء من ذلك فدية. وإن كان ذلك في فور واحد ففدية واحدة. وهذا قوله في المدونة (¬3). وقد اختلف في هذا الأصل فيمن قال لزوجته قبل الدخول: أنت طالق، ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 347. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 455، وهو في النوادر معزو للعتبية. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 424.

أنت طالق، أنت طالق. هل يلزمه الثلاث أو طلقة واحدة، إذا كانت نيته من أول طلقة واحدة، ثم كرر الطلاق بنية محدثة أو استثنى بنية محدثة؟ والقياس: أن القرب والبعد ما بين اللباسين في ذلك سواء. وإن لبس قميصًا بعد قميص لم تكن في الثانية فدية، وإن كان ذلك بنية محدثة وبعد ما بين اللباسين (¬1). وإن لبس سراويل ثم قميصًا ففديتان. وقال ابن الماجشون: إن لبس قميصًا ثم سراويل ففدية واحدة. وكذلك إن احتاج بعد القميص إلى جبّة فلا شيء عليه. والقياس أن يكون عليه في السراويل والجبة فدية ثانية؛ لأن منفعة الثانية غير منفعة الأول. وقال محمد فيمن ائتزر بمئزر فوق مئزر: افتدى إلا أن يبسطهما، ثم يئتزر بهما (¬2). وذكر ابن عبدوس عن عبد الملك مثله، قال: وأما رداء فوق رداء فلا بأس به (¬3). وإن لبس قلنسوة ثم عمامة ففدية، إلا أن تزيد العمامة على القلنسوة بقدر ينتفع به في مثله فعليه فدية أخرى. وإن لبس قميصًا ثم قلنسوة أو عمامة كان في الثاني فدية، إلا أن يكون تلك بنية أو يكون بقرب الأول على ما تقدم. وإن حلق ثم لبس قلنسوة أو عمامة كان في الثاني فدية، إلا أن تكون تلك نيته أو تلبس بقرب الحلاق. وإن لبس قميصًا وهو صحيح، ثم مرض ثم صح وهو لابسه؛ ففدية واحدة. وقال محمد: إن لبسه لمرض، ثم صح فتمادى على لباسه؛ فعليه فديتان (¬4). ¬

_ (¬1) قوله: (في ذلك سواء. . . ما بين اللباسين) ساقط من (ب). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 346. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 346، وعزاه إلى كتاب محمد. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 345، وما فيه يشي بأن الكلام لمالك في كتاب محمد.

فصل [فيما يحمل المحرم على رأسه]

يريد: لأن نيته كانت أن يلبسه للمرض خاصة، وقد بَعُدَ ما بين النية الأولى والثانية. والقياس على أصله: ألا شيء عليه في التمادي؛ لأنه بانقضاء المرض تمادى في اللباس، فأشبه ما يقرب فعل بعضه من بعض. وكذلك (¬1)، إن تطيب وهو صحيح، ثم مرض ثم صح وهو عليه؛ ففدية واحدة. وإن استعمل ذلك لمرض، ثم صح وهو عليه فلم يغسله كان عليه على قول محمد فديتان. وإن وصف له الطِّيب فاستعمله، ثم استعمل طيبًا آخر بقرب الأول؛ ففدية واحدة. وإن تباعد ما بينهما، وذهبت رائحة الأول ففديتان. وكذلك إن لم يذهب الأول حتى استعمل الثاني؛ لأنه لو لم يستعمل الثاني ذهبت رائحة الأول قبل ذلك. فصل [فيما يحمل المحرمُ على رأسه] قال مالك: ولا بأس أن يحمل المحرم على رأسه خرجه فيه زاده، وإن فعل ذلك لغيره تطوعًا أو بإجارة؛ افتدى. قال ابن القاسم: ولا يحمل على رأسه شيئًا للتجارة (¬2). يريد: لأنه لم يضطر إلى ذلك، فإن فعل افتدى. وكذلك إن حمل زاده وهو من أهل الغنى بخلاف المضطر. ولا بأس عند مالك أن يشد المنطقة في وسطه لنفقته من تحت مئزره، فإن شدها من فوقه افتدى. وكره أن يشدها على فخذه أو عضده أو ساقه، قال ¬

_ (¬1) في (ب): (ولذلك). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 464.

فصل [فيما يحرم على المحرم التطيب به]

ابن القاسم: ولا فدية عليه إن فعل (¬1). وقال أصبغ: أما العضد (¬2) ففيه الفدية. والأول أحسن، ولا فرق بين جميع ذلك. وإن شدها لغير نفقته أو لنفقة غيره افتدى. وإن جعل نفقة غيره مع نفقته فلا بأس. فإن فرغت نفقته رد الأخرى إلى صاحبها. فإن تركها افتدى. وإن ذهب صاحبها وهو عالم افتدى. وإن لم يعلم فلا شيء عليه، ويبقيها معه. وقد قال ابن القاسم فيمن أودع صيدًا وهو حلال فأحرم وقد غاب صاحبه: فلا يرسله وليضمنه إن فعل (¬3). وكذلك النفقة قبلها بوجه جائز، ثم غاب صاحبها؛ جاز أن يبقيها عنده، ولا يخرجها إلى غيره. فصل [فيما يحرم على المحرم التطيب به] ولا يتطيب المحرم بطيب مؤنث كالكافور والمسك والزعفران، فإن فعل افتدى. ولايتعمد شمّه، فإن فعل فلا شيء عليه. واختلف إذا مسه ولم يعلق بيده أو علق بيده، أو شربه أو أكله في طعام. فقال مالك: إن مسه افتدى. قيل لابن القاسم: وإن لم يلصق بيده؟ فقال: قال مالك: إن مسه افتدى (¬4). وقال أبو محمد عبد الوهاب: إن مسه فعلق بيده ريحه ولم يتلف منه شيء؛ لم تلزمه فدية (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 470. (¬2) في (ب): (الفدية). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 471. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 459. (¬5) انظر: الإشراف: 1/ 474.

وقال أبو الحسن ابن القصار: إن تطيب أو لبس ثيابًا، ثم نزع اللباس وغسل الطيب بالحضرة؛ فلا شيء عليه. والصواب ألا شيء في المس إذا لم يعلق باليد، أو علق فغسله بالحضرة، أو لم يغسله وكان يسيرًا لا تظهر رائحته ليسارته؛ لأن النهي إنما ورد في التطيب في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وَلاَ تَلْبَسُوا شَيْئًا مَسَّهُ وَرْسٌ وَلاَ زَعْفَرَانٌ" (¬1). فهو مستهلك في الثوب، إلا أن رائحته تشم على لابسه. وقد قال مالك فيمن جعل ثوبه في تابوت فيه طيب، فعلقت فيه رائحته فلبسه: افتدى (¬2). لأنه الوجه الذي ورد فيه النهي. وقال مالك فيمن أصابه خلوق الكعبة: يغسله، ولا شيء عليه، وله تركه إن كان يسيرًا (¬3). فأباح ترك اليسير؛ لأنه لا يشم منه كبير رائحة. وإن أكل طعامًا فيه طيب، فإن كان مسته النار فلا شيء عليه (¬4)؛ لأن النار تذهب رائحته أو يبقى ما لا خطب له. واختلف إذا لم تمسه النار، هل تكون عليه فدية أم لا؟ وألا شيء عليه أحسن؛ لأنه لا يكون بأكله (¬5) متطيبًا، وهو بمنزلة من مسه ثم غسله بالحضرة، فهذا مسه لملاقاته لفمه حين الأكل، ثم ذهبت بالحضرة. ويكره ما كان غير مؤنث كالرياحين والورد والياسمين، ولا فدية فيه إن مسه أو شمه أو علق شيء به (¬6) قال ابن القاسم: ولا بأس أن يتوضأ ¬

_ (¬1) سبق تخريجه، ص: 1148. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 459. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 351. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 351. (¬5) في (ب): (من يأكله). (¬6) في (ق 5): (بثوبه).

فصل [في اكتحال المحرم]

بالحرض (¬1). وهو: الأشنان. ولا بأس أن يعالج المريض الجراح وغيرها بدواء فيه طيب. قال مالك: ويفتدي (¬2). والمعروف في هذا الأصل في كل ما ألجئ إليه ولم يقصد الانتفاع به ألا فدية عليه، كالذي يحمل زاده على رأسه، ويجعل المنطقة لنفقته، ويحمل السيف عند الخوف، ولا شيء عليه، وفي كلها الفدية عنده مع الاختيار، فعلى قوله في الذي يعالج بما فيه طيب الفدية- تجب الفدية على حامل زاده، وحامل السيف، والمنطقة وإن لم يفعل ذلك اختيارًا، وعلى قوله ألا فدية على هؤلاء؛ لا يكون على من يعالج بما فيه طيب فدية. وألا فدية على جميعهم أحسن؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُما أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ" (¬3). وأباح أن يستر ظهور قدميه عند عدم النعلين؛ لأنه لم يقصد الانتفاع بذلك، وإنما قصده دفع الحفى. وهو لا يقدر على ذلك عند عدم النعلين إلا بما يستر ظهور القدمين، ولو لبس الشمشكين اختيارًا افتدى. فصل [في اكتحال المحرم] واختلف في الكحل وغيره مما هو زينة، فقال مالك في المدونة في الرجل يكتحل: عليه الفدية (¬4). وقال ابن (¬5) الجلاب عن عبد الملك: لا فدية ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 459. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 412. (¬3) سبق تخريجه، ص: 1148. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 460. (¬5) قوله: (ابن) ساقط من (ب).

عليه (¬1). وقال أبو محمد عبد الوهاب: لا فدية على الرجل إذا اكتحل بما لا طيب فيه (¬2). وقال أيضًا: الزينة ممنوعة في الإحرام كالكحل للنساء ولبس الحلي وغيره. قال: واختلف أصحابنا هل هو منع (¬3) حظر فتجب فيه الفدية، أو كراهية فلا فدية فيه؟ فوجه الحظر: أنها عبادة تمنع الطيب والنكاح، فمنعت الزينة كالعدة. ووجه الكراهية أنها عبادة لها إحلال وإحرام كالصلاة. انتهى قوله (¬4). فلم يجعل في اكتحال الرجل فدية، وفعل الرجل لذلك بالشرق (¬5) على وجه الزينة، وقد اعتاد ذلك كثير منهم. والأول أحسن؛ لما جاء من منع الحلاق وإلقاء التفث، وإذا كان ذلك كان منع الزينة أولى. وقال مالك في المدونة في المحرم يدّهن عند الإحرام بالزنبق غير مطيب، وبالبان السمج: لا بأس به، أما كل شيء يبقى ريحه فلا يعجبني (¬6). ومنع الادهان بعد الإحرام (¬7) بما لا طيب فيه؛ لأنه يحسن الجسم. والقياس ألا ¬

_ (¬1) انظر: التفريع: 1/ 201. (¬2) انظر: التلقين: 1/ 83. (¬3) في (ب): (ممنوع). (¬4) انظر: المعونة: 1/ 338. (¬5) في (ق 5): (بالشرط)، وهو يعني بالشرق المشرق الإسلامي، فرقًا بينه وبين المغرب الإسلامي موطن المؤلف -رحمه الله-. (¬6) انظر: المدونة: 1/ 395. (¬7) قوله: (الزنبق غير مطيب. . . بعد الإحرام) ساقط من (ب).

فصل [في فدية المحرم]

فرق بينهما جميعًا (¬1) فيمنع قبل الإحرام كما يمنع بعد، وكما لا يبتدئ الإحرام في مخيط ولا يلبسه بعد. وفي البخاري ومسلم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للذي أحرم بعمرة وعليه جبة وخلوق: "انْزِعِ الجُبَّةَ وَاغْسِلِ الخَلُوق" (¬2). فصل [في فدية المحرم] الفدية تجب فيما تقدم ذكره إذا طال وانتفع به. واختلف إذا زال ذلك في الحضرة قبل أن ينتفع به، لو كان من الانتفاع ما لا خطب له، فقال مالك فيمن غطى رأسه أو لبس قميصًا، فنزع ذلك بالحضرة: فلا شيء عليه. وإن تركه حتى طال، وانتفع به افتدى (¬3). واختلف إذا صلى به صلاة ولم يطل، فقال: لا شيء عليه. وقيل: يفتدي؛ لأنه انتفع به حتى صلى به صلاة. وقال (¬4) فيمن تطيب وغسله بالحضرة: عليه الفدية. قال ابن القصار: لا شيء عليه. فصل [في حلقِ المحرمِ رأسَ حلالٍ] وإن حلق المحرمُ رأسَ حلالٍ ولا قملَ فيه؛ فلا شيء عليه. وإن كان فيه يسيرًا أطعم شيئًا من طعام. واختلف إذا كان كثيرًا، فقال مالك: يفتدي. وقال ¬

_ (¬1) قوله: (جميعًا) ساقط من (ب). (¬2) متفق عليه, أخرجه البخاري: 2/ 634، في باب يفعل في العمرة ما يفعل في الحج، من أبواب العمرة, برقم (1697)، ومسلم: 2/ 836 , في أوائل كاب الحج، برقم (1180). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 463. (¬4) في (ب): (وقيل).

ابن القاسم: يتصدق بشيء (¬1). وكذلك إن حلق رأس محرم طوعًا، فالفدية على من حلق رأسه، ولا شيء على الحالق، فإن لم يكن فيه، أو كان يسيرًا أطعم شيئًا من طعام، وإن كان كثيرًا افتدى على قول مالك، وتصدق بشيء من طعام (¬2) وعلى قول ابن القاسم. وإن أكرهه على الحلاق كان عليه عن الذي حلق رأسه الفدية، كان فيه شيء أو لم يكن، ولا شيء عن نفسه إن لم يكن فيه شيء، وإن كان قليلًا أطعم. واختلف إذا كان كثيرًا. وكل ما لزمه عن نفسه جاز أن يكفر بالصوم إن أحب. وما لزمه عن الذي حلقه؛ لم يصح أن يصوم عنه، وعليه أن ينسك عنه أو يطعم. وإن كان فقيرًا؛ صام الآخر إن أحب، ولم يرجع بشيء. وإن نسك أو أطعم؛ رجع عليه. وقال مالك فيمن غطى رأس محرم وهو نائم، أو حلقه، أو طيبه في حال النوم: كان على من فعل ذلك الفدية. قال محمد: ولا يفتدى الفاعل بالصيام، ولا يجزئه إلا النسك أو الإطعام (¬3). فإن كان عديمًا افتدى المحرم عن نفسه، فان افتدى بالصيام فلا شيء له على الفاعل، وإن افتدى بالنسك أتبع الفاعل به، إلا أن يكون ثمن الطعام أقل، فيرجع بالأقل. قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما الحلاق فيفتدي النائم ثم يرجع على من حلقه متى أيسر، فإن غطى رأسه لم يكن عليه شيء؛ لأنه لو فعل ذلك بنفسه, وهو نائم لم يكن عليه شيء، بخلاف الحلاق لا ينتفع به بعد اليقظة إلا على ما قال ابن حبيب. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 440. (¬2) قوله: (وكذلك إن حلق. . . من طعام) ساقط من (ب). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 356.

ويختلف في الطيب إذا غسله بفور ما استيقظ، فعلى قول ابن القصار: لا شيء عليه؛ لأنه لا ينتفع به في حالة النوم. وإنما المراعى حالة اليقظة، إلا أن يغسله بخلاف التغطية؛ لأنه ينتفع بها في حالة النوم. وفي تقليم الأظفار الفدية (¬1)، وكذلك إن قلم يدًا أو رجلًا. وقال ابن القاسم: في الظفر الواحد إن أماط به أذى ففيه الفدية، وإلا أطعم شيئًا من طعام (¬2). قال: وإن انكسر ظفره فقلمه فلا شيء عليه. وإن كان بإصبعه قروح، ولا يستطيع علاجها إلا أن يقلم أظفاره فعل وافتدى (¬3). وإن أخذ من لحيته أو من شاربه ما أماط به أذى افتدى وإن لم يمط أذى أطعم شيئا من طعامه، ولا يستظل المحرم ما يقرب من رأسه فإن فعل افتدى وإن كان بعيدا فلا شيء عليه فإن كان في محارة كشف عنها فإن لم يفعل افتدى وإن كان نازلا بالأرض لم يستظل تحتها فإن فعل افتدى. ولا بأس أن يكون في ظلها خارجًا عنها. وكذلك إن كان ماشيًا؛ فلا بأس أن يستظل بظلها إذا كان خارجًا عنها، ولا يمشي تحتها. واختلف إذا فعل. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 440. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 441. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 443

باب في فدية الأذى وأين يخرج

باب في فدية الأذى وأين يخرج فدية الأذى ثلاثة أصناف حسب ما ذكر الله تعالى في كتابه: صيام أو صدقة أو نسك (¬1). يفتدي بأي ذلك أحب، وأبان النبي - صلى الله عليه وسلم -: قدر الصدقة والصيام وما يجزئ من النسك، فقال لكعب بن عجرة: "صُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّة مَسَاكِينَ، أَوِ انْسُكْ بِشَاة" (¬2) قال مالك: وله أن يفعل ذلك بحيث يشاء من البلاد (¬3). فجعلها على التراخي. وعلى القول أن الأوامر على الفور: يكون عليه أن يأتي بها بمكة، ولا يؤخرها لرجوعه. فإن وجبت عليه الفدية قبل الوقوف، وأحب أن يكفر بالصيام؛ صام قبل وقوفه. واختلف إذا أخر الصوم حتى إذا وقف، ووجبت عليه بعد الوقوف، هل يصوم أيام الرمي؟ فأباح ذلك في المدونة (¬4)، وكرهه في كتاب محمد (¬5)، ورأى أنها أيام منهي عن صيامها، فلا يصوم فيها إلا الثلاثة من العشرة، لورود النص فيها بذلك. وقال في النسك: ليس عليه أن يقلده ولا يشعره، إلا أن يحب أن يجعله هديًا (¬6). وهذا على أصله أنها على التراخي. والاستحباب (¬7): أن يعجل ذبحه ¬

_ (¬1) يعني قوله تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة/ 196]. (¬2) سبق تخريجه, ص: 1286. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 412. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 414. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: قال فيه (ومن كتاب ابن المواز، ورُوِيَ عن مالك، في صيامِ فدية الإيذاء: أنه لا يصومها في اْيام منىً). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 454. (¬7) في (ب): (الاستحسان).

إن كان وصل إلى موضعه، ولا يؤخره ليبعثه، ويجعله هديًا. وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا يجزئ النسك إلا بمكة. ورأيا أنه دم وجب عن أمر تعلق بحج أو عمرة؛ فوجب أن يراق بتلك المواضع مثل غيره مما وجب عن الحج. وقال الشافعي في الطعام مثل ذلك؛ أنه يطعم بمكة. وهذا يحسن على القول أنه على الفور (¬1)، وليس له إن خرج عن مكة ووصل إلى بلاده أن يؤخر إخراجه حينئذ. وقال مالك: يطعم مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ لكل مسكين من طعام ذلك البلد (¬2) وإن كان عيشهم الشعير أطعم منه مدين مدين. وقال محمد: إن أطعم من الذرة نظر مجزأه من القمح، فيزيد من الذرة قدر ذلك (¬3). وليس هذا بالبين، ولا يصح أن يجعل القمح أصلًا، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بمدين لكل مسكين (¬4). وغالب أقواتهم حينئذ التمر. وفي كتاب أبي داود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره بثلاثة آصع تمر (¬5). فالتمر الأصل، ومدان من تمر قوت الرجل في يومه بين غدائه وعشائه، والكفارة عن العمد والخطأ والنسيان. ومن اضطر إلى ذلك ففعله لوجه جائز عن ضرورة سواء. ولا يجوز لأحد أن يأتي ذلك اختيارًا ويكفِّر؛ لأن ذلك انتهاك لمحارم الله تعالى. ¬

_ (¬1) قوله: (أنه على الفور) ساقط من (ب). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 464. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 358. (¬4) سبق تخريجه ص: 1286. (¬5) أخرجه: أبو داود: 1/ 547، في باب الفدية من كتاب المناسك برقم (1856)، ومسلم: 2/ 859 , في باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى, من كتاب الحج، برقم (1201).

باب ما يجوز للمحرم قتله، من الصيد وللحلال في الحرم.

باب ما يجوز للمحرم قتله، من الصيد وللحلال في الحرم (¬1). قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى المُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ: الغُرَابُ وَالحِدَأَةُ وَالعَقْرَبُ وَالفَارَةُ وَالكَلْبُ العَقُورُ" (¬2). وقال: " خَمْسُ فَوَاسِقَ يُقْتَلْنَ فِي الحَرَمِ. . ." (¬3) فذكر الخمس المتقدمة. اجتمع على هذين الحديثين الموطأ والبخاري ومسلم. فنص الحديث الأول على ما يحل للمحرم (¬4)، والثاني على الحلال في الحرم، وزاد مسلم: "الحيَّة" (¬5). وقال أبو مصعب يقتل المحرم: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور حسب ما في الحديث. ولا خلاف في العقرب والحية والفأرة والكلب العقور. واختلف المذهب في الغراب والحدأة، فأجاز أبو مصعب قتلهما، وقد تقدم قوله. ¬

_ (¬1) قوله: (باب ما يجوز. . . في الحرام) ساقط من (ب)، ومقابله بياض. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 3/ 1205، في باب خمس من الدواب فواسق يقتلن في الحرم، من كتاب بدء الخلق، برقم (3137)، ومسلم: 2/ 858، في باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم، من كتاب الحج، برقم (1199)، ومالك: 1/ 356، في باب ما يقتل المحرم من الدواب من كتاب الحج، برقم (789). (¬3) متفق عليه, أخرجه البخاري: 3/ 1204، في باب خمس من الدواب فواسق يقتلن في الحرم، من كتاب بدء الخلق، برقم (3136)، ومسلم: 2/ 856 في باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم، من كتاب الحج، برقم (1198)، وأخرجه مالك في الموطأ: 1/ 357، في باب ما يقتل المحرم من الدواب من كتاب الحج، برقم (791). (¬4) قوله: (على ما يحل للمحرم) ساقط من (ب). (¬5) أخرجه مسلم: 2/ 856 , في باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم، من كتاب الحج، برقم (1198).

وقال ابن القاسم في كتاب محمد: لا أحب للمحرم أن يقتلهما حتى يؤذياه، ولو قتلهما قبل أن يؤذياه لم يكن فيهما جزاء (¬1). وقال مالك في المختصر: لا يقتلان في الحرم خوف الذريعة للاصطياد، إلا أن يؤذياه (¬2). وقال أشهب: إن قتلهما من غير اضطرار وداهما (¬3). والأول أصوب للحديث، وقد يحمل قول أشهب في المنع لظاهر القرآن؛ لأنهما من الصيد. وقد اختلف هل يخص القرآن بخبر الواحد؟ واختلف في العقرب والفأرة هل هما من الصيد؟ (¬4) فقال أبو محمد عبد الوهاب: للمحرم قتل السباع العادية المبتدئة بالضرر، ولا جزاء عليه فيها. فذكر الأسد والذئب والنمر والفهد، ومن الطيور الغراب والحدأة، قال: وأما الكلب العقور والحية والعقرب والزنبور فله قتله بغير معنى الصيد (¬5). انتهى قوله. قاله (¬6) عند غير واحد من أهل العلم، وأما غير هذين من سباع الطير، فلا يقتلهما ابتداء لعدم النص فيه. قال مالك: فإن فعل فعليه الفدية، إلا أن يبتدئه بإيذاء، فلا شيء عليه (¬7). قال ابن القاسم: وكذلك لو أن رجلًا عدا على رجل يريد قتله، فدفعه عن نفسه فقتله؛ لم يكن عليه شيء (¬8). قال أشهب في ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 463. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 462. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 462. (¬4) قوله: (وقد اختلف. . . من الصيد) ساقط من (ب). (¬5) انظر: التلقين: 1/ 84. (¬6) قوله: (للمحرم قتل. . . قوله. قاله) ساقط من (ب). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 462. (¬8) انظر: المدونة: 1/ 450.

كتاب محمد: عليه الجزاء، وإن كان ابتدأته (¬1). يريد: إذا كان قادرًا على أن يصرفها بغير قتل. وقول ابن القاسم أحسن ألا شيء عليه؛ قياسًا على الغراب والحدأة لما كان شأنهما الإيذاء، فكذلك ما كان منه أذى من غيرهما. واختلف في المراد بالكلب العقور، فقول مالك في الموطأ: أنها السباع والأسد والنمر والفهد (¬2). فحمل الحديث على الكلب الوحشيِّ. وظاهر قول أشهب: أنه الكلب الإنسيِّ؛ لأنه قال: يقتل الكلب، وإن لم يعقر (¬3). وقال أبو محمد عبد الوهاب: للمحرم قتل الكلب العقور والحية والفأرة بغير معنى الصيد. قال: وليس من ذلك الصقر والبازي، ولا القرد ولا الخنزير، إلا أن يبتدئ شيء من ذلك بالضرر. انتهى قوله (¬4). وقال مالك في كتاب محمد: ولا يقتل المحرم قردًا ولا خنزيرًا. قال ابن القاسم: لا وحشيًا ولا أهليًا ولا خنزير الماء (¬5). قال مالك: وفدى (¬6) ذلك كله. ووقف محمد (¬7) في خنزير الماء (¬8). قال: ولا شيء في الضفدع. قال أشهب: ¬

_ (¬1) في (ب): (افتدته). (¬2) انظر: الموطأ: 1/ 357، برقم (792). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 463. (¬4) انظر: التلقين: 1/ 84. (¬5) قوله: (الماء) ساقط من (ب). وانظر: النوادر والزيادات: 2/ 462. (¬6) في (ب): (ويرى). (¬7) في (ق 5): (مالك). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 462، وفي المدونة أن مالكًا توقف عن الإجابة في أكله لا في قتل المحرم له، انظر: المدونة: 1/ 537.

وقيل يطعم شيئًا (¬1). وسئل مالك: أيقتل المحرم الوزغ؟ فقال: لا؛ لأنها ليست من الخمس الفواسق (¬2) التي أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتلهن، ولو أرخص للناس في هذا؛ لزادوا فيه عددًا كثيرًا، وإنما الذي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خمس. . .". قال: ويقتل في الحرم إن كان حلالًا، ولو لم يقتل في الحرم؛ لكثرت وغلبت وأما المحرم فشأنه يسير (¬3). فمنعه المحرم من قتل الوزغ دليل على أنه رأى أن العقرب والفأرة من الصيد، وأنهما استثنيا من الصيد، ومنع من قتلهما حماية؛ لئلا يتذرع الناس إلى قتل الصيد. والقياس أن يلحق بالعقرب والفأرة، وقد ورد في الحديث الحث على قتلهما، ولولا أن شأنهما الإيذاء لم يحض على ذلك؛ لأنه لا يجوز إتلاف نفس الحيوان لغير علة، وذلك من السرف، ولولا أن شأنهما الإيذاء أيجز قتلهما للحلال في الحرم. ومنع من قتل الخنزير البري (¬4) بخلاف السباع، وإن كان لا يجوز أكله؛ لأنه ليس من شأنه أن يعدو. وقال: وتقتل العقرب والفأرة صغارها وكبارها (¬5). وقال ابن القاسم في صغار السباع والنمور إن كانت لا تفترس: فلا ينبغي أن تقتل (¬6). قال في ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 464. (¬2) قوله: (الفواسق) ساقط من (ق 5). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 461. (¬4) في (ب): (المفرد). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 462. (¬6) انظر: المدونة: 1/ 449.

فصل في صيد البحر للمحرم

كتاب محمد: وإن قتلت؛ فلا شيء عليه. وقال أشهب في كتاب محمد: ما كان من كبار السباع، فإنه تقتل صغارها مع كبارها وكذلك الحية والعقرب والفأرة، صغارها وكبارها سواء (¬1). وقال: إن قتل غرابًا وحدأة أو صغار السباع على غير إضرار ولا أذى؛ فعليه جزاؤه. فقال في الأول: كبار السباع يقتل صغارها وكبارها. يريد: في الصنف الذي هو كباره، كالأسد والنمر والفهد، فصغاره وكباره سواء. والصنف الذي هو من صغار السباع، كالثعلب والضبع، صغارها وكبارها سواء إن قتلها ابتداءً وداها، وإن قتلها بعد أن آذته؛ فلا شيء عليه. وكره مالك قتل سباع الطير، فإن فعل وداها (¬2). قال ابن القاسم: فإن عدى عليه شيء منها، فخافه على نفسه فقتله؛ فلا جزاء عليه. وقال أشهب في كتاب محمد: عليه الجزاء، بخلاف من قتل سباع الطير (¬3). والأول أحسن؛ لأنها إذا عدت، صارت كالغراب والحدأة. فصل في صيد البحر للمحرم (¬4) صيد البحر جائز للمحرم لقول الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ. . .} الآية [المائدة: 96] ولا خلاف في ذلك في كل ما لا حياة له بعد أخذه، ولا يحتاج ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 462. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 449، 450. (¬3) قوله: (بخلاف. . . الطير) ساقط من (ب). وانظر: النوادر والزيادات: 2/ 462. (¬4) قوله: (في صيد البحر للمحرم) يقابله بياض في (ب)، وكلمة: (فصل) مثبتة من (ق 5).

إلى ذكاة. والبحر والأنهار في ذلك سواء، ولا يجوز له أن يصيد طير الماء، ولا قتل ما صاده غيره من المحرمين. فإن فعل وذبح شيئًا من ذلك؛ كان غير مذكّي، وعليه الجزاء. وقد تقدم ذكر الاختلاف في خنزير الماء وفي الضفدع.

[باب في تحريم الصيد على المحرم]

[باب في تحريم الصيد على المحرم] (¬1) الأصل في ذلك قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95]، وقوله تعالى: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة 94]. أي: يبتلي المحرمين بالصيد ليختبرهم فيعلم من يصبر مخافة منه فلا يعتدي فيصطاده؛ تُقًى له، وقال تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96]. والمحرم في الصيد على ثمانية أوجه: يحرم عليه ثلاثة، ويحل له اثنان، واختلف في ثلاثة. فيحرم الاصطياد، وإن كان الاصطياد على صفةٍ تسْلَمُ نفسه وتؤمن حياته. ويحرم قتله، وإن كان ملكًا له قبل إحرامه، أو في ملك غيره، فإن ذبحه لم يكن ذكيًا. وإن يستأنف ملكه من حلال بشراء أو هبة. ولا يحرم ملكه إذا كان الملك متقدمًا له وهو حلال، إذا كان في بيته، وليس في يده ولا معه. وقال مالك: ليس عليه أن يرسله؛ لأنه أسيره (¬2). واختلف إذا كان معه في رفقة أو في يده، فقال مالك: إن كان يقوده, أو في قفص أرسله (¬3). وقال محمد: إن كان معه في رفقة؛ فلا شيء عليه. وفي مختصر ابن الجلاب: إن كان معه في رفقة ¬

_ (¬1) قوله: (باب في. . . على المحرم) ساقط من (ب). (¬2) في (ب): (اشتراه). وانظر: المدونة: 1/ 447. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 447.

أرسله، فإن لم يرسله حتى مات في يديه؛ كان عليه جزاؤه (¬1). وقال أشهب: إن سافر به فلا شيء عليه. ومن أرسله من يده فعليه قيمته, وقال محمد: في قوله إن سافر به فلا شيء عليه؛ يريد: ويرسله (¬2). وظاهر قول أشهب خلاف ما ذهب إليه محمد، ولو كان عليه أن يرسله؛ لم يكن على من أرسله من يده قيمة. وقال ابن القاسم في العتبية فيمن صاد صيدًا وهو حلال أو حرام، فأدخل الحلال صيده الحرم، أو أحرم وهو معه، ثم حل أو خرج من الحل، أو حل الذي صاده، وهو محرم والصيد معهما، فأكلاه؛ فعليهما جزاؤه. قال: وخالفني أشهب، وقال: لا شيء عليهما (¬3). فحكى عن أشهب ألا شيء عليه إذا أكل منه بعد أن حل، وهذا يرد على محمد أن ليس عليه أن يرسله إلا على وجه الاستحسان. فحرم قتل الصيد لقول الله تعالى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95]. والاصطياد بقوله تعالى: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ. . .} الآية [المائدة: 94]، وحرم استئناف ملكه وإن كان ملكًا بحلال لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - للذي أهدى له صيدًا فرده عليه: "إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلاَّ أَنَّا حُرُمٌ" (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: التفريع: 1/ 210. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 470، ولفظه: (من كتاب ابن المواز. . . قال أشهبُ: قال مالكٌ: ولا يسافر المحرم بالصيدِ، فإن فعل، فلا شيء عليه. يريد: ويرسله ومن أرسله من يده, فعليه قيمته). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 70. (¬4) متفق عليه, أخرجه البخاري: 2/ 649، في باب إذا أُهدي للمحرم حمارًا وحشيًا حيًا لم يقبل، من أبواب الإحصار وجزاء الصيد، برقم (1729)، ومسلم: 2/ 850 , في باب تحريم الصيد للمحرم، من كتاب الحج، برقم (1193)، ومالك: 2/ 294، في باب الحلال يذبح الصيد أو يصيده، من كتاب الحج، برقم (440).

ولم يحرم ملكه إذا لم يكن معه؛ لأنه أمر خارج عما ورد فيه القرآن، فبقي على أصل الملك. وحرم إذا كان في يده لقوله - صلى الله عليه وسلم - في مكة: "لا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا" (¬1). فكذلك الصيد (¬2) مع الحلال (¬3) في الحرم يكون آمنًا، وإذا لم يجز أن ينفره؛ لم يجز أن يبقى في يده. واختلف في معنى قول الله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] فقيل: المراد الصيد نفسه. وقيل: الاصطياد. وكلا القولين يحتمل؛ لأن الصيد يقع على المصيد، يقول: هذا صيد، وأخذت صيدًا. وعلى الاصطياد، يقول: صاد يصيد صيدًا، فهو مصدر صاد. وقول مالك وأصحابه أن المراد الاصطياد، وألا شيء عليه إن بقي في ملكه إذا أيكن في يده معه (¬4). واختلف فيه عن الشافعي فقال مرة: المراد الاصطياد. وقال مرة: الصيد نفسه، وعليه أن يرسل ما كان في بيته. وحمل الآية على الملك. واحتج من أجاز ملكه بالنكاح لتقدم الإحرام، فإنه لا يؤمر بالفراق، ولا يجوز أن يستأنف نكاحًا بعد الإحرام. وليس الاحتجاج بالزوجية (¬5) بالبين؛ لأنه يجوز أن تكون معه وتضاجعه، بخلاف الصيد أنه يرسله إن كان معه، والوجه فيه ما تقدم: أن ¬

_ (¬1) متفق عليه, أخرجه البخاري: 1/ 452، في باب الإذخر والحشيش في القبر، من كتاب الجنائز، برقم (1284)، ومسلم: 2/ 986، في باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها، من كتاب الحج، برقم (1353). (¬2) في (ب): (الطير). (¬3) في (ق 5): (الحل). (¬4) في (ب): (محمولًا). (¬5) في (ب): (الزوجة).

النهي إنما ورد عن القتل والاصطياد، وأن يستأنف فيه ملكًا وهو معه؛ لئلا يكون خائفًا منه، وما كان في بيته خارج عن ذلك، فقد يجوز أن يشتري وهو محرم (¬1) بمكة صيدًا بمدينة أخرى، وتقبل هبته. وقول محمد ألا شيء عليه إن كان معه في رفقة- حَسَنٌ، ولا فرق بين ذلك ولا بين أن يكون في داره وهو في تلك المدينة ولا بين أن يكون معه في رفقة، بخلاف أن يكون معه خائفًا منه، وقد نهي أن يزيله من الظل ويكون مكانه. والسابع اصطياده وقتله للضرورة، ففيه ثلالة أقوال: فقيل: لا يجوز قتله. وقيل: يجوز، وعليه الجزاء. وقيل: لا جزاء عليه. فقال مالك في الموطأ في المحرم يضطر إلى الميتة: يأكلها، ولا يصيد. قال: لأن الله تعالى لم يرخص في قتل الصيد في حال من الأحوال، ورخص في كل الميتة عند الضرورة (¬2). وهذا يقتضي ألا يأكله وإن لم تكن ميتة؛ لقوله: لم يرخص فيه في حال من الأحوال، مثل أحد القولين في المضطر إلى الخمر. وقال محمد بن عبد الحكم: لو نالني ذلك؛ لأكلت الصيد، وإن كانت الميتة موجودة (¬3). وقال أبو محمد عبد الوهاب فيمن قتل صيدًا لضرورة: عليه جزاؤه (¬4). وهذا محتمل أن يمنعه عند الضرورة، أو يقول: يجوز له، وعليه جزاؤه. وقال الأوزاعي: لا جزاء عليه. وأرى أن يجوز الصيد والقتل عند الضرورة لإحياء ¬

_ (¬1) قوله: (محرم) ساقط من (ب). (¬2) انظر: الموطأ: 1/ 354، برقم (787). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 382. (¬4) انظر: التلقين: 1/ 84.

فصل في ذبح المحرم للصيد

نفس، وليس له ذلك إذا جاع، ولم يخف على نفسه. وقد اختلف في الميتة هل يأكل منها إذا اضطره الجوع، أو حتى يخشى الموت؟ وإن استودع صيدًا وهو حلال، ثم أحرم وهو في يديه؛ دفعه لصاحبه إن كان حاضرًا، وإن كان غائبًا بقي في يده حتى يقدم، فيرده عليه. قال ابن القاسم في كتاب محمد: ولا يرسل متاع الناس، ويضمنه إن فعل، وإن استودعه بعد أن أحرم أرسله، وغرم قيمته لصاحبه (¬1). يريد: إذا غاب، وإن كان حاضرًا رده عليه. وقال في كتاب محمد، في محرم اشترى صيدًا من حلال: يرده عليه، ويلزم ذلك البائع، شاء أو أبى. وقال ابن حبيب: يرسله، فإن رده على بائعه؛ كان عليه الجزاء (¬2). فصل في ذبح المحرم للصيد (¬3) لحم الصيد على المحرم على ثلاثة أوجه: حرام، وهو: ما ذبحه المحرم، أو قتله باصطياد. وحلال، وهو: ما ذبحه الحلال لنفسه، أو لغيره ممن هو حلال، فهو حلال للمحرم. وكذلك ما صاده المحرم وذبحه له قبل أن يحرم، ثم أحرم من ذبح له فهو ذكي؛ يجوز أكله للمحرم، كان من ذبح له أو غيره. والثالث: ما صيد للمحرم بعد إحرامه, أو صيد قبل وذبح له بعد، فإن كان صيده أو ذبحه بأمره؛ لم يحل كله بحال، وهو غير ذكي، وعلى الآمر جزاؤه؛ لأن ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 471. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 471. (¬3) قوله: (في ذبح المحرم للصيد) يقابله بياض في (ب).

إراقة دمه كان بأمره. واختلف إذا لم يكن بأمره، فذهب عثمان - رضي الله عنه - إلى أنه ذكي، ويجوز أكله للحلال ولغير من ذبح له من المحرمين، وقال لأصحابه: كلوا، فإنما صيد من أجلي (¬1). وقد يكون ذلك منه على وجه الاستحسان في امتناعه؛ حماية لئلا يتذرع المحرم للاصطياد؛ لأنه لا يكون ذكيًا غير ذكي. وقال مالك وغيره من أصحابه: ليس بذكي، ولا يأكله حلال ولا حرام (¬2). واختلف بعد القول بمنع الأكل منه: إن أكل منه من ذبح من أجله على ثلاثة أقوال: فقيل عليه جزاؤه. وقيل: لا شيء عليه (¬3). وقيل: إن علم فعليه الجزاء، وإلا فلا (¬4). وإن أكل منه محرم غير من ذبح من أجله، وهو لا يعلم، فلا شيء عليه. واختلف إذا علم هل عليه جزاؤه؟ وألا جزاء في ذلك كله أحسن؛ لأن الجزاء إنما يتعلق بإتلاف نفس الصيد وإراقة دمه، وقد كان الاصطياد والذبح، لم يلزم صائده ولا ذابحه جزاء، وإن كان ذلك لم يلزم بالأكل. وإن أشرك بالنية فذبح لنفسه وللمحرمين فهو أخف. ويجوز أكله للحلال والحرام؛ لحديث أبي قتادة (¬5) إلا أن يكون ذبحه لنفسه في معنى التبع، ولولا من معه لم يذبحه. ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 354، في باب ما لا يحل للمحرم أكله من الصيد، من كتاب الحج، برقم (786)، وأخرجه البيهقي في سننه: 1/ 191، في باب ما لا يأكل المحرم من الصيد، من كتاب الحج برقم (9705). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 445. (¬3) انظر: المعونة: 1/ 343. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 465. (¬5) متفق عليه أخرجه البخاري: 3/ 1067، في باب ما قيل في الرماح، من كتاب الجهاد والسير، برقم (2757)، ومسلم: 2/ 851، في باب تحريم الصيد للمحرم، من كتاب الحج، برقم (1196)، ومالك: 1/ 350، في باب ما يجوز للمحرم أكله من الصيد، من كتاب =

باب الصيد في حرم مكة والمدينة, وهل يعضد شجرها أو يختلا خلاها؟

باب الصيد في حرم مكة والمدينة, وهل يعضد شجرها أو يختلا خلاها؟ (¬1) الصيد في الحرم حرام لقول الله تعالى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة 95] فدخل في عموم الآية الحلال يحرم أو يدخل الحرم؛ لأنه يصير بذلك حرامًا. يقال: أحرم إذا دخل في الحرم، وأتهم وأنجد: إذا أتى تهامة ونجدًا. وأمسى وأصبح: إذا دخل في الصباح والمساء. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في مكة: "لاَ يُنَفَّرَ صَيْدُهَا، وَلاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا" أخرجه البخاري ومسلم (¬2). فيحرم على الحلال في الحرم قتل الصيد واصطياده، وإن كان الاصطياد على صفة تسلم فيه نفسه، ويحرم تنفيره. واختلف إذا صاده في الحل وأدخله الحرم، فأجاز ذلك مالك في المدونة: أن يبقى في ملكه، وأن يذبحه ويكون ذكيًا. ومنعه ابن القاسم في العتبية فقال فيمن صاد صيدًا وهو حلال أو حرام، فأدخل الحلال صيده الحرم، أو أحرم وهو معه ثم حل، أو خرج من الحرم، أو حل الذي صاده وهو محرم، والصيد معهما، فأكلاه؛ فعليهما جزاؤه؛ لأنه وجب عليه إرساله. قال: وخالفني في ذلك ¬

_ = الحج، برقم (778)، ولفظ البخاري: (عن أبي قتادة - رضي الله عنه -: أنه كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كان ببعض طريق مكة تخلف مع أصحاب له محرمين وهو غيى محرم فرأى حمارًا وحشيًا فاستوى على فرسه فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه فأبوا فسألهم رمحه فأبوا فأخذه ثم شد على الحمار فقتله فأكل منه بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبى بعض فلما أدركوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سألوه عن ذلك قال: "إنما هي طعمة أطعمكموها الله". وعن زيد بن أسلم). (¬1) قوله: (باب الصيد. . . يختلا خلاها) ساقط من (ب)، ويقابله بياض. (¬2) سبق تخريجه، ص: 1311.

أشهب، وقال: لا شيء عليهما (¬1). وذكر ابن المنذر عن ابن عمر وابن عباس وعائشة وطاووس وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي مثل ذلك: أن عليه أن يرسله. قال ابن عمر: وإن ذبحه فعليه جزاؤه. وقال أصحاب الرأي: إن لم يخل سبيله وباعه؛ فعليه جزاؤه (¬2). وهو أقيس. ولا فرق بين الحلال يحرم وفي يده صيد، أو يدخل به الحرم، فإما أن يقال: لا شيء عليه فيهما؛ لأنه ملكه بوجه جائز. أو يقال عليهما أن يرسلاه؛ لأن تمادي اليد بعد أن صار محرمًا بما عقد من الإحرام، أو بدخوله في الحرم كالابتداء. وظاهر قول مالك المساواة، وربما فرق بينهما، بأن قال: إن شأن أهل مكة يطول وهم محلون في ديارهم. وأما المحرم؛ فشأنه الأيام القلائل (¬3). وقوله في الموطأ غير هذا. لأنه قال: لا يحل الصيد عند الضرورة، بخلاف الميتة (¬4). فكيف بمن هو قادر على أن يذبحه في الحل يأكله طريًا إذا أتى من ناحية التنعيم، وأبعده الجعرانة، وليس يتغير فيه. ويجب على قوله أن يفرق بين المكي والطارئ الذي مقامه أيام حجه وينصرف، فيمنعه لهذا، ويبيحه للمكي. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 70، والنوادر والزيادات: 2/ 470. (¬2) انظر: المبسوط: 12/ 40. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 451. (¬4) انظر: الموطأ: 1/ 354، برقم (787).

فصل [في الاصطياد في حرم المدينة]

فصل [في الاصطياد في حرم المدينة] الاصطياد في حرم المدينة حرام؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا حَرَامٌ" (¬1). واختلف إن تعدى وصاد، هل فيه جزاء؟ وهل هو ذكي؟ فقال مالك في المدونة: لا جزاء فيه (¬2). وقال أشهب في كتاب محمد في منع أكله: قال مالك: ليس كالذي يصاد بمكة، وإني لأكرهه (¬3). وقال ابن القصار: قال ابن نافع وابن أبي ذئب وابن أبي ليلى: عليه الجزاء. فعلى هذا يحرم أكله. وهو أقيس، أن لا يؤكل، وأن (¬4) فيه الجزاء. ¬

_ (¬1) متفق عليه, أخرجه البخاري: 2/ 662، في باب لابتي المدينة، من أبواب فضائل المدينة, برقم (1774)، ومسلم: 2/ 999، في باب فضل المدينة ودعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها بالبركة، من كتاب الحج، برقم (1372)، ومالك: 2/ 889، في باب ما جاء في تحريم المدينة, من كتاب الجامع، برقم (1577). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 451. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 478. دون عزوه لأشهب. (¬4) قوله: (وأن) ساقط من (ب).

باب الجزاء على من قتل صيدا عمدا أو خطأ أو كان سببا لقتله

باب الجزاء على من قتل صيدًا عمدًا أو خطأً أو كان سببًا لقتله الجزاء يجب على المحرم في الصيد إذا كان القتل عمدًا. واختلف إذا كان خطأ أو سهوًا أو تكرر العمد، فقال مالك وغيره من أصحابه: في جميع ذلك الجزاء (¬1). وقال محمد بن عبد الحكم: لا جزاء في غير العمد، ولا في العمد إذا تكرر، وليس عليه فيما بعد أول مرة، إلا ما وعد الله في الآخرة، أو يعفو عنه. قال: وهو نص في كتاب الله تعالى. وهو قول ابن عباس وسعيد بن جبير وطاووس وأبي ثور: ألا شيء فيما سوى العمد. واحتج من نصر القول الأول في الناسي بعموم قوله {مُتَعَمِّدًا} فهو متعمد للقتل، وإن نسي أنه في إحرام أو نسي تحريم ذلك، وفي المخطئ في الدية في الخطأ. والحجة للقول الآخر: أن الأصل في قتل الصيد عدم الغرم، فلا يجب إلا فيما ورد فيه النص، ولأن مفهوم الآية توعد من أتى ذلك جرأة وقصد الانتهاك؛ لقوله تعالى: {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} [المائدة: 95]. وقوله: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} [المائدة: 95] وهذا من مفهوم الخطاب. ولا يتوجه مثل ذلك على المخطئ والناسي؛ يتوعد بالانتقام ويذوق وبال أمره. ولأن الذمة بريئة، فلا يجب فيها شيء إلا بآية أو سنة أو إجماع. ولأن الآية خرجت مخرج التغليظ والتوعد بالعقوبة، فلم يقس عليه الناسي قياسًا على من أفطر في رمضان؛ لأن ¬

_ (¬1) انظر: المعونة: 1/ 342.

فصل في تسبب المحرم في القتل

كليهما حق الله تعالى. ولأنه شرط العمد، فلا يلحق غيره إلا بدليل. فإن قيل: فقد أوجب الله الكفارة في قتل الخطأ، قيل: وأسقط عن المفطر ناسيًا الكفارة. فبان بذلك أنه شرع يتبع حيث ورد. فصل في تَسَبُّبِ المحرم في القتل (¬1) واختلف إذا لم يقتله المحرم عمدًا ولا خطأ، ولكنه كان سببًا لقتله، هل عليه الجزاء؟ وذلك في سبع مسائل: إحداها: إذا ضرب فسطاطًا، فتعلق بأطنابه صيد، فعطب. والثاني: إذا فر الصيد لرؤيته، فعطب. والثالث: إذا نصب شركًا لسبع أو حفر له بئرًا، فعطب فيه صيد. والرابع: إذا دل على صيد حلالا أو حراما، فقتله. والخامس: إذا أعان حلالًا أو ناوله سوطًا أو رمحًا، فقتله. والسادس: إذا أمر غلامه بإرسال صيد، وظن أنه أمره بقتله. والسابع: إذا قتله في يده حلال. فقال ابن القاسم فيمن ضرب فسطاطه، فتعلق به صيد، فعطب: لا شيء عليه (¬2). وذكر ابن الجلاب عنه: أن عليه الجزاء (¬3). ولا وجه لهذا. وقال: إن رأى الصيد محرمًا، ففزع منه، ففر (¬4) فانكسر من غير أن يفعل به شيئًا: عليه ¬

_ (¬1) قوله: (في تَسَبُّبِ المحرم في القتل) يقابله بياض في (ب). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 447. (¬3) انظر: التفريع: 1/ 210. (¬4) قوله: (ففر) ساقط من (ب).

الجزاء (¬1). وقال أشهب: لا شيء عليه (¬2). وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: لا شيء عليه، إلا أن يكون من المحرم حركة يفر لها (¬3). يريد: على حركة الصيد، وأما حركته لشغله فلا، ولا تكون حرمة الصيد أعلى من حرمة آدمي. ومثل هذا لا يتعلق بفعله عليه شيء لآدمي إن عطب، وكذلك الصيد لا جزاء عليه. وقال ابن القاسم فيمن نصب شركًا للذئب أو للسباع مخافة على غنمه أو نفسه، فعطب فيه صيد: عليه الجزاء؛ لأن مالكًا قال فيمن حفر في منزله بئرًا لسارق أو عمل شيئًا يتلف به السارق، فوقع فيه غيره: ضمن ديته (¬4). وقال أشهب: إن كان موضعًا يخاف على الصيد منه؛ فعليه الجزاء، وإلا فلا (¬5). وهذا أحسن: ألا شيء عليه إذا كان موضعًا لا يخاف علي الصيد منه. وإن كان يخاف عليه، ونصب ليدفع الذئب أو السبع عن غنمه، أو يدفع السبع عن نفسه، ويقدر على صرفه بغير ذلك: عليه الجزاء. وإن كان لا يقدر على صرفه إلا بذلك؛ كان عليه الجزاء على أصل مالك فيمن اضطر إلى الصيد: أنه يأكل الميتة، فإذا لم يبح ذلك له في صيانة نفسه؛ لم يجز في صيانة المال. وأرى أن يمنع إن خشي تلف الشاة والشاتين، وإن كان يخشى تلف الشيء الكثير؛ جاز أن ينصب لتغليب أحد الضررين. وقال مالك: إن دل ¬

_ (¬1) انظر: التفريع: 1/ 210. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 468. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 468. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 447. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 469.

المحرم حلالًا أو حرامًا على صيد، فقتله المدلول؛ فليستغفر الله الذي دله، ولا شيء عليه (¬1). وقال في كتاب محمد: إن دل حرامًا أو حلالًا، وأعانه بأن ناوله سوطًا أو عصًا أو قوسًا؛ فهو آثم، لا جزاء عليه. وقال عبد الملك لا شيء على الدال وإن كان محرمًا ودل حلالًا أو حرامًا. وقال أشهب: إن دل حرامًا فقتله؛ فعلى كل واحد جزاء. وإن دل حلالًا فقتل؛ فليستغفر الله، ولا شيء عليه، وكذلك إن ناوله سوطًا (¬2). وذكر ابن شعبان عن ابن وهب: إن دل محرم حلالًا؛ فداه أحب إليَّ. وقال أشهب: يفديه. وهو قول الليث وعطاء. قال ابن وهب: وهو قول ابن عباس - رضي الله عنه -. وقال مالك فيمن أمر غلامه أن يرسل صيدًا كان في يده، فظن أنه قال: اذبحه، فذبحه: على سيده الجزاء. وعلى العبد إن كان محرمًا الجزاء، ولا يضع عنه خطؤه الجزاء. قال: ولو أطاعه فذبحه؛ كان عليهما الجزاء (¬3). والقياس: ألا شيء على السيّد، كان العبد حلالًا أو حرامًا؛ لأن الخطأ من العبد، وليس من السيد، قال الله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]. فإن أمره فذبحه كان على السيد جزاؤه؛ لأن العبد مع سيده في معنى المكره. وإن لم يكرهه؛ وعلى العبد جزاءً آخر إن كان حرامًا. وقال في المحرم بيده صيد، فأمسكه لمن قتله: عليه الجزاء. وعلى القاتل إن كان حرامًا جزاء آخر. وإن كان حلالًا فلا ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 495. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 467. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 444.

شيء عليه. وإن لم يمسكه له وإنما أمسكه ليرسله، فإن كان القاتل حرامًا كان الجزاء على القاتل وحده. وإن كان حلالًا كان على الممسك الجزاء. والقياس: ألا شيء عليه؛ لأن القتل من غيره؛ لأنه لم يتعد إذا كان (¬1) أمسكه ليرسله. وإن لم يرد إرساله كان عليه الجزاء؛ لأنه كان متعديًا في إمساكه. وإن نازعه فيه محرم، فمات بينهما؛ كان على كل واحد منهما جزاء. وإن نازعه حلال؛ كان على من كان بيده الجزاء؛ لأنه كان متعديًا في منازعته له، وقد كان عليه أن يمكنه منه فيرسله. وقال أشهب في كتاب محمد: إن كان قتله في يده حلال في الحرم؛ كان على كل واحد الجزاء، ويغرم الحلال قيمته للمحرم، وإن كان في الحل غرم له قيمته، والجزاء على المحرم وحده (¬2). قال محمد: على القاتل القيمة ما لم يكن أكثر من الجزاء، فلا يلزمه إلا الجزاء؛ لأن المحرم يقول كنت أقدر على السلامة بإطلاقه، فعليك ما أدخلت عليّ بقتله (¬3). وليس هذا قول أشهب، وقد تقدم قول أشهب في العتبية: أنه إن ذبحه بعد ما حل وأكله فلا شيء عليه (¬4). وإنما احتج أشهب في هذا لقول بعض أهل العلم: أن له أن يمسكه الآن، وبعد أن يحل. وإن كان إنما يتبعه لأجل ما أدخله فيه؛ لم يرجع إلا بالجزاء قل أو كثر. وقد ذهب مالك وابن القاسم في هذا السؤال وفي غيره، في الجماعة تجتمع على قتل صيد: أن على كل واحد منهم الجزاء كاملًا (¬5). قياسًا على الكفارة في قتل الخطأ إذا قتل جماعة رجلًا: أن على كل ¬

_ (¬1) قوله: (كان) ساقط من (ب). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 470. (¬3) انظر: النوادر والزيادات 2/ 471، 470. (¬4) انظر ذلك، ص: 1310. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 443.

فصل [في إرسال المحرم صيدا]

واحد الكفارة كاملة. وقال بعض أهل العلم: على جميعهم جزاء واحد؛ لأن كفارة هذا ديته فأشبه الدية في قتل الخطأ. فصل [في إرسال المحرم صيدًا] وإن أخذ المحرم صيدًا في الحل، وأرسله في الحرم في موضع يعيش فيه؛ فلا شيء عليه. قال أشهب: وإن أخذ صيدًا من الحرم، فسرحه في الحل، فإن كان مما ينجو بنفسه فلا شيء عليه، وإن كان مما لا ينجو بنفسه فعليه الجزاء (¬1). ومن رمى من الحل صيدًا في الحرم فقتل لم يأكل، وعليه الجزاء (¬2). واختلف إذا رمى من الحرم صيدًا في الحل، فقال مالك وابن القاسم: عليه الجزاء (¬3). وقال أشهب وابن الماجشون: لا جزاء عليه، ويؤكل (¬4) قال ابن القاسم: وكذلك، إن رمى من الحل صيدًا في الحل، ومر السهم بالحرم؛ لم يؤكل، وعليه الجزاء (¬5). وقال أشهب: يؤكل، ولا جزاء عليه. وكذلك، إن أرسل كلبه؛ فهو في هذا بمنزلة من أرسل سهمه، ولا جزاء في جميع (¬6) ذلك (¬7). وأن يؤكل أحسن؛ لأن المنع لما يكون من الصيد في الحرم ليس مما ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات 2/ 472. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 445. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 552. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 474. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 445. (¬6) قوله: (جميع) ساقط من (ب). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 474.

يكون في الحل. وإن أرسل كلبه على صيد في الحل، فأتبعه حتى قتله في الحرم؛ لم يؤكل. ولا جزاء عليه إن أرسله على بُعْدٍ مِنَ الحَرَم، وإن كان قريبًا فعليه الجزاء (¬1). وكذلك إن أدخله الحرم ثم أخرجه فقتله، فهو بمنزلة ما لو قتله في الحرم؛ لأنه قد كان له الأمن لما دخل. ولم يؤكل بحال، ويفترق الجواب في الجزاء. قال: إن أرسله عن قرب كان عليه الجزاء، وإلا فلا. واختلف فيما قرب من الحرم، هل له حكم الحرم؟ فرأى مالك وابن القاسم القرب والبعد سواء (¬2). فإن أرسل قرب الحرم فأخذ فيه قبل أن يدخل الحرم- أكل، ولا شيء عليه. وقيل: له حكم الحرم؛ فلا يؤكل، وعليه الجزاء. وإن أرسل على بعد من الحرم؛ فأخذه بقرب الحرم؛ لم يؤكل، ولا جزاء عليه. والأول أحسن، وإنما تتعلق الأحكام بالحرم، فأما حلال في حل فلا. ومن رمى صيدًا من الحل والصيد في الحل، ثم تحامل فمات في الحرم، فإن أنفذت مقاتله في الحل كل (¬3). واختلف إذا لم تنفذ مقاتله، فقال أشهب في العتبية: يؤكل (¬4). وقال أصبغ في كتاب محمد: لا يؤكل، ولا جزاء عليه (¬5). وقول أشهب أبين؛ لأن موته كان من تلك الرمية بالحضرة فكانت مقتلًا، وليس بمنزلة من ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 445. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 445. (¬3) انظر: النوادر والزيادات 2/ 474. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 320، 321، قال فيه: (قال سحنون: سئل أشهب عن الذي يرمي الصيد قريبًا، من الحرم فيصيبه بسهمه إصابة لم تبلغ مقاتله ثم يتحامل فيدخل الحرم ثم يموت في الحرم أيؤكل؟ قال: نعم). (¬5) انظر: النوادر والزيادات 2/ 474.

فصل [في جرح المحرم الصيد]

ضرب رجلًا فلم تنفذ مقاتله حتى قتله آخر. فإن الثاني يقتل به؛ لأن الضرب من رجلين، وهذه ضربة واحدة، وهي التي قتلت. واختلف فيمن أرسل على ذئب في الحرم، فأخذ صيدًا، فقال ابن القاسم: عليه الجزاء. وقال أشهب: لا جزاء عليه (¬1). وهذا أبين، ولو لزم من أرسل على ذئب في الحرم الجزاء للزم المحرم إذا أرسل على ذئب في الحل (¬2)، فأخذ صيدًا؛ لأنه غرر أيضًا على قوله. وإنما أرسل هذا على ما رأى، والشأن أن الكلب إنما يأخذ ما أرسل عليه. فصل [في جرح المحرم الصيد] وإذا جرح المحرم صيدًا ثم نجا بنفسه، فإن أنفذ مقاتله؛ كان له حكم الميت، وفيه الجزاء. وإن أصاب منه موضعًا الغالب حياته؛ لم يجب جزاؤه. وإن أشكل أمره لاحتمال حال الجرح، أو لأنه لا يعلم كيف كان؛ ففيه قولان: فقال محمد: عليه الجزاء (¬3). ولم يعتبر صفة الجرح. وفي المدونة قال مالك: من جرح صيدًا وهو محرم، فغاب الصيد وهو مجروح؛ فعليه الجزاء كاملًا (¬4). وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: إن أصابه ما يموت به فليوده، وإلا لم يوده (¬5). وهذا أقيس؛ لأن الأصل براءة الذمة، وأنه على الحياة حتى يثبت هلاكه. والأول استحسان، وأخذ بالأحوط. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 462. (¬2) قوله: (الحل) ساقط من (ب). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 468. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 443. (¬5) قوله: (وإلا لم يوده) ساقط من (ق 5). وانظر: النوادر والزيادات: 2/ 468.

ويستحب أن يؤخر الجزاء؛ لإمكان أن يكون لم يعجل له الموت. فإن أخرج جزاءه فرآه حيًا بعد طول، وما يرى أنه كان يموت منه لم يبق تلك المدة؛ لم يكن عليه شيء. وإن كان ذلك بقرب، ولم يرتفع الشك؛ استحسن له أن يخرجه بعد أن يمهل، ولا يعجل بذلك. واختلف إذا علمت حياته، وكان قد أبان له عضوًا، أو شأنه فقال ابن القاسم في المدونة لا شيء عليه (¬1). وقال في كتاب محمد: عليه ما نقصه (¬2). وقاله أشهب. وهو أحسن؛ لأنه منهي عن أن يصيبه بأذى وغيره، وقد جعل الله عقوبة من أتلف النفس الجزاء أو القيمة، فيقاس تلف الأعضاء عليه، فيغرم قيمة ما أتلف أو أفسد. وقال مالك في محرم صاد طيرًا فنتفه، ثم حبسه حتى انسل فطار: فلا شيء عليه (¬3). قال محمد: يضعه في موضع ينسل فيه، ثم عليه جزاؤه (¬4). وقال ابن حبيب: يحبسه حتى يعود ريشه, ثم يرسله, ويطعم مسكينًا، فإن غاب قبل أن ينسل وخيف عطبه؛ فليوده (¬5). ويختلف على هذا إذا جرح صيدًا فلم يستطع النجاة، هل يحبسه حتى يبرأ، أو يرسله ويغرم جزاءه؟ فمان حبسه لم يغرم الآن شيئًا. فإن رئ بغير شين؛ فلا شيء عليه. وإن بقي به شين؛ غرم ما نقصه. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 447. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 468. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 452. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 472، وكلام النوادر يصرح بأن الكلام لمالك في كتاب محمد لا لمحمد. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 473.

باب في الحكمين في الصيد وأصناف الجزاء وحكم جنين الصيد وبيضه وأين تخرج الكفارة

باب في الحكمين في الصيد وأصناف الجزاء وحكم جنين الصيد وبيضه وأين تخرج الكفارة (¬1) وقال مالك في الحكمين في الجزاء: يكونان عدلين فقيهين (¬2). يريد: فقيهين بما يحتاج إليه من ذلك. فإن اختلفا لم يأخذ بقول أرفعهما، وابتدأ الحكم غيرهما. قال في كتاب محمد: وليس له أن يأخذ بقول أرفقهما (¬3). وجعله بمنزلة من أخرج الجزاء بقول واحد. وإن اتفقا على خطأ بين، فحكما بما فيه بدنة أو بقرة بشاة؛ نقض حكمهما، وإن أخرج على ما حكما به لم يجزه. وإن حكما بما فيه شاة ببدنة أو بقرة لم يجزه (¬4). والاستحسان أن يجزئ؛ لأنه أتى بما هو أفضل قطعًا. وإن حكما بما فيه الطعام بالنعم لم يجزه. وقال ابن القاسم: إن أمرهما أن يحكما بالجزاء من النعم ففعلا، ثم أراد أن ينتقل إلى الطعام؛ جاز (¬5). وقال ابن ¬

_ (¬1) قوله: (باب في الحكمين. . . تخرج الكفارة) ساقط من (ب). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 449. (¬3) في: (ب) (أرفعهما). وانظر: المدونة: 1/ 449، قال فيها: (قال: وسئل مالك عن الحكمين إذا حكما في جزاء الصيد فاختلفا، أيؤخذ بأرفقهما أم يبتدئ الحكم بينهما؟ قال: يبتدئ الحكم فيه غيرهما حتى يجتمعا على أمر واحد، كذلك قال مالك). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 449. (¬5) انظر: المدونة 1/ 449.

شعبان: ذلك له قبل أن يحكما، فإن حكما له لم يرد الحكم (¬1). والأول أحسن؛ لأن الإيجاب إلى الذي أصاب الصيد، وليس رضاه مما يسقط التخيير الذي جعله الله تعالى. والكفارة ثلاثة أصناف حسب ما جاء في كتاب الله -عز وجل- {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ. . .} الآية [المائد: 95]. فالأولى النظير من النعم، وهي: الإبل، والبقر، والغنم. قال مالك: ولا يجزئه في ذلك إلا ما يجوز في الهدي؛ الثني فصاعدًا، إلا الضأن فإن جذعها يجزئ (¬2). فإن لم يكن له نظير من النعم، أو كان وأحب أن يخرج الإطعام؛ أخرج قيمته بالموضع الذي أصابه فيه إن أصابه في عمارة، وإلا فأقرب موضع من العمارة ويقوم بالطعام من عيش ذلك الموضع. وإن قوم بالدراهم، ثم اشترى به طعامًا أجزأه. ويُقوّم على هيئته من الصغر والكبر على المستحسن من القول، ولا يراعى عند مالك الجمال ولا الفراهية (¬3). ويطعم على نحو ما يفعل في الكفارات: كل مسكين الوسط من الغداء أو العشاء. وإن كان عيشهم القمح، وكان المد الوسط عندهم فهو. وإن كان عيشهم الشعير أو التمر؛ قوم به، وأطعم كل مسكين الوسط مما (¬4) يكون غداء وعشاء. صان أحب الصيام؛ لم يصم على عدد الأمداد، وإنما يراعى أعداد المساكين، فيصوم على عددهم، ويصوم على كسر المد يومًا. والإطعام عن قيمة الصيد نفسه وليس عن قيمة نظيره من النعم وكذلك الصوم وهو عن الإطعام الذي هو قيمة الصيد. ¬

_ (¬1) انظر: الزاهي، لابن شعبان، لوحة رقم: [471 / أ]. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 412. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 444. (¬4) قوله: (مما) ساقط من (ب).

وموضع القضاء في هذه الثلاثة مختلف، فموضع النظير من النعم مكة؛ لقوله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95]. وموضع الإطعام حيث أصاب الصيد وما يقاربه. والصوم بحيث أحب من البلاد، إلا على القول أن الكفارة على الفور؛ فيؤمر أن يأتي به هناك، ولا يؤخره. فإن تعدى وأخره؛ صام بحيث هو، ولا يرجع لأجله. ويفتقر إلى الحكمين في فصلين هما: الجزاء من النعم، والإطعام. فإن حكما بالإطعام وقدر ما يستحقه كل مسكين؛ لم يفتقر في الصوم إلى حكمين، وهو يصوم عن كل مسكين يومًا. واختلف في هذه الجملة في أسنان النظير من النعم وفي موضع نحره. وفي صفة القيمة إذا قوم بالطعام وكان صغيرًا هل يقوم لو كان كبيرًا أو ينظر ما يشبع لحمه، وفي جنين الصيد إذا خرج حيًا ولم يصرخ، وفي بيض الصيد إذا لم يكن فيه فرخ، وفي إفساد وَكْرِه إذا لم يهلك البيض. وإذا أخرج القيمة بغير الموضع الذي قوم فيه، وفي قدر ما يغرمه عن الذر والنمل، وهل يحتاج في مثل ذلك إلى حكمين؟. فأجاز عمر بن الخطاب وابن عباس وابن مسعود - رضي الله عنه -، وعطاء وغيرهم ما دون الثني من غير الضأن. وذكر ذلك في الموطأ عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قضى في الغزال بعنزة، وفي الأرنب بعناق، وفي اليربوع بجفرة (¬1). وقال ابن عباس - رضي الله عنه -: في الأرنب حمل. وقال ابن مسعود - رضي الله عنه - وعطاء: في اليربوع جفرة (¬2). ¬

_ (¬1) انظر الموطأ: 1/ 414، برقم (931). (¬2) أخرجه الشافعي في مسنده: ص: 914، في باب ما يباح للمحرم وما يحرم، من كتاب =

وقال مجاهد: سخلة (¬1). وهذا لقول الله تعالى: {مِثْلُ مَا قَتَلَ} [المائدة: 95] فمن أوجب فوق ذلك كان مخالفًا للنص. وقال محمد بن عبد الحكم: إن حكما بمثل ما قضى به عمر مضى. قال: ولا أقول في شيء قضى به عمر أنه يرد. وقال مالك مثل ذلك في غير ما موضع، أنه إن قضى قاض بمختلف فيه؛ مضى، ولم يُرَدَّ وإن خالف رأيه. وأما موضع نحره؛ فهو مخّير عند مالك بين أن ينحره بمكة, وإن شاء نحره بمنى إن كان ساقه في حج. وقال أيضًا في الصيد: يقوم بطعام على حاله التي كان عليها حين أصابه وهو حي، وهو ظاهر قوله: إن قوم بدراهم (¬2). وقال محمد: يقوم إذا كان صغيرًا أو كان كبيرًا. وذكر ابن اللباد رواية: أنه يطعم قدرما يشبع لحم الصيد. وهذا مثل قول مالك في المدونة أنه: يقوم على قدره، ولا يقوم غيره (¬3). وهو أحسن؛ بقوله: {مِثْلُ مَا قَتَلَ} [المائدة: 95]. فلا يلزمه أكثر منه, وليس مثل الدية؛ لأن تلك ورد الأمر فيها على التساوي بين الصغير والكبير. وجعل الصيد موكولًا إلى النظير من النعم والقيم على الأصل، وفي الغرم على المتلفات، وهو إذا أخرج القيمة من الطعام أبين أن يخرج قيمته على صغره؛ لأن التعلق إذا أخرج النظير من النعم شبهه (¬4) لأجل الهدايا، ولا يعلق في القيمة ¬

_ = الحج، برقم (858). (¬1) أخرجه عبد الرزاق: 4/ 402، في باب الغزال واليربوع، من كتاب المناسك برقم (8219). (¬2) و (¬3) انظر: المدونة: 1/ 444. (¬4) في (ت): (شبهة).

فصل [في نوع الصيد]

بالطعام والدراهم أن يغرم فوق ما أتلف. ويختلف إذا أخرج الطعام بغير الموضع الذي صاد فيه الصيد، فمنعه في المدونة، وقال: يحكم عليه بالمدينة، ويطعم بمصر!. قال محمد: إن حكم عليه بمصر، فأطعم في المدينة؛ أجزأه حيثما كان (¬1). وأرى إن حكم عليه بدراهم، فاشترى بها بسعر الموضع الذي هو فيه؛ أجزأه، كان أرخص من الموضع الذي أصاب فيه الصيد أو أغلى. وإن حكم عليه بطعام؛ لم يجزه أن يخرجه بموضع هو أرخص، ويجزئه إن كان أغلى كما قال محمد (¬2). فصل [في نوع الصيد (¬3)] وكل صيد يصح أن يخرج عنه القيمة بالطعام، يفترق في النظير من النعم على ثلاثة أوجه: فمنه ما له نظير في الخلقة والقدر. ومنه ما يوافق في القدر دون الخلقة. ومنه ما لا يوافق في الوجهين جميعًا، إما لصغر الصيد أو لعظمه. فالأول: بقر الوحش: الجزاء عنه من البقر الإنسي. وهذا موافق له في الخلق؛ فيخرج من الإنسي مثله في القدر، ما لم يكن الأول صغيرًا، فيرجع إلى الخلاف المتقدم. والثاني: حمر الوحش: له نظير في القدر دون الخلقة، وهي البقر. وكذلك ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 480. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 480. (¬3) قوله: (في نوع الصيد) يقابله بياض في (ب).

والإيل. واختلف الناس في النعامة، فقال محمد في كتابه: سمعت فيها بدنة. وقال بعض أهل العلم: قيمة. لأنها عنده لا يقارب خلق البقر، ولا يبلغ الإبل. والجزاء عن الضبع والثعلب والظبي- من الغنم، فقال عمر: في الضبع كبش، وفي الظبي عنز (¬1). لأن الظباء معز الوحش، فيجري في نظيرها من الإنس. والثالث: الأرنب والضب واليربوع؛ لا نظير له لصغره، فيخرج عنه طعامًا، إلا على قول عمر ومن وافقه. وكذلك إذا لم يكن له نظير لكبره كالفيل. فقيل: يخرج عنه بدنة. وليس بحسن؛ لأنها دونه. وأرى أن يخرج قيمته طعامًا، أو قيمة ما يشبع لحمه طعامًا على القول الآخر. ولا فرق بين عدم النظير لصغر الصيد أو لكبره، ويصح أن يخرج عن النظير من النعم إذا كان ذلك نظيره في القدر، ونقل عثمان - رضي الله عنه - الحكم في حمام مكة، فجعل فيه شاة (¬2). قال عبد الملك في كتاب محمد: فإن لم يجد فصيام عشرة أيام. قال: وبذلك قال مالك، وليس مما يجوز فيه الصدقة، وإنما هو تغليظ من عثمان. فنقل الحكم فيه في ثلاثة مواضع، أسقط التخيير، وجعل فيه شاة. فإن لم يجدة فصيام عشرة أيام كالمتمتع، ولا يحتاج على قوله إلى حكمين. ¬

_ (¬1) انظر: الموطأ: 1/ 414، برقم: (931) (¬2) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه: 4/ 418، في باب الحمام وغيره من الطير يقتله المحرم، من كتاب المناسك، برقم (8284)، ولفظه: (عن عطاء أن عثمان بن عفان انطلق حاجا فأغلق الباب على حمام فوجدهن قد متن فقضى في كل حمامة شاة).

فصل [فى دية الجنين]

وفي بيضةٍ عُشْرُ شاة، فإن لم يجدها صام يومًا مكانه (¬1)، وهو عُشْرُ الصيام كما أن الجزاء عنها بعشر الشاة. واختلف في حمام الحرم، فقال في المدونة: فيه شاة (¬2). وفي كتاب محمد: فيه حكومة؛ لأن الأصل فيه وفي حمام مكة حكومة (¬3). فغلظ الحكم في حمام مكة لكثرتها واستئمانها؛ لئلا تسرع إليها أيدي الناس، فعلى القول الأول يخرج شاة بغير تحكيم (¬4)، وعلى القول بالقيمة: يحتاج إلى حكمين. وقال في الدبسي والقُمري يصاد بمكة: إن كان عند الناس من الحمام؛ ففيه شاة (¬5). وأرى هذا إذا كثرت بالمكان، وإلا كان فيها حكومة. ويبقى على الأصل في موجبها بالقرآن. فصل [فى دية الجنين] ودية الجنين: عشر دية أمه ما لم يستهل صارخًا (¬6)، فيختلف هل يكون ما يكون في الكبير أو يقوم على حاله. واختلف إذا تحرك بعد الخروج ولم يستهل صارخًا، فجعل ابن القاسم فيه عشر دية أمه. وقال أشهب: فيه ديته بخلاف الآدميين. واختلف في البيض على ثلاثة أقوال: فقال ابن القاسم: فيه عشر دية الأم، ¬

_ (¬1) قوله: (مكانه) ساقط من (ق 5). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 450. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 476. (¬4) في (ب): (تحكم). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 451. (¬6) انظر: المدونة: 1/ 446.

فصل [فيمن وطئ ببعيره على ذباب أو ذر أو نمل فقتلها]

كان فيه فرخ أو لم يكن (¬1). وقال أبو مصعب: في بيضة النعامة عشر قيمتها إن كان فيها فرخ، فإن لم يكن فصيام يوم. وقال ابن نافع في العتبية: يصوم يومًا (¬2). ولم يراع هل فيها فرخ أم لا. ويلزم مثل ذلك في الجنين. وهذا نحو الاختلاف في جنين الأمة، هل فيه عشر قيمتها أو ما نقصها؟ وقال في كتاب محمد في جنين البهيمة: ما نقصها. فصل [فيمن وطئ ببعيره على ذباب أو ذر أو نمل فقتلها] وقال مالك فيمن وطئ ببعيره على ذباب أو ذر أو نمل فقتلها: يتصدق بشيء من طعام (¬3)، قال في كتاب محمد: قبضة من طعام. قال محمد: بحكومة، فإن أخرجت بغير حكومة؛ أعاد (¬4). فجعل هذه داخلة في النهي عن قتل الصيد، ويفتقر إلى الحكمين. واختلف عن مالك في البراغيث، فقال مرة: يطعم عنها. وقال أيضًا: لا يطعم عنها. قال: بخلاف القمل (¬5). تم كتاب الحج الثالث والحمد لله وحده ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 446. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 64. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 453. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 464. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 463.

كتاب الجهاد

كتاب الجهاد النسخ المقابل عليها 1 - (ب) = نسخة برلين رقم (3144) 2 - (ت) = نسخة تازة رقم (235 & 243) 3 - (س) = نسخة الاسكوريال رقم (1082) 4 - (ق 3) = نسخة القرويين رقم (368)

باب في فرض الجهاد، وهل يتعين القتال على من نزل به العدو؟ وهل يجب النصر على من قارب من نزل به عدو؟

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما كتابُ الجهاد باب في فرض الجهاد، وهل يتعيَّنُ القتالُ على من نزلَ به العدو؟ وهل يجب النصرُ على من قارب من نزل به عدوٌ؟ أول ما أُمرَ به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن يبلغَ الرسالةَ- يدعو إلى الله -عز وجل-، ويبشر مَن أطاعه بالجنة، ويحذر من عصاه من النار من غير قتال، ثم أُذن له في القتال، ولم يؤمر به، ثم أمر بقتال من قاتله دون من لم يقاتله، ثم بقتال من يليه؛ قاتله أو لم يقاتله، ثم بقتال المشركين كافة، فقال -عز وجل- {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الأحزاب: 45]. وقال: {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ} [الشورى: 48]، وقال: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ} [النحل: 82]، وقال: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية: 22]. فكان الأمرُ على ذلك مقامه بمكة، ثم أُبيح القتال بعد الهجرة، فقال سبحانه: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ} [الحج: 39، 40]. وهذا قولُ أبي بكر وابن عباس وسعيد بن جبير والزهري؛ أنها أولُ آية نزلت في القتال (¬1). وقال: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا} [البقرة: 190]. ¬

_ (¬1) انظر قول ابن عباس - رضي الله عنهما - والزهري، في سنن النسائي: 6/ 411، وتفسير الطبري: 9/ 160.

والاعتداء: قتال من لم يقاتل (¬1)، وقيل المراد: ألا تُقتل امرأة ولا صبيّ (¬2). والأولُ أحسنُ؛ لأن مفهوم الآية: أن يقاتلوا من كان منه قتال. وعلى التأويل الآخر، المعنى: من كانت له قدرة على القتال، وإن لم يقاتل. وهذا خروج عن الظاهر. ويدل على الأول قوله سبحانه: {وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ} [البقرة: 191] يعني: أهل مكة، وقد كان منهم قتال. وقال سبحانه: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ} [النساء: 90]. ثم قال: {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا} [النساء: 90]. وقال في آخرين: {فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا} [النساء: 91]. قال ابن حبيب: نزلت في قتال من قاتل، دون من لم يقاتل (¬3). وهو أحسن ما قيل فيها، وفيها اختلاف. ثم أُمر بقتال من قَرُبت دارُه دون من بعدت (¬4)، فقال: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} [التوبة: 123]. ثم بقتال كافة المشركين، فقال: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36] ¬

_ (¬1) انظر: تفسير الطبري: 7/ 663. (¬2) انظر: تفسير الطبري: 2/ 195. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 355. (¬4) انظر: تفسير الطبري: 6/ 517.

وقيل: أول آية نزلت في القتال قوله: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} [التوبة: 123]. وهذا غيرُ صحيحٍ؛ لأن سورة "الحج" نزلت قبل "براءة"، وأيضًا فإن آيةَ الحجّ تضمنت الإباحةَ، والوجوبُ يحتاجُ إلى نص ثانٍ، ولو تقدم الأمرُ بالقتال لاكْتفي به عن الإباحة. واختلف أيضًا في معنى قوله سبحانه: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} [التوبة: 123] مَن المأمور بالقتال؟ ومن المُقاتَل؟ فقيل: المأمور أهل المدينة بقتال من يليها. وهو قول مالك في كتاب أشهب (¬1)، قال: ثم تفرقت القُرى بعد ذلك. وقيل: المأمور بذلك أهل المدينة وغيرهم، يقاتل كل قوم من يليهم، ولأن ذلك حكمة من الله -عز وجل- إذ كان معلومًا أنه لا يمكن قتال جميع الكفار معًا، وأن الممكن قتال طائفة، فكان من هو أقرب أولى؛ لأنه لا يؤمن عند الاشتغال بقتال من بعد هجوم من هو أقرب على ذراري المسلمين. وقال الداودي: لما فُتحت مكة بقي فرض الجهاد على من يلي الكفار، وسقط عمن بعد منهم يقول: إذا كان بينهم وبين العدو مدن كثيرة من المسلمين؛ كان الفرض على من هو مواجه لهم دون من وراءهم. وقد كان الجهاد في أول الإسلام وقبل أن يكثر الناس على الأعيان؛ لقول الله -عز وجل-: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا}. قيل: جميعًا. ثم على الكفاية، فقال: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} [التوبة: 122]. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 17/ 14.

وقال: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ} [النساء: 95]، ثم قال: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد: 10]. ولم يختلف أن الجهاد كان قبل فتح مكة فرضًا بقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} [البقرة: 216]، وبغيرها من الآي. واختلف هل ذلك باق بعد الفتح؟ فذهب ابن عمر، وابن شبرمة (¬1)، والثوري، وسحنون: أنه ليس اليوم بفرض إلى أن يستنفر الإمام أحدًا، فيجب عليهم (¬2). قال سحنون في كتاب ابنه: كان الجهادُ فرضًا في أول الإسلام، وليس اليومَ بفرضٍ، إلا أن يرى الإمام أن يغزي بعض الناس، فيجب أن يطيعوه، ويكون جهادهم وما يصلحهم من بيت المال (¬3). وأظنه ذهب في ذلك إلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّة، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا" (¬4). ¬

_ (¬1) هو: عبد الله بن شبرمة بن طفيل، بن حسان، الضبي، حدث عن أنس بن مالك، وأبي الطفيل عامر بن واثلة، وأبي وائل شقيق، وعامر الشعبي، وحدث عنه: الثوري، والحسن بن صالح، وابن المبارك، وهشيم، وعبد الواحد بن زياد، وسفيان بن عيينة, توفي سنة (144 هـ). (¬2) انظر: أحكام القرآن، للجصاص: 4/ 311. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 18. (¬4) متفق عليه, البخاري: 3/ 1025، باب فضل الجهاد والسير، من كتاب الجهاد والسير، برقم (2631)، ومسلم: 3/ 1488، في باب المبايعة بعد فتح مكة على الإسلام والجهاد والخير وبيان معنى: "لا هجرة بعد الفتح" من كتاب الإمارة، برقم (1864).

فصل [في تعين القتال على من نزل به العدو]

فصل [في تعيّن القتال على من نزل به العدو] وقد يتعين الجهادُ بأن ينزلَ العدو بقوم وبهم قوة على قتالهم، فيجب على من نزل بهم القتال، ولا يجوز لهم الترك، ويلقوا بأيديهم (¬1). ويجب على من لم ينزل به العدو إذا كان من نزل بهم غير قادرين على قتالهم، وكان متى نفر إليهم هؤلاء استنفروهم، إلا أن يكون على بعد، متى نفروا إليهم لم يدركوهم، إلا بعد فصولهم عنهم (¬2). ويتعين الجهادُ أيضًا باستنقاذ الأسرى من أيدي العدو إذا (¬3) كانوا قادرين على أن يستنقذوهم؛ لقول الله -عز وجل-: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا} [النساء: 75]. يريد الله -عز وجل- قتال أهل مكة، ليستنقذ من فيها من المستضعفين من الرجال والنساء والولدان. وإذا لم تكن لهم قدرة على القتال وكانت لهم أموالٌ، وجبَ الفداءُ منها، وإن كانت لهم قدرةٌ على القتال ولهم أموالى، كانوا بالخيار بين القتال والفداء، وذلك واجبٌ عليهم أن يمتثلوا أحدَ الأمرين. واعتبار القدرة على القتال أن يكونَ المسلمون على النصف من العدو. واختلف هل المراد النصف في العدد أو القوة؟ قال ابن حبيب: والأكثر من القول أن ذلك في العدد، فلا تفرّ المائة من المائتين، وإن كانوا أشدَّ جلدًا، ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 18. (¬2) انظر: الكافي، ص: 205. (¬3) في (ت): (وإنما).

وأكثر سلاحًا (¬1). وقال مالك وابن الماجشون: ذلك في القوة (¬2). قال الشيخ -رحمه الله-: ولا أعلمهم يختلفون أنه متى جهل منزلة بعضهم من بعض في القوة أنهم مخاطبون بالعدد، وقد ورد القرآن بالعدد أي: أصناف أهل الكفر (¬3) كانوا العرب والفرس والروم في ذلك سواء ولم يُفَرّق، وإن اختلفت الشجاعة. ولا شك أن فيمن كان يقاتلونه من لم يخالطوه، ولم يعاينوه إلا حين القتال، فكيف يعرف منزلة من لم يخالطه في الشجاعة، وهذا من تكليف ما لا يطاق. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 50. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 50. (¬3) في (ت): (الكفار).

باب في الدعوة قبل القتال

باب في الدعوة قبل القتال الأصلُ في ذلك قول الله -عز وجل-: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ} [الأحزاب: 46، 47]، وقوله: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: 67]. فتضمنت هذه الآية وما شابهها الدعوة إلى الله، ويبشر من أطاع بالجنة، ويحذر من عمى من النار، وإذا كان ذلك؛ لم يجز القتال قبل البلاع وقبل إعلامهم بما يراد منهم من ذلك. ولا خلاف في وجوب الدعوة قبل القتال لمن لم يبلغه أمر الإسلام (¬1). واخْتَلَف قولُ مالكٍ فيمن بلغته الدعوة قبل القتال: هل يدعى أم لا (¬2)؟ والدعوة فيمن بلغته على أربعة أوجه: واجبة، ومستحبة، ومباحة، وممنوعة. فأما الجيوش العظام تنزل بمن يرى أنهم لا طاقة لهم بقتالهم، ويغلب على الظن أنهم متى دُعوا إلى الإسلام أو إلى الجزية أجابوا، وقد يجهلون ويظنون أنه لا يقبل ذلك منهم الآن لما تقدم من تأخرهم عن دخولهم في الإسلام، فالدعوة لهؤلاء واجبة. وإن كانوا عالمين بقبول ذلك منهم، ولا يغلب على الظن قبولهم؛ كانت مستحبة، وإن لم يُرْجَ قبولهم؛ كانت مباحة. ¬

_ (¬1) انظر: المعونة: 1/ 394. (¬2) نقل عنه ابن حبيب أنه لا يُدْعى، ونقل سحنون أن دعوتهم أصوب إلا أن يعاجلوا المسلمين، انظر: النوادر والزيادات: 3/ 42، والبيان والتحصيل: 3/ 82.

وإن كان المسلمون قلةً، ويخشون أن يكون في ذلك إنذارٌ بالمسلمين، وأخذهم لحذرهم؛ كانت ممنوعة. واختلف في تبييتهم، فقال مالك في مختصر ابن عبد الحكم: أكره التبييت. وأجازه محمد بن المواز، واستشهد بقصة كعب بن الأشرف لعنه الله (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: ذلك على ثلاثة أوجه: فمن كان تجب دعوته لا يجوز تبييته. ومن لا تجب وتستحب الدعوة؛ يكره التبييت. ومن كانت الدعوة مباحة فيهم؛ كان التبييت جائزًا، إلا أن يخشى على المسلمين متى دخل عليهم ليلًا لجهل الناس بالبلد وبالمواضع التي يخاف أن يؤتى عليهم منها. فإذا توجه القتال لم يؤذنوا بحرب، واستعمل معهم المكر والخديعة، ولا يعلم بحين الهجوم عليهم بالحرب، وقد ثبت عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه أغار على بني المصطلق (¬2)، ففيه وجهان: سقوط الدعوة، وألا يؤذنوا بحرب. ودعا أهل خيبر، وقال لعليٍّ - رضي الله عنه -: "ادْعُهُمْ للِإسْلاَمِ، وَأَخْبرْهُمْ بِمَا يَجِبُ للهِ عَلَيْهِمْ، فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ" (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 40. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 40. (¬3) متفق عليه, البخاري: 3/ 1077، في باب دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الإسلام والنبوة وأن لا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله، من كتاب الجهاد والسير، برقم (2783)، ومسلم: 4/ 1870، في باب من فضائل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، من كتاب فضائل الصحابة، برقم (2406).

فصل في صفة الدعوة قبل القتال وأقسامها

وقال لمعاذ بن جبل - رضي الله عنه - حين بعثه إلى اليمن: "ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. . ." الحديث (¬1). فصل في صفة الدعوة قبل القتال وأقسامها وصفة الدعوة لهم مختلفة، وهي على أقسام، وكلها راجع إلى أن يدعو إلى الرجوع عن الوجه الذي به كفروا. فمشركو قريش مقرون بالألوهية، وأن الله خلقهم، ويجعلون له شريكًا، وينكرون النبوة؛ فيدعون إلى الرجوع عن هذين، وأن يقروا أنه إله واحد، وبالرسالة (¬2). وأما اليهود فمن كان منهم مشركًا يقول: عزير ابن الله، ومنكرًا أن يكون نبينا - صلى الله عليه وسلم - أرسل إليهم؛ فيدعون إلى الرجوع عن هذين الوجهين. ومن كان مقرًّا بأن الله إله واحد منكرًا للرسالة إليهم؛ دعوا إلى الإقرار أنه مرسل إليهم. والنصارى منكرة للوحدانية وللرسالة، فيدعون إلى الرجوع إلى أنه إله واحد، وإلى الإقرار بالرسالة. والمجوس منكرة للألوهية والرسالة، فيدعون إلى الإقرار بهذين الوجهين (¬3). والصابئون يعبدون الملائكة، وينكرون الرسالة، وقوم يقرون بالألوهية، ¬

_ (¬1) سبق تخريجه في كتاب الزكاة الأول، ص: 857. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 44. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 43، 44.

فصل في دعاء السلابة قبل القتال

وينكرون البعث. فإذا رجع كل فريق من هؤلاء عن الوجه الذي به كفر وأقر بما دعي إليه؛ كان مؤمنًا. ثم يدعي بعد ذلك إلى فروع الإسلام، فَيُدْعَى أولًا إلى الصلاة، ثم إلى الإقرار بوجوب الزكاة والصوم والحج. وإن أقرَّ بالألوهية وبالوحدانية وبالرسالة، وأنكر الإقرار بالصلاة أو الزكاة أو بالصوم أو بالحج؛ كان على حكم المرتد. فإن رجع وأقر بذلك، وإلا قتل، ولم تقبل منه جزية إن بذلها ليبقى على ما كان فيه قبل الإقرار بذلك. فصل في دعاء السلابة قبل القتال واختلف في دعاء السلابة قبل القتال، فقال مالك: يدعوهم إلى أن يتقوا الله، ويَدَعُوا ذلك، فإنْ أبى فقاتله، وإن عاجلك عن أن تدعوه؛ فقاتله، وإن طلبوا الطعام أو الثوب أو الأمر الخفيف؛ أُعْطُوه، ولم يُقَاتَلوا (¬1). وقال عبد الملك في كتاب محمد: لا يدعى؛ لأنه عارفٌ بما يُدعى إليه، فاقتله ولا تدعه، وخذه من أقرب الحالات، واستأصله عن المسلمين، ولا تدفع إليه شيئًا إذا كنت ترجو الظفر به ودفعك ظلم وإثم. وقال مالكٌ أيضًا: يجب على من لقي لصًّا قتاله، والحرص على سفك دمه، وإن قطع على غيرك، وسلمت أنت (¬2) منه، فحق عليك الرجوع والمعاونة. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 497. (¬2) قوله: (أنت) زيادة من (ت).

فلم ير في القول الأول أن جهادَهم يتعينُ على من لقيهم وإن كان غالبًا؛ لأن قوله: إن طلبوا الشيء الخفيف أُعْطوه، دليلٌ على أنَّ المطلوبَ قادرٌ على الامتناع، ولو كان مغلوبًا لجاز أن يُعْطي الجميع. ورأى في القول الآخر: أنَّ جهادهم يتعينُ على من لقيهم، وهو قول عبد الملك. والمسألة على ثلاثة أوجه: فإن كان المحاربون غير معروفين ولا مشهورين بذلك؛ لم أرَ أن يُباحَ قتالهم مع وجود السلامة منهم؛ لأنه متى ثبت قتلهم لهم، ولم تعلم (¬1) الحرابة من المقتولين؛ طلبوا بدمهم، إلا أن تكون ضرورة في الدفع عن أنفسهم. وإن كانوا معروفين بالحرابة وممتنعين بموضع إن تركوا؛ ألجأوا إليه وتحصنوا به، ثم يعودون إلى أذى الناس؛ تعين قتالهم. وإن كانوا غير ممتنعين ممن يريد قتالهم، ولا يخشى على الناس منهم، إلا أن يأذن الإمام لهم؛ ندبوا إلى قتالهم، ولم يجب، وذلك إلى الإمام. ¬

_ (¬1) قوله: (لهم، ولم تعلم) يقابله في (ت): (ولم تعرف).

باب في الجهاد مع ولاة الجور

باب في الجهاد مع ولاة الجور اخْتُلف في ذلك، فقال مالك: لا بأس به. قال: ولو ترك ذلك لكان ضررًا على المسلمين. وذكر مرعش (¬1) وما فعل بالمسلمين (¬2). قال ابن حبيب: سمعت أهل العلم يقولون: لا بأس به، وإن لم يوفوا بعهد، ولم يضعوا الخمس موضعه (¬3). وقال ابن نافع في شرح ابن مزين: لا أحب لأحد أن يخرج معهم، فيكون لهم عونًا على ما يريدون من طلب الدنيا. وحُكي عن مالك مثل ذلك. قال الشيخ -رحمه الله-: لا أرى أن يغزى معهم إذا كانوا لا يوفون بعهد، وهو أشد من تعديهم في الخمس. وكذلك، إذا كانوا على ما لا يحل من الفسق وشرب الخمر، فلا يغزى معهم. وإنما تكلم مالكٌ في وقتٍ كان الذي يرغب في الجهاد من أهل الخير كثيرًا، فتأخرهم يضعف الباقين. فأما إذا كان الذي يسأل عن ذلك، وينظر لدينه الواحد والاثنان والنفر اليسير؛ لم يغز معهم. ¬

_ (¬1) مَرْعَش: كمَقْعَد، موضع بالشام قُرْبَ أنطاكية, وذُو مَرْعَش بلغ بيت المقدس، فكتب عليه: باسمك اللهم إلهَ حمير، أنا ذو مَرْعَش الملك بلغت هذا الموضع، ولم يبلغه أحدٌ قبلي ولا يبلغه أحدٌ بعدي، وفتحها خالد بن الوليد - رضي الله عنه - ثم حاصرها الروم أيام محاربة مروان لأهل حمص واحتلوها ثم حررها ثانية مروان، ثم سقطت مرة أخرى بيد الروم أيام فتنة بني أمية، فأعادها صالح بن علي في خلافة المنصور العباسي. انظر: معجم البلدان: 5/ 107. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 498. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 25.

باب في الغزو بالنساء والقرآن إلى أرض العدو

باب في الغزو بالنساء والقرآن إلى أرض العدو ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يغزو ببعض نسائه. وقالت الرُّبَيّع بنتُ مُعَوّذ - رضي الله عنها -: "كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَنَسْقِي القَوْمَ وَنَخْدُمُهُمْ، وَنَرُدُّ الجَرْحَى، وَنُدَاوِي الكَلْمَى". أخرجه البخارَي (¬1). وذلك لأمن النبي - صلى الله عليه وسلم - عليهن، وإخبارًا من الله -عز وجل- ألا يسبين للعدو، وقوله: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67]. ولا يجوز ذلك لغيره إلا أن يكون الجيش مستظهرًا على من خرج إليه ونزل به. وإن كان على غير ذلك؛ لم يعرضهن لما يخاف نزوله بهن. وأما خروجه بهن إلى السواحل والرباط؛ فذلك جائز؛ لأمنه عليهن (¬2). وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ العَدُوِّ. واختلف في وجه ذلك، فقال مالكٌ: مخافة أن يناله العدو (¬3). وقال ابن حبيب: لما يخشى من تعبثهم واستهزائهم به، وتصغير ما عظم الله منه (¬4). قال: فالسفر بالقرآن إلى أرض العدو يُكره، وإن كان الجيش مستظهرًا خوف سقوطه، أو ينسى بذلك المكان. وهذا استحسانٌ؛ لأن سقوطه ونسيانه نادر، والغالب السلامة، وإن كان الجيش على غير ذلك؛ منع من السفر به، وصار إلى ما تقدم من السفر بالنساء. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري: 1/ 333، في باب إذا لم يكن لها جلباب في العيد، من كتاب العيدين، برقم (937). (¬2) انظر: المدونهَ: 1/ 498. (¬3) انظر: الموطأ: 2/ 446. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 33.

باب فيمن يجوز قتله، أو يمنع في حين القتال أو بعده

باب فيمن يجوز قتله، أو يمنع في حين القتال أو بعده ويقتل في حين القتال كل من نصب للقتال من الرجال، وإنما يفترق الأمر فيهم بعد الأسر والغنيمة. وأما الصبيان فإن كان قتالهم بالسلاح وبما يضر، ولم يقدر على أسرهم؛ فيقاتلوا ليقتلوا. وإن كان قتالهم بغير سلاح كالرمي بالحجارة وما أشبه ذلك، ولم يكن لفعلهم ذلك نكاية؛ فيعرض عنهم لغيرهم، أو يقاتلوا قتالًا يكفهم، ولا يؤدي إلى قتلهم. وأما من كان من الرجال ولم ينصب لقتال كالفلاحين وما أشبههم يؤخذون في أعمالهم، والشيخ الكبير والزمن؛ فأرى أن يؤسروا ولا يقتلوا؛ لأن قتلهم مختلف فيه، فيؤخر أمرهم؛ حتى يرى الإمام فيهم رأيه. ولا يعرض للرهبان (¬1) في الصوامع والدّيارات خارج المدينة بقتل ولا بأسر (¬2). والأسارى خمسة: أحدها: الرجال المقاتلة. والثاني: الأجراء والحرَّاثون. والثالث: الشيخ الكبير. والرابع: النساء والصبيان. والخامس: الزَّمنَى؛ كالأعمى والمريض والأعرج والمُقْعد والمجنون. ¬

_ (¬1) في (ت): (المحبسين). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 499، والتفريع: 1/ 362.

فأما الرجال المقاتلة؛ فالإمام مخير فيهم بين خمسة أوجه: القتل والجزية والاسترقاق والمَنّ والفداء، وكل هذا التخيير فموكول إلى اجتهاد الإمام. فأما من كانت منه نكاية، وكان قد قتل في المسلمين؛ فأرى أن تشفى صدور المؤمنين بقتله، وإن كان استحياؤهم واسترقاقهم غير محرم. وكذلك إن كان لا تؤمن غائلته إن استُحيى، وأن يفرَّ إلى موضعه، أو يصيرَ عينًا (¬1) على المسلمين؛ فقتله أحسن. ومن لم تتقدم له نكاية، وأمنت غائلته؛ فاسترقاقه أو الجزية فيه أحسن، والقتل غير محرم. وأما المن؛ فيحسن في كل من يرجى برده صلاح، أو كسر شوكة، أو ما أشبه ذلك. وأما الفداء؛ فيحسن بمن لا يعرف بالشجاعة، وقد اختلف فيه. وإذا أسقط الإمام عن الأسير القتل، وأبقاه ليرى فيه رأيه في أحط الوجوه الأربعة مما سوى القتل؛ لم يجز أن يقتله بعد ذلك (¬2). وإن مَنَّ عليه؛ لم يجز له أن يحبسه عن الذهاب إلى بلده، إلا أن يكون قد اشترط عليه أن يبقى لتضرب عليه الجزية. فإن أبقاه للجزية؛ لم يجز له أن يسترقه، ويجوز أن يفادي به برضاه. وإن أبقاه على وجه الاسترقاق؛ جاز أن ينتقل معه إلى الجزية والمن والفداء، وإن أبقاه للفداءة لم يجز نقله للجزية ولا للرق إلا برضاه. والتخيير في الخمسة الأوجه يصح في أهل الكتاب، ويختلف في المشركين. ¬

_ (¬1) في (ت): (عونًا). (¬2) انظر: التفريع: 1/ 362.

فصل [في الخلاف في قتل الأجراء والحراثين]

فمن أجاز أخذ الجزية منهم؛ كان مخيرًا فيهم حسب ما تقدم في أهل الكتاب. ومن منع أخذ الجزية منهم يكون مخيرًا في ثلاثة أوجه؛ المن والفداء والقتل. واختلف في الاسترقاق. فقال ابن القاسم: يسترق العرب جملة (¬1). ولم يفرق بين كتابي ولا غيره. وقول ابن وهب: إنهم لا يسترقون (¬2). وهو أقيس، وإنما يسترق ويبقى على الكفر من كان يصح بقاؤه على ذلك مع الجزية. فصل [في الخلاف في قتل الأجراء والحراثين] واخْتُلفَ في الأُجَرَاء والحراثين. فقال ابن القاسم في كتاب محمد: رأيت مالكًا يفر من قتل من لا يُخاف من مثله؛ كالشيخ الفاني، وأهل الصناعات والفلاحين (¬3). قال عبد الملك ابن الماجشون: وكذلك الصناع بأيديهم، وكل من لم يكن من مقاتلتهم (¬4)، وإنما يجلبون ليكثر بهم، وللعمل. وبهذا أخذ ابن حبيب (¬5)، وذكر الحديث في النهي عن قتل العسيف وهو الأجير. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 44. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 44. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 500، النوادر والزيادات: 3/ 57. (¬4) في (ت): (مقاتليهم). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 57.

وقال ابن وهب: روي النهي عن قتل الأكارين وعن الحراثين (¬1). قال سحنون: لم يثبت النهي عن قتل العسيف (¬2). وقال: وهو وغيره سواء (¬3). قال: ونحن نرى قتل الحراث ببلد الحرب (¬4). وقول مالك أحسن؛ لأن هؤلاء في أهل دينهم كالمستضعفين، ويمكن أن لو كانوا منفردين عنهم لاختاروا أن يعطوا بأيديهم، فلا يجري عليهم (¬5) حكم من عاند. وأما الشيخ الكبير؛ فلا يقتل، إلا أن يعلم أنه ممن له الرأي والتدبير على المسلمين (¬6) .. وأما النساء والصبيان؛ فالإمام مخير فيهم بين ثلاثة أوجه: المنّ والفداء والاسترقاق. ويسقط عنهم شيئان: القتل والجزية. واختلف إذا قاتلا قبل الأسر، فقال سحنون: لا تقتل المرأة وإن قاتلت، إلا في حال القتال، ولا تقتل بعد ذلك (¬7). وهذا لظاهر الحديث في النهي عن قتلهن؛ ولأن ذلك من حسن نظر المسلمين أن يتركن لينتفع بأثمانهن؛ لأنه لا يخشى منهن من بعد الأسر. وعلى ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 57. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 57. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 57. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 57. (¬5) في (ت): (على) (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 59. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 59

قوله: لا يقتل الصبي بعد الأسر، وإن تقدم منه قتال قبل ذلك. وفي العتبية من سماع يحيى بن يحيى، قال: قتلهما حلالٌ، كما كان يحل ذلك منهما في حال القتال وقبل الأسر (¬1). وهذا لقوله - صلى الله عليه وسلم - في المرأة التي قتلت: "مَا كَانَتْ هَذ تُقَاتِلُ" (¬2). وقال أصبغ في ثمانية أبي زيد (¬3): إن كانت قَتَلَت (¬4)؛ قُتلَت الآن، وكذلك المراهق من الصبيان (¬5). ورأى أن قتالهما ليس بقتال، إلا ممن ظهر منه القتل. قال ابن حبيب: إلا أن يرى الإمام استحياءهما، كما يستحيي من شاء من الأسارى. يريد: وإن كان قتل. وقول سحنون في هذا (¬6) أحسن. ولا أرى أن يقتل منهم أحدٌ؛ لأن كل ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 30، والنوادر والزيادات: 3/ 57، ونصه فيه: "فإن قتلهما جائز بعد الأسر كما جاز قبل ذلك، فقد استوجبا القتل". (¬2) صحيح، أخرجه أبو داود: 2/ 60، في باب في قتل النساء، من كتاب الجهاد، برقم (2669)، والحاكم في المستدرك: 2/ 133، في كتاب الجهاد، برقم (2565)، وقال: على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. (¬3) أبو زيد هو: عبد الرحمن بن إبراهيم بن عيسى، يكنى أبا زيد ويعرف بابن تارك الفرس، عنده حديث كثير، الأغلب عليه الفقه، سمع يحيى بن يحيى، ورحل إلى المدينة فسمع من ابن كنانة، وابن الماجشون، ومطرف بن عبد الله ونظرائهم من المدنيين، توفي سنة 258 أو 259 هـ و"ثمانية أبي زيد" هي كُتبٌ جمعَ فيها المؤلفُ أسئلَته التي سألها مشايخَه من المدنيين، وهي "ثمانية كتب" أصبحت تُعرف بـ "ثمانية أبي زيد". انظر: تاريخ علماء الأندلس، رقم (781)، وجذوة المقتبس، ص: 271، وترتيب المدارك: 4/ 257. (¬4) في (ت): (قاتلت). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 57. (¬6) في (ت): (هذه المسألة).

فصل [في الخلاف في قتل الرهبان]

هؤلاء لا يخشى منهم بعد الأسر، فاستبقاؤهم مالًا أصوب. وهو في الصبي أبين؛ لأنه ممن لا يخاطب بالشرع، مع أن الغالب فيمن صار إلى ملك المسلمين ممن لم يبلغ أنه مع المقام يعود إلى الإسلام. فيجب (¬1) أن يرجأ أمره ليدخل في الإسلام، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي - رضي الله عنه -: "لأَنْ يهدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ" (¬2). فصل [في الخلاف في قتل الرهبان] والرهبان على وجهين؛ فمن بان بنفسه في الصوامع والديارات؛ لم يعرض له بقتل ولا بأسر ولا باسترقاق. قال مالك في كتاب محمد: ولا ينزل من صومعته (¬3). لأنه لا يقاتل، ولا يكاد يستشار. واختلف في أموالهم، فقال مالك في المدونة: يترك لهم ما يعيشون به (¬4). ولا تؤخذ أموالهم كلها، فلا يجدون ما يعيشون به، فيموتون. وقال محمد: أما ما لا يشبه أن يكون للرهبان؛ فلا يترك، ولا يصدق الراهب في مثل هذا. قال مالك: ويترك له مثل البقرتين والغنيمات، وما مثله يكفيه، والمبقلة (¬5) والنخيلات، ويؤخذ ما بقي ويحرق. وأما ما يشبه أن يكون ¬

_ (¬1) في (ت): (فوجب). (¬2) سبق تخريجه, ص: 1344. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 499. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 499. (¬5) المَبْقَلَة: واحدة البَقْلِ: بَقْلَة. والمبقلة: مَوْضِع البَقْلِ. انظر: لسان العرب: 11/ 60.

له؛ فيصدق فيه، ويترك له (¬1). وهذا أحسن، أن يترك له كل ما علم أنه ملك له، وإن عظم وكثر. فأما ما لا يعلم؛ فلا يترك له؛ لأنَّ أهل دينه يولجون عنده (¬2)، والغالب في الراهب التقلل، فإذا لم يعرض له في نفسٍ؛ لم يعرض له في مالٍ. وقال مالك في العتبية في أموال الرهبان وعبيدهم وزروعهم: إن علم أن ذلك لهم فلا يمس (¬3) منه شيئًا (¬4). واخْتُلفَ في النساء يترهبن، فقال أشهب في مدونته عن مالك: النساء أحق ألا يهيجن (¬5). وقال سحنون؛ يُسْبَينَ بخلاف الرجال (¬6). وأما من لم يَبن بنفسه عن جملة أهل الكفر؛ فيستباح بالأسر والقتل والاسترقاق، ويؤخذ ماله. وقال ابن حبيب في رهبان الكنائس: يجوز قتلهم وسبيهم لأنهم لم يعتزلوا (¬7). وهو ظاهر قول مالك في المدونة، في قوله: إن فيهم تدبيرًا للأمر، والاجتهاد له، والحبّ فيه (¬8)، والبغض عليه؛ فهو أنكى ممن يعمل بيديه (¬9). يريد: فيمن لم يَبن ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 62. (¬2) في (ق 3): (عنده إليه). (¬3) في (ق 3): (يستق). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 62 , والبيان والتحصيل: 2/ 525. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 60 , والبيان والتحصيل: 2/ 558. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 61. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 60. (¬8) في (ت): (له). (¬9) انظر: المدونة: 1/ 500. ونَصُّه فيها: "فيهمُ التدبيرُ والنظرُ والبغضُ للدينِ والحُبُّ له".

فصل [في الخلاف في قتل الزمنى]

بنفسه عنهم. وعلى هذا حملَ ابنُ مُزَيْن قولَ أبي بكر - رضي الله عنه - في الذين فحصوا عن رءوسهم، قال: هم الشمامسة (¬1) الذين لم يعتزلوا (¬2). فصل [في الخلاف في قتل الزّمنَى] اخْتُلفَ في الزّمنَى، فقال سحنون: يقتل الأعمى والمقعد، وقد يقودان الجيش وفيهما التدبير والمكر، والمجيء والذهاب، ويقتل المريض الشاب؛ لأنه قد يبرأ، والمجنون إذا كان يفيق، فإن كان لا يفيق؛ فلا (¬3). وقال ابن حبيب: لا يقتل الزمنى، قال: ومن الزمنى: المقعد والأعمى والأشلّ والأعرج الذين لا رأي لهم ولا تدبير ولا نكاية (¬4). وهو أحسن. وهؤلاء حشو ومحملهم على أنهم غير منظور إليهم حتى يثبت أنهم ممن يرجع إلى رأيهم وتدبيرهم، وأمرهم إذا دخل عليهم موضعهم؛ أخف منهم إذا كانوا في الجيش، وحكمهم في الدخول عليهم كحكم المستضعفين، ولو كان الأمر إليهم بانفرادهم لرضوا بالجزية، فأرى أن يسترقوا ولا يقتلوا. وأما إن خرجوا للقتال في جملة الجيش؛ فقتلهم غير ممنوع، إلا أن استحياءهم أولى، إلا أن يكون ممن لا ثمن لهم؛ فيقتل أو يسلم. أما الشاب المريض؛ فالإمام مخير فيه كالصحيح، وسواء كان فيمن دخل ¬

_ (¬1) في (ت): (أهل الشمامسة). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 60. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 58. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 59.

فصل [في الخلاف في قتل العلج]

عليهم، أو في العسكر والمقاتلة. فصل [في الخلاف في قتل العلْج] اخْتُلفَ في العلْج (¬1) يلقاه المسلمون، فيقول: جئتُ أطلبُ الأمانَ، هل يُقبل منه؟ فقال مالك في المدونة: هذه (¬2) أمور مُشْكلَةٌ، وُيردُّ إلى مأمنه (¬3). وقال في مدونة أشهب: لا يقبل قوله (¬4). ولم يفرق في هذين القولين بين أن يؤخذ في بلاد الحرب، أو في بلاد المسلمين. وقال في المدونة في أهل مصيصة (¬5) يخرجون في بلاد الروم، فيلقى العلج منهم مقبلًا إلينا، فإذا أخذناه؛ قال: جئتُ أطلبُ الأمانَ. قال: هذه أمور مشكلة، ولرد إلى مأمنه (¬6). وقال محمد: إن لقيته السرية على الطريق، فقال: جئت أطلب الأمان، أو رسولًا، فإن ظُفر به في بلد العدو؛ لم يقبل قوله، إلا بدلالة تحق قولَه. ولو صار ¬

_ (¬1) العِلْجُ: الرجلُ منْ كفارِ العجمِ. والجمع: عُلُوج وأعْلاج. انظر: القاموس المحيط: 1/ 254. (¬2) في (ت): (هي). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 502. (¬4) في (ت): (منه). وانظر: النوادر والزيادات: 3/ 59. (¬5) المصيصة: بالتخفيف: مدينة على شاطئ جيحان من ثغور الشام بين أنطاكية وبلاد الروم، تقارب طرسوس، كانت من مشهور ثغور الإسلام، قد رابط بها الصالحون قديمًا، والمصيصة أيضًا: قرية من قرى دمشق قرب بيت لهيا، ويقيّد ذكرها بمصيصة دمشق. انظر: معجم البلدان: 5/ 145. (¬6) انظر: المدونة 1/ 502.

في عمل المسلمين، ولم يدخل بعد، ولعله يقول: أنتهي إلى موضع سمَّاه؛ فأمر هذا مشكلٌ، وترك الشك أفضلُ (¬1). وقال ابن القاسم في العتبية: إن أُخذَ ببلدنا؛ فقال: جئت أطلب الفداءَ؛ قُبل قوله. وإن أُخذ بفور وصوله؛ فهو مثله. وإن لم يظهر عليه إلا بعد طول إقامة بين أظهرنا؛ لم يقبل قوله، ويسترق. وليس هو لمن وجده (¬2). قال الشيخ -رحمه الله-: إن قام دليل على صدقه؛ كان آمنًا، ولم يسترق. وإن قام دليلٌ على كذبه؛ لم يقبل قوله، وكان رقيقًا. وإن لم يقم دليل على صدقه ولا كذبه؛ فهو موضع الخلاف. فرأى مرة أنه صار أسيرًا رقيقًا بنفس الأخذ؛ لأنه يدَّعي وجهًا يزيل ذلك عنه من غير دليل. ورأى مرة أن يقبل قوله؛ لإمكان أن يكون صدق، ولا يسترق بالشك. وهو أحسن. فإن قال: جئت رسولًا. ومعه مكاتبةٌ، أو قال (¬3): جئتُ لفداءٍ. وله من يفديه، أو لقريبٍ لي. وله قرابةٌ بذلك البلد؛ كان دليلًا على صدقه. وإن لم تكن معه مكاتبة وليس مثله يُرْسَل. أو لم يكن له من يفديه، أو لا قرابة له؛ لم يُصَدَّق (¬4). فإن قال: جئتُ أطلبُ الأمانَ. وقد خرج إليهم عسكر المسلمين، فَوُجدَ ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 124. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 125، والبيان والتحصيل: 2/ 606. (¬3) قوله: (قال) ساقط من (ت). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 128.

على طريق الجيش بلا سلاح؛ كان أمره مشكلًا. وإن لم يكن مقبلًا إلينا، ولا على طريقهم؛ لم يُصَدَّق. وإن لم يكن خرج إليهم جيش، فلقيه في بلاد المسلمين؛ لم يقبل قوله؛ لأنه لا يشبه أن يأتي إلى بلاد المسلمين يطلب الأمانَ من غير أمرٍ يوجب ذلك، إلا أن يكون الجيش على خروجٍ إليهم. ومن (¬1) لم يدَّع شيئًا من ذلك؛ كان فيئًا. وقال مالك في العدو يوجد على ساحل (¬2) المسلمين، فزعموا أنهم تجار؛ فلا يقبل منهم. ولا يكونوا لأهل تلك القرية التي سقطوا إليها فيهم شيء. ويكون الأمر فيهم إلى (¬3) والي المسلمين، يرى فيهم رأيه (¬4). وقال فيمن انكسرت مراكبهم، فزعموا أنهم تجار، ومعهم السلاح. أو ينزلون للماء، وهم (¬5) يشكون العطش: أن الإمام يرى فيهم رأيه، وليسوا لمن أخذهم (¬6). قال الشيخ -رحمه الله-: إن زعموا أنهم تجار، ومعهم متاجر العادة السفر بها إلى بلاد المسلمين؛ صُدّقُوا. وإن لم تكن العادة السفر بها إلى بلاد المسلمين (¬7)، أو لا متاجر معهم، ومعهم سلاح؛ كانوا فيئًا. وإن لم تكن متاجر ولا سلاح، ولا يُدْرَى ما كان معهم، وادَّعَوا أنهم كانت معهم متاجرٌ، فإن كانوا من بلدٍ ليس من شأنه السفر إلى بلاد المسلمين؛ ¬

_ (¬1) قوله: (من) ساقط من (ت). (¬2) في (ق 3): (سواحل). (¬3) قوله: (فيهم شيء. ويكون الأمر فيهم إلى) ساقط من (ت). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 501. (¬5) قوله: (هم) ساقط من (س). (¬6) انظر: الموطأ: 2/ 451، المدونة: 1/ 502. (¬7) قوله: (صُدّقُوا. وإن لم تكن العادة السفر بها إلى بلاد المسلمين) ساقط من (ق 3).

كان دليلًا على كذبهم. وكذلك، إن كان شأنهم السفر إلينا، وأشكل أمرهم، هل كانت معهم متاجر؟ فإن كانت معهم متاجر، وعلم أنهم لم يبرزوا المتاجر خديعةً؛ صُدّقُوا، وقُبل قولهم. وإن لم يكن معهم متاجر؛ كان دليلًا على كذبهم وكانوا فيئًا؛ لأنَّ هؤلاء قد ألجئوا إلينا، بخلاف من أتى يمشي طائعًا، ولو كان أعيان هؤلاء شأنهم السفر إلينا؛ لصُدّقُوا. وإن احتيج إلى قتال الذين يشكون العطش ومراكبهم قائمة، ثم قدر عليهم بعد القتال، فإن لم يكن ريح ينجون بها، كانوا كالذين انكسرت مراكبهم، وهم كأسارى قاتلوا، فإن كان لهم ريح ينجون بها، وطلع إليهم المسلمون، وأُخذوا بعد القتال؛ كانوا لمن أخذهم، وفيهم خمس المسلمين (¬1)، إلا أن يكونوا لم يقدروا على قتالهم، إلا لمكان جملة المسلمين الذين بالمدينة. ولو كانوا على بعدٍ من المدينة، ولم يقدروا عليهم بانفرادهم، فيكونوا لجميع من أخذهم ولأهل الدينة، والذين أخذوهم حينئذٍ بمنزلة سرية قويت بجيش من خلفها. وعلى هذا الجواب فيمن أتى من العدو في البرة فأُخذَ بعد قتال. فإن كانوا في طرف من بلاد الإسلام، كانوا لمن أخذهم، وفيهم الخمس؛ لأنه لولا قتالهم إياهم للحقوا ببلادهم. وإن كانوا على (¬2) غير ذلك؛ كانوا فيئًا، ولا شيء لمن أخذهم؛ لأن بلادَ جميع المسلمينَ أحدقت بهم وشملتهم، فهم في قتالهم كأسارى قاتلوا. ¬

_ (¬1) قوله: (خمس المسلمين) يقابله في (ق 3): (الخمس). (¬2) قوله: (على) ساقط من (ت).

فصل [في أهل الحرب تردهم الريح إلى بلد غير الذي أخذوا فيه الأمان]

وكل موضع يكونون فيه فيئًا، فإن الإمامَ مخيَّرٌ بين الأوجه الخمسة (¬1): القتل والاسترقاق والجزية والمنّ والفداء. وهذا معنى قول مالك: يرى فيهم الإمام رأيه (¬2). وقال محمد في مراكب تكسرت، فوُجد فيها الذهبُ والفضةُ والمتاعُ والطعامُ: فإن كان ذلك مع الحربين؛ كان سبيلُه سبيلَ الحربين، وأمر ذلك كله إلى الوالي. وإن لم يكن معه أحد من العدو والذين كان لهم، أو كانوا طرحوه خوفَ الغرق؛ كان لمن وجده، ويخمس العين وحده، إلا أن يكونوا في جنب قرية من قراهم؛ فيُخَمَّس، وإن لم يكن عينًا، إلا أن يكون يسيرًا (¬3). روى ذلك أشهب عن مالك (¬4). فصل [في أهل الحرب تردهم الريح إلى بلد غير الذي أخذوا فيه الأمان] ومن المدونة قال مالك في الروم ينزلون للتجارة بساحل المسلمين بأمان، فيبيعون، ثم يركبون البحر راجين إلى بلادهم، ثم تردهم الريح إلى بلدٍ من بلاد المسلمين غير الذي أخذوا فيه الأمان، قال: لهم الأمان ما داموا في تجرهم؛ حتى يرجعوا إلى بلادهم (¬5). ¬

_ (¬1) في (ق 3): (الوجوه الخمسة). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 502. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 131. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 131. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 502.

فصل [فى الجاسوس من مسلم أو حربى]

وقال ابن الماجشون في الواضحة: هو آمن حتى يبعد من بلاد الإسلام، ويقارب حوزه ومأمنه، فيصير عند ذلك كمن لا عهد له. فمن لقيه من أهل ذلك السلطان الذي كان أمنه، أو في رجوعه إليه إن رجع مغلوبًا بريح أو غير مغلوب، أو نزل للماء وشبهه. وأما من لقيه من غير ذلك السلطان الذي أمنه؛ فهو كمن لا أمان له. وكذلك، المستأمن في ثغور المسلمين في غير تجرٍ إذا قضى حاجته, ثم رجع إلى بلده فانسدت عليه الطرق بثلج أو غيره؛ فهو على أمانه ما كان قرب المكان الذي أمن فيه، إلا أن يصيبه ذلك بقرب بلده، وبعد أن فارق مخاوف الإسلام (¬1). انتهى قوله. قال الشيخ -رحمه الله-: أما إذا كان فارق مخاوف الإسلام في بر أو بحر، وصار إلى حوزهم، والمواضع التي يطلب المسلمون فيها الأمان؛ كانوا فيئًا لمن أخذهم هناك، وكذلك إن لقيهم في حوز المسلمين غير من كان عقد لهم الأمان؛ لأن الأول إنما أعطاه الأمان على عمله، ليس على عمل غيره. ولا يجوز أن يعطي على عمل غيره إذا كان لا يأتمر له. وأما إن ردته الريح بعد أن بلغ بلده؛ فالصواب أن يكون آمنًا؛ لأن في ذلك تنفيرًا لهم، وقد يظنون أن العقدَ الأولَ باقٍ لهم، وأن ذلك نقض عليهم. فصل [فى الجاسوس من مسلم أو حربى] وإن قدم حربيٌّ بأمان، ثم عُلمَ أنه عينٌ لأهل الحرب؛ سقط ما كان له من الأمان، وكان الإمام فيه بالخيار بين القتل والاسترقاق. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 135.

قال سحنون: ولا خُمس فيه، إلا أن يسلم فلا يقتل، ويبقى كأسيرٍ أسلم (¬1). وإن عُلمَ من ذمّيٍّ عندنا أنه عين لهم يكاتبهم بأمر المسلمين؛ فلا عهد له، وقال سحنون: يقْتل ليكون نكالًا لهم (¬2). يريد: إلا أن يرى الإمامُ استرقَاقَه. واختلف في المسلم يظهر عليه أنه جاسوس على المسلمين على خمسة أقاويل: فقال مالك في العتبية: ما سمعت فيه شيئًا، وليجتهد فيه الإمام (¬3). وقال ابن وهب: يُقْتَلُ، إلا أن يتوب (¬4). وقال ابن القاسم: يُقْتلُ، ولا أعرف (¬5) لهذا توبة. وقاله سحنون (¬6). وقال عبد الملك في كتاب محمد: إن ظُنَّ به الجهل وعُرفَ بالغفلة، وأن مثله لا عذر عنده، وكان منه المرة، وليس من أهل الطعن على الإسلام؛ فلينكَّل. وإن كان معتادًا؛ قُتل (¬7). وقال سحنون: قال بعض أصحابنا: يجلَد جلدًا منكَّلًا، ويطال حبسه، وينفى من موضع يقرب فيه من المشركين (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 352. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 352. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 353، والبيان والتحصيل: 2/ 536. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 353. (¬5) في (ق 3): (ولا تعرف). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 353. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 353. ونصه فيه: "فلينكل لغيره، وإن كان معتادًا وتواطأ عليه؛ فليقتل". (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 353.

وقولُ مالكٍ ذلك إلى اجتهاد الإمام حسنٌ. وإن عُلمَ به قبل أن يعود إلى أهل الحرب أو بعد أن أعلمهم، وعَلمَ الناس بحركة أهل الحرب، وأخذوا حذرهم، فامتنع العدو من الإتيان؛ لم يقْتل، وعوقب. فإن خشي عليه (¬1) إن خلّي أن يعود لمثل ذلك؛ خُلّد في السجن. وإن علم به بعد أن قتل العدو من المسلمين؛ قُتل، إلا أن يعلَم أن العدو كان زاحفًا (¬2) قبلَ قوله، ولم يؤثر قولُه في قتلٍ ولا غيره؛ لم يقْتل. وإن كان دله على موضع؛ كان منه الوهن على المسلمين باستباحته أو قُتَل من قُتل بسببه، وإن لم يستباحوا؛ قُتل. وكذلك إذا تجسس للعدو في عسكر المسلمين، فإن أدَّى فعلُه إلى قتلٍ، قُتل، وإلا لم يقْتل. ¬

_ (¬1) قوله: (عليه) ساقط من (ق 3). (¬2) في (ت): (باجعًا).

باب في قسمة الغنائم في أرض الحرب وفي صفة القسم

باب في قسمة الغنائم في أرض الحرب وفي صفة القسم ومن حقّ الجيش أن تقسم غنائمهم بينهم، ولا تُؤخَّر إلى أرض الإسلام (¬1). إلا أن يخاف عليهم متى تشاغلوا بقسمتها أن يعطف عليهم العدو، فيُؤخَّر إلى موضع يأمنون فيه من طرف أرض العدو (¬2) أو لبعض بلد الإسلام. وإن غنمت سرية خرجت من أرض الإسلام؛ قسمت بأرض الحرب إن أمنت، أو تؤخر إلى موضع تأمن فيه. وإن خرجت السرية من جيش لم تقسم، وإن أمنت حتى تبلغ الجيش؛ لأنهم شركاء لهم. قال عبد الملك: إلا أن يخشى ضيعة ذلك لمبادرتهم الانصراف بالتخفيف، وطرح الثقل والتعب على غيرهم، ولعل غيرهم يأبى ذلك، ويتماحكوا (¬3)، وتقل طاعتهم لصاحب السرية، فيبلغ ذلك إليهم المشترون بما صار لهم (¬4). يريد: أنهم يتماحكون (¬5) عليه لما كان فيه شرك لغيرهم، وقد يصير لأحدهم مع جماعة الجيش الشيء اليسير، فلا يتكلَّف التعب الكثير، فإن صار ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 522. (¬2) في (ت): (الحرب). (¬3) في (ت): (يتحاكموا). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 194. (¬5) في (ت): (يتحاكموا).

له بالشراء تكلَّفه. وقال محمد في قسم الغنائم: يقسم كل صنف خمسة أسهم، ويقسم الرقيق كذلك وصيف وصيف (¬1)، يعدون خمسه، فإذا فرغ الوصفاءة فعلوا بالنساء المشتبهات بعضها ببعض كذلك، ثم الرجال كذلك، ثم يكتب على أحدهم لله ولرسوله، أو للخمس، فحيثما وقع سهم الخُمس كان له، ثم يبيع السلطان الأربعة الأخماس، ويتوثق لهم، وربما بيع (¬2) الجميع بالخُمس (¬3). قال الشيخ -رحمه الله-: قَسم الغنائم يجوز على صفة ما ذكر في المدونة في كتاب القسم في العبيد والخيل والثياب والأمتعة. وقول محمد ها هنا أنه يجعل الوصفان بانفرادهم، والنساء كذلك حسن مع كثرة الغنيمة، واتساع ذلك، فإن ضاق الأمر؛ جمع العبيد الذكران والإناث، والصغار والكبار، وقُسموا قسمًا واحدًا. واختلف في المتاع، فقيل: يجمع في القسم ابتداءً. وقيل: إن حمل كل صنف القسم بانفراده لم يجمع، وإلا جمع. وهو أحسن، وأقل غررًا إذا كان متسعًا، وقدر على أن يجمع كل صنف بانفراده. وما غلب المسلمون على نقله من حيوان أو متاع مذكور فيما بعد إن شاء الله. ¬

_ (¬1) قوله: (وصيف) ساقط من (ت). (¬2) في (ق 3): (باع). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 194.

باب فيما يوجد الغنائم من أموال المسلمين وأموال الذميين

باب فيما يوجد الغنائم من أموال المسلمين وأموال الذميين وقال مالك فيما وجد في الغنائم من عبدٍ أو غيره، وعلم أنه لمسلم وعلم صاحبه: رد إليه بغير ثمن، وان علم أنه لمسلم ولم يعلم صاحبه قُسم، فإن أتى صاحبه، وأثبت أنه له أخذه بالثمن الذي بيع به (¬1). قال الشيخ -رحمه الله-: لا يخلو ذلك من خمسة أوجه: إما أن يعلم صاحبه وهو حاضر، أو غائب ويعلم بلده الذي كان أخذ منه (¬2)، أو علم البلد الذي أخذ منه أو لم يعلم صاحبه (¬3) أو لم يعلم بلده ولا صاحبه، أو لم يعلم أنه لمسلم. فإن علم صاحبه، وكان حاضرًا؛ دُفعَ إليه بغير عوض (¬4). وإن كان غائبًا، وكان ممن لا حمل له؛ نُقلَ إليه، وإن كان مما له حمل ومؤونة، وكان الكراء عليه يأتي على كثير من ثمنه؛ بيعَ، وبُعثَ إليه ثمنه، وإن كان الكرَاءُ عليه أفضل؛ أكري عليه، إلا ألا يوجد من يتكلف ذلك، فيباع. واختلف إذا عُلمَ البلدُ الذي كان أُخذَ منه، ولم يعلم صاحبُه، فظاهر قول مالك وابن القاسم: أنه يقسم (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 506. (¬2) قوله: (كان أخذ منه) ساقط من (ت). (¬3) قوله: (أو لم يعلم صاحبه) ساقط من (ت). (¬4) في (ت): (ثمن). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 256.

وقال البرقيُّ وعُبيد: إذا غنموا أحمالَ متاعٍ، وعليها مكتوب: هذا لفلان بن فلان، وعرف البلد الذي اشتري منه، كالكتان بمصر (¬1) وشبهه لم يجز قسمه، ويوقف حتى يبعث إلى ذلك البلد، ويكشف عن اسمه المكتوب (¬2) عليه، فإن وجد من يعرفه، وإلا قسم. قالا: ولو عرف ذلك واحد من الجيش (¬3)؛ لم يقسم. واختلف إذا عُلمَ أنه لمسلم، ولم يعلم صاحبه ولا بلده، هل يعجل قسمه أو لا؟ فقال مالك في المدونة: يقسم (¬4). وقال محمد: هو كاللقطة توجد وكالضالة، إن قدر على ردّه بغير مؤونة (¬5)؛ نظر فيه، وإلا بيع، وصُيّرَ مغنمًا. فلم يرَ مالكٌ وقفه؛ لأنَّ الغالبَ أنه لا يعرف، فلم تكن للوقف فائدةٌ. وعلى قول محمد يوقف؛ رجاء أن يعرف كاللقطة، فإن لم يعرف فحينئذ يقسم والقسمة لوجهين: أحدهما: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ، وَإِلاَّ شَأْنكَ بِهَا" (¬6). ¬

_ (¬1) في (ت): (بمصره). (¬2) قوله: (المكتوب) ساقط من (ت). (¬3) في (ت): (عسكر). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 506. (¬5) في (ت): (ثمن). (¬6) متفق عليه, أخرجه البخاري: 2/ 836، في باب شرب الناس وسقي الدواب من الأنهار، من كتاب المساقاة, برقم (2243)، ومسلم: 2/ 1346، في أول كتاب اللقطة، برقم (1722)، ومالك في الموطأ: 2/ 757، في باب القضاء في اللقطة، من كتاب الأقضية، برقم (1444).

فجعلها لملتقطها، والجيش ملتقطوها. والثاني: مراعاةً للخلاف لقول من يقول فيما عُرف أنه لمسلم- إنه للجيش دون صاحبه، فإن أتى صاحبه بعد القسم أخذه بالثمن. واختلف إذا باعه المشتري الثاني، ثم أتى صاحبه، فقيل: يأخذه بالثمن الأول كالاستحقاق، وسواء كان الأول أكثر من الثاني، أو أقل، فإن تساوى الثمنان؛ دفع ذلك للآخر، ويصير قضاءً عن الأول. وإن كان الثاني أقل؛ دفع إليه ثمنه، ودفع الفضل إلى الأول، وإن كان الثاني أكثر؛ دفع إلى المستحق الثمن الأول، واتبع الثاني الأول بالفضل. وقيل: يأخذه بأقل الثمنين كالشفعة، ورآه من باب: "لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ" (¬1). فإن كان الثاني أقل؛ قيل للمشتري الأول (¬2): أنت لم تضر بشيءٍ (¬3)، والثمن الذي رضيته وبعت به في يديك. وإن كان الثاني أكثر؛ أُخذَ بالأول. ويجري فيها قولٌ ثالثٌ: أن البيعَ الثاني فوتٌ، وليس لصاحبه أن يأخذه من الثاني قياسًا على (¬4) إذا اشتري من أرض الحرب، ثم بيعَ. ¬

_ (¬1) لفظ حديث صحيح، أخرجه مالك في الموطأ: 2/ 745، في باب القضاء في المرفق، من كتاب الأقضية، برقم (1429)، وأحمد في المسند: 1/ 313، في مسند عبد الله بن العباس، من مسند بني هاشم، برقم (2867)، وابن ماجه في سننه: 2/ 784، في باب من بنى في حقه ما يضر بجاره، من كتاب الأحكام، برقم (2340). (¬2) قوله: (الأول) ساقط من (س). (¬3) قوله: (تضر بشيءٍ) يقابله في (ت): (تقضي لشيء). (¬4) في (ت): (على قوله).

فقال ابن القاسم: ذلك فوتٌ (¬1). ولم يرَ (¬2) أن يأخذ عينه، ويرجع المستحق على المشتري الأول بفضل الثمن إن كان باعه بأكثر ممَّا اشتراه به. وقال غيره: ليس ذلك فوتا (¬3). وهو أحسن؛ لأنه مستحق له في الحقيقة، وإن كان لا يأخذه إلا بعد دفع الثمن. فصل [فيمن أُعتق أو استولدها مبتاعها] واختلف إذا لم يبعه المشتري وأعتقه، أو كانت أمة فأولدها، فقال ابن القاسم: ذلك فوتٌ ولا شيء لمستحقهم فيهم (¬4). وقال أشهب: له أن يرد العتق، ويأخذ الأمة وإن ولدت (¬5). يريد: ويحاسبه من الثمن بقيمة الولد، فأمضى ذلك ابن القاسم على الأصل فيما بيع على وجه الشبهة، وكان مما لا يأخذه مستحقه, إلا بعد دفع الثمن: أن العتق والإيلادَ فَوْتٌ. ولهذا قال مرة: إنَّ البيعَ الثاني فَوْتٌ (¬6). وردّ ذلك أشهب؛ لأنه مستحقٌ في الحقيقة لعين ذلك العبد والأمة (¬7). ويختلف على هذا؛ إذا أعتق الرجل (¬8) إلى أجلٍ، فعلى قول ابن القاسم ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 255. (¬2) في (ت): (يرَ له). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 255. وقائله أشهب. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 262. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 262. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 255. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 255. (¬8) قوله: (الرجل) ساقط من (ق 3).

يمضي ذلك كله، وعلى قول أشهب يرد. واختلف فيما أُخذ من المكاتب، فمن قال: إن ذلك غَلّة؛ لم يحاسب بها فيما أخذ، ولم يكن للمستحق أن يأخذه إلا بعد دفع الثمن. ومن قال: إنها ثمن للرقبة؛ يكون للمستحق أن يحاسب المشتري بقدر ما أخذ من الكتابة. واختلف في الحر (¬1) إذا بيع في المقاسم، فقال مالك وابن القاسم في كتاب محمد: لا يتبع الحر بذلك الثمن (¬2). وقال سحنون في كتاب ابنه عن أشهب إنه يتبع (¬3). ولم يفرق في هذين القولين؛ هل كان جاهلًا أو عامدًا. وقال ابن القاسم: وإن كان صغيرًا أو كبيرًا قليل الفطنة كثير الغفلة، أو أعجميًا يظن أن ذلك رق له؛ لم يتبع وإن كان ينادى عليه، وهو ساكت متعمدًا بلا عذر؛ اتبع إذا لم يجد المشتري على من يرجع (¬4). وقال غيره: لا يتبع، وإن غرر (¬5) من نفسه (¬6) وكل هذا إذا افترق الجيش، وكانوا لا يعرفون لكثرتهم وإن لم يفترقوا، أو عرفوا (¬7) بعد الافتراق، رجع عليهم المشتري، أو من كان صار في قَسْمه. ¬

_ (¬1) قوله: (الحر) ساقط من (ت). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 277. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 278. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 279. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 280. وهذا قول ابن الماجشون وأصبغ. (¬6) قوله: (من نفسه) زيادة من (ت). (¬7) في (س): (وعرفوا).

قال ابن القاسم: ينبغي للإمام إذا لم يعرفوا أن يغرم الثمن (¬1) من وقع في سهمه من الخُمس أو من بيت المال (¬2). قال سحنون: هي مصيبةٌ نزلت به، ولا يُعْطَى منَ الخُمس ولا منْ بيت المال (¬3). فأسقط مقال المشتري مع علم الحر (¬4) المبيع؛ لأنه غرور بالقول. وأثبت أشهبُ الرجوعَ مع الجهل؛ لأنه بمنزلة منْ أخطأَ على مال غَيره لما جهل بيع رقبته وسلمها للمشتري (¬5). ولا يختلف في ذلك إذا كان المبيعُ صغيرًا؛ أن لا رجوع عليه. وأرى أن (¬6) يغرم الإمام خمس الثمن من باقي الخمس إن بقي منه شيء أو من بيت المال. واختلف في الذّمّيّ يُباع في المقاسم، كالاختلاف في المسلم. وإن وجدَت (¬7) في المغانم أم ولد لمسلم لم تُقْسم، وإن قُسمت بعد المعرفة أخذها سيدها بغير ثمن. واختلف إذا لم يعلم أنها أم ولد حتى قسمت، فقال مالك في الموطأ: يفديها الإمام لسيدها، فإن لم يفعل فعلى سيدها أن يفديها، ولا أرى للذي ¬

_ (¬1) قوله: (الثمن) ساقط من (ق 3). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 277. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 278. (¬4) في (ت): (حرية). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 280. (¬6) في (س): (أن لا). (¬7) في (ق 3): (وجدوا).

صارت له أن يسترقها، ولا أنْ يَسْتَحلَّ فرجها (¬1). وقال في المدونة: على سيدها الثمن الذي اشتريت به، وإن كان أكثر من قيمتها. فإن لم يوجد عنده شيء قبضها (¬2)، واتبع بثمنها (¬3). وقال أشهب والمغيرة وعبد الملك في كتاب محمد: على سيدها الأقل من قيمتها، أو الثمن الذي اُشتريت به، وإن كان عديمًا (¬4) اتبع به (¬5). قال عبد الملك: ومشتريها أحق بما في يد سيدها من غرمائه (¬6). وروى ابن وهب وأشهب عن مالك أنه قال: إن أعتقها المشتري أُخذَت منه بغير شيء (¬7). وقال سحنون: إن أعتقها وهو عالم أنها أم ولد لمسلم، فكأنه وضع المال عن سيدها، وبطل عتقُه. وإن لم يعلم بطل العتق، وأُتبع السيد (¬8) بما كان افتداها به، وإن أولدها المشتري؛ كان على سيدها الثمن الذي بيعت به، وعلى الواطئ قيمة الولد، وإن مات السيد قبل أن يعلم بها؛ كانت حرةً، ولم يكن للمشتري عليها، ولا على تركته شيء. ¬

_ (¬1) انظر: الموطأ: 2/ 453. (¬2) في (ب): (أخذها). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 506. (¬4) في (ت): (معدما). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 265. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 265. ونصه فيه: وسيدها أحق بما في يدها من غرمائه. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 264. (¬8) في (ت): (لهذا).

قيل له: فَلمَ قلت: إذا جُنَّت، ومات سيدها، ولم يفدها: أنها تتبع؟ قال: لأن هذا فعلها، وليس لها (¬1) في الأول فعل (¬2). ولو كان معتقًا إلى أجل، وعرف سيده؛ وقف له، وإن لم يعرف بيعت خدمته، ودخلت في المقاسم. فإن استخدمه المشتري، ومضى الأجل؛ كان حرًا. فإن أتى صاحبه بعد ذلك؛ لم يكن له فيه، ولا على المشتري شيء. وإن أتى بعد ما مضى نصف خدمته؛ كان بالخيار في النصف الباقي بين أن يأخذه، ويدفع نصف ما اشتريت به، أو يسلمه ولا شيء له فيه. وإن بيعت رقبته، ثم علم أنه معتق إلى أجل؛ عاد حق المشتري في الخدمة، ويحاسب بها من الثمن، ثم يخرج حُرًا. ويختلف: هل يتبعه بالباقي إذا كان الثمن أكثر من الخدمة، حسبما تقَدم لو ثبت أنه حُرٌّ من الأول. وإن أتى سيده قبل أن يستخدم كان بالخيار بين أن يفتديه، وتكون له خدمته، أو يسلمه (¬3)، ويختدمه المشتري في الثمن. واختلف قول ابن القاسم إذا مضى الأجل قبل تمام الثمن، فقال في كتاب محمد: يتبع بالباقي (¬4). ¬

_ (¬1) قوله: (السيد) ساقط من (ق 3)، وفي (س): (والبيع). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 266. (¬3) في (ب): (يستلمه). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 269.

فصل [في حكم أموال أهل الذمة]

وروى عنه أبو زيد: أنه لا يتبع (¬1). وهذا راجع إلى الخلاف المتقدم (¬2) في الحر يباع في المقاسم، ثم يعلم به (¬3)، هل يتبع بما اشتري به. فإذا ذهبت الخدمة، وصار حرًا كان (¬4) في الباقي بمنزلة الحُرّ. ويختلف أيضًا: إذا استوفى الثمن قبل انقضاء الخدمة، هل يرجع إلى سيده. وكذلك، إن فداه رجلٌ من العدو؛ كان سيده بالخيار بين أن يعطيه ما فداه به، وتكون له خدمته، أو يسلمه فيختدمه المشتري. فإن انقضى الأجل، وقد بقي من فدائه شيءٌ اتبعه به قولًا واحدًا؛ لأن الحرَّ ها هنا يتبع بما يفتدى به من أهل الحرب. وهو في هذا آكد ممن وقع في المقاسم. وإن أسلم عليه حربيٌّ كانت له خدمتُه دون سيده، وإذا مضى الأجلُ كان حُرًّا. فصل [في حكم أموال أهل الذمة] وحكم أموال أهل الذمة إذا كانت في الغنائم حكم أموال المسلمين، وكذلك أهل الذّمَّة أنفسهم إذا كانوا في الغنائم؛ كانوا كالمسلمين الأحرار، لا يقسمون، ومن لم يعلم به إلا بعد القسمة؛ انتزع ممن هو في يديه (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 269. (¬2) قوله: (المتقدم) ساقط من (ب). (¬3) في (ب): (ثم يباع به). (¬4) في (ق 3): (صار). (¬5) قوله: (ممن هو في يديه) ساقط من (ق 3).

ويختلف، هل يتبع بما بيع به حسب ما تقدم في المسلم الحر، وليس كذلك إذا أسلم عليهم أهل الكفر، فإنهم يكونون رقيقًا لهم، وهو قول ابن القاسم (¬1). وقال أشهب: يكون حرًا (¬2). والأول أبين؛ لأن الذمة والعهد إنما كانت منه وله على المسلمين، ولا عقد له على الكافر الذي أسلم عليه. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 515. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 282.

باب فيمن اشترى من أرض الحرب متاعا لمسلم أو حر, ومن فيه عقد حرية: أم ولد أو مدبر أو مكاتب أو معتق إلى أجل، أو اشترى زوجته , أو أحدا من أقاربه

باب فيمن اشترى من أرض الحرب متاعًا لمسلم أو حر, ومن فيه عقد حرية: أم ولد أو مدبر أو مكاتب أو معتق إلى أجل، أو اشترى زوجته , أو أحدًا من أقاربه ومن دخل دار (¬1) الحرب فاشترى عبدًا لمسلم، أو وهب له كان لسيده أن يأخذه إن كان اشتراه بعد دفع الثمن الذي اشتراه به، فإن كان الثمن عينًا أخذ بمثله. وإن كان عرضًا أو شيئًا مما يكَال أو يوزن؛ أُخذ بقيمته في ذلك الموضع الذي اشتراه به، وإن وهب له وكافأ عليه؛ كان بمنزلة ما لو اشتراه. وإن لم يكافئ؛ أخذه سيده بغير شيء (¬2). واختلف إذا لم يعلم سيده؛ حتى باعه من أتى به من أرض العدو (¬3)، فقال ابن القاسم: البيع ماضٍ، وسواء كان (¬4) اشتراه أو وُهبَ له، ويرجع المستحق على البائع إن كان ابتاعه بفضل الثمن، إن كان فيه فضل. وإن لم يكن فيه فضل؛ فلا شيء له. وإن كان وهب له؛ أخذ منه الثمن الذي باعه به (¬5). وقال غيره: له أن ينقض البيع إذا وهب له بعد أن يدفع إلى المشتري ثمنه، ورجع هو على البائع بما قبض منه، وفرَّق بين الهبة والبيع (¬6). ¬

_ (¬1) في (ق 3): (أرض). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 506. (¬3) في (ق 3): (الحرب). (¬4) قوله: (كان) ساقط من (ق 3). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 506. (¬6) انظر: المدونة: 1/ 506.

وقال ابن نافع: لو أعتقه الموهوب له، ولم يكن أثاب عنه كان عتقه باطلًا (¬1). وإن أثاب عنه أو كان اشتراه مضى عتقه بمنزلة ما لو (¬2) اشترى من المغنم. ويختلف فيه أيضًا: إذا كان اشتراه من أرض الحرب، ثم باعه مشتريه (¬3) فلا يكون البيع فَوتًا قياسًا على ما بيع في المغانم، ثم باعه مشتريه، أن للمستحق أن يرد البيع الثاني، والأمر فيهما واحد. وأن يأخذه بعد دفع الثمن أحسن، وقد تقدم وجه ذلك. ويختلف أيضًا: إذا أعتقه المشتري، أو كانت أمةً فأولدها، فعلى قول ابن القاسم: أن ذلك فوت (¬4). وعلى قول أشهب: أن ذلك ليس بفوت (¬5). وهو أحسن. وإن اشترى من بلد الحرب حرًا، وهو عالم أنه حر، أو غير عالم بإذنه أو بغير إذنه؛ كان له أن يتبعه بالثمن؛ لأنه لم يكن له أنْ يبقى بدار الكفر في حال الأَسر مع القُدرة على الخروج، إلا أن يقول: كنت قادرًا على التحيل لنفسي، والخروج بغير شيء، ويعلم دليل صدقه، فلا يتبع إذا افتداه بغير أمره، وبغير علمه. فمان قال: كنت أفتدي نفسي بدون هذا، وتبين صدقه؛ اتبع بما كان يرى أنه ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 262. (¬2) في (ق 3): (من). (¬3) قوله: (مشتريه) ساقط من (ق 3). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 262. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 262.

يفتدي نفسه به، وسقط الزائد. وإن كان عالمًا بافتدائه، ولم ينكر عليه؛ اتبعه وإن كان قادرًا على الخروج بغير شيء، أو بدون ذلك؛ لأن ذلك رضا منه، فيكون أحق بالمال الذي كان معه من غرمائه. واختلف في المال الذي كان خلفه، فقيل: يكون حصاصًا بينه وبينهم. وقال عبد الملك: الذي افتداه أحق به (¬1). ويلزم على قوله: أن يفتدى (¬2) بهذا المال الذي خلَّفه، فيبعث لافتدائه، وإن كره غرماؤه. وهذا لتغليب أحد الضررين فيما يناله من العدو أو يخشى عليه أن يفتن في دينه. فإن لم يوجد له شيء؛ اتبع متى أيسر. والقياس أن يأخذ ما افتداه به من بجما المال، فإن لم يكن بيت مال (¬3) فمن جميع المسلمين. وهذا أصل المذهب؛ لأنَّ فداءَه كان واجبًا على الإمام، يبعث بذلك من بيت المال، فإن لم يكن (¬4) فعلى جماعة المسلمين أن يفتدوه. قال مالك: ذلك على المسلمين، ولو بجميع أموالهم (¬5). وإذا كان ذلك واجبًا عليهم ابتداء وهو ببلد الحرب؛ كان لمن أتى به أن يرجع بذلك الفداء على من كان يجب عليه, وهو بأرض الحرب قبل أن يفتدي. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 278. (¬2) في (ق 3): (يبدأ). (¬3) قوله: (بيت مال) ساقط من (ق 3). (¬4) قوله: (فمن جميع. . . لم يكن) ساقط من (ت). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 80.

فصل [في شراء أحد الزوجين صاحبه, وفداء الأقارب]

وقال مالك فيمن اشترى عبدًا من العدو، فلما قَدم به تكلم بالعربية، وأقام البينة أنه حر: إنه يغرم لمشتريه الثمن الذي اشتراه به، وإن لم يكن عنده اتبع به دَيْنًا (¬1). فصل [في شراء أحد الزوجين صاحبه, وفداء الأقارب] وإن اشترى أحد الزوجين صاحبه، فإنه لا يخلو ذلك من ثلاثة أوجه: إما أن يكون بأمره، أو بغير أمره وهو عالم به، أو غير عالم؛ لأنه لم يكن دخل بالزوجة، أو لأن الشراء كان على غير رؤية، فإن كان الشراء بوكالة من أحدهما؛ اتبعه بما افتداه به. وكذلك إذا لم يكن بوكالة وهو غير عالم، وإن كان عالمًا لم يتبعها إن افتداها. ولم تتبعه إن افتدته. وهو قول مالك وابن القاسم ومطرف وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب (¬2). وعلى القول أن بينهما في الهبات الثواب: يكون لمن فدى منهما صاحبه أن يرجع عليه إذا حلف أنه ما فداه إلا ليرجع عليه (¬3). وإن أشهد أحدهما قبل أن يفتديه أن ذلك ليرجع عليه رجع بذلك، قولًا واحدًا. ¬

_ (¬1) قوله: (دَيْنًا) ساقط من (ت)، انظر: البيان والتحصيل: 3/ 43. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 307. (¬3) قوله: (عليه) ساقط من (ق 3).

وفداء الأقارب؛ الأب والابن والأخ والعم، وما أشبه ذلك على ثلاثة أوجه: فإن كان بأمر من المفتدي؛ رجع عليه، وسواء كان قريب القرابة كالأب والابن، أو بعيدها كالعم وابن العم، ومن لا يعتق عليه. فإن كان بغير أمره ولم يعلم؛ لم يرجع على من يعتق عليه كالأبوين والأجداد والابن (¬1) وابن الابن والأخ؛ لأنه قصد الشراء والملك، فيعتقوا عليه بالملك (¬2) وله أن يرجع على كل من لا يعتق عليه. وإن كان (¬3) عالمًا؛ جرى الأمر بينهم على حكم هبة الثواب (¬4). قال سحنون: كل من لا يرجع عليه في الهبة؛ فلا يرجع عليه في الفداء إذا كان عالمًا (¬5). يريد: إلا أن يشهد أنه يفتديه ليرجع عليه (¬6) فيكون ذلك له، وإن كان أبًا أو ابنًا؛ لأنه لم يشتره لنفسه، وإنما قصد الافتداء، ولم يقصد الهبة لما شرط الرجوع، إلا أن يكون الأب فقيرًا؛ فلا يرجع عليه؛ لأنه كان مجبورًا على أن يفتديه، كما يجبر على النفقة عليه، وهو في الافتداء آكد. ¬

_ (¬1) قوله: (والابن) ساقط من (ق 3). (¬2) قوله: (فيعتقوا عليه بالملك) ساقط من (ب). (¬3) قوله: (كان) ساقط من (س). (¬4) انظر: الكافي، ص: 211. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 308. (¬6) قوله: (عليه) زيادة من (ت).

باب في الحربي يقدم بأمان ومعه مال لمسلم، [أو معه مسلم] حر أو عبد، والحربي يسلم على مال المسلم، أو على مسلم حر أو عبد، وفي عبد الحربي يسلم بأرض الحرب ثم يسلم سيده, أو يخرح إلينا وهو مسلم أو كافر فيسلم، أو يبقى على دينه

باب في الحربي يقدم بأمان ومعه مال لمسلم، [أو معه مسلم] (¬1) حرٌّ أو عبدٌ، والحربي يسلم على مال المسلم، أو على مسلم حر أو عبد، وفي عبد الحربي يسلم بأرض الحرب ثم يسلم سيده, أو يخرح إلينا وهو مسلم أو كافر فيسلم، أو يبقى على دينه وإذا قدم الحربي بلاد المسلمين ومعه مال لمسلم؛ لم يعرض له فيه (¬2) ما دام في يديه وكذلك، إن أراد الرجوع به (¬3) لم يمنع. واختلف إذا قدم بمسلمين -أحرارٍ أو عبيدٍ - على ثلاثة أقوال: فقيل: له أن يرجع بهم إن أحب (¬4). وقيل: ليس ذلك له (¬5). وقيل: ذلك له في الذكران دون الإناث. وقال ابن القاسم في كتاب محمد: لا يمنع من الرجوع بهم وإن كُنَّ إماءً لم يمنع من وطئهن، وقال عبد الملك: يعطى في كل مسلم أوفر قيمته، وينتزع منه، وقال ابن حبيب: يُباعُ عليه عبيده إذا أسلموا، كما يفعل بالذمي، ثم لا ¬

_ (¬1) ساقط من (ق 3). (¬2) قوله: (فيه) ساقط من (ب). (¬3) قوله: (به) ساقط من (ب). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 144، 145، وهو قول ابن القاسم. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 144.

يكون ذلك نقضًا للعهد (¬1). وحكى (¬2) سحنون عن ابن القاسم أنه قال: يجبر على بيع المسلمات. يريد: بخلاف الذكران. وقاله ابن القصار، قال: إذا عقد (¬3) الإمام للمشركين وهادنهم على من جاءه مسلمًا ردَّه إليهم؛ يُوفّى لهم بذلك في الرجال، ولا يُوفّى لهم به في النساء. فأمضى ذلك لهم ابن القاسم في القول الأول؛ لحديث مسْوَر - رضي الله عنه - أن (¬4) النبي - صلى الله عليه وسلم - قاضَى أهل مكة عام الحديبية على أن من أتاه من أهل مكة مسلمًا؛ رده إليهم. اجتمع عليه البخاري ومسلم (¬5). ولم يمض ذلك في القول الآخر؛ لأن ذلك كان في أول الإسلام، وقبل أن يكثر المسلمون، وقد وعدهم الله -عز وجل- بالنصر وإظهار دينه وبفتح مكة وظهوره عليهم، فكان كما وعد الله -عز وجل-، فلا يجوز ذلك اليوم بعد ظهور الإسلام، ولأن (¬6) فيه وهنًا على المسلمين، وإذلالًا لهم. وفرَّق في القول الآخر بين الرجال والنساء؛ لقوله سبحانه: {إِذَا جَاءَكُمُ ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 144. (¬2) في (ق 3): (وذكر). (¬3) في (ق 3): (عاهد). (¬4) قوله: (مسْوَر - رضي الله عنه - أن) ساقط من (س). (¬5) متفق عليه أخرجه البخاري: 2/ 974، في باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط، من كتاب الشروط، برقم (2581)، ومسلم: 3/ 1411، في باب صلح الحديبية في الحديبية, من كتاب الجهاد والسير، برقم (1784)، وحديث مسلم عن البراء. (¬6) قوله: (لأن) ساقط من (س).

{الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10]. واختلف إذا قدم بمتاع لمسلم، فقال ابن القاسم في المدونة: لا أحب لمسلم أن يشتريه منه، فإن اشتراه لم يكن لصاحبه أن يأخذه بالثمن. وإن وهبه لأحد؛ لم يأخذه سيده على حال (¬1). وأجاز ذلك محمد، وقال: إنه (¬2) إن لم يشتره؛ رده العلج إلى بلده. فالشراء أفضل، يجده صاحبه فيفتديه، ويكون أحق به (¬3). وقال إسماعيل القاضي: لم يحك ابن القاسم هذه المسألة عن مالك، والذي يشبه (¬4) على مذهب مالك: أن له أن يأخذه بالثمن الذي اشتراه به، وفي الهبة يأخذه بغير ثمن. وهذا أحسن، ولا فرق بين أن يشتريه منه وهو بأرض الحرب أو (¬5) وهو بأرض الإسلام؛ لأنه لم يكن يقدر على أخذه منه وهو بأرض الحرب. وقد قال ابن القاسم في المدونة فيمن اشترى أمة من العدو: لا أحب له أن يطأها؛ في بلاد الحرب اشتراها في بلد الحرب، أو بلاد المسلمين (¬6). وهذا نحو ما قاله محمد وإسماعيل. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 509. (¬2) قو له: (إنه) زيادة من (ت). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 65. (¬4) في (ت): (نسبه). (¬5) قوله: (وهو بأرض الحرب أو) ساقط من (س). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 509.

فإن أسلم عندنا كان بمنزلة ما لو أسلم في أرض الحرب؛ له ما أسلم عليه من أموال المسلمين. فإن كان في يديه عبد مسلم- أُقر في يديه. وإن أسلم على حر أو حرة انتزعا منه بغير قيمة، وإن أسلم على ذمي كان له رقيقًا. وهذا قول ابن القاسم، وقال أشهب: هو حر، ولا يسترق (¬1). والأول أحسن؛ لأن الذمة عَقْدٌ له علينا، ولا عَقْدَ له على من كان بأرض الحرب. وإن أسلم على أم ولد؛ انتزعت من يده بقيمتها (¬2)، أو على معتق إلى أجل كان له خدمته، فإذا انقضى الأجل؛ كان حرًا، أو على مكاتب؛ كانت له كتابته، فإن أداه كان حرًا، وإن عجز؛ كانت له رقبته. أو على مدبر؛ فله خدمته، فإن مات السيد والثلث يحمله (¬3)؛ كان عتيقًا، وإن كان على السيد دين يستغرقه (¬4)؛ كان رقيقًا لمن أسلم عليه (¬5). وإن لم يكن له مال سواه؛ أعتق ثلثه، وكان له ثلثاه. وقال ابن القاسم: إن أسلم عبد الحربي؛ لم يسقط ملك سيده عنه، فإن أسلم سيده بعده؛ كان له رقيقًا، وإن أعتقه؛ كان له ولاؤه، وإن باعه؛ كان ملكًا للمشتري (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 145. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 267. (¬3) قوله: (يحمله) ساقط من (ب). (¬4) في (ق 3): (يغترق). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 148. (¬6) انظر: المدونة: 1/ 511.

وقال أشهب: هو حر بنفس إسلامه، فإن أسلم سيده بعده؛ لم يكن له فيه شيء. وإن أعتقه؛ لم يكن له ولاؤه. وإن اشتراه منه مسلم؛ كان كالفداء، يتبعه بما اشتراه به (¬1). وقد اشترى أبو بكر الصديق من المشركين بلالًا، بعدما أسلم وأعتقه، وذكر البخاري عن عمر (¬2): أنه كان يقول: أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا، يعني: بلالًا. وقال بلالٌ لأبي بكر: إن كنت اشتريتنى لنفسك فأمسكنى، وإن كنت اشتريتني لله -عز وجل- فَدَعْنِي وعمل الله (¬3). ولا خلاف أنه إن فرَّ إلينا بعد إسلامه وقبل إسلام سيده وقبل أن يعتقه؛ أنه حر؛ لأنه غنم نفسه. وإن أسلم سيده بعد ذلك، وخرج إلينا، لم يكن له عليه سبيل. فإن نزل المسلمون بموضعه، فخرج إليهم قبل الفتح؛ كان حرًا، ولا سبيل لأهل الجيش عليه. واختلف إذا لم يخرج حتى وقع الفتح ودخل المسلمون عليهم، فقال ابن القاسم: هو حرّ (¬4). وقال ابن حبيب: هو رقيق لذلك الجيش (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 510. (¬2) في (ب): (ابن عمر). (¬3) أخرجه البخاري: 3/ 1371، في باب مناقب بلال بن رباح مولى أبي بكر - رضي الله عنهما -، من كتاب فضائل الصحابة، في باب، برقم (3545). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 510. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 283.

وهو أقيس على أصل ابن القاسم؛ لأنه ملك لسيده حوإن دخل عليه، وإنما يكون حرًا إذا خرج إلينا؛ لأنه غنم نفسه. وإذا أسلم عبد لحربي، ثم فر إلى أرض الإسلام بمال لسيده؛ كان له، إن كان في يده لتجارة أو كان خراجه ترك في يديه، أو سرقه لسيده، ولا يخمس؛ لأنه مما لم يوجف عليه (¬1). وإن كان في يده على وجه الأمانة؛ استحب له أن يرده إلى سيده، ولم يعرض له فيه إن أمسكه (¬2). وكذلك إن فر إلى أرض الإسلام وهو كافر ثم أسلم. فإن بقي على كفره وأراد المقام، وتضرب عليه الجزية؛ كان ذلك له، ولم يرد إلى سيده. وإن أسلم بعد الجزية كان حرًّا، وسقطت الجزية عنه. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 510. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 511.

باب في الحرة المسلمة والذمية والأمة يأسرهن العدو, ثم يغنمهن المسلمون بعد أن ولدن، والحربي يسلم ثم يغنم المسلمون ماله وولده

باب (¬1) في الحرة المسلمة والذّمّية والأمَة يأسرهن العدو, ثم يغنمهن المسلمون بعد أن ولدن، والحربي يسلم ثم يغنم المسلمون ماله وولده وقال مالك في ثمانية أبي زيد وفي كتاب ابن حبيب في الحرة المسلمة: ما سبيت به من ولد صغير أو كبير تبع لها في الحرية والإسلام؛ لا يباعون ولا يسترقون، ويكرهون على الإسلام، فمن أبى أجبر، فإن تمادى؛ فهو كالمرتد يقتل (¬2). يريد: إن تمادى الصغير على الكفر بعد أن بلغ. وقال ابن القاسم: ما سبيت به من ولد صغير، فهو بمنزلتها، وإن كان كبيرًا كان فيئًا (¬3). وقال أشهب في كتاب محمد: حملُها وولدها الصغير والكبير فيء (¬4). وذكر ابن سحنون عنه قولين: أحدهما: مثل ما حكى عنه محمد. والآخر: أنهم أحرارٌ كلهم (¬5). وأما الذمية؛ فإنها ترد إلى ذمتها، واختلف في أولادها، فقال ابن القاسم في المدونة: الصغار بمنزلتها، والكبار فيء (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (باب) ساقط من (ب). (¬2) و (¬3) و (¬4) و (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 283. (¬6) انظر: المدونة: 1/ 507. ونص المدونة: "قلت: أرأيت المرأة من أهل الذمة يأسرها العدو فتلد عندهم أولادًا، ثم يغنمها المسلمون أيكون أولادها فيئا أم لا يكونون فيئا؟ قال ابن القاسم: أرى أولادها بمنزلتها لا يكونون فيئا، وإنا هي بمنزلة الحرة المسلمة تسبى فتلد الأولاد فإن أولادها بمنزلتها. قلت: أرأيت المرأة المسلمة تسبى فتلد عند أهل الحرب فتغنم ومعها أولاد صغار أو كبار، والأمة تسبى فتلد عندهم فتغنم ومعها أولاد صغار أو كبار؟ =

وقال مالك في ثمانية أبي زيد: هم فيء، صغارهم وكبارهم (¬1). واختلف في ولد الأمة، فقال ابن القاسم في المدونة: ولدها لسيدها، صغيرًا كان، أو كبيرًا (¬2). وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: صغارهم وكبارهم فيء (¬3). وقال أشهب: هم فيءٌ، إلا أنْ تكونَ تزوجت، فيكونوا لسيدها (¬4). قال الشيخ - رضي الله عنه -: الأصل في الولد أنه تبع للأم في الحرية، ولا يراعى الأب، فإن كانت الأم حرة والأب عبدًا؛ كان الولد حرًا، وإن كانت الأم أمة (¬5) والأب حرًا؛ كان عبدًا. وأما الدّينُ فاختلف إذا كان الأب كافرًا والأم مسلمة، هل يكون على دين الأب، أو على دين الأم؟ وإذا كان ذلك، فإن كانت الأم حرة كان الولد حرًا. ثم يختلف في دينه، فعلى القول إنه على دين الأب- يكون فيئًا، صغيرًا كان أو كبيرًا. وعلى القول إنه على دين الأم؛ لأنها مسلمة- يكون الصغير تبعًا لها. ¬

_ = قال ابن القاسم: أما الحرة المسلمة فما سبيت به من ولد صغير فهو بمنزلتها وهو يتبع لها، وما كان من ولد كبير قد بلغ وقاتل واحتلم فأراه فيئا، وأما ما سبيت به الأمة من ولد كبير أو صغير فهو لسيدها ولا يكون شيء من ولدها فيئا وهذا رأي. قال سحنون: ورواه عليُّ بن زياد عن مالك في الولد الصغير يسبى مع الحرة كما قال ابن القاسم".اهـ. (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 283. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 507. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 283. (¬4) قوله: (فيكونوا لسيدها) سا قط من (ب). وانظر: النوادر والزيادات: 3/ 283. (¬5) في: (ت): (أمة زوجة).

ويختلف في الكبير؛ لأنه بمنزلة ولد مسلمٍ غُفل عنه، فرُبّي على الكفر، فقد اختلف فيه: فقيل في النصرانية تكون زوجة لمسلم، فتربي ولدها على الكفر (¬1)، وبلغ عليه: إنه مرتد. وقال محمد بن عبد الحكم وغيره. إنه يُقَرّ على دينه (¬2). فعلى القول: إنه يقر على دينه - يكونُ فيئًا. ومن قال: لا يقر على دينه (¬3) ذلك- يكون كالمرتد. وإليه ذهب مالك أنه إن لم يسلم قتل، ولا يسترقُّ. ويقول: إن حكمها معه حكم الزاني، فلا يلحق النسب، ويكون على دينها، فلا يسترق الصغير، ويقتل الكبير إن لم يرجع كالمرتد، وكذلك الصغير إذا تمادى على الكفر. وأما ولد الذمية؛ فالصواب أن يكونوا فيئًا، صغارهم وكبارهم على حكم الأب؛ لأنه كافر لا عهد له؛ لأن العهد للذمية إنما يكون في نفسها، والولد له عقد أبي، وبنقض أبيه ينتقض عليه. فإذا كان لا ذمة له كان فيئًا كالأب. ¬

_ (¬1) قوله: (على الكفر) ساقط من (ب). (¬2) قال في العتبية: (وسألت ابن القاسم عن ولد المرتد الصغار إذا أبوا الإسلام إذا كبروا هل يقتلون وكيف بمن ولد له وهو في ارتداده هل سبيلهم واحد؟ قال: أما ما ولد له وهو في الإسلام فإنه يستتاب ويكره على الإسلام على ما أحب أو كره ويضيق عليه ولا يبلغ به القتل إذا كان أبوه قد أدخله في نصرانيته قبل أن يموت وأما ما ولد له في ارتداده فإنهم إن أدركوا قبل أن يحتلموا أو يحضن إن كن نساء فإني أرى أن يردوا إلى الإسلام ويجبروا على ذلك وإن لم يدرك ذلك منهم حتى يكبروا أو يصيروا رجالًا ونساء، ورأيت أن يقروا على دينهم لأنهم إنما ولدوا على ذلك وليس ارتداد أبيهم قبل أن يولدوا ارتدادهم؛ لأنهم على النصرانية ولدوا). انظر: البيان والتحصيل: 16/ 440. (¬3) في (ت): (على ذلك).

فصل [في الحربي يسلم ويقدم أرض الإسلام]

ولو تزوجت ذميةٌ حربيًا دخل إلينا بغير عهد (¬1)، ثم علم به بعد أن ولدت؛ كان الأب وولده فيئًا. وكذلك إذا أصابها ببلده. وأما الأَمةُ؛ فقول ابن القاسم فيها أحسن؛ لأنها مستحقة. فصل [في الحربي يسلم ويقدم أرض الإسلام] وقال ابن القاسم في الحربي يسلم، ثم يخرج إلينا، فغزا المسلمون بلاده، فغنموا أهله (¬2) وولده وماله: أنهم فيء للمسلمين، قال: وسألت مالكًا عن رجل من المشركين أسلم، ثم غزا المسلمون تلك الدار، فأصابوا أهله وولده (¬3)، فقال مالك: فهم فيءٌ للمسلمين (¬4). وظاهر قوله ها هنا: أنهم فيء، وإن لم يكن خرج إلينا. وقال في كتاب النكاح الثالث: إذا أتى الحربي مسلمًا، أو بأمان فأسلم عندنا، فغزا المسلمون تلك الدار، فغنموا أهله وولده، قال: هم فيء للإسلام، وكذلك ماله. قال سحنون: وقال بعض الرواة: إن كان ولده صغارًا؛ كانوا تبعًا لأبيهم، وكذلك ماله هو له، فإن أدركه قبل أن يقسم أخذه، وإن قسم كان أحق به بالثمن (¬5). ¬

_ (¬1) في (ق 3): (أمان). (¬2) أَهْل الرجل وأَهلته: زَوْجُه. انظر: لسان العرب 11/ 28 .. (¬3) قوله: (وولده) ساقط من (ب). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 508. (¬5) لم أقف عليها في المدونة, وقال في التفريع: (وإذا أتى الحربي مسلمًا، وخلف ماله وولده في أرض العدو، ثم غزا مع المسلمين فغنم ماله وولده ففيها روايتان: الأولى أن ماله وولده فئ. والأخرى: أن ماله وولده مسلمون بإسلامه إذا كانوا صغارًا لا يملكون ولا يسترقون وهو =

وقال أبو الفرج: ماله فيءٌ، والولد تبع للأب. قال: لأن المسلم حيث كان ولده الأصاغر مسلمون بإسلامه؛ بدلالة أن مسلمًا لو نكح في دار الحرب- كان ولده مسلمًا. وقال محمد بن الحارث في كتاب "الاتفاق والاختلاف": إذا كانوا أحرزوا ماله، وضموه إلى أملاكهم من أجل إسلامه، وخروجه من عندهم؛ كان فيئًا. وإن تركوه؛ كان له. وإن دخل في المقاسم؛ أخذه بالثمن. والقول: أن ماله وولده له. أحسن؛ لأنه مَلكَه قبل أن يسلم وإن كان بدار الحرب، وبمنزلة ما لو سكن عندهم وهو مسلم، وإسلامه لا يسقط ملكه. وهو لو أسلم ولم يخرج إلينا حتى دخل عليه؛ كان كل ذلك له. فكذلك إذا خرج إلينا؛ لأنهم إن لم يعرضوا لماله، ولا لولده بعد خروجه فهو له على حاله الأول. وإن أخذوه؛ فإنما أخذوا مال مسلم، ولا فرق بين أن يأخذوا ذلك من عندنا، أو من عندهم؛ فهو (¬1) في جميع ذلك مال مسلم. ولا حكم للدار في ذلك، وإن كان ذلك الولد من وطء كان بعد إسلامه لم يسترق قولًا واحدًا. وكذلك لو سبيت زوجته بحمل حملت به بعد إسلامه؛ فهو إذا ولدته على حكم الإسلام، وأما زوجته؛ فهي فيءٌ قولًا واحدًا، وسواء أسلم ثم خرج إلينا، أو أقام حتى دخلوا عليه، وصداقها لذلك الجيش، وإن كان الزوج في أرض الإسلام بمنزلة من أسر بأرض الحرب، وله دين بأرض الإسلام؛ فدينه للجيش، وتقع الفرقة بينها وبين زوجها؛ لأنه لا يجتمع الكفر والرق والزوجية. ¬

_ = أحق بماله قبل القسم بغير ثمن وبعد القسم بالثمن) انظر: التفريع: 1/ 251. (¬1) قوله: (فهو) ساقط من (ت).

فإن أسلمت في العدة، أو أعتقت بقيت زوجة. وأجاز أشهب أن تبقى زوجة، وإن لم تسلم ولم تعتق. وإن اشترى رجلٌ عبدًا من المغنم؛ فدلَّ سيده على مال، فإن دلّه قبل أن يقفلوا؛ كان المال لذلك الجيش. وإن قفلوا ثم عاد في جيش آخر، وقد عادت يد العدو على بلادهم؛ كان للجيش الآخر (¬1). وإن عاد مع سيده في غير جيش، ولم تعد أيدي العدو على بلادهم؛ كان للجيش الأول (¬2)، وإن عادت كان لسيده. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 508. (¬2) قوله: (الأول) ساقط من (ب).

باب في الذمي يخرج على المسلمين متلصصا أو ناقضا للعهد

باب في الذّمّيّ يخرج على المسلمين متلصصًا أو ناقضًا للعهد وقال ابن القاسم: قال مالك: في أهل الذمة إذا حاربوا وقطعوا السبيل (¬1) وقتلوا، وأخذوا الأموال: فإن كان على وجه الحرابة أو التلصص؛ لم يكن نقضًا للعهد، وحكم فيهم بحكم المسلمين (¬2) إذا حاربوا، وإن كان على وجه النقض؛ كانوا فيئًا، يرى فيهم بحكم المسلمين الإمامُ رأيَه، إلا أن يكون ذلك من ظُلم ركبوا به (¬3). ¬

_ (¬1) في (ت): (السبيل). (¬2) في (ت): (الإسلام). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 509.

وقد اختلف في هذه الأوجه الثلاثة: فقال محمد بن مسلمة: إذا حارب الذمي؛ يقتل؛ لأنه نقض العهد، ولا يؤخذ ولده؛ لأنه إنما نقض وحده، وماله مال من لا عهد له، وإن قطع لم يؤخذ ماله؛ لأنه بقي في ذمته. وقال أشهب: إذا خرج على وجه النقض؛ فهو على عهده. قال: ولا يعود الحر في الرق أبدًا (¬1). وقال الداوديُّ: إذا كان ذلك عن ظلمٍ ظُلموا به؛ فهو نقضٌ؛ لأنهم لم يعاهدوا على أن يظلموا من يظلمهم. وهو أبين؛ لأنهم رضوا بطرح ما عقد لهم، وبإسقاط حقّهم فيه. وقول أشهب في الوجه الأول أنه لا يعود إلى الرق؛ ليس بحسن، وقد حاربت قريظة بعد أن عاهدهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقتل الرجال وسبى النساء والذرية (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 509. (¬2) خبر بني قريظة متفق عليه, أخرجه البخاري: 3/ 1107، في باب إذا نزل العدو على حكم رجل، من كتاب الجهاد والسير برقم (2878)، ومسلم: 3/ 1389، في باب جواز قتال من نقض العهد من الجهاد والسير، برقم (1769)، ولفظ البخاري: عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: لما نزلت بنو قريظة على حكم سعد -هو ابن معاذ- بعث إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان قريبا منه فجاء على حمار، فلما دنا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قوموا إلى سيدكم". فجاء فجلس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له: "إن هؤلاء نزلوا على حكمك." قال: فإني أحكم أن تقتل المقاتلة وأن تسبى الذرية قال: "لقد حكمت فيهم بحكم الملك".

باب في تحريق العدو بالنار والتدخين عليهم, وإذا أحرقواهم مراكب المسلمين هل يلقي المسلم نفسه في البحر؟

باب في تحريق العدو بالنار والتدخين عليهم, وإذا أحرقواهم مراكب المسلمين هل يلقي المسلم نفسه في البحر؟ وإذا كان العدو (¬1) في حصن فلا بأس أن يرمى بالمجانيق (¬2)، وإن كان فيهم نساء أو ذرية أو مسلمون أسارى، إلا أن يبرزوهم لموضع الرمي، فلا يرموا به (¬3). ولا بأس أن يرموا (¬4) حينئذ سور الحصن؛ ليتوصل إلى هدم ما يتوصل به إلى الدخول، ولو أبرزوا حينئذ الأسارى، وقالوا: إن فعلتم ذلك قتلناهم؛ لرأيتُ أن يوقف عنهم حتى يجعل الله لهم فرجًا. ولا بأس أن يُحْرَق سور الحصن بالنار؛ ليتوصل إلى الدخول. وإن كان يحرق [من فيه] (¬5)؛ جاز إذا لم يكن فيه (¬6) إلا المقاتلة، ولم يقدر عليهم بغير الحرق، ولم يجز إذا كان فيه أسارى من المسلمين. واختلف إذا كان معهم نساؤهم وذراريهم، ولا مسلمين معهم، فمنعه ¬

_ (¬1) في (ت): (المسلم). (¬2) المجانيق مفردها: المَنْجَنِيْق -بفتح الميم وكسرها-، وهي آلة قديمة من آلات الحصار كانت تُرْمَى بها حجارةٌ ثقيلةٌ على الأسوارِ فتهدمُها. انظر: لسان العرب: 10/ 338. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 512، والبيان والتحصيل: 3/ 29. (¬4) في (ق 3): (يرمى). (¬5) قوله (من فيه) ساقط من (ب). (¬6) قوله: (فيه) ساقط من (ت).

ابن القاسم في المدونة (¬1). وأجازه ابن المواز، وقال: لا بأس إذا لم يقدر على أخذهم أن يحرق عليهم الحصن، أو يغرق بالماء. قال: ولو اجتنبوا النار كان أحبّ إليَّ (¬2). وقال في المطمورة (¬3): إنما فيها النساء والذرية، فلا يُدَخَّن عليهم إذا كان التدخين (¬4) يقتلهم (¬5). فمنع إذا كانوا بانفرادهم للحديث في النهي عن قتال النساء والصبيان (¬6). وأجازه إذا كانوا مع الرجال لحديث الصعب بن جثَّامَة (¬7)، قال: يا رسول الله، إن الخيل في غشم الغارة (¬8) تصيب من ذراري المشركين. فقال رسول الله: "هُمْ مِنْهُمْ، أو مَعَ آبَائِهِمْ" (¬9) وهذه ضرورة. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 513. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 68. (¬3) المطمورة: حفيرة في الأرض، أو مكان في الأرض قد هُيِّئَ خفيَّا. انظر: لسان العرب: 4/ 502. (¬4) قوله: (التدخين) ساقط من (ب). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 68. (¬6) متفق عليه, أخرجه البخاري: 3/ 1098، في باب قتل الصبيان في الحرب، من كتاب الجهاد والسير، برقم (2851) ومسلم: 3/ 1364، في باب تحريم قتل النساء والصبيان في الحرب، من الجهاد والسير، برقم (1744)، ومالك في الموطأ: 2/ 447، في باب النهي عن قتل النساء والولدان في الغزو، من كتاب الجهاد: (964)، ولفظ البخاري: (عن نافع أن عبد الله - رضي الله عنه - أخبره: أن امرأة وجدت في بعض مغازي النبي - صلى الله عليه وسلم - مقتولة فأنكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل النساء والصبيان). (¬7) قوله: (بن جثَّامَة) ساقط من (ب) و (ق 3). (¬8) الأصل فيه من غشم الحاطب، وهو أن يحتطب ليلًا، فيقطع كل ما قدر عليه بلا نظر ولا فكر. انظر: لسان العرب، مادة غشم: 12/ 438. (¬9) أخرجه الطبراني في الكبير: 8/ 88، برقم (7452).

وروي عن ابن القاسم أنه قال: لا تحرقوا بالنار، وإن كان فيهم المقاتلة خاصة (¬1). وقاله سحنون (¬2). وأظن ذلك لحديث أبي هريرة، قال: بعثنا رسول الله في بعث، فقال "إِنْ وَجَدْتُم فُلانا وَفُلانًا فَأَحْرِقُوهُمَا بِالنَّارِ"، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ حِينَ أَرَدْنَا الخروجَ: "إِنِّي أَمَرْتُكُمْ أَنْ تُحْرِقُوا فُلَانًا وَفُلَانًا، وإنَّ النَّارَ لاَ يُعَذِّبُ بِهَا إِلاَّ الله -عز وجل- إِنْ وَجَدْتموهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا" أخرجه البخاري (¬3). ومحمل الحديث: إذا وجدتموهما فصارا أسيرين، فأما إن امتنعوا ولم يقدر عليهم إلا بذلك؛ فلا بأس؛ ولأنهم قادرون عندما يرون النار أن يخرجوا، فلا يموتون بها وإن كانوا في غار؛ كان الجواب في إحراقهم على ما تقدم إذا كانوا في حصن، فيجوز إذا كانوا مقاتلة خاصة، ويمنع إذا كان فيهم مسلمون، ويختلف إذا (¬4) كان معهم النساء والذرية. وأما التدخين، فيجوز إذا كانوا مقاتلة خاصة، وإن أدّى إلى قتلهم. وإن كان معهم أسارى دخن تدخينًا يرجى معه خروجهم من غير موت، فإن لم يخرجوا؛ تركوا (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 513. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 513، والنوادر والزيادات: 3/ 66. (¬3) أخرجه البخاري: 3/ 1098، في باب لا يعذب بعذاب الله، من كتاب الجهاد والسير، برقم (2853). (¬4) قوله: (كانوا في. . . ويختلف إذا) ساقط من (ب). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 29.

فصل [هل يلقي المسلم نفسه في البحر]

ويختلف إذا لم يكن فيهم مسلم، أو كان فيهم الذرية والنساء. وإن لقي المسلمون مركبًا من العدو، فإن كانوا مقاتلة خاصة؛ جاز تغريقهم (¬1) ويختلف في تحريقهم بالنار. وأرى أن يجوز إذا لم يقْدر عليهم بغير الحرق، وإن كان العدو الطالبين للمسلمين ولم يقدروا على صرفهم إلا بالنار؛ جاز قولًا واحدًا، وسواء كان مع العدو نساؤهم وذراريهم، أم لا. وأرجو إذا كان معهم النفر اليسير (¬2) من المسلمين أن يكون خفيفًا؛ لأن هذه ضرورة. ويختلف إذا كان المسلمون الطالبين لهم، فدفعوا عن أنفسهم بالنار، هل يرمون بالنار، ويصيرون بمنزلة من لم يقدر عليه إلا بالنار؛ لأن فعل العدو ذلك ذبٌّ عن أنفسهم؟. فصل [هل يلقي المسلم نفسه في البحر] وقال ابن القاسم: بلغني عن مالك في السفينة يحرقها العدو بالنار: لهم أن يطرحوا أنفسهم في البحر؛ لأنه إنما فَرَّ من الموت إلى الموت (¬3). وقاله ربيعة مرةً: فإن صبر؛ فهو أكرم، بن اقتحم؛ فقد عُوفي، ولا بأس به (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 66، 67. (¬2) قوله: (اليسير) ساقط من (ب). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 513. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 513.

وقال أيضًا: إذا كان يفر من النار إلى أمرٍ فيه قتله؛ فلا ينبغي أن يفر من موت إلى موتٍ أيسر (¬1) منه، وقد جاء ما لا يحل له، وإن كان يتحمل رجاء النجاة، لعله يرى قرية (¬2) أو يكون الأسر أرجى (¬3) أن يُخَلّوهُ (¬4) إلى الإسلام؛ فكلٌّ متحمل لأمرٍ يرجو النجاة فيه فلا جناح عليه، وإن عطب فيه (¬5). وقال في قوم إن خرقت سفينتهم، أيثقّل نفسَه فيغرق، أم يلتمس النجاة بالغًا ما بلغ؟ وإن كان بقرب عدو خاف إن عامَ أن يؤسر؟ قال: كلاهما لا أحبهما، وليلبث في مركبه حتى يقضي الله (¬6). وقال أبو الفرج عن مالك: لا حرج على من أظلّه العدو في البحر أن يلقي نفسه فيه (¬7). وكلا هذين القولين ليس بالبين، ولا أرى أن يلقي (¬8) نفسه عندما أظلَّه العدو ولا أن يثبت (¬9) حتى يموت مع رجاء الأسر؛ لأنه قدّم الموت على الحياة مع الأسر. وأما إذا احترق مركبه بالنار، وكان إن جلس مات بالنار، وإن طرح نفسه مات بالماء؛ فالأمر فيه خفيف؛ لأنه اختار ما هو أخفّ. ¬

_ (¬1) في (س): (أشر). (¬2) في (ب): (فرجة). (¬3) في (س) و (ر): (رجاء). (¬4) في (س): (يحملوه). (¬5) قوله: (فيه) ساقط من (ب). وانظر: المدونة: 1/ 513. (¬6) انظر: المدونة: 1/ 514، 513. (¬7) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 44. (¬8) قوله: (ليس بالبين، ولا أرى أن يلقي) ساقط من (ب). (¬9) في (س): (يلبث).

وأما إن انفتح مركبه أو فتحه العدوة فإن لبثه أحسن، فيكون قد مات بما نزل به أولى من أن يموت بفعل نفسه، وليس هو أخف (¬1) وقد اختلف فيمن خشي الموت ووجد ميتةً، هل يجب عليه الأكل، أو يكون مباحًا غير واجب؟ ¬

_ (¬1) قوله: (أخف) ساقط من (ب).

باب في قسم الفيء والخمس والغنائم وفيمن تصرف

باب في قسم الفيء والخمس والغنائم (¬1) وفيمن تصرف ومن المدونة قال قال مالك (¬2): الفيء (¬3) والخمس سواء، يجعلان في بيت المال، ويعطي الإمام منه أقارب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا علم لي بجزية الأرض، إلا أن عمر - رضي الله عنه - قد أقرها، ولم يقسمها بين الذين افتتحوها، ويسأل أهل العلم (¬4) كيف كان الأمر فيها، فان وجد عالمًا يفتيه (¬5)، وإلا اجتهد في ذلك (¬6). قال ابن القاسم: وأما الجماجم في خراجهم؛ فلم يبلغني عن مالكٍ فيهم شيء. وأرى أن يكونوا تبعًا للأرض، وإن كانوا عنوة أو صلحًا (¬7). فأجاز مالك أن يُعْطَى من الخمس والفيء لأقرباء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه حلالٌ للأغنياء، ويوقف منه في بيت المال بخلاف الزكاة. وتكلَّم في الأرض على ما فتحه عمر - رضي الله عنه - من أرض العراق وغيرها، ولم ¬

_ (¬1) في (ق 3): (المغانم). (¬2) في (ت): (مالك في الفيء). (¬3) الفيء هو: كل ما أخذ من كافر على الوجوه كلها بغير إيجاف خيل ولا ركاب ولا قتال ومنه جزية الجماجم وخراج الأرضين كلها ما كان منها صلحا أو عنوة وما أخذ على المهادنة وما طرحته الريح من مراكب العدو وكل ما حصل بأيدي المسلمين من أموال الكفار بغير قتال من تجار أهل الذمة وغيرهم. انظر: الكافي في فقه أهل المدينة: 1/ 477. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 514، ولفظه فيها: "وكنت أرى أنه لو نزل بأحدٍ هذا سألَ أهلَ تلك البلدةِ وأهلَ العلمِ والأمانةِ، كيف كان الأمرُ. . .". (¬5) في (ق 3): علمًا. وفي المدونة: "علمًا يشفيه". انظر: المدونة: 1/ 514. (¬6) انظر: المدونة: 1/ 514. (¬7) انظر: المدونة: 1/ 514.

يشك أنها لم تقسم، وإنما جهل ما جعل عليها، فيكشف عنه، فإن لم يجد عالمًا؛ استأنف النظر فيما يجعل عليها. وإلى هذا ذهب ابن القاسم في جزية الجماجم، يكشف عنها (¬1) هل الذي جعل على الأرض والجماجم شيء واحد، أو على كل شيء بانفراده، فإن لم يعلم ما جعل عليها؛ كانوا تبعًا للأرض. يريد: تبعًا في الاجتهاد، هل يجعل ذلك جملة أم لا؟ والأموال التي تؤخذ من أهل الكفر على ثمانية أوجه: صلح، وعنوة، وما انجلى عنه أهله ولم يوجف عليه، وجزية الجماجم، وخراج الأرض، وعشور أهل الذمة إذا تجروا إلى غير بلادهم، وما أُخذ من الحربيين إذا نزلوا بأمان، والركاز (¬2). وجميع هذه الأموال، يجوز أن تصرف فيما تُصرف فيه الزكاة. ويجوز أن تصرف فيمن لا تحل له الزكاة، فيعطى منها الأغنياء وأقرباء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن أخذهم ليس على وجه الصدقة (¬3)، ويوقف منها في بيت المال إذا رأى الإمام (¬4) ذلك. وهي في ترتيب صرفها على وجوه: فيصرف كل مال في البلدة التي جبي منها إذا كان فيها ما يوجب صرفه فيه، أو من يستحق منه شيئًا، ولا ينقل إلى غيره، أن يكون لذلك وجه (¬5). ¬

_ (¬1) قوله: (يكشف عنها) ساقط من (ب). (¬2) في (ت): (الركبان). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 386. (¬4) قوله: (الإمام) ساقط من (ب). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 365.

فأما جزية جماجم أهل الذمة الذين بين أظهرنا، وما أخذ من عشور أهل الذمة، وأهل الحرب (¬1) القادمين علينا؛ فيبتدأ منه بسد مخاوف أهل (¬2) ذلك البلد الذي جُبيَ منه، وإصلاح حصون سواحله، ويشتري منه (¬3) السلاح والكُراع إذا كانت بهم حاجة إلى ذلك، ويعطي (¬4) غزاة ذلك البلد وعماله وفقهاءه وقضاته (¬5)، فإن فضل شيء أعطى الفقراء منه (¬6). إنما يبدأ بمن تقدم على من يستحق الزكاة؛ لأن أولئك لا تحلُّ لهم الزكاة، فكانوا أحق بالارتفاق بما لهم الأخذ منه، وينتفع الآخرون بما جعل لهم مما لا (¬7) يجوز لأولئك، فإن فضل شيء أعطي الفقراء، فإن فضل عنهم شيء وقف عدة (¬8) لما ينوب المسلمين. وإن كان في بيت المال اتساع؛ فلا بأس أن يعطى للأغنياء، وإن كان ذلك المال من أرض صلح؛ لم يصرف في إصلاح ذلك البلد؛ لأنه ملك لأهل الكفر. وإن كان بين أظهرهم مسلمون فقراء؛ أعطوا منه، ثم ينقل إلى البلد الذي كان عنده الخوف حتى وقع الصلح (¬9). وكذلك ما جلا أهله عنه يبتدأ بالبلد ¬

_ (¬1) قوله: (الحرب) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (أهل) ساقط من (ب). (¬3) في (ب): (أو يشتري لهم). (¬4) قوله: (يعطي) ساقط من (ق 3). (¬5) في (ب): وفقراؤه وقاضيه. (¬6) قوله: (منه) ساقط من (ت)، وانظر: النوادر والزيادات: 3/ 389. (¬7) قوله: (لا) ساقط من (س). (¬8) في (س): (عنده). (¬9) قوله: (الصلح) ساقط من (ب).

فصل [في أنواع ما يغنم في الحرب وما يفعل به]

الذي (¬1) كان الخوف عنه؛ حتى جلوا. وما جُبي عن بلاد العنوة يبتدأ فيه بإصلاح البلد الذي جُبيَ منه، وسد مخاوفه؛ لأنه للمسلمين (¬2). فإن فضل شيءٌ نقل إلى البلد (¬3) الذي خرج منه الجيش الذي افتتحه. فصل [في أنواع ما يغنم في الحرب وما يفعل به] والمأخوذ من الغنيمة على سبعة (¬4) أوجه: الأموال والرجال (¬5) والنساء والصبيان والأرضون والأطعمة والأسلاب والأنفال. فأما الأموال؛ فتقسم على السهمان (¬6) أخماسًا بالقرآن. وأما الرجال؛ فالإمام مخير فيهم بين خمسة أوجه: المن والفداء والقتل والجزية والاسترقاق. فأيّ ذلك رأى حُسْنَ نظرٍ فعلَه. والمن والفداء ومن ضربت عليه الجزية من الخمس على القول إن الغنيمة مملوكة بنفس الأخذ، والقتل من رأس المال، والاسترقاق راجع إلى جملة ¬

_ (¬1) قوله: (كان عنده الخوف حتى وقع الصلح، وكذلك، ما جلا أهله عنه يبتدأ بالبلد الذي) ساقط من (س). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 361. (¬3) قوله: (وسد مخاوفه؛ لأنه للمسلمين. فإن فضل شيءٌ نقل إلى البلد) ساقط من (ق 3). (¬4) في (ب): (تسعة). (¬5) في (ب) زيادة: (الأجراء والفلاحين). (¬6) قوله: (السهمان) ساقط من (ب).

الغانمين. والاسترقاق أولى من القتل، فينتفع بثمنه، وقد يهديه (¬1) الله تعالى إلى الإسلام، إلا أن يكون ممن أنكى في المسلمين أو رأى في قتله نكاية للعدو. وأما الأجراء والفلاحون؛ فهو مخيّر فيهم حسب ما تقدَّم، إلا القتل فاختلف فيه، وقد تقدَّم (¬2). وأما النساء والصبيان؛ فهو مخير فيهم بين ثلاثة أو جه: المَنُّ، والفداء، والاسترقاق دون القتل والجزية. وإن رأى استبقاء من قارب البلوغ ليضرب عليه الجزية إذا بلغ؛ لم يمنع من ذلك. والأرض على ثلاثة أقسام (¬3) فما كان بعيدًا من قهر المسلمين، ولا يستطاع سكناه للخوف من العدو؛ هُدم وحُرق. وما كان يقدر المسلمون على عمارته، إلا أنهم لا يسكنونه إلا أن يملكوه؛ فإن الإمام يقطعهم (¬4)، ويخرجه من رأس الغنيمة، ولا مقال لأهل الجيش فيه، ويقطعه لمن فيه نجدة وحزم، فيكون في نحر العدو وردءًا للمسلمين. واختلف فيما كان قريبًا ومرغوبًا فيه، فقال مالك مرّة: لا حق لأهل الجيش فيه، ولا يقسم، ويوقف خراجًا للمسلمين. وقال مرّة: يجوز قسمُها أو وقفُها، وليست كالأموال، فلا يجوز إخراجُها عنهم (¬5). فقال في المبسوط وهو في بعض روايات المدوّنة: كلُّ أرض افتتحتْ ¬

_ (¬1) في (س): (يهبه). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 57. (¬3) في (ب): (أوجه). (¬4) قوله: (يقطعهم) ساقط من (ب). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 349.

عَنْوَةً؛ فتُركتْ لم تقسَّم، ولو أرادوا أن يقسموها لقسموها (¬1)، فتُركتْ لأهْل الإسلام- فهذه التي قال مالك: يجتهد فيها الإمامُ، ومن حضره من المسلمينَ (¬2). فأجاز تقسمتها إذا رأى الإمامُ ذلك، ولا أعلم خلافًا أنَّها إنْ قُسمت أَنَّ ذلك ماضٍ، ولا ينقض. وذهب بعضُ النَّاس إلى أنَّها كالأموال تقسم، ولا يجوز حبسها عن الغانمين. وقوله بجواز (¬3) القسم أحسن؛ لأنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قسم قريظةَ وفدكَ وخيبرَ (¬4). وقال عمر - رضي الله عنه -: لولا من يأتي من المسلمين؛ لم أدع قريةً افتتحتْ عنوةً إلا قسمتُها، كما قسم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - خيبرَ (¬5). فسلَّم عمر - رضي الله عنه - أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قسم العنوةَ، وأن ذلك لم ينسخ؛ لأنَّه جوَّز القسم، وأخبر أنَّ ترك القسم باجتهاد منه، ليس يمنع منه فعل النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد افتتحتْ مكةُ عنوةً ولم تقسَّم. واختُلفَ: هل تُركتْ لأهلها منًّا عليهم بها، فيجوز لهم بيعُها، أو تركها فيئًا للمسلمين؟ ولم يُختلف أنَّه منَّ على الرجال، وقد رُوي عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "مَكَّةُ حَرَمٌ، لاَ تَحِلَّ إِجَارَةُ بُيُوتِهَا، وَلاَ بَيْعُ رِبَاعِهَا". وقال علقمة بن نَضْلة: كانت المساكن والدورُ بمكةَ على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمانَ - رضي الله عنهم - لا تُباع ولا تُكْرَى، وما ¬

_ (¬1) في (ت): (لقسمت). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 349. (¬3) في (ت): (يجوز). (¬4) أخرجه أبو داود: 2/ 156، في باب في صفايا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأموال، من كتاب الخراج والفيء والإمارة، برقم (2967) (¬5) أخرجه أحمد في المسند: 1/ 40، في مسند عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، برقم (284).

فصل [في أموال أهل الكفر]

تُدعى إلا السوائب، من احتاج سَكن، ومن استغنى أسكن. ورُوي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنَّه نهى أن تغلقَ دورُ مكةَ دون الحاجّ، وقال في أيام الحج: يا أهل مكة لا تتخذوا لدوركم أبوابًا دعوهم ينزلون في الفارغ، فكانوا ينزلون حتى يضربوا فساطيطهم في الدور. وقد تقدَّم بعض ذلك في كتاب الأرضين. فصل [في أموال أهل الكفر] أموالُ أهل الكفر فيمن تسوغ له على خمسة أوجه: أحدها: الحكمُ فيها لله خالصًا. والثاني: هي لمن أخذها ولا خمسَ فيها. والثَّالث: أن تكون شركةً: الخمس لله تعالى، وأربعة أخماسها للذين أخذوها. والرابع: مخُتلَفٌ فيها: هل هي لله سبحانه، أو شركةٌ أخماسًا؟ والخامس: مختلفُ فيها: هل هي لواجدها خاصةً، أو شركةٌ فتخمَّس؟ فالأوَّل: جزية الجماجم، وخراج الأرضين، وعشور أهل الذمة، وأهل الحرب إذا أتوا تجارًا- فهذه لله تعالى خالصًا. فإن رأى الإمام ألَّا يعطي منها لآدميٍّ شيئًا- جاز، ويجعله في الكراع والسّلاح، ويُصْلح منها الحصون والأسوار، أو يصرف بعضه في ذلك، وبعضه للنَّاس. الثَّاني: ما أُخذَ من بلد الحرب، ولم يوجف لأجله، مثل: أن يَدخل إليهم تاجرًا، أو يكون عندهم أسيرًا، فيهرب بمال، أو يهربُ عبدٌ لهم بمال- فهو لمن

أخذه ولا خمسَ فيه، وسواء كان متاعًا أو عينًا. قال محمَّد: إن هَرَبَ الأسيرُ بجاريةٍ فلا خُمْسَ فيها؛ لأنّه ممَّا لم يُوجف عليه إذا أسر من بلد المسلمين، فإن كان خرج إلى بلاد الحرب فأُسرَ- ففيه الخمس (¬1). يريد: إذا خرج لمثل ذلك أو للجهاد. ولو خرج تاجرًا ثم سرق جارية أو متاعًا- لم يخمس. وقال مالك في كتاب محمد: إن طَرَحَ العدوُّ شيئًا (¬2) خوفًا من الغرق، أو انكسرتْ مراكبُهم، فوجد إنسانٌ متاعًا أو ثيابًا، ولا أحد معه من الحربيين، ولا هو بقرب قراهم- كان لمن أخذه، ولا خمس فيه، إلا أن يكون ذهبًا أو فضةً فيخمَّس. وإن كانت الأمتعةُ أو العين بقرب قراهم- ففيه الخمسُ، إلا أن يكون يسيرًا، فلا يخمَّس، وإن كان معه الحربيون كان سبيلُه سبيلَ الحربيين، أمر ذلك كله إلى الوالي (¬3). والثَّالث: ما غنم المسلمون بعد الحرب، فهو شركةٌ أخماسًا، وكذلك الرِّكاز إذا كان عينًا. واختُلفَ عن مالك إذا لم ينل إلا بعد العمل الكثير، وإن كان يسيرًا أو كثيرًا وهو ممَّا سوى العين، وقد مضى ذكر ذلك في كتاب الزكاة. والرَّابع: ما جلا أهلُهُ عنه، وهو على ثلاثة أوجهٍ: فإن جلوا عنه بعد نزول الجيش عليهم (¬4) - كان فيه قولان: ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 319. (¬2) قوله: (شيئًا) ساقط من (ت). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 131. (¬4) قوله: (عليهم) ساقط من (ق 3).

فقيل: هو فيء، ولا شيء لأهل الجيش فيه؛ لأنَّه أُخذ (¬1) بغير قتال. وقيل: أخماسًا؛ لأنَّهم أُوجفوا عليه، وإيجافُهم كان سببَ جلائهم عنه. وإن جلوا عنه قبل خروج الجيش خوفًا منه- كان جميعُ ما جلوا عنه فيئًا. ويُختلف فيما يكون من خراج أرضهم، ومن ذلك ما صُولحوا عليه: فإن كان الصلحُ قبلَ خروج الجيش، وإنما كان ذلك بمكاتبة أو برسل- كان جميع ما صولحوا عليه فيئًا. وإن كان بعد نزول الجيش بهم- كان على القولين: هل جميعه فيءٌ أو أخماسٌ؟ لأنه بإيجافهم، وهذا فيما يؤخذ منهم بالحضرة. والثَّالث: ما يؤدّونه كلَّ عام، فحكمُه حكمُ خراج الأرضين. والخامس: ما يغنمه العبيدُ بإيجافٍ من أرض الإسلام ولا حرَّ معهم، فقيل: هو لهم، ولا خمسَ فيه؛ لأنَّهم ممَّن لم يُخاطب بالجهاد؛ فلم يدخلوا في عموم قوله -عز وجل-: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41]. وقيل: يخمس قياسًا على الأحرار. وكذلك إذا كانوا مع الجيش، وبهم قووا على الجيش أو على الغنيمة، فيُختلَف في أنصبائهم: هل تخمس؟ ويُختلَف فيما غنمه النّساءُ والصبيانُ إذا انفردوا بالغنيمة بالقتال من غير رجال: هل يخمس أم لا؟ واختُلف في الرِّكاز إذا كان متاعًا أو جوهرًا: هل يخمس؟ (¬2). ¬

_ (¬1) في (ت): (أخذه). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 339، والتفريع: 1/ 222.

باب في الأنفال

باب في الأنفال النَّفْلُ: جائزٌ ومكروهٌ. فالجائز: ما كان بعد القتال. والمكروه: ما كان قبلُ، مثل أن يقول والي الجيش: من يقتل فلانًا (¬1) فله سلبُهُ أو دنانيرٌ أو كسوة، أو من جاء بشيء من العين أو المتاع أو الخيل فله ربعُه أو نصفه، أو من صعد موضع كذا وكذا أو وقف فيه أو بلغه فله كذا (¬2). كل ذلك ممنوع ابتداء لوجهين: أحدهما: أنَّه قتالٌ للدنيا، ولا يجوز أن يسفك دمه على ذلك، وقد سُئل النَّبي - صلى الله عليه وسلم - عن الرَّجل يُقاتل للغنيمة، والرجل يُقاتل للذّكْر، والرجل يُقاتل ليرى مكانه، أيُّ ذلك في سبيل الله؟ فقال: "مَنْ قَاتَلَ لِتكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِىَ العُلْيَا فَهُوَ فِى سَبِيلِ الله" أخرجه البخاري ومسلم (¬3). والثَّاني: أنَّ ذلك يؤدي على التَّحامل إلى الهلاك، وقد قال عمر - رضي الله عنه -: لا تقدموا جماجم المسلمين إلى الحصون، فَلَمُسْلمٌ أستبقيه أحبُّ إلىَّ من الحصن أفتحه (¬4). ¬

_ (¬1) في (ت): (قتيلًا). (¬2) انظر: التفريع: 1/ 396، والنوادر والزيادات: 3/ 222. (¬3) متفق عليه, أخرجه البخاري: 3/ 1034، في باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، من كتاب الجهاد والسير، برقم (2655)، ومسلم في باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا من كتاب الإمارة، برقم (1904). (¬4) لم أقف على لفظه، وأخرج سعيد بن منصور في سننه عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: (ما أحب أن تفتح قرية فيها ألف بضياع رجل مسلم) أخرجه في سننه: 2/ 225، في باب ما جاء في الفتوح، برقم (2585).

فإن فات القتالُ على مثل (¬1) ذلك- كان له شرطُهُ؛ لأنَّه عمل على حظّه من الدنيا، فهو كالمبايعة. قال سحنون في كتاب ابنه: إن بعث الوالي سريَّةً على أنَّ لهم ثلث ما غنموا- مضى وأعطوا ذلك، ويدخلون في السهام فيما بقي بعد الخمس (¬2). فأثبت سهمانهم في الباقي، وليس بالبّين. والمفهوم أن ذلك بدل سهمانهم، لا شيء لهم غيره. ولو قال: لكم (¬3) الثلث والربع بعد إخراج الخمس-كان أبين أن لا شيء لهم سوى ما جعل لهم؛ لأنه إذا أخرج الخمس كان الباقي على السهمان، فجعل لهم مكان سهمانهم ثلث الباقي أو ربعه. والنفلُ بعد الغنيمة موكولٌ إلى اجتهاد الإمام إن رأى ذلك، وإلا تركه (¬4)، فإن أراد أن ينفل وتساوى فعل السرية أو الجيش أو تقارب- نفل جميعهم، وسوّى بينهم، وإلا ترك، ولا ينفل بعضهم؛ لأنّه خروجٌ عن العدل، ومفسدةٌ لقلوبهم. وإن اختَلَفَ فعلُهُم، وكان فيهم من أبلى بقتلٍ أو بصبْرٍ في موضع، أو برأيّ كان فيه فتح نفله دونَ غيره. وإن كان فاعلُ ذلك عددًا نفل جميعَهم أو تركَهم، فإن نفلهم واختلف فعلهم جاز أن يفضلهم بما يرى، ولا بأس أن يرضخ لغيرهم ليستطيب قلوبهم. ويستحبُّ أن يكون النفلُ ممّا يَظْهَرُ على المُعْطَى: كالفرس والثوب ¬

_ (¬1) قوله: (مثل) ساقط من (ت). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 231. (¬3) قوله: (قال: لكم) يقابله في (ت): (كان لهم). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 517.

فصل [فيمن يعطى السلب]

والعمامة والسيف؛ لأنَه أعظم في النُّفوس من الدنانير وإن كَثُرَتْ. والنفل من الخُمس، ولا ينفل من رأس الغنيمة لوجهين: أحدهما: أنَّ فيه ظلمًا على من لم ينفل، على القول إنَّ الغنيمة مملوكةٌ بنفس الأخذ؛ لأنه أعطى من نصيب الآخرين. والثَّاني: أنَّ فيه فسادًا لقلوب الآخرين؛ لأنَّهم يعتقدون أنَّ ذلك من أنصبائهم وإنْ لم يكن كذلك. فصل [فيمن يعطى السلب] السَلَبُ للقاتل إذا رأى ذلك الإمام، ولا يُعطى سلبٌ لغير القاتل، وإن كان القتل من عدد- نفلهم أسلابهم، أو تركها إن شاء. وإن اختلف بأسهم جاز أن ينفل أشدهم بأسًا سَلَبَ مَنْ قتل، ولا ينفل الآخرين. ولا يجوز أن ينفل أضعفهم بأسًا دون غيره. ويجوز أن يزيد أحدَهم على سلب قتيله إن كان أشدَّ بأسًا وقتيلُه أقلَّ سلبًا، والآخر أقل بأسًا وأكثر سلبًا. ويجوز أن يعطى أحدهم جميع سلب قتيله، والآخر بعضه، وقد يكون أحدُ القتلى لا شجاعةَ عنده وسلبُه كثيرٌ، فيعطيه منه ما يرى أنه سداد لمثله، والآخر له شدة وبأس. ولا يزيد أحدَهم ما يُحطُّ من سلب الآخر؛ لأنَّ ردَّ بعض سلب أحدهم للآخر فسادٌ لقلوبهم. والسلب ما كان من اللباس: الثياب والدرع والسيف بحليته والفاتخة (¬1) ¬

_ (¬1) الفَتْخَةُ والفَتَخَةُ: خاتم يكون في اليد والرجل بفص وغير فص وقيل هي الخاتم أَيًّا كان وقيل هي حَلَقَةٌ تلبس في الإِصبع كالخاتم وكانت نساء الجاهلية يتخذنها في عَشْرِهنّ. انظر: لسان العرب: 3/ 40.

والمنطقة -دون ما فيها من دنانير- والخاتم والعمامة والبيضة. قال سحنون: ولا شيء له في الطوق والسوارين والقرطين والتَّاج إن كان عليه، وله ساعداه وساقاه (¬1). وقال ابن حبيب: له سواراه. وعلى قوله: يكون له التاج وقرطاه (¬2). وقال ابن حبيب: الفرس داخل في السلب (¬3). قال سحنون: له فرسه بما عليه من سرج ولجام (¬4). والأصل في النفل من غير سلب، وأنَّه من الخمس: حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -، قال: بَعَثَ رسولُ الله سريةً قِبَلَ نجد فيها عبد الله بن عمر، فغنموا إبلًا كثيرة، فكان سهمانهم اثني عشر بعيرًا، ونفلنا بعيرًا بعيرًا (¬5). لأنَّهم إذا استوفوا أنصباءهم بالقسم- كان الزائدُ من الخمس. وفي كتاب مسلم أنَّ النفل من الخمس (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 227. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 227. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 227. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 227. (¬5) متفق عليه, أخرجه البخاري: 3/ 1141، في باب من الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين، من كتاب الخمس برقم (2965)، ومسلم: 3/ 1368، في باب الأنفال، من كتاب الجهاد والسير، برقم (1739)، وأخرجه مالك في الموطأ: 2/ 450، في باب جامع النفل في الغزو، من كتاب الجهاد، برقم (970) (¬6) يعني المؤلف ما أخرجه مسلم في صحيحه: 2/ 1369، في باب الأنفال، من كتاب الجهاد والسير، برقم (1750) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - ولفظه: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش والخمس في ذلك واجب كله.

وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: أعطاني رسول - صلى الله عليه وسلم - شارفًا من الخمس (¬1). وهذا لقول الله -عز وجل-: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41]. فاقتضت الآية أنَّ أربعة أخماسه للغانمين، فلو نفل أحدا من رأس الغنيمة، انتقص الآخر من سهمه بعد الخمس. وفي ذلك تبديل للقسمة التي قسمها الله تعالى بينهم، ولهذا نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوصية للوارث (¬2)؛ لأنَّ ذلك يؤدّي إلى أن يرث أحدهم أكثر من النصيب الذي أوجب الله سبحانه له، وكذلك الغنائم إلا على من قال: إنها غير مملوكة لهم حتى تقسم بينهم. والقول بهذا يؤدي إلى إبطال فائدة الآية؛ لقوله -عز وجل-: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41]. فيجعل لله تعالى أكثر من الخمس. والقياس في السلب أنَّه كغيره من الغنيمة، ولا فرق بين سلب القتيل وماله الذي معه؛ لأنه لم ينل ذلك إلا بجميعهم. ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 736، في باب السهولة والسماحة في الشراء والبيع ومن طلب حقًا فليطلبه في عفاف، من كتاب البيوع، برقم (1983)، ومسلم: 3/ 1568، في باب تحريم الخمر وبيان أنها تكون من عصير العنب ومن التمر والبسر والزبيب وغيرها مما يسكر، من كتاب الأشربة، برقم (1979). (¬2) صحيح، أخرجه أبو داود: 2/ 127، في باب ما جاء في الوصية للوارث، من كتاب الوصايا، برقم (2870).

باب في سهمان الخيل ومن لا يسهم له منها

باب في سُهمان (¬1) الخيل ومن لا يسهم له منها ويُسيم للفارس سهمٌ ولفرسه سهمان؛ لحديث ابن عمر - رضي الله عنهما -، قال: جعل رسول الله للفرس سهمين، ولصاحبه سهمًا. اجتمع عليه البخاري ومسلم ومالك في الموطأ، وهذا لفظ البخاري (¬2). واختُلفَ فيمن معه فرسان: فقال ابن وهب: يُسهم (¬3) لهما (¬4). وذكر ابن القصار عن ابن الجهم: أنَّه أَنْكَرَ القولَ أَنْ يسهم لواحد منهما. وقال: رأيت من انتهى إليَّ قولُه من الفقهاء وأهل الثغور والمجاهدين يقولون: يسهم لفرسين، ولأن صاحب الفرس كالراجل؛ لأنه لا تؤمن عليه الحوادث (¬5). يريد: أنَّه يتكلَّف مؤونة الثَّاني، وإخراج الثمن فيه، والنفقة عليه عدة لما يحدث بالآخر. والأول أحسنُ؛ لأنَّ القتال على واحد، والموت وغيره من الطوارئ. ولا يسهم لثلاث: ولا يسهم للبراذين (¬6) إلا ما قارب منفعة الخيل، ولا للبغال ولا للإبل؛ لأنَّ منفعتَها غيرُ مقاربةٍ لمنفعة الخيل، ولا يسهم لكسير ولا ¬

_ (¬1) في (ق 3): (سهام). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 3/ 1051، في باب سهام الفرس، من كتاب الجهاد والسير، برقم (2708)، ومسلم: 3/ 1383، في باب كيفية قسمة الغنيمة بين الحاضرين، من كتاب الجهاد والسير، برقم (1762)، وأخرجه مالك في الموطأ: 2/ 456، في باب القسم للخيل في الغزو، من كتاب الجهاد، برقم (976). (¬3) في (ق 3): (يقسم). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 157. (¬5) انظر: عيون المجالس، للقاضي عبد الوهاب: 2/ 407. (¬6) البراذين من الخَيْلِ: ما كان من غير نِتاج العِرابِ. انظر: لسان العرب: 13/ 51.

حطيم ولا لهرم ولا لصغير لم يبلغ أن يركب. واختُلفَ في المريض والرهيص (¬1) والصغير الذي لم يبلغ الركوب: فقال في المدونة: يسهم للمريض والرهيص (¬2). وروى عنه أشهب وابن نافع: لا يسهم للمريض (¬3). وعلى هذا لا يسهم للرهيص، وهو أحسن. وإذا لم يسهم للبراذين لضعف منفعتها عن الخيل- كان أبن ألا يسهم للمريض إذا كان مرضه من قبل الإدراب (¬4)، وإن كان بعد أن قاتل عليه. ويُختلف إذا كان مرضه بعد الإدراب وقبل القتال قياسًا على موته حينئذ؛ لأن مرضه قطع الانتفاع به كموته. وهو أحسن، وبه أخذ محمد بن عبد الحكم، قال: بخلاف الرجل العليل؛ لأنَّ فيه المشورة إن كان فيه موضع المشورة (¬5). وعلى قوله إن لم يكن موضعًا للمشورة- لا سهم له. وقال سحنون في كتاب ابنه، في الصغير لا يقاتل على مثله: هو راجل، ولو كان فيه بعض القوة لذلك لأسهم له (¬6). ¬

_ (¬1) الرَّهْص: أن يُصيبَ حَجَرٌ حافرًا أو مَنْسِمًا قيسوَى باطنه يُقال رَهَصه الحجرُ ودابّة رَهيصٌ. انظر: العين، للخليل بن أحمد: 3/ 412. والرهصة: مرض في باطن حافر الدابة من حجر تطؤه من الوقرة. انظر: التوضيح: 3/ 466 (¬2) انظر: المدونة: 1/ 520، قال فيها: (وبلغني عن مالك أنه قال في الفرس إذا رهص: إنه يضرب له بسهم وهو بمنزلة الرجل المريض). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 158. (¬4) أَصل الدَّرْبِ المضِيقُ في الجبال ومنه قَولهم أَدْرَب القومُ إِذا دَخَلُوا أَرضَ العَدُوِّ من بلادِ الرُّوم. انظر: لسان العرب: 1/ 374. (¬5) قوله: (إن كان فيه موضع المشورة) ساقط من (ق 3). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 159.

ولا أرى أن يسهم له؛ لأنَّ منفعته أقل من منفعة البراذين. وإن مات الفرسُ بعدَ القتال ثُمَّ وقع الفتحُ- أسهم له، وإن مات بعد الإدراب وقبل القتال فلا شيء له على قول مالك وابن القاسم (¬1). وقال أشهب وعبد الملك: بالإدراب استحق السهمان، وإن مات (¬2). وإن باعه أو أعاره أو غُصب منه أو ضَلّ عنه افْتَرَقَ الجوابُ: فإن قاتل عليه، ثُمَّ باعه فقاتل عليه الثَّاني ففتح له كان سُهمانُهُ للأوَّل. وقال سحنون في كتاب ابنه: ولو قاتل عليه الثاني، ثم باعه فقاتل عليه الثالثُ ففتح لهم كان سُهمانه للأوَّل؛ لأنَّه قتال واحد، كما لو مات الأول، فقاتل عليه ورِثته. قال: ولو كان قتالًا مبتدأ بعد موته لكان للآخر السهمان أيضًا (¬3). ويختلف إذا باعه الأول بعد الإدراب الثَّاني وقبل القتال، ثُم قاتل عليه الثاني: هل يكون سُهمانه للأوَّل أو للثَّاني؟ واختُلف إذا أعاره قبل القتال: فقال مالك في كتاب محمد: سُهمانه للمُعار. وقاله ابن القاسم مرَّةً. وقال أيضًا للمعير (¬4). وكأنه فرّق بينه وبين لو ضلَّ، ويحتمل أن يكون ذلك لأنَّه يقول: يضرب له بسُهمانه بالإدراب. أو يقول: إنه يستحق سُهمانه إذا كان موجودًا قائمًا ولم يقاتل عليه، فلا يسقط ذلك قتال غيره عليه. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 160. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 162. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 166. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 162.

والأوَّلُ أحسنُ؛ لأنّه إنَّما يستحق سُهمانه وإن كان قائمًا؛ لأنّه عُدّة إن رأى القتال عليه فعل، فإذا أسلمه لغيره لم يكن له شيء، ويصير بمترلة لو باعه قبل أن يقاتل عليه. ولو أعاره بعد أن قاتل عليه كان السهمان لصاحبه؛ لأنّه استحقَّ ذلك قبل العارية. واختُلفَ عن ابن القاسم إذا غصب منه قبل أن يقاتل عليه: فقال في كتاب محمد: السهمان لصاحبه (¬1). وقال أيضًا (¬2): للمتعدي (¬3). وهذا يرجع إلى الخلاف في الضالّ: فعلى القول: إن لصاحبه سهمانه وإن ضلّ- يكون سهمان المغصوب لصاحبه؛ لأنه يقول: لو ذهب مني لكان سهمانه في؛ فلا يضرني قتالك عليه. ولا يصح أن يكون له سهمان أيضًا؛ لأنه لا يضرب لفرس واحد بأربعة أسهم. ومن لم يَجعل (¬4) له سهمان إذا ضلَّ جَعل سُهمانَهُ ها هنا للغاصب، وعليه إجارة المثل إلا على من قال فيمن غصب دارًا فأغلقها، أو عبدًا فأوقفه: أنَّه يغرم لصاحبه ما حرمه من غلاته- فيجعل السهمان لصاحبه؛ لأنّه بالغصب حرمه ذلك. ولو كان معه فَرسان غصبه أحدهما؛ كان سُهْمَان المغصوب للغاصب، وعليه لصاحبه (¬5) إجارة المثل. ولو غصب فرسًا من أرض الإسلام كان سهمانه للغاصب، ولصاحبه إجارة المثل. ولو غنم المسلمون خيلًا، فغصب رجل منهما ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 162. (¬2) قوله: (أيضًا) ساقط من (ت). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 162. (¬4) في (ت): (يضرب). (¬5) قوله: (لصاحبه) زيادة من (ت).

فرسًا فقاتل عليه- كان سهمانه للغاصب. وقال محمد: وعليه إجارة المثل (¬1). وقال مالك: إذا كانوا في سفن فلقوا العدوَّ فغنموا؛ يضرب للخيل التي معهم في السُّفن (¬2). والقياس ألا يضرب لها؛ لأنَّها لم تستعد للبحر، ولم تبلغ الموضع الذي يصح القتال بها فيه. قال ابن القاسم: إذا خرجت سرية من عسكر، وخلّفوا خيلهم فغنموا؛ يُضرب لخيولهم سهمانهم (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 163. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 518. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 10.

باب فيمن يسهم له من أهل الجيش ومن لا يسهم له

باب فيمن يسهم له من أهل الجيش ومن لا يسهم له السهمان يجب لمن يتوجه عليه الخطاب بالجهاد، وذلك بسبعة شروط: أن يكون ذكرًا، بالغًا، عاقلًا، حرًا، مسلمًا، سالمًا من الزَّمَانة المانعة من القتال، وأن يكون خروجُه للجهاد لا لتجارة ولا بإجارة. ولا يُسهم لمن لم يحتلم ولم يطلق القتال. واختُلفَ إذا راهق وأطاق القتال، قد قاتل أو لم يقاتل، وفي المرأة إذا قاتلتْ، وفي الأجير والتاجر والمريض. ويُختلف في الزمن: كالأعمى والأقطع والأعرج والمقعد والأشلّ. ولا يسهم للمفلوج اليابس الشقّ (¬1)، ولا المجنون المطبق، ويسهم للأهوج العقل (¬2). قال في المدوّنة: لا يسهم للصبيان ولا للنساء ولا للعبيد وإن قاتلوا (¬3). وقال مالك في كتاب محمد: يسهم لمن راهق، وبلغ مبلغ القتال إذا حضر القتال (¬4). ¬

_ (¬1) الفالج: رِيحٌ يأْخذ الإِنسان فيذهب بشقِّه , فالمفلوج من ذهب شقه. انظر: لسان العرب: 2/ 346، بتصرف. (¬2) الأهوج: هو الأحمق. انظر: لسان العرب: 2/ 394. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 519. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 187. والذي وقفت عليه من كلام مالك: "ويسهم لمن لم يبلغ الحلم من الفىء إن أطاق القتال وقاتل". وقال ابن حبيب بعده: "أحسن ما سمعت في ذلك أن من شهد العسكر من الغلمان الذين قد راهقوا وأنبتوا أو بلغوا خمس عشرة سنة فأنه يسهم لهم".

وقال محمد: لا يسهم له حتَّى يقاتل (¬1). وقال ابن حبيب: إذا أنبت وبلغ خمس عشرة سنة فسبيله سبيل الرجل، يسهم له قاتل أو لم يقاتل (¬2). وأرى أَنْ يسهم له إذا رُئيَ فيه قوة على القتال، وحضر الصفَّ، وأخذ أُهْبَة (¬3) الحرب، وإن لم يقاتل. وقال ابن حبيب في المرأة إن قاتلت كقتال الرجال؛ أُسهم لها (¬4). وهذا أحسن. وأرى أن يسهم لها إذا كان فيها شدةٌ، ونصبت للحرب، وإن لم تقاتل. وأمَّا العبيد وأهل الذمَّة: فإن خرجوا من أرض الإسلام متلصصين فغنموا- كانت تلك الغنائم لهم، ولا يخمس ما ينوب الكافر. واختُلفَ فيما ينوب العبد، فقال ابن القاسم: يخمَّس (¬5). وقال سحنون: لا يخمَّس (¬6). ورأى أنَّ الخطاب في الخمس إنما ورد فيمن خوطب بالجهاد. ويلزم على قوله ألا يخمس سهم الصبي والمرأة؛ لأنهما ممن لم يخاطب بالجهاد (¬7). وقال ابن القاسم في العتبيّة: إذا خرج حرٌ وعبدٌ متلصصين فَغَنمَا، خُمِّسَ ما أصابا، ثُمَّ يقسم ما بَقيَ بينهما (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 187. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 187. (¬3) أُهْبَةُ الحرْبِ عُدَّتُها. انظر لسان العرب: 1/ 217. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 188. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 15. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 199. (¬7) قوله: (فقال ابن القاسم: يخمَّس. . . يخاطب بالجهاد) ساقط من (ق 3). (¬8) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 15.

واختُلِف: هل يسهم لهما (¬1) إذا كانوا في جملة الجيش؟ فقال مالك وابن القاسم في العبيد وأهل الذمَّة إذا كانوا في جملة الجيش: لا يسهم لهم (¬2). قال ابن القاسم في العتبية: لأنَّ المسلمين لا يستعينون بالعبيد، ولا بالنَّصارى في عسكرهم (¬3). وقال ابن حبيب: إذا نَفَرَ أهلُ الذمّة مع طوائفنا فما صار إليهم ترك ولم يخمس (¬4). فجعل لهم نصيبًا مع الجيش. وقال سحنون: إن كثروا، ولو انفرد المسلمون قدروا على تلك الغنيمة لم يكن لأهل الذمة شيء، وإلا قسمت بين جميعهم. وهذا أعدلها وكذلك العبيد إذا كان لا يقدر الأحرار إلا بهم؛ قسمت بين جميعهم. وقال أشهب في كتاب محمد: في عبيد وذمين خرجوا من العسكر فغنموا، فالغنيمة للجيش دونهم (¬5). وعلى قول سحنون يكون لهم سهمهم بمنزلة لو كانوا في جملتهم، وقووا بهم. وأما الأجير فإن كان في رحله؛ لم يسهم له. واختُلفَ فيه إذا قام (¬6) في الصفّ أو قاتل: فقال مالك في المدونة: إن شهد القتال وقاتل- أسهم له، وإن لم يقاتل فلا شيء له (¬7). ¬

_ (¬1) قوله: (يسهم لهما) يقابله في (ت): (يقسم لهم). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 519، والبيان والتحصيل: 3/ 15، والنوادر والزيادات: 3/ 199. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 16. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 200. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 201. (¬6) في (ت): (قاتل). (¬7) انظر: المدونة: 1/ 519.

وقال في كتاب محمد: إن شهد القتال أو كان مع الناس عند القتال- أسهم له،، وإلَّا فلا (¬1). وقال في مدونة أشهب: لا شيءَ له وإنْ قاتل (¬2). وقال ابن القاسم في المدوّنة في التاجر: إنَّه مثل الأجير (¬3). يريد: أن لا شيء له إلا أن يُقاتل. وقال في كتاب محمد: إنْ شَهدَ القتالَ أُسهم (¬4) له وإنْ لم يُقاتل (¬5). وقال أبو الحسن ابن القصار في الأجير: إذا خَرَجَ للجهاد والإجارة لغير خدمة كالخياطة- فله سهمُه حَضَرَ القتال أم لا، وإنْ استُؤجر في الخدمة فلا شيء له، قال: والتَّاجر مثل ذلك. يريد: له سهمُه إن خرج للجهاد والتجارة، وإن لم يشهد القتال. وإنْ خَرَجَ للتّجارة خاصةً لم يسهم له إن لم يشهد القتال. قال سحنون في كتاب ابنه، في الأجير قد أَخَذَ مالًا فباع به خدمته: فلا يسهم له، إلا أَنْ يترك تلك الخدمةَ ويقاتل فله سهمُهُ، ويبطل من أجرته بقدر ما اشْتَغَلَ عن الخدمة، وكذلك أهل سوق العسكر لا سهم لهم، إلا أن يقاتلوا (¬6). وحكم النواتية (¬7) في البحر كحكم الأُجراء في البرّ: لا شيءَ لهم، إلا أن ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 187. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 188. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 519. (¬4) في (ت): (قسم). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 187. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 187. (¬7) النُّوتِىُّ المَلاَّحُ الذي يُدَبِّرُ السفينة في البحر وقد ناتَ يَنُوتُ إِذا تمَايلَ من النُّعاس كأَنَّ النُّوتيَّ يُمِيلُ السفينة من جانب إِلى جانب. انظر: لسان العرب 2/ 101.

يقاتلوا، أو يَشهدوا القتال، وإن لم يقاتلوا على القول الآخر. ورَوَى أشهب عن مالك: أن لا شيءَ لهم وإنْ قاتلوا (¬1). وأَجْرَاهُم على حكم العبيدة لمَّا لم يكن لهم الخروجُ بهم ليقاتلوا. واختُلفَ في المريض إذا خَرَجَ مريضًا (¬2). وأرى أن لا شيء له، إلا أن يُقتدى برأيه، فربَّ رأي أنفعُ من قتالٍ. وإن مرض بعد القتال أسهم له، ويُختلف إذا مَرضَ بعد الإدْراب وقبل القتال. ولا أرى للزَّمِن (¬3) شيئًا إذا كان لا يقدر بتلك الزَّمانة على القتال، وإنما معونته بالخدمة قياسًا على الخديم إذا لم يقاتل. وقال سحنون في كتاب ابنه: يسهم للأعمى وأقطع اليدين والأعرج والمقعد والأشلّ، قال: لأنَّ الأعمى يبري النبلَ، ويكثّر الجيشَ ويزيد، وقد يُقاتل المقعدُ والمجذومُ فارسًا (¬4). والصواب في الأعمى: أن لا شيءَ له، فإن كان يبري النبل دخل بذلك في جملة الخَدمة الذين لا يُقاتلون. وكذلك أقطع اليدين لا شيء له، وإن كان أقطع اليسرى أُسهم له. ويسهم للأعرج إن حَضَرَ القتال، وإن كان ممن يجبن عن القتال لأجل عرجه- لم يسهم له، إلا أن يقاتل فارسًا. ولا شيء للمقعد إذا كان راجلًا، وإن كان فارسًا يقدر على الكرّ والفرّ أُسهم له. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 187. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 520، والتلقين: 1/ 92، والمعونة: 1/ 399. (¬3) رجل زَمِنٌ: أَي مُبْتَلىً بَيِّنُ الزَّمانة , والزَّمانة العاهة. انظر: لسان العرب: 13/ 199. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 190.

وكلَّ مَنْ تقدَّم ذكرُه، أن لا سهم (¬1) له- يجوز أن يُحذى (¬2) من الغنيمة، وقد اختُلف في ذلك: فقال في المدونة في النساء والصبيان والعبيد: لا يرضخ لهم (¬3). وقال ابن حبيب: يرضخ لهم (¬4). وهو أحسن. وقال ابن عباس - رضي الله عنه -: لم يكن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - يسهم للعبد والمرأة إلا أن يُحذيا من الغنائم. أخرجه مسلم (¬5). وكذلك كل من للجيش فيه منفعة يجوز أن يُحذى. واختُلفَ فيمن ضلَّ عن الجيش: فقال ابن القاسم في المدونة: إن ضلَّ بأرض العدوّ فغنموا بعده فله سهمه (¬6). وقال مالك في الذين يغزون في البحر فتردُّ الريحُ بعضَهم إلى بلاد الإسلام: فلهم سُهمانهم (¬7). وقال: إذا وقعتْ (¬8) المراكبُ في أرض الرُّوم، ثُمَّ انكسرتْ، أو مَرضَ أهلُها؛ فرجعوا إلى الشَّام، ثُمَّ غنموا الذين مضوا: فللآخرين سهمانُهم إذا ¬

_ (¬1) في (ق 3): (يسهم). (¬2) أَحْذَيْتُه من الغنيمة أُحْذِيه: أَعطيتُه منها. انظر: لسان العرب: 14/ 196. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 519. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 188. (¬5) أخرجه مسلم: 3/ 1444، في باب النساء الغازيات يرضخ لهن ولا يسهم والنهي عن قتل صبيان أهل الحرب من كتاب الجهاد والسير، برقم (1812)، ولفظه: (. . . سألت عن المرأة والعبد هل كان لهما سهم معلوم إذا حضروا البأس؟ فإنهم لم يكن لهم سهم معلوم إلا أن يحذيا من غنائم القوم). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 520. (¬7) انظر: المدونة: 1/ 520. (¬8) في (ت): (وقفت).

رجعوا خوفًا على أنفسهم (¬1). وروى ابن نافع عنه في كتاب ابن سحنون (¬2) فيمن ضلَّ عن الجيش حتَّى غنموا: أن لا سهم له (¬3). وقال سحنون فيمن ردتْه الريحُ أو رجع لمرض: لا سهم له (¬4). وهذا أحسن، ولا أرى أن يستحقَّ السهمان إلا بشهود القتال، فمن لم يشهده لمرضٍ، أو موتٍ , أو لأنَّه ضلّ , أو ردته الريح، أو غير ذلك- فلا شيء له. وقال أشهب في كتاب محمد: إن ظُفرَ بالعدوّ وفيهم مسلمون أسارى أُسهم لهم وإن كانوا في الحديد (¬5). وقال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: قال ابن شهاب: لم يقسم النَّبي - صلى الله عليه وسلم - لغائبٍ إلا يومَ خيبر قسّم لأهل الحديبية (¬6)؛ لقول الله -عز وجل-: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً} [الفتح: 20]. ويوم بدر لعثمان وكان خلَّفه على ابنته (¬7)، وقسم لطلحة وسعيد بن زيد ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 169. (¬2) في (ت): (ابن حبيب). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 170. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 170. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 193. (¬6) القسم لأهل الحديبية في غنائم خيبر أخرجه أبو داود: 1/ 644، في باب فيمن تزوج ولم يسم صداقا حتى مات، من كتاب النكاح، برقم (2117) وهو حديث صحيح. (¬7) القسم لعثمان - رضي الله عنه - في غنائم بدر أخرجه الحاكم في المستدرك: 4/ 53، في ذكر رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، برقم (6856)، وأخرجه الطبراني في المعجم الأوسط: 4/ 159، في (من اسمه علي)، برقم (3863).

يوم بدر وهما غائبان (¬1). قال ابن حبيب: قال أهل العلم هذا خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - واجتمع المسلمون بعده على ألا يقسم لغائبٍ (¬2). وقد يُحمل فعلُه إِنَّه كان من الخُمس. وقال محمد بن الموَّاز: لو بعث الإمامُ قومًا من الجيش قبل أن يصلَ لبلد العدوّ في مصلحة الجيش، أو لإقامة سوق؛ فاشتغلوا في ذلك حتَّى غنم الجيشُ- فلهم سهمُهم معهم. واحتجَّ بعثمان (¬3). ورَوَى ذلك ابن وهب وابن نافع عن مالك (¬4). ورُوي أيضًا عن مالك أنَّه لا شيءَ له (¬5). والأوَّل أحسن؛ لأنَّ هذا كان قادرًا على الكون معهم في القتال والغنيمة معهم، فاحتُبسَ عن ذلك لهم، بخلاف من لم يشتغل بهم. ¬

_ (¬1) القسم لسعيد بن زيد وطلحة - رضي الله عنهما - في غنائم بدر أخرجه البيهقي في السنن الكبرى: 6/ 293، في باب بيان مصرف الغنيمة في ابتداء الإسلام. . .، من كتاب قسم الفيء والغنيمة، برقم (12498) وانظره وسابقيه في: النوادر والزيادات: 3/ 192. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 192. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 171. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 171. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 171.

باب في الطعام يكون في المغانم وما لا يستطاع نقله من الأمتعة والطعام والحيوان والناس

باب في الطعام يكون في المغانم وما لا يُستطاع نقله من الأمتعة والطعام والحيوان والناس ولمن غَنمَ طعامًا أن يختصَّ بمنفعته؛ لحديث عبد الله بن مغفل - رضي الله عنهم -، قال: "أَصَبْتُ جِرَابَ شَحْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ (¬1)، وَقُلْتُ: لاَ أُعْطِي مِنْهُ شَيْئًا، فَالتَفَتُّ فَإِذَا بالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَبْتَسِمُ" أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ (¬2). وحديث ابنُ عمر - رضي الله عنهما -، قال: كنَّا نصيب في مغازينا العسلَ والعنبَ فنأكله ولا نرفعه. أخرجه البخاري (¬3). والحكم فيما يأكله ويعلفه سواء. وكذلك الجواب عند مالك فيما أصاب غيرُه من الطعام وجمع في المقاسم: ينتفع به من احتاج إليه من غير استئذانٍ. قال مالك: وكذلك البقرُ والغنمُ هي لمن أخذها يأكل وينتفع (¬4). وكذلك إن أصابها غيرُه وجمعها الإمامُ، ثُم احتاج بعضُهم الأكل؛ فيأخذه ¬

_ (¬1) في (ت): (حنين). (¬2) متفق عليه , أخرجه البخاري: 3/ 1149، في باب ما يصيب من الطعام في أرض الحرب، من كتاب الخمس، برقم (2984)، ومسلم: 3/ 1393، في باب جواز الأكل من طعام الغنيمة في دار الحرب، من كتاب الجهاد والسير، برقم (1772)، وقوله: (وقلتُ: لا أعطي منه شيئًا) ليس في لفظ البخاري، ولفظ مسلم: عن عبد الله بن مغفل قال: أصبت جرابا من شحم يوم خيبر قال: فالتزمته، فقلت: لا أعطي اليوم أحدا من هذا شيئًا. قال: فالتفت فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متبسمًا. (¬3) أخرجه البخاري: 3/ 1149، في باب ما يصيب من الطعام في أرض الحرب، من كتاب الخمس، برقم (2985). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 521.

من غير استئذانٍ، وكذلك ما قلَّ قدرُه من غير الطَّعام. فقال في جلود البقر والغنم تكون في المغانم: لا بأس أن يتّخذ منها نعالًا وخفافًا، أو حُزُمًا إن احتاجوا إليها (¬1). وقال في كتاب محمد: إنَّ الذي يردُّ مثل الكُبَّة (¬2)، والخيط، وما ثمنُهُ قليلٌ- أخاف أن يرائي بهذا، وليس يضيق على النَّاس (¬3). والأحاديث في هذين: الغنم والقليل من غيرها- على خلاف الطعام، فقال رافع بن خديج - رضي الله عنه -: "كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِذِي الحُلَيْفَةِ مِنْ تِهَامَةَ، فَأَصَابَ النَّاسَ جُوع، وَأَصَبْنَا إبلًا وَغَنَمًا، فَعَجِلَ القَوْمُ فَأَغْلَوا مِنْهَا القُدُورَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَأُكْفِئَتْ (¬4)، ثُمَّ عَدَلَ عَشْرًا مِنَ الغَنَمِ بِجَزُورٍ. . ." الحديث (¬5). وذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الغلولَ، فجاء رجلٌ بشراك أو شراكين، فقال النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: شراك أو شراكان من نار (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 522. (¬2) الكبة: بالضم، جماعةُ الخيل، وهي الجرسوق من الغزلِ، قلت: وهو المراد دون الأول، فكأنه الشيء اليسير. انظر: لسان العرب: 1/ 695، بتصرف. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 205، البيان والتحصيل: 2/ 523. (¬4) في (ق 3): (بإكفاء القدور). (¬5) متفق عليه, أخرجه البخاري: 2/ 881، في باب قسمة الغنم، من كتاب الشركة، برقم (2356)، ومسلم: 3/ 1558، في باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم، من كتاب الأضاحي، برقم (1968). (¬6) متفق عليه، أخرجه البخاري: 4/ 1547، في باب غزوة خيبر، من كتاب المغازي، برقم (3993)، ومسلم في الإيمان باب غلظ تحريم الغلول وأنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون برقم (115)، ومالك في الموطأ: 2/ 459، في باب ما جاء في الغلول، من كتاب الجهاد، برقم (980).

والقَدْرُ الذي يجوز له إمساكُهُ من الطَّعام: ما يأكله في مقامه، وفي رجعته إلى بلده، أو يفضل ما لا قدر له. فإن كان له قدرٌ- ردَّه وكان مغنمًا، وإن افترق الجيش تصدَّق به. وإن كان قدرُ حاجته فباعه وآثر الثمنَ على حاجته- كان مغنمًا، ولا يردَّ الثمنَ على المشتري إن كان المشتري من غير الجيش أو من الجيش (¬1) واشتراه للتّجارة، وأن اشتراه لأكله ردّ عليه الثمن. وقال ابن القاسم في العتبية: من باع طعامًا بأرض الحرب ممَّن (¬2) يأكلُه ردَّ الثمن في المغنم لا على المبتاع (¬3). وهذا إذا كان المشتري من غير الجيش أو ممَّن خرج لغير الجهاد أجيرًا أو تاجرًا. وقال ابن القاسم: إن استقرض طعامًا لم يلزمه ردّهُ على المقرض؛ لأنَّ عليه أن يعطيَ ما استغنى عنه (¬4). فإذا لم يكن على المستقرض غرم المثل، لم يكن على المشتري ثمن، ولو كان الطَّعام قدرَ حاجته أيامًا، فأقرضه بعضه ليأخذه وقتَ حاجته كان ذلك له. وأجاز سحنون بدل القمح بالشعير متفاضلًا (¬5). ومنعه ابن أبي الغمر (¬6)، ¬

_ (¬1) قوله: (أو من الجيش) ساقط من (ت). (¬2) في (ق 3): (فيمن). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 54، والنوادر والزيادات: 3/ 207. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 204. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 204. (¬6) هو: أبو زيد عبد الرحمن بن أبي الغمر، الفقيه، المحدث، روي عن ابن القاسم وابن وهب وغيرهم، وروى عنه ابناه محمد وزيد، والبخاري وخرج عنه في صحيحه وأبو زرعة =

إلا مثلًا بمثل. والأوَّلُ أقيسُ؛ لأنَّ كلَّ واحد منهما إنَّما يعطي ما استغنى عنه، فللآخر أَنْ يأخذه بغير عوضٍ. واختُلفَ فيمن باع طعامًا فاشترى بثمنه طعامًا آخر: فكَرهَه ابنُ حبيب، ورأى الثمن مغنمًا خلاف المبادلة (¬1). وقال سحنون: قال بعضُ أصحابنا: إنْ (¬2) باعَه لحاجته؛ ليصرف ثمنَه في كسوةٍ أو سلاحٍ ولا شيء عنده لا بأس به، كما لو أَخَذَهُ من المغنم، فإن بلغ بلاده تصدَّق به. وإن كان ليتأثَّل (¬3) ثمن وكان له قدره كان مغنمًا (¬4). واختُلفَ عن مالك فيمن احتاج إلى فرسٍ من المغنم: فقال مرةً: له أن يأخذها ويقاتل عليها ويركبها (¬5)، حتَّى يَقْفُل إلى أهله، ثُمَّ يردُّها إلى الغنيمة (¬6). وأجاز ابن القاسم مثل ذلك في السَّيف والثوب يأخذه من الغنيمة فينتفع به حتَّى يقْدَم أهْله (¬7). ¬

_ = وروح بن الفرج، وابن المواز وأبو إسحاق البرقي ويحيى بن عمر، وله كتب مؤلفة في مختصر الأسدية، وله سماع من ابن القاسم. توفي سنة (234). انظر: الديباج المذهب، ص: 243، وشجرة النور الزكية: 1/ 67. (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 205. (¬2) في (ت): (من). (¬3) أَثَّلَ: كَثُرَ مالُه. انظر: لسان العرب: 11/ 9. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 208. (¬5) في (ت): (يتركها). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 522. (¬7) انظر: المدونة: 1/ 522.

وروى ابنُ وهب وابنُ زياد عن مالكٍ أنَّه لا يُنتفع بدابةٍ ولا بسلاحٍ ولا بثوبٍ (¬1). قال: ولو جاز ذلك لجاز أَنْ يأخذَ دنانيرَ يشتري بها (¬2). وأرى أنْ يُنتفع بالفرس والسَّيف ليقاتل عليه وبه؛ لأنَّ هذا من باب الذبّ عن المسلمين، فإذا انقضى القتالُ ردَّه ولم يَقْفُلْ به. وإذا كان قسمُ الغنيمة قبلَ القفول أبين ألَّا يؤخّرَ قسم ما أخذ. وسهمان الفرس له، وعليه إجارةُ المثل، ولا يُنتفع بالثَّوب على حال، إلَّا أن يقومَ عليه ليحاسب به. واختُلفَ إذا صاد طيرًا أو حيتانًا لها قدر: فقال محمد: إن باعَ ذلك جَعَلَ الثَّمنَ في المقاسم (¬3). وقال مالك وغيرُه في كتاب ابن حبيب: الثَّمنُ له (¬4). وقال مالك: إن اتخذ سرجا أو صنع مشجبا- فهو له ولا يخمّس (¬5). وقال ابن الماجشون: إن كان شيئًا له قدرٌ كانت له إجارتُهُ وكان مغنمًا. وقال مالك: لا بأس أن يأخذ من أشجار الدَّواء وإن أخذه للبيع وكَثُرَ ثمنُهُ في بلاد الإسلام (¬6). وهو أقيس، ولا شيءَ عليه في جميع ما تقدَّم ذكرُهُ؛ لأنَّها ليست من أموال العدوّ، ولا يقصدها النَّاسُ ليغنموها، وهي ممَّا يرحل الجيشُ عنها ويتركونها، ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 522. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 522. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 211. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 212. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 524. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 213.

فصل [فيما عجز الجيش عن نقله من غنائم الحرب]

والحوت والطير والشعاري في ذلك سواءٌ. فصل [فيما عجز الجيش عن نقله من غنائم الحرب] وما عَجَزَ الجيشُ عن نقله من الأمتعة والطعام حُرقَ؛ لئلَّا ينتفعوا به. واختُلفَ في الخيل والبقر والغنم، فقال مالك: تعرقب (¬1) أو تذبح (¬2). فقال ابن القاسم: وما سمعت أنَّها تحرق بعد ذلك. وقال سحنون وابن عبد الحكم: الذَّبحُ أحسن وهو أصوبُ؟ لقول النَّبي - صلى الله عليه وسلم - "إِنَّ اللهَ كتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ، وإذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ, وَلْيُحِدَّ أَحَدُكمْ شَفْرَتَهُ , وَلْيرح ذَبِيحَتهُ". أخرجه مسلم (¬3). فمن عَرْقَبَها لم يرحْها، وإذا ذُبحَتْ لم تُحْرَقْ، إلا أَنْ يُخشى أَنْ يُدركوها قبل أن تفسد وتنتن؛ فتحرق وتصير حينئذ كالمتاع. وأمَّا بنو آدم إذا عجزوا عن نقلهم: فما كان من صغير أو امرأة أو شيخ فإنَّه يُترك، وما كان من الرجال قُتلَ، إلا أن يكون مُنّ عليه بألَّا يقتلَ وأُبقيَ رقيقًا، فلا يُقتل. واختُلفَ فيما تَرَكَ من المتاع وغيره إذا أخذه أحدٌ وخَرَجَ به: فقال أشهب في كتاب محمَّد: مَن اشترى من السبي شيئًا، فعَجَزَ عنه وتَرَكَهُ، فدخلتْ خيلٌ ¬

_ (¬1) عَرْقَبَ الدَّابة قَطَعَ عُرْقُوبَها. انظر: لسان العرب: 1/ 594. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 64. (¬3) أخرجه مسلم: 3/ 1548، في باب الأمر بإحسان الذبح والقتل وتحديد الشفرة، من كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، برقم (1955).

أخرى فأخذتْه- فهو لصاحبه الأوَّل (¬1). وقال ابن حبيب: إن تُركَ في حوز المسلمين (¬2) كان للأوَّل، ولمن جاء به أجرة مؤونته، وما كان فيهم من عجوزٍ، أو شيخٍ فانٍ فهم أحرار؛ لأنَّ ترك مثلهم كالتحرير لهم، وإن تركهم في حَوز العدوّ فهم لمن أخذهم، ولا عتقَ للشيوخ منهم؛ لأنّه لم يخلهم وهو يملكهم ملكًا تامًا، وهو كالمغلوب عليهم، ولا خمس فيهم. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 214. (¬2) في (ت): (الإسلام).

باب في الاستعانة بالمشركين في القتال وغيره

باب في الاستعانة بالمشركين في القتال وغيره الاستعانةُ بالكفَّار في قتال العدوّ ممنوعةٌ؛ لقول الله -عز وجل- {وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (89)} [النساء: 89]. فمنع الانتصارَ بهم، وقال النَّبي - صلى الله عليه وسلم - لمن استعان به: "إِنَّا لاَ نَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ " (¬1). وأجاز مالكٌ أَنْ يُستعان بهم في الخدمة أو صنعة (¬2). وأجاز ابنُ حبيب أَنْ يُستعان بهم في هدم الحصن، ورمي المنجنيق، وأَنْ يُستعان بهم في القتال إذا كانوا ناحية، قال: ولا بأس أن يقوم بمن (¬3) سالمه من الحربيين على من لم يسالمه بالسِّلاح، ويأمرهم بنكايتهم، وأن يكون من سالمه بحذاء عسكره، وقربه ومسايرين له، يقوون بطلبه على مَنْ حاربه , ما لم يكونوا في داخل عسكره (¬4). وكل هذا انتصار بالكافرين (¬5) والقرآن والحديث يرده. ¬

_ (¬1) صحيح، أخرجه أبو داود في سننه: 2/ 83، في باب في المشترك يسهم له، من كتاب الجهاد، برقم (2732). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 524. (¬3) في (ت): (على). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 35. (¬5) في (ت): (الكفار).

باب في أمان المسلمين لأهل الحرب

باب في أمان المسلمين لأهل الحرب لا يخلو الأَمَانُ من سبعة أوجهٍ: إما أن يكونَ من أمير الجيش، أو من رجل من الجيش وهو حرٌّ مسلمٌ، أو ممَّن لم يتوجّه عليه الجهاد: كالمرأة والعبد والصبي، أو من كافرٍ في الجيش، أو من سريَّةٍ خرجت من الجيش، أو من سريَّةٍ من أرض الإسلام بأمر الأمير، أو من غير إذن الأمير. فأمَّا الجيشُ فالأمان فيه إلى أمير الجيش دون من معه من الجُنْد والعرائف وغيرهم (¬1)، وهو النَّاظر للمسلمين فيما يراه صوابًا بعد الاجتهاد ومشاورة مَنْ مَعَهُ من ذوي الرَّأي، فما عَقَدَهُ جَازَ ولَزمَ (¬2) الوفاءُ به. فإن جَعَلَ لهم الأمانَ على أن يرحلَ عنهم، أو على أنَّهم آمنون إلى مدة معلومة، وكان ذلك بمال أو بغير مال، أو على أَنْ يخرجوا إليه على أنهم آمنون من القتل خاصة ويسترقّهم، أو على أن يَضرب عليهم الجزيةَ ولا يسترقهم، أو على أن يأخذ أموالهَم خاصة ولا يعرض في غير ذلك من أنفسهم أو يأخذ أموالهم وأبناءَهم أو بعض ذلك فهو عقد جائز لازم. وأجاز محمدٌ إذا وَقَعَ ذلك من غير أمير الجيش فيكون أمانًا لهم من ذلك الجيش، ولا يكون أمانًا على ألَّا يغزوهم أحدٌ. والأوَّلُ أحسنُ، وليس لواحدٍ أن يعقدَ على الأمير وعلى الجيش أَنْ يرحلوا عنهم، وكذلك إن أمَّن واحدٌ من الجيش واحدًا من أهْل الحصن، فعلى قول ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 79. (¬2) في (ت): (له).

محمد يَمْضي عقدُهُ. وقال ابنُ حبيب: لا ينبغي لأحدٍ من أهل الجيش أن يُؤمّنَ أحدًا غيرَ الإمام وحدَه، ولذلك قُدّمَ، وينبغي أن يتقدَّم إلى النَّاس في ذلك، ثُمَّ إن أمَّن أحدٌ أحدًا قبلَ نهيه أو بعدَه فالإمامُ مخيَّرٌ: إمَّا أمَّنه، أو ردَّه إلى مَأْمَنه (¬1). وقال في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "يُجِيرُ عَلَى المُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ " (¬2): إن الدني من حرٍّ أو عبدٍ أو امرأةٍ أو صبيٍّ يعقل (¬3) الأمان يجوز أمانُهم، وليس للإمام ولا غيره أَنْ يغدرَ به، ولكن يوفّي له ذلك، أو يردَّه إلى مأمَنه (¬4). قال ابنُ سحنون: إذا أمَّن المسلمُ قومًا من أهل الحرب فهم آمنون، ولكنْ يَنظر الإمامُ: فإمَّا أتمَّ ذلك، وإمَّا يَنبذ إليهم (¬5). واتَّفق ابنُ حبيب وابنُ سحنون أنَّ عقدَه على الإمام وعلى النَّاس لا يلزمُهُ، وإنَّما هو آمنٌ حتَّى يُنظر في ذلك (¬6). واختُلفَ في أمان المرأة والعبد والصبيّ إذا كان يعقل الأمان: فقال ابن القاسم: ذلك جائزٌ وهو آمنٌ (¬7). وقد تقدَّم قولُ ابن حبيب أنَّه آمنٌ حتَّى يرى ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 79. (¬2) حسن صحيح، أخرجه ابن ماجه: 2/ 95، في باب المسلمون تتكافأ دماؤهم، من كتاب الديات، برقم (2685)، وأخرجه بنحوه أبو داود: 2/ 9 س في: باب في السرية ترد على أهل العسكر، من كتاب الجهاد، برقم (2751). (¬3) في (ت): (يعقلوا). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 78. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 79. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 95. (¬7) انظر: المدونة: 1/ 525.

الإمامُ رأيَه. وذكر أبو الفرج عن عبد الملك أنَّه قال: ليس إجارةُ المرأة إجارة، ولا يكون أمنًا. وروى معنٌ عن مالكٍ أنَّه قال في الرَّجل من الجيش يؤمّن الرَّجلَ والرجلين بغير أمر (¬1) الإمام: فذلك جائز. قيل: فالعبد؟ قال: لا (¬2). وقال سحنون: ليس أمانُ الصبي بأمانٍ، إلَّا أَنْ يجيزه للقتال، ويصير له سهمٌ، فالإمامُ مخيَّرٌ: إمَّا أجاز أمانَه، أو ردَّه، فأمَّا إن لم يجزه للقتال فأمانه باطلٌ (¬3). وأرى أن (¬4) أمانَ كلّ هؤلاء أمانٌ؛ فلا يقتلُ من أمَّنوه، ولا يُسترقُّ، والنَّظرُ فيه للإمام، فإن رأى أن يجيزَ له ما عَقَدَهُ، وإلا ردَّه إلى مأمنه. واختُلفَ في الأمان بعد الفتح وبعد أن توجه الأسر والقتل، فقال ابن المواز فيمن أعطى أسيرا أمانا: سَقَطَ عنه القتلُ. يريد: ولا يسقط الاسترقاق وقال ابنُ سحنون عن أبيه: لا يحلّ لمن أمَّنه قتله، والإمام يتعقب ذلك: فإن رأى ذلك نظرًا أمضاه وصار فيئًا، وإن رأى قَتْلَهُ أصلح قَتَلَهُ؛ لأنَّه أُمّنَ بعد أن صار أسيرًا وفيئًا (¬5). وهذا أحسن. وفي مثل هذا جاء أَنَّ أُمَّ هانئ - رضي الله عنها - أمَّنتْ بعدَ الفتح؛ فلم يكن أمانُها أمانًا ¬

_ (¬1) في (ق 3): (إذن). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 80. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 80. (¬4) قوله: (أن) ساقط من (ت). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 76.

إلا بإجازة النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتَ يَا أُمَّ هَانِئٍ" (¬1). ولو كان إجارتُها لازمةً لم يقل: أجرْنَا. ولكان الجوارُ منها وحدَها دون غيرها. قال ابنُ الماجشون وسحنون: إنَّما تمَّ أمانُها بإجازة النَّبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). قال سحنون: وإنْ أمضاه كان فيئًا (¬3). وأرى (¬4) أنَّ مضمونَ الأمان في النَّفس ألَّا يقتلَ، ولو كان أمانًا لمن حصن لكان ألَّا يباح بقتل ولا بغيره، إلا أن يبين (¬5) أنَّ ذلك في النَّفس دون المال أو غير ذلك. وإن بعث أميرُ الجيش سريةً إلى موضع وجَعَلَ لهم أَنْ يَعْقدُوا ما رأوه صوابًا من هدنةٍ أو غيرها جاز، وإن جعل لهم القتالَ والسبيَ إن لم يسلموا لم يكن لهم أن يعقدوا (¬6) ذلك، فإنْ فَعَلوا كان النَّظرُ لأمير الجيش: فإن رأى إمضاءَ ذلك، وإلَّا أعلمهم أنَّه لا عقد لهم، ويستأنف الأمر معهم. وإن جَعَلَ لهم أن يَعقدوا ما رأوه من هدنةٍ أو مالٍ أو سبى ففعلوا، ثُمَّ جاءت سريةٌ أخرى: فإن كانت من الجيش الذي كانت منه السريَّةُ الأولى لم ¬

_ (¬1) متفق عليه، البخاري: 1/ 141، في باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفًا به, من أبواب الصلاة في الثياب، برقم (350)، ومسلم: في باب تسترّ المغتسل بثوب ونحوه , من كتاب الحيض، برقم (336)، ومالك في الموطأ: 1/ 152، في باب صلاة الضحى، من كتاب قصر الصلاة في السفر، برقم (356). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 79. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 76. (¬4) في (ق 3): (ورأى). (¬5) في (ت): (يتبين). (¬6) في (ق 3): (يعدوا).

يكن لهم نقضُ شيءٍ ممَّا عقدتْه الأولى (¬1)، وكذلك إن لم يكونوا من ذلك الجيش، ولكنَّهم من ذلك (¬2) البلد الذي خَرَجَتْ منه الأولى، وإن كانت من بلد آخر وأمير آخر، ولا يرجعان إلى أمير واحد فوقهما كان لهم أن يقاتلوهم، وعلى أصل سحنون: ليس ذلك لهم. وإن كانت السريَّةُ من أرض الإسلام وبأمر أمير البلد الذي خرجت منه الأولى كان حكمُها بمنزلة ما لو خَرَجَتْ من الجيش. وإن خَرَجَتْ بغير إذن الإمام لم يلزمه ما عقدت. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 98. (¬2) قوله: (ذلك) ساقط من (ق 3).

فصل [في أمان الذمي]

فصل [في أمان الذّمّي] والخُلْفُ في أمان الذمّي: فقال مالكٌ في كتاب محمد: لا أمانَ لهم، وهم فيءٌ. قال محمد: فإنْ قالوا: ظننَّا أَنَّ لهم جوارًا لمكان ذمتهم (¬1) فلا أمان لهم وقد صاروا فيئًا (¬2). والخُلْفُ بعد القول أنَّ لا أمان لهم- إن قالوا: ظننّا أنَّ الذي أعطانا الأمانَ مسلمًا، فقال ابن القاسم مرَّةً: لا يقبل عذرُهم. وقال مرَّةً: ذلك لهم ويردُّون إلى مأمنهم (¬3). وأرى إذا كان عالمًا أنَّه نصرانيٌّ وقال: ظننتُ أن جواره جائزٌ أن يُردَّ إلى مأمنه؛ لأنَّ ذلك مشكلٌ، ولم يأت بما لم يشبه؛ فلا يُستباح بالشك. وإن قال: علمتُ أن عقدَ النصرانيّ غيرُ لازمٍ، ولم أعلم أنَّه نصرانيٌ لم يصدق؛ لأنَّهم أهلُ دين واحد، ولا يكتمه ذلك، بل يخبره ويبدأ بالشفقة عليه والنّصح له، ومن ادَّعى أنَّه لم يُعلمه فقد أَتَى بما لا يشبه. فصل [فيمن أُسر مسلمًا وأُمّن] وإن أسر العدو مسلمًا، ثُمَّ أمَّنوه على ألا يهربَ لم يكن له أَنْ يهرب، وكذلك إن أعطاهم عهدًا ألا يهرب، وتركوه يتصرف لم يكن له أن يهرب؛ لأنّه وان كان مُكْرهًا على العهد، فإن ذلك يؤدّي إلى الضَّرر بالمسلمين، والتضييق ¬

_ (¬1) في (ق 3): (ذمتكم). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 80. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 80.

على مَن في أيديهم من الأسارى، ويرون أن المسلمين لا يوفون بعهد. وإن حملوه على أن حَلَفَ بالطَّلاق أو بالعتق على ألا يهرب جاز له الهربُ، بخلاف الأُولى؛ لأنّه في مسألة العهد لم يجعلوا له الهربَ بوجهٍ، وهذا جعلوا ذلك له، ويقع عليه الطَّلاق والعتقُ، وإنَّما يرون أنَّه آثرَ طلاقَ زوجته وعتقَ عبيده على المُقام، ثُم لا يلزمه ذلك لأنّه مُكرةٌ.

باب في الديوان والجعائل

باب في الديوان والجعائل وُيستحبُّ لمن أراد الغزو ألا يأخذَ عليه أجرًا، ويجعله لله خالصًا. وإنْ أحبَّ أَنْ يَكْتَتبَ في ديوان الجُنْد والعطاء لم يُمنع إذا كان العطاء من حيث يجوز. وإذا كتب الأميُر بعثًا ليخرج فيه جندًا معلومًا أو أهل ثغر، فأراد أحدٌ ممَّن أُمرَ بالخروج أَنْ يجعلَ جعلًا لمن يخرج مكانَه فلا بأس به إذا كان الثَّاني من أهل الديوان، وإن لم يكن كُره أن يسفكَ دمَه لمال يأخذه، فإن فعل وخرج كان له ذلك المالُ (¬1). ولا يخرج أحدٌ مكانَ أحدٍ إلاّ بعد علم الأمير بالخروج وإذنه، فقد يكون الأوَّلِ أَنْجد، وإن كان الثَّاني أنجد وهو من أهل الديوان فيستأذنه أيضًا؛ فقد يرى الباعث إبقاءه أَوْلى لأمر يحتاجه له، وإن لم يكن من أهل الديو ان أعلمه حمايةً؛ لئلا يخرجَ أمرُ الجيش عن تدبيره ورأيه. وإن أراد رجلان أن يتطاويا وهما من ماحوزين (¬2)، فيرجع كلُّ واحدٍ منهما إلى ماحوز الآخر فلا بأس بذلك إذا رأى ذلك عرفاؤهما. وإن تنازعَ رجلان من أهل الديوان في اسم، وأشكل أمرهما لاتّفاقهما في الأسماء والآباء، وقال كلُّ واحد: أنا ذلك الرجل فإنه لا يخلو اختلافُهما أن ¬

_ (¬1) قال في المدونة: 1/ 527: (لو جعل رجل من أهل الديوان لرجل من غير أهل الديوان شيئًا علي أن يغزو عنه؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئًا ولا يعجبني). (¬2) قوله: الماحوز قال فيه القرافي: هو: الموضع الذي يرابط فيه نحو الإسكندرية، وقال الجبي: مواحيز الإسلام: واحدها ماحوز- هي ثغورهم ومرابطهم. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، ص: 105، ولسان العرب: 5/ 339.

يكون رأس الحول عند العطاء أو قبله، أو عند بعث ذلك الجيش. فإن كان عند رأس الحول تحالفا واقتسما ذلك العطاء، وإن نكل أحدُهما كان للحالف، ثُمَّ يَنظر الأميرُ، فإن رأى أن يثبتهما أَثبتهما، وفرَّق بينهما بزيادة حليةٍ، أو صناعةٍ، أو جَدّ. وإن رأى أن يثبت أحدهما فعل ذلك به، وكذلك إنْ تَنَازَعَا عند خروج بعث تلك العرافة، وأخرج لهم حينئذٍ العطاء، إلا أن يرى الأمير أن يبعث أحدهما، وإن لم يكن الثَّاني من تلك العرافة أخرجه، وجعل العطاء للآخر، إلا أن يرى أن خروج الثاني أولى، وأمَّا إن قال: يخرج بعثُ الثغر الفلاني أو الجيش الفلاني- فينَّهما يتحالفان ويقتسمان ذلك العطاء، ويخرجان أو يقترعان، على أيّهما وقعت القرعة خرج، ولم يردَّ القاعدُ على الخارج شيئًا؛ لأن الأميرَ أعطى عطاءً واحدًا، وحقَّه في خروج واحد، فلا مقال له على القَاعد، وهو فيما بينهما على أنَّهما قد استحقَّاه بعد أيمانهما واقتراعهما، إنما هو تخفيف لأحدهما على الآخر، ليس ليرد له شيئًا. وإن كان اختلافهما بعد أخذ العطاء رأس الحول، أو بعد رجوعهما وفي حين ليس فيه عطاءٌ كان الأمرُ إلى الإمام في أن يثبتهما، أو أحدَهما حسب ما تقدَّم.

باب في الجزيه , ومن لا يصح أن تقبل منه، ومن لا يخاطب بقتال، ولا بجزية

باب في الجزيه , ومن لا يصحُّ أن تقبل منه، ومن لا يخاطب بقتال، ولا بجزية الكفَّارُ في قتالهم وقبول الجزية منهم على ثلاثة أصناف: صنفٌ يتوجه خطابهم بثلاثة أشياء: بالدخول في الإسلام، أو الجزية عن يدٍ، أو القتال، وهم أهل الكتاب عربًا كانوا أو غيرهم. وصنف يتوجه خطابهم بوجهين: بالإسلام أو القتال. واختُلف في قبول الجزية منهم، وهم: المشركون وعبدة الأوثان والمجوس ما سوى الحبش والترك (¬1). وصنف يدعون إلى الإسلام. واختُلفَ إذا عاندوا، هل يتركون أو يقاتلون؟ وهم الحبش والترك (¬2). والأصل في أهل الكتاب قول الله -عز وجل-: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)} [التوبة: 29]. وفي قتال عبدة الأوثان والمجوس قوله: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} [التوبة: 73]. وقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5]. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 529، قال فيها: (قال مالك في المجوس ما قد بلغك عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب "، فالأمم كلها في هذا بمنزلة المجوس عندي). (¬2) قوله: (وصنف يدعون إلى الإسلام. . . الحبش والترك) ساقط من (ب).

وفي قبول الجزية منهم ثلاثة أقوال: فقال مالك: تقبل عربًا كانوا أو غيرهم (¬1). وقال ابن القاسم: الأمم كلُّها إذا رضوا بالجزية قُبلَتْ منهم (¬2). وقال ابن الماجشون: لا تقبل. قال ابن وهب: لا تقبل من مجوس العرب، وتقبل من غيرهم، قال: وقد قبلها النبي - صلى الله عليه وسلم - من مجوس هجر، ولم يقبلها من غيرهم (¬3). ورأى ابن الماجشون أن قول الله -عز وجل-: {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [التوبة: 29]. أنه شرط، وأنَّ ما عدا الشرط بخلافه. وقول مالك أحسن؛ لورود الأخبار الصحاح: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبلها من العرب وغيرهم، وفعله الصحابة بعده. فأخرج البخاري عن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبلها من مجوس هجر (¬4). وعن المغيرة - رضي الله عنه - أنَّه قال في قتالهم لكسرى: إن نبينا أمرنا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده، أو تؤدّوا الجزية (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 529. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 529. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 44. (¬4) أخرجه البخاري: 2/ 1151، في باب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب, من أبواب الجزية والموادعة، برقم (2987). (¬5) أخرجه البخاري: 2/ 1152، في باب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب، من أبواب الجزية والموادعة، برقم (2989).

وفي كتاب مسلم عن بريدة، قال: كان النَّبي - صلي الله عليه وسلم - إذا أمّر أميرًا على سريَّة أو جيش قال: "إِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ المُشْرِكينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلاَثِ خِصَالٍ أَوْ خِلاَلٍ، فَأَيَّتُهَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ، فَإِنْ أَبوْا فَاسْأَلهُمُ الجِزْيَة, فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، وَادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ. . ." الحديث (¬1). فدخل في هذا العرب؛ لأنَّهم المشركون، وهم أكثر من كان يقاتل. وفي الموطأ قال عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - لعمر - رضي الله عنه - في المجوس: سمعت رسول الله قي يقول: "سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الكِتَابِ" (¬2). وفيه دليلٌ: أنَّ قولَه هذا كان بعد نزول آية الجزية، وأنَّهم علموا الحكم في أهل الكتاب، فأمرهم أن يمضوا في هؤلاء على سُنة أولئك. وأخذها عثمان - رضي الله عنه - من مجوس البربر (¬3). وقد اختُلفَ في استرقاق العرب، فأجازه ابنُ القاسم، ويجوز على قول مالك؛ لأنَّهما يريان أخذَ الجزية منهم (¬4). ومن أجاز أن يبقى على الكفر مع الجزية جاز أن يُسترق مع الكفر، وعلى قول ابن وهب: لا يسترقون إن أسلموا، وإلا قتلوا (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم: 3/ 1356، في باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها، من كتاب الجهاد والسير، برقم (1731). (¬2) أخرجه في الموطأ: 1/ 278، في باب جزية أهل الكتاب والمجوس، من كتاب الزكاة، برقم (616). (¬3) أخرجه في الموطأ: 1/ 278، في باب جزية أهل الكتاب والمجوس، من كتاب الزكاة, برقم (615). دون قوله: (مجوس). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 44. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 44.

وهو قول مالك والشافعي (¬1)، وأبي حنيفة (¬2). وقال مالك: الفرازنة -وهم جنس من الحبشة- لا يقاتلون حتى يدعوا (¬3). وقال ابن القاسم في الترك مثل ذلك، فأباح قتالهما إذا دعوا فأبوا (¬4). وقال مالك في كتاب ابن شعبان: لا تقاتل الحبشة، إلا أن يخرجوا من غير ظلم. وكذلك الترك (¬5). وقال ابن القاسم: وأخبرني من أثق به من أهل المدينة عن حرملة بن سعيد، عن سعيد بن المسيب أن النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: "اْترُكُوا الحَبَشَةَ مَا ترَكُوكُمْ" (¬6). وقال أبو إسحاق ابن شعبان: اتركوا الرابضين ما تركوكم؛ الحبشة والترك. وقال سحنون: قيل لمالك: أبلغك أن النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: "ذروا الحبشة ما وذروكم؟ ". قال: أمّا عن النَّبي - صلي الله عليه وسلم - فلا، ولكن لم أزل أسمع أنَّ ذلك يقال، ولم يزل الناس يغزون الروم وغيرهم، وتركوا هؤلاء، فما أُراهم تركوا قتالهم إلا لأمر (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: الأم، للشافعي: 4/ 240. (¬2) انظر: المبسوط، للسرخسي: 10/ 201. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 529. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 529. (¬5) انظر: الزاهي، لابن شعبان، لوحة رقم: [48 / أ]. (¬6) لم أقف على قول ابن القاسم، وقوله: (اتركوا الحبشة)، أخرجه أبو داود: 2/ 517، في باب النهي عن تهييج الحبشة، من كتاب الملاحم، برقم (4309). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 69، والبيان والتحصيل: 17/ 544.

فصل [فيمن تؤخد منه الجزية]

فصل [فيمن تؤخد منه الجزية] والجزيةُ تقبل ممَّن كان تحت قهر المسلمين. إمَّا معهم في بلدٍ أو بالقرب، ولا تُقبل ممَّن بَعُدَ إلا أن ينتقلوا إلى قرب المسلمين، بحيث لا يخاف أن يعودوا إلى الامتناع، وإن خُشي ذلك منهم مع قرب مدينتهم لم يُقبل، إلا أن يهدم سورهم، أو ما يرى أنهم لا يمتنعون بعده. والجزيةُ على الرجال (¬1) الأحرار البالغين العقلاء، وساقطةٌ عن: النّساء، والصبيان، والمجانين، والعبيد. والأصل في ذلك قول الله سبحانه: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة: 29]. ثم قال: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]. فإنَّما خُوطب بها من توجّه عليه القتال، ومن لم يخاطب بالقتال لم يدخل في الآية، وهم: النساء، والصبيان، والمجانين؛ لنهي النَّبي - صلى الله عليه وسلم - عن قتل النساء والصبيان (¬2). ولم يدخل في ذلك العبيد؛ لأن الخطاب تضمَّن من يبقى على حاله من الحرّية (¬3)، فلا يباح بقتالٍ ولا غيره، ولا يجتمع الرَّقُّ والجزية. قال مالك: في كتاب ابن حبيب: لا تؤخذ من الرُّهْبان المنهي عن قتلهم، من اعتزل في الصوامع والديارات (¬4). ¬

_ (¬1) قوله: (الرجال) ساقط من (ب). (¬2) سبق تخريجه, ص: 1398. (¬3) كذا في (ب)، وفي بقية النسخ: (الجزية). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 359.

فصل [في مقدار ما يفرض من الجزية]

قال مطرف وابن الماجشون (¬1): وهذا في مبتدأ حملها، فأما من ترهب بعد أن ضربت عليه؛ فلا تزول عنه (¬2). قال مالك: وأما رهبان الكنائس؛ فلم ينه عن قتلهم, ولا توضع الجزية عنهم (¬3). فصل [في مقدار ما يفرض من الجزية] وأما قدرها، فقال مالك في كتاب محمد: جزية الجماجم على ما فرض عمر - رضي الله عنه - على أهل الذهب: أربعة دنانير، وعلى أهل الورق: أربعون درهما، ولا يزاد، وإن كثر يسرهم (¬4). واختلف هل ينقص الفقير، فقال محمد: روى أصبغ عن ابن القاسم، أنه قال: لا ينقص. وأباه أصبغ إذا كان منهم من لا يحمل ذلك لإقلاله، قال: وكتب عمر - رضي الله عنه - أن خففوا عن محتاجهم، ثم إن احتاجوا فاطرحوها عنهم، ثم إن (¬5) احتاجوا فأنفقوا عليهم وأسلفوهم من بيت المال (¬6). وقال (¬7) ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: لا تؤخذ الجزية من الفقير (¬8). ¬

_ (¬1) قوله: (وابن الماجشون) ساقط من (ب). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 359. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 359. (¬4) في (س): (وإن كثر بشرهم)، وانظر: البيان والتحصيل: 4/ 179. (¬5) قوله: (إن) ساقط من (ب). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 213. (¬7) في (ب): (وقاله). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 359.

وهو أحسنُ للحديث أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أمر معاذا - رضي الله عنه - أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا. يريد: محتلمًا (¬1). وأمر عمر - رضي الله عنه - بأربعة دنانير، فثبت أنّها تختلف باختلاف حالهم من الغنى والفقر. وإنَّما لم يَرَ مالك أَنْ يزاد على ما فعل عمر - رضي الله عنه -، أنَّه فرض مع الدنانير أرزاق المسلمين مُدَّين من الحنطة على كل نفس في الشهر، مع ثلاثة أقساط زيتٍ ممن كان بالشام (¬2) والجزيرة. وعلى من كان من أهل مصر إردب من حنطة في كلّ شهر، قال: ولا أدري كم من الوَدَك (¬3) والعسل، وعليهم من الكسوة التي كان عمر يكسو النَّاس، وعليهم (¬4) أن يضيفوا من مرَّ بهم من المسلمين ثلاثة أيام. وعلى أهل العراق خمسة عشر صاعًا (¬5) كلَّ شهر على كلّ رجل مع كسوة معروفة، ولا أدري كم كان قدرها، كان عمر يكسوها النَّاس، وأربعة دنانير يسدُّ به (¬6) فيما كان عليهم من الطعام والإدام والكسوة والضيافة (¬7). فإن زيد اليوم عليهم من الذهب والورق ما بينهم وبين ما كان عليهم من سوى العين؛ لم يخرج فاعله من قضاء عمر. ¬

_ (¬1) حسن، أخرجه أبو داود: 1/ 494، في باب في زكاة السائمة، في كتاب الزكاة، برقم (1576)، والترمذي: 3/ 20، في باب ما جاء في زكاة البقر، من كتاب الزكاة، برقم (623)، وأخرجه النسائي: 5/ 25، في باب زكاة البقر، من كتاب الزكاة، برقم (2450). (¬2) في (س): (بلاد الشام). (¬3) الودك: دَسَم اللحم ودُهنه. انظر: لسان العرب: 10/ 509. (¬4) في (س): (وعلى). (¬5) في (ب): (خمسة أصوع)، انظر: النوادر والزيادات: 3/ 358. (¬6) قوله: (يسد به) في (ب): (نسوة). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 357.

وقال مالك: أرى أن يوضع اليوم عنهم من الضيافة والأرزاق لما أحدث عليهم من الجور (¬1). ولا أرى أن يوضع عنهم اليوم بالمغرب؛ لأنه لا جور عليهم. وكل (¬2) هذا فيمن استحيى من أهل العنوة أو حربي قدم ليقيم، ويكون ذمة. وقال مالك في كتاب محمد فيمن أقبل من العدو إلى بلاد الإسلام فسكنها: تُضرب عليه الجزيةُ، وهو بالخيار: إن شاء أقام على الجزية، وإن شاء رجع إلى بلده، قال ابن القاسم خيره (¬3): وأنا أستحسن ذلك. قال محمد: إنما يكون بالخيار قبل أن يلتزم الجزية، فأما إن اختار الجزية، وألزم نفسه ذمة الإسلام- لم يمكَّن من الرجوع (¬4). قال (¬5): وكذلك العبد النَّصراني يعتقه النَّصراني، فتلزمه الجزيةُ كما تلزم مولاه. وليس له الخروج من ذلك، كما ليس ذلك للذي أعتقه، وإن أعتقه مسلم لم تكن عليه جزيةٌ، وليس له الرُّجوعُ إلى دار الكفر (¬6). يريد: خوفًا من أن يخبر بثغرة تكون في بلاد الإسلام. ولو أراد الذمّي أن ينتقل بعد ضرب الجزية إلى بلد آخر من بلاد المسلمين، تكون له ذمة بالبلد الآخر، وتضرب عليه الجزية لم يمنع. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 358. (¬2) في (ب): (وكان). (¬3) في (ب): (مرة) وفي ق 3 (جيدة) وهو تحريف (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 133. (¬5) قوله: (قال) ساقط من (ق 3). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 133.

[باب] في فداء الأسارى وفي وجوبه، وعلى من يجب، وما يجوز الفداء به

[باب] (¬1) في فداء الأسارى وفي وجوبه، وعلى من يجب، وما يجوز الفداء به (¬2) قال مالك في العتبية: يجب على المسلمين فداء أساراهم بما قدروا عليه، كما عليهم أن يقاتلوا حتى يستنقذوهم، وإن لم يقدروا على فدائهم إلا بكل ما يملكون- فذلك عليهم (¬3). يريد أن القتال لاستنقاذهم واجب؛ لقول الله -عز وجل-: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [النساء: 75]. فإذا رضوا بالفداء وأخذ المال كان واجبًا؛ لأنَّ بذل النفوس في القتال لاستنقاذهم أعظم من بذل المال. وأرى أن يبتدأ بمال الأسير، فإن لم يكن فبيت المال، فإن لم يكن، أو كان لا يتوصل إلى الفداء منها فمن الزكوات على المستحسن من المذهب، فإن لم تكن فعلى جميع المسلمين على قدر الأموال إذا كان ما يفدى به لا يستغرق أموالهم، وإن كان يستغرقها افتدوا بجميعها. واختلف إذا لم يقبلوا في الفداء إلا الخيل والسّلاح أو الخمر والخنزير والميتة: فقال أشهب: يفدى بالخيل والسّلاح، ولا يفدى بالخمر ولا الخنزير ¬

_ (¬1) ساقط من (ب). (¬2) في (ب): (أن يفدي). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 560.

ولا الميتة (¬1). وعكسه ابن القاسم في كتاب محمد فقال: لا يصلح فداؤهم بالخيل، وهو بالخمر أخف (¬2). وأجازه سحنون في كتاب ابنه بالخمر والخنزير والميتة، قال: ويأمر الإمامُ أهل الذمة بدفع ذلك إليهم، ويحاسبهم بذلك في الجزية (¬3) وهو أحسن، وقد أُبيح للمسلم استعمال هذه عند الضرورة. ومعونة الكافر على استعمالها أخفُّ، ولا بأس به في الخيل. وكذلك، إذا لم يقبلوا في الفداء إلا عُلُوجًا، وفي كتاب مسلم أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فدى أسيرين من المسلمين بأسير مشرك (¬4). وقال أصبغ في العتبية: إن لم يرضوا إلا بالمشرك الذي له نجدة أو بعلوج لهم نكاية؛ فلا بأس بذلك (¬5). يريد: ما لم يخش بتسليمهم الظهور على المسلمين. وأمَّا إن كان إنمَّا يخشى وقوع الضرر بالقتال الذي يحدث بتسليمهم فلا بأس؛ لأنَّ القتال لاستنقاذهم يجب مع وقوع القتل حينئذٍ، إلا أن يعطوا عهدًا ألا يقاتلوا معهم، ويرى أنَّهم يوفون بذلك. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 301. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 302. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 302. (¬4) أخرجه مسلم: 3/ 1262، في باب لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك العبد، من كتاب النذر، برقم (1641). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 560، وفي النوادر: "قال سحنون: وإن طلبوا علوجًا بأيدينا لهم نكاية فى فداء المسلم فلا بأس أن يعطوا ذلك". انظر: النوادر والزيادات: 3/ 303.

فصل [فيما يجوز الفداء به]

قال سحنون: لا بأس أن يفدوا بصغار أطفالهم إذا لم يسلموا، وبالذمّي إذا رضي الذّمّي، وكانوا لا يسترقونه (¬1). فصل [فيما يجوز الفداء به] ثبت عن النَّبي - صلي الله عليه وسلم - أنه قال: "لاَ يَبْقَيَنَّ دِينَانِ بِجَزِيرَةِ العَرَبِ" (¬2). يريد: إخراج أهل الكفر منها، أهل كتاب كانوا أو غيرهم. وأجلى عمر - رضي الله عنه - أهل خيبر إلى تيماء وأريحا (¬3)، وأجلى أهل نجران وفدك (¬4)، وأجلى النصارى (¬5)، وذكر الطبريُّ أنَّه كان لا يدع اليهودَ والنَّصارى والمجولس يمكثون بالمدينة إلا ثلاثة أيام، قدر ما يبيعون سلعهم. واختلف في العبيد: قال عيسى بن دينار: يُخرجون كالأحرار. قيل له: فما ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 303. (¬2) أخرجه مالك مرسلًا في الموطأ: 2/ 892 , في باب ما جاء في اجلاء اليهود من المدينة, من كتاب الجامع، برقم (1583) (1584)، وأحمد في المسند: 6/ 274، من حديث السيدة عائشة - رضي الله عنها -، برقم (26395). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 824، في باب إذا قال رب الأرض أقرك ما أقرك الله ولم يذكر أجلًا معلومًا فهما على تراضيهما، من كتاب المزارعة، برقم (2213)، ومسلم: 3/ 1186، في باب المساقاة والمعاملة بجزء من الثمر والزرع، من كتاب المساقاة, برقم (1551). (¬4) أخرجه أبو داود موقوفًا: 2/ 181، في باب في إخراج اليهود من جزيرة العرب، من كتاب الخراج والفيء والإمارة، برقم (3034). (¬5) متفق عليه, أخرجه البخاري: 2/ 824، في باب إذا قال رب الأرض أقرك ما أقرك الله ولم يذكر أجلا معلوما فهما على تراضيهما، من كتاب المزارعة، برقم (2213)، ومسلم: 3/ 1186، في باب المساقاة والمعاملة بجزء من الثمر والزرع، من كتاب المساقاة، برقم (1551).

بال أبي لؤلؤة؟ قال: قد أراد عمر - رضي الله عنه - إخراجه مع من أخرج، حتَّى طلب إليه ناسٌ من الصحابة أن يقره لرفقه (¬1) بالأعمال، ولحاجة الناس إليه، وقال يحيى بن مزين: لا يخرج العبيد. قال: وإنما كره عمر- رضي الله عنه - أبا لؤلؤة ومثلَه من الأعاجم لغوائلهم، وللذي كان. والخُلْفُ في منتهى جزيرة العرب: فقال مالك: مكة والمدينة واليمن وأرض العرب. وقال الطبري في تهذيب الآثار: قال معمر بن المثنى: جزيرة العرب ما بين حفر أبي موسى إلى أقصى اليمن في الطول، والعرض ما بين رمل يبرين إلى منقطع السماوة (¬2). وقال الأصمعي: هي ما بين أقصى عدن إلى ريف العراق في الطول، والعرض من جدة وما والاها من ساحل البحر إلى أطراف الشام (¬3). قال الطبري: والصواب عندي أن ابتداءها طولًا مما يلي العراق وما جزر عنه بحر البصرة من الأرض من حفر أبي موسى إلى أقصى اليمن. والعرض ما جزر عنه هذا البحر بحر البصرة من جدة إلى أداني أرض الشام، قال: وإنما قيل لها جزيرة العرب تعريفًا وفرقًا بينها وبين سائر الجزائر غيرها، وإنما قيل لها جزيرة لانقطاع ما كان قابضًا عليها من ماء البحر عنها، ولذلك سمي الجزر الذي يكون بنهر البصرة بعقب المدّ فيه جزرًا. وأصل الجزر في كلام العرب: القطع (¬4)، ومنه سمي الجزار. ¬

_ (¬1) لعله من: المَرفَقُ، وهو ما اسْتُعِينَ به. انظر: لسان العرب: 10/ 118. (¬2) انظر: الروض المعطار في خبر الأقطار: 1/ 163. وساقه غير معزو للطبري. (¬3) انظر: الروض المعطار في خبر الأقطار: 1/ 163. (¬4) انظر: معجم مقاييس اللغة: 2/ 456.

وقال: إنما ترك عمر من بأطراف العراق والشام ضرورة لعمارة الأرض؛ لأنَّهم كانوا مشاغيل بالحرث، ولو أُجْلوا عنها خربت الأرضون. [باب الحكم في الخوارج] (¬1). [تم كتاب الجهاد بحمد الله وعونه وصلى الله على محمد نبيه وسلم تسليمًا] ¬

_ (¬1) إلى هنا انتهى كتاب الجهاد في النسخ التي وقفنا عليها، ويلاحظ أن الكتاب به باب لم يكتمل هو الذي عنونه المؤلف بقوله: باب الحكم في الخوارج، ففي نسخة (القرويين) كتب الناسخ: (إلى ها هنا انتهى الشيخ أبو الحسن -رحمه الله- من كتاب الجهاد، والحمد لله). ونسخة الاسكوريال كتب ناسخها بعد العنوان مباشرة: (بياض) ثم كتب بعده: (كمل بحمد الله وحسن عونه كتاب الجهاد، وبتمامه كمل السفر الأول، ويتلوه كتاب الحج. . .)، وفي نسخة (تازة) كتب الناسخ العنوان، وترك مساحة بيضاء بقدار أربع سطور. قلت وهذا يشي بأن الكتاب به نقص لم يقف عليه نساخ الكتاب.

كتاب الصيد

كتاب الصيد النسخ المقابل عليها 1 - (ب) = نسخة برلين رقم (3144) 2 - (ت) = نسخة تازة رقم (235 & 243) 3 - (م) = مراكش رقم (1/ 112) 4 - (ر) = نسخة الحمزوية رقم (110)

الأصل في الصيد قول الله -عز وجل-: {يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين} [المائدة: 4]. وقوله: {وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما} [المائدة: 96

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كتاب الصيد الأصل في الصَّيد قول الله -عز وجل-: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4]. وقوله: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] دليله أنه حلال بعد الإحلال من الإحرام. واختلفَ في قوله: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [المائدة: 94]. فقيل: يدلّ على إباحة الصَّيد. وقيل: على منعه. وهو أصحّ؛ لقوله: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ}. والمراد: الامتناع في حال الإحرام، والابتلاء: الاختبار لمن يصبر عنه في ذلك الحال، ولقوله تعالى: {لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ} [المائدة: 94]. فيقف ولا يتعدَّى إذا خفي به (¬1) الاصطياد. ولقوله: {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة: 94]. يريد: اعْتَدَى وصاد. وقول النَّبي - صلى الله عليه وسلم - لعدي بن حاتم: "إِذَا أَرْسلْتَ كِلَابَكَ الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا، فكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ وَإِنْ قَتَلْنَ، وَإِنْ أَكَلَ الكَلْبُ فَلاَ تَأْكُلْ، فَإنِّي أَخًافُ أَنْ يَكُونَ أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ خَالَطَهَا كِلاَبٌ غَيْرُهَا فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّما سَمَّيْتَ عَلَى كلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ" (¬2). فسأله عن المعْراض (¬3)، فقال: "إِذَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْ وَإِنْ أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّهُ ¬

_ (¬1) في (م) و (ر): (له). (¬2) أخرجه البخاري: 5/ 2089، في باب إذا أكل الكلب، من كتاب الذبائح والصيد، برقم (5166)، ومسلم: 3/ 1529، في باب الصيد بالكلاب المعلمة، من كتاب الصيد والذبائح، برقم (2/ 1929). (¬3) المعْراض -بالكسر-: سهم يرْمَى به بلا ريش ولا نَصْل يَمْضي عَرْضًا فيصيب بعَرْض العود =

وَقِيذٌ" (¬1). وقوله لأبي ثعلبة الخشنيّ - رضي الله عنه -: "مَا أَصَبْتَ بِقَوْسِكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ ثُمَّ كُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّم فَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ ثُمَّ كُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبَكَ الَّذِى لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ" أخرجهما البخاري ومسلم (¬2). فتضمَّن الحديث الأول خمسًا: أحدها (¬3): أنَّ قَتْلَ المعَلَّم ذَكاة. والثَّاني: أنَّه إذا كان يأكل فليس بمعلَّم، ولا يكون قتله ذكاةً. والثالث: إذا شَكَّ في الذَّكاة لم يؤكل؛ لأنَّ الأصل أنَّه حرام إلّا بذكاة، فإذا خالط غير كلبه صار في شكٍّ من ذكاة كلبه. والرَّابع: أنَّ عدمَ التسمية يمنع الأكلَ لتعليله في المنع: فإنَّما سمَّيت على كلبك، ولم تسمّ على غيره. والخامس: أنَّ (¬4) محمل قول الله -عز وجل-: {وَرِمَاحُكُمْ} هو أن يصيب بالمعتاد أن ¬

_ = لا بحدّه. انظر: لسان العرب: 7/ 165، وقال الجبي: المعراض -بكسر الميم- هو من اعترضت الشيء وهو عود يرمى إلى الطائر الثقيل الحُبارَى والغرانيق والأوز ونحوها لاستقلاله بالطيران من الأرض بثقل فيعزضه الصائد بهذا العود فيضربه فيرمي به إلى الأرض. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، ص: 47. (¬1) أخرجه البخاري: 5/ 2090، في باب إذا وجد مع الصيد كلبًا آخر، من كتاب الذبائح والصيد، برقم (5168)، ومسلم: 3/ 1529، في باب الصيد بالكلاب المعلمة, من كتاب الصيد والذبائح، برقم (3/ 1929). (¬2) أخرجه البخاري: 5/ 2090، في باب ما جاء في التصيد، من كتاب الذبائح والصيد، برقم (5170)، ومسلم: 3/ 1532، في باب الصيد بالكلاب المعلمة, من كتاب الصيد والذبائح، برقم (1930). (¬3) قوله: (أحدها) ساقط من (ر). (¬4) في (ر): (يتبين به أن).

فصل [في أحكام الصيد]

يصيبَبه، وهو حدّه. وفي حديث أبي ثعلبة دليل لمن قال في المنْخَنقَة وأخواتها: أنه إذا نزل بها من ذلك ما لا تعيش معه فأدركت ذكاتها- أنَّها تؤكل، لقوله: "وَإِذَا صَادَ بِمَا لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ" (¬1). وهذه عبارة عمَّا لو لم يدركْه لفات. فصل [في أحكام الصيد] الاصطياد على خمسة أوجهٍ: مباح، ومندوب إليه، وواجب، ومَكْروه، وممنوع. فالمباح: ما كان للمعاش اختيارًا، إما لأكلٍ أو لينتفع بثمنه. والمندوب إليه: ما سدَّ خلته وكفَّ وجهه، أو ليوسع على عياله إذا كان في ضيق عيشٍ. والواجب: ما كان لإحياء نفس (¬2) إذا خَشيَ على نفسه، ولم يجد إلا الصيد، وهو قادر على الاصطياد، ولا فرق في هذا بين نفسه، ونفس غيره. والمكروه: ما كان القصد به اللهو على اختلاف فيه؛ فكَرهَه مالك. وقال الليث: ما رأيت حقًّا أشبهَ بباطلٍ منه (¬3). وأجازَه محمد بن عبد الحكم. والممنوع: ما لم ينو ذكاتَه عبثًا؛ ولأنَّه من الفساد {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: 205]، وكذلك إذا كان يؤدي الاشتغال به إلى تضييع صلواته، أو شيء من الواجبات؛ فهو ممنوع. ¬

_ (¬1) سبق تخريجه, ص: 1464. (¬2) في (ت): (النفس). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 341.

فصل [النية في الاصطياد]

فصل [النيّة في الاصطياد] النيّة في الاصطياد راجعة إلى حال الصَّيد من جواز أكله ومنعه. والصَّيد أربعة: حلال، وحرام، ومكروه، ومختلف فيه (¬1) بالكراهية والتحريم. فالأول: الغزْلان وبقر الوحش وحمرها والأرنب والأيل والطير (¬2)، وما أشبه ذلك، والطير ما لم يكن ذا مخلبٍ فلا يحلّ اصطياد شيء من (¬3) هذه، إلا بنيَّة الذَّكاة، أو يدعه. والثاني: الخنزير، يجوز رميه بنية قتله، لا لغير ذلك، وليس ذلك من الفساد لقول النَّبي - صلي الله عليه وسلم -: "لَيَنْزِلَنَّ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الخِنْزِيرَ" (¬4) وعلى هذا مذهب مالك، أنَّه يَجوز قتله ابتداءً، إلا أنْ يصيبَ إنسانًا حاجةٌ تبيح أكلَه؛ فيستحبّ له أَنْ يَنْوي الذَّكاةَ. قاله أبو بكر الوقَار (¬5). والثَّالث: الأسد والنَّمر والفهد واللب والذئب، فعلى القول: إنَّه حرام. ¬

_ (¬1) قوله: (فيه) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (والطير) زيادة من (ر). (¬3) قوله: (شيء من) زيادة من (ت). (¬4) أخرجه البخاري: 2/ 774، في باب قتل الخنزير، من كتاب البيوع، برقم (2109)، ومسلم: 1/ 135، في باب نزول عيسى بن مريم حاكما بشريعة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، من كتاب الإيمان، برقم (155). (¬5) في (ر): (وخالف أبو بكر في الوقار). قلت: والمثبت هو المنقول عن أبي بكر الوقار، قال في منح الجليل: 4/ 434: (نص مختصر الوقار: وإذا أصاب المضطر ميتة أو خنزيرا كل ما أحب فإن أحب الخنزير فلا يأكله إلا ذكيًا).

يكون (¬1) الحكم فيه كالحكم في الخنزير، إلا أنْ ينوي الانتفاعَ بجلده؛ فينوي ذكاتَه (¬2)، وعلى القول إنَّه مكروه يكون بالخيار بين: أن يرميَه بنيَّة ذكاته على كراهية في ذلك، أو بنية القتل إن لم يردْ أكله. والرَّابع: الثَّعلب والضبع، هما عند مالك أخفَّ (¬3)، فهو بالخيار بين: أن يرميه بغير نيَّة الذَّكاة، وإنْ شاء نَوَى الذَّكاةَ إن كان يريد أكلَها، ما لم يكن محْرمًا فلا يقتله بحال، فإن فعل وداها. وما كان من الطَّير ليس بذي مِخْلَبٍ لم يَرْمه إلا بنيَّة الذَّكاة، وما كان ذا مخلبٍ، وشأنه الأذى كالغراب والحدأة- كان بالخيار أيضًا، ما لم يكن محرمًا فيرتفع الخيار ولا يجوز قتله (¬4). واختلفَ: هل يجوز قتله من غير أن يؤذي؟ ¬

_ (¬1) في (م): (لم يكن). (¬2) في (م): (الذكاة). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 541. (¬4) قوله: (قتله) زيادة من (ر).

باب فيما يصاد به

باب فيما يصاد به الآلات التي يصاد بها ثلاثة أصنافٍ: السهام والرماح والسيوف، وما قام مقامها مما يجرح ولا يرض (¬1)؛ لقوله تعالى: {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [المائدة: 94]، ولقول النَّبي - صلي الله عليه وسلم -: "مَا أَصَبْتَ بِقَوْسِكَ فكُلْ" (¬2). ولعديٍّ - رضي الله عنه - في المعراض: "مَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْ" (¬3). والثَّاني: الكلاب وغيرها من ذوات الأربع مما يفقه التعليم وَيصيد، قال ابن شعبان: ولو كان سنَّورًا (¬4). قال مالك عند ابن حبيب: إلا النَّمس؛ فإنه لا يفقه التعليم (¬5). والثَّالث: العقبان والصقور، وغيرها مما يفقه التعليم، والأصل في هذين القسمين (¬6) قول الله سبحانه: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4]. والجوارح: الكواسب، قال الله -عز وجل-: {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} [الأنعام: 60]. وقال تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ} [الجاثية: 21]. وتكليبها: تعليمها. ¬

_ (¬1) الرَّضُّ: الدَّقُّ. انظر: لسان العرب: 7/ 154. (¬2) سبق تخريجه، ص: 1468. (¬3) أخرجه البخاري: 5/ 2086، في باب التسمية على الصيد، من كتاب الذبائح والصيد، برقم (5158)، ومسلم: 3/ 1529، في باب الصيد بالكلاب المعلمة، من كتاب الصيد والذبائح، برقم (1929). (¬4) انظر: الزاهي، لابن شعبان، لوحة رقم: [63 / ب]. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 342، والبيان والتحصيل: 3/ 325. (¬6) قوله: (القسمين) ساقط من (ر)

باب في صفة التعليم

باب في صفة التعليم اختلفَ في صفة التَّعليم على أربعة أقوال: فقال في الكتاب (¬1) في البازي والكلب: هو أن يفقه: إذا زجر انزجر، وإذا أشلي (¬2) أطاع (¬3). وقال أشهب في مدونته: هو الذي يفقه إشلاءه ويحضه ذلك على الصيد. وإذا زجرتَه: نهاه ذلك عنه، وما لا يفقه ذلك فليس بمعلم. وهذا نحو قول ابن القاسم: إن التعليم يصح بوجهين: الزجر والإشلاء (¬4). وقال ابن حبيب: تعليم الكلاب والفهود أن تدعوه فيجيب (¬5)، وتشليه فينشلي، وتزجره فينزجر، وأما الطير فإنَّ تعليمها أن تجيب إذا دعيت، وتنشلي إذا أرسلت، وليس أن تنزجر (¬6)؛ لأنه غير ممكن فيها، وهو قول ربيعة وابن الماجشون (¬7). وقال: وكان ابن القاسم يقول: تعليمها كتعليم الكلاب (¬8). فحكي عن ¬

_ (¬1) في (ر): (المدونة). (¬2) من شلا، وهو الجلد، والإشلاء هو الدعاء، قال أَبو زيد أَشْلَيْت الكَلْبَ دَعَوْته. انظر: لسان العرب: 14/ 442. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 532. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 309. (¬5) قوله: (تدعوه فيجيب) يقابله في (م): (تدعوهم فيجيبوا). (¬6) زاد في هامش (ت): (إذا انزجر). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 342. (¬8) انظر: المدونة: 1/ 534.

ابن القاسم أن التعليم يصح بثلاثة، وفرَّق هو بين الطَّير وغيرها. وقال ابن القاسم في الكتاب (¬1): إذا أدرك (¬2) كلبه أو بازيه فلم يستطع إزالته من الصيد حتَّى مات بنفسه- أنَّه يأكله (¬3). فجعله في هذا السؤال معلمًا، وإن كان لا يطيعه في الزجر، وهذا خلاف ما تقدَّم له، وخلاف قول أشهب في قوله: إذا زجرته نهاه ذلك (¬4). فأما مراعاة إجابته إذا دعي- فضعيف؛ لأن ذلك معنىً لا (¬5) يتعلَّق بالصَّيد، والوجه اعتبار ما يتعلق بالصَّيد لصاحبه لا لنفسه، وهو الإغراء به، والزجر عنه أقواها؛ لأنَّه دليل على أنَّ الأخذَ لصاحبه. اختلفَ: هل من شرطه أن لا يأكَلَ؟ فقول مالك وأصحابه أنَّه معلَّم وإنْ أَكَلَ (¬6). وذكر ابن الموَّاز في ذلك حديثًا عن النَّبي - صلي الله عليه وسلم -: أنَّه قال: "إِنْ أَكَلَ؛ فَكُل" (¬7). وذَهَبَ بعض أَهْل العلم إلى أنَّه ليس بمعَلَّم، واحتجّوا بحديث عديّ بن حاتم - رضي الله عنه - (¬8). ¬

_ (¬1) في (ر): (المدونة). (¬2) في (ت): (أدركه). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 533. (¬4) في (م): (وينهاه عنه)، وفي (ت): (ونهاه عنه). (¬5) قوله: (لا) ساقط من (م). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 533. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 343، قلت: والحديث لم أقف عليه مرفوعًا، وأخرجه ابن أبي شيبة: 4/ 239، في باب الكلب يشرب من دم الصيد، من كتاب الصيد، برقم (19642) من حديث الحسن البصري من قوله. (¬8) سبق تخريجه، ص: 1470.

فصل [في صيد الطير المعلم]

فصل [في صيد الطير المعلم] فعل الجوارح من الكلاب والبزاة بالصَّيْد ذكاة بتسعة شروط: ثلاثة في الجارح: وهو أن يكون معلَّمًا، وخرج بإرسال ممَّن هو في يديه، ومضى قاصدًا لمَّا أرسل ولم يشتغل عنه. وثلاثة في المرسَل عليه: وهو أن يكون الصيد في موضعٍ لا يقدر على أخذه إلا بذلك، ويراه البازي أو الكلب ليس في غيضة (¬1) ولا أجمة (¬2)، ويكون موته من جراحته ليس من صدمه، ولا خوفًا منه. وثلاثة في المرسِل: وهو أن يكون في طلبه لم يرجع عنه، وممَّن تصحّ ذكاته، وأن يكون مسلمًا. فهذه جملة متفق عليها، فإن انخرم منها شئ لم يؤكل. وفي بعضها اختلاف، فإن كان غير معلَّم أو معلَّمًا وخَرَجَ من غير إرسالٍ لم يؤكل؛ لأنَّه ذكاة بغير نيَّة. واختلفَ إذا أرسلَه ولم يكن في يده (¬3)، أو خرج بنفسه ثمَّ أغراه به، فقال في الكتاب (¬4): إذا كان معه ثمَّ أغراه به أَكَلَ، ثمَّ رَجَعَ، فقال: لا يؤكل، إلا أن ¬

_ (¬1) الغَيْضَة: مَغِيضُ الماءٍ يجتمع فيَنْبت فيه الشجر، وجمعها غِياض وأَغْياض، وهي الشجر المُلْتَفّ. انظر: لسان العرب: 7/ 201. (¬2) الأَجَمَة: مَنْبت الشجر كالغَيْضة، والأَجَمَة: الشجر الكثير الملتفُّ، والجمع: أُجْمٌ وأُجُمٌ وأُجَمٌ وآجامٌ وإِجامٌ. انظر: لسان العرب: 1/ 23. (¬3) في (ر) و (م): (يديه). (¬4) في (ر): (المدونة).

يكون في حال الإرسال بيده (¬1). وقال ابن حبيب: إذا كان الكلب بعيدًا منه، فصاح به وأَشلاه لم يؤكل ما قَتَلَ، وإن كان قريبًا منه، فأغراه به أَكَلَ. وقال مالك (¬2) وابن القاسم: إذا كان خروجه من قبل نفسه، ثمَّ أغراه به (¬3) لم يؤكل (¬4). وقال أصبغ: يؤكل (¬5). قال ابن الماجشون عند ابن حبيب: إذا زاده ذلك قوةً وإشلاءً أُكل. وأَرَى أَنْ يؤكل إذا كان خروجه بإرسالٍ من صاحبه، ولا فرق بين كونه قريبًا ولا بعيدًا؛ لأنَّه لم يصد إلا بالإرسال، ولا فَرْقَ بين كونه في يده، أو مَعَه وليس في يده، ولا يؤكل إذا كان خروجه من قبَل نفسه ثمَّ أغراه به؛ لأنَّه حينئذٍ على أحد وجهين: إمَّا أَنْ يكون لا يطيعه لو زَجَرَه عنه؛ فهو صائد بنَفْسه (¬6)، ولا تَأْثير لإغراء صاحبه به، ولا يصح أن ينسب إلى أن صاحبه الصائد به. أو يكون يعلم منه أنَّه ينتهي عنه لو زَجَرَه، وقد زاد حمَّوةً لإغرائه به، فإنَّه يصير بذلك الإشْلاء (¬7) مشتركًا من نفسه ومن صاحبه؛ لأنَّ خروجَه الأوَّل من نفسه لم يسقط، وإنما انضاف إليه شيء آخر؛ فأشبه ما لو تعاون اثنان (¬8): أحدهما ¬

_ (¬1) في (ر) و (م): (في يده). (¬2) قوله: (وقال مالك) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (به) ساقط من (ر). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 535. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 348. (¬6) في (ت): (لنَفْسه). (¬7) قوله: (بذلك الإشْلاء) يقابله في (م) و (ر): (ذلك الإرسال). (¬8) في (ر): (الكلبان).

فصل [في إرسال الجوارح]

بإرسالٍ، والآخر بغير إرسال، إلا أنْ يزجره عنه، فيقف عنه، ثمَّ يغريه به، فيسقط حكم الأول. فصل [في إرسال الجوارح] وإذا اشْتَغَلَ بعدَ الإرسال بغير ما أرْسلَ عليه فأطال (¬1) سَقَطَ حكم ذلك الإرسال. ويختلف فيه إذا كان الاشتغال الخفيف: فظاهر قوله في الكتاب (¬2) أنَّه لا يؤكل؛ لأنَّه قال: إذا مرَّ الكلب بكلبٍ، فوقف عليه يشمّه، أو على (¬3) جيفة فأكل منها، أو عَجَزَ الطائر فسَقَطَ على موضعٍ، أو عَطَفَ راجعًا فقد خَرَجَ عن ذلك الإرسال (¬4). ولم يفرّق بين قليل، ولا كثير، وقال: إذا أرسل على جماعة فأخذ اثنين أنَّهما يؤكلان (¬5). ولم يَرَ (¬6) اشتغالَه (¬7) بالأوَّل قطعًا للثَّاني. وقيل: لا يؤكل الثَّاني. والصَّواب أنَّ الشيءَ اليسيرَ لا يقطع عن حكم الأول. ¬

_ (¬1) في (ر): (فإن أطال). (¬2) في (ر): (المدونة). (¬3) قوله: (على) ساقط من (ت) وفي (م): (رأى). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 538. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 534. (¬6) في (ت): (يرد). (¬7) في (م): (استعماله).

فصل [في المعلم من كلب أو باز]

فصل [في المعلَّم من كلب أو باز] وعلى من أَرْسَلَ على صيدٍ سَهْمًا أو بازيًا أو كلبًا (¬1) أَنْ يتبعَه ومعه آلة الذَّكاة؛ ليُذكّيه إن وجده حيًا لم تنفذ مقاتله. وإن أنفذت مقاتله كان ذلك ذكاةً له، ولا شئ عليه إن تركه (¬2) حتَّى يموت. ويستحبُّ له أَنْ يجهز عليه، إلا أَنْ يكون البازي أو الكلب قد فرى الأَوْداج والحلْقوم فيتركه. وإن فرى الأوداجَ دونَ الحلْقوم، أو الحلْقوم دون الأوداج؛ أَجْهَزَ على الباقي. وإن أدركه ولم تنفذ مقاتله؛ أزال الجارح، وذكَّاه، وإن لم يفعل وتركه حتى مات لم يُؤكل. وإن ذكَّاه قبل أن يزيله لم يؤكل؛ لأنَّه لا يدري: هل مات (¬3) من فعله؟ أو من تأثير الجارح فيه بعد قدرته على زواله؟ إلا أَنْ يَعلم أنَّه لم يَمتْ من فعل الجارح بعد إدراكه لدلائل ذلك التَّأثير. وإن لم يقدر على إزالته، وقدر على تذكيته مع كونه عليه ذكَّاه, فإن لم يفعل لم يؤكل. وإنْ لم يقدر على إزالته ولا تذكيته أُكل. هذا على تسليم القول أنَّه معلَّم وإن لم ينزجر عنه، وإذا أزال الجارح وبادر بذكاته فسبقه بنفسه أُكل. قال (¬4) مالك: وإن تشاغل بإخراج السكين، أو كانت مع رجل خلفه فلم يخرجها، أو لم يدركه حتَّى مات فلا يأكل (¬5). ¬

_ (¬1) قوله: (أو كلبًا) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (تركه) ساقط من (م). (¬3) قوله: (لم يؤكل. وإن ذكَّاه قبل أن يزيله- لم يؤكل؛ لأنَّه لا يدري: هل مات) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (قال) ساقط من (م). (¬5) في (م) و (ر): (يأكله).

فصل [في الرجل يدرك الصيد قتيلا]

قال محمد: ولو كانت في خُفّه، فمدَّ يده ليخرجها فمات أكل. وهذا قريب. قال (¬1): ولو مات في قدر ما لو كانت شفرته في يده لم يدرك ذكاته لأَكَلَ، ولو مرَّ به غير صاحبه فرآه في مخالب البازي، أو في فم (¬2) الكلب، وهو قادر على أن يخلصه، فلم يفعل حتَّى مات فالذي سمعت: أنَّه لا يؤكل (¬3). يريد: أنَّه رآه ومعه ما يذكيه به، فإن لم يره أو رآه وليس معه ما يذكيه به (¬4) أَكَلَ. وقد كان يتنازع في إغرام المارّ قيمةَ ذلك (¬5) الصيد، وأن لا شيءَ عليه أحسن. وإن كان ممَّن يجهل ويظن أنَّه ليس له أن يذكيَه، وأنَّ ذلك ليس عليه كان أبن أَنْ لا غرْمَ عليه. ولو مرَّ بشاةٍ يخشى عليها الموت، فلم يذبحها حتى ماتت (¬6) لم يضمن؛ لأنَّه يَخشى ألا يُصدّقه ربّها أنَّه خيْفَ عليها؛ فيضمنه، وليس بمنزلة الصَّيد؛ لأنَّ الصيدَ معلوم أنَّه تقدَّم (¬7) له ما يخاف عليه منه، وهو ما أرسل عليه من سهم أو بازي. فصل [في الرجل يدرك الصيد قتيلًا] وإذا أَرسل على صيد، فأَتْبعه وأعجزه حتَّى توارى عنه، ثم وجده قتيلًا فهو على أربعة أوجه: يجوز أكله في وجهين: وهو إذا عَرف أنَّه الصيد ¬

_ (¬1) قوله: (قال) ساقط من (ت). (¬2) في (ب): (في). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 344. (¬4) قوله: (به) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (قيمةَ ذلك) يقابله في (ر): (القيمة قيمة). (¬6) قوله: (حتى ماتت) ساقط من (م). (¬7) في (ر): (يقدم).

فصل [في الرجل يدرك الصيد ميتا]

المرْسل عليه، وإن لم يكن معه بازه، ولا فيه سهمه، أو وجد فيه سهمه، أو معه بازه، أو كلبه. وإن لم يعرفه، ولا وجد فيه (¬1) سهمه، ولا معه بازه لم يؤكل. وهذا قول مالك عند ابن حبيب (¬2). ومثله إذا وجد معه بازه ولم يعرفه، وبقربه صيد يشككه فيه (¬3)، فقال ابن القاسم في العتبية لا يأكله (¬4). يريد: إذا كان الاثنان قتيلين، وإن كان معه آخر حي (¬5) أكل الميت؛ لأنَّ الغالب أنَّ المرسل أخذ ما رآه. وكذلك سهمه، فللغالب حكم، إلا أن يتركه على حال (¬6) التنزه، وهذا في البازي والكلب، وأمّا السهم فلا؛ لأنه لا يتأتى منه التنقل. فصل [في الرجل يدرك الصيد ميتا] وإذا لم يتبعه، ورجع عن طلبه، ثم أدركه ميتًا، فإنْ لم ينفذ مقاتله لم يؤكل، والبازي والكلب في هذا سواء؛ لإمكان أن يكون لو اتبعه لأدرك ذكاته (¬7)، وإن وجده وقد أنفذت مقاتله افترق الجواب: فإن كان رماه بسهْم أكل؛ لأنَّها رمية واحدة، وقد أنفذت مقاتله (¬8)، فاتباعه وعدمه سواء. ¬

_ (¬1) في (ر): (معه). (¬2) قوله: (عند ابن حبيب) يقابله في (ت): (وابن حبيب). (¬3) قوله: (يشككه فيه) يقابله في (م): (يشك له). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 319. (¬5) في (ر): (حتى). (¬6) قوله: (حال) ساقط من (م)، وفي (ر): (وجه). (¬7) انظر: المدونة: 1/ 533 (¬8) قوله: (أنفذت مقاتله) يقابله في (ر): (تقدمت).

وإنْ أرسل بازيًا أو كلبًا لم يؤكل؛ لإمكان أن يكونَ لو اتبعه لأدركه قبل أن تنفذ مقاتله. وإلى هذا ذهب محمد، إلا أنْ يعلم أنَّ مثل ذلك المرْسَل يُفيت (¬1) المرْسَل عليه سريعًا؛ لقوَّة بطش هذا، وضعف الآخر. واختُلف أيضًا إذا لم يقدر على الصيد حتَّى بات (¬2)، ثم وجد من الغدِ ميتًا وقد أنفذت مقاتله، فقال في الكتاب (¬3): لا يؤكل (¬4). وساوى في ذلك بين السهم والبازي. وقال عبد الملك بن الماجشون عند ابن حبيب: يؤكل فيهما جميعًا، قال: وإن لم تنفذ مقاتله لم يؤكل؛ مخافةَ أن يكون إنَّما قتلَه بعض هوام الأرض ودوابّه، أو أعان على قتله (¬5). وأجاز ذلك (¬6) ابن المواز في السهم، ومنعه في البازي والكلب. ولمالك في مدونة أشهب، قال: إذا وجدت الصيد، وفيه أثر سهمك أو كلبك فلا بأس به ما لم يَبتْ، فإن بات فإنَّه يكره أكله. فجعل تركه على وجه الكراهية، ولم يفرق بين ما أنفذت مقاتله أو لا. وذكر ابن القصار عن مالك مثل ذلك، قال: إذا بات عنك، فلم تجد فيه غير أثر (¬7) سهمك، أو أثر (¬8) كلبك فلا بأس بأكله. وسواء كان صاحبه يطلبه ¬

_ (¬1) في (م): (يغيب). (¬2) في (ر): (مات). (¬3) في (ر): (مالك في المدونة). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 532. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 344. (¬6) قولة: (ذلك) ساقط من (ت). (¬7) قوله: (أثر) زيادة من (ر). (¬8) قوله: (أثر) زيادة من (ر).

أو لا. فساوى في هذه الرّواية بين السهم والكلب، وما أنفذت مقاتله وما لم تنفذ، وما رجع عنه (¬1) صاحبه اختيارًا، أو بات عنه (¬2). ووردت الأحاديث بمثل ذلك، فأخرج البخاري ومسلم عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، أنَّه قال: "إِذَا رَمَيْتَ الصَّيْدَ فَوَجَدْتَهُ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، وَلَيْسَ بِهِ إِلاَّ أَثَرُ سَهْمِكَ، فَكُلْ" (¬3). وزاد مسلم في الكلب مثل ذلك (¬4): "أَنَّهُ يَأْكُلُهُ وَإِنْ بَاتَ مَا لَمْ يُنْتِنْ" (¬5). فجاءت هذه الأحاديث مجملة، ولم يشترط فيها إنفاذ المقاتل، وهذا هو الصواب، ومحمله على (¬6) أنَّه مات ممَّا أرسل عليه، وأنَّه القاتل له (¬7) حتَّى يعلم غير ذلك، ويفترق الجواب إذا لم يتبعه وتركه اختيارًا، فيؤكل في السهم إذا أنفذ مقاتله؛ لأنَّها رمية واحدة وقد أنفذت (¬8)، فلا فرق بين اتباعه ورجوعه عنه. ولا يؤكل إذا لم تنفذ (¬9)، ولا ما صاده الكلب، أنفذت مقاتله أم لا؛ ¬

_ (¬1) قوله: (عنه) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (عنه) ساقط من (م). (¬3) أخرجه البخاري: 5/ 2089، في باب الصيد إذا غاب عنه يومين أو ثلاثة، من كتاب الذبائح والصيد، في صحيحه، برقم (5167)، ومسلم: 3/ 1529، في باب الصيد بالكلاب المعلمة، من كتاب الصيد والذبائح، برقم (1929). (¬4) في (ر) و (م): (مثل ذلك في الكلب). (¬5) أخرجه مسلم: 3/ 1532، في باب إذا غاب عنه الصيد ثم وجده, من كتاب الصيد والذبائح، برقم (1931). (¬6) قوله: (على) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (له) ساقط من (ت). (¬8) قوله: (وقد أنفذت) ساقط من (ر). (¬9) في (م): (تنفذ مقاتله).

فصل [في صيد غير المرئي]

لإمكان أن يكون لو اتبعه لأدرك ذكاته قبل أن تنفذ مقاتله، إلا أَنْ يعلم أَنَّ الكلب يسرع بإفاتته قبل أن يلحقَه؛ لأنَّه أنفذه (¬1)، أو لأنَّه من صغار الوحش كالأرنب، وما أشبهه. ولو أرسل فهدًا أو نمرًا لنظرتَ إلى المرسل عليه، هل هو ممَّا يسرع بإفاتته لشدَّة بطشه، وينظر في الطَّير مثل ذلك، ينظر إلى قربه وبعْده، وليس البازي كالعقاب. فصل [في صيد غير المرئي] واختُلف في الإرسال على صيد غير مرئي، كالذي يرسل على ما في غَيْضَةٍ أو غارٍ أو ما وراء أَكَمَةٍ، ولا يدري: هل هناك شيء أم لا؟ أو على جماعة وينويها وما وراءها. فأجاز ذلك مالك، ورآه ذكيًا (¬2). ومنعه أشهب، وقال: لا يؤكل (¬3) إلا ما رآه وقت الإرسال (¬4). وإليه ذهب سحنون في العتبية (¬5). فصل [في إرسال الكلب إلى غير معيّن] واختلف عن مالك إذا رأى الكلب يحدد النَّظر إلى ناحية، كالملتفت لشيء ¬

_ (¬1) في (ر): (أبعد به). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 533. (¬3) في (ر): (لا يأكل). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 349. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 313.

فصل [إذا سقط الصيد في الماء أو وقع من أعلى جبل]

رآه، فأرسله عليه: فأجازه مرةً (¬1). وكرهه أخرى، وقال: لعلَّه غير الذي اضطرب إليه (¬2). وكأنَّه فرَّق بينه وبين ما في الغَيْضَة، أو وراءَ الأَكَمَة؛ لأنَّه في هذين أرسل على غير معيّن، فلم يبال ما أخذ منها؛ لأنَّه داخل في نيَّة المرسل, وهذا أرسل على معيَّن، وهو الذي أحسَّ (¬3) به الكلب، فقد يكون وجد غيره. وهذا استحسان، وقوله الأول أحسن؛ لأنَّ محمله على ما التفت (¬4) إليه حتَّى يعلم غيره. فصل [إذا سقط الصيد في الماء أو وقع من أعلى جبل] وإذا كان الصيد في موضعٍ يقدر على أخذه باليد، مثل أن يكون في جزيرة لطيفة أو في غارٍ يقدر (¬5) على دخوله من غير خوف على نفسه، أو كان طائرًا قد نشب بشيء لا يستطيع الفرار معه (¬6)، وهو يقدر على أخذه باليد لم يجز أكله إلا بذكاة الإنسي (¬7). وإن كانت الجزيرة كبيرة، أو كان في موضع لا يقدر على التَّوصل إليه، أو كان يقدر ويخاف أن بذلك الموضع حيَّات، وإذا أرسل عليه خرج الصيد إليه، أو أخرجه الجارح جاز الإرسال، ويكون فعل الجارح أو السهم ذكاةً. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 348. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 274. (¬3) في (ر): (كان أحس). (¬4) في (ر): (يقلب)، وفي (ت): (تفلت). (¬5) في (ر): لا يستطيع. (¬6) في (ت): (لا يقدر الفرار عنه)، وقوله: (معه) ساقط من (م). (¬7) قوله: (الإنسي) ساقط من (م).

فصل [في إصابة الصيد بجرح غير مقتل]

قال أصبغ في كتاب محمد: إذا أرسل على وَكْرٍ في شامخة جبل أو في شجر، وكان لا يصل إليه ولا إلى الغابة (¬1) بالأرض، إلا بأمر يخاف فيه العطب أو العنت (¬2) فإنَّه يؤكل بالصيد. وإذا أرسل على صيد بمكان لا يقدر عليه إلا بالإرسال؛ فاضطرتْه الجوارح إلى مكان يؤخذ فيه باليد لم يؤكل. قال محمد: وإن اضطرتْه الكلاب حتَّى وقع في حفرة لا مخرج له منها، أو انكسرت رجله فتمادت عليه حتى قتلته (¬3) لم يؤكل؛ لأنه أسير (¬4). ولأشهب في مثل هذا: أنَّه يؤكل. يأتي في باب تعاون الكلاب. فصل [في إصابة الصيد بجرح غير مقتل] وإذا أصيب الصيد بجرح في يد أو رجل أو أذن، أو غير ذلك مما ليس بمقتل؛ فمات كان فعله ذكاةً. واختُلف إذا نَيَّبَهَ ولم يجرحْه, أو صدمه، أو ضربَهَ بسيفٍ فلم يجرحه، ولم يُدمه: فقال ابن القاسم (¬5): ليس بذكي (¬6). وقال أشهب: يؤكل، وهو ذكي (¬7). ¬

_ (¬1) كذا فيما وقفنا عليه, ولعل الصواب (إلقائه)، قلت: ونص النوادر: 4/ 349: (ولو أرسل بازه على وكر في شاهقة جبل أو على شجرة، قال أصبغ فإن كان لا يصل إليه ولا إلى إلقائه بالأرض. . .). (¬2) في (م): (أو العثر). (¬3) في (ر): (قتله). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 350. (¬5) في (ر): (فقال مالك وابن القاسم). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 540. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 343

فصل [في إبانة الجارح شيئا من الصيد]

وإن مات من غير فعله لخوف، أو ما أشبه ذلك؛ لم يؤكل قولًا واحدًا، فأجاز ذلك أشهب لظاهر قول الله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4]. وهذا إمساك، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعدي - رضي الله عنه -: "كُلْ ممَّا أمسك عليك كلبك؛ فإنَّ أخذه ذكاة" (¬1). والقول الأول أحسن؛ لقول الله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4]. فالمفهوم: ما جرح؛ ولأنّ الغالبَ والمعتاد (¬2) منها أنَّها تجرح في حين (¬3) الاصطياد، فوجب تعليق الحكم بالغالب، ولقول النَّبي - صلى الله عليه وسلم - في المعراض: "وَمَا أَصَبْتَ بِعَرْضِهِ فَهُوَ وَقِيذٌ" (¬4). وهو آلة من آلة الصيد. فصل [في إبانة الجارح شيئًا من الصيد] وإذا أبان الجارح رأسَ الصيد، أو جزله نصفين- كان ذلك ذكاةً لجميعه. وإن أبان يدًا أو رِجْلًا كان ذكاةً له (¬5)، دون ما أبان منه، إلا (¬6) أن يبقى متعلقًا بشيء لو تركَ لعاد، فيكون ذكاةً لجميعه. وإن أبان عجزه أَكَلَ دون العجز، إلا أَنْ يكونَ نَزَلَ ذلك إلى الجوْف، ¬

_ (¬1) سبق تخريجه، ص: 1463. (¬2) قوله: (والمعتاد) ساقط من (ت). (¬3) في (م): (حال). (¬4) سبق تخريجه, ص: 1463. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 535. (¬6) قوله: (إلا) ساقط من (م).

فيكون ذكاةً لجميعه. ولو أبان العجز (¬1) وحده وسلمت الحشوة وعلم أنه لا حياة له كان ذلك ذكاة لجميعه وإلى هذا ذَهَبَ أبو القاسم ابن الجلَّاب، قال: إن قطع رأسَه، أو وسطَه، أو ما لا حياة له معه- جاز أكله كلَّه. ¬

_ (¬1) قوله: (أَكَلَ دون العجز، إلا أَنْ يكونَ نَزَلَ ذلك إلى الجَوْف, فيكون ذكاةً لجميعه. ولو أبان العجز) ساقط من (م).

باب في تعاون البزاة أو الكلاب

باب في تعاون البزاة أو الكلاب وإذا أَرْسَلَ الرجل بازيه، أو كلبيه (¬1) معًا على صيد (¬2) فقتلاه (¬3) أو أحدهما بعد أن أمسكه الآخر- جاز أكله (¬4). وإن افترقَ الإرسال أرسل واحدًا بعد واحد، فإن قتله الأول جاز أكله (¬5)، وسواء كان قتله بعد أن سبق إليه الثَّاني وأمسكه, أم لا. وإن قتله الثاني؛ لأنه سَبَقَ إليه جاز أكله. وإن كان بعد أن أمسكه الأول نظرت في إرسال الثاني (¬6)، فإن كان بعد أن أمسكه الأول لم يجز أكله. ويختلف (¬7) فيه إذا كان إرساله (¬8) قبل أن يصلَ إليه الأول، ووصل الثَّاني بعد أن أمسكه الأول: فأجاز أصبغ عند محمد أَكْلَه (¬9). وعلى قول محمد إذا أرسل على صيد، فطلبه حتَّى وقع في حفرةٍ، أو لجَّة، ثم أخذه فقتله أنَّه لا يؤكل. فلا يؤكل (¬10) هذا؛ لأنَّه راعى وقتَ أخذه، فعلى ¬

_ (¬1) في (ر): (وكلبه). (¬2) قوله: (على صيد) زيادة من (ر). (¬3) في (ت): (فيقتلاه). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 347. (¬5) قوله: (أكله) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (نظرت في إرسال الثاني) ساقط من (م). (¬7) في (م): (ولم يختلف). (¬8) قوله: (كان إرساله) يقابله في (ر): (أرسله). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 347. (¬10) قوله: (فلا يؤكل) ساقط من (م).

هذا لا يؤكل ما قتل الثاني إذا صار (¬1) أسيرًا للأول. وإن كان إرسال الثَّاني قبل أن يصير أسيرًا، كما (¬2) لم يرل في هذا وقتَ الإرسال. وعلى قول أصبغ- يؤكل ما وقع في حفرة أو لجَّة. وإذا أَرسل رجلان على وجه التَّعاون والاشتراك كان الحكم في الصيد هل يكون ذكيًا أم لا (¬3) على ما تقدَّم إذا كانا لواحد، فإنَّه ينظر: هل أرسلا معًا؟ أو واحدًا بعد واحد؟ وكيف كان وصولهما إليه؟ وإنْ لم يقصدا (¬4) الاشتراك، وأرسل كل واحد منهما ولا يعلم بالآخر، أو علم وكل واحد يرجو (¬5) أن يكون السابق والآخذ له، فإن وصلا معًا واجتمعا على قتله كان ذكيًا وكان بينهما، وإن سبق إليه أحدهما فقتله كان الصيد لمالك القاتل، وسواء كان أرسل أولًا، أو آخرًا (¬6). وإن سبق أحدهما فجَرَحَه وأمْسَكَه، ثم وَصَلَ إليه الآخر فقتله- كان غير ذكي، وعلى الثَّاني قيمته، إلا أن يكون الذي قبله هو المرسل أولًا، فلا تكون عليه قيمة (¬7) "وإن كان وصوله آخرًا (¬8). وقال أشهب في مدونته فيمن أَرسل على صيدٍ فَأثخَنَه؛ حتَّى لا يستطيع ¬

_ (¬1) في (م): (كان). (¬2) قوله: (كما) ساقط من (م). (¬3) قوله: (أم لا) ساقط من (م). (¬4) في (م): (يقصد). (¬5) في (م): (يرجع). (¬6) قوله: (وإن سبق إليه. . . أو آخرًا) زيادة من (ر). (¬7) في (ر): (قيمته). (¬8) في (ر): (أخيرًا).

الفرارَ، ثم رماه آخر فقتله: كان على الثَّاني قيمته عقيرًا للأوَّل (¬1). ولو جرحه الأول فلم يثخنه كان للثَّاني. وان لم تقتله رمية الثَّاني ولكن حبسته، ولم تعنْ رمية الأول على حبسه كان للثَّاني. وإن أعانت على حبسه كان بينهما، كانت الرميتان على مقدار واحد من الضعف أو إحداهما أقوى من الأخرى (¬2). وقال ابن شعبان: لو كان لواحد جارح وللآخر اثنان اقتسما الصيدَ نصفين. ولو كان بينهما (¬3) جارح واحد يملكانه على أجزاء مختلفة كان كذلك أيضًا (¬4). وليس هو المعروف من المذهب، وأصل قول مالك وأصحابه: أنَّه بينهما على قدر أجزائهما (¬5) فيه. وكسب البازي والعبد والدابة في ذلك سواء (¬6). ¬

_ (¬1) هذه مثل مسألة المدونة, والمؤلف يرمي لبيان الضمان لا لبيان حكم الأكل. وانظر لفظ المدونة: 1/ 538. (¬2) قوله: (إحداهما أقوى من الأخرى) يقابله في (م): (أحدهما أقوى من الآخر). (¬3) قوله: (بينهما) زيادة من (ر). (¬4) انظر: الزاهي، لابن شعبان، لوحات رقم: [63 / ب، 64 / أ]. (¬5) قوله: (قدر أجزائهما) يقابله في (م): (إجزائها). (¬6) انظر: المدونة: 3/ 601.

باب إذا أرسل كلبه على جماعة صيد

باب إذا أرسل كلبه على جماعة صيد وإذا أَرسل على جماعة صيد، أو رمى بسهمه فهو على ثلاثة أوجه: إما أن ينوي واحدًا بعينه، أو واحدًا لا بعينه، أو ينوي اثنين فأكثر. فإن نوى واحدًا بعينه (¬1) لم يؤكل سواه. وان أخطأه وأصاب غيرَه لم يؤكل، إلا أن يدرك ذكاته. وإن نوى واحدًا ولم يعينه جاز ذلك، فإن أصاب السهم أو البازي اثنين (¬2) لم يؤكل إلا الأول منهما، وكان الثَّاني غير ذكي؛ لأنَّه لم ينو سوى واحدٍ، فلما أخذ الأول ارتفع حكم نيَّة المرسل فيما سواه. وإن شكَّ في الأول؛ لم يؤكلا. وإن نوى اثنين فما فوق فإن كان سهمًا أكلا جميعهًا. واختُلف في البازي والكلب: فقال مالك وابن القاسم (¬3) وابن وهب في كتاب محمد: يؤكلان جميعًا (¬4). وقال محمد: لا يؤكل الثَّاني. ووافق في السهم (¬5). والأول أحسن إذا لم يشتغل بالأول، إلا مثل ما جرحه، والأمر اليسير، ثم تمادى إلى الآخر، وإن طال اشتغاله بالأوَّل كان ذلك قطعًا عن الإرسال على الثَّاني. ¬

_ (¬1) قوله: (أو واحدًا لا بعينه. . . واحدًا بعينه) ساقط من (م). (¬2) قوله: (اثنين) ساقط من (م). (¬3) قوله: (وابن القاسم) ساقط من (ت). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 346. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 346.

باب في الصيد بغير المعلم وإذا اشترك في القتل معلم وغير معلم، ومن صاد بسهم مسموم

باب في الصيد بغير المعلَّم وإذا اشترك في القتل معلَّم وغير معلَّم، ومن صاد بسهم مسموم ولا ينبغي أن يصيد بما ليس بمعلَّم؛ لأنَّ تأثيره في الصيد ليس بذكاة، فكان في ذلك إتلاف النفس لغير فائدة، إلا أَنْ يعلم أنَّ مثل ذلك المرسل عليه، لا يسرع بإفاتته، ويدركه المرسل قبل أن تنفذ مقاتله، وكان المرسل من الطير بازيًا أو غيره ممَّا يعلم أنَّه لا يسرع به (¬1). فإن أرسل (¬2) غير معلَّم فقتل- لم يؤكل، وإن جَرَحَه جرحًا يعيش معه ذَكَّي وأكل، وإن كان جرحًا لا ترجى له (¬3) معه حياة- كانت الذَّكاة فيه على الاختلاف في المَوقوذة والمتردّية. وذلك مشروح في موضعه. وإن تعاون كلبان معلَّم وغير معلَّم فقتلا لم يؤكل. وكذلك إذا قتل أحدهما ولم يعلم القاتل، أو قتله المعلَّم بعد أن أمسكه الآخر، فصار أسيره. وكذلك ما أصاب المعْراض، فإن أصاب بحدّه أكل، وإن أصاب بعرضه لم يؤكل، وهو وقيذ، وإن لم يدر بأيّهما أصاب بحدّه أو بعرضه لم يؤكل، إلا أن يكون في الجرح دليل أنَّه لا يكون إلا بحدّه (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 534، والنوادر والزيادات: 4/ 343. (¬2) في (م): (أسرع). (¬3) قوله: (له) زيادة من (ت). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 345.

وكذلك إذا أَرسل مسلم ومجوسيّ كلبيهما على صيد، فتعاولدا أو لم يتعاوتا، فلم يدر أيهما سبق إليه فقتله فإنَّه لا يؤكل، وإنْ علم أنَّ كلبَ المسلم قتله، ولم يمسكه كلب المجوسيّ أكل، وإن كان بعد أن أمسكة لم يؤكل. وإن صاد المسلم بكئلب المجوسيّ أكل. وإن صاد المجوسيّ بكلب المسلم (¬1) لم يؤكل، وذلك عند مالك بمنزلة لو ذبح أحدهما بسكين الآخر (¬2). ولا يؤكل ما صيد بسهم مسموم لوجهين: أحدهما أنَّ السممَّ (¬3) مما يعين على قتله، فيرجع ذلك إلى ما اشترك (¬4) فيه (¬5) معلَّم وغير معلَّم؛ ولأنَّه يخاف على آكله (¬6). ¬

_ (¬1) في (ر): (المجوسي). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 532. (¬3) في (ت): (السهم). (¬4) في (ر): (أشركه). (¬5) قوله: (فيه) ساقط من (م). (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 277.

باب في صيد الصبي والمجنون والسكران والكتابي

باب في صيد الصبيّ والمجنون والسكران والكتابيّ صيد الكلب والبازي المعلَّم ذكي إذا كان المرسل ممَّن تصح ذكاته: ليس بمجنونٍ، ولا سكران، ولا ممَّن لا يعقل، وقد مَضَى ذلك في كتاب الذَّبائح (¬1). وصيد المجوسيِّ حرامٌ غير ذكي قياسًا على ذبيحته (¬2)، واختلف في صيد (¬3) الكتابيّ اليهوديّ والنَّصراني على ثلاثة أقوال: بالمنع والكراهة والجواز. فقال في الكتاب (¬4): لا يؤكل لقول الله تعالى: {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [المائدة: 94]. يقول: المراد به (¬5) المسلم دون غيره (¬6). وذكر ابن المواز عن مالك أنَّه كرهه (¬7). وقال أشهب وابن وهب: هو ذكي حلال (¬8). قال ابن حبيب: كانا يريانه بمنزلة ذبائحهم، وداخل في عموم قول الله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] (¬9). وهو أحسن؛ لأنَّها ذكاة كلها؛ ولا فرق بين تذكيتهم الإنسي والوحشي، وهو طعام لهم (¬10) داخل ¬

_ (¬1) انظر كتاب الذبائح، ص: 1533. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 536، والمعونة: 1/ 344، وعيون الأدلة: 2/ 911. (¬3) قوله: (صيد) ساقط من (ت). (¬4) في (ر): (المدونة). (¬5) قوله: (به) زيادة من (ت). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 536. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 352. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 352. (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 352. (¬10) قوله: (لهم) ساقط من (ر).

في عموم الآية. وأما قول الله تعالى: {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [المائدة: 94]. فليس المراد بها جنس الصائدين، والمراد بها (¬1): ابتلاء المحرم، ليعلم صبره إذا وجده، ووقوفه عنه، ويخافه بالغيب فيما يخفى له، ولا يظهر عليه فيه، كما ابتلي اليهود بالصيد في السبت. وقال ابن القاسم: إذا اختَلَفَ دين الأبوين فكان أحدهما كتابيًا (¬2) والآخر مجوسيًا (¬3) أنَّ الولد على حكم الأب: فإن كان الأب كتابيًا أكلت ذبيحته وإن كانت الأم مجوسية (¬4). وكذلك صيده على القول أن صيد الكتابي ذكي (¬5). ولا يؤكل صيد المرتدّ ولا ذبيحته، ارتدَّ إلى المجوسيّة أو النَّصرانيّة، وهذا ظاهر المذهب (¬6)، وينبغي إذا ارتدَّ إلى النصرانية أن تؤكل ذبيحته؛ لأنَّ كونه مما لا يقر على ذلك الدِّين لا يخرجه عن أن يكون ذلك الوقت كتابيًا، ولأنَّه (¬7) ممَّن يتعلَّق بذلك الدِّين، وهو ممَّن يقع عليه اسمُ نصرانيّ. ¬

_ (¬1) قوله: (بها) زيادة من (ر). (¬2) في (ت) و (م): (كتابي). (¬3) في (ت) و (م): (مجوسي). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 536. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 536، وهو منقول عن مالك -رحمه الله-. (¬6) انظر: المدونة: 1/ 536. (¬7) في (ت): (ولا أنه).

باب إذا صاد صيدا بغير نية أو نوى صيدا فكان غيره

باب إذا صاد صيدًا بغير نية أو نوى صيدًا فكان (¬1) غيره وإذا رَمَىَ صيدًا بغير نيّة الذكاة؛ لأنَّه كان يرى أنَّه حجر، فتبيَّن له (¬2) أنه صيد؛ لم يؤكل لأنَّه لم ينو الذَّكاة (¬3). وإن كان يظن أنَّه سَبُع، فتبيَّن أنَّه حمار وحشي كان على ثلاثة أوجه: فإن لم ينو ذكاته، وإنما قصد قتله لم يؤكل هذا. وإن قصد ذكاته؛ لأنه يجهل الحكم فيه (¬4)، أو لأنَّه يعتقد أنَّه مكروه جاز أكله. وإن نوى ذكاةَ جلده خاصةً كان جلد هذا ذكيًا (¬5). ويُختلف في لحمه: فعلى القول أنَّ الذَّكاة تتبعَّض وأنَّ شحوم ما ذبحه اليهود اليوم حرام لا يؤكل اللحم. وعلى القول: أنَّها لا تتبعَّض، وأنَّ الشحومَ داخلة في الذكاة، وإن لم ينوها الذابح يكون جميع هذا ذكيًا. وإن رَمَى وهو يظن أنه (¬6) حمارٌ وحشي، فتبيَّن أنَّه سبع- كان ذلك ذكاة لجلده، وإن رمى وهو يظن أنه (¬7) حمار وحشي، فتبيَّن أنَّه بقرة وحش أُكل عند ¬

_ (¬1) في (ت): (فصاد). (¬2) قوله: (له) زيادة من (ت). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 540، والنوادر والزيادات: 4/ 348. (¬4) قوله: (فيه) ساقط من (ر). (¬5) في (ح): (ذكي). (¬6) في (ت): (يظنه). (¬7) في (م): (يرى أنه)، وفي (ت): (يظنه حمارَ وحشٍ).

أشهب (¬1) ومنعه أصبغ. والأوَّل أصوب؛ لأنَّه قد نوى ذكاةَ تلك العين، وهي مما يصحّ فيها الذَّكاة، فلا يضرّ الخطأ بمعرفتها. ولو رَمَى وهو يرى أنَّه صيد، ولا يعرف أي صنف هو لجاز أكله، وليس من شرط الجواز أن يَعلم جنسَه (¬2). ¬

_ (¬1) في (ت): (ابن القاسم). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 347.

باب في الصيد يند من صاحبه

باب في الصيد يَنِدُّ من صاحبه وإذا ندَّ (¬1) صيد لرجل (¬2)، فأخذه آخر: فإن كان تَأَنَّسَ عند الأوَّل، وأخذه الثَّاني قبل أن يتوحَّش كان للأوَّل قولًا واحدًا. واختلف إذا كان أخذ الثَّاني له (¬3) بعد أن توحَّش، أو كان ندوده من الأوَّل قبل أن يتأنَّس على ثلاثة أقوال: فقال مالك مرةً: هو للآخر، وبه أخذ ابن القاسم (¬4). وقال مرةً: إذا نَدَّ بعد أن تأنَّس كان للأوَّل، وإن كان أخذ الآخر له (¬5) بعد أن توحَّش، وإن نَدَّ قبل أن يتأنَّس عند الأوَّل كان للثَّاني. وبه قال ابن الماجشون (¬6). وقال محمد بن عبد الحكم: هو للأوَّل، وإن لم يتأنَّس عند الأول لا يزول ملكه عنه، وإن أقام عشرين سنةً (¬7). وهو أبين؛ لأنَّ الأوَّلَ قد تقرَّر (¬8) ملكه عليه بنفس أخذه، وانفلاته لا يزيل ملكَه، بمنزلة لو غصب منه، أو ¬

_ (¬1) ندّ: على زنة شدّ- أي صار شريدًا، ندّ الثور إذا استوحش: انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 48. (¬2) في (ح): (لصاحبه). (¬3) قوله: (له) ساقط من (ت). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 541، والنوادر والزيادات: 4/ 354 (¬5) قوله: (له) ساقط من (م). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 355. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 352. (¬8) في (ت): (بقي).

كان عبدًا فأبق. واختلفَ إذا كان في يد الأوَّل بشراء ثم نَدَّ وتوحَّش، ثم صاده آخر: فقال محمد: هو للآخر. وقال الشيخ أبو القاسم ابن الكاتب: هو للأول. وشبَّهَه بمن أحيا مواتًا، ثمَّ دثر، ثمَّ أحياه آخر أنّه للثَّاني، إلا أَنْ يكون الأول باعه، ثمَّ دَثَرَ عند المشتري، وأحياه آخر أنَّه للمشتري. وهذا قياس صحيح، والأمر في الصيد أبين لوجهين: أحدهما أنَّ إحياءَ الموات فيه معنى الشرط، أنَّه (¬1) إنَّما يكون لك مادمت محييًا له، وإلا فالإمام أو غيرك أحقّ به، والصيد ليس كذلك. والثاني وهو أبينها: أنَّ الصيدَ لم يسرحه من أخذه طوعًا، وإنما غلب عليه، ففرَّ بنفسه، والموات تركه حتَّى دثر، ونحن لا نختلف أنَّه لو سرح الصيد بنفسه لكان لمن أخذه، ولو غلب على الموات، وحيل بينه وبينه بغصب حتى دثر- لم يسقط ملكه عنه، ولم يكن لمن أحياه بعده. واختلف بعد القول أنَّه إذا توحَّش فهو للآخر فإذا (¬2) اختَلَفَ صاحبه وأخذه: فقال صاحبه: ندَّ منِّي من (¬3) يوم أو يومين. وقال آخذه: لا أدري (¬4). فقال ابن القاسم: هو للآخر، وعلى الأول البيِّنة، ولا ينزع بشك (¬5). وقال سحنون: هو للأوَّل، والبيّنة على من هو في يديه (¬6). وهذا أحسن؛ ¬

_ (¬1) قوله: (أنَّه) ساقط من (م). (¬2) قوله: (فإذا) ساقط من (ت)، وفي (ر): (إذا). (¬3) في (ح): (منذ). (¬4) قوله: (فقال صاحبه. . . لا أدري) ساقط من (ت). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 353. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 353.

لأنَّ ملكَ الأوَّل تقرر، فلا يزول بشك، ولا يملكه الآخر بشك، وهو يقول: لا أدري. ولو ادَّعى الثَّاني التحقيق، وأنَّه طال زمانه- لوجب أَنْ يكون للأوَّل؛ لأنَّه إذا أشكل ما قالا- بقي على أصل الملك.

باب فيمن غصب شيئا فصاد به أو اضطر صيدا إلي دار أو حبالة

باب فيمن غصب شيئًا فصاد به أو اضطر صيدًا إلي دار أو حبالة وقال ابن القاسم في كتاب محمد فيمن غَصَبَ عبدًا، وبعثه يصيد له: فالصيد لسيّد العبد، وإن غَصَبَ فرسًا، فصاد عليه كان الصيد له، ولصاحب الفرس أجرته (¬1). واختُلفَ إذا غَصَبَ كلبًا فصاد به: فقال ابن القاسم: الصَّيد للمغصوب منه الكلب (¬2)، بمنزلة العبد (¬3). قال: وكذلك البازي (¬4). وقال أصبغ: الصيد للغاصب كالفرس (¬5). وقول أصبغ أنه كالفرس غير صحيح؛ لأنَّ الفرسَ غير صائدٍ، والصائد راكبه، والكلب هو الصَّائد، غيرَ أنَّه قد يفرق بينه وبين العبد؛ لأنَّ العبد يحصل منه النيَّة (¬6) للذكاة والأخذ جميعًا، والكلب يحصل منه الأخذ خاصةً. ولو صَادَ من غير إرسالٍ؛ كان الصيد غير ذكي، ولمَّا كانت الذَّكاة إنَّما تحصل من مُرسله، ثم هو يتبعه ويذكّيه إن أَدْركه لم تنفذ مقاتله كانت هذه عمدة؛ إذ بحصولها يكون الصيد يُنتفع به, وبعدمها يكون ميتة. فيفرق بينه ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 325. (¬2) قوله: (الكلب) زيادة من (ت). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 325. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 325. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 325. (¬6) قوله: (النيَّة) ساقط من (م).

وبين العبد بهذا. وقول ابن القاسم أحسن؛ لأن الكلبَ هو الآخذ والكاسب، وفعل الغاصب في ذلك تبع، فكان الحكم لأقواهما سببًا، ويكون للغاصب بقدر تعبه. وإن غَصَبَ قوسًا (¬1) فصاد به كان الصيد للغاصب، وللآخر إجارة قوسه (¬2). وإن غَصَبَ حِبالة فصاد بها فكذلك الصيد له، وللآخر إجارة الحِبالة (¬3). وإن نصبها مالكها (¬4)، فأثار آخر صيدًا (¬5) فوقع فيها: فإن كان الذي أثاره قد أعياه بالطلب، وأشرف على أخذه، وكان قادرًا عليه لو لم يقع فيها- كان له دون صاحب الحبالة، ثم ينظر في أجرتها: فإن كان الذي أثار الصيد لم يرها لم تكن عليه أجرة؛ لأنَّه كان في غنى عنها، وإن كان عالمًا وَردَّه إليه؛ كان عليه الأجرة؛ لأنَّه قصد الانتفاع بها، وإن لم يكن أعياه، وانقطع منه كان لصاحب الحِبالة. وإن لم ينقطع منه واضطره إليها، ولم يقدر عليه إلا بها كان فيها قولان: فقال ابن القاسم: هما شريكان فيه، بقدر ما يرى (¬6). وقال أصبغ: هو لمن اضطره إليها، وعليه قيمة ما انتفع به من الحِبالة، كمن رمى بسهم رجل فصاد به (¬7). ¬

_ (¬1) في (ت): (فرسًا). (¬2) في (ت): (فرسه). (¬3) في (م): (حبالته) والحبالة- بكسر الحاء ولا يقال بفتحها، وهي مصيدة وهي ضرب من الفخوخ. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 47. (¬4) في (ت): (ربها). (¬5) في (ت): (الآخر الصيد). (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 315. (¬7) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 316.

وهذا غير صحيح؛ لأنَّ الحبالة أخذت بنصب صاحبها لها (¬1)، وليس كمن غصبها فنصبها، وكانت كالكلبين إذا تعاونا. وعلى هذا يجري الجواب فيمن حَفَرَ حفيرًا لصيد على ما تقدَّم من الحبالة، وليس الدَّار كذلك. فإن اضطر إنسان صيدًا إليها كان لمن اضطره؛ لأنَّ الدار لم تُنصب لذلك، وإن انقطع منه كان لصاحب الدار. ¬

_ (¬1) قوله: (لها) ساقط من (م).

باب في إحداث الأبرجة والأجباح ودخول بعضها على بعض

باب في إحداث الأبرجة والأجباح ودخول بعضها على بعض قال مالك - رضي الله عنه -: من أَمْر النَّاس اتّخاذ الأبرجة (¬1)، وإن عمرتْ من حَمام النَّاس، فلا بأس به. يريد أن من أمر النَّاس: أنَّ كل من بَنَى برْجًا قد تقدَّمه غيره، فالذي أحْدثَ من عشر سنين تقدَّمه غيره بتاريخٍ قبلَ ذلك، والآخر أيضًا تقدَّمَه غيره، وكلّ واحد لا ينفكّ أَنْ يصيرَ إليه من برج من تقدَّمه، وهو أمر لا يقدر النَّاس على الامتناع منه، وهو ممَّا تدعو إليه الضرورة، وهذا إذا لم (¬2) يحدث الثَّاني بقرْب الأوَّل فإنه يُمنع؛ لأنَّ ذلك ضرر عليه. وإذا دخل حَمام برجٍ إلى آخر كان الحكم فيه (¬3) على ثلاثة أوجه: فإن عَرَفَ وقدر على ردّه؛ رُدَّ قولًا واحدًا (¬4). وإن عَرَفَ (¬5) ولم يقدر على ردّه؛ كان فيها قولان: فقال ابن القاسم لمالك (¬6): هو لمن صار إليه، ولا شيء عليه فيه (¬7). وقال ابن حبيب: يرد فراخه، وإن لم يعرف، أو عرف ولم يعرف عشُّه كان لمن ثبت عنده، ولا شيء عليه فيه (¬8). ¬

_ (¬1) في (ب): (الأبراج). (¬2) قوله: (إذا لم) ساقط من (م). (¬3) قوله: (فيه) ساقط من (م). (¬4) قوله: (قولًا واحدًا) ساقط من (م). (¬5) في (م): (لم يعرف). (¬6) قوله: (لمالك) زيادة من (م)، وفي (ت): (عن مالك). (¬7) انظر: المدونة: 1/ 551. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 354.

وقول مالك إذا عرف وقدر على ردّه أنَّه يردّ إلى الأوَّل موافق لقول محمد بن عبد الحكم في الصيد؛ لأنَّه في حال كونه في برج الأوَّل على حال التوحش، فينبغي على قول مالك أن يكون لمن صار إليه، بل هو في هذا أضعف؛ لأن ما في البرج ليس بملكٍ محقَّق، فكان (¬1) ردّ ما تقرر ملكه أولى. وقول ابن حبيب: يرد الفراخ. حسن، على قول ابن عبد الحكم، وأحسن ذلك ألَّا يردَّ إلى الأوَّل شيء وإنْ قَدَرَ على ردّه؛ لأنَّها غير مملوكة للأوَّل، وإنَّما هي على سبيل الإيواء (¬2) عنده: وهي اليوم تأوي هنا، وغدًا تأوي في موضع آخر. وعلى هذا يجري الجواب إذا أوى حمام برجٍ إلى دار رجلٍ، ولم يكن حبسه، وعلم أنَّه بريٌّ، ولم يعرف صاحبه- جاز له ملكه، وإن عَرَفَ برجَه- ردَّه على أصل قول مالك. وإن تعرَّضه بحبسٍ أو باصطيادٍ فقال ابن القاسم وأشهب: يرده إن عَرَفَ برجَه، وإلَّا تصدَّق بقيمته (¬3). ومحمل قولهما على أنه طالت إقامته. وإن كان بحدثان ما أخذه ولم يقصد فإنَّه يرسله، فالشأن أن يعود إلى وكْره. وإن كان من حَمام البيوت، فإن أوى إليه من غير تعرّض لحبسه كان حكمه حكمَ اللّقطة، فهو بالخيار بين بيعه والصدقة بالثمن، أو يحبسه ويتصدق بقيمته، وإن حبسه ولم يتصدَّق بشيء فواسع، وقد استخف (¬4) مالك حبسَ الشيء اليسير من اللّقطة، وقال النَّبي - صلى الله عليه وسلم - في التمرة: "لَوْلاَ أَنْ ¬

_ (¬1) في (م): (فكما). (¬2) في (م): (الأولى). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 356. (¬4) في (ت): (استحب).

فصل [في اتخاذ الأجباح]

تَكُونَ صَدَقَةً لأَكَلْتُهَا" (¬1). فصل [في اتخاذ الأجباح] ونصب الأجباح (¬2) يجري (¬3) على ما تقدَّم من الأبراج، فقال ابن كنانة: لا ينصبه بقرب أجباح النَّاس، ولينصبه بعيدًا من العمران (¬4). وقال أشهب: إن فعل وليس هناك إلا نحل مربوب (¬5) فهم فيما دخل إليه أسوة، وإن كان فيه نحل كثير غير مربوب ونحل مربوب فلينصب، وما دخل إليه فهو له (¬6). يريد: لأن الذي يدخل إليه غير المربوب؛ لأنَّ الشأن في المربوب أنَّ أصحابه يرصدونه زمن (¬7) يفرخ فيأخذونه. واختُلفَ إذا دخل فرخ جبح إلى بيت آخر، فقال سحنون: هو لمن دخل إليه (¬8). وأجراه على حكم الحَمام إذا عرف بُرْجه، ولم يقدر على ردّه. وقال ابن حبيب: يردّه إن عَرَفَ موضعَه (¬9)، وإن لم يقدر (¬10) ردَّ فراخَه. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري: 2/ 725، في باب ما يتنزه من الشبهات، من كتاب البيوع، في صحيحه، برقم (1950)، ومسلم: 2/ 756، في باب تحريم الزكاة على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وعلى آله، من كتاب الزكاة، برقم (1071). (¬2) الأجباح: مواضع النحل في الجبل وفيها تعَسّل. انظر: لسان العرب: 2/ 419. (¬3) قوله: (يجري) ساقط من (م). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 356. (¬5) في (م): (مرجوب). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 356. (¬7) في (ر): (من يوم). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 355. (¬9) في (م): (صاحبه). (¬10) في (ر) زيادة: (على).

ويلزمه أن يقول بردّ قدر ما يكون من عَسَله (¬1). وأرى إذا رَضي من صار إليه أن يعطي صاحبه قيمته أن يكون ذلك له، والحكم الأوَّل في النَّحل أقوى من الأبراج؛ لأنَّ تلك إنَّما تأوي إليها، وهذه تصاد وتملك، ثمَّ تجعل هناك، فينبغي أن تجري على حكم المربوب. وقال سحنون: إذا ضَرَبَ فرخ نحل في شجرة، ثمَّ ضرب عليه فرخ لآخر أنَّه للأوَّل (¬2). ولا أعلم لذلك وجهًا، والصَّواب أنْ يكونا فيه شريكين بقدر ما يرى أنَّه لكل واحد فيه. تم كتاب الصَّيد من التبصرة والحمد لله رب العالمين ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 354. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 355.

كتاب الذبائح

كتاب الذبائح النسخ المقابل عليها 1 - (ب) = نسخة برلين رقم (3144) 2 - (ت) = نسخة تازة رقم (235 & 243) 3 - (م) = نسخة مراكش رقم (112/ 1) 4 - (ر) = نسخة الحمزوية رقم (110)

باب فيما تجب ذكاته من الحيوان

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلي الله علي سيدنا محمد وآله وسلم تسليمًا كتاب الذبائح باب فيما تجب ذكاته من الحيوان الحيوان في الذكاة على ثلاثة (¬1) أوجه: حيوان بريُّ له نفس سائلة؛ لا يحل إلا بذكاة. وبحري لا حياة له في البر؛ يحل من غير ذكاة (¬2). وبريٌّ ليست له نفس سائلة، وبحري له حياة في البر. واختلف فيهما، هل يحل أكلهما من غير ذكاة؟ فقال مالك في كتاب ابن حبيب: من احتاج إلى شيء من خشاش الأرض لدواء أو غيره مما لا لحم له ولا دم فذكاته كذكاة: الجراد، والعقرب، والخنفساء، والجُندَب (¬3)، والزُّنْبُور، واليَعْسوب، والذَّرّ، والنمل، والسوس، والحَلَم، والدود، والبعوض، والذباب. وقال في الحلزون (¬4): لا يؤكل ميتته. وما وجد (¬5) حيًّا فسلق أو شوي؛ أُكل (¬6). ¬

_ (¬1) في (ت): (أربعة). (¬2) في (ت): (تذكية). (¬3) قوله: (والجُندَب) ساقط من (م)، قلت: الجُنْدَبُ الذَّكر من الجراد ... والجُنْدَبُ أَصْغَرُ من الصَّدى يكون في البَرارِي. انظر: لسان العرب: 1/ 254. (¬4) في (م): (الحلزم). (¬5) في (ت): (وجد منه). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 542، والنوادر والزيادات: 4/ 371.

واختلف في الجراد، فقال مالك في المدونة: لا يؤكل بغير ذكاة (¬1) وقال مطرف: يؤكل بغير ذكاة، وعامة السلف (¬2) أجازوا أكل ميتة الجراد. (¬3) قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب في التلقين: حكم هذه الأشياء حكم دواب البحر، لا ينجس في نفسه، ولا ينجس ما مات فيه من ماء. (¬4) وقال في المدونة في ترس البحر: يؤكل بغير ذكاة (¬5)، وفي مختصر الوقَار: استحب ذكاته؛ لأن له في البر (¬6) رعيًا. وقال مالك في كتاب محمد في السلحفاة، ترس (¬7) صغيرة تكون في البراري: هو من صيد البر، ولا يؤكل إلا بذكاة (¬8). ولا يؤكل طير الماء إلا بذكاة (¬9)، وقال عطاء: حيث يكون أكثر فهو من صيده. وجعله داخلًا في عموم قوله سبحانه: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96]، وقد يحمل القول في ذكاته على القول في ذكاة السلحفاة، والسلحفاة أبين لطول الحياة في البر. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 537، والنوادر والزيادات: 4/ 357. (¬2) في (ت): (وقال ابن حبيب: عامة السلف)، وفي (ر): (لأن عامة السلف). (¬3) انظر: الإجماع لابن المنذر، ص: 125، والمغني لابن قدامة: 13/ 300. (¬4) انظر: التلقين: 1/ 26. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 536. (¬6) في (ر): (البحر). (¬7) في (ت): (والترس). قلت: والترس هو ما يكون على ظهر السلحفاة. انظر: ثمار القلوب، للثعالبي، ص 434. (¬8) انظر: المدونة: 1/ 452. (¬9) قوله: (ولا يؤكل طير الماء إلا بذكاة) زيادة من (م).

وذكر أبو محمد عبد الوهاب في شرح المدونة عن ابن نافع أنه قال في الضِّفدِع يموت: أنه ينجس (¬1)، وينجِّس ما مات فيه. فمنع في القول الأول من أكل خشاش الأرض بغير ذكاة؛ لعموم قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}. والمراد: ما مات حتف أنفه (¬2). وأجيز ذلك في القول الثاني؛ لأن التحريم ورد فيما كانوا يأكلونه ويذبحونه من الأنعام دون هذه الأشياء. وقالوا: أنتم تأكلون ما قتلتم، ولا تأكلون ما قتله الله. يريدون: ما ذبحتم. ويؤيد ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ، فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ، ثُمَّ لْيَطْرَحْهُ، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ شِفَاءً وَفي الآخَرِ دَاءً" أخرجه البخاري (¬3). وفي حديث (¬4) أنه يبدأ بالذي فيه الداء (¬5)، فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أنه يخرج منه شيء، ولا يفسد الطعام، ولو كان مما يحتاج إلى ذكاة؛ لم يأمر بذلك. وروي عنه - صلى الله عليه وسلم -أنه قال: "أُحِلَّتْ لِي مَيْتَتَانِ: الحُوتُ وَالجَرَادُ" (¬6). وهذا الحديث أصل في كل ما ليس له نفس سائلة. ¬

_ (¬1) قوله: (الضِّفدِع يموت: أنه ينجس) في (ت): (الضفادع تموت: أنها تنجس). (¬2) في (ب): (نفسه). (¬3) زاد في (ت): (ومسلم). والحديث أخرجه البخاري: 3/ 2180، في باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه فإن في إحدى جناحيه داء وفي الأخرى شفاء، من كتاب الطب، برقم (5445). (¬4) في (ت): (آخر). (¬5) أخرجه البخاري: 3/ 1206، في باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه فإن في إحدى جناحيه داء وفي الأخرى شفاء، من كتاب الطب، في صحيحه برقم (3142). (¬6) صحيح، أخرجه ابن ماجه: 2/ 1073، في باب صيد الحيتان والجراد، من كتاب الصيد، في سننه برقم (3218).

ولا وجه للاحتجاج أنه "نثرة حوت" (¬1) لوجهين: أحدهما: أن ذلك لا يعرف إلا من قول كعب الأحبار (¬2)، يخبر عما في كتبهم. ولا خلاف أنه لا يجب علينا العمل بمثل هذا، ولا تعبَّدنا به. والثاني: أنه الآن من صيد البر، فيه (¬3) يخلق، وفيه يعيش، فلم يكن لاعتبار الأصل وجه لو صح ذلك. وقد حكم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على المحرم (¬4) فيه بالجزاء، وجعله من صيد البر. واختلف بعد القول أنه لا تؤكل ميتته، فقال ابن القاسم في المدونة: لا يؤكل، إلا أن يموت بفعل يفعله بها، بقطع أرجلها أو أجنحتها، أو بطرحها في ¬

_ (¬1) نثرة حوت: أي عطسته انظر: غريب الحديث لابن قتيبة: 2/ 361. وقول المؤلف: إنه "نثرة حوت" يعني ما أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 352، في باب باب ما يجوز للمحرم أكله من الصيد، في كتاب الحج، برقم (784). (¬2) قوله: (لا يعرف إلا من قول كعب الأحبار) يعارضه ما في الترمذي مرفوعًا من حديث جابر بن عبد الله وأنس بن مالك - رضي الله عنهما - قالا: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دعا على الجراد قال: "اللهم أهلك الجراد، اقتل كباره وأهلك صغاره وأفسد بيضه واقطع دبره وخذ بأفواههم عن معاشنا وأرزاقنا إنك سميع الدعاء" قال: فقال رجل: يا رسول الله كيف تدعو على جند من أجناد الله بقطع دابره؟ قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنها نثرة حوت في البحر". ولكن قال الترمذي معقبًا عليه: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وموسى بن محمد بن إبراهيم التيمي قد تكلم فيه وهو كثير الغرائب والمناكير وأبوه محمد بن إبراهيم ثقة وهو مدني، أخرجه في سننه: 4/ 269، في باب ما جاء في الدعاء عن الجراد، من كتاب الأطعمة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، برقم (1823). (¬3) قوله: (فيه) سقط من (ب). (¬4) قوله: (وقد حكم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على المحرم) في (ت): (وقد حُكي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه حكم على المحرم).

نار، فيسلقه أو يقليه (¬1). وقال أشهب في مدونته: لا يؤكل إذا قطعت أجنحته أو أرجله، ثم مات قبل أن يسلق، ولا يؤكل إلا أن يقطع رأسه أو يعتمل (¬2) حيًّا (¬3). يريد: يطرح في ماء أو نار. وقال أبو الحسن ابن القصار: لا تؤكل ميتته. ولو وقع في قدرٍ أو نار وهو حيّ فاحترق؛ أُكل. وقال سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح وابن وهب: أخذه ذكاة. وعلى قول مالك وابن القاسم وأشهب أنه يحتاج إلى ذكاة، فإنه يسمِّي الله سبحانه عند فعله بها ذلك؛ وينوي به الذكاة. واختُلف إذا سلقت الأحياء مع الأموات أو الأرجل معها، فقال أشهب في مدونته: يطرح جميعه، وكله حرام. وقال سحنون في النوادر: تؤكل الأحياء بمنزلة خشاش الأرض تموت في القدر (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 537. (¬2) في (م): (يقلى)، وفي (ب): (يعمل). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 357. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 357.

باب في صفة الذكاة، وذكاة المريضة

باب في صفة الذكاة، وذكاة المريضة ذكاة الإنسي فيما بين اللبة والمنحر، والوحش (¬1) في جميع الجسد، إذا كان في حال (¬2) الامتناع بنفسه، فإن صار أسيرًا؛ كان كالإنسي، ذكاته فيما بين اللبة والمنحر. فإن عاد إلى التوحش؛ كانت ذكاته بالإصطياد في جميع الجسد. واختُلف في الإنسي يتوحش أو يسقط في بئر ولا يقدر على ذكاته (¬3) في الحلق: فقال مالك وابن القاسم: لا يؤكل بما يؤكل به الوحشي (¬4). وهو على أصله في أن الذكاة فيما بين اللبة والمنحر. وقال عبد الملك بن حبيب في البقر تتوحش: لها أصل ترجع إليه من بقر الوحش، فإذا توحشت حلت بالصيد (¬5). والحيوان على ضربين: مقدور عليه؛ ذكاته تختص بالحلق، وهو الإنسي. وغير مقدور عليه؛ ذكاته في جميع جسده، وهو الوحشي. فإن صار أسيرًا؛ لم تحل ذكاته، إلا بما يحل به الإنسي، وإن لم يأنس. فعلم أن ذلك لم يكن لأجل كونه من الوحش، وإنما ذلك لعدم المقدرة على الذكاة بالموضع المختص. فإذا كانت العلة عدم المقدرة، وأنه إذا قدر على ¬

_ (¬1) في (م): (والوحشي). (¬2) في (ر) و (ب): (حين). (¬3) في (ر): (ذلك). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 540. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 354.

فصل [في أنواع ذكاة الإنسي]

الوحشي؛ كانت ذكاته ذكاة الإنسي. وكذلك ذكاة الإنسي (¬1) إذا توحش؛ ذكاته (¬2) ذكاة الوحش، وذلك ضرورة لعدم المقدرة على اختصاص الحلق بالذكاة، وقياسًا على قول ابن حبيب في الشاة والبعير يقعان في البئر، فلا يستطاع فيهما على ذبح ولا نحر، إلا في ظهر أو جنب، قال: قد جاءت فيه رخصة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3)، فمن أخذ بها؛ جاز ذلك له. وإذا جاز (¬4) أكل هذه بالطعن في الظهر والجنب؛ جاز مثل ذلك في البعير إذا ندَّ. فصل [في أنواع ذكاة الإنسي] ذكاة الإنسي عند مالك على ثلاثة أوجه: ذبح، ونحر، وبالخيار بين الذبح والنحر. فذكاة الغنم والطير والنعام بالذبح، فإن نُحرت؛ لم تؤكل. وذكاة الإبل بالنحر، فإن ذُبحت؛ لم تؤكل. وذكاة البقر بالذبح والنحر (¬5)، المُذكِّي لها بالخيار (¬6). وأجاز عبد العزيز بن أبي سلمة ذبح الإبل، ونحر الغنم والطير. وقال ¬

_ (¬1) قوله: (وكذلك ذكاة الإنسي) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (ذكاته) زيادة من (ر). (¬3) يعني حديث أبي العشراء عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله ما تكون الذكاة إلا من اللبة والحلق قال: "لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك" أخرجه عبد بن حميد في مسنده: 1/ 173، في مسند أبي العشراء الدارمي عن أبيه. (¬4) قوله: (وإذا جاز) في (ت): (وأجاز). (¬5) قوله: (فذكاة الغنم والطير والنعام بالذبح،. . . والنحر) ساقط من (ر)، (ب). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 543.

أشهب في مدونته: إذا ذبح ما ينحر أو نحر ما يذبح؛ أكل إذا فعل، وبئس ما صنع (¬1). وقال ابن بكير: يؤكل البعير بالذبح، ولا تؤكل الشاة بالنحر (¬2). فأجاز مالك في البقر الذبح (¬3)؛ لقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرف 67]، والنحر (¬4)؛ لحديث عائشة - رضي الله عنها -، قالت: نَحَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَزْوَاجِهِ البَقَرَ (¬5).واتبع في الإبل (¬6) والغنم والطير العمل أن الشأن في هذه النحر، وفي هذه الذبح (¬7). وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نحر قي حجة الوداع بضعًا وستين من الإبل، ونحر عليٌّ - رضي الله عنه - ما غبر (¬8). وقال لأبي بردة بن نيار (¬9) في جذعة من المعز: "اذْبَحْهَا. . ." الحديث (¬10). وقال الله -عز وجل-: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 363. (¬2) انظر: المعونة: 1/ 456. (¬3) في (ب): (النحر والذبح). (¬4) قوله: (والنحر) ساقط من (م). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 611، في باب ذبح الرجل البقر عن نسائه من غير أمرهن في كتاب الحج، في صحيحه برقم (1623)، ومسلم: 2/ 870، قي باب بيان وجوه الإحرام وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع والقران وجواز إدخال الحج على العمرة ومتى يحل القارن من نسكه، من كتاب الحج، في صحيحه برقم (1211). (¬6) قوله: (وأتبع في الإبل) ساقط من (م). (¬7) انظر: المدونة: 1/ 543. (¬8) قوله: (ما غبر) في (ر): (ما بقي)، وفي (ت): (تمام المائة). والحديث أخرجه ابن ماجه: 2/ 1027، في باب حجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، من كتاب المناسك، في سننه برقم (3076). (¬9) في (م): يسار. (¬10) قوله: (الحديث) ساقط من (ت). والحديث أخرجه البخاري: 1/ 325، في باب الأكل يوم النحر، من كتاب العيدين، في صحيحه برقم (912)، ومسلم: 3/ 1552، في باب وقت الأضحية، من كتاب الأضاحى، =

[الصافات: 17]. والذبح: ما يذبح، وقد كان كبشًا. ورأى ابن أبي سلمة وأشهب أن النحر والذبح ذكاة يسدّ بعضها مسدّ بعض، قياسًا على ذكاة البقر (¬1)؛ لأنه كله حيوان إنسي. وهو قول الليث والشافعي وأبي حنيفة وعطاء وأحمد وإسحاق وأبي ثور (¬2). ورأى ابن بُكير (¬3): أن الذبح ينوب عن النحر؛ لأنه يأتي على ما يأتي عليه النحر من قطع، ولا يرى النحر يأتي على الذبح؛ لأن النحر يجتزأ منه بقطع ودج. وفي المبسوط، قال: أمر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مناديًا ينادي: النحر في الحلق واللبة (¬4). فإذا كان النحر لا يختص بموضع من الحلق ولا بعدد، ويجزئ منه ودج ينهر الدم منه؛ لم يكن يمنع أكل ما ذبح من الإبل. وقال مالك في المدونة في الشاة والبعير يقعان في البئر، فلا يُستطاع أن ينحر البعير، ولا أن تذبح الشاة، قال: ما اضطروا إليه في مثل ذلك؛ فعلوا (¬5)، فإن ما بين اللبة والمنحر منحر ومذبح. إن ذبح فجائز، وإن نحر فجائز (¬6). هذا جنوح منه إلى الخلاف في ذلك؛ لأنه لا تخلو هذه الضرورة من أن تنقل الحكم فيباح في جميع الجسد، كما قال ابن حبيب. أو لا تنقل الحكم، فيبقى كل واحد من هذين على أصله. ¬

_ = برقم (1961). (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 363. (¬2) انظر: المجموع للنووي: 9/ 90، والمغني لابن قدامة: 13/ 306. (¬3) في (م): (كثير). (¬4) انظر: العتبية، ضمن البيان والتحصيل: 3/ 307. (¬5) قوله: (فعلوا) ساقط من (ت). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 544.

فصل [في صفة الذبح]

فصل [في صفة الذبح] اختُلف في صفة الذبح، والمجمع عليه ما حصل فيه أربع صفات: أحدها: أن يقطع الحلقوم والوَدَجَين والمَرِيء (¬1). والثاني: أن يستأصل قطع (¬2) كل واحد منهما. والثالث: أن تكون الجوزة (¬3) إلى الرأس، أو يكون القطع فيها. والرابع: أن يكون الذبح في مرة واحدة. واختلف في أربع مواضع في المسألة: إذا اقتصر على ما سوى المريء. وإذا لم يستأصل القطع، وقطع النصف من كل واحد فأكثر. وإذا كانت الجوزة (¬4) إلى البدن. وإذا بَعَّضَ الذبح، فرفع يده ثم أعادها بالفور. فأما أعداد ما تقع فيه الذكاة؛ فقال مالك مرة (¬5): يجزئ من ذلك الودجان والحلقوم (¬6) وزاد في كتاب أبي تمام: المريء. ورأى أنها في أربع. وقال في كتاب الصيد إذا أدرك الصيد، وقد أنفذت مقاتله: يستحب له أن يفري أوداجه (¬7). ¬

_ (¬1) قال الجبي: المرِيّ: العرق الأحمر، وهو بفتح الميم وكسر الراء وتشديد الياء ويقال: المريء بفتح الميم وكسر الراء ومد الباء وبهمزة بعدها على وزن فعيل. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص 50. (¬2) قوله: (قطع) ساقط من (ر) و (ب). (¬3) في (ر) و (ب): الخرزة. (¬4) في (ر) و (ب): الخرزة. (¬5) قوله: (مرة) سقط من (ب). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 543. (¬7) انظر: المدونة: 1/ 533.

قيل: وإن فرى الكلب أو البازي أوداجه؟ قال: هذا قد فرغ من ذكاته كلها (¬1). ولم يراعِ الحلقوم؛ ولو كان ذلك لقال يجز على الحلقوم (¬2)؛ لأنه يصح أن يعض الكلب بأنيابه الجانبين، فيصيب الودجين دون الحلقوم (¬3)، وقال مالك في المبسوط في رجل ذبح ذبيحة، فقطع أوداجها، ثم وقعت في ماء: لا بأس بأكلها. وفي البخاري عن عطاء، قال: الذكاة: قطع الأوداج (¬4). وروي عن أبي أمامة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "مَا فَرَى الأَوْدَجَ فَكُلُوا، مَا لَمْ يَكُنْ قَرْضَ نَابٍ أَوْ حَزَّ ظُفُرٍ" (¬5). وفي الصحيحين: "مَا أَنْهَرَ الدَّمَ فَكُلْ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفْرَ" (¬6). وهذا الحديث وإن كان السبب في السؤال عن الذي يُذكِّي به، فإنه يتضمن الموضع الذي يقع فيه الذكاة (¬7)؛ لاختصاصه بما ينهر الدم، ولم يقل: ويقطع الحلقوم والمريء. وأما إذا لم يستأصل القطع؛ فذكر الشيخ أبو محمد في النوادر عن ابن حبيب: أنه إذا قطع الأوداج ونصف الحلقوم فأكثر؛ أكلت. وإن قطع منه أقل؛ ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 534. (¬2) قوله: (ولو كان ذلك لقال يجزئ على الحلقوم) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (لأنه يصح أن يعض الكلب. . . دون الحلقوم) سقط من (ب). (¬4) في (ر): (الأولاد). والأثر علقه البخاري في صحيحه، بلفظ: (والذبح: قطع الأوداج). (¬5) أخرجه الطبراني في الكبير: 8/ 211 برقم (7851) من حديث أبي أمامة الباهلي وله بدل قوله: "قرض ناب"، "قرض سن". (¬6) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 881، في باب ما يكره من ذبح الإبل والغنم في المغانم، من كتاب الجهاد والسير، في صحيحه برقم (2356)، ومسلم: 3/ 1558، في باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم إلا السن والظفر وسائر العظام، من كتاب الأضاحي، في صحيحه برقم (1968). (¬7) قوله: (الذكاة) زيادة من (ر).

لم يؤكل (¬1). وفي العتبية في الدجاجة والعصفور: إذا أجيز (¬2) على أوداجه ونصف (¬3) حلقه أوثلثه (¬4)؛ فلا بأس بأكله (¬5). وقال سحنون: لا يحل؛ حتى يجيز (¬6) على جميع الحلقوم والأوداج (¬7). وأما الجوزة (¬8)؛ فإن وقع الذبح فيها أجزأت، واستكمل دائرها. ويختلف إذا قطع نصفها، وأجاز الباقي إلى البدن. أو لم يقطع منها شيئًا (¬9)، وصار جميعها إلى البدن. فإن قطع نصفها وجاز الباقي إلى البدن؛ أكلت على قول ابن القاسم؛ لأنه لو وقف عند قطع النصف أكلت على قوله، فلا يضر في الباقي إذا جاز إلى البدن، أو بقي لم يقع فيه قطع (¬10). ولم تؤكل على قول سحنون. وأما إذا صار جميعها إلى البدن؛ فقال مالك وابن القاسم وغيرهما: لا ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 361. (¬2) في (م): اجتز. (¬3) في (ب): (أو نصف). (¬4) في (ر) و (ب): (ثلثيه). (¬5) لم أقف عليه في العتبية، وقال في النوادر والزيادات: 4/ 361: "وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في الدجاجة والعصفور والحمام إذا جز أوداجه ونصف حلقه أو ثلثه، قال لا بأس بذلك إذا لم يتعمد". (¬6) في (م): (يجتز). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 361. ونصّ النوادر: "ولم يجز ذلك سحنون حتى يجهز على جميع الحلقوم والأوداج". (¬8) في (ب) و (ر): (الخرزة). (¬9) قوله: (شيئًا) ساقط من (ت). (¬10) قوله: (لم يقع فيه قطع) في (ق 5): (لم يقطع منه شيئًا).

فصل [في تبعيض الذكاة وما يمنع منه]

تؤكل. وقال محمد بن المواز: قد خرج الحلقوم إذًا صحيحًا. وقال ابن وهب وأشهب وابن عبد الحكم وأبو مصعب وغيرهم (¬1): تؤكل (¬2). وأنكر أبو مصعب القول بمنع الأكل، وقال: هذه دار الهجرة والسنة، وبها كان المهاجرون والأنصار والتابعون، أَو كانوا لا يعرفون الذبح؟!! ولم يذكروا عقدة، ولم يعبأوا بها (¬3). وعلى هذا لا يكون الحلقوم شرطًا في الذكاة؛ لأنها (¬4) إذا صارت إلى البدن وقعت الذكاة في الودجين، وخرج الحلقوم- كما قال محمد- صحيحًا (¬5). فصل [في تبعيض الذكاة وما يمنع منه] ومن شرط الذكاة أن يؤتى بها في فورٍ واحد، فإن بعّض ذلك، فرفع يده قبل تمامها، ثم ردّها بعد أن بَعُد ما بين ذلك؛ لم تؤكل. واختلف إذا أعادها بفور ذلك، فقال ابن حبيب: إذا رفع يده، فقيل له في ذلك، فرجع بالفور؛ أكلت. وقال سحنون: لا تؤكل، إذا رفع يده قبل تمام الذكاة، ولو ردها (¬6) مكانه، وأجهز (¬7). وروى ابن وضاح عنه: أنه كره أكلها، قال (¬8): وتأول بعض أصحابنا عليه أنه إن رفع يده كالمختبر، أو ليرجع فيتم، ¬

_ (¬1) قوله: (وغيرهم) ساقط من (ب). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 360. (¬3) في (ب) و (ت) و (ر): (يعنونها). (¬4) في (ب) و (م): (لأنه). (¬5) في (ب) و (م): (صحيحٌ). (¬6) في (ب) (ت): (رده). (¬7) في (م): (وأجزّ). (¬8) قوله: (قال) ساقط من (ر).

فأتم بالفور؛ أكلت (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: لو عكس الجواب لكان أشبه، فيقول إن رفع وهو على شك ليختبر؛ لم تؤكل. وإن كان يرى أنه أتم، ثم تبين له غير ذلك؛ أكلت؛ لأنه أعذر ممن رفع على شك. وأرى أن تؤكل في كلا الحالتين؛ لأن حكم ما فعل بالفور حكم الفعل الواحد. ويكره إذا أتمّ الذكاة: أن يتمادى، فيقطع الرأس. قال مالك: فإن فعل أكلت، إذا لم يتعمد (¬2). يريد: إذا لم يتعمد (¬3) ذلك من أول الذبح، فلا يضره إذا تمادى بعد ذلك. وقال مطرف وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: إن فعل ذلك ليد سبقته؛ أكلت، وإن كان متعمدًا لنخعها عن غير جهل (¬4)؛ لم تؤكل. والقول الأول أحسن، إلا أن تكون نيته (¬5) من الأول أن يبين الرأس جملة، ولم يفصل النية، فينوي ذكاة موضع والتمادي، فإنها لا تؤكل. وإن ذبح شاة بسكين ففرى (¬6) الأوداج والحلقوم، وهو لا ينوي الذكاة؛ لم تؤكل؛ لأن الذكاة تفتقر إلى نية. وإن ذبح من القفا؛ لم تؤكل؛ لأن النخاع يقطعه قبل، وإن أنفذت (¬7) مقاتلها قبل الذبح؛ لم تؤكل. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 361. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 543. (¬3) قوله: (يريد: إذا لم يتعمد) ساقط من (ب). (¬4) قوله: (عن غير جهل) في (ب) و (ر): (غير جاهل). (¬5) في (ب): (بينة). (¬6) في (ب): (ففرق). (¬7) في (ب) و (ت): (أنفذ بها).

فصل [في كيفية النحر وموضعه]

فصل [في كيفية النحر وموضعه] النحر في نقرة المنحر (¬1)، ويجزئ (¬2) منه ما أنهر الدم. ولم يشترطوا فيه (¬3) الودجين والحلقوم، كما قالوا في الذبح. وظاهر المذهب (¬4) أنه حيث ما طعن ما بين اللبة والمنحر؛ أجزأ إذا كان في الودج (¬5). وفي المبسوط: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بعث مناديًا: النحر في الحلق (¬6) واللبة (¬7) وقول مالك: ما بين اللبة والمنحر (¬8) منحر، ومذبح، فإن ذبح فجائز، وإن نحر فجائز. (¬9) ولا يجتزئ في ذلك بالطعن في الحلقوم بانفراده (¬10)، دون أن يصيب شيئًا من الأوداج؛ لأن ذلك مما لا يسرع معه الموت. وإنما يجزئ من ذلك ما كان يثج (¬11) معه الدم ويسرع بالموت؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا أَنْهَرَ ¬

_ (¬1) قوله: (نقرة المنحر) في (ت): (ثغرة النحر)، وفي (م): (بقرة النحر). (¬2) في (ب): (ونحر). (¬3) في (ر): (يشرطوا فيها). (¬4) في (ب) و (ر): (المدونة). (¬5) في (ت): (الودجين). (¬6) في (ت): (الحلقوم). (¬7) أخرجه البيهقي في سننه الكبرى: 9/ 278، في باب الذكاة في المقدور عليه ما بين اللبة والحلق، من كتاب الضحايا، برقم (18905). (¬8) في (ب) و (م): (والمذبح). (¬9) انظر: المدونة: 1/ 543. (¬10) قوله: (بانفراده) ساقط من (ب). (¬11) في (ر): ينهر. والثَّجُّ الصَّبُّ الكثيرُ وخص بعضهم به صَبَّ الماء الكثير ثَجَّهُ يَثُجُّهُ ثَجًّا فَثَجَّ وانْثَجَّ وثَجْثَجَهُ فَتَثَجْثَجَ وفي الحديث: تمامُ الحج العَجُّ والثَّجُّ؛ العج العجيج في الدعاء والثَّجُّ سفكُ دماء البُدْنِ وغيرها. انظر: لسان العرب: 2/ 221.

فصل [في ذكاة المريضة التي لم تشارف الموت]

الدَّمَ. . ." (¬1). وإذا كان النحر في المنحر؛ قطع الودجين؛ لأنه مجمع لهما، ويصير النحر والذبح على القول إنه (¬2) في الودجين واحد، يرجع الأمر فيهما إلى معنىً واحد. فصل [في ذكاة المريضة التي لم تشارف الموت] الذكاة تصح في المريضة إذا لم تشارف الموت. واختلف إذا شارفت الموت. فقال مالك في المريضه تضطرب للموت إن (¬3) تركت ماتت: وإن ذُكيت أُكلت (¬4). وفى مختصر الوقَار: اذا مرضت؛ فبلغت مبلغًا لا يُرجى فيه حياة (¬5)؛ لا تؤكل، وإن ذكيت. والأول أحسن؛ للحديث أن أَمَةً لكعب بن مالك - رضي الله عنه - كانت ترعى غنمًا بسلع، فأبصرت شاة تموت (¬6)، فأدركتها فذكتها (¬7) بحجر، فسئل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "كُلُوهَا" أخرجه البخاري ومسلم (¬8). وإذا لم يتحرك من الذبيحة شيء بعد الذبح؛ أكلت إذا كانت صحيحة، ¬

(¬1) سبق تخريجه، ص: 1517. (¬2) قوله: (إنه) ساقط من (م). (¬3) في (ت): (فإن). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 370. (¬5) في (م): (حياته). (¬6) في (م)، (ب) و (ر): (موتى). (¬7) في (ب): (فذبحتها). (¬8) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 808، في باب إذا أبصر الراعي أو الوكيل شاة تموت أو شيئا يفسد ذبح وأصلح ما يخاف عليه الفساد، من كتاب الوكالة، برقم (2181) ولم أقف عليه في صحيح مسلم.

قال محمد: إذا كان دمها يَشْخَب (¬1). وكذلك أرى في المريضة الظاهرة الحياة، ولم تشارف الموت. فإن شارفت الموت؛ لم تؤكل، إلا أن يكون هناك دليل على بقاء الحياة عند الذبح. واختُلف في صفة ذلك: فقال ابن حبيب: إن كانت تطرف عينها، أو تضرب بيد أو رجل، أو تستفيض نفسها في جوفها ومنحرها، قال: وأي هذه الحركات الأربع كان منها عند مر السكين في حلقها، فإنها تؤكل (¬2). وقال محمد: وسأل رجل أبا هريرة - رضي الله عنه - عن شاة ذبحت، فتحرك بعضها؟ فأمره أن يأكلها. ثم سأل زيد بن ثابت - رضي الله عنه -، فقال: إن الميتة لتتحرك. ولم يزد على ذلك. وقال ابن وهب سألت مالكًا عن ذلك، فقال: إذا كان مثل الشيء الخفي؛ فقول زيد أجمل. فأما إذا كان الروح جاريًا، فلا بأس بأكلها. قال محمد: ومما يعرف به الروح (¬3) في المريضة: تحريك الرِّجْل والذنب. وذكر عن زيد بن أسلم مثل ذلك (¬4). وعن سعيد بن المسيب أنه قال: إذا كانت العين تطرف (¬5). والذنب يتحرك، والرجل تركض. وظاهر قوله: أنها لا (¬6) تؤكل إلا بحركة هذه الثلاث جميعًا، وإنما طلب ذلك بهذه الأشياء؛ لأن أمرها إذا سُوبقت بالذبح مشكل، هل كان موتها ¬

_ (¬1) الشَّخْبُ الدَّمُ وكل ما سالَ فقد شَخَبَ وشَخَبَ أَو داجَه دَمًا فانشَخَبَت قطَعَها فسالتْ ووَدَجٌ شَخِيبٌ قُطِعَ فانْشَخَبَ دَمُه. انظر: لسان العرب: 1/ 485 (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 370. (¬3) في (ت): (الذبح). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 370. وفي النوادر: "قاله زيد بن ثابت". (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 371. (¬6) قوله: (لا) ساقط من (ت).

عن (¬1) الذبح، أو عن الحالة التي كانت بها؟ وأنها لما حركت للذبح، أو حرك رأسها، أو أنزل يده على حلقها؛ ماتت حينئذ، ولم تمت بالذبح. وذلك لأنا نجد الرَّجُل يكون في مثل تلك الحياة (¬2)، وإذا حُرِّك ليستقبل به القبلة أو لغير ذلك (¬3)؛ طفا بالحضرة. وإذا أشكل الأمر لم تؤكل بشك، فلا بد من دليل بيِّن على أن موتها كان عن (¬4) الذبح. فإن اجتمع حركة الرِّجل والذنب والعين؛ أُكلت، وذلك أبينها (¬5). وكذلك، إذا كان (¬6) جوفها يستفيض وينزل (¬7). وأما الاختلاج الخفيف، وحركة العين؛ فترك أكلها أحسن؛ لأن الاختلاج والشيء الخفيف يوجد من اللحم بعد خروج النفس. وحركة الرجل والذنب أقوى من حركة العين؛ لأنه يصح انتقال الحياة من الرِّجلين (¬8)، ويبقى الرمق اليسير عند الحلق وفي الرأس، ولا يصح ذهاب ذلك من الرأس والحلق وبقاؤه في الرِّجل ولا غيره من أسفل الجسم (¬9). وذلك يوجد في بني آدم. يبتدأ ذهاب الحياة من الرجلين (¬10) والأسفل، ¬

_ (¬1) في (ب): (عبر). (¬2) في (ب): (الحالة). (¬3) قوله: (ليستقبل به القبلة أو لغير ذلك) في (ب): (لتستقبل ولذلك). (¬4) في (ت): (على)، وفي (ب): (عبر). (¬5) في (ب): (أبينهما)، وفي (م): (بينها). (¬6) قوله: (كان) ساقط من (ر) (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 371. (¬8) في (ب) و (ر): (الرجل). (¬9) في (ب): (الرجل). (¬10) في (ب): (الرجل).

ويبرد (¬1) ذلك، ولا يذهب ذلك من الأعلى؛ لأن الأصل في الحياة من الدماغ. وأما خروج الدم بانفراده، فلا يكون دليلًا على الحياة؛ لأن الدم (¬2) يخرج من الميتة إذا فجر ذلك منها بفور موتها، وحرارة جسمها. وإنما يعدم منها بعد ذلك إذا بردت، فيجمد الدم، إلا أن يخرج بقوة اندفاع حسب عادته في الحياة، فليس خروجه من الحية (¬3) كخروجه من الميتة، وإذا بلغت الشاة إلى حالة يشك في حياتها، هل ذلك لغمرة هي فيها، أو لأنها ماتت، ثم ذبحت؛ كان طلب الدليل بعد ذلك (¬4) الذبح فيها أكثر من التي علمت حياتها قبل الذبح، ثم شك، هل كان ذهاب حياتها قبل (¬5) الذبح، أو بعده. ومن هذا المعنى: المنخنقة والمتردية، وهو مذكور فيما بعد. ¬

_ (¬1) في (ب): (ويرد)، وفي (م): (ويتردد). (¬2) في (ب) و (ر): (من الدماغ). (¬3) قوله: (من الحية) في (ب): (في الحياة)، وفي (ت) و (ر): (من الحياة). (¬4) قوله: (ذلك) زيادة من (ت). (¬5) قوله: (الذبح، ثم شك، هل كان ذهاب حياتها قبل) ساقط من (ب) و (ر).

باب فيما تصح به الذكاة

باب فيما تصح به الذكاة الذكاة جائزة بكل مجهز من: حديد، أو قصب، أو عود، أو حجر، أو زجاج؛ لحديث رافع بن خديج - رضي الله عنه -، قال: يَا رَسُولَ الله إِنَّا لاَقُو العَدُوِّ غَدًا وَلَيْسَتْ مَعَنَا مُدًى، أَفنَذْبَحُ بِالقَصَبِ؟ فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا أَنْهًرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَكُلْ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفْرَ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ: أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأَمَّاَ الظُّفْرُ فَمُدَى الحَبَشَةِ" أخرجه الصحيحان؛ البخاري ومسلم (¬1). واختلف في الذكاة بثلاث؛ العظم والسن والظفر على أربعة أقوال، فأجاز ذلك مالك في المدونة بالعظم (¬2). ومنعه في كتاب محمد بالسن والظفر (¬3). وقال ابن حبيب: لا يؤكل ما ذبح بالظفر والسن إذا كانا مركبين (¬4). قال: وإن كانا منزوعين (¬5) ولم يصغرا عن الذبح وعظما حتى يمكن الذبح بهما؛ فلا بأس (¬6). وقال أبو الحسن ابن القصار: رأيت لبعض شيوخنا أنه مكروه بالسن، مباح بالعظم. قال (¬7): ومذهب مالك أنه لا يستبيح الذكاة بالسن والظفر، هذا ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 881، في باب قسمة الغنم، من كتاب الشركة برقم (2356)، أخرجه مسلم: 3/ 1558، في باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم، من كتاب الأضاحي، برقم (1968). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 543. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 362. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 302. (¬5) في (م): (مشروعين). (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 303. (¬7) قوله: (قال) ساقط من (م).

الظاهر من مذهبه. وعندي أن السن إذا كان عريضًا محدودًا (¬1)، والظفر كذلك وقعت به الإباحة (¬2)، كالعظم. ولكنه مكروه كالسكين الكالة. وبهذا أخذ أبو حنيفة إذا كان منفصلًا (¬3) وعند الشافعي أنه لا تقع الإباحة بالعظم ولا بالسن ولا بالظفر، وإن كان منفصلًا (¬4). فالظاهر من قول أبي الحسن: أنه حمل قول مالك أنه لا تصح الذكاة بالسن والظفر بحال، متصلًا كان، أو منفصلًا، وأنه هو أجاز ذلك في الوجهين جميعًا، وإن كان متصلًا (¬5)؛ لأنه قال: وبهذا أخذ أبو حنيفة إذا كان متصلًا. وقال في احتجاجه: لا فرق بين متصل أو منفصل. يريد: إذا قطع وفرى الأوداج والحلقوم. قال الشيخ - رضي الله عنه -: الحكم في المتصل والمنفصل سواء (¬6)؛ لأن الاستثناء ورد فيهما جملة، ولم يفرق، فوجب حمله على ما يقع عليه هذه التسمية على أي حال كانا. والنهي محتمل أن يكون ذلك (¬7) شرعًا لا يؤكل (¬8) ما ذكي بهما وإن أنهر الدم، أو لأن شأنهما أن لا يجهزا أو لا ينهرا الدم. والأشبه: أن ذلك لما علم - صلى الله عليه وسلم - من شأنهما، لما كان فعلهما فعل المعراض بعرضه، هذا هو (¬9) المعروف من ¬

_ (¬1) في (ب): (محددًا). (¬2) في (ب): (ذكاته). (¬3) انظر: بدائع الصنائع: 5/ 42، وانظر: المجموع: 9/ 91. (¬4) انظر: المجموع (9/ 91 - 93). (¬5) قوله: (فالظاهر من قول أبي الحسن: أنه حمل. . . كان متصلًا) ساقط من (ب) و (ر). (¬6) قوله: (قال الشيخ - رضي الله عنه -: الحكم في المتصل والمنفصل سواء) ساقط من (م). (¬7) قوله: (ذلك) ساقط من (ت). (¬8) في (ر): (يكون). (¬9) قوله: (هو) ساقط من (م).

فعلهما. فإن قدر أن فعلا (¬1) فعل الحديد أو غيره مما يجهز؛ أكل ما ذكي بهما، ولا فرق بين العظم والسن؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ" (¬2). فجعل العلة كونه عظمًا، فوحب أن يجري العظم في الحكم (¬3) حكم السن، ولا ينبغي أن يذكى بغير الحديد، إلا عند عدمه لحديث أوس - رضي الله عنه - (¬4): "إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ، وإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ" أخرجه مسلم (¬5). فإن فعل وذبح بغير الحديد مع وجوده أجزأ (¬6). ويكره أن يحد المدية (¬7) بحضرة الشاة، وأن يذبح واحدة وأخرى تنظر. وفي كتاب محمد، عن ابن عمري - رضي الله عنهما -: أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -أن تُحَدَّ الشفار، وتوارى عن البهائم (¬8). وقال مالك: رأى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - رجلًا يحدُّ شفرته، وقد أخذ شاة ليذبحها، فضربه عمر بالدرة، وقال: أتعذب الروح، ألا فعلت هذا قبل أن ¬

_ (¬1) في (ت): (يفعلا)، في (م): (يفعل). (¬2) سبق تخريجه، ص: 1526. (¬3) في (ب): (الكل). (¬4) في (ر)، (ب): (أنس). (¬5) أخرجه مسلم: 3/ 1548، في باب الأمر بإحسان الذبح والقتل وتحديد الشفرة، من كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، برقم (1955). (¬6) قوله: (مع وجوده أجزأ) يقا بله في (ر) و (ب): (ونحوه؛ أجزأه). (¬7) في (م): (الحديدة). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 319، عزاه لابن حبيب عن ابن وهب، والحديث أخرجه ابن ماجه: 2/ 1059، في باب إذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، من كتاب الذبائح، برقم (3172)، وفي سنده ابن لهيعة وهو ضعيف.

تأخذها (¬1). وكره أن تذبح الشاة، وأخرى تنظر (¬2). وفي كتاب محمد: عن نوف (¬3) أن صِدِّيقًا أو نبيًّا ذبح عجلًا بين يدي أمه، قال: فخبل، فبينما هو تحت شجرة، وفيها وكر فيه فرخ، فوقع الفرخ منه إلى الأرض، فغر (¬4) فاه، وجعل يصيح، فرحمه، وأخذه، فأعاده في وكره فرد الله إليه عقله". وإذا منع أن يحد الشفرة (¬5)؛ بحضرة الشاة فأحرى أن يمنع من ذبح واحدة بحضرة أخرى. قال محمد: ويأخذ الجزرة (¬6) أخذًا رفيقًا بغير عنف، ويضجعها على شقها الأيسر متوجهًا بها (¬7) إلى القبلة، ورأسها مشرف، ويأخذ بيده اليسرى الجلدة الذي تحت حلقها من اللِّحْي الأسفل، فيجزها؛ حتى يتبين له (¬8) موضع السكين في الذبح، ثم يمر السكين مرًا مجهزًا من غير ترديد، ولا ينخع (¬9)، ويقول: بسم الله، والله أكبر. وإن كانت أضحية؛ فأحب إليّ أن يقول: ربنا تقبل منا، إنك أنت السميع العليم. ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقي في سننه: 9/ 280، في باب الذكاة بالحديد وبما يكون أخف على المذكي وما يستحب من حد الشفار ومواراته عن البهيمة وإراحتها، من كتاب الضحايا، برقم (18923). (¬2) في (ت): (تنظر إليها)، وانظر: النوادر والزيادات: 4/ 359. (¬3) قوله: (عن نوف) ساقط من (م). (¬4) في (م): (ففتح)، فَغَرفاه يَفْغَرُه ويَفْغُره الأَخيرة عن أبي زيد فَغْرًا وفُغُورًا فتحه. انظر: لسان العرب: 5/ 59. (¬5) في (ب): (الحديد). (¬6) في (م): (الجوزة). (¬7) قوله: (بها) سقط من (ت). (¬8) قوله: (له) سقط من (ت). (¬9) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 290. قلت: النخْعُ للذبيحة أَن يَعْجَلَ الذابحُ فيبلغ القَطْعُ إِلى النّخاعِ. انظر: لسان العرب: 8/ 348.

قال ابن القاسم: وإن كان أعسر؛ فلا بأس أن يضجعها على شقها الأيمن (¬1). وقال ابن حبيب: ويكره للأعسر أن يذبح، فإن فعل واستمكن (¬2)؛ أكلت (¬3) ويستقبل بالذبيحة القبلة، ونهى مالك الجزارين أن يدوروا بالحفرة للذبح، وأمرهم أن يستقبلوا القبلة (¬4). واختلف إذا ذبح لغير القبلة، فقال ابن القاسم: تؤكل، وبئس ما صنع (¬5). وقال محمد: إن كان ساهيًا أكلت، وإن كان متعمدًا؛ فلا أحب أن تؤكل. وقال ابن حبيب: إن تعمد ولم يجهل مكروه ذلك؛ حرم أكلها (¬6). وكذلك قال مالك (¬7)، ورواه ابن وهب (¬8) عن الشعبي وابن شهاب (¬9)، قال: وقد نَحَى بذبحه منحى الذبح لغير الله. ومن لم يسم الله -عز وجل- عند الذكاة، فإن كان سهوًا؛ أكلت. واختلف في المتعمد: فقال مالك وابن القاسم في المدونة: لا تؤكل. وقال ابن القاسم: والصيد عندي مثله (¬10). وحكى ابن القصار عن الشيخ أبي بكر الأبهري وابن الجهم: أنهما حملا قول مالك في منع الأكل على وجه الكراهية ¬

_ (¬1) في (ر) و (ب): (الأيسر). (¬2) في (ت): (استكمل). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 359. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 543. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 544. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 459، 460. (¬7) انظر: المدونة: 1/ 544. (¬8) في (ب): (مالك). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 460. عن ابن عمر والشعبي. (¬10) انظر: المدونة: 1/ 532.

والتنزه. وفي شرح ابن مزين عن عيسى (¬1) وأصبغ: أنها حرام، لا يحل أكلها. وقال أشهب في كتاب محمد: إن لم يكن استخفافًا أكلت (¬2). قال الشيخ - رضي الله عنه -: الأصل في التسمية قول الله -عز وجل-: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [الحج: 36]، فأمر بالتسمية عند النحر. والوجوب: سقوطها إلى الأرض عند النحر،؛ لأن السُّنة في الإبل أن تنحر قيامًا، وقال - صلى الله عليه وسلم -لعدي بن حاتم - رضي الله عنه -: "إِذَا أَرْسَلْتَ كِلاَبَكَ المُعَلَّمَةَ وَسَمَّيْتَ اللهَ فَكُلْ، وَإِنْ خَالَطَهَا كِلاَبٌ غَيْرُهَا فَلاَ تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ اللهَ (¬3) عَلَى كِلابِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهَا" (¬4). فجعل عدم التسمية تمنع الأكل، وكذلك قول الله -عز وجل-: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 118]، {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121]، فأباح الأكل بوجود التسمية، ومنع بعدمها. فأخبر الله -عز وجل- أن الوجه في الجواز لأكل ذبيحة المسلم لأنه يُسمِّي، والمنع لذكاة المجوسي؛ لأنه لا يسمي. فنص (¬5) أن الجواز والمنع لأجل التسمية، ليس لأجل الدِّين. فإن قيل: إنه لا تؤكل ذبيحة المجوسي، وإن سمَّى؛ قيل: قد أخبر الله -عز وجل- في هذه الآية: أن المنع لأجل عدم التسمية؛ لأن ذلك شأنهم، وأخبر في آية أخرى أنه لا تؤكل ¬

_ (¬1) قوله: (عن عيسى) سقط من (م). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 460. (¬3) قوله: (الله) زيادة في (م). (¬4) سبق تخريجه، ص: 1463. (¬5) في (م) و (ت): (على).

ذبيحته (¬1) لأجل دينه لقوله: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ} [المائدة: 5]، فحمل أهل العلم أن ما عداهم -وهم المجوس- بخلافهم، وأنه لا تؤكل ذبيحتهم، فإذا كان المنع في مسألة لعلتين؛ جاز أن يحتج بإحداهما، ويُسكت عن الأخرى. ¬

_ (¬1) قوله: (ذبيحته) سقط من (م).

باب فيمن تصح منه الذكاة

باب فيمن تصح منه الذكاة الذكاة تصح من مسلم بالغ عاقل غير مضيّع لصلواته، ومن كتابي ذبح لنفسه، وهذه جملة متفق عليها. ولا تصح من خمس: صغير لا يميز معنى العبادات، ومجنون، وسكران ذاهب العقل، ومجوسي. واختُلف في ذكاة أربع: البالغ إذا كان مضيعًا لصلواته، والصبي إذا لم يحتلم، والمرأة، والكتابي يوكله المسلم على أن يذبح له. فأجاز مالك ذبائحهم (¬1). وقال في كتاب ابن حبيب: لا تؤكل ذبيحة الذي يدع الصلاة، ولا ذبيحة الذي يضيعها ويعرف بالتهاون بها؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -قال: "لَيْسَ بَيْنَ العَبْدِ وَبَيْنَ الكُفْرِ إِلاَّ تَرْكُ الصَّلاَةِ، فَمَنْ تَرَكَ الصَّلاةَ فَقَدْ كَفَرَ" (¬2). وقال مالك في كتاب محمد: تكره ذبيحة الصبي والمرأة من غير ضرورة، وتؤكل إن فعلا (¬3). وقال أبو مصعب: لا أحب أكل ذبيحة الغلام إذا لم يحتلم، ولا ذبيحة المرأة. وإن ذبحا في حال الضرورة؛ فلا أحب ذلك أيضًا. وروى ابن أبي أويس عن مالك في المبسوط في النصراني يوليه المسلم أن يذبح له، فقال: لا، إنما يحل لي (¬4) آكل طعامه. وأمَّا شيء بيدي ملكه ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 544. (¬2) صحيح: أخرجه النسائي بنحوه: 1/ 232، في باب الحكم في تارك الصلاة، من كتاب الصلاة، برقم (464) ولفظه: عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة. وبتمامه أخرجه محمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة: 2/ 880. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 364. (¬4) في (م): (لي أن).

أوليه إياه فلا (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: الذكاة تعبُّد (¬2) تفتقر إلى نية، فلو رمى رجل شاة بسكين ففرى الأوداج والحلقوم، وهو لا يريد الذكاة؛ لم تؤكل لعدم النية. وإذا كان ذلك لم تصح ذكاة فاقد (¬3) العقل من مجنون ولا سكران، ولا صغير لا مَيْز عنده، وتصح إذا كان عنده ميز. قال مالك: إذا أطاق الذبح وعرفه (¬4). وتجوز ذبيحة المرأة للحديث: أنَّ أمة لكعب بن مالك - رضي الله عنه - كانت ترعى غنمًا بسلع، فأبصرت بشاة موتًا، فأدركتها فذكتها بحجر، فسئل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "كُلُوهَا" أخرجه البخاري ومسلم (¬5). وفي هذا الحديث خمس فوائد: جواز ذكاة النساء، والإماء، والذكاة بالحجر، وذكاة ما أشرف على الموت، وذكاة غير المالك بغير وكالة. وأرى أن تؤكل ذبيحة من يترك الصلاة؛ لأنه مسلم. ومعنى الحديث: أنه (¬6) ليس بينه وبين أن تجري عليه أحكام الكفر، فيستباح دمه، إلا ترك الصلاة. ولا يكون كافرًا إلا بالجهل بالمعرفة. وترك (¬7) الصلاة لا يزيل المعرفة من القلب. ولم تحرم ذكاة الكتابي لقول الله سبحانه: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5]. يعني: ذبائحهم. ومنع ذكاة المجوسي بهذه الآية على من قال بدليل الخطاب، وبقوله: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 364. (¬2) سقط من (ب). (¬3) في (ر): (فقيد الفعل)، وفي (م): (فقيد العقل)، وفي (ب): (بغير العقل). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 535. (¬5) سبق تخريجه، ص: 1522. (¬6) سقط من (ر). (¬7) في (م): (وتكره).

فصل [فيما يحل من ذبائح أهل الكتاب]

اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121]. فصل [فيما يحل من ذبائح أهل الكتاب] ذبائح أهل الكتاب تحل بثلاثة شروط: أن يكون المُذكَّى ملكًا لهم، ومما يجوز لهم أكله، ولم يُهلوا به لغير الله. واختُلف في ذكاتهم ما هو ملك لمسلم، وقد تقدم الكلام عليه، وفي ذبائحهم للصليب ولعيدهم وللكنيسة، وفي ذكاة اليهود كل (¬1) ذي ظفر، وفيما وجدوه فاسدًا عندهم، وفي شحومهم. فقال مالك فيما أُهِلَّ به لغير الله، فذبحوه لأعيادهم أو كنائسهم، قال في كتاب محمد: أو لعيسى أو لميكائيل يُكره، ولا أحرمه (¬2). قال ابن حبيب: وما ذُبح للصليب بمنزلة ما ذبح للكنيسة لا بأس به (¬3). وعلى هذا يجوز ما ذُبح لعيسى (¬4) أو لميكائيل أو للصليب. وقال ابن شهاب فيما ذُبح لأيام يسمي عليها (¬5) مثل أبي قرقس حلال، لا بأس به. قال: وقد أحل الله تعالى طعام الذين أوتوا الكتاب، وقد علم أنهم يذكرون (¬6) مثل ذلك، وكره ذلك مالك (¬7)؛ لقول الله سبحانه: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ ¬

_ (¬1) في (ب): (على). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 544. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 365، 368. (¬4) قوله: (أو لميكائيل يكره، ولا أحرمه. . . ما ذبح لعيسى) سقط من (ب). (¬5) قوله: (يسمي عليها) سقط من (م). (¬6) في (ت): (لا ينكرون). (¬7) انظر المدونة: 1/ 544.

اللَّهِ بِهِ} [النحل: 115]؛ خيفة أن يكون مرادًا بالآية، ولم يحرمه لعموم قوله: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5]، وأن يكون المراد: غير الكتابي. والصحيح: أنه حلال. والمراد فيما أُهِلَّ لغير الله به، وما (¬1) ذُبح على النصب: الأصنام، وهي ذبائح المشركين. قال أصبغ في ثمانية أبي زيد: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ}: هي الأصنام التي كانوا يعبدون في الجاهلية. قال: وأهل الكتاب ليسوا أصحاب (¬2) أصنام (¬3). وفي البخاري، قال زيد بن عمرو بن نفيل: أَنَا لاَ آكُلُ مَا تَذْبَحُونَ لأَنْصَابِكُمْ (¬4). يعني: الأصنام. وأما ما ذبحه (¬5) أهل الكتاب، فلا يراعى ذلك فيهم، وقد جعل الله سبحانه لهم حرمة، فأجاز مناكحتهم وذبائحهم لتعلقهم بشيءٍ من الحقِّ، وهو الكتاب الذي أنزل عليهم، وإن كانوا كافرين. ولو كان يحرم ما ذبح باسم المسيح؛ لم يجز أن يؤكل شيء من ذبائحهم، إلا أن يُسأل هل سمي المسيح (¬6)، أو ذبح للكنيسة، بل لا يجوز، وإن أخبر أنه لم يسم المسيح؛ لأنه غير صادق. وإذا لم يجب ذلك؛ حلت ذبائحهم كيف كانت (¬7). واختُلف عن مالك فيما وجده اليهود من ذبائحهم فاسدًا لأجل الرئة، وهي التي يسمونها الطريف، بالإجازة والكراهة. فقال مرة: كل ما حرموه ¬

_ (¬1) قوله: (به، وما) يقابله في (ب): (هو ما). (¬2) في (ب): (أهل). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 365. (¬4) في (ر): (لأصنامهم)، والأثر أخرجه البخاري في صحيحه: 2/ 1391، برقم (3614). (¬5) في (ب): (ذبيحة). (¬6) قوله: (لم يجز أن يؤكل شيء من ذبائحهم، إلا أن يُسأل هل سمي المسيح) سقط من (م). (¬7) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 272.

على أنفسهم فليس بحرام في كتاب فلا بأس بأكله ثم كرهه (¬1) وثبت على الكراهة، ولم يحرمه (¬2)، فكره ذلك لقول الله سبحانه: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5]، وهذا ليس من طعامهم. وأجازه؛ لأن المراد من طعامهم: ذبائحهم. ولأن هذا قصد الذكاة والذبح. وقوله في ثاني حال: إن كانت على صفة كذا؛ لا آكلها، لا يرفع ما تقدم من الذكاة. واختُلف في الشحوم؛ فقال في كتاب محمد: هي محرمة (¬3)، وقال في المبسوط: لا بأس به (¬4). وقاله ابن نافع. وقال ابن القاسم: لا يعجبني أكله، ولا أحرمه (¬5). وحكى ابن القصار عن ابن القاسم وأشهب أنها محرمة. (¬6) واختلف في تذكيتهم كل ذي ظفر نحو الاختلاف في الشحوم، فقيل: ليس بذكي، وهو حرام. وقيل: يُكره. وقيل: جائز. وقيل: يجوز الشحم؛ لأن الذكاة لا تتبعض. ولا يجوز هذا. وقال أصبغ في قول الله -عز وجل-: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا. . .} الآية [الأنعام: 146]، فقال (¬7): قال أشهب: كل ما كان محرمًا بكتاب الله سبحانه؛ فلا يأكله المسلم من ذبائحهم. ولا بأس بما ¬

_ (¬1) قوله: (فقال مرة: كل ما حرموه على أنفسهم فليس. . . ثم كرهه) ساقط من (ب)، وقوله: (ثم كرهه) ساقط من (ت). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 544. (¬3) انظر: الإشراف: 1852، ونصه: (شحوم اليهود المحرمة عليهم مكروهة عند مالك، وفي رواية أخرى: أنها محرمة). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 367، ونصه: (وقال مالك في المختص: لا أحب أكل شحوم اليهود من غير أن أراه حرامًا)، وانظر: التفريع: 1/ 319، والمعونة: 1/ 466. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 366. (¬6) انظر: المعونة: 1/ 466. (¬7) قوله: (فقال) سقط من (ر).

حرموه على أنفسهم. (¬1) وقال ابن القاسم: لا يؤكل هذا ولا هذا. وقال ابن وهب: يؤكل ما حرمه الله -عز وجل- عليهم، وما حرموه على أنفسهم. وهو قول محمد بن عبد الحكم (¬2). قال: إنما أخبر الله سبحانه عمّا حرم (¬3) عليهم في التوراة، وقد جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بتحليل ذلك. واحتج من نصر القول الأول بقول الله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}، وهو ما أحل لهم قبل ذلك. وقال ابن الجهم: المعنى ذبائحهم. قال الشيخ - رضي الله عنه - (¬4): مضمون الآية: الإخبار عما كان محرمًا في التوراة، وقد نسخ ذلك بما خوطبوا به من الدخول في شرعنا، إلا أنهم معتقدون أن ذلك التحريم باق، وأن هذه الذكاة ليست بذكاة. وإلى هذا ذهب ابن القاسم أنها ذكاة بغير نية (¬5). فسواء كان ذلك (¬6) المذكَّى مِلْكًا لهم، أو لمسلم وكَّلهم (¬7) على ذبحه. ورأى ابن وهب أن ذلك ذكاة؛ لأنه نوى الذكاة، وإن كانت عنده فاسدة (¬8). ويختلف على هذا لو وكَّل رجلٌ رجلًا على أن يذبح له بعيرًا أو أن ينحر له شاة، والآمر يعتقد أن تلك ذكاة، والمأمور لا يعتقد ذلك، فلا يكون ذكيًّا على ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 367 (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 368، والإشراف: 2/ 922. (¬3) قوله: (حرم) سقط من (ر). (¬4) قوله: (قال الشيخ - رضي الله عنه -) يقابله في (م): (قلت). (¬5) في (م): (ذكاة). (¬6) قوله: (ذلك) سقط من (ب). (¬7) في (ر): (وكل أحد منهم). (¬8) انظر: المعونة: 1/ 466، 467.

قول ابن القاسم. وهو ذكِيٌّ على قول ابن وهب؛ لأنه نوى الذكاة لمن وكَّله، واعتقاده أنها ذكاة فاسدة ليس إليه. ففارق بهذا من رمى شاة بحديدة فذبحها، ولم يرد ذبحها. ويختلف على هذا، لو ذبح إنسان شاة اقتداء بما رأى الناس عليه من ذلك، وهو لا يعلم أن ذلك شرع، ولا أنها (¬1) لا تؤكل إلا بذلك. وأما الشحوم؛ فالأمر فيها أشكل، فيصح أن يقال: إنها محرمة، وأن الذكاة تتبعض كما قال محمد بن مسلمة: إنها تتبعض (¬2) في شرعنا، فلا تنفع في الدم، وتنفع فيما سواه. ويصح أن يقال: إنها (¬3) تنفع في الشحم؛ لأنَّ التبعيض في ذلك لله سبحانه، فإذا نسخ ذلك من شرعهم، وكانت النية للذكاة، موجودة منهم، وصحت؛ كانت للجميع؛ لأن التبعيض منهم لا يصح، بخلاف ما لا يعتقدون ذكاته جملة (¬4). ويؤيد ذلك حديث عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه -، قال: أَصَبْتُ جِرَابَ شَحْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ فَالتَزَمْتُهُ وقُلْتُ: لاَ أُعْطِي اليَوْمَ مِنْ هَذَا أَحَدًا شَيْئًا، فَالتَفَتُّ فَإِذَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُتبَسِّمًا. أخرجه البخاري ومسلم (¬5). ¬

_ (¬1) في (ب): (ولأنها). (¬2) في (ب): (لا تتبعض). (¬3) قوله: (إنها) سقط من (م). (¬4) قوله: (ذكاته جملة) في (ب): (حله). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 1149، في باب ما يصيب من الطعام في أرض الحرب، من كتاب الخمس، برقم (2984) ومسلم، واللفظ له: 3/ 1393، في باب جواز الأكل من طعام الغنيمة في دار الحرب، من كتاب الجهاد والسير برقم (1772).

باب في ذكاة الجنين

باب في ذكاة الجنين الجنين على وجهين؛ فإن لم توجد (¬1) فيه حياة لم تنفع فيه ذكاة، ولم يدخل في ذكاة أمه، إن ذُكيت. وإن جرت (¬2) فيه حياة صحت ذكاته بانفراده، وأن (¬3) يدخل في ذكاة أمه إن ذُكيت. ودليل وجود الحياة عند مالك: أن يتم خلقه، وينبت شعره، قال: لا بدَّ من هذا، وهذا (¬4). وإذا كان ذلك، فإنه لا يخلو من ثلاثة أوجه: أحدها: أن تذكّي أمه فيموت بموتها. والثاني: أن يخرج حيًّا. والثالث: أن تلقيه (¬5) حيًّا من غير ذكاة كانت في الأم. فإن ذكيت الأم فخرج ميتًا، كانت ذكاة أمه ذكاة له. وإن خرج حيًّا، ثم مات بالحضرة، وسبقهم بنفسه، كان فيه قولان: فقال مالك في كتاب محمد: يُكره أكله (¬6). وقال يحيى بن سعيد: لا يؤكل إلا أن يموت قبل خروجه، وبعد ذكاة أمه (¬7). وقاله ابن الجلاب (¬8). قال: وإذا انفصل الجنين حيًّا، واستهلَّ صارخًا؛ انفرد بحكم نفسه، ولم ¬

_ (¬1) في (ب): (تجري). (¬2) في (ب): (وجدت). (¬3) سقط من (م). (¬4) سقط من (ب)، وانظر: النوادر والزيادات: 4/ 363. (¬5) في (ر) و (ت): (تزلقه). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 364. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 364. (¬8) انظر: التفريع: 1/ 317.

يحل بذكاة أمه. وقال ابن حبيب: إن خرج وبه من الحياة ما يرى أنه يعيش لو ترك أو شك فيه؛ لم يؤكل إلا بذكاة، وإن (¬1) لم تكن ذُكيت الأم. وإن ألقت (¬2) ولدها ميتًا؛ لم يؤكل. وكذلك إذا كان به من الحياة ما يرى أنه لا يعيش أو شك فيه هل يحيا؟ (¬3) لم يؤكل (¬4)، وإن أدركت ذكاته. وإن كانت حياة بيّنة يرى أنه يعيش لو ترك صحت ذكاته. والأصل في دخوله في ذكاة الأم: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ذَكَاةُ الجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ"، وهذا حديث صحيح (¬5) ذكره الترمذي، وذكره غيره (¬6). تمَّ كتابُ الذبائح بحمدِ الله وحُسن عونه ¬

_ (¬1) قوله: (إن) سقط من (ب). (¬2) في (ت): (أزلقت). (¬3) زاد في (ر): (أم لا). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 363. (¬5) زاد في (ت): حسن السند. (¬6) في (ت): (الترمذي في مسنده)، والحديث أخرجه الترمذي في سننه: 4/ 72، في باب ما جاء في ذكاة الجنين، في كتاب الأطعمة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، برقم (1476)، وأبو داود في سننه: 2/ 114، في باب ما جاء في ذكاة الجنين، من كتاب الذبائح، برقم (2828).

كتاب الضحايا

كتاب الضحايا النسخ المقابل عليها 1 - (ب) = نسخة برلين رقم (3144) 2 - (م) = نسخة مراكش رقم (112/ 1) 3 - (ر) = نسخة الحمزوية رقم (110)

باب في سنة الضحايا وهل يأثم تاركها، وفي أضحية الإنسان عن غيره

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب الضحايا باب (¬1) في سنة الضحايا وهل يأثم (¬2) تاركها، وفي أضحية الإنسان عن غيره الأضحية سُنَّهٌ على كل حر (¬3) صغير أو كبير، ذكر أو أنثى، مقيم أو مسافر، إلا الحاج وحده، ومن لم يحج من أهل منىً أو عرفة بمنزلة غيرهم من أهل الآفاق. واختُلف في وجوبها، وهل يأثم (¬4) تاركها: فقال مالك في المدونة: لا أحب لمن كان يقدر على أن يضحي أن يتركها (¬5). ولم يوجبها. وقال في كتاب محمد: هي سُنة واجبة (¬6). فعلى هذا يأثم (¬7) تاركها. وقال ابن حبيب: إنه آثم (¬8). وهو ¬

_ (¬1) قوله: (كتاب الضحايا باب) في (ب) بياض وأشار لاسم الكتاب في الكتاب السابق له وهو كتاب الذبائح. (¬2) في (ر) و (م): (يؤثم). (¬3) في (ب): (أحد). (¬4) في (ر) و (م): (يؤثَّم). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 547. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 309. (¬7) في (ر) و (م): (يؤثّم). (¬8) قوله: (حبيب: إنه آثم) ساقط من (ب)، وانظر: النوادر والزيادات: 4/ 310.

قول ابن القاسم في المدونة إذا اشتراها، ولم يضح بها؛ حتى ذهبت أيام النَّحر أنه: آثم (¬1) ولا يُؤَثِّمه إلا أنها واجبة عنده من الأصل؛ لأن مجرد الشراء لا يوجبها. وقال غير واحد من البغداديين: ليست بواجبة (¬2). واستدل من أوجبها بحديث أبي بردة - رضي الله عنه - لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اذْبَحْهَا، وَلَنْ تُجْزِئَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ" (¬3). واحتج من لم يوجبها بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ رَأَى هِلاَلَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَلاَ يَأْخُذ مِنْ شَعْرِهِ وَلاَ مِنْ أَظْفَارِهِ حَتَّى يُضَحِّيَ" (¬4). فجعل ذلك إلى إرادته، ورد هذا من قال بالوجوب. قال: لأنه يصح أن يؤتى بمثل هذا في الواجب كقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الجمْعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ" (¬5) وهذا الاعتراض غير صحيح؛ لأنه لا يختلف أن نفس هذا اللفظ: (من أراد)، و (من جاء)، لا يتضمن وجوبًا ولا ندبًا. وإنما وجبت الجمعة بنص آخر (¬6) بالآية، وبما جاء في ذلك من الأحاديث، ولو لم يكن ذلك إلا قوله: "إذا جاء" لم تجب. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 549. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 309. (¬3) أخرجه البخاري: 1/ 325، في باب الأكل يوم النحر، من كتاب العيدين، برقم (912)، ومسلم: 3/ 1552، في باب وقتها، من كتاب الأضاحي، برقم (1961). (¬4) حسن صحيح: أخرجه الترمذي: 4/ 102، في باب ترك أخذ الشعر لمن أراد أن يضحى، من كتاب الأضاحي، برقم (1523)، والنسائي: 7/ 211 أوائل كتاب الضحايا، برقم (4361)، وابن ماجه: 2/ 1052، في باب من أراد أن يضحي فلا يأخذ في العشر من شعره وأظفاره، من كتاب الأضاحي، برقم (3150)، وصححه الترمذي، وقال: هذا حديث صحيح. (¬5) سبق تخريجه في كتاب الطهارة، ص: 125. (¬6) في (ب): (من أخذ).

فصل [في الاشتراك في الضحايا وما يجزئ منها]

والقول إن الأضحية ليست بواجبة أحسن (¬1)؛ لأنَّ الذمة بريئة، ولا تعمر إلا بأمرٍ لا شك فيه من آية أو سُنة أو إجماع، وقد عدم جميع (¬2) ذلك. وبين ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أُمِرْتُ بِالنَّحْرِ، وَهُوَ لَكُمْ سُنَّةٌ" (¬3). ففرق بين حكمها عليه وعلى أمته، ولو كانت واجبة عليهم؛ لم يكن للتفرقة وجه. وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بردة - رضي الله عنه -: "وَلَنْ تُجْزِئَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ" (¬4)؛ فإنه يريد أنها لا تجزئ عن تلك السُّنة؛ لأن لها صفة يؤتى بها عليها (¬5)، فمتى (¬6) أخل بها كان بمنزلة من (¬7) لم يأت بها، ولو أراد من كان في حجٍّ أو عمرة أن يتقرب بهدي جذع من المعز، لم يكن ذلك له. فصل [في الاشتراك في الضحايا وما يجزئ منها] ومن المدونة قال مالك: تجزئ الشاة الواحدة عن أهل (¬8) البيت، وأحب إليّ إذا كان يقدر أن يذبح عن كل نفس شاة (¬9). ¬

_ (¬1) قوله: (أحسن) ساقط من (م). (¬2) قوله: (جميع) ساقط من (ب). (¬3) أخرجه الدارقطني: 4/ 282، في باب الصيد والذبائح والأطعمة وغير ذلك، من كتاب الأشربة وغيرها، برقم (41) من حديث جابر عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت بالنحر وليس بواجب". قال ابن الجوزي في التحقيق (2/ 160): جابر هو الجعفي، وهو ضعيف. اهـ (¬4) سبق تخريجه، ص: 1546. (¬5) قوله: (عليها) في (م): (عليه)، وفي (ب): (عنها). (¬6) قوله: (فمتى) في (ب): (فمن). (¬7) قوله: (بمنزلة من) في (ب): (كمن). (¬8) قوله: (أهل) ساقط من (ب). (¬9) انظر: المدونة: 1/ 547.

ولا يجزئ (¬1) عند مالك أن يشترك القوم في الأضحية، فيخرج كل واحد منهم جزءًا من الثمن؛ لأنَّ كل واحد منهم إنما ذبح بقدر ما ملك منها. وأجاز أن يشرك أهله (¬2)؛ لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -أنه ذبح شاة، وقال: "هَذِه عَنِّي، وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي" (¬3). وقال مالك في كتاب محمد: لا ينبغي أن يذبح أضحية عن نفسه وعن أجنبي تطوعًا، ولا يدخل يتيمه في أضحيته، ولا يشرك بين يتيمين في أضحية، وإن كانا أخوين، وله أن يدخل في أضحيته إن شاء أهله وولده ووالديه الفقيرين، وإن كانا مليين، وضحى عنهما؛ فعن كل واحد منهما شاة (¬4). وأما جده وجدته؛ فكالأجنبيين لا يضحي إلا عن كل واحد (¬5) بشاة، إلا أن تكون الجدة (¬6) زوجة الجد فيدخلها في شاة، كما لو بعثها إلى جده، فذبحها الجد عن نفسه وعن زوجته، قال ابن مُيسِّر (¬7): وذلك بإذن الجد (¬8). قال محمد: وكذلك إن ذبح عن جده وعمومته وعماته الصغار، الذين (¬9) يدخلهم الجد في أضحيته من (¬10) عياله (¬11). ¬

_ (¬1) قوله: (يجزئ) في (ب) و (ر): (لا يجوز). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 455. (¬3) صحيح: أخرجه أبو داود: 2/ 108، في باب في الشاة يضحى بها عن جماعة، من كتاب الضحايا، برقم (2810)، والترمذي: 4/ 100، في كتاب الأضاحي، برقم (1521). (¬4) قوله: (شاة) ساقط من (م)، (ب). (¬5) في (ر): (واحد منهما). (¬6) قوله: (الجدة) ساقط من (م). (¬7) في (م): (مسروق). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 311. (¬9) قوله: (الذين) في (ب): (الفقيرين). (¬10) قوله: (من) في (م): (مع). (¬11) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 311. ونصُّ النوادر: "وقال ابن ميسر: وإنما ذلك بإذن =

قال ابن حبيب: وعلى الرجل أن يضحي عن أولاده الصغار الفقراء الذكور؛ حتى يحتلموا والإناث، حتى تزول نفقتهن عنه. ولو كانوا أملياء؛ لم يلزمه ذلك عنهم، إلا أن يشاء، وليس عليه أن يدخل في أضحيته من بلغ من ولده وإن كان فقيرًا، إلا أن يشاء لسقوط نفقته عنه، فإن أدخله في أضحيته؛ أجزأ ذلك الولد، فقيرًا كان أو مليًّا إذا كان في نفقة أبيه أو في بيته، وكذلك الصغير. قال: ولو أدخل في أضحيته من قد ضمَّه إلى عياله من أخ أو ابن أخ (¬1) أو قريب فذلك يجزئ عنهم، ولا يجزئ إدخال الشريك والمرافق له في السفر ونحوه من الأجنبيين في أضحيته (¬2). قال الشيخ - رضي الله عنه - (¬3): أضحية الإنسان عن غيره على خمسة أوجه: أحدها: أن يضحي عمن تلزمه نفقته لقرابة. والثاني: أن تكون قرابة، وهو متطوع بالنفقة. والثالث: أن يكون متطوعًا بالنفقة، ولا قرابة بينهم. والرابع: أن تكون النفقة واجبة، ولا قرابة كالزوجة، ومن استأجره بنفقته. والخامس: أن لا (¬4) يكون في نفقته (¬5)، ولا قرابة. ¬

_ = الجد. قال محمد: وكذلك إن ذبح عن جده وعمومته وعماته الصغار، الذين يدخلهم الجد فى أضحيته من عياله، وهو كله رأي محمد". (¬1) قوله: (أخ) ساقط من (ب). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 312، 311. (¬3) قوله: (قال الشيخ - رضي الله عنه -) في (م): (قلت). (¬4) قوله: (لا) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (نفقته) في (م): (نفقة).

فالأول: أضحيته عمن تلزمه نفقته مع القرابة وهم: الولد (¬1) إذا كانوا فقراء ذكورًا صغارًا وإناثًا بالغات، لم يدخل بهن أزواجهن (¬2)، والأبوان إذا كانا فقيرين (¬3)؛ فهؤلاء عليه أن يضحي عنهم. ثم هو (¬4) بالخيار بين خمسة أوجه؛ بين أن يضحي عن كل واحد منهم بشاة، أو يشرك جميعهم في شاة، أو يدخل جميعهم في أضحيته، أو يدخل بعضهم في أضحيته ويشرك الآخرين في شاة، أو يضحي عن كل واحد منهم (¬5) ممن لم يشركه في أضحيته بشاة. والثاني: إذا كان متطوعًا بالنفقة مع القرابة، كالولد والأبوين مع اليسر، وكالأجداد والأخ وابن الأخ والعم وابن العم، فكل هؤلاء إذا كانوا في جملته وفي نفقته؛ لم تلزمه الأضحية عنهم، وليس تطوعه بالإنفاق مما يوجب عليه الأضحية عنهم، وسواء كان الأجداد ومن ذكر بعدهم موسرًا أو معسرًا. وإذا لم يكن عليه أن يضحي عنهم؛ فله أن يتطوع بذلك عنهم حسب ما تقدم في الفصل الأول، فيدخلهم في أضحيته أو بعضهم (¬6) أو يشركهم في أضحيته، وأيّ ذلك فعل فإنه تسقط به الأضحية عن المنفق عليه، وإن كان موسرًا ممن خوطب فالأضحية عن نفسه. والثالث: إذا كان متطوعًا بالنفقة، ولا قرابة بينه وبينهم، فلا يجوز له أن ¬

_ (¬1) قوله: (الولد) في (ب): (الأولاد). (¬2) قوله: (أزواجهن) زيادة من (ر). (¬3) قوله: (فقيرين) في (م) و (ب): (كانوا فقراء). (¬4) قوله: (هو) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (منهم) زيادة من (ر). (¬6) قوله: (أو بعضهم) زيادة في (م).

يدخلهم في أضحيته، فإن فعل؛ لم يجزئه، ولم يجزئهم. والرابع: إذا كانت النفقة واجبة من باب المعاوضة، كالذي يستأجر أجيرًا بطعامه، فإن ذلك لا يوجب الأضحية، ولا يجوز أن يتطوع بأن يدخله في أضحيته. ويجوز مثل ذلك في الزوجة خاصة، ولا يجب عليه (¬1) أن يضحي عنها؛ لأنَّ وجوب نفقتها من باب المعاوضة عن الاستمتاع، ففارقت نفقة الولد والأبوين، وعليها أن تضحي عن نفسها، وأجيز له أن يدخلها في أضحيته لمّا شملها اسم الأهل. والخامس: إذا لم يكن المُضحَّى عنهم في جملة المُضَحِّي ولا في نفقته، فإنه لا يجوز له (¬2) أن يدخلهم في أضحيته، وسواء كانوا أجنبين أو قرابة، كالولد والأبوين تسقط نفقتهم عنه (¬3) ليسرهم، ولم يتطوع بالإنفاق عليهم، فإن فعل؛ لم يجزئه ولم تجزئهم، وعلى جميعهم الإعادة. وقال ابن حبيب فيمن ولد له يوم النحر أو في آخر أيام النحر (¬4) وقد ضحى، فعليه أن يضحي عنه (¬5)، وكذلك من أسلم حينئذ، فعليه أن يضحي عن نفسه، بخلاف الفطر (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (عليه) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (له) ساقط من (ب). (¬3) قوله: (عنه) في (م): (عنهم). (¬4) قوله: (في آخر أيام النحر) ساقط من (ب)، وفي (ر): آخر يوم للنحر. (¬5) قوله: (عنه) ساقط من (ر). (¬6) انظر، النوادر والزيادات: 4/ 312.

باب في الصنف الذي يضحى به

باب في الصنف الذي يضحى به الأضحية من الأنعام: الإبل والبقر والغنم دون الوحش، كان له نظير من النَّعَم (¬1) أم لا، وأفضلها الضأن ثم المعز. واختُلف في الإبل والبقر، فقال أبو محمد (¬2) عبد الوهاب: البقر ثم الإبل (¬3)؛ لأن المراعى طيب اللحم. وقال ابن شعبان: الإبل (¬4) ثم البقر (¬5). وقال أشهب: الأضحية لمن كان بمنى بالإبل والبقر أحب إلينا من الغنم. قال: وإن كنت لا أرى على من بمنى أضحية (¬6). واختُلف في ذكور كل صنف وإناثه: فقال مالك في مختصر ابن عبد الحكم: الذكران أفضل (¬7). وقال في المبسوط في الهدي والأضاحي: الذكر والأنثى سواء. قال: ومن الناس من يستحب الذكر في الأضاحي، وقاله في كتاب محمد. واختلف في الخصيِّ: فقال في المختصر: الفحل أولى (¬8). وقال ابن شهاب في خصي الضأن: لا ينقصه الخصاء شيئًا (¬9). وقال ابن حبيب: الفحل السمين ¬

_ (¬1) قوله: (النَّعَم) في (ب): (الغنم). (¬2) قوله: (أبو محمد) ساقط من (م). (¬3) انظر: التلقين: 1/ 104، والمعونة: 1/ 429. (¬4) قوله: (واختُلف في. . . الإبل) ساقط من (ب). (¬5) انظر: الزاهي، لابن شعبان، لوحة رقم: [61 / أ]، والبيان والتحصيل: 3/ 346. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 310. (¬7) انظر: المختصر الصغير بشرح البرقي، لوحة رقم: [30 / أ]، والنوادر والزيادات: 4/ 315. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 315. (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 316.

أحب إليهم من الخصي السمين، والخصي السمين أحب إليهم من الفحل الهزيل، والفحل الهزيل (¬1) أحب إليهم من النعجة (¬2). فقصرت الاضاحي علي الأنعام لما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - في ذلك أنه ضحى بالغنم والبقر والإبل، وبَّين لأمته أسنان ما يضحون به، ولم يرو عنه خلاف ذلك. فروي عنه أنه ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ (¬3). وفي البخاري عن ابن عمر - رضي الله عنهما -، قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَذْبَحُ وَيَنْحَرُ بِالْمُصَلَّى (¬4). فأثبت في هذا الحديث (¬5) أنه كان يضحي بالصنفين، وقدمت الضأن لقول الله -عز وجل-: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} [الصافات: 17، 18]. قيل: فداه بكبش، وترك عليه في الآخرين سنة (¬6) يقتدى به فيها. وهذا قول الحسن. وقيل: ترك عليه الثناء الحسن. وقدم (¬7) الذكرة لأنه ذبْحُ إبراهيمَ - عليه السلام -، ولم يرو عنه أنه (¬8) ضحى بأنثى (¬9). وأسنان الأضاحي مذكورة في كتاب الزكاة الثاني (¬10). ¬

_ (¬1) قوله: (الهزيل) زيادة في (م). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 315. (¬3) أخرجه البخاري: 5/ 2114، في باب وضع القدم على صفح الذبيحة، من كتاب الأضاحي، برقم (5244)، ومسلم: 3/ 1555، في باب استحباب الضحية وذبحها مباشرة بلا توكيل والتسمية والتكبير، من كتاب الأضاحي، برقم (1966). (¬4) أخرجه البخاري: 5/ 2111، في باب الأضحى والنحر بالمصلى، من كتاب الأضاحي، برقم (5232). (¬5) قوله: (فأثبت في هذا الحديث) في (ب): (فأثبتت هذه الأحاديث). (¬6) قوله: (سنة) ساقط من (م). (¬7) قوله: (وقدم) في (ب): (وفديته). (¬8) قوله: (أنه) ساقط من (ب). (¬9) قوله: (بأنثى) في (ب): (ثانية). (¬10) انظر ذلك في: فصل في ولد الناقة واعتبار سنة في تسميته، من كتاب الزكاة الثاني.

فصل [في وقت الأضحية]

فصل [في وقت الأضحية] للأضحية وقت مبتدأ ومنتهى. فمبتدأه بعد صلاة الإمام وذبحه بالمصلى، وآخره غروب الشمس من اليوم الثالث. فإذا غربت خرج وقت الأضاحي. ولم يختلف المذهب فيمن صلى مع الإمام أنه مخاطب بالاقتداء به، وأنه لا يذبح إلا بعد ذبحه، فإن ذبح قبل ذلك؛ أعاد (¬1). واختلف في خمسة مواضع: أحدها (¬2): إذا لم يبرز الإمام أضحيته إلى المصلى، هل على الناس أن يمهلوا حتى يذبح؟ والثاني: من لم يصلِّ معه وهو معه في البلد، فذبح بالتحري، ثم تبين أنه ذبح قبله. والثالث: أهل البوادي، هل هم مخاطبون بالاقتداء بالإمام، وكيف إن أخطؤوا بعد القول أن عليهم أن يقتدوا به. والرابع: إذا زالت الشمس، هل الذبح في بقية ذلك اليوم (¬3) أفضل، أو يؤخر إلى الغد؟ والخامس: إذا ذبح ليلًا بعد ليلة النحر، هل يجزيه ذلك أو لا؟ فقال محمد: إذا لم يبرز الإمام أضحيته (¬4)، وذبح في منزله، فذبح رجل قبله؛ لم يجزئه، إلا أن ¬

_ (¬1) انظر المدونة: انظر: 1/ 546. (¬2) قوله: (لا يذبح إلا بعد. . . أحدها) ساقط من (ب). (¬3) قوله: (اليوم) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (أضحيته) ساقط من (ب).

يتوانى (¬1) الإمام بعد انصرافه، فمن ذبح بعد القدر (¬2) الذي لو لم يتوان لفرغ من الذبح، فإنه يجزئه (¬3). وقال أبو مصعب: إذا أخطأ الإمام فلم يذبح بالمصلى، أو ترك تركًا يجاوز ما يذبح فيه الإمام، فيكون من ذبح مصيبًا (¬4)؛جائز له ذبيحته (¬5). وهذا أحسن، وليس على الناس أن يمهلوا إلا بقدر ذبحه، لو ذُبح بالمصلى. وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كَانَ يَذْبَحُ وَيَنْحَرُ بِالُمصَلَّى (¬6). ومن ذبح بالتحري ممن لم يُصلِّ مع الإمام، ثم تبين أن ذبحه كان قبل ذبح الإمام؛ لم يجزئه. وفي التفريع لابن الجلاب: إنه يجزئه، قال إذا لم يبرز الإمام أضحيته، قال: يؤخر الناس قدر انصرافه وذبحه، فإن توخى (¬7) أحد وذبح، ثم تبين أنه ذبح قبله؛ أجزأه (¬8). واختلف في أهل البوادي على أربعة (¬9) أقوال، فقال مالك في المدونة: ¬

_ (¬1) في (م): (يتراخى). (¬2) في (م): (الفور). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 314. (¬4) قوله: (مصيبًا) ساقط من (ب). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 314. (¬6) سبق تخريجه، ص: 1553. (¬7) في (م): (تراخى). (¬8) انظر: التفريع: 1/ 302. (¬9) في (م): (ثلاثة).

يتحرون صلاة أقرب الأئمة إليهم (¬1) وذبحه، فإن تبين لهم أنهم أخطؤوا أجزأهم (¬2). وقال في كتاب محمد: لا يجزئهم. وقال ربيعة في كتاب ابن حبيب: إن كانوا بحيث ليس (¬3) إمام يقتدى به، فمن ذبح بعد طلوع الشمس، أجزأه، ومن ذبح قبل طلوعها؛ لم يجزه (¬4). وهو قول عطاء. وقال أصحاب الرأي: في أهل السواد طلوع الفجر. ولا أرى أن يجزئ ذلك من كان مع الإمام في المصر؛ لأنهم مخاطبون بالصلاة معه، فيعلمون ذلك بالمشاهدة ليس بالتحري. وأما أهل البوادي؛ فتجزئهم، ولم يبعد (¬5) من قال: إنهم (¬6) غير مخاطبين بالإمام بحال؛ لأن الحديث إنما ورد فيمن صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورأى مالك أن من بعده من الخلفاء ومن يقيمونه (¬7) بالبلدان مثل ذلك (¬8)، لا يتقدمون بالذبح. والمصلّي بالناس العيد ثلاثة: أمير المؤمنين (¬9) كالعباسيّ اليوم. والثاني: من أقامه لذلك في بلده أو عمله على بلد من بلدانه. هذان لا يُتقدمان بالذبح. والثالث: من كان سلطانًا (¬10) من غير أن يقيمه أمير المؤمنين (¬11) فهذا لا ¬

_ (¬1) قوله: (إليهم) ساقط من (م). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 546. (¬3) قوله: (ليس) في (ر): (لهم). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 314. (¬5) قوله: (يبعد) في (ب): (يتعد أنهم). (¬6) قوله: (إنهم) ساقط من (ب). (¬7) قوله: (ومن يقيمونه) زيادة في (م). (¬8) قوله: (ذلك) ساقط من (ب). (¬9) قوله: (أمير المؤمنين) يقابله في (ب): (أمراء)، وفي (ر): (أمير). (¬10) قوله: (سلطانًا) في (م): (مثل سلطان). (¬11) قوله: (المؤمنين) ساقط من (ب).

فصل [فيمن نحر قبل الفجر]

يجب الاقتداء به (¬1) إن صلى لنفسه، ولا بمن أقامه للصلاة. وإذا لم يجب الاقتداء به، صاروا كأهل البوادي الذين لا إمام لهم (¬2). فعلى قول مالك يتحرون أقرب الأئمة إليهم ممن أقامه أمير المؤمنين. وعلى قول ربيعة يجوز لهم الذبح (¬3) إذا طلعت الشمس. وعلى قول أبي حنيفة إذا طلع الفجر. فصل [فيمن نحر قبل الفجر] وقال ابن القاسم في كتاب محمد: لا يضحى يوم النحر، ولا بعده؛ حتى تستقل الشمس، وتحل الصلاة (¬4). وقال أصبغ (¬5): ليس ذلك عليه في اليوم الثاني أن ينتظر قدر صلاة الإمام. يريد: بالأمس، ولكن إذا حلت الصلاة (¬6)، ولو ذبح في اليوم الثاني والثالث إذا طلع الفجر؛ جاز. وأجرى الذبح في هذين اليومين على الهدايا (¬7) أنه يجوز النحر إذا طلع الفجر، واختلف إذا زالت الشمس من اليوم الأول والثاني. فقال ابن حبيب: يؤخر الذبح في بقية ذلك اليوم حتى يضحي في اليوم الذي يليه، وتستقل الشمس، فإن لم يضح حتى زالت الشمس من اليوم ¬

_ (¬1) قوله: (به) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (لهم) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (الذبح) ساقط من (ب). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 313. (¬5) قوله: (وقال أصبغ) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (الصلاة) في (ب): (الشمس). (¬7) قوله: (الهدايا) في (م): (أحكام الهدي).

الثالث، فإنه يؤمر أن يضحي ما بينه وبين غروب الشمس (¬1). وقال محمد: أفضل هذه الأيام اليوم (¬2) الأول (¬3). ولم يفرق بين أوله ولا آخره، وكذلك اليوم الثاني يكون جميعه أفضل، وهو أحسن (¬4)؛ لحديث ابن عباس - رضي الله عنه - قال: سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل، فقال: يا رسول الله، رميت بعدما أمسيت؟ فقال: "لاَ حَرَجَ". قال: حلقت قبل أن أنحر؟ قال: "انْحَرْ وَلاَ حَرَجَ" (¬5). فأمره بالنحر، وإن كان قد أمسى وصار إلى آخر النهار، ولم يأمره أن يؤخر ذلك إلى الغد. وقياسًا على الرمي أنه يرمي في آخر ذلك اليوم، ولا يؤخره إلى الغد. واختُلف فيمن ذبح ليلًا، فقال مالك: لا يجزئ ذلك في هدي ولا أضحية، قال: وإنما ذكر الله -عز وجل- الأيام في كتابه، ولم يذكر الليالي (¬6)، فقال: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28]. قال ابن القاسم: وأخبرني من أثق به أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: "مَنْ ضَحَّى بِاللَيْلِ فَلْيُعِد" (¬7). وقال أبو الحسن بن القصار: روى عن مالك فيمن ضحى ليلًا أنها تجزئ. ويجزئ (¬8) على هذا ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 315. (¬2) قوله: (اليوم) ساقط من (م). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 313. (¬4) قوله: (وهو أحسن) ساقط من (ب). (¬5) سبق تخريجه في كتاب الحج الثاني، ص: 1220. (¬6) انظر: المدونة: 1/ 482. (¬7) لم أقف عليه، وفي سنن البيهقي: 9/ 290: (عن الحسن قال: نهى عن جداد الليل، وحصاد الليل، والأضحى بالليل، وإنما كان ذلك من شدة حال الناس كان الرجل يفعله ليلا فنهى عنه ثم رخص في ذلك). (¬8) قوله: (ويجزئ) في (م): (ويجري).

الهدي إذا نحر ليلًا (¬1). وقال أشهب في مدونته: يجزئه الهدي ولا تجزئ الأضحية. قال: ألا ترى أن (¬2) من نحر أضحيته قبل الإمام وهو من أهل القرى التي بها الأئمة يعيد، وإن نحر هديه قبل الإمام إذا طلع الفجر لم يعد. قال: وأما قول الله سبحانه: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)} [الحج: 28]، فإن الليالي معها. وكل هذا لاختلاف فيما سوى ليلة النحر، وأما ليلة النحر (¬3) فلا خلاف أنَّه من نحر تلك الليلة أو ذبح لم يجزئه؛ لأن الوقت لم يدخل بعد، وكذلك الليلة الرابعة لا يضحى فيها؛ لأنَّ الوقت قد خرج، وليس صبيحتها من أيام النحر. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 17/ 163. ونصُّه هناك: "وسُئل مالك عن رجل قدم على أهله من الليل بعد يوم النحر، فوجد عندهم ضحية قد أعدوها، فضحى بها بالليل، قال أرى أن يعود بضحية أخرى. وقال في الحديث: الأضحى يومان بعد يوم الأضحى وليس يضحى بليل. قال: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ}، ولم يذكر الليل، فأرى عليه الإعادة، وإن الذي يفتي أن يضحى بالليل، قد جار جورًا بعيدًا". (¬2) قوله: (أن) ساقط من (ب). (¬3) قوله: (وأما ليلة النحر) زيادة في (ر).

باب فيمن يتولي النحر والذبح، وفيمن وكل نصرانيا أو يهوديا علي ذلكـ أو من ذبح لإنسان بغير أمره

باب فيمن يتولي النحر والذبح، وفيمن وكَّل نصرانيًّا أو يهوديًّا علي ذلكـ (¬1) أو من ذبح لإنسان بغير أمره وُيستحب أن يتولى ذبح أضحيته بنفسه اقتداءً بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، ولأنه قُربة لله سبحانه، فكان عمله لها أفضل من الوكالة عليها، فإن عجز عن ذلك؛ وكل من له دين وصيانة. قال مالك عن داود بن الحصين: كان الناس ينتخبون لذبائحهم صالح ما (¬2) يجدون. قال الشيخ - رضي الله عنه -: فإن (¬3) وكل من يُضيّع صلواته؛ استحب له الإعادة للاختلاف فيها. هل هي ذكية (¬4) أم لا (¬5)؟ واختُلف إذا وكل نصرانيًّا أو يهوديًّا، فقال في المدونة: لا يجزئه (¬6). وقال أشهب في مدونته: يجزئه (¬7). وهو أحسن على تسليم القول: إن ذكاتهم لملك ¬

_ (¬1) قوله: (على ذلك) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (ما) في (م): (من). (¬3) قوله: (فإن) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (ذكية) في (ب): (ذكيت). (¬5) قد مضى هذا الاختلاف في باب الذبائح، واختار المؤلف صحة الذبح منه وجواز الأكل من ذبيحته، قال: (وأرى أن تؤكل ذبيحة من يترك الصلاة؛ لأنه مسلم. ومعنى الحديث: أنه ليس بينه وبين أن تجري عليه أحكام الكفر، فيستباح دمه، إلا ترك الصلاة. ولا يكون كافرًا إلا بالجهل بالمعرفة. وترك الصلاة لا يزيل المعرفة من القلب. . .). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 544. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 320. ومن هنا يبدأ اختلاف في الأوراق في أوراق مخطوطة (مراكش).

المسلم ذكاة؛ لأن القربة لا تفتقر إلى نية الذابح، وهي موكلة (¬1) إلى نية المتقرب، ولو كان على رجل جزاء صيد أو نسك من أذى، فأمر رجلًا أن يذبحه، ولم يعلمه لما يذبحه لأجزأه ذلك. وإنما يفتقر الذابح إلى نية الذكاة خاصة، وقال ابن عمر - رضي الله عنه -: "ربك أعلم بمن أنزلها من رأس الجبل" (¬2). إلا أن يغيب عنه، ويوكله على التقرب بها. فلا يجوز له (¬3)؛ لأنه لا تصح منهما قربة، ولو جعل لهما أن يوكلا مسلمًا، فإن أعلماه أنها أضحية أو هدي، ونوى ذلك الذابح؛ أجزأته. وإن لم يعلماه ونويا (¬4) تلك القربة كانت ذكية، ولا تجزئ. والاستحباب لا يجتزأ (¬5) به؛ ليخرج من الخلاف، فقد قال مالك مرة: إنها غير ذكية (¬6). وإذا كان الذابح يهوديًّا أبين؛ لأن شحمها محرم (¬7) على أحد القولين وأن الذكاة تتبعض فيكون صاحبها مُضحيًا ببعض شاة. ¬

_ (¬1) قوله: (موكلة) في (ر): (موكولة). (¬2) لم أقف عليه، وهو مذكور في العتبية، قال فيها: (قال مالك: بلغني أن رجلًا سافر فأدركه الأضحى في السفر، فمر على راع وهو يرعى على رأس جبل، فقال يا راعي أتبيع مني شاة صحيحة أضحي بها؟ قال: نعم، قال أنزلها فاتركها فاشتراها منه، ثم قال له: اذبحها عني؛ فذبحها الراعي، وقال اللهم تقبل مني، فقال له ذلك الرجل ربك أعلم بمن أنزلها من رأس الجبل، ثم سار وتركها) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 349 وذكرها ابن رشد في كتاب الجامع من البيان أيضا، انظر: 18/ 172، وذكرها ابن أبي زيد في النوادر والزيادات: 4/ 328. (¬3) قوله: (له) ساقط من (م). (¬4) قوله: (ونويا) يقابله في (ر): (ونوى هو). (¬5) في (ر): ألا تجزئ، وفي (م): ألا يجزئ. (¬6) انظر: المدونة: 1/ 545. (¬7) قوله: (محرم) ساقط من (ب).

فصل [فيمن ذبح أضحية غيره]

فصل [فيمن ذبح أضحية غيره] وإذا ذبح رجل أضحية رجل بغير أمره تعديًّا، وليس بولد ولا صديق، ولا ممن يقوم بأمره؛ لم يجزئه (¬1)، وكان بالخيار بين أن يضمنه قيمتها، أو يأخذها وما نقصها الذبح. واختُلف إذا ذبحها ولدٌ أو من هو في عيالة،، ابن القاسم: تجزئه (¬2) وقال أشهب في مدونته: لا تجزئه (¬3) وقال ابن القاسم في كتاب محمد: لو أن جارًا لي انصرف من المصلى، فذبح أضحيتي إكرامًا لي، فرضيت بذلك؛ لم تُجز (¬4). وقال أيضًا: إذا كان لصداقة بينهما، أو وثق به أنه ذبحها عنه؛ أجزأته (¬5). فمضى ابن القاسم في ذلك على أصله فيمن أعتق عن إنسان بغير أمره عن كفارة يمين أو ظهار أنها تجزئه وهو في هذا أبين؛ لأنَّ ربها نواها قربة، وهو فيها على تلك النية إلى أن ذبحت. والأصل في ذلك حديث عائشة، قالت: كنا بمنى، فدخل علينا بلحم بقر، فقلت: ما هذا؟ قالوا: ضَحَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَزْوَاجِهِ بِالْبَقَرِ (¬6). وعن أشهب على أصله فيمن أعتق عن غيره بغير أمَره، أنه لا يجزئه وإذا لم يجزئ كان ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 550. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 330. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 330. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 330. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 330. (¬6) سبق تخريجه في كتاب الذبائح، ص: 1514.

له أن يضمن الذابح، فإن ضمنه أو دفع الفداء، وأخذها (¬1)، لم تبع للاختلاف فيها أنها تجزئ، وان كان ذلك على وجه الخطأ؛ ذبح كل واحد أضحية صاحبه لم تجزئ عن أصحابها (¬2). واختُلف هل تجزئ الذابح إذا ضمن، فقال مالك وابن القاسم: لا تجزئ وقال أشهب: تجزئ وقد مضى ذكر ذلك في كتاب الحج الثاني (¬3). ولو أمر ربها رجلًا يذبحها له، فنوى الذابح عن نفسه لأجزأت عن صاحبها. وقد اشترى ابن عمر - رضي الله عنه - شاة من راعٍ، فأنزلها من الجبل، وأمره بذبحها، فذبحها الراعي، وقال: اللهم تقبّل مني. فقال ابن عمر - رضي الله عنه -: ربك أعلم بمن أنزلها من رأس الجبل. وقال أصبغ: لا تجزئه (¬4) والأول أحسن؛ لأن المراد من الذابح نيه الذكاة لا غير ذلك، والنية في القربة إلى ربها وقد تقدم ذلك. ¬

_ (¬1) قوله: (وأخذها) في (م)، (ب): (وأخرها). (¬2) قوله: (لم تجزئ عن أصحابها) زيادة في (م). وانظر: النوادر والزيادات: 4/ 329. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 329. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 328.

باب في اختلاط الأضاحي قبل الذبح وبعده والرؤوس عند الشواء

باب في اختلاط الأضاحي قبل الذبح (¬1) وبعده والرؤوس عند الشواء (¬2) وقال ابن عبد الحكم: إذا اختلطت الأضاحي (¬3)، فلا بأس أن يصطلحا فيها؛ يأخذ كل واحدٍ واحدةً يضحي بها، وتجزئه (¬4). وقد قيل في رجلين اشتريا شاتين شركة (¬5)، ثم اقتسماها: أن على من صارت له الدنية بدلها؛ لأنه عنده باع نصف الجيدة، وهذا ضعيف؛ لأنهما إنما (¬6) اشترياهما ليقسماهما، ولو كانت الشركة ليذبحا (¬7) جميعًا الجيدة؛ ما أجزأت. وقال يحيى بن عمر في رجلين أمرا رجلًا يذبح (¬8) لهما، فاختلطا بعد الذبح، قال: يجزئان من الأضحية، ويتصدقان بهما (¬9)، ولا يأكلان منهما شيئًا (¬10). وقال محمد بن المواز في رؤوس الأضاحي تختلط عند الشواء: أكره لك أن ¬

_ (¬1) قوله: (الذبح) في (م): (الذكاة). (¬2) قوله: (الشواء) في (م): (الخلاف). (¬3) قوله: (الأضاحي) في (ح): (الضحايا). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 330. (¬5) قوله: (شركة) في (ب): شركتين. (¬6) قوله: (إنما) ساقط من (م). (¬7) قوله: (ليذبحا) في (ب): (ليذبحهما). (¬8) قوله: (رجلًا يذبح) في (ب): (رجلين يذبحا). (¬9) قوله: (بهما) في (م): (بها). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 331.

تأكل متاع غيرك، ولعل غيرك لا يأكل متاعك. قال: ولو اختلطت برؤوس الشواء؛ لكان خفيفًا؛ لأنه ضامن، كمن ضمن لحم الأضاحي (¬1). وقد قيل: ليس له طلب القيمة، فعلى قول محمد؛ يجوز إذا اختلطت الشاتان أن يأكلاهما؛ لأنه إنما كره أكل الرأس: لإمكان أن يكون (¬2) الآخر تصدق به، ولم يأكله، فلا تأكل أنت متاعه. وهذا استحسان، ولو حمل عليه (¬3) أنه تصدق به لم يحرم هذا على من أخذه؛ لأنه كاللقطة لطعام لا يبقى. وإذا كان الشواء كان أشد (¬4) في الكراهية؛ لأن الشواء معروف، فيرده عليه، على القول أنه لا يصح أخذ العوض عن متاعه. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 327. (¬2) قوله: (أن يكون) ساقط من (م). (¬3) هكذا في الأصول. (¬4) قوله: (أشد) في (ب): (الشواء).

باب في الأكل والصدقة من الأضحية

باب في الأكل والصدقة من الأضحية أمر الله سبحانه وتعالى في الهدايا أن يؤكل منها، ويُتصدّق، فقال -عز وجل-: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28]، وقال: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36]. وأبان (¬1) النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الضحايا كذلك، فقال "كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ أَنْ تُمْسِكُوا مِنْ لحُومِ (¬2) نُسُكِكُمْ بَعْدَ ثَلاَثٍ، فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا" (¬3) فأباح الإمساك بعد ثلاث، وأثبت الصدقة فلم ينسخها، فقال: "ادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا". واختلف المذهب هل يؤمر بامتثال الوجهين: الأكل، والصدقة حسبما في الحديث أم لا؟ فقال: له أن يأكل ولا يتصدق، أو يتصدق ولا يأكل. فقال مالك في كتاب ابن حبيب: يأكل ويتصدق، كما قال الله سبحانه. ولو أراد أن يتصدق بلحم أضحيته كله كان كأكله إياه ولم يتصدق، حتى يفعل الأمرين. وقال ابن المواز: لو أكله كله (¬4) لكان جائزًا، ولو تصدق به كله كان أعظم لأجره (¬5). ¬

_ (¬1) قوله: (وأبان) في (ب): (ويحتمل أن يكون أخبر). (¬2) قوله: (لحوم) في (ب): (لحم). (¬3) أخرجه مسلم: 3/ 1561، في باب بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث، من كتاب الأضاحي، برقم (1971). (¬4) قوله: (كله) ساقط من (م). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 322.

والأول أحسن، فليس له أن يأكل ذلك كله، وقد كان الأصل: ألا يأكل منها شيئًا؛ لأنه قد جعلها لله سبحانه، وتقرب بها إليه؛ فلا يرجع في شيء جعله لله، كما لا يرجع فيما (¬1) جعله لله -عز وجل- صدقة، فأباح الله سبحانه أن يأكل منها، وأثبت الصدقة منها على الأصل (¬2)، فلم يجز أن يأكل الجميع، وأبان النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الضحايا في ذلك كالهدايا (¬3). ويكره أن يتصدق بالجميع؛ لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نحر مائة من الإبل، ثم أمر أن يؤخذ (¬4) من كل واحدة بقطعة فطبخت، ليكون إذا أطعم من مرقها قد أكل من جميعها. أخرجه مسلم (¬5). وقال ابن حبيب: وليس لما يؤكل، ولا لما يتصدق به حدٌّ. ويجزئ منه ما قلّ (¬6). وقال ابن الجلاب: الاختيار (¬7) أن يأكل الأقل (¬8). ويستحب (¬9) أن يكون أول ما يأكله يوم النحر من أضحيته، قال ابن شهاب: يأكل من كبدها (¬10). ¬

_ (¬1) قوله: (في شيء جعله لله، كما لا يرجع فيما) ساقط من (م). (¬2) قوله: (الأصل) ساقط من (م). (¬3) يؤخذ ذلك من عموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لحوم نسككم"، والله أعلم. (¬4) قوله: (أن يؤخذ) ساقط من (م). (¬5) أخرجه مسلم: 3/ 1555، في باب سن الأضحية، من كتاب الأضاحي، برقم (1963). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 322، وزاد فيه: (قلّ أو كثر). (¬7) قوله: (الاختيار) ساقط من (م). (¬8) انظر: التفريع: 1/ 393. (¬9) قوله: (ويستحب) في (ب): (ما استحب أن يكون). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 322.

باب في ولد الأضحية وصوفها ولبنها

باب في ولد الأضحية وصوفها ولبنها وإذا خرج ولد الأضحية بعد ذبحها حيًّا (¬1) ذُبح، وكان حكمه على (¬2) حكم الأم. واختُلف إذا ولدته قبل ذبحها، فقال مالك: إن ذبحه معها فحسن (¬3). وقال أشهب في كتاب محمد: لا أرى أن يُضحى به، ولا يحل (¬4). قال في مدونته: وليس ذلك مثل الهدي. والهدي بمنزلة المُدَبَّرة، وولدها بمنزلتها. يريد: أن الأضحية لا تجب إلا بالذبح. وقد كان له بدلها، فكان الولد بمنزلة ما لو ابتدأ ملكه، فلا يجوز له أن يضحي بدون المسن. ولو بَعُد ما بين الولادة والذبح؛ ما جاز له (¬5) أن يذبحه على وجه الأضحية. واختُلف في لبنها، فقال ابن القاسم: إن لم يكن معها ولد، وأضرَّ بها؛ حلَبه وتصدق به (¬6). وإن كان معها ولد؛ كان (¬7) بمنزلة الهدي. قال: وكره مالك لبن الهدي، وقد جاء في الحديث: أنه لا بأس (¬8) أن يشرب ما بعد ريّ ¬

_ (¬1) قوله: (حيًّا) في (م): (حتي). (¬2) قوله: (على) ساقط من (ب). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 547، والنوادر والزيادات: 4/ 321. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 321. (¬5) قوله: (له) ساقط من (م). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 548. (¬7) قوله: (كان) ساقط من (ب). (¬8) قوله: (بأس) ساقط من (م).

فصيلِها (¬1). وقال أشهب في مدونته: يصنع به ما شاء، وله أن يَحْرِمَه (¬2) ولدها (¬3). فخالف في الموضعين في سقيه لولدها (¬4)؛ لأن من أصله أن لا يذبح ولدها معها (¬5)، وأن له أن يبيعه (¬6) وأن له أن يشريه (¬7)؛ لأنه لا تجب قربة إلا بالذبح. وأما الصوف؛ فهو بعد الذبح على حكم اللحم ينتفع به ويهبه ولا يبيعه، وليس له أن يجزّه قبل الذبح؛ لأن فيه جمالًا لها، واتفق على ذلك ابن القاسم وأشهب. واختلفا (¬8) إذا جزّه قبل الذبح، فقال ابن القاسم: ينتفع به ولا يبيعه (¬9). وقال أشهب: يبيعه (¬10). والأول أحسن؛ لأنه قد نواه مع الشاة لله -عز وجل-. واستحب أن يبيع تلك الشاة إذا جزّ صوفها، ويشتري غيرها كاملة الصوف (¬11)؛ لأن ذلك الذي فعل نقص من جمالها وبهائها. ¬

_ (¬1) أخرجه مالك: 1/ 378، في باب ما يجوز من الهدي من كتاب الحج، برقم (847). وانظر: المدونة: 1/ 548. (¬2) قوله: (يَحْرِمَه) في (م): (يحرمها). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 321. (¬4) قوله: (لولدها) في (م): (مبيعة لولده). (¬5) قوله: (معها) ساقط من (م) وفي (ب): (معه). (¬6) قوله: (يبيعه) في (م): (يبيعها). (¬7) قوله: (يشريه) في (ب): (يشتريه). (¬8) قوله: (واختلفا) في (ب): (واختلف). (¬9) انظر: المدونة: 1/ 548. (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 327. (¬11) قوله: (الصوف) في (ب): (الصورة).

فصل [في منع بيع شيء من الأضحية]

فصل [في منع بيع شيء من الأضحية] ولا يباع شيء من الأضحية بعد الذبح؛ لحم ولا جلد ولا صوف؛ لأنها صارت بالذبح قربة لله سبحانه. ومن باع شيئًا من ذلك نُقض بيعه. واختلف إذا فات، فقال ابن القاسم في العتبية: يتصدق بالثمن، ولو استنفقوه لم آخذه منهم (¬1). وقال سحنون: يجعل ثمن اللحم في طعام يشتريه فيأكله، وثمن الجلد في ماعون أو طعام (¬2). وقال محمد بن عبد الحكم: يصنع بالثمن ما شاء (¬3)، ولابن القاسم مثل ذلك فيمن نذر هديًا للمساكين، وذبحه بعد أن بلغ محله. قال: يستحب ترك الأكل منه، وإن أطعم منه غنيًا أو نصرانيًا لم يكن عليه شيء (¬4). والأصل في منع البيع حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، قال: أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقوم على بُدْنِه، وأن أتصدق بلحومها وجلودها وجلالها في المساكين، ولا يعطي في جزارتها منها شيئًا. وقال: "نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا" أخرجه البخاري ومسلم، واللفظ لمسلم (¬5). وإذا لم يجز البيع، وغاب المشتري بالمبيع؛ تصدق بالثمن، كثمن أم الولد. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 380. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 327. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 327. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 327. (¬5) أخرجه البخاري: 1/ 520، في باب الجلال للبدن، من كتاب الحج برقم (1707)، ومسلم: 2/ 954، في باب في الصدقة بلحوم الهدي وجلودها وجلالها، من كتاب الحج، برقم (1317).

وإن كان حاضرًا؛ ردّ إليه، وانتزع منه المبيع، وإن أفاته تصدق بالثمن (¬1). واختُلف إذا تعدّى رجل على لحم أضحية، فحكم عليه بالقيمة، فاستحب أن يأخذ قيمته ويتصدق بها. واستحبّ ابن القاسم: أن تُرد، ولا تُؤخذ منه (¬2). وكذلك السارق. وروى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن دبغ جلد أضحيته بدباغ، فزعم أنه سرق منه، فقال: إن وثق به فلا يغرمه شيئًا، وإن اتهمه أغرمه القيمة، وتصدق بها (¬3). وأجاز سحنون أن يؤاجر جلد أضحيته، وكذلك جلد الميتة (¬4). ¬

_ (¬1) قوله: (بالثمن) في (م): (به). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 326. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 326. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 326.

باب في موت الرجل عن أضحيته وأضحية المديان ومن تصدق عليه أو وهب بشيء من أضحيته ومن وجد بأضحيته عيبا بعد الذبح

باب في موت الرجل عن أضحيته وأضحية المديان ومن تصدق عليه أو وهب بشيء من أضحيته ومن وجد بأضحيته عيبًا بعد الذبح (¬1) ومن مات عن أضحيته قبل الذبح؛ كانت ميراثًا (¬2)، وجاز لهم بيعها. وإن مات بعد الذبح؛ لم تُبع، ولم يقض منها دينٌ عن الميت، وأكل الورثة ذلك اللحم، وتصدقوا. واختُلف في صفة أكله، فقيل: الذكر والأنثى والزوجة فيه سواء، حسب انتفاعهم به في حياة ميتهم. وقيل: للذكر مثل حظ الأنثيين، وهو أصوب. ويلزم على القول الأول إذا كان الورثة عصبة ألا ينتفعوا منها بشيء؛ لأنهم لم يكونوا ينتفعوا منها في حياته، ويختص به الزوجة والابنة إن كانت، ولا يعترض (¬3) انتفاع الورثة على قدر المواريث، بكون الغرماء لا يدخلون فيه؛ لأنه مال لا يصح بيعه، وكما لو خلّف جلد ميتة قد دُبغ، أو غير ذلك مما يصح به الانتفاع دون البيع، فإن للورثة (¬4) أن ينتفعوا به دون الغرماء، وعلى قول سحنون يؤاجر الغرماء جلد الأضحية وجلد الميتة (¬5). ¬

_ (¬1) قوله (فحكم عليه بالقيمة. . . . عيبًا بعد الذبح) ساقط من (م)، و (ب). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 325. (¬3) قوله: (يعترض) في (ب): (يفترق). (¬4) قوله: (للورثة) في (ب): (الورثة لهم). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 326.

ومن اشترى أضحية وعليه دين؛ كان للغرماء بيعُها في دينهم (¬1) قبل الذبح، وليس ذلك لهم بعد الذبح، بمنزلة ما لو اشترى أمةً ليتخذها أم ولد، فلهم بيعها قبل الإيلاد، وليس ذلك لهم بعد الإيلاد (¬2)؛ لأن ذلك جرت (¬3) العادة أن الغريم يفعله، وليس كالعتق إذا كان عليه دين. وأجاز أصبغ لمن تصدق عليه بلحم الأضحية، أو وهب له؛ أن يبيعه (¬4). وفي كتاب محمد: المنع (¬5). والأول أحسن، وقد تُصدِّقَ على بَرِيرة - رضي الله عنها - (¬6) بشاة، فأعطت منها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأكله، فقال: هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ، وَلَنَا هَدِيَّةٌ (¬7). ولو كانت بعد انتقالها إلى المتصدق عليه (¬8) على الحكم الأول؛ لم يحل للنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه لا يأكل الصدقة (¬9). وإذا وجد بالأضحية عيبًا، لا تجزئ به بعد الذبح؛ لم يبع لحمها على أصل ابن القاسم؛ لأنها بعد الذبح بمنزلة الهدي بعد التقليد والإشعار، فيجد به عيبًا ¬

_ (¬1) قوله: (في دينهم) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (بمنزلة ما لو. . . بعد الإيلاد) ساقط من (ب). (¬3) قوله: (جرت) في (ب): (مما)، وفي (م): (ممن). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 327. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 327. (¬6) قوله: (على بَرِيرة - رضي الله عنها -) ساقط من (ب). (¬7) أخرجه البخاري: 1/ 463، في باب الصدقة على موالي أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، من كتاب الزكاة، برقم (1493)، ومسلم: 2/ 755، في باب إباحة الهدية للنبي - صلى الله عليه وسلم -، من كتاب الزكاة برقم (1075) من حديث عائشة". (¬8) قوله: (عليه) ساقط من (م). (¬9) متفق عليه، البخاري: 2/ 542، في باب ما يذكر في الصدقة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، من كتاب الزكاة، برقم (1420)، ومسلم: 2/ 756، في باب تحريم الزكاة على رسول الله في، من كتاب الزكاة، برقم (161/ 1069).

مما لا يجزئ به فلا ينقض التقليد، ولا يرد العتق. وقال أصبغ: يبيع ذلك اللحم. وهو قول في العتق (¬1) أنه يردّ (¬2). وقول ابن الماجشون في الهدي يعطب قبل بلوغ محله: إن له أن يبيعه (¬3). ¬

_ (¬1) قوله: (وهو قول في العتق) ساقط من (م). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 328، والبيان والتحصيل: 3/ 378. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 453.

باب ما يستحب من الأضاحي وما يتقى من العيوب فيها

باب ما يستحب من الأضاحي وما يتقى من العيوب فيها ويستحب أن تُستفره الأضحية؛ لقول الله سبحانه: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)} [الصافات: 107]؛ ولأنها قربة فيستحب أن تكون من أعلى المكاسب لقول الله -عز وجل-: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] وقياسًا على العتق في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد سئل أي الرقاب أفضل؟ فقال: "أَعْلاَهَا ثَمَنًا" (¬1)، ولقوله: "لاَ تَذْبَحُوا إِلاَّ مُسِنَّةً، إِلاَّ أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ" (¬2). وقال عروة بن الزبير - رضي الله عنه - لبنيه: يا بنيّ، لا يهدينّ أحدكم، ولا يضحين بشيء يستحي أن يهديه لكريمه (¬3)، فإن الله أكرم الكرماء، وأحق من اختير له (¬4). وقال ابن (¬5) عمر - رضي الله عنهما -: فإن لله الصفاء والخيار (¬6). وتجتنب العيوب يسيرها وكثيرها، والسلامة أفضل. فإن نزل؛ أجزأ إذا ¬

_ (¬1) متفق عليه: أخرجه البخاري: 2/ 213، في باب أي الرقاب أفضل، من كتاب العتق برقم (2518)، واللفظ له، ومسلم: 1/ 89 في باب بيان كون الإيمان بالله أفضل الأعمال، من كتاب الإيمان، برقم (84)، من حديث أبي ذر - رضي الله عنه -. (¬2) أخرجه مسلم: 3/ 1555، في باب سنن الأضحية، من كتاب الأضاحي، برقم (1963)، من حديث جابر - رضي الله عنه -. (¬3) قوله: (لكريمه) ساقط من (ب). (¬4) أخرجه مالك في الموطأ: 1/ 380، في باب العمل في الهدي حين يساق، من كتاب الحج، برقم (850)، وعبد الرزاق في المصنف (4/ 386). (¬5) قوله: (ابن) في (ر) و (ب): (أبو). (¬6) لم أقف عليه. وهو في العتبية عن الحسن - رضي الله عنه -، انظر: البيان والتحصيل: 14/ 481.

كان يسيرًا، ولم يجزئ إن كان كثيرًا، والأصل في ذلك: حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا يُتَّقَى مِنَ الضَّحَايَا؟ فأشار بيده، وقال: "أَرْبَعٌ: الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهًا، والْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالمُرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لاَ تُنْقِي" (¬1). واختُلف إذا كان العيب كثيرًا من سوى هذه الأربع، فالمعروف من المذهب في المدونة (¬2) وكتاب محمد وابن حبيب وغيرهما: أنه لا يجزئ؛ قياسًا على الأربع (¬3). وقال أبو الحسن ابن القصار وابن الجلاب وغيرهما من البغداديين: إنها تجزئ، وقصروا عدم الإجزاء على ما ورد في الحديث (¬4). والأول أحسن؛ لأن المراد اجتناب ما له قدر من العيوب. والعيب على ضربين: عيب يكون بجميع الجسم، كالمرض والعجف، والجرب، والبشم، والهرم والجنون. ¬

_ (¬1) صحيح: أخرجه مالك في الموطأ: 2/ 4، في باب ما ينهى عنه من الضحايا، من كتاب الضحايا، برقم (1024)، وأبو داود: 2/ 106، في باب ما يكره من الضحايا من كتاب الضحايا برقم (2802)، والترمذي: 4/ 85، في باب ما لا يجوز من الأضاحي، من كتاب الأضاحي، برقم (1497)، والنسائي: 7/ 214، من كتاب الضحايا، باب ما نهي عنه من الأضاحي برقم (4369)، وابن ماجه: 2/ 1050، في باب ما يكره أن يضحى به، من كتاب الأضاحي، برقم (3144). وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬2) قوله: (في المدونة) ساقط من (ب). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 548، والنوادر والزيادات: 4/ 316، والبيان والتحصيل: 3/ 341، 348. (¬4) انظر: التفريع: 1/ 391.

والثاني: ما يكون ببعضها بالعين والأذن والقرن والفم من ذهاب أسنان أو بكم أو نثر، وبالصدع والذنب (¬1) واليد والرجل. فأما ما يكون بجميع جسدها من المرض والعجف البين- فقد أحكمته السنة. واختلف في معنى: "التي لا تنقى"، فقيل النقى: الشحم، فإن لم يكن بها شحم لم تجزئ (¬2)، وهو قول ابن حبيب، وقيل: التي لا مخ فيها؛ فعلى هذا إذا كانت في أول ذهاب شحمها، وهي قوية لم يَقِلَّ مخها تجزئ. ولا تجزئ في الجرب البيّن؛ لأنه يفسد اللحم، ولا البشمة؛ لأنه يفسد لذلك لحمها أيضًا، وهي كالمريضة التي تشرف على الموت، إلا أن يكون خفيفًا. وقال مالك في كتاب محمد (¬3): تجزئ الهرمة (¬4). قال أصبغ: ما لم يكن هرمًا بينًا (¬5). وأما الجنون، فإن كان لازمًا لم يجزئ، ولا يتقرب إلى الله -عز وجل- بمثل هذه، وإن كان يعرض المرة ثم يذهب، فذلك خفيف. ¬

_ (¬1) قوله: (والفم من ذهاب أسنان أو بكم أو نثر، وبالصدع والذنب) زيادة في (م). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 17/ 278. (¬3) قوله: (محمد) يقابله بياض في (ب). (¬4) ذكره في العتبية أيضًا، من سماع ابن القاسم من مالك: من كتاب الضحايا والعقيقة، في كتاب أوله حلف ألا يبيع رجلًا سلعة سماها، قال: (سئل مالك عن الشاة الهرمة أيضحى بها؟ قال: نعم). انظر: البيان والتحصيل: 3/ 343. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 317.

فصل [في العيوب بأجزاء الأضحية وما يعفى عنه]

فصل [في العيوب بأجزاء الأضحية وما يعفى عنه] وأما ما يكون ببعضها كالعور، فإن ذهب الانتفاع بتلك العين أو أكثره لم تجزئ. وإن ذهب أيسر ذلك أجزأت، وكذلك إن ذهب الأكثر من كل عين لم تجزئ، فإن كان يسيرًا منهما أجزأت (¬1). وأما ما يكون في الأذن؛ فالشرقاء والخرقاء والمقابلة والمدابرة والسكّاء (¬2) والصمعاء التي لا أذنين لها. فالشرقاء: المشقوقة الأذن. والخرقاء: المثقوبة. والمقابلة: ما قطع من أذنها من قبل وجهها. والمدابرة: ما قطع من قبل (¬3) قفاها. والسكاء: الصغيرة الأذنين. قال ابن القاسم: ونحن نسميها الصمعاء (¬4). وقال أهل اللغة: الأصمع: اللاصق الأذنين، وكل منهم فهو متصمع، ومن ذلك اشتقاق الصومعة، وقلب أصمع: ذكي (¬5). وكل هذه العيوب تُتَّقى، ولا تمنع الإجزاء عند البغداديين (¬6)، وإن كان له قدر أو ذهبت أذناها جملة؛ لأنها خارجة عن الأربعة. وعلى القول الآخر: لا تجزئ إذا ذهبت أذناها أو ذهب منها ما له بال، ويكثر شينها به فما كان دون الثلث فيسير، وما فوق الثلث فكثير. ¬

_ (¬1) قوله: (من كل عين لم تجزئ، فإن كان يسيىرًا منهما أجزأت) زيادة في (م). (¬2) السكاء: على وزن حمراء- هي التي أذناها صغيرتان قصيرتان كأنها بلا أذنين، وهي الصمعاء. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبِّي، ص: 51. (¬3) قوله: (قبل) في (م): (وراء). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 550. (¬5) انظر: لسان العرب: 8/ 206. (¬6) انظر: التفريع: 1/ 305، قال فيه: (ولا بأس بالجماء، والمكسورة القرن إن كان يدمي، ولا بأس بالخرقاء والشرقاء، والعضباء، والاختيار أن يتقي فيها العيب كله).

واختُلف في الثُّلث، فقال ابن حبيب: هو كثير، كالثلث من الذَنب (¬1). وقال محمد: النصف كثير من غير أن أحدَّ فيه حدًّا (¬2). قال الشيخ:: والشق أيسر في الشين؛ لأن جميعها موجود، وليس ذلك في الشين (¬3) كزوال بعضها. وأرى أن يجزئ، وإن بلغ الشق النصف. وقد اختلفت الأحاديث في ذلك، فذكر النسائي عن أبي بردة - رضي الله عنه - أنه قال: يا رسول الله، أكره النقص يكون في القرن والأذن، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَا كَرِهْتَهُ فَدَعْهُ، وَلاَ تُحَرِّمْهُ عَلَى غَيْرِكَ" (¬4). وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، قال: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬5) أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعيْنَ وَالأُذُنَ، وَلاَ نُضَحِّيَ بِشَرْقَاءَ وَلاَ خَرْقَاءَ وَلاَ مُقَابَلَةٍ وَلاَ مُدَابَرَةٍ (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (كالثلث من الذَنب) في (م): (كالذنب). الذي وقفت عليه في النوادر: 4/ 318: (ولا بأس باليسير يقطع من الذنب والثلث عندنا كثير) وعزاه لابن المواز. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 348. (¬3) قوله: (الشين) في (م): (السن). (¬4) هو جزء من حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - في العيوب التي تتقى في الضحايا، أخرجه النسائي: 7/ 214، من كتاب الضحايا، باب ما نهي عنه من الأضاحي برقم (4369)، وأبو داود: 2/ 106، في باب ما يكره من الضحايا، من كتاب الضحايا، برقم (2802)، والترمذي: 4/ 85، في باب ما لا يجوز من الأضاحي، من كتاب الأضاحي، برقم (1497)، ولا يعرف الحديث من رواية أبي بردة - رضي الله عنه -. (¬5) قوله: (ما كرهته فدعه، ولا تحرمه على غيرك وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ساقط من (ب). (¬6) صحيح: أخرجه أبو داود: 3/ 97 - 98، في باب ما يكره من الضحايا، من كتاب الضحايا، =

وقد يحمل هذا على ما كثر من ذلك، والأول على ما كان يسيرًا. وأما الفم؛ فإنها لا تجزئ إذا كانت ذاهبة الأسنان بكسر أو ما أشبه ذلك، قال ابن حبيب: ويجزئ إذا كان من إثغار (¬1). واختُلف إذا كان لكبر، فقال مالك في كتاب محمد: تجزئ (¬2). وقال ابن حبيب: لا تجزئ (¬3). والأول أبين. واختُلف في السن الواحدة، فقال مالك في كتاب محمد: لا بأس بها (¬4). وقال في المبسوط: لا يضحي بها (¬5). ومحمل قوله على الاستحسان؛ لأنه من العيوب الخفيفة، وقال في البكماء: لا تجزئ. والنتن (¬6) في الفم مما يُتّقى، وقال ابن فارس (¬7): الحمر (¬8) بالحاء غير معجمة: داء يصيب الدابة ينتن به فمها. ¬

_ = برقم (2804)، والترمذي: 4/ 86، في باب ما يكره من الأضاحي من كتاب الأضاحي، برقم (1498)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 317. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 317. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 316. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 317. (¬5) نقله أيضا في العتبية، في كتاب أوله حلف ألا يبيع رجلًا سلعة سماها، من كتاب الضحايا والعقيقة، من سماع ابن القاسم، انظر: البيان والتحصيل: 3/ 341. (¬6) قوله: (والنتن) في (م): (والسن). (¬7) قوله: (وقال ابن فارس) ساقط من (ب). (¬8) قوله: (الحمر) في (ب): (الحفر).

وأما القرن؛ فقال محمد: لا بأس أن يضحي بمستأصلة (¬1) القرنين (¬2). وأجاز في المدونة إذا ذهب البعض، وكانت لا تدمي (¬3). ولم يراع قدر ما ذهب. وقال ابن حبيب: لا تجوز الأضحية بعضباء، وهي المكسورة الخارج والداخل، وإن لم تدم. وإن ذهب الخارج، والداخل صحيح- أجزأت (¬4). ولا أرى أن تجزئ إذا ذهب من ذلك ما يكثر له شينها (¬5)، وليست كالجمَّاء (¬6)؛ لأن ذلك لا يشينها. وإن ذهب من ذلك ما لا (¬7) يشينها، وكانت تدمي (¬8) وتبين مرضها لذلك لم تجزئ. وإن كان المرض الخفيف أجزأت. وقال أشهب: إذا كانت تدمي تجزئ (¬9). يريد: إذا كان المرض خفيفًا. وفي كتاب محمد: إذا يبس ضرعها فلا خير فيها، وإن يبس بعضه فلا بأس (¬10). وقال مالك (¬11) في كتاب محمد: إذا أوجب الأضحية، ثم نزل (¬12) بها عيب ¬

_ (¬1) قوله: (بمستأصلة) في (م): (بشاة مستأصلة). (¬2) قوله: (القرنين) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 316. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 546. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 316. (¬5) قوله: (شينها) ساقط من (ب). (¬6) الجماء: هي التي لا قرن لها. انظر: لسان العرب: 2/ 424. (¬7) قوله: (لا) ساقط من (ب). (¬8) قوله: (وكانت تدمي) ساقط من (م). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 317. (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 316. (¬11) قوله: (مالك) ساقط من (ب). (¬12) قوله: (نزل) في (م): (وجد).

مما لا يجوز في الضحايا؛ لم تجزئ وذلك جائز في الهدايا (¬1). ففرق بين السؤالين؛ لأنه مخاطب في الهدايا بأن تقدم الإيجاب فيها بالتقليد والإشعار عند الميقات، فلم يكن مخاطبًا بالسلامة من العيوب إلا حينئذ، والضحايا لا تجب إلا بالذبح فليس ما تطوع به من تقدمة الإيجاب في موضع لم يؤمر به فيه مما يسقط ما خوطب أن يأتي به (¬2) عند الذبح. تم كتاب الضحايا (¬3) ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 549. (¬2) قوله: (به) ساقط من (د). (¬3) في (م): تم كتاب الأضحية بحمد الله وحسن عونه والصلاة على نبيه.

كتاب العقيقة

كتاب العقيقة النسخ المقابل عليها 1 - (ب) = نسخة برلين رقم (3144) 2 - (م) = نسخة مراكش رقم (112/ 1)

باب في العقيقة ومتى يعق

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلي الله علي سيدنا ومولانا محمد وآله وسلم كتاب العقيقة (¬1) باب في العقيقة ومتى يعق (¬2) الأصل في العقيقة: حديث أبي بردة، قال: "عَقَّ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الحُسَنِ وَالحُسَيْن" (¬3)، وقول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "فِي الْغُلاَمِ عَقِيقَةٌ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا وَأَمِيطُوا عَنْهُ الأَذَى" أخرجه البخاري (¬4). وتعتبر في العقيقة سبعة أوجه (¬5): فالأول: هل الذكر والأنثى فيها سواءٌ. والثاني: هل هي واجبةٌ أو مستحبةٌ؟ ¬

_ (¬1) قوله: (كتاب العقيقة) ساقط من: (ب). (¬2) قوله: (يعق) يقابله في (ب): (يعق به). (¬3) صحيح: أخرجه مالك في الموطأ: 2/ 501، في باب العمل في العقيقة، من كتاب العقيقة، برقم (1071)، والترمذي: 4/ 99، في باب العقيقة بشاة، من كتاب الأضاحي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، برقم (1519)، والحاكم في المستدرك: 4/ 264، من كتاب الذبائح، برقم (7588)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة، ووافقه الذهبي. (¬4) أخرجه البخاري: 5/ 2082، في باب إماطة الأذى عن الصبي في العقيقة، من كتاب العقيقة، برقم (5154). (¬5) قوله: (أوجه) زيادة من (م).

والثَّالث: هل تختص بالغنم أو من جملة الأنعام؟ والرَّابع: سِنّها. والخامس: سلامتها من العيوب. والسَّادس: الوقت الذي يتَقَرَّبُ فيه (¬1) بها: مبتدأه ومنتهاه. والسَّابع: ما يصنع بلحمها. فقال مالك (¬2) في كتاب محمد: الذَّكر والأنثى في ذلك سواء، شاةٌ عن كلِّ واحد (¬3). وهو قول ابن عمر - رضي الله عنهما - (¬4). وقالت عائشة - رضي الله عنها -: عن الذَّكر شاتان، وعن الأنثى شاةٌ (¬5). وبه قال الشافعيُّ (¬6) وأبو حنيفة (¬7). وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "فِي الْغُلاَمِ شَاتَانِ وَالجُارِيَةِ شَاةٌ"، وفي سنده مقال (¬8). ¬

_ (¬1) قوله: (يتَقَرَّبُ فيه) يقابله في (ب): يترقب. (¬2) قوله: (مالك) ساقط من (ب). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 554، والنوادر والزيادات: 4/ 333، والبيان والتحصيل: 3/ 392. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 333. والأثر أخرجه مالك في الموطأ: 2/ 401، في باب العمل في العقيقة، من كتاب العقيقة، برقم (1069). (¬5) صحيح: أخرجه الترمذي: 4/ 96، في باب ما جاء في العقيقة، من كتاب الأضاحي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برقم (1513)، قال الترمذي: حديث عائشة حديث حسن صحيح. (¬6) انظر: الحاوي، للماوردي: 15/ 126. (¬7) انظر: بدائع الصنائع: 4/ 198. (¬8) أخرجه أبو داود: 2/ 116، من طريق سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء عن حبيبة بنت ميسرة عن أم كرز الكعبية، في كتاب العقيقة، برقم (2834). قلت: ثم أخرج أبو داود الحديث نفسه من طريق حماد بن زيد عن عبيد الله بن أبي يزيد عن =

والقول الأول أصوب؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فِي الْغُلاَمِ عَقِيقَة فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا" (¬1). وهذا أصح سندًا، ولو كان الأمرُ على ما قال: لقال في الغلام عقيقتان، وأهريقوا عنه دمين (¬2). وهي مستحبَّةٌ، لا يَأْثم تاركُها، ويستحب أن تكون من الغنم: الضأن والمعز. واختُلِفَ: هل تكون من الإبل والبقر (¬3)؟ فأجاز ذلك مالك (¬4) في كتاب ابن حبيب (¬5). وقال في العتبية: لا تجزئ، قال: والسنَّة أنَّها من الغنم (¬6). وهو قول محمد ابن المواز (¬7). والأول أحسن؛ لأنَّ كلَّ هذه الأصناف مما يُتقرَّب بها إلى الله -عز وجل-، ومحملُ الحديث بذكر الشاة تخفيفٌ عن أمته. ¬

_ = سباع بن ثابت عن أم كرز، وعقب بقوله: هذا هو الحديث، وحديث سفيان وَهْم، ولعل هذا هو مراد الإمام اللخمي بقوله: وفي سنده مقال. فالحديث صحيح من الطريق الثاني ومن طرق أخرى غير طريق سفيان. (¬1) سبق تخريجه، ص: 1585. (¬2) قوله: (وهذا أصح سندًا، ولو كان الأمرُ على ما قال: لقال في الغلام عقيقتان، وأهريقوا عنه دمين) ساقط من (ب). (¬3) قوله: (والبقر) ساقط من (ب). (¬4) قوله: (مالك) ساقط من (ب). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 333. (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 396. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 333.

وأسنانها أسنان الأضاحي، قال مالك في كتاب ابن حبيب (¬1): الذي يجزئ من سنها: الجذع من الضأن، والثني من المعز وغيرها (¬2). قال في الموطأ: وهي بمنزلة النُّسك والضَّحايا، لا يجوز فيها عرجاء ولا عوراء ولا مكسورة ولا مريضة ولا عجفاء، ولا يُباع من لحمها شيء (¬3). وأمَّا الوقت الذي يُتقرَّب بها فيه فيوم سابع المولود، لا تُقَدَّم عنه (¬4) ولا تُؤخر عنه؛ لحديث سمرة - رضي الله عنه -، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الْغُلاَمُ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ وَيُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ وَيُسَمَّى وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ" (¬5). فإن ولد قبل الفجر احتسب بذلك اليوم، وذبح يوم السابع ضحى، قال مالك في كتاب محمد: ساعة تذبح الضَّحايا (¬6). وقال في المبسوط: فإن ذَبَحَ قبلَ ذلك لم يجزئه، وتُنحر أخرى ضحىً. وقال عبد الملك: إنْ ذَبَحَ بعدَ الفجر أجزأه (¬7). وقال ابن القاسم في العتبية: إن عقَّ ليلًا لم يجزئه، وأعاد (¬8). ¬

_ (¬1) قوله: (ابن حبيب) في (ب): (ابن المواز). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 333، وعزاه لابن حبيب وابن المواز. (¬3) انظر: الموطأ: 2/ 502. وليس فيه: (عرجاء). (¬4) قوله: (عنه) يقابله في (ب): (عليه). (¬5) صحيح: أخرجه ابن ماجه: 2/ 1056، في باب العقيقة، من كتاب الذبائح، برقم (3165)، وأحمد في مسنده، برقم (20206)، والحاكم في المستدرك: 4/ 264، من كتاب الذبائح، برقم (7587)، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. (¬6) انظر: النوادر والزيادت: 4/ 333، والبيان والتحصيل: 3/ 387. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 334. (¬8) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 396.

واختُلِفَ إذا ولد بعد الفجر: فقال مالك: لا يحتسب بعد ذلك اليوم وتحتسب سبعة أيَّام سواه (¬1). وقال في ثمانية أبي زيد: إن ولد بعد الفجر (¬2) في شباب النهار، وذلك من غدوة إلى نصف النَّهار، فقال (¬3): أجزأه. ثُمَّ رجع إلى ما في المدونة. وقال عبد الملك بن الماجشون عن أبيه أنه كان يقول: يحتسب بذلك اليوم، وإن ولد في بقيته قلَّ ذلك أو كثر. قال عبد الملك: وبه أقول. قال أصبغ: أحب إليَّ أن يلغي ذلك اليوم، فإن احتسب به، ثم عقَّ إلى مقداره من اليوم السابع إلى مقداره (¬4) نهارًا أجزأه (¬5). وقول عبد الملك في ذلك أحسن: إنَّه تجزئه (¬6) إذا ذبح بعد الفجر؛ لوجهين: أحدهما: أنَّ الحديث ورد بذبحها في السابع مطلقًا، وهذا قد ذبح في السابع. والثَّاني: أنَّ ردها إلى الهدايا أولى من ردِّها إلى الضحايا؛ لأنَّ الضحايا إنما يتبع فيها صلاة الإمام في اليوم الأول، ولهذا أجزأ ذبحها في اليومين الآخرين إذا طلع الفجر، والاحتساب إذا وُلِدَ بعد الفجر إلى مثل ذلك الوقت وإن كان في آخر النهار حسن؛ لأنَّه داخل في الحديث أنَّه قال: "في السابع" (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 388. (¬2) قوله: (الفجر: فقال مالك: لا يحتسب. . . إن ولد بعد الفجر) ساقط من (ب). (¬3) قوله: (فقال) ساقط من (م). (¬4) قوله: (إلى مقداره) في (م): (إن كان مقداره). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 334. (¬6) قوله: (تجزئه) ساقط من (ب). (¬7) سبق تخريجه، ص: 1588.

وآخرُ وقتها غروبُ الشمس من اليوم السابع (¬1)، فإن فات: فذبح في غد، وهو اليوم الثامن فحسن؛ لأنَّه السابع على أحد قولي مالك: أنه يُلغى ذلك اليوم الذي ولد فيه. واختُلِفَ فيمن فاته اليومُ السَّابعُ (¬2): فقال مالك: قد فاتته العقيقة (¬3). ورَوى عنه ابن وهب أنَّه قال: يعق في الثاني، فإن لم يفعل ففي الثَّالث، فإن فاته فلا يعق بعد (¬4). وفي مختصر الوقَار: إن فات في الأول عقّ في الثاني، فإن فاته فلا عقيقة. وقول مالك إن العقيقة تختص بالسابع الأول أولى (¬5)؛ للحديث: أنَّه يُعَقُّ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ (¬6). ولم يرد حديث بغير ذلك، ولو صح أن يعقَّ في غير الأسبوع الأول لعقّ في الخامس والسابع. وقال مالك في العتبية فيمن كان سابع ابنه (¬7) يوم الأضحى، وليس عنده إلا شاةٌ، قال: يعقّ بها (¬8). قال العتبي: إلا أن يكون السَّابع آخر أيام النحر؛ فتكون الأضحيةُ (¬9) أَوْلَى (¬10). ¬

_ (¬1) قوله: (وآخرُ وقتها غروبُ الشمس من اليوم السابع) ساقط من (م). (¬2) قوله: (على أحد قولي مالك:. . . فيمن فاته اليومُ السَّابعُ) ساقط من (ب). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 335. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 334. (¬5) قوله: (أولى) ساقط من (م). (¬6) سبق تخريجه، ص: 1588. (¬7) قوله: (ابنه) ساقط من (م). (¬8) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 394. (¬9) قوله: (الأضحيةُ) ساقط من (م). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 335. هكذا نقله ابن أبي زيد عن العتبي وابن حبيب في =

قال الشيخ - رضي الله عنه -: أو يكون ممَّن لا يرجو بالصَّبر إلى آخر أيام النحر أن يتيسَّرَ له ما يُضحِّي به؛ فيذبح هذه عن الأضحية؛ لأنها آكد. ويسمّى المولود (¬1) إن كان ممَّن يُعق عنه للحديث، فإن كان لا يُعق عنه؛ فلا بأس أن يسمّى يوم ولد، "وَقَدْ أُتِيَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بِعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِيَ طَلْحَةَ يَوْمَ وُلدَ، فَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ، وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللهِّ" (¬2). ومن مات قبل السابع؛ لم يعقَّ عنه. واختُلِفَ في حلاق رأس الصبي يومَ السابع والصدقة بوزنه، فقال مالك في الموطأ: "وَزَنَتْ فَاطِمَةُ - رضي الله عنه - بِنْتُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - شَعَرَ الحُسَنِ وَالحُسَيْنِ وَزَيْنَبَ وَأُمِّ كُلْثُومٍ فَتَصَدَّقَتْ بِوَزْنِ ذَلِكَ فِضَّةً" (¬3). وقال مالك في كتاب محمد: وما هو من عمل الناس وما ذلك عليهم (¬4)، ¬

_ = النوادر، ونصه: "قال العتبي وابن حبيب إلا أن يكون يوم السابع آخر أيام النحر فليضح بها لأن الضحية أوجب". انظر: النوادر والزيادات: 4/ 335. ويفهم من كلام ابن رشد في البيان والتحصيل أن قول العتبي هذا نُقل عنه في غير العتبية. ونص ابن رشد في البيان: "ولو كان ذلك في آخر أيام النحر لكانت أولى، قاله العتبي". انظر: البيان والتحصيل: 3/ 394. (¬1) قوله: (المولود) في (ب): (الولد). (¬2) أخرجه البخاري: 5/ 2082، في باب تسمية المولود غداة يولد لمن لم يعق عنه وتحنيكه، من كتاب العقيقة، برقم (5051). (¬3) قوله: ("وَزَنَتْ فاطمةُ. . . فتصدَّقت بوزن ذلك فضةً" في (ب): (وزن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم، وتصدق بوزن ذلك فضة). والحديث عن فاطمة - عليها السلام - أخرجه مالك في الموطأ: 2/ 501، في باب ما جاء في العقيقة، من كتاب العقيقة، برقم (1067). (¬4) ذكره العتبي عن مالك أيضا في كتاب أوله حلف بطلاق امرأته ليرفعن أمرًا إلى السلطان، من سماع ابن القاسم، من كتاب العقيقة قال: (وسئل مالك عن حلاق الصبي يوم السابع ويتصدق بوزن شعره فضة، قال: ليس ذلك من عمل الناس وما ذلك عليهم). انظر: البيان والتحصيل: 3/ 385.

وبالأول أخذ ابن حبيب. قال مالك: ولا يختن يوم السابع (¬1)، وليختن يوم يطيق ذلك، ولا بأس بكسر عظامِ العقيقة، ويأكل منها، ويتصدَّق بها، ويُطعم الجيرانَ، قال: فأمَّا أن يُدعى إليها الرِّجال (¬2)، فإني أكره التقحّم (¬3). يريد: أنَّه يبعث إلى الجيران ولا يدعوهم. قال ابن القاسم: ولا يُعْجبني أن يجعلَه صنيعًا يدعو إليه (¬4). قال ابن حبيب: وحسن أن يوسع بغير شاة العقيقة؛ لإكثار الطعام، ويدعو النَّاس إليه (¬5)، قال: وروي أن ابن عمر - رضي الله عنه - ونافع بن جبير: كانا يدعوان إلي الولادة (¬6). قال مالك: ولا يُمَسُّ الصبيُّ بشيء من دمها (¬7)، وإنَّه ليقع في قلبي من شأن العقيقة أنّ النَّصارى واليهود يعملون ما يجعلونهم فيه، يقولون: أدخلْناهم في الدِّين. وإن من شأن المسلمين العقيقةَ (¬8). وقال ابن حبيب في قول مالك: يكسر عظامها. لما كانت الجاهلية عليه: يقطعونها من المفاصل، ويحلقون رأس الصبي، ويجعلون على رأسه من دمها في قطنة. قال ابن حبيب: ويجعلون مكان الدم خلوقًا (¬9). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 336. (¬2) قوله: (الرِّجال) في (ب): (الجيران). (¬3) انظر: التفريع: 1/ 308، والتلقين: 1/ 105، والبيان والتحصيل: 3/ 395. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 336، والبيان والتحصيل: 3/ 395. (¬5) قوله: (إليه) ساقط من (م). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 336. (¬7) انظر: الموطأ: 2/ 501. (¬8) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 384. (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 334.

ورُوي ذلك عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - (¬1). قال مالك: ويعقُّ عن اليتيم إذا كانت له سعةٌ (¬2). وقال في العتبية: الذبيحُ إسحاقُ - عليه السلام - (¬3). وقال ابن حبيب: هو (¬4) إسماعيل، وهو قول العراقيين (¬5). والله أعلم (¬6). تم كتاب العقيقة بحمد الله وحسن عونه وصلى الله على سيدنا محمد نبيه ¬

_ (¬1) والحديث عن عائشة قالت: كانوا في الجاهلية إذا عقوا عن الصبي خضبوا قطنة بدم العقيقة فإذا حلقوا رأس الصبي وضعوها على رأسه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اجعلوا مكان الدم خلوقًا"، أخرجه ابن ماجه في سننه: 12/ 124، في باب العقيقة، من كتاب الأطعمة، برقم (5308)، والبيهقي الكبرى: 9/ 303، في باب لا يمس الصبي بشيء من دمها، من كتاب الضحايا، برقم (19072). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 335. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 18/ 55. (¬4) قوله: (هو) ساقط من (ب). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 336. والقول إنه "إسماعيل"، نَصَره الإمام ابن قيم الجوزية، قال: "وإسماعيل هو الذَّبيح على القولِ الصواب عند علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم. وأما القولُ بأنه إسحاق فباطلٌ بأكثر من عشرين وجهًا، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: هذا القول إنا هو متلقَّى عن أهل الكتاب مع أنه باطلٌ بنصِّ كتابهم، فإن فيه: أن الله أمرَ إبراهيم أن يذبح بِكره، وفي لفظٍ: وَحِيدَه، ولا يشكُّ أهلُ الكتاب مع المسلمين أن إسماعيل هو بِكر أولاده. والذي غرَّ أصحاب هذا القول أن في التوراة التي بأيديهم: اذبح ابنك إسحاق، قال: وهذه الزيادة من تحريفهم وكذبهم؛ لأنها تناقض قولَه: اذبح بِكْرَك ووحيدَك، ولكنَّ اليهودَ حسدَتْ بني إسماعيل على هذا الشرف، وأحبُّوا أن يكون لهم، وأن يسُوقُوه إليهم، ويحتازوه لأنفسهم دُونَ العرب، ويأبى الله إلا أن يجعل فضْلَه لأهلِه. . ." انظر: زاد المعاد 1/ 71، 72. وانظر: زاد المسير 7/ 72، 73، وتفسير ابن كثير 7/ 23. (¬6) قوله: (والله أعلم) ساقط من (م).

كتاب الأطعمة

كتاب الأطعمة النسخ المقابل عليها 1 - (ب) = نسخة برلين رقم (3144) 2 - (م) = نسخة مراكش رقم (112/ 1)

باب فيما يحل ويحرم من المطاعم

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلي الله علي سيدنا محمد كتاب الأطعمة (¬1) باب فيما يحل ويحرم من المطاعم قال الله -عز وجل-: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4]. وقال سبحانه: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157]. فذكر تحريم الخبائث في هذه الآية جملة من غير تفصيل، وبيَّنها في آيٍ أُخر، فحرَّم الميتةَ، والدمَ، ولحمَ الخنزير، وما أُهل لغير الله به، وما ذُبح على النُّصب، والمنخنقة، والموقوذة، والمتردِّية، والنَّطيحة، وما أكل السَّبع، وذبائح المجوس؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121]. وقد تضمَّن هذا التحريمُ ثلاثة معانٍ: أحدها: التحريم لعدم الذَّكاة، وهو: الميتة، والمنخنقة، وأخواتهما (¬2). والثَّاني: لوصمٍ في الذَّكاة، وهي: ذبائح المجوس، وما أُهلَّ لغير الله به، وما ذُبِحَ على النُّصب. والثَّالث: محرَّم العين لا لعدم الذكاة ولا لوصمٍ فيها، وهو: الدم ولحم الخنزير، ولا خلاف في هذه الجملة. ¬

_ (¬1) في (م): (المطاعم). (¬2) في (ب): (وأخواتها).

واختُلِفَ في كل ذي ناب من السِّباع، وكل ذي مخلب من الطير، وفي لحوم الخيل والبِّغال والحمير، وفي (¬1) حمر الوحش إذا تأنَّستْ، وفي لحوم الجلاَّلة، والحيَّة، والعقرب، والفأرة، والقرد، وخنزير الماء. فالميتة: ما مات حَتْفَ أنفه (¬2)؛ وهي ثلاث (¬3): حلال، وحرام، ومختلف فيها. فالأول: ميت كلِّ حيوان بريّ له نفس سائلة، فهو حرام مراد بالآية. والثَّاني: ميت صيد البحر إذا لم يكن له حياةٌ في البر؛ فهو حلال؛ لحديث جابر - رضي الله عنه -، قال: كنَّا في غزاة، فألقى البحرُ لنا دابةً ميتةً. فقال أبو عبيدة: ميتة. ثُمَّ قال: نحن (¬4) في سبيل الله، فأكلناه، ثُمَّ ذكرنا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللهُ لَكُمْ، فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لحُمِهِ شَيءٌ فَتُطْعِمُونَا مِنْهُ". فَأَرْسَلْنَا إِلَيهِ مِنْهُ فَأَكَلَه. أخرجه البخاري ومسلم (¬5)، وقد اختصرتُه من مسلم. وقوله (¬6): "هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ" (¬7). ¬

_ (¬1) قوله: (الخيل والبغال والحمير، وفي) ساقط من (ق 5). (¬2) في (م): (نفسه). (¬3) قوله: (وهي ثلاث) ساقط من (ب). (¬4) قوله: (نحن) ساقط من (م)، وفي (ق 5): (وهي ثلاثة). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري: 5/ 2093، في باب قول الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96]، من كتاب الذبائح والصيد، برقم (5174)، ومسلم: 3/ 1535، في باب إباحة ميتات البحر، من كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، برقم (1935). (¬6) في (م): (وقال). (¬7) أخرجه مالك: 1/ 22، في باب الطهور للوضوء، من كتاب الطهارة، برقم (41)، وأبو داود: 1/ 69، في باب الوضوء بماء البحر، من كتاب الطهارة، برقم (83)، والترمذي: 1/ 100، في باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور، من كتاب أبواب الطهارة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برقم (69)، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

فصل [في أحوال المنخنقة، والموقوذة، والمتردية، والنطيحة، وما أكل السبع؟]

الثَّالث: ميت حيوان البرِّ إذا لم تكن له نفس سائلة، وميت حيوان البحر إذا كانت له حياة في البر، فقيل: يؤكل ولا يحتاج إلى ذكاة. وقيل: لا يؤكل إلا بذكاة. فصل [في أحوال المُنْخنقة، والموْقُوذة، والمتردِّية، والنَّطيحة، وما أكل السَّبعُ؟] المُنْخنقة، والمَوْقُوذة، والمتردِّية، والنَّطيحة، وما أكل السَّبعُ؛ على أربعة أوجه (¬1): فما مات منها ممَّا نزل به من ذلك حرامٌ، وما لم يمت منه فذكِّيَ، ولو ترك لعاش حلالٌ، وإن لم ترج حياته كان ما حدث به من ذلك في موضع الذَّكاة؛ كفري الأوداج لم يُؤكل (¬2). واختُلِفَ إذا لم يكن في موضع الذَّكاة؛ فقيل: يُذكى ويُؤكل. وقيل: لا يُؤكل. وقال مالك في المدونة في المتردِّية من جبل فيندقُّ عنقُها، أو اندقَّ منها ما يعلم أنَّها لا تعيش معه. قال: تُؤكل ما لم يكن نخعها (¬3). وفرَّق بين انقطاع النُّخاع (¬4) وغيره. ورُوي عن ابن القاسم أنَّها تُؤكل وإن انتشرت الحُشوة (¬5). ¬

_ (¬1) قوله: (أوجه) ساقط من (م)، وفي (ق 5): (وجوه). (¬2) في (ب): (لو تؤكل). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 545. (¬4) النَّخاعُ: هو عِرْقٌ أَبيض في داخل العنق ينقاد في فَقار الصُّلْبِ حتى يَبْلُغَ عَجْبَ الذَّنَبِ وهو يَسْقِي العِظامَ. انظر: لسان العرب: 8/ 348. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 370. ونصه: "وقد قيل: لا يضر شقها حتى يخرج شيء من =

واختُلِفَ في معنى قول الله -عز وجل-: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3]. فقيل: ذكيتم (¬1) من غير هذه المتقدِّم ذكرُها، وأنَّه استثناء منقطع، وقيل: إلا ما ذكَّيتم من هذه المذكورة. وهو أحسن؛ لأنَّه لا خلاف أن الآية في المنخنقة وأخواتها ليست على عمومها، ولو كانت على عمومها لم تؤكل وإن ذكيتْ وكانت تُرجى حياتها، وإن لم تكن الآية على عمومها كان حملها على ما مات من ذلك أحسن؛ للحديث الذي في الشاة التي نزل بها الموت فسوبقت بالذكاة، فأجاز النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أكلّها (¬2). ولا فرق بين أن تكون أشرفتْ على الموت من علةٍ نزلت بها في أحشائها (¬3)، أو من هذه (¬4) الأشياء. وقد احتجَّ من منع أكلها بأن قال: لو كان المراد بالآية ما مات من هذه الأشياء -الخنق (¬5) وغيره- لكان قوله -عز وجل-: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] يغني عن ذلك. ¬

_ = الحشوة أو ينقطع بعض المصارين". والحُشْوَةُ بالضم والكسر: الأَمعاء. انظر لسان العرب: 14/ 178. (¬1) قوله: (فقيل: ذكيتم) ساقط من (م). (¬2) أخرجه البخاري: 5/ 2096، في باب ما أنهر الدم من القصب والمروة والحديد، من كتاب الذبائح والصيد، برقم (5183)، وفي: 2/ 808، في باب إذا أبصر الراعي أو الوكيل شاة تموت أو شيئا يفسد ذبح وأصلح ما يخاف عليه الفساد، من كتاب الوكالة، برقم (2181)، ومالك: 2/ 490، في باب ما يكره من الذبيحة في الذكاة، من كتاب الذبائح، برقم (1044). (¬3) في (ق 5) و (ب): (جسمها). (¬4) قوله: (هذه) يقابله في (ب): (هذه الخمس). (¬5) قوله: (وقد احتجَّ من منع أكلها بأن قال: لو كان المراد بالآية ما مات من هذه الأشياء- الخنق) ساقط من (ب).

فصل [في حرمة أكل الدم]

وليس كما قال؛ لأنَّ الميتةَ عند العرب: ما مات حَتْف نفسه، ليس ما مات من هذه الأشياء، ولو لم يبين اللهُ -عز وجل- الحكمَ فيما مات من هذه الأشياء (¬1)؛ لأمكن أن يَقَعَ لهمْ أنَّها حلال وأنَّ الحكم فيها بخلاف موتها حَتْف نفسها، أو يشكل عندهم الحكم في ذلك، فأخبر الله تعالى أن الحكمَ فيها التحريم. فصل [في حرمة أكل الدم] وحرَّم الله تعالى الدم في هذه الآية جملةً من غير تقييد، وقيَّد ذلك في سورة الأنعام، فقال: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا}. فوجب ردُّ المطلق إلى المقيَّد. وقد قال ابن شعبان، قوله: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145]. ناسخ لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3] (¬2). وهذا غلط؛ لأنَّ سورة الأنعام مكيةٌ والمائدةُ مدنيةٌ، ولا خلاف أنَّه لا تُنسخ آيةٌ مدنية بآية مكية. واختَلَفَ قولُ مالك في غير المسفوح، فقال مرَّةً: الدم كلُّه نجسٌ؛ دم بني آدم، والبهائم، وما يؤكل لحمه، وما لا يؤكل، ودم الحوت، والبراغيث (¬3). قال في سماع أشهب (¬4): الدم كله نجس، دم الحوت ودم الشاة. وإذا كان عنده نجسًا فهو حرام. وقال (¬5) أيضًا: لا تُعاد الصَّلاة من الدم اليسير (¬6). قال الله تعالى: {أَوْ دَمًا ¬

_ (¬1) قوله: (ولو لم يبين الله -عز وجل- إلا الحكمَ فيما مات من هذه الأشياء) ساقط من (ب). (¬2) انظر: الزاهي، لابن شعبان، لوحة رقم: [10 / ب]. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 128. (¬4) إلى هنا انتهت نسخة (م). (¬5) قوله: (قال) يقابله في (ب): (هو). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 128.

{مَسْفُوحًا}. قال محمد بن مسلمة: المحرم المسفوح، قال: وقد جاء عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: لولا أنَّ الله تعالى قال: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} لاتبع المسلمون ما في العروق كما اتبعته اليهود. وقد تُطبخ البُرمة وفيها الصفرة، ويكون في اللحم الدم، فلا يكون على النَّاس غسله (¬1). قال: ولو كان قليله ككثيره؛ لكان كبعض النَّجاسات (¬2) تقع في الطعام فلا تُؤكل. قال الشيخ: الدِّماء على وجوه: فدمُ كلِّ حيوان لا يؤكل لحمه حرام، قليله وكثيره، وليس بأعلى رتبة من دمه. ودم كل حيوان يؤكل لحمه له نفس سائلة قبل الذكاة حرامٌ، قليله وكثيره، وليس بأعلى رتبة من لحمه قبل الذكاة، ولأنَّه داخل في المسفوح قبلَ الذَّكاة (¬3) وهو أول المسفوح؛ لأنه جملة الدم في الجسم، وإذا زاد الجرح زاد السفح، فإن ذُكِّي حرم المسفوح وحده، وهو الذي يخرج عند الذبح، فإن استعملت الشاة قبل أن تقتطع، وقبل أن يظهر منها الدم، كالتي تشوى؛ جاز أكلها، ولا خلاف في ذلك. واختُلِفَ إذا قُطعت وظهر الدم، فقال مرَّةً: حرام. وحمل الإباحة فيه ما لم يظهر؛ لأنَّ اتباعه من العروق حرجٌ. وقال مرَّةً: حلال لقول الله -عز وجل-: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145]، فلو ¬

_ (¬1) أخرجه الطبري في تفسيره: 5/ 378، في تفسير سورة الأنعام، آية (145). (¬2) في (ب): (النجاسة). (¬3) قوله: (ولانَّه داخل في المسفوح قبلَ الذَّكاة) ساقط من (ب).

قطع اللحم على هذا بعد إزالة المسفوح يريد: فخرج منه دم لا يحرم، وجاز أكله بانفراده. ودم ما لا يحتاج إلى ذكاة وهو الحوت، فاختُلِفَ فيه: فقال الشيخ أبو الحسن: ليس بنجس. وحمل قول مالك في المدونة في غسله على الاستحسان (¬1)، فعلى هذا يكون حلالًا. والقول الأول أحسن؛ لأنَّ الحوت كالمذكَّى من حيوان البرِّ، فلمَّا كان الدم حرامًا مع وجود الذكاة كان حرامًا من الحوت؛ لعموم قوله: {وَالدَّمُ}؛ لأن الدمَ حرام لا لعلةٍ. فإن كان ذلك الدم سائلًا جاريًا، كالذي يكون في بعض الحوت؛ كان كالمسفوح من حيوان البر، وإن كان غير سائلٍ ولا جارٍ جرى على الخلاف في مثله من البري (¬2). ويختلف فيما كان ليس له نفس سائلة: فعلى القول إنه يحتاج إلى ذكاة يحرم ما كان من دمه قبل الذكاة، ويختلف فيما ظهر بعد الذكاة. وعلى القول إنَّه لا يحتاج إلى ذكاةٍ، يكون ما كان منه في حال الحياة أو بعدها سواء؛ يختلف فيه إذا ظهر وبان من الجسم. ¬

_ (¬1) قال في المدونة: 1/ 128: (ودم الحوت عند مالك مثل جميع الدم. . ويغسل قليل الدم وكثيره). (¬2) قوله: (البري) يقابله في (ق 5): (حيوان البر).

فصل [في لحم الخنزير وشحمه]

فصل [في لحم الخنزير وشحمه] ولحمُ الخنزير وشحمُهُ (¬1) حرامٌ، وورد النصُّ بذكر اللحم؛ لأنه الغالب والأكثر، والمراد تحريم المعتاد بالأكل من الحيوان، وهو الشحم (¬2) واللحم. وحكم الجلدِ حكم اللحمِ؛ لأنه لحم، وقد تؤكل الشاة سميطًا (¬3)، فيكون ذلك مما يُستطاب منها، وإنما تعاف النفسُ الجلدَ إذا بان من اللحم، ولا يباع، ولا بأس بالانتفاع به بعد دباغهِ؛ قياسًا على جلد الميتة إذا دبغ؛ لأن كليهما حرامٌ. وقد أبان النَّبي - صلى الله عليه وسلم - في الميتة أن التحريم ليس في جميع وجوهها، وأن ذلك في الأكل والبيع، وأباح الاستخدام (¬4). وقال الشيخ أبو بكر الأبهري: لا ينتفع به بعد الدِّباغ بخلاف جلد الميتة (¬5). يريد: لأنَّ النص ورد في جلد الميتة ولم يرد في جلد الخنزير. واختلف في الانتفاع بشعره، فأجازه مالك في المبسوط للخرازة (¬6). ¬

_ (¬1) في (ب): (وجسمه). (¬2) في (ب): (الجسم). (¬3) السمط: هو نتف الجدي والحمل من الصوفَ وتنظيفه من الشعر بالماء الحارّ ليَشْوِيَه. انظر: لسان العرب، لابن منظور: 7/ 322. (¬4) أخرجه البخاري: 2/ 543، في باب الصدقة على موالي أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، من كتاب الزكاة، برقم (1421)، ومالك: 2/ 498، في باب ما جاء في جلود الميتة، من كتاب الصيد، برقم (1062). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 377. (¬6) انظر: المصدر السابق.

فصل [في حكم أكل كل ذي ناب من السباع]

وقال ابن القاسم في العتبية (¬1): لا بأس ببيعه وهو كصوف الميتة (¬2). وقال أصبغ: لا خير فيه، ليس كصوف الميتة، وهو كالميتة الخالصة، وكل شيء منه حرام حيا وميتًا (¬3). والأول أحسن؛ لقول الله تعالى: {وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [النحل: 115]. فلم يدخل الشعر في التحريم، واللبن منه محرّمٌ (¬4)؛ لأن (¬5) القصد (¬6) اجتناب أكله جملة. وقد تقدَّم القول فيما أُهلَّ لغير الله به. فصل [في حكم أكل كل ذي ناب من السباع] واختُلِفَ في كل ذي ناب من السِّباع، فقال عبد الملك بن الماجشون في كتاب ابن حبيب: الأسود والنمور والذئاب واللبؤة (¬7) والكلاب حرامٌ؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ حَرَامٌ" (¬8). وعلى هذا يدلُّ قول مالك في الموطأ؛ لأنه قال في الرسم: باب (¬9) تحريم ¬

_ (¬1) قوله: (في العتبية) ساقط من (ب). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 46. (¬3) قوله: (حيًا وميتًا) يقابله في (ب): (حي أو ميت). انظر: البيان والتحصيل: 8/ 46، والنوادر والزيادات: 6/ 184. (¬4) في (ق 5): (حرام). (¬5) في (ق 5): (من). (¬6) في (ب): (الفضيلة). (¬7) في (ب): (اللوبية). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 372. والحديث أخرجه مسلم: 3/ 1534، في باب تحريم أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، من كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، برقم (1933)، ومالك: 2/ 496، في باب تحريم أكل كل ذي ناب من السباع، من كتاب الصيد، برقم (1059). (¬9) قوله: (باب) ساقط من (ب).

أكل ذي ناب من السباع، ثم أدخل الحديث (¬1). وقال الأبهري وابن الجهم: هي مكروهة، لقول الله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام: 145] (¬2). والأول أصوب لوجوه: أحدها: أنَّ قوله تعالى: {لَا أَجِدُ} إخبارٌ عن الماضي، ولا يقضي ذلك على أنه لا يجد في المستقبل، ولا أنَّه لا ينزل عليه تحريم تلك الأربع. والثَّاني: أن ذلك قد وُجد، فحرَّم ذبائح المجوس والخمر وهما مطعومان، لم تتضمن تلك الآية تحريمهما. والثَّالث: أنَّ الآية مكيةٌ والحديثَ مدنيٌ، والمتأخِّر يقضي على المتقدِّم، ولا يعترض هذا بحديث أبي ثعلبة - رضي الله عنه - في قوله: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَكْلِ كْلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ (¬3)؛ لأنَّه يحتمل التحريم والكراهية. وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مقيد، والمقيد يقضي على المطلق. واختُلِفَ في الضبع، فقيل: هو مكروه. وحكى ابن الجلاب أن الحكم فيه والأسد سواء (¬4). تم كتاب الأطعمة بحمد الله وحسن عونه وصلى الله على سيدنا محمد نبيه (¬5) ¬

_ (¬1) انظر: الموطأ: 3/ 709. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 372. (¬3) أخرجه البخاري: 5/ 2103، في باب أكل كل ذي ناب من السباع، من كتاب الذبائح والصيد، برقم (5210)، ومسلم: 3/ 1533، في باب تحريم كل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، من كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، برقم (1932). (¬4) انظر: التفريع: 1/ 319. (¬5) قوله: (وحسن عونه وصلى الله على سيدنا محمد نبيه) ساقط من (ق 5).

كتاب الأشربة

كتاب الأشربة النسخ المقابل عليها 1 - (ب) = نسخة برلين رقم (3144) 2 - (ق 5) = نسخة القرويين رقم (368)

كتاب الأشربة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلي الله علي سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب الأشربة ذكر الله -عز وجل- الخمرَ في أربعة مواضع من كتابه: بالإباحة، وبما يتضمَّن الكراهيةَ، والتحريمَ في وقتٍ دون وقتٍ، وبالتحريم جملةً من غير تخصيص لوقت. فالأول: قوله سبحانه: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ. . .}، ثم قال تعالى (¬1) {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} [النحل: 66، 67]. والثاني: قوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة: 219]. والثالث: قوله: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43]. والرابع: قوله -عز وجل-: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90] الآيتين (¬2). فتضمّنت الآية الأولى (¬3) الإباحة لوجوه: أحدها: أنَّ القصد بها وبما قبلها من قوله سبحانه: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ ¬

_ (¬1) قوله: (ثم قال تعالى) زيادة من (ق 6). (¬2) قوله: (الآيتين) ساقط من (ق 6). (¬3) قوله: (الأولى) ساقط من (ق 6).

فِيهَا دِفْءٌ} [النحل: 5]. وما بعدها إلى قوله: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} [النحل: 81]. بيان نعمه عندنا، وما مَنَّ به وسخَّره لنا (¬1) وأباحه؛ فلم يدخل في ذلك (¬2) ما حرَّمه علينا، ومنعنا منه. والثَّاني: أنَّه قرنه بالألبان، وعطفه عليها. والثالث: أن (¬3) الآية مكية، وأجمع النَّاس على أنها كانت حلالًا بالمدينة ثُمَّ حُرِّمت، وأنها لم تكن محرَّمة ثم أُحِلَّت ثم حُرِّمت؛ فبان بهذا أن السكر منها لم يكن محرمًا، وأن هذا هو الصحيح من القول. وقد اختُلِفَ في ذلك: فقيل: السَّكر: الخمر. وقيل: النبيذ. وقيل: ما كان شربه حلالًا كالنبيذ والخلِّ. والصحيح: أنه ما يسكره، وقد عقلت العرب السُّكرَ ما هو، وبيَّن ذلك قول الله سبحانه {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43]، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ حَرَامٌ" (¬4). ولا حاجة بنا إلى حمل الآية على غير ظاهرها لما قررناه من أنَّ الآية مكيَّةٌ، وأنَّ الخمرَ لم تكن محرَّمة حينئذ، وإنما يحتاج إلى الخروج عند ذلك لو كان نزولها بعد آية المائدة. ¬

_ (¬1) قوله: (لنا) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (في ذلك) ساقط من (ب). (¬3) قوله: (أن) ساقط من (ب). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 95، في باب لا يجوز الوضوء بالنبيذ ولا المسكر، من كتاب الوضوء، برقم (239)، ومسلم: 3/ 1585، في باب بيان أن كل مسكر خمر وأن كل خمر حرام، من كتاب الأشربة، برقم (2001)، ومالك: 2/ 845، في باب تحريم الخمر، في كتاب الأشربة، برقم (1540).

وتضمَّنت الآيةُ الثانيةُ الإباحةَ؛ لقوله: {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [الحديد: 25]. قيل: المنافع: التلذذ بشربها، وأخذ الأثمان في بيعها، والربح لمن تجر بها. وتضمنت الكراهةَ، وأنَّ الترك أولى، بقوله: {فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} [البقرة: 219]. قيل: هو ما يدخل على من شربها مما هو مذكور في الآية الأخرى من العداوة والبغضاء، وتَصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة، ولم يحمل على التحريم وإن أدت إلى ذلك، ولا يجتمع التحريم والتحليل معًا بأمر واحد. وتضمَّنت الآيةُ الثالثةُ إباحةَ الشرب دون السكر (¬1)، ومنع الشرب الذي يسكر في وقتٍ يعلم أنَّه إذا أتى وقتُ الصلاة كان سكرانًا ولم يذهب ذلك عنه، وإذا كان بعيدًا من وقت الصلاة يعلم أنَّه يذهب عنه قبل وقت الصلاة (¬2) - لم يحرم، وقد كان الخطاب بالآية وإعلام الصحابة لها حين نزولها وهم عقلاء غير سكارى، وخوطبوا بما يفعلونه بعد ذلك. وتضمَّنت الآية الرابعةُ تحريمها جملةً من غير تخصيصٍ لوقتٍ، قال -عز وجل-: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 90، 91]. ¬

_ (¬1) في (ب): (الشرب). (¬2) قوله: (يعلم أنَّه يذهب عنه قبل وقت الصلاة) ساقط من (ق 6).

فصل [في أنواع الأشربة]

فتضمنت التحريم من وجوه ثلاثة: أحدها: المساواة بينها وبين الأنصاب التي كانت تُعْبَد، وهي محرَّمة بالإجماع؛ فكذلك الخمر. والثَّاني: تسميةُ جميع ذلك رجزا، فعمَّها بهذا الاسم، ومخرج ذلك مخرج التعليل، وقد أخبر تعالى أن الرِّجْزَ مُحَرَّمٌ في قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا} [الأنعام: 145] وقال: {الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} [الحج: 30] والثَّالث: قوله -عز وجل-: {فَاجْتَنِبُوهُ}، والنَّهي من الله -عز وجل- على الوجوب حتَّى يقومَ دليلُ النَّدب. فصل [في أنواع الأشربة] الأشربةُ أربعٌ: محرمٌ، وهو المسكر. وحلالٌ، وهو ما لا يسكر، ولا صار إلى حالة يُشَكُّ في سكره، ولم يُصنع على صفةٍ يُسرع إليها السكر. ومختلف فيه بالمنع والكراهية، وهو ما صنع على صفة يسرع إليها السكر (¬1) كالخليطين من البُسر (¬2) والتمر وغيرهما، مما يكون كل واحد منهما خمرًا بانفراده. ¬

_ (¬1) قوله: (ومختلف فيه بالمنع والكراهية وهو ما صنع على صفة يسرع إليها السكر) ساقط من (ب). (¬2) البُسْرُ: الغَضُّ من كل شيء، والبُسْرُ: التمر قبل أَن يُرْطِبَ لِغَضاضَتِه، واحدته: بُسْرَةٌ. انظر: لسان العرب: 4/ 57.

ومختلفٌ فيه: هل هو حكم الخليطين أو جائز؟ وهو أن يجعل في النبيذ ما يسرع به، ولا يكون بانفراده مسكرًا، مثل: عكر النبيذ (¬1) والتُّرْبَة، وما يكون الإسراع من الوعاء: كالدُّبّاء (¬2) والمُزفَّت (¬3)، وكالخليطين من الخلِّ، وما (¬4) يصنع للخلِّ. والمُسكر على وجهين: مجمعٌ على تحريمه، ومختلفٌ فيه: فالأوَّل: عصير العنب، والثَّاني: مطبوخه، وعصير غيره ومطبوخه. فقول مالك وجميع (¬5) أصحابه (¬6)، والشافعيّ وأصحابه أنَّ جميع ذلك حرامٌ (¬7). وهو قول الصحابة - رضي الله عنهم - والصدرِ الأوَّلِ، قال القاضي أبو الحسن ابن القصار: هو قول عمر، وعليّ، وابن عباس، وسعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وأبي هريرة، وعائشة. وهذا هو الصحيح من القول، لورود النصِّ، ولوقوع اسم الخمر عليه، ولأنَّه إجماع الصحابة، وللعلة الجامعة بينه وبين الخمر. ¬

_ (¬1) وعَكَرُ الشرابِ والماء والدهن: آخرُه وخائرُه. انظر: لسان العرب: 4/ 599. (¬2) الدّباء: أَوعية كانوا يَنْتَبِذُون فيها وضَرِيَت فكان النَّبيذُ فيها يغلي سريعًا ويُسْكِر. انظر: لسان العرب: 14/ 248. (¬3) المُزَفَّت: الإِناءُ الذي طُليَ بالزِّفْتِ وهو نوع من القَار ثم انْتُبِذ فيه. انظر: لسان العرب: 2/ 34. (¬4) قوله: (وما) في (ق 6): (أو ما). (¬5) قوله: (وجميع) ساقط من (ق 6). (¬6) انظر: المعونة: 1/ 468. (¬7) انظر: الأم، للشافعي: 6/ 144.

والمجمع عليه بالنص قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ: النَّخْلَةِ وَالْعِنَبَةِ" (¬1). وقال: "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ" وسئل عن المِزْرِ يُعْمَل من الشعير والبِتْع يُعْمَل من العسل فقال: "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ" (¬2). وقد كان السبب في جوابه - صلى الله عليه وسلم - السؤال عن الأجناس التي تسكر، لا عن القَدْر من القلة والكثرة. وهذه الأحاديث أخرجها مسلمٌ في صحيحه، ووافقه في الحديث الآخر البخاريُّ والموطأ (¬3). وقال أنس - رضي الله عنه -: حرمت الخمر، وما نجد خمر الأعناب إلا قليلًا، وعامة خمرنا البُسْرُ والتمر. وقال أيضًا: إِنَّ الخُمْرَ حُرِّمَتْ، وَمَا كانَت لنا خَمْر غَيْر فَضِيخكُمْ هَذَا الَّذِي تُسَمُّونَهُ الْفَضِيخ، وَإِنِّي لقَائِمِ أَسْقِيها أَبَا طَلْحَة وَأَبَا أَيُّوب وَرِجَالًا مِنْ أَصْحَاب رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؛ إِذْ جَاءَ رَجُل وَقَالَ: هَلْ بَلَغَكُمْ الخَبَر؟ فَقُلْنَا: لَا. فَقَالَ: إِنَّ الخَمْر حُرِّمْت، فَقَالَ: يَا أَنَس، أَرِقْ هَذ الْقِلَال، فَمَا رَاجَعُوا (¬4) فِيهَا، وَلا سَأَلُوا عَنْهَا. اجتمع على هذا الحديث الموطأ والبخاري ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم: 3/ 1573، في باب بيان أن جميع ما ينبذ مما يتخذ من النخل والعنب يسمى خمرًا، من كتاب الأشربة، برقم (1985). (¬2) متفق عليه بنحوه، أخرجه البخاري: 4/ 1579، في باب بعث أبي موسى ومعاذ بن جبل إلى اليمن قبل حجة الوداع، من كتاب المغازي، برقم (4087)، ومسلم: 3/ 1585، في باب بيان أن كل مسكر خمر وأن كل خمر حرام برقم (1733). (¬3) قوله: (ووافقه. . إلخ) إنما عزوت على ما في البخاري ومسلم كما أشار المؤلف، وفي الموطأ ذكر البتع لا المزر، أخرجه في الموطأ: 2/ 845، في باب تحريم الخمر، من كتاب الأشربة، برقم (1540). (¬4) قوله: (راجعوا) في (ب): (رجعوا).

ومسلم (¬1). وإن اختلفتْ ألفاظُه فالمعنى فيه واحدٌ، وقد اجتمعتْ هذه الأحاديث عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ومن ذُكِرَ من الصحابة - رضي الله عنهم -: على أن هذه الأشياء يقع عليها اسم الخمر، وامتثلوا إراقته بمجرد النَّهي عن الخمر. وثبت عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه نهى عن أَنْ يُنْتبَذ الزَّهْوُ (¬2) وَالتَّمْرُ جَمِيعًا (¬3). ولم يختلف أن ذلك خيفة أن يسكر، فلو كان يجوز شربُ قليله لمَا منع أن يُنبذا، ولأجاز أن يُنبذا جميعًا، ثم يشرب منهما بعد أن يصير مسكرًا قليلًا قليلًا وقتا بعد وقت (¬4). وفي البخاري أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خَطَبَ على المنبر، فقال: إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ، وَهْيَ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالحنْطَةِ وَالشَّعِير وَالْعَسَلِ، وَالخَمْرُ: مَا خَامَرَ الْعَقْلَ (¬5). ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 5/ 2121، في باب نزل تحريم الخمر وهي من البسر والتمر، من كتاب الأشربة، برقم (5260)، ومسلم: 3/ 1570، في باب تحريم الخمر وبيان أنها تكون من عصير العنب ومن التمر والبسر والزبيب وغيرها مما يسكر، من كتاب الأشربة برقم (1980)، ومالك: 3/ 88،، في باب تحريم الخمر وما يكره من الأشربة، من أبواب الحدود في الزناء، رقم (715). (¬2) الزَّهْو: النَّخْل ظهرت الحُمْرَةُ والصُفرة في ثمره. انظر: تاج العروس، للزبيدي: 38/ 236. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري: 5/ 2126، في باب من رأى أن لا يخلط البسر والتمر إذا كان مسكرا وأن لا يجعل إدامين في إدام، من كتاب الأشربة، برقم (5280)، ومسلم: 3/ 1575، في باب كراهة انتباذ التمر والزبيب مخلوطين، من كتاب الأشربة، برقم (1988)، ومالك: 2/ 844، في باب ما يكره أن ينبذ جميعًا، من كتاب الأشربة، برقم (1539). (¬4) قوله: (وقتا بعد وقت) في (ب): (لما منع النبيذ). (¬5) متفق عليه: أخرجه البخاري: 4/ 1688، في باب تفسير سورة المائدة، من كتاب التفسير، برقم (4343)، ومسلم: 4/ 2322، في باب في نزول تحريم الخمر، من كتاب التفسير، برقم (3032).

فصل [في صفة ما يحل من الأشربة]

يريد: أن الخمرَ كانت في عهد النَّبي - صلى الله عليه وسلم - من هذه الخمسة، فكانت عامة خمورهم من التمر، ومن العنب قليلًا، وباليمن من الحنطة والشعير ومن العسل وهو البتع. ثم قال: "وَالخمْرُ: مَا خَامَرَ الْعَقْلَ". يريد: أنَّه ليس بمقصور على هذه الخمس التي كانت، وأن العلة الشدة، وما يخامر العقل. ولم يختلف أن عصير العنب قبل الشدة، وبعد أن اشتد، ثُمَّ تزول عنه الشدة، فيصير خلًّا حلال، وأن تحريمه فيما (¬1) بين هذين إنما كان لوجود الشدة. فإذا كان التحريم معلَّقًا فيما يكون من العنب بوجود الشدَّة، وساقط بعدهما- وجب أن يلحق به كلَّما وجدت له الشدَّة؛ لأنها علة التحريم ووجود الحكم. فصل [في صفة ما يحل من الأشربة] كلُّ شراب ليس بمسكر، ولم يصنع على صفةٍ يسرع إليها الإسكار، ولا صار إلى حالة يشك فيه: هل يسكر أم لا حلالٌ. ولا خلاف في ذلك، ثُمَّ هو فيما يندب إليه من تعجيل شربه وتأخيره مختلف: فإن لم تمسَّه (¬2) النَّارُ فإنه يستحب ألا يؤخَّر عن ثلاثة أيام من يوم انتباذه؛ لحديث ابن عباس، قال: "كَانَ رَسولُ اللهِ- صلى الله عليه وسلم - يُنْقَعُ لَهُ الزَّبِيبُ فَيَشْرَبُهُ اليَوْمَ وَالْغَدَ وَبَعْدَ الْغَدِ إِلَى مَسَاءِ الثَّالِث، ثُمَّ يَأْمُرُ بِهِ فَيُسْقَى أَوْ يُهَرَاقُ". أخرجه ¬

_ (¬1) قوله: (فيما) ساقط من (ق 6). (¬2) قوله: (تمسَّه) في (ق 6): (يكن مسته).

مسلم (¬1). وقد روي عنه أنه كان يهريقه في دون هذه المدة. ويعتبر في ذلك النبيذ في نفسه والوقت الذي ينتبذ أو ينقع فيه، فليس فضيخ (¬2) البُسْر كالتَّمر، ولا التَّمر كالعنب، ولا العنب كالزّبيب، ولا الصيف فيما يخشى منه السكر كالشتاء والربيع، وإنما يراعى كل واحد منهما في نفسه، فإذا كان الغالب من مثل ذلك النبيذ أو النقيع في مثل ذلك الزمن وتلك المدة أنه لا يسكر، ولا صار إلى حالة يشك فيه- حلال. وإن مستْه النَّار ولم يبالغ في صنعته، وكان يخشى منه أن يكون مسكرًا- نُظِر أيضًا إلى الحالة التي يؤمن ذلك فيها في ذلك الوقت. واختُلِفَ إذا غلا؛ فلم يمنع ذلك في الكتاب، ولا كرهه، وقال: حده ما لم يسكر (¬3). وقال ابن حبيب: كرهه بعض الصحابة إذا غلا (¬4). وهو أحسن، وليس القول: إن حدَّه ما لم يسكر؛ بالبيّن، إذا كان لا يعرف ذلك إلا بالاختبار؛ لأنه لا يدري في وقت الاختبار: هل يشرب حلالًا أو حرامًا؟ إلا أن يقدر على معرفة ذلك بدلائل من غير شرب، وإن بُولغ في طبخه حتَّى صار إلى أن يؤمن السكر منه- جاز شربه وإن طالت المدة. واختُلِفَ: هل له حَدٌّ يؤمن ذلك منه إذا بلغه؟ فقيل: إذا ذهب ثلثاه، وبقي الثلث- فإنَّه لا يسكر. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم: 3/ 1589، في باب إباحة النبيذ الذي لم يشتد ولم يصر مسكرًا، من كتاب الأشربة، برقم (81/ 2004). (¬2) الفضيخ: العصير. انظر: لسان العرب: 2/ 45. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 524. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 294.

وقال مالك: حدّه إذا طبخ فلم يسكر، قال ابن القاسم: ولم يلتفت إلى ثلثين من ثلث (¬1). وقال ابن حبيب: لا يجوز إلا باجتماع وجهين: أن يذهب ثلثاه في الطبخ، ويوقن أنّه لا يسكر. وقال محمد: أكثر ما يعرف من العصير إذا طبخ فذهب ثلثاه إلا ثُخِن وخلَّ، ولم يسكر (¬2). قال: وليس ذلك في كل عصير، ولا في كل بلد (¬3). قال الشيخ: وهذا كالأوَّل، أنَّه إن كان هناك علامة يعلم (¬4) بها من غير شرب، وليس أن يجرب في الشرب، وقول محمد: إنَّه ليس ذلك في كل عصير ولا في كل بلد- أحسن (¬5)؛ لأنَّ الأعناب تختلف، وبعضُها أكثرُ عسلية وأقوى، وبعضها قليل العسل، وبلدان حارة فهي تزيد في حفظه وتقويته، وبلدان باردة فيحلله (¬6) الهواء مع البقاء. وهذا في عصير العنب. وأمَّا الزبيب والتمر فيجتهد فيهما أيضًا، وليس يحدّ بثلث ولا غيره؛ لأنَّ الذي تكلَّم عليه القومُ (¬7) عصير العنب الذي الماء فيه مخلوق، وإنما يقع التبعيض (¬8) بالنار من الماء المخلوق فيه، وهذا يلقى عليه الماء ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 525. (¬2) قوله: (إلا ثُخِن وخلَّ، ولم يسكر) في (ق 6): (ألا يتخلل ولا يسكر). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 294. (¬4) قوله: (يعلم) في (ب): (يعمل). (¬5) قوله: (أحسن) في (ق 6): (حسن). (¬6) في (ب): (فيحله). (¬7) وقع في (ب) هنا لفظ (على) والظاهر أنه زائد. (¬8) قوله: (التبعيض) في (ق 6): (التنقيص).

فصل [في الأنبذة المنهي عنها]

فينظر إلى العادة في مثله على قدر الماء الذي يضاف إليه، ومثل هذه الأشربة التي تعمل من السكر للأدوية، وقد جرت عادة عند الذين يعملونها أنها (¬1) إذا بلغت حدًّا أُمِن عليها إذا بقيت أن تسكر. فصل [في الأنبذة المنهي عنها] ثبت عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - "أنَّه نَهَى أَنْ يُنْبَذَ التَّمْرُ وَالْبُسْرُ جَمِيعًا، وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا" (¬2)، وفي حديث آخر: "أَنْ يُشْرَبَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا، وَالزَّهْو وَالرُّطَبُ جَمِيعًا" (¬3). فتضمَّن هذا الحديث منع الجمع بينهما، وإن كان يشرب بالحضرة. وفي كتاب مسلم، قال (¬4): "مَنْ شَرِبَ النَّبِيذَ مِنْكُمْ، فَلْيَشْرَبْهُ زَبِيبًا فَرْدًا، أَوْ تَمْرًا فَرْدًا، أَوْ بُسْرًا فَرْدًا" (¬5). فالبُسْرُ والرطب والتمر والعنب والزبيب والعسل لا يجمع منها اثنان في الانتباذ؛ لأن ذلك مما يسرع بالسكر. واختُلِفَ: هل ترك ذلك واجبٌ ويعاقب إذا فَعَل، أو مستحبٌّ ولا شيء عليه؟ ¬

_ (¬1) قوله: (أنها) ساقط من (ب). (¬2) متفق عليه: أخرجه البخاري: 5/ 2126، في باب من رأى أن لا يخلط البسر والتمر إذا كان مسكرًا، من كتاب الأشربة، برقم (5279)، ومسلم: 3/ 1574، في باب كراهة إنتباذ التمر والزبيب مخلوطين، من كتاب الأشربة، برقم (1986). (¬3) أخرجه مسلم: 3/ 1575، في باب كراهة انتباذ التمر والزبيب مخلوطين، من كتاب الأشربة، برقم (1988). (¬4) قوله: (قال) ساقط من (ق 6). (¬5) أخرجه مسلم: 3/ 1574، في باب كراهة انتباذ التمر والزبيب مخلوطين، من كتاب الأشربة، برقم (1987).

فقال محمد في كتاب الحدود: إنا لنرى فيما نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الخليطين وغيره من الأنبذة الأدب الموجع لمن عرف ذلك وارتكب النهي تعمدًا (¬1). وقال أبو محمد عبد الوهاب وغيره: إن خلط فقد أساء، وإن لم تحدث الشدة المطربة؛ جاز شربه (¬2). واختلف في عكر النبيذ والتربة والعجين والدقيق والسَّوِيق وما أشبه ذلك مما يسرع في السكر، فأراد رجلٌ أن يجعله في نبيذه، فأجازه مالكٌ مرة (¬3)، ومنعه أخرى، وبإجازته أخذ ابن القاسم (¬4). والمنع أولى، وإليه رجع مالكٌ؛ لأنَّ ذلك الذي (¬5) يجعل في النبيذ وإن لم يكن نبيذًا بانفراده، فإنه أمنع (¬6) للعلة الجامعة، وهو الإسراع. وإن صنع القمح على صفةٍ إن تُرِك صار منه مسكرًا لم يخلط بنبيذ الزبيب والتمر قولًا واحدًا. قال ابن القاسم: ولا يخلط العسل بنبيذه فيشرب (¬7). ورآه (¬8) بمنزلة الخليطين من التمر والزهو، ولا يجوز على هذا أن يلقى ¬

_ (¬1) قوله: (تعمدًا) ساقط من (ق 6). وانظر: النوادر والزيادات: 14/ 304. (¬2) انظر: المعونة: 1/ 472. (¬3) ساقط من (ب). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 523. (¬5) قوله: (الذي) ساقط من (ق 6). (¬6) قوله: (أمنع) في (ق 6): (يمنع). (¬7) انظر: المدونة: 4/ 524. (¬8) قوله: (ورآه) في (ب): (وأراه).

التمر في نبيذ التمر ولا الزبيب في نبيذ الزبيب. قال: ولا بأس أن يأكل الخبز بالنبيذ. وكره أن ينقع الخبز في النبيذ أيامًا ثم يشربه، كما كره أن تجعل الجذيذة (¬1) في النبيذ (¬2). وقال مالك في مختصر ابن عبد الحكم: لا خير في الخليطين من الخلِّ، والخلُّ والنبيذ في ذلك سواء (¬3). وقاله سحنون. وقيل لسحنون: فلو جعل الزبيب في إناء، والتين (¬4) في إناء، فلما أدركا فصار خلًّا، خلطا؟ قال: لا خير فيه. ورُوي عنه الجواز (¬5). وهو أحسن؛ فيجوز أن ينبذا معًا، وأن يخلطا بعد أن يصيرا خلًّا؛ لأن الحماية في هذا المعنى إنما وردت فيما يسرع إليه السكر والخلُّ يعمل على صفة لا يكون عليها (¬6) خمرًا؛ لأنه يكثر ماؤه، ويحرك باليد في كثير من الأوقاتِ فلا يصير خمرًا بحال وإن كان يعمل على الانفراد على صفةٍ يكون منها (¬7) خمرًا؛ لأنه يقلل (¬8) ماؤه، ولا يكشف حتَّى يتخلَّل، وكان يعمل من عصير العنب، ¬

_ (¬1) في (ب): (الجريدة). والجذيذة: جَشيشَةٌ تعمل من السويق الغليظ. . . سميت جَذيذة لأَنها تُجَذُّ أَي تُكَسَّر وتدق وتطحن وتُجشش إِذا طحنت. انظر: لسان العرب: 3/ 479. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 524. (¬3) انظر: المنتقى، للباجي: 4/ 299. (¬4) في (ب): (والزبيب). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 289. (¬6) قوله: (أن يصيرا خلًّا لأن الحماية في هذا المعنى إنما وردت فيما يسرع إليه السكر والخل يعمل على صفة لا يكون عليها) ساقط من (ب). (¬7) قوله: (منها) ساقط من (ب). (¬8) قوله: (يقلل) في (ب): (يقال).

فإن كان تمرُّ به حالة يصير فيها خمرًا لم يجز بانفراده، ولا يخلط بغيره. وقد كان بعض أهل العلم يكره للمريض أن يخلط شرابين ثُمَّ يشربهما، مثل شراب الورد وغيره. ولا أعلم لذلك وجهًا؛ لأن هذين لا يسرع إليهما السكر بالانفراد، وعلى الاجتماع فخرجا عن المعنى الذي كان النهي عنه. وقال مالك في المدونة في الخمر ملكٌ لمسلم: فليهرقها، فإن اجترأ عليها فخلَّلها- أكلها وبئس ما صنع (¬1). وقال عبد الملك بن الماجشون (¬2) وسحنون: لا تؤكل (¬3). ولم يختلفوا أنها إذا صارت خلًّا من غير تعمّد ممن هي (¬4) في يده أنَّها تؤكل. وقول مالك أحسن، ولا فرق بين أن تصير خلًّا من فعله أو غير ذلك؛ لأن التحريم لوجود الشِّدَّة المُطْرِبَة (¬5) والتحليل مع عدمها، وأظن عبد الملك ذهب في المنع لحديث أنس - رضي الله عنه -، قال: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الخَمْرِ (¬6) تُتَّخَذُ خَلًّا، فَقَالَ: "لاَ" (¬7). أخرجه مسلم. ومحمل الحديث أن ذلك حماية لئلا يتذرع (¬8) الناس إلى شربها، وليس أنَّها ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 525. (¬2) قوله: (ابن الماجشون) ساقط من (ب). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 298. (¬4) قوله: (هي) ساقط من (ب). (¬5) قوله: (المطربة) ساقط من (ق 6). (¬6) قوله: (الخمر) في (ق 6): (التمر). (¬7) أخرجه مسلم: 3/ 1573، في باب تحريم تخليل الخمر، من كتاب الأشربة، برقم (1983). (¬8) قوله: (يتذرع) في (ب): (يتسارع).

فصل [في ذكر ما نهي عنه من نبيذ الأوعية]

تكون حرامًا إن فعل، وقد أجاز النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدبغ جلد الميتة لينتفع به (¬1)، فلم يمنع ذلك؛ لأنه لا (¬2) يُتَّهم أحد أن يترك شاته ولا يذكيها حتى تموت، ثُمَّ يتخذ جلدها، ويتهم أن يتخذ الخمر. فصل [في ذكر ما نُهي عنه من نبيذ الأوعية] ثبت عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن الانتباذ في أربع: الدُّبَّاءِ، وَالنَّقِيرِ، وَالمُزَفَّتِ، وَالمقَيَّرِ (¬3). فالنقير: ما عمل من خشب. والمُزَفَّت: ما عمل ما داخله بالزفت. والمقير: ما عمِل بالقار. والمنع في جميع ذلك حماية؛ لئلا تسرع بالشدّة، ثُمَّ نسخ ذلك، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "نَهَيْتُكُمْ عَنِ ادِّخَارِ (¬4) لحُومِ الأَضَاحِي بَعْدَ ثَلاَثٍ، فَكُلُوا وَادَّخِرُوا، وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ الِانْتِبَاذِ فَانْتَبِذُوا، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَنَهَيْتكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا وَلاَ تَقُولُوا هُجْرًا" (¬5). ¬

_ (¬1) متفق عليه: أخرجه البخاري: 2/ 543، في باب الصدقة على موالي أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، من كتاب الزكاة، برقم (1421)، ومسلم: 1/ 276، في باب طهارة جلود الميتة بالدباغ، من كتاب الحيض، برقم (363). (¬2) قوله: (لا) ساقط من (ب). (¬3) متفق عليه: أخرجه البخاري: 3/ 1128، في باب أداء الخمس من الدين، من كتاب الخمس، برقم (2928)، ومسلم: 1/ 46، في باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وشرائع الدين، من كتاب الإيمان، برقم (25). (¬4) قوله: (ادِّخار) ساقط من (ق 6). (¬5) أخرجه مالك: 2/ 485، في باب ادخار لحوم الأضاحي، من كتاب الضحايا، برقم (1031)، وصححه ابن عبد البر في التمهيد: 3/ 215.

قال مالك: إنما أُريد الانتباذ في هذه الأوعية؛ لأنَّها تسرع بوجود الشِّدَّة، ثُمَ وكلهم إلى أمانتهم فيها. فأخذ مالك بالحديث الأول. وأخذ ابن حبيب بالآخر، وقال: ما كان بين نهيه ورخصته فيها إلا جمعة (¬1). يريد: لم يكن المنع إلا جمعة، ثم نسخ. واختُلف بعد القول بمنع الانتباذ في هذه الأوعية: هل يشرب ما نبذ فيها؟ فمنع ذلك محمد، وقال: يؤدب فيه، وفي الخليطين (¬2). وسوَّى بينهما في الجواب. وقال أبو محمد عبد الوهاب: إن سَلِمَ من الشدة فلا بأس (¬3). وهو أحسن، وهو في هذا أخف من الخليطين؛ لما رُوي عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - من النص على (¬4) إباحته. وقال ابن القاسم: قال مالك في الخمر تجعل فيها الحيتان، فتصير مُرِيًّا (¬5): لا أرى أكله. وكرهه (¬6). وقال ابن حبيب: هو حرام. وقول مالك أحسن؛ لأنّ الشدة ذهبت بما طرح فيه وبطول الأمد، كما لو صار خلًّا بشيء طُرِح فيه وأفسد الشدة (¬7). ولا فرق بين أن يصير خلًّا بنفسه أو يطرح فيه شيء فيصير ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 290. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 304. (¬3) انظر: المعونة: 1/ 472. (¬4) قوله: (النص على) في (ب): (النسخ في). (¬5) والمُرِّيُّ: الذي يُؤْتَدَمُ به كأَنَّه منسوب إِلى المَرارَةِ والعامة تخففه. انظر: لسان العرب: 5/ 165. (¬6) انظر: المدونة: 4/ 525. (¬7) قوله: (كما لو صار خلًّا بشيء طُرِح فيه وأفسد الشدة) ساقط من (ق 6).

فصل [في ضرب الحد في شرب الخمر وفي رائحتها]

خلا أو مُريًّا؛ لأن تلك الأعراض قد ذهبت وأخلفتها أعراض غيرها. وفي البخاري قال أبو الدرداء - رضي الله عنه - فِي المُرِي: ذَبْحُ الخَمْرِ النِّينَانُ وَالشَّمْسُ (¬1). يريد: أنه إذا طرح النينان وهي الحيتان، وجعل في الشمس حتى حولته حتى صارت مريًا؛ صار حلالًا، وصار ذلك فيه كالذَّكاة فيما كان حرامًا قبل الذَّكاة. فصل [في ضرب الحدِّ في شرب الخمر وفي رائحتها] قال مالك: كل ما أسكر من الأشربة كلها، وإن كان من حنطة أو شعير أو غير ذلك، فهو خمر يُضرب فيه ثمانين، وفي رائحته إذا شهد عليها أنها رائحة الخمر ثمانين (¬2). قال الشيخ: الحدُّ يقام في الخمر بثلاث: معاينةُ الشرب إذا بَقِيَ ممَّا يُشرب ما يعلم أنَّه خمرٌ، وبالرَّائحة توجد منه من فِيهِ أنها رائحة الخمر، وإذا تقيأها. قاله محمد (¬3). قال (¬4): وقد جلد عمر - رضي الله عنه - في القيء، وقال: "لَا وَرَبِّكَ مَا قَاءَهَا حَتَّى شَرِبَهَا" (¬5). وإن أشكل الأمر في الرَّائحة هل هي خمر أم لا، وعليه دليل (¬6) أنَّها ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري معلقًا بصيغة الجزم: 5/ 2091، في باب قول الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ}، من كتاب الذبائح والصيد، قبل حديث رقم (5174). والنينان، جمع نون: وهو الحوت. ومعنى قوله أن الشمس طهرت الخمر وأذهبت خواصها وكذلك السمك والملح أزالا شدتها وأثرا على ضراوتها وتخليلها؛ فأصبحت بذلك حلالًا كما أحل الذبح الذبيحة. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 523. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 304. (¬4) قوله: (قال) ساقط من (ب). (¬5) أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء: 9/ 15. (¬6) قوله: (وعليه دليل) في (ب): (وعلّة ذلك).

خمر لتغير عقله وتخليطه حمل على أنَّه خمر، وإن لم يكن دليل لم يحدَّ. وقال عبد الملك بن الماجشون (¬1) في كتاب محمد: وقد يختبر بالقراءة التي لا شكَّ في معرفته إياها من السور القصار، وقد يستحسن عند الإشكال، فإن هو لم يقرأ والتاث (¬2) واختلط فقد شرب مسكرًا، وصارت حالته في ذلك شاهدًا عليه- فعليه الحدُّ، وإن كان في كلامه اختلاطٌ، وليس عليه رائحة خمر ولا شك فيها، لم يحدَّ (¬3). قال أبو الحسن ابن القصار: وصفةُ الشَّهادة على الرَّائحة أن تكون (¬4) ممن شربها في وقت إما في حال كفرهما أو في إسلامهما، فحُدَّا، ثم تابا. وسئل ابن القاسم عن الاستنكاه (¬5) أيعمل به؟ قال: نعم (¬6). وهو من رأس الفقه. قال الشيخ: وقد أخرج مسلم في صحيحه: أَنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ أَنْ يُسْتَنْكَهَ مَاعِزٌ، هَلْ شَرِبَ خَمْرًا" (¬7). ففيه دليلان: أحدهما: أن الرائحة يُقضى بها. والثَّاني: أنَّ إقرارَ السكران غيرُ لازم. وقال مالك في كتاب محمد: إذا لم يدرَ ما تلك الرائحة جُلِدَ نكالًا، ¬

_ (¬1) قوله: (بن الماجشون) ساقط من (ب). (¬2) والتاث فلان في عمله أَي: أَبطأَ، واللُّوثَةُ- بالضم: الاسترخاءُ والبطءُ. انظر: لسان العرب: 2/ 185. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 304. (¬4) قوله: (أن تكون) ساقط من (ب). (¬5) واسْتَنْكَهَهُ: شم رائحة فمه. انظر: لسان العرب: 13/ 550. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 301. (¬7) أخرجه مسلم: 3/ 1320، في باب من اعترف على نفسه بالزنى، من كتاب الحدود، برقم (1695).

ذلك (¬1) على قدر سفهه (¬2). ¬

_ (¬1) قوله: (ذلك) زيادة من (ب). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 304.

باب في جلد من شرب الخمر وكيف يجلد؟

باب (¬1) في جَلْد من شرب الخمر وكيف (¬2) يجلد؟ الأصل في ذلك حديث عقبة بن الحارث - رضي الله عنه -، قال جيء بالنعمان أو بابن النعمان شاربًا، فأمر النَّبي - صلى الله عليه وسلم - مَنْ كانَ فِي الْبَيْتِ فَضَرُبوهُ بِالجَرِيدِ وَالنِّعَالِ (¬3). وقال السائب بن يزيد - رضي الله عنه -: كَانَ الأمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكْرٍ، وَصَدْرًا مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ، حَتَّى إِذَا عَتَوْا وَفَسَقُوا جَلَدَ ثَمَانِينَ (¬4). فقال أنس - رضي الله عنه -: جَلَدَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - في الخَمْرِ بِالجَرِيدِ وَالنِّعَالِ، وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ (¬5). وفي الترمذي أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - جَلَدَ فِي الْخَمْرِ (¬6) أَرْبَعِينَ (¬7). تم كتاب الأشربة ¬

_ (¬1) ساقط من (ب). (¬2) في (ب): (وكم). (¬3) أخرجه البخاري: 6/ 2488، في باب الضرب بالجريد والنعال، من كتاب الحدود، برقم (6393). (¬4) أخرجه البخاري: 6/ 2488، في باب الضرب بالجريد والنعال، من كتاب الحدود، برقم (6397). (¬5) متفق عليه: أخرجه البخاري: 6/ 2487، في باب ما جاء في ضرب شارب الخمر، من كتاب الحدود، برقم (6391)، ومسلم: 3/ 1330، في باب حد الخمر، من كتاب الحدود، برقم (1706). (¬6) قوله؛ (في الخمر) ساقط من (ب). (¬7) أخرجه الترمذي: 4/ 47، في باب ما جاء في حد السكران، من كتاب الحدود، برقم (1442)، وقال: حديث حسن.

كتاب النذور والأيمان

كتاب النذور والأيمان النسخ المقابل عليها 1 - (ب) = نسخة برلين رقم (3144) 2 - (ق 5) = نسخة القرويين رقم (368) 3 - (ت) = نسخة تازة رقم (235 & 243)

باب في وجوب النذور وما يجوز فيه

[وصلي الله علي سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم] (¬1) كتاب النذور باب في وجوب النذور وما يجوز فيه (¬2) أمر الله تعالى بالوفاء بالنذر، وذم تاركه وأخبر بعقوبته، فقال: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29]. قال ابن عباس - رضي الله عنه -: هو نحر ما نذر (¬3) وقال مجاهد: هو أمر بالوفاء لكل ما نذر في الحج (¬4). وقيل: رمي الجمار. والأول أحسن، وليس الرمي نذرًا. وقال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76)} [التوبة: 75، 76]. فذم على ترك الوفاء، ثم قال: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة: 77]. فعاقبهم على ذلك. وقد قيل: إن الآية نزلت في مانع الذكاة. وهذا غير مانع للاحتجاج بما قلناه؛ لأن الله تعالى أخبر أنه لم يذمهم ويعاقبهم لمخالفة أمره وأن ذلك لمخالفة ¬

_ (¬1) مثبت من (ب). (¬2) في (ب): (وما يجب منه). (¬3) زاد في (ت): (وإنجاز ما نذره). وانظر: تفسير ابن كثير: 3/ 291. (¬4) انظر: تفسير مجاهد: 2/ 423.

الوعد فقال: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ}، وعليه عاقب فقال: {بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}، وجاءت السنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثل ذلك؛ أمر بالوفاء، وذم على الترك، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ الله فَلْيُطِعْهُ" (¬1). وقال: "خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ يَنْذُرُونَ وَلاَ يُوفُونَ. . ." الحديث (¬2). فقد ذم على الترك، وقال: "لاَ تَنْذِرُوا فَإِنَّ النَّذْرَ إِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الشَّحِيحِ وَالْبَخِيلِ" (¬3). فندبنا إلى فعل ما أحب الإنسان أن ينذره بطواعية (¬4) فيه من نفسه بغير نذر؛ لأن الغالب من الناذر أنه لا يفعله بطيب نفس، وإنما يفعله لمكان ما أوجبه، وكثيرًا ما يدركه الندم. ثم أخبر بوجوبه بقوله: "إِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الشَّحِيحِ" فلو كان غير واجب لم يستخرج به. وقالت امرأة: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ، فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: "حُجِّي عَنْهَا. قَالَ: أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمُّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَه، اقْضُوا الله، فَهُوَ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ" أخرجه البخاري (¬5). فشبهه بالدين، وذلك دليل على وجوبه. ¬

_ (¬1) سبق تخريجه في كتاب الصيام في باب فيمن نذر الصيام، ص: 803. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 6/ 2463، كتاب الأيمان والنذور، باب إثم من لا يفي بالنذر، برقم (6317)، ومسلم: 4/ 1964، كتاب فضائل الصحابة - رضي الله عنهم -، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، برقم (2535). (¬3) أخرجه البخاري: 6/ 2463، كتاب الأيمان والنذور، باب الوفاء بالنذر، برقم (6315)، ومسلم: 3/ 1260، في كتاب النذر، باب النهي عن النذر وأنه لا يرد شيئًا، برقم (1639). (¬4) في (ت): (تطوعًا). (¬5) أخرجه البخاري: 2/ 656، كتاب أبواب الإحصار وجزاء الصيد، باب الحج والنذور عن الميت والرجل يحج عن المرأة، برقم (1754).

فصل [في أنواع النذر]

فصل [في أنواع النذر] النذور ستة: طاعة، ومعصية، وطاعة تضمنت معصية، وطاعة ناقصة عن الوجه الذي يجوز الإتيان بها، وما ليس بطاعة ولا معصية، ونذر مبهم. فالأول: أن ينذر صلاة أو صيامًا أو حجًا أو عتقًا أو صدقة، فيلزم الوفاء بذلك للآي والأحاديث التي تقدمت. والثاني: أن ينذر ألا يصل رحمًا، وأن يشرب خمرًا، أو لا يتقرب إلى الله بقربة. فهذه معصية لا يجوز الوفاء بنذرها، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ومَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ الله فَلاَ يَعْصِهِ" (¬1). ولأن النذر لا ينقل الشيء عن أصله، فيبيح الحرام ولا يحرم الحلال، إلا أنه له أن يأتي بقربة من جنس نذر المعصية، لتكون كفارة عن تلك العصية لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَلَفَ بِاللاَّتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، وَمَنْ قَالَ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ فَلْيتَصَدَّقْ" (¬2). ولهذا قيل فيمن قال: لله علي أن أنحر ولدي فليهدِ؛ لأنه نذر هدي معصية، فيؤمر أن يأتي به على وجه يكون طاعة، وإن لم يكن له مثلٌ، فليتقرب إلى الله سبحانه بما رآه من الخير. والثالث: أن ينذر صوم يوم الفطر أو يوم النحر وأن يصلي عند طلوع الشمس أو عند غروبها، فهذه طاعة تضمنت معصية من ناحية الوقت، وقد سئل ابن عمر - رضي الله عنه - عمن نذر صوم يوم الاثنين فوافق يوم النحر؟ فقال ابن ¬

_ (¬1) سبق تخريجه في كتاب الصيام، ص: 803. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 4/ 1841، كتاب التفسير، باب سورة والنجم، برقم (4579)، ومسلم: 3/ 1267، كتاب الأيمان، باب من حلف باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله، برقم (1647).

عمر - رضي الله عنه - أمر الله تعالى بوفاء النذر، ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صوم هذا اليوم (¬1). فوقف في ذلك فلم يأمر به، ولم ينه عنه. والناذر في هذا على ثلاثة أوجه: فإن كان عالمًا بتحريم ذلك وبالنهي؛ لم يجب عليه الوفاء، ويستحب له أن يأتي بطاعة من جنسه، فيصوم رجاء أن تكون كفارة لنذره. وإن كان جاهلًا بتحريم ذلك، وظن أن في صومه ذلك فضلًا على غيره؛ فقد يظن من لم (¬2) يعلم بالحديث أنه لما منع نفسه من لذاتها في ذلك اليوم؛ أن له من الأجر أكثر من غيره، فهذا لا يجب عليه قضاء، ولا يُستحب له. وإن كان يظن أنه في جواز الصوم كغيره، ولا فضل له؛ كان في القضاء قولان: فقيل: لا شيء عليه، والغلبة عليه كالغلبة بالمرض. وقال عبد الملك بن الماجشون: يقضيه؛ لأنه لم يرد صومًا له فضل على غيره، وإنما أراد صومًا (¬3). والرابع: أن ينذر أن يصلي ركعة، أو يصوم بعض يوم، أو يعتكف الليل دون النهار، أو يطوف شوطًا، أو يقف بعرفة، ولا يزيد على ذلك، واختلف في هذا الأصل: فقيل: لا شيء عليه. وقيل: يأتي بمثل تلك الطاعة تامة على ما يجوز أن يؤتى به عليها. ¬

_ (¬1) أخرجه بنحوه البخاري: 6/ 2465، كتاب الأيمان والنذور، باب من نذر أن يصوم أيامًا فوافق النحر أو الفطر، برقم: (6328) بلفظ: (كنت مع ابن عمر فسأله رجل فقال: نذرت أن أصوم كل يوم ثلاثاء أو أربعاء ما عشت فوافقت هذا اليوم يوم النحر، فقال: أمر الله بوفاء النذر، ونهينا أن نصوم يوم النحر، فأعاد عليه، فقال مثله لا يزيد عليه). (¬2) قوله: (لم) ساقط من (ت). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 62.

فقال ابن القاسم: إذا نذر اعتكاف ليلة أنه يعتكف يومًا وليلة (¬1). وقال سحنون: لا شيء عليه (¬2). وعلى هذا يجري الجواب في الصلاة والصوم والطواف والوقوف بعرفة، فعلى قول ابن القاسم يأتي بتلك الطاعة تامة، وعلى قول سحنون لا شيء عليه. وهو أحسن؛ لأنه ألزم نفسه صفة وقدرًا؛ فلا يلزمه أكثر منه، إلا أن يكون عالمًا بمنع ذلك، فيستحب له أن يأتي ذلك (¬3) كاملًا؛ رجاءَ أن يكون كفارة لتلك المعصية. والخامس: أن ينذر أن يمشي إلى الشام، أو يشتري عبد فلان، والمنذور ليس بطاعة ولا معصية، ورده مالك في الموطأ إلى النذر في معصية، فقال: من نذر المعصية مثل أن ينذر أن يمشي إلى الشام أو مصر (¬4). وتحقيق ذلك أن يقال: إن النذر معصية، وهو قوله، والمنذور ليس بطاعة ولا معصية؛ لأنه لا يختلف أن ذلك (مما) (¬5) لا يجوز أن ينذر، وهذا من التلاعب؛ فيستحب له أن يمشي في طاعة، أو يأتي عن تلك بطاعة وإن لم يكن مشيًا أن يتصدق. والسادس (¬6): أن ينذر نذرًا مبهمًا لم يسم له مخرجًا، فقال: علي نذر؛ أجزأه عن ذلك كفارة يمين بالله تعالى؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ" أخرجه مسلم (¬7). فعلق الحكم بأدنى الكفارات؛ لأن الزائد على ذلك مشكوك ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 297. (¬2) انظر: المقدمات الممهدات: 1/ 125. (¬3) قوله: (بمثل ذلك) في (ق 5): (بذلك). (¬4) انظر: الموطأ: 2/ 476. (¬5) ساقط من (ب) (¬6) قوله: (والسادس) ساقط من (ق 5). (¬7) أخرجه مسلم: 3/ 1265، كتاب النذر، باب: من نذر أن يمشي إلى الكعبة، برقم (1645).

فيه، فلا تعمر الذمة بشك، و"آلَى رَسُولُ اللهِ مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا، فَاعْتَزَلَ نِسَاءَهُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ" (¬1) فاحتسب بأقل الشهور. وقال محمد بن عبد الحكم فيمن نذر صوم شهر: يجزئه أدنى الشهور؛ تسعة وعشرون يومًا (¬2). وما روي عن عائشة - رضي الله عنها - أنها أعتقت عن يمينها (¬3) بالنذر أربعين رقبة (¬4). فأخذت بأعلى ما يراد من ذلك، ليس لأن (¬5) ما دون ذلك غير جائز. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري: 2/ 675، كتاب الصوم، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا، برقم: (1812). (¬2) قوله: (فاحتسب بأقل. . . وعشرون يوما) ساقط من (ب)، وانظر: التوضيح: 5/ 75. (¬3) في (ب): (يمين). (¬4) أخرجه البخاري 5/ 2255، كتاب الآداب، باب الهجرة، برقم: (5725). (¬5) قوله: (لأن) ساقط من (ب).

باب فيمن حلف بالمشي إلى مكة

باب فيمن حلف بالمشي إلى مكة ومن المدونة قال مالك فيمن قال: عليَّ المشي إلى بيت الله إن كلمت فلانًا، فكلمه: إن عليه أن يمشي إلى مكة، ويجعلها إن شاء حجة وإن شاء عمرة، فإن جعلها عمرة؛ مشى حتى يسعى بين الصفا والمروة، فإن ركب بعد السعي وقبل الحلاق؛ لم يكن عليه شيء، فإن جعلها في حجة مشى حتى يطوف طواف الإفاضة، وله أن يرجع إلى منى راكبًا، وإن أخر طواف الإفاضة حتى يرجع من منى؛ لم يركب في رمي الجمار. ولا بأس أن يركب في حوائجه. قال ابن القاسم: وأنا لا أرى بأسًا (¬1). يريد: أنه يركب في مضيه لرمي الجمار، وإن لم يكن أفاض. وقال ابن حبيب: يمشي في رمي الجمار، وإن كان قد أفاض. قال الشيخ - رضي الله عنه - فيمن (¬2) قال: عليَّ المشي إلى مكة فإنه لا يخلو من ثلاثة أوجه: أحدها: أن ينوي حجًا أو عمرة أو طوافًا أو سعيًا بانفراده أو صلاة فريضة أو نفلًا. والثاني: أن ينوي الوصول ويعود، لا أكثر من ذلك. والثالث: ألا تكون له نية؛ فإن نوى حجًا أو عمرة أو طوافًا لزمه الوفاء به، وأن يمشي لذلك، وأن يدخل محرمًا إذا نوى حجًا أو عمرة. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 665، 666. (¬2) قوله: (فيمن) في (ق 5): (إذا).

ويختلف إذا نوى طوافًا بانفراده، فعلى القول إنه يجوز له (¬1) دخول مكة حلالًا؛ يدخل هذا مكة حلالًا، فيطوف ويجزئه. وعلى القول ألا يدخل مكة إلا محرمًا؛ يدخل هذا بعمرة، ويجزئه عن نذره. ويختلف إذا نذر سعيًا بانفراده، هل يسقط نذره، أو يأتي بعمرة وقد تقدم ذلك. وإن نذر صلاة فريضة أو نافلة، أتى مكة ووفى بنذره، وهذا قول مالك. وقد ذهب بعض أهل العلم أنه لا يأتي للنفل لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَفْضَلُ الصَّلاَةِ صَلاَتُكُمْ فِى بُيُوتِكُمْ إِلاَّ المَكْتُوبَة" (¬2). فدخل في عموم الحديث مسجده والمسجد الحرام وغيرهما من المساجد. وإن نوى الوصول خاصة، وهو يرى أن في ذلك فضيلة أو قربة؛ لم يكن عليه شيء. وإن كان عالمًا أنه لا قربة فيه؛ كان نذره معصية فيستحب له أن يأتي بذلك المشي في عمرة أو حجة أو طواف؛ ليكفر بها ذلك النذر. وإن لم تكن له نية، وكان من أهل المدينة؛ مشى في حج أو عمرة؛ لأن تلك عادة لهم، وقد خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - للعمرة بافرادها، وإن كان من أهل المغرب أتى بالحج لوجهين: أحدهما: أن المشهور عندهم الحج، ولا يعرف العمرة إلا أهل العلم أو من تقدم له حج؛ فينبغي أن يحمل الناذر على ما يعرف. والثاني: أن من يعرف العمرة لا يقصد أن يخرج للعمرة بانفرادها، ولا يقصد أهل الغرب أن يخرجوا إلا إلى الحج، وكل هذا فعلى القول أنه يحمل (¬3) ¬

_ (¬1) قوله: (له) ساقط من (ق 5). (¬2) سبق تخريجه في ك 382 تاب الصلاة الأول، ص: 382. (¬3) قوله: (إنه يحمل) في (ق 5): (إن محمل).

الحالف عند عدم النية على العادة، وعلى أحد قولي مالك وابن القاسم أنه يحمل على ما يوجبه مجرد اللفظ دون العادة، لا يكون عليه أن يأتي بحج ولا عمرة؛ لأن مجرد النذر المشي خاصة. واختلف في مشي المناسك إذا نذر الحج فقال مالك مرة (¬1): يمشي المناسك (¬2). وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يركبها، وترجح مالك مرة لمثل ذلك فقال في كتاب محمد: إن جهل فركب المناسك، ومشى ذلك قابلًا فلا هدي عليه (¬3). قال محمد: ولم يره بمنزلة من عجز في الطريق، قال ابن القاسم وذلك فيما ظننت لأن بعض أهل العلم رأى أن (¬4) مشيه الأول يجزئه (¬5)، وأرخص في الركوب إلى عرفة. قال الشيخ -رحمه الله-: وهذا هو الأصل؛ لأن الناذر إنما قال: علي المشيء إلى مكة، فجعل غاية مشيه إلى مكة؛ فلم يلزمه أكثر من ذلك وإن كانت نيته للحج، ولو قال رجل: علي المشي إلى مصر في حج لم يكن عليه إلا أن يمشي إلى مصر ثم يركب ويحج، فكذلك قوله: عليَّ المشي إلى مكة في حج؛ يمشي إلى مكة، ويركب ما سواها، إلا أن ينوي مشي المناسك، وقول ابن حبيب يمشي لرمي الجمار، وإن كان قد أفاض فلعادة، فإن لم تكن كان له أن يركب (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (مرة) ساقط من (ق 5). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 495. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 493. (¬4) قوله: (أن) ساقط من (ت). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 494. (¬6) انظر: المنتقى: 4/ 471.

فصل [فيمن ركب في بعض ما وجب عليه من المشي]

فصل [فيمن ركب في بعض ما وجب عليه من المشي] ومن المدونة: قال مالك فيمن دخل مكة حاجًا في مشي وجب عليه، فلما فرغ من سعيه بين الصفا والروة خرج إلى عرفات راكبًا، وشهد المناسك وأفاض راكبا قال يحج الثانية راكبًا فإذا سعى وطاف خرج إلى عرفات ماشيًا حتى يفيض (¬1). وظاهر قوله: إن فعل ذلك اختيارًا لا عن عجز. وأرى أن ينظر في ذلك هل ركب اختيارًا أو عن ضرورة؛ عجز أو مرض؟ وهل كان مشيه ذلك تطوعًا، أو منذورًا في الذمة، أو في عام بعينه؟ وهل سمى بالحج في حين نذره أو أطلق ذلك ولم يسمه؟ فإن ركب اختيارًا؛ كان عليه أن يقضي قابلًا راكبًا، ثم يمشي الناسك على أي وجه كان مشيه، ولا يفسد الماضي. فإن ركب عن عجز أو مرض نظرتَ؛ فإن كان نذره مضمونًا، وسمى الحج، وقال: لله عليّ أن أمشي إلى مكة في حج؛ أتى مكة قابلًا راكبًا، وقضى المناسك ماشيًا، ولا خلاف في ذلك. وإن كان النذر في عام بعينه، وسمى الحج أو لم يسمه، أو مضمونًا ولم يسم حجًا؛ أجزأه حجه، ولم يكن عليه شيء عند مالك، وكذلك من تطوع بالمشي من غير نذر تقدم، ثم جعله في حج، فعلى قول ابن القاسم عليه أن يقضي الحج قابلًا، ويمشي المناسك. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 557.

وقال مالك في المدونة فيمن حلف بالمشي إلى بيت الله فحنث، فمشى في حج ففاته الحج: أن المشي يجزئه. ويجعلها عمرة، ويمشي حتى يسعى من الصفا والمروة، ويقضي عامًا قابلًا راكبًا، ويهدي لفوات الحج، ولا شيء عليه غير ذلك. وقال ابن القاسم في كتاب محمد: يمشي المناسك قابلًا فأجرى مالك المشي إذا غلب عليه على الأصل في الصلاة والصوم إذا دخل فيه تطوعًا، ثم غلب عليه، أو نذر عين يومٍ يصليه أو يصومه، ثم مرضه: أنه لا شيء عليه وكذلك المشي. وفرق بين الغلبة على الشي والغلبة على الحج، فجعل عليه قضاء الحج دون المشي؛ لأنَّ الحج عنده أصل قائم بنفسه يقضى مع الغلبة عليه. وأبقى المشي على الأصل في الصلاة والصوم. وأجرى ابن القاسم المشي على حكم الحج لما كان معلقًا به. وقول مالك (¬1) أقيس. فإن غلب على مشي المناسك، ولم يفته الحج؛ شهدها راكبًا وأجزأه. وإن فاته الحج كان قد غلب على الوجهين (¬2) جميعًا، فقضى الحج، ولم يقض الشي (¬3). وعلى أصل ابن القاسم إن غلب على المشي وحده وشهد المناسك راكبًا؛ قضى قابلًا الحج (¬4) ليمشي المناسك. فإن غلب على الوجهين جميعًا- الحج والمشي- حتى فاته الحج بمرض أو أخطأ عددًا؛ قضى الحج والمشي (¬5). ¬

_ (¬1) في (ب): (ابن القاسم). (¬2) في (ب): (أحد الوجهين). (¬3) في (ب): (فيقضي الحج والمشي). (¬4) قوله: (الحج) ساقط من (ق 5). (¬5) قوله: (الناسك. فإن غلب. . . والمشي) ساقط من (ب).

باب في الموضع الذي يلزم الحالف بالمشي منه يمشي منه

باب في الموضع الذي يلزم الحالف بالمشي منه يمشي منه ومن المدونة: قال مالك فيمن حلف بالمشي إلى بيت الله الحرام فحنث: يمشي من حيث حلف، إلا أن تكون له نية، فيمشي من حيث نوى (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: وسواء كان في يمينه على برٍّ، أو على حنث؛ لأن قوله: المشي، يحتمل أن يريد به الجنس أو معهودًا من المشي؛ فإن أراد الجنس أجزأه المشي من حيث شاء (¬2)، ويكون بمنزلة من قال: "علي مشي" فإنه يجزئه ذلك وإن قل، أو يحمل على أنه أراد معهودًا من المشي، وأن الألف واللام للعهد، وهو أن يمشي من الموضع الذي هو فيه (¬3)، فسواء كان على برٍّ أو على حنث؛ لأنه إنما حلف على معين بمنزلة من حلف بعتق عبد بعينه، فالبر والحنث في ذلك سواء. وإن انتقل إلى بلد آخر وهو مثله في المسافة؛ مشى منه، ولم يكن عليه أن يرجع إلى الأول؛ لأن الأمر في ذلك راجع إلى قدر البعد والقرب وكثرة الخطى، ولا مزية (¬4) في هذا للأراضي. ولأنه لو خرج من البلد الذي حلف عليه ونواه، فمضى على غير ذلك الطريق، وهو مثله في المسافة لأجزأه. ولأن القصد (¬5) أن يتقرب إلى الله تعالى بالمشي من ذلك القدر (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 471. (¬2) في (ب): (مشى). (¬3) في (ب): (منه). (¬4) في (ب): (مزيد). (¬5) في (ب): (الفضل). (¬6) في (ب): (من ذلك القرب).

واختلف إن انتقل إلى ما هو (¬1) أقرب منه بالمشي القريب (¬2)، فقيل: لا يجزئه. وقال أبو الفرج: يهدي هديًا ويجزئه، وإن بعد ما بين الموضعين، لم يجزئه، وإن كان ممن لا يستطيع أن يمشي جميع الطريق، مشى من موضعه، وأهدى (¬3). وقال أصبغ في كتاب محمد: إنما يرجع إلى موضعه إن كان يقدر على أن يمشي (¬4) جميع المنذور. وقال ابن القاسم: إذا قال: علي المشي إلى مكة وهو بها (¬5)، خرج إلى الحل فيأتي بعمرة (¬6)؛ لأن مفهوم قوله أن يأتي إليها من غيرها، وأقل ذلك أوائل الحل (¬7). وإن قال: عليَّ المشي إلى المسجد وهو بمكة؛ مضى إلى المسجد من موضعه، ولم يكن عليه أن يخرج إلى الحل. وقال مرة: يخرج إلى الحل، ثم يدخل بعمرة (¬8) كالأول. وإن قال وهو في المسجد: عليَّ المشي إلى مكة أو إلى المسجد؛ خرج إلى الحل، ثم يدخل بعمرة. ¬

_ (¬1) قوله: (ما هو) ساقط من (ق 5). (¬2) قوله: (بالمشي القريب) في (ق 5): (المشيء الشيء اليسير القريب). (¬3) انظر: التوضيح: 7/ 193. (¬4) في (ب): (مشي). (¬5) في (ب): (بمنى). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 492، وعزاه إلى كتاب محمد. (¬7) في (ب): (الحرم). (¬8) قوله: (بعمرة) ساقط من (ق 5).

باب فيمن نذر إحراما بحج أو بعمرة وما حكمه

باب فيمن نذر إحرامًا بحج أو بعمرة وما حكمه ومن المدونة: قال مالك فيمن قال: إن كلّمتُ فلانًا فأنا محرم بحج، فحنث قبل أشهر الحج: لم يلزمه حتى تأتي أشهر الحج فيحرم (¬1)، إلا أن يكون نوى أنا محرم من حين حنث؛ فذلك عليه وإن كان في غير أشهر الحج. وإن قال: فأنا محرم بعمرة؛ فأرى أن يجب عليه الإحرام حين يحنث، إلا ألا يجد من يخرج معه، ويخاف على نفسه؛ فلا أرى عليه شيئًا حتى يجد من يصحبه، ولا يؤخر في شيء من ذلك إلى الميقات (¬2). وقال سحنون: إذا قال؛ فأنا محرم؛ فهو محرم بنفس الحنث، وسواء في ذلك الحج أو العمرة. وإن قال: فأنا أحرم بحج أو بعمرة فحنث؛ لم ينعقد عليه إحرام بنفس الحنث حتى يحرم، وهو بمنزلة من قال: فأنا أصلي أو أصوم أو أعتق أو أطلق امرأتي، فإنه لا يكون ممتثلًا بنفس الحنث. وأما قوله: "محرم" ففيه إشكال؛ فيصح أن يريد: فقد صرت محرمًا، كقوله: فامرأتي طالق؛ أي: فقد صارت ذات طلاق، ولأن طالقًا صفة (¬3) لها، وللحالة التي هي بها. ويصح أن يريد: فأنا أحرم؛ لأن "محرمًا" اسم فاعل يكون للماضي وللحال وللاستقبال، والإحرام ينعقد بالقلب من غير فعل الجارحة كالطلاق، إلا أنه يعترض (¬4) من وجه آخر، وهو: أن الإحرام عبادة تفتقر إلى نية، ومن شرط ¬

_ (¬1) في (ب): (فلا يحرم). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 558. (¬3) في (ب): (جهة). (¬4) في (ق 5): (يفترق) وأشار في هامشها إلى النسخة الأخرى بقوله: في نسخة: (يعترض).

العبادات الصلاة والصيام أن تكون النية مقارنة للفعل أو مقاربة له، وهذا غير موجود في الحالف، وقد يمضي ليمينه السنون ثم يحنث. وفرق مالك بين حنثه للحج (¬1) والعمرة، وأمره أن يؤخر الإحرام بالحج حتى يدخل أشهر الحج احتياطًا للخلاف، ولقول من قال: إنه لا يجوز أن يحرم للحج قبل أشهر الحج. فإن لم يفعل وأحرم قبل ذلك أو كانت تلك نيته؛ لزمه وأمره بتعجيل الإحرام للعمرة؛ لأن كل أيام السنة لها وقت، فأمر بالمبادرة لامتثال الطاعة، وهو فيمن قال: إن الأمر (¬2) على الفور أبين، إلا أن لا يجد صحبة (¬3). وقال سحنون: عليه أن يحرم، وإن لم يجد صحبة (¬4) (¬5). والقول الأول أحسن؛ للحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "كَانَ يُحْرِمُ حَيْثُ تَنْبَعِثُ بِهِ رَاحِلَتُهُ" (¬6) ويتوجه للذهاب، وليس من السنة أن يحرم ويقيم في أهله. ولأن عقد اليمين لم يتضمن الإحرام بالفور، وإنما (¬7) ذلك مما يستحسن تعجيله؛ لأن ¬

_ (¬1) في (ب): (بالحج). (¬2) في (ق 5) و (ب): (الأوامر). (¬3) في (ب): (صحابة). انظر: المدونة: 1/ 558. (¬4) في (ق 5): (صحابه). (¬5) في (ب): (صحابة). (¬6) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 73، كتاب الوضوء، باب غسل الرجلين في النعلين ولا يمسح على النعلين، برقم: (164)، ومسلم: 2/ 844، كتاب الحج، باب الإهلال من حيث تنبعث الراحلة، برقم: (1187)، والموطأ: 1/ 333، كتاب الحج، باب العمل في الإهلال، برقم: (733). (¬7) في (ب): (ولأن).

من حلف ليفعلن لا يجب عليه فعل ذلك عقيب يمينه (¬1). وقد قال أبو محمد عبد الوهاب: إنما لزمه ذلك حين حنث؛ لأن النذور المطلقة محمولة على الفور، أو عقيب (¬2) السبب الذي علق النذر به. قال: ألا ترى لو (¬3) حلف ألا يكلم فلانًا، ولا فعل كذا، فإنه يلزمه ذلك عقب يمينه بلا فصل، فكذلك هذا (¬4). وهذا غير صحيح؛ لأن من حلف ألاّ يكلم فلانًا تضمنت يمينه نفي الكلام، فمتى وجد منه الكلام حنث؛ لأنه ضد ما حلف عليه. ومن حلف ليفعلن لا يحنث بمضي وقت لم يوجد منه فيه الفعل، وإن قال: إن كلّمتُ فلانًا فأنا أحرم يوم أكلمه فكلمه؛ لم يكن محرمًا بمضي ذلك اليوم، وهو بمنزلة من قال: فأنا أصلي أو أصوم أو أطلق زوجتي يوم أكلمه، فإن مضى ذلك اليوم؛ لم يجب عليه طلاق، ويؤمر بقضاء الصلاة. فإن قال: فأنا محرم يوم أكلمه؛ جرى الخلاف المتقدم على قول مالك وسحنون. ¬

_ (¬1) في (ب): (عقب). (هذا الهامش لا يناسب ما في المتن) (¬2) في (ب): (عقب). (¬3) في (ب): (من). (¬4) انظر: المعونة: 1/ 312.

باب فيمن نذر المشي إلى مكة هل يأتي به متفرقا، وإذا ركب بعض الطريق عن عجز أو اختيار، أو كان الناذر شيخا كبيرا أو مريضا أو امرأة

باب فيمن نذر المشي إلى مكة هل يأتي به متفرقًا، وإذا ركب بعض الطريق عن عجز أو اختيار، أو كان (¬1) الناذر شيخًا كبيرًا أو مريضًا أو امرأة ومن نذر أن يمشي (¬2) إلى مكة؛ جاز له أن يأتي به متفرقًا إذا كان يحج من عامه. قال مالك في كتاب محمد: إذا مشى من الأسكندرية، فلما بلغ مصر أقام شهرًا، ثم مشى فلما بلغ المدينة أقام شهرًا، ثم خرج بها عمرته ماشيًا حتى قدم مكة فطاف وسعى؛ فقد فرغ منه (¬3) (¬4). قال الشيخ - رضي الله عنه -: وكذلك لو مشى في حج، وكان نذر مشي عام بعينه (¬5)، فمشى شهرًا ثم أقام ثم مشى ثم حج من عامه، أو كان النذر مضمونًا ليس في عام بعينه فمشى شهرًا، ثم أقام حولًا، ثم مشى شهرًا، ثم أقام حولًا، ثم مشى شهرًا (¬6) حتى بلغ مكة فحج (¬7)؛ أجزأه على قول مالك وابن القاسم في ¬

_ (¬1) في (ب): (وإذا كان). (¬2) في (ب): (المشي). (¬3) قوله: (منه) في (ق 5): (مشيه). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 417، من سماع ابن القاسم من مالك من كتاب قطع الشجرة بلفظ: وسئل عن الرجل يجب عليه المشي إلى الإسكندرية فيسير منها إلى الفسطاط وهو يريد المشي فيقيم بالفسطاط شهرًا ثم يريد المشي بعد ذلك، قال: نعم لا بأس بذلك. (¬5) في (ب) زيادة: (فطاف). (¬6) قوله: (ثم مشى شهرًا) زيادة من (ق 5). (¬7) قوله: (فحج) يقابله في (ق 5): (الحج).

المدونة، فيمن نذر صوم سنة أن له أن يأتي بها غير متتابع (¬1). وعند ابن حبيب أنه يأتي بالمشي متتابعًا (¬2)، قال: وهو بمنزلة من عليه صوم شهرين متتابعين. ومرَّ في ذلك على أصله فيمن نذر صوم سنة: أنه يأتي بها متتابعًا. وقال مالك في المدونة، فيمن عجز، ثم عاد فمشى ما ركب: إنه يهدي؛ لأنه فرّق مشيه (¬3). وهذا نحو قول ابن حبيب؛ لأن المشي قد وفِّيَ به (¬4)، فلا يؤمر بالهدي إلا على القول أن عليه أن يأتي به متتابعًا، إلا أن يعلم أنه إن عاد لم يوفِ بما عجز عنه، فيكون عليه الهدي لأنه لم يوفِ. والقول الأول أبين؛ لأن النذر إنما يتضمن مشيًا بعقبه حج أو عمرة، فهو إذا أتى به في أعوام موفٍّ بنذره، إلا أن ينوي تكلف ذلك في عام، وإن ركب بعض الطريق عن عجز أو مرض، فإنه لا يخلو أن يكون يسيرًا؛ الأميال ونحوها أو الأيام، إلا أنه أقل (¬5) الطريق أو النصف فأكثر (¬6)، وكان نذره في المواضع القريبة كالمدينة ونحوها، أو البعيدة كمصر والإسكندرية، أو أبعد من ذلك مثل إفريقية أو الأندلس؛ فإن كان ذلك الشيء (¬7) اليسير الأميال أو البريد أو اليوم؛ أهدى وأجزأ عنه مشيه. وإن كان النصف فأكثرة رجع ومشى الطريق كله، وهو قول عبد الملك في المبسوط، قال: لو كثير ركوبه، يعجز ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 283. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 493، بلفظ: وإذا مشى أولَ مرةٍ مشيًا كثيرًا، ثم عجزَ، فصار يمشي قليلًا ويركب قليلًا؛ فليرجع على حدِّ مشيه المتصل، فيمشي من ذلك الموضع قال مكة. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 466. (¬4) في (ب): (فاته). (¬5) في (ب): (أول). (¬6) في (ب): (أو أكثر). (¬7) في (ب): (الشيء).

فيركب (¬1)، ثم يمشي ثم يركب، قال: أبطله مالك أجمع، قال: ولو ابتدأ فمشى مثل ميل (¬2) أو ميلين، ثم اعتل فركب فبلغ إلى (¬3) الروحاء، ثم صح فمشى حتى بلغ مكة، فإنه يعيد ذلك كله، وهو كمن ابتدأ مشيه بركوب، فهو وأن قل مشيه بعد ذلك أو كثر فهو منتقض (¬4). وقال مالك في كتاب محمد: إن كان عليه مشي فعجز، فكان يمشي عقبة، ويركب عقبة حتى بلغ: أرى له (¬5) أن يعود، ويعيد المشي كله من أوله (¬6). ومحمل قوله (¬7) على أنه كان قادرًا على الصبر في موضع عجزه، فيأتى من المشي بأكثر من ذلك، وأما إذا كانت تلك قدرته فهو في العام الثاني على مثل ذلك، فلا يكلف غير مشي ما ركب. ومثله إذا كان لا يقدر على (¬8) الصبر عن (¬9) أصحابه، وكل هذا إذا كان نذره من المواضع القريبة كالمدينة ونحوها. واختلف إذا كان بعيدًا مثل مصر ونحوها، فقال مالك في كتاب محمد: يرجع لما عجز (¬10). وقال في شرح ابن مزين فيمن عجز، وكان نذره من مصر: إن موضعك ¬

_ (¬1) قوله: (يعجز فيركب) في (تازة): (يركب ثم يعجز). (¬2) قوله: (مثل ميل) قوله: (مثل ميل) في (ق 5): (ميلًا). (¬3) قوله: (إلى) في (ت): (قبل). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 493. (¬5) قوله: (له) ساقط من (ق 5). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 493. (¬7) في (ب): (قول مالك). (¬8) قوله: (على) ساقط من (ق 5). (¬9) في (ق 5): (على). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 493.

لبعيد، وقد أجزأ عنك مشيك، ولا عودة عليك. وهذا أحسن؛ لأنه لو كان نذره من المدينة فعاد، فلم يوفِ بنذره، لم يعد الثالثة (¬1) لمشقة ذلك (¬2)، ولا شك أن مشقة الرجوع أول مرة على من كان نذره من مصر أعظم مشقة. وأما من كان نذره من أبعد من ذلك كإفريقية والأندلس؛ فلا يكلف العودة بحال، وكل هذا إذا كان النذر مضمونًا، فأما من نذر المشي في عام (¬3) بعينه فمرض فيه؛ لم يكن عليه أن يقضي ما مرض فيه، وكذلك لو مرضه كله لم يكن عليه شيء. وإذا حضر خروج الحاج وهو مريض، وكان إن تأخر فاته الحج؛ خرج على حاله- إذا كان نذره في عام بعينه- راكبًا إذا كان لا يضر به السفر، فإن صح في بعض الطريق مشى. وإن لم يصح أجزأ عنه وأهدى. وإن كان مضمونًا أمهل لعام آخر، ولم يكن عليه أن (¬4) يخرج الآن. فإن خرج راكبًا لم يجزئه، وكان بمنزلة من ركب اختيارًا؛ لأنه كان غير مخاطب بالخروج الآن. قال ابن القاسم في المدونة: إذا حنث وهو مريض، فإن كان مرضًا لا يُرجى برؤه؛ كان كالشيخ الكبير، وإن كان يطمع بالبرء؛ ينتظر حتى يصح، إلا أن يعلم أنه لا يقدر على المشي وإن صح، فليمش ما أطاق وهذا استحسان، والقياس إذا كان لا يقدر الآن إلا على مشي الأميال واليوم وما أشبهه (¬5)، وإن ¬

_ (¬1) في (ق 5): (ثالثة). (¬2) في (ب): (ولم يعد ثالثة للمشقة). (¬3) في (ب): (شهر). (¬4) قوله: (عليه أن) ساقط من (ت). (¬5) قوله: (وإن صح، فليمش. . . وما أشبهه) ساقط من (ب).

صح قدر أن يمشي ما له قدر وبال: أن يؤخر حتى يصح فيمشي، ثم يكون العجز والهدي (¬1). وقال في الشيخ الكبير: يمشي ما أطاق ولو نصف ميل، ثم يركب ويهدي (¬2). يريد: لأن محمل نذره على مشي جميع الطريق. ولو نوى أن يمشي ما أطاق ثم يركب؛ لم يكن عليه هدي، فكذلك الشاب الصحيح الضعيف البنية والمرأة يمشيان ما أطاقا، ثم يهديان، إلا أن يكونا نويا من ذلك ما يطيقان خاصة، فلا يكون عليهما هدي. ولو نذرت المرأة مشي جميع الطريق ثم عجزت، وكان إن عادت وفت بجميع المشي؛ لعادت. قاله محمد. وإذا كانت المرأة شابة قوية، وكان مشي مثلها عورة وكشفة عليها؛ لرأيت أن تمشي الأميال محتجزة عن الناس، ثم تركب وتهدي. وفي كتاب مسلم: قال عقبة بن عامر: إن أختي نذرت أن تمشي إلى بيت الله حافية، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ" (¬3). وجوابه هذا محتمل أن يكون لأنها شابة ومشيها عورة، أو يكون عند العجز. وقال محمد فيمن مشى في الطريق ثم عجز فأتى لعام قابل فمشى الطريق كله لا هدي عليه لأنه لم يفرق مشيه (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 467. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 467. (¬3) أخرجه مسلم: 3/ 1264، كتاب النذر، باب من نذر أن يمشي إلى الكعبة، برقم: (1644). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 493.

فصل [فيمن عجز في نذره]

قال الشيخ رحمه الله: أما إذا كان النذر الأول مضمونًا فكلام محمد صحيح، وإن كان في عام بعينه فيختلف في القضاء؛ لأنه مغلوب، فمن قال: لا قضاء عليه، قال: لا دم عليه (¬1)، ومن قال عليه القضاء يكون عليه الدم بتفرقة المشي. فصل [فيمن عجز في نذره] ومن عجز في نذره وركب فمشى (¬2) في قابل، وكان قد جعل الأول في عمرة، وأحب أن يجعل الثاني في حج أو كان الأول في حج فأحب أن يجعل الثاني في عمرة (¬3) فإنَّ (¬4) ذلك له إذا كان النذر الأول مطلقًا لم ينوه في حج ولا عمرة. وحكى أحمد بن المعذل عن عبد الملك، أنه قال: لو مشى في حج فعجز، ثم قضى فأراد أن يجعل الثاني في عمرة؛ كان ذلك له، إلا أن يكون العجز في مثل عرفة ومنى. وهذا يصح على مذهب ابن القاسم، وليس ذلك عليه على مذهب مالك، وقد تقدم وجه ذلك، فإن نوى النذر الأول أن يكون في حج؛ لم يكن له أن يجعل الثاني في عمرة (¬5) وكذلك إن نذره في عمرة؛ لم يكن له أن يجعله في حج. ¬

_ (¬1) قوله: (فمن قال: لا قضاء عليه قال: لا دم عليه) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (فمشى) ساقط من (ب). (¬3) قوله: (أو كان الأول في حج فأحب أن يجعل الثاني في عمرة) ساقط من (ب). (¬4) قوله: (فإن) في (ق 5): (كان). (¬5) في (ب): (غيره).

وقال عبد الملك بن حبيب: لا بأس أن يجعل الثاني في حج، وإن كان قد نوى الأول في عمرة. قال: لأنه لو مشى أولًا في حج -وقد كان نواه في عمرة- (¬1) لأجزأه؛ لأنَّ عمل الحج يأتي على عمل العمرة ويزيد (¬2). قال (¬3) وكذلك قال في من أرضاه (¬4) من أصحاب مالك. وذكره في موضع آخر عن مالك. ومن (¬5) نذر مشيًا ولم ينو حجًا، جاز له أن يدخل بعمرة، ثم يحج حجة الإسلام. وإن هو أحرم حين أتى الميقات بحج، ينوى (¬6) حجة الإسلام (¬7) أجزأه، وكان عليه أن يأتي عن نذره بعمرة أو حجة من حيث أحرم بحجة الإسلام، ثم يمشي من هناك. واختلف إذا قرن الحج والعمرة ينوي بالحج حجة الإسلام والعمرة عن نذره، أو أحرم بحجة ينوي بها حجة الإسلام ونذره (¬8)، فقال مالك: يجزئ عن نذرِه، ويقضي حجة الإسلام (¬9). وقال أيضًا: لا يجزئ عن واحد منهما (¬10). ¬

_ (¬1) في (ب): (قد نواه وكان في عمرة). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 493. (¬3) قوله: (قال) ساقط من (ب). (¬4) في (ب): (من أرضى). (¬5) في (ب): (فيمن). (¬6) قوله: (ينوى) في (ت): (فنوى). (¬7) قوله: (وإن هو أحرم حين أتى الميقات بحج، ينوى حجة الإسلام) ساقط من (ب). (¬8) في (ب): (ونوى بالحج حجة الإسلام، أو نذره). (¬9) انظر: المدونة: 1/ 287. (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 495.

فصل [فيمن نذر أن يحج غيره]

وقال المغيرة: يجزئ عن فرضه، ويأتي بنذره (¬1). وأرى إذا قرن أن تجزئ عن حجة الإسلام وعن نذره، قياسًا على من أتى بحجة الإسلام قارنًا؛ فإنه يجزئه عن حجة الإسلام، ويكون قارنًا. وقد (¬2) فرض الله تعالى على من أتى بحجة الإسلام قارنًا حجه (¬3)، فأشرك في عملها (¬4) عمرة متطوعًا، وأجزأه ذلك عن حجة الإسلام وعمرته. وأما إذا أتى بحجة ونوى بها فرضه ونذره لم يبطل حجه؛ قياسًا على من أشرك في القِرَانِ؛ لأن الإشراك (¬5) لا يبطل أن يكون في ذلك متقربًا لله تعالى. فصل [فيمن نذر أن يُحجَّ غيره] ومن قال: أنا أُحِج فلانًا في يمينٍ، فحنث؛ لزمه أن يحجه من ماله، إلا أن يأبى ذلك الرجل، ولا حج على القائل. وإن قال: أنا أحج بفلانٍ، حجَّا جميعًا، فيحج القائلُ راكبًا ويحج بالرجل، إلا أن يأبى فيلزمه الحج بقوله: أنا أحج، ولزمه أن يحج الرجل لقوله بفلان. وإن قال: أنا أحملُ فلانًا إلى بيت الله في يمين، فحنث (¬6)، كان الجواب فيه على ثلاثة أوجه: فتارة يحج القائلُ وحده، وتارة يحج المقولُ له (¬7) وحده، وتارة يحجان جميعًا. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 196، وعزاه لمالك من سماع عيسى. (¬2) قوله: (وقد) ساقط من (ب). (¬3) قوله: (على من أتى بحجة الإسلام قارنًا حجه) ساقط من (ت). (¬4) في (ب): (عمله). (¬5) قوله: (الإشراك) في (ت): (الإشتراك). (¬6) ساقط من (ب). (¬7) ساقط من (ب).

فقال مالك: إن نوى حمله على عنقه؛ حج القائلُ ماشيًا ويهدي، ولا شيء عليه في الرجل. وإن نوى أن يحجه من ماله؛ فعل ذلك، إلا أن يأبى، ولا شيء عليه في نفسه. وإن لم تكن له نيةٌ؛ حج راكبًا، وحج بالرجل معه (¬1)، ولا هدي عليه (¬2). وليس هذا الوجه بالبين؛ لأنه لا يخلو أن يحمل قوله على حمله بنفسه، فيكون عليه أن يحج ماشيًا، ولا شيء عليه في الرجل. أو يحمل على حمله من ماله، فيحجه إلا أن يأبى، ولا شيء عليه في نفسه (¬3) أو يقال: إن ذلك محتمل الوجهين جميعًا، ويؤخذ فيه بالأحوط، فيحج هو ماشيًا، ويحج الرجل من ماله راكبًا. وأرى أن يحمل قوله عليَّ حمله من ماله؛ لأنه ليس العادة أن يقصد حمله على عنقه، ويقصدون الحمل من المال، وقد قال عمر: "حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِى سبِيلِ الله عَزَّ وَجَلَّ فَأَضَاعَهُ الذي كان عنده، فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ. . ." (¬4) الحديث (¬5). وقال الله تعالى: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} [التوبة: 92] وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وَالله لاَ أَحْمِلُكُمْ، ثُمَّ قَالَ: مَا حَمَلْتُكُمْ بَلِ الله حَمَلَكُمْ. . ." الحديث (¬6). ولو قال: أنا أحج فلانًا، أو أحج به، أو أحمله في غير يمين، لكانت عدات فإن شاء فعل وإن شاء لم يفعل. ¬

_ (¬1) قوله: (معه) ساقط من (ب). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 472. (¬3) قوله: (في نفسه) ساقط من (ب). (¬4) أخرجه البخاري: 2/ 542، كتاب الزكاة باب هل يشتري الصدقة؟ برقم: (1419). (¬5) قوله: (الحديث) ساقط من (ت). (¬6) متفق عليه، أخرجه البخاري: 3/ 1140، كتاب الخمس، باب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين، برقم: (2964)، ومسلم: 3/ 1268، كتاب الأيمان، باب نذر من حلف يمينًا فرأى غيرها خيرًا منها أن يأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه، برقم: (1649).

وقال مالك في الرجل يقول: أنا أحمل هذا العمود إلى بيت الله، أو هذه الطنفسة: إنه يحج ماشيًا، ويهدي (¬1). وقال محمد: إن كان ذلك الشيء مما يقوى على حمله؛ خرج راكبًا حاجًّا أو معتمرًا، ولا شيء عليه فيما ترك من حمل ذلك. وحمل قوله ذلك: أنه يريد أن يحمله وهو راكب. وقول مالك: أنه يخرج ماشيًا استحسان؛ لأنه نذر معصية، ولا يجوز أن ينذر لله شيئًا من ذلك. ولو كان ممن يجهل ويظن أن في ذلك طاعة، لم يلزمه شيء. وقد قال ابن القاسم فيمن قال: عليَّ السير (¬2) إلى مكة: لا شيء عليه. وفي البخاري قال ابن عباس - رضي الله عنه -: "بينا النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب، إذا هو برجل قائم، فسأل عنه، فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا، فليتكلم، ويقعد ويستظل ويَصُم" (¬3) فأمره أن يوفي بما كان طاعة، ولم يجعل عليه فيما (¬4) سوى ذلك شيئًا؛ لأنه كان يظن أن لله في ذلك طاعة، ولو علم لكان نذرًا في معصية، ويؤمر أن يتقرب إلى الله بطاعة. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 472. (¬2) في (ت): (المشي). (¬3) أخرجه البخاري: 6/ 2465، كتاب الأيمان والنذور، باب النذر فيما لا يملك ونذر المعصية، برقم: (6326). (¬4) قوله: (فيما) ساقط من (ت).

باب فيمن قال: علي المشي أو الركوب أو الذهاب أو السير إلى مكة، أو الكعبة، أو المسجد الحرام، أو الصفا، أو المروة، أو منى، أو عرفة، أو إلى المسجد ولم يسم مسجدا، أو قال: علي المشي ولم يزد على ذلك، أو إلى مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - أو بيت المقدس، أو الإسكندرية، أو غيرها من مواضع الرباط

باب فيمن قال: عليَّ المشي أو الركوب أو الذهاب أو السير إلى مكة، أو الكعبة، أو المسجد الحرام، أو الصفا، أو المروة، أو منىً، أو عرفة، أو إلى المسجد ولم يسمِّ مسجدًا، أو قال: عليَّ المشي ولم يزد على ذلك، أو إلى مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - أو بيت المقدس، أو الإسكندرية، أو غيرها من مواضع الرباط وقال ابن القاسم في المدونة: إن قال: عليّ المشي إلى مكة لزمه (¬1). واختَلَف قوله (¬2) إذا قال: عليَّ الركوب إلى مكة، فألزمه ذلك مرة (¬3)، ومرة لم يلزمه (¬4). وإن قال: عليّ الذهاب إلى مكة أو السير أو الانطلاق أو آتي مكة لم يلزمه. وقال أشهب: يلزمه في ذلك كله أن يأتي مكة حاجًا أو معتمرًا. وقال أيضًا في كتاب محمد، فيمن قال عليّ المشي إلى مكة: أن لا شيء عليه. قال الشيخ - رضي الله عنه -: لا فرق بين جميع هذه الألفاظ؛ لأن مجرد اللفظ في جميع ذلك لا يوجب أكثر من الوصول إلى مكة. والوصول لا يجب إلا لما يتعلق به بعد ذلك من طاعة حج أو عمرة أو طواف أو صلاة. فإن حمل قوله على العادة في ناذر الوصول أنه يريد الحج أو العمرة؛ لزمه ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 566. (¬2) في (ق 5): (في قوله). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 498، وعزاه لكتاب ابن المواز من قول أشهب. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 470.

فصل [فيما يلزمه من المشي وما لا يلزمه]

في جميع هذه الوجوه المشي والركوب والذهاب والانطلاق، وإن لم يحمل قوله على العادة لم يلزمه شيء وإن سمّى المشي. فصل [فيما يلزمه من المشي وما لا يلزمه] قال ابن القاسم: إذا قال: عليّ المشي إلى مكة أو المسجد أو البيت أو الكعبة أو الركن أو الحجر، لزمه. وإن قال: إلى الصفا والمروة أو المقام أو زمزم أو منى أو عرفات، لم يلزمه (¬1). وقال أصبغ: يلزمه كل ما يسمّى مما هو داخل في القرية؛ الصفا والمروة والحطيم والأبطح والحجون وأجياد وقعيقُعان وأبي قبيس (¬2). وقال ابن حبيب: يلزمه إذا سمى الحرم أو ما هو فيه، ولا يلزمه إذا سمى ما هو خارج منه ما عدا عرفات، فإنه وإن كان من الحل من مشاعر الحج، فإذا نذر عرفات؛ فقد نذر الحج (¬3). فألزمه ابن القاسم إذا قال: مكة، وهي القرية، وأسقط ذلك عنه (¬4) إذا سمى الصفا والمروة، وهما داخلان فيها ومن مشاعر الحج. وألزمه إذا قال: المسجد، وأسقط عنه إذا قال: المقام، وهو داخل في المسجد. ولا وجه لهذه التفرقة، والجواب على وجهين: فإما أن يعلق اليمين بما يقتضيه مجرد اللفظ؛ فلا يكون عليه شيء في جميع ذلك. أو يحمل على أنه أراد ¬

_ (¬1) قوله: (أو الركن). انظر: المدونة: 1/ 469. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 28، 29. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 29. (¬4) قوله: (عنه) ساقط من (ب).

ما العادة أن يؤتى لهذه المواضع له؛ فيجب عليه الحج أو العمرة، إلا أن يسمي منيً أو عرفة أو المشعر أو المزدلفة، فيجب عليه الحج، ولا تجزئه العمرة؛ لأن هذه المواضع مناسك للحج دون العمرة. ومن نذر المشي لم يجزئه الركوب، ومن نذر الركوب لم يجزه المشي إذا كان قصده نفقة ماله في مؤن الركوب، وإن كان قصده الوصول وليس إنفاق ماله في الركوب أجزأه المشي. وإن قال: عليّ الذهاب أو السير أو الانطلاق؛ كان مخيرًا بين المشي أو الركوب. وقال ابن القاسم: إن قال: أنا أضرب بمالي الحطيم أو الركن؛ يحج أو يعتمر، ولا شيء عليه في ماله (¬1). وقال ابن حبيب: يتصدق بماله (¬2). قال الشيخ - رضي الله عنه -: مجرد هذا النذر لا يوجب شيئًا؛ لأن ضرب الحطيم أو الركن بالمال ليس بطاعة، والنذر به معصية، ويستحب أن يأتي في طاعة لذلك الموضع؛ حج أو عمرة. ورأى ابن حبيب أنه عاص في النذر من الوجهين؛ إتيانه لمثل ذلك، وأن يضرب بالمال، واستحب أن يتصدق بذلك المال كما جاء في الحديث فيمن قال: "تَعَالَ أُقَامِرْكَ فَلْيَصَدَّقْ" (¬3). وإن أراد بقوله: اضرب به في الأرض، أي: أنفقه حتى أصل به إلى ذلك؛ ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 476. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 34. (¬3) سبق تخريجه، ص: 1633.

فصل [في الركوب والمشي في المساجد الثلاثة]

لزمه، قال الله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} الآية [النساء: 101]. فصل [في الركوب والمشي في المساجد الثلاثة] وقال مالك فيمن قال: عليّ المشي إلى مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو إلى مسجد (¬1) بيت المقدس: فليأتهما راكبًا، ومن قال: عليَّ المشي إلى بيت الله؛ فهذا الذي يمشي، ومن قال: عليّ المشي إلى غير هذه الثلاثة المساجد؛ لم يكن عليه أن يأتيها لا ماشيًا ولا راكبًا، وليصل في بيته إن كان أراد الصلاة فيها (¬2). وقال ابن القاسم: وإن قال عليَّ المشي إلى المدينة أو إلى بيت المقدس لم يأتهما، إلا أن يريد الصلاة في مسجديهما فليأتهما راكبًا، ومن قال من أهل مكة أو المدينة أو بيت المقدس: لله عليَّ أن أصوم بعسقلان أو بالإسكندرية أو موضع يراد فيه الرباط؛ فعليه أن يأتيه (¬3). فألزم مالك الوفاء بالصلاة في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ومسجد بيت المقدس. وقال ابن وهب: عليه أن يأتي ماشيًا (¬4). وقال ابن المواز: وقد قيل: إن كان قريبا الأميال اليسيرة (¬5) أتى ماشيًا (¬6). وقال إسماعيل القاضي: من نذر المشي إلى المسجد الحرام للصلاة ليس ¬

_ (¬1) قوله: (مسجد) ساقط من (ت). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 565. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 565. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 30. (¬5) في (ب): قريب الأميال (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 30.

للحج؛ لم يكن عليه أن يمشي، وركب (¬1) إن شاء، ولا يدخل إلا محرمًا. فلم يلزمه المشي، وإن سمى مكة لما أوجبه في الصلاة. والقول أنه يمشي في جميع ذلك أحسن؛ لاتفاقهم أن المشي للصلاة تتعلق به قربة؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو بِهِ الله الخَطَايَا؛ كَثْرَةُ الخُطَا إِلَى المَسَاجِدِ" (¬2). وقال: "أَعْظَمُ النَّاسِ أَجْرًا فِى الصَّلاَةِ أَبْعَدُهُمْ مَمْشىً" (¬3). وإن كان ذلك (¬4) يتعلق بالمشي طاعة دخل في عموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من نذر أن يُطيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ" (¬5). وإن نذر (¬6) مكي أو مدني الصلاة في مسجد (¬7) بيت المقدس، صلى في مسجد موضعه، في المسجد الحرام أو مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأجزأه، وإن نذر مقدسي الصلاة في أحد هذين المسجدين، أتاهما (¬8). وإن نذر مدني الصلاة في المسجد الحرام، أو مكي الصلاة بمسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ أتاه (¬9)، وذلك أحوط؛ ليخرج من الخلاف. وقياد قول مالك يأتي المكي المدينة، ولا يأتي المدني مكة، وأوجب مالك ¬

_ (¬1) في (ب): (أو يركب). (¬2) أخرجه مسلم: 1/ 219، كتاب الطهارة، باب فضل إسباغ الوضوء على المكاره، برقم: (251). (¬3) أخرجه البخاري: 1/ 233، كتاب الجماعة والإمامة، باب فضل صلاة الفجر في جماعة، برقم: (623). (¬4) قوله: (ذلك) ساقط من (ق 5). (¬5) سبق تخريجه في كتاب الصيام في باب فيمن نذر الصيام، ص: 803. (¬6) قوله: (وإن نذر) في (ق 5): (ومن نذر من). (¬7) قوله: (مسجد) ساقط من (ت). (¬8) قوله: (وإن نذر مقدسي الصلاة في أحد هذين المسجدين؛ أتاهما) ساقط من (ب). (¬9) قوله: (أتاه) ساقط من (ب).

على المكي والمدني والمقدسي أن يأتوا الإسكندرية وعسقلان للرباط، ولم ير ذلك داخلًا في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُشَدُّ المَطَايَا إِلاَّ لِثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ. . ." (¬1) الحديث؛ لأن هذه المواضع تختص بمعنى لا يوجد في المساجد الثلاثة، ومحمل الحديث على من نذر صلاة، فلا يشد لها المطي (¬2)؛ لأن الصلاة بموضعه أفضل، ولو نذر مكي أو مدني أن يأتي أحد هذين الموضعين لصلاة واحدة ويعود من فوره ليس للرباط، لصلى (¬3) بموضعه، ولم يأتهما. ومن قال: عليّ المشي إلى بيت الله، ونوى مسجدًا (¬4)؛ كانت له نية، وإن لم تكن له نية؛ كان عليه أن يمشي إلى البيت الحرام. واختُلف إذا قال: عليَّ المشي، ولم يذكر مسجدًا، فقال ابن القاسم: لا شيء عليه (¬5). وقال أشهب: عليه أن يمشي إلى مكة. والأول أبين، ولا نجد من يقف على ذكر مكة في مثل هذا، إلا لأنه أراد الهروب من التزام المشي إلى مكة، أو الإلغاز لمن حلف له (¬6). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري: 1/ 398، أبواب التطوع، برقم: (1132). (¬2) قوله: (المطي) ساقط من (ب). (¬3) في (ب): (لصلاها). (¬4) في (ب): (شيئًا). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 564. (¬6) في (ب): (من البر أو المشي إلى مكة).

باب في الهدايا وما يمنع منها

باب في الهدايا وما يمنع منها وقال مالك فيمن قال "عليَّ هدي": يهدي بدنة، فإن لم يجد فبقرة، فإن لم يجد وقصرت النفقة فشاة، وإن قال: لله (¬1) عليّ بدنة؛ كانت من الإبل. فإن لم يجد وقصرت النفقة؛ فبقرة، فإن لم يجد؛ فسبع من الغنم (¬2). وقد (¬3) اختلف في هذين السؤالين، فقال في كتاب الحج، فيمن قال "عليّ هديّ": الشاة تجزئ (¬4). وقد اختلف في هذا الأصل: هل تبرأ الذمة بأعلى ذلك المنذور، أو بأقله؟ فقال فيمن نذر صوم شهر، فصامه لغير الهلال: إنه يصومه ثلاثين يومًا (¬5). وهذا مثل قوله في الهدي: أنه يهدي بدنة، ولا يهدي الشاة، إلا عند عدم القدرة للبدنة وللبقرة (¬6). وقال محمد بن عبد الحكم: تجزئه تسعة وعشرون يومًا، وهذا مثل أحد قولي مالك أنه تجزئه الشاة ابتداءً، وقد تقدم وجه ذلك في كتاب الصوم. واختُلف إذا قال: لله عليّ بدنة، فقصرت النفقة؛ فقال ابن نافع: لا تجزئه البقرة ولا تجزئه إلا بدنة من الإبل ولا يجزئه إلا ما نذر. وقال الخليل: البقر من البدن (¬7). ¬

_ (¬1) قوله: (لله) ساقط من (ت). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 568. (¬3) قوله: (وقد) ساقط من (ق 5). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 412. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 282. (¬6) في (ب): (على البدنة والبقرة). وانظر: المدونة: 1/ 568. (¬7) انظر: كتاب العين: 8/ 52.

وقول ابن نافع أحسن؛ لأن الناس لا يعرفون البدن إلا من الإبل، وهي التي يقصد الناذر. وقول مالك استحسان، لحديث جابر، قال: "نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ" (¬1). وجعل أحدهما يسد مسد الآخر. وكذلك قوله: إذا عدمت البقرة، أو قصرت النفقة: إنه يهدي سبعًا من الغنم؛ لأن الهدي شاة، وهو أقل ما ينوب أحد التمتعين. قال ابن القاسم: وإن أحب أن يصوم؛ فعشرة أيام (¬2)، فإن أيسر؛ كان عليه ما نذر (¬3). وقال مالك في كتاب ابن حبيب: إذا أعسر، وقال: عليَّ هدي؛ صام عشرة أيام، فإن قال: بدنة؛ صام سبعين يومًا (¬4). قال أشهب: إن أحب صام سبعين يومًا أو أطعم سبعين مسكينًا (¬5). وظاهر قوليهما ألا شيء عليه بعد ذلك، وهذا أيضًا استحسان؛ لأن الله تعالى أوجب في القتل والظهار عتق رقبة، ثم جعل الصوم عند عدم العتق؛ فكان صيام هذين عند عدم القدرة على الهدي براءة (¬6) لهما. ¬

_ (¬1) سبق تخريجه في كتاب الحج الثاني، ص: 1232. (¬2) قوله: (أيام) ساقط من (ب). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 457. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 475. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 475. (¬6) في (ب): (أبرأ).

فصل [في اختلاف قول الناذر وما يجب عليه فيه]

فصل [في اختلاف قول الناذر وما يجب عليه فيه] وإن قال: "لله عليّ أن أنحر بدنة" كان كالأول إذا قال: "لله علي بدنة". وإن قال: "لله علي أن أنحر جزورًا" نحره بموضعه. وليس بهدي، وسواء كان بعينه أو بغير عينه. قال ابن حبيب: وإن كان معينًا، وقال: لله عليّ أن أنحره بمكة بعثه ونحره بها، ولم يكن عليه أن يقلده، ولا أن يشعره (¬1). وقال مالك فيمن قال: لله عليّ أن أنحر جزورًا، ونذره لمساكن البصرة أو مصر؛ نحره (¬2) بموضعه، وتصدق به على المساكين إن كان بعينه، أو نذر أن يشتريه من موضعه، ثم يسوقه إلى مصر، قال: وسوق البدن إلى غير مكة من الضلال (¬3). وقال مالك في كتاب محمد: لينحره حيث نوى (¬4). ولأشهب في مدونته مثله (¬5). وهذا أحسن إذا قصد رفق مساكين أهل (¬6) ذلك الموضع. وإن قصد أن يهديه لذلك البلد؛ كان نذرًا في معصية، ويستحب له أن يوفي بنذره ذلك بمكة، ويجعله هديًا، وإن تمسك به لم يكن عليه شيء. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 443. (¬2) في (ب): (يجزيه). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 476. (¬4) انظر: النوادر: 2/ 457. (¬5) انظر: النوادر: 2/ 457. (¬6) قوله: (أهل) ساقط من (ق 5).

فصل [في نذر المعين وما يلزمه منه]

قال ابن حبيب: من حلف بصدفة ماله على مساكين بلد فحنث، فليفرق ذلك على مساكين بلده، ولا يبعث به. وكذلك، إذا قال في بعير (¬1) أراد به مساكين بلد آخر، فإنه ينحره بموضعه. فصل [في نذر المعين وما يلزمه منه] ومن نذر هديًا معينًا لزمه الوفاء به إذا كان من موضع يبلغ سالمًا من العيوب، وفي سن ما يهدى، فإن كان من الإبل؛ بعث به وإن بعد موضعه، وإن كان من البقر أو من الغنم وقرب موضعه وأمن عليه؛ بعث به. وإن لم يبلغ؛ بِيعَ واشتُرِيَ بثمنه من الإبل إن بلغ الثمن لذلك، وإن لم يبلغ فمن البقر، وإن لم يبلغ، فمن الغنم، وإن لم يبلغ؛ تصدق بالثمن عند ابن القاسم حيث شاء (¬2). وقال مالك: يجعل فيما تحتاج إليه الكعبة (¬3). وأرى أن يتصدق بثمنه بمكة؛ لأنه لو بلغ تصدق بلحمه عليهم، وأكل منه، ولا يدفع إلى الحجبة؛ لأنهم ليسوا من الجنس الذي جعله فيه، ولأنهم لا يوفون بما يجعل إليهم، ولو أشرك به في هدي لكان وجهًا. وقد اختلف في الشرك في التطوع، وأن يشتري من موضع يرى أنه يبلغه أصلح، ولا يؤخر إلى موضع أعلى، إلا ألا يجد من يسوقه من هناك؛ فلا بأس أن يؤخر الشراء إلى مكة، ثم يخرجه إلى الحل. وإن وجد أن يشتري مثل الأول ببعض الطريق، وإن أخّر إلى مكة اشترى ¬

_ (¬1) في (ب): (بعيرًا). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 570. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 570.

فصل [في نذر المعيبة]

أفضل؛ اشترى الآن، وساقه إلى مكة، ولم يؤخره. وإن كان الهدي الأول خمسًا من الغنم أو ستًا، ووجد بثمنهم بدنة؛ اشتراها. وإن كانت الغنم الأُوَل ثمانيًا فما فوق؛ لم يستحسن له أن يشتري بدنة إذا كان يجد بالثمن مثل العدد الأول؛ لأن البُدن جعِلت عوضًا عن سبعة، فكان الإتيان بثمان أو بتسع أفضلَ. وإن نذر عبدًا أو دارًا؛ بِيعَ وبعث بالثمن، فيشتري به من موضع يرى أنه أصلح، ويبلغ حسب ما تقدم، وإن كان يبلغ ثمن ذلك بدنة (¬1)، وهو ببلده أصلح؛ اشتراه الآن وبعثه (¬2). فصل [في نذر المعيبة] وقال أشهب في كتاب محمد، فيمن نذر بدنة بعينها عوراء أو عرجاء: فعليه أن يهديها كما نذر (¬3)، وإن لم تكن معينة أهدى سليمة، وكذلك إن نوى جذعة من المعز (¬4)، قال: ألا ترى أن من نذر أن يهدي ابنه: أهدى مكانه ما يجوز أن يهدى (¬5). وقال محمد في العتبية: يهدي قيمتها، أو بعيرًا (¬6) مما يجوز. ¬

_ (¬1) في (ب): (استحسن له ألا يشتري بدنة). (¬2) قوله: (وبعثه) في (ق 5): (وبعث به). (¬3) في (ب): (نذرها). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 34. (¬5) قوله: (أن يهدى) ساقط من (ق 5). (¬6) في (ب): (يشتري بثمنها).

وأرى المعين وغيره سواء، فإن نذر وهو يظن (¬1) أن ذلك يجوز؛ لم يكن عليه غير ما ألزم نفسه، فيبيع المعين، ويخرج قيمة ما في الذمة على أنه معيب، فيشتري بذلك سالمًا إن بلغ، أو يشارك به، وإن كان عالمًا أن ذلك لا يجوز؛ كان نذرًا في معصية. وهو كما قال بمنزلة من نذر نحر ولده، فلا شيء عليه، معينًا كان (¬2)، أو مضمونًا، ويستحب له أن يأتي بسليم ليكون كفارة عن نذره، ويتقرب إلى الله سبحانه بذلك. ومن قال: أنا أنحر ولدي -بمعنى: أقتله- فلا شيء عليه، وإن أراد بذلك أن يجعله هديًا أو قال (¬3) ما يدل على ذلك، فقال: أنا (¬4) أنحره عند مقام إبراهيم أو الصفا أو المروة، أو قال أنا: أهديه، أو أنحره لله؛ كان عليه عند مالك هدي. وقال مرة: كفارة يمين. والأول أبين، وهذا نذر في معصية؛ فلا يجوز الوفاء به، ويستحب أن يأتي بطاعة كفارةً عن قوله ذلك، إلا أن يكون ممن يجهل ويظن أن ذلك جائز، فلا شيء عليه. ¬

_ (¬1) في (ت): (وظن). (¬2) قوله: (معينًا كان) في (ق 5): (كان هديًا معينًا). (¬3) قوله: (قال) ساقط من (ب). (¬4) قوله: (أنا) ساقط من (ب).

باب فيمن حلف بصدقة ماله أو بعضه

باب فيمن حلف بصدقة ماله أو بعضه واختُلف فيمن تصدّق بجميع ماله أو بعضه (¬1) أو عَيَّنَ شيئًا منه أو عَيَّنَ جميعه على ثلاثة أقوال: فقال مالك: إن لم يعين، وقال: مالي أو جميعه؛ أجزأه الثلث، وإن قال: نصف مالي أو ثلاثة أرباعه؛ أخرج جميع ما سمى (¬2). قال محمد: وكذلك إن قال: مالي إلا درهم؛ أخرج جميع ذلك (¬3). قال مالك: وإن عَيَّنَ، فقال: عبدي أو داري، وذلك جميع ماله أو نصفه أو ثلاثة أرباعه؛ أخرج جميع ما سمى (¬4). وذكر عنه ابن وهب في النوادر، فيمن لم يعين، وسمى أكثر من الثلث؛ اقتصر على الثلث (¬5). وذكر ابن الجلاب عنه في المعين إذا كان أكثر من الثلث روايتين؛ إحداهما: ألا يلزمه أكثر من الثلث، والأخرى: أنه يلزمه ما عين وإن كان أكثر من الثلثين (¬6). وقال سحنون في جميع ذلك عين أو لم يعين: يخرج ما لا يضر به إخراجه. وهذا أحسن؛ لقوله: "لا صدَقَةَ إلا عَنْ ظَهْرِ غِنىً، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ". ¬

_ (¬1) ساقط من (ب). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 574. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 36، وعزاه لابن حبيب. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 473. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 36. (¬6) انظر: التفريع: 1/ 282.

أخرجه البخاري ومسلم (¬1). فإن كان جميع ماله لا فضل فيه لم يكن عليه شيء وإن كان الفضل نصف ماله أو ثلاثة أرباعه أو تسعة أعشاره أخرج جميع ذلك الفضل لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالوفاء بالنذر ولقوله: "مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ الله فَلْيُطِعْهُ" (¬2) فدخل في ذلك الصدقة وغيرها. وقال أبو طلحة: إن أحب أموالي بيرحاء، وإنها صدقة أرجو برها وذخرها، فقال: "اجْعَلْهَا فِي أَقَارِبِكَ وَبَني عَمِّكَ. . ." الحديث (¬3). فأمضى جميع صدقته (¬4)؛ لأنه أبقى ما فيه كفاية. وأما على (¬5) قول كعب بن مالك (¬6): إِنَّ مِنْ تَوْبَتِى أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِى، فَقَالَ: "يُجْزِيكَ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ" (¬7). فإنه يحتمل أن يكون كعب أراد أن يفعل ولم يوجب. وإن قال: عبدي ومالي؛ أخرج جميع العبد وثلث الباقي، وعلى القول الآخر يخرج ثلث العبد وثلث الباقي. ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 1360، في باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى، من كتاب الزكاة، برقم (1360)، ومسلم: 2/ 717، في باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى وأن اليد العليا هي المنفقة وأن السفلى هي الآخذة، من كتاب الزكاة، برقم: (1034). (¬2) سبق تخريجه، ص: 803. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 530، كتاب الزكاة، باب الزكاة على الأقارب، برقم: (1392)، ومسلم: 2/ 693، كتاب الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ولو كانوا مشركين. والموطأ: 2/ 995، كتاب الصدقة، باب الترغيب في الصدقة، برقم: (1807). (¬4) قوله: (صدقته) في (ت): (ذلك فيه). (¬5) قوله: (على) ساقط من (ق 5). (¬6) قوله: (مالك) ساقط من (ق 5). (¬7) متفق عليه، أخرجه البخاري: 3/ 1013، كتاب الوصايا، باب إذا تصدق أو أوقف بعض ماله أو بعض رقيقه أو دوابه فهو جائز، برقم: (2606)، ومسلم: 4/ 2120، كتاب التوبة، باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، برقم: (2769).

وإن حلف بصدقة ماله، فلم يحنث حتى حلف بصدقة ماله أيضًا فحنث، فقال مالك: يجزئه الثلث (¬1). أو حلف بثلث ماله، فلم يحنث حتى حلف بثلث ماله، فحنث في اليمينين جميعًا -أجزأه- على قول مالك الأول- ثلثٌ واحد؛ لأنَّ جميع المال في حين اليمين الثانية في السؤالين جميعًا على ملكه، وإنما كرر اليمين بشيء واحد. وإن حلف بثلث ماله فحنث، ثم حلف بثلث ماله؛ أخرج ثلث الجميع عن اليمين الأولى، ثم ثلث الباقي عن اليمين الثانية. واختلف إذا حلف بصدقة ماله فحنث، ثم حلف بصدقة ماله فحنث، فقال ابن كنانة: يجزئه ثلث واحد (¬2). وقال أشهب: يخرج ثلث جميع ماله (¬3)، ثم ثلث الباقي (¬4). قال محمد: وهو القياس. وقال فيمن قال: مالي هدي، فإنه يخرج ثلث ماله، وتكون النفقة وكل شيء منه (¬5). وإن قال: ثلث مالي هدي (¬6) فعليه أن يبلغه، ولا يبيع منه (¬7) شيء (¬8). يريد: إن النفقة عليه (¬9) من غير الثلث. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 474. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 207. (¬3) في (ب): (يخرج جميع ثلثه). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 207. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 33. (¬6) قوله: (وتكون النفقة وكل شيء منه. وإن قال: ثلث مالي هدي) ساقط من (ب). (¬7) في (ق 5): (منها). (¬8) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 162. (¬9) في (ق 5): (عليها).

فصل [فيمن حلف بصدقة ماله ونقص ماله أو زاد]

وقال ابن القاسم في العتبية فيمن قال: مالي هدي (¬1): يهدي ثلث ماله، والنفقة عليه من غير الثلث (¬2). فصل [فيمن حلف بصدقة ماله ونقَصَ مالُهُ أو زاد] ومن حلف بصدقة ماله فحنث، وقد نقص ماله بتلف أو خسارة أو زاد بربح أو ولادة؛ فإن كان على بر، فقال: إن فعلت، أو لا فعلت (¬3) كان عليه الأقل مما كان بيده يوم حلف أو يوم حنث. فإن كان الأول أكثر؛ لم يضمنه؛ لأنه لم يكن ممنوعًا منه بالتصرف (¬4) والأكل والهبة والصدقة. واختلف في الولد، فقيل: هو له (¬5) كالربح. وقيل: يدخل في اليمين (¬6)، لأنه كبعضها. وإن كان اليوم أكثر، لم يكن عليه في الربح شيء؛ لأنه إنما حلف بشيء، فلا يلزمه أكثر منه. وإن كان على حنث، فقال: إن لم أفعل. . . (¬7). ¬

_ (¬1) قوله: (فيمن قال: مالي هدي) ساقط من (ب). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 162. (¬3) في (ب): (لا أفعلن). (¬4) قوله: (منه بالتصرف) في (ت): (من التصرف). (¬5) قوله: (له) ساقط من (ت). (¬6) في (ب): (في الثمن). (¬7) بعده بياض في (ب) و (ت).

باب الأيمان

باب الأيمان الأيمان على ثلاثة أوجه (¬1): جائزة، وممنوعة، ومختلف فيها، هل تجوز أم لا؟. فالأول: اليمين بأسماء الله تعالى، كقوله: والله، والرحمن، والرحيم (¬2)، والعزيز، القدير (¬3). وقال الله عز وجل: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [المائدة: 106]، وقال: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6]. فكل يمين بالذات جائزة، وإن اختلفت الأسماء. والثاني: اليمن (¬4) بالمخلوقات، كقوله: والكعبة، والنبي، والآباء (¬5)، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الله يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِالله أَوْ لِيَصْمُتْ" (¬6). فمن حلف بذلك بعد علمه بالنهي؛ فليستغفر الله، ولا كفارة عليه. والثالث: اليمين بصفات الله تعالى؛ بعزته أو قدرته. فاختلف في جواز اليمين بها، وهل تجب الكفارة على من حلف بها؟ فالمشهور من المذهب الجواز، وأن كفارتها كفارة اليمين بالله. ¬

_ (¬1) قوله: (على ثلاثة أوجه) في (ق 5): (ثلاثة). (¬2) قوله: (والرحيم) ساقط من (ت). (¬3) قوله: (القدير) في (ت): (القادر). (¬4) في (ق 5): (الأيمان). (¬5) زاد في نسخة (ق 5): وما أشبه ذلك. فلا يمين بذلك. (¬6) متفق عليه، البخاري: 5/ 2265، في باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأولًا أو جاهلًا، من كتاب الأدب، برقم (5757)، ومسلم: 3/ 1266، في باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى، من كتاب الأيمان، برقم 1646)، ومالك في الموطأ: 2/ 480، في باب جامع الأيمان، من كتاب النذور والأيمان، برقم (1020).

وقال في كتاب محمد فيمن حلف، فقال: لعمر الله: لا يعجبني أن يحلف به أحد. وقال فيمن قال: وأمانة الله: نحن نكره اليمين بها (¬1). وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ الله" (¬2). قال: فمن جهل فحلف (¬3) بها؛ كان فيها كفارة اليمين بالله. فمنع اليمين بالصفة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ الله". وفي كتاب ابن حبيب مثل ذلك: أن لا يحلف بما ذكره محمد، واستشهد بالحديث. وفي كتاب محمد، فيمن قال: لعمر الله وأيم الله، أخاف أن يكون يمينًا (¬4). فشك. وقيل لابن القاسم فيمن حلف بالقرآن أو بالكتاب، أو بما أنزل الله تعالى: أترى ذلك كله (¬5) يمينًا؟ قال: أحسنُ ذلك والذي تكلمنا فيه: أن كل ما سمى من ذلك يمين؛ يريد: أنه اختلف فيه، وروى علي بن زياد، عن مالك إذا قال: لا والقرآن، لا والمصحف؛ ليس بيمين، ولا كفارة على من حلف به فحنث (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 15. (¬2) لم أقف عليه: قلت: وفي سنن أبي داود: "من حلف بالأمانة فليس منا" أخرجه في سننه: 2/ 243، في باب كراهية الحلف بالأمانة، من كتاب الأيمان والنذور، برقم: (3253). (¬3) قوله: (جهل فحلف) في (ت): (حلف). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 16. والذي وقفت عليه: (وقال في موضع آخر من كتابه: وقوله لعمر الله: وايم الله أخاف أن يكون يمينًا). (¬5) قوله: (كله) ساقط من (ت). (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 175.

فصل [في الحلف على شيء بأسماء مختلفة مما يجوز به اليمين]

وأرى أن تجوز اليمين بالصفة؛ لحديث أنس، قال: قال رسول الله: "آخرُ أَهْلِ الجنَّةِ دُخُولًا رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ، وَيَبْقَى مُقْبِلًا بِوَجْهِهِ إِلَى النَّارِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، قشبني رِيحُهَا، وأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا، فَاصْرِفْ وَجْهِي عن النَّارِ، فيقول: لَعَلَّكَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ، فَيَقُولُ: لاَ وَعِزَّتِكَ" (¬1). وفي حديث آخر: "تَقُوُل جَهَنَّمُ: قَطْ قَطْ وَعِزَّتِكَ"، وقال أيوب: "بَلَى وَعِزَّتِكَ، وَلَكِنْ لاَ غِنَى لِى عَنْ بَرَكَتِكَ" الحديث ذكره البخاري (¬2). ومحمل النهي في الحلف بغير الله أن ذلك في المخلوقات، وأما الكفارة؛ فإنما وردت فيمن حلف بذاته، فقيست اليمين بالصفة على ذلك. فصل [في الحلف على شيء بأسماء مختلفة مما يجوز به اليمين] ومن حلف على شيء واحد بأسماء مختلفة المعاني، فقال: والله والرحمن والعزيز والعليم فحنث؛ فعليه كفارة واحدة؛ لأنه حالف بذاته، وهي واحدة. وكذلك، إن حلف بصفة مختلفة الألفاظ متفقة المعاني، فقال: وعزة الله وكبريائه. وإن اختلفت معانيها، فقال: وعزة الله وعلمه وكلامه؛ كان عليه ثلاث كفارات، وإن كان الموصوف بها واحدًا. وإن كرّر اليمين بصفة واحدة، فقال: وعزة الله، وعزة الله؛ فكفارتهما ¬

_ (¬1) متفق عليه: البخاري: 5/ 2403، في باب الصراط جسر جهنم، من كتاب الرقائق، برقم: (6204)، ومسلم: 1/ 163، في باب في معرفة طريق الرؤية، من كتاب الإيمان، برقم: (182). (¬2) متفق عليه، البخاري: 6/ 2453، في باب من حلف بعزة الله وصفاته، من كتاب التوحيد، وأخرج الأول منهما متصلًا، برقم: (6284)، ومسلم، في باب النار يدخلها الجبارون. . برقم (2848).

واحدة، وكذلك إذا حلف بصفة واحدة مختلفة الأسماء، فقال: وعزة الله، وكبرياء الله؛ فكفارة واحدة، كمن حلف بذاته بأسماء مختلفة. قال أبو بكر الأبهري: إنما يجب في العهد والميثاق والكفالة ثلاث كفارات (¬1)، إذا أراد الحالف بها ثلاثة أيمان، وإلا فليس عليه إلا كفارة واحدة وقاله محمد بن عبد الحكم (¬2). ومحمل قول مالك في المدونة هذه أيمان (¬3)، أي: أن كل واحدة لها حكم اليمين، أو يرى أنها صفات، ليست (¬4) صفة واحدة. وقد تقدم الاختلاف في ذلك، وأنها ليست بيمين في أحد الأقوال. ولم يرد إذا جمع اليمين بها (¬5) على شيء واحد أن لكل واحدة كفارة. وقال مالك: إذا قال عليّ عشر كفالات؛ عليه عشر كفارات (¬6). يريد: لأن الحالف بذلك يريد عشرة أيمان، كمن قال: عليّ عشرة أيمان، فعليه عشر كفارات، وإن كان المحلوف به شيئًا واحدًا. وإن قال: والعزيز وعزة الله؛ فكفارتان. والعهد على أربعة أوجه؛ تلزم الكفارة في وجه، وتسقط في اثنين، واختلف في رابع. فإن قال: عليّ عهد الله فحنث، كفّر؛ لأنه حالف بصفة. وإن قال: لك عليّ عهد الله، أو أعطيك عهد الله؛ فلا كفارة عليه. ¬

_ (¬1) قوله: (ثلاث كفارات) في (ت): (ثلاثة أيمان). (¬2) انظر: التفريع: 1/ 285، والمعونة: 1/ 413. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 338. (¬4) قوله: (صفات، ليس) ساقط من (ت). (¬5) في (ت): (لها). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 579.

واختُلف إذا قال: أعاهد الله -عز وجل-: فقال ابن حبيب: عليه كفارة اليمين (¬1). وقال ابن شعبان: لا (¬2) كفارة عليه. وهو أحسن؛ لأنه لم يحلف بالعهد، فيكون قد حلف بصفة. وقوله: أعاهد الله. فالعهد منه، وليس بصفة لله تعالى، ولا أعطي بالله عهدًا. فإن عقد (¬3) أن يفعل طاعة؛ لزمه الوفاء بها لما عقد على نفسه، وإلا فلا شيء عليه. وكذلك، إن قال: أعاهد الله أن لا أفعل كذا وكذا؛ عليه أن يوفي إذا كان في ترك ذلك الفعل طاعة لله تعالى، وإلا فلا شيء عليه. إلا أن يتعلق بذلك حق لآدمي، فيوفي له بما عقد له. قال محمد: وقد يكون من النذور والعهد ما لا كفارة فيه، وذلك ما أريد به المعاقدة والمعاهدة، مثل البيعة (¬4) والحلف (¬5). وقال ابن حبيب: إذا قال: أبايع الله؛ عليه (¬6) كفارة يمين (¬7). وعلى قول ابن شعبان لا كفارة عليه (¬8). وإن قال: وعلم الله. أو قال: علم الله (¬9)، كفَّر (¬10). وإن ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 14. (¬2) قوله: (لا): ساقط من (ت). (¬3) في (ت): (عهد). (¬4) في (ب): (البيع). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 13. (¬6) قوله: (عليه) ساقط من (ق 5). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 14. (¬8) قوله: (لا كفارة عليه) في (ب): (أن لا شيء عليه). (¬9) قوله: (أو قال: علم الله): ساقط من (ت). (¬10) انظر: التفريع: 1/ 285.

قال: علم الله، فلا شيء عليه. وإن قال: وأمانة الله وذمة الله، فهي يمين (¬1). وقال ابن حبيب: أيم الله (¬2) يمين (¬3). وفي النوادر لمالك إذا قال: لعمر الله أو أيم الله: أخاف أن تكون يمينًا (¬4). فترجح هل هي يمين أم لا؟. قال محمد (¬5): وقيل في معاذ الله وحالش لله: ليس بيمين (¬6). ورأيت في كتاب آخر أنهما يمين. وقال محمد بن عبد الحكم: إن قال: لا ها الله، هي يمين، كقوله تالله. وإن قال: الله عليّ راع أو كفيل فحنث؛ لا أعلم في ذلك كفارة. واختلف إذا قال: عليّ أشد ما أخذ أحد على أحد، فقال ابن وهب في العتبية: عليه (¬7) كفارة يمين (¬8). وقال محمد: يلزمه الطلاق والعتق، وأن يتصدق بثلث ماله، وأن يمشي (¬9) إلى بيت الله (¬10)؛ فجعل ابن وهب اليمين على ما كانت عليه أول الإسلام، ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 579. (¬2) بدون ذكر اسم الجلالة في (ت). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 16. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 16، والبيان والتحصيل: 3/ 173. (¬5) في (ق 5): (أبو محمد). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 17. (¬7) قوله: (عليه) ساقط من (ق 5). (¬8) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 229. (¬9) في (ق 5): (والمشي). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 11.

فأعظمها اليمين بالله. وقول محمد أبين على ما أحدثه الناس اليوم من الأيمان، مثل أيمان البيعة وغيرها. وإن قال: عليّ يمين فحنث؛ كفّر كفارة اليمين بالله تعالى؛ لأن الأصل في اليمين بالله حتى يريد غيرها. وقال محمد: إن قال عليّ ثلاثون يمينًا، فلا أرى أن يفعل. قال: وكأنه يرى عليه إن حنث الأيمان كلها؛ لأنه لم يصمد إلى شيء بعينه، ولا يدري بأي الأيمان حلف. قال: فلزمه (¬1) الطلاق والعتق والصدقة والمشي والكفارة، بمنزلة الذي حلف بأشد ما أخذ أحد (¬2) على أحد. وحمل قوله إذا قال: ثلاثين يمينًا، أنها مختلفة الأجناس. والقياس أن تحمل على أنها بالله، ولو كان الأمر على ما قاله لوجب مثل ذلك إذا قال: عليّ يمين؛ لأنه لم يصمد إلى شيء بعينه، فلا يدري بأي الأيمان حلف. واختلف إذا قال: أشهد وأقسم بالله. أو لم يقل: بالله. فقال ابن القاسم: إن قال بالله أو (¬3) أراد ذلك كان كالحلف بالله (¬4). وقال سحنون في السليمانية: اختلف فيمن قال: أشهد بالله وأقسم بالله، هل هي يمين؟ وفي الزاهي: إذا لم يقل بالله، لا شيء عليه. والصواب إذا قال: بالله، أنها يمين. ¬

_ (¬1) في (ق 5): (فيلزمه). (¬2) قوله: (أحد) ساقط من (ق 5). (¬3) في (ت): (و). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 580.

فصل [في أنواع النذر من حيث الإبهام والتعليق والتقييد]

وإن نوى ذلك، ولم ينطق به؛ كان كمن اعتقد اليمن، ولم ينطق به؛ لأن اليمن إنما تنعقد ههنا إذا سمّى الله تعالى. وإن قال: أعزم بالله أو عزمت بالله على فعل نفسه، فهي يمين. قال ابن القاسم: وإن قال: أعزم عليك لتفعلن كذا؛ فلا شيء عليه، وهو بمنزلة من قال: سألتك بالله. وكذلك على قوله لو قال: أعزم عليك بالله أن لا تفعل، ففعل؛ فلا شيء عليه (¬1). ولو قال: عزمت عليك بالله؛ كان يمينًا، وعليه الكفارة إذا (¬2) خالفه، بمنزلة من قال: حلفت عليك (¬3) بالله. إلا أن يريد بقوله: عزمت، أي: أعزم. فصل [في أنواع النذر من حيث الإبهام والتعليق والتقييد] النذر (¬4) ثلاثة: مبهم مجرد من اليمين، ومعلق بيمين، ومقيد. فإن كان مبهمًا، كان فيه كفارة اليمين بالله، وهذا قول مالك، وبه قال غير واحد من التابعين (¬5). وفي كتاب مسلم: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ" (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 580 و 581. (¬2) في (ت): (وإن). (¬3) قوله (عليك) ساقط من (ب). (¬4) في (ق 5): (النذور). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 282، والتلقين: 1/ 102، والمعونة: 1/ 429. (¬6) أخرجه مسلم: 3/ 1265، في باب من نذر أن يمشي إلى مكة، من كتاب النذر، برقم: (1645).

وروي عن ابن عباس أنه قال: عليه أغلظ الكفارات كالظهار (¬1)، يريد: لأنه لم يسم اليمين بالله ولا نواها. وقيل: إن شاء أو أطعم مسكينًا أو صلى ركعتين. يريد: لأن كلها مما يصح أن ينذر، فلا تعمر ذمته إلا بأقل النذور (¬2). وروي عن عائشة - رضي الله عنها - أنها نذرت أن لا تكلم ابن الزبير، ثم كلمته، فأعتقت أربعين رقبة (¬3). وكانت متخوفة أن لا تكون وفت بنذرها وأنها حانثة، ورأت أن الذمة معمورة بنذر، فلا تبرأ بأقله. وفي كتاب محمد: فإن قال: عليّ نذر لا يكفره صيام ولا صدقة، ثم حنث؛ فليستغفر الله، ويكفر كفارة اليمن بالله. قال: وكذلك، إذا قال: عليّ نذر لا كفارة له (¬4). وإن علقه بيمين، فقال: عليّ نذر إن فعلت، أو أن فعلت، أو لا (¬5) فعلت، أو إن لم أفعل، أولا أفعلن (¬6)، افترق الجواب. فإن قال: عليّ نذر إن أعتقت هذا العبد، أو شربت (¬7) هذه الخمر، كانت يمينًا منعقدة، ولا شيء عليه الآن؛ لأنه ¬

_ (¬1) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه: 8/ 441، في باب لا نذر في معصية الله، من كتاب الأيمان والنذور، برقم: (15837)، وابن أبي شيبة في مصنفه: 3/ 68، في باب النذر إذا لم يسم له كفارة، من كتاب الأيمان والنذور والكفارات، برقم: (12176). (¬2) قوله: (النذور) في (ت): (النذر). (¬3) أخرجه البخاري: 3/ 1291، في باب مناقب قريش، من كتاب المناقب، برقم: (3314). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 18. (¬5) قول: (أو لا) في (ق 5): (لولا). (¬6) قوله: (لا أفعلن): في (ت): (لأفعلن). (¬7) في (ت): (أشتريت).

على بر. فإن أعتق أو شرب، كفر كفارة النذر، ويمضي العتق. وإن قال: عليّ نذر أن أُعتق، أو أن أشرب خمرًا، كان نذرًا مجردًا من اليمين مقيدًا؛ لأن (أن) مع الفعل بمعنى المصدر، فكأنه قال: عليّ نذر عتق هذا العبد، وشرب هذه الخمر. فيوفي بما كان فيه طاعة، ولا شيء عليه في الآخر، لا كفارة ولا غيرها. وإن قال: عليّ نذر إن أعتقتُ، أو إن شربتُ الخمر، كان عليه كفارة النذر في الوجهين جميعًا إذا كان تقدم له شرب أو عتق. فجعل النذر لأجل ذلك. فإن قال: عليّ نذر أن لا أعتقه (¬1)، أو لأشربنّها، كانت يمينًا بالنذر على ترك العتق، أو الشرب. وهو كقوله: إن فعلت ذلك، فلا شيء عليه الآن. فإن فعل؛ كفّر كفارة اليمين بالله. وإن قال: إن لم أعتق، أو (¬2) إن لم أشرب؛ كانت يمينًا منعقدة. وهو بالخيار بين العتق أو الكفارة، ويؤمر بالكفارة عن قوله: إن لم أشرب، إلا أن يجتزئ على الشرب. وقال محمد: إن قال عليّ نذر لأعتقنّ أو لأشربنّ؛ كان العتق والشرب هو المنذور، كالذي يقول: أن أشرب، أو: أن أعتق. وليس بحسن، وهو بمنزلة من قال: إن لم أفعل. فإن فعل؛ سقط نذره، وإن لم يفعل؛ كفر كفارة النذر. ¬

_ (¬1) في (ت): (أعتقنه). (¬2) في (ت): (و).

باب في لغو اليمين والغموس وما تجب فيه الكفارة، وما لا تجب وما تكوق النية فيه نية الحالف والمحلوف له

باب في لغو اليمين والغموس وما تجب فيه الكفارة، وما لا تجب وما تكوق النية فيه نية الحالف والمحلوف له الأيمان قسمان: ماض ومستقبل. فالماضي لا تلزم فيه كفارة، بر في يمينه، أم لا. والمستقبل تجب فيه الكفارة متى خالف ما عقد يمينه عليه. والماضي على أربعة أوجه، فإن قال: والله، ما لقيتُ فلانًا أمس. وذلك يقينه، ثم تذكر أنه لقيه لم تكن عليه كفارة. وهذا من لغو اليمين الذي ذكر الله تعالى في كتابه. وإن كان لقيه وتعَمّد الكذب، كان غموسًا. قال مالك: وهي أعظم من أن تُكفّر (¬1). فإن كان في حين يمينه شاكًّا، ثم تذكر أنه لقيه؛ كان آثما. ويجوز أن يكون إثمه دون من كان على يقين. قال ابن القاسم: وإن تبين له أنه لم يلقه، بر في يمينه. والصواب أنه آثم؛ لأنه تجرأ باليمن على القطع مع الشك. وأرجو أن يكون إثمه أخف (¬2) ممن يذكر أنه لقيه، وإن بقي على شكه، كان آثمًا. ويُستحب له في جميع ذلك أن يتقرب إلى الله سبحانه بالصوم والصلاة والصدقة إذا تعمّد أو كان شاكًّا. وهو في يمينه في المستقبل على بر إذا قال: والله، لا فعلتُ، أو إن فعلتُ. وعلى حنث إن قال: إن لم أفعل، أو لأفعلنّ، ويمينه في جميع هذه الأربعة الوجوه منعقدة إذا كان قاصدًا لعقد اليمين. واختُلف إذا كانت اليمين بغير نية، وإنما خرج على سبق (¬3) اللسان، فقيل: ¬

_ (¬1) انظر: المدونة:/ 577. (¬2) في (ق 5): (أقل). (¬3) في (ت): (نسق).

فصل [في نية الحالف وما يلزمه منها]

تكون يمينًا منعقدة (¬1). وأخرج البخاري عن عائشة، أنها قالت: "أنزل لغو اليمين في قول الرجل: لاَ وَالله، وَبَلَى وَاللهِ" (¬2). وبه أخذ إسماعيل القاضي؛ لأنها يمين بغير نية. وقد واختُلف قول مالك في الطلاق بغير نية. وأرى أن لا شيء عليه في جميع ذلك للحديث "الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ" (¬3). واللغو يصح في اليمين بالله، وفيما كفارته كفارة اليمين بالله، ولا يصح في طلاق ولا عتق ولا صدقة ولا مشي. فصل [في نية الحالف وما يلزمه منها] والنية في اليمين على ثلاثة أوجه؛ فإن كانت بالطلاق أو العتق (¬4) في حق على الحالف، وأحلفه الطالب، وعليه بينة؛ قضى بظاهر يمينه، ولم يصدق أنه نوى غير ذلك (¬5). واختُلف إذا لم تكن عليه بينة، أو كانت، ويمينه بما لا يقضى عليه: هل ذلك إلى نيته، أو إلى نية الطالب؟ فقيل: ذلك إلى نيته وقيل إلى نية الطالب والأحسن أن يكون إلى نية المطلوب. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 581. (¬2) أخرجه البخاري: 4/ 1686 في باب تفسير سورة المائدة، من كتاب التفسير، برقم (4337). (¬3) أخرجه البخاري: 1/ 3، من باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، في كتاب بدء الوحي، برقم (1). (¬4) قوله: (بالطلاق أو العتق) في (ت): (في الطلاق والعتق). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 607.

وإن تطوع باليمين وكان له أن ينصرف من غير يمين؛ كان الأمر إلى نيته. وقيل أيضًا: ذلك إلى نية الطالب. وإن دفع بذلك ظلمًا؛ فله نيته، وإن لم يجد سبيلا إلى التخلص إلا باليمين (¬1). ولا يجوز له أن يلغز، ولا أن ينوي غير ظاهر يمينه إذا كانت اليمين في حق. ويجوز إذا كان يدفع بها ظلمًا. واختُلف إذا لم تكن في حق ولا دفع بذلك ظلمًا هل يجوز أو يكره؟ واختُلف إذا حلف بالحرام على قضاء حق: هل تنفعه محاشاة زوجته (¬2): فقال مالك في كتاب محمد: إذا حلف بالحرام على قضاء حق؛ لم تنفعه محاشاة زوجته قال ابن القاسم: سواء استحلفه الطالب، أو ضيق عليه حتى بدر باليمين، فلا تنفعه النية، أظهر أمره أو ترك (¬3). يريد: أنه لا تنفعه فيما بينه وبين الله تعالى قال: وكذلك، إذا خاف أن لا يتخلّص إلا باليمين، وأما إن ابتدأ اليمين من غير أن يستحلفه، أو يحوجه إلى اليمين؛ فله نيته، وإن كان على يمينه بينة. محمد: وقد قيل: ذلك سواء؛ لأنها وثيقة. وإنما له النية والمحاشاة فيما حلف عليه من أمور نفسه، كان على يمينه بينة، أو لم يكن (¬4). وقال مُطرّف عن مالك في كتاب ابن حبيب: تنفعه المحاشاة؛ لاختلاف الناس في الحرام، وإن كان مستحلفًا. وأما في غيره؛ فلا تنفعه المحاشاة ولا النية. واليمين للذي استحلفه (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 14/ 572. (¬2) قوله: (محاشاة زوجته) في (ق 5): (المحاشاة). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 55. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 55. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 49.

وقال في كتاب ابن حبيب فيمن ألغز في يمينه: فما كان خديعة ليفر من حق عليه؛ فهو خديعة (¬1). ولا يكفر ولا يأثم في غير ذلك، ولا كفارة عليه. ولا أحبّ له أن يفعل. فجعل الأمر إلى نيته، وإن كان في حق، قال ابن حبيب: ما كان على وجه الغَرَر، أو لينجو من سخط إنسان، فلا بأس به. وما كان من مكر أو خديعة؛ ففيه الإثم، والنية نيتك، وما كان من حق عليك فالنية نية المحلوف له. قاله مالك (¬2). ¬

_ (¬1) في (ق 5): (آثم). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 9.

باب في الاستثناء في اليمين بالله والطلاق والعتق

باب في الاستثناء في اليمين بالله والطلاق والعتق الاستثناء يصح في اليمين بالله، وفيما كفارته كفارة اليمين بالله، كاليمين بالصفات والنذر المبهم (¬1). وسواء استثنى مشيئة الله تعالى، أو مشيئة آدمي حي أو ميت. فإن قال: والله لأفعلنّ كذا إن شاء الله، أو إن شاء فلان أن أفعله، أو إلا أن يشاء الله، أو فلان. أو قال: لا فعلتُ إلا أن يشاء الله، أو فلان أن أفعله، أو إن شاء الله أو فلان ألا أفعله (¬2)؛ كان له استثناؤه في جميع ذلك. والاستثناء المجتمع عليه: ما اشتمل على ثلاثة شروط، وهي: أن تكون نطقًا نسقًا، بنية قبل اليمين، أو في موضع لو سكت لم تنعقد اليمين (¬3). ويختلف إذا لم يحرك لسانه بالاستثناء، فقال مالك في المدونة: لا ينفعه ذلك (¬4). وعلى قوله أن اليمين تنعقد بالنية؛ يصح استثناؤه بالنية. ولم يختلف أن المحاشاة تصح بالنية؛ لأن المحاشاة إخراج ذلك قبل اليمين. وكذلك الاستثناء، إذا كانت تلك نيته قبل اليمين؛ لأنها محاشاة. وقال محمد: الاستثناء كل ما كان فيه (إن)، مثل قوله: إن شاء الله، إن شاء (¬5) فلان. ومثل قوله: إلا أن، مثل أن يحلف إن فعل كذا إلا أن. وكل ما ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 294، 578. (¬2) قوله: (ألا أفعله): في (ق 5): (أن أفعله). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 584. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 584. (¬5) في (ت): (فعل).

كان فيه إلا، مثل أن يحلف إن صحبت اليوم قرشيًا، ويقول في نفسه: إلا فلانًا. وإن كنتُ أكلتُ اليوم طعامًا، إلا لحمًا. فهذه الثلاثة الأوجه: استثناء لا يجزئه إلا بتحريك اللسان، إن، وإلا أن، وإلا. ولو أخبره رجل خبرًا، وقال: لا تخبر به أحدًا، ونوى في نفسه إلا فلانًا؛ لم ينفعه. ولو حرك به لسانه، ونوى في قلبه وفلان؛ أجزأه. لأن الأول فيه إلا، والثاني ليس فيه إلا الواو. قال: وقد قيل: ليس الاستثناء إلا في وجهين؛ إن وإلا أن. وأما قوله إلا، فالنية تجزئه. ألا ترى قوله: الحلال عليَّ حرام، وهو ينوي إلا امرأته؛ أن ذلك يجزئه (¬1). وهذا أحسن (¬2)؛ لأن (إلا) تكون بمعنى (غير وسوى)، فيرجع إلى المحاشاة إذا عزلها بنيته، وإن أدخلها في اليمين، ثم رفعها؛ كان استثناء. واختُلف إذا نسق الاستثناء بنية حدثت بعد تمام اليمين: فقال مالك في المدونة: ذلك استثناء (¬3). وقال محمد بن المواز: ليس ذلك (¬4) باستثناء. قال وإن نوى الاستثناء قبل آخر يمينه، ولم يبق منها إلا حرف، ثم نسق الاستثناء؛ فذلك جائز (¬5). يريد: إذا بقي من الكلام ما لو سكت (¬6)؛ لم ينعقد اليمين. وقال إسماعيل القاضي: إن لم يعزم على الاستثناء إلا بعد الفراغ من اليمين؛ لم ينفعه، وإن كان نسقًا. وإن ابتدأ اليمين ثم عزم على الاستثناء قبل ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 46. (¬2) في (ق 5): (حسن). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 584. (¬4) قوله: (ذلك) زيادة من (ب). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 19. (¬6) في (ط): (ما ليس سكت).

انقضاء اليمين، ولو بأقل الأجزاء، كان ذلك له. قال: ألا ترى لو بلغ آخر اليمين إلا ذلك الجزء، ثم قطع يمينه؛ لكانت ساقطة عنه؛ لأن اليمين لا تنعقد إلا بتمامها. قال: وكذلك كل شيء من الطلاق والعتق، لا يقع إلا بتمامها. وهذا أحسن. وأما إذا أحدث نية بعد تمام اليمين، فإنما يريد أن يدفع يمينًا قد انعقدت ووجبت، وذلك غير صحيح. وبقية ما يتعلق بالاستثناء مذكور في كتاب الأيمان بالطلاق وفي كتاب العتق الأول.

باب فيمن حلف بيمين علي أشياء أو بأيمان على شيء واحد

باب فيمن حلف بيمين علي أشياء أو بأيمان على شيء واحد وقال مالك، فيمن قال لأربع نسوة له: والله، لا أجامعكنّ، أو لا أكلمكنّ ففعل؛ فكفارة واحدة تجزئه (¬1). واختُلف إذا أصاب واحدة أو كلّمها، فقال مالك: قد حنث في يمينه (¬2). وقال أبو القاسم ابن الجلاب: يتخرج فيها قول آخر: أن لا يحنث حتى يفعل جميع ما حلف عليه (¬3). وإن قال لواحدة: والله، لا أكلمك (¬4). ثم قال للأخرى: ولا أنت. فإن كانت تلك نيته من أول يمينه؛ كان كالذي قال: لا أجامعكنّ. فإن كان ذلك بنية حدثت بعد تمام اليمين؛ جرت على القولين، إذا نسق الاستثناء بنية حدثت بعد تمام اليمين. وعلى الاختلاف فيمن طلق زوجته قبل الدخول طلقة، ثم نسق أخرى، فمن جعل ذلك استثناءً، وألزم الطلقة الثانية؛ أدخل هؤلاء في اليمين الأولى. ومن لم يجعل ذلك استثناءً، ولا ألحق الطلقة الثانية؛ لم يدخل هؤلاء في اليمين. وإذا لم يصح دخولهن في اليمين؛ لم يكن عليه شيء فيهن، كأنه (¬5) لم يحدث يمينًا أخرى. وإن أراد بقوله: ولا أنت، يمينًا نواها حينئذ غير اليمين الأولى؛ لزمه. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 588. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 588. (¬3) انظر: التفريع: 1/ 291. (¬4) في (ق 5): (كلمتك). (¬5) قوله: (كأنه) في (ب): (لأنه).

وكذلك إذا عطف على الأربعة، فقال: ولا أنت، ولا أنت. وأحدث نية يمين عند عطفه على كل واحدة، فيلزمه أربع كفارات. وإن أحدث نية يمين عند العطف على الأولى، يريد بقوله: ولا أنت: جميع البواقي؛ كان عليه كفارتان، وكن الثلاث داخلات في اليمين الثانية. وقال مالك في كتاب محمد، فيمن قالت له زوجته: يا ابن الخبيثة ثم جحدت ذلك، فقال لها: أنت طالق إن لم تكوني قلت لي: يا ابن الخبيثة. ثم سكت قليلًا، ثم قال: لقد قلتها لي ثلاث مرات. ثم شك فيما بعد الواحدة، فقال مالك: ما أرى عليه شيئًا، إلا أن يقول: أردتُ به طلاقًا، أو ذكرته (¬1). وقال ابن القاسم: إن كان كلامًا واصلًا؛ فذلك يلزمه، وإن كان بين ذلك صُمات؛ فلا شيء عليه، إلا أن ينوي بكلامه أن يدخله في يمينه (¬2). وقول مالك: لا شيء عليه. وإن كان واصلًا بيمينه، إلا أن ينوي إدخال قوله تحت اليمين المتقدمة، أو يحدث نية يمين أخرى أبين. وليس كقوله: وأنت وأنت؛ لأن ذلك أتى بواو العطف على الأولى، وهذا استأنف قولًا، ولم يعطف. وإن كرر اليمين على شيء واحد في مجلس أو مجالس، فقال: والله والله، لا فعلت كذا؛ كانت يمينًا (¬3) واحدة، إلا أن ينوي يمينين، فيكون عليه كفارتان. وكذلك لو قال: والله فوالله، إلا أن ينوي يمينين. قال محمد: ولو قال: والله، ثم والله، ثم والله إن كلمت فلانًا؛ فليس عليه ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 6/ 42. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 282. (¬3) في (ط): (يمينين).

إلا كفارة واحدة (¬1). وأرى أن يكفر (¬2) عن كل يمين كفارة، وهذه أيمان، وهو بمنزلة من قال: عليّ ثلاثة أيمان. وقال محمد بن عبد الحكم، فيمن قال: والله ووالله ووالله، لا أفعل، في شيء واحد: فعليه ثلاث كفارات. قال: وإنما تكون كفارة واحدة إذا قال: والله والله والله. وقال مالك في كتاب محمد، فيمن حلف بالله في شيء أن لا يفعله، فقيل له: إنك ستحنث. فقال: والله، لا أحنث. ثم حنث: فعليه كفارتان (¬3). قال محمد: ولو قال: عليّ نذر إن فعلت كذا، عليّ نذر إن فعلت كذا ففعله (¬4)؛ فعليه كفارتان (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 11. (¬2) قوله: (يكفر) في (ب): (يكون). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 11، والبيان والتحصيل: 3/ 109. (¬4) قوله: (ففعله) ساقط من (ت). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 11.

باب في تقديم الكفارات قبل الحنث

باب (¬1) في تقديم الكفارات قبل الحنث الأيمان أربعة: أحدها: ما كان الحالف فيه على بِرٍّ، كقوله: لا كلّمتُ فلانًا، أو لا دخلتُ هذه الدار. والثاني: ما كان فيه على حنث، ولا يحنث (¬2) إلا بموت نفسه، كقوله: لأدخلن هذه الدار، أو لأتزوجن. ولم يسم امرأة. والثالث: ما كان يصح أن يحنث به في الحياة، كقوله: لأكلمنّ فلانًا، أو لأتزوجنّ فلانة، أو لأركبن هذه الدابة. والرابع: أن يحلف ليفعلنّ، ويضرب أجلًا. فأما من كان على بِرٍّ؛ فاختُلف فيه على أربعة أقوال: فقال ابن القاسم: اختلفنا (¬3) في الإيلاء: هل تجزئ إن قدم الكفارة؟ فسألنا مالكًا، فقال: بعد الحنث أعجب إليّ، وإن فعل أجزأ (¬4). وقال مالك (¬5) في كتاب محمد: يمضي، للحديث: "من (¬6) حلف على يمين، فرأى غيرها خيرًا منها؛ فليكفر". ¬

_ (¬1) قوله: (باب) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (ولا يحنث) في (ب): (ولا يحتل). (¬3) في (ط): اختلف. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 590، 2/ 318. (¬5) قوله: (مالك) ساقط من (ق 5). (¬6) قوله: (من) في (ب): (فيمن).

وذكر أبو محمد عبد الوهاب، عنه: أنه أجاز ذلك ابتداء (¬1). وذكر ابن الجلاب عنه، أنه قال مرة: لا تجزئ. وقيل: يجوز (¬2) إن كانت اليمين بالله، ولا تجوز (¬3) إن كانت بطلاق أو عتق أو صدقة أو مشي (¬4)، يريد: ما لم يكن أخر طلقة، أو عبدًا معينًا. قال مالك وابن القاسم فيمن آلى بعتق رقبة غير معينة، فأعتق قبل الحنث: ذلك يجزئه (¬5). ويجري (¬6) على هذا الطلاق، وإن لم تكن طلقة بعينها، والصدقة. وأجاز مالك لمن كان على حنث، فقال: لأفعلنّ، ولم يضرب أجلًا: أن يقدم الكفارة (¬7). وقال ابن الماجشون في ثمانية أبي زيد، فيمن حلف بالله ليتصدقنّ بدينار، فأراد أن يحنث نفسه: فيكفر، ولا يتصدق. قال: (¬8) لا يجزئه حتى يحنث، واليمين عليه كما هي. قال: وهذا لا يتبين (¬9) حنثه؛ حتى يموت. واختُلف إذا ضرب أجلًا على ثلاثة أقوال: فقال مالك في المدونة، فيمن قال: أنت طالق إن لم أتزوج عليك، فأراد أن ¬

_ (¬1) انظر: المعونة: 1/ 426. (¬2) قوله: (وقيل: يجوز) في (ق 5): (وقال: يجزئه). (¬3) (ق 5): (يجزئ). (¬4) انظر: التفريع: 1/ 300. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 315. (¬6) في (ق 5): (يجزئ). (¬7) انظر: المدونة: 1/ 588. (¬8) قوله: (قال) ساقط من (ق 5). (¬9) في (ق 5): (يبين).

لا يتزوج عليها: يطلقها، ثم يرتجعها، ولا شيء عليه، قال: وإن قال: إن لم أتزوج عليك إلى شهر؛ جاز له أن يطأ؛ لأنه على برّ، قال ابن القاسم: وإذا كان على بَرٍّ، فليس له أن يحنث نفسه (¬1). وقال في كتاب محمد: إذا قال: أنت طالق إن لم أتزوج عليكِ، وضرب أجلًا، أو لم يضربه؛ له أن يحنث نفسه. وقال أيضًا: إن حلف بالله، فذلك له. وفيما كفارته كفارة اليمين بالله، وقال محمد فيمن حلف ليكلِّمن فلانًا، أو ليركبن هذه الدابة، ولم يضرب أجلًا: أن حياتهما كالأجل، بخلاف من حلف على ما لا يحنث إلا بموت نفسه. وعكس ذلك ابن كنانة في كتاب ابن حبيب، وقال: إن حلف بعتق جاريته (¬2) ليسافرنّ، أو ليأتين بلد كذا؛ فله أن يصيبها. لأنه لا يتبين (¬3) حنثه إلا بموته وهي كالمدبّرة (¬4) وإن كان مما يقع عليه الحنث في حياته، مثل أن يحلف ليضربن جاريته، أو ينحر بعيره؛ فلا يطأ. والقياس في جميع ذلك فيمن حلف لأفعل أو ليفعلن، ولم يضرب أجلًا، أو ضرب أجلًا وأراد أن يكفرِّ قبل مضي الأجل؛ سواء. والقول أن هذا على بر، وهذا على حنثٍ لا يؤثر في تقديم الكفارة؛ لأن من حلف ليفعلن ولم يضرب أجلًا، في حين إخراج الكفارة قبل الحنث تطوع بما لم يجب عليه. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 588. (¬2) في (ت): (جارية). (¬3) في (ق 5): (يبين). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 158.

ولو بدا له بعد أن أراد أن يكفرِّ أن ينتقل إلى أن يدخل الدار أو يكلم فلانًا؛ لم يلزمه بالنية المتقدمة شيء. فأما أن يقال إنه متطوع بالكفارة في جميع ذلك، فلأنها لم تجب، فلا تجزئ، أو أنها تجزئ. وقول مالك في المولي إنها تجزئ. يدخل فيه جميع الأيمان؛ من حلف لأفعلن، أو ليفعلن (¬1) وضرب أجلًا، أو لم يضرب أجلًا أنها تجزئ، وهو أحسن لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيُكَفِّرْ، وَلْيَأْتِ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ" (¬2)، وروي أيضًا عنه، أنه قال: "فَلْيَأْتِ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ، وَلْيُكَفِّرْ" (¬3). وكلا الروايتين تتضمن جواز تقديم الكفارة؛ لأن الواو لا توجب رتبة، فتركهم على ما يوجبه اللسان، يقدم الحالف أيهما أحب (¬4) الكفارة أو الحنث. ولو كان تقديم الكفارة لا يجوز؛ لأتى به، وقال: فليفعل، ثم (¬5) ليكفر؛ ولأن موضعه البيان؛ فلا يجوز تأخيره حينئذ، ويتركهم على ما يقتضيه (¬6) اللسان، والفاء في قوله: "فليفعل، وليكفر"؛ فإنما أبان ما يفعله بعد اليمين، ¬

_ (¬1) قوله: (لأفعلن، أو ليفعلن) في (ق 5): (لأفعل أو لأفعلن). (¬2) متفق عليه، البخاري: 6/ 2444، في كتاب الأيمان والنذور، برقم (6249)، ومسلم: 3/ 1271، في باب نذر من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا منها أن يأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه، من كتاب الأيمان، برقم (1650). (¬3) متفق عليه، البخاري: 6/ 2472، في كتاب الأيمان والنذور، برقم (6343)، ومسلم: 3/ 1271، في باب نذر من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا منها أن يأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه من كتاب الأيمان، برقم (1650). (¬4) في (ق 5): (أراد). (¬5) قوله: (ثم) في (ب): (و). (¬6) قوله: (يقتضيه) في (ب): (يتضمنه).

فصل [في أوجه التزام الحنث لمن حلف]

وهما شيئان؛ كفارة وحنث، كالقائل: إذا دخلت الدار؛ فكل واشرب. فله أن يقدم بعد الدخول أحدهما على الآخر، وفي الترمذي: أن العباس سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - في تعجيل صدقته لعام قبل أن تحل، فأرخص له في ذلك (¬1). فصل [في أوجه التزام الحنث لمن حلف] والحالف ألا يفعل في التزام الحنث على أربعة أوجه: واجب، ومستحب أن يفعل، ومخير بين الفعل أو الترك، ومستحب له أن لا يفعل. فإن كانت اليمين على قطع رحم، أو هجران من لا يجوز له هجرانه؛ كان التلبس بالحنث واجبًا؛ لأنه باق على معصية، والتنصل (¬2) من المعصية واجب. وإن كانت اليمين أن لا يتطوع بقربة، أو لا يقضي لفلان حاجةً له فيها فرج يسر بها؛ كان التلبس بالحنث أولى وأفضل. وإن كانت اليمين على ما لا يتعلق به أجر، وعليه في البقاء على يمينه مضرة؛ كان بالخيار بين الحنث أو الترك. وإن كان لا أجر فيه، ولا مضرة في الترك، كالذي يحلف أن لا يدخل دار فلان، أو لا يمشي لموضع كذا، ولا مضرة عليه إن لم يحنث، ولا منفعة في حنثه؛ استحب له أن لا يفعل، وأن يبر في يمينه (¬3). لأن معنى قوله: والله لا فعلت. أي: وحق الله. فبقاؤه على الوفاء بذلك أفضل. ¬

_ (¬1) حسن، أخرجه الترمذي: 3/ 63، في باب تعجيل الصدقة، من كتاب الزكاة برقم (678). (¬2) قوله: (التنصل) في (ب): (التنقل). (¬3) في (ق 5): (قسمه).

وفي الصحيحين: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لأن يلج أحدكم بيمينه في أهله؛ آثم له عند الله تعالى من أن يعطي كفارة يمينه" (¬1) يريد: فإذا حلف أن التزام الحنث واجب إن لم ينجز الطلاق لا يوفي لها بشيء من حقها. وقال أبو موسى: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي وَالله إِنْ شَاءَ الله لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غيرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إِلاَّ كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي، وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ" (¬2). فأخبر أنه إنما يحنث إذا كان هو خيرًا. ¬

_ (¬1) متفق عليه، البخاري: 6/ 2444، في كتاب الأيمان والنذور، برقم: 6250، ومسلم: 3/ 1276، في باب النهي عن الإصرار على اليمين، من كتاب الأيمان، برقم (1655). (¬2) متفق عليه، البخاري: 3/ 1140، في باب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين، من كتاب الخمس، برقم: (2964)، ومسلم: 3/ 1268، في باب ندب من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا منها، من كتاب الإيمان، برقم (1649).

باب في أصناف كفارة اليمين بالله تعالى

باب في أصناف كفارة اليمين بالله تعالى كفارة اليمين بالله تعالى أربعةُ أصناف، حسب ما ذكره في كتابه في قوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ. . .} الآية [المائدة: 89]. والإطعام غداء وعشاء، قال مالك: ومن كفّر بالمدينة؛ فمُدٌّ بمد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأما البلدان؛ فإن لهم عيشًا غير عيشنا؛ فليكفروا بالأوسط من عيشهم. قال ابن القاسم: وإن كفر بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - حيثما كفر أجزأه (¬1). وقول مالك أبين، فإن كان قوم الوسط من عيشهم أكثر من مد النبي - صلى الله عليه وسلم -، لأوسط من عيشهم. وإن كان أقل؛ جاز له أن يقتصر على الوسط من عيشهم، وأن يبلغ مد النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن القرآن ورد مقيدًا. وهذا في القمح وإن كان عيشهم الشعير أو التمر؛ أخرج الوسط من عيشهم من ذلك الصنف، ولا يراعى المد. واختُلف هل يخرج مع ذلك الإدام، فقال ابن حبيب: لا يجزئه الخبز قفارًا (¬2) وفي شرح ابن مزين: يجزئه. والأول أحسن؛ لقول الله تعالى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ}، وذلك يقتضي الإدام (¬3) وغيره، ومعلوم أنه أراد بذلك الوسط في الجودة والدناءة، وإذا أخرجه بغير إدام (¬4)؛ كان عدم الإدام في معنى الدناءة. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 591 و 592. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 21. (¬3) في (ق 5): (الأدم). (¬4) في (ت): (الأدم).

واختلف في صفة الإدام، فقيل: الزيت يجزئ من ذلك. وقال ابن سيرين: أفضله الخبز واللحم، وأوسطه الخبز والسمن، وأخشنه الخبز والتمر. وقال ابن حبيب في الإدام: الزيت أو اللبن أو القطنية أو لحم أو بقل (¬1). واختُلف هل المراد بالأهل: أهل المُكفّر، أو أهل البلد الذي هو فيه؟ فقال في المدونة: يخرج من عيش البلد الذي هو فيه (¬2). وقال في كتاب محمد: من عيش المكفِّر (¬3). وهو أحسن، ومحمل الآية على الأهل الأخص حتى يعلم غيره؛ ولأن إطلاق الأمر على أهله حقيقة، وعلى أهل البلد مجاز. فإن كان يأكل القمح؛ لم يجزئه الشعير، وإن كان ذلك عيش أهل ذلك (¬4) البلد. وإن كان يأكل الشعير؛ أجزأه، وإن كان عيش أهل البلد القمح. قال ابن حبيب: إلا أن يكون فعل ذلك مع سعة، ومثله يأكل القمح؛ فلا يجزئه الشعير (¬5). وأما القدر؛ فقال في المدونة: قدر قوت البلد (¬6). وعلى القول الآخر أن ¬

_ (¬1) قوله: (أو القطنية أو لحم أو بقل) في (ب): (أو لحما أو بقلا)، وانظر: النوادر والزيادات: 4/ 21. (¬2) قوله: (الذي هو فيه) ساقط من (ق 5) انظر: المدونة: 1/ 591. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 22. (¬4) قوله: (ذلك) ساقط من (ت). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 21 و 22. (¬6) انظر: المدونة: 2/ 323.

محمل الآية على أهل المُكفّر: يخرج الوسط أيضًا من قدر أكلهم. فقد يكون المكفر وأهله لهم أكل؛ فلا يجزئهم قدر ما يأكله أهل البلد. أو يكون هو وأهله قليلي الأكل، فلا يكون عليه (¬1) أن يبلغوا إلى عادة البلد، وإلى هذا ذهب ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك، وقالوا (¬2): إن كان ممن يشبع أهله؛ أشبع المساكين العشرة. وإن كان لا يشبعهم لعجزه؛ أطعم المساكين العشرة على قدر ما يفعل مع أهله في عسره ويسره (¬3). وقال محمد بن سيرين والأوزاعي وأبو عبيدة (¬4): يجزئهم أكلة واحدة (¬5) غداء أو عشاء، وروي ذلك عن الحسن. وفي الترمذي: أن النبي أعطى المظاهر ليكفر عن ظهاره عرقًا، قال: وهو مكتل يأخذ خمسة عشر صاعًا، أو ستة عشر صاعًا. فقال: "أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا" (¬6). وفي بعض طرقه: "أنه كان تمرًا" (¬7). فينوب كل مسكين مد أو (¬8) مد تمر قوت يومه، وحمل الآية على أقل ما يتضمنه الأمر، وهو فعل مرة. وإذا أخرج (¬9) الوسط من شبع أهل البلد أو من شبع أهله على الاختلاف ¬

_ (¬1) في (ت): (لهم). (¬2) قوله: (وقالوا) في (ب): (وقال). (¬3) انظر: تفسير الطبري: 10/ 542 و 543. (¬4) في (ط): (أبو عبيد). (¬5) قوله: (واحدة) ساقط من (ق 5). (¬6) أخرجه الترمذي: 3/ 503، في باب كفارة الظهار، من كتاب الطلاق، برقم (1200). (¬7) أخرجه البخاري: 5/ 2053، في باب في نفقة المعسر على أهله، من كتاب النفقات، برقم (5053). (¬8) في (ق 5): (و). (¬9) قوله: (أخرج) في (ب): (أخذ).

المتقدم؛ لم ينظر إلى الفقير المعطى إن كان أكولًا لا يشبعه، أو كان فيه فضلة؛ لأنه قليل الأكل أو مريض أو صغير. ويجوز أن يعطي الفطيم، واختُلف في الرضيع، والقياس: أن لا يجزئ (¬1). ويعطي الحر المسلم الفقير الذي (¬2) لا يلزم المعطي نفقته (¬3). وإن أعطى عبدًا أو كافرًا أو غنيًا، لم يجزئه إن كان عالمًا (¬4). واختُلف إذا لم يعلم: هل يجزئ؟ وهذا إذا فاتت، فإن كانت قائمة؛ انتُزِعت منهم، وصرفت لمن يجوز. وإن ضاعت من أيديهم لم يضمنوها، إلا أن يعلموا أنها كفارة وغروا من أنفسهم؛ فيضمنوا. واختُلف إذا لم يعلموا وأكلوها، وصانوا بها أموالهم: هل يغرمونها؟. وأن يغرموها أحسن لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ" (¬5). فإذا غرموا ما صانوا به أموالهم؛ لم يضروا بشيء. وهذا على القول أنها لا تجزئ المُكفّر، وأما على القول أنها تجزئه فيغرمونها؛ لأن ذلك من باب الاستحقاق، والمستحق غير المتسلط، وهم المساكين. وأن لا تجزئه الكفارة في جميع هذه الوجوه أحسن، بخلاف الزكاة؛ لأن الكفارة في الذمة، وقد خوطب بأن يطعم المساكين أو يكسوهم، وليس بأن يخرج ذلك. وخوطب في الزكاة بأن يخرج ذلك القدر. ¬

_ (¬1) في (ق 5): (لا يجوز). (¬2) قوله: (الحر المسلم الفقير الذي) في (ت): (لحر فقير مسلم). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 326. (¬4) انظر: المدونة: 2/ 325. (¬5) أخرجه مالك في الموطأ: 2/ 745، في باب القضاء في المرفق، من كتاب الأقضية، برقم (1429)، وأحمد في مسنده: 1/ 313، برقم (2867).

فصل [فيمن وجبت عليه كفارتان]

فإن عزله ثم ضاع؛ برئ. فالخطأ وقع على ما قد برئت ذمته منه قبل، كما لو أخطأ الإمام. ولو ضاعت الكفارة قبل أن يعطيها لم يبرأ. وإن دفعت المرأة مدًّا من كفارتها لزوجها وهو فقير أجزأها. وكذلك إن أعطته ولدها صغارًا كانوا (¬1) أو كبارًا؛ لأن نفقتهم غير لازمة لها. فصل [فيمن وجبت عليه كفارتان] ويستحب لمن وجبت عليه كفارتان: أن يطعم عشرين مسكينًا. فإن أطعم عشرة وكساهم؛ أجزأه. وكذلك، إن أطعم عشرة مدين مدين؛ فذلك يجزئه. وإن أطعم عشرة، ثم حنث في يمين أخرى؛ جاز أن يعطيهم الكفارة الثانية من غير كراهية. وإن أعطى كفارة يمين أكثر من عشرة أو أقل؛ لم يجزئه لقول الله تعالى: {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: 89]، وهو مصدر أطعم، والمعنى: أطعموا عشرة مساكين. ولو كانت التلاوة طعام عشرة؛ لأشبه أن يخرج ذلك القدر، فيطعمه أكثر من عشرة أو أقل. واختلف قول ابن القاسم إذا أطعم خمسة، وكسا خمسة، فقال في المدونة: لا يجزئه (¬2). وقال في كتاب محمد: يجزئه (¬3). وهو أحسن؛ لأن كل واحدة من هتين الكفارتين تسد مسد الأخرى مع الاختيار. ¬

_ (¬1) قوله: (كانوا) ساقط من (ق 5). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 598. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 22.

وقال محمد فيمن عليه ثلاثة أيمان؛ فأعتق رقبة (¬1) وكسا عشرة، وأطعم عشرة. أو (¬2) أشرك في كل كفارة، فقال: يبطل العتق، ويجزئه من الإطعام عن ثلاثة مساكين، ومن الكسوة عن ثلاثة، ويكسو سبعة، ويطعم سبعة إن أحب، ويكفر عن اليمين الأخرى. وإن أحب أن يكسو ما بقي من الكفارتين، أو يطعم، قال: فليكسُ سبعة عشر، أو يطعم سبعة عشر (¬3)؛ لأن الذي صار له من الكفارات في الكسوة ثلاثة، وأطعم ثلاثة. وهذا غلط. وأرى أن يحتسب بثمانية عشر على القول أن له أن يجمع في الكفارة الواحدة بين الإطعام والكسوة. وعلى القول الآخر يحتسب بتسعة؛ لأنه أطعم عشرة عن ثلاثة أيمان، تجزئه منها ثلاثة عن كل مسكين (¬4)، ويبطل مسكين واحد؛ لأنه أشرك فيه. وكسا عشرة؛ يجزئه منها تسعة، ويبطل واحد للشرك فيه. فعلى القول الأول يطعم اثني عشر أو يكسوهم، أو يكسو بعضهم ويطعم بعضهم. وعلى القول الآخر هو بالخيار بين أن يبني (¬5) على الإطعام، فيطعم أحدا وعشرين، فيكون إطعاما كله. أو يكسوهم، فيكون جميعها كسوة. ¬

_ (¬1) قوله: (رقبة) ساقط من (ت). (¬2) في (ق 5): (و). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 22. (¬4) في (ت): (يمين). (¬5) في (ق 5): (يبقي).

فصل [في المراعى في الكسوة]

فصل [في المراعى في الكسوة] والمراعى في الكسوة الفقير في نفسه، فيكسى الرجل ثوبًا تامًّا يستر جميع جسده، والمرأة ثوبًا وخمارًا. قال مالك: لا يجزئه أن يكسوها في كفارة اليمين، إلا ما تحل لها فيه الصلاة؛ الدرع والخمار (¬1). قال ابن القصار: لأنها عورة، ولا يجوز أن يظهر منها في الصلاة إلا وجهها وكفاها. فخالف بين الكسوة والإطعام، وليس عليه أن يجعل الكسوة مثل كسوة المكفرِّ وأهله، ولا مثل كسوة أهل البلد، بخلاف الإطعام وإن كسا صبيًا كسوة مثله، والصبية كسوة مثلها؛ أجزأه. فإن كانت لم تؤمر بالصلاة لم يعطها خمارًا. ويستحب أن يكسو فوق ذلك السن، كما يستحب أن يعتق من صلىَّ وصام، فإن لم يفعل؛ أجزأه. وقال محمد، عن ابن القاسم: لم يكن يعجبه أن يكسو المراضع على حال، وأما من قد أمِر بالصلاة فلم يكن يرى بكسوته بأسًا قميصًا مما يجزئه قال محمد: تفسيره: كسوة رجل (¬2). ومفهوم قول ابن القاسم غير هذا، أنه يكسوه في نفسه، ويلزم على قول محمد إذا لم يراع المكسو (¬3) في نفسه: أن يجيز أن يعطي المرأة كسوة الرجل، والرجل كسوة المرأة. وقال ابن الماجشون، في كتاب ابن حبيب: يكسو الصبيات (¬4) كسوة ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 596. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 21. (¬3) قوله: (المكسو) في (ب): (الكساء). (¬4) في (ت) و (ق 5): (الصبايات).

رجل؛ قميصًا فقط؛ لأنهن لم يكسين ذلك، وإنما هو لانتفاعهن بثمن ما يجزئ المكفرِّ أن يكسو الكبار، وأجرى الكسوة مجرى الإطعام: أنه لا ينظر إلى ما يعطي الفقير، هل هو فوق أكله، أو أقل. وقال ابن القاسم في العتبية: تعطى الصغيرة كسوة كبيرة، والصغير كسوة كبير (¬1). وكل هذا استحسان، ولو كانت الكسوة كالإطعام يراعى فيها المكفرِّ وأهله؛ لكسا الرجل كسوة مثله. فإن كان المكفِّر ذا هيئة؛ كسا مثل ما يلبسه من أعداد القمص والعمامة، وما يعمل عليها، والسراويل والنعلين والشمشكين. وإن كسا امرأةً؛ كسا مثل ما يكسو أهله من الثياب الحسنة والحرير والخز، إذا كانت ممن تمتهن ذلك في بيتها. وعلى القول: أنَّ المراعى أهل البلد يكسو الرجل على الغالب من كسوة رجالهم، والمرأة على الغالب من لباس نسائهم. وقول مالك وغيره من أصحابه أنه يعطى الرجل قميصًا تجزئه فيه الصلاة (¬2)، وإن كان حاسر الرأس دليلٌ على أنه لا يراعى لباس المكفِّر، ولا لباس أهل البلد وأن ذلك كالعتق يراعى المعتق في نفسه، والمكسو (¬3) في نفسه، والعتق مذكور في كتاب الظهار. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 167. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 596. (¬3) في (ق 5): (المكسى).

فصل الكفارة بالصيام لمن عجز عن العتق والكسوة والإطعام

فصل الكفارة بالصيام لمن عجز عن العتق والكسوة والإطعام قال ابن القاسم: ومن كانت له دار يسكنها، أو خادم تخدمه؛ لم يجزئه الصوم فيجوز له أخذ الكفارة، ولا يجزئه الصوم (¬1). قال محمد: لا يصوم؛ حتى لا يجد إلا قوته، أو يكون في بلدٍ لا يعطف عليه فيه، وقال ابن القاسم، في كتاب ابن مزيّن: إذا كان له فضل عن قوت يومه؛ أطعم، إلا أن يخاف الجوع، وهو في بلد لا يعطف عليه فيه (¬2)، وجميع هذا حرج. والمفهوم من الدين التوسعة فوق هذا، وأن لا يخرج إلى التكفف (¬3)؛ لأنه من الحرج. واختلف فيمن له مالٌ غائب: فقال ابن القاسم، في المدونة: لا يجزئه الصوم، ولكن يتسلف (¬4). وقال أشهب، في كتاب محمد: يجزئه (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 595. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 24. (¬3) في (ت): (التكليف). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 595. (¬5) في (ت): (يجزئه الصوم) قلت: والنص في النوادر الذي رجعنا إليه به سقط يقيمه النص هنا؛ فقد سقط منه قول أشهب، ونص ما وقفت عليه فيه قوله: (ومن له مال غائب وليس له إلا دين فليتسلف ويعتق. وقال أشهب: وقيل فإن لم يجد سلفا أو كان الدين قريبا انتظره، ولو كفر بالصيام ولم ينتظر الدين أجزأه). وهو بين التصحيف. انظر: النوادر والزيادات: 4/ 25.

وقيل: إذا كان يجيء ذلك قريبًا؛ انتظر. وإن وجد من يسلفه؛ تسلف. وإن صام وهو يجد من يسلف، ولم ينتظر؛ أجزأه (¬1)، وأصل ابن القاسم أنه ينتظر، وإن بعد؛ لأنه قال في المظاهر لا يجزئه إلا الصوم وإن طال مرضه (¬2). وقال أشهب: يجزئه الإطعام، وهو أحسن إذا طالت الغيبة، أو طال المرض؛ لأنه يجب أن يُبرئ (¬3) ذمته الآن. ويستحب متابعة صيام الأيام الثلاثة، وإن فرق أجزأه، ولا يصومها في أيام التشريق. واختُلف إذا فعل: فقال محمد: إن صام أيام التشريق؛ لم يجزئه، وعليه الإعادة. قال: وقد وقف مالك (¬4) عن ذلك (¬5)، وقال: ما أدري. قال: وأما يوم الفطر ويوم النحر؛ فواجب أن يقضيه. فسوّى بين الأيام الثلاثة في عدم الإجزاء، وفي الوقوف (¬6). وقال ابن القاسم في المدونة، في اليوم الآخر: عسى أن يجزئه (¬7). وقال المغيرة وأبو مصعب: يجزئه صيام أيام التشريق. وقال مالك في المبسوط: من نذر اعتكاف أيام التشريق؛ اعتكفها (¬8). وهذا أحسن لحديث عمر - رضي الله عنه - قال: "هَذَانِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صِيَامِهِمَا: ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 25. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 332. (¬3) قوله: (يبرئ) في (ب): (تبرأ). (¬4) قوله: (مالك) ساقط من (ق 5). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 24. (¬6) قوله: (الوقوف) في (ب): (الوقف). (¬7) انظر: المدونة: 1/ 279. (¬8) انظر: المدونة: 1/ 297.

فصل

يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، وَالآخَرُ يَوْمَ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ" وحديث أبي هريرة وأبي سعيد قالا: "نَهَى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ: الْفِطْرِ وَالأَضْحَى" أخرج هذه الأحاديث البخاري ومسلم (¬1) فلو كانت أيام التشريق محرمة لقالوا: خمسة أيام ولأن المتمتع يصومها ولا يصوم يوم النحر فلو كانت محرمة لم يصمها كما لم يصم يوم النحر وإذا كان ذلك حمل ما ذكر من ترك صيامها على الاستحسان لا أنها حرام. فصل العبد في الكفارة على ثلاثة أقسام: فلا يجزئه العتق وإن كان يأذن سيده لأن الولاء لغير المكفر ويجزئه الصوم إذا منعه السيد من الكسوة والإطعام. واختُلف إذا أذن له في ذلك وفي يد العبد ما يكسو أو يطعم على ثلاثة أقوال فقال في المدونة إن فعل فكسا أو أطعم أجزأه وما هو بالبين والصيام أحب إلي (¬2). ¬

_ (¬1) حديث عمر - رضي الله عنه - أخرجه البخاري، ولم أقف عليه في مسلم، وحديث نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صيام يومين، ومن طريق أبي هريرة انفرد به مسلم ورواه مالك في الموطأ. حديث عمر أخرجه البخاري: 2/ 702، في باب صوم يوم الفطر، من كتاب الصوم، برقم: (1889). وحديث أبي سعيد متفق عليه أخرجه البخاري حديث أبي سعيد: 2/ 702، في باب صوم يوم الفطر، من كتاب الصوم، برقم: (1890) وأخرجه مسلم: 2/ 799، في باب النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى، من كتاب الصيام، برقم 1138. وحديث أبي هريرة، أخرجه مسلم: 2/ 799، في باب النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى، من كتاب الصيام، برقم 1138، ومالك في الموطأ: 1/ 300، في باب صيام يوم الفطر والأضحى والدهر، في كتاب الصيام، برقم: (665). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 591.

وأنكر ابن حبيب قوله: أرجو أن يجزئه فقال لا بأس به لأن من كفر عن رجل من ماله بالإطعام أجزأه ولا يكون العبد إذا أذن له سيده أبعد من الأجنبي، وكذلك أخبرني مطرف وابن الماجشون، عن مالك وقال أيضا: لا يجزئه الصوم بعد (¬1) إذن سيده له لأنه بعد إذن السيد كالحر يملك ذلك وإنما جعل الله الصيام لمن لم يجد. وقال ابن الماجشون في المبسوط: لا تجزئه الصدقة لأنها تخرج إلى من يعطاها فيها ملك لسيده (¬2) وبعدما أذن لو شاء رجع، وهذا إنما يصح على من قال في الأجنبي إذا كفر عن غيره ألا يجزئ، والقياس أن يجزئ وقد مضى ذلك في كتاب الظهار. ¬

_ (¬1) في (ت): (بغير). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 300.

باب فيمن حلف أن لا يأكل طعاما، أو ليأكلنه، فأكل بعضه، أو أكله بعد أن فسد، أو انتقل عن حاله بصنعة، أو غيرها، وما يتعلق بذلك

باب (¬1) فيمن حلف أن لا يأكل طعامًا، أو ليأكلنه، فأكل بعضه، أو أكله بعد أن فسد، أو انتقل عن حاله بصنعة، أو غيرها، وما يتعلق بذلك ومن حلف ليأكلنّ هذا الرغيف، فأكل بعضه، لم يبر؛ لأن الباقي محلوف عليه أن يأكله. وإن حلف ألا يأكله، فأكل بعضه؛ حنث؛ لأن القصد أن لا يقربه. وقال ابن الجلاب: يتخرج فيهما قول آخر: أن لا يحنث، إلا أن يأكل جميعه. وقال مالك في كتاب محمد، فيمن قال لامرأته، وهي حامل: إذا وضعت، فأنتِ طالق. فوضعت ولدًا، وبقي في بطنها آخر: لم تطلق عليه؛ حتى تضع الآخر فلم يحنثه بالبعض، وقال أيضًا: يحنث بوضع الأول (¬2). واختُلف فيمن قال لزوجته: إن وطئتكِ، فأنت طالق. هل يحنث بمغيب الحشفة، أم لا يحنث إلا بالوطء التام أم لا؟ وقال محمد: إن حلف أن لا يأكله كله، لم ينفعه ذلك (¬3). وقال ابن سحنون فيمن حلف أن لا يهدم هذه البئر كلها: لم يحنث إلا بهدم جميعها (¬4). ¬

_ (¬1) قوله: (باب) ساقط من (ب). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 103. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 77. نص النوادر والزيادات: (قال مالك فى كتاب ابن المواز: من حلف لا أكل هذا القرص كله فأكل بعضه فقد حنث ولا ينفعه قوله كله). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 77. ونص النوادر والزيادات: (قال سحنون فى كتاب ابنه في =

وهذا أحسن؛ لأنه شرط الكل. وقال مالك فيمن حلف على طعامٍ ليأكلنه، فتركه حتى فسد، ثم أكله فقد حنث إذا خرج عن حد الطعام. وقال سحنون في العتبية: لا يحنث، إلا أن يكون أراد أن يأكله قبل أن يفسد (¬1). وأرى أن يحنث لوجهين: أحدهما: حمله على العادة. والعادة أن يؤكل غير فاسد. والثاني: أنه إذا فسد ذهب بعضه. ومن حلف على شيء ليأكلنه؛ لم يبر، إلا بأكل جميعه. وإن كان خبزًا رطبًا فيبس، فذلك أخف؛ لأنَّ جميعه موجود. وُيراعى في الأيمان ستة: النية، وبساط اليمين وهو السبب الذي كان عنه (¬2)، والعادة في الاستعمال، والعادة في التخاطب، والعادة في المقاصد في الأيمان، وما يقتضيه اللفظ الذي حلف به في وضع اللغة. وتراعى أيضًا اليمين في نفسها: هل هي مما يقضى بها (¬3) بموجب حنثها؟ وهل عليه بينة، أو هو مستفت؟ فإن كانت مما لا يقضى بها؛ ابتُدئ في ذلك بالنية، فإن لم تكن له نية؛ حمل على ما يوجبه اللفظ وإن كانت في التخاطب ¬

_ = الطلاق: فيمن حلف ألا يهدم هذا البئر بالطلاق فهدم بعضها إنه حانث، قال: إلا أن يشترط فيقول إن هدمتها كلها فهذا لا يحنث إلا بهدم جميعها). (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 245. (¬2) قوله: (عنه) في (ب): (عنده). (¬3) قوله: (بها): ساقط من (ت).

عادة حمل عليها؛ لأنها صارت كاللغة. وهي مقدمة على ما يوجبها ذلك اللفظ في اللغة إذا كان الحالف غير عارف بموجبها في اللغة، أو عارفًا وترك استعمالها. وهذا مع عدم العادة في الاستعمال وعدم البساط، فإن كانتا؛ كان في المسألة ثلاثة أقوال: فقيل: يحمل على ما يوجبه اللفظ، ولا يراعى بساط ولا عادة؛ لأنَّ الحالف لم ينوهما، فلا يحمل على ما لم ينو. وقيل: يحمل على بساط يمينه دون العادة. وقيل: يحمل عليهما، فإن اجتمعا بُدئ ببساط يمينه، فإن عُدم رجع إلى العادة، وإن كانت اليمين مما يقضى بها، ولا بينة عليه؛ كان الجواب كالأول. وإن كانت عليه بينة؛ سُئل عن نيته، فإن ذكر ما يوجبه مجرد اللفظ، أو أكثر من موجبه؛ صُدّق، وان ادّعى دون موجبه؛ لم يصدّق، إلا أن تكون ليمينه بساط وعادة تصدق نيته، فيُقبل قوله. وهذا عمدة (¬1) ما يحتاج إليه فيما يأتي من هذه المسائل. ومن المدونة فيمن حلف: أن لا يأكل هذه الحنطة، أو من هذه الحنطة، فأكل خبزًا أو سويقًا عُمل منها، حنث. قال لأن هذا هكذا في السمن يؤكل (¬2). وقال ابن المواز: وإن حلف أن لا يأكل هذا القمح، فأكل منه خبزًا: أن لا شيء عليه، إلا أن يقول من هذا القمح (¬3) فلم يرَ عليه حنثًا، وإن عرف، فقال: هذا القمح فقال هذا. إذا عظمت الصنعة حتى جاز التفاضل بينه وبين القمح. ¬

_ (¬1) في غير (ب) و (ت): (عقد). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 599. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 100.

وقد قيل في هذا الأصل: إن عرف، فقال: هذا؛ حنث. وإن نكّر ذلك، فقال: لا أكلت قمحًا، فأكل خبزًا، لم يحنث؛ لأنه إذا عين، وقال: هذا. لم تخرجه الصنعة عن أن تكون هي العين المشار إليها، ولأنها العادة فيما يؤكل عليه، وليس الشأن أن يؤكل قمحًا. ولو حلف أن لا آكل هذا الدقيق، فأكل ما عُمل منه حنث. وإن حلف لا يأكل دقيق قمح فأكل خبز قمح لم يحنث؛ لأن هذا اسم خاص وإن حلف أن لا يأكل خبزًا، فأكل كعكًا أو إسفنجة؛ حنث على موضوع التسمية؛ لأنَّ تلك الصنعة (¬1) خبز، ولا يحنث على ما تعارفه الناس اليوم؛ لأنهم لا يسمون ذلك خبزًا، ويحنث إذا قصد الحالف أن يضيق على نفسه، وإن حلف ألا يأكل كعكًا أو إسفنجة، فأكل خبزًا؛ لم يحنث، أو حلف لا يأكل كعكًا، فأكل إسفنجة؛ لأنه خص، وإن حلف أن لا يأكل هذا القمح فأكل ما زرع منه؛ لم يحنث، وإن كان ملكًا له، وإن كان هبة، وأراد رده، ودفع منة واهبه، فلم يفعل، وزرعه؛ حنث. وإن رده، وزرعه واهبه؛ لم يحنث، إلا أن تكون نيته ألا يقبل منه هبة، وكذلك إن باعه، واشترى بثمنه قمحًا؛ لا يحنث إن كان ملكًا له، ويحنث إن كان هبة، وكان هذا (¬2) بائعه. وإن رده، وباعه الواهب، واشترى بثمنه، فوهبه الثاني، وهو لا يعلم؛ لم يحنث، وإن علم؛ حنث؛ لأنه يتهم أن يكون عمل على بيعه. ¬

_ (¬1) في (ق 5): (صناعة). (¬2) في (ق 5): (هو).

فصل [فيمن حلف ألا يأكل لبنا فأكل سمنا أو جبنا أو ألا يأكل زبدا فأكل سمنا]

فصل [فيمن حلف ألا يأكل لبنا فأكل سمنا أو جبنا أو ألا يأكل زبدا فأكل سمنا] وقال محمد، فيمن حلف لا يأكل هذا اللبن، أو لا آكل لبنًا، فأكل ما عمل منه من سمن أو جبن أو زبد: فلا شيء عليه (¬1). وقيل: هذا (¬2) حانثٌ، عرف أو نكَّر. وفي كتاب ابن حبيب: يحنث إن عين، فقال: هذا اللبن (¬3). وإن قال: لبنًا؛ لم يحنث وهو في هذا إذا نكَّر أبين أن لا يحنث من قوله قمحًا، فأكل خبزًا؛ لأن القمح لا يؤكل على حاله، فحنث بالعادة، وفي الصفة التي يؤكل عليها. واللبن يستعمل على هيئته، وعلى الوجه الآخر، وإذا لم يعين؛ لم يحنث، إلا بما يقع عليه ذلك الاسم. وإن حلف أن لا آكل من هذا اللبن؛ حنث بما يعمل منه؛ لأنه منه. وقال محمد: إن حلف ألا يأكل زبدًا، فاكل سمنًا لم يحنث (¬4). وقال أيضًا: يحنث والأول أصوب؛ لأن قوله زبدًا أو سمنًا أو جبنًا، أسماء تخص وإن حلف ألا يأكل زبدًا؛ لم يحنث بأكل اللبن، أو لا آكل سمنًا؛ لم يحنث بأكل الزبد. وقال ابن حبيب، فيمن حلف ألا يأكل الحليب: لم يحنث بالمضروب، أو ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 97 و 98. (¬2) في (ت): (هو). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 100. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 98.

ألا يأكل المضروب؛ لم يحنث بأكل الحليب (¬1). وإن حلف في شاة بعينها لا آكل من لبنها، أو لا آكل منها لبنًا، أو لا آكل لبنها؛ فأكل ما يعمل منه؛ افترق الجواب. فإن حلف لا آكل من لبنها؛ حنث في كل ما يعمل منه من زبد أو سمن أو جبن. قال ابن القاسم: كان ذلك مستخرجًا منها قبل يمينه، أو بعده فإن قال: لا أكلت لبنها؛ كان على القولين فيمن عرّف، بمنزلة من قال: لا أكلت هذا اللبن. وإن قال: لا أكلت من هذه الشاة؛ لم يحنث بأكل اللبن؛ لأن القصد أن لا يأكل من ذاتها (¬2). قال ابن ميسر: واختُلف إذا أكل من نسلها (¬3). إلا أن تكون هبة، ويقصد رد منةِ واهبها؛ حنث إن شرب لبنها. وإن باعها، واشترى بثمنها غيرها، ولم تكن هبة، لم يحنث. وإن كانت هبة؛ حنث إن كان هو البائع لهما (¬4). قال ابن القاسم: وإن ردها، فأعطاه شاة أخرى، أو عرضًا؛ لم يحنث إذا لم يكن ثمنًا لها، إلا أن تكون نيته أن لا ينتفع منه بشيء أبدًا (¬5). وأرى إن باعها الواهب، واشترى بثمنها أخرى أن لا يقبلها، وإن قال: لا أكلت سمنًا، فأكل سويقًا بسمن؛ حنث، إلا أن تكون له نية في السمن الخالص. ¬

_ (¬1) قوله: (بأكل الحليب) في (ت): (بالحليب). وانظر: النوادر والزيادات: 4/ 104. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 97 و 98. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 99. (¬4) في (ق 5): (لها). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 613.

فصل [فيمن حلف ألا يأكل بسرا فأكل رطبا أو لا يأكل رطبا فأكل تمرا]

وإن حلف أن لا يأكل خلًا، فأكل مرقًا فيه خلٌ، لم يحنث، إلا أن تكون نيته أن لا يأكل طعامًا خالطه خلٌ. فأحنثه في السمن؛ لأن عينه قائمة، وطعمه موجود، بمنزلته قبل أن يخلط، ولو أراد تمييزه من السويق ميزه بالماء، وليس كذلك الخل. وقد اختُلف في ذلك: فقال محمد في السمن: إن كانت سبب يمينه مضرة السمن؛ حنث، وإن كان لأنه قيل له: إنك لتشتهيه؛ لم يحنث (¬1) وليس هذا بالبين؛ لأنه يبلغ شهوته إذا أكله في سويق. وقال ابن ميسّر: إن لم يجد طعم السمن؛ لم يحنث (¬2). يريد: لقلته، وهذا أشبه. يُختلف فيه بعد ذلك قياسًا على اللبن إذا خلِط بطعام؛ حتى صار مستهلكًا، هل تقع به الحرمة، وكذلك الخل. فصل [فيمن حلف ألا يأكل بسرا فأكل رطبا أو لا يأكل رطبا فأكل تمرا] وقال ابن القاسم، فيمن حلف أن لا يأكل بسرًا، فأكل رطبًا، أو أكل رطبًا، فأكل تمرًا؛ لم يحنث (¬3). وقال ابن وهب: يحنث. قال: (¬4) وهو بمنزلة الشحم من اللحم. وقال ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 85. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 85. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 599. (¬4) قوله: (قال) ساقط من (ق 5).

محمد: إذا أكل ما يخرج من المحلوف عليه فلم يره ابن القاسم إلا في الشحم من اللحم، والمرق من اللحم، والنبيذ من التمر، والعصير من العنب، والخبز من القمح، وما سوى هذه، فلا شيء عليه فيما يخرج من المحلوف عليه، إلا أن يقول منه (¬1). وفي الواضحة: إن عين، فقال: هذا الرطب، فأكل من تمره، أو هذا البسر فأكل من رطبه، أو هذا الكرم فأكل من زبيبه؛ حنث. فإن نكَّر، فقال: لا أكلت رطبًا؛ لم يحنث بالتمر، أو عنبًا؛ لم يحنث بالزبيب (¬2). وعلى ما تقدم فيمن حلف أن لا يأكل هذه الحنطة، فأكل من خبزها؛ لا يحنث هذا، وإن عين، وقول ابن القاسم في هذا أحسن، وإن قال: لا أكلتُ من هذا البسر، فأكله رطبًا، أو هذا الكرم فأكل من زبيبه (¬3)؛ حنث. واختُلف إذا قال: من هذا الطلع، فأكل من بسره أو رطبه. فقال محمد: استحسن أشهب أن لا حنث عليه، لبعد ما بينهما في الطعم والمنفعة والاسم (¬4) وهو أحسن؛ لأنَّ مِن تكون لإبانة الجنس وللتبعيض، فعلى كلا الوجهين لا يؤثر في هذا السؤال "مِنْ" لأنه إن أراد إبانة الجنس فلا شيء عليه في غيره. وإن جعلها للتبعيض، فإنما هي لتبعيض الموجود، لا لغير ذلك. ومن جعلها فيما يتولد منه؛ لم يجعلها لتبيين الجنس (¬5)، ولا للتبعيض. وإذا أدخل مِن ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 99. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 99. (¬3) قوله: (هذا الكرم فأكل من زبيبه) في (ت): (تمرًا). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 98 و 99. (¬5) قوله: (لتبيين الجنس) في (ق 5): (في الجنس).

فلا يختلف أنه يحنث بالبعض. واختُلف إذا أسقطها: هل يحنث بالبعض؟ وكذلك، إن حلف أن لا يأكل من هذه الشاة، فأكل ولدها؛ حنث على قول (¬1) ابن القاسم، ولم يحنث على أصل أشهب؛ لأنه لم يجعلها لما يتولد في المستقبل، وإنما هي للتبعيض فيما هو موجود، إلا أن يكون حاملا (¬2) وقت يمينه. وإن قال: لا أكلت من البسر؛ لم يحنث بأكل الرطب ولا التمر (¬3)؛ لأنَّ المراد ها هنا الجنس. ولو (¬4) قال في نخلة بعينها: لا أكلت من بسرها، أو لا أكلت منها بسرًا، أو لا أكلت بسرها؛ فأكل من رطبها أو تمرها؛ حنث إذا قال: من بسرها، ولم يحنث إذا قال: لا أكلت منها بسرًا. ويختلف إذا قال: لا أكلت بسرها؛ لأنه قد عرف، ولم يقل: مِن، وأن لا شيء عليه أحسن. وإن قال: لا أكلت بسرها، فأكل بلحها؛ لم يحنث، إلا أن تكون نيته اجتنابها. وقال محمد: إن حلف ألاّ يأكل زبيبًا أو تمرًا فشرب نبيذهما حنث، إلا أن تكون له نية، ولا بأس بخلهما ببعد منافعهما ولطول أعمالهما. فأحنثه إذا شرب نبيذهما. وإن نكّر فهو إذا عين أبن أن يحنث على أصله. ويجري فيها الخلاف المتقدم، وألا يحنث إن عرف قياسًا على من حلف في اللبن، وعن أن لا يحنثه في الزبد. ¬

_ (¬1) في (ق 5): (ما قال). (¬2) في (ت): (جاهلا). (¬3) قوله: (بأكل الرطب ولا التمر) في (ب): (كأكل الرطب والتمر). (¬4) قوله: (ولو) في (ب): (وإن).

فصل [فيمن حلف ألا يأكل لحما هل يحنث بأكل الشحم؟]

وعلى قول ابن حبيب يحنث إن عين (¬1)، يحنث إن نكّر لمفارقة الاسم والطعم ومباينته لطعم الأصل أكثر من مباينة طعم الزبد من السمن. فصل (¬2) [فيمن حلف ألا يأكل لحما هل يحنث بأكل الشحم؟] وإن حلف أن ألا يأكل لحمًا حنث بأكل الشحم، ولا يحنث إذا حلف ألا يأكل شحمًا بأكل اللحم؛ لأن اللحم اسم شامل يدخل فيه الشحم واللحم. والشحم اسم خاص، ولا يسمى الشحم بانفراده لحمًا. وإن حلف ألا يأكل لحمًا، فأكل مرق اللحم حنث. قال محمد: لأنه مما صار فيه من اللحم ودك وإن حلف ألا يأكل شحمًا؛ لم يحنث بأكل مرق اللحم. وإن حلف ألا يأكل لحمًا؛ حنث عند مالك بأكل لحوم الأنعام والوحش والطير والحوت، قال (¬3): قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} [النحل: 14] (¬4). وقال أشهب في المجموعة: لا يحنث إلا بأكل لحم الأنعام الأربع خاصة، دون الوحش وغيره وقال ابن القاسم: إن حلف ألا يأكل رؤوسًا، فأكل رؤوس السمك، أو لا آكل بيضًا، فأكل بيض السمك، أو الطير؛ حنث بكل ما يقع عليه ذلك الاسم، إلا أن تكون له نية. ¬

_ (¬1) راجع ما مر مما نقله المؤلف من قول ابن حبيب في الواضحة سابقا: (إن عين، فقال: هذا الرطب، فأكل من تمره. . . . .). (¬2) قوله: (فصل) ساقط من (ب). (¬3) قوله: (قال) ساقط من (ق 5). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 601.

وقال أشهب: لا يحنث، إلا برؤوس الأنعام الأربع؛ لأنّ عليها تقع الأيمان، ويحنث ببيض الطير استحسانا، وليس بالقياس، قال: والفرق بين ذلك بعد ما بين رؤوس الضأن والطير، وقرب (¬1) ما بين الدجاج والطير، ومنه: ما يشبهه (¬2) في الخلق والطعم. ولم يحنثه ببيض الحوت. ووافقه ابن حبيب في جميع ذلك (¬3)، أعني (¬4): الرؤوس والبيض يريد: أن العرف اليوم في اللحم غير الحيتان، ولو قال قائلٌ: اشتريتُ لحمًا أو أكلتُه؛ لم يُستفسر. هل هو لحم (¬5) حيتان، ولو قال: اشتريت لحمًا وحيتانًا، لم يعد ذلك منه تكرارًا لما تضمنه (¬6) اللفظ الأول. وقوله في الوحش ليس بحسن؛ لأنه مقارب للأنعام في الطعم، ومنه: كثير يوافقه في الخلق، كما قال في البيض: أنه يحنث بغير بيض الدجاج، وإن لم يكن غالبًا؛ لأنه مقارب لها بخلاف بيض الحوت. ولأنه يحنث بلحم الإبل، وإن كان أكلها في الحواضر من النادر. وقد قال أبو حنيفة: لا يحنث إلا بأكل رؤوس الغنم والبقر دون الإبل (¬7)، وقال أبو يوسف: لا يحنث، إلا بأكل رؤوس الغنم خاصة (¬8). وإن حلف ألا آكل حيتانا لم يحنث بأكل لحم ذوات الأربع لأنه خص وكما ¬

_ (¬1) قوله: (وقرب) في (ب): (وفرق). (¬2) قوله: (يشبهه) في (ب): (يشبه). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 101. (¬4) قوله: (أعني) في (ت) (يعني). (¬5) قوله: (لحم) ساقط من (ق 5). (¬6) في (ق 5): (انتظمه). (¬7) انظر: الإشراف على نكت مسائل الخلاف: 2/ 895. (¬8) انظر: عيون المجالس: 3/ 1019.

فصل [فيمن حلف ألا يأكل إداما]

لو حلف ألا يأكل لحم بقر لم يحنث بأكل لحم الغنم. فصل [فيمن حلف ألا يأكل إداما] وإن حلف ألا يأكل إدامًا حنث بكل ما هو عند الحالف إدام، ولكل قوم عادة. وقال محمد: يحنث بأكل السمن والعسل والخل والزيت والودك والشحم والزيتون والجبن والحالوم والطير والسلجم والمربى والشيراز، وما أشبه ذلك. قال: ولا أرى أن يحنث بالملح الجريش ولا المطيّب، وإن كان قد أحنثه بعض أهل العلم به (¬1). وأرى أن يحنث بأكل اللحم كما أحنثه بأكل الشحم (¬2)؛ لأن كل ذلك مما يؤتدم به. قال: وإن حلف لا يأكل فاكهة، فإنَّ من ذلك: النخل والعنب والرمان والبطيخ والقصب والفول الأخضر والموز والأترُجِّ والتمر عنده (¬3)، بجمع الاقتيات والتفكه. وقد قيل: لا يحنث في النخل والرمان لقول الله سبحانه: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68] فحمل المراد على ظاهر التلاوة إذ هو المفهوم من القرآن وأوقع عليه الحنث في القول الأول للعادة في اتفاق الأزمنة في خروجها معا وللعرف عند الناس أنها من الفاكهة (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 106. (¬2) قوله: (بأكل الشحم) في (ق 5): (بالشحم). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 106. (¬4) من قوله: (وقد قيل) إلى هنا ساقط من (ب) وملحق في هامش (ت).

فصل فيمن حلف ألا يأكل خبزا

فصل فيمن حلف ألا يأكل خبزا وقال ابن القاسم فيمن حلف ألا يأكل خبزًا أو زيتًا، أو خبزًا أو جبنًا، فأكل أحدهما: حنث (¬1). وقال أشهب: لا يحنث (¬2). وهو أبين؛ لأن الزيت والجبن مؤتدم. والمراد: أن لا يأكل الخبز مؤتدمًا بأحد هذين. ولو حلف ألا يأكل خبزًا أو كعكًا، أو لا آكل جبنًا وزيتًا؛ حنث بأكل أحدهما؛ لأن كل واحد من هذين لا يؤكل بالآخر. وقال فيمن حلف لا يكسو امرأته هذين الثوبين، ونيته أن لا يكسوها إياهما جميعًا، فكساها أحدهما: حنث (¬3). يريد: أنه نوى أن لا يكسوهما إياها مجتمعين، ولا مفترقين. وأن نوى أن لا يجمعهما لها؛ لم يحنث إن كساها أحدهما. وإن حلف لا كساها ثوبين، ولم يقل هذين الثوبين؛ لم يحنث إن كساها واحدًا. ومفهوم قوله: أن لا يجمع لها اثنين في كسوة، ليس أن لا يكسوها أبدًا. وقال ابن القاسم: قال مالك فيمن حلف أن لا يهدم هذه البئر، فهدم منها ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 600 و 601. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 83. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 83. في المدونة: (سمعت مالكًا يقول في رجل قال لامرأته: أنت طالق إن كسوتك هذين الثوبين ونيته أن لا يكسوها إياهما جميعًا فكساها أحدهما: إنها قد طلقت عليه).

حجرًا واحدًا: حنث (¬1)؛ لأن القصد عنده أن لا يقربها بشيء من ذلك. ولا يحنث بمجرد اللفظ؛ لأنه لا يقع عليها بذلك اسم انهدام. وقال مالك في النوادر فيمن حلف ليهدمن هذه البئر: فلا يبر بهدم حجرين ولا ثلاثة، إلا أن يهدم جميعها، أو يهدم ما هو إبطال لها وفساد (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 600. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 79.

باب فيمن حلف على رجل لا كلمه أو ليكلمنه أو لا هجرته أو لأهجرنه

باب (¬1) فيمن حلف على رجل لا كلّمه أو ليكلمنّه أو لا هجرته أو لأهجرنه (¬2) ومن حلف لا أكلمَّ فلانًا، فسلَّم عليه؛ حنث. وإن كانا (¬3) في صلاة لم يحنث الحالف بالتسليمة الأولى، كان الحالف إمامًا أو مأمومًا. واختلف في التسليمة الثانية: فقال مالك في المدونة: لا حنث على الحالف إذا كان مأمومًا، فرد على الإمام (¬4). وقال في كتاب محمد: يحنث. وقال أيضًا: إن كان الإمام الحالف، فسلَّم تسليمتين حنث، وقال ابن ميسر: لا يحنث (¬5). وهذا الخلاف إذا كان المأموم عن يسار الإمام وأسمعه؛ لأنَّ ثانية الإمام يشير بها إلى اليسار، فلم يحنث بالأولى؛ لأن القصد بها الخروج من الصلاة، وهو الذي يعرفه الناس في المراد بها، وحنث بالثانية على القول بمراعاة الألفاظ؛ لأن السلام كلام، ولم يحنث على القول (¬6) بمراعاة المقاصد. قال ابن القاسم: وإن تعايا الإمام، فلقنَّه الحالف وهو مأموم؛ حنث (¬7). ¬

_ (¬1) قوله: (باب) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (هجرته أو لأهجرنه) في (ب): (هجره أو ليهجرنه). (¬3) قوله: (كانا) في (ب): (كان). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 602. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 129. (¬6) قوله: (على القول) ساقط من (ب). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 130.

فصل [إن حلف ليهجرنه ثم كلمه]

واختُلف فيمن حلف ألا يكلم فلانًا، فكلمه بحيث يسمع، فلم يسمعه لشغل أو غيره. أو كان نائمًا (¬1)، فصاح به، فلم يستيقظ. فقال ابن القاسم مرة: يحنث؛ لأن ذلك كلام منه له. وقال مرة: لا حنث عليه (¬2)؛ لأن القصد مقاطعته، وإذا لم يسمعه لم تقع مواصلة. فصل (¬3) [إن حلف ليهجرنه ثم كلمَّه] وإن حلف ليهجرنّه، ثم كلمَّه؛ لم يحنث، وليس عليه أن يهجره عقيب يمينه، ومتى هجره بعد ذلك برّ. وإن حلف لا يكلمه، فكلّمه بعد يمينه حنث؛ لأنه حلف لا يوجد منه فعل، فمتى وجد منه حنث. والأول حلف ليفعلن في المستقبل، فمتى وجِد منه بر. واختُلف إذا حلف ليهجرنّه في القدر الذي يبر به، ففي كتاب محمد: يهجره شهرًا، وفي العتبية والواضحة تجزئه ثلاثة أيام (¬4)؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَحِلّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ" (¬5). فأوقع على هذا القدر اسم الهجران؛ ولأنها مدة تقع بها الوحشة، وفيها تقاطع لمن ¬

_ (¬1) في (ط): (ناسيًا). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 130. (¬3) قوله: (فصل) ساقط من (ب). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 141، والبيان والتحصيل: 6/ 219. (¬5) متفق عليه، البخاري: 5/ 2253، في باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر من كتاب الأدب، برقم (5718)، ومسلم: 4/ 1984، في باب تحريم الهجر فوق ثلاث بلا عذر، من كتاب البر والصلة والآداب، برقم (2560).

فصل [فيمن حلف ألا يكلم فلانا أياما أو شهورا أو سنين]

عادتهما الاجتماع كل يوم. وإن كانت عادتهما قلة اللقاء، لم يبر، إلا أن تمر مدة الغالب أنهما يلتقيان فيها، ويريان ذلك تقاطعًا. واختلف إذا حلف ليطيلن هجرانه: فقال محمد: يهجره سنة. وقيل: شهر يجزئه (¬1). وقول محمدٍ احتياطٌ، ليس أنه لا يجزئه دون ذلك. فإن كان بينهما مصادقة ومصافاة فالشهر طولٌ وتلحق فيه المشقة. وإن لم يكونا على ذلك فالشهر قليل. ومن حلف ليهجرنه اليوم، فسلَّم عليه؛ حنث. وإن حلف لأهجرنّه، فسلَّم عليه، ووقف عن كلامه؛ كان على الخلاف، فمن راعى الألفاظ لم يحنثه، ومن راعى المقاصد حنثه؛ لأن وقوفه عن بعض عادتهِ هجرانٌ. فصل [فيمن حلف ألا يكلم فلانا أياما أو شهورا أو سنين] ومن حلف ألا أكلَّم فلانًا أيامًا أو شهورًا أو سنين؛ أجزأه من كل صنف سماه ثلاثة من صنف ذلك العدد؛ ثلاثة أيام أو ثلاثة أشهر أو ثلاث سنين، إلا أن يريد التطويل من كل شيء سماه، فلا يجزئه إلا ما يرى أن فيه تطويلًا. واختُلف إذا أتى بذلك على وجه التعريف، فقال: لا أكلمك (¬2) الأيام أو الشهور أو السنين؛ فقيل (¬3): إن قال لا أكلمتك الشهور تجزئه سنة، لقوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} [التوبة: 36]. وقيل: لا يكمله الأبد. وإن حلف لا يكلمه الأيام؛ لم يكلمه الأبد، لقول الله تعالى: {بِمَا ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 141. (¬2) قوله: (أكلمك) في (ب): (كلمته). (¬3) في (ت): (فقال).

أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة: 24]، وعلى القول في الحالف على الشهور تجزئه شهور السنة يجزئ الحالف على الأيام أيام الجمعة السبعة. وإن قال: لا أكلمه السنين؛ لم يكلمه الأبد. وإن قال: لا كلمتك حينًا أو الحين؛ لم يكلمه سنة. والحين يقع على الوقت يقل ويكثر، قال الله تبارك تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17]، فهذا وقت الصلاة. وقال الله تعالى: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم: 25]، وقال تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1]، وقال تعالى: {وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [يونس 98]. قيل: إلى يوم القيامة. ومن (¬1) قال: لا كلمتك إلى حين، فأتى به على لفظ التكره، فإنما يريد وقتًا فيه طول، فإذا وقف عن كلامه مدةً فيها طول؛ أجزأه. وإن كانت دون سنة. وإذا قال: دهرًا أو زمانًا أو عصرًا؛ لم يكلمه سنة. واختُلف إذا عرف، فقال: الدهر أو الزمان أو العصر، فقيل: تجزئه سنة كالأول. وقال الداودي: الأكثر في الزمان والدهر: مدة الدنيا. يريد: الأكثر من القول. وقال مالك في كتاب ابن حبيب في الدهر: أكثر من سنة. قيل لمطرف: فسنتان؟ قال: قريب، وما أوقت فيه وقتًا (¬2). وعند ابن شعبان في العصر: بقاء الدنيا، واحتج بقول الله تعالى: ¬

_ (¬1) في (ط): (وما). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 141.

{وَالْعَصْرِ} [العصر: 1]. وكذلك أرى في الدهر، وأما الزمان؛ ففيه إشكال. وقال مالك في العتبية، فيمن حلف لا يفعل شيئًا في هذه السنة، وقد مضى نصفها (¬1)، قال: يأتنف اثني عشر شهرًا من يوم حلف، إلا أن تكون له نية في بقيتها (¬2) وفيه نظر؛ لأنَّ قوله هذه يقتضي عين تلك السنة، إلا أن يكون الباقي يسيرًا، فيكون دليلًا على أن الراد سنة مؤتنفة. ¬

_ (¬1) في (ق 5): (بعضها). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 6/ 72.

باب فيمن حلف لا أكلم فلانا أو ليكلمنه أو إن أخبره أو ليخبرنه؛ فكتب إليه أو أرسل إليه رسولا

باب فيمن حلف لا أكلم فلانًا أو ليكلمنه أو إن أخبره أو ليخبرنه؛ فكتب إليه أو أرسل إليه رسولًا وقال مالك في المدونة، فيمن حلف لا أكلم فلانًا، فكتب إليه، أو أرسل إليه رسولًا؛ يحنث (¬1). وقال أشهب في كتاب محمد: لا حنث عليه فيهما؛ يعني الكتاب والرسول، وروى ابن القاسم وأشهب، عن مالك: أنه يحنث في الكتاب دون الرسول (¬2). وكل هذا الاختلاف مع عدم النية. واختلف بعد القول أنه حانث إن ادعى النية، وأنه أراد ألا يشافهه على ثلاثة أقوال: فقال في المدونة: له نيته، ثم رجع، فقال: لا أنويه في الكتاب (¬3). وقال محمد: وقد قال قبل ذلك: لا نية له، ثم رجع إلى إن نوّاه في الرسول. فلم يحنثه أشهب مع عدم النية، وحمله على موجب اللفظ؛ لأنه لم يكلمه في الحقيقة، وإنما كلم الرسول، أو كتب أحرفًا، صورها يفهم منها مراده. ورأى مالك أن القصد المقاطعة والمهاجرة، ليس الكلام خاصة، فإذا كاتبه أو راسله، لم تكن مهاجرة تامة، ثم لم ينوِّه؛ لأنه لم يحنثه بمجرد اليمين، وإنما حنث بالمعتاد، وأن القصد المقاطعة، فكأنه ادعى ما تكذبه فيه العادة، وادعى ما لا يشبه. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 602. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 125. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 602.

وصدقه مرة؛ لأن من الناس من يقصد هجرانًا دون هجران، فيكتب ويراسل ويقف عن المشافهة وهذا أحسن، ولا فرق بين الكتاب والرسول. والقول أن الذي في الكتاب لفظه غير صحيح؛ لأن الإنسان يكتب ولا ينطق، ولو نطق ما زاد معنى، ولصار ذلك المكتوب كلامه. وقال ابن حبيب: وإن وصل الكتاب إلى المحلوف عليه، فقرأ عنوانه؛ حنث (¬1) وإن لم يقرأه، وأقام عنده سنين؛ لم يحنث ولا وجه لهذا؛ لأنه إذا حنث بالمكاتبة لأنها ضرب من المواصلة، وترفع (¬2) بعض المقاطعة، فذلك يقع بنفس وصول الكتاب من الحالف، وإن لم يقرأ. وإن كتب المحلوف عليه إلى المحلوف، فلم يقبل كتابه؛ لم يحنث. واختُلف إذا قبِله وقرأه: فقال ابن القاسم: يحنث. وقال أيضًا، لا يحنث. وقاله أشهب (¬3) وهو أحسن؛ لأن الكلام من المحلوف عليه لا يحنث به الحالف، وكذلك لو اجتمع معه، وكلمه ولم يجاوبه؛ لأنه إنما حلف لا كلمت فلانًا (¬4)، ولم يحلف لا كلمني. ولو حلف ليكلمنّه فكتب إليه، أو أرسل إليه رسولًا؛ لم يبر؛ لأنه لم يكلمه. وهذا مما يبين الأول إذا حلف لا أكلمه فكتب إليه أنه لم يحنث بمجرد اليمين. ولو كان الكتاب ككلامه لبر به إذا حلف ليكلمنه، وإن حلف ليعلمنه أو ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 126. (¬2) في (ت): (تدفع). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 125. (¬4) قوله: (كلمت فلانًا) في (ت): (كلمته).

ليخبرنه، فإنه يبر بالكتاب والرسول. وإن حلف لا أُعلمه، أو لا أخبره، فكتب إليه، أو أرسل إليه؛ حنث. وقال ابن القاسم، فيمن حلف لرجل إن علم كذا وكذا، ليخبرنّه أو ليعملنّه، فعلماه جميعًا، فلم يعلمه: فهو حانث (¬1)؛ يريد: إذا لم يعلم الحالف بعلم المحلوف عليه، وإن علم لم يحنث، إلا على من راعى الألفاظ. وقال مالك، في رجل أسرّ إلى رجل سرًا، واستحلفه أن لا يخابر به أحدًا، فأخبر المحلوف له رجلًا بذلك السر، فانطلق ذلك الرجل، فأخبر الحالف، فقال الحالف: أخبرني به، وما ظننت أنه أخبر به أحدا غيري. قال: فهو حانث (¬2)، وهذا صواب؛ لأن الإنسان يقصد أن يسر أمرًا لجماعة، ولا يخبر كل واحد منهم بما أطلع عليه الآخر. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 609. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 609.

باب فيمن حلف لا أساكن فلانا أو على دار هو فيها أن لا يسكنها، أو لينتقلن منها أو لا يدخلها، أو لا يركب هذه الدابة، أو لا يلبس هذا الثوب وهو راكب أو لابس للثوب، أو قال: أنت طالق إن حضت أو نمت أو حملت وهي حائض أو نائمة أو حامل

باب فيمن حلف لا أساكن فلانًا (¬1) أو على دار هو فيها أن لا يسكنها، أو لينتقلنّ منها أو لا يدخلها، أو لا يركب هذه الدابة، أو لا يلبس هذا الثوب وهو راكب أو لابس للثوب، أو قال: أنتِ طالق إن حضتِ أو نمتِ أو حملتِ وهي حائض أو نائمة أو حامل ومن حلف لا يساكن رجلًا، وهما رفيقان في بيتٍ خرج عن تلك الدار، إلا أن تكون دار جامعة كالفنادق وديار الغلات؛ فلا شيء عليه إن انتقل إلى بيت آخر، إلا أن يكون سبب يمينه لا يرفعه إلا الخروج عن تلك الدار. وإن حلف وهما في دارين في محلة، انتقل إلى أخرى بحيث يرتفع ما كان الشر أو سبب اليمين عنه، وإن كانا في محلتين وكانا (¬2) في مدينة فلا شيء عليه، إلا أن ينتقل إلى قرية بحيث لا يقع عليه مساكنته. وإن كانا في قرية انتقل إلى أخرى؛ لأن القرية كالمحلة. وقال في رجل وقع بين زوجته وأخته شر، فحلف لا تساكنها (¬3)، فسكنا في دارٍ، أحداهما في السفل والأخرى في العلوة فلا شيء عليه. وقال: إن حلف، وهما في دار فضرب بينهما حائطًا: لا يعجبني (¬4). وقال ابن القاسم: لا ¬

_ (¬1) قوله: (لا أساكن فلانًا) ساقط من (ب)، وفي (ت): (لا ساكن فلانًا). (¬2) قوله: (وكانا) في (ب): (أو كان). (¬3) قوله: (لا تساكنها) في (ق 5): (أن لا يتساكنا). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 143.

فصل [فيمن حلف لا يسكن هذه الدار وهو ساكن فيها]

حنث عليه (¬1). فخاف مالك أن يكون ذلك أقرب في وصول الكلام والمعاياة والمقابلة (¬2) من العلو والسفل. ولو قيل في المسألة الأولى أن يبعد بينهما إلى دار أخرى، لكان أحسن. لأن العلو والسفل لا يرفع المعاياة والشر، ولو كان سبب اليمين ما يقع من الاختلاط فيما احتاج كل واحد منهما من ماعون الآخر، أو لأن أحدهما خون صاحبه لم يكن عليه شيء إذا ضرب بينهما بحائط، أو سكّن أحدهما في العلو والآخر في السفل. ومن حلف ألاّ أساكن فلانًا، فزاره؛ لم يحنث، قال مالك: وليست (¬3) الزيارة سكنى (¬4) وينظر إلى ما كانت عليه يمينه، فإن كان بما يدخل بين العيال فذلك أخف، وإن كان أراد التنحي عنه فهو أشد (¬5)، ولم يقل يحنث؛ لأنه قد تنحى عنه، ولو حمل أمره على المقاطعة لحنث إذا لقيه فكلمه. فصل [فيمن حلف لا يسكن هذه الدار وهو ساكن فيها] وقال فيمن حلف، لا سكن (¬6) هذه الدار، وهو ساكن فيها: يخرج مكانه، وإن كان في ليل لم يمهل، حتى يصبح، إلا أن ينوي ذلك، ثم يتعجل ما ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 603. (¬2) زيادة من (ت). (¬3) في (ق 5): (وليس). (¬4) في (ق 5): (بسكنى). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 603. (¬6) قوله: (لا سكن): في (ق 5): (أن لا يسكن).

استطاع، فإن لم يجد إلا بالغلاء أو ما لا يوافقه، فإنه ينتقل إليه، فإن لم يفعل؛ حنث (¬1). وهذا على مراعاة الألفاظ، ومن راعى العادة كان له أن يمهل حتى يصبح، وينتقل إلى ما ينتقل إليه مثله. وقال أشهب في كتاب محمد: لا يحنث في أقل من يوم وليلة (¬2)؛ يريد: حتى يستكمل يومًا وليلة، فحينئذ يحنث. وقال أصبغ: حد المساكنة بعد اليمين يوم وليلة، فإن سكن أكثر حنث (¬3). وقول مالك محتمل أن يكون القصد من الحالف في مثل ذلك اجتنابها، وأن زيادة السكنى وإن قلّ، سكنى لما كان مضافًا إلى ما تقدم. وراعى أشهب وأصبغ ما يقع عليه اسم سكنى لو ابتدأ سكناها. ولو حلف لا أسكنها، وليس هو فيها؛ لم يحنث عند أشهب؛ إن أقام ما دون يوم وليلة، ولم يحنث عند أصبغ، إلا أن يزيد على يوم وليلة. ولو حلف ليسكنّها؛ لبرّ على قول أشهب إذا أقام يومًا وليلة، ولم يبر عند أصبغ، إلا أن يزيد على ذلك (¬4). وعلى مراعاة المقاصد لا يبر إلا أن يطول مقامه، وما يرى أن الحالف يقصده. ولو حلف لينتقلن، لم يحنث بالتمادي في السكنى. قال في كتاب محمد: فإن أقام ثلاثة أيام يطلب منزلًا فلم يجد، أرجو أن لا ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 603. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 147. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 147. (¬4) قوله: (ولم يبر عند أصبغ، إلا أن يزيد على ذلك) ساقط من (ت).

شيء عليه. قيل: فإن أقام شهرًا؟ قال: إن توانى في الطلب خفت أن يحنث. وفي الواضحة: لا يحنث، وإن أخر الانتقال (¬1). وهذا هو الأصل فيمن حلف ليفعلنّ، إلا أن يكون قصد الحالف على الانتقال، إنما هو كراهية البقاء. فإذا تراخى عن القدر الذي أراد حنث، فإن حلف لا أسكنها، فخرج، ثم رجع فسكن، حنث. وإن (¬2) حلف لينتقلن، فانتقل، ثم رجع؛ لم يحنث؛ لأن الأول حلف، أن لا توجد منه سكنى، فمتى وجد ذلك منه؛ حنث. والآخر حلف ليفعلن، فإذا فعل ذلك مرة؛ بر. قال مالك في كتاب محمد: إذا خرج يقيم شهرًا (¬3). ولو أقام خمسة عشر يومًا؛ لأجزأه. وقال محمد: إن حلف لينتقلن من هذا البلدة خرج إلى موضع تقْصر فيه الصلاة، ويقيم شهرًا. قال: وهذا استحسانٌ، والقياس أن يخرج إلى ما ايجب عليه فيه إتيان الجمعة، فيقيم ما قلّ، ثم يرجع (¬4). ولو حلف ليسافرن؛ لم يبر إلا بمدة تقصر فيها الصلاة. وعلى قول محمد إن حلف لينتقلن من هذه الدار، فرجع عن قربٍ؛ لم يحنث. ومن حلف لا أسكن هذه الدار، انتقل بنفسه وعياله ومتاعه. وإن نقل متاعه دون عياله حنث. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 149. (¬2) في (ق 5): (ومن)، (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 150. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 150.

واختُلف إذا نقل عياله دون متاعه: فقال ابن القاسم في المدونة: يحنث (¬1). وقال في كتاب محمد: إلا أن يتصدق به على صاحب المنزل، فلا يحنث. وإن ترك ما لا حاجة له به مثل الوتد والمسمار؛ لم يحنث تركه عمدًا أو نسيانًا (¬2). وقال أشهب: إن ترك متاعه؛ لم يحنث (¬3)؛ وأراه ذهب في ذلك لقول الله تبارك تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ} [النور: 29] فنفى عنه اسم السكنى إذا لم يكن فيها إلا المتاع. وكذلك، إن حلف لا أسكنها، فاختزن فيها، حنث عند ابن القاسم، ولم يحنث عند أشهب. وقيل: إن حلف ليسكننها، لم يبر، إلا أن يسكنها بنفسه وعياله ومتاعه، فإن لم يسكن بمتاعه وعياله (¬4) حنث (¬5) بما لا يبر به. وأرى أن يبر، وإن لم يسكن بمتاعه. وإن حلف لا يسكنها، وهو فيها بكراء أو بعارية، وكان السبب من مالك الدار، فأبقى متاعه؛ حنث؛ لأن القصد رفع منته، أو الخروج من كرائه. وإن كان السبب اختلافه مع جيرانه؛ لم يحنث بترك متاعه. وكذلك، إن كان في سكنٍ يملكه، فتقاول مع جيرانه؛ لم يحنث بترك متاعه. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 603. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 148، والبيان والتحصيل: 3/ 168. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 148. (¬4) قوله: (فإن لم يسكن بمتاعه وعياله) ساقط من (ت). (¬5) في (ت): (فيحنث).

وإن اكترى هناك مخزنًا، لم يحنث. وإن كان سبب اليمين اختلافه مع من في ذلك المسكن لما يقع بين النساء والصبيان؛ لم يحنث بترك متاعه. وان كان لأنه خونه، حنث. وقد يستخف بقاء المضطر يكون له فيها الطعام؛ لأنه ليس من العادة الانتقال به. ومن حلف لينتقلن من هذه الدار، لم يبر بنقل عياله، ومحمله على نقل جميع ما فيها، وهو في هذا أشد من يمينه أن يسكنه. وإن حلف إنْ (¬1) انتقلَ منه، فنقل عياله أو (¬2) متاعه؛ حنث. وإن حلف لا أسكن هذه الدار لأمر كرهه منها، ثم بيعت، فسكنها، حنث. وإن كان السبب المالك لها، لم يحنث. وإن حلف على رجل، لا دخل هذه الدار، وقد ابتدأ في الدخول؛ حنث إن تمادى. واختلف إن حلف بعد أن استقر في الدار: فقال ابن القاسم: لا شيء عليه إن لم يخرج. وحمل اليمين على دخول آخر غير هذا. وقال أشهب في كتاب محمد: إن لم يخرج مكانه حنث (¬3). واتفقا إذا حلف لا يركب هذه الدابة وهو راكبها، فلم ينزل، أو لا يلبس هذا الثوب وهو لابسه، فلم ينزعه، أنه حانث (¬4). وقال سحنون: إذا قال لزوجته، وهي حائض: إذا حضتِ، فأنت طالق؛ ¬

_ (¬1) قوله: (إنْ) ساقط من (ت). (¬2) في (ت): (و). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 151. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 607.

فصل [فيمن حلف ألا أدخل على فلان بيتا فدخل عليه مسجدا]

فهي (¬1) على حيض مستقبل. فمن قال بقول ابن القاسم؛ حنثه ساعة تكلّم (¬2)، ومن قال بقول أشهب؛ لم يحنثه حتى تحيض في المستقبل. قال أشهب: لأنَّ الحيض يكون، ولا يكون. قال: ولو قال لها، وهي حامل: إذا حملتِ، فأنت طالق. أو وهي نائمة: إذا نمتِ، فأنت طالق؛ فإنما هو على حمل مستقبل، ونوم مستقبل (¬3). وقد ذكرت ذلك في كتاب الطلاق. فصل [فيمن حلف ألا أدخل على فلان بيتا فدخل عليه مسجدا] ومن (¬4) حلف لا أدخل على فلان بيتًا، فدخل عليه مسجدًا؛ لم يحنث. قال: وليس على هذا حلف (¬5). وقد قيل: يحنث إذا دخل عليه في المسجد لقول الله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا} [النور: 36] فسمى الله -عز وجل- المساجد بيوتًا، وكذلك لو دخل عليه في المسجد الحرام لم يحنث (¬6)؛ لقول الله: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29]، إلا أن تكون له نية في بيوت السكنى فيكون ما نوى (¬7). ¬

_ (¬1) في (ق 5): (فهو). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 66. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 151. (¬4) في (ق 5): (وإن). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 604. (¬6) هكذا في (ق 5) ولم نتمكن من قراءته في (ت) والظاهر أن (لم) زائدة. (¬7) من قوله (وقد قيل) إلى هنا ساقط من (ب) وهو ملحق بهامش (ت).

وفي كتاب محمد: إن حلف لا جامعه في بيت، فجامعه في الحمام، حنث، لأنه لو أراد أن لا يدخله لفعل. قال محمد: وليس بمنزلة المسجد (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: وليس هذا التعليل ببين؛ لأنه أيضًا لو أراد أن لا يدخل ذلك المسجد لفعل، وله مندوحة في غيره. وقول مالك ليس على هذا حلف، حسن. وليس القصد المسجد والحمام. قال مالك: وإن دخل الحالف بيت جاره، والمحلوف عليه فيه، حنث. وإن دخل المحلوف عليه على الحالف فلا يعجبني. وقال ابن القاسم: لا شيء عليه، إلا أن ينوي أن لا يجامعه في بيت فيحنث (¬2). قال محمد: يخرج مكانه، ولا يحنث (¬3). فأجاب ابن القاسم على مراعاة الألفاظ، فيحنث إن دخل هو على المحلوف عليه، ولا يحنث إن دخل عليه المحلوف عليه. وبيته وبيت جاره في الجواب على مراعاة الألفاظ سواء. وعلى القول الآخر ينظر سبب يمينه، فإن كان؛ لأنَّ المحلوف عليه كره دخول الحالف بيته، وتأذى منه في شيء؛ فلا شيء عليه في بيت جاره، أيهما دخل على الآخر، ولا في الإقامة إن لم يخرج. وكذلك، إن دخل المحلوف عليه بيت الحالف. وإن كان قصده أن لا يجامعه، ولا يجالسه في بيت، خرج مكانه، ولا حنث عليه؛ لأنه لم يجالسه. وإن لم يخرج، حنث. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 135. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 604. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 135 و 136.

وقال فيمن حلف على رجل، أن لا يأكل له طعامًا، فدخل ابن الحالف على المحلوف عليه، فأطعمه طعامًا، فخرج به الصبي إلى منزل أبيه، فأكله: حنث (¬1). وقال سحنون: لا يحنث؛ لأن الابن ملَك ذلك الخبز، وزال من (¬2) ملْك المحلوف عليه. وقال مالك في كتاب محمد، فيمن حلف، لا يدخل عليه من أخيه هدية ولا منفعة، فدخل ابن له صغير أو كبير، فأصاب اليسير من طعامه، فلا شيء، عليه في الولد الكبير الذي خرج من ولايته، وإن كان صغيرًا، فأصاب اليسير الذي لا ينفعه في عون والده، فلا شيء عليه. وإن كان مثل الثوب يكسوه أو طعام يعينه، فقد دخلت عليه منها منفعة، فأراه حانثًا (¬3). فلم يحنثه في هذا السؤال لما لم يصرف عنه شيئًا من مؤنته (¬4)؛ لأنه حلف لا (¬5) أنتفع، فلم ينتفع بخلاف الأول. وأحنثه في الكبير (¬6) على مراعاة اللفظ. وعلى القول الآخر للحالف أن يرد مثل ما نفع به ولده من الطعام، ولا يحنث؛ لأنه قصد أن لا يدخل تحت منته. وكذلك لو كساه ثوبًا، فأفناه في غيبة الأب، ثم قدم فعلم بذلك، فعليه (¬7) ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 606. (¬2) في (ق 5): (عن). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 121، والبيان والتحصيل: 6/ 10. (¬4) في (ق 5): (مؤونته). (¬5) في (ق 5): (أن لا). (¬6) في (ق 5): (الكثير). (¬7) قوله: (فعليه) ساقط من (ت).

غرم قيمته، ولا شيء عليه. وكذلك، إذا حلف لا يأكل له طعامًا (¬1)، فأكل مما خرج به ابنه؛ حنثه على القول بمراعاة اللفظ، ولا يحنث على القول بمراعاة سبب اليمين إذا رد المثل. وكذلك لو وجد الحالف في بيته طعامًا، فأكله، وهو لا يعلم أنه للمحلوف عليه، غرم مثله، ولم يحنث. ¬

_ (¬1) قوله: (طعامًا) ساقط من (ت).

باب فيمن حلف على زوجته ألا تخرج إلا بإذنه، أو لا أذن لها

باب فيمن حلف على زوجته ألا (¬1) تخرج إلا بإذنه، أو لا أذن لها ومن حلف على زوجته، لا خرجت إلا بإذنه، فأذن لها، فلم تسمع، ثم خرجت، حنث. وإن قال: لا خرجت، إلا أن آذن لكِ (¬2)؛ لم يحنث قياسًا على من حلف ليقضين فلانًا حقّه لأجلٍ سَماه (¬3)، إلا أن يؤخره فأخره، ولم يعلم، وانقضى الأجل: فقال مالك: عسى أن يجزئه (¬4). وقال ابن وهب: لا يحنث. وراعى اللفظ. وأرى أن يحنث؛ لأنه إنما حلف أن لا يكون منه لدد في ذلك الأجل، وإذا لم يعلم ولم يقضِ؛ فقد لد. وكذلك إذا خرجت؛ لأنه إنما أراد أن لا تخرج إلا بطوعه. وقال محمد: فإن قال: لا خرجت، إلا بإذني، ثم قال: اخرجي حيث شئتِ. فخرجت؛ لم يحنث. وإن قال: لا خرجت إلى موضع، إلا بإذني، ثم قال: اخرجي حيث شئتِ. فخرجت حيث شاءت؛ حنث (¬5). وقيل: هو كالأول، ولا شيء عليه. وأرى أن يسئل عن نيته، فإن أراد بقوله إلى موضعٍ معرفة الموضع الذي ¬

_ (¬1) قو له: (ألا) في (ت): (لا). (¬2) قوله: (لكِ) ساقط من (ت). (¬3) في (ق 5): (مسمى). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 607. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 265 و 266.

تخرج إليه، فينظر ما يرضيه من ذلك مما يسخطه، فخرجت، ولم يعرف الموضع؛ حنث، وإلا فلا شيء عليه. وإن أذن لها، فلم تخرج حتى منعها، فخرجت، حنث. وفي كتاب محمد، قال -أظنه عن مالك -: إن خرجت، ثم رجعت لحاجة ذكرتها، فأخذتها، ثم خرجت؛ لم يحنث. وإن رجعت تركًا وقطعًا، ثم خرجت؛ حنث (¬1). وقال ابن القاسم في كتاب ابن حبيب: هو حانث، ولم يفرق، قال ابن حبيب: إن لم تبلغ الموضع الذي خرجت إليه، لم يحنث، وإن بلغته، حنث (¬2). والقول الأول أحسن، ولا شيء عليه إذا رجعت لحاجة ذكرتها، بلغت أو لم تبلغ. وإن قال: لا خرجت إلا بإذني، فرآها تخرج، فلم يمنعها؛ حنث على مراعاة الألفاظ، إلا أن تكون له نية. وإن حلف: لا أذنت لك في الخروج، فرآها تخرج، ولم يمنعها، فأراد منعها من الخروج؛ حنث. وإن حلف، فقال: لا أذنت لك في الخروج، فرآها تخرج، ولم يمنعها، فإن أراد: فإنكِ لا تطيعيني، أو تخالفي مرادي، لم يحنث. وقال ابن القاسم: إن حلف لا آذنت لها، إلا في عيادة مريض، فخرجت بغير إذنه، وبغير علمه لغير عيادة مريض، لم يحنث، إلا أن يعلم، فيتركها، فيحنث وإن أذن لها لعيادة مريض، فمضت منه إلى الحمام، ولم يعلم، لم يحنث (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 6/ 320. من سماع أبي زيد من ابن القاسم، والنوادر والزيادات: 4/ 244. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 266. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 607.

وإن قال: لا خرجت، إلا في عيادة مريض بإذني، فخرجت لغير مريض بعلمه، أو بغير علمه، حنث. فإن خرجت لعيادة مريض بغير إذنه، حنث، وإن قال: لا خرجتِ لعيادة مريض، إلا بإذني، فخرجت لغير مريض بعلمه أو بغير علمه (¬1)، لم يحنث؛ لأن ما سوى المريض لم تنعقد عليه يمين. وإن خرجت لمريض بغير إذنه، حنث. وإن لم يشترط إذنه، وحلف لا خرجت إلَّا لعيادة مريض، فلها أن تخرج لعيادة المريض (¬2). وإن خرجت لغيره، حنث. وكذلك، إن خرجت لعيادة مريض، ثم مضت لغيره، حنث. وإن قال: لا خرجتِ لعيادة مريض، خرجت لغيره بعلمه أو بغير علمه، لم يحنث. وإن مضت من هناك لعيادة مريض، حنث. ¬

_ (¬1) قوله: (حنث. فإن خرجت لعيادة مريض. . . . . أو بغير علمه) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (فلها أن تخرج لعيادة المريض) في (ب): (فلا يحنث أن تخرج لعيادة المريض).

باب فيمن حلف ليفلعن شيئا في وقت ففعله قبله، وما يتعلق بذلك

باب فيمن حلف ليفلعن شيئًا في وقت ففعله قبله، وما يتعلق بذلك وقال مالك، فيمن حلف ليقضين فلانًا حقّه غدًا، فقضاه اليوم: لم يحنث. وإن حلف ليأكلن هذا الطعام غدًا، فأكله اليوم، حنث (¬1). وقد قيل فيمن حلف على طعام لا يأكله غدا فأكله اليوم لم يحنث، يريد: أنه لم يرد ألا يأكل اليوم ولا بعد غد، وإنما كان القصد بذلك غدا وهو في المحلوف عليه، فحمله في القضاء على المقاصد، أنه لا يلِد، ولا يؤخره عن غد، وفي الطعام على موجب اللفظ. ولو كان مريضًا سئل في أكل الطعام اليوم، فحلف ليأكلنه غدًا، ثم أكله اليوم، لم يحنث. ولو كان قصده في القضاء المطل به لغدٍ، فعجله اليوم، حنث. ومن حلف ألا يتعشى، فشرب لبنًا أو سويقًا؛ حنث. قال محمد: وإن شرب نبيذًا، لم يحنث، وإن تسحر، لم يحنث (¬2) يريد: إذا تسحر من آخر الليل. وقال فيمن أتى امرأته بحيتان، فسخطته، فقال لها (¬3): أنت طالق إن ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 607. نص المدونة: (قلت: أرأيت لو أن رجلًا قال لرجل: والله لأقضين حقك غدًا، فعجل له حقه اليوم أيحنث أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يحنث إن عجل له حقه قبل الأجل وإنما يحنث إذا أخر حقه بعد الأجل. قلت: فإن قال: والله لآكلن هذا الطعام غدا فأكله اليوم أيحنث أم لا؟ قال: نعم هو يحنث. قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: لا). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 95. وانظر: البيان والتحصيل: 3/ 261. في نص العتبية سقط نبه عليه محققه. لم أجد الكلام منسوبًا لمحمد بل لابن القاسم في المصدرين. (¬3) قوله: (لها) ساقط من (ت).

اشتريت لحمًا ولا حيتانًا ثلاثة أشهر. فأراد أن يشتري لحمًا أو حيتانًا في الغداء؛ لم يحنث يريد: إذا حلف أن لا يشتريه عشاءً. قال: وكذلك، لو كساها قرقل كتان، فسخطته، فقال: أنت طالق إن كسوتكِ قرقلَ كتان سنةً، فكساها قرقل خز، ولا نية له في أحسن، ولا غيره، لم يحنث (¬1). وأرى إن أراد التضييق حنث، وإن أراد ألا يأتيها بدنيء لم يحنث. وإن كان الأول مما يمتهن في الدار، فاشترى ما يرفع للتصرف، لم يحنث. وقال مالك فيمن جاء لزوجته بزيتٍ، فسخطته، فحلف ليلقينه في البلاعة، فألقاه دونها، لم يحنث؛ لأن قصده إتلافه (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 171، والنوادر والزيادات: 4/ 94. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 69، والبيان والتحصيل: 6/ 278 و 279.

باب فيما يحمل فيه الحالف على بساط يمينه, والاختلاف فيه

باب فيما (¬1) يحمل فيه الحالف على بساط يمينه, والاختلاف فيه (¬2) وقال مالك فيمن استعار رجلًا ثوبًا، فحلف ما يملك إلا ثوبه، وله ثوبان مرهونان، فقال مالك: إن كانا كفافًا لدينه، وكانت تلك نيته أني ما أقدر إلا على ثوبي، لم يحنث. فإن لم تكن تلك نيته، و (¬3) كان فيه فضلٌ، حنث. وقال ابن القاسم: إن لم يكن فيه (¬4) فضل، ولم تكن له نية، حنث (¬5). فلم يراع بساط يمينه والأشبه، والقياس: أن لا فرق (¬6) بين أن يكونا كفافًا، أو فيهما فضلٌ، فعلى مراعاة الألفاظ يحنث؛ لأنهما على ملكه، وقد حلف ما يملكه. وعلى مراعاة المقاصد لا شيء عليه؛ لأن القصد ما كان عنده يتيسر تسليمه حينئذٍ للمستعير، وليس القصد ما (¬7) كان في رهن. وقال مالك في كتاب محمد، فيمن تسلَّف من رجل دينارًا، فوجده ناقصًا، فسأله أوزن منه، فحلف ما معه إلا أنقص منه، فوجد معه مثل وزنه، لم يحنث؛ لأن معناه ما معه أوزن (¬8). ¬

_ (¬1) في (ت): (ما). (¬2) قوله: (فيه) في (ب): (في ذلك). (¬3) في (ق 5): (أو). (¬4) قوله: (فيه) ساقط من (ت). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 607. (¬6) قوله: (والأشبه , والقياس: أن لا فرق) في (ب): (ولا سببه ولا فرق). (¬7) قوله: (ما) ساقط من (ق 5). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 68.

وقال في كتاب ابن حبيب، فيمن دفن مالًا، فلم يجده غلطا بموضعه، فحلف لامرأته بطلاقها ما أخذه غيرك، ثم وجده في موضع آخر؛ فلا شيء عليه؛ لأنه قصد (¬1) إن كان ذهب، فلم يذهب (¬2). وقال في العتبية، فيمن رفع دراهم في بيته، فلم يجدها، فاتهم بها زوجته، وحلف بالطلاق ما أخذها أحد (¬3) غيرك، ثم وجدها تحت مصلاه، رفعها ونسي، حنث، وقال ابن دينار: لا يحنث (¬4) (¬5) فراعى في جميع هذه المسائل (¬6) بساط يمينه، فلم يحنثه، وأحنثه مرة بموجب اللفظ، ولم يراع سبب اليمين. وقال في المدونة، فيمن حلف ما له مالٌ، وله شوار بيته وفُرش، أو خادم: يحنث. فأحنثه بموجب اللفظ، وعلى القول الآخر لا يحنث؛ لأن القصد صنف غير هذا (¬7). ¬

_ (¬1) قوله: (لأنه قصد): في (ت): (لأن قصده). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 67. (¬3) قوله: (أحد) ساقط من (ت). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 6/ 31. ونص العتبية فيه: (قال ولقد كان بيني وبين ابن بر فيها كلام فسألنا مالكًا عنها فقال: قد حنث في قوله في هذه المسألة وعجب ممن يقول لم يحنث.) وهو مصحف كما يبدو من سياقه في قوله: (وبين ابن بر) فقد أخر محقق الكتاب ما حقه التقديم حيث وضع في هامش الكتاب موضع قوله: (ابن بر) (ابن دينار) ولم أقف في تراجم أصحاب مالك والمالكية على من اسمه (ابن بر) لذا وجب التنبيه. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 67. (¬6) في (ق 5): (الوجوه). (¬7) انظر: المدونة: 1/ 608.

باب فيمن حلف ألا يفعل شيئا ففعله , هل يتكرر عليه الحنث إن عاود الفعل، أو حلف لا فعله ما دام بموضع كذا، فانتقل عنه، ثم عاد؛ هل تسقط اليمين؟ أو ادعى أنه أراد بعض الصنف الدي حلف عليه , أو نوى أجلا

باب فيمن حلف ألا يفعل (¬1) شيئًا ففعله , هل يتكرر عليه الحنث إن عاود الفعل، أو حلف لا فعله ما دام بموضع كذا، فانتقل عنه، ثم عاد؛ هل تسقط اليمين؟ أو ادعى أنه أراد بعض الصنف الدي حلف عليه , أو نوى أجلًا وقال ابن القاسم، فيمن حلف لا أكلم فلانا عشرة أيام، فكلمه مرة بعد مرة، لم يحنث، إلا بأول مرة. وسواء كفّر حين كلمه أول مرة، أو لم يكفّر (¬2). قال محمد: وليس يبر أحد، ولا يحنث إلا مرة واحدة، وتسقط يمينه، إلا أن ينوي كلما، وكذلك يمينه: لا خرجت زوجته، إلا أن يريد: كلما خرجت (¬3). وقال مالك، فيمن حلف بصدقة دينار إن نام قبل أن يوتر، فنام قبل أن يوتر، فلزمه ذلك، ثم نام بعد ذلك. قال: ما رأيت أحدًا يفعل هذا يريد: مرة، وذلك عليه كلما فعل (¬4). وقال ابن القاسم في كتاب محمد فيمن حلف، لا كلمتك (¬5) ما دمت بمصر فسافر المحلوف عليه إلى الحج، ثم رجع إلى مصر، فكلمه: فلا شيء عليه. قال: وكذلك إن قال: إنْ دخلت عليك ما دمتِ في هذا المنزل، فانتقلتْ، ثم عادت، فدخل عليها، لم يحنث (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (ألا يفعل): في (ت): (لا فعل). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 609. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 233. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 111، والنوادر والزيادات: 4/ 233. (¬5) في (ب): إن كلمتك. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 233.

وقال سحنون في كتاب ابنه، فيمن حلف لا يشرب نبيذًا إلى سنة ما دام بطرابلس فأقام أشهرًا، فسافر (¬1)، ثم عاد إلى طرابلس، قال: يبني على الأشهر الأولى (¬2) حتى يتم سنةً لا يشرب، وإلا حنث (¬3)؛ لأن مقصد هذا الصبر إلى سنة، وإن لم يقم. وقال ابن القاسم، فيمن حلف بطلاق امرأته: لا (¬4) بنى بها، حتى يوفيها صداقها، فطلقها قبل البناء واحدة، وأخذت نصف الصداق، ثم تزوجها بأقل من الصداق الأول، قال: فما كان يرجع في تزويجه على بقية طلاق الملِك الأول، فهو حانث (¬5)، وإن أبتها، ثم نكحها بعد زوج؛ فلا شيء عليه (¬6). وقال ابن الماجشون في الواضحة، فيمن حلف ليكسون أمته جبة صوف، ففعل ثم ندم، فإن نوى وقتا؛ أبقاها إليه، وإن لم ينو؛ حمل على بساط يمينه، فإن كان عندما طلبت قميصًا؛ لم يبر حتى يأتي وقت الَكسوة المؤتنفة. وإن كانت يمينه على وجه الأدب، فإذا أسبغها (¬7) بها، وأقامت عليها، حتى (¬8) علم ذلك، فلا شيء عليه في زوالها (¬9). ¬

_ (¬1) قوله: (أشهرا سافر) في (ب): (شهرًا ثم سار). (¬2) في (ت): (الأول). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 234. (¬4) في (ق 5): (إن). (¬5) قوله: (فهو حانث) ساقط من (ق 5). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 236. (¬7) قوله: (أشبعها) ساقط من (ت). (¬8) في (ت): (ثم). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 236. ونص النوادر: (ومن الواضحة قال ابن الماجشون: وإن حلف ليكسون أمته جبة صوف فكساها إياها ثم ندم على يمينه، فإن نوى وقتًا أبقاها إليه, =

ومن حلف لا يشتري ثوبًا فاشترى ثوب وشيٍ، حنث إن لم تكن له نية، إلا أن يكون يمينه بالطلاق. فإن كانت يمينه بالطلاق، وعليه بينة فلا ينوى. وكذلك، إن حلف لا دخلت (¬1) هذه الدار. وقال: نويت شهرًا. فإن كانت يمنيه بالطلاق، وعليه بينة لم ينو، ولا شيء عليه فيما بينه وبين الله تعالى. وإن كانت لا بينة عليه، أو كانت يمينه بما لا يقضي عليه بها صدق. ¬

_ = وإن لم ينو شيئا حمل على بساط يمينه، فإن كان عندما طلبت قميصا فلا يبر حتى يأتى وقت الكسية المؤتنفة ولا بد لها من لبس الجبة فيما تسد الجبة مسده من القميص فإن يمينه على الأدب، فإذا أسمعها بها وقامت عليها حتى يعلم ذلك فلا شىء عليه فى زوالها)، ووفي النصِّ تصحيفٌ في كلمتين: كلمة (الكسية)؛ وصوابها: الكسوة، وكلمة (أسمعها)؛ وصوابها: أسبغها. (¬1) في (ق 5): (يدخل).

باب فيمن حلف لعبد، أو لأضربه، أو حلف ليضربنه؛ فأمر من ضربه، أو لا يبيعنه، فأمر من باعه؛ أو باعه على خيار أو بيعا فاسدا، أو بيعا فيه عيب

باب فيمن حلف لعبد، أو لأضربه، أو حلف ليضربنه؛ فأمر من ضربه، أو لا يبيعنه، فأمر من باعه؛ أو باعه على خيار أو بيعًا فاسدًا، أو بيعًا فيه عيب (¬1) وقال فيمن حلف ليضربن عبده مائة سوط (¬2)، فضربه خمسين سوطًا له رأسان: لم يبر (¬3). والقياس: أن يبر بمنزلة لو ضربه رجلان خمسين خمسين، وكان وقع ضربهما معًا. وقال فيمن حلف ليضربن عبده، فأمر من ضربه؛ بر. وإن حلف لا يضربه، فأمر من ضربه حنث، إلا أن ينوي، أن لا يضربه بنفسه. وإن حلف أن لا يبيعه، فأمر من باعه؛ حنث، ولم ينو (¬4). وقال محمد: ينوى (¬5) فنواه في الضرب إذًا أمر (¬6) من ضربه؛ لأن من السادات من يؤمنه (¬7) بمثل ذلك، لئلا يهرب أو غير ذلك من العذر. ¬

_ (¬1) من قوله (باب فيمن حلف. . . فيه عيب) في (ت): (باب فيمن حلف على عبده لأضربنه مائة سوط، فضربه بسوط له طرفان خمسين أو أو حلف ليضربنه، فأمر من ضربه، أو لأبيعه فأمر من باعه، فباعه على خيار، أو بيع فاسد، أو بيع وفيه عيب). (¬2) قوله: (سوط) ساقط من (ق 5). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 610. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 610. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 156. (¬6) قوله: (أمر) ساقط من (ت). (¬7) في (ق 5): (يطيبه).

وأرى أن ينوى في البيع إن قال: خفت ذهابه، فأمنته بذلك، ولو (¬1) حلف في سلعة لا باعها، لم ينو إذا كانت اليمين بالطلاق، أو بما يقضي (¬2) عليه به، إلا أن يبين لذلك وجهًا. وقال محمد، فيمن حلف لا يبيع عبده فباعه، واشترط لنفسه الخيار، فليس ببيع، حتى يمضى (¬3). وأرى إن كان الخيار للمشتري أن لا يحنث؛ حتى يقبل؛ لأن البيع في الحقيقة ما نقل (¬4) الملك، وبيع الخيار لا ينقل الملك. ويختلف إذا ضرب أجلًا، فباع فيه عبده على الخيار، وقبل المشتري بيعه، فعلى القول أنه يحسب بيعًا من يوم عقد على خيار يحنث، ومن قال: لا يعد بيعًا، إلا من يوم يقبض، لم يحنث. وقال محمد: إن قال: من جاءني فيه بعشرة دنانير فهو له، لم يحنث، إلا أن يأتيه فيه أحد بعشرة دنانير فيما قرب، مثل الشهر والشهرين، وقال محمد: أحب إلي أن لا يلزمه، إلا في مثل الشهر فأقل فهذا بمنزلة من باع على خيار المشتري، قال: ومن حلف بعتق عبده إن باعه، فباعه بيعًا مفسوخًا (¬5)، كان بذلك البيع حرًا (¬6). قال الشيخ - رضي الله عنه -: ولو حلف بعتقه ليبيعه، فباعه بيعًا فاسدًا، لم يبر، إلا أن ¬

_ (¬1) قوله: (فأمنته بذلك، ولو) في (ت): (فأمنه بمثل ذلك، وإن). (¬2) في (ت): (يقضى). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 211. (¬4) قوله: (ما نقل) في (ب): (ينقل). (¬5) في (ت): بيعًا فاسدًا مفسوخًا. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 211.

فصل [فيمن حلف لا تكفل بمال فتكفل بالوجه]

يفوت عند المشتري. فإن لم يفت نقض البيع، وكانت اليمين منعقدة (¬1)، حتى يبيعه بيعًا ينقل ملكه. وأما إن حلف إنْ باعه، فإنه يحنث بالبيع الفاسد؛ لأنه إن كان يجهل، ويراه جائزًا، فهو من الجنس الذي حلف عليه أن لا يفعله. وإن كان يعلم أنه فاسد، فقد قصد فيه خلاف ما حلف أنه لا يفعله؛ لأنه مكّنه منه على وجه الملك؛ فهو يحنث. وإن نقض بعد ذلك. وعلى قول أشهب أن البيع الفاسد ينقل الملك والضمان أبين في الحنث. وإن باعه، وبه عيب يوجب الرد، وكانت يمينه إن باعه؛ حنث. وسواء قبله المشتري بعد علمه بالعيب، أو رده. وإن حلف ليبيعنه؛ لم يبر إن رد بالعيب. فصل [فيمن حلف لا تكفل بمال فتكفل بالوجه] وقال فيمن حلف، لا تكفلَّ (¬2) بمال، فتكفل بالوجه، حنث (¬3). والقياس: لا شيء عليه؛ لأن الكفالة ثلاثة: بالوجه والمال والطلب. فإذا قال بالوجه (¬4)، فقد خصَّ ما تكفل به، وتكفل بما هو دون الأول في الحكم فإن أحضره فقيرًا أو غائبًا (¬5)، فأثبت فقره، أو مات، برئ. ولا يثبت عليه المال، إلا ¬

_ (¬1) في (ق 5): (معلقة). (¬2) في (ق 5): (يتكفل). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 610. (¬4) في (ق 5): (بمال). (¬5) في (ق 5): (غاب).

بعد غيبته، وعدم البينة على فقره، وكذلك، لو (¬1) حلف، لا تكفل بالوجه، فتكفل بالطلب، لم يحنث. وإن حلف، لا تكفل بوجه، فتكفل بمال، حنث؛ لأنه أشد مما سمي. ¬

_ (¬1) في (ق 5): (إن).

باب فيمن حلف لا يبيع من فلان أو لا يشتري منه، فباع من وكيله أو اشترى

باب فيمن حلف لا يبيع من فلان أو لا يشتري منه، فباع من وكيله أو اشترى ومن حلف لا (¬1) يبيع من رجل، ولا يشتري منه , فباع أو اشترى من وكيله، فإن لم يكن الوكيل من سبب المحلوف عليه، لم يحنث. وإن كان من ناحيته أو من سببه وهو عالم أنه من ناحيته، حنث (¬2). واختلف إذا قال لم أعلم (¬3) أنه من سببه، فقال ابن القاسم في المجموعة: يحنث، ولم يصدقه. وقال أشهب: لا يحنث (¬4). واختلف في المراد بمن هو من سببه، فقال ابن القاسم في المدونة: صديق ملاطف، أو من هو من عياله، أو من هو من ناحيته (¬5). وقال ابن حبيب: هو الذي يدير أمره أو أب أو أخ ممن يلي أمره. فأما (¬6) الصديق والجار والجلساء فلا (¬7). يريد: أن محمله فيمن لا يلي ماله كالأجنبي، فلا يحنث به، وأن من يلي القيام بماله لا يخفى عليه. ولم يروا (¬8) عليه حنثًا إذا لم يكن من سببه، وإن ثبت أن البيع والشراء كان للمحلوف عليه، بخلاف أن يباشر الحالف المحلوف (¬9) عليه بالبيع والشراء ¬

_ (¬1) في (ق 5): (ألا). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 611. (¬3) قوله: (لم أعلم) في (ت): (لم يعلم). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 226. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 611. (¬6) في (ت): (مثل). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 224. (¬8) قوله: (ولم يروا) في (ت): (ولم ير). (¬9) في (ت): (والمحلوف).

ناسيًا؛ لأن الناسي عالم أنه محلوف عليه عامدًا للفعل ناسيًا ليمينه. والناسي والعامد سواء. وهذا غير عالم فلم يحنث على مراعاة المقاصد؛ لأنه غير ما قصد بيمينه. ولا على مراعاة اللفظ؛ لأنه إنما باع أو اشترى من غير المحلوف عليه. وأرى (¬1) أن ينظر في الحالف، فإن كان لا يخفى عليه أن الذي باشره بالعقد من سبب المحلوف عليه؛ لم يصدق. وإن أشكل الأمر حلف أنه لم يعلم ولم يحنث. والتهمة في يمينه ألا يبيع من فلان جاريته أو عبده أو يشتريهما منه مختلف. فمن حلف لا باع جاريته أو عبده من فلان، يتخوف (¬2) أن يدس من يشتري له ذلك، وهذا يجري كثيرًا. فإن تولىَّ الشراء جار أو صديق أو جليس؛ لم يصدق أنه لم يعلم أنه من ناحيته، إلا أن يكون الحالف طارئًا، أو يقوم له دليل. ولا يتخوف مثل ذلك أن يدس عليه من يبيع منه، إلا أن يكون اليمين منه على معين جارية أو عبد، فلا يصدق أنه لم يعلم أن الذي (¬3) حلف عليه. وقال مالك: وإن (¬4) كان المشتري من سبب المحلوف عليه، فقال البائع: إني حلفت أن لا أبيع من فلان. فقال: لنفسي أشتري. فلما باع منه، قال: ادفعها لفلان المحلوف عليه، فله اشتريتها؛ لزمه البيع. وهو حانث، ولا (¬5) ينفعه ما قدم في ذلك (¬6). ولو قال: إنْ كنت وكيلًا فلا بيع بيننا؛ لم يلزمه بيع، ولم يحنث. ¬

_ (¬1) قوله: (وأرى) ساقط من (ت). (¬2) في (ق 5): (فيخاف). (¬3) في (ق 5): (التي). (¬4) في (ق 5): (إذا). (¬5) في (ق 5): (ولم). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 661.

باب فيمن حلف ليقضين فلانا حقه، فقضاه ناقصا أو زيوفا. أو استحق ما قضاه ومن حلف لا يفارق غريمه حتى يقبض حقه؛ ففر منه، أو أحاله أو أرهنه. وما يتعلق بذلك

باب فيمن حلف ليقضين فلانًا حقه، فقضاه ناقصًا أو زيوفًا. أو استحق ما قضاه ومن حلف لا يفارق غريمه حتى يقبض حقه؛ ففر منه، أو أحاله أو أرهنه. وما يتعلق بذلك ومن حلف ليدفعن لفلان حقّه إلى أجل، فقضاه ناقصًا أو زيوفًا (¬1) أو استحق ما قضاه وهو عالم بجميع ذلك، ثم مضى الأجل؛ حنث. ويختلف إذا لم يعلم. فقال في المدونة: يحنث (¬2) وهذا على مراعاة الألفاظ، ولا يحنث على القول الآخر؛ لأن قصده أن لا يلد فلم يلد. واختلف إذا استحقت بعد الأجل، فلم يأخذها المستحق، فقال ابن كنانة: لا يحنث. وقال ابن القاسم: يحنث. قال: وكل شيء لو قام صاحبه أخذه فكأنه وفاَّه ساعة أنفذ. وقال مالك في العبد يحلف على القضاء إلى أجلٍ، فيقضي من مال سيده فيجيزه سيده بعد الأجل، قال: ما أرى من أمر بين (¬3). ¬

_ (¬1) في (ق 5): (زائفا). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 611. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 93.

فصل [فيمن حلف لغريمه ألا يفارقه حتى يستوفي حقه]

فصل [فيمن حلف لغريمه ألا يفارقه حتى يستوفي حقه] وقال ابن القاسم فيمن حلف لغريمه: لا فارقتك (¬1) حتى أستوفي حقّي. ففر منه: حنث (¬2). وقال محمد: لا يحنث، إلا أن يتراخى له. قال (¬3): وإن قال لا فارقتني، أو لا افترقنا فأفلت منه، حنث فأجاب محمد إذا قال: لا أفارقك (¬4) على موجب اللفظ (¬5). ورأى ابن القاسم أن القصد من الحالف في مثل هذا (¬6): المغالبة والتضييق عليه حتى يأخذ حقّه. قال: وإن حلف لزوجته إنْ قبلتك، فقبلته؛ فلا شيء عليه إذا لم يكن منه استرخاء. قال: وإن حلف لزوجته إنْ ضاجعتك، فضاجعته (¬7) وهو نائم؛ فلا ¬

_ (¬1) في (ق 5): (لا أفارقك). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 612. نص المدونة: قلت: أرأيت إن حلفت أن لا أفارق غريمي حتى أستوفي حقي فيفر مني أو أفلت، أأحنث في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: إن كان إنما غلبه غريمه وإنما نوى أن لا يفارقه مثل أن يقول: لا أخلي سبيله ولا أتركه إلا أن يفر مني؛ فلا شيء عليه, وانظر البيان والتحصيل: 15/ 13، نص العتبية: (وقال في رجل قال لعبده: إن فارقت غريمي فأنت حر، ففارقه قال: قد كان لا يراه عتيقًا، ثم عرضته عليه محليًا وما بقي أحد فأمرني بمحوه ورآه حرًا، قال: وكذلك من قال لعبده أنت حر إن دخلت دار فلان فدخلها). (¬3) قوله: (قال) ساقط من (ق 5). (¬4) في (ت): (فارقتك). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 252. (¬6) في (ت): (هذه). (¬7) قوله: (وإن حلف لزوجته إنْ ضاجعتك، فضاجعته) في (ب): (إن ضاجعتك).

شيء عليه وإن قال: إن ضاجعتني أو قبلتني؛ فهو بخلاف الأول (¬1)، يريد: إذا حلف لا قبلتك، فقبلته على الفم لأنه إذا تركها صار هو مقبل. ولا يحنث إذا تركها قبلته على غير الفم. وإن قال: إن قبلتني فتركها، فقبلته على غير الفم؛ حنث، إلا أن ينوي الفم. وإن قال: لا فارقتك حتى أستوفي حقّي أو أقبضه، فأحاله، حنث ولا يقع (¬2) الحنث إن نقض الحوالة، وقضاه (¬3) قبل أن يفارقه. وإن قال: إن فارقتك (¬4) ولي عليك حق -برئ بالحوالة- وإن أرهنه بحقّه رهنًا، لم يبر. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 612. (¬2) في (ت): (يرتفع). (¬3) قوله: (قضاه) في (ب): (قضى). (¬4) قوله: (إن فارقتك) في (ت): (فارقتك).

باب فيمن حلف ليقضين فلانا حقه رأس الشهر أو رأس الهلال أو في انسلاخه أو إلى العيد أو في العيد

باب (¬1) فيمن حلف ليقضين فلانًا حقه رأس الشهر أو رأس الهلال أو في انسلاخه أو إلى العيد أو في العيد وإن حلف ليقضينه رأس الشهر أو رأس الهلال كان له يوم وليلة من أوله (¬2)، فإن غربت الشمس ولم يقضه، حنث. وهذا إذا لم يدخل في يمينه شيءٌ من حروف الجر، فيقول: في أو عند أو إلى أو لكذا أو إذا أو حين. قال مالك في المدونة: فإن قال إلى رمضان، فانسلخ شعبان ولم يقضه، حنث (¬3). قال محمد: فإن قال في رأس الشهر أو في رأس الهلال أو في الهلال، ولم يقل رأس الهلال أو في استهلال الهلال أو في الهلال (¬4) أو في رؤيته أو في دخوله أو في حلوله، كان له يوم وليلة (¬5). وأرى إذا قال: في الهلال، ولم يقل في رأس الهلال: أن تكون له ثلاثة أيام؛ لأن العرب تسميه أول ليلة والثانية والثالثة هلالًا، والرابعة قمرًا (¬6)، إلا أن يكون الحالف لا يعرف هذه التسمية، إلا لأول ليلة أو لثانية (¬7)، فيحمل على ما يقوله. ¬

_ (¬1) قوله: (باب) ساقط من (ب). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 612. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 612. (¬4) قوله: (أو في الهلال) ساقط من (ق 5). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 185. (¬6) قوله: (أول ليلة والثانية والثالثة هلالًا، والرابعة قمرًا) في (ت): (أول ليلة والثانية هلالًا، والثالثة والرابعة قمرًا). (¬7) قوله: (ليلة أو لثانية) في (ق 5): (يوم أو لثانيه).

قال: وكذلك، إذا قال: عند الهلال أو عند رأس الهلال أو قال لاستهلال الهلال أو لرأسه أو لرؤيته أو لدخوله أو لحلوله أو لمجيئه؛ فله يوم وليلة من الداخل (¬1) يريد: لأنَّ المراد المبادرة بذلك عند استهلال الشهر. وإن قال إلى؛ كان القضاء إلى قبل حلول الداخل؛ لأن بابها للغاية، فهي غاية التأخير. وروى ابن وهب عن مالك أنه قال: له يوم وليلة من الداخل وإن قال إذا انقضى شعبان أو عند انقضائه له يوم وليلة من رمضان. وقوله: إذا استهل رمضان، وإذا (¬2) انقضى شعبان سواء؛ لأنه لا يصح انقضاء شعبان، إلا بدخول رمضان (¬3). فمن قضى بأثر انقضائه. فقد قضى عند الانقضاء، وإن قال: في انقضاء شعبان أو إلى انقضائه فغابت الشمس من آخر شعبان، حنث؛ لأن (في): ظرف للقضاء، فالقضاء يكون في الانقضاء. وإن خرج الشهر، كان قضاؤه في غير الانقضاء. وكذلك قوله: إلى فغاية التأخير ما لم ينقض الشهر. وإن قال: حين ينقضي شعبان؛ لم يحنث بخروجه، ويتعجل ما استطاع، وقد قال: له يوم وليلة. كقوله إذا انقضى شعبان (¬4) وإن قال: إذا انسلخ شعبان؛ كان له يوم وليلة من رمضان، كقوله إذا انقضى شعبان. وإذا (¬5) قال: في انسلاخ الشهر أو إلى أو لانسلاخه، فلم يقضه قبل أن يهل رمضان، حنث. مثل قوله: في القضاء أو إلى انقضاء. وإن قال: في انسلاخ الهلال، كان له يوم وليلة. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 185. (¬2) في (ت): (و). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 185. (¬4) قوله: (كقوله إذا انقضى شعبان) ساقط من (ت). (¬5) في (ق 5): (فإن).

فصل [فيمن حلف ليقضينه إلى العيد أو في العيد أو اذا انقضى العيد]

واختُلف إذا قال: عند انسلاخه (¬1): فقال مرة: إذا انسلخ وعند انسلاخ واحد له يوم وليلة من الثاني وقال مرة: ذلك بمنزلة قوله (في) (¬2)، و (إلى)، فإن لم يقضه قبل خروج الأول، حنث وقال محمد: وإن قال: حين ينقضي الهلال أو حين يهل أو حين ينسلخ أو يرى أو يدخل أو يجيء إذا سمى الحين في جميع ذلك، يعجل القضاء ما استطاع حين يدخل، وليس في ذلك حد (¬3). وفي المبسوط: إذا قال: في حلول وإذا حل وحين يحل، له يوم وليلة. وإن قال: لحلول رمضان، فغابت الشمس من آخر شعبان، ولم يقضه، حنث، كالذي يقول: إلى. وفي كتاب محمد: إذا قال لكذا: له يوم وليلة (¬4). والمراد بقوله لحلول ولمجيء وحين وعند واحد. فصل [فيمن حلف ليقضينه إلى العيد أو في العيد أو اذا انقضى العيد] واختُلف إذا حلف ليقضينه إلى العيد أو في العيد أو إذا انقضى العيد في مبتدأ العيد وآخره: فقال سحنون: إن حلف ألا يصيب أهله إلى العيد، فأصابها ليلة العيد؛ حنث ورأى أن أول العيد ليلته، وقال أصبغ: لا يصيبها حتى يصلي الإمام وينصرف، فإن أصابها قبل ذلك، حنث (¬5). فجعل مبتدأ العيد بعد سلام ¬

_ (¬1) في (ت) و (ب): (انسلاخ). (¬2) قوله: (في) ساقط من (ت). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 185 و 186. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 185. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 6/ 359، والنوادر والزيادات: 4/ 193.

الإمام من الصلاة. واختُلف إذا قال في العيد: فقيل: له اليوم الأول فقط، وقيل: ثلاثة أيام. وقال سحنون: إن كان في الفطر فاليوم الأول، فإن قال: يوم العيد، كان الأضحى والفطر سواء، له اليوم الأول. وإن قال: في الأضحى، فثلاثة أيام. وإن قال: في أيام التشريق، فأربعة أيام، وإن قال: إلى الصدر، فله إلى (¬1) آخر أيام التشريق، وبقيته إلى الفجر، فإن طلع الفجر، ولم يقضه، حنث وقال: إن حلف لا كلمتك حتى الصدر أو إلى الصدر؛ فلا يكلمه إلا في الصدر الآخر. فإن كلمَّه في الأول، لم يحنث. وإن حلف ليكلمنّه إلى الصدر، فليكلمه في الأول، فإن كلمَّه في الآخر، لم يحنث (¬2). وقال ابن القاسم: فيمن (¬3) حلف لأقضينّك إذا ذهب العيد؛ فأيام التشريق من العيد. وقال أيضًا: إن حلف ليقضينه في العيد، فقضاه في أيام التشريق، حنث (¬4) فرأى أن العيد اليوم الأول؛ لأن أول أيام التشريق اليوم الثاني. وقوله الأول أحسن. ¬

_ (¬1) قوله: (إلى) ساقط من (ق 5). (¬2) قوله (وقال إن حلف. . .): في (ق 5): (وقال وإن كلمته لأول لم يحنث وإن حلف لا يكلمه إلى الصدر فليكلمه في الأول وإن كلمه في الآخر لم يحنث). (¬3) في (ق 5): (إن). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 193.

باب فيمن حلف ليقضين فلانا حقه، فأعطاه عرضا، أو وهبه له الطالب. أو حلف الطالب لا يضع من حقه شيئا، فأخره أو أقاله

باب فيمن حلف ليقضين فلانًا حقه، فأعطاه عرضًا، أو وهبه له الطالب. أو حلف الطالب لا يضع من حقه شيئًا، فأخره أو أقاله وقال مالك فيمن حلف ليقضينّ فلانًا حقّه إلى أجل أو دنانيره، فأعطاه بها عرضًا فيه وفاء من حقّه، فلا شيء عليه، ثم كرهه (¬1) فالكراهة على مراعاة الألفاظ، والأخرى على مراعاة المقاصد، وهو إذا قال: دنانيره أبين في الكراهية، وإن وهبه الطالب ذلك الحق؛ لم يبر. وهذا على مراعاة الألفاظ، وعلى مراعاة المقاصد لا يحنث؛ لأن المراد أن لا يكون منه لدد عن القضاء. فإذا أمكنه منه وتركه؛ لم يحنث إذا كانت اليمين بما لا يقضى بها، أو بما يقضى بها، ولا بينة عليه، فإن كانت عليه بينة، لم يبر. قال أشهب: ثم إن مضى الأجل، ولم يقضه، حنث (¬2). وقال ابن حبيب: لا ينفعه إن قضاه بعد ذلك. والأول أحسن، أن لا شيء عليه إن قضاه في الأجل؛ لأنه إن كان باطنه على الصحة، وقد مكنَّه من حقه؛ لم يحنث. وإن اتهم أن يكون أراد الطالب الرفق به، لئلا يحنث، فأظهر الهبة (¬3). وليكون القضاء بعد الأجل؛ كان الحق قائمًا، فقد قضاه. وإن باعه بالدين عرضًا بيعًا فاسدًا، ففات في الأجل وقيمته مثل الدين ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 612. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 177. (¬3) في (ت): (الهيبة).

فصل [فيمن باع سلعة ثم حلف لا يضع من ثمنها فأقاله]

فأكثر؛ بر. وإن كانت قيمته أقل، فوفاَّه بقية حقّه في الأجل، بر. وإن لم يقضه حتى انقضى الأجل، حنث. واختلف إذا انقضى الأجل والعرض قائم: فقال سحنون في العتبية: يحنث. وقال أشهب: لا يحنث. وأرى إن كان في قيمته وفاء بالحق أن لا يحنث؛ لأنه الوفاء (¬1) عنده، والوجه الذي قصده بيمينه. وكذلك إن كان عالمًا بالفساد، وقصد بتّ البيع. وإن أراد بذلك ليقوم بعد الأجل، حنث؛ لأنه قصد اللدد. وإن باعه بالدين سلعة بيعًا صحيحًا، وبها عيب فعلم بالعيب في الأجل، فردت. وقضى الثمن ثانية، وإلا حنث. وإن رضي به المشتري، وفي قميتها معيبةً وفاء بالدين، لم يحنث. وإن كانت أقلّ؛ حنث على مراعاة الألفاظ؛ ولم يحنث على القول الآخر إذا كانت قيمتها سالمةً مثل الدين، وهو غير عالم بالعيب؛ لأنه قصد الوفاء، ولم يلد. وإن فاتت في الأجل أعطاه قيمة العيب، وإلاّ حنث. وإن لم يعلم بالعيب، إلا بعد الأجل وقد كانت فاتت في الأجل، حنث على أحد القولين. وإن مضى الأجل وهي قائمة، حنث على قول سحنون في البيع الفاسد، ولم يحنث على قول أشهب. وهو أحسن؛ لأنه لم يقصد لددًا. فصل [فيمن باع سلعة ثم حلف لا يضع من ثمنها فأقاله] ومن باع سلعةً، ثم حلف ألا يضع من ثمنها، فأقاله، حنث إن لم يكن فيها وفاء بالثمن (¬2). وإن كان فيها وفاءٌ، لم يحنث. وإن أنظره، لم يحنث. وقيل: ¬

_ (¬1) في (ت): (الموفى). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 6/ 314.

يحنث. والأول أبين؛ لأنّ التاجر يخف عليه الصبر، ويراه حسن معاملة، ولا يعده وضيعة، ولا يخف عليه ترك اليسير. ومن المدونة قال ابن القاسم: فيمن حلف أن لا يهب لفلان، فتصدق عليه: حنث. وإن أعاره، حنث؛ لأن أصل يمينه على المنفعة (¬1). قال محمد: وإن حلف على قريب له أن لا يُعيره ثوبًا، فوهبه له، فلا شيء عليه، إذا كان سبب يمينه أنه أعاره فأفسده أو حبسه عنه، أو كان يعاف لباس الناس ثيابه، أو يريد صونها. وإن أراد قطع المنافع عنه، حنث وإن حلف أن لا يكسو امرأته، فأعطاها دراهم اشترت بها ثوبًا؛ حنث. ولم ينو إن كانت يمينه بما يقضى عليه بها. فإن حلف أن لا يعطيها دراهم، فكساهاة حنث، إلا أن يكون أراد بالدراهم خوف أن تتلفها، ولو أعطاها في الأول دراهم يسيرة مما لا تشتري بها كسوة، ولا تستعين بها فيها، لم يحنث. ولو حلف على أجنبي أن لا يكسوه، فأعطاه دراهم، أو لا يعطيه دراهم فكساه، حنث في الوجهين جميعا، إلا أن يقوم له دليل على أنه أراد عين ما حلف عليه. وقال ابن القاسم فيمن حلف لا أدخل دار فلان إلا بإذن فلان، أو لا يقضي فلانًا حقّه إلا بإذن فلان، فمات الذي اشترط إذنه، لم ينتفع بإذن ورثته (¬2)، وإن دخل أو قضى، حنث (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 613. (¬2) في (ق 5): (الورثة). (¬3) انظر: المدونة: 1/ 614.

باب [فيمن عجز عن البر بسبب خارج عنه]

باب [فيمن عجز عن البر بسبب خارج عنه] فيمن قال حلف ليقضينّ فلانًا حقه رأس الشهر، فغاب الطالب، أو مات، أو حلف ليركبنّ دابة فماتت، أو ليلبس ثوبًا، أو يأكل طعامًا، فسرق. أو حلف بالطلاق، أو بعتق عبده، ليفعلن فعلًا، فمات الحالف، أو المحلوف عليه قبل أن يفعل. ومن حلف لغريمه ليقضينّه رأس الشهر، فغاب الطالب وله وكيل مفوض إليه، دفع إليه، وبرّ في يمينه، وبرئ من الدين. وسواء كان بالموضع سلطانٌ، أم لا. وإن لم يكن مفوضًا إليه دفع إلى السلطان، وبر وبرئ. فإن لم يكن سلطان أو لم يقدر على الوصول إليه، أو كان غير عدل، دفع إلى هذا الوكيل أو غيره، وأوقفه على يديه، فيبرّ في يمينه، ولا يبرأ من الدين. وإن أتى بالحق وأشهد على وزنه أو عدده ثم رجع به، بر؛ لأنه لم يكن منه لدد، وهو قول مالك في كتاب محمد. قال محمد: وقد قيل لو دفع إلى بعض الناس لغير عذر من سلطان، وأشهد، لم يحنث (¬1). وإن كان السلطان غير عدل، فرفع إليه وهو عالم أنه غير عدل، بر في يمينه (¬2)، ولم يبرأ من الدين. قال محمد: وإن لم يعلم ذلك من الإمام، فلا ضمان عليه. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 165. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 166.

وأرى أن يضمن ولا يبرأ؛ لأن الدين في ذمته، وقد أخطأ على نفسه. وقال سحنون: إن أشهد على الحق في الأجل، ثم جاء الطالب بعد الأجل فمطله؛ لم يحنث (¬1). وقال مالك في كتاب محمد: إن حلف ليقضينّه رأس الشهر إلا أن يؤخره، فأخره شهرًا، ثم قال المطلوب بعد حلول الشهر الآخر: ما علي يمين. قال مالك: اليمين عليه، فإن لم يقضه، حنث قال: وإن أنظره الطالب من قبِل نفسه، ولم يعلم الحالف، فقال: عسى به أن يجزئه. وقال ابن وهب: هو في سعة من يمينه (¬2). وهذا على مراعاة الألفاظ؛ لأنه قال: إلا أن تؤخرني (¬3)، فقد أخره (¬4). وعلى مراعاة المقاصد يحنث. وهو أحسن؛ لأنه قصد أن لا يلد، فإذا لم يعلم بتأخيره، فقد لد. واختُلف أيضًا إذا غاب الحالف فقضى عنه بعض أهله من ماله أو من مال الغائب، فقال ابن الماجشون: يبر وقال ابن القاسم: لا يبر (¬5) وهو أبين إذا تأخر عن القدوم للقضاء عمدًا. وقال ابن القاسم فيمن حلف ليقضينّ فلانًا حقّه إلى أجل، إلا أن يؤخره، فأراد سفرا، فسأل الطالب أن يؤخره، وذكر مدة سفره، فأخره إلى بلوغه، وزاده عشرين ليلة، ثم لم يسافر لأنه خاف اللصوص، قال: يقضيه عند الأجل الأول، وإلا حنث (¬6). وقال فيمن حلف ليركبن هذه الدابة غدا فماتت قبل غد ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 166. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 170. (¬3) في (ت): (يؤخرني). (¬4) في (ت): (أخرني). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 167. (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 6/ 266 و 267.

فلا شيء عليه (¬1). وإن حلف ليلبسنّ هذا الثوب أو ليأكلنّ هذا الطعام، فسُرق، حنث. وقال أشهب: لا حنث عليه (¬2) وهو أحسن، إلا أن تكون اليمين بما يقضى عليه به، ولم تعلم السرقة إلا من قوله. وقال فيمن حلف ليذبحن حمامات يتيمة، فوجدها قد ماتت قبل ذلك: فلا شيء عليه. وقال في كتاب الأيمان بالطلاق، فيمن حلف ليبيعن أمته، فوجدها حاملًا: حنث (¬3) فعلى هذا يحنث الذي حلف ليذبحن الحمامات فماتت (¬4). والخلاف في هذا راجع إلى الوجهين المتقدم ذكرهما، فمن راعى الألفاظ أحنثه، ومن راعى المقاصد لم يحنثه. وقال فيمن حلف ليضربن فلانًا بعتق عبده، فمات فلان بعد أن مضى قدر ما يضربه فيه: حنث. فإن كان الحالف صحيحًا أُعتِق من رأس المال، وإن كان مريضًا أُعتِق من الثلث. وإن مات الحالف أُعتِق من الثلث (¬5). وإن ضرب أجلا فمات أعتق من الثلث وإن مات الحالف أعتق من الثلث (¬6)، وإن ضرب أجلًا فمات الحالف أو المحلوف عليه في الأجل فرط أو لم يفرط، وقد حلف بعتق أو طلاق، فلا شيء عليه. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 247. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 246. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 77. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 147. (¬5) انظر المدونة طبعة دار صادر (1/ 147). (¬6) قوله: (وإن ضرب أجلا فمات أعتق من الثلث وإن مات الحالف أعتق من الثلث) ساقط من (ق 5).

وقال ابن كنانة في كتاب المدنين فيمن حلف بطلاق امرأته أن يبيع عبده إلى شهر فمات العبد في الشهر، قال: إن فرط في بيعه ولو شاء باعه، فقد وقع الطلاق؛ لأنه لم يبق له شيء يبر فيه. قال: ولو حلف بالطلاق أن يخرج بامرأته إلى شهر فماتت: حنث إن فرط. قال: ولو مات هو قبل أن يخرج بها، ورثته. قال: والفرق بينهما أن المرأة حين (¬1) ماتت يأتي الأجل، وليس له شيء يبر فيه، وإن مات هو كان بمترلة من طلق بعد الموت (¬2)، وقد يطلق المريض فترثه. وقال ابن أبي حازم، فيمن قال: إن لم أضرب غلامي قبل الهلال فامرأته طالق، فمات العبد قبل الهلال، وقبل أن يضربه، فقال: أمره عندي أبين من كل شيء، وهي طالق. فسوى ابن كنانة وابن أبي حازم في الحنث إذا ضرب أجلًا، وجعلاه بمنزلة من لم يضرب الأجل، ورأيا أن أجل الآخر حياة الحالف فأحنثاه بمجرد اللفظ؛ لأن كليهما حلف ليوجدن منه فعلٌ، فلم يوجد. فهذا جعل لنفسه أن يضرب ما بينه وبين شهرٍ، والآخر فسح لنفسه أن يضرب ما بينه وبين أن يموت (¬3). ¬

_ (¬1) في (ق 5): شطب على (حين) وكتب فوقها (إذا) (¬2) قوله: (الموت) ساقط من (ت). (¬3) في (ب): (انتهى كتاب الأيمان والنذور).

كتاب النكاح الأول

كتاب النكاح الأول النسخ المقابل عليها 1 - (ب) = نسخة برلين رقم (3144) 2 - (ت) = نسخة تازة (235 & 243)

باب في الترغيب في النكاح وأنه من سنن المرسلين

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كتاب النكاح الأول باب في الترغيب في النكاح وأنه من سنن المرسلين (¬1) قال الله -عز وجل-: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَرْبَعٌ مِنْ سُنَنِ المُرْسَلِينَ: الحَيَاءُ وَالتَّعَطُّرُ وَالسِّوَاكُ وَالنِّكَاحُ"، وهذا حديث حسن السند ذكره الترمذي (¬2). وسَأَلَ ثلاثُ نفرٍ عن عَمَلِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، فتقالوه، فقالوا: وأين نحن من النَّبي - صلى الله عليه وسلم - غَفَرَ اللهُ له ما تَقَدَّمَ من ذنبه وما تَأَخَّرَ؟ ثم قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدًا، وقال الآخر: وأنا أصوم الدهر ولا أفطر. وقال الآخر: وأنا أعتزل النساء، ولا أتزوج أبدًا، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وكَذَا، أَمَا وَاللهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ للهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنّي أَصُومُ وَأفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتْزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي، فَلَيْسَ مِنِّي" أخرجه البخاري ومسلم (¬3)، فأخبر أنه من ¬

_ (¬1) قوله: (في الترغيب. . . المرسلين) ساقط من (ت). (¬2) أخرجه الترمذي: 3/ 391، في باب ما جاء في فضل التزويج والحث عليه، من كتاب النكاح، برقم (1080)، قال الترمذي: (حسن غريب). (¬3) متفق عليه، البخاري: 5/ 1949، في باب الترغيب في النكاح، من كتاب النكاح، برقم (4776)، ومسلم: 2/ 1020 في باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه، من كتاب النكاح، برقم (1401).

سنته، وذم من رغب عن ذلك. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَأَغَضُّ لِلطَّرْفِ، فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فِإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ" أخرجه البخاري ومسلم (¬1). وفي الحديث مجاز، والمعنى: من استطاع ذلك منكم بالمال ليس بالوطء، ولو كان ذلك المراد لم يأمر (¬2) من عجز عنه بالصوم. وقد جاء هذا الحديث (¬3) في النسائي مفسرًا، فقال: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ ذَا طَوْلٍ، فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّه أَغَضُّ لِلْبَصَرِ" (¬4)، فأتى بالحديث. وقال: "تَزَوَّجُوا الوَدُودَ الوَلُودَ , فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ" (¬5). وقال: "إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهَ" (¬6). فالنكاحُ يتضمن خمسَ خصالٍ: يُعِفُّ الطرف، ويحصن الفرج، ويكثر ¬

_ (¬1) متفق عليه، البخاري: 5/ 1950، في باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من استطاع منكم الباءة"، من كتاب النكاح، برقم (4778)، ومسلم: 2/ 1018، في باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنة واشتغال من عجز عن المؤن بالصوم، من كتاب النكاح برقم (1400). (¬2) في (ب): (لم يوصِ). (¬3) في (ب): (المعنى). (¬4) (صحيح) أخرجه النسائي: 4/ 171، في ذكر الاختلاف على محمد بن أبي يعقوب في حديث أبي أمامة في فضل الصائم، من كتاب الصيام، برقم (2243). (¬5) (صحيح)، أخرجه أبو داود: 1/ 625، في باب من تزوج الولود، من كتاب النكاح، برقم (2050)، وأخرجه ابن حبان في صحيحه: 9/ 338، في كتاب النكاح، برقم (4028). (¬6) أخرجه مسلم: 3/ 1255، في باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، من كتاب الوصية، برقم (1631).

فصل [في أقسام النكاح]

النسل، ويبقي الذِّكْر، والأجر. فصل [في أقسام النكاح] النِّكاح على أربعة أقسام: مباح، ومندوب إليه (¬1)، وواجب وجوبًا غير موسع، وواجب وجوبًا موسعًا. فإن كان الرجل ممن لا إِرْبَ (¬2) له في النِّسَاءِ ولا يرجو نَسْلًا؛ لأنَّه حَصُوْرٌ (¬3) لا يأتي النساء، أو خصيٌّ، أو مجبوبٌ (¬4)، أو شيخٌ فانٍ، أو عقيمٌ قد عَلِمَ ذلك من نفسه - كان مباحًا. وإن كان له إِرْبٌ في النساء، إلا أنه يقدر على التعفف، أو لا إرب له ويصح منه النسل - كان مندوبًا. وإن كان لا يقدر على التعفف، ويخشى على نفسه الزنى، ولا يقدر على التسري ولا يُذْهِب ذلك عنه الصومُ - كان واجبًا وجوبًا غير موسع؛ لأن حفظ دينه عليه واجب. فإن كان لا يقدر على حفظه إلا بالتزويج كان ذلك واجبًا. وإن كان يقدر على التسري كان وجوبه وجوبًا موسعًا، وكان مخيرًا بين ¬

_ (¬1) قوله: (إليه) زيادة من (ب). (¬2) الإِرْبَةُ والإِرْبُ: الحاجةُ، وفيه لغات: إِرْبٌ، وإِرْبَةٌ، وأَرَبٌ، ومَأْرُبةٌ، ومَأْرَبَة، وفي حديث عائشة - رضي الله عنها -: "كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَمْلَكَكُمْ لإِرْبِه"، أَي: لحاجَتِه. انظر: لسان العرب: 1/ 208. (¬3) الحصور: الذي لا يشتهي النساء ولا يقربهنّ. انظر: لسان العرب: 4/ 193. (¬4) والمَجْبُوبُ: الذي قد اسْتُؤْصِلَ ذكَره. انظر: لسان العرب: 1/ 249.

فصل [في المرأة ليس لها حاجة في الرجال]

وجهين لابد له من التلبس بأحدهما؛ وهو النكاح أو التسري. وإن كان يذهبه الصوم ويقدر على التسري كان مخيرًا بين ثلاثة أوجه: النكاح، أو التسري (¬1)، أو الصوم، وهو مجبور على امتثال أحدهم، والبداية بالنكاح أولى لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ"، الحديث، فيبدأ به، وقد يبدأ بالصوم على النكاح إذا كان لا يقدر على التسري ويذهب ذلك عنه الصوم، ولا يجد طَوْلًا لنكاح حرة؛ لأنّ في تزوُّجه الأمة إرقاقًا لولده. فصل [في المرأة ليس لها حاجة في الرجال] وإن كانت امرأة لا إرب لها في الرجال، وهي عقيم قد علمت ذلك من نفسها - كان النكاح لها مباحًا، وإن كان لها رغبة، وهي قادرة على التعفف، وكانت غير عقيم - كان مندوبًا، وإن كانت تخشى على نفسها الزنى، ولا يُذْهِبه الصوم - كان واجبًا وجوبًا غير موسع، وإن كان يُذْهِبه الصوم كان موسعًا، وكانت بالخيار بين النكاح أو الصوم، ولا بد لها (¬2) من التلبس بأحدهما، كانت ذات مال أم لا؛ لأنه لا يصح منها التسري، وتزويجها الحرَّ والعبد سواء؛ لأن ولدها تبع لها في الحرية وإن كان تزويجها للحرِّ أولى، وندب الله سبحانه السادات إلى إنكاح (¬3) من في رقهم من العبيد والإماء؛ لأنهم يحتاجون من ذلك إلى مثل ما يحتاج إليه (¬4) الأحرار، فقال -عز وجل-: {وَأَنْكِحُوا ¬

_ (¬1) قوله: (أو التسري وإن. . . أو التسري) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (لها) زيادة من (ب). (¬3) في (ب): (نكاح). (¬4) قوله: (ما يحتاج إليه) ساقط من (ب).

فصل [في شروط النكاح]

الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32]. فصل [في شروط النكاح] النِّكاح يصح بثلاثة شروط: وَلِيٍّ، وصَدَاق، وشاهِدي عدل. فأما الولي فمن شرطه أن يكون في أصل العقد، فإن عري العقد من ولي، وباشرت العقد بنفسها - كان فاسدًا (¬1)، ولم يصح بإجازة الولي (¬2). وأما الصداق فلا بأس أن يفرض بعد العقد إذا نكحها على تفويض (¬3)، وإنما يفسد إذا شرط إسقاطه (¬4). وأما الشاهدان، فمن شرطهما أن يشهدا قبل الدخول، فإن عقدا بغير بينة، ثم أشهدا بعد ذلك وقبل الدخول -جاز، فإن وقع الدخول قبل الإشهاد، ثم ادعيا لما ظهر عليها (¬5) أن ذلك عن نكاح- لم يُصدَّقا وفسخ وحُدَّا، إلا أن يأتيا على ذلك بشبهة. فصل [لزوم الولي للنكاح] الأصل في الولي قوله تعالى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ} [البقرة: 221] فهذا خطاب ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 118، التلقين: 1/ 112. (¬2) قال في المدونة: 2/ 120: (قلت لمالك: أفترى أن يفسخ وإن أجازه الولي؟ فوقف عنه ولم يمض عنه فعرفت أنه عنده ضعيف قال ابن القاسم: وأرى فيها أنه جائز إذا أجازه الولي). (¬3) انظر: التلقين: 1/ 116. (¬4) انظر: الإشراف: 2/ 714. (¬5) في (ب): (عليهما).

[فصل] ذكر صفة الولي

للرجال أن لا يزوجوا المسلمات من المشركين، ولم يرد الخطاب للنساء أن لا يتزوجن المشركين، وقوله سبحانه: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] نزلت في معقل بن يسار لما منع أخته أن تراجع زوجها (¬1)، وقوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ} [النور: 32] الآية، وقد استدل في هذا بقوله سبحانه: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} [النساء: 25]، وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْر إِذْنِ وَليِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنِ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا ولِيَّ لَهُ". قال الشيخ -رحمه الله-: هذا ليس بالبين، والظاهر يقتضي أنه إذا أذن السيد أو الولي أن يتزوجن جاز ذلك ليس أن يكونا عاقدين. [فصل] ذكر صفة الولي ومن شرط الولي أن يكون ذكرًا، عاقلًا، بالغًا، حرًّا، مسلمًا. واختلف هل من شرطه أن يكون عدلًا رشيدًا؟ فأجاز القاضي أبو الحسن علي بن القصار أن يكون فاسقًا، وكرهه القاضي أبو محمد عبد الوهاب مع وجود عدل (¬2) وإن عَقَد جاز (¬3). وقال أشهب في العتبية: لا (¬4) يُزَوِّج إذا كان سفيهًا مولًّى عليه (¬5). وفي كتاب ابن أشرس عن مالك في المرأة لا يكون لها ولي إلا وليًا مولًّى عليه: ليس له أن يستخلف من يزوجها وإن رضيت؛ لأنه لا نكاح لسفيه. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري: 4/ 1645، في تفسير سورة البقرة , من كتاب التفسير، برقم (4255). (¬2) في (ب): (عقل). (¬3) انظر: المعونة: 1/ 490. (¬4) قوله: (لا) زيادة من (ب). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 106.

وقال أبو مصعب: النكاح فاسد يفسخ قبل الدخول وبعده. وساوى بينه وبين ما كان العاقد له عبدًا أو امرأة، وقد يحتمل قوله: إنه فاسد إذا كان ذلك (¬1) بغير رضا من وليه ولا مطالعته؛ لأنه لا ينبغي أن يعقد (¬2) السفيه من غير (¬3) وليه، فقد تضع نفسها في دناءة وفيمن تلحق منه مضرة فيكون له رده، فكل نكاح انعقد بغير مطالعته كان على الوقف والاختيار. ¬

_ (¬1) قوله: (ذلك) زيادة من (ب). (¬2) في (ب): (يعقد برضا). (¬3) في (ب): (غير رضا من)

باب في تقاسم الأولياء ومنازلهم ومن المقدم منهم قبل

باب في تقاسم الأولياء ومنازلهم ومن المقدم منهم قبلُ والولاية تنصرف إلى ثمانية (¬1) أقسام: ولاية نسب، وولاية إسلام، ومولى أعلى، ومولى أسفل، ووصي، وحاكم، ومن له بالمتزوجة تربية وقيام، والمالك بالرق. ثم هم على منازل: فولاية النسب مقدمة على جميع من ذكرنا إلا الوصي والمالك. ثم ولاية النسب هم على منازل (¬2): فأولاهم الأب، ثم الأخ، وابن الأخ وإن سفل، ثم الجد، ثم العم، ثم ابن العم وإن سفل. والبِكْر والثيب في هذا سواء إلا أن يكون للثيب ولد أو ولد ولد، فيقدَّم على الأب ولا حق للأخ للأم ولا للعم للأم في ذلك إلا من باب ولاية الإسلام. واختلف في الأخوين أحدهما شقيق والآخر لأب فقال في "الكتاب": هما سواء (¬3). وقال مالك وابن القاسم وغيرهما في "كتاب ابن حبيب": الشقيق أولى (¬4). ويجري الجواب في أبنائهما، وفي العمين أحدهما شقيق والآخر للأب، وفي أبنائهما على نحو ذلك، ويختلف فيه كالاختلاف في الأخوين. وقوله في "كتاب ابن حبيب" أحسن. والشقيق أحق بأخته؛ لأنه يدلي بزيادة رحم يستحق بها الميراث، والصلاة، ¬

_ (¬1) في (ب): (ثلاثة). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 105 (¬3) انظر: المدونة: 2/ 111. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 535.

والولاء دون من يشاركه بالأبوة بانفرادها. وذكر القاضي أبو الحسن علي (¬1) بن القصار عن مالك، أنه قال: "يجوز للأخ أن يزوج أخته الثيب مع وجود الأب" (¬2)، وهو قول مرغوب عنه. والمعروف من قول مالك في ذلك أن عقد الأخ يمضي إذا نزل، ليس أنه يجعل له ذلك ابتداء (¬3). وإذا لم يكن عمٌّ ولا ابن عم، فالرجل من العصبة، ثم من البطن، ثم من العشيرة، ثم ولاية الإسلام. والمولى الأعلى مقدَّم على المولى الأسفل، والمولى الأعلى والأسفل مقدمان على ولاية الإسلام، وتُقدَّم عليهما ولاية النسب. ويستحب للمرأة إذا لم يكن لها ولي نسب أن تُوكِّل من المسلمين رجلًا دَيِّنًا فاضلًا ولا تُوكِّل غير عدل، ويختلف إذا وكَّلت سفيهًا على ما تقدم في ولاية النسب، ورُوي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: "يزوج المرأةَ وليُّها أو ذو (¬4) الرأي من أهلها أو السلطان" (¬5). ¬

_ (¬1) قوله: (علي) زيادة من (ب). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 109، قال فيها: "قلت: أرأيت المرأة الثيب إنْ زوَّجها الأولياء برضاها والوصي ينكر؟ قال: ذلك جائز عند مالك، ألا ترى أن مالكًا قال لي في الأخ يزوج أخته الثيب برضاها والأب ينكر أن ذلك جائز على الأب، قال مالك: وما للأب ومالها وهي مالكة أمرها". (¬3) انظر: المدونة: 2/ 102. (¬4) قوله: (ذو) ساقط من (ب). (¬5) أخرجه في الموطأ: 2/ 525، في باب استئذان البكر والأيم في أنفسهما، من كتاب النكاح، برقم (1093)، وأخرجه الدارقطني: 2/ 228، في كتاب النكاح، برقم (32)، والبيهقي: 7/ 111، في باب لا نكاح إلا بولي، من كتاب النكاح، برقم (13418). وانظر: المدونة: 2/ 105، 113، 119، والنوادر والزيادات: 4/ 406.

واختلف في معنى قوله: (ذو (¬1) الرأي من أهلها). فقيل: هو الرجل له الصلاح والفضل. وقيل: هو الوجيه الذي له رأي ومن يرجع إليه في الأمور (¬2). وكلا القولين يحتمل أن يكون هو المراد. واختلف أيضًا في معنى قوله: (من أهلها). فقال ابن نافع عن مالك: هو الرجل من العَصَبة (¬3). وقال ابن القاسم عنه: هو الرجل من العشيرة (¬4). وقال ابن الماجشون في "كتاب ابن حبيب": هو الرجل من البطن (¬5). وعصبة الرجل أقاربه من قبل الرجال، ثم البطن، وهو أوسع من العصبة، ثم الفخذ، بإسكان الخاء، ثم القبيل. واختُلف في الولي ووصي الأب، أيهما أحق بالعقد؟ فقال مالك وابن القاسم: الوصي أحق ويشاور الولي (¬6). وقال عبد الملك بن الماجشون في "مختصر ما ليس في المختصر"، ومحمد بن عبد الحكم: لا يزوِّج الوصي إلا أن يكون وليًّا، وقال سحنون في "السليمانية": قال غير ابن القاسم من أصحابنا: الأولياء أولى بالعقد من الوصي (¬7). وهذا القول أحسن؛ لأن الوصي أجنبي من الناس، وإنما هو وكيل على النظر في المال. فإن قيل: إن الأب استخلفه وأقامه مقامه، قيل: ولاية الأب في ¬

_ (¬1) قوله: (ذو) ساقط من (ب). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 105، 119، والنوادر والزيادات: 4/ 406. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 150. (¬4) انظر: المدونة: 2/ 150. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 404. (¬6) انظر: المدونة: 2/ 110. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 400.

فصل [في أولياء المرأة يختلفون في تولي العقد]

البضع قد انقطعت بموته. وإنما ولايته في ذلك ما كان حيًّا، ولو كان حقه في الولاية باقيًا بعد موته لكان له أن يستخلف من يزوج الثيب من بناته متى أحبت التزويج وإن بعد عشرين سنة، ويستخلف من يزوج المزوجة منهن متى طلقت وأحبت التزويج. والوصي أولى بالعقد من السلطان؛ لأنهما متساويان في أن لا نسب لهما. وللوصي مزية لما جعل له من النظر والقيام، إلا أن يكون مقامًا من قبل السلطان فيكون السلطان أولى بذلك منه، إلا أن يكون جعل له الإنكاح فيعقد من غير مطالعة له. وإن كان ولي نسب وسلطان كان ولي النسب أولى إذا كان قريب النسب، كابن العم والرجل من العصبة، إذا كان ممن يستحق الميراث عند عدم من يحجبه كالقيام (¬1) بالدم. واختلف إذا كان بعيد النسب؛ فالظاهر من المذهب: أن ولي النسب أحق. وقال عبد الملك بن الماجشون: السلطان أولى من الرجل من البطن (¬2). فصل [في أولياء المرأة يختلفون في تولي العقد] وإذا كان للمرأة أولياء، وهم في المنزلة سواء: إخوة أو بنو إخوة أو أعمام أو بنو أعمام، فاختلفوا أيهم يتولى العقد؟ فقال في "الكتاب": ينظر السلطان في ذلك (¬3). وقال عبد الملك بن حبيب: ذلك إلى أفضلهم، فإن استووا في الفضل ¬

_ (¬1) في (ب): (والقيام). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 404. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 105.

فأسنهم، فإن استووا في الفضل والسن فذلك إلى جميعهم يجتمعون على العقد عليها (¬1). قال الشيخ -رحمه الله-: ولو قيل: إن ذلك إلى جميعهم من غير مراعاة الفضل ولا السن لكان حسنًا؛ لأن إدخاله في الجماعة لا يؤدي إلى وصم في النكاح، ولا على من معه ممن ليس مثله في المنزلة معرة. وفي إخراجه وصم عليه وفساد لنفسه من غير ضرورة تدعو إلى ذلك. واخْتُلف إذا اختَلفت منزلتهم فعقده الأبعد، على أربعة أقوال: فقال مالك في "المدونة" (¬2): النكاح باطل (¬3)، ولا مقال للأقرب فيه (¬4). قاله إذا زَوَّج الأخ مع وجود الأب وكانت ثيبًا كان جائزًا (¬5). وقال ابن القاسم: يجوز تزويج ذي الرأي من أهلها مع وجود الأخ، وابن الأخ والجد (¬6) وقال سحنون: قال بعض الرواة ينظر السلطان في ذلك، وقال آخرون: للأقرب أن يجيز أو يرد إلا أن يتطاول الأمر أو تلد الأولاد (¬7). وقال عبد الملك بن حبيب: للأقرب أن يفسخه أو يمضيه ما لم يبنِ بها، فإن بنى بها واطلع على عورتها لم يفسخ. وجملة هذا الاختلاف راجع إلى قولين: هل تقدمة الأقرب من باب أولى، ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 406. (¬2) في (ب): (في الكتاب). (¬3) في (ب): (ماضٍ). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 105. (¬5) قوله: (كان جائزًا) ساقط من (ب). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 106. (¬7) انظر: المدونة: 2/ 105، والنوادر والزيادات: 4/ 405.

فصل [في زواج المرأة بولاية الإسلام]

أو ذلك حق له كالقيام بالدم؟ ولم يختلفوا: أن النكاح جائز لا يتعلق به فساد، وإنما الاختلاف: هل يتعلق به حق لآدمي أم لا؟ فجعله مالك، وابن القاسم من باب أولى (¬1). وكذلك من قال: ينظر السلطان في ذلك، فيحمل الجواب على أن الأقرب ادعى أنها (¬2) وضعت نفسها في دناءة أو فيما يدركها منه معرة أو مضرة، فينظر السلطان فيما يقوله، ولو اعترف (¬3) أنها لم تضع نفسها في دناءة ولا حيث تدركها منه معرة يمضي النكاح ولم يفتقر فيه (¬4) إلى نظر السلطان. ومن قال: له فسخه، جعل التقدمة حفًا له يفسخه وإن كان النكاح سدادًا، ما (¬5) لم يتعلق بذلك وجه يدركها في الفسخ مضرة، وهو اطلاعه عليها أو كشفه إياها، وقد يجعل له فسخه وإن طال الأمد إذا كان ذلك الزوج ممن تدرك الأولياء منه معرة أو مضرة. وإن كانت المرأة ممن لا قدر لها مضى النكاح ولم يفسخ (¬6) العقد قولًا واحدًا. فصل [في زواج المرأة بولاية الإسلام] واختلف إذا تزوجت المرأة بولاية الإسلام مع وجود ولاية النسب على خمسة أقوال: فذكر القاضي أبو محمد عبد الوهاب عن مالك أنه قال: النِّكاح ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 119. (¬2) قوله: (ادعى أنها) ساقط من (ب). (¬3) في (ب): (اعترفت). (¬4) قوله: (فيه) زيادة من (ب). (¬5) قوله: (ما) ساقط من (ب). (¬6) قوله: (النكاح ولم يفسخ) يقابله في (ب): (نكاح الأبعد بنفس).

ماضٍ بالعقد (¬1). وقال في "الكتاب": الولي بالخيار بين أن يمضيه أو يرده (¬2). وبه (¬3) قال ابن القاسم (¬4). وروي عنه: أنه وقف في إجازته إذا أجازه الولي (¬5). وقال غير ابن القاسم: يفسخ وإن أجازه الولي (¬6). وقال إسماعيل القاضي: يشبه على مذهب (¬7) مالك أن يصير الدخول فوتًا. وقال سحنون في "السليمانية": يفسخ أبدًا. يريد: وإن تطاول وولدت الأولاد. وجميع هذا الاختلاف راجع إلى ثلاثة أقوال: هل تقدمة ولاية النسب على ولاية الإسلام من باب أولى، أو ذلك حق لآدمي (¬8)، أو حق لله سبحانه؟ فعلى ما ذكره أبو محمد (¬9) عبد الوهاب، ولي النسب مُقدَّم من باب أولى، فأمضاه له، ومرة رآه حقًّا له، فيقوم بحقه في ذلك، فيفسخه أو يسقط حقه فيمضي النكاح، وهو في هذين القولين بمنزلة الوليين: أحدهما أقرب من الآخر. ورأى مرة أن ذلك حق لله سبحانه، فإن عقد على غير ذلك كان فاسدًا، ¬

_ (¬1) انظر: المعونة: 1/ 481. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 119. (¬3) قوله: (وبه) ساقط من (ب). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 119. (¬5) انظر: المدونة: 2/ 125 (¬6) انظر: المدونة: 2/ 120. (¬7) في (ب): (على قول). (¬8) في (ب)، (ق 5): (له). (¬9) قوله: (أبو محمد) زيادة من (ب).

وترجحت عنده الدلائل مرة (¬1): هل ذلك حق له، أو حق لله سبحانه؟ فوقف عند إجازة الولي إياه. واختلف عنه في المرأة الدنيئة ليست ذات منصب، والمعتقة، فرأى مرة أن كل الناس لها ولي، (¬2) ورأى مرة أن ولايتها تختص بمن له نسب مثل غيرها ممن له قدر، وإن كانت المرأة من الموالي وهي ذات شرف كانت بمنزلة غيرها ممن له المنصب من غير الموالي. فقال في "الكتاب" في امرأة من الموالي ذات شرف تزوجت رجلًا من قريش (¬3) ذا شرف ودين ومال، واستخلفت رجلًا فزوجها، قال: للولي فسخه إن شاء. فجعل للولي فسخه، وإن كانت لم تضع نفسها في دناءة (¬4). قال الشيخ -رحمه الله-: لم يختلف المذهب أن ولاية الإسلام في النكاح ولاية صحيحة تطالب بها المرأة عند عدم ولاية النسب. فيصح النكاح (¬5) بوجوده ويفسد بعدمه إذا باشرت العقد بنفسها ولم تستخلف رجلًا. ولم يختلف المذهب أيضًا أن لولي النسب أن يمنع وليته من أن تضع نفسها فيمن تدركه منه معرة أو مضرة، وأن ليس لها أن تزوج نفسها من غير مطالعته؛ لما يتعلق له (¬6) في ذلك من الحق من هذا الوجه، وإذا كان ذلك بطل أن يقال: إنه نكاح انعقد بغير ولاية، فكان الصحيح: أنه نكاح صحيح انعقد بولاية ¬

_ (¬1) قوله: (مرة) زيادة من (ب). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 112، والتفريع: 1/ 366. (¬3) قوله: (من قريش) ساقط من (ب). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 117. (¬5) قوله: (النكاح) زيادة من (ب). (¬6) قوله: (له) زيادة من (ب).

فصل [فيما للأب في ابنته والسيد في أمته من حق فيما إذا تزوجت بغير وكالة منهما]

وفيه حق لولي آخر، ومما يؤكد (¬1) ذلك تفرقة مالك على المشهور من قوله بين الدنيئة وغيرها، فثبت بهذا أن ذلك في ذات المنصب من حق الولي لا لحق الله سبحانه، فإن وضعت نفسها فيما يدركه منه ضرر كان له فسخه، وإن دخل بها، وإن وضعت نفسها في كفاية (¬2) ومن هو كفؤ لمثلها مضى نكاحها (¬3)، ولو مُكِّن من فسخه لم يجعل ذلك له بعد الدخول. فصل [فيما للأب في ابنته والسيد في أمته من حق فيما إذا تزوجت بغير وكالة منهما] وهذا فيما سوى رجلين: الأب في ابنته البكر. والسيد في أمَتِه. فإنه لا خلاف أن لهما فسخ ما عقداه بغير وكالة منهما، وإن وقع الدخول وطال الأمد. واختلف فيه: هل يصح النكاح ويمضي إذا أجازه الأب أو السيد؟ فمنع ذلك في الكتاب ورآه فاسدًا (¬4). وذكر القاضي أبو محمد عبد الوهاب عن مالك أنه أجاز ذلك في الأَمَة إذا أجازه السيد (¬5)، وعلى هذا يجوز في البكر إذا أجازه الأب. وقال في "الكتاب": إذا زوَّج الأخ أخته البكر بغير رضى الأب، فأجازه الأب، قال: لا يجوز إلا أن يكون ابنًا قد فوض إليه أبوه جميع (¬6) أمره فهو ¬

_ (¬1) في (ب): (يؤثر). (¬2) في (ب): (كفالة). (¬3) في (ب): (نكاحه). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 119. (¬5) انظر: المدونة: 2/ 113، والتلقين: 1/ 113. (¬6) قوله: (جميع) ساقط من (ب).

فصل [في غيبة الولي]

الناظر له والقائم بأمره في ماله ومصلحته فيجوز إذا رضي الأب (¬1). فصل [في غيبة الولي] واختلف إذا كان الولي غائبًا، هل يقوم السلطان مقامه في النظر في ذلك أم لا؟ فقال في "المدونة" (¬2): إذا كان الولي بعيد الغيبة، نظر السلطان فيه (¬3) فيفرق إن كانت الفرقة خيرًا، أو يتركهما إذا كان الترك خيرًا (¬4). وعلى قوله هذا إذا كان الولي قريبًا وقف الزوج عنها حتى يكتب إلى الولي. وقال في "كتاب محمد": لا ينظر في ذلك فيما بعد منه، أو قرب، حتى يقدم الولي. وإن قدم الولي (¬5) وخاصم فيه وكانت المرأة ممن لها العشيرة، وأهل البيوت (¬6) لم يجز ذلك، إلا في شيء قد فاته، وتزوجها كفؤ. وقال أيضًا: إذا كان الولي غائبًا، أو الولي ضعيفًا، فإنها تأمر رجلًا يزوجها؛ فيجوز (¬7) ذلك إذا لم تضع نفسها في دناءة، قيل له: ولا ترفع (¬8) إلى السلطان؟ قال: ليس كل امرأة تقدر أن ترفع إلى (¬9) السلطان (¬10). فرأى في القول الأول أن يقوم السلطان في ذلك للغائب، فإن لم تكن من ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 125. (¬2) في (ب): (في الكتاب). (¬3) قوله: (فيه) ساقط من (ب). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 118. (¬5) قوله: (الولي) زيادة من (ب). (¬6) في (ب) (الثبور) (¬7) في (ب): (فيجوز له) (¬8) قوله: (ذلك إذا لم تضع نفسها في دناءة. قيل له: ولا ترفع) يقابله بياض في (ب). (¬9) قوله: (تقدر أن ترفع إلى) يقابله بياض في (ب). (¬10) نظر: النوادر والزيادات: 4/ 404.

فصل [في المرأة لها وليان أقربهما غائب]

الغائب وكالة على القيام بذلك كان من التعدي عليه، والتعدي والغصوب يقام لأهلها (¬1) بها (¬2)، وإن لم يكن من المتعدى عليه في ذلك وكالة. ولم يرَ ذلك في القول الآخر حتى يقوم لنفسه في ذلك، للاختلاف في الولاية ابتداء، وأن للمرأة أن تزوج نفسها، فكان ذلك أضعف من الحقوق المتفق على أنه متعدٍّ فيها. وأجاز لها في القول الثالث أن تزوج نفسها ابتداء من غير حاكم؛ لأن ولاية الإسلام (¬3) ولاية في الحقيقة, ومقال الأقرب من باب أولى، ولئلا تضع نفسها فيما يلحقه منه ضرر، فإذا اجتهدت لنفسها في السلامة من ذلك جاز. وهذه الرواية تؤيد ما ذكره القاضي (¬4) أبو محمد عبد الوهاب، إذا تزوجت بولاية الإسلام مع وجود ولاية النسب أنه ماضٍ. فصل [في المرأة لها وليان أقربهما غائب] واخْتُلف إذا كان للمرأة وليان حاضر وغائب، والغائب أقرب من الحاضر، فقيل: حق الغائب قائم بخلاف الميت، فينظر السلطان للغائب، وقيل: التزويج للحاضر. ويختلف إذا تزوجت بولاية الإسلام فأجازه الأبعد الحاضر. فقال في "الكتاب": ينظر السلطان للغائب فإن كان مما يجيزه الغائب ¬

_ (¬1) قوله: (يقام لأهلها) بياض في (ب). (¬2) في (ب): (فيها). (¬3) في (ب): (النسب). (¬4) قوله: (القاضي) ساقط من (ب).

فصل [في البكر يغيب عنها أبوها]

لو كان حاضرًا أجازه وإلا ردَّه (¬1). والقول الآخر: تكون (¬2) إجازة الحاضر إجازة ولا ينظر إلى ما سوى ذلك إن شاء الله (¬3). فصل [في البكر يغيب عنها أبوها] للبكر يغيب عنها أبوها أربع حالات: حالة تمنع معها من النكاح دعت إليه (¬4) أو لم تدع. وحالة تجبر فيها على النكاح في الوجهين جميعًا. وحالة إذا دعت إلى النكاح زُوِّجَت، وإن لم تدع لم تُزَوَّج. وحالة يختلف في تزويجها إذا دعت إليه. وكل (¬5) ذلك راجع إلى صفة الغيبة، وحالتها من الصيانة لنفسها، ووجود (¬6) النفقة. فإن كان السفر قريبًا لم تزوج، وكذلك الزوج إذا كان بعيدًا لا تزوج (¬7)، أو كان أسيرًا أو فقيرًا وهي في حال صيانة ولم تدع إلى التزويج - فإنها لا تُزَوَّج. وإن (¬8) دعت إليه ولم تكن منه نفقة وهي تحت حاجة زُوِّجت، وإن كانت ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 112. (¬2) قوله: (تكون) زيادة من (ب). (¬3) قوله: (إن شاء الله) ساقط من (ب)، وانظر: المدونة: 1/ 112، 113. (¬4) قوله: (إليه) ساقط من (ب). (¬5) قوله: (كل) ساقط من (ب). (¬6) في (ب): (ووجوب). (¬7) قوله: (لا تزوج) ساقط من (ب). (¬8) في (ق 5): (لو).

فصل [فيمن للأب إجبارها وعليه استئمارها من النساء]

نفقته جارية عليها وكان أسيرًا أو فقيرًا -زُوِّجت. واختلف إذا عُلِمت حياته ولم يكن أسيرًا، فظاهر قوله في "الكتاب": أنها تزوج (¬1). وقال في "كتاب محمد": لا تزوج (¬2). وإن خشي عليها الفساد زُوِّجت ولم تترك، دعت إلى ذلك أم لا. والتزويج إذا كانت النفقة جارية عليها وهي في حال الصيانة، إنما يصح بعد البلوغ، وإذا عدمت النفقة وكانت بحال الحاجة، أو خشي عليها الفساد -يصح وإن لم تبلغ. واختلف لمن يكون العقد عليها؟ فقال في "الكتاب": يرفع أمرها إلى السلطان فينظر لها ويزوجها (¬3). وقال في "كتاب محمد": للأخ أن يزوجها برضاها. فجعل ذلك في القول الأول إلى السلطان؛ لأن ذلك من حقوقه، والسلطان ينظر للغيّب (¬4) فيما يكون لهم من حقوقهم، ورأى في القول الثاني أن ذلك للأخ؛ لأنه في معنى الميت عند عدم النظر في ذلك. وهو أولى. فصل [فيمن للأب إجبارها وعليه استئمارها من النساء] النساء على ضربين: بكر وثيِّب. والبِكْر على ثلاثة أوجه: غير بالغ، وبالغ غير معنسة، ومعنسة. فإن كانت غير بالغ كان للأب أن يجبرها على النكاح من ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 106. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 327، 328، 5/ 36 (¬3) انظر: المدونة: 2/ 106. (¬4) في (ب): (للغائب).

غير مؤامرة (¬1). واختلف إذا كانت بالغًا غير معنسة، فقال في "الكتاب" أن له أن يجبرها (¬2). وقال في "كتاب محمد": إن شاورها فذلك أحسن (¬3). قال الشيخ -رحمه الله-: وهو أحوط للخروج من الخلاف، ويكون العقد على صفة مجتمع عليها، ولما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "وَالبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا" أخرجه مسلم (¬4). اختلف عنه في المعنسة هل تجبر، أو لا تجبر (¬5) وتكون في هذا كحكم الثيِّب (¬6)؟ وأن لا تجبر أحسن؛ لأن المعنسة يخلص إليها من العلم فيما يراد من ذلك مثل ما يخلص إلى الثيِّب (¬7) تصاب مرة (¬8) ثم تطلق، بل يتقرر في نفسها أكثر. وإذا كان كذلك كان الأمر إليها، فإن كرهت التزويج جملة لم تجبر عليه، وإن رغبت في غير من رغب فيه الأب زوجت منه إذا لم تدع إلى غير صواب. والثيّب على ثلاثة أوجه (¬9): بالغ تأيمت بعد البلوغ. ¬

_ (¬1) في (ب): (أمر). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 252. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 394 (¬4) أخرجه مسلم: 2/ 1037، في باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت، من كتاب النكاح، برقم (1421). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 395. (¬6) في (ب): (البنت)، وانظر: المعونة: 1/ 469، والتلقين: 1/ 112. (¬7) في (ب): (البنت). (¬8) في (ب): (ليلة). (¬9) قوله: (أوجه) ساقط من (ب).

وغير بالغ دخل بها قبل البلوغ (¬1)، وأراد أبوها أن يزوجها قبل أن تبلغ. وغير بالغ ثم بلغت بعد الطلاق. فإن كانت مدخولًا بها ثم طلقت لم تجبر ولم يزوجها إلا برضاها. واختلف فيمن دخل بها وطلقت قبل البلوغ على ثلاثة أقوال: فقال سحنون: للأب أن يزوجها (¬2) بلغت بعد الطلاق أو لم تبلغ (¬3). وقال أشهب في "كتاب محمد": تجبر قبل البلوغ ولا تجبر بعده (¬4). قال أبو تمام (¬5): لا تجبر بحال (¬6) بلغت أو لم تبلغ. وقول أشهب في هذا أحسن؛ لأن المرأة قبل البلوغ كارهة في ملاقاة الرجل، وإنما هي (¬7) تميل إليه بعد البلوغ (¬8)، فهي الآن في معنى من يجهل الرغبة ومعرفة ذلك، فتكون قد اجتمع لها المباشرة قبل البلوغ، وما تجده الآن في نفسها، وكثير من النساء من تكون غير راغبة في الرجل بعد البلوغ، كما يوجد في بعض الرجال من يكون ضعيف الشهوة، ويقيم عزبًا مع وجود ¬

_ (¬1) قوله: (البلوغ) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (أن يزوجها) يقابله في (ب): (إجبارها). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 408. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 396. (¬5) هو: علي بن محمد بن أحمد البصري، من أصحاب الأبهري، كان جيد النظر، حسن الكلام حاذقًا بالأصول، وله كتاب مختصر في الخلاف، سماه "نكت الأدلة". وكتاب آخر في الخلاف كبير. وكتاب في أصول الفقه. ولم أقف على تاريخ وفاته. انظر: ترتيب المدارك، ص 217، والديباج المذهب: 1/ 199. (¬6) قوله: (بحال) ساقط من (ب). (¬7) قوله: (هي) ساقط من (ب). (¬8) قوله: (البلوغ) ساقط من (ب).

فصل [في الثيوبة التي تسقط الإجبار]

الطَّوْل، وإذا كان ذلك وجب أن يرجع إلى ما تدعو إليه من ذلك ولا تجبر، وإذا كانت الثيوبة بملاقاة (¬1) بعد البلوغ لم تجبر قولًا واحدًا. فصل [في الثيوبة التي تسقط الإجبار] الثيوبة التي تسقط الإجبار ما كانت عن نكاح، صحيحًا كان أو فاسدًا، مجمعًا عليه أو مختلفًا فيه (¬2)، أو على وجه الملك، كان ذلك الملك (¬3) على وجه صحيح أو فاسد، إذا أعتقت أو استحقت بحرية أصيبت في طهر أو حيض؛ لأن المعنى الذي يراد منها معرفته في المستقبل قد وصل إليها في الماضي. واختلف إذا كانت الإصابة عن زنى أو غصب: فقال في "الكتاب": إذا زنت فحُدَّت يزوجها كما يزوج البكر (¬4). وقال القاضي أبو محمد عبد الوهاب: الغصْب والتطوع في ذلك سواء- تجبر (¬5). وقال أبو القاسم ابن الجلاب: الثيِّب بنكاح أو زنا (¬6) سواء -لا تجبر (¬7). قال الشيخ -رحمه الله-: أرى أن تكون كالثيب (¬8) بنكاح، وأن يكون إذنها صماتها كالبكر؛ فلا تجبر لوصول العلم إليها بما يراد (¬9) من ذلك، ولمباشرتها ¬

_ (¬1) في (ب): (طلاقًا به). (¬2) قوله: (مجمعًا عليه أو مختلفًا فيه) يقابله في (ب): (مختلفًا فيه أو مجتمعًا على فساده). (¬3) قوله: (الملك) زيادة من (ب). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 101. (¬5) انظر: المعونة: 1/ 476، والتلقين: 1/ 113. (¬6) في (ق 5): بالنكاح أو الزنا. (¬7) قوله: (لا تجبر) يقابله في (ب): (وتجبر). وانظر: التفريع: 1/ 362. (¬8) في (ب): (الثيب). (¬9) قوله: (بما يراد): ساقط من (ب)

فصل [في حد إجبار الأب]

فهي من هذا الوجه كالثيب، ولا فرق بين أن يكون ذلك عن حلال أو حرام، وكالبكر في صفة الإذن؛ لأنها تستحي أن تقول: نعم، وعليها من الحياء لما سبق لها (¬1) ما تعذر به في النطق. فصل [في حدِّ إجبار الأب] ويصح ارتفاع الجبر مع (¬2) الأب مع بقاء البكارة وعدم التعنيس، ووجود الإجبار مع الثيوبة لما كان من الإصابة بعد البلوغ. فإذا طال بقاء (¬3) البكر عند الزوج مدة يخلص فيها (¬4) إليها العلم بحال الرجال مع النساء، ثم وقع الفراق، وهي بحال البكارة- ارتفع الإجبار (¬5). واختلف هل لذلك حَدٌّ أم لا؟ فقيل: له حَدٌّ وهو سَنَة. وقيل: لا حَدَّ له إلا ما يرى أن تلك الإقامة تعلم منها ما تعلمه الثيِّب (¬6). وهو أحسن. وتجبر الثيب إذا ظهر منها الفساد، ولم يقدر وليها على صيانتها، أو لم يكن لها ولي يصونها، واستحسن أن يُرفع ذلك مع عدم الأب إلى حاكم فيجتهد فيمن يزوجها منه، فإن زوجها ولي من غير حاكم مضى فعله عليها. وإن طُلِّقت بالقرب وادعت البكارة، وخالفها الأب، كان القول قوله، ولا تلزمه نفقتها. ¬

_ (¬1) قوله: (لها) زيادة من (ب). (¬2) في (ب): (من). (¬3) في (ب): (مقام). (¬4) قوله: (فيها) زيادة من (ب). (¬5) انظر: التلقين: 1/ 112. (¬6) انظر: المعونة: 1/ 477.

فصل [فيمن له الجبر في الإنكاح]

فصل [فيمن له الجبر في الإنكاح] الجبر يختص بالآباء، وبمن أقامه الأب في حياته، أو بعد وفاته، وإذا عين الأب الزوجَ الذي يزوج ابنته منه. واختلف إذا لم يعينه الأب، وجعل ذلك إلى اجتهاد من أقامه لذلك، فقيل: للمُقام إجبارها، ويُنكحها ممن يراه حسن نظر لها قبل البلوغ وبعده. وهذا هو المعروف من قول مالك (¬1). وقال القاضي أبو محمد عبد الوهاب: ليس له إجبارها، قال: لأن الأب، إنما ملك ذلك لأمر يرجع إليه لا يوجد في غيره (¬2). يريد: ما جعل سبحانه في الآباء من الحنان والشفقة والرأفة على الولد، فكان ما خصوا به (¬3) من ذلك، يبلغ بهم من الاجتهاد لبناتهم ما لا يبلغه غيرهم. وهو أحسن، وأتبع للحديث في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تُزَوَّجُ اليَتِيمَةُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ" (¬4). وفي "كتاب ابن أشرس" (¬5) عن مالك أنه إذا عين الأبُّ للوصي، ولم يجعل ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 109. (¬2) انظر: المعونة: 1/ 484. (¬3) قوله: (به) ساقط من (ب). (¬4) أخرجه سعيد بن منصور في سننه: 1/ 155، في باب ما جاء في استئمار البكر والثيب، من كتاب الوصايا، برقم (559). (¬5) قال في القاضي عياض في ترجمته: (قال أبو العرب: هو أنصاري من العرب من أهل تونس كنيته أبو مسعود ونسبه ولم يسمه، وسماه المالكي العباس. وقالوا: هو مولى الأنصار. وقاله =

فصل [في الوصي والولي ليس له الإجبار]

التزويج بقرب موته- أنه لا يجبر، فقال: إذا قال الأب: إذا بلغت ابنتي فزوجها من فلان، لم يجز ذلك عليها إذا بلغت فكرهت (¬1). فصل [في الوصيِّ والوليِّ ليس له الإجبار] وليس للأوصياء إذا لم يجعل لهم الإجبار، ولا للأولياء أن يزوجوا الإناث إلا بعد البلوغ والاستئذان. واختلف في البكر تشارف المحيض: فقال ابن القاسم: لا بأس إذا جرت عليها المواسي أن تزوج برضاها (¬2). وقال مرة: لا تزوج حتى تبلغ، وإن زوجت قبل ذلك فسخ نكاحها (¬3). وقال محمد: لا يفسخ إذا زوجت (¬4). وقال الشيخ -رحمه الله-: وهذا أبين، وقد حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - في بني قريظة فيمن أنبت بالقتل (¬5)، وأخرجهم بالإنبات من حكم الذرية إلى حكم من بلغ. وقال مالك في "كتاب محمد" في صبية بنت عشر سنين في حاجة تتكفف الناس: لا بأس أن تزوج برضاها. قال وإن كانت صغيرة لم تنبت (¬6). ¬

_ = أبو سعيد بن يونس. وقال اسمه عبد الرحمن. . . انتهى. وكذلك قال ابن فهر، رجح المالكي اسمه العباس، قال: وهو ثقة فاضل. سمع من مالك بن أنس ومن ابن القاسم، روى عن مالك، وروى عنه ابن وهب وسعيد بن أبي جعفر وعمران بن هارون بمصر. انظر: ترتيب المدارك: 187، 188. (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 285. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 398، والمواسي: المراد به من نبتت عانته. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 398. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 398. (¬5) راجع ذلك في كتاب الجهاد، ص: 1396. (¬6) انظر أيضًا: البيان والتحصيل: 4/ 282.

فصل [في تزويج الوصي أو الولي للصغيرة]

فأباح أن تزوج (¬1) وإن لم تنبت لمكان ما هي به من الخصاصة والكشفة، وهذا أحسن؛ لتغليب أحد الضررين. فأجاز ذلك إذا كانت بنت عشر سنين برضاها؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تُزَوَّجُ البِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ" (¬2). فرأى أن بنت عشر سنيئ (¬3) عندها من التمييز ما تؤمر له بالصلاة، وتعاقب عليها إن لم تفعل (¬4) مع الضرورة التي بها، وإن كانت صغيرة لم تعرف ما تستأذن فيه إن استؤذنت، وإن أسقط استئذانها- كان قد خالف الحديث. فصل [في تزويج الوصي أو الولي للصغيرة] وإذا زوَّج الوصي أو الولي صغيرةً من غير حاجة تدعو إلى ذلك لم يجزْ وفسخ النكاح الآن (¬5). واختلف إذا لم ينظر فيه حتى بلغت، فقيل: النكاح فاسد (¬6)، يفرق بينهما وإن رضيت به، وإن أدرك ذلك قبل الدخول طال ذلك أو لم يطل وإن أدرك بعد الدخول ولم يطل جاز إن رضيت (¬7)، وإن طال الأمر بعد الدخول مضى. ¬

_ (¬1) قوله: (فأباح أن تزوج) ساقط من (ب). (¬2) متفق عليه، البخاري: 5/ 1974، في باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها، من كتاب النكاح، برقم (4843)، ومسلم: 2/ 1036، في باب استئذان الثيب بالنطق، من كتاب النكاح، برقم (1419). (¬3) قوله: (سنين) زيادة من (ب). (¬4) لما في حديث أبي داود وغيره من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع". وقد سبق تخريجه في كتاب الصلاة الأول، ص: 327. (¬5) في (ب): (الأول)، وانظر: المدونة: 2/ 114. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 399/ 4. (¬7) قوله: (جاز إن رضيت) ساقط من (ب).

يريد: وإن كرهت. وقيل: النكاح جائز يتعلق به حق لآدمي، وهي الزوجة. فإن رضيت ثبت، وإن كرهت فسخ. يريد (¬1) ما لم يطل ذلك بعد الدخول، أو يكون بعد (¬2) دخوله بها وهي عالمة أن لها الخيار، فيسقط خيارها بنفس الدخول. قال ابن القاسم في "العتبية": يكره أن يزوج الصغيرة أحدٌ إلا أبوها حتى تبلغ. قال: ولا أعلم مالكًا كان يبلغ بها أن يقطع الميراث بينهما (¬3). وأرى (¬4) أن يتوارثا، فإنه أمر عليه جل الناس قد أجازوه. وقد زوَّج عروةُ بن الزبير أخته صغيرة (¬5) والناس يومئذٍ متوافرون. ففسخه في القول (¬6) الأول؛ لأنه نكاح فيه خيار، وأجازه في القول الثاني؛ لأن الولي والزوج دخلا على البنت، والخيار أمر أوجبته الأحكام لا سيما إن كانا يجهلان (¬7) موجب الحكم في ذلك، فأشبه (¬8) تزويج العبد بغير إذن سيده، فلا خلاف أن لسيده فسخه، وإجازته (¬9) بعد ذلك. ¬

_ (¬1) قوله: (يريد) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (بعد) ساقط من (ب). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 364، 365. (¬4) قوله: (وأرى) ساقط من (ب). (¬5) قوله: (صغيرة) زيادة من (ب). (¬6) قوله: (القول) زيادة من (ب). (¬7) في (ب): (يجعلان). (¬8) قوله: (فأشبه) يقابله في (ب): (ما يشبه). (¬9) في (ب): (وأجاز له).

فصل [في زواج الابن أو البنت الثيب بغير أمرهما]

وترجح فيه قول (¬1) ابن القاسم لقوة الخلاف فيه، وأشبه عنده أن يحمل الحديث في الاستئنذان على من يصح إذنه، وهي البالغ ويكون الأمر في غير البالغ مسألة اجتهاد، وكأنه لم يرد فيها حديث. فصل [في زواج الابن أو البنت الثيب بغير أمرهما] واختلف إذا زوج الأب ابنه البالغ الرشيد أو ابنته الثيب بغير أمرهما، فأجازا ذلك لمَّا بلغهما، فأجاز مالك ذلك مرة إذا كانت الإجازة بقرب العقد، ومنعه إذا بعد ما بينهما لغيبة، أو لتأخير الإعلام (¬2). وقال أصبغ في "كتاب محمد": اختلف قول مالك في ذلك: فقال: لا (¬3) أحب المقام عليه إذا رضي. وقال أيضًا: إذا رضي به جاز. ولم يفرق بين ذلك قرب أو بعد (¬4). وقال سحنون في القرب مثل ما بين مصر والقلزم، وإن كان مثل مصر والإسكندرية أو أسوان لم يجُز (¬5). واختلف بعد القول بمنع الإجازة في صفة الفسخ: فقال ابن القاسم: يفسخ قبل الدخول (¬6)، ويثبت إذا دخل؛ لأن جل الناس على إجازته. وقال أصبغ: يفسخ قبل الدخول وبعده. وقال أيضًا: يؤمرون بالترك والفسخ من ¬

_ (¬1) قوله: (قول) ساقط من (ب). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 267. (¬3) قوله: (لا) ساقط من (ب). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 429، البيان والتحصيل: 4/ 269. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 268. (¬6) قوله: (الدخول) ساقط من (ب).

فصل [في إجبار الولد إذا كان صغيرا]

غير حكم؛ لاختلاف العلماء فيه (¬1). فأما تفرقته بين القلزم والإسكندرية فمنع؛ لأنه نكاح فيه خيار، إلا أن تكون الإجازة بقرب المجلس، وأجازه في القول الآخر؛ لأن نكاح الخيار ما عقد عليه الزوجان، وهذا بلا عقد؛ إذ لم تكن من الآخر فيه وكالة، ولا عقد على خيار، ولا غيره، ولا أعلم لقول سحنون في تفرقته بين القلزم والإسكندرية وجهًا، إلا أن يقول إن الخيار إلى يوم أو يومين جائز والفسخ بعد الإجازة بطلاق، ولا ميراث (¬2) بينهما وتقع به الحرمة، وفسخه قبل الإجازة، إذا لم يرض به الغائب، بغير طلاق ولا ميراث بينهما فيه. واختلف في وقوع الحرمة به، والصواب أن لا تقع به حرمة؛ لأنه غير منعقد وعلى الرد حتى يتم ويرضى به من عقد بغير رضاه. فصل [في إجبار الولد إذا كان صغيرًا] وأما الذكر (¬3) فللأب أن يجبر (¬4) ولده إذا كان صغيرًا، ويختلف فيه إذا كان بالغًا سفيهًا (¬5)، واختلف في إجبار الوصي من في ولايته من صغير أو كبير، وليس ذلك للولي في صغير أو كبير. فأجاز في "الكتاب" أن يزوِّج من في ولايته من صغير أو كبير (¬6). وقال في ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 268. (¬2) قوله: (ولا ميراث) يقابله في (ب): (والميراث). (¬3) في (ب): (الذكران). (¬4) في (ب): (أن يخير). (¬5) قوله: (ويختلف فيه إذا كان بالغًا سفيهًا) زيادة من (ب). (¬6) قوله: (أو كبير) ساقط من (ب)، وانظر: المدونة: 2/ 110.

"كتاب محمد": ليس في هذا نظر ولا يعجبني (¬1). وقال المغيرة في "كتاب المدنيين" إن كانت امرأة ذات شرف ومال أو ابنة عم جاز (¬2). وأجاز ابن القاسم إجبار البالغ السفيه، ومنعه عبد الملك بن الماجشون إلا برضاه (¬3). وقال مالك في "مختصر ما ليس في المختصر": أعجب إليَّ أن لا يزوج المغلوب على عقله، وما رأينا أحدًا زوج مثل هذا. قال في "المختصر": وفي المصابة لا تزوج؛ لأنه لا (¬4) أمر لها. قياسًا على هذا، فوجه إجازة تزويج الصغير بخلاف الصغيرة (¬5)؛ لأنه مشترٍ (¬6) له ما يرى فيه الصلاح، وله أن يحل ذلك عن نفسه إذا بلغ وكره ذلك، وليس للصبية حل ذلك عن نفسها. ووجه المنع أنه يشتري له شيئًا لا يصح منه قبض المشترى الآن، وإنما يصح منه الانتفاع به بعد البلوغ في وقتٍ الغالب منه إيناس الرشد منه (¬7)؛ لأن الغالب من بني آدم الرشد وحسن النظر في الدنيا والكَلب (¬8) عليها. وإذا كان كذلك كان من الصواب أن يؤخر ذلك ليكون هو الناظر لنفسه فيه، وليس ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 416. (¬2) قوله: (جاز) زيادة من (ب). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 416. (¬4) قوله: (لا) ساقط من (ب). (¬5) في (ب): (الصغيرة بخلاف الصغير). (¬6) في (ب): (مشير). (¬7) في (ب): (الغالب منه الإيناس والرشد). (¬8) في (ب): (والطلب).

كذلك ما يشترى له من السلع؛ لأن السلع يصح منها الانتفاع بالربح أو بالاغتلال أو باللباس إذا كان ذلك للباسه، ويلزم على هذا الأب ألا يزوج ولده في حال صغره. وقول المغيرة عدل بين هذه الأقوال (¬1)؛ ألا يزوج إلا أن يرى غبطة، أو ما يخشى فواته، ولا يتيسر في الغالب مثله، وإن كان على غير ذلك لم يزوج. وإن بلغ رشيدًا نظر حينئذٍ إما أن يتزوج أو يرى غير ذلك، وإن بلغ سفيهًا كان له اجتهاد غير ما يراه الآن. وأما السفيه فلإجباره وجه؛ لأنه يشتري له ما يصح منه الانتفاع به الآن. ونكاحه على أربعة أوجه: واجب، وجائز، وممنوع، ومستحسن. فإن كان يخشى عليه فساد إن لم يزوج، ولا يخاف منه المبادرة إلى الطلاق كان تزويجه واجبًا، دعا إلى ذلك أو لم يدع إذا لم يكن لتسرره (¬2) عنده وجه. وإن كان لا يخاف منه فساد ولا مبادرة إلى الطلاق كان واسعًا: إن شاء فعل ذلك (¬3) وإن شاء ترك ما لم يدع إلى ذلك، فإن دعا إلى ذلك كان عليه أن يزوجه. وإن كان ممن (¬4) يخاف منه المبادرة إلى الطلاق لما علمه من خفته وطيشه وقلة تثبته، ولا يخاف منه فسادًا- منع من تزويجه، دعا إلى ذلك أو لم يَدْع إلا أن يكون الصداق تافهًا (¬5) يسيرًا. ¬

_ (¬1) في (ق 5): (الأقاويل). (¬2) في (ق): (لتسريه)، وفي (ب): (ليسره). (¬3) قوله: (ذلك) زيادة من (ب). (¬4) قوله: (ممن) زيادة من (ب). (¬5) قوله: (تافهًا) ساقط من (ب).

وإن كان لا يُؤمن فساده، وكان يقدر على حفظه من ذلك وصيانته فعل ولم يزوجه، وإن لم يقدر على ذلك زوَّجه بعد التربص. وأما المجنون فإن كان لا يُفيق لا يصح طلاقه، وسقط اعتبار هذا الوجه (¬1)، فإن كان لا يخشى منه فسادًا لم يزوجه، وإن كان يخشى ذلك منه (¬2) زوجه؛ لأنه وإن كان لا يتعلق بزناه في نفسه حدٌّ؛ فليس مما يعان عليه؛ ولأن فساده مع من يتعلق بها الحدُّ، فتركه معونة على ما لا يحل. واختلف في السفيه تكون له الابنة: هل له أن يزوجها (¬3)، أو المشورة دون العقد، أو لا يكون له في ذلك عقد ولا إذن؟ وذلك راجع إلى حال الأب، فإن كان له عقل ومَيْز ودين إلا أنه غير ممسك لماله، فرب سفيه تجوز شهادته- كان هو الناظر لابنته، فمن حسن عنده زوجها منه قبل البلوغ، وكان له أن يجبرها على ذلك. ويستحسن مطالعة الوصي، وإنما كان التزويج إليه؛ لأن الحاجة التي (¬4) حجر عليه غير الوجه الذي بطلت (¬5) منه الآن. وإن كان ناقص التمييز كان النظر في عين الزوج ومن يحسن لابنته- إلى الوصي، فمن حسن عنده زوج منه وإن لم يرضه الأب، ولا تزوج إلا بعد البلوغ، والاستئذان منها كاليتيمة. ¬

_ (¬1) في (ب): (هذه الوجوه). (¬2) قوله: (منه) ساقط من (ب). (¬3) في (ب): (تزويجها). (¬4) قوله: (الحاجة التي) يقابله في (ب): (الوجه الذي). (¬5) في (ب): (يطلب).

فصل [في تزويج الوصي عبيده وإجبارهم]

ثم يختلف فيمن يتولى العقد حسب ما تقدم في ولاية الفاسق والسفيه، فمن منع منهم (¬1) ولايتهم جعل النظر إلى الوصي والعقد إلى الأب، فإن كان الأب فقيد العقد لم يكن له نظر ولا عقد، وقد وقع في "كتاب محمد" في هذه المسألة اضطراب. والفقه فيها ينحصر إلى هذه الوجوه. وإن بادر الأب بالعقد في الموضع الذي يمنع منه لنقص تمييزه لم يعجل في ذلك بطلاق حتى يختبر ذلك، فإن كان إمضاؤه من حسن النظر أمضاه، وإلا فرق. وكذلك إذا كان سفيهًا لم يضرب على يده، وليس في ولائه، فإنه (¬2) ينظر في عقده ذلك إذا كان عقده بالإجبار، فإن كان فيه حسن النظر أمضاه (¬3) وإلا رده ولا يمضي فعله، وذلك بخلاف أفعاله في ماله؛ لأن عقد الأب على ابنته فيه معنى الوكالة لغيره، ولا يصح أن يكون وكيلًا لغيره من لا يحسن النظر لنفسه. فصل [في تزويج الوصي عبيده وإجبارهم] وللوصي أن يزوج عبيدَ مَنْ في ولايته (¬4) وإماءَهم، يُزوِّج بعضهم من بعض ومن الأجنبيين. وللسيد (¬5) إجبار عبده وأمته على النكاح ما لم يقصد بذلك الضرر فيمنع. قال مالك في "كتاب محمد": مثل الجارية المرتفعة لها الحال يزوجها من ¬

_ (¬1) قوله: (منهم) زيادة من (ب). (¬2) قوله: (فإنه) ساقط من (ب). (¬3) قوله: (أمضاه) زيادة من (ب). (¬4) قوله: (ولايته)، في (ق 5) (ولاءه). (¬5) في (ب): (فصل، وللسيد).

عبد له أسود، وعلى غير (¬1) وجه الصلاح- فهذا لا يجوز وهو ضرر. قال: وليس ينظر إلى الوغد في المنظرة فرب وغد له المخبرة. وإنما يرد من ذلك ما كان على وجه الضرر (¬2). وليس للسيد إجبار من أعتق بعضه من عبد أو أمة. واختلف: هل له أن يجبر من فيه عقد حرية من تدبير أو كتابة أو عتق إلى أجل؟ على أربعة أقوال: فقيل: له إجبارهم؛ لأنهم الآن على الرق ولم يصيروا إلى حرية بعد. وقيل: ليس له إجبارهم للشبهة التي لهم من الحرية بالعقد الذي عقد لهم. وقيل: ذلك له في كل من له أن ينتزع ماله دون من ليس له أن ينتزع ماله، فيمنع من إجبار المكاتب والمكاتبة ومن إجبار أم الولد والمدبر والمدبرة إذا مرض السيد، ومن إجبار العتق والمعتقة إلى أجل إذا قرب الأجل؛ لأنه إذا لم يملك أن ينتزع ماله فأحرى أن لا يعقد عليه فيما يتعلق بالجسم لا بالمال. وقيل: له إجبار الذكران دون الإناث؛ لأن الذكران بأيديهم الطلاق فيحلوا عن أنفسهم إذا صاروا إلى العتق ما عقد عليهم. وأصوب من ذلك أن يمنع من إجبار المكاتب والمكاتبة؛ لأنهما اشتريا أنفسهما من السيد، وليس له (¬3) عليهما اليوم مطالبة إلا بمال إلا أن يعجزوا، ولا يمنع من إجبار المدبر والمعتق إلى أجل؛ لأنهما اليوم على حال الرق، وهو يُدخِل عليهما بذلك منفعةً من غير مضرة. ¬

_ (¬1) في (ب): (غيره). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 320، والنوادر والزيادات: 4/ 412. (¬3) قوله: (له) ساقط من (ب).

والطلاق بأيديهما إذا صارا إلى الحرية، إلا أن يمرض السيد، أو يفوت (¬1) الأجل؛ فيمنع من ذلك لأنهما أشرفا على العتق، أو يجعل عليهما من الصداق ما يضر بهما في المطالبة به بعد العتق. ويمنع من جبر الإناث كأم الولد والمدَبَّرة والمعتقة إلى أجل؛ لأن حق السيد إنما هو ما لم يصر إلى الحرية، ولا حق له فيما بعد العتق؛ فليس له أن يبيع منافع ليس له فيها حق، وعقد النكاح عليهن بيع منه لما يكون من الاستمتاع الآن وما يكون بعد العتق، والذي بعد العتق لا حق له فيه. وليس لهن حل ذلك العقد إذا صرن إلى الحرية، وقد يستخف ذلك إذا زوجهن لعبد؛ لأن إليهن حل ذلك بعد تمام العتق فيخترن أنفسهن؛ لما جاء في حديث بَرِيرة، على أنه قد يقع العتق من سيد العبد (¬2) فيسقط الخيار. ¬

_ (¬1) في (ب): (أو يقرب). (¬2) في (ب): (الزوج).

باب إذا كان الزوج وليا هل توكله فيزوجها من نفسه؟

باب إذا كان الزوج وليًّا هل توكله فيزوجها من نفسه؟ اختلف فيه: فأجازه مالك وغيره من أصحابه فيكون زوجًا وليًّا (¬1). وذكر ابن القصار عن المغيرة وأحمد: أن ذلك جائز إذا وكَّل غيره يزوجها منه. وكذلك إذا كانت المرأة لا ولي لها وصار الأمر إلى ولاية المسلمين (¬2)، أو كانت دنيئة لا قدر لها، يجوز أن توكل من يزوجها على العقد، فيعقد ذلك من نفسه وإن لم يكن من أوليائها، ويمنع ذلك على قول المغيرة وغيره، إلا أن يوكل (¬3) غيره بعقدها منه، والأحوط أن توكل غيره، فإن وكلته مضى وجاز. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 113. (¬2) في (ب): (الإسلام). (¬3) في (ب): (يدخل).

باب في وكالة الرجل أو المرأة على النكاح

باب في وكالة الرجل أو المرأة على النكاح الوكالة على النكاح من أحد الزوجين الرجل أو المرأة جائزة، فيوكل الرجل من يزوجه امرأة معينة، أو غير معينة يجعل ذلك إلى اجتهاده، وكذلك المرأة لا ولي لها (¬1) توكل من يزوجها من رجل تعينه له. واختلف إذا لم تعينه له وجعلت ذلك إلى اجتهاده، فألزمها ذلك في "الكتاب" مرة، ومرة لم يلزمها (¬2)، والأول أحسن؛ لأنها وكالة على غير (¬3) ما يجوز بيعه فأشبه الوكالة على غير ذلك من البياعات، وقياسًا على توكيل الزوج إذا لم يعين المرأة، فإنه لا أعلمهم يختلفون أن ذلك يلزمه، إلا أن يعلم أنه قصر في الاجتهاد لها (¬4)؛ فيكون لها (¬5) رد ذلك. واختلف إذا زوَّجها من نفسه فكرهت: فقال في "الكتاب": لها ذلك، ولم يلزمها إياه (¬6). وذكر أبو الحسن قولًا آخر أن ذلك لازم لها. وقد اختلف في هذا الأصل: إذا وَكَّل رجلٌ رجلًا (¬7) على البيع والشراء فباع واشترى من نفسه، فالقول الأول أحسن؛ لأنه معزول عن العقد من نفسه، ومفهوم الوكالة ¬

_ (¬1) قوله: (لا ولي لها) ساقط من (ب). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 113. (¬3) قوله: (غير) ساقط من (ب). (¬4) في (ب): (له). (¬5) في (ب): (له). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 113. (¬7) قوله: (رجلًا) ساقط من (ب).

العقد (¬1) من غيره، ومعلوم أن المرأة إذا كان لها غرض في رجل جعلت سفيرًا لذلك، ولا توكله ليبصر غيره. ويختلف على هذا إذا وَكَّل رجل امرأة لتزوجه فزوجته من نفسها وعقد ذلك ولدها (¬2)، وأن لا يلزم أحسن. ويختلف إذا وكلت المرأة من يزوجها فزوجها من ولده أو من يتيمه، أو وَكَّل الرجل من يزوجه فزوجه من ابنته أو يتيمته، هل يلزم ذلك النكاح أم لا؟ قياسًا إذا وكله على أن يسلم له فأسلم ذلك إلى من هو في ولائه من ولد أو يتيم. فمنع ذلك ابن القاسم وإن لم تكن فيه محاباة، ورأى (¬3) أن الوكالة تقتضي أن يتولى المعاملة مع من ليس له عليه حكم، ومعزول عن من له عليه عقد، وأجاز ذلك سحنون. فكذلك النكاح لا يمضي على قول ابن القاسم، ويمضي (¬4) على قول سحنون. ولو كان وصيًّا، فزوج يتيمه من ابنته، أو يتيمته من ابنه، أو نفسه (¬5) مضى النكاح، ولم يرد على كراهية في ذلك إلا (¬6) في الابتداء أن لا يفعل، إلا بعد مطالعة السلطان؛ لأن الوصي وكيل مفوض إليه، والأول غير مفوض إليه. فإذا زوج الوصي وكان بعضهم كفؤًا لبعض، وأسقط في الصداق- جاز ذلك. وإن كان فعل الوصي على غير صواب من الصداق خاصة- زاد على يتيمه أو ¬

_ (¬1) قوله: (العقد) ساقط من (ب). (¬2) في (ب): وليها. (¬3) في (ب): (وأرى). (¬4) في (ب): (ويجوز). (¬5) في (ق 5): من نفسه أو ولده. (¬6) قوله: (إلا) زيادة من (ب).

حط عن يتيمته (¬1)، قيل له: إن أنت حططت الزائد على هذا وأكملت صداق المثل عن هذه (¬2) مضى النكاح، وإلا فسخ ما لم يقع الدخول. فيحط الزائد عن الصبي، ويكمل النقص حكمًا من غير خيار. وإن لم يكن ولده كفؤًا ليتيمته ولا ابنته كفؤًا (¬3) ليتيمه- فسخ، إلا أن ينزل بمن في ولائه من ذكر أو أنثى عيب، أو ذهاب مال، أو ما أشبه ذلك، مما يرى أن بقاءهما من حسن النظر فيتركانه. ¬

_ (¬1) قوله: (عن يتيمته) يقابله في (ب): (بقيمته). (¬2) في (ق 5): صداق المثل (¬3) في (ق 5): (كفؤ).

باب في المرأة توكل ولييها فيزوجها كل واحد من رجل

باب في المرأة توكل ولييها فيزوجها كل واحد من رجل وإذا وكلت المرأة رجلين يزوجانها فزوجها كل واحد من رجل، كان الأول أحق بها ما لم يكن دخول. واختلف إذا دخل بها الثاني وهو لا يعلم بالأول؛ فقال مالك وابن القاسم: الآخر أحق بها (¬1). وقال محمد بن عبد الحكم: الأول أحق بها، وتنزع من الآخر. والاختلاف في هذا راجع إلى الخلاف في الفسخ والعزلة: هل ذلك من الآن أو من بعد البلوغ؟ فمن قال: إن ذلك لا يصح إلا بعد البلوغ ثبتت (¬2) للثاني؛ لأنه نكاح بوكالة. ومن قال: إن الفسخ والعزلة يصح من الآن وإن لم تبلغ فسخ الثاني، وكان الأول أحق بها؛ لأنه يقول: عقد الأول فسخ لوكالة من لم يعقد، فصار الثاني عقدًا بغير وكيل (¬3). وإن لم يُعلم أيهما عقد أولًا فُسخ النكاحان جميعًا، إن أدرك ذلك (¬4) قبل الدخول. فإن دخل أحدهما كان أحق بها، هذا قول مالك. وعلى قول ابن عبد الحكم يكون حكمه حكم من لم يدخل؛ لأنه على شك فقد يكون الآخر فلا يصح له المقام عليها؛ إذ لو عقد الوليان في مجلس واحد من رجلين (¬5) معًا لم يتقدم أحدهما الآخر- لفسخ النكاحان جميعًا دخل بها أحدهما أو لم يدخل؛ ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 111، والنوادر والزيادات: 4/ 437، والتفريع: 1/ 368. (¬2) في (ق 5): ثبت. (¬3) في (ب): (توكيل). (¬4) قوله: (ذلك) زيادة من (ب). (¬5) قوله: (من رجلين) يقابله في (ب): (والرجلين).

لأن العقدين فاسدان لعلم كل واحد منهما بعقد الآخر. قال محمد: إذا علم أولهما فطلق أو مات قبل أن يدخل الآخر، ثم دخل بها (¬1) بعد طلاق الأول أو موته، وكان تزويجه قبل موت الأول، وقبل طلاقه، ولم يعلم الآخر حتى دخل- فقد ثبت وفاتَ موضعُ النظر، كما لو دخل بها والأول حي لم يمت، ولم يطلق، ولا ميراث لها من الأول، ولا عدة عليها منه، وإن علم قبل الدخول، يريد ثم دخل- فسخ نكاح الآخر، واعتدت من الأول، وورثته، وكذلك إن طلق، فإنه يفسخ وترد إلى الأول. وإن كان عقد الآخر بعد موت الأول أو طلاقه افترق الجواب فيفسخ إذا مات؛ لأنه ناكح في عدة، ولا يفسخ إذا طلق الأول؛ لأنها في غير عدة (¬2). قال محمد: وقال عبد الملك فيما أظن: إذا كان العاقد أخيرًا بعد طلاق الأول- ثبت نكاحه وإن لم يدخل (¬3)، وإن كان آخرهما عقدًا الوكيل فسخ ما لم يدخل (¬4). قال محمد: وإن دخل الآخر والأول قائم و (¬5) لم يطلق ولم يمت، فأقر المزوج أخيرًا، وهو الأب أو الوكيل، أنه كان عالمًا بتزويج الأول- لم يصدق الوكيل (¬6) على الزوج، إلا أن تشهد بينة على إقراره بالعلم قبل العقد من الثاني، فيفسخ فسخًا بغير طلاق. ¬

_ (¬1) قوله: (بها) زيادة من (ب). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 438. (¬3) قوله: (وإن لم يدخل) ساقط من (ب). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 438. (¬5) ساقطة من (ق 5). (¬6) قوله: (الوكيل) ساقط من (ب).

ولو أقر الزوج الآخر على نفسه بعد الدخول أنه كان عالمًا بتزويج الأول قبل أن (¬1) يدخل- لقبل إقراره من غير بينة، وفسخ نكاحه، وكان لها الصداق كاملًا من غير طلاق (¬2). قال محمد: لم يعجبنا (¬3)، يريد: أنه يكون بطلاق. ولو اعترفت الزوجة في أحدهما أنه الأول لم تصدق، وقد اختلف في تصديقها إذا لم يدخل بها واحد منهما. ¬

_ (¬1) قوله: (أن) ساقطة من (ب). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 438. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 438.

باب في عضل الأب ابنته البكر عن النكاح، وفيمن يؤمر أن يزوجها منه وإذا اختلف الأب وابنته فيمن أحب تزويجها

باب في عَضْلِ الأب ابنته البكر عن النكاح (¬1)، وفيمن يؤمر أن يزوجها منه وإذا اختلف الأب وابنته فيمن أحب تزويجها اختلف في عضل الأب ابنته البكر عن النكاح. فقال في "الكتاب" ليس له، ويزوجها السلطان، وليس للأب (¬2) إذا كان الذي رضيت به كفؤًا في دينه منعُها (¬3). وقال عبد الملك بن حبيب: له منعها، وليس للسلطان أن يتسور عليه في ابنته وإن طلبت ذلك منه (¬4). وقد منع مالك بناته من النكاح وقد رغب فيهن خيار الرجال، وفعل ذلك أهل العلم قبله وبعده (¬5). قال الشيخ - رضي الله عنه -: أرى أن ينظر في ذلك إلى حال الأب، فإن كان رجلًا صالحًا أو عالمًا أن ذلك لا يجوز لغير عذر لم يعترض في ابنته، فقد يطلع على عيب يعلم أنها متى تزوجت لم تلبث أن تطلَّق، أو يكون فيها تأخر وغفلة زائدة على ما تعارفه الأزواج أو تكون خليعة، فإن خرجت عن قهره فتكت ولم يضبط أمرها الزوج، وهو أعلم بوليته، ولا يتهم في هذا، وإن كان الأب على غير ذلك لم يسلم ذلك إليه، وكشف عن ذلك الجيران، وهل عندهم علم من شيء يعذر به، وإن لم يوجد لذلك وجه زوجت. ¬

_ (¬1) قوله: (عن النكاح) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (وليس للأب) ساقط من (ب). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 106. (¬4) في (ب): (الابنة). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 389.

فصل [فيمن يؤمر أن يزوجها منه]

فصل [فيمن يؤمر أن يزوجها منه] يؤمر الأب في الزوج بأربع: أن يكون كفؤًا في دينه، وحاله، وحسبه، سالمًا من العيوب التي يجتنبها النساء. فأما الدِّين؛ فإن كان كسبه (¬1) حرامًا، أو كثير الأَيْمان بالطلاق- لم يكن له أن يزوجها منه؛ لأن مَن ذلك شأْنُه فالزوجة معه في زنى فيمنع. فإن فعل فرق الحاكم بينهما إن طال (¬2) ذلك؛ لأن الأب وكيل لابنته، وإذا فعل الوكيل ما يرى أنه لم يحسن النظر فيه (¬3) أو ما ليس بصواب رُدَّ فعله. ويمنع من تزويجها لمن يشرب الخمر؛ لأنه يدعوها لمثل ذلك، وإن كان ممن يغبن (¬4) عليه، ولم يبين لمثل ذلك- كان وقوف الأب عن إنكاحه ابنته (¬5) من باب أولى، فإن فعل مضى نكاحه. فصل [فيمن يمنع أن يزوجها منه] وأما المال؛ فإن كان عاجزًا عن السعي، وما يرى أنها تكون معه تحت ضيعة، أو يسعى من وجه يدركها منه معرة، كالذي يتكفف الناس- فهذا ¬

_ (¬1) في (ب): (ماله). (¬2) في (ب): (طالبت). (¬3) قوله: (فيه) ساقط من (ب). (¬4) في (ب): (يغمص). (¬5) قوله: (ابنته) ساقط من (ب).

فصل [في اعتبار الحسب]

الذي يمنع الأب من (¬1) تزويجها منه (¬2)، ويفسخ نكاحه، وإن علم أنه لا حرفة له، وله مال يرى أنه يذهب عن قرب- لم يكن ذلك من حسن النظر. وإن كانت لا تضيع معه، ولا يدركها من سعيه معرة لم تمنع منه وإن كان دونها في المال. فصل [في اعتبار الحسب] والحسب على ثلاثة أوجه: فإن كانت من العرب فدعت أو دعا أبوها إلى تزويجها من عربي- كان القول قول من دعا إليه، وإن كانت أشرف نسبًا منه، وإن كانت من بيت الشرف؛ لأن تفاضل ما بينهما من باب أولى وليس تلحق منه (¬3) معرة. وأما تزويجها من البربري والمولى: فإن كانت صغيرة زوجت منه؛ لأن حرمة النسب مع الفقر ساقطة عند الناس، وإن كانت موسرة نظر إلى عادة ذلك الموضع الذي هم فيه، فإن كانوا لا يرون في ذلك معرة، وإنما يجرونه مجرى ما غيره أحسن منه- زوجت، وإن كان ذلك عندهم معرة كان القول قول من أَبَى (¬4) من أب أو ابنة. وأما تزويجها من العبد فيمنع على كل حال؛ لأن في ذلك نقصًا ومعرة، فإن اجتمعا عليه- الأب والابنة وهي رشيدة ولا عَصَب لها- زُوِّجت منه، ¬

_ (¬1) قوله: (من) ساقط من (ق 5). (¬2) قوله: (منه) ساقط من (ب). (¬3) في (ب): (به). (¬4) في (ب): (قول من أتاه).

وإن كانت بكرًا أو ثيِّبًا سفيهة، ولها عَصَبة قريبة- مُنعت، وللعصبة منعها من ذلك. وأجاز مالك نكاح الموالي في العرب وتلا قول الله سبحانه: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] (¬1). وسئل ابن القاسم عن نكاح العبد العربيةَ فقال: قال مالك: "أهل الإسلام بعضهم لبعض أكفاء لقول الله -عز وجل-: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (¬2). وقال غيره: ليس العبد ومثله كفؤًا لذات المنصب والقدر؛ لأن للناس مناكح قد عرفت لهم وعرفوا بها (¬3). واحتج من نَصَر القول الأول بأسامة بن زيد، وسالم مولى أبي حذيفة، والمقداد بن الأسود، وموالٍ (¬4) تزوجوا في العرب. قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما الآية فلا مدخل لها ها هنا؛ لأن متضمنها الحال عند الله، وعلى ما يكونون عليه في الآخرة ومنازل الدنيا، وما يلحق منه معرة عند (¬5) ذلك. وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه (¬6) خيَّر بريرة في زوجها حين أعتقت (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 107. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 107. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 107. (¬4) في (ب): (موالٍ). (¬5) في (ب): (غير). (¬6) في (ب): (حين). (¬7) أخرجه البخاري: 5/ 2023، في باب شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - على زوج بريرة، من كتاب الطلاق، برقم (4979)، ولفظه: (أن زوج بريرة عبد أسود يقال له: مغيث كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعباس: "يا عباس ألا تعجب من حب =

فصل [في أقسام العيوب]

ولم يختلف المذهب أن ذلك لنقصه عنها (¬1)؛ لأنه ليس بكفؤٍ لها، وأنه لا خيار لها إذا كان حرًّا، فبان بهذا أن العبد ليس بكفؤٍ للحرة، عربية كانت أو بربرية أو مولاة؛ لأن بريرة حديثة عهد بعتق، وهي في عداد الدنيَّات، ولأنه لا خلاف أيضًا في العبد يتزوج الحرة وهي لا تعلم أن ذلك عيب يوجب لها الرد وإن كانت دنية، وأما ما ذكر من نكاح أسامة وغيره؛ فقد يكون ذلك في أول الإسلام. وقد رفضوا ما كان من الافتخار في الجاهلية، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ أَذْهَبَ بِالإِسْلَامِ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بالآبَاءِ" (¬2)، وعبيتها فخرها. والمقدَّم عندهم حينئذٍ من كانت له سابقة في الإسلام، وقدَّم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بلالًا على أبي سفيان بن حرب لسابقة بلال. وإنما ينظر في كل زمان إلى ما أهله عليه، وكل بلد وموضع فيحملون عليه. فصل [في أقسام العيوب] العيوب على ثلاثة أقسام، أحدها (¬3): يجتنب على وجه الاستحباب، وإن عقد عليه الأب مضى ولم يرد، وهو: القبح والعمى والشلل، وما أشبه ذلك. ¬

_ = مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثا". فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو راجعته". قالت: يا رسول الله تأمرني؟ قال: "إنما أنا أشفع". قالت: لا حاجة لي فيه). (¬1) قوله: (عنها) زيادة من (ب). (¬2) (حسن) أخرجه أبو داود: 2/ 752، في باب في التفاخر بالأحساب، من كتاب الأدب، برقم (5116)، والترمذي: 5/ 735، في باب في فضل الشأم واليمن، من كتاب المناقب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، برقم (3956). (¬3) قوله: (أحدها) زيادة من (ب).

وقد كره عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن يزوِّج الرجلُ وليته للرجل القبيح وقال: "يعمد أحدكم فيزوجهن القبيح، والذميم، إنهن يحببن لأنفسهن ما تحبون لأنفسكم" (¬1). يريد: إلا أن يكون ذلك برضاها. والثاني: يجب اجتنابه وهو: الجنون والجذام البيِّن، فإن لم يفعل وزَوج من مثل هؤلاء رُدَّ نكاحه. واختلف فيما سوى ذلك: فقال ابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ: إن زوَّجها من خَصيٍّ، أو مجبوب أو عِنِّين على وجه النظر لزمها ذلك (¬2). وقد قيل: لا مقال للجذام إذا لم يكن متفاحشًا. وقال سحنون في "السليمانية": إذا أراد أن يزوجها مجبوبًا أو مجذومًا أو أبرص أو أسود، أو من ليس لها بكفؤ، وأَبتِ الابنةُ ذلك (¬3) - كان للسلطان منعه؛ لأن ذلك ضرر. قال: ولو كانت مجنونة فأراد أن يزوِّجها لأحد ممن ذكر، وقال: أغتفر عيبه (¬4) لعيبها- لم يُمكَّن من ذلك؛ لأنها قد تفيق. قال الشيخ - رضي الله عنه -: قول سحنون في هذا أحسن، فيمنع من تزويجها الأسود؛ لما يلحقها في ذلك من المعرة، ومن تزويجها من المجنون والأجذم والأبرص؛ لاجتماع الضرر والمعرة، وعليها في ذلك نقص عند أقاربها وجيرانها وإن لم يبلغ به الجذام والبرص؛ لأن ذلك مما يتنامى (¬5) فلا يكون لها بعد ذلك مقال في ¬

_ (¬1) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه: 6/ 158، في باب عرض الجواري، من كتاب النكاح، برقم (10339). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 543. (¬3) قوله: (ذلك) ساقطة من (ق 5) (¬4) في (ب): (عليه). (¬5) في (ب): (يتراضى).

كثيره إذا رضيت به أولًا قبل أن يتنامى (¬1). وكذلك الحصور والعِنِّين والمجبوب يمنع من تزويجها إياه، ويرد إن فعل؛ لأن المتزوجة لمثل هذا كالأيِّم، وهي تحتاج إلى مثل ما يحتاجه الرجل. وإن كان ذاهب الأنثيين خاصة مضى نكاحه ولا مقال لها في عدم النسل، كما لو زوَّجها عقيمًا. وأما قول سحنون: إذا كانت مجنونة فلا تزوج من أحد ممن ذكر ففيه نظر؛ لأن ذهاب ذلك ليس بغالب، ولا يتزوجها في الغالب من يرغب في مثله؛ فلا يكره له أن يزوجها من أحد ممن ذكرنا سوى المجنون، فإن مجنونين لا يجتمعان، وإنما يكون عاقلًا يسوس مجنونة. ¬

_ (¬1) في (ب): (يتدامى).

باب فيمن لا حق له في النكاح، والمرأة تزوج نفسها

باب فيمن لا حقّ له في النكاح، والمرأة تزوّج نفسها أربعة لا حق بهم في الولاية: المرأة، والصبي، والعبد، والكافر، فإن زوجت امرأةٌ امرأةً (¬1) كان النكاح فاسدًا (¬2)، وسواء كان إنكاحها إياها بوكالة من المرأة أو بوصية من الأب. ولها إذا كانت وصية أن تستخلف رجلًا يتولى العقد، وكذلك إذا كان العاقد صبيًّا فالنكاح فاسد، وإن كان قد أنبت صح عقده؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - في بني قريظة أمر بقتل من جرتْ عليه المواسي، وأجرى عليهم أحكام الرجال (¬3). ولو قيل فيمن ناهز الحلم: إن عقده ماضٍ - لم يبعد ذلك (¬4) للاختلاف في أفعاله حينئذٍ. فقال مالك في "مختصر ما ليس في المختصر": إذا قال من ناهز الحلم: فلانة طالق إن تزوجتها، فتزوجها- فُرِّق بينهما (¬5). وقال في "كتاب (¬6) المدنيين": إذا زنى وقد ناهز وأنبت ولم يحتلم فعليه الحد. وإن كان العاقد عبدًا أو من فيه عقد حرية ولم يفض إليها كالمعتق والمُدَبَّر إلى أجل والمكاتب- كان النكاح فاسدًا، وإن كان العاقد رجلًا حرًّا ¬

_ (¬1) قوله: (امرأةً) ساقط من (ب). (¬2) انظر: التلقين: 1/ 112، والتفريع: 1/ 366. (¬3) سبق تخريجه، ص: 1396. (¬4) زيادة من (ب). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 258. (¬6) في (ق 5): (كتب).

فصل [في عدم جواز عقد الكافر للمسلمة]

بالغًا عقد بوكالة من أحد ممن ذكرنا- كان جائزًا إذا كان قد جعل ذلك إليهم من له الأمر. وأجازه إذا لم تكن منه وكالة: وقال في "الكتاب" في المكاتب يأمر من يزوج إماءه: إن ذلك جائز إذا كان على ابتغاء الفضل، وإلا لم يجز إذا رد ذلك السيد (¬1). قال الشيخ -رحمه الله-: ولو كان ذلك في أحد بناته وهن في الكتابة لم يجز، وإن كان على ابتغاء الفضل، إلا أن يجيز السيد، وليس ذلك كأمته. فصل [في عدم جواز عقد الكافر للمسلمة] وأما الكافر فلا يجوز أن يعقد نكاح المسلمة، وإن كانت ابنتَه أو أختَه، وإن فعل كان نكاحًا فاسدًا (¬2)، وله أن يعقد نكاح ابنته النصرانية من مسلم، ولا يعقد المسلم نكاح ابنته الكافرة من كافر، فإن فعل مضى؛ لأنا لا نعترض مناكحَ الكفار. ويفترق إذا عقد نكاحها من مسلم إذا كانت ذمية أو حربية أو أَمَة أو معتقة؛ فمنعه مالك إذا كانت حرة من نساء أهل الجزية دون غيرها، فقيل له، في النصرانية لها أخ مسلم: هل يزوجها من مسلم؟ فقال: أَمِنْ نساء أهل الجزية؟ قيل: نعم. قال: لا يجوز له أن يعقد نكاحها. قال الله تعالى: {مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 116. (¬2) انظر: المعونة: 1/ 490. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 116.

وقال أصبغ: إذا زوج (¬1) لم أفسخه؛ لأن النصراني لا يعقد نكاحًا إلا كان المسلم أصح منه وأفضل، وإنما ولايتها من النصراني أولى من المسلم في الحكم (¬2). فإن لم يتنازعوا وولت مسلمًا عقد نكاحها جاز، وهو أحب إليّ من وليها الكافر. وقال محمد: هذا غلط، ووليها النصراني أحب إليَّ من الأب المسلم، ولو زوج المسلم كان نكاحًا باطلًا (¬3). وليس ذلك من وجه الحقوق، وإنما كرهه مالك وابن القاسم وأشهب (¬4)، ولم يجيزوه؛ لأنه ليس بولي. وقال ابن وهب: الأب المسلم يعقد نكاحها من مسلم، وأهل دينها يعقدونه من كافر (¬5). وهذا قول أصبغ (¬6). وهو أحسن؛ لتفرقة مالك بين نساء أهل الجزية وغيرهم، ولتسليم محمد ذلك في المعتقة. فإن كان المنع عنده لافتراق الدينين فلا يجوز ذلك في الكافر على حال، والمعتقة والأمة وغيرها في ذلك سواء. فإن قيل: إنما جاز ذلك في الأَمَة؛ لأنها ماله، قيل: النكاح يفتقر إلى ولاية بدليل أنها لو كانت لامرأة أو لعبد ما جاز أن يعقد نكاحها من مسلم على قول من أجاز نكاح الأمة الكتابية، وأيضًا فإن المخاطب بالولاية المرأة، وإذا كانت كافرة لم تكن مخاطبة بالولاية. ¬

_ (¬1) في (ب): (زوجهم). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 411. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 411. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 411. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 410. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 410.

فصل [في تزويج السيد المسلم للأمة والمعتقة]

فصل (¬1) [في تزويج السيد المسلم للأمة والمعتقة] واختُلف في الأَمَة يزوجها سيدها المسلم، وفي المعتقة هل (¬2) يزوجها سيدها المسلم الذي أعتقها. فأجاز ذلك ابن القاسم، ومحمد، وهو ظاهر قول مالك في "المدونة" في قوله: أَمِن نساء أهل الجزية (¬3). لأن هاتين ليستا من نساء أهل الجزية. وقال أبو مصعب وهو في "السليمانية": إنه ليس للمسلم أن يزوج أمته النصرانية. وعلى هذا لا يجوز أن يزوج معتقته النصرانية. وهذا هو القياس لا فرق بينها وبين الكافرة تكون من نساء (¬4) أهل الحرب، وقد تقدم وجه ذلك. فصل [في إنكاح المرأة والعبد والصبي الذَّكر] إنكاح المرأة والعبد والصبي الذَّكر جائز إذا كانوا أوصياء أو كان ذلك بوكالة من إليه العقد عليهم من أب أو وصي (¬5). وقد قيل: ليس ذلك إليهم. والأول أحسن. ولا يفتقر عقد الذكر إلى ولي، ولما جاز أن يعقد العبد لنفسه، ولا يفتقر إلى أن يعقد له حر- جاز أن يعقد على غيره، وكذلك الصبي يعقد نكاح نفسه ¬

_ (¬1) قوله: (فصل) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (هل) زيادة من (ب). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 116. (¬4) قوله: (نساء) زيادة من (ب). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 127.

فصل [في مباشرة المرأة العقد بنفسها]

فيرى وليه في (¬1) ذلك صوابًا، فيجوز له أن يجيزه ويمضيه على ذلك العقد، ولا يقال إنه عقد فاسد لأجل أن العاقد صبي، ولو تولى عقد المرأة لم يجز ذلك. فصل [في مباشرة المرأة العقد بنفسها] وإذا باشرت المرأة العقد بنفسها بغير رجل تولى ذلك- كان نكاحًا فاسدًا، يفسخ قبل الدخول وبعده وإن طال ذلك وولدت الأولاد (¬2)، وكذلك إذا كان الوكيل لها عبدًا أو امرأة أو صبيًّا أو نصرانيًّا- حكمه حكم من باشرت فيها (¬3) العقد. ويعاقب عند مالك الرجل والمرأة إذا دخلا، إلا أن يكونا ممن يجهلا ذلك (¬4). وقال أيضًا: إذا وكلت رجلًا يزوجها وليس بولي يعاقب الرجل والمرأة والشهود إن علموا (¬5). وأرى أن لا عقوبة على الزوجين إذا كانا من أهل الاجتهاد وذلك مذهبهما، أو كانا يريان تقليد من يرى ذلك، أو كانا يجهلان ويظنان أن ذلك جائز، وإن كانا ممن يعتقد فساد ذلك فتحسن العقوبة، وكذلك البينة إذا علمت أنها تزوجت بولاية الإمام (¬6)؛ فإنه ينظر إلى مذهبهما في ذلك أو من يقلدانه. ¬

_ (¬1) قوله: (في) ساقط من (ب). (¬2) انظر: التفريع: 1/ 367، قال فيه: (ولا يجوز لامرأة أن تنكح نفسها، دنيّة كانت أو شريفة أذن في ذلك وليها أو لم يأذن، فإن أنكحت نفسها فنكاحها باطل). (¬3) في (ب): (من باشر). (¬4) قوله: (ذلك) ساقط من (ق 5). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 117. (¬6) في (ب): (الإسلام).

فصل [في تزويج الأب ابنه، والابن ساكت]

فصل [في تزويج الأب ابنه، والابن ساكت] وقال ابن القاسم: إذا زوَّج الأب ابنه، والابن ساكت، ثم أنكر بعد فراغ الأب من العقد، وقال: لم آمره ولم أرض، وإنما سكتُّ لأني علمت أن ذلك لا يلزمني- أنه يحلف على ذلك ويبرأ (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: لا يخلو إنكار الابن من ثلاثة أوجه؛ إما أن يكون أنكر (¬2) عندما فهم أنه يعقد عليه، أو بعد علمه وسكوته لتمام العقد، أو بعد تمام العقد وتهنئة من حضره، وانصرافه على ذلك. فإن كان إنكاره عندما فهم أن العقد عليه كان القول قوله من غير يمين عليه؛ لأن الأب لم يدّع أن ذلك فعله بوكالة، ولا أتى من الأمر ما يدل على الرضا. وإن كان بعد علمه أنه نكاح يعقد عليه، وسكت، ثم أنكر بعد فراغ العاقد- حلف، كما قال في الكتاب: إنه لم يكن سكوته على الرضا بذلك (¬3). واختلف إذا نكل عن اليمين: فقال الشيخ أبو محمد عبد الله بن أبي زيد: لا شيء عليه. وقال غيره: يغرم نصف الصداق. والأول أحسن. واليمين ها هنا استحسان؛ لاحتمال أن يكون سكوته على الرضا بذلك، ورجاء أن يقر، وليست التهمة في ذلك بالأمر البين لقرب ما بين علمه وإنكاره. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 113. (¬2) قوله: (أنكر) ساقط من (ب). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 113، 114.

وإن كان إنكاره بعد تمام العقد، وانصرافه بعد ذلك على ذلك، والدعاء له حسب عادات الناس- لم يقبل قوله، وغرم نصف الصداق؛ لأن الظاهر منه الرضا، ولا يمكن منها؛ لإقراره أنه غير راضٍ، وأنه لا عصمة له عليها. وإن أقر وأحب الزوج في هذه الثلاثة أوجه بعد إنكاره أن يقيم على النكاح، فإن لم يكن منه سوى الإنكار، ولم يقل: رددت ذلك، ولا فسخته عن نفسي، وكان رضاه بالمقام بقرب العقد- كان ذلك له؛ لأن إنكاره الرضا لا يقتضي الرد، وإنما نفى عن نفسه أنه تقدم منه رضا. ومن لم يرضَ مخير بين الرد والرضا بالقرب، وله مهلة النظر والارتياء والمشورة فيما يراه. واستحسن أن يستظهر باليمين أنه لم يرد بإنكاره الفسخ، فإن نكل لم يفرق بينهما، ولم أبحها لغيره بالشك، فكان بقاؤها مع من يدعي أنها (¬1) زوجة بيقين (¬2). وإن كان رضاه بعد أن طال الأمد وقوله: رددت العقد- لم يكن ذلك له إلا بعد مطالعة الزوجة ورضاها أن يستأنف العقد. واختلف فيمن ادعى الوكالة على رجل أنه وكَّله على تزويج امرأة، فزوَّجه إياها، وضمن الصداق، وأنكر الزوج، فاختلف في لزوم الصداق: فقال مالك: لا شيء عليه (¬3). وقال علي بن زياد: الصداق لازم له (¬4). ¬

_ (¬1) قوله: (أنها) زيادة من (ب). (¬2) قوله: (أَوْلَى بيقين) يقابله في (ب): (أَوْلَى). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 114. (¬4) انظر: المدونة: 2/ 114.

فصل [في الخلاف في التسمية التي وكله ليزوجه بها]

والقول الأول أصوب؛ لأنه لا يخلو أن يكون القصد بالضمان خوف جحود الوكالة، والتزويج، أو خوف فقر الزوج أو لدده، وأي ذلك كان لم يلزم الضمان. فلا يصح الضمان إذا كان القصد جحود الوكالة، وهو بمنزلة من ادعى الوكالة على شراء سلعة على أنه إن أنكر المشترى له كانت السلعة والثمن (¬1) للبائع وهذا غرر، وكذلك الزوجة يقول لها: إن جحد فالمبيع يبقى لك والثمن لك. وهذا أيضًا (¬2) غرر؛ لأنها دخلت على أنها تارة تأخذ الصداق عن الاستمتاع بها إن اعترف، وتارة تأخذه مع عدم الاستمتاع وبقاء المبيع لها. وإن شرط الضمان بوجود الفقر (¬3) لم يلزم؛ لأنه جحد ولم يفتقر (¬4)، وإن شرط ذلك إذا لَدَّ فإن القصد إن ادعى القضاء وهو مقر بالنكاح في موضع- يكون له المرجع إذا قضى عنه، وإذا جحد الأصل لم يكن له مرجع. فصل [في الخلاف في التسمية التي وكله ليزوجه بها] وإن اعترف بالوكالة وخالف في التسمية التي وكله ليزوجه بها، فقال الوكيل: بمائتين وبها زوج. وقال الزوج: بمائة. فذلك (¬5) على أربعة أوجه: إما أن يكون لكل واحد منهما بينة، أو لا بينة سوى دعوى الزوج ودعواها وإقرار ¬

_ (¬1) قوله: (والثمن) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (أيضًا) زيادة من (ب). (¬3) في (ق 5): (العقد). (¬4) قوله: (لأنه جحد ولم يفتقر) يقابله في (ب): (لأنه لو جحد ولم يفتقر لا يلزم). (¬5) قوله: (فذلك) زيادة من (ب).

الوكيل، أو تكون له بينة دونها أو لها دونه. فإن كانت لها بينة أن العقد بمائتين، وله بينة أن الوكالة كانت بمائة، وكان ذلك قبل الدخول فرضي الزوج- يمضي النكاح على مائتين، أو رضيت أن تسقط عنه مائة ثبت النكاح، فإن لم يرضيا تفاسخا. واختلف: إذا لم يعلم الزوج إلا بعد الدخول على ثلاثة أقوال: فقيل: للمرأة أن تأخذ المائتين؛ مائة من الزوج، ومائة من الرسول لتعديه. وإلى هذا يرجع قوله (¬1) في الكتاب: إن الرسول ضامن إذا أقر بالتعدي وقيام البينة عليه بالتعدي كإقراره (¬2). وقال في "مختصر ما ليس في المختصر": ليس لها إلا مائة واحدة. ولم يجعل على الرسول شيئًا. وقال عبد الملك في "كتاب محمد" و"ابن حبيب ": يلزم الزوج صداق مثلها، وما سوى ذلك فعلى الرسول (¬3)، فإن كان صداق مثلها مائة وخمسين غرم ذلك الزوج مائة وخمسين (¬4)، وغرم الرسول خمسين، وإن كان صداق المثل مائتين غرمها الزوج ولا شيء على الرسول. وأحسن ذلك أن يكون على الزوج صداق مثلها لما (¬5) قال عبد الملك، ويسقط ما سوى ذلك على الرسول، كما قال في "مختصر ما ليس في المختصر" هذا إذا كانت الوكالة على تزويج امرأة بعينها فتكون الخمسون الزائدة على ¬

_ (¬1) في (ب): (قول مالك). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 115. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 436. (¬4) قوله: (مائة وخمسين) زيادة من (ب). (¬5) في (ب): (كما).

المائة على الزوج؛ لأنه يقال: أنت قبضت المبيع وأهلكته فعليك قيمته. ولا تراعى المائة؛ لأن المالك لم يرض البيع بها. ولا مقال للمرأة في الخمسين التي هي تمام المائتين؛ لأن ذلك الوكيل دخل على (¬1) أن المشترى له قبض المبيع (¬2)، وهو الذي تولى (¬3) الثمن وعلى أنه لا وزن عليه، ومقالها مع الوكيل من باب الغرور، وأنه غرها حتى سلمت. وأعلى مراتب من غَرَّ إنسانًا حتى أتلف عليه سلعته أن يكون عليه قيمتها، وهذه قد وصل إليها قيمة سلعتها والزائد على ذلك لم يلتزمه الوكيل ولا وكل عليه الزوج ففارق من أهلك سلعته، وقد وقفت على ثمن؛ لأن المائتين ها هنا لم يلتزمها أحد ولا ثبتت على أحد، وإنما أظهر لها أن هناك من رضي بها، ألا ترى أنه لو علم قبل الدخول لم يختلف أنه لا شيء على الوكيل وإنما المقال بين الزوجين. وإن كانت المرأة غير معينة وكان صداق مثلها مائة وخمسين كانت الخمسون الزائدة على المائة على الرسول؛ لأن الزوج كان في مندوحة عن ذلك؛ لأنه قادر على أن يزوجه بمائة إلا أن يكون الرسول معسرًا فترجع بها على الزوج؛ لأنه الذي أهلك المبيع، ويرجع بها الزوج على الرسول متى أيسر. وعلى هذا يجري الجواب إذا كانت معينة وشهدت البينة بالوكالة على مائة، وأقر لها الرسول أنه عقد على مائتين، وإن أدرك قبل الدخول ورضي الزوج بمائتين أو رضيت بمائة وإلا فرق بينهما، ولا يمين للزوج عليها؛ لأنه لا ¬

_ (¬1) قوله: (على) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (قبض المبيع) يقابله في (ب): (يقبض الثمن). (¬3) في (ب): (يزن).

فصل [في ادعاء الزوجة خلاف ما قال الوكيل]

علم عنده من باطن قولهما، وإن لم يعلم بذلك حتى دخل نظر إلى صداق مثلها هل هو مائة أو مائتان أو مائة وخمسون، حسب ما تقدم. فصل [في ادعاء الزوجة خلاف ما قال الوكيل] وإن ادعت الزوجة مائتين، وقال: الوكيل مائة مثلما شهدت به بينة الزوج - حلفت على ما قالت، وكان الزوج بالخيار بين أن يغرم مائتين أو يفارق. فإن نكلت وحلف الرسول كان لها مائة، فإن نكل فرق بينهما، إلا أن يرضى الزوج بمائتين. وإن لم يعلم حتى دخل وكان صداق مثلها مائة لم يكن لها على الزوج مقال، ولا على الرسول على المستحسن من القول. وإن كان صداق مثلها مائتين حلفت واستحقت؛ لأن الرسول قد أتى بما لا يشبه، ثم يختلف ممن تستحق المائة الزائدة: فعلى قول ابن القاسم تستحقها من الرسول، وعلى قول عبد الملك تستحقها من الزوج. وإن نكلت عن اليمين سقط مقالها مع الزوج؛ لأن يمينها مع الزوج يمين تهمة لا ترجع، ورجع مقالها مع الرسول؛ لأنها تدعي عليه التحقيق، فإن حلف برئ، وإن نكل غرم المائة الزائدة. فصل [في تصديق البينة للزوجة] وإن شهدت البينة للزوجة بمائتين، وقال الرسول: على ذلك وكَّلَنِي. وقال الزوج: مائة. ولا بينة له، حلف الزوج، وكانت بالخيار بين أن ترضى بالمائة أو تفارق، فإن نكل لزمته المائتان. هذا فيما بينه وبين الزوجة؛ لأن يمينه لها يمين

تهمة لا ترجع. ويختلف: هل له أن يحلف الرسول؟ فقال أصبغ: يحلف الرسول، فإن نكل غرم المائة الثانية (¬1). وقال محمد: لا يمين عليه؛ لأنه لو أقر أنه تعدى أو افتأت عليه في الزائد ما كان على الرسول؛ لأنه لابد أن يحلف فيبرأ من كل شيء. فإن رضي ونكل ألزم نفسه كل شيء مما على الرسول، قال: ولو كنت ألزم الرسول فنكل لكان له أن يرد اليمن على الزوج فقد نكل من أول (¬2). قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما يمينه قبل الدخول فإنما يحلف أنه ما أمر بمائتين لا غير. ويختلف في صفة يمينه بعد الدخول: فقال ابن القاسم في "كتاب محمد": يحلف أنه ما أمره إلا بمائة، ولا علم بما افتأت عليه إلا بعد الدخول. فعلى هذا يصح أن يقال: لا يضر الرسولَ إقرارُهُ بالتعدي لما كان على الزوج أن يحلف أنه لم يعلم قبل الدخول (¬3). وإذا نكل سقط المقال عن الرسول؛ لأن يمين الزوج يمين تهمة فلا ترجع، ويصح أن يقال: لا يحلف أنه ما علم؛ لأنها يمين تهمة (¬4)، ولا علم عند الزوجة من علمه ولا تدعي أنها بلغها ذلك عنه. ولو اعترف الرسول بالتعدي قبل الدخول لغرم المائة الزائدة؛ لأن الزوج يقول: أنت أوجبت عليَّ يمينًا تعديًا منك، واليمين مما يشق على الناس فعليك غرم ما أدخلتني فيه. ¬

_ (¬1) في (ب): (الزائدة). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 436. (¬3) قوله: (أنه لم يعلم قبل الدخول) يقابله في (ب): (قبل الدخول أنه لم يعلم). (¬4) قوله: (فلا ترجع، ويصح أن يقال: لا يحلف. . . تهمة) ساقط من (ب).

فصل [في علم الزوجة قبل الدخول بما عليه وكالة الزوج]

وإذا أنكر الرسول قبل الدخول غرم الزوج لأجل نكوله ورجع المقال بينه وبين الرسول- لم يكن على الرسول يمين، كما قال محمد؛ لأنه يقول للزوج: أنت إنما بدأت باليمين (¬1) للزوجة، وإذا صار المقال بيني وبينك كنت أنا المبدَّى أني لم أتعدَّ، فإن نكلت رددت عليك اليمين، فإن نكلت لم يكن لك علي شيء وأنت قد نكلت. ويصح قول أصبغ على أحد قولي ابن القاسم، إذا أمره مالك (¬2) أن يشتري له بدنانير فقال الآمر: قمحًا، وقال المأمور: تمرًا. فقال ابن القاسم وغيره في "كتاب محمد": القول قول الآمر: أنه تعدى عليه ويغرمه (¬3). ولمالك في "المبسوط" في هذا الأصل مثل ذلك وقد مضى بسط ذلك في "كتاب الوكالات". فصل [في علم الزوجة قبل الدخول بما عليه وكالة الزوج] وإن علمت الزوجة قبل الدخول أن وكالة الزوج كانت بمائة ثم دخلت- لم يكن لها سوى مائة. وإن لم تعلم وعلم الزوج أنها لم ترضَ إلا بمائتين كان لها مائتان. وإن علما جميعًا وعلم كل واحد منهما بعلم صاحبه كان لها مائتان أيضًا؛ لأن الزوجة تقول: إني قد علمت ولم أرض أن أبيع سلعتي إلا بمائتين، وقد علم الزوج بما بعت (¬4) ورضي ودخل. وإن علمت بعلمه ولم يعلم بعلمها كان ¬

_ (¬1) قوله: (باليمين) زيادة من (ب). (¬2) قوله: (أمره مالك) يقابله في (ب): (وَكَّله). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 273. (¬4) في (ب): (افتئت).

فصل [في رضا الرسول قبل الدخول أن يدفع الزيادة]

لها مائتان أيضًا؛ لأنها تقول: قد علمت أنه علم أني لم أرضَ إلا بمائتين. وإن علم بعلمها ولم تعلم بعلمه فإن لها مائة؛ لأنها لما (¬1) علمت أنه افتُئِتَ عليه أباحت نفسها، ولا علم عندها من علمه لم يكن لها سوى ما رضيت به، ولا يضر الزوج علمه؛ لأنه يقول: قد علمت أنها لم تعلم بعلمي، كانت قد أباحت نفسها بمائة، فسكت لذلك. وإن لم يعلم واحد منهما بعلم الآخر كان لها مائتان، هذا ظاهر الكتاب والقياس أن يكون لها مائة وخمسون؛ لأن علمها بانفرادها إذا لم تعلم بعلمه يوجب لها مائة، وعلمه بانفراده إذا لم يعلم بعلمها يوجب لها مائتين، فهي تقول: إنما رضيت بمائة ولا علم لي برضاه بمائتين ولو علمت ذلك لم أرضَ بمائة. وهو يقول: رضيت بمائتين، ولا علم عندي برضاها بمائة. ولو علمت ذلك لم أرض بمائتين، فيتساوى بثبوتها وبسقوطها، فوجب أن تقسم بينهما. فصل [في رضا الرسول قبل الدخول أن يدفع الزيادة] وإذا رضي الرسول قبل الدخول أن يدفع المائة الزائدة، وكره ذلك الزوج، وقال: إني أرد النكاح؛ لأني أكره مِنَّتَهَ- كان ذلك له، إلا أن يقول الرسول: لا أقصد بذلك منة عليه، وإنما أفعل ذلك لأن عليَّ وصمًا في فسخ عقدي، وأنا أفعل ذلك لنفسي. أو يقول: إنما أفعل ذلك رغبة في الزوجة لما يدخل عليها من الفراق، أو حفظًا لما بيني وبين أبيها، وما أشبه ذلك- فيكون القول قوله، ولا يكون في ذلك للزوج مقال. ¬

_ (¬1) قوله: (لأنها لما) يقابله في (ق 5): (لأنه يقول).

وهذا إذا كانت الوكالة على تزويج امرأة بعينها، أو غير معينة، وكان صداق مثلها مائة. وإن كان صداق مثلها مائتين كان له أن يأبى من النكاح؛ لأنه يقول: مثل هذه المرأة تطلبني بلوازم مثلها، وفي ذلك ضرر لي. فقد تكون ذات يسار وشرف وقدر، فليس نفقتها كنفقة غيرها. ومثله لو رضيت الزوجة أن يحط الزائد. فإن كانت الوكالة على نكاح امرأة بعينها لزمه، أو كانت بغير عينها وهي من مناكحه، وعلى مثلها وكل، لزمته، وإن كان على غير ذلك لم يلزمه. قال مالك: وأما إذا قال المخاطب: هو أمرني أن أزوجه، أو هي أمرتني أن أزوجها، ثم قال الزوج منهما الحاضر (¬1): لا حاجة لي بنكاح من إذا قدم كان عليه بالخيار لم يكن ذلك له حتى يقدم الغائب، أو يقدم عليه. فإن أقر لزمه، وإن أنكر لم يقبل منه إنكاره للوكيل بتوكيل من زوجه، حتى يحلف أنه ما أمره بعقد النكاح (¬2) ولا بعثه. فإن حلف سقط عنه النكاح، قال: وإن أقر لهم الرسول بأن ذلك بغير أمره بعد النكاح لم يقبل قوله (¬3) حتى يثبت ذلك بأمر لاشك فيه، أو يقدم الغائب فيحلف. قال ابن القاسم: وقال مالك: في امرأة زوَّجها وليها، وزعم أنها امرأته، ثم إن المرأة أنكرت ذلك لما بلغها، قال مالك: عليها اليمين. فإن حلفت سقط عنها النكاح (¬4). ¬

_ (¬1) قوله: (الحاضر) زيادة من (ب). (¬2) قوله: (بعقد النكاح) ساقط من (ب). (¬3) قوله: (قوله) زيادة من (ب). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 321.

قال عبد الملك بن حبيب: وقد كاشفت عن ذلك أصحاب مالك فقالوا: لا يمين عليها. لأنها لو نكلت عن اليمين لم يلزمها نكاح، وإنما يلزم اليمين في كل شيء ممن إذا نكل عنها حلف الطالب وكان القول قوله، وهذا مما لا يرجع اليمين فيه؛ إذ يصير نكاحه إنما يثبت بدعواه. وقال أشهب: قال مالك في امرأة أنكحها أخوها، ثم مات زوجها قبل أن يدخل بها، فزعم أخوها أنها لم تكن رضيت بالتزويج، فقال مالك: تسأل المرأة الآن أكانت راضية أم لا. فإن قالت: نعم، فذلك لها (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 321.

باب فيما تكون الفرقة فيه بفسخ أو طلاق

باب فيما تكون الفرقة فيه بفسخ أو طلاق النكاح على خمسة: صحيح لا خيار فيه، وصحيح فيه خيار، وصحيح فيه خيار مختلف فيه، وفاسد مجمع على فساده، وفاسد مختلف فيه. والفراق في الأول بطلاق حسب ما ورد به القرآن، ويفترق الجواب فيما فيه خيار، والخيار على ثلاثة أقسام: أحدها: ما كان الخيار فيه قبل تمام العقد. والثاني: بعد انعقاده لحق تقدم العقد. والثالث: لحق حدث بعد العقد. فإن زوج رجل بغير أمره، أو زوجت امرأة بغير أمرها، وعلم المعتدى عليه بقرب العقد- كان بالخيار بين الإجازة أو الرد، والرد ها هنا فسخ بغير طلاق؛ لأن النكاح لم يكن انعقد. وإن انعقد النكاح، ثم ظهر لأحد الزوجين من الآخر عيب تَقَدَّمَ العَقْدَ يوجب الردَّ فرُدَّ- كان الفراق على قولين: فقال ابن القاسم: ذلك بطلاق. وقال أبو جعفر الأبهري: إذا وجد الزوج المرأة مجنونة أو مجذومة فالرد يكون بغير طلاق. وعلى هذا إذا كان العيب بالزوج، فاختارت الزوجة الفراق- أنه يكون فسخًا بغير طلاق؛ لأنه عيب تقدم العقد، فإنما يرد منهما بحق تقدم العقد، ولا يحتاج إلى إيقاع طلاق، ولا أن ينطق به. فإذا قال أو قالت "رددت بالعيب" وقعت الفرقة، ولو قال الزوج: رددت بالعيب هي طالق. لم يقع طلاق؛ لأنها بقوله: رددت في غير عصمة، ولو قال إذا رد بالعيب: هي طالق. لوقع عليها الطلاق.

ومن هذا الأصل ما اختلف فيه في الذي يوكل من يزوجه بألف، فزوجه بألفين، فلم يرضَ، ورد النكاح، فقال ابن القاسم: تكون فرقتهما طلاقًا (¬1). وذكر سحنون (¬2) عن غيره أنه قال: هو فسخ بغير طلاق، قال: وهو الذي أخذ به (¬3). ومن هذا عقد العبد بغير إذن سيده فيرد ذلك السيد، هل يكون برده بمنزلة من لم يعقد، أو يكون بمنزلة أمر طرأ على العقد؟ فاختلف في إحرامه بالحج إذا ترك ذلك سيده (¬4): فقال ابن القاسم: عليه القضاء متى أعتق، أو أذن له سيده (¬5). وقال أشهب وسحنون: لا قضاء عليه (¬6). وهو أحسن؛ لأنه راد لحق تقدم العقد ففارق من فاته الحج؛ لأنه أمر طرأ على العقد بعد صحته. ويختلف على هذا في نكاحه إذا رده سيده: فقال مالك وابن القاسم: يكون طلاقًا (¬7). وعلى قول الأبهري وغيره لا يكون طلاقًا (¬8). والقسم الثالث: أن يحدث العيب بالزوج بعد العقد، فيقوم بالفراق، فذلك طلاق بخلاف الأول؛ لأن هذا أمر حدث بعد العقد (¬9) وصحته، وكذلك ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 115. (¬2) قوله: (سحنون) ساقط من (ب). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 115. (¬4) قوله: (هل يكون برده بمنزلة من لم يعقد،. . . سيده) ساقط من (ب). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 490، النوار والزيادات: 2/ 360. (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 403. (¬7) في (ق 5): (فسخًا)، وانظر: المدونة: 2/ 121. (¬8) قوله: (لا يكون طلاقًا) يقابله في (ب): (يكون فسخًا). (¬9) قوله: (فيقوم بالفراق، فذلك طلاق. . . بعد العقد) زيادة من (ق 5).

فصل [في اختلاف خيار الولي]

الجواب إذا قامت بالفراق لعدم النفقة، أو لأنه أضر بها، أو اعتقت الأمة فاختارت الفراق، فالفرقة في جميع ذلك بطلاق؛ لأنه حدث بعد العقد. فصل [في اختلاف خيار الولي] وإذا كان الخيار يُختلف فيه كالتي تزوجت بغير إذن وليها، وكان الولي بالخيار في إجازته أو رده فرده- فإنه يكون بطلاق، لاختلاف قول مالك في ذلك. فقال مرة: إن النكاح جائز، ولا مقال للولي فيه (¬1). ويصح أن تكون الفرقة في النكاح الصحيح، وإن كان بأمر طارئ كان فسخًا، إذا لم يكن ذلك بإيقاع من الزوجين (¬2)، كملك أحد الزوجين الآخر، والرضاع ونكاح الأم على البت (¬3)، وما أشبه ذلك. واختلف في ارتداد أحد الزوجين: هل هو فسخ أو طلاق؟ ويلزم على القول أنه طلاق أن يكون (¬4) ملكُ أحد الزوجين الآخر طلاقًا. وأرى أن يكون ارتداده فسخًا، وارتدادها طلاقًا؛ لأن الطلاق للرجال، فإذا ارتد كان كافرًا، والكافر لا يقع عليه طلاق، وإذا ارتدت وقع عليه الطلاق؛ لأنه مسلم. واختلف في اللعان، فقيل: فسخ، وقال عبد الملك بن الماجشون: لا يلاعن في الحيض؛ لأنه طلاق. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 120. (¬2) في (ب): (الزوج). (¬3) في (ب): (البنت). (¬4) في (ب): (يقول).

فصل [في النكاح الفاسد]

قال الشيخ - رضي الله عنه -: وهذا إنما يحتاج إليه على من قال إنه إذا أكذب نفسه بعد اللعان، أنه له أن يتزوجها، فترجع إليه على نكاح مبتدأ على قول من قال: إنه فسخ. وعلى القول: إنه طلاق ترجع إليه (¬1) على طلقتين بقيتا له فيها. فصل [في النكاح الفاسد] وإذا كان النكاح فاسدًا مجتمعًا عليه (¬2)، كانت الفرقة فسخًا، وسواء طلق بنفسه أو طلق عليه (¬3). وإن كان مختلفًا في فساده كان فيه قولان، فقال مالك مرة: يكون فسخا؛ لأنهما مغلوبان على فسخه (¬4). ومرة جعله (¬5) طلاقًا مراعاة لقول من أجازه (¬6)، وسواء كان الفساد من قِبَل العقد أو الصداق، أو منهما جميعًا، فالمجمع عليه: النكاح في العدة، ونكاح الأخت على الأخت، والمرأة على عمتها أو على خالتها، ونكاح البنت على الأم قبل أن يدخل بالأم، فإن فارق الأم تزوج البنت على نكاح مبتدأ، فكل هذه الفرقة فيه فسخ. ومن الفاسد من قبل عقده: المرأة يزوجها غير ولي أو تزوج نفسها، ونكاح المحرم. ومن المختلف فيه: ومن أيده فساده من قبل الصداق أن يتزوج بتمر (¬7) لم يبدُ صلاحه، أو بعبد آبق، أو نكاح الشغار. ¬

_ (¬1) قوله: (إليه) زيادة من (ب). (¬2) في (ب): (مجمعًا على فساده). (¬3) في (ق 5): على فساده. (¬4) قوله: (على فسخه) يقابله في (ب): (عليه). (¬5) قوله: (جعله) زيادة من (ب). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 119، 120. (¬7) في (ب): (بثمر).

فصل [في الصداق]

ونكاح المريض مختلف فيه ومن يفسده، فجعل الفساد من قبل العقد لأنه لا ميراث فيه، ومن قبل الصداق؛ لأنه يصح تارة فيكون من رأس المال، أو يموت فيكون في الثلث، ولا يدري ما يحمل الثلث منه. فصل [في الصداق] وأما الصداق: فإن فسخ قبل الدخول أو طلق قبل الفسخ فلا شيء عليه (¬1)، وإن دخل كان لها صداق المثل، وإن كان فساده من قبل صداقه، أو من قبل عقده وصداقه. واختلف إذا كان الفساد في العقد وحده؛ هل يكون لها المسمى، أو صداق المثل؟ وشرح ذلك في الكتاب الثاني. وذكر العدة في (¬2) النكاح الفاسد في الحياة، وبعد الموت مذكور في كتاب العدة. وقال ابن القاسم: إن تزوجت بغير ولي، ثم طلق الزوج قبل أن يجيز الولي وقع طلاقه عليها. فإن مات أحدهما كان بينهما الميراث، وقال: وإن اختلعت منه على مال دفعته إليه، ثم أتى الولي، فقال: لا أجيز عقده، كان الخلع جائزًا ولم يرد؛ لأن طلاقه وقع عليها بما أعطته (¬3). وقد اختُلف في المرأة تزوجت بولاية الإسلام مع وجود ولاية النسب، فقال مالك مرة: النكاح باطل (¬4)، ولا مقال للولي. وقال مرة (¬5): النكاح ¬

_ (¬1) في (ب): (لها). (¬2) قوله: (العدة في) ساقط من (ب). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 120. (¬4) في (ب): (ماضِ). (¬5) قوله: (مرة) ساقط من (ب).

صحيح، وفيه حق لآدمي، وهو الولي، فيجيز، أو يرد (¬1). وقيل: النكاح (¬2) فاسد لحق الله تعالى. فعلى القول الأول يرث بعضهم بعضًا. واختلف في القول الثاني أن له أن يرده، فقال ابن القاسم: يرث بعضهم بعضًا (¬3). يريد: لأن حق الولي يسقط بموتها؛ لأنه لم يبق بيده ما ينظر فيه. وإن مات الزوج لم يكن له أن يمنعها الصداق والميراث؛ لأن ذلك ضرر عليها. وقال محمد: إن مات الزوج ورثته، وإن ماتت هي كان للولي أن يمنعه الميراث؛ لأنه يقول لم أكن أجيز. وهذا يصح على من قال: إن للولي رد النكاح وإن كان صوابًا. كما قال في التي من الموالي تزوجها (¬4) رجل قرشي. وفي كتاب ابن المواز: أن الولي إنما يرد إذا لم يكن إمضاؤه من حسن النظر. فعلى هذا ينظر فيه إن ماتت؛ فإن كان ممن ليس للولي أن يرده؛ لأنه صواب- كان الميراث بينهما، وإن لم يكن صوابًا كان له أن يفسخ في الحياة، وإن ماتت قيل له: هل كنت تجيز أم لا؟ ومن قال: إن فيه حقًّا لله -عز وجل-، وإنه فاسد- لا يكون بينهما ميراث إلا على مراعاة الخلاف. وقال ابن القاسم: إذا كان النكاح مغلوبين (¬5) على فسخه فقذفها لاعَن (¬6). وإن ظاهر منها لم يلزمه إلا أن يريد أن يتزوجها بعد ذلك. وإن آلى منها لزمه؛ لأنه ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 119. (¬2) قوله: (النكاح) ساقط من (ب). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 120. (¬4) في (ب): (يزوجها). (¬5) في (ت): (مجموع). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 121.

فصل [زواج العبد بغير إذن السيد]

لو آلى من أجنبية لزمه. فالإيلاء واللعان يستوي فيهما ما أجمع على فساده واختلف فيه، ولا يلزم الظهار إلا في المجمع عليهما (¬1)، ويختلف في المختلف فيه، فمن ألزم الطلاق ألزمه الظهار، ومن لم يلزم الطلاق لم يلزمه الظهار. فصل [زواج العبد بغير إذن السيد] وإن تزوج عبد بغير إذن سيده كان للسيد أن يفسخه أو يجيزه. وقال أبو الفرج: القياس أن يفسخه؛ لأنه نكاح انعقد على خيار. وقال ابن القاسم: فيمن صرف خلخالين فاستحقَّا، فأجاز المستحق الصرف فيهما- جاز (¬2)، وقال أشهب: القياس أنه مفسوخ؛ لأنه صرفٌ فيه خيار (¬3). والأول أبين في السؤالين جميعًا؛ لأنهما دخلا على البتِّ. وأختلف إذا رد النكاح: فقال مالك: يكون رده طلاقًا (¬4). وعلى ما قال أبو جعفر الأبهري يكون فسخًا؛ لأنه يرده لحق تقدم العقد. وإذا كان طلاقًا كان حمله عند مالك إن لم ينو عددًا على واحدة. واختلف قوله إذا طلقها طلقتين: فقال مرة: ذلك له، وقال مرة: لا يلزمه إلا واحدة؛ لأن الواحدة تبينها ويفرغ له عبده (¬5). وهو أحسن؛ لأن مقال ¬

_ (¬1) قوله: (إلا في المجمع عليهما) يقابله في (ب): (في المجمع على فساده). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 25، 4/ 212. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 25. (¬4) انظر: المدونة: 2/ 120. (¬5) انظر: المدونة: 2/ 121.

السيد في دفع الضرر والواحدة تدفع الضرر. واستحسن أن تكون له الرجعة إن أعتق في العدة. وقد قال مالك: مرة في الأمة تعتق وزوجها عبد، فتختار نفسها، ثم يعتق زوجها في العدة: أنه له الرجعة، وكذلك إن مكَّنه السيد من الرجعة، ولم يعتق فله أن يرتجع (¬1). وإن لم يَرُدَّ السيد نكاحه حتى أعتقه مضى نكاحه، فإن مات السيد كان ورثته بالخيار في الإجازة أو الرد، وإن باعه كان للمشتري أن يجيز، وليس له أن يرد النكاح، وله رد البيع عن نفسه. قال ابن القاسم: وإن رجع العبد إلى البائع كان له رد النكاح (¬2). وأرى إن أراد البائع رد النكاح قبل أن يرد عليه - أن يكون ذلك له، وللمشتري أن يرد البيع، وأن يسقط النكاح؛ لأن تزويجه بغير إذن سيده عيب يخشى أن يعاود مثل ذلك. وقد حمل بعض أهل العلم قول ابن القاسم في "المدونة" أن ليس للبائع أن يرد النكاح وهو في ملك المشتري، وقوله في (¬3) ذلك محتمل، والقياس أن ذلك له إذا رضي المشتري بعيب تعديه في النكاح خاصة. ولو كانت أمة تزوجت بغير إذن سيدها فسخ النكاح وإن أجازه السيد، وكذلك إن أعتقت، أو صارت إلى ورثة السيد فأجازوا، أو بيعت فأجاز المشتري؛ لأنه نكاح فاسد، فإن رضي المشتري بعيب تعديها في النكاح لزمه الشراء؛ لأن النكاح يفسخ لحق الله تعالى. ¬

_ (¬1) انظر: التفريع: 2/ 50. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 125. (¬3) قوله: (في) ساقط من (ب).

وكذلك الأَمَةُ بين الشريكين يزوجها أحدهما بغير وكالة الشريك فهو فاسد يفسخ وإن أجازه الآخر، وأما الصداقُ فإن دخل بها وأجاز الآخر النكاح كان لها المسمى. واختلف إذا لم يجز، وكانت تزوجت بعشرين، وصداق مثلها ثلاثون. فقال ابن القاسم: يكمل للغائب نصف صداق المثل (¬1). وقال فضل بن سلمة: يكمل لها صداق المثل؛ لأنه مال من مالها لا يقسم إلا بالتراضي. وقول أشهب: لا يزاد على المسمى. وإذا أكمل الصداق على أحد الأقوال نظرت؛ فإن كان الزوج عالمًا أن فيها شركًا لغير من زَوَّجه لم يكن له (¬2) على الذي زوجه مقال في العشرة التي أكمل بها الصداق؛ لأن خمسة منها للغائب، وخمسة أكملت لحق الغائب؛ لأنه لا يقسَّم إلا بالتراضي. فإن عتقت بعد ذلك تبعها مالها، ولم يرجع الزوج عليها، ولا على الشريك بشيء. وإن بيعت بغير مالها أخذ الزوج خمسة، وهي التي تنوب الحاضر، وإن بيعت بمالها كان له الأقل من خمسة، أو نصف (¬3) ما زاد المال في ثمنها. وإن ماتت أخذ خمسة من نصف الحاضر إلا أن ينقص المال. فإن وجد لها عشرون كان له ثلاثة وثلث، وهو ثلث العشرة التي تنوب الحاضر؛ لأن الخمسة العاجزة مفضوضة عليها. وكل هذا إذا كان الزوج عالمًا بالشريك، فإن لم يعلم كان له أن يرجع على من زوجه بجميع المسمى إن أجاز الغائب، وبجميع صداق المثل إن لم يجز. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 124. (¬2) قوله: (له) ساقط من (ب). (¬3) قوله: (نصف) زيادة من (ب).

وقيل: يرجع بما غرم إلا نصف ربع دينار. والأول أحسن؛ لأن الأصل أنه متى كان الغرور من غير الزوجة، وكان من الولي أن يرجع الزوج بجميع (¬1) ما غرم؛ لأن الصداق بيد الزوج، وإنما يترك ربع دينار إذا كان الغرر منها، وانتزع منها ما قبضت فيترك لها ربع دينار. وقول ابن القاسم في قسمته إذا دعا إلى ذلك أحدهما (¬2) أحسن لوجهين: أحدهما: أن الصحيح من القول (¬3) في الصداق أنه ليس بمالها إلا (¬4) لحق الزوج في أن يجهز به، فإذا سقط مقال الزوج؛ لأن النكاح فسخ - كان مالًا للسيد؛ لأن الصداق إما أن يكون ثمنًا للمنافع أو ثمنًا للرقاب، وأي ذلك كان فإنه حق للسيد بخلاف مالها. والوجه الآخر أن هذا في معنى الجناية عليها، لما زوجت بغير رضا الغائب. وإن كان عبدًا بين شريكين زوَّجه أحدهما بغير وكالة من الآخر، فإن أجاز ثبت النكاح بخلاف الأَمَة، وإن فسخ أخذ من الزوجة جميع ما أصدقها العبد. قال مالك: إلا قدر ما تستحل به (¬5). وقد قيل: لا يترك لها شيء؛ لأنه من باب الاستحقاق. فإن علمت الزوجة بالشريك لم ترجع على (¬6) زوجها منه بشيء، ويترك الصداق بيد العبد، فإن اقتسماه رجعت الزوجة على الحاضر بنصيبه من الصداق، وإن غرها ولم يعلمها أن فيه شركًا لغيره رجعت على الذي غرها بجميع الصداق. وإن كان عديمًا بيع له (¬7) نصيبه من العبد، ولها أن تتبع العبد ¬

_ (¬1) في (ب): (بغير). (¬2) في (ب): (أحدهم). (¬3) في (ب): (من القولين). (¬4) قوله: (إلا) ساقط من (ب). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 416. (¬6) قوله: (لم ترجع على) يقابله في (ب): (ثم رجع على من). (¬7) في (ب): (لها).

فصل [في زواج السفيه بغير إذن وليه]

في ذمته متى عتق، إلا أن تسقط من ذمة (¬1) السيد الآخر. فصل [في زواج السفيه بغير إذن وليه] وإذا تزوج سفيه بغير إذن وليه وابتنى (¬2) نظر فيه وليه؛ فإن كان حُسْنَ نظرٍ أمضاه، وإلا ردَّه (¬3). واختلف إذا رده في الصداق على أربعة أقوال: فقال مالك: يترك لها ربع دينار. وقال ابن الماجشون في "كتاب ابن حبيب": لا يترك لها شيئًا (¬4). وقال ابن القاسم في "كتاب محمد": يجتهد في الزيادة لذات القدر (¬5). وقال أصبغ: يزاد ما يرى ولا يبلغ بها (¬6) صداق مثلها، ولا مذهب (¬7) صداق (¬8). يريد: إذا غرها فهو غرور شاركه إِذْنٌ منها (¬9). واختلف هل تكون جناية، فيكون لها المسمى ما لم يكن أكثر من صداق المثل، أو لا تكون جناية لما شاركه إِذْنٌ منها؟ فيكون لها ربع دينار، فلما ترجح عندها الأمر: هل هي جناية أم لا؟ جعلا الأمر فيه شبيهًا بالقسمة. وإن علمت أنه سفيه كان لها ربع دينار لا أكثر. ¬

_ (¬1) في (ب): (يسقطه من ذمته). (¬2) قوله: (وابتنى) زيادة من (ب). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 417. (¬4) ساقطة من (ق 5). وانظر: النوادر والزيادات: 4/ 417. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 417. (¬6) قوله: (بها) زيادة من (ب). (¬7) في (ب) و (ت): (يذهب). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 417. (¬9) قوله: (منها) زيادة من (ت).

واختلف إذا لم يعلم الولي حتى مات السفيه أو ماتت الزوجة. فقال ابن القاسم في "كتاب محمد": إن ماتت الزوجة كان النظر إلى الولي على حاله؛ فإن رأى أن يثبت النكاح ويأخذ الميراث كان ذلك له، وإن رأى أن يرد ويترك الميراث ردَّ (¬1). وإن مات الزوج فلا ميراث (¬2) لها (¬3). يريد لأن نظر الولي (¬4) زال بموت اليتيم. وقال أصبغ: إن مات (¬5) نظر، فإن كان تزويجه غبطة كان لها الصداق والميراث، وإن لم يكن كذلك فلا صداق لها (¬6) ولا ميراث، وإن مات الزوج كان لها الميراث، وينظر في الصداق؛ فإن كان النكاح نظرًا كان لها الصداق مع الميراث، وإن كان مما يرد فلا صداق لها ولها الميراث. وإن كان قد مس كان لها ربع دينار (¬7). وجوابه حسن إلا قوله: إن مات الزوج ولم تكن غبطة أن لها الميراث. فقول ابن القاسم فيه أحسن: ألا ميراث ولا صداق إن لم يكن دخل، فإن دخل كان لها ربع دينار. وإن تزوج الصبي بغير إذن وليه أو وصيه كان الأمر فيه إلى من ينظر له من أب أو وصي؛ فإن كان صوابًا أمضاه، وإلا رده. قال ابن القاسم: ولا شيء لها من الصداق، وإن دخل (¬8). يريد: لأن إصابته كلا شيء. ¬

_ (¬1) قوله: (ردَّ) زيادة من (ب). (¬2) في (ب): (فالميراث). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 417. (¬4) في (ب): (الوصي). (¬5) في (ب): (إن ماتت). (¬6) قوله: (لها) ساقط من (ب). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 417. (¬8) انظر: المدونة: 4/ 416.

باب فيمن قال: إن مت من مرضي فقد زوجت ابنتي من فلان، أو قال: زوجوها من فلان أو قال ذلك في صحته وفي المرأة توكل من يزوجها ثم تعزله

باب فيمن قال: إن مت من مرضي فقد زوجت ابنتي من فلان، أو قال: زوجوها من فلان أو قال ذلك في صحته وفي المرأة توكِّل من يزوجها ثم تعزله وإن قال: إن مت من مرضي فقد زوجت ابنتي من فلان - جاز، ويوقف فلان على القبول أو الرد، وإن كان صغيرًا وقف وليه. وقال سحنون: إنما يجوز ذلك إذا ابتدأ (¬1) النكاح بالقرب. وقال فيمن زوج بغير أمره وكان غائبًا على مثل القلزم، فقيل: جائز، وإن كان على مثل الإسكندرية لم يجز. وقيل: يجوز وإن بعد، وقد تقدم ذكر الخلاف في ذلك (¬2). وإن قال: إن مت فزوجوا ابنتي من فلان، جاز قَرُب ذلك أو بَعُد؛ لأن النكاح في المسألة الأولى من الميت بقوله فقد زوجت، وفي هذه النكاح من الوكيل على التزويج. وقال أصبغ في "كتاب محمد": إذا قال: إذا مت فزوجوا ابنتي من فلان بعد عشر سنين - فذلك جائز لازم لها، وكذلك إن قال بعد بلوغها: إذا فرض فلان صداق مثلها، وليس لها ولا للوصي أن يأبيا ذلك إذا طلبها من سماه الأب ويحكم له به (¬3) الحاكم (¬4). واختلف إذا قال في صحته: إن مت فقد زوجت ابنتي من فلان، ¬

_ (¬1) في (ب): (إذا قبل). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 27. (¬3) في (ق 5): (بها). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 401.

فأجازه أشهب (¬1). وقال ابن القاسم: لا يجوز إلا أن يوصي (¬2) به في المرض (¬3). قال محمد: وهو أصوب؛ لأنه (¬4) إذا كان في الصحة فكأنه إلى أجل، ولعل ذلك يطول كالذي يقول إذا مضت سنة فقد زوجت ابنتي من فلان (¬5). والأول أحسن؛ لأن محمل الوصية بذلك بعد (¬6) الموت على أحكام الوصايا، فالموصي بالخيار، وله أن يغير وصيته، وليس كالذي يقول إذا مضت سنة فقد زوجت؛ لأن محمله على البت وذلك فاسد. وقال ابن القاسم فيمن قال: إذا مضى هذا الشهر فأنا أتزوجك، ورضي وليها: فالنكاح باطل (¬7). يريد إذا التزمت (¬8) ذلك إذا مضى الأجل؛ لأنه نكاح فيه خيار للزوج؛ لأن قوله: أنا أتزوج إذا مضى الشهر- ليس بالتزام له. فإن قال: أنا أتزوجك، وقالت هي أو وليها: وأنا أتزوجك - كانت مواعدة، ومواعدة من ليست في عدة جائزة. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 27 (¬2) في (ب): (أن يرضى). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 126. (¬4) في (ب): (لا). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 27. (¬6) قوله: (بذلك بعد) يقابله في (ب): (إذ ذاك لبعد). (¬7) انظر: المدونة: 2/ 130. (¬8) في (ب): (التزم).

فصل [في توكيل المرأة للرجل يزوجها]

فصل [في توكيل المرأة للرجل يزوجها] وقال ابن القاسم في امرأة وكلت رجلًا يزوجها، فقال بعد ذلك: قد زوجتك. وقالت: لم تزوجني، فالقول قول الوكيل إذا صدَّقه الزوج (¬1). يريد: إذا قالت لم تزوجني ولم تعزله، وكذلك إن قال: زوجتك. فقالت عند ذلك: قد عزلتك. ويختلف إذا تقدم قولها: عزلتك. فقال عند ذلك: كنت زوجتك. هل يسقط قوله لتقدم عزله إلا أن يثبت قوله (¬2) ببينة، أو يكون القول قوله؟ وهو أحسن؛ لأنها جعلت ذلك إليه ومضى ليعقد (¬3) ولا تعلم هل فعل أم لا إلا من قوله. وإن وكلته على أن يزوجها ففعل لم يكن له قبض الصداق؛ لأن الوكالة على التزويج تتضمن العقد خاصة، فهو بالعقد مزوج والزوجة تقبض الصداق، وتسلِّم العوض. وكذلك من وُكِّل على بيع سلعة، ولم يسلمها للوكيل، فهي وكالة على العقد، وصاحبها يقبض الثمن، ويسلم السلعة. وإن وكلته على التزويج وقبض الصداق فقال: قبضته (¬4) وضاع - لم يصدق إلا أن يقيم بينة على القبض، فيقبل قوله في الضياع؛ لأنها وكالة على شيئين؛ على عقد وعلى قبض دين (¬5)، لما كانت الوكالة على التزويج لا تتضمن ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 126. (¬2) قوله: (قوله) ساقط من (ب). (¬3) في (ب): (ليفعل). (¬4) قوله: (قبضته) ساقط من (ب). (¬5) في (ق 5): صداق.

قبض الصداق. وقال ابن وهب وأشهب في "كتاب محمد": إن قال الأب في صداق البكر: ضاع مني؛ قُبِلَ قوله إن قبضه ببينة، وكذلك الوصي، ويدخل بها الزوج، وإن كان القبض بغير بينة فلا دخول له إلا بدفعه. قال ابن وهب: ولا ضمان على الأب. قال ابن القاسم: وإن قال (¬1): جهزتها به حلف وبرئ، إلا أن يتبين كذبه. وإن قال: دفعته إليها عينًا (¬2) ضمن؛ لأن البكر لا يدفع إليها العين (¬3). ¬

_ (¬1) قوله: (وإن قال) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (عينًا) زيادة من (ب). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 432.

باب في نكاح المتعة، والنهارية، ومن أحل أمته، والنكاح على خيار، وفي هزل النكاح

باب في نكاح المتعة، والنّهارية، ومن أحل أمته، والنكاح على خيار، وفي هزل النكاح نكاح المتعة محرم لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الاسْتِمْتَاعِ مِنَ النِّسَاءِ (¬1)، وَإِنَّ اللهَ حَرَّمَ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْهُنَّ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهَا، وَلَا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا". أخرجه مسلم (¬2). وقال سلمة بن الأكوع: "رخص لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام أوطاس في المتعة ثلاثًا ثم نهى عنها" (¬3). وقد تضمن هذان الحديثان تقدم الإباحة ثم النسخ. وقال عمر - رضي الله عنه -: لو كنت تقدمت في ذلك لرجمت (¬4). وثبت عن ابن عباس رجوعه عنها (¬5). ¬

_ (¬1) في (ب): (بالنساء). (¬2) أخرجه مسلم: 2/ 1023، في باب نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ ثم أبيح ثم نسخ واستقر تحريمه إلى يوم القيامة، من كتاب النكاح برقم (1406). (¬3) أخرجه مسلم: 2/ 1022، في باب نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ ثم أبيح ثم نسخ واستقر تحريمه إلى يوم القيامة، من كتاب النكاح برقم (1405). (¬4) أخرجه مالك في الموطأ: 2/ 535، من باب جامع ما لا يجوز من النكاح، في كتاب النكاح برقم (1114)، ولفظه: (أن عمر بن الخطاب أتي بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة فقال: هذا نكاح السر، ولا أجيزه، ولو كنت تقدمت فيه لرجمت)، وأخرجه الشافعي بنحوه: 1/ 291، في كتاب عشرة النساء، برقم (1394)، والبيهقي في سننه،: 7/ 126، في باب لا نكاح إلا بشاهدين عدلين، من كتاب النكاح، برقم (13504). (¬5) قال الترمذي في سننه: 3/ 429: (روي عن ابن عباس شيء من الرخصة في المتعة ثم رجع عن قوله حيث أخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) وأخرج البخاري في صحيحه: (أن عليا - رضي الله عنه - قال لابن عباس: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر)، أخرجه: 5/ 1966، في باب =

وقال عروة: هو الزنا الصراح (¬1). وقيل: ليس بزنا وما أحل النبي - صلى الله عليه وسلم - الزنا (¬2) بحال. ونكاح المتعة: ما وُقِّت بأجلٍ؛ يومٍ أو شهرٍ أو سَنَةٍ، بشرط من المرأة أو الرجل يفسخ قبل الدخول وبعده بغير طلاق. ويختلف في الصداق هل لها المسمى أو صداق المثل. والمسمى أحسن؛ لأن الفساد في العقد لا في الصداق. ولو قيل: صداق المثل إلى المدة التي ضرباها؛ لكان وجهًا، فيقوم على الوجه الفاسد كما (¬3) لو كان يجوز كما تُقَوَّم الثمرة والزرع على مستهلكه، ولا تعطى صداق المثل كالمؤبد، وإنما يقوم المبيع على قدر ما بيع منه، فليس بائع بعض منافعه (¬4) كمن باع جملة منافعه. وإن تزوج المسافر امرأة ليستمتع بها ويفارقها إذا سافر كان نكاحه على ثلاثة أوجه: فإن شرطا (¬5) ذلك كان فاسدًا، وهو نكاح متعة. واختلف إذا فهمت ذلك ولم يشترطا (¬6). قال محمد: النكاح باطل وهو متعة. وروى ابن وهب عن مالك جوازه، فقال: إنما يكره الذي ينكحها على ألا يقيم، وعلى ذلك يأتيها. وروى عنه أشهب أنه قال: إن أخبرها قبل أن ¬

_ = نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نكاح المتعة آخرا، من كتاب النكاح برقم (4825). (¬1) لم أقف على لفظه، وأخرج الطبراني في الكبير: 7/ 13، برقم (6232): (أن ابن عباس وعروة بن الزبير اختلفا في المتعة فقال عروة: هي زنى). (¬2) قوله: (الزنا) ساقط من (ب). (¬3) قوله: (كما) زيادة من (ب). (¬4) قوله: (بعض منافعه) يقابله في (ت): (منافع يوم). (¬5) في (ب): (شرط). (¬6) في (ت): (يشترطاه).

ينكح، ثم أراد إمساكها فلا يقيم عليها، وليفارقها فالأول شرط، والثاني فهمت عنه، والثالث أخبرها، فهو شبيه بالشرط. وقال مالك: إن تزوج من تزوج (¬1) لعزبة، أو هوى ليقضي إربه ويفارق فلا بأس، ولا أحسب إلا أن من النساء من لو علمت بذلك ما رضيت (¬2). فأجرى الأول مجرى المتعة وإن كانا دخلا على أن فيه طلاقًا بيد الزوج؛ لأن (¬3) من حق المرأة إذا أتى سفره أو ذهب قدره وأراد (¬4) الإقامة - أنها تقوم بالفراق؛ لأنها تقول: لم أبع إلا منافع مدة معلومة؛ فلا حق عليّ في غيرها. وليس كذلك إذا فهمت ذلك من غير شرط؛ لأن المرأة ترجو أن تحسن عنده وتوافقه، فلا يفارقها، وكذلك الزوج يقول: إن اطلعت على ما يغتبط به أمسكت. وكذلك إن تزوجها لهوى فإن شرط وأعلمها أنه يقصد وقتًا، ثم يفارق فسد، وإن فهمت، أو كتمها جاز. قال مالك: وبالعراق النهارية تتزوج على أن لا تأتيه، أو لا يأتيها إلا نهارًا، أو لا تأتيه إلا ليلًا، فلا خير فيه. وقال ابن القاسم: ويفسخ ما لم يدخل، فإن دخل ثبت ولها صداق المثل، ويسقط الشرط، وعليه أن يأتيها ليلًا ونهارًا (¬5). وفارق عنده نكاح المتعة وإن دخل على أنه يصيب في أحد الزمنين؛ لأنه دخل على أن ذلك بيده حتى يموت، أو تموت، أو يطلق. ¬

_ (¬1) قوله: (من تزوج) زيادة من (ب). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 558، والبيان والتحصيل: 4/ 309. (¬3) في (ب): (لا). (¬4) في (ب): (وإن أراد). (¬5) انظر النوادر والزيادات: 4/ 558.

فصل [في عدم إحلال رجل جاريته لرجل]

فصل [في عدم إحلال رجل جاريته لرجل] ولا يحل لرجل أن يحل جاريته لرجل. واختلف إذا فات ووطئ، فقال مالك: يدرأ فيه الحد، وتقوم عليه الجارية يوم (¬1) وطئ، حملت أو لم تحمل (¬2). وقال ابن كنانة في "كتاب المدنيين": ترد إن لم تحمل. وقال عيسى بن دينار: وهو أحب إليّ. يريد: لأنه إنما وهب (¬3) منافع، وأبقى الرقبة على ملكه، ولم يخرجها عن ملكه، لا على وجه الهبة، ولا على وجه البيع. فصل [نكاح خيار المجلس] النكاح على خيار المجلس وَبَعْدَ الافتراق فيما قرب - جائزٌ، وهو في هذا أوسع من الصرف. وقال ابن القاسم في "كتاب محمد": إن شرط مشورة فلان الشيء القليل وهو حاضر البلد يأتيانه (¬4) من فورهما - جاز (¬5). ويختلف إذا كان الخيار لهما، أو لأحدهما اليوم واليومين والثلاثة، فمنعه في المدونة وقال: لأنهما لو ماتا قبل أن يختار (¬6) لم يتوارثا (¬7). ¬

_ (¬1) قوله: (يوم) ساقط من (ب). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 483. (¬3) في (ب): (يريد: إنما وهبت). (¬4) في (ب): (يأتيانهما). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 123. (¬6) في (ب): (يختارا). (¬7) انظر: المدونة: 2/ 129.

وعلى القول بإجازة الخيار في الصرف يجوز في (¬1) هذا، والنكاح في هذا أوسع من الصرف؛ لأن المنع عنده خوف الموت، ومراعاة الموت في خيار الثلاثة الأيام من النادر، والنادر لا حكم له، وأيضًا فإن النكاح غير منعقد حتى يمضي؛ فلم يضر عدم الميراث. ويجوز على تعليله بالخيار إذا كان الزوج عبدًا أو كانت هي أَمَة؛ لأنه لا ميراث بينهما لو كان منعقدًا وإن كان الخيار في الصداق، فقالت: أتزوجك على أحد هذين العبدين إن شئت أو أردهما (¬2)؛ لم يجز وعاد الأمر إلى ما تقدم من نكاح الخيار. وإن كان قد وجب أحدهما ويرد الآخر جاز إذا كان الخيار للمرأة. واختلف إذا كان الخيار للزوج؛ فمنعه ابن القاسم، وأجازه سحنون في النكاح والبيع. وأرى أن يجوز في النكاح؛ لأنه مما أَصْلُهُ المُكَارَمَةُ، ويجوز فيه من الغرر في الصداق ما لا يجوز في البيع، وإن أوجب الصداق، وشرطا (¬3) إن لم يأت به لوقت كذا فلا نكاح بينهما - كان فاسدًا؛ يفسخ قبل الدخول، ويثبت بعده وهذا، إذا عقد على أنها ليست بزوجة إلا بإحضار الصداق، وهو نكاح خيار انعقد عليها دونه، فإن أحب أتاها بالصداق وطالبها بالتمام، وإن كره لم يُحضِره. ويختلف إذا عقد على أنهما زوجان من الآن فإن لم يأت بالصداق، ذهبت بنفسها: هل يسقط العقد، أو يثبت ويسقط الشرط؟ والخيار يفسد (¬4) النكاح إذا دخلا عليه. واختلف إذا دخلا على البت، وكانت الأحكام توجب الخيار، كنكاح ¬

_ (¬1) قوله: (في) زيادة من (ب). (¬2) في (ب): (إن شئت أحدهما). (¬3) في (ت): (وشرط). (¬4) في (ب): (ويفسد).

فصل [في هزل النكاح والطلاق]

العبد بغير إذن سيده، وقد تقدم. ومن نكح على خيار فُسِخَ قَبْلُ. واختلف قوله إذا دخل هل يثبت أو يفسخ؟ وأرى أن يمضي. ويُختلف في الصداق هل يكون المسمى أو المثل؟ والمسمى أحسن؛ لأن الفساد في العقد ليس في الصداق (¬1). فصل [في هزل النكاح والطلاق] وقال ابن القاسم: هزل النكاح والطلاق لازم، فلو خطب رجل امرأة، ووليها حاضر وكانت فوضت ذلك إليه فقال: قد فعلت، أو كانت بكرًا، وخطبت إلى أبيها فقال: قد أنكحت، فقال: لا أرضى لزمه النكاح، بخلاف البيع؛ لأن سعيد بن المسيب قال: ثلاثة هزلهن جد: النكاح، والطلاق، والعتق (¬2). وقد روى علي بن زياد عن مالك في "السليمانية" أنه قال: نكاح الهزل لا يجوز. وقال سليمان: إذا علم الهزل لم يلزم عتق، ولا نكاح، ولا طلاق، ولا شيء عليه من الصداق (¬3) وإن لم يعلم فهو جائز. وهو أبين لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ. . ." (¬4). فإن قام دليل الهزل - لم يلزم العتق، ولا نكاح، ولا طلاق، ولا شيء عليه من الصداق. وإن لم يقم دليل لذلك لزمه نصف الصداق ولم يمكَّن (¬5) منها لإقراره على نفسه ألا نكاح بينهما. ¬

_ (¬1) قوله: (ليس في الصداق) ساقط من (ت). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 132، وأصله حديث مرفوع. (¬3) قوله: (لم يلزم عتق، ولا نكاح،. . . الصداق) ساقط من (ب). (¬4) سبق تخريجه في كتاب الصيام، ص: 732. (¬5) في (ت): (يكن).

باب ما يستحب من إعلان النكاح وحكم من أسره

باب ما يستحب من إعلان النكاح وحكم من أسرَّه إعلان النكاح مندوب إليه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ، وَاجْعَلُوهُ فِي المَسَاجِدِ، وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ" (¬1). وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فَصْلُ مَا بَيْنَ الحَلَالِ وَالحَرَامِ الدُّفُّ وَالصَّوْتُ" (¬2). اجتمع على (¬3) هذين الحديثين الترمذي والنسائي (¬4). وإعلان النكاح يكون بالذكر واللعب والوليمة. وقال مالك في "كتاب محمد": لا بأس بالدُّفِّ والكَبَرِ (¬5). وقال أصبغ: لا يعجبني المزهر (¬6) وهو المربع، وإن كان وحده، فهو أحب إليّ، وإن كان معه الكَبَرُ، فلا يكون معهما غيرهما. وقال ابن حبيب: أرخِّص في العرس: إظهار الدف والكبر والمزهر، وكره أصبغ الغناء إلا بما قالته الأنصار، وكره جميع ذلك في غير العرس (¬7). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي، باب ما جاء في إعلان النكاح، كتاب النكاح: 3/ 398، برقم (1089) قال الترمذي: هذا حديث غريب حسن في هذا الباب وعيسى بن ميمون الأنصاري يضعف في الحديث. (¬2) الترمذي: 3/ 398، في باب ما جاء في إعلان النكاح، من كتاب النكاح، برقم (1088)، قال الترمذي: حديث حسن، وأخرجه النسائي: 6/ 127، في باب إعلان النكاح بالصوت وضرب الدف، من كتاب النكاح برقم (3369). (¬3) قوله: (اجتمع على) يقابله في (ب): (أخرج). (¬4) لم أقف على الحديث الأول في سنن النسائي. (¬5) الكَبَرُ: طبل له وجه واحد، انظر: لسان العرب: 5/ 125. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 567. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 567.

فصل [في استحباب الوليمة قبل البناء]

فصل [في استحباب الوليمة قبل البناء] وتستحب الوليمة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعبد الرحمن بن عوف: "أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ" (¬1). والوليمة قبل البناء، وبعده واسع، وقد أَوْلَم النبي - صلى الله عليه وسلم - على زينب وصفية بعد البناء (¬2). محمد: قال مالك: وكان ربيعة يقول: إنما تستحب الوليمة لإثبات النكاح، وإظهاره؛ لأن الشهود يهلكون (¬3). وإتيان الدعوة على ثلاثة أوجه: واجب، ومستحب، ومباح. فإن كان المدعو قريبًا أو جارًا أو صديقًا ومن يعلم أنه يحدث لتأخره عداوة وتقاطع - كان واجبًا. وإن كان على غير ذلك، ولم يأت من الناس ما يقع به إشهار النكاح كان مندوبًا، وإن كان قد أتى ما وقع به إظهار النكاح كان ما بعد ذلك مباحًا. ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في الموطأ: 2/ 545، في باب ما جاء في الوليمة، من كتاب النكاح برقم (1135)، والحديث متفق عليه، البخاري: 2/ 722، في باب ما جاء في قول الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، من كتاب البيوع برقم (1943)، ومسلم: 2/ 1042، في باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد وغير ذلك من، من كتاب النكاح برقم (1427). (¬2) ما جاء في وليمة أم المؤمنين زينب هو ما جاء من حديث أنس، وفيه: (كنت أعلم الناس بشأن الحجاب حين أنزل، وكان أول ما أنزل في مبتنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بزينب بنت جحش أصبح النبي - صلى الله عليه وسلم - بها عروسا فدعا القوم فأصابوا من طعام. . . الحديث) أخرجه البخاري: 5/ 1982، في باب الوليمة الحق، من كتاب النكاح، برقم (4871) وما جاء في وليمة أم المؤمنين صفية - رضي الله عنهما - بعد الدخول، أخرجه أبو يعلى: 6/ 413، من حديث حميد الطويل، برقم (3777). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 310.

وإن لم يعينه من له الوليمة كان أبين. قال مالك في "كتاب محمد": لا بأس أن يقول الرجل للرجل: ادع لي من لقيت ولا بأس على من دُعي على مثل ذلك أن لا يأتيها؛ لأنه لا يعرفه، ولم يتعمده بنفسه (¬1). يريد: لأن يأخذ من لا يعرف لا يقع منه شنآن ولا تقاطع. قال مالك (¬2): ويكره لأهل الفضل أن يجيبوا إلى الطعام يُدْعَوْن إليه. قال محمد: يريد في غير العرس (¬3). وأرى إن كان الداعي من أهل الفضل أيضًا، كالفقيهين تكون لأحدهما وليمة، والعابدين، والفقيه والعابد؛ فيستحسن ألا (¬4) يأتيه، إلا أن يخاف في تخلفه التقاطع والشنآن، فلا يسعه التخلف. وقال مالك في الحديث: "وَمَنْ لَمْ يَأْتِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ" (¬5)، وذلك في العرس خاصة؛ لإفشاء النكاح، فيجيب وإن لم يأكل، ويجيب وإن كان صائمًا. وأرى إن كان المدعو قريبًا أو جارًا أو صديقًا؛ فإن العرس وغيره سواء. وإن كان على غير ذلك افترق العرس عن غيره؛ لما ندب إليه من إعلان العرس ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الوَليمَةِ" ثم قال: "فَمَنْ لَمْ يَأْتِ الدَّعْوَةَ ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 571. (¬2) قوله: (قال مالك) ساقط من (ب). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 572. (¬4) في (ب): (أن). (¬5) أخرجه مالك في الموطأ: 2/ 546، في باب ما جاء في الوليمة، من كتاب النكاح برقم (1138). والحديث متفق عليه، أخرجه البخاري: 5/ 1985، في باب من ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله، من كتاب النكاح برقم (4882)، ومسلم: 2/ 1054، في باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة, من كتاب النكاح، برقم (1432).

فصل [في نكاح السر]

فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ" (¬1). والوليمة عند العرب: طعام العرس، وطعام الختان: إعذار. وطعام القادم من سفره: النقيعة. وطعام النفساء: الخُرسُ، وكل طعام صنع لدعوة فهو (¬2) مَأْدُبَة. وأما قوله: إذا أتى وهو مفطر لا يطعم، فالذي في الحديث أن يطعم. قال - صلى الله عليه وسلم -: "فَلْيَأْتِ، فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا، فَلْيَطْعَمْ، وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ" (¬3). ولو جعل ذلك على صفة المدعو كان حسنًا. فأما الرجل الجليل فلا بأس ألا يطعم؛ لأن المراد منه (¬4) أن يتشرف بمجيئه. وإن لم يكن بتلك المنزلة، وكان ممن يرغب في أكله، ويحدث الوحشة في النفوس إن لم يفعل- فاتباع الحديث أولى. فصل [في نكاح السر] روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن نكاح السر (¬5)، واختلف في صفته. فقيل: هو ما أمر الشهود بكتمانه، وإن كثروا، فإن قيل لهم: اكتموه يومين، أو ثلاثة أو اكتموه في منزل الذي نكح، وأظهروه في غيره، أو أظهروه في منزله (¬6) واكتموه في غيره، أو اكتموه من امرأة له أخرى - فهو نكاح سر. وقيل: هو ما عقد بغير ¬

_ (¬1) انظر: الحديث السابق. (¬2) قوله: (فهو) ساقط من (ب). (¬3) أخرجه مسلم: 2/ 1054، من كتاب النكاح، في باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة، برقم (1431). (¬4) قوله: (منه) زيادة من (ب). (¬5) أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط: 7/ 68، برقم (6874)، ولفظه: (عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن نكاح السر). (¬6) في (ب): (غير منزله).

بينة، أو شهادة (¬1) امرأة أو رجل وامرأة. قال يحيى بن يحيى في "كتاب ابن مزين": لا يكون السر إلا في مثل هذا، وهو الذي وقع في عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - (¬2) قال: فأما إذا شهد فيه رجلان عدلان فهو حلال وإن استكتم الشهود؛ لأنه إذا علمه عدلان فصاعدًا - لم يسر، وإن أمر الشهود بالكتمان بعد العقد فهو صحيح، ويؤمروا ألا يكتموه. واختلف بعد القول بمنع ما عقد بشاهدين على الإسرار إذا نزل (¬3). فقال ابن الجلاب: يعلن في ثاني حال ولا يفسخ (¬4). وقال ابن حبيب: يفسخ بطلقة، إلا أن يتطاول فلا يفسخ، قال: وهو قول مالك وأصحابه. وقال مالك في "المبسوط": يفرق بينهما بطلقة، ولها صداقها إن كان أصابها، ففسخه بعد الدخول. وأرى أن يمضي بالعقد، ومحمل الحديث على الندب، كالأمر بالوليمة والضرب (¬5) بالدف، فإنما لم (¬6) يفسد إذا أخل بهذين، فكذلك لا يفسد إذا أخل بهذا، والاتفاق على أنه إذا عقد بشاهدين ولم يأمر (¬7) بالكتمان؛ أنه جائز مع كونه خارجًا عن الإعلان المندوب إليه، ومفهوم الحديث: "أَعْلِنُوهُ وَاجْعَلُوهُ فِي المَسَاجِدِ" (¬8) ألا يقتصر على شاهدين، وهو بعد ذلك صحيح بغير خلاف. ¬

_ (¬1) قوله: (شهادة) ساقط من (ب). (¬2) سبق تخريجه، ص: 1857. (¬3) قوله: (إذا نزل) ساقط من (ب). (¬4) انظر: التفريع: 1/ 370. (¬5) قوله: (الضرب) ساقط من (ب). (¬6) في (ب): (فلم لا). (¬7) في (ت): (يؤمروا). (¬8) سبق تخريجه، ص: 1863.

باب الشروط في النكاح وما يكره منها

باب الشروط في النكاح وما يكره منها الشروط في النكاح على أربعة أوجه: جائز، ومكروه، وفاسد، ومختلف فيه. فالأول: أن تشترط ألا يضر بها في نفسها ولا في نفقة، ولا كسوة، ولا عشرة، فكل ذلك جائز وداخل في قوله -عز وجل-: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19]، وقوله: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 229]. والثاني: أن تشترط (¬1) أن يسقط ما تقتضيه له حقوق الزوجية: أن لا يخرجها من بلدها (¬2)، ولا يتزوج عليها، ولا يَتَسَرَّى، ولا يذكر في ذلك عتقًا ولا طلاقًا - فهذا مكروه؛ لأن فيه ضربًا من التحجير عليه، فإن نزل ذلك - جاز النكاح. اختلف في الوفاء بالشرط؛ فقال مالك: الشرط باطل؛ وله أن يخرجها، ويتزوج ويتسرى عليها. ويستحب أن يفي بذلك من غير شرط. وقال ابن شهاب في كتاب محمد (¬3) ذلك واجب، وإن لم يكن فيه عهد (¬4)، قال: وكان من أدركته من العلماء يقضون بذلك، ويوجبون كل شرط كان عند النكاح لم يحرم، ويقضون به. وهو أحسن؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَحَقَّ الشَّرُوطِ أَنْ يُوَفَّى بِهَا مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الفُرُوجَ" أخرجه البخاري ومسلم (¬5). ¬

_ (¬1) قوله: (أن تشترط) ساقط من (ت). (¬2) في (ب): (أن لا يخرج من دارها) (¬3) قوله: (محمد) ساقط من (ب). (¬4) في (ت): (عقد). (¬5) متفق عليه، البخاري: 2/ 1035، في باب الشروط في المهر عند عقدة النكاح، من كتاب الشروط: 2/ 970، برقم (2572)، ومسلم، في باب الوفاء بالشروط في النكاح من كتاب

والثالث: أن تشترط طلاقًا أو عتقًا، أو تمليكًا فتقول: إن تزوجت عليَّ أو تسررت عليَّ فأنا طالق، أو تلك طالق، أو السرية عتيقة، أو أمري بيدي، أو أمر التي تتزوج، أو تتسرى (¬1) عتقها بيدي؛ فهذا شرط لازم، فيقع الطلاق، والعتق، ويلزم التمليك، وهذا في كل شرط علق به الطلاق أو التمليك، وكان ذلك الشرط بيد الزوج: إن شاء فعل وإن شاء ترك. واختلف في جواز ذلك الشرط ابتداءً فقال مالك في هذا الأصل: لا يحل الشرط ابتداء، فإن وقع جاز النكاح ولزم الشرط، وقال ابن القاسم في "كتاب محمد" فيمن تزوج امرأة على أنه إن ضَرَبَهَا، أو شرب خمرًا، أو غاب عنها- فأمرها بيدها؛ فذلك يكره أن يعقد عليه، فإن وقع الدخول رأيته جائزًا. وأجازه سحنون ابتداءً وزوَّج غلامه أمته على ألا يسرق زيتونة فإن فعل فأمر امرأته بيده. قال عبد الملك: وكذلك إن شرط إن أبق فأمر زوجته بيده، فذلك لازم. قال: وكل ما وقع به التمليك أبدًا من شيء فِعْلُهُ بيد الزوج إن شاء فعله (¬2) وإن شاء لم يفعله، فذلك ثابت. والرابع: أن يكون الشرط لا سبب للزوج فيه، مثل أن يقول السيد: إن بعتك أو بعتها فذلك فاسد. واختلف إذا نزل فقال عبد الملك: يمضي النكاح؛ دخل أو لم يدخل، والشرط والتمليك ساقط. وقال محمد: كل ما كان فعله بغير يد الزوج فهو كالمتعة؛ يفسخ قبل وبعد. وروى علي بن زياد عن مالك في مثل هذا: أن النكاح ¬

_ = النكاح، برقم (1418). (¬1) قوله: (تتسرى) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (إن شاء فعله) زيادة من (ب).

ماضٍ والشرط لازم، فإن أسقطه مشترطه، وإلا فرق بينهما قبل وبعد. والخامس: أن يكون سببه من الزوج، وتشترط الزوجة أنها مصدقة إن فعل ذلك، فقال مالك في "كتاب محمد": فيمن زوَّج أجيره جاريته على أنه إن رأى منه أمرًا يكرهه، فأمرها بيدها. قال: فلا يحل أن ينكح عليه، فإن وقع النكاح رأيته جائزًا. قال محمد: ولا أفسخه، وهو مثل التي تشترط إن هو ضربها أو شرب خمرًا، أو غاب عنها، فأمرها بيدها؛ فذلك يكره أن يعقد، فإن فى دخل رأيته جائزًا، قال: وإن شرطت إن جاءت وبها آثار ضرب، فادعت أنه منه (¬1)، فهي مصدقة، وأمرها بيد سيدها، فإن جاءت وبها آثار ذلك، فزعمت أنه فعله بها. قال مالك: الطلاق لازم، ولا قول له إن زعم أنها كاذبة (¬2). قال الشيخ - رضي الله عنه -: السؤالان مفترقان؛ لأنها إن شرطت إن ضربها كان الأمر بيدها، ولا تصدق عليه، وإن شرطت أنها مصدقة كان قد دخل على غرر في بقاء العصمة، فقد تكرهه فتدَّعِي عليه ما لم يفعله، إلا أنه إن فات بالدخول صدقت؛ لأنه جعل ذلك إليها فلا يسقط قولها بالشك، ولا ترد في العصمة بالشك إن اختارت الطلاق. والسادس: أن يتزوجها على ألا يأتيها إلا نهارًا، أو على أن يؤثرها على غيرها، أو على ألا يعطيها الولد، أو لا نفقة لها أو لا ميراث بينهما، أو على أن أمرها بيدها. فهذه شروط لا يصح الوفاء بها. واختلف في النكاح، فقيل: يفسخ قبل وبعد. وقيل: يفسخ قبل ويثبت بعد، ويمضي على سنة النكاح، ويسقط الشرط. وقال علي بن زياد عن ¬

_ (¬1) قوله: (منه) يقابله في (ب): (فعله بها). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 180، 181.

فصل [فيمن اشترط العتق أو الطلاق في زواج ابنه]

مالك (¬1): إن تزوجت على ألا ميراث لها (¬2)، أو لا (¬3) يعطيها الولد، أو على أن أمرها بيدها، فعلم بذلك قبل الدخول أو بعده - قيل للمرأة: أمرك بيدك الآن. فإن اختارت فراقه كان ذلك لها، وإن لم تختر فلا شيء لها، ويقيمان على نكاحهما. وإن مسها بعد أن جعل الأمر إليها فلا خيار لها، وهذا هو أحد الأقوال في الشروط الفاسدة أن مشترطها بالخيار بين أن يسقطها فيمضي البيع (¬4)، أو يتمسك به فيفسخ. فصل [فيمن اشترط العتق أو الطلاق في زواج ابنه] وقال ابن وهب في "العتبية" في رجل زوَّج ابنه صغيرًا بشروط فيها عتق، أو طلاق: ذلك لازم للابن وإن كبر؛ دخل أو لم يدخل (¬5). وفي كتاب "محمد": لا تلزمه تلك الشروط إلا أن يلزمها نفسه بعد البلوغ. وإن علم قبل أن يدخل ثم دخل على ذلك (¬6) لزمته. وإن بنى قبل أن يعلم لم تلزمه. قال ابن القاسم: وإن لم يرضَ قبل البناء فطلق كان عليه نصف الصداق. وقال أصبغ: لا شيء عليه، ولا على ابنه إذا لم يدخل. ولو كان يوم زوَّجه لا مال له. ¬

_ (¬1) قوله: (عن مالك) ساقط من (ت). (¬2) في (ب): (بينهما). (¬3) في (ب): (ولا). (¬4) في (ب): (النكاح). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 124. (¬6) قوله: (على ذلك) زيادة من (ب).

ويختلف بعد القول "أن له أن يرد، ولا شيء عليه، فطلق قبل أن يعلم" فقيل: لا شيء عليه؛ لأنه كان بالخيار بين أن يرد ولا شيء عليه، وقال محمد: يلزمه نصف الصداق ولا شيء عليه (¬1). والأول أحسن. وقد اختلف في هذا الأصل فيمن علم عيبًا يوجب الرد بعد الطلاق فلم يرد حتى طلق، وكذلك من اشترى سلعة ثم باعها من بائعها بأقل من الثمن، أن له أن يرجع عليه بتمام الثمن. قال: لأنه يقول: كان لي أن أردها عليك، وها هي في يدك، فكذلك هذا إذا كبر كان له أن يرد نفسها عليها. وقول محمد في أول السؤال: ألا تلزم الصبي تلك الشروط بعد البلوغ - أحسن؛ لأنه يشترط الآن ما يوجب الفراق بعد رشده، وبعد أن يصير ذلك بيد الزوج. ¬

_ (¬1) قوله: (نصف الصداق ولا شيء عليه) يقابله في (ب): (نصف المهر). وانظر: النوادر والزيادات: 4/ 419.

باب في نكاح الخصي، وكم يتزوج العبد، وذكر ما يتفق فيه أحكام الحر والعبد ويختلف، وفي دخول العبد والخصي على النساء

باب في نكاح الخَصي، وكم يتزوج العبد، وذكر ما يتفق فيه أحكام الحُرِّ والعبد ويختلف، وفي دخول العبد والخصي على النساء قال ابن القاسم: نكاح الخصي جائز (¬1). وقد تقدم في أول "الكتاب" ذكر ذلك، وما يكون منه مباحًا ومندوبًا إليه. وقال مالك: للعبد أن يتزوج أربع نسوة (¬2). وروى عنه ابن وهب في "كتاب محمد": ألا يتزوج إلا اثنتين على النصف من الحُرِّ (¬3). قياسًا على الحد. والعبد في أحكامه من الحُرِّ على أربعة أوجه: على النصف، وعلى المساواة، ومختلف فيه، هل هو على النصف أو المساواة؟ ومخالف للحر يجب على الحر، ولا يجب على العبد، فالأول حد الزنا: هو فيه على النصف؛ لقول الله تعالى: {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25]. والآية وإن كانت في الإماء، فلا خلاف أن العبد مساوٍ لهن في ذلك. وقاس مالك على الحدِّ الطلاقَ والعدةَ، فجعل طلاق العبد، وعدة الأمة على النصف، فأتم الطلاق اثنتين، والعدة طهرين، لما كانت الطلقة والطهر لا يتبعضان. واختلف في عدد من يتزوج العبد وقد تقدم، وفي الأجل إذا آلى أو اعترض عن زوجته أو فقد، وفي عدد (¬4) حده إذا قذف حرًّا: فحمله مالك في ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 132. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 132. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 518. (¬4) قوله: (عدد) ساقط من (ت).

جميع ذلك على النصف؛ أجلُه شهران، وإن اعترض ستة أشهر، وإن فقد سنتين، وإن قَذَفَ حرًّا حُدَّ أربعين، وقيل: هو في ذلك كالحر؛ أجل إيلائه أربعة أشهر وفي العنة سنة وفي الفقد أربع سنين ويحد في القذف ثمانين وهو أحسن، وليس هذا مما يرد فيه العبد إلى النصف فأما الإيلاء فإن الأربعة الأشهر مدة لا (¬1) يشق فيها الصبر على الزوجة ولا يختلف حالها في ذلك إذا كان الزوج حرًا أو عبدًا وكان من حقه ألا يطلق عليه قبل الوقت الذي يلحقها الضرر فيه وقيل السنة في العنة ليتعالج بالفصول الأربعة لإمكان أن يكون أحد الفصول أوفق له في العلاج والعبد والحر فيما يحتاج إليه من ذلك سواء وأربع سنين في الفقد (¬2) لأنها مدة يبلى فيها عذر الزوج فكان من حقه إذا كان عبدًا ألا يقصر به عن ذلك ويحد إذا قذف ثمانين؛ لأن ذلك من حق المقذوف الحر حماية وأدبًا له، وليس كذلك إذا كان المقذوف عبدًا والحد مَبنِيٌّ على حرمة المقذوف، وليس على حرمة القاذف، فإذا كان حكم الحر إذا قذف أن يُحَد ثمانين - لم ينقص العبد من ذلك إذا تجرأ على حر، وانتهك حرمته. وذكر قائل هذه الأقوال في مواضعها في "كتاب الإيلاء" وغيره. وهو في الصلوات الخمس والصوم كالحر، وفي الزكاة والحج بخلاف ذلك، ساقط عنه بخلاف الحر. واختلف في وجوب الجمعة عليه وقد مضى ذلك في "الصلاة الثاني". وهو في يمينه كالحر في انعقاد اليمن، وفي وجوب الصوم ثلاثة أيام لا ينقص منها شيء (¬3). وتسقط عنه الكسوة والإطعام؛ لأنه فقير، والعتق مثل ذلك، ¬

_ (¬1) قوله: (لا) ساقط من (ب). (¬2) في (ب): (العقد). (¬3) قوله: (شيء) ساقط من (ب).

فصل [في أحوال المكاتب والخصي]

ولأن الولاء ليس له، وإن أذن له السيد في العتق. ومن أذن لعبده في النكاح كان الصداق على العبد. واختلف إذا زوّجه السيد. فقال ابن القاسم: الصداق على العبد، وقال ربيعة: على السيد بمنزلة الأب يزوج ولده الصغير. فصل [في أحوال المكاتب والخصيِّ] وقال مالك: في المكاتب: لا بأس أن يرى شعر رأس (¬1) سيدته إن كان وغدًا، وكذلك العبد، وإن كان لها فيه شرك لم يرَ شعرها وإن كان وغدًا (¬2). وقال محمد بن عبد الحكم: لا يرى شعر سيدته وإن كان وغدًا، ولا يخلو معها في بيت. واختلف في عَبدِ زَوجِهَا وعبد الأجنبي هل يدخل عليها ويرى شعرها؟ واختلف أيضًا في العبد الخصي. قال مالك: لا بأس أن يرى الخصي الوغد شعر سيدته وغيرها، وإن كانت له منظرة فلا أحبه، وأما الحر فلا، وإن كان وغدًا (¬3). وقال مالك في "العتبية": لا بأس أن يدخل على المرأة خَصيُّها، وأرجو أن يكون خصي زوجها خفيفًا، وأكره (¬4) خصيان غيره (¬5). وقال أيضًا: لا بأس ¬

_ (¬1) قوله: (رأس) ساقط من (ب). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 622، 623، والبيان والتحصيل: 18/ 402. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 622، 623. (¬4) في (ب): (وكره). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 305.

بالخصي والعبد أن يدخل على النساء، ويرى شعورهن إن لم تكن له منظرة، فأما الحر فلا. (¬1) فجعل الخصي في القول الأول كغيره ممن لم يخص فمنعه إلا أن يكون مِلكًا لها ولا منظرة له، وأباحه في القول الأول (¬2) إذا كان لزوجها وإن لم يكن وغدًا، ثم أجازه وإن كان لأجنبي. وأجاز دخول الخصي عليهن وإن كان حرًّا. والأصل في دخول عبد المرأة عليها قول الله -عز وجل-: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور: 31] ثم قال: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: 31]، وفي دخول عبد الزوج قوله سبحانه: {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. . .} [النور: 58]: فتضمنت كون ملك اليمين ذكرانًا لقوله سبحانه: {الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النور: 58]، ولو كنَّ أَماءً لقال: اللاتي ملكت أيمانكم (¬3)، وكونه ملكًا للأزواج لقوله: {أَيْمَانُكُمْ}، وهذا خطاب للمذكر، وهم الأزواج، ويصح دخول ملك الزوجة، وقد قيل في قوله -عز وجل-: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} أن ذلك في الإماء ليس في الذكران، ذكره ابن سلام في "كتاب التفسير". والأول أحسن للآية الأخرى في قوله: {الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}. وقد كان يدخل على عائشة - رضي الله عنها - المكاتب حتى يقضي كتابته، ولو كان دخول العبد ممنوعًا؛ ما أجازت ذلك، وهي أعلم بذلك. وأما تفرقة مالك بين الوغد وغيره فحماية، وأما قول ابن عبد الحكم فيحتمل أن يكون حمل الآية على الإماء، أو لأن الحال عنده فسد؛ فنقل الحكم. والصواب اليوم المنع فيمن لا زوج لها، وإن كان لها زوج فلا بأس في حين ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 622، 623. (¬2) في (ب): (الآخر). (¬3) قوله: (اللاتي ملكت أيمانكم) يقابله في (ب): (اللائي).

حضوره، ويمنع عبد الأجنبي جملة؛ لأنه لا فرق فيما يخشى منه بين الحر والعبد وإنما أبيح عبدها وعبد زوجها؛ لأن الضرورة تدعو إلى تصرفه عليهم ودخوله إليهم. وأما الخصي فإن كان يريد الذاهب الخصيين فهو بمنزلة السالم، وأما الممسوح فهو داخل في عموم (¬1) قوله -عز وجل-: {غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ} [النور: 31]. فقد قيل: هو الخصي، والخنثى، والشيخ الهَرِم. وفي الصحيحين: أن مخنثًا كان يدخل على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لعبد الله بن أبي أمية: يَا عَبْدَ اللهِ إِنْ فَتَحَ اللهُ الطَّائِفَ عَلَيْكُمْ غَدًا، فَأَنَا أَدُلُّكَ عَلَى ابْنَةِ غَيْلَانَ، فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - حين سمع ذلك: "لا يَدْخُلْ هَؤُلَاءِ عَلَيْكُنَّ" (¬2). فلم ينكر دخوله قبل أن يسمع ذلك منه، وإن كان حرًّا. ومحمل النهي بعد ما سمع منه على الكراهية؛ لأنه لم يسمع منه ما يدل على أنه أراد ذلك لنفسه، وإنما كُره دخوله بالكلام في مثل ذلك. وكرهه مالك إذا كان حرًّا لما لم يكن ضرورة تدعو إلى ذلك وليس بالبيَّن؛ لأنه أباح الخصي وإن لم يكن لها، وليس مما تدعوها إليه ضرورة، ودخول الخصي الحر أخف من دخول العبد الفحل. ¬

_ (¬1) قوله: (عموم) ساقط من (ت). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 5/ 2006، في باب ما ينهى من دخول المتشبهين بالنساء على المرأة، من كتاب النكاح برقم (4937)، ومسلم: 4/ 1715، كتاب السلام، باب منع المخنث من الدخول على النساء الأجانب، برقم (2180) ومالك في الموطأ: 2/ 767، في باب ما جاء في المؤنث من الرجال ومن أحق بالولد، من كتاب الوصية، برقم (1457).

باب في نكاح الأمة وما يمنع منه

باب في نكاح الأَمَة وما يمنع منه نكاح الأمة المسلمة جائز ومختلف فيه، والجائز على ثلاثة أوجه: أحدها: نكاح الحُرِّ كل أمة يكون ولدها من ذلك النكاح حُرًّا، مثل نكاح أمة الأب أو الأم أو الأجداد والجدات كانوا من قبل الأب أو الأم. وأجاز عبد الله بن عبد الحكم أن يتزوج الأب أمة الابن. فعلى قوله يجوز نكاحها على الإطلاق ومن غير شرط؛ لأن الولد معتق على أبيه (¬1)، ويجوز نكاح الجد أمة ابن الابن من غير شرط، وكل هذا إذا كان المالك لها حرًّا. وإن كان أحد ممن ذكر عبدًا، أو المتزوج حرًّا - لم يجز؛ لأن ولده عبد للسيد الأعلى. والثاني: نكاح من لا يخشى منه حمل، كالحصور والخصي والمجبوب والشيخ الفاني. والثالث: نكاح العبد؛ فهو جائز على الإطلاق، وإن لم يخشَ عنتًا. واختلف عن مالك، وابن القاسم في نكاح الحُرِّ الأمة؛ يكون ولده منها رقيقًا، فمنع ذلك مرة، إلا بوجود شرطين: عدم الطول لحرة، وخشيان العنت (¬2) إن لم يتزوج (¬3) لقول الله -عز وجل-: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ. .} الآية (¬4). وأجازه مرة من غير شرط لقوله سبحانه: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى ¬

_ (¬1) في (ب): (أخيه). (¬2) في (ت): (العنة). (¬3) قوله: (إن لم يتزوج) ساقط من (ب). (¬4) انظر: الإشراف: 2/ 705، وعيون المجالس: 3/ 1095.

مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} (¬1). وأكثر قول مالك المنع (¬2). وابن القاسم الإجازة (¬3). والأول أحسن؛ لأن إباحة (¬4) نكاح الأَمَة ورد على شرطين فلا يجوز مع عدمهما، وأيضًا فإن المفهوم من القرآن أن (¬5) المَنَاكِحَ ليست على الإباحة في الجملة؛ لأن الله سبحانه جعل للمشركة حكمًا، وللنصرانية الحرة حكمًا، وللأمة حكمًا وشرط في الأمة ما تقدم؛ فعلم أنها إنما تتأول (¬6) على الوجه الذي أباحه، والنظر يوجب -لو لم يرد النص- (¬7) ألا يتزوج الأَمَة إلا عند الضرورة؛ لأن نكاحها يتضمن وجهين: إرقاق الولد، وعدم حفظ النسب؛ لأن الرجل يتزوج الأمة، وتبقى عند سيدها، وقد يكون غير مأمون. وقد عَهِدَتْ ذلك منه، فلا يدري الزوج ما يلحق به النسب مما (¬8) علم من قلة صيانتهن. وأما آية النور فإن محملها على الندب للسيد أن يزوج عبده الصالح وأمته الصالحة؛ لأن كل واحد منهما لا يقدر على شيء وقد جبلا (¬9) من ذلك على ما ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 393. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 519، قال: "ومن كتاب ابن المواز قال محمد: وأكثر قول مالك أن الحر لا يتزوج الأمة حتى يخشى العنت ولا يجد طولًا". (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 521، قال: "ومن العتبية روى ابن القاسم عن مالك أنه أجاز للحر نكاح الأمة وهو يجد طولًا إلى حرة فليتزوج أمة؛ فإن لم تكفه ولم يجد فليتزوج أخرى، هكذا إلى أربع". (¬4) قوله: (إباحة) ساقط من (ب). (¬5) قوله: (أن) ساقط من (ب). (¬6) في (ب): (تتناول). (¬7) قوله: (والنظر يوجب -لو لم يرد النص-) يقابله في (ت): (النظر فوجب لورود النص). (¬8) في (ب): (مع). (¬9) في (ب): (حمل).

جبل (¬1) عليه الأحرار، فتزويجهم معونة على صلاحهم. وأما من يتزوج هذه الأَمَة وهذا العبد فشيء آخر خارج عن المقصود بالآية، فلم تتضمن الآية أن يتزوجها حرٌّ، كما لم تتضمن أن يتزوج العبد حرة. واختلف بعد القول بالمنع في أربع مسائل: أحدها: إذا وجد طولًا لما (¬2) يتزوج به حرة دون النفقة عليها. والثانية: إذا خشي العنت (¬3) في أمة بعينها. والثالثة: إذا كانت تحته حرة هل يكون كالطول يمنع من تزويج أَمَة؟ والرابعة: إذا تزوج أَمَة بوجه جائز، ثم وجد طولًا، أو تزوج (¬4) حرة، هل يفارق الأَمَة؟ فقال مالك في "كتاب محمد (¬5) ": إن وجد صداقًا لحرة، ولم يقدر على نفقتها؛ لم يتزوج أمة. وقال أصبغ في "كتاب ابن حبيب": يتزوجها؛ لأن نفقتها على أهلها إذا لم يضمها إليه (¬6). وهو أبين؛ لأن القدرة على الصداق دون النفقة لا تفيده؛ لأن من حق الزوجة الحرة أن تقوم بالطلاق إذا لم تعلم أنه عاجز عن النفقة، إلا أن يجد من تتزوجه بعد علمها بذلك فيمنع من نكاح الأمة؛ لأنه لا قيام للحرة، إذا دخلت على علم بذلك، ومنعه في "كتاب محمد" إذا خشي العنت (¬7) في أمة بعينها، وأجازه في "كتاب ابن حبيب". ¬

_ (¬1) في (ب): (حمل). (¬2) قوله: (لما) ساقط من (ب). (¬3) في (ت): (العنة). (¬4) في (ب): (يزوج). (¬5) في (ت): (ابن حبيب). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 519. (¬7) في (ت): (العنة).

وأرى إن كان خلوًا من النساء أن يتزوج حرة، فقد يذهب التزويج ما في نفسه. وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "المَرْأَةُ تُقْبِلُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ، وَتُدْبِرُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ، فَإِذَا أَبْصَرَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً فَأَعْجَبَتْهُ، فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ فَإِنَّ ذَلْكَ يَرُدُّ مَا فِي نَفْسِهِ" أخرجه مسلم (¬1). فإن لم يذهبه إلا التزويج تزوَّجها. وإن علقها وهو ذو زوجة، فإن علم من نفسه أن الزوجة لم تَكْفِهِ أُمِرَ بتزويج أخرى، وإن كانت غير كافية له تزوجها. واختلف قول مالك في الحرة (¬2) تكون عند رجل هل تكون طَولًا يمنعه من تزويج الأَمَة وإن خشي العنت؟ فلم يره في "المدونة" طولًا، وأجاز له أن يتزوج الأمة (¬3)، وقال في "كتاب محمد": لا يتزوجها، وهو الظاهر من القرآن أنه منع تزويج الأَمَة مع القدرة على الحرة، فإذا تقدمت القدرة عليها، وكان تزوجها - منع من الأمة (¬4). والإجازة أبين؛ لأن الوجه في الإباحة أن يخشى العنت (¬5)، فلا فرق بين الأولى، والثانية إذا وجدت العلة التي لأجلها كانت الإباحة. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم، كتاب النكاح، باب ندب من رأى امرأة فوقعت في نفسه إلى أن يأتي امرأته أو جاريته فيواقعها: 2/ 1021، برقم (1403). (¬2) في (ب): (المرأة). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 324 (¬4) انظر: النوادر والزيادت: 4/ 518. (¬5) في (ت): (العنة).

فصل [فيمن عدم الطول وخشي العنت]

فصل [فيمن عدم الطَّول وخشي العنت] ومن تزوج أَمَة لأنه عَدِم الطَّوْلَ وخشي العنت (¬1)، ثم ذهب عنه بعد الدخول ما كان يخشاه - لم يؤمر بفراق تلك الأمة، لوجهين: أحدهما: أنه لم يذهب حقيقة؛ لأن ذلك يعاوده إذا عاد إلى العزبة. والآخر: أن ذلك يؤدي إلى حرج؛ يؤمر الآن بالفراق، وعن قليل يخشى العنت فيتزوج؟! فإذا ابتنى وذهب عنه ذلك - أمر بالفراق فلا يكلف ذلك. واختلف إذا وجد طولًا للحرة، هل يفارق الأَمَة التي تحته؟ على ثلاثة أقوال: فقال مالك: يجوز له البقاء عليها، وسواء تزوج حرة أم لا (¬2). وقال ابن حبيب: يجوز له البقاء، وإن أفاد طولًا، إلا أن يتزوج حرة فتحرم عليه الأمة التي تحته، وذكره عن عمر وابن عباس (¬3). وقال ابن القاسم في "كتاب محمد": لو كان يفرق بين الرجل وبين الأمة إذا تزوجها على الحرة؛ لانْبَغَى أن يفرق بينه وبين الأمة تكون تحته ثم يتزوج عليها الحرة قال: والحجة فيهما سواء. يريد: أن نكاح الأَمَة جائز من غير شرط، وأنه لو كان الأمر على ما في سورة النساء لوجب أن يفارق الأمة إذا تزوج عليها حرة؛ لأن الضرورة ¬

_ (¬1) في (ت): (العنة). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 520. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 520.

ارتفعت بتزويج الحرة، والتمادي على الأمة كالابتداء، وهذا مثل قول ابن حبيب إلا أنه أجاب على أحد قوليه أنه يجوز تزويج الأمة من غير شرط، وعلى قوله أن ذلك ممنوع إلا أن يخشى العنت، ولا يجد طَولًا: يفارق الأولى إذا تزوج حرة، كما قال ابن حبيب؛ لأنه يسلم أن القياس فيهما سواء. وقال مسروق والمزني: إذا وجد طَوْلًا انفسخ نكاح الأمة وإن لم يتزوج الحرة؛ لأن علة المنع عندهما إرقاق الولد، فإذا زالت الضرورة المبيحة منع من التمادي؛ لئلا يرق ولده. وما أظن من ذهب بلى جواز البقاء إلا للاختلاف في الأصل أن ذلك يجوز اختيارًا، فعلى قول عبد الملك لا يصح أن يجتمع قي عصمة الرجل حرة وأمة؛ لأن الحرة طول؛ تقدمت أو تأخرت؛ وعلى أحد قولي مالك يصح اجتماعهما إن تقدمت الأمة، ولا يصح إن تأخرت، وعلى القول الآخر يصح تقدم نكاحها أو تأخر. فصل [في العبد يتزوج أمة على حرة عنده] واختُلف إذا كانت تحته أَمَة بوجه جائز لا يتعلق به حق الله سبحانه، هل يتعلق به حق للحرة إن تقدم نكاح الحرة، أو تأخر ولم تعلم أن تحته أَمَة للمعرة التي تلحقها في كون ضرتها أمة؟ فإن تزوج عليها الأمة كان لها مقال في دفع المضرة (¬1). واختلف قوله هل لها الخيار في طلاق نفسها أو في طلاق الأمة؟ وأرى ألا خيار لها في طلاق (¬2) نفسها ولا في الأمة، وإنما تخير هل ترضى بمقام الأمة ¬

_ (¬1) في (ب): (الضرة). (¬2) قوله: (طلاق) ساقط من (ب).

معها؟ وإن لم ترضَ كان الخيار إلى الزوج، يطلق أيهما أحب. واستحسن إذا كان يؤثر الأمة وأراد أن يطلق الحرة، أن يعلمها بذلك، فقد تختار البقاء إذا علمت أنه يؤثر الأمة ويطلقها. واختُلف عنه إذا نكح الحرة على الأمة. فقال: لا خيار للحرة، ثم رجع إلى أن لها الخيار (¬1). وقيل: إنما لم يثبت لها خيار؛ لأنها فرطت، إذا لم يكشف هل تحته أمة (¬2). وليس هذا التعليل بالبين؛ لأن تزويج الحر الأمة نادر، والنادر لا حكم له. ويحتمل أن يكون قوله ذلك لاختلاف من تقدم. وقد قال: لولا ما قالته العلماء قبلي (¬3). يريد: سعيد بن المسيب وغيره، لرأيته حلالًا (¬4). يريد: ألا مقال للحرة في ذلك. فقال ابن القاسم: وإن كانت تحته أمتان علمت بواحدة؛ كان لها الخيار في التي لم تعلم بها (¬5). واختُلف في العبد يتزوج أمة على حرة عنده، فقال في "المدونة": لا خيار لها؛ لأن الإماء من نسائه (¬6). وقال ابن الماجشون في "كتاب ابن حبيب ": لها الخيار (¬7). والأول أحسن، والمعرة في كون الزوج عبدًا أشد (¬8) من المعرة في كون ضرتها أَمَة. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 324 (¬2) انظر المسألة في التفريع، لابن الجلاب: 1/ 392، والمعونة للقاضي عبد الوهاب: 1/ 535. (¬3) في (ب): (قيل). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 324. (¬5) انظر: المدونة: 3/ 324، والتفريع لابن الجلاب: 1/ 393، والبيان والتحصيل: 6/ 401. (¬6) انظر: المدونة: 2/ 138، والنوادر والزيادات: 4/ 522. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 522. (¬8) في (ت): (أستر).

باب في الأمة والمدبرة والمكاتبة وأم الولد والمعتقة إلى أجل يأذن لها السيد في التزويج فتتزوج وتظهر أنها حرة بعد ذلكـ

باب في الأَمَة والمدبَّرة والمكاتَبة وأم الولد والمعتقة إلى أجل يأذن لها السيد في التزويج فتتزوج وتظهر أنها حرة بعد ذلكـ (¬1) وإذا غَرَّتِ الأَمَة من نفسها وتزوجت على أنها حرة، وكان السيد أذن لها في النكاح، فإن علم الزوج أنها أَمَة قبل الدخول - كان الزوج بالخيار بين أن يتمسك على المسمى، أو يرد ولا شيء عليه. وإن لم يعلم حتى دخل فقال ابن القاسم: الزوج بالخيار إن شاء ثبت على نكاحه ولها المسمى، أو يفارق ولها صداق المثل (¬2). يريد: إذا كان المثل أقل من المسمى. واختلف إذا أراد الزوج (¬3) الردَّ وكان صداق المثل أقل من المسمى، فقال ابن القاسم: لها صداق المثل (¬4). وقال محمد في كتاب الغَصْب: قد قيل إنه له أن يأخذ كل ما أصدقها، إلا ربع دينار (¬5). والثاني: (¬6) إذا كان صداق (¬7) المثل أكثر من المسمى، فقال ابن القاسم: يكمل لها صداق المثل. وقال أشهب في "كتاب محمد": ليس لها سوى المسمى كما لو زنى جها طائعة. ولابن القاسم في "العتبية" مثله. وعلى القول الآخر؛ ¬

_ (¬1) قوله: (بعد ذلك) ساقط من (ب). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 138. (¬3) قوله: (الزوج) ساقط من (ت). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 138. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 523. (¬6) قوله: (الثاني) ساقط من (ب). (¬7) قوله: (صداق) ساقط من (ت).

فصل [في جامع القول في ولد المغرور بالشراء أو بالنكاح، وكيف إن شرط حرية ولده في أمة تزوجها فاستحقت]

يكون لها ربع دينار (¬1). وقول ابن القاسم أحسن؛ لأن بيعها تلك المنافع كبيعها لخدمتها. فإن حابت كان للسيد أن يرد محاباتها في الخدمة وفي النكاح، ويتم لها صداق المثل، وليس كزناها؛ لأنه لو اغتصبها رجل لم يكن لها صداق المثل. وكذلك إذا زنت، فإصابته على وجه النكاح، مفارق للزنا وإنما في ذلك ما نقصها؛ فإن لم ينقصها فلا شيء عليه. ولو كان الزنا والنكاح سواء؛ لكان السيد بالخيار بين أن يأخذ ما نقصها الوطء أو صداق المثل، بمنزلة إذا وهبت خدمتها فنقصت لذلك، كان للسيد أن يأخذ إجارة المثل أو ما نقصتها الخدمة، فثمن المنافع إجارة المثل، وصداق المثل. وأما من قال لها ربع دينار فرأى أن غررها جناية منها، وإذا كان فيه إذن من المجني عليه - وضع عنه الصداق. وفي كتاب محمد مثل ذلك في العبد يدفع إليه شيء ليصنعه فيتعدى عليه، فجعله جناية في رقبته. وأرى إذا دخل الزوج، ورضي بألا يرد - أن يحط عن الزوج ما زاد في الصداق؛ لمكان الحرية. فصل [في جامع القول في ولد المغرور بالشراء أو بالنكاح، وكيف إن شرط حرية ولده في أمة تزوجها فاستحقت] وقال ابن القاسم: إن غرت أمةُ الابنِ الأبَ، أو أمةُ الأبِ الابنَ؛ فتزوجته وولدت منه - كانت الأَمَة لسيدها، والولد عتيق على أخيه، إن كانت للابن، ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 523.

وعلى جده إن كانت للأب (¬1). وقال سحنون: إذا كانت الأمة للأب كان على الابن صداق مثلها، كالأجنبي. وإن كانت للابن، كان عليه قيمة الأَمَة بمنزلة ما لو وطئها بملك اليمين (¬2). واختلف في أم الولد إذا تزوجت على أنها حرة وولدت، فقال مالك في المدونة: لسيدها قيمة الولد على الرجاء والخوف؛ لأنهم يُعْتَقون بموت سيد أمهم (¬3). يريد: أنه يُقَوَّمُ على أنه إن مات سيد الأم كان حرًّا لو كان يجوز البيع على هذه الصفة. وقال ابن الماجشون: يقوم (¬4) قيمة عبد لا عتق فيه؛ بمنزلة أمة (¬5) لو قتلت. وقال المغيرة: قيمته قيمة عبد (¬6) يوم ولد (¬7). وقال مالك في "ثمانية أبي زيد": إن كان صغيرًا لا خدمة (¬8) فيه فلا شيء على الأب، وإن أطاق الخدمة غرم أجرته كل يوم، وكلما كبر زاد (¬9) الأب أجرته، فإن فات (¬10) قبل أن يبلغ ذلك فلا شيء عليه، وإن استحق بعد أن صار رجلًا - كان عليه من الأجرة من يوم يستحق. قال مطرف: وإن مرض - لم يكن عليه شيء حتى يصح، وإن صار ذا ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 140 (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 398. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 140، والتفريع: 2/ 312 (¬4) في (ب): (يغرم). (¬5) في (ب): (أمه). (¬6) قوله: (قيمة عبد) ساقط من (ب). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 524. (¬8) في (ب): (حرفة). (¬9) في (ت): (ودى). (¬10) (في (ب): (مات).

صنعة من البنيان أو غيره - كان عليه الأجرة على أن لا عمل بيده. ومذهب ربيعة ألا شيء على الأب؛ لأنه يقول فيمن زوج أم ولده فولدت من الزوج: فهو حر. وقاس ولدها على الأم: ألا يكون في الولد من الخدمة إلا مثل ما في أمه. وإذا كان ذلك وجب عتقه؛ لأن أم الولد إذا بطل منها الوطء أعتقت، ولم توقف لأجل ما للسيد فيها من الخدمة، فكذلك الولد إذا لم يكن فيه إلا ذلك القدر من الخدمة فإنه يعتق، أو لا يعتق؛ فيغرم ذلك القدر من الخدمة، وإن لم يستحق الأم حتى مات السيد - فلا شيء على الأب. وتتفق الأقوال إذا مات السيد إلا قول المغيرة أن القيمة يوم ولد؛ فلا تسقط بموت السيد، ولا بموت الولد، وإن غرت مدَبَّرة كانت للسيد؛ لأنها أصيبت على وجه التزويج، لا على وجه الملك، وله قيمة الولد. واختلف في صفة القيمة فقال مالك: يقوم على الرجاء والخوف (¬1)؛ خوف الرق إن مات في حياة السيد، أو مات السيد وعليه دين يرقه، ورجاء العتق إن حمله الثلث. وقال محمد: قيمة عبد لا عتق فيه، كمن ابتاع مدبَّرًا فأعتقه. وهذا مثل قول عبد الملك في ولد (¬2) أم الولد. وإن لم ينظر فيه حتى مات السيد، وحمل الثلث قيمته وقيمتها - فلا شيء على الأب. وإن كان عليه دين يرقهما - كانت القيمة عبدًا لا عتق فيه. وإن لم يخلف مالًا سواهما، ولا دين عليه - كان عليه قيمة ثلثيه، وسقطت قيمة الثلث. وإن كانت معتقة إلى أجل - كان عليه قيمتها (¬3) على رجاء العتق ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 155. (¬2) قوله: (ولد) ساقط من (ت). (¬3) في (ب): (قيمته).

إن حيي إلى انقضاء الأجل، وخوف الرق إن مات قبل انقضائه. وهذا على قوله في "المدونة"، وعلى قوله في "ثمانية أبي زيد": تقوم الخدمة وقال ابن الماجشون في الثمانية: تقوم قيمة عبد لا عتق فيه بمنزلة ما لو قتلت أمه. واختلف في المكاتب (¬1)، فقال ابن القاسم: توقف قيمة الولد الآن، فإن أدت؛ رد المال إلى الأب، وإن عجزت كانت القيمة للسيد. وقال محمد: لا معنى لوقف القيمة؛ بل تدخل قيمته (¬2) في الكتابة ويتعجلها السيد، فإن وفت، أعتقت وولدها وإلا حسبت (¬3) من آخر الكتابة. وأرى إذا كان غرم الواطئ مترقبًا يسقط إن أدت، ويثبت إن عجزت ألا يعجل بإغرامه بالشك، ولم يخرج ذلك من ذمته إذا كان مأمونًا ولا يخاف غيبته أو أتى بحميل. وإن خيف ناحيته ولم يأت بحميل وكان السيد مأمونًا غير مُلِد متى كان الحكم برجوع القيمة دفعت (¬4) القيمة إليه. وإن خيف ناحيتهما وقفت، فإن أدت ردت القيمة إلى الأب. وإن خيف عجزها وكان في بعض القيمة وفاء بها في الكتابة؛ أخذ تمام الكتابة، وكان الفضل للأب. وإن لم يوفِّ (¬5) بباقي الكتاب إلا جميع القيمة؛ أخذها السيد. وإن لم توف القيمة بباقي الكتابة؛ أخذها السيد، وكانت الأم رقيقًا. وهذا الجواب في الولد. وأما الصداق فيرجع فيه إلى ما تقدم في الأمة. هل يكون (¬6) لها صداق ¬

_ (¬1) في (ب): (المكاتبة). (¬2) قوله: (بل تدخل قيمته) ساقط من (ت). (¬3) في (ب): (حبست). (¬4) في (ب): (دفع). (¬5) في (ب): (توف). (¬6) قوله: (هل يكون) يقابله في (ب): (فليكن).

المثل أو ربع دينار؟ وقال ابن القاسم، فيمن خطب امرأة فقال له رجل هي حرة وهو يعلم أنها أمة ثم استحقت: فإن لم يزوجها منه لم يكن عليه شيء، وإن زوَّجها منه، وزعم أنه وليها، غرم الصداق. وإن قال لست لها بولي؛ لم يكن عليه شيء. يريد: لأن الزوج دخل على أنه يفسخ النكاح (¬1)؛ لأن المزوج (¬2) غير ولي، وهذا إذا كان صداقها، لو علم أنها أمة مثل ما تزوجت به. وإن كان صداقها لو علم أقل غرم المزوج ما زاد صداقها، إذا كانت حرة، أو أمة، ولم يلزمه شيء إذا لم يزوجه؛ لأنه غرور (¬3) بقول، وقد اختلف فيه، وإذا كان هو المزوج، كان قد باع سلعة، فاستحقت. ¬

_ (¬1) ساقط من (ب). (¬2) في (ب): (الزوج). (¬3) في (ب): (غرر).

باب في عيوب النساء وما يرددن به

باب في عيوب النساء وما يرددن به قال مالك: ترد المرأة من أربعة: من الجنون والجذام والبرص، وداء الفرج (¬1). ويختلف في أربع: السواد والقرع والبخر والخشم، وهو نتن الأنف، فالظاهر من قول مالك ألا ترد بها (¬2). وقال ابن حبيب: ترد من السواد إذا كانت من أهل بيت لا سواد فيهم، وهو كالشرط، قال: وترد بالقرع؛ لأنه مما يستر باللفافة والخمار (¬3). وقال مالك في "مختصر ما ليس في المختصر"، وفي "كتاب ابن الجلاب": تُرد من نتن الفرج (¬4). فعلى هذا ترد من البخر والخشم؛ لأن نتن الأعلى (¬5) أولى بالرد لقرب مضرته، وبُعد الآخر. وقد قيل: يرد الرجل بالبرص يحدث إذا انتشرت رائحته، فمضرة الرائحة من المرأة أولى بالرد؛ لأنه (¬6) يستخف منه ما لا يستخف منها، ولا ترد عند مالك من العمى والقعد والشلل والعرج (¬7). فاختلف في وجه ذلك، فقيل: ذلك لقول عمر - رضي الله عنه -: ترد المرأة من الجنون ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 142. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 143. (¬3) انظر المسألة في النوادر والزيادات: 4/ 531، 532. (¬4) انظر: التفريع لابن الجلاب: 1/ 395. (¬5) في (ت): (لأن نتن الأنف الأعلى). (¬6) قوله: (لأنه) ساقط من (ب). (¬7) قوله: (والعرج) ساقط من (ت). وانظر: المدونة: 2/ 142، المعونة: 1/ 515.

والجذام والبرص والقرن (¬1)، ولقول علي - رضي الله عنه -: ترد المرأة من أربع: الجذام والجنون والبرص والقرن، ولهذا قال مالك: ليس على الولي أن يخبر أنها مقعدة، ولا عمياء، ولا عرجاء، وأجاز أن يكتم ذلك (¬2). وقيل: لأن ذلك مما لا يخفى فقيل لمالك في "كتاب محمد" أترد المرأة من السواد والعمى وما أشبه ذلك؟ فقال: هذا أمر ظاهر فكيف ترد منه. وقال في موضع آخر: هذا من العيوب الظاهرة فلا ترد له. وقال ابن حبيب: ترد من القرع؛ لأنه مما يستر باللفافة والخمار، ولا ترد من العمى والقعد، والشلل، والعرج؛ لأنه ظاهر، والخبر عنه يفشو (¬3). وهذا منهما تسليم (¬4) أن للزوج أن يرد بهذه العيوب إذا تبين أنه لم يعلم؛ لأنه إنما منع الرد؛ لأنه لم يصدقه أنه لم يعلم به. فإن كان الزوج طارئًا، وتزوج بقرب قدومه، أو لم يسمع بذلك من الجيران (¬5)، أو اعترفت الزوجة أنه لم يعلم، وكانت ممن يصح اعزافها لأنها ثيب، أو بكر معنسة - كان له أن يرد، وإن قام دليل على علمه - لم يرد، وهذا مع عدم الشرط، فإن اشترط السلامة - رد متى وجد عيبًا، قولًا واحدًا. واختلف إذا قال الولي: إنها سالمة، ولم يشترط هل ذلك كالشرط. فقال في "كتاب محمد": إذا قال الخاطب: قيل لي إن ابنتك سوداء، فقال: كذب من قال ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 145، المعونة: 1/ 513. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 529. (¬3) بنحوه في النوادر والزيادات: 4/ 531. (¬4) في (ب): (تعليم). (¬5) قوله: (من) ساقط من (ب).

ذلك، بل هي بيضاء، فوجدها سوداء، أو قال: ليس هي عمياء، ولا عرجاء، فوجدها كذلك - فله ردها؛ لأنه غره (¬1). وقال أصبغ: هو كالشرط. وقال ابن القاسم في "الكتاب الأول" من "كتاب محمد": إذا رفع الولي في الصداق، فأنكر سَوْمه، فقال: لأن لها كذا، فسمى رقيقًا وعروضًا فيصدقها ما سأل، ثم لا يجد لها شيئًا. قال: فالصداق لازم له، ولا حجة له، مثل ما لو قال: بيضاء جميلة شابة، فوجدها سوداء، أو عرجاء (¬2)، فلا كلام له ما لم يشترط، فيقول أنكحها على أن لها كذا، أو على أنها جميلة بيضاء أو شابة (¬3). فجعله ابن القاسم من ناحيته (¬4) الغرور فألزمه ذلك مرة، ومرة لم يلزمه. قال الشيخ (¬5): وأراه كالشرط؛ لأنه أمر قارن العقد. ولو قال ذلك أجنبي بحضرة الولي فلم ينكر عليه كان غرورًا. وأرى أن يرد إذا تبين أنها صغيرة مثل ابنة أربع سنين وخمس وما أشبه ذلك؛ لأن الوطء ممتنع، فهي في ذلك كالرتقاء، وعليه في الصبر إلى أن تبلغ الوطء مضرة، وإن كان الوقت الذي تصلح فيه لذلك لا يدرك في الصبر إليه مضرة ولم يرد، وقد تكون لهم عادة في الصبر ما بين العقد والابتناء كالسنتين والثلاث؛ مما يرى أن (¬6) هذه تصلح حينئذ للابتناء، أو تزيد الأمر اليسير، فلا ترد. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 531. (¬2) قوله: (أو عرجاء) ساقط من (ت). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 488. (¬4) في (ت): (ناحية). (¬5) قوله: (قال الشيخ) ساقط من (ب). (¬6) قوله: (مما يرى أن) يقابله في (ت): (فجائز وإن).

فصل [فى عيوب النساء من أمر قديم أو محدث]

وفي "كتاب محمد": لا ترد إذا وجدها عجوزًا، وهذا مبني على ما تقدم، هل ذلك لأنه مما لا يخفى، أو لأنه زائد على ما قاله عمر - رضي الله عنه -، وإن بلغت في العمر (¬1)، وقام للزوج دليل على عدم العلم - رد؛ لأن العادة فيمن بلغت ذلك ألا تتزوج، وهو كالشرط. فصل [فى عيوب النساء من أمر قديم أو محدث] ترد المرأة من الجنون وإن كان صرعًا في بعض الأوقات. ومن قليل الجذام. واختلف في البرص فقال مالك: ترد لقول عمر - رضي الله عنه - (¬2). لأنه لم يفرق بين قليل ولا غيره. وقال ابن القاسم في "العتبية": لو علمنا فيما خف أنه لا يتزايد لم يرد لكنه لا يعلم ذلك (¬3). فرآه مالك عيبًا في نفسه يوجب الرد، ولم يره ابن القاسم إلا بما يتنامى إليه، ويلزم على قوله إذا كانت بها بداية ذبول أن ترد به؛ لأنه معلوم أنه يتنامى إلى الموت. وفي "مختصر ما ليس في المختصر": يرد النكاح في الجذام والبرص؛ لأنه يخشى أن يحدث ذلك بالآخر، ولأنه لا تطيب نفس الواطئ والموطوءة، وقلما يسلم ولدهما، فإن سلم كان في نسله. انتهى قوله (¬4). ويلزم على هذا أن يرد النكاح إذا اطلع أن أحد الأبوين كان كذلك؛ لأنه يخشى أن يظهر في ولد المتزوج الآن، أو في ولد ولده، ورأيت ذلك في امرأة ¬

_ (¬1) في (ت): (في السن والفناء). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 142. (¬3) قوله: (لو علمنا فيما خف أنه لا يتزايد لم يرد لكنه لا يعلم ذلك) يقابله في (ب): (لو علمنا علمًا حقًا لا يتزايد لم ترد لكنه لم يعلم ذلك). وانظر: البيان والتحصيل: 4/ 320. (¬4) قوله: (قوله) ساقط من (ب).

فصل [في عيوب المرأة التي ترد بها]

كان أبوها أجذم، ولم يظهر فيها، وظهر في عدد من ولدها. ويصح أن تطلق على الزوج وإن كان الجنون بها؛ لأنه إذا كان متى أصابها الزوج جنت، ولم يقف الزوج عنها. فقال مالك في "المبسوط": إذا كانت تجن عند ذلك - حال السلطان بينه وبينها. قال ابن شعبان: ولا يلزمه طلاق إن أحب المقام. يريد: ولم يصب، فإن لم يقف عنها طلق عليه. فصل [في عيوب المرأة التي ترد بها] ترد المرأة بعيب الفرج، كان مما يمنع الجماع كالرتق والقرن، أو لا يمنع كالعفل والنتن والاستحاضة والإفاضة وحرق النار، وقال الخليل: العفل شيء يخرج في حياء الناقة كالأدرة (¬1). واختلف إذا كان شيء من هذه العيوب خفيفًا. فقال مالك: ترد به؛ لأن المجنونة والجذماء والبرصاء يقدر على جماعها، وهي ترد به (¬2). قال ابن حبيب: لا ترد به إلا أن يكون عيبًا يمنع اللذة. والأول أحسن. وقد أبان مالك الحجة في ذلك. والقرن، والرتق على أربعة أوجه: فإن كان لا ضرر عليها في قطعه، ولا عيب في الإصابة بعد القطع - كان القول قول من دعا منهما إلى قطعه، فإن دعا الزوج إلى ذلك وكرهت - جبرت (¬3)، وإن ¬

_ (¬1) انظر: كتاب العين: 2/ 145. (¬2) المدونة: 2/ 142. (¬3) في (ب): (خيرت).

فصل [فيمن غر من الزوجين والتداعي فى ذلكـ]

دعت هي إلى ذلك جبر (¬1) هو على القبول. وإن طلق بعد رِضَاها وقبل القطع - لزمه نصف الصداق، وإن كرهت القطع، فطلق الزوج لأجل ذلك فلا شيء عليه؛ لأنه لأجل العيب طَلَّقَ. وإن كان في القطع ضرر عليها، ولا عيب بعد ذلك في الإصابة - كان الخيار لها دونه. وإن رضيت بالقطع سقط مقاله. وإن كرهت فارق، ولا شيء عليه. وإن كان لا ضرر عليها في القطع وفي الإصابة بعد القطع عيب كان المقال له دونها فإن أحب ألزمها القطع وإن أحب (¬2) فارق ولا شيء عليه وإن كان عليها ضرر، وفي الإصابة بعد ذلك عيب - كان لكل واحد منهما مقال ولها أن تأبى إن دعا إليه وله ألا يرضى إن رضيت لأجل بقاء العيب وللزوج أن يرد إذا وجدها عِذْيَوْطَة - وهي التي يكون منها عند الجماع حدث - لأن ذلك عيب في الوطء وإن لم يكن من داء الفرج ولها أن ترده بمثل ذلك. وقد كان نزل مثل ذلك في زمن أحمد بن نصر، واختلف الزوجان ونفى كل واحد منهما ذلك عن نفسه. فقال أحمد: "يطعم أحدهما تينًا والآخر فقوسًا، فيعلم ممن هو منهما". وأحمد هذا سمع من محمد بن سحنون وليس بمتأخر. فصل [فيمن غر من الزوجين والتداعي فى ذلكـ] وإذا ردت الزوجة بشيء من العيوب المتقدم ذكرها - رجع الزوج بجميع الصداق، وسواء دخل أو لم يدخل. فإن كان الغرور من الولي - رجع عليه. وإن كان الغرور منها -رجع عليها، ويترك لها ربع دينار. وإن غَرَّاهُ جميعًا -الولي والمرأة - كان بالخيار بين أن يرجع على المرأة -ولا رجوع لها على الولي- ¬

_ (¬1) في (ب): (خير). (¬2) في (ب): (القطع).

أو يرجع على الولي، ويرجع الولي عليها. وحمل مالك الأب والابن والأخ على المعرفة به، وجعل الرجوع عليه دونها. قال في "كتاب محمد": ولا يرجع الزوج عليها؛ لأنه ليس عليها أن تخرج فتخبر بعيبها، ولا أن ترسل إليه لأن لها وليًّا. قال: والبكر والثيب في ذلك سواء (¬1). يقول إن كانت بكرًا: فالأمر إلى الأب، وعليه أن يخبر (¬2)، وإن كانت ثيِّبًا: فإنما وكلته على أن تتبرأ منه. وإن كان العاقد عمًّا أو ابن عم أو من العشيرة أو من الموالي أو السلطان - كان الرجوع عليها، وحمل على الولي أنه غير عالم، حتى يثبت أنه عالم. والولي والمرأة في العيوب على ثلاثة أقسام: قسم يحمل جميعهم فيه على العلم به، وقسم يحمل الأب فيه على العلم دونهم، وقسم يحمل جميعهم على الجهل به. فالأول: الجنون والجذام، وهما عيوب من العيوب الظاهرة التي لا تخفى على الأقارب، بل لا تخفى في الغالب على الجيران. والثاني: البرص، وإن كان في الوجه والذراع والساق - كان كالأول، محملهم (¬3) فيه على العلم؛ لأن الحديث عنه من نساء الأقارب فيكثر وإن كان مما يواريه الثياب كان محمل الأب والأخ فيه على العلم دون الأقارب. وأما عيب الفرج فإن كان مما لا يخفى على الأم في حين التربية، ومثل ذلك ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 528. (¬2) في (ت): (يجبر). (¬3) في (ب): (فحملهم).

الأب لأنه ممن (¬1) يطلع عليه، ويخبر به - كان محمله على العلم، فإن كان مما يخفى على (¬2) الأم مثل أن يكون بذلك الموضع غلظ لا يتميز إلا عند حاجة الرجل إليها، أو تكون الأم ماتت من نفاسها، أو تكون ربتها ثم ماتت، وثبت أن ذلك حدث بَعْدُ كالعفل، أو يكون الأب ممن له القدر، ولا يحب أن يذكر (¬3) ما يكون بابنته من ذلك - حمل على الجهل به، ورجع عليها دونه. وأما الأخ فيبعد أن يحمل على المعرفة بعيب الفرج، أو يتحدث معه بمثل ذلك. وقد قال مالك في "كتاب محمد" في الأب والابن والأخ: إن علم به (¬4) أنه لم يعلم؛ فلا شيء عليه (¬5). وقوله هذا يتصور في مثل ما تقدم ذكره. واختلف إذا كان الولي عديمًا هل يرجع عليها؟ فمنع ذلك مالك وقال: لم يكن عليها أن تخرج، فتخبر بعيبها، ولا ترسل إليه. وقال ابن حبيب: إن وجب الرجوع على الولي، وكان عديمًا، والمرأة موسرة؛ رجع الزوج عليها، ولم ترجع هي به". (¬6) واختلف أيضًا إذا كان الولي عمًّا، أو ابن عم، أو من العشيرة، أو السلطان، وادعى الزوج أنه علم، وغره، وأنكر الولي. فقال محمد: يحلف. فإن نكل حلف الزوج أنه علم، وغره، فيما يستقر (¬7) عنده. فإن نكل؛ فلا شيء له على الولي، ولا ¬

_ (¬1) قوله: (لأنه ممن) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (يخفى على) يقابله في (ب): (لا تعرفه). (¬3) قوله: (ولا يحب أن يذكر) يقابله في (ب): (ولا يتحدث بذكر). (¬4) قوله: (به) ساقط من (ب). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 527. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 528. (¬7) في (ت): (تشهد).

على الزوجة، وقد سقطت تباعته عن المرأة بدعواه على الولي (¬1). وقال ابن حبيب: إن حلف الولي - رجع على المرأة (¬2). وهو أصوب في السؤالين جميعًا. وليس الأمر اليوم على ما قاله محمد، أنها توكله على أن يخبر بعيبها، بل هي أحرص ألا يذكر ذلك، وهما مدلسان جميعًا؛ فللزوج أن يرجع على الولي، ويرجع الولي عليها؛ لأن سلعتها المبيعة، قد ردت بالعيب، وهي مدلسة معه. وإن تقدمت إليه في أن يعلم بعيبها فلم يفعل - رأيت أن يرجع عليها بما بين الصحة والداء، وليس لها (¬3) أن تبيع معيبًا، وتأخذ الثمن سالمًا وفي ذلك ظلم على الولي، إلا أن تكون لهم عادة أنهم لا ينزلون عن صدقات اعتادوها لعيب وإن كانت هي غرت (¬4)، ولم يعلم الولي؛ رجع عليها، وإن علم كان بالخيار يبدأ بأيهما أحب؛ لأن ذلك غرور منهما. ¬

_ (¬1) في (ب): (تباعته على المرأة وعلى الولي). وانظر: النوادر والزيادات: 4/ 528. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 529. (¬3) قوله: (لها) ساقط من (ب). (¬4) قوله: (هي غرت) يقابله في (ب): (في عدة).

باب في عيوب الرجال وإذا تبين أن أحد الزوجين عبد، أو أن الزوجة نصرانية، وإذا ظهر بكل واحد من الزوجين عيب، وإذا ادعى ذلكـ أحدهما على الآخر فأنكره، وكان مما يخفى

باب في عيوب الرجال وإذا تبين أن أحد الزوجين عبد، أو أن الزوجة نصرانية، وإذا ظهر بكل واحد من الزوجين عيب (¬1)، وإذا ادَّعى ذلكـ أحدهما على الآخر فأنكره، وكان مما يخفى يُردُّ الزوج بالجنون والجذام وداء الفرج، واختلف في البرص. فأما الجنون فيرد من قليله وكثيره، كان مطبقًا أو يغيب (¬2) رأس كل هلال ويسلم فيما بين ذلك، وكذلك إذا حدث بعد العقد وقبل الدخول. واختلف إذا حدث بعد الدخول، فقال مالك: إن كان يعفيها من نفسه، ولا يرهقها بسوء، ولا تخاف منه في خلواته، فلا خيار لها (¬3). وقال أشهب: إن لم تخف منه فلا خيار لها، وإن كان لا يفيق (¬4) ء يريد: إذا كان يحتاج إليها، وإلا فُرِّقَ بينهما؛ لأن في بقائها ضررًا عليها من غير منفعة له (¬5). وكذلك الجذام يُرَدُّ من قديمه و (¬6) قليله وكثيره. وقال ابن وهب في "العتبية": "إذا كان جذامًا لا شك فيه رُدَّ، وإن لم يكن فاحشًا، ولا مؤذيًا؛ لأنه لا يؤمن من زيادته. وإن شك فيه؛ لم يفرق بينهما (¬7)، وكذلك إذا حدث بعد ¬

_ (¬1) قوله: (عيب) ساقط من (ب). (¬2) في (ب): (يختنق). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 187. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 534. (¬5) قوله: (له) ساقط من (ت). (¬6) قوله: (قديمه و) ساقط من (ب). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 534.

العقد، وقبل الدخول، يفرق من قليله، بمنزلة ما لو كان قبل العقد. وإن حدث بعد الدخول؛ فرق من كثيره، ولم يفرق من قليله، حتى يتنامى، ويتفاحش؛ لأنه قد اطلع عليها، فلا يعجل بالفراق. وإذا لم يدخل ولم يطلع عليها - لم يمكن من كشفها في شيء مآلُهُ إلى الفراق. واختلف في البرص قديمه وحديثه. فروى ابن القاسم عن مالك: أنه قال: يرد به، إذا كان قبل التزويج. (¬1) يريد قليلًا كان أو كثيرًا. وذكر عن أشهب في الثالث من "كتاب محمد": لا يفرق بينهما، وإن غرها. (¬2) وقال ابن حبيب: ما كان به قبل العقد؛ يرد به وإن لم يكن فاحشًا، وما حدث به بعد العقد؛ فلا خيار لها فيه إلا أن يكون فاحشًا مؤذيًا. وقاله مالك وأصحابه، وقال في "كتاب بيع الخيار": لا يفرق بينهما، إذا حدث بعد الدخول. قال ابن القاسم في "كتاب محمد": وإن كان شديدًا. وروى عنه عيسى أنه قال: يرد إذا كان ضررًا لا يصبر عليه، وإن كان خفيفًا؛ لم يرد به. (¬3) وهو أحسن. فيرد بما كان قبل وإن كان يسيرًا؛ لأنه يتنامى، فلا يمكن من الاطلاع عليها، فيما مآله إلى الفراق. وقد تقدم القول أنه يرد بالجذام والبرص؛ لأنه يخشى أن يحدث ذلك بالآخر؛ لأنه لا تطيب نفس الواطئ والموطوءة، وقلَّ ما يسلم ولدهما، فساوى بين الرجل في الرد والمرأة بقوله في الموطوءة، وتعليله فيما يخاف حدوثه في الآخر، وفي الولد. وهذا هو الصحيح وقبل الدخول وبعده سواء. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 142، والبيان والتحصيل: 4/ 319، والنوادر والزيادات: 4/ 533. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 533. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 533.

فصل [في عيوب الرجل]

وأما الجنون، فإن كان صرعًا، وكان مثل ذلك ترتاع له المرأة، وينزل بها ما يشق مشاهدته، كان لها أن تقوم بالفراق، وإن لم يكن يؤذيها. فصل [في عيوب الرجل] والزوج في عيب الفرج على أوجه: فإن كان مجبوبًا، أو حصورًا أو عنينًا، أو مقطوع الحشفة؛ رد به. واختلف في الخصي القائم الذكر، فقال مالك: يرد به. (¬1) وقال سحنون: لا يرد به؛ لأنه بمنزلة من كان عقيمًا. وهو أبين؛ لأن ذلك لا ينقص من جماعه. وقال ابن حبيب: الحصور: الذي لا ذكر له، أو له مثل الزر. (¬2) وقال ابن فارس في مجمل اللغة، وابن قتبية في "تفسير غريب القرآن": هو الذي لا يأتي النساء: قال ابن فارس: كأنه أحجم (¬3) عنهن، كما يقال رجل حصور إذا حبس رفده، ولم يخرج ما يخرج الندامى. (¬4) وقال ابن قتيبة: هو فعول، بمعنى مفعول، كأنه محصور عنهن، أي مأخوذ محبوس عنهن، وأصل الحصر الحبس، مثل: ركوب بمعنى مركوب، وحلوب بمعنى محلوب، وهيوب بمعنى مهيب. واختلف في العنين، فقال مالك في "المدونة": إنه الذي لا ينتشر، ولا يستطيع الجماع لذلك (¬5) وقال أبو محمد عبد الوهاب: هو من له ما لا يستطيع ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 143، والتلقين: 1/ 117، والمعونة: 2/ 11 (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 538. (¬3) في (ت): (احتجب). (¬4) انظر: مجمل اللغة: 1/ 239، باب الحاء والصاد وما يثلثهما. (¬5) انظر: المدونة: 2/ 185، والنوادر والزيادات: 4/ 538.

فصل [فيما إذا تبين أن أحد الزوجين عبد]

به الجماع لصغره. (¬1) واختلف ما يقع عليه ذلك الاسم من صفة الرجل، فإنه لا يختلف في مضمونه من الفقه في أن من له مثل الزر، أو الأصبع أو لا ينتشر؛ أنه يردّ بذلك. فصل [فيما إذا تبيّن أنَّ أحدَ الزوجين عبدٌ] الرق عيب، فإن تزوجت امرأة رجلًا، ثم علمت أنه عبد، أو فيه عقد حرية، ولم تتم حريته، أو تزوج رجل امرأة، ثم علم أنها أمة، أو فيها عقد حرية، ولم تتم عتقها (¬2) - كان له أن يردَّ، والقول قول من ادعى عدم المعرفة منهما، إلا أن يكونا من محلة واحدة، ومما لا يخفى ذلك على المنكر، فلا يصدق، أو يقوم دليل لمن ادعى معرفة ذلك، مثل أن يكون من هو في الرق أسود، وقد رآها وقت العقد، أو رأته. قال ابن القاسم في "كتاب محمد"، في حرة تزوجها مكاتب، وأقامت معه سنين، ثم قالت لم أعلم، وغرني قال (¬3): تحلف على ذلك وترد. (¬4) قال: ومن العبيد من يكون في حاله ومنظره وتجارته على مثل الحر. وقوله في المكاتب أحسن (¬5)، أنها تصدق بعد الدخول، والإقامة؛ لكونه متصرفًا لنفسه منقطعًا عن سيده. وأما العبد، والأمة؛ فلا يحسن ذلك فيهما بعد الدخول والطول، ¬

_ (¬1) انظر: التلقين: 1/ 117. (¬2) في (ب): (عقدها). (¬3) قوله: (قال) ساقط من (ت). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 527. (¬5) في (ب): (حسن).

فصل [فيما إذا تبين أن الزوجة نصرانية]

لأنه لا يخفى تصرفه لمواليه، ويصح ذلك في الآبق. فصل [فيما إذا تبيّن أنَّ الزوجة نصرانية] ولم ير مالك الكفر عيبًا. فقال في "كتاب محمد"، في مسلم تزوج امرأة، ثم تبين أنها نصرانية: فلا قيام للزوج إن لم يعلم، ولا قيام لها (¬1) إن لم تعلم، وقالت ظننت أنه نصراني. واختُلف إذا قال لها الزوج أنا على دينك فتزوجته، فقال مالك: لها الخيار؛ لأنه غرها، ومنعها من كثير (¬2) شرب خمر، وغيره". وقال ربيعة: لا خيار لها، وليس الإسلام بعيب. (¬3) والأول أبْيَن وليس هذا من جهة أن الإسلام ليس بعيب، وإنما ذلك، لما دخلت عليه، وقد تقدم قول أصبغ في مثل هذا أنه كالشرط. وقال مالك في "المدونة" فيمن تزوج امرأة فإذا هي لغية؛ فلا قيام له إلا أن يزوجوه على نسب. (¬4) ومحمل النكاح عنده على أنه لازم، حتى يشترط. وكذلك إن تبين أن الزوج لغية، فالنكاح لازم، إلا أن تكون قد اشترطت. وقيل لابن القاسم، فيمن تزوج امرأة، وانتسب إلى غير أبيه، وتسمى بغير اسمه. فقال مالك، فيمن تزوج امرأة، فأصابها لزنية، فإن كانوا زوجوه على نسب؛ فله الخيار. (¬5) وقال مالك في "المبسوط": ذلك يختلف، فأما إن انتمى ¬

_ (¬1) قوله: (لها) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (كثير) ساقط من (ت). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 527. (¬4) انظر: المدونة: 2/ 143. (¬5) انظر: المدونة: 2/ 143.

فصل [فيما إذا اطلع أحد الزوجين على عيب مخالف لعيبه]

إلى ذي الحال والهيئة في موضعه، ونسبه، وأتى إلى قوم لهم هيئة في أنفسهم، وأحسابهم (¬1) - فيرد نكاحه ويعاقب. وأرى إن كان من تزوج إليهم في مثل ما تبين من حاله وموضعه، ألا (¬2) يرد نكاحه؛ لأن ما ذكر من الموضع الذي انتسب إليه زيادة في الاغتباط به، فإذا كان لو علم بما تبين من موضعه، لم يمنع من نكاحه؛ لأنه من أكفائه لم يرد. فصل [فيما إذا اطلع أحد الزوجين على عيب مخالف لعيبه] وإن اطلع كل واحد من الزوجين من صاحبه على عيب مخالف لعيبه، فتبين أن به جنونًا، وبها جذامًا، أو داء فرج - كان لكل واحد منهما القيام، وكذلك إن كان من جنس واحد، جذام أو برص، أو جنون يصرع، ثم يذهب؛ كان له في أحد الأقوال (¬3) القيام دونها؛ لأنه بذل صداقًا لسالمة، فوجد ما يكون صداقها دون ذلك. فصل [فيما إذا ادَّعى أحد الزوجين العيب على صاحبه فأنكره, وكان مما يخفى] واختُلف إذا اختلف الزوجان في عيب الفرج فادعى ذلك، أو ادعته، وأنكر الآخر. فقال ابن القاسم: إن ادعى ذلك عليها؛ لم ينظر إليها النساء. يريد أنها تُدَيَّنُ في ذلك، ويكون القول قولها، وأنكر ذلك سحنون وقال: قد ¬

_ (¬1) في (ب): (وأنسابهم). (¬2) في (ت): (إلا أن). (¬3) قوله: (في أحد الأقوال) ساقط من (ب).

جاء أنها ترد بعيب الفرج، فكيف يعرف ذلك إلا بالنساء ونظرهن. (¬1) وكذلك إن ادعت ذلك عليه، وأنكره، فقال مالك وابن القاسم: يدين. (¬2) وعلى قول سحنون، ينظر إليه. وروى الواقدي عن مالك نحو ذلك، وذلك مذكور في "الكتاب الثاني". وفرق ابن حبيب فقال: إن ادعى الزوج أنها رتقاء، أو غير ذلك من عيوب الفرج؛ صدقت، ولم ينظر إليها النساء، وإن هو فارق وشهدت امرأتان، ولم يكن ذلك النظر عن أمر المرأة (¬3)؛ جازت شهادتهما (¬4)؛ لأن الطلاق بيده لم توجبه شهادتهما، ولم تبطل الشهادة؛ لأنهما يعذران (¬5) بالجهالة، وإن ادعى هو المسيس وقالت: أنا عذراء، وشهد لها النساء بذلك؛ لم تقبل شهادتهما؛ لأنها تؤول إلى الفراق. (¬6) واختلف إذا ادعت أنه حصور، أو مجبوب، وأنكرها، هل يختبر بالجس من فوق الثوب؟ فروى الواقدي عن مالك في المعترض أنه قال: تجعل معها امرأة، فإذا غشيها نظرت إليها (¬7). وروي عنه أيضًا أنه قال: إن كانت بكرًا، وقالت: أصابني، وقال: لم أصب، أنه ينظر إليها النساء. فعلى هذا؛ لا يدين واحد منهما فيما يدعيه على الآخر. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 530. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 185. (¬3) في (ت): (النظر من المرأة). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 185. (¬5) في (ب): (يغرران). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 185. (¬7) في (ت): (إليهما).

ويختلف إذا كان العيب بغير الفرج هل ينظر إليها النساء، ويخبرن عنه، أو يشق الثوب عن ذلك الموضع وينظر إليه الرجال؟ فالظاهر من المذهب أن النساء يخبرن عنه. وقال سحنون: إن جرحت بغير الفرج بقر عن ذلك الموضع حتى ينظر إليه الأطباء (¬1). قال: ولو أصابتها علة في موضع يحتاج فيه إلى طبيب، بقر عن ذلك الموضع لينظر إليه الأطباء، وعلى هذا لو ادعى الزوج أن بذلك الموضع برصًا، وأنكرت شق (¬2) الثوب عنه، ونظر إليه الرجال. تم كتاب النكاح الأول بحمد الله وحسن عونه ¬

_ (¬1) في (ب): (الرجال). (¬2) في (ت): (يفتق).

كتاب النكاح الثاني

كتاب النكاح الثاني النسخ المقابل عليها 1 - (ب) = نسخة برلين رقم (3144) 2 - (ت) = نسخة تازة رقم (235 & 243) 3 - (ح) = نسخة الحسنية رقم (12929) 4 - (ش 1) = نسخة الشيخ أبَّاه - النباغية (شنقيط)

باب في النكاح والبيع في عقد واحد

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليمًا كتاب النكاح الثاني باب في النكاح والبيع في عقد واحد (¬1) واختلف في ذلك على أربعة أقوال: (¬2) فمنعه مالك وابن القاسم في المدونة (¬3)، وأجازه عبد الملك في كتاب محمد، إذا كان الباقي بعد البيع ربع دينار فصاعدًا بأمر لا شك فيه (¬4). وكرهه في ثمانية أبي زيد ابتداء وأمضاه إذا نزل، وكان الثمن كثيرًا وفيه (¬5) فضل بائن عن البيع. وذكر أبو محمد عبد الوهاب عن أشهب أنه أجاز النكاح، والبيع جملة من غير اعتبار بفضل كالسلعتين (¬6). وقال مالك في المبسوط: يفسخ قبل ويثبت بعد ولها صداق المثل. وقال في موضع آخر في امرأة تزوجت على عبد (¬7)، وزادته خمسين دينارًا، ثم طلقها قبل الدخول، قال: يُقَوَّم (¬8) العبد، فإن كان فيه فضل عن الخمسين ردت نصف الفضل (¬9). ¬

_ (¬1) قوله: (واحد) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (واختلف في ذلك على أربعة أقوال) يقابله في (ب): (قال الشيخ - رضي الله عنه -). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 146، والمعونة: 1/ 511، والنوادر والزيادات: 4/ 468 (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 468، والمعونة: 1/ 511 (¬5) حرف الواو زيادة من (ح). (¬6) انظر: المعونة: 1/ 511. (¬7) في (ب): (أبيها). (¬8) في (ت): (يقام). (¬9) في (ح): (الصداق).

فأجازه، وجعل الزائد على البيع للنكاح كالمواضح. وأرى أن يمنع ذلك ابتداء؛ حماية وخوف الذريعة إلى طرح الصداق؛ لأن كثيرًا من النساء ترغب في الرجل، فتعطيه ليتزوجها إما لجماله أو ليساره، أو لأنه فوق قدرها، أو لتعذر الزوج. فإن نزل ذلك، وكان فيما دفع فضل بيّن خارج عن التغابن، لم يفسخ؛ لأن منع ذلك (¬1) النكاح، والبيع في عقد لم تأت فيه آية، ولا سنة، ولا إجماع، ولا وجه لتعليل المنع لأن النكاح أصل لا تجوز فيه الهبة؛ لأن هذا عقد على وجه المعاوضة، ولا للتعليل بجهل الصداق؛ لأن الملك لواحد، وإنما يراعى الجهل في القبض (¬2) إذا جمع الرجلان ملكيهما في البيع، ولا للقول إنه موقوف على الاختيار هل للنكاح صداق، لأنهما دخلا على البت وهما لا يعلمان أن في عقدهما تعقبًا، وإنما يختبره من يحتسب فيه. وإذا صح العقد ثم (¬3) استحق المبيع، أو وجد به عيب؛ كان القبض (¬4) على قيمة المبيع وقيمة صداق المثل، كما قال أشهب؛ لأنه إذا سَلِم العقد من الفساد؛ كان القبض (¬5) على الأصل في المبيعين في عقد هذا (¬6) إذا كان الثمن الذي دفعه الزوج مقاربًا لقيمة المبيع والصداق وإن كان الثمن أقل بالشيء الكثير؛ جعل الفاضل للصداق، كما قال مالك، لما تقدم أن المرأة قد ترغب في الرجل، فلا تبالي أن لا تأخذ شيئًا، وقد يقصد بجمع (¬7) النكاح إلى البيع؛ لئلا يظهر أنها بخست (¬8) في صداقها. وكذلك إذا كان في الذي دفع الزوج فضل بيِّنٌ عن البيع، وصداق المثل خص به النكاح؛ لأن كثيرًا مما (¬9) يزيد في الصداق ويضعف فيه، لما جعل الله ¬

_ (¬1) قوله: (ذلك) زيادة من (ح). (¬2) في (ح): (الفضل). (¬3) في (ب): (أو). (¬4) قوله: (كان القبض) يقابله في (ح): (لأن الفضل). (¬5) في (ح): (الفضل). (¬6) قوله: (عقد هذا) يقابله في (ح): (عقدهما). (¬7) في (ب): (بجميع). (¬8) في (ب) و (ت): (تحسب). (¬9) في (ب) و (ت): (ممن).

فصل [فيمن تزوج على ثمر لم يبد صلاحه]

سبحانه في ذلك من شهوة النفس (¬1)، ولا يزيد مثل ذلك في البيع. وإن لم يكن فضل عن البيع، فسخ قبل وثبت بعد، وكان لها صداق المثل وفوت النكاح، إذا كان هو الأكثر- فوت للسلعة. وإن كانت قائمة وليس فوت السلعة وإن كان (¬2) الجل فوتًا للنكاح، إذا لم يكن دخول؛ لأن النكاح مقصود في نفسه، وإن كان تبعًا (¬3) فليس يتزوج لمكان البيع ويصح أن يشتري لمكان النكاح. وقال ابن القاسم في العتبية، فيمن تزوج امرأة على إن أعطاه أبوها دارًا جاز، وكذلك إن قال: تزوجتها (¬4) بهذه الدار تكون صداقها، أو أعينك في تزويجها، ذلك جائز. وإن قال: تزوج ابنتي بخمسين دينارًا (¬5)، على أن أعطيك هذه الدار، لم يجز، وكان ذلك نكاحًا وبيعًا (¬6) (¬7). والفرق بين السؤالين، أنه في المسألة الأولى، ملك العطية قبل النكاح، ثم هو يتزوجها في ثاني حال بما يتراضيان (¬8) عليه. وفي المسألة الثانية، انعقد الجميع عقدًا واحدًا. والقياس أنهما سواء؛ لأن العطية إذا تقدمت ليتزوج ثم لم يتزوج (¬9)، ارتجعها منه فصار كالعقد الواحد. فصل [فيمن تزوج على ثمر لم يبد صلاحه] وقال مالك، فيمن تزوج على ثمر لم يبد صلاحه (¬10)، أو بعير شارد، أو عبد ¬

_ (¬1) في (ب): (الشهوة النفس)، وفي (ح): (لشهود النفس). (¬2) قوله: (وإن كان) يقابله في (ح): (إن كانت). (¬3) في (ب): (بيعًا). (¬4) في (ب): (يزوجها). (¬5) في (ح): (دارًا). (¬6) قوله: (وكان ذلك نكاحًا وبيعًا) يقابله في (ح): (وذلك نكاح وبيع). (¬7) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 44. (¬8) في (ح): (تراضيا). (¬9) قوله: (ثم لم يتزوج) يقابله في (ح): (فلم يتزوج). (¬10) في (ح): (صلاحها).

آبق، أو جنين: يفسخ قبل ويثبت بعد، ولها صداق المثل، ومصيبة ذلك قبل القبض من الزوج، وإن قبضته وفات بحوالة أسواق أو نماء أو نقص؛ كانت عليها القيمة يوم قبضته (¬1). وأما (¬2) الثمرة فعليها مكيلة ما جدت أو حصدت من الحبوب (¬3). وكذلك إن تزوجها بخمر يفسخ قبل، ويثبت بعد، ولها صداق المثل (¬4). وقد اختُلف في حكم هذا العقد وفي ضمان الصداق، فذكر القاضي (¬5) أبو الحسن ابن القصار وأبو محمد عبد الوهاب عن مالك فيها (¬6) ثلاثة أقوال: فقال مرة: يمضي بنفس العقد ولها صداق المثل إن دخل بها. وإن طلق قبل الدخول؛ لم يكن لها شيء كالتفويض. وقال مرة يفسخ قبل، ويثبت بعد (¬7). وقال: يفسخ قبل وبعد (¬8). وفي كتاب محمد مثله (¬9). فإن تزوج بخمر يفسخ قبل وبعد. وقال أبو محمد عبد الوهاب (¬10): اختلف أصحابنا في تأويل قول مالك: إنه يفسخ قبل، فمنهم من حمله على الإيجاب تغليظًا وعقوبة، لئلا يعود إلى مثل ذلك. ومنهم من حمله على الاستحباب احتياطًا (¬11) ليخرج من الخلاف (¬12). قال الشيخ - رضي الله عنه -: أثبت ذلك بالعقد مرة، مراعاة للخلاف ولأنه عقد بوجه شبهة تقع به (¬13) الحرمة بينه وبين أمها وابنتها وبينها (¬14) وبين آبائه، وتجري فيه ¬

_ (¬1) في (ح): (قبضها). (¬2) في (ب) و (ت): (أما). (¬3) في (ب) و (ت): (الحب). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 146، والمعونة: 1/ 499. (¬5) قوله: (القاضي) ساقط من (ت) و (ح). (¬6) في (ح): (فيه). (¬7) انظر: المدونة: 2/ 147. (¬8) قوله: (وقال: يفسخ قبل وبعد) ساقط من (ح). (¬9) انظر: التفريع: 1/ 383، والنوادر والزيادات: 4/ 544، 545. (¬10) قوله: (عبد الوهاب) ساقط من (ح). (¬11) في (ح): (واحتياطًا). (¬12) انظر: المعونة: 1/ 499، 500. (¬13) قوله: (بوجه شبهة تقع به) يقابله في (ح): (يوجب الشبهة وتقع به). (¬14) قوله: (وبينها) زيادة من (ح).

المواريث، فقام ذلك مقام حوالة الأسواق في البياعات، وفسخه مرة قبل وبعد، بخلاف البيع؛ لأن النكاح يفتقر إلى ولي، فإذا فسد العقد الأول، وجب استئنافه بولي؛ لأن العقد كان فاسدًا، وإنما حصلت الشبهة في الدخول، وهو بغير ولي، وأمضاه في القول الآخر بالدخول مراعاة للخلاف في الولي. وأما ضمان الصداق فقال مالك: يضمن جميعه بالقبض، وإن فسخ النكاح. وقال ابن حبيب: إن عثر على ذلك قبل البناء كانت المصيبة من الزوج وله النّماء - كما لو طلّق في النكاح الصحيح وإن بنى بها كانت ضامنة وعليها القيمة. يريد: أنه لما كان الطلاق في النكاح الصحيح يسقط الضمان في النصف؛ كان الفسخ يسقط الضمان في الجميع. والأول أحسن؛ لأن المطلق ترك قبض ما اشتراه باختيارٍ (¬1) منه. وقد كان القياس -لولا ما ورد في ذلك- ألا يرجع بشيء إن طلق؛ لأنه ترك قبض ما اشتراه باختيار (¬2) منه، فلا يرجع في ثمنه، وهذا غلب على قبض (¬3) ما اشتراه، وحيل بينه وبينه في الفسخ (¬4)، فجرى العوض مجرى البياعات (¬5) في الضمان، ويفوت الجنين بالأيام اليسيرة؛ لأنه يسرع إليه (¬6) انتقاله. وفي كتاب البيوع الفاسدة, ذكر الثمار تباع قبل بدو صلاحها ثمرة رطبة أو يابسة وهي قائمة أو فائتة, وقد (¬7) علمت المكيلة، أو لم تعلم، فاختلف قول ابن ¬

_ (¬1) في (ح): (اختيارًا). (¬2) في (ح): (اختيارًا). (¬3) قوله: (على قبض) ساقط من (ح). (¬4) في (ب): (وحيل بينه وبين الفسخ)، وفي (ح): (وحيل بينه وبينهم بالفسخ). (¬5) في (ح): (البيوعات). (¬6) قوله: (إليه) ساقط من (ب) و (ح). (¬7) في (ب) و (ت): (وقد كان).

القاسم، ومحمد في ذلك (¬1). وإن تزوجت بثمر لم يبد صلاحها (¬2) على الجداد، فغُفل عنها حتى بدا صلاحها، لم يفسخ النكاح؛ لأنه كان جائزًا، ولا يتهمان (¬3) أن يكونا عملا على ذلك، والثمرة للزوج وعليه قيمتها يوم كانت الزوجة تجدها. وإن جذتها (¬4) الزوجة رطبة، وكانت قائمة العين؛ أخذها الزوج، ولا شيء عليها بخلاف أن يتزوج (¬5) بها على البقاء؛ لأن هذه دخلت على جدادها بَلَحًا، فجدتها رطبًا فلم تزده (¬6) إلا خيرًا. وإذا تزوجت (¬7) على البقاء وكان الشأن جدادها يابسة، لزمتها قيمتها، وإن كانت مجدودة (¬8)؛ لأن جدادها قبل اليبس فساد، وإن تزوجت بخمر فسخ قبل ويثبت بعد (¬9). وقال محمد: ومن الناس من قال: يفسخ بعد (¬10). واختلف إذا استهلكت الخمر، فقال ابن القاسم: لها صداق المثل ولا تُتْبعُ (¬11) بشيء. قال محمد: وكان أشهب يقول في هذا وشبهه: تعطى ما تستحل به، وهو ربع دينار (¬12). ¬

_ (¬1) انظر: كتاب البيوع الفاسدة، ص: 4231. (¬2) في (ت) و (ح): (لم يصلح). (¬3) في (ب): (ألا يتهما). (¬4) في (ت): (أخذتها). (¬5) في (ح): (يزوج). (¬6) في (ت): (رطبا فلم ترده)، وفي (ح): (رطبة فلم يزده). (¬7) في (ح): (كان). (¬8) في (ت): (موجودة). (¬9) انظر: المدونة: 2/ 147. (¬10) انظر: التفريع: 1/ 383، وقد جعله من قول مالك -رحمه الله-. (¬11): في (ت) (يتبع). (¬12) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 470.

فصل [فيمن تزوجت بمال غائب]

وهو أحسن؛ لأن حقها في الصداق سقط بقبضها الخمر، والمقال الآن (¬1) لحق الله تعالى سبحانه ولو لم تقبض الخمر، لكان لها صداق المثل؛ لأنها تقول تزوجت على ما هو عندي مال، ويصح ملكه. فإذا حيل بينها وبينه رجعت إلى قيمة سلعتها. واختلف إذا كانا كافرين فأسلما قبل الدخول، وقبل القبض. فقال أشهب: لها ربع دينار (¬2). يريد: لأن الزوج يقول: أنت الآن مسلمة، ولو غرمت لك الخمر لكسرت عليك، فلا فائدة في أن أغرم ما لا ينتفع (¬3) به، فكانت مصيبة دخلت عليها، بخلاف أن يسلم أو يكون مسلمًا وهي كافرة ممن يصح لها الانتفاع بها. فصل [فيمن تزوجت بمال غائب] وقال ابن القاسم، فيمن تزوجت بمال غائب: لم يصلح إلا أن تشترط إن تلف فعليه بدله كالبيع (¬4). يريد: إذا اشترط الدخول قبل قبضها؛ لأن المبيع (¬5) يجوز العقد فيه على مثل ذلك ولا يجوز النقد. وقال ابن حبيب: لا بأس أن يدخل بها، إذا كان على مثل الشهر. قال: والنكاح في هذا مخالف للبيوع (¬6). والكلام في المسألة من ثلاثة أوجه: جواز العقد إذا لم يشترط الدخول، أو اشترطاه، أو تطوعت به من غير شرط، فالعقد جائز والدنانير والدراهم والعبد في ذلك سواء، ولها أن تمنع نفسها حتى تقبض الغائب. ¬

_ (¬1) في (ح): (إلا). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 470. (¬3) في (ح): (تنتفعين). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 147، والبيان والتحصيل: 5/ 90. (¬5) في (ب) و (ح): (البيع). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 458.

واختلف ابن القاسم وابن حبيب إذا اشترط (¬1) الدخول. وقول ابن حبيب ها هنا أحسن أن النكاح بخلاف البيع؛ لأن منع شرط النقد (¬2) في البيع الغرر (¬3) إن لم يوجد الغائب انفسخ البيع؛ فكان سلفًا وإن وجد كان بيعًا. والنكاح إن لم يوجد الغائب، أعطيت قيمته، ولم يفسخ النكاح، ولو شرطا أن يسلكا بالنكاح مسلك البيع فيكون موقوفًا. فإن لم يوجد الغائب؛ فسخ النكاح، وكان نكاحًا فاسدًا. وإن تطوعت بالدخول من غير شرط؛ جاز إذا (¬4) دفع ربع دينار. ومحمل قول محمد (¬5) في منع الدخول على أنه كان بشرط (¬6). قال محمد في العبد والدار الغائبة (¬7): يجوز التزويج بهما، ما لم يتفاحش غيبة ذلك، مثل خراسان والأندلس؛ وإن قال أتزوجك بهذه الدنانير التي في يدي جاز. ¬

_ (¬1) في (ح): (شرط). (¬2) في (ح): (العقد). (¬3) في (ب): (للغرر). (¬4) في (ح): (إن). (¬5) في (ب): (مالك). (¬6) في (ب): (شرطًا). (¬7) قوله: (الغائبة) ساقط من (ب) و (ح).

باب فيمن تزوج على شوار بيت، أو بنائها، أو على عبد، أو على أمة بغير صفة

باب فيمن تزوج على شوار بيت، أو بنائها (¬1)، أو على عبد، أو على أَمَة بغير صفة واختُلف في النكاح على شوار بيت (¬2)؛ فأجازه مالك، وحملها (¬3) على العادة (¬4). قال: فإن كانوا في (¬5) أهل الحاضرة، فشورة مثلها (¬6) في الحضر. وإن كانا من أهل البادية فشورة مثلها في البادية، وإن تزوجها على بيت، لم يجز بخلاف الشوار؛ لأنها لا تدري موضعها من البلد. وكذلك إذا (¬7) قال: على أن أبني لك بيتًا، لم يجز، إلا أن يسم الموضع، ويكون في ملكه فيجوز، ثم يحملان في صفة البناء على عادة أمثالهما (¬8) وإن تزوجت على بيت موصوف في الذمة لم يجز إذا لم يذكر الموضع، ويكون الموضع في ملكه. وإن كان بيتًا معينًا في ملكه، جاز، وإن لم يكن في ملكه، لم يجز. وإن تزوج على عبد، أو أَمَة جاز، وإن لم يوصف. ولها الوسط في الجودة والسن (¬9). وأما الجنس، فعلى حسب البلد (¬10) من الحمران والسودان، فإن كانت العادة الصنفين جميعًا، فنصف من هذا، ونصف من هذا (¬11). ¬

_ (¬1) في (ب): (بنيانها). (¬2) شوار بيت: أي متاعه. انظر: لسان العرب: 4/ 434. (¬3) في (ح): (وحملهما). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 147، والبيان والتحصيل: 5/ 32 (¬5) في (ح): (من). (¬6) في (ح): (مثلهما). (¬7) في (ح): (إن). (¬8) في (ح): (أمثالها). (¬9) انظر: المدونة: 2/ 148. (¬10) في (ب): (موضعها). (¬11) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 459.

وقال محمد بن عبد الحكم: لا يجوز النكاح على شوار بيت، ولا على خادم بغير صفة، ويفسخ قبل، ويثبت بعد، ولها صداق المثل (¬1). وقول مالك أبين؛ لأن القصد المكارمة، بخلاف البيع. وإن تزوجها على عبد بعينه في ملكه، ولم يصفه، لم يجز؛ لأنها لا تدري هل هو وسط أو جيد أو (¬2) رديء؟ ولو كان ذلك في خلع، جاز، والغرر في الخلع أوسع منه في النكاح. وفي كتاب محمد، فيمن تزوج على عبد، ولم يوصف، ثم طلق قبل البناء: يكون لها نصف قيمة عبد وسط، يوم تزوجت (¬3). وليس هذا بحسن. وأرى أن يأتي بعبد على الصفة التي كانت تستحق لو لم يقع الطلاق، فيكون شركة بينهما، وليس العبد كالدينار، يكون دينًا فيهب نصفه، أنه (¬4) يقضى له بنصف (¬5) قيمته دراهم؛ لأن الدنانير لا تختلف فيها (¬6) الأغراض، ولو أحضره الغريم ثم دعا إلى المفاضلة فيه لبيع، ولم (¬7) يحصل للطالب إلا الثمن الذي أحضره الغريم. والعبد تختلف فيه الأغراض ويصح إن أحضره أن يتزايد فيه، ولا يخرج أحدهما منه لصاحبه، إلا بأكثر من قيمته. ولو سلم أن للزوج أن يدفع القيمة، لم يحسن أن يقال: القيمة يوم النكاح؛ لأن الذي في الذمة، عبد إلى يوم الطلب، فلها قيمته يوم الحكم، كما قيل في الدينار له صرفه يوم القضاء، ولو أحضر العبد ليكون لها نصفه، لجبرت (¬8) على قبوله؛ لأن القيمة تخفيف عن الزوج، ¬

_ (¬1) انظر: المعونة: 1/ 506. (¬2) في (ح): (أم جيد أم). (¬3) في (ح): (تزوج). (¬4) في (ح): (أن). (¬5) في (ح): (نصف). (¬6) قوله: (فيها) ساقط من (ح). (¬7) في (ب): (لو لم). (¬8) في (ح): (لأجيرت).

وإنما حقها في عبد. وقال ابن القاسم في العتبية: إن شرطت رأسًا بخمسين، فغلا الرقيق أو رخص (¬1)، فإن كان وصفه (¬2)، وكان ذكر الخمسين (¬3) عبارة عن الصفة؛ فلها الصفة (¬4)، غلت أو رخصت (¬5)، إن كان ذكر الخمسين لا يقصد بها الصفة إلا تزيينًا (¬6)؛ فعليه الشراء بخمسين في الغلاء والرخص (¬7). واختُلف إذا كانوا يسمون الأكثر (¬8) على وجه التجمل، فقيل: عليه أن يشتري بذلك الثمن. وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: إذا سمى الرداء بعشرين دينارًا، أو الخمار، أو الدرع (¬9) بكذا، مما يراد به السمعة، يعطى وسطًا من ذلك، ولا يعطي الثمن الذي سمَّى (¬10). ¬

_ (¬1) في (ح): (أرخص). (¬2) في (ب) و (ت): (وصفوه). (¬3) في (ب) و (ت): (خمسين). (¬4) في (ب): (النصف). (¬5) في (ح): (أرخصت). (¬6) في (ح): (تزيلها). (¬7) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 462، والنوادر والزيادات: 4/ 460. (¬8) في (ب): (الثمن). (¬9) قوله: (أو الخمار، أو الدرع) يقابله في (ح): (والخمار والدرع). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 460.

باب في الصداق يوجد به عيب أو يستحق

باب في الصداق يوجد به عيب أو يستحق وقال ابن القاسم، فيمن تزوجت (¬1) على قلال خل، فأصابتها خمرًا؛ فهي بمنزلة من أصابت بمهرها عيبًا؛ فإنها ترده وترجع بمثله (¬2). وقول سحنون في هذا، وفي (¬3): إذا تزوجت على عبد فثبت أنه حر؛ أن النكاح فاسدٌ. والأول أحسن؛ لأنهما لم يدخلا على فساد، فهو كالاستحقاق، فترجع بمثل الخل الذي وصف الزوج، أنه في تلك القلال يكال، وترجع بمثله وبمثل القلال. وعكسه أن تتزوج على أنها خمر، فأصابتها خلاًّ؛ فإن النكاح ثابت إن أحبا، كالتي تزوجت وهي ترى أنها في عدة (¬4)، ثم تبين أنها في غير عدة، وقد اختلف فيها. وأما (¬5) إذا تبين أن هذه خل، فإن رضيا جميعًا بالبقاء على النكاح بها جاز، وأيهما كره لم يتم النكاح، وفُرق بينهما، فإن رضيت الزوجة بالتمسك بها، وقال الزوج: أنا (¬6) لم أبعك خلًّا، فكان له أن لا يسلمها. وإن رضي الزوج تسليمها، قالت الزوجة: لا يلزمني قبولها لأني لم أشتر خلًّا، وهي في هذا الوجه تفارق المعتدة؛ لأن المعتدة هي العين المشتراة (¬7)، وإنما كان يظن أنه كان يتعلق بالمنع (¬8) حق لله تعالى، فتبين أن لا حق لها (¬9). ¬

_ (¬1) في (ح): (تزوج). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 148. (¬3) قوله: (وفي) ساقط من (ب). (¬4) في (ح): (عدتها). (¬5) قوله: (وأما) ساقط من (ب). (¬6) قوله: (أنا) ساقط من (ح). (¬7) في (ب): (المستبرأة). (¬8) في (ت): (بالمبيع). (¬9) في (ب): (عليها).

واختلف إذا كان الصداق عبدًا فأصابت به عيبًا. فقال مالك وابن القاسم: ترده وترجع بقيمته (¬1). وحمل الزوجين فيه على المكارمة. فإن كانت قيمته أقل من صداق المثل كان ذلك مكارمة من الزوجة، وإن كانت قيمته أكثر، كانت مكارمة من الزوج. وقيل: ترجع بصداق المثل كالبيع (¬2). وفي مختصر ما ليس في المختصر، ترجع بمثل العبد (¬3)، وقاله ابن كنانة في كتاب المدنيين في العبد (¬4) إن استحق، ترجع بمثله. ولو قيل: إن لها الأقل من قيمته، أو صداق المثل؛ لكان وجهًا، فإن كانت القيمة أقل؛ لم يكن لها غيره؛ لأنها رضيت بأقل من صداق المثل (¬5). وإن كانت القيمة أكثر لزمه صداق المثل؛ لأنه يقول: إنما (¬6) وهبت عينًا فاستحقت، فلا يلزمني العوض عنها، إلا أن يعلم أنها لو (¬7) تزوجت بغير دنانير أو دراهم، لم ترض إلا بما يكون مبلغه مثل قيمة العبد. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 148. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 418، 419. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 475. وهو قول أصبغ من كتاب ابن المواز. (¬4) قوله: (العبد) ساقط من (ح). (¬5) قوله: (وجهًا، فإن كانت القيمة. . . بأقل من صداق المثل) ساقط من (ب). (¬6) في (ب) و (ت): (إنها). (¬7) في (ب) و (ت): (إن).

باب فيمن تزوج بصداق، وأعلن أكثر منه، وفي الشرط في النكاح

باب فيمن تزوج بصداق، وأعلن أكثر منه، وفي الشرط (¬1) في النكاح ومن تزوج بخمسين دينارًا، فأسَرَّا ذلك، وأعلنا مائة، لم يكن عليه سوى خمسين، فإن ادعت الزوجة أنهما انتقلا عن الخمسين إلى المائة كان القول قول الزوج -مع يمينه أن الذي أعلن سمعة- لأن (¬2) الشأن في هذا السمعة والتزين، بأكثر، وإن أشهدا فاستعلن مائة ففعلا؛ لم يكن عليه يمين. وإن أعلنا أكثر من مائة؛ فلا يمين عليه. وإن أعلنا فوق الخمسين بما يقاربها، مما (¬3) يشبه أن يكون زادها حلف. وإن بعثت الزوجة إلى الزوج بشيء زاده في الصداق بغير علم الأب رده إن كانت بكرًا، ولم يحط عنه من الصداق شيء (¬4). وإن كانت ثيبًا رشيدة؛ لم ترجع عليه (¬5) من (¬6) ذلك بشيء، وإن كانت سفيهة، انتزع منه ولم يحاسب بها كالبكر. وإن كان عالمًا بسفهها، لم يكن له في ذلك مقال. فإن لم يكن (¬7) يعلم، حلف أنه لم يرضَ بتلك التسمية، إلا بما وصل إليه من المال (¬8)، ثم كان الأب بالخيار، بين أن يمضي النكاح بما دفعه من خاصته (¬9)، أو يفارق ولا شيء على الزوج. وإن علم بذلك بعد الدخول؛ حلف، وكان لها صداق المثل، ما لم يكن أقل مما دفعه من خاصته (¬10)، أو أكثر من الجميع. ¬

_ (¬1) في (ح): (الشروط). (¬2) في (ح): (أن). (¬3) في (ت): (أو). (¬4) في (ح): (شيئا). (¬5) في (ب): (يرجع عليها). (¬6) في (ح): (عن). (¬7) قوله: (يكن) ساقط من (ح). (¬8) في (ح): (الحال). (¬9) في (ب): (خاصة). (¬10) قوله: (من خاصته) يقابله في (ح): (من خاصة نفسه).

فصل [فيمن تزوج امرأة على شرط فاسد]

فصل [فيمن تزوج امرأة على شرط فاسد] وقال ابن القاسم، فيمن تزوج امرأة بمائة، فإن كانت له غيرها فصداقها مائتان، فالنكاح فاسد. وإن تزوجها بمائة، على أنه (¬1) إن أخرجها من بلدها؛ فصداقها مائتان، كان النكاح جائزًا، والشرط باطل (¬2). وفرق (¬3) بينهما؛ أن الأول انعقد على أنها لا تدري وقت العقد، هل لها مائة، أو مائتان لما كانت لا تدري هل تحته امرأة أخرى أم لا. والأخرى صداقها مائة، ولا شيء لها غيره، فإن أحدث (¬4) عقدًا (¬5)، فحينئذ يزاد. واختُلف فيمن تزوج على أن لا يخرجها من بلدها (¬6)، أو لا يتزوج عليها في موضعين، أحدهما: هل يجب الوفاء به؟ والثاني: إذا لم يجب الوفاء به، هل يكون لها مقال في تمام صداق المثل؟ فقال مالك: يستحب الوفاء به ولا يجب. وقال ابن شهاب: كان من أدركت من العلماء يقضون به. وهذا (¬7) أحسن، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ يُوفَّى بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الفُرُوجَ" (¬8). وإذا لم يجب الوفاء به، فإنها في الصداق على ثلاثة أوجه: فإما أن تقول أتزوجك بمائة على أن لا تتزوج علي، ولا تخرجني، ولا تزد على ذلك شيئًا (¬9). أو تقول: أتزوجك بمائة وخمسين، وأسقط خمسين على أن لا تتزوج عليَّ، ولا ¬

_ (¬1) قوله: (أنه) ساقط من (ب). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 148. (¬3) في (ح): (والفرق). (¬4) في (ب): (أخذ). (¬5) في (ح): (عقده). (¬6) قوله: (من بلدها) زيادة من (ح). (¬7) في (ح): (وهو). (¬8) سبق تخريجه في كتاب النكاح الأول، ص: 1868. (¬9) قوله: (شيئًا) ساقط من (ب) و (ح).

تخرجني. أو تتزوج بمائة وخمسين، ثم تسقط خمسين بعد العقد لمثل ذلك. فإن قالت: أتزوجك بمائة على أن لا تتزوج علي، ولا تخرجني (¬1)، فتزوج عليها، أو أخرجها، لم ترجع عليه بشيء، وهذا قول مالك. (¬2) والقياس إن كانت المائة أقل من صداق المثل؛ أن ترجع بتمام صداق المثل، والقول قولها أنها تركت ذلك لأجل الشرط، بمنزلة من باع عبدًا بمائة، وقيمته مائة وخمسون على أن لا يخرجه من (¬3) بلده، وفات، فإنه يرجع بالخمسين تمام القيمة. واختلف عن مالك إذا قالت: أتزوجك بمائة وخمسين وأحط خمسين على أن لا تتزوج عليَّ (¬4)، ولا تخرجني من بلدي (¬5). فقال مرة: لا مقال لها في الصداق إن فعل وقال مرة: لها أن ترجع بالأقل من صداق المثل أو الخمسين (¬6). وهو أقيس وقد مضى وجه ذلك. وإن حطت الخمسين بعد العقد، كان لها أن ترجع إن فعل. واختلف هل الترك لمثل ذلك جائز، أو فاسد؟ فقال مرة: ذلك جائز، والزوج بالخيار، بين أن يتمسك بالخمسين ولا يفعل، أو يرد الخمسين، ويتزوج ويتسرى ويخرجها. وقال في "مختصر ما ليس في المختصر" فيمن أعطته زوجته خادمًا على أن لا يتزوج عليها (¬7): ذلك باطل. وإن مات العبد في يديه (¬8) فعليه قيمته. وقال ابن كنانة في كتاب المدنيين في امرأة اشترت من زوجها السكنى مع ¬

_ (¬1) قوله: (أو تتزوج بمائة وخمسين، ثم تسقط خمسين. . . ولا تخرجني) ساقط من (ب). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 148، 149، والبيان والتحصيل: 4/ 383. (¬3) في (ح): (عن). (¬4) قوله: (عليَّ) ساقط من (ح). (¬5) قوله: (من بلدي) ساقط من (ح). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 149. (¬7) قوله: (عليها) ساقط من (ش 1). (¬8) في (ش 1): (يده).

أبويها وأن لا يخرجها عنهما بمائتي درهم، قال: اشترت ما لا يشترى ولا يباع، وترجع عليه بالدراهم، ويرتحل بها (¬1) حيث شاء (¬2). وأنكر قول ابن القاسم بجواز ذلك (¬3). وروى ابن كنانة (¬4) عن مالك في السليمانية أنه قال في امرأة وضعت من صداقها بعد العقد على أن لا يطلقها البتة، فإن طلقها (¬5) البتة (¬6)، رجعت عليه بما وضعت عنه (¬7). قال: عليه أن يتم (¬8) لها ما وضعت؛ لأنها اشترت شيئًا لا يشترى مثله إن شاء طلق وإن شاء أمسك. وهذا أحسن قوليه في هذا الأصل؛ لأنه إذا كان لا يجبر الزوج على الوفاء ¬

_ (¬1) في (ش 1): (وير تحلها). (¬2) انظر: أيضا البيان والتحصيل: 4/ 366، قال فيه: (وسئل مالك عن امرأة نكحت على أربعمائة دينار صداقًا على أن تضع له مائتي دينار ولا يخرجها من المدينة، فنكحته على ذلك ثم أراد إخراجها، فطلبت ما وضعت عنه فقال: إن كان أكثر لها من الصداق ليس ذلك صداق مثلها فله أن يخرجها ولا ترجع عليه بالذي وضعت عنه من أجل الشرط، وإن كان صداق مثلها فوضعت عنه على أن لا يخرجها من المدينة فإن له أن يخرجها حيث شاء وعليه أن يرد عليها الذي وضعت عنه من صداقها يرجع إليها وله أن يخرج بها حيث شاء، قلت له: إن كان الذي أصدقها أكثر من صداق مثلها فوضعت عنه على أن يسكنها بلدها فليس ذلك لها، وله أن يخرج بها حيث شاء ولا شيء عليه فيما وضعت عنه، وإن كان الذي أصدقها فوضعت صداق مثلها على أن يسكنها بلدها فليس ذلك له، وله أن يخرج بها حيث شاء، ولها عليه ما وضعت عنه من صداق مثلها؟ قال: نعم) (¬3) في (ش 1): (وأنكر ابن القاسم قول من يقول بجواز ذلك). (¬4) في (ش 1): (وروى ابن القاسم). (¬5) قوله: (فإن طلقها) ساقط من (ب). (¬6) قوله: (البتة) زيادة من (ح). (¬7) قوله: (عنه) ساقط من (ح). (¬8) قوله: (يتم) بياض في (ش 1).

بذلك، كانت المعاوضة فاسدة وغررًا، تارة بيعًا ومعاوضة إن أمسك عن (¬1) التزويج والطلاق والسفر بها. وتارة سلفًا؛ لأنه إن فعل ذلك رد المال، ولأن فيه (¬2) غرورًا على الزوجة لو علمت أنه بالخيار، لم تعطه ذلك. وعلى ما ذكره ابن شهاب؛ يجوز ويجبر على الوفاء به (¬3). ¬

_ (¬1) في (ب) و (ت): (على). (¬2) قوله: (لأن فيه) ساقط من (ش 1). (¬3) قوله: (به) ساقط من (ح).

باب فيمن زوج ابنه أو ابنته في صحته أو مرضه ثم مات قبل قبض ذلكـ منه

باب فيمن زوج ابنه أو ابنته في صحته أو مرضه ثم مات قبل قبض ذلكـ منه (¬1) ومن زوج ابنته في صحته، وضمن الصداق عن الزوج، ثم مات قبل أن تقبض الابنة صداقها، فإن خلف وفاء (¬2)؛ قضي ذلك من تركته، ولم تحاسب به من ميراثها. وإن لم يخلف شيئًا؛ كان الزوج بالخيار، بين أن يدفع ذلك إليها، أو يفارق، ولا شيء عليه (¬3)، ويكون لها ذلك النصف. على قول مالك وابن القاسم تأخذه من تركة أبيها، متى طرأ له شيء (¬4). وعلى قول ابن نافع (¬5): لا شيء لها، ويعود ميراثًا. وهذا إذا كان جميع صداقها نقدًا، فإن كان النقد خمسين، والمؤخر خمسين، وخلف وفاء (¬6)؛ قضي لها بجميعه؛ لأن الموت يحل الأجل. وإن لم يخلف وفاء (¬7) وأتى الزوج بالمعجل؛ كان له أن يبني بها. وإن خلف (¬8) خمسين دينارًا؛ أخذتها (¬9)، وكانت مفضوضة نصفًا عن المعجل، ونصفًا عن المؤجل، فإن أتى الزوج بتمام المعجل، وهو خمسة وعشرون، بنى بها ¬

_ (¬1) قوله: (منه) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (خلف وفاء) بياض في (ش 1). (¬3) قوله: (يدفع ذلك إليها، أو يفارق، ولا شيء عليه) بياض في (ش 1). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 150، والنوادر والزيادات: 4/ 426. (¬5) قوله: (تركة أبيها، متى طرأ له شيء. وعلى قول ابن نافع) بياض في (ش 1). (¬6) قوله: (نقدًا، فإن كان النقد خمسين، والمؤخر خمسين، وخلف وفاء) بياض في (ش 1). (¬7) قوله: (وفاء) ساقط من (ت). (¬8) قوله: (لم يخلف وفاء وأتى الزوج بالمعجل، كان له أن يبني بها. وإن خلف) بياض في (ش 1). (¬9) قوله: (أخذتها) ساقط من (ب).

وإلا فارق، وكانت الخمسون التي خلف الميت لها على قول ابن القاسم. ولو أفلس (¬1) الأب قبل الدخول فطلب الزوج بالمهر فأداه، ثم دخل كان له الرجوع به على الأب متى أيسر، فإن كان الميت غريمًا (¬2) ضربت بجميع صداقها، فإن نابها خمسون دينارًا؛ وكان جميع الصداق معجلًا؛ لم يكن له أن يبني بها إلا أن يتم مائة وإن كان نصفه معجلًا و (¬3) نصفه مؤجلًا، كانت الخمسون مفضوضة على المعجل والمؤجل. فإن أتى الزوج بخمسة وعشرين دينارًا (¬4)؛ بنى بها وإلا فارق. ثم يختلف (¬5) هل ينتقض الحصاص (¬6) الأول (¬7)، فمن قال: إن الصداق وجب بالعقد، لم ينتزع منها شيء (¬8)، ومن قال: إنه مترقب، قال: عليها أن ترد نصف ما قبضته عن المعجل، وهو خمسة وعشرون، ثم تضرب فيها هي والغرماء بما بقي لهم؛ لأنه قد تبين أن دينها خمسون دينارًا، وبها كانت تضرب، وإن كان جميع الصداق مؤجلًا، كان للزوج أن يبني بها، وإن لم يخلف الميت شيئًا. فالجواب إذا كان الصداق مؤجلًا على الأب، بخلافه إذا كان على الزوج، فلم يدخل حتى حلَّ المؤجل (¬9). واختلف فيه إذا كان على الزوج هل تمنع نفسها حتى تقبض ما حلّ أم لا؟ وإذا كان المؤجل على الأب، لم يكن ذلك (¬10) لها؛ لأنها دخلت على أن تسلم، ¬

_ (¬1) في (ح): (فلس). (¬2) في (ح): (غير ما). (¬3) قوله: (نصفه معجلًا و) ساقط من (ب). (¬4) قوله: (دينارًا) ساقط من (ت) و (ح). (¬5) قوله: (ثم يختلف) يقابله في (ح): (ويختلف). (¬6) في (ح): (بالحصاص). (¬7) في (ب): (أولى). (¬8) في (ح): (شيئا). (¬9) في (ح): (الأجل). (¬10) قوله: (ذلك) ساقط من (ح).

وتتبع ذمة آخر (¬1) بمنزلة من قال: بع فلانًا فرسك والثمن علىَّ إلى سنة، ففعل، ثم فلس القائل بذلك بعد تسليم الفرس أو قبله - فليس له أن يمنع المبيع (¬2)، لأنه دخل على التسليم، وتتبع غير ذمة المشتري على وجه الحمل، فأشبه الحوالة، وهذا إذا كان الحمل (¬3) في أصل العقد. واختلف إذا كان بعد العقد، فقال: ها هنا يستوفي ذلك من مال أبيها، إذا وقعت عقدة النكاح بالضمان. يريد فإن كانت بعد، لم يكن لها شيء. وقال في كتاب الحمالة: إذا قال: مالكِ على فلان (¬4)، فأنا به كفيل، فمات قائل ذلك قبل أن يؤخذ من ذمته؛ فإنه يؤخذ (¬5) من تركته (¬6)، وعلى (¬7) القول الأول ترجع الزوجة على الزوج وكأنه لم يتحمل به أحد. وعلى القول الآخر تأخذه من تركة أبيها إن خلّف وفاء (¬8). فإن لم يخلّف وفاء وكان الحمل بغير رضا الزوجة، عاد الجواب إلى ما تقدم يبقى على الزوج بمنزلته (¬9) قبل أن يتحمل عنه، وإن كان برضاها رضيت أن تتحول بحقها في ذمة الأب، لم يكن لها أن تحبس نفسها، وكان له أن يدخل بها إلا أن يكون الصداق مؤجلًا، فلا يبرأ (¬10) الزوج؛ لأن الحمالة بما لا يحل فاسدة. ¬

_ (¬1) في (ح): (أخرى). (¬2) في (ح): (البيع). (¬3) قوله: (فأشبه الحوالة، وهذا إذا كان الحمل) ساقط من (ب). (¬4) قوله: (إذا قال: مالكِ على فلان) يقابله في (ت): (مالكِ قِبَلَ فلان)، وفي (ح): (إذا قال: وجب قِبل فلان). (¬5) في (ب): (فإنما تؤخذ). (¬6) انظر: المدونة: 4/ 100. (¬7) في (ت): (على). (¬8) انظر: المدونة: 2/ 150. (¬9) في (ب) و (ت): (بمنزلة). (¬10) في (ب) و (ت): (فلا يبني).

فصل [في صداق من زوج ابنه صغيرا أو كبيرا سفيها]

فصل [في صداق من زوج ابنه صغيرًا أو كبيرًا سفيها] وإن زوّج الأب ابنه، وهو صغير، أو كبيرٌ سفيه، كان في (¬1) الصداق على ثلاثة أوجه: إما أن يشترطه على نفسه، أو على ولده، أو يطلق العقد، ولا يشترطه والولد صغير أو كبير، موسر أو معسر، فإن اشترطه على نفسه، لم يؤخذ به الابن، موسرًا كان (¬2) أو معسرًا، صغيرًا كان أو كبيرًا؛ لأن ذلك من الأب على وجه الحمل، وسواء قال: أنا أحمله أو أضمنه؛ لأن العادة في ضمان الأب لذلك أنه على وجه الحمل. وإن اشترطه على الابن، أو أطلق العقد، والابن موسر، كان على الابن. وإن كان معسرًا وأطلق العقد كان على الأب. قال مالك: يؤخذ به (¬3) في حياته، ومن رأس ماله بعد وفاته. واختلف إذا اشترطه على الابن، وهو معسر، فقال ابن القاسم: يكون على الأب (¬4). وقال أصبغ: يكون على الابن كما شرط بمنزلة ما (¬5) لو اشترى له سلعة باسمه، وكتب الثمن عليه قال: وإنما يلزم الأب إذا زوجه مبهمًا (¬6)، ولم يسم على أحد والابن عديم. (¬7) وقال محمد: هو على الأب إلا أن يقول: لست منه في شيء، وهو لكم على ابني، فهذا إن علم به الابن بعد البلوغ، وقبل البناء، كان بالخيار، بين أن يلزمه نفسه، وأن لا (¬8) يلزمه. وإن بنى قبل أن يعلم؛ ¬

_ (¬1) قوله: (في) ساقط من (ب) و (ح). (¬2) قوله: (كان) ساقط من (ح). (¬3) في (ب): (منه). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 151، والنوادر والزيادات: 4/ 420. (¬5) قوله: (ما) ساقط من (ح). (¬6) في (ح): (منهما). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 420. (¬8) في (ب) و (ح): (وإلا لم).

لزمه وسقط عنه ما جاوز صداق المثل (¬1). وأرى أن تكون الزوجة قبل بلوغ الزوج بالخيار، بين أن تقيم على ذلك، أو تَرُدَّ النكاح؛ لأن عليها في البقاء على أن الزوج بالخيار ضررًا (¬2). وإن كان الابن بالغًا رشيدًا، فزوجه الأب برضاه، ولم يشترط الصداق على نفسه، ولا على الأب، وقال الأب: إنما أردت أن يكون على الابن. وقال الابن: إنما ظننت أن ذلك على أبي، فلا أغرم شيئًا. قال مالك: يفسخ النكاح ولا شيء على واحد منهما. وقال محمد: بعد أن يحلف الأب والابن، فمن نكل منهما لزمه. وأرى (¬3) إن نكلا (¬4)؛ أن يثبت النكاح، ويغرم كل واحد منهما نصف الصداق، وإن لم ينظر في ذلك حتى دخل، حلف الأب وبرئ، فإن كان صداق مثلها مثل المسمى فأكثر، غرمه الزوج بغير يمين، وإن كان المسمى أكثر حلف وغرم صداق المثل. وإن كتبه الأب باسم الابن وهو موسر، وقال أنا ضامن لك (¬5) كانت حمالة. وإن حمل الأب الصداق، ثم طلق الابن قبل الدخول، رجع نصف الصداق إلى الأب. واختلف إذا خالع الابن على رد جميع الصداق. فقال ابن القاسم في كتاب ابن حبيب: جميع الصداق للأب. وقال ابن الماجشون: للأب النصف وللابن (¬6) النصف (¬7). والأول أصوب؛ لأن قصد الأب بحمل الصداق عن ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 420. (¬2) في (ب) و (ت): (ضرر). (¬3) قوله: (أرى) ساقط من (ح). (¬4) قوله: (إن نكلا) ساقط من (ب). (¬5) في (ح): (لكم). (¬6) في (ح): (وللزوج). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 423.

فصل [في الأب يزوج ابنه الصغير في مرضه]

ابنه، أن يراه ذا زوجة، وليحفظ (¬1) عليه دينه، وإذا لم يتم ذلك، عاد إليه الصداق، ولهذا قالوا (¬2) إنه إذا طلق، عاد إلى الأب النصف، فالوجه الذي رجع به إليه (¬3) النصف، يرجع به الجميع. وقال مالك في الرجل الشريف (¬4)، يزوج الرجل ويضمن عنه الصداق: لا يتبع المضمون عنه بشيء (¬5). فصل [في الأب يزوج ابنه الصغير في مرضه] وقال مالك في الأب يزوج ابنه (¬6) الصغير في مرضه، ويضمن عنه الصداق، فلا يجوز الضمان؛ لأنها وصية لوارث. واختلف قوله في صحة النكاح. فقال مرة: لا يعجبني، يريد: ويفسخ. وقال مرة (¬7): النكاح جائز (¬8). قال ابن القاسم: وينظر له وصيه بعد موت الأب، فإن رأى وجه عطية دفع من ماله، وإلا فسخه، وإن صحَّ الأب ثبت النكاح والضمان. وأرى النكاح جائزًا، وإن لم يصح (¬9) إذا كانوا لا يعرفون (¬10) وجه العلم في ذلك ويرون أن الضمان صحيح وأنه من رأس المال، فإن نظر فيه في حياة الأب، قيل للأب: إن كنت لا ترى كونه في ذمة الابن نظرًا، فافسخه. وإن كان عندك صوابًا، فأثبته عليه، إلا أن لا (¬11) ترضى الزوجة، أو وليها بذلك إذا كان ¬

_ (¬1) في (ب) و (ت): (ويحفظ). (¬2) قوله: (قالوا) ساقط من (ت). (¬3) قوله: (رجع به إليه) يقابله في (ح): (به يرجع). (¬4) قوله: (الشريف) يقابله في (ح): (يكون له الشرف). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 150. (¬6) في (ح): (ولده). (¬7) قوله: (مرة) ساقط من (ب). (¬8) انظر: المدونة: 2/ 151، والنوادر والزيادات: 4/ 425 (¬9) في (ت): (يستحق). (¬10) في (ب): (يفرقون). (¬11) قوله: (لا) زيادة من (ح).

فصل [فيمن زوج ابنته في مرضه]

لا يدري هل يصير له من الميراث مثل الصداق، أو يصح الأب فيكون الصداق في ذمة فقير (¬1) فلها في ذلك مقال؟ وإن لم ينظر فيه حتى مات الأب، كان النظر للوصي (¬2)، فإن رأى إثباته صح، إلا أن يكون ما صار له من الميراث ما لا يوفي بالصداق، فيكون لها في ذلك مقال، وإن كانوا يعلمون أن ذلك موقوف على إجازة الورثة، فإن كرهوا، سقط الصداق، وكان النكاح فاسدًا. فصل [فيمن زوج ابنته في مرضه] ومن زوّج ابنته في مرضه وضمن الصداق عن الزوج كان النكاح جائزًا. واختُلف في الصداق فقال مالك: هي عطية للزوج من الثلث، فإن كان أكثر من الثلث، رد الزائد (¬3). وقال ابن القاسم وأشهب: هي عطية للابنة، ولا شيء لها فيه. قالا في العتبية: ويقال للزوج أدِّ الصداق من مالك، ويتم النكاح، فإن أبى، فارَق ولا شيء عليه (¬4). واختلف بعد القول إنها عطية للزوج، إذا طلق قبل البناء، فقال مالك وابن الماجشون: لها النصف من ثلثه، ولا شيء للزوج (¬5) في النصف الباقي. وقال ابن دينار: لا شيء لها؛ لأنه أعطى على إن هي دخلت ثبت لها (¬6). وقول مالك: إن لم يقع طلاق أحسن؛ لأنها عطية للزوج، والابنة تأخذ (¬7) ¬

_ (¬1) في (ح): (معين). (¬2) قوله: (للوصي) يقابله في (ح): (إلى الموصى). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 425، 426. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 425. (¬5) في (ب): (للزوجة). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 426. (¬7) في (ح): (تأخذه).

بالمعاوضة عن نفسها، والزوج يأخذ بالهبة إلا أن يكون فيه فضل عن صداق مثلها، فيسقط الزائد؛ لأنه هبة لها. وأما إن طلق وكان الطلاق على (¬1) اختلاف وشنآن حدث، كان لها النصف؛ لأن النكاح تقدم بوجه صحيح، ولم يتقدم ما يدل على التهمة. ¬

_ (¬1) في (ح): (عن).

باب في النكاح بربع دينار، وفي وجوب الصداق ومنع الهبة في النكاح، وفي النكاح بالإجارة، أو على أن يحججها، أو على أن يكون الصداق إلى أجل معلوم، أو مجهول، أو بدين على غير الزوج، أو على ما يخرح من يد الزوج ولا تملكه الزوجة

باب في النكاح بربع (¬1) دينار، وفي وجوب الصداق ومنع الهبة في النكاح (¬2)، وفي النكاح بالإجارة، أو على أن يحججها (¬3)، أو على أن يكون الصداق إلى أجل معلوم، أو مجهول، أو بدين على غير الزوج، أو على ما يخرح من يد الزوج (¬4) ولا تملكه الزوجة (¬5) الصداق واجب لقول الله تعالى: {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} [النساء: 24]. وإسقاطه ممنوع، لقول الله سبحانه في الهبة (¬6): {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 50] فالصداق يتضمن حقين: حقًّا لله سبحانه وتعالى لا يجوز إسقاطه، وهو ربع دينار، أو ثلاثة دراهم نقرة، أو ما يقوم مقامهما (¬7). وحقًّا لها، وهو ما بعد ذلك إلى صداق مثلها (¬8)، فلها أن تسقطه إن شاءت. فأكثر الصداق لا حدَّ له وهو على ما يتراضيان (¬9) عليه من رخص، أو غلاء كالبياعات. وأقله له حد لا يقتصر على (¬10) دونه وهو حق لله تعالى. ¬

_ (¬1) في (ب): (في النكاح بأقل من ربع). (¬2) قوله: (في النكاح) ساقط من (ب). (¬3) في (ش 1): (يحجها). (¬4) قوله: (من يد الزوج) ساقط من (ش 1). (¬5) في (ح): (باب: في النكاح وفي النكاح بإجارة أو على أن يحججها أو بأقل من ربع دينار وفي وجوب الصداق أو مجهول أو بدين على غير الزوج أو على ما يخرج من يد الزوج ولا تملكه الزوجة). (¬6) قوله: (في الهبة) ساقط من (ش 1). (¬7) في (ح): (مقامها). (¬8) في (ش 1): (المثل). (¬9) في (ح): (تراضيا). (¬10) قوله: (على) ساقط من (ش 1).

وقد اختلف في حد أقلّه فقال مالك: ربع دينار أو ثلاثة دراهم، أو ما يساوي أحدهما، وقيل: ما يساوي ثلاثة دراهم (¬1)، وهو موافق لقول ابن القاسم في السرقة: إنها تُقوَّم بالدراهم (¬2). وقال ربيعة وابن وهب في كتاب ابن حبيب: يجوز النكاح بالدرهم (¬3)، والسوط (¬4) والنعلين اتباعًا للحديث. وقال ربيعة في كتاب ابن شعبان: يجوز بنصف درهم (¬5) لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "التَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ". وقد خرج هذا مخرج التقليل، ولقوله: "زَوَّجْنَاكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ" فقال في كتاب مسلم: "فَعَلِّمْهَا مِنَ القُرْآنِ" (¬6)، ولم يقل في الأول: ايتِ بما قيمته ربع دينار، ولا في الثاني علّمها ما يكون قيمة ذلك، فلو كان محدودًا بينه كما بين نصاب السرقة والزكاة، ولأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة. واحتج من قال إنه لا يكون أقل من ربع دينار بقول (¬7) الله تعالى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ}، وبقوله (¬8) تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} الآية [النساء: 25]. وكل هذا يقتضي كونه له بال، إذ لا يتعذر (¬9) في الغالب الدرهم والدرهمان، وليس هذا بالبين؛ لأن الآية الأولى ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 152، والتلقين: 1/ 114. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 527. (¬3) انظر: المقدمات الممهدات: 1/ 245. (¬4) في (ش 1): (والشرك). (¬5) في (ح): (الدرهم). (¬6) أخرجه البخاري: 5/ 1968، في باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح، من كتاب النكاح، برقم (4829)، ومالك في الموطأ: 2/ 526، في باب ما جاء في الصداق والحباء)، من كتاب النكاح برقم (1096). والزيادة التي أشار لها المؤلف أخرجها مسلم، في كتاب النكاح، باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن. . .: 2/ 1040، برقم (1425) (¬7) في (ب) و (ت): (لقول). (¬8) في (ب) و (ت): (ولقوله). (¬9) في (ب): (يغرم)، وفي (ح): (يعدم).

تقتضي أن لا يكون صداقًا (¬1)، إلا ما يقع عليه اسم مال. وثلائة دراهم ليست بمال. قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] فالصدقة لا تجب في ثلاثة دراهم. وقال محمد فيمن أقر لرجل بمال: فأقله ما تجب فيه الزكاة، وإنما مخرج الآية على المعتاد مما يتزوج به النساء. وقد علم أنهن لا يتزوجن إلا بما له قدر، وبال مما يعجز عنه كثير من الرجال. وكذلك قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا} [النساء: 25]، يريد: لا يستطيع ما العادة (¬2) أن المرأة لا تتزوج إلا به، ولا يصح (¬3) أن يقال أنه لا يعجز عن درهمين ونصف، وثلاثة إلا (¬4) ربع (¬5)، ويعجز عن ثلاثة. وقال (¬6) أبو محمد عبد الوهاب في حده بربم دينار؛ لأنه عضو (¬7) محرم يتناوله حق لله (¬8) تعالى، لا يستباح إلا بمال، فوجب أن يكون مقدرًا أصله، قطع اليد في السرقة، والزكاة والكفارات (¬9). وهذا أيضًا (¬10) ليس بالبين؛ لأن اليد إنما قطعت في ربع دينار، نكالًا لما عصت، والنكاح يستباح (¬11) بوجه جائز (¬12)، فكان يكون الصداق خمس مائة، كاليد (¬13) إذا لم تعصِ. ¬

_ (¬1) في (ب) و (ت): (الصداق). (¬2) قوله: (يريد: لا يستطيع ما العادة) يقابله في (ش 1): (لا يستطيع، يريد: ما العادة). (¬3) في (ح): (ولا يصلح). (¬4) في (ح): (غير). (¬5) قوله: (وثلاثة إلا ربع) يقابله في (ش 1): (وثلاثة الأرباع). (¬6) في (ش 1): (وقاله). (¬7) في (ح): (عوض). (¬8) في (ش 1): (الله). (¬9) انظر: المعونة: 1/ 498. (¬10) قوله: (أيضًا) ساقط من (ب). (¬11) في (ح): (مستباح). (¬12) قوله: (جائز) ساقط من (ش 1). (¬13) في (ش 1): (كاملة).

واختُلف فيمن تزوج بدرهمين، فقال ابن القاسم: إن لم يدخل (¬1)، فإن (¬2) أتم لها (¬3) ثلاثة دراهم، وإلا فرق بينهما، وإن دخل، أجبر على أن يتم ربع دينار، وإن طلق قبل البناء، كان لها نصف الدرهمين؛ لأنه صداق مختلف فيه (¬4). وقال غير ابن القاسم: يفسخ قبل البناء (¬5)، ويثبت (¬6) بعد، ولها صداق المثل (¬7) (¬8). والأول أصوب، فلا يفرق بينهما قبل البناء إن أتم ربع دينار لقوة الخلاف فيه (¬9)، وإن دخل ثبت وكان لها ربع دينار؛ لأنها وهبت ما هو حق لله، وحق لها، فردت هبتها فيما هو حق لله تعالى، ومضت هبتها في حقها، وعلى ما ذكره سحنون، لا يكون لها شيء إن طلق قبل البناء. واختلف إذا لم يُتم قبل البناء ربع دينار وفرق بينهما، فقال محمد: لها نصف الدرهمين (¬10). وقال ابن حبيب: لا شيء لها، وهو أصوب؛ لأن الحكم، مضى بأنه فاسد، وذلك العوض (¬11) يرفع الخلاف (¬12)، ولأنه إذا حيل بينه وبين ما اشتراه، وبذل ¬

_ (¬1) قوله: (إن لم يدخل) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (فإن) ساقط من (ش 1). (¬3) قوله: (لها) ساقط من (ب) و (ح). (¬4) قوله: (وإن دخل، أجبر على أن يتم. . .؛ لأنه صداق مختلف فيه) ساقط من (ش 1). وانظر: المدونة: 2/ 152. (¬5) قوله: (البناء) ساقط من (ب) و (ت) و (ح). (¬6) قوله: (يثبت) ساقط من (ب) و (ح). (¬7) قوله: (بعد، ولها صداق المثل) يقابله في (ش 1): (وإن أتم الزوج ربع دينار). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 449، 450. (¬9) قوله: (فيه) زيادة من (ح). (¬10) في (ح): (لها نصف الصداق وهو الدرهمان)، وانظر: النوادر والزيادات: 4/ 449. (¬11) قوله: (العوض) زيادة من (ح). (¬12) في (ب): (الخطاب).

له الثمن؛ لم يستحق العوض عنه (¬1)، واختُلف إذا تزوجت على أن لا صداق، أو وهبت نفسها على وجه النكاح في فسخه أو فيما تستحق من الصداق. فقال ابن القاسم: يفسخ قبل البناء وبعده، ثم رجع فقال: يفسخ قبل ويثبت بعد ولها صداق المثل (¬2). وقال ابن حبيب: أما نكاح الهبة، فإن عيَّن (¬3) في الهبة النكاح بغير صداق، فذلك غير جائز. وأن أصدقها ربع دينار فصاعدًا جاز (¬4)، وهو لازم، عثر عليه قبل البناء أو بعده، وإن عيَّن في الهبة (¬5) غير النكاح، ولا هبة الصداق، ولكن وهبت نفسها، فذلك فاسد، يفسخ قبل ويثبت بعد، ولها صداق مثلها (¬6)، فجعله بالخيار إذا تزوج على أن لا صداق بعد (¬7)، فإن أحب فرض ربع دينار، ولزمها النكاح (¬8)، أو فارق، ولا شيء عليه ولا يجبر على ربع دينار؛ لأنه دخل على أن لا شيء عليه. وقال أشهب في كتاب محمد: لها ربع دينار إن دخل بها. وهو أحسن؛ لأن الزائد على ربع دينار من حقوقها (¬9) فهبتها فيه جائزة. ¬

_ (¬1) في (ش 1): (منه). (¬2) قوله: (ولها صداق المثل) ساقط من (ب) و (ح). وانظر: المدونة: 2/ 128، والنوادر والزيادات: 4/ 451. (¬3) في (ت): (عيَّن). (¬4) قوله: (جاز) ساقط من (ب) و (ش 1). (¬5) في (ت): (عيَّن). (¬6) في (ح): (المثل). وانظر: النوادر والزيادات: 4/ 450. (¬7) قوله: (بعد) زيادة من (ت). (¬8) قوله: (النكاح) زيادة من (ت). (¬9) قوله: (من حقوقها) يقابله في (ح): (حق لها).

فصل [في النكاح على الإجارة]

فصل [في النكاح على الإجارة] اختلف في النكاح على الإجارة أو على أن يحجها على ثلاثة أقوال، فكرهه مالك في كتاب محمد، وأجازه أصبغ، ومنعه ابن القاسم. وقال في العتبية في النكاح على الإجارة: يفسخ قبل ويثبت بعد ولها صداق المثل، ويرجع عليها بقيمة عمله. قال: وما ذكره الله تعالى في نكاح موسى - عليه السلام -، فإن الإسلام على غيره، إلا أن يكون مع (¬1) الإجارة غيرها (¬2). قال في كتاب محمد، في النكاح على الإجارة: يفسخ قبل، ويثبت بعد، ولها صداق المثل، إلا أن يكون مع الحجة غُيرها، فيجوز، فإن ماتت لم يكن لورثتها (¬3) إلا حجة يكرونها، وإن مات هو أكري (¬4) لها من ماله، ويقام لها بنفقتها (¬5) ومصلحتها، وإن أحبت أكرت ذلك ممن أرادت، وإن طلقها كان لها قيمة (¬6) نصف ذلك (¬7). والقول بجواز (¬8) جميع ذلك أحسن والإجارة والحج كغيرهما من الأموال التي تمتلك وتباع وتشترى، وإنما كره ذلك مالك؛ لأنه يستحب أن يكون الصداق معجلًا. والإجارة والحج في معنى المؤجل. وأجازه أشهب في كتاب محمد، وإن لم ¬

_ (¬1) في (ب): (على). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 423، والنوادر والزيادات: 4/ 465. (¬3) في (ش 1): (للورثة). (¬4) في (ح): (كوري). (¬5) في (ح): (نفقتها). (¬6) في (ش 1): (تملك). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 466، 467. (¬8) قوله: (جواز) ساقط من (ح).

فصل [في النكاح بالدين]

يضرب أجلًا قال: وكل من تزوج بشيء فهو حالٌّ فإذا حل زمن (¬1) الحج، وجب ذلك عليه (¬2). واختلف في بنائه بها (¬3) قبل أن يحجها، فمنعه ابن القاسم إلا أن يقدم (¬4) ربع دينار، وقول أشهب أن له أن يبني بها (¬5) قبل أن يحجها (¬6) ويجبرها على ذلك؛ لأنه قال: ذلك بمنزلة من تزوج بمائة دينار إلى سنة، فله أن يبني بها (¬7). يريد: ويجبرها على البناء، فإذا أتى أوان الحج حج بها، إلا أن يأتي أوان الحج قبل أن يبني بها، فلا يكون ذلك له، حتى يحجها كالدين يحل عليه قبل البناء، فتمنعه نفسها حتى يدفع ذلك إليها. فصل [في النكاح بالدين] والنكاح بالدين يكون للزوج على غيره جائز، إذا كان موسرًا غير ممتنع من القضاء، فإن كان حالًّا، جاز إذا كان ربع دينار فأكثر، وإن كان مؤجلًا، جاز إذا كانت قيمته على النقد ربع دينار فأكثر، ويؤمر أن لا يبني بها (¬8) حتى تقبض منه ربع دينار أو يدفعه الزوج إليها ويرجع به (¬9) على الغريم، وكذلك إن تزوج بدين يكون في ذمته فلا يدخل حتى يقدم (¬10) منه ربع (¬11) دينار. ¬

_ (¬1) قوله: (فإذا حل زمن) ساقط من (ش 1). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 467. (¬3) قوله: (بها) زيادة من (ح). (¬4) في (ح): (يتقدم). (¬5) قوله: (بها) ساقط من (ش 1). (¬6) قوله: (قبل أن يحجها) زيادة من (ح). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 467. (¬8) قوله: (بها) زيادة من (ح). (¬9) في (ح): (بها). (¬10) في (ب): (يغرم). (¬11) قوله: (إليها. فصل: والنكاح بالدين يكون للزوج. . . يقدم منه ربع) بياض في (ش 1).

فصل [في النكاح بصداق مؤجل]

وقال (¬1) مالك في كتاب محمد: لأنه يخاف أن يصيبها ثم تتصدق عليه بصداقها (¬2). وأجاز ذلك مرة، وقال: لأنه حق لها، ولو (¬3) شاءت باعته وقبضت ثمنه (¬4). والأول أحوط، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أَمَرَ وجلًا أَن لا يَبْنِيَ بامرأته حتَّى يُعْطِيَها شيئًا (¬5). وقال ابن (¬6) عمر: لا يصلح للرجل أن يقع على امرأته حتى يعطيها شيئًا من ماله ما رضيت به، كسوة أو غطاء (¬7). قال ابن شهاب: وذلك مما عمل به المسلمون، ورأوه حسنًا من الحق عليهم. فصل [في النكاح بصداق مؤجل] واختُلف في النكاح بصداق مؤجل، وإن قرب (¬8) الأجل. وقال فيمن تزوج بثلاثين نقدًا وثلاثين إلى أجل، لا يعجبني وليس من نكاح من (¬9) أدركت (¬10). يريد: أن الصدقات كانت نقدًا. وأجازه أصحابه إلى أربع سنين وجعلوه في أكثر من هذا على ثلاثة أوجه: جائز، ومكروه، وفاسد (¬11). ¬

_ (¬1) في (ح): (قال). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 457. (¬3) في (ح): (لو). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 458. (¬5) أخرجه أبو داود في سننه: 1/ 646، في باب في الرجل يدخل بامرأته قبل أن ينقدها شيئًا، من كتاب النكاح، برقم (2126). (¬6) قوله: (ابن) ساقط من (ح). (¬7) لم أقف عليه، وفي مصنف ابن أبي شيبة: 3/ 499، من كتاب النكاح، برقم (16447) عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "لاَ يَحِلُّ لمُسْلِمٍ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى امْرَأَةٍ حَتَّى يُقَدِّم إليها ما قَلَّ، أَوْ كَثُرَ". (¬8) في (ب): (فوت). (¬9) قوله. (من) ساقط من (ح). (¬10) انظر: المدونة: 2/ 130، والنوادر والزيادات: 4/ 461. (¬11) في (ب) و (ت): (جائزًا ومكروهًا وفاسدًا).

واختُلف فيما بعد الأربع سنين (¬1) إلى العشرين سنة (¬2) بالجواز والكراهية من غير فسخ، واختُلف في فسخ ما زاد على العشرين سنة (¬3) إلى الخمسين والستين. وإن (¬4) كان أكثر من ذلك فسخ على كل حال، فكرهه ابن القاسم في كتاب محمد (¬5) فيما زاد على الأربع. وكرهه ابن وهب فيما زاد على الخمس (¬6). وأجازه أصبغ إلى عشرين سنة. قال. وقد زوج أشهب ابنته، وجعل الصداق إلى اثنتي عشرة سنة (¬7)، وقال ابن وهب: يفسخ فيما زاد على العشرين سنة. وقاله ابن القاسم، ثم رجع فقال: يمضي ما لم يبعد جدًّا مثل الأربعين، ثم رجع فقال: لا يفسخ إلا أن يكون مثل خمسين وستين، فيكون بمنزلة من جعل النقد إلى موت، أو فراق (¬8)، ولو فسخ قبل (¬9) في الأربعين لم أعبه (¬10). وحكى ابن حبيب عن ابن وهب وابن القاسم أنه يفسخ فيما زاد على العشر (¬11) ثم رجع عنه ابن القاسم، وهذا خلاف قولهما في كتاب محمد. (¬12) فكره مالك الأجل وإن قرب حماية، لئلا يتذرع الناس إلى النكاح بغير صداق، ويظهروا أن هناك صداقًا، ثم يسقط قبل القبض لما علم من كثير من الناس أنهم يظهرون من السماع في الصداق خلاف ما ينطقون به (¬13). وأما العشر ¬

_ (¬1) قوله: (سنين) زيادة من (ش 1). (¬2) قوله: (سنة) زيادة من (ت). (¬3) قوله: (سنة) ساقط من (ب) و (ح). (¬4) في (ح): (وإذا). (¬5) في (ب): (ابن محمد). (¬6) في (ب): (الخمسين). (¬7) قوله: (إلى اثنتي عشرة) يقابله في (ح): (اثنتي عشر). (¬8) قوله: (أو فراق) ساقط من (ب) و (ح). (¬9) قوله: (قبل) زيادة من (ح). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 461، 462. (¬11) في (ح): (العشرين). (¬12) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 462. (¬13) قوله: (ما ينطقون به) يقابله في (ح): (ما يفطنون).

فصل [فيمن نكح بصداق مؤجل وفاته البناء]

سنين ونحوها، فيكره (¬1) لأنه لا يدرى كيف تكون الذمة عند انقضاء الأجل. وأما العشرون والثلاثون، فتمنع لأنها مدة يتحين (¬2) لوقوع الموت فيها، فيتعجل الصداق في الثلاثين إن كان شابًّا، وفي العشرين إذا كان كهلًا، وفي العشر (¬3) إذا كان شيخًا؛ لأن كل ذلك مما يتوقع فيه البائع الموت وتعجيل الثمن. فصل [فيمن نكح بصداق مؤجل وفاته البناء] واختلف إذا كان الأجل لموت (¬4) أو فراق وفات بالبناء، فقال مرة: لها صداق المثل. وقال مرة: يقوم ذلك المسمى بالنقد فتعطاه (¬5). ومحمل هذا على أن العادة في (¬6) التأخير إلى موت أو فراق، ولا يعرفون غيره كما قيل في الأرض تكرى بالجزء أنه (¬7) إن لم تكن عادته (¬8) في الكراء بغيره (¬9) قَوَّم ذلك الجزء لأنها ضرورة؛ لأن القيم إنما تكون على الأثمان (¬10) المعتادة، فإن لم تكن عادة في ثمن صحيح قُوِّم (¬11) على ما اعتادوه من الفساد (¬12). واختلف إذا تزوجت بمائة نقدًا، وبمائة (¬13) إلى موت أو فراق، فقيل: لها صداق المثل مطلقًا. وقيل: صداق المثل ما بلغ ما لم ينقص من المائة فإن نقص من المائة فقالت: أنا أسقط المائة (¬14) المؤجلة، فيصح وإن كان أكثر من المائتين ¬

_ (¬1) في (ح): (فتكره). (¬2) في (ب) و (ت): (يتحسر). (¬3) في (ح): (العشرين). (¬4) في (ح): (إلى الموت). (¬5) في (ح): (فيعطى). وانظر: النوادر والزيادات: 4/ 462. (¬6) قوله: (في) زيادة من) (ح). (¬7) في (ت): (لأنه). (¬8) في (ح): (عادة). (¬9) في (ح): (لغير). (¬10) في (ح): (الإتمام). (¬11) في (ش 1): (يقوم). (¬12) في (ب) و (ت): (الفاسد). (¬13) في (ح): (أو مائة). (¬14) قوله: (المائة) زيادة من (ح).

فقالت: أنا أتمسك بها، فيجري (¬1) الجواب (¬2) على أحكام الفاسد. وقيل: لها صداق المثل ما لم ينقص عن (¬3) المائة، أو يزيد على المائتين؛ لأن الزوج يقول: إنما دخل الفساد لمكان الأجل، فإذا أسقطه (¬4) فيصح (¬5) كما كان يصح إذا أسقطتها هي. وقيل: ينظر إلى قيمتها من المائة المعجلة، فإن كان ثلثًا (¬6)، أخذت المائة المعجلة، وثلث صداق المثل. وقيل: يقوم على غررها (¬7) فتأخذ (¬8) تلك القيمة مع المائة. وهذا يصح إذا كانت العادة عندهم على مثل ذلك (¬9)، بعضه نقدًا، وبعضه إلى مثل ذلك (¬10) الأجل لا يعرفون غيره (¬11). ويختلف إذا كانت العادة التأخير إلى موت، أو فراق، ولم يشترطاه، هل يكون جائزًا ولها أن تأخذه متى أحبت؛ لأن الأصل الحلول والتأخير مكارمة. أو يكون فاسدًا للعادة؟ وقد اخْتَلَفَ قولُ مالكٍ في هدية العرس (¬12)، فقال مرة: لا (¬13) يقضى بها لأنها صارت عادة كالشرط، ومرة قال: لا يقضى بها، وتبقى على الأصل أنها مكارمة، فكذلك (¬14) هذه. ¬

_ (¬1) في (ح): (يجري). (¬2) قوله: (الجواب) ساقط من (ح). (¬3) في (ح): (من). (¬4) قوله: (فإذا أسقطه) ساقط من (ب)، وفي (ح): (فأنا أسقط). (¬5) قوله: (واختلف إذا تزوجت بمائة نقدًا،. . . فإذا أسقطه فيصح) بياض في (ش 1). (¬6) في (ح): (فإن كانت ثلاثًا). (¬7) في (ب): (عذرها). (¬8) في (ب): (فيأخذ). (¬9) قوله: (مثل ذلك) يقابله في (ب): (تلك العادة). (¬10) قوله: (بعضه نقدًا، وبعضه إلى مثل ذلك) ساقط من (ح). (¬11) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 462 - 465. (¬12) قوله: (هدية العرس) يقابله في (ش 1): (هذين الفرعين). (¬13) قوله: (لا) زيادة من (ب) و (ت). (¬14) في (ح): (وكذلك).

فصل [فيما إذا كان الصداق ربع دينار]

فصل [فيما إذا كان الصداق ربع دينار] واختُلف إذا كان الصداق ربع دينار وثمرًا لم يبد صلاحه (¬1)، أو آبقًا أو جنينًا فأسقطت (¬2) الزوجة ما سوى العين، أو عجّل الزوجُ قيمةَ ذلك على السلامة، هل يمضي النكاح؟ فقال أصبغ في كتاب محمد: يفسخ النكاح إلا أن ترضى الزوجة بربع دينار، أو (¬3) يرضى الزوج بتعجيل قيمة الآبق فيثبت (¬4). فعلى هذا إذا كان مكان الآبق ثمر، لم يبد صلاحه (¬5) فرضيت بإسقاطها، أو رضي الزوج (¬6) بتعجيل قيمته على السلامة؛ ثبت النكاح. قال: وإن لم ينظر في ذلك حتى قدم الآبق، أو سلمت الثمرة، أو خرج الجنين، فسخ إن لم ترضَ الزوجة بربع دينار، أو يرضَ الزوج (¬7) أن يمضي ذلك لها (¬8)، فيمضى النكاح، قال: ولا أجبره (¬9) على تسليمه. وعلى هذا إن تزوجت بمائة دينار (¬10) نقدًا أو بمائة إلى موت أو فراق فلم يدخل فرضيت بإسقاط المائة الثانية أو رضي الزوج بتعجيلها (¬11) - ثبت النكاح، ولم يفرق بينهما. فصل [في الصداق على ما تملكه المرأة] ويجوز أن يكون الصداق على ما تملكه المرأة وإن لم يتقرر (¬12) ملكها عليه ¬

_ (¬1) قوله: (لم يبد صلاحه) يقابله في (ح): (لم يصلح). (¬2) في (ح): (وأسقطت). (¬3) في (ح): (و). (¬4) في (ح): (فثبت). وانظر: النوادر والزيادات: 4/ 471. (¬5) في (ت) و (ح): (لم يصلح). (¬6) قوله: (الزوج) زيادة من (ش 1). (¬7) قوله: (يرضَ الزوج) يقابله في (ح): (ترضي الزوجة). (¬8) انظر: النوادر والزيادات؛ 4/ 471. (¬9) في (ب): (أجيزه). (¬10) قوله: (دينار) ساقط من (ب). (¬11) في (ب) و (ت): (بتعجيله). (¬12) في (ح): (يقرر).

كأبيها (¬1) وأخيها؛ لأن عتقه عليها بعد صحة ملكها له. واختُلف إذا تزوجها على ما يخرجه الزوج من يده، ولا تملكه الزوجة، فتقول (¬2): أتزوجك على أن تعتق عبدك عن نفسك، أو عني، على ثلاثة أقوال: فقيل: جائز، وقيل: لا يجوز لأنها لم تملك ذلك (¬3). وقيل: إن قالت أتزوجك على أن (¬4) تعتقه عني، جاز؛ لأنها ملكته والولاء لها. وإن قالت تعتقه عن نفسك، أو تعتقه مطلقًا، ولم تقل (¬5): عني ولا عنك، لم يجز لأن الولاء للسيد، ولم تملك شيئًا. وكذلك إن قالت: أتزوجك على أن تعتق أبي عني أو عنك، ولم (¬6) تشترط عتقه عنها ولا عنه. يختلف هل يجوز في الوجهين جميعًا أو يفسد أو (¬7) يجوز، إن قالت عني ولا يجوز إن قالت عنك أو (¬8) أطلقت؟ وكذلك إن تزوجته على أن يهب عبده لفلان، وقالت (¬9): عني أو لم تقل على (¬10) الخلاف المتقدم (¬11). قال الشيخ (¬12) وأرى أن يجوز جميع ذلك؛ لأنه مال أخرجه عن ملكه عوضًا عن النكاح، فلا شيء عليه أخذته أو وهبته أو شرطت (¬13) فيه عتقًا، فإن كانت الهبة والعتق عنها جاز، إذا كانت قيمته ربع دينار. وإن فعل ذلك من (¬14) نفسه، جاز إذا كان الذي يحط من قيمته لأجل ذلك الشرط ربع دينار. ¬

_ (¬1) في (ت) و (ح): (كابنها). (¬2) في (ح): (فيقول). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 159، وانظر: البيان والتحصيل: 4/ 274 (¬4) قوله: (أتزوجك على أن) ساقط من (ب) و (ح). (¬5) في (ح): (ولم يقل). (¬6) في (ح): (أو لم). (¬7) في (ح): (أم يفسد و). (¬8) في (ح): (و). (¬9) في (ح): (أو قالت). (¬10) في (ح): (فعلى). (¬11) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 472، 473. (¬12) قوله: (قال الشيخ) ساقط من (ب) و (ش 1). (¬13) قوله: (فلا شيء عليه أخذته أو وهبته أو شرطت) بياض في (ش 1). (¬14) في (ح): (عن).

باب الحكم في الصداق إذا طلق قبل البناء، أو كان النكاح فاسدا، وإذا ملك أحد الزوجين الآخر، أو ارتد، أو أعتقت الأمة، أو حدث رضاع

باب الحكم في الصداق إذا طلق قبل البناء، أو كان النكاح فاسدًا، وإذا ملك أحد الزوجين الآخر، أو ارتد، أو أعتقت الأمة، أو حدث رضاع وقال مالك فيمن تزوج على تسمية صداق ثم طلق قبل البناء: فلها نصف تلك التسمية، وكذلك إن تزوجت على تفويض وهي مولى عليها، ففرض الزوج صداق المثل، لزمها ولا مقال لها ولا للولي. وإن فرض أقل فَرَضِيَ الوصي (¬1) والزوجة به (¬2) - جاز. وإن رضي أحدهما به دون الآخر- لم يلزم، هذا ظاهر قوله (¬3). وأرى أن يمضي إذا رضي الوصي وحده؛ لأن النظر في المال وما يراه سدادًا (¬4) إليه، والرضا (¬5) بالتزويج وبالزوج إليها. فإذا رضيت بذلك الرجل، كان النظر في المال إلى الوصي، ولو لم يتقدم عَقْدٌ، فَرَضِيَ الوصي بصداق المثل، وقالت: لا أرضى- كان ذلك لها؛ لأن لها ألا تتزوج جملة، وإن بذل أضعاف صداقها فلها ألا تتزوج، وكذلك إذا قالت: لا أتزوجه إلا بكذا، بمثل (¬6) صداقها، بخلاف التفويض؛ لأنها رضيت بالزوج وتزوجته، ولا ميزة (¬7) عندها فيما هو سداد (¬8) لها في المال، إلا أن تقول (¬9): علمت أن التفويض يوجب ¬

_ (¬1) في (ح): (الولي). (¬2) قوله: (به) ساقط من (ش 1). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 86، 163، والنوادر والزيادات: 4/ 453. (¬4) في (ب): (صلاحًا). (¬5) في (ب) و (ت): (وبالرضا). (¬6) في (ت): (بمثلي)، وفي (ح): (لمثل). (¬7) في (ح): (ولا ميز). (¬8) في (ت): (سواء). (¬9) في (ح): (يقول).

ألا تقبل (¬1) من الزوج دون صداق المثل- فلها في ذلك (¬2) شُبهَةٌ. واختلف في البكر لا أب لها ولا وصي إذا رضيت بأقل من صداق المثل، فلم يجز ذلك ابن القاسم، وحملها على السفه (¬3). وحكى سحنون عن غيره أنه أجازه (¬4). وهذا محتمل لوجهين: أن يكون ذلك لأنه رآها على الرشد كالصبي، فقد اختلف هل يحمل (¬5) بالبلوغ على الرشد لو قال (¬6) ذلك؟ مع كونها عنده على السفه؛ لأنها في غير حجر. وقد أجاز أشهب أفعال السفيه (¬7) إذا لم يكن محجورًا عليه (¬8). ويخْتَلف أيضًا في الثيب مع وجود الأب وعدمه، هل تحمل على الرشد؟ فقال مالك في كتاب الحمالة: إن تحملت الثيب لزمها بخلاف البكر. فحملها على الرشد. فكل موضع تصح فيه التسمية ثم يقع الطلاق، وجب الرجوع على الزوج (¬9) بنصف الصداق لقوله سبحانه: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237]. ولما فارق النكاح البيع، وكان من اشترى سلعة ثم كرهها قبل القبض، باعها وأخذ العوض عنها، ومن تزوج امرأة ثم كرهها قبل البناء، فارق إن شاء، ولم يجز له بيع ذلك المشترى، وكان (¬10) لها أن تبيع ذلك وتأخذ عنه عوضًا آخر (¬11) من غيره. وجعل الصداق ¬

_ (¬1) في (ح): (ألا يقبل). (¬2) قوله: (في ذلك) يقابله في (ح): (بذلك). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 163. (¬4) في (ح): (أجازها). وانظر المسألة في النوادو والزيادات: 10/ 94، والبيان والتحصيل: 10/ 485. (¬5) في (ح): (تحمل). (¬6) قوله: (لو قال) يقابله في (ح): (وقال). (¬7) في (ح): (السفه). (¬8) قوله: (عليه) ساقط من (ح). (¬9) قوله: (على الزوج) ساقط من (ب) و (ح). (¬10) قوله: (كان) ساقط من (ش 1). (¬11) في (ح): (أخذ).

فصل [في الصداق إذا وقع الطلاق باختيار الزوج]

بينهما حكمة من الله تعالى، لما كان لكل واحد منهما مقال، ولم يسقط أيضًا عن الزوج في الطلاق جميع الصداق؛ لأنها تقول: بعت (¬1) شيئًا فاقبضه وادفع العوض عنه، ولي فيك رغبة وأكره الفراق. ولأن النكاح خارج عن حقيقة البيع؛ لأن (¬2) كل واحد من الزوجين يستمتع بالآخر، ولهذا جعل الله عز وجل لها في عدم الوطء مقالًا في الإيلاء وأن تقوم بالفراق. فصل (¬3) [في الصداق إذا وقع الطلاق باختيار الزوج] النصف يجب للزوجة (¬4) إذا كان الطلاق باختيار من الزوج، فإن كان باختيارها (¬5) لحدوث عيب بالزوج جنون أو جذام أو برص (¬6)، فلا شيء لها (¬7). واختلف إذا كان الطلاق لعدم الصداق أو لعجز عن النفقة، فقال ابن القاسم في العتبية: لها نصف الصداق (¬8). وقال ابن نافع: إن جن أو عجز عن (¬9) الصداق فلا شيء لها. وأرى (¬10) أن قيامها بالفراق لحدوث العيب والفقر سواء، ولأنها (¬11) بمنزلة من باع سلعة فأعسر المشتري بالثمن، فالبائع بالخيار بين أن يأخذ سلعته ¬

_ (¬1) قوله: (بعت) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (ولأن النكاح خارج عن حقيقة البيع؛ لأن) بياض في (ش 1). (¬3) قوله: (فصل) ساقط من (ش 1). (¬4) في (ح): (للزوج). (¬5) في (ح): (باختيار المرأة). (¬6) قوله: (أو برص) زيادة من (ح). (¬7) في (ح): (له). (¬8) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 50. (¬9) قوله: (عجز عن) يقابله في (ب) و (ح): (عدم). (¬10) في (ب): (ورأى). (¬11) في (ح): (ولأنهما).

فصل [في صداق النكاح الفاسد]

ولا ثمن له، أو يسلمها ويتبعه (¬1) بالثمن. وكذلك حدوث العيب به (¬2) ليس لها أن تتمسك بالمبيع وتأخذ الثمن، وكالأمة تعتق تحت العبد، فتختار فراقه قبل الدخول، فلا شيء لها من الصداق، واليهودية والنصرانية والمجوسية يُسْلِمْنَ (¬3) قبل الدخول دون الزوج، فلا صداق لواحدة منهن؛ لأن المبيع باقٍ عند بائعه، وقد حيل بين المشتري -وهو الزوج- وبين قبضه، ولم يكن ذلك من سببه. فصل [في صداق النكاح الفاسد] ولا صداق لها في النكاح الفاسد إذا فسخ قبل البناء، إذا كان الفساد في الصداق؛ لأن الصداق إن (¬4) كان آبقًا أو بعيرًا (¬5) شاردًا أو جنينًا- لم يصح أن تأخذ (¬6) نصفه، ولا يحكم لها بغيره؛ لأن البيع رُدَّ ولم يفت، وكذلك إن كان الفساد في العقد، وكان مجمعًا على فساده، وكذلك إن كان مختلفًا فيه، وفسخ بحكم أو تفاسخاه. وإن طلق قبل النظر فيه، فمن لم يراع الاختلاف فيه (¬7) ولا قول من رأى جوازه، لم يجعل لها صداقًا ولا ميراثًا إن مات، ويلزم من راعى الخلاف وجعل فيه الميراث وألزم الطلاق- أن يجعل لها نصف تلك التسمية. وقال أشهب في كتاب محمد: فيما كان فساده من قبل صداقه فمات قبل ¬

_ (¬1) في (ح): (تتبعه). (¬2) قوله: (به) ساقط من (ش 1). (¬3) في (ح): (تسلم). (¬4) في (ح): (إذا). (¬5) قوله: (بعيرًا) ساقط من (ح). (¬6) في (ح): (لم يصلح أن يأخذ). (¬7) قوله: (فيه) زيادة من (ح).

فصل [في طرو ما يوجب الفسخ]

البناء: لها الصداق والميراث، ولم يجعل لها شيئًا إن طلق قبل البناء. فصل [في طروِّ ما يوجب الفسخ] ومن تزوج تزويجًا صحيحًا ثم طرأ ما يوجب الفسخ، فإن كان ذلك الفسخ لا سبب فيه لأحد الزوجين، أو كان سببه الزوجة وحدها، أو كان بِرضًا من الزوجين لم يكن لها صداق. وإن كان سببه الزوج وحده، ثبت الصداق تارة، وتارة يسقط. وذلك يتصور في ملك أحد الزوجين الآخر، وفي الارتداد والرضاع ونكاح الأم على البنت، أو البنت على الأم: إذا دخل بالثانية قبل الأولى، وإذا أسلم على أختين أو على (¬1) أكثر من أربع، أو تزوج امرأة ثم أنكره الولي فملك (¬2) أحد الزوجين الآخر (¬3)، فسخ، ولا صداق فيه. وإن كان الزوج المشتري لها كان رضًا من السيد بإسقاط (¬4) الصداق. وإن كانت الزوجة هي المشترية، كان ذلك رضًا منها. قال مالك: فإن باعها من غير زوجها، كان الصداق للبائع (¬5)، ويلزم على قول ابن القاسم أن يكون لها؛ لأنه قال: إذا لم يبعها؛ ليس للسيد أن ينتزعه، ولكن يجهزها به كما تجهز المرأة (¬6) بمهرها، فإذا كان ذلك حقًّا للزوج لم يسقط بالبيع. وفرق في كتاب محمد وجعله للسيد البائع، بخلاف إذا لم يبع. ولا فرق بينهما. وقال ابن القاسم في كتاب محمد (¬7): ليس عليه أن يجهزها بصداقها. ¬

_ (¬1) قوله: (على) زيادة من (ح). (¬2) في (ح): (وهلك). (¬3) قوله: (الآخر) ساقط من (ح). (¬4) في (ح): (بإسقاطه). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 161. (¬6) في (ب) و (ت): (يجهز الحرة). (¬7) قوله: (محمد) ساقط من (ح).

فصل [فيمن تزوج بمرضعتين]

وقال أصبغ مثل ذلك: إذا كان زوجها عبده، فإن كان أجنبيًّا، أو عبدًا لغيره، جهزت به. وإذا كان الصداق للبائع فباعها بعد ذلك المشتري من زوجها، كان على البائع الأول أن يغرم للزوج (¬1) الصداق؛ لأن النكاح انفسخ. وإن ارتدت الزوجة قبل البناء فلا شيء لها، وسواء ذلك على القول أن الارتداد فسخ أو طلاق؛ لأن منع تسليم المبيع وما يستحق عنه العوض منها، وإن ارتد الزوج وحده- كان لها نصف الصداق على القول إنه طلاق. ويختلف على القول إنه فسخ. فقال مالك في المبسوط: لها نصف الصداق، وقال عبد الملك: لا شيء لها، وأنكر قول مالك، وقال: إنما يكون الصداق أبدًا حيث يكون (¬2) الطلاق. والأول أحسن؛ لأن الامتناع من قبض المبيع جاء من قِبَلِهِ فلا يراعى هل ذلك فسخ أو (¬3) طلاق؟ وفي كتاب محمد: إذا قتل السيد أمته قبل البناء، فله (¬4) الصداق. وعلى هذا يكون للحرة إذا قتلت نفسها، الصداق، وهذا مثل قوله في المدونة: إذا باع السيد أمته في موضع لا يقدر الزوج على جماعها، فله (¬5) الصداق (¬6). ولا أرى للزوجة في جميع ذلك شيئًا إذا كان الامتناع منها أو من السيد إن كانت أمة (¬7). فصل [فيمن تزوج بمرضَعتين] وإن (¬8) تزوج امرأة ومرضَعَتَيْنِ وهي صغيرة (¬9)، فأرضعتهما الكبيرة قبل ¬

_ (¬1) في (ب): (الزوج). (¬2) في (ح): (يقع). (¬3) في (ح): (أم). (¬4) في (ح): (فلها). (¬5) في (ح): (فلها). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 172. (¬7) في (ح): (أمته). (¬8) في (ش 1): (ومن). (¬9) قوله: (وهي صغيرة) زيادة من (ح).

البناء، انفسخ نكاحها؛ لأنها من أمهات نسائه، فله أن يختار إحدى المرضَعَتَين، ولا صداق للكبيرة؛ لأن الفسخ من سببها. واختلف في التي يفارق من الأختين (¬1)، فذكر الشيخ أبو محمد بن أبي زيد عن ابن القاسم أنه قال: لا شيء لها على الزوج. وقال محمد: لها ربع صداقها؛ لأنه لو فارقها قبل أن تختار (¬2)، كان النصف بينهما. وقال ابن حبيب للتي فارق نصف صداقها (¬3)، وجعله بمنزلة من طلق طوعًا؛ لأنه فراق بطلاق، ولا سبب لها (¬4) فيه، ولأنه كان قادرًا على أن يختارها، ولأن ذلك مصيبة نزلت به كموتها، فإن مصيبة المبيع منه، ويغرم الثمن (¬5). ووجه قول ابن القاسم (¬6) ألا شيء عليه؛ لأنه مغلوب على الفراق، وإنما ورد القرآن (¬7) بغرم نصف الصداق فيمن طلق طوعًا، ولا يشبه ذلك موتها؛ لأن المبيع في هذه المسألة بيدها، تأخذ له عوضًا من غيره (¬8) إن أحبت، وإن أخذته (¬9) بعد العقد وطلق قبل (¬10) البناء- غرم نصف الصداق؛ لأنه في معنى الهالك، لا يأخذ (¬11) به (¬12) عوضًا. ثم يختلف في الكبيرة التي أرضعتهما، هل يرجع الزوج عليها بالنصف إن ¬

_ (¬1) في (ش 1): (الأخيرتين). (¬2) في (ب): (يختار). (¬3) قوله: (لأنه لو فارقها قبل أن تختار. . . فارق نصف صداقها) ساقط من (ش 1). (¬4) في (ب): (له). (¬5) انظر المسألة في النوادر والزيادات: 5/ 80. (¬6) في (ح): (ووجه القول). (¬7) في (ب) و (ت) و (ح): (الفراق). (¬8) قوله: (من غيره) ساقط من (ح). (¬9) قوله: (أخذته) بياض في (ش 1). (¬10) في (ت): (بعد). (¬11) في (ب) و (ح): (تأخذ). (¬12) في (ش 1) و (ح): (له).

غرمه، أو ترجع الصغيرة عليها إن لم يغرمه الزوج. فأما غرمها للزوج فقياسًا على من شهد عليه بالطلاق قبل البناء، ثم رجعت البينة، فقال ابن القاسم: يرجع على البينة بما غرم. وقال أشهب: لا رجوع له عليها؛ لأنها لم توجب (¬1) عليه إلا ما كان يلزمه لو طلق (¬2). والقول الأول أصوب؛ لأنه لم يطلق وإنما اشترى شيئًا وبذل له العوض، فحيل بينه وبين قبضه وأغرم العوض. وإذا لم يغرم الزوج فإنه يختلف في رجوع الصبية على التي أرضعتها، فإذا قيل: إن وجه منع غرم الزوج لأنه لم يطلق طوعًا، وأنه حيل بينه وبين قبض المبيع- كان لها أن ترجع على المرضعة (¬3) لأنها تقول: كان لي دَيْنٌ أسقطته بفعلك. وإن قيل: إن وجه (¬4) سقوط الغرم عن الزوج لأن المبيع بيدها تبيعه وتأخذ العوض عنه إن (¬5) أحبت ولم يملك لها شيء لم ترجع؛ لأنّ الوجه الذي سقط به مقالها عن الزوج والتي أرضعتها (¬6) واحد. وكذلك إذا أسلم على أختين ففارق إحداهما، أو على عشر (¬7) نسوة ففارق ستًّا (¬8)، فعلى قول ابن القاسم، لا شيء لمن فارق، وعلى قول محمد: يكون للأخت ربع صداقها، ولكل واحدة من الست (¬9) خمس صداقها. وعلى قول ابن حبيب: لكل واحدة نصف صداقها (¬10). والأول أصوب. ومن هذا ¬

_ (¬1) قوله: (عليها؛ لأنها لم توجب) يقابله في (ح): (عليهم؛ لأنهم لم يوجبوا). (¬2) انظر المسألة في النوادو والزيادات: 8/ 494. (¬3) قوله: (على المرضعة) ساقط من (ب) و (ت) و (ح). (¬4) قوله: (وإن قيل: إن وجه) بياض في (ش 1). (¬5) قوله: (إن) ساقط من (ح). (¬6) في (ت) و (ح): (أغرمتها). (¬7) في (ب) و (ت): (عشرة). (¬8) في (ح): (ستة). (¬9) في (ح): (الستة). (¬10) قوله: (صداقها) ساقط من (ح).

فصل [فيمن تزوجت على أن يهب عبدا ثم طلق قبل الدخول وبعد الهبة]

الأصل قول أصبغ (¬1) في كتاب ابن حبيب في رجل له ابنتان فزوج إحداهما، ثم اختلفا. فقال الزوج: تزوجت فلانة، وقال الأب: بل فلانة، فقال أصبغ: للتي أقر لها الزوج نصف صداقها (¬2). لأن من حجة الزوجة: أن الزوج مقر لها بالنكاح وبالصداق، فليس ظلم الأب وجحوده يسقط دَيْنَها. فصل [فيمن تزوجت على أن يهب عبدًا ثم طلق قبل الدخول وبعد الهبة] وإن تزوجته على أن يهب عبده لفلان، ثم طلق قبل البناء - رجع على الموهوب له، وَأَخَذَ نصف العبد إن كان قائمًا. واختلف إذا هلك، فقال أشهب: عليه نصف قيمته. وقال محمد: لا شيء عليه (¬3). وهو أصوب؛ لأنه لو كان بيد الزوجة فهلك لم يضمنه (¬4). وإن حدث (¬5) به عيب، أخذ (¬6) نصفه معيبًا، ولا شيء عليها (¬7)، ولا على الموهوب له، وإن باعه الموهوب له، غرم نصف ما باعه به. وإن أعتق أو وهبه وهو عالم أنه صداق، غرم نصف قيمته يوم أعتق أو وهب وإن لم يعلم، وإن قيل له هذا هبة، فلا شيء عليه، ولا يرد (¬8) العتق؛ لأن الزوج مكن الموهوب له من ذلك. ويستحسن أن يرد الهبة وإن كان طعامًا أكله أو ثوبًا لبسه، جرى على الخلاف فيمن أثاب من صدقة. وإن تزوجت على أن ¬

_ (¬1) قوله: (أصبغ) ساقط من (ش 1). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 440. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 493. (¬4) في (ب) و (ت): (لم تضمنه). (¬5) في (ب): (حدبه). (¬6) في (ب) و (ت) و (ح): (أخذت). (¬7) في (ب) و (ت): (عليه). (¬8) في (ح): (ترد).

يعتق عبده ثم طلق قبل البناء، لم يرجع الزوج (¬1) عليها، ولا على العبد بشيء، وكذلك لو كان أباها، فقالت: أتزوجك على أن تعتقه، لم يرجع عليها بشيء، والولاء له. وإن قالت: تعتقه عني؛ كان الولاء لها، ورجع عليها بنصف قيمته. وإن قالت: أتزوجك على هذا العبد وهو أبوها كان عتيقًا عليها والولاء لها. وإن كانت عالمة أنه أبوها ولم يعلم الزوج، رجع عليها (¬2). وإن علم الزوج وحده لم يرجع عليها. واختلف في رجوعها هي عليه فقال في كتاب محمد: قد غرها. وفي المبسوط: لها أن ترجع هي (¬3) عليه بقيمة جميعه إن (¬4) لم يطلق، وبقيمة (¬5) نصفه إن طلق. وأجاز في كتاب القراض من المدونة للبائع ألا (¬6) يعلم بذلك لما كان الولد مندوبًا، إلى أن يشتري أباه فيعتقه (¬7). فإنما هو معين على خير. وإن علما جميعًا أو جَهِلا أنه أبوها، ثم علم (¬8) بعد ذلك (¬9) - رجع عليها (¬10). واستحسن مرة ألا يرجع، وإن جَهِلا كان أَبْيَنَ في منع الرجوع؛ لأنه بمنزلة لو هلك بأمر من السماء. وإذا كان له الرجوع فوجدها معسرة- لم يكن له أن يرد (¬11) العتق؛ لأنه لو علم قبل الطلاق لم يكن له في حريته مقال وإن كان جميع مالها؛ لأنه عتق أوجبته الأحكام، وليس بمنزلة من ابتدأ عتقًا. ¬

_ (¬1) قوله: (الزوج) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (عليها) ساقط من (ح). (¬3) قوله: (هي) ساقط من (ش 1) و (ح). (¬4) في (ب): (وإن). (¬5) في (ب): (ويسمه). (¬6) في (ب): (للبائع أن). (¬7) انظر: المدونة: 3/ 659. (¬8) في (ح): (علما). (¬9) قوله: (ذلك) ساقط من (ش 1)، وفي (ح): (إن). (¬10) قوله: (عليها) ساقط من (ت). (¬11) في (ح): (يرث).

فصل [فيمن زاد زوجته في صداقها بعد العقد ثم طلقها قبل البناء]

فصل [فيمن زاد زوجته في صداقها بعد العقد ثم طلقها قبل البناء] من زاد زوجته في صداقها بعد العقد ثم طلقها قبل البناء، كان الزائد كالصداق: له نصفه ولها نصفه. وإن زادها شيئًا ولم يلحقه بالصداق، ثم طلق قبل البناء، لم يكن له منه شيء، بخلاف الأول؛ لأن الأول ألحق بالصداق فكان له حكمه، وهذه هبة فكان لها حكم الهبات لا رجوع له فيها. وإن كان العقد فاسدًا، ففسخ (¬1) قبل البناء، رجع فيها إن كانت قائمة، بخلاف العقد الصحيح فتطلق (¬2)؛ لأنه في الصحيح مُمَكَّنٌ من (¬3) قبض المبيع، فترَكَهُ اختيارًا. وفي الفاسد (¬4) حيل بينه (¬5) وبين ذلك، فوجب أن يرجع؛ لأنها هبة من أجل النكاح. قال أصبغ في العتبية: فإن عثر عليه بعد البناء، فلا شيء له في الهبة، وإن كانت قائمة؛ لأن النكاح تم بالبناء، وإن أعطى بعد البناء ثم فسخ رجع لأنه إنما أعطى على المقام والجمال بذلك، هذا إذا فسخ بحدثان العطية (¬6)، وإن فسخ بعد السنتين والثلاث فلا شيء له، وإن أدركها بعينها (¬7). ¬

_ (¬1) في (ح): (يفسخ). (¬2) في (ب) و (ت): (فيطلق). (¬3) قوله: (وهذه هبة فكان لها حكم الهبات. . . لأنه في الصحيح مُمَكَّنٌ من) بياض في (ش 1). (¬4) قوله: (فترَكَهُ اختيارًا. وفي الفاسد) بياض في (ش 1). (¬5) في (ش 1): (بينها). (¬6) في (ت): (الغبطة). (¬7) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 68.

فصل [في هبة المرأة صداقها]

قال ابن القاسم: ولو طلق عليه بعدم النفقة، فهو كطوعه ولا (¬1) يرجع بشيء (¬2). وفيه نظر؛ لأنه مغلوب على الفراق، وإذا كان الحكم أن يرجع في الهبة فإن (¬3) ذلك له (¬4) إذا كانت قائمة. قال ابن القاسم: وإن فاتت بنقص أخذها، ولا شيء له عليها من ذلك. وإن فاتت بزيادة كان لها أن تدفع قيمتها يوم أعطاها (¬5). قال: والقياس أنها له بزيادتها. قال: وما فات فلا شيء له عليها كمن أثاب من صدقة (¬6). فصل [في هبة المرأة صداقها] هبة المرأة صداقها لزوجها قبل البناء، وبعده جائز (¬7)، لقول الله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4]، ويؤمر الزوج إذا وهبته الصداق قبل البناء ألا يبني بها (¬8) حتى يقدم ربع دينار حماية أن يكونا عقدا على طرح الصداق، ولئلا (¬9) يتذرع إلى النكاح بغير صداق، فإن طلق بعد الترك (¬10) وقبل البناء، لم يرجع (¬11) عليها بشيء، وإن تركت بعضه رجعت في نصف الباقي. وهبتها صداقها لغير زوجها جائز (¬12) إذا حمله الثلث، أو كان فوق ذلك وأجازه الزوج، فإن قبضه الموهوب له منها أو من الزوج ثم طلق قبل البناء، رجع الزوج بنصفه عليها، ولا رجوع لها هي على الموهوب له. ¬

_ (¬1) قوله: (و) ساقط من (ش 1). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 68. (¬3) في (ح): (كان). (¬4) قوله: (له) ساقط من (ت) و (ش 1) و (ح). (¬5) في (ش 1): (إعطائها). (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 69. (¬7) في (ش 1): (جائزة). (¬8) قوله: (بها) زيادة من (ش 1). (¬9) في (ب): (أو لئلا). (¬10) في (ح): (البذل). (¬11) في (ش 1): (ترجع). (¬12) في (ش 1): (جائزة).

وقال (¬1) أيضًا في كتاب محمد: لها أن ترجع عليه، وجعلها بمنزلة من وهب شيئًا ثم استحق، وهذا يصح على القول إن النصف مترقب (¬2). والقول (¬3) الأول أحسن؛ لأنه لا خلاف أن لها (¬4) أن تتصرف فيه بالبيع والهبة (¬5) والصدقة، إلا أن يرى (¬6) أن هذه المرأة تجهل أن عليها (¬7) فيه رجوعًا، فتحلف على ذلك وترجع. وأما على القول أَنْ قد وجب جميعه- فلا رجوع لها وإن جهلت. وإن لم يدفع الزوج الهبة حتى طلق فإن كانت يوم الطلاق موسرة- دفع ذلك الزوج للموهوب له، ورجع عليها، وسواء كانت يوم الهبة موسرة أو معسرة. واختلف إذا كانت يوم الهبة موسرة (¬8) ويوم الطلاق معسرة، فقال ابن القاسم: للزوج أن يتمسك بنصفه. وقال غيره: للموهوب له (¬9) قبض الهبة، ولا مقال للزوج (¬10). وكذلك إذا كانت معسرة يوم الهبة إلى يوم الطلاق، فللموهوب له أن يقبض جميع ذلك، على القول إنه بالعقد وجب جميع (¬11) الصداق؛ لأن مقال الزوج قبل الطلاق لحقِّه في مال الزوجة، ليس لأن له نصفه. فإذا طلق سقط مقاله في مال الزوجة، وعاد مقاله من باب الدَّيْن، والدين طرأ بعد الطلاق، وكانت هبتها ولا دين عليها. ¬

_ (¬1) في (ح): (وقيل). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 493. (¬3) قوله: (القول) زيادة من (ش 1). (¬4) قوله: (أن لها) ساقط من (ش 1). (¬5) قوله: (والهبة) ساقط من (ح). (¬6) قوله: (إلا أن يرى) يقابله في (ح): (ألا ترى) (¬7) في (ح): (عليه). (¬8) قوله: (أو معسرة. واختلف إذا كانت يوم الهبة موسرة) ساقط من (ش 1). (¬9) قوله: (له) ساقط من (ش 1). (¬10) انظر: المدونة: 4/ 387. (¬11) قوله: (جميع) ساقط من (ح).

ومن وهب دينًا فلم يقبض حتى طرأ على الواهب (¬1) دَيْنٌ (¬2)، لم ترد هبته. وكذلك إن قبضت صداقها ثم وهبته، وقبضه الموهوب له، ثم طلق الزوج، وهي معسرة الآن ويوم الهبة ولم يكن (¬3) علم بهبتها، فعلى قول ابن القاسم، يرد قدر نصيبه منها، وعلى قول غيره، لا رد له؛ لأن الدَّيْن طرأ بعد الهبة (¬4). وهبتها صداقها على ثلاثة أوجه: فإن كان (¬5) الصداق (¬6) عينًا جازت الهبة (¬7)، وتخلف (¬8) مثله تتشور به. وإن كان ذلك (¬9) دارًا أو عبدًا أو جارية (¬10) جازت (¬11)، ولم يكن عليها أن تخلف العوض عنه؛ لأنها (¬12) لو لم تهبه لم يكن عليها أن تبيع ذلك لتتشور به. وإن كان الصداق شيئًا مما العادة أن يكون شورة لها، لم تجز هبتها، إلا أن تعوض (¬13) عنه، فإن قالت: لم أظن أن ذلك للزوج عليَّ حلفت، واسترجعت الهبة؛ لأن مِنْ حَقِّ الزوج الاستمتاع به، ومِنْ حقها ألا تخلفه إذا كانت تجهل ذلك (¬14)، إلا أن تكون (¬15) وهبت يسيرًا من كثير، فيمضي ولا تخلفه. ¬

_ (¬1) في (ت): (الموهوب). (¬2) في (ب) و (ت): (دينًا). (¬3) قوله: (وهي معسرة الآن ويوم الهبة ولم يكن) بياض في (ش 1). (¬4) قوله: (قدر نصيبه منها، وعلى. . . طرأ بعد الهبة) بياض في (ش 1). (¬5) في (ح): (كانت). (¬6) قوله: (الصداق) ساقط من (ش 1) و (ح). (¬7) قوله: (الهبة) ساقط من (ب) و (ح). (¬8) في (ش 1): (وأخلفت)، وفي (ح): (واختلفت). (¬9) قوله: (ذلك) زيادة من (ش 1). (¬10) قوله: (أو جارية) ساقط من (ش 1). (¬11) قوله: (أو جارية جازت) يقابله في (ح): (وحازه جاز). (¬12) في (ح): (لأنه). (¬13) في (ح): (يعوض). (¬14) قوله: (ذلك) ساقط من (ح). (¬15) في (ب) و (ت): (يكون).

باب في نماء الصداق، ونقصانه وغلاته وما يضمن منه، وتصرف الزوجة فيه، وهل تقضي منه دينا؟

باب في نماء الصداق، ونقصانه وغلاته وما يضمن منه، وتصرف الزوجة فيه، وهل تقضي منه دينًا؟ وإن تزوجت بعبد أو جارية، ثم طلق قبل البناء، وقد هلك ذلك بيدها (¬1)، كانت المصيبة منهما (¬2) جميعًا (¬3)، ولم يرجع (¬4) عليها بشيء، فإن تغير سوقه أو تغير (¬5) في نفسه بزيادة أو نقص أو ولدت الجارية، كان للزوج نصف ذلك على ما يجده عليه، ولا مقال للزوج في النقص، ولا للزوجة في الزيادة، والولد بينهما. وهذا إذا كان النقص بأمر من الله سبحانه، وإن كان بجناية من الزوجة، ضمنت نصف الجناية. وإن كانت الجناية من أجنبي اتبعاه بالجناية، فكانت بينهما. وإن جنى العبد فأسلمته (¬6) ثم طلق، لم يكن له عليها شيء إن (¬7) كانت قيمته والجناية سواء، أو كانت الجناية أكثر (¬8). وإن كانت أقل، رد الزوج نصف العبد، ودفع نصف الجناية. وقال محمد (¬9): إن فات به المجني عليه، غرمت نصيب الزوج من الجنايات (¬10). والقياس ألا شيء عليها؛ لأنها تقول لم يكن علي أن أفتديه به (¬11)، وكرهت أن ¬

_ (¬1) قوله: (بيدها) ساقط من (ش 1). (¬2) في (ح): (منها). (¬3) قوله: (جميعًا) زيادة من (ش 1). (¬4) في (ح): (ولم ترجع). (¬5) قوله: (تغير سوقه أو تغير) ساقط من (ش 1). (¬6) قوله: (وإن جنى العبد فأسلمته) غير واضح في (ش 1). (¬7) في (ب) و (ت): (وإن). (¬8) قوله: (والجناية سواء، أو كانت الجناية أكثر) غير واضح في (ش 1). (¬9) قوله: (محمد) ساقط من (ت). (¬10) في (ب) و (ش 1) و (ح): (المحاباة). (¬11) قوله: (به) زيادة من (ح).

أدفع ثمنًا من عندي، أو كرهت بقاءه خوفًا أن يعود لمثل ذلك. وأما إن افتدت وحابت؛ لأن الجناية أكثر من القيمة، لم يكن للزوج أن يأخذ نصيبه إلا أن يدفع نصف (¬1) الجناية؛ لأنها رضيت لنفسها بذلك، ولو أسلمته لم يكن له عليها مقال، وإن حابت بأن دفعت أكثر من الجناية، لم يكن على الزوج من تلك الزيادة شيءٌ (¬2). وإن وهبت أو أعتقت وهي موسرة، كان عليها نصف القيمة عند مالك يوم وهبت أو أعتقت، وقال عبد الملك: القيمة يوم قبضت (¬3). والأول أصوب؛ لأن النماء والنقص منهما إلى يوم أعتقت أو وهبت. فإن ألزمت القيمة يوم قبضت، وكان فيها الآن نقص، أُغْرِمَتْ ما كان ضمانه (¬4) من غيرها (¬5). وإن كان (¬6) فيه زيادة لم يسقط حق الزوج من تلك الزيادة؛ لأن المصيبة كانت منه؛ فله النماء. وإن لم يعلم الزوج حتى طلقها، وهي اليوم معسرة وكانت يوم الهبة والعتق موسرة، مضى فعلها. وإن كانت معسرة ذلك اليوم إلى يوم الطلاق، كان له أن يرد هبتها وعتقها. وهذا المعروف من قوله، وهو مبني على القول أن النصف مترقب. وأما على القول أن بالعقد وجب جميعه- فلا رد له؛ لأن مقاله كان في الرد قبل الطلاق لِحَقِّهِ في مال الزوجة، وأنها مقصورة على الثلث، فزال ذلك بالطلاق وصار مقاله الآن من أجل الدين، وهو طارئ بعد الطلاق (¬7). ¬

_ (¬1) قوله: (نصف) ساقط من (ش 1). (¬2) قوله: (شيءٌ) ساقط من (ش 1). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 493. (¬4) في (ح): (ضمانها). (¬5) في (ح): (غيره). (¬6) في (ش 1): (كانت). (¬7) قوله: (وهو طارئ بعد الطلاق) بياض في (ش 1).

فصل [في غلة الحيوان والشجر والعبيد]

فصل (¬1) [في غلة الحيوان والشجر والعبيد] واختُلف في غلة الحيوان والشجر والعبيد (¬2)، فقال مالك وابن القاسم: الغلات (¬3) بينهما؛ لأن الضمان منهما. وقال عبد الملك بن الماجشون (¬4): الغلة للزوجة؛ لأنه يوم اغتلته ملك لها، وإن (¬5) هلك كان منها (¬6). يريد أنه يبني (¬7) بها. وهو أحسن؛ لأنها مالكة لجميعه حقيقة إلى يوم الطلاق، والرجوع بعد الطلاق (¬8) شرع، فمن يوم الطلاق يملك (¬9) الزوج النصف. وإن كان الصداق عينًا، فاشترت به (¬10) ما العادة أنه يشترى به، فأغل غلة - كان على الخلاف المتقدم؛ لأن ذلك المشترى لو هلك لكان منهما. وإن اشترت ما ليس العادة أن يصرف الصداق فيه؛ كانت الغلة لها، وإن هلك ضمنته. ولو أراد الزوج أخذه؛ لم يكن ذلك له، والنفقة تابعة للغلة. فعلى القول الأول ترجع الزوجة بنصف النفقة (¬11)، ما لم تكن أكثر من نصف الغلة. وقال عبد الملك بن حبيب: ترجع بما أنفقت على الثمرة، ولا ترجع بما أنفقت على العبد، وترد نصف الغلة، ولا شيء لها من النفقة (¬12). ولا وجه لهذا. ¬

_ (¬1) قوله: (فصل) بياض في (ش 1). (¬2) في (ش 1): (والعبد). (¬3) في (ح): (الغلة). (¬4) قوله: (بن الماجشون) زيادة من (ش 1). (¬5) قوله: (اغتلته ملك لها، وإن) يقابله في (ح): (اغتلت ملكها، ولو). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 494. (¬7) في (ح): (بنى). (¬8) قوله: (بعد الطلاق) ساقط من (ت). (¬9) قوله: (والرجوع بعد الطلاق شرع، فمن يوم الطلاق يملك) ساقط من (ش 1). (¬10) قوله: (به) ساقط من (ح). (¬11) في (ب): (القيمة). (¬12) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 494.

وعلى قول ابن الماجشون: لا ترجع بالنفقة؛ لأنها لا (¬1) ترد الغلة. ويختلف إذا كان صغيرًا لا غلة له أو دابة لا تُركَبُ أو شجرة لا تُطْعَمُ (¬2)، فانتقل كل ذلك بنفقة الزوجة (¬3)، ولم تأخذ غلة: هل للزوج نصف ذلك ويدفع النفقة، أو يكون فوتًا؟ فعلى قول ابن مسلمة يكون فوتًا، ويأخذ (¬4) قيمة نصيبه (¬5) يوم قبضته (¬6)؛ لأنه قال فيمن استحق صغيرًا بعدما كبر عند المشتري وأنفق عليه: ليس له أن يأخذه، وإنما له قيمته يوم كان اشتراه. فالزوج أبين ألا يرجع فيه (¬7)؛ لأنه وضع يدها عليه. واختُلف إذا أنفقت في صناعة علمتها للغلام، أو الجارية، فارتفع ثمنها لذلك، فقال محمد: لا شيء (¬8) على الزوج (¬9). وقال مالك في المبسوط: لها أن ترجع عليه (¬10) بنصف ذلك. وأرى لها الأقل من نصف ما أنفقت، أو نصف ما زاد ثمنها. وقال محمد فيما اغتلت (¬11)، فهلك بيدها من غير سببها: لم تضمنه، وهي مصدقة مع يمينها إن أخذت في الغلة حيوانًا (¬12)، ولا تصدق في هلاك العين إلا ببينة (¬13). ¬

_ (¬1) قوله: (لا) ساقط من (ح). (¬2) في (ح): (أو شجر لا يطعم). (¬3) قوله: (دابة لا تُركَبُ أو شجرة. . . بنفقة الزوجة) غير واضح في (ش 1). (¬4) في (ح): (وتأخذ). وقوله: (ابن مسلمة يكون فوتًا، ويأخذ) غير واضح في (ش 1). (¬5) قوله: (قيمة نصيبه) يقابله في (ش 1): (نصفه). (¬6) في (ح): (قبضه). (¬7) في (ب): (عليه). (¬8) قوله: (لا شيء) ساقط من (ش 1). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 495. (¬10) قوله: (عليه) زيادة من (ح). (¬11) في (ب): (أعملت)، وفي (ت): (غلت). (¬12) في (ب) و (ت): (حيوان). (¬13) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 495.

فصل [في ضمان الصداق إذا طلقت قبل البناء]

فصل [في ضمان الصداق إذا طلقت قبل البناء] الزوجة في ضمان الصداق إذا طلقت (¬1) قبل البناء على ثلاثة أقسام: فإن كان عينًا ضمنته مع عدم البينة. واختلف إذا علم ضياعه، فقال محمد: لا شيء (¬2) عليها. وقال أصبغ: تضمنه قال: لأنها لو اتجرت (¬3) فيه، فأصابت فيه مثله، لم يكن للزوج فيه شيء. والأول أحسن، ومحملها فيه على أنها لتجهز (¬4) به حتى يعلم غير ذلك. وأيضًا فإنه ليس شأن النساء التجارة بمثل ذلك (¬5). وإن كان الصداق عرضًا، لم تصدق في تلفه. وإن كان مما (¬6) لا يغاب عليه كالعبد أو الدابة (¬7) - صدقت إن ادعت تلف ذلك، وكذلك إن ادعت موته في غير جماعة، ولم تصدق تلفه (¬8) إن كانت (¬9) في حضر، أو في سفر بين جماعة. وإن كان الصداق عينًا فتجهزت (¬10) به وعلم ذلك، ثم ادعت ضياعه وقد طلقت، لم تصدق إلا أن يعلم ذلك، وإن ادعت تلفه وهي في العصمة (¬11) صُدِّقَتْ، ولم يكن للزوج أن يكلفها غُرْمَهُ لتتجهز به (¬12). قال عبد الملك في كتاب محمد (¬13): لأنه مالها، لا حق له فيه، فإذا قالت ¬

_ (¬1) في (ش 1): (كان). (¬2) قوله: (لا شيء) ساقط من (ح). (¬3) في (ح): (تجرت). (¬4) في (ب): (لا تتجهز)، وفي (ت): (تتجهز). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 495. (¬6) في (ب) و (ت): (ما). (¬7) في (ش 1): (كعبد ودابة)، وفي (ح): (كعبد أو دابة). (¬8) قوله: (تلفه) زيادة من (ش 1). (¬9) في (ش 1): (كان). (¬10) في (ب) و (ت) و (ح): (فتجهزت). (¬11) قوله: (وقد طلقت؛ لم تصدق إلا أن. . . العصمة) ساقط من (ح). (¬12) في (ب) و (ت) و (ش 1): (لتجهز به). (¬13) قوله: (كتاب محمد) ساقط من (ب)، وفي (ش 1): (كتاب ابن حبيب).

سرق وحلفت- لم تضمن مالها (¬1). وإنما حلفها للتهمة (¬2). وقال في المستخرجة: عليها أن تتجهز بمثله إذا لم تقم بينة بتلفه (¬3). والأول أحسن، وأصل استمتاع الزوج بذلك (¬4) مكارمة، فأبقى ذلك مرة على أصله مكارمة، ولم يكلفها (¬5) الحلف، ورأى مرة أن ذلك صار بمرور (¬6) العادة كالشرط. وإن اشترت ما يصلح لجهازها ثم طلقها، كان له نصفه، وليس لها أن تحبسه، وتدفع إليه نصيبه من العين، ولا له أن يدعه ويطالبها (¬7) بنصف العين. وإن اشترت بصداقها ما لا يصلحها- كانت مصيبته (¬8) منها وعليها على (¬9) قول مالك؛ إن لم تُطلق أن تتجهز بمثل ما قبضت، وإن اشترت به من الزوج شيئًا مما يصلح أن يكون جهازًا لها (¬10)، أو لا يصلح كالدار والعبد، كان هو الصداق، وكأنها تزوجت به، وإن طلق كان له نصفه. قال محمد: وإن كان فيه غبن عليها فهي وضيعة منها، وإن غبنته فهي زيادة منه لها (¬11). يريد: وليس عليها أن تتجهز بمثل ذلك العين، إن لم يطلق إذا أخذت به منه دارًا أو عبدًا. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 495. (¬2) في (ب) و (ت): (للشبهة). (¬3) قوله: (بتلفه) ساقط من (ب) و (ح)، وانظر: البيان والتحصيل: 5/ 111، والنوادر والزيادات: 4/ 496. (¬4) قوله: (بذلك) زيادة من (ش 1). (¬5) في (ح): (يكلفه). (¬6) في (ش 1): (صار المرور). (¬7) قوله: (وإن اشترت ما يصلح لجهازها. . . ويطالبها) بياض في (ش 1). (¬8) في (ح): (مصيبة). (¬9) في (ش 1): (وعلى). (¬10) (قوله: (لها) زيادة من (ح). (¬11) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 484.

فصل [في العيوب التي تكون بالزوجة]

فصل (¬1) [في العيوب التي تكون بالزوجة] وإن ردت الزوجة بعيب جنون (¬2) أو جذام أو برص، والصداق عين، ضمنته وإن (¬3) هلك ببينة. وإن اشترت به جهازًا، كانت في حكم المتعدي، فإن أحب الزوج، أخذ نصفه، أو ضمنها ما قبضت. وإن هلك ببينة، ضمنت ما كانت قبضت من الزوج، هذا إذا علم بالعيب، فطلق. ويختلف إذا لم يعلم حتى طلق. واختُلف إذا كان النكاح فاسدًا ففسخ قبل البناء، هل تضمن الزوجة الصداق؟ فضمنها مالك وابن القاسم، ولم يضمنها ابن حبيب، وإن لم ينظر (¬4) في ذلك حتى فات بالدخول، ضمنته قولًا واحدًا، وقد مضى ذلك في أول الكتاب. وتصرف الزوجة في صداقها قبل البناء بالبيع والهبة، وقضاء الدين على ثلاثة أقسام: فإن كان عينًا تشورت به. قال مالك في كتاب محمد (¬5): عليها أن تتجهز (¬6) بمهرها بما يصلح للناس (¬7) في بيوتهم، وتتخذ خادمًا، إن كان في الصداق ما يبلغ ذلك (¬8). وإنما أعطي الصداق بذلك، وأنكر قول أهل العراق: أن على الرجل أن يسكنها بيتًا (¬9)، وليس ¬

_ (¬1) قوله: (فصل) غير واضح في (ش 1). (¬2) قوله: (وإن ردت الزوجة بعيب جنون) غير واضح في (ش 1). (¬3) في (ب) و (ح): (إن). (¬4) قوله: (وإن لم ينظر) يقابله في (ش 1): (وأرى أن ينظر). (¬5) في (ش 1): (ابن حبيب). (¬6) في (ح): (تتشور). (¬7) قوله: (للناس) ساقط من (ش 1)، وفي (ح): (الناس). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 484. (¬9) انظر: الاختيار: 4/ 8.

له أن يسكنها بيتًا ليس فيه ما يصلح للناس في بيوتهم. وليس (¬1) هو (¬2) الأصل؛ لأن الصداق ثَمنٌ لما باعت، وللبائع أن يحبس الثمن لنفسه، ولا مقال للمشتري فيه، إلا أن العادة أنها (¬3) تتجهز به (¬4)، وينتفعان به (¬5). واختلف قول مالك في هذا الأصل هل يبقى على حكمه في الأصل أنه مكارمة أو ينتقل فيصير كالشرط، كهدية العرس هي مكارمة؟ فقال مرة: لا يقضى على الزوج بها وأبقاها على أصلها أنها مكارمة. ومرة قال: يقضى عليه بها (¬6). وكذلك نفقة الزوجة، حملا (¬7) مرة على العادة في اللباس من عادة أمثالها من حرير، أو خدمة إن كان يخدم مثلها أكثر من خادم واحد (¬8). ومرة حمل ذلك على المكارمة، وألا يلزم بأكثر مما كان عليه الأمر القديم. وأن الزائد (¬9) مكارمة. والثاني أن يكون الصداق دارًا، أو خادمًا، فليس عليها (¬10) أن تبيع (¬11) ذلك لتتشور به، وعلى الزوج أن يأتي عند البناء، بما يحتاج إليه من غطاء، ووطاء، وكسوة، وهذا مع عدم العادة، فإن كانت العادة أن الأب يأتي بمثل ذلك، أو هي إن لم يكن أب (¬12)، ولا يزاد في الصداق لأجل ذلك، جرى على (¬13) الخلاف المتقدم هل يبقى على أصله (¬14) مكارمة أو تنقضه ¬

_ (¬1) في (ش 1) و (ح): (وهذا). (¬2) قوله: (هو) ساقط من (ح). (¬3) قوله: (أنها) ساقط من (ح). (¬4) قوله: (به) ساقط من (ح). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 350/ 5. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 572، والبيان والتحصيل: 4/ 330. (¬7) في (ت): (حمله). (¬8) قوله: (واحد) زيادة من (ب). (¬9) في (ش 1): (وأرى الزائد). (¬10) في (ت): (لها). (¬11) في (ح): (أن يبيع). (¬12) في (ح): (الأب). (¬13) (قوله: (على) ساقط من (ش 1). (¬14) في (ش 1): (أصلها).

للعادة (¬1)؟ وإن كان يزاد في الصداق شيء (¬2) لأجل ذلك أجبر (¬3) الأب أو هي إن لم يكن أب؛ لأنها هبة قارنت البيع. وكذلك إن كان الصداق شيئًا مما يكال أو يوزن، لها أن تحبسه، وليس عليها أن تتشور به حسب ما تقدم في الدار والعبد. وإن كان الصداق عينًا، وكان الحكم أن تتشور به، فإنها تمنع (¬4) من أن تنفق منه (¬5) أو تكتسي. قال مالك: إلا أن تكون محتاجة فتأكل وتكتسي بالمعروف (¬6). قال مالك (¬7) في كتاب الديات: ولا تقضي منه دينًا قبل البناء، إلا الشيء الخفيف، الدينار ونحوه (¬8). قال في العتبية: وأما بعد البناء، فلها قضاء دينها من شوارها ومن كالئ صداقها، وليس لذلك (¬9) بعد البناء وقت وكذلك ¬

_ (¬1) في (ح): (أم تنقصه العادة). (¬2) قوله: (شيء) زيادة من (ب). (¬3) في (ب): (خير)، وفي (ش 1) و (ح): (حبر). (¬4) في (ب): (تمتنع). (¬5) قوله: (منه) ساقط من (ح). (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 331، والنوادر والزيادات: 4/ 496. (¬7) قوله: (مالك) زيادة من (ت). (¬8) لم أقف علي هذه المسألة في طبعات المدونة التي رجعت إليها، وهي ثلاث طبعات، طبعة دار الكتب العلمية التي نعزو إليها، وطبعة مكتبة صادر، وطبعة دولة الإمارات، وإشارة المؤلف لوجودها في المدونة إشارة صحيحة فقد وقفت عليها في تهذيب المدونة في كتاب الديات: 4/ 611، كما حددها المؤلف، وأشار أيضًا ابن رشد لها بقوله في البيان والتحصيل: 5/ 21: (. . . قوله: "إنها لا يجوز لها أن تقضي من مهرها ديونها، إلا أن يكون الشيء التافه اليسير، الدينار ونحوه"، ومثل ما قال في كتاب الديات من المدونة. ولمالك في كتاب ابن المواز، إلا أن يكون الشيء اليسير مثل الدينارين والثلاثة) وقول ابن رشد: (ولمالك في كتاب ابن المواز. . .) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 496. قلت: وهذا يعني أهمية المصادر القريبة من عصر تدوين المدونة في إصلاحها وتدارك الخلل والنقص الواقع في طبعاتها. (¬9) في (ب): (كذلك).

لو ماتت بعد البناء (¬1). وقد تضمنت هذه الجملة خلاف ما ذهب إليه بعض أهل العلم: أن النكاح يفسد إذا كان الصداق رِبَاعًا لها غلة، وكان الزوج ينتفع بها؛ لأن مالكًا ألزم أن تتشور به، وينتفعان به، ومنع من إنفاقه إلا عند الحاجة من (¬2) قضاء الدَّيْن (¬3) قيل (¬4) بخلافه بعد ولم يره غررًا إذا كان لا يدري هل يقضي بقرب البناء، أو يبقى يستمتع به (¬5) إذا لم يكن دين (¬6). واختُلف في صداق الأمة، هل يجبر السيد على أن يجهزها به؟ فقال مالك في كتاب الرهن (¬7): تجهز به، بمنزلة الحرف وليس للسيد أن يأخذه (¬8). وقال ابن القاسم في كتاب محمد فيمن زوج أمته من عبده، أو من أجنبي بصداق، فأراد السيد أن ينتزعه، ولا يجهزها به، فذلك له، ويترك لها ربع دينار، ووافقه أصبغ، إذا كان زوجها عبده (¬9)، قال: فأما إذا كان زوجها (¬10) عبد غيره أو حرًّا (¬11)، فليس له أن ينتزعه، وتتجهز به مثل الحرة. وقاله ابن عبد الحكم قال (¬12): فإن باع (¬13) أمته كان السيد أحق به (¬14). وقد تقدم ذكر ذلك. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 22. (¬2) في (ح): (ومن). (¬3) قوله: (وينتفعان به، ومنع من إنفاقه إلا عند الحاجة من قضاء الدين) غير واضح في (ش 1). (¬4) في (ش 1): (قبل). (¬5) قوله: (به) ساقط من (ح). (¬6) في (ح): (دينا). (¬7) في (ح): (الرهون). (¬8) انظر: المدونة: 4/ 148. (¬9) قوله: (زوجها عبده) يقابله في (ح): (زوجه عنده). (¬10) قوله: (إذا كان زوجها) ساقط من (ت) و (ح). (¬11) في (ح): (حرٌّ). (¬12) قوله: (فأما إذا كان زوجها عبد غيره. . . وقاله ابن عبد الحكم قال) ساقط من (ش 1). (¬13) قوله: (باع) ساقط من (ش 1). (¬14) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 484، 485.

باب فيمن زوج أمته على أن ولدها حر، أو زوج أمته على أنها ابنته، أو زوج ابنته وأدخل على الزوج أمته، وإذا أسلمت امرأة المجوسي قبل البناء ثم بنى بها قبل أن يسلم

باب فيمن زوَّج أمته على أن ولدها حر، أو زوَّج أمته على أنها ابنته، أو زوَّج ابنته (¬1) وأدخل على الزوج أمته، وإذا أسلمت امرأة المجوسيّ قبل البناء ثم بنى بها قبل أن يسلم (¬2) ومن زوج أمته على أن ما ولدت حرٌّ (¬3)؛ فسخ قبل البناء وبعده. قال مالك: وليس (¬4) لها المسمى، والولد حر، والولاء لسيده، ولا قيمة على الزوج فيه. قال محمد: فإن باعها السيد بعد ذلك وهي غير حامل، كان (¬5) ما ولدت عند (¬6) المشتري رقيقًا (¬7). وكذلك أرى إن لم يبعها وفسخ الشرط أو تفاسخاه، أو رجع السيد فيه، كل ذلك قبل أن تحمل فهو رقيق؛ لأنه رضي بفاسد (¬8) رد قبل وقوعه، فلم يلزم، وإن استحقت أَخَذَهَا المستحق وجميع ولدها، ورد عتق ما كانت ولدت قبل رد السيد؛ لأن العتق من السيد ليس من الأب الواطئ، فإذا استحق الولد كان للمستحق أن يرد العتق، ولو غيره السيد (¬9) وزوجه على أنها ابنته، ثم ثبت أنها أمته، كان ولدها حُرًّا (¬10). ¬

_ (¬1) قوله: (أو زوَّج ابنته) ساقط من (ش 1). (¬2) قوله: (وإذا أسلمت امرأة المجوسيّ قبل البناء ثم بنى بها قبل أن يسلم) ساقط من (ب). (¬3) في (ب)، و (ت): (حرًّا). (¬4) قوله: (ليس) ساقط من (ش 1) و (ح). (¬5) في (ب)، و (ت): (كانت). (¬6) في (ش 1): (عبدًا). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 553. (¬8) في (ح): (لأنه رضى فاسد). (¬9) قوله: (لأن العتق من السيد ليس من الأب الواطئ. . . ولو غره السيد) ساقط من (ب). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 501.

ويختلف هل للسيد على الأب قيمة الولد؟ فقال ابن حبيب: له (¬1) قيمته. وقال مطرّف فيمن باع أم ولده فولدت من المشتري: فلا شيء للبائع من قيمة الولد؛ لأنه أباح له فرجها بالبيع فكأنه أذن له في إيلادها (¬2). وقال ابن الماجشون: عليه قيمة الولد. وقول مطرف في هذا أحسن، ولا شيء له في هذه، ولا في التي زوجها على أنها ابنته؛ لأنه سلطه على ذلك. فإن استحقت كان للمستحق على الزوج قيمة الولد، ولا شيء على السيد الذي زوج من قيمته. وإن زوجه ابنته، فأدخل عليه أمته؛ ردت الأمة إلى السيد. ويختلف في قيمة الولد، حسب ما تقدم في الابنة (¬3)، وللزوج أن يبني بالابنة التي تزوج. وقال ابن حبيب: ولقد سألت ابن الماجشون عن الرجل يزوج الرجل ابنته فيحبسها ويبعث إليه أمته فيصيبها الزوج ثم يظهر على ذلك، فقال لي: أما الأمة فتلزمه بالقيمة؛ لأنه وطئها على شبهة درئ عنه بها الحد بمنزلة الذي يحلل له الجارية وأشباه ذلك كثير، وعلى الأمة الحد إلا أن تكون تدعي أنها ظنت أن سيدها زوجها إياه وعلى سيدها العقوبة الموجعة ونكاح الابنة ثابت (¬4). وفي الموازية، وفي كتاب ابن سحنون مثله (¬5). ¬

_ (¬1) في (ب): (عليه). (¬2) انظر: النوادر والزيادات 13/ 183. (¬3) قوله: (في الابنة) زيادة من (ح). (¬4) قوله: (ولقد سألت ابن الماجشون عن الرجل يزوج. . . ونكاح الابنة ثابت) يقابله في (ش 1) و (ح): (ومن أدخل أمته على زوج ابنته فوطئها درئ عنه الحد ولزمته القيمة وتحد الأمة إلا أن تدعي أن سيدها زوجها منه ويعاقب السيد). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 501.

وفي السؤال: ومن زوج (¬1) ابنته لرجل، فأدخل عليه أمته أنها ابنته، فتلد، فإنها (¬2) تكون له بما تلد أم ولد (¬3)، وعليه قيمتها يوم الوطء، حملت أو لم تحمل، ولا قيمة عليه في الولد بمنزلة من أحل ابنته لرجل، وتبقى ابنته زوجة له، ولو علم الواطئ أن التي أدخلت عليه غير زوجته، ثم وطئها فهو سواء لا حد عليه. ¬

_ (¬1) في (ح): (فيمن تزوج). (¬2) قوله: (فتلد، فإنها) فىِ (ح): (فهذا). (¬3) قوله: (أم ولد) زيادة من (ح).

باب في نكاح التفويض ومن تزوجت على حكمها أو على حكم الزوج أو الولي أو على صداق المثل

باب في نكاح التفويض ومن تزوجت على حكمها أو على حكم الزوج أو الولي أو على (¬1) صداق المثل نكاح التفويض (¬2) جائز لقوله سبحانه وتعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236]. ثم (¬3) الزوج بالخيار بين أن يرد ولا شيء عليه، أو يفرض صداق المثل ويلزمه (¬4) النكاح، أو يفرض دون ذلك، وتكون هي بالخيار بين القبول، أو الرد، ولا شيء لها. قال مالك: في صداق المثل: لا ينظر إلى نساء قومها، ولكن ينظر إلى قدرها، وموضعها من الجمال، واليسار، والفقر، وحال الزوج، وهل الرغبة في مثله كثرة (¬5) الصداق، أو (¬6) القربى، أو صلة الرحم (¬7). قال مالك: وليس الرجل يغتفر فقره لقرابته، كالأجنبي الموسر يرغب في ماله. وقوله هذا يصح مع عدم العادة، فإن كان قوم لهم عادة، لا يحطون بفقر ولا قبح (¬8)، ولا يزيدون ليسار وجمال، حملوا على عادتهم كأهل البادية اليوم. ¬

_ (¬1) قوله: (على) ساقط من (ش 1). (¬2) نكاح التفويض هو الزواج بلا مهر، قال في التلقين: 1/ 116: (ونكاح التفويض جائز وصفته أن يعقدا ولا يسميا صداقا أو على أن يفرضاه بعد العقد). (¬3) قوله: (ثم) ساقط من (ش 1). (¬4) في (ش 1): (ويلزمها). (¬5) في (ح): (كثر). (¬6) في (ح): (أم). (¬7) انظر: المدونة: 2/ 162. (¬8) في (ش 1): (لا يحطون لفقر وقبح)، وفي (ح): (لا يحطون بفقر وقبح).

فصل [في نكاح التفويض إذا فرض أقل من المثل قبل البناء]

وللزوجة أن تمنع نفسها قبل معرفة الصداق وقبل قبضه، إلا أن تكون العادة أن الصداق مقدم ومؤخرة فلا تمتنع (¬1) إذا فرض الزوج صداق المثل، وعجل (¬2) النقد المعتاد، فإن رضيت أن تمكنه من نفسها (¬3) قبل أن يفرض شيئًا، جاز إذا دفع ربع دينار ويكون لها صداق المثل. فصل [في نكاح التفويض إذا فرض أقل من المثل قبل البناء] وإن فرض قبل البناء أقل من صداق المثل، كان النظر إلى الأب إن كانت بكرًا. واستحسن إن كان وصيًّا والزوجة بكرًا أو ثيبًا سفيهة، أن يكون النظر إلى الوصي، وإن كانت رشيدة فالأمر إليها. واختُلِف إذا لم تكن (¬4) مراضاة حتى دخل، وفرض أقل من صداق المثل. فقال مالك في كتاب النكاح الأول (¬5): لا يجوز للأب أن يضع من صداق ابنته البكر، إذا لم يطلقها الزوج (¬6). وكذلك المفوض إليه بالدخول (¬7) يستحق عليه صداق المثل. فلا يجوز -على قوله- للأب أن يحط منه. وكذلك الوصي على هذا القول، لا يجوز أن يرضى بأقل من صداق المثل. وقال في كتاب النكاح (¬8) الثاني: يجوز ذلك (¬9) للأب ولا يجوز للوصي. ¬

_ (¬1) في (ح): (فلا يمنع). (¬2) في (ح): (ويجعل). (¬3) قوله: (من نفسها) زيادة من (ب). (¬4) في (ح): (لم يكن). (¬5) قوله: (الأول) ساقط من (ح). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 103. (¬7) في (ش 1): (إذا دخل). (¬8) قوله: (كتاب النكاح) يقابله في (ح): (الكتاب). (¬9) قوله: (ذلك) ساقط من (ح).

فصل [في موت أحد الزوجين قبل البناء وقبل الفرض في نكاح التفويض]

وقال ابن القاسم: يجوز للوصي على وجه النظر إذا سأل الزوج التخفيف، وخاف الوصي الفراق، ورأى مثله رغبة لها (¬1). وقال أيضًا: يجوز عند مالك أن يرضى الولي قبل المسيس وبعده بأقل من صداق المثل (¬2). وهو أحسن، وقد تقدم. فصل [في موت أحد الزوجين قبل البناء وقبل الفرض في نكاح التفويض] وإن مات الزوج أو الزوجة قبل البناء (¬3) وقبل الفرض، كان بينهما الميراث، ولا صداق لها، وإن دخل ولم يفرض، فلها صداق المثل. وإن سمى في الصحة ولم يدخل، فلها تلك التسمية، وإن فرض في المرض ولم يدخل، فلا شيء لها، وإن كان الفرض والبناء في المرض، كان لها الأقل من المسمى أو صداق المثل من رأس المال؛ لأن العقد في الصحة والدخول في المرض بوجه- جائز، ففارق النكاح في المرض. وإن كانت مريضة وهو صحيح (¬4) وفرض في مرضها، ثم ماتت وهو مريض ولم يدخل، فلا شيء لها إن مات من مرضه ذلك. قال أصبغ: وإن صح بعد موتها، لزمه ذلك لورثتها. قال محمد: ولا (¬5) يعجبني ذلك (¬6). ¬

_ (¬1) في (ش 1): (ورأى أن مثله فيه رغبة لها). وانظر: المدونة: 2/ 163. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 163، 164. (¬3) في (ش 1): (الرِّضا). (¬4) قوله: (وهو صحيح) ساقط من (ب). (¬5) في (ح): (ولم). (¬6) قوله: (ذلك لورثتها. قال محمد: ولا يعجبني ذلك) غير واضح في (ش 1). وانظر: النوادر والزيادات: 4/ 453.

وقولُ أصبغ أنه (¬1) أحسن؛ لأنه إذا صح تبين أن ذلك مرض لا يخشى منه الموت، وأنهم أخطأوا في ظنهم (¬2) أنه مما يموت (¬3) منه، فكان بمنزلة من فرض وهو صحيح، وهي مريضة. قال محمد: ولو سمى لها وهو مريض وهي ذمية أو أَمَة، ولم يبنِ بها (¬4) حتى مات، أعطيت ذلك المسمى، قلَّ أو كثر (¬5)، ويحاص به أهل الوصايا. قال عبد الملك: لا شيء لها إن لم يدخل حتى مات؛ لأنه لم يسمِّ إلا على المصاب (¬6). وهو أحسن؛ لأنه لم يقصد الوصية وإنما قصد الصداق وأحكامه وأن تؤخذ على ما يجب في حكم الصداق. وقال محمد: إن دفع الزوج شيئًا، ثم طلق قبل البناء، فإن كان ذلك صداق مثلها، أو تراضوا به وهو أقل من صداق مثلها، لم يكن للزوج إلا نصفه، وإن لم يكن فيما دفع صداق مثلها، ولا كانوا رضوا (¬7) به، لم يكن لها منه شيء، ولا يقبل قولهم بعد الطلاق أنهم كانوا رضوا به، إلا أن يكون (¬8) لهم بينة بذلك (¬9). قال مالك: وإن قدَّم (¬10) الزوج شيئًا فأدخلوها عليه ثم طلبوا بقية مهر مثلها، فلا شيء لهم إلا أن يكون المدفوع لا يشبه أن يكون صداقًا، مثل الدرهمين، أو الثلاثة أو الطعام يبعث به، فيرجع عليه بصداق مثلها. ¬

_ (¬1) قوله: (أنه) زيادة من (ح). (¬2) في (ح): (طبهم). (¬3) قوله: (أخطأوا في ظنهم أنه مما يموت) غير واضح في (ش 1). (¬4) قوله: (بها) ساقط من (ب). (¬5) كذا في النوادر، غير أن القلة والكثرة اشترطها في حدود الثلث لا مطلقًا. (¬6) في (ش 1): (المصادقة). وانظر: النوادر والزيادات: 4/ 454. (¬7) في (ح): (تراضوا). (¬8) في (ش 1) و (ح): (تكون). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 453. (¬10) في (ب): (فرض).

فصل [في أحكام نكاح التفويض]

وكذلك إن مات قبل أن يدخل وقد سمى لها صداقًا في صحته (¬1)، فإن كانت رضيت به قبل أن يمرض، فذلك لها (¬2) من رأس ماله (¬3)، قليلًا كان أو كثيرًا. فصل [في أحكام نكاح التفويض] نكاح التفويض على ثلاثة أوجه: جائزٌ: وهو ما كان التفويض فيه إلى الزوج، أو عَقَدَ ولم يذكر الصداق، ولا أسقط (¬4). وفاسدٌ: وهو ما دخل فيه على رفع الخيار، وعلى أن ما فَرَضَ مَنْ فَوَّضَ إليه لزم قليلًا أو كثيرًا. ومختلفٌ فيه: وهو أن يكون التفويض إلى الزوجة أو إلى وليها أو أجنبي من الناس، أو يقول: أتزوجك على حكمي، أو حكمك، أو حكم وليك، أو حكم فلان، فهذا يمنع ابتداءً، فإن نزل مضى عند مالك (¬5). وقال سحنون (¬6): قال غيره: يفسخ إذا لم يفت بالدخول (¬7). وقال عبد الملك في كتاب محمد: يجوز على حكمه، ولا يجوز على حكمها، وإطلاق العقد يقتضي الفساد، إلا بمهر (¬8) ¬

_ (¬1) قوله: (في صحته) ساقط من (ش 1). (¬2) قوله: (لها) زيادة من (ب) و (ح). (¬3) في (ش 1): (رأس المال). (¬4) في (ش 1): (أسقطه). (¬5) قوله: (عند مالك) يقابله في (ب): (عند ابن القاسم) وساقط من (ح)، وانظر: المدونة: 2/ 167. (¬6) في (ب): (إسحاق). (¬7) انظر: المدونة: 2/ 168. (¬8) قوله: (بمهر) غير مقروء في (ح).

كان (¬1) الحكم من زوج أو زوجة أو ولي؛ لأن مقتضى الحكم رفع الخيار، وذلك فاسد، إلا أن تكون العادة بقاء الخيار لمن يحكم عليه. واختلف بعد القول إنه يمضي على ثلاثة أقوال: فذكر ابن حبيب عن ابن الحكم إليه، أو إليها، أو إلى أجنبي. وعن أشهب وعبد الملك مثل ذلك، إذا كان الأمر بيد الزوج أو بيد أجنبي، وإن كان الأمر (¬2) بيدها لم يلزمها، وإن كان (¬3) فرض صداق المثل. وقال ابن القاسم في كتاب محمد: إن رضيت بما حكم أو رضي بما حكمت أو رضيا بما حكم فلان، وإلا فرق بينهما (¬4). واتفقت هذه الأقوال إذا كان الأمر بيد غير الزوج ألا (¬5) يلزم الزوج ما فرضت، ولا ما فرض فلان، وإنما الاختلاف: هل يعود الأمر إلى الزوج، أو لا يلزم من الصداق إلا ما تراضيا عليه؟ وليس القول بعودة ذلك إلى الزوج ببين؛ لأنه غير ما عقدا عليه، ولها أن تقول: لا أرضى بصداق المثل إن فرضه (¬6) الزوج؛ لأني إنما تزوجت على حكمي، وحكمي كذا وكذا، فإن رضي، وإلا فارق. وإن دخلا على حكم فلان فقالت: لا أرضى إلا بمن رضينا (¬7) به، فقد يفرض في أكثر من ذلك. فأما إن دخلا على حكم فلان ففرض صداق المثل ¬

_ (¬1) قوله: (الفساد، إلا بمهر كان) يقابله في (ش 1): (الفساد لأيّهم كان). (¬2) قوله: (الأمر) زيادة من (ش 1). (¬3) قوله: (كان) ساقط من (ش 1) و (ح). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 452. (¬5) في (ح): (أو لا). (¬6) قوله: (ببين؛ لأنه. . . فرضه) غير واضح في (ش 1). (¬7) في (ش 1): (رضي).

- لزمهما (¬1)؛ لأنه وكيل له على الشراء، ولها على البيع، فإذا باع لها واشتراه (¬2) له بالقيمة- لزمهما (¬3). وإن اشترى بأكثر خُيِّر وحده، وإن باع بأقل خيرت وحدها، إلا أن تكون المغابنة الشيء اليسير عليه، أو عليها فيلزمها (¬4)؛ لأن المغابنة اليسيرة تلزم من وكله من بائع أو مشترٍ. وإن دخل على حكمها ففرضت صداق المثل فأقل، لزمه. وإن فرضت أكثر كان بالخيار. ¬

_ (¬1) في (ح): (لزمها). (¬2) قوله: (فإذا باع لها واشتراه) يقابله في (ح): (فإذا باع لها أكثر واشترى). (¬3) في (ب): (لزمها). (¬4) في (ح): (فيلزمها).

باب في الدعوى في الصداق والاختلاف فيه

باب في (¬1) الدعوى في الصداق والاختلاف فيه اختلاف الزوجين في الصداق على خمسة أقسام: في قدره وجنسه، وفي دفعه. وهل كان على (¬2) تسمية أو تفويض؟ وفي صحته وفساده. فإن اختلفا في قدره، فقالت مائة وقال الزوج خمسون؛ فإن لم يدخل وأتيا بما يشبه- تحالفا وتفاسخا (¬3)، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر- كان القول قول من حلف منهما، وثبت النكاح، وإن حلفت ونكل، غرم مائة، وإن حلف ونكلت، غرم خمسين. وهذا قول مالك في المدونة (¬4). وقد اختلف في هذه المسألة (¬5) أربعة (¬6) مواضع: أولها: مَن المبدَّى باليمين. والثاني: هل تحالفهما فسخ، كاللعان، أو حتى يتفاسخا؟ والثالث: هل نكولهما كأيمانهما، أو يعود القول قول من نكل منهما أولًا؟ والرابع: إذا أتى أحدهما بما يشبه، والآخر بما لا يشبه (¬7). فأما التبدية فقال مالك: تبدى الزوجة، أو الولي إذا لم تعلم هي ما عقد لها به (¬8). ¬

_ (¬1) قوله: (في) ساقط من (ش 1) و (ح). (¬2) قوله: (على) ساقط من (ح). (¬3) انظر: الإشراف: 2/ 717. (¬4) انظر: المدونة: 2/ 165 و 166. (¬5) قوله: (هذه المسألة) زيادة من (ش 1). (¬6) في (ح): (في أربع). (¬7) قوله: (والآخر بما لا يشبه) ساقط من (ب). (¬8) انظر: التلقين: 1/ 116.

وروى عنه الواقدي (¬1) في (¬2) مختصر ما ليس في المختصر أنه (¬3) قال: يبدى الزوج. وهذا مثل قوله في العتبية في اختلاف المتبايعين: أنه يبدى المشتري، وأن يقترعا أحسن (¬4). وأما إذا تحالفا فقال سحنون: هو فسخ كاللعان. وقال ابن حبيب: الزوج بالخيار إن شاء يقدم (¬5) على ما حلفت عليه، وإن شاء ترك (¬6)، ولم يره منفسخًا بنفس التحالف، وعلى هذا يكون للزوجة أن ترضى بخمسين، ويثبت (¬7) النكاح إن لم يرضَ هو بالمائة، وإن طلقها ثلاثًا (¬8) قبل التفاسخ لزمه، وإن مات أحدهما توارثا، وهو أحسن؛ لأن أيمانهما إنما تفيد ألا يؤخذ أحدهما بغير ما اعترف به (¬9)، ولا بغير ما حلف عليه، وهذا قصدهما، إلا أن يكونا عقدا أن تحالفهما فَسخٌ، لا مقال بعده في النكاح لواحد منهما، فيلزمه ما التزماه. وأما إن نكلا فقيل: ذلك بمنزلتهما (¬10) لو حلفا. وقيل: القول قول المرأة. والأول أحسن. وذكر ذلك في كتاب السلم وكذلك إن أتى أحدهما بما يشبه والآخر بما لا يشبه، ولم يكن بنى بها، فقال مالك مرة: يتحالفان ويتفاسخان (¬11). وقال مرة: القول قول من أتى بما يشبه دون الآخر. وهو أصوب؛ لأن ذلك دليل له كالشاهد يحلف معه من قام له ذلك الدليل. وإن اختلفا بعد البناء؛ كان القول قول الزوج مع يمينه إذا أتى بما يشبه؛ لأنه حينئذ غارم، وقد فات ¬

_ (¬1) في (ش 1): (وروى الواقدي عن مالك). (¬2) في (ح): (وفي). (¬3) قولى: (أنه) زيادة من (ش 1). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 404. (¬5) في (ح): (تقدم). (¬6) في (ح): (نزل). (¬7) في (ب) و (ت): (وثبت). (¬8) قوله: (ثلاثًا) ساقط من (ش 1). (¬9) قوله: (به) ساقط من (ح). (¬10) في (ش 1): (بمنزلة ما). (¬11) انظر: المدونة: 2/ 166.

فصل [في الاختلاف في جنس الصداق]

المبيع بالدخول. وكذلك إذا طلق وقد دخل أو لم يدخل؛ لأنه غارم، وقد فات موضع الفسخ بالطلاق (¬1). فصل [في الاختلاف في جنس الصداق] واختلف إذا اختلفا في جنسه فقال: تزوجتك على هذا الثوب، وقالت: على هذا (¬2) العبد. فقيل: القول قول الزوج، أنه لم يبع على (¬3) ذلك العبد، والقول قولها، أنها لم تتزوج على ذلك الثوب، فيتحالفان ويتفاسخان قبل، ويثبت بعد، ولها صداق المثل ما لم تكن قيمة ذلك فوق ما ادعت، أو دون ما ادعى الزوج، وهذا بخلاف البيع؛ لأن النكاح إذا تزوجت على عبد فاستحق، ترجع (¬4) إلى قيمته. فإن كانت قيمته أكثر من صداق المثل، كان ذلك مكارمة منه (¬5). فإن ردت إلى صداق المثل، رجعت إليه مكارمته (¬6). وإن كانت قيمته أقل، كانت مكارمة منها، فإن استوفت صداق المثل، رجعت (¬7) إليها مكارمتها. وكذلك هذا أن (¬8) لها صداق المثل (¬9) ما لم يزد (¬10) على قيمة العبد، أو ينقص (¬11) من قيمة الثوب. وقال ابن القصار: إن اختلفا بعد الدخول، كان القول قول الزوج مع ¬

_ (¬1) قوله: (أو لم يدخل؛ لأنه غارم، وقد فات موضع الفسخ بالطلاق) غير واضح في (ش 1). (¬2) قوله: (هذا الثوب، وقالت: على هذا) غير واضح في (ش 1). (¬3) قوله: (على) ساقط من (ب) و (ح). (¬4) في (ح): (يرجع). (¬5) قوله: (منه) ساقط من (ح). (¬6) في (ح): (مكارمة). (¬7) قوله: (إليه مكارمته. وإن كانت قيمته أقل؛. . . رجعت) ساقط من (ب). (¬8) في (ت): (هذان). (¬9) في (ش 1): (مثلها). (¬10) في (ب): (تزد). (¬11) في (ب): (تنقص).

فصل [في الاختلاف في دفع الصداق]

يمينه، ولا يكون عليه إلا ما أقر أنه تزوج به، ووافق إذا اختلفا قبل البناء. وقال أصبغ في ثمانية أبي زيد: إن اختلفا بعد البناء في صنفين، فقال تزوجتك بجاريتي، أو عبدي أو داري، أو أرضي (¬1)، أو جناني. وقالت: بدنانير أو ثياب، فالقول قول الزوج، إذا كان ذلك مما يصدقه النساء، وإن ادعى ما لا يشبه (¬2)، كالخشب والجلود، وقالت: تزوجتني بجاريتك، أو عبدك، أو دارك، أو جنانك، أو ما أشبه ذلك، مما يتزوج به النساء- فالقول قولها (¬3)، إذا كانت قيمة ذلك مثل ما تزوج به فأقل. وإن ادعيا ما يشبه في الصنفين، كان القول قول الزوج (¬4)، وإن كان لا يشبه أن يتزوج بواحد منهما، تحالفا وتفاسخا، وكان لها صداق المثل. وإن اتفقا على صنف، واختلفا فادعت أكثر مما أقر به، كان القول قول الزوج. فصل [في الاختلاف في دفع الصداق] وإن كان أبواها ملكًا للزوج، فقال: تزوجتك على أبيك، وقالت على أمي: تحالفا وتفاسخا، وعتق (¬5) الأب على الزوج بإقراره أنه حر، وكذلك إن نكلا. وإن حلف ونكلت، عتق الأب عليها، ورقت الأم. وإن نكل وحلفت، عتقا جميعًا (¬6)، فيعتق (¬7) الأب على الزوج بإقراره، والأم على الزوجة؛ لأنها استحقتها باليمين (¬8). ¬

_ (¬1) في (ح): (إرثي). (¬2) في (ب): (يصدقنه). (¬3) في (ب): (قوله). (¬4) قوله: (قول الزوج) بياض في (ش 1). (¬5) في (ش 1): (وأعتق). (¬6) قوله: (جميعًا) ساقط من (ش 1). (¬7) قوله: (فيعتق) ساقط من (ح). (¬8) في (ش 1): (بالثمن).

وإن اختلفا في دفع الصداق قبل البناء، كان القول قول من أنكر القبض من امرأة أو ولي مع يمينه. وإن اختلفا بعد البناء، كان القول قول الزوج إذا (¬1) كان دخول اهتداء، قال ابن القاسم: مع يمينه، وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: إن كان قريبًا، وجاءت بلطخٍ، حلف وإن طال، فلا يمين عليه (¬2). وقال ابن القاسم في العتبية في امرأة في صداقها خادم ادعى الزوج أنه صالحها منها على دنانير دفعها إليها، وأنكرت، فالزوج مدعٍ، وإن أقرت بالصلح صدق الزوج في دفعه، ولا شيء لها (¬3). يريد: إذا بنى؛ لأنه إذا أنكر (¬4) الصلح، مقرًّا (¬5) أنه لم يدفع الخادم مدعٍ عليها أنها باعتها منه، فكان القول قولها أنها لم تبع، ولو اتفقا أن الصلح عنها وكان بعد الدخول، صدقت أنها لم تقبض العوض. واختلف إذا كان بعض الصداق يحل بعد الدخول، فلم يدخل حتى حل. فقال مالك: القول قول الزوج أنه دفع قبل أن يدخل (¬6). لأنه يقول: لها أن تمتنع من البناء حتى تقبض المؤجل إذا حل قبل، وهي عالمة أن ذلك لها. وقال محمد بن عبد الحكم: له أن يبني بها وتطالبه. وفي السليمانية: له أن يبني وإن تبين عسره (¬7) بالمهر قبل البناء. وهو أبين؛ لأنها رضيت أن تسلم نفسها، وتتبع الذمة، ولو باع رجل سلعة بثمن إلى ¬

_ (¬1) في (ب) و (ت) و (ش 1): (وإذا). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 479. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 141، والنوادر والزيادات: 4/ 479. (¬4) قوله: (لأنه إذا أنكر) يقابله في (ح): (لأنها إذا أنكرت). (¬5) في (ح): (فأقر). ولعلها: (مقرا أنه دفع الخادم مدعى عليها. . .). (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 478. (¬7) قوله: (وإن تبين عسره) يقابله في (ش 1): (وإن عسرت).

فصل [فيما إذا كان الصداق رهنا]

أجل فحلَّ الأجل قبل تسليم السلعة، ثم تبين عسر المشتري، كان للبائع ألا يسلمها، بخلاف النكاح؛ لأنه لو كان سلمها (¬1) كان له الآن أن يرتجعها (¬2)، فيأخذها في الفلس (¬3)، وليس كذلك (¬4) النكاح إذا بنى ثم أعسر بالمهر، لم يكن لها أن تمنع نفسها. واختلاف ورثة الزوجين أو أحدهما كاختلاف الزوجين (¬5)، فإن ماتت (¬6) قبل الدخول كان القول قول ورثتها (¬7) مع أيمانهم (¬8) أنها لم تقبضه، إلا أن يقولوا: لا علم لنا، ولا يدعى عليهم العلم، فيكون لهم قبضه بغير يمين. وإن مات الزوج بعد البناء وقالت: لم أقبض المقدم، كان القول قول ورثته مع أيمانهم. فإن قالوا: لا علم لنا وكانوا ممن لا يخالطه (¬9) برئوا بغير يمين، فليس الولد كالعصبة. وإن مات الزوجان كان القول قول ورثتها إن ماتت (¬10) قبل البناء، والقول قول ورثته إن مات بعده (¬11). فصل [فيما إذا كان الصداق رهنًا] وإن أخذت بالصداق رهنًا ثم سلمته كان القول قول الزوج مع يمينه أنه ¬

_ (¬1) في (ش 1): (يسلمها). (¬2) قوله: (كان له الآن أن يرتجعها) يقابله في (ح): (كان له أن لا يرتجعها). (¬3) في (ش 1): (التفليس)، وفي (ح): (العسر). (¬4) قوله: (وليس كذلك) يقابله في (ح): (واليسر وكذلك). (¬5) قوله: (كاختلاف الزوجين) ساقط من (ح). (¬6) في (ت): (مات). (¬7) في (ت): (ورثتهما). (¬8) في (ح): (أيمانها). (¬9) في (ب) و (ت): (يخالطوه). (¬10) في (ب) و (ت): (مات). (¬11) قوله: (قول ورثتها إن ماتت قبل البناء، والقول قول ورثته إن مات بعده) يقابله في (ح): (قول ورثة من مات بعدُ).

دفع وتبرأ (¬1)، وسواء دخل أم لم يدخل، واختلف إذا دخل وبقي الرهن في يدها، فقال سحنون: القول قول الزوج مع يمينه، ويأخذ (¬2) رهنه (¬3). وقال يحيى في المنتخبة (¬4): القول قولها مع يمينها، وهو أبين كمن باع سلعة وسلمها، وبيده رهن بالمبيع، فالقول قول البائع، ما دام الرهن بيده. وإن أخذت بالصداق حميلًا كان الاختلاف على ثلاثة أقسام: فإما أن يكون الاختلاف بين الزوج والحميل خاصة في أيهما دفع، والزوجة (¬5) مصدقة في قبض صداقها. أو يكون الاختلاف بينهما وبين الزوجة خاصة، تقول: لم أقبض، ويقولان (¬6): قد قبضتِ، واتفقا أن الدفع كان من الزوج أو من الحميل. أو يكون الاختلاف بين جميعهم، فالزوج يقول: دفعتُ، والحميل يقول: أنا الدافع، والزوجة تقول: لم أقبض. فإن (¬7) أقرت بالقبض، واختلف الزوج والحميل في أيهما دفع واتفقا أن المرأة لم تقبض إلا مائة واحدة؛ لأن الدفع كان بمحضرهما، أو أرسلا بها (¬8) رسولًا، كان القول قول الزوج مع يمينه، فإن نكل حلف الحميل، ورجع على الزوج، ولا يمين على الزوجة في الوجهين جميعًا. وإن كان دفع كل واحد بغير محضر صاحبه سئلت المرأة: أيهما كان الدافع؟ فإن قالت: الزوج حلفت للحميل، ولم يكن بين الحميل والزوج ¬

_ (¬1) قوله: (تبرأ) زيادة من (ش 1)، وفي (ح): (دنَانير). (¬2) في (ح): (وتأخذ). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 479. (¬4) في (ش 1): (المستخرجة). (¬5) قوله: (في أيهما دفع، والزوجة) يقابله في (ح) ت (وأيهما دفع الزوج). (¬6) في (ب): (ويقول). (¬7) قوله: (فإن) ساقط من (ح). (¬8) في (ب) و (ح): (بهما).

مقال، وإن نكلت حلف الحميل، ورجع عليها. فإن قالت: قبضت ذلك من الحميل، كان القول قول الزوج أنه دفع ذلك إليها؛ لأنه يقول لم أقبض ما اشتريت حتى دفعت ما علي، ولم يدفع أَحدٌ عني شيئًا، وكان القول قوله أنه دفع عن نفسه، حتى يعلم أن غيره الدافع عنه. ويحلف الزوج يمينين، يمينًا (¬1) للزوجة أنه دفع ذلك إليها، ويمينًا للحميل: إني لا أعلم أنك دفعت قبل دفعي شيئًا. فإن نكل عن اليمين للزوجة حلفت أنها لم تقبض ذلك منه، وغرمه الزوج للحميل، فإن نكلت برئ الزوج، وغرمت هي للحميل. وإن حلف للزوجة ونكل عن اليمين للحميل حلف الحميل: إنك تعلم أني دفعت ذلك (¬2) قبل دفعك، ورجع عليه. فإن نكل فلا شيء له على الزوج. فإن قالت: لم أقبض من واحد منكما شيئًا، ولم يبنِ بها، فإن ادعت دفع مائة واحدة حلفت يمينًا واحدة وأخذت من الزوج، إلا أن يكون معسرًا (¬3) فيأخذ من الحميل. وإن ادعى كل واحد أنه دفع إليها مائة من غير محضر صاحبه حلفت يمينًا للزوج ويمينًا للحميل، فإن حلفت للحميل ونكلت للزوج حلف الزوج وبرئ، ولا شيء للحميل على الزوج إذا لم يَدَّعِ عليه العلم، وإن حلفت للزوج ونكلت للحميل حلف الحميل، ورجع على الزوج؛ لأن يمينها للزوج توجب (¬4) أن يغرم لها الصداق، ويمين الحميل عند نكولها توجب أن يكون الحميل (¬5) هو الدافع بالحمالة فوجب أن يرجع عليه. وإن نكلت الزوجة والزوج وحلفت للحميل غرم لها الزوج، ولا شيء للحميل، وإن حلفت لهما ¬

_ (¬1) قوله: (يمينًا) ساقط من (ب). (¬2) في (ب): (لك). (¬3) في (ح: (معدما). (¬4) في (ح): (موجب). (¬5) قوله: (الحميل) ساقط من (ب) و (ش 1).

فصل [في صداق المرأة التي هلكت قبل البناء]

جميعًا وادَّعى الحميل على الزوج أنه يعلم أنه دفعه عنه بوجه جائز- حلف الزوج، فإن نكل حلف الحميل، ورجع عليه. وقال ابن حبيب إن قال حامل الصداق بعد البناء: إنها (¬1) قبضت ذلك منه، أو زعم الحميل أنها قبضت ذلك من الزوج فهو مصدق مع يمينه، ويسأل الزوج، فإن زعم أن الحامل بريء أو قال في الحمالة: إني برئت (¬2) منه- صدق مع يمينه. وإن قال في الوجهين: لم تقبض الزوجة شيئًا- لم يلزم الحامل (¬3) ولا الزوج شيء، وأما في الحمالة فيلزم الزوج دون الحميل، وإن قال الحميل: دفعته إليها وأكذبه (¬4) الزوج برئ الحميل من الحمالة (¬5)، ولم يوجب له رجوع به على الزوج إلا ببينة، ويؤديه (¬6) الزوج إلى المرأة بإقراره (¬7). فصل [في صداق المرأة التي هلكت قبل البناء] ومن المدونة قال مالك في رجل تزوج امرأة فهلكت قبل البناء، فطولب بالصداق، فقال: تزوجت على تفويض، فالقول قوله مع يمينه، وله الميراث، ولا صداق عليه (¬8). وعلى قوله إن طلق قبل البناء؛ حلف ولا شيء عليه. وإن مات الزوج وادعت الزوجة تسمية الصداق، وقال ورثة الزوج (¬9): كان على تفويض (¬10) - ¬

_ (¬1) زاد بعده في (ش 1): (وضعت). (¬2) قوله: (إني برئت) يقا بله في (ح): (أبرئت). (¬3) في (ش 1): (الحميل). (¬4) في (ش 1): (وأنكر به). (¬5) قوله: (من الحمالة) زيادة من (ش 1). (¬6) في (ش 1): (ويرد به). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 479. (¬8) انظر: المدونة: 2/ 165. (¬9) قوله: (ورثة الزوج) يقابله في (ح): (ورثته). (¬10) في (ح): (التفويض).

كان القول قولهم مع أيمانهم، ولها الميراث دون الصداق. وقال مالك في كتاب محمد فيمن زوج ابنه صغيرًا من ابنة رجل صغيرة (¬1)، فمات الصبي، وطلب أبو الصبية المهر، فقال أبو الصبي: كان على التفويض، فليس لها إلا الميراث، إن كان ترك شيئًا. قال محمد: إذا حلف أبوه (¬2). ولمحمد في بعض النسخ: قال مالك: فإن كان لها شاهد على تسمية المهر أُخِّرَتْ حتى تبلغ، لتحلف وتأخذ (¬3). قال محمد: بعد يمين أبيها (¬4). قال: وليس بمنزلة لو (¬5) باع لها بيعًا، ولم يشهد فيه إلا شاهد، فإن للأب أن يحلف عنها ويأخذ؛ لأنه إن لم يحلف الأب لزمه غرم ما نكل عنه إن لم يتوثق بالإشهاد؛ لأنه لا يكون بيعٌ إلا بثمن معروف وإشهاد، والنكاح يكون على تفويض، وإنما يلزمه الإشهاد في أصل النكاح، ولا يلزمه في تسمية المهر (¬6). قال محمد: وذلك عندي ما لم يدَّعِ أبوها التسمية، فإن ادَّعى ذلك، فقد ضيع التوثق (¬7)، فإن شاءت بعد أن تكبر أن تلزم أباها، فيحلف الأب ويأخذه من تركة الصبي، وإن تركت أباها حلفت مع شاهدها، وأخذت من مال زوجها (¬8). ومحمل قوله: على أن النكاح عندهم يكون على تسمية وعلى تفويض، فإن ¬

_ (¬1) قوله: (من ابنة رجل صغيرة) ساقط من (ب). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 477. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 477. (¬4) في (ب) و (ت) و (ش 1): (أبيه). وانظر: النوادر والزيادات: 4/ 477. (¬5) في (ح): (من). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 477. (¬7) في (ب): (التسمية). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 478.

فصل [في الصداق: صحته وفساده]

كان قوم عادتهم التسمية خاصة لم يصدق الزوج إن ادعى التفويض، وكان القول قول من ادعى التسمية، إذا أتت هي أو وليها بما يشبه. فصل [في الصداق: صحته وفساده] وإن ادعى الفساد وادعت الزوجة الصحة، ولم يكن بِناء، فُرِّقَ بينهما، لإقرار الزوج على نفسه، وكان القول قولها في الصحة، وتأخذ نصف الصداق، إلا أن يكون ذلك مما يؤدي إلى اختلاف في الثمن، فيحلف الزوج وحده، ويسقط عنه الصداق. وإن كانت هي المدعية للفساد لم يصدق في الفراق. وقال ابن حبيب: إن أقامت شاهدًا أنها تزوجت بمائة نقدًا ومائة إلى موت أو فراق، فإن ادعت ذلك بعد الدخول حلفت مع شاهدها، واستحقت صداق المثل، ما لم يكن أقل من المائة فلا ينقص منها شيئا (¬1)، وإنما حلفت مع شاهدها؛ لأنه فات موضع الفسخ (¬2). قال: وإن ادعت ذلك قبل البناء ففيه اختلاف، فكان ابن القاسم يقول: لا تحلف مع شاهدها؛ لأنها مدعية فسخ نكاح، ولا يكون فسخ إلا بشاهدين (¬3). وقال أصبغ: تحلف مع شاهدها؛ لأن الفسخ لا يجب بذلك حتى يخير (¬4) الزوج، فإن شاء عجل ذلك كله وثبت النكاح، وإن أبى قيل ¬

_ (¬1) قوله: (شيئا) زيادة من (ح). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 481. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 402. (¬4) في (ب): (يجيز).

لها: أسقطي المؤخر، ويثبت (¬1) النكاح، فإن أبت فسخ النكاح (¬2). قال: ولو ادعت ثمرة لم يبدُ صلاحها بانفرادها لم تحلف مع شاهدها قبل البناء؛ لأنه فسخ محض، ولا خيار فيه للزوج (¬3). ¬

_ (¬1) في (ح): (وثبت). (¬2) انظر المسألة في النوادر والزيادات: 4/ 480، 481. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 481.

باب في الإقرار بالزوجية في الصحة والمرض، والمرأة يدعي نكاحها رجلان ومن تزوج ابنة رجل فأنكره وقال: بل زوجتك هذه الأخرى

باب في (¬1) الإقرار بالزوجية في الصحة والمرض (¬2)، والمرأة يدعي نكاحها رجلان ومن تزوج ابنة رجل فأنكره وقال: بل زوجتك هذه الأخرى وقال محمد فيمن أقر عند بينة (¬3) أنه تزوج فلانة ثم مات، فجاءت تطلب ميراثها، فذلك لها وربما لم تعرف المرأة شهودها، وليس كل النكاح (¬4) تكتب فيه الكتب، إلا أن تقر ألا حجة لها إلا إقراره هذا، وهي ممن لا تزوج إلا بأمرها. قال: وكذلك المرأة تقر بأن فلانًا زوجها ثم تموت، فإنه يرثها. قال: وإن ادعى رجل على امرأة أنه نكحها، فقالت: ما أنا لك بامرأة لأنك طلقتني- فهو إقرار منها بالنكاح. وفي كتاب ابن سحنون أن الإقرار بالنكاح إنما يجوز في الطارئين، ولا يجوز في غيرهما، وإن دخلا حُدَّا. قال: وإن لم يدخلا وأقر الولي بإنكاحه جاز. ويستأنف الإشهاد، وإن أنكر الولي لم يثبت بإقرار الزوجين، وإن مات الزوج جاز ولها المهر والميراث. قال: فإن أقر في مرضه أنه تزوجها في الصحة أو في المرض لم يجز، ولا مهر لها ولا ميراث (¬5). وإن أقرت في الصحة أنها تزوجت فلانًا بألف درهم ثم جحدت، وادعى ¬

_ (¬1) قوله: (في) زيادة من (ش 1). (¬2) قوله: (في الصحة والمرض) ساقط من (ش 1). (¬3) في (ب): (فيمن أقام بينة). (¬4) في (ت): (الناس). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 380.

فصل [في المرأة يدعي نكاحها رجلان]

الزوج ذلك، وأقر به الولي، جاز وَأُمرا (¬1) بالإشهاد. وإن أنكر الولي لم يلزمها إقرارها وإن تمادت عليه، وإن أقرت في مرضها أنها تزوجته في صحتها (¬2) فصدقها الولي لم يقبل قولها، وإن أقرت في الصحة ثم مرضت وماتت، وصدقها الولي أنه إن (¬3) زوجها منه في صحتها، وادعى ذلك الزوج بعد موتها، فله الميراث، وعليه الصداق (¬4). وجميع هذا بيِّن إلا قوله: إن أنكر الوليُّ وتمادت على الإقرار لم يلزمها؛ لأنه يمكن أن تكون صدقت جحد الولي، فأرى أن يستأنف العقد بولي، فإن كانت صدقت لم يضر واستأنفا (¬5) الآن. وإن كذبت كان هذا عقدًا مبتدأ؛ لأنها طائعة بذلك (¬6) غير مكرهة. فصل [في المرأة يدعي نكاحها رجلان] وإن ادعى رجلان نكاح (¬7) امرأة وأنكرتهما، فأقاما البينة، فإن تكافئا في العدالة فسخ النكاحان عند مالك (¬8)، واختلف إذا كان أحدهما أعدل فقال ابن القاسم: يفسخ النكاحان كالأول بخلاف البيع (¬9). وقال سحنون: هي للأعدل والنكاح والبيع سواء. وقال غيره: لا ينظر إلى الأعدل في النكاح، ولا في البيع. وهو أحسن، إذا كانت الشهادة عن مجلسين؛ لأنه ليس بتكاذب، ويجوز أن تكون الشهادتان صحيحتين، وإن كانت الشهادة عن مجلس قضي بالأعدل؛ لأنه تكاذب. وإن أقرت الزوجة بأحدهما وأنكرت الآخر، فكالأول ¬

_ (¬1) في (ب) و (ت) و (ش 1): (وأمر). (¬2) في (ب): (صحة)، وفي (ح): (صحته). (¬3) قوله: (إن) ساقط من (ح). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 380، 381. (¬5) في (ب): (لم يضر استئنافه). (¬6) قوله: (بذلك) ساقط من (ح). (¬7) في (ب) و (ت): (إنكاح). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 441. (¬9) انظر: المدونة: 2/ 174.

بمنزلتها إذا أنكرت (¬1). واختلف إذا أقرت لهما، وقالت: هذا الأول منهما. فقال ابن القاسم في الكتاب الأول (¬2): لا ينظر إلى قولها، ويفرق بينها وبينهما بطلقة، وتنكح من أحبت منهما، أو من غيرهما (¬3). وقيل (¬4): يقبل قولها، وهو أحسن. إن أقرت لمن ترغب (¬5) عنه منهما. وقال محمد: إن تزوجت غيرهما وقعت على كل واحد منهما طلقة، وإن تزوجت أحدهما لم يكن عليه طلاق. وأما السلعة فإن كانت مما لا تنقسم فالشركة فيها عيب، فإن كانا راغبين فيها اقترعا على أيهما وقعت عليه القرعة رفع يده عنها، ثم تكون للآخرة لأن عيب الشركة قد ذهب برفع يد أحدهما عنها، ولا مقال في ذلك للبائع؛ لأنه مقر بانتقال ملكه عنها، وكذلك إن دعا كل واحد إلى ردها، فمن ابتدأ بالرد صح رده، ولزمت الآخر، لزوال عيب الشركة. وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حيما فيمن زوج إحدى ابنتيه وهما بكران، ثم اختلفا، فقال الزوج: أنكحتني فلانة، وقال الأب: بل فلانة، فلا يثبت النكاح حتى يجتمعا على امرأة واحدة، ويحفظ الشهود اسمها (¬6). قال أصبغ: وسواء شهدت بينة بالنكاح أو لم تشهد. قال أصبغ (¬7): ولا أرى بينهما تحالفًا (¬8)؛ لأنه بمنزلة من ادعى نكاح امرأة فأنكرت، أو ادعت هي (¬9) نكاح ¬

_ (¬1) في (ب) و (ح): (أنكرتهما). (¬2) قوله: (في الكتاب الأول) ساقط من (ح). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 174. (¬4) في (ح): (وقال أشهب). (¬5) في (ح): (يرغب). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 440. (¬7) قوله: (قال أصبغ) ساقط من (ت). (¬8) في (ب): (تخالفًا). (¬9) قوله: (هي) زيادة من (ح).

رجل فأنكرها، فلا يثبت النكاح إلا بابتدائه وتجديده. قال: وكذلك إن ماتت إحداهما فلا ميراث له منها (¬1)؛ لأنه لا يرث أحد أحدًا بالشك. قال: وعليه الصداق؛ لأنهما تقارَّا جميعًا بنكاح واحد (¬2)، وإن رجع الزوج فصدق الأب لم يثبت النكاح؛ لأنه كذب نفسه فيها، ويغرم للأصلى (¬3) نصف صداقها بإقراره الأول، ويغرم للأخرى (¬4) نصف صداقها، وإن رجع الأب فصدق الزوج لم يقر (¬5) ذلك النكاح؛ لأن الأب الآن (¬6) مجوِّز (¬7) لنكاح لم يعقده إلا بإمضائه لمن ادعاه (¬8). ¬

_ (¬1) في (ح): (منهما). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 440. (¬3) في (ب) و (ح): (للأول). (¬4) في (ح): (للآخرة). (¬5) في (ب): (يجز). (¬6) قوله: (الآن) ساقط من (ح). (¬7) في (ح): (يجوز). (¬8) انظر المسألة مستوفاة في: النوادر والزيادات: 4/ 440.

باب في نكاح المريض والمريضة

باب في نكاح المريض والمريضة نكاح المريض والمريضة (¬1) ثلاثة أقسام (¬2): جائز وممنوع ومختلف فيه. والمرض أربعة: غير مخوف، فيجوز النكاح فيه، وكذلك إن (¬3) كان مخوفًا مطاولًا كالسل والجذام وتزوج في أوله، ومخوف أشرف صاحبه على الموت فلا يجوز، ومخوف غير مطاول ولم يشرف على الموت، فاختلف فيه على ثلاثة أقوال. فقيل: فاسد ولا ميراث بينهما فيه. وهو المشهور من قول مالك وأصحابه (¬4). وذكر ابن المنذر (¬5) عن مالك والقاسم وسالم وابن شهاب أنهم قالوا: يجوز إن لم يكن مضارًّا، أي: إن (¬6) كان للحاجة للإصابة أو القيام به، وإن لم يكن لحاجة كان مضارًّا. وذكر عن مطرف أنه أجاز ذلك جملة من غير تفصيل. واختلف عن مالك بعد القول بفساده إذا صحَّا (¬7)، هل يثبت النكاح؟ والاختلاف يحسن إذا علما موجب الحكم من سقوط الميراث وكون الصداق في الثلث؛ لأن نكاح المريض فاسد مِنْ قِبَلِ العَقْدِ؛ لأنه لا ميراث فيه، ومِنْ قِبَلِ الصداق؛ لأنه في الثلث، ولا يدري هل يحمله الثلث أم لا؟ فيصح أن يقال: يفسخ، وإن صح لهذا الوجه. ¬

_ (¬1) قوله: (والمريضة) ساقط من (ح). (¬2) في (ت): (نكاح المرض ثلاثة أقسام)، وفي (ش 1): (نكاح المريض على ثلاثة أوجه). (¬3) في (ح): (إذا). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 170، والنوادر والزيادات: 4/ 559. (¬5) في (ب): (ابن المواز). (¬6) قوله: (إن) ساقط من (ح). (¬7) في: (ت) و (ب): (صحَّ).

وأن يقال: يثبت لزوال الوجه الذي كان يفسد لأجله. وقد اختلف في البيع الفاسد إذا زال السبب الذي يفسد لأجله هل يمضي. وإن كانا ممن يجهل ويريان أنه جائز لم يفسخ؛ لأنهما لم يدخلا على فساد، ولأن حكم ذلك المرض حكم الصحيح؛ لأنهم أخطأوا في ظنهم أنه مخوف. واختُلف بعد القول أنه يصح، إذا صح المريض، فعثر عليهما (¬1) في المرض - على ثلاثة أقوال: فقال محمد: يفسخ وإن دخل. وقال ابن كنانة في المبسوط: إن علم به قبل أن يمس فسخ، وإن علم به (¬2) بعد أن مس ترك، فإن صحَّ (¬3) ثبتا عليه. وقال الشيخ (¬4) أبو الحسن بن القصار: الفرقة استحباب (¬5) لقول مالك: إذا صحَّا ثبت النكاح. وهو أصوبهما (¬6)، فيؤمران الآن ولا يجبران؛ لأنا لا نقطع أنه مرض موت، ويمكن أن يصح فيتبين أن العقد كان صحيحًا، فيتربص حتى ينظر ما ينكشف عنه أمره (¬7)، ويوقف عنها (¬8). واختُلف في نكاح المريض النصرانية (¬9) والأَمَة، فمنعه محمد وقال: الإسلام منها والعتق- يحدث (¬10). وأجازه أبو مصعب (¬11). وهو أحسن؛ لأن الإسلام والعتق نادر، وإنما المقال من جهة الصداق، فإن كان ربع دينار أو (¬12) ¬

_ (¬1) في (ح): (عليها). (¬2) قوله: (به) زيادة من (ش 1). (¬3) في (ب): (صحَّا). (¬4) قوله: (الشيخ) ساقط من (ش 1) و (ح). (¬5) في (ح): (استحبابا). (¬6) في (ش 1): (أصوب). (¬7) في (ب): (أمرهما)، وفي (ح): (أمرها). (¬8) قوله: (عنها) ساقط من (ش 1). (¬9) في (ح): (للنصرانية). (¬10) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 454، وقد عزاه لأصبغ. (¬11) انظر: المعونة: 1/ 527. (¬12) في (ح): (و).

فصل [في نكاح من حضر الزحف أو ركب البحر]

تحمل به (¬1) غير الزوج صح. وقال محمد في المريض يتزوج الحرة (¬2) المسلمة بإذن ورثته: لا يجوز، لإمكان أن يموت الآذن، ويصير الميراث لغيره. وهذا أيضًا من النادر أن يموت الصحيح قبل المريض. وأرى أن يجوز ولا يراعى النادر. فصل [في نكاح من حضر الزحف أو ركب البحر] ونكاح من حضر الزحف أو ركب البحر على الاختلاف في طلاقه وميراث زوجته منه- بمنزلة المريض، فإن مات من ذلك لم ترثه (¬3) على أحد القولين، وإن سلم صحَّ النكاح. ونكاح من قرّب للقتل غير جائز؛ لأنه في تزويجه حينئذٍ مُضَارٌّ. ويختلف إذا نكح وهو في السجن، هل يمضي نكاحه أم لا؟ فإن كان القتل حقًّا لله كالمحارب يكون قد قَتَلَ، والزاني المحصن يحبس ليرجم- لم أرَ أن ترثه. وإن كان حقًّا لآدمي مما يرجى العفو عنه- كان الأمر واسعًا (¬4). والجواب عن نكاح المريضة كالجواب عن نكاح المريض ينظر في مرضها (¬5): هل هو غير مخوف أو مخوف، مطاول أو غير مطاول، أو أشرفت على الموت؟ ويفترق الجواب في الصداق؛ فإن كانت هي المريضة ودخل بها كان لها المسمى من رأس المال، كان ذلك المسمى أكثر من صداق المثل أو أقل، ¬

_ (¬1) قوله: (به) ساقط من (ش 1). (¬2) في (ب): (المرأة). (¬3) في (ح): (يرثه). (¬4) في (ح): (أوسع). (¬5) في (ش 1): (أمرها)، وفي (ح): (مرضه).

واختلف إذا كان هو المريض على أربعة أقوال. وقال. . . . (¬1) عن ابن القاسم لها الأقل من المسمى وصداق المثل في الثلث، وقال مالك في المختصر: لها المسمى، وإن زاد على صداق المثل (¬2). ¬

_ (¬1) بياض في (ش 1). (¬2) قوله: (وقال. . . عن ابن القاسم لها الأقل من المسمى وصداق المثل في الثلث، وقال مالك في المختصر: لها المسمى، وإن زاد على صداق المثل) زيادة من (ش 1).

باب فيمن تزوج امرأة فأدخل عليه غيرها

باب فيمن تزوج امرأة فأُدخِل (¬1) عليه غيرُها وقال مالك في أخوين تزوجا أختين، فأدخل على كل واحد زوجة الآخر؟ فلترد كل واحدة إلى زوجها، ولا يصيبها حتى يستبرئها بثلاث حيض ولها صداقها على من أصابها (¬2). وقال ابن القاسم فيمن تزوج امرأةً فأهدي إليه غيرها، فإن قالت: ظننت أنكم (¬3) زوَّجتموني منه، كان لها صداقها، ويرجع به الزوج على من غرّه (¬4). ويختلف في صداق الأختين على من أصابهما (¬5)؛ لأنَّ كل واحدة أخطأت على نفسها، وسلمت لغير من اشترى منها (¬6). وقد اختلف قول مالك في هذا الأصل؛ فقال مالك (¬7): فيمن اشترى ثوبًا (¬8)، فأخطأ البائع فأعطاه غيره فقطعه؛ فلا شيء عليه في القطع. وقال في كتاب محمد: يضمن. فعلى قوله: ألا شيء على القاطع- لا (¬9) يكون على الواطئ شيء، ويكون لكل واحدة على الأول صداقها كاملًا إن كانت ثيبًا. وإن كانت بكرًا فالقياس أن يحط عن الأول ما زاد لمكان البكارة؛ لأنها أخطأت فيما باعته من الأول بثمن، فأهلكته بتسليمها إياه لغيره. ¬

_ (¬1) في (ح): (وأدخل). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 172. (¬3) في (ش 1): (أنهم). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 172. (¬5) في (ش 1): (الأختين ومن أصابهما). (¬6) في (ح): (منهما). (¬7) قوله: (مالك) ساقط من (ح). (¬8) قوله: (ثوبًا) ساقط من (ح). (¬9) في (ش 1): (ولا).

وكذلك على القول أن لها على الثاني صداقها، فهو أبين أن يحط عن الأول ما زاد لمكان البكارة؛ لأنها باعت شيئًا فأخذت ثمنه من غير المشتري، بخلاف من تزوج بكرًا فأصابها ثيبًا؛ لأن الثيوبة تكون عنده من القفزة وغيرها. وإن كان القياس في هذه أيضًا أن يط ما زاد عوضًا (¬1) لمكان البكارة؛ لأن للزوج غرضًا في وجود البكارة قائمة، ولأنه لا تطيب نفسه أن ذلك من قفزة أو غيرها، إلا أن الذي يحط لهذه التي لا يعلم أنه باشرها رجل أقل مما يحط للأولى التي علم أنها افتضها غيره. وقال محمد فيمن أُدخِلَت عليه غير امرأته فأنكر المسيس وادعته: فالقول قولها (¬2). يريد: إذا ادعى العلم بعد الخلوة البَيِّنَة وهي ثيب، فإن قال: علمت بالفور، فأمسكت، وأتى بدعواه العلم بشبهة قبل قوله. ولا أرى أن تصدق التي قالت: ظننت أنكم زوجتموني منه، بخلاف الأختين؛ لأن التزويج مقدمة من الاستئذان (¬3)، والشهادة على وجهها، إلا أن يأتي بشبهة. . . وقال أبو الحسن (¬4) بن القصار فيمن وجد امرأةً على فراشه فأصابها وقال: ظننتها زوجتي، فلا حدَّ عليه. ¬

_ (¬1) قوله: (عوضًا) ساقط من (ت) و (ش 1) و (ح). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 500. (¬3) قوله: (لأن التزويج مقدمة) يقابله في (ح): (لأن تزويج هذه من الاستئذان). (¬4) قوله: (أبو الحسن) ساقط من (ح).

باب فيمن تزوج أمة هل يضمها إليه وفي ملك أحد الزوجين الآخر؟

باب فيمن تزوج أَمَةً هل يضمها إليه وفي ملك أحد الزوجين الآخر؟ ومن تزوج أَمَة لم يضمها إليه إلا بشرط؛ لأن الأَمَة ذات منافع (¬1)، فباعه صنفًا واحدًا وبقي الاستخدام والغلة إن كانت (¬2) ذات صنعة، فلو ضمها سقط حق (¬3) السيد فيما لم يبع، وعلى الزوج أن يأتيها عند أهلها، وليس على السيد أن يرسلها إليه. ومن باع شيئًا في داره فعلى مشتريه أن يأتي لقبضه. وقال ابن الماجشون: تُرسَل إليه ليلة بعد ثلاثٍ، فتكون (¬4) عنده تلك الليلة، ويأتيها زوجها عند أهلها فيما بين ذلك، وللسيد أن يسافر بها، ويبيعها ممن يسافر بها، وكذلك إن شرط الزوج أن تأوي إليه في الليل. وإن شرط أن تكون عنده كالحرة لم يكن للسيد أن يسافر بها. والقياس ألا يجوز البيع إذا اشترط (¬5) الزوج أن تكون منقطعة عنده كالحرة؛ لأن المشتري اشترى ما لا منفعة له فيه، والمدبَّرة والمعتقة إلى أجل كالأَمَة ليس للزوج أن يضمهما إليه إلا بشرط؛ لأن خدمتهم (¬6) للسيد، وأم الولد كالحرة، يضمها إليه من غير شرط؛ لأنه لا خدمة للسيد فيها، ولا يمنعها (¬7)، وإنما له الاستمتاع، وقد باعه من الزوج. ¬

_ (¬1) في (ش 1): (ذات ومنافع). (¬2) في (ب) و (ت) و (ش 1): (كان). (¬3) في (ب): (من). (¬4) في (ح): (فيكون). (¬5) في (ح): (شرط). (¬6) في (ح): (خدمتهما). (¬7) قوله: (ولا يمنعها) ساقط من (ح).

فصل [في ملك أحد الزوجين من صاحبه شيئا]

وللزوج أن يضم المكاتبة إليه؛ لأنها لا خدمة للسيد فيها، ولا يمنعها الزوج من السعي حسب ما كانت قبل تزويجها، فإن عجزت كانت عند مواليها. وللسيد أن يسافر بها إن سافر سفر انتقال قبل عجزها، ويتبعها الزوج، وله أن يضم المعتق نصفها (¬1) في يومها دون يوم سيدها، إلا أن يشترط على من له فيها الرق أن يضمها إليه. وقال (¬2) ابن القاسم: وإن باعها سيدها في موضع لا يقدر الزوج على جماعها كان على الزوج الصداق للسيد البائع، إلا أن يطلق فيكون عليه النصف. قال (¬3): ويقال للزوج: إن منعوك منها فخاصم فيها. وفي كتاب محمد فيمن زوَّج أمته ثم قتلها قبل البناء (¬4) فله على الزوج الصداق (¬5). ويلزم على قوله لو كانت حرة، فقتلت نفسها، ألا يسقط عن الزوج. والقياس في جميع (¬6) هذا ألا شيء على الزوج؛ لأن البائع إن (¬7) منع المبيع، فلا يستحق الثمن، وبمنزلة لو كانت حية فمنعت نفسها وطلبت الصداق. فصل [في ملك أحد الزوجين من صاحبه شيئًا] وقال مالك: إن ملك أحد الزوجين من صاحبه قليلًا أو كثيرًا بشراء أو هبة أو صدقة، أو ميراث، أو وصية، انفسخ النكاح (¬8). فيفسخ النكاح (¬9) إذا اشتراها الزوج، للإجماع على ألا يجوز للسيد أن يتزوج أمته، وأنه إن فعل لم ¬

_ (¬1) في (ب): (بعضها). (¬2) في (ح): (قال). (¬3) قوله: (قال) ساقط من (ش 1). (¬4) قوله: (قبل البناء) ساقط من (ب). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 416. (¬6) قوله: (جميع) ساقط من (ش 1). (¬7) قوله: (إن) زيادة من (ش 1). (¬8) انظر: المدونة: 2/ 174. (¬9) قوله: (فيفسخ النكاح) ساقط من (ب) و (ش 1).

ينعقد عليه (¬1) النكاح، وتكون إصابته إياها بملك اليمين لا بنكاح، وينفسخ إن اشترت هي زوجها، للإجماع على أن لا يحل للمرأة (¬2) أن تتزوج عبدها، ولا تحل له بغير نكاح. ويختلف إذا اشترت زوجها وهو مكاتب، أو اشتراها وهي مكاتبة، فقيل: ينفسخ النكاح؛ لأنه ملك للرقبة. وقيل: لا ينفسخ، وإنما وقع الشراء الآن على الكتابة، فإن عجزت فحينئذٍ ينفسخ النكاح لأنه ملك للرقبة (¬3). وإن أخدم أحدهما الآخر السنين الكثيرة انفسخ النكاح، ويختلف في القليلة، فقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب فيمن أخدم أَمَته شهرًا أو سنة: لم تحرم عليه، ولا تباح أختها وإن طالت السنون، أو كانت حياة المخدم؛ فذلك تحريم (¬4) عليه، وتحل له أختها، فإذا كانت السنة لا تحرمها على سيدها المخدم لم ينفسخ النكاح (¬5). ويحد على هذا إن وطئها المخدم. وقال محمد: إذا (¬6) أخدم السيد عبده لامرأة العبد، أو أخدم الأمة لزوجها، فإن كان مرجع العبد إلى الحرية انفسخ النكاح إن قبل المخدم منهما الخدمة، وإن كان مرجعه إلى سيده، أو إلى غير سيده (¬7) بالملك لم ينفسخ النكاح (¬8). ¬

_ (¬1) قوله: (عليه) زيادة من (ش 1). (¬2) قوله: (أن لا يحل للمرأة) يقابله في (ب): (أن لا يجوز للسيدة). (¬3) قوله: (لأنه ملك للرقبة) ساقط من (ب) و (ش 1). (¬4) في (ح): (يحرم). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 514، "قال: ومن وطئ أختين بالملك ثم أخدم إحداهما أشهرًا أو سنةً، فلا يحرمها ذلك عليه ولا يبيح أختها، فإن أطال الأجل مثل السنين الكثيرة أو حياة المخدم". (¬6) في (ح): (إن). (¬7) قوله: (أو إلى غير سيده) ساقط من (ح). (¬8) قوله: (إن قبل المخدم. . . النكاح) ساقط من (ب). وانظر: النوادر والزيادات: 5/ 290.

فصل [في ملك أحد الزوجين الآخر]

قال محمد: وإن بيع أحدهما من صاحبه بالخيار لم ينفسخ النكاح، إلا أن يقبل من له الخيار (¬1). وإن بيع على العهدة انفسخ النكاح ساعتئذٍ، فإن حدث بها في العهدة عيب ردها وقد انفسخ النكاح، وإن اشتراها زوجها بشرط الاستبراء فالنكاح منفسخ، ولا استبراء له؛ لأن الماء ماؤه. والقياس في السؤالين ألا ينفسخ النكاح الآن؛ لأنه إنما اشترى على أن أمرها على الوقف، فإن سلمت في الثلاث إذا اشترى على العهدة أو خرجت من الاستبراء تم البيع، وانفسخ النكاح، وإن لم تخرج من العهدة ولا من الاستبراء لم يتم البيع، وإذا لم يتم البيع ينفسخ النكاح. فصل [في ملك أحد الزوجين الآخر] وقال مالك في (¬2) ملك أحد الزوجين الآخر: فسخ (¬3). وروى ابن وهب عن الليث أنه طلاق. وقال محمد بن سحنون في مسألة ربيعة: إذا أوصى بثلثه لعبده وأولاد العبد وزوجته، فرضيت، قال: فتطلق (¬4) عليه الزوجة. ويختلف في الصداق، فعلى القول أنه يفسخ (¬5): لا صداق لها، وسواء اشترته أو اشتراها. وعلى القول أنه طلاق: يكون لها النصف إن اشترت، ولسيدها البائع إن اشتراها. وقال مالك في رجل زوج عبده أَمَته ثم وهبها له إن تبين أنه صنع ذلك لينتزعها منه، أو ليحلها لنفسه، أو لغير زوجها، أو ليحرمها عليه، لم يجز، ¬

_ (¬1) انظر: النوارد والزيادات: 5/ 290. (¬2) قوله: (في) ساقط من (ح). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 174. (¬4) في (ح): (تطلق). (¬5) في (ش 1): (فسخ).

ولم تحرم (¬1). وظاهر قوله- أَنَّ الهبة تصح وإن لم يقبلها العبد، ولو كان من شرطها القبول عنده- لم تحرم إلا أن يقبل، وسواء أراد تحريمها عليه أم لا. وقال ابن القاسم في عبد زوّجه سيده، وضمن عنه الصداق، ثم دفع السيد العبد إلى زوجته، فيما ضمن من صداقها برضاها قبل أن يبني بها: النكاح مفسوخ، ويرد العبد إلى سيده (¬2). ويدخل في هذه ما ذهب إليه مالك أنه إن فعل ذلك ليفسخ النكاح، ويعود إليه العبد، ويسقط عنه الصداق، ويزول عنه عيب النكاح، لم يجز وتبقى الزوجية على حالها. وقال عبد الملك في ثمانية أبي زيد: الزوجة بالخيار إن أحبت دفعت الصداق، وبقي لها العبد، وإن كرهت، رجع العبد إلى سيده. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 180. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 176. "قال: قلت: أرأيت العبد يتزوج المرأة بإذن سيده على صداق يضمنه سيده ثم يدفعه سيد العبد إلى المرأة فيما ضمن من الصداق برضاها قبل أن يدخل بها، قال: النكاح مفسوخ ويرد العبد إلى سيده".

باب في الخنثى ومن يتزوج الزانية

باب في الخنثى ومن (¬1) يتزوج الزانية وقال ابن القاسم، في الخنثى: إن بال من ذكره، فهو غلام، وإن بال من فرجه، فهي (¬2) جارية؛ لأن النسل من موضع المبال وفيه (¬3) الوطء (¬4). قال ابن حبيب: فإن بال منهما فمن حيث سبق، فإن لم يسبق أحدهما - فمن حيث يخرج الأكثر. فإن لم يكن أحدهما أسبق ولا أكثر، وكانت لحية - كان على حكم الغلام، وإن لم تكن لحية وكان ثدي- فعلى حكم الجارية. وإن كانت لحية وثدي أو لم يكونا- كان في الميراث نصف ميراث ذكر، ونصف ميراث أنثى. ولا يجوز له نكاح. يريد: ولا يَنْكِحُ ولا يُنكح، ويكون في صلاته وفي استتاره (¬5) وفي شهادته على أحوط الأمرين، ويتأخر عن صفوف الرجال، ويتقدم على النساء؛ لأن ذلك أحوط. وقوله: إن المراعى ما يكون منه الولد -صحيح، وقوله: مخرج البول- ليس بصحيح؛ لأن مخرج البول غير مخرج الحيض، ولا يصح أن يكون في مخرج البول منها وطء، ولا يخرج منه ولد. والوطء والولد في مخرج الحيض، وكذلك الرجل، مخرج البول منه غير مخرج المني، وهو في المرأة أبين. وإنما يراعى الماء الدافق والحيض، فإن كان الماء الدافق- كان رجلًا، وإن كان حيضًا ¬

_ (¬1) في (ح): (فيمن). (¬2) في (ش 1): (فهو). (¬3) في (ح): (ومنه). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 173. (¬5) في (ش 1): (اشترائه).

فصل [فيمن زنا بامرأة]

- كانت امرأة، وإن كان جميعًا وكانت لحية- كان رجلًا، وإن كان ثديان من غير لحية- كانت امرأة. فصل [فيمن زنا بامرأة] قال مالك فيمن زنا بامرأة: إن (¬1) له أن يتزوجها بعد أن يستبرئها (¬2). قال ابن القاسم، وكذلك من قذف امرأة (¬3) فضرب لها حد الفرية، أو لم يضرب، لا بأس أن يتزوجها. وهو قول جميع الفقهاء (¬4). وقال الحسن: لا يجوز للزاني بها أن يعقد نكاحها أبدًا، وإن عقد كانا زانيين (¬5). وقال قتادة وأحمد بن حنبل: إن تابت جاز العقد عليها لكل أحد، وإن لم تتب لم يجز (¬6). وحكي عن الحسن وأبي عبيدة، فيمن زنت أنه يفرق بينها وبين زوجها. وروي نحوه عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -. وقال ابن حبيب: لا يجوز نكاح الزانية المجاهرة، ويستحب لمن تحته امرأة تزني أن يفارقها، فإن ابتلي بحبها فله أن يحبسها للحديث (¬7). قال مالك: ولا أحب للرجل أن يتزوج المرأة المعلنة بالسوء ولا ¬

_ (¬1) قوله: (إن) ساقط من (ح). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 173، والتلقين: 1/ 121. (¬3) قوله: (امرأة) ساقط من (ب). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 173. (¬5) انظر: عيون المجالس: 3/ 1075. (¬6) انظر: عيون المجالس: 3/ 1075. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 506.

أراه حرامًا (¬1). وفي هذا الحديث دليل على (¬2) جواز النكاح للزانية؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يوجب فراقها. وكذلك حديث اللعان؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهلال بن أمية (¬3) حين رمى زوجته بشريك: "أَرْبَعَةً، وإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ" (¬4) ولم يقل: لا يحل لك البقاء معها؛ لأنه أقر على نفسه أنها زنت. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 506. (¬2) قوله: (دليل على) ساقط من (ب). (¬3) قوله: (بن أمية) زيادة من (ح). (¬4) أخرجه البخاري: 2/ 949، في باب إذا ادعى أو قذف فله أن يلتمس البينة وينطلق لطلب البينة، من كتاب الشهادات، في صحيحه، برقم (2526)، ومسلم: 2/ 1134، في كتاب اللعان، برقم (1496)، وسيأتي ذكره إن شاء الله في كتاب اللعان. اهـ، ص: 2425.

باب الحكم في قبض الصداق وتعجيله والطلاق على من أعسر به وغير ذلك

باب الحكم (¬1) في قبض الصداق وتعجيله والطلاق على من أعسر به وغير ذلك (¬2) يستحق قبض الصداق بالعقد، إذا كان معينًا، ثوبًا أو عبدًا. وإن كان الزوجان صغيرين أو كان أحدهما مريضًا إذا كان العقد في الصحة فإن كان مضمونًا لم يستحق (¬3) قبضه إلا أن يكون الزوج بالغًا، وهي في سن من يبنى بها (¬4)، فإن كان صغيرًا وهي كبيرة، أو هو كبير (¬5) وهي صغيرة، لم يكن لها قبضه الآن، وإنما تستحق قبض الثمن عند (¬6) قبض المثمون، إلا أن يعجله قبل وقت الابتناء بقدر ما يتشور به (¬7)، وليس كذلك النفقة، فإنها لا تلزم ولا تستحق إلا بالدخول. وقال مالك: إذا دعي (¬8) إلى الدخول فلم يفعل، لزمته النفقة (¬9). يريد: إذا مضى بعد العقد القدر الذي العادة أن يتربص بالدخول إليه وما يستأني (¬10) ¬

_ (¬1) قوله: (الحكم) ساقط من (ش 1). (¬2) قوله: (وغير ذلك) ساقط من (ب) و (ش 1) و (ح). (¬3) في (ش 1): (تستحق). (¬4) في (ش 1): (به). (¬5) في (ب) و (ت): (كبيرًا). (¬6) في (ب): (عن). (¬7) في (ش 1): (فيه). (¬8) في (ش 1): (ادّعى). (¬9) انظر: المدونة: 2/ 177. (¬10) في (ب) و (ح): (تتشور)، وفي (ش 1): (يتشور).

فيه. وقد اختلف في موضعين: إذا بلغ الزوج الوطء، ولم يحتلم فقال مالك: لا تلزمه النفقة والدخول حتى يحتلم (¬1). وقال في مختصر ما ليس في المختصر: إذا بلغ الوطء لزمه الدخول، وإن لم يحتلم. قال الشيخ (¬2): والأول أحسن، للعادة (¬3) أن الزوج لا يدخل إلا بعد الاحتلام. والثاني إذا كانت مريضة ودعي إلى الدخول، فقال مالك: إن كان مرضًا (¬4) يقدر الزوج فيه (¬5) على الجماع، لزمته النفقة. وقال ابن القاسم: تلزمه ما لم يكن في السياق (¬6). وقال سحنون في السليمانية: لا تلزمه نفقة إذا كانت مريضة (¬7) لا منفعة له فيها، وهي كالصغيرة. وهذا أحسن، وهو المفهوم من قول مالك. واختُلف إذا توّجه للدخول (¬8) فامتنع (¬9)، هل تلزمه النفقة بنفس الامتناع، أو بعد وقف السلطان؟ فقال مالك: إذا دعي إلى الدخول فلم يدخل، لزمته ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 177. (¬2) قوله: (قال الشيخ) زيادة من (ح). (¬3) في (ح): (الغالب). (¬4) في (ب): (مريضًا). (¬5) قوله: (فيه) ساقط من (ح). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 177. (¬7) في (ش 1): (كان مرضًا)، وفي (ح): (كان مرضها مرضًا). (¬8) في (ش 1) و (ح): (الدخول). (¬9) قوله: (فامتنع) ساقط من (ح).

فصل [في قبض الصداق وتعجيله والطلاق على من أعسر به]

النفقة (¬1). وقال أشهب في كتاب محمد: لا نفقة لها إلا أن يكون وليها خاصم زوجها في الابتناء، وفرض السلطان النفقة، إذا لم يفعل (¬2). والأول أحسن إن (¬3) علم ألا عذر له، وأن ذلك منه لدد إن أشكل أمره فحتى يوقفه السلطان. وقال (¬4) مالك في المستخرجة في امرأة سافر زوجها قبل البناء فيقيم الأشهر ثم تطلب النفقة، فذلك لها (¬5). وهذا يحسن إذا سافر بغير علمها، ومضى أمد الدخول، أو لم يعلمها، ولم يعد في الوقت المعتاد، فإن علمت بسفره لذلك المكان وقامت قبل وقت رجوعه، لم يكن لها النفقة. فصل [في قبض الصداق وتعجيله والطلاق على من أعسر به] وإذا أعسر الزوج بالصداق قبل البناء- كان للزوجة أن تطلق عليه بعد التلوم، واختلف في ثلاثة (¬6) مواضع: أحدها: في قدر التلوم (¬7)، والثاني: هل يؤخر بشرط وجود النفقة؟ والثالث: هل يطلق على من لا يرجى له من غير ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 177. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 178، ورواه عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب. (¬3) في (ش 1): (إذا). (¬4) في (ش 1): (فقال). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 330. (¬6) في (ح): (ثلاث). (¬7) التَّلَوُّمُ التَّنَظُّر للأمر تُريده. انظر: لسان العرب: 12/ 557.

أجل؟ فقال مالك في المدونة: يتلوم له مرة بعد مرة على قدر ما يرى إذا أجرى النفقة، وليس الناس في ذلك سواء، منهم من يرجى له (¬1) ومنهم من لا يرجى له (¬2)، ولم يؤقت (¬3). وقال في كتاب محمد: يؤخر السنتين (¬4) ولا يعجل بعد السنتين (¬5) حتى يتلوم له تلوم آخر السنة وشبهها (¬6). وقال ابن حبيب: إن (¬7) اتهم أن يكون أخفى ماله- لم يوسع في الأجل، وإن تبين عجزه عن الصداق وعن النفقة- لم يوسع أيضًا في الأجل، ويؤخر الأشهر، والسنة أكثره (¬8). وقال سحنون في كتاب ابنه فيمن يبيع الفاكهة، وأقام بينة بعدم الصداق، وقامت الزوجة بالفراق، وقال الزوج: أجلوني، فلا يؤجل مثل هذا؛ لأنه لا يرجى له شيء (¬9). وقال مالك في مختصر ما ليس في المختصر: إن أعسر بالصداق قبل البناء، ¬

_ (¬1) قوله: (له) ساقط من (ش 1). (¬2) قوله: (له) ساقط من (ش 1). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 176. (¬4) في (ح): (السنين). (¬5) في (ح): (السنين). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 603. (¬7) في (ش 1): (إذا). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 603. (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 604.

فإن عرف بالخلابة (¬1) فرق بينهما، وإن كان من أهل الهيئة والحال انتظر به. يريد في الأول: أنه يفرق من غير أجل، وأرى إن غير فتزوج بعبد أو دار، ولا شبهة له فيها، ولا يد له (¬2) عليه (¬3) وبنى بها؛ أن لها أن تمنع نفسها حتى تأخذ قيمة ذلك، وإن كان عديمًا فرق بينهما، ولا يؤخذ الحق بالباطل. وقول سحنون فيمن لا يرجى له شيء حسن، إلا أن يذكر وجهًا يرجى (¬4) منه، فينظر إن أتى لذلك بشبهة. وأما من يرجى له، فإن كان قيامها بقرب العقد؛ أُخِّرَ السنة والسنتين، وإن أقامت (¬5) بعد أن طالت المدة، وبعد مضي السنتين، والثلاث- كان زيادة السنة وما قارب ذلك حسنًا. وأما النفقة فالأصل أنها لا تستحق إلا بعد الدخول. وإذا لم يمكن من البناء، لم تكن نفقة، هذا هو (¬6) الأصل، وإنما طولب بالنفقة مع عدم البناء استحسانًا، لتغليب أحد الضررين. وقول ابن حبيب في ذلك حسن. ¬

_ (¬1) الخلابة هي: الخديعة باللسان، تقول منه: خلبةُ، يخلبه بالضم، واختلبه مثله. وفي المثل: "إذا لم تغلب فاخلب" أي فاخدع. (¬2) قوله: (له) ساقط من (ت) و (ش 1). (¬3) قوله: (ولا يد له عليه) يقابله في (ح): (ولا يدعيهما). (¬4) في (ش 1): (يرجو). (¬5) في (ش 1) و (ح): (قامت). (¬6) قوله: (هو) ساقط من (ش 1).

باب في نفقة الزوجات وصفة ما يلزم منها وإذا كان أحد الزوجين عبدا

باب في نفقة الزوجات وصفة ما يلزم منها وإذا كان أحد (¬1) الزوجين عبدًا (¬2) الأصل في نفقة الزوجة، قول الله -عز وجل-: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233] والنفقة والكسوة، ها هنا لمكان الزوجية، ولو كانت مطلقة، لكانت أجرة، كما قال الله سبحانه: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6]. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الزوجات: "وَلهُنَّ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ" أخرجه مسلم (¬3). وقالت هِنْدُ: "يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ، فَهَلْ (¬4) عَلَيَّ جُنَاحٌ أَنْ آخُذَ مِنْ مَالِهِ مَا يَكْفِينِي؟ فَقَاَلَ: خُذِي مَا يَكْفِيكِ، وَوَلَدَكِ بِالمَعْرُوفِ" اجتمع عليه البخاري ومسلم (¬5). وللزوجة النفقة والكسوة، إذا كانا حرين. واختلف إذا كانا عبدين أو أحدهما. فقال في المدونة في العبد له زوجة حرة: عليه النفقة (¬6). وقال أبو مصعب: لا نفقة عليه. وقال مالك في كتاب ¬

_ (¬1) في (ح): (إحدى). (¬2) قوله: (عبدًا) بياض في (ش 1). (¬3) بعض حديث أخرجه مسلم: 2/ 886، في باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، من كتاب الحج، برقم (1218)، وقد سبق بعضه في الطهارة، والصلاة الأول، والصلاة الثاني، والحج الثاني، وسيأتي في الصرف. (¬4) في (ب) و (ت): (هل). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 769، في باب من أجرى أمر الأمصار على ما يتعارفون بينهم في البيوع والإجارة والمكيال والوزن، وسنتهم على نياتهم، ومذاهبهم المشهورة، من كتاب البيوع برقم (2097)، ومسلم: 3/ 1338، باب قضية هند، من كتاب الأقضية، برقم (1714). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 179.

محمد: أحب إليَّ إذا نكح، أن تشترط عليه النفقة بإذن سيده (¬1). ورأى أن في ذلك إشكالًا، فتشترط (¬2) ليرتفع الإشكال. واختلف في اشتراط النفقة على السيد، فمنعه (¬3) في كتاب محمد (¬4)، وأجازه (¬5) أبو مصعب. وأرى للزوجة النفقة على العبد، إذا كان تاجرًا، ومتصرفًا لنفسه بماله، فإن كان عبد خدمة لا مال له، لم تطلق عليه بعدم النفقة. وقد قال مالك في الحر يتزوج الحرة، وهي تعلم أنه فقير: فلا تطلق (¬6) عليه لعدم النفقة (¬7). فالعبد أحرى، إلا أن تكون الزوجة تجهل وترى أنه كالحر الموسر، فيكون لها في ذلك مقال. والمدبر والمعتق إلى أجل كالعبد، والمكاتب كالحر؛ لأنه بائن عن سيده بماله وسعيه لنفسه، وإن عجز طلق عليه. والمعتق بعضه في اليوم الذي يخصه كالحر، وفي اليوم الذي يخص سيده بمنزلة عبد لا حرية فيه، ونفقة زوجة العبد المخارج (¬8) من ماله، ولا يؤخذ من فضل خراجه؛ لأن خراجه مال لسيده، إلا أن يأذن له السيد، أو تكون تلك ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 608. (¬2) في (ب) و (ت) و (ح): (فيشترط). (¬3) في (ح): (فأجاره). (¬4) انظر: العتبية: 4/ 300، وفيها: "وسئل مالك عن العبد يزوج ويشترط على سيده النفقة، قال مالك: لا يجوز". (¬5) في (ح): (ومنعه). (¬6) في (ب)، و (ت): (لا يطلق). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 601. (¬8) في (ب): (الخارج).

فصل [فيما إذا كان أحد الزوجين عبدا]

عادته (¬1). وقال محمد: إن عجز عن النفقة وعليه خراج لسيده، فلا شيء عليه (¬2) لها، حتى يبدأ بخراج سيده (¬3). فجعل لها الإنفاق من فضل (¬4) الخراج، وقد يكون ذلك عندهم عادة. فصل [فيما إذا كان أحد الزوجين عبدًا] وإن تزوج حر أمة، فلها النفقة إذا شرط الزوج أن تكون عنده، أو شرطت النفقة عليه. واختلف إذا لم تكن عنده، ولا شرطت- على خمسة أقوال: فقال مالك (¬5) في المدونة: لها النفقة؛ لأنها من الأزواج (¬6). يريد: أنها داخلة في عموم الآية. وقال في كتاب محمد: لا نفقة لها وإن كانت تأتيه إذا أرادها (¬7). وقال أيضًا: لا نفقة لها إن كان يأتيها وإن كانت تأتيه فذلك لها (¬8). وقال ابن الماجشون: لها النفقة في الوقت الذي تكون عنده (¬9). وقال في كتاب ابن حبيب: نفقتها وكسوتها على أهلها، وعليهم أن ¬

_ (¬1) في (ش 1): (عادة). (¬2) قوله: (عليه) ساقط من (ش 1). (¬3) انظر النوادر والزيادات: 4/ 608، وأصله المدونة: 2/ 179. (¬4) في (ب): (فاضل). (¬5) قوله: (مالك) زيادة من (ح). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 178. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 609. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 609، وهي من رواية ابن وهب عن مالك. (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 609.

فصل [في النفقة الزوجية]

يرسلوها في كل أربع ليال ليلة (¬1)، وعليه نفقة تلك الليلة ويومها، وإن ردها في صبيحتها (¬2). فجعل لها النفقة في ذلك اليوم بغير كسوة، والأول أحسن؛ لعموم الآية. ويختلف إذا كانا عبدين فعلى القول الأول (¬3) ألا نفقة على العبد للحرة، لا يكون لها إن كانت أمة. وعلى القول أن ذلك عليه للحرة. يختلف إذا كانت أمة، والمدبرة والمعتقة إلى أجل كالأمة- يختلف فيها. والمكاتبة وأم الولد كالحرة. فصل [في النفقة الزوجية] والنفقة في الجودة والدناءة، والقلة والكثرة- على قدر شأن الزوجين ويسارهما، وفي المدة، وفي المدونة (¬4): هل تكون شهرًا أو سنة على قدر يسر الزوج خاصة (¬5). وأجاز ابن القاسم أن يفرض (¬6) لها (¬7) سنة. وقال سحنون: لا يفرض سنة لأن الأسواق تحول. وأرى أن يوسع في المدة إذا كان الزوج موسرًا ولم يؤد إلى ضرر (¬8)؛ لأن الشأن أن الفرض بين الزوجين عند المقابحة وقلة الإنصاف ولدد الزوج، وفي ¬

_ (¬1) قوله: (ليلة) ساقط من (ح). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 609. (¬3) قوله: (الأول) ساقط من (ش 1). (¬4) قوله: (وفي المدونة) ساقط من (ب) و (ت) و (ح). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 180. (¬6) في (ح): (تفرض). (¬7) قوله: (لها) ساقط من (ت) و (ش 1) و (ح). (¬8) في (ت): (ضرورة).

فصل [فيما تستحقه الزوجة]

تقليل المدة عليها ضرر في تكرار الطلب عند لدده، وقصده لإتعابها. فإن كان الزوج موسرًا، فالأشْهُرُ الثلاث، والأربع (¬1) في ذلك حسن. وإذا كان متوسطًا، فالشهر والشهران، وإن كان ذا صنعة فالشهر، فإن لم يقدر فعلى قدر ما يرى أنه يستطيع أن يقدمه. وأما الكسوة فَتُفْرضُ مرتين: في الشتاء، والصيف؛ لأنها مما لا يتبعض، وتكون بالأشهر والأيام، وكذلك الغطاء والوطاء. فصل [فيما تستحقه الزوجة] والذي تستحقه الزوجة؛ النفقة والكسوة والغطاء والوطاء (¬2)، وما يميط الأذى، ويزيل الشعث، ومن يخدمها إذا كان واجدًا لذلك. فأما النفقة فمن الصنف الذي يجري (¬3) بين هذين الزوجين بذلك البلد: قمحًا أو شعيرًا أو ذرة أو تمرًا. واختلف في القدر، فقال مالك في كتاب محمد: مد وثلث بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬4). وقال ابن القاسم: وَيْبَتَان ونصف في الشهر إلى ثلاث (¬5). يريد: لمن كان بمصر. وأرى أن يفرض في كل بلد الوسط من الشبع، إلا أن يعجز عن ذلك، فليس الموسر ¬

_ (¬1) قوله: (الثلاث، والأربع) يقابله في (ح): (الثلاثة والأربعة). (¬2) قوله: (والوطاء) ساقط من (ش 1). (¬3) في (ش 1): (تجري). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 596. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 597. والويبة: مكيال معروف. انظر: لسان العرب: 1/ 505، مادة ويب.

كالمعسر، وليس (¬1) الشدة كالرخاء، ويفرض لها (¬2) الماء للشرب (¬3) والغُسل (¬4)، والزيت للأكل، والوقيد، والحطب، والبقل، واللحم في بعض الأيام. قال محمد: ويجمع ذلك كله ثمنًا فتعطاه (¬5) مع القمح (¬6). قال: ولا يفرض من العسل والسمن والحالوم (¬7) (¬8)، ولكن الخل والزيت (¬9). قال ابن حبيب: ولا فاكهة (¬10). وهذا يحسن في المتوسط، وليس في ذوي اليسار. ولها أجرة الطحن، والعجن، والخبز إذا كان ممن لا يلزم بخادم. وأما اللباس: فقميص ووقاية وقناع، وهي في الجودة والدناءة على قدرهما ويسار الزوج، ويزاد لبعض النساء ما يكون في الوسط، ويزدن في الشتاء ما يدفع البرد. وقال ابن القاسم في كتاب محمد: لا يفرض خز، ولا وشي، ولا حرير، وإن كان متسعًا (¬11). وقال أبو الحسن (¬12) ابن القصار: إنما قال مالك: لا يفرض الخز، والوشي والعسل لأن أهل (¬13) مدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيهم قناعة، فأما سائر الأمصار فعلى حسب أحوالهم كالنفقة. ¬

_ (¬1) في (ش 1): (ولا). (¬2) قوله: (لها) زيادة من (ش 1). (¬3) في (ح): (للشربية). (¬4) في (ب) و (ت): (والعسل). (¬5) في (ب) و (ت): (فيعطاه). (¬6) في (ب) و (ت) و (ح): (الفسخ). (¬7) قوله: (ولا يفرض العسل والسمن والحالوم) يقابله في (ب) و (ت) و (ش 1): (ولا يفرض من العسل، ولا السمن، ولا الحالوم). (¬8) قال الجوهري الحالوم: لبن يغلظ فيصير شبيهًا بالجبن الرطب وليس به. انظر: الصحاح: 5/ 1904، وقال ابن منظور: والحالُوم بلغة أَهل مصر جُبْنٌ لهم. انظر: لسان العرب: 12/ 145. (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 598. (¬10) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 443، والنوادر والزيادات: 4/ 600. (¬11) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 599. (¬12) قوله: (أبو الحسن) ساقط من (ش 1) و (ح). (¬13) قوله: (أهل) زيادة من (ح).

ويختلف في ثياب مخرجها (¬1)، كالثياب (¬2) التي العادة أن تخرج بها كالملحفة (¬3)، فالظاهر من المذهب أن لا شيء لها. وقال في المبسوط: يفرض على الغني ثياب مخرجها. وأما الغطاء، والوطاء، ففراش، ووسادة، ولحاف، ويزاد في الشتاء ما يدفع البرد. وقال ابن القاسم: والسرير في الوقت الذي يحتاج إليه لخوف العقارب وشبهها (¬4). قال ابن حبيب: أو براغيث أو فأر، وإلا فلا (¬5). قال محمد: وما يزيل الشعث كالمشط والمكحلة والنضوح، ودهنها وحناء رأسها (¬6). وقال ابن وهب في العتبية، في الطيب والزعفران، وخضاب اليدين والرجلين: ليس ذلك عليه (¬7). وقاله محمد في الصبغ (¬8)، وقال مالك في المبسوط (¬9): يفرض لها (¬10) على الغني طيبها (¬11)، ولا يفرض الصباغ، إلا أن يكون من أهل الشرف والسعة، وامرأته كذلك. وأما الخدمة فخادم، واختلف في أكثر إذا كان موسعًا عليه. فقال ابن القاسم في كتاب محمد: إن كان لها رقيق، لم ينفق إلا على واحدة، وإن قال: تخدمها خادمي، لم يكن له ذلك، ولعل خادمها أوفق لها (¬12) من خادم زوجها. ¬

_ (¬1) في (ب): (خروجها). (¬2) في (ب) و (ت): (كثياب). (¬3) في (ب) و (ت): (والملحفة). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 425. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 598، وعزاها لابن حبيب. (¬6) في (ب): (ودهنها في رأسها). وانظر: النوادر والزيادات: 4/ 599. (¬7) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 443. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 599. (¬9) قوله: (في "المبسوط") ساقط من (ب). (¬10) قوله: (لها) زيادة من (ش 1). (¬11) قوله: (ولحاف، ويزاد في الشتاء ما يدفع البرد. . . على الغني طيبها) ساقط من (ح). (¬12) في (ش 1): (أرفق بها).

وقال مالك في المبسوط: إن كان ممن لا يصلحه (¬1) ولا امرأته إلا أكثر من واحدة، فعليه أن ينفق على أكثر إذا لم تكفها واحدة. وقال ابن الماجشون وأصبغ: إن لم تكن الزوجة من ذات الشرف، وليس في صداقها ما تشتري به خادمًا، فعليها الخدمة الباطنة، العجن والطبخ، والكنس، والفرش، واستقاء الماء (¬2). وكذلك إن كان الزوج مليًّا، إلا أنه مثلها في الحال أو أشرف (¬3)، ولم يكن من أشرف الرجال الذين لا يمتهنون نساءهم في الخدمة، وإن كان معسرًا، لم يكن عليه إخدامها، وإن كانت ذات شرف، وعليها الخدمة الباطنة كما هي على الدنية (¬4). فأما ما اختلف فيه من الخز، والحرير، والوشي، والطيب، والصباغ، وما زاد على خادم فراجع إلى ما قاله أبو الحسن (¬5) ابن القصار، وأنه لم يكن لك فيما قبل. فرأى مالك الفرض مرة (¬6) على ما تقدم، وأن الزائد محدث ومكارمة، وأبقاها مكارمة على الأصل، وألزم ذلك مرة؛ لأنها صارت عادة. وقد اختلف قوله في هدية العرس وهي من هذا الأصل، إلا أن يكون الزوج كثير العيال، أو كثير الغاشية والقصد، ولا يقوم (¬7) به خادم، فعليه أن يأتي بمن يقوم بذلك وإن كثرن. ¬

_ (¬1) في (ب) و (ت): (تصلحه). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 610، 611. (¬3) في (ش 1): (أسف). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 610. (¬5) قوله: (أبو الحسن) ساقط من (ش 1). (¬6) قوله: (مرة) ساقط من (ب) و (ش 1). (¬7) في (ش 1): (تقوم).

باب في الزوجة تقوم بالنفقة عند سفر الزوج أو في سفره أو بعد قدومه وإذا اختلفا في النفقة عن مدة فرطت وهل للناشز نفقة؟

باب في الزوجة تقوم بالنفقة عند سفر الزوج أو في سفره أو بعد قدومه وإذا اختلفا في النفقة (¬1) عن مدة فرطت وهل للناشز نفقة؟ وإذا قامت الزوجة بالنفقة عند سفر زوجها أو طلبت بذلك حميلًا، فإنها لا تخلو من خمسة أوجه: إما أن تكون في العصمة أو مطلقة طلاقًا بائنًا أو رجعيًّا، وهل (¬2) هي حائل أم (¬3) حامل؟ فإن كانت في العصمة- أقام بنفقة (¬4) قدر سفره ذلك حميلًا (¬5) بها. وإن كانت مطلقة طلاقًا بائنًا أو رجعيًّا وهي حامل؛ كان مطالبًا بالأقل من مدة سفره ذلك والباقي من أمد (¬6) الحمل. وإن كانت غير حامل والطلاق بائن، فلا نفقة لها. واختلف إن طلبت حميلًا خوف الحمل، فلم ير ذلك لها (¬7) مالك (¬8). وقال أصبغ في كتاب محمد: ذلك لها (¬9). والأول أحسن إن كان قيامها بعد حيضة؛ ¬

_ (¬1) قوله: (في النفقة) زيادة من (ش 1). (¬2) قوله: (هل) ساقط من (ح). (¬3) في (ح): (أو). (¬4) في (ح): (نفقة). (¬5) في (ت) و (ش 1): (أو حميلًا). (¬6) في (ب): (آخر). (¬7) في (ب): (فلم يزد لها ذلك). (¬8) انظر: المدونة: 2/ 180. (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 49.

فصل [في الزوجة تقوم بالنفقة بعد قدومه]

لأن الظاهر البراءة وإن كان حَمْلٌ فنادر. وإن لم تكن حاضت أقام حميلًا بالأقل من مدة الحمل أو الوضع إن ظهر حمل؛ لأن الوجه الذي من أجله منعت الأزواج هو الوجه (¬1) الذي تطلب به الحميل؛ لأن وطأه أوجب شكًّا، هل هناك حمل. وإن كان الطلاق رجعيًّا كان عليه على قول مالك أن يقيم رزق الأقل من مدة سفره أو انقضاء العدة التي هي ثلاث حيض. وعلى قول أصبغ: يراعى مدة الحمل كالمطلقة طلاقًا بائنًا، فيقيم حميلًا بالزائد على مدة الحيض. وإن اتهم بالمقام أكثر من السفر المعتاد- أحلف أنه لا يقيم أكثر من ذلك، أو يقيم حميلًا. فصل [في الزوجة تقوم بالنفقة بعد قدومه] فإن قامت بالنفقة بعد غيبته، أحلفت أنه لم يخلفها ولا بعثها، وقضى لها بها. قال ابن القاسم: وتباع في ذلك عروضه، ويقضى لها بها من ودائعه وديونه (¬2). وهذا يحسن إذا كان قيامها بعد انقضاء مدة سفره (¬3) ورجوعه، أو قامت بقرب سفره، وكان يعرف منه قلة القيام بها، أو البغض والإساءة إليها (¬4)، أو خرج مختفيًا لأمر طُلِبَ به. وإن خرج على الوجه المعتاد ولا يعرف بِلَدَدٍ ولا ¬

_ (¬1) قوله: (هو الوجه) يقابله في (ب): (والوجه). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 183. (¬3) في (ب) و (ت) و (ش 1): (سيره). (¬4) قوله: (إليها) زيادة من (ح).

إساءة، وقامت بقرب سفره؛ كان الوقوف عن (¬1) القضاء لها أحسن لأنها أتت بما لا يشبه. ولمالك في مختصر ابن الجلاب ما يؤيد ذلك يأتي ذكره فيما بعد. واختلف إذا لم يكن له مال حاضر (¬2). فقال ابن القاسم: لا يفرض لها حتى يقدم الزوج، وإن كان في مغيبه موسرًا- فرض لها نفقة مثلها. وإن كان معدمًا فلا شيء لها (¬3). وقال في كتاب محمد: تتداين عليه ويقضى لها. ولا يُقْضَى للأبوين (¬4). وقال ابن القاسم فيمن أتى من الأندلس حاجًّا، فهلك أبوه عن مال: فلا ينفق على زوجته منه، لإمكان أن يكون الابن قد مات (¬5). وأرى إن مات الأب بفور سفره، وقبل أن يبعد أن يستنفق منه. واختلف إذا قامت بعد قدومه فقال: كنت خلفت عندك النفقة، أو بعثتها إليك؛ على ثلاثة أقوال: فقال في المدونة: إن قال: بعثت بالنفقة، كان القول قوله، إن لم تكن استعدت في مغيبه (¬6). وقال مالك في مختصر ابن جلاب مثل ذلك (¬7)، وقال أيضًا: القول قوله إذا (¬8) خلف أو بعث وإن استعْدَتْ (¬9). ¬

_ (¬1) في (ب): (على). (¬2) في (ت) و (ش 1): (ظاهر). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 459. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 459.النوادر والزيادات: 4/ 606. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 201. (¬6) انظر: المدونة: 2/ 181. (¬7) انظر: التفريع: 1/ 406. (¬8) قوله: (إذا) يقابله في (ب): (أحلف أنه). (¬9) انظر: التفريع لابن الجلاب: 1/ 406.

وقال في موطأ ابن وهب: وإن قال: كنت خلفت، أو بعثت، كان القول قولها إن استعدت (¬1) إلى السلطان، أو كانت تذكره، أو تشكو إلى جيرانها، أو تسلفت لذلك. وإن لم يسمع ذلك منها ولا ذكرته فلا شيء لها. وهذا أصوب؛ لأن ذلك لا يُعْلَمُ إلا من قولها، فلا فرق بين قولها ذلك للسلطان ولا (¬2) للجيران، ولأن كثيرًا من النساء لا ترضى (¬3) الرفع إلى السلطان، وتراه مَعَرَّةً وفسادًا مع زوجها إن قدم. فإن لم يسمع ذلك (¬4) منها، كان القول قوله، أنه خلف ذلك عندها إلا أن يقيم كثير من المعتاد في ذلك السفر، فيكون القول قولها في الزائد، ولا أرى أن يقبل قوله، إن قال بعثت؛ لأنه معترف أنه لم يخلف نفقة، فعليه البيان مع من أرسل، ولا يكاد يخفى ذلك. ولابن القاسم في العتبية إذا اختلفا عند قدومه في الإنفاق على الولد الصغار مثل ذلك إن استعدت (¬5) قُبِلَ قولها، وإن لم تستعد (¬6) كان القول قوله، وإن قال: كنت أبعث (¬7) بالنفقة فيجري على الخلاف المتقدم (¬8). واختلف إذا اعترف أنه لم ينفق، وقال: كنت معسرًا في مغيبي. فقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: إن خرج معدمًا، فالقول قوله: إنه بقي كذلك، وإن خرج مليًّا كانت البينة عليه أنه معدم، وإن أشكل أمره يوم خرج فعليه البينة أنه معدم في مغيبه (¬9). ¬

_ (¬1) في (ت): (استأذنت). (¬2) في (ح): (أو). (¬3) في (ح): (لا يرضى). (¬4) قوله: (ذلك) ساقط من (ح). (¬5) في (ت) و (ح): (استأذنت). (¬6) في (ح): (تستأذن). (¬7) في (ح): (أبعثت). (¬8) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 341، 5/ 342، والنوادر والزيادات: 4/ 605. (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 606.

يريد: أن الأصل الملاء بنفقة الزوجة حتى يثبت فقره. وقال ابن القاسم في كتاب محمد: إن قدم معسرًا وقال: ما زلت منذ غبت معسرًا، وكذبته المرأة (¬1)، كان القول قوله مع يمينه، وإن قدم موسرًا لم يقبل قوله إلا ببينة (¬2). يريد: أنه كان معسرًا وأيسر الآن (¬3). وإن كان مقيمًا فقالت: لم ينفق عليَّ، كان القول قول الزوج مع يمينه إن كان موسعرًا، ولا يمين عليه إن كان معسرًا؛ لأنه لا نفقة لها في حال عسره، وإن أنفقت عليه وعليها وهو موسر؛ رجعت بالنفقتين جميعًا. وإن كان معسرًا؛ رجعت بما أنفقت عليه خاصة (¬4)، وهذا قول ابن القاسم. قال الشيخ (¬5): وأرى ألا ترجع؛ لأن ذلك من الزوجات على وجه المكارمة، وقياسًا على قوله إذا أسكنته دارها. وإن اختلفا فيما يحكم لها به من النفقة بعد موت القاضي أو عزله، ولم يثبت ما حكم به، كان القول قول الزوج مع يمينه إن أتى بما يشبه، وإلا فالقول قولها إن أتت بما يشبه، فإن أتيا بما لا يشبه، استؤنف الحكم. وإن تغير حال الزوج في اليسر أو تغيّر السعر برخص أو غلاء، سقط الحكم الأول، واستؤنف النظر. وإن كساها ثوبًا، فقالت: هدية. وقال: بل مما فُرِضَ عليَّ، فالقول قوله، إلا أن يكون مما لا يفرض لمثلها لشرفه (¬6). وكذلك إن كان أدنى وكان لا يشبه أن يلبسه مثلها بانفراده دون الذي فرض لها، فالقول قولها مع يمينها، ويحلف الزوج، ويسترجع الأدنى. ¬

_ (¬1) قوله: (المرأة) ساقط من (ب). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 605. (¬3) في (ح): (اليوم). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 181. (¬5) قوله: (قال الشيخ) ساقط من (ب). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 183.

فصل [فيما إذا ادعت الزوجة ضياع النفقة والكسوة]

فصل [فيما إذا ادعت الزوجة ضياع النفقة والكسوة] وإن ادعت ضياع النفقة والكسوة، لم يقبل قولها مع عدم البينة ويختلف إذا كان لها بذلك بينة، قال محمد: هي ضامنة (¬1). وهو ظاهر قول ابن القاسم في المدونة (¬2)، ويجري فيها قول آخر أن المصيبة من الزوج قياسًا على قولهم في الصداق إذا كان عينًا؛ لأن محملها أنها تكتسي غير ذلك حتى يعرف أنها أمسكته لتلبس غيره، وتبيعه، ولأنه لو كساها بغير حكم- لم يضمن، وإنما فعل الحاكم ما كان من حقها أن تفعله بغير حكم. واختلف إذا بليت الكسوة قبل الوقت الذي فرض، هل يكون حكمًا مضى، أم لا؟ كالخارص يتبين أنه أخطأ. والذي أخذ دية العين، ثم برئت قد اختلف فيه، وأرى أن يرجع إلى مائتين؛ لأن هذا حقيقة. والأول ظن، ولأن من حق الزوج، إذا انقضى ذلك الأمد الذي فرض انقضاؤها له (¬3) وهي قائمة، ألا شيء لها (¬4) عليه حتى تبلى، فكذلك إذا بليت قَبْلُ. فصل [في طلاق المرأة لانعدام النفقة] واختلف هل تطلق لعدم النفقة بغير تَلَوّم، أو بعد التَّلَوّم، وفي قدر التلوم. فقال في المبسوط: يؤخر اليوم ونحوه مما لا يضر بها الجوع (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 51. (¬2) انظر: المدونة 2/ 183، ونصها: "قال: هذا يدلك على أنها إن أتلفته أو ضاع منها فلا شيء عليه". (¬3) في (ب): (القضاء له بها). (¬4) قوله: (لها) ساقط من (ت) و (ح). (¬5) انظر: المعونة: 1/ 524.

وقال في كتاب محمد: ما علمت أنه يضرب له أجل إلا (¬1) الأيام، ثم قال: ولا أعلم له أجلًا (¬2). وقال محمد: الذي عليه أصحاب مالك في التلوم الشهر ونحوه. وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: الشهر والشهران (¬3). وقال أصبغ: إن لم يطمع له بمال، فالشهر إذا لم تجد هي ما تنفق (¬4). وقال الشيخ -رحمه الله-: أرى إن (¬5) كان يرجى لها (¬6) ما تنفق منه أن يؤجل الشهر ونحوه، وكذلك إن (¬7) كانت صناعة كسدت، ويرجى نفاقها. وإن كان لا يرجى له شيء فالأيام، فإن لم يجد طلق عليه (¬8)، ولو قيل: يؤخر الشهر إذا كانت فقيرة، والشهرين إذا كانت موسرة، لكان وجهًا. وقال ابن الماجشون في المبسوط: إن ضرب له أجل (¬9) فمرض أو سجن فمنعه ذلك عن النظر فيما يأتي له (¬10)، زيد في الأجل بقدر ما يرى إن ارتجي له شيء، وإلا طلق عليه، وإن غاب مختارًا، طلق عليه، فإن أيسر في العدة كانت له الرجعة. وقال ابن القاسم في كتاب محمد: إن أيسر بنفقة الشهر، وإن لم تكن إلا نفقة العشرة الأيام والخمسة عشر يومًا- فليس ذلك له؛ لأن ذلك ضرر يرتجع ثم يطلق إلى أيام (¬11). وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: إن أيسر برزق شهر، وما ¬

_ (¬1) قوله: (إلا) ساقط من (ت). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 603. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 601. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 601. (¬5) في (ح): (إذا). (¬6) في (ب): (له). (¬7) في (ح): (إذا). (¬8) قوله: (عليه) ساقط من (ب). (¬9) في (ح): (أجلًا). (¬10) في (ت): (به). (¬11) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 601.

يستوجب من اللباس والوطاء (¬1) - فله الرجعة. وأرى إن كان صانعًا فعاد نَفَاقُ (¬2) صنعته أن يُمَكَّنَ مِنَ الرجعة، وإنْ أيسر برزق اليوم. وللزوجة أن تطلق بالعجز عن الكسوة، وإن كان قادرًا على النفقة وهو قول أشهب في العتبية، قيل له: بكم يستأنى في الكسوة إن قال أنا أرجو، قال: شهرين (¬3). وكذلك ينبغي إن عجز عن الغطاء والوطاء خاصة يطلق (¬4) عليه كعجزه عن الكسوة. واختلف في القدر الذي يمنع الطلاق من النفقة والكسوة، فقال محمد في النفقة: لا أقل مما تعيش (¬5) به، ولعله لا يجد ذلك (¬6) فلا أقل مما لا تعيش (¬7) إلا به (¬8). وقال مالك في كتاب ابن حبيب: إن لم يجد غير الخبز وحده، وما يواري عورتها، ولو بثوب واحد من غليظ الكتان لم يفرق بينهما (¬9). وقال في كتاب محمد: إن لم تجد إلا الطعام وحده، والكسوة محضًا، إذا كان الطعام قوتها، والكسوة من وسط الكتان، مثل الفسطاطي- لم يفرق بينهما، وإن كانت من بيت الغنى (¬10). وقيل أيضًا: إن لم يجد إلا الغليظ من الثياب، ¬

_ (¬1) في (ب) و (ت) و (ش 1): (والوطء). (¬2) في (ت): (نصف). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 457. (¬4) فى (ح): (تطلق). (¬5) في (ب): (يعيش). (¬6) في (ب): (ولعله نحو ذلك). (¬7) في (ب): (يعيش). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 594. (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 600. (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 600.

فصل [في زواج المرأة من الرجل الفقير]

والخشن من الطعام، قال: لكل شيء قدر، وينظر إلى قدر حالهما (¬1)، ولباس مثلهما، ولا يكسوها ما ليس من لباس مثلها. وقول (¬2) محمد: ما لا تعيش إلا به حرج (¬3) تمسي وتصبح جائعة وعليه، ما يسد جوعها، وإلا فرق بينهما، وإن كان من خشن (¬4) الطعام، ولا إدام معه- لم تطلق عليه إلا أن تكون (¬5) من أهل الشرف، وممن لم تألف (¬6) مثل ذلك، ولا ينساغ لها ذلك. وإن جاعت لم تلزم (¬7) به، وكذلك الكسوة إذا كان لباس مثل ذلك معرة عليها- لم تلزمها، وطلقت (¬8) عليه، وإن لم يكن فيه معرة لم تطلق عليه، وإن لم يكن لباس مثلها. فصل [في زواج المرأة من الرجل الفقير] واختلف إذا كان في حال العقد فقيرًا، وعلمت بذلك، فقال في كتاب محمد: تطلق عليه (¬9). وقال في المبسوط: لا تطلق عليه، أرأيت لو تزوجت رجلًا من أهل الصُّفَّة أكانت تطلق عليه؟ وكذلك إن كان فقيرًا فأيسر، ثم افتقر يختلف في الطلاق عليه. ولا أرى أن تطلق عليه إذا كان ممن يفتح عليه ولا يتكفف، وإن كان يسأل فلم يفعل تطلق عليه، وكذلك إن كان لا يسأل، وكان مقصودًا مشهورًا ¬

_ (¬1) قوله: (قدر حالهما) يقابله في (ح): (حال قدرهما). (¬2) في (ب) و (ت) و (ش 1): (وقال). (¬3) في (ح): (مخرج). (¬4) في (ح): (جنس). (¬5) في (ح): (يكون). (¬6) في (ح): (يألف). (¬7) في (ت): (تلتذ)، وفي (ح): (يلزمه). (¬8) قوله: (لم تلزمها، وطلقت) يقابله في (ح): (لم يلزمه، وطلق). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 601.

بالعطاء، ثم تعذر ذلك عليه، فلها أن تقوم بالطلاق. واختلف في الناشز (¬1)، هل لها نفقة؟ والقياس ألا شيء لها، ولو كنت أقول: إن لها النفقة، لم أبلغ بذلك أن تطلق عليه عند عدمها. وفي كتاب الأيمان بالطلاق ذكر المرأة تدعي على زوجها أنه طلقها ثلاثًا، وهو منكر هل (¬2) لها نفقة. ¬

_ (¬1) في (ح): (الناشرة). (¬2) قوله: (هل) ساقط من (ح).

باب في العينين تقوم به زوجته

باب في (¬1) العينين تقوم به زوجته العنة عيب يوجب للزوجة القيام بالفراق إذا علمت بعد العقد، وإن علمت قبل العقد (¬2) وأنه لا يصيب بحال- لم يكن لها قيام وإن كان يرجى ذهاب ذلك بالعلاج كان لها عند مالك أن تقوم إن لم يذهبه العلاج. والأشبه ألا قيام لها؛ لأن الزوج أعلمها أن به عيبًا مشكوكًا في زواله، ولو اشترى رجل عبدًا، وبه عيب مشكوك في ذهابه، فلم يذهب؛ لم يرد، وكذلك هذه، وقد وقع في مثل هذا أسئلة جعل للمرأة فيها مقال، والقياس ألا شيء لها (¬3)، فقال في التي دخل جمها ثم اعترض عنها، ففارقها، ثم تزوجته: إنها تقوم بعيب العنة (¬4). وأبين من ذلك أن يضرب له أجل، فيعالج، ثم لا يصيب، فيفرق بينهما لذلك، ثم تتزوجه. وقال أبو محمد عبد الوهاب: يضرب له أجل ثانٍ (¬5)، فإن أصاب، وإلا كانت بالخيار (¬6). وأرى ألا مقال لها؛ لأنها علمت أن به عيبًا لم يذهبه العلاج، وكذلك إن تزوج غيرها، وعلمت الثانية بما تقدم له مع الأولى (¬7)، فلا قيام لها. ¬

_ (¬1) قوله: (في) ساقط من (ح). (¬2) قوله: (العقد) ساقط من (ب). (¬3) قوله: (لها) ساقط من (ب). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 144. (¬5) في (ح): (ثانية). (¬6) انظر: المعونة: 1/ 1 / 517، 518. (¬7) في (ح): (الأول).

وكذلك إن ضرب له أجل (¬1)، فانقضى ولم يصب، فرضيت بالمقام ثم قامت، فقال ابن القاسم (¬2): لها ذلك من غير أجل (¬3). وقال في المستخرجة: تطلق عليه، وإن لم ترفع إلى السلطان (¬4). وقال ابن حبيب: إن قامت بحدثان رضاها، لم يكن ذلك لها (¬5). وإن كان بعد زمان وقالت: رجوت ألا يتمادى فذلك لها. والقياس في جميع هذه الأسئلة ألا مقال لها؛ لأنها رضيت بالعيب، وإذا لم تعلم ضرب له (¬6) أجل سنة ولم يعجل بالطلاق، إلا أن يُرَى أَنَّ مثله لا ينفعه العلاج، أو يكون قد تعالج قبل ذلك سنة؛ فيطلق عليه الآن من غير أجل. واختلف فيمن ضرب له أجل سنة ومرض؛ فقال ابن القاسم: إن مضت السنة وهو مريض، أو مرض بعد السنة، طلق عليه عند انقضاء السنة، ولم يستأنف أجل (¬7). وقال أصبغ: إن مضت السنة وهو مريض، لم يطلق عليه، ويستأنف السنة. وقال ابن الماجشون: إن مضى بعض السنة وهو مريض، لم تطلق عليه (¬8) ¬

_ (¬1) في (ح): (أجلًا). (¬2) قوله: (ابن القاسم) ساقط من (ب). (¬3) انظر النوادر والزيادات: 4/ 540. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 35، والنوادر والزيادات: 4/ 540. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 540. (¬6) في (ح): (لها). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 540. انظر البيان والتحصيل: 5/ 440، 468. (¬8) قوله: (ويستأنف السنة. . . وهو مريض، لم تطلق عليه) ساقط من (ت).

فصل [في طلاق المرأة من العنين]

عند انقضائها. وأرى أن يستأنف السنة إن مرض جميعها. وإن مرض ستة أشهر من أولها ثم صح استأنف سنة من يوم صح. وإن صح ستة أشهر، ثم مرض ستة أشهر (¬1) استأنف سنة، ولم يحتسب بالستة الأشهر الأول؛ لأنه قد يكون (¬2) في فصلين من السنة، خاصة، ولم يعم الفصول الأربع. وأجل الحر سنة، سواء كانت زوجته حرة أو أمة. واختلف في العبد له زوجة حرة أو أمة، فقال مالك: الأجل ستة أشهر على النصف من الحر (¬3). وقال أبو بكر بن الجهم: سنة كالحر. وهو أبين؛ لأن السَّنة جُعِلَتْ لِيُخْتبَرَ في الفصول الأربع، فقد ينفع الدواء في فصل دون فصل، وهذا يستوي فيه الحر والعبد. فصل [في طلاق المرأة من العنين] وإذا طلق على العنين اعتدت زوجته للخلوة، ولم يملك الرجعة؛ لأنه معترف أنه لم يصب. واختلف فيما تستحقه من الصداق وقد مض ذكر ذلك في كتاب (¬4) إرخاء الستور. واختلف (¬5) إذا أنكر الزوج قول الزوجة، فقال مالك ¬

_ (¬1) قوله: (ستة أشهر) يقابله في (ب): (سنة). (¬2) في (ب): (تعالج). (¬3) في (ت): (الحرة). وانظر: النوادر والزيادات: 4/ 542. (¬4) قوله: (كتاب) ساقط من (ت). (¬5) قوله: (فيما تستحقه من الصداق. . . إرخاء الستور. واختلف) ساقط من (ح).

في المدونة: يدين الزوج والقول قوله (¬1). وروى عنه ابن وهب أنه يدين في الثيب، وينظر النساء في البكر، فإن كانت قائمة البكارة صدقت، وإن كانت ذاهبة العذارة (¬2) صدق. وروى عنه الواقدي في مختصر ما ليس في المختصر: أن لا يصدق في الثيب أيضًا (¬3)، ويجعل معها امرأة تنظر إذا غشيها الزوج. وأجاز قول امرأة واحدة. وقال الأوزاعي: امرأتين. ولا أرى أن يُدَيَّن؛ لأنه يتوصل إلى معرفة الصادق منهما، فيعرف ذلك من البكر بما ذكرنا. وأما الثيب فأرى أن تُسأل المرأة، فإن قالت: إنه لا ينتشر نظر إليه من فوق الثوب هل ينتشر، فإن قالت أنه ينتشر فإذا دنا منها ذهب ترجح أن يقال: لا تصدق؛ لأنها مقرة أنه على هيئة مَنْ يصيب، مدعية نزول علة (¬4) بعد ذلك، ويصح ألا يدين؛ لأن بعض الرجال يعقد، فيعرض له ذلك، فيطلب دليل بصدق الصادق منهما، إما بامرأة كما روى الواقدي، وإما بالصفرة كما قال (¬5) ابن شبرمة (¬6)، أو بغير ذلك. وقال مالك فيمن أقر بالعنة وادعى بعد الأجل أنه أصاب، فالقول قولها (¬7). وهذا أبين ألا يقبل قوله، وأن يطلب دليل بصدقه أو كذبه؛ لأنه مقر بالعيب (¬8) مدعٍ لذهابه، فكان القول قولها، لاستصحاب الحال، إلا أن يأتي بما ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 185. (¬2) في (ت): (العذرة). (¬3) قوله: (أيضًا) ساقط من (ح). (¬4) في (ب): (مدعية نزولًا). (¬5) في (ت): (روى). (¬6) في (ح): (ابن ميسرة). (¬7) في (ح): (قوله). وانظر: التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس: 1/ 412. (¬8) في (ت): (بالعنة).

يدل على صدقه. واختلف بعد القول أنه يدين إذا أنكر العنة من الأصل، هل يحلف؟ فأما إن أقر وادعى زوال ذلك، حلف قولًا واحدًا. ومن أصاب زوجته مرة، ثم اعترض (¬1) عنها لم تطلق عليه، وكانت مصيبة نزلت بها (¬2). ويجري فيها (¬3) قول آخر: إن لها القيام قياسًا على أحد قولي مالك إذا (¬4) أصاب مرة، ثم قطع ذكره. ¬

_ (¬1) قوله: (ثم اعترض) يقابله في (ب): (أعرض). (¬2) في (ت): (به). (¬3) قوله: (فيها) ساقط من (ب). (¬4) في (ت): (ثم).

باب في اختلاف الزوجين في الملابس وفي متاع البيت وغيره

باب في اختلاف الزوجين في الملابس وفي (¬1) متاع البيت وغيره وإذا اختلف الزوجان في الملابس: فما كان من لباس الرجال فالقول قوله فيه، وما كان من لباس النساء فالقول قولها فيه (¬2)، وكذلك الفرش والغطاء والمواعين، فما كانت العادة أنَّه للرجل (¬3) يأتي به أو يشتريه، فالقول قوله فيه، وما كانت العادة أن المرأة تأتي به أو تكسبه فالقول قولها فيه. قال ابن حبيب: مع يمينه أو يمينها، وقال سحنون: لا يمين على واحد منهما (¬4). واختلف فيما كان يشبه أن يأتي به الرجل والمرأة أو يكسباه. فقال مالك: هو للرجل مع يمينه؛ لأن البيت بيته (¬5). وقال المغيرة وابن وهب في العتبية: هو بينهما بعد أيمانهما (¬6). وهو أشبه. فإن اختلفا في العبيد؛ كان القول قول الزوج في الذكران ويختلف في الإناث؛ لأنهن مما يشبه أن يكون لهما جميعًا. ¬

_ (¬1) قوله: (في الملابس و) ساقط من (ن). (¬2) قوله: (فيه) ساقط من (ب). (¬3) في (ح): (للرجال). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 616. (¬5) انظر: المدونة: 2/ 187. (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 445، "قال ابن القاسم: وقال غيره من أهل العلم: يقسم بينهما إذا لم يكن لأحدهما عليه بيّنة بعد أيمانهم. قال ابن وهب: والذي آخذ به وأستحسنه أن يقسم بينهما ما اشتبه من ذلك، فيرى أنه يكون للرجال والنساء بعد أيمانهم على ما تداعيا فيه"، وانظر النوادر والزيادات: 4/ 616، وانظر المسألة في: الإشراف: 2/ 983.

فعلى قول مالك وابن القاسم يكون للرجل، وعلى القول الآخر يكون (¬1) بينهما بعد أيمانهما. وإن اختلفا في رقبة الدار كان القول قول الرجل. وإن اختلفا في شيء من مركوب الرجال فالقول قوله فيه، وإن اختلفا فيما يشبه كان القول قول الرجل (¬2)، إلا أن يعلم أن المرأة الحائزة لها دونه، أو (¬3) فى تكون منسوبة إليها ومعروفة بها، والاختلاف في ذلك مع بقاء العصمة وبعد الطلاق سواء. وكذلك إن ماتا أو مات أحدهما، فما كان الحكم أنه للرجل- كان القول قول ورثته فيه مع أيمانهم إن ادعوا العلم (¬4)، وإن قالوا: لا علم لنا، فهو لهم بغير يمين، إلا أن يدعَى عليهم العلم، وما كان للمرأة- فالقول قول ورثتها فيه (¬5) مع أيمانهم إن ادعوا العلم، وإن قالوا: لا علم لنا، فهو لهم بغير يمين، إلا أن يدعَى عليهم العلم (¬6)، ويشبه أن يعرفوا ذلك، وما كانت العادة أنه للرجل (¬7)، فأقامت المرأة البينة أنها اشترته، فهو لها، وما كانت العادة أنه للزوجة، فأقام البينة أنه اشتراه، أو أقرت له بذلك، فالقول قوله. قال مالك: ويحلف أنه ما اشتراه لها، وقال سحنون: إن أقام البينة أنه اشتراه لنفسه، فهو له، فأما اشتراؤه هكذا، فيمكن أن يشتريه لامرأته، وإنما يشتري للنساء الرجال (¬8). ¬

_ (¬1) قوله: (الآخر يكون) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (وإن اختلفا في شيء من مركوب. . . القول قول الرجل) ساقط من (ح). (¬3) في (ب): (و). (¬4) قوله: (إن ادعوا العلم) ساقط من (ب) و (ح). (¬5) قوله: (فيه) زيادة من (ح). (¬6) قوله: (وما كان للمرأة- فالقول قول ورثتها مع أيمانهم إن ادعوا العلم، وإن قالوا: لا علم لنا، فهو لهم بغير يمين، إلا أن يدعي عليهم العلم) ساقط من (ب). (¬7) في (ح): (للرجال). (¬8) انظر: المدونة: 2/ 187.

باب في القسم والعدل بين الزوجات

باب (¬1) في القسم والعدل بين الزوجات الأصل في ذلك قول الله -عز وجل-: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3]. فأباح أربعًا مع العدل، وحرم ما بعد واحدة إذا خاف الميل، وأخبر الله -عز وجل- أن الزوج لا يستطيع أن يأتي بذلك مع حقيقته (¬2)، وأمره بما يطيق. فقال تبارك وتعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا. . .} الآية [النساء: 129]. قيل: نزلت في الحب والجماع، فالحب مما لا يستطاع العدل فيه ولا يملك، والجماع تابع له؛ لأنه عنه ينبعث، فأمر أن يأتي من ذلك ما يطيق، ولا يؤثر من يهوى فوق القدر الذي يغلب عليه، وأن يصلحوا، فيعدلوا، ويتقوا الله في ألا يميلوا. وفي الترمذي قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقسم (¬3) بين نسائه، فيعدل، ويقول: "اللهُمَّ هَذِهِ قِسْمَتِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلاَ تَلُمَنِى فِيمَا تَمْلِكُ وَلاَ أَمْلِكُ" (¬4). وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا كَانَتْ عِنْدَ الرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا، جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَشِقُّهُ (¬5) سَاقِطٌ" (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (باب) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (أن يأتي بذلك مع حقيقته) يقابله في (ب): (ذلك حقيقة). (¬3) قوله: (يقسم) ساقط من (ح). (¬4) أخرجه الترمذي: 3/ 446، في باب ما جاء في التسوية بين الضرائر، من كتاب النكاح، برقم (1140). (¬5) في (ح): (وجنبه). (¬6) أخرجه الترمذي: 3/ 447، في باب ما جاء في التسوية بين الضرائر، من كتاب النكاح، برقم (1141).

والعدل بين الزوجات في ثلاثة أوجه: الكون عندهن، وإصابتهن، وما يكون منه من نفقة وكسوة. فأما كونه عندهن فلا خلاف أن عليه أن يسوي بينهن إذا كانتا حرتين. وأما الإصابة فعليه العدل من وجه ألا يمسك عن واحدة ليبقي نَفْسَهُ للأخرى، وليس عليه إذا أصاب واحدة أن يصيب الأخرى إذا لم ينشط لها. وأما النفقة والكسوة: فليس عليه المساواة فيها فقد تكون إحداهن ذات منصب وقدر، فلها أن تطلبه بما يجب لمثلها، وليس عليه أن يلحق الدنية بها. واختلف هل يتطوع لواحدة بأكثر مما يجب لها من النفقة والكسوة؟ فأجازه ابن حبيب. وقال مالك في كتاب محمد مرة: لا بأس أن (¬1) يكسو إحداهن (¬2) الخز والحلي ما لم يكن على وجه الميل (¬3). وقال أيضًا: لا بأس بالشيء اليسير ما لم يكن على وجه الضرر والميل (¬4). وهذا أحسن؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث النعمان: "أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَارْجِعْهُ" (¬5). فمنع التطوع بالهبة لأحد الأولاد، لما يدخل في ذلك ¬

_ (¬1) قوله: (بأس أن) ساقط من (ت). (¬2) في (ب) و (ت) و (ش 1): (إحداهما). (¬3) انظر: النودار والزيادات: 4/ 615. (¬4) في (ت): (على وجه الميل). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 913، باب الهبة للولد وإذا أعطى بعض ولده شيئا لم يجز حتى يعدل بينهم ويعطي الآخرين مثله ولا يشهد عليه، من كتاب الهبة وفضلها، برقم (2446)، ومسلم: 3/ 1241، في باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة، من كتاب الهبات، برقم (1623)، ومالك: 2/ 751، في باب ما لا يجوز من النحل، من كتاب الأقضية، برقم (1437).

فصل [في اختلاف حال الزوجات]

من الفساد والشنآن والتحاسد والعقوق منهم له (¬1). ومعلوم أنه مطالب فيما بين نسائه لمثل (¬2) ذلك. وأن الذي يدخل بينهن من الفساد عند ذلك أشد. فصل [في اختلاف حال الزوجات] اختلاف حال الزوجات لا يغير القسم، فإن كانت إحداهن مريضة أو صغيرة أو رتقاء أو حائضًا أو نفساء أو مجنونة أو مجذومة (¬3) كان القسم بينهن سواء، وكذلك إن آلَى من واحدة أو ظَاهَرَ فهي على حقها والكون عِنْدَها، وألا يصيب البواقي إلا أن يتحلل (¬4) من الإيلاء والظهار، وعليه أن يتحلل من (¬5) ذلك الآن إذا قامت بحقها التي لم يُولِ منها، ولم يظاهر. ومحمل الآية في الإيلاء على من كان خلوًا من غيرها، فإن كان له نسوة- كان لها أن تطالبه بالعدل في الإصابة حسب ما تقدم، إلا أن يعتزل جميعهن. وَقَدْ غَاضَبَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْضُ (¬6) نِسَائِهِ، فَاعْتَزَلَ جَمِيعَهُنَّ شَهْرًا إِرَادَةَ العَدْلِ. أخرجه البخاري ومسلم (¬7). والقسم بين المسلمة والنصرانية سواء. ¬

_ (¬1) قوله: (له) ساقط من (ح). (¬2) في (ح): (بمثل). (¬3) قوله: (أو مجذومة) ساقط من (ح)، وفي (ب): (أو محرمة). (¬4) في (ب) و (ت) و (ش 1): (ينحل). (¬5) قوله: (من) ساقط من (ح). (¬6) قوله: (بعض) ساقط من (ب). (¬7) متفق عليه، أخرجه البخاري: 5/ 1991، في باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها من كتاب النكاح، برقم (4895)، ومسلم: 2/ 763، باب الشهر يكون تسعا وعشرين، من كتاب الصيام برقم (1084).

فصل [في القسم بين الزوجات]

واختلف قول مالك في الحرة والأمة فقال مرة يسوي بينهما (¬1). وهذا لعموم الآية. وقال مرة للحرة يومان وللأمة يوم (¬2). يريد: أن المساواة إنما هي (¬3) لما يقع في أنفس الزوجات من تفضيل بعضهن على بعض، ومعلوم أن موقع (¬4) ذلك من الأمة غير موقعه من الحرة؛ لأن معها من ذلة العبودية ما لا تسمو به (¬5) بنفسها إلى مساواة الحرة، وغايتها إن كانت ضرة للحرة. ويؤيد ذلك ما جعل للحرة ألا تكون الأمة ضرة لها، وأنها بالخيار في زوال ذلك باختيارها نفسها، أو بفراق الأمة، فأما من (¬6) لم ير المساواة: جعلها على النصف، قياسًا على أحكامها في الحدود. وإن كانت حرة نصرانية وأمة مسلمة، سوّى بينهما؛ لأن هذه تدلي بالإسلام والأخرى بالحرية، ولا قسم بين الزوجة وملك اليمين من (¬7) الأمة والمدبرة وأم الولد. والمذهب على ألا مقال للحرة إن أقام عند الأمة. وفيه نظر، إلا أن يكون هناك إجماع. فصل [في القسم بين الزوجات] القسم بين الزوجات يوم بيوم، لا أكثر (¬8) فإن رضي الزوج والنسوة أن يكون اليومين والثلاثة (¬9) جاز؛ لأن ذلك من حقوقهن (¬10). ويختلف إذا أراد ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 191. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 137. (¬3) قوله: (إنما هي) ساقط من (ب) و (ح). (¬4) في (ح): (موضع). (¬5) قوله: (تسمو به) يقابله في (ب): (سوم)، وفي (ح): (تسوم). (¬6) قوله: (فأما من) يقابله في (ت): (فلما). (¬7) قوله: (من) ساقط من (ح). (¬8) قوله: (لا أكثر) زيادة من (ح). (¬9) في (ح): (والثلاث). (¬10) في (ح): (حقوقهما).

الزوج ذلك بغير رضاهن فمنعه في كتاب محمد (¬1)، وهو ظاهر المدونة، قال: ويكفيك في ذلك ما مضى من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن أصحابه (¬2). وأجاز ابن القصار أن يسبع عند الثيب ويحاسب، لحديث أم سلمة، فعلى هذا يجوز يومان (¬3) وثلاثة بغير رضاهن، إذا لم يجعل ذلك سُنة، وللزوج أن يبتدئ بالقسم بالليل والنهار، وليس له أن يأتي إحداهن في يوم الأخرى ليقيم عندها، واختلف هل يدخل لقضاء حاجة؟ فأجاز مالك في كتاب محمد أن يأتي (¬4) عائدًا أو الحاجة أو ليضع ثيابه عندها، وليس عند الأخرى شيء من ثيابه إذا كان ذلك منه على غير ميل ولا ضرر (¬5). وقال أيضًا: لا يقيم عند إحداهما إلا من عُذْر لا بد منه من اقتضاء دين، أو تجارة، أو علاج (¬6). وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: لا بأس أن يقف بباب إحداهن ويسلم من غير أن يدخل، وأن يأكل مما تبعث (¬7) به إليه (¬8). وهذا أحسن، فلا يدخل لإحداهما في يوم الأخرى إلا لضرورة تنزل؛ لأن الغالب أن منزلة الزوجتين تختلف، فإذا سوغ أن يضع ثيابه أو تجارته عند إحداهن قصد بذلك من له إليها (¬9) ميل، وصار بذلك إلى ما يحبه (¬10)، ولم يتحصل القسم. واختلف إذا أغلقت إحداهن (¬11) دونه بابها (¬12)، فقال مالك في كتاب ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 614. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 189. (¬3) في (ب) و (ت) و (ش 1): (يومين). (¬4) انظر: (أن يأتي) ساقط من (ب). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 613. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 614. (¬7) في (ب) و (ت) و (ش 1): (يبعث). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 614. (¬9) قوله: (من له إليها) يقابله في (ت): (منه). (¬10) في (ب): (تحبه). (¬11) في (ب) و (ت) و (ش 1): (إحداهما). (¬12) قوله: (بابها) ساقط من (ت).

فصل [في أحوال الزوج مع نسائه]

محمد: (¬1) إن قدر أن يبيت في حجرتها وإلا يذهب إلى الأخرى. وقال ابن القاسم: يؤدبها، ولا يذهب إلى الأخرى وإن كانت هي الظالمة. وقال أصبغ: إلا أن يكون (¬2) يكثر ذلك منها، ولا مأوى له سواها (¬3). وهو أحسن؛ لأنها وإن ظلمت فلم تأذن أن تعطي حقها لضرتها، إلا أن يتكرر ويرى ألا يصدها عن ذلك إلا كونه عند ضرتها. وإن كانت الزوجتان في بلدين- لم يقسم يومًا يومًا، ويجوز أن تكون الجمعة والشهر والشهرين على قدر بُعْدِ الموضعين، وما لا يدركه في اختلافه بينهن ضرر، ثم لا يقيم عند إحداهن أكثر، إلا أن يكون ذلك لتجارة حبسته، أو ضيعة ينظر فيها. فصل [في أحوال الزوج مع نسائه] والزوج مع نسائه على خمسة أقسام: قسم هو مطالب فيه بالعدل، وهو المتقدم ذكره، وأربعة يَسْقُطُ عنه ذلك فيها. ثم هي مختلفة المراتب: فأحدها: مختلف فيه هل الأمر بيده، فإن أحب قَسَمَ أو ترك، أو ذلك مستحق عليه لامرأة بعينها من غير خيار، وهو حال الابتناء؟ والثاني: مختلف فيه هل ذلك إليه، يخص بنفسه أيتهن أحب، أو تكون قرعة لتساوي (¬4) حقهن فيه، وأنه لا بد أن يستبد به إحداهن؟ وهو حال المرض والسفر والزفاف إذا دخلت عليه امرأتان في ليلة. والثالث: مختلف فيه، هل الخيار إليه أو تكون قرعة، أو يكون إلى غير من كان عندها من غير خيار ولا قرعة؟ وهو إذا قدم من سفر أو صح من مرض ¬

_ (¬1) قوله: (في كتاب محمد) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (يكون) ساقط من (ب) و (ح). (¬3) في (ح): (سواهما)، وانظر: النوادر والزيادات: 4/ 612. (¬4) في (ت): (تساوي).

أو انقضى أيام الابتناء. والرابع: أن ذلك إليه، وهو حال المرض إذا كانت إحداهن أرفق به وأقوم عليه (¬1)، فله أن يكون عندها من غير قرعة. ومقام الزوج عند البكر سبعٌ، وعند الثيب ثلاثٌ، وليس عليه العدل في هذه الأيام. واختلف هل ذلك حق له، أو لها، يجبر عليه، أو يندب ولا يجبر؟ فقال مالك مرة: ذلك حق لها لازم (¬2). وقال مرة: هو حق له (¬3). وقال أصبغ: هو حق لها يؤمر ولا يجبر، كالمتعة. والأول أحسن، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لِلْبِكْرِ سَبْعٌ، وَللثَّيِّبِ ثَلاَثٌ" (¬4) واللام للتمليك حتى يقوم دليل يخرجه عن ذلك. واختلف بعد القول أنه حق لها، وقال أشهب: لا (¬5) يقضى به، وقال ابن عبد الحكم: يقضى (¬6) إذا كان لها ضرائر، أو كان خلوًا من النساء. فالأول لقول أنس: "مِنَ السُّنَّةِ إِذَا تَزَوَّجَ البِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ، أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا وَقَسَّمَ، وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلاثًا، وَقَسَّمَ (¬7) ". قال أبو قلابة: لو ثبت قُلْتُ (¬8): إنَّ أنسًا رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أخرجه البخاري ومسلم (¬9). ¬

_ (¬1) قوله: (عليه) ساقط من (ب). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 189. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 189. "قال ابن القاسم: ولقد كان بعض أصحابنا. . . فلم أجده إلا حقًّا للمرأة". (¬4) أخرجه مسلم: 2/ 1083، في باب قدر ما تستحقه البكر والثيب من إقامة الزوج عندها عقب الزفاف، في كتاب الرضاع، برقم (1460). (¬5) قوله: (لا) ساقط من (ت). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 611. (¬7) في (ح): (ثم قسم). (¬8) قوله: (قُلْتُ) ساقط من (ح). (¬9) متفق عليه، البخاري: 5/ 2000، في باب إذا تزوج الثيب على البكر، من كتاب النكاح، =

ووجه الثاني قول أنس: من السنة إذا تزوج البكر أقام عندها سبعًا، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثًا، ولم يشترط أخرجه البخاري (¬1). وقال مالك (¬2) في العتبية: لا يتخلف العروس عن الصلوات في جماعة ولا عن الجمعة (¬3). وقال سحنون: قال بعض الناس: لا يخرج، وذلك حق لها (¬4). وقال ابن حبيب: يتصرف في حوائجه وإلى المسجد (¬5). والعادة اليوم ألا يخرج لحاجة، ولا لصلاة وإن كان خلوًا من غيرها، وعلى المرأة في ذلك عند النساء وَصْمٌ إِنْ خَرَجَ، وأرى أن يلزم العادة. واختلف إذا أقام عند الثيب ثلاثًا ثم أراد أن يتمها سبعًا ويسبع لنسائه على حديث أم سلمة فأباه مالك في كتاب محمد (¬6)، وأجازه ابن القصار قال: إن أقام عند الثيب سبعًا- قضى للمتقدمات سبعًا سبعًا (¬7). قال: وبه قال أنس بن مالك والنخعي والشعبي والشافعي وابن حنبل وإسحاق (¬8). وقال محمد بن عبد الحكم: إذا زفت إليه امرأتان في ليلة أقرع بينهما. وعلى أحد قولي مالك أن ذلك حق له- يكون بالخيار من غير قرعة. ¬

_ = برقم (4916)، ومسلم: 2/ 1084، في باب قدر ما تستحقه البكر والثيب من إقامة الزوج عندها عقب الزفاف، في كتاب الرضاع، برقم (1461) وعند مسلم: (قال خالد: ولو قلت إنه رفعه لصدقت، ولكنه قال: السنة كذلك) (¬1) انظر: الحديث موضع التخريج السابق عند البخاري برقم (4915). (¬2) قوله: (مالك) زيادة من (ح). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 358، والنوادر والزيادات: 4/ 612. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 612. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 611. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 611. (¬7) قوله: (سبعًا) ساقط من (ح). (¬8) انظر: عيون المجالس: 3/ 1186.

وعلى المريض أن ينتقل (¬1) بين نسائه إلا أن يشتد مرضه، فيسقط ذلك عنه. ثم يختلف هل يكون الخيار إليه، أو تكون قرعة؟ وهذا مع تساوي نسائه (¬2) في القيام به، وإن علم من إحداهن الجفوة والضعف عن القيام بالمريض ومن الأخرى الرفق والقيام- أقام عندها من غير قرعة. واختلف قول مالك في سفره بإحداهن، فقال مرة: يقرع بينهن. وقال مرة: يسافر بمن شاء من غير قرعة (¬3). وبه أخذ ابن القاسم. والأول أحسن، لحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا سَافَرَ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا سَافَرَ بِهَا" (¬4). لتساوي حقهن فيه، فلم يكن لواحدة أن تستبد به، ولم يكن له أن يخص بنفسه واحدة منهن، فكانت القرعة عدلًا بينهن. وهذا إذا كان جميعهن يصلح للسفر، وليس له أن يخلف التي هي القَيِّمَةُ بماله المُدَبِّرَةُ لأمره (¬5) إذا كرهت المقام، وليس عليها أن تقيم للخدمة (¬6) في ماله، ويؤثر غيرها، إلا أن تكون ثبطة (¬7) لا تصلح للسفر، أو ذات عيال؛ لأن عليه ضررًا في خروجها بعيالها، أو خروجها دونهم. ¬

_ (¬1) في (ب): (يجول). (¬2) قوله: (تساوي نسائه) يقابله في (ح): (تساويهن). (¬3) انظر: التفريع: 1/ 428، والنوادر والزيادات: 4/ 613. والمعونة: 1/ 549، وعيون المجالس: 3/ 1187، 1188. (¬4) متفق عليه، البخاري: 2/ 916، في باب هبة المرأة لغير زوجها وعتقها إذا كان لها زوج فهو جائز إذا لم تكن سفيهة فإذا كانت سفيهة لم يجز، من كتاب الهبة وفضلها، برقم (2453)، ومسلم: 4/ 1894، في باب في فضل عائشة - رضي الله عنها -، من كتاب فضائل الصحابة - رضي الله عنهم -، برقم (2445). (¬5) في (ح): (لاضره). (¬6) في (ح): (لتخدمه). (¬7) في (ح): (بطيئة).

وإن أراد السفر بواحدة فكرهت، أجبرت، إلا أن يكون سفرًا يدركها فيه مشقة، أو تدركها فيه معرة. وإذا انقضت أيام الابتناء، أو أفاق الآخر من مرضه، أو قدم من سفره لم يحاسب بالماضى. واختلف في المستقبل هل يبتدئ بغير من كان عندها أو (¬1) كانت معه، أو (¬2) يكون بالخيار، يبتدئ بأيهما أحب (¬3)؟ ويجري فيها قول ثالث أن تكون قرعة بين من سواها (¬4). وأرى أن يبتدئ بغيرها، ثم بالتي كان لها الحق قبل الابتناء والمرض والسفر، ثم يكون عند من كان عندها، مريضًا أو في السفر آخرهن. وإن اختلط عليه كيف (¬5) كانت التبدئة (¬6) بينهن لطول المرض، أو السفر، أقرع بينهن خاصة، ثم كانت مع (¬7) من كان عندها أو معها في السفر (¬8) آخرهن. وإن سافرت إحدى نسائه جاز له أن يصيب الباقية. قال مالك في المبسوط: وإن قالت له (¬9): أحرم عليك أن تأتي صاحبتي في يومي، أو تبيت عندها في ليلتي، لم يحرم ذلك عليه، وهي تركت يومها حين خرجت. وقال أيضًا: إن كان بينهما ميل، قريب من ذلك- فلا يصيبها (¬10) في يوم الأخرى. وإن كان سفرًا بعيدًا فلا بأس. ¬

_ (¬1) في (ح): (أم). (¬2) في (ح): (أم). (¬3) في (ح): (شاء). (¬4) قوله: (من سواها) يقابله في (ح): (نسائه). (¬5) قوله: (ان عندها؛ مريضًا أو في السفر آخرهن. وإن اختلط عليه كيف) ساقط من (ح). (¬6) في (ب): (البداية). (¬7) قوله: (مع) زيادة من (ح). (¬8) قوله: (في السفر) زيادة من (ح). (¬9) قوله: (له) ساقط من (ت). (¬10) في (ت): (يمسها).

فصل [في ترك العدل بين الزوجات]

ومحمل جواب مالك على قوله المتقدم فيمن أغلقت الباب دونه أن له أن يمضى إلى صاحبتها، وليس ذلك له (¬1) على قول ابن القاسم: إذا حرمت (¬2) عليه، إلا أن تطول الغيبة، ويدركها (¬3) الضرر. فصل [في ترك العدل بين الزوجات] عدم العدل على وجهين: فإن ذهب بيوم (¬4) إحداهما، ولم يمض إلى الأخرى لم يكن لمن ذهب يومها (¬5) أن تحاسب بتلك الأيام؛ لأنها لو حوسبت بها لكانت قد أخذت ذلك من يوم صاحبتها، وهي لم يصل إليها إلا حقها. وإن كان تلك الأيام عند الأخرى برضاها كان في المسألة قولان، فقيل: لا محاسبة لها، ويستأنف العدل. وقال في السليمانية في رجل له أربع نسوة، فأقام عند إحدإهن شهرين، ورأى أن يدور على البواقي، فقالت التي أقام عندها شهرين: لا تزيد على ليلة ليلة. فقال: أقيم عندهن كما أقمت عندك ستة أشهر، وحلف ألا يطأها ستة أشهر حتى يوفهن (¬6) ما أقام عندها. قال: ليس في هذا إيلاء؛ لأنه لم يرد الضرر، وإنما أراد العدل، فأجاز المحاسبة بالماضي. وهو أحسن. ¬

_ (¬1) في (ت): (لها). (¬2) في (ت): (خرجت). (¬3) في (ب) و (ت) و (ش 1): (ويدركه). (¬4) في (ب): (يوم). (¬5) في (ح): (بيومها). (¬6) (ح): (يوفيَهن).

فصل [في هبة المرأة يومها لضرتها]

فصل [في هبة المرأة يومها لضرتها] هبة المرأة يومها جائز، إلا أن يأبى الزوج؛ لأن له حقًّا في الاستمتاع بها. وهبتها على ثلاث (¬1) أوجه: فإن أسقطت يومها ولم تخص به أحدًا، عاد القسم أثلاثًا. وإن خصت به واحدة- كان لها، وبقي القسم أرباعًا. وقد وَهَبَتْ سودةُ يومها لعَائشةَ (¬2) فكان لها يومان. وقال بعض أهل العلم: إن وهبته للزوج كان بالخيار، بين أن يسقط حقه فيه (¬3) ويكون القسم أثلاثًا، أو يخص به واحدة ويكون أرباعًا. وإن رجعت في هبتها كان ذلك لها، وسواء كانت الهبة مقيدة بوقت أو للأبد؛ لأن ذلك مما يدركها فيه الغيرة، ولا تقدر على الوفاء بما وهبت إلا أن يكون اليوم أو اليومين. واختلف في بيعها اليوم وشبهه، فقال مالك في كتاب محمد: لا أحب أن تشتري (¬4) من صاحبتها يومًا ولا شهرًا، وأرجو أن يكون في ليلة خفيفًا، قيل له: فإن أرضى إحدى امرأتيه بشيء أعطاها ليومها، ليكون فيه عند الأخرى، فقال: إن الناس ليفعلون ذلك، وغيره أحب إلي، كان أذنت له أن يطأ الأخرى في يومها فلا بأس (¬5). ¬

_ (¬1) في (ح): (ثلاثة). (¬2) أخرجه البخاري: 2/ 916، في باب هبة المرأة لغير زوجها وعتقها إذا كان لها زوج فهو جائز إذا لم تكن سفيهة فإذا كانت سفيهة لم يجز، من كتاب في الهبة وفضلها، برقم (2453)، وأخرجه مسلم: 2/ 1085، في باب جواز هبتها نوبتها لضرتها، من كتاب الرضاع، برقم (1463). (¬3) قوله: (فيه) ساقط من (ب). (¬4) قوله: (أحب أن تشتري) يقابله في (ت): (يجوز أن تبيع). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 614، 615.

فصل [في حق الزوجات في السكنى]

ومحمل قوله في التفرقة بين القليل والكثير: لما كانت لا تقدر على الوفاء فيما طالت مدته. وليس للأمة أن تسقط حقها في القسم إلا بإذن سيدها، وكذلك العزل، لحقه في الولد، إلا أن تكون غير بالغ أو يائسة (¬1)، أو حاملًا فأسقطت حقها ما دامت حاملًا، فلا قول لسيدها واستحسن إذا أصابها مرة وأنزل أن لها أن تسقط حقها في القسم ما بينها وبين الطهر. فصل [في حق الزوجات في السكنى] وعلى الزوج أن يُسْكِنَ كل امرأة بيتًا (¬2)، وأن يأتيهن في بيوتهن، وليس عليهن أن يأتينَه. وقد "كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ" (¬3). ولا يصيب الرجل زوجته ولا أَمَتَهُ ومعه أحد في البيت كبيرًا ولا صغيرًا، يقظان أو نائمًا (¬4) (¬5). ويختلف في جمع الحرتين في فراش واحد من غير وطء برضاهن، فمنعه مالك في كتاب محمد، وكرهه ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (أو يائسة) يقابله في (ت): (أو نفساء)، وفي (ح): (أو يئست). (¬2) في (ب): (بيتها). (¬3) هو ما أخرجه الشيخان من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَدُورُ عَلَى نِسَائِهَ فِي السَّاعَةِ الوَاحِدَةِ مِنَ اللَّيْل وَالنَّهَارِ وَهُنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسٍ: أَوَ كَانَ يُطِيقُهُ؟ قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ أُعْطِيَ قُوَّةَ ثَلَاثِينَ". قال سعيد عن قتادة: إنَّ أنسًا حدَّثهم تسع نسوة. أخرجه البخاري: 1/ 104، في باب إذا جامع ثم عاد، ومن دار على نسائِهَ في غسل واحد، من كتاب الغسل، برقم (264)، ومسلم في باب الطيب للمحرم عند الإحرام، من كتاب الحج، برقم (1192). (¬4) في (ب) و (ت) و (ش 1): (كبيرًا أو صغيرًا، يقظان أو نائم). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 612، وعزاه لابن الماجشون من كلام ابن حبيب. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 612.

واختلف في الإماء بالمنع والكراهية والجواز، فمنعه مالك في كتاب محمد مرة (¬1) وكرهه أخرى. وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: لا بأس به في الأمتين (¬2) بخلاف الحرتين (¬3). ولا فرق بين المسألتين (¬4)، فيما يتعلق به من حق الله سبحانه، وإنما يفترقان فيما يكون من حقهما، وأن ليس ذلك على الحرتين فإن رضيتا استويتا (¬5)، وعاد الأمر إلى ما يتعلق من حق الله سبحانه. فإما أن يجاز ذلك في الحرائر والإماء، أو يمنع، والمنع أصوب؛ لأن ذلك يؤدي مع الانبساط والتمادي إلى ما وراءه من التساهل في الوطء، فيصيب إحداهما بحضرة الأخرى. تم كتاب النكاح الثاني والحمد لله حق حمده ¬

_ (¬1) قوله: (مرة) ساقط من (ح). (¬2) قوله: (في الأمتين) ساقط من (ب) و (ح). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 613. (¬4) في (ب): (المسلمتين). (¬5) قوله: (فإن رضيتا استويتا) يقابله في (ح): (فإن رضيا استويا).

كتاب النكاح الثالث

كتاب النكاح الثالث النسخ المقابل عليها 1 - (ب) = نسخة برلين رقم (3144) 2 - (ح) = نسخة الحسنية رقم (12929) 3 - (ش 1) = نسخة الشيخ أبّا - النباغية (شنقيط)

باب في نكاح الحرتين أو الحرة والأمة في عقد

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلى الله على سيدنا محمد (¬1) كتاب النكاح الثالث باب في نكاح الحرتين أو الحرة والأمة في عقد نكاح المرأتين في عقد واحد جائز إذا سمى لكل واحدة صداقها (¬2). واختلف إذا لم يسم، فقال ابن القاسم: لا يجوز ذلك، قيل له: فإن طلق، أو مات قبل الدخول، أيقسم المسمى على قدر مهورهما. فقال: لا أرى أن يجوز، إلا أن يكون سمى لكل واحدة صداقها (¬3). وقال ابن دينار وابن نافع (¬4) وأصبغ: يجوز، وتفض التسمية على قدر مهورهما. وهو أحسن؛ لأن القصد في النكاح المكارمة. وقد اختلف قول ابن القاسم في جمع السلعتين لمالكين في البيع (¬5)، وهو في النكاح أخف، فإن سمَّى لكل واحدة صداقها، ولم يكن نكاح إحداهما بشرط الآخر- جاز. ¬

_ (¬1) قوله: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلى الله على سيدنا محمد) ساقط من (ح). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 193. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 193. (¬4) قوله: (وابن نافع) ساقط من (ح). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 200، 201.

فصل [نكاح الحرة والأمة في عقد]

وإن شرط ألا أتزوج هذه بمائة إلا أن تزوجني الأخرى نفسها بمائة أو بخمسين، فإن كان صداق المثل فيهما على الانفراد مثل ذلك- جاز. وإن كان مختلفًا وتزوجهما على أنه متى طلق إحداهما قبل الدخول كان لها نصف التسمية- كان فاسدًا، وكذلك إن عقدا بيعًا على هذه الصفة. وإن شرطا أن تفض جميع (¬1) التسمية عند الطلاق على صداقي المثل- كان النكاح والبيع في الجواز على ما تقدم إذا لم يسم لكل واحدة صداقها، وإن أصدقهما (¬2) ستين دينارًا، على أن يكونا فيها (¬3) بالسواء، وكان صداق المثل في إحداهما أربعين، وللأخرى (¬4) عشرين، ثم طلق التي صداقها (¬5) عشرون قبل الدخول- رجع عليها بعشرف وبقي بيدها عشرون، عشرة منها هبة لصاحبتها، وإن طلق الأخرى أخذ منها خمسة عشر، ومن صاحبتها خمسة (¬6)، تمام العشرين. فصل [نكاح الحرة والأمة في عقد] وإن تزوج حرة وأمة في عقد- جاز نكاح الحرة (¬7)، وينقسم نكاح الأمة على أربعة أقسام: فتارة يجوز، وتارة يمنع لما يتعلق به من حق لله تعالى، وتارة يمنع لِحقِّ ¬

_ (¬1) قوله: (جميع) ساقط من (ح). (¬2) في (ب): (وإن أصدقها). (¬3) في (ش 1): (فيهما). (¬4) في (ش 1): (وعلى الأخرى). (¬5) في (ش 1): (عليها). (¬6) قوله: (ومن صاحبتها خمسة) ساقط من (ح). (¬7) انظر: المدونة: 2/ 193.

الزوجة (¬1)، وتارة يمنع لِحَقِّ الله -عز وجل- وحق الزوجة. فإن كانت الحرة عالمة أن التي عقدت معها أمة، والزوج (¬2) لا يكتفي بحرة، ولا يجد طولًا لأخرى- جاز نكاح الأمة، إلا ما ذكره محمد عن مالك أن الحرة تكون عند الرجل طولًا يمنعه نكاح الأمة (¬3). وإن كانت الحرة غير (¬4) عالمة أنها أمة (¬5)، والزوج ممن يكتفي بالحرة أو يجد الطول لأخرى- كان نكاح الأمة فاسدًا لحق الله تعالى. وإن كانت الحرة غير عالمة أنها أمة، والزوج (¬6) ممن يجوز له نكاح الأمة للشروط التي تقدمت، تعلق بالمسألة حق للزوجة. وإن كانت غير عالمة، والزوج ممن يكتفي بحرة، أو يجد طولًا لأخرى (¬7) - تعلق بالمسألة الحقان جميعًا. فإن أسقطت الزوجة حقها فُسِخَ لِحَقِّ الله تعالى. واختلف إذا كان الحق للزوجة خاصة (¬8)، هل يكون لها الخيار في نفسها فتقيم (¬9) أو تفارق، أو في الأمة؟ ¬

_ (¬1) قوله: (وتارة يمنع لِحَقِّ الزوجة) ساقط من (ش 1). (¬2) زاد بعده في (ح) و (س) و (ش 1): (مما). (¬3) قوله: (الأمة) ساقط من (ب). وانظر: النوادر والزيادات: 4/ 519. (¬4) قوله: (غير) ساقط من (ح). (¬5) قوله: (أنها أمة) ساقط من (ح). (¬6) قوله: (ممن يكتفي بالحرة أو يجد. . . غير عالمة أنها أمة، والزوج) ساقط من (ش 1). (¬7) في (ش 1): (لحرة). (¬8) قوله: (خاصة) ساقط من (ش 1). (¬9) في (ش 1): (فيسلم).

فذكر ابن القاسم في ذلك قولين (¬1). وأرى ألا يكون لها خيار في نفسها، ولا في الأمة، وأن يبتدئ بخيار الزوج، فإن فارق الأمة، سقط خيار الحرة، وإن أحب، تمسك بالأمة، وقال للحرة: إن شئت أقمت على ذلك، وإن شئت فارقتك. وإذا كان نكاح الأمة فاسدًا- صح نكاح (¬2) الحرة، وهذا هو الصحيح من المذهب. وإن كان العقد واحدًا فهو كعقدين؛ لأن الملك يفترق، فلا يفسخ صحيح هذا لفساد (¬3) الآخر. وقال سحنون: يفسخ جميع العقد. وقال ابن القاسم في الذي تزوج امرأة وابنتها في عقد واحد، والأم ذات زوج، فقال: لا يجوز؛ لأنها صفقة جمعت حلالًا وحرامًا (¬4). وأن كانت الأمة ملكًا للحرة- فسد (¬5) جميع العقد على المشهور من المذهب (¬6)؛ لأنه يصير (¬7) صفقة جمعت حلالًا وحرامًا لمالك واحد. وقيل: يفسخ ما يخصه الفساد (¬8) وحده. وقد ذكر ذلك في "كتاب العيوب". ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 77. (¬2) قوله: (الأمة فاسدًا- صح نكاح) ساقط من (ح). (¬3) قوله: (هذا لفساد) يقابله في (ح): (بهذا الفاسد في ملك). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 194. (¬5) في (ب) (فسخ). (¬6) قوله: (من المذهب) ساقط من (ب). (¬7) في (ب): (نظير). (¬8) قوله: (يخصه الفساد) يقابله في (ب): (يخص الواحد).

باب فيمن يحرم من النساء إلى الأبد وفي وقت دون وقت

باب فيمن يحرم من النساء إلى الأبد وفي وقت دون وقت المحرمات من النساء بالقرآن تسع عشرة: سبع بالنسب وهي: الأم، والابنة، والأخت، والعمة، والخالة، وبنت الأخ، وبنت الأخت. واثنتان بالرضاع، وهما: الأم، والأخت. وأربع بالصهر: زوجة الأب، وزوجة الابن، وأم الزوجة، والربيبة إذا دخل بأمها. وواحدة من طريق الجمع، وهي الأخت على الأخت. وذات الزوج حتى تُطلَّق، لقوله الله سبحانه: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24]. والمعتدة لقوله: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235]. والمطلقة ثلاثًا، لقوله الله سبحانه: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]. والخامسة. والمشركة لقوله: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221]. واختلف في الأَمة المؤمنة، فقيل: هي (¬1) محُرمَةٌ إلا بوجود شرطين، حسب ما في سورة النساء. وقيل حلال؛ لعموم آية النور. وقد تقدم ذلك في الكتاب ¬

_ (¬1) قوله: (هي) ساقط من (ح).

الأول (¬1). وجاءت السنة بتحريم اثنتين من طريق الجمع: العمة، وبنت (¬2) الأخ، والخالة، وبنت الأخت. فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يُجْمَعُ بينَ المَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَلاَ بَيْنَ المَرْأَةِ وَخَالَتِهَا" أخرجه البخاري ومسلم (¬3). وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى أن يجمع بين عمتين، أو بين (¬4) خالتين (¬5). وثبت عنه أنه قال: "يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ" (¬6). ولا خلاف أن التحريم ليس بمقصور على أعيان هؤلاء الأربع عشرة المسميات في القرآن، وأن المراد ما وقع عليه اسم أبوة أو أمومة (¬7) أو بنوة، تحقيقًا أو مجازًا. وأن زوجة الجد للأب (¬8) والجد للأم محرمة، وداخلة في قوله سبحانه: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22]. وكذلك ما ¬

_ (¬1) انظر ذلك في فصل: فيمن عدم الطَّول وخشي العنت. من كتاب النكاح الأول. (¬2) في (ش 1): (وابنة). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري: 5/ 1965، في باب لا تنكح المرأة على عمتها، من كتاب النكاح، برقم (4820)، ومسلم في باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، من كتاب النكاح: 2/ 1028، برقم (1408). (¬4) قوله: (بين) ساقط من (ب). (¬5) (ضعيف) أخرجه أبو داود: 1/ 630، في باب ما يكره أن يجمع بينهن من النساء، من كتاب النكاح، برقم (2067) (¬6) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 936، في باب الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض والموت القديم، من كتاب الشهادات، برقم (2503)، ومسلم 2/ 1068، في باب تحريم الرضاعة من ماء الفحل، من كتاب الرضاع، برقم (1444). (¬7) قوله: (أو أمومة) ساقط من (ش 1). (¬8) في (ب): (والأب).

علا من الأجداد للآباء (¬1)، والأمهات، وأن زوجة ابن الابن، وابن البنت مُحَرَّمَةٌ وإن سفلت البنوة؛ لقوله تعالى: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ} [النساء: 23]. وأن جداته وجدات (¬2) أبيه، وجدات أمه محرمات وإن علون؛ لقوله سبحانه: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ}. وأن بنات بنيه، وبنات بناته مُحَرَّمَاتٌ، وإن (¬3) سفلن بقوله تعالى: {وَبَنَاتُكُمْ}. وتحرم عمة الأب (¬4) وخالته؛ لأن عمة الأب أخت جده لأبيه (¬5)، والجد أبٌ، وأخته عمة، وخالة الأب (¬6) أخت جدته لأمه (¬7)، والجدة أم، وأختها خالة، وعمة الأم وخالتها؛ لأن عمة الأم أخت جدها لأمها، فجدها أب وأخته عمة، (¬8)، وخالة أمها أخت جدته والجدة أم وأختها خالة، وعمة العمة عمة الأب (¬9)، وخالة العمة خالة الأب، وخالة الخالة خالة الأم، وعمة الخالة عمة الأم. وكل هؤلاء داخلات في قوله سبحانه: {وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ}. وكذلك ¬

_ (¬1) في (ب): (والآباء). (¬2) في (ب): (وجدته). (¬3) قوله: (علون؛ لقوله سبحانه: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ}. وأن بنات بنيه، وبنات بناته مُحَرَّمَاتٌ، وإن) ساقط من (ح). (¬4) قوله: (وتحرم عمة الأب) زيادة من (ش 1). (¬5) قوله: (وخالته؛ لأن عمة الأب أخت جده لأبيه) ساقط من (ب) (¬6) في (ش 1): (أمها). (¬7) قوله: (لأمه) ساقط من (ش 1). (¬8) قوله: (وخالة الأب أخت جدته لأمه، والجدة أم وأختها خالة، وعمة الأم وخالتها؛ لأن عمة الأم أخت جدها لأمها، فجدها أبي وأخته عمة،) ساقط من (ب) (¬9) قوله: (وعمة الأم وخالتها؛ لأن عمة. . . وعمة العمة عمة الأب) ساقط من (ش 1).

في (¬1) قوله تعالى: {وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ} يدخل فيه بنات بني الأخ، وبنات بني الأخت، وبنات بنيهما (¬2) وإن سفلن، كل هؤلاء يدخلن في البنوة. وكذلك قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} يدخل فيهن جدات زوجته، وجدات (¬3) أمها من قِبَلِ أبيها وأمها. ويدخل في قوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ} بنت بنت زوجته، وبنت ابنها (¬4)، وكل من ينتسب إليها بالبنوة وإن سفلن. وكل أم حرمت من النسب- حرمت أختها، وكل أخت حرمت- لا تحرم أختها، إذا لم تكن أختًا له، فقد يتزوج الرجل المرأة، ولكل واحد منهما ولد ثم يُقَدَّرُ بينهما ولد، فلا بأس أن يزوج ولده من غيرها ابنتها من غيره، وولده منها أخ لهما. وكل عمة حرمت لا تحرم أختها إذا لم تكن أخت أبيه، ولا أخت جده. وكل خالة حرمت لا تحرم أختها إذا لم تكن أختًا لأمه (¬5)، ولا أختًا لجده؛ لأن كل هؤلاء راجع إلى أخت الأخ وأخت الأخت، فلم تحرم أخت العمة إذا لم تكن عمة له؛ لأنها لا تحرم على أبيه؛ لأنها أخت أخته. ولم تحرم أخت الخالة إذا لم تكن خالة؛ لأن أمه لو كانت ذكرًا لم تحرم عليه. وكذلك الجمع بين الأختين، لا بأس أن يجمع بين المرأة وأخت (¬6) أختها إذا لم تكن أختًا لزوجته. ¬

_ (¬1) قوله: (في) ساقط من (ش 1). (¬2) في (ش 1): (بينها). (¬3) قوله: (زوجته، وجدات) ساقط من (ح). (¬4) في (ح): (أبيها). (¬5) في (ش 1): (إذا لم تكن أخت أبيه). (¬6) قوله: (أخت) ساقط من (ب).

وقال ابن حبيب: لا يجمع بين المرأة وعمة أبيها، وخالة أبيها، أو خالة أمها (¬1) ولا بين المرأة وخالة خالتها. وأما عمة خالتها فإن كانت الخالة أخت أمها لأبيها فعمتها عمة أمها؛ فلا يجوز (¬2)، وإن كانت أختًا لأمها (¬3) جاز لأنها أجنبية. وخالة عمتها إن كانت أم العمة أم الأب كالخالة، فلا يجوز وإن كانت أمها غير أم الأب جاز وهي أجنبية (¬4) (¬5). وقد عقد مالك -رحمه الله- هذا المعنى، فقال: كل امرأتين بينهما نسب لو كان أحدهما (¬6) رجلًا، لم يجز له (¬7) أن يتزوج الأخرى، فلا يجمع بينهما وإن جاز أن يتزوجها (¬8) جاز الجمع. ولا بأس (¬9) أن يجمع (¬10) بين المرأة وربيبتها (¬11)، وقد تزوج عبد الله بن ¬

_ (¬1) قوله: (أو خالة أمها) زيادة من (ب). (¬2) في (ش 1): (فتحرم). (¬3) في (ش 1): (وإن كانت أختها). (¬4) قوله: (وخالة. . . جاز وهي أجنبية) ساقط من (ش 1). (¬5) قوله: (وأما عمة خالتها. . . وهي أجنبية) يقابله في (ت): (فأما خالة عمتها، فإن كانت العمة أخت أبيها لأمه أو لأبيه وأمه، فهذا حرام. وإن كانت العمة أخت أبيها لأبيه فخالتها أجنبية من هذه الصبية. وأما عمة خالتها، فكان كانت الخالة أختًا- أمها لأبيها، فعمتها عمة أمها، فهي تحرم، وإن كانت خالتها أخت أمها لأبيها دون أمها فذلك جائز؛ لأنها أجنبية). وانظر: النوادر والزيادات: 4/ 516. (¬6) في (ش 1): (لو كانت إحداهما). (¬7) قوله: (له) ساقط من (ش 1). (¬8) في (ش 1): (يتزوجا). (¬9) قوله: (الجمع، ولا بأس) ساقط من (ش 1). (¬10) قوله: (أن يجمع) ساقط من (ح). (¬11) انظر: المدونة: 4/ 515.

فصل [في تحريم المصاهرة بالعقد دون الدخول]

جعفر زوجة علي وابنته (¬1) من غيرها (¬2). وقيل في العمتين: هو أن تكون كل واحدة عمة الأخرى، وذلك أن يتزوج الرجلان كل واحد أم الآخر، فيولد لهما ابنتان؛ فابنة كل واحد عمة الأخرى. والخالتان: أن يتزوج كل واحد ابنة الآخر فيولد لهما ابنتان (¬3)، فابنة كل واحد خالة الأخرى. فصل [في تحريم المصاهرة بالعقد دون الدخول] وتُحَرَّمُ بالمصاهرة بالعقد دون الدخول: زوجة الابن وزوجة الأب: فزوجة الابن لقوله سبحانه: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ} فهي بالعقد تسمى حليلة. وزوجة الأب لقوله سبحانه: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} فلا خلاف أن المراد بذلك العقد، لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [الأحزاب: 49] فسمى العقد نكاحًا، وإن كان النكاح يقع على الدخول فقد انعقد الإجماع (¬4) في زوجة الأب (¬5) أن المراد العقد، ولا تحرم الربيبة إلا بالدخول بالأم؛ لقول الله -عز وجل-: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا ¬

_ (¬1) في (ح): (وربيبتها). (¬2) أخرجه البخاري معلقًا: 5/ 1962، باب ما يحل من النساء وما يحرم، من كتاب النكاح. (¬3) قوله: (فيولد لهما ابنتان) ساقط من (ش 1). (¬4) في (ب): (النكاح). (¬5) زاد بعده في (ش 1): (على).

فصل [العقد الصحيح والمحرم وما يلزم على كليهما]

دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}. واختلف في تحريم الأم بالعقد على الربيبة من غير دخول، فأجمع مالك وغيره من فقهاء الأمصار أن العقد يحرم، وبه قال فيمن تقدم. وروي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وابن الزبير أنها (¬1) لا تحرم إلا بالدخول. وقال زيد بن ثابت: إن طلق قبل أن يدخل، حلت، وإن ماتت لم تحل أمها. فصل [العقد الصحيح والمحرم وما يلزم على كليهما] العقد يحرِّم إذا كان صحيحًا، فإن كان حرامًا مجمعًا على تحريمه- لم يحرِّم، وهذا هو الصحيح من المذهب. ووقع في بعض المسائل في هذا الأصل اختلاف. ويختلف إذا كان مختلفًا في فساده، فالمشهور أن التحريم يقع. قال الشيخ: (¬2) وأرى أن يكون ذلك مبنيًّا على ذلك الاختلاف، فمن قال بصحته، أوقع به الحرمة. ومن قال بفساده، ولم يوقع به طلاقًا ولا ميراثًا، لم تكن له حرمة، إلا أن يكون ذلك على وجه الحماية والاحتياط. وهذا عقد هذا الباب. فإن تزوج رجل امرأة نكاحًا صحيحًا، ثم طلقها قبل الدخول- لم تحل له أمها. وإن تزوج ابنتها والأم في عصمته- فُرِّقَ بينه وبين الابنة بغير طلاق، ولم يفسد نكاح الأم بعقد البنت؛ لأنه مجمع على فساده، إلا أن يدخل. واختلف إذا جمعهما في عقد وفسخ قبل الدخول، فقال ابن القاسم: يتزوج أيتهما أحب. وقال غيره: لا يتزوج الأم، للشبهة التي (¬3) في البنت. ¬

_ (¬1) في (ش 1): (أنهما قالا). (¬2) قوله: (قال الشيخ) زيادة من (ح. س). (¬3) قوله: (التي) ساقط من (ح).

والأول أحسن، ولو حرمت الأم إذا تزوجهما (¬1) معًا، لحرمت إذا عقد نكاحها قبل، ثم تزوج ابنتها عليها؛ لأن كلاهما عليه (¬2) حرام بإجماع. وكذلك التي في "الكتاب الأول" في الذي تزوج امرأة فلم يدخل بها حتى تزوج ابنتها. فقول مالك وابن القاسم في ذلك: أن الابنة لا تحرم على ابنه ولا على أبيه (¬3). وقال غيرهما (¬4): لا يجوز لابنه أن يتزوجها لشبهة عقد أبيه، فمنع أن يبتدئ ابنه نكاحها (¬5). وقال في أول الجواب: لا يجوز، وفي آخره: يمنع أن يبتدئه (¬6). وهذا الموضع الذي يعول عليه من قوله أنَّه لا يبتدئه (¬7). فإن نزل مضى، ولو فسخ نكاح الأب أو الابن لها (¬8)، لحرمت (¬9) الأم التي تحته عليه؛ لأن عقد الابنة يحرم الأم. وقال ابن القاسم: إن تزوج الأم والبنت في عقد واحد، والأم ذات زوج، فسخ الجميع؛ لأنها صفقة جمعت حلالًا وحرامًا (¬10). ¬

_ (¬1) في (ش 1): (تزوجا). (¬2) قوله: (عليه) ساقط من (ح). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 194. (¬4) في (ب): (وقال المغيرة). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 123. (¬6) في (ب): (يبتدئ به). (¬7) في (ب): (يبتدئ به). (¬8) قوله: (لها) ساقط من (ح). (¬9) في (ح) و (ش 1): (الحرمة). (¬10) انظر: المدونة: 2/ 194.

فصل [في اختلاف التحريم بالعقد والوطء]

والقول: إن نكاح البنت ثابت أحسن؛ لأنها صفقة جمعت حلالًا وحرامًا لمالكين، فلا يؤثر حرامٌ في ملك آخر. وقد تقدم ذلك في نكاح الحرة والأمة في عقد. فصل [في اختلاف التحريم بالعقد والوطء] وما كانت الحرمة تقع فيه بالوطء، ولا يحرم بالعقد؛ فإنه (¬1) يحرم إذا كان النكاح صحيحًا والوطء جائز، ويحرم إذا كان النكاح صحيحًا والوطء (¬2) فاسد إذا أصابها وهي (¬3) حائض أو معتكفة أو محرمة أو صائمة في رمضان، أو كان الزوج محرمًا أو معتكفًا أو صائمًا في رمضان، وكذلك إذا كان العقد فاسدًا، والوطء مما يلحق فيه النسب مثل أن يتزوج بولاية الإسلام أو باشرت العقد من غير ولي (¬4)، فكل هذا تقع به الحرمة على الأب والابن، ويحرم (¬5) على ذلك الزوج ابنة تلك الزوجة؛ لأن دخوله بالأم كالصحيح، إما لأنه لا يفسخ، أو لأنه يلحق فيه النسب وإن فسخ. وإن تزوج البنت فلم يدخل (¬6) بها حتى تزوج الأم ودخل بها، فإن لم يعلم ¬

_ (¬1) في (ب): (لم) وأشار لما هو مثبت. (¬2) قوله: (جائز، ويحرم إذا كان النكاح صحيحًا والوطء) ساقط من (ش 1). (¬3) في (ب): (أصابها لا وهي). (¬4) قوله: (أو باشرت العقد من غير ولي) ساقط من (ش 1). (¬5) في (ش 1): (على الأب والأم، وتحرم). (¬6) في (ب): (يبن).

أنها أم زوجته أو علم، وجهل التحريم- فسخ نكاحها، وحرمت للأبد. وإن علم الوجهين جميعًا كان زنىً. وقد اختُلف في وقوع الحرمة بالزنا: فقال مالك في "الموطأ" فيمن زنا بامرأة: له أن ينكح ابنتها، وينكحها ابنه إن شاء. قال: وإنما يحرم ما أصيب بالحلال، أو على وجه الحلال (¬1). وقال في "المدونة": يكره ذلك (¬2). وقال في "كتاب ابن حبيب": يحرم. قال: ورجع مالك عما في "الموطأ"، وأفتى دهره حتى مات أنه يحرم. فعلى القول الأول إن زنى بامرأة- لم تحرم على ابنه، ولا على أبيه وإن زنى بها وهي زوجة لابنه (¬3) - جاز أن تبقى في عصمته، ويجوز له هو أن يتزوج أمها أو ابنتها. وإن زنا بها وأمها، وابنتها في عصمته (¬4) - جاز له أن يتمادى على الزوجية. وعلى قوله في "المدونة" يُكرهُ جميع ذلك من غير تحريم، وإن هو تزوج ثم فارق قبل الدخول أو فارق مَنْ كانت تحته بوجه صحيحٍ - كان عليه نصف الصداق. وعلى القول الثالث- يجبر على الفراق، ولا شيء عليه من الصداق إذا كان الزنا قبل النكاح. ¬

_ (¬1) انظر: الموطأ: 2/ 534. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 196، 197. (¬3) في (ب): (لأبيه). (¬4) قوله: (ويجوز له هو أن يتزوج أمها. . . عصمته) ساقط من (ح).

فإن تقدم النكاح (¬1) ثم وطئها الابن أو الأب- سقط الصداق، وإن وطئ هو ابنة زوجته أو أمها- كان الصداق مختلفًا فيه؛ لأن الفراق من سببه، بخلاف أن يكون ذلك من سبب غيره. فرأى مالك مرة أن التحريم مُعَلَّلٌ ألَّا يختبر الرجل وابنه المرأة الواحدة، ولا الرجل الواحد المرأة وابنتها، ذلك يستوي فيه الحلال والحرام. ورأى مرة أنه شرع غَيْرَ مُعَلَّلٍ؛ للاتفاق أن زوجة الابن والأب تحرم بالعقد، فلو كانت العلة اختبارهما للفرج الواحد- لم يقع التحريم إلا بالدخول، وكذلك الرجل الواحد تحرم عليه المرأة بعقده على ابنتها، ولا تحرم ابنتها بالعقد على الأم (¬2)، ولا تحرم إلا بالدخول، فرأى (¬3) بهذا أنه شرع، وأشكل عنده الأمر مرة (¬4) فلم يوقع تحريمها؛ لإمكان أن يكون شرعًا، ولا أباح؛ لإمكان أن يكون معللًا. واختلف في الرجل يريد زوجته في الظلام (¬5) فتقع يده على ابنته فيلتذ بها أو يصيبها، فَذُكِرَ عن الشيخ أبي الحسن والشيخ أبي بكر أنهما قالا: إن زوجته (¬6) - وهي أمها- تحرم عليه، وأنها نزلت بالشيخ أبي محمد بن التبان، ففارق زوجته. وذكر عن الشيخ أبي محمد بن أبي زيد أنه اختلف قوله فيها. وعن الشيخ ¬

_ (¬1) قوله: (فإن تقدم النكاح) ساقط من (ح). (¬2) في (ب) و (ح) و (س): (للأم). (¬3) في (ح) و (ش 1): (فبان). (¬4) قوله: (عنده الأمر مرة) يقابله في (ب) ت (الأمر). (¬5) قوله: (في الظلام) زيادة من (ب). (¬6) قوله: (أنهما قالا أن زوجته) ساقط من (ب).

أبي عمران أنه قال: لا نعلم خلافًا فيمن وطء بوجه شبهة أنها تحرم، إلا بما روى يحيى عن سحنون فيمن مد يده (¬1) إلى زوجته في الليل، فوقعت يده (¬2) على ابنته، فوطئها غلطًا: أنها لا تحرم زوجته عليه. وروى نحو ذلك يزيد بن بشر عن الليث قال: وكان بعض أهل العلم يَقفُون عن إطلاق تحليل أو تحريم، فأما من حَرَّمَ الأم (¬3) به فإنه أجرى الابنة على حكم الربيبة. ومن لم يحرِّم يقول: لأنها ابنته لا ربيبته، وإنما ورد تحريم إحداهما بالأخرى إذا كانت ممن يصح للواطئ انعقاد النكاح فيهما (¬4)؛ الربيبة والأم، وهذه ابنته لا يصح فيها انعقاد نكاح بحال، والتحريم في ذلك غير معلل. وعلى هذا لو غلط بجدته لأمه وعنده ابنة خالته- فتحرم زوجته على القول الأول؛ لأنها عنده من أمهات نسائه، ولا تحرم (¬5) على القول الآخر؛ لأن الجدة لا يقع عليها أنها من نسائه بحال، ولم تكن ممن ينعقد له (¬6) فيها نكاح، فإذا أصابها بوجه شبهة لم يقع على ابنتها- وهي الخالة- اسم ربيبة، فأحرى ألا يقع ذلك على ابنتها، وهي زوجته، ولو أصاب خالته (¬7) بوجه شبهة؛ لم ¬

_ (¬1) في (ح) و (س) و (ب): (يريد). (¬2) قوله: (يد) زيادة من (ب). (¬3) قوله: (الأم) ساقط من (ب). (¬4) في (ش 1): (فيها). (¬5) قوله: (على القول الأول؛ لأنها عنده من أمهات نسائه، ولا تحرم) ساقط من (ش 1). (¬6) قوله: (له) زيادة من (ش 1). (¬7) في (ب) و (ش 1): (خالتها).

تحرم على أبيه؛ لأنها لم تكن ممن ينعقد له (¬1) فيها نكاح (¬2)، فلم تدخل في قوله تعالى: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ}. وقد اختلف قول مالك في هذا الأصل، فقال مرة فيمن زنا بأم (¬3) زوجته، أو بزوجة ابنه، أو أبيه، يقع بها التحريم، فرأى أنه شرع معلل وأن العلة الاختبار لهما، أو منهما لامرأة (¬4) ولم يوقع التحريم مرة. ورأى أنه غير معلل (¬5). ¬

_ (¬1) قوله: (له) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (فإذا أصابها بوجه شبهة لم يقع. . . فيها نكاح) ساقط من (ش 1). (¬3) في (ش 1): (بابنة). (¬4) قوله: (لامرأة) ساقط من (ب). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 197.

باب في التحريم بملك اليمين

باب في التحريم بملك اليمين ومن ملك أَمةً، لم تحرم عليه أمها، ولا تحرم هي على أبيه، ولا على ابنه بمجرد الملك دون المسيس، بخلاف عقد النكاح، فإن أصاب؛ وقع التحريم. وكذلك إن قَبَّلَ أو باشر أو لامس أو تلذذ بالنظر، فإنها تحرم على آبائه وأبنائه، وتحرم عليه أمها. وإذا كان التحريم فيها يقع بعقد النكاح، كان التحريم في ملك اليمين بما ذكرنا أبين، وتحريم الابنة بذلك أبين؛ لأنها تحرم بالعقد، وليس كالأم؛ لأن الله -عز وجل- شرط في التحريم بالأم الدخول، والدخول صفة جرت العادة بها. واختلف إذا وطئ الصغير بملك اليمين أو قبل أو باشر، فقال مالك في "كتاب محمد": إن قبل، أو باشر؛ لم تحرم، إذا كان صغيرًا. وقال ابن حبيب: تحرم إذا بلغ أن يلتذ بالجواري (¬1). وقال مالك (¬2) في "كتاب محمد" في الجارية تقوم على سيدها في مرضه، وتمس ذكره بيدها، أو مرضت هي فقام عليها، واطلع على ذلك منها، فلا يحرمها ذلك على ابنه، ولا على أبيه، إذا لم يكن على وجه اللذة. ولا تخلو الأمة في ملك اليمين من أربعة أوجه: إما أن يعلم الملك ويعترف المالك بالوطء، أو يعرف الملك وينكر ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 507. (¬2) قوله: (مالك) ساقط من (ح).

المالك (¬1) الوطء، أو لا يقر ولا ينكر، أو لا يعلم بالملك (¬2) ويدَّعِي الأب أو الابن أنه مَلَكَ أو أصاب. فإن علم الملك، واعترف بالإصابة، حرمت على الثاني، وسواء اعترف بالوطء وهي في ملكه، أو بعد أن باع. وإن أنكر الإصابة لم تحرم على الثاني. وإن لم يقر، ولا أنكر حتى مات، وصارت إلى الابن، أو الأب- لم تحل. وهذا قول ابن حبيب، وحَمَلَهُ على الإصابة. وهذا يحسن في العلي، وإن كانت من الوخش (¬3) نُدِبَ إلى ألا يصيب، ولم تحرم. وكذلك إن باعها ثم غاب قبل أن يسأل- فإنها تحرم إن كانت من العليِّ. وإن لم يعلم الملك، فلما ملكها الابن، قال الأب: قد كنت ملكتها وأصبتها، فإن كان ممن يوثق به، ولا تهمة قِبَلَهُ فيما بينه وبين ابنه- منع الابن منها. وإن كان ممن لا يوثق بقوله، أو علم أنه قصد بقول ذلك وجهًا- لم يحَل بين الابن وبينها، ويدخل مثل ذلك في النكاح. فإن تزوج الابن امرأة فقال له أبوه: كنت تزوجتها، ولم يُعْلَمْ ذلك إلا من قوله الآن، فإن فارقها الابن- لزمه نصف الصداق، وتحلف الزوجة إن كان الأب ثقة، وإلا لم تحلف. ¬

_ (¬1) قوله: (المالك) زيادة من (ب). (¬2) قوله: (يعلم بالملك) يقابله في (ح): (يقر الملك). (¬3) الوَخْشُ: رذالةُ الناس وصغارهم. انظر: لسان العرب: 6/ 371.

فصل [في اجتماع أم وابنتها عند رجل]

وإن شهد شاهد عدل مع الأب وهو عدل أيضًا- حُكِمَ بالفراق. وفي الصداق نظرٌ، فيصح (¬1) أن يقال: لا يسقط؛ لأنها شهادة للابن بسقوط الصداق عنه، فيمضي في التحريم، ويرد في الصداق، ويحلف الابن مع شهادة الأجنبي، ويصح أن يقال: يمضي في الوجهين جميعًا، ولا ينتقض الحكم؛ لأنها شهادة لله تعالى، وشهادة الأجنبي العدل معه تُضْعِفُ التهمة. فصل [في اجتماع أم وابنتها عند رجل] إن اجتمع عند (¬2) رجل أم وابنتها؛ إحداهما بنكاح، وأخرى بملك يمين- جاز أن يصيب التي بنكاح؛ الأمَّ كانت أو الابنةَ، وتستقر الأخرى على الملك من غير وطء. وإن وطئها انفسخ النكاح في الأخرى، كانت التي بنكاح الأم أو الابنة، فإن كانت التي أصاب بملكٍ الابنةَ، ولم يدخل بالأم- جاز له أن يصيب الابنة بغير استبراء؛ لأنه بوضع اليد عليها على وجه اللذة انفسخ نكاح الأم، فإن وقف حينئذٍ لجاز له بعد ذلك أن يصيبها، وإذا (¬3) جاز له أن يصيبها (¬4) - جاز له التمادي؛ لأنها صارت حلالًا قبل الوطء، وليس كذلك لو كانا نكاحين (¬5)؛ لأنه وإن كان نكاح الأم ينفسخ بوضع اليد على البنت، فإن التمادي غير جائز؛ ¬

_ (¬1) قوله: (فيصح) ساقط من (ب). (¬2) في (ش 1): (مع). (¬3) قوله: (وإذا) ساقط من (ب). (¬4) قوله: (جاز له أن يصيبها) ساقط من (ح) و (س). (¬5) في (ب) و (ح): (لو كان نكاحان).

لأن النكاح في الابنة غير منعقد. فإن كانت الثانية الأم، حَرُمَتَا جميعًا؛ لأن عقد البنت حرم الأم، وإصابة الأم حرمت البنت، إلا أن تتقدم إصابة الأم بالملك فلا تحرم؛ لأن عقد البنت فاسد. وإذا حرمت الأم ولم تحمل- بيعت عليه، خوف أن يعاود مثل ذلك، إلا أن يكون ذلك منه على وجه الجهل، فلا تباع، وإن حملت أعتقت.

باب في الجمع بين الأختين

باب في الجمع بين الأختين ولا يجوز أن يجمع بين الأختين بنكاح، ولا بملك يمين، ولا أن تكون إحداهما بنكاح، والأخرى بملك يمين. فإذا تزوج أختين في عقدين- فسخ نكاح الأخيرة، وثبت نكاح الأولى، وسواء دخل بالثانية أو لم يدخل، بخلاف الأم والبنت؛ فإنَّ دخوله بالأخيرة (¬1) يفسد عقد الأولى، كانت الأخيرة الأم أو البنت. وإن لم يُعلَمِ الأولى من الأختين- فسخ (¬2) النكاحان جميعًا. قال مالك في "كتاب محمد": ولكل واحدة نصف صداقها (¬3). وقال ابن حبيب: فإن مات عنهما، كان لكل واحدة نصف صداقها، والميراث (¬4). وهذا إذا قال الزوج: لا علم عندي، وقالت كل واحدة: أنا الأولى، فاختلف في هذا الأصل، فقيل: لكل واحدة صداقها؛ لأنه لا يدعي كذبها، فإن قِيمَ عليه في الحياة- أعطى كل واحدة نصف صداقها (¬5)، وإن قال: لا علم عندي، ثم لم يطلق حتى مات- كان لكل واحدة جميع المسمى، والميراث بينهما. ¬

_ (¬1) قوله: (بالأخيرة) ساقط من (ح). (¬2) في (ب): (فسد). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 510. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 511. (¬5) قوله: (لأنه لا يدعي كذبها. . . نصف صداقها) ساقط من (ب).

وقيل: عليه نصفٌ واحدٌ في الحياة، وفي الموت صداق واحد كامل (¬1) يقتسمانه، وتحلف كل واحدة لصاحبتها أنها الأولى، فإن حلفت إحداهما، ونكلت الأخرى- كان الصداق لمن حلف منهما. وهو أقيس في هذه، وفي مسألة الوديعة- إذا أوح رجل مائة، فادعاها رجلان، ولم يعلم لمن هي منهما. فالمسألة على سبعة أوجه: فإما أن يقول الزوج: لا علم عندي، وتدعي كل واحدة العلم بأنها الأولى، ولا علم عند جميعهم أيهما الأولى. أو تدعي (¬2) واحدة أنها الأولى، وتقول الأخرى: لا علم عندي. أو يدعي الزوج العلم دونهما، وتقول كل واحدة: لا علم عندي. أو تخالفه كل واحدة منهما وتقول (¬3): بل أنا الأولى، أو تخالفه (¬4) إحداهما، وتقول الأخرى: لا علم عندي. أو لا (¬5) يكون عند جميعهم علم. وقد تقدم الجواب إذا قال الزوج: لا علم عندي، وادعت كل واحدة منهما أنها الأولى. وإن ادعت إحداهما العلم، وقالت الأخرى: لا علم عندي- حلفت التي ¬

_ (¬1) قوله: (كامل) ساقط من (ب). (¬2) زاد في (ب) و (ح): (كل). (¬3) قوله: (وتقول) زيادة من (ش 1). (¬4) في (ح) و (ش 1): (وتخالفها). (¬5) قوله: (لا) ساقط من (ب).

ادعت العلم واستحقت النصف، ولا شيء للأخرى، فإن نكلت اقتسماه. وإن ادَّعى الزوج وحده العلم- غرم للتي اعترف لها نصف (¬1) صداقها، وأحلف للأخرى وبرئ، فإن نكل؛ غرم لها نصف صداقها. وإن ادَّعى جميعهم العلم -الزوج والأختان- كان الجواب كالتي قبلها، تأخذ التي أقر لها بغير يمين، ويحلف الزوج للأخرى ويبرأ، فإن نكل حلفت التي أنكرها واستحقت، وإنما تخالف هذه التي قبلها في رد اليمين. فإن ادَّعى الزوج الجهل بالأولى- فسخ النكاحان جميعًا، ولا ينظر إلى ما عند الأختين من علم أو جهل. ويختلف إذا ادعى الزوج (¬2) المعرفة، وقال هذه الأولى، فقال محمد: يصدق، ويفارق التي قال: إنها الآخرة (¬3). وعلى أصل المدونة: لا يصدق، ويفسخ النكاحان جميعًا، كالمرأة يتزوجها رجلان، ولا يعلم الأول، وتقول المرأة هذا الأول. وأرى أن يُصدَّقَ أن هذه الأولى؛ لأن المنع يبيحها للآخر بالشك، فكان بقاؤها مع من يدعي التحقيق أنها الأولى أحسن، إلا أن يكون دليل تهمة، مثل أن يَدَّعِي ذات الجمال واليسار، فيتهم في تقدمتها؛ لأن الغالب إذا تقدم نكاح الموسرة الجميلة لا يتزوج (¬4) الأخرى إلا بسبب. وإن شهدت البينة عليه بالنكاحين أقر بإحداهما وكذب الأخرى- يفسخ ¬

_ (¬1) قوله: (نصف) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (الزوج) زيادة من (ش 1). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 512. (¬4) في (ب) و (ح): (تتزوج).

فصل [في الجمع بين الأختين بملك اليمين]

النكاحان، بخلاف التي قبل؛ لأنه إذا أقر بالنكاحين وادَّعى المعرفة بإحداهما- صُدِّقَ؛ لأنه لا بد أن يكون إحداهما دون الأخرى، بخلاف أن ينكر؛ لأن التي أنكرها يمكن أن تكون هي الأولى. فصل [في الجمع بين الأختين بملك اليمين] ولا بأس أن يجمع بين الأختين في ملك اليمين من غير وطء، وأن يطأ إحداهما، والأخرى في ملكه، ويؤتمن على ألا يصيب الأخرى، فإن وطئ إحداهما لم يطأ الثانية، إلا أن يحرم الأولي. فإن فعل فوطئ قبل أن يحرم الأولى، وُقِفَ عنهما حتى يحرّم إحداهما، فإن حرم الثانية؛ بقي على وطء الأولى، وإن حرم الأولى، لم يصب الثانية إلا أن يستبرئها، وإن عاود الأولى قبل أن يحرم الثانية، وقف عنهما، وأيتهما حرم (¬1)، لم يصب الباقية إلا بعد الاستبراء. والتحليل يكون من وجوهٍ بالبيع الصحيح، والخروج من الاستبراء، ولا يصيب التي لم يبع قبل استبراء المبيعة، لإمكان أن تكون حاملًا فينقض فيها البيع، وتكون أم ولد. وتحرم بالبيع الفاسد إذا خرجت من الاستبراء ثم فاتت بعد ذلك بحوالة الأسواق فما فوق، فإن لم تخرج من الاستبراء أو خرجت ولم تفت، لم تحرم. وقال في البيع الصحيح إذا كان بها عيب: هو تحريم (¬2). قال: لأن رد البيع ¬

_ (¬1) قوله: (حرم) ساقط من (ح). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 199.

ليس إلى المشتري إن شاء تمسك به (¬1). وفي "كتاب محمد". ليس بتحريم (¬2). ثم قال ابن القاسم: وإن باعها، أو وهبها لولده الصغير، أو ليتيمه، أو لعبده، فليس بتحريم؛ لأن له أن يملك وطأها متى أراد (¬3). وهذا حماية، ولا شيء عليه فيما بينه وبين الله تعالى؛ لأن الملك الآن لغيره، فلم يجمع بينهما ملك. قال: وإن ظاهر منها لم يكن تحريمًا؛ لأن تحليل ذلك بالكفارة إليه (¬4). ويختلف إذا قال: إن أصبتها فهي حرة؛ قال ابن الماجشون: ليس بتحريم (¬5). لأن أول (¬6) إصابته إياها حلال (¬7)، وهو الذي يوجب عليه الحنث. وعلى القول أنها حرمت عليه، يكون قوله ذلك تحريمًا يبيح أختها. قال: ولو أصابها في عدة من طلاق، كان تحريمًا؛ لأنها حرمت عليه للأبد، قال: وإن أخدمها رجلًا شهرًا، أو سنة، أو نحوها، لم يكن تحريمًا. وما طال من السنين، أو كان عمر المخدم فهو تحريم (¬8). وليس الإباق تحريمًا إلا أن ييأس منها. والعتق إلى أجل تحريم وإن لم تستبرأ؛ لأنها إن ظهر بها حمل عجل عتقها ولم تحل له الآن ولا بعد. وعتق ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 380. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 513. (¬3) قوله: (متى أراد) ساقط من (ش 1). وانظر: المدونة: 2/ 379. (¬4) انظر: المدونة: 2/ 379. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 513. (¬6) قوله: (أول) ساقط من (ب). (¬7) في (ح) (تحليل). (¬8) النوادر والزيادات: 4/ 514.

بعضها تحريم وإن لم تستبرأ، وليس الكتابة تحريمًا لأنه إن ظهر بها حمل وعجزت نفسها كانت له حلالًا. وقال ابن القاسم فيمن كانت عنده أختان، فأصابهما ثم باع إحداهما، ثم اشتراها قبل أن يطأ الباقية عنده. له أن يطأ (¬1) أيهما أحب (¬2). وهذا يحسن إذا فعل ذلك وكان وطؤه إياهما جهلًا، وأما إن فعل ذلك وهو عالم، لم يجز له أن يصيب واحدة منهما حتى يخرج الأخرى من ملكه؛ لأنه يتهم أن يعود إلى فعل (¬3) ذلك. وقد قال ابن القاسم في "كتاب المدنيين" فيمن وطئ أخته من الرضاعة بملك اليمين: تباع عليه إذا كان عامدًا (¬4)، وإن كان جاهلًا يظن أن ذلك يجوز له، ولا يُتَّهم لمكان حاله أن يعود لمثل ذلك، لم تبع عليه. وإن كانت إحدى الأختين زوجة، وهي حرة أو أمة، لم يصب أختها إلا أن تحرم الزوجة بطلاق بائن أو رجعي، وتنقضي العدة، ولا يقع التحريم بالظهار. ويختلف إذا قال: إن وطئتها فهي طالق. وإن كانت عنده أخت بملك اليمين لم يتزوج أختها حتى يحرم الأخرى. واختلف إذا فعل وتزوج. فقال ابن القاسم مرة: النكاح جائز وهو بالخيار (¬5). ¬

_ (¬1) قوله: (الباقية عنده: له أن يطأ) ساقط من (ح). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 200. (¬3) في (ش 1): (مثل). (¬4) في (ب): (عالمًا). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 514، وما وقفت عليه: (وقد قال ابن القاسم: لا يجوز نكاحها، إذ لا يقع نكاح فيمن لا يحل له الاستمتاع بها بعقد نكاحها، وهذه لا يقر بها حتي =

باب في الإحلال، وبماذا يصح

باب في الإحلال، وبماذا يصح الإحلال على ثلاثة أوجه: فيصح إذا كان المُحل بالغًا (¬1) عاقلًا مسلمًا، وتزوّج تزويجًا صحيحًا، تزويج رغبة، ليس ليحلها، وهو غير عاجز عن الإصابة، وأصاب إصابة صحيحة، ليس بحائض، ولا أحدهما مجبور (¬2)، ولا محرم ولا صائم ولا معتكف (¬3)، وليست بمجنونة ولا نائمة فهذه جملة متفق عليها. وإن كان غير بالغ، ولا شارفَ البلوغَ، أو حصورًا، أو ممسوحًا، أو بقي له من ذكره (¬4) ما لا يتوصل به إلى الإصابة، أو يصل على نقص لا يبلغ إلى (¬5) ما دون الختان من الصحيح، أو عنينًا، أو شيخًا فانيًا عاجزًا، أو أصيبت وهي نائمة، أو كان النكاح فاسدًا لا يقر بعد الدخول؛ لأنها باشرت العقد بغير ولي، أو غير ذلك من وجوه الفساد- لم تحل. واختلف في إحلال من شارف البلوغ، والمجنون، والنصراني إذا كانت الزوجة نصرانية، والعبد إذا تزوج بغير إذن سيده وأصاب قبل الإجازة ثم طلق بعد الإجازة وقبل المعاودة، والمرأة يزوجها غير ولي ويبني بها ثم يجيز ¬

_ = تحرم الأولى، ولكن إن نكحها فلا أفسخه، وأوقفه عنها حتى يحرم من شاء منهما). (¬1) قوله: (بالغًا) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (ولا أحدهما مجبور) ساقط من (ش 1). وقوله: (مجبور) ساقط من (ب). (¬3) في (ش 1): (ولا محرمة ولا صائمة ولا معتكفة). (¬4) قوله: (له من ذكره) زيادة من (ب). (¬5) في (ح): (إلا).

الولي ثم يطلق الزوج بعد الإجازة وقبل المعاودة (¬1) أو يطلق قبل نظر الولي في ذلك، وإذا أصابها المُحل وهو غير منتشر (¬2)، أو كان العقد صحيحًا والإصابة فاسدة، في حال الحيض والإحرام والصوم والاعتكاف، وإذا ادعت الإصابة (¬3) وأنكر الزوج، وإذا ارتد المحل بعد البناء. واختلف في المجنون والمجنونة على ثلاثة أقوال: فذهب ابن القاسم أن المراعى الزوجة، فإن كانت عاقلة، حلت وإن أصابها في حال جنونه، وإن أصيبت في حال جنونها، لم تحل وإن كان عاقلًا (¬4). وذهب أشهب إلى أن المراعى الزوج، فإن كان عاقلًا، أحلها وإن كان أصابها في حال جنونها، وإن كان مجنونًا؛ لم يحلها وإن كانت عاقلة (¬5). وقال عبد الملك: إذا صح العقد كان إحلالًا وإن كانا في حالة الإصابة مجنونين، أو أحدهما (¬6). ولا أرى أن يحلها إلا أن يكونا عاقلين، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - رفاعة وقد أرادت الرجوع إلى الذي طلقها قبل مسيس الثاني: "لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ، وَيَذُوق عُسَيْلَتَكِ" أخرجه البخاري ومسلم (¬7). ¬

_ (¬1) قوله: (والمرأة يزوجها غير ولي ويبني بها. . . وقبل المعاودة) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (منتشر) بياض في (ش 1). (¬3) قوله: (الإصابة) ساقط من (ش 1). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 583. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 583. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 583. (¬7) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 933، في باب شهادة المختبي، من كتاب الشهادات، =

هذا يقتضي أن يكونا عاقلين، إلا أن تكون وسوسة، ولم يبلغ (¬1) إلى فقدان التمييز. وإن كانت هي غير بالغة حلت، إذا كان الذي أحلها بالغًا، إلا أن تكون صغيرة جدًّا لم تبلغ الوطء؛ طلقها الأول ثلاثًا قبل البناء، فأصابها الثاني؛ فلا تحل له وهذه جناية (¬2) ولا تدخل به في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ". ويختلف إذا شارف البلوغ ولم يحتلم: فقال مالك مرة: يحد إذا زنى. فعلى هذا يكون وطؤه إحلالًا. وقال محمد في المقطوع الحشفة يحل (¬3). يريد: إذا بقي ما يصل منه إليها بعد مجاوزة الختان ما يصل من السالم قدر الحشفة فأكثر. وقال ابن القاسم في "كتاب ابن حبيب": إذا أولج وذلك منه ميت لم يحل (¬4). وقال في "كتاب محمد": يحل ويحصن. والأول أحسن للحديث: "حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ، وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ" إلا أن تكون تجد عند ذلك لذة. وقال في الإصابة الفاسدة كالحائض، والمحرمة، والمعتكفة: لا يحل ¬

_ = برقم (2496)، ومسلم: 2/ 1055 في النكاح باب لا تحل المطلقة ثلاثا لمطلقها حتى تنكح زوجا غيره ويطأها ثم يفارقها وتنقضى عدتها من كتاب النكاح، برقم: (1433). (¬1) في (ش 1): (ولم تبلغ). (¬2) في (ب): (حماية). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 583. (¬4) في (ش 1): (لم تحل). وانظر: النوادر والزيادات: 4/ 583، روى أصبغ عن ابن القاسم أنه سئل عن التى تزوجت شيخًا فلم ينتشر، فأدخلت ذكره بأصبعها ثم فارقها، فإن انبعث بعد أن أدخلته وعمل أحلها ذلك لمن أبتها، وإن بقى كذلك فلا يحلها.

ولا يحصن. وقال المغيرة، وابن دينار: يحصن، ولا يحل. وقال عبد الملك: يحصن ويحل (¬1). وكذلك إذا كان الزوج محرمًا، أو معتكفًا، أو صائمًا فعلى الخلاف المتقدم، وأرى أن يحصن ويحل، ولا وجه لقول المغيرة، فإن كان عنده لا يحل فأحرى أن لا يحصن لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ادْرَؤُوا الحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ" (¬2) وهذا إذا كان الصوم معينًا كرمضان أو غيره، وإن كان الاعتكاف معينًا، فإن كان مضمونًا؛ كان إحلالًا وإحصانًا؛ لأن المعين إذا فسد بأول الملاقاة كان مخاطبًا بالإمساك عن التمادي، وإذا بطل المضمون لم يؤمر بالإمساك (¬3). ¬

_ (¬1) في (ش 1): (تحصن، ولا تحل، وقال عبد الملك: تحصن وتحل). وانظر: النوادر والزيادات: 4/ 584. (¬2) ضعيف: كنز العمال: 5/ 446 في كتاب الحدود من قسم الأقوال، برقم: (12972)، قال ابن حجر في تلخيص الحبير: 4/ 56: حديث: "ادرءوا الحدود بالشبهات" الترمذي والحاكم والبيهقي من طريق الزهري عن عروة عن عائشة بلفظ: "ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن كان له مخرج فخلوا سبيله فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة" وفي إسناده يزيد بن زياد الدمشقي وهو ضعيف قال فيه البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك ورواه وكيع عنه موقوفا وهو أصح قاله الترمذي، قال: وقد روي عن غير واحد من الصحابة أنهم قالوا ذلك، وقال البيهقي في السنن: رواية وكيع أقرب إلى الصواب. قال: ورواه رشدين عن عقيل عن الزهري، ورشدين ضعيف أيضا، ورويناه عن علي مرفوعا ادرءوا الحدود. هـ. (¬3) قوله: (وإذا بطل المضمون لم يؤمر بالإمساك) ساقط من (ش 1).

فصل [في إحلاء النصراني والعبد]

فصل [في إحلاء النصراني والعبد] وقال مالك في المسلم يطلق النصرانية: لا يحلها النصراني أن يتزوجها (¬1). وقال في "مختصر ما ليس في المختصر": يحلها. وقال على بن زياد في كتاب خير من زنته: وهو أصوب؛ لأنه نكاح صحيح داخل في عموم قول الله -عز وجل-: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]. والعبد على خمسة أوجه: فإن علمت أنه عبد وكان قد أذن له سيده في النكاح، كان إحلالًا. وإن لم تعلم أو علمت، ولم يكن سيده أذن له، فلما علمت (¬2) أو علم السيد رضي أو رضيت، ثم أصاب بعد ذلك، كان إحلالًا أيضًا. وإن أصاب قبل علمها أو علم السيد فلما أجاز من له في ذلك مقال، طلق قبل أن يعاود لم تحل عند ابن القاسم (¬3). وقال أشهب: تحل (¬4). وكذلك إن تزوجته امرأة ودخل بها ثم زنت، كان رجمها عنده موقوفًا على إجازة السيد، (¬5) فإن أجازه السيد رجمت وإن لم يصب بعد، وإن رده لم ترجم، وإن طلق قبل إجازة السيد أو قبل رضاها لم تحل. وكذلك لو رد السيد، أو ردت هي النكاح لمَّا علمت أنه عبد لم تحل. ¬

_ (¬1) قوله: (أن يتزوجها) زيادة من (ب)، وانظر: المدونة: 2/ 209. (¬2) في (ش 1): (فأعلمت). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 206. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 582. (¬5) قوله: (على إجازة السيد) ساقط من (ح).

فصل [ارتداد الزوج أو الزوجة]

وعلى هذا الجواب إن زَوَّجَها غير ولي، وبنى بها الزوج، فإن أصابها بعد إجازة الوليِّ حلت، وإن لم يعاود بعد الإجازة حتى طلق لم تحل على قول ابن القاسم (¬1). وحلت على قول أشهب (¬2). وإن لم يجز الولي ورد أو طلق الزوج قبل نظر الولي لم تحل إلا على ما ذكره أبو محمد عبد الوهاب في المرأة تتزوج بولاية الإسلام مع وجود ولاية النسب: أن النكاح ماض (¬3). فعلى هذا يكون وطؤه إحلالًا وإن طلق قبل نظر الولي، إلا أن تكون تزوجت من تلحق (¬4) الولي منه معرة فيكون له أن يرد، وإذا كان له أن يرد، لم يحل به. فصل [ارتداد الزوج أو الزوجة] وإذا ارتد الزوج أو الزوجة بعد طلاق الثلاث لم تُسْقِطِ الردةُ الخطابَ بأن تنكح زوجًا غيره. فإن ارتد بقي الخطاب لها ألا تنكح حتى تذوق عسيلة غيره. وإذا ارتدت بقي الخطاب له لقوله سبحانه: {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]. فإن ارتدا جميعًا، ثم رجعا إلى الإسلام، جاز أن يتناكحا من غير زوج على ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 206. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 582. (¬3) انظر: التلقين: 1/ 113، والمعونة: 1/ 481. (¬4) في (ب) و (ح): (يلحق).

مذهب ابن القاسم؛ لأنههما عنده بمنزلة من لم يتقدم لهما إسلام، ولم يجز ذلك على قول غيره؛ لأنهما يعودان عنده على ما كانا عليه قبل الارتداد من الخطاب لهما وعليهما. ويختلف إذا ارتد الزوج، والزوجة نصرانية، فقال ابن القاسم: لا تحل له إذا رجع إلى الإسلام إلا أن تنكح زوجًا غيره مسلمًا لا نصرانيًّا (¬1). وهذا إنما (¬2) يصح على القول أنهم مخاطبون بفروع الإسلام، والصحيح أنهم غير مخاطبين بذلك (¬3)، إلا بعد تقدم الإسلام، فتحل من غير زوج. واختلف إذا ارتد المحل خاصة، فقال ابن القاسم في "الدمياطية": لا تحل (¬4). وذكر سحنون عن غيره: أنها تحل (¬5). وهو أحسن؛ لأنها تحل بأول الملاقاة، وما حدث بعد ذلك من فساد دينه فلا ينقل ذلك، كما لو اشترى أحدهما الآخر بعد الإصابة، وكذلك إن ارتدت هي بعد أن أحلها ففي "كتاب محمد" أنها لا تحل بذلك لزوج قبله (¬6). وعلى قول غيره تحل. وهو أحسن في المسألتين جميعًا. واختلف في أيمانه بالطلاق والظهار، وفي ظهاره، فقال ابن القاسم: إذا ارتد وعليه أيمان بالعتق، أو عليه ظهارة الردة تسقط ذلك عنه (¬7). ¬

_ (¬1) قوله: (مسلمًا لا نصرانيًا) ساقط من (ح). وانظر: المدونة: 2/ 207. (¬2) قوله: (إنما) ساقط من (ح). (¬3) انظر: (بذلك) ساقط من (ح). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 207. (¬5) انظر: المدونة: 2/ 207. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 586. (¬7) انظر: المدونة: 2/ 207.

فصل [في حكم نكاح المحلل]

وقال في "كتاب محمد (¬1) ": تسقط عنه أيمانه بالعتق إلا الظهار. قال محمد: يلزمه الظهار كما يلزمه الطلاق، قال: وذكر عن ابن القاسم أنه قال: تلزمه أيمانه بالظهار ولم يعجبني (¬2). والأول أحسن، ولا يلزمه ظهار، وليس كالطلاق؛ لأن الخطاب في الطلاق يتوجه إلى الزوج وإلى (¬3) الزوجة، وفي الظهار يتوجه إليه خاصة، فإذا ارتد سقط الخطاب بذلك، فإذا رجع إلى الإسلام، كان عنده بمنزلة من لم يتقدم له إسلام. فصل [في حكم نكاح المحلل] نكاح المحلل يحل إذا تزوج لرغبة (¬4). وإن كان ليحلها لم تحل لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَعَنَ اللهُ المُحَلِّلَ وَالمُحَلَّلَ لَهُ" وهذا حديث صحيح ذكره الترمذي في سننه (¬5)، (¬6). وإن تزوجته لعلمها أنه مطلاق حلت. ¬

_ (¬1) قوله: (محمد) ساقط من (ب). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 515. (¬3) قوله: (الزوج وإلى) ساقط من (ح). (¬4) في (ح): (إذا نكح لرغبة). (¬5) في (ب) و (ح) و (س): (مسنده)، والحديث: أخرجه الترمذي: 3/ 427، في باب المحلل والمحلل له، من كتاب النكاح، برقم: (1119). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 581، بلفظ: من كتاب ابن المواز: وقد جاء النهى عن نكاح الحلل حتى يكون نكاح رغبة. قال مالك: ولا يجوز أن يتزوجها ليحلها علمت هى أو زوجها الأول أو لم يعلما، فإذا لم ينو هو ذلك فذلك جائز.

قال محمد: ولو قال الأول تزوجي فلانًا فإنه مطلاق فتزوجته حلت أيضًا (¬1). ويختلف إذا تزوجت الرجل الغريب، وهي عالمة أنه لا يريد حبسها، هل هو صحيح، أم فاسد؟ فعلى القول أنه فاسد لا تحل به. ويختلف على هذا (¬2) إذا تزوجت من حلف ليتزوجن على زوجته هل تحل بذلك إذا كان لا غرض له في الإمساك، وإذا نكح الثاني ليحلها فسخ قبل البناء وبعده، ثم ينظر في الصداق فإن علم أن تلك كانت نيته وفسخ قبل البناء لم يكن لها صداق. واختلف إذا دخل بها هل لها صداق المثل، أم المسمى؛ لأن فساده من قبل عقده، وإن اعترف بذلك بعد العقد فسخ قبل البناء (¬3) وبعده أيضًا، ولم يسقط عنه نصف المسمى إن فسخ قبل؛ لأنه يتهم أن يكون أراد أن يسقط عنه نصف الصداق، وإن دخل كان لها المسمى، إلا أن تصدقه الزوجة فيعود الجواب إلى ما تقدم إذا علم ذلك قبل العقد، وإذا لم تصدقه الزوجة بعد البناء فإنه يكره للأول أن يراجعها بذلك، ولا يمنع بحكم، وكذلك إن لم يعترف ووقع في نفسها أو في نفس الأول ظَنُّه أنه قصد التحليل. ¬

_ (¬1) قوله: (أيضًا) يقابله في (ح): (به الأزواج). (¬2) قوله: (على هذا) ساقط من (ب). (¬3) قوله: (لم يكن لها صداق. واختلف إذا دخل بها هل. . . قبل البناء) ساقط من (ب).

فصل [في شروط نكاح المحلل]

فصل [في شروط نكاح المحلل] الإحلال يصح بثلاثة: شاهدين على نكاح المحلل، وامرأتين على الخلوة، وتصادق الزوجين على الإصابة. فإن لم يعلم التزويج إلا من قول المطلقة لم يقبل قولها في الأمد القريب، ويقبل في البعيد إذا كانت مأمونة. واختلف في غير المأمونة، فقال محمد: لا يقبل قولها، ولا يتزوجها الأول حتى يستخبر (¬1) لنفسه، ولو منعه السلطان حتى يعلم خبرها رأيت ذلك له (¬2). وقال محمد بن عبد الحكم: لا يمنع إذا طال الأمر ممن يمكن فيه (¬3) موت شهودها، وهي كالغريبة، وإن كانا طارئين قُبِلَ قولهما (¬4). قال الشيخ (¬5): فمنعت في الأمد القريب؛ لأن عقد النكاح والدخول لا يخفى في الغالب على الجيران، والمرأة تتهم في الرجوع إلى الأول، وإذا طال الأمد مما يندرس فيه علم ذلك ضعفت التهمة، فإن كانت مأمونة كان أبين في ضعف التهمة، وديّنت (¬6) الطارئة، لتعذر إثبات ذلك، إلا أن يكون من ¬

_ (¬1) في (ب): (يختبر). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 387. (¬3) قوله: (فيه) ساقط من (ب). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 387. (¬5) قوله: (قال الشيخ) ساقط من (ح. س). (¬6) قوله: (ودينت) بياض في (ش 1).

الموضع القريب. وإن علم النكاح، ولم يعلم الدخول حتى طلق، لم يصدق أنه بَنَى بها (¬1)؛ لأن ذلك مما لا يخفى، وقد أتت بما لا يشبه. قال أشهب في "المدونة": ولو صدقها الثاني أنه بنى بها لم تصدق (¬2)، ولم تحل حتى تعلم الخلوة؛ لأنها تتهم في إقرارها بالمسيس لتملك رجعتها، ويتهم الثاني ليملك الرجعة. وإن علمت الخلوة وتصادقا على الإصابة، أو غاب المحلل، أو مات قبل أن يعلم منه إقرار أو إنكار صدقت. واختلف إذا أنكر الثاني المسيس على ثلاثة أقوال: فقال مالك: لا تحل إلا باجتماع منهما على الوطء (¬3). وقال ابن القاسم: تحل وأخاف أن يكون ذلك ضررًا من الثاني (¬4) الذي طلقها (¬5). وقال مالك في "كتاب محمد": إن قال ذلك بقرب طلاقها لم تحل، وإن لم يذكرا حتى حلت وأرادت (¬6) الرجوع لم يصدق. وقول مالك أحسن؛ لأنها محرمة بيقين، فلا تحل إلا بأمر بين، وبما يغلب ¬

_ (¬1) قوله: (بها) ساقط من (ب). (¬2) في (ب): (يصدق). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 231. (¬4) قوله: (الثاني) ساقط من (ح). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 231. (¬6) في (ح): (وأراد).

على الظن صدقه، وإنكار الثاني يوجب شكًّا، إلا أن يكون دليل تهمة، وإن قال ذلك قبل الطلاق كان أبين في منعها، وإن طال مقامه معها واعترف أن لا إصابة (¬1) صُدِّق، وإن كانت خلوة زيارة لم يصدق، ولم تحل؛ لأنها لم تدخل على التسليم، ولا يدخل الزوج على القبض؛ فضعف قولها، ولو صدقت لكان له الرجعة إذا ادعى الإصابة وأنكرت، فإذا سقط أن يملك في مثل ذلك الرجعة، سقط أن تحل للأول. ¬

_ (¬1) قوله: (واعترف أن لا إصابة) يقابله في (ح): (واحترفت الألفة به).

باب في الصداق بين النصرانيين أو المشركين، إذا أسلما أو أحدهما والصداق خمر، أو تزوجت على أن لا صداق، وهل الفرق بينهما فسخ أم طلاق، وهل على الزوج نفقة إذا وقع الفراق بعد الدخول، وهل العدة ثلاث حيض أم حيضة؟

باب في الصداق بين النصرانيين أو المشركين، إذا أسلما أو أحدهما والصداق خمر، أو تزوجت على أن لا صداق، وهل الفرق بينهما فسخ أم طلاق، وهل على الزوج نفقة إذا وقع الفراق بعد الدخول، وهل العدة ثلاث حيض أم حيضة؟ وإذا تزوج نصراني نصرانية على خمر ثم أسلما بعد (¬1) الدخول وبعد أن قبضت الخمر تركا على (¬2) نكاحهما، ولا شيء لها. واختلف في موضعين: أحدهما: إذا أسلما قبل البناء وقد قبضت الخمر أو لم تقبض. والثاني: إذا أسلما بعد الدخول ولم تقبض. واختلف إذا أسلما قبل البناء على أربعة أقوال: فقال ابن القاسم: يخير الزوج بين أن يدفع صداق مثلها (¬3)، أو يفرق بينهما بطلقة، ولا شيء لها، وسواء قبضت الخمر أو لم تقبض (¬4). وقال غيره: إن كانت قبضت الخمر دخل بها، ولا شيء لها عليه؛ لأنها قبضتها في حال هي لها ملك (¬5). ¬

_ (¬1) في (ب): (قبل). (¬2) قوله: (على) ساقط من (ب). (¬3) قوله: (بين أن يدفع صداق مثلها) يقابله في (ب): (في دفع صداق مثلها). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 211، 212. (¬5) انظر: المدونة: 2/ 211، 212.

وقال أشهب في "كتاب محمد": يعطيها ربع دينار، ويدخل وإن لم تكن قبضت الخمر، وإن لم يعطها ربع دينار، فسخ (¬1). وقال محمد بن عبد الحكم: القياس أن لها قيمة الخمر بمنزلة من تزوج بثمر لم يبد صلاحها، فلم يجذ حتى أزمت أن النكاح لا يفسخ، ولها قيمة ذلك (¬2). وهو أحسن فإن كانت قيمة الخمر عشرين، وصداق مثلها عشرة، لم يلزمها قبول عشرة؛ لأنها دون ما رضيت به، وإن كان صداق مثلها ثلاثين لم يلزمه ثلاثون؛ لأنها فوق ما رضيت به، وإنما ينبغي أن يجري على حكم الاستحقاق، ولا يلزمها ما قال أشهب أن لا شيء لها إذا دفع ربع دينار؛ لأنها بمنزلة ما لو باع سلعة بخمر، فأسلما قبل أن يقبض الخمر وقبل أن تقبض السلعة، فليس عليه أن يسلم السلعة بغير عوض. واختلف إذا دخل ولم تقبض الخمر فقال ابن القاسم: لها صداق مثلها (¬3). وقال محمد: لا شيء عليه (¬4). وعلى قول محمد بن عبد الحكم يكون لها قيمة تلك الخمر. وأما إن دفع الخمر فإن المعروف من المذهب أن له أن يقبض المبيع بغير ثمن ثان (¬5)، بمنزلة من باع خمرًا بثمن إلى أجل ثم أسلما فإن له أن يقبض الثمن ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 595. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 470. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 211. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 595. (¬5) قوله: (ثان) ساقط من (ب).

إذا حل الأجل، وهذا هو المعروف من المذهب، وقاسه مرة على ثمن الربا، إذا أسلما قبل قبض الثمن، أنه لا يأخذ الثمن، لقول الله -عز وجل-: {اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} [البقرة: 278]، وكذلك إذا دخل فإنه يغرم قيمة الخمر. ويختلف إذا تزوج على أن لا صداق، فقول ابن القاسم: لها صداق المثل بعد البناء، ويخير الزوج قبل البناء بين أن يدفع صداق المثل أو يفارق (¬1) لأنه قال إذا تزوجت بخمر: هما بمنزلة من تزوج على غير تسمية فيعطيها صداق المثل (¬2). وإلا (¬3) فرق بينهما. وأرى ألا شيء لها إلا ربع دينار، لحق الله تعالى، وما بعد ذلك فهو حق لها يصح تَرْكُهَا له. واختلف قول ابن القاسم إذا أسلمت النصرانية قبل البناء وبعد أن قبضت الخمر ولم يسلم زوجها فقال ابن القاسم (¬4) في "العتبية": ترد قيمة ما قبضت من الخمر، فاتت أو لم تفت، وتكسر الخمر عليها (¬5). وفي "كتاب ابن حبيب": لا شيء عليها لا نصف ولا غيره، قال: وإن أسلم هو (¬6) قبل البناء، أو بعد، ولم تكن قبضت الخمر، أو تزوجت على أن لا صداق لها، فلها في الوجهين جميعًا، صداق المثل؛ لأنها ها هنا تبقى زوجة (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 595. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 147. (¬3) في (ب) و (ش 1): (ولا). (¬4) قوله: (ابن القاسم) ساقط من (ح). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 181. (¬6) قوله: (هو) ساقط من (ب). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 595.

وأرى إن أسلمت والخمر بيدها أن ترد الخمر (¬1) إلى الزوج ولا تكسر عليها؛ لأن إسلامها يفسخ النكاح، ويسقط ملكها عن الصداق، وتعود ملكًا للزوج، وترجع في عينه، وإن فاتت الخمر غرمت قيمتها؛ لأن إسلامها يوجب رد الصداق إذا كانت دنانير أو سلعة، وهذا قول مالك وابن القاسم في "كتاب النكاح الثاني" (¬2). وإذا كان من حقه أن يرد إليه إن كان عينًا أو قيمته إن كان عرضًا، كان من حقه أن ترد إليه قيمة الخمر؛ لأنها مال من ماله، وكذلك إن كانت مجوسية فأسلمت قبل البناء، وبعد أن قبضت الخمر، وأما إن أسلم الزوج قبل البناء وهي مجوسية (¬3)، وكانت قبضت الخمر، فإن كانت قائمة انتزعها وكسرها، ولم يترك لها (¬4). وإن فاتت لم يغرمها، إذ لا فائدة في ذلك إلا كسرها، بخلاف أن تسلم هي؛ لأنه يقول: آخذ ذلك فأنا أتملكه، (¬5) فإذا لم يصح من المسلمة غُرْمَ مثلها غَرِمَتِ القيمة. وأما إذا أسلم، ولم تكن قبضت وهي نصرانية، فقيمة الخمر أحسن، وقيمتها إذا أسلم وحده أبن منه إذا أسلما؛ لأنها تقول: يجوز لي ملكها. وإن تزوجت على أن لا صداق لها (¬6) وأسلم الزوج وحده، كان لها ربع دينار. ¬

_ (¬1) قوله: (الخمر) ساقط من (ح). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 159، 160. (¬3) قوله: (فأسلمت قبل البناء وبعد. . . وهي مجوسية) ساقط من (ب). (¬4) قوله: (لها) ساقط من (ح). (¬5) قوله: (فأنا أتملكه) يقابله في (ب): (فأملكه). (¬6) قوله: (لها) ساقط من (ح).

فصل [إذا أسلما قبل البناء ولم ترض بصداق المثل]

فصل [إذا أسلما قبل البناء ولم ترض بصداق المثل] والفرقة إذا أسلما قبل البناء، ولم ترض الزوجة (¬1) بصداق المثل بطلاق (¬2). واختلف إذا أسلم أحدهما، فقال ابن القاسم في "العتبية" في نصراني أسلمت زوجته قبل البناء: إن لم يسلم مكانه فلا رجعة له، وهي طلقة بائنة (¬3). وقال في "كتاب محمد": إذا أسلم وتحته مجوسية أو أمة كتابية فطلق، لزمه الطلاق. وقال أيضًا: لا يلزمه طلاق (¬4). قال في كتاب الظهار (¬5). وقول مالك أحسن، فلا يقع طلاق إذا أسلمت؛ لأنه كافر، والكافر لو طلق ما لزمه طلاق. وإن أسلم هو وهي مجوسية، لم يقع طلاق؛ لأنه (¬6) لم يطلق، وإنما فعل فعلًا أوجب الفراق (¬7) كملك الزوجة لزوجها. ¬

_ (¬1) قوله: (ولم ترض الزوجة) يقابله في (ب): (ولم يرض الزوج). (¬2) في (ح) و (ش 1): (يطلق). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 592. (¬4) قوله: (وقال في "كتاب محمد": إذا أسلم وتحته. . . لا يلزمه طلاق) ساقط من (ب). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 593، والذي وقفت عليه: "وإذا أسلم الكافر ثم طلق، فإن كان تحته كتابية حرة لزمه وإن كانت مجوسية حرة أو أمة كتابية لم يلزمه. وفى كتاب العدة ذكر أن ابن القاسم يقول: يلزمه". اهـ (¬6) في (ب): (إذا). (¬7) في (ب) و (ش 1): (الطلاق).

فصل [في العدة, هل ثلاث حيض أم حيضة؟]

وأما الأمة فيستحسن أن يقال الفراق بطلاق مراعاة للخلاف، ولقول أشهب إنه يصح أن تبقى زوجة. واختلف في النفقة إذا أسلمت بعد البناء، ولم يسلم هو، ففي "العتبية"، وفي "كتاب محمد" قولان: وجوب النفقة (¬1)، وسقوطها (¬2). وقال محمد: لها النفقة؛ لأن بنفس إسلامه رجعت (¬3). وأن لا نفقة أحسن؛ لأن الزوج يقول: أنا على ديني لا أنتقل عنه، وهي فعلت ما حال بيني وبين ما يوجب لها النفقة. وكذلك إن أسلم هو، ولم تسلم هي -وهي مجوسية- فلا نفقة لها؛ لأن الامتناع منها. فصل [في العدة, هل ثلاث حيض أم حيضة؟] واختلف في العدة، فقال مالك، وابن القاسم: إذا أسلمت الزوجة (¬4) وحدها تستبرئ بثلاث حيض (¬5). وقال ابن القاسم في "العتبية" في النصرانية يطلقها النصراني، فتحيض ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 462. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 432. (¬3) في (ب): (لأن نفس إسلامه رجعة). انظر: النوادر والزيادات: 5/ 51، وعبارته: "قال محمد. . . قال: والنصرانية تسلم تحت النصراني فعليه النفقة في العدة، كانت حاملا أو غير حامل؛ لأنه أحق بها في العدة لو أسلم كالرجعة. . . قال محمد في النصراني تسلم زوجته فلا نفقة لها عندنا". اهـ (¬4) قوله: (الزوجة) ساقط من (ب). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 8.

حيضة، ثم تتزوج مسلمًا فلا أفسخ نكاحه، قال: لأن مالكًا كان يقول: تجزئها حيضة (¬1). ولابن القاسم في المجوسي يسلم وتأبى زوجته الإسلام: تستبرئ من ماء المسلم بحيضة (¬2). يريد: لأن الزائد على حيضة في الحرة المسلمة تعبُّد، (¬3) وهذه كافرة غير متعبدة (¬4). وقال ابن عباس في البخاري: "كَانَتِ المَرْأَةُ إِذَا هَاجَرَتْ لَمْ تُخْطَبْ حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ، فَإِذَا طَهُرَتْ حَلَّ لَهَا النكِّاحُ" (¬5)، وإن هاجرت امرأة بعد أن أسلمت أو أسلمت بعد أن هاجرت، ثم قدم رجل فزعم أنه زوجها، وأقرت له بذلك لصُدِّقا، ولم يمنعا الاجتماع على وجه الزوجية". وقال ابن القاسم: إن ثبت أنها امرأته لم يفرق بينهما (¬6). ولم يراع إقرارها ولا إنكارها، وهؤلاء طارئان، والمعروف من قوله أن الطارئين على التصديق، ولا يكلفان بينة، فلو طرأت امرأة ثم طرأ رجل فزعم أنه زوجها، وأقرت له بذلك لَصُدِّقَا، ولم يمنعا الاجتماع على وجه الزوجية (¬7) وقد يحمل قوله على من هاجر من مكة؛ لأن أهل مكة بالمدينة كثير، فلا يخفى معرفة ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 471. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 591. (¬3) في (ح): (تعتد). (¬4) في (ح): (معتدة). (¬5) انظر أخرجه البخاري: 5/ 2024 باب نكاح من أسلم من المشركات وعدتهن، من كتاب الطلاق برقم: (4982). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 217. (¬7) قوله: (وقال ابن القاسم: إن ثبت أنها امرأته. . . على وجه الزوجية) ساقط من (ب).

فصل [في الذمي يتزوج المسلمة]

ذلك، بخلاف غيرهم. وقال ابن القاسم في "العتبية": إذا اختلفا فقالت: حضت بعد إسلامي ثلاث حيض، وقال الزوج: إنما أسلمت منذ عشرين ليلة فالزوج مصدق بمنزلة الذي يطلق زوجته، ويريد رجعتها ويقول: طلقتك أمس، وتقول: منذ شهرين، وقد حضت ثلاث حيض، فالقول قوله (¬1). يريد: لأن الأصل أنها كانت على الكفر، فهي على ما كانت عليه، فلا تصدق في قدم ذلك والأخرى على العصمة فلا تصدق في قدم الطلاق، ولو اعترف أنها أسلمت منذ شهرين وذلك مما تنقضي فيه العدة، وقالت: أسلمت قبلك أو بعدك في العدة، وكذبته، لم يقبل قوله. وقال مالك في "كتاب محمد": إن أسلمت، فخافت أن يسلم فيمسكها؛ فافتدت منه بمال، ثم أسلم في العدة، فهما على نكاحهما، ويرد إليها (¬2) ما أخذ منها، ولا طلاق بينهما إلا أن يطلقها بعد إسلامه (¬3). فصل [في الذمي يتزوج المسلمة] وقال ابن القاسم في الذمي يتزوج المسلمة وبنى بها: لا حدَّ عليهما، قال: وقال مالك في ذمي اشترى مسلمة ووطئها: يقدم إلى أهل الذمة في ذلك أشد التقدم ويعاقبوا عليه بعد التقدم (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 465، 466. والنوادر والزيادات: 5/ 288. (¬2) قوله: (إليها) ساقط من (ح). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 277. (¬4) انظر: المدونة: 2/ 212.

قال ابن القاسم: فإن كان ممن يعذر بالجهالة لم يضرب. ولا أرى في ذلك حدًّا وإن تعمداه ولكن العقوبة إن لم يجهلوا (¬1). ولا تخلو إصابة النصراني المسلمة من سبعة أوجه: إما أن تكون حرة أصابها على وجه الغصب، أو زنى بطوعها، أو تزوجها وهي عالمة أنه نصراني، أو غرها وزعم أنه مسلم، أو كانت أمة فوطئها بالملك، أو زنًى، أو اغتصابًا. فإن كانت حرة واغتصبها كان ناقضًا للعهد (¬2). واختلف إذا طاعت فقال مالك: ليس بنقض. وقال ربيعة: ذلك نقض للعهد. وإن أصابها بنكاح وهي عالمة أنه نصراني لم يكن نقضًا. وقال ابن نافع في "كتاب المدنيين": إن غرَّها وزعم أنه مسلم كان نقضًا وتضرب عنقه. وإن كانت أمة ووطئها بملك اليمين، أو بزنى طائعة لم يكن نقضًا للعهد (¬3). واختلف إذا اغتصبها. فقال محمد: لا يقتل، قال: وفيه اختلاف، وهذا أحب إلي؛ لأنه لا يقتل حر بعبد غلط؛ لأنه لم يقتلها، ولا قتل الحرة، ولا فرق بين الأمة والحرة، ولا بين الطوع والاغتصاب (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 212، وعبارته: "ولا أرى أن يقام في هذا حدٌّ، ولكني أرى العقوبة إن لم يجهلوا". (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 342. (¬3) قوله: (للعهد) ساقط من (ب). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 257.

فإن كان عوهد على إن أتى شيئًا من ذلك فلا عهد له - كان كل ذلك نقضًا. وإن كان العهد أن يعاقب ويبقى في عهده فهو على ما عوهد عليه. وإن كان على ألا عهد له (¬1) إن اغتصب، وإن أطاعت فهو على عهده - كان على ما عوهد عليه. ولا حد على الأمة، ولا عقوبة إن وطئت بالملك؛ لأنها مكرهة بالرق، إلا أن تكون قادرة على الإنكار. وتحد الحرة إذا طاعت بالزنا، ولا تحد إذا تزوجته ولم تعلم بكفره، أو علمت وجهلت تحريم ذلك. ويختلف إذا لم تجهل هل تحد؛ لأنه محرم بالقرآن (¬2). ¬

_ (¬1) قوله: (كان كل ذلك نقضًا. . . عهد له) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (محرم بالقرآن) يقابله في (ح): (غرم بالفراق).

باب في المناكح بين المسلمين وأهل الكفر

باب في المناكح بين المسلمين وأهل الكفر نكاح المشرك المسلمة محرم، لقوله سبحانه: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة: 221]، وقوله: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10]. وأجمع أهل العلم على أن نكاح الكتابي المسلمة محرم. ويجوز وطء المسلم الكتابية الحرة بالنكاح، والأمة بملك اليمين. واختلف في الأمة منهن بنكاح فمنعه مالك وابن القاسم (¬1). وقال أشهب في "كتاب محمد" فيمن أسلم وتحته أمة كتابية: لا يفرق بينهما (¬2). ولا يجوز وطء الوثنيات بنكاح، ولا بملك يمين، هذا قول مالك (¬3). واختلف في المجوسيات فقال مالك وابن القاسم: لا يجونا وطؤهن بحال، لا بنكاح، ولا بملك يمين (¬4). وقال ابن شعبان: أجاز بعض متقدمي أهل المدينة ذلك بملك اليمين، وأجازه أبو ثور بالنكاح وملك اليمين، وذكر عن حذيفة بن اليمان أنه تزوج مجوسية. (¬5) ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 219. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 589. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 219. (¬4) انظر: المدونة: 2/ 219، 220. (¬5) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى: 7/ 173، في باب ما جاء في تحريم حرائر أهل الشرك دون أهل الكتاب وتحريم المؤمنات على الكفار، من كتاب النكاح برقم (13766) وقال: (وأما الذي أخبرنا أبو بكر بن الحارث الأصبهاني أنبأ أبو محمد بن حيان ثنا محمد بن إبراهيم =

وقال أبو الحسن ابن القصار: قال بعض أصحابنا: هي على أحد القولين أن لهم كتابًا، أولى أن تجوز مناكحتهم. واختلف في الصابئة، والسامرية ما هما؟ (¬1) فقيل: الصابئون صنف من النصارى، والسامرية صنف من اليهود. وقيل: ليسوا منهم. فعلى القول الأول تجوز مناكحتهم، وعلى القول الآخر لا تجوز. والأصل في جواز نكاح الحرة الكتابية قول الله -عز وجل-: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} الآية [المائدة: 5]، وهذه الآية متأخرة النزول عن آية البقرة في قوله -عز وجل-: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: 221]. وعن آية النساء في قوله سبحانه: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25]، فكانت آية المائدة لتأخر نزولها أصلًا في جواز نكاح الحرائر الكتابيات. واختلف في الوجه الذي أبيحت له الكتابيات بالملك. فقيل: قياسًا على الحرائر منهن. وقيل: لأنه لم يتقدم فيهن تحريم. وقيل: قوله سبحانه: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} تضمن عبدة الأوثان، ¬

_ = ابن سعيد ثنا بن أبي الشوارب ثنا عبد العزيز بن المختار ثنا عبد الله بن فيروز عن معبد الجهني قال: رأيت امرأة حذيفة مجوسية - فهذا غير ثابت والمحفوظ عن حذيفة أنه نكح يهودية والله أعلم) وقال البيهقي في موضع آخر: 9/ 192: (ولا يصح ما روي عن حذيفة في نكاح مجوسية). (¬1) قوله: (ما هما) ساقط من (ح).

واليهود، والنصارى. فعبدة الأوثان مشركون بقولهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3]، والنصارى بقولهم: {الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ}، وبعض (¬1) اليهود بقولهم: {عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ}. وقيل: نزلت الآية في عبدة الأوثان خاصة؛ لأنه لم تجر العادة في اليهود والنصارى أنهم يسمون مشركين، ويدل على ذلك قوله سبحانه: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [البينة: 1]، وقوله -عز وجل-: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [البينة: 6]، ولقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [الحج: 17] فنزل القرآن على مشهورٍ متعارفٍ كان عندهم، وإن كان الآخرون مشركين وقال تعالى سبحانه: {تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [النحل: 3]، ولم يكونوا يسمون بذلك، فعلى هذا يكون أهل الكتاب لم يتقدم لهم ذكر، ولم يدخلوا في عموم قوله: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ}. وأما من منع وطء الأمة الكتابية على وجه الزوجية فاحتج بآية النساء بشرط الله سبحانه الإيمان وبآية المائدة بشرط الله تعالى الحرية، ولا حجة في الجميع، فأما آية النساء فإنها تضمنت الانتقال من الحرة المؤمنة إلى الأمة المؤمنة، وظاهرها يقتضي منع الكافرة، حرة كانت أو أمة. ونحن نقول بجواز نكاح الحرة الكتابية مع القدرة على نكاح الأمة المؤمنة, وهذا يغني عن سقوط الاحتجاج بذلك، إذ ليس عليه العمل، بل يقدم نكاح الحرة الكتابية على الأمة المؤمنة، لئلا يرق ولده وإن لم يخش عنتًا ¬

_ (¬1) قوله: (بعض) ساقط من (ب).

فصل [في نكاح المشركات من غير أهل الكتاب]

وإن كان واجدًا الحرة المؤمنة, وأما آية المائدة فإنها نزلت على ما يجوز نكاحه اختيارًا من غير عذر ولا ضرر، ولأن نكاح الأمة المسلمة لا يجوز إلا بشرط عدم الطول، وخشيان العنت، وكذلك الأمة الكتابية لا يجوز إلا بمثل ذلك من الشرط، فذكر الله سبحانه نكاح الحرة الكتابية؛ لأنها لا تحتاج إلى شرط. وأجاز أشهب لمن أسلم على أمة نصرانية البقاء عليها (¬1)؛ لأن التزويج تقدم في وقت لم يخاطب فيه بشرط، فأشبه من تزوجها في الإسلام بوجه جائز على الشرطين، ثم زال فوجد طولًا، ولم يخش عنتًا؛ فإنه يجوز له البقاء عليها. فإن تزوج عليها حرة، فارقها على قول ابن حبيب. فصل [في نكاح المشركات من غير أهل الكتاب] وحرم وطء الحرة المشركة بقول الله سبحانه: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} وحُرم وطؤهن بملك اليمين قياسًا على النكاح، وحرم وطء المجوسيات قياسًا على الوثنيات؛ لأنهن ليسوا من أهل الكتاب. وقال إبراهيم الحربي: روي عن سبعة عشر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أنهم قالوا: لا تجوز مناكحتهم. وأجاز ذلك قوم. واختلفوا في الوجه الذي أباح ذلك فمنهم من قال: لأنهم أهل الكتاب. ومنهم من قال: لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الكِتَابِ" (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 589. (¬2) سبق تخريجه في كتاب الجهاد، ص: 1449.

وكلا الوجهين غير صحيح، فأما من قال ذلك لما تقدم لهم من الكتاب فإنه يلزمه أن يجيز مناكحة (¬1) الوثنيات من العرب، وأن يجريهم على أحكام المسلمين؛ لأنهم من ذرية إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام، وقد كانا من أهل الكتاب، قال الله عز وجل في سورة الأنعام: {أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ} [الأنعام: 89] فلا يراعى ما كان عليه الأجداد من إيمان، ولا يؤثر في حال الأنبياء (¬2)، وإنما تراعى حالتهم الآن من إيمان، أو تعلق بكتاب أو غيره. وأما قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "سُنُّوا بِهِمْ سُنّةَ أَهْلِ الكِتَابِ" فقد روي أن ذلك كان في الجزية، وعنها كان سؤال عمر - رضي الله عنه - فأخبره عبد الرحمن بن عوف بالحديث. وإذا كان ذلك لم تصح المناكحة؛ لأنه لا يصح أن يباح أحدهما دون الآخر، وليس جواز أحدهما متعلقًا بجواز الآخر، ولا منعه متعلقًا بمنعه، وإنما هذا موضع توقيف ينتهى إليه. قال الشيخ: (¬3) وأرى أن يجوز (¬4) نكاح الصابئة والسامرية قياسًا على اليهودية والنصرانية لأنهما يتفقان في أنهما متمسكان بوجه من الحق، وهو الكتاب الذي أنزل الله تعالى، وداخلان في قوله: {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [البقرة: 101]. وإنما الاختلاف بينهم في الوجه الذي يكفرون به، فالنصارى يقولون: المسيح ابن الله، واليهود يقولون: عزير ابن الله، والصابئون يقرأون الزَّبُور ¬

_ (¬1) في (ح): (مناكح). (¬2) قوله: (ولا يؤثر في حال الأنبياء) يقابله في (ح) و (ش 1): (ولا بتوتر في حال الأبناء). (¬3) قوله: (قال الشيخ:) ساقط من (ب). (¬4) قوله: (أن يجوز) ساقط من (ب).

فصل [في إسلام الزوجين بعد البناء]

ويعبدون الملائكة، والسامرية صنف من اليهود، وإذا كان الوجه الذي أباح المناكحة أنهم تعلقوا بكتاب الله فقد اتفقوا فيه، ولم يضرهم (¬1) اختلاف كفرهم. فصل [في إسلام الزوجين بعد البناء] فإذا أسلم الزوجان النصرانيان والمجوسيان، وكان إسلامهما معًا، ثبتا على نكاحهما، وكذلك إذا كان أحدهما نصرانيًّا والآخر مجوسيًّا، وسواء كان أصل (¬2) نكاحهما صحيحًا أو فاسدًا، دخل أو لم يدخل، وإن كان أصله نكاح متعة ثم تراضيا بعد الأجل على البقاء، أو كان زنًى ثم تراضيا على البقاء على وجه الزوجية، فيجوز أن يبقيا زوجين إذا أسلما. وإن أسلمت الزوجة وحدها بعد البناء، كان الزوج أحق بها إن أسلم في عدتها، والنصرانية والمجوسية في هذا سواء. وإن لم يدخل بها، لم يكن له عليها (¬3) سبيل. واختلف إذا أسلم عقيب إسلامها نسقًا، فقيل: بانت منه. وفي "العتبية": أنه أحق بها (¬4). ¬

_ (¬1) في (ح) و (ش 1): (يضر). (¬2) قوله: (أصل) ساقط من (ب). (¬3) في (ب): (لها عليه). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 451، وعبارته: "قال ابن القاسم في النصراني تسلم امرأته قبل أن يدخل بها إلا أنه ربما خلا بها عند أهلها، قال: إذا أسلمت امرأته ولم يسلم مكانه، فلا رجعة له عليها". اهـ

وقد اختلف في هذا الأصل إذا طلق الزوج ثلاثًا قبل الدخول في ثلاث كلمات نسقًا هل تلزمه الثلاث أم واحدة؟ وإذا استثنى بنية (¬1) محدثة عند تمام اليمين هل يكون ذلك استثناء؟ أو إن تقدم إسلام الزوج والزوجة يهودية أو نصرانية بقيت زوجة، وسواء دخل بها أو لم يدخل. واختلف في الوثنية والمجوسية فجعل أشهب الجواب إذا تقدم إسلامه كالجواب إذا تقدم (¬2) إسلامها، فإن كانت مدخولًا بها، كان أحق بها إن أسلمت في العدة، وإن كانت غير مدخول بها بانت، وإن كان إسلامها عقيب إسلامه. وساوى ابن القاسم بين المدخول بها وغيرها في ذلك، وقال: يعرض عليها الإسلام، فإن أسلمت بقيت زوجة, وإلا فرق بينهما، ولم ينظر في المدخول بها إلى (¬3) العدة، ولا في غير المدخول بها إذا لم يكن إسلامها عقيب إسلامه (¬4). واختلف قوله إذا عرض عليها الإسلام فلم تسلم، فقال في "المدونة": يفرق بينهما (¬5). وقال في "كتاب محمد": يعرض عليها اليومين والثلاثة (¬6). ¬

_ (¬1) في (ب): (نية). (¬2) قوله: (إسلامه كالجواب إذا تقدم) ساقط من (ح). (¬3) في (خ): (في). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 590. (¬5) انظر: المدونة: 2/ 212. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 591.

فصل [في إسلام أحد الزوجين وهو في سن من لا يميز]

واختلف إذا غفل عنها، فلم يعرض عليها الإسلام، ثم أسلمت، فقال في "المدونة": هو أحق بها إذا أسلمت قبل أن يتطاول، قال: والشهر، وأكثر منه قليلًا قريب (¬1). وقال في "كتاب محمد": الشهران كثير (¬2). وقال محمد: إذا غفل عنها شهرًا فقد برئ منها (¬3). وقول أشهب أحسن، وأرى أن يرد ما اختلفا فيه إلى ما اجتمعا عليه، وهو إذا تقدم إسلامهما، إذ لا فرق بين المسلمين. فصل [في إسلام أحد الزوجين وهو في سن من لا يميز] وإسلام أحد الزوجين إذا كان في سن من لا يميز - لا يوجب فراقًا. واختلف إذا كان في سن من يميز، الإثغار فما فوق. فقيل: هو إسلام، فإن كانت الزوجة هي التي أسلمت، وقد دخل بها، والزوج بالغ كان عليها العدة، وهو أحق بها إن أسلم في عدتها، وإن لم يكن دخل بها أو كان قد دخل بها (¬4) ولم يبلغ، بانت وإن أسلم بعد ذلك، إلا أن يكون إسلامه عقيب إسلامها فيختلف فيه. وإن أسلم هو دونها، وكان غير بالغ، وهي بالغة، عرض عليها الإسلام على مذهب ابن القاسم، ثم يختلف هل تؤخر بذلك ثلاثة أيام، ويختلف إذا ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 212. (¬2) قوله: (كثير) ساقط من (ب). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 591. (¬4) قوله: (بها) ساقط من (ح).

غفل عنها ولم يعرض عليها، هل يكون أحق بها بعد الشهر أو الشهرين؟ وعلى قول أشهب تقع الفرقة بينهما مكانه، وسواء دخل بها أو لم يدخل، لأن دخول من لم يبلغ كَلا دخول. وقيل: ليس ذلك بإسلام إلا أن يثبت عليه عند (¬1) البلوغ، فإن أسلمت ولم تبلغ، وكان زوجها بالغًا، وقف عنها، ولا تكون في عدة، فإن ثبتت على إسلامها بعد البلوغ (¬2) كانت عليها العدة حينئذٍ، ويكون أحق بها إن أسلم في عدتها. وإن أسلم هو دونها، وكانت مجوسية وقف عنها أيضًا، وكذلك إن لم تبلغ وهي مجوسية، فإن دخوله بها وغير دخوله بها سواء. وإن أسلم أبواهما والزوجان صغيران في سن من لم يميز كانا بإسلام أبويهما في حكم المسلمين. فإن أسلم أبوها (¬3) وقعت الفرقة، كأنه ليس ثَمَّ دخول. ويختلف إذا أسلم أبوه فعلى قول ابن القاسم يعرض على أبيها الإسلام، وعلى قول أشهب وقعت الفرقة. وإن أسلم (¬4) أبوها (¬5). وإن عقلا دينهما لم يكن إسلام الأبوين إسلامًا لهما. ¬

_ (¬1) في (ب): (بعد). (¬2) قوله: (فإن أسلمت ولم تبلغ وكان زوجها. . . بعد البلوغ) ساقط من (ب). (¬3) في (ب) و (ش 1): (أبواهما). (¬4) قوله: (أبوه فعلى قول ابن القاسم يعرض على. . . وإن أسلم) ساقط من (ب). (¬5) في (ح) و (ش 1): (أبواهما).

فصل [فيمن أسلم وله أولاد صغار]

فصل [فيمن أسلم وله أولاد صغار] وإذا أسلم النصراني وله أولاد صغار، كانوا في (¬1) حكم الإسلام بإسلام أبيهم (¬2) فإن قتلوا قتل قاتلهم، وإن ماتوا أو مات أبوهم كان بينهما الميراث. واختلف إذا غفل عنهم حتى بلغوا على الكفر على ثلاثة أقوال: فقال مالك مرة: يتركون ولا يجبرون (¬3). وقال مرة: يجبرون على الإسلام إذا بلغوا (¬4) بالضرب والتهديد والسجن من غير قتل (¬5). وقال المخزومي: إن أبوا الإسلام قتلوا (¬6). وأما إن مات الأب وهم كبار لم يكونوا في حكم الإسلام بإسلام أبيهم. واختلف في موضعين: أحدهما: (¬7) إذا أسلموا هل يعد ذلك إسلامًا أم لا؟ (¬8). والثاني: إذا لم يسلموا أو مات الأب وهم على النصرانية، ثم أسلموا بعد موته قبل البلوغ، أو عند البلوغ؛ فلم ير في "المدونة" إسلامهم إسلامًا، وقال ¬

_ (¬1) في (ب): (على). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 221. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 221. (¬4) قوله: (على الكفر على ثلاثة أقوال. . . إذا بلغوا) ساقط من (ب). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 221، والنوادر والزيادات: 1/ 606، والبيان والتحصيل: 16/ 438. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 606. (¬7) قوله: (أحدهما:) ساقط من (ب). (¬8) قوله: (أم لا؟) ساقط من (ب).

أيضًا: هو إسلام (1). وإن كانت جارية مجوسية حعل وطؤها له، وعلى هذا يرث وتورث. وقال: إذا مات ولم يسلموا، ثم أسلموا بعد موته وثبتوا على ذلك حتى بلغوا، أو أسلموا بعد الاحتلام ورثوا آباءهم (2). وأنكر ذلك سحنون ورأى أن لا ميراث لهم إلا أن يكونوا أسلموا قبل موته (¬3). وهو أصوب فمن مات عنه وهو نصراني لم يرثه إن أسلم بعد ذلك، ومن مات عنه وهو مسلم ورثه وإن ارتد بعد ذلك؛ لأن المعرفة بالله سبحانه تصح ممن لم يحتلم، وإذا صحت منه المعرفة كان مؤمنًا حقيقة؛ يرث به، ويستحق الجارية به (¬4)، وإن رجع قبل البلوغ لم يقتل؛ لأن إسلامه كان في موضع لم يتوجه عليه (¬5) الخطاب بالعقوبة عليه، فلا يقتل إلا بما كان من (¬6) الإسلام بعد البلوغ، وإذا لم يقتل فإن (¬7) كان أبوه ذميًّا كان ولده ذميًّا، وسواء مات أبوه على دينه نصرانيًّا (¬8)، أو أسلم ولم يسلم ولده. واختلف في ولد المرتد فقال ابن القاسم في "كتاب ابن سحنون" فيمن ارتد ولحق بدار الحرب بأهله وولده - قال: أما أولاده (¬9) الذين حدثوا بعد ¬

_ (1، 2) انظر: المدونة: 2/ 221. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 599. (¬4) قوله: (ممن لم يحتلم وإذا صحت منه المعرفة. . . الجارية به) ساقط من (ب). (¬5) قوله: (عليه) ساقط من (ب). (¬6) قوله: (من) ساقط من (ب). (¬7) في (ح): (وكان). (¬8) في (ب): (أو نصرانيا). (¬9) في (ح): (ولده).

الردة فهم فيء، وكذلك زوجته، ثم رجع عن الزوجة (¬1) يريد: ولده الصغير الذي كان في حين الردة؛ لأنه قد ذكر من حملت بعد. وقال محمد فيمن حملت به قبل أن يرتد: يجبر على الإسلام ما لم يحتلم فإن احتلم ترك عند ابن القاسم. وقال أشهب: يجبر بالضرب (¬2). وقال ابن القاسم في "العتبية": إن ارتد وله أولاد (¬3) صغار، وأبوا أن يسلموا وكبروا، يجبرون بالضرب ولا يبلغ بهم القتل، وأما مَنْ ولد في حال الردة فإن أدركوا قبل الحلم أجبروا على الإسلام، وإن بلغوا على ذلك تركوا (¬4). وقال أيضًا في حصن فيه مسلمون: إن (¬5) ارتدوا عن الإسلام يقتلون ولا تسبى ذراريهم (¬6). وقال سحنون فيمن ارتد عن الإسلام ولحق بدار الحرب فتنصر، وتزوج وولد أولادًا ثم مات هو وولده، وأبى ولد ولده من الإسلام فسبيل ولد ولده كسبيله، لا يسلط عليهم السبي، ويقتل من لم يتب من الكبار، ويكره الصغار على الإسلام، ثم رجع فقال: أما من بلغ فإن السبي يأخذه إذا لم يسلم، وكذلك ولد ولده. واختلف قوله في سبي زوجته (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 495. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 497. (¬3) في (ح): (ولد). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 16/ 439. (¬5) قوله: (إن) ساقط من (ح). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 495. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 495.

والقول إن ما ولد له بعد ردته يكون فيئًا أحسن، ولو كان، لا يكون ولده ولا ولد ولده فيئًا، ما تسلط السبي على أحد ممن هو على وجه الأرض؛ لأنهم ذرية نوح - عليه السلام - فهم الآن أبناء مرتدين، وهذا إذا ارتدت زوجة المرتد أو كانت نصرانية أو يهودية، وإن كانت مسلمة وبقيت على الإسلام فأصابها فحملت، كان ولدها مسلمًا على أحد القولين أن الولد يكون تبعًا في الإسلام لأحد أبويه الأب أو الأم. وكذلك إذا كان وُلِد له قبل أن يرتد فَرُبِّي على الكفر؛ لأنه لم يكن قبل أن يرتد أبوه مؤمنًا ولا كافرًا؛ لأنه لم يكن عنده معرفة بشيء من ذلك، وإنما كان في حكم دين الأب من وجه الحكم ليس أنه مؤمن. وأما إن لم يرجع أبوه إلى الإسلام، وقتل والابن صغير فلا أرى أن يسترق؛ لأنه باق على حكم الدين الأول، وهو الإسلام، ولا ينتقل إلى حكم الدين الذي رجع إليه أبوه، بخلاف الكافر الذمي؛ لأن الذمة له ولولده. واختلف إذا كان الأب على الإسلام فنشأ الولد وحده على الكفر، هل له حكم المرتد إن لم يراجع الإسلام؟ فقال مالك في "كتاب محمد"، فيمن تزوج نصرانية فأولدها أولادًا، فلما بلغوا قالوا: لا نسلم، قال: يجبرون على الإسلام من غير قتل. وقاله ابن القاسم أيضًا (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 500.

فصل [في عقد أهل الكفر للنكاح]

فصل [في عقد أهل الكفر للنكاح] عقد أهل الكفر النكاح عقد يلزم كل واحد منهما بعد الإسلام الوفاء به، أسلما قبل الدخول أو بعده، فإن أرادت الزوجة الذهاب، وقالت: لا يلزمني ما عقدت على نفسي في حال الكفر، لم يكن ذلك لها. وإن أحب الزوج قبل الدخول ألا يدفع نصف الصداق ويرفع يده عنها لم يكن ذلك له، ولها أن تطلبه بنصف الصداق. وإن رضيا بترك (¬1) المطالبة بالعقد المتقدم لم يترك (¬2) إلا بطلاق، وسواء كان العقد صحيحًا أو فاسدًا أو زنى وتماديا قبل الإسلام على وجه النكاح، أو تزوجها في العدة، أو نكاح متعة، ثم ثبتا عليه بعد انقضاء العدة، وبعد ذهاب الأجل في المتعة، وقبل الإسلام. فإن أسلم على أختين كان له الخيار (¬3) أن يحبس إحداهما، وليس لها أن تأبى منه، ويلزمها ذلك بالعقد المتقدم، ولا يراعى الأولى منهما، ولا كون العقد واحدًا أو مفترقًا؛ لأن ذلك من باب الصحة والفساد، وذلك حق الله تعالى. وما عقد في حال الكفر لم يخاطبا فيه حينئذ بذلك، ولم يكن له أن يتمسك بهما جميعًا؛ لأن ذلك مما لا يصلح التمادي عليه في الإسلام. وإن أسلم على عشر نسوة؛ كان له أن يمسك أربعًا، ولا خيار لمن أحب إمساكها منهن، وذلك لازم لهن بالعقد المتقدم، ولا يراعى أيضًا هل كان ذلك ¬

_ (¬1) في (ح): (بتلك). (¬2) في (ح) و (ش 1): (يزل). (¬3) قوله: (الخيار) ساقط من (ح).

في عقد واحد (¬1) أو مفترقًا؟ والأصل في ذلك حديث فيروز الديلمي قال يا رسول الله: أسلمت وتحتي أختان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اخْتَرْ أَيَّتَهُمَا شِئْتَ" ذكره الترمذي (¬2). وحديث غيلان الثقفي أسلم وعنده عشرة نسوة، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خُذْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا، وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ" (¬3) فلو كان عقد الكافر كَلاَ عقد، لم (¬4) يخيره النبي - صلى الله عليه وسلم - في إمساك أربع، ولوجب استئناف النكاح بولي وصداق إذا رضيا ولم يعتبر الأوائل من الأواخر؛ لأنه من باب الصحة والفساد؛ لأنهم لم يكونوا مخاطبين حينئذ. وأما الحرمة فلا يختلف أنهما (¬5) الآن في الإسلام مخاطبون بما كان من الإصابة في حال الكفر، فإن أصاب امرأة في حال الكفر حرمت على آبائه وأبنائه في الإسلام، وحرمت عليه أمهاتها وبناتها، وإن أصاب امرأة (¬6) وأمها في حال الكفر، ثم أسلموا حرمتا عليه. واختلف إذا لم يصبها أو أصاب إحديهما، فقال في "المدونة": إن لم يصبها، كان بالخيار يحبس أيتهما أحب، وإن أصاب إحديهما أمسكها وفارق ¬

_ (¬1) قوله: (واحد) ساقط من (ب). (¬2) أخرجه الترمذي: 3/ 436 باب ما جاء في الرجل يسلم وعنده أختان من كتاب النكاح، برقم: (1129). (¬3) أخرجه الترمذي: 3/ 435 باب ما جاء في الرجل يسلم وعنده عشرة نسوة, من كتاب النكاح، برقم: (1128)، وأحمد في مسنده: 2/ 13 برقم: (4609). (¬4) في (ب) و (ش 1): (لم يكن). (¬5) في (ب): (أنها). (¬6) قوله: (في حال الكفر حرمت على آبائه. . . وإن أصاب امرأة) ساقط من (ب).

الأخرى (¬1). وقال غيره: يفارقهما جميعًا، وإن لم يصبها ثم يتزوج الابنة إن شاء. وقال أشهب في "كتاب محمد": إن لم يصب واحدة منهما حبس الابنة، وإن أصاب الأم حرمتا جميعًا (¬2) عليه. وقاله (¬3) مالك في "كتاب ابن حبيب". وأجاز ابن القاسم إن لم يصب الابنة أن يمسك الأم (¬4). ورأى أن النظر في ذلك من باب الصحة والفساد، ومنع ذلك مالك، وأشهب، وابن حبيب، والغير في "المدونة" فحرموا الأم بإسلامها على البنت؛ لأن نكاحها في الحكم حكم النكاح الصحيح، لما كان لو انفردت لم يكن فيه خيار، وكان لكل واحدة منهما مطالبة الأخرى (¬5) بالعقد الأول. واختلف بعد القول بتحريم الأم إذا لم يكن دخل بواحدة منهما، هل له أن يمسك الابنة من غير فسخ أو يفسخ النكاحان، ويستأنف عقد الابنة؟ وقال أشهب في "كتاب محمد" في كتابي أو مجوسي تزوج امرأة، فلم يمس حتى مات أو فارق في شركه، فلا تحرم بذلك على آبائه وأبنائه المسلمين، وليس ذلك بنكاح حتى يسلموا عليه، وليس عقد الشرك دون الوطء يوجب التحريم إذا أسلم في أم من كان نكح، ولا تحرم على آبائه ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 222. (¬2) قوله: (جميعًا) ساقط من (ب). (¬3) في (ب): (وقال). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 222. (¬5) في (ح): (الآخر).

فصل [فيمن أسلم وتحته عشر نسوة لم يدخل بهن]

وأبنائه (¬1)، وقاله ابن القاسم. قال محمد: وذكر لنا عن أشهب أنه قال: تحرم الأم بعقد الشرك في البنت وتحرم على آبائه وأبنائه (¬2). قال: وفي (¬3) قول أشهب: لو فارق زوجته في شِرْكِهِ قبل أن يمس، ثم نكحها أبوه أو ابنه، ثم فارقها أو مات عنها، ثم نكحها الأول، وأسلم وهي تحته، فإن كان الثاني مسها حرمت عليهما، وإن لم يمس ولا تلذذ ثبتت عند الأول؛ لأن نكاح الثاني لو أسلم عليه لم تقر عنده (¬4) ولا يضر إلا بالمسيس (¬5). يريد: لأن عقد الثاني (¬6) فاسد، ويلزم على قول أشهب هذا الآخر أن يقول إذا تزوج أمًا وابنتها، أو أختين، أو أكثر من أربع نسوة، ثم أسلم - أن يلزم العقد الأول، ويفسخ الثاني. فصل [فيمن أسلم وتحته عشر نسوة لم يَدْخُل بهن] اختلف فيمن أسلم على عشر نسوة، ولم يدخل بهن، فقال ابن حبيب: لكل واحدة نصف صداقها (¬7). وجعله بمنزلة من طلق طوعًا لما كان له أن يمسكهن، ويفارق غيرهن. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 588. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 588. (¬3) في (ح): (وهو). (¬4) في (ب): (عليه). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 588. (¬6) في (ح): (العقد الثاني). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 80.

وقال محمد: لكل واحدة خُمُسَا (¬1) صداقها؛ لأنه لو فارق جميعهن كان عليه أربع صداقات (¬2). فالذي ينوب كل واحدة خمسان (¬3). وقول ابن القاسم: لا شيء لهن؛ لأنه عنده مغلوب على الفراق (¬4). وإن مات عنهن كان لهن على قول ابن حبيب سبع صداقات لستٍّ ثلاث صداقات، ولأربع أربع صداقات يقتسمنها (¬5) أعشارًا، وعلى قول ابن القاسم ومحمد أربع صداقات يقتسمنها أعشارًا، ويتفق قولهما في هذا الموضع. واختلف إذا أمسك أربعًا ثم وجدهن أخوات. فقال إسماعيل القاضي: إن طلق عليه السلطان من بقي كان له منهن تمام الأربع. وقال ابن الماجشون: إن تزوجن لم يكن له عليهن سبيل؛ لأنه أحلهن لمن نكحهن الحكمُ بالفسخ فهو حكم، وإن كان قد خفي على الحاكم أنها ذات زوج، فإنه حكم قد فات. وقال محمد بن عبد الحكم: يفسخ نكاح من يختار منهن، وإن كن قد تزوجن ودخل بهن. يريد: إذا اختار أربعًا، فوقع الفراق على البواقي باختياره الأربع، ولم يوقع على البواقي طلاقًا، ولو أوقع عليهن الطلاق لم يكن له رد فيمن طلق ¬

_ (¬1) في (ب): (خمس). (¬2) في (ب): (كان عليه صداقان). (¬3) في (ب): (خمس). وانظر: النوادر والزيادات: 4/ 590. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 80. (¬5) في (ح): (يقسمها).

فصل [في الزوجين من أهل الحرب إذا سبيا]

منهن (¬1). وإن لم يتزوجن إذا كان طلاقًا قبل الدخول أو بعده، ثم تبين ذلك بعد انقضاء العدة. فصل [في الزوجين من أهل الحرب إذا سُبيَا] واختلف في الزوجين من أهل الحرب إذا سبيا أو أحدهما، وقدم الآخر بأمان هل ذلك فسخ للنكاح؟ فقال في "المدونة": السَّبْي فسخ للنكاح، سُبيا معًا أو مفترقين، وإن سبيت ثم قدم زوجها بأمان لم يكن أحق بها وإن كانت في الاستبراء (¬2). وعلى هذا إن سبي وقدمت بأمان فإن العصمة منقطعة. وقال محمد: هما على نكاحهما وإن سبيا جميعًا، أو سبي الزوج، ثم خرجت إلينا (¬3) بأمان في العدف والنكاح على حاله (¬4). وقال ابن بكير عن مالك: إن سبيا جميعًا واستبقي الزوج؛ أُقِرَّا على نكاحهما، وإن سبيت الزوجة قبل حلت لمالكها (¬5). يريد: استبقي فلم يقتل (¬6)، والأول أحسن، ولا حق للزوج في النكاح إن سبيا أو أحدهما؛ لأنه إنما اشترى منافع، ولو آجرته نفسها في خدمة أو كانت ¬

_ (¬1) قوله: (منهن) ساقط من (ح). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 217. (¬3) قوله: (إلينا) ساقط من (ح). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 288. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 289. (¬6) في (ب): (يقبل).

ملكًا له؛ لم يكن له في ذلك حق على من صارت إليه، وكذلك إن قدمت بأمان فإن لسيده أن يمنعه منها وإن طاعت له؛ (¬1) لأنه عيب عليه، ولا خلاف أن السبي يسقط (¬2) ما كان له من حق في إجارة أو ملك، فكذلك الزوجة؛ لأنه لا يخلو أن يكون ملك منافعها أو رقبتها، وأي ذلك كان فإن الغانم يملك ذلك (¬3) دونه، وكذلك حقه في العصمة، وليس كذلك إن أسلم الزوج قبلها وقبل سبيها فإن عصمته قائمة إن أسلمت أو أعتقت؛ لأن إسلامه كان وهو حر وهي حرة مسلمة، فإنما سبيت وهي زوجة لحر مسلم. ¬

_ (¬1) في (ح): (وإن أطاعته). (¬2) في (ح): (يقطع). (¬3) قوله: (ذلك) ساقط من (ب).

باب [في طلاق النصراني وعتقه، وإذا زنى أو شرب خمرا أو سرق أو حارب وفي ارتداد أحد الزوجين]

باب [في طلاق النصراني وعتقه، وإذا زنى أو شرب خمرًا أو سرق أو حارب وفي ارتداد أحد الزوجين] طلاق النصراني غير لازم، فإن لم يرفع يده عنها لم يعرض له؛ لأن الطلاق يتعلق به حق الله تعالى وذلك ساقط مع الكفر، وحق لآدمي وهي الزوجة، وذلك غير لازم لها ها هنا إن قامت به (¬1)؛ لأنه في معنى الهبة، أعطاها نفسها، ونحن لا نجبرهم على الوفاء بالهبة، وكذلك العتق إن لم تحزه نفسه لم يجبر، لأن العتق يتضمن حقًا لله تعالى، وحقًا للعبد، فإن جوز العبد أو الزوجة نفسه لم يمكن من الرجوع في ذلك إن امتنعت أو امتنع ما لم تضرب عليه الجزية، فلا يمكن من الرضا بالرق، وإن رضي الزوجان بأن يحكم بينهما بحكم المسلمين، فإن رضيا أن يحكم بموجب الطلاق لو (¬2) كانا مسلمين حكم بالطلاق، فإن كان ثلاثًا منعه أن يراجعها إلا بعد زوج؛ لأن رجوعها قبل ذلك رجوع عمَّا التزما، وذلك من التلاعب بأحكام المسلمين، وإن قالا: احكم بما يجب على النصراني عندكم إذا طلق، قيل لهما: ليس ذلك بطلاق، وإن قالا: احكم بما يجب في ديننا، أو كانا يهودين فقالا: احكم بما يجب في ذلك في التوراة، لم يحكم بينهما؛ لأنا لا ندري هل ذلك مما غيروه، ولأن ذلك منسوخ بالقرآن. وقيل في حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - في الزانيين بالتوراة أن ذلك قبل أن تكون ¬

_ (¬1) في (ح): (له). (¬2) في (ب): (أو).

لهم ذمة (¬1). وإن قالوا في العتق: احكم بحكم المسلمين إذا أعتق، حُكِمَ عليه بحريته، وليس له الرجوع عن ذلك. وذكر سحنون عن المغيرة في النصراني يحلف بطلاق زوجته أو حرية غلامه، فحنث ثم رفعت الزوجة، أو الغلام إلى السلطان أمرهما فإنه يحكم (¬2) بطلاق المرأة (¬3)، وعتق الغلام. وقال: إن مات عن أم ولد نصرانية، فاستعدت (¬4) حكم المسلمين سن بها سنة أمهات (¬5) أولاد المسلمين (¬6). وذكر أبو الحسن ابن القصار عن ابن شهاب والأوزاعي والثوري أن طلاقهم واقع. ¬

_ (¬1) متفق عليه, أخرجه البخاري: 6/ 2499، في باب الرجم في البلاط، من كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة، برقم (6433)، ومسلم في باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنا، من كتاب الحدود، برقم (1699)، ولفظ البخاري: (عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيهودي ويهودية قد أحدثا جميعا فقال لهم: "ما تجدون في كتابكم". قالوا: إن أحبارنا أحدثوا تحميم الوجه والتجبية. قال عبد الله بن سلام: ادعهم يا رسول الله بالتوراة، فأتي بها فوضع أحدهم يده على آية الرجم، وجعل يقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له ابن سلام: ارفع يدك. فإذا آية الرجم تحت يده، فأمر بهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجما. قال ابن عمر فرجما عند البلاط فرأيت اليهودي أجنأ عليها). (¬2) قوله: (فإنه يحكم) ساقط من (ح). (¬3) في (ح) (امرأة). (¬4) في (ب): (فاستقرت). (¬5) قوله: (أمهات) ساقط من (ب). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 136.

فصل [ارتداد أحد الزوجين]

وإن طلق ثلاثًا ثم أسلم في الحال لم يقرا، ولا تحل إلا بعد نكاح مستأنف. وقال المغيرة في "المبسوط": إن زنى جلد مائة. ورأى (¬1) أن زناه زنًى إلا أنه غير محصن. واحتج إسماعيل بقول مالك. فصل [ارتداد أحد الزوجين] ارتداد أحد الزوجين يوجب الفراق، فإن ارتد الزوج لم يصح أن تكون مسلمة تحت كافر، وكذلك إن ارتدت الزوجة إلى (¬2) المجوسية؛ لأن المجوسية لا تكون زوجة لمسلم، ويختلف إذا ارتدت إلى النصرانية، أو ارتد الزوج وتحته نصرانية، فقيل: يقع الفراق في الموضعين جميعًا. وقال مالك في "المدونة": إذا ارتد وقعت الفرقة بينه وبين زوجاته إذا كن مسلمات (¬3). وقال على بن زياد وابن أشرس عن مالك (¬4): إذا ارتدت المرأة إلى المجوسية وزوجها مسلم وقعت الفرقة بينهما. فخص مالك الفرقة بارتداده (¬5) إذا كان الزوجات مسلماتٍ، وخص الآخران ارتدادهم إلى المجوسية. وقال أصبغ في "كتاب ابن حبيب": إن ارتد (¬6) وزوجاته (¬7) نصرانيات أو ¬

_ (¬1) في (ح) و (ش 1): (وأرى). (¬2) قوله: (إلى) ساقط من (ب). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 215. (¬4) قوله: (عن مالك) ساقط من (ب). (¬5) في (ب): (بارتدادهما). (¬6) قوله: (إن ارتد) ساقط في (ب). (¬7) زاد في (ب): (كتابية).

يهوديات فلا يحال بينه وبينهن، ولا يحرمن عليه إن عاود الإسلام؛ لأن الله عز وجل قال: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10]، وقال في الرجال: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} (¬1) فأجرى حكم الارتداد، وحكم (¬2) ما كان يصح أو يفسد في أصل العقد على الدِّين الذي ارتد إليه، فتقع الفرقة في الموضع الذي لا يجوز أن يبتدئ عقد النكاح عليه، ولا تقع في الموضع الذي يجوز أن يبتدئه. فإذا ارتد وتحته نصرانية، أو ارتدت هي إلي النصرانية أو إلي اليهودية (¬3) لم يفرق بينهما لما كان جائزًا أن يعقد النكاح (¬4)، وهما على ذلك الدين. وقد احتج من نصر القول الأول بقوله عز وجل: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65]، قال: وهذا عمل، وليس بصحيح، والمراد بالآية الأعمال التي كانت لله سبحانه، وهذه تباعات بين آدمين، ولا خلاف أن الردة لا توجب نقض ما تقدم من تباعات الآدمين (¬5). وإن كانت الزوجة نصرانية، فارتدت إلى اليهودية، لم يفرق بينهما، وليس علينا أن نردها من كفر إلى كفر آخر، وإذا ارتدت إلى المجوسية وقعت الفرقة. واختلف إذا ارتدا جميعًا الزوج والزوجة في مرة واحدة، فقال الشافعي: تقع الفرقة (¬6). وقال أبو حنيفة: الزوجية باقية (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 506. (¬2) قوله: (وحكم) ساقط من (ح). (¬3) قوله: (أو إلى اليهودية) ساقط من (ح). (¬4) قوله: (النكاح) ساقط من (ح). (¬5) قوله: (الآدميين) ساقط من (ح). (¬6) انظر: المجموع شرح المهذب للنووي: 16/ 316. (¬7) انظر: بدائع الصنائع، للكاساني: 7/ 136.

فصل [فيما يحكم به في ارتداد أحد الزوجين]

فصل [فيما يحكم به في ارتداد أحد الزوجين] وقال مالك: ارتداد أحد الزوجين طلقة بائنة (¬1). وقال في "المبسوط": فسخ. وقيل: طلقة رجعية. وقال ابن الماجشون في "كتاب ابن حبيب": إن تاب وأدرك زوجته في عدتها كان أحق بها بالطلاق كله، كالمشرك تسلم زوجته, ثم يسلم في عدتها، فإن انقضت عدة هذه وهذه، كان إسلام هذه تطليقة، وارتداد هذه تطليقة (¬2). والقول إنه فسخ أحسن، فإن أسلمت لم يقع على الزوج طلاق؛ لأنه كافر، وإن أسلم لم يقع عليه طلاق؛ لأنه لم يطلق، وإنما فعلت فعلًا أوجب الفراق كملكها إياه أو إرضاعها زوجة له صغيرة. وقال ابن القاسم في المرتد يراجع الإسلام، وقد كان ضيع من فرائضه قبل ارتداده أو كانت عليه نذور فلا شيء عليه، وإن كان حج حجة الإسلام استأنفها، قال: لقول الله عز وجل: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}، قال: ولا يؤخذ بما كان عليه قبل الارتداد، إلا بما لو كان فعله وهو كافر (¬3) لأخذ به، كالسرقة والحرابة، وحقوق الناس: القذف، والقصاص، وغيرها. وإن زنى بعد (¬4) أن راجع الإسلام، وكان أحصن قَبْلُ، لم يرجم. وقال غيره: فإن راجع الإسلام كان بمنزلة من لم يرتد له (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 226. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 592. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 227. (¬4) في (ب): (قبل). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 586.

وعليه فإن كان ضيع فرضًا قضاه، ولا يقضي حجة الإسلام إذا كان قد حج، واحتج بقول الله سبحانه: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [البقرة: 217] وهو أصوب؛ لأنها آية مقيدة تقضي على المطلقة، ولقوله الله عز وجل: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38]، فإذا غفر له هذا الكفر الذي طرأ بعد الإسلام سقط حكم ذلك الكفر، وبقي على أحكام الإسلام فيما كان قبل. تم كتاب النكاح الثالث

كتاب الرضاع

كتاب الرضاع النسخ المقابل عليها 1 - (ب) = نسخة برلين رقم (3144) 2 - (ح) = نسخة الحسينة رقم (12929) 3 - (س) = نسخة الاسكوريال رقم (1082) 4 - (ش 1) = نسخة الشيخ أبَّاه - النباغية (شنقيط)

باب [أحكام الرضاع وما يحرم به وما لا يحرم]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كتاب الرضاع باب [أحكام الرضاع وما يحرم به وما لا يحرم] الأَصلُ في وقوع الحرمة (¬1) بالرضاع قول الله عزَّ وجلَّ: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23]. وأبان النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّ الابنة من الرَّضاعة، والعمَّةَ، والخالةَ، وبنتَ الأخ، وبنتَ الأخت (¬2) محرمات بقوله (¬3) - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ الرَّضاعة تحرِّم ما تحرم الولادة (¬4) " (¬5). والمعتبرُ في الرَّضاعة ثمانيةُ أوجه (¬6): أحدها: قدر الرضاع، وهل تحرم المصَّة؟ ¬

_ (¬1) قوله: (الحرمة) ساقط من (ش 1). (¬2) قوله: (وبنتَ الأخت) ساقط من (ح) و (س). (¬3) في (ح) و (س) و (ش 1): (فقال). (¬4) في (ش 1): (ما يحرم من النسب). (¬5) متفق عليه, أخرجه البخاري: 2/ 936، في باب الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض والموت القديم، من كتاب الشهادات، برقم (2503) ومسلم: 2/ 1068، في باب تحريم الرضاعة من ماء الفحل، من كتاب الرضاع، برقم (1444). (¬6) في (ش 1): (أقسام).

والثَّاني: هل يقع التحريمُ بما وصل (¬1) من اللبن من غير الفمِّ؛ كالسعوط، وما وصل من العين والأذن، وبالاحتقان (¬2)؟ والثَّالث: هل تقع الحرمة باللبن إذا كان فاسدًا لا يُغذي مثله (¬3)، أو خُلِطَ بطعامٍ أو بماءٍ أو بدواء؟ والرَّابع: معرفةُ الصبيِّ المرضَع من الصغر وغيره. والخامس: هل يكون زوج المرأة أبًا؟. والسَّادس: معرفةُ سن المرأة (¬4) التي ترضع، وهل تقع الحرمة برضاع الصغيرة أو برضاع الرجل؟ والسَّابع: معرفة من يحرم بالرضاع. والثَّامن: من يُجتنب من المُرْضِعات. فأما القدر الذي يحرم به (¬5) من الرَّضاع فاختلف فيه على أربعة أقوال: فقيل: المصَّة الواحدة تحرم. وقيل: ثلاث (¬6) رضعات. وقيل: خمس. وقيل: عشر. وقال مالك: تحرم المصَّة الواحدة (¬7). قال أبو الحسن ابن القصار: الاعتبار منه دخوله (¬8) في البطن. ¬

_ (¬1) في (ب) و (ح) و (س): (يصل). (¬2) قوله: (وبالاحتقان) في (ش 1): (والاحتقان). (¬3) قوله: (مثله) ساقط من (ح) و (س). (¬4) قوله: (سن المرأة) ساقط من (ش 1)، وفي (ح) و (س): (سن). (¬5) قوله: (به) زيادة من (ش 1). (¬6) قوله: (ثلاث) ساقط من (ح) و (س). (¬7) انظر: المدونة: 2/ 295. (¬8) في (ب) و (ح) و (س): (حصوله).

يريد: لعموم قول الله عز وجل: {اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} ولم يخص فوجب تعليق الحكم بما يقع عليه اسم الرضاع إلى أن يأتي ما يخص ذلك من سُنَّةٍ أو إجماعٍ أو دليلٍ، وهو قول عمر، وابن عباس، وطاوس والحسن، وابن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، ومكحول، والزهري، والحكم، وحماد، والأوزاعي، والثوري، وأبي حنيفة، ورُوي ذلك عن علي بن أبي طالب وابن مسعود. وقال ابن مسعود وابن الزبير وأبو عبيدة، وأبو ثور: لا يحرم إلا ثلاث (¬1) رضعات. ورُوي ذلك عن سليمان بن يسار، وسعيد بن جبير، وأحمد، وإسحاق (¬2). والأصلُ في ذلك حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت، قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُحرِّم المصَّة والمصَّتان" (¬3). وحديث أم الفضل قالت، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تحرم المصة أو المصتان (¬4) والرَّضْعة والرَّضْعتان" (¬5). وفي حديث آخر قالت، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تُحَرِّمُ الإِمْلاَجَةُ وَالإِمْلاَجَتَانِ" (¬6). وقد أخرج هذه الأحاديث مسلمٌ في صحيحه. وعلَّقوا الحكم بأقلّ الزيادة وهي رضعة فتكون ثلاثًا. ¬

_ (¬1) في (ب) و (ح) و (س): (ثلاث). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 295، وتفسير ابن كثير: 2/ 248، 249. (¬3) أخرجه مسلم: 7/ 345، في باب تَحْرِيمِ ابْنَةِ الْأَخِ مِنْ الرَّضَاعَةِ, من كتاب الرضاع، برقم (2628). (¬4) قوله: (وحديث أم الفضل قالت، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تحرم المصة أو المصتان) ساقط من (ح) و (س). (¬5) أخرجه مسلم بنحوه: 7/ 348، في باب في المصة والمصتان، من كتاب الرضاع، برقم (2631) (¬6) أخرجه مسلم: 7/ 346، في باب في المصة والمصتان، من كتاب الرضاع، برقم (2629).

وقال الشافعيُّ: لا تحرم إلا خمسُ رضعاتٍ (¬1). واختلف في معنى الخمس، والأصلُ في الخمس حديثُ سهلة في سالم قال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَرْضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ" (¬2). وحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ. ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُنَّ فِيمَا نَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ" (¬3). فذهبت عائشة وحفصة - رضي الله عنهما - إلى عشر رضعات. وقال مالك في الموطأ: أرسلت عائشةُ سالمًا إلى أختها أمّ كلثوم بنت أبي بكر، فقالت: أرضعيه عشر رضعات حتى يدخل عليَّ. قال سالم: فأرضعتني أم كلثوم ثلاث رضعات، ثم مرضت فلم ترضعني غيرها، فلم أكن أدخل على عائشة من أجل أنَّها لم تتم لي عشر رضعات (¬4). وعن حفصة: أنَّها أرسلت بعاصم بن عبد الله بن سعيد إلى أختها فاطمة بنت عمر لترضعه عشر رضعات وهو حينئذ صغير يرضع، فكان يدخل عليها (¬5). ومذهب عائشة أن يلتقم الثدي عشر مرات؛ لأنَّها إنما أرادت أن العشر لم تتمَّ بذلك. وأما ما يتجرعه فتحصل العشر في أول رضعة. ¬

_ (¬1) انظر: الأم، للشافعي: 5/ 27. (¬2) أخرجه مالك: 2/ 605، في باب ما جاء في الرضاعة بعد الكبر، من كتاب الرضاع، برقم (1265)، وأبو داود: 1/ 628، في باب من حرم به, من كتاب النكاح، برقم (2061). (¬3) أخرجه مسلم: 2/ 1075، في باب التحريم بخمس رضعات, من كتاب الرضاع، برقم (1075)، ومالك: 2/ 608، في باب جامع ما جاء في الرضاعة، من كتاب الرضاع، برقم (1270). (¬4) أخرجه مالك: 2/ 603، في باب رضاعة الصغير، من كتاب الرضاع، برقم (1260). (¬5) أخرجه مالك: 2/ 603، في باب رضاعة الصغير، من كتاب الرضاع، برقم (1261).

فصل [فيما تقع به الحرمة من اللبن]

فصل [فيما تقع به الحرمة من اللبن] الحرمة تقع بما يصل إلى الحلق من اللَّبن، وسواء كان ذلك برضاع من المولود، أو صبٍّ في حلقه من غير رضاع. قال مالك: والوجور يحرم (¬1). قال الشيخ -رحمه الله-: (¬2) وهو ما صُبَّ من تحت اللِّسان. واللَّدود: ما صُبَّ من جانب الشِّدق. ولديدا الوادي: جانباه. وقد قيل في الوَجُوْرِ واللَّدود غير هذا، وليس بحسن (¬3)، والأول أصح. ويُختلف في أربعٍ: في السَّعُوط، وما يصل من العين مع الكحل، أو من الأذن، وفي الحقنة. فقال ابن القاسم في المدونة في السَّعُوط: إن وصل إلى جوف الصَّبيِّ حرم (¬4). وقال مالك في "كتاب ابن حبيب": في السَّعُوط (¬5) يحرم (¬6). وقال عطاء بن أبي رباح: لا يحرم. وقول مالك أحسن؛ لأنَّه منفذ متسع يصل منه قدر المصَّة، فلا يمنع التَّحريم (¬7) إلا على القول بالثَّلاث رضعاتٍ أو بالخمس. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 295. (¬2) قوله: (قال الشيخ -رحمه الله-) ساقط من (ح) و (س) و (ش 1). (¬3) قوله: (وليس بحسن) ساقط من (ح) و (س) و (ش 1). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 295. (¬5) قوله: (في السَّعُوط) ساقط من (ح) و (س). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 74. (¬7) قوله: (فلا يمنع التَّحريم) في (ب): (ولا وجه لمنع التحريم بذلك).

ومحمل قول ابن القاسم: إن كان وصل إلى الجوف (¬1)، ليس ببين؛ لأنه ليس بكبير فيخبر عن نفسه، إلا أن (¬2) يريد أن وصوله مشكوكٌ فيه، فقوله ذلك عبارة عن الوقوف، كأنَّه يقول: إنما تقع الحرمة إذا وصل إلى الجوف (¬3)، ولا يدري هل وصل؛ لأنَّه ليس بكبير فيخبر بوصوله. وقال ابن حبيب في الكحل ينماع (¬4) باللبن: إن كان بعقاقير تصل إلى الجوف، مثل الصبر المر (¬5) والعَنْزَرُوت (¬6) يُحَرِّم (¬7) (¬8)، وهذا ضعيف؛ لأنَّ اللبنَ مستهلكٌ في الدَّواء. وقد اختلف عن مالك (¬9) في وقوع الحرمة بمثل ذلك وإن كثر وصبَّ في الحلق (¬10)، فكيف بما وصل من العين. وقد اختلف عن مالك في وقوع الفطر بجملة ما وصل من العين، فوقوع الحرمة بالجزء الذي فيه من اللبن أبعدُ، وعلى هذا يجري الجواب فيما وصل من الأذن. ¬

_ (¬1) قوله: (الجوف) في (ش 1): (جوفه). (¬2) قوله: (ليس ببين؛ لأنه ليس بكبير فيخبر عن نفسه، إلا أن) ساقط من (ح) و (س) و (ش 1). (¬3) قوله: (إلى الجوف) ساقط من (ح) و (س). (¬4) قوله: (ينماع) في (ش 1): (يساغ). وينماع: يذوب. قال ابن منظور: يَنْماعُ المِلْحُ في الماءِ أَي يَذُوبُ ويجري. انظر لسان العرب: 8/ 344. (¬5) قوله: (المر) في (ش 1): (والمر). (¬6) العنزروت والأنزروت كحل فارسي وهو عبارة عن "صمغ يؤتى به من فارس فيه مرارة منه أبيض وأحمر". انظر: تاج العروس: 30/ 317. (¬7) قوله: (حُرِّم) في (ش 1): (حرم). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 74. (¬9) قوله: (عن مالك) زيادة من (ب). (¬10) قوله: (الحلق) في (ش 1): (الحلقوم).

فصل [فيما إذا فسد اللبن في الثدي]

وقال ابن القاسم في الحقنة (¬1): تحرِّم إذا كانت تكون له غذاء. قال محمد: إذا كان لو لم يكن يطعم ويسقى (¬2) إلا بالحقن لعاش به، وإلا لم يحرم. وقال ابن حبيب: يحرم لأنه يصل (¬3) إلى الجوف (¬4). ولا أرى أن يحرِّم؛ لأنه لا يُغذِّي (¬5) الجسم ولا يتصرف في العروق إلَّا ما وصل من المِعَا الأعلى. فصل [فيما إذا فسد اللبن في الثدي] وإذا فسد اللبنُ في الثدي (¬6) وخرج عن منفعة اللبن، لم يحرِّم؛ لأنه لا يغذي ولا ينفع منفعة اللبن (¬7). وقال ابن القاسم في كتاب ابن سحنون: إذا حلب من ثدي المرأة ماء أصفر لم يحرِّم، ولا يحرِّم من اللبن (¬8) إلا ما يكون غذاءً، وُيغني عن الطعام (¬9). واختلف إذا خلط اللبنُ بطعامٍ أو بدواءٍ، فقال ابن القاسم: لا يحرِّم إلا ما ¬

_ (¬1) الحُقْنَة: هو أن يُعطَى المريضُ الدَّواء من أسْفَله. انظر: النهاية في غريب الحديث، لابن الجزري: 1/ 1017. (¬2) في (ش 1): (ولا يسقى). (¬3) في (ش 1): (وصل). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 74. (¬5) في (ش 1): (أن يحرم ما لا يغذي). (¬6) قوله: (في الثدي) ساقط من (ش 1). (¬7) قوله: (لأنه لا يغذي ولا ينفع منفعة اللبن) ساقط من (ح) و (س) و (ش 1). (¬8) قوله: (ولا يحرِّم من اللبن) ساقط من (ح) و (س). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 74، 75.

فصل [في السن التي يحرم فيها الرضاع]

كان اللبن غالبًا، وهو أحسن (¬1). وقال مطرف وابن الماجشون في "كتاب ابن حبيب": يحرِّم وإن لم يكن غالبًا (¬2). وهو أحسن إذا خلط بطعام؛ لأن منفعته موجودة (¬3) وليس منفعة الطعام بانفراده كمنفعته مخلوطًا بلبن، وهو في الدواء أشكل، فقد يخلط بدواء مبرح (¬4) أو بما يبطل منفعته وينقله عن كونه غذاء، وإن خُلط بما لا يبطل كونه غذاءً، حَرَّم. والحُرمة تقع باللبن النَّجسِ كالطَّاهر؛ لأنَّ نجاستَه لا تخرجه عن كونه مغذِّيًا. وإن ارتضع صبيٌّ امرأةً ميتةً، كانت له أمًّا، إذا علم أن في ثديها لبنًا، وإن كان قد نجس بموتها. فصل [في السن التي يحرم فيها الرضاع] الرَّضاع يحرِّم إذا كان المرضَع في الحولين، لقول الله تعالى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233]. واختلف في موضعين: أحدُهما: فيما زاد على الحولين إلى ثلاثة أشهر. والثَّاني: إذا فُطِمَ قبل الحولين وانتقل عيشه إلى الطَّعام ثُمَّ يرضع. فأمَّا الزيادة فاختلف فيها على أربعة أقوال: فقال مالك في "المختصر": إن كانت الزيادة الأيام اليسيرة، حرم (¬5). ¬

_ (¬1) قوله: (وهو أحسن) زيادة من (ش 1). انظر: المدونة: 2/ 303. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 74. (¬3) قوله: (لأن منفعته موجودة) ساقط من (ح) و (س) و (ش 1). (¬4) قوله: (مبرح) زيادة من (ش 1). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 75.

وقال في "الحاوي" مثل نقصان الشهور. وإليه ذهب (¬1) سحنون (¬2). وقال أبو الحسن ابن القصار: يحرم بمثل زيادة (¬3) الشهر. قال: وليس بالقياس، لقوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15]. يريد أنَّ القياس ألَّا يزاد على الحولين (¬4). وروى عنه عبد الملك أنَّه قال (¬5): لا يزاد على الشهر ونحوه (¬6). وقال في "المدونة": الشهر والشهرين (¬7). وروى عنه الوليد بن مسلم في "مختصر ما ليس في المختصر": أنَّه يحرِّم إلى ثلاثة أشهر. وهو أحسن. ومحمل الآية في السنتين أنَّها كافية للمرضع، وليس أنَّه لا منفعة له فيما زاد، ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يحرِّمُ مِنَ الرَّضَاعِ إِلاَّ مَا فَتَقَ الأَمْعَاءَ فِى الثَّدْيِ وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ" وهذا حديث صحيح ذكره الترمذي (¬8). فعلَّق التحريم بما كان قبل الفطام، وقبل أن ينتقل غذاؤه عن اللبن (¬9)، وهذا لم يفطم، واللبنُ قوامُ جسمه يشبع لوجوده ويجوع لعدمه، وهذا إذا كان ¬

_ (¬1) زاد بعدها في (ح) و (س): (ابن). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 75. (¬3) قوله: (زيادة) ساقط من (ح) و (س). (¬4) قوله: (وقال أبو الحسن ابن القصار. . . على الحولين) جاء متأخرا في (ش 1) بعد قوله: (وروى عنه عبد الملك. . . الشهر ونحوه). (¬5) قوله: (قال) ساقط من (ح) و (س). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 75. (¬7) انظر: المدونة: 2/ 297. (¬8) أخرجه الترمذي: 3/ 458، في باب ما جاء ما ذكر أن الرضاعة لا تحرم في الصغر دون الحولين، من كتاب الرضاع، برقم (1152)، وقال: هذا حديث حسن صحيح. (¬9) قوله: (عن اللبن) في (ش 1): (من الدم).

مقصورًا على الرَّضاع، أو يأكل مع ذلك ما يضرُّ به الاقتصارُ عليه دون الرضاع. وقال ابن القاسم: إن فُطِمَ ثُم أرضعته امرأةٌ بعد فصاله بيوم أو يومين أو ما أشبه ذلك، حرم. قال: لأنَّه لو أُعيد إلى اللبن لكان له قوةً في غذائه، وعيشةً (¬1) له (¬2). واختلف إذا فطم بعد السنة و (¬3) انتقل عيشُه إلى الطَّعام ثم أرضعتْه امرأةٌ بعد ذلك (¬4) قبل تمام الحولين؛ فقال ابن القاسم: لا يحرم. وقال مطرف وابن الماجشون وأصبغ في "كتاب ابن حبيب": يحرم إلى تمام الحولين (¬5). وأرى إن كان الرضاع مصَّة ومصَّتين ألا يحرِّم، وإن أعيد إلى الرَّضاع وأسقط الطعام حَرَّم. ¬

_ (¬1) في (ش 1): (وعيش). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 298. (¬3) قوله: (فطم بعد السنة و) ساقط من (ح) و (س) و (ش 1). (¬4) قوله: (بعد ذلك) زيادة من (ش 1). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 75.

فصل [في رضاع الكبير]

فصل [في رضاع الكبير] ولا يحرِّم رضاع الكبير؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ رَضَاعَ إِلاَّ مَا فَتَقَ الأَمْعَاءَ، وَكَانَ فِي الثَّدْيِ قَبْلَ الْفِطَامِ" (¬1). وحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: دخل عليّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وعندي رجل فاشتد ذلك عليه ورأيت الغضب في وجهه، فقلت: يا رسول الله إنه أخي من الرضاعة، فقال: "انْظُرْنَ مَنْ إِخْوَانُكُنَّ فَإِنَّما الرَّضَاعَةُ مِنْ المَجَاعَةِ". أخرجه البخاري ومسلم (¬2). يريد: أن اللبن (¬3) الذي يحرم ما كان في وقت ينتفع به الجسم، ولا يعترض ذلك (¬4) بحديث سالم؛ لأنه نازلة في عين، والحديثان الآخران في جميع المواضع، ولقول أزواج النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: مَا نَرَى ذَلِكَ إِلا رُخْصَةً لِسَالِمٍ وَحْدَهُ (¬5). ولم يأخذن به في غيره وهن باشرن النازلة (¬6) فرأين أنها مقصورة عليه (¬7) وممن قال لا رضاعَ لكبيرٍ، عمر، وابن مسعود، وابن عمر، وأبو هريرة، وابن عباس، وأم سلمة، وفقهاء الأمصار (¬8) (¬9)، مالك، والشافعي، وأبو حنيفة (¬10). ¬

_ (¬1) أخرجه بهذا اللفظ إسحاق بن راهوية في مسنده: 4/ 119. (¬2) متفق عليه, أخرجه البخاري: 2/ 936، في باب الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض والموت القديم، من كتاب الشهادات، برقم (2504)، ومسلم: 2/ 1078، في باب إنما الرضاعة من المجاعة، من كتاب الرضاع، برقم (1455). (¬3) قوله: (اللبن) ساقط من (ح) و (س). (¬4) في (ش 1): (هذا). (¬5) أخرجه النسائي: 10/ 465، في باب رضاع الكبير، من كتاب النكاح، برقم (3272). (¬6) قوله: (باشرن النازلة) بياض في (ش 1). (¬7) قوله: (فرأين أنها مقصورة عليه) ساقط من (ح) و (س) و (ش 1). (¬8) قوله: (فقهاء الأمصار) ساقط من (ش 1). (¬9) قوله: (وفقهاء الأمصار ساقط من (ح) و (س). (¬10) انظر: المدونة: 2/ 297، 298، والأم: 5/ 28، والمبسوط: 6/ 375.

فصل [في رضاع الصبي من الصبية الصغيرة]

فصل [في رضاع الصبي من الصبية الصغيرة] وإن ارتضع صبيٌ صبيةً صغيرةً كانت أمًّا، هذا الظَّاهر من المذهب: ألا يُراعى سنّ المُرضِعة صغيرةً كانت أو كبيرةً (¬1). وقال ابن الجلاب: إن كانت صغيرةً مثلُها لا توطأ (¬2) لم تقع به حرمة (¬3). والأوَّلُ أبينُ؛ لأنَّه لبن من آدميّة غُذي به صغير وانتفع به، وقياسًا على الآيسة (¬4)، ولعموم الآية. واختلف في رضاع الرَّجل، فقال مالك: لا يحرم لقوله سبحانه: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23]. قال: ولا أرى هذا أمًّا (¬5). وقال ابن شعبان: روى أهل البصرة عن مالك والشافعي: أنهما كرها نكاحها. وقال أبو الحسن ابن اللباد (¬6) صاحب "الفرائض": تقع به الحُرمة، وإليه ذهب بعض شيوخنا. وهو أبين؛ لأنَّه إذا كانت الحرمةُ بما يكون من اللبن عن وطئه كانت الحرمة بمباشرة لبنه للولد أولى، وقول الله -عز وجل- {وَأُمَّهَاتُكُمُ}؛ لأنَّه الغالب، والشأنُ في نزول القرآن على ما يكون غالبًا، فإن جاء ما يكون نادرًا من جنسه وكان في القياس مثله ألحق به. ¬

_ (¬1) زاد في (ح) و (س): (أو أيمة)، وفي (ش 1): (أو يائسة). (¬2) في (ح) و (س): (يرضع). (¬3) انظر: التفريع: 1/ 434. (¬4) في (ح) و (س): (اليائسة). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 303. (¬6) في (ب): (اللبان)، وفي (ش 1): (القصار).

فصل [في زوج الظئر هل يصير أبا بالرضاع]

وقد يحمل قول مالك في الكراهية على التحريم؛ لأن كثيرًا ما يعبر بذلك عن ما يحرم. فصل [في زوج الظئر هل يصير أبا بالرضاع] واختلف في زوج الظئر هل يكون أبا للمرضع (¬1). فقال مالك: يكون أبًا (¬2)؛ لحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: جَاءَ أَفْلَحُ أَخُو أَبِي الْقُعَيْسِ (¬3) يَسْتَأْذِنُ عَلَيَّ بَعْدَ أَنْ نَزَلَ الحجَابُ، فَأَبيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ، وَسَأَلْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "إِنَّهُ عَمُّكِ، فَأْذَنِي لَهُ" فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ، وَلَم يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ. فَقَالَ: "إِنَّهُ عَمُّكِ، فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ". اجَتمع (¬4) عليه البخاري ومسلم و"الموطأ" (¬5). والعمُّ من الرَّضاعة على ثلاثة أوجهٍ: أحدها: أن يكون الأبُ من النَّسب له أخ من الرضاعة. والثَّاني: أن يكون الأبُ من الرَّضاعة له (¬6) أخ من النسب. والثالث: أن يكون الأب من الرضاعة وله أخ من الرضاعة (1)، والذي في ¬

_ (¬1) قوله: (هل يكون أبا للمرضع) ساقط من (ح) و (س) و (ش 1). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 76. (¬3) في (ش 1): (أخو أبي من الرضاعة). (¬4) في (ح) و (س): (أجمع). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري: 4/ 1801، في باب تفسير سورة الأحزاب، من كتاب التفسير، برقم (4518)، ومسلم: 2/ 1069، في باب تحريم الرضاعة من ماء الفحل، من كتاب الرضاع، برقم (1445)، ومالك: 2/ 601، في باب رضاعة الصغير، من كتاب الرضاع، برقم (1255). (¬6) قوله: (له) ساقط من (ح) و (س).

فصل [في لبن الفحل]

حديث عائشة - رضي الله عنها - أنَّ الأب من الرَّضاعة (¬2)، ولم يكن أفلح أخًا لأبي بكر. وقال مالك في "المبسوط": نزل ذلك برجال من أهل المدينة فاختلف النَّاس عليهم، فأما محمد بن المنكدر، وابن أبي خيثمة، ففارقوا نساءهم. قال: وقد اختلف الناس في ذلك قديمًا، فأقام ناس على الرضاعة أنها لا تحرم من قبل الأب. وبالتَّحريم قال عليّ، وابن عباس، وطاووس، والأوزاعي، والثوري، وأحمد، وإسحاق، والشافعي، وأبو حنيفة، وداود، وخالف في ذلك ابن عمر، وابن الزبير، وعائشة. وقال مالك (¬3) في "الموطأ": كانت عائشة يدخل عليها من أرضعته أخواتها، وبنات أخواتها (¬4)، ولا يدخل عليها من أرضعته نساء إخوتها (¬5) (¬6). فصل [في لبن الفحل] اللبنُ يكون للفحل بوجهين: أحدُهما أن يكون ماؤه سببًا لوجود اللبن. والثَّاني: أن يكون سببًا لكثرته، وإن كان موجودًا قبل وطئه. ويصحُّ وقوع الحرمة بوجه ثالثٍ، وهو مباشرة مائه للولد وهو في البطن ¬

_ = (1) قوله: (من الرَّضاعة له أخ من النسب. . . وله أخ من الرضاعة) بياض في (ش 1). (¬2) قوله: (والذي في حديث عائشة - رضي الله عنها - أنَّ الأب من الرَّضاعة) ساقط من (ح) و (س). (¬3) قوله: (مالك) ساقط من (ش 1). (¬4) في (ح) و (س) و (ش 1): (أخيها). (¬5) في (ش 1): (أخواتها). (¬6) أخرجه مالك: 2/ 604، في باب رضاعة الصغير، من كتاب الرضاع، برقم (1262).

من غير واسطة؛ لأنَّ ماءه حينئذ ينعشه (¬1) ويجري فيه. فالأول: أن يتزوَّج امرأةً ولا لبن لها فأصابها فدرت لذلك، أو تحمل فتلد فترضع بذلك اللبن، فإن الزوج بذلك أب؛ لأنَّه سبب (¬2) وجود ذلك (¬3) اللبن وعن مائه كان، فإن تزوج امرأةً ذات لبنٍ ولم يتقدم لها زوجٌ فأصابها وأنزل، كان به (¬4) أبًا؛ لأنَّه بالإنزال شارك (¬5) في اللبن؛ لأنَّ ماءه يكثره، فإن كانت ذات لبن من زوج كان قبله فأصابها الثاني، كان المُرضَع ابنًا لهما، فالأول (¬6) لأنه سبب وجوده، والثاني لأنه سبب كثرته. واختلف في هذه المسألة على ثلاثة أقوال (¬7)، فقال مالك في "المدونة": هو ابن لهما وإن حملت من الثاني (¬8). وقال في "كتاب محمد": هو ابن لهما (¬9) وإن ولدت من الثاني. وفي "مختصر الوقار": بالولادة ينقطع حكم الأول. وفي كتاب ابن شعبان عن ابن وهب: أنه بوطء الثاني ينقطع حكم الأول. وأرى إن كان الأول سببًا لوجود اللبن ألا يسقط حكمه وإن ولدتْ من ¬

_ (¬1) في (ح) و (س): (ينفشه). (¬2) قوله: (سبب) يقابله في (ش 1): (فإن الزوج بذلك كان سبب). (¬3) قوله: (ذلك) ساقط من (ح) و (س) و (ش 1). (¬4) في (ح) و (س): (له). (¬5) في (ح) و (س) و (ش 1): (مشارك). (¬6) في (ح) و (س): (بالأول). (¬7) قوله: (على ثلاثة أقوال) ساقط من (ح) و (س) و (ش 1). (¬8) انظر: المدونة: 2/ 296. (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 77.

الثَّاني وطالت المدة بعد الولادة، إلا أن ينقطع اللبن ثم يعود، فيعود الحكم فيه للثاني إن عاود الإصابة، وإن كان اللبن موجودًا قبل الأول، وإنما تعلق حكمه من الأول؛ لأنه كثَّره، فإنه إذا طال عهده مما يرى أنه عاد (¬1) إلى ما كان عليه قبل وطء الأول، سقط حكم الأول. وإن أصاب رجل زوجته وهي ذات لبن من غيره قبل إصابته (¬2)، ثم أمسك عنها أو غاب فطالت غيبته، أو مات وعاد اللبن إلى ما كان عليه قبل، سقط حكم الوطء. وإن تزوج (¬3) امرأة وحملت وولدت، ثم طلقت فتزوجها ثان وأصابها، ثم طلقها وتزوجها ثالث واللبن الكائن عن ولادة الأول قائم وطالت المدة عن إصابة الأوسط، سقط حكم الأوسط وبقي حكم الأول والثالث؛ لأن الأوسط إنما كان له (¬4) في التكثير خاصةً والطول يسقط حكمه والأول سببُ وجوده فلا يسقط إلا بانقطاعه. ¬

_ (¬1) في (ح) و (س): (كان يعود). (¬2) قوله (قبل إصابته) ساقط من (ح) و (س) و (ش 1). (¬3) في (ح) و (س): (تزوجت). (¬4) قوله: (له) ساقط من (ش 1).

فصل [في أن الحرمة تقع بلبن الواطئ إذا أنزل]

فصل (¬1) [في أن الحرمة تقع بلبن الواطئ إذا أنزل] والحرمة تقع باللبن من الواطئ إذا أنزل، وبه يكون أبًا، فإن لم ينزل لم يحرِّم، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَسْقِ مَاءَكَ (¬2) زَرْعَ غيْرِكَ" (¬3). فنصَّ على الماء. ولقوله: الماء يغيل اللبن (¬4). فجعلوا الموجب لكثرته الماء، وهو الموجب للشرك في اللبن، وللإجماع على أنَّه إن لاعب أو قبَّل أو باشر فدرت لذلك، لم يكن به أبًا وإن كان هو السبب لوجوده. فصل [في أن اللبن يكون للفحل] اللبن يكون (¬5) للفحل إذا كان الوطء حلالًا، والحرام على ثلاثة أوجه: حرامٌ يلحق فيه النَّسب، وحرامٌ لا يلحق فيه النسب (¬6) ويحد الواطئ، وحرامٌ لا يلحق به مع ارتفاع الحد. ¬

_ (¬1) قوله: (فصل) ساقط من (ح) و (س). (¬2) في (ش 1): (لا يسق ماؤك). (¬3) أخرجه الحاكم في المستدرك: 2/ 64، من كتاب البيوع، برقم (2336) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وله شاهد عند أبي داود في مسنده: 1/ 654، في باب في وطء السبايا، من كتاب النكاح، برقم (2158)، والترمذي: 3/ 437، في باب ما جاء في الرجل يشتري الجارية وهي حامل، من كتاب النكاح، برقم (1131)، وقال: هذا حديث حسن. (¬4) انظر: المدونة: 2/ 296. (¬5) قوله: (يكون) ساقط من (ش 1). (¬6) قوله: (النسب) زيادة من (ش 1).

فإن كان حراما يلحق فيه النَّسب، وقعتْ به الحُرمة، كالذي يتزوج خامسةً جاهلًا، أو أخته من الرَّضاعة، أو ما أشبه ذلك، وكذلك إذا كان عالمًا بتحريمه على القول الأخير فيه. واختلف في وقوع الحُرمة إذا كان حرامًا لا يلحق فيه النَّسب، فقال ابن حبيب: تقع به الحرمة وإن كان بزنا، أو غصب، أو نكاح يلحق فيه الولد، أو لا يلحق. وهو قول مالك الذي ثبت عليه. وقد كان قال: إن كل وطء (¬1) لا يلحق فيه الولد (¬2)، فالرَّضاع تبعٌ للولد ولا تقع به حرمة (¬3). وسوَّى بين ما يكون فيه الحدّ على الواطئ وغيره، فأوقع به الحُرمة مرةً، ومرةً لم (¬4) يوقع به حرمة. وقال محمد: وكل ولد يلحق بأحد الزوجين، إلا أن المقضي (¬5) له به لو انتفى منه (¬6) بلعان للحق بالآخرة كان لبنها ذلك يحرم من قبل الذي لم يلحق به ويكون من شرب أو رضع من (¬7) لبنها ابنًا للزوجين (¬8) جميعًا، وكأنه فرق بينه وبين الزنا. واختلف في أربع مسائل كلها يُدرأ فيها الحدُّ ولا يلحق النسب: ¬

_ (¬1) قوله: (كل وطء) في (ح) و (س): (كان وطءا). (¬2) زاد في (ب): (بواطئه). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 81، 82. (¬4) قوله: (لم) في (ش 1): (لا). (¬5) في (ح) و (س): (القضاء). (¬6) في (ب) و (ح) و (س): (منعه). (¬7) قوله: (أو رضع من) ساقط من (ش 1). (¬8) في (ح) و (س): (للرجلين).

أحدُها: إذا أصاب ماؤه الولد وهو في البطن، مثل أن يطأ أمته وهي حامل من غيره، فقال مالك وابن القاسم وسحنون: تقع به الحرمةُ من الواطئ في ذلك الحمل (¬1). وقال مالك في "كتاب ابن حبيب": فيمن وطئ أمته وهي حامل من غيره (¬2)، يعتق ذلك الولد على الواطئ من غير حكم، وإن كانت جاريةً لم يحل (¬3) له وطؤها (¬4). وروي (¬5) عن الليث وغيره أنها تُعتق بحكم (¬6). فاتفقوا في وقوع الحرمة واختلفوا في العتق؛ فرأى مالكٌ أنَّه لما كان خلق الولد من غيره كان منزلة الثاني منزلة الرضاع يحرم (¬7) ولا يعتق (¬8). ورأى الليث أن انتعاش (¬9) الولد لما كان في موضع يتم خلقه كالشرك في تمام الخلق (¬10). وقال سحنون في "السليمانية": إذا ولدت تلك الأمة جارية فوهبها السيد لولده (¬11) لم تحل لولده؛ لأنَّ وطء الأب سقى الولد فأوقع الحرمة ولم يوجب به عتقًا؛ لأنَّه أجاز هبتها، فهي في الحرمة ابنة له وأخت لابنه. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 82. (¬2) قوله: (فيمن وطئ أمته وهي حامل من غيره) ساقط من (ش 1). (¬3) في (ش 1): (تحله). (¬4) قوله: (له وطؤها) ساقط من (ش 1). (¬5) في (ح) و (ش 1): (وذكر). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 126. (¬7) قوله: (يحرم) ساقط من (ش 1). (¬8) في (ش 1): (ولا تعتق). (¬9) في (ح) و (س): (انتفاش). (¬10) قوله: (في تمام الخلق) ساقط من (ح) و (س) و (ش 1). (¬11) قوله: (إذا ولدت تلك الأمة جارية فوهبها السيد لولده) في (ح) و (س): (رجل وطئ أمته وهي حامل بغيره فولدت جارية).

والثَّاني: إن تزوج امرأة وأتت بولد لأقل من ستة أشهر، ففرق بينها وبين الثاني فأرضعت صبيًا، فقال مالك في كتاب محمد: يكون ابنًا لهما (¬1). قال ابن القاسم: وإن لم يكن لها لبن متحرك (¬2)؛ لأن الوطء يخرجه (¬3) وينزل الدر (¬4). يريد: إذا كان اللبنُ قريبًا من الوطء، فإن بعد ما بينهما وصار لها لبن على العادة التي تكون من الحامل عند الوضع، ضعف أمر الثاني؛ لأنه ليس سببًا له (¬5) ولا له فيه شرك. والثالث: الأمة يصيبها الرجلان فتأتي بولد لتلحقه القافة بأحدهما، فإنه تقع الحرمة بينه وبين الذي لم يلحق به، وهو قول محمد (¬6). والرابع: إذا تزوج امرأة في العدة وأصابها قبل حيضة، أو اشترى أمة فأصابها قبل الاستبراء فصار لها لبن، فإن الحرمة تقع به من الوطء الثاني. وقال ابن شعبان في هاتين: لا حكم للثاني. ومحله الأول، قال: وكذلك الأمة يغشاها اثنان في طهر واحد (¬7) وتحمل فتلحقه القافة بأحدهما وتسقط (¬8) أبوة الآخر. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 83. (¬2) قوله: (لها لبن متحرك) في (ش 1): (متحركًا). (¬3) في (ح) و (س): (يحركه). (¬4) قوله: (الدر) بياض في (ش 1). (¬5) قوله: (عند الوضع، ضعف أمر الثاني؛ لأنه ليس سببًا له) في (ش 1): (عند الوضع معه أمر الثاني، ولأنه ليس بسبب له). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 82. (¬7) قوله (واحد) ساقط من (ب). (¬8) قوله: (وتسقط) في (ش 1): (ويسقط).

وكذلك جعل الجواب إذا وطئ حاملًا من غيره. قال: وإن كان قد غدا في سمعه وبصره، فلا ينظر إلى ما (¬1) أحيا ما له (¬2) أصل ثابت. وكل (¬3) هذا بخلاف ما تقدم لمحمد وغيره، وهو أحد قولي مالك في "كتاب ابن حبيب"، والأول أصوب، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَسْقِ مَاءَكَ (¬4) زَرْعَ غَيْرِكَ" (¬5). ولحديث أبي الدرداء، قال: أَتَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى امْرَأَةٍ مُجِحٍّ عَلَى بَابِ الفُسْطَاطِ -يريد من السبي- فَقَالَ: "لَعَلَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُلِمَّ بِهَا؟ " قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: "لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنةً تَدْخُلُ مَعَهُ (¬6) فِي قَبْرِهِ، كيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لاَ يَحِلُّ لَهُ، وَكَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لاَ يَحِلُّ لَهُ". أخرجه مسلم (¬7). فرأى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لو وطأ لصار له به (¬8) شركٌ يمنعه أن يستخدمه أو يورث عنه. وفيه دليل لمن قال: يعتق عليه، ولو كان بمنزلة الرضاع، لجاز له ملكه واستخدامه وورث عنه. وأما الزنا، ففرق محمد بين الولد الذي تلده (¬9) عن ذلك الزنا وبين اللبن، فأوقع الحرمة بينه وبين الولد إن ولدت صبيا (¬10). قال: وإن أرضعت بذلك ¬

_ (¬1) قوله: (ما) ساقط من (ب) و (ش 1). (¬2) قوله: (له) في (ش 1): (به). (¬3) قوله: (وكل) في (ح) و (س): (وكان). (¬4) قوله: (لا تسق ماءك) في (ش 1): (لا يسق ماؤك). (¬5) سبق تخريجه، ص: 2155. (¬6) قوله: (تدخل معه) في (ش 1): (يدخل بها). (¬7) أخرجه مسلم: 4/ 161، في باب تحريم وطء الحامل المسبية, من كتاب النكاح، برقم (3635). (¬8) قوله: (به) ساقط من (ب). (¬9) في (ب): (يلده)، وفي (ش 1): (يلد). (¬10) قوله: (صبيا) في (ح) و (س) و (ش 1): (صبية).

فصل [فيمن يحرم بلبن الفحل]

اللبن صبية، ثم تزوجها الذي زنا بالتي أرضعتها لم أحكم بفراقها، وإن كنت أحب أن يجتنبها (¬1). فصل [فيمن يحرم بلبن الفحل] وإذا كان اللبن للفحل فإنَّه يحرم عليه من ارتضع ذلك اللبن؛ لأنَّها ابنته، وبناتها (¬2) وبنات بناتها وبنات بنيها؛ لأنهنَّ ولد ولد، وَتحرِّمُ تلك الصَّبيةُ (¬3) على ابنها بنات ذلك الفحل؛ لأنهن أخواته، وأمهاته لأنهن جداته، وأخواته لأنهن عماته، وزوجاته لأنهن زوجات أب. وإذا كان لرجل امرأتان فأرضعت إحداهما صبيًا والأخرى صبية، لم يتناكحا لأنهما أخوان لأب. وامرأة الابن من الرضاع حرام. وقال محمد في صغير في الحولين يرضَع زوجة (¬4) أبيه أو وصيه -امرأة بالغة- ثُم فرق بينهما فتزوجت رجلًا وولدت منه (¬5)، ثُم أرضعت بذلك اللبن الزوج الذي فرقت منه، فإنَّها تحرم على الزوج الثَّاني؛ لأنها من حلائل الأبناء (¬6). ولو زوج السيد عبدًا صغيرًا يرضع في الحولين أمة كبيرة، ثُم وطئها السيد فحملت فولدت فأرضعت بلبنها ذلك زوجها في الحولين قبل فطامه، حرمت ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 83. (¬2) قوله: (وبناتها) ساقط من (ح) و (س). (¬3) قوله: (الصبية) ساقط من (ش 1). (¬4) في (ب): (زوجه). (¬5) قوله: (منه) ساقط من (ح) و (س). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 79.

فصل [في أن الرضاع يحرم ما يحرمه النسب]

على زوجها؛ لأنَّه صار ولدًا لها، وعلى سيدها لأنها حليلة ولده، وتعتق عليه لأنها أم ولد حرم وطؤها. قال: وكذلك لو لم يصبها السيد وأعتقها واختارت نفسها وتزوجت غيره فحملت وأرضعت بذلك اللبن الصغير الذي كان زوجها (¬1)، لحرمت على الثَّاني لأنَّها من حلائل الأبناء. وقال ابن القاسم في ذات زوج أرضعت صبيًا بلبنه ولها ولد منه وولد (¬2) من غيره، ولزوجها ولد من غيرها: إنَّ الصبي الأجنبي يحرم عليه ولدها من هذا الزوج ومن غيره، ويحرم عليه بنات زوجها هذا منها ومن غيرها؛ لأنه أب له (¬3). فصل [في أن الرضاع يحرم ما يحرمه النسب] قال الله سبحانه: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} الآية (¬4) [النساء: 23]. وكل من ارتضع امرأة كانت بذلك الرضاع أمَّا وابنتها أختًا له بالقرآن (¬5)، فتحرم عليه تلك المرأةُ وكلُّ من ولدته وإن لم يرضعها، وكل من ارتضعها وإن لم تلده لأنهن أخواته، ويحرم عليه بناتهن وبنات بناتهن وبنات بنيهن (¬6)؛ لأنهن بنات (¬7) ¬

_ (¬1) قوله: (زوجها) في (ح) و (س): (زوجا لها). (¬2) قوله: (منه وولد) ساقط من (ح) و (س). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 80. (¬4) قوله: (الآية) ساقط من (ح) و (س). (¬5) قوله: (له بالقرآن) ساقط من (ح) و (س). (¬6) قوله: (وبنات بنيهن) ساقط من (ب). (¬7) قوله: (أخواته، ويحرم عليه بناتهن وبنات بناتهن وبنات بنيهن؛ لأنهن بنات) ساقط من (ش 1).

فصل [في صفة الظئر]

إخوة (¬1) وبنات أخوات، وأخوات اللاتي أرضعته لأنهن خالات، وأمهاتها لأنهن جدات. وإذا كان للمرأة ولدان ولأحد الولدين صبي وللآخر صبية فأرضعت الجدة أحد الأولاد، لم يحل أحدهما للآخر؛ لأنَّها إن أرضعت الصبي صار عمًّا للصبية، وإن أرضعت الصبية صارت عمَّة للصبي. وإن أرضعت امرأة بنت بنتها، لم تحل لابن خالتها؛ لأنَّها صارت خالة للصبي. وقال محمد فيمن طلَّق امرأة بعد أن بنى بها أو تلذذ، ثم تزوج مرضعة فأرضعتها المطلقة: حرمت الزوجة على زوجها؛ لأنها من الربائب المدخول بأمهاتهن. ولو أرضعت امرأة أختها، ثم تزوجت الكبيرة، كانت تلك الأخت بنتًا لها وربيبة لهذا الزوج وله أن يرى شعرها. فصل [في صفة الظئر] ويستحب أن تكون الظئر ذات عقلٍ، عفيفةً عن الفاحشة، سالمةً من العيوب التي يتقى حدوث مثلها في المرضع، ويكره أن تكون حمقاء، أو فاجرةً، أو جذماء، لما روي عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن رضاع الحمقى والفاجرة (¬2)، وقال: "إِنَّ الرَّضَاعَ يُغَيِّرُ الطِّبَاعَ" (¬3). ¬

_ (¬1) قوله: (أخوة) في (ش 1): (أخوات). (¬2) قوله: (لما روي عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن رضاع الحمقى والفاجرة) ساقط من (ش 1). (¬3) أخرجه القضاعي في مسند الشهاب: 1/ 56، برقم (35).

وروي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: إذا استرضع أحدكم فليستحسن (¬1). وأرى أن يجتنب مثل (¬2) ذلك من زوج الظئر وأخيها إن قدر (¬3) على ذلك؛ لأن الولد ينزع إلى الأب والخال. واختلف في استرضاع النصرانية: فكرهها في "المدونة" (¬4) خيفة أن تطعمه الخنزير أو تسقيه الخمر، ولم يكرهه من جهة الدين. قال مالك: وقد يكون لها طباع حسنة من عفاف وسخاء ومحاسن الأخلاق، وليس الطباع في الدين (¬5). وقال في كتاب ابن حبيب: لا بأس ما لم يتخوف أن تطعمه ما حرم الله عز وجل (¬6). وقال ابن القاسم: كان مالك يكرهه، ويقول: إنما غذاء الصبي مما يأكلن، وهن يأكلن لحم (¬7) الخنزير ويشربن الخمر (¬8). ففي القول الأول: يجوز إذا كان رضاعه عن أبويه، ويسقط الاعتراض بما تطعمه، ويبقى الاعتراض من جهة اللبن في نفسه؛ لأنه نجس في أحد القولين في عرق السكران؛ لأن الجسم ينجس، وُينَجِّسُ اللبن بنجاسته ما يكون عنه، ولنجاسة الوعاء، كما قال في (¬9) المرأة تموت إن لبنها نجس. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 85. (¬2) قوله: (مثل) ساقط من (ش 1). (¬3) في (ش 1): (إن كان يقدر). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 303. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 85. (¬6) قوله: (وقال في كتاب ابن حبيب: لا بأس ما لم يتخوف أن تطعمه ما حرم الله -عز وجل-) ساقط من (ح) و (س) و (ش 1). (¬7) قوله: (لحم) ساقط من (ب) و (ش 1). (¬8) انظر: المدونة: 2/ 303. (¬9) زاد في (ب): (لبن).

واختلف في استرضاع الحامل، فوقع في غير موضعه جوازه. وقال في كتابا الإجارة: إن حملت تنفسخ الإجارة. وهو أحسن؛ لأنَّ رضاع الحامل مضر بالولد وربَّما أدَّى إلى موته. واختلف في الغيلة ما هي؟ فقال مالك: أن يطأ الرجل امرأته وهي ترضع. وقيل: أن ترضعه وهي حامل (¬1). والأول أحسن؛ لأنَّ رضاع الحامل مضرٌّ وهو مما نهي عنه (¬2)، والنَّبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينه عن الغيلة وأخبر أنها ليست بمضرة (¬3) (¬4)، فكان محمله على الوجه الآخر أبين، ولا يحمل على ما علم منه الضرر. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 297. (¬2) قوله: (وهو مما نهي عنه) ساقط من (ح) و (س). (¬3) في (ش 1): (مضرة). (¬4) أخرجه مسلم: 2/ 1066، في باب جواز الغيلة وهي وطء المرضع وكراهة العزل، من كتاب النكاح، برقم (1442) بلفظ: (لقد هممت أن أنهى عن الغيلة حتى ذكرت أن الروم وفارس يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم).

باب في الرجل يتزوج صبية مرضعة فترضعها أمه أو أخته, أو يتزوج مرضعتين فترضعهما أجنبية أو امرأة له أخرى

باب في الرجل يتزوج صبية مرضَعةً فترضعها أمه أو أخته, أو يتزوج مرضَعتين فترضعهما (¬1) أجنبية أو امرأة له أخرى ومن تزوج مرضَعةً (¬2) فأرضعتها أمُّه أو أخته؛ حرمت عليه ووقعت الفرقة؛ لأنها تصير برضاع أمِّه أختًا له، وبرضاع أخته بنت أخت (¬3). قال ابن القاسم: ولا صداق لها على الزوج، ولا على التي أرضعت وإن تعمدت الفساد (¬4). وإن تزوج مرضعتين، فأرضعتهما أمُّه أو أخته أو امرأة أجنبية أو امرأة له أخرى، افترق الجواب، فإن أرضعتهما أمه أو أخته (¬5)، حرمتا عليه جميعًا لأنهما أخوات أو بنات أخوات، وإن أرضعتهما امرأة أجنبية، كان له أن يحبس إحداهما، وهو بالخيار بين أن يمسك التي أرضعت أولًا أو آخرًا و (¬6) يفارق الأخرى. وكذلك إن أرضعتهما امرأة له أخرى ولم يكن دخل بها، كان بالخيار في المرضَعتين (¬7) يمسك إحداهما ويفارق الأخرى؛ لأنها ربيبة لم يدخل بأمِّها، ¬

_ (¬1) زاد بعده في (ب): (امرأة). (¬2) قوله: (مرضَعةً) ساقط من (ش 1). (¬3) زاد بعده في (ش 1): (له). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 302، 303. (¬5) قوله: (أو امرأة أجنبية أو امرأة له أخرى، افترق الجواب، فإن أرضعتهما أمه أو أخته) ساقط من (ش 1). (¬6) قوله: (و) في (ش 1): (أو). (¬7) في (ب): (الموضعين).

وتحرم الكبيرة لأنها من أمَّهات نسائه، فإن دخل بها حرم الجميع، فيحرم الصغار لأنهنَّ الرَّبائب المدخول بأمهاتهن، ولأنهن بناته إذا كان اللبن منه، وتحرم الكبيرة لأنَّها من أمهات نسائه, ولا صداق للكبيرة إن لم يكن دخل بها، لأن الفسخ والمنع (¬1) جاء من قبلها (¬2)، ولا صداق للصغار أيضًا (¬3) إذا كان قد دخل بالكبيرة؛ لأنَّه فسخ بغير طلاق، ولأنَّه مغلوب على الفراق ولا سبب له فيه، وليس بمنزلة من يكون له فيها خيار، إلا أن يكون هو الآمر للكبيرة بالرضاع فيكون عليه لهما الصداق. واختلف إذا كان الرَّضاع قبل الدخول بالكبيرة فكان بالخيار في المرضعتين، هل يكون (¬4) للتي يفارق صداق (¬5)؟ فقال محمد: لها ربع (¬6) صداقها؛ لأنه لو فارقهما جميعًا قبل أن يختار كان النصف بينهما. وفي (¬7) "كتاب ابن حبيب": لها نصف الصداق. وجعله بمنزلة من طلق بالطوع. وذكر (¬8) الشيخ أبو محمد ابن أبي زيد عن ابن القاسم: ألا شيء عليه للتي طلق (¬9)، لوجوب الطلاق. ¬

_ (¬1) قوله: (والمنع) ساقط من (ح) و (س). (¬2) قوله: (لأن الفسخ والمنع جاء من قبلها) ساقط من (ش 1). (¬3) قوله: (أيضًا) ساقط من (ش 1). (¬4) قوله: (يكون) ساقط من (ح) و (س) و (ش 1). (¬5) قوله: (صداق) في (ش 1): (صداقها). (¬6) قوله: (ربع) ساقط من (ش 1). (¬7) قوله: (وفي) في (ش 1): (وقال في). (¬8) قوله: (وذكر) في (ش 1): (وحكى). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 80.

ووجه القول (¬1) بوجوب الصداق؛ لأنه طلاق لا فسخ ولا سبب لها فيه، ولأنَّه كان قادرًا على أن يختارها ويمسكها دون الأخرى (¬2)، ولأنَّ ذلك مصيبة نزلت به كموتها لو ماتت (¬3) فإن مصيبة ذلك (¬4) منه، ويغرم الصداق. ووجه القول بسقوط الغرم؛ لأنَّه مغلوب على الفراق وإنَّما ورد القرآن بغرم النصف (¬5) فيمن طلق طوعًا، ولا يشبه هذا موتها؛ لأنَّ البضع (¬6) ها هنا موجودٌ تبيعه، وتأخذ به (¬7) العوض من غيره (¬8) إن أحبَّت، ففارق الموتَ، وليست كالتي أجذَمت (¬9) بعد العقد قبل الدخول (¬10) أنه يغرم نصف الصداق (¬11) إن طلق (¬12)؛ لأنَّه في معنى الهالك لا تأخذ له عوضًا (¬13) ولا يتزوجها أحد، وإن تزوجت فيما لا خطب له. ثُمَّ يختلف في الكبيرة التي أرضعتها، هل تغرم ذلك النَّصف للزوج إن ¬

_ (¬1) قوله: (لوجوب الطلاق. ووجه القول) ساقط من (ح) و (س) و (ش 1). (¬2) قوله: (ويمسكها دون الأخرى) ساقط من (ح) و (س) و (ش 1). (¬3) قوله: (لو ماتت) ساقط من (ح) و (س) و (ش 1). (¬4) قوله: (مصيبة ذلك) في (ح) و (س) و (ش 1): (المصيبة). (¬5) قوله: (بغرم النصف) يقابله في (ح) و (س): (بالنصف). (¬6) في (ش 1): (المبيع). (¬7) قوله: (به) ساقط من (ش 1). (¬8) قوله: (من غيره) يقابله في (ح) و (س): (منه ومن غيره). (¬9) بعدها في (ح): (حرمت)، وفي (ش 1): (أخذ). (¬10) قوله: (قبل الدخول) ساقط من (ح) و (س). (¬11) قوله: (أنه يغرم نصف الصداق) في (ح) و (س): (فله نصف الصداق). (¬12) قوله: (بعد العقد قبل الدخول لأنه يغرم نصف الصداق إن طلق) ساقط من (ش 1). (¬13) قوله: (تأخذ له عوضًا) في (ش 1): (يؤخذ لها عوض).

غرمه الزوج أو للصغيرة إن لم يغرمه على قول ابن القاسم؟ فأما غرمها على الزوج (¬1)، فيختلف فيه قياسًا إذا شهد عليه بطلاق قبل الدخول، ثم رجعت البينة عن الشهادة واعترفت بالزور (¬2)، فقال ابن القاسم: يرجع على البينة بنصف الصداق. وقال أشهب: لا رجوع له؛ لأنَّه لم يوجب عليه إلا ما كان يلزمه لو طلق. والأول أحسن؛ لأنَّه لم يختر الطلاق وإنما اشترى شيئًا وبذل له العوض (¬3)، وحيل بينه وبين قبضه وأغرم الثَّمن، وإذا لم يغرم الزوج، فإنه يختلف هل للصبية رجوع على التي أرضعتها؟. فإذا قيل: الوجه ألا (¬4) شيء على الزوج؛ لأنَّه حيل بينه وبين قبض المبيع، كان لها أن ترجع عليها؛ لأنَّها تقول كان لي دين أسقطته (¬5) بفعلك. وإذا قيل: الوجه في سقوط الغرم عن الزوج لأنَّ المبيعَ موجودٌ تبيعه وتأخذ عنه العوض ولم يهلك لها (¬6) شيء (¬7)، لم يكن لها عليه (¬8) شيء؛ لأنَّ الوجه الذي سقط به الغرم عن الزوج هو الذي سقط به مقالها مع التي أرضعتها، وهذا هو الأصل إذا بقي المبيع بيد البائع. ¬

_ (¬1) قوله: (على الزوج) في (ش 1): (للزوج). (¬2) قوله: (عن الشهادة واعترفت بالزور) ساقط من (ح) و (س) و (ش 1). (¬3) في (ب): (العرض). (¬4) قوله: (ألا) في (ش 1): (لا). (¬5) في (ب) و (ح) و (س): (أسقطه). (¬6) زاد بعده في (ش 1): (عليها). (¬7) قوله: (ولم يهلك لها شيء) ساقط من (ح) و (س). (¬8) قوله: (عليه) في (ب) و (ش 1): (عليها).

باب في الشهادة على الرضاع وإقرار أحد الأبوين أو أحد الزوجين بالرضاع

باب في الشهادة على الرضاع وإقرار أحد الأبوين أو (¬1) أحد الزوجين بالرضاع حكم الرَّضاع (¬2) يثبت بوجهين، بشهادة امرأتين عدلتين إذا كان ذلك قد فشا وعرف من قولهما، وباعتراف أحد الزوجين. واختلف في أربع مسائل (¬3): في شهادة امرأتين إذا لم يكن ذلك قد عرف وفشا ولا (¬4) سمع منهما قبل ذلك. وفي شهادة المرأة الواحدة إذا كان قد فشا ذلك وسمع (¬5) من قولهما قبل. وفي إقرار أحد الأبوين بالرَّضاع. فقال مالك و (¬6) ابن القاسم في شهادة امرأتين: إذا كان قد فشا ذلك وسمع (¬7) من قولهما فرق بينهما، وإلا لم يقبل (¬8). وقال مطرف، وابن الماجشون، وابن وهب، وابن نافع، وأصبغ في "كتاب ابن حبيب": يفرق بينهما بشهادتهما إذا كانتا عدلتين وإن لم يكن سمع منهما (¬9). وهو أبين، وقد يكون سكوتهما لأنَّه لم يحتج إلى شهادتهما فلما توجه الأداء ¬

_ (¬1) قوله: (أو) في (ش 1): (و). (¬2) في (ش 1): (الرضاعة). (¬3) قوله: (أربع مسائل) في (ح) و (س) و (ش 1): (أربعة). (¬4) قوله: (ذلك قد عرف وفشا ولا) ساقط من (ح) و (س). (¬5) قوله: (وسمع) ساقط من (ح) و (س). (¬6) قوله: (مالك و) ساقط من (ش 1). (¬7) في (ش 1): (وعرف). (¬8) انظر: المدونة: 2/ 300. (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 83، 84.

عليهما (¬1) ذكرتا ذلك وشهدتا به (¬2)، إلا أن يعقد النكاح بحضرتهما ويعلمان ذلك، ولا يذكرانه ولا ينكرانه (¬3) (¬4). وقال مالك في شهادة المرأة الواحدة: لا توجب تحريمًا (¬5). وقال في "كتاب محمد": لا تقطع شهادة المرأة الواحدة شيئًا، إلا أن يكون ذلك قد فشا (¬6) في صغرهما عند الأهين والمعارف (¬7). قال محمد (¬8)، وقال أيضًا مالك (¬9): لا أرى أن يقضى بشهادة المرأة الواحدة، ولكن أحب للزوج ألا يقربها وأن يصدقها (¬10). ولم يختلف المذهب إذا لم يكن سمع ذلك من قولها أنه لا يحكم بالفراق، ولكن يؤمر بذلك من غير حكم، وإن كانت عدلة كان ذلك آكد في تنزهه عنها (¬11). وقال ابن القاسم في "المدونة": إن شهدت أمُّ الزوجِ وأم (¬12) الزوجة على الرَّضاع، لم تقبل شهادتهما إلا أن يكون قد فشا ذلك وعرف من قولهما. ¬

_ (¬1) قوله: (الأداء عليهما) في (ش 1): (الآن لهما). (¬2) قوله: (ذكرتا ذلك وشهدتا به) في (ح) و (س): (شهدتا). (¬3) في (ب) و (ح) و (س): (أنكرتا). (¬4) قوله: (ولا يذكرانه ولا أنكرتا في (ح) و (س): (ينكرانه). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 300. (¬6) زاد بعده في (ش 1) (وعرف). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 84. (¬8) قوله: (قال محمد) ساقط من (ش 1). (¬9) قوله: (مالك) ساقط من (ب) و (ش 1). (¬10) انظر: المدونة: 2/ 300، 301. (¬11) قوله: (وأن يصدقها. . . كان ذلك آكد في تنزهه عنها) ساقط من (ح) و (س) و (ش 1). (¬12) قوله: (أم) ساقط من (ش 1).

فجعلهما كالأجنبيتين (¬1). وعلى قوله لا تقبل شهادة إحداهما أنها (¬2) أرضعت الأخرى (¬3). وقال محمد: إذا قالت الأم لخاطب ابنتها: إنها أختك من الرضاعة، ثم قالت: وهمت، أو أردت بذلك اعتذارًا؛ حرمت ولا يقبل رجوعها، وكذلك الأب، ولو تزوجت فرق السلطان بينهما (¬4). وإلى هذا ذهب ابن حبيب (¬5)، وقال ابن حبيب: قول مالك وأصحابه، إذا قالت المرأة ذلك في ابنتها أو ابنها، أو قاله الأب في ولده، أن الفرقة تقع بينهما بذلك، ويحكم بالفراق إذا قالوه قبل النكاح (¬6). واختلف أيضًا إذا قالت امرأة أجنبية أنا أرضعتهما، فقال ابن القاسم: لا يفرق القاضي (¬7) بينهما بقولها، وإن كان قد عرف من قولها (¬8). وقال الليث: إذا قالت قد أرضعتكما، لم يتناكحا. قال: ولو ذكرت ذلك عند النكاح ولم تتهم أنها أرادت ضررًا، رأيت ألَّا يقر (¬9) نكاحهما (¬10)، ولو كانت (¬11) يهودية ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 300. (¬2) قوله: (وعلى قوله لا تقبل شهادة إحداهما أنها) في (ش 1): (وعلى قول إحداهما أنها). (¬3) قوله: (الأخرى) في (ح) و (س): (الآخر). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 83. (¬5) قوله: (وإلى هذا ذهب ابن حبيب) ساقط من (ش 1). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 83. (¬7) قوله: (القاضي) ساقط من (ح) و (س). (¬8) انظر: المدونة: 2/ 300. (¬9) في (ح) و (س): (يقرر). (¬10) قوله: (نكاحها) زيادة من (ب). (¬11) قوله: (ألَّا يقر نكاحها، ولو كانت) في (ش 1): (ألا يفرق، وإن كانت).

أو نصرانية، وهذا لحديث عقبة بن الحارث، قال: يا رسول الله إني تزوجت امرأة فاتت امرأة, فقالت: إني قد أرضعتكما، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فكَيْفَ وَقَدْ قِيلَ؟ دَعْهَا عَنْكَ". أخرجه البخاري ومسلم (¬1). ومحمل قول ابن حبيب (¬2) في ألا يقبل قولها بعد العقد على أنها كانت (¬3) حاضرة العقد، فلم تنكر ثم قامت بعد ذلك (¬4)، وهي بمنزلة من عنده شهادة فعمل بخلافها بحضرته ولم ينكر ثم رفعها. ولو كانت غائبة فلما (¬5) قدمت وعلمت (¬6) أنكرت؛ قبل قولها، وهذا إذا كانت شهادتها أنها أرضعتهما، ولو شهدت على أم أحدهما أنها أرضعتهما، أو على رضاع أجنبية، لسئلت تلك الأم أو الأجنبية، فإن قالت مثل ذلك وقعت الحرمة؛ لأنها شهادة من امرأتين، وإن أنكرت ضعف قولها. وإن ماتت التي ادعت أنها أرضعت، أو غابت غيبةً بعيدةً، كان قولها بمنزلة غير الأم. وأما قول الأب، فإن شهد بذلك على ولده البالغ، كان قوله بمنزلة قول الأجنبي. وإن كان ذلك في صغر الولد أو في ابنته ثم عقد عليهما، لم يجز وفسخ؛ لأنَّه مقرٌّ على نفسه أنه عقد عقدًا فاسدًا، فإن كَبُرَ الصبي ورشد كان قول الأب في ذلك بمنزلته لو لم يعقده قبل، وقد كان يقال إنَّه حكم مضى ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري: 2/ 941، في باب شهادة المرضعة، من كتاب الشهادات، برقم (2517)، ولم أقف عليه في صحيح مسلم. (¬2) قوله: (ومحمل قول ابن حبيب) في (ش 1): (ومحمول قول ابن القاسم). (¬3) قوله: (كانت) ساقط من (ش 1). (¬4) قوله: (ثم قامت بعد ذلك) في (ح) و (س): (ثم ادعت ذلك). (¬5) قوله: (فلما) ساقط من (ح) و (س). (¬6) قوله: (وعلمت) ساقط من (ح) و (س).

فصل [في اعتراف الزوج بالرضاع]

فلا يحل أبدًا، وليس بحسن؛ لأنَّ الفسخ لم يكن لأنَّ الرَّضاع قد (¬1) ثبت، وإنما كان لأنَّ العقد قام لمن يقر أنه عقد عقدًا لا يحل، إلا على ما قاله محمدٌ إن قوله كقول الأم (¬2). فصل [في اعتراف الزوج بالرضاع] اعتراف الزوج بالرَّضاع يوجب الفراق، وسواء كان اعترافه قبل النكاح (¬3) أو بعده. واعتراف الزوجة يوجب الفراق إذا سمع منها (¬4) قبل العقد، وإن كان اعترافها بعد العقد، كان موقوفًا على تصديق الزوج (¬5)، فإن صدقها الزوج فرق بينهما، وإن كذبها لم يفرق. وإذا كانت الفرقة لاعتراف الزوج (¬6) وكان قد دخل بها، كان لها الصداق (¬7)، وسواء كان اعترافه قبل العقد أو بعده، أو قبل الدخول أو بعده، فإن فرق بينهما قبل الدخول افترق الجواب، فإن (¬8) كان اعترافه قبل العقد، لم يكن عليه صداقٌ، وإن كان اعترافه بعد العقد، كان عليه نصف الصداق؛ لأنه ¬

_ (¬1) قوله: (قد) زيادة من (ح) و (س) (ش 1). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 83. (¬3) قوله: (النكاح) في (ش 1): (الدخول). (¬4) قوله: (سمع منها) في (ب): (شهد على اعترافها). (¬5) قوله: (كان موقوفًا على تصديق الزوج) ساقط من (ح) و (س) و (ش 1). (¬6) المثبت من (ب)، وفي غيرهما: (الزوجة). (¬7) في (ح) و (س): (صداق المثل). (¬8) قوله: (فإن) في (ش 1): (وإن).

يتهم أن يكون ندم فقال ذلك ليسقط عن نفسه الصداق (¬1)، إلا أن تصدقه الزوجة فلا يكون لها شيء. وإن كانت الفرقة لاعتراف الزوجة، لم يكن لها صداق، وسواء اعترفت قبل العقد أو بعده، وفرق بينهما قبل الدخول أو بعده؛ لأنَّها هي التي (¬2) غرت الزَّوج وأتلفت على نفسها، إلا أن يعترف الزَّوج أنه كان عالمًا، فيكون لها الصداق إذا وقع الدخول. وإن أقر أحد الزوجين أنَّهما أخوان ثم رجع عن ذلك، لم يقبل رجوعه وأخذ بقوله الأول. قال مالك: ومن تزوج امرأة فشهد على المرأة أنها لم تزل تقول للذي تزوجها أخي، فليس هذا بشيء (¬3)، وهذا من كلام النساء كثير (¬4) ولا يحرم (¬5) مثل ذلك (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (لأنه يتهم أن يكون ندم فقال ذلك ليسقط عن نفسه الصداق) ساقط من (ح) و (س) و (ش 1). (¬2) قوله: (هي التي) ساقط من (ح) و (س) و (ش 1). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 84. (¬4) قوله: (كثير) ساقط من (ش 1). (¬5) قوله: (ولا يحرم) في (ش 1): (فلا تحريم). (¬6) قوله: (كثير ولا يحرم مثل ذلك) في (ح) و (س): (ولا يحرم).

باب [في رضاع الأم ولدها والأجرة في ذلك]

باب [في رضاع الأم ولدها والأجرة في ذلك] لا يخلو رضاع الأم ولدها من خمسة أقسام: إما أن تكون هي زوجة لأب الصبي (¬1)، أو في عدة من طلاق رجعي، أو بائن، أو في عدة وفاة، أو في غير عدة. فإن كانت زوجة كان عليها رضاعه بغير عوض، لقول الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} قال: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233]. فعلم أن ذلك مع بقاء الزوجية؛ لأن الرضاع مع عدم الزوجية لا يستحق له رزق ولا كسوة (¬2). وكذلك إن كانت في عدة من طلاق رجعي، لا أجر لها -كالتي لم تطلق (¬3) - لأن لها النفقة والكسوة كالزوجة، وإن كانت في غير عدة، أو في عدة من طلاق (¬4) بائن أو وفاة، كان لها الأجر لأنها لا نفقة لها ولا كسوة (¬5) (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (إما أن تكون هي زوجة لأب الصبي) في (ب): (إما أن يكون وهي زوجة في عصمة أب الصبي). (¬2) قوله: (يستحق له رزق ولا كسوة) في (ح) و (س): (تستحق له رزقا ولا كسوة). (¬3) قوله: (كالتي لم تطلق) ساقط من (ح) و (س) و (ش 1). (¬4) قوله: (من طلاق) ساقط من (ش 1). (¬5) قوله: (لأنها لا نفقة لها ولا كسوة) ساقط من (ش 1). (¬6) قوله: (كان لها الأجر لأنها لا نفقة لها ولا كسوة) ساقط من (ح) و (س).

فصل [في أن الرضاع يلزم الأم]

فصل (¬1) [في أن الرضاع يلزم الأم] الرضاع يلزم الأم مع الزوجية إذا كان مثلها يرضع، فإن كانت ذات شرف لم يكن عليها إرضاعه (¬2)؛ لأنَّ العادة في مثلها ألَّا ترضع ولدها، وإنما يدخل في ذلك على العادة في مثلها (¬3) أن الأب يتكلف ذلك بغيرها. فإن قالت: أنا أرضعه بأجرة، الاستحسان ألا شيء؛ لأنها إذا رضيت بذلك صارت بمنزلة غيرها ممن ليس ذا شرف، والقياس (¬4) أن (¬5) ذلك لها؛ لأنَّها تقول: متضمن عقد نكاحي ألا رضاع عليَّ (¬6) وأني (¬7) في ذلك كالأجنبية ومنعني من ذلك ضرر بولدي من غير منفعة للزوج؛ لأنَّها إن لم تعط (¬8) لم ترضعه وأرضعه غيرها بأجر، فكذلك إن لم يقبل غيرها فلها أن ترضعه بأجر، إلا أن يعسر الأب فيكون عليها رضاعه. ويستوي عند عسر الأب ذات الشرف والدنيئة؛ لأنَّ رضاعه على الأب مع اليسر من حق الزوجة على الزوج، ومع العسر من حقِّ الولد على الأمِّ، ويكون الولد حينئذٍ بمنزلة من لا أب له، فعلى الأمِّ رضاعه وإن كانت ذات شرف. ¬

_ (¬1) قوله: (فصل) ساقط من (ش 1)، وفي (ح) و (س): (و). (¬2) قوله: (إرضاعه) يقا بله في (ح) و (س): (رضاع). (¬3) في (ب): (أمثلها). (¬4) قوله: (الاستحسان ألا شيء, لأنها إذا رضيت بذلك صارت بمنزلة غيرها ممن ليس ذا شرف، والقياس) ساقط من (ح) و (س) و (ش 1). (¬5) في (ش 1): (كان). (¬6) قوله: (رضاع عليَّ) في (ح) و (س): (أرضع). (¬7) في (ش 1): (وأنا). (¬8) قوله: (لم تعط) ساقط من (ح) و (س).

فصل [في نفقة الحامل وكسوتها]

وإذا كانت ممن يرضع مثلها فلم يكن لها لبن، أو كان فانقطع، أو كان دون كفاية الولد لقلته، أو مرضت، أو حملت، كانت الإجارة على الأب إذا كان قادرًا عليها (¬1)، وإن كان معدمًا والأم موسرة، لم يكن عليها أن تستأجر له. وفي "كتاب محمد": عليها أن تستأجر له (¬2). وليس بحسن؛ لأنَّ رضاعه لم يكن في ذمتها فتكلف شراؤه إذا عجزت عنه، وإنما كان معلقًا بلبنها، فإذا لم يكن لها (¬3)، لم تطالب بالعوض عنه. فصل [في نفقة الحامل وكسوتها] وقال في كتاب (¬4) محمد: إذا كانت حاملًا في عدة من طلاق بائن وهي ترضع، فلها النفقة والكسوة وأجر الرضاع (¬5). وفارقت عنده ذات الزوج؛ لأنَّ النفقة والكسوة لها بحق الزوجية، ولا يزاد عليه لمكان الحمل والرَّضاع شيء، وهذه لم تكن تستحق قبل الزوج شيئًا (¬6) إذا كانت غير حامل، فاستحقت النفقة والكسوة بالفراق (¬7) إذا كانت حاملًا وكان لها ألا ترضعه؛ لأنها ليست بزوجة، فلما كان لها ألا ترضعه وكان على ¬

_ (¬1) قوله: (إذا كان قادرًا عليها) ساقط من (ح) و (س) و (ش). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 52. (¬3) قوله: (لها) ساقط من (ح) و (س). (¬4) قوله: (في كتاب) ساقط من (ح) و (س) و (ش 1). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 50. (¬6) من قوله: (وهذه لم تكن. . .) مثبت من (ب) وفي باقي النسخ: (ما لم يكن تستحق قبل الزوج). (¬7) المثبت من (ب)، وفي باقي النسخ (بالقرآن).

فصل [فيما إذا انقضت عدة المطلقة]

الأب أن يستأجر له فرضيت برضاعه؛ كانت لها الأجرة، وهذا إذا كان رضاعها حاملًا لا يضرُّ بالولد. فصل (¬1) [فيما إذا انقضت عدة المطلَّقة] وإذا انقضت عدة المطلَّقة، كان لها أجر الرضاع، فإن كان الولد علقها (¬2) كان لها إجارة مثلها، ولا قول لها إن طلبت فوق ذلك، ولا له إن طلب دونه (¬3). وإن كان يقبل (¬4) غيرها، وقالت: لا أرضع (¬5) إلا بعشرة، (¬6) وإجارة مثلها خمسة، كان (¬7) ذلك لها. وقيل: للأب إن شئت قبلت ذلك وإلا فاستأجر له. وإن كانت العشرة أجر مثلها ووجد الأب من يرضع له بخمسة، أو وجد من يرضعه (¬8) باطلًا (¬9) وهو موسر، كان فيها قولان، فقال مرة: القول قولها. وقال ¬

_ (¬1) قوله: (فصل) ساقط من (ح) و (س) و (ش 1). (¬2) في (ح) و (س) و (ش 1): (فإن طلَّقها). (¬3) في (ح) و (س): (دون ذلك). (¬4) في (ح) و (س): (وإن لم يقبل). (¬5) في (ش 1): (لا أرضى). (¬6) زاد بعده في (ش 1): (وكان أجر). (¬7) قوله: (كان) ساقط من (ش 1). (¬8) قوله: (وجد من يرضعه) زيادة من (ش 1). (¬9) أي بغير أجر كما هو ظاهر نص المدونة: 3/ 305 ونصه: "فقلنا لمالك فلو كان رجلا معدما لا شيء له وقد طلق امرأته البتة فوجد من ذوي قرابته أخته أو أمه أو ابنته أو عمته أو خالته من ترضع بغير أجر، فقال لأمه إما أن ترضعيه باطلا فإنه لا شيء عندي وإما أن تسلميه إلى هؤلاء الذين يرضعونه لي باطلا".

مرة: القول قوله (¬1). وأرى أن ينظر فيما بين الأجرتين، فإن كان يسيرًا كان القول قولها؛ لأنَّ الأمَّ أرفق بولدها ويصل إليه من الرفق والقيام مثل ذلك (¬2). وإن تباين ما بين الأجرتين، أو كان يجد من يرضعه له باطلًا، كان القول قول الأب إذا كانت الظئر ترضعه عند أمه. وإن قالت: إنما أرضعه عندي، لم يكن ذلك للأب؛ لأنَّ للأم حقًا في الحضانة وليس للأب أن ينتزعه منها ويحول بينها وبين ولدها. وقد قال ابن القاسم: ذلك للأب إذا كانت ترضعه عند الأم (¬3). وإن كان للظئر (¬4) ولد، لم يكن ذلك للأب؛ لأنَّ فيه (¬5) ضررًا على الولد ونقصًا في رضاعها لأنها (¬6) ترضع ابنين، وكان للأمِّ أن ترضعه بعشرة. وإن كان الأب فقيرًا لا يقدر على شيء ووجد من يرضعه باطلًا على أنَّ الولد عند الظئر، كان ذلك للأب، وهو في هذا بخلاف الموسر؛ لأنَّ رضاعه مع الفقر على الأم وهي مجبورة على رضاعه، ورضاع غيرها تخفيف عنها فكانت بالخيار بين أن ترضعه أو تسلمه. ومثله إذا وجد من يرضعه بخمسة، وهي الَّتي يقدر عليها، قيل لها: أنت بالخيار إن شئت أرضعت بذلك أو تسلميه (¬7) إليه؛ لأنك مجبورة على رضاعه ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 305. (¬2) في (ب): (ما بينهما). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 54. (¬4) قوله: (كان للظئر) في (ح) و (س): (كانت الظئر ذات). (¬5) قوله: (للأب؛ لأنَّ فيه) ساقط من (ب). (¬6) قوله: (لأنها) في (ش 1): (لكونها). (¬7) قوله: (بذلك أو تسلميه) في (ش 1): (بذلك أو أسلمية).

بخمسة لما (¬1) لم يكن الأب (¬2) يقدر على سواها (¬3). وإن كان أجر مثلها عشرين وهو يقدر على عشرة ووجد من يرضعه بخمسة على أن يكون الولد عند الظئر فرضيت أن ترضعه بعشرة، كان ذلك لها ولم ينتزع منها. ومقال الأم مع الوصي إذا كان للصبي مال قليل أو كثير كمقالها مع الأب. واختلف إذا لم يكن للولد مال، فقال في "المدونة": على الأمِّ رضاعه (¬4). وقال في "كتاب ابن الجلاب": رضاعه على (¬5) بيت المال (¬6). قال الشيخ -رحمه الله-: القول أن ذلك على بيت المال وهو الأصل (¬7)؛ لأن رضاع الأم إنما ورد في القرآن أن تأخذ على ذلك أجرًا، فإن كان فقيرًا كان كنفقته (¬8)؛ كل ذلك في بيت المال. ومحمل قول مالك إن عليها أن ترضعه على (¬9) أن رضاعه من (¬10) بيت المال يتعذر (¬11) فصار كالعدم. تم كتاب الرضاعة بحمد الله وعونه ¬

_ (¬1) قوله: (لما) في (ش 1): (فما). (¬2) قوله: (الأب) ساقط من (ح) و (س) و (ش 1). (¬3) زاد في (ح) و (س): (بخمسة). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 304. (¬5) قوله: (على) في (ش 1): (في). (¬6) انظر: التفريع: 2/ 61، 62. (¬7) قوله: (قال الشيخ -رحمه الله-: القول أن ذلك على بيت المال وهو الأصل) في (ح) و (س): (وهذا هو الاصل). (¬8) قوله: (لأن رضاع الأم إنما ورد في القرآن أن تأخذ على ذلك أجرًا، فإن كان فقيرًا كان كنفقته) في (ح) و (س): (لأن رضاعه كنفقته). (¬9) قوله: (على) ساقط من (ش 1). (¬10) في (ح) و (س): (على). (¬11) قوله: (يتعذر) ساقط من (ح) و (س).

كتاب العدة وطلاق السنة

كتاب العدة وطلاق السنة النسخ المقابل عليها 1 - (ب) = نسخة برلين رقم (3144) 2 - (ح) = نسخة الحسنية رقم (12929) 3 - (ش 1) = نسخة الشيخ أبَّاه - النباغية (شنقيط)

باب في طلاق السنة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب العدة وطلاق السُّنَّة باب في طلاق السُّنَّة (¬1) قال مالك: طلاق السُّنَّة أن يطلق الرجل امرأته طلقة واحدة طاهرًا من غير جماع، ثم يدعها حتى تنقضي العدة ولا يتبعها في ذلك طلاقًا (¬2). قال الشيخ - رضي الله عنه -: الطلاق يتضمن عددا وحالة تكون الزوجة عليها حين الطلاق. والعدد على ثلاثة أوجه: جائز، وهو واحدة رجعية، ومكروه، وهو اثنتان (¬3)، وممنوع، وهو الثلاث (¬4)، لقول الله -عز وجل- {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] من الرغبة في المراجعة والندم على الفراق، وقد علم الله -عز وجل- ذلك من عباده، فأمرهم أن يوقعوا طلاقًا رجعيًا تمكن (¬5) الرجعة معه. ويكره الاثنتان (¬6)؛ لأن الزائد على الواحدة (¬7) غير مفيد فيما يريد من ¬

_ (¬1) قوله: (باب: في طلاق السُّنَة) ساقط من (ح). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 3. (¬3) في (ح): (اثنان). (¬4) في (ش 1): (الثلاثة). (¬5) في (ب) و (ح): (يمكن). (¬6) قوله: (ويكره الاثنتان) يقابله في (ب): (وتكره الاثنان). (¬7) في (ش 1): (الواحد).

الفراق، وهو يصل بالواحدة إلى ما يصل إليه بالاثنتين، فكان إيقاع (¬1) طلقة واحدة أولى، فإذا ارتجع ثم طلق، فأدركه نَدَمٌ، كان له إلى المراجعة (¬2) سبيل. وأجاز مالك الخلع، وهو طلقة بائنة (¬3). وذكر أبو الحسن ابن القصار في تضاعيف كلام له أن ذلك يكره. وهو أحسن إذا كان كل واحد من الزوجين مؤديًا لحق صاحبه، وإن كان على غير ذلك من الشنآن وفساد الدين لم يكره، ولا يعترض إذا كان على غير ذلك بحديث (¬4) ثابت بن قيس بن شماس؛ لأنها ذكرت أنها لا تستطيع المقام معه (¬5)، وقالت: أَخَافُ الْكُفْرُ بَعْدَ الإِيمَانِ (¬6). واختلف في الثلاث في كل طهر طلقة، فكرهه مالك (¬7)، وأجازه أشهب. قال محمد: وكان أشهب لا يرى بأسًا أن يطلق في كل طهر طلقة ما لم يرتجع، فإن ارتجع وهو يريد أن يطلق فالبأس (¬8) عليه في ارتجاعه على ذلك؛ لأنه يطول عليها العدة، وفي هذا أنزل القرآن فيما بلغني قوله تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231]، فإن ارتجعها وهو يريد إمساكها، ثم بدا له أن يطلقها ¬

_ (¬1) في (ش 1): (إيقاعه). (¬2) في (ح): (الرجعة). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 242، والنوادر والزيادات: 5/ 256. (¬4) في (ش 1): (لحديث). (¬5) قوله: (معه) ساقط من (ح). (¬6) أخرجه البخاري: 5/ 2022، في باب الخلع وكيف الطلاق فيه، من كتاب الطلاق، برقم (4973). (¬7) انظر: المدونة: 2/ 3. (¬8) في (ح): (فلا بأس).

فصل [في حالات الزوجة عند الطلاق]

مكانه، فلا بأس بارتجاعه وطلاقه (¬1). وقال أيضًا فيمن أراد أن يطلق زوجته اثنتين أو ثلاثًا فقيل له: إن ذلك لا يجوز، فطلقها واحدة، ثم ارتجعها (¬2)، ثم طلقها (¬3) أخرى، ثم ارتجع، ثم طلق الثالثة، فلا بأس بالطلاق على هذه الصفات، وإن كن (¬4) في يوم. وقول مالك أبين (¬5) للآية، ولأن ما يحدث من الندم والرغبة في المراجعة إنما يكون في الغالب (¬6) بعد الطول، وبعد سكون ما أوجب الفراق. فصل [في حالات الزوجة عند الطلاق] والزوجة عند الطلاق على حالات: حالة يجوز الطلاق فيها، وحالة يكره، وحالة يمنع، وحالة مختلف فيها هل يجوز أو يكره؟ (¬7) وحالة مختلف فيها هل يجوز أو يمنع (¬8): فيجوز إذا كانت طاهرًا من غير جماع. ويكره إذا كانت في طهر قد جومعت فيه. واختلف في وجه الكراهية، فقال أبو محمد عبد الوهاب: لأنه لبَّس عليها ¬

_ (¬1) انظر تفصيل هذه الأقوال في: النوادر والزيادات: 5/ 87، 88. (¬2) في (ش 1): (ارتجع). (¬3) في (ش 1): (طلق). (¬4) في (ب): (كان). (¬5) في (ش 1): (أحسن). (¬6) قوله: (في الغالب) ساقط من (ش 1). (¬7) قوله: (وحالة مختلف فيها هل يجوز أو يكره؟) ساقط من (ش 1). (¬8) قوله: (وحالة مختلف فيها هل يجوز أو يمنع) ساقط من (ح).

في العدة، فلا تدري هل تعتد بالأقراء أو بالوضع، إن كانت حاملًا فيدركه الندم (¬1). وقيل: المعنى خوف الندم خاصة. وقد تأول بعض أهل العلم قول الله تعالى {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} (¬2) [البقرة: 228] أي: من الحمل قبل أن يوقع الطلاق (¬3)؛ لأن الزوج يحب الفراق (¬4) ما لم يكن حمل، فإذا علم أنه صار له منها ولد كَرِهَ ذلك، ولا يحب أن يوقع (¬5) عليها اسم الفراق؛ لأن ذلك يؤدي إلى وصم في حسن المعاشرة متى راجع إن ظهر ولد. ولا وجه للتعليل (¬6) أنه لبَّس عليها في العدة؛ لأن العدة لا تفتقر إلى نية، وهي تنتظر في المستقبل، فإن رأت حيضًا بنت عليه، وإن ظهر حمل انتظرت (¬7) الوضع هي، ولا يكره الطلاق في طهر مس فيه إذا كانت الزوجة ممن لا تحيض لصغر أو كبر أو مرتابة أو مستحاضة أو حاملًا. قال الشيخ: والمنع والاختلاف يتصور في الحائض، فإن كانت حائضًا مدخولًا بها كان الطلاق ممنوعًا. واختلف إذا كانت غير مدخول بها، فأجازه ابن القاسم وكرهه أشهب (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: المعونة: 1/ 661. (¬2) قوله: (قول الله تعالى) ساقط من (ش 1). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 235، 236. (¬4) في (ح): (الطلاق). (¬5) في (ش 1): (يقع). (¬6) في (ش 1): (لهذا التعليل). (¬7) في (ش 1): (انتظر). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 90.

وذكر أبو محمد عبد الوهاب عن مالك روايتين، الجواز والمنع (¬1)، فرآه مرة شرعًا فيمنع وإن لم تكن عدة ولا تطويل، ورأى مرة أخرى أن العلة في المنع التطويل، وإذا كانت غير مدخول بها جاز. ويختلف إذا كانت مدخولًا بها حاملًا، فقال ابن شعبان: يجوز الطلاق وإن كانت حاملًا (¬2) (¬3). وقال أبو محمد عبد الوهاب: يتخرج على القولين في غير المدخول بها (¬4). يريد: لأن الحامل عدتها بالوضع، حائضًا كانت أو غير حائض، وليس فيه تطويل. ويختلف في طلاق المستحاضة إذا كانت حائضًا، فعلى القول إن عدتها بالأقراء يمنع الطلاق. ويختلف على القول أن عدتها بالسنة وتكون كالحامل. والظاهر من المذهب أنه غير معلل، ولو كانت العلة التطويل، لجاز أن يطلقها في الحيض برضاها؛ لأنه حق لها، ويلزم أيضًا ألا يجبر على الرجعة إلا أن تقوم بحقها في التطويل؛ لأنه حق لآدمي، فلا يقضى به إلا أن يقوم به من له ذلك الحق، وألا يجبر على الرجعة، إذا لم ينظر في ذلك حتى ظهرت؛ لأن المدة التي كان فيها التطويل قد ذهبت ومن خالع في الحيض لم يجبر على الرجعة (¬5)؛ لأن الطلقة ¬

_ (¬1) انظر: المعونة: 1/ 560. (¬2) انظر: الزاهي، لابن شعبان، لوحة رقم: [105 / أ]. (¬3) في (ب) و (ح): (حائضًا). (¬4) انظر: المعونة: 1/ 560. (¬5) زاد بعده في (ش 1): (إذا لم ينظر في ذلك حتى ظهرت؛ لأن المدة التي كان فيها التطويل قد ذهبت ومن خالع في الحيض لم يجبر على الرجعة).

بائنة فأشبهت الثلاث في الحيض. قال محمد: ولا يطلق على المجنون والمجذوم والعنين ومن عدم النفقة في الحيض والنفاس (¬1). قال الشيخ: وأرى إن أخطأ الحاكم وطَلَّق حينئذ لم يلزم الطلاق، بخلاف طلاق الزوج بنفسه؛ لأن القاضي في هذا كالوكيل على صفة، فيفعل غير ما وكل عليه، ولأنه لو (¬2) أجيز فعله بجبر الزوج على الرجعة، ثم طلق عليه أخرى إذا طهرت؛ فيلزمه تطليقتان وفي هذا ضرر، إلا العنين فإنه يمضي عليه الطلاق؛ لأن الطلقة بائنة. واختلف عن مالك في المولي هل تطلق عليه في الحيض (¬3)؟. وألا تطلق عليه أحسن؛ لأن الطلاق عند تمام الأربعة الأشهر من حق الزوجة، فهي إذا قامت بالطلاق فطلق عليه أجبر (¬4) على الرجعة وبقيت في العصمة حتى تطهر فلم يفدها ذلك الطلاق شيئًا، وفيه على الزوج ضرر، وقد تقدم ذكر الطلاق في الحيض في كتاب اللعان (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 90. (¬2) في (ش 1): (ولو أنه). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 90. (¬4) في (ب) و (ح): (أجيز). (¬5) كتاب اللعان سيأتي بعد، وانظر ما أشار له المؤلف عند قوله في الموضع المذكور: (والطلاق في الحيض ممنوع)، ص: 2434.

فصل [في فسخ النكاح في وقت الحيض]

فصل [في فسخ النكاح في وقت الحيض] وقال مالك في (¬1) النكاح الفاسد: إذا كان مما يفرق فيه بعد (¬2) الدخول، أو كان (¬3) مما يحتاط فيه بالطلاق مثل: نكاح المُحْرِم، والخامسة، والمرأة على عمتها أو خالتها، والتي تواعد في العدة، والموهوبة، والأمة تتزوج بغير إذن سيدها، والذي يتزوج الأمة على أن ولدها حر، فإنه يفسخ في الحيض؛ لأن إقراره أعظم من الطلاق في الحيض (¬4). وإن تزوج العبد بغير إذن سيده، أو مولى عليه بغير إذن وليه، وما كان إجازته حلالًا، فلا يفرق فيه (¬5) في الحيض ولا في النفاس، وذلك بيد السيد وبيد الولى بعد الطهر. واختلف إذا اختلفا، فقالت: طلقتني وأنا حائض، وقال: طلقتك وأنت طاهرة فقال ابن القاسم في العتبية: القول قول الزوج (¬6). وقال سحنون في السليمانية: القول قولها، ويجبر على الرجعة؛ لأنها مؤتمنة على دينها وحيضها وهو لا يعلم حيضها إلا بما أخبرته، وأنكر قول ابن القاسم أن يكون القول قوله. وأرى أن يقبل قوله، ولأنه لا يخفى على الزوج الوقت الذي تكون فيه ¬

_ (¬1) قوله: (في) ساقط من (ش 1). (¬2) قوله: (فيه بعد) في (ش 1): (قبل). (¬3) قوله: (كان) ساقط من (ش 1). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 90. (¬5) قوله: (يفرق فيه) في (ش 1): (يفتقر). (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 465، والنوادر والزيادات: 5/ 91.

طاهرًا من الوقت الذي تكون فيه حائضًا، فكان القول قوله إنه أوقع ذلك في وقت جائز له، وهي مدعية أن لها عليه في ذلك (¬1) حقًا. ولا تطلق الحائض إذا رأت الطهر قبل أن تغتسل، وإن فعل: مضى، ولم (¬2) يجبر على الرجعة، وإن كانت في سفر ولم تجد ماءً فتيممت، جاز له أن يطلقها (¬3). والأصل في منع الطلاق في الحيض إذا كانت مدخولًا بها حديث ابن عمر: طلق زوجته وهي حائض، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يراجعها، ثم يمسك حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم يطلقها إن شاء قبل أن يمس (¬4). فإن ارتجع ثم طلق في الطهر الأول مضى ذلك (¬5). واختلف إذا لم يرتجع حتى دخلت في الطهر الثاني، فقال ابن القاسم: يجبر على الرجعة (¬6). وقال أشهب: لا شيء عليه؛ لأنها صارت إلى موضع لو ارتجع لجاز له أن يطلق فيه (¬7). ¬

_ (¬1) قوله: (في ذلك) في (ح): (فيه). (¬2) في (ش 1): (لا). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 7. (¬4) متفق عليه، البخاري: 5/ 2011، في كتاب الطلاق، برقم (4953)، ومسلم: 2/ 1093، في باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها. . .، من كتاب الطلاق، برقم (1471) ومالك في الموطأ: 2/ 576، في باب ما جاء في الإقراء وعدة الطلاق وطلاق الحائض، من كتاب الطلاق، برقم (1196). (¬5) قوله: (ذلك) ساقط من (ح). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 91. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 89.

باب فيما يحل ويحرم من الزوجة على زوجها قبل أن يراجعها

باب فيما يحل ويحرم من الزوجة على زوجها قبل أن يراجعها قال الشيخ: والزوجة في ذلك على ثلاثة أوجه؛ فيجوز أن يرى وجهها، قال مالك: لا بأس بذلك، وقد يرى غيره وجهها (¬1). يريد: على غير وجه التلذذ. ولا يجوز أن يراها متجردة، ولا خلاف في ذلك. واختلف هل يرى شعرها، أو يخلو معها، أو يأكل. فقال مالك مرة: لا بأس بذلك إذا كان معها من يتحفظ بها. ثم رجع عن ذلك، فقال: لا يدخل عليها ولا يرى شعرها ولا يأكل معها (¬2) حتى يراجعها. وقال ابن القاسم: وليس له أن يتلذذ منها بشيء، وإن كان يريد رجعتها حتى يراجعها (¬3). قال: وهذا على الذي أخبرتك أنه كره له أن يخلو معها أو يرى شعرها حتى يراجعها (¬4)، فرأى أن له في أحد القولين أن يتلذذ بالنظر وإن لم يرتجع. وقال مالك في كتاب محمد: أما شعرها وما لا يجوز لغيره أن ينظر إليه فلا يجوز له أن ينظر إليه حتى يراجعها (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 335، وإنما قاله مالك في التي ظاهر منها زوجها. (¬2) قوله: (ولا يرى شعرها ولا يأكل معها) زيادة من (ش 1). (¬3) قوله: (وقال ابن القاسم: وليس له أن يتلذذ منها بشيء وإن كان يريد رجعتها حتى يراجعها) زيادة من (ش 1). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 7. (¬5) انظر: المدونة: 2/ 7.

ويختلف على هذا، هل يجوز له أن ينظر إلى معصميها أو ساقيها؟ ولا بأس أن ينظر إلى كعبها (¬1). وأرى ألا يجوز له النظر إلى شيء من ذلك (¬2)، وقد حرمت عليه (¬3) بالطلاق حتى يراجع. ¬

_ (¬1) في (ش 1): (كفيها). (¬2) في (ش 1): (بدونها). (¬3) قوله: (عليه) ساقط من (ب) و (ش 1).

باب في صفة العدد

باب في صفة العدد المعتدات خمس عشرة: ذات حيض، وذات حمل، وصغيرة لم تبلغ الحيض، ومسنة قعدت عن الحيض (¬1)، وشابة تأخر حيضها فلم تحض، ومستحاضة، ومرتابة، ومريضة، ومرضع، وصغيرة ابتدأت العدة بالشهور ثم حاضت قبل أن تخرج من العدة, ويائسة رأت الحيض، ومستحاضة ترى الحيض، ومستحاضة ارتابت، ومرتابة استحيضت، ومرتابة بحس البطن (¬2). فعدة الحرة من الطلاق أربعة أنواع: ثلاثة قروء لذات الحيض، وثلاثة أشهر لمن لا تحيض لصغر أو كبر أو تأخر حيضها وهي في سن من تحيض، والوضع لذات الحمل، وسنة للمستحاضة والمرتابة. وقال أبو محمد عبد الوهاب: من لم تبلغ أن تطيق الرجال فأصيبت (¬3)، فلا يكون وطؤها موجبًا للعدة، وإنما هو جرح وإفساد (¬4). وهذا صحيح؛ لأن محمل الآية على من دخلت وأصيبت على الوجه المعتاد؛ لأن العدة عن الطلاق خوف الحمل، ومن تطيق الرجل يخشى ذلك منها، ولا يخشى إذا لم تبلغ أن تطيق الرجل. والأصل في ذات الحيض قول الله -عز وجل-: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] وفي الصغيرة ومن ذكر معها قوله سبحانه: {وَاللَّائِي ¬

_ (¬1) في (ش 1): (المحيض). (¬2) في (ب) و (ح): (بطن). (¬3) قوله: (فأصيبت) ساقط من (ح) و (ش 1). (¬4) انظر: المعونة: 1/ 624.

يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4]. واختلف في معنى قوله تعالى: {إِنِ ارْتَبْتُمْ} فقيل: إن ارتبتم فلم تدروا هل تحيض. وقيل: إن ارتبتم في الحكم فلم تدروا ما هو (¬1). وهو أحسن؛ لقوله تعالى {وَاللَّائِي يَئِسْنَ} ولا يجتمع اليأس والشك. وفي الحامل قوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] وقال سعيد بن المسيب: عدة المستحاضة سنة (¬2). وإليه ذهب عبد الملك في المبسوط، قيل: أتعتد (¬3) تسعة أشهر ثم ثلاثة (¬4)؟ قال (¬5): بل سنة. وقال ابن القاسم في "المدونة": عدتها ثلاثة أشهر بعد التسعة الاستبراء (¬6). وقيست المرتابة عليها، وقد اختلف الناس فيهما جميعًا، فقال عكرمة وقتادة والشافعي: عدة المستحاضة ثلاثة أشهر. وذكر الداودي في "النصيحة" (¬7) قولًا آخر: أنها تعتد بستة أشهر تختبر بثلاثة، فإن لم تر دمًا اعتدت بثلاثة أشهر. والقول إن العدة في ذلك ثلاثة أشهر أحسن؛ لأن الله -عز وجل- أباح المعتدة إذا لم تكن حاملًا بوجهين: ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 388. (¬2) زاد بعدها في (ب): (لها سنة). وانظر: المدونة: 2/ 11. (¬3) في (ش 1): (تعتد). (¬4) زاد بعدها في (ح): (ثم). (¬5) في (ش 1): (وقيل). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 55. (¬7) هو كتاب "النصيحة في شرح البخاري"، ذكره له عياض في المدارك: 7/ 103، والداودي توفي سنة (402 هـ).

فصل [في الصغيرة يطرأ عليها الحيض في العدة ثم ينقطع]

بالحيض لأنه دليل على براءة الرحم، فإن لم يكن فبمضي مدة يتبين فيها الحمل، وهو ثلاثة أشهر، فإن مضت هذه المدة ولم يتبين حمل كان دليلًا على براءة الرحم وحلت فيه (¬1)، وهذا يستوي فيه معهن المرتابة والمستحاضة، فأما أن تنتظر تسعة أشهر وهو أمد الوضع، فإذا لم تر شيئًا رجعت إلى ثلاثة أشهر وهو أمد الظهور - فلا وجه له. واختلف في عدة المريضة، فقال مالك، وابن القاسم، وعبد الله بن عبد الحكم، وأصبغ: تعتد في حال مرضها إذا لم تر حيضًا سنة، تسعة أشهر ثم ثلاثة. وقال أشهب: هي كالمرضع (¬2)، وعدة المرضع إذا لم تر حيضًا ولا حملًا في حال الرضاع مترقبة لبعد الفطام، فإما حيض وإما سنة بعد الفطام. فسوى في أحد القولين بين الرضاع والمرض؛ لأن الشأن أن الرضاع يمسك الدم، فإذا انقطع عاد، وكذلك المرض يقل له الدم، فإذا صحت عاد. وفرق في القول الآخر بينهما؛ لأن المرضع في حال الرضاع ذات دم، وهو موجود، ومنه يتخلق (¬3) اللبن، والمريضة لا دم عندها، ويلزم من قال في المستحاضة: إن عدتها ثلاثة أشهر، أن يقول مثل ذلك في المريضة والمرضع. فصل [في الصغيرة يطرأ عليها الحيض في العدة ثم ينقطع] وإن ابتدأت الصغيرة العدة بالشهور ثم حاضت بعد شهر انتقلت إلى العدة بالأقراء (¬4)، فإن لم يعاودها الدم، صارت في معنى المرتابة تعتد بالسنة من ¬

_ (¬1) قوله: (فيه) ساقط من (ح). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 31. (¬3) في (ش 1): (يخلق). (¬4) انظر: عيون الأدلة: 3/ 1123.

يوم ذهبت (¬1) الحيضة، وإن عاودها الدم قبل تمام السنة (¬2)، احتسبت به (¬3) حيضة ثانية وانتظرت (¬4) الثالثة، فإن لم يعاودها حتى تمت السنة حلت، وكذلك اليائسة تعتد شهرًا ثم ترى الدم فتسأل النساء، فإن قلن: إن مثلها يحيض، انتظرت بعدها قرأين، فإن انقطعت كانت مرتابة تعتد بالسنة، وإن قلن: إن مثلها لا تحيض، لم تعتد به، ومضت إلى بقية الثلاثة الأشهر (¬5). قال الشيخ: واختلف هل يترك (¬6) له الصلاة والصيام ويمنع زوجها من إصابتها ومن الطلاق فيه؟ فقال محمد في كتاب العدة: تترك له الصلاة والصيام، وتغتسل إن انقطع، وتعمل في ذلك ما تعمل الحائض غير العدة فقط، فإنها لا تنتفع به في العدة. وقال في كتاب المواقيت: لا يمنع ذلك صلاة ولا صيامًا ولا غير ذلك، والأول أقيس إذا قطع أنه دم حيض، وإن كانت في سن من لا تحيض لأنها حالة لم يرضَ الله -عز وجل- من إمائه التقرب إليه فيها. ¬

_ (¬1) في (ش 1): (تذهب). (¬2) قوله: (قبل تمام السنة) ساقط من (ش 1). (¬3) في (ش 1): (له). (¬4) قوله: (وانتظرت) في: (ح): (وانتظرت بعدهما). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 9. (¬6) في (ش 1): (تترك).

فصل [في اختلاف عادة المرأة في الحيض]

فصل [في اختلاف عادة المرأة في الحيض] وإذا كانت عادة امرأة أنها تحيض من ستة أشهر إلى مثلها، أو في سنة إلى سنة (¬1)، أو في (¬2) سنة ونصف إلى مثلها، كانت عدتها الأقراء وإن بعدت (¬3). قال محمد: فإن انقضت السنة ولم يأت وقت حيضها، انتظرت وقت حيضتها بعد تمام السنة، فإن لم تحض عند مجيئها، حلت وإن حاضت من الغد (¬4). قال الشيخ - رضي الله عنه - (¬5): وليس هذا أصل المذهب أن لا تحتسب بالحيض (¬6) إذا جاء من الغد؛ لأن الحيض يتقدم ويتأخر، وإنما قال ذلك مراعاة للخلاف. وقد ذكر أشهب في مدونته عن طاووس أنه قال (¬7): يكفيها ثلاثة أشهر ولا تنتظر الحيض، وحمل الآية في الأقراء الثلاثة على الغالب من حيض النساء أنه يكون طهر وحيض في شهر، فإذا خرجت امرأة عن المعتاد (¬8) كانت مسألة اجتهاد، فإذا مضى قبل أمد الحيض مدة يظهر (¬9) فيها الحمل فلم يظهر حلت (¬10). ¬

_ (¬1) قوله: (أو في سنة إلى سنة) ساقط من (ش 1). (¬2) في (ش 1): (من). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 115، والتلقين: 1/ 137. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 26. (¬5) قوله: (رضي الله عنه) ساقط من (ش 1). (¬6) في (ب) و (ح): (الحيض). (¬7) قوله: (قال) ساقط من (ش 1). (¬8) في (ش 1): (العادة). (¬9) في (ب) و (ح): (قبل أمر الحيض مرة يظهر). (¬10) في (ب): (حلها).

فصل [فيما إذا ذهبت الاستحاضة وصارت في معنى المرتابة]

فصل [فيما إذا ذهبت الاستحاضة وصارت في معنى المرتابة] واختلف إذا كانت مستحاضة فذهبت الاستحاضة بعد ستة أشهر وصارت في معنى المرتابة، هل تتم سنة على ما مضى، أو تستأنف سنة من يوم ارتفعت الاستحاضة (¬1)؟. والأول أصوب؛ لأن المستحاضة مرتابة بتأخر (¬2) الحيض، والسنة لم تكن لوجود دم الاستحاضة، وإنما كانت لعدم دم الحيض (¬3) فما زاد دم الاستحاضة شيئًا. واختلف أيضًا إذا كانت مرتابة فاستحيضت بعد ستة أشهر، هل تتم سنة على ما مضى، أو تستأنف؟ وأن تتم أحسن. والمرتابة ترى الدم على ثلاثة أوجه، فإما أن يكون دم استحاضة، أو حيض، أو تشك هل هو حيض أو استحاضة؟ فإن كانت استحاضة، تمت سنة من يوم الطلاق؛ لأنها لم تخرج عن أن تكون مسترابة بتأخر (¬4) الحيض. وقول محمد في هذه المسألة- في حمله الدم بعد أن كانت طاهرًا ستة أشهر على الاستحاضة إذا كان خلاف دم الحيض، خلافُ ما ذهب إليه ابن القاسم في كتاب الوضوء: إذا كان بين الدمين ما يكون طهرًا، أن الثاني حيض من غير أن يعتبر لونه هل هو حيض أو استحاضة، فإن كان حيضًا انتقل حكمها إلى ¬

_ (¬1) انظر: التفريع: 2/ 66. (¬2) في (ح): (تأخير)، وفي (ش 1): (بتأخير). (¬3) في (ح): (الحيضة). (¬4) في (ش 1): (بتأخير).

فصل [في المرتاب]

الأقراء فتنتظر تمام الثلاثة الأقراء أو سنة من يوم تذهب الحيضة (¬1). واختلف إذا لم يعلم أوله هل كان حيضًا أو استحاضة، فقيل: محمله على أنه استحاضة وتكون السنة من يوم الطلاق؛ لأن تماديه استحاضة يدل على أن أوله كان كذلك. قال محمد: وإنما القياس إذا شكت أن تكون السنة من بعد قرء حيضها والاستظهار وهو أحوط. وقال أيضًا: إذا شكت فلا بد من ثلاث حيض بعد الاستحاضة (¬2). يريد: أنه يمكن أن يكون استحاضة، فإن رأت بعد ذلك حيضًا استأنفت ثلاث حيض، ويمكن أن يكون حيضًا فتستأنف السنة من بعد قدر الحيضة. فصل [في المرتاب] المرتابة على وجهين، بتأخر الحيض، وبحس بطن. فإن كانت مرتابة بتأخر حيض، كانت عدتها من الطلاق سنة ومن الوفاة أربعة أشهر وعشرًا. وإن كانت مرتابة بحس بطن، لم تحل بالسنة. قال مالك في كتاب محمد: إذا كانت تجد حسًّا، أو علامات يخاف منها الولد، أو تجد الحركة، فعليها أن تقيم إلى أقصى مدة الحمل (¬3). يريد: أربع سنين أو خمسًا أو سبعًا، والطلاق والوفاة في هذا سواء، إلا أن تذهب الريبة قبل ذلك فترجع إلى حكم المرتابة بتأخر الحيض، فإن ذهبت ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 11. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 36. (¬3) في (ش 1): (الحيض). انظر: النوادر والزيادات: 5/ 26.

الريبة قبل تمام السنة وهي في عدة من طلاق، تربصت إلى تمام السنة، وإن كانت في عدة من وفاة فإلى تمام أربعة أشهر وعشرٍ، إلا أن (¬1) يكون (¬2) ذهاب ريبة الحمل بعد السنة في الطلاق وبعد أربعة أشهر وعشرٍ في الوفاة فتحلّ مكانها، وإن ذهبت ريبة الحمل ورأت الحيض، رجعت على أحكام الحيض، ولو كانت تحيض في حين الطلاق والوفاة، وهذا إذا جاء الدم قبل تمام السنة أو لأربعة أشهر وعشرٍ في الوفاة، وإن أتى الدم بعد انقضاء هذين الأجلين فإنها تبني على ما تقدم. واختلف إذا جاوزت (¬3) الخمس سنين فلم تضع. فقال أشهب عن مالك: تبقى أبدًا حتى تنقطع عنها الريبة، وقال: وعندنا امرأة لبعض ولد أبان بن عثمان حامل منذ خمس سنين لم تضع وقد مات زوجها لا يزال رسولها يأتيني يسألني، ولا أرى المرأة تلد (¬4) أبدًا إذا كانت ترى الدم حتى يذهب عنها. وقال أصبغ: إذا جاوزت الخمس سنين فقد احتيط لها وينزّل على أنه ريح (¬5). قال الشيخ: الريبة على وجهين، فإن تحقق أنه حمل قائم (¬6)، فإنما كانت الريبة لأجل طول المدة والخروج عن العادة والتشكك (¬7) هل هو حمل، لم تحل أبدًا. ¬

_ (¬1) قوله: (إلا أن) ساقط من (ش 1). (¬2) في (ش 1): (فيكون). (¬3) زاد بعده في (ش 1) (بالدم). (¬4) في (ب): (تبرأ). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 26. (¬6) قوله: (قائم) ساقط من (ب). (¬7) في (ح): (فشكت).

فصل [في عدة الوفاة]

وإذا صح عن بعض النساء أنها ولدت لأربع سنين (¬1) وأخرى لخمس وأخرى لسبع، جاز أن تكون أخرى الأبعد من ذلك، وإن كانت الريبة والشك هل هي حركة الولد أم لا، حلت ولم تحبس عن الأزواج. فصل [في عدة الوفاة] عدة الوفاة إذا كانت الزوجة حرة مسلمة أربعة أشهر وعشرٌ، لقوله سبحانه: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: 234]. وإن كانت حاملًا فالوضع، لحديث سُبيعة الأسلمية: نفست بعد وفاة زوجها بليال، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ حَلَلْتِ فَانْكِحِى مَنْ شِئْتِ". اجتمع عليه الموطأ والبخاري ومسلم (¬2). وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن المتوفى عنها داخلة في قوله -عز وجل-: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]، وهذا غير صحيح؛ لأن قوله سبحانه وتعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ}، {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] في الطلاق، ولا خلاف في ذلك، وهو الذي تضمنت السورة من أولها، ثم عطف عليها عدة الحامل. ولا خلاف أن الحامل المطلقة مرادة بذلك ومعطوفة على ما تقدم من ¬

_ (¬1) قوله: (سنين) ساقط من (ب). (¬2) أخرجه مالك: 2/ 590، في باب عدة المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملا، من كتاب الطلاق، برقم (1227)، والبخاري: 5/ 203812 / 385، في باب: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] فضل من شهد بدرًا، من كتاب الطلاق المغازي، برقم (50143691)، ومسلم: 2/ 11227 / 468، في باب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها وغيرها بوضع الحمل، من كتاب الطلاق، برقم (14852728).

الطلاق، وكذا قوله -عز وجل- فيما بعد هذا من التلاوة، لقوله: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ} [الطلاق: 6] وقوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وكل هذا المراد به الزوج المطلق، وليس على الميت أن يسكن ولا ينفق على الحمل ولا يستأجر لرضاعه، والذي تضمنته الآية في التلاوة قبل وبعد على الطلاق، ولا مدخل للمتوفى عنها فيما بين ذلك. واختلف في ثلاث مسائل: المستحاضة، والمرتابة بتأخر الحيض، ومن عادتها الحيض (¬1) لأبعد من أربعة أشهر وعشرٍ. فقيل في المستحاضة، والمرتابة بتأخر الحيض (¬2): تعتد أربعة أشهر وعشرًا، وقيل: تسعة أشهر، وهو أمد الوضع، والأول أحسن لوجهين، أحدهما: عموم الآية في قوله سبحانه {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: 234] الآية. والثاني: أنها إنما ألزمت (¬3) التربص إلى أمد حركة الولد، فلا يلزمها أن تنتظر أَمَدَ الوضع. واختلف أيضًا في التي عادتها أنّها تحيض في كل خمسة أشهر أو ستة أو أبعد من ذلك حيضة، هل تحل بمضي (¬4) أربعة أشهر وعشرٍ (¬5)، أو تنتظر الحيضة؟ والأول أحسن؛ لأنها إنما ألزمت أن تطلب دليلًا واحدًا وهو الحركة ¬

_ (¬1) في (ح): (تحيض). (¬2) في (ب): (المحيض). (¬3) في (ح): (ألزمها). (¬4) قوله: (تحمل بمضي) في (ح): (يمضي). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 101.

فصل [في عدة الأمة في الطلاق]

فلا يلزمها أن (¬1) تطلب دليلًا آخر وهو الحيض. وعدة المريضة والمرضع أربعة أشهر وعشرٌ؛ لأن هاتين لم يتأخر الحيض عنهما لريبة في الحمل، وإنما ذلك لما نزل بهما فنقله (¬2) وأخره عن وقته. وكذلك حكم الصغيرة، والكبيرة اليائسة، والتي لم يدخل بها، حكم المدخول بها هن في ذلك سواء ينتظرن أربعة أشهر وعشرًا. فصل [في عدة الأمة في الطلاق] وعدة الأمة في الطلاق إذا كانت ممن تحيض حيضتان، ولا تفارق الحرة إلا في هذا الوجه وهما فيما سوى ذلك سواء. وإن كانت لا تحيض لصغر، أو كبر، أو شابة لم تر حيضًا، فثلاثة أشهر. وإن كانت مرتابة، أو مستحاضة، فسنة. وقال ابن الماجشون في المبسوط قال غير واحد من علمائنا الماضين والتابعين: إذا كانت لا تحيض لصغر أو كبر، شهر ونصف. وقال آخرون: شهران، فشهرٌ ونصف نصفُ عدة الحرة، وشهران مكان كل حيضة شهر، وكل هذا ضعيف؛ لأن الثلاثة أشهر في الحرة إنما كانت لأنها المدة التي يظهر فيها الحمل فكانت الحرة والأمة في هذا سواء، ولو جعلت الأمة في هذا على النصف من عدة الحرة لم تبرئها؛ لأنها مدة لا يتبين فيها براءة الرحم. ¬

_ (¬1) قوله: (يلزمها أن) ساقط من (ش 1). (¬2) قوله: (فنقله) ساقط من (ش 1).

واختلف في المستحاضة والمرتابة، هل تعتد بثلاثة أشهر، أو بتسعة، أو بشهرين وخمس ليال؟ فقال مالك في كتاب محمد: ثلاثة أشهر (¬1). وهذا موافق للقول في الحرة: إذا كانت مرتابة أو مستحاضة، أنها تعتد أربعة أشهر وعشرًا، لأنها لا تلحق بالحرة، وإن ردت إلى النصف كانت مدة لا يتبين فيها الحمل. وقيل: تعتد بتسعة أشهر أمد الوضع، وهذا تتساوى فيه الحرة والأمة. وقال ابن القاسم في العتبية: إذا كانت ترضع اعتدت بشهرين وخمس ليال وإن لم تحض، إلا أن تستريب (¬2). يريد: بحس بطن، فجعلها على النصف وإن كانت ممن يخشى منها الحمل. وقال مالك في كتاب محمد: تعتد بشهرين وخمس ليال إن كانت صغيرة لم تبلغ الوطء، أو يائسة، أو لم يدخل بها، وإلا (¬3) فثلاثة أشهر وهو أقل ما يتبين فيه الولد، فإن تزوجت قبل تمام ثلاثة أشهر فسخ النكاح (¬4). وقال محمد: يفسح النكاح (¬5) إن كانت قد دخل بها وهي ممن يبلغ مثلها الحمل، ولا عقوبة عليهما إلا أن تتزوج قبل شهرين وخمس ليال (¬6). اتفقت هذه الأقوال أنها إن كانت ممن تحيض أجزأها شهران وخمس ليال فيهن حيضة (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 36. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 476. (¬3) قوله: (وإلا) ساقط من (ش 1). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 29. (¬5) قوله (النكاح) ساقط من (ح). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 29، 30. (¬7) في (ش 1): (وخمس ليال إن حاضت).

واختلف إذا عدمت الحيض على ثلاثة (¬1)، فقيل: تعتد بشهرين وخمس ليال، وإن كانت شابة يخشى منها الحمل، وهو قول ابن القاسم في العتبية (¬2)، وقيل: لا يبرئها (¬3) إلا ثلاثة أشهر (¬4)، وهو أحد قولي مالك (¬5). والثالث: أنها إن كانت ممن يخشى منها الحمل فثلاثة أشهر، وإن كانت صغيرة أو يائسة أو لم يدخل بها فشهران وخمس ليال على النصف، وهو أحسنها. قال محمد: ويجري الجواب في المريضة على الخلاف المتقدم والتفصيل (¬6)، فأما المرضع وهي شابة مدخول بها، فأرى أن تعتد ثلاثة أشهر على الصحيح من المذهب. وقال يحيى بن سعيد: إذا كانت ممن لم تحض اعتدت بأربعة أشهر وعشر، إلا أن تحيض حيضة قبل شهرين وخمس ليال. وفي الطلاق بثلاثة أشهر، إلا أن تحيض حيضتين قبل ذلك. وإن انقضت الأشهر الثلاثة ثم حاضت حيضة، اعتدت بأخرى (¬7). ¬

_ (¬1) قوله (على ثلاثة) ساقط من (ح). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 98. (¬3) في (ب): (يجزئها). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 98. (¬5) انظر: المدونة: 2/ 378 و 2/ 8. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 31. (¬7) انظر: المدونة: 2/ 8.

باب في الإحداد

باب في الإحداد الإحداد يجب في عدة الوفاة دون عدة الطلاق، والأصل فيه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ وَلَا تَكْتَحِلُ وَلَا تَمَسُّ طِيبًا إِلَّا إِذَا طَهُرَتْ نُبْذَة مِنْ قُسْطٍ وَأَظْفَارٍ". أخرجه البخاري ومسلم (¬1). وقيل في قول الله -عز وجل-: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] أي: عن الزينة والتزويج {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 234] التزويج وأن تتزين وتتشوف وتلتمس الأزواج، وحمل الآية على العموم في كل ما هي ممنوعة منه في العدة من نكاح وغيره، والصغيرة والآيسة في ذلك سواء. ولا يجب الإحداد في ملك اليمين، فمن مات عن أمة كان يصيبها أو أم ولد أو مدبرة، لم يكن عليها إحداد (¬2). والإحداد يجب على المتوفى عنها زوجها (¬3) إذا كانت مسلمة، حرة كانت أو أمة (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري: 1/ 430، في باب حد المرأة على غير زوجها، من كتاب الجنائز، برقم (1221)، ومسلم: 2/ 1126، في باب وجوب الإحداد في عدَّة الوفاة. . .، من كتاب الطلاق، برقم (1490). (¬2) انظر: التلقين: 1/ 137، والمعونة: 1/ 633. (¬3) قوله (زوجها) ساقط من (ح). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 12 - 14، والمعونة: 1/ 632.

واختلف في أربع: في الكتابية، وامرأة المفقود، والتي تتزوج في المرض، والنكاح الفاسد. فقال في المدونة: على الكتابية الإحداد. وقال ابن نافع: لا إحداد عليها (¬1). وقال مالك في مختصر ابن عبد الحكم: عدتها استبراء رحمها، فعلى هذا لا يكون عليها إحداد، وحمل الآية على الغالب من مناكح المسلمين أنهن المسلمات (¬2)، والإحداد عبادة، والكافرة غير مخاطبة بذلك. والأول أحسن أن تكون كالمسلمة في الشهور والإحداد؛ لأن ذلك مما يتعلق به حق الزوج والولد، فجعل في الزوجة المتوفى عنها العدة (¬3) والإحداد حماية لئلا تعجل بالنكاح في العدة، وهذا تستوي فيه المسلمة والكافرة. وقال أشهب في كتاب محمد في المفقود تعتد زوجته أربعة أشهر وعشرًا: عليها الإحداد (¬4). وقال عبد الملك في المبسوط: لا إحداد عليها (¬5)؛ لأن الإحداد إنما يقع بحقيقة الموت، ولعله في المفقود طلاق (¬6)، وهذا أحسن والأول أحوط، لإمكان أن يكون وافقت هذه الأشهر الموت. وأرى أن تعتد بأقصى الأجلين أربعة أشهر وعشرًا مع ثلاث حيض؛ لأن أمره متوقف بين ثلاثة أوجه: إما أن يكون حيًّا فهو طلاق، أو ميتًا وهي الآن في عدة منه فتعتد عدة الوفاة، أو قد انقضت عدتها فلا شيء عليها. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 41. (¬2) انظر التلقين: 1/ 137، والإشراف على نكت مسائل الخلاف: 2/ 798. (¬3) في (ح): (لأمد الحركة). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 43. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 43. (¬6) في (ش 1): (كالطلاق).

وقد اتفق المذهب أنه لا يقسم ماله وأنه فيه على الحياة (¬1)، وإذا كان ذلك فتعتد بأقصى الأجلين. واختلف قول ابن القاسم فيمن تزوج في المرض أو تزوج امرأة في عدتها، فقال: تعتد بثلاث حيض. وقال: أربعة أشهر وعشرًا (¬2)، فعلى هذا يكون فيه الإحداد. فقاس الفاسد على الصحيح؛ لأنه نكاح يلحق فيه النسب، وقد جعل الله العدة في الوفاة مدة يتبين فيها الحمل والحركة لمّا كان القائم بالنسب ميتًا والنسب حق للأب والولد. وقال محمد: إذا استبرئت بحس بطن تبقى على الإحداد ما استرابت. وقال ابن حبيب: وإن بعد خمس سنين (¬3). وقال أصبغ في كتاب محمد في المستحاضة والمرتابة بتأخر الحيض: إن تزوجت بعد تمام الأربعة أشهر وعشر ولم تنتظر التسعة الأشهر، لم يفسخ نكاحها (¬4)، وجعل التمادي إلى التسعة الأشهر على وجه الاحتياط، وعلى قوله يكون الإمساك عن الزينة والإحداد فيها احتياطًا، وإن تمادت ولم تحد فيها لم تأثم. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 32، والتلقين: 1/ 123. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 41. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 43. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 30.

فصل [في صفة الإحداد وعما يكون]

فصل [في صفة الإحداد وعما يكون] الإحداد يتضمن الامتناع من خمس: لباس المصبغات إلا السواد، والحلي والخاتم فما فوقه، والكحل، والطيب، وإلقاء التفث. قال مالك: تلبس الحاد البياض -الكتان والقطن والحرير- ولم تمنع الحسن من الثياب إذا كانت بيضًا. ومنع من المصبوغ: الحمر والصفر، والخضر، والدكن (¬1) وإن كانت من صوف أو قطن أو كتان (¬2). وقال أيضًا في عصب اليمن (¬3): رقيقه بمنزلة المصبوغ من غيره، ووسع في غليظه وإن كان مصبوغًا. وقال ربيعة: تتقي شهرة الثياب (¬4). وإليه ذهب أبو محمد عبد الوهاب، فقال: تمنع من كل زينة من اللباس والطيب وكل ما تتزين به المرأة لزوجها ويدعو الزوج إلى نكاحها ويهيج الشهوة (¬5). وهذا أحسن، وأرى أن تمنع من الثياب الحسنة وإن كانت بيضًا؛ لأنها تزيد في الوضاءة وتنظر حينئذ لنفسها ويتشوف لها، وكذلك الرفيع من السواد، وعلى هذا يدل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلَّا ثَوْبَ ¬

_ (¬1) قوله: (الحمر. . . . والدكن) في (ش 1): (الأحمر والأخضر والأصفر، والأدكن). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 15. (¬3) عصب اليمن: بفتح العين غير منقوطة ووقف الصاد غير منقوطة، هي ثياب تأتي من اليمن. انظر: شرح غريب ألفاظ المدونة, للجُبِّي، ص: 44. (¬4) انظر: المدونة: 2/ 14. (¬5) انظر: المعونة: 1/ 633.

عَصْبٍ" (¬1). أنه راعى الجيد من الدنيء. ولا أرى أن يمنع الأخضر والأزرق الرديء، ويباح النفيس من الحرير. وإذا لم تجد إلا ثوبًا مصبوغًا فقدرت على بيعه أو تغيير صبغه بسواد فعلت، وإن لم تجد لبست، وقد يستخفُّ (¬2) بقاؤه على حاله إذا كان في تغييره فساد. ومنع مالك الحلي- قياسًا على ما جاء في منع المصبوغ والكحل؛ لأن كل ذلك من زينة النساء.- ولا تلبس خاتمًا ولا خرصًا ولا خلخالًا لا فضة ولا ذهبًا (¬3). ومنع محمد خاتم الحديد (¬4). وقاس أشهب على هذا التفث (¬5)، فقال: لا تدخل الحمام ولا تطلي جسدها، ولا بأس أن تستحدّ وهذا صواب؛ لأن الإحداد أضيق من الإحرام للمرأة. وقد أجيز للمحرمة لباس الحلي والمصبوغ ومنعت ذلك الحادّ , وإذا كان ذلك ومنعت المحرمة (¬6) من الحمام وأن تطلي جسدها كانت الحاد أولى بالمنع. ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 119 في باب الطيب للمرأة الْقُسْطِ للحادَّة عند غسلها من المحيض الطُّهْرِ، من كتاب الحيض الطلاق، برقم (307)، ومسلم: 2/ 1127 في باب نهي النساء عن ابتاع الجنائز، من كتاب الجنائز، برقم (938). (¬2) في (ب) و (ح): (يستحب). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 14. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 42. (¬5) التفث: هو إِذْهابُ الشَّعَث والدَّرَن والوَسَخ مطلقًا. انظر: لسان العرب: 2/ 120. (¬6) قوله: (ومنعت المحرمة) في (ش 1): (وكانت المحرمة ممنوعة).

واختلف في الكحل إذا كان بها رمد، فروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مَنعْ ذلك (¬1). وقال في مختصر ابن عبد الحكم: لا تكتحل بإثمد فيه طيب وإن اشتكت عينها (¬2). وقال أيضا: لا تجعل الصبر على عينها إلا أن تضطر فتجعله بالليل وتمسحه بالنهار. وقال مالك: ولا تمشط (¬3) بشيء من الحناء والكتم ولا بما يختمر في رأسها، ولا بأس بالسدر (¬4). وقال في الأمة يموت عنها زوجها، فيريد سيدها بيعها وأن يزينها للبيع، فلا تلبس الثياب المصبوغة ولا الحلي ولا شيئًا (¬5) من الزينة، ولا تتطيب بشيء من الطيب ولا بأس بالزيت، ولا يضع بها ما لا يجوز للحاد أن تفعله (¬6). ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 119، في باب الْقُسْطِ لِلْحَادَّةِ عِنْدَ الطُّهْرِ، من كتاب الطلاق، برقم (307)، ومسلم: 2/ 1127، في باب وجوب الإحداد في عدَّة الوفاة. . .، من كتاب الطلاق، برقم (938). (¬2) من قوله: (وقال في مختصر ابن عبد الحكم. . . عينها) ساقط من (ب). وانظر: الاستذكار، لابن عبد البر: 6/ 237. (¬3) في (ح): (تخضب). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 15. (¬5) في (ب) و (ح): (شيء). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 13.

باب ما جاء في العدة من النكاح الفاسد، والأمة تعتق وهي في العدة, وفي أم الولد يموت عنها سيدها وزوجها، والعدة من الصبي والخصي

باب ما جاء (¬1) في العدة من النكاح الفاسد، والأمة تعتق وهي في العدة, وفي أم الولد يموت عنها سيدها وزوجها، والعدة من الصبي والخصي النكاح الفاسد على وجهين: مجمع على فساده، ومختلف فيه. فإن كانت المرأة في عدة من طلاق وكان مجمعًا على فساده، اعتدت بثلاث حيض (¬2). وقيل: حيضة استبراء؛ لأن الزيادة على الواحدة تعبد. وإن كان مختلفًا فيه، اعتدت بثلاث حيض. وإن كانت في عدة من وفاة وكان مجمعًا على فساده ومات قبل الدخول، لم يكن عليها عدة. واختلف إذا مات بعد الدخول هل تعتد بثلاث حيض أو أربعة أشهر وعشرًا. ويختلف إذا كان مختلفًا فيه، ومات قبل الدخول، فمن جعل فيه الميراث جعل عليها العدة، ومن لم يرَ فيه الميراث لم يجعل عليها عدة، فإن دخل كانت الموارثة وعدة الوفاة أربعة أشهر وعشرًا. وذكر محمد عن ابن القاسم في كتاب النكاح فيمن تزوج امرأة (¬3) في ¬

_ (¬1) قوله: (ما جاء) ساقط من (ب). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 22. (¬3) قوله: (امرأة) ساقط من (ب).

فصل [فيما إذا طلقت الأمة ثم أعتقت]

المرض ثم مات، أنها تعتد أربعة أشهر وعشرًا (¬1). وذكر عنه في كتاب العدة فيمن تزوج امرأة في عدتها ثم مات عنها؛ أنها تعتد بأربعة أشهر وعشرٍ (¬2). وقد مضى ذكر وجه قوله في الرسم الذي قبل. فصل [فيما إذا طلقت الأمة ثم أعتقت] وقال ابن القاسم في الأمة تطلق طلقة رجعية أو بائنة فاعتدت حيضة أو شهرًا ثم أعتقت: فإنها تبني على عدتها ولا تنتقل إلى عدة الحرائر. وكذلك إذا كانت عدة من وفاة فاعتدت شهرًا ثم أعتقت، أنها (¬3) تبقى على عدتها ولا تنتقل إلى عدة الحرة (¬4). قال الشيخ: فإن كانت من طلاق رجعي غير بائن ثم أعتقت بعد حيضة أو شهر ثم مات زوجها، انتقلت إلى عدة الحرائر (¬5) في الوفاة أربعة أشهر وعشرًا؛ لأن العتق سبق عدة الوفاة. فصل [في عدة أم الولد والأمة] وعدة أم الولد إذا مات سيدها حيضة (¬6)، طلقها زوجها أو مات عنها. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 41. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 41. (¬3) قوله (أنها) ساقط من (ح). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 17. (¬5) في (ب): (الحرة). (¬6) قوله: (إذا مات سيدها حيضة) ساقط من (ح).

وعدة الأمة إذا طلقت حيضتان، وإن (¬1) مات عنها (¬2) زوجها فشهران وخمس ليالٍ (¬3)، وعدتها إذا مات سيدها حيضة (¬4). وقال ابن القاسم: وإن مات عنها أو أعتقها وهي في أول دمها، لم يجزئها واستأنفت حيضة، وذلك لاختلاف أهل العلم فيها، فقال بعضهم: عليها أربعة أشهر وعشرٌ. وقال بعضهم: ثلاث حيض (¬5). فأما الأشهر فلأنها حرة تعتد من وطء ميت فقاسها على الزوجة، وأما الثلاثة الأقراء فلأنها حرة تعتد من وطء ميت (¬6) بغير زوجية. وقول مالك أصوب؛ لأن المراعى أصل الوطء (¬7) ليس ما آلَ إليه، فإذا (¬8) كان بملك يمين كان استبراء وإن طرأ عليه عتق، وإن كان أصله بزوجية كانت على أحكام العدة. وقد راعى مالك مرة وقت العدة دون الأصل في الإصابة، وقال في النكاح الصحيح يطرأ عليه فسخ: إنها تستبرئ بحيضة ولا تكون عدة (¬9). وقياس مذهبه في أم الولد إذا لم يراع الخلاف فأعتقت أو مات عنها سيدها وهي في أول الدم أن تجزئها تلك الحيضة. ¬

_ (¬1) قوله: (حيضتان وإن) ساقط من (ح). (¬2) قوله: (عنها) ساقط من (ب). (¬3) قوله: (فشهران وخمس ليالٍ) ساقط من (ح). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 14، والتفريع: 2/ 68، والتلقين: 1/ 137، والمعونة: 1/ 625. (¬5) انظر: المدونة: 2/ 18. (¬6) من قوله (فقاسها على. . .) ساقط من (ح). (¬7) زاد في (ب): (وإن كان أصله بزوجية). (¬8) في (ب) و (ح): (وإن). (¬9) انظر: المدونة: 2/ 56.

فصل [في عدة زوجة الصبي والخصي]

وإذا كانت عادة أم الولد تأخر الحيض لبعد الثلاثة الأشهر انتظرت الحيضة. والقياس: إذا مرت الثلاثة الأشهر أن تحل، وإذا كانت ذات زوج فمات زوجها وسيدها، فإن مات السيد قبل اعتدت من الزوج أربعة أشهر وعشرًا، وإن مات زوجها قبل اعتدت عدة (¬1) الأمة، ثم يُنظر إلى موت السيد، فإن كان موته قبل أن تحل لم تعتد منه، وإن كان بعد أن حلت اعتدت منه بحيضة، وإن لم يعلم أيهما مات أولًا اعتدت أربعة أشهر وعشرًا من آخرهما موتًا، لإمكان أن يكون موت السيد أولًا، وحيضة لإمكان أن يكون موت الزوج قبل، وهذا إذا كان بين الموتين أكثر من شهرين وخمس ليال، والحيضة التي تحيضها في خلال الأربعة الأشهر وعشر ليال (¬2) تجزئها، فإن لم تر حيضًا أجزأت الأربعة الأشهر وعشرة لأنه إن كان السيد آخرهما موتًا (¬3) كانت عدتها منه حيضة، وإن لم تر حيضًا فثلاثة أشهر تجزئها، فهي قد تربصت أكثر من ذلك وهي أربعة أشهر وعشر، إلا على القول أنها تطلب الحيضة وإن بعدت. فصل [في عدة زوجة الصبي والخصي] ولا عدة على زوجة (¬4) الصبي إذا صالح عنه أبوه أو وصيه بعد البناء، وعليها العدة في الوفاة وإن لم يبْن بها أربعة أشهر وعشرًا (¬5). ¬

_ (¬1) قوله (عدة) ساقط من (ح). (¬2) في (ب) و (ح): (الأربعة الأشهر وعشرٌ). (¬3) قوله: (موتًا) ساقط من (ش 1). (¬4) في (ح): (امرأة). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 25.

وكذلك الخصي إذا كان ممسوحًا لا عدة عليها إن طلق بعد البناء، وعليها عدة الوفاة وإن لم يبْن بها (¬1). واختلف إذا كان قائم الذكر ذاهب الأنثيين فطلق بعد البناء، فقيل: عليها العدة لأنه يصيب. وقال ابن حبيب: لا يولد له. وهذا هو المعلوم وما عُلِم أنه وُلِدَ لمن (¬2) ذكر، وإذا كان ذلك لم يكن عليها عدة؛ لأن العدة إنما كانت لما يخشى من الحمل ليس بمجرد الوطء، ولو كان ذلك لوجبت العدة من وطء الصبي، فهو يصيب اليوم ثم يطلق فلا يكون عليها عدة، ويصيب غدًا، وقد احتلم فتكون عليها العدة. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 37. (¬2) قوله: (علم أنه وُلد لمن) في (ح): (علم أحد ولد له ممن).

باب في المرأة يجتمع عليها عدتان، وفي المطلقة يموت عنها زوجها وهي في العدة, ومن ارتجع كم مات أو طلق قبل أن يبني

باب في المرأة يجتمع عليها عدتان، وفي المطلقة يموت عنها زوجها وهي في العدة, ومن ارتجع كم مات أو طلق قبل أن يبني وإذا تزوجت المرأة وهي في عدتها، استأنفت العدة من يوم يفرق بينها وبين الأخير. وإن كانت في عدة من طلاق وهي ممن تحيض، فثلاث حيض. وإذا كانت لا تحيض لصغر أو كبر، فثلاثة أشهر. وإن كانت مرتابة أو مستحاضة، فسنة. وإن كانت حاملًا من الأول، أجزأها الوضع منهما جميعًا (¬1). واختلف قول مالك إذا كان الحمل من الآخر، هل يجزئها الوضع، أو تستأنف بعد الوضع تمام عدة الأول؟ وعدتها في كل ذلك في بيت الأول ولا يدخل إليها واحد منهما، فإن انقضت عدة الأول أتمت (¬2) في بيت الآخر (¬3). وإن كانت في عدة من وفاة، انتظرت أقصى العدتين -أربعة أشهر وعشرًا- من الأول وكانت عدة الآخر على أحكام عدة الطلاق ثلاثة أقراء أو ثلاثة أشهر أو سنة. فإن انقضت عدة الأول قبل، سقط عنها الإحداد وانتقلت إلى بيت الآخر. وإن انقضت عدة الآخر، بقيت على عدتها وإحدادها. وإن كانت حاملًا من الأول، بقيت على الإحداد حتى تضع فتحل. وإن كان الحمل من الثاني، سقط عنها الإحداد إذا مرت بها ستة أشهر من يوم تزوجت الثاني ولم تضع؛ لأنه يحمل على أنه من الثاني إذا كان تزويجها بعد حيضة من الأول. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 32. (¬2) في (ش 1): (اعتدت). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 32.

فصل [فيمن نعي لها زوجها فاعتدت وتزوجت ثم قدم زوجها الأول]

فصل [فيمن نعي لها زوجها فاعتدت وتزوجت ثم قدم زوجها الأول] ومن نعي لها زوجها فاعتدت ثم تزوجت ودخلت ثم قدم الأول، ردت إليه بعد انقضاء عدتها من الثاني حسب ما تقدم من عدد الطلاق. وإن طلقها القادم بعد (¬1) مضي بعض (¬2) عدتها من الثاني، انتظرت أقصى العدتين وتكون في بيت الثاني؛ لأن العدة منه توجهت عليها فيه (¬3) قبل طلاق القادم، وإن انقضت عادت إلى بيت الأول (¬4). وكذلك إذا (¬5) توفي الأول اعتدت بأقصى العدتين، من الثاني عدة الطلاق، ومن الأول عدة وفاة (¬6). ويلزم الإحداد من يوم وفاة الأول، فإن انقضت عدة الثاني بالأقراء بقيت على الإحداد حتى تنقضي عدة الوفاة (¬7)، وإن انقضت عدة الوفاة قبل، سقط الإحداد. فإن كانت عدتها من الثاني بالشهور، كان انقضاء عدتها منه قبل انقضاء عدة الوفاة. وإن كانت مرتابة أو مستحاضة، نظرت أيهما ينقضي قبل؛ لأن عدتها من الثاني سنة ومن الأول أربعة أشهر وعشر أو تسعة أشهر على القول الآخر، وقد ¬

_ (¬1) في (ش 1): (قبل). (¬2) قوله: (بعض) ساقط من (ش 1). (¬3) قوله (فيه) ساقط من (ح). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 28، والبيان والتحصيل: 5/ 405. (¬5) في (ش 1): (إن). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 32. (¬7) قوله: (عدة الوفاة) في (ح): (عدتها لوفاة الزوج).

فصل [فيما إذا مات الزوج والمرأة في العدة]

يكون موت القادم بعد مضي أكثر السنة (¬1) من الثاني. وإن كانت حاملًا من القادم، كان الوضع براءة لها. واختلف إذا كان من الثاني هل يبرئها الوضع، أو تستأنف عدة الوفاة بعد الوضع؟ فإن طلق القادم ومات الثاني وهي غير حامل، كانت عدتها من الثاني ثلاث حيض وليس عدة الوفاة؛ لأنه نكاح فاسد (¬2). فصل [فيما إذا مات الزوج والمرأة في العدة] وإذا كانت المرأة في عدتها من طلاق بائن ثم مات زوجها، لم تنتقل إلى عدة الوفاة. وإن كان الطلاق رجعيًّا، انتقلت إلى عدة الوفاة (¬3). واختلف في سقوط عدة الطلاق، فقال مالك وابن القاسم وغيرهما من أصحابه: إنها ساقطة، وإنما (¬4) تعتد عدة الوفاة فقط. وقال سحنون: تعتد أقصى العدتين، فإن انقضت عدة الوفاة قبل، سقط الإحداد، وانتظرت بقية الأقراء (¬5). فإن كان الطلاق رجعيًّا فارتجع أو بائنًا فتزوجها في العدة ثم لم يمس حتى طلق أو مات، افترق الجواب، فإن طلق (¬6) وكان الطلاق الأول رجعيًّا ¬

_ (¬1) قوله: (السنة) في (ش 1): (من السنة). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 33. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 11، والتلقين: 1/ 137 (¬4) في (ش 1): (وأنها). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 35. (¬6) من قوله: (كان الطلاق رجعيًّا. . .) ساقط من (ب).

استأنفت العدة؛ لأن الرجعة هدمت العدة الأولى، وإن كان الطلاق بائنًا ثبتت على العدة الأولى، وإن مات اعتدت العدتين. قال مالك: تعتد أقصى العدتين، فتتم بقية عدة الطلاق وأربعة أشهر وعشرًا من يوم مات بالإحداد (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 35.

باب في عدة من اعترف زوجها أنه كان قد طلقها

باب في عدة من اعترف زوجها أنه كان قد (¬1) طلقها وقال مالك في من قدم من سفر فزعم أنه طلق زوجته منذ سنة, قال: إن لم يكن إلا قوله، لم يقبل قوله (¬2) واستأنفت العدة من يوم أقر، وإن مات ورثته وإن ماتت لم يرثها، وإن حاضت ثلاث حيض من اليوم الذي كان يقول إنه (¬3) طلقها فيه، فلا رجعة له، فإن أقر بالبتة لم يصدق في العدة, وإن ماتت فيه (¬4) لم يتوارثا (¬5). قال (¬6): وإن شهد شاهدان أنه كان طلقها، كانت العدة من يوم طلق ليس من يوم بلغها، وما أنفقت من ماله قبل أن تعلم، فلا غرم عليها لأنه فرط (¬7). قال محمد: فان قدم من أعلمها، فإن شهد بذلك رجل أو رجل وامرأتان، لم يكن ذلك بشيء حتى يشهد من يحكم السلطان بشهادته وهو ألْبَسَ (¬8) على نفسه، وسواء خلف عندها نفقة أو تسلفت فأنفقت (¬9)، قال ابن كنانة: وإن شهد شاهدان بالطلاق وكانا ممن لا يتعقب (¬10) عليهما ولا يجرح مثلهما لم يتأنَّ الحاكم ليقدم الزوج، قال ابن القاسم: إلا أن يكون الشيء القريب. ¬

_ (¬1) قوله؛ (قد) ساقط من (ش 1). (¬2) قوله: (يقبل قوله) في (ش 1): (يعتبر). (¬3) قوله: (إنه) في (ش 1): (كان إنه). (¬4) قوله: (فيه) ساقط من (ب). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 26، 27. (¬6) قوله: (قال) ساقط من (ش 1). (¬7) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 325. (¬8) في (ش 1). (لَبَّس). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 50. (¬10) في (ب): (يتبع)، وفي (ح): (يثبت).

باب في النكاح والمواعدة في العدة

باب في النكاح والمواعدة في العدة النكاح والمواعدة في العدة ممنوعان، والتعريض جائز، والأصل في ذلك قول الله -عز وجل-: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ} [البقرة: 235] وقد تضمنت هذه الآية إباحة وجهين؛ وهما: التعريض، وما يضمر (¬1) في النفس من غير نطق، ومنع وجهين هما أشد من الأولين: المواعدة، والعقد. واختلف في معنى قول الله سبحانه {لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} فقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والشعبي والسدي وقتادة وسفيان: لا تأخذ ميثاقها وهي في عدتها ألا تتزوج غيرك (¬2). وقيل: السر ها هنا الزنا (¬3)، وليس هذا بحسن؛ لأن الزنا عليه محرم في العدة وغيرها، وإذا كان الزنا محرمًا لم يكن لذكر المواعدة عليه وللاختصاص بذكره في العدة وجه، وإنما ابتدأت (¬4) الآية بإباحة التعريض، ثم أخبر -عز وجل- أن المواعدة بخلاف ذلك، لئلا يظن أنها مثلها، وأتى بها على وجه الاستثناء من الأول؛ فقال: {وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} فكان محمل الاستثناء على أنه مما يتعلق بالأول حتى يقوم دليل على غير ذلك، ثم أبان ذلك باستثناء ثانٍ، فقال: ¬

_ (¬1) في (ح): (يضمره الإنسان). (¬2) انظر: تفسير ابن كثير: 1/ 640، وانظر تفسير الطبري: 5/ 115. (¬3) انظر: تفسير الطبري: 2/ 531. (¬4) في (ش 1): (أنزلتا).

{إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا} وهو التعريض الذي ابتدأ بذكره، ثم قال: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] فعلم أن المراد بأول الآية ووسطها وآخرها هو مما تختص به العدة من عقد ومواعدة وتعريض، والتعريض: أن يقول إني فيك لراغب، وإنك علي لكريمة، وإن الله لسائق إليك خيرًا، وإنك لنافعة، وإني بك لمعجب، وإني لك لمحب، وأن يقدر أمرًا سيكون. قال في كتاب محمد: وإني لأرجو أن أتزوجك. قال مالك: ولا بأس أن يهدي لها (¬1). يريد: لأن المفهوم من الهدية التعريض، وهذا الحكم في دخول نكاح على نكاح، والحرة والأمة في ذلك سواء. ويتصور في الأمة أربعة أوجه: نكاح على نكاح، وملك على ملك، ونكاح على ملك، وملك على نكاح. فإن كانت في عدة من طلاق أو وفاة، لم يعقد عليها سيدها نكاحًا ولا يواعد عليه (¬2)، ويجوز له البيع والمواعدة عليه لمن يريدها للوطء. وكذلك في دخول ملك على ملك يجوز، وإن كان في موضع لا يجوز فيه الوطء. قال مالك: لا يجوز عقد النكاح إلا في موضع يجوز فيه الوطء (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 574. (¬2) في (ش 1): (عليها). (¬3) انظر: المدونة 2/ 381.

فصل [فيمن تزوج امرأة في العدة هل تحرم عليه أم لا؟]

فصل [فيمن تزوج امرأة في العدة هل تحرم عليه أم لا؟] اختلف في تحريم الزوجة على من تزوجها في العدة على أربعة أقوال: فقال مالك: تحرم إذا دخل في العدة أو بعد انقضائها (¬1)، ولا تحرم إذا فرق بينهما قبل الدخول في العدة. وقال أيضًا: إن دخل بعد العدة، فسخ وما هو بالحرام البين (¬2). يريد: حتى يدخل في العدة. وروى ابن الجلاب أنه روي عنه: أنها تحرم بالعقد وإن فسخ قبل الدخول (¬3). واختلف فيه عن عبد العزيز بن أبي سلمة، فقال: تحرم دخل في العدة أو بعدها. وذكر ابن سحنون عن ابن نافع أنه قال: لا تحرم وإن أصاب في العدة (¬4). واختلف إذا قبّل أو باشر في العدة، فقال ابن القاسم: تحرم (¬5). واختلف عنه في كتاب محمد، فقال مرة: تحرم. وقال مرة: لا تحرم وأحب (¬6) إلي ألا ينكحها من غير قضاء، قال: لأن في الوطء نفسه اختلافًا فكيف بما دونه (¬7). قال محمد: وإن أرخيت الستور ثم تقاررا على أنه لم يمس (¬8)، لم تحل له أبدًا (¬9). ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 439. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 573. (¬3) انظر: التفريع: 1/ 415. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 577. (¬5) انظر: المدونة: 2/ 36. (¬6) في (ب) و (ح): (وقال مرة: وأحب). (¬7) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 427. (¬8) قوله: (على أنه لم يمس) في (ش 1): (على أنه لمس). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 573.

ودخول وطء على وطء على أربعة أقسام: فإن كان الوطئان بنكاح وقع التحريم، إلا ما (¬1) ذكر عن عبد العزيز (¬2). وإن كانا بملك يمين لم تحرم. واختلف إذا كان أحدهما بنكاح، والآخر بملك يمين، بأن تتزوج (¬3) وهي في الاستبراء من وطء الملك، أو توطأ بالملك (¬4) وهي في عدة من نكاح؟ فقال مالك: متى وجدتَّ ملكًا خالطه نكاح بعده (¬5) في البراءة، أو ملكًا (¬6) دخل على نكاح، فذلك كله يجري مجرى المصيب في العدة. قال سحنون: وقد روي أيضًا أنه ليس كالتزويج (¬7) في عدة (¬8). فردّه في القول الأول إلى نكاح على نكاح، وفي القول الآخر إلى ملك (¬9) على ملك. والقياس: إذا كان الأول نكاحًا أن يحرم وإن كان الثاني ملكًا، وإن كان الأول ملكًا ألا يحرم وإن كان الثاني نكاحًا. ¬

_ (¬1) في (ش 1): (بما). (¬2) أي عبد العزيز بن أبي سلمة السابق. (¬3) في (ش 1): (وإن تزوج). (¬4) في (ش 1): (أو وطء بملك). (¬5) في برلين: (بعدة). (¬6) في (ش 1): (في امرأة أو ملكًا). (¬7) في (ش 1): (كالمتزوج). (¬8) انظر: المدونة: 2/ 23. (¬9) في (ش 1): (نكاح).

فصل [فيما إذا واعد في العدة ونكح بعدها]

فصل [فيما إذا واعد في العدة ونكح بعدها] واختلف إذا واعد (¬1) في العدة ونكح بعد- في فسخ النكاح (¬2)، وفي التحريم فيما بعد. فقال مالك في المدونة: فراقها أحب إليَّ، دخل بها أو لم يدخل وتكون طلقة ثم يخطبها بعد أن تحل (¬3). فجعل الفراق على وجه الاستحسان، ولم يحرمها. واختلف فيه قول ابن القاسم (¬4)، فقال مرة: يفسخ بقضاء، وقال مرة: بغير قضاء. وقال محمد: قال أشهب: يفسخ ولا تحل أبدًا (¬5). والقول الأول أحسن؛ لأن العقد لم يكن في العدة، وهذا إذا كانت المواعدة مع الزوجة والأب في البكر أو السيد فأما من لا تتزوج إلا برضاها فلا. وقال مالك في المرأة تطلق طلاقًا رجعيًّا ثم تتزوج في عدتها ويراجعها زوجها الأول في العدة من قبل أن يفرق بينها وبين الآخر، قال: رجعته رجعة وليس له أن يصيبها حتى يستبرئها من الماء الفاسد بثلاث حيض إن كان دخل بها الآخر (¬6). قال الشيخ - رضي الله عنه -: ولو ارتجع ثم أصاب (¬7) قبل أن تنقضي عدتها من الآخر ¬

_ (¬1) في (ح): (وعد). (¬2) من هنا سقط في (ح) إلى آخر الكتاب. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 21. (¬4) في (ش 1): (ابن الماجشون). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 573. (¬6) انظر: المدونة: 2/ 21. (¬7) في (ش 1): (أصابها).

لم تحرم؛ لأنه مصيب لزوجته وليس هو مصيب في عدة. وكذلك المنعي لها يقدم زوجها فيفرق بينها وبين الآخر فيصيبها القادم في عدة الآخر فإنها لا تحرم؛ لأنه ليس بمتزوج في عدة. وكذلك المرأة تزني فيصيبها زوجها في استبرائها من الزنا فلا تحرم عليه؛ لأن التزويج تقدم الزنا (¬1). ولو طلق رجل زوجته طلاقًا بائنًا فتزوجت في العدة، لم يجز للأول أن يتزوجها وهي في عدتها (¬2) فإن فعل كان فاسدًا ويفسخ قبل الدخول وبعده، وتحرم عليه إن كان دخل بها في العدة منه أو من الثاني. واختلف إذا كانت في عدة من زنا فتزوجت ودخل بها، فقيل: تحرم. وقيل: لا تحرم، سواء حامل أم لا، قاله ابن القاسم (¬3)، إلا في عدة التزويج خاصة، ثم رجع ابن القاسم فقال: إن كانت حاملًا حرمت وإلا فلا. وقال أصبغ: لا أحب أن يتزوجها وإن لم تكن حاملًا، ولا يقضي بذلك عليه؛ لأنه إذا كانت عدة النكاح تحرم فالسفاح أحرم (¬4). وقال أشهب فيمن اغتصبت زوجته وهي حامل منه: لا بأس أن يصيبها زوجها. وقال أصبغ: أكرهه وليس يحرم (¬5). والأول أقيس؛ لأن الحمل منه، وإنما يكره أن يسقي ماءه ولد غيره، وليس يكره أن يسقي ماءه ولده لأجل أن ماء غيره سقاه. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 577. (¬2) في (ش 1): (في عدة منهما). (¬3) قوله: (سواء حامل أم لا؛ قاله ابن القاسم) ساقط من (ش 1). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 575. (¬5) في (ش 1): (بمحرم). انظر: النوادر والزيادات: 4/ 575.

وقال فيمن طلق زوجته طلاقًا رجعيًّا، ثم ارتجعها في عدتها، ثم طلقها كما هي (¬1) في عدتها ولم تعلم برجعته فتزوجت ودخل بها، ثم فرق بينهما: فلا يطأها الثاني إذا أصابها في العدة من الطلاق الثاني. ولو كان الطلاق الأول بخلع، ثم تزوجها في عدتها، ثم طلق قبل أن يدخل بها، ثم تزوجت بعد أن أوفت (¬2) العدة، كان الثاني نكاحًا جائزًا؛ لأنه ليس عليها إلا تمام العدة الأولى، بخلاف الأولى (¬3) فإن عليها عدتين. وقال مالك فيمن صالح زوجته على إن طلبت ما أعطته عادت زوجة، فطلبت ذلك فراجعها (¬4) فأصابها ثم فرق بينهما: فلا يصيبها أبدًا (¬5). وقال غير واحد من أصحابه: لا تحرم؛ لأنّ الماءَ ماؤه (¬6)، وهو أحسن؛ لأنه قد كان له أن يتزوجها في تلك العدة بولي وصداق. وقال محمد في امرأة نسيت شوطًا من الطواف الواجب حتى تزوجت ودخل بها ففسخ النكاح فعادت فطافت ثم اعتمرت وأهدت: فلا تحل للزوج الذي تزوجها أبدًا، ثم وقف عن تحريمها (¬7). وهذه مثل التي قبلها لا تحرم على زوجها لأن الماء ماؤه. تم كتاب العدة بحمد الله ¬

_ (¬1) في (ش 1): (هو). (¬2) في (ش 1): (وفت). (¬3) في (ب) و (ح): (الأول). (¬4) قوله: (فراجعها) ساقط من (ش 1). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 259. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 283. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 578.

كتاب المفقود

كتاب المفقود النسخ المقابل عليها 1 - (ب) = نسخة برلين رقم (3144) 2 - (ح) = نسخة الحسنية رقم (12929) 3 - (ش 1) = نسخة الشيخ أبَّاه - النباغية (شنقيط)

باب في امرأة المفقود تتزوج بعد ضرب الأجل من السلطان ثم يقدم زوجها، والمطلقة تتزوج بعد انقضاء العدة ثم يثبت أن زوجها كان ارتجعها في العدة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كتاب المفقود باب في امرأةِ المفقودِ تتزوجُ بعدَ ضربِ الأجلِ مِنَ السُّلطانِ ثم يَقْدَمُ زوجها، والمطلقة تتزوج بعد انقضاء العدة ثم يثبت (¬1) أنَّ زَوْجَها كان ارتجعها في العدة اختلف عن مالك في ذلك فقال مرة: عقدُ الثاني عليها فوتٌ (¬2)، وبه قال المغيرة وغيره من أصحاب مالك، ثم رجع وقال: الأول أحق بها ما لم يدخل الثاني (¬3)، وبه قال ابن القاسم وأشهب، ولم يختلف قول مالك أن الدخولَ فيهما (¬4) فوتٌ، وأنَّ انقضاءَ العدةِ في زوجة المفقود لا يفيتها (¬5). وأرى أن يكون العقدُ في امرأة المفقودِ فوتًا؛ لأنَّ الحاكمَ أباح لها الأزواجَ مع إمكانِ حياتِه، وما كشف الغيبُ شيئا (¬6) أكثرَ منَ الذي كان يظن، وقد قال الأبهريُّ وغيره من البغدادين: إن الطلاق عليه للضرر الذي يدركها في عدم ¬

_ (¬1) قوله: (يثبت) ساقط من (ب). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 29. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 29. (¬4) قوله: (فيهما) في (ب): (فيها). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 31. (¬6) قوله: (شيئا) زيادة من (ش 1).

الوطء (¬1). وعلى هذا لا يكون أحق بها وإن لم تتزوج فيها (¬2). وليس كذلك امرأة المرتجع؛ لأنه لم يكن فيها أمر ولا قضية من حاكم، فوجب أن يكون أحق بها وإن تزوجت. ويجري فيها قول ثالث أنه (¬3) أحق بها وإن دخل الآخر، قياسًا على أحد الأقوال في النصرانية تُسْلِم وزوجها غائب (¬4)، وذكر الشيخ أبو محمد بن أبي زيد عن ابن الماجشون أنه قال: إن ثبت أنه أسلم قبلها أو بعدها في العدة كان أحق. بها (¬5)، وإن وَلَدَتْ من الثاني (¬6). وهذا أحسن؛ لأن الإسلام والرجعة هدما حكم الطلاق، وألا تباح للأزواج، فصارت بمنزلة امرأة ذات زوج تزوجت ولها زوج. وقال مالك في كتاب محمد: إذا كان الزوج الذي ارتجعها حاضرًا فلم يعلمها برجعته حتى تزوجت، ودخل بها أنها تمضي زوجة للثاني والحاضر أعظم ظلمًا (¬7). وليس هذا أيضًا بالبَيِّن. ولو رأى رجلٌ زوجته تتزوج ولم ينكر عليها لم يكن ذلك طلاقًا، ولو عُدَّ ذلك من المرتجع طلاقًا (¬8) لاحتسب (¬9) بطلقة أخرى، وفرق بينها وبين الثاني، ¬

_ (¬1) انظر: المعونة: 1/ 479 و 1/ 550. (¬2) قوله: (فيها) زيادة من (ش 1). (¬3) قوله: (أنه) في (ح): (أنها). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 300. (¬5) زاد بعده في (ش 1): (قال). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 593. (¬7) انظر. النوادر والزيادات: 5/ 33. (¬8) قوله: (ولو عُدَّ ذلك من المرتجع طلاقًا) ساقط من (ش 1). (¬9) قوله: (لاحتسب) في (ح): (لا حتسبت بذلك).

واستأنفت العدة من الأول. قال محمد: ولو قدم المفقود بعد أن خلا بها الثاني فقال للأول: ما قربتها، لحرمت على الثاني، ولم تحل للأول (¬1) إلا أن يخطبها بعد ثلاث حيض (¬2). وجعل اعترافه كالطلاق، وإن لم يطلق فتحل لذلك الزوج (¬3)، ولا تحل لغيره إن اعترفت أن الثاني لم يصبها (¬4)؛ لأنها مقرة أنها زوجة الأول. وإن ادعت أنه أصابها حلت له ولغيره؛ لأنه يعد ذلك منه طلاقًا، فإن أنكرت أن يكون أصابها، ولم يصدقها الأول ولا راجعها، كان لها أن ترفع أمرها إلى السلطان فتطلق على الأول؛ لأنها تقول: لا أبقى بغير نفقة، ولو أنفق عليها، لكان لها أن تقوم بعدم الإصابة؛ لأنَّ إنكار الأول أن تكون صدقت و (¬5) قوله: لا علم عندي لا يعد طلاقًا (¬6). واخْتُلِفَ إذا دخل بها الثاني، ثم طلقها وانقضت العدة، ثم قدم الأول وقد كان طلقها قبل غيبته تطليقتين هل يحلها الثاني للأول؟ فقال مالك في المبسوط وأشهب في السليمانية: تحل (¬7). وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: لا تحل. ¬

_ (¬1) قوله: (ولم تحل للأول) في (ح) (يريد: في هذا النكاح ويخطبها إن شاء، ولم تحل للأول إلا بنكاح جديد). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 551. (¬3) قوله: (لذلك الزوج) في (ح): (بذلك للزوج). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 33. (¬5) قوله: (و) ساقط من (ش 1). (¬6) قوله: (وقوله: لا علم عندي لا يعد طلاقًا) في (ح): (قوله ولا علم عندي إلا بعد طلاقها). (¬7) انظر: 2/ 29، ونص المدونة: (قلت: أرأيت إن قدم زوجها الأول بعد الأربع سنين وبعد الأربعة أشهر والعشر أتردها إليه في قول مالك ويكون أحق بها؟ قال: نعم، قلت: أفتكون عنده على تطليقتين؟ قال: لا ولكنها عنده على ثلاث تطليقات عند مالك وإنما تكون عنده =

فصل [في أحوال زوجة المفقود بعد انقضاء عدتها]

والأول أحسن؛ لأن بدخول الثاني يتبين أنه قد وقع على الأول طلقة من وقت ابتدأت (¬1) العدة، ولو كانت الطلقة إنما تقع بدخول الثاني، لكان الثاني نكاحًا فاسدًا، ويفرق بينها وبينه. فصل [في أحوال زوجة المفقود بعد انقضاء عدتها] زوجة المفقود بعد انقضاء العدة على أربعة (¬2) أوجه: إما أن يأتي زوجُها، أو العلمُ بحياته، أو يثبت موته، أو لا يتبين حياته ولا موته حتى يمضي التعمير. فإذا أتى بنفسه، أو أتى العلم بحياته، منعت الأزواج ورجعت بالنفقة من يوم قطعت عنها، وذلك من يوم أخذت في العدة، وإن كانت تزوجت ودخل بها مضت زوجة للثاني، وإن تزوجت ولم يدخل بها كان موضع الخلاف هل تمضي زوجة للثاني أم ترد إلى الأول؟ وترجع (¬3) بالنفقة (¬4). ¬

_ = على تطليقتين إذا هي رجعت إليه بعد زوج. قلت: أرأيت المفقود إذا ضرب السلطان لامرأته أربع سنين، ثم اعتدت أربعة أشهر وعشرا أيكون هذا الفراق تطليقة أم لا؟ قال: إن تزوجت ودخل بها فهي تطليقة) وفي موضع آخر: 2/ 30: (قال: وقال مالك في امرأة المفقود إذا ضرب لها أجل أربع سنين ثم تزوجت بعد أربعة أشهر وعشر ودخل بها ثم مات زوجها هذا الذي تزوجها ودخل بها، ثم قدم المفقود فأراد أن يتزوجها بعد ذلك أنها عنده على تطليقتين إلا أن يكون طلقها قبل ذلك). (¬1) قوله: (ابتدأت) في (ش 1): (ابتدأ). (¬2) في (ب): (ثلاثة). وانظر تفصيل هذه الأوجه في: المدونة: 2/ 29، 30، والنوادر والزيادات: 5/ 245. (¬3) في (ب): (ولا ترجع). (¬4) انظر: التلقين: 1/ 123.

وإن ثبت موته كانت (¬1) في موته على تسعة (¬2) أوجه: فإما أن يثبت أن الموت وانقضاء العدة كان قبل تزويج الثاني، أو (¬3) أن الموت كان قبل التزويج (¬4)، أو أن الموت كان بعد التزويج والدخول، أو بعد التزويج وقبل الدخول، أو دخل الزوج في العدة، أو بعد انقضاء العدة، أو أن التزويج والدخول كانا في العدة، أو كان التزويج للعدة والدخول بعد (¬5)، أو تعدم التواريخ فلا يدرى متى كان موته، فإن علم أن موته وانقضاء العدة منه كان قبل أن تتزوج الثاني (¬6) ورثته وبقيت زوجة للثاني. وكذلك إن علم أن موته كان قبل تزويج الثاني، فإنها ترثه ويفسخ نكاح الثاني، ثم ينظر إلى دخوله، فإن دخل قبل انقضاء العدة حرمت عليه، وإن دخل بعدُ فعلى الخلاف المتقدم. وإن كان موته بعد التزويج وبعد (¬7) الدخول لم ترثه، وبقيت زوجة للثاني، وإن كان موته بعد التزويج وقبل الدخول فعلى القول أن عقد الثاني فوتٌ، تبقى زوجة له، ولا ميراث لها من الأول، وعلى القول أن العقد ليس بفوت، ترث الأول ويفرق بينها وبين الثاني، ثم ينظر هل حرمت على الثاني؟ فإن فسخ قبل الدخول لم تحرم، وإن دخل في العدة حرمت، وإن دخل بعد انقضاء العدة ¬

_ (¬1) قوله: (كانت) في (ش 1): (كان). (¬2) قوله: (تسعة) في (ش 1): (سبعة). (¬3) قوله: (أو) في (ش 1): (و). (¬4) ساقط من (ب). وزاد في (ح): (والتزويج في العدة). (¬5) قوله: (بعد) في (ش 1): (بعدها). (¬6) قوله: (الثاني) زيادة من (ح). (¬7) قوله: (بعد) ساقط من (ح).

لم تحرم؛ لأن العقد (¬1) كان في الحياة، والدخول تأخر عن العدة، والعدة قد سلمت من أن يكون فيها عقد أو دخول. وإن عدمت التواريخ وقد دخل الثاني لم ترث الأول، ولم يفرق بينها وبين الثاني، ولا يفرق بشك ولا ترث بشك. وإن لم تعلم له حياة ولا موت حتى يموت (¬2) بالتعمير نظرت (¬3): فإن لم تكن زوجته تزوجت ورثته، وإن كانت تزوجت ودخل بها لم ترثه وبقيت زوجة للثاني، فإن لم يدخل بها (¬4) ورِثَتْه، وهذا ظاهر قول أصبغ؛ لأنه قال: ترثه امرأته ما لم تتزوج ويدخل بها، قال (¬5): فإن تزوجت قبل وقت (¬6) التعمير ودخل بها، فلا ميراث لها (¬7). وأجراها على أحد القولين إذا أتى العلم بحياته ولم يدخل، وعلى هذا يفسخ الثاني. قال الشيخ: (¬8) وأرى أن يمضي النكاح للثاني (¬9)، وليس تمويته (¬10) بالتعمير مما (¬11) يحمل على أنه كان حيًّا في الحقيقة إلى ذلك الوقت، وإنما هذا في ظاهر (¬12) ¬

_ (¬1) قوله: (العقد) في (ح): (العدة). (¬2) قوله: (يموت) في (ب): (فوت). (¬3) قوله: (نظرت) في (ش 1): (نظر). (¬4) قوله: (بها) ساقط من (ش 1). (¬5) قوله: (قال) ساقط من (ش 1). (¬6) قوله: (وقت) في (ش 1): (مدة). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 251. (¬8) قوله: (قال الشيخ) زيادة من (ش 1). (¬9) قوله: (للثاني) في (ش 1): (التالي). (¬10) (قوله: (تمويته) في (ح) كلمة غير واضحة. (¬11) زاد بعده في (ح): (يعلم). (¬12) قوله: (في ظاهر) ساقط من (ح).

فصل [في تزوج امرأة المفقود]

الحكم، وإلا فيحتمل (¬1) أن يكون مات قبل ذلك، ولا يفرق بينها وبين الآخر بالشك، ولا ترث الأول. فصل [في تزوج امرأة المفقود] وإن تزوجت في الأربع سنين كان نكاحًا فاسدًا يفسخ قبل الدخول وبعده، ولا تحرم عليه أن (¬2) يتزوجها بعد ذلك (¬3)، وإن ثبت أنه حي أمسكت عن الأزواج، وإن ثبت أنه كان مات ورثته وبقيت زوجة للثاني إذا كان تزوَّجها (¬4) بعد انقضاء عدة الأول، ولم يفسخ نكاحها (¬5)؛ لأنه قد ثبت أنه كان على وجه صحيح، وإن علم ذلك بعد أن فرق بينهما ردت إليه؛ لأن الفراقَ وقع في غير موضعه (¬6)، وإن تزوجت في الأربعة الأشهر وعشر كان فاسدًا، يفسخ قبل الدخول وبعده إلا أن يثبت أنه حي فلا تحرم عليه. وقال محمد: لأنها صارت زوجة للمفقود على حالها (¬7) بغير طلاق ولا وفاة. ¬

_ (¬1) في (ش 1): (ولا يحتمل). (¬2) قوله: (أن) في (ش 1): (وإن). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 335. (¬4) في (ش 1): (تزويجها). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 30. (¬6) انظر: المدونة: 2/ 30، والنوادر والزيادات: 5/ 33، ونص النوادر والزيادات: (محمد قال ابن القاسم ولو بنى بها الثاني بعد موت الأول وتمام عدته فرق بينهما وورثت الأول بعد وينكحها هذا إن شاء بعد ثلاث حيض). (¬7) قوله: (حالها) في (ش 1): (حالتها).

ولو لم يعلم حاله من الحياة والموت (¬1) فَفُرِّقَ بينهما وتزوجت غيره ودخل بها، ثم علمت حياة الأول كان الأوسط متزوجًا في عدة، وإن لم يدخل بها الآخر جرت على القولين، فعلى القول إنها تقر تحت الأخير (¬2)، يكون الأوسط متزوجًا في عدة، وعلى القول إنها ترد إلى الأول وأن العقد لا يُفيتها، لا يكون متزوجًا في عدة؛ لأنها عادت إلى الأول على الزوجية التي كانت. ¬

_ (¬1) قوله: (حاله من الحياة والموت) في (ح): (حياته وموته). (¬2) في (ش 1): (الآخر).

باب في ضرب الأجل لامرأة المفقود والنفقة على زوجته وولده وما يحل من ديونه ومهور نسائه ومتى يورث

باب في ضربِ الأجَلِ لامرأةِ المفقودِ والنفقةِ على زوجتِه وولدِه (¬1) وما يحلُّ من ديونِه ومهورِ نسائِه ومتى يوَّرث وقال مالك: لا تعتد امرأة المفقود، وإن أقامت أربع (¬2) سنين بغير أمر السلطان وإن أقامت عشرين سنة ثم رفعت أمرها إلى السلطان نظر في ذلك، وكتب إلى الموضع الذي خرج إليه، فإن يئس (¬3) منه (¬4) ضرب لها (¬5) أربع سنين، ثم اعتدت أربعة أشهر وعشرًا من غير أن يأمرها السلطان بذلك (¬6). يريد: ما لم تكمل عشرين سنة تمام التعمير، فإنه يموت ولا يستأنف الأجل. ولا يخلو المفقود من أن يكون فَقْدُهُ ببلده أو بعد خروجه عنه، أو في البلد الذي توجه إليه، فإن فُقِدَ ببلده كشف عن خبره (¬7) زوجتُه وأقاربه، وإخوانه وأهل محلته وسوقه، فإن كان عندهم منه عِلْم أنه كان يريد بلدًا كتب إليه، وإن لم يكن عندهم عِلْم كشف عنه في المواضع التي يشبه أن يتوجه إليها أو إلى (¬8) ما ¬

_ (¬1) قوله: (وولدِه) ساقط من (ش 1). (¬2) قوله: (أربع) زيادة من (ب) و (ش 1). (¬3) قوله: (يئس) في (ش 1): (أيس). (¬4) قوله: (منه) ساقط من (ح). (¬5) قوله: (لها) في (ش 1): (له). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 30، 31. (¬7) قوله: (خبره) في (ش 1): (خبر). (¬8) قوله: (أو إلى) في (ح): (وفى).

قاربها (¬1)، وإن فقد بعد خروجه كشف عنه في البلد الذي توجه إليه وفيما قاربه، وإن فقد بعد وصوله كشف عنه (¬2) في الموضع الذي وصل إليه، وفيما قاربه مما يتصرف مثل هذا إليه، ويكتب بحليته وصفته (¬3) وصنعته إن لم يكن مشهور العين (¬4)، وإن كان له بذلك الموضع إخوان سألهم عنه، وإن كان المفقود مطلوبًا بدم أو كان عبدًا أبق من سيده لم يقتصر في الكشف عنه على الناحية التي يقصدها (¬5) الخارج للتجارة؛ لأن هذا يتنقل من بلد إلى بلد خوفًا من (¬6) أن يُظهر عليه، فإن لم يعلم له حياة ولا موت كان لزوجته أن تقوم بالفراق. وقد اختلف في أربعة مواضع: أحدها: فيمن يتولى الكشف عن خبره، هل ذلك إلى سلطان بلد المفقود، أو إلى أمير المؤمنين؟ والثاني: في (¬7) مبتدأ الأربع سنين، أهو من يوم الرفع، أو من يوم (¬8) اليأس والثالث: في تعليل الاقتصار على أربع سنين. والرابع: هل عليها إحدادٌ في العدة؟ ¬

_ (¬1) قوله: (كشف عنه. . . ما قاربها) ساقط من (ش 1). (¬2) قوله: (عنه) ساقط من (ح). (¬3) قوله: (وصفته) ساقط من (ح). (¬4) قوله: (مشهور العين) في (ح): (معروفًا). (¬5) قوله: (يقصدها) في (ش 1): (يقصد لها). (¬6) قوله: (من) ساقط من (ش 1). (¬7) قوله: (في) ساقط من (ش 1). (¬8) قوله: (يوم) في (ح): (بعد).

والمعروف من المذهب: أن الكشف عن خبره إلى سلطان بلده، وإن تولى (¬1) ذلك بعض ولاة المياه، وكان المفقود منهم، أجزأ (¬2). قال أبو مصعب: لا يجوز في ذلك حكم سلطان غير الخليفة الذي تمضي كتبه في الدماء (¬3). وقال مالك: يضرب الأجل أربع سنين من يوم اليأس (¬4). وقال في مختصر ابن عبد الحكم: من يوم الرفع (¬5). وأما الاقتصار على أربع سنين، فقيل: لأنها غاية مدة الحمل (¬6). وقيل: المدة التي تبلغها المكاتبة في بُلدان (¬7) الإسلام سيرًا أو رجوعًا. وقيل: لا علة لذلك إلا الاتباع، لقول عمر (¬8) - رضي الله عنه - (¬9)، وهو أحسن. ¬

_ (¬1) قوله: (تولى) في (ح): (توسد). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 186، قال فيها: (بلغني عن مالك في امرأة فقد زوجها، فضرب لها صاحب المياه الأجل فأخطأ في ضربه الأجل، قال ابن القاسم: أظنه ضرب لها الأجل من يوم فقدته أربع سنين، قال مالك: تستكمل ذلك من يوم يئس من خبره أربع سنين ولم يطعن في أنه لا يجوز له ما صنع فهذا يدلك أيضا على مسألتك). (¬3) قوله: (الدماء) في (ح): (الدنيا). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 30. والنوارد والزيادات: 5/ 248، والتفريع في فقه الإمام مالك بن أنس: 2/ 53. (¬5) قوله: (من يوم الرفع) ساقط من (ش 1). وانظر: المختصر الصغير بشرح البرقي، لوحة رقم: [52 / أ]. (¬6) انظر: المعونة: 1/ 551. وفي كون أقصى مدة الحمل أربع سنين انظر: عيون المجالس: 3/ 134، والمعونة: 1/ 628. (¬7) قوله: (بُلدان) في (ش 1): (بلاد). (¬8) قوله: (عمر) في (ش 1): (عثمان بن عفان). (¬9) انظر: المدونة: 2/ 31، والمعونة: 1/ 552. وانظر الأثر في الموطأ: 2/ 575، في باب نفقة الأمة إذا طلقت وهي حامل، من كتاب الطلاق، برقم: (1195)، وعبد الرزاق في مصنفة: =

ويفسد (¬1) التعليل بمدة الحمل بقوله: لو أقامت عشرين سنة، ثم رفعت أمرها (¬2) إنها تستأنف الأجل (¬3)، وبقولهم: إذا كانت الزوجة صغيرة أو الزوج صغيرًا إنه يضرب الأجل أربع سنين، وإن لم يكن هناك موضع يخشى منه الحمل، وكذلك إذا كانت يائسة. ويبطل التعليل بأنه مدة الكشف على قول مالك إنها تستأنف الأربع سنين (¬4) من بعد اليأس، وعلى قوله أيضًا: إن الأربعة من يوم الرفع؛ لأنه لو رجع الكشف ورفع (¬5) بعد سنة لانتظرت (¬6) تمام الأربع سنين (¬7)، ولو كانت العلة لأنها أمد الكشف لم تنتظر تمام الأربع. وقال محمد في العبد يهرب من سيده فتطول إقامته، ومن يهرب من دم وهو حر أو عبد: إنه كالمفقود. وقال مالك: وكذلك من أخذ متاع زوجته وهرب به من جوف الليل؛ يُضرب له أجلُ المفقود. وأرى أن يطلق على هؤلاء عند رجوع الكشف بعدم العلم، بخلاف المفقود؛ لأنهم فروا اختيارًا، ومعلوم أنهم قاصدون للتخلف عن الرجوع، هذا ¬

_ = 7/ 85، باب التي لا تعلم مهلك زوجها، من كتاب الطلاق، برقم: (12317). (¬1) قو له: (ويفسد) في (ح): (ويعترض). (¬2) قوله: (أمرها) ساقط من (ح). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 30. (¬4) في (ب) و (ح): (تستأنف الأربعة). (¬5) قوله: (الكشف ورفع) في (ح): (للكشف ووقع). (¬6) قوله: (لانتظرت) في (ح): (لا تنتظر). (¬7) قوله: (من بعد اليأس، وعلى قوله أيضًا: أن الأربعة. . . تمام الأربع سنين) ساقط من (ش 1).

بالإباق، وهذا لئلا يؤخذ بالدم، والآخر (¬1) لئلا يظهر عليه. وكذلك من فرَّ من دَينٍ (¬2) كثير أعسر به، يُطلق عليه بالضرر، وليس بمنزلة من لم يكن خروجُه من بلده لمثل هذا؛ لأنّ الغالب رغبته في الرجوع إلى أهله، فهو بين ميت وممنوع من الرجوع، وهؤلاء مختارون للإقامة. وقال الشيخ أبو بكر الأبهري: إنما قال مالك يفرق بين المفقود وبين امرأته إذا طالت المدة؛ لأن الضرر فيه أكثر من ضرر المولي (¬3) إذ كأن المفقود عُدِم منه (¬4) الوطء. قال الشيخ - رضي الله عنه -: ولا يلزم على هذا الأسير (¬5)؛ لأن المنع في الأسير من غيره. وقال محمد: إن كانت الزوجة صغيرة فلم تبلغ الوطء وهو صغير أو كبير فذلك سواء، وهو مفقود مثل غيره في الأجل والعدة، ويقوم للصغيرة أبوها (¬6). ويلزم على قول الأبهري ألا يطلق على الصغير وإن كانت كبيرة، ولا على الكبير إذا كانت صغيرة؛ لأنه لم يأت (¬7) القيام بالضرر بعدم الوطء، وقد تقدم ذكر الاختلاف في الإحداد. ¬

_ (¬1) في (ش 1): (وهذا). (¬2) قوله: (من دَينٍ) في (ح): (بدين). (¬3) قوله: (من ضرر المولي) بياض في (ش 1). (¬4) قوله: (عُدِم منه) بياض في (ش 1). (¬5) قوله: (الشيخ - رضي الله عنه -: ولا يلزم على هذا الأسير) بياض في (ش 1). (¬6) قو له: (أبوها) في (ب): (أبواها). وانظر: النوادر والزيادات: 5/ 248. (¬7) في (ب): (لم يأت من وقت)، وفي (ش 1): (لم يأت من غير).

فصل [في المفقود، والحكم في ماله، وتعميره والنفقة على زوجته وولده]

فصل [في المفقود، والحكم في ماله، وتعميره والنفقةِ على زوجتِه وولدِه] وقال مالك: ينفق على زوجة (¬1) المفقود في الأربع سنين، ولا ينفق عليها في الأربعة الأشهر وعشر؛ لأنها معتدة، وينفق على بنيه الصغار حتى يحتلموا، وعلى بناته حتى يتزوجن، ويُدخل بهن (¬2). والمفقود ثلاثة: فقيد في أرض الإسلام، وفقيد في أرض الحرب، وفقيد فيما (¬3) بين الصفين في أرض الحرب، أو في أرض الإسلام (¬4). واختلف أهل العلم في فقيد أرض الإسلام، فقال مالك: هو على الحياة، ولا يقسم ماله إلا بالتعمير (¬5)، وينفق على بنيه وبناته حسب ما تقدم، فإن ثبت أنه مات قبل ذلك رجع عليهم (¬6)، وزوجته بالخيار بين أن تقيم على الزوجية وتنفق من ماله حتى يموت بالتعمير وترث حينئذٍ، أو تقوم بالطلاق لما لحقها من الضرر في عدم (¬7) الإصابة. واختلف في مهور نسائه وفي الديون التي عليه إلى أجل، فقال مالك في ¬

_ (¬1) في (ح): (امرأة). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 31. (¬3) قوله: (فيما) ساقط من (ش 1). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 245. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 248، والمعونة: 1/ 553. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 249. (¬7) قوله: (عدم) ساقط من (ب).

فصل [في ميراث المفقود]

كتاب محمد: تؤخر إلى أجلها (¬1). وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: تعجل إذا انقضت الأربع سنين (¬2). والأول أحسن؛ لأن محمله على الحياة، وإنما قضي للزوجة بالطلاق لحقها في الإصابة، وقال بعض أهل العلم: الزوجةُ والمالُ سواءٌ، لا يفرق بينه وبين زوجته حتى يبلغ التعمير، وقال بعضهم: يفرق بينه وبين زوجته، ويقسم ماله بعد انقضاء الأربع سنين. فصل [في ميراث المفقود] وينظر السلطانُ فيما يخلفه المفقود من رباعٍ (¬3) وأموالٍ ومتاجرَ، وديونٍ، وقراضٍ، وودائعَ وعوارٍ (¬4)، فأما الرِّبَاعُ فإن كانت مما تصلحُ للكراءِ أكراها (¬5)، فإن كان فيها شيءٌ يحتاج إلى إصلاح ولا يبقى على انهدامه أصلح له، وإن كان يبقى عليه وكانت (¬6) النفقة تعظم والبيع أحسن، بيعت، وأما متاجره فما كان يخشى فساده مثل ما كان يسوّس أو يدوّد، باعه، وإلا لم يعرض له، إلا أن يأتي على شيء من ذلك نفاق وغلاء، وما يعلم أنه لو كان صاحبه حاضرًا لم يؤخر بيعه؛ فإنه يباع، وأما رقيقه فإن كان لا يخشى عليهم الإباق وفي خراجهم ما يقوم بمؤنتهم وكسوتهم، لم يباعوا، وإلا بيعوا. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 249. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 249. (¬3) الرباع هي: المنازل والدور التي تتخذ للإقامة. انظر: لسان العرب: 8/ 99. (¬4) قوله: (وعوارٍ) في (ح): (وعقار). (¬5) قوله: (أكراها) في (ح): (اكتراها). (¬6) قوله: (وكانت) في (ب): (أو كانت).

فصل [في زوجة المفقود التي لم يدخل بها]

وكذلك الدواب إذا كان في غلتها ما يقوم بعلوفاتها (¬1) ولم يبلغوا من السن ما يخشى عليهم، لم يباعوا، ويقتضي (¬2) ديونه بعد حلول أجلها وقراضه بعد نضوضه، ويوقف كل (¬3) ذلك على يد أمن (¬4)، وكذلك عواريه إذا كان لها أجل فانقضى وإن لم يكن لها أُجِّلَ بانقضاء (¬5) (¬6) ما يعار لمثله. وإن أعار أرضًا فبنى فيها المستعير أَمَره بنقضه إذا مضى ما يعار لمثله إلا أن يكون له مال (¬7) فيأخذ له بقيمته منقوضًا. فأمَّا ودائعه فإن كانت على يد مأمون تركت، وإلا نزعت وإن كان المفقود قد رضي بأمانته؛ لأنه قد تعلق بها حق الورثة وشبهة، لإمكان أن يكون قد مات، وإن كان الورثة مأمونين كان وَقْف جميع ذلك على أيديهم أولى من الأجنبيين للشبهة التي كانت (¬8) لهم فيه، ولإمكان أن يكون قد مات اليوم، وأنه مالهم اليوم، ومراعاةً للخلاف لمن قال: إنه يورث عند انقضاء أربع سنين. فصل [في زوجة المفقود التي لم يدخل بها] واختُلِف في إكمال الصداق للزوجة إذا لم يدخل بها، وفرق بينهما قبل ¬

_ (¬1) قوله: (بعلوفاتها) في (ش 1): (بعلفها). (¬2) في (ب) و (ح): (ويقضي). (¬3) قوله؛ (كل) زيادة من (ح) و (ش 1). (¬4) قوله: (أمين) في (ح): (ثقة)، وفي (ش 1): (على يد ذي عدل). (¬5) قوله: (بانقضاء) في (ش 1): (فانقضى). (¬6) قوله: (لم يكن لها أجل بانقضاء) ساقط من (ح). (¬7) قوله: (مال) في (ح): (مقال). (¬8) قوله: (كانت) زيادة من (ح).

الدخول فتزوجت أو لم تتزوج حتى مُوِّت بالتعمير، فقال مالك: إذا فرق بينهما (¬1) بعد أربع سنين تعطى جميع الصداق (¬2)، وقال عبد الملك: تعطى نصف صداقها، وإن كانت قبضت الجميع لم ينزع منها (¬3). وهي بعد ذلك على ثلاثة أوجه: فإما أن يعلم حياته أو موته، أو لا يعلم له حياة أو موت، ومُوِّت بالتعمير. فإن عُلِمت حياتُه بعد أن تزوجت ودخل بها الثاني: لم يكن لها إلا نصف الصداق على (¬4) قول عبد الملك، فإن كانت قبضت الجميع ردت النصف، واختُلِف عن مالك إذا عُلِمت حياتُهُ فقال مرةً تردُّ النصفَ؛ لأنه طلاقٌ قبلَ الدخولِ، وقال مرةً: لا تردُّ شيئًا؛ لأنه طال أمرها ويتلوم له كما يتلوم للمعترض (¬5). والأول أحسن؛ لأنه طلاق قبل الدخول، وليس كالمعترض؛ لأنه استمتعبها وأخْلَقَ جهازَها، وإن علم أن موته كان في موضعٍ يئوب (¬6) منه أكمل لها الصداق، فإن كان في موضع لا يئوب (¬7) منه لم يكمل لها. واختلف إذا لم يعلم له حياة ولا موت حتى مُوِّت بالتعمير، وقد دخل الثاني بها، فقال عبد الملك: يُكمَّلُ لها الصداقُ، وقال ابن دينار: لها النصفُ، ولا يكمل لها (¬8)، وهو أقيس، ولو أكمل لها وجهل ما تقدم من الفراق أنه كان بعد وفاته ¬

_ (¬1) قوله: (بينهما) ساقط من (ش 1). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 245، والبيان والتحصيل: 5/ 51، 408. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 250. (¬4) قوله: (نصف الصداق على) في (ب): (نصفه إلا على). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 249 و 250. (¬6) في (ب) و (ح): (تَرِثُ). (¬7) في (ب) و (ح): (تَرِثُ). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 250.

فصل [في ميراث المفقود]

لورثت، وإن لم تتزوج حتى مُوِّت بالتعمير ورثت، وأكمل لها الصداق، وإن عُلم الموت والتزويج ولم يُدرَ أيّ ذلك كان قبل، لم ترث ولم يكمل الصداق. فصل [في ميراث المفقود] وقال مالك في المفقود: إذا بلغ من الزمان ما لا يُحيا إلى مثله قُسِّم ماله يوم يموت (¬1). وإن مات له الآن (¬2) ولدٌ وقفَ للمفقودِ ميراثه منه حتى ينظر ما يثبت من ذلك، وإن ثبت أن الأب مات قبل الابن ورثه الابن، وإن ثبت أن موت الابن كان قبل (¬3) كان الموقوف (¬4) مضافًا إلى مال الأب، وموروثًا عنه. واختلف إذا مُوِّت بالتعمير، فقال مالك: لا ميراث للأب منه (¬5) ويكون ميراث الابن لمن كان يرثه يوم مات سوى أبيه، وميراث الأب لمن يرثه يوم موته دون ولده (¬6). وحكى ابن شعبان قولًا آخرَ: أن ميراثَ الابنِ للأب، ويرثه الآن من كان يرث الأب بالتعمير. وقولًا ثالثًا: أنه إذا ورث الأب بالتعمير يوقف من ماله ميراث ولده الذي كان مات، ويكون الميراثان موقوفين حتى ينكشف من يرث منهما صاحبه. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 32. (¬2) قوله: (الآن) زيادة من (ح). (¬3) زاد بعده في (ح): (المفقود). (¬4) قوله: (كان الموقوف) ساقط من (ح). (¬5) قوله: (للأب منه) في (ب): (بينهما). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 32.

فصل [في حد التعمير في المفقود]

والأول أصوب، ولا يرث الابن الأب، (¬1) لإمكان أن يكون موته (¬2) قبل، ولا يرث الأب الابن (¬3) لإمكان أن لا (¬4) يكون (¬5) حيًّا يوم مات. فصل (¬6) [في حد التعمير في المفقود] واخْتُلِف في حد التعمير، فقال مالك وابن القاسم وأشهب: سبعون سنةً، وقال ابن القاسم أيضًا: (¬7) في المختصر: تسعون (¬8) سنة (¬9)، وقال (¬10): أو ثمانون، وقال أشهب: مائة من يوم ولد، وقال ابن الماجشون: تسعون سنة، وقيل عنه: مائة، وقال ابن القاسم: سبعون سنة (¬11) في المفقود والموصى له، وقيل عنه: أحب إلي أن يزاد في المفقود وروي عنه فيه ثمانون (¬12)، وقال أشهب أيضًا وعبد الملك: مائة سنة (¬13). والسبعون في ذلك أحسن (¬14) إذا فُقِدَ وهو شاب أو كهل، وإن فقد وهو ¬

_ (¬1) قوله: (الابن الأب؛) في (ح): (الأب الابن). (¬2) في (ح): (مورِّثه). (¬3) قوله: (الأب الابن) في (ح): (الابن الأب). (¬4) قوله: (لا) ساقط من (ش 1). (¬5) قوله: (أن لا يكون) في (ح): (أن يكون الأب). (¬6) قوله: (فصل) ساقط من (ح) و (ش 1). (¬7) ساقط من (ح). زاد بعده في (ب): (سبعون، وقال عنه أيضًا). (¬8) قوله: (تسعون) في (ح): (سبعون). (¬9) انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد: 13/ 10. (¬10) قوله: (وقال عنه أيضًا في المختصر: تسعون سنة وقال) ساقط من (ش 1). (¬11) قوله: (سنة) ساقط من (ب). (¬12) قوله: (وقال أشهب: مائة من يوم ولد. . . وروي عنه فيه ثمانون) ساقط من (ش 1). (¬13) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 250، والمعونة: 1/ 553. (¬14) انظر: المعونة: 1/ 553. ونص كلامه: (والصحيح سبعون سنة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (أعمار أمتى =

فصل [فيمن توجه نحو أرض الحرب؛ ففقد]

ابن سبعين زِيدَ (¬1) في ذلك قدر (¬2) ما يرى من حاله يوم فُقد، فقد يرى أن السبعين أتت عليه وهو صحيح البِنْية مجتمع (¬3) القوى، وآخر (¬4) أتى عليه الضعف (¬5) فليس أمرهما سواءٌ، وإن فُقد وهو ابن ثمانين سنة أو تسعين أو مائة زِيد (¬6) في تعميره (¬7)، ويعتبر في الزيادة حسب ما تقدم من حاله يوم فُقد، فإن قسم ماله وكانت زوجته لم تتزوج بعد الفراق كان لها الميراث. فصل [فيمن توجه نحو أرض الحرب؛ ففقد] واختُلف فيمن توجه (¬8) إلى أرض الحرب فَفُقِدَ في توجهه أو بعد وصوله، وكان سفره في البر أو في البحر فقيل: هو بمنزلة الفقيد يتوجه إلى (¬9) أرض الإسلام. وقيل: هو كالأسير (¬10). وقيل: (¬11) إن فقد قبل وصوله كان على حكم ¬

_ = ما بين الستين كان إلى السبعين، فأقلهم من يجاوز ذلك، وهذا إخبار عما يتعلق به الحكم من الأعمار، وما زاد على ذلك فليس فيه دليل يتحرر لكل قول، وإنما هو على حسب ما يتغلب في الظن من طول المدة وقصرها). (¬1) قوله: (وعبد الملك: مائة سنة. والسبعون في ذلك أحسن. . . وهو ابن سبعين زِيدَ) ساقط من (ش 1). (¬2) قوله: (قدر) في (ش 1): (هو). (¬3) قوله: (أتت عليه وهو صحيح البِنْية مجتمع) ساقط من (ش 1). (¬4) قوله: (وآخر) ساقط من (ح). (¬5) قوله: (الضعف) في (ش 1): (الضعيف). (¬6) قوله: (زِيد) في (ش 1): (فيعد). (¬7) قوله: (في تعميره) ساقط من (ح). (¬8) في (ح): (بوجهه). (¬9) قوله: (يتوجه إلى) في (ح): (في). (¬10) انظر تفصيل المسألة في النوادر والزيادات: 5/ 245، 246. (¬11) قوله: (قيل:) ساقط من (ح).

فصل [فيمن فقد في معترك بين المسلمين]

المفقود، وإن كان فقد بعد وصوله كان كالأسير. وقيل: إن كان سفره في البحر ففقد قبل الوصول كان على حكم المفقود، وإن كان سفره في البر كان على حكم الأسير. وأرى إذا فقد قبل وصوله أن يكون على حكم المفقود، وسواء كان سفره في البر أو في البحر، وإن فقد بعد الوصول أن يكون على حكم الأسير، إلا أن يكون دخل غازيًا للقتال. فصل [فيمن فُقِدَ في معتركٍ بين المسلمين] واختلف في فقيد المعترك بين المسلمين، فقال مالك: ليس في ذلك أجل، وتعتد زوجته من يوم التقاء الصفين (¬1) قال: وكان أشباه ذلك فيما مضى يوم صفين، ويوم الحَرَّة وقُديْد وليس كلهم عرف مصرعه، ولم ينزل أمر من فقد منهم إلا على الموت (¬2)، وقال ابن القاسم مرة مثل ذلك، وقال أيضًا: تتربص زوجته سنة ثم تعتد، وقال أيضًا: العدةُ داخلةٌ في السَّنة (¬3)، فلم يفرق في هذه الأقوال بين قرب القتال من الديار وبعده، ولا أنه (¬4) يحتاج في ذلك إلى سلطان. وقال في العتبية فيما قرب من الديار: يتلوم الإمام لزوجته باجتهاده بقدر ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 245، 246. وفي العتبية: قال سحنون: قال أشهب وابن نافع: سئل مالك عن المفقود في أرض الإسلام بين الصفين، والمفقود في أرض العدو بين الصفين، كم تعتد امرأته؟ فقال: سنة قيل له: تعتد بعد السنة أربعة أشهر وعشرًا؟ قال: نعم، قيل له: ومتى يضرب لها أجل سنة؟ أمن يوم فقد، أم من يوم يضرب لها السلطان؟ قال: من يوم يضرب لها السلطان، وينظر في أمرها. (¬2) المدونة: 5/ 246. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 246. (¬4) قوله: (ولا أنه) في (ح): (ولأنه).

انصراف من انصرف وانهزام من انهزم، ثم تعتد وتتزوج، وفيما بعد مثل إفريقية ونحوها تنتظر سنة (¬1). فأدخل نظر الإمام في ذلك، وفرق بين القرب والبعد، وقال في كتاب محمد: ما بَعُدَ هو على حكم المفقود؛ تتربص أربع سنين (¬2). وقال أصبغ: يضرب لامرأته بقدر ما يستقصى أمره، ويستبرأ خبره، وليس لذلك حد معلوم (¬3). وهذا الجواب في زوجته، وأما ماله فهو على ثلاثة أوجه: فمن قال العدة من يوم التقاء الصفين؛ ورثت منه حينئذٍ، ومن جعل الزوجة تتربص أربع سنين، وقف ماله إلى التعمير. واختلف على القول أن زوجته تتربص سنة، فقيل: يقسم ماله ذلك الوقت، وقيل: يوقف إلى التعمير (¬4). وأرى أن يكون الأمر فيه إلى الإمام في القريب والبعيد، فيجتهد ويكشف عن خبره، فإن لم يتبين له حياة حكم أن موته كان عن ذلك القتال، وإن كان القتال أيامًا أو شهرًا فعند انقضاء آخر يوم، الحكم في الزوجة والمال سواء؛ لأن الخوف إنما كان من ذلك الالتقاء، ولو علمت سلامته منه (¬5) لم تطلق عليه عند انقضاء السنة (¬6) على حكم المفقود. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 411، 412. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 248. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 246. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 246. (¬5) قوله: (منه) ساقط من (ح). (¬6) قوله: (انقضاء السنة) في (ح): (السنة وكان).

فصل [فيمن فقد في معترك المشركين، وكان القتال بأرضهم]

فصل (¬1) [فيمن فُقِدَ في معترك المشركين، وكان القتال بأرضهم] واختلف في فقيد معترك المشركين إذا كان القتال بأرضهم (¬2)، فقال مالك في العتبية: هو (¬3) كالأسير (¬4). وروى عنه أشهب أنه قال فيمن فقد بين الصفين في أرض الإسلام أو في أرض الحرب: تتربص زوجته سنة من يوم ينظر السلطان في أمره، ثم تعتد (¬5)، وقال (¬6) في كتاب محمد: إنه كفقيد أرض الإسلام ينتظر أربع سنين (¬7). وأرى إذا كان الالتقاء في أرض الإسلام أن تكون العِدة، واقتسام (¬8) المال من يوم افتراق الجيشين (¬9) بعد التربص والكشف عن أمره، إلا أن يعلم أنه صار إليهم فيكون كالأسير، فوجه القول أنه كالأسير؛ لأن أمره مترددٌ بين الأسر أو القتل، والأصل الحياة، ووجه القول أنه ينتظر سنة فلأن الغالب من القتال القتل وغيره نادر، فكان تعلق الحكم بالغالب أولى (¬10)، ووجه القول أنه كالمفقود أنه لما أشكل أمره بين الأسر أو القتل جعل الحكم منزلة ¬

_ (¬1) قوله: (فصل) بياض في (ش 1). (¬2) قوله: (واختلف في فقيد معترك المشركين إذا كان القتال بأرضهم) بياض في (ش 1). (¬3) قوله: (في العتبية هو) بياض في (ش 1). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 412، والنوادر والزيادات: 5/ 246. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 368. (¬6) قوله: (قال) زيادة من (ح). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 248. (¬8) في (ش 1): (وانقسام). (¬9) قوله: (الجيشين) في (ش 1): (الجيش). (¬10) قوله: (أولى) قوله: (أولى) ساقط من (ش 1).

بين منزلتين. ومحمل من فُقِدَ في بلده في زمن الطاعون أو في بلدٍ توجَّه إليه وفيه طاعون على الموت، وذكر بعضُ أصحابِ مالك أن الناس أصابهم سنةً بطريق مكةَ سعالٌ وكان الرجل لا يسعل إلا يسيىرًا حتى يموت، فمات في (¬1) ذلك عالَمٌ، ففقد ناس (¬2) ممن خرج إلى الحج فلم يأت لهم خبر حياة ولا موت، فرأى مالكٌ أن تُقَسَّم أموالهُم (¬3)، ولا يضرب لهم أجل المفقود ولا غيره، للذي بلغه من موت الناس من ذلك السعال. وكذلك الشأن في أهل البوادي في الشدائد ينتجعون من ديارهم إلى غيرها من البوادي، ثم يُفقدون- أنهم على الموت، وقد علم ذلك من حالهم إذا توجهوا (¬4) إلى البلد الذي يمضون إليه أنه (¬5) تلحقهم الضيعة والموت (¬6)، وقال ابن القاسم في عبد فُقِد فأعتقه سيده ثم مات ابنٌ له حرٌّ من امرأةٍ له حرةٍ فلا يوقف ميراثه ولكن يعطى لورثته الأحرار حميل (¬7). وقال في كتاب محمد: والقياس أنه مثل الحر المفقود (¬8). وقوله: أن يدفع لورثته بحميل (¬9) أحسن؛ لأنهم الورثة في الأصل، ¬

_ (¬1) في (ش 1): (من). (¬2) قوله: (ناس) في (ش 1): (أناس). (¬3) قوله: (أموالهُم) في (ح): (مواريثهم)، وفي (ش 1): (أموالهم لنسائهم). (¬4) قوله: (توجهوا) في (ح): (توصلوا). (¬5) قوله: (أنه) ساقط من (ح)، وفي (ش 1): (أنهم). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 40. (¬7) قوله: (بحميل) في (ب): (محملًا). وانظر: المدونة: 2/ 33. (¬8) انظر: المدونة: 2/ 33، والنوادر والزيادات: 5/ 251 (¬9) في (ب): (محملًا)، وفي (ش 1): (بحملاء).

وإخراجهم عن الميراث مشكوك فيه، وقد غاب الأب وليس بوارث، فهو على ذلك حتى يعلم أنه وارث. وقال محمد فيمن حُبست عليه غلةُ دارٍ فَفُقِد: تحبس عليه تلك الغلة، والغلة له إلى الوقت الذي يورث فيه (¬1). يريد (¬2): التعمير (¬3)، فجعل له الغلة لأنه غاب، وهي له، فلا تسقط عنه بالشك. وقال فيمن فُقد ثم مات له ولدٌ فَوقفَ: له ميراثُه منه، ولا ينفق على زوجته من ذلك الميراث؛ لأنها على شك هل لها فيه حق أم لا (¬4)؟ ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 51. (¬2) قوله: (يريد) ساقط من (ش 1). (¬3) قوله: (التعمير) في (ش 1): (بالتعمير). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 33.

باب في سكنى المعتدات

باب في سكنى المعتدات سكنى المعتدة تجب (¬1) في الموضع الذي كانت تكون فيه في حال الزوجية (¬2)، وسواء كانت العدة عن (¬3) طلاق رجعي أو بائن أو وفاة، وذلك حق للزوج، لحفظ النسب، وحقٌّ لها؛ لأنها ممنوعة من الأزواج من أجل مائِهِ، وحقٌّ لله سبحانه عليها (¬4). والأصل في السكنى لها في الطلاق الرجعي قول الله سبحانه: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1]، وفي وجوبه عليها قوله تعالى: {وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1]، ووجب لها في الطلاق البائن بقوله -عز وجل-: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} ثم قال تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6]، فبان بهذا (¬5) أن هذه العدة عن (¬6) طلاق بائن؛ لأنه لم يجعل لها نفقة إلا بوجود الحمل، ولو كان رجعيًا لكانت (¬7) لها النفقة وإن لم تكن حاملًا. وقد اختُلف في معنى سقوط السكنى لفاطمة بنت قيس، فأخرج مسلم: ¬

_ (¬1) قوله: (سكنى المعتدة تجب) في (ش 1): (سكنى المعتدات يجب). (¬2) قوله: (حال الزوجية) في (ب): (حياته). (¬3) في (ب) و (ش 1): (وسواء كانت على). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 37، والتفريع: 2/ 73، والبيان والتحصيل: 2/ 404، والنوادر والزيادات: 5/ 45، 46. (¬5) قوله: {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}. . . فبان بهذا) بياض في (ش 1). (¬6) قوله: (عن) في (ش 1): (من). (¬7) قوله: (لكانت) في (ح) و (ب): (لكان).

"أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخَافُ أَنْ يُقْتَحَمَ عَليَّ. فَأَمَرَهَا أَنْ تَتَحَوَّلَ" (¬1)، وذكر البخاري: "أنه كان بينهم شر فانتقلت (¬2) لذلك، وقالت عائشة: لا خير في ذكر ذلك" (¬3). فبان بهذا أن السُّكنى بذلك الموضع حقٌّ لله تعالى؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يجعل لها الانتقال إلا بعذر، وفي إنكار عائشة عليها (¬4) دليل على أنها كانت ترى أن ذلك واجبٌ عليها، وقال عمر (¬5) - رضي الله عنه -: لاَ نَتْرُكُ كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا لِقَوْلِ امْرَأَةٍ، لاَ نَدْرِي أَحَفِظَتْ أَوْ نَسِيَتْ، أخرجه مسلم (¬6). ووجب السُّكنى في الوفاة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - للفريعة، وقد توفي زوجها فقالت: يا رسول الله، إن زوجي توفي ولم يتركني في منزل يملكه (¬7)، أتأذن لي أن أنتقل إلى أهلي؟ فقال لها: "امْكُثِي حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ" (¬8). فإذا منعها ¬

_ (¬1) قوله: (الطلاق: 6) قوله: (الطلاق: 1) قوله: (الطلاق: 1) أخرجه مسلم: 2/ 1121 في باب المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها، من كتاب الطلاق، برقم: (1482). (¬2) قوله: (فانتقلت) في (ش 1): (فأخرجت). (¬3) أخرجه البخاري: 5/ 2039، في باب قصة فاطمة بنت قيس، من كتاب الطلاق، برقم: (5015). (¬4) قوله: (عليها) زيادة من (ح). (¬5) قوله: (الانتقال إلا بعذر. . . وقال عمر) في (ش 1): (الانتقال إلا لعذر، وفي إنكار عائشة على أنها كانت ترى ذلك واجبًا عليها، وقول عمر). (¬6) أخرجه مسلم: 2/ 1114، في باب المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها، من كتاب الطلاق، برقم: (1480). (¬7) قوله: (يملكه) في (ش 1): (ملكه). (¬8) أخرجه مالك في الموطأ: 2/ 591، كتاب الطلاق، باب مقام المتوفي عنها زوجها في بيتها حتى تحل، برقم: (1229)، وأبو داود: 1/ 701، في باب في المتوفى عنها تنتقل من كتاب الطلاق، برقم (2300)، والترمذي: 3/ 508، باب ما جاء أن تعتد المتوفى عنها زوجها، في كتاب الطلاق، برقم (1204)، والنسائي: 6/ 199، في باب مقام المتوفى عنها زوجها في =

فصل [في صفة سكنى المعتدة]

من أن تعتد في غير الموضع الذي كانت فيه، وإن كان ليس بملك للزوج كانت فيما يملكه أولى بالمنع. فصل [في صفة سُكنَى المعتدة] وصفة السُّكنى أن تلزم ذلك المسكن بالليل، ولا بأس أن تنصرف بالنهار، وقال مالك: ولا بأس أن تخرج قبل الفجر، وتأتي بعد المغرب ما بينها وبين العشاء (¬1) (¬2). وأرى أن يحتاط للأنساب فتؤخر الخروج لطلوع الشمس وتأتي عند غروبها، وهذا في بعض الأوقات وعند الحاجة تَعْرُضُ، وليس أن تجعل هذا عادة تكون سائر النهار في غير (¬3) الموضع الذي تعتد فيه. قال مالك في كتاب محمد: ولا أحب أن تكون عند أمها (¬4) النهار كله (¬5). وتصيف وتشتّي (¬6) حيث شاءت مما يجمعه غلقها، وإن كان الموضع مشتركًا لم يكن لها أن تعدو المواضع التي (¬7) كانت تكون مع زوجها فيها (¬8) في ¬

_ = بيتها حتى تحل، من كتاب الطلاق، برقم (3528)، وابن ماجه: 1/ 654 في باب أين تعتد المتوفى عنها زوجها، من كتاب الطلاق، برقم: (2031). (¬1) قوله: (العشاء) في (ش 1): (العشاءين). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 404، والنوادر والزيادات: 5/ 46، والتفريع: 2/ 75. (¬3) قوله: (غير) ساقط من (ح). (¬4) قوله: (أمها) في (ش 1): (أهلها). (¬5) زاد بعده في (ح) (أبدًا). وانظر: النوادر والزيادات: 5/ 46. (¬6) قوله: (وتشتي) في (ح): (وتمشي). (¬7) قوله: (المواضع التي) في (ش 1): (الموضع الذي). (¬8) قوله: (فيها) في (ش 1): (فيه).

شتاء أو صيف. وقد تأتي أعذار تبيح الانتقال وهي على وجوه: فإن خافت سقوط (¬1) بيتها أو لصوصًا أو جارَ سوءٍ تخافه على نفسها أو وحشةً لانتقال من حولها أو خشيت الانفراد من جيرانها (¬2) (¬3) - كان لها أن تنتقل (¬4). وإن حدث (¬5) شر بينها وبين من يسكن (¬6) معها، وكان الشر منها أخرجت عنهم، وفي مثل هذا جاء الحديث في فاطمة بنت قيس (¬7)، وإن كان الشر من غيرها أخرجوا عنها، وإن أشكل الأمر أقرع بينهم على أيهم يخرج. ولصاحب البيت (¬8) أن يخرجها إذا انقضى أجل الكراء أو العارية، ثم عليها من اللزوم في الموضع الذي تنتقل إليه مثل ما كان (¬9) في الأول (¬10). وعلى الزوج أن يكتري لها حتى تنقضي عدتها، وإذا كانت العدة عن ¬

_ (¬1) في (ب) و (ح): (سقوطًا). (¬2) قوله: (أو خشيت الانفراد من جيرانها) ساقط من (ش 1). (¬3) قوله: (وحشة لانتقال من حولها أو خشيت الانفراد من جيرانها) في (ح): (خشيت الانتقال من جيرانها). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 37. (¬5) قوله: (حدث) في (ح): (جرى). (¬6) في (ش 1): (سكن). (¬7) سبق تخريجه، ص: 2256. (¬8) قوله: (ولصاحب البيت) في (ب): (ولصاحبه)، وفي (ش 1): (المسكن). (¬9) قوله: (ما كان) في (ش 1): (ما يكون). (¬10) انظر: المدونة: 2/ 39.

طلاق بائن (¬1) فإن اختلفا فدعا الزوج إلى مسكن ودعت الزوجة (¬2) إلى غيره كان القول قولها إذا دعت إلى موضع مأمون واستوى الكراءان (¬3)، أَوْ كان الموضع الذي دعتْ إليه أقل كراء (¬4) أو أكثر وتحملت الزيادة، وإن دعا الزوج إلى مسكن يملكه كان القول قوله وليس عليه أن يكتري لها (¬5) ويدع منزله خاليًا، إلا أن تشاء هي أن تكتري مثل (¬6) منزل الزوج، ويكون عليها أجرة ما تكتري به لنفسها (¬7). فإن خرجت من غير (¬8) عذر ثم طلبت كراء المسكن الذي انتقلت إليه لم يكن لها ذلك إن خرجت عن مسكن يملكه الزوج أو اكتراه وجيبة (¬9) ولم يُكْرِهِ بعد خروجها، فإن اكتراه (¬10) رجعت بالأقل مما اكترت أو ما اكترى به (¬11) ¬

_ (¬1) قوله: (بائن) زيادة من (ش 1). (¬2) قوله: (الزوجة) ساقط من (ح)، وفي (ش 1): (المرأة). (¬3) قوله: (الكراءان) في (ش 1): (الكراء). (¬4) قوله: (كراء) ساقط من (ش 1). (¬5) قوله: (لها) ساقط من (ح). (¬6) قوله: (مثل) ساقط من (ح). (¬7) قوله: (إلا أن تشاء هي أن تكتري مثل منزل الزوج، ويكون عليها أجرة ما تكتري به لنفسها) ساقط من (ش 1). (¬8) قوله: (فإن خرجت من غير) يقابله في (ش 1): (فإن خرجت لغير). (¬9) وجيبة: هي المدة المعينة. وفي شرح ميارة على مختصر سيدي خليل: 2/ 140: (الوجيبة المدة المعينة -هذا اصطلاح القدماء- وأهل زماننا اليوم يطلقون الوجيبة على الأجرة المدفوعة في المنافع فيقول الموثق: اكترى فلان من فلان جميع الدار مثلا لسنة مثلا بوجيبة قدرها لكل شهر من شهور المدة المذكورة كذا دراهم تاريخه). (¬10) في (ش 1): (أكره). (¬11) قوله: (ما اكترى به) يقابله في (ش 1): (أو مما أكرى به).

فصل [في أقسام مسكن المعتدة]

الأول، ولها أن تطلبه بالنفقة إذا كان الطلاق رجعيًا، وإن خرجت بغير رضاه، والكراء في هذا بخلاف النفقة؛ لأن المطلقة لا منفعة (¬1) له فيها (¬2)، فإن ارتجعها فامتنعت من الرجوع سقطت نفقتها من حين ارتجعها لحقه في الوطء، وثبت ما كان لها من النفقة قبل أن يرتجع (¬3). فصل [في أقسام مسكن المعتدة] لا يخلو المسكن (¬4) الذي تعتد فيه من ثمانية أقسام: إما أن يكون: مسكنًا (¬5) للزوج، أو بإجارة، أو عارية، أو حبس، أو ملكًا للزوجة، أو استأجرته، أو يكون الزوج أميرًا أو قاضيًا سكن من أجل (¬6) ما كان يقوم به من أمور المسلمين ثم عُزل أو مات. فإن كانت في موضع يملكه الزوج كانت أحق به حتى تنقضي عدتها، وسواء كانت العدة من (¬7) طلاق أو وفاة، وإن كان على الزوج دين بيع للغرماء، واستُثني مدة العدة، وكذلك إن لم يكن دين وأحب الورثة البيع. وإن كانت عارية أو حبسًا وضرب فيها أجلًا، كانت أحق بذلك المسكن حتى تنقضي العدة أو الأجل، وإن انقضى الأجل قبل العدة كان لصاحب ¬

_ (¬1) في (ب) و (ش 1): (لا متعة). (¬2) قوله: (فيها) في (ش 1): (فيه). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 39. (¬4) قوله: (المسكن) في (ح): (الموضع). (¬5) قوله: (مسكنًا) في (ح): (ملكًا). (¬6) قوله: (سكن من أجل) في (ش 1): (سكن لأجل). (¬7) قوله: (من) في (ش 1): (عن).

المسكن أن يخرجها، وإن كانت العدة عن طلاق كان على الزوج أن يكتري لها بقية العدة (¬1)، وسواء كانت العدة عن طلاق رجعي أو بائن أو كان موسرًا، وإن كان معسرًا لم يكن عليه شيءٌ إن أيسر بعد ذلك، وإن كانت العدة عن وفاة فأخرجها أهل المسكن، لم يكن لها في ذمة الميت شيء، موسرًا كان أو معسرًا. وإن كان المسكن بإجارة ونقد الزوج الكراء كانت أحق بذلك (¬2) في الفلس والموت، وإن لم يكن نقد الكراء (¬3)، افترق الجواب، فإن كانت العدة من طلاق وهو موسر، كان عليه أن ينقد وتسكن. واختلف إذا كانت العدة من وفاةٍ، فقال مالك: لا شيء (¬4) لها في مال الميت، وإن كان موسرًا، ولكن (¬5) تكتري من مالها، قال: وإن كانت في عدة من طلاق بائن ثم مات الزوج قبل أن ينقد؛ نقد (¬6) من ماله و (¬7) كانت أحق به، قال: وهذه مخالفة للمتوفى عنها زوجها؛ لأنه حق واجب (¬8) لها عليه في حياته فلا يضعه عنه موته، والمتوفى عنها وهي زوجته (¬9) إنما وجب لها الحق في مال الميت بعد موته وهي وارثته (¬10)، وروى ابن نافع عنه أنه قال: هما سواء، طلق ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 50. (¬2) قوله: (بذلك) في (ح): (به). (¬3) قوله: (الكراء) قوله: (نقد الكراء) في (ح): (نقدًا). (¬4) قوله: (لا شيء) في (ح): (لا سكنى). (¬5) قوله: (ولكن) في (ش 1): (ولا). (¬6) في (ش 1): (شيء). (¬7) قوله: (و) ساقط من (ش 1). (¬8) قوله: (واجب) في (ش 1): (وجب). (¬9) قوله: (زوجته) في (ش 1): (زوجة). (¬10) في (ب) و (ح): (وارثة).

ثم مات أو مات ولم يطلق (¬1). وقال أبو الحسن ابن القصار: والقياس عندي أن سكنى المتوفى عنها في ذلك لا تجب؛ لأنه بالموت يزول ملكه، وبعد الموت تجب العدة. قال: وقد روى ابن نافع عن مالك في المطلقة يكون لها السكنى ثم يموت الزوج في العدة أن السكنى تسقط بموته كما تسقط نفقة الحمل بموته (¬2). وهذه الرواية تؤيد (¬3) ما ذهب إليه أن لا سكنى للمتوفى عنها (¬4) جملة؛ لأنه إذا سقطت (¬5) السكنى بالوفاة مع تقدم الطلاق كان إذا وجبت العدة بالوفاة من غير طلاق أولى ألا يكون لها شيء، وقد ذكر ابن خويزمنداد ذلك عن مالك أنه قال مرة: لا سكنى للمتوفى عنها. والأول أولى، لحديث الفُرَيْعة (¬6)، وذلك إذا تقدم الطلاق ولم ينقد، أو وجبت العدة (¬7) بالوفاة (¬8) ولم ينقد فإنها أحق بجميع ذلك (¬9)؛ لأن المسكن للمتوفى بنفس عقد الكراء، وإنما مات وفي ذمته مال فليس السكنى من باب الوصايا فتسقط بالموت. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 51، والنوادر والزيادات: 5/ 44. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 52. (¬3) في (ش 1): (يؤديها). (¬4) قوله: (عنها) ساقط من (ح). (¬5) في (ش 1): (سقط). (¬6) سبق تخريجه، ص: 2257. (¬7) قوله: (أنه قال مرة: لا سكنى للمتوفى عنها. والأول أولى؛. . . ولم ينقد، أو وجبت العدة) بياض في (ش 1). (¬8) في (ش 1): (في وفاة). (¬9) في (ش 1): (فإنها حق بذلك في جميع ذلك).

فصل [في الكراء للمعتدة]

وإن كانت في عدة من طلاق رجعي ثم مات قبل أن ينقد سقطت عدة الطلاق، وانتقلت إلى عدة الوفاة، ثم يختلف (¬1) هل تكون أحق بذلك المسكن. وإذا قام عليه الغرماء (¬2) وكان المسكن ملكًا له بيع واستثني مدة (¬3) العدة، وسواء كانت في عدة من طلاق أو موت، وإن كان المسكن بكراء أو نقد كانت أحق بذلك الكراء بقدر العدة، وبيع الباقي للغرماء، وإن لم يكن نقد، وكانت في (¬4) عدة من طلاق كان المكري بالخيار بين أن يأخذ مسكنه، أو يسلمه فتكون الزوجة أحق به، ويضرب المكري مع الغرماء فيما سواه، وإن كانت في (¬5) عدة من وفاة لم يكن المكري أحق به ولا الزوجة (¬6)، وبِيعَ للغرماء، والمكري أحدهم، وإن لم يكن له (¬7) غرماء (¬8) بيع له، ولم يكن له أن يأخذه. فصل [في الكراء للمعتدة] وإن كان الكراء غير وجيبة (¬9)، أو (¬10) العارية غير مؤجلة كان للمكري والمعير (¬11) أن يخرجاها متى أحبا، والطلاق والموت في ذلك سواء ولا خلاف ¬

_ (¬1) قوله: (ثم يختلف) في (ش 1): (واختلف). (¬2) في (ب) و (ح): (غرماء). (¬3) قوله: (مدة) زيادة من (ش 1). (¬4) قوله: (في) ساقط من (ش 1). (¬5) قوله: (في) ساقط من (ش 1). (¬6) قوله: (ولا الزوجة) في (ح): (لأن للزوجة). (¬7) في (ح) و (ش 1): (عليه). (¬8) في (ش 1): (غيرها). (¬9) في (ح): (واجبة). (¬10) قوله: (أو) في (ح): (و). (¬11) قوله: (والمعير) في (ح) و (ش 1): (والمعري).

في ذلك (¬1) أن العدة لا توجب على المكري والمعير (¬2) إذا ضرب (¬3) الأجل مدة سوى المدة التي ملكها الزوج فكذلك إذا لم يضربا أجلًا لا يلزم المكري والمعير (¬4) ما لم يعقده على نفسه. قال ابن القاسم في المستخرجة في رجلٍ أسكنَ أخاه منزلًا فطلَّق المُسْكَنُ (¬5) زوجتَه، فقال لها (¬6) رب المسكن (¬7): اخرُجي إنما أسكنتُ أخي، قال: لا تخرج حتى تنقضي العدة (¬8) (¬9). يريد: لأن الأخوين يتهمان (¬10) أن يكونا قصدا (¬11) إخراج الزوجة خاصة ليس أن ينتزع العارية من أخيه، ولا يخرجه لو لم يطلق. وقال مالك في كتاب محمد في رجل اكترى منزلًا وانتقل إليه، فلما سكنَه طلق زوجته فقال: ترجع إلى المسكن الذي كانت فيه (¬12)، وحمل الزوج على التهمة أنه قصد بالكراء ليخرجها من المسكن الأول، ولا تعتد فيه. ¬

_ (¬1) قوله: (في ذلك) ساقط من (ح). (¬2) في (ش 1): (والمعري). (¬3) في (ش 1): (انقضى). (¬4) في (ش 1): (والمعري). (¬5) في (ش 1): (الساكن). (¬6) قوله: (لها) زيادة من (ش 1). (¬7) قوله: (رب المسكن): (المسكن). (¬8) في (ش 1): (عدتها). (¬9) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 418، 419. (¬10) في (ش 1): (يتهما). (¬11) قوله: (يكونا قصدا) في (ح): (يكون العقد). (¬12) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 46.

فصل [في حكم أجرة سكنى الزوجة في منزلها في العدة]

وإن كان المسكنُ حبسًا على الزوجة حياته فطلق أو مات، اعتدت فيه، فأما الطلاق فإن (¬1) حقَّ المحبسِ عليه (¬2) قائمٌ لوجودِ حياتِه، وهو بعد الموت استحسانٌ؛ لأن الأجل الذي أعطي إليه هو (¬3) حياة المحبس عليه، وقد انقضى، كالكراء إذا انقضى الأجل إلا أن تكون هناك عادة، وقال محمد: تعتد فيه، وإن تأخرت العدة لريبته خمس سنين (¬4)، وفي هذا ضرر على المحبِّس، و (¬5) لأنه لم يرد هذا، وأما دار الإمارة فالأمر فيها (¬6) أوسع من الحبس (¬7)؛ لأنها ليست لأحد (¬8). فصل [في حكم أجرة سكنى الزوجة في منزلها في العدة] وإذا كان سكنى الزوج في مسكن الزوجة بملك أو كراء ولم تكن طلبته في حال الزوجية بكرائه مكارمة، ثم طلق أو مات كان لها أن تطلبه بالكراء ¬

_ (¬1) قوله: (فإن) في (ح): (فلأن). (¬2) قوله: (عليه) زيادة من (ح). (¬3) قوله: (هو) زيادة من (ح). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 44. (¬5) قوله: (و) ساقط من (ش 1). (¬6) قوله: (فيها) زيادة من (ش 1)، وفي (ح): (فيه). (¬7) في (ش 1): (المحبس). (¬8) قال في المدونة: 2/ 39: (أرأيت الأمير إذا هلك عن امرأته أو طلقها وهي في دار الإمارة أتخرج أم لا؟ قال: ما دار الإمارة في هذا أو غير دار الإمارة إلا سواء، وينبغي للأمير القادم أن لا يخرجها من بيتها حتى تنقضي عدتها. قلت: أتحفظ هذا عن مالك؟ قال: قال مالك في رجل حبس دارًا له على رجل ما عاش، فإذا انقرض فهي حبس على غيره فمات في الدار هذا المحبس عليه أولا والمرأة في الدار، فأراد الذي صارت الدار إليه المحبس عليه من بعد هذا الهالك أن يخرج المرأة من الدار- قال: قال مالك: لا أرى أن يخرجها حتى تنقضي عدتها فالذي سألت عنه من دار الإمارة أليس من هذا).

للعدة إذا طلق (¬1)؛ لأنهما بالطلاق خرجا عن المكارمة، فلا يلزمها أن تكارمه في المستقبل، ولا شيء لها إن كانت في عدة من وفاة كما لو كان في مسكن اكتراه غير وجيبة (¬2)، فإنه لا شيء لها، وإن مات موسرًا. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 54. (¬2) قوله: (وجيبة) في (ح): (زوجية).

باب في سكنى البدوية والأمة والصغيرة والنصرانية وأم الولد

باب في سكنى البدوية والأمة والصغيرة والنصرانية وأم الولد عدة البدويات (¬1) وهن أهل العمود كبيوت الشعر والخصوص في البيوت التي (¬2) كُنَّ فيها قبل الطلاق والوفاة (¬3)، وإن انتوى أهلها انتوت معهم (¬4)، وهذا للضرورة؛ لأنها (¬5) لو كلفت أن تبقى في بيتها وتنتوي مع أهل زوجها كان عليها مشقة وضرورة باللحاق بأهلها عند انقضاء العدة، وقد يبعد ما بينهما إلا أن (¬6) ينتقل أحدهما إلى الموضع القريب. وإن انتوى أهل زوجها خاصة لم تنتو معهم إن كان معها أهلها، وإن لم يكن معها أهلها انتوت معهم، واعتدت في ذلك البيت حسبما كانت قبل أن تنتوي. فصل [في سكنى الأَمَة المتوفى عنها زوجها] الأمة المتوفى عنها كالحرة تعتد في الموضع الذي كانت فيه عند الزوج قبل الطلاق والوفاة (¬7). ¬

_ (¬1) في (ش 1): (البدوية). (¬2) قوله: (التي) زيادة من (ح). (¬3) انظر تفصيل المسألة في النوادر والزيادات: 5/ 45، وما بعدها. (¬4) انظر: المدونة: 2/ 40. (¬5) قوله: (لأنها) زيادة من (ح). (¬6) قوله: (إلا أن) في (ح): (أو). (¬7) انظر: المدونة: 2/ 41.

قال ابن القاسم في كتاب محمد: وليس لأهلها أن يرتحلوا بها إذا كانت مبوأة (¬1) حتى تنقضي عدتها، وإن كانت غير مبوأة (¬2) انتقلت مع سيدها حيث انتقل، و (¬3) حكمها قبل العدة وبعد سواء (¬4). وقد كان الحكم (¬5) قبل العدة أن ينتوي بها (¬6) سيدها أو يبيعها (¬7)، وإن بيعت (¬8) على ألا يسافر بها المشتري حتى تنقضي العدة (¬9) وتستوي في البيع المبوأة (¬10) وغيرها، فإنها تعتد (¬11) في البيت الذي كانت تكون فيه عند السيد أو الزوج، وانتقال السيد الأول بها، وانتقال المشتري مختلف، ولا يسقط حكم المسكن الذي كانت تكون فيه عند السيد إلا (¬12) بانتقال السيد نفسه، فإن انتقلا جميعًا (¬13) البائع والمشتري إلى بلد واحد، جاز نقلها إلى الموضع الذي انتقلا إليه، فإذا وصلا لم يأخذها المشتري إليه، وإن كانت مبوأة في عدة من وفاة، ولا مسكن للميت؛ لأنه كان في كراء وقد انقضت الوجيبة، فكان الحكم رجوعها إلى السيد، وكان للمشتري أن ينتقل بها. ¬

_ (¬1) في (ش 1): (متبوأة). (¬2) في (ش 1): (متبوأة). (¬3) قوله: (و) ساقط من (ش 1). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 48. (¬5) قوله: (الحكم) في (ح): (لهم). (¬6) في (ش 1): (مع). (¬7) قوله: (أو يبيعها) في (ح): (ويبيعها زوجها)، وفي (ش 1): (أو يتبعها زوجها). (¬8) زاد بعده في (ش 1): (بيعت). (¬9) قوله: (العدة) في (ح): (عدتها). (¬10) قوله: (البيع المبوأة) في (ح): (العدة المتوفى عنها). (¬11) قوله: (تعتد) في (ح): (تقر). (¬12) في (ش 1): (أو). (¬13) قوله: (انتقلا جميعًا) في (ح): (انتقل).

فصل [في سكنى الصبية الصغيرة]

فصل [في سكنى الصبية الصغيرة] عدة الصغيرة في الوفاة في الموضع الذي كانت فيه عند أبويها قبل الوفاة (¬1)، وليس لهما أن ينتقلا بها وهي في هذا بخلاف الأَمَة ينتقل بها سيدها (¬2)؛ لأن العقد في الحرة يتضمن لو لم تكن وفاة إلا أن يرتحلا بها، وأن يتركاها بالموضع حتى تصلح للبناء، وليس للأب إن زوجها بالمغرب أن ينتقل بها إلى المشرق، ويكلف الزوج أن يطلبها هناك عند الدخول، فإذا لم يكن ذلك (¬3) لأهلها مع بقاء العصمة لم يكن ذلك لهم بعد الوفاة. ولو انتقل الأبوان إلى موضع قريب مما لا يمنعان منه قبل الوفاة لم يمنعها منه بعد الوفاة، فإن ضمها الزوج إلى نفسه؛ لتبقى عنده إلى أن تصلح للابتناء؛ اعتدت هناك، ولو كان لتقيم عنده ثم تعود إلى أبويها اعتدت عندهما (¬4). ويختلف إذا طالت إقامتها عنده قبل أن تعود: هل تنتقل إلى أبويها، أو تعتد في بيت زوجها، قياسًا على ما تقدم فيمن خرج بزوجته إلى موضع فأقام فيه الأشهر ثم مات هناك؟ وقال أصبغ في كتاب محمد: إن اكترى لها موضعًا فجعلها فيه ونقد الكراء، أو كانت الدار لنفسه كانت أحق بها، وإن لم يبن بها (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 45، والمدونة: 2/ 40. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 40، 41. (¬3) قوله: (ذلك) زيادة من (ح). (¬4) في (ب) و (ح): (اعتدت في بيتها). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 46. ونصه: "قال أصبغ في هذه الصغيرة التي لم يبن بها وهي لم تبلغ حد الوطء، إن كان أكرى لها موضعًا جعلها فيه، ثم مات وقد نقد كراءها أو الدار له، =

فصل [في سكنى النصرانية وأم الولد يموت عنها سيدها أو يعتقها]

وليس هذا أصل المذهب (¬1) إلا أن يكون موته بعد أن صارت إلى ذلك المسكن (¬2). فصل [في سكنى النصرانية وأمِّ الولد يموتُ عنها سيدُها أو يعتقها] واختلف في النصرانية، فعلى قوله: إنها مخاطبة بالعدة تجري على ما تقدم في الحرة المسلمة (¬3)، وعلى قوله لا عدة عليها، وأن عليها الاستبراء بحيضة أو بثلاث حِيَض لا تراعى حيث (¬4) كانت كالأَمَة، تستبرئ من وطء الميت (¬5) والأول أحسن. واختلف في أمِّ الولد يموت عنها سيدها أو يعتقها هل لها سكنى؟ فقال ابن القاسم في المدونة: لها السُّكنى (¬6). وقال في كتاب محمد: لا سكنى لها ولا (¬7) عليها، ورأى أشهب أن (¬8) ذلك لها وعليها من غير إيجاب (¬9). ¬

_ = فلها السكنى في عدتها". (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 45. (¬2) قوله: (لها موضعًا فجعلها فيه. . . صارت إلى ذلك المسكن) بياض في (ش 1). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 8، 41. (¬4) قوله: (حيث) زيادة من (ح). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 8. (¬6) انظر: المدونة: 2/ 54. (¬7) قوله: (لا عليها) في (ب): (لا عدة عليها). (¬8) قوله: (أن) زيادة من (ح). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 48. ونصه: "ومن كتاب ابن المواز: وإذا أعتقت أم الولد ومات سيدها، فابن القاسم لا يرى لها السكنى ولا المقام به، ورآه أشهب لها، وعليها على تضعيف من غير إيجاب. وقال: ذلك أحبُّ إلي".

وكان رأي أصبغ أشدَّ (¬1)، يرى ذلك عليها ولها (¬2). وقال ابن القاسم أيضًا: إن كانت حاملًا فلها السكنى إن أعتقها، وإن لم تكن حاملًا فلا سكنى لها (¬3). ¬

_ (¬1) في (ب): (أسد). قلت: في النوادر والزيادات: 5/ 48: ". . . قال ابن القاسم: وإن كانت حاملا في العتق فلها السكنى والنفقة، ولها المبيت في غير بيته، ولها ذلك في العتق والوفاة. ورأى أصبغ رأي أشهب وأسد". وقوله في النوادر: (ورأى أصبغ رأي أشهب وأسد) لم أستبن معناه، والعطف فيه يقتضي نقله عن (أسد) وهو غير واضح، وقد نقل الشيخ خليل ما هنا بقوله وفي التوضيح: 5/ 85 ذكر الشيخ خليل: (لا سكنى لأم الولد ولا عليها. وروى أشهب: ذلك لها، وعليها من غير إيجاب. وقال ابن القاسم: إن كانت حاملًا فلها السكنى إن أعتقها، وإن لم تكن حاملًا فلا سكنى لها. هكذا حكى اللخمي). وفي منح الجليل: 4/ 343 نقل الشيخ عليش هذا الموضع وقال: (. . .اللخمي اختلف في أم الولد يموت عنها سيدها أو يعتقها هل لها السكنى ابن القاسم في المدونة لها السكنى وفي كتاب محمد لا سكنى لها ولا عليها وروى أشهب ذلك لها وعليها من غير إيجاب وذلك أرى أصبغ أنه رأى ذلك لها وعليه نقله أبو الحسن). فالراجح أنه عني (أشد) لا أسد. ويكون كلام النوادر والزيادات فيه تصحيف حيث نسب لأصبغ أنه وافق أشهب وأسد وهذا الكلام لا يؤيده ما نقلناه سابقا، بل وعلى فروق النسخ نرى أن الإمام اللخمي نسب إلى أصبغ قول أشهب فقط، مع تشدده في الإيجاب الذي لم يره (الإيجاب) أشهب، أو جعل على قوله (أسد) بالسين المهملة، نرى أصبغ سدد وصوب قول أصبغ، وهذا لم ينقله الشيخ خليل ولا الشيخ عليش في أي من كتابيهما، لذا قدمنا نسخة (أشد). (¬2) قوله: (وكان رأي أصبغ أشدَّ، يرى ذلك عليها) في (ش 1): (وذلك رأي أصبغ أنه رأى ذلك لها وعليها). (¬3) قوله: (لها) ساقط من (ش 1).

وأرى أن الحامل وغيرها سواء، وأن يكون (¬1) ذلك عليها في الوفاة (¬2) للاختلاف هل تعتد عدة (¬3) الوفاة أربعة أشهر وعشرًا، أو ثلاث حيض، وهو في العتق (¬4) أخف؟. ¬

_ (¬1) قوله: (يكون) ساقط من (ش 1). (¬2) قوله: (في الوفاة) ساقط من (ش 1). (¬3) قوله: (عدة) في (ب): (في). (¬4) قوله: (وهو في العتق) في (ح): (وهي في العدة أخف).

باب فيمن سافر بزوجته ثم طلقها أو سافرت دونه

باب فيمن سافر بزوجته ثم طلقها أو سافرت دونه سفر الرجل بزوجته على أربعة أوجه: فإما أن يكون لحاجة له (¬1) ثم يعود، وإما أن يكون لحاجة لها، أو على وجه الانتقال، أو الحج. فإن خرج لتجارة أو لحاجة ثم يعود، أو لغزو، أو ما أشبه ذلك ولم يبعد عن وطنه، أو بعُد وكانت إن رجعت أدركت من العدة ما له قَدْرٌ كان عليها أن ترجع، وإن كانت تنقضي العدة (¬2) قبل وصولها، أو يبقى ما لا قدر له، لم ترجع واعتدت في موضعها إن كانت في مستعتب، أو تنتقل إلى أقرب المواضع إليها (¬3). وإن كانت في غير مستعتب أو (¬4) لا مستعتب دون الموضع الذي خرجت إليه (¬5) فيكون لها (¬6) أن تبلغه، وإن كان انقضاء العدة قبله، فإذا كان الحكم أن ترجع إلى الموضع الذي خرجت منه (¬7) وهو مسيرة يوم وليلة لم ترجع إلا مع ولي أو جماعة ناس، ولا بأس بحالهم، وإلا أقامت في موضعها حتى تجد (¬8)، ¬

_ (¬1) قوله: (له) ساقط من (ح). (¬2) قوله: (العدة) ساقط من (ح). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 45. (¬4) قوله: (أو) في (ح) و (ش 1): (و). (¬5) قوله: (إليه) ساقط من (ش 1). (¬6) في (ش 1): (له). (¬7) قوله: (قبله، فإذا كان الحكم أن ترجع إلى الموضع الذي خرجت منه) ساقط من (ش 1). (¬8) انظر: المدونة: 2/ 46.

وإن لم تكن في مستعتب تمادت مع الرفقة التي هي فيها، فإن بلغت مستعتبًا أقامت إن كانت ترجو من يأتي فترجع معهم قبل انقضاء العدة وإلا تمادت (¬1). وقال مالك (¬2) في كتاب محمد فيمن خرج إلى المَصِّيصَة بعياله ليقيم الأشهر أو السنة أن امرأته تعتد بها، قال (¬3): والأول من قول مالك أحب إلينا (¬4). فرأى مرة أن لطول الإقامة تأثيرًا، وهذا أحسن، والسنة وما قاربها انقطاع عن الأول، ولا تخرج عن مسكن هي فيه مقيمة هذه المدة، وترجع لتعتد في غيره (¬5). ولو كان لرجل داران وسُكْنَاه بإحداهما فانتقل إلى الأخرى، ليقيم فيها سنة أو ما قاربها فمات في التي انتقل إليها لاعتدت زوجته بها، وسواء كان موته في أول سكناه أو في آخره. وإن خرج من بلده على وجه الانتقال ثم مات بالطريق لم يكن عليها أن ترجع إلى الأول؛ لأن الميت رفضه، ولها أن تعتد بموضع مات فيه إن مات في ¬

_ (¬1) قوله: (وإلا تمادت) زيادة من (ح). (¬2) قوله: (مالك) ساقط من (ح) و (ش 1). (¬3) قوله: (قال) ساقط من (ش 1). (¬4) يهني قوله في المدونة: 2/ 44: (سألت مالكا غير مرة عن المرأة يخرج بها زوجها إلى السواحل من الفسطاط يرابط بها ومن نيته أن يقيم بها خمسة أشهر أو ستة، ثم يريد أن يرجع أو يخرج إلى الريف أيام الحصاد، وهو يريد الرجوع إذا فرغ ولم يكن خروجه إلى الموضع خروج انقطاع للسكنى،. . . إن مات رجعت إلى مسكنها حيث كانت تسكن في هذا كله، ولا تقيم حيث توفي). (¬5) في (ش 1): (غيرها).

فصل [في سكنى زوج المحرم بالحج]

مستعتب أو تنتقل إلى غيره (¬1) إذا كان مأمونًا ولا تبعد (¬2)؛ لأنها وإن كانت لم تتعين عليها العدة في مسكن فإنه لا يسقط أن تكون مخاطبة بما تخاطب به المعتدة من أنها (¬3) مأخوذة بالتحفظ، وألا تبيت عن المسكن الذي تكون فيه، فإذا كان ذلك لم يكن لها أن تجعل عدتها في أسفار ومناهل وقفار، فإن مات الزوج بعد وصوله البلد الذي أراد سكناه ثم مات قبل أن يتخذ فيه مسكنًا كانت الزوجة كالتي لا سكنى لها، وكانت بالخيار بين أن تعتد بالمسكن الذي مات فيه أو بغيره من تلك المدينة أو بغيرها إذا كان قريبًا (¬4). ولو اكترى منزلًا فلم ينتقل إليه حتى مات كانت بالخيار أيضًا حسبما تقدم لو لم يكتر، فإن انتقل إليه تعين عليها حينئذ العدة فيه (¬5). فصل [في سكنى زوج المحرم بالحج] وإن كان سفره في سفر الحج (¬6) فمات بعد أن أحرمت تمادت، وسواء كان موته قريبًا من بلده أو هو به لم يخرج بعد ذلك، وكذلك إن لم تحرم وكانت أبعدت فإنها تتمادى. قال مالك: وإن لم تحرم ولم تبعد رجعت (¬7) ولم يجعل الحج على الفور، ¬

_ (¬1) قوله: (لأن الميت رفضه، ولها أن تعتد. . . أو تنتقل إلى غيره) بياض في (ش 1). (¬2) قوله: (تبعد) في (ح): (يبعد). (¬3) في (ش 1): (أنهما). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 46. (¬5) قوله: (فيه) ساقط من (ح). (¬6) في (ب): (سفره في سفرٍ لحج)، وفي (ش 1): (سفره في سفر بحج). (¬7) انظر: المدونة: 2/ 47، والنوادر والزيادات: 5/ 45.

وعلى قولهم (¬1) إن الحج على الفور يكون عليها أن تنفذ لما (¬2) خرجت إليه، وإن لم تكن أبعدت عن بلدها، وكذلك لو لم تكن خرجت لكان عليها أن تخرج (¬3). وقد روي عن عائشة - رضي الله عنها - (¬4) وابن عباس (¬5) والحسن البصري (¬6) وأحمد وإسحاق أن للمعتدة أن تحج في عدتها من الطلاق. ¬

_ (¬1) في (ح): (قوله). (¬2) في (ش 1): (بما). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 44، 45. وفيها سئل مالك عن: "الرجل يخرج إلى الحج فيموت في الطريق، قال: إن كان موته قريبًا من بلده ليس عليها في الرجوع كبير مؤنة رجعت، وإن كان قد بعدت وتباعد فلتنفذ، فإذا رجعت إلى منزلها فلتعتد بقية عدتها فيه". (¬4) انظر: مصنف عبد الرزاق: 7/ 29، وفيه (أن عائشة حجت أو أعتمرت بأختها بنت أبي بكر في عدتها وقتل عنها طلحة بن عبيد الله) (عن عروة قال خرجت عائشة بأختها أم كلثوم حين قتل عنها طلحة بن عبيد الله إلى مكة في عمرة قال عروة كانت عائشة تفتي المتوفى عنها زوجها بالخروج في عدتها). (¬5) قوله: (وابن عباس) ساقط من (ش 1). (¬6) انظر: مصنف ابن أبي شيبة: 4/ 154.

باب في نفقة المعتدة من طلاق أو وفاة

باب في نفقة المعتدة من طلاق أو وفاة النفقةُ تجبُ للمعتدة من الطلاق في موضعين: في الطلاق الرجعي (¬1)، وفي البائن إذا كانت حاملًا، وإن كان الطلاق بائنًا واحدة بخلع، أو الثلاث، أو واحدة هي آخر طلقة، لم يكن لها نفقة، فوجبت النفقة في الطلاق الرجعي (¬2)؛ لأن العصمة لم تنقطع لبقاء المواريث وللرجعة (¬3)، ولأن أختها محرمة عليه، والخامسة لأن الرجعة لما كانت بيده أشبه من هو ممكن من الوطء. وقال ابن المنذر: أجمع مَن أحفظ عنه من علماء الأمصار أن للمعتدة التي تُملك (¬4) رجعتها: السكنى والنفقة (¬5)، إذْ أحكامها أحكام الأزواج في عامة أمورها. ووجبت النفقة للحامل لقول الله -عز وجل-: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] فلم يجعل لها مع عدم الحمل إلا السكنى، وإذا كان الحمل من غير الزوج لأنه من زنا، ونفاه (¬6) بلعان، أو كانت (¬7) نعي لها زوجها فتزوجت، فقدم الأول وهي حامل من الثاني فطلقها ثلاثًا- لم يكن عليه نفقة، ويصح سقوط النفقة مع بقاء الزوجية، ومع كون الطلاق رجعيًا، ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 48، والتفريع: 2/ 60. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 48، والإشراف على نكت مسائل الخلاف: 2/ 795. (¬3) في (ش 1): (والرجعة). (¬4) في (ب) و (ح): (يملك). (¬5) انظر: الإجماع، لابن المنذر، ص 121. (¬6) في (ح): (أو بقاء)، وفي (ش 1): (أو نفاه). (¬7) قوله: (كانت) ساقط من (ش 1).

فصل [في النفقة التي تجب للحامل]

فإن قدم الأول ولم يطلق أو طلق واحدة وكانت له الرجعة وهي حامل من الثاني، فإنه يحال بينها وبين الزوجين حتى تضع، ونفقة الحمل على الثاني، فسقطت النفقة عن الأول لكون الحمل من غيره (¬1)، وثبتت على الثاني؛ لأن نفقة الحمل ليس من شرطها بقاء (¬2) العصمة؛ لأن نفقة المطلقة ثلاثًا ساقطة لسقوط العصمة، فإن كان منه حمل أنفق لأجله (¬3)، وكذلك إذا كانت غير حامل وفسخ نكاح (¬4) الثاني لم يكن على الأول نفقة، وإن لم يطلقها (¬5) لأنها فعلت فعلًا (¬6) منعت به نفسها. فصل [في النفقة التي تجب للحامل] النفقة تجب للحامل (¬7) على زوجها إذا كانا حُرَّين، فإن كان عبدًا وهي حرة لم تلزمه نفقة الحمل في الطلاق البائن، وكذلك لو كانت أمة والزوج حر (¬8)؛ لأن الولد ملك لسيد الأمة، فلا يلزمه أن ينفق على ملك غيره، وإن أعتق السيد الأمة لزمته النفقة (¬9)؛ لأن الحمل عُتِقَ بعتق أمه. ¬

_ (¬1) قوله: (من غيره) يقابله في (ب): (لغيره). (¬2) في (ش 1): (إبقاء). (¬3) في (ش 1): (من أجله). (¬4) قوله: (نكاح) زيادة من (ش 1). (¬5) قوله: (يطلقها) في (ح): (يطلق). (¬6) قوله: (وإن لم يطلقها لأنها فعلت فعلًا) في (ش 1): (وإن لم يطلق؛ لأنها فعلت ما). (¬7) قوله: (النفقة تجب للحامل) في (ش 1): (للحامل النفقة). (¬8) انظر: المدونة: 2/ 50. (¬9) انظر: المدونة: 2/ 55.

ويختلف إذا أعتق (¬1) الحمل وحده، فعلى القول إنه لا يكون عتيقًا إلا بالوضع تبقى (¬2) النفقة على السيد وعلى القول إنه حرٌّ الآن، وفيه الغرة إن طرح تكون النفقة على الأب. فأرى أن يرفع ذلك إلى حاكم من أهل الاجتهاد، فبأي القولين (¬3) حكم كان الأمر في النفقة على ما حكم به (¬4). ¬

_ (¬1) قوله: (أعتق) في (ح): (عتق). (¬2) قوله: (تبقى) في (ح): (لبقاء). (¬3) قوله: (القولين) في (ح): (الأمرين). (¬4) قوله: (به) زيادة من (ح)، وفي (ش 1): (وفيه).

باب في سكنى المرتدة والنفقة عليها إن كانت حاملا

باب في (¬1) سكنى المرتدة والنفقة عليها إن كانت حاملًا وإذا ارتدت الزوجة وهي حامل أُخِّرَ قتلها لمكان الحمل، والنفقة على زوجها حتى تضع، وإن كانت غير حامل وهي في أول دمها، وقال الزوج: حاضت قبل ذلك ولم أصبها، استتيبت بثلاثة أيام (¬2)، فإن لم تتب (¬3) وإلا (¬4) قتلت، وإن قال الزوج: لم تحض بعد أن أصبتها وأشكل أمرها هل هي حامل أم لا؟ كان من حق الزوج أن تؤخَّر حتى تحيض أو يمر لها ثلاثة أشهر من يوم أصاب، فإن لم يظهر حمل قتلت، وهذا لحق الزوج في الماء الذي له فيها، فإن أسقط حقه في ذلك ولم يمض لإصابته أربعون يومًا قُتلت ولم تؤخر؛ لأن الماء حينئذ لم يخلق منه ولد، وإن مضى أربعون يومًا لم يعجل برجمها؛ لإمكان أن يكون الولد قد صار عَلَقة؛ فلا يجوز قتلها حينئذ، كما لا يجوز للأم أن تشرب ما يسقطه. ولو زنت ولا زوج لها، رجمت إذا لم يمض لها أربعون يومًا ولم تؤخر، وإن مضى لها أربعون يومًا أُخِّرت حتى ينظر أمرها، وإذا أخرت الزوجة لينظر هل بها حمل أم لا (¬5) لم يكن على الزوج في ذلك نفقة عند ابن القاسم؛ لأن ارتدادها طلقة بائنة، ولا عند أشهب وعبد الملك، وإن كانا يريان أن الطلاق مترقب، فإن أسلمت كانت على الزوجية من غير طلاق؛ لأنها فعلت فعلًا منعت به ¬

_ (¬1) قوله: (في) ساقط من (ش 1). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 55. (¬3) قوله: (فإن لم تتب) في (ش 1): (فإن تابت). (¬4) قوله: (وإلا) ساقط من (ح). (¬5) قوله: (أم لا) زيادة من (ح).

فصل [في سكنى امرأة العنين]

نفسها، فإن تبين حملها (¬1) أنفق في المستقبل، واتبعته بالماضي وثبتت في بيتها على القول إن الارتداد طلاق، ويتحفظ بها هنالك، وعلى القول إنه فسخ أو إنه ترقب (¬2)، فإن رجعت (¬3) إلى الإسلام كانت على الزوجية؛ فيستحب نقلها إلى موضع تعتد (¬4) فيه. فصل [في سكنى امرأة العنين] وقال ابن القاسم (¬5) في زوجة العنين إذا لم يستطع الإصابة ففرق السلطان بينهما: عليها العِدَّةُ، ولها السكنى حيث كانت معه، ولا نفقة لها (¬6)، فأُثبت العدة للخلوة والسكنى، ولإمكان أن يكون وصل من مائه إليها، وتسقط النفقة؛ لأن الطلاق بائن ليس برجعي لإقرارهما (¬7) أنه طلاق (¬8) قبل الدخول، فإن ظهر حمل واعترف به الزوج لحق به؛ لأن البكر يصح منها الحمل بما (¬9) يصل من الماء إذا كان الإنزال في موضع يصل منه، وترجع عليه بالنفقة، وإن أنكره وادعت (¬10) أنه منه تلاعنا، وسقط نسبه، وإن نكل لحق به الولد وأتبعته ¬

_ (¬1) قوله: (حملها) في (ش 1): (حمل). (¬2) قوله: (ترقب) في (ش 1): (مترقب). (¬3) قوله: (رجعت) في (ش 1): (رجع). (¬4) قوله: (تعتد) في (ش 1): (فتعتد). (¬5) قوله: (ابن القاسم) في (ح): (مالك). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 55. (¬7) قوله: (لإقرارهما) في (ب): (لإقرارها). (¬8) قوله: (لإقرارها أنه طلاق) في (ح): (لإقرارهما لأنه طلق). (¬9) في (ب) و (ح): (لما). (¬10) قوله: (وادعت) ساقط من (ش 1).

فصل [في نفقة المعتدة من وفاة]

بالنفقة، وإن التعنا ونكلت سقط النسب والنفقة، وجلدت حد (¬1) البكر؛ لأنها إنما اعترفت بوصول الماء لها (¬2) من خارج. فصل [في نفقة المعتدة من وفاةٍ] ولا نفقة للمعتدة من وفاةٍ حاملًا كانت أو غير حاملٍ، ولها السكنى خاصة (¬3)، فسقطت النفقة قياسًا على المطلقة ثلاثًا (¬4)؛ لأن النفقة تجب مع بقاء العصمة، والموت يرفع أحكام العصمة كما رفعت (¬5) الثلاث (¬6)، وسقطت النفقة مع وجود الحمل؛ لأنه في الحياة من باب النفقة على الولد، والموت أسقط (¬7) نفقة الولد عن الأب. تم الكتاب والحمد لله حق حمده ¬

_ (¬1) قوله: (حد) في (ح): (جلد). (¬2) قوله: (لها) زيادة من (ح). (¬3) انظر: التلقين: 1/ 138 والمعونة: 1/ 636، والإشراف: 2/ 795 و 796. (¬4) نص المدونة: (قلت: أرأيت المطلقة واحدة أو اثنتين أو ثلاثًا أيلزمها السكنى والنفقة في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: السكنى تلزمه لهن كلهن فأما النفقة فلا تلزم الزوج في المبتوتة ثلاثًا، كان طلاقه إياها أو صلحا إلا أن تكون حاملا فتلزمه النفقة). (¬5) قوله: (رجعت) في (ش 1): (رفعته). (¬6) قوله: (الثلاث) ساقط من (ح). (¬7) قوله: (أسقط) في (ش 1): (يسقط).

كتاب الظهار

كتاب الظهار النسخ المقابل عليها 1 - (ب) = نسخة برلين رقم (3144) 2 - (ح) = نسخة الحسنية رقم (12929) 3 - (ق 10) = نسخة القرويين رقم (370) 4 - (ش 1) = نسخة الشيخ أبَّاه - النباغية (شنقيط)

باب في تحريم الظهار ومن نوى الظهار ولم ينطق به أو نطق به وأراد به الطلاق

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب الظهار باب في تحريم الظِّهار ومن نوى الظهار ولم ينطق به أو نطق به وأراد به الطلاق الظهار محرم لقول الله -عز وجل-: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: 2] وذكر الظهار ها هنا كناية عن الوطء؛ لأن الظَّهْرَ موضع الركوب، والمرأة مركوبة حين الغشيان. فمن تعدى وظاهر لزمه ذلك حسب ما ورد به القرآن، فإن قال: أنتِ عليَّ حرامٌ (¬1) كأمي- كان مظاهرًا، وإن لم يذكر الظَّهْرَ، فقوله: أنت عليَّ كظهر أمي، أو كأمي سواءٌ. وقال مالك (¬2) في كتاب محمد: إذا قال: أنتِ أمي إن فعلتِ كذا وكذا، ففعلتْه (¬3)، أنه مظاهرٌ (¬4). وهذا لقصد الحالف، ليس بمجرد اللفظ؛ لأن الظهار أن (¬5) يجعلها حرامًا كأمه، ومقتضى قوله: أنتِ أمي أن تكون الزوجة أُمًّا، وهذا ¬

_ (¬1) قوله: (حرامٌ) ساقط من (ق 10). (¬2) قوله: (مالك) ساقط من (ح). (¬3) في (ب) و (ق 10): ففعله. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 294. (¬5) في (ح): (لم).

مستحيل أن يكون شخصاهما شخصًا (¬1) واحدًا، ولو قال: لا أمسك حتى أمسَّ أمي- لم يكن مظاهرًا، قال ابن القاسم في العتبية: فليمسها (¬2)، ولا شيء عليه (¬3). ولم يره مظاهرًا؛ لأنه لم يلحقها بها في التحريم، ولم يشبهها بها (¬4)، ولو أراد بذلك التحريم لكان طلاقًا (¬5). واختلف إذا قال أنتِ أحرم عليَّ من أمي، فقال محمد: هو ظهارٌ (¬6). وقال ابن القاسم في العتبية: هي طالق البتة (¬7). فوجه الأول: أنه ليس في بنات آدم أحرم عليه من أمه (¬8)، فلم يلزمه أكثر من الظهار. ووجه الثاني: أنه لم يعلق التحريم بها، وإنما علقه بغيرها، فخرج عن الظهار، وجرى على الحكم فيمن حرم زوجته، ولم يذكر أمه. واختُلف أيضًا إذا قال: أنت عليَّ حرامٌ مِثْلَ أمي، فقال ابن القاسم: هو ظهارٌ (¬9). وفي مختصر الوقَار: أنها طالق البتة. فإن راجعها بعد زوج- لم يطأها حتى ¬

_ (¬1) قوله: (شخصًا) ساقط من (ب). (¬2) في (ش 1): (فيمسها). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 190. (¬4) زاد بعده في (ب) قوله: (في التحريم). (¬5) في (ب) و (ح) (لكانت طالقا). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 282. (¬7) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 282. (¬8) في (ب) و (ح) و (ق 10): (الأم). (¬9) انظر: المدونة: 2/ 307.

فصل [فيمن تلفظ بالطهاروهو يجهل حكمه]

يكفر كفارة الظهار، وهذا جواب من أشكل عليه الأمر، هل يكون حكم هذا اللفظ الطلاق أو الظهار فألزمه إياها. فإن قال: أنتِ عليَّ كبعض من حَرُمَ عليَّ مِنَ النِّساءِ- كان مظاهرًا؛ لأن الأم والأخت ممن حرم عليه من النساء. واختُلف إذا قال: أنتِ حرامٌ مثل كل شيء حرمه الكتاب (¬1)، فقال مالك في المبسوط، وابن القاسم في العتبية: هو طلاق الثلاث، بمنزلة الميتة والدم وقال ربيعة: هو ظهار؛ لأن الكتاب حرم عليه أمه والميتة (¬2). قال الشيخ -رحمه الله-: القياس أن يلزماه جميعًا: الطلاق والظهار؛ لأن الكتاب حَرَّمَ عليه أمه والميتة، إلا أن تكون له نية في أحدهما. فصل [فيمن تلفظ بالطهاروهو يجهل حكمه] ومن قال: أنتِ عليَّ كظهر أمي، وأراد به الطلاق، وهو ممن يجهل حكم الظهار، ويرى أنه طلاق- كان مظاهرًا غير مطلق، وفي مثل هذا نزل القرآن، وقد كان الظهار عندهم طلاقًا؛ فأنزل الله عز وجل فيه (¬3) الكفارة. واختلف إذا كان عالمًا بموجب (¬4) ذلك، وأراد به الطلاق، فقال ابن عبد الحكم: في كتاب محمد: هو ظهار، ولا يلزمه طلاق (¬5). وقال ابن القاسم في ¬

_ (¬1) في (ق 10): (حرمه الله في الكتاب). (¬2) قوله: (والميتة) زيادة من (ق 10). وانظر: المدونة: 2/ 308. (¬3) قوله: (فيه) زيادة من (ش 1). (¬4) في (ح): (بوجه). (¬5) قوله: (ولا يلزمه طلاق) زيادة من (ش 1). وانظر: النوادر والزيادات: 5/ 291.

كتاب ابن سحنون: يلزمه طلاق الثلاث، ولا تنفعه نيته إن نوى واحدة (1). وقال سحنون: له ما نوى (2). وهو أحسن؛ لأنه لم يُرِدْ أن يحرمها على نفسه، وإنما ألزم الطلاق بالنية لا باللفظ، وإذا كان ذلك لم يلزمه سوى ما نوى. واختلف أيضًا إذا قال: أنت عليَّ حرام كأمي، ولم يسمِّ ظَهرًا وأراد به الطلاق، فقال في المدونة: يكون طلاقًا (¬3)، وذكر سحنون عن غيره أنه يكون ظهارًا. قال الشيخ -رحمه الله-: تسميته الظهر وعدمه سواء، ولا حكم لِذِكْرِ الظَّهْرِ، وإنما هو كناية عن الوطء، والمعنى: وطؤك عليَّ حرامٌ كوطء أمي، وإذا كان ذلك فقد تضمنت المسألة لفظًا بالظهار بغير نِيَّةٍ، أو بنية للطلاق (¬4) بغير نطق (¬5). وقد اختلف في هذا الأصل، فقيل: فيمن كان له عبدان -ناصح ومرزوق- فَدَعَا ناصحًا، فأجابه مرزوق، فقال: أنتَ حرٌّ، فقيل: يعتق ناصح (¬6)؛ لأنه هو (¬7) الذي نوى (¬8)، وهذا موافق للقول بلزوم الطلاق دون الظهار. وقيل: يعتق مرزوق فإن كان عتق بغير نية وهو موافق للقول بلزوم ¬

_ (1، 2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 291. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 307. (¬4) في (ش 1): (ونية بالطلاق). (¬5) في (ق 10): لفظ. (¬6) قوله: (ناصح) ساقط من (ق 10). (¬7) قوله: (هو) ساقط من (ب). (¬8) انظر المسألة في العتق الأول من المدونة: 2/ 407.

فصل [في اختلاف ألفاظ المظاهر في ظهاره]

الظهار (¬1)، وقيل: يعتقان جميعًا؛ لأنه حصل في ناصح نية بغير نطق، وفي مرزوق نطق بغير نية، وعلى هذا يلزم (¬2) الظهار والطلاق. وقيل: لا يعتق واحد منهما؛ لأن النية بانفرادها لا يلزم بها عتق، ولا طلاق، والنطق بغير نية لا يلزم به شيء أيضًا، فعلى هذا لا يلزم ظهار ولا طلاق. فصل [في اختلاف ألفاظ المظاهر في ظهاره] لا يخلو المظاهر من أربعة أقسام (¬3): إما أن يجعل جملة الزوجة كجملة الأم، أو البعض كالبعض، أو البعض (¬4) كالجملة، أو الجملة كالبعض، فيقول: أنت عليَّ كأمي، أو ظهرك عليَّ كظهر أمي، أو رأسك كرأسها (¬5) أو كبطنها أو فخذها، أو رأسك أو فخذك كأمي، أو أنت كرأسها أو فخذها (¬6) أو بطنها، وأي ذلك قال وعلق التحريم به كان له حكم الظهار، وهذا إذا نوى تحريم الوطء في ذلك العضو الذي علق به التحريم من الزوجة. ويختلف إذا نوى تحريم ما سوى الوطء، فقال: قُبْلتك أو ملامستك أو مضاجعتك عليَّ كظهر أمي، فعلى قول مالك- لا ينعقد فيه ظهار؛ لأنه قال في المظاهر: لا يقبِّل ولا يباشر؛ لأن ذلك لا يدعو إلى خير (¬7)، فجعل منع ذلك ¬

_ (¬1) قوله: (وقيل: يعتق. . . بلزوم الظهار) ساقط من (ب). (¬2) في (ب) و (ش 1): (يلزمه). (¬3) في (ح): ومن قال: أنتِ عليَّ كظهر أمي لا يخلو المظاهر من أربعة أقسام. (¬4) قوله: (كالبعض، أو البعض) ساقط من (ب). (¬5) في (ح): (أو رأسك علي كرأس أمي). (¬6) في (ح): (كعجزها). (¬7) انظر: المدونة: 2/ 316.

حماية، خيفة أن يقع في الإصابة، ليس أنه يتعلق به الكفارة. وقال أصبغ فيمن أخذ في الصيام عن ظهاره ثم قبّل أو باشر: لا شيء عليه. وقال عبد الملك: يفسد صيامه، ويستأنفه. وقاله سحنون، ثم رجع إلى أنه على صومه. فعلى قول عبد الملك- يكون مظاهرًا إذا علق بذلك الظهار، إذا عم الظهار أو أفرد ذلك بالنية أو النطق، ومن لم يفسد به الصوم لم يجعل ذلك مما يتعلق به الظهار سواء أدخله في الجملة، فقال: أنت عليَّ كظهر أمي، أو أفرده بالنية أو بالنطق، فقال: قُبْلتك أو مباشرتك عليَّ كظهر أمي، بخلاف من حرم الوطء. فإن قيل: إنما لم يكن داخلًا في قوله: أنت عليَّ كظهر أمي؛ لأن المظاهر لم يقصد ذلك، وأن اللفظ إنما يتضمن الوطء، ولو قصد تحريم ما سواه، لانعقد به الظهار. قيل: يلزمه على هذا أن تكون له نية إذا حرم الوطء في الفرج خاصة، وأبقى ما سوى ذلك من جسدها لا يكون حرامًا عليه، ولا يدخل في الظهار إلا ما نواه.

باب في الظهار بالجدات والأخوات والأصهار والأجنبيات

باب في الظهار بالجدّات والأخوات والأصهار والأجنبيات الظهار ينعقد بمن سوى الأم من ذوات المحارم، كالجدة والخالة والعمة (¬1) والأخت والابنة وبنت الابن والبنت، كن من النسب أو الرضاعة، واختلف في انعقاده بالأجنبيات وبالذكران أصهارًا (¬2) كانوا أو غيرهم (¬3)، فأما الأجنبيات فاختلف فيهن على خمسة أقوال: أحدها: أنه ظهار إلا أن يريد به الطلاق. والثاني: أنه (¬4) طلاق إلا أن يريد به الظهار (¬5). والثالث: أنه ظهار وإن أريد به الطلاق (¬6). والرابع: أنه طلاق وإن أراد به الظهار (¬7). والخامس: أنه لا يكون ظهارًا ولا طلاقًا. فقال ابن القاسم: إن سمى الظهار كان ظهارًا، فإن قال: أنتِ عليَّ كفلانة كان طلاقًا، قال: لأنه إذا سمَّى الظَّهر علمنا أنه أراد الظِّهار (¬8). ¬

_ (¬1) قوله: (والعمة) زيادة من (ق 10). (¬2) من هنا يبدأ سقط من (ق 10) بمقدار لوحة. (¬3) انظر: الإشراف: 2/ 767، والمعونة: 1/ 603. (¬4) قوله: (أنه) زيادة من (ح). (¬5) انظر: المعونة: 1/ 603. (¬6) انظر: المدونة: 2/ 307. (¬7) انظر: الإشراف: 2/ 769. وانظر تفصيل: النوادر والزيادات: 5/ 292. (¬8) انظر: المدونة: 2/ 308.

فجعل ذلك إلى إرادته ونيته، وقال سحنون في السليمانية: إن لم يرد به الظهار فهو تحريم. وقال محمد بن المواز: هو ظهار، وإن نوى به الطلاق (¬1)، قال: وهو قول مالك وأصحابه. وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: هو طلاق، ولا يكون الظهار إلا في ذوات المحارم، وهو الذي نزل فيه القرآن (¬2). وقال مطرف: إذا قال: أنتِ عليَّ كظهر ابني أو غلامي لا يكون ظهارًا ولا طلاقًا، وإنه لمنكر من القول (¬3). يقول: لا يكون ظهارًا لأنه غير ما نزل فيه القرآن، ولا يكون طلاقًا؛ لأنه لم ينوه، وإنما نوى ما يرى أنه تبقى معه العصمة، وعلى هذا يكون الظهار بالأجنبي غير منعقد؛ لأنه خارج عما نزل فيه القرآن، ولا يكون طلاقًا؛ لأنه لم ينوه، وإنما نوى ما يرى أن العصمة تبقى معه. واختلف إذا لم يسم الظهر، فقال: كفلانة على قولين: فقال ابن القاسم في المدونة: هو طلاق (¬4). وقال أشهب في كتاب محمد: هو ظهار، إلا أن يريد الطلاق. وعلى قول مطرف لا يكون ظهارًا ولا طلاقًا، فإن قال: كفلانة، وقال: نويت غير الظهار لم يكن مظاهرًا قولًا واحدًا. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 292. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 292. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 293، وعزاه لابن حبيب. (¬4) انظر: المدونة: 2/ 308.

فصل [في الظهار بالأجنبيات]

فصل [في الظهار بالأجنبيات] فإن قال: أنتِ عليَّ كظهر فلانة الأجنبية إن دخلت هذه الدار، ثم تزوج فلانة، ثم دخل الدار- فقال سحنون: لا شيء عليه، ويسقط عنه الحنث لما كانت يوم الدخول زوجة، فأشبه من قال: أنت عليَّ كظهر زوجتي (¬1). وقد اختلف في هذا الأصل هل يراعى حالها يوم اليمين أو يوم الحنث؟ وحَمْلُها على حالها يوم اليمين أحسن؛ لأن ذلك مقصده، ولا يحمل عليه (¬2) أنه أراد غير ذلك إلا أن يقال (¬3): إنه لما كان على بِرٍّ في يمينه كان له ألا يفعل، بخلاف من كان على حنث، فله وجه. وإذا ظاهر بغير الإناث فقال لها (¬4): أنت عليَّ كظهر أبي أو ابني أو صهري أو غلامي- كان عند ابن القاسم مظاهرًا (¬5). وقال مطرف: لا يكون ظهارًا ولا طلاقًا، وعلى قول عبد الملك يكون طلاقًا. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 192. (¬2) في (ش 1): (على). (¬3) في (ب) و (ح) و (ق 10): (يقول). (¬4) قوله: (لها) ساقط من (ش 1). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 198.

باب في ظهار المجبوب والمعترض والشيخ الفاني والمحرم والصبي والمجنون والنصراني والسكران والظهار من ملك اليمين.

باب في ظهار المجبوب والمعترض والشيخ الفاني والمحرم والصبي والمجنون والنصراني والسكران والظهار من ملك اليمين. اختلف في انعقاد الظهار على من لا يصح منه وطء، فقال عليّ بن زياد في كتاب ابن سحنون في المجبوب والمعترض والشيخ الفاني: لا يلزمهم ظهار، قال: لأنهم لا يَصِلُونَ إلى الوطء (¬1). وقاله سحنون، ورأى أن القبلة (¬2) والمباشرة لا ينعقد بهما ظهار، وهو قول مالك في المدونة، لقوله: لأن ذلك لا يدعو إلى خير (¬3). وقد تقدم ذلك، وقول ابن الماجشون أحسن (¬4) في ذلك؛ لأنه كالوطء يوجب الابتداء على من أخذ في الصوم، وينعقد على المجبوب وغيره ممن لا يصلح للإصابة (¬5). وظهار المحرم على وجهين، فإن قال: أنتِ عليَّ كظهر أمي ما دمت محرمًا - لم ينعقد عليه ظهار؛ لأنها في تلك الحالة عليه كظهر أمه، وهو بمنزلة من ظاهر، ثم ظاهر (¬6)؛ فلا يلزمه الثاني؛ لأنها بالأول عليه حرام كظهر أمه، وإن قال: ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 293. (¬2) في (ب) و (ق 10): (التقبيل). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 316. (¬4) قوله: (أحسن) ساقط من (ح) و (ش 1). (¬5) في (ح): (وغيره ممن لا يصل إلى الإصابة)، وفي (ش 1): (وغيره ممن لا يصلح إلى الإصابة). (¬6) قوله: (ثم ظاهر) ساقط من (ح).

فصل [في ظهار من لا يصح منه الطلاق]

أنتِ عليَّ كظهر أمي ولم يقيد، فيقول: ما دمتُ محرمًا- لزمه الظهار؛ لأن يمينه مع الإطلاق تتضمن جميع الأزمنة، اليوم وما (¬1) بعده. فصل [في ظهار من لا يصح منه الطلاق] ظهار من لا يصح طلاقه ساقط كالمجنون والصبي والنصراني والسكران وفقيد العقل (¬2) على اختلاف فيه (¬3)، ويصح ممن يصح طلاقه، وإن كان ممنوعًا من المال كالسفيه والعبد (¬4)، ولا خلاف في ذلك، واختلف في صفة دخول الإيلاء والظهار عليهما، لعدم الوطء. فصل [في الظهار من الزوجات وملك اليمين] الظهار يصح من الزوجات وملك اليمين، فأما الزوجة فتستوي فيه (¬5) الحرة والأمة والنصرانية، والصغيرة التي لا يجامع مثلها، والرتقاء والحائض؛ لأن الاستمتاع يصح منهن (¬6)، وإن تعذر في بعضهن في موضع مخصوص، لم يتعذر في سائر الجسد، ويفترق الجواب في ملك اليمين، فينعقد الظهار فيمن يجوز له وطؤها كالأمة؛ يكون جميعها له، وأم الولد والمدبرة. ¬

_ (¬1) قوله: (ما) زيادة من (ش 1). (¬2) قوله: (وفقيد العقل) ساقط من (ح). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 309، والمدونة: 5/ 299. (¬4) انظر: المدونة: 2/ 315. (¬5) في (ح): (الزوجية فيستوي فيها). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 315.

ولا ينعقد فيمن لا يجوز له (¬1) وطؤها كالأمة يكون له فيها شِركٌ، والمعتقة إلى أجل والمعتق بعضها؛ لأنهن عليه (¬2) حرام (¬3)، كظهر أمه قَبل قوله ذلك. وقال سحنون في المكاتبة مثل ذلك: هي كالمعتقة إلى أجل. وأرى ألا شيء عليه إذا عجزت؛ لأن مقتضى يمينه على (¬4) ما كانت عليه ذلك اليوم، إلا أن ينوي: أدت أو عجزت، فيلزمه ذلك إذا عجزت، وكان بمنزلة من ظاهر من أجنبية، فقال: أنتِ عليَّ كظهرِ أُمِّي اليوم إن تزوجتك، فلا يلزمه اليوم، ويلزمه إن تزوجها (¬5). ¬

_ (¬1) قوله: (له) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (عليه) ساقط من (ش 1). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 175، والتفريع: 2/ 39. (¬4) قوله: (على) ساقط من (ش 1). (¬5) في (ش 1): (إن تزوج). وانظر: المدونة: 2/ 316.

باب في الظهار إلى أجل وإلى قدوم فلان، ومن قال: أنت علي كظهر أمي اليوم إن دخلت الدار

باب في الظهار إلى أجل وإلى قدوم فلان، ومن قال: أَنتِ عليَّ كظهر أمي اليوم إن دخلتِ الدار الظهار على وجهين: مطلق ومقيد: فالمطلق: ما لم يعلق بشرط (¬1) كقوله: أنت عليّ كظهر أمي، لا يزيد على ذلك، وهذا لا ينحل عنه بمرور وقتٍ، ولا يحله إلا الكفارة بعد العودة. والمقيد: على أربعة أوجه: أحدها: أن يقول: أنتِ عليَّ كظهر أمي من اليوم إلى شهر أو إلى سنة. والثاني: أن يقول: إذا مضى شهر أو سنة فأنتِ عليَّ كظهر أمي. والثالث: أن يعلقه بشرط لا يدري أيكون (¬2) أو لا يكون، كقوله: إلى قدوم فلان، أو ما أشبهه. والرابع: أن يجعله يمينًا، فيقول: إن كلمت فلانًا (¬3) أو دخلت دار فلان فأنت عليَّ كظهر أمي، فإن قال: أنتِ عليّ كظهر أمي من الآن إلى شهر أو إلى سنة كان في المسألة قولان، فقال في المدونة: يلزمه الظهار، وإن خرج ذلك الوقت (¬4). يريد: وإن لم يعد قبل ذلك في الأجل. وروى عنه مطرف في مختصر ما ليس في المختصر أنه قال: لا شيء عليه إذا ¬

_ (¬1) في (ح): (شرطه). (¬2) قوله: (أيكون) ساقط من (ش 1). (¬3) قوله: (فلانًا) ساقط من (ح). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 310.

خرج الأجل قبل أن يعود، وفرَّق بينه وبين الطلاق. وذكر عن ابن عباس مثل ذلك، وهو أحسن، لحديث سلمة (¬1) بن صخر أنه ظاهر من زوجته (¬2) حتى يمضي رمضان، فلما مضى النصف وقع عليها ليلًا، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: "أَعْتِقْ رَقَبَةً. . ." الحديث، وهذا حديث صحيح، رواه الترمذي في جامعه (¬3)، فهذا صاحبٌ كان يرى ذلك، أن يضرب للظهار أجلًا، وذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فلم ينكره عليه، ولو كان الأمر بخلافه لأعلمه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعكسه أن يقول: إذا مضى شهر أو سنة فأنتِ عليَّ كظهر أمي، فإنه يلزمه الظهار من الآن، وعلى قوله الآخر: لا يكون مظاهرًا (¬4) حتى يأتي ذلك الأجل، وقد اختلف الناس في الطلاق إلى أجل، والظهار أخف (¬5). وقال ابن القاسم في المدونة: إذا قال: أنت عليَّ كظهر أمي إلى قدوم فلان، لم يكن مظاهرًا حتى يقدم فلان، بمنزلة من قال: أنت طالق إلى قدوم فلان، أنها لا تكون طالقًا حتى يقدم (¬6). وقد يفرَّق بين السؤالين: فيلزمه الظهار الآن، ولا يلزمه الطلاق حتى ¬

_ (¬1) في (ح) و (س) و (ش 1): (سليمان). (¬2) في (ح): (امرأته). (¬3) (حسن) أخرجه أبو داود في سننه: 1/ 673، في باب الظهار، من كتاب الطلاق، برقم (2213)، والترمذي في سننه: 5/ 405، في باب ومن سورة المجادلة، من كتاب تفسير القرآن، برقم (3299)، وابن ماجه في سننه: 1/ 665، في باب الظهار، من كتاب الطلاق، برقم (2062)، قال الترمذي: هذا حديث حسن. (¬4) قوله: (لا يكون مظاهرًا) يقابله في (ح): (لا يلزمه). (¬5) نهاية السقط من (ق 10). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 310.

يقدم؛ لأن (إلى) بابها انتهاء الغاية (¬1)، فيجب أن تحمل على موضوعها (¬2) حتى يقوم الدليل على أنه أريد (¬3) بها الشرط، والمفهوم من قوله: أنتِ عليَّ كظهر أمي إلى قدوم فلان- أنها من الآن عليه كظهر أمه حتى يقدم، وأيضًا فإن له وجهًا يقصده الحالف أن يكون مظاهرًا ما بينه وبين القدوم، وقد فعله صاحبه، وليس يقصد أحد أن يكون طالقًا الآن وتعود زوجة إذا قدم فلان (¬4)، وكذلك قوله: أنتَ حرٌّ إلى قدوم فلان (¬5)، ليس القصد أن يكون حرًّا الآن، ثم يعود في الرق بعد قدومه، ويصح أن يريد: أنت عليَّ كظهر أمي من الآن إلى قدوم فلان خاصة (¬6)، وإذا كان ذلك- وجب حمله عند عدم النية على ما يوجبه اللفظ، إلا أن يريد غيره. وإن قال: إذا قدم- لم يلزمه ظهار حتى يقدم، وإن قال: أنت عليَّ كظهر أمي إن دخلت هذه الدار اليوم (¬7) أو كلمت فلانًا اليوم، فمضى ذلك اليوم ولم يدخل ولم يكلم- سقط عنه اليمين. واختلف إذا قال: أنتِ عليَّ كظهر أمي اليوم إن دخلت الدار أو كلمت فلانًا، فجعله ابن القاسم كالأول لا شيء عليه إذا مضى ذلك (¬8) اليوم (¬9). ¬

_ (¬1) في (ح) و (س): (لأن إلى ها هنا غاية). (¬2) في (ق 10): (موضعها في اللغة)، وفي (ح): (طوعها). (¬3) في (ق 10): (أراد). (¬4) قوله: (فلان) زيادة في (ق 10). (¬5) قوله: (فلان) زيادة من (ق 10). (¬6) قوله: (خاصة) ساقط من (ح). (¬7) قوله: (اليوم) ساقط من (ح). (¬8) قوله: (ذلك) ساقط من (ب) و (ش 1). (¬9) في (ق 10): (الوقت). وانظر: المدونة: 2/ 310.

وقاله مالك ومطرف وابن عبد الحكم. وقال محمد بن عبد الحكم فيمن قال: أنت طالق اليوم إن كلمتُ فلانًا غدًا، قال: إن كلمه غدًا فلا شيء عليه، وإن كلمه اليوم حنث؛ لأن ذلك الغد مضى وهي زوجة، وقد انقضى وقت وقوع الطلاق، وكان تعليق الطلاق به بعد ذلك في معنى المستحيل، وقيل: يلزمه الحنث، وإن جعل اليوم ظرفًا للظهار والطلاق، وإن وقع الحنث بعد ذلك اليوم، ويلزم على هذا أن يقول: لو تقدم له وطء زوجته بعد يمينه ثم حنث أن يكون عليه الكفارة، وقال ابن القاسم في كتاب الطلاق من كتاب محمد فيمن قال لامرأة (¬1): إن تزوجتك فأنت طالق غدًا، فإن تزوجها قبل الغد فهي طالق، وإن تزوجها بعد مضي الغد (¬2) لم تطلق (¬3). ¬

_ (¬1) في (ق 10): (لزوجته). (¬2) في (ب): (العقد). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 122.

باب فيمن ظاهر من أربع نسوة ظهارا واحدا أو كرر الظهار على امرأة واحدة

باب فيمن ظاهر من أربع نسوة ظهارًا واحدًا أو كرر الظهار على امرأة واحدة اختلف إذا جمع أربع نسوة في ظهار واحد فقال: أنتن عليَّ كظهر أمي إن كلمتكن، فقال في المدونة: عليه ظهار واحد (¬1). وذكر (¬2) ابن خويز منداد (¬3) قولًا آخر أن عليه لكل واحدة كفارة. واختلف أيضًا إذا قال: كل امرأة أتزوجها فهي عليَّ كظهر أمي، فقال في المدونة: كفارة واحدة تجزئ (¬4)، وقال في مختصر ما ليس في المختصر: عليه في كل امرأة يتزوجها الكفارة، وإن قال: من أتزوج منكن أو من دخل الدار منكن أو من كلمتها كان قد أفرد كل واحدة بيمين، وعليه لكل واحدة كفارة. وقال مالك (¬5) في كتاب محمد: إن قال: من أتزوج من النساء فهي عليَّ كظهر أمي عليه كفارة واحدة (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 312. (¬2) في (ش 1): (وقال). (¬3) هو: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله بن خويز منداد، الإمام العالم المتكلم، الفقيه، الأصولي، أخذ عن أبي بكر الأبهري، يروي عن أبي داسة، وأبي الحسن التمار، وأبي الحسن المصيصي، وأبي إسحاق التجيبي، وأبي العباس الأصم، ألّف كتابًا كبيرًا في الخلاف وكتابا في أصول الفقه، وكتابا في أحكام القرآن. قال عياض: له اختيارات وتأويلات على المذهب في الفقه، والأصول، لم يرجع عليها حذاق المذهب. لم يذكر وفاته، ولم أقف عليها. انظر: ترتيب المدارك: 2/ 217، وشجرة النور الزكية: 1/ 103، والفكر السامي: 3/ 119. (¬4) انظر: المدونة: 2/ 311. (¬5) قوله: (مالك) ساقط من (ب) و (ش 1). (¬6) قوله: (واحدة) ساقط من (ب). وانظر: النوادر والزيادات: 5/ 295، 296.

فصل [في تكرار الظهار على المرأة الواحدة]

والقياس في هذا أن يكون عليه في كل واحدة كفارة؛ لأنه قد أفرد بقوله من (¬1)، وكذلك إذا قال: أيتكن تزوجت أو كلمت أو دخلت كان قد أفرد كل واحدة بيمين فلم ير مالك عليه في القول الأول إذا قال: أنتن (¬2) إلا كفارة واحدة؛ لأن العتق كفارة عن القول، قال ابن الماجشون في كتابه: إنما هي الكلمة الواحدة لقول الله عزَّ وجلَّ: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا}، فرأى مرة أن الطلاق كان (¬3) عندهم بالظهار، فقد كانت كل واحدة تطلق بتلك الكلمة، فجعل الكفارة عوضًا عن الطلاق. واختلف إذا قال: إن دخلتن فدخلت الدار (¬4) واحدة منهن، فقال (¬5) ابن القاسم: لا شيء عليه حتى يدخل جميعهن، وقيل: يحنث فيهن جميعًا بدخول واحدة، ويوقف عنهنَّ، وقال (¬6) أشهب: يحنث فيمن دخلت خاصة، ولا شيء عليه في الأخرى حتى تدخل، فجعل لكل واحدة ظهارًا وكفارة لكل واحدة. فصل [في تكرار الظهار على المرأة الواحدة] تكرار الظهار على المرأة الواحدة على أربعة أقسام: أحدها: أن يكون ذلك مجرَّدًا من اليمين كقوله: أنتِ عليَّ كظهر أمي، أنتِ ¬

_ (¬1) قوله: (من) ساقط من (ح). (¬2) في (ب) و (ش 1): (أيتكن). (¬3) قوله: (كان) ساقط من (ش 1). (¬4) قوله: (الدار) زيادة من (ش 1). (¬5) في (ب) و (ح) و (ق 10): (فقول). (¬6) في (ب) و (ح) و (ق 10): (وقول).

عليَّ كظهر أمي. والثاني: أن يعلق ذلك فيها بيمين، فيقول: إن دخلتِ الدار فأنت عليّ كظهر أمي (¬1)، ثم يقول بعد ذلك (¬2): إن لبست هذا (¬3) الثوب فأنت عليَّ كظهر أمي. والثالث: أن يكون الأول مجردًا عن اليمين (¬4)، والثاني معلقًا بيمين. والرابع: أن يكون الأول معلقًا بيمين، والآخر مجردًا من اليمين. فإن كرر ذلك بغير يمين كان ظهارًا واحدًا، وكفارة واحدة، وصار في قوله الثاني كالواصف لها (¬5)؛ لأنها بأول مرة هي عليه كظهر أمه، إلا أن يكون قوله الثاني على وجه التزام الكفارة فيلزمه، ولا (¬6) يكون له حكم الظهار، فإن نوى العودة وكفَّر عن الأول جاز له الوطء (¬7)، وإن لم يكفر عن الثاني، وإن علق الظهار بيمينين (¬8)، فقال: إن دخلت الدار، ثم قال: إن لبست هذا الثوب، فحنث في إحداهما ونوى العودة، وكفَّر ثم حنث في الأخرى كان عليه كفارة أخرى إذا نوى العودة (¬9). ¬

_ (¬1) قوله: (أمي) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (بعد ذلك) ساقط من (ق 10). (¬3) قوله: (هذا) ساقط من (ب) و (ش 1). (¬4) قوله: (عن اليمين) ساقط من (ح). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 311، والنوادر والزيادات: 5/ 294، والإشراف: 2/ 771. (¬6) في (ق 10): (ألا). (¬7) قوله: (الوطء) ساقط من (ح). (¬8) في (ب): (الظهارين بيمين)، وفي (ح): (الظهار بيمين). (¬9) انظر: المدونة: 2/ 312.

واختلف إذا لم يكفر حتى حنث (¬1) في اليمين الأخرى، فقال المخزومي وعبد الملك بن الماجشون: كفارة واحدة تجزئه، وظاهر قول ابن القاسم في المدونة أن عليه لكل يمين كفارة، ومثله إذا لم يكفر عن يمينه حتى أوقع الظهار مجردًا من اليمين، فعلى القول الأول، عليه كفارة واحدة، وقال ابن المواز (¬2): عليه كفارتان (¬3). وإن كان الأول ظهارًا مجردًا ثم حلف فحنث قبل أن يكفر عن الأول، كان عليه كفارتان على قول محمد، وعلى قول المخزومي: كفارة واحدة عن الأول، وفرق أصبغ في المستخرجة إذا كان ظهاران أحدهما بيمين والآخر بغير يمين، فإن تقدم ما كان بيمين وحنث (¬4) ثم أردف ظهارًا مجردًا من اليمين كان عليه كفارة واحدة، وإن تقدم ظهار بغير يمين ثم حلف فحنث كان عليه كفارتان، فقال مالك (¬5) فيمن ظاهر بيمين فحنث وابتدأ الصيام فلما صام أيامًا ظاهر منها بغير يمين، ابتدأ الصوم عن الظِّهارين وسقط ما مضى منه، وإن جرد الظهار من اليمين الأول وابتدأ الكفارة عن الثاني (¬6) ثم ظاهر بيمين فحنث أتم الأول، وابتدأ الصيام عن الثاني، قال: هذا خلاف الأول، قال (¬7): لأن هذا وجب عليه بالحنث، ولم يكن هو أدخله على نفسه ابتداء فيكون تأكيدًا للأول، فعليه كفارتان (¬8). ¬

_ (¬1) في (ب): (دخلت). (¬2) في (ش 1): (ابن الماجشون). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 294. (¬4) قوله: (وحنث) ساقط من (ش 1). (¬5) قوله: (مالك) ساقط من (ش 1). (¬6) قوله: (عن الثاني) زيادة من (ش 1). (¬7) قوله: (قال) ساقط من (ش 1). (¬8) انظر: النوادر والزيادت: 5/ 294.

باب فيمن أوقع الطلاق والظهار معا

باب فيمن أوقع الطلاق والظهار معًا ومن قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، وهي عليَّ كظهر أمي فتزوجها، لزماه جميعًا: الطلاق والظهار. وكذلك إذا قال ذلك في مجلسين وبدأ بالطلاق أو بالظهار؛ لأن اليمين الأول لم تقع على زوجته ولم توجب طلاقًا، وإنما هي معلقة بما يتزوج في المستقبل، فإذا تزوج وقعا معًا (¬1)، ولا يقال أن أحدهما سبق الآخر، ولو قال (¬2) ذلك في زوجة في عصمته لم يدخل بها، وابتدأ بالطلاق، فقال: أنتِ طالق وأنتِ عليَّ كظهر أمي لزمه الطلاق دون الظهار، وفرق بين ذلك، وبين قوله أنتِ طالق، وأنتِ طالق، فقال: يلزمه تطليقتان، وإن كانت الطلقة (¬3) الثانية عطفت على مطلقة بانت (¬4)، ولو كانت مدخولًا بها فقال لها: أنتِ طالق، وأنت عليَّ كظهر أمي، لزماه جميعًا لأنَّ الظهار ينعقد لو انفرد على المطلقة طلاقًا رجعيًّا، ولو قال: أنتِ طالقٌ ثلاثًا وأنتِ عليَّ كظهر أمي (¬5) لزمه الطلاق دون الظهار (¬6)، وكانت كالتي لم يدخل بها إلا أن يقدم الظهار في السؤالين جميعًا، فيلزمه الطلاق والظهار. ¬

_ (¬1) من هنا يبدأ سقط من (ق 10) بمقدار لوحة. (¬2) في (ح): (كان). (¬3) في (ح): (التطليقة). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 315، 316. (¬5) قوله: (لزماه جميعًا لأنَّ الظهار. . . وأنتِ عليَّ كظهر أمي) ساقط من (ب). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 316.

وقوله في الظهار بعد الطلاق حسن لقول الله سبحانه: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 2]، وهذه بنفس الطلاق قد خرجت من أن تكون من نسائهم وصارت بنفس الطلاق عليه كظهر أمه، وكذلك ينبغي أن يكون الجواب إذا قال: أنت طالق وأنت طالق (¬1)؛ لأنها قد خرجت من العصمة بنفس الطلاق الأول، ووقعت الثانية على غير زوجة، وإلى هذا ذهب إسماعيل القاضي. ولو علق ذلك بالتي في عصمته بيمين، فقال: إن دخلتُ الدار فأنتِ طالقٌ، وأنتِ عليَّ كظهر أمي، ثم دخل لزمه الطلاق والظهار، وكذلك لو قال: أنتِ طالقٌ إن دخلتِ الدار، ثم قال بعد شهر: أنتِ عليَّ كظهر أمي إن دخلتِ الدار أو (¬2) كلمتِ فلانًا؛ لأن اليمين بالظهار وقعت، والزوجة في العصمة، فلزماه جميعًا، وإن لم يكن دخل بها. ¬

_ (¬1) في (ش 1): (إذا قال: أنت طالق، وأنت طالق، وأنت طالق، وفي (ب): (إذا قال: أنت طالق). (¬2) في (ح): (وإن).

باب فيمن ظاهر وآلى أو آلى بالظهار أو حلف بالظهار ليفعلن

باب فيمن ظاهر وآلى أو آلى بالظهار أو حلف بالظهار ليفعلن وإذا آلى وظاهر فقال: والله لا أطؤك وأنتِ عليَّ كظهر أمي، كان للزوجة أن توقفه عند مضي الأربعة أشهر من يوم قال (¬1). ويختلف فيما يلزمه حينئذ على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه مخاطب حينئذ بالإيلاء خاصة، فإن كفر كفارة الإيلاء سقط مقالتها، ثم يضرب الأجل للظهار (¬2). والثاني: أنه مخاطب بالكفارتين جميعًا، كفارة الإيلاء وكفارة الظهار. والثالث: أنه مخاطب بكفارة الظهار، ثم بالإصابة لا يجزئه غير ذلك؛ لأنه قد اجتمع إيلاء وظهار. وقد اختلف في حكم كل واحد منهما (¬3) بانفراده، فقيل في الإيلاء: يسقط بالكفارة (¬4)، وقيل: لا يسقط إلا بالإصابة، وقيل: في الظهار إن الأجل من بعد الرفع، وقيل: من (¬5) يوم ظاهر كالإيلاء (¬6). ثم يختلف هل يسقط حكمه بالكفارة أو الإصابة بعد ذلك، فعلى القول ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 317. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 317. (¬3) قوله: (منهما) ساقط من (ح). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 348. (¬5) قوله: (من) ساقط من (ح). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 318.

فصل [في حكم الإيلاء والظهار]

أن الإيلاء يسقط حكمه (¬1) بالكفارة، وأن الأجل في الظهار من بعد الرفع يجزئه إذا أخرج كفارة الإيلاء، ولا شيء عليه إلا أن يقوم بالظهار فيضرب له الأجل، وعلى القول إن الأجل (¬2) من يوم ظاهر يكون لها أن تقوم بإخراج الكفارتين جميعًا، وعلى القول أنه مخاطب في الإيلاء بالإصابة يلزم بإخراج كفارة الظهار، ثم بالإصابة وهو أحسن؛ لأن الزوجة لها حق في الإيلاء بالإصابة (¬3) فعليه أن يرفع كل شيءٍ يمنع منه. فصل [في حكم الإيلاء والظهار] وقال ابن القاسم فيمن قال: إن قربتكِ فأنتِ عليَّ كظهر أمي، إنه مولٍ حين تكلم بذلك، فإن وطئ سقط الإيلاء ولزمه الظهار (¬4)، وقد اختلف في الوجهين جميعًا في انعقاد الإيلاء، وفي إباحة الوطء (¬5)، فقال مرة فيمن حلف ألا يطأ بعتق ما يملكه ليس بمولٍ؛ لأنه إن وطئ لم يكن عليه عتق، فعلى هذا لا يكون موليًا حتى يصيب فينعقد عليه اليمين. واختلف في الوطء على أربعة أقوال، فقيل: يمنع الوطء جملة؛ لأن مغيب الحشفة يوجب الحنث والنزع (¬6) وطء ممن وقع عليه الظهار، وقيل: له مغيب ¬

_ (¬1) قوله: (حكمه) زيادة من (ش 1). (¬2) في (ش 1): (الظهار). (¬3) قوله: (يلزم بإخراج كفارة. . . في الإيلاء بالإصابة) ساقط من (ح) و (ش 1). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 317. (¬5) قوله: (وفي إباحة الوطء) يقابله في (ش 1): (وفي انعقاد الظهار). (¬6) في (ب) و (ح) و (ق 10): (والنزوع).

الحشفة، ثم ينزع لأنَّ النزع (¬1) ليس بوطء عنده، ولو نزع بعد طلوع الفجر لم يكن مفطرًا، وقيل: يطأ ولا ينزل. وقيل: ذلك له، وإن أنزل فقال محمد: يمنع من الإصابة (¬2). وقال مطرف في الثمانية: يجوز من ذلك ما يوجب الغسل. وظاهر المدونة أن له الإصابة التامة، ثم ينعقد عليه الظهار، ولا تلزمه الكفارة إلا أن يطأ بعد ذلك (¬3)، وقيل في الحالف بطلاق البتة: إن وطئ زوجته إن له أن يصيبها وينزل ثم يحنث (¬4)، فعلى هذا يكون له أن ينزل ثم ينعقد عليه الظهار، واختلف بعد القول إنه يمنع منها، هل يعجل الطلاق، ففي كتاب محمد قولان: أحدهما: أنه يعجل عليه الطلقة، إذ لا بدَّ له من الطلاق، والآخر: أنه يصبر (¬5) عليه حتى تتم (¬6) الأربعة أشهر فتطلق عليه، قال: ولا رجعة له غير أنهما يتوارثان (¬7). يريد (¬8): لأن الأصل في الطلقة الواحدة إذا كانت بعد البناء وليست على وجه الفداء أن فيها الرجعة والميراث، فامتنعت الرجعة ها هنا لحق الزوجة؛ لأن الرجعة ليصيب، وهذا ممنوع من الإصابة، فإن رضيت الزوجة جاز، وكانت رجعة على الصحيح من المذهب. ¬

_ (¬1) في (ب) و (ح) و (ق 10): (النزوع). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 315. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 317. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 316. (¬5) في (ح): (ينتظر). (¬6) في (ح): (يتم له). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 315. (¬8) قوله: (يريد) يقابله في (ح): (بذلك).

ولا أرى لها في العدة نفقة إذا كانت غير ممكنة من الرجعة، فكذلك إذا رضيت على القول إنه لا يجوز رضاها في ذلك، وإن الرجعة لا تصح. وقد اختلف في النفقة مع بقاء الزوجية إذا نشزت هل لها نفقة؟ فهو في هذا أبين، وقال محمد فيمن قال: إن لم أكلم فلانًا فأنت علي كظهر أمي، ولم يضرب أجلًا، قال: هذا مما ليس له تعجيل الكفارة، ولا الحنث، فلا يطأ؛ لأنَّ موت المحلوف عليه يوجب الكفارة بمنزلة أن لو ضرب أجلًا فإن كفر قبله (¬1) لم يجزئه. فجاوب في هذا على أصله أن حياة المحلوف عليه كالأجل، وعلى القول الآخر إنه ليس كالأجل يكون له أن يلزم الحنث ثم ينوي العودة إن أحب ويكفر. ¬

_ (¬1) قوله: (قبله) ساقط من (ب).

باب في دخول الإيلاء على الظهار

باب في دخول الإيلاء على الظهار يدخل الإيلاء على الظهار؛ لأن الظهار يمنع الوطء، فلها أن تقوم بحقها في ذلك كما تقدم إذا آلى، والأجل فيه أربعة أشهر كأجل الإيلاء. وقد اختلف عن مالك هل الأجل من يوم ظاهر أو من يوم ترفعه، والأول أحسن؛ لأن المظاهر قاصد إلى تحريم الوطء، ومعنى الظهار: أنَّ وطأَكِ عليَّ حرامٌ كوطء أمي، والمولي قاصد إلى (¬1) الامتناع باليمين، وليس بمنزلة من حلف بالطلاق ليفعلن، فإن الأجل من يوم رفعه؛ لأنه لم يقصد الامتناع من الوطء، ولعل الحالف بالطلاق ليفعلن جاهلًا (¬2) لا يعلم أن يمينه (¬3) يمنعه من أهله، ولأنه لو وطئ ما حنث في الطلاق. فصل [في دخول الإيلاء على المظاهر] الإيلاء يدخل على المظاهر إذا كان قادرًا على إسقاط الظهار بإحدى الكفارات الثلاث (¬4) التي ذكر الله عزَّ وجلَّ، فإن كان معسرًا وعاجزًا عن الصوم وكان العجز والعسر أمرًا طرأ بعد عقد الظهار لم يدخل عليه إيلاء، فإن كانت تلك حاله حين ظاهر دخل عليه الإيلاء؛ لأن الظهار تحريم ¬

_ (¬1) قوله: (إلى) ساقط من (ح). (¬2) في (ب) و (ش 1): (عاصيًا). (¬3) قوله: (يمينه) ساقط من (ش 1). (¬4) نهاية السقط من (ق 10).

الوطء (¬1)، فإذا عقده (¬2) على نفسه مع علمه أنه عاجز عن حله كان قد قصد الضرر بنفس الظهار، ثم يختلف هل يطلق عليه الآن أو يؤخر إلى انقضاء أجل الإيلاء رجاءَ أن يحدث له رأي في ترك القيام (¬3)، وإلى هذا يرد ما في الرواية في ظهار المعسر. وإذا كان ذلك طارئًا بعد الظهار لم يدخل عليه إيلاء، ولم يطلق عليه عند الأربعة أشهر، وإن للزوجة القيامَ بالفراق إذا تطاول عجزه عن إحدى الكفارات الثلاث، قال مالك في كتاب محمد: إذا لم يتبين ضرره فلا يوقف إلا (¬4) أن يتطاول (¬5). فجعل لها القيام حينئذٍ لما كان هو سبب الامتناع (¬6) بخلاف من دخل الامتناع عليه بالجباب والخصاء أو علة منعت ذلك منه؛ لأنه لا سبب له فيه، والظهار له فيه سبب. وقد قال مالك فيمن قُطع ذكره بعد البناء إن لزوجته أن تقوم بالفراق، فالمظاهر أولى، وإذا كان عاجزًا عن العتق وقادرًا على الصيام كان عليه أن يقدم الصوم قبل انقضاء الأربعة الأشهر فلا ينقضي الأجل إلا وقد وفّى به، وحلّت له الزوجة ويبين ذلك للزوج إذا كان ممن يجهل ذلك (¬7) الحكم، فإذا قامت ¬

_ (¬1) في (ق 10): (يحرم بالوطء). (¬2) في (ش 1): (عقد). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 317. (¬4) في (ق 10): (إلى). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 302. (¬6) في (ش 1): (ما كان الامتناع سببه). (¬7) قوله: (ذلك) زيادة من (ش 1).

الزوجة وضرب له الأجل، قيل له: عليك أن تقدم الصوم بمدة فلا يأتي الأجل إلا وقد حلت الزوجة، وكذلك الجواب على القول أن الأجل من يوم ظاهر يؤمر بمثل ذلك. واختلف إذا انقضت الأربعة الأشهر ولم يصم هل تطلق عليه أو يصبر عليه ليصوم؟ فقال ابن القاسم: يكون لها أن توقفه (¬1)، قال سحنون: وروى غيره أن وقفه لا يكون إلا من بعد (¬2) ضرب السلطان الأجل (¬3). وقال ابن القاسم أيضًا: إذا قال بعد مضي الأربعة أشهر: دعوني أصوم شهرين إنه يؤخر (¬4). والقول الأول أحسن، ولا يزاد في الأجل فوق ما جعل الله عز وجل له (¬5) إلا أن يكون الزوج ممن يجهل الحكم ولم يبين (¬6) له، فقد يعذر. وقال عبد الملك بن الماجشون في كتابه: إن ابتدأ صوم الشهرين بعد ضرب السلطان الأجل بما (¬7) قد تنقضي الأربعة الأشهر (¬8)، ويبقى عليه من صومه إنه يطلق عليه، فإن انقضى الصوم وهي في العدة كان له أن يرتجع، وإن ارتجع (¬9) قبل انقضاء الصوم ثم انقضى الصوم،. . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 318. (¬2) قوله: (بعد) ساقط من (ب). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 318. (¬4) انظر: المدونة: 2/ 318، والنوادر والزيادات: 5/ 300. (¬5) قوله: (عز وجل له) ساقط من (ب). (¬6) في (ش 1): (يتبين). (¬7) في (ق 10): (بقدر ما). (¬8) قوله: (الأشهر) زيادة من (ش 1). (¬9) قوله: (وإن ارتجع) ساقط من (ح).

وهي في العدة (¬1) كانت رجعته رجعة صحيحة (¬2)، قال: ولو ابتدأ الشهرين في الأربعة عندما ضربت له (¬3) فمرض حتى صار لا يتم له في الأربعة لم يطلق عليه، وإن كان توانى وأفطر لغير عذر طلق عليه (¬4)، وليس قوله في (¬5) هذا الآخر بالبين؛ لأنه يقول لم يكن علي أن أبتدئ الصوم في أول الأربعة ولي أن أؤخر وأبتدئ بعد مضي شهرين؛ لأنها مدة أقدر على الفيء فيها. ويختلف إذا كان ممن يقدر على العتق والإطعام (¬6)، فقال عند مضي الأربعة: دعوني حتى أعتق أو أطعم، فقالت الزوجة: لا أؤخره. قال محمد في هذا الأصل: لا يؤخر ولا يزاد في أجل الإيلاء ولا يؤخر (¬7). ¬

_ (¬1) قوله: (كان له أن. . . وهي في العدة) ساقط من (ق 10). (¬2) قوله: (صحيحة) ساقط من (ق 10) و (ش 1). (¬3) قوله: (عندما ضربت له) يقابله في (ح): (عند أول ما ضرب له الأجل). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 322. (¬5) قوله: (قوله في) ساقط من (ح). (¬6) في (ش 1): (أو الإطعام). (¬7) في (ب) و (ش 1) و (ق 10): (ولا يلوم).

باب فيمن ظاهر وهو معسر فأيسر أو دخل في الصوم وهو معسر ثم أيسر

باب فيمن ظاهر وهو معسر فأيسر أو دخل في الصوم وهو معسر ثم أيسر من ظاهر وهو موسر فأعسر أو معسر فأيسر، أو صحيح فمرض أو مريض فصح لم ينظر إلى حاله يوم ظاهر، واختلف هل ينظر إلى حاله يوم العودة أو يوم يَكَفِّر؟ فالظاهر من قول مالك أن ينظر إلى حاله يوم يكفر (¬1)، فإن كان اليوم الأول يوم العودة موسرًا بالعتق ثم أعسر كان له في (¬2) اليوم (¬3) أن يصوم، وإن كان عاجزًا عن الصوم (¬4) ولا يقدر على العتق كان له أن يطعم. وقال ابن القاسم في كتاب محمد: إن كان موسرًا بالعتق فلم يعتق حتى أعسر فصام ثم أيسر فليعتق، وإن كان صام قال: ولم أسمعه (¬5). فرأى أن الكفارة على الفور فما كان مخاطبًا به لو عجله (¬6) لم ينتقل (¬7) حكمه بتراخيه، وهذا يصح على أحد أقوال مالك إن الكفارة تلزمه بالعودة، وإن طلق أو مات، ويلزم ابن القاسم أن يقول: إذا كان معسرًا فأيسر إن له أن يصوم إلا أن يحب أن يعتق ويأتي بما هو أفضل، وإن كان مريضًا فصح وهو عاجز عن العتق إن له أن يطعم إلا أن يحب أن يصوم. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 319. (¬2) قوله: (في) زيادة من (ش 1). (¬3) قوله: (اليوم) ساقط من (ق 10). (¬4) في (ب) و (ح) و (ق 10): (وإن كان صحيحًا فمرض). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 25. (¬6) في (ب) و (ح) و (ق 10): (عجل). (¬7) في (ق 10): (يبلغه).

وأحسن ذلك أن يقال: إنها على الوقف لا على الفور، ولا على التراخي، وأن تكون معلقة بالوقت الذي يريد فيه المسيس؛ لقول الله سبحانه: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3]. فإذا أحب المسيس (¬1) كفّر على أن يكون من حاله حينئذ أراد تعجيل الوطء أو تأخيره، ولو أصاب قبل الكفارة، وبعد أن نوى العودة وجب عليه أن يعجل الكفارة حينئذ، ولا يؤخرها؛ لأنها وجبت عليه قبل ذلك، ولو بساعة، فإن هو أخّرها بعد ذلك حتى انتقل حاله كان مخاطبًا الآن بما كان مخاطبًا به وقت أحب المسيس، ولا يراعى ما انتقل إليه حاله مما هو أعلى في الكفارات أو أدنى، قال القاضي أبو الحسن (¬2) ابن القصار: الاعتبار عند مالك في الكفارة وقت الأداء، وللشافعي ثلاثة أقوال: أحدها: أن العتق قد تقرر في ذمته؛ لأنه عاد وهو موسر فلا ينتقل إلى الصيام إذا أعسر، فإذا عاد وهو معسر فقد تقرر (¬3) الصيام في ذمته، فإن أيسر لم يلزمه العتق، فإن أعتق أجزأه، وقول آخر مثل قولنا، وهو (¬4) قول أبي حنيفة: يعتبر وقت التكفير، والقول الثالث: يعتبر أغلظ أحواله (¬5). ¬

_ (¬1) قوله: (لقول الله سبحانه: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}. فإذا أحب المسيس) ساقط من (ش 1). (¬2) قوله: (القاضي أبو الحسن) ساقط من (ش 1). (¬3) في (ب): (تعذر). (¬4) قوله: (هو) زيادة من (ش 1). (¬5) انظر: عيون المجالس: 3/ 1283 و 1284.

باب في ظهار السفيه والعبد

باب في ظهار السفيه والعبد وإذا ظاهر السفيه وهو موسر بالعتق عاجز عن الصيام كان الأمر إلى وليه، فإن رأى أن العتق خير له من الطلاق أمره بالعودة، وأعتق عنه، وإن لم ير ذلك لأن العتق يجحف بماله أو لأنه ممن يتكرر منه اليمين بالظهار أو يكون مِطْلاقًا (¬1)، فإن أعتق عنه طلق هو (¬2) بعد ذلك- لم يعتق عنه، وكان للزوجة أن تقوم بالطلاق، إذا مضت أربعة أشهر، وقيل: يطلق عليه (¬3) من غير أجل لأن الصبر إلى تمام الأجل لا يعيد، بمنزلة من قال: إن وطئتك فأنت طالق البتة (¬4). واختلف إذا امتنع من (¬5) العتق وكان قادرًا على الصوم، فقيل: لا يصح منه الصوم؛ لأنه موسر، وقيل: له أن يصوم لأنه في معنى المعسر لمَّا حيل بينه وبين ماله مع حاجته إلى أهله، والأول أحسن؛ لأنه موسر، والمنع من العتق نظر له، وإمساك عليه. فصل [في ظهار العبد وما يصح أن يكفر به] وظهارُ العبد لازمٌ، ولا يصح منه العتق، وإن كان موسرًا؛ لأنَّ الولاء لسيده (¬6)، ويلزمه الصوم إذا كان قادرًا عليه، ولا يضر بسيده. ¬

_ (¬1) في (ش 1): (مطلقًا). (¬2) قوله: (هو) زيادة من (ش 1). (¬3) من هنا سقط بمقدار لوحة (ق 10). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 299. (¬5) قوله: (من) ساقط من (ح). (¬6) في (ب) و (ح) و (ق 10): (للسيد)، وانظر: المدونة: 2/ 320.

واختلف إذا كان مضرًا به، فقال ابن القاسم: للسيد أن يمنعه (¬1)، وقال ابن الماجشون وأصبغ وابن شهاب ويحيى بن سعيد في كتاب ابن حبيب: ليس له أن يمنعه (¬2). واختلف بعد القول إن له منعه إذا منعه من الصوم وأذن له في (¬3) الإطعام، فقال محمد: يجزئه. وأصوب ذلك أن يكفر بالصيام، وقيل: لا يجزئه الإطعام، وهو (¬4) قادر على الصيام. واختلف إذا كان عاجزًا عن الصوم وأذن له في الإطعام، فقال ابن القاسم: يجزئه (¬5). وقال ابن الماجشون في المبسوط: لا يجزئه؛ لأن الصدقة إنما تخرج إلى من يعطاها، وفيها ملك السيد بعد ما أذن (¬6)، ولو شاء رجع فيها، وقول ابن القاسم في منع الصوم إذا كان مضرًا به أحسن؛ لأن العبد أدخل على نفسه ما منعه من الإصابة باختيار منه، فليس له أن يَحُلَّ ذلك بما يضر بسيده، والقول إذا منع من الصوم لأجل الضرر أن يجزئه الإطعام أصوب، بخلاف السفيه يمنع من العتق فإنه لا يجزئه الصوم؛ لأن منع السفيه من العتق لحقّه ونظر له، ومنع العبد من الصوم لحق سيده، والمنع مستحق عليه بالملك، وإذا كان ذلك ملكًا لغيره لم يكن مستطيعًا، وجاز له أن ينتقل إلى الإطعام، وإذا مكّنه السيد ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 485. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 361. (¬3) قوله: (إذا منعه من الصوم وأذن له في) ساقط من (ش 1). (¬4) في (ب) و (ح) و (ف 10): (لأنه). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 320. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 300.

من الإطعام أجزأه؛ لأنه مالك حتى ينتزعه السيد، ولو قدرنا أنه ملك مترقب لم أر للسيد أن يرجع في ذلك الإذن، ولا أن ينتزع الكفارة لما تعلق للعبد فيها من الحقِّ، ولو جاز ذلك لكان القول إنه جائز أحسن؛ لأنَّ أدنى مراتبه أن يكون بمنزلة من أُطعم أو أُعتق عنه، فإن منعه السيد من الصوم والإطعام كان للزوجة أن تقوم بالطلاق لحقها في الإصابة، فإن كان العبد عالمًا أنَّ لسيده منعه من الصوم كان ذلك أبين في الطلاق عليه؛ لأنه أدخل نفسه في المنع مختارًا مع علمه أن جُلَّ ذلك ليس إليه (¬1). ثم يختلف هل تطلق عليه إذا قامت أو بعد أربعة أشهر، ففي السليمانية: إذا حلف بعتق ما يتباعد إلى عشرين سنة ثم وقع عليه ظهار إن كانت عنده رقبة أعتقها، وإن لم تكن عنده فهو كمن لم يجد رقبة. يريد: أنه يجزئه الصوم مثل أحد القولين في السفيه، وعلى القول الآخر لا يجزئه لأنه موسر. والمنع لأجل يمينه لا لعسر، وهو أحسن. ¬

_ (¬1) في (ح): (لسيده).

باب فيمن ظاهر من امرأته ثم طلقها أو كانت الزوجة أمة فاشتراها

باب فيمن ظاهر من امرأته ثم طلقها أو كانت الزوجة أمةً فاشتراها ومن ظاهر من زوجته بغير يمين ثم طلقها ثلاثًا ثم تزوجها بعد زوج عادت على حكم الظهار (¬1)، ولو كانت الزوجة أمة فظاهر منها ثم طلقها ثم اشتراها، أو اشتراها وهي زوجة فانفسخ النكاح بالشراء كانت على حكم الظهار لا تحل حتى ينوي العودة، ثم يكفّر عن ظهاره (¬2). ولو حلف بالظهار فحنث ثم طلق أو اشترى فكذلك يعود على حكم الظهار (¬3)، فإن لم يحنث حتى طلقها ثلاثًا ثم تزوجها بعد زوج لم يكن عليه ظهار، فإن طلقها واحدة ثم ارتجعها أو تزوجها بعد أن (¬4) انقضت العدة لم تسقط يمينه حتى يحنث، وهي عنده، وإن اشتراها بعد طلقة ثم حنث وهي في ملكه لم يكن مظاهرًا؛ لأن العصمة التي حلف فيها زالت، وعكسه أن يحلف بظهار أمته فلم يحنث حتى باعها ثم تزوجها ثم حنث وهي زوجة له لم يلزمه ظهار؛ لأنَّ الملك الذي حلف فيه قد ذهب، ولا يضاف ملك إلى نكاح أيهما تقدم، وإن حلف وهي في ملك له ثم باعها ثم عادت إليه بمِلك، فإن عادت إليه بميراث ثم حنث لم يكن مظاهرًا، وإن عادت بشراء جرى على قولين، فقول مالك وابن القاسم يكون مظاهرًا، وكأنه مِلك واحد (¬5)، وعلى قول ابن ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 331، 349. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 314، 315. (¬3) انظر: المدوتة: 2/ 349. (¬4) قوله: (بعد أن) يقابله في (ح): (ثم). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 126. والمدونة: 2/ 393.

بكير لا يكون مظاهرًا، فإن كان نكاحان وبينهما ملك حلف وهي زوجة فلم يحنث حتى طلق ثم اشتراها ثم باعها ثم تزوجها- عادت على العصمة الأولى، فإن حنث كان مظاهرًا، وإن كانا ملكين بينهما نكاح لم يبن ملك الثاني على الأول؛ لأن النكاح الذي بينهما صحيح البيع الأول، ورفع التهمة، ويصير كالميراث؛ لأنه إذا حلف ثم باع ثم اشترى اتهم أن يكون أظهر البيع وكانت ذريعة. وإذا تزوجها بعد البيع لم يسقط حكم النكاح، وإذا صح النكاح ارتفعت التهمة من البيع الأول، وإن حلف وهي زوجة ثم اشتراها فانفسخ النكاح ثم باعها ثم تزوجها ثم (¬1) حنث لم يكن مظاهرًا؛ لأن العصمة الأولى زالت، وهذا نكاح مبتدأ بمنزلة من قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، ثم اشتراها فانفسخ النكاح، ثم باعها ثم تزوجها ثم دخل (¬2) - لم يطلق عليه؛ لأن العصمة التي حلف بها زالت، وهذا نكاح مبتدأ ولم يحنث بالطلاق وأوقع عليها طلقة إن كان قد بقي له فيها تطليقتان. ¬

_ (¬1) قوله: (ثم) ساقط من (ح). (¬2) قوله: (ثم دخل) ساقط من (ش 1).

باب في عودة المظاهر وبماذا يكون عائدا

باب في عودة المظاهر وبماذا يكون عائدًا واختلف في الكفارة هل تجب بالعودة أو تصح ولا تجب؟ واختلف في العودة ما هي؟ فقال في المدونة: العودة إرادة الوطء والإجماع عليه (¬1)، وقال مرة: الوطء نفسه (¬2)، وقال أيضًا: الإجماع على الإمساك والوطء (¬3)، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف والطحاوي: إذا وطئها قبل الكفارة ثم مات أو ماتت فلا كفارة عليه، وإن كان قد أتى محرمًا في وطئها قبل الكفارة، وكذلك لو وطئها مرارًا، ولا يجوز أن يطأ إلا بعد الكفارة، وذكره ابن القصار عن الليث، وقال الشافعي: هو أن يمسكها بعد القدرة على طلاقها، وقال داود: إعادة القول (¬4). وقال مجاهد والثوري: تجب الكفارة بمجرد القول بالظهار (¬5). ووجه هذا القول أن يقول: إن الظهار محرم بعد نزول الآية، فقد عفا الله عزَّ وجلَّ عمن قال ذلك قبل تحريمه، فمن تعدى وعاد فقال ذلك بعد العلم بأنه محرم كانت عليه الكفارة عن ذلك القول الذي هو منكر وزور، ووجه القول أنه يعود بإعادة القول أنه عفا الله عمن (¬6) قال ذلك مرة، فإن عاد فقال ذلك مرة أخرى كانت الكفارة (¬7)، وذهب مالك إلى أن الكفارة ليست للقول، ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 321. (¬2) انظر: التفريع: 2/ 38. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 297. (¬4) انظر: عيون المجالس: 3/ 1272 و 1273. (¬5) في (ب): (بمجرد الظهار)، وانظر: عيون المجالس: 3/ 1269. (¬6) هنا نهاية السقط من (ق 10). (¬7) قوله: (عن ذلك القول الذي هو منكر وزور. . . الكفارة) ساقط من (ش 1).

وإنما هي لمضمونه، والمراد به، وقد كان المراد به في أول الإسلام الطلاق، فالعودة أن ينوي الإمساك، ورأى (¬1) مرة أنَّ المراد به بعد نزول الآية تحريم الوطء مع (¬2) بقاء العصمة، فالعودة أن ينوي الرجوع إلى الوطء، وتردد الأمر عنده مرة، هل المراد بالظهار ما كان في أول الإسلام، وهو الطلاق أو تحريم الوطء، فأمره أن يجمع على الوجهين جميعًا الإمساك والوطء (¬3). فعلى القول إن العودة الوطء تكون الكفارة قبل ذلك تبيح الوطء، ولا تجب بمنزلة من أراد أن يصلي نفلًا، فإنه يقال له: أنت متطوع ويجب عليك إذا أردت ذلك أن تقدم قبله طهارة، فإن انثنى عزمه لم تجب عليه صلاة ولا طهارة، فكذلك المظاهر ليست الإصابة واجبة، فإن أراد ذلك وجب عليه أن يقدم الكفارة، فإن انثنى عزمه لم يكن عليه شيء، ورأى مرة أنه لا تجب بالنية حتى يعزم؛ لأنَّ كثيرًا ما تكون النية على وجه التدبير، وما يؤامر المرء به نفسه. ¬

_ (¬1) في (ق 10): (وروى). (¬2) في (ش 1): (بعد). (¬3) انظر: الموطأ: 2/ 559، والمدونة: 2/ 321، والتفريع: 1/ 605، والنوادر والزيادات: 5/ 297.

باب فيمن ظاهر من أمته ولا مال له غيرها أو يملك نصف عبد هل يجزئه الصوم؟

باب فيمن ظاهر من أمته ولا مال له غيرها أو يملك نصف عبد هل يجزئه الصوم؟ وقال مالك فيمن ظاهر من أمته: ولا شيء له غيرها لم يجزئه الصوم وهي تجزئه إن أعتقها عن ظهاره، فإن تزوجها حلت له (¬1). قال الشيخ -رحمه الله-: يجزئه (¬2) عتقها على القول إن العودة العزم على الإمساك، وإنه إن طلق بعد (¬3) ذلك أو مات لم تسقط عنه الكفارة، ويجزئه أيضًا على القول إنه إذا ابتدأ الكفارة والزوجة في العصمة وأتمها بعد انقضاء العدة إنها تجزئه، وهو قول ابن نافع (¬4)، ولا تجزئه على القول إن من شرطها أن تكون في موضع يستبيح به الإصابة؛ لأنَّ عتقها خلاف العزم على الإصابة، فلا يجزئه العتق لهذا الوجه، ولا يجزئه الصوم؛ لأنه مالك لرقبته، ولو ظاهر عن أمِّ ولده أو مدبرته ولا شيء له غيره لأجزأه الصوم؛ لأنَّ العتق فيهما وضع خدمة أو إسقاط حق في إصابته، ومن كان له دار يسكنها، ولا فضل فيها لم يجزئه الصوم ولا الإطعام إن كان عاجزًا عن الصوم. وقال ابن القاسم: فيمن أعتق نصف عبد -يريد: ولا شيء له غيره (¬5) - وصام شهرًا لم يجزئه، وإن أعتق نصف عبد وأطعم ثلاثين مسكينًا أو صام ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 322. (¬2) قوله: (يجزئه) ساقط من (ح). (¬3) في (ش 1): (قبل). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 331. (¬5) في (ق 10): (سواه).

شهرًا وأطعم ثلاثين مسكينًا لم يجزئه (¬1). واختلف قوله في كفارة اليمين بالله هل يجوز له أن يجمع بين الكسوة والإطعام فيطعم خمسة ويكسو خمسة؟ فمنع ذلك في كتاب النذور (¬2)، وأجازه في كتاب محمد (¬3)، وهو أحسن؛ لأن كل واحد منهما يسد مسد الآخر مع الاختيار. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 322. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 598. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 22.

باب في صفة الكفارة عن الظهار

باب في صفة الكفارة عن الظهار كفارة الظهار ثلاثة أصناف: تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا، حسب ما ورد به القرآن (¬1). والعتق يصح بأربعة شروط: أن تكون الرقبة مؤمنة سالمة من العيوب التي لها قدرٌ وبالٌ، ليس فيها عقد حرية، ويصح للمكفر ملكها بعد الشراء، وقبل العتق (¬2)، فهذه جملة متفق عليها، فإن انخرم شيء من ذلك لم يجزئ، وفي بعضها اختلاف، والكافر (¬3) على ضربين: كتابي كبير قد عقل دينه، فذلك غير جائز؛ لأنَّ الله عزَّ وجلَّ شرط في العتق على القتل مؤمنة (¬4)، وإذا كان مطلق ومقيد من جنس واحد رُدَّ المطلق إلى المقيد، وقد أفهمنا الله عزَّ وجلَّ آنه لا يتقرب إليه في الواجب بعتق أعدائه أو من يجعل له زوجة وولدًا تعالى الله عن قولهم علوًا كبيرًا لا إله غيره ولم يتخذ صاحبة ولا ولدًا (¬5). واختلف إذا كان ممن يجبر على الإسلام كالمجوسي صغيرًا كان أو كبيرًا أو ممن لا يعقل دينه من أهل الكتاب، فقال مالك في الأعجمي: غيره أحب إليَّ ¬

_ (¬1) انظر: التفريع: 2/ 39. (¬2) انظر: التفريع: 2/ 39. (¬3) في (ق 10): (والكتابي). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 328. (¬5) قوله: (تعالى الله عن قولهم. . . صاحبة ولا ولدًا) زيادة في (ح).

منه وإن لم يجد غيره أجزأه (¬1). وقال ابن وهب وأشهب: لا يجزئه (¬2)، واستشهد بحديث السوداء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر بعتقها إلا بعد معرفة أنها مسلمة (¬3)، وهو أحسن إذا كان بالغًا أو غير بالغ إلا أنه يعقل دينه؛ لأنه في حين العتق كافر، وليس جبره على الإسلام في المستقبل، وإسلامه مما يخرجه عن أن يكون وقت العتق كافرًا، وإن لم يعقل دينه أجزأه لأنه ليس بكافر. واختلف في الكتابي الصغير، فقال ابن القاسم: يجزئه. وعلى قول ابن وهب وأشهب: لا يجزئه (¬4). وقال أبو مصعب: من ولد من النصارى مملوكًا للمسلمين فهو على فطرة الإسلام (¬5). وقال ابن حبيب: إن ولد في ملك المسلمين لم يجبر، وإن سبي وليس معه أبوه فهو كصغير المجوس (¬6). وهذا عكس ما قاله أبو مصعب. وحكي عن مالك أنه قال (¬7): إن أعتق عن واجب بحدثان ملكه لم يجزئه ولم ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 329. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 23. (¬3) أخرجه مالك في الموطأ برقم: 2/ 777، في باب ما يجوز من العتق في الرقاب الواجبة، من كتاب العتق والولاء، برقم (1469)، وأحمد في المسند: 2/ 451، في حديث رجل من الأنصار برقم (15781)، ولفظ الموطأ: (أن رجلا من الأنصار جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجارية له سوداء فقال: يا رسول الله إن علي رقبة مؤمنة، فإن كنت تراها مؤمنة أعتقها. فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أتشهدين أن لا إله إلا الله؟ " قالت: نعم. قال: "أتشهدين أن محمدًا رسول الله؟ " قالت: نعم. قال: "أتوقنين بالبعث بعد الموت؟ " قالت: نعم. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أعتقها"). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 23. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 215. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 602. (¬7) قوله: (قال) ساقط من (ش 1).

يصلَّ عليه، وإن ارتفع عن حدثانه (¬1) ذلك وفوره، وقد تشرّع (¬2) بشريعة الإسلام وزياه بزينة (¬3) الإسلام، وإن لم يبلغ الفهم أجزأه عتقه عن الواجب، ويصلي عليه (¬4). وقال ابن الماجشون: إن لم يكن معه أبواه (¬5) في الابتياع ولم ينته أن يتدين بدين (¬6)، وابتاعه مسلم فله حكم المسلمين في العتق، والصلاة، والموارثة، والقود، والمعاقلة (¬7). قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما من كان صغيرًا وليس معه أبوه، فالأمر فيه بين (¬8) أن يجزئه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنْصِرَانِهِ" (¬9)، فأخبر أنه على غير اليهودية ولا النصرانية حتى يهود وينصر. وكذلك أرى إذا كان الأب عبدًا والأم أمة، وإنما يكون له حكم الأب إذا كان ¬

_ (¬1) في (ق 10): (حداثة). (¬2) قوله (تشرع) يقابله في ش (شرع). (¬3) في (ب) و (ق 10): (بزي). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 601. (¬5) في (ش 1): (أبوه). (¬6) قوله: (بدين) زيادة في (ح). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 599. (¬8) قوله: (بين) ساقط من (ش 1). (¬9) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 456، في باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه، وهل يعرض على الصبي الإسلام، من كتاب الجنائز في صحيحه، برقم (1293)، ومسلم: 4/ 2047، في باب معنى كل مولود يولد على الفطرة، وحكم موت أطفال الكفار وأطفال المسلمين، من كتاب القدر، برقم (2658)، ومالك في الموطأ: 1/ 241، في باب جامع الجنائز، من كتاب الجنائز، برقم (571).

فصل [فيما يمنع الإجزاء من العيوب في العبيد وما لا يمنع]

للأب ذمة، وذلك إنما يصح في الحُر، فإذا كان الأب مسبيًا فليس له أن يقول: ليس لكم أن تعلموه غير ديني؛ لأنه لا ذمة له، فيطالب بالوفاء بها، وكذلك من ولد في ملك مسلم، كل هؤلاء يجزئه إذا لم يعقل دينًا؛ لأنه ليس بكافر، ولا في حكم الكافر، ولو تزوج عبد نصراني أمة نصرانية لم يكن له مقال في دين ولده إذا كانت الأم ملكًا لمسلم، وكذلك إذا كان الأب حرًا، والأم أمة، وهو ظاهر قول أبي مصعب، وإنما تنعقد له الذمة في (¬1) ولده إذا كان الأبوان حرين. فصل [فيما يمنع الإجزاء من العيوب في العبيد وما لا يمنع] والعيوب خمسة: عيب يمنع العبدَ السعيَ والقيامَ بنفسه؛ لأنها زمانة أو في معنى الزمانة لما تعطل من الانتفاع بنفسه (¬2)، فذلك غير جائز كالعمى والقعد وزوال العقل (¬3) والفالج، وإن كان ببعض الجسد كالشلل وقطع اليد والأصابع وما أشبه ذلك مما يعطل اليد أو يضعفها (¬4) أو يفسد استعمالها. وعيب لا يمنع السعي وهو يسير، ولا يخشى تناميه، فذلك جائز كالمرض الخفيف وقطع الأنملة والجذع من الأذن، وذهاب بعض (¬5) الأسنان والصمم الخفيف، والعرج الخفيف (¬6). وعيب يسير شأنه التنامي لجميع الجسد كبداية الجذام والبرص، فاختلف ¬

_ (¬1) من هنا يبدأ سقط من (ق 10) بمقدار لوحة. (¬2) قوله: (بنفسه) ساقط من (ح). (¬3) قوله: (كالعمى والقعد وزوال العقل) يقابله في (ح): (كالأعمى والمقعد). (¬4) في (ح): (يبطل اليد أو بعضها). (¬5) قوله: (بعض) ساقط من (ح). (¬6) قوله: (وقطع الأنملة. . . والعرج الخفيف) ساقط من (ش 1).

هل يجزئ أم لا؟ فقال ابن القاسم في الجذام والبرص (¬1): لا يجزئه جملة، ولم يفرق بين قليله وكثيره، وقال أشهب في البرص الخفيف: يجزئ (¬2). وراعى حالة العبد وقت العتق، وإن كان مما (¬3) يتنامى بعد ذلك، وعلى هذا يجزئ إذا كان في بداية الجذام، ويقاس عليه من كان به بداية السل وشبهه. وعيب كثير يعم الجسد كالجذام والبرص فهو غير جائز، وإن لم يمنعه السعي، وقاله ابن حبيب في السل (¬4)، والمراد (¬5) أنه لا يجزئ. وعيب كثير يخص بعض الجسد ولا يؤثر في العجز عن السعي ولا يخشى تناميه كالعور والصمم والعرج والخصاء، فاختلف هل يجزئه أم لا؟ لأن له قدرًا، ولا يمنعه من السعي، فقال في المدونة في العور: يجزئ (¬6). وقال في كتاب محمد: لا يجزئ (¬7)، والعور شين كثير (¬8) أذهب عضوًا شريفًا مقدرًا من الحر بنصف الدية إلا أنه لا ينقص من السعي، وقال في الصمم والعرج البين: لا يجزئ (¬9). وقال أشهب في كتاب محمد: يجزئ (¬10). ¬

_ (¬1) قوله: (فاختلف هل يجزئ أم لا؟ فقال ابن القاسم في الجذام والبرص) ساقط من (ش 1). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 23. (¬3) في (ش 1): (وإن كان لا). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 23. (¬5) قوله: (والمراد) ساقط من (ش 1). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 328. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 505. (¬8) في (ش 1): (عيب كبير). (¬9) انظر: المدونة: 2/ 328. (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 505.

وفي الخصاء ثلاثة أقوال: فكرهه في المدونة (¬1)، وقال أيضًا: لا يجزئ، ولو كان خصيًا غير مجبوب ما أجزأ، وقال أشهب في كتاب محمد: يجزئ (¬2) الخصي (¬3). ويختلف في الأخرس والذاهب الأسنان وأشراف الأذنين. فقال ابن القاسم: لا يجزئ (¬4)، وعلى قول أشهب يجزئ لأنه عيب يختص ببعض الجسم ويؤمن تناميه، ولا يمنع السعي، وقد قال في الصمم إنه يجزئ، وذهاب أشراف الأذنين أخف. واختلف في المجنون، فقال مالك وابن القاسم: لا يجزئ (¬5). وقال أشهب في كتاب محمد: إن كان يجن في كل شهر مرة يجزئ، ورأى أن القدر الذي يجن فيه يسير في جنب الصحة؛ لأنه جزء من ثلاثين إن كان يجن يومًا وليلة، أو جزء من ستين إن كان يجن أحد الزمانين وما أبعد في القول. واختلف في المريض، فقال محمد: يجزئ ما لم ينازع (¬6). وفي المدونة في الأبرص يجزئ إذا كان خفيفًا ولم يكن مرضًا (¬7)، فرأى أنَّ المريض يمنع الإجزاء. يريد إذا كان بيّنًا، ولا يجزئ المقطوع الأصبعين واختلف في الأصبع ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 327. (¬2) قوله: (وفي الخصاء ثلاثة أقوال. . . في كتاب محمد: يجزئ) ساقط من (ش 1). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 505. (¬4) انظر: المدونة: 2/ 327. (¬5) انظر: المدونة: 2/ 327. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 505. (¬7) انظر: المدونة: 2/ 327.

الواحد (¬1)، فقال ابن القاسم: لا يجزئ (¬2). وقال غيره: يجزئ (¬3). وقال ابن الماجشون في كتاب محمد: يجزئ، وإن كانت الإبهام (¬4) وليس بالبين، وإن كان الخنصر وما والاه رأيت أنه يجزئ. قال الشيخ - رضي الله عنه -: الأصابع مختلفة المنفعة، فإن كان الذاهب قد أذهب معظم الانتفاع باليد أو كثيرًا منها لم يجزئ، وإن كان معظم الانتفاع قائمًا أجزأ، وأما (¬5) الأصبعان من يد أو رجل فهو يوهنها ويقبح شأنها (¬6) فلا يجزئ، ولو كان أحدهما من يد والآخر من رجل أجزأه (¬7) فوجه منع الإجزاء إذا كان العيب له قدر وَبَالٌ (¬8) ولا يمنع السعي قياسًا على الهدايا والضحايا؛ لأن جميعها قرب يتقرب بها إلى الله تعالى، ولا يتقرب إليه بمعيب، ووجه الإجزاء أنَّ المقصود من بني آدم الدين والصلاح ولا يلزم على هذا أن يجزئ ذاهب اليد ولا الرجل، ولا ما أشبه ذلك (¬9)؛ لأنه معتق لبعض عبد. ¬

_ (¬1) قوله: (الواحد) ساقط من (ح). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 327. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 328. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 23. (¬5) قوله: (قال الشيخ - رضي الله عنه -. . . الانتفاع قائمًا أجزأ، وأما) ساقط من (ح). (¬6) في (ح) و (ق 10): (شينها). (¬7) قوله: (أجزأه) يقابله في (ب): (أو يد أخرى وكل واحد). (¬8) قوله: (وَبَالٌ) ساقط من (ح) و (ش 1). (¬9) قوله: (ولا ما أشبه ذلك) ساقط من (ح).

فصل [فيمن أعتق بحكم]

فصل [فيمن أُعتق بحكم] عتق من فيه عقد حرية ولم يتم كأم الولد والمعتق إلى أجل والمعتق بعضه غير جائز، كان ذلك ملكًا للمعتق أو لغيره، وكذلك المدبر والمكاتب إذا كان المعتق هو الذي (¬1) عقد التدبير والكتابة؛ لأنه وضع خدمة أو وضع مال (¬2). واختلف إذا اشتراهما فأعتقهما فقيل: العتق مردود، ولا يجزئ، وقيل: العتق ماضٍ، ولا يجزئ؛ لأنه عتق مختلف فيه، فيمضي ولا تبرأ الذمة به، وقيل: يمضي العتق ويجزئ، وأرى أن يجزئ المكاتب إن بيعت رقبته برضاه؛ لأن رضاه بذلك تعجيز (¬3) منه لنفسه، ولا يجوز أن يبيع بغير رضاه؛ لأنه على كتابته وعتقه وضع مال، ويجزئ المدبر لقوة الخلاف فيه، وللحديث أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - باع مدبرًا (¬4). واختلف فيمن له شرك (¬5) في عبد فأعتق جميعه وهو موسر، فقال ابن القاسم في كتاب محمد: يجزئه، وعليه نصف قيمته. قال: وذلك لأنَّه ليس لشريكه أن يأبى ذلك. وقال أصبغ: لا يعجبني (¬6)، وقال ابن القاسم في المدونة: من أعتق نصفه ثم اشترى النصف فأعتقه عن ظهاره لم يجزئه إذا كان ¬

_ (¬1) قوله: (الذي) ساقط من (ش 1). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 596. (¬3) في (ح) و (ش 1): (لأن ذلك تعجيز). (¬4) أخرجه البخاري معلقا: 6/ 2627، في باب بيع الإمام على الناس أموالهم وضياعهم، من كتاب الأحكام في صحيحه، قبل حديث رقم (6763). (¬5) في (ح): (شركاء). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 303.

حين العتق معسرًا، قال: وحيث إنه لو (¬1) كان (¬2) موسرًا وقوَّم عليه؛ لأنه قوَّم عليه بحكم (¬3)، وقال في العتبية: إذا أعتق نصفه عن ظهاره ثم أعتق النصف الثاني عن ذلك الظهار أجزأه، وإن لم يعتقه فرفع إلى السلطان خبره، فإن أعتقه أجزأه وإلا أعتِقه عليه (¬4) السلطان (¬5). وهذا اختلاف قول. ولا فرق بين أن يكون جميعه له أو يكون شركة بينه وبين غيره فلا يجزئه على ما قال في المدونة (¬6)؛ لأنه عتق بحكم، وقال ابن الماجشون وأصبغ: لا يجزئه وإن كان جميعه له (¬7) فراعى ابن القاسم الخلاف لقول من قال: إن الاستكمال مع اليسر مندوب إليه، ويلزم على قوله أن يجزئ، وإن كان شركة بينه وبين آخر وقوّم عليه نصيب شريكه، وكذلك إذا كان معسرًا فأيسر ثم اشترى النصف الآخر، وأعتقه عن ظهاره فيجزئه وهو في هذا أبين من الموسر؛ لأن عتقه إذا أيسر فاشتراه باختيار منه (¬8)، وفي اليسر المتقدم بالجبر، وأمَّا إن أعتق جميعه فأرى أن يخير الشريك فإن أجاز عتقه مضى بالقيمة يوم كان أعتق وأجزأه، وإن ردَّ الشريك عتق نصيبه وأعتق بالحكم يوم يقام عليه لم يجزئه على قوله في المدونة. ¬

_ (¬1) قوله: (قال: وحيث إنه لو) يقابله في (ش 1): (أو). (¬2) قوله: (قال: وحيث إنه لو كان) ساقط من (ح). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 326. (¬4) في (ح): (عنه). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 189. (¬6) قوله: (على ما قال في المدونة) ساقط من (ح). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 303. (¬8) في (ش 1): (لأنه عتقه بعد ذلك إذا أيسر فاشتراه بخيار منه).

فصل [فيمن قال: إن اشتريت فلانا فهو حر فاشتراه وأعتقه عن ظهاره]

فصل [فيمن قال: إن اشتريت فلانا فهو حر فاشتراه وأعتقه عن ظهاره] وإن قال: إن اشتريت فلانًا فهو حر، فاشتراه وأعتقه (¬1) عن ظهاره- لم يجزئه (¬2)، وقال محمد: فإن قال: إن اشتريته فهو حر عن ظهاري أجزأه (¬3). فإن اشترى أباه فأعتقه عن ظهاره أو نوى ذلك قبل الشراء لم يجزئه؛ لأنه معتق عليه بنفس الشراء، فإن كان عليه دين فأذن له غرماؤه أن يشتريه ويعتقه عن ظهاره- أجزأه، وكذلك إذا اشتراه (¬4) بغير إذنهم، فأذنوا له أن يعتقه عن ظهاره؛ لأن الدَّين يمنع من عتقه، (¬5) فإذا صحَّ ألا يعتق وأن يباع (¬6) للغرماء- صحَّ إذنهم في عتقه عن الواجب. وإن أعتقه عنه أجنبي بغير أمره أجزأه على قول ابن القاسم (¬7)، وأبوه وغيره في ذلك سواء؛ لأنه لم يملكه ولم يعتق عليه، ويختلف إذا كان بأمره، فقيل في هذا: الأصل كأنَّه ملكه لما كان بأمره، فلا يجزئه. وقيل: يجزئه؛ لأنه لم يملكه. وقد اختلف فيمن زوج عبده ثم أعتق السيد ذلك العبد عن زوجته ¬

_ (¬1) قوله: (وأعتقه) ساقط من (ب) و (ش 1). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 326. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 303. (¬4) في (ح): (من اشتراه)، وفي (ش 1): (وإن اشتراه). (¬5) إلى هنا انتهى السقط من (ق 10). (¬6) في (ب): (ألا يباع). (¬7) انظر: المدونة: 1/ 597.

بأمرها، هل ينفسخ ذلك (¬1) النكاح، ويكون ذلك ملكًا منها له قبل العتق أو لا ينفسخ؟ قال محمد: ولو اشتراه وصي فأعتقه لأجزأه عن الميت من رقبة واجبة أوصى بها، ما لم يكن الميت هو الذي أوصى بشرائها؛ لأنه لو اشتراه (¬2) هو نفسه لم يجزئه، وليس هذا بالبين، وأرى أن يجزئه؛ لأنه لا يعتق على ميت، وليس (¬3) بمنزلة ما لو اشتراه هو قبل موته. ولو قال: اشتروه ليخلص من ملك فلان، لإساءته إليه، ولا تعتقوه- لم يعتق؛ لأنه لا يعتق على ميت، وإذا جاز أن يبقى رقيقًا صحَّ أن يوصي بأن يعتق عن ظهاره. واختلف إذا صحت العودة من المظاهر ثم كفر عنه غيره، فقيل: تجزئه الكفارة كانت بأمره أو بغير أمره. وقيل: إن كانت بأمره أجزأته، وإن كانت بغير أمره لم تجزئه. وقال أشهب في كتاب محمد: لا تجزئه، وإن كانت بأمره، وقال ابن القاسم فيمن أعطته زوجته رقبة يعتقها عن ظهاره منها لم يجزئه إذا كانت العطية بشرط (¬4) أن يعتقها (¬5)، والأول أصوب، لحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: دخل علينا رجل (¬6) ونحن بمنى بلحم بقر (¬7)، فقلنا: ما هذا؟ فقالوا: ذَبَحَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) قوله: (ذلك) زيادة في (ب). (¬2) قوله: (وصي فأعتقه. . . لأنه لو اشتراه) ساقط من (ش 1). (¬3) في (ش 1): (وهو). (¬4) في (ق 10): (إذا أعطته بشرط). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 304. (¬6) قوله: (رجل) زيادة في (ق 10). وفي (ح): (رسول الله). (¬7) قوله: (بقر) ساقط من (ق 10).

عن أزواجه البقر (¬1). وكنا قد تمتعن، فذبح (¬2) عنهنَّ عن المتعة بغير أمرهنَّ. ولحديث ابن عباس قال: قال رجل: يا رسول الله، إنَّ أختي نذرت أن تحج، وإنها ماتت أفأحج عنها؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ؟ " قال: نعم، قال: "فَاقْضِ دَيْنَ اللهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِالقَضَاءِ". أخرجه البخاري (¬3). فجعل فعله قضاء، وإن كان بغير وكالة، واختلف إذا اشترى عبدًا بشرط العتق ليعتقه عن ظهاره، فقال مالك وابن القاسم (¬4) في المدونة: لا يشترى بشرط العتق؛ لأنها ليست برقبة تامة، وفيها شرط يضع من ثمنها (¬5). وقال ابن كنانة في شرح ابن مزين: إن كان جاهلًا لم يؤمر بالإعادة. وقال ابن القَاسم: إن كان عالمًا أن ذلك لا ينبغي له لم يجزئه، وإن كان لا وضيعة في ثمنها، وإن كان جاهلًا ولا وضيعة في ثمنها أجزأه، وإن كان فيه وضيعة لم يجزئه (¬6). وقال ابن القصار فيمن قال لرجلٍ: أعتق عبدك عني عن كفارتي، ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 614، في باب ما يأكل من البُدْن وما يتصدق، من كتاب الحج في صحيحه، برقم (1633)، ومسلم: 2/ 870: في باب بيان وجوه الإحرام وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع والقران، من كتاب الحج، برقم (1211)، ومالك في الموطأ: 1/ 393، في باب ما جاء في النحر في الحج، من كتاب الحج، برقم (881). (¬2) قوله: (فذبح) يقابله في (ح): (فأجزأ ذلك)، وفي (ش 1): (فهدى). (¬3) قوله: (أخرجه البخاري) ساقط من (ح). والحديث أخرجه البخاري: 6/ 2464، في باب من مات وعليه نذر، من كتاب الأيمان والنذور في صحيحه، برقم (6321). (¬4) قوله: (وابن القاسم) ساقط من (ق 10). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 597. (¬6) قوله: (وإن كان فيه وضيعة لم يجزئه) ساقط من (ح).

فأعتقه- أجزأه (¬1)، وسواءٌ كان بجعل جعله له مثل أن يقول: أعتقه عني ولك ألف درهم (¬2)، أو بغير جعلٍ الجميع (¬3) جائز. وهذا أصوب (¬4) على أصل ابن القاسم؛ لأنَّه إذا أجزأ، وهو كله هبة بغير عوض، فأحرى (¬5) إذا كان بيعًا ولم يكن في الثمن وضيعة، وأحرى (¬6) إذا اجتمع فيه هبة وبيع، فالمحاباة هبة، والبيع ما سواها، ومن أعتق عبده عن ظهاره على مال فإن كان المال (¬7) في يدي العبد جاز؛ لأنَّه انتزاع (¬8)، وكذلك إن أعتقه على أن يؤخره به إلى أجل جاز؛ لأنه كان قادرًا (¬9) على أن ينتزعه (¬10)، فتركه في يديه، وتأخيره به معروف من السيد، وزيادة خير (¬11) وإن كان العبد معسرًا بالمال لم يجز؛ لأنَّ تلك المبايعة باعه نفسه بما جعل عليه، ولا يصح أن يبيعه نفسه ويعتقه (¬12) عن ظهاره، ولو وضع عنه المال بعد ذلك لم يجزئه؛ لأن العتق يَرِد على وجه المبايعة. ¬

_ (¬1) انظر: عيون المجالس: 3/ 1001. (¬2) قوله: (درهم) زيادة في (ق 10). (¬3) قوله: (الجميع) ساقط من (ح). (¬4) في (ح): (صواب). (¬5) في (ب) و (ح) و (ق 10): (وأجزأ). (¬6) في (ب) و (ح) و (ق 10): (أجزأ). (¬7) قوله: (فإن كان المال) ساقط من (ق 10). (¬8) قوله: (لأنَّه انتزاع) يقابله في (ق 10): (فنزعه منه). (¬9) في (ب) و (ح) و (ق 10): (لأنه قادر). (¬10) قوله: (على أن يؤخره به إلى أجل جاز؛ لأنه قادر على أن ينتزعه) يقابله في (ق 10): (على مال يجعله عليه يتبعه به في ذمته وفي يديه مثله لأنه كان قادرًا على أن يأخذه منه). (¬11) قوله: (وزيادة خير) زيادة في (ق 10). (¬12) في (ح): (ويجعله).

باب في صيام المظاهر ومن لا يتابع صومه اختيارا أو لمرض أو نسيان

باب في صيام المظاهر ومن لا يتابع صومه اختيارًا أو لمرض أو نسيان الصوم عن الظهار شهران متتابعان حسب ما ذكر الله سبحانه (¬1) في كتابه، فمن أتى به متفرقًا متعمدًا لم يجزئه، وإن كانت التفرقة عن مرض أجزأه. واختلف إذا كانت عن نسيان أو خطأ في العدد أو جهل بالحكم فقال في كتاب محمد في النسيان: لا يجزئه. وعلى هذا لا يجزئه إن كانت التفرقة عن جهل، وقال مالك في المدونة فيمن صام ذا القعدة وذا الحجة جاهلًا يظن أنه يجزئه، قال: يجزئه (¬2)، وعلى هذا يجزئ الناسي، ومن أخطأ العدد فداخل في الناسي. وقال محمد بن عبد الحكم: المرض والنسيان سواء يجزئه. قال: لأنَّ كل ذلك من أمر الله تعالى، لا يستطيع العبد دفعه، وهو أبين، لقول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "حُمِلَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتكْرِهُوا عَلَيْهِ" (¬3). فسوَّى بين النسيان والاستكراه، والاستكراه لا يسقط التتابع، وكذلك النسيان، وقياسًا على الصلاة أنه لا خلاف أن الواجب أن يأتي بها متتابعة، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه سلَّم من صلاته (¬4) من ركعتين، ثم قام إلى خشبةٍ ¬

_ (¬1) قوله: (ذكر الله سبحانه) يقابله في (ق 10): (ورد في القرآن). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 330. (¬3) صحيح، أخرجه ابن ماجه في سننه: 1/ 659، في باب طلاق المكره والناسي، من كتاب الطلاق، برقم (2045)، وابن حبان: 16/ 202، في باب فضل الأمة، من كتاب إخباره - صلى الله عليه وسلم - عن مناقب الصحابة في صحيحه، برقم (7219). (¬4) قوله: (من صلاته) زيادة في (ح).

معروضةٍ في المسجدِ، فكلِّم على قصر الصلاة، فكانت منه مراجعة، وفي بعض الروايات أنه دخل إلى بعض حجره (¬1)، ثم بنا على ما تقدم، من صلاته (¬2)، وأما إن جهل فابتدأ الصوم في ذي القعدة وذي الحجة، فالصواب أن يبتدئ، بخلاف الناسي (¬3)؛ لأنَّ هذا متعمد، أو لو جهل رجل أعداد الصلاة وظنَّ أن الظهر ركعتان، فصلاها على ذلك (¬4) فلما سلَّم وتكلم أُعْلِمَ أنها (¬5) أربع- لم يجزئه أن يبني على ما صلى أربعًا (¬6). ولو ابتدأ صيامه في شوال، ثم مرض ذا القعدة، ثم صح ذا الحجة- أجزأه أن يبني على ما تقدم؛ لأن المرض أخره إلى ذي الحجة. وقال ابن القاسم في العتبية فيمن صام عن ظهارين فواصل أربعة أشهر، ثم ذكر يومين لا يدري من أي ظهاريه، صام يومين يصلهما (¬7)، وأتى بشهرين (¬8). ¬

_ (¬1) قوله: (وفي بعض الروايات أنه دخل إلى بعض حجره) ساقط من (ب) و (ش 1). (¬2) قوله: (من صلاته) زيادة في (ق 10). قلت: والمؤلف يشير إلى حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف من اثنتين، فقال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أصدق ذو اليدين) فقال الناس: نعم فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى ركعتين أخريين ثم سلم، ثم كبير فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع ثم كبير فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع. وقد سبق تخريجه في كتاب الصلاة الأول، ص: 395. (¬3) في (ق 10): (وليس كالناسي). (¬4) قوله: (فصلاها على ذلك) زيادة في (ق 10). (¬5) في (ق 10): (أن الظهر). (¬6) قوله: (أربعًا) ساقط من (ب) و (ش 1). (¬7) قوله: (يصلهما) ساقط من (ش 1). (¬8) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 193. والنوادر والزيادات: 2/ 60.

وقال عبد الملك بن حبيب (¬1): إن وصل الكفارتين ثم ذكر يومين كان أفطرهما ناسيًا أو خطأ فأقل ما يجزئه (¬2) يوم يصله بالشهرين الأخيرين، ثم يأتي بشهرين؛ لأن أكثر ما عليه أن يكون يوم من آخر الكفارة الأولى، ويوم من أول الثانية (¬3). وقال الشيخ - رضي الله عنه -: إذا ذكر يومًا من أول صومه، وكان قد وصل الصوم (¬4) الأول بالثاني، فعلى أصل عبد الملك- يكون أول يوم من الشهرين الأخيرين تمامًا للأوليين، قياسًا على قوله فيمن سلم من ركعتين من الظهر، ثم أتى بركعتين نفلًا إنها تجزئ عن الظهر؛ لأنه لم يرفض النية الأولى، وإنما أحدث نية ظنًّا منه أنه وفَّى بالأولى، وكذلك هذا أحدث نيةً ظنًّا منه أنه وفىَّ الصوم الأول، فيجزئه الأول، ويكون النقص من الثاني، فإن ذكر في آخر الثاني وَقَبْلَ أن يأخذ في الفطر- أتى بيوم يصله بشهرين وأجزأه. ويختلف إذا ذكر بعد أن أخذ في الفطر هل يأتي بيوم أو يستأنف صومه، على الخلاف في الناسي، وإن كان عين صومه عن كل امرأة صام يومًا عن الأولى، وحلت له، وأمسك عن الثانية، وإن لم يكن عين أمسك عنهما حتى يصلح الآخر، وعلى قول ابن القاسم يكون النقص من الأول، ثم (¬5) يختلف في استئنافه، والقول: إن النسيان لا يسقط التتابع أحسن، وقد تقدم، فلا يكون عليه إلا قضاء يوم، وإن ذكر ذلك اليوم في تضاعيف صومه الثاني- جرت على ¬

_ (¬1) قوله: (بن حبيب) زيادة من (ش 1). (¬2) قوله: (أو خطأ فأقل ما يجزئه) يقابله في (ب) و (ح) و (ش 1): (أو خطأ أجزأه). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 60. (¬4) قوله: (الصوم) زيادة في (ق 10). (¬5) في (ش 1): (لم).

قولين، هل يتم ما هو فيه، ثم يصوم ذلك اليوم الأول، أو يبتدئ بالذي نسي، بمنزلة من ذكر صلاة وهو في صلاة؟ وأرى أن يتم الثاني ثم يقضي الأول، ولو رجع إلى تمام الأول لرأيت أن يرجع إلى تمام الثاني، ولا يستأنفه؛ لأنه لم يتخلل الثاني فِطرٌ (¬1)، وإنما تخلله صوم وقربة لله سبحانه، وفي كتاب ابن حبيب نحو ذلك (¬2) فيمن صام شعبان وشوال أنه يجزئه (¬3)، وإن تخلله رمضان. وفي ثمانية أبي زيد مثل ذلك فيمن نسي ركعة، ثم ذكرها بعد أن تلبس بصلاة، قال: يأتي بما نقص، وإن طالت صلاته الثانية؛ لأنه كان في قربة، بخلاف أن يكون ذلك القدر (¬4) في غير صلاة. فإن قال: لا أدري من أي الصومين ذلك اليوم، وكان قد أخذ في الفطر بعد انقضاء الشهرين الآخرين- استأنف صوم الأربعة الأشهر، على القول: إن النسيان يسقط التتابع (¬5) إذا كان قد عين الصوم عن كل امرأة، وإن لم يكن عين فعلى القول أن النسيان لا يفسد التتابع فإن عين صام يومين، وإن لم يعين صام صومًا ينوي به الباقي في الذمة. ولو قيل فيمن عين: إنه يجزئه يوم، لكان وجهًا؛ لأنه ينوي به الذي أسقطه منهما، وكذلك على القول إنه يفسد بالنسيان، يصح أن يأتي بشهرين، وإن كان ¬

_ (¬1) من هنا يبدأ سقط بمقدار لوحة من (ق 10). (¬2) في (ح): (يجوز ذلك). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 59 و 65. (¬4) ساقط من (ح). (¬5) زاد في (ب) و (ش 1) و (ق 10): (يستأنف صوم أربعة أشهر).

عين وينوي به الذي أفسد منهما. وكل هذا ما لم يصب، فإن وطئ فسد صومه عن إحداهما؛ لأن صومه عن واحدة صحيح، ثم يوقف عنها حتى يكفر كفارة أخرى، ومن أكل في نهاره بعد أن بيت الصوم- قضى يومًا، وواصله بصيامه، وأجزأه، ولم يستأنف؛ لأن بعض أهل العلم قال: إن صوم ذلك اليوم صحيح لا يجب قضاؤه، وقياد المذهب أن يكون بمنزلة من بيّت الفطر؛ لأنه لم يختلف قول مالك وأصحابه إنه صوم فاسد يجب قضاؤه فلا يحتسب به (¬1). وإن وطئ المظاهر الزوجة التي ظاهر منها ناسيًا أو عامدًا في ليل أو نهار في شهري صيامه- بطل صيامه، ووجب استئنافه، لقول الله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} وكذلك إن أطعم بعض المساكين، ثم أصاب؛ فإنه (¬2) يستأنف، ولا يجوز الوطء قبل استكمال الإطعام، كما لم يجز في العتق والصيام؛ لأن الإطعام إن أتى به جملة كان كالعتق، أو متفرقًا كان كالصيام. وقال عبد الملك بن الماجشون في كتابه: إن وطئ قبل أن يتم الإطعام أحب إلي أن يستأنف، وأظنه قال ذلك مراعاة لما قال الثوري إنه يجوز له أن يطأ قبل أن يطعم، وقد اختلف عن الثوري في ذلك (¬3). فإن أصاب غير التي ظاهر منها نهارًا عامدًا بطل، كما لو أكل عامدًا، ويختلف إذا وطئ ناسيًا؛ هل يجزئه، أو يستأنف حسب ما تقدم إذا أكل ناسيًا؟ ¬

_ (¬1) قوله: (إن صوم ذلك اليوم صحيح لا يجب قضاؤه. . . فلا يحتسب به) يقابله في (ح)، (ش 1): (أن ذلك اليوم لا يفسد إذا كان ناسيًا). (¬2) قوله: (فإنه) يقابله في (ش 1): (قبل أن). (¬3) انظر: عيون المجالس: 3/ 1276.

فصل [في عجز المظاهر عن الصوم]

فصل [في عجز المظاهر عن الصوم] عجز المظاهر عن الصوم يبيح الكفارة بالإطعام، وذلك على وجوه: المرض وضعف البنية، والمتعطش الذي لا يستطيع معه الصوم، ويختلف إذا كان في زمن حر، ولو كان في زمن برد لقدر على الصيام، فعلى قول ابن القاسم: لا يجزئه الإطعام، ويصبر حتى يصير إلى زمن البرد فيصوم، قياسًا على المريض يطول به المرض، ولا يجد ما يشتري به رقبة- أنه يصبر حتى يصح، ولا يجزئه الإطعام. وعلى قول أشهب: يجوز له الإطعام، وليس عليه (¬1) أن يصبر إلى زمن البرد، وإن كان في سفر لم تجزئ الكفارة بالإطعام، وسواء ظاهر في السفر، أو الحضر ثم سافر، وهو في ذلك بخلافه في صوم (¬2) رمضان، لقوله سبحانه في المظاهر {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ} [المجادلة: 4]، وهذا مستطيع، وأباح الله عز وجل الفطر في رمضان إذا كان في السفر وإن كان مستطيعًا، وقد ينعكس الجواب في المقيم، فيتوجه الخطاب بصوم زمضان دون المظاهر (¬3)؛ لأن هذا شهر، وهذا شهران، فقد يعجز عن متابعة شهرين، ولا يعجز عن متابعة (¬4) شهر. وأما المريض فهو على أربعة أوجه: قريب البرء، وبعيده، مُؤْيَس (¬5) من البرء، ومشكوك فيه، فإن كان البرء قريبًا، لم يجزئه الإطعام، ويجوز (¬6) ذلك مع ¬

_ (¬1) في (ب): (له). (¬2) قوله: (بخلافه في صوم) يقابله في (ح): (مخالف لصوم). (¬3) في (ب) و (ح) و (ق 10): (الظهار). (¬4) قوله: (متابعة) ساقط من (ح). (¬5) في (ح): (يؤوس). (¬6) في (ح): (يجزئ).

اليأس (¬1). واختلف إذا كان يرجى بَعْدَ بُعْدٍ أو شك فيه، فقال ابن القاسم: لا يجوز له الإطعام. وأجازه أشهب (¬2)، وهو أبين، لقول الله سبحانه: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ} وهذا غير مستطيع، ولا يعترض هذا بقليل المرض؛ لأن القليل (¬3) في معنى العدم، وهذا إذا كان مشكوكًا فيه أبين، وقد أباح الله الصيام لمن لم يجد رقبة، وإن كان مشكوكًا فيه هل يوسر؟ وليس يقطع على الفقير أنه لا يوسر بمثل ذلك، وقد يكون موسرًا ببعض ثمن الرقبة، أو يكون له ثلاثة أرباع رقبة، ولا يملك غيرها فيجوز له الصوم مع رجاء اليسر لذلك القدر الذي عجز عنه. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 332. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 322. (¬3) قوله: (لأن القليل) ساقط من (ح).

باب في قدر الإطعام في الظهار وجنسه ومن يجوز له أن يطعم ومن يجوز له أن يأخذ تلك الكفارة

باب في قدر الإطعام في الظهار وجنسه ومن يجوز له أن يُطْعم ومن يجوز له أن يأخذ تلك الكفارة (¬1) اختلف عن مالك في قدر الإطعام على ثلاثة أقوال، فقال في المدونة: يطعم مدًّا بمد هشام لكل مسكين (¬2). وقال (¬3) في كتاب ابن حبيب: مُدَّين بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬4). قال ابن القصار: مُدًّا بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬5). وقال ابن الماجشون: إن غدَّى وعشى أجزأه وجعله مثل كفارة اليمين بالله تعالى (¬6). وهذا مثل ما عند ابن القصار. واختلف في قدر مد هشام، فقال ابن القاسم في المدونة: هو مدان إلا ثلث بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬7). وقال ابن حبيب: هو مد وثلث. ذكر البغداديون عن معن بن عيسى أنه مدان بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬8). قال الشيخ - رضي الله عنه -: أوجب الله سبحانه ثلاث كفارات: كفارة اليمين بالله تعالى وهي مقيدة بقول الله سبحانه: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89]، وفدية الأذى، وهي مقيدة بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مُدَّانِ ¬

_ (¬1) قوله: (يأخذ تلك الكفارة) يقابله في (ش 1): (يأخذه). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 323. (¬3) قوله: (قال) ساقط من (ش 1). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 307. (¬5) انظر: التلقين: 1/ 75. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 307. (¬7) انظر: المدونة: 2/ 323. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 307.

لِكُلِّ مِسْكِينٍ" (¬1). وكفارة الظهار، وهي مطلقة، فَرَدَّهَا مرة إلى فدية الأذى؛ لأن الزوجة محرمة لما عقد من الظهار، فلا تباح إلا بما لا شك فيه، وهو أعلى الكفارات، وهي فدية الأذى، وَرَدَّهَا مرة إلى كفارة الأيمان؛ لأن الأصل في الذمة البراءة، فلا يلزم إلا ما لا شك فيه، ولم يردَّها في القول الثالث إلى شيء من (¬2) هاتين الكفارتين، وراعى أعلى الشِّبَعِ، ورأى أن يجزئه مدًّا بمد النبي - صلى الله عليه وسلم -، لوجوه: أحدها: أن الأصل براءة الذمة، فلا يلزم إلا ما لا شك فيه. والثاني: إذا كان اثنان مطلق ومقيد (¬3) من جنس، رد المطلق إلى المقيد، وَردُّ الظهارِ إلى كفارة الأيمان أشبه؛ لأنها في معنى اليمين، وفدية الأذى ليست بيمين. والثالث: أنه لم يختلف قوله في العتق عن الظهار: إنه لا يجزئ إلا مؤمن لما كان مقيدًا في آية القتل، فكذلك الإطعام، ومنها أن ذلك مروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَّهُ أَعْطَى المُظَاهِرَ عِذْقًا فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا، وَقَالَ: أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا"، وهذا حديث صحيح ذكره الترمذي في مسنده (¬4). ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه بنحوه البخاري: 2/ 645، في باب الإطعام في الفدية نصف صاع، من أبواب الإحصار وجزاء الصيد في صحيحه برقم (1721) ولفظه: (فصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع)، ومسلم: 2/ 859 , في باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى ووجوب الفدية لحلقه وبيان قدرها، من كتاب الحج، برقم (1201). (¬2) قوله: (شيء من) ساقط من (ش 1). (¬3) في (ش 1): (أنه إذا كان آيتان مطلقة ومقيدة). (¬4) سبق تخريجه, ص: 1701.

فصل [فيما يجزئ في كفارة الظهار من الطعام]

فصل [فيما يجزئ في كفارة الظهار من الطعام] واختلف في الجنس الذي يطعم، فقال في المدونة: من عيش أهل البلد (¬1). وقال في كتاب محمد وابن حبيب: من عيش المكفر (¬2). وقال ابن حبيب: إلا أن يأكل الشعير بخلًا وشحًّا على نفسه (¬3) من غير ضيق، ومثله مستطيع على (¬4) القمح، فلا يجزئه (¬5). والقول أن المراعى قوت المكفر أحسن، لقول الله سبحانه: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ}، والخطاب يتوجه للمكفر وأهله (¬6)، ويفترق الجواب في الإدام، فعلى القول: إنها مدان كفدية الأذى- يجزئه إن أخرج مدين تمرًا أو شعيرًا إن كان ذلك عيشه من غير إدام، وعلى القول إنه مُدٌّ بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - يخرج معه الإدام إذا كان يشبع أهل الموضع المد والإدام. وإن كان يشبعهم دونه، وفي ريعه ما يؤتدم به أجزأه، وكذلك قوله في مد هشام -وهو الشبع الذي لا يعدله- (¬7) يخرج من كان عيشه الشعير أو التمر غاية شبعهم منه، وإن كان قوم (¬8) غاية شبعهم أكثر من (¬9) مد هشام زادهم ويكون عليه الإدام بعد ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 323. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 307. (¬3) قوله: (بخلًا وشحًا على نفسه) زيادة من (ش 1). (¬4) قوله: (مستطيع على) يقابله في (ش 1): (يأكل). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 22. (¬6) قوله: (وأهله) يقابله في (ش 1): (وتضمن إطعام أهله). (¬7) إلى هنا نهاية السقط من (ق 10). (¬8) قوله: (قوم) ساقط من (ح). (¬9) قوله: (أكثر من) يقابله في (ح): (فوق).

فصل [فيما لا يجزئ في كفارة الظهار من الأطعمة]

ذلك، وإن كان غاية شبعهم دون مد هشام لم يكن عليه أكثر من الشبع. فصل [فيما لا يجزئ في كفارة الظهار من الأطعمة] قال ابن القاسم: ولا يجزئه الدقيق ولا السويق في كفارة الظهار ولا في صدقة الفطر (¬1) ولا في شيء من الكفارات، قال: فإن أطعم في الكفارات من (¬2) الذي هو عيشهم أجزأه (¬3). يريد (¬4): إذا أخرج الدقيق بغير ريعه، فإن أخرجه بريعه أجزأه، وقد (¬5) أحسن، إذ كفاهم مئونة الطحين (¬6)، ومحمل قوله في السويق إذا لم يكن ذلك عيشهم، وقد قال: إن أطعم في الكفارات: من الذي هو عيشهم أجزأ (¬7)، فدخل في ذلك السويق وغيره، وإنما اختلف (¬8) هل هو قوته أو قوت أهل (¬9) البلد؟ وإن أطعم مائة وعشرين مسكينًا نصف مد نصف مد (¬10) نظر هل ذلك قائم بأيديهم أو أفاتوه، أو غابوا (¬11) أو غاب بعضهم؟ فإن كان قائمًا (¬12) بأيديهم، ¬

_ (¬1) قوله: (الفطر) ساقط من (ش 1). (¬2) قوله: (من) ساقط من (ح). (¬3) قوله: (قال: فإن أطعم في الكفارات. . . أجزأه) ساقط من (ش 1). وانظر: المدونة: 2/ 324. (¬4) في (ش 1): (وهذا). (¬5) في (ق 10) و (ش 1): (وهو). (¬6) في (ش 1): (الطحن). (¬7) انظر: المدونة: 2/ 324. (¬8) قوله: (وإنما اختلف) يقابله في (ح): (ثم ينظر). (¬9) قوله: (أهل) ساقط من (ح). (¬10) قوله: (نصف مد) ساقط من (ح)، وفي (ش 1): (الكل). (¬11) قوله: (أو غابوا) زيادة في (ق 10). (¬12) قوله: (كان قائمًا) يقابله في (ق 10): (أدركهم وذلك).

وعلم أنه من كفارة عن ظهار- انتزع من ستين منهم، وأكمل لستين، والانتزل بالقرعة؛ لأنه ليس أحدهم أحق بالانتزل من الآخر، وان أفاتوه أَكْمَلَ لستين منهم، ولم يُغَرِّم من أفات منهم (¬1) شيئًا، وإن غابوا استأنف الكفارة، وإن غاب بعضهم وأدرك بعضًا فإن أدرك (¬2) ثلاثين أكمل لهم (¬3)، واستأنف ثلاثين. وإن أدرك تسعين، وذلك قائم بأيديهم- انتزع من ثلاثين بالقرعة، وأعاده على ثلاثين، وأكمل الباقي. وإن أطعم جميع الكفارة ثلاثين، ثم أدركهم وذلك بأيديهم- انتزع نصف ما أعطاهم (¬4)، وأعطاه لثلاثين غيرهم، وإن أفاتوه أو غابوا أطعم ثلاثين. قال ابن القاسم: فإن أطعم ثلاثين مسكينًا حنطة, ثم ضاق السعر، وصار عيش الناس في الشعير والتمر- أجزأه أن يطعم ثلاثين مسكينًا من الذي صار عيش الناس، قال: وكذلك إن أطعم ثلاثين مسكينًا الحنطة، ثم خرج إلى بلد عيشهم الشعير أو التمر، فأطعم هناك مما هو عيش ذلك البلد أجزأه, قال سحنون: إذا لم يتعمد الخروج لإرادة الكفارة, قال ابن القاسم: ولو أطعم ثلاثين مسكينًا ثم لم يجد عنده في بلادهم (¬5) غيرهم فليبعث به إلى بلد آخر (¬6). قال في رواية العسال (¬7): إذا لم يحط عن نفسه مؤونة، وقد تضمنت هذه ¬

_ (¬1) قوله: (منهم) زيادة من (ح). (¬2) قوله: (بعضًا فإن أدرك) زيادة في (ق 10). (¬3) قوله: (لهم) ساقط من (ح). (¬4) قوله: (ما أعطاهم) يقابله في (ق 10): (ذلك). (¬5) قوله: (عنده في بلادهم) زيادة في (ق 10). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 325. (¬7) قوله: (في رواية العسال) ساقط من (ح).

الأسئلة أن الكفارة عن الظهار ليست على الفور، وأنه ليس المراعى عيش المكفر في نفسه (¬1). فإذا ضاق السعر عن الناس، وكان هو من أهل اليسار، ولم ينتقل عيشه عن القمح- أخرج شعيرًا، وعلى القول الآخر (¬2) يخرج القمح، وعكسه أن ينتقل عيش المكفر وحده إلى الشعير، فلا يجزئه على قول (¬3) ابن القاسم إلا القمح؛ لأنه عيش البلد (¬4) وعلى القول الآخر يجزئه (¬5) الشعير؛ لأنه قوته، وعلى القول الآخر (¬6) إن الكفارة على الفور لا يجزئه إلا الصنف الذي كان (¬7) يأكله أهل البلد أو يأكله أهله في وقت وجبت (¬8) الكفارة، فإن كان الأول أجود كان ذلك عليه وإن كان اليوم معسرًا، وإن كان ذلك أدنى أجزأه وإن انتقل حاله إلى ما هو أرفع (¬9)، وقد تقدم قول ابن القاسم: إذا وجبت عليه الكفارة عن ظهار، وهو موسر فلم يعتق حتى أعسر، فصام ثم أيسر- إنه يعتق (¬10). وكذلك إذا خرج إلى بلد آخر، فعلى القول: إن الكفارة ليست على الفور، ¬

_ (¬1) قوله: (في نفسه) زيادة في (ق 10). (¬2) قوله: (القول الآخر) يقابله في (ق 10): (قول محمد وابن حبيب). (¬3) قوله: (على قول) يقابله في (ق 10): (عند). (¬4) قوله: (لأنه عيش البلد) زيادة في (ق 10). (¬5) في (ق 10): (يخرج). (¬6) قوله: (الآخر) زيادة من (ح). (¬7) قوله: (كان) ساقط من (ش 1). (¬8) قوله: (في وقت وجبت) يقابله في (ق 10): (ذلك الوقت ثم وجبت). (¬9) قوله: (وإن كان ذلك أدنى أجزأه وإن انتقل حاله إلى ما هو أرفع) يقابله في (ق 10): (وإن كان اليوم أرفع وأجود لم يكن عليه سوى الأدنى الذي وجب). (¬10) انظر: المدونة: 2/ 319.

فصل [فى صفة من يصرف له طعام الكفارة]

يخرج من جنس البلد الذي خرج منه إلى بلد آخر، فعلى القول (¬1) إن المراعى قوت الأهل- يخرج قوت أهله الذي يأكلونه بالبلد الذي خرج عنه، إلا أن يخرج معه أهله، فيخرج من الذي يأكل أهله من البلد الذي هو فيه (¬2) الآن، وعلى القول: إنها على الفور- يخرج من الصنف الذي كان يخرجه لو لم يخرج وقت (¬3) حنث، وكذلك إذا لم يخرج، ولم يجد تمام المساكين، فإنه يبعث بالصنف الذي كان (¬4) يجب عليه ببلده. فصل [فى صفة من يصرف له طعام الكفارة] الإطعام يصرف إلى من كان حرًّا مسلمًا فقيرًا، لا يلزم المكفر الإنفاق عليه، فإن انخرم شيء من هذه الشروط الأربعة لم يجزئه، وإن دفعها (¬5) إلى عبد أو نصراني انتزعت إن كانت قائمة، وغرم مثلها إن كانت فائتة إذا أكلها أو صون بها ماله، وإن ضاعت بأمر من السماء (¬6) لم يغرم منها (¬7) إلا أن يكون عالمًا (¬8) أنها كفارة، وغر من ¬

_ (¬1) قوله: (يخرج من جنس. . . فعلى القول) زيادة في (ق 10). (¬2) قوله: (يأكل أهله من البلد الذي هو فيه) ساقط من (ح)، وفي (ق 10): (يأكله في ذلك البلد). (¬3) في (ق 10): (وقد). (¬4) قوله: (كان) زيادة في (ق 10). (¬5) في (ح): (دفعه). (¬6) في (ح): (بأمر من الله تعالى). (¬7) قوله: (انتزعت إن كانت قائمة. . . بأمر من السماء لم يغرم منها) يقابله في (ق 10): (انتزعت منهما إن كانت قائمة وأغرما مثلها إن كانت فائتة إذا أكلاها أو صونا بها أموالهما، ولا شيء عليهما إذا فاتت بأمر من السماء ولا انتفعا بها ولا بالعوض عنها). (¬8) في (ق 10): (يكونا عَلِمَا).

فصل [فيمن أخذ في الصيام ثم قدر على العتق]

نفسه (¬1) وأظهر أنه حر أو مسلم (¬2)، فيغرمها النصراني، ويختلف في العبد هل تكون جناية في رقبته أو ذمته (¬3)؟ وإن أُعطيَتْ مكاتبًا أو مدبرًا أو أم ولد أو معتقًا إلى أجل- لم تجزئ، وقد تقدم ذلك في كتاب النذور بأتم من هذا (¬4). فصل (¬5) [فيمن أخذ في الصيام ثم قدر على العتق] وقال مالك في المظاهر: يصوم يومًا أو يومين، ثم يجد رقبة: فليعتق أحبّ إليّ، وإن صام أكثر من ذلك تمادى في صومه (¬6). وقال ابن الماجشون في كتابه (¬7): إن صام كثر صومه، ثم وجد رقبة، فأحب ترك الصوم- كان ذلك له، وإنما هو شيء تطوع (¬8) يزيده على نفسه, وهذا صحيح، ولم يمنع مالك أن يرجع إلى العتق إذا صام أكثر صومه, وإنما استحب إذا صام اليوم واليومين أن يرجع إلى العتق (¬9)؛ كالذي يأمره بذلك، ويكره له التمادي، ولا يُوجَبُ ذلك عليه (¬10) فإذا صام ما له قدر وبال لم يكره له التمادي (¬11). ¬

_ (¬1) في (ق 10): (فغرا من أنفسهما). (¬2) في (ق 10): (هذا أنه حر والآخر أنه مسلم). (¬3) قوله: (أو ذمته) زيادة من (ش 1). (¬4) قوله: (وقد تقدم ذلك في كتاب النذور بأتم من هذا) ساقط من (ش 1). (¬5) قوله: (فصل) ساقط من (ش 1). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 319. (¬7) في (ب) و (ش 1) و (ق 10): (سحنون في كتاب ابنه). (¬8) قوله: (تطوع) ساقط من (ح). (¬9) قوله: (إلى العتق) زيادة في (ق 10). وانظر: النوادر والزيادات: 5/ 303. (¬10) قوله: (ولا يُوجَبُ ذلك عليه) زيادة في (ق 10). (¬11) في (ق 10): (كان له التمادي).

باب فيمن ابتدأ الصوم أو الإطعام والزوجة فى عصمته, وأتمها بعد الطلاق في العدة أو بعد انقضائها

باب فيمن ابتدأ الصوم أو الإطعام (¬1) والزوجة فى عصمته, وأتمها بعد الطلاق في العدة أو بعد انقضائها الكفارة قبل العودة غير جائزة، وبعد العودة وقبل الوطء جائزة. واختلف هل هي واجبة أو لا (¬2)، وهل من شرطها أن يؤتى بها والزوجة في العصمة؟ فإن وطئ وجبت قولًا واحدًا، وصح أن يؤتى بها والزوجة في العصمة (¬3)، وبعد أن تبتدئ في العدة وبعد انقضائها (¬4)، فتجب وإن لم يطأها على أحد قولي مالك: إن العودة: العزم على الإمساك أو العزم على الوطء، وعلى هذا يصح ما ذكره محمد عنه أنها لا تسقط، وإن طلق أو ماتت قبل أن يطأ؛ فيجب أن يُكَفِّرَ بعد الطلاق وإن لم يرتجع، وأما على قوله: إن العودة الوطء: فلا تجب إذا عزم على الوطء ثم بدا له ألا يفعل، وإن طلق قبل الوطء (¬5) أو ماتت- لم يكن عليه شيء، وعلى هذا القول يكون من شرطها أن يؤتى بها والزوجة في العصمة، وإن كَفَّرَ بعد أن بانت منه لم تجزئه، لسقوط موضع العودة. ¬

_ (¬1) في (ب)، (ح): (الكفارة والإطعام). (¬2) قوله: (أو لا) زيادة في (ق 10). (¬3) قوله: (فإن وطئ وجبت قولًا واحدًا،. . . في العصمة) ساقط من (ش 1). (¬4) قوله: (تبتدئ في العدة وبعد انقضائها) يقابله في (ق 10)، (ش 1): (تبين كانت في العدة أم لا). (¬5) قوله: (الوطء) ساقط من (ش 1).

واختلف على هذا القول في ثلاثة مواضع: أحدها: إذا ابتدأ الصوم والإطعام قبل الطلاق، وأتم ذلك بعد الطلاق، وبعد انقضاء العدة. والثاني: إذا لم يتم بعد انقضاء العدة، ثم تزوجها، هل يتم على ما كان من الإطعام (¬1). والثالث: هل يبتدئ الكفارة -بالصوم أو الإطعام- (¬2) بعد الطلاق وهي في العدة من طلاق رجعي؟ فقال ابن نافع في المدونة: إذا ابتدأ الكفارة وهي زوجة فأتمها بعد الطلاق وبعد انقضاء العدة -تجزئه؛ لأنَّه ابتدأ وهى زوجة, وهو ممن له العودة. وقال ابن القاسم: ليس عليه أن يتم الكفارة (¬3). ولم يقل: لا تجزئه إن فعل (¬4)، وظاهر قوله (¬5) أنها تجزئه إن فعل، ولا تجب عليه (¬6) مثل قول ابن نافع. وقال محمد: لا (¬7) تجزئه إذا أتمَّ في العدة من طلاق بائن أو بعد انقضائها (¬8). فإن تزوجها بعد ذلك، وكانت كفارته بالصيام- استأنفه؛ لأنَّ الصيام لا يكون إلا متتابعًا، وإن كانت بالإطعام أجزأه أن يتم على ما كان ¬

_ (¬1) في (ق 10): (ما كان أطعم)، وفي (ش 1): (ما كان إطعامًا). (¬2) من هنا سقط من (ق 10) بمقدار لوحة. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 331. (¬4) قوله: (إن فعل) ساقط من (ش 1). (¬5) في (ح): (قول مالك)، وفي (ش 1): (قولها). (¬6) قوله: (عليه) ساقط من (ح). (¬7) قوله: (لا) ساقط من (ح). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 297.

أطعم عند مالك وابن القاسم وابن وهب، ولم تجزئه عند أشهب، وعليه أن يستأنف الكفارة، والأول أبين. قال محمد: ولو كان الطلاق رجعيًا فأتم الكفارة في العدة- أجزأت عنه إن (¬1) ارتجعها بعد ذلك، أو تركها حتى بانت (¬2). واختلف هل يبتدئ الكفارة وهي في عدة من طلاق رجعي؟ فقال مالك في كتاب محمد: يرتجع ثم يُكَفِّرُ. قال أشهب: فإن كفر قبل أن يرتجع وقبل أن تبين منه فذلك جائز (¬3). وقال أحمد بن المعذل (¬4): لا تجزئه الكفارة قبل أن يرتجع؛ لأن موضع الكفارة إنما هو أن يعود إلى الإمساك والإصابة، وهذه في العدة دانية تدنو من أجلها الذي يخرجها من يده، ولا يكون عائدًا إلا أن يرتجعها، قال: فإن ظاهر منها لزمه الظهار لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] فالمعتدة من نسائه، وفرق بين عقد الظهار والكفارة؛ لأنه كَفَّرَ قبل أن يُجْمِعَ على الإمساك وقبل أن يُجْمِع (¬5) على الوطء، ولو لم يطلق المظاهر وأجمع على الطلاق، وقال: أكفر الآن ثم أطلقها، فإن تزوجها بعد ذلك لم يكن على ظهار- لم تجزئه الكفارة إلا بعد عودة (¬6)؛ لأن تلك لا تُعَدُّ (¬7) عودة، وفي عقد ¬

_ (¬1) قوله: (إن) ساقط من (ح). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 297. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 297. (¬4) في (ب): (محمد بن المعذل). (¬5) قوله: (على الإمساك وقبل أن يجمع) ساقط من (ش 1). (¬6) قوله: (إلا بعد عودة) زيادة من (ش 1). (¬7) قوله: (لأن تلك لا تُعَدُّ) يقابله في (ح): (لأن ذلك لايكون إلا بعد)، وفي (ش 1): (وتلك لا تعد).

الظهار في العدة نَظَرٌ؛ لأنها قبل أن ترتجع عليه كظهر أمه على قول مالك أنَّ الرجعة تفتقر إلى نيةٍ، وهذا هو الظاهر من قول أبي الفرج؛ لأنه قال فيمن قال لزوجته: أنت طالق، وأنت عليَّ كظهر أمي: وقع عليه (¬1) الطلاقُ دون الظهار، ولم يفرق بين أن يكون مدخولًا بها أم لا. وقال محمد (¬2) فيمن قال: أنت عليَّ كظهر أمي، ثم أخذ في الكفارة، فلم يتمها حتى قال: أنت عليَّ كظهر أمي، قال: يبتدئ الكفارة من الثاني وتجزئه. قال: وقيل: بل يتم الأولى ويبتدئ، وقال محمد: إذا مضى يومان أو ثلاثة أجزأه لهما (¬3)؛ لأنَّه قال: ما تفاوت منه، فإن بقي شيء يسير أتمه وابتدأ (¬4). وقال أصبغ في العتبية: يلغي ما صام، ويبتدئ صوم كفارة واحدة، وسواء صام من الأولى يسيرًا أو كثيرًا (¬5). والقول إنه يبتدئ، والقول إنه يتم ويبتدئ يرجع إلى شيءٍ واحد، وهو أنه بالخيار بين أن يبتدئ أو يتم ثم يبتدئ، وليس يريد: أنه يجب عليه أن يتم ثم يبتدئ، وقول أصبغ هو الأصل أن يبتدئ حيثما كان من صومه، وإن أتمَّ وابتدأ فقد (¬6) أحسن، وإليه يرجع القولان، وليس الخلاف إلا في موضعٍ واحد، وهو قول محمد: أنه إذا مضى أيسره أتم وأجزأه. ¬

_ (¬1) قوله: (عليه) زيادة من (ش 1). (¬2) في (ح): (مالك). (¬3) قوله: (لهما) ساقط من (ش 1). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 294. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 199. (¬6) في (ح): (فهو).

فصل [فيمن أعتق أربعة أعبد]

فصل [فيمن أعتق أربعة أعبد] وإن أعتق أربعة أعبد عن أربع نسوة، كان الجواب على أربعة أوجه: فإن عين كل رقبة عن كل امرأة أجزأه. وكذلك إذا لم يعين، ونوى واحدةً عن واحدةٍ، أجزأه (¬1). وإن أشرك في كل رقبة لم يجزئه. واختلف إن أطلق (¬2) ولم يعين ولم يشرك، فقال ابن القاسم: يجزئه (¬3). واختلف فيها عن أشهب هل يجزئه أم لا (¬4)؟ وأن يجزئ أحسن؛ لأن القصد أن يعتق رقبة عن كل (¬5) امرأة ولا يشرك، وإن صام ثمانية أشهر، وعين كل شهرين عن امرأة أو نوى بكل شهرين امرأة واحدة ولم يعينها- أجزأه، وإن أشرك في كل يوم لم يجزئه، وإن أطلق ذلك- كان على الخلاف، ويختلف أيضًا إذا أشرك في كل شهر، وليس في اليوم الواحد فقيل: لا يجزئه ويستأنف جميع صومه. وقال ابن حبيب فيمن صام شعبان ورمضان عن ظهاره، وأفطر يوم الفطر- إنه يتم صومه (¬6) في شوال ويجزئه (¬7). وعلى هذا يجزئ من ظاهر من ¬

_ (¬1) قوله: (أجزأه) زيادة من (ش 1). (¬2) في (ش 1): (إذا طلق). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 333. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 305. (¬5) قوله: (كل) زيادة من (ش 1). (¬6) في (ح): (أنه يصومه). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 59.

امرأة واحدة فصام أربعة أشهر، يومًا عن ظهاره، ويومًا تطوعًا حتى أتم؛ لأنه لم يخفف عن نفسه، ولم يتخلله ما يضاده بل أتى به على صفة هي أشق، وإن فعل ذلك جهلًا- كان أعذر مما قاله مالك فيمن صام ذا القعدة وذا الحجة. وإن كان من أهل الاجتهاد، ورأى أن ذلك جائز- أجزأه، وكذلك الإطعام يجزئ إذا عين أو نوى رفع الاشتراك وإن لم يعين، ولا يجزئ إذا أُشْرِكَ في كلٍّ مسكينٌ. وقال أشهب في كتاب محمد: إن أعتق أربعًا عن الأربع أجزأه، وإن أعتق اليوم رأسين وغدًا رأسين لم يجزئه، وإن أعتق ثلاثة وأطعم ستين مسكينًا في مجلسٍ - لم يجزئه (¬1). ومحمل قوله أنه أعتق رأسين عن الأربع ثم رأسين، أو أعتق الثلاثة عن الأربع ثم أطعم. وإن ظاهر من امرأتين، ثم أعتق عنهما رقبتين، فعَيَّنَ واحدة عن إحدى المرأتين وأَبْهم الأخرى، حَلَّتِ التي عَيَّنَ، تقدمتْ أو تأخرتْ، ويفترق الجواب في التي أَبْهم، فإن تقدمت- سقط حكمها، وكأنه لم يُكَفِّرْ تلك الكفارة، وإن تأخرت- أجزأت عن التي بقيت، وإن لم يكن عين عنها؛ لأنه لما سقط الظهار عن الأولى بالتعيين (¬2) صار بمنزلة من لم يظاهر إلا عن واحدةٍ ثم أعتق. وقال محمد: ولو نوى بالعتق واحدةً ثم نسيها لم يبالِ، وُيكَفِّر عن الباقية (¬3). يريد: قبل أن يصيب واحدة منهما بعتق رقبة، وينوي بها التي لم يعين. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 305. (¬2) في (ش 1): (بالتقدم). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 305.

وقال ابن القاسم: إن أعتق ثلاثًا عن ثلاثٍ، ولم يعين- لم تحل له (¬1) واحدة منهن حتى يعتق الرقبة الرابعة، وكذلك إن ماتت واحدة أو طلقها لم تحل واحدة من الباقيات حتى يعتق رقبة ولو صام ستة أشهر عن ثلاث ثم ماتت واحدة أو طلقها لم تحل له واحدة منهن حتى يصوم شهرين (¬2). وإذا أشرك في كل شهرين، وليس في كل يوم- أجزأه على أحد القولين وسقط حظ الميتة من ذلك الصوم، وصام شهرًا ونصفًا، وإن أطعم عن ثلاث ثم ماتت واحدة أو طلقها-لم تحل له واحدة منهن حتى يطعم ستين مسكينًا. وقال ابن القاسم فيمن ظاهر من أربع نسوة ظهارًا واحدًا ولم ينو واحدة (¬3) فكفَّر عن واحدةٍ: إنها تجزئه عن جميعهن، ويسقط الظهار عمن لم ينو (¬4) منهن، وإن جامع التي لم ينو الصيام عنها في خلال صومه- فسد الصيام عن التي نواه عنها (¬5). وهذا أحسن، أن يجزئ عن التي لم ينو الصيام عنها (¬6) إذا كان قد نوى العودة فيها. ¬

_ (¬1) قوله: (له) زيادة في (ح). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 333. (¬3) قوله: (ولم ينو واحدة) زيادة في (ح). (¬4) قوله: (لم ينو) يقابله في (ح): (ينوي). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 313. (¬6) نهاية السقط من (ق 10).

باب جامع الظهار وما يحرم من المظاهر منها وما يحل

باب جامع الظهار وما يحرم من المظاهر منها وما يحل المظاهر فيما يحل له من زوجته ويحرم (¬1) ويكره- على ستة أوجه: أحدها: الوطء. والثاني: التقبيل (¬2) والمباشرة. والثالث: المضاجعة. والرابع: نظره إلى شعرها. والخامس: نظره إلى وجهها. والسادس: هل تخدمه أو تساكنه. فأما الوطء فممنوع بالقرآن، قال مالك: يجب على المرأة أن تمنعه نفسها، وإن خشيت منه، حَالَ السلطانُ بينه وبينها (¬3). واختلف فيما سوى الإصابة، فقال مالك في المدونة: لا يقبِّل ولا يلمس (¬4) ولا يباشر، ولا ينظر إلى صدرها ولا شعرها، حتى يكفر؛ لأنَّ ذلك لا يدعو إلى خير (¬5). فجعل المنع من ذلك حمايةً وخوفًا أن يواقعها؛ فإنْ فعل فقبَّل أو باشر فلا شيء (¬6) عليه. وقال ابن الماجشون: إن قَبَّلَ أو باشر في شهري صيامه (¬7) - قطع (¬8) ¬

_ (¬1) قوله: (ويحرم) ساقط من (ق 10). (¬2) في (ش 1): (القبلة). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 334، 335. (¬4) قوله: (ولا يلمس) ساقط من (ش 1). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 334. (¬6) في (ق 10): (فلا كفارة). (¬7) في (ق 10): (ظهاره)، وفي (ش 1): (الصيام). (¬8) في (ش 1): (انقطع).

التتابع (¬1). وجعله محرمًا، له حكم الوطء، وتتعلق به الكفارة. ويختلف على هذا في المضاجعة، فعلى قول مالك يمنع حماية، وعلى قول عبد الملك يحرم ذلك عليه (¬2)، وإن فعل كَفَّرَ إذا التقى الجسمان؛ لأنه يجد اللذة بذلك، قال مالك: ولا يرى شعرها، قيل: فوجهها؟ قال: قد ينظر غيره إلى وجهها (¬3). وأجاز ابن القاسم في العتبية أن ينظر إلى شعرها، قال: ولا بأس أن تخدمه وتستتر منه (¬4). وقال محمد: لا يلتذ منها بنظرة لشهوة. فمنع مرة النظر إلى شعرها، وإلى وجهها على وجه التلذذ، حمايةً، وأجازه مرةً، بخلاف القُبْلَة؛ لأن الخوف على من لم يمس الجسم أخف ممن يمس، إلا لمن يعلم أنه يخشى على نفسه عند النظر من غير مماسة (¬5)، فيمنع من ذلك، وأمَّا على قول عبد الملك إن المحرم الوطء وغيره، يحرم عليه النظر لشهوة، فإن فعل كَفَّرَ، ويمنع النظر بغير شهوة إلى الوجه، حمايةً أن يقع في اللذة، وقد يتخرج هذا على القول إن الظهار كان مكان الطلاق، فيمنع من كل ما يمنعه الطلاق، ¬

_ (¬1) ما وقفت عليه من نص النوادر: "وقال أصبغ: إن قبلها في شهري صيام الكفارة فلا شيء عليه وقاله سحنون بعد أن كان يقول بقول عبد الملك أن ذلك يقطع التتابع". انظر: النوادر: 5/ 301. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 301. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 334، 335. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 182. (¬5) قوله: (من غير مماسة) ساقط من (ح).

وتجب (¬1) الكفارة بكل ما لا يباح إلا مع بقاء العصمة، وأجاز في المدونة أن يساكنها، وأن يكون معها في بيت (¬2). واجتناب ذلك أولى، وإن علم أنه أرادها أُخرج من جملة الدار قولًا واحدًا. تمَّ كتاب الظهار, والحمدُ لله حقَّ حمد, صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (¬3). ¬

_ (¬1) في (ش 1): (يوجب). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 316. (¬3) قوله: (تمَّ كتاب الظهار، والحمدُ لله حقَّ حمده, صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم) ساقط من (ش 1).

كتاب الإيلاء

كتاب الإيلاء النسخ المقابل عليها 1 - (ب) = نسخة برلين رقم (3144) 2 - (ح) = نسخة الحسنية رقم (12929) 3 - (ق 10) = نسخة القرويين رقم (370) 4 - (س) = نسخة الاسكوريال رقم (1082) 5 - (ش 1) = نسخة الشيخ أبَّاه - النباغية (شنقيط)

باب في الإيلاء وصفته ومن حلف ألا يغتسل من امرأته من جنابة أو حلف ألا يكلمها أو لا يبيت عندها

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على محمد وعلى آله كتاب الإيلاء باب في الإيلاء وصفته ومن حلف ألا يغتسل من امرأته من جنابة أو حلف ألا يكلمها أو لا يبيت عندها (¬1) الأصل في تعلق حق الزوجة في الإصابة، وأن لها أن تقوم بالطلاق عند امتناع الزوج من ذلك قول الله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 226، 227]، والإيلاء: الحلف، ولا يختص بشيء بعينه، قال الله عز وجل: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ. . .} الآية [النور: 22]، والمراد به في الآية (¬2) الأولى اليمين على ترك وطء الزوجة، وقال مالك فيمن حلف ألا يطأ زوجته أربعة أشهر ليس بمولٍ، فإن زاد على ذلك بيومين (¬3) فهو مولٍ (¬4). قال الشيخ -رحمه الله-: ترك الرجل وطء زوجته على ثلاثة أوجه: بيمين مطلقة غير مقيدة بوقت، ومقيدة (¬5) , وبغير يمين (¬6). فإن كان بيمين مطلقة (¬7) كان لها وقْفُه عند (¬8) انقضاء الأربعة ¬

_ (¬1) قوله: (أو حلف. . . عندها) ساقط من (ح) و (س). (¬2) في (ش 1): (بالآية). (¬3) قوله: (بيومين) ساقط من (ح) و (س). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 336. (¬5) قوله: (ومقيدة) ساقط من (ح) و (س). (¬6) في (ش 1): (بيمين مطلق غير مقيد بوقت، ومقيد، وبغير يمين). (¬7) في (ش 1): (مطلق). (¬8) في (ب) و (ح) و (س) و (ق 10): (عنه).

أشهر (¬1)، وإن كان مقيدًا بأجل، وكان ذلك الأجل أربعة أشهر، كان حكمه حكم من ترك الوطء بغير يمين (¬2). واختلف إذا زاد على أربعة أشهر (¬3) زيادة يسيرة، اليوم واليومين. وقال آخرون: حتى تنقضي (¬4) هذه (¬5) الزيادة، ولا أحنث أو كانت الزيادة كثيرة، وقال: أنا أفيء (¬6) فهل تطلق عليه عند الأربعة الأشهر (¬7) إذا لم يصب الآن أو يؤخر؟ واختلف أيضًا إذا ترك ذلك بغير يمين هل توقفه (¬8) عنه الأربعة أشهر؟ وبيان ذلك مذكور فيما بعد. وقال ابن القاسم فيمن حلف ألا يغتسل من امرأته من جنابة: هو مولٍ، قال: (¬9) لأنه لا يقدر على الجماع إلا بكفارة (¬10). وقوله هذا محتمل أن يريد (¬11): أنه يحنث بنفس الإصابة؛ لأن القصد باليمين ألا يصيب، أو لا يحنث إلا بالغسل؛ لأنه الوجه الذي علق الحنث به، فيكون قبل الإصابة بمنزلة من وقف خوف أن يصيب، فتنعقد (¬12) عليه يمين، فيختلف فيه هل ¬

_ (¬1) في (ش 1): (الأشهر). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 341. (¬3) قوله: (أربعة أشهر) في (ق 10) و (ش 1): (الأربعة). (¬4) قوله: (تنقضي) في برلين (تنقص). (¬5) قوله: (هذه) زيادة من (ش 1). (¬6) قوله: (وقال آخرون: حتى تنقضي. . . وقال: أنا أفيء) ساقط من (ح) و (س). (¬7) قوله: (بعد أربعة أشهر) يقابله في (ب) و (ح) و (س): (بعد أربعة أشهر)، وفي (ق 10): (عند الأربعة أشهر). (¬8) في (ب) و (ح) و (س) و (ق 10): (توقف). (¬9) قوله: (قال:) ساقط من (ق 10). (¬10) انظر: المدونة: 2/ 336. (¬11) في (ش 1): (أنه يريد به). (¬12) في (ش 1): (فينعقد).

فصل [فيمن آلى بحج أو عمرة أو صوم]

يكون موليًا قبل الإصابة أم لا؟ فصل [فيمن آلى بحج أو عمرة أو صوم] وقال ابن القاسم فيمن آلى بحج أو عمرة أو صوم: هو مولٍ (¬1). يريد: إذا كانت (¬2) اليمين بمضمون من ذلك، وأما إن عين فآلى (¬3) بحج هذا العام، وكان من أهل مكة أو المدينة، وكان (¬4) بينه وبين الوقفة أربعة أشهر فأقل فليس بمولٍ، وإن كان أكثر كان موليًا. وإن كان من غير أهل (¬5) هذين الموضعين، وكان بينه وبين خروج الناس أربعة أشهر فأقل فليس بمولٍ وإن كان أكثر كان موليًا (¬6)، فإن لم يخرج حينئذ (¬7) لأنه لم يجد رفقة يخرج فيها، فليس بمولٍ، وسواء كانت مسافة الوصول أربعة أشهر أو أكثر؛ لأنه إذا فاته خروج الناس سقط الوفاء بالحج في ذلك العام (¬8)، وصار بمنزلة من حلف بحج في عام ذاهب، ولأنه لو حلف بعد خروج الناس بحج ذلك العام لم يكن موليًا، وإن كان حين يمينه بينه وبين خروج الناس أكثر من أربعة أشهر كان موليًا، وإن لم تقم به الزوجة إلا بعد خروج الناس لم يكن موليًا، وإن آلى بعمرة في شهر بعينه وهو بمكة وبينه وبين انقضاء ذلك الشهر أربعة أشهر لم يكن موليًا، وإن كان (¬9) أكثر كان موليًا، وإن ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 336. (¬2) في (ش 1): (كان). (¬3) في (ق 10): (فقال)، وفي (ش 1): (قال). (¬4) قوله: (كان) ساقط من (ش 1). (¬5) قوله: (أهل) ساقط من (ح) و (س) و (ش 1). (¬6) قوله: (فليس بمولٍ. . . موليًا) ساقط من (ب). (¬7) قوله: (فإن لم يخرج حينئذ) زيادة من (ب) و (ش 1). (¬8) انظر: المدونة: 2/ 341. (¬9) قوله: (حين يمينه بينه وبين خروج الناس أكثر. . . وإن كان) ساقط من (ش 1).

كان بغير مكة تراعى (¬1) المدة التي بينه وبين الخروج، وأن يدرك إيقاع العمرة في الوقت الذي وَقَّتَهُ، وإن (¬2) كان بينه وبين الخروج وأن يدرك العمرة أكثر من (¬3) أربعة أشهر- كان موليًا، وإن كان دون ذلك لم يكن موليًا. وكذلك الصوم، فإن آلى أن يصوم (¬4) الشهر الذي هو (¬5) فيه، أو الثاني أو الثالث أو الرابع، أو أيامًا من الخامس ما يكون تمام أربعة (¬6) أشهر، لم يكن موليًا، وإن زاد على ذلك، كان موليًا (¬7). وقال ابن القاسم: كل من حلف ألا يطأ امرأته حتى يفعل فعلًا يقدر عليه أو لا يقدر عليه (¬8) - فهو مولٍ، فإن قال لزوجته: والله لا أطأك (¬9) حتى أمس السماء، فهو مولٍ، وإن قال: أنت طالق إن قربتك حتى أمس السماء، فهو مولٍ، وله أن يُصْبَرَ (¬10) عليه إلى أجل الإيلاء؛ لأن له أن يصيب فتنحل (¬11) عنه اليمين ثم يرتجع (¬12). ويختلف إذا قال: أنت طالق البتة إن قربتك حتى أمس السماء، وهو بمنزلة من (¬13) قال: إن وطئتك فأنت طالق البتة. واختلف هل يُمَكَّنُ من الإصابة؟ فمن قال: إنه يُمَكَّنُ، كان له أجل المولي. ومن قال: لا يُمَكَّنُ، كان في الصبر إلى أجل المولي (¬14) قولان، وبيان ¬

_ (¬1) في (ش 1): (فيراعى). (¬2) في (ش 1): (فإن). (¬3) قوله: (العمرة أكثر من) ساقط من (ش 1). (¬4) قوله: (أن يصوم) يقابله في (ش 1): (يصوم). (¬5) قوله: (هو) ساقط من (ش 1). (¬6) في (ش 1): (للأربعة). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 315. (¬8) قوله: (عليه) ساقط من (ش 1). (¬9) في (ح) و (س): (أقربك)، وفي (ش 1): (أطؤك). (¬10) في (ح) و (س): (وله أن تصبر عليه). (¬11) قوله: (فتنحل) في (ح) و (س): (فيحمل). (¬12) انظر: المدونة: 2/ 336. (¬13) في (ش 1): (إن). (¬14) في (ق 10): (الإيلاء).

فصل [فيمن حلف ألا يكلم زوجته أو ليهجرنها وهو يصيبها]

ذلك يأتي فيما بعد إن شاء الله. وقال ابن القاسم فيمن قال: لا ألتقي أنا وأنت سنة، سمعت مالكًا يقول: كل يمين لا يقدر فيها صاحبها (¬1) على الجماع، لمكان يمينه، فهو مولٍ، فإن كان هذا لا يقدر على الجماع لمكان يمينه، فهو مولٍ (¬2). قال الشيخ -رحمه الله-: هذا مولٍ لا شك فيه؛ لأنه لا يخلو أن يكون أراد (¬3) ألا يلتقيا في الفراش أو في بيت أو في (¬4) دار، أو تحت سقف (¬5)، وأي ذلك كانت نيته كان به موليًا؛ لأن عدم الالتقاء عدم للجماع. فصل [فيمن حلف ألا يكلم زوجته أو ليهجرنها وهو يصيبها] ومن حلف ألا يكلم زوجته أو ليهجرنها وهو يصيبها- لم يكن بذلك عند مالك موليًا (¬6)، فتطلق عليه عند انقضاء أجل (¬7) الإيلاء، وهو من الضرر، ومما للزوجة أن تقوم بالطلاق لأجله، إلا أنه يفارق الإيلاء في الأجل، فتطلق على هذا إذا تبين الضرر، كان ذلك قبل أجل الإيلاء أو بعده. والنكاح يتضمن حقوقًا للزوجة وهي: الإصابة والنفقة والكسوة وحسن العشرة، ولها أن تقوم بالفراق إذا لم يوف بأحد هذه الوجوه بعد الإعذار إليه إذا كان ممن يرجى ذلك منه، وإذا لم يرج طلق عليه إلا أن تكون ¬

_ (¬1) قوله: (صاحبها) ساقط من (ق 10). (¬2) قوله: (فإن كان هذا. . . يمينه فهو مولٍ) ساقط من (ح) و (س). وانظر: المدونة: 2/ 337. (¬3) في (ب) و (ح) و (س) و (ق 10): (يريد). (¬4) قوله: (في) زيادة من (ش 1). (¬5) في (ش 1): (سقيفة). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 337. (¬7) قوله: (أجل) ساقط من (ق 10).

الزوجة عالمة به (¬1) حين العقد بعجزه عن الإصابة أو النفقة أو الكسوة، فلا يكون لها أن تقوم بالفراق، وقد تقدم ذكر الطلاق بعدم النفقة والكسوة (¬2) في كتاب النكاح الثاني (¬3). وأما حسن (¬4) العشرة فالأصل في مطالبته بها ورفع الضرر (¬5) جملة قول الله سبحانه (¬6): {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19]، وقوله: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231]، وإن كانت الآية في المعتدّة فإنه مع بقاء الزوجية آكد، ومن حسن العشرة ألا يهجرها ولا يقطع مَبِيته عنها ولا يضربها لغير وجه يوجب ذلك له عليها، ولا يزيد في عقوبتها فوق ما توجبه الجناية (¬7)، ولا يدخل عليها من لا تؤمن ناحيته, وإذا أضر بها وترك المبيت أو هجرها قدم إليه في ذلك، فإن انتهى وإلا طلق عليه، وقال مالك ويحيى بن سعيد وابن شهاب: ليس في الهجران إيلاء (¬8). أي: ليس هو في الأجل كالإيلاء، ردًا إلى ما (¬9) ذهب إليه ابن المسيب وابراهيم والشعبي والحكم (¬10) أن كل يمين حلف بها الزوج في مساءة زوجته في جماع أو غيره فهو إيلاء وسواء بَيَّنَ الأجل (¬11) في الإصابة وغيرها (¬12). وقول مالك أحسن؛ لأن الإيلاء وإن كان الأجل فيه بالقرآن- فإنه المدة ¬

_ (¬1) قوله: (به) ساقط من (ش 1). (¬2) قوله: (وقد تقدم ذكر الطلاق بعدم النفقة والكسوة) ساقط من (ش 1). (¬3) قوله: (الثاني) ساقط من (ح) و (س). وانظر ما مر في كتاب النكاح الثاني، ص: 2032. (¬4) قوله: (حسن) ساقط من (ح) و (س) و (ش 1). (¬5) في (ش 1): (الضرر في). (¬6) قوله: (ورفع الضرر في جملة قول الله سبحانه) في (ح) و (س): (قوله تعالى). (¬7) في (ش 1): (جنايتها). (¬8) انظر: المدونة: 2/ 337. (¬9) قوله: (ردًا إلى ما) يقابله في (ش 1): (وذلك). (¬10) قوله: (والحكم) ساقط من (ح) و (س). (¬11) في (ب) و (ح) و (س) و (ق 10): (الأجلين). (¬12) قوله: (الأجلين في الإصابة وغيرها) في (ح) و (س): (الإصابة وغيرها في الأجل).

التي (¬1) تلحقها فيها المضرة للزوجة (¬2)، وقد ذكر أبو الحسن ابن القصار أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يطوف ليلة في المدينة فسمع امرأة تنشد: تَطَاوَلَ هَذَا اللَّيْلُ وَاسْوَدَّ (¬3) جَانِبُهُ ... وَأَرَّقَنِي ألَّا خَلِيلَ أُلَاعِبُه فَوَاللهِ لَوْلَا اللهُ أَخشَى عِقَابَهُ (¬4) ... لَزُلْزِلَ مِنْ هَذَا السَّرِيرِ جَوَانِبُهُ مَخَافَةَ رَبِّي، وَالحيَاءُ يَكُفُّنِي ... وَأُكْرِمُ زَوْجِي أَنْ تُنَالَ مَرَاكِبُهُ ولكن تقوى الله عن ذا يصدنى ... وحفظا لزوجي أن تنال مراتبه (¬5) فدعاها عمر فقال لها: وَأَيْنَ زَوْجُكِ؟ فقالت: بَعَثْتَهُ (¬6) إِلَى الْغَزْوِ، فدعا نسوة فقال: فِي (¬7) كَمْ تَشْتَاقُ المُرْأَة إِلَى زَوْجِهَا؟ فقلن: في شهرين، ويقل الصبر في ثلاثة، وعدم (¬8) الصبر في أربعة، فجعل مغازي الناس في (¬9) أربعة أشهر (¬10). فعلم أن هذه المدة هي التي (¬11) تعظم فيها المضرة على المرأة، وإذا كان ذلك لم يلحق به غيره من الإيلاء إذا اختلفت المضرة، فقد تلحق المضرة في الهجران في شهرين فلا يؤخر (¬12) إلى أربعة، ولا يلحقها إلى (¬13) سنة, فلا يعجل في أربعة، وقال ابن القاسم في العتبية فيمن حلف أن (¬14) لا يدخل لامرأته نهارًا: لم تطلق ¬

_ (¬1) قوله: (التي) ساقط من (ش 1). (¬2) قوله: (للزوجة) ساقط من (ب) و (ش 1). (¬3) في (ش 1): (واخضر). (¬4) في (ب) و (ح) و (س) و (ق 10): (أَنَّي أُرَاقِيُه). (¬5) هذا البيت زيادة من (ش 1). (¬6) قوله: (بعثته) في (ح) و (س): (له بعث). (¬7) في (ش 1): (كم). (¬8) في (ب) و (ش 1): (ويعني). (¬9) قوله: (في) زيادة من (ش 1). (¬10) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه: 7/ 151، في باب حق المرأة على زوجها وفي كم تشتاق، من كتاب الطلاق، برقم (12593)، والبيهقي في السنت الكبرى: 9/ 29، في باب الإمام لا يجمر بالغزى. . .، من كتاب السير، برقم (17628). (¬11) قوله: (التي) ساقط من (ش 1). (¬12) في (ش 1): (تؤخر). (¬13) في (ب): (ولا يلحقها إلا فى)، وفى (ش 1): (أو لا تلحق إلا فى). (¬14) قوله: (أن) زيادة من (ش 1).

عليه (¬1). يريد: لأن الغالب من الأزواج التصرف بالنهار، فلا مضرة عليها في ذلك، واختلف قوله إذا حلف ألا يبيت عندها، هل تطلق عليه بذلك أم لا؟ (¬2) وأن تطلق عليه (¬3) أحسن، والمضرة تدخل عليها في ذلك من وجهين: أحدهما (¬4): ما يدركها من الوحشة. والثاني: مخالفة العادة, وكونها على غير ما هو عليه غيرها من النساء من جيرانها (¬5) وغيرهن (¬6)، يأوي إليهن أزواجهن، فإذا بلغ من ذلك مضرتها طُلِّق عليه، كان ذلك قبل (¬7) أجل الإيلاء أو بعد (¬8)، فإن حلف ألا يبيت معها في فراش وهو معها (¬9) في بيت أو في دار- لم تطلق عليه، وليس ذلك من حقها. وقال مالك في كتاب محمد فيمن قال: أنت طالق إن وطئتك، إلا أن تأتيني، هو مولٍ، وليس عليها أن تأتيه، وعليه أن يأتيها (¬10). يريد: لظاهر الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدور على نسائه (¬11). وأرى إذا قال: إلا أن تأتيني إذا دعوتك- ألا يكون موليًا، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِه (¬12)، فَلَمْ تَأْتِهِ، فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا، لَعَنَتْهَا الملاَئِكَةُ حَتَّى تُصْبِح" (¬13). . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) انظر: انظر: البيان والتحصيل: 5/ 478. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 478. (¬3) قوله: (عليه) ساقط من (ش 1). (¬4) قوله: (أحدهما) ساقط من (ش 1). (¬5) في (ش 1): (جيرتها). (¬6) قوله: (وكونها على غير. . . وغيرهن) في (ح): (وكون غيرها من النساء من حبوتها). (¬7) في (ش 1): (دون). (¬8) في (ش 1): (أبعد). (¬9) قوله: (في فراش وهو معها) ساقط من (ش 1). (¬10) قوله: (وعليه أن يأتيها) ساقط من (ح) و (س)، وانظر النوادر والزيادات: 5/ 316 و 317. (¬11) سبق إيراد لفظه وتخريجه في النكاح الثاني، ص: 2056. (¬12) في (ب) و (ح) و (س) و (ق 10): (فراشها). (¬13) متفق عليه, أخرجه البخاري: 3/ 1182، في باب إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء فوافقت =

لا يعارض هذا بالحديث (¬1) الأول؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان له في بيت كل واحدة منهن فراش، وفراشهما (¬2) واحد. ولو قال: إلا أن تأتيني من غير أن أدعوكِ- كان موليًا. وفي كتاب ابن سحنون فيمن قال: والله لا أطأك إلا أن تسأليني قولان (¬3)، فقيل: هو مولٍ، ولها أن تقوم به إلى السلطان، وليس ذلك سؤالًا، وقال سحنون (¬4): ليس بمولٍ؛ لأن الامتناع من قبلها. قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما إذا كان قيامها لأَنْ يصيبها فقول سحنون صواب. وإن كان قيامها بالطلاق وليس لطلب (¬5) الإصابة، وإنما تقول: لي حق، وعلي معرة (¬6) في طلبه، وعليه أن يوفي به من غير طلب، فأنا (¬7) أقوم بالطلاق إذا لم يفعل، فالقول أنه مولٍ أحسن. وقال مالك فيمن قال: والله إن وطئتك إن شاء الله- هو مولٍ، وقال أشهب: ليس بمولٍ (¬8). فرأى مالك أن قوله: (إن شاء الله) محتمل أن يكون أراد به رفع اليمين الأول (¬9)، وما (¬10) في القرآن {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} ¬

_ = إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه، من كتاب بدء الخلق، في صحيحه, برقم (3065)، ومسلم: 2/ 1059، في باب تحريم امتناعها من فراش زوجها، من كتاب النكاح، برقم (1436). (¬1) في (ب) و (ح) و (س) و (ق 10): (الحديث). (¬2) في (ب) و (ح) و (س) و (ق 10): (وفراشها). (¬3) قوله: (قولان) ساقط من (ش 1). (¬4) قوله: (وقال سحنون) في (ح) و (س): (وقيل). (¬5) في (ش 1): (تطلب). (¬6) في (ش 1): (المعرة). (¬7) في (ش 1): (فإذا). (¬8) انظر: المدونة: 2/ 337، قال فيها: (أرأيت إن حلف بالله أن لا يقرب امرأته إن شاء الله، أيكون موليا وقد استثنى في يمينه؟ قال: سألت مالكا عنها، فقال: هو مول وقال غيره لا يكون موليًا). (¬9) قوله: (الأول) ساقط من (ب) و (ش 1). (¬10) في (ش 1): (أو ما).

[الكهف: 23، 24] فلا يكون استثناء (¬1)، وقوله ووقوفه عنها ريبة في أنه لم يرد رفع اليمين، والقول الآخر أبين، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَلَفَ فَقَالَ: إِنْ شَاءَ الله، فَقَدِ اسْتَثْنَى" (¬2) فجعل هذا كافيًا في الاستثناء ولم يفرق، ومعلوم أنه إنما ردهم في ذلك إلى ما في كتاب الله عز وجل، وهو الذي يعقلون. وإن قال عليَّ نذر إن قربتك: كان موليًا، وإن قال عليَّ نذر إن لم أقربك لم يكن موليًا؛ لأن هذا حلف ليفعلن، والأول حلف على ترك الفعل. قال ابن القاسم: وإن قال عليّ نذر أن لا أقربك- هو مولٍ (¬3)، وقال يحيى ابن عمر: ليس بمولٍ، وهو بمنزلة قوله: عليَّ نذر ألا أكلمك، وهو نذر في معصية، وهذا هو الأصل؛ لأن "أن" مع الفعل المستقبل بمعنى المصدر، فكأنه قال: علي ترك قربك ولا قربة في ذلك، وقول ابن القاسم أحسن؛ لأن الناس لا يقصدون في هذا موجب اللسان، والذي يسبق إليه من ذلك إن قربتك، وهو الذي يقصد بقوله ذلك. وقال ابن القاسم: إن حلف ليغيظنها أو ليسوءنها، فتركها أربعة أشهر؛ ¬

_ (¬1) انظر: تفريق مالك في الاستثناء في اليمين في العتبية من البيان والتحصيل: 3/ 139، ونص المسألة: (قال أشهب، وسئل مالك عن قول ابن عمر: من حلف فقال إن شاء الله فقد استثنى، فقال: إنا لنقول غير هذا، نقول: إذا حلف وقال إن شاء الله ينوي به الاستثناء فذلك له ولا حنث عليه, وإن كان إنما قال إن شاء الله لهجًا بذلك مثل قول الله عز وجل: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 23، 24] ومثل قوله: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح: 27] فليس ذلك باستثناء ولا يغني عن ذلك شيئًا). (¬2) حسن، أخرجه أبو داود: 2/ 245، في باب الاستثناء في اليمين، من كتاب الأيمان والنذور، برقم (3262)، والترمذي، في سننه: 4/ 108، في باب ما جاء في الاستثناء في اليمين، من كتاب النذور والأيمان عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، برقم (1531)، وقال الترمذي: حديث ابن عمر حديث حسن. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 337.

فليس بمولٍ (¬1). قال الشيخ -رحمه الله-: ولو كانت نيته أن يغيظها بترك إصابتها لم يكن موليًا؛ لأنه إذا أمسك عنها إلى مدة لم تتقدم العادة لتأخره إليها بالأمر البين كان قد بر في يمينه، وكان فيما بقي (¬2) من إمساكه عنها إلى الأربعة الأشهر في غير يمين، وليس الحلف على ترك إصابتها كالحلف إن أصابها؛ لأن الأول حلف ليوجَدَنَّ منه الترك، فإذا مضت مدة لم تكن العادة التأخر (¬3) عنها كان قد وجد منه الترك، والآخر حلف ألا يوجد منه وطء، فمتى وجد ذلك منه -قَرُبَ أو بَعُدَ- حنث. وكذلك الحالف ليهجرن فلانًا أو لا يكلمه، فالحالف على الهجر بر في ترك (¬4) كلامه ثلاثة أيام، والحالف ألا يكلمه يحنث في أي زمان وجد منه الكلام، غير أنه يستحسن إذا حلف ليغيظنها أن يوقف عند الأربعة أشهر (¬5)، لإمكان أن يكون قصده (¬6) اليمين ألا يصيبها، ومراعاة لأحد قولي مالك فيمن ترك إصابة زوجته أربعة أشهر (¬7) بغير يمين أنه يوقف (¬8)، وإن (¬9) قال: والله لا أطؤك، ثم قال: أردت أن لا أطأها بقدمي لم يقبل منه (¬10)، وهو مولٍ (¬11)؛ لأن هذا اللفظ مع الزوجة هو بمعنى معهود. قال ابن القاسم: ولو قال لا أجامعك في هذه الدار، وهو فيها ساكن؛ ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 338. (¬2) في (ش 1): (وكان في بقاء). (¬3) في (ش 1): (التأخير). (¬4) في (ش 1): (على الهجران يبر بترك). (¬5) في (ش 1): (الأشهر). (¬6) في (ش 1): (قصد). (¬7) قوله: (لإمكان أن يكون. . . زوجته أربعة أشهر) ساقط من (ح) و (س). (¬8) انظر: المدونة: 2/ 348. (¬9) في (ش 1): (وإذا). (¬10) في (ح) و (س): (قوله). (¬11) انظر: المدونة: 2/ 348.

فليس بمولٍ، ويأمره السلطان أن يخرجها فيصيبها (¬1)؛ لأني أخاف أن يكون مضارًا (¬2). ومحمل (¬3) جوابه فيمن يخفِّ عليه أن يمضي بأهله بمثل ذلك لغير مسكنه، ومن لا يحسن ذلك منه يكون موليًا، وأيضًا فإنَّ على الزوجة معرّة في خروجها معه لمثل هذا، وقد قال فيمن حلف ألا يصيب زوجته في هذا البلد: إنه مولٍ إذا كان يتكلف فيه المؤونة (¬4). وكذلك هذا يتكلف في مثل ذلك المؤونة ولا شك في ذلك. ¬

_ (¬1) في (ش 1): (فيجامعها). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 338، 339. (¬3) في (ش 1): (ويحتمل). (¬4) انظر المدونة: 2/ 346.

باب فيمن آلى بعتق ما يملكه فى بلد أو إلى أجل أو بصدقة ذلك

باب فيمن آلى بعتق ما يملكه فى بلد أو إلى أجل أو بصدقة ذلك (¬1) قال ابن القاسم فيمن قال لزوجته: إن أصبتك (¬2) فكل مملوك أشتريه (¬3) من الفسطاط حر: ليس بمولٍ إلا أن يشتري ذلك فيقع عليه الإيلاء من يوم يشتريه، وقال أيضًا: هو مولٍ، وبه قال غيره (¬4). وقد اختلف في هذا الأصل في كل من حلف بيمين- إن أصاب لم يلزمه (¬5) كفارة، وإنما تنعقد عليه اليمن- فقيل (¬6): لا يكون موليًا؛ لأن له أن يصيب، ثم لا تلزمه كفارة. وقيل: هو مولٍ؛ لأنه يوقف (¬7) عنها بسبب اليمين. وهو أحسن، ولا فرق بين أن يقف خوف وجوب كفارة أو خوف ما هو سبب في وجوبها (¬8). ولا يختلف أنه إن أصاب (¬9) قبل الشراء، ثم اشترى- أنه حرٌّ بما تقدم من الإصابة، قال: وإنما الاختلاف في حكمه قبل الشراء أو قبل الإصابة, فعلى القول الأول لا وقف عليه إلا أن يشتري فسيتأنف الأجل من يوم الشراء، وعلى القول الآخر لها وقفه إذا مرت أربعة أشهر من يوم الحلف، وكذلك فيما يملك من مال هل يكون موليًا من يوم الحلف (¬10) أو من يوم (¬11) يملك بالفسطاط حسب ما ¬

_ (¬1) قوله: (يملكه في بلد أو إلى أجل أو بصدقة ذلك) في (ح) و (س): (ملك أو بصدقة). (¬2) في (ح) و (س) و (ش 1): (وطئتك). (¬3) في (ش 1): (اشتريته). (¬4) انظر: المدونة:. 2/ 339. (¬5) في (ش 1): (تلزمه). (¬6) في (ب) و (ش 1): (فقال). (¬7) في (ش 1): (يقف). (¬8) في (ش 1): (لوجوبها). (¬9) في (ش 1): (أنه إذا أصابها). (¬10) قوله: (وكذلك فيما يملك. . . من يوم الحلف) ساقط من (ح) و (س) و (ش 1). (¬11) قوله: (يوم) ساقط من (ش 1).

تقدم، أو لا يكون عليه شيء فيما يملك بخلاف العتق. وقال ابن القاسم في العتبية: لا شيء عليه فيما يملك، قال: وإنما الصدقة اللازمة فيمن حلف على ما يملك يوم حلف (¬1). وقال ابن الماجشون وأصبغ في كتاب ابن حبيب: لا شيء عليه من الصدقة فيما يكسب، وإن سمى أجلًا أو بلدًا، قالا (¬2): ولا يشبه الصدقة في هذا الطلاق ولا الحرية (¬3)، ولم يروا عليه في ذلك إيلاء. وأرى أن يوقف إن لم يصب، وتطلق (¬4) عليه لإمكان أن يكون وقوفه؛ لأنه معتقد للقول الآخر اجتهادًا أو تقليدًا، ومن هذا الأصل أن يقول: والله لا أجامعك في هذه السنة إلا يومًا، فقال ابن القاسم في المدونة: لا يكون موليًا لما كان له أن يصيب، ثم لا يكون (¬5) عليه كفارة إلا أن يطأها، ويبقى من (¬6) السنة أكثر من أربعة أشهر (¬7). وقال في كتاب محمد: هو مولٍ، قال (¬8): لأن ترك وطئه لليمين، قال محمد: فإن وقعت (¬9) بعد أن بقي من السنة أربعة أشهر فلا شيء عليه (¬10)، وإن لم يكن وطئها (¬11) يريد؛ لأنه لو وقف حينئذٍ فأصاب لم يلزمه (¬12) كفارة لأنه استثنى ¬

_ (¬1) إنما وقفت عليه في المدونة: 2/ 390، قال فيها: (قلت: أرأيت إن قال: إن دخلت هذه الدار أبدا فكل مملوك أملكه فهو حر فدخل الدار؟ قال: لا يلزمه الحنث إذا حنث إلا في كل مملوك كان عنده يوم حلف). انظر: النوادر والزيادات: 4/ 142. (¬2) قوله: (قالا) ساقط من (ح) و (س). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 40. (¬4) في (ح) و (س) و (ش 1): (أو تطلق). (¬5) في (ش 1): (تكون). (¬6) زاد في (ب) و (ق 10): (بعد). (¬7) انظر: المدونة: 1/ 41. (¬8) قوله: (قال) ساقط من (ش 1). (¬9) في (ش 1): (رفعت). (¬10) قوله: (شيء عليه) في (ب) و (ش 1): (حجة لها). (¬11) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 313. (¬12) في (ش 1): (لم تلزمه).

مدة، ويصير بمنزلة من أمسك بغير يمين. قال الشيخ - رضي الله عنه -: وأن يؤمر بالإصابة أحسن؛ لأنه الوجه الذي كان له الأجل. واختلف أيضًا إذا حلف ألا يصيبها (¬1) في هذه السنة إلا مرتين فقال ابن القاسم: ليس بمولٍ لأنه إذا أصابها بعد أربعة أشهر مرة، ثم بعد أربعة أشهر مرة أخرى، فلا إيلاء عليه، وقال أصبغ: هو مولٍ؛ لأنه يمتنع من أجل اليمين، وقال محمد: قول أصبغ غلط (¬2). قال الشيخ -رحمه الله-: وأرى أن يكون لها حق في الوقف؛ لأن امتناع هذا ألا (¬3) يصيب إلا من بعد أربعة أشهر من الضرر، ومحمل القرآن على من لا يتكرر ذلك منه. وقال ابن القاسم في العتبية فيمن قال: إن وطئتك كذا وكذا مرة فأنت طالق: هو مولٍ، ويوقف إذا مضت أربعة أشهر من يوم قال ذلك (¬4). يريد: لأن وقوفه الآن خوف أن ينقضي ذلك العدد الذي سماه فينعقد اليمين عليه، وعلى القول الآخر لا يكون موليًا إلا أن يبقى من تلك التسمية مرة، ومن هذا الأصل إذا قال: إن وطئتك فوالله لا أطؤك، فقال في كتاب محمد: ليس بمولٍ (¬5). يريد: لأنه لا تجب (¬6) عليه كفارة إذا أصاب، وإنما ينعقد (¬7) عليه يمين (¬8)، وعلى القول الآخر أنه (¬9) مولٍ لأنه يقف عنها الآن ¬

_ (¬1) قوله: (ألا يصيبها) يقابله في (ش 1): (لا أطؤك). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 313. (¬3) في (ش 1): (لا). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 6/ 180، والنوادر والزيادات: 5/ 313. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 319. (¬6) في (ب) و (ح) و (س) و (ق 10): (لا يجب). (¬7) في (ش 1): (تنعقد). (¬8) في (ش 1): (اليمين). (¬9) في (ش 1): (هو).

فصل [فيمن قال إن وطئتك فأنت طالق هل يكون موليا؟]

خوف أن ينعقد عليه يمين. وقال فيمن حلف لامرأتيه، فقال: والله لا أطأ إحداكما سنةً، ولا نية له في إحداهما، ليس بمولٍ إلا أن يصيب إحداهما فيكون في الأخرى موليًا (¬1)، وعلى القول الآخر يكون موليًا من الآن؛ لأنه يمسك خوف أن تنعقد عليه اليمين متى أصاب إحداهما. فصل [فيمن قال إن وطئتك فأنت طالق هل يكون موليًا؟] وإن (¬2) قال: إن وطئتك فأنت طالق كان موليًا، ولها أن توقفه عند الأربعة الأشهر، فإن أصاب وإلا طلق عليه (¬3). واختلف في صفة ما يباح له منها، وهل ذلك بشرط أن ينوي رجعة؟ فقيل: له أن يصيب (¬4) وينزل؛ لأنه الوطء المعتاد، وبه (¬5) يحنث. وقيل: يصيب ما دون الإنزال، ولا ينزل إلا أن ينوي مراجعة؛ لأن الإنزال زائد على الوطء، وقد حنث بما كان قبل أن ينزل. وقيل: له مغيب الحشفة لأنه يحنث بأقل (¬6) ما يقع عليه اسم الوطء، ولم يرَ النزوع منها (¬7) وطأ. وقيل: يمنع منها ابتداء؛ لأنه يحنث بمغيب الحشفة، والنزوع منها وطء يلتذ به (¬8). وهو أحسن على تسليم القول أنه يحنث بالأقل. ثم يختلف هل يسقط عنه بذلك حكم الإيلاء؟ فعلى قول ابن القاسم ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 314. (¬2) في (ش 1): (وإذا). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 336 , 337. (¬4) في (ح) و (س): (يطأ). (¬5) في (ب): (ولم). (¬6) في (ح) و (س): (بأول). (¬7) قوله: (منها) ساقط من (ش 1). (¬8) في (ش 1): (والنزوع وطء ومما يتلذذ به).

يسقط؛ لأنه قد حنث. وعلى قول عبد الملك لا يسقط عنه نوى الرجعة أم لا؛ لأنه يقول: لا يسقط الإيلاء إلا بالمصاب، وإذا كان ذلك فمن حقها الوطء التام، والإنزال لحقها في الولد، ولأنه لو حلف بالله وأصاب ذلك القدر لم يسقط حقها في الإيلاء، وهو يحنث بالأقل ولا يبرئه (¬1)، فالحنث يقع بمغيب الحشفة، وحقها في الإيلاء (¬2) في الوطء، فإن أصاب وهي في العدة بعد أن ينوي الرجعة، وإلا طلق عليه (¬3). واختلف إذا قال: إن وطئتك فأنت طالق البتة كالاختلاف (¬4) الأول، قيل (¬5): يمنع الوطء جملة؛ لأنه يحنث بأول الملاقاة، وتبين منه، والنزوع وطء لمن حرمت عليه، وهو قول مالك (¬6)، وقال ابن الماجشون: له مثل (¬7) ذلك مما يوجب الغسل لا أكثر منه. وقال ابن القاسم: له ذلك حتى ينزل، وقال أصبغ (¬8): له أن يصيب ولا ينزل فيها، قال: وأخاف إن أنزل أن يكون الولد لزنا (¬9). ولم يختلفوا أنه لو نزع قبل تمام ذلك أنه يمنع من المعاودة (¬10)، وينبغي على ¬

_ (¬1) في (ح) و (س): (يجزئه). (¬2) قوله: (وهو يحنث بالأقل ولا يبرئه، فالحنث يقع بمغيب الحشفة, وحقها في الإيلاء) ساقط من (ش 1). (¬3) قوله: (وحقها في الإيلاء في الوطء. . . وإلا طلق عليه) ساقط من (ح) و (س). (¬4) في (ش 1): (كالخلاف). (¬5) في (ش 1): (فقيل). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 316. (¬7) قوله: (مثل) ساقط من (ب)، وفي (ش 1): (من). (¬8) قوله: (أصبغ) ساقط من (ح) و (س). (¬9) في (ش 1): (زنا). وانظر: النوادر والزيادات: 5/ 315، 316. (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 316.

فصل [فيمن قال لزوجته والله لا أطؤك حتى تفطمي ولدك هل يكون موليا؟]

أصل مالك أن يمنع من الإصابة المعتادة، قياسًا على قولهم بوقوع الطلاق إلى أجل؛ لأنه عالم أن بتمام الوطء يقع الطلاق. واختلف بعد القول أنه لا (¬1) يمكَّن من الإصابة، هل يعجل الطلاق الآن؟ فقيل: لا يعجل قبل أجل الإيلاء؛ لأنها قد ترضى بالمقام من غير (¬2) إصابة وقيل: يعجل بالطلاق (¬3)؛ لأن الأجل إنما كان ليفيء بالإصابة، وهذا (¬4) ممنوع منها (¬5). وأرى أن يعجل الطلاق وإن لم تقم بذلك إذا كان لا تؤمن ناحيته في بقائه معها. ويختلف إذا حلف أنه لا يطأها (¬6) فأصاب بين الفخذين، فقال ابن القاسم: يحنث ولا يسقط الإيلاء (¬7). فأحنثه لأن القصد اجتنابها، ولا يسقط الإيلاء لأن من (¬8) حقها الإصابة في الفرج (¬9)، ولإمكان (¬10) أن تكون نيته باليمين أن يعتزلها في الفرج فيكون وقوفه عنها لئلا يحنث. وعلى القول أن محمل الأيمان على العادة لا يحنث، ولا يختلف أنه لو (¬11) حلف ليصيبنها لم يبر إلا بالإصابة في الفرج. فصل (¬12) [فيمن قال لزوجته والله لا أطؤك حتى تفطمي ولدك هل يكون موليًا؟] وقال مالك فيمن قال لزوجته: والله لا أطؤك حتى تفطمي ¬

_ (¬1) قوله: (لا) ساقط من (ش 1). (¬2) في (ش 1): (بغير). (¬3) في (ش 1): (الطلاق). (¬4) في (ش 1): (وهو). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 316. (¬6) في (ش 1): (لا وطئها). (¬7) انظر: المدونة: 4/ 518. (¬8) قوله: (من) زيادة من (ش 1). (¬9) في (ح) و (س): (في الوطء). (¬10) حرف الواو زيادة من (ش 1). (¬11) في (ش 1): (إن). (¬12) في (ح) و (س): (باب).

ولدك (¬1)، ليس بمولٍ، قال ابن القاسم: لأن هذا أراد إصلاح (¬2) ولده، وليس على وجه الضرر (¬3). وذكر عن أصبغ أن لها الفراق إذا لم يفِئ، وهو أقيس؛ لأن لها حقًا في الوطء، ولا حق للولد في تركه، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّهُ لاَ يَضُرُّ" (¬4) فلا يترك حق وجب بالقرآن لمن لم يجعل له النبي - صلى الله عليه وسلم - حقًا. وللمرأة القيام بالطلاق لعدم الإصابة في حضور (¬5) الزوج وغيبته، فأما في حضوره فهو على ستة أقسام: أحدها: أن يحلف على ترك الإصابة. والثاني: أن يحلف بطلاقها ليفعلن فعلا فيمتنع (¬6) الوطء لأجل يمينه حتى يبره (¬7). والثالث: أن يترك الوطء من غير يمين وهو قادر. والرابع: أن ينزل به أمر يقطع ذلك عنه. والخامس: أن يحبسه سلطان (¬8). والسادس: أن يشهد عليه شاهد بالطلاق، ويمتنع من اليمين. وكل قسم من هذه الستة (¬9) الأقسام يتصرف على وجوه: فإن حلف على ترك الوطء قصدًا للضرر- كان لها (¬10) الفراق عند انقضاء الأربعة الأشهر (¬11) إذا لم يفئ حسب ما ورد به القرآن (¬12). وإن كان (¬13) اليمين إرادة الإصلاح ليس للضرر، كالذي يحلف على ترك ¬

_ (¬1) في (ح) و (س): (يفطم ولدي). (¬2) في (ش 1): (صلاح). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 340. (¬4) سبق تخريجه في كتاب الرضاعة, ص: 2164. (¬5) من هنا سقط نصف لوحة في (ح) لوحة 98 / ب. (¬6) في (ب) و (ح) و (س) و (ق 10): (فلا يمنع). (¬7) في (ب) و (ح) و (س) و (ق 10): (يبر). (¬8) في (ش 1): (السلطان). (¬9) قوله: (الستة) ساقط من (ش 1). (¬10) قوله: (لها) ساقط من (ب). (¬11) في (ش 1): (أشهر). (¬12) انظر: التفريع: 2/ 33. (¬13) في (ش 1): (كانت).

الوطء حتى يفطم ولدها- كان الجواب فيه على ما تقدم. وإن قال أردت بذلك صلاح جسدي ولضرر ذلك لي (¬1)، فإن كان صحيح البنية لم يكن ذلك له، وإن كان ضعيف البنية وضرب أجلًا، ويرى (¬2) أن فيه صلاحه- لم تطلق عليه، وإن جاوز الأربعة أشهر (¬3)، وإن طول في الأجل فوق ذلك كان لها أن تقوم بالفراق، وكذلك إذا لم يضرب أجلًا كان لها أن تقوم بالفراق إذا لم يفئ، فإن كان الأجل (¬4) الذي يكون فيه صلاحه قبل الأربعة أشهر لم يقع عليه عند الأربعة أشهر، وإن كان فوق ذلك لم يعجل عليه (¬5) بالطلاق حتى يبلغ الأمد (¬6) الذي لا يضر به. وإن حلف بالطلاق ليفعلن فعلًا فمنع من الإصابة لأجل يمينه وأمكنه فعل ما حلف عليه، فلم يفعل- كان لها أن تقوم بالفراق إذا انقضى الأجل الذي ضرب له، وإن لم يمكنه فعل ما حلف عليه وهو عالم أن يمينه تمنع من الإصابة- كان لها الفراق. وإن كان ممن يجهل ذلك لم تطلق عليه؛ لأنه لم يقصد ضررًا (¬7) على القول أن الطلاق لا يوقع إلا على من قصد الضرر، وإن ترك الإصابة من غير يمين اختيارًا أو قصدًا للضرر- كان لها أن تقوم بالفراق من غير أن يضرب له (¬8) أجل، وقال أيضًا: لا يفرق إلا بعد مضي أربعة (¬9) أشهر كالمولي، وهو أحسن؛ لأنها المدة التي يلحق فيها الضرر، فلا تطلق عليه دونها، ولا يزاد عليها. ¬

_ (¬1) في (ش 1): (بي). (¬2) في (ش 1): (ورأى). (¬3) في (ش 1): (الأشهر). (¬4) في (ب) و (ح) و (س) و (ق 10): (الأمر). (¬5) قوله: (عليه) زيادة من (ش 1). (¬6) في (ب) و (ح) و (س) و (ق 10): (الأمر). (¬7) في (ش 1): (الضرر). (¬8) في (ش 1): (لها). (¬9) في (ش 1): (الأربعة).

وإن ترك ذلك بغير يمين لصلاح جسمه جرى على (¬1) الجواب على ما تقدم إذا كان بيمين. وإن كان لاشتغاله بعبادة كان لها الفراق، وأن تقوم بحقها في ذلك وهو قول مالك. وقوله في هذه المسألة أصل في كل من ترك الإصابة غير مضار أن ذلك لا يسقط حقها في ذلك من القيام بالفراق. وإن كان غير قادر على الإصابة لأنه قطع ذكره أو لعلة نزلت به- كان في المسألة قولان، فقال مرة: لا مقال لها (¬2)، وقال في مختصر ما ليس في المختصر: لها القيام بالفراق، وإن قطع ذكره. ولو فعل ذلك بنفسه خطأً كان على الخلاف، وقد جرى ذلك لبعض الناس، أراد الاستحداد فنزلت يده فقطع ذكره. وإن تعمد ذلك كان لها الفراق قولًا واحدًا، وإن شرب دواءً ليقطع منه شهوة النساء، كان لها الفراق، وكذلك إن (¬3) شربه لعلاج علة به وهو عالم أنه يذهب ذلك أو شاك كان لها الفراق. وإن كان الامتناع لحبس سلطان، وقصد بحبسه، ليحول بينه وبين زوجته أو ليغرمه مالًا وهو غير قادر عليه أو قادر، وذلك مما يجحف به- لم يفرق بينهما، وإن طال سجنه (¬4) ولو كان ذلك المال يسيرًا لكان لها مقال. وإن شهد عليه شاهد بالطلاق ولم يحلف كان لها أن تقوم بالفراق (¬5)، ويضرب له أجل الإيلاء إذا لم يكن عندها علم من صحة شهادة الشاهد، فإن كانت عالمة بصحة شهادته لأنها كانت حاضرة لطلاقه أو ليمينه وحنثه أو اعترف عندها بذلك- لم تكن لها مطالبة بالوطء إذا كان الطلاق ثلاثًا، أو ¬

_ (¬1) قوله: (على) زيادة من (ش 1). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 348. (¬3) في (ش 1): (لو). (¬4) في (ق 10) و (ش 1): (حبسه). (¬5) في (ق 10): (بالطلاق).

فصل [قيام المرأة بالفراق لعدم الإصابة لفقدان الزوج]

واحدة وانقضت العدة؛ لأنها معترفة أنها عليه حرام، ولو أراد ذلك لم يحل لها أن تُمَكِّنَهُ من نفسها. فصل [قيام المرأة بالفراق لعدم الإصابة لفقدان الزوج] ولها القيام بالفراق بعدم (¬1) الإصابة إذا كان فقيدًا (¬2). قال الشيخ أبو بكر الأبهري في الطلاق على المفقود: لأن الضرر فيه أكثر من ضرر المولي إذ كأن المفقود عدم منه (¬3) الوطء. يريد: لما كان الفراق، وإن كان (¬4) المال موقوفًا لا يقسم إلى التعمير علم أن ذلك لحقها في الوطء. ويختلف في الأسير، فقال مالك: لا تطلق عليه ما دام حيًا (¬5). ويجري فيها قول آخر أنها تطلق عليه، قياسًا على أحد قولي مالك فيمن قطع ذكره بعد البناء أن لها أن تقوم بالفراق، فإن لم يكن أسيرًا وكان في موضع تبلغه المكاتبة، وطالت إقامته كتب إليه: إما أن يقدم وإما أن يفارق أو تطلق عليه. قال مالك: وإن كان يبعث بالنفقة فالسنة قريب، وإن كان بموضع لا تبلغه مكاتبة أو تبلغه ويتعذر إتيانها أو معرفته أو معرفة من ينقل الشهادة عنه كان لها أن تقوم بالفراق؛ لأن محمله في مقامه على أنه مختار لذلك إلا أن يثبت أنه ممنوع فيكون له حكم الأسير, وإن فسدت الطريق (¬6) وحيل بين الناس وبين السفر من هنالك كان له حكم الأسير إلا أن يعلم أنه غير راغب في القدوم، فلها أن تقوم بالفراق. ¬

_ (¬1) في (ق 10): (بعد مضي). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 246. (¬3) قوله: (منه) ساقط من (ق 10). (¬4) في (ق 10): (وكان). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 347. (¬6) فى (ش 1): (الطرق).

فصل [فيمن آلى من امرأته إلى ثمانية أشهر فأوقفته عند الأربعة أشهر فطلق ثم ارتجع]

فصل [فيمن آلى من امرأته إلى ثمانية أشهر فأوقفته عند الأربعة أشهر فطلق ثم ارتجع] وقال مالك فيمن آلى من امرأته إلى ثمانية أشهر، فوقفته عند الأربعة أشهر فلم يفئ فطلق عليه ثم ارتجع، فإن انقضت الأربعة الأشهر الباقية، قبل تمام العدة، كانت رجعته ثانية (¬1). قال الشيخ -رحمه الله-: الرجعة تثبت بما كان يسقط به الإيلاء لو لم يحكم بالطلاق، وذلك بأحد (¬2) ثلاث: بالإصابة، وبانقضاء بقية الأجل، وبالكفارة وإن لم يصب، وعلى قول عبد الملك وهو أحد قولي مالك لا تصح رجعته إلا بالمسيس (¬3)، فإن انقضى الأجل ولم يمس لم تصح رجعته، كما لا تصح فيه (¬4) قبل الطلاق، ولا يسقط الإيلاء بالكفارة. واختلف إذا آلى ولم يضرب أجلًا، ولم يفئ عند انقضاء الأربعة أشهر، وطلق عليه ثم ارتجع، ولم يصب ورضيت الزوجة بذلك، فأجاز ذلك ابن القاسم ومطرف وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب فيمن حلف بطلاق زوجته أنه لا يصيبها إلى سنة فطلق عليه بالإيلاء أن له أن يرتجعها؛ لأن لها أن تقيم معه بغير وطء إلى انقضاء السنة. فأجازوا رجعتها وإن لم يصب إذا رضيت بذلك. وقال سحنون في السليمانية: لا تصح رجعته إلا بالوطء، قال (¬5): لأن الرجعة حد من حدود الله تعالى، قال: وكذلك الذي يطلق عليه لعدم النفقة، ¬

_ (¬1) في (ش 1): (ثابتة)، وانظر: المدونة: 2/ 340. (¬2) في (ش 1): (بإحدى). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 205. (¬4) في (ش 1): (فيأته). (¬5) في (ش 1): (قيل).

ثم ارتجع ولم ييسر في النفقة (¬1)، ورضيت بذلك- لم تكن رجعة، قال: ولا تهدم (¬2) عدة تثبت (¬3) بطلاق إلا بزوال المعنى الذي كان له الطلاق. والأول أحسن؛ لأن الطلاق لعدم المسيس ولعدم النفقة من حقها (¬4)، وليس ذلك حق (¬5) لله تعالى، فإذا أسقطت حقها في ذلك كله (¬6) جاز، كما كان (¬7) لها ذلك قبل الطلاق. واختلف إذا رضيت زوجة المولي عند انقضاء الأجل بتركه، وقالت: لا حاجة لي بتوقيفه ثم قامت به، فقال مالك في كتاب محمد: ذلك لها، ويوقف مكانه من غير استئناف أجل (¬8). وقال أصبغ: تحلف بالله ما كان تركها للأبد، وإنما كان للنظر فيه (¬9) ثم يوقف ثانية، فإن فاء وإلا طلق عليه (¬10). وقول مالك أحسن؛ لأنها تركت ما لا تُقدر (¬11) على الوفاء به، ولا الصبر عليه (¬12) مع كون الزوج معها مضاجعًا أو مخليًا، وليمست كامرأة المجبوب؛ لأن اليأس منه لعدم ذلك، وهي في تركها بمنزلة من تركت يومها قي القسم لضرتها فلها القيام؛ لأنها لا تستطيع الصبر. واختلف في الجذام يحدث بالزوج، فقال أشهب: إن تفاحش ولم يُحْتَمَلِ (¬13) النظر إليه، وتُغَضُّ الأبصار دونه كان لها الخيار في الفراق، فإن ¬

_ (¬1) في (ب) و (ح) و (س) و (ق 10): (ولم يعسر بالنفقة). (¬2) في (ش 1): (يهدم). (¬3) في (ش 1): (ثبتت). (¬4) قوله: (من حقها) يقابله في (ش 1): (لحقها). (¬5) في (ش 1): (لحق). (¬6) قوله: (كله) ساقط من (ش 1). (¬7) قوله: (كان) زيادة من (ش 1). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 311. (¬9) في (ش 1): (تنتظر فيأته). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 311. (¬11) في (ب) و (ح) و (س) و (ق 10): (يُقدر). (¬12) قوله: (عليه) ساقط من (ش 1). (¬13) في (ش 1): (ولا تحتمل).

رضيت بالمقام، ثم بدا لها كان ذلك لها (¬1). قال ابن القاسم: لها أن تقوم بالفراق، يريد (¬2): لأنها تقول: ظننت أنه لا يزيد (¬3). وإذا كانت الزوجة أمة وأرادت أن تترك القيام وقام (¬4) السيد، قال محمد بن المواز: ذلك له ولأصبغ في ثمانية أبي زيد مثله، فقال: إن تركت كان للسيد القيام، وإن ترك السيد وقامت هي (¬5) كان القول قولها؛ لأنه حق جعله الله لها، وهي من الأزواج، قال: ولو فقد زوجها وأرادت أن يضرب لها أجل المفقود (¬6) لتحل إذا مضى ذلك (¬7) الأجل، وأبى ذلك السيد- كان ذلك لها؛ لأنها ترجو العتق، ولو رضيت بالمقام، وقام السيد كان ذلك له. قال الشيخ -رحمه الله-: وإن تبين أنه مجبوب فرضيته وكره السيد، أو رضي السيد وكرهته- كان القول قول من كره (¬8) منهما، وإن تبين أنه خصي كان الرضا أو الكراهية (¬9) والرد للسيد دونها؛ لأن للسيد أن يزوجها خصيًا، وإن كرهت. ¬

_ (¬1) قوله: (لها) ساقط من (ش 1). وانظر: النوادر والزيادات: 4/ 534. (¬2) قوله: (يريد) يقابله في (ش 1): (إن كان يزيد) (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 535، وعبارته (قال: وإذا خيرها الإمام فى الأجذم فاختارت المقام، ثم قامت بعد سنين. قال ابن القاسم: فإن زيد أمره على ما هو أردى وأشد فذلك لها، وإن لم يتزيد فلا حجة لها إذا رضيت به عند السلطان أو عند غيره أو أشهدت. وكذلك روى عيسى، عن ابن القاسم، قال: ولا حجة لها إذا قالت: ظننت أنه سيذهب). (¬4) في (ش 1): (وأقام). (¬5) قوله: (هي) زيادة من (ش 1). (¬6) قوله: (لها أجل المفقود) يقابله في (ش 1): (أجلا). (¬7) قوله: (ذلك) ساقط من (ش 1). (¬8) في (ش 1): (كرهه). (¬9) في (ش 1): (لكراهة).

فصل [فيمن آلى بالله تعالى ثم بعد شهر آلى بحج]

فصل [فيمن آلى بالله تعالى ثم بعد شهر آلى بحج] وإن آلى الرجل من زوجته بالله تعالى، ثم بعد شهر آلى منها بحج، فلما مضت أربعة أشهر من يوم آلى (¬1) بالله وقفته، فإن فاء بالوطء سقط حكم الإيلاءين جميعًا؛ لأنه بالوطء حانث في اليمينين جميعًا (¬2)، وإن فاء عن الأول بالكفارة كان لها أن توقفه إذا تم إيلاء الحج فيصيب أو يطلق عليه، وإن لم يفئ عن الإيلاء الأول بوطء ولا بكفارة فطلق عليه ثم حل الإيلاء بالحج لم يكن لها قيام؛ لأن الطلاق بالأول يجزئ عن الثاني؛ لأنها به أقرب إلى خروجها من عصمته، فإن ارتجع لمَا طلق عليه بالأول، وأصاب صَحَّتْ رجعته، وحنث باليمين، وإن لم يصب حتى انقضت العدة بطلت رجعته وبانت بانقضاء العدة، وإن كفر عن الأول لما ارتجع صحت رجعته، فإذا تم الإيلاء بالحج وقفته أيضًا، وكل هذا فعلى أحد قولي مالك أن الفيئة (¬3) تصح بإسقاط اليمينين، وإن لم يصب. ¬

_ (¬1) في (ب) و (ح) و (س) و (ق 10): (الإيلاء). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 340. (¬3) في (ش 1): (الفيأة).

باب في دخول الإيلاء على من حلف بالطلاق ليفعلن

باب في دخول الإيلاء على من حلف بالطلاق ليفعلن وقال ابن القاسم فيمن حلف بطلاق امرأته ليجلدن غلامه جلدًا يجوز له، ثم باع الغلام قبل أن يجلده: يوقف عن امرأته, ويضرب له أجل المولي، فإن لم يرجع إليه العبد، طلق عليه, فإن ارتجع كانت رجعته موقوفة, فإن ملكه وضربه، صَحَّتْ رجعته, وإن لم يملكه حتى انقضت العدة بانت وبطلت رجعته (¬1)، فإن تزوجها عاد عليه الوقف (¬2)، فإن ملكه وجلده برت يمينه (¬3). والخلاف في هذه المسألة في أربعة مواضع: أحدها: هل تطلق عليه بنفس بيع العبد. والثاني: هل يبر بضربه (¬4) وهو في ملك المشتري. والثالث: هل تصح رجعته إذا رضيت الزوجة ولم يملك العبد. والرابع: هل يجوز ترويجه امرأته تلك أو يكون فاسدًا. فقال ابن دينار هو (¬5) حانث ساعة باع العبد، وقد وقع عليه الطلاق وجعل (¬6) يمينه على ذلك الملك، وحمل ابن القاسم اليمين على مجرد اللفظ في ¬

_ (¬1) هنا ينتهي السقط من (ح). (¬2) في (ش 1): (الوقوف). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 340. (¬4) في (ب) و (ح) و (س) و (ق 10): (هل يتربص به). (¬5) قوله: (هو) ساقط من (ش 1). (¬6) في (ش 1): (وحمل).

قوله: لأضربنه، ولم يفرق بين ذلك الملك ولا غيره (¬1). ولو جنى عند المشتري جناية فمكنه المشتري من عقوبته لبر على قول من حمل الأيمان على موجب اللفظ؛ لأنه ضربه ضربًا يجوز له، ولو ارتجع زوجة (¬2) وهي في العدة ولم يملك العبد فرضيت بالرجعة كانت رجعة (¬3) صحيحة عند ابن القاسم، وليست برجعة عند سحنون (¬4). وأجاز ها هنا أن يتزوجها بعد انقضاء العدة، وإن كان نكاحًا يمنع فيه من الإصابة، وهو موقوف عن الزوجة إلى أن يملك العبد وهو لا يدري هل يملكه (¬5) أم لا؟ وقال ابن القاسم فيمن تزوج صغيرة على أنه (¬6) إن تزوج عليها، فأمْرُ التي يتزوج بيدها، فتزوج عليها وهي صغيرة لا تعقل، قال (¬7): نكاحه فاسد (¬8) (¬9). يريد: لما كان ممنوعًا من الوطء إلى أن تكبر الصغيرة، وهذا أحسن. ولو حلف بالطلاق ليحجن ولم يوقت عامًا بعينه- كان له أن يصيب زوجته ما بينه وبين خروج الناس، فإذا أمكنه الخروج منع (¬10). وقال أيضًا: إذا جاء وقت إن خرج لم يدرك الحج منع (¬11)، وإن جاء وقت خروج الناس فكان خوف من اللصوص أو أعسر الحالف لم يمنع من زوجته (¬12). وإذا لم يكن مانع ورفعت أمرها ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 341. (¬2) في (ش 1): (زوجته). (¬3) في (ش 1): (رجعته). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 341. (¬5) في (ش 1): (يملك). (¬6) قوله: (أنه) زيادة من (ش 1). (¬7) في (ش 1): (كان). (¬8) في (ش 1): (فاسدًا). (¬9) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 138، والذي وقفت عليه في نص العتبية قوله: (وقال ابن القاسم في رجل تزوج صبية صغيرة وشرط لها عليه إن تزوج عليها فأمر التي تزوج عليها بيدها، فتزوج عليها وهي صغيرة لا تعقل، قال يفسخ نكاحه). (¬10) في (ش 1): (منع منه). وانظر: المدونة: 2/ 341، النوادر والزيادات: 4/ 195. (¬11) في (ش 1): (يمنع). وانظر: المدونة: 2/ 341. (¬12) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 323.

إلى السلطان وقامت بقرب فوت الحج كان لها أن تطلق عليه من غير أجل؛ لأنه لا يقدر على أن يفي بالحج في أجل الإيلاء (¬1)، وقيل: يضرب له الأجل رجاء أن تصبر (¬2). وإن كان قيامها بعد أن مضت مدة, وكان يقدر على أن يأتي بالحج في أجل الإيلاء- لم يعجل عليه (¬3) بالطلاق، وكذلك إذا كان لا يأتي به في الأجل، ولكنه يأتي به في العدة، فإنه لا يعجل عليه بالطلاق. وقال في العتبية: لا يصيب زوجته من أول حلفه حتى يحج، فإن قال: بيني وبين ذلك زمان، قلنا له: فأحرم واخرج وأَهِلَّ، فإنها إن رفعت ذلك ضُرِبَ له أجل المولي (¬4). وهذا هو الصواب (¬5)، ولا يكون أعلى رتبة ممن ضَرب لبره أجلًا، فقد قيل: إنه لا يصيب إذا لم يمكن من الإصابة كان لها أن تقوم به من الآن، ويعتبر أمره في أول مرة على ما تقدم في العام الثاني أنه ينظر فيه، فإن ضرب له أجل المولي عندما رفعته هل يقدر على الإتيان بالحج في الأجل أو في العدة إن طلق عليه بعد أجل الإيلاء؟ فإن كان يقدر على ذلك لم يعجل بالطلاق، وإلا عجل. واختلف في كتاب محمد أنه (¬6) إذا كانت له إصابة في أول عام ثم فاته حج ذلك العام، هل يعود إلى الإصابة؟ ومثله إذا حلف ليخرجن إلى بلد سماه في وقت لا يمكنه الخروج. قال محمد: للصوص، أو لأنه لا يجد كراءً، فإنه لا يمنع من زوجته، فإن أمكنه الخروج حِيلَ بينه وبينها، فإن عاد امتناع الطريق قبل الخروج، عاد إلى الإصابة على أحد القولين. وقال محمد: إن قال: امرأتي طالق إن حج فلان أو إن سافر فلا شيء عليه، ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 341. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 159. (¬3) قوله: (عليه) ساقط من (ب) و (ش 1). (¬4) في (ش 1): (الإيلاء). وانظر: البيان والتحصيل: 6/ 217. (¬5) في (ب): (الأصوب). (¬6) قوله: (أنه) ساقط من (ش 1).

فصل [فيمن حلف ليكلمن فلانا وفلان غائب]

ولا يمنع حتى يحج أو يسافر فيحنث- يريد: لأنه على بِرٍّ -، قال: ولو قال: امرأته طالق إن لم يحج فلان لم يمنع من امرأته حتى يأتي إبَّانُ الحج، فإن حج فلان وإلا طلق عليه، وإن خرج وقت الحج ولم يخرج طلق عليه مكانه، وليس بمنزلة الذي حلف على نفسه ليحجن فيذهب وقت الحج، فهو مولٍ (¬1). فحمل يمين الحالف على غيره ليحجن أنه إنما يريد: هذا العام، وليس القصد أن يتأخر حتى يموت المحلوف عليه، كان الحالف حيًا أو ميتًا. ولو حلف بالطلاق أنه لا يصيب زوجته حتى يحج أو يخرج إلى بلد كذا- كان موليًا، وليس كالأول؛ لأن ذلك حلف ليحجن، ولم يحلف على ترك الوطء، وهذا حلف على ترك الوطء حتى يحج، وإن حلف بالطلاق ليخرجن إلى بلد كذا- كان ممنوعًا من الوطء حتى يأتي ذلك البلد، ويصل إليه، ولا يبر بنفس الخروج إليه. وقال محمد: إن خرج من فوره لم يمنع من زوجته (¬2) كما لو قال: أنت طالق إن لم أهجر فلانًا شهرًا فمضى في هجرته لم يمنع المصاب؛ لأنه على بر، والأول أحسن؛ لأنه إنما غر في الماضي، وهو على حنث في الباقي حتى يوفي به. فصل [فيمن حلف ليكلمن فلانا وفلان غائب] واختلف إذا حلف ليكلمن فلانًا وفلان غائب، فقال محمد: لا يوقف على (¬3) الوطء حتى يقدم فلان ولو أقام أبدًا أو مات قبل أن يقدم لم يكن عليه شيء (¬4). وقال أيضًا: لو حلف بطلاق امرأته ليكلمن فلانًا أو ليقضينه حقه وبينه وبينه أكثر من أربعة أشهر فليس بمولٍ، ولا يضرب له أجل المولي إذا لم يفرط ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 328. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 328. (¬3) في (ش 1): (عن). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 318.

في الخروج؛ لأنه لا يمنع من الوطء (¬1). فجعل عليه أن يخرج إليه، فإن فرط (¬2) لم يصب، ومرة لم ير ذلك ورآه في سعة حتى يقدم فلان. وأرى إذا كانت اليمين ليكلمنه وكانت غيبة المحلوف عليه على وجه السفر ليعود- ألا يكون عليه أن يخرج إليه، وهو على يمينه حتى يقدم (¬3)، فإن كان هناك مسكنه، ومقامه (¬4) بذلك الموضع أن يخرج إليه ليبر، وأما القضاء فإن كان الحق عينًا حيل بينه وبين زوجته حتى يرفع إلى السلطان أمره (¬5)، ويقضي ذلك الحق، ويبرئه منه. وكذلك إذا حلف ليكلمنّ فلانًا أو لا يركبنّ هذه الدابة وإذا (¬6) كان الدين عرضًا يجب قضاؤه ببلد الحالف، فإن كان القضاء ببلد المحلوف عليه كان عليه أن يخرج أو يوكل من يقضي عنه، ويمنع من أهله حتى يقضي، أو يخرج وكيله بفور يمينه (¬7) فيجوز له أن يصيب أهله (¬8) على أحد القولين (¬9). وقد اختلف في هذا الأصل فيمن حلف بالطلاق ليكلمن فلانًا أو ليركبن هذه الدابة أو ليدخلن هذه الدار أو ليتزوجن، فقيل: يحال بينه وبين زوجته على أي وجه كان يمينه، وسواء ضرب أجل (¬10) أم لا. وقيل: إن ضرب أجلًا لم يمنع وإن لم يضرب أجلًا منع. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 318. (¬2) زاد في (ق 10): (كأن). (¬3) زاد في (ق 10): (فلان). (¬4) قوله: (ومقامه) ساقط من (ح) و (س)، وفي (ش 1): (وهو مقيم). (¬5) قوله: (أمره) ساقط من (ش 1). (¬6) قوله: (حلف ليكلمنّ فلانًا أو لا يركبّن هذه الدابة وإذا) زيادة من (ش 1). (¬7) قوله: (يمينه) في (ق 10): (ذلك). (¬8) قوله: (أهله) ساقط من (ب). (¬9) قوله: (أهله على أحد القولين) ساقط من (ش 1). (¬10) في (ش 1): (أجلًا).

وفي كتاب محمد: لا يمنع إذا حلف ليكلمن فلانًا أو ليركبن هذه الدابة، وإن لم يضرب أجلًا لأن حياتهما كالأجل ويمنع فميا سوى ذلك إذا لم يضرب أجلًا (¬1). ولابن كنانة عند ابن حبيب عكس ذلك: أنه يمنع في الكلام والركوب، ولا يمنع في التزويج ودخول الدار؛ لأن ذلك مما لا يفوت فعله إلا بموته، فأشبه من قال: أنت طالق بعد موتي. والقول الرابع أنه إذا لم يتمكن (¬2) له فعل ما حلف عليه كالذي حلف ليخرجن إلى بلد فحيل بينه وبين الخروج أو كانت يمينه ليتزوجن فلانة فلم يزوجوه- لم يحل بينه وبين زوجته. وأرى المنع في جميع هذه الوجوه على وجه الاستحسان لما ضَارَعَ (¬3) الطلاقَ إلى أجل، لإمكان ألا يبر في يمينه فيقع عليه الحنث بعقد (¬4) اليمين المتقدم ولا يجب ذلك؛ لأن حل العقد بيده إن شاء فعل وبر في يمينه، وإن شاء لم يفعل، ويكون كالذي اختار إيقاع الطلاق لما كان له أن يفعل، فلا يحنث، وفارق بهذا الطلاق إلى أجل؛ لأن ذلك لا وجه له في رفعه. وقد قال مالك في مختصر ما ليس في المختصر فيمن حلف بالطلاق إلى أجل (¬5) ليفعلن: إن ترك الوطء محدث، وليس من الأمر (¬6) القديم. يريد: أنه لم تكن الفتيا تمنع من ذلك، وهذا على أن الطلاق إلى أجل مختلف فيه، وقول ابن كنانة في هذا أحسن؛ لأنه إنما يؤمر بالكف من كان يترقب من الحنث في الحياة، وسواء ضرب أجلًا أو لم يضرب، ولا يؤمر بذلك من كان لا يحنث إلا بموت نفسه أو موت زوجته. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 318. (¬2) في (ش 1): (يمكن). (¬3) في (ش 1): (صار). (¬4) في (ق 10): (بعد). (¬5) قوله: (فى أجل) ساقط من (ق 10) و (ش 1). (¬6) في (ش 1): (أمر).

فصل [إذا منع الزوج من أهله كان للمرأة أن تقوم بحقها]

فصل [إذا منع الزوج من أهله كان للمرأة أن تقوم بحقها] وإذا منع الزوج من أهله كان للمرأة (¬1) أن تقوم بحقها في ذلك، وتطلق عليه كما تطلق على المولي إذا مضت أربعة أشهر. واختلف في مبدأ الأجل فقال مالك وابن القاسم: الأجل من يوم ترفع له (¬2) ذلك ويضرب له السلطان (¬3) الأجل (¬4). وقال ربيعة فيمن حلف بطلاق امرأته ليخرجن إلى إفريقية: إنه يكف عنها، ولا يكون منها بسبيل (¬5)، فإن مرت أربعة أشهر نزل بمنزلة المولي (¬6). فجعل الأجل من يوم الحلف، وهذا هو قياد القول بالمنع، والقول إنه يفتقر إلى حاكم أصوب (¬7)؛ لأن الوجه الذي منع به مختلف فيه، فهذا يمنع وإن كان الحالف قد ضرب أجلًا، والآخر يبيح له مع الأجل ويمنعه مع عدمه، والآخر يمنعه إذا كان الحنث مما يقع في حياته ولا يمنعه إذا كان لا يكشفه الحنث إلا بموته، وكل هذا يفتقر إلى حاكم مجتهد، فإن ترجح عنده الإباحة لم يدخل عليه إيلاء (¬8)، وإن ترجح عنده المنع حكم بذلك ودخل عليه الإيلاء. وقال محمد: إذا رفعت ذلك إلى السلطان وضرب له أجلًا، فتعدى بعد ذلك ووطئ قبل أن يفعل ما حلف عليه، إنه باق على ذلك الأجل. وليس ببين؛ لأن حقها في الإصابة قد سقط، ولا فرق بين أن يصل لذلك منه (¬9) بوجه جائز أو بوجه عداء. ¬

_ (¬1) في (ش 1): (للزوجة). (¬2) قوله: (له) زيادة من (ش 1). (¬3) قوله: (السلطان) ساقط من (ش 1). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 64. (¬5) قوله: (بسبيل) ساقط من (ش 1). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 81. (¬7) قوله: (يفتقر إلى حاكم أصوب) يقابله فى (ح) و (س): (لابد من حاكم يضربه أحسن). (¬8) في (ش 1): (لإيلاء). (¬9) في (ش 1): (ولا فرق أن تصل إلي ذلك منه).

فصل [فيمن قال لرجل امرأتي طالق إن لم تهب لي دينارا]

وفي كتاب محمد فيمن قال: أنت طالق إن لم أتزوج عليك إذا استغنى ولدك عنكِ (¬1) وذلك (¬2) في الحولين، فإنه يكف عنها، وليس في ذلك وقف (¬3) إلا أن ينويه (¬4). وقال محمد: لا يكف عنها إلا بعد الحولين وبعد الحولين يكون موليًا، متى رفعت أمرها ضرب الأجل مستأنفًا إن لم يتزوج (¬5). فلم يمنعه منها؛ لأنه لم يأت وقت يفعل فيه ما حلف عليه، فمنعه في القول الأول كما منع من ضرب لفعله أجلًا. وقال فيمن كان بينه وبين رجل شر فقال: امرأتي (¬6) طالق إن عفوت عنه. إنه يكف عن زوجته، قال: وليس هذا من باب إن فعلت، وإنما هو من باب (¬7) إن لم أفعل، أي: إن لم أستعدِ (¬8) عليه (¬9). فصل [فيمن قال لرجل امرأتي طالق إن لم تهب لي دينارًا] وقال ابن القاسم فيمن قال لرجل: امرأتي طالق إن لم تهب لي دينارًا: إنه يحال بينه وبين امرأته، ولا يدخل عليه في هذا إيلاء، ولكن يتلوم له السلطان على قدر ما يرى أنه أراد فيما حلف عليه، فإن وهب له (¬10) وإلا فرق السلطان بينهما (¬11). واختلف هل يقع الطلاق بمضي الوقت الذي يرى أن الحالف أراده من غير حكم، فقال ابن القاسم في كتاب ابن حبيب: إذا مضى (¬12) قدر ما كان يتلوم السلطان له وقع عليه الحنث، وإن ماتت بعد ذلك لم يرثها، وإن مات ¬

_ (¬1) قوله: (عنكِ) ساقط من (ح) و (س). (¬2) قوله: (عنكِ وذلك) ساقط من (ش 1). (¬3) في (ش 1): (وقت). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 329. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 329. (¬6) في (ب) و (ق 10): (امرأته). (¬7) قوله: (باب) زيادة من (ش 1). (¬8) في (ب): (أستأذن)، وفي (ش 1): (أفعل إساءتي). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 326. (¬10) قوله: (له) ساقط من (ش 1). (¬11) انظر: المدونة: 2/ 342. (¬12) قوله: (إذا مضى) في (ح) و (س): (يمضي).

فصل [فيمن حلف لا يطأ امرأة ثم تزوجها ومن آلى بعتق عبد تم أعتقه واشتراه]

ورثته. ما لم يفرق السلطان بينهما. وقال مطرف وابن الماجشون: لا يقع الطلاق عليه (¬1)، وإن مضى قدر ما كان يتلوم الإمام (¬2) فيه، وإن طال ذلك، ويتوارثان حتى يحكم بالفراق. والقياس أنه إذا مضى القدر الذي أراده وقع الفراق، (¬3) وسواء كان يرفع (¬4) إلى السلطان أم لا، ولا ميراث بينهما إذا كانت يمينه بالثلاث، مات أو ماتت، وكذلك إذا كانت له زوجة نصرانية فقال لها: إن لم تسلمي فأنت طالق، فإنها (¬5) يتلوم له قدر ما يرى أنه أراده، ثم تطلق عليه (¬6). قال محمد: وليس من حلف على امرأته إن لم تسلم بمنزلة من حلف عليها ألا تخالفه في الوطء (¬7) فأبت وخرجت ثم رجعت (¬8) من يومها أو ليلتها فمكنته (¬9) من ساعتها، فهذا قد حنث ولا وقت له إلا إمكانه (¬10). فصل [فيمن حلف لا يطأ امرأة ثم تزوجها ومن آلى بعتق عبد تم أعتقه واشتراه] ومن قال لامرأته (¬11): والله لا أطؤك ثم تزوجها كان في حكم المولي من يوم تزوجها، فإن أصابها حنث (¬12)، ولو قال: أنت علي كظهر أمي ثم تزوجها- لم يلزمه ¬

_ (¬1) قوله: (عليه) زيادة من (ش 1). (¬2) قوله: (الإمام) ساقط من (ب). (¬3) قوله: (الفراق) في (ح) و (س): (الطلاق). (¬4) قوله: (وسواء كان يرفع) في (ب): (رفعت). (¬5) في (ش 1): (فإنه). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 342. (¬7) قوله: (ألا تخالفه في الوطء) يقابله في (ش 1): (أي يخافه للوطء). (¬8) قوله: (رجعت) في (ح) و (س): (رفعت). (¬9) في (ش 1): (فأمكنت). (¬10) في (ش 1): (مكانه). (¬11) في (ش 1): (لامرأة). (¬12) انظر: المدونة: 2/ 343.

ظهار، ولزمه الإيلاء (¬1)؛ لأنه حلف ألا يوجد منه فعل، ولم يعلق يمينه بوقت، فوجب أن يكون حانثًا متى وجد منه فعل ذلك (¬2)، ألا ترى أنه لو أصابها حرامًا بغير تزويج حنث، ولم يلزمه ظهار؛ لأنها حين يمينه عليه كظهر أمه، وهو بمنزلة من قال لها (¬3): وطؤك عليّ حرام، وأيضًا فإنه كان الطلاق في الجاهلية. ولو قال لها: أنت طالق، ثم تزوجها- لم يلزمه شيء إلا أن يريد: إن تزوجتك فأنت عليّ كظهر أمي، وإن قال: إن تزوجتك فأنت طالق، ووالله لا أقربك (¬4) وتزوجها- وقع عليها الطلاق، فإن تزوجها بعد ذلك كان على حكم المولي (¬5). وقد تقدم في كتاب الظهار إذا قال: إن تزوجتك فأنت عليّ كظهر أمي، ووالله لا أقربك وإذا آلى بعتق عبده، ثم باعه- سقط عنه حكم الإيلاء، فإن عاد إليه بميراث لم تعد عليه يمين. واختلف إذا عاد إليه (¬6) بالشراء هل تعود عليه اليمين؟ ولا أرى عليه شيئًا إذا عاد إليه بعد أن تداولته الأملاك أو كان الحالف والمشتري من أهل الدين والفضل أو أحدهما، ولا تعود اليمين مع صحة البيع، وإنما تعود إذا لم يكن (¬7) بيعًا، واتهما أن يكونا جعلاه ذريعة (¬8) وأظهر البيع، فإذا كان البائع والمشتري من أهل التهم على مثل ذلك ولم تتداوله (¬9) الأملاك- صح أن تعود اليمين. واختلف إذا فلس الحالف أو مشتري العبد منه فباعه السلطان عليه (¬10)، وألا ¬

_ (¬1) انظر المدونة: 2/ 316. نص المدونة: (قلت: أرأيت إن قال الرجل لامرأة إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي، ووالله لا أقربك، أيلزمه الظهار والإيلاء جميعا في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: يلزمه الإيلاء والظهار جميعا). (¬2) في (ش 1): (ذلك الفعل). (¬3) قوله: (لها) ساقط من (ش 1). (¬4) قوله: (أقربك) في (ح) و (س): (أطؤك). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 343. (¬6) في (ش 1): (عليه). (¬7) قوله: (إذا لم يكن) ساقط من (ش 1). (¬8) قوله: (ذريعة) في (ح) و (س): (وديعة). (¬9) في (ش 1): (ولم تداوله). (¬10) قوله: (عليه) ساقط من (ش 1).

تعود اليمين أصوب، وبيع (¬1) السلطان يرفع التهمة (¬2)، وإن آلى بطلاق امرأته ألا يصيب امرأة له أخرى، فإن آلى بطلاق الثلاث ثم طلق التي آلى منها ثلاثًا، ثم تزوجها بعد زوج عادت عليه اليمين فإن طلق التي آلى بها ثلاثًا سقطت عنه اليمين إن تزوجها بعد ذلك، وإن طلقها واحدة لم تسقط، فإن وطئ التي آلى منها والأخرى في العدة حنث (¬3) ببقية طلاقها، وإن أصابها بعد أن بانت منه وقد عادت (¬4) إليه بنكاح- عادت عليه اليمين، ووقع عليه بقية طلاقها، وإن آلى من أربع نسوة بيمين واحدة فأصاب إحداهن - سقط الإيلاء عن بقيتهن (¬5)، وإن أفرد كل واحدة منهن بيمين فحنث في واحدة كانت اليمين منعقدة في البواقي، فلو قال لواحدة: والله لا أطؤك، ثم عطف على البواقي فقال: ولا أنتِ ولا أنتِ (¬6)، فإن أراد إدخالهن في اليمين الأولى (¬7) - كانت يمينًا واحدة، وإن نوى استئناف اليمين على كل واحدة فأصاب الأولى لم يحنث في البواقي. وإن قال: والله لا أقرب (¬8) واحدة منكن كان إيلاء واحدا، وإن قال: أيتكن قربتها. فعليه كفارة يمين، أو عليه فيها يمين (¬9) لأنه (¬10) قد أفرد. ¬

_ (¬1) في (ح) و (س): (لأن بيع). (¬2) في (ب) و (ح) و (س) و (ق 10): (يطرح التهم). (¬3) قوله: (حنث) في (ح) و (س): (حلف). (¬4) قوله: (منه وقد عادت) يقابله في (ش 1): (وعادت). (¬5) في (ب) و (ح) و (س) و (ق 10): (باقيهن). (¬6) قوله: (أنتِ ولا أنتِ) يقابله في (ش 1): (أنتنَّ). (¬7) في (ب) و (ح) و (س) و (ق 10): (أولًا). (¬8) قوله: (والله لا أقرب) يقابله في (ش 1): (والله لأقرب). (¬9) زاد في (ح) و (س) و (ق 10) و (ش 1): (أو عليه فيها يمين). (¬10) في (ب) و (ش 1): (كان).

باب فيما يسقط الإيلاء وفي صفة الفيئة

باب فيما يسقط الإيلاء وفي صفة الفيئة اختلف في المولي هل هو مطالب بالفيئة قبل انقضاء أجل الإيلاء، أو عند انقضائه، أو له زيادة بعد ذلك؟ وذكر ابن الماجشون في كتابه عن مالك أنه كان يقول: يقع الطلاق بمضي الأربعة الأشهر (¬1). فجعل المطالبة بالفيئة في الأربعة الأشهر، ويلزم على هذا إذا كان أجل الإيلاء أربعة أشهر أن يكون على حكم المولي، فإن أصاب في الأربعة، وإلا وقع السلطان (¬2) الطلاق بمضيها. وقال أشهب: قول مالك في وقوع الطلاق على المولي وهي حائض إن ذلك إذا (¬3) كان يرى الطلاق بمرور الأجل (¬4). وقال مالك في كتاب المدنيين: إذا تم (¬5) الأجل وقفه الإمام ساعة ترفعه (¬6)، قال وذلك إن كان الأجل الذي جعل له قد انقضى وفرغ إليه منه. ولم ير أن يزاد على الأجل شيئًا (¬7)، وقال ابن القاسم عنه: يؤخر المدة بعد المدة، فإن فاء وإلا طلق عليه، وقد يكون (¬8) ذلك قريبًا بعضه من بعض (¬9). ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 6/ 370 ونص العتبية: (قال مالك: إذا تركت المرأة المولي زوجها حتى تنقضي الأربعة أشهر ثم رفعت أمرها وقف من ساعته ولم ينظر أربعة أشهر أخرى). (¬2) قوله: (السلطان) ساقط من (ب) و (ش 1). (¬3) قوله: (إذا) ساقط من (ب). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 341، والنوادر والزيادات: 4/ 602. (¬5) في (ش 1): (مرَّ). (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 6/ 370. (¬7) في (ش 1): (شيء). (¬8) قوله: (وقد يكون) في (ب): (ويكون). (¬9) انظر: المدونة: 2/ 347.

وروى عنه (¬1) ابن وهب في كتاب محمد أنه قال: يؤخر، وإن أقام في الاختيار حتى تحيض ثلاث حيض أو أكثر فإنه يوقف أيضًا، فإن قال: أنا أفي خُلِّيَ بينه وبينها، إلا أن يكثر ذلك فتطلق عليه (¬2). وروى عنه أشهب أنه قال: يخلى بينه وبينها، فإن لم يفيء حتى انقضت عدتها من يوم قال: إني أفيء طلقت عليه طلقة بائنة (¬3) (¬4). فجعل المعنى للقول الأول في التربص ليصيب في الأربعة، وذلك غاية التربص، وفي القول الثاني أنه مخاطب بالإصابة عند تمامها، وليس فيها، وهذا أحسن، ولا وجه للقول بوقوع الطلاق لمرور الأجل من غير وقف؛ لأن الإصابة حق لها، فوجب ألا يقضى بذلك الحق إلا بعد قيام صاحبه به، فإذا قام بحقه أمر مَنْ قِبَلَهُ (¬5) ذلك الحق بالوفاء به، فإن لم يفيء حكم عليه إذا طلبت الطلاق عند لَدَدِهِ، فإن تركت (¬6) القيام بالطلاق بعد لدده لم تطلق، وقال سليمان بن يسار: كان تسعة عشر رجلًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلهم يوقفون المولي (¬7). وهو رأي عثمان وعلي وعائشة - رضي الله عنهم - (¬8). وأرى ألا يمهل بعد تمام الأجل الذي جعله الله سبحانه عدلًا بينهما وحكمًا عليهما. وقوله في كتاب محمد: إذا لم يفئ حتى انقضت عدتها راجع إلى هذا؛ لأنه لم ¬

_ (¬1) قوله: (عنه) ساقط من (ح) و (س). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 347. (¬3) قوله: (طلقة بائنة) في (ح) و (س): (ثالثة)، وفي (ش 1): (طلقة ثانية). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 320. (¬5) في (ح) و (س): (عنده). (¬6) في (ب): (ترك). (¬7) أخرجه الشافعي في مسنده: 1/ 151، من كتاب اليمين مع الشاهد الواحد، برقم (732). (¬8) انظر: عيون المجالس: 3/ 1258.

يزد في الأجل شيئًا إلا أنه يدخله الاعتراض من وجهين: أحدهما: أنه جعل الطلاق والعدة مترقبًا، فإن وطئ كانت على الزوجية من غير طلاق، وإن لم يصب كان الطلاق واقعًا من يوم انقضاء الأجل. والوجه الثاني: أنه يخلو بها لمثل ذلك، وتبقى العدة على حكمها، ولا يكون عليها لتلك الخلوة عدة، وهذا خلاف المعروف من قوله في الخلوة، وقد قال ابن القاسم في المولي تطلق عليه امرأته ثم يرتجع (¬1) ولا يطأ حتى تنقضي العدة: إنه إن خلا بها كانت عليها عدة أخرى (¬2)، وإن حل الأجل وهي حائض وسأل الصبر حتى تطهر ليصيب (¬3) - أمهل، وإن كان في ذلك زيادة في الأجل؛ لأن الامتناع من سببها. يريد: الحيض (¬4). واختلف إذا قال: لا أفيء هل تطلق عليه الآن، وهي حائض؟ فقيل: لا تطلق للنهي عن الطلاق في الحيض. وقيل: تطلق عليه بالقرآن (¬5)، ويجبر على الرجعة بالسنة، والأول أحسن؛ لأن الطلاق حينئذ ضرر عليه من غير منفعة للزوجة؛ لأنه يجبر على الرجعة، فتبقى زوجة (¬6)، ثم تطهر فتطلق عليه أخرى من غير منفعة في الأولى. ويختلف إذا تعدى فوطئها وهي حائض أو صائمة هل يسقط حكم الإيلاء، قياسًا على وقوع الإحلال به والإحصان؟ والقياس أن يسقط حقها في الإصابة؛ لأنها (¬7) نَالت من ذلك ما كانت تجد قبل (¬8) لو كانت طاهرة أو مفطرة. ¬

_ (¬1) في (ب) و (ح) و (س) و (ق 10): (يطلق عليه ثم يرتجع). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 6/ 365. (¬3) في (ح) و (س): (فيصيب). (¬4) قوله: (يريد: الحيض) ساقط من (ب). (¬5) في (ح) و (س): (بالفراق). (¬6) في (ب) و (ح) و (س) و (ق 10): (زوجته). (¬7) قوله: (في الإصابة؛ لأنها) في (ب): (أنها). (¬8) قوله: (قبل) ساقط من (ح) و (س).

فصل [هل يسقط الإيلاء إذا كفر المولي ولم يصب أم لا؟]

فصل [هل يسقط الإيلاء إذا كفَّر المولي ولم يصب أم لا؟] اختلف هل يسقط الإيلاء إذا كفّر المولي ولم يصب، فقال مالك مرة: يسقط الإيلاء عنه إذا كفَّر (¬1). وسواء كانت اليمين بالله أو بعتق غير معين أو بصدقة شيء مضمون، وإن لم يصب (¬2). وقيل: إن كانت اليمين بالله لا يجزئه إلا الإصابة (¬3)، لإمكان أن تكون كفارته عن يمين غير هذه، وإن آلى بعتق أو طلاق فأعتق أو طلق أجزأه. وقال مالك في مختصر (¬4) ابن عبد الحكم: لا فيئة لمولٍ إلا بإصابة. ولم يراع (¬5) بأي شيء كانت اليمين. وقال عبد الملك بن الماجشون: لا يسقط الإيلاء إلا بالوطء كانت اليمين بمعين أو مضمون (¬6)، قال: وهو تأويل قوله سبحانه: {فَإِنْ فَاءُوا}: يعني: الإصابة (¬7)، وهذا هو الحق والصواب؛ لأن اليمين إنما كانت على ترك حقها أو حق هو لها، وهو الوطء، فجعل الله سبحانه للزوجة في ذلك مقالًا وقيامًا، وجعل له أن يتربص له مدة سماها ليفيء فيها، والفيئة: الرجوع إلى ما كان عليه من الحق، وهو الوطء، ومعلوم أن الكفارة ليست بفيئة، وإنما هي إسقاط يمين، وحق الزوجة في الإصابة ليس في الكفارة. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 518. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 518. (¬3) في (ش 1): (لم تجزه الإصابة). وانظر: البيان والتحصيل: 6/ 373. (¬4) قوله: (مالك في مختصر) في (ح) و (س): (في كتاب). (¬5) في (ح) و (س): (يفرق). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 346. (¬7) قوله: (يعني: الإصابة) ساقط من (ح) و (س)، وفي (ش 1): (يعني: بالمصاب).

فصل [فيمن ضرب لإيلائه أجلا أكثر من أربعة أشهر بالشيء القريب]

فصل [فيمن ضرب لإيلائه أجلا أكثر من أربعة أشهر بالشيء القريب] واختلف فيمن ضرب لإيلائه أجلًا أكثر من أربعة أشهر بالشيء القريب، فلما تمت الأربعة الأشهر (¬1) قال: دعوني حتى ينقضي (¬2) الأجل، فأصيب من غير حنث ولا كفارة، فقال محمد: إذا كانت يمينه على أكثر من أربعة أشهر ولو يومًا واحدًا فهو مولٍ (¬3). فعلى هذا لا يؤخر إن قال: أخروني حتى يمضي (¬4) ذلك اليوم وأصيب بغير حنث ولا كفارة، وهذا موافق لرواية ابن دينار أنه يوقف عند تمام الأربعة الأشهر (¬5) بغير زيادة. وقال أبو محمد عبد الوهاب: إذا زاد على يمينه على الأربعة الأشهر مدة مؤثرة فهو مولٍ (¬6). يريد: إذا كانت الزيادة يسيرة أخر إليها ولم يكن موليًا. وقال في المدونة فيمن قال: والله لا أطؤك حتى أقضي فلانًا حقه، وفلان غائب، وقال: دعوني أخرج إليه، قال: إن كان البلد قريبًا مثل ما يختبر بالفيئة كان ذلك له (¬7) بمنزلة من قال: إن وطئتك حتى أكلم فلانا فأنت طالق فمضت أربعة أشهر، فقال: أنا أفيء والمحلوف عليه غائب (¬8) قريب الغيبة، فإنه يترك (¬9). فساوى بين فيئته بالوطء وبالكفارة إن كفر، وبإسقاط اليمن بغير كفارة ولا ¬

_ (¬1) قوله: (الأشهر) ساقط من (ش 1). (¬2) في (ش 1): (يقضي). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 313. (¬4) في (ش 1): (ينقضي). (¬5) في (ش 1): (أشهر). (¬6) انظر: التلقين: 1/ 133. (¬7) قوله: (له) ساقط من (ش 1). (¬8) قوله: (غائب) ساقط من (ب). (¬9) انظر: المدونة: 2/ 346.

فصل [فيما إذا حل أجل الإيلاء وهو مريض أو مسجون هل تسقط المطالبة بالفيء؟]

وطء، والأول أحسن، ولا يزاد في الأجل الذي جعل الله له (¬1) شيئًا (¬2). فصل [فيما إذا حل أجل الإيلاء وهو مريض أو مسجون هل تسقط المطالبة بالفيء؟] وإذا حل أجل الإيلاء وهو مريض أو مسجون سقطت المطالبة بالفيء (¬3) بالوطء للعذر الذي له، فإن كانت اليمين في شيء (¬4) بعينه- عتق أو صدقة أو طلاق- كانت الفيئة بإسقاط اليمين، فإن أبى طلق عليه (¬5). واختلف إذا كانت اليمين بغير معين هل يلزم بإسقاط اليمين، أو يؤخر حتى يصح، أو يخلى من السجن؟ وهو أحسن (¬6)؛ لأنه مطالب بعد ذلك بالإصابة على الصحيح من المذهب، فإن أبى طلق عليه، فإن قال وهو مريض أو مسجون: لا أفيء فطلق (¬7) عليه، ثم ارتجع- كانت رجعته رجعة (¬8) ثابتة، وإن لم يطأ حتى خرجت من العدة، فإذا صح أو أطلق أمكن منها، فإن لم يصب فرق بينهما ولا عدة عليها، قال ابن القاسم: إلا أن يخلو بها فيكون (¬9) عليها العدة، فإن اختلفا فقال: أصبت وأنكرت كان القول قوله مع يمينه. ¬

_ (¬1) في (ش 1): (إليه). (¬2) قوله: (ولا يزاد في الأجل الذي جعل الله له شيئًا) في (ح) و (س): (لأن الله جعل له حدًا). (¬3) في (ش 1): (بالفيئة). (¬4) في (ش 1): (كانت اليمين بشيء). (¬5) قوله: (عليه) ساقط من (ش 1). وانظر: المدونة: 2/ 341. (¬6) قوله: (وهو أحسن) في (ح) و (س): (وأحسن أن يؤخر). (¬7) في (ش 1): (طلق). (¬8) قوله: (رجعة) زيادة من (ش 1). (¬9) في (ش 1): (فتكون).

فصل [فيما إذا أرأد المولي أن يسافر هل ذلك له؟]

قال الشيخ -رحمه الله-: فإن نكل حلفت وكانت (¬1) مثل ما إذا (¬2) اختلفا في الوطء، وادعى (¬3) الفيئة فنكل، أنها تحلف وتطلق عليه. فصل [فيما إذا أرأد المولي أن يسافر هل ذلك له؟] وإذا أراد المولي أن يسافر كان (¬4) ذلك له، وليس لزوجته أن تقول: أمهل حتى يتم الأجل فتصيب. قال ابن القاسم في العتبية: ويوكل من يفي عنه بالكفارة أو تطلق (¬5) عليه (¬6)، وقال ابن كنانة: إذا كان مقرًا بالإيلاء ترك، فإذا حل الأجل طلق عليه، وإن كان منكرًا والمرأة تدعي ذلك حبس حتى يتحاكما (¬7). واختلف إذا سافر قبل أن ترفع زوجته أمرها (¬8) ولم يوكل، فقال في المدونة: لا تطلق عليه حتى يكتب إليه (¬9). وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: تطلق عليه، بخلاف المريض والمسجون، وفي السليمانية تطلق عليه، وإن خرج حاجًا أو غازيًا، وأرى إذا كان خروجه لحجة الفريضة أو لغير ذلك مما يعلم أنه اضطر إلى السفر إليه- أن يؤخر حتى يقدم، ولا يطلق عليه الآن (¬10)؛ لأن ذلك عذر كالمرض، وإن كان ¬

_ (¬1) في (ش 1): (وكان). (¬2) في (ش 1): (لو). (¬3) قوله: (وادعى) في (ح) و (س): (وادعيا). (¬4) في (ح) و (س): (جاز). (¬5) في (ش 1): (يطلق). (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 6/ 396، والنوادر والزيادات: 5/ 322. (¬7) انظر: البيان والتحصيل: 6/ 396. (¬8) في (ب) و (ح) و (س) و (ق 10): (أمره). (¬9) انظر: المدونة: 2/ 347. (¬10) قوله: (الآن) ساقط من (ح) و (س).

يرى أنه (¬1) فعل ذلك لددًا أو فرارًا طلق عليه، وسواء كان وكل من يكفر عنه أم لا؛ لأن حقها في الإصابة، وقد قصد الضرر بها في ذلك، وإذا لم يكن سفره فرارًا وكانت يمينه بمعين -طلاق أو عتق- أُمِرَ بأن يوكل من يسقط عنه اليمين أو يطلق عليه، وإن لم ينظر في الوكيل حتى غاب (¬2) لم يطلق عليه. ويختلف إذا كانت اليمين بالله، فعلى القول أنه لا يجزئه لو كان حاضرًا إلا (¬3) الإصابة: لا يطلب بوكيل، وقال محمد: إذا آلى وهو غائب فرفعت زوجته أمرها- لم تطلق عليه وإن طالت غيبته (¬4). قال مالك: ويكتب إليه فيوقف في موضعه، فإما فاء وإما طلق عليه كما يفعل بالمسجون (¬5)، والمريض (¬6). يريد: إذا كانت اليمين بمعين. واختلف إذا كانت بمضمون، وظاهر المذهب إذا قدم بعد مضى أربعة أشهر أنه يوقف بالحضرة، والقياس أن يستأنف الأجل من يوم قدومه؛ لأنها (¬7) لم يكن لها حق ولا مطالبة في الوطء في حين غيبته. ولو قال: والله لا أقرب زوجتي في غيبتي لم يكن بمولٍ؛ لأنه يستحيل وجود ذلك منه في غيبته، وأن يتصور حقها، والأجل (¬8) في الموضع الذي يصح فيه منه الوطء. وقد وردت أسئلة جعل للزوجة فيها أن يوقف (¬9) الزوج على الفيئة أو ¬

_ (¬1) قوله: (كان يرى أنه) ساقط من (ح) و (س). (¬2) قوله: (في الوكيل حتى غاب) في (ح) و (س): (الوكيل حتى طال). (¬3) قوله: (إلا) ساقط من (ش 1). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 321. (¬5) قوله: (بالمسجون) في (ح) و (س): (بالمجنون). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 347. (¬7) في (ش 1): (لأنه). (¬8) قوله: (والأجل) في (ح) و (س): (وإلا جعل). (¬9) في (ش 1): (توقف).

الطلاق، والقياس أن لا مقال لها فيها. فمن ذلك: المولي يطلق قبل تمام أجل الإيلاء أو يولي بعد الطلاق أو يعقد الإيلاء وهو مريض، أو غائب، فقال ابن القاسم: إذا طلقها قبل أجل الإيلاء، ثم (¬1) تم الأجل وهي في العدة لها أن توقفه (¬2). والصواب أن لا وقف لها في ذلك؛ لأن الزوج يقول: إنما حقك عند تمام الأجل إذا لم أصب أن أطلق (¬3)، فقد عجلت ذلك لك قبل الوقت الذي جعله (¬4) الله لي، ولا أفعل الآن لو وقفت (¬5) أكثر من الذي تقدم وهو الطلاق، وإنما مطالبتك أن أطلق (¬6) لتتزوج أو لتحكم على نفسك، وقد جعلت لك إلى ذلك السبيل الذي جعله الله لك. وقال أيضًا إذا آلى بعد الطلاق الرجعي فمضت أربعة أشهر قبل انقضاء العدة: لها أن توقفه بوقف (¬7) الإيلاء، والوقف في هذا أبعد؛ لأن الوقف إنما يكون لمن حلف على ترك ما لها فيه حق، والمطلقة لا حق لها في الوطء لو لم يحلف، ولا خلاف أن الرجعة حق له لا عليه، إن شاء ارتجع وأصاب وإن شاء لم يرتجع، فكيف يجبر على أن يرتجع ليصيب أو يطلق عليه مرة أخرى؟! قال محمد: لو قال لها: والله لا أطؤك (¬8): إنه مولٍ، وهو مثل الأول؛ لأنه حلف على ما ليس لها عليه (¬9) فيه حق. وقال فيمن آلى وهو مريض لا يقدر على ¬

_ (¬1) قوله: (ثم) ساقط من (ش 1). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 349. (¬3) قوله: (أن أطلق) زيادة من (ش 1). (¬4) في (ش 1): (جعل). (¬5) قوله: (لو وقفت) يقابله في (ش 1): (لو رفعت أمرك). (¬6) في (ش 1): (أطلقك). (¬7) في (ش 1): (توقيف). (¬8) في (ش 1): (لا وطئتك). (¬9) قوله: (عليه) ساقط من (ب).

الوطء: لها إيقافه (¬1) عند تمام الأربعة الأشهر (¬2). وفي كتاب محمد مثل ذلك إذا آلى وهو غائب. ولا أرى أن يتوجه لها وقف، ولا حق في موضع لو لم يحلف لم يكن عليه فيه حق، ولا يوجب لها اليمين حقًا لم يكن قبل يمينه، فإذا صح أو قدم كان لها الحق، واستؤنف الأجل من حينئذ، ولأنه لو لم يحلف إلا عند صحته أو قدومه لكان لها (¬3) الأجل من حين حلف، ولا يكون لها أن تقول: إنه قد أضربي ما كان من الصبر في غيبته ومرضه، وكذلك إذا آلى وهو مسجون ينبغي أن يستأنف الأجل بعد خروجه (¬4). ¬

_ (¬1) في (ش 1): (لها أن توقفه). (¬2) في (ش 1): (أشهر). وانظر: المدونة: 2/ 348. (¬3) قوله: (لها) ساقط من (ش 1). (¬4) في (ش 1): (حبسه).

باب في إيلاء من لا يصح منه الوطء كالحصور والعنين والمجبوب والشيخ الكبير

باب في إيلاء من لا (¬1) يصح منه الوطء (¬2) كالحصور والعنين والمجبوب (¬3) والشيخ الكبير اختلف في إيلاء هؤلاء، فقال مالك وابن القاسم: ليس ذلك إيلاء (¬4)، ولا وقف للزوجة فيه. وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب في الخصي. يريد: المجبوب هو مولٍ (¬5)؛ لأن للزوجة فيما آلى منه منفعة من المضاجعة والمباشرة والاستمتاع به، فإذا قطع ذلك عنها وهو الذي تزوجته له، كان لها أن توقفه عند انقضاء أجل الإيلاء، قال: وأما الشيخ فلا إذا كان قد أقعده (¬6) الكبر وقطع منه ما فيه التمتع (¬7). قال الشيخ -رحمه الله-: قوله في المجبوب حسن؛ لأنها (¬8) تستمتع به ويفعل معها ما لا يجوز للمرأة أن تفعله مع المرأة، وكذلك العنين والحصور لها أن تقوم بالفراق، وليس عند الأربعة الأشهر (¬9)، ولكن عندما تدرك منه (¬10) المضرة، وقد يكون الأجل في هذا أوسع ممن يوجد منه الوطء. ¬

_ (¬1) في (ش 1): (لم). (¬2) في (ش 1): (وطء). (¬3) قوله: (والمجبوب) ساقط من (ح) و (س). (¬4) في (ش 1): (بإيلاء). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 317. (¬6) قوله: (أقعده) في (ح) و (س): (أفسده). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 317. (¬8) في (ش 1): (أنها). (¬9) في (ش 1): (أشهر). (¬10) قوله: (تدرك منه) يقابله في (ش 1): (يدرك عنه).

باب في الإيلاء من الصغيرة ومن آلى قبل البناء

باب في الإيلاء من الصغيرة ومن آلى قبل البناء ومن آلى من صغيرة لم تبلغ الوطء (¬1) لم يكن لها وقفه (¬2) عند انقضاء الأربعة الأشهر (¬3)، وإن كان قد دخل بها وضمها إليه، فذلك سواء (¬4)، وإذا بلغت الوطء كان لها وقفه إذا مضت أربعة أشهر من يوم بلغت ذلك إذا كان ضمها إليه، وإن لم (¬5) يكن بنى بها حتى مضت (¬6) أربعة أشهر من بعد بلوغها حد الوطء (¬7)، وادعى أن البناء بعد انقضاء جهازها وجهازه. وكذلك الإيلاء من الكبيرة قبل البناء فلا يراعى ما مضى من الأمد قبل أن يدعى إلى الدخول، وقبل أن يمضي ما يتجهزا فيه، فإذا انقضى شأنهما فيما يريدان من ذلك ودعي إلى البناء فأبى كان الأجل من حينئذ؛ لأنه الوقت الذي يوجب (¬8) لها الحق في الإصابة. ¬

_ (¬1) قوله: (الوطء) ساقط من (ب). (¬2) في (ش 1): (وقف). (¬3) في (ش 1): (أشهر). (¬4) في (ب) و (ح) و (س) و (ق 10): (سبب). (¬5) قوله: (لم) ساقط من (ش 1). (¬6) في (ش 1): (يمضي). (¬7) انظر: المدونة: 2/ 343. (¬8) في (ش 1): (توجّه).

باب في المولي يجن

باب في المولي يُجن وقال أصبغ في العتبية فيمن آلى وهو صحيح ثم حل أجل الإيلاء وهو مجنون؛ فإن (¬1) السلطان يوكل من ينظر في أمره فيفي عنه بالكفارة إذا كانت يمينه تمنعه الوطء أو يطلق عليه، قال: وإن وطئها في حال جنونه كان وطؤه فيئة ويكفر عنه وليه (¬2). قال الشيخ -رحمه الله-: وطؤه في (¬3) حال جنونه يسقط حقها في الوقف (¬4)، ولا يوجب عليه حنثًا كما لو طلق حينئذ؛ لأنه غير مخاطب بالشرع لعدم العقل (¬5)، ولو لم يطأ لم يكن لها في ذلك وقف؛ لأن ذلك عذر كالمرض إذا كان يعفيها من نفسه على القول أنه لا يطلق على المجنون إذا لم يكن آلى، وكان يعفيها من نفسه (¬6) والمجنون يخلو معها، فإن أصاب فذلك (¬7)، وإن لم يصب لم يطلق عليه؛ لأن ذلك ليس امتناعًا منه لأجل اليمين، وكما لم يكن لها مقال إذا قطع ذكره، وهو في المجنون أبين؛ لأنه إن لم يصب الآن أصاب بعد، وإن أصاب في حال جنونه ثم صح استؤنف الأجل من يوم صح؛ لأن مقالها في ذلك الأجل سقط بالإصابة، ثم يوقف بعد صحته لأجل اليمين؛ لأنها باقية بعد (¬8) لم تحل. ¬

_ (¬1) في (ش 1): (إن). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 394 و 395. (¬3) قوله: (في) زيادة من (ش 1). (¬4) في (ش 1): (الوقت). (¬5) في (ح) و (س): (الفعل). (¬6) قوله: (على القول. . . من نفسه) ساقط من (ح) و (س). (¬7) في (ش 1): (بذلك). (¬8) قوله: (بعد) ساقط من (ش 1).

باب في إيلاء العبد والسفيه

باب في إيلاء العبد والسفيه إيلاء العبد بالله لازم، ولا مقال للسيد في ذلك، وإيلاؤه بالعتق، والصدقة موقوف على إجازة السيد ورده (¬1)، فإن أجازه لزمه، وكان العبد حينئذ كالحر، فإن وطئ وأحنث نفسه، وإلا طلق عليه، وإن رد سيده عقده (¬2) وكانت اليمين بعتق عبد بعينه أو صدقة شيء بعينه سقط إيلاؤه، وإن كان بغير معين كان للسيد إسقاط عقده عند ابن القاسم، ويسقط عنه حكم الإيلاء، وليس ذلك له عند أشهب، وحكم الإيلاء قائم عليه، وإن كان (¬3) السيد غائبًا كان على حكم المولي، لإمكان أن يجيز سيده عقده، ولا يؤخر إذا حل أجل الإيلاء لأجل غيبة السيد، وإيلاء السفيه بالله وبالطلاق لازم، وقال عبد الملك بن الماجشون: وإيلاؤه بالعتق والصدقة غير لازم؛ لأنه ليس لوليه أن يجيز ذلك، وإن آلى بصيام أو صلاة أو ما أشبه ذلك كان موليًا؛ لأن ذلك مما لا ولاء عليه فيه. ¬

_ (¬1) قال في المدونة: (أرأيت العبد إذا آلى بالعتق أو بالصدقة، أيكون موليا. قال: قال مالك في عبد حلف بعتق جارية إن اشتراها، فأتى مالكا يستفتيه، قال مالك: لا أحب أن تشتريها ونهاه عن ذلك. قال ابن القاسم: فقلت لمالك أسيده أمره أن يحلف بها؟ قال مالك: لا، ما قال لي إن سيده أمره بأن يحلف. قال مالك: ولم أر له أن يشتريها. قال ابن القاسم: فأراه موليا لأنه لو حنث ثم أعتق لزمته اليمين). انظر: المدونة: 2/ 351. (¬2) في (ش 1): (عتقه). (¬3) قوله: (كان) ساقط من (ش 1).

فصل [في أمد إيلاء العبد]

فصل [في أمد إيلاء العبد] اختلف في أمد (¬1) إيلاء العبد، فقال مالك في المدونة (¬2): شهران (¬3). وفي مختصر ابن شعبان أنه أربعة أشهر كالحر (¬4)؛ لأنها المدة التي يلحق فيها (¬5) الزوجة الضرر بالصبر إليها، فلم يفترق رفع المضرة عنها إذا كان الزوج حرًا أو عبدًا، فلا يجوز أن يطلق على الزوج إذا كان عبدًا في موضع لم يلحق الزوجة فيه ضرر، ولو كان ذلك مبنيًا على الحرية لفرق بين الأمد الذي يطلق فيه على الحر إذا كانت زوجته حرة، وبينه إذا كانت أمة، وقال ابن القاسم في العبد يولي فيكون أجل إيلائه شهرين ثم يعتق بعد شهر: إنه يبني على أجل العبد، فإن مضى شهر آخر وقفته (¬6). قال محمد: ولو حلف بالطلاق ليفعلن، فقامت بعد (¬7) أن أعتق، فإن أجله أربعة أشهر. يريد: لأن العتق سبق الأجل، ولو رفعته قبل العتق، وضرب له أجل شهران ثم أعتق- وقفته عند تمام الشهرين، ولم يرد إلى أجل الحر. ¬

_ (¬1) في (ش 1): (أجل). (¬2) قوله: (في المدونة) ساقط من (ب) و (ش 1). (¬3) قال في المدونة: (كل عبد آلى من نسائه وتحته حرائر وإماء مسلمات أو مشركات، حرائر من أهل الكتاب فأجل إيلائه شهران) انظر المدونة: 2/ 351. (¬4) انظر: الزاهي، لابن شعبان، لوحة رقم: [82 / ب]. (¬5) قوله: (فيها) ساقط من (ش 1). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 351. (¬7) قوله: (شهر: إنه يبني على أجل. . . فقامت بعد) ساقط من (ش 1).

فصل [في الرجل يكبر وتكون عنده أم الولد أو الشابة]

فصل [في الرجل يكبر وتكون عنده أم الولد أو الشابة] وقال مالك في الرجل يكون (¬1) له أم ولد فيكبر (¬2) ويذهب ذلك منه ويتركها فلا شيء عليه، وقد كان رجال صالحون تكون عندهم الشابة فيخيرها في أن يحبسها أو يبيعها (¬3). قال: وبلغني أن رجلًا من صالح الناس خير امرأته، قيل له: أفتستحسن هذا؟، قال: ما أحب أن أضيق على الناس (¬4)، وإني لأراه حسنًا، قال: ولا يعزل عن الحرة إلا بإذنها، ولا عن الأمة إذا كانت زوجة إلا بإذن سيدها (¬5). يريد: لحقه (¬6) في الولد ما لم تكن حاملًا، أو في سن من لا تحمل لصغر أو كبر. تم كتاب الإيلاء والحمد لله ¬

_ (¬1) في (ش 1): (تكون). (¬2) في (ح) و (س): (فتكبر). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 253، 254. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 254. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: انظر: 18/ 152، والنوادر والزيادات: 5/ 254. (¬6) في (ش 1): (لحقها).

كتاب اللعان

كتاب اللعان النسخ المقابل عليها 1 - (ب) = نسخة برلين رقم (3144) 2 - (ح) = نسخة الحسنية رقم (12929) 3 - (ق 10) = نسخة القرويين رقم (370) 4 - (س) = نسخة الاسكوريال رقم (1082) 5 - (ش 1) = نسخة الشيخ أبَّاه - النباغية (شنقيط)

باب في اللعان بين الزوجين وصفته

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلى الله علي سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كتاب اللعان باب في اللعان بين الزوجين وصفته الأصل في ذلك قول الله سبحانه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} الآيات [النور: 6] وحديث عويمر العجلاني قال: يَا رَسُولَ الله أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ أُنْزِلَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ، فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا". فَتَلاَعَنَا، فَلَمَّا فَرَغَا قَالَ عُوَيْمِرٌ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ الله إِنْ أَمْسَكْتُهَا. فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: ذَاكُمُ (¬1) التَّفْرِيقُ بَيْنَ كُلِّ مُتَلاَعِنَيْنِ، وقال: أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ لَاَ سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا، قالَ ابن عمر (¬2): وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِأُمِّهِ، قال سهل: كَانَ ابْنُهَا يُدْعَى لأُمِّهِ (¬3). وقذف هلال بن أمية زوجته بشريك بن سحماء، فلاعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهما، وألحق الولد بالمرأة، وقد اجتمع على هذين الحديثين البخاري ومسلم (¬4). ¬

_ (¬1) في (ش 1): (ذلكم). (¬2) في (ش 1): (أبو عمر). (¬3) متفق عليه: أخرجه البخاري: 5/ 2033، في باب التلاعن في المسجد، من كتاب الطلاق، برقم (5003) بمعناه، ومسلم: 2/ 1129، في أول كتاب اللعان، برقم (1492). (¬4) متفق عليه: أخرجه البخاري: 2/ 949، في باب إذا ادعى أو قذف فله أن يلتمس البينة وينطلق لطلب البينة، من كتاب الشهادات، في صحيحه، برقم (2526)، ومسلم: =

فصل [في صفة اللعان للرؤية، ولنفي الحمل]

فصل [في صفة اللعان للرؤية، ولنفي الحمل] واختلف (¬1) في صفة اللعان للرؤية، ولنفي الحمل، فأما الرؤية فأحسن ذلك أن يقول: أشهد بالله الذي لا إله إلا هو، إني لمن الصادقين، لرأيتها تزني زنا كالمِروَد (¬2) في المُكحُلة (¬3)، يقول ذلك أربع مرات، ثم يقول في الخامسة: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. ثم تقول المرأة: أشهد بالله الذي لا إله إلا هو إنه لمن الكاذبين، وما رآني أزني، تقول ذلك أربع مرات، ثم تقول في الخامسة: إن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، ويستحب أن توقف المرأة عند الخامسة، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الخامسة "أَقِيمُوهَا فَإِنَّهَا مُوجِبَةٌ" (¬4). وقد اختلف في هذه الجملة في ثلاثة مواضع: أحدها: إذا قال: أشهد بالله، ولم يزد أو أقسم بالصفة، فقال: أشهد بعلم الله، أو قال: أقسم بالله، ولم يقل: أشهد، أو قال: أشهد بالرحمن، ولم يقل: بالله. والثاني: إذا لم يقل: إني لمن الصادقين، أو جعل مكان ذلك إن كنت كذبت عليها، أو جعل مكان اللعنة الغضب، أو جعل مكان الغضب اللعنة (¬5). ¬

_ = 2/ 1134، من كتاب اللعان، برقم (1496). (¬1) في (ش 1): (اختلف). (¬2) المِرْوَدُ: بكسر الميم الميل الذي يكتحل به والميم زائدة. انظر: لسان العرب: 3/ 187. (¬3) انظر: المعونة 1/ 613. (¬4) أخرجه البخاري: 4/ 1772، في باب تفسير سورة النور، من كتاب التفسير برقم (4470). (¬5) قوله: (أو جعل مكان الغضب اللعنة) ساقط من (ح) و (س) و (ش 1).

والثالث: إذا لم يقيد (¬1) الزوج لعانه، فيقول: كالمرود في المكحلة، فقال في المدونة: يقول أشهد بالله (¬2)، وفي كتاب الأقضية من كتاب محمد: يزيد: الذي لا إله إلا هو (¬3). وهو أبين؛ لأن العمل على (¬4) ذلك في الأيمان في الأموال، واللعان أعظم حرمة (¬5)، فإن لم يفعل أجزأه (¬6) عند مالك ولم يحزئه عند أشهب (¬7)، وكذلك إذا حلف بالصفة، فقال مالك في كتاب محمد: يقول: أشهد بعلم الله (¬8)، وعلى أصل أشهب: لا يجزئه؛ لأنه قال: إذا حلف في الأموال، فقال: والله، ولم يزد أو قال: والذي لا إله إلا هو، لم يجزئه (¬9)، والحالف بالله الذي لا إله إلا هو حالف بالذات عنده (¬10)، فإذا لم يجزئه اليمين عنده بالله (¬11) لم يجزئه اليمين بالصفة. وفي شرح الرسالة: إذا جعل مكان أشهد أقسم، أو مكان قوله: بالله بالرحمن، قال: النظر يقتضي أنه لا يجوز إلا ما نص عليه. وهذا خلاف لقول مالك؛ لأنه أجاز اللعان بالصفة أن يقول: أشهد بعلم الله (¬12). وأرى: إذا حلف بالذات بأي أسمائه حلف أجزأه، وهو المراد بالقرآن أن يحلف به، وليس أنه مقصور على ذلك الاسم، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ أَوْ لِيَصْمُتْ" (¬13) ولا يختلف أن الحالف بالرحمن حالف بما ¬

_ (¬1) في (ب) و (ش 1): (يفسر) وأشار إلى ما أثبتناه في هامش (ب) وكتب في نسخة. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 352. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 153. (¬4) في (ش 1): (في). (¬5) قوله: (حرمة) ساقط من (ش 1). (¬6) في (ش 1): (أجزأت). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 153. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 332. (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 153. (¬10) قوله: (عنده) زيادة من (ش 1). (¬11) قوله: (بالله) ساقط من (ح) و (س). (¬12) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 332. (¬13) سبق تخريجه في كتاب الأيمان، ص: 1673.

يجوز له، وداخل فيما أباح النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يحلف به (¬1)، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في قسمه: "لاَ (¬2) وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ" (¬3)، وأجاز في المدونة ألا يثبت في لعانه: إني لمن الصادقين (¬4)، وأثبت ذلك في كتاب محمد (¬5) وهو أحسن لورود القرآن به، وفي البخاري، قال: أمرهما النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن يتلاعنا بما في القرآن (¬6). وفي كتاب محمد: إذا جعلتْ مكان: "إن كان من الصادقين"، "إنه لمن الكاذبين" أجزأها (¬7)، وقال أبو محمد عبد الوهاب: إذا جعل مكان اللعنة الغضب أو مكان الغضب اللعنة، النظر يقتضي ألا يجوز لمخالفتهما (¬8) القرآن (¬9). ¬

_ (¬1) في (ش 1): (بالله). (¬2) قوله: (لَا) ساقط من (ش 1). (¬3) أخرجه البخاري: 6/ 244، في باب {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}، من كتاب القدر، برقم (6243)، ومالك: 2/ 480، في باب جامع الأيمان، من كتاب النذور والأيمان، برقم (1021). (¬4) الذي وقفت عليه في المدونة أنه قال: (يبدأ بالرجل فيحلف أربع شهادات يقول: أشهد بالله لرأيتها تزني أشهد بالله لرأيتها تزني، يقول ذلك أربع مرات). انظر: المدونة: 2/ 352. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 332، بلفظ: (ومن كتاب محمد قال ابن وهب: يقول هو في الأربع أشهد بالله إني لمن الصادقين، وفي الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، وتقول هي: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين). (¬6) متفق عليه: أخرجه البخاري: 4/ 1773، في باب تفسير سورة النور، من كتاب التفسير، برقم (4471)، ومسلم: 2/ 1129، من كتاب اللعان، برقم (1492)، ومالك: 2/ 566، في باب ما جاء في اللعان، من كتاب الطلاق، برقم (1177). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 332، بلفظ: (قال أصبغ: وإن قال هو في الخامسة في مكان إن كنت من الكاذبين، وإن كنت كذبتها أجزأه. ولو قالت المرأة في الخامسة في مكان: "إن كان من الصادقين" "إنه لمن الكاذبين" أجزأها، وكذلك لو استحلفها الإمام بذلك، وأحب إلينا مثل لفظ القرآن. (¬8) في (ش 1): (لمخالفتها). (¬9) لم أقف عليه من قول القاضي عبد الوهاب، ويشبه أن يكون المؤلف نقله من شرح الرسالة المتقدم، وفي المعونة: (ولا ينبغي أن تتعدى الألفاظ التي ورد النص بها، ولا أن يبدل بها غيرها =

فصل [في صفة اللعان بنفي الحمل]

وأجاز في المدونة أن يقتصر على القول: لَرَأْيتُها (¬1)، وقال مالك في كتاب محمد: يقول كما يقول الشهود، ويوقف على ذلك، وقال أصبغ: يقول ذلك في كل مرة كالمرود في المكحلة (¬2). وهو أحسن؛ لأن أيْمانه بمنزلة الشهادة (¬3) توجب رجمها متى نكلت، فوجب أن يُثبت في لعانه ما تثبت البينة؛ لأنه لو قال: لرأيته عليها أو مضاجعها لم يوجب رجمها، فقد يريد بقوله ذلك القدر (¬4)، وليس عليها أن تثبت ذلك في لعانها، وقولها: ما رآني أزني كافٍ. واختلف إذا بدأت المرأة باللعان، قبل الرجل، فقال ابن القاسم في كتاب محمد: يجزئها، وليس عليها أن تعيد اللعان ثانية بعد لعان الرجل، وقال أشهب: تعيد الأيمان بعد لعان الرجل، وكذلك في الحقوق إذا بدأ الطالب ثم علم أن اليمين على المطلوب (¬5). يريد: ثم نكل المطلوب، أن اليمين ترد على الطالب. وقول أشهب في اللعان أبين؛ لأن أيمان الرجل كالشهادة عليها بالزنى، فليس تسقط بأيمانها بينةٌ لم تشهد عليها بعدُ، ولأنها تحلف أنه لمن الكاذبين في أيمانها. فصل [في صفة اللعان بنفي الحمل] اختلف في صفة اللعان بنفي الحمل، فقال ابن القاسم في المدونة: يقول: ¬

_ = لأن النص أوجب تعيين لفظ مخصوص كإيجاب عدد الشهادات) انظر: المعونة: 1/ 617. (¬1) انظر: المدونة: 2/ 352، بلفظ: (يبدأ بالرجل فيحلف أربع شهادات يقول: أشهد بالله لرأيتها تزني أشهد بالله لرأيتها تزني، يقول ذلك أربع مرات. . .). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 332. (¬3) في (ش 1): (الشهود). (¬4) في (ش 1): (العذر). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 340.

أشهد بالله لزنت، وتقول هي: أشهد بالله (¬1) ما زنيت (¬2)، وقال في كتاب محمد: يقول: أشهد بالله إني (¬3) لمن الصادقين، ما هذا الحمل مني، وعلى هذا تقول هي: إنه لمنه (¬4). وقال أصبغ: يقول: أشهد بالله لزنت، وما هذا الحمل مني، وتقول: هي ما زنيت وإنه لمنه (¬5). وقال في العتبية، وهو في كتاب محمد: وأحب إلي أن يتبع مع قوله: ما هذا الحمل مني، ولزنت، في كل مرة نحو قوله في الرؤية (¬6)، يريد: أن يقول: لزنت زنىً كالمرود في المكحلة وقال ابن شعبان: قال بعض أصحابنا، ويقول: ولقد استبرئت (¬7). وأرى أن يكون اللعان مبنيًا على الوجه الذي ينفي به ذلك الولد، فيثبت ذلك في لعانه، وقد اختلف في الوجه الذي (¬8) يجوز به النفي، وهل يصح ذلك بالاستبراء بانفراده، أو بالرؤية بانفرادها، أو بمجموع ذلك؟ والاستبراء (¬9) والرؤية على وجوه تذكر فيما بعد إن شاء الله (¬10). ¬

_ (¬1) قوله: (بالله) زيادة من (ش 1). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 353، بلفظ: (قلت: فإن تبرأ من الحمل كيف يلتعن؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئًا وأرى أن يقول: أشهد بالله لرأيت، ولم أسمعه من مالك، وتقول المرأة: أشهد بالله ما زنيت). (¬3) في (ش 1): (وإني). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 332. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 332. (¬6) لم أقف عليه في العتبية، وانظر: النوادر والزيادات: 5/ 332. (¬7) انظر: الزاهي، لابن شعبان، لوحة رقم: [96 / أ]. (¬8) قوله: (في الوجه الذي) بياض في (ش 1). (¬9) في (ح) و (س): (للاستبراء)، وفي (ش 1): (بالاستبراء). (¬10) قوله: (على وجوه تذكر فيما بعد إن شاء الله) بياض في (ش 1).

فمن أجاز نفيه بالاستبراء بانفراده؛ أثبت في لعانه الاستبراء لا غير (¬1)، فيقول: أشهد بالله الذي لا إله إلا هو إني لمن الصادقين، لقد استبرأتها (¬2)، ويزيد: إنه كان من وقت كذا (¬3)، وإن قال: رأيتها؛ لا عن للرؤية، وأنه رآها كالمرود في المكحلة. ثم يختلف (¬4) هل يذكر التاريخ للرؤية؟ فعلى القول إن اللعان للرؤية ينفي الولد، وإن كانت حاملًا لا (¬5) يذكر هذا تاريخًا، وعلى القول: إنه لا (¬6) يراعى (¬7) الوقت الذي أتت به من وقت الزنا، يسأل عن الوقت الذي رآها فيه، فإن كان ستة أشهر فأكثر، قيل له: أثبت ذلك في لعانك، وعلى القول إنه لا ينفي إلا بالاستبراء والرؤية، يثبت جميع ذلك في لعانه، وقوله: إنه (¬8) يجزئه: قوله (¬9) ما هذا الحمل مني على القول (¬10) إنه يبرأ (¬11) بالاستبراء بانفراده، فيذكر ذلك، ولا يكون (¬12) عليه أن يقول: لزنت، لإمكان أن تكون غصبت، وقوله في المدونة: لزنت (¬13) يصح أن يُرَدَّ إلى القول أنه لا ينفى إلا باجتماع الرؤية والاستبراء. ¬

_ (¬1) قوله: (فمن أجاز نفيه بالاستبراء. . . الاستبراء لا غير) بياض في (ش 1). (¬2) في (ش 1): (استبرئت). (¬3) قوله: (ويزيد: إنه كان من وقت كذا) بياض في (ش 1). (¬4) في (ش 1): (اختلف). (¬5) قوله (لا) زيادة من (ح) و (س). (¬6) قوله (لا) ساقط من (ح) و (س). (¬7) زاد في (ش 1): (في). (¬8) قوله (إنه) ساقط من (ب). (¬9) قوله: (قوله) ساقط من (ش 1). (¬10) قوله: (القول) ساقط من (ش 1). (¬11) في (ح) و (س) و (ش 1): (ينفى). (¬12) قوله: (لا يكون) يقابله في (ح) و (س): (وليس عليه). (¬13) انظر: المدونة: 2/ 353.

فصل [في الموضع الذي يلتعن فيه وفي وقته]

وقول ابن شعبان في إثبات الاستبراء في اللعان أحسن (¬1)، وكل هذا وإن لم يكن في الأحاديث، فإنه مما يُخصُّ به عمومها؛ لأن التعانه يوجب رجمها عند نكولها، فكان من حقها أن يثبت في التعانه ما يوجب ذلك عليها فيه (¬2)، فإن أحب أن يلتعن على صفة يكون فيها تلبيس على الوجه الذي يوجب ذلك عليها أو يكون فيه حق للولد، لا ينتفي معه، لم يمكّن منه، ويثبت كل (¬3) ذلك في الأربع كلما كرر (¬4) الشهادة. فصل [في الموضع الذي يلتعن فيه وفي وقته] واختلف في الموضع الذي يلتعن فيه وفي وقته، فقال في المدونة: في المسجد وعند (¬5) الإمام (¬6)، وقال عبد الملك في المبسوط: في المسجد أو عند الإمام. يريد: أن يكون في (¬7) أحد هذين: المسجد وإن لم يكن إمام، أو (¬8) الإمام وإن لم يكن مسجد. وأما الوقت فقال ابن القاسم: في دبر الصلوات بمحضر من الناس (¬9). وفي كتاب محمد: وأي ساعة من النهار إن شاء الإمام، وعلى إثر المكتوبة أحب إليَّ (¬10). وروى ابن وهب عن مالك أنه قال: كان عندنا بعد العصر ولم (¬11) ¬

_ (¬1) في (ب) و (ح) و (س) و (ق 10): (حسن). (¬2) قوله: (فيه) ساقط من (ح) و (س). (¬3) في (ش 1): (على). (¬4) في (ش 1): (كما ذكروا في). (¬5) في (ب): (عند). (¬6) انظر المدونة: 2/ 354. (¬7) قوله: (في) زيادة من (ش 1). (¬8) في (ش 1): (و). (¬9) انظر: المدونة: 2/ 354. (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 332. (¬11) في (ب) و (ش 1): (وإن لم).

يكن (¬1) سنة، وأي ساعة شاء الإمام لاعن، وبعد العصر أحب إلي (¬2). وأرى أن يكون اللعان في الجامع، وحيث يعظم منه (¬3)، وليس يبعد (¬4) أن يكون عند القاضي والفقيه الجليل، ويجمع الناس لذلك؛ لأن الترهيب يقع بذلك، وأما ما كان من لعان (¬5) عويمر في المسجد بمحضر من (¬6) النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد (¬7) فيحتمل (¬8) أن يكون لو كانت النازلة، وسؤاله وهو في غير المسجد، للاعن بينهما في مكانه أو يبعثهما إلى المسجد أو يحضر معهما، وإذا احتمل ذلك لم يؤخذ من الحديث أصل بيّن. وكونه دبر الصلوات حسن، لقول الله سبحانه: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [المائدة: 106] فجعل لليمين بعد الصلاة تأثيرًا وحقًا للطالب أن يحضره لليمين في ذلك الوقت، وأما قوله بعد العصر فلقوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: 77] فأخرج البخاري ومسلم أنها نزلت فيمن حلف بعد صلاة (¬9) العصر فِي سِلْعَةٍ لَقَدْ أَعْطَى فِيهَا مَا لَمْ يُعْطَ (¬10). فقال ابن شعبان: بعد العصر والصبح (¬11). ¬

_ (¬1) في (ب) و (ح) و (س) و (ق 10): (تكن). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 332. (¬3) قوله: (منه) ساقط من (ح) و (س). (¬4) في (ب) و (ح) و (س) و (ق 10): (ببعيد). (¬5) في (ح) و (س): (التعان). (¬6) قوله: (من) ساقط من (ش 1). (¬7) سبق تخريجه، ص: 2425. (¬8) في (ح) و (س): (ومحتمل). (¬9) قوله: (صلاة) ساقط من (ح) و (س). (¬10) متفق عليه: أخرجه البخاري: 2/ 831، في باب إثم من منع ابن السبيل من الماء، من كتاب المساقاة- الشرب، برقم (2230)، ومسلم: 1/ 103، في باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار والمن بالعطية وتنفيق السلعة بالحلف وبيان الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، من كتاب الأيمان، برقم (108). (¬11) في (ب) و (ح) و (س) و (ق 10): (أو الصبح). انظر: الزاهي، لابن شعبان، لوحة رقم: [96 / أ].

وأظنه ذهب في ذلك لأنهما مشهودتان، يشهدهما (¬1) ملائكة الليل، وملائكة النهار، للحديث: "يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الْعَصْرِ وَصَلاَةِ الصُّبْحِ" (¬2). وكذلك ينبغي أن تكون الأيمان في القسامة وما يعظم من الأموال والجراح. وإن كان أحد الزوجين مريضًا أحلف في مكانه ذلك الوقت، وإن كانت الزوجة حائضًا أخرت حتى تطهر؛ لأن الحائض تمنع من (¬3) المسجد، ولأن اللعان في أحد القولين طلاق، والطلاق في الحيض ممنوع، وإن أحب الزوج أن يلتعن وتؤخر هي حتى تطهر، جاز ذلك (¬4)، وإن قال بعد التعانه: أنا أرضى أن تلتعن هي في غير المسجد، لم يكن ذلك له (¬5)؛ لأن التعانهما يتعلق به حق لله سبحانه، وهو الحد، إن نكلت فليس للزوج أن يسقط ما يتعلق بذلك من الترهيب في الجامع (¬6)، ولو رضيت هي بالْتعانه في غير الجامع لم يكن لها ذلك إذا كان الْتعانه لنفي الحمل (¬7)؛ لأنه حق للولد، فقد ينكل عن اليمين في الجامع، ولا ينكل إن لم يحلف فيه. ¬

_ (¬1) في (ش 1): (وأظنه مذهب في ذلك إلى خصوصهما بأن تشهدهما). (¬2) متفق عليه: أخرجه البخاري: 1/ 203، في باب فضل صلاة العصر، من كتاب مواقيت الصلاة، برقم (530)، ومسلم: 1/ 439، في باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم (632)، ومالك في الموطأ: 1/ 170، في باب جامع الصلاة، من كتاب قصر الصلاة في السفر، برقم (411). (¬3) قوله: (من) ساقط من (ح) و (س). (¬4) قوله: (لذلك) ساقط من (ح) و (س). (¬5) قوله: (له) ساقط من (ح) و (س). (¬6) في (ح) و (س): (بالجامع). (¬7) في (ح) و (س): (ولد).

باب في اللعان بين الزوجين الحرين، وإذا كان أحدهما عبدا أو كافرا أو غير بالغ، أو كانت الزوجة يائسة أو الزوج عنينا أوحصورا أو خصيا أو مجبوبا أو شيخا فانيا أو أعمى أو أخرس

باب في اللعان بين الزوجين الحرين، وإذا كان أحدهما عبدًا أو كافرًا أو غير بالغ، أو كانت الزوجة يائسة أو الزوج عنينًا أوحصورًا أو خصيًا أو مجبوبًا أو شيخًا فانيًا (¬1) أو أعمى أو أخرس اللعان يجب بين الزوجين دون ملك اليمين، ثم هو على أقسام: فإن كان الزوجان حرَّين مسلمين بالغين، والزوجة محصنة غير يائسة (¬2) وجب اللعان بينهما إن قامت بحقها، فإن الْتعنا (¬3) وقع الفراق (¬4)، وإن نكل حُدّ حدّ القذف ثمانين وبقيت زوجة (¬5)، فإن لاعن ونكلت حدّت حد الزنى مائة جلدة (¬6) إن كانت بكرًا، ولم يدخل بها وبقيت زوجة، وإن كانت ثيبًا رجمت (¬7)، وكذلك إن كانت الزوجة حرة والزوج عبدًا يجب عليه اللعان، فإن نكل حُدَّ حَدَّ القذف، وإن لاعن ونكلت وجب عليها بالتعانه حد الزنى الجلد أو الرجم، وإن كانت الزوجة مسلمة، والزوج نصرانيًا؛ لأنها أسلمت دونه أو تعدت وتزوجته على القول إنها لا تكون بتزوجه زانية وجب عليها اللعان لقذفها، وإن نكل حُدَّ حد القذف، وإن لاعن ونكلت لم تحد (¬8) بأيمان الكافر؛ ¬

_ (¬1) قوله: (فانيا) ساقط من (ح) و (س). (¬2) في (ح) و (س): (مسنة). (¬3) قوله: (فإن التعنا) يقابله في (ح) و (س): (والتعنا). (¬4) انظر: المعونة: 1/ 617. (¬5) انظر: المدونة: 2/ 355. (¬6) قوله: (مائة جلدة) ساقط من (ب). (¬7) انظر: المدونة: 2/ 358 و 359، والتفريع في فقه الإمام مالك بن أنس: 2/ 45. (¬8) في (ح) و (س): (يحد).

لأن الأيمان مقام الشهادات. قال ابن القاسم: ولا لعان بين الحر والأمة والمسلم والنصرانية إلا في نفي الحمل (¬1). وإن نكل لحق به الولد، ولم يحدّ، وإن لاعن وجب على الأمة اللعان، فإن لاعنت وقعت الفرقة، وإن نكلت حدت حد الزنى خمسين، وبقيت زوجة، وسواء كانت مدخولًا بها أم لا، وإن كانت نصرانية لم يجب عليها إذا لاعن أن تلاعن وبقيت زوجة. قال محمد: وإن الْتعنت وقعت الفرقة (¬2)، وليس وقوع الفرقة بالبين، وإذا لم تكن نصرانية داخلة في قوله -عز وجل-: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} [النور: 8] وأن (¬3) المراد بالآية المسلمة، وأن لا عذاب على هذه، كان من حق الزوج أن يمنعها (¬4) اللعان، وتبقى زوجة، فإن التعنت لم يقع بذلك فراق؛ لأنها أوقعت اللعان في غير موضعه، وإن كان الزوج غير بالغ لم يكن بينهما لعان؛ لأنَّ قذفه لا يلزمه به حد، فإن أتت بولد لم يلحق به، ويفترق الجواب إذا كان بالغًا وهي غير بالغ، فإن كانت في سن من لا يطيق الرجال (¬5) لم يكن عليه شيء؛ لأن قذفه إياها لم يُلحق بها معرة. ويختلف إذا كانت في سن من يطيق ولا يُخشى منها حمل، فقال ابن القاسم: يلاعن، فإن نكل حد ولا لعان عليها إن لاعن (¬6)؛ لأنها إن أقرت بما ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 352، 354. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 346. (¬3) قوله: (أن) ساقط من (ح) و (س). (¬4) قوله: (الزوج أن يمنعها) يقابله بها (ح) و (س): (الزوجة أن يمنعه). (¬5) قوله: (الرجال) ساقط من (ب). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 356، وانظر: البيان والتحصيل: 6/ 424، وانظر: النوادر والزيادات: 5/ 345.

رماها به، أو قامت عليها به (¬1) بينة لم تحدَّ. وقال ابن الماجشون: لا حدَّ على قاذف من لم يبلغ من الإناث. فعلى هذا لا يجب عليه لعان ولا حد، ويجري فيها قول ثالث: إنه يحدّ ولا يلاعن قياسًا على أحد قولي مالك إن اللعان لا يكون إلا لنفي الحمل خاصة (¬2). وإن كانت في سن من يخشى منها الحمل، كان له أن يلاعن قولًا واحدًا إن ادعى رؤية؛ لأنه يخشى الحمل، وإنما الخلاف هل يجب ذلك عليه؟ فعلى قول مالك يجب بحقها في القذف، وعلى قول عبد الملك لا يجب؛ لأنه لا يحد قاذفها، وله أن يلتعن إن أحب ويوقف أمرها، فإن ظهر حمل لم يلحق به، ووجب عليها اللعان؛ لأن الحمل لا يصح إلا من بالغ، فظهور الحمل يبين أنها كانت بالغًا حين وطئت، فإن نكلت حُدَّت حد البكر، لإمكان أن يكون بلوغها بعد إصابة الزوج وقبل الإصابة التي رماها به (¬3)، ولو لم تقم هي بقذفها حتى ظهر الحمل وجب عليها (¬4) اللعان قولًا واحدًا، فإن نكل حد؛ لأنه قذفُ بالغٍ (¬5) ولحق به الولد، وإن لاعن وجب عليها اللعان، فإن نكلت حدت حد البكر، وإن كانت ممن قعدت عن المحيض وادعى رؤية، تلاعنا على قول ابن القاسم وأحد قولي مالك (¬6)، وعلى القول أن اللعان لنفي الحمل خاصة يحدُّ الزوج ولا يلاعن. ¬

_ (¬1) قوله: (به) ساقط من (ح) و (س). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 334، وعبارته: (قال: وما وقف عن لعانها في الحمل إلا عبد الملك، وأنه قال: حتى تضع في النفي خاصة، ولا يقع القذف عنده فيها حتى تضع، إذ لعله لا حمل بها). (¬3) في (ب): (بها). (¬4) في (ب): (عليه). (¬5) في (ب) و (ق 10): (قذف بالغا). (¬6) قوله: (وأحد قولي مالك) يقابله في (ح) و (س): (وحد على قول محمد).

وقال محمد في امرأة الخصي والمجبوب تحمل وهو ينكر، فإن كان لا ينزل كان ولد زنى، ولا لعان بينهما إلا أن يدعي رؤية فيلتعن لمكان القذف، وإن اختلف فيه أهل النظر، فقال بعضهم: يولد لمثله. وقال (¬1) بعضهم: لا يولد له (¬2) لم يكن بد من اللعان (¬3). وقال ابن حبيب: إن كان مقطوع الأنثيين والذكر لم يلحق به ولا يلاعن وتعتد زوجته إن مات، ولا تعتد إن طلق، وإن بقي أنثياه، أو اليسير أو معه من عسيبه بعضُه لحق به، ولاعن، واعتدت من الطلاق (¬4). وإن ادعى رؤية وكان لا يحمل له لاعن على أحد القولين وحد على القول الآخر، ولا يلاعن. قال محمد: إن كان شيخًا كبيرًا أو عنينًا، كان عليه اللعان في الرؤية وفي نفي الحمل (¬5)؛ لأنها تدعي أنه يصيب. وقال ابن القاسم في المدونة: في الأخرس يقذف امرأته بالإشارة أو بالكتابة يلتعن إذا فقه ما يقول، وما يقال له (¬6). وقال في العتبية فيمن ادعى رؤية، وزوجته بكماء صماء لا تسمع ولا تفهم، قال: يعمل منها على ما يفهم وتفهم (¬7) من الإشارة، فإن صدقته إذا التعن حدت فإن التعن ثم (¬8) التعنت بالإشارة، فإن نكلت حدت (¬9). ¬

_ (¬1) قوله: (قال) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (له) ساقط من (ب). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 349. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 542، 543. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 349. (¬6) انظر: المدونة: 2/ 78، 79. (¬7) قوله: (منها على ما يفهم وتفهم) يقابله في (ح) و (س): (فيها على ما تفهم). (¬8) قوله: (ثم) ساقط من (ب). (¬9) انظر: البيان والتحصيل: 6/ 419، والنوادر والزيادات: 5/ 347.

ويلاعن الأعمى إذا نفى الحمل؛ لأنه يدعي الاستبراء، وكذلك إن لم ينف حملًا، فقال: مسست. واختلف إذا قذفها، ولم يدع استبراءً ولا مسيسًا، فقال ابن القاسم: يلاعن، لعموم قوله -عز وجل-: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} (¬1) وقال مالك: يحمل ذلك في دينه (¬2). وقال (¬3) ابن القصار عن مالك: إنه لا يصح أن يلاعن إلا أن يقول: لمست فرجًا في فرجها. وهذا أحسن؛ لأن لعان الزوج يوجب حدها، وهو مقام البينة، وإذا كان ذلك لم يجز أن تحد؛ لأن ذلك أمر (¬4) مشكوك فيه، ومن قذف زوجته برؤية وهي غير محصنة؛ لأنها ممن ثبت زناها قبل ذلك- لم يكن عليه لعان؛ لأنه لو أقر أنه كذب عليها لم يحد، وإذا أحب لاعن، فإن لاعن وجب عليها اللعان، ووقع الفراق إن التعن، فإن انتفى من حملها ولم يلتعن، ألحق به ولم يحد، وإن التعن لم يلحق به، ولاعنت. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 362. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 362. (¬3) في (ح) و (س): (وذكر). (¬4) قوله: (لأن ذلك أمر) يقابله في (ب): (لأمر).

باب فيما يجب فيه اللعان من الرؤية ونفي الحمل اللعان يجب بوجهين: لرؤية، أو لنفي الحمل

باب فيما (¬1) يجب فيه اللعان من الرؤية ونفي الحمل اللعان يجب بوجهين: لرؤية، أو لنفي الحمل وهو للرؤية على ثلاثة أقسام فيصح في قسمين إذا كان عن (¬2) تلك الرؤية حمل (¬3) أو يخشى أن تحمل (¬4) منه، وفي مثل هذا كانت الحادثة التي نزل (¬5) فيها القرآن، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى كَذَا، فَمَا أُرَاهُ إِلَّا قَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا" فأتت به على النعت المكروه. . . الحديث. واختلف إذا كان لا يخاف عن (¬6) تلك الرؤية حملًا؛ لأنها كانت -حين رأى ذلك منها (¬7) - حاملًا (¬8)، وهو معترف به، أو كانت في سن من لا تحمل لصغر أو قد قاربت أو يائسة، أو لأن الزوج خصي أو مجبوب، فقيل: يلاعن لعموم الآية. وقيل: لا يلاعن. فقال مالك في كتاب محمد: إذا كانت بينة الحمل وهو مقرٌ به، فقال: رأيتها تزني، فأنا ألاعن، فقال: كل من لاعن لم يلحق به (¬9) الولد، وإن اعترف به بعد اللعان حد، يقول: فكذلك هذا إذا اعترف به قبل (¬10) حد، ولم يلاعن (¬11). ¬

_ (¬1) في (ح) و (س): (ما). (¬2) في (ب): (على). (¬3) قوله: (على ثلاثة أقسام فيصح في قسمين. . . الرؤية حمل) ساقط من (ش 1). (¬4) في (ب) و (ح) و (س) و (ق 10): (يحمل). (¬5) في (ش 1): (أنزل). (¬6) في (ب): (على). (¬7) قوله: (ذلك منها) ساقط من (ح) و (س) و (ش 1). (¬8) في (ش 1): (حاملٌ). (¬9) قوله: (به) ساقط من (ح) و (س). (¬10) في (ش 1): (قيل). (¬11) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 333.

قال محمد: وهذا إغراق من قوله (¬1). وقال أبو محمد عبد الوهاب تعليلًا لهذا القول: قال: لأن الأصلَ أن اللعانَ لنفي النسب، ويتعلق به سقوط الحد، فإذا لم يكن مفيدًا لإسقاط الولد، لم يكن له أن يلاعن، وإذا لم يكن له أن يلاعن لزمه الحد (¬2). فقصر (¬3) الآية على مثل ما نزلت فيه أنها كانت فيمن خُشي منها الحمل، ثم ظهر على ما ذكره (¬4)، ولأن الأصل في قذف المحصنات الحد للزوج (¬5) وغيره، والأصل في الولد أن الاعتراف والإنكار به (¬6) إلى الأب، وله أن ينكر ما ليس من مائه، والضرورة تدعو إلى ذكر ذلك، لئلا يلحق به من ليس منه، فجعل الله له مخرجًا من ذلك بأيمانه، وإذا صح أن ينفيه بأيمانه- لم يصح أن يحد لقذفها؛ لأن ذلك يؤدي إلى التنافي، يكون صادقًا كاذبًا في حال؛ لأنه إذا حمل على (¬7) الصدق صح نفيه، وسقط (¬8) الحد، وإن حمل على الكذب بطل (¬9) نفيه، وحد، فلما جعل القول قوله مع يمينه أنه ليس بولده، صح سقوط الحد، ولم ينتقض (¬10) الحكم، فيصدق في نفيه، ويحد فيه، ثم جعل (¬11) القول قولها في حقها (¬12) في نفسها مع يمينها لما كان القول قوله في حقه في النسب. ¬

_ (¬1) قوله: (من قوله) ساقط من (ح) و (س) و (ش 1)، وانظر: النوادر والزيادات: 5/ 333. (¬2) انظر: المعونة: 1/ 616. (¬3) في (ش 1): (بنص). (¬4) في (ش 1): (كره). (¬5) قوله: (الحد للزوج) يقابله في (ح) و (س): (أن يحد الزوج). (¬6) في (ش 1): (له). (¬7) في (ب): (عن). (¬8) في (ح) و (س): (وصح نفيه سقط). (¬9) في (ش 1): (لم يصح). (¬10) في (ش 1): (ولم يتبعض). (¬11) قوله: (جعل) ساقط من (ش 1). (¬12) قوله: (في حقها) ساقط من (ح) و (س).

فصل [في أقسام اللعان على نفي الولد]

وإذا لم يكن ولد (¬1) ولا خوف حمل، بقي على الأصل أنه قذف (¬2). فصل [في أقسام اللعان على نفي الولد] واللعان على نفي الولد على سبعة أقسام: يصح في أربعة، ويختلف (¬3) في ثلاثة: فيصح إذا اجتمع الاستبراء والرؤية، وأتت به من بعد الرؤية لستة أشهر فصاعدًا. والثاني: أن ينفيه بالأمد وإن لم يدع رؤية ولا استبراء، فيقول: لم أصبها منذ كذا، لأمد لا يلحق به الولد لأكثر من أربع سنين أو خمس أو سبع على الاختلاف في ذلك. والثالث: أن يقول لم أصبها بعدما وضعت ولدًا كان قبل هذا، مما يعلم أنه بطن (¬4) ثان. والرابع: أن يقول لم تلديه. فهذه أربعة أقسام لا خلاف فيها. وقال أشهب فيمن قال لامرأته- ولم يكن رأى منها حملًا حتى وضعت: لم تلدي هذا الولد (¬5)، وقالت: قد ولدته، فقال: إن انتفى منه لاعن (¬6)، وإن قال: هو ولدي ولم تلديه لحق به ولم يلاعن. ¬

_ (¬1) في (ح) و (س): (ذلك). (¬2) في (ب) و (ح) و (س) و (ق 10): (قاذف). (¬3) في (ش 1): (واختلف). (¬4) في (ب): (وطء). (¬5) قوله: (الولد) ساقط من (ح) و (س). (¬6) قوله: (لاعن) يقابله في (ح) و (س): (لا يحد). وانظر: النوادر والزيادات: 5/ 350.

وأرى إن هو نفاه، ثم نكل عن اللعان لم يحدّ؛ لأنه لم يقذفها، وإنما قال: التقطته ونسبته (¬1) إليّ، ولأن صفة لعانه أن يشهد في الأربع أنها لم تلده لا غير ذلك، فهو لم يثبت عليها زنى ولا ادعاه، ولا لعان عليها، وتبقى زوجة على حالها. واختلف في نفيه بالاستبراء بانفراده من غير رؤية، وفي نفيه بالرؤية بانفرادها من غير استبراء إذا أتت به من بعد الرؤية لستة أشهر، وفي نفيه إذا كانت حين الرؤية (¬2) ظاهرة الحمل، أولم تكن ظاهرة الحمل أو أتت (¬3) به لدون (¬4) ستة أشهر، فأما نفيه بالاستبراء فقال (¬5) مالك (¬6) مرة (¬7): ينفيه به (¬8). ورأى مرة ألا ينفى (¬9) به (¬10)؛ لأن الحيض يأتي على الحمل، وهو قول أشهب في كتاب محمد (¬11). واختلف بعد (¬12) القول بجواز نفيه بالاستبراء، فقال مالك والمغيرة يجزئ (¬13) في ذلك حيضة، وقال أيضًا: لا ينفيه إلا بثلاث (¬14)، وذكر ابن الماجشون في كتابه عن المغيرة أنه قال: ينفيه بثلاث حيض (¬15)، وقال أيضًا: لا ¬

_ (¬1) في (ب): (تنسبه). (¬2) في (ح) و (س): (كان من الرؤية). (¬3) في (ح) و (س): (وأتت). (¬4) في (ح) و (س): (أقل)، وفي (ش 1): (لأقل من). (¬5) في (ش 1): (فرأى). (¬6) قوله: (مالك) ساقط من (ب). (¬7) قوله: (مالك مرة) بياض في (ش 1). (¬8) قوله: (به) ساقط من (ش 1). وانظر: المدونة: 2/ 356. (¬9) في (ح) و (س): (ينفيه). (¬10) انظر: المدونة: 2/ 329. (¬11) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 350. (¬12) في (ش 1): (على). (¬13) في (ش 1): (تجزئ). (¬14) في (ح) و (س): (بثلاثة). وانظر: النوادر والزيادات: 5/ 334. (¬15) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 334.

ينفيه إلا بخمس (¬1) سنين. يريد: بالأمد لا بالاستبراء. واختلف عن مالك (¬2) في نفيه بالرؤية بانفرادها إذا كان الزوج قد أصابها في ذلك الطهر وأتت به لستة أشهر فأكثر، فقال المغيرة في المدونة في هذا ينفيه (¬3). واختلف عن ابن القاسم في هذا الأصل، فقال في كتاب محمد فيمن باع أمة قد أصابها وأصابها المشتري في ذلك الطهر، فأتت بولد من بعد وطء (¬4) الثاني لستة أشهر فأكثر إنه للثاني (¬5)، وإن كان أصابها هذا اليوم والآخر غدا فعلى هذا يكون للزوج أن ينفيه باللعان الثاني كما قال المغيرة، والمعروف في هذا أن تدعى (¬6) له القافة (¬7). فجعل مالك له (¬8) أن ينفيه لظاهر حديث عويمر أنه نفاه للرؤية، ولم يذكر استبراءً، وخصه مرة بالقياس؛ لأنهما ماءان اختلطا، حلال وحرام، فلم يجز أن يحمل على أنه للحرام دون الحلال. وقال محمد بن عبد الحكم: كيف إذا اجتمع الحلال والحرام (¬9) يحكم به للحرام، والنبي - صلى الله عليه وسلم - حكم بالولد للفراش في ولد زمعة، وقال لسودة: "احْتَجبِي مِنْه" لما رأى من شبهه بعتبة (¬10)، وهذا الاحتجاج (¬11) صحيح قياسًا ¬

_ (¬1) في (ش 1): (لخمس). (¬2) قوله: (عن مالك) ساقط من (ح) و (س) و (ش 1). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 357. (¬4) في (ب) و (ق 10): (الوطء). (¬5) في (ش 1): (أنه الثاني). (¬6) في (ح) و (س): (أنه يدعى). (¬7) القافة: جمع قائف وهو من يستدل بالخلقة على النسب ويلحق الفروع بالأصول بالشبه والعلامات، وقيل: هو الذي يعرف شبه الولد بالوالد بالآثار الخفية (التخريج). (¬8) قوله: (له) ساقط من (ش 1). (¬9) في (ش 1): (حلال وحرام). (¬10) متفق عليه: أخرجه البخاري: 2/ 724، في باب تفسير الشبهات، من كتاب البيوع، برقم (1948)، ومسلم: 2/ 1080، في باب الولد للفراش وتوقى الشبهات، من كتاب الرضاع، برقم (1457)، ومالك: 2/ 739، في باب القضاء بالحاق الولد بأبيه، من كتاب الأقضية، برقم (1418). (¬11) في (ش 1): (احتجاج).

على التي تتزوج (¬1) في عدتها قبل حيضتها (¬2)، أو تأتي بولد (¬3) لستة أشهر من يوم أصاب الثاني أنه للأول، ولا (¬4) يدعى له القافة، فهو في الزنا أبين ألا يجعل للثاني، إلا أن للزوج أن يقول: قد جعل للزوج الأول (¬5) إذا تزوجت في العدة مخرج (¬6)، لئلا يلحق به ولد غيره بالقافة، ولم يجعل له (¬7) ذلك في الزنا، بل (¬8) يقال له: تمنع من نفيه باللعان، ولا يدعى له القافة، ويلحق به مع إمكان (¬9) أن يكون جميعه من الزنا. وقال الليث بن سعد (¬10): تدعى له القافة، فإن ألحق بالزنا لم ينسب إليه. ويحتمل أن يكون حمل حديث ولد زمعة أن يكون (¬11) اشتركا فيه، وكان الغالب شبهه بزمعة، وللآخر بعض الشبه (¬12)؛ لأن وطء عتبة كان في الكفر، وقد كان النسب يلحق فيه بالزنا (¬13)، وتدعى فيه القافة للحرائر، وإذا لم يكن من نفيه بالرؤية لم يحد لقذفها، وكان له أن يلاعن لسقوط الحد؛ لأنه يقول: ذكرت (¬14) ذلك خيفة من لحوق النسب، ولا علم لي بما تقدم من حملها، ولا أرى أن ينفى بالاستبراء بانفراده؛ لأن من قول مالك وأصحابه يصح أن تحيض، وإنما اختلف في القدر الذي تترك له الصلاة، وهل أول الحمل وآخره سواء (¬15). وقال في المعتدة تقول: حضت ثلاث حيض ثم تأتي بولد، وتقول إن المرأة ¬

_ (¬1) في (ش 1): (الذي يتزوج). (¬2) في (ح) و (س) و (ش 1): (حيضة). (¬3) قوله: (بولد) ساقط من (ش 1). (¬4) قوله: (لا) ساقط من (ح) و (س) و (ش 1). (¬5) في (ش 1): (للأول). (¬6) في (ش 1): (مخرجًا). (¬7) قوله: (له) ساقط من (ح) و (س). (¬8) قوله: (بل) ساقط من (ش 1). (¬9) قوله: (مع إمكان) يقابله في (ح) و (س): (لإمكان). (¬10) في (ح) و (س): (سعيد). (¬11) قوله: (أن يكون) يقابله في (ش 1): (على أنهما). (¬12) في (ح) و (س): (الشبهة). (¬13) في (ح) و (س): (به الزنا)، وفي (ش 1): (للزنا). (¬14) في (ش 1): (أدركت). (¬15) انظر: المدونة: 1/ 155.

تهراق الدم على الحمل: إن الولد للزوج (¬1)، وإذا صح أن الحامل تحيض، لم يصح نفيه بالاستبراء؛ لأن الزوج لا علم له (¬2) من زناها، وليس عنده أكثر من أنها حاضت. فإن قيل: يلزم على (¬3) هذا ألا تحل للأزواج؛ لأنها على شك من البراءة. قيل: لا تمنع؛ لأن ذلك نادر، فلا تمنع (¬4) من أجل النادر. فإن قيل: قد جعلت الولد للنادر (¬5) إذا أصابها الثاني بعد حيضة، وأتت به لستة أشهر من وطء الثاني أن الولد للثاني (¬6)، والوضع لستة أشهر نادر. قيل: لما اجتمع الشيئان (¬7): حيض والغالب منه البراءة، وحدوث وطء بعده- جعل (¬8) الولد للمحدث؛ لأنَّ الحيضة فصلت بين الوطئين. وإذا لم ينف الولد بالاستبراء لم يحد؛ لأنه يقول: ظننت أن الاستبراء دليل على أنه ليس مني، كما لو أنكر لونه فلم يصح نفيه بذلك، لم يحد. واختلف إذا لاعن للرؤية ثم ظهر حمل، فقال ابن القاسم: يكون ذلك اللعان الذي كان- نفيًا للولد (¬9). وقاله أشهب في كتاب محمد، وقال ابن الماجشون لا ينفيه إلا بلعان ثاني (¬10)؛ لأن اللعان لم يكن للولد ولولا ذلك لم يكن عليه أن يسأل عن ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 25. (¬2) في (ح) و (س): (عنده) وأشار إليه في هامش (ب) وكتب فوقه في نسخة. (¬3) قوله: (النسب، ولا علم لي بما تقدم من حملها. . . فإن قيل: يلزم على) بياض في (ش 1). (¬4) في (ح) و (س): (تحل). (¬5) في (ش 1): (لنادر). (¬6) هذا قول الإمام مالك انظر: المدونة: 2/ 27. (¬7) في (ش 1): (السببان). (¬8) في (ب) و (ش 1): (حمل). (¬9) انظر: المدونة: 2/ 362. (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 334. وقوله: (لعان ثاني): في النوادر والزيادات (لعان =

الاستبراء، وقاله أصبغ (¬1). وهذا راجع إلى الخلاف المتقدم، فعلى القول: إنه يكتفي في لعانه للنفي (¬2) بقوله: زنت يجزئ اللعان الأول، وعلى القول أنه يقول: وما هذا الحمل مني، ولقد استبرئت يلتعن لعانًا ثانيًا يثبت ذلك فيه، وإن أكذب نفسه في اللعان الثاني لحق به الولد، ولم يحدّ؛ لأنَّ اللعان الأول لم يسقط إلا على ما ذكره عبد الوهاب (¬3). ويختلف إذا أكذب نفسه في الرؤية هل يحدُّ؛ لأنه يعود إلى النفي بالاستبراء بانفراده؟ فعلى القول إنه لا ينتفي يحد للأول (¬4)؛ لأن الرؤية لم تصح لإكذابه نفسه، والنسب لم يسقط لانفراده عن الرؤية. واختلف إذا التعن لعانًا واحدًا للرؤية ولنفي النسب، ثم استلحق الولد، فقال محمد: إذا استلحق الولد؛ فإن كان لاعن للرؤية أو للرؤية ولإنكار الولد، لم يحدّ، وإن كان لإنكار الولد وحده حدَّ (¬5). وقال ابن القاسم في المدونة: إذا لاعن للرؤية ثم ظهر حمل (¬6)، فقال: قد كنت استبرأت منه (¬7)، فانتفى منه بذلك، ثم أكذب نفسه في الاستبراء إنه يحد (¬8). والأول أحسن؛ لأن الرؤية والاستبراء شيئان (¬9)، وليس كذبه في أحدهما كذبًا في الآخر، ولو رجع عن الرؤية لحد. ¬

_ = ثان). (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 334. (¬2) في (ح) و (س): (بلعان بالنفي). (¬3) انظر: المعونة: 1/ 614. (¬4) في (ح) و (س): (الأول). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 343. (¬6) في (ب) و (ح) و (س) و (ق 10): (الولد). (¬7) قوله: (منه) زيادة من (ش 1). (¬8) انظر: المدونة: 2/ 362. (¬9) في (ب) و (ق 10): (سببان).

فصل [فيما إذا قال الزوج زنت، ولم يقل رأيت أو قال ليس الولد مني ولم يقل استبرأت]

فصل [فيما إذا قال الزوج زنت، ولم يقل رأيت أو قال ليس الولد مني ولم يقل استبرأت] واختلف قول مالك إذا قال: زنت، ولم يقل: رأيت، أو قال: ليس الولد مني، ولم يقل: استبرأت، فقال مرة: يلاعن ولا يسأل عن شيء (¬1)، وقال مرة: لا يلاعن إلا أن يدعي رؤية أو استبراء (¬2). وهذا هو الصحيح، ولا يُمَكَّنَ من اللعان من غير كَشفٍ، وللزوجة والولد (¬3) في ذلك حق، فقد يعترفُ (¬4) عند السؤال بأمر لا يوجب لعانًا، ولا يسقط نسبًا، ولأن لعانه وقع (¬5) موقع (¬6) البينة فيما يجب عليها من (¬7) حد أو غيره فوجب كشفه كما تكشف البينة، ولأن الوجه الذي ينفى به الولد مختلف فيه، فعلى الحاكم أن يكشفه عن ذلك، ليعلم هل ينفى به وهل هو موافق لرأيه؟ فصل [في صفة من ينفى منها الولد] الولد ينفى من ملك اليمين، ومن زوجة حرة محصنة مدخولٍ بها، أو أمة أو كتابية، ومن معترفة (¬8) بالزنى، ومن منكرة مشهود عليها بالزنا، ومغتصبة وغير مدخول بها، فأما ملك اليمين فله نفيه بغير لعان، ويحلف يمينًا واحدة إن ادعت أنّه منه، وإن اعترفت أنه من زنًا، لم يحلف، وإن كان من زوجة حرة ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 333. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 360. (¬3) قوله: (والولد) ساقط من (ش 1). (¬4) في (ب) و (ق 10): (يعترف). (¬5) قوله: (وقع) ساقط من (ح) و (س). (¬6) في (ش 1): (موضع). (¬7) قوله: (البينة فيما يجب عليها من) ساقط من (ش 1). (¬8) قوله: (ومن معترفة) يقابله في (ح) و (س): (أو معترفة).

مسلمة أو أمة أو كتابية تدعي أنه منه، لم ينفه إلا بلعان، وإن اعترفت أنه من زنا، وقالت: إنه كان استبرأ قبله، كان فيه قولان، فقال مالك مرة: لا ينفيه إلا بلعان، وبه أخذ (¬1) المغيرة وابن دينار وابن الماجشون وابن عبد الحكم، وقال مرة ينفيه بغير لعان (¬2)، وبه أخذ ابن القاسم وأشهب (¬3). وقال ابن القاسم في كتاب محمد: وكذلك إذا اعترفت بالزنا وقالت هو من الزوج فله نفيه بغير لعان (¬4)، وكل هذا إذا قامت البينة (¬5) على قولها حتى تحد، وإن رجعت عن اعترافها لم ينفه إلا بلعان، وقال ابن القاسم في كتاب الرجم: إذا أشهد (¬6) عليها أنها زنت منذ أربعة أشهر، وكان زوجها غائبًا، ثم ظهر حمل، فأخرت حتى وضعت، فإن قالت (¬7): هو للزنا -لأنه تقدمه استبراء- كان للزوج أن ينفيه بغير لعان. وإن قالت: هو من زوجي (¬8)، أو لم تسأل حتى رجمت لم ينفه إلا بلعان (¬9). وهذا اختلاف قول؛ لأن الشهادة والاعتراف بالزنا سواء، وعلى (¬10) قوله ¬

_ (¬1) قوله: (الولد مختلف فيه، فعلى الحاكم. . . وبه أخذ) بياض في (ش 1). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 335، وعبارته: (من كتاب ابن المواز: ومن أنكر حمل امرأته وادعى أنه رآها تزني فصدقته، فقول مالك قديمًا أنه لا ينفي إلا بلعان وبه أخذ المغيرة وابن دينار وعبد الملك وابن عبد الحكم. وروى عند ابن القاسم، وكذلك أن قالت: زنيت، ولكن الولد منك: إنه ينفي الولد بلا لعان، وكذلك وروى عنه أصبغ في العتبية قال في كتاب محمد: إن ثبتت على قولها حتى تحد، ثم لا يقبل منها إن رجعت، ولو رجعت قبل أن تحد عاد اللعان بينهما). (¬3) قوله: (ابن القاسم و) ساقط من (ش 1). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 335. (¬5) في (ش 1): (إذا أقامت ثبتت). (¬6) في (ش 1): (شهد). (¬7) قوله: (فإن قالت) يقابله في (ش 1): (فقالت). (¬8) في (ش 1): (زوج). (¬9) انظر: المدونة: 4/ 515. (¬10) في (ح) و (س): (على).

فصل [في نفي الولد بغصب]

في كتاب محمد: أنها (¬1) إذا اعترفت بالزنا، وقالت في الولد: إنه من الزوج، أن له أن ينفيه بغير لعان، يكون ذلك له إذا شهدت البينة بالزنا، فله أن ينفيه بغير لعان، وإن ادعت أنه منه. وعلى أحد قولي مالك في المعترفة بالزنا، وأنه ليس منه، لا يكون للزوج أن ينفيه إذا شهدت البينة بالزنا (¬2) أو اعترفت (¬3) الزوجة أنه من زنا، لا ينفيه (¬4) إلا بلعان، فمنع مالك نفيه في القول الأول بغير لعان، لعموم الآية، ولم ير ذلك على الزوج في القول الآخر، قياسًا على ملك اليمين أنه لما انفرد النفي لحقِّ الولد، كان القول قوله فيه بغير لعان إذا حُدّت الزوجة. فصل [في نفي الولد بغصب] وإن نفى بغصب فإنه لا يخلو من أن يثبت الغصب (¬5) ببينة، أو يعترف بذلك الزوجان، أو يدعي ذلك الزوج وحده أو الزوجة وحدها، فإن ثبت الاغتصاب ببينة كان كثبوت (¬6) الزنا، فيختلف إن قال: ليس مني، وقد كنت استبرأتها (¬7) أو (¬8) ينفيه بلعان أو بغير لعان. واختلف قول ابن القاسم إذا أكذبته (¬9)، وقالت: بل هو منه، فإذا كان الحكم ألا ينفى إلا بلعان، كان (¬10) اللعان على الزوج وحده، فإن نكل لم يحد، ¬

_ (¬1) قوله: (أنها) زيادة من (ش 1). (¬2) قوله: (فله أن ينفيه بغير لعان. . . أن ينفيه إذا شهدت البينة بالزنا) ساقط من (ح) و (س). (¬3) في (ب) و (ح) و (س) و (ق 10): (واعترفت). (¬4) قوله: (لا ينفيه) ساقط من (ب) و (ش 1). (¬5) قوله: (الغصب) ساقط من (ح) و (س). (¬6) في (ب) و (ح) و (س) و (ق 10): (كثبات). (¬7) في (ب) و (ح) و (س) و (ق 10): (استبرأت). (¬8) في (ح) و (س): (أن). (¬9) في (ش 1): (كذبته). (¬10) قوله: (كان) يقابله في (ح) و (س): (فإن).

وإن لاعن لم يكن عليها لعان؛ لأنها تقول: يمكن أن يكون من الغاصب (¬1). وأرى ألا ينفى إلا بلعان، لاتفاقهم إذا كانت الزوجة أمة أو نصرانية ألا ينفى (¬2) إلا بلعان، وإن كان لا حد عليه في قذفهما (¬3). وإن تصادق الزوجان على الغصب، لم ينفه إلا بلعان لحق الولد (¬4) قال محمد: يلتعنان جميعًا، يلتعن الزوج (¬5)، وتلتعن المرأة: أن قد غصبت على نفسي، ويفرق بينهما، فإن نكلت رجمت (¬6). ولا يعلم (¬7) لرجمها وجهًا (¬8)؛ لأن الزوج لم يُثْبِتْ عليها في لعانه زنًا، وإنما أثبت عليها (¬9) غصبًا، فلا لعان عليها، كما لو ثبتت البينة بالغصب، ولو لاعنت لم يفرق (¬10) بينهما؛ لأنها إنما أثبتت بالتعانه الغصب، وتصدق الزوج، ولها (¬11) أن تقول في الأربع: أشهد بالله إنه لمن الصادقين، أو لقد صدق، وهذا خارج عما ورد فيه القرآن مما يوجب الحد في نكولها، أو يوجب الفراق إن حلفت. ويختلف إذا ادَّعى الزوج الطوع، وادعت الغصب، فعلى قول ابن القاسم: لا لعان عليه، وتحد هي؛ لأنها مقرّة بالإصابة مدعية للغصب، وعلى قول أشهب: لا تؤخذ بغير ما أقرت (¬12) به، ويلاعن الزوج، فإن نكل لم يحد؛ ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 358، والنوادر والزيادات: 5/ 336. (¬2) في (ح) و (س): (ينتفى). (¬3) في (ش 1): (قذفها). (¬4) قوله: (لحق الولد) ساقط من (ب) و (ش 1). (¬5) في (ب) و (ش 1): (الرجل). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 335. (¬7) في (ش 1): (نعلم). (¬8) قوله: (لرجمها وجها) يقابله في (ح) و (س): (رجمها). (¬9) قوله: (عليها) ساقط من (ح) و (س). (¬10) قوله: (لم يفرق) في (ح) و (س): (لفرقت). (¬11) قوله: (وتصدق الزوج، ولها) يقابله في (ح) و (س): (وتصديق الزوج لها). (¬12) في (ح) و (س): (أقر).

فصل [في إنكار حمل الزوجة غير المدخول بها فتصدقه]

للاختلاف هل يقبل قوله؟ وإن لاعن حلفت لقد أصبت وبرئت، وسواء ظهر بها حمل أم لا، وهي في ظهور الحمل ها هنا بخلافه لو لم يكن لها زوج؛ لأن ذات الزوج قادرة على أن تنسبه إلى الزوج، وإن ادَّعى الغصب وأنكرت أن تكون أصيبت جملة، فعلى ما قال محمد: يلتعنان جميعًا. والصواب إذا التعن الزوج أن لا لعان عليها؛ لأن الزوج إنما أثبت في التعانه اغتصابًا، فإن نكل الزوج عن اللعان مع ثبات البينة بالغصب أو تصادقا على الغصب بغير بينة لم يحد، فكذلك إذا ادَّعى الغصب وأنكرت أن يكون أصابها أحد لم يحد؛ لأن محمل قول الزوج محمل الشهادة، وليس محمل التعريض. فصل [في إنكار حمل الزوجة غير المدخول بها فتصدقه] وإن كانت الزوجة غير مدخول بها فأنكر الحمل وصدقته صدق بغير لعان على قول مالك وابن القاسم، وقال ابن الماشجون في كتاب محمد: لا ينفيه إلا بلعان (¬1). الأوّل أحسن؛ لأنه لم يعلم خلوة ولا ادعت ذلك، وإن ادعت أنه منه لم ينفه إلا بلعان، يلتعنان جميعًا، إلا أن تأتي الزوجة به لأقل من ستة أشهر من يوم العقد، وهو غائب، وبينهما من المسافة ما إن قدم بعد العقد كان الباقي أقل من ستة أشهر أو أكثر، ويشهد من هو بينهم أنه لم يغب طول تلك المدة أو غاب ما لا يكون مدة لذهابه ورجوعه. واختلف في الصداق إذا أتت به لما يشبه وتلاعنا، فقال في المدونة: لها ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 335.

نصف الصداق (¬1)، وقال ابن الجلاب: لا شيء لها (¬2). وقد يحمل (¬3) هذا على القول أن اللعان فسخ، والأول على القول أنه طلاق، فإن نكل حد، ويكون الصداق عليه (¬4) وبقيت زوجة، وإن لاعن ونكلت حدت حد البكر، وبقيت زوجة، فإن طلق لم يكن عليه سوى (¬5) النصف، وإن لم يطلق لم يمسها حتى تضع، إلا أن يقر الزوج أن الحمل كان قبل عقد النكاح فيؤخذ بإقراره، ولا تقر تحته، وإن أتت به لأقل من ستة أشهر فسخ النكاح، ولا شيء لها من الصداق، دخل أو لم يدخل؛ لأنها غارة تعلم بما أحدثت، وان أتت به لأكثر من ستة أشهر، وكان في حين العقد غائبًا ولم يمر من الزمان ما يقدم فيه؛ ثبت النكاح، ويحمل على أنه حدث بعد العقد، وهذا على المشهور من أصل مالك، ولو قيل: يفسخ ويحمل على أنه متقدم لكان وجهًا؛ لأن الوضع لستة أشهر من النادر. وإن اختلفا في وقت العقد، فقال: تزوجتك مذ خمسة أشهر، وقالت: مذ سبعة، وقد أتت بولد، تلاعنا، فيقول: أشهد بالله إني لمن الصادقين ما تزوجتها إلا مذ خمسة أشهر، وتقول هي أشهد بالله إنه لمن الكاذبين ما تزوجني إلا منذ سبعة (¬6) أشهر، وإنه لمنه. وإن طلق قبل البناء، وتصادقا على أنه لم يصب، ثم ظهر حمل لستة أشهر فأكثر، فإنهما لا يخلوان من أن: يتماديا على نفي الإصابة، أو يرجعا إلى أنه أصاب، أو يرجع هو وحده، ويقول: أصبت وتنكر هي، أو تدّعي الإصابة وينكر هو. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 363. (¬2) انظر: التفريع: 1/ 379، بلفظ: (ولو لاعَنَها قبل الدخول بها سقط صداقها). (¬3) في (ح) و (س): (يحتمل). (¬4) قوله: (عليه) ساقط من (ب). (¬5) في (ح) و (س): (غير). (¬6) قوله: (منذ سبعة) يقابله في (ح) و (س): (لسبعة).

فإن تماديا على نفي الإصابة صدق بغير لعان، وحدت حد البكر. وإن رجع ألحق به الولد، وأكمل الصداق، وله الرجعة إن لم تكن وضعت. وإن ادعى الإصابة وأنكرت لحق به الولد، وحدت حد البكر، لإقرارها على نفسها، وأكمل لها الصداق إن أحبت. وإن أنكر الإصابة وادعتها لاعن، فإن نكل أكمل الصداق ولحق به الولد، وإن لاعن ونكلت حدت حدّ البكر، وإن ظهر الحمل بعد موته وادعت أنه منه ألحق به وورثت (¬1). واختلف في ميراثها وإكمال الصداق، فقال ابن القاسم: لا ميراث لها، ولا يكمل الصداق (¬2). وقال محمد: ترثه، ويكمل لها الصداق، إلا أن يكون طلاقه ثلاثًا، فيكمل الصداق ولا ترث (¬3). وإن مضت على قولها أنه لم يصب صدقت، ولم يلحق به، وهو ظاهر قول ابن القاسم؛ لأنه قال: يلحق به الولد (¬4)؛ لأنها لم تثبت على قولها وتصديقها، فيتم سقوط الولد، وإن ظهر الحمل في حياة الزوج وأنكره وكذبته ولم يلتعن حتى مات، لحق به الولد، قاله ابن القاسم وأشهب، قال أشهب: ويكون (¬5) لها الصداق، فإن قال: الولد مني، ولم أدخل -لحق به، لقوله: هو مني، وحد ¬

_ (¬1) في (ب): (وورث). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 428، والنوادر والزيادات: 5/ 336. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 336. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 336. (¬5) في (ح) و (س): (ويكمل).

لقوله: لم أصبها (¬1). قال محمد: وإن قال لزوجته: أقررت عندي (¬2) أنَّكِ زنيت، حدّ ولم يلاعن، وكذلك إن قال: رأيتك تزني قبل أن أتزوجك حدّ ولم يلاعن (¬3)، وإن قال: لم أجدها (¬4) عذراء لم يجب فيه حدّ ولا لعان؛ لأن العذرة (¬5) تذهب من القفزة، ومن غير فعل (¬6) سوء (¬7). وإن أنكر لون ولده لم يلاعن ولم يحد، للحديث أن أعرابيًا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلاَمًا أَسْوَدَ، وَإِنِّي أَنْكَرْتُهُ. فَقالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ ". قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "فَمَا أَلْوانُها؟ ". قَالَ: حُمْرٌ. قَالَ: "فَهَلْ مِنْ أَوْرَقَ؟ ". قَالَ: إِنَّ فِيها لَوُرْقًا. قَالَ: "فّأَنَّى تُرى ذَلِكَ جَاءَهَا؟ ". قَالَ: لَعَلَّ عِرْقًا نَزَعَها. قَالَ: "فَلَعَلَّ هَذا عِرْقٌ نَزَعَهُ" (¬8)، ولم ير عليه نفيه بذلك. ولا أرى (¬9) عليه -في قوله- شيئًا؛ لأنه إنما ظن أنما ذلك يكون لسبب، ونزوع العرق أن يكون بعض الأجداد -وإنْ بَعُدَ- أسود، فيكون ذلك في ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 336. (¬2) قوله: (عندي) ساقط من (ح) و (س). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 344. (¬4) في (ح) و (س): (أجدك). (¬5) العذرة: البكارة، انظر: لسان العرب: 4/ 545. (¬6) قوله: (فعل) ساقط من (ح) و (س). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 340. (¬8) متفق عليه: أخرجه البخاري: 6/ 2667، في باب من شبه أصلا معلوما بأصل مبين وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - حكمهما ليفهم السائل، من كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، في صحيحه، برقم (6884)، ومسلم: 2/ 1137، من كتاب اللعان، برقم (1500). (¬9) في (ح) و (س): (أن).

بعض الأولاد. وانظر إذا كان الأبوان أسودين قدما من الحبشة، فولدت أبيض هل ينفيه بذلك؛ لأنها لا يظن أنه كان في آبائه أبيض؟ وإن قال: ما أصبتها منذ سنة، وليس الولد مني، فإنه يلحق به، ولا يحد؛ لأن لحوق الولد لأربع سنين لا يعرفه كثير من الناس، وكذلك إذا أنكر الولد، وقال: كنت أعزل أو أصيب في الدبر. قال محمد: وكذلك كل موضع لو نزل عنه شيء لوصل إلى الفرج فإنه يلحق به الولد (¬1). يريد: إذا أصاب بين الفخذين وما أشبه ذلك فإن الولد يلحق به، ولا لعان عليه ولا حد؛ لأن النفي إنما كان أنه ظن ألا يكون عن وطئه حمل. وكذلك إذا وطئ جاريته فأنزل ثم أصاب امرأته ولم ينزل فحملت به (¬2)، فإن الولد يلحق به (¬3)، ولا لعان له، فقد يكون الحمل (¬4) لفضل ما في إحليله من الماء الأول (¬5). وقال مالك فيمن طلق امرأته فقالت: إني حامل، فقال: استأجر امرأة تكون معها؛ لأنها ليست بمأمونة، فجعل معها امرأة فاسترابت، فقال: كنت اعترضت عنها ولا أعلم أنه كان مني إليها شيء. قال مالك: ويحتجون عليه بأنهم قد جعلوا معها أمينة، قال: جهلت ذلك، فإن لم يأتوا بالبينة لاعن، وإن ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 334. (¬2) قوله: (به) ساقط من (ب). (¬3) قوله: (فإن الولد يلحق به) ساقط من (ح) و (س). (¬4) قوله: (الحمل) ساقط من (ح) و (س). (¬5) في (ح) و (س): (الولد). وانظر: النوادر والزيادات: 5/ 334.

فصل [هل من شرط اللعان أن يعمل الزوج بمقتضاه فلا يمس بعد الرؤية وأنه يسارع بنفي الحمل؟]

جاءوا بالبينة كان الولد منه، ولا حد عليه فيما قال؛ لأنه ما نفى ولدها، ولا قال: رأيتها تزني (¬1)، وإنما قال: لا أعلم أني أصبتها، وقد تحمل المرأة ولا يبلغ ذلك منها (¬2). انتهى قوله. فصل [هل من شرط اللعان أن يعمل الزوج بمقتضاه فلا يمس بعد الرؤية وأنه يسارع بنفي الحمل؟] اللعان للرؤية يصح إذا لم يصب الزوج بعدها (¬3)، قال مالك: وإن أصابها بعد ذلك حد وإن (¬4) لم يلاعن، وجعل ذلك إكذابًا منه لقوله (¬5). واختلف في نفي الحمل إذا لم يقم بنفيه عندما علم، فقال ابن القاسم: إذا رآه فسكت كان سكوته إقرارًا منه، قال: فإن رآه يومًا فسكت لم يكن له أن ينكره (¬6). وقال أبو الحسن ابن القصار: إن أَخَّرَ ذلك حتى وضعت، وقال: رجوت أن يكون ريحًا فأستريح منه؛ كان ذلك له إلا أن يجاوز ثلاثة أيام (¬7) بعد ¬

_ (¬1) قوله: (تزني) ساقط من (ح) و (س). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 385. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 360، بلفظ: (وجل رواة مالك على أن اللعان لا يكون إلا بأحد وجهين، إما برؤية لا مسيس بعدها. . .). (¬4) قوله: (إن) ساقط من (ب). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 345، بلفظ: قلت: أرأيت المتلاعن إذا أكذب نفسه بعد تمام اللعان أيحل له أن ينكحها في قول مالك؟ قال: لا تحل له أبدا ويضرب الحد ويلحق به الولد. قال مالك: السنة في المتلاعنين أنهما لا يتناكحان أبدا وإن كذب نفسه جلد الحد ولحق به الولد ولم ترجع إليه امرأته. وانظر: النوادر والزيادات: 5/ 333. (¬6) انظر: المدونة: 2/ 356. (¬7) انظر: عيون المجالس: 3/ 1339، 1340.

الوضع (¬1) أو يظهر منه ما يدل على الرضى مثل أن يقبل التهنئة قبل الثلاث، وإن لم يظهر ذلك منه في أمره فسحنا له ثلاثة أيام واستشهد بحديث المُصَرَّاة (¬2). وقال عبد الملك في كتاب محمد فيمن قال في زوجته: لم أرها تزني، وليس الحمل مني قال: لست ممن يرى اللعان بالحمل، ولا أراه قاذفًا حتى تضع، فإن جاء ولدًا أو أسقطت فقد صار قاذفًا، ووجب له وعليه ما يكون بين المتلاعنين، وذلك أنه قد يحول فلا يكون في بطنها ولد ولا يكون قاذفًا (¬3). قال محمد: السنَّة أن يلاعنها حاملًا (¬4) وقد لاعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عويمر وهي حامل (¬5). وليس قوله هذا بالبين؛ لأن عويمرًا ادَّعى رؤية ولاعن خوف أن يكون عنها حمل، وأيضًا فقد وجب اللعان لقذفها بالرؤية، وإنما الخلاف (¬6) إذا لم تكن رؤية، أو كانت ولم يقم (¬7) لقذفها، فإن التعجيل ليس بحق عليه، فهو يؤخر؛ ¬

_ (¬1) انظر: عيون المجالس: 3/ 1340. (¬2) حديث المصراة، صحيح: أخرجه أبو داود: 2/ 292، في باب باب من اشترى مصراة. . . من كتاب الإجارات، برقم (3444) بلفظ: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من اشترى شاة مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام إن شاء ردها وصاعا من طعام لا سمراء". (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 334، وعبارته: (قال: وما وقف عن لعانها في الحمل إلا عبد الملك، وإنه قال: حتى تضع في النفي خاصة، ولا يقع القذف عنده فيها حتى تضع، إذ لعله لا حمل بها). (¬4) في (ح) و (س): (تلاعن وهي حامل). وانظر: النوادر والزيادات: 5/ 334، وعبارته: (قال محمد: ولو رآها تزني وهي ظاهرة الحمل، وقال: قد استبرأت فإذا لاعن سقط الولد، وإن وضعته لأقل من ستة أشهر من الرؤية). (¬5) سبق تخريجه، ص: 2425. (¬6) في (ح) و (س): (الاختلاف). (¬7) في (ح) و (س): (يقض).

رجاء ألا يصح أو تسقطه قبل ذلك، أوتضعه بعد التمام ميتًا، فيستغنى عن ذكر ذلك وعن فضيحتها، ولأن الناس يستعظمون أمر النفي، وإن كان الزوج عاميًّا كان أبين في عذره؛ لأن عند العامة أنه إذا ذكر ذلك ونفاه حُدَّ، ولا يعرف أن له أن يلاعن. ولم يختلف المذهب أنه إذا رآها وسكت، ولم يذكر ذلك إلا بعد مدة، أو بعدما ظهر الحمل -إلا أنه لم يصب بعد الرؤية- أن له أن يلاعن.

باب في أحكام لعان الزوجين

باب في أحكام لعان الزوجين (¬1) وإذا نكل أحدهما أو أكذب الزوج نفسه بعد تمام اللعان يتعلق باللعان أربعة أحكام: سقوط الحد عن الزوجين، ونفي الولد والفراق وتأبيد التحريم على اختلاف بين الناس في هذين القسمين الأخيرين، فإن التعنا سقط عن الزوج حد القذف، وعنها حد الزنا الذي أثبته بالتعانه، ويسقط نسب الولد. واختلف في وقوع الفراق فقال مالك وابن القاسم: يقع الفراق بنفس اللعان، ولا تحل له أبدًا (¬2). وقال محمد بن أبي صفرة (¬3): اللعان لا يرفع العصمة، لقول عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها. فأحدث طلاقًا قطع به العصمة، نزه نفسه على أن يقوم عليه دليل كذب بإمساكها، وجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعلَ عويمر سنةَ المتلاعنين، وهذا هو قول أبي حنيفة (¬4)، وقاس عثمان البتي: لا تأثير للعان في الفرقة، وإنما يُسْقِط النسب والحدود، وهما على الزوجية كما كانا (¬5)، وحمل فعل عويمر أنه (¬6) على الندب؛ لأن الزوج مندوب إلى فراق ¬

_ (¬1) قوله: (لعان الزوجين) يقابله في (ح) و (س): (اللعان بين الزوجين). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 354. (¬3) هو: محمد بن أبي صفرة، أبو عبد الله، هو أخو المهلب بن أبي صفرة، كان عالمًا فاضلا أخذ عن الأصيلي وأبي الحسن القابسي، توفي بالقيروان سنة (416)، انظر: الديباج المذهب، صـ 362، وشجرة النور الزكية: 1/ 114. (¬4) انظر: فتح القدير: 4/ 287. (¬5) انظر: عيون المجالس: 3/ 1312 و 1313، والإشراف: 2/ 786، قال في الإشراف: (عثمان الليثي) ولعله تحريف. (¬6) قوله: (أنه) ساقط من (ح) و (س).

زوجته إذا علم منها الزنا، لئلا يلحق به غير ولده، وهو لا يعلم، ولأن (¬1) التعانه أربعة شهادات كالبينة، فهو إذا ردت شهادته بشهادتها الأربع أبين ألا يفرق بينهما، ولو شهد عليها بالزنا أربعة، وهي بكر، لم يفرق بينهما، وقد يحمل الفراق والتحريم في اللعان على ما كان في قوله سبحانه: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً} [النور: 3] ثم نسخ، فإن نكل الزوج عن اللعان أو أكذب نفسه حُدَّ حَدَّ القذف إن كان حرًّا ثمانين، وإن كان عبدًا أربعين (¬2). وقيل: ثمانين. وإن التعن ونكلت الزوجة أو اعترفت، لم يقع فراق، وحدت حدّ الزاني، فإن كانت حرة مسلمة مدخولًا بها رجمت وورثها زوجها، وإن كانت غير مدخول بها جلدت مائة، وبقيت زوجة، وإن كانت أمة جلدت خمسين دخل بها أو لم يدخل، وإن كانت كتابية عوقبت، وعلى قول المغيرة تحد حد البكر، وإن أكذب الزوج نفسه ثبت نسب الولد، وكذلك إن كان سقط نسبه بالتعانه ثم أكذب نفسه قبل التعان الزوجة أو بعد فإنه يثبت نسبه، واختلف هل تحل الزوجة إذا أكذب نفسه بعد اللعان؟ فذكر ابن شعبان عن عبد العزيز بن أبي سلمة أنه قال: تحل بنكاح جديد، وهو في ذلك ثابت، قال: وأشهب ينحو إليه (¬3). وقوله: بنكاح جديد لأنه يرى أن اللعان فسخ، وعلى القول إنه طلاق، ترجع إليه على طلقتين بقيتا له. واختلف إذا نفى الولد بالاستبراء، ثم قال: لم أستبرئ، فقال مالك وابن ¬

_ (¬1) في (ح) و (س): (وأن). (¬2) انظر: المعونة: 2/ 334، والتفريع: 2/ 217. (¬3) انظر: الزاهي، لابن شعبان، لوحة رقم: [96 / أ].

فصل [في إذا وجب اللعان بين الزوجين فمات الزوج]

القاسم: إن أكذب نفسه حد (¬1). ولم يفرق بين أن يكون اللعان للرؤية أو للاستبراء. وقال أبو الحسن ابن القصار: إن نفاه بالاستبراء فليس بقاذف؛ لأنه يجوز أن يكون وقعت منه الشبهة. وليس قوله بالبين، ولو كان الجواب على ما قال: لم تحد حد الزنا إذا نكلت؛ لأن الزوج على قوله لم يثبت عليها زنا، ولكن لو لم يمكن من نفيه بالاستبراء على القول أن الحيض يأتي على الحمل -لم يحد؛ لأنه إنما ظن ألا يكون مع الاستبراء ولد. فصل [في إذا وجب اللعان بين الزوجين فمات الزوج] وإذا وجب اللعان بين الزوجين فمات الزوج قبل أن يلاعن أو بعد أن لاعن، وقبل الخامسة ورثته، ولا لعان عليها (¬2). واختلف إذا مات بعد أن تم لعانه، فقال مالك في المدونة: يقال لها: التعني وادرأي (¬3) العذاب عن نفسك ولا ميراث لك، فإن لم تلتعن حُدَّتْ، وكان لها الميراث (¬4). وقال ربيعة ومطرف في كتاب ابن حبيب: ترثه، وإن التعنت؛ لأن الفراق إنما يقع بالتعانها (¬5). وهو أحسن؛ لأنه مات وهي زوجة، والميراث حينئذ قائم، وإن ماتت ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 354. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 339. (¬3) قوله: (التعني وادرأي) يقابله في (ح) و (س): (ادرأي). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 361. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 340.

فصل [فيمن قذف امرأتيه]

الزوجة بعد التعان الزوج، أو بعد التعانهما وقبل الخامسة من التعانها- ورثها، وإن ماتت الزوجة قبل أن يلتعن الزوج، كان له الميراث، ثم ينظر في التعانه، فإن كان لها من يقوم بقذفها -ابن أو أب أو أخ- قيل للزوج: التعن، فإن نكل حد، وإن لم يكن لها من يقوم بذلك ممن ذكرنا، لم يكن عليه شيء على القول أن القذف حق لآدمي، وعلى القول أنه حق لله تعالى يقوم به السلطان. فصل [فيمن قذف امرأتيه] وقال محمد فيمن قذف امرأتيه، فقامت عليه إحداهما، فقال: كذبت عليك، فجلد الحد، ثم قامت الأخرى: فلا حد عليه؛ لأن ذلك الضرب لكل من (¬1) قذف قبل ذلك، فإن قال لها بعد أن ضرب: قد صدقت عليك أو (¬2) على صاحبتك، كان عليه الحد، إلا أن يلاعن، وسواء فيمن قال ذلك لها منهما، هذا (¬3) قول ابن القاسم (¬4). وقال عبد الملك: يحد للأول (¬5) ولا لعان له فيها؛ لأنه قذف ثان فقد أكذب نفسه فيه (¬6). قال محمد: ولو قال للثانية: أما أنت فصدقت عليك، وكذبت على صاحبتك لاعن الثانية (¬7). وهو (¬8) قول ابن القاسم ها هنا أنه يلاعن عن الأولى إذا رجع بعد أن أكذب نفسه، خلاف المعروف من المذهب، وخلاف الأصول. ¬

_ (¬1) قوله: (من) ساقط من (ح) و (س). (¬2) في (ح) و (س): (و). (¬3) في (ب): (هو). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 343. (¬5) في (ب): (للأولى). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 343. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 343. (¬8) قوله: (هو) ساقط من (ب).

وقال محمد إذا قال بعد أن لاعنها: والله ما كذبت عليها، أو قَذْفِها بالزنا: ما سمعت فيها من أصحاب مالك شيئًا، ولا أرى عليه شيئًا؛ لأنه لاعنها (¬1). وقال ابن شهاب: يحد؛ لأنه قذفها، وليست له بزوجة (¬2) (*). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 342. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 343. (*) إلى هنا ينتهي كتاب اللعان من (ح) و (س)، قال في نهاية الكتاب: (تمت رزمة النكاحات بحمد الله وعونه، والحمد لله وحده) وفي (ب): قال: (إلى هنا انتهى كلام الشيخ) ثم أكمل الباب بما هو مثبت.

باب في المرأة تتزوج في عدتها فتأتي بولد وإذا أتت بولدين في بطن فأقر الزوج بأحدهما

باب في المرأة تتزوج في عدتها فتأتي بولد وإذا أتت بولدين في بطن فأقر الزوج بأحدهما وإذا تزوجت المرأة في العدة (¬1) فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر كان ابنًا للأول، وسواء أصابها الثاني في الطهر الأول أو في الثاني (¬2). واختلف إذا أصابها في الطهر الأول، فأتت بولد لستة أشهر فصاعدًا، هل يكون للأول أو تدعى له القافة، وإذا أصابها في الطهر الثاني هل يكون الولد للثاني أو للأول أو تدعى له القافة؟ والقافة إذا أصابها في طهر واحد أحسن، وإذا اجتمع ما أمكن أن يخلق الولد من الأول أو من الثاني، أو يشتركان فيه، وقد جُعِلَ (¬3) للقافة مدخل في تمييز ذلك. وقال أشهب: إنما كانت القافة (¬4) في الحرائر (¬5). وأيضًا: فإنه لا يختلف في أن اجتماع الماءين في الحرة والأمة -فيما يمكن تصوره من ذلك- واحد، ولا يجوز أن يقال: إذا كانت الأمة زوجة لم يخلق إلا من الأول، لا من الثاني، وإذا استحال ذلك وكان الأمر في تصوره في الموضعين سواء، كان الصواب أن تدعى له القافة، وأما إذا فصلت بينهما حيضة فكونه للثاني أحسن. ¬

_ (¬1) قوله: (في العدة) زيادة من (ب). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 26. (¬3) في (ب): (جعل الله). (¬4) قوله: (القافة) زيادة من (ب). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 552، والكلام لمالك.

فإن أتت به لأقل من ستة أشهر من وطء الثاني وادعى الأول الاستبراء أو أتت به من بعد استبرائه لستة أشهر فأكثر -لاعن وكان لا أب له. وإن ادعى الأول استبراء وأتت به من وطء الثاني لستة أشهر فأكثر وكانا أصابا في طهر -لاعن الأول، وكان ابنًا للثاني، ولا لعان عن المرأة؛ لأنَّ الأول نفاه لأب يلحق به نسبه، فلو نفاه الثاني لأنه أنكر الوطء، أو قال استبرأت، وأتت به بعد استبراء لستة أشهر فأكثر ولاعن -التعنت حينئذ المرأة؛ لأن الآخر نفاه لغير أب، وإذا صح نفيه بالتعانهما جميعًا ثم استلحقاه لحق بمن سبق إلى استلحاقه منهما دون الآخر. واختلف إذا استلحقه الأول بعد أن التعن، وقبل أن يلتعن الثاني، فقال محمد: لا يلحق به؛ لأنّه بنفيه صار ابنًا للثاني، وقال: لا فدية على الأول إن استلحقه وأكذب نفسه قبل لعان الثاني أو بعده؛ لأنه نفاه إلى أب، ولم ينفه إلى زنى، وإن أكذب الثاني نفسه واستلحقه حدّ، وسواء استلحقه بعد لعانه أو قبل (¬1). وهذا قول محمد، ومحمل قوله على أنه أنكر الوطء، فلهذا يصح أن يلحق بالأول. وأرى أن يحدّ الثاني إن أقر بالإصابة وادعى الاستبراء؛ لأنه نفاه إلى زنا، وإن أنكر الإصابة ألا يحد؛ لأنه يقول لا هو ابن الأول، وكذب في لعانه فلم ينفه إلى زنا. قال محمد: إذا كان وطء الثاني بعد حيضة وأتت به لستة أشهر، فنفاه كان له أن يلاعن ولو أقر بالإصابة (¬2)، ويلحق بالأول إلا أن يلاعن (¬3). يريد: إذا ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 348. (¬2) قوله: (ولو أقر بالإصابة) ساقط من (ت). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 349.

نفاه الثاني بأن قال: لم أصب، فيبقى ابنًا للأول، إلا أن يلاعن، ولو أقر بالإصابة وادعى الاستبراء والتعن لا يصح أن يعود إلى الأول. ومن المدونة: قال ابن القاسم في المرأة تلد ولدين في بطن واحد، وأقر الزوج بالأول، ونفى الثاني، قال: يلزمه الولدان جميعًا، ويضرب الحدَّ، وإن كان بين الوضعين خمسة أشهر فهو بطن واحد، وإن كان بينهما ستة أشهر فصاعدًا كانا بطنين، وإن أقر بالإصابة في الأول خاصة لاعن، وإن أقر بهما جميعًا، وقال: لم أجامعها بعدما ولدت، سئل النساء، فإن قلن: إنَّ الحمل يتأخر هكذا لم يحد، وإن قلن: إنه لا يتأخر جلد الحد (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: وإن ادعى رؤية، وأتت بولدين في بطن واحد (¬2)، أحدهما شبيه بمن رماها به، وقال: أنا ألتعن له وحده، قال: لم أصبها بعد الرؤية، كان ذلك له على قول المغيرة، وابن دينار في المسبية تلد توأمين في بطن أنهما يتوارثان بالأم خاصة، قالا: لأنه قد يشترك الاثنان في الولد (¬3) الواحد، فهما في الاثنين أحرى أن يكون من واحد ولد، ومن الآخر ولد، فلا يكون الأب واحدًا، فكذلك هذا إذا ولدت توأمين، فلا يكون أبوهما واحدًا، ويكون واحد منه، وواحد من الذي رماها به فيلتعن منه. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 357. (¬2) قوله: (واحد) ساقط من (ت). (¬3) قوله: (الولد) ساقط من (ت).

باب في المرأة تدعي على الزوج أنه قذفها أو يدعي هو أنه وجد مضاجعا لها

باب في المرأة تدعي على الزوج أنه قذفها أو يدعي هو أنه وجد مضاجعا لها ومن المدونة: قال ابن القاسم: إذا ادعت امرأة على زوجها أنه قذفها، ثم أنكر فأقامت عليه البينة حد، إلا أن يدعي رؤية فيلاعن؛ لأنه يقول: كنت أريد أن أكتم، فأما إذا قامت البينة فأنا ألتعن (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: إذا قذف زوجته ثم جحدها ثم أقامت عليه البينة، فإنه لا يخلو أن يكون قذفها بأن قال: يا زانية، أو قال: رأيتك تزني، ثم جحد القول، فقال: ما قلت ذلك، أو جحد الرؤية، فإن قال: يا زانية، ثم جحد، فلما قامت عليه البينة قال: رأيتها تزني، كان له أن يلتعن، وعلى هذا تكلم ابن القاسم (¬2)، ولا يختلف في ذلك؛ لأنه لم يتقدم منه ذكر رؤية، ولكن جحوده للرؤية، والذي رجع إليه غير ما كان فيه الجحود والمنازعة، وإن قال: رأيتك تزني، ثم جحد القول، وقال: ما قلت ذلك، فلما أثبتت عليه البينة قال: قُلْتُ، وكنت رأيتك تزني، كان له أن يلتعن؛ لأن جحوده للقول ليس بجحوده بالرؤية، وهو يقول: أردت سترًا، وإن جحد أن يكون رآها، وكان قد قال لها: رأيتك تزني، ثم قامت البينة -لم يصح أن يلاعن على المشهور من المذهب؛ لأنه قد أكذب نفسه. وفي كتاب محمد فيمن قذف امرأتيه، فقامت عليه إحداهما، فكذّب نفسه، ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 359. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 359.

فجلد الحد، ثم قامت الأخرى، قال: لا حد عليه؛ لأن ذلك الضرب يجمع كل من قذف قبل ذلك، قال: وإن قال لها بعد أن ضرب: قد صدقت عليك أو على صاحبتك، كان عليه الحد إلا أن يلاعن، وسواء فيمن قال ذلك لها منهما، وهذا قول ابن القاسم، وقال عبد الملك يحد في الأولى ولا لعان عليه؛ لأنه قذف ثان، وقد أكذب نفسه فيه، قال محمد: ولو قال للثانية: أما أنت فصدقت، وأما صاحبتك فكذبت، لاعن للثانية (¬1). فقول ابن القاسم في الأولى إنه يلاعن إذا رجع بعد أن كذب نفسه، فقال: صدقت -خلاف المعروف من قوله، وخلاف الأصول. قال محمد: وإذا قال بعد أن لاعنها: والله ما كذبت عليها أو قذفها بالزنى، قال محمد: ما سمعت فيها من أصحاب مالك، ولا نرى عليه (¬2) شيئًا؛ لأنه لاعنها بقذفه إياها (¬3). وقال ربيعة: يحد؛ لأنه قذفها، وليست له بزوجة (¬4). ومن المدونة قال ابن القاسم: إذا قال: وجدت مع امرأتي رجلًا في لحافها أو مضاجعًا لها أو تجرّدت له، يؤدب ولا يحد (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 343. (¬2) في (ب): (عليها). المثبت من (ق 10). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 338، بلفظ: ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ومن قال لابن الملاعنة: يا ابن الزانية، حد، وإن نفاه من أبيه في مشاتمة، حدّ، ولو قال لها زوجها بعد اللعان: يا زانية، فقال ابن شهاب: يحد، إذ ليست له بزوجة. قال محمد: لا حد عليه. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 338، وعز اه لابن شهاب. قلت: والمؤلف هنا عزاه لربيعة، وقد سبق له أن نسبه لابن شهاب عند قوله: (وقال ابن شهاب: يحد؛ لأنه قذفها)، ص: 2464. فلعله من قولهما. (¬5) انظر: المدونة: 2/ 360.

قال محمد: ولو كان ذلك منه في أجنبية، كان عليه الحد، إلا في القبلة وحدها (¬1). فإن ذلك من التعريض الذي يراد به القذف، قال: وقد روى لنا عن ابن القاسم وأشهب أنهما قالا: من عرض لامرأته بالزنا فهي مثل غيرها، يجب عليه الحد ولا يلاعن (¬2). قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما إذا أتى إلى القاضي شاكيًا أو ذكر ذلك لجيرانه، ولم يكن على وجه المشاتمة لم يحد. واختلف في عقوبته؛ لأن محمل قول الزوج إذا لم يكن في مشاتمة محمل الشهادة. وقد اختلف في الشاهد الذي قال: رأيته بين فخذيها، قال ابن القاسم: يعاقب (¬3). وهو مثل قوله ها هنا في الزوج أنه يؤدب، وقال غيره: لا يعاقب الشاهد (¬4)، وعلى قوله لا يؤدب الزوج. وهو أحسن إذا كان ذلك في غير مشاتمة، وإن كان ذلك على سبيل المشاتمة حَسُن أن يقال: يحدُّ، إلا أن يدعي رؤية، وأن يقال: لا يحدُّ، لإمكان أن يكون ظهر على ذلك وأراد سترًا، فأرى أن يحد إذا كانت الزوجة معروفة بالدين والصيانة، وألا يكون عليه شيء إذا كانت ممن يظن بها ذلك لا حد ولا عقوبة. قال محمد فيمن ادعى على امرأته أنها أقرت عنده أنها زنت: أنه لا يحد ولا يلاعن (¬5). وإذا قال الزوج: رأيتها تزني قبل نكاحي إياها، حد ولم يلاعن (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 344. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 344. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 510. (¬4) قوله: (الشاهد) ساقط من (ت). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 344. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 338.

باب في لعان المطلقة وذلك على أربعة أوجه: أحدها: أن يدعي رؤية وهي زوجته، فلم يقم به حتى طلقت وبانت منه. والثاني: أن يطلقها، ثم يدعي رؤية كانت قبل الطلاق. والثالث: أن يدعي رؤية بعد الطلاق في العدة، فإن ادعى الرؤية قبل الطلاق، ثم قال به بعد الطلاق، كان اللعان بينهما سواء كانت أيمًا أو تزوجت، فإن لاعن وجب عليها اللعان، وإن نكلت رجمت، وإن طلقها ثم ادعى رؤية تقدّمت الطلاق، حد ولم يلاعن إذا كان الطلاق بائنًا، وإن كان الطلاق رجعيًا، كان له أن يلاعن، قال محمد: وذلك أنه لم يتكلم حتى طلق (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: وليس ذلك بالبين؛ لأنه يقول لما اطلعت على ذلك منها طلقتها، وكرهت إمساكها، وذلك كان سبب الطلاق، وكذلك إن قال: رأيتها تزني بعد الطلاق، فإن كان الطلاق رجعيًا لاعن، وإن كان بائنًا حد (¬2). وروى ابن القاسم أنه يلاعن، فإن مات قيل لها: الْتَعني بعده، وعدتها ثلاث حيض لا ترجع إلى عدة الوفاة (¬3). وإن ادعى رؤية بعد انقضاء العدة حدّ، ولم يلاعن قولًا واحدًا (¬4)، وسواء ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 338. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 338. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 337. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 339.

كان الطلاق بائنًا أو رجعيًا، فإن لم (¬1) يحدّ حتى ظهر بها حمل كان له أن يلاعن، وسواء قال: رأيت قبل الطلاق أو بعده أو في العدة أو بعدها. قال محمد: من ملّك امرأته فلم تختر ولم يفترقا حتى قال: رأيتها البارحة تزني- كان له أن يلاعن؛ لأنها زوجته، فله أن يلاعن وإن اختارت نفسها، وإن حلف بالطلاق ألا يفعل أمرًا (¬2) ففعله، ثم قال: رأيتها تزني قبل ذلك حدّ ولم يلاعن (¬3). وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: إذا قدم الزوج بعد موت زوجته فقال: رأيتها تزني: إنه يحدُّ، ولا يلاعن، وهو كمن رمى امرأة طلقها (¬4)، وقال مالك فيمن ادعى الرؤية وسمى الرجل: إنه يلاعن الزوجة، ويحد للرجل (¬5). وقال بعض أهل العلم: لا حد عليه للرجل، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنْ جاءَتْ بِهِ عَلَى كَذا، فَلا أُراهُ إِلَّا قَدْ صَدَقَ عَلَيها" إن جاءت تدعي نعت الرجل الذي ذكره عويمر (¬6)، وحديث ابن عباس: قال: قذف هلال بن أمية زوجه بشريك بن سحماء، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَرْبَعَةٌ، وإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِكَ" فنزلت آية اللعان (¬7) فسقط الحد باللعان. ¬

_ (¬1) قوله: (لم) زيادة من (ب). (¬2) قوله: (أمرا) ساقط من (ب). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 338. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 342. (¬5) انظر: المدونة: 2/ 361. (¬6) متفق عليه، أخرجه البخاري: 5/ 2034، في باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: لو كنت راجما بغير بينة، من كتاب الطلاق، برقم (5004)، ومسلم: 2/ 1134، في أول كتاب اللعان، برقم (1497). (¬7) سبق تخريجه، ص: 2425.

وإذا حُدَّ الرجل ثم نكل عن اللعان لم يحدَّ للمرأة؛ لأن الحد الذي تقدم كاف لكل من قذف قبله، وهذا إذا لم يذكر بعد حده أنه صدق عليها، فإن قال: صدقت عليها، ثم نكل، كان في استئناف حده قولان، قوله صدقت عليها كقوله: صدقت عليها (¬1)، وهو بمنزلة رجل قذف رجلًا فحد له، ثم قال: صدقت عليك، فقيل: يحد. وقيل: لا حدّ عليه. وليس عليه أن يرجع، وقد جلد أبو بكرة، وقال عمر - رضي الله عنه - ارجع عن قولك، وتقبل شهادتك (¬2)، فلم ير عليه في تماديه شيئًا، وهو في مسألة اللعان أبين؛ لأنه لا خلاف أن له تلاعَن (¬3)، وإنما ثبت التعانه بما تقدم من قوله. وقال ابن القاسم في المدونة فيمن ضرب بطن امرأته فألقت جنينًا ميتًا فانتفى منه الزوج والْتعن؛ كان الغرة للأم، ومن يرث الجنين مع الأم مثل ولد الملاعنة (¬4) وإن ولدت المرأة اللاعنة ولدًا، ثم مات قبل أن يعلم به الزوج أو كان الزوج غائبًا، فمات في غيبته، فلما قدم انتفى منه: إن له أن يلاعن؛ لأنه قاذف، وكذلك لو ولدته ميتًا له أن يلاعن، لبقاء الزوجية، وكذلك إن ماتت الزوجة، وبقي الولد، فإن له أن يلاعن، وإن قدم بعد أن ماتا جميعًا كان له أن يلاعن لنفي الولد، وإن ادعى رؤية بعد موتها ولم ينف حملًا حد ولم يلاعن (¬5)، وإن انتفى من ولد وهو حي، ثم استلحقه بعد أن مات، وقد ¬

_ (¬1) قوله: (قوله صدقت عليها كقوله: صدقت عليها) غير واضح في السياق وهو كذلك مثبت في المخطوطة. (¬2) أخرجه البخاري معلقا: 2/ 936، في باب شهادة القاذف والسارق والزاني. (¬3) كذا في (ب)، وهو غير واضح فربما يكون سقط منه شيء، والله تعالى أعلم. (¬4) انظر: المدونة: 2/ 361. (¬5) قوله: (لنفي الولد. . . ولم يلاعن) ساقط من (ب).

خلف مالًا فقال: إن كان للولد المستحق ولد لحق به، وإن لم يكن له ولد لم يلحق؛ لأنه يتهم لوراثته وهو يحد في الموضعين جميعًا (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: الأمر في حده راجع إلى ما تقدم في صفة اللعان، فإن كان نفيه (¬2) بالرؤية والاستبراء- لم أر أن يحد إذا قال: هو ولدي، إلا أني كذبت في الاستبراء، فإن كان نفيه بالرؤية بانفرادها على من رأى أنه ينفيه بذلك حد. ومن المدونة قال ابن القاسم: إذا شهد أربعة على امرأة بالزنى أحدهم الزوج، ولاعن (¬3) الزوج، ويحد الثلاثة (¬4). ويختلف في تعجيل حدهم قبل لعان الزوج أو بعد لعانه، فقال ابن القاسم في كتاب محمد فيمن قذف امرأة بالزنى بعد التعان الزوج، وقبل التعانها: أخر الحد عنه؛ لأن لعان الزوج أربع شهادات أوجب عليها الحد، فإن التعنت حد القاذف، وإن نكلت لم يحد. وقال أشهب: يحد ولا يؤخر (¬5). فالقول الأول أحسن، وقال محمد: إن لم يلتعن حتى مات لم يحد، وظاهره على القولين جميعًا، وقياد القول أنه يحد ولا يؤخر لنكولها، أن يقول: يحدّ وإن ماتت، وعلى هذا يجري الجواب (¬6) إذا كان أحد الأربعة زوجها، ولم ينظر في ذلك حتى التعن الزوج، أنه لا يحد الثلاثة على قول ابن القاسم حتى ينظر هل تلتعن ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 343. (¬2) قوله: (نفيه) زيادة من (ب). (¬3) كذا بالمخطوط، ولعل صوابها كما وقفت عليها في المدونة: (يلاعن الزوج). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 362. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 344. (¬6) قوله: (الجواب) ساقط من (ب).

هي أم لا؟ فإن التعنت حدوا، وإن نكلت رجمت ولا يحدون. وأما قبل التعان الزوج فلا يؤخرون على قول ابن القاسم في المدونة فيمن شهد على رجل غائب بالزنى أنه لا يؤخر حتى يأتي. وقال أبو الفرج يؤخر. وعلى هذا يؤخر الشهود (¬1) الثلاثة حتى ينظر هل يلتعن الزوج، وهل تنكل هي أم تلتعن؟ وإن لم يعلم أن أحدهما زوجها حتى رجمت كان حكمًا مضى في دمها خاصة. قال ابن القاسم في كتاب محمد: لا شيء من ديتها على زوجها ولا على الشهود، ولا على الإمام ولا على العاقلة؛ لأن ذلك ليس بخطأ صراح، وهو مما يختلف فيه الحكم (¬2). ويقال للزوج لاعن، فإن نكل حد، قال محمد: ولا حد على الثلاثة لاعن الزوج أو نكل (¬3). وقال ابن حبيب: إن نكل الزوج حدوا، وإن لاعن لم يحدوا (¬4). قال ابن القاسم: وله الميراث وإن نكل عن اللعان، إلا أن يعلم أنه تعمد الزور فلا يرثها (¬5). وقال أصبغ: لا ميراث له إذا نكل (¬6) وأرى فيه تهمة العامد لقتل وارثه. وله في موضع آخر غير ذلك. ¬

_ (¬1) قوله: (الشهود) زيادة من (ب). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 247، 5/ 351. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 351. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 247، وعبارته: (وروي ابن حبيب عن أصبغ أن الزوج إن لاعن بعد الرجم سقط الحد عن الشهود، وإن لم يلتعن حد هو وهم). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 351، 14/ 247. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 247.

باب في الملاعنة هل لها السكنى أو نفقة أو متعة، وهل يلاعن في الحيض

باب في الملاعنة هل لها السكنى أو نفقة أو متعة، وهل يلاعن في الحيض قال ابن القاسم في المدونة: تلاعن وهي حامل إنه لا نفقة لها (¬1). يريد: إذا كان اللعان لنفي الحمل، وإن كان لرؤية، وهو مقر بالحمل، كانت لها النفقة، وإن التعن لنفي الحمل ثم استلحقه، كان لها أن ترجع عليه بالنفقة إن كان في حال حملها موسرًا، وإن كان معسرًا وهو الآن موسر، لم ترجع عليه بشيء، فإن كان موسرًا ببعض ما يلزمه من نفقة الحمل، أو موسرًا في بعض تلك المدة، رجعت بما كان فيه موسرًا. واختلف في سكناها إذا كانت غير حامل، فقال ابن القاسم: لها السكنى؛ لأنها في عدة منه (¬2)، وقال ابن شعبان: اختلف في السكنى، وأحب إلي أن تسقط لأنها لا مطلقة ولا متوفى عنها (¬3). وهكذا أتى في الخبر، ولأن الحمل لا يلحق به، وأرى إذا لاعن للرؤية، وهو غير منكر للولد متى أتت به، كان لها السكنى، وإن لاعن للرؤية ولنفي الحمل، لم يكن لها سكنى. قال الشيخ - رضي الله عنه -: وهو أحسن؛ لأن الأصل في وجوب السكنى، خوفًا من أن تكون حاملًا من الزوج، وقد أسقط التعانه ذلك؛ فليست بمحبوسة من أجله، وليست في عدة منه، وإنما هي في عدة من زِنَاهَا به، وكذلك لو كانت حاملًا، فانتفى من حملها، فإن لها السكنى على قول ابن القاسم، ولا سكنى لها على القول الآخر. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 51. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 363. (¬3) انظر: الزاهي، لابن شعبان، لوحة رقم: [96 / أ].

فصل [في سقوط متعة الملاعنة]

وهو أبين في سقوط السكنى؛ لأن الزوج يقول: ليس الحمل مني، وهي لو لم تكن حاملا انقضت عدتها بالحيض في شهرين أو نحو ذلك فالزيادة على ذلك إلى أن تضع الحمل من غيري. فصل [في سقوط متعة الملاعنة] ولا متعة للملاعنة (¬1)، وسواء كان اللعان لرؤية دون نفي الحمل، أو نفي الحمل دون الرؤية، أو لهما جميعًا للرؤية والحمل. واختلف في وجه ذلك، فقال ابن القاسم في المدونة؛ لأن الفراق من قبلها جاء حين أنكرت (¬2)، وقال إسماعيل القاضي: أحسب أن ذلك لأن اللعان فسخ والمتعة والفراق للمطلقات، وقال ابن القاسم في المدونة: إذا كانت المرأة حائضا لم يلاعن السلطان بينهما (¬3)، وقال محمد: إذا أراد الزوج أن يلاعن مخافة أن ينزل به ما يرافعه عن اللعان فيلزمه الولد، فذلك له، وله أن يلتعن هو وتُؤخَّر هي حتى تطهر، وقال عبد الملك (¬4) في ثمانية أبي زيد؛ لأن اللعان طلاق (¬5)، ولا تطلق امرأته وهي حائض، ولأن اللعان لا يكون إلا في المسجد والحائض لا تدخله. تم كتاب اللعان والحمد لله حق حمده ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 364. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 364. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 364، وعبارته: (لا يلاعن السلطان بينهما حتى تطهر). (¬4) قوله: (وقال عبد الملك) مثبت من (ق 10). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 333، وعبارته: (وإن كانت حائضًا لاعن هو إن شاء تعجيل ذلك مخافة أن ينزل به ما يدفعه عن اللعان فيلزمه الولد، وتؤخر هي حتى تطهر لأنه من الطلاق).

كتاب إرخاء الستور

كتاب إرخاء الستور النسخ المقابل عليها 1 - (ب) = نسخة برلين رقم (3144) 2 - (ح) = نسخة الحسنية رقم (12929) 3 - (ث) = نسخة سيدنا عثمان رقم (172)

باب في تداعي المسيس بعد إرخاء الستر وقبله في النكاح والغصب

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبة وسلم كتاب إرخاء الستور باب في تداعي المسيس بعد إرخاء الستر وقبله في النكاح والغصب وإذا خلا الزوج بزوجته ثم طلقها، فإنهما لا يخلوان من أربعة أحوال (¬1): إما أن يتصادقا على المسيس، أو على نفيه، أو يختلفا فيه (¬2)، فتدعي ذلك وينكره، أو يدعيه وتنكره (¬3). ويتعلق بالمسألة ثلاثة حقوق: حق لها، وحق له، وحق لله سبحانه، فحقوقها أربعة: إكمال الصداق، والسُّكنى، والنفقة، والإحلال. وحقوقه ثلاثة: الرَّجْعَة، وقبول قوله في دفع الصداق، وفي سقوط نصفه. وحقوق الله تعالى العدة والإحصان والإحلال. فالإحلال حق الله تعالى، لنهيه عن الرجوع إلى الأول حتى تنكح زوجًا غيره، وحق لها إن ادعت ذلك؛ لأنها ممنوعة قبله من الأول. ¬

_ (¬1) في (ب): (أوجه). (¬2) قوله: (فيه) زيادة من (ب). (¬3) قوله: (أو يدعيه وتنكره) سقط من (ح).

فصل [فيما يستحق به الصداق]

فصل [فيما يُستحق به الصداق] فأما الصداق فيُستحق إذا تصادقا على المسيس، ويستحق إذا انفردت بدعوى الإصابة، وذلك بشرطين: أن تكون ثَيِّبًا، والخلوة خلوة البناء، ولا خلاف في هذا القسم، واختلف في خمس مسائل: أحدها: إذا كانت بكرًا، هل تصدق أو ينظر إليها النساء؟ والثاني: إذا كانت خلوة زيارة وهي بكر أو ثيب. والثالث: إذا اعترف بالإصابة وأنكرت. والرابع: إذا تصادقا على نفي المسيس، وهي سفيهة أو صغيرة أو أَمَةٌ. والخامس: إذا باشر ثم عجز عن الإصابة. فأما البكر فقال مالك مرة (¬1): هي كالثيب يقبل قولها إذا كانت خلوة بناء (¬2). وروى عنه ابن وهب، وإسماعيل بن أبي أويس: أنه قال: لا تصدق (¬3) وينظر إليها النساء، فإن كانت بكرًا صدق عليها، وإن رأين أثر افتضاض صُدقت (¬4). وهو أحسن؛ لأن وجود البكارة دليل له، وعدمها دليل لها. واختلف عنه إذا كانت خلوة زيارة على أربعة أقوال: فقال مالك (¬5) في المدونة: إن كانت الخلوة عند أهلها صُدِّق، وإن كانت عنده صُدِّقَت (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (مرة) سقط من (ح). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 498. (¬3) في (ح): (لا صداق لها). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 116، والمعونة: 1/ 585. (¬5) قوله: (مالك) ساقطة من (ب)، (ث). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 230.

فصل [فيما يلزم الزوج في اعترافه بالمسيس]

وقال في كتاب محمد: القول قولها حيث ما أخذهما الغلق (¬1). وقال فضل: قال (¬2) عيسى بن دينار: القول قوله مع يمينه في خلوة الزيارة حيث كانت، في أهله أو في (¬3) أهلها. والرابع: يُقبل قولها إن كانت ثيبًا، وإن كانت بكرًا نظر إليها النساء، وبه أخذ في البكر، وإن كانت ثيبًا كان القول قوله مع يمينه؛ لأنه يدعي استصحاب ما كانت الخلوة له؛ لأن الاجتماع لم يكن لتَسْلَم هي، ولا ليقبض (¬4) هو، فمن ادعى خلاف (¬5) ما كانت الخلوة له لم يصدق، إلا أن تكون الخلوة عندهم (¬6) ليصيب فيقبل قولها، أو تكون بكرًا فينظر إليها النساء. فصل [فيما يلزم الزوج في اعترافه بالمسيس] وإن اعترف بالمسيس وأنكرت كان قد أقر لها بالصداق، فإن كانت ثيبًا كانت بالخيار في أخذه أو تركه، ومن حق الزوج ألا تأخذه إلا أن تعترف بالإصابة لحقه في الولد وغير ذلك. واختلف في البكر، فقال عبد الملك وأصبغ في ثمانية أبي زيد: هي كالثيب، وهي بالخيار أو وليها. وقال مطرف: لا خيار لها، وعلى وليها قبض ذلك، وهو أحسن إذا كانت خلوة بناء (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 498. (¬2) قوله: (قال) في (ث): (و). (¬3) قوله: (في) زيادة من (ب). (¬4) في (ح): (ليقتض). (¬5) قوله: (خلاف) سقط من (ح). (¬6) قوله: (عندهم) سقط من (ح). (¬7) انظر: المدونة: 2/ 230، والنوادر والزيادات: 4/ 497.

وإن كانت خلوة (¬1) زيارة لم تأخذه إلا أن تصدقه لاتفاق عبد الملك ومطرف على سقوط العدة في خلوة الزيارة، وإن ادعى الإصابة. وبسقوط العدة احتج عبد الملك؛ لأنه (¬2) يستحيل أن تكون صادقة كاذبة في حال واحدة، فتكذب (¬3) في أنه لم يصب وتعطي الصداق، وتصدق (¬4) في أنه لم يصب وتتزوج بالحضرة من غير عدة. ومن حق الزوج ألا يؤخذ منه الصداق إلا أن تصدقه فتحبس عن الأزواج لحقه في الولد، وعلى القول الآخر: ينظر إليها النساء (¬5)، فإن كانت قائمة العذرة (¬6) صُدِّقت ولم تمنع الأزواج ولم يكمل (¬7) لها الصداق، وحمل قول الزوج على الضرر بها ليمنعها (¬8) الأزواج، أو ليملك الرجعة. وإن كانت ذاهبة العذرة صُدِّق وأكمل لها (¬9) الصداق، ومنعت الأزواج حتى تعتد، ويلزم مَن أسقط العدة في خلوة الزيارة في بيته -إذا قالت: لم يُصب، وأقر هو بالإصابة- أن يقبل قوله إذا قال: لم أصب، وإن ادعت ذلك؛ لأن الوجه (¬10) عندهما في سقوط العدة أن الخلوة لم تكن لتسلم نفسها، فكذلك ¬

_ (¬1) قوله: (خلوة) سقط من (ح). (¬2) في (ح): (لأنها). (¬3) في (ث): (فيكذب)، وفي (ح): (وكذب). (¬4) في (ث)، (ح): (ويصدق). (¬5) قوله: (النساء) سقط من (ث). (¬6) العذرة: البكارة. انظر: لسان العرب: 4/ 545. (¬7) في (ح): (يكن). (¬8) في (ث): (لتمنع). (¬9) قوله: (لها) سقط من (ث). (¬10) في (ح): (الزوجة).

فصل [في دعوى عدم الإصابة، ومتى تصدق؟]

هو يقبل قوله؛ لأنه لم يدخل على قبض المبيع، فإن قيل: إنما قبل قولها إن ادعت الإصابة؛ لأنه الغالب. قيل: فكذلك يقبل قوله إذا ادعى الإصابة، فتحبس عن الأزواج ويملك الزوج (¬1) الرَّجعة، بل قوله أرجح؛ لأنه مقر على نفسه أنه فعل ما الغالب أنه يفعله، فكان إقراره أقوى من دعوى غيره عليه، فإذا لم يصدق هو في الرجعة لم تصدق هي عليه ولم يكمل لها صداق. فصل [في دعوى عدم الإصابة، ومتى تصدق؟] وإن تصادقا على أنه لم يصب صُدِّقت إذا كانت حرة رشيدة، وسواء كانت خلوة زيارة أو خلوة (¬2) بناء، وتصدق إذا كانت سفيهة، أو صغيرة، أو أَمَة والخلوة خلوة زيارة (¬3). واختلف إذا كانت خلوة بناء، فقيل: تصدق ولها نصف الصداق (¬4). وذكر عن سحنون أنه قال: لا تُصَدَّق؛ لأنها تسقط ما وجب لها (¬5). والمسألة على أربعة أوجه: فإن كانت بكرًا صدقت إذا كانت على البكارة، ولم تصدق إن كان أثر افتضاض. وإن كانت ثيبًا وأطال المكث لم تصدق، إلا أن يثبت أنه عجز، وإن لم يطل مكثه وقرب وأشكل الأمر صُدِّقت؛ لأن الستر (¬6) شاهد مع الدعوى. ¬

_ (¬1) قوله: (الزوج) زيادة من (ث). (¬2) قوله: (خلوة) سقط من (ث). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 498. (¬4) انظر: الاستذكار: 5/ 435. (¬5) ذكر صاحب التوضيح القول منسوبًا لمطرف وسحنون وعزاه لثمانية أبي زيد. انظر التوضيح، لخليل: 4/ 218. (¬6) في (ث): (السر).

فصل [في ثبوت عجزه عن الإصابة]

فصل [في ثبوت عجزه عن الإصابة] واختلف إذا عجز عن الإصابة على أربعة أقوال: فقال مالك في المدونة: لها النصف إلا أن يطول مقامه واستمتاعه بها، وتمر لها سنة كامرأة العِنِّين (¬1). وقال مالك في كتاب محمد في العِنِّين: إن ضُرِبَ له (¬2) الأجل بقرب الدخول، فلها النصف، وإن طال مكثه قبل ضرب الأجل فلها الجميع (¬3). وقال عبد العزيز بن أبي سلمة: لها النصف وإن طال مقامه معها (¬4). وذكر ابن القَصَّار عن مالك أنه قال: لها الجميع إذا عجز وإن لم يطل مقامه معها (¬5). قال: وهو قول عمر وعلي وزيد بن ثابت، ومعاذ، والزهري، والأوزاعي، وقال عمر - رضي الله عنه -: "ما ذَنبُهُنَّ إنْ جاءَ العَجْزُ مِن قِبَلِكُمْ" (¬6). وأرى لها النصف، وتعاض من تمتعه بها، والذي يقتضيه القرآن أن لها النصف إن طلقت قبل المسيس، والجميع إن طلق بعد المسيس الذي هو الجماع، فإذا كشفها واطلع عليها (¬7) واستمتع، كان ذلك وجهًا ثالثًا (¬8) فوق ما ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 229. (¬2) قوله: (له) زيادة من (ح). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 542. (¬4) في (ح): (مقامها معه)، وانظر المدونة: 2/ 185، وفيها: وإن ناسًا ليقولون ليس لها إلا نصف الصداق. اهـ (¬5) قوله: (مقامه معها) زيادة من (ح). (¬6) أخرجه عبد الرزاق: 6/ 288، في باب وجوب الصداق، من كتاب النكاح، برقم (10873)، وأورده البيهقي في سننه الكبرى: 7/ 256، في باب من قال من أغلق بابًا أو أرخى سترًا فقد وجب الصداق، كلاهما موقوف. (¬7) قوله: (عليها) زيادة من (ح). (¬8) قوله: (ثالثًا) سقط من (ح).

تستحق به النصف، ودون ما تستحق به الجميع، فلها أن تأخذ العوض عنه. فإن كان الصداق عبدًا، أو ثوبًا، استحقت نصفه بالعقد، وزيدت لمكان الاستمتاع بها (¬1)، وإن هلك عندها لم ترد (¬2) شيئًا، وإن كان شوارًا أو دنانير فاشترت بها شوارًا، كان لها نصفه، وزيدت لمكان الاستمتاع إن كان قائمًا، وإنانتفع به فانتقص لذلك وبقي منه قدر النصف لم يرجع هو فيه بشيء، فكذلك إن بقي منه زائدًا على النصف بقدر ما يرى أنه يجب لمكان الاستمتاع. وقال مالك في كتاب المدنيين: إذا طال مكثه وأخلقت ثيابها ومضى (¬3) الصبغ، ورثَّ المتاع (¬4)، كان لها الجميع؛ لأنها إن صُرفت (¬5) إلى نصف ما بقي لم يكن فيه وفاء بالنصف لما أخلق زوجها من ذلك مع الذي كشف منها واطلع عليه (¬6). يريد، أنه لو طلق قبل أن يصير إليها كان لها (¬7) النصف موفرًا، فلما بنى بها استهلكته في طيب وفيما كانت في غنىً عنه، وانتفع هو به في غطاء ووطاء، فخلُق بانتفاعه معها فلو جعل لها نصفه رجعت عليه بقدر ما أتلف من ذلك النصف، ولتعوض باستمتاعه (¬8) بها، فجعل متاركتها (¬9) في ذلك صلاحًا. ¬

_ (¬1) قوله: (بها) سقط من (ث). (¬2) في (ب): (تزد). (¬3) في (ح): (انقضى)، وفي (ث): (وقضى). (¬4) في (ب): (المال). (¬5) في (ح)، (ث): (صبرت). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 185. (¬7) قوله: (لها) سقط من (ب). (¬8) في (ح): (تعاض استمتاعه)، وفي (ث): (وتعوض استمتاعه). (¬9) في (ح): (متاركتهما).

فصل [في استحقاق الصداق في النكاح الفاسد]

فصل [في استحقاق الصداق في النكاح الفاسد] النكاح الفاسد كالصحيح (¬1) فيما يستحق به الصداق من الخلوة والدَّعوى، إن ادعت ذلك، وأنكره (¬2) أو ادعى الإصابة وأنكرته، وكذلك إن كان العقد صحيحًا والإصابة فاسدة، أصابها وهي حائض، أو صائمة في رمضان، أو معتكفة، أو محرمة، أو ادعت أنه أصابها في ذلك وأنكرها، فقال في المدونة: القول قولها إذا كانت خلوة بناء (¬3). يريد: إذا كان ممن يُشبهه ذلك، وأما الرجل الصالح والمعروف بالخير فلا تصدق عليه في نهار رمضان ولا في الحيض إن اعترفت أنه علم بحيضتها قبل ذلك؛ لأنها ادعت ما لا يشبه، وإن كانت خلوة زيارة كان أبعد، إلا أن تكون بكرًا وُيرى أثر الافتضاض، فتصدّق من غير مراعاة لحال الرجل ولا لصفة الخلوة. فصل [في الوطء الذي يجب به الصداق] الصداق يُستحق بالوطء في القُبُل، واختلف إذا كانت الإصابة في الدُّبُر، هل تستحق به الصداق (¬4)؟ وفيه نظر، وهو في البكر أبعد؛ لأن البكر يزاد في صداقها لمكان البكارة، فالقول قوله أنه لم يرض بذلك عوضًا عما بذل له من (¬5) ¬

_ (¬1) في (ث): (كالنكاح الصحيح). (¬2) قوله: (وأنكره) سقط من (ب). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 230. (¬4) قوله: (تستحق به الصداق) في (ث): (يستحق صداق). (¬5) قوله: (من) زيادة من (ب).

فصل [في اختلاف الزوجين في دفع الصداق]

الصداق، ولا يقع به إحلال ولا إحصان، ولا يملك به رجعة، وإن أصابها بأصبعه وكانت ثيبًا لم تستحق به صداقًا. واختلف في البكر يُذهب عذرتها بأصبعه، فقال ابن القاسم في كتاب محمد: يكمل لها الصداق؛ لأنه فعله على وجه الافتضاض، ولها على الأجنبي في ذلك ما شانها، وقال أصبغ في الزوج: عليه ما شانها (¬1). وهو أحسن؛ لأنَّ فاعل ذلك يفعله سببًا ليتوصل إلى الاستمتاع عند العجز ليس أن يحسب (¬2) به إصابة، إلا أن يرى أنها لا تتزوج بعد ذلك إلا بما تتزوج به الثيب، فيكمل لها الصداق. واختلف في المجبوب والحصور وما أشبه ذلك ممن لا يصل إلى الجماع، فقال المغيرة: إذا طالت المدة استحقت الصداق. وقال (¬3): يكمل لها الصداق (¬4) وإن لم يطل، وهو قياد قول عمر - رضي الله عنه -: إذا عجز (¬5)، بل هو في هذا أبين. فصل [في اختلاف الزوجين في دفع الصداق] وإن اختلف الزوجان في دفع الصداق كان القول فيه مبنيًّا على صفة الدخول خاصة دون مراعاة المسيس، فإن كان دخول اهتداء كان القول قول الزوج مع يمينه أنه دفعه، وسواء تصادقا على المسيس أو على نفيه، ويرجع عليها بنصفه إن لم يمس؛ لأن الشأن ألا تكون تلك الخلوة إلا بعد دفع ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 499. (¬2) في (ح): (يحتسب). (¬3) في (ب): (قيل). (¬4) قوله: (الصداق) سقط من (ب). (¬5) قوله: (إذا عجز) سقط من (ث) وقد تقدم تخريجه، ص: 2486.

فصل [في وجوب العدة]

الصداق، وإن كانت خلوة (¬1) زيارة وتصادقا على نفي المسيس، كان القول قولها مع يمينها أنه لم يدفع ذلك إليها، وغرم النصف، فإن نكلت حلف ورجع عليها بالنصف. واختلف إذا تصادقا على المسيس وادعى الدفع، فقال مالك في كتاب محمد: القول قولها مع يمينها وتأخذ الجميع، وقال أصبغ: القول قول الزوج (¬2). والأول أصوب، وليس خلوة الزيارة في هذا كخلوة البناء؛ لأن العادة في خلوة البناء أنها لا تكون إلا بعد دفع الصداق، والعادة في خلوة الزيارة أنها تكون قبل القبض، فلم يقبل قوله. وإن اختلفا في الدفع والإصابة، فادعى الدفع وادعت الإصابة وهو دخول اهتداء، حلفا جميعًا ولم يرجع أحدهما على الآخر. وإن كانت خلوة زيارة في بيته كان القول قولها عند مالك في الوجهين جميعًا، أنه أصاب وأنها لم تقبض، وإن كانت عند أهلها كان القول قوله في نفي الإصابة، والقول قولها في الصداق أنَّها لم تقبضه وتأخذ النصف (¬3). فصل [في وجوب العدة] العدة تجب في ثلاثة مواضع متفق عليها، واختلف في حالين، فتجب في خلوة البناء تصادقا على المسيس أو على نفيه، وفي خلوة الزيارة أيضًا (¬4) إذا ¬

_ (¬1) قوله: (خلوة) سقط من (ث). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 498. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 229، 230، والنوادر والزيادات: 4/ 498. (¬4) قوله: (أيضًا) زيادة من (ث).

فصل [في ثبوت الرجعة]

تصادقا على المسيس أو اعترفت هي بذلك وأنكر (¬1). واختلف إذا كانت خلوة زيارة وتصادقا على نفي المسيس أو ادعى ذلك وأنكرته، فقال مالك وابن القاسم: عليها العدة للخلوة (¬2)، وقال مطرف وعبد الملك في ثمانية أبي زيد: لا عدة عليها. وهو أبين؛ لأن الخلوة لم تكن ليصيب، وإذا كان ذلك حُمِلا على ما دَخَلا عليه حتى يَظْهَرَ خلافُهُ. وأرى العدة إذا تصادقا على نفي الإصابة (¬3) مستحبة، فإن تزوجت قبل ذلك لم أفسخه، وإن ادعى الإصابة كانت واجبة وإن أنكرت، فإن تزوجت قبل ذلك فسخ؛ لأن دعواه شبهة له، وله حق في النسب إلا أن تكون بكرًا وترضى أن ينظر إليها النساء فتوجد قائمة البكارة، فلا عدة عليها. فصل [في ثبوت الرَّجْعَة] الرجعة تثبت إذا كانت الخلوة وتصادقا على الإصابة، وسواء كانت خلوة بناء أو زيارة، واختلف إذا انفرد بدعوى الإصابة، فقال مالك في مختصر ابن عبد الحكم: لا رجعة له (¬4). وحمل حكم الرجعة على حكم الإحلال ألا (¬5) يصح إلا باجتماعهما على الإصابة. وقال محمد: الموضع الذي يقبل فيه قولها في الصداق يقبل قوله في إيجاب العدة والرَّجْعَة وفي دعواه دفع الصداق (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: الكافي، لابن عبد البر: 2/ 558. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 230. (¬3) في (ب): (المسيس). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 230. (¬5) في (ث): (لا). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 500.

والظاهر من قول ابن القاسم أنها تصح في خلوة البناء دون خلوة (¬1) الزيارة، وأن (¬2) القول قولها ألا رجعة له في خلوة الزيارة (¬3)؛ لأنها لم تدخل على التسليم ولا تثبت الرجعة باتفاقهما (¬4) على الإصابة إذا لم تعلم الخلوة من غير قولهما؛ لأنهما يتهمان في الاعتراف بذلك لتصح الرجعة. والرجعة في النكاح الفاسد على ضربين، فما كان الحكم فيه أنه يفوت بالدخول تثبت فيه الرجعة كالنكاح الصحيح؛ لأنه بأول الملاقاة يفوت، وما كان (¬5) لا يفوت بالدخول لا يملك فيه رجعة. واختلف إذا كان النكاح صحيحًا والإصابة فاسدة مثل أن يصيبها حائضًا أو محرمة أو في نهار رمضان، فقال ابن القاسم في العتبية: لا رجعة له (¬6)، وعلى قول المغيرة و (¬7) عبد الملك له الرجعة؛ لأنه عنده وطء يحل ويحصن (¬8). وقد تقدم ذكر الإحلال في كتاب النكاح الثالث. ¬

_ (¬1) قوله: (خلوة) سقط من (ث). (¬2) قوله: (أن) سقط من (ب). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 232. (¬4) في (ث): (بإيقافهما)، وفي (ح): (إلا باتفاقهما). (¬5) قوله: (كان) سقط من (ب). (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 477، والمدونة: 2/ 230. (¬7) قوله: (المغيرة و) ساقط من (ب)، و (ث). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 584.

فصل [في دعوى المرأة الغصب]

فصل [في دعوى المرأة الغصب] وإن ادعت امرأة على رجل الغصب، فإنها لا تخلو (¬1) من خمسة أوجه: إما أن تَشْهَد بينةٌ بمعاينة الوطء، أو على اعتراف الغاصب بذلك، أو على اغتصابه لها وغيبته عليها (¬2)، أو تأتي متعلقة به تدمي (¬3) وتدعي أنه أصابها، أو تدعي ذلك عن يوم فرط. فإن كانت الشهادة على معاينة الوطء لم تستحق الصداق بأقل من شهادة (¬4) أربعة؛ لأنها شهادة على زنا، فإن كان دون ذلك كانوا قذفة، وسقطت شهادتهم ورجع إلى دعواها وهل هي متعلقة به ولا يسقط دعواها لأجل سقوط الشهادة، بل هي زيادة في قوة دعواها (¬5). وإن كانت الشهادة على إقراره جاز في ذلك شهادة رجلين، وهو قول ابن القاسم في كتاب محمد (¬6)؛ لأن الشهادة -وإن لم تتم في إقامة الحد عليه في أحد القولين- فإن الصحيح أن العدالة قائمة؛ لأنهما لم يشهدا على معاينة، وإذا لم تسقط العدالة قضي بها في المال. وإن شهد واحد على اعترافه حلفت واستحقت وفيه اختلاف، وهو بمنزلة شاهد على السرقة، فإن الشهادة تتضمن مالًا واحدًا، فيحلف المسروق منه ويستحق المال ويسقط الحدُّ. ¬

_ (¬1) قوله: (فإنها لا تخلو) في (ب): (فإنه لا يخلو). (¬2) قوله: (وغيبته عليها) سقط من (ث). (¬3) قوله: (تدمي) زيادة من (ب). (¬4) قوله: (شهادة) سقط من (ب). (¬5) النوادر والزيادات: 4/ 502، والبيان والتحصيل: 16/ 311. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 502.

وإن شهد شاهدان (¬1) على معاينة غيبته عليها على وجه الغصب، كان القول قولها في الإصابة، واختلف في يمينها وألا تحلف أحسن إلا أن تكون بكرًا، فينظر إليها النساء. وإن لم تكن بينة وأتت متعلقة به (¬2)، فإنه يعتبر في ذلك ثلاثة أحوال (¬3): حال الرجل هل يشبهه ذلك؟ وحال المرأة هل هي من أشراف الناس أو دنيئة؟ والثالث: هل هي بكر أو ثيب؟ والجواب على هذه الحالات (¬4) ينقسم إلى ثلاثة أقسام: فحالة تستحق الصداق ولا تُحَدُّ (¬5) لقذف الرجل، وحالة لا تستحق صداقًا ولا تحدُّ لقذفه، وحالة لا تستحق صداقًا وتُحدُّ له، وكيف تصرف الحال فيهما (¬6) فإن حدَّ الزِّنا ساقط عنهما (¬7)، وإنما يتردد الأمر في الصداق وحدِّ القذف، فإن ادعت ذلك على من يعرف بمثل ذلك أو يشبهه وإن لم يعرف به، سقط الحدُّ عنها لقذفه، واختلف في الصداق، فإن ادعته على من لا يشبهه لصلاحه ودينه لم يكن لها صداق، واختلف في حدها لقذفه. فأمَّا الصداق فإن ادعت الغصب على من هو معروف (¬8) بذلك أو (¬9) ¬

_ (¬1) في (ث): (شاهد). (¬2) قوله: (به) سقط من (ب). (¬3) في (ح): (أوجه)، ومكانها بياض في (ث). (¬4) قوله: (على هذه الحالات) سقط من (ث). (¬5) قوله: (ولا تُحَدُّ) في (ح): (تحد). (¬6) قوله: (تصرف الحال فيهما) في (ب): (تصرفت الحال فيها). (¬7) في (ب): (عنها). (¬8) قوله: (معروف) سقط من (ث). (¬9) في (ب): (وتعلقت).

تعلقت به، ففيه أربعة أقوال: فقال مالك (¬1) في المدونة: ينظر في ذلك السلطان ولم يوجب شيئًا ولا أسقطه (¬2). وقال في كتاب محمد: لها صداق المثل ولا يمين عليها بكرًا كانت أو ثيبًا، وقال أشهب وعبد الملك: لها الصداق بعد اليمين. وقال ابن القاسم: لا صداق لها وإن أتت تدمَى ويؤدب الرجل أدبًا موجعًا، وذكر عن مالك مثله (¬3). وأرى إن كانت ممن لها القدر، وكانت بكرًا وأتت تدمي، أن تأخذ ذلك بغير يمين، وإن كانت ثيبًا أو بكرًا لا قدر لها أخذته بيمين، وإن كانت ثيبًا لا قدر لها ولا يعرها ذلك أن لا شيء لها، ويحلف المدعى عليه. واختلف إذا نظر إليها النساء فقلن: هي عذراء، فقال أشهب: لا شيء لها (¬4)، وهذا مثل (¬5) أحد قولي مالك في الزوجة إذا أرخى الستر وادعت المسيس وهي بكر أنه ينظر إليها النساء (¬6) فيعمل على ما يقوله النساء. وقال أصبغ: لا يُرجَعُ إلى قولهن (¬7). والأول أحسن؛ لأنه قد تبين كذبها بشهادة من يرجع إلى قولهن في أمور الفرج، ولأنها تتهم أن تلطخ نفسها بدم تستحق الصداق به وتلطخ من لا يشبهه ذلك، وقد يحملها على الدعوى من يريد أذى المدعى عليه إذا كانت لا قدر لها، وكذلك إذا تبين أنها ليست بحديثة الاقتضاض وأتت تدمى. ¬

_ (¬1) قوله: (مالك) زيادة من (ب). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 184. (¬3) النوادر والزيادات: 4/ 502. (¬4) النوادر والزيادات: 14/ 261. (¬5) قوله: (مثل) سقط من (ح). (¬6) قوله: (النساء) زيادة من (ح). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 261.

واختلف في حدها إذا ادعت ذلك على الرجل الصالح على ثلاثة أقوال: فقال عبد الملك في كتاب ابن حبيب (¬1): لا تُحَدُّ لما بلغت من فضيحة نفسها، وقال مالك وابن القاسم في كتاب محمد: تُحَدُّ. وقال أصبغ: إن جاءت تدمي لم تُحَدَّ، وفرَّق بين البكر والثيب (¬2). وهذا احسن إذا كانت ذات قدر؛ لأنه قام لها دليلان: بضعها (¬3) وشاهد الدم، وقام له هو دليل بحاله فتقابلت الأدلة، فدليلاها يسقطان الحدَّ ودليله يسقط الصداق. وفي الثيب إشكال، وأرى إن كانت معروفة بالخير، ألا تُحَدَّ وإن كانت لا قدر لها ولا يعرها ذلك حدت، ولو كان الرجل ممن برز بالفضل والخير لحدت على أي حالة كانت من الموضع والقدر، فلو ادعت ذلك على مثل أبان أو سفيان الثوري لحُدَّت. وإذا شهدت البينة على مُعاينة الإصابة ولم تتم الشهادة لنَقصِهم عن الأربع أو (¬4) كانت متعلقة به وقضي لها بالصداق، لم تُحَدَّ وإن كان ممن لا يشبهه ذلك؛ لأن الشهادة شبهة لها ما لم يكن ممن (¬5) برز في الفضل حسبما تقدم، فلا صداق لها، ولها شبهة في سقوط الحدِّ إذا كانت من أهل الخير. ¬

_ (¬1) قوله: (في كتاب ابن حبيب) سقط من (ح). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 502، 14/ 261. (¬3) في (ح)، و (ث): (موضعها). (¬4) قوله: (أو) سقط من (ح). (¬5) قوله: (ممن) سقط من (ب).

فصل [فيما إذا ظهر حمل قبل دعوى الغصب أو بعدها]

فصل [فيما إذا ظهر حمل قبل دعوى الغصب أو بعدها] وإن أتت متعلقة برجل ثم ظهر بها حمل لأمر يشبه أن يكون عن تلك الدعوى- لم تحدَّ، وإن كان متقدمًا عن تلك الدعوى حُدَّت حَدَّ الزنا وحَدَّ القذف إن لم تكن حدت له، وقال ابن وهب وغيره: إن لم تكن ذكرت الغصب إلا بعد ظهور الحمل حدت حَدَّ الزنا (¬1). وأرى ألا تحدَّ؛ لأنها قد تريد سترًا ولا تفضح نفسها، وترجو السلامة من الحمل فإذا ظهر ذكرت سببه، فإذا ادعت مثل هذا من إرادة الستر كانت شبهة تسقط الحد، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ادْرَءُوا الحُدُودَ بِالشُّبُهاتِ" (¬2). وقال غير واحد من أهل العلم: قول عمر - رضي الله عنه - في إقامة الحدِّ بالحمل، أن ذلك إذا لم تدَّعِ الاستكراه، فإن ادعت الاستكراه لم تحدَّ لما روي عنه أن امرأة ظهر بها حمل فادعت أنها استكرهت، وقالت: كنت نائمة فما أيقظني إلا ورجل قد ركبني، فأمر أن ترفع إليه إلى (¬3) الموسم وناس من قومها، فسألها، فأخبرته، وسأل أهلها عنها (¬4) فأثنوا عليها خيرًا، فما رأى عليها شيئًا وكساها وأوصى بها قومها خيرًا (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 260. (¬2) سبق تخريجه في كتاب النكاح الثالث، ص: 2091. (¬3) قوله: (ترفع إليه إلى) في (ث): (تروح إليه). (¬4) قوله: (عنها) زيادة من (ب). (¬5) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (9/ 569) عن النزال بن سبرة.

باب في الرجعة، وبماذا تصح؟

باب في الرجعة، وبماذا تصح؟ الطلاق الرَّجْعِي: ما أُوقع بعد الدخول، ولم يكن معه فداء، ولم يستكمل في عددِه الثلاثَ إن كان الزوج حرًّا، أو الاثنين إن كان عبدًا، فإن انخرم أحدُ هذه الشروط الثلاثة لم يكن رجعيًا، والرجعة تصح مع بقاء العدة بأربع: بالنية والقول: راجعتك، أو ما يقوم مقامه، وبالنية والفعل، الوطء أو ما يكون من دواعيه، كالقبلة والمباشرة والملامسة، وأن تكون النية مقارنة للقول أو الفعل، فإن انفردت النية ولم يكن معها قول ولا فعل، أو عري القول أو الفعل من النية، كانت مسألة خلاف، فيختلف في الرجعة بالنية من غير نطق، قياسًا على الطلاق وعقد اليمين بالنية من غير نطق. وقد اختلف قول مالك في ذلك، وقول محمد: ألا تصح رجعة (¬1) بالنية (¬2)، فمبني على القول بمنع وقوع الطلاق بالنية. واختلف في القول والفعل بغير نية، فقال أشهب في كتاب محمد: ليستا برجعة (¬3)، وفرق في المدونة بين الوطء والقول، فأسقط ذلك في الوطء إذا كان بغير نية، وألزمه في القول إذا قال (¬4) راجعتك، ثم قال: كنت لاعبًا. ولا بينة على قوله راجعتك، فهي رجعة (¬5)، وهذا مبني على أحد قولي مالك أن هزل النكاح كجِده (¬6)، وعلى رواية علي بن زياد عنه أن النكاح لا يلزم (¬7)، لا تصح ¬

_ (¬1) قوله: (رجعة) سقط من (ح). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 283. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 284. (¬4) قوله: (إذا قال) في (ح): (قدر). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 232. (¬6) انظر: المدونة: 2/ 132. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 393.

رجعته، وكذلك إذا خرج ذلك (¬1) القول على سبق اللسان بغير نية، فهو على الخلاف في الطلاق بمجرد اللفظ بغير نية. وجعل الليث وابن وهب الوطء بغير نية رجعة، والقول أن لا رجعة في الوجهين جميعًا أحسن، ولا عمل ولا قول إلا بنية. وإذا لم تصح الرجعة بمجرد النية، ثم أصاب بعد ذلك بغير نية، لم تصح الرجعة أيضًا إذا بعُد ما بين النية والفعل أو القول، إلا أن يُحدث نية عند الإصابة. وقال محمد: إن نوى الرجعة ثمَّ قَبَّل أو باشر أو ضَمَّ، فإن فعل ذلك لمكان ما نوى، فهي رجعة (¬2). يريد ذلك (¬3) أصاب ساهيًا عن الطلاق المتقدم لم يكن وطؤه رجعة إذا لم تقارنه نية، وقد اختلف في النية للطهارة هل من شرطها مقارنة الفعل أم لا (¬4) وإن قال: كنت راجعتك أمس صُدِّق إن كانت في العدة، وإن خرجت من العدة لم يُصَدَّق. وقال مالك: وإن قال لها وهي في العدة: إذا كان غدًا فقد راجعتك، لم تكن له (¬5) رجعة (¬6)، وقوله هذا محتمل أن يكون رأى أن الرَّجعة إلى أجل كالنكاح إلى أجل، أو أن الرجعة تفتقر إلى نية مقارنة للفعل، وقد قدم هذا النية اليوم لما ينعقد غدًا. والوجه الأول أبين؛ لأن الطلاق وإن كان يفتقر إلى نية فقد أجمعوا فيمن قال: أنت طالق إن دخلت الدار، فدخلت بعد سنة من قوله لزم ¬

_ (¬1) قوله: (ذلك) سقط من (ح). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 284. (¬3) قوله: (ذلك) زيادة من (ب). (¬4) قوله: (أم لا) زيادة من (ح). (¬5) قوله: (له) زيادة من (ح). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 233.

فصل [في الرجعة في مدة تنقضي في مثلها العدة]

الطلاق، وإذا كانت هذه رجعة فاسدة على قوله ثم لم يُحدث رجعة ولا أصاب حتى خرجت من العدة، بانت. وإن أصاب في العدة وهو يرى أن تلك الرجعة، كان وطؤه رجعة؛ لأنه وإن كان الارتجاع الأول فاسدًا، فإن حقه في الرجعة قائم، وإصابته وهو يرى أنه مرتجع رجعة محدثة. فصل [في الرجعة في مدة تنقضي في مثلها العدة] وإذا مضى للطلاق مدة تنقضي في مثلها (¬1) العدة، ولم يدر هل هي في العدة أم لا، فقال لها: قد راجعتك، فإن صمتت كانت (¬2) رجعة، وإن أنكرت وقالت: قد انقضت عدتي، صُدِّقت، وإن صمتت ثم أنكرت، أو أنكرت ثم قالت: كذبت ولم تنقضِ عدتي، لم تصدق فيما رجعت إليه، وإن قال الزوج بعد انقضاء العدة: كنت (¬3) راجعتك في العدة لم يصدق، وسواء صدقته الزوجة أو أكذبته إلا أن يكون له دليل على قوله بأن تشهد بينة بأنه كان يقول في العدة: أصبتها أو قَبَّلت أو ضاجعت فيصدق الآن أنه أراد الرجعة، وكذلك إن شهدت البينة أنه كان يبيت عندها. قال محمَّد: يبيت عندها في بيت (¬4). قال ابن القاسم في كتاب المدنيين: وسواء مس أو لم يمس، فإنه يصدق أنه كان نوى الرَّجعة. ورأى أن هذه الحال التي تقدمت شبهة، فلا يمنع منها، وتباح لغيره ¬

_ (¬1) قوله: (في مثلها) في (ح): (فيها). (¬2) قوله: (كانت) سقط من (ح). (¬3) قوله: (كنت) سقط من (ح). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 232، و 233، والنوادر والزيادات: 5/ 284.

فصل [في صحة الرجعة]

بالشك. وإذا لم يأتِ بدليل ولا شبهة، سئلت الزوجة عن قوله أنه كان أصاب أو ارتجع، فإن أنكرت حلت للأزواج، وإن اعترفت لم تحل لغيره لاعترافها أن عصمة الأول باقية عليها، ويجبر على النفقة عليها إلا أن يطلق. واختلف إذا أجرى النفقة، وقامت بالطلاق لعدم الوطء، فالمعروف من المذهب أن لا مقال لها؛ لأنه لم يقصد ضررًا، والأحكام منعته، والقول الآخر أن ذلك لها قياسًا على أحد قولي مالك فيمن قُطِع ذَكَرُهُ بعد الدخول (¬1) والطلاق على المرتجع أبين؛ لأنه لا منفعة له فيها إذا حيل بينه وبينها، ومن قطع ذَكَرُه له فيها مُستمتَع بغير الإصابة، وإن أحب الزوج أن يعطيها ربع دينار، ويحضر الولي، جاز وله جبرها على ذلك. وإن كانت أمة واعترف سيدها بارتجاع الزوج بعد انقضاء العدة لم يصدق السيد (¬2)، ولم يملك الزوج الرجعة. قال أشهب في كتاب محمد: إلا أن يحب الزوج أن يدفع ثلاثة دراهم، فتكون امرأته وإن كره السيد؛ لأنه اعترف أنها امرأته (¬3). يريدة ويجبر السيد على أن يعقد نكاحها منه. فصل [في صحة الرجعة] الرجعة تصح في النكاح الصحيح والإصابة الصحيحة إذا كان الطلاق بالطوع من الزوج، ليس بحكم أوجب ذلك عليه، وكذلك إذا كان فاسدًا مما الحكم أنه يفوت بالدخول فطلق بعد أن دخل، فإن كان مما يفسخ بعد الدخول ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 348. (¬2) في (ح): (الزوج). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 284.

فطلق قبل أن يدخل أو بعد وقبل أن يفسخ، لم تكن فيه رجعة. واختلف إذا كان النكاح صحيحًا، والإصابة فاسدة، كالذي يصيب في الحيض، أو في صوم رمضان، أو وهو محرم، أو وهي محرمة، ثم طلق فقال ابن القاسم في العتبية فيمن وطئ وهي حائض، ثم طلق بعد أن طهرت: لا رجعة له، قال: وهو بمنزلة من طلق قبل أن يبني؛ لأن ذلك الوطء ليس بوطء (¬1)، ولا يقع به عنده إحلال ولا إحصان. وقال ابن الماجشون: يحل ويحصن (¬2) فجعله كالحلال (¬3)، فعلى هذا يملك فيه الرجعة، وإن أصابها في صوم تطوع أو في اعتكاف غير منذور، أو منذور في الذمة، كانت له الرجعة؛ لأن ذلك الصوم والاعتكاف قد بطل بأول الملاقاة، ولا يجب إمساك بقيته، فكان تماديه بمنزلة من ليس في صوم ولا اعتكاف. وإذا كان الطلاق بحكم لعدم النفقة، أو لعيب به، جنون أو جذام أو برص، فأيسر أو ذهب العيب في العدة، كانت له الرجعة، وإن لم يذهب السبب الذي طُلِّق عليه به لم تكن له الرجعة إذا لم ترض الزوجة. ويختلف إذا رضيت هل تصح الرجعة؟ وكذلك المؤلي يُطَلَّق عليه بالإيلاء، فلا تصح رجعته إلا بالإصابة (¬4)؛ لأنه السبب الذي طُلِّق عليه من أجله. واختلف إذا رضيت بالرجعة ولم يصب، فقال سحنون في السليمانية في المولي وعادم النفقة: لا تصح رجعتهما وإن رضيت. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 476. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 233. (¬3) في (ح): (كالإحلال). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 350.

ولا تهدم عدة ثبتت بطلاق لمعنى، إلا بزوال ذلك (¬1) المعنى الذي طلقت له. وقال ابن القاسم، ومطرف، وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: فيمن حلف بطلاق امرأته البتة ألا يصيبها سَنَةً، فقامت بحقها فطلق عليه بالإيلاء، فله أن يرتجعها. قالوا: لأن لها أن تقيم معه بغير وطء إلى انقضاء السنة (¬2). فأجازوا رجعته إذا رضيت بترك الإصابة، وإن لم يرتفع السبب الذي كان الطلاق لأجله، وهو أحسن؛ لأن الطلاق كان (¬3) لحق آدمي في عدم النفقة وعدم الوطء ووجود العيب، فإذا رضيت بالرجعة مع وجود الأسباب التي كان الطلاق عنها صحت؛ لأنه حقها أولًا وأخيرًا، ومثله إذا حلف بالطلاق ألا يصيبها حتى يحج أو يفعل فعلًا لا يمكنه (¬4) البِرُّ فيه عند قيامها، فطلق عليه بالإيلاء، ثم ارتجع، فإن رجعته موقوفة على بِرِّه، فيفعل ما حلف عليه في العدة، فإن لم يبر لم تصح رجعته، ولم يمكن من الإصابة لعدم الوجه الذي يصح به فيئته (¬5)، وهو فعل ما حلف عليه ليفعلنه، فإن رضيت برجعته صحت على ما ذكره ابن حبيب ولم تصح على قول سحنون. ولم يختلف المذهب في الزوج يطلق زوجته اختيارًا ثم يرتجعها ولا يصيبها حتى تخرج من العدة أن رجعته صحيحة، وأن ليس من شرط الرجعة الإصابة في العدة (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (ذلك) زيادة من (ب). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 337، ولفظه فيها: (قلت: أرأيت إن قال: والله لا ألتقي أنا وأنت سنة. أيكون هذا موليًا في قول مالك أم لا؟ قال: سمعت مالكًا يقول: كل يمين لا يقدر صاحبها على الجماع لمكانها فهو مولٍ، فإن كان هذا لا يقدر على الجماع لمكان يمينه هذه فهو مولٍ). (¬3) قوله: (كان) سقط من (ح). (¬4) في (ح): (يملكه). (¬5) قوله: (فيئته) سقط من (ث). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 232.

فصل [في صحة رجعة المحرم والمريض والعبد]

فصل [في صحة رجعة المحرم والمريض والعبد] تصح الرجعة ممن لا يجوز له عقد النكاح كالمحرم (¬1)، والمريض، والعبد (¬2)، فإذا تزوج الحرم قبل إحرامه، ثم طلق في حال الإحرام، أو تزوج الآخر في الصحة، وطلق في المرض، جاز لهما أن يرتجعا في حال الإحرام والمرض، وكذلك العبد يتزوج بإذن سيده له أن يرتجع (¬3)، وإن لم يأذن له سيده (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 354. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 283. (¬3) في (ب): (يرتجعها). (¬4) قوله: (سيده) زيادة من (ب).

باب في المعتدة تدعي انقضاء العدة أو تأخيرها

باب في المعتدة تدعي انقضاء العدة أو تأخيرها النساء في انقضاء العدة أو تأخيرها على الأمانة والتصديق ما لم يتبين كذبهنَّ، أو يأتين في ذلك بما لا يشبه، وهذا في فصلين من العِدَد، الحيض، والحمل (¬1). فأما مَن عِدتها بالشهور أو بالسنة، فهنَّ والرجال في معرفة انقضاء العدة سواء، فإن كانت عدتها بالحيض فادعت انقضاءها في مدة تنقضي فيه الأقراء الثلاثة في غالب النساء صدقت، وسقط حق الزوج في الرجعة، وحلت للأزواج، وإن كانت مدة قريبة لا تنقضي فيها العدة بحال لم تصدق، ومنعت من الأزواج، صدقها الزوج أو كذبها. واختلف إذا كانت مدة تنقضي فيها العدة للنادر والقليل من النساء هل تصدق؟ فقال مالك في المدونة: إذا قالت حضت ثلاث حيض في شهر، سئل النساء فإن كن يحضن ويطهرن كذلك، صدقت (¬2). وقال في كتاب محمد: لا تصدق في شهر، وقال أيضًا: لا تصدق في شهر ونصف، وما أراها إلا عجلت، ومن أقل حيض النساء أن تقيم خمسًا، وإنما تقيم هذه طاهرة عشرًا حتى تحيض (¬3). فصدَّقها في القول الأول، وإن ادَّعت ما يكون نادرًا؛ لأن الأصل أنهن على الأمانة، ولم تدع ما يقطع بكذبها فيه، ولم يصدقها في القول الآخر؛ لأنَّ الأحكام إنما تتعلق بما يكون غالبًا دون النادر مع ما يتعلق بالزوجة من التهمة ¬

_ (¬1) في (ث): (الحبل). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 235. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 41، 42.

فصل [في دعوى الزوجة تأخر حيضها بعد الطلاق]

إذا كرهت الزوج، فتقصد الفرار بذلك، أو تعلم بأن رجلًا تعرَّض لنكاحها ورغبت فيه، وقد يرد قول العدل إذا عارض قوله تهمة. وأرى أن تسأل هذه المرأة هل طلقت في أول الطهر أو في آخره؟ فإن قالت: كان الطلاق في آخر الطهر، واليوم رأيت الدم، كان ذلك أقرب لقبول قولها، وتُسأل أيضًا إذا ادَّعت النادر من عادات النساء هل ذلك عادتها قبل الطلاق أو كانت على الغالب من عادات النساء؟ فإن اعترفت أنها كانت على الغالب من (¬1) عادات النساء، ثم انتقلت بعد الطلاق إلى النادر، لم تصدق. وإن ادعت أن هذه كانت عادتها قبلُ، وصدقها الزوج، صدقت ولم تمنع من الأزواج. وإن قال: بل كانت عادتك على الغالب من النساء فذلك أشكل. وأرى أن تمنع من الأزواج. فصل [في دعوى الزوجة تأخر حيضها بعد الطلاق] وإن ادعت أن حيضها تأخر، وقالت: لم أرَ بعد الطلاق دمًا، كان قولها على ثلاثة (¬2) أوجه (¬3): فتصدق إن لم يكن سمع منها قبل ذلك شيء إن كان زوجها حيًّا ولها النفقة وله الرجعة، وتصدق إن ادعت ذلك بعد موته إن كانت مرضعًا أو مريضة (¬4). واختلف إذا كانت صحيحة غير موضع، فقال مالك في كتاب محمد في ¬

_ (¬1) قوله: (الغالب من) زيادة من (ح). (¬2) في (ح): (ثمانية). (¬3) في (ب): (أقسام). (¬4) النوادر والزيادات: 5/ 28، وما بعدها.

فصل [في هل يرث الزوج زوجته بعد انقضاء عدتها المعتادة؟]

المطلقة تقيم سنة، ثم يموت زوجها، فتقول: لم أحض إلا حيضة: لم تصدق إن لم تكن ذكرت ذلك، وكانت غير موضع (¬1). وقال ابن مزين: تصدق إذا ادعت تأخير حيضتها بعد الفطام بسنة، وتحلف بالله ما حاضت ثلاث حيض، ولا تصدق إن كانت عادتها (¬2) قبل الطلاق على الغالب من عادة النساء، فادعت بعد الطلاق أن عادتها (¬3) انتقلت وصارت من سنة إلى سنة، فإن كان الطلاق بائنًا صدقت؛ لأنها معترفة (¬4) على نفسها في موضع لا تهمة عليها فيه، وإن كان الطلاق رجعيًّا وصدقها الزوج كانت لها النفقة، ولم أمكنه من الرجعة. ويختلف إذا كذبها هل تصدق لأنها تتهم في بقاء النفقة ورجاء الرجعة؟ وإذا لم تصدق في أحد قولي مالك في انتقال العدة إلى النادر في القرب، لم تصدق في انتقالها إلى النادر في البعد، وليس كذلك إذا قالت: لم أرَ حيضًا؛ لأن ذلك يمكن أن يكون لحمل، ولهذا كانت العدة إلى أن يمضي من الأمر ما يظهر فيه الحمل ولم يظهر. فصل [في هل يرث الزوج زوجته بعد انقضاء عدتها المعتادة؟] ويختلف إذا ماتت الزوجة (¬5) بعد مضي أمد عدتها المعتادة، هل يحمل على أنها كانت في العدة فيرثها زوجها؟ فقال مالك في كتاب المدنيين: إن ماتت بعد ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 42. (¬2) في (ب): (عدتها). (¬3) قوله: (قبل الطلاق على الغالب من عادة النساء، فادعت بعد الطلاق أن عادتها) سقط من (ث). (¬4) في (ب): (مقرة). (¬5) في (ح): (مات الزوج).

ثلاثة أشهر فادعى الزوج أنها كانت حاملًا فإنه يرثها، والبينة على من يريد أن يمنعه الميراث، وأنها لم تكن حاملًا، أو وضعت، أو أنها حاضت ثلاث حيض (¬1)، أو أسقطت، إلا أن تكون اعتدت في منزله ثم تحولت إلى أهلها لانقضاء عدتها وذكرت ذلك، فلا ميراث له منها. وقال في كتاب الاستبراء فيمن باع أمة بالبراءة من الحمل، وهو مقر بالوطء، ولم يستبرئ، فمضى لها بعد البيع قدر حيضة، قال محمد: وذلك قدر شهر انتقل الضمانُ، وكانت المصيبة من المشتري (¬2)، فنقل الضمان وإن لم يعلم هل رأت دمًا أم لا؟ بل لو قال المشتري: لم تحض عنده لم يصدق. فعلى هذا يحمل أمر المعتدة (¬3) إذا مضى قدر العدة على أنها رأت الأقراء، وبانت ولم يرثها. وإن اختلف قولها فقالت: انقضت عدتي، في مدة تصدق (¬4) في مثلها، ثم قالت: كذبت ولم تنقض، لم تصدق ولم يكن لها نفقة إن كان الطلاق رجعيًّا، ولا ميراث إن مات الزوج إلا أن يتبين صدقها (¬5)، فإن قالت: أنا حامل، نظر إليها النساء فإن تحقق الحمل بالظهور أو بالحركة، كان لها النفقة في الحياة والميراث بعد الموت (¬6)، وإن قالت أولًا: لم أرَ دمًا من يوم طلقتني. ثم قالت: كذبت، وقد انقضت عدتي، كان الزوج بالخيار إن شاء صدقها في قولها أخيرًا (¬7)، ولم يكن عليه نفقة، ومنعت من الأزواج؛ لأن العدة يتعلق بها حق ¬

_ (¬1) قوله: (ثلاث حيض) سقط من (ث). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 10. (¬3) في (ث) و (ح): (المعتادة). (¬4) في (ث): (لم يصدق). (¬5) في (ح): (كذبها). (¬6) في (ح): (الوفاة). (¬7) قوله: (أخيرًا) سقط من (ب).

للزوج وحق لله، ورضا الزوج لا يسقط حق الله تعالى في ذلك. وإن كذبها وأخذ بقولها في الأول، كانت له الرجعة وعليه النفقة. قال أشهب في المدونة: له الرجعة إلا أن يمضي من ذلك اليوم ما تحيض فيه ثلاث حيض (¬1). والجواب فيها على ثلاثة أوجه: فإن تمادت على قولها الآخر: كنت حضت ولم أحض بعد ذلك إلى الآن، كانت عدتها بالسنة من يوم الطلاق كالمرتابة، ولزوجها عليها الرجعة؛ لأنها تصدق في قولها الأول لم أحض. ويسقط قولها كنت حضت؛ لأنها تبين كذبها فيه، وتصدق في قولها بعد ذلك لم أحض إلى الآن، فصارت بمنزلة امرأة قالت: لم أحض من يوم الطلاق إلى الآن. وإن قالت: حضت بعد قولي الثاني ثلاث حيض -وذلك في مدة يحيض فيها غالب النساء -صُدقت، وإن كانت مدة لنادر من النساء لم تصدق؛ لأنها خرجت من الأمانة التي جعلت للنساء بما تبين من (¬2) كذبها أولًا وردت إلى الغالب، ولا تمنع هذه إلى تمام السنة كما منعت التي قالت: لم أحض (¬3). لأن هذه مصدقة في قولها رأيت الدم، غير مُصدقة في تقريبه، وتلك قالت: لم أرَ دمًا غير الأول الذي اختلف قولها فيه. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 235. (¬2) قوله: (من) سقط من (ح). (¬3) المدونة: 2/ 237.

فصل [في معنى الأقراء]

فصل [في معنى الأقراء] الأقراء عند مالك: الأطهار (¬1)، وليس من شرط الطهر أن يوقع الطلاق في أوله، فإن طلق في أخراه ولم يبق منه إلا ساعة، ثم رأت الدم أجزأ. ومن شرط الطهر الآخر الاستكمال، ولا يجتزأ (¬2) بأوله، ولا يمضي معظمه حتى تستكمله، فتدخل في الدم. واختلف إذا دخلت في الدم الثالث، فقال ابن القاسم: تحل بنفس الدخول فيه، وليس عليها التماس تماديه، وقال أشهب: أستحب ألا تعجل بالتزويج حتى يتمادى الدم؛ لأن المرأة ربما رأت الدم الساعة والساعتين، ثم ينقطع فيكون عليها الرجوع إلى بيتها، ولزوجها عليها (¬3) الرجعة حتى تعود إليها حيضة صحيحة (¬4). وروى ابن وهب عن مالك أنها لا تبين إذا رأت الدم حتى تعلم أنها حيضة صحيحة مستقيمة (¬5)، وعلى هذا يرثها إن ماتت في أول الدم وقبل أن يعلم أنها حيضة صحيحة مستقيمة (¬6)، فحمل ابن القاسم أمرها إذا رأت الدم ¬

_ (¬1) انظر: الموطأ: 2/ 578، وما بعدها، والمدونة: 2/ 234، والنوادر والزيادات: 5/ 24، والإشراف: 2/ 791. (¬2) في (ب): (يجزئ). (¬3) قوله: (عليها) زيادة من (ح). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 234. (¬5) أشار ابن رشد إلى رواية ابن وهب هذه في شرحه على مسألة من سماع ابن القاسم من العتبية، انظر: البيان والتحصيل: 5/ 384. (¬6) قوله: (صحيحة مستقيمة) سقط من (ث)، وقوله: (مستقيمة) ساقط من (ح).

على الغالب فيه أنه يتمادى وانقطاعه نادر، واستحسن أشهب التربص خيفة انقطاعه، فإن ماتت قبل ذلك حمل أمرها فيه على التمادي، ولم يرثها. فإن مات الزوج (¬1) لم ترثه إن تمادى، فإن قالت قبل موته باليوم والشيء القريب: كان انقطع الدم عني، وكان موته بأثر قولها ذلك -ورثته. واختلف الصدر الأول ومن بعدهم في الأقراء، فذكر النحّاس في الناسخ والمنسوخ عن أحد عشر صاحبًا، أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وابن عباس، وابن مسعود، ومعاذ، وعبادة، وأبي الدرداء، وأبي موسى الأشعري، وأنس، رضي الله عنهم أجمعين: أنها الحيض (¬2). وعن سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وطاوس، وعطاء، والضحاك، وابن سيرين، والشعبي، والحسن، وقتادة، والأوزاعي، والثوري، وإسحاق، وأبي عبيد، رضي الله عنهم أجمعين، مثل ذلك أنها الحيض، وبه قال من فقهاء الأمصار أبو حنيفة (¬3). وعن عائشة - رضي الله عنها - أنها الأطهار (¬4). قال وقد (¬5): اختلف فيه عن ابن عمر، وزيد بن ثابت: هل هي الحيض أو الأطهار؟ وعن القاسم، وسالم، وسليمان بن يسار، وأبي بكر بن عبد الرحمن، وأبان بن عثمان، ومالك (¬6)، والشافعي (¬7)، وأبي ثور: أنها الأطهار. ¬

_ (¬1) قوله: (مات الزوج) في (ح): (هلك). (¬2) الناسخ والمنسوخ، لأبي جعفر النحاس، ص: 215. (¬3) الناسخ والمنسوخ، لأبي جعفر النحاس، ص: 216. (¬4) الموطأ 2/ 576: رقم (1197)، والناسخ والمنسوخ، للنحاس، ص: 212. (¬5) قوله: (قال وقد) سقط من (ح). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 234. (¬7) انظر: الأم، للإمام للشافعي: 5/ 99.

ويجري في كثير من مسائلنا بأن يقال: عدة الحرة ثلاث حيض، والأمة حيضتان؛ لأن عدتها حيضة ونصف، على النصف من عدة الحرة، فتكمل حيضة؛ لأن الحيضة لا تنقسم، وهذا القول وإن كان خلاف المشهور من المذهب، فهو أقيس؛ لأن العدة جعلت طلبًا لما يدل على براءة الرحم، والذي يدل على البراءة (¬1) الحيض لا الطهر، ألا ترى أنها إن لم تره ما طلبت الدليل بمدة يظهر فيها الحمل، وهي ثلاثة أشهر، فعلم بذلك أن الذي يدل على البراءة الحيض وأنه المطلوب. ومحمل حديث ابن عمر في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مُرْهُ فَلْيُراجِعْها ثُمَّ لْيُمْسِكْها حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ (¬2)، ثُمَّ إِنْ شاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ (¬3)، وَإِنْ شاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِى أَمَرَ اللهُ سُبْحانَهُ أَنْ تُطَلَّقَ لها النِّساءُ" (¬4). أي لتعتد بحيض كامل، ولا يصح ذلك إلا أن تطلق في الطهر، ولو طلق في الحيض لم يحتسب به؛ لأنها لا تحتسب ببعض حيضة، ولأن العمدة في البراءة أول الحيض؛ لأنَّ المرأة قد تحمل إن أصيبت في آخره، فلم يكن براءة إلا أن يقع الطلاق في الطهر فتحتسب بالحيضة من أولها. ¬

_ (¬1) في (ح): (براءة الرحم). (¬2) قوله: (ثُمَّ تَطْهُرَ) سقط من (ح). (¬3) قوله: (بَعْدُ) زيادة من (ب). (¬4) سبق تخريجه في كتاب العدة وطلاق السنة، ص: 2190.

باب ما تكون المتعة فيه من الطلاق، وما تسقط فيه

باب ما تَكونُ المتعةُ فيه من الطلاق، وما تَسْقُطُ فيه الزوجة تمُتَّع في الطلاق دون الوفاة، لقول الله عزَّ وجلَّ: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}، وقوله: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} الآية، وقوله: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ. . . .} الآية. والمتاع يصح بشروط، وهي: أن يكون الفراق بطلاق عن (¬1) نكاح صحيح أو فاسد فات وصار أمره إلى ألا يفسخ، وأن يكون الفراق بعد الدخول أو قبل ولم يتراضيا على تسمية، وألا يكون الطلاق برغبة من الزوجة. ولا متاع لتسْعٍ: للمطلقة قبل الدخول إذا كان قد سمى صداقها، والمختلعة، والمفتدية، والمبارية، والملاعنة، والمعتقة تحت العبد (¬2) تختار نفسها، والتي ردت بعيب، والتي نكحت نكاحًا فاسدًا وحكم بفسخه قبل الدخول أو بعده، والتي نكحت نكاحًا صحيحًا فطرَأ ما يوجب الفسخ دون الطلاق (¬3). فلم تكن للمطلقة قبل الدخول -إذا سمى لها صداقًا- متاعٌ، لقول الله سبحانه في التي نكحت على تفويض: {فَمَتِّعُوهُنَّ}. وفي التي سمى لها: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ}؛ ولأن المتاع تسلية لوحشة الفراق، فأمر من نكح على تفويض إذا لم يصل إليها شيء يكون فيه عزاء من فراقه بالمتاع، ولم يؤمر به من سمى؛ لأن المبيع باقٍ لها لم يتلف عليها شيئًا، فكان فيما تأخذه من نصف ¬

_ (¬1) في (ح): (غير). (¬2) في (ب): (الغير). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 238، 239.

الصداق تسلية لذلك، ولم يكن للمختلعة ولا للمفتدية ولا المبارية متاع؛ لأن الفراق باختيارهن والزوج يقول: هي كرهتني ورغبت بنفسها عني فلا أمتع من جاء الفراق من سببه. وقد تفعل ذلك رغبة في غيره. وكذلك المعتقة لا متاع لها بل هي أبعد؛ لأن الفراق من قبلها، ولا سبب للزوج فيه، بل هو مُكْرَه على الفراق، ولم تكن متعة فيما حُكم بفسخه لفساده؛ لأن الفراق لم يكن بطوعه، بل هي مصيبة نزلت بالزوجين، وسواء كان فساده مجمعًا عليه أو مختلفًا فيه؛ لأن الحكم بفساده يرفع الخلاف (¬1)، وكذلك إذا كان صحيحًا فطرأ ما أوجب الفسخ، هي مصيبة نزلت بهما. وقال ابن القاسم في كتاب محمد فيمن اشترى امرأته، أو اشترت زوجها، أو تزوج أمها ودخل بها وهو لا يعلم: فلا متعة لها (¬2). والفسخ يطرأ على النكاح من أربعة أوجه: يسقط في ثلاثة، ويحسن أن يثبت في وجه، فيسقط إذا كان الفسخ لا سبب فيه لواحد من الزوجين، أو كان ذلك من سبب الزوجة خاصة، أو من سبب الزوج، وهو غير عالم أن فِعْلَه يوجب الفسخ، ويثبت إذا كان عالمًا أن فعلَه يوجب الفراق، فإن تزوج صغيرة على تفويض فأرضعتها أمه أو أخته أو زوجة له أخرى -لم يكن لها متاع؛ لأنه لا سبب لهما فيه. ولو كان الرضاع بأمر الزوج رأيتُ لها المتاع؛ لأن الفراق كان (¬3) بقصْدِ من الزوج، وإن كان سمى لها صداقًا كان لها نصف المسمى، وقد مضى ذكر ¬

_ (¬1) في (ث): (الاختلاف). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 289. (¬3) قوله: (كان) سقط من (ب).

ذلك في كتاب النكاح الثالث (¬1)، إذا تزوج الأم وهو غير عالم أو ارتد أن لها الصداق، وإن اشترت زوجها لم تمتع؛ لأن الفراق جاء (¬2) من قبلها وهو كاره، وإن اشتراها لم تمتع؛ لأنها باقية متعة (¬3) له، ولو اشترى بعضها متعها. وروى ابن وهب عن مالك أنه قال: للمخيرة المتعة بخلاف التي تعتق تحت العبد فتختار الفراق، وهذا صحيح لوجهين: أحدهما: قول الله عزَّ وجلَّ في تخيير النبي - صلى الله عليه وسلم - أزواجه: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب: 28]. والآخر: أنها قد تختار الفِراق وهي كارهة، ولا ترضى بالمقام لما أظهر من اطراحها، وأن عليها في البقاء بعد التخيير ذلة إلا أن تكون هي المبتدئة والطالبة لذلك (¬4). ولم تمتع القائمة بالعيب يحدث بالزوج، ولا بعدم النفقة، ولا بما ينزل بالزوج (¬5) من جباب أو خصاء (¬6) فتطلق عليه؛ لأن كل ذلك باختيارها، ولو كان الطلاق عن (¬7) إيلاء، وهو قادر على الإصابة كان لها المتاع؛ لأن الامتناع منه، وهو مضار قاصد إلى الطلاق. ¬

_ (¬1) راجع كتاب النكاح الثالث. (¬2) قوله: (جاء) زيادة من (ب). (¬3) قوله: (متعة) سقط من (ب). (¬4) قوله: (لذلك) سقط من (ب). (¬5) قوله: (بالزوج) سقط من (ح). (¬6) قوله: (جباب أو خصاء) في (ب): (جب أو خصى). (¬7) قوله: (الطلاق عن) سقط من (ث).

فصل [في ثبوت المتعة وإسقاطها، وفي قدرها، والقضاء بها]

فصل [في ثبوت المتعة وإسقاطها، وفي قَدْرِها، والقضاء بها] وإن ارتجع الزوج في العدة لم يكن لها متعة، واختلف إذا لم تمتع حتى بانت ثم تزوجها، فالظاهر من قول ابن وهب وأشهب (¬1) ألا متعة لها؛ لأنه قال: المتعة عوض من الفرقة (¬2)، فإذا ارتجع لم يكن عليه شيء، وإن لم يرتجع حتى طالت المدة أو تزوجت لم تسقط المتعة. واختلف إذا ماتت، فقال ابن القاسم: لها المتعة وتدفع إلى ورثتها. وقال أصبغ: لا متعة لها (¬3). والمتعة على قدر الزوجين من اليسارة والحال، لقول الله عزَّ وجلَّ: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236]. وقال ابن عباس: "أَعْلاها خادِمٌ، وَأَدْنَاها كُسْوَةٌ" (¬4). و"مَتَّعَ ابْنُ عُمَرَ خادِمًا" (¬5). و"مَتَّعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ خادِمًا سَوْداءَ" (¬6). ¬

_ (¬1) في (ح): (المذهب وهو قول مالك وأشهب وهو من قول مالك وأشهب وابن وهب). (¬2) في (ب): (الفراق). وانظر: النوادر والزيادات: 5/ 289. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 289. (¬4) أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه نحوه: 5/ 156، في باب ما قالوا في أرفع المتعة وأدناها، من كتاب الطلاق، برقم (19042)، بلفظ: (أرفع المتعة الخادم، ثم دون ذلك الكسوة، ثم دون ذلك النفقة). (¬5) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه: 5/ 156، في باب ما قالُوا في أَرْفَعِ الُمتعَةِ وَأَدْناها، من كتاب الطلاق، برقم (19041) بلفظ: (عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ مَتَّعَ بِوَلِيدَةٍ). (¬6) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه: 7/ 72، في باب وقت المتعة، من كتاب الطلاق، برقم (12253)، وابن أبي شيبة في المصنف 5/ 156: في باب ما قالُوا في أَرْفَعِ الُمتعَةِ وَأَدْنَاها، من كتاب الطلاق، برقم (19032).

وفعل ذلك عروة بن الزبير (¬1)، وإنما يراعى ما (¬2) فيه تسلية لمثلها من مثله (¬3). واختلف الناس في القضاء بها، فقال مالك: هي من الحق، ولا يقضى بها لقول الله عَزَّ وَجَلَّ: {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 180]، و {عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 236] (¬4). قيل: ولأن الواجبات مقدرة وهذه غير مقدرة، وقيل: هي واجبة ويقضى بها؛ لأنَّ هذين حق. وعلى هذا تقتضي الوجوب، وقول الله سبحانه: {بِالْمَعْرُوفِ} لا يخرجه عن الوجوب، وهو كقوله: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233]. والمعنى لا شطط، ولا تقصير. ¬

_ (¬1) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه: 7/ 74، في باب وقت المتعة، من كتاب الطلاق، برقم (12262)، وابن أبي شيبة في المصنف 5/ 156: في باب ما قالُوا في أَرْفَعِ المُتعَةِ وَأَدْنَاها، من كتاب الطلاق، برقم (19039). (¬2) في (ث): (وإنما يراد أن)، وفي: (ح): (وإنما يراد ما كان). (¬3) قوله: (من مثله) سقط من (ب). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 239، 240.

باب في جواز الخلع، ومنعه

باب في جواز (¬1) الخلع، ومنعه يجوز للرجل أن يأخذ من زوجته مالًا على أن يطلقها، وعلى أن يمسكها فلا يطلق، والأصل في الأول قول الله عزَّ وجلَّ: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229]، وفي الثاني قوله سبحانه: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} [النساء: 128] قالت عائشة - رضي الله عنها - وغيرها من أهل العلم: "ذَلِكَ فِي المرْأَةِ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَتَنْبُو عَيْنه عَنْها مِنْ دَمَائهٍ، أَوْ كبَرٍ، أَوْ سُوءِ خُلُقٍ فَتكْرَهُ فِراقَهُ، فَإِنْ وَضَعَتْ لَهُ شَيْئًا مِنْ صَداقِها حَلَّ لَهُ" (¬2). واختلف في معنى قوله سبحانه: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: 19]. فقيل: "كَانَ أَهْلُ الجاهِلِيَّةِ إِذا مَاتَ الرَّجُلُ، كانَ أَوْلياؤُهُ أَحَقَّ بِامْرَأَتِهِ إِنْ شاءَ بَعْضُهُمْ تَزَوَّجَها، وِإِنْ شَاءُوا زَوَّجُوها، وِإِنْ شاءُوا عَضَلُوها وَلَمْ يُزَوِّجُوهَا" (¬3). وقيل: المعنى: الرجل تكون ¬

_ (¬1) قوله: (جواز) في (ح): (دخول). (¬2) أخرجه البخاري 5/ 1998: في باب: إن المرأة خافت من بعلها، من كتاب النكاح، برقم: (4910)، ومسلم 4/ 2316: من كتاب التفسير، برقم: (3021)، كلاهما عن عائشة بلفظ: (تقول هي أمسكني ولا تطلقني ثم تزوج غيري فأنت في حل من النفقة علي والقسمة لي) أما اللفظ المذكور أعلاه فلم نقف عليه إلا عند البغوي في تفسيره عن علي بن أبي طالب، انظر: تفسير البغوي: 2/ 295. (¬3) انظر: تفسير البغوي: 2/ 185، نزلت الآية في أهل المدينة إذ كانوا في الجاهلية وفي أول الإسلام، إذا مات الرجل وله امرأة جاء ابنه من غيرها أو قريبه من عصبته فألقى ثوبه على =

له (¬1) المرأة يكره صحبتها، ولها عليه مهر فيضر بها لتفتدي منه (¬2) (¬3)، فلا يجوز ذلك إلا أن تأتي بفاحشة مبينة (¬4)، وهذا أبين لقول الله سبحانه: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19]. فالمفهوم من هذا بقاء الزوجية. واختلف في معنى الفاحشة فقيل: هو (¬5) الزنا. وقال ابن عباس وغيره: هو النشوز فيحل له منها الفدية. وقال الطبري: ذلك في كل فاحشة من بذاء اللسان على زوجها والإذاية، أو زنا، أو نشوز، فله عضلها والتضييق عليها، حتى تفتدي منه إذا كانت الفاحشة ظاهرة (¬6). ¬

_ = تلك المرأة وعلى خبائها، فصار أحق بها من نفسها ومن غيره، فإن شاء تزوجها بغير صداق إلا الصداق الأول الذي أصدقها الميت، وإن شاء زوجها غيره وأخذ صداقها، وإن شاء عضلها ومنعها من الأزواج يضارها لتفتدي منه بما ورثته من الميت، أو تموت هي فيرثها، فإن ذهبت المرأة إلى أهلها قبل أن يلقي عليها ولي زوجها ثوبه فهي أحق بنفسها، فكانوا على هذا حتى توفي أبو قيس بن الأسلت الأنصاري وترك امرأته كبيشة بنت معن الأنصارية، فقام ابن له من غيرها يقال له حصن، وقال مقاتل بن حيان: اسمه قيس بن أبي قيس، فطرح ثوبه عليها فورث نكاحها، ثم تركها ولم ينفق عليها، يضارها لتفتدي منه، فأتت كبيشة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إن أبا قيس توفي وورث نكاحي ابنه فلا هو ينفق علي ولا يدخل بي ولا يخلي سبيلي، فقال: "اقعدي في بيتك حتى يأتي فيك أمر الله"، فأنزل الله تعالى هذه الآية. (¬1) قوله: (له) سقط من (ث). (¬2) قوله: (منه) زيادة من (ب). (¬3) انظر: تفسير الطبري: 8/ 111. (¬4) قوله: (مبينة) سقط من (ح). (¬5) قوله: (هو) زيادة من (ب). (¬6) انظر: تفسير الطبري: 8/ 118.

فصل [فيما يقع بين الزوجين من سوء العشرة المؤدي إلى الخلع ووجوه ذلك]

فصل [فيما يقع بين الزوجين من سوء العشرة المؤدي إلى الخلع ووجوه ذلك] لا يخلو الزوجان من أربعة أوجه: إما أن تكون مضرة به، أو يكون مضرًّا بها، أو كلاهما مؤدٍّ لحق صاحبه، أو كلاهما مضرٌّ بالآخر. فإن كانت مضرة به جاز له أن يأخذ منها على الإمساك وعلى الطلاق، وإن كان مضرًّا بها جاز أن يأخذ على الإمساك، ولم يجز أن يأخذ (¬1) على الطلاق، وإن كان كلاهما مؤديًا لحقِّ الآخر (¬2) جاز عند مالك أن يأخذ على الوجهين جميعًا: الإمساك والطلاق (¬3)، وإن كان كلاهما مضرًّا بالآخر كانت مسألة الحكمين. وإن أعطته مالًا على أن يمسكها ثم فارقها، فإن كان فراقها بقرب عطيتها كان لها أن ترجع فيما أعطته، وإن كان فراقه بعد أن طال الأمد، وما يرى أنها بلغت الغرض في مقامها، لم ترجع، وإن طال ذلك، ولم تبلغ ما يرى أنها دفعت المال لمثله، كان له من المال بقدر ذلك على التقريب، فيما يرى. وقال مالك فيمن أسقطت صداقها عن زوجها على ألا يتزوج عليها (¬4) فطلقها بحضرة ذلك، فلها أن ترجع عليه، وإن طلقها بعد ذلك فيما يرى أنه لم يطلقها لمكان ذلك لم ترجع عليه بشيء (¬5)، قال أصبغ: إلا أن يكون الطلاق ¬

_ (¬1) قوله: (أن يأخذ) زيادة من (ح). (¬2) في (ث): (صاحبه). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 241، 242. (¬4) قوله: (على ألا يتزوج عليها) في (ح): (ألا يطلقها). (¬5) قوله: (بشيء) زيادة من (ح).

فصل [الخلع طلاق أم فسخ؟]

بحدثان صدقتها (¬1) ليمين نزلت، ولم يتعمد ولم يستأنف اليمين، فلا شيء عليه أيضًا (¬2). قال الشيخ (¬3): وأرى لها أن ترجع في عطيتها وإن كان الطلاق ليمين حنث فيها؛ لأنها إنما أسقطت صداقها لمعنى، ولتبقى زوجة (¬4) في عصمته، فإذا لم يصح لها ذلك لم يلزمها ما أعطت، ولو أعطته على ألا يتزوج عليها فتزوج عليها رجعت عليه، قرب تزوجه أو بعد. فصل [الخلع طلاق أم فسخ؟] الخلع عند مالك طلقة بائنة (¬5). وقال ابن عباس، وطاوس، وعكرمة، وأحمد، وإسحاق: هو فسخ (¬6). وفي كتاب محمد عن عثمان - رضي الله عنه - "أَنَّ عِدَّة المُختَلِعَةِ حَيْضَةٌ" (¬7). وهذا دليل على أنه كان يرى الخلع فسخًا. وقال أبو ثور: إن قال: خالعتك على ألف، كان فسخًا. وإن قال: طلقتك على ألف، كان ¬

_ (¬1) في (ح): (صداقها). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 461. (¬3) قوله: (قال الشيخ) زيادة من (ث). (¬4) قوله: (زوجة) زيادة من (ث). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 241. (¬6) انظر: عيون المجالس: 3/ 1195، 1196. (¬7) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه: 4/ 119، في من قال عدتها حيضة، من كتاب الطلاق، برقم (18460)، وأخرج البيهقي في السنن الكبرى عن نافع أن ابن عمر - رضي الله عنه - أخبره: أن ربيع بنت معوذ بن عفراء اختلعت من زوجها على عهد عثمان - رضي الله عنه - فذهب عمها معاذ بن عفراء إلى عثمان - رضي الله عنه - فقال: إن ابنة معوذ قد اختلعت من زوجها اليوم أفتنتقل فقال عثمان - رضي الله عنه -: تنتقل وليس عليها عدة غير أنها لا تنكح حتى تحيض حيضة واحدة، السنن الكبرى: 7/ 450، في باب ما جاء في عدة المختلعة، من كتاب العدد، برقم (15379).

طلاقًا وله الرجعة (¬1). وقال الشافعي: هو فسخ إذا لَفَظَ بالخلع ولم يذكر طلاقًا، وهو نحو قول أبي ثور (¬2). وفي البخاري: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لثابت (¬3): "خُذِ الحُدِيقَةَ وَطَلِّقْها تَطْلِيلَقًة" (¬4). فأمره أن يوقع تطليقة، وليس كذلك إذا قال: قد (¬5) خالعتك بالحديقة، ولم يذكر طلاقًا، فهو أشكل. واختلف عن مالك في كون الطلقة بائنة هل ذلك شرع أم لا لأنه (¬6) قصد المخالع؟ فقال فيمن أعطت زوجها (¬7) شيئًا على أن يطلق طلقة رجعية: كانت بائنًا، والشرط باطل؛ لأن سنة (¬8) الخلع إذا لم يشترط فهي بائنة، وشرطه لا يحيل سنة الخلع (¬9). وذكر أبو محمد عبد الوهاب: أن له شرطه، ورأى أن ذلك من حقوق الزوجين ليس بشرع (¬10)، وهو أبين، والزوج بالخيار بين أن يقبل العِوَض على أن يوقع طلقة، ويبقى حقه في الرجعة، أو على أن يسقط حقه في الرجعة وتكون بائنة. ¬

_ (¬1) انظر: عيون المجالس: 3/ 1197. (¬2) انظر: المعونة: 1/ 590، والإشراف: 2/ 725، 526. (¬3) قوله: (لثابت) سقط من (ث). (¬4) أخرجه البخاري: 5/ 2021، في باب الخلع وكيفية الطلاق فيه، من كتاب الطلاق، برقم (4971). (¬5) قوله: (قد) سقط من (ح). (¬6) قوله: (أم لا لأنه) في (ب)، (ث): (أو لأنه). (¬7) في (ح): (أعطته زوجته). (¬8) قوله: (لأن سنة) في (ح): (لأنه يشبه). (¬9) انظر: المدونة: 2/ 246. (¬10) انظر: المعونة: 1/ 590، 591، والإشراف: 2/ 727.

واختلف أيضًا فيمن قال: أنت طالق طلاق الخلع، ولم يأخذ منها شيئًا، فقال مالك: تكون طلقة بائنة (¬1)، وقاله ابن القاسم في كتاب محمد. وقال مطرف، وأشهب وابن عبد الحكم: هي واحدة رجعية. وقال ابن الماجشون: تكون ثلاثًا (¬2). وكذلك إذا قال قد خالعتك، ولك عشرة دنانير؛ لأنَّ الدنانير إذا كانت منه كالمتعة لا يغير حكم الطلقة (¬3) بخلاف أن يكون المال منها، فإذا كان هو الدافع كانت الطلقة على ما نواه، فقول مالك: إنها واحدة بائنة موافق لما روى عنه إذا كان العطاء منها وشرط الرجعة أنها رجعية، وأن الأمر راجع في الجميع إلى ما نوى (¬4). والقول إنها رجعية وإن نوى أنها (¬5) بائنة راجعٌ إلى القول إذا أعطت وشرط أنها تكون رجعية أنها تكون (¬6) بائنة، ولا ينفعه الشرط، وإذا طلق وأعطى، فقال: أنت طالق، ولك عشرة دنانير وهذا الخادم، كانت واحدة، وله الرجعة والمال متعة، ولا خلاف أن مجرد القول أنت طالق أن له الرجعة، وأن إعطاءه (¬7) المال مع ذلك لا يؤثر في الرجعة بخلاف أن يكون المال منها، إلا أن ينوي بالطلقة أنها بائنة فيدخل الخلاف المتقدم، إذا قال: أنْتِ طالق طلاق الخلع؛ لأنّه نوى ذلك ليس لأنه أعطاه مالًا. وإلى هذا يرجع الخلافُ الذي وقع في ذلك. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 247. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 160، 161. (¬3) في (ب): (المطلقة). (¬4) انظر: المعونة: 1/ 590. (¬5) في (ب): (بها). (¬6) قوله: (أنها تكون) سقط من (ح). (¬7) في (ب): (إعطاءها).

وإن خالعت على إن طلبت ما أخذ منها رجعت زوجة (¬1)، كان شرطه باطلًا، فإن طلبت ذلك فأعاده وعادت زوجة فرق بينهما. قال مالك في كتاب محمد: وليس لها بإصابتها إلا ما ردَّ إليها كان ذلك أقل من صداق مثلها أو أكثر ولا يتزوجها؛ لأنه كالناكح (¬2) في عدة. وقال محمد: هي له حلال بعد الاستبراء، وإن كانت حاملًا فبعد الوضع، وليس كالناكح في عدة (¬3)، وهو أبين؛ لأنَّ منع النكاح في العدة خوفُ اختلاط الأنساب، وهذا النسب منه أولًا وأخيرًا. ومحمل قوله في منع النكاح الآن على الاستحسان، فإن فعل لم يفسخ؛ لأنَّ الماء ماؤه، ولو كان ذلك الآن محرمًا لحرمت للأبد إن فعل؛ لأن عمر - رضي الله عنه - إنما حرَّمها لموضع التعجيل، ولئلا تعود امرأة لمثل ذلك. وإن أعطته مالًا على أن يطلقها واحدة فطلقها ثلاثًا، لزمه (¬4) ولا مقال لها، وهذا قول مالك (¬5). قال محمد (¬6): وإن أعطته على أن يطلقها ثلاثًا فطلقها واحدة، كان ذلك له ولا حجة لها؛ لأنها نالت بالواحدة ما تنال بالثلاث، يريد: لأنها بانت بها وملكت نفسها. وأرى إذا أعطته على أن يطلق واحدة فطلقها ثلاثًا، أن ينظر إلى سبب ذلك، فإن كان راغبًا في إمساكها فرغبت في الطلاق -ألا مقال لها؛ لأنها إنما ¬

_ (¬1) زاد في (ح): فطلبت. (¬2) قوله: (كالناكح) في (ح): (كالنكاح). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 259. (¬4) في (ح): (لزمها). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 247. (¬6) قوله: (قال محمد) سقط من (ح).

فصل [فيما يلزم به الخلع]

اشترت طلقة وسكتت عن الباقي. وإن كان رغب في طلاقها فأعطته على أن يكون طلاقه واحدة أن ترجع بجميع ما أعطته؛ لأنها إنما أعطته على ألا يوقع الاثنتين إلا واحدة لتحل له إن بدا لهما من قبل زوج، فإذا أوقعهما رجعت بما دفعت عنهما. وكذلك إذا أعطته على أن يطلقها ثلاثًا فطلقها واحدة ينظر في ذلك، فإن كان عازمًا على طلاقها واحدة كان لها أن ترجع بجميع ما (¬1) أعطته؛ لأنها لاثنين أعطت، وإن كان راغبًا في إمساكها فأعطته على أن يطلق ثلاثًا جرت على قولين فيمن شرط شرطًا لا ينفعه، هل يوفى به؟ فعلى القول في وجوب الوفاء به يكون لها أن ترجع بما ينوب الطلقتين، وجواب محمد على القول أنه لا يجب الوفاء به. وقال ابن القاسم في العتبية في المرأة تشتري من زوجها عصمته عليها. قال: هي ثلاث، وإن لم يسمِّ طلاقًا. قال: وكذلك إذا قالت: أشتري ملكك عليَّ أو طلاقك عليَّ. هو مثل عصمتك وليست فدية، وهذه اشترت ما ملك منها (¬2). وقال عيسى: ما أراه إلا فدية، وهي واحدة بائنة كالفدية (¬3). فصل [فيما يلزم به الخلع] الخلع يلزم (¬4) بالتراضي وإيقاع الطلاق، ويلزم بالعقد وإن لم يوقع طلاقًا، فإن قال: أنت طالق على عبدك هذا، أو على عشرة دنانير، فرضيت لزمها. ¬

_ (¬1) قوله: (بجميع ما) في (ح): (بما). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 257. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 253. (¬4) في (ح): (يقع).

وكذلك إذا قال: إن أعطيتني أو إذا (¬1) أعطيتني أو متى أعطيتني عشرة دنانير فأنت طالق -كل ذلك لازم له إذا أعطته. ويفترق الجواب في الوقت الذي إذا أعطته لزمه أخذه وأن يطلق. فإن قال: أنت طالق على عبدك، فلم ترض في المجلس لم يلزمه شيء (¬2)؛ لأنه عنده يقتضي المجاوبة بالحضرة، وإذا قال: "إذا" أو "متى" كان ذلك بيدها وإن افترقا ما لم يطل ويرى أنها تاركة، أو يمضي ما يرى أن الزوج لم يجعل التمليك إلى ذلك الوقت. ويختلف إذا قال: إن أعطيتني، هل يحمل ذلك على المجلس، أو (¬3) وإن افترقا؟ وأرى ذلك بيدها إذا قالت: نعم. وانصرفت على ذلك، وإن سكتت ضعف قولها، وكل هذا إذا قال: فأنت طالق. واختلف إذا قال: فأنا أطلقك. فرضيت ومضت على ذلك، ثم أتت بالمال، هل يلزمه الوفاء بذلك وأن يطلق؟ فقال ابن القاسم في المستخرجة: إذا قال: إن أعطيتني عشرة دنانير فأنا أطلقك، أو قال ذلك لعبده: فأنا أعتقك. فلما جاءت أو جاء العبد بالمال بدا له، لم يلزمه ويحلف ما أردت طلاقًا ولا عتقًا (¬4). بما وروى عنه أبو زيد أنه قال: إن كسرت شيها (¬5) وحليها، لزمه. قال: ¬

_ (¬1) قوله: (أو إذا) ساقط من (ح). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 246. (¬3) قوله: (أو) سقط من (ح)، (ث). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 258. (¬5) قوله: (شيها) كذا في الأصول، ولعل حرف الواو قد سقط من أول الكلمة، فيكون صوابها: (وشيها).

ورأيت أنه إن لم تتكلف بيع شيء، لم يلزمه (¬1). واختلف عن مالك في كتاب محمد إذا قال لزوجته: إذا أعطيتني ما لي عليك فارقتك، أو فأنا أفارقك. فأتت بذلك، هل يلزمه؟ قال ابن القاسم: يحلف إني ما أردت أني قد فعلت، ولكن انظر هل أفعل أم لا؟ (¬2) وقال أصبغ: يلزمه، واحتج بقول مالك حيث قال: تركتها (¬3) حتى كسرت حليها، وقال مالك: ذلك طلاق إذا كان على وجه الفدية (¬4). وأرى إن قال: إن جئتني بِدَينِي أو بمالي عليك، أن القول قوله أنه لم يرد إيجاب الطلاق، وسواء باعت في ذلك حليها أو غيره؛ لأنَّ ذلك من حقه عليها، وقد يعسر تناول حقه منها إلا أن يطمعها (¬5) بذلك إذا كانت كارهة فيه (¬6). وأما إن قال: إن أعطيتني عشرة دنانير، ولا دَيْنَ له عليها وافترقا على ذلك، ثم أحضرتها؛ لزمه الوفاء به (¬7)؛ لأن هذه معاوضة ومبايعة وليست كالأول، وأمَّا العبد فكل ذلك ماله وما يبيعه ويأتي بثمنه (¬8) فقد كان له أن ينتزع ذلك، وأن يجبره على تسليمه من غير عتق فلا يلزمه عتق. وأرى أن يحلف أنه لم يوجب له ذلك إلا أن يكون تكلف جميع ذلك من الناس. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 264، 265. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 270. (¬3) في (ح)، (ب): (تركها). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 263، 264، وانظر: البيان والتحصيل: 5/ 208. (¬5) قوله: (يطمعها) في (ح): (يطبعها). (¬6) قوله: (فيه) سقط من (ح). (¬7) قوله: (به) زيادة من (ح). (¬8) قوله: (ويأتي بثمنه) سقط من (ح).

فصل [فيما يجوز به الخلع، وما لا يجوز]

فصل [فيما يجوز به الخلع، وما لا يجوز] الخلع يجوز بما تجوز به البياعات من العين والعُرُوض وغيرها، ولا يجوز بما لا يجوز ملكه كالخمر والخنزير، ولا بما يجوز ملكه ولا يجوز أخذ العوض عنه (¬1) كالسلف بزيادة والتأخير بالدَّيْن. واختلف في جوازه بالغرر كالعبد الآبق، والبعير الشارد، والجنين، والثمرة قبل بدو (¬2) صلاحها، فإن خالعت على خمرٍ أو خنزير أو ميتة مضى الخلع، وكان الطلاق بائنًا وكسرت الخمر كانت في يدها أو في (¬3) يد الزوج (¬4). ويختلف في رجوعه عليها، فقيل: لا شيء له (¬5) عليها، وهو المعروف من المذهب (¬6). ويجري فيها قول آخر أن له أن يرجع عليها (¬7) بخلع المثل قياسًا على قوله في خلع المريضة، فقال مالك (¬8) في كتاب محمد: له خلع مثلها من رأس المال (¬9). وأجراه مجرى النكاح المبتدأ؛ لأنه في الأول اشتراه، والآن باعه. وإن خالعها على إن أسلفته مضى الخلع والطلاق بائن. ويختلف هل يسقط رجوعه عليها أو يرجع بخلع المثل أو بقيمة الانتفاع بالسلف؟ وإن ¬

_ (¬1) قوله: (عنه) سقط من (ب). (¬2) قوله. (بدو) سقط من (ث). (¬3) قوله: (في) زيادة من (ح). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 99، 248، وانظر: النوادر والزيادات: 5/ 261، 262. (¬5) في (ح، ب): (له). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 248. (¬7) قوله: (عليها) سقط من (ح). (¬8) قوله: (مالك) زيادة من (ح). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 497.

خالعها على إن عجَّل دينًا لها عليه قبل حلوله أو أخَّرها بِدَيْن له عليها والدَّيْن عين، جاز (¬1) وكان بمنزلة من طلق وأعطى، وتكون الطلقة رجعية إلا أن يقصد أن تكون بائنة. وإن خالعها على أن تؤخره بدَيْن حلَّ لها عليه (¬2)، أو تعجل هي دينًا له عليها، لم يجز والطلاق بائن ويسقط التأجيل فيما كان حالًّا، والتعجيل فيما كان مؤجلًا، وقد أجاز ابن القاسم مرة التعجيل في الدَّيْن الم ؤجل على وضيعة بعضه (¬3)، فعلى هذا يجوز الخلع على أن تعجل هي الدَّيْن ويكون له قبضه، ولا فرق بين أن يجعل (¬4) عوض التعجيل بعض الدَّيْن أو سلعة أو خلعها لنفسها. وإذا كان الدَّيْن لها (¬5) عليه إلى أجل فخالعها على أَنْ وضعت بعضه وعجَّل الباقي، أو كان حالًّا فأخرته ووضعت بعضه، أو كان الدَّيْن له عليها إلى أجل فوضع بعضه على أَنْ عجلت الباقي أو كان حالًّا فأخرها به، افترق الجواب، فإن كان لها عليه مائة دينار إلى سنة فخالعته على أَنْ أسقطت عنه (¬6) خمسين وعجل خمسين، أو كانت المائة حالَّة فخالعته على أَنْ أخذت خمسين وأخرت خمسين، مضى الخلع، وكان له جميع الخمسين، وردت ما تراضيا فيه في الخمسين الباقية من تعجيل أو تأخير، فترد (¬7) إلى أجلها إن كانت مؤجلة، ¬

_ (¬1) قوله: (جاز) سقط من (ح). (¬2) في (ث): (له عليها). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 165، والنوادر والزيادات: 5/ 265. (¬4) قوله: (يجعل) في (ث)، (ح): (يعجل). (¬5) في (ح): (له). (¬6) قوله: (عنه) سقط من (ح). (¬7) في (ح): (فتؤخر).

وتقبض الآن إن كانت حالة، وهذا قول مالك (¬1)، وقوله في الحالَّة أن له جميع الخمسين صحيح؛ لأنَّ الخمسين والتأخير جميعًا ثمن للخلع. وأما إذا كانت المائة مؤجلة عليه فينبغي أن يكون له من الخمسين ما قابل الخلع خاصة؛ لأنها ثمن للشيئين: للخلع والتعجيل، ولم تكن للخلع خاصة فينبغي أن تقضى على قدر خلع المثل، وقيمة التعجيل للخمسين فيمضى للزوج ما قابل الخلع، وتبقى هي على حقها فيما قابل التعجيل، ويردُّ إلى أجله، وإن كان الدَّيْن له عليها، وهو مائة حالَّة، فأسقط خمسين وأخرها بخمسين، أو كان الدَّيْن مؤجلًا فعجلت له خمسين وأسقط عنها خمسين، جاز -إذا كان حالًّا- الإسقاط والتأخير؛ لأنها معروف من الزوج وكأنَّه (¬2) قد طلق وأعطى والطلاق رجعي. وإن كان مؤجلًا لم يجز الإسقاط ولا التعجيل، وَرَدَّ جميع المائة إلى أجلها، وقول محمد (¬3)؛ لأن الزوج أعطى شيئين لمكان التعجيل، وهو ما بيده من العصمة، وخمسين وهي التي أسقط، فإذا لم يصح له التعجيل لم يلزمه الإسقاط؛ لأنه قادر على ردِّه ولم يرد الطلاق؛ لأنه لا يردُّ بعد وقوعه، ويبقى مقال الزوج فيما قابل الخلع، هل يرجع به؟ وقد تقدم قول ابن القاسم، وأنه أجاز مرة التعجيل على الوضيعة، فعلى قوله هذا يجوز الخلع والإسقاط ويصح التعجيل؛ لأنَّ حقيقة ما عملا عليه "ضع وتعجل"؛ عجلت خمسين على أن خَلَعَها ووضع عنها خمسين. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 248. (¬2) في (ح) و (ث). (وكان). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 265.

فصل [في الخلع بالغرر]

وقال في كتاب محمد فيمن كان صداقها عشرة نقدًا وعشرين (¬1) مؤجلة فصالحها قبل البناء على عشرة نقدًا وأسقطت الباقي قال: ينفذ الطلاق ولا يكون لها سوى عشرة (¬2)، خمسة الآن، وترد الخمسة وتأخذها إلى أجل (¬3). قال: وكذلك لو كان الصلح بستة نقدًا أو أكثر إلى أقل (¬4) من خمسة عشر، يَردُّ ما فوق الخمسة إلى وفاء الأجل، وهذا راجع إلى ما تقدم إذا كان لها دَيْن مؤجل فوضعت (¬5) نصفه للتعجيل والخلع مضى جميع الوضيعة للخلع، وقد كان الصواب أن يفض. فصل [في الخلع بالغرر] اختلف في الخلع بالغرر بالجواز، والكراهية، والمنع كالآبق، والجنين، والثمر قبل أن يبدو صلاحه (¬6)، واستحسن ألا يفعل (¬7) ابتداء، فإن نزل مضى وكان له ما خلع عليه؛ لأن الخلع ليس كالبياعات في الحقيقة، والأمر فيه أوسع من النكاح، ولأنَّ القائل بمنعه يقول: لا شيء له من الغرر ولا شيء له عليها. وهذا غير مستقيم؛ لأنه إن كان عنده كالبياعات فالغرر فيه ممنوع فيجب أن يرجعَه عليها بالعوض عما أخرج من يده، وإن كان عنده بخلاف البياعات ولا ¬

_ (¬1) في (ح): (وعشرة). (¬2) قوله: (عشرة) سقط من (ث). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 270. (¬4) في (ث): (أجل). (¬5) في (ب)، (س ح): (فوضع). (¬6) قوله: (يبدو صلاحه) في (ب): (يصح بيعه)، وفي (ث): (يصلح). (¬7) في (ح) و (ث): (يفعلا).

شيء له، فيجب أن يمضيه (¬1)، ولأن الرجوع بالقيمة عما أخرج من يده -وهو خلع المثل- لا يتحصل في الغالب، وليس ذلك معروفًا كصداق المثل، فكان البقاء على ما دخلا عليه أولًا. وقد قيل فيمن تزوجت بمائة إلى موت أو فراق: إنه تقوم المائة إذا لم تكن العادة بالنقد، ولا بشيء صحيح، وقد يكون الغرر الذي خالع عليه ليس له كبير قيمة؛ لأن قصده كان ترك المشاحة في مثل ذلك، وخلع الله مما له بال، وإن رد إلى خلع المثل كان قد رجع فيما تركه وسامح به (¬2). وقال ابن القاسم فيمن خالع على مال إلى أجل مجهول: إنه يكون حالًّا. قال: لأن مالكًا قال: من باع إلى أجل مجهول إن القيمة إذا فأتت السلعة حالة (¬3). ولا أرى لتعجيله وجهًا، وفي ذلك ظلم على المرأة، ولأن الخلع مختلف فيه، فقيل: جائز (¬4). وقيل: مكروه. فإن نزل مضى. فعلى هذين القولين لا يكون عليها تعجيل دون الوقت الذي جعلت (¬5) القضاء إليه. وقيل: لا يجوز: فينبغي أن يسقط هذا الغرر، ثم يختلف هل يرجع بخلع المثل؟ وقال في التي خالعت على ألَّا سكنى لها، إن كانت في مسكن الزوج لم تخرج، ولا شيء للزوج عليها قال: لأن مالكًا قال: إذا وقع الخلع بجرام مضى الخلع، وردَّ الحرام (¬6). وأرى أن يرجع عليها بالأقل من كراء هذا المسكن، أو ما ¬

_ (¬1) في (ح): (يضمنه). (¬2) في (ث): (فيه). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 242. (¬4) انظر: الإشراف: 2/ 732، والمعونة: 1/ 592، وعيون المجالس: 3/ 1206. (¬5) في (ب): (جعل). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 99.

كانت تكتري به؛ لأن أخذ العِوَض عن السكنى يجوز وهو بمنزلة من خالع على شيء فاستحق من يده، إلا أن يكون انتقالها إلى أبويها أو إلى مسكنها، وهو الآن لا كراء له؛ لأنها لم تنتفع بشيء، ولأن الغالب من المرأة عند الطلاق أنها تكره المقام هناك، وإن خالعها على أن تقيم في مكانها وتؤدي الكراء جاز، وإن خالعها على أن ترضع ولدها وتنفق عليه من عندها إلى فطامه جاز. واختلف إذا زادت على ذلك وشرط عليها (¬1) أربع سنين أو نحوها، فقال مالك: لا يجوز ذلك، قال: وإنما النفقة على الأم في الرضاع والحمل، قال ابن القاسم: ولا شيء للزوج عليها فيما سقط من شرطه (¬2). وقال المغيرة، وأشهب، وعبد الملك: ذلك جائز (¬3). قال المغيرة: لأن الخلع بالغرر يجوز (¬4). وهو أحسن، وهذا إذا شرط إن مات الولد أو الأم أن لا رجوع للأب، وإن شرط أن ذلك ثابت عليها، وإن مات الولد أو الأم، جاز، فإن مات الولد (¬5) أخذ الأب ذلك مشاهرة حتى ينقضي الأجل. واختلف عن مالك إذا خالعها على رضاعه، ولم يشترط ثبات ذلك إن مات ولا سقوطه فمات الولد قبل حولين. فقال: لا شيء له عليها (¬6). وعلى هذا يدخله الغرر. وقال أيضًا: لو أتبعها لكان له في ذلك قول (¬7). وروى أبو الفرج ¬

_ (¬1) قوله: (عليها) سقط من (ب). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 266. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 266، 267. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 339. (¬5) قوله: (أو الأم جاز، فإن مات الولد) سقط من (ح). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 249. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 267.

أنه قال: يتبعها، وإن ماتت هي أخذ ذلك من تركتها، ولو انقطع لبنها وكانت عديمة استأجر لها ورجع عليها (¬1). وقول مالك أن لا شيء عليها صواب (¬2)؛ لأنَّ الباقي اللبن، وليس هو (¬3) شيئًا يبيعه (¬4) ولا يأخذ (¬5) له ثمنًا، وعليها أن تغرم ما كانت تشتريه له خارجًا عن الرضاع من طعام أو غيره. واختلف إذا خالعت على أن تنفق على ولدها فعجزت وأنفق الأب، فقال مالك وغيره من أصحابه (¬6): يرجع عليها. واختلف فيه عن ابن القاسم هل يرجع عليها (¬7)؟ والأول أصوب. وإن اختلعت على أن تسلم الولد لأبيه لم يجز، إذا كان الولد قد عَلَق بأمه أو كان عليه في ذلك ضرر من غير رضاع. واختلف إذا كان الصبي (¬8) لا ضرر عليه، فأجاز ذلك مالك وابن القاسم (¬9). وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: الشرط باطل، ولها أن تأخذه. ورأى أن في ذلك حقًّا للولد (¬10)، وقاله مالك في كتاب المدنيين، وهو أحسن إذا كان رضيعًا أو فطيمًا وهو صغير؛ لأن الغالب أنه يضيع ولا أحد يقوم مقام أمه. وإن كان قد أثغر فالوفاء بالشرط أحسن، وإذا بقى عندها لم ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 267. (¬2) في (ب): (أصوب). (¬3) قوله: (هو) سقط من (ح). (¬4) في (ب): (يتبعه). (¬5) في (ب): (ولا تأخذ). (¬6) قوله: (من أصحابه) سقط من (ب). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 267. (¬8) قوله: (الصبي) زيادة من (ح). (¬9) انظر: المدونة: 2/ 247. (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 268.

يكن له عليها (¬1) عن ذلك شيء؛ لأن الخلع لم يكن بمال ولا بما يباع، وإنما هو من باب طرح المشقة عنه، وهو لا يطلب من تلك الحضانة بشيء. ومن خالع زوجته، ثم ظهر بها حمل، كانت لها النفقة ما كانت حاملًا، وكذلك إن كانت ظاهرة الحمل وقت الخلع فلها النفقة ما كانت حاملًا (¬2)، إلا أن يشترط الزوج إسقاطها. وقال مالك في العتبية: إذا شرط ألا نفقة للحمل فأعسرت، أنفق الزوج عليها ويتبعها إذا أيسرت (¬3). يريد: لأن عجزها عن النفقة على نفسها يضر بالحمل، وقد كان الأصل أنها عليه. واختلف إذا اشترط ألا نفقة للولد إذا ولدته (¬4) هل يكون لها الآن نفقة الحمل؟ فقال مالك (¬5) في كتاب محمد: لا نفقة لها الآن، وقال ابن القاسم في كتاب ابن سحنون، والمغيرةُ وابنُ الماجشون في مختصر ما ليس في المختصر: لها نفقة الحمل؛ لأنها لم تذكر إسقاطه (¬6) (¬7). وهو أحسن؛ لأن لها حقين خالعت على أن أسقطت أحدهما، ولم يسقط الآخر. وقال مالك في كتاب محمد: إذا شرط ألا تنكح حتى تفطم ولدها لزمها ذلك (¬8). وقال ابن القاسم في العتبية: إن شرط أن ترضع ابنه عامين فأرادت أن ¬

_ (¬1) قوله: (له عليها) في (ب): (لها عليه). (¬2) قوله: (ما كانت حاملًا) زيادة من (ح). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 250. (¬4) قوله: (إذا ولدته) سقط من (ح). (¬5) قوله: (مالك) سقط من (ث). (¬6) قوله: (إسقاطه) زيادة من (ح). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 268. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 267.

تنكح قبل ذلك، فإن كان ذلك يضر بالصبي منعت كمن استأجر ظئرًا فأرادت التزويج (¬1). وفي كتاب ابن سحنون: إذا شرط عليها رضاع ولدها سنتين، وأخذت منه دنانير، ثم تزوجها قبل ذلك -كان له أن يرجع عليها من الدنانير بقدر ما بقي (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 268، والبيان والتحصيل: 5/ 284. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 269.

باب فيمن خالع امرأته على مال، ثم جحدت أو غرت من فلس، أو أن لها دارا أو وصية خالعت على ذلك، ثم تبين أن لا شيء لها، أو خالعت على ما في يديها، ولم يكن في يديها شيء

باب فيمن خالع امرأته على مال، ثم جحدت أو غرت من فلس، أو أن لها دارًا أو وصية خالعت على ذلك، ثم تبين أن لا شيء لها، أو خالعت على ما في يديها، ولم يكن في يديها شيء اختلف إذا قال: خالعتك، أو طلقتك على عشرة دنانير، وقالت: طلقتني على غير شيء، فقال مالك وابن القاسم: القول قولها مع يمينها (¬1)، ولا شيء عليها. وقال عبد الملك: القول قوله، وتعود زوجة بعد أن يحلف الزوج أنه خالع على ما ذكر، وتحلف هي أنه كان طلاقًا بغير عوض، وجعل الخلع كالبيع إذا أنكر الآخر أن يكون اشترى، أن البائع أحق بسلعته، وبمنزلة ما قال: بعتك هذا العبد وأعتقته، وقال الآخر: لم أشتره -أن العبد يبقى رقيقًا لبائعه على أحد القولين. وإن كان المدعى عليه الشراء موسرًا، والخلع عنده معاوضة، فإذا لم يقر بالعِوَض لم يلزمه المثمون. والأول أحسن، ولا يرتفع الطلاق بعد وقوعه. قال أصبغ: إلا أن يقول الزوج (¬2): أردت ألا يتم الخلع حتى تعطيني، إذا نسق قوله بإقراره بالخلع (¬3). ويختلف إذا خالعته على مال وغرته من فلس، هل يمضي الطلاق أو تعود زوجة؟ فقال عبد الملك: لو قالت: أخالعك على داري هذه أو على عبدي هذا، ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 251. (¬2) قوله: (الزوج) سقط من (ث). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 279، والبيان والتحصيل: 5/ 211.

فإذا الدار والعبد ليسا لها، فغرته بذلك لم يلزمه الطلاق، ولو كان لها فيهما (¬1) شبهة ملك، لزمه الطلاق. قال: ولو قالت: أخالعك على ما أوصى لي به فلان أو لي عطاء، ولم يكن وصّى لها فلان، ولم يكن لها عطاء -لم يلزمه طلاق، ولو كان وصى لها، ثم رجع الموصي عن وصيته بعد الخلع، أو لم يحملها الثلث أو كانت في (¬2) عطاء فسقط اسمها منه بعد الخلع -لزمه الطلاق، قال في كتاب محمد: ولا شيء له عليها (¬3). وأرى إذا رجع عن الوصية، أو سقط العطاء قبل الخلع وهي عالمة، أن يرجع عليها بمثل تلك الوصية والعطاء إذا كانت موسرة، وكذلك إذا غرته من دار أو عبد ليس لها، وهي موسرة، غرمت قيمة ذلك. وإن كانت فقيرة فحينئذ تعود زوجة، وإن لم تعلم الزوجة برجوع الموصي عن وصيته، وهي معسرة، لم ترجع زوجة، وإن قالت: أخالعك على ما في يدي، ففتحت يدها عن دينار أو ما أشبه ذلك لزمه الخلع. واختلف إذا كان ما لا قدر له كالدرهم، أو ما لا ينتفع به كالحصاة، أو لم يكن فيها شيء، فقال مالك عند ابن حبيب: لا خلع بينهما. قال: وهذا مما لا يجوز على أحد. وقال أشهب في كتاب محمد: إذا كان في يدها ما ينتفع به -الدرهم وما أشبهه- لزمه الخلع (¬4). وإن كان حجرًا أو لا شيء فيها، لم يلزمه الطلاق (¬5). وقال ابن الماجشون: ¬

_ (¬1) قوله: (فيهما) زيادة من (ب). (¬2) قوله: (في) سقط من (ث). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 263، 262. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 262. (¬5) في (ب): (طلاق).

يلزمه الطلاق؛ لأنه طلق (¬1) بشيء يأخذه أو لا يأخذه. قال محمد: وهذا أحب إلى (¬2)؛ لأنها لم تخدعه على جهل منه. وقول مالك أحسن إذا كان الخلع عن مشاورة وعند الجد، وإنما يتسامح الناس في مثل هذا عند ما يكون من الهزل واللعب. قال مطرف عند ابن حبيب: فإن رضي الزوج وكان في يدها ما ينتفع به -وإن قل- فهو خلع، وإن كان حصاة أو ما لا ينتفع به فليس بخلع، وتكون طلقة له فيها الرجعة (¬3). وهذا صحيح على أصل مالك؛ لأنَّ الزوج عنده بالخيار في مثل هذا، له أن يرد الخلع، فإذا رضي وكان مما ينتفع به كان خلعًا، وإن كان مما لا ينتفع به كان طلاقًا مبتدأ من الزوج؛ لأنه هو ألزم نفسه ذلك، ولم يأخذ عوضًا. واستحسن إذا لم يكن في يدها شيء، أو كان مما لا ثمن له، وهي موسرة، أن تغرم ما يرى أنه لو كان في يدها لزمه الخلع، ولا ترد زوجة إلا أن تكون معسرة. ¬

_ (¬1) في (ح): (علق). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 262. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 263.

باب ما جاء في الخلع والبيع في عقد

باب ما جاء (¬1) في الخلع والبيع في عقد وقال ابن القاسم فيمن خالع زوجته على عبدها وزادها ألف درهم: جاز، فإن كان في قيمة العبد فضل كان خلعًا، وإن كان كفافًا بالألف كانت مبارأة، وإن كان في الألف فضل عن قيمة العبد كان بمنزلة من صالح وأعطى (¬2)، فعلى قوله يختلف هل تكون طلقة بائنة أو رجعية؟ وأن تكون بائنة أحسن؛ لأنه طلاق قارنه معاوضة (¬3) من المرأة وَشَرْطه العبدَ لا يكون إلا لغرض له فيه، فلا يكون بمنزلة من طلق وأعطى. وإن خالع على جنين أو آبق أو بعير شارد (¬4) وزادها عشرة دنانير، نظر (¬5) إلى قيمة الذي تدفعه الزوجة، فإن كان عشرة دنانير فأقل كان بيعًا على قوله في المسألة التي قبل، وإن كان فيه فضل كان خلعًا وبيعًا، وكان شريكًا فيه بقدر ما زادت قيمته عن العشرة، وإلى هذا ذهب محمد أن يكون الزائد للخلع (¬6)، وكل هذا موافق لقول ابن نافع في المواضح أن الزائد للعمد (¬7)، فإن كانت قيمة ¬

_ (¬1) قوله: (ما جاء) زيادة من (ح). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 243. (¬3) في (ح): (عوض). (¬4) قوله: (أو بعير شارد) زيادة من (ب). (¬5) قوله: (نظر) سقط من (ح). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 261. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 169 بلفظ "قال ابن نافع: لا يكون للموضحة العمد إلا ما فضل عن قيمة الشقص فإن كانت قيمته خمسين فأقل أخذه الشفيع بخمسين وعلمنا أنه لم يأخذ للعمد شيئًا، وإن كانت قيمتُه ستين علمنا أن الزائد للعمد فيأخذه بخمسين وبسدس قيمة الشقص، وبهذا أخذ ابن المواز".

الجنين عشرة دنانير فأقل لم يكن للزوجة من الجنين والعبد شيء؛ لأنه حينئذٍ بيع كله والعشرة راجعة إلى الزوج، فإن كان فيه فضل كان له منه ذلك الفضل يكون شريكًا بقدر ما زادت قيمته على العشرة. واختلف في الوقت الذي يعتبر فيه قيمة الفضل، فقال محمد: القيمة يوم يخرج الجنين، ويوجد الآبق وتجدُ الثمرة (¬1). وقال أصبغ في العتبية: القيمة في الآبق يوم الصلح (¬2). وكذلك الثمرة القيمة يوم الصلح إن كانت مؤبرة، وإن لم تؤبر فيوم تؤبر، ووافق في الجنين أن قيمته يوم ولد (¬3)؛ والقيمة في جميع ذلك يوم الصلح أحسن؛ لأنَّ ذلك اليوم وقع البيع فيهم، وإنما تفض الأثمان على ما اشتملت عليه يوم الصفقة ووقت البيع، وعلى القول في المواضح أن الفض على المعلوم والمجهول جميعًا، يفض ما دفعته المرأة على العشرة دنانير وخلع المثل، وهو أحسن؛ لأن الزوج اشترى ذلك الغرر بشيئين: بالدنانير، وبما سلم من العصمة، فإن كان خلع المثل عشرة دنانير، كان له نصف الجنين أو الآبق أو الثمرة عن الخلع، ويرد النصف؛ لأنه الذي يقابل البيع. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 261. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 309، 310. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 261.

باب في مخالعة من حلف ألا يخالع، وإذا تبين بعد الخلع أن بها أو به عيبا يوجب الرد، هل ينقض الخلع؟ ومن حلف إن دعته زوجته إلى الخلع ليخالعنها أو أوجب ذلك بغير يمين

باب في مخالعة من حلف ألا يخالع، وإذا تبين (¬1) بعد الخلع أن بها أو به عيبًا يوجب الرَّدَّ، هل ينقض الخلع؟ ومن حلف إن دعته زوجته إلى الخلع ليخالعنها أو أوجب ذلك بغير يمين وإذا خالعت المرأة على مال، ثم تبين أنه كان طلقها ثلاثًا، رجعت بما أعطته. وقال مالك فيمن حلف بطلاق الثلاث إن صالح زوجته ثم صالحها: رجعت بما صالحت، وقد بانت منه (¬2). قال محمد بمنزلة من قال: إن بعتك فأنت حر (¬3). ورأى (¬4) أن الحنث بالثلاث سبق الصلح وفي المنتخبة: فيمن قال: أنت طالق إن صالحتك، فصالحها حنث بطلقة اليمين، ثم وقعت عليها طلقة الصلح وهي في عدة منه يملك رجعتها، فلذلك لم يرد ما أخذ منها (¬5). وهذا مثل الأول أن طلقة الحنث سبقت الصلح. وقد اختلف في هذا الأصل، فقيل فيمن قال: إن بعتك فأنت حر، لا شيء عليه إن باعه؛ لأن البيع سبق الحنث، والعتق وقع فيه بعد أن انتقل ملكه. وهو أحسن؛ لأنَّ الفاء في قوله: "إن صالحتك فأنت طالق" تضمنت التعقيب، وأن الطلاق إنما يقع بعد الصلح، وتضمنت الشرط، وإنما يلزم الشرط، وهو الطلاق بوجود المشروط وهو الصلح، وإذا كان ذلك لم يكن عليه أن يرد المال، ¬

_ (¬1) قوله: (وإذا تبين) في (ح): (وأحس). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 250. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 274. (¬4) قوله: (ورأى) سقط من (ح). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 6/ 241.

فصل [فيما إذا تبين أن العقد فاسد بعد الخلع]

وإن كانت يمينه بالثلاث، ثم يختلف هل يقع عليه طلاق الحنث وهو الثلاث؟ فعلى قول إسماعيل القاضي لا يلزمه شيء (¬1) سوى طلقة الصلح (¬2)؛ لأن الزائد عليها وقع على (¬3) غير زوجة؛ لأنها بطلقة الصلح (¬4) بائن، فأشبه من أتبع الصلح طلاقًا بالفور. ومن قال للتي لم يدخل بها: أنتِ طالق، أنتِ طالق، أنتِ طالق، فقال إسماعيل القاضي: لا يلزمه سوى الأولى؛ لأنها بانت بها إلا أن ينوي بقوله الأول: "أنت طالق الثلاث" ثم كرر بيمين (¬5) ما أراد بقوله الأول. فصل [فيما إذا تبين أن العقد فاسد بعد الخلع] وإن خالعت المرأة (¬6) ثم تبين أن العقد كان فاسدًا، فإن كان مجمعًا على فساده رد ما أخذ، واختلف إذا كان مختلفًا فيه هل يمضي الخلع للاختلاف، وإن كان الحكم عنده أنه يفسخ لو لم يخالع؟ إلا أن يكون الخلاف شاذًّا. واختلف أيضًا إذا كان به عيب يوجب الرد، فلم تعلم الزوجة حتى خالعته، ورَدَّت إليه قبل الدخول مما أخذت أو ردَّت إليه بعد الدخول البعض أو الكل، فقال ابن الماجشون: ترجع بما دفعت إليه (¬7). وذهب ابن القاسم إلى ¬

_ (¬1) قوله: (شيء) زيادة من (ث). (¬2) في (ث): (الخلع). (¬3) في (ح): (عليها). (¬4) في (ث): (الخلع). (¬5) في (ب): (اثنين). (¬6) قوله: (المرأة) زيادة من (ث). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 274.

أنه قد فات موضع الرد بالخلع (¬1)، فلا ترجع بشيء (¬2). وقال ابن القاسم فيمن اشترى سلعة ثم باعها من بائعها بأقل مما اشتراها منه ثم وجد عيبًا: للمشتري أن يرجع بتمام الثمن، قال: لأنه يقول كان لي أن أردها عليك وها هي في يديك (¬3). وهذا مثل قول عبد الملك (¬4)؛ لأن الزوجة تقول: كان لي أن أردك بذلك العيب وها أنت مردود، فيكون لها أن ترجع كما كان للمشتري أن يرجع، ولا يحول الخلع بينهما وبين الرجوع، كما لم يَحُل بين المشتري الأول البيع الثاني، ولو كان العيب بها، فخالعها على بعض الصداق، كان له أن يرجع ببقيته على قول عبد الملك، ولم يرجع به على قول مالك وابن القاسم. وقال مالك في العتبية: إذا ماتت المرأة أو طلقت، أو اختلعت من زوجها قبل أن يظهر على عيبها، فلا شيء له عليها (¬5). وقال سحنون: يرجع الزوج بالصداق على الذي غره، وإن كانت هي التي غرت أخذ منها ما أعطاها، وترك لها ربع دينار (¬6). يريد: وَيرُدُّ ما أخذ في الخلع إذا كان الذي خالع به من غير صنف الصداق، أو يرجع بالفضل إن كان من صنفه، وكذلك إن ماتت، وكان ميراثه دون ما أعطاها. ومحمل قوله "إذا ماتت ولم يخالع" على أن ذلك العيب لا تتزوج (¬7) لأجله أو تتزوج بالشيء اليسير، فإن كانت على غير ذلك ¬

_ (¬1) في (ث): (بوضع الرد كالخلع). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 149. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 307. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 274. (¬5) في (ث)، (ب): (فلا شيء عليه). (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 324. (¬7) في (ح): (تخالع).

فصل [فيمن قال لزوجته: إن دعوتني إلى الصلح فلم أجبك؛ فأنت طالق]

حُطَّ عنه من المسمى ما بين الصحة والداء؛ لأن المصيبة منه إذا ماتت، وليس الموت كالخلع؛ لأن الخلع (¬1) يقوم مقام الردِّ. فصل [فيمن قال لزوجته: إن دعوتني إلى الصلح فلم أجبك؛ فأنت طالق] ومن قال لزوجته: إن دعوتني إلى الصلح فلم أجبك فأنت طالق. فدعته إلى دينار، فقال: لم أرد إلا نصف متاعها أو مثل مهرها -فذلك إليه ويخلى بينه وبينها (¬2). وقال ابن شعبان: القول قوله ما بينه وبين قدر ما تملكه المرأة. قال الشيخ (¬3): وليس هذا بالبين، وليس هو مما يقصده الزوج ولا مما يرجو أن تطوع له به، فأرى أن يحملا على ما الغالب أنه يرجو أن يرضى به مثلها، وليست من كان يعلم منها البغضة لزوجها كغيرها، ولا البخيلة كالتي يعلم منها السماحة (¬4)، والفقيرة، والمتوسطة اليسار، والبائنة الغنى في ذلك مختلفٌ، فإذا بذلت ما يرى أنه يرضى به مثلها على ما يعلم من رغبتها في الخلاص منه وحالها من الإمساك واليسار فلم يرض (¬5) به- وقع عليه الطلاق. ¬

_ (¬1) قوله: (لأن الخلع) سقط من (ح). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 278، والبيان والتحصيل: 5/ 209، 210. (¬3) قوله: (قال الشيخ) زيادة من (ح). (¬4) في (ح): (السماح)، وفي (ب): (السخاوة). (¬5) في (ث): (ترض).

باب في حكم الصداق في المختلعة قبل الدخول وبعده، وهل يسقط الخلع ديون الزوجة؟

باب في حكم الصداق في المختلعة قبل الدخول وبعده، وهل يُسقِط الخلعُ ديونَ الزَّوجةِ؟ وإذا قالت: اخلعني، أو اتركني، أو تاركني، أو بارئني، على عشرة دنانير، وكانت مدخولًا بها -كان له العشرة، ولها صداقها كاملًا، وسواء قالت ذلك مطلقًا أو شرطت العشرة من صداقها. وإن كانت غير مدخول بها، وقالت: بارئني على عشرة دنانير، فإن شرطت العشرة من الصداق سقطت العشرة من جملته، وكان الباقي بينهما نصفين، وسواء قالت: اخعلني أو طلقني إذا شرطت العشرة من الصداق (¬1). واختلف إذا لم تشترط من الصداق وقالت: عليَّ (¬2) عشرة دنانير. ولم تزد على ذلك فقال ابن القاسم: إن قالت: طلقني على عشرة دنانير، كانت له العشرة والصداق ثابت بينهما يقسمانه نصفين، وإن قالت: اخلعني، لم يكن لها من الصداق شيء، فإن لم تكن قبضته لم تأخذ شيئًا، وإن قبضته ردت جميعه. وقال أشهب: قولها طلقني واخلعني سواء له العشرة ولها نصف الصداق، قبضته أو لم تقبضه. وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: إن لم تكن قبضته، لم يكن لها (¬3) شيء، وإن قبضته فهو لها كله، ولا شيء له سوى ما خالع عليه، وإن قبضت بعضه لم يكن له مما قبضت شيء وسواء قالت: اخلعني، أو طلقني (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 245، 244. (¬2) قوله: (عليَّ) سقط من (ح). (¬3) قوله: (لم يكن لها) في (ث): (لم تأخذ). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 269، 270.

وقول أشهب أحسن؛ لأنَّ قولها: اخلعني، وبارئني، وتاركني، إنما يتضمن خلع النفس والإبراء من العصمة، والمتاركة فيها ليس الانخلاع من المال، ولا الإبراء منه ولا المتاركة فيه، ولو كان ذلك لسقط الصداق عنه إذا كانت مدخولًا بها، وكذلك غيره من ديونها. وقد أجمعوا أن هذه الألفاظ: الانخلاع، والمباراة والمتاركة، إنما يراد بها بعد الدخول النفس دون المال، فوجب أن يكون حقها في النصف قبل الدخول ثابتًا، وكذلك إن لم يكن دخل بها وكان لها عليه دَيْن فقالت: اخلعني أو بارئني، لا خلاف أن دَيْنها باقٍ، وكذلك إذا قالت قبل الدخول: اخلعني على عبدي هذا أو ثوبي هذا، فعلى قول ابن القاسم يسقط الصداق، ولا يكون لها منه شيءٌ قبضته أو لم تقبضه، وعلى قول أشهب يمضي العبد أو الثوب للزوج، والصداق بينهما، وهو أحسن في هذا الأصل، وقد تقدم وجه ذلك.

باب في خلع الصغيرة والبكر الكبيرة, والثيب السفيهة، والسفية, وخلع الأمة، والمدبرة, والمكاتبة، وأم الولد

باب في خلع الصغيرة والبكر الكبيرة, والثيب السفيهة، والسفية, وخلع الأمة، والمدَبَّرة, والمكاتبة، وأم الولد اختلف في خلع الصغيرة إذا لم تكن في ولاءة فأجازه ابن القاسم في العتبية (¬1)، ومنعه أصبغ وقال: الخلع ماضٍ، والمال مردود (¬2). وأرى أن ينظر إلى حالهما، فإن كان بقاؤها زوجة أحسن رُدَّ المال ومضى الطلاق، وإن كان الفراق أحسنَ مضى الخلع؛ لأن الزوج لا يقدر أن يَرُدَّ العصمة، ولو ترافعا قَبْلُ إلى الحاكم لفعل (¬3) ما فعلت إلا أن يكون فيه فضل عن خلع مثلها فيرد الفضل. واختلف في خلع البكر البالغ (¬4)، فأجازه سحنون (¬5)، وقال في كتاب ابنه: ومن لم يجزه لم أعنفه (¬6)، فأما الإجازة فلوجهين: أحدهما: حملها على الرشد، وهو ظاهر ما وقع في كتاب النكاح الثاني (¬7). والثاني: قول أشهب في السفيه أن أفعاله على الجواز ما لم يحجر عليه، وعلى القول أنها على السفه، وأن أفعال السفيه مردودة، يرد الخلع إلا أن يكون مما لو رُفع الأمر فيه إلى الحاكم لرآه من حسن النظر. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 293. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 270، والبيان والتحصيل: 5/ 293. (¬3) في (ح): (لم يفعل). (¬4) قوله: (البالغ) سقط من (ث). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 293. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 271. (¬7) قوله: (الثاني) سقط من (ث)، وراجع كتاب النكاح الثاني.

فصل [في فراق الأب والوصي والسلطان على الذكر]

ويختلف في خلع الثيب السفيهة إذا لم تكن في ولاء قياسًا على بيعها وشرائها. وأرى أن ينظر في حال الزوجين حسب ما تقدم، فإن كانت رشيدة والزوج سفيهًا مضى الخلع؛ لأنَّ الطلاق لا يُرَدُّ إلا أن يكون عليه غبن فيتم له خلع المثل. فصل [في فراق الأب والوصي والسلطان على الذكر] الفراق من الأب والوصي والسلطان يجوز عند مالك على الذكر بشرطين: أحدهما: أن يكون على وجه الخلع بشيء يأخذه له يرى أن فيه حسن نظر. والثاني: أن يكون الزوج غير بالغ؛ لأنه حينئذٍ ليس بيده طلاق (¬1). واختلف إذا كان سفيهًا بالغًا، فمنع ابن الماجشون في المدونة أن يخالع عليه (¬2)، وأجازه ابن القاسم في العتبية (¬3)، وهو أحسن، وليس كون الطلاق بيده إذا امتنع من إيقاعه مما يمنع أن يوقع عليه إذا كان الطلاق من حسن النظر، وإن لم تبذل الزوجة شيئًا، وقد يكون في بقاء العصمة فساد عليه، وقد يظهر بعد العقد ما لو علمه الأب والوصي لم يزوجه إياها، أو يحدث منها (¬4) ما يكون الفراق صوابًا فقد تكون الزوجة غير محمودة الطريقة، أو تكون متلفة ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 251. (¬2) لم أقف على هذا المنع لابن الماجشون في المدونة، وإنما وجدته لابن القاسم، انظر المدونة: 2/ 252، ولكن نقله ابن رشد في البيان والتحصيل 16/ 143: عن ابن الماجشون، بلفظ: "لا يجوز إنكاحه إياه ولا مخالعته عليه بغير إذنه، وهو قول ابن الماجشون في الواضحة". (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 16/ 143. (¬4) في (ث): (منهما).

فصل [في خلع الأب والوصي والسلطان على البكر والثيب]

لحال دارها (¬1) فيطلق عليه بغير عوض يؤخذ له، وسواء كان صغيرًا أو بالغًا؛ إلا أن يعلم من البالغ علوق بها فينظر فيه. فصل [في خلع الأب والوصي والسلطان على البكر والثيب] يجوز خلع الأب على ابنته إذا كانت غير بالغ بكرًا كانت أو ثيبًا (¬2)، وعلى البالغ إذا كانت بكرًا لم يدخل بها أو مدخولًا بها ولم تطل إقامتها؛ لأنَّ له الجبر على النكاح في هذه الحالات، وإذا كان له الجبر كان الخلع إليه. ويختلف إذا كانت ثيبًا تأيَّمت قبل البلوغ ثم بلغت، فقيل: له أن يجبرها على النكاح، فعلى هذا له أن يخالع عليها، وقيل: لا يجبرها، ولا يخالع عليها. واختلف في خلع الوصي والسلطان على البكر والثيب السفيهة فعلى قول مالك في المدونة: لا يجوز ذلك إلا للأب وحده (¬3)؛ لأنه منع أن يضع الأب مع بقاء العصمة (¬4)، وقال مالك في المبسوط: يجوز مبارأة الوصي عن يتيمته الصغيرة ما لم تبلغ (¬5). واختلف فيه عن ابن القاسم، فقال عيسى في كتاب المدنيين: رجع ابن القاسم إلى أن مبارأة الوصي والسلطان جائزةٌ على الصغيرة إذا كان ذلك حُسْنَ نظر (¬6). وهو أحسن، وقد يفرق بينهما لما يصل إليها من الإساءة، ويعجز عن ¬

_ (¬1) قوله: (لحال دارها) زيادة من (ب). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 252. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 251. (¬4) قوله: (لأنه منع أن يضع الأب مع بقاء العصمة) سقط من (ح). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 273. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 271.

إثبات ذلك، أو لما يعلم من كثرة أيمانه بالطلاق، وأنها معه حرام، أو يتوسل إلى مالها ويتلفه، ولا يعترض هذا بالنكاح في ثاني حال؛ لأنا لا نمنع أجنبيًّا يعطي الزوج شيئًا على الخلع، وإن كان ذلك (¬1) يؤدي إلى حاجتها إلى زوج غيره. وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب في الوصي يخالع عمن في ولايته بأقل من نصف الصداق قبل البناء على وجه النظر لفساد وقع أو ضرر بَيِّن: فذلك جائز عليها (¬2). ولم يفرق بين بالغ ولا غيرها، وكذلك روى ابن نافع عن مالك أنه قال: لا بأس أن يبارئ الوصي عن يتيمته، وإن كان أبوها زَوَّجَها من قبل أن يوصي إليه (¬3). قال الشيخ: (¬4) وهذا صواب؛ لأنه الناظرُ لها فيما يكون من مصالحها في نفس أو مال، فأي ذلك رآه صوابًا فعله. واختلف في السيد يخالع عن عبده أو أمته إذا كانا صغيرين، فروى ابن نافع عن مالك أنه أجازه، وأنكر ذلك سحنون (¬5). وأرى أن يجوز ذلك في الأمة؛ لأنَّ الطلاق بيد الزوج، وقد كان للسيد أن ينتزع مالها، وإن كان ذلك الذي يخالع به من صداقها فلا مقال للأمة فيه، وإنما المقال فيه للزوج مع بقاء العصمة بخلاف العبد؛ لأنه يتهم أن يفرغ عبده، فإن فعل رُفع الأمر إلى السلطان، فإن رأى أن ذلك حسن نظر للعبد مضى، وإلا رَدَّ. ¬

_ (¬1) قوله: (ذلك) سقط من (ث). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 271. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 253، ولفظه فيها: (وقال ابن نافع: قال مالك: لا أرى بأسًا أن يبارئ الخليفة عن الصبية زوجها إذا كان أبوها هو الذي أنكحها إذا كان ذلك منه على وجه الاجتهاد والنظر لها على وجه المبارأة فيمضي ذلك). (¬4) قوله: (قال الشيخ) زيادة من (ح). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 252.

فصل [في اختلاع الأمة والمدبرة والمكاتبه]

فإن خالع الأب على ابنته وضمن الصداق، فإن قصد بالضمان حَمْلَه وأن يؤديه عنه لزمه، فإن كانت الابنة بكرًا أتبعته به، ولم يكن لها مقال على الزوج، وإن كانت ثيبًا رشيدة كانت بالخيار بين أن تتبع به الأب أو تتبع الزوج، ويرجع الزوج على الأب (¬1)، وإن كان ضمان درك إن وجب لها قيام لم يكن لها شيء -إن كانت بكرًا- لأنَّ خلعَ الأب جائزٌ عليها، وإن كانت ثيبًا رشيدة كان لها القيام على أيهما أحبت، فإن رجعت على الزوج رجع الزوج على الأب، وإن رجعت على الأب لم يكن لها (¬2) رجوع على الزوج، وإن كانت سفيهة لم ترجع على أحد على المستحسن من القول؛ لأن خلع الأب جائز عليها. فصل [في اختلاع الأمة والمدَبَّرة والمكاتبه] وإن اختلعت الأمة والمدبرة (¬3) من زوجها بغير إذن سيدها، مضى الطلاق ورُدَّ المال إلا أن يكون ذلك في مرض سيد المدبرة على القول إن السيد حينئذٍ يمنع من انتزاع المال فيوقف ذلك المال. فإن مات السيد صح الخلع، وإن صح رُدَّ المال، وكذلك أم الولد إن خالعت في صحة سيدها مضى الطلاق ورُدَّ المال، وإن خالعت في مرضه وقف المال، فإن مات صح للزوج (¬4) وإن صحَّ من مرضه بطل المال. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 253. (¬2) في (ب)، (ح): (له). (¬3) قوله: (والمدبرة) سقط من (ث). (¬4) قوله: (للزوج) في (ب): (الخلع).

وقال في المدونة في المكاتبة تخالع: ذلك جائز بإذن السيد (¬1). وأرى إن خالعت بغير إذنه أن يوقف المال إذا كان لا ضرر عليها في وقفه في سعيها، فإن أدت كان للزوج وإن عجزت رُدَّ المال، وإن كان وقف المال يضعف سعيها رُدَّ إليها، ولم يكن للسيد إسقاطه على قول أشهب. وهو أحسن. فإن أدت قام عليها الزوج بقبضه؛ لأنها قضت به دينها، وإن عجزت أتبعها به متى عتقت، وإن كانت معتقة إلى أجل. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 254.

باب في خلع المريض والمريضة

باب في خلع المريض والمريضة خلع المريض جائز وله ما أخذ من الزوجة، ويختلف في ميراثها منه، فقال مالك في المدونة: ترثه (¬1). وقال محمد: لها الميراث في ماله وفيما اختلعت به (¬2)؛ لأنه مما يورث عنه مثل سائر ماله. قال مالك: وكذلك إذا ملكها في مرضه أو خيَّرها، فإنها ترثه (¬3). وهذا حماية لئلا يفر الأزواج بالميراث في المرض. قال مالك في غير المدونة" ولو جاز ذلك لأضر بعض المرضى بامرأته إذا كره أنْ ترثه فتفتدي منه (¬4). ويرى أنها التي كرهته. وقال المغيرة فيمن حلف ليقضين فلانًا حقه فحنث في مرضه: فإن كان بيّن المِلاء كان كالمطلق في المرض، وإن كان إنما طرأ له مال لم يعلم به حتى مات لم ترثه (¬5). فعلى هذا لا ترثه إذا خالعت في مرضه؛ لأن الخلع في المرض أبين في البراءة من التهمة في الطلاق من المرض؛ لأنَّ الخلع باختيارعا ولها فيه مدخلٌ. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 254. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 275. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 254. (¬4) انظر: المعونة: 1/ 528. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 98.

فصل [في خلع المريضة]

فصل [في خلع المريضة] واختلف إذا اختلعت وكانت هي المريضة، قال ابن القاسم. له الأقل مما خالعها به أو قدر ميراثه منها (¬1). وقال مالك في كتاب محمد: له من ذلك خلع مثلها فإن كان فيه فضل أخذ منه (¬2)، يريد: الأقل مما خالع به أو خلع مثله. وقال أبو محمد عبد الوهاب: له ما خالعها عليه إذا حمله ثلثها (¬3). يريد: أن الطلاق كان بطوعه فسقط أن يكون وارثًا، وصح أن يأخذ من الثلت على أحكام أفعال المريض فيما لم يأخذ (¬4) له عوضًا كهباته مع غير الوارث، ورأى مالك أنها معاوضة (¬5)؛ لأنها اشترت نفسها، وما يملك منها بذلك فكان له (¬6) معاوضة بغير محاباة. والأول أحسن؛ لأنه وارث فلا يزاد على ميراثه إن خالع على أكثر؛ لأنهما يتهمان أن يتحيلا لتعطيه فوق ميراثه، وكثيرًا ما تترك الزوجة حينئذٍ صداقها، فيجب أن يراعى ميراثه منها، ولا يحط منه، إن كان أكثر من خلع المثل أو أكثر من ثلثها إذا كان قدر ميراثه منها (¬7)؛ لأنه كان يستحق ذلك من تركتها، فهو يقول. لم أضر الورثة بشيء، ولم أرض بالفراق إلا على حظي من الميراث. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 254. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 275. (¬3) انظر المعونة: 2/ 87. (¬4) في (ث): (لم تأخذ). (¬5) انظر: المعونة: 1/ 589. (¬6) في (ب): (لها). (¬7) قوله: (منها) زيادة من (ب).

واختلف بعد القول إن له مما خالع عليه قدر ميراثه، فقال ابن القاسم في كتاب محمد: قدر ميراثه يوم مات (¬1). وقال في العتبية: يوم خالع (¬2). والأول أصوب. ولو أعطى ذلك الآن، ثم تلف الباقي، كان هو الوارث دون بقية الورثة، أو نقص بإنفاق أو غيره, وإن قد أخذ فوق ميراثه. واختلف في وقف ما خالع عليه، فقال ابن نافع: يوقف. وقاله أصبغ في كتاب محمد، قال: ولا يمكن منه (¬3). فإن صحت أخذه، وإن ماتت كان له منه قدر ميراثه. وقال في كتاب طلاق السُّنَّة: يترك في يدها على حاله ولا تمنع من التصرف في مالها من بيع وشراء أو نفقة بالمعروف (¬4). وأرى إن كان الخلع على دنانير أو دراهم ألا توقف، وإن كان عبدًا أو دارًا وقف ومنعت من بيعه والتصرف فيه, فإن صحت أخذه، وإن ماتت كان الورثة بالخيار بين أن يجيزوه له، أو يردوه ميراثًا؛ لأنهم شركاؤه فيه، ويكون على حقه في الميراث على الوفاء شائعًا -وإن كانت قيمة ما خالع عليه أقل من قدر ميراثه- لأن الزوج لم يترك الفضل إلا لغرض له (¬5) في عين ما خالع عليه، وإن كان ذلك العبد أو الدار أفضل مالها (¬6)، كان أبين في ردَّ الورثة. قال محمد: وإن أوصت بوصية لم تدخل الوصية فيما خالعت به، ويخرج ما خالعت به من رأس المال، ثم تخرج الوصايا من ثلث الباقي (¬7). يريد: ثم يضم ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 275. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 291. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 275. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 276. (¬5) قوله: (له) سقط من (ح). (¬6) في (ح) و (ث): (ماله). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 276.

الباقي إلى ما وقف فيكون له قدر ميراثه منه، وهذا إذا كانت الوصية بجزء بالثلث أو الربع، وإن كانت بدار أو بعبد، فلم يحمله الثلث، جرت على قولين فيمن قال: إن الوصايا تدخل فيما لم يعمل به لا يعزل ما خالعت عليه.

باب في الحضانة، ومن يستوجبها، ومتى تسقط؟

باب في الحضانة، ومن يستوجبها، ومتى تسقط؟ المراعى في الحضانة أربعة أوجه: أحدها: من له فيها حق، والثاني: ترتيب منازلهم إذا تنازعوا، والثالث: متى يسقط حق من له فيها حق؟ والرابع: إلى متى تكون الحضانة؟ الحضانة تختص بالأقارب من الرجال والنساء، ممن يُعلم منه العطف والحنان على ذلك الولد، وأحقهم عند التنازع من يعلم في مستمر (¬1) العادة أنه أشدهم له رحمة وأرقهم به، وأعطفهم عليه، ولا يخلو التنازع في الحضانة من أحد (¬2) ثلاثة أوجه: إما أن يكون بين النساء بانفرادهن أو بين الرجال بانفرادهم، أو بين الرجال والنساء. فإن تنازعه النساء بانفرادهن (¬3) فأحقهن الأم (¬4)، ثم الجدد للأم، ثم جدة الآم لأمها، ثم الخالة. قال في كتاب محمد: ثم خالة الخالة، ثم الجدة للأب، ثم جدة الأب لأبيه، ثم الأخت، ثم العمة، ثم بنت الأخ (¬5). قال مالك في كتاب ابن حبيب (¬6): وليس لبنات الأخوات، وبنات الخالات، وبنات العمات مع هؤلاء (¬7) من الحضانة شيء (¬8). يريد: مع العصبة ¬

_ (¬1) في (ث): (مستقر). (¬2) قوله: (أحد) زيادة من (ب). (¬3) قوله: (بانفرادهن) زيادة من (ب). (¬4) قوله: (فأحقهن الأم) ساقط من (ح). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 59. (¬6) في (ث): (محمد). (¬7) قوله: (مع هؤلاء) زيادة من (ب). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 60.

فصل [في ترتيب منازلهم إذا تنازعه الرجال]

من الرجال، فإن عُدموا كن أحق من الأجنبيين، ثم ينظر (¬1) أقربهن به حنانًا في مستمر العادة فتقدم، ولهذا قدم قرابة الأم على قرابة الأب للمعهود في ذلك، ولو علم من أحد ممن قدمناه قلة الحنان والعطف، لجفاء وقسوة في طبع، أو لأمر بينها وبن أم الولد أو أبيه، وعُلم من أحد ممن أخرناه الحنان والعطف؛ لقُدِّم على من علم منه القسوة وغير ذلك. وفي تقدمة ابن القاسم جدة الأم على الخالة نظرٌ، وكذلك خالة الخالة على الجدة للأب وعلى الأخت (¬2). والأظهر أن الأخت أعطف وأرأف بأخيها من خالة الخالة. وقال مالك في كتب المدنيين في رجل توفي وترك زوجته وابنته وأخاه فتزوجت الأم وأراد العم أن يضم بنت أخيه إليه، قال: ينظر الإمام في ذلك، فحيث رأى خيرًا للابنة جعلها عند من هو خير لها. فأدخل في ذلك نظر الإمام، وهذا أصوب، فينبغي أن ينظر في كل نازلة حين نزولها. فصل [في ترتيب منازلهم إذا تنازعه الرجال] وإن تنازعه الرجال فأولاهم الأب، ثم الأخ، ثم الجد للأب، ثم ابن الأخ، ثم العم، ثم ابن العم، ثم المولى الأعلى، ثم المولى الأسفل، وهذا مع عدم الوصي، فإن كان وصيًّا قدم على سائر من ذكر من العصبة والموالي، فقدم الجد على ابن الأخ، وإن كان ابن الأخ مقدمًا عليه في الولاء؛ لأن الجد أعظم حنانًا، وعطفًا على ولد ولده من ابن الأخ على عمه، وقياسًا على افتراق حكمهما في تغليظ الدية، وقدم الوصي؛ لأنه مقام باجتهاد الأب، ومن اجتهد فيه الأب لولده أولى. ¬

_ (¬1) قوله: (ينظر) سقط من (ث). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 260.

ولو علم أن ذلك كان من الأب لشنآن كان (¬1) بينه وبين جد الولد أو أخيه، لقُدِّم على الوصي؛ لأنَّ عليهما في تربية غيرهما لولدهما معرَّة مع علمنا أن رغبة الأب عنهما (¬2) لم يكن لحسن نظر. ولو كان الشنآن بينه وبين عم الولد أو ابن عمه، لقُدِّم الوصي؛ لأنهما يتهمان في عداوته والإساءة إليه لعداوة الأب. وإن اجتمع إخوة، واختلفت منزلتهم، فأحقهم الأخ الشقيق، ثم الأخ للأم، ثم الأخ للأب على اختلاف فيه هل له حق في الحضانة؟ وكذلك الأخوات إذا اجتمعن فأحقهن الشقيقة، ثم الأخت للأم. واختلف في الأخت للأب؟ فقيل: لها حق في الحضانة. وروي عن مالك في كتاب المدنيين أنه قال في رجل توفي وترك غلامًا، وجارية، وأمهما شتى، فتزوجت أم الغلام، فقالت أخته: أنا آخده وعلي نفقته، أو قالت. وأنفق عليه من ماله. قال: إذا تزوجت أم الغلام أخذه أولياؤه. قال ابن القاسم: وليس للأخت في ذلك قول (¬3). فلم يجعلا للأخت للأب حقًّا في الحضانة؛ لأن العادة جارية أن التعاطف والحنان بين الأخوين من الأم، والتباغض (¬4) والشنآن بينهما إذا كانا من أب لاختلاف ما بين أمهاتهن على ذلك يربون وينشئون، فإن تساوت منزلتهم فكانوا أشقاءَ أو لأم فأولاهم أقومهم، فإن تساووا فأسنهم، ولم أرَ للجد للأم في الحضانة نصًّا، وأرى له في ذلك حقًّا؛ لأن له حنانًا وعطفًا، ولهذا غلظت الدية فيه، وأسقط عنه القَوَدَ. ¬

_ (¬1) قوله: (كان) زيادة من (ب). (¬2) قوله: (عنهما) سقط من (ح). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 259. (¬4) في (ح): (التناقش).

فصل [في ترتيب منازلهم إذا اجتمع رجال ونساء]

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحسن: "إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ" (¬1). ولم يختلف أنه داخل في عموم قوله عز وجل: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22]، وأن ابن البنت داخل (¬2) في عموم قوله جل ذكره: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ} [النساء: 23]. فإن انفرد كانت له الحضانة، وإن شاركه في ذلك أحد نظر أيهما أعطف وأرفق، ولا يعترض ذلك بكونه غير عاصب لتسليمهم للأخ (¬3) للأم، وتبديته على من له تعصيب كالأخ للأب والعم. فصل [في ترتيب منازلهم إذا اجتمع رجال ونساء] وإن اجتمع رجالٌ ونساء، فإن لم يكن في الرجال أب بدئ بالنساء من كنَّ، ولا مدخل للرجال إلا بعد عدمهنَّ، وأما الأب فتبدى عليه أم ذلك الولد وجدته لأمه قولًا واحدًا. واختلف فيما سواهما على أربعة أقوال: فقال مالك في كتاب محمد: هو متقدم على الخالة ولم يقدم عليه إلا الأم والجدة للأم (¬4)، وجعله في المدونة مقدمًا على الأخت إلي من بعدها (¬5)، ولم يرَ في كتاب ابن حبيب (¬6). مدخلًا إلا بعد ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري: 2/ 962، في باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للحسن بن علي - رضي الله عنهما -, من كتاب الصلح، برقم (2557). (¬2) قوله: (داخل) سقط من (ح). (¬3) قوله: (للأخ) سقط من (ث). (¬4) قوله: (للأم) سقط من (ب). وانظر: النوادر والزيادات: 5/ 59. (¬5) انظر: المدونة: 2/ 259. (¬6) في (ح): (ابن سحنون).

عدم جميع (¬1) النساء (¬2). وقال ابن القاسم في كتاب المدنيين: تبدى عليه الخالة (¬3)، ويبدى هو على أمه. والأصل في تبدئة الأم على الأب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للتي سألته قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ ابْنِى هَذَا كَانَ بَطْنِى لَهُ وِعَاءً، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً، وَحِجْرِى لَهُ حِوَاءً، فَزَعَمَ أَبُوهُ أنَّهُ أَحَقُّ بِهِ مِنِّي، فقال لها: "أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي" (¬4). ونهيه - صلى الله عليه وسلم - عن التفرقة بين الأم وولدها في البيع، وليس ذلك للأب، فدل ذلك على قوة سببها فيه على الأب في حال الصغر، ولأن المبتغى حينئذٍ حفظ الولد وصيانته والرفق به، ولا يختلف أن الأم أقوى على ذلك من الأب. وأما الخالة فالأصل في تبديتها حسب ما تقدم حديث بنت حمزة: "تَنَازَعَ حَضَانَتَهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَجَعْفَرٌ، وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ - رضي الله عنهم -، فَقَالَ عَليٌّ: أَنَا آخُذُهَا وَهِيَ بِنْتُ عَمِّي. وَقَالَ جَعْفَرٌ: بِنْتُ عَمِّي وَخَالَتُهَا عِنْدِي. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ: بِنْتُ أَخِي. فَقَضَى بِهَا رَسْولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لخِالَتِهَا، وَقَالَ: "الخالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُم"، وَقَالَ لِعَليِّ. "أَنْتَ مِنِّى وَأَنَا مِنْكَ". وَقَالَ لجِعْفَرٍ: "أَشبَهْتَ خَلْقِى وَخُلُقِى". وَقَالَ لِزَيْدٍ: "أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلانَا". أخرجه البخاري (¬5). ¬

_ (¬1) قوله. (جميع) سقط من (ب). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 413. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 259. (¬4) أخرجه أبو داود: 1/ 693، في باب من أحق بالولد، من كتاب الطلاق، برقم (2276)، وأخرجه أحمد بن حنبل في مسنده 2/ 182: من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده, برقم: (6707)، والحاكم في المستدرك 2/ 225: في كتاب الطلاق، برقم (2830)، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (¬5) أخرجه البخاري: 2/ 960، في باب كيف يكتب هذا ما صالح فلان بن فلان وفلان بن فلان وإن لم ينسبه إلى قبيلته أو نسبهما من كتاب الصلح، برقم (2552).

فصل [فيما يراعى في الحضانة]

وأما تقدمة النساء على الرجال الأب وغيره (¬1)؛ فلأن المعهود من القيام بالأطفال في التربية وسياستهم إلى النساء (¬2)، لما جُبلن عليه وإن ذلك، ولهنَّ من الصبر والابتذال فيما يحتاجون إليه ما ليس للرجال، ولأنه لا يخلو الأب أن يكون عزبًا أو ذا زوجة، فإن كان عزبًا كان الولد معه ضائعًا؛ لعجزه عن التربية، وإن تصرف بقي الولد ليس له (¬3) من يسوسه، وإن كان له أهل فإن المعروف أنه (¬4) يكله إلى زوجته، ومعلوم من زوجة الأب الجفاء والقسوة لربيبها، فكان الأخت والعمة أولى، إلا أن يكون الأب (¬5) ممن يلازم المسكن في غالب أمره فيكون أحق ما لم يغب، فإن سافر رد إلى الأخت والعمة، ولم يترك مع زوجة الأب. فصل [فيما يراعى في الحضانة] يراعى في الحضانة ثلاثة أوجه (¬6): صفة المسكن، وصفة من له الحضانة، وهل لها أو له زوج أم لا؟ فأما المسكن فيراعى فيه الحفظ والتحصين في وجه واحد في حضانة الإناث إذا بلغن الوطء، ولا يراعى في الذكران ولا فيمن لم يبلغ الوطء من الإناث، ثم مراعاته على وجهين: واجب واستحسان، فإن كانت الصبية ¬

_ (¬1) في (ب): (الأم وغيرها). (¬2) انظر: المعونة: 1/ 643. (¬3) في (ث): (معه). (¬4) قوله: (أنه) سقط من (ح). (¬5) قوله: (الأب) سقط من (ح). (¬6) قوله: (أوجه) زيادة من (ب).

موصوفة بالجمال، أو في موضع كثير الفساد، كان مراعاة حفظ السكن واجبًا، وإلا كان استحسانًا (¬1). وأما صفة من له الحضانة فيتصرف إلى وجوه، وتنحصر إلى أربعة أوجه (¬2): إلا أن تكون عاجزة عن القيام بالمولود، ولا يخشى أن يدخل عليه ضرر ولا فساد في طباع ولا بدن ولا معيشة. قال ابن المواز فيما يسقط حقها: إن كانت تضعف عنهن، أو سقيمة، أو مسنة، أو سفيهة (¬3). فأما ضعفها فإن كانت زمنة أو مقعدة، أو بلغ بها السقم أو السن إلى لزوم الفراش، أو تتصرف على مشقة، فلا حق لها، وإن كانت تتصرف على غير مشقة (¬4) كانت على حقها. والسفه على أربعة أوجه: سفه في الدين؛ لأنها غير مأمونة يغمض عليها في طرق يُظنُّ بها فيخاف أن تدخل على من تحضنه فسادًا إن كانت صبية، أو ينشأ على ما لا يرضى إن كان صبيًا. وسفه في العقل: أن تكون ذات طيش وقلة ضبط لا تحسن القيام ولا أدبَ من تحضنه فيخاف أن ينشأ الولد على مثل حالها، وسفه في المال: فيما تقبضه من أجرة الحضانة (¬5) تبذره بالإنفاق قبل انقضاء الأمد الذي يفرض له (¬6) أو تحوز فيه؛ فهؤلاء لا حقَّ لهنَّ في الحضانة، وسفيهة مولى عليها ذات صيانة وقيام، غير متلفة للقدر الذي تقبضه، فهي على حقها في الحضانة. ¬

_ (¬1) في (ث): (استحبابا). (¬2) قوله: (أوجه) زيادة من (ح). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 60. (¬4) قوله: (فلا حق لها، وإن كانت تتصرف على غير مشقة) سقط من (ث). (¬5) قوله: (من أجرة الحضانة) زيادة من (ب). (¬6) في (ح) و (ث): (يعرض فيه).

فصل [فيما يثبت به حق النساء والرجال في الحضانة، وسقوطه]

وأما الضرر في البدن فالجذام والبرص، فإن كان خفيفًا لم يمنع، وإن كان متفاحشًا منعت، لما يدرك الولد من المضرة برؤيته، واحترازًا ممن يقول إنه يخشى حدوث مثله بالولد، وإن كانت تجنُّ في بعض الأحايين، ويخاف أن يدرك الولدَ رعبٌ في حين يعرض لها أو ضيعة، منعت. وإذا كانت الحضانة إلى الرجل رُوعِي مثل ذلك فيمن يتولى الحضانة من نسائه، أعني في القيام ودفع المضرة. وقال في المدونة: رُبَّ أَبٍ شرِّيب (¬1) سكِّير يذهب يشرب، ويترك ابنته، أو يدخل عليها الرجال، فهذا لا يُضم إليه شيءٌ. قال ابن القاسم: وينظر لها السلطان (¬2)، ويراعى في المرأة إذا كانت الحضانة إليها مثل ذلك، وهل تكثر التصرف وتترك الولد؟ فصل [فيما يثبت به حق النساء والرجال في الحضانة، وسقوطه] حضانة المرأة تصح تارة بشرط عدم الزوج، وتارة مع وجوده، ومِن شرْط مَن له الحضانة من الرجال وجودُ الأهل، زوجة أو سرية، وهذا في الذكران. وأمَّا الإناث فحق الأولياء في حضانتهنَّ على ثلاثة أقسام: ثابت، وساقط، ومختلف فيه، فيثبت لكل من بينه وبينهن محرم كالأخ وابن الأخ والجدِّ والعم، ويسقط في كلِّ من ليس بذي محرم إذا كان غير مأمون أو مأمونًا لا أهل له، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ بَيْنه وَبَيْنَهَا مَحْرَمٌ" (¬3). واختلف إذا كان مأمونًا وله أهلٌ، فقال مالك في كتاب محمد في الصبية تتزوج أمُّها، ولها جدٌ أو عمٌّ، لهما أن يأخذاها، فأما الوصي فليس بينه وبينها ¬

_ (¬1) قوله: (أَبٍ شريب) في (ث):، (شريف)، وفي (ب): (شريب). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 258. (¬3) سبق تخريجه في كتاب الصيام، ص: 823.

محرم، وتكون مع زوج أمها؛ لأنه صار ذا محرم منها إلا أن يخاف عليها عنده فيكون الوصي أولى (¬1). وقال أصبغ في العتبية: الوصي (¬2) أولى من الأم إذا تزوجت، ومن العم والأخ بالإناث، وإن كن قد بلغن أبكارًا، والأولياء إذا لم يكن بينهم وبينها محرم كالأوصياء (¬3). وقول مالك أصوب؛ لأنه لا ينفك من أن (¬4) تكون في كفالته أن يطلع منها على ما لا يحل؛ لأن طول الصحبة والتربية تسقط التحفظ، وهذا فيمن بلغ منهن حد الوطء، وفيمن كان صغيرً انظر، فيصح أن يقال: يكفلها الوصي والولي إلى أن تبلغ حد الوطء فتنزع منه (¬5). ويصح أن يقال: يمنع ذلك لما عليها من التنقل من قوم إلى قوم، ويشق عليها نقلها عمن ألفته. وما ذكر في أول الفصل أن من شرط الرجل في الحضانة أن يكون له أهل هو قول مالك في مختصر ابن عبد الحكم إذا تنازع الولدَ الأبُ والخالةُ، فقال: الأبُ (¬6) أولى إذا كان عنده من يحضنه (¬7)، فراعى أهله (¬8) لأنهن العمدة في القيام بالأطفال وبخاصة (¬9) الإناث، والغالبُ من الأب التصرف، فإذا لم يكن له من يخلفه فيهم ضاعوا. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 61. (¬2) قوله: (وقال أصبغ في العتبية: الوصي) سقط من (ح). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 119. (¬4) قوله: (أن) زيادة من (ح). (¬5) قوله: (منه) زيادة من (ب). (¬6) في (ح): (الوالد). (¬7) نقل هذا القول في النوادر والزيادات عن العتبية، ولم أقف عليه معزوًّا لمختصر ابن عبد الحكم، انظر: النوادر والزيادات: 5/ 63، والبيان والتحصيل: 5/ 413. (¬8) في (ث): (أهلها). (¬9) في (ب): (أو بحضانة).

فصل [في حضانة المرأة ذات الزوج]

فصل [في حضانة المرأة ذات الزوج] وإذا كانت الحضانة إلى امرأة ذات زوج فإنه لا يخلو الزوج من أربعة أوجه: إمَّا أن يكون من الولد وليًّا محرمًا، أو غير محرم، أو وصيًّا، أو أجنبيًّا، فإن كان أحد الأولياء لم يسقط حظها (¬1) في الحضانة، ويسقط مقال الأب والوصي وبقية الأولياء كان الولي مثل الزوج في القعود (¬2) أو أقرب. وإن كان الزوج وصيًّا سقط مقال بقية الأوصياء والأولياء وإلى هذا ذهب ابن القاسم في كتاب محمد (¬3)، وهو الذي يقتضيه قوله في المدونة إذا كان الزوج جد الصبيان (¬4)، فإن تزوجت الأم العمَّ، فأراد العم الآخر أخذه قيل له: كونه مع عمه وأمه أولى من عمِّ زوجته أجنبية، وإن كانت الحضانة إلى الخالة وزوجها عم الولد، فأراد الأب أخذه، قيل له: كونه مع خالته وعمه أحسن له من كونه عندك وزوجتك أجنبية، والمعروف منها الجفاء وقلة العطف عليه، والغالب من الأب أنه يكله إليها. فإن تزوجت الأم ابن عم الصبية لم ينزع منها؛ لأن الوليَّ تقع الحرمة بينه وبين الصبية بنفس دخوله بالأم، فاجتمع فيه الولاية والتحريم، وإن كانت الحضانة إلى الخالة، وزوجها ابن عم الصبية، انتزعت إذا كانت الحضانة (¬5) بعدها إلى خالة أو أخت غير ذات زوج، أو إلى وليٍّ محرم، كالأب والجدِّ والعم. ¬

_ (¬1) في (ب): (حقها). (¬2) في (ث): (العقود). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 62. (¬4) انظر: المدونة: 2/ 260. (¬5) قوله: (الحضانة) سقط من (ب).

فصل [في أن التقدمة في الحضانة ليست واجبة، وإنما هي على الخيار]

ويصح بقاء حق المرأة في الحضانة، وإن كان الزوج أجنبيًّا، وذلك في ست مسائل: أن تكون وصية على اختلاف في هذا الوجه، أو يكون الولد رضيعًا لا يقبل غيرها، أو يقبل غيرها، وقالت الظئر: لا أرضعه إلا عندي؛ لأن كونه في رضاع أمه -وإن كانت ذات زوج- أرفق به من أجنبية يسلم إليها، وإن كانت الظئر ذات زوج كان أبين، أو كان من إليه الحضانة بعدها غير مأمون أو عاجزًا عن الحضانه أو غير ذلك من الأعذار، أو يكون الولد لا قرابة له من الرجال ولا من النساء، قال سحنون: فيترك مع أمه. واختلف عن مالك إذا كانت الأم وصية فتزوجت، فقال مرة: إن جَعلت لهم بيتًا يسكنونه ولحافًا وطعامًا وما يصلحهم، لم ينتزعوا منها، إلا أن يخشى عليهم فينتزعوا (¬1) (¬2)، وقال أيضًا: ما آمن أن ينتزعوا منها؛ لأن المرأة إذا تزوجت غُلبت على جُلِّ أمرها حتى تفعل ما ليس بصواب (¬3)، وولاتهم يقولون ليس لها أن تدخل عليهم رجلًا فما أخوفني إن تزوجت أن ينتزعوا منها. فصل [في أن التقدمة في الحضانة ليست واجبة، وإنما هي على الخيار] وكل من ذكر أنه مقدم في الحضانة فليس ذلك بواجب عليه وهو بالخيار، والتقدمة في ذلك من باب أولى؛ لأنَّ لكلٍّ حنانًا وعطفًا ما خلا الأم، فإنه يختلف هل تجبر؟ وقد تقدم في الأم تخالع على طرح ولدها للأب، وكل امرأة سقط حقها لسبب ثم زال ذلك (¬4) السبب فهي على حقها إذا كان سقوطه بغير ¬

_ (¬1) قوله: (فينتزعوا) زيادة من (ب). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 12/ 455. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 13/ 51. (¬4) قوله: (ذلك) سقط من (ب).

اختيارها مثل: أن تكون مريضة فبرئت، أو ذات زوج في حين وجوب الحضانة، ثم طلق، أو مات، أو سافرت لحجة الفريضة، أو سافر بها زوجها، وهو جد الصبيان أو غيره من الأولياء غير طائعة ثم قدم، أو ما أشبه ذلك مما يتبين فيه عذرها، إلا أن يكون الولد قد ألف من هو عندها ويشق عليه النقلة، أو يدخل عليه في ذلك مضرة، فلا ينقل. قال مالك في كتاب محمد: إذا تركت ولدها من عذر، مرضت أو انقطع لبنها أو جهلت أن ذلك لها، فلها انتزاعه (¬1)، وإن كان سقوط ذلك باختيار لم يرد ما خلا الأم، فإنه قد اختلف عن مالك (¬2) فيها، فقال في المدونة: لا يرد إليها إن طلقت (¬3). وذكر (¬4) أبو محمد عبد الوهاب أنه قال (¬5): يرد إليها (¬6). فإن كان للولد أبوان، وجدة، وأخت، فتزوجت الأم وأخذته الجدة، ثم أحبت الجدة أن تسلمه للأخت، وأَبى ذلك الأب كان ذلك له؛ لأنه أقعد من الأخت، وإن أمسكتة ثم طلقت الأم، فقالت: أنا أرده إلى أمه، لم يكن للأب في ذلك مقال؛ لأنه نقل إلى ما هو أفضل له. قال في كتاب محمد: فإن تزوجت الجدة وطلقت الأم لم يكن لها أن تأخذه وأخذه الأب، وعلى القول الآخر تكون الأم أحق به من الأب (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 63. (¬2) قوله: (عن مالك) سقط من (ب). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 258. (¬4) في (ب): (وقال). (¬5) قوله: (أنه قال) سقط من (ب). (¬6) انظر: المعونة: 1/ 641. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 62.

فصل [في حضانة الكافرة, وأم الولد]

فصل [في حضانة الكافرة, وأم الولد] اختلف في حضانة الكافرة (¬1)، فقال في المدونة في الأم تكون يهوديةً, أو نصرانيةً، أو مجوسيةً: لها الحضانة، وإن خيف أن تغذيهم الخمر ولحوم الخنازير ضمت إلى المسلمين (¬2)، وبه قال سحنون في العتبية في الجدة والخالة (¬3)، وقال ابن وهب في كتاب محمد: لا حق للأم النصرانية؛ لأن الأم المسلمة إذا كانت يثنى عليها ثناء سوء، نزعوا منها، فكيف بنصرانية! (¬4). وهذا أحسن وأحوط للولد، وليس حفظ الأب فيما تدخل الأم على الولد، وهي في العصمة مثل المطلقة؛ لأنَّ الأب مع بقاء العصمة مترقب لما يجري في داره وبيته مع ما يخشى عند انقطاعه إليها أن تقذف في قلبه شرًّا فيعتقده ويتدين به. واختلف في أم الولد تعتق، فقال مالك في المدونة: هي بمنزلة الحرة (¬5). وقال ابن وهب في كتاب محمد: لا حضانة لها. قال (¬6): وإنما ذلك للحرة يطلقها زوجها (¬7). والأول أحسن. ¬

_ (¬1) قوله: (اختلف في حضانة الكافرة) سقط من (ح). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 260. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 413، والنوادر والزيادات: 5/ 63. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 59. (¬5) انظر: المدونة: 2/ 262. (¬6) قوله: (قال) سقط من (ب). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 61.

فصل [إذا لم تتوافر الحرية في الوالدين أو أحدهما، والولد حر]

فصل [إذا لم تتوافر الحرية في الوالدين أو أحدهما، والولد حرٌّ] الحضانة بين الوالدين والولد على ما تقدم ذكره إذا كان الأبوان والولد أحرارًا. فإن كان الأب (¬1) عبدًا والولد حرًّا، فتزوجت الأم وهي حرة أو أمة، لم يكن للأب أن ينتزعه منها. قال ابن القاسم في كتاب محمد: إلا أن يكون مثل العبد القيم بأمر سيده أو التاجر الذي له الكفاية والمال، فيكون أولى بولده إذا تزوجت الأم، وأما العبد الذي يُخارج في الأسواق ويبعث في الأسفار، فلا (¬2). وعلى قول مالك إن لم تكن أم وكانت جدة أو خالة مملوكة، ورضي من له الملك فيها بكفالة الولد، يكون ذلك لهما، وهما أحق به من الأب إذا كان عبدًا (¬3). وإن كان الأب والولد حرَّين والأم أمة كانت أحق به إلا أن يظعن بها سيدها. قال محمد: أو تتزوج (¬4). وفيه نظر؛ لأن الغالب من الأمة أنها مقهورة بأعمال ساداتها، وقد منعت الأم الحرة إذا تزوجت لما يتعلق بها من حق الزوجية فكيف بالأمة؟! وقال مالك في مختصر ما ليس في المختصر: إذا أعتق الصغير وأمه مملوكة وأمها حرة فتنازعاه، فأمه دنية أحق به، إلا أن يكون مضرًّا به (¬5). وقوله "مضرًّا ¬

_ (¬1) في (ح): (الوالد). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 344. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 258. (¬4) في (ب): (يتزوج). انظر: النوادر والزيادات: 5/ 62، وعزاه ابن أبي زيد للإمام مالك، ولفظه فيها: (قال مالك في حر طلق زوجته الأمة فيعتق ولده، وله جدة حرة، فالأم أحق به إلا أن تباع أو تنكح أو يظعن الأب). (¬5) في (ب): (تكون مضرًّا بها).

فصل [إلى متى تكون الحضانة؟]

به (¬1) "جنوح منه إلى النظر فيمن كان في الرق، وإنما رأى إذا أعتق الولد دون الأم أو الجدة (¬2) أو الأم دون الولد، ألا ينتزع وإن تزوجت الأم؛ لأنَّ في (¬3) ذلك تفرقة بينها وبين ولدها وقد يباع الرقيق منهما ويطعن به مشتريه وحكم العبدية في التفرقة خلاف الحكم في الأحرار، إلا أن تجتمع الحرية في الابن والأب، فيسقط حكم الأم في التفرقة (¬4). فصل [إلى متى تكون الحضانة؟] اختلف عن مالك في أمر الحضانة للذكران، فقال في المدونة: الاحتلام (¬5). وقال ابن شعبان: يحتلم الغلام صحيح العقل والبدن. وقال في مختصر ابن عبد الحكم وأبي مصعب: الإثغار (¬6). وقال أبو الحسن بن القصار: قول مالك في الذكر أن الإثغار يسقط حضانة الأم، ويملك حضانة نفسه. وهذا يشبه قول الشافعي أنه يُخَيَّر بين أن يكون عند أبيه أو أمه بمنزلة لو بلغ (¬7)، وليس قوله بالبين؛ لأنَّ مالكًا لم يقل يملك حضانة نفسه بعد الإثغار، ¬

_ (¬1) في (ب): (بها). (¬2) قوله: (أو الجدة) زيادة من (ح). (¬3) قوله: (في) زيادة من (ث). (¬4) قوله: (في التفرقة) سقط من (ث). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 258. (¬6) قوله: (وقال ابن شعبان: يحتلم الغلام صحيح العقل والبدن. وقال في مختصر ابن عبد الحكم وأبي مصعب: الإثغار) في (ح): (وفي مختصر ابن عبد الحكم قال ابن شعبان: يحتلم الغلام صحيح العقل والبدن. وأبو مصعب: الإثغار). وفي (ب): (وقال ابن شعبان: إذا احتلم الغلام صحيح العقل والبدن. وقال في مختصر ما ليس في المختصر عن مالك وأبي مصعب: الإثغار). وانظر: المنتقى، للباجي: 8/ 150. (¬7) انظر: عيون المجالس للقاضي عبد الوهاب: 3/ 1405.

فصل [في الانتجاع بالولد]

وإنما أراد أن للأب أن يأخذه حينئذٍ فيصح أن يسقط حق الأم في الحضانة بالإثغار، ولا يخير الولد؛ لأنه لم يرشد، وللأب أو وليه أن يضمه إليه من غير خيار، غير أن التخيير في مثل ذلك أحسن؛ لأنا نجد الأولاد مختلفين فمنهم من يركن إلى الأم، ومنهم من يركن إلى الأب، وفي منعه ممن هو متعلق النفس به مضرة عليه، وقد روى الترمذي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثًا حسن السند: "أَنَّهُ خَيَّرَ غُلًاَمًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ" (¬1). وأما الإناث فالأم أحق بحضانتهن ما لم يتزوجن، ويدخل بهن، وكذلك كل من له حق في حضانتهن من النساء. ولا أرى أن تخير البنت في الانتقال عن الأم إلى الأب؛ لأنها أصون لها، وقد تخير إذا كانت عند غير الأم. وقال مالك في كتاب المدنيين في رجلٍ أوصى بابنته إلى رجل، وللبنت عمة وجدة من قبل الأب فلم تطلبها الجدة، وكانت عند العمة فتزوجت العمة قبل بلوغ الجارية فطلبتها الجدة وأبت الجارية وأحبت أن تقر مع العمة قال: تترك عندها إذا أحبت الجارية (¬2). وهذا نحو ما ذهب إليه القاضي أبو الحسن بن القصار أن الولد يخير بين أبويه. فصل [في الانتجاع بالولد] الانتجاع بالولد إلى الرجال، الأب (¬3)، والوصي، والأولياء، وذلك بستة ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي: 3/ 638، في باب تخيير الغلام بين أبويه إذا افترقا، من كتاب الأحكام، برقم (1357)، وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه: 2/ 787، في باب تخير الصبي بين أبويه، من كتاب الأحكام، برقم (2351). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 393. (¬3) انظر: النوارد والزيادات: 5/ 65.

شروط: وهو أن يكون الخروج على وجه الانتقال والسكنى وإلى بعدٍ عن موضعه الآن، وإلى قرار وإلى أمن، وأن يكون الولد والذي ينتجع به حُرين، وإن كان الخروج به (¬1) على وجه السفر والعودة، أو على وجه (¬2) الانتقال إلى قرب من المكان لم ينتزع ممن هو عنده من النساء، وإن أرادت الأم الخروجَ به إلى مثل ذلك القرب لم تمنع. واختلف في حد القربِ الذي يمنع الأب أو الولي الانتقال به ولا تمنع المرأة من الخروج به, فقال في المدونة: البريد ونحوه قريب حيث يبلغ الأب والأولياء خبرهم (¬3). وقال أصبغ في كتاب محمد: في الكِرْيَوْن (¬4) موضع (¬5) من الإسكندرية (¬6)، وهو يريد أن ليس للأم أن تنتجع بولدها إليه (¬7). وقال أشهب: في ثلاثة بُرُد هو بعيد. وقال مالك (¬8): مسيرة يوم قريب (¬9) للأم أن تخرج بالولد إليه. وقال مرة: حدُّ البعد مرحلتان. وقال أيضًا: إذا كان موضعًا لا ينقطع خبرهم فهو قريب (¬10)، من غير أن يحده بأميال، وهو أبين، فربَّ بعيدٍ لا ينقطع خبر الولد منه، واستعلام حاله؛ ¬

_ (¬1) قوله: (به) زيادة من (ح). (¬2) قوله: (وجه) زيادة من (ب). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 259. (¬4) انظر: معجم البلدان: 3/ 481، نصه: (كريونُ: بكسر أوله وسكون ثانيه، وفتح الياء المثناة من تحتها وواو ساكنة ثم نون، اسم موضع قرب الاسكندرية أوقع به عمرو بن العاص أيام الفتوح بجيوش الروم). (¬5) قوله: (موضع) زيادة من (ب). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 65، وقوله: (الكريون) تصحفت في نسخة النوادر إلى: (الكربون). (¬7) قوله: (إليه) سقط من (ث). (¬8) قوله: (مالك) سقط من (ث). (¬9) في (ب): (قليل). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 65.

فصل [في شروط انتجاع الوصي والولي]

لكثرة ترداد أهله بين الموضعين، ورُبَّ قريب ينقطع فيه معرفة حالة الولد، لقلة التصرف فيما بين الموضعين، فيكون له حكم البعيد، ويمنع من الانتجاع بالولد إلى موضع غير مأمون، وبخاصة الإناث وإلى غير قرار. وقال مالك فيمن طلق زوجته وله منها ولد صغير فأراد أن ينتقل إلى البادية من الموضع: فليس له أن يأخذ ولده. والانتجاع للأب بالولد إذا كانا حُرَّين، الأب والولد، فإن كان أحدهم عبدًا، الأب أو الولد أو الأم، لم يكن للأب أن ينتجع به؛ لأنه إن كان الولد عبدًا كان الانتجاع به إلى سيده، وتتبعه الأم إن أحبت، وإن كان الأب عبدًا والابن (¬1) حرًّا كان الانتجاع به إلى أمه، حرة كانت أو أمة. وهذا ظاهر قوله في المدونة، قال: لأن العبد ليس له مسكن ولا قرار، وإنما تسافر به ويباع (¬2). وقال في غير المدونة: إلا أن يكون الموضع القريب، البريد ونحوه (¬3). ولابن القاسم في سفر العبد بزوجته مثل ذلك ليس له أن يظعن بزوجته إلا إلى الموضع القريب مثل بعض الريف (¬4). فصل [في شروط انتجاع الوصي والولي] للوصي أن ينتجع بمن في ولايته من الذكران وإن كره الأولياء، وللأوصياء وللأولياء أن ينتجعوا بالإناث إذا كنَّ في حضانتهم قبل ذلك، ¬

_ (¬1) في (ب): (الولد). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 260. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 65. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 610.

فصل [في نفقة المحضون وكسوته وكيف يقضى فيها]

وذلك إذا كان بينهن وبينهم محرم، فإن لم يكن محرم، وكان غير مأمون أو مأمونًا وهو (¬1) عزب، لم يكن له حق في الحضانة في المقام ولا في السفر بها. ويختلف إذا كان مأمونًا وله أهل إلا أن تكون الصبية لا أهل لها إن خلفت، فيكون للوصي والولي أن يسافر بها إذا كان مأمونًا وله أهل، وإلا منعهم السلطان من السفر بها وكان هو الناظر لها، وكذلك الأم لها أن تسافر بولدها إن لم يكن له أهل أو كانت هي الوصية عليه ولم تتزوج (¬2). ويختلف إذا تزوجت فعلى أحد قولي مالك، أنه لا ينتزع منها مع المقام يكون لها أن تسافر به، وقال أبو مصعب: إذا تزوجت وهي وصية لم تخرج به إلى موضع قريب ولا بعيد إلا بإذن الأولياء. فصل [في نفقة المحضون وكسوته وكيف يقضى فيها] لِمَن الولد في حضانته من أم أو غيرها أن يأخذ ما يحتاج إليه الولد من نفقة، أو كسوة وغطاء ووطاء، فإن قال الأب: تبعثه إليَّ يأكل عندي ثم يعود إليك- لم يكن (¬3) ذلك له؛ لأن في ذلك ضررًا على الولد وعلى من هو في حضانته؛ لأن الأطفال لا ينحصر (¬4) الوقت الذي يأكلون فيه وأكلهم مفترقٌ (¬5)، وذلك يؤدي إذا جاع أن تطعمه حاضنته من عندها، ولا تتركه ¬

_ (¬1) في (ث): (وهم). (¬2) في (ث): (ولم يتزوج). (¬3) قوله: (يكن) سقط من (ث). (¬4) في (ح)، (ث): (لا يتحصل). (¬5) في (ب): (متفرق).

فتتكلف منه ما لا يلزمها أو تتركه فيضيع، وبخاصة في الإناث؛ لأن كثرة تردادهن يؤدي إلى الإخلال بصيانتهن. واختلف في أجرة سكنى الولد على أربعة أقوال: فقال في المدونة: على الأب السكنى (¬1). وقال يحيى بن عمر: السكنى على قدر الجماجم (¬2). وقال: وروي أيضًا ألا شيء على المرأة فيما كان أبوه موسرًا. وقال سحنون في كتاب ابنه: ذلك عليهما وليس يكون نصفين، ولكن على قدر ما يرى ويجتهد (¬3). وأرى أن تجري المسألة على ثلاثة أوجه: فإن كان الأب في مسكن يملكه أو بكراء ولو كان ولده معه لم يتزيد عليه في الكراء، ألا شيء على الأب؛ لأنه كان في مندوحة عن دفع الأجرة عن سكناه. وإن كان يتزيد عليه في الكراء وعليها هي لأجل الولد كان عليه (¬4) الأقل مما يتزيد عليه أو عليها لأجله، فإن كان ما زيد عليها أقل أخذته؛ لأنه القدر الذي أضرها به (¬5)، وإن كان مما يتزيد عليه أقل غرمه؛ لأنه مما لم يكن له منه بدٌّ لو كان عنده. واختلف في خدمته إياه، فقال في المدونة: إن كان لا بد للولد من خادم لضعفهم عن أنفسهم والأب يقوى على الإخدام أخدمهم (¬6). وقال ابن وهب في الدمياطية: ليس عليه أن يخدمهم. قال: وبذلك قضى أبو بكر على عمر - رضي الله عنهما - دفع الولد إلى الجدة، وأمره بالإنفاق عليه (¬7). وأرى أن يعتبر في الخدمة نحو ما ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 262. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 58. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 58. (¬4) في (ب): (عليها). (¬5) في (ب): (أضربها). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 261. (¬7) انظر: المدونة: 2/ 261، والنوادر والزيادات: 5/ 58.

فصل [في هل للأم أجر لحضانتها؟]

تقدم في الإسكان، فإن كان الولد، لو كان في جملة الأب، لم يُقم لها خادمًا فلا شيء عليه، وإلا أقام لهم من يخدمهم، فقد يكون للأم خادم تخدمها، وخدمة الولد غير منفصلة من خدمة الأم، فلا يكون لها شيء، فإذا كان الطبخ والعجن والغسل في جملة الأم (¬1) لم يضرها الولد بشيء إلا أن يكونوا عددًا فيكون على الأب أن يخدمهم لعظم مؤنتهم. وأما الغطاء والوطاء فعلى الأب ما يحتاجون إليه من ذلك، وإن كان مبيتهم في جملة الأم كان عليه بقدر ما ينوبهم، وإن لم يكونوا في جملتها أقام لهم ما يحتاجون إليه من ذلك. وإن بلغ الولد حد من لا يجوز له أن يبيت متعريًا مع الأم أقام لهم ما يحتاجون إليه من ذلك لانفرادهم. فصل [في هل للأم أجر لحضانتها؟] وإذا كان الولد يتامى كان للأم أجر الحضانة إذا كانت فقيرة والولد مياسير؛ لأنها تستحق النفقة في مالهم لو لم تحضنهم. واختلف إذا كانت موسرة، فقال مالك: لا نفقة لها. وقال مرة: لها النفقة إذا قامت عليهم بعد وفاة الأب. وقال أيضًا: تنفق بقدر حضانتها إذا كانت لو تركتهم لم يكن لهم بدٌّ من حضانة، فجعل لها في هذا القول الأجرة دون النفقة (¬2). وأرى إن هي تأيمت لأجلهم، وكانت هي الخادمة، والقائمة بأمرهم- أن تكون لها النفقة، وإن كانت أكثر من الأجرة؛ لأنها لو تركتهم وتزوجت أتى ¬

_ (¬1) قوله: (الأم) سقط من (ث). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 55.

من ينفق عليها، فكان من النظر للولد كونهم في نظرها وخدمتها. وإن لم تكن تأيمت لأجلهم، أو كانت في سن من لا يتزوج، كان لها الأجرة وإن كانت دون نفقتها، وإن كان لهم من يخدمهم أو استأجرت من يقوم بخدمتهم وإنما هي ناظرة فيما يصلح الولد فقط، لم أر لها شيئًا.

باب في نفقة الأب على الولد، والولد على الوالدين

باب في نفقة الأب على الولد، والولد على الوالدين الأصل في نفقة الأب على الولد في حال الصغر قول الله عزَّ وجلَّ: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}. فأوجب على الأب أن يشتري له ما يكون طعامًا له حينئذٍ، فكذلك يجب عليه إذا انتقل طعامه إلى أكثر من ذلك. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لهند: "خُذِى مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمعْرُوفِ" أخرجه البخاري ومسلم (¬1). والنفقة لازمة في الذكران حتى يحتلموا، والإناث حتى يتزوجن ويدخل بهنَّ، وقد تسقط النفقة قبل ذلك، وتثبت بعده على اختلاف في ثبوتها بعد، فأما سقوطها قبل فيصح بوجهين: أحدهما: يسر الولد، والآخر: صناعة تكون له. فإن كان له مال كان الإنفاق من ذلك المال، فإن نفد قبل بلوغ الذكران، أو دخول الإناث، عادت النفقة. وإن كان للصبي صناعة لا تدركه بعملها معرَّة، تقوم منها نفقته وكسوته، سقطت النفقة عن الأب إلا أن تكسد أو يمرض فتعود نفقته (¬2)، وكذلك الصبية إن كان لها صناعة رقم أو غيره لا يدركها بعملها معرة تقوم منها نفقتها وكسوتها، سقطت النفقة عن الأب إلا أن تمرض أو تكسد (¬3). وإن بلغ الصبي صحيحًا قويًّا على الكسب سقطت نفقته. واختلف إذا كان زمِنًا، أو أعمى، أو مقعدًا، أو ما أشبه ذلك على ثلاثة أقوال، فقال ابن القاسم: إن بلغ على ذلك لم تسقط النفقة عن الأب، وإن طرأ ¬

_ (¬1) سبق تخريجه في كتاب النكاح الثاني، ص: 2019. (¬2) قوله: (نفقته) زيادة من (ب). (¬3) قوله: (تقوم منها. . . أو تكسد) زيادة من (ب).

ذلك عليه بعد البلوغ لم تعد النفقة على الأب (¬1). وقال ابن وهب في كتاب محمد: لا نفقة له بلغ على ذلك أو طرأ عليه (¬2). وذكر ابن الجلاب عن ابن الماجشون أن النفقة لازمة للأب بلغ على ذلك أو حدث بعد (¬3). وهو أحسن؛ لأن النفقة قبل البلوغ لم تكن بحال الصغر بانفراده، وإنما كانت لعجزه عن التكسب والسعي، بدليل أنه لو كان له حينئذٍ مال أو صنعة تقوم بنفقته لسقطت النفقة عن الأب، ولا تسقط إذا كان لا يقدر على السعي، قيل: إلا من التكفف؛ لأن في ذلك معرة عليه. وكذلك إذا كان بالغًا، وقياسًا على نفقة الابن على الأب إذا عجز عن النفقة على نفسه إلا من التكفف والسؤال، فإن على الابن الإنفاف عليه وصيانته عن التبذل بمثل ذلك. وإذا دُخل بالصبية ثم طلقت لم تعد النفقة على الأب إذا كانت صحيحة قادرة على القيام بنفسها من غير السؤال. وقال محمد: إن دخل بها وهي زمنة ثم طلقت، عادت نفقتها على الأب (¬4). وتعود النفقة على قول عبد الملك إذا حدثت الزمانة بعد الطلاق، وكذلك إن كانت غير زمنة وعجزت عن القيام بنفسها، إلا من التكفف (¬5) فعليه الإنفاق عليها، وهي في ذلك أقوى من الصبي؛ لأن معرتها أشد وهي إلى الحفظ (¬6) والصيانة أحوج، ولا تسقط ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 263. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 67. (¬3) انظر: التفريع: 2/ 63. (¬4) انظر. النوادر والزيادات: 5/ 67. (¬5) قوله: (وكذلك إن كانت غير زمنة وعجزت عن القيام بنفسها، إلا من التكفف) سقط من (ح). (¬6) في (ب): (التحفظ).

فصل [في النفقة إذا كان الأب والابن أحدهما ليس حرا]

النفقة لاختلاف الدينين إذا كان الأب كافرًا وهما مسلمان، أو هو مسلم وهما كافران، وهم في ذلك كالمسلمين؛ لأنه حكم بين نصراني ومسلم، فيحكم بينهما بحكم المسلمين. فصل [في النفقة إذا كان الأب والابن أحدهما ليس حرًّا] النفقة جارية بين الأبوين والابن إذا كانوا أحرارًا، فإن كان أحدهما عبدًا لم يلزم، ولا يلزم الأب الحر النفقة على ولده العبد؛ لأن ولده مالٌ لغيره ونفقته على سيده، فإن عجز كان عليه أن يبيعه ممن يقوى على الإنفاق عليه، وكذلك إذا كان الابن حرًّا والأب عبدًا لم يلزم الأب أن ينفق على ولده؛ لأن ماله لسيده ولا للابن أن ينفق على أبيه؛ لأن نفقة أبيه على سيده. ولو كان الابن معتقًا إلى أجل كان حكمه حكم العبد، فلا نفقة على واحد منهما للآخر إذا كان حرًّا. وأما الكاتب فالجواب فيه على أربعة أقسام: فيلزمه النفقة على ولده إذا كان من أمته أو من زوجة معه في كتابته فينفق عليه وعليها، ولا تلزمه إن كان من حرة أو مكاتبة ليست معه (¬1) في كتابته فيلزمه (¬2) أن ينفق على زوجته وتنفق هي (¬3) على ولدها. وإن كان الأب حرًّا والولد معتقًا بعضه، وعجز الولد عن القيام بنفسه، أنفق السيد بقدر ما يملك منه, والأب بقدر ما أعتق منه (¬4)، وإن كان الأب فقيرًا والابن موسرًا لم يكن عليه أن ينفق على ابنه من ماله لحق السيد، إلا أن يكون الذي ¬

_ (¬1) قوله: (معه) زيادة من (ب). (¬2) في (ب): (قيل). (¬3) قوله: (هي) سقط من (ب). (¬4) قوله: (منه) سقط من (ح).

فصل [في إنفاق الولد على أبويه]

في يده نصيبه بعد مقاسمة سيده, فاستحسن أن يؤخذ بالإنفاق عليه (¬1) منه، وإن كان ظاهر المذهب ألا شيء عليه، وأنه ممنوع من ذلك (¬2). فصل [في إنفاق الولد على أبويه] وعلى الولد أن ينفق على أبويه إذا أعسرَا، وإن كان للأب دار أو خادم لا فضل فيهما (¬3)، لم يسقط ذلك النفقة على الابن، وإن كانت تلك الدار لغير سكناه وهو في دار بإجارة، لم يكن على الابن (¬4) الإنفاق إلا بعد نفاد ثمنهما، وكذلك الخادم إذا كان في غنى عنها. وقال ابن القاسم في كتاب ابن سحنون: إذا كان الأب لا دار له، وللابن دار يسكنها، لم يكن عليه أن يبيعها للإنفاق على أبيه (¬5). وأرى إن كان الابن صغيرًا في كفالة أبيه وفي جملته أن تباع للإنفاق (¬6) عليهما، ولو كان في غلتها ما ينفق على الابن خاصة لبيعت لحقِّ الاب في الإنفاق، وكذلك الابنة تكون لها الدار أو الخادم وهي في جملة الأب (¬7)، وهي في غنى عن ذلك، فإن كان الأب موسرًا أنفق عليها من ثمن ذلك، وإن كان معسرًا أنفق عليها وعليه منه. ¬

_ (¬1) قوله: (عليه) ساقط من (ح). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 180. (¬3) في (ح): (في قيمتهما). (¬4) في (ث): (الاب). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 264. (¬6) قوله: (للإنفاق) سقط من (ث). (¬7) قوله: (الأب) سقط من (ث).

فصل [في إنفاق الولد على زوجة أبيه]

واختلف إذا كان لا بد لها من خادم، فقال ابن القاسم: نفقة الابنة على الأب ونفقة الخادم على الابنة (¬1). وقال أشهب: على الأب أن ينفق عليهما (¬2)، وهو أبين، قياسًا على نفقة الابن على الأب إذا كانت له خادم لا بدّ له منها، أن على الابن أن ينفق عليهما، ويلزم على قول ابن القاسم إذا كان الأب معسرًا أن يقول تباع تلك الخادم للإنفاق على الأب (¬3)؛ لأنه جعلها موسرة بها، وإذا كان للأب صنعة تقوم به وبزوجته جبر على عملها، ولم يكن له أن يدع العمل، ويكلف ولده الإنفاق، وإن كانت تقوم ببعض ذلك عمل وأكمل الابن الباقي، وليس له إذا كان له مال أن يتلفه بصدقة أو هبة وتعود نفقته على ولده، وللولد أن يرد فعله ذلك، وكذلك لو تصدق به على بعض ولده كان للآخر أن يرد فعله. فصل [في إنفاق الولد على زوجة أبيه] وعلى الولد أن ينفق على زوجة أبيه، أمه كانت أو أجنبيةً، وسواء كان محتاجًا إليها في الإصابة أم لا؟ ولأنه وإن أسن يحتاج إلى رفق من يقوم به، ولأن عليه مضرَّة ومعرة في فراق زوجته بعدم النفقة، فإن كان له زوجتان كان عليه أن ينفق على واحدة (¬4)، وإن كانتا أمه وأجنبية أنفق على أمه دون الأخرى، إلا أن تكون أمُّه قد أسنَّت والأخرى شابة وفي الأب بقيقع فعليه أن ينفق عليهما. وقال محمد بن ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 264. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 156. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 264. (¬4) انظر: المدونة: 2/ 263، 264.

عبد الحكم: ليس على الابن أن ينفق على زوجة أبيه جملة (¬1)، وقد يحسن ذلك فيمن أسنَّ، ولا يشق عليه فراقها ويكون في جملة ولده. واختلف في تزويجه، فقال ابن القاسم ليس ذلك عليه (¬2). وقيل: ذلك عليه. وأرى (¬3) إذا كان للأب من يخدمه أو فيه بقية لقيامه بشأنه ومثله من يتولى ذلك، ولا مضرة عليه في عدم الزوجة، لم يكن عليه أن يزوجه، وإن كان قد بلغ من السن إلى العجز عن القيام بأمره، أو كان مثله لا يتكلف ذلك (¬4)، كان تزويجه حسنًا؛ لأنها محل خديمة، وقد كان عليه لو لم يزوجه أن يستأجر له من يخدمه. وإن كان محتاجًا إلى ما يحتاج إليه الشاب من المرأة كان عليه أن يزوجه. وقول مالك أن ليس على الأب أن ينفق على زوجة ولده، والقياس أن ذلك عليه، قياسًا على زوجة الأب، أن على الابن أن ينفق عليه، ولأن الابن أحوج إلى الزوجة منه (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 305. وعزاه ابن أبي زيد للمغيرة, ونصه: (قال المغيرة في كتاب آخر: لا يلزمه أَنْ ينفق على زوجة أبيه, إلا أن تكون أما له). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 305. وعزاه ابن أبي زيد لمالك، ونصه: (وقال مالكٌ في المختصر: وليس عليه أَنْ يزوجَ أباه). (¬3) في (ح): (وروي). (¬4) قوله: (وإن كان قد بلغ من السن إلى العجز عن القيام بأمره أو كان مثله لا يتكلف ذلك) سقط من (ث). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 264.

فصل [في إنفاق الابن على أمه]

فصل [في إنفاق الابن على أمه] وعلى الابن أن ينفق على أمه إذا كانت أيمًا أو عجز زوجها عن نفقتها، وليس للابن أن يقول: لا أنفق عليها حتى تطلق (¬1)؛ لأن فراق الزوج مضرَّة عليها من غير منفعة له. وإن كان الزوج يقدر علي بعض النفقة أنفق الابن الباقي, وإن كان الزوج قادرًا علي الإنفاق وقال: لا أنفق عليها, إن رضيت أقامت بغير نفقة وإلا فارقت لم يصدق الزوج، ولم يؤخذ الولد بالإنفاق؛ لأنهما يتهمان في المواطأة على الضرر بالولد، وهو لا يريد الفراق، إلا أن تكون أسنت والزوج على غير ذلك ويقوم الدليل على صحة قوله. فصل [في تعلق النفقة على الولد، وأي المستحقين يُبَدَّى على الآخر] النفقة تتعلق على الولد بماله أو صنعة فيها فضل عن نفقته، فإن كان له زوجة كان للأب ما بعد نفقة الولد (¬2) وزوجته. واختلف إذا كان للولد ولدٌ، فقيل: يتحاصَّان، الجد، وابن الابن. وقال محمد بن خويز منداد: الابن يُبَدَّى. وأرى أن يُبَدَّى الابن إذا كان صغيرًا لا يهتدي لمنفعة، وسواء كان الأب صحيحًا أو زمنًا؛ لأنه (¬3) يقدر على النظر لنفسه والتحيل. وإن كان الولد كبيرًا ترجح القولان، فيصح أن يقال يتحاصان؛ لأن لكل واحد منهما فيه حقًّا لو انفرد به أخذه؛ ولأن كل واحد منهما قادر على النظر في العاجز عن ذلك، ويصح أن يقال: يبدى الابن إذا كان فقد الجدَّ بعد ولادته له؛ لأن حقه سبق ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 264. (¬2) في (ب). (الابن). (¬3) في (ب): (إلا أنه).

فصل [في نفقة الأبناء على الأبوين وما ينوبهم من ذلكـ]

وحق الجد طارئ عليه، فكأنه طرأ على معدم لما كان الأول قد استحق النفقة، ولأن نفقته (¬1) بالقرآن ونفقة الأب بالاجتهاد، ولأنه أقل صبرًا عند الحاجة، وكذلك الولد أن يبدى الصغير على الكبير والأنثى على الذكر؛ لأنها أضعف نظرًا، وأحوج إلى الصيانة والستر، وكذلك الأبوان تبدى الأم على الأب إذا كان لا يقدر إلا على نفقة أحدهما. فصل [في نفقة الأبناء على الأبوين وما ينوبهم من ذلكـ] واختلف إذا وجبت نفقة الأب على الابن، فإن اتفق اليسر أو تقارب كانت على الأعداد، والذكر والأنثى فيها سواء. واختلف إذا اختلف اليسر، فقال ابن المواز: النفقة على قدر اليسر. وقال ابن الماجشون: على العدد. قال (¬2): وإن كان منهم الغني والمسدد والعامل بيده ولا مال له غير عمله وكان (¬3) أقلهم لو انفرد لزمته النفقة، كانت النفقة عليهم بالسوية. وقال أصبغ: مثل ذلك قول محمد (¬4). وأرى إذا اختلف المال وكان لأحدهم (¬5) مائة دينار، وللآخر مائتان، والذي يفرض (¬6) للأب على الانفراد دينار، وفي الاجتماع مثل ذلك، أن تكون النفقة على عددهم لا على الأموال. ¬

_ (¬1) في (ب): (نفقة الابن). (¬2) قوله: (قال) سقط من (ح). (¬3) زاد بعدها في (ب) كلمة: (مال). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 67. (¬5) في (ب): (لأقلهم). (¬6) في (ث): (يقوم).

وإن كان يتغير الفرض لكثرة المال، فيفرض على من بيده مائة دينار دينار (¬1)، وعلى من بيده مائتا دينار ديناران، وعلى من بيده الثلاثمائة ثلاثة دنانير؛ لأنه يوسع عليه لكثرة المال في النفقة والملبس والخدمة، فينبغي (¬2) أن يكون على قدر الأموال. وإن وإن الفرض على (¬3) من بيده ماائة دينار دينارًا (¬4) وعلى من يملك مائتين إلى ثلاثمائة دينارين كانت النفقة أيضًا على قدر الأموال؛ لأن اجتماعهما حط عنهما دينارًا فيقتسمانه على قدر المالين، وكذلك إذا كان الفرض على أحدهما نصف دينار، وهو نصف نفقة الأب؛ لأنه صانع أو قليل المال، وعلى الآخر دينار، وهو جميع (¬5) نفقة الأب. وإن اجتمعا لا يزاد على الدينار شيء، فإن النفقة تكون عليهما أثلاثًا، وقد أدخل اجتماعهما عليهما من الرفق نصف دينار فيقتسمانه على قدر ما يغرمانه، وإن كان الفرض على (¬6) مالك مائة إلى مائتين دينارًا، وإذا صارت ثلاث مائة صار الفرض دينارين. ¬

_ (¬1) قوله: (دينار) زيادة من (ث). (¬2) قوله: (فينبغي) زيادة من (ب). (¬3) قوله: (على) سقط من (ح). (¬4) قوله. (دينار) زيادة من (ث). (¬5) قوله: (جميع) سقط من (ب). (¬6) زاد في (ب) و (ث): (ملك).

باب في الحكمين

باب في الحكمين الأصل في الحكمين بين الزوجن قول الله عزَّ وجلَّ: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: 35]. فإذا اختلفا الزوجان وخرجا إلى ما لا يحل من المشاتمة والوثوب، كان على السلطان أن يبعث حكمين ينظران في أمرهما، وإن لم يرتفعا يطلبان ذلك منه، ولا يحل أن يتركهما على ما هما عليه من المأثم وفساد الدين، فيبعث رجلًا من أهله ورجلًا من أهلها، عدلين، فقيهين بما يراد من الأمر الذي ينظران فيه، فإن لم يكن في أهلهما من يصلح لذلك فمن جيرتهما (¬1)، فإن لم يكن فمن غيرهم، فإن كان في أهلهم رجل يصلح لذلك أضيف إليه آخر من جيرتهما، فإن لم يكن فمن غيرهم (¬2)، فإن كان في أحد الجانبين رجلان يصلحان لذلك، حكم أحدهما ونظر في الآخر من الجيرة (¬3) أو غيرهم، ولا يكونان من أحد الجانبين (¬4). وإنما خص بذلك (¬5) الأهل (¬6)؛ لأن كل واحد منهما يخلص إليه من باطن ¬

_ (¬1) في (ب): (جيرانهما)، وفي (ح): (خيرتهما). (¬2) قوله: (فإن كان في أهلهم رجل يصلح لذلك، أضيف إليه آخر من جيرتهما، فإن لم يكن فمن غيرهم) سقط من (ث). (¬3) في (ح): (الخيرة). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 266، 267. (¬5) قوله: (بذلك) زيادة من (ح). (¬6) في (ح): (الأفضل).

أمرهما ما لا يخلص إلى الأجنبيين، فكان ذلك أقرب لإجراء الأمر على الصحة، وللمظلوم على الظالم، ثم الجار أقرب عند عدم الأهل، ولم يجعلا -إذا كانا من الأهلِين- من جهة واحدة، لما يلحق القريب عند الشنآن من الحمية والغضب لمن هو من ناحيته، وإن كان بين الزوجين قرابة جاز أن يحكم السلطان مَن هو منهما بمنزلة مثل (¬1) عميهما أو خاليهما، أو عم وخال، ولو جعل ذلك إلى واحد منهما بمنزلة عم أو خال جاز على مغمز فيه (¬2). وإن جهل السلطان وجعل ذلك إلى من لا فقه له ولا علم عنده بوجه الحكم فاسترشد أهل العلم (¬3) بعد الكشف، مضى حكمهما، فإن حكما بعلمهما سُئلا عن صفة ما اطلعا (¬4) عليه، فإن تبين أنهما أصابا الحق مضى الحكم وإلا رُدَّ, وإن جعل ذلك إلى أجنبين مع وجود الأهل، فإنه يشبه أن يقال: ينقض الحكم لمخالفة النص، ولأن فيه ضربًا (¬5) من التفريط، بمنزلة ما لو قضى القاضي بقضية، ولم يبالغ في الكشف، ولم يسأل من يرى أن عنده علمًا، ويشبه أن يقال: الحكم ماضٍ، بمنزلة لو تحاكما إليه فأجرى الحكم بعد أن علم ما يدعي كل واحد منهما. وكذلك لو حكَّم السلطانُ رجلًا أجنبيًا؛ لأنه إنما جعل رجلان إذا كانا من الأهل؛ لأن كل واحد منهما يستبطن علم من هو من قبله، فإذا خرجا عن أن يكونا من الأهل أجزأ واحد وأجرى أمره على الأصل في الأحكام، أنه يجزئ ¬

_ (¬1) قوله: (مثل) سقط من (ث). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 267. (¬3) في (ح) و (ث): (فاسترشد العالم). (¬4) في (ب): (أطلقا). (¬5) في (ث): (ضررًا).

في القضية رجل واحد، وهو في هذا الوجه بخلاف الحكمين في الصيد لوجهين (¬1): أحدهما: أن الحاكم بين الزوجين بإقامةٍ من القاضي وجزاء الصيد المطلوب هو الذي يقيم من يحكم له بانفراده فأمر أن يجعله إلى رجلين؛ لأن ذلك أنفى للتهمة وأبعد من الميل. والثاني: أن الله -عز وجل- قد فرق في (¬2) مثل ذلك في حكم الآدميين في عدة الطلاق والموت، فجعل العدة في الطلاق ثلاثة أشهر عند عدم الحيض، وهو أمد ظهور الحمل لما كان هناك من يقوم بالنسب، وفي الوفاة أربعة أشهر وعشرًا وهي مدة حركته في البطن لما كان من يقوم بالنسب معدومًا، وفارق الحكم في الصيد الكفارة عن الظهار، وقتل النفس في أنها لا تحتاج إلى حكم؛ لأن الأمر في الكفارة أوسع، يجزئ فيه الصغير والكبير والجيد والدنيء، والسالم والمعيب عيبًا خفيفًا (¬3) والمطالبة في جزاء الصيد بالمثل. والثاني (¬4) أن الله -عزَّ وجلَّ- قد فرق بين حكمهما فجعل هذا إلى أمانته، والآخر إلى غيره، وإنما المقال (¬5) في الصيد لم كان بحكمين، ولم يكن بواحد؟ والاعتراض بالظهار والقتل إنما يدخل في أنه لم كان لأمانته؟ بخلاف غيره ليس أنه بحَكَم والآخر بحَكَمين. ¬

_ (¬1) كذا في النسخ ومن الواضح أنه ذكر ثلاثة وجوه مع إعطاء الوجه الثاني نفس الرقم المعطي للوجه الثاني. (¬2) قوله: (في) سقط من (ح). (¬3) في (ح). (خفيًا). (¬4) هكذا في النسخ ومن الواضح أنه الوجه الثالث. (¬5) في (ب): (يقال).

فصل [فيما ينبغي للحكمين أن يفعلاه]

فصل [فيما ينبغي للحَكَمَيْن أن يفعلاه] وينبغي للحَكَمَيْن أن يعملا أولًا في صلاح ذات البين وبقاء العصمة إن رأيا لذلك موضعًا (¬1)، فإن لم يرياه فإنه لا يخلو من أربعة أوجه: إما أن يتبين (¬2) أن الظلم في جنبته، أو في جنبتها، أو جنبتهما، أو يُشكل الأمر. فإن كان الظلم منه طلَّقا عليه ولم يسقطا عنه شيئًا من الصداق، وأثبتا لها النصف إن طلَّقا قبل، والكل إن طلقا بعد. وإن كان الظلم منها وكان لا يتجاوز الحق فيها عند ظلمها ائتمناه عليها وأقرَّت عنده إلا أن يحب هو الفراق، فيفرقا، ولا شيء لها من الصداق (¬3). وقال عبد الملك في المبسوط: ولو حكما عليها بأكثر من الصداق جاز إذا كان ذلك سدادًا. وإن كان الظلم منهما فرقا ونظر في الصداق، فإن كان الطلاق قبل الدخول سقط عنه النصف، ونظر في النصف الآخر، فإن ترجح ظلمهما قسماه بينهما نصفين، وإن دخل قسما الجميع، وإن كان الظلم من أحدهما أكثر نظرًا على ما يريان من ذلك. فإن أشكل الأمر أيهما يظلم أو أيهما أظلم أجريا الحكم بمنزلة المساواة، وإن حكم أحدهما بطلاق وآخر ببقاء الزوجية، بقيت زوجة، وإن اجتمعا على الطلاق وحكم أحدهما بمال والآخر على غير مال، لم يلزم الزوج الطلاق، ولم يلزم الزوجة المال. قال عبد الملك: إلا أن يمضي له المال فيلزم الطلاق ¬

_ (¬1) في (ب): (وجهًا). (¬2) في (ب): (يثبت). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 269.

الزوج (¬1) وتبين بذلك. ويجري فيها قول آخر ألا يلزمه الطلاق وإن أمضت له المال، قياسًا على اختلاف الحكمين في الصيد. فقال ابن القاسم: لا يجزئه إن أخرج أعلى ما حكما به وكأنه أخرج بغير حكم؛ لأن الحكم لم يصح ولا يجوز أن يوقعا من الطلاق أكثر من واحدة. واختلف إذا فعلا فأوقعا عليه (¬2) طلقتين أو ثلاثًا، فقال عبد الملك في المدونة، وأشهب في كتاب محمد: تلزمه طلقة، قال عبد الملك: لأنهما لم يدخلا بما زاد على الواحدة صلاحًا بل أدخلا مضرة (¬3) وقال ابن القاسم في كتاب محمد: يلزمه ما أوقعا عليه. والأول أصوب. واختلف إذا حكم أحدهما بطلقة والآخر بالبتة (¬4)، أو أحدهما بطلقتين والآخر بثلاث على ثلاثة أقوال: فقال عبد الملك: يلزمه واحدة (¬5). وقال محمد: لا يلزمه شيء (¬6). وعلى قول ابن القاسم يلزمه طلقتين، والأول أصوب؛ لأنهما اجتمعا على طلقتين والثالثة ساقطة لانفراد أحدهما بها، وسقط ما زاد على الواحدة؛ لأن الضرر يرتفع بواحدة؛ لأنهما اتفقا على الطلاق، وألا تبقى زوجة أصوب (¬7) فيمضي ذلك، وما اختلفا فيه من العدد لا يؤثر فيما اتفقا عليه في أن الطلاق صواب. ¬

_ (¬1) قوله: (الزوج) سقط من (ث). (¬2) في (ح): (عليهما)، وفي (ب): (عليها). (¬3) انطر: المدونة: 2/ 268 , 269، نصها: (لأنهما لم يدخلا بما زاد على الواحدة أمرا يدخلان به صلاحا للمرأة وزوجها إلا والواحدة تجزئ من ذلك). (¬4) في (ب): (بالبتات). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 175. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 282. (¬7) في (ح): (صوابا).

وإذا كان الزوجان مولًّى عليهما، وكان التحكيم من قبل من يلي عليهما، سلك في التحكيم في العدد وكونهما من الأهل مسلك بعث السلطان، وكذلك إذا كانا رشيدين وكان التحكيم من قبلهما اقتداء بكتاب الله عزَّ وجلَّ، فإن لم يفعلا وجعلا ذلك إلى واحد من غير الأهل مضى ولم ينقض، وهو قول عبد الملك في المدونة. واختلف إذا كان الزوجان رشيدين وحكّما غير عدل أو امرأة أو صبيًا أو صبية (¬1)، فقال عبد الملك: حكمهما منقوض لأنهما قد تخاطرا بما لا ينبغي أن يكون من الغرر بخلاف التمليك (¬2)، يريد؛ لأن التحكيم يدخله المعاوضة وأخذ المال، فلم يجز فيه الغرر كالبياعات، والتمليك طلاق بانفراده فلم يقدح في وقوعه بالغرر، وإن حَكَّم رجلين وهما يريان أنهما من أهل العدالة ثم تبين غير ذلك، فإنه يختلف هل يمضي حكمهما أم لا؟ وفي كتاب محمد: أن الحكم ماضٍ مثل ما لو قضى قاض بشهادتهما ثم تبين غير ذلك. وقد اختلف في الشاهدين. وأرى أن يكشف عن حكمهما، فإن تبين أنهما أصابا الحق (¬3)، مضى بمنزلة القاضي غير العدل، يقضى بقضية فإنه تعتبر أحكامه فما وافق الحق مضى، وما لم يوافق الحق (¬4) نقض بخلاف الشاهدين؛ لأنا لا نقدر على معرفة صدقهما ويقدر على معرفة صحة الحكم من سقمه، وإن أشكل الأمر لم يمضِ. تم كتاب إرخاء الستور والحمد لله حق حمده ¬

_ (¬1) قوله: (أو صبية) زيادة من (ب). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 267. (¬3) في (ح): (الحكم). (¬4) قوله: (الحق) سقط من (ث).

كتاب الأيمان بالطلاق

كتاب الأيمان بالطلاق النسخ المقابل عليها 1 - (ب) = نسخة برلين رقم (3144) 2 - (ح) = نسخة الحسنية رقم (12929) 3 - (ث) = نسخة سيدنا عثمان رقم (172) 4 - (س) = نسخة الاسكوريال رقم (1082)

ما جاء في الأيمان بالطلاق

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬1) كتاب الأيمان بالطلاق ما جاء في الأيمان بالطلاق قال الشيخ - رضي الله عنه - (¬2): الطلاق على أربعة أوجه: مكروه ومباح ومستحب وواجب، وكل (¬3) ذلك راجع إلى حال الزوجين في العشرة وحال الزوجة في نفسها من الصيانة والفساد. فإن كان الزوجان على الإنصاف وكل واحد مؤد (¬4) لحق صاحبه استحب له ألا يفارق، وإن كانت غير مؤدية لحقه ناشزًا أو غير ذلك، كان مباحًا غير مكروه. وإن كانت غير صيِّنة لنفسها استحب له فراقها من غير قضاء إلا أن تعلقها نفسه. وإن فسد ما بينهما ولا يكاد يسلم له دينه معها وجب الفراق. واستحب الإمساك في القسم الأول، لقول الله سبحانه: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19] فندب إلى إمساكها لإمكان أن يجعل الله في ذلك خيرًا، وروي أن ¬

_ (¬1) قوله: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) زيادة في (ث). (¬2) قوله: (ما جاء في الأيمان بالطلاق قال الشيخ - رضي الله عنه -) ساقط من (ح) و (س). (¬3) قوله: (كل) زيادة في (ب). (¬4) قوله: (مؤد) ساقط من (ح) و (س).

النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَبغَضُ الحلاَلِ إِلَى اللهِ الطَّلاَقُ" (¬1)، ولأنَّ الطلاق سبب (¬2) لاطلاع غيره عليها، واطلاعها على غيره، ومن مروءة الرجل حفظ هذا المعنى وصونه، وقد أكرم الله تعالى نبيه صلوات الله عليه بحماية ذلك، فحرّم أزواجه على غيره تكرمةً له (¬3). واستحب له فراق من كانت غير صيِّنة لنفسها، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - للذي قال: إن زوجته (¬4) لا ترد يد لامس: "فَارِقْهَا"، قال: فإني أحبها، قال "فَأَمْسِكْهَا" (¬5)، ولأنه لا يأمن أن يلحق به غير ولده، ووجب الفراق إذا فسد ما بينهما وتفاقم فلم يرج صلاح، لقول الله -عزَّ وجلَّ-: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35] وقد مضى الكلام على هذا أن ذلك من الواجب على الحكم، وإن لم يتحاكما إليه في باب الحكمين (¬6). ¬

_ (¬1) ضعيف، أخرجه أبو داود: 1/ 661، في باب في كراهية الطلاق، من كتاب الطلاق، برقم (2178)، قال ابن الجوزى فى العلل المتناهية: 2/ 638: هذا حديث لا يصح، وقال ابن حجر في الفتح: 9/ 356: (أعل بالإرسال). (¬2) قوله: (سبب) فى (ح) و (س): (عيب). (¬3) يعني قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا}. (¬4) قوله: (إن زوجته) في (ب): (لزوجته). (¬5) أخرجه النسائي في سننه: 6/ 170، في باب ما جاء في الخلع، من كتاب الطلاق، برقم (3465) من حديث عبد الله بن عباس - رضي الله عنه -، قال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: 2/ 37: (حديث جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال إن لي امرأة لا ترد يد لامس قال طلقها الحديث رواه أبو داود والنسائي من حديث ابن عباس قال النسائي ليس بثابت والمرسل أولى بالصواب وقال أحمد حديث منكر وذكره ابن الجوزي في الموضوعات). (¬6) انظر ذلك في كتاب إرخاء الستور، في باب الحكمين.

فصل [فيمن جرى الطلاق على لسانه حكاية]

والأيمان بالطلاق ممنوعة، لقول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تحلفوا بالطلاق ولا بالعتاق، فإنهما من أيمان الفساق" (¬1)، ولأن الغالب فيمن يحلف بالطلاق أنه لا يبر في يمينه، وقد يحنث وهي حائض، وقد قيل في أحد التأويلات في قول الله سبحانه: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا} الآية [البقرة: 224] أي: لا تكثروا الأيمان بالله عزَّ وجلَّ، فإن فاعل ذلك لا يبر ولا يتقي. وقال مطرف وابن الماجشون فيمن اعتاد اليمين بالطلاق إنها جرحة، ولا يحلف بذلك سلطان ولا غيره، وَلْيَنْهَ الناس عن ذلك، ويؤدب من اعتاد اليمين بذلك. فصل [فيمن جرى الطلاق على لسانه حكاية] ومن المدونة قال سحنون: قلت لابن القاسم فيمن طلق زوجته فقال له رجل: ما صنعت؟ قال: هي طالق، هل يُنوَّى إن قال: أردت أن أخبره أنها طالق بالتطليقة التي كنت طلقتها؟ قال: نعم (¬2). ¬

_ (¬1) قال العجلوني في كشف الخفاء: 2/ 649: قال في التمييز: وقع في عدة من كتب المالكية، قال شيخنا: لم أقف عليه, وقال القاري: قال السخاوي: لم أقف عليه مرفوعا جازما به بلفظ: (لا تحلفوا بالطلاق ولا بالعتاق، فإنهما من أيمان الفساق) لكن نازع السخاوي في وروده فضلا عن ثبوته وأظنه مدرجا قلت ويؤيده معنى حديث ما حلف بالطلاق مؤمن ولا استحلف به إلا منافق رواه ابن عساكر مرفوعا انتهى)، وقال في النوادر: 4/ 7: (قال ابن حبيب وروي أن النبي عليه السلام قال: "لا تحلفوا بالطلاق ولا بالعتاق فإنهما من أيمان الفُسَّاق". قلت: فيشبه أنه من رواية ابن حبيب في الواضحة. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 59.

فصل [في تعليق الطلاق]

قلت: فلو عدم النية لم يكن عليه سوى تلك التطليقة (¬1)؛ لأن بساط جوابه عن السؤال الذي يسأل عنه ما صنع فيه، فأخبر عنه ولا يحمل على أنه أضرب عن السؤال، وابتدأ طلاقًا، ولأن قول الرجل: طالق، يصح أن يراد به الإخبار عن حالها والصفة التي هي عليها، والمراد بطالق: التسمية أنها ذات طلاق، كما يقال: لابن وتامر (¬2)، وليس هو اسم فاعل، واسم الفاعل منه مُطلِّق، وما ذكر في الدونة أنه يُنوَّى وأن ذلك في السؤال ليس شرطًا في الجواب، وسُئل مالك عمن طلق زوجته تطليقة، فسئل عنها، فقال: ما بيني وبينها عمل فلا شيء عليه، وليحلف ما أراد به طلاقًا ولا شيء عليه غير ذلك. فصل [في تعليق الطلاق] وقال ابن القاسم فيمن قال: إن دخلت هذه (¬3) الدار أو أكلت أو شربت أو لبست أو قمت أو قعدت أو ركبت فأنت طالقٌ، إنها أيمان (¬4). قال الشيخ -رحمه الله-: هي أيمان كما قال، والحكم فيها مختلف، فأما قوله: إن دخلت الدار فهي يمين لا يحنث إلا بالدخول، وأما قوله: إن أكلت أو شربت ولم يضرب أجلًا، فإنه يحنث الآن؛ لأنه لا يصح أن لا تأكل ولا تشرب، وكذلك إذا ضرب أجلًا لا يمكنه الصبر إليه، وإن كان مما يمكن الصبر إليه لم يحنث، وكذلك يمينه: إن لبست أو قمت أو قعدت يحنث إذا لم يضرب أجلًا، ¬

_ (¬1) زاد بعده في (ح) و (س): (التي كانت طلقتها). (¬2) اللابن هو من يبيع اللبن، والتامر هو بائع التمر. (¬3) قوله: (هذه) في (ب): (هذا). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 59.

أو ضرب أجلًا لا يمكنه الصبر إليه، وأما قوله: إن ركبت فكقوله: إن دخلت الدار. واختلف إذا قال: إذا حضت فأنت طالق، فقال مالك وابن القاسم: يلزمه الطلاق مكانه حين تكلم بذلك (¬1) فأوقع الطلاق بنفس اللفظ من غير حكم. وقال أشهب في كتاب محمد: لا شيء عليه حتى تحيض وهو قول المخزومي وابن وهب وابن عبد الحكم (¬2). وقيل في هذا الأصل: لا يقع عليه الحنث بنفس اللفظ إلا أن يرفع ذلك إلى حاكم فيحكم عليه بالطلاق، وهو أحسن؛ لأنه أمرٌ مختلف فيه، والحكم يرفع الاختلاف، وقد اختلف أهلُ العلم في الطلاق إلى أجلٍ هل يعجل؟ واختلف عن مالك فيمن حلف الطلاق بالحيض (¬3)، وإن كانت يائسة أو شابة وهي ممن لا ترى حيضًا لم يعجل الطلاق على حال. واختلف إذا قال: أنت طالق كلما حضت حيضة، فقال ابن القاسم: هي طالق الساعة ثلاثًا (¬4). وقال سحنون: يقع عليها طلقتان؛ لأنَّه طلَّق بأول الحيضة فهو يتعجل الآن، وهي طاهر، ثم تعتد بأول حيضة، وتعجل الطلقة الثانية أيضًا، وتسقط الثالثة لأنها بأول ما ترى من الدم بائن، فإنما أوقعها على غير زوجة، قال: ولو ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 59، النوادر والزيادات: 5/ 103. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 151، والبيان والتحصيل: 5/ 371. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 61. (¬4) انظر: المدونة: 2/ 63، والنوادر والزيادات: 5/ 109.

قال: أنت طالق لأول حيضة، فإذا حاضت الثالثة لزمه طلقة لأنها بأول رؤية الدم الثالث (¬1) بائن. وقال مالك في كتاب محمد: إذا قال: أنت طالق كلما حضت حيضة (¬2) لا شيء عليه حتى تحيض فيقع عليها طلقة ويرتجع، فإذا حاضت الثانية وقعت الثانية وارتجع، وإذا حاضت الثالثة بانت، ولو (¬3) لم يرتجع لم يقع عليه سوى تطليقتين. واختلف إذا قال: أنت طالق كلما جاء شهر أو سنة، فقال ابن القاسم: هي طالق ثلاثًا ساعة تكلم بذلك (¬4). وقال عبد الملك وسحنون: لا يقع عليه إلا ما كانت فيه في العدة، فإن قال وهي في شعبان: أنت طالق كلما جاء شهر كان قد علق الأولى باستهلال رمضان، والثانية: باستهلال شوال، والثالثة: باستهلال ذي القعدة فتعجل الآن الطلقة الأولى، فإن انقضت العدة، قبل أن يستهل شوال لزمه طلقة، وإن لم تنقض العدة حتى استهل شوال لزمه طلقتان، وإن تأخرت إلى ذي القعدة لزمه الثلاث، وإن ارتجعها في رمضان ويقف عنها حتى ينظر ما كان يقع عليه من الطلاق لو لم يرتجع، فإن حاضت الثالثة قبل استهلال شوال صحت رجعته على طلقةٍ مضت، وإن حاضت الثالثة في شوال صحت رجعته على طلقتين مضتا، وإن حاضت الثالثة في ذي القعدة لم تصح رجعته. ¬

_ (¬1) قوله: (الثالث) زيادة في (ب). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 106. (¬3) قوله: (لو) زيادة في (ب). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 63.

وقال عبد الملك في المبسوط: إذا قال أنت طالق إلى شهر، وأنت طالق إلى سنتين، وأنت طالق إلى ست سنين وقع عليه الآن طلقة وينتظر إلى سنتين، فإن بقيت عدتها وقعت الثانية (¬1)، وأما ما وراء الخمس فإنه طلق غير زوجة، ولو ارتجعها من ساعته كان له أن يصيبها لأنها رجعة مستقيمة من طلقة أو اثنتين، قال: ولو قال: أنت طالق الساعة، وطالق إلى سنة، وطالق إلى أربع فإنها تطلق الآن واحدة (¬2)، وينتظر عند (¬3) السنين، فإن ارتجع لم يصب لعل عدتها أن تمتد إلى أربع سنين، فتقع الثالثة، ولكن يرتجع لعل العدة تنقضي قبل السنين، وتحبس زوجته عليه رجعتها، فإن قامت عليه ضرب له أجل الإيلاء، فإن انقضت عدتها إلى ذلك فهي زوجة، وإلا طلق عليه بالإيلاء؛ لأنه لا يقدر على أن يفي؛ لأنه لا يدري لعلها تحرم بالثلاث، ولو قال: أنت طالق كلما حاضت فلانة لامرأته الأخرى، لزمه الثلاث (¬4)، ولا يراعى ها هنا عدة بخلاف أن يعلق الطلاق بحيض زوجته، وإن قال لزوجته وهي حائض: أنت طالق إذا طهرت، وقع عليه الطلاق الآن (¬5)؛ لأن الطهر لا بدَّ منه، وإن لم ينقطع الدم وصارت مستحاضة كانت طاهرًا، وقال أشهب: لا يعجل بالطلاق حتى تطهر (¬6). والأول أحسن. ¬

_ (¬1) قوله: (الثانية) فى (ح) و (س): (الثالثة). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 283، والنوادر والزيادات: 5/ 107. (¬3) قوله: (عند) فى (ح) و (س): (غيب). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 61، والبيان والتحصيل: 6/ 232. (¬5) انظر: المدونة: 2/ 5، والنوادر والزيادات: 5/ 108. (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 371، 372.

فصل [فيمن قال لامرأته: أنت طالق إن لم أطلقكـ]

فصل [فيمن قال لامرأته: أنت طالق إن لم أطلقكـ] واختلف إذا قال: أنت طالق إن لم أطلقك، فقال مالك: هي طالق حين تكلم بذلك، وقال أيضًا: لا يقع عليها طلاق حتى ترفعه ويوقفه السلطان (¬1). واختلف إذا رفعته: هل تطلق عليه بالحضرة, إذ لا فائدة في الصبر أو بعد أن يضرب أجل المولي رجاء أن ينثني عزمها عن القيام بالطلاق. واختلف أيضًا إذا ضرب أجلًا، فقال: أنت طالق واحدة (¬2) إن لم أطلقك رأس الهلال (¬3) واحدة (¬4)، أو (¬5) أنت طالق ثلاثًا إن لم أطلقك رأس الهلال ثلاثا (¬6) أو أنت طالق ثلاثا إن لم أطلقك رأس الهلال واحدة، أو أنت طالق واحدة إن لم أطلقك رأس الهلال ثلاثًا فقيل: لا شيء عليه الآن، وهي أيمان، فتبقى (¬7) حتى يبر بفعله (¬8) الطلاق الذي حلف أن يفعله، أو يأتي الأجل بحنثه إن لم يفعل، فيقع عليه الطلاق الذي ألزم نفسه إن لم يطلقها، وقيل: يعجل عليه الطلاق الآن، فإن قال: أنت طالق إن لم أطلقك عجلت الآن عليه طلقة (¬9). وكذلك إذا جعل بره بطلقة وحنثه بثلاث أو بره بثلاث وحنثه ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 61. (¬2) قوله: (واحدة) زيادة من (ب). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 6/ 226. (¬4) قوله: (واحدة) زيادة من (ب). (¬5) قوله: (أو) في (ح) و (س): (و). (¬6) قوله: (إن لم أطلقك رأس الهلال ثلاثا) ساقط من (ح) و (س). (¬7) فى (ح) و (س): (فيها). (¬8) فى (ح) و (س): (بفعل). (¬9) انظر: البيان والتحصيل: 6/ 226.

واحدة، فإنه يعجل عليها إحدى الطلقتين وهي طلقة؛ لأنه طلق إلى أجل لما كان لا بد له من إحدى الطلقتين بر في يمينه أو حنث وأرى إن قال: أنت طالق واحدة إن لم أطلقك رأس الشهر ثلاثًا عجل طلقة الحنث، وهي واحدة، فإن هو أراد البر فيطلق ثلاثًا بانت، وإن لم يطلق كان حانثًا بواحدة، وقد عجلت، وإن انقضت العدة قبل وقت الحنث بانت بواحدة، وإن قال: أنت طالق ثلاثًا إن لم أطلق رأس الهلال واحدة لم يعجل بطلقة البر لأنه لم ينوها، وإن عجلت طلقة من الثلاث التي يحنث بهن، فإن قال: أنا أحب أن أبر في يميني بطلقة أوقعها فتصير مع الأولى طلقتين، فكان الوقف أحسن فإن أوقع هو واحدة قبل الهلال برَّ في يمينه، وإلا وقع عليه الحنث بالثلاث إذا أتى الهلال ولم يطلق. وقال ابن القاسم فيمن حلف بطلاق امرأته البتة ليطلقنها رأس الهلال واحدة، ثم أراد تعجيل تلك الطلقة فلم يجب فيهما بشيء، وقال أصبغ: لا يجزئه، فإن فعل ثم فاته (¬1) رأس الشهر فلم يطلق واحدة لزمته البتة (¬2). وقال محمد: إذا سألته أو سأله أهلها أن يطلقها فحلف لهم ليطلقنها رأس الشهر ثم عجل الطلقة لم ينفعه، وإن كان ذلك ابتدأ ليغمها (¬3) أجزأه. قال الشيخ -رحمه الله-: ولو حلف عند سؤالهم أنه لا يؤخر الطلاق عن رأس الهلال فجاز له أن يعجلها، وهذا إذا كانت يمينه ليطلقها رأس الشهر، وأمَّا إن قال: إلى رأس الشهر فله أن يعجل الطلقة؛ لأنَّ "إلى" غاية، وإن حلف بالثلاث إن لم يطلقها قبل الهلال ثلاثًا لم يعجل إحدى الطلقتين، قال محمد: ¬

_ (¬1) فى (ح) و (س): (جاز). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 6/ 226. (¬3) فى (ح) و (س): (ليعمها).

لأن له أن يصالح قبل الأجل، فلا يلزمه سوى واحدة (¬1). وقال مالك فيمن له امرأتان، فقال لإحداهما: أنت طالق إن لم أطلق فلانة إلى سنة، يريد: الأخرى، قال: يوقف الساعة فيطلق إحداهما (¬2) لأنه أوقع طلاقًا لا بد منه، فلا يترك يستمتع بواحدة منهما. وقال أصبغ فيمن قال لامرأته: أنت طالق البتة لأعتقن جاريتي فلانة إلى سنة، فلا تحرم عليه واحدة منهما، وعلى قول مالك في الزوجتين: تحرم زوجته وجاريته حتى يطلق أو يعتق (¬3) (¬4)، وعلى قول أصبغ: لا يوقف عن واحدة من زوجتيه وهو أبين، ويختلف في الذي قال: أنت طالق إن لم أطلقك ولم يضرب أجلًا، فعلى قول مالك: يمنع منها، وقول ابن كنانة أنه لا يمنع لأنه لا يحنث إلا بالموت (¬5)، وكل طلاق (¬6) عنده لا يكشفه إلا الموت لا يمنع فيه من الزوجة. واختلف أيضًا إذا ضرب أجلًا هل يمنع منهما لأنه حلف ليفعلن أو لا يمنع لأنه على بر لما ضرب أجلًا. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 237. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 112. (¬3) فى (ح) و (س): (تطلق أو تعتق). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 113. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 6/ 137، 138. (¬6) فى (ح) و (س): (شيء حنث).

فصل [فيمن قال لامرأته: إذا حملت فأنت طالق]

فصل [فيمن قال لامرأته: إذا حملت فأنت طالق] ومن قال: إن كنت حاملًا فأنت طالق، أو إن لم تكوني حاملًا فأنت طالق، فإن كانت في طهرٍ لم يمس فيه أو مس ولم ينزل كان محملها على البراءة من الحمل، فإن قال: إن كنت حاملًا لم تطلق، وإن قال: إن لم تكوني حاملًا طلقت، وكذلك أرى إذا كان يعزل؛ لأنَّ الحمل على ذلك نادر. واختلف إذا أنزل ولم يعزل على أربعة أقوال، فقال مالك في المدونة: هي طالق مكانها لأنه في شك من حملها (¬1)، وسواء قال: إن كنت حاملًا (¬2) أو إن لم تكوني حاملًا. وقال مطرف (¬3) في كتاب ابن حبيب في هذا: الأصل لا يقع عليها طلاق إلا أن يوقعه الحاكم (¬4)، وقول أشهب: لا شيء عليه الآن (¬5)، ويؤخر أمرها حتى ينظر هل هي حامل أم لا؟ وفرق أصبغ بين أن يكون على بر أو على حنث، فإن قال: إن كنت حاملًا، لم يقع عليها (¬6) طلاق؛ لأنه على بر حتى يعلم أنها حامل، فإن قال: إن لم تكوني حاملًا عجل الطلاق لأنه على حنث، وأرى أن يوقف أمرها في الوجهين جميعًا، ويوقف عنها حتى يستبين أمرها، وليس من كل الماء يكون الولد، وقد سأل بعض الصحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - عن العزل ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 62، والبيان والتحصيل: 5/ 250. (¬2) قوله: (حاملًا) ساقط من (ح) و (س). (¬3) قوله: (مطرف) ساقط من (ح) و (س). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 357. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 162، 5/ 103، 105. (¬6) فى (ح) و (س): (عليه).

لرغبتهم في الفداء، فقال: "لاَ عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا" (¬1)، فلو كان محمل الإنزال على الحمل لم يقل ذلك، فإذا أشكل الأمر لم يعجل بالطلاق ولم ترتفع عصمته بالشك، ولأن في مقابلة طلاقها بالشك إباحتها لآخر بالشك فكان بقاؤها أولى من إباحتها بالشك، واختلف في الموارثة هل يتوارثان؛ لأن الأصل الزوجية، فلا تسقط بالشك أو لا يتوارثان؛ لأنها وارثة بالشك، وفرق سحنون فقال: إن ماتت لم يرثها وإن مات ورثته، يريد: إذا تبين أنه كان بارًّا، وإن تبين أنه حانث لم ترثه لأنها الباقية بعده فيعلم هل هي حامل أم لا؟ (¬2) وهذا إذا كانت يمينه بالثلاث، وعليه يحمل قول مالك في المدونة، ولو كانت يمينه بطلقة توارثا قولًا واحدًا؛ لأنه وإن كان حانثًا فهو طلاق رجعي، فإن مات الزوج قبل أن يظهر هل هي حامل أم لا؟ كان موته في العدة، وكذلك إن كانت هي الميتة فإنها ماتت وهي في عدة منه؛ لأنها على أحد أمرين: إما أن تكون حاملًا فالعدة وضع الحمل، وإما أن تكون (¬3) غير حامل فالعدة بالحيض، فإن مات ثم حاضت انتقلت إلى عدة الوفاة، فالموارثة بينهما على كل حال. واختلف إذا قال: إذا حملت فأنت طالق، وهي غير ظاهرة الحمل، فظهر لها (¬4) بعد ذلك حمل، هل يحنث به أو لا يحنث إلا بما يكون عن إصابة بعد قوله ذلك، فقال ابن القاسم: لا يمنع من وطئها، فإذا وطئها مرة وقع عليها ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 776، في باب بيع الرقيق، من كتاب البيوع، برقم (2116)، ومسلم: 2/ 1016، في باب حكم العزل، من كتاب النكاح، برقم (1438)، ومالك: 2/ 594، في باب ما جاء في العزل، من كتاب الطلاق، برقم (1239)، من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 6/ 391، 392. (¬3) قوله: (وإما أن تكون) فى (ح) و (س): (أو). (¬4) قوله: (فظهر لها) فى (ح) و (س): (فظهرت بها).

الطلاق، وقال أيضًا فيمن قال (¬1): إذا حملت فوضعت فأنت طالق، قال: إن كان وطئها في ذلك الطهر فهي طالق مكانها، فحنثه بما تقدم من الوطء (¬2). وقال ابن الماجشون: له أن يصيبها في كل طهر مرة، ولم ير أن يطلق عليه إذا أصابها بعد قوله ذلك لأنه على شك من حملها، إذا كانت في طهر قد مس فيه إلا أن يعجل بالطلاق لإمكان أن لا تحمل، فإن ظهر حمل حنث به لأنَّ العادة أنه إذا ظهر حمل قالوا: حملت، ولا يعتبر (¬3) ما كان قبل ذلك، وأمَّا مع عدم العادة فإنه ينظر إلى الوقت الذي أصابها فيه، فإن كان دون الأربعين يوما حنث بما يظهر بعد، وإن كان فوق ذلك لم يحنث لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - "إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِنَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ" (¬4)، الحديث، وإن كانت حين قوله ظاهرة الحمل لم تطلق (¬5) إلا بحمل مستأنف. واختلف إذا قال لزوجته: إذا وضدت فأنت طالق، فقال مالك في المدونة: هي طالق حين تكلم بذلك (¬6). وقال في كتاب محمد: لا شيء عليه حتى تضعه (¬7). وهو أحسن للاختلاف في الطلاق إلى أجلٍ، ولإمكان أن يكون ريحًا أو يموت قبل الوضع. ¬

_ (¬1) زاد بعد قوله: (قال) في (ح) و (س): (أيضا). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 62. (¬3) فى (ح) و (س): (يعتبرون). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري: 3/ 1174، في باب ذكر الملائكة, من كتاب بدء الخلق، برقم (3036)، ومسلم: 4/ 2036، في باب كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه, من كتاب القدر، برقم (2643)، من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -. (¬5) فى (ح) و (س): (يطلق). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 63. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 103.

وقال مالك في كتاب محمد: إن وضعت ولدًا وبقي في بطنها آخر لم يقع عليها طلاق حتى تضع آخر ما في بطنها (¬1). والمعروف من قوله خلاف هذا، وأنه يحنث بالأول، وهذا موافق للقول فيمن حلف ألا يصيب امرأته (¬2) أنه لا يحنث بأول الملاقاة ولا يحنث إلا بالوطء التام. واختلف فيمن قال: إن ولدت جارية فأنت طالق، أو إن لم تلدي غلامًا فأنت طالق (¬3)، نحو الاختلاف المتقدم في قوله: إن كنت حاملًا وإن لم تكوني حاملًا، وقول مالك أنها طالق مكانها في الوجهين جميعًا، وأصل أشهب في هذا أنه لا يعجل الطلاق (¬4) حتى تضع فينظر هل تلك جارية أو غلام؟ وقال مطرف في كتاب ابن حبيب: لا يكون طلاقًا إلا أن يطلق عليه الحاكم لأنه مما اختلف فيه، وقال أصبغ: إن قال: إن ولدت جارية فأنت طالق- لم تطلق عليه، وإن قال (¬5) إن لم تلدي غلامًا طلقت الآن؛ لأن الأول عنده على بر وهذا عنده على حنث، والوقف في جميع ذلك حتى تضع فينتظر أحسن، وإن قال: أنت طالق إن مطرت السماء كانت طالقًا الساعة؛ لأن السماء لا بدَّ أن تمطر (¬6)، وإن قال: إن لم تمطر فأنت طالق فلا شيء عليه سواء عمَّ أو سمى بلدًا لأنه لا بدَّ أن تمطر في زمنٍ ما، وكذلك إذا ضرب أجلًا عشر سنين أو خمس سنين، وإن قال: في هذا الشهر أو الشهر الفلاني أو شهر كذا عاد الخلاف المتقدم هل تكون ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 103. (¬2) فى (ح) و (س): (زوجته). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 104. (¬4) فى (ح) و (س): (بالطلاق). (¬5) قوله: (وإن قال) ساقط من (ح) و (س). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 104.

طالقًا الآن، أو حتى يحكم له، أو يوقف حتى ينظر هل تمطر فيه أم لا، وقال أصبغ: إن قال: إن أمطرت غدًا فلا شيء عليه الآن حتى تمطر، قال: وهو بمنزلة قوله: إن قدم فلان غدًا فأنت طالق. يريد: لأنَّه على بر، وعلى أصله إن قال: إن لم تمطر غدًا تطلق الآن؛ لأنه على حنث. وقال مالك: إذا قال: إن لم تمطر في هذا الشهر فأنت طالق، قال: هي طالق ساعة تكلم بذلك (¬1). وقال أشهب: يوقف، فإن أمطرت لم تطلق عليه. قال الشيخ - رضي الله عنه -: وإن قال: لتمطرن في هذا الشهر طلق عليه (¬2) الآن لأنه رجمٌ بالغيب، وهذا هو المعروف في هذا الأصل، وقيل: لا يحنث حتى ينظر ما يكون، وقد يحمل قول مالك في قوله إن لم تمطر في هذا الشهر أنه أراد: لتمطرن، ولذا فرق بينه وبين الكتاب، ولو جعل ذلك شرطًا لم يقع عليه الآن الطلاق. وقال ابن القاسم في كتاب ابن حبيب: كل من حلف بطلاق على شيء لا يدري أحق هو أم باطل مثل أن يقول: إن لم تكن مطرت الليلة الإسكندرية وهو بالفسطاط، أو إن لم تمطر غدًا، أو إلى نصف الشهر (¬3) أو إلى رأس الشهر قرب استخبار ذلك، أو بعد، فإنه إن رفع أمره إلى السلطان طلق عليه ولم يؤخره، وإن لم يطلق عليه حتى وجد ذلك الشيء حقًا لم يكن عليه في يمينه شيء وهو وجه قول مالك (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 64، والبيان والتحصيل: 6/ 149. (¬2) قوله: (عليه) ساقط من (ح) و (س). (¬3) قوله: (أو إلى نصف الشهر) ساقط من (ح) و (س). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 6/ 149، 150.

فصل [في تعليق الطلاق بقدوم المسافر ونحوه]

فصل [في تعليق الطلاق بقدوم المسافر ونحوه] ومن قال: أنت طالق إن قدم أبي، أو إذا قدم أبي أو إن لم يقدم، لم يعجل بالطلاق الآن (¬1). إلا أن يريد بقوله "إذا" الوقت الذي يقدم فيه ليس لغرض في قدومه فيعجل الطلاق (¬2) الآن؛ لأنه طلاق إلى أجل، وإن قال: إن لم يقدم، فأتت الرفقة التي كان يرى أن يقدم فيها ولم يقدم طلقت عليه، وإن حبسه مرض أو عدو (¬3) أو عذر أو مات حنث على القول بمراعاة الألفاظ، ولم يحنث إذا كان قصده إن آثر المقام على القدوم. وقال مالك فيمن قال: إن لم يقدم أبي إلى يوم كذا فامرأته طالق، فلا يشبه هذا المطر لأنه يدعي أن الخبر (¬4) جاءه والكتاب بأن سيقدم (¬5). قال الشيخ - رضي الله عنه -: أمَّا إذا كان قصده ليقدمن فهو على شك من قدومه، وإن جاءه بذلك خبر أو كتاب، وينبغي أن يجري على الخلاف المتقدم فيمن كان على شكٍّ. وقال ابن القاسم في العتبية فيمن قال لامرأته: أنت طالق إن دخلت بيت أبيك حتى يقدم أخوك من سفره فمات أخوها (¬6) قبل أن يقدم، قال: إن كانت له نية في ذلك فأراد مثل ما يقدم من الحج وشبهه ولم يرد في ذلك الموت، وإنما ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 327، والبيان والتحصيل: 6/ 175. (¬2) فى (ح) و (س): (بالطلاق). (¬3) قوله: (أو عدو) زيادة في (ح) و (س). (¬4) فى (ب): (الخير). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 64. (¬6) قوله: (أخوها) ساقط من (ح) و (س).

فصل [في تعليق الطلاق على ما لا يصادف معه محلا]

أراد في ذلك (¬1) الأجل فلتقم إلى مثل ذلك وتدخل ولا شيء عليه، وإن لم تكن تلك نيته حنث (¬2). فصل [في تعليق الطلاق على ما لا يصادف معه محلا] وإن قال: أنت طالق إن مت أنا أو مت أنت فلا شيء عليه (¬3). إلا أن يريد نفي الموت. واختلف إذا قال: إذا مت فلا شيء عليه، وروى ابن وهب أنها تطلق (¬4)، ورأى أن الطلاق يسبق الموت ويلزم مثل ذلك إن قال: إن مت. وقد اختلف فيمن قال لعبده: إن بعتك فأنت حر، أو لزوجته: إن خالعتك فأنت طالق البتة، فباع أو خالع، فقيل: يحنث فيهما فيعتق العبد (¬5) ويرد ما أخذه في الخلع، والعتق والحنث يَسْبِقُ (¬6) البيع والخلع، وقيل: لا شيء عليه (¬7)؛ لأن البيع والخلع قبل العتق والحنث وهو أحسن، وإن قال: أنت طالق قبل موتك بشهر، كانت طالقًا الآن (¬8)، وقال أشهب في المجموعة: لا شيء عليه، قال: بمنزلة من قال لعبده: أنت حر قبل موتك بشهر، ورأى أنه طلاق ¬

_ (¬1) قوله: (في ذلك) ساقط من (ن). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 6/ 124. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 100. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 6/ 200. (¬5) انظر: المدونة: 2/ 388، والنوادر والزيادات: 5/ 274. (¬6) في (ح) و (س) و (ث): (سبق). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 270. (¬8) انظر: المدونة: 2/ 63.

فصل [هل يتكرر الطلاق بالتعليق على أمرين أحدهما أهم من الثاني]

لا يكشفه إلا الموت (¬1)، وإن قال: أنت طالق يوم أموت، كانت طالقًا الآن؛ لأن لليوم أولًا وآخرًا (¬2)، وقد كان الحنث قبل يوم الوت، إلا أن يكون القصد: إذا مت، وعلى قول أشهب: لا شيء عليه (¬3)، وإن قال: إذا مات فلان أو إن مات فلان (¬4)، كانت طالقًا الآن (¬5). فصل (¬6) [هل يتكرر الطلاق بالتعليق على أمرين أحدهما أهم من الثاني] وقال ابن القاسم فيمن قال لامرأة: إن تزوجتك فأنت طالق، ثم قال: كل امرأة أتزوجها من هذه القرية فهي طالق، وتلك المرأة منها ثم تزوجها، لوقع عليها طلقتان، ولا يُنوَّى وهو بمنزلة من قال: إن تزوجتك فأنت طالق ثم قال لجماعة نساء هي فيهن: إن تزوجتكن فأنتن طوالق، فتزوجها أنها تطلق عليه تطليقتين (¬7). قال محمد: وكذلك إن قال: إن كلمت إنسانًا، ثم قال: إن كلمت فلانًا فامرأته طالق، فكلمه فإنه يقع عليه تطليقتان، ولا ينوّى. وقال أشهب: إن كلَّم فلانًا لم يلزمه إلا طلقة ثم إن كلم إنسانًا غيره لزمته أخرى، قال: وهو بين أنه يلزمه تطليقتان إن كلم فلانًا، إلا أن يكون حاشا ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 100. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 6/ 178. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 100. (¬4) قوله: (فلان) ساقط من (ب). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 63، والتفريع: 2/ 18. (¬6) قوله: (فصل) ساقط من (ث). (¬7) انظر: المدونة (صادر): 9/ 5.

فصل [فيمن قال لامرأته: إن كنت تحبين فراقي فأنت طالق]

فلانًا فحملهما مع عدم النية فيها على طلقة (¬1). وقول ابن القاسم في هذا أحسن، ومحمل قوله أنه لا ينوّى على أن عليه بينة. فصل [فيمن قال لامرأته: إن كنت تحبين فراقي فأنت طالق] وقال مالك فيمن نازع امرأته ثم قال: إن كنت تحبين فراقي فأنت طالق، فقالت: فإني أحب فراقك، ثم قالت: كنت لاعبةً، وما أحبُّ فراقك، قال: أرى ألا يقيم عليها تصدقه مرة وتكذبه أخرى (¬2). فحمل جوابها بما يوجب الفراق على الصدق؛ لأن قصده كان ما تجاوبه به، وإن قالت: أنا أحبك، لم يجبر على فراقها، وقد قيل في هذا: إنه يجبر على الطلاق، وقد تقدم ذلك في كتاب العتق. وقال أشهب في كتاب محمد فيمن قال: امرأته طالق إن فلانًا فعل كذا وكذا، فقيل له: وكيف علمت ذلك؟ فقال: أخبرني فلان، قال: هو حانث إلا أن يكون له شاهدان عدلان. وقال مطرف في كتاب ابن حبيب في رجلٍ قال لرجلٍ: بلغني أنك رفعت عليَّ إلى السلطان أن عندي صدقة، امرأتي طالق لأرفعن عليك، فحلف له ما فعلت فترك أن يرفع عليه حتى عزل الساعي فلا شيء عليه (¬3)؛ لأن مراده: إن كان فعل، فلما حلف (¬4) علم أن ذلك لم يكن فلا شيء عليه. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 235. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 60. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 71. (¬4) قوله: (حلف) ساقط من (ب).

وقال ابن الماجشون: قد حنث لأنه حلف على تصديق من أخبره، ولا ينفعه أن يرفع عليه عند ساع آخر (¬1) ويمين المدعى عليه لا يبر بها الحالف؛ لأنه يتهم في يمينه أن يدفع بها عن نفسه أن يستعدي عليه الآخر، وعلى قول أشهب: لا يَبَرُّ إلا أن يخبره شاهدان أن الأمر كان على خلاف ما بلغه. وقال مالك فيمن كان بينه وبين رجل شرٌ، وكان (¬2) لأحد الرجلين أخ فلقيه أخوه الذي كان نازع أخاه، فقال: قد بلغني الذي كان بينك وبين أخي أمس، امرأته طالق لو كنت حاضرًا لفقأت عينيك، فقال: أراه حانثًا لأنه حلف على شيءٍ لا يبر فيه ولا في مثله (¬3). وقال في العتبية في رجلٍ كان بينه وبين رجل منازعة فجبذه بثوبه فقال له: لا تشقه عليَّ، فامرأته طالق لو شققته لشققت بطنك، وقال الثاني: امرأته طالق لو شققته لشققت كبدك إلا أن لا أقدر، فقال له مالك: استغفر الله لا شيء عليك، فقيل لمالك: كأنك لم تر عليه شيئًا إلا أن يشق الثوب، قال: نعم (¬4). والقول الأول أصوب لأنه شاك: هل كان يبر في يمينه أم لا؟ إذ لا (¬5) يقدر على ذلك إلا أن يعلم أن له قوة على الآخر، وأنه كان يقدر أن يمتثل ذلك لأنه على أحد أمرين: إما أن يفعل أو يحال بينه وبينه فيصير كالمكره، إلا أن يقصد المبالغة (¬6) كالذي حلف ألا يفارق غريمه ففرَّ منه أو يعلم أنه لا يفعل ذلك لأنه يخاف القصاص فيحنث. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 71. (¬2) فى (ح) و (س): (وقال). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 61، والنوادر والزيادات: 4/ 295. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 295، والبيان والتحصيل: 6/ 33. (¬5) قوله: (إذ لا) زيادة في (ب). (¬6) فى (ح) و (س): (المغالبة).

فصل [فيمن قال لامرأته: أنت طالق، ثلاث مرات]

فصل [فيمن قال لامرأته: أنت طالق، ثلاث مرات] وإذا قال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق (¬1)، هي ثلاث (¬2) إلا أن ينوي واحدة (¬3). واختلف إذا قال: أنت طالق، وأنت طالق، وأنت طالق، هل يُنَوَّى إن قال: أردت واحدة؟ فقال مالك: فيها إشكال، ووقف فيها، وقال ابن القاسم: لا ينوى، وأرى أنه لا يعطف الشيء على نفسه، وأرى أن ينوى إذا أتى مستفتيًا، وليس قبح ذلك في أنه لا يعطف الشيء على نفسه مما يوجب عليه طلاقًا؛ لأنه (¬4) لم ينوه؛ لأنه يقول: نويت بالثانية والثالثة (¬5) الأولى، وألا يكون ثانية ولا ثالثة، فهو طلاق بغير نية، وقد ذكر ابن شعبان فيمن قال: قد سرحتك، وقد سرحتك، وقد سرحتك- قولين: أحدهما: أنها طالق ثلاثًا. والثاني: أن القول قوله إن قال: أردت بالثاني تأخير الأول، ويحلف على ذلك، وهو إقراره، فقوله الأول: سرحتك إيقاع الطلاق، ثم قبل قوله في الثاني والثالث أنه لم يُرِدْ إحداث طلاقٍ (¬6)، وكذلك قوله: طلقتك وطلقتك وطلقتك، هو ثلاث، فإن قال: أردت بالثاني والثالث التأكيد- قُبِلَ قوله، ¬

_ (¬1) قوله: (طالق، أنت طالق، أنت طالق) فى (ح) و (س): (طالق طالق طالق). (¬2) فى (ح) و (س): (بانت بثلاث). (¬3) انظر: المدونة: 289/ 2، والنوادر والزيادات: 5/ 135، والبيان والتحصيل: 5/ 230. (¬4) ساقط من (ح) و (س). (¬5) قوله: (والثالثة) ساقط من (ح) و (س). (¬6) انظر: الزاهي، لابن شعبان، لوحة رقم: [100 / أ، 100 / ب].

فصل [فيمن قال لامرأته: أنت طالق إن دخلت هذه الدار, ونحو ذلك من الألفاظ التي فيها إجمال واحتمال]

وكذلك قوله: أنت طالق، وأنت طالق، وأنت طالق؛ لأن طالقًا لفظ يراد به إيقاع الطلاق ويراد به الإخبار عن الماضي، كما قال في الذي طلق زوجته فقيل له: ما صنعت؟ فقال: هي طالق، وقال: أردت الإخبار عما كنت فعلت- إنه يصدق، وقد تقدَّم القولُ أن طالقًا ليس باسم للفاعل (¬1)، وإنما يراد به النسبة أنها ذات طلاق، وإذا قال: لم أرد بالثاني والثالث الطلاق- لم يكن عليه شيء، وإن قال: أنت طالق فأنت طالق، فأنت طالق- بانت بالثلاث. ولو قال: أردت بالثنتين توكيد الأول، ولا بينة عليه، لرأيت أن يصدق الوجه الذي تقدم أنه لفظ بغير نية، وانظر قوله عزَّ وجلَّ: {حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ} [الكهف: 74] هل جاءت الفاء ها هنا لمعنى أو زائدة؛ لأنها لو سقطت لكان الكلام مستقلًا بنفسه؟ فصل [فيمن قال لامرأته: أنت طالق إن دَخَلْتُ هذه الدار, ونحو ذلك من الألفاظ التي فيها إجمال واحتمال] فإن قال: أنت طالق إن دخلت هذه الدار، فطلقها ثم دخل، فإن دخل في العدة -والطلاق رجعي- حنث بطلقة أخرى، وإن دخل بعد انقضاء العدة، ثم تزوجها لم يحنث بذلك الدخول، إلا أن يدخل بعد أن عادت زوجة، فإن عادت إليه بعد أن تزوجت زوجًا ثم دخل، فإن كان الطلاق الأول ثلاثًا لم يحنث الآن بدخوله، وإن طلقها واحدة، ثم دخل- حنث بما بقي من طلاق ذلك الملك، وإن حلف ألا يدخل هذه الدار، فأدخل يده أو رأسه لم يحنث. ¬

_ (¬1) فى (ح) و (س): (الفعل).

واختلف إذا أدخل رجله، فقال مالك: يحنث (¬1)، كمن حلف لا آكل رغيفين، فأكل أحدهما أنه يحنث، (¬2) قال: وكذلك لو حلف على زوجته لا خرجت، فأخرجت رجلها، ثم ردتها حنث (¬3)، وروى ابن وهب مثل ذلك عن ابن عمر، وسعد بن أبي وقاص، (¬4) وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: إذا أدخل رِجْلًا واحدة، فإن كان وقوفه عليهما- لم يحنث، وإن كان وقوفه على الداخلة (¬5)، وقد أقل الخارجة ليدخل ثم ذكر فخرج حنث، فإن أدخل رأسه وصدره وهو قائم- لم يحنث، وإن كان مضطجعًا حنث؛ لأن هذا جل البدن، وإن أدخل رجليه إلى وسطه حنث (¬6). وقال ابن القاسم وابن وهب وأصبغ: إن وضع رجله من وراء الباب أو في موضع من العتبة فمنع الغلق- فقد حنث (¬7). فأحنثه مالك إذا أدخل رِجلًا لأن القصد اجتناب الدار، وعلى مراعاة الألفاظ لا يحنث، ولا يقال: دخل فلان دار فلان إذا أدخل رجله، ولا يسمى داخلًا إلا أن يدخل بجسمه، وكذلك الخروج، لا يحنث بإخراج رجل، ومن قال: امرأته طالق ليلة أدخل دار فلان، فدخلها نهارًا، أو قال: يوم أدخل، فدخلها ليلًا- لم يحنث (¬8)، أو ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 81. (¬2) قوله: (كمن حلف لا آكل رغيفين، فأكل أحدهما أنه يحنث) ساقط من (ح) و (س). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 81. (¬4) قوله: (وروى ابن وهب مثل ذلك عن ابن عمر، وسعد بن أبي وقاص) ساقط من (ح) و (س). (¬5) زاد في (ح) و (س): (حنث). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 82. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 82. (¬8) فى (ح) و (س): (حنث). وانظر: المدونة: 2/ 66.

قال: يوم أدخل دار فلان فدخلها ليلًا لم يحنث (¬1)، وإن قال: أنت طالق إن دخلتُها ليلًا، فدخلها نهارًا، أو حلف إن دخلها نهارًا، فدخلها ليلًا لم يحنث على مراعاة الألفاظ (¬2). ¬

_ (¬1) قوله: (أو قال: يوم أدخل دار فلان فدخلها ليلًا لم يحنث) زيادة في (ح) و (س). (¬2) قوله: (على مراعاة الألفاظ) ساقط من (ح) و (س).

باب فيمن شك هل طلق واحدة أو ثلاثا؟ أو هل طلق أو لا؟ أو هل حلف بالطلاق، أو تيقن الحلف وشكـ في الحنث، أو تيقن الحلف وشكـ بماذا حلف؟

باب فيمن شكَّ هل طلق واحدة أو ثلاثًا؟ أو هل طلق أو لا؟ أو هل حلف بالطلاق، أو تيقن الحلف (¬1) وشكـ في الحنث، أو تيقن الحلف وشكـ بماذا حلف؟ (¬2) ومن المدونة قال مالك فيمن طلق زوجته ولم يدر هل طلقها واحدة أو اثنتين أو ثلاثًا: فلا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره (¬3). وقال في كتاب ابن حبيب: يؤمر بالفراق من غير قضاء (¬4)، فإن تزوجها بعد زوج ثم طلقها أمر ألا يرتجعها (¬5) الآن، وألا يتزوجها إلا بعد زوج، لإمكان أن يكون الأول ثنتين (¬6)، وقد أوقع بعد الطلاق الأول ثلاثًا. ويختلف في أمره في جميع ذلك هل هو على الوجوب أو يندب إلى ذلك من غير قضاء، ولا يختلف أنه يؤمر في أول مرة بالإمساك عن رجعتها ويتركها حتى تنقضي عدتها، ثم يتزوجها بعد زوج إن أحب، فإن هو ارتجع أمر ألا يصيب؛ لأنه لا يدري حلالًا أو حرامًا، ويؤمر أن يوقع عليها طلقة أخرى، لإمكان أن يكون طلقة واحدة فتكون الرجعة صحيحة، فلا تحل لغيره من غير طلاق؛ لأن الأول إنما منع لإمكان أن يكون ثلاثًا، ليس على وجه القطع أنها ثلاثًا، وإذا ¬

_ (¬1) قوله: (الحلف) ساقط من (ح) و (س). (¬2) فى (ح) و (س): (وضعت اللوحة 69 / ب) مكان اللوحة (70 / ب). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 67، عيون المجالس: 3/ 1246. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 139. (¬5) فى (ح) و (س): (ألا يراجعها). (¬6) فى (ح) و (س): (ثلاثًا).

امتنع الأول مع (¬1) الشك مع كونها حلالًا في الأول- كان الثاني أولى بالمنع؛ لأنه في شك من زوال عصمة الأول، فكان بقاؤها مع الأول بالشك أولى من إباحتها للآخر بالشك، إلا أن يوقع الأول عليها طلاقًا، فإن لم يفعل جبر على ذلك على قوله في المدونة، ولم يجبر على قوله في كتاب ابن حبيب، فإن لم يجبر وقف عنها، فرفعت أمرها إلى السلطان لأجل وقوفه عنها، وقالت: عليَّ في ذلك ضرر- طلق عليه الحاكم. فحرمها مالك في القول الأول؛ لأنه شاك في نفس المتناول هل هو حلال أو حرام؟ فأشبه من شك في الذكاة. ولم يحرمها في القول الآخر؛ لأنها في الأصل حلال بالزوجية، ففارق ما يفتقر إلى الذكاة؛ لأن الأصل فيها التحريم وعدم الذكاة حتى يثبت (¬2) أنه ذكي. واختلف عنه في المتوضئ يشك في انتقاض طهارته، فقال مرة: يجب عليه الوضوء ولا يستفتح الصلاة إلا بطهارة متيقنة (¬3)، وقال مرة: يستحب ذلك؛ لأنه على طهارة فلا يسقط حكمها بشك. واختلفت ألفاظ حديث النعمان في المشتبهات، فجعله مرة كالراعي حول الحمى وقال: "يوشك أن يقع فيه" (¬4)، فلم يجعله كالراعي في الحمى فيكون محرمًا، ومنع الرعي (¬5) حوله حِمَاهُ خوف أن يقع في الحرام، وهو الحمى، فيكون ¬

_ (¬1) فى (ح) و (س): (على). (¬2) فى (ح) و (س): (يعلم). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 82. (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 28، في باب فضل من استبرأ لدينه, من كتاب الإيمان، برقم (52)، ومسلم: 3/ 1219، في باب أخذ الحلال وترك الشبهات من كتاب المساقاة، برقم (1599)، من حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنه -. (¬5) فى (ب): (الراعي).

الترك على وجه الاستحسان، ويختلف على هذا إذا شك هل طلق أم لم يطلق؛ لأنه كالذي أيقن بالوضوء وشك في الحدث، فمن أوجب الوضوء هناك حرمها ها هنا، ومن أبقاه هناك على الطهارة وجعل الوضوء استحسانًا أمر هذا بالفراق على وجه الاستحباب، ولم يجبر، وكذلك إذا حلف بالطلاق وشك هل حنث أم لا؟ فقال ابن القاسم: يؤمر بالفراق (¬1). ويختلف هل يجبر على ذلك أو يستحب، والمعروف من المذهب في هذين القسمين أنه على وجه الاستحباب. وقال ابن القاسم في كتاب ابن حبيب في الشك في الطلاق: يختلف، فمنه ما يقضى عليه به، ومنه ما لا يؤمر به ولا يقضى عليه، ومنه ما يؤمر به ولا يجبر عليه (¬2)، فأما من شك في طلاق امرأته ابتداءً يقول: لا أدري حلفت فحنثت أو لم أحلف، فإنه لا يؤمر بطلاقها بفتوى ولا بقضاء (¬3)، ومثل أن يحلف على امرأته بطلاقها ألا تخرج، ثم يشك هل خرجت أو لا؟ أو لا أكلم فلانًا، ثم شك هل كلمه؟ فهذا لا يؤمر بالفراق بقضاء ولا بفتوى، فإن تسبب له في ذلك سبب أو تريب (¬4) منها أن تكون فعلت لخبر قد بلغه لم يتحققه- أمر بالحوطة من غير قضاء (¬5)، وأما إن حلف على أمر إن كان وهو مما قد مضى مثل أن يقول: امرأته طالق إن كنت تبغضيني (¬6)، أو كتمت عني خبر كذا، فتقول: إني أحبك، أو قد صدقتك، أو حلف بذلك على رجل بطلاق امرأته إن كتمه ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 62، والبيان والتحصيل: 5/ 429، 430. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 139، والبيان والتحصيل: 5/ 429. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 290. (¬4) فى (ح) و (س): (يريب). (¬5) فى (ب): (فضله). (¬6) فى (ح) و (س): (تبغضني).

أمرًا سأله عنه، فهذا كله وأشباهه مما الشك فيه قائم، وهو غيب من علمه وعمى من يقينه، فهذا الشك الذي يفرق بينه وبين امرأته في الفتوى والقضاء. وقال أصبغ: ومثله الذي شك هل حلف بواحدة أو ثلاثة، فإنه يفرف بينهما بالقضاء. ومنه أن يحلف فيحنث فلا يدري بأي يمين حلف، بطلاق أو عتاق أو بالله أو بمشي أو بظهار، فإنه يلزمه هذه الأيمان كلها في الفتوى (¬1) والقضاء، إلا ما كان منها ليس من أيمانه، ولا يجري على لسانه. وقال ابن القاسم في المدونة: لا يجبر على طلاق ولا عتق ولا صدقة ولا شيء من ذلك (¬2)، وإنما يؤمر بذلك في الفتوى (¬3)، قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما قول أصبغ أنه يجبر على الصدقة والمشي، فخلاف المعروف من المذهب؛ لأنه في الصدقة على غير معين في يمين، وهو في المشي أبين ألا يجبر؛ لأنه حق لله تعالى لا يتعلق به حق لآدمي، وهو بمنزلة لو قال: إن كلمت فلانًا فعلي صلاة أو صوم، فإنه لا يجبر، وإن شك هل طلق واحدة أو ثلاثًا؟ أُمِرَ ألا يرتجع الآن ولا يقربها حتى تنكح رجلًا غيره، فإن تزوجها بعد زوج ثم طلقها- كان له أن يرتجع قولًا واحدًا، فإن كان طلاقه الأول ثلاثًا فقد أحلها الزوج الآخر وبقيت عنده الآن (¬4) على تطليقتين، وإن كان الأول واحدة كانت هذه الطلقة ثانية، وبقيت عنده على واحدة، وإن طلقها طلقة أخرى- لم تحل له حتى تنكح زوجًا غيره، لإمكان أن ¬

_ (¬1) فى (ح) و (س): (الفتيا). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 400. (¬3) فى (ح) و (س): (الفتيا). (¬4) قوله: (الآن) زيادة في (ح) و (س).

فصل [فيمن قال لامرأته طلقتكـ وأنا صبي أو طلقتكـ وأنا مجنون]

يكون طلاقه الأول واحدة، فتكون هذه الثالثة، وإن شك هل طلق واحدة أو اثنتين- كان له أن يرتجع الآن، فإن ارتجع (¬1) ثم طلق- لم يرتجعها ولا يقربها (¬2) حتى تنكح زوجًا غيره، لإمكان أن يكون الأول طلاقًا (¬3) اثنتين، وإن شك هل طلق اثنتين أو ثلاثًا، ولم يشك في واحدة أنه أوقعها- لم يقربها إلا بعد زوج، لإمكان أن يكون ثلاثًا (¬4)، وإن تزوجها بعد زوج (¬5) ثم طلقها أمسك عنها أيضًا حتى تنكح زوجًا غيره، لإمكان أن يكون الأول اثنتين، فإن تزوجها أيضًا بعد زوج ثم طلقها- كان له أن يرتجع، فإن كان الأول ثلاثًا فقد بقي له فيها طلقة، وإن كان الأول اثنتين فقد بقي له فيها اثنتين. فصل [فيمن قال لامرأته طلقتكـ وأنا صبي أو طلقتكـ وأنا مجنون] وقال ابن القاسم فيمن قال لامرأته: طلقتك وأنا صبي، فلا شيء عليه، وإن قال: طلقتك وأنا مجنون؛ فلا شيء عليه إذا كان يعرف بالجنون (¬6). وفي كتاب الإقرار من كتاب محمد فيمن أقر لرجل بدار وقال: كنت يوم أقررت لك سفيهًا مولى عليَّ، أو صغيرًا أو ضرب على يدي في فلس، أو ¬

_ (¬1) فى (ح) و (س): (ارتجعها). (¬2) قوله: (ولا يقربها) زيادة في (ح) و (س). (¬3) قوله: (طلاقًا) زيادة في (ح) و (س). (¬4) قوله: (أن يكون ثلاثًا) فى (ح) و (س): (أن تكون ثالثة). (¬5) قوله: (بعد زوج) زيادة في (ح) و (س). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 69، والنوادر والزيادات: 9/ 385، والبيان والتحصيل: 11/ 277.

فصل [فيمن قال لزوجته أصبعكـ طالق أو رجلكـ أو يدك أو شعرك أو كلامكـ أو قال أنت طالق نصف تطليقة]

موسوسًا أو حربيًا أو خارجيًا، قال: إن كان ثبت أنه كان كذلك- لم يلزمه إقراره الآن إذا حلف (¬1)، وأما قوله: وأنا صبي، فلا شيء عليه؛ لأنه معلوم أنه كان صغيرًا إذا حلف أنه لم يقر إلا بما كان (¬2) في ذلك الوقت. وقال محمد: إذا كان قوله قولًا متصلًا فهو مصدق؛ لأنه إقرار بلا بينة عليه, وهذا أصل أشهب: أنه لا يؤخذ بغير ما أقر به، وأصل ابن القاسم أنه مقر مدَّعٍ، وهو قوله في مسألة الدم (¬3)، وفي الذينِ وجدا في بيت فأقرا بالوطء، وقالا: نحن زوجين، ويلزم على قوله ألا يقبل قوله إذا قال: طلقتك وأنا صغير أو مجنون، وهو معروف أنه كان يجن؛ إلا أن يعلم أنها كانت زوجة في الصغر، وفي حال كونه مجنونًا إلا أن يقول: كنت قلت: إن تزوجتك فأنت طالق، وقول أشهب في هذا كله حسن. فصل [فيمن قال لزوجته أصبعكـ طالق أو رجلكـ أو يدك أو شعرك أو كلامكـ أو قال أنت طالق نصف تطليقة] وإن قال: أصبعك طالق أو رجلك أو يدك- كانت طالقًا (¬4)، واختلف إذا قال شعرك أو كلامك (¬5)، وقد مضى ذلك في كتاب التمليك، وإن قال: أنت طالق نصف تطليقة- لزمه طلقة (¬6)، وإن قال: طلقة ونصف- كانت طلقتين، ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 343. (¬2) قوله: (بما كان) زيادة في (ح) و (س). (¬3) فى (ح) و (س): (الورم). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 69. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 133، 134. (¬6) قوله: (لزمه طلقة) ساقط من (ح) و (س).

وإن قال: طلقتين ونصف- بانت بثلاثٍ (¬1)، وإن كُنَّ أربع نسوة، فقال: بينكن طلقة، وقع على كل واحدة طلقة (¬2)، وكذلك إذا قال: اثنتين (¬3) أو ثلاث، وإن قال: خمس إلى سبع- كان على كل واحدة اثنتان، وإن قال: تسع- بانت كل واحدة بثلاث، وإن قال لواحدة: أنت طالق، ثم قال للأخرى أنت شريكتها- كان على الثانية طلقة. وإن قال للأولى: أنت طالق ثلاثًا وللأخرى: أنت شريكتها- كان على الأخرى اثنان، تَكْمُلُ النصف طلقةً، وإن كن ثلاث نسوة فقال لواحدة: أنت طالق ثلاثًا، وللأخرى: أنت شريكتها، وللثالثة: أنت شريكة الثانية على الثالثة (¬4) - كان على الثالثة طلقة؛ لأنه إنما على الثانية طلقتان، وإن قال للثالثة: أنت شريكتهما- بانت بثلاث لأنها شاركت (¬5) الأولى في ثلاث، فيقع عليها طلقتان والأخرى طلقة (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 69، والإشراف: 2/ 748. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 133. (¬3) فى (ح) و (س): (اثنتان). (¬4) قوله: (على الثالثة) زيادة في (ح) و (س). (¬5) فى (ح) و (س): (تشارك). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 133، والبيان والتحصيل: 6/ 348.

باب فيمن قال لزوجتيه: إحداكما طالق، وهو ينوي إحداهما أو لا نية له

باب فيمن قال لزوجتيه: إحداكما طالق، وهو ينوي إحداهما أو لا نية له ومن قال لزوجتيه إحداكن (¬1) طالق، وقال: نويت هذه- صدق. واختلف في يمينه هل يحلف أنه نواها، ولا أرى أن يحلف إذا نسق قوله، وإن لم يكن نسقًا، وكانت منازعته (¬2) معها، فإن قال: نويت الشابة أو الحسنة منهما، أو من يعلم منه الميل إليها- لم يحلف، وإن قال: نويت الأخرى حلف. إلا أن تكون المنازعة معها، فلا يحلف. وإن لم تكن عليه بينة لم يحلف على حال. وإن نوى واحدة ثم أنسيها - حرمتا عليه. فإن كان الطلاق رجعيًا فارتجعا في العدة ونوى بالرجعة المطلقة- حلتا جميعًا. وإن لم يرتجع حتى انقضت العدة لم تحلا إلا أن يستأنف النكاح لهما. وإن كان الطلاق ثلاثًا لم تحلا إلا بعد زوج، ولا يوجب نفس التحريم طلاقًا. وإن انقضت العدة يُنَوَّى (¬3) الطلاق الأول إلا في واحدة، والأخرى في العصمة إلا أن يقوما بحقهما في الوطء. ويختلف هل يطلق (¬4) عليه إذا قامتا، إذ لا فائدة في الصبر، أو يتربص (¬5) حتى ينقضي أجل الإيلاء، رجاء أن تصبر (¬6) بعد أو يحدث لها رأي، والصبر ها هنا أحسن؛ لأنه يرجو أن يتذكر، فإن هو طلق ونوى التي لم يكن طلق- حلتا للأزواج، وإلا ¬

_ (¬1) فى (ب): (إحداهما). (¬2) فى (ب): (منازعة). (¬3) فى (ح) و (س): (سِوى). (¬4) فى (ب): (تطلق). (¬5) فى (ح) و (س): (تتربص). (¬6) فى (ح) و (س): (يصبر).

طلق عليه السلطان ونُوِّيَ التي لم يكن (¬1) طلق، ولو رضيت واحدة بالمقام كان للأخرى القيام؛ لأنها تقول: إن كنت المطلقة فلا حق له علي، وإن كنت التي لم تطلق (¬2) فلي حق في الإصابة، فإذا حيل بينه وبين ذلك كان إمساكي ضررًا عليَّ من غير منفعة له، وإن مات قبل أن تقوما- ورثاه الربع، إن لم يكن له ولد، والثُّمن إن كان له ولدة لأنه مات عن زوجة بيقين، ثم يقسمان ذلك بينهما بالسواء، وإن لم يكن دخل- كان عليه صداق ونصف يقتسمانه جميعًا، وإن ماتا قبله لم يرثهما على أحد القولين؛ لأنه في مال كل واحدة يجب على شك (¬3) أن يتناول منه شيئًا هل له فيها أم لا؟ وقيل: يرث من كل واحدة نصف ميراثه، وإن ماتت إحداهما قبله والأخرى بعده- كان له من التي ماتت قبله نصف ميراثه على أحد القولين، وعلى القول الآخر لا شيء له، وكذلك التي بقيت بعده يختلف هل ترث منه نصف ميراثها أم لا؟ لأنه يمكن أن تكون هي المطلقة، وليس هذا بمنزلة إذا مات عنهما؛ لأنه مات عن زوجة بيقين، وإنما التنازع بينهما، والعدة إذا طلقتا من يوم يحكم بالطلاق، وكذلك إذا قامت إحداهما أن (¬4) عدتها من يوم يطلق، لإمكان أن تكون هي التي لم يتقدم فيها طلاق وإن مات عنهما اعتدت كل واحدة أربعة أشهر وعشرا؛ لأن كل واحدة تشك هل هي زوجة إلا أن يكون الموت عقيب الطلاق الأول وقبل أن يحكم عليه (¬5) بالطلاق فتعتد كل واحدة أقصى العدتين، وإن كان الطلاق ثلاثًا، وإن ¬

_ (¬1) قوله: (لم يكن) زيادة في (ح) و (س). (¬2) فى (ح) و (س): (يطلق). (¬3) قوله: (على شك) ساقط من (ح) و (س). (¬4) قوله: (أن) زيادة في (ح) و (س). (¬5) قوله: (عليه) ساقط من (ح) و (س).

فصل [فيمن قال لزوجتيه إحداكما طالق ولا نية له]

كان رجعيًا فأربعة أشهر وعشرا، وإن ادعى الزوج أنه تذكر في التي طلق صدق، وسواء قال ذلك في العدة أو بعد انقضائها، وكل من ادعى النسيان والشك قبل قوله، إذا قال: تذكرت، وإن قال ذلك بعد موت إحداهما، فإن ادعى أن الحية هي التي لم تطلق صدق، وإن ادعى أنه طلق الحية ليرث الميتة لم يصدق. فصل [فيمن قال لزوجتيه إحداكما طالق ولا نية له] واختلف إذا قال: لم تكن لي نية، فقال مالك مرة: تطلقان عليه جميعًا. يريد: إذا قامتا بالطلاق قال محمد: وهذه رواية ابن القاسم وابن وهب وأشهب، وروى المدنيون عنه أنه قال: يخير فيمن شاء منهما، فيوقع الطلاق عليها كالعتق (¬1)، وقال محمد: لا خيار في ذلك بخلاف العتق؛ لأنَّ العتق ربما تبعض في الأمة ولا يتبعض الطلاق، وقد يقع في العتق السهم، قال الشيخ -رحمه الله-: وهذه تفرقة في غير موضع الحاجة لأنه إذا قال: أحدكما حر، لم يتبعض العتق، وإنما أعتق واحدًا (¬2) وطلق واحدة، ولو حمل على التبعيض لأعتق نصف كل واحد (¬3) منهما وهو لم يقل ذلك، وإنما قال هو بالخيار، يعتق أحدهما وإذا لم يجعل في ذلك خيارًا كان العتق والطلاق في هذا الموضع واحدًا، ويعود الجواب إلى ما تقدَّم إذا عَّين واحدة ثم نسيها، أن له أن يرتجع في العدة، وينوى من لم يقع عليها طلاق، وتحلان له، وإن انقضت العدة استأنف النكاح، ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 142. (¬2) فى (ح) و (س): (واحدة). (¬3) فى (ح) و (س): (واحدة).

فصل [في عطف طلاق الزوجات بما فيه إبهام أو إضراب]

ولا تحلان لغيره إلا أن يوقع الطلاق أو يوقعه الحاكم على الباقية منهما، فإن مات ورثاه. فصل [في عطف طلاق الزوجات بما فيه إبهام أو إضراب] وإن قال: أنت طالق، أو أنت، كان بالخيار بين أن يطلق أيهما أحب (¬1)، ولو قال: أو (¬2) أنت بنية إحداهما بعد تمام قوله: أنت طالق، طلقت الأولى؛ لأنه لا يصح رفع الطلاق عنها بعد وقوعه، ولا تطلق الثانية لأنه جعل طلاقها على خيار، وهو لا يختار طلاقها لما طلقت الأولى، وإن قال: أنت طالق ثم قال لأخرى: بل أنت، طلقتا جميعًا (¬3) لأنه أوجب الطلاق في الثانية وإضرابه عن الأولى لا يرفع عنها طلاقًا، وإن قال: أنت طالق لا أنت، طلقت الأولى خاصة، لأنه نفى الطلاق عن الثانية إلا أن يريد بقوله "لا" النفي عن الأولى، ثم التفت إلى الثانية فقال: أنت، أي أنت التي تكون طالقًا، فتطلقان جميعًا (¬4)، وإن كن ثلاثًا فقال لاثنتين منهما: أنت طالق أو أنت، ثم التفت إلى الثالثة فقال: أو أنت، فإن طلق الأولى كان بالخيار بين الوسطى والآخرة، وإن طلق الثالثة كان بالخيار بين الأولى والوسطى، وإن طلق الوسطى لم يقع على الأولى والثالثة طلاق، وإن اختار إمساك الوسطى طلقت الأولى، وإن أمسك الأولى طلقت الوسطى خاصة، وإن أمسك الآخرة طلقت الوسطى؛ لأنه بإمساك الأولى والآخرة مختارًا لطلاق الوسطى، واختياره لطلاق الوسطى اختيار لإمساك ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 359. (¬2) قوله: (أو) ساقط من (ح) و (س). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 145. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 145.

الأولى والآخرة، وإن قال لثلاث أيضًا: أنت طالق، أو أنت، بل أنت، فإن أراد بقوله: بل أنت الإضراب عن الثانية أي: أنت فيك الخيار بينك وبين الأولى، سقط الخيار فيها وكانت زوجة وطلقت الأولى، وكان بالخيار في الثالثة، وإن أراد بقوله: بل أنت أن يكون الخيار بينها وبن الثانية وتبقى الأولى زوجة كانت زوجة كما قال وطلقت الثانية، وكان بالخيار في الثالثة، وان قال: أنت طالق بل أنت أو (¬1) أنت (¬2)، طلقت الأولى وكان بالخيار بين الوسطى والثالثة، وإن قال: أنت طالق لا أنت بل أنت، طلقت الأولى والآخرة، إلا أن يريد بقوله: "لا" رفع الطلاق عن الأولى، واثبات الطلاق عن الثانية (¬3) طلق جميعهن، وفي كتاب ابن سحنون فيمن له أربع نسوة فقال لواحدة: أنت طالق، ثم قال (¬4) للثانية: لا أنت، ثم للثالثة: أو أنت، ثم للرابعة: بل أنت، وذلك نسق (¬5) قال: تطلق الأولى ولا شيء عليه (¬6) في الثانية، ويحلف (¬7) في الثالثة وتطلق الرابعة، قال: وقال بعض أصحابنا: يخير بين الأولى والثالثة، ولا شيء له (¬8) في الثانية، وتطلق الرابعة، قال (¬9): ولو قال لثلاث نسوة: أنت طالق بل أنت أو أنت، ففي قول سحنون تطلق الأولى والثانية، ويخير (¬10) في الثالثة، وفي القول الآخر ¬

_ (¬1) فى (ح) و (س): (و). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 145. (¬3) فى (ح) و (س): (الثالثة). (¬4) قوله: (قال) زيادة في (ح) و (س). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 145. (¬6) قوله: (عليه) ساقط من (ح) و (س). (¬7) فى (ب): (يختلف). (¬8) قوله: (له) زيادة في (ح) و (س). (¬9) قوله: (قال) زيادة في (ح) و (س). (¬10) في (ح) و (س): (ويحلف).

يخير (¬1) في الأولى والثالثة وتطلق الثانية، ولو قال: أنت طالق وللثانية: لا أنت، وللثالثة: بل أنت، وللرابعة: أو أنت، لخير في الأولى والرابعة ولم تطلق الثانية وطلقت الثالثة. ¬

_ (¬1) فى (ح) و (س): (يجبر).

باب في الاستثناء في الطلاق

باب في الاستثناء في الطلاق ومن طلق زوجته وعلق ذلك بمشيئة فلا يخلو من اربعة اوجه: إمَّا أن يعلق ذلك بمشيئة الله تعالي (¬1) , أو بمشيئة آدمي حي أو ميت أو جماد (¬2) , وقد تقدم في كتاب النذور ذكرُ الاستثناء بمشيئة الله عزَّ وجلَّ، فإن قال: أنت طالق إن شئتُ أو شئت أنت أو شاء فلان (¬3)، لم يقع الطلاق إلا أن يوقعه هو أو هي أو فلان، فإن مات فلان (¬4) قبل أن يعلم أو بعد أن علم، وقبل أن يقضي أو لم يعلم هل قضى بشيء أم لا؟ بقيت زوجة، وكذلك إن كان (¬5) فلان ميتًا، ولم يعلم الزوج بموته فلا شيء عليه، واختلف إذا كان عالمًا بموته فقيل: لا شيء عليه، وقيل: يقع عليه الطلاق، ويعد نادمًا في قوله: إن شاء فلان. وإن قال: أنت طالق إن كلمت فلانًا، إلا أن يشاء فلان، وفلان ميت، كانت اليمين منعقدة، فإن كلمه طلقت عليه وإن قال: أنت طالق إن شاء هذا الحجر أو لا كلمت فلانًا إلا أن يشاء هذا الحجر، أو إن شاء هذا الحجر افترق الجواب، واختلف (¬6) إن قال: إن شاء هذا الحجر، فقال ابن القاسم: لا شيء عليه، وقال سحنون: يقع عليه الطلاق ويعد نادمًا، وكذلك قوله: إن شاء هذا الحجر على ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 70. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 70، 71. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 406. (¬4) قوله: (فلان) ساقط من (ح) و (س). (¬5) في (ح) و (س): (قال). (¬6) قوله: (واختلف) ساقط من (ح) و (س).

قول ابن القاسم لا شيء عليه (¬1)، وقال أصبغ في كتاب محمد فيمن نازع امرأته فغضب فقال: أنت طالق إن شاء هذا العمود، إنها طالق، إذا لم تكن المنازعة في العمود أنه عمود، ويحمل على أنه نادم (¬2)، وأرى أن يحلف في جميع ذلك وينوى (¬3) إن كانت عليه بينة، وإن جاء مستفتيًا لم يحلف إلا أن تقوم الزوجة وتدعي أنه نادم وتريد يمينه فيحلف لأنه أتى بذلك نسقًا، فكان حمله على أنه أراد ذلك أولى لأن أدنى منازله أن يشك هل أراد ذلك أم لا، ولا يقطع أنه نادم، فلا تخرج من عصمته بالشك، قال أشهب في المجموعة: إن قال: والله لا أكلمك حتى يشاء هذا الحجر، فلا يكلمه أبدًا لأنه استثنى مشيئة من لا يشاء، واختلف إذا قال: أنت طالق ثلاثًا أنت طالق ثلاثًا إن فعلت كذا وكذا، قال مالك: يلزمه الطلاق بقوله الأول والثاني ندم (¬4). وقال ابن القاسم: يحلف ما كان ذلك منه، إلا تكرارًا، ثم هو على يمينه وهذا أبين. واختلف إذا قال: أنت طالق إلا أن يشاء فلان، فقيل: الطلاق لازم، ولا ينفعه استثناء؛ لأن الطلاق لا يرتفع بعد وقوعه؛ بخلاف قوله: إن شاء فلان، فإن الطلاق غير واقع حتى يوقعه فلان. وقال أصبغ في المنتخبة: إذا قال: أنت طالق إلا أن يمنعني أبي، فمنعه أبوه، فلا شيء عليه إذا منعه، فردَّ عليه وهو بمنزلة من قال: إلا أن يشاء أبي، فلم يشأ أبوه (¬5)، قال: وأصل ذلك قوله: أنت طالق إن شاء أبي، يريد أن قوله: إلا أن لا يشاء أبي (¬6) يبين أنه لم يرد أن يكون ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 53. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 52، 53. (¬3) فى (ح) و (س): (ويبرأ). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 280. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 270. (¬6) قوله: (يشاء أبي، فلم يشاء. . . إلا أن لا يشاء أبي) ساقط من (ح) و (س).

فصل [فيمن قال لزوجته أنت طالق ثلاثا إلا واحدة أو قال إلا اثنتين]

وقوع الطلاق منه، وإنما أراد أن يكون موقوفًا (¬1) على ما يشاء أبوه، فإن كره لم يكن طلاقًا. فصل [فيمن قال لزوجته أنت طالق ثلاثا إلا واحدة أو قال إلا اثنتين] فإن قال: أنت طالق ثلاثًا إلا واحدة (¬2)، لزمه تطليقتان (¬3) واختلف إذا قال: إلا اثنتين، فقال محمد: يصح استثناؤه، ويلزمه طلقة (¬4). وقيل: لا يصح ويلزمه الثلاث، وذكر أبو محمد عبد الوهاب في مقدمة الأصول منعه، قال: وأجازه الجمهور من أصحابنا، قال: ودليلنا أن موضع الاستثناء أن يخرج من الكلام ما لولاه لانتظمه، وهذا حاصل في الكثير كحصوله في القليل، ولأنه ليس يتعلق في منعه إلا بقبحه وأنه قليل في الاستعمال، أو معدوم، وهذا لا يؤثر لأن الكلام في الصحة لا في القبح ولا في الحسن، قال الشيخ - رضي الله عنه -: الاستثناء بالطلاق يصح فيما كانت النية فيه قبل أو حدثت قبل تمام الطلاق وانعقاده، وإذا كان كذلك فلا يخلو المستثني أن يكون مستفتيًا أو عليه بينة، فإن كان مستفتيًا صح استثاء الأكثر والجميع، ولو قال: أنت طالق واحدة إلا واحدة لم يلزمه شيء (¬5) إذا قال: نويت ذلك قبل النطق بالطلاق أو بعد في موضع لو سكت لم يكن طلاقًا؛ لأنه طلاق بنطق من غير نية ويختلف إذا كانت عليه بينة؛ لأن قبحه يصيره في معنى من أتى بما لا يشبه، وبمنزلة من قال: أنت ¬

_ (¬1) فى (ب): (موقعًا). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 139. (¬3) فى (ح) و (س): (لزمته طلقتان). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 130. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 130، 132، والمعونة: 1/ 569.

طالق إن شاء هذا الحجر، فقد اختلف هل يعد نادمًا، ويختلف أيضًا إذا طلق اثنتين إلا واحدة (¬1) لأن واحدة من اثنتين ليست الأقل وهو بمنزلة من قال: ألف إلا خمسمائة، وأما الإقرار بالدين فإن استثنى الأقل (¬2) صدق، ويختلف إذا استثنى الأكثر فعلى أصل قول (¬3) أشهب لا يؤخذ بغير ما أقر به، وعلى القول الآخر لا يصدق؛ لأنه أتى بما لا يشبه ويعد نادمًا إلا أن يُشْهِد قبل أن يقر أنه يستثني الأكثر فيكون ذلك له قولًا واحدًا، ولأنه لو أشهد أن لا شيء له عندي، وإنما أُقِرُّ بذلك لأستخرج به شيئًا كتمنيه، أو لأتوصل بذلك لشيء لا (¬4) أني أدفع ما أقر به لم يكن عليه شيء، فهو إذا استثنى الأكثر أبين ألا يؤخذ بغير ما أقر به، والمستقبح من هذا أن يستثني عددًا من عدد فيقول: ألف إلا تسعمائة، أو قال: عبيدي أحرارٌ إلا الصقالبة أو الحمران، وهم الأكثر، أو عقاري حبس إلا الضياع الفلانية، وهي الأكثر والأجود، لكان ذلك له؛ لأنه مطلق الأول لم يتضمنه حقيقة ويمكن أن يريد البعض (¬5) وبخاصة على من لم يقل بالعموم، وليس كذلك مطلق قوله: ألف. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 130، 132. (¬2) فى (ح) و (س): (الأول). (¬3) قوله: (قول) ساقط من (ح) و (س). (¬4) قوله: (لأتوصل بذلك لشيء لا) فى (ح) و (س): (لا يتوصل بذلك لأمر ليس لأني). (¬5) فى (ح) و (س): (البضع).

باب في الطلاق قبل النكاح والعتق والصدقة قبل الملكـ

باب في الطلاق قبل النكاح والعتق والصدقة قبل الملكـ الطلاق قبل النكاح على وجهين: أحدهما (¬1) عام والآخر (¬2) خاص، فيسقط إذا عم، ويختلف فيه إذا خص، الأول قول الحالف: كل امرأة أتزوجها فهي (¬3) طالق، فيمينه ساقطة؛ لأن يمينه تقتضي عموم النساء، والأزمنة والبلدان، وذلك حرج، والحرج ساقط بالقرآن (¬4). واختلف إذا عم ملك اليمين فقال: كل أمة أتسراها حرة، فقيل: لا شيء عليه كعموم الطلاق. وقيل: يلزمه؛ لأنه أبقى النكاح. وهو أحسن؛ لأن العمدة التزويج، وعليه معظم الناس، والتسري في جنب النكاح يسير، ولا تلحق المضرة بالاقتصار على النكاح، وتلحق بالاقتصار على التسري، وللناس رغبة في التناسل، ورغبة عن ذلك من الإماء، وإن قال: كل أمة أتزوجها طالق - لزمه؛ لأنه أبقى الحرائر، واختلف إذا قال: كل حرة أتزوجها طالق، وأرى أن لا شيء عليه، وسواء كان ذا طول أم لا؛ لأن الاقتصار على الإماء مما يدرك به الحرج، قياسًا على عموم النكاح إذا أبقى التسري، ولأن المعرة تدرك بتزويج الإماء، ولا تدرك بتسريهن، فكان النكاح في ذلك أشد، وتدركه المعرة أيضًا بإرقاق ولده. واختلف إذا خص في النكاح فسمى امرأةً أو جنسًا أو قبيلةً أو بلدًا أو ¬

_ (¬1) قوله: (أحدهما) ساقط من (ح) و (س). (¬2) قوله: (والآخر) ساقط من (ح) و (س). (¬3) قوله: (فهي) ساقط من (ح) و (س). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 71.

زمنًا يبلغه عمره، هل يلزمه ذلك؟ وإن قال: كل بكر أتزوجها أو كل ثيب فهي طالق- لزمه على القول أنه إذا خص يلزمه اليمين، واختلف إذا قال: كل بكر ثم قال: كل ثيب، أو كل ثيب ثم قال: كل بكر (¬1)، هل تلزمه اليمين الثانية؟ وأن لا شيء عليه أحسن؛ لأنه قد عم جميع النساء، ولم يبق من يتزوج، وإن قال: أول امرأة أتزوجها (¬2) طالق - لزمه (¬3)؛ لأنه أبقى ما بعد الأولى، فلا يحنث إلا في امرأة واحدة، واختلف إذا قال: آخر امرأة أتزوج طالق، فقال ابن القاسم في كتاب محمد: لا شيء عليه، وقال في العتبية: وهو مثل من حرم جميع النساء؛ لأنه كلما تزوج امرأة فرق بينه وبينها، قال (¬4): ولعل تلك المرأة آخر امرأة يتزوجها، فلا تستقر معه امرأة، وقال محمد وسحنون: يلزمه ذلك، ويوقف عنها، خوف ألا يتزوج غيرها، فإن تزوج غيرها حلت الأولى، ويوقف عن (¬5) الثانية، فإن تزوج ثالثة، وقف عنها، وحلت الثانية (¬6)، وإن تزوج رابعة وقف عنها، وحلت الثالثة (¬7)، والصواب أن لا شيء عليه في أول امرأة يتزوج؛ لأنه لم يعقد فيها يمينًا، إذا قال: آخر امرأة، علمنا أنه جعل لنكحه أولًا ولم يرده باليمين وأخرى علق به اليمين (¬8) وإذا قال: أول امرأة أتزوج طالق ثم قال بعد ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 118. (¬2) في (ب) و (ث): (أتزوج). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 124. (¬4) قوله: (قال) ساقط من (ح) و (س). (¬5) فى (ح) و (س): (على). (¬6) فى (ح) و (س): (الثالثة). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 123. (¬8) قوله: (إذا قال: آخر امرأة. . . وأخرى علق به اليمين) ساقط من (ب).

ذلك: آخر امرأة أتزوج (¬1) - انعقد اليمين فيهما جميعًا، بخلاف من قال: كل بكر ثم قال: كل ثيبٍ؛ لأن هذا قادر على أن يصيب بغير حنث، فإن تزوج بامرأة- طلقت؛ لأنها أول، وإن تزوج ثانية كانت اليمين منعقدة فيها؛ لأنه قادر على أن يتزوج أخرى وتحل الثانية. واختلف إذا قال لزوجته (¬2): كل امرأة أتزوجها عليك في حياتك وبعد وفاتك طالق، فقال ابن القاسم في الدمياطية: يلزمه فيما تزوج في حياتها، ولا يلزمه فيما تزوج بعد وفاتها. وقال أشهب: لا يلزمه (¬3) شيء، وهو بمنزلة من قال: لا أتزوج أبدًا، وهو أبين؛ لأن المفهوم والقصد ألا يتزوج أبدًا، هذا في حق الله تعالى، وأما في حق الزوجة فإن لها أن تقوم بطلاق ما يتزوج في حياتها؛ لأنها تقول: جعلت ذلك لئلا يدخل عليَّ ما يسوءني في حياتي، فزدت على (¬4) ذلك بعد وفاتي على أن أقوم بما يكون في حياتي؛ لأنه مما يقدر على الوفاء به، ويسقط ما بعد ذلك. وقال ابن القاسم في كتاب محمد فيمن قال لامرأته: كل امرأة أتزوجها غيرك طالق: لزمه ذلك، قال: وهو بمنزلة قوله: كل امرأة أتزوجها عليك طالق، وقال محمد: لا شيء عليه (¬5)، وإنما تكلم ابن القاسم على ما يجب من حق المرأة؛ لأن القصد في مثل ذلك ألا يسوءها بضرة في حياتها، يتزوجها عليها، ولا يتزوج بعدها، وأوجب ذلك لها عليه، فوجب أن يوفي لها ¬

_ (¬1) قوله: (ثم قال بعد ذلك: آخر امرأة أتزوج) ساقط من (ب). (¬2) فى (ح) و (س): (لامرأته). (¬3) قوله: (يلزمه) ساقط من (ح) و (س). (¬4) قوله: (على) ساقط من (ب). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 117.

فصل [فيمن حلف ألا يتزوج إلى أجل]

بما يكون في حياتها، وقبل أن يطلقها؛ لأن ذلك لا حرج عليها فيه (¬1)، فكانت في هذا الوجه بمنزلة من قال: لا أتزوج عليك، ولا بعد وفاتك. فصل [فيمن حلف ألا يتزوج إلى أجل] وقال مالك فيمن حلف ألا يتزوج إلى أجل كذا مما يرى أنه يعيش إليه- لزمه، وإلا لم يلزمه (¬2). وقال في غلام له عشرون سنة حلف في سنة ستين ومائة أن كل امرأة يتزوجها إلى سنة مائتين طالق، إن اليمين لازمة له (¬3)، والقياس في هذا أن لا شيء عليه؛ لأنه قد عم المعترك من العمر، وزمن الشبيبة الوقت الذي يحتاج إليه في مثل ذلك، ويشق عليه الصبر فيه، ولم يبق إلا الموت أو قلة حراك (¬4)، وأرى: أنه لو قال: كل امرأة أتزوجها بعد ثلاثين سنة أو أربعين سنة، وهو ابن عشرين سنة، أنه يلزمه؛ لأنه أبقى لنفسه الزمن الذي يحتاج إليه لذلك، وعم زمنًا لا يلحقه في مثله (¬5) مشقة، والمضرة التي تلحقه إذا حلف أنه لا يتزوج إلى أربعين سنة أعظم من المضرة التي تلحقه إذا أبقى لنفسه هذه السنن، وعلق المنع بما بعدها، واختلف إذا كان الأجل حياة فلان، فقال: كل امرأة أتزوجها ما عاش فلان طالق، فقيل: يلزمه لإمكان أن يموت (¬6) فلان قبله، وقال مالك في مختصر ما ليس في المختصر: لا شيء عليه. يريد: (¬7) لإمكان ¬

_ (¬1) قوله: (فيه) ساقط من (ب). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 72، والنوادر والزيادات: 5/ 120. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 72. (¬4) قوله: (الموت أو قلة حراك) فى (ح) و (س): (موت أو قلة حركة). (¬5) قوله: (في مثله) فى (ح) و (س): (فيه). (¬6) فى (ح) و (س): (يكون). (¬7) قوله: (يريد:) ساقط من (ب).

أن يموت هو قبل فلان، فيكون بمنزلة من عم جميع الأزمنة، وإن قال: كل امرأة أتزوجها من قبيل كذا- لزمه. وإن قال: إلا من قبيل كذا، فإن كان ذلك القبيل واسعًا لزمه، وإن كان قليلًا لم يلزمه. وإن قال: كل امرأة أتزوجها من مدينة كذا- فيلزمه (¬1). وإن قال: إلا من مدينة كذا، فإن كانت كبيرة لزمه، وإن كان فيها النفر اليسير لم يلزمه، وهذا قول ابن القاسم، وإن قال: كل (¬2) امرأة أتزوجها فنوى فلانة لم يلزمه. قال محمد: ولو قالت له تلك المرأة: أنا أسهل عليك وأتزوجك- لم يلزمه. وقال مطرف وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: الذي سمعنا من مالك وغيره من علماء المدينة إذا قال: كل امرأة أتزوجها إلا فلانة طالق- أن ذلك يلزمه (¬3). قال ابن الماجشون، وإن كان التي استثنى متزوجة أو أيِّمًا ثم تزوجت (¬4) كانت اليمين لازمة (¬5)، وينتظر رجوعها، وكذلك لو تزوجها ثم طلقها ألبتة، فإنه ينتظرها (¬6)؛ لأنها قد تتزوج فيبرأ أو يموت عنها فترجع حلالًا، ولو كانت صغيرة وتبلغ مبلغ النكاح في حياته وقبل انتهاء تعميره- لزمه، ولو تزوجها وهي في عدة من غيره ودخل بها خرج من يمينه؛ لأنها لا تحل له أبدًا. وقال مطرف: إذا كانت التي استثنى متزوجة أو أيمًا فتزوجت فقد خرج من يمينه (¬7). فرأى مالك علي هذا القول أن الأصل: انعقاد اليمين إذا علقها بمن تتزوج، إلا أن يعم النساء، فيسقط للحرج، فإذا ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 73. (¬2) قوله: (كل) ساقط من (ح) و (س). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 118. (¬4) فى (ب): (متزوجة). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 118. (¬6) قوله: (فإنه ينتظرها) ساقط من (ح) و (س). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 118.

فصل [فيمن قال إن لم أتزوج من الفسطاط فكل امرأة أتزوجها طالق]

استثنى ما يرفع الحرج والتضييق عنه- لزمه، فإن قال: كل امرأة أتزوجها إلا الزوجة التي معي أو إلا فلانة، فرضيت بتزويجه- لزمه؛ لأن الواحدة تحصن وتعف، ويمنع من أخرى إذا كان على طريق التوسع، ولا يمنع إذا كان للضرورة، ولا إذا لم ترض فلانة بتزويجه، ويلزم على هذا إذا قال: كل امرأة أتزوجها طالق- أن يباح له واحدة، ويمنع ما سواها إلا أن تكون ضرورة إلي أخرى. فصل [فيمن قال إن لم أتزوج من الفسطاط فكل امرأة أتزوجها طالق] وقال ابن القاسم فيمن قال: إن لم أتزوج من الفسطاط فكل امرأة أتزوجها طالق، قال: أرى ألا يتزوج إلا من الفسطاط وإلا لزمه الحنث (¬1)، وقال سحنون: لا يحنث فيما يتزوج من غير الفسطاط، ويوقف عنها وتكون بمنزلة من قال: إن لم أتزوج من الفسطاط فامرأتي طالق، وقول ابن القاسم أشبه؛ لأن قصد الحالف في مثل هذا أن كل امرأة يتزوجها قبل أن يتزوج من الفسطاط طالق، وقال محمد فيمن حلف ألا يتزوج بمصر فله أن يتزوج بغير مصر حضرية مقيمة بمصر إلا أن يقول مصرية، أو كانت تلك نيته، ولا يتزوج مصرية كانت بمصر أو بغيره، وإن حلف ألا يتزوج مصرية فلا بأس أن يتزوج بمصر غير مصرية، يريد: ما لم يطل مقامها وتصير على طباعهم وسيرتهم، واختلف فيمن حلف ألا يتزوج بمصر في الموضع الذي يجوز أن يعقد فيه النكاح إذا خرج عن مصر، فقال ابن القاسم في كتاب محمد: إذا لم تكن له نية ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 72.

فالقياس إذا خرج إلى حيث يبتدئ فيه القصر إذا خرج (¬1)، ولا يتم فيه إذا قدم ألا يلزمه يمين، والاستحسان أن يتجاوز القدر الذي يجب فيه إتيان الجمعة، وهو أحب إليَّ، وإن تزوج في دون ذلك في موضع تقصر فيه الصلاة إذا خرج لم أفسخه، وقال مالك في كتاب ابن حبيب: إذا كانت قرية يجمع أهلها ألا يقصر حتى يجاوز الثلاثة أميال ورآه (¬2) قرارًا واحدًا، وعلى هذا لا يتزوج حتى يجاوز ثلاثة أميال، وإن تزوج دون ذلك حنث، وقال ابن حبيب فيمن حلف ألا يتزوج بقرطبة، فإن نوى الحاضرة لزمه على ثلاثة أميال، وإن لم يكن له نية لزمه حتى يجاوز يومًا وليلة أربعين ميلًا فأكثر (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 114. (¬2) فى (ح) و (س): (يراه). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 114.

باب ما لا يتكرر من الطلاق أو يتكرر

باب ما لا يتكرر من الطلاق أو يتكرر اليمين بالطلاق على ثلاثة أوجه، امرأة معينة أو جماعة معينين أو جماعة مجهولين، فإن كانت امرأة معينة فقال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، أو إذا تزوجت أو متى تزوجتها فتزوجها كانت طالقًا، فإن تزوجها بعد ذلك فلا شيء عليه، ولا يحنث فيها إلا مرة واحدة (¬1)، وإن قال: كلما تزوجتها تكرر عليه الطلاق كلما تزوجها (¬2)، وإن قال: متى ما تزوجتها حنث بتزويجها مرة، ولم يتكرر إلا أن يريد بقوله "متى ما" "كلما" (¬3)، وقال مالك في كتاب محمد فيمن قال: إن تزوجت فلانة أبدًا فهي طالق، فإن تزوجها طلقت عليه، فإن تزوجها بعد ذلك فلا شيء عليه (¬4) فلم ير لقوله "أبدًا" تأثيرًا في تكرار الطلاق؛ لأنَّ إطلاق قوله: إن تزوجتك فأنت طالق على الأبد ما كان حيًا، فكان ذكره الأبد وسكوته عنه سواء، واختلف إذا عين امرأة وضرب أجلًا أو سمى بلدًا، أو قال لزوجته: إن تزوجتها عليك، فقال محمد فيمن قال لامرأة بعينها: إن تزوجتك عشر سنين فأنت طالق، فتزوجها فطلقت عليه، فله أن يتزوجها في العشر سنين (¬5)؛ لأنه سمى امرأة وكذلك إن قال: إن تزوجت فلانة بمصر أبدًا فهي طالق، يريد: أنه يَبَرُّ فيها بمرة واحدة، ولا يتكرر عليه بعد ذلك ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 350. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 128. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 71. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 123. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 127.

الطلاق، وإن تزوجها بمصر، وقال عبد الملك: إن قال: إن تزوجت فلانة على امرأتي فهي طالق، قال: هذا يلزمه فيها كلما تزوجها عليها؛ لأنه أراد ألا يجمع بينهما، وفرق بينه وبين قوله: إن تزوجتك عشر سنين أو بمصر، قال محمد: ولم يعجبنا هذا (¬1)، ولا يلزمه فيها حنث بعد إذ قَدْ (¬2) فرغ من الحنث، وقال ابن القاسم في العتبية: إن قال: إن تزوجت فلانة على امرأتي هو بمنزلة من قال: إن تزوجت فلانة بمصر فهي طالق، فكلما تزوجها بمصر طلقت عليه، وإن حنث فيها مرارًا، أو تزوجت أزواجًا فإن يمينه يلزمه أبدًا (¬3)، قال: وهو بمنزلة من قال: إن تزوجت فلانة في (¬4) هذه السنة فهي طالق، فتزوجها فحنث ثم تزوجها في السنة حنث فيها أيضًا، والأول أقيس لاتفاقهم إذا لم يسم أجلًا أو بلدًا، أو كانت اليمين معلقة بجميع الأزمنة حياته أو البلدان أن اليمين لا يتكرر عليه، فكذلك لا يتكرر عليه اليمين إذا ضرب أجلًا أو سمى بلدًا، وفائدة يمينه في قصره على الأجل أو على البلد أن اليمين ساقطة عنه فيما بعد ذلك الأجل أو بغير ذلك البلد الذي يلزمه في المرة الواحدة التي خص يمينه بها فهو الذي يلزمه إذا عم. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 127. (¬2) قوله: (قد) زيادة من (ح) و (س). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 126، 127. (¬4) قوله: (في) زيادة في (ح) و (س).

فصل [فيمن قال لنساء معينات أيتكن تزوجت فهي طالق]

فصل [فيمن قال لنساء معينات أيتكن تزوجت فهي طالق] وإذا كانت اليمين على جماعة معينين، فقال: إن تزوجتكن، أو من أتزوج منكن، أو أيتكن تزوجت فهي طالق، كانت اليمين على جميعهن، فإن تزوج واحدة كانت طالقًا وبقيت اليمين منعقدة في البواقي، فمن تزوج منهن بعد ذلك فهي طالق أيضًا، وإن تزوج بمن طلقت عليه جاز له إمساكها، ولم يتكرر عليه فيها الطلاق إلا أن يضرب فيهن أجلًا أو يسمي بلدًا، فيعود الخلاف المتقدم هل يتكرر الطلاق (¬1) فيمن تزوجها ثانية بعد أن طلقت عليه إلا أن يقول كلما يتكرر الطلاق فيمن يتزوج، وإن كانت اليمين على مجهول فسمى قبيلًا أو فخذا أو بلدًا أو قال: من الموالي، فيتكرر عليه (¬2)، فإن تزوج امرأة منهن فطلقت عليه عادت في مجهول من حلف عليه، فإن تزوجها ثانية طلقت عليه، وسواء أطلق ذلك أو ضرب أجلًا، وقال: إن تزوجت أو متى أتزوج، ومن كتاب ابن سحنون فيمن قال: إن تزوجت من بني فلان أو من بنات فلان فهي طالق، فإن كانوا معروفين بحصر أو بعدد (¬3) فهم كامرأة واحدة فلا يتكرر الحنث، فإن تزوج منهن فطلقت ثم تزوجها ثانية فلا شيء عليه، قال: وقيل: إن قال من بني فلان فلا تكون إلا مجهولة، وإن قال: من بنات فلان فلا تكون إلا في القليل، يحاط بهن إلا أن يقول: من بنات تميم أو عدي أو بني زهرة (¬4). ¬

_ (¬1) قوله: (الطلاق) ساقط من (ح) و (س). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 123. (¬3) فى (ح) و (س): (ويعدون). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 125.

فصل [فيمن قال إن تزوجت فلانة فهي طالق]

قال الشيخ رحمه الله: وكذا إن سمى بنات قرية صغيرة فهي كالمعينات أو قبيلة من مِصْرٍ كبيرة وهن فيه قليل فلا يتكرر، وقال ابن القاسم في العتبية: إذا قال بنات فلان أو أخواته ولم ينص أسماءهن فاليمين يعود عليه فيهنَّ أبدًا، والأول أصوب ولا فرق بين أن يسميهن أو لا (¬1) يسمى. فصل [فيمن قال إن تزوجت فلانة فهي طالق] وقال مالك فيمن قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق إنها طالق بنفس العقد، ولها نصف المسمى، وإن دخل بها كان لها صداق واحد (¬2) ويفرق بينهما وإن ماتا لم يتوارثا، وعدتها منه إن هو مات ثلاث حيض، وقال ابن القاسم في العتبية: إن دخل بها لم يفرق بينهما، وبلغني عن ابن المسيب أن رجلًا قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، قال: يتزوجها وإثمه (¬3) في عنقي، وزعم المخزومي أنه (¬4) ممن حلف على أمه بمثل ذلك (¬5). وقال أبو مصعب فيمن حلف بطلاق كل (¬6) امرأة ينكحها إلى أجل يبلغه عمره، أو سمى بلدًا ألا ينكح فيه أو قبيلة من الناس أو صنفًا من الأصناف، فتمامه أحب إليَّ، ومن وجدته قد نكح بعد يمينه هذه لم أفسخه، وفي مختصر ما ليس في المختصر قال: وسأل نافع مولى ابن عاصم مالكًا فقال: إني حلفت ¬

_ (¬1) قوله: (لا) ساقط من (ح) و (س). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 52، والمعونة: 1/ 567، والإشراف: 2/ 729. (¬3) فى (ح) و (س): (وإثمها). (¬4) قوله: (أنه) ساقط من (ح) و (س). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 6/ 335. (¬6) قوله: (كل) ساقط من (ح) و (س).

بطلاق كل امرأة أنكحها ما دامت أمي حية، فأمره مالك أن يتزوج واحدة (¬1)، فأخذ (¬2) مالك مرة بالحديث: "لاَ طَلاَقَ قَبْلَ نِكَاحٍ" (¬3)، ومرة قدم القياس لأنه إنما أوقع الطلاق بشرط وجود النكاح، واختلف إذا ضرب أجلًا ثم خشي العنت، فقال ابن وهب وأشهب: لا يحل له ذلك وإن خشي الزنى، وقال ابن القاسم: له أن يتزوج (¬4)، قال في كتاب محمد: وقد اختلف الناس في هذا النكاح، فأجازه سعيد بن المسيب، قال: وإن قال: كل جارية أملكها إلى أجل كذا (¬5) أو خاف العنت فلا سبيل له إلى ذلك، فإن فعل حنث، قال أصبغ: وهما عندي في القياس سواء، وإن قول ابن القاسم أحب إليَّ لتأكيد العتق وضيقه وسعة الناس في النكاح، واختلف إذا قال: كل مال أفدته إلى أجل كذا صدقة. وقال مالك وابن القاسم: يلزمه. وقال ابن القاسم أيضًا في العتبية: لا شيء عليه، قال: وإنما الصدقة فيمن حلف على ما يملك يوم حلف. وقال ابن الماجشون وأصبغ في كتاب ابن حبيب: لا شيء عليه، وإن ضرب أجلًا أو سمى بلدًا، ولا يلزم إلا فيما كان يملك، قال: ولا يشبهه الطلاق ولا العتق (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (واحدة) زيادة في (ح) و (س). (¬2) قوله: (فأخذ) ساقط من (ح) و (س). (¬3) أورده البخاري معلقا: 5/ 2017، في باب لا طلاق قبل النكاح، من كتاب الطلاق، بنحوه من حديث عبد الله بن عباس - رضي الله عنه -، وأخرجه ابن ماجه: 1/ 660، في باب لا طلاق في النكاح، من كتاب الطلاق، برقم (2048)، من حديث المسور بن مخرمة - رضي الله عنه -، قال البوصيري في المصباح المنير 2/ 126: هذا إسناد حسن. (¬4) انظر: المدونة: 2/ 72. (¬5) قوله: (كذا) ساقط من (ح) و (س). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 40.

قال الشيخ - رضي الله عنه -: الحديث ورد في الطلاق والعتق والصدقة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ نَذْرَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ، وَلاَ طَلاَقَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ، وَلاَ عِتْقَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ" (¬1)، قال الترمذي: وهذا قول أهل العلم من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم، ولا فرق بين الطلاق والعتق والصدقة لأنه في جميعهم عقد قبل الملك، فإما أن يسقط الجميع أو يثبت ويفترق الجواب بعد القول بلزوم ذلك في الصحة والفساد، فيكون النكاح فاسدًا والعتق والصدقة جائزين (¬2)؛ لأن النكاح يبقي المبيع على (¬3) صاحبه، ولو قالت: أتزوجك على أني طالق لم يجز، ولم تستحق صداقًا إن تزوجته، ولا فرق بين أن يكون ذلك شرطا منه أو منها، وهي بمنزلة من قال: أبيعك هذه السلعة على أن تبقى لي وأقبض الثمن بالثمن هبة يبطله الفلس والموت، وإن تزوجت حنث في يمينه ولا شيء عليه إن تزوجها بعد ذلك إذا كانت اليمين على امرأة بعينها، ولا تستحق صداقًا لأنه فاسد فسخ قبل الدخول، وقال مالك: النكاح جائز ولها نصف الصداق، وإن دخل كان لها صداق واحد. وقال ابن نافع في كتاب المدنيين: القياس أن لها صداقًا ونصفًا (¬4)، وإن شرط لامرأته (¬5) أن كل امرأة: أتزوجها عليك طالق لزمه ذلك، ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود: 1/ 665، في باب في الطلاق قبل النكاح، من كتاب الطلاق، برقم (2190) بنحوه، والترمذي: 3/ 486، في باب لا طلاق قبل النكاح، من كتاب الطلاق، برقم (1181)، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وقال: حديث حسن صحيح وهو أحسن شيء روي في هذا الباب وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم. (¬2) قوله: (جائزين) ساقط من (ح) و (س). (¬3) فى (ح) و (س): (إلى). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 53. (¬5) فى (ح) و (س): (لزوجته).

وهذا بخلاف الأول؛ لأن الوفاء بهذا من حق الزوجة، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ" (¬1). وقال ابن القاسم فيمن قال: كل امرأة أتزوجها من الفسطاط طالق، فوكل رجلًا يزوجه فزوجه من الفسطاط وبنى بها، قال: تطلق عليه ولا شيء على الوكيل إن لم يكن نهاه عن ذلك (¬2)، قال الشيخ رحمه الله: ولو علم الوكيل بيمينه فزوجه كان متعديًا، وإن لم ينهه، وكذلك إن لم يعلمه بيمينه وقدم إليه ألا يزوجه من الفسطاط، ولا شيء للزوجة على الزوج إذا ثبت ذلك وكان الوكيل موسرًا، وإن كان معسرًا غرم الزوج ورجع على الوكيل متى أيسر، وإن تقارر الزوج والوكيل قبل الدخول أن اليمين تقدمت ولم تصدقهما المرأة، فرق بينهما لإقرار الزوج على نفسه وغرم الزوج ورجع على الوكيل. ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 970، في باب الشروط في المهر عند عقدة النكاح، من كتاب الشروط، برقم (2572)، وأخرجه مسلم: 2/ 1035، في باب الوفاء بالشروط في النكاح، من كتاب النكاح، برقم (1418)، من حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه -. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 14/ 569.

باب فيمن حلف ليتزوجن على زوجته هل يبر بتزويج غير الأكفاء أو بالأمة أو بالعقد دون الدخول

باب فيمن حلف ليتزوجن على زوجته هل يبر بتزويج غير الأكفاء أو بالأمة أو بالعقد دون الدخول ومن حلف ليتزوجن على زوجته فتزوج حرة مثلها من مناكحة تزويجا صحيحًا وبنى بها قبل أن يطلقها- بر في يمينه قولًا واحدًا، واختلف إذا انخرم أحد هذه الشروط الأربعة فتزوج من غير الأكفاء أو أمة أو نكاحًا فاسدًا، فدخل أو نكح (¬1) نكاحًا صحيحًا وطلق قبل البناء، فقال ابن القاسم: إذا كان النكاح فاسدًا لم يبر به (¬2). يريد: وإن دخل إذا كان مما يفسخ بعد الدخول، وإن كان مما يثبت بعد بر به، والقياس أن يبر، وإن فسخ بعد لأنه إنما حلف ليتزوجن فقد تزوج، ولأن القصد أن يسوءها بمباشرة غيرها، وقد فعل ولا فرق عند الأولى (¬3) أن يكون ذلك (¬4) عن صحة أو فساد، وأيضًا فإن الحالف لا يعرف صحيح ذلك من فاسده، والوجه الذي فعله هو الذي أراد بيمينه، ولو أصاب في النكاح الصحيح مرة ثم طلق لبر بذلك، وقد اختلف في هذا الأصل، فقال ابن القاسم في كتاب محمد فيمن حلف ليصيبن زوجته اليوم فوجدها حائضًا فأصابها في ذلك لبر بذلك (¬5)، وقال في العتبية: لا يبر ولو حلف أنه لا يصيبها فأصابها في الحيض حنث قولًا واحدًا، واختلف إذا حلف بعتق أمة ليبيعها فوجدها حاملًا منه، فقال مالك: تعتق عليه، وقال محمد وسحنون: لا شيء عليه كمسألة الحمامات (¬6)، فحمل مالك اليمين على مراعاة ¬

_ (¬1) قوله: (نكح) ساقط من (ح) و (س). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 77. (¬3) قوله: (عند الأولى) فى (ح) و (س): (والأول). (¬4) قوله: (ذلك) ساقط من (ب). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 250. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 250.

الألفاظ؛ لأنه حلف ليوجدن منه فعل فلم يوجد ولم يحنث في القول الآخر، لأن القصد إذا كان البيع يصح ولو كان عالمًا أنها حامل لبر بالعقد، وإن نقض لأنه المقصود بيمينه ويحنث إن لم يفعل حتى خرج اليوم الذي حلف ليبيعها فيه، واختلف إذا تزوج امرأة ليست من مناكحه فقال مالك: لا يبر، قال محمد: وسهل فيها ابن القاسم، وإن تزوج أمة لم يبر على قول مالك. وقال ابن القاسم: يبر إذا كان لا يجد طولًا للحرة، وإن كان واحدًا عاد الخلاف المتقدم هل يبر بالنكاح الفاسد، وقول ابن القاسم في هذا أحسن؛ لأن المراد نكايتها بذلك، وذلك يَحْصُلُ بالشريفة والوضيعة، ولأن العادة جارية عند اليمين بمثل ذلك تزويج الدنية ومن لا رغبة في المقام معها ويقول: أفعل ذلك لأبر في يميني، واختلف هل يبر بالعقد، فقال مالك وابن القاسم: لا يبر. وقال أشهب: يبر. وإن طلق قبل البناء، يريد: لأن التزويج يقع على العقد حقيقة، ورأى مالك أن القصد بالتزويج الدخول، واختلف إذا حلف ليتزوجن في هذا الشهر فتزوج فيه ودخل في غيره، ففي كتاب محمد أنه حانث، وقاله مالك في العتبية، والأمر في هذا أشكل ممن طلق، ولم يدخل لأن الشأن التراخي بالدخول عن العقد، ولو حلف ليتزوجن اليوم فتزوج وأخر الدخول فهو أبين، وليس المراد أن يكون العقد والدخول في يوم واحد، ويختلف إذا حلف لينكحن على زوجته فمن قال: إن النكاح لا (¬1) يقع إلا (¬2) على الدخول لم يَبَرّ بالعقد، ومن قال: إنه يقع على العقد حقيقة عاد الجواب إلى ما تقدم إذا حلف ليتزوجن، ولو حلف أنه لا يتزوج على زوجته أو لا ينكح عليها، فإنه يحنث بالعقد لأن القصد اجتناب ذلك جملة، وألا يسوءها بشيء منه. ¬

_ (¬1) فى (ح) و (س): (إنما). (¬2) قوله: (إلا) ساقط من (ح) و (س).

باب فيمن تزوج امرأة على أنه إن تزوج عليها كان أمرها أو أمر تلك بيدها أو هي أو تلك طالق أو تسرى عليها فهي حرة أو أمرها بيدها

باب فيمن تزوج امرأة على أنه (¬1) إن تزوج عليها كان أمرها أو أمر تلك بيدها أو هي أو تلك طالق أو تسرى عليها فهي حرة أو أمرها بيدها وقال مالك فيمن تزوج امرأة على إن تزوج عليها كان أمر نفسها بيدها، فتزوج عليها كان لها أن تطلق نفسها بالثلاث دخل بها أو لم يدخل (¬2)، وليس له أن يناكرها، فإن طلقت نفسها واحدة لزمته، فإن لم يدخل بها بانت، وإن دخل كانت له الرجعة، وقال الشيخ أبو محمد عبد الله (¬3) بن أبي زيد: أعرف لسحنون وغيره أن الطلقة بائنة لأنها شرط في أصل النكاح. قال الشيخ رحمه الله: إنما شرطت رفع الضرر وألا تكون مع ضرة، ولا يشترط عددًا، فمن قال إنه تصح البينونة بواحدة حمل اختيارها على واحدة، ومن قال: لا تبين إلا بالثلاث حمل اختيارها على الثلاث؛ لأن المطلوب أن تبين، وأرى أن يحمل اختيارها قبل البناء على واحدة، وقول ابن القاسم أنها إن طلقت بعد الدخول بواحدة جاز، وكانت رجعية بخلاف المعروف من المذهب، والمعروف أنه متى كان التمليك بالثلاث، فإنه لا يقبل قوله، وإن ادعى واحدة فقضت بواحدة لم يصح قضاؤها، ويسقط ما بيدها، وإن شرط إن هو تزوج عليها فأمر الثانية بيدها كان مضمون التمليك القضاء بواحدة بخلاف المسألة الأولى؛ لأنه ها هنا ليس له أن يدخل حتى يسقط ما بيدها فلا قضاء لها قبل الدخول، فإن دخل قبل أن ¬

_ (¬1) قوله: (أنه) ساقط من (ح) و (س). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 235. (¬3) قوله: (عبد الله) زيادة في (ح) و (س).

فصل [في أن الشرط المعلق على المستقبل لا يشمل الزوجة السابقة]

يعلمها كان متعديًا، قال ابن القاسم في كتاب محمد: ولها أن تطلق بالثلاث إن أحبت (¬1)، وليس ذلك بدخول، يريد: أنه دخول فاسد، قال: وإن طلقت واحدة كان له الرجعة، وقال ابن القاسم في العتبية فيمن دخل بزوجته وهي حائض ثم طلقها لم يكن له رجعة، فعلى هذا لا يكون لها أن تقضى إلا بواحدة، وهذا اختلاف قول، والأول أبين، وكذلك إذا قال: إن تزوجت عليك فأنت طالق أو التي أتزوج، فإن جعل الطلاق في الثانية بانت بواحدة لأنها بنفس التزويج طالق قبل الدخول، واختلف إذا جعل الطلاق في الأولى، فقال ابن القاسم في كتاب محمد: هي طالق ألبتة (¬2)، وليس له أن يقول: أردت واحدة، وقاله ابن وهب، وقال أشهب: هي واحدة، وله أن يرتجعها لأنها إنما اشترطت طلاقًا، والطلاق واحدة، وعلى قول سحنون تكون واحدة بائنة، وإن كان ذلك الشرط بعد عقد النكاح، فقال: إن تزوجت عليك فأمرك بيدك، فتزوج عليها فقضت بالثلاث، وناكرها كان القول قوله لأنه متطوع وله الرجعة إذا كان قد دخل بها، إلا أن تكون أعطته على ذلك مالًا فيكون فداء، فإن اشترطت طلاقًا بانت بواحدة، وإن شرطت تمليكًا لم يكن لها أن تقضي قضاء إلا بواحدة، وتكون بائنة. فصل [في أن الشرط المعلق على المستقبل لا يشمل الزوجة السابقة] وقال مالك فيمن تزوج امرأة على أنه إن تزوج عليها، فالتي يتزوج طالق فتبين أنه قد كانت له زوجة قبل ذلك فلا شيء عليه، وله أن يصيبها، قال: ولو ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 77. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 6/ 245.

فصل [في رجوع الزوجة عن شرطها عليه ألا يتزوج ولا يتسرى وما يعرض لها في ذلك]

شرط أنه لا يتسرى عليها فظهر أن له أم ولد لم يكن له أن يقربها، قال ابن القاسم: وسواء كانت عالمة بها أو لم تعلم ولها أن يعتقها إن هو وطئها (¬1)، قال أصبغ: وكذلك غير أم ولد من الإماء، فجعل تمادي التسري كالابتداء، وهذا بخلاف قوله: إن تزوجت فليس التمادي تزويجًا، ويختلف إذا قال: إن نكحت عليك فمن حمله على العقد لم يجعل عليه شيئًا، ومن حمله على الوطء يكون كالتسري (¬2). وقال ابن القاسم: سمعت مالكًا يقول في الرجل تكون له امرأتان فيحلف لكل واحدة (¬3) منهما أن كل امرأة أنكحها عليك طالق ألبتة، أنه إن نكحها عليها فالتي ينكح عليها طالق ألبتة، فجعل التمادي على النكاح نكاحًا. فصل (¬4) [في رجوع الزوجة عن شرطها عليه ألا يتزوج ولا يتسرى وما يَعْرُض لها في ذلك] واختلف فيمن تزوج امرأة على إن تزوج عليها أو تسرى أو خرج بها من بلدها كان أمرها بيدها، فأذنت له في ذلك ثم رجعت قبل أن يتزوج أو يتسرى، فقال مالك وابن القاسم: لا رجوع لها في ذلك، وقال أيضًا: إن رضيت عندما أراد التزويج أو التسري أو السفر لزمها، وإن كان على بعد لم ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 208. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 208. (¬3) قوله: (لكل واحدة) فى (ح) و (س): (لواحدة). (¬4) قوله: (فصل) ساقط من (ح) و (س).

يلزمها، وقال أشهب: لا يلزمها ذلك قرب أو بعد، ولها أن تقوم بحقها في ذلك إن تزوج أو تسرى أو سافر، ورأى أن تركها ذلك كان قبل الوجوب، وإن رضيت بذلك بعد أن تزوج لم يكن لها رجوع (¬1)، وإن طلق التي تزوج كان له أن يرتجعها في العدف وإن انقضت العدة لم يكن له أن يتزوجها إلا برضاها. واختلف في السفر والتسري هل لها أن ترجع، وإن كان رضاؤها بعد أن تسرى أو سافر ثم رجعت عن ذلك ومنعته التمادي على التسري أو السفر (¬2) فذكر محمد في ذلك قولين، وألا مقال لها في ذلك أحسن إلا أن يريد في مقامه في السفر على عادته أو على ما يرى أنه يقيم إذا لم تكن له عادة، وكذلك التسري لا مقال لها إلا أن يكون قد تقدمت له عادة في مقام الجواري عنده، فخرج عن العادة، وإذنها على ثلاثة أوجه، فإذا أذنت له في امرأة بعينها أو جارية بعينها أو سفر بعينه، فإن عينت كانت على شرطها فيما سوى ذلك المعين، ولا يمين عليها، فإن طلق تلك الزوجة أو باع الجارية عادت عليه فيها اليمين ودخل في مجهول من حلف عليه، وإن لم تعين وأذنت أن يتزوج أو يتسرى أو يسافر كان محمله على مرة، قال محمد: وتحلف أنها لم تأذن إلا على مرة، وإن أسقطت ذلك جملة لم يكن بها قيام إلا على قول أشهب، وقال في المدونة: إذا تزوج عليها فلم تقض شيئًا ثم تزوج أخرى كان لها أن تقضي وتحلف (¬3)، وقول محمد في هذا ألا يمين عليها أحسن؛ لأنها إنما رضيت بمعينة، واختلف إذا قال: كل امرأة أتزوجها عليك طالق أو أمرها بيدك، فطلق زوجته ثلاثا ثم تزوجها بعد، هل ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 184، 201. (¬2) قوله: (أو السفر) ساقط من (ح) و (س). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 77.

تعود اليمين عليه؟ وإذا طلقها واحدة وانقضت عدتها ثم تزوج امرأة، ثم تزوج الأولى على الثانية أو قال: إن تزوجت عليك فأمر التي أتزوج عليك بيدك، فتزوج عليها فلم تقض حتى طلق الأولى، واختلف في هذه الثلاث مسائل، فقال مالك في المدونة: إذا قال: كل امرأة أتزوجها عليك طالق أو أمرها بيدك فطلق الأولى ثلاثًا ثم تزوجها بعد زوج فلا شيء عليه (¬1)، قال محمد: إنما ذلك إذا كان اليمين بطلاق الأولى (¬2)، وكل شرط كان لها في أصل النكاح أو بعده أو بغير شرط بتمليكها نفسها، وأما ما كان من طلاق غيرها فقال: كل امرأة أتزوجها عليك طالق، أو إن تزوجت عليك فلانة أو من ولد فلان فهي طالق، فطلق زوجته ألبتة، ثم تزوجها بعد زوج ثم تزوج عليها، فذلك لازم لأن اليمين بالطلاق لم تكن فيها، قاله مالك، وهذا الخلاف راجع إلى هل تحمل الأيمان على موجب اللفظ أو على ما يقصده الحالف، فأما على مراعاة الألفاظ، فاليمين باقية لأنه حلف ألا يتزوج عليها، فقد تزوج عليها، وعلى مراعاة المقاصد لا يحنث؛ لأنه إنما حلف لها في عصمة ملكها (¬3) عليها ألا يدخل عليها فيها مضرة. واختلف إذا طلق واحدة فانقضت عدتها ثم تزوج امرأة، ثم تزوجها هي هل (¬4) هو حانث؟ فقال أشهب: لا شيء عليه (¬5)؛ لأنه لم ينكح عليها إنما ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 73. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 195. (¬3) في (ب): (ملكه). (¬4) قوله: (هل) ساقط من (ح) و (س). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 196.

ينكحها هي على غيرها، وقال مطرف في كتاب ابن حبيب: إن كان ذلك شرطًا في أصل النكاح فاليمين له لازمة (¬1)؛ لأنه إنما أراد ألا يجمع معها غيرها، قال: وقال مالك: وإن كان ذلك طوعًا من بعد عقد (¬2) النكاح فلا شيء عليه، إنما زعم أنه لم يرد ألا يجمعها مع غيرها أو لم يرد ألا يدخل عليها امرأة قال: وكذلك قال مالك في الذي يشترط (¬3) لامرأته: إن تزوجت عليك فأمرك بيدك أو كان ذلك طوعًا بعد عقد النكاح إن النية له في الطوع ولا نية له في الشرط (¬4). وقال ابن الماجشون في ثمانية أبي زيد: إذا قال: كل امرأة أتزوجها عليك فأمرها بيدك، فتزوج عليها، ثم لم تعلم حتى طلق الأولى، فعلمت وأرادت أن تطلق عليه الثانية، قال: فلا شيء لها (¬5). وقال أصبغ: لها أن تطلقها عليه (¬6)، وهذا أشبه لأنها قد ملكت طلاقها وصار ذلك حقًا بيدها فلا يزيله (¬7) طلاقه إيَّاها. وقال محمد فيمن قال: إن تزوجت عليك فأمرك بيدك، فتزوج عليها فلم تعلم حتى ماتت الثانية أو فارقها، قال: ذلك بيدها تطلق نفسها إن شاءت (¬8)، وعلى قول عبد الملك: ليس لها أن تطلق نفسها. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 196. (¬2) قوله: (عقد) ساقط من (ح) و (س). (¬3) فى (ح) و (س): (شرط). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 197. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 306. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 195. (¬7) فى (ن): (فلا يلزمه). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 188.

فصل [فيمن قال لزوجته كل امرأة أتزوجها عليك طالق ثم تزوج امرأة على أن كل امرأة له طالق]

فصل [فيمن قال لزوجته كل امرأة أتزوجها عليك طالق ثم تزوج امرأة على أن كل امرأة له طالق] وقال محمد فيمن قال: كل امرأة أتزوجها عليك طالق، ثم تزوج امرأة على أن كل امرأة له طالق، قال: تطلقان جميعًا، وقال ابن القاسم: لا طلاق في الثانية (¬1) والأول أصوب؛ لأن تزويج الثانية كان والأولى في عصمته فهي طالق بشرطه الأول، وتزويج الثانية يوجب طلاق الأولى لأنه تزوجها، والأولى في عصمته، ولو قال: كل امرأة أتزوجها عليك طالق ألبتة، ثم قال: إن لم أتزوج عليك فأنت طالق ألبتة أو واحدة، ولم يضرب أجلا، فلا يقرب زوجته، قال محمد: ولا يخلو بها ولا يتلذذ حتى يتزوج، وله أن يحنث نفسه مكانه بتلك الطلقة إن شاء، ولا يقدر أن يطأ زوجته لموضع الشرط لأن الثانية طالق بنفس العقد بشرط الأولى، فهو يكف عن امرأته ويكون بذلك موليا، فإن رفعت أمرها ضرب له أجل المولي (¬2) أربعة أشهر قال (¬3): ولا يبر إلا بالوطء التام، يريد أنه لا يجوز له الوطء لأنها طالق بنفس العقد، فإن تعدى وفعل بر في يمينه بمنزلة من حلف: ليبيعن (¬4) فلانا الحر؛ لأن هذا يعلم أن يمينه الأولى تمنعه أن يصيب غير امرأته. قال محمد: وهذا قول مالك وأصحابه: ابن القاسم وابن وهب وعبد الملك ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 204، 205. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 205. (¬3) قوله: (قال) ساقط من (ح) و (س). (¬4) قوله (ليبيعن) في (ح) و (س): (ليفعلن).

وأصبغ (¬1)، كلهم يقول (¬2): لا يبر إلا بالمسيس ولو كان حراما؛ لأنه يطأ غير امرأته لأنه بالعقد تحرم عليه، وإن ضرب أجلا كان أخف لأنه يصيب، فإذا قرب الأجل صالحها، فإذا انقضى الأجل راجعها بنكاح جديد، وقد اختلف فيمن ضرب أجلا وكان على حنث، هل له أن يصيب في ذلك الأجل أم لا؟ (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 205. (¬2) قوله (يقول) في (ح) و (س): (يقولون). (¬3) قوله: (أم لا) زيادة من (ح) و (س).

باب في الطلاق بالكتاب

باب في الطلاق بالكتاب اختلف في الصفة التي يكتب بها الغائب إذا أحب الطلاق على ثلاثة أقوال، فقال ابن القاسم: يكتب إذا جاءك كتابي وأنت طاهر فأنت طالق، ولا يزيد على ذلك (¬1)، فإن كانت طاهرا وقع الطلاق، وإن كانت حائضا بقيت زوجة، وإن كانت حاملا كتب: إن كنت حاملا أو طاهرا بعد أن وضعت فأنت طالق، ولا يزيد على ذلك، فإن كانت على ما شرط وقع الطلاق، وإن كانت نفساء بقيت، وأجاز أشهب في كتاب محمد أن يقول: إن كنت حائضا فأنت طالق إذا طهرت (¬2)، وهذا صحيح على أصله؛ لأنه يقول: من قال لزوجته وهي حائض: أنت طالق إذا طهرت لم تطلق حتى تطهر، وقال أحمد بن المعذل في المبسوط: يكتب بإيقاع الطلاق يوم كتب الكتاب، ولا يكتب: إذا طهرت من حيضتك بعد وصول كتابي إليك فأنت طالق، فأما من قال: إن منع الطلاق في الحيض شرع غير معلل، فإنه يكتب على ما ذهب إليه ابن القاسم ومن قال إنه معلل لئلا يطول عليها العدة (¬3) فإنه يجيز أن يوقع عليها (¬4) الطلاق الآن، وقد لا يصل الكتاب إلا وقد انقضت عدتها، وقد يجوز ذلك مع (¬5) تسليم القول أنه شرع للضرورة؛ لأن المنع يؤدي إلى بقاء عصمة من يكره، وقد تبعد المسافة ويجب إسقاط النفقة، وإن كانت الزوجة صغيرة أو يائسة جاز أن يكتب بإيقاع الطلاق ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 92. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 91، والبيان والتحصيل: 5/ 372. (¬3) قوله: (العدة) ساقط من (ح) و (س). (¬4) قوله: (عليها) ساقط من (ح) و (س). (¬5) قوله: (مع) في (ح) و (س) (على).

الآن، وإذا كتب وهو عازم على الطلاق وقع الطلاق، وإن لم يخرج الكتاب عن يده، وإن كتب وهو غير عازم لم يقع طلاق، وإن خرج عن يده إذا علم أنه أخرجه لينظر في ذلك. واختلف إذا خرج الكتاب عن يده، ولم يعلم هل كان عازما أم لا، فقال ابن القاسم في المدونة: ذلك له وله أن يرده ما لم يبلغها الكتاب (¬1)، وقال محمد: ذلك له ما لم يخرجه (¬2) عن يده ويحلف، فإن خرج عن يده كان كالناطق به وكالإشهاد، قاله مالك (¬3)، وسواء كان في خط (¬4) الكتاب: أنت طالق، أو: إذا جاءك كتابي فأنت طالق، فلا يُنَوَّى إذا خرج الكتاب من يده، وإن لم يصل إليها، وقال (¬5) مالك فيمن قال: خدعتني امرأتي حتى كتبت لأبيها بطلاقها ليقدم، صدق إن (¬6) كان مأمونا (¬7) ولم يحلف (¬8)، وفرق بين الكتاب لأبيها بذلك أو إليها (¬9) لأنه يتصور في الكتاب إلى أبيها ما ادعاه، ولا يتصور مثل ذلك في الكتاب إليها. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 78. (¬2) قوله (يخرجه) في (ح) و (س): (يخرج الكتاب). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 92. (¬4) قوله: (خط) ساقط من (ح) و (س). (¬5) قوله (قال) في (ح) و (س): (قول). (¬6) قوله (إن) في (ح) و (س): (فإن). (¬7) قوله (مأمونا) في (ح) و (س): (مأمورا). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 170. (¬9) قوله (إليها) في (ح) و (س): (واليها).

باب في طلاق المجنون والسكران والسفيه والمكره والصبي والنصراني

باب في طلاق المجنون والسكران والسفيه والمكره (¬1) والصبي والنصراني طلاق المجنون غير لازم إذا كان مطبقا، كان لم يكن مطبقا وإنما هو كالاختلاط والناقص العقل لزمه (¬2)، وطلاق السكران على وجهين، فإن كان سكره بغير خمر لم يلزمه، قال ابن المواز: ومن (¬3) أُسْقِي سيكرانًا (¬4) فحلف بطلاق أو عتق لم يلزمه إذا شربه وهو لا يعلمه (¬5). قال: وقد قيل إذا شربه وهو عالم لدواء أو نحوه، فلا شيء عليه بخلاف الخمر (¬6)، واختلف إذا كان سكره بخمر فقال مالك مرة: يجوز طلاقه وعتقه، ويقتص منه إن قتل، ويقطع إن سرق، ويحد إن افترى أو زنا، ولا يجوز بيعه ولا شراؤه ولا هبته ولا نكاحه، قال سحنون: وعليه أكثر الرواة (¬7)، وذكر أبو الفرج في كتابه الحاوي أنه لا يجوز طلاقه، وعلى هذا لا يجوز عتقه، ولا يحد إن زنا أو افترى، ولا يقطع إن سرق، ولا يقتص منه إن قتل، وتكون فيه الدية كالخطأ؛ لأنه حينئذ كالمجنون، وقال ابن نافع: يجوز عليه كل ما فعل من بيع أو غيره (¬8) يريد النكاح والهبات وغيرها. ¬

_ (¬1) قوله (المكره) في (ح) و (س): (المكروه). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 79. (¬3) قوله (ومن) في (ب): (فيمن). (¬4) في (ب): (بسيكران). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 243، والبيان والتحصيل: 6/ 313. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 243. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 562، 563. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 562.

فصل [في طلاق المكره]

وروى ابن نافع وأشهب عن مالك أنه قال: إن استوقن أنه سكران لم يجز بيعه، قال: وأخاف إن ربح قال كنت صحيحا، وإن خسر قال كنت سكرانا، قيل له: أترى نكاحه مثل ذلك، قال: نعم، ومن يعلم أنه سكران إذا يقتل، ويقع في الحدود وشرق، ويقول كنت سكران لا أدري ما هذا (¬1)، فوقف في الجواب لإمكان أن يكون لم يستغرقه السكر، وأرى إذا صح اختلاطه أن يجرى في أفعاله على أحكام المجنون، ولا فرق بين أن يكون سكرانا (¬2) بخمر أو بغيره (¬3) ولا يجوز أن يشرب شيئا مما يصده عن ذكر الله وعن الصلاة سيكرانا كان أو غيره. فصل [في طلاق المكره] وقال مالك: طلاق المكره غير لازم (¬4)، وذكر ابن وهب في كتاب ابن سحنون عن عمر وعلي وعبد الله بن عمر وابن عباس وعبد الله بن الزبير وعطاء ابن أبي رباح وعبيد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود (¬5) ومجاهد وطاوس وعمر ابن عبد العزيز وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد ويزيد بن قسيط والحسن البصري وشريح أن طلاق المكره غير لازم (¬6)، وذكر غيره مثل ذلك عن ابن عون وأيوب السختياني والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور، وأجازه النخعي ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 562. (¬2) قوله (سكرانا) في (ح) و (س): (سكرانه). (¬3) في (ح) و (س): (غيرها). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 79، والنوادر والزيادات: 4/ 563. (¬5) قوله (عتبة بن عبد الله بن مسعود) في (ح) و (س)، (ث): (عبيد بن عمير). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 83، والنوادر والزيادات: 10/ 253، 254، 306.

والشعبي وأبو قلابة والزهري وقتادة وأبو حنيفة وصاحباه (¬1)، واحتج من نصر القول الأول بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - "حُمِلَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ" أخرجه البخاري ومسلم (¬2)، وروي عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لاَ طَلاَقَ فِي إِغْلاَقٍ" (¬3)، قيل: معناه في إكراه، فطلاق المكره على ثلاثة أوجه يسقط في وجهين ويثبت في ثالث، فإن جعله نطقا بغير نية لم يلزمه، والصحيح من المذهب فيمن وقع منه الطلاق بغير نية أن لا يلزمه، وإن لم يكن مكرها فهو في المكره أبين، وإن نوى الطلاق وهو عالم ذاكر بأن يجعله لفظا (¬4) بغير نية لزمه؛ لأن النية لا تدخل تحت الإكراه وهو طائع بالنية، وإن لم تكن مهلة عند الإكراه فيجعله نطقا بغير نية، أو كان يجهل إخراج النية لم يلزمه على الظاهر من المذهب، وقد يحمل الاختلاف، وقول من ألزمه الطلاق على هذا القسم. والإكراه على وجوه وهو أن يكره على إيقاع الطلاق، أو على أن يحلف بالطلاق أن لا يفعل شيئا، ثم يفعله طوعا أو على أن يحلف ليفعلن فلا يفعل، وكذلك إن (¬5) حلف بالطلاق أن لا يفعل شيئا، فأكره على فعله مثل أن يحلف أن لا يدخل دار فلان فحمل حتى أدخلها، أو أكره حتى دخلها بنفسه أو حلف ليدخلنها في وقت كذا، فحيل بينه وبين ذلك حتى ذهب الوقت فهو في جميع ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 254، 255. (¬2) لم أقف عليه في الصحيحين، والحديث سبق تخريجه في كتاب الطهارة، ص: 185. (¬3) أخرجه أبو داود: 1/ 666، في باب في الطلاق على الغلط، من كتاب الطلاق، برقم (2193)، بلفظ: (غلاق)، وابن ماجه: 1/ 660، في باب طلاق المكره والناسي، من كتاب الطلاق، برقم (2046)، من حديث عائشة - رضي الله عنها -. (¬4) قوله (لفظا) في (ب): (نطقا). (¬5) قوله (إن) في (ح) و (س): (إذا).

فصل [في معنى الإكراه]

ذلك غير حانث، فأما إن حمل حتى أدخل لم يحنث لأن ذلك الفعل لا ينسب إليه، ولا يقال: فلان دخل الدار، ويختلف إذا أكره حتى دخل بنفسه أو حيل بينه وبين الدخول إذا حلف ليدخلن، فمن حمل الأيمان على المقاصد لم يحنثه، ومن حملها على مجرد اللفظ حَنَّث لأن هذا دخل ووجد منه الفعل وينسب إليه، والآخر حلف ليحلفن فلم يوجد منه ذلك الفعل، وقد اختلف فيمن حلف ليذبحن حمام يتيمه (¬1) فوجدها قد ماتت، وقال في المدونة فيمن حلف بعتق أمته ليبيعنها فوجدها حاملا منه، قال: تعتق عليه، ولا فرق إذا لم يوجد منه ذلك الفعل بين أن يكون ذلك بموت أو لحمل أو لإنسان منعه منه. فصل [في معنى الإكراه] والإكراه هو ما ينزل بجسم المكره من مثلة أو ضرب أو تضييق بقيد أو سجن أو يتقي أن ينزل به مثل أن يهدده بقتل أو بقطع أو بضرب أو تقييد (¬2) واختلف في التهديد بالسجن وأراه إكراها في ذوي الأقدار وليس بإكراه في غيرهم إلا أن يسجن أو يهدد بطول المقام فيه واختلف إذا كانت اليمين ليدفع عن ماله خاصة فإن لم يحلف أخذ منه أو ليدفع عن غيره أذى في جسم أو مال فقيل: هو مكره، وقال أصبغ: إن قال له السلطان احلف لي على كذا وإلا أغرمتك مالا كذا أو عاقبتك في غير بدنك عقوبة توجعك فيحلف دراءة (¬3) عن ماله فهو حانث، وكذلك إن قال له احلف لي على كذا وإلا عاقبت ولدك أو ¬

_ (¬1) قوله (يتيمه) في (ح) و (س): (ليتيمه). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 251. (¬3) قوله (دراءة) في (ح) و (س): (دارءا به).

بعض من يلزمه أمره فيحلف له كاذبا فهو حانث وإنما يعذر بالدراءة عن نفسه، وقال ابن الماجشون تسعه الدراءة عن ماله بيمينه ولا يحنث وقال أيضا: ما كان من المال فإذا (¬1) جاء (¬2) مثل السلطان يجتاح مال (¬3) الرجل والقوم يتعرضون لماله فلا تلزم اليمين (¬4) ولا يلزم على قوله اليمين إذا كان دراءة لئلا يعاقب ولده، ويختلف (¬5) على هذا إذا مر على عاشر بجارية، فقال: معي حرة لئلا يغرمه عليها، فأبى أن يتركه إلا أن يقول: إن كانت أمة فهي حرة فعلى قول أصبغ: تعتق، وعلى قول ابن الماجشون: لا تعتق، وقال ابن القاسم في المدونة: لا شيء عليه إذا قال ذلك وهو لا يريد حريتها (¬6). قال الشيخ رحمه الله: ولو نوى الحرية وهو عالم أن له أن لا ينوي لزمه العتق، وإنما الاختلاف إذا كان عاميا يجهل ذلك، أو لم تكن مهلة ليخرج النية ويجعله لفظا بغير نية، ولو مر على من يغرم على (¬7) الزوجة ولا يغرم على الأمة، فقال في زوجته: هي أمة، فأبى أن يتركه إلا أن يقول: إن كانت زوجة فهي طالق لاختلف في وقوع الطلاق حسبما تقدم في وقوع العتق. قال محمد: قلت: فأخذ بعض مالي إذا أنا لم أحلف أخذه، قال: هو مما وصفت لك من خوف الضرر لأنك إن لم تدفع إليه ضربك وحبسك على (¬8) مالك حتى ينتزعه منك حتى تدفعه أنت إليه. ¬

_ (¬1) قوله: (فإذا) في (ب): (فإن). (¬2) قوله: (فإذا جاء) في (ث): (فادحا). (¬3) قوله: (مال) سقط من (ح) و (س)، (ث). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 252. (¬5) قوله: (يختلف) في (ح) و (س): (اختلف). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 404، والنوادر والزيادات: 4/ 257. (¬7) قوله: (على) ساقط من (ب). (¬8) قوله (حبسك على) في (ح) و (س): (حبسك عن)، وفي (خزانة عثمان): (أمسك عنك).

قال الشيخ: وهذا مخالف لمسألة أصبغ ومسألة المعاشر؛ لأنَّ المال في الأولى ظاهر، فإن لم يحلف أخذه لا غير ذلك، وفي هذا المال غائب، فإن لم يحلف له ألا شيء عنده عاقبه حتى يظهره، واليمين ها هنا يدرأ بها عن نفسه وماله، وقال مطرف في الساعي يحلف الرجل على عدة غنمه ليأخذ منها الصدقة أو في غير الغنم مما يأخذ منه الزكاة من العين والحبوب والثمار، فإن كان الوالي لا يتعدى فيما يأخذ وإنما يتعدى في وضعها غير موضعها، فاليمين لازمة له وإن أكرهه بضربٍ أو وَعيدٍ، وإن كان يتعدى فيما يأخذ فيزيد على ما افترض أو يأخذ في غير أوان الأخذ (¬1)، فقال الآخر: لم أزرع، أو ما في (¬2) ماشية، فإن كان لا يعاقبه إن لم يحلف (¬3)، يريد: وإنما يغرمه مالًا لزمته اليمين، فإن كان يعاقبه لم تلزمه (¬4)، وأحب إليَّ ألا يعجل باليمين حتى يرى مواضع الشدة، وكلما اشتد عليه الأمر اتسعت عليه اليمين، وقال ابن الماجشون: لا يحنث، وإن درأ بيمينه عن ماله (¬5). يريد: إذا كان يغرمه ولا يعاقبه، وعلى القول الآخر ينظر إلى قدر ما يغرمه، فإن كان قليلًا حنث، واختلف إذا حلف قبل أن يُحَلَّفَ، فقال مالك: إن دَرأ باليمين قبل أن يُسْأَلَها ليذب عما خاف عليه من بدنه أو ماله لزمته. وقال ابن الماجشون: إذا حلف بالطلاق ثلاثًا من غير أن يحلفه فصدقه وتركه، وكانت اليمين خوفًا من قتله أو ضربه أو أخذ ماله، فتبرع باليمن فلا شيء عليه، وإن كان إن لم يحلف رجاء النجاة لزمته اليمين (¬6)، وقال مالك ومطرف وابن الماجشون فيمن ¬

_ (¬1) قوله: (الأخذ) ساقط من (ح) و (س). (¬2) فى (ب): (وملك). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 306، 307. (¬4) فى (ح) و (س): (فيلزمه). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 308. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 308.

فصل [في طلاق السفيه وطلاق من لم يحتلم]

استخفى عنده رجل من سلطان جاء يريد ماله أو دمه أو عقوبته في بدنه فسأله السلطان عنه فجحده أن يكون عنده فحلف على ذلك: إنه إن كان يخاف على نفسه إن اعترف أنه عنده فلا يحنث، وإن كان لو اعترف به لم يعاقبه حنث؛ لأن اليمين (¬1) ليست ليذب عن نفسه، وإنما هي ذب عن نفس غيره أو ماله (¬2)، وقال مالك في اللصوص يستحلفون الرجل بالطلاق أو بالحرية ألا يخبر عنهم، فأخبر، فليس عليه في يمينه شيء. يريد: إذا كان ينزل به في جسمه إن لم يحلف ضرب أو قتل، ويختلف إذا كانوا يأخذون ماله ولا يضربونه، واختلف في الإكراه على اليمين فيما هو طاعة لله تعالى (¬3)، فقال ابن الماجشون وأصبغ: لا يلزم اليمين. وقال مطرف: تلزمه اليمين مثل أن يأخذ الوالي رجلًا شاربًا خمرًا فيكرهه أن يحلف بالطلاق لا يشرب الخمر أو لا يفسق أو لا يغش في عمله أو لا يتلقى الركبان، أو يحلف الوالد ولده مكرهًا في أشباه ذلك من تأديبه، فاليمين لازمة، وإن كان قد تكلف منه المحلوف ما ليس عليه وما هو منه خطأ (¬4). فصل [في طلاق السفيه وطلاق من لم يحتلم] طلاق السفيه لازم (¬5)، واختلف في طلاق من لم يحتلم، فقال مالك: لا يلزمه (¬6). وقال في مختصر ما ليس في المختصر فيمن ناهز الحلم (¬7)، قال: إن ¬

_ (¬1) قوله: (لأن اليمين) ساقط من (ح) و (س). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 309. (¬3) في (ب) و (ث): (طاعة له). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 306. (¬5) انظر: المدونة: 2/ 79، والنوادر والزيادات: 4/ 418. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 94. (¬7) قوله: (ناهز الحلم) ساقط من (ح) و (س).

تزوجت فلانة فهي طالق، فتزوجها يفرق بينهما (¬1)، وقال أبو إسحاق: وروي عن ابن المسيب (¬2) والحسن في طلاق من لم يحتلم أنه لازم، وبه (¬3) قال ابن حنبل: إذا أطاق صيام شهر (¬4) رمضان وأحصى الصلاة. وقال عطاء: إذا بلغ اثنتي عشرة سنة جاز طلاقُه. قال أبو إسحاق: لأنه أول سن الاحتلام، قال: وروى مالك عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أجاز شهادة غلام يفاع، والأول أحسن لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثٍ: فذكر (¬5) الصَّبِيَّ حَتَّى يَحْتَلِمَ" (¬6) فجعل الاحتلام فاصلًا بين الصغير والكبير إلا أن يتأخر عن الوقت المعتاد. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 258. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 255. (¬3) فى (ح) و (س): (به). (¬4) قوله: (شهر) ساقط من (ح) و (س). (¬5) في (ب) و (ث): (عن). (¬6) أخرجه أبو داود: 2/ 545، في باب في المجنون يسرق أو يصيب، من كتاب الحدود، برقم (4401)، والترمذي: 4/ 32، في باب فيمن لا يجب عليه الحد، من كتاب الحدود، برقم (1423)، بنحوه من حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وقال: حسن غريب، والنسائي: 6/ 156، في باب من لا يقع طلاقه من الأزواج، من كتاب الطلاق، برقم (3432) بنحوه، وابن ماجه: 1/ 658، في باب طلاق المعتوه والصغير والنائم، برقم (2041)، بنحوه من حديث عائشة - رضي الله عنها -، وأورده البخاري معلقا: 5/ 2017، في باب الطلاق في الإغلاق والكره والسكران والمجنون وأمرهما والغلط والنسيان في الطلاق والشرك وغيره، من كتاب الطلاق، بنحوه من حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.

فصل [في طلاق النصراني]

فصل [في طلاق النصراني] واختلف في طلاق النصراني: فقال مالك وغيره من أصحابه: لا يلزمه وليس طلاقه بشيء (¬1). وقال المغيرة: يلزمه الطلاق، ويحكم به عليه الآن، وإن أسلم بعد ذلك احتسب به. وقال ابن القاسم: إذا طلق النصراني زوجته بعد أن أسلمت وهي في عدتها لم يقع طلاقه عليها. يريد: إذا لم تقم الزوجة بالطلاق، فإن قامت حكم لها بما أوقع عليها من واحدة أو ثلاث، فإن طلقها ثلاثًا ثم أسلم في العدة كان لها أن تمنعه من الرجعة؛ لأنَّ الطلاق يتضمن حقًّا لله سبحانه وحقًّا للزوجة؛ لأنه أعطاها نفسها، فإن لم تقم بحقها لم يُقَمْ عليه بحق الله سبحانه لأنه كافر، فإن قامت بحقها حكم عليه بالطلاق لأنه حكم بين نصراني ومسلم، وهو بمنزلة ما لو قال: وهبت لك نفسك، أو وهبها دينارا أو أعتق عبده المسلم، فإنه يحكم عليه في جميع ذلك بالوفاء بما جعل لها وللعبد، وإن طلقها واحدة فقالت: قد قبلت ثم أسلم وارتجعها ثم طلقها تطليقتين لم يكن له عليها رجعة. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 83.

باب في خيار الأمة تعتق ولها زوج حر أو عبد

باب في خيار (¬1) الأمة تعتق ولها زوج حر أو عبد الأصل في تخيير الأمة في فراق زوجها إذا أعتقت، حديث بريرة أعتقت فخيرها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فاختارت نفسها، ثم قال لها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ رَاجَعْتِيهِ" قالت: يا رسول الله، بأمر منك؟ قال: "لاَ إِنَّمَا أَنَا شَفِيعٌ"، فقالت: لا حاجة لي به. اجتمع عليه الموطأ والبخاري ومسلم، والبخاري (¬2) أتمهم حديثًا (¬3). وقال ابن عباس: وكان زوجها عبدًا أسود يقال له: مغيث، وقال الأسود (¬4): كان حرًّا، قال البخاري: قول الأسود منقطع، وقول ابن عباس أصح (¬5). ¬

_ (¬1) قوله: (خيار) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (والبخاري) ساقط من (ح) و (س). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري: 5/ 1959، في باب الحرة تحت العبد، من كتاب النكاح، برقم (4809)، ومسلم: 2/ 1141، في باب إنما الولاء لمن أعتق، من كتاب العتق، برقم (1504)، ومالك: 2/ 562، في باب ما جاء في الخيار، من كتاب الطلاق، برقم (1170)، والتتمة التي أشار إليها المصنف أخرجها البخاري: 5/ 2023، في باب شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - على زوج بريرة، من كتاب الطلاق، برقم 4979 من حديث عائشة - رضي الله عنها -. (¬4) يعني: الأسود بن يزيد بن قيس النخعى، أبو عمرو ويقال أبو عبد الرحمن الكوفى، من كبار التابعين. انظر: طبقات ابن سعد 6/ 70، وتاريخ البخاري 1/ 449، والمعارف، ص: 432، وسير أعلام النبلاء: 4/ 50. (¬5) انظر: صحيح البخاري: 6/ 2482، في باب ميراث السائبة، من كتاب الفرائض، التعليق على الحديث رقم (6373).

فصل [في شروط خيار المعتقة وهل هو طلاق أو فسخ؟]

ولا خلاف أن لها الخيار إذا كان عبدًا (¬1)، واختلف في الوجه الذي أوجب الخيار، فذهب مالك إلى أن ذلك لنقص حرمة الزوج (¬2)؛ لأنه عبد وليس بكفء، وليس لأنها كانت مجبورة على النكاح، فقال في كتاب محمد: إن طلبت الأمة سيدها أن يزوجها من هذا العبد ثم عتقت كان لها الخيار (¬3)، وكذلك المعتق بعضها يزوجها سيدها بإذنها ثم تعتق بقيتها، وهي تحت عبد فلها الخيار (¬4)، وقيل: لأنها كانت مجبرة على النكاح فلها الخيار، وإن كان حرًا ورأى أن ما تقدم من نكاح السيد بمنزلة بيعها منافعها، وعقده الإجارة عليها فلما لم يصح تمام العتق مع بقاء الإجارة وتمام عقده فيها لم يصح بقاء عقده عليها (¬5) في منافع بضعها (¬6) وكانت بالخيار في ذلك. فصل [في شروط خيار المعتقة وهل هو طلاق أو فسخ؟] الكلام على المسألة من ستة أوجه: أحدها: الوجه الذي يوجب لها الخيار. والثاني: إذا ثبت لها الخيار فاختارت نفسها هل يكون طلاقًا أو فسخًا؟ والثالث: إذا كان طلاقًا هل لها أن تختار الثلاث؟. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 84. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 326. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 232. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 326. (¬5) فى (ح) و (س): (فيها). (¬6) فى (ح) و (س): (بعضها).

والرابع: إذا كانت طلقة هل تكون بائنة أو رجعية إن أعتق الزوج في العدة؟ والخامس: الوقت الذي تختار فيه. والسادس: ما يسقط خيارها بعد ثبوته. فالذي يوجب الخيار عتق جميعها، وإن أعتق بعضها بتلًا أو جميعها إلى أجل، أو دبرت، أو كوتبت، أو صارت أم ولد، لم يكن لها خيار، وإذا وجب الخيار بعتق جميعها لم يسقط إلا بعتق جميع الزوج، فإن أعتق بعضه بتلًا أو جميعه إلى أجل، أو كوتب، أو دبر لم يسقط خيارها، وإذا وجب الخيار فاختارت نفسها كان طلاقًا لا فسخًا، وهذا هو الأصل في كل فراق كان من قبل المرأة هي فيه بالخيار كالتي تقوم بعيب يطرأ بعد العقد: جذام أو برص أو جنون أو عدم نفقة، وقيام الأمة بعد العتق نوع من القيام بالعيب، وهو طلاق بخلاف ملك (¬1) أحد الزوجين الآخر أو ارتداد أحدهما، ومحمل اختيارها على طلقة، واختلف عن مالك إذا قضت باثنتين هل يلزمانه (¬2) أو تكون طلقة ويسقط الزائد، وهو أصوب (¬3)؛ لأن مقالها في رفع يده عنها، وذلك تناله بواحدة، وإيقاعها طلقتين مضرة على الزوج من غير منفعة له، واختلف بعد القول أنها طلقة هل تكون بائنة أو رجعية؟ قال في المدونة: هي بائنة (¬4)، وقال في مختصر ما ليس في المختصر: له الرجعة إن أعتق في العدة (¬5). وقال ابن القاسم في كتاب ¬

_ (¬1) قوله: (ملك) ساقط من (ح) و (س). (¬2) فى (ح) و (س): (يلزمانها). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 85. (¬4) انظر: المدونة: 2/ 85. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 592، 593.

محمد: إن أعتقت وزوجها غائب أمرها وأمر النصرانية التي تسلم وزوجها غائب (¬1)، سواء إن تزوجت فأدركها قبل أن يدخل بها كان أحق بها إذا أسلم أو أعتق قبل وفاء عدتها (¬2)، وهذا هو القياس أن له الرجعة بزوال الرق، وهو في هذا كالتي تطلق عليه بسبب عيب فيزول في العدة عليه، وقال محمد: إذا طلَّق في العدة عليه بجنون أو جذام أو برص (¬3) أو عدم نفقة، ثم ذهب العيب أو أيسر الزوج فله الرجعة (¬4)، وإن أعتق بعد عتقها وقبل اختيارها فلا خيار لها (¬5). وقال ابن القاسم في العتبية: إذا وقفت عن الخيار حتى تطهر من الحيضة ثم أعتق زوجها فهي على خيارها (¬6)، وفي هذا نظر، والصواب ألا خيار لها لأنها زوجة بعد حين أعتق، وإن اختارت- وهي حائض بانت على قوله في المدونة، وأمَّا على القول الآخر أنها واحدة رجعية ففيه إشكال؛ لأنَّ الرجعة ليست بيدها ولا بيد الزوج؛ لأن ذلك حق عليه، فإن ارتجع السلطان وعادت زوجة كان في ذلك بطلان لحقها ولم يفدها الخيار، وليس لها أن تطلق أخرى؛ لأن الطلقة التي كانت بيدها قد أوقعتها، وأرى إن أجبرها السلطان وعادت زوجة أن يكون لها أن توقع أخرى، وهذه ضرورة، وإن أعتقت وهي في عدة من طلاق رجعي كان لها أن تختار لترفع رجعته عنها، ولو قيل إنها تمنع من الطلاق إذا قال الزوج: أنا لا أرتجع لرأيته حسنًا، وإن كانت صغيرة كان النظر في ذلك إلى السلطان فيما يراه حُسْنَ نظرٍ لها، وكذلك إن كانت سفيهة، إلا أن ¬

_ (¬1) قوله: (تسلم وزوجها غائب) فى (ح) و (س): (يسلم زوجها). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 241، 242. (¬3) قوله: (أو برص) ساقط من (ح) و (س). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 90. (¬5) انظر: المدونة: 2/ 85. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 241.

فصل [في سقوط خيار الزوجة المعتقة بعد ثبوته]

تبادر باختيارها نفسها، ولو رضيت بالمقام لم يلزمها ذلك على قول ابن القاسم إذا لم يكن فيه حسن نظر، ولزمه ذلك على قول أشهب، وإن أوقفها الزوج بحضرة العتق، وقال: إما أن تختاريني أو الطلاق، فقالت: إذًا أنظر وأستشير، كان القولُ قولها، واستحسن أن يؤخر ثلاثة أيام، وقد اختلف في الأخذ بالشفعة هل يوقف على الأخذ أو الترك بالحضرة أو يؤخر ثلاثة أيام، وإن لم يوقفها الزوج وطال ذلك ثم طلبته بالنفقة علا الماضي لم يكن لها؛ لأنها منعت نفسها، والنفقة في مقابل الاستمتاع، وقال في المدونة: إذا أوقفت (¬1) عنه سنة ولم تقل: رضيت، وقالت: وقفت لأختار كان القول قولها، ولا يمين عليها؛ لأن النساء لا يحلفن في التمليك، وقوله في هذا أصوب؛ لأن لها دليلًا على قولها وهو منعها نفسها طول تلك المدة. فصل [في سقوط خيار الزوجة المعتقة بعد ثبوته] ويسقط خيارها بعد ثبوته بوجهين: أحدهما: (¬2) أن تختاره بالقول أو تمكنه من نفسها بعد علمها بعتقها وعلمها أن لها الخيار، فيصيبها أو يُقبِّل أو يباشر، وكذلك إذا مكنته ثم لم يفعل، وإن اختلفا فقال: علمت بالعتق، وقالت: إني لم أعلم؛ صدقت (¬3). واختلف إن قالت: علمت بالعتق وجهلت أن لي الخيار، فقال في المدونة: لا تصدق. وقال في مختصر ابن عبد الحكم: تصدق، وهو أحسن، ولعل حديث بريرة مشهور ¬

_ (¬1) فى (ح) و (س): (وقفت). (¬2) قوله: (أحدهما) ساقط من (ح) و (س). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 240.

عندهم بالمدينة، ولا يحكم الآن بأنها علمت، ولا يعرف ذلك إلا أهل العلم، ولا يعرفه العوام من الرجال، وقد قال في الذي يطلق زوجته ثلاثًا ثم يصيبها ويدعي الجهل أو يعتق أم ولده ثم يصيبها ويدعي الجهل إنه يعذر بذلك، ولا حد عليه، فإذا عذر من ادعى جهل ذلك مع اشتهار الثلاث كانت الأمة أعذر، وإن كانت عالمة، واختلفا في المسيس، فإن أقرت (¬1) بالخلوة كان القول قوله مع يمينه، وإن أنكرت الخلوة كان القول قولها مع يمينها، وإن تصادقا على المسيس، واختلفا هل كان بطوعها أو مكرهة كان القول قوله، وإن تصادقا على المسيس والطوع، واختلفا هل علمت بالعتق كان القول قولها، قال محمد: بغير يمين، وإن اختارت نفسها بعد دخوله بها لم يسقط شيء من صداقها، وإن لم يكن دخل بها لم يكن لها شيء، وإن لم يعلم حتى بنى بها كان لها الأكثر من المسمى أو صداق المثل على أنها حرة، وإن كان العقد فاسدًا كان لها صداق حرة قولًا واحدًا، وإن كان العقد صحيحًا وعلمت بالعتق وبالحكم ثم بنى بها لم يكن لها إلا المسمى، وإن أعتقت وزوجها غائب واختارت نفسها، ثم ثبت أنه أعتق قبلها كان أحق بها ما لم تتزوج، واختلف إذا تزوجت فقيل: قد فاتت، وقيل: هو أحق بها ما لم يدخل بها الثاني، وقيل: هو أحق (¬2)، وإن دخل بخلاف من طلق وارتجع؛ لأن المطلق مرت به حالة كان في عقده وصمٌ، وهذا عقده صحيح على الأصل، واختلف إذا أعتق في عدتها على القول أنه رجعي هل يكون عقد الثاني فوتًا (¬3)؟ ¬

_ (¬1) فى (ح) و (س). (اعترفت). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 241، 242. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 287.

باب [في طلاق المريض وراكب البحر وحاضر الزحف ومن قرب للقتل]

باب [في طلاق المريض وراكب البحر وحاضر الزحف ومن قرب للقتل] المرض ثلاثة: غير مخوف، ومخوف غير متطاول، ومخوف متطاول كالسل والاستسقاء، فحكم الأول إذا طلق فيه حكم الصحيح، فإن كان الطلاق بائنًا واحدة قبل البناء أو ثلاثًا بعد البناء، أو واحدة فانقضت العدة قبل موت الزوج من ذلك المرض لم ترثه، وإن كان مخوفًا غير متطاول قد ألزمه الفراش أو متصرفًا يرى أنه قد أشرف على الموت كأصحاب السل والاستسقاء فطلقها حينئذ طلاقًا بائنًا أو غير بائن فانقضت العدة قبل موته ورثته، والشهر والشهران عند مالك في مثل هذا قريب؛ لأنه قال في الطلاق الرجعي: ترثه، وإن انقضت العدة قبل موته والغالب من النساء أنهن يطهرن ويحضن في شهر، فيكون انقضاء العدة في شهرين أو أكثر؛ لأنها تبين بأول الدم الثالث، وإن كان المرض متطاولًا فطلق في آخره أو في أوله وأعقبه الموت قبل المطاولة ورثته، واختلف إذا طال مرضه بعد الطلاق ثم مات، فالذي يقتضيه قول مالك في المدونة أنها ترثه لأنه قال: إذا تزوجت بعد الأول أزواجًا كلهم يطلقها وهو مريض ثم تزوجت آخر، والذين تزوجوها أحياء إنها ترث جميعهم (¬1)، قال أبو محمد عبد الوهاب: السل مرض من الأمراض المخوفة وأفعاله في الثلث، ولم يعرف هل طال الأمر بعد فعله أم لا؟ وإذا كانت أفعاله في الثلث ورثته الزوجة، وكذلك الاستسقاء إذا دخلت أمارات الخوف وإن طاوله. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 86.

فصل [في ميراث الزوجة إذا طلقها زوجها في مرضه]

وقال ابن الماجشون في المبسوط: الأمراض المتطاولة كالسل والربع والطحال والبواسير ما تطاول منها يجري بعد تطاوله مجرى الصحة، وإن كان الموت قبل المطاولة ورثته زوجته وكان فعله في الثلث، وهذا أحسن، وكذلك الجذام إذا لم يدخل قليل الخوف وكان على أحكام الصحة، ومن طلق زوجته في الصحة طلاقًا رجعيًّا ثم ارتجع في المرض ثم طلقها في مرضه ورثته؛ لأن الرجعة هدمت حكم الطلاق الأول، وإن لم يرتجع وأوقع عليها في المرض بقية الثلاث ثم مات قبل خروجها من العدة ورثته؛ لأنه بان بالطلاق الثاني، وإن انقضت العدة لم ترثه، وإن طلق في المرض ثم صحَّ صحة بينة ثم مرض (¬1) سقط أن يكون حكم ذلك الطلاق حكم ما أوقع في المرض إلا أن يرتجع في المرض ثم يحدث طلاقًا فترثه. فصل [في ميراث الزوجة إذا طلقها زوجها في مرضه] الميراث يثبت للزوجة إذا طلقت في المرض، وكان يرى أنه فار أو أشكل الأمر هل هو فار أم لا؟ ويفترق الجواب إذا كان هناك دليل على أنه لم يقصد الفرار، فيثبت الميراث في وجه ويسقط في وجه. واختلف في الثالث، فإن كان الدليل صلاح الزوج وفضله وأن مثله لا يتهم على ذلك ورثته، وقد طلق عبد الرحمن بن عوف زوجته في مرضه فوَرَّثها عثمان - رضي الله عنه - منه (¬2)، وقال: خفت أن ¬

_ (¬1) زاد في (ب) و (ث): (ثم يطلق فيه). (¬2) أخرجه مالك: 2/ 571، في باب طلاق المريض، من كتاب الطلاق، برقم (1183)، من حديث طلحة بن عبد الله بن عوف وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وانظر: المدونة: 2/ 89.

يستن به، ولأن ذلك يؤدي لو لم ترث منه إلى سقوط الميراث ممن يتهم، فيقال: هذا لا يتهم وهذا قريب منه في الحال، ومثل هذا لا يتحصل، وقد أحكم الله تعالى في كتابه مثل ذلك في المعتدة من وفاة وهي صغيرة أو يائسة (¬1)، فأجرى جميعهنَّ على حكم واحد، لئلا يقال: هذه في سن من يخشى منها الحمل، وهذه لا يخشى ذلك منها، وهذه قريبة في السن من هذه، والقائم لنفسه بالنسب معدوم، فحمل الباب بها جميعهن، ولأن الطلاق في المرض مختلف فيه بعد أن يقصد الفرار، فقد يكون الزوج صالحًا وهو ممن يعتقد ذلك أو ممن يقلد من يراه، فكان منع ذلك في جميع الأزواج أحسن، وقد استدل من أوجب الميراث إذا قصد الفرار بهباته وصدقاته أن للورثة شبهة وتعلقًا بالمال حينئذ فيمنعوه من أن يتصرف في ماله إلا على وجه التنمية، وما كان على غير ذلك من الهبات والصدقات والعطايا لم يكن له تنفيذها إلا من رأس المال، وكان فعله موقوفًا فينفذ بعد موته من ثلثه والزوجة وغيرها من الورثة سواء، وإذا تعلق للزوجة شبهة ومنع حسب ما تقدم له لم يصح (¬2) أن يخرج من الميراث من له منعه من التصرف في ذلك المال إلا على وجه التنمية لا بطلاق ولا بغيره، ويؤيد ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ وَلاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ" (¬3)، وإذا منع هذا أن يفر بزكاته بجمع أو تفرقة، وإن لم تكن وجبت حينئذ لما شارف الحول، ووجوب حق المساكين- منع هذا لما شارف الموت من وجوب ¬

_ (¬1) فى (ح) و (س): (مسنة). (¬2) في (ح) و (س): (يصلح). (¬3) أخرجه البخاري: 2/ 526، في باب لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع، من كتاب الزكاة، برقم (1382)، من حديث أبي بكر - رضي الله عنه -.

حقها فيه، وقد مر مالك على أصله في الموضعين فحمل الحديث على الوجوب، وفي الزوجة إذا فر أن يؤخذ بما فر منه، وذهب بعض الناس في السؤالين في ذلك على الندب، وقال مالك في مختصر ما ليس في المختصر فيمن باع إبلًا فرارًا من الزكاة، قد قيل إنه (¬1) يزكي زكاة الذهب بمنزلة من لم يفر، واختلف إذا كان الدليل أنه لم يبتدِ طلاقًا، وإنما ذلك العقد تقدم في الصحة، فقال في المدونة فيمن قال وهو صحيح: أنت طالق إذا قدم فلان، فقدم في مرض الزوج ورثته، وقال مالك فيمن حلف لامرأته وهو صحيح بطلاقها: إن دخلت بيتًا، فدخلته وهو مريض إنها ترثه. وقال في كتاب المدنيين إذا قال لها: إن دخلت الدار فأنت طالق أو صنعت كذا وكذا فأنت طالق، فصنعت ذلك وهو مريض معصية وخلافًا، وقع الطلاق ولم ترثه، وإن حلف وهو مريض ورثته. وقال المغيرة في كتاب ابن سحنون فيمن حلف: ليقضين فلانًا حقه، فمرض الحالف فلم يقض فحنث في مرضه (¬2)، فإن كان مليًّا ورثته، وإن كان فقيرًا أو طرأ له مال فلم يعلم به حتى مات حنث ولم ترثه. وقول مالك والمغيرة في هذا أحسن. واختلف إذا كانت الزوجة أمة أو نصرانية فطلقها في المرض ثم أعتقت هذه وأسلمت الأخرى بعد انقضاء العدة، فقال محمد: يرثانه. قال ابن الماجشون في المبسوط: لا ميراث لها، وعلى هذا لا ترث الأمة إن أعتقت، وهو قول سحنون في العتبية (¬3). ¬

_ (¬1) قوله: (من الزكاة، قد قيل أنه) ساقط من (ح) و (س). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 98. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 453، ولفظه: (قال سحنون: إذا طلق المريض امرأته النصرانية =

فصل [في ميراث المرتد في المرض] وقال مالك وابن القاسم في المدونة في مريض ارتد وثبت على ردته حتى قُتل- لم ترثه زوجته ولا أحد من قرابته (¬1). والمرتدُّ في المرض على ثلاثة أوجه: فإمَّا أن يقتل على ردته، أو يموت على كفره قبل أن يوقف ليسلم أو يقتل، أو يراجع الإسلام ثم يموت مسلما، فإن قتل على ردته أو مات على كفره قبل أن يقتل لم يرثه ورثته، والصحةُ والمرضُ في ذلك سواء، وإن راجع الإسلام ورثه ورثته دون زوجته (¬2) على مذهب ابن القاسم؛ لأن الردة عنده طلاق بائن، وهو على مذهب عبد الملك وأشهب ترثه؛ لأنهما يريان أنه إذا عاد إلى الإسلام عادت زوجته على الأصل من غير طلاق. واختلف إذا راجع (¬3) الإسلام ثم مات بقرب ذلك أو قتل على قول عبد العزيز بن أبي سلمة، فعلى قول مالك في المبسوط في المرتد يرجع إلى الإسلام أنه لا يرد إليه ماله ويكون لبيت المال لا يكون له ها هنا شيء، واختلف بعد القول أن ماله يعاد إليه إذا رجع إلى الإسلام إذا ارتد في مرضه ومات على ¬

_ = أو الأمة في حال الحجر ألبتة، ثم أسلمت أو أعتقت الأمة في العدو، ثم مات فلا ميراث لهما؛ لأنه لا يتهم فيهما؛ لأنهما ليستا مما كان الحجر لهما فإن كان طلاقه لهما واحدة فأسلمت أو أعتقت في العدة، فله الرجعة؛ لأن الرجعة ليست بنكاح الملك ألا ترى أن المحرم يرتجع ولا يتزوج؟ وإن أسلمت أو أعتقت في العدة ثم مات في العدة ولم يرتجع فلها ميراث). (¬1) انظر: المدونة: 2/ 228. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 506. (¬3) فى (ح) و (س): (رجع إلي).

فصل [في ميراث الزوجة إذا طلقها زوجها طلاقا بائنا في صحته]

كفره، فقال ابن شعبان في ذلك قولين، هل يرثه ورثته (¬1) أم لا؟ وقال مالك في كتاب ابن حبيب: لا يرثه ورثته (¬2) إلا أن يتهم أنه أراد أن يمنعهم من الميراث. وقال ابن القاسم في العتبية فيمن ارتد في مرضه: يقتل ولا ينتظر موته ولا يرثه ورثته إلا أن يتوب فيرثه ورثته المسلمون إلا امرأته (¬3)، وكذلك في ردة المرأة المريضة، وإن تابت لم يرثها زوجها، ولو طلق مريض زوجته ثلاثًا ثم ارتدت ثم تابت ثم مات هو في مرضه فإنها لا ترثه، وكذلك ردته هو في مرضه إن تاب ثم مات لم ترثه، قال الشيخ رحمه الله: ارتدادها في مرضه أبين في منع ميراثها منه إذا ارتد هو في مرضه؛ لأنها هي التي عمدت إلى ما يسقط ميراثها منه. فصل [في ميراث الزوجة إذا طلقها زوجها طلاقا بائنًا في صحته] ويصح أن ترث الزوجة مع كون الطلاق بائنًا في الصحة، وذلك في ثلاث مسائل: إذا قرب للقتل، أو حضر الزحف، أو ركب البحر على اختلاف في هذا لأنه حينئذ فار لما أشرف على الموت، وكذلك المحارب يقرب لتقطع يده ورجله في حين يخاف عليه الموت فمات لم ترثه، وإن كان يخاف عليه وكان رأي الحاكم القطع، وإن خيف أو كان (¬4) فعل ذلك جهلًا بوجه الحكم لم ترثه. ويختلف في حاضر الزحف قياسًا على راكب البحر إذا أخذه الهول فقد اختلف قول مالك فيه (¬5) فقال مالك في المدونة: إن أعتق وقد أخذه ¬

_ (¬1) قوله: (ورثته) ساقط من (ح) و (س). (¬2) قوله: (ورثته) ساقط من (ح) و (س). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 506. (¬4) قوله: (كان) ساقط من (ح) و (س). (¬5) قوله: (قول مالك فيه) زيادة في (ب).

فصل [في عدة وصداق وميراث امرأتين لرجل دخل بواحدة ثم طلق إحداهما طلقة ومات قبل أن تنقضي العدة ولم يدر أيهما طلق]

النوء (¬1) والريح الشديدة وخاف الغرق كان من رأس المال، وقال أيضًا: إنه من الثلث. وقال أبو محمد عبد الوهاب في التلقين: حكم راكب البحر إذا حصل في اللجة حكم المريض (¬2)، قال: وفيه اختلاف، وأما راكب النيل والدجلة والبحر الميت أو الحي إذا لم يلجج فإن أفعاله من رأس المال، وإن طلق زوجته لم ترثه، وقد قال مالك في الحامل: تتصدق، فإن كان ذلك قبل الشهر السادس كان فعلها من رأس المال، وإن كان فعلها في السادس إلى ما بعده كان في الثلث (¬3)، وقال في الموطأ: قول الله عزَّ وجلَّ: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ} [الأحقاف: 15] يريد: أنه أول الوضع (¬4)، وهذا على مراعاة النادر في الوضع في السادس، وعلى مراعاة الغالب في وضع النساء يراعى الشهر التاسع. ويختلف أيضًا إذا ضربها الطَّلق قياسًا على راكب البحر إذا أخذه الهول، بل الحامل أبين لأن الغالب من الحمل السلامة، والقياس في راكب البحر إذا أخذه الهول أنه إذا طلق أنها ترثه؛ لأن القصد حينئذ الفرار، وأن يكون العتق من الثلث لأنه لا يقصد حينئذ إلا القربة إلى الله سبحانه بما ينجو به. فصل [في عدة وصداق وميراث امرأتين لرجل دخل بواحدة ثم طلق إحداهما طلقة ومات قبل أن تنقضي العدة ولم يدر أيهما طلق] ومن المدونة قال ابن القاسم في رجل له امرأتان دخل بواحدة ثم طلق إحداهما طلقة ومات قبل أن تنقضي العدة ولم يدر أيهما طلق قال: فللمدخول ¬

_ (¬1) فى (ح) و (س): (الهول). (¬2) انظر: التلقين: 2/ 219. (¬3) و (¬4) انظر: الموطأ: 2/ 764.

بها صداقها كاملًا وثلاثة أرباع الميراث، وللتي لم يدخل بها ثلاثة أرباع الصداق وربع الميراث (¬1)، فأما المدخول بها فقد استحقت جميع الصداق بالدخول، ولا تأثير للطلاق في ذلك إن كانت هي المطلقة. وأما غير المدخول بها فهي تستحق النصف إن كانت هي المطلقة وجميع الصداق إن لم تكن هي المطلقة، فقسم النصف المشكوك بينها وبين الورثة فصار لها ثلاثة أرباع صداقها، وأما الميراث فالمنازعة فيه مع صاحبتها لا مع الورثة، فكان للمدخول بها ثلاثة أرباعه لأنها تقول: إن ثبت أني المطلقة كان لي النصف، وإن كنت أنت المطلقة كان لي جميعه فيقسم النصف بينهما، ولو مات بعد انقضاء العدة أو كان الطلاق ثلاثًا كان الميراث بينهما نصفين، وهذا إذا علمت المدخول بها ولم تعلم المطلقة، وإن لم تعلم المدخول بها وعلمت المطلقة فللتي لم تطلق جميع الصداق وثلاثة أرباع الميراث، وللتي طلقت ثلاثة أرباع الصداق وربع الميراث؛ لأن التي لم تطلق تقول للورثة: أنا أستحق جميع الصداق، وإن لم يدخل بي، والتي طلقت تستحق النصف تارة إن كانت التي لم يدخل بها، والجميع إن كانت المدخول بها، فقسم النصف المشكوك بينهما وبين الورثة وأما الميراث فللتي لم تطلق نصفه لا منازعة لصاحبتها فيه، ويتنازعان في النصف الآخر، فهي تقول: أنا المدخول بي فلي جميعه، والأخرى تقول: أنا المدخول بي فلي نصفه فيتحالفان ويقتسمانه، فإن حلفت المطلقة ونكلت الأخرى كان لها ذلك النصف، وإن نكلت وحلفت المدخول بها كان لها جميع الميراث ولم يكن للمطلقة سوى نصف الصداق، ولا ميراث، وإن لم تعلم المطلقة ولا المدخول بها كان لهما صداقان إلا ربع (¬2) يقتسمان ذلك نصفين، والميراث الربع أو الثمن بينهما ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 90. (¬2) في (ث): (إلا ربعا).

فصل [في عدة وصداق وميراث امرأة وابنتها تزوجتا رجل في عقدين ثم مات ولم يعلم الأولى منهما]

نصفين، وأما العدة فعلى كل واحدة أربعة أشهر وعشرا، وسواء علمت المطلقة ولم تعلم المدخول بها أو علمت المدخول بها ولم تعلم المطلقة إذا كان الطلاق واحدة، ولم تنقض العدة، وإن انقضت العدة افترق الجواب، فإن علمت المطلقة لم يكن عليها عدة؛ لأن عدتها قد انقضت، وإن لم تعلم المطلقة كان على كل واحدة أربعة أشهر وعشرا؛ لأنه مات عن زوجة واحدة ولم يعلم أيتهما هي، فإن كان الطلاق ثلاثًا وعلمت المطلقة كان عليها ثلاث حيض من يوم وقع الطلاق، والأخرى أربعة أشهر وعشرًا، وإن لم يعلم المطلقة ومات قبل مضي ثلاث حيض كان على كل واحدة أربعة أشهر وعشرا (¬1) لإمكان أن تكون هي الزوجة، وثلاث حيض من يوم الطلاق لإمكان أن تكون هي المطلقة. فصل [في عدة وصداق وميراث امرأة وابنتها تزوجتا رجل في عقدين ثم مات ولم يعلم الأولى منهما] وقال ابن القاسم فيمن تزوج امرأة وابنتها في عقدين ثم مات ولم يعلم الأولى منهما، فإن دخل بهما (¬2) كان لكل واحدة صداقها ولا ميراث لهما، والعدة ثلاث حيض على كل واحدة منهما، وإن لم يدخل بواحدة منهما كان لكل واحدة نصف صداقها والميراث بينهما نصفين، والعدة أربعة أشهر وعشرا، وإن دخل بواحدة وعلمت ولم يعلم هل هي الأولى أو الآخرة وإن لها صداقها المسمى، واختلف في الميراث فقيل: لا شيء لها لأنه ميراث بشك، وقيل: لها ¬

_ (¬1) قوله: (وإن لم يعلم. . . . أربعة أشهر وعشرا) ساقط من (ح) و (س). (¬2) قوله: (فإن دخل بهما) ساقط من (ح) و (س).

نصف الميراث (¬1) لإمكان أن تكون هي الأولى فلها جميعه أو الآخرة فلا يكون لها شيء، فيقسم بينها وبين الورثة، والعدة أقصى الأجلين أربعة أشهر وعشرا لإمكان أن تكون الأولى، وثلاث حيض لإمكان أن تكون الآخرة، ولا صداق للتي لم يدخل بها ولا ميراث ولا عدة عليها؛ لأنها إن كانت الآخرة فهو نكاح فاسد لم يدخل فيه، وإن كانت الأولى فإن الدخول بالآخرة يفسخه، وإن علمت الأولى ولم تعلم المدخول بها كان لهما صداق واحد بينهما نصفين بعد يمينهما (¬2)، فإن نكلت إحداهما كان للتي حلفت، ويختلف في ميراث الأولى هل لها نصفه أو لا شيء لها لأنه ميراث بشك، والقضاء ها هنا بالنصف أبين لأنها وارثة حقيقة مشكوك هل طرأ عليها ما يبطله، والعدة أربعة أشهر وعشرا، وعلى الأخرى ثلاث حيض لأنه فاسد وهي (¬3) معترفة على نفسها بالدخول، وإن لم تعلم الأولى ولا المدخول بها كان لهما صداق واحد يقتسمانه نصفين بعد يمينهما، ونصف ميراث على أحد القولين يقتسمانه أيضًا، والعدة أقصى الأجلين لأن كل واحدة تقر على نفسها بالدخول، ولا يدرى (¬4) هل هي أولى أو آخرة (¬5)، ولو تزوج الثانية في الصحة أو في المرض ودخل بها في المرض لورثت الأولى؛ لأنه يعد فارًّا عنها بدخوله بالثانية في المرض. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 510، 511، 5/ 149. (¬2) فى (ح) و (س): (أيمانهما). (¬3) قوله: (وهي) ساقط من (ح) و (س). (¬4) فى (ح) و (س): (ولا تدري). (¬5) فى (ح) و (س): (أخرى).

فصل [في عدة وصداق وميراث خمس نسوة توفي عنهن زوجهن ولا يدرى أيتهن الخامسة]

فصل [في عدة وصداق وميراث خمس نسوة توفي عنهن زوجهن ولا يدرى أيتهن الخامسة] وإذا توفي عن خمس نسوة ولا يدرى أيتهن الخامسة (¬1)، فإنه لا يخلو أن يكون دخل بهنَّ أو لم يدخل بواحدة منهن أو دخل ببعضهن، وأي ذلك كان فإن الحكم في الميراث سواء لا يتغير؛ لهن الثمن مع الولد، والربع مع عدمه بينهن أخماسًا وإنما يفترق الجواب في الصداق والعدة، فإن دخل بهن كان لكل واحدة صداقها المسمى، وإن لم يدخل بواحدة منهن كان لهن أربع صدُقات يقسمنها أخماسًا إن اعتدلت، وإن اختلعت (¬2) كان لكل واحدة أربعة أخماس صداقها، وإن دخل ببعضهن كان لمن دخل بها صداقها كاملًا كانت واحدة أو اثنتين أو ثلاثًا أو أربعًا، ثم ينظر إلى من لم يدخل بها، فإن كانت واحدة كان لها نصف صداقها؛ لأنه يمكن أن تكون هي أحد الأربعة فيكون لها جميع المسمى أو تكون الخامسة فلا يكون لها شيء، فلما أشكل الأمر هل لها جميعه أو لا شيء لها جعل لها نصفه، وإن لم يدخل باثنتين كان لهما صداق ونصف يقسمانه نصفين، وإن كن ثلاثًا كان لهن صداقان ونصف بينهن أثلاثًا، وإن كن أربعًا كان لهن ثلاث صدقات ونصف بينهن أرباعًا، وإن شهد الورثة أن هذه الخامسة جازت شهادتهم لأنهم لا يجرُّون بتلك الشهادة منفعة، وأما العدة فإن دخل بهن كان على كل واحدة أقصى الأجلين أربعة أشهر وعشرا لإمكان أن تكون إحدى الأربع، وثلاث حيض لإمكان أن تكون الخامسة، وإن لم يدخل بواحدة كان على كل واحدة أربعة أشهر وعشرا لإمكان أن تكون هي إحدى الأربع، وإن دخل ببعضهن كان على المدخول بها أقصى الأجلين، والتي لم ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 91. (¬2) في (ب): (اختلفت).

يدخل بها أربعة أشهر وعشرا. وقال ابن سحنون (¬1) في رجل مات عن ست نسوة تزوج واحدة منهن بانفرادها، واثنتين في عقد، وثلاثًا في عقد فمات قبل أن يدخل بهن ولم تعلم الأولى منهن، كان للتي تزوج بانفرادها (¬2) صداقها كاملًا؛ لأن نكاحها لا يكون إلا صحيحًا، وسواء كانت أولًا أو بعد الاثنتين أو بعد الثلاث أو بعد الخمس؛ لأنه إن كان تزوج الاثنتين ثم الثلاث كان عقد الثلاث فاسدا، وتصير النفردة ثالثة. وإن تزوج الثلاثة ثم الاثنتين كان نكاح الاثنتين (¬3) فاسدًا، وكأنه تزوجها بعد ثلاث فهي رابعة، وأما الميراث فإن للمنفردة سبعة أسهم من أربعة وعشرين سهمًا، وللاثنتين ثمانية أسهم لكل واحدة أربعة أسهم، وللثلاث تسعة أسهم، ثلاثة لكل واحدة؛ لأن للمنفردة إن كانت بعد الثلاث الربع، وإن كانت بعد الاثنتين الثلاث. والثلث والربع يقوم من اثني عشر سهمًا فلها من الاثني عشر الربع لا تنازع فيه، ويبقى سهم وهو تمام الثلث مشكوكًا فيه تارة تستحقه إن كانت ثالثة (¬4)، وتارة لا تستحقه إن كانت رابعة، فيكون لها نصفه فيضرب الاثنا عشر في اثنين فتبلغ أربعة وعشرين لها ثلاثة أسهم ونصف مضروبة في اثنين بسبعة ويبقى لثلاث منهن سهم لا ينازعهن الاثنتان فيه، ويبقى ستة عشر يقسمنها نصفين لأن كل طائفة تقول يمكن أن يكون جميع ذلك لنا، فإذا أخذ الثلاث ثمانية أسهم أضيف إليها السهم الواحد فكانت تسعة فيقتسمنها أثلاثا لكل واحدة ثلاثة أسهم. ¬

_ (¬1) قوله: (ابن سحنون) فى (ح) و (س): (سحنون). (¬2) فى (ح) و (س): (بانفراد). (¬3) قوله: (ثم الثلاث. . . ثم الاثنتين كان نكاح الاثنتين) فى (ب): (بعد ثلاث فنكاحهما). (¬4) قوله: (إن كانت ثالثة) زيادة في (ح) و (س).

باب في نسيان البينة أو شكهم أو اختلافهم

باب في نسيان البينة أو شكهم أو اختلافهم وقال ابن القاسم في رجلين شهدا على رجل أنه طلق إحدى نسائه الأربع، وقالا نسيناها، فلا تجوز شهادتهما، ويحلف الزوج ما طلق واحدة منهن، وقال محمد: لا يمين عليه، وقال ابن القاسم في شك الشهود ونسيانهم لمن سمى في العتق يجوز بعد الموت، وقال أصبغ: رجع عنه فلا يجوز في الحياة ولا بعد الموت (¬1) فأسقط الشهادة لأن كل واحدة منهن لا تدري أهي المطلقة أم لا، ولأنها لو علمت لم يصح أن يحلف أنها المطلقة، وأرى أن يحال بينه ويسجن حتى يقر بالمطلقة لأن البينة قطعت بأن واحدة عليه حرام، واختلف إذا نسيت البينة والشهادة بمال فقيل: الشهادة باطلة. وقال مالك في كتاب ابن حبيب في بينة شهدت لرجل أنه له في هذه الدار حق، ولا نعرف كم هو لتقادمه وتناسخ المواريث فيه، والمطلوب ينكر، قال: يقال له إن علمت حقك ما هو فاحلف عليه وخذه، وإن جهله وقال: كنت أسمع أبي يقول له فيها حق فلا أعرف، حيل بين المشهود عليه وبين الدار حتى يقر فيها بحق الطالب، ويوقف جميعها، ولا حجة للمطلوب إن قال: لم يشهد علي بجميعها (¬2)، وإن قال حق الطالب منها الربع وأبى أن يحلف على ما سواه أخذ الربع بإقراره ووقف باقي الدار حتى يحلف أن لا شيء له غيره، ولو أقر بعد ذلك بشيء أخذ منه، ووقف عن بقيته حتى يحلف، وإن قال المشهود له أعرف حقي منها، وأبى أن يحلف لم يبطل حقه لأن البينة أثبتت له حقا، قال ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 361. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 366.

مطرف: وقد كنا نحن نقول إن الشهادة تبطل إذا لم يسم الحق حتى قال مالك هذا، وقضى ابه، وقال مالك أيضا: إذا شهدت بينة للرجل بحق وقالت لا نعرف عدده إلا أنا نشهد أنه قد بقي له عليه حق فإنه يقال للمطلوب أقر له بحقه، فما أقر به حلف عليه ولا شيء عليه غيره، وإن جحده قيل للطالب إن عرفته فاحلف عليه وخذه، وإن قال: لا أعرفه وضاعت كتب محاسبتي أو أعرفه ولا أحلف فليسجن المطلوب حتى يقر بشيء ما، ويحلف عليه، فإن أقر بشيء، ولم يحلف أخذ منه وحبس حتى يحلف (¬1)، واختلف أيضا إذا شكت البينة، فقيل: الشهادة باطلة (¬2)، وقال ابن كنانة في المجموعة: إذا شهدا بمال فقيل للبينة أتعلمان أنه مائة، فإن قالا: لا، قيل: فخمسون، فينزلان حتى يقفا على ما لا يشكان فيه (¬3)، وقال مطرف في كتاب ابن حبيب: إن أقر المطلوب بالحق وجاء بشاهد أنه قبض منه شيئا سماه لي ونسيته، قال: ينزل حتى يقدر على ما لا يشك فيه، ثم يحلف المشهود عليه على ما وقف عليه الشاهد ويبرأ، وقال ابن الماجشون: الشهادة ساقطة (¬4)، والأول أحسن، ولا يسقط ما استوقن لزائد مشكوك فيه، وإن أقر بثوب أو بعبد لم تعينه البينة ولا وصفته لم تبطل الشهادة لأن إبهام المشهود به ها هنا من قبل المقر ليس من قبل الشهود، واختلف بماذا يقضى له به عليه، فقيل بالوسط من العبيد والثياب، وقيل: بما يدعيه المقر له مع يمينه إذا أتى بما يشبه، وهو أحسن. وقال محمد: أقر بدنانير قضي عليه بثلاثة بعد يمين الطالب ما هي أقل، ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 365، 366. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 361، 9/ 201. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 362. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 364.

فصل [تلفيق الشهادتين إذا اختلفتا وقتا أو مكانا أو مضمونا واتفقا جملة]

ويمين المطلوب ما هي أكثر (¬1)، وقوله في يمين الطالب ضعيف، وإنما أراد يمينه للاختلاف في أقل الجمع أنه اثنان، وليس هذا مما يقصدونه اليوم ولا يفهمونه إذا قال: دنانير، وإن نكل المطلوب أو أنكر الإقرار جملة، كان القول قول المقر له فيما يدعيه إذا أتى بما يشبه. فصل [تلفيق الشهادتين إذا اختلفتا وقتا أو مكانا أو مضمونا واتفقا جملة] واختلف في ضم الشهادتين إذا كانت عن موطنين وكانا على قول أو فعل أو أحدهما على قول والأخرى على فعل، فقيل: يضمان ويقضى بهما، وقيل: لا يضمان، وقيل: إن كانت على قول ضمتا، وإن كانا على فعل لم يضما، وقيل: يضمان، وإن كانتا على فعل وإن كان إحداهما على فعل والأخرى على قول لم يضما، قال مالك: إن شهد أحدهما أنه طلق يوم الخميس بمصر في رمضان والآخر أنه طلق يوم الجمعة بمكة في ذي الحجة طلقت عليه، فإن شهد عليه أنه حلف يوم الخميس أن لا يدخل دار فلان، ثم شهد الآخر أنه حلف يوم الجمعة أن لا يدخلها، ثم شهدا هما أو غيرهما أنه دخل يوم السبت طلقت عليه وضم القولان، وإن شهد عليه أنه حلف يوم الخميس أن لا يدخلها ثم شهد أحدهما أو غيرهما أنه دخلها يوم الجمعة، والآخر أنه دخلها يوم السبت ضمت الشهادتان على الفعلين وطلقت عليه، ولو شهد أحدهما أنه حلف ألا يدخلها وأنه دخلها، وشهد آخر أنه اعترف عنده باليمين والدخول ضمت الشهادة ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 117.

وطلقت عليه، وقال في كتاب القذف: إذا شهد أحدهما أنه شجه موضحة وشهد الآخر أنه أقر أنه شجه موضحة ضمت الشهادتان وقضى بهما (¬1)، وكل هذا فهو أحد القولين، وقد مضى في كتاب الشهادات اختلاف ابن القاسم ومحمد في ضم الشهادتين في المال، وأرى أن يضما في الطلاق إذا شهد كل واحد بثلاث أو شهد كل واحد بطلقة وكانت هي آخر طلقة، فإن لم يكن تقدم له فيها طلاق لم يضم الشهادتان وحلف على تكذيب كل واحد منهما وبرئ، وليست الشهادتان بالثلاث كالشهادة بالواحدة؛ لأن الشهادة إذا كانت على الثلاث كانت على شيء واحد، والذي شهد به الأول هو الذي شهد به الثاني وهو بمنزلة ما لو شهد على عتق عبد بعينه، وإذا شهد كل واحد بطلقة تضمنت أنه ذهبت منه طلقة من ثلاث وبقيت طلقتان وتضمنت شهادة الثاني على القول الأول طلقة ثانية، غير الأولى، وأن يكون بقيت له فيها واحدة، وإذا قال الأول: أوقع عليها أمس طلقة، وقال الاخر: أوقع عليها اليوم طلقة أيضا كانت على قولهما طلقتان فلا يصح أن تجمع الطلقتان وتجعل طلقة واحدة وقد يكون بين الطلقتين ما ينقضي فيه العدة فعلى شهادة الأول لا تقع الثانية لأنها على غير زوجته، وإذا كان الحكم لو سمع كل طلقة شاهدان أن يقع عليه طلقتان لم يصح إذا انفرد كل بسماع كل طلقة شاهدان تجعل واحدة، وإن شهد شاهد بطلقة وآخر بثلاث ضمت الشهادتان وقضى بواحدة وحلف على الباقي، واختلف إذا شهد أحدهما بواحدة والآخر بالبتة، فقيل: لا يضمان؛ لأن البتة لا تتبعض، وقيل: يضمان لأن البتة عبارة عن الثلاث (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 487. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 174، 175.

وقال ابن القاسم: إذا شهد أحدهما أنه سرق يوم الخميس، والآخر يوم الجمعة لم يقطع (¬1)، وقال محمد: إذا شهد أحدهما أنه شرب أمس، والآخر اليوم لم يحد، واختلف أيضا في الشهادة في الزنى إذا كانت عن موطنين هل يجمع. وإن شهد شاهد أنه حلف ألا يدخل دار فلان وأنه دخلها وشهد الآخر أنه حلف ألا يكلم فلانا وكلمه، لم تضم الشهادتان ولم يطلق عليه (¬2)، واختلف في يمينه فقيل: يحلف لأن هذه الشهادة لطخ، وقيل: لا يحلف إلا أن يثبت أحد الطرفين إما شاهدان على اليمين وواحد على الدخول، أو واحد على اليمين، واثنان على الدخول، وقد تقدم هذا الأصل في كتاب أمهات الأولاد إذا شهد واحد على إقرار السيد بالوطء، وامرأة على الولادة هل يحلف والاختلاف في ذلك (¬3)، وقال ربيعة في ثلاثة نفر شهدوا على رجل كل واحد على طلقة ليس معه صاحبه فأمر أن يحلف أو يفارق، فنكل قال: يفرق بينه وبينها وتعتد من يوم يفرق بينهما لأني لا أدري عن أي شهادات النفر نكل (¬4) فلم يجمع شيئا من هذه الشهادة، وعلى أصل مالك وابن القاسم يلزمه طلقة بشهادة الأول والثاني، ويحلف على شهادة الثالث، وإذا لم يجمع الشهادة فيختلف إذا نكل هل يقع عليه ثلاث تطليقات لأن شهادة كل واحد بانفرادها توجب عليه إذا نكل طلقة، وعلى القول الآخر يسجن حتى يحلف. وقال ابن شهاب في رجل شهد عليه ثلاثة رجال مفترقون شهد أحدهم بطلقة وآخر باثنتين وآخر بثلاث، قال: ذهبت منه زوجته بطلقتين وهذا يصح ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 81. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 487، والنوادر والزيادات: 9/ 93. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 549، والنوادر والزيادات: 8/ 401. (¬4) انظر: المدونة: 2/ 93.

في بعض وجوه المسألة، فإن علمت التواريخ فشهد واحد أنه طلقها قبل أمس واحدة، والثاني أنه طلقها أمس اثنتين والثالث أنه طلقها اليوم ثلاثا ذهبت منه بطلقتين لأن شهادة الأوسط تضم إلى شهادة الأول، فتلزمه طلقة، وبقي من شهادته طلقة فإن شهد الآخر أنه طلقها اليوم ثلاثا فيضم إلى الباقي شهادة الأوسط فيلزمه أخرى، وكذلك إذا شهد الأول باثنتين والأوسط بواحدة والآخر بثلاث يلزمه طلقتان، فتضم شهادة الأوسط إلى الأول، فتلزمه طلقة ويبقى من شهادة الأول واحدة فتضاف إليها شهادة الآخر، فتلزمه طلقة أخرى، ويحلف على الباقي من شهادة الآخر، ولو شهد الأول بثلاث والثاني باثنتين والآخر بواحدة لزمه ثلاث لأن شهادة الثاني إذا ضمت إلى شهادة الأول لزمه طلقتان قبل أن يسمعه الثالث يوقع الأخرى فلما سمعه الثالث ضمت شهادته إلى الباقي من شهادة الأول وهي واحدة فتمت الثلاث، وكذلك إذا شهد الأول بثلاث والثاني بواحدة والثالث باثنين لزمه ثلاث لأن شهادة الأول تضم إلى الثاني فتلزمه طلقة ويبقى من شهادته طلقتان فلما سمع الثالث طلقها اثنتين ضمت إلى الباقي من شهادة الأول ولزمته أخرى فتمت الثلاث، وكذلك لو شهد الأول أنه أوقع عليها طلقتين والثاني ثلاثا، والآخر واحدة لزمه الثلاث؛ لأنه لما سمعه الثاني لزمه طلقتان قبل أن يسمعه الثالث ويبقى من شهادة الأوسط طلقة، فلما طلق الأخرى أضيفت إلى الباقي من شهادة الأوسط فتمت الثلاث، ويختلف إذا عدمت التواريخ هل يلزمه طلقتان أو ثلاث لأن الزائد عن الاثنتين من باب الطلاق بالشك.

فصل [فيمن أقر أنه فعل شيئا ثم حلف بالطلاق أنه لم يفعله]

فصل [فيمن أقر أنه فعل شيئا ثم حلف بالطلاق أنه لم يفعله] وقال مالك فيمن أقر أنه فعل شيئا ثم حلف بالطلاق أنه لم يفعله، وقال كنت كاذبا صدق وأحلف وإن شهدت عليه بينة أنه أقر بأنه فعله، فإن كان إقراره قبل يمينه فلا شيء عليه، وإن كان بعد يمينه حنث (¬1)، وإن قال امرأته طالق ما دخل دار فلان فشهدت عليه بينة أنه دخلها طلقت عليه، وقال في كتاب محمد إن شهد عليه رجلان بحق فحلف بالطلاق لقد شهدا بباطل دين في يمينه وقضي عليه بالحق، وإن شهد عليه غيرهما بذلك الحق طلقت عليه، وإن حلف قبل أن يشهد عليه ولا علم له بشهادتهما ثم شهد أحنث (¬2)، وإن علم أنهما يشهدان عليه، فقيل له: إن فلانا وفلانا يشهدان عليك بكذا فحلف بالطلاق أن لا شيء عنده من ذلك، ثم شهدا عليه لم يحنث، وقال مالك فيمن وجد عليه ريح شراب فشهد عليه شاهدان عند الإمام أنه ريح شراب فحلف المشهود عليه بالطلاق إن كان شرب خمرا، قال يقام عليه الحد في يمينه ولا تطلق عليه. فصل [في شهادة الأعمى] قال مالك: وتجوز شهادة الأعمى إذا عرف الصوت وقد حاجني رجل مرة عند بعض الولاة في ذلك فقلت كيف حفظ الناس ما حفظوا عن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3)، وإنما كان كلامهن للناس من وراء حجاب. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 276. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 278. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 93، والنوادر والزيادات: 8/ 259.

قال الشيخ - رضي الله عنه -: وقد أمرهن الله -عز وجل- بالحجاب فقال: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53] وأمرهن بالبلاع فقال -عز وجل-: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: 34] ما سمعن منه من السنة، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ بِلاَلًا يُنَادِي بِلَيْلٍ، فكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ" (¬1) فأجاز لمن كان في بيته أن يقتدي بما يقع له من التفرقة بكان الصوتين وأن هذا نداء بلال فيأكل وهذا نداء ابن أم مكتوم (¬2) فيمسك، ولولا معرفة الصوت لم يجز له أن يأكل بما يقع له أنه أذان بلال؛ لأنه يمكن أن يكون أذان بلال تقدم وهو نائم، وهذا الثاني نداء محرم، ونادى النبي - صلى الله عليه وسلم - مخرمة، فعرف صوته، فخرج وعلى يده قباء، وقال: "خَبَأْتُ هَذَا لَكَ" (¬3)، قال سحنون: وكما يعرف صوت امرأته فيصيبها (¬4)، يريد: وإن كان في ليل ومعه بناته أو غيرهم، وقال ابن القاسم وأشهب وابن الماجشون: لا تجوز شهادته على الزنى لأنه إنما يشهد على الرؤية (¬5). ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 223، في باب أذان الأعمى إذا كان له من يخبره، من كتاب الأذان، برقم (592)، ومسلم: 2/ 768، في باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر وأن له الأكل وغيره، من كتاب الصيام، برقم (1092)، ومالك: 1/ 74، في باب قدر السحور من النداء، من كتاب الصلاة، برقم (161)، من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -. (¬2) قوله: (فأجاز لمن كان. . . ابن أم مكتوم) ساقط من (ب). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 940، في باب شهادة الأعمى وأمره ونكاحه وإنكاحه ومبايعته وقبوله في التأذين، من كتاب الشهادات، برقم (2514)، ومسلم: 2/ 731، في باب إعطاء من يسأل بفحش وغلظة، من كتاب الزكاة، برقم (1058)، من حديث المسور ابن مخرمة - رضي الله عنه -. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 259. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 260.

كتاب التخيير والتمليك

كتاب التخيير والتمليك النسخ المقابل عليها 1 - (ب) = نسخة برلين رقم (3144) 2 - (ح) = نسخة الحسنية رقم (12929) 3 - (ق 10) = نسخة القرويين رقم (370)

باب في التخيير والتمليك في الزوجات وما يمنع من ذلك

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلي الله علي سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب التخيير والتمليك باب في التخيير والتمليك في الزوجات وما يمنع من ذلك الأصلُ في تخيير الزوجة قول الله -عز وجل-: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب: 28]، والتخيير على ثلاثة أوجه: يجوز في وجهين، ويمنع في ثالث، فيجوز إذا كان الطلاق إلى الزوج يقول: إن اخترت أن أطلقك طلقتك، أو يقول: اختاري تطليقة، ويمنع أن يجعل لها أن تطلق بالثلاث؛ لأنَّ طلاق الثلاث في مرة ممنوع على أن يوقعه الزوج أو يوكل من يوقعه، الزوجة أو غيرها، فإن فعل انتزع ذلك الحاكم من يدها إلا أن تسبق بالقضاء بالثلاث فيمضي فلا يعزض هذا بالآية في التخيير لوجوه أربعة: أحدها: أن مضمون الآية أنه هو المطلق لقوله تعالى: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب: 28] فهو المسرح بالطلاق. والثاني: أنه لو سُلِّم (¬1) أن المراد بالآية أن الزوجة هي المطلقة والمسرحة ¬

_ (¬1) في (ب): (علم).

لجاز؛ لأن ذلك يقتصي طلقة، ولو قال: سرِّحي نفسك لم يكن لها أن تقضي إلا بطلقة. والثالث: أنه لو كان تخييره في الثلاث (¬1) لكان حكمه في ذلك يخالف (¬2) حكمنا؛ لأن الوجه الذي يمنع من أجله طلاق الثلاث هو ما يدرك الزوج من الندم، ومثل ذلك يؤمن من النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن التخيير كان من الله سبحانه لا يدركه ندم فيما فعله بوحي. والرابع: أنه لو سلم أنه يلحقه ما يلحق غيره لم يستردها بعد أن آثرت الدنيا على الله ورسوله والدار الآخرة. وقوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة - رضي الله عنها -: "لَا عَلَيْكِ أَلَّا تَعْجِلي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ" لأنها لو اختارت أن يطلقها لامتثل ذلك النبي (¬3) - صلى الله عليه وسلم - لأمر الله -عز وجل- له به، وما روي أن إحدى نسائه اختارت فكانت البتة فغير صحيح، والذي في البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: "فَإِنِّي أُرِيدُ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ" قالت (¬4): "ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُهُ مِثْلَ ذَلِكَ" (¬5). ¬

_ (¬1) في (ح): (الثالث). (¬2) في (ح): (بخلاف). (¬3) ساقط من (ب). (¬4) في (ح): (قال). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري: 4/ 1796، في باب سورة الأحزاب، من كتاب التفسير، برقم: (4507)، ومسلم: 2/ 1103، في باب بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاقًا إلا بالنية، من كتاب الطلاق، برقم: (1475)، من حديث عائشة - رضي الله عنها -.

فصل [فيمن قال لامرأته بعد الدخول: اختاري نفسك]

فصل [فيمن قال لامرأته بعد الدخول: اختاري نفسك] وقال مالك: فيمن قال لامرأته وقد دخل بها: اختاري نفسك فقالت: قد اخترتُ نفسي: إنها ثلاث ولا يقبل قول واحد من الزوجين أنه أراد واحدة، وإن قالت: قبلت أمري، سُئلت: ما أرادت بذلك؟ فإن قالت: قبلت ما جعل إليَّ، قيل لها: فطلقي إن شئت أو ردي، وإن قالت: أردت ثلاثًا لم يكن للزوج أن يناكرها، وإن قالت: أردت واحدة، لم يلزم ذلك الزوج ويسقط ما بيدها، وإن قال: أمرك بيدك، فقضت بالثلاث كان له أن يناكرها، وإن قضت بواحدةٍ لزمته ولم يكن له أن يناكرها (¬1). وقد اختلف في التخيير في ثلاثة مواضع: أحدها: إذا قالت: اخترت نفسي، هل له أن يناكرها؟ والثاني: إذا قضت بطلقة (¬2) هل يلزمه الثلاث؟ والثالث: إذا لم يصح قضاؤها بطلقة هل لها أن تعود فتقضي بالثلاث؟ فقال ابن الجهم: للزوج أن يناكرها في الثلاث وتكون طلقة بائنة. وقال ابن سحنون في كتاب الأصول: سمعت سحنون يقول: لا فرق عندي بين التخيير والتمليك، له أن يناكرها فيهما جميعًا. يريد: وتكون طلقة رجعية كالتمليك، قال: وأكثر أصحابنا يقولون: الطلقة بائنة. وقال عبد العزيز بن أبي سلمة: التخيير والتمليك سواء، له أن يناكرها. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 271. (¬2) في (ب): (بتطليقة).

وحكى ابن خوازمنداد عن مالك أن محمله في الخيار على طلقة بائنة مثل ما ذكر ابن سحنون عن أكثر أصحابه. قال الشيخ -رحمه الله-: التخيير والتمليك سواء إلا أنه متعلق بما بعده، وقوله: خيرتك في نفسك أو ملكتك نفسك سواء، بخلاف قوله: خيرتك في أمرك أو (¬1) ملكتك أمرك، فإن قال: خيرتك في نفسك أو اختاري أو ملكتك نفسك، كان لها أن تبين بنفسها إن شاءت، وذلك يصح بالثلاث أو بطلقة بائنة، ولا يصدق أنه أراد واحدة رجعية؛ لأنه إذا ارتجع لم يصح اختيارها لنفسها. وإن قال: لم أنوِ عددًا، صدق ثم يعود الخلاف بماذا تبين؟ فرأى مرة أنها تبين بالثلاث؛ لأن الواحدة لا تكون بائنة إلا أن يكون معها فداء، ورأى مرة أنها تكون بائنة وإن لم يكن معها فداء. وقد اختلف فيمن قال: أنت طالق طلاق الخلع، هل يكون ثلاثًا أو واحدة بائنة أو رجعية؟ وقال ابن القاسم في كتاب محمد فيمن خير زوجته فقالت: قد اخترت أمري وقالت: أردت الصلح، فقال: هو صلح لا يراجعها إلا بنكاح جديد (¬2). يريد: أنها تكون واحدة بائنة، فإذا صحَّ أن تبين بواحدة إذا أرادت هي ذلك صحَّ أن يكون اختيارها نفسها كذلك؛ لأنَّ الاختيار لا يفتقر إلى عددٍ وإنما يفتقر إلى البينونة، وقياسًا على اختيار الأمة نفسها بعد العتق أنها تبين بواحدة. وإذا قال: اختاري أمرك أو ملكتك أمرك، قبل قوله أنه أراد واحدة؛ لأنَّ التخيير والتمليك إنما جعله لها في أمرها وهو الطلاق، ولو صرح في قوله ¬

_ (¬1) في (ح): (و). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 219.

فقال: اختاري الطلاق أو ملكتك الطلاق لقبل قوله أنه أراد واحدة، وقد اختلف في ذلك فقال محمد: إذا قال: اختاري أمرك هي ثلاث ولا ينوى (¬1). وقال أبو إسحاق ابن شعبان: قوله اختاري أمرك وملكتك أمرك سواء (¬2)، ويقبل قوله أنه أراد واحدة وهو أحسن، ولو كان لا يقبل قوله إذا قال: اختاري أمرك، لم يقبل إذا قال: ملكتك أمرك. واختلف إذا قضت في التخيير بواحدة على القول أنها (¬3) ليس لها أن تقضي إلا بالثلاث، فقال مالك: يسقط ما بيدها (¬4). قال محمد: ما لم يتبين منه الرضا بذلك فتكون طلقة له فيها الرجعة (¬5). وقال أشهب: لها أن ترجع فتقضي بالثلاث (¬6)، وهو أحسن لأنَّ النساء لا يميزن أحكام هذه الألفاظ، وإنما يقع عندها أنها فعلت ما جعل لها فينبغي أن يبين لها ثم ينظر إلى ما تعمل (¬7) بعد ذلك. وقال عبد الملك في كتاب محمد: إذا قضت بواحدة كانت البتة (¬8). قال في ثمانية أبي زيد: لأنه إنما يخيرها في الخروج من عنده والانبتات فبلغناها البتة (¬9) فحمل قولها واحدة أنها أرادت أن تبين (¬10) بها وألزمها الثلاث. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 226. (¬2) في (ح): (فينوى). (¬3) في (ح): (أن). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 276، والنوادر والزيادات: 5/ 223. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 213. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 223. (¬7) قوله: (تعمل) في (ح): (يعمل). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 213. (¬9) في (ح): (إليه). (¬10) في (ح): (يبين).

فصل [فيمن خير في الطلاق دون النفس]

فصل [فيمن خير في الطلاق دون النفس] فإن لم يخيرها في نفسها وخيرها في الطلاق، فقال: اختاري طلقة أو اثنتين أو ثلاثًا، لم يكن لها أن تقضي بخلاف ما جعل لها (¬1). وإن قال: اختاري واحدة أو اختاري طلقة أو اختاري من الطلاق طلقة أو في تطلقي من الطلاق واحدة لم تقض إلا بطلقة ولا يمين عليه في شيء من ذلك. وإن قال: اختاري في واحدة حلف أنه لم يرد إلا طلقة ولا يمين عليه في شيء من ذلك لإمكان أن يكون أراد بقوله في واحدة أي في مرة واحدة. وأحلفه ابن القاسم إذا قال: اختاري في أن تطلقي نفسك طلقة واحدة وفي أن تقيمي وألا يمين عليه أحسن (¬2). وإن قال: اختاري تطليقتين أو من تطليقتين أو في تطليقتين كان الجواب مختلفًا. فإن قال: اختاري تطليقتين كان لها أن تقضي بهما، فإن قضت بواحدة لم يلزمه بشيء، وإن قال: اختاري من تطليقتين فقضت بالواحدة لم يكن لها أن تستكمل اثنتين (¬3). واختلف إذا قال: اختاري في تطليقتين فقال في المدونة: تقضي بها فإن قضت بواحدة لم يلزمه شيء (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: التلقين: 1/ 133، والمعونة: 1/ 596. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 272. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 272. (¬4) انظر: المدونة: 2/ 272.

وقال ابن سحنون: لها أن تقضي بواحدة، وقوله في تطليقتين يحتمل أن يريد في أن تقضي أو تترك لعدتها أو (¬1) تختار في الأعداد، فأرى أن يُسأل عما أراد إذا قضت بواحدة فإن قال: أردت الأعداد لزمته الواحدة، وإن قال: أردت أنها تقضي أو تترك حلف على ذلك، ثم يكون لها أن تستأنف الخيار؛ لأنها تقول: ظننت أنه أراد العدد ولو علمت أنه لم يرد ذلك لقضيت بالاثنتين، وكذلك إن قال: طلقي نفسك ثلاثًا أو اثنتين، لم يكن لها أن تقضي بغير ذلك، وأن قال: ملكتك طلقتين (¬2) أو ثلاثًا كان لها أن تقضي بجملة ذلك العدد أو ببعضه. قال في المدونة: لأنه في التمليك جعل لها أن تقضي بالواحدة والاثنتين والثلاث (¬3). وقال في ثمانية أبي زيد: إذا قال: ملكتك ثلاثًا، لها أن تقضي بما شاءت، وقال في كتاب ابن حبيب: إذا قضت بواحدةٍ لم يكن لها شيء (¬4). والأول أحسن؛ لأن قوله ملكتك يقتضي أن يتصرف في ذلك تصرف المالك، والمالك يتصرف في بعض ملكه وفي جملته؛ وليس كذلك قوله: طلقي نفسك ثلاثًا؛ لأنَّ هذه اللفظة لفظة الأمر فتمتثل ما أمرها به أو ترده. واختلف أيضًا إذا قال: ملكتك في ثلاث كالاختلاف الأول على (¬5) قول ابن سحنون يكون لها أن تقضي بواحدةٍ بخلاف أن يقول: ملكتك الثلاث ولا يقول: "في". وكل هذا ينحصر في أربع، تخيير وتمليك وأمر بالطلاق ووكالة عليه. ¬

_ (¬1) قوله: (لعدتها أو) في (ح): (أو يريد أن). (¬2) في (ح): (تطلقتين). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 279. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 224. (¬5) قوله: (على) في (ح): (وعلى).

ومحمل الأمر بالطلاق إذا قال: طلقي نفسك على واحدة، وسواء دخل بها أو لم يدخل. والتمليك على ثلاثة أوجه: أحدها: أن يقول: ملكتك نفسك، فحكمه حكم خيرتك في نفسك، وقد تقدم. والثاني: أن يقول: ملكتك أمرك، واختلف هل يحمل مع عدم النية على الثلاث أم على واحدة؟ فالمعروف من المذهب أن محمله على الثلاث إلا أن تكون نيته أقل، وسواء دخل بها أو لم يدخل. وقال مالك في كتاب محمد في رجلٍ لاعب امرأته فملكها وهو يلاعبها فقالت: تركتك، فقال الزوج: كنت لاعبًا ولم أرد طلاقًا، فلا يصدق ويحلف أنه لم يرد طلاقًا وتكون واحدة (¬1)، فحمله مع عدم (¬2) النية على واحدةٍ؛ لأنَّ معنى قوله: ملكتك أمرك، أي: طلاقك، والطلاق مصدر يصح أن يراد به الواحدة أو الثلاث، فرأى مرة أنه لا تخرج من يده إلا بما لا شكَّ فيه وهو واحدة، ورأى مرة أنها إذا أوقعت الثلاث لم ترد؛ لأنه مما يمكن أن يتضمنه ذلك اللفظ فلا يرد بشك. والثالث: أن يقول: طلاقك في يدك. فقال مالك في المدونة: هو بمنزلة التمليك، القول قول الزوج إذا رد عليها ويحلف (¬3). وقال ابن القاسم في كتاب محمد: إن قال: وهبت لك طلاقك ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 213 و 214. (¬2) ساقط من (ح). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 282.

فصل [فيمن خير زوجته في الطلاق قبل البناء]

هي البتة (¬1). وإن قال: نويتُ واحدة، لم ينفعه؛ لأن الهبة (¬2) تجمع الطلاق كله، وكذلك إذا قال: فراقك، وعلى هذا يحمل قوله: طلاقك في يدك على الثلاث؛ لأنَّ الطلاق يعبر به عن الواحدة والثلاث، فجاز أن يصدق أنه أراد واحدة. واختلف إذا قال: طلقي نفسك، فجعله ابن القاسم في المدونة تمليكًا (¬3). وقال محمد: ليس لها أن تطلق إلا واحدة ولو طلقت أكثر فلم ينكر ولم يرد حلف أنه لم يسكت رضًا منه بما طلقت وهو أبين وليس قوله طلاقك بيدك بمنزلة قوله: طلقي نفسك (¬4). فصل [فيمن خير زوجته في الطلاق قبل البناء] وإن خيرها قبل البناء فقالت: اخترت نفسي ولم ينوِ الزوج ولا هي عددًا كان محمله عند مالك على الثلاث، وإن نوت واحدة أو ثلاثًا كان ذلك على ما نوت إذا لم يناكرها، فإن قضت بالثلاث وقال: أردت واحدة صدق. قال أصبغ: إن نوت واحدة ولا نية للزوج لم يلزمه الواحدة (¬5)، وكل هذا ليس بالبين. ولا أرى أن يلزم مع عدم النية منهما أو من أحدهما إلا واحدة؛ لأنَّ اختيار النفس لا يتضمن عددًا، وإنما يتضمن أن تبين بنفسها، وذلك يصح بطلقة. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 6/ 306. (¬2) في (ح): (اللفظ). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 282. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 224. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 214.

ويختلف إذا خيرها قبل البناء ثم لم تعلم حتى بنى بها؛ لأنه دخول فاسد، فقيل: لا يملك فيها رجعة، فعلى هذا لا يكون لها أن تقضي إلا بواحدة بمنزلة من لم يدخل. وقيل: يملك فيها الرجعة فيصير على هذا إلى حكم من خيرت بعد البناء؛ لأنه كان جعل لها أن تبين بنفسها، فيختلف هل تقضي بالثلاث أو بواحدة بائنة؟. واختلف إذا خيرها وهي صغيرة فاختارت نفسها، فقال مالك في كتاب محمد: ذلك طلاق إذا كانت قد بلغت في حالها، قال ابن القاسم: يريد إذا بلغت الوطء فيما ظنت، وقال أشهب وعبد الملك: ذلك خيار وإن كانت صغيرة (¬1). وهو أبين إذا كانت ممن يعقل مثل ذلك، وإن كانت لا تعرف الصلاح من الفساد، وأما إن كانت [. . .] (¬2) أن يوقع عليها الطلاق من (¬3) لا معرفة عنده ولا تمييز، وأمَّا إن كانت (¬4) لها السنتان والثلاث فليس قضاؤها بشيءٍ. وقال ابنُ القاسم في العتبية فيمن تزوج صغيرة على أنه (¬5) إن تزوج عليها فأمرها بيدها، فتزوج عليها فقال: إن كانت عقلت وعرفت الطلاق والخيار، فالخيار لها، وإن كانت لا تعرف استُؤْنِي بها حتى تعرف ثم تختار، ولو تزوجها على إن تزوج عليها كان أمر التي تزوج عليها بيدها فتزوج عليها وهي صغيرة لا تعقل فسخ النكاح (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 226. (¬2) بياض في (ق 10) بمقدار كلمة. (¬3) في (ح): (ممن). (¬4) ساقط من (ح). (¬5) ساقط من (ح). (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 138 والنوادر والزيادات: 5/ 189.

يريد: أنه نكاح موقوفٌ والزوج ممنوع منها إلى مدة تعقل فيها. وعلى قول أشهب وعبد الملك يجوز النكاح ولها أن تختار الآن (¬1)، وكذلك إذا كان الخيارُ لها في نفسها لها أن تختار ولا يوقف (¬2). وقال عبد الملك في المجموعة: إذا خيرها وهي في عقلها ثم غمرت لم يجز قضاؤها حينئذ، وإن خيرها وهي مغمورة فاختارت جاز قضاؤها؛ لأنها في حد من رضي لنفسه قضاءها (¬3). وإن قال: اختاري ولم يزد على ذلك حمل على اختيار النفس، فإن قال: أردت اختاري أي ثوب أشتريه لك، لم يصدق إلا أن يكون تقدَّم في قوله ما يدل على ذلك. ¬

_ (¬1) قوله: (الآن) ساقط من (ح). (¬2) في (ح): (توقف). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 226، 227.

باب في قضاء المرأة إذا ملكت أو خيرت في المجلس أو بعده، وفي التخيير والتمليك إلي أجل

باب في قضاء المرأة إذا ملكت أو خيرت في المجلس أو بعده، وفي التخيير والتمليك إلي أجلٍ التخيير والتمليك على وجهين، مطلق ومقيد بأجل، فإن أطلق ذلك والزوجة حاضرة حين التخيير كان لها أن تقضي في المجلس. واختلف عن مالك إذا لم تقضِ حتى تفرقا هل يسقط ما بيدها من ذلك أم لا (¬1)؟ وقال ابن القاسم: ليس لها أن تقضي (¬2)، وقال سحنون وغيره: ذلك بيدها (¬3)، ويختلف على هذا في وقف الزوج لها، وعلى (¬4) القول الأول يوقفها الآن، وعلى القول الآخر لا يوقفها، ولها أن تفارق المجلس وترى رأيها، وأرى أن تمهل ثلاثة أيام لتنظر في ذلك، وبه قال (¬5) مرة فيمن وجبت له الشفعة: يؤخر ثلاثة أيام، ليرى رأيه (¬6)، وقيل في الذي يرى الحمل وهو ينكره: له فسخه في ذلك بعد الوضع، وفي الحديث في المصرَّاة أنه بالخيار ثلاثة أيام (¬7)؛ ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 274. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 275، ونص المدونة: (قلت: أرأيت إذا خير الرجل امرأته حتى متى يكون لها أن تقضي في قول مالك؟ قال: يكون لها أن تقضي في مثل ما أخبرتك في التمليك إلى أن يفترقا، فإن تفرقا فلا شيء لها بعد ذلك). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 402. (¬4) في (ح): (على). (¬5) قوله: (وبه قال) في (ح): (وقد قال مالك). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 144. (¬7) أخرجه البخاري 2/ 755، في باب باب النهي للبائع أن لا يحفل الإبل والبقر والغنم وكل محفلة، مسلم: 3/ 1158، في باب حكم بيع المصراة، من كتاب البيوع، برقم (1524).

وذلك ليرى رأيه في الأخذ أو الرد؛ لأنَّ حالها في الحلاب (¬1) يعلم دون ذلك، ومن اشترى سلعة بالخيار يمهل ويضرب له من الأجل بقدر ما يختار في مثلها، وكذلك التخيير والتمليك قد جعل لها فيه الاختيار (¬2)، والحاجة إلى ما تؤامر فيه نفسها وتشاور، فمشقة الفراق أشد من ذلك. وقال ابن القاسم: إذا قال: اختاري اليوم كله، فمضى ذلك اليوم كله ولم تختر، فليس لها أن تختار بعد ذلك، قال: لأن مالكًا قال فيمن خيَّر زوجته فلم تختر حتى تفرقا: فلا خيار لها، وأما على القول الآخر فلها أن تختار وإن مضى ذلك الوقت (¬3). والقول (¬4) الأول أحسن؛ لأنه واهب هبة على صفة فلا يخرج من يده فوق ما وهب. واختلف إذا ضرب أجلًا شهرًا أو سنة، فقال مالك: ذلك بيدها إلى ذلك الأجل إلا أن توقف قبل ذلك فتقضي أو ترد أو يصيبها زوجها قبل ذلك فيبطل ما بيدها (¬5). وقال في مختصر ما ليس في المختصر: إن خير زوجته أو ملكها إلى أجلٍ فذلك، قال: وقال بالقول الآخر. يريد: قوله في المدونة. وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: توقف مكانها فتقضي أو ترد وإن لم توقف حتى وطئها لم يسقط ما بيدها (¬6)؛ لأنه كذلك جعله بيدها حين قال: إلى ¬

_ (¬1) في (ح): (الحالين). (¬2) في (ب): (الخيار). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 272، 273. (¬4) قوله: (القول) ساقط من (ب). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 285. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 231.

شهر أو سنة فقد رمى مرمى يكون الوطء قبله وبعده، وقول مالك في جواز الصبر إلى الأجل أحسن (¬1) بخلاف الطلاق إلى أجل؛ لأنَّ الطلاق يقع بنفس انقضاء الأجل، وهذا الأمر فيها مشكوك فيه لا يدرى هل يحسن عندها الرضا بالزوجية أو الفراق؟ فأشبه من قال: أنت طالق إلى قدوم فلان أنه لا يعجل عليها بالطلاق وقد أباح له الإصابة حتى يقدم، وكذلك الزوجة (¬2) تقول: من حقي التأخير ولي مهلة النظر إلى ذلك الأجل، وإن كانت الإصابة عندكم لا تجوز فامنعوه مني ولا يعزض هذا بالميراث؛ لأنها زوجة فالميراث بينهما قائم حتى يقع الطلاق. واختلف إذا خيرها وهي غائبة عن موضع التخيير فقيل: الأمر بيدها وإن لم تقض في المجلس الذي صار ذلك بيدها، بخلاف أن يكون الزوج حاضرًا إلا أنه في الغيبة ليس ثَمَّ من يجاوبه ولا من يطالبه (¬3) بالمجاوبة، وهو أحسن، فمن ذلك أن يقول: إن تزوجت فلانة فأمرها بيدها، فلا يقضي (¬4) بحضرة العقد أو يقول: إن غبت عنك سنة فأمرك بيدك، فيغيب عنها سنة. واختلف أيضًا إذا جعل ذلك بيد رجلٍ حاضرٍ معه فانصرف قبل أن يقضي حسب ما تقدم إذا كانت الزوجة حاضرة، والقول الأول ألا يسقط إلا أن تسقطه أو تمكنه منها أحسن. واختلف بعد القول أنه لا يسقط بالمفارقة هل يسقط إذا وطئ الزوج بغير علمها؟ وظاهر قوله في المدونة أنه يسقط. ¬

_ (¬1) في (ح): (حسن). (¬2) ساقط من (ح). (¬3) في (ب): (يطالبها). (¬4) في (ح): (تقضي).

وقال محمد: إذا خلا بها بعلم الذي بيده الخيار أو التمليك ورضاه فادعى الزوج أنه وطئ، سقط التمليك (¬1). وهذا أحسن وليس كتمكين الزوجة إذا كان التمليك بيدها؛ لأنَّ ذلك حق لها فأسقطته وهذا فيه حق لغيرها، فإذا سلم أن الافتراق لا يسقط حقه فإن من حقه ألا يقربها حتى يستأذنه، هل يسقط حقه في التمليك؛ لأنه يقول: ليس لك أن تعزلني عما ملكتني ولا تتصرف فيه إلا بإذني. وقال مالك فيمن قال: إذا جاء غد فقد جعلت لك الخيار توقف الساعة فتقضي أو ترد إلا أن يصيبها قبل غد فيسقط ما بيدها (¬2). يريد: إذا كانت تعلم أن لها الخيار الآن وإن كانت تجهل وترى أن ذلك ليس بيدها إلى غد لم يسقط ما بيدها، وعلى أحد قولي مالك في جواز التأجيل لا يكون لها أن تقضي قبل غد؛ لأنه لم يجعل لها فيه قضاء، وإن قال: أمرك بيدك إن قدم فلان كان له أن يصيبها ما لم يقدم، فإن أصابها بعد قدومه وهي عالمة بقدومه سقط ما بيدها علم الزوج أو لم يعلم، وإن لم يعلما أو علم الزوج وحده لم يسقط ويعاقب إذا أصابها بعد العلم، وإن قال لامرأةٍ: إن تزوجتك فلك الخيار، أو كلما تزوجتك، أو كل امرأة أتزوجها لزمه، وليس بمنزلة قوله: كل امرأةٍ أتزوجها طالق؛ لأن التمليك لا يحرم النكاح وقد تختار البقاء معه واحدة ممن تزوج، بل الغالب أن المرأة إذا تزوجت الرجل لا تختار فراقه بحضرة العقد وقربه. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 227، 228. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 273.

فصل [فيمن قال لزوجته: اختاري، فقالت: قد اخترت نفسي إن دخلت على ضرتي]

فصل [فيمن قال لزوجته: اختاري، فقالت: قد اخترت نفسي إن دخلت على ضرتي] قال ابن القاسم فيمن قال لزوجته: اختاري فقالت: قد اخترت نفسي إن دخلت على ضرتي، قال: توقف فتختار أو تترك، وقال سحنون في المجموعة: لا قضاء لها بعد ذلك (¬1)؛ لأنها أجابت بغير ما جعل لها (¬2). والأول أحسن، وإنما يسقط ما جعل لها ما يفهم منه الرضا بالزوج، وأمَّا هذه فقد حكمت بالطلاق إلا أنها جعلته على صفةٍ لم يجعل لها الزوجة فكان الزوج بالخيار بين الصبر بالدخول على الضرة أو الرد، فإن لم يوقف حتى دخل على ضرتها وقع الطلاق بالاختيار المتقدم، فإن وطئها قبل ذلك لم يسقط الحكم المتقدم، وإن أرادت بعد قولها الأول أن تقضي الآن لم يكن لها إلا برضا الزوج إذا كان قد أجاز قولها الأول. فصل [في أقسام الزوجة بعد التخيير والتمليك] الزوجة بعد التخيير والتمليك على ثمانية أقسام: فإما أن تتكلم بما يفهم منه الطلاق والعدد، أو بما يفهم منه (¬3) الطلاق دون العدد، أو بما يفهم منه الرضا بالزوج فتقول: اخترت زوجي أو رددت ما جعل إليَّ أو لا أقبلُ ذلك، أو لا تتكلم وتفعل ما يفهم منه الرضا بالفراق مثل أن تخمر وجهها أو تنقل متاعها، أو تفعل ما يُفهم منه الرضا بالزوج فتمكنه من نفسها أو ¬

_ (¬1) قوله: (ذلك) ساقط من (ب). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 221. (¬3) في (ب): (عند).

من أن يباشرها أو يقبلها، أو تتكلم بما لا يفهم منه الرضا بالفراق ولا بالمقام، فتقول: قبلت ما جعل إليَّ وأنا أنظر أو أشاور أو تتكلم بأمرٍ مشكل، هل يراد به الفراق؟ أو تنظر في أمرها فتقول: قبلت أمري، أو تنصرف ولا تقول شيئًا ولا تفعله، وقد تقدَّم الجوابُ إذا انصرفت ولم تقل شيئًا والخلاف فيه. وقال ابن القاسم: إن وثب الزوجُ عليها فوطئها كرهًا، فأرى ذلك لا يسقط ما بيدها (¬1)، وأرى إن فرتْ هي عند سماع ذلك ألا يسقط ما بيدها؛ لأنها تقول: كرهتُ أن أجلس عند سماع ذلك. وإن اختلفا فقالت: فرَّ عني قبل أن أختار، وقال الزوج: ما (¬2) فررت عنها، كان القول قوله إلا أن يثبت أنه فرَّ عنها، وكذلك إذا أصابها وقالت: أكرهني، كان القول قول الزوج أنها طاعت إلا أن يثبت (¬3) الإكراه. وإن اختلفا في الإصابة فقال: أصبتها، وأنكرت، كان القول قولها إذا لم تكن خلوة. قال أصبغ: فإن رضيت بالخلوة وإرخاء الستر أو غلق الباب مما يمكن فيه الوطء، فقد سقط ما بيدها إذا زعم أنه أصابها (¬4). وإن قبّلها وقالت: أكرهني أو اغتفلني، وقال: بل طاعت كان القول قولها مع يمينها، بخلاف الوطء لأنه لا يكون إلا على هيئة وصفة وهذا بالحضرة (¬5) يكون على (¬6) غفلة. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 202. (¬2) في (ح): (لا). (¬3) زاد بعده في (ح): (قول). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 216. (¬5) في (ح): (كالخطرة). (¬6) في (ح): (مع).

فصل [في وجوه إيقاع الطلاق بعد التخيير]

فصل [في وجوه إيقاع الطلاق بعد التخيير] وإيقاعها الطلاق على وجوهٍ، فإن قالت: اخترت نفسي كان طلاقًا يقتضي البينونة دون العدد، وقد تقدَّم ذلك. واختلف إذا قالت: قبلت نفسي، فجعله مالك بمنزلة اخترت نفسي (¬1). وقال أشهب في كتاب محمد: هو بمنزلة قولها: قبلت أمري (¬2)، والأول أصوب، وقبول النفس واختيار النفس سواء (¬3). وقال ابن القاسم: إذا قال: اختاري نفسك فقالت: قد قبلت أو رضيت أو تمنيت يثبته (¬4) أو فعلت، تسأل بمنزلتها إذا قالت: قد قبلت نفسي، وكذلك إذا قالت: اخترت، تسأل ما أرادت (¬5). وقال محمد بن عبد الحكم في مختصر ما ليس في المختصر: إذا قالت: قد فعلت هي ثلاث ولا تسأل، وعلى قوله إذا قالت: قد شئت أو قد اخترت أنها ثلاث ولا تسأل، وهو أحسن. وقولها فعلت واخترت وشئت: جوابٌ لامتثال ما جعل لها وليس كقولها رضيت؛ لأنَّ مفهوم رضيت لقبول (¬6) ما جعل لها إلا أن تقول: رضيت فاخترت نفسي. وفي كتاب محمد: إذا قالت: تركتك أو أخرج عني أو لا تدخل عليَّ إلا ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 76. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 220. (¬3) انظر: المدونة: 5/ 220. (¬4) قوله: (يثبته) ساقط من (ح). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 277. (¬6) في (ح): (بقبول).

فصل [فيمن خيرت فقالت: قبلت أمري]

بإذني، قال: هذا كله مما يشبه أن تريد به الفراق أو قبول التمليك، فلا بدَّ أن تسأل (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: أمَّا قولها تركتك فهو فراق ولا تسأل هل أرادت الفراق؟ وتسأل عما أرادت من عدد الطلاق. وقال محمد فيمن قال لامرأته: أتحبين أن أفارقك؟ فقالت: ما شئت، فقال: قد شئت، ثم قال: إنما شئت أن أحبسك، قال: هو فراق ويحلف ما أراد إلا واحدة (¬2). وإن قال: أمرك في يدك فاذهبي، فقالت: قد ذهبت، قال: هو جواب فراق (¬3)، ولو قيل: فاذهبي فقالت: قد ذهبت، لكانت تسأل عما أرادت، ولكن قوله: فاذهبي فقالت: قد ذهبت، جواب فراق. وقال ابن القاسم: تسأل عما أرادت وهو أشبه (¬4)؛ لأن معنى قوله فاذهبي فانظري في ذلك، وقولها قد ذهبت طبقًا (¬5) لقوله، ولو كان قوله فاذهبي طلاقًا، لكان الطلاق قد وقع منه واستغني عن قولها. فصل [فيمن خيرت فقالت: قبلت أمري] وإن قالت: قبلت أمري، سئلت ما أرادت؟ فإن قالت: لم أرد طلاقًا، صدقت وكان لها أن تقضي فيما بعد، فإن قالت: أردت الطلاق، سئلت ما أرادت من عدد؟ ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 219. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 165. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 220. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 220. (¬5) في (ب): (جوابًا)، وأشار لما في (ح).

واختلف إذا قالت: اخترت أمري، فقال مالك في المدونة فيمن قال لامرأته: اختاري، فقالت: قد اخترت أمري أو تقول: اخترت، ولم تقل أمري، تسأل، فإن قالت: لم أرد طلاقًا، كان القول قولها، وإن قالت: أردت واحدة، لم يكن لها شيء، وإن قالت: أردت الثلاث، قُبل قولها (¬1). وقال محمد: لا تكاد المرأة تفرق بين اخترت أمري وبين الطلاق (¬2). يريد: أنها لا تصدق أنها لم ترد طلاقًا. وقال عبد الملك: لا تصدق (¬3)، وإن قالت: لم أرد طلاقًا؛ لأن ذلك عند النساء طلاق ولو كنت أعلم ذلك لصدقت، قال محمد: فرأيت من (¬4) مذهبه أنه عنده طلاق البتة (¬5). وقال ابن القاسم: وإن قالت: أردت الصلح، فإنه صلح ولا يراجعها إلا بنكاحٍ جديدٍ، وسواء خيَّرها أو ملكها إذا رضي الزوج، قال محمد: ولو أنكر الزوج في التمليك وقال: لم أنوِ إلا طلقة، حلف وكانت له الرجعة (¬6). قال الشيخ - رضي الله عنه -: لا أرى أن تصدق أنها لم ترد طلاقًا؛ لأنَّ أمرها هو الطلاق، فإذا قالت: اخترت أمري فقد اختارت الطلاق وليست كالتي تقول: قبلت أمري؛ لأنها تقبل لترتبي، وأمَّا إن (¬7) اختارت فقد قبلت وتنوى (¬8) فيما تقول: إنها أرادت من العدد كالتي تقول: اخترت طلاقي. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 276. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 219. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 213. (¬4) قوله: (من) ساقط من (ح). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 213. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 219. (¬7) في (ح): (إذا). (¬8) قوله: (قبلت وتنوى) في (ح): (فعلت وسواء).

فصل [فيمن خير زوجته فقالت: طلقت نفسي]

وأمَّا قول ابن القاسم: إذا أرادت الصلح، فإنه (¬1) يريد أرادت تطليقة بائنة. وقوله إذا رضي الزوج يعود على ما يليه من الكلام وهو التمليك؛ لأنَّه ليس لها أن تقضي بطلقة بائنة ولا مقال له في التخيير؛ لأنه جعل لها البينونة، فإن قالت: أردت أن تبين بثلاث، قيل له: أنت تنال بالواحدة البائنة من سقوط النفقة ما أردت بالثلاث وما لم توقعه من الطلاق منفعة لك من غير ضررٍ. وقد قال (¬2) محمد فيمن أعطت زوجها مالًا على أن يطلقها ثلاثًا فطلقها واحدة، فذلك لازم ولا مقال لها (¬3). فصل [فيمن خيَّر زوجته فقالت: طلقت نفسي] قال ابن القاسم في المدونة فيمن خيَّر زوجته فقالت: طلقت نفسي، تسأل فإن قالت: أردت واحدة لم يكن لها شيء (¬4). وقال في كتاب محمد: لا تسأل في التمليك وهي طلقة واحدة وتسأل في الخيار في المجلس وحده، فإن قالت: أردت واحدة، سقط خيارها وإن افترقا سقط خيارها أيضًا (¬5). وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب في المملكة تقول: طلقت نفسي ولا نية لها أنها البتة قال: بخلاف أن يبتدأ الزوج بالطلاق؛ لأنه ملكها في أن تقيم أو تفارق مكانها، قالت: قبلت الطلاق والفراق فهو البتات حتى تريد بقولها ذلك ¬

_ (¬1) قوله: (فإنه) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (وقد قال) في (ب) (وقال). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 235. (¬4) انظر: المدونة: 2/ 272. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 219.

فصل [فيمن ملك امرأته ففعلت ما يقتضي الفراق]

واحدة، والأول أصوب وقولها طلقت نفسي محتمل هل أرادت الابتداء أو طلاق التخيير، وإذا كان الحكم أن تسأل لاحتمال ذلك تسأل في المجلس وبعده، وإن عدمت النية حمل على طلقة لأنه الذي تعرف النساء من ذلك اللفظ حتى تدعي غير ذلك. وقال مالك في كتاب محمد: إذا قالت: اخترت نفسي وزوجي، هي ثلاث البتة (¬1). يريدة أنها بقولها اخترت نفسي بائن، وقولها زوجي بعد البينونة لا تصح، ولو ابتدأت فقالت: اخترت زوجي ونفسي لكانت زوجة ويسقط ما بيدها. فصل [فيمن ملك امرأته ففعلت ما يقتضي الفراق] وقال مالك فيمن ملك امرأته فأمرت بنقل متاعها وخمرت رأسها ولم تقل شيئًا: فذلك الفراق ويجري ذلك مجرى الجواب، قال محمد: إذا قالت: أردت به الفراق ونويته وأرى أن تسأل لم فعلت ذلك (¬2)، فإن قالت: خمرت وجهي (¬3) كراهية في رؤيته ونقلت متاعي خيفة أن يغتالني فيه لمكان الاختلاف، صدقت ولم يكن فراقًا، وكذلك قولها فيما تقدم: لا يدخل عليَّ إلا بإذني، تسأل لم قالت ذلك وأنت في العصمة؟ فينظر فيما تأتي به، وإن قالت: قبلت أمري سئلت: هل الذي (¬4) أرادت به الطلاق أو لترى رأيها؟ فإن قالت: أردت الثلاث وقال ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 220. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 222. (¬3) قوله: (وجهي) في (ح): (لرأسي وجهي). (¬4) قوله: (الذي) ساقط من (ب).

الزوج: أردت واحدة، كان القول قوله، ويحلف إن أراد أن يراجعها وهي في العدة أو ماتت وهي في العدة فوجب الميراث (¬1). وإن قال: أنا لا أراجعها لم يعجل بيمينه، فإن انقضت عدتها ثم أحب أن يتزوجها قبل زوج أحلف، وإن كانت قد تزوجت زوجًا، ثم طلقها لم يكن عليه يمين؛ لأنه يقول: إن لم تصدقوني فقد أحلها الزوج، وإن كان ملكها قبل أن يدخل بها فطلقت نفسها لم يكن عليه أن يحلف الآن (¬2) إلا أن يريد أن يراجعها، فإن سئلت بعد أن حاضت أو كانت حاملًا فوضعت فقالت: كنت أردت بقولي قبلت أمري الطلاق صُدقت وحلت للأزواج، وكذلك إذا قالت: قبلت ولم تقل أمري، وإن قالت: قبلت حتى أنظر، كانت العدة من يوم تبين الفراق، وإن قالت: قبلت أمري وأراد الزوج سفرًا فقال: اشهدوا أنها إن (¬3) قالت: أردت أكثر من واحدة، فإني لم أرد إلا واحدة وإني قد ارتجعت، كان ذلك له ورجعته ثابتة. قال محمد: فإن قدم وقد تزوجت ولم يدخل بها حلف وكان أحق بها، وإن دخل لم يكن أحق بها، وإن لم يقل شيئًا عند سفره ثم قدم بعد أن انقضت عدتها وقال: أردت واحدة وقالت: أردت الثلاث صدق إذا قال ذلك ساعة علم وتزويجها غير ثابت دخل بها أو لم يدخل. ¬

_ (¬1) قوله: (فوجب الميراث) في (ب) (فأحب الميراث). (¬2) قوله: (الآن) ساقط من (ح). (¬3) قوله: (إن) ساقط من (ح).

باب في تكرار التمليك وتكرار القضاء والتمليك بمال أو كان تمليكان أحدهما بمال والآخر بغير مال

باب في تكرار التمليك وتكرار القضاء والتمليك بمال أو كان تمليكان أحدهما بمال والآخر بغير مال وفي (¬1) كتاب محمد فيمن قال: أمرك بيدك، أمرك بيدك، أمرك بيدك (¬2)، فقالت: قد طلقت نفسي (¬3) بكل واحدة طلقة، وقال الزوج: لم أرد إلا واحدة وإنما أردت التأكيد، كان كما قال ويحلف (¬4). قال مالك: ولو قالت: كم ملكتني؟ فقال: ملكتك مرة ومرة ومرة (¬5)، ففارقته فليس ذلك بثلاث إذا حلف أنه ما ملَّكها إلا واحدة (¬6). ولو قال: ملكتك طلقة وطلقة وطلقة، لم يقبل قوله، ولو قال: أمرك بيدك فقالت: قد قبلت، ثم قال: أمرك بيدك فقالت: قد قبلت، ثم ثلث فقالت: قد قبلت (¬7) وقالت: أردت الطلاق كله، وقال الزوج: أردت واحدة، قال مالك: هي ثلاث. وقال محمد: القول قول الزوج ويحلف؛ لأنه يقول: رددتها عليها حين لم تبين الطلاق، ولو قالت في أول مرة قد طلقت نفسي (¬8) ثم ثنى فقالت: قد ¬

_ (¬1) في (ح): (ومن). (¬2) قوله: (أمرك بيدك، أمرك بيدك) ساقط من (ح). (¬3) قوله: (نفسي) ساقط من (ب). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 76. (¬5) قوله: (ومرة) ساقط من (ح). (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 230. (¬7) قوله: (ثم قال أمرك بيدك فقالت: قد قبلت، ثم ثلث فقالت: قد قبلت) ساقط من (ح). (¬8) قوله: (نفسي) ساقط من (ب).

فصل [فيمن خير امرأته فخاف أن تختار عليه]

طلقت، ثم ثلاث فقالت: قد طلقت؛ لكان طلاقًا ماضيًا، يريد أنه يلزمه الثلاث (¬1). وقال ابن القاسم: إذا قالت المملكة: فارقتك فارقتك فارقتك، فلما افترقا قال: ما أردت إلا واحدة، لم يقبل قوله وكانت الثلاث، وإن قالت: فارقتك فارقتك فارقتك، فلما افترقا (¬2) قال: أردت واحدة وقالت: أردت الثلاث حلف وكانت اثنتين (¬3). فصل [فيمن خير امرأته فخاف أن تختار عليه] وإذا خير امرأته فلما خاف أن تختار فقال: خذي مني ألف درهم على أن تختاريني، كانت بالخيار بين أن تقبل الألف ويسقط ما بيدها من التمليك، أو تطلق ولا شيء لها عليه من الألف (¬4)، ولو كان المال منها ملكها بغير مال، ثم قالت: خذ مني ألف درهم فطلقني، فقبل وطلقها لم يكن لها أن تقضي بالتمليك؛ لأنها بانت منه بالخلع، ولو طلقت واحدة قبل أن تعطيه المال لكان رجعيًّا، ويصح أن تعطيه المال ليطلق أخرى وتكون بائنة، ولو أعطته مالًا ليطلق فلم يطلق حتى طلقت بالتمليك لصحَّ طلاقها ثم تلزمه التطليقة الأخرى وتكون بائنة. واختلف إذا ملك امرأته بمالٍ أعطته فقضت بطلقة، هل تكون بائنة أو ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 229، 230. (¬2) قوله: (قال: ما أردت. . . فلما افترقا) ساقط من (ب). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 226. (¬4) انظر: المدونة: 2/ 273.

فصل [فيمن خير امرأته بينه وبين والديها أو الحمام]

رجعية؟ أو أعطته مالًا يخيرها فقضت بواحدة هل تصح وتبين بها أو يكون له أن يرد المال لأنها رجعية؟ فقال مالك في كتاب محمد: إذا أعطته مالًا على أن يخيرها فخيرها (¬1) فاختارت فهي البتة ولا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره إلا أن يكون لم يدخل بها فينوى (¬2). وقال مالك أيضًا: هي بائنة كالتي لم يدخل بها، فرأى أن المال الذي أعطته لكون الشيء الذي بيدها ولم ترفعه حق الطلاق وأنه ابتدأ. وقال ابن القاسم في المدونة: إذا كان مع ذلك مال كانت بائنة، والأول أبين؛ لأنها إنما (¬3) أعطت المال ليصير التخيير والتمليك بيدها، ولم يكن لوجهين (¬4) للتمليك ولما تقضي به، والذي يتبين ذلك أنها إذا أسقطت ذلك ورضيت بزوجها لم يرجع بشيء ولو كان محمل ما أعطت للأمرين جميعًا لوجب إذا رضيت بالمقام أن ترجع فيما قابل الخلع. فصل [فيمن خيَّر امرأته بينه وبين والديها أو الحمَّام] ومن قال لامرأته وقد أكثرت الخروج إلى أبويها أو إلى الحمَّام: إمَّا أن تختاريني أو تختاري أباك وأمك أو الحمام، فقال مالك: لا شيء عليه إلا أن يريد بذلك الطلاق، قال ابن القاسم: فيلزمه الطلاق وإذا اختارت الشيء الذي ¬

_ (¬1) قوله: (فخيرها) ساقط من (ح). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 234، والبيان والتحصيل: 5/ 214. (¬3) قوله: (إنما) ساقط من (ح). (¬4) قوله: (لوجهين) في (ح): (للوجهين).

فصل [في جواز جعل الرجل لامرأته طلاقها]

خيرها فيه، إذا أراد به الطلاق ولم ينو عددًا لزمه (¬1) الثلاث (¬2). واختلف إذا قال نويت واحدة، فقال ابن القاسم: هي البتة ولا تنفعه نيته (¬3). وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: إذا أراد الطلاق ولم يضمر (¬4) بشيء بعينه فهو البتة وهذا أشبه. فصل [في جواز جعل الرجل لامرأته طلاقها] وقال أبو محمد عبد الوهاب: يجوز للرجل أن يجعل لامرأته طلاقها، وذلك على وجهين على وجه التمليك والوكالة ففي التمليك ليس له أن يبطل تمليكها وله في الوكالة أن يرجع ما لم تطلق نفسها (¬5). قال الشيخ -رحمه الله-: والزوج مع الأجنبي في ذلك على ثلاثة أوجه، تمليك ووكالة ورسالة، فإن ملكه ذلك لم يكن له أن يعزله، وإن وكله كان له عزله ما لم يقض بالطلاق، وإن جعله رسولًا لم يكن له أن يقضي بشيءٍ، وهو في الرسالة على وجهين: أحدهما: أن يقول: أبلغها أني طلقتها فهذه تكون طالقًا (¬6) من وقتِ قال ذلك بلّغها ذلك الرسول أو لم يبلّغها. ¬

_ (¬1) في (ح): (يلزمه). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 277. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 154. (¬4) أشار في (ب) إلى أنه في بعض النسخ: (يقصد). (¬5) انظر: المعونة: 1/ 595. (¬6) قوله: (تكون طالقًا) يقابله في (ح): (يكون طلاقا).

والآخر: أن يقول: أبلغها أني جعلت أمرها بيدها أو أني خيرتها، فهذه إذا عرفت وقضت بالطلاق كانت طالقًا، وإن لم يبلغها ذلك الرسول. وقال ابن القاسم فيمن قال لرجلٍ: خيِّر امرأتي -وهي تسمع- فقالت: طلقت نفسي -قبل أن يقول لها الرجل- فإن القضاء ما قضت (¬1). وحمل قوله: خيِّر على الرسالة، بخلاف قوله طلق امرأتي؛ لأن قوله خير يتضمن خروج ذلك من يده؛ لأنها هي التي تقضي بالطلاق أو التمليك. واختلف إذا قال: طلق امرأتي، هل هو تمليك أو (¬2) وكالة، فقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: هو تمليك، قال ابن حبيب: وكان ابن القاسم يقول: هو على الرسالة ولا يقع الطلاق إلا أن يطلق (¬3). يريد بالرسالة ها هنا: الوكالة؛ لأنه جعل الطلاق بيده وأنه هو المطلق، وهو أحسن، ولو قال: بع سلعتي لكانت وكالة وله أن يعزله إلا أن يقول: ملكتك ذلك قال (¬4): وإن ادعى في الزوجة أنه أراد الوكالة صدق، فإن ملك رجلين أو وكلهما لم يصح أن يقضي أحدهما دون الآخر، وإن جعلهما رسولين صحَّ بتبليغ (¬5) أحدهما سواء جعل لهما أن يبلغا عنه أنه طلق أو أنها هي التي تطلق. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 277. (¬2) في (ح): (أم). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 232. (¬4) قوله: (قال) ساقط من (ح) (¬5) في (ب): (تبيلغ).

باب فيمن قال لزوجته: إن تزوجت عليك أو غبت عنك سنة فأمرك بيدك، فقالت: اشهدوا أنه إن تزوج علي أو غاب عني سنة فقد اخترت نفسي أو اخترت زوجي

باب فيمن قال لزوجته: إن تزوجت عليكِ أو غبتُ عنكِ سنةً فأمرك بيدك، فقالت: اشهدوا أنه إن تزوج عليَّ أو غاب عني سنة فقد اخترت نفسي أو اخترت زوجي اختلف في ذلك، فقال مالك في كتاب محمد: يلزمها ما كانت اختارت إن هو تزوج عليها أو غاب سنة (¬1). وقال أشهب: لا يلزمها ذلك ولها أن تستأنف القضاء إذا تزوج عليها (¬2) أو غاب. واختلف فيمن قال لأمته وهي تحت عبد: إن لم أبعك إلى سنة فأنت حرة، فقالت: اشهدوا أنه إن حنث فقد اخترت نفسي، فقال ابن القاسم: ليس ذلك لها بخلاف الحرة (¬3). قال محمد وقال أصبغ: فيما أظن أن ذلك في الأمة مثل قول ابن القاسم في الحرة (¬4). ولو قالت امرأة: متى ما ملكني زوجي فقد اخترت نفسي، أو قالت ذلك أمة ولم يحلف سيدها فقالت: إن جاء في العتق فقد اخترت نفسي، أو قال رجل: متى طلقت زوجتي فقد ارتجعتها وأشهد على ذلك، لم يلزم من ذلك ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 193. (¬2) قوله: (عليها) ساقط من (ب). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 14/ 551. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 204.

فصل [فيمن قال لامرأته: أنت طالق واحدة إن شئت]

كله شيء. ولو قالت امرأة: متى ملكني زوجي أو غاب عني أو تزوج عليَّ، فغاب أو تزوج فقد طلقت نفسي، ثم غاب عنها بعد ذلك أو تزوج عليها لم يلزم ذلك؛ لأنها قضت قبل أن يصير سبب ذلك بيدها. ويختلف إذا قال الزوج: إن غبت عنك أو تزوجت عليك فأمرك بيدك، فقالت: اشهدوا أنه إن فعل ذلك فقد طلقت نفسي فقال أشهب: ليس ذلك (¬1) بشيء إلا أن تقضي بعد ذلك وعلى قول ابن القاسم يلزمه (¬2) ذلك، ولو قال: إن تزوجت عليك أو غبت عنك إلا بإذنك فأذنت فتزوج أو غاب لزمه (¬3) قولًا واحدًا. فصل [فيمن قال لامرأته: أنتِ طالقٌ واحدة إن شئت] واختلف إذا قال: أنت طالق واحدة إن شئت، فقالت: قد شئت ثلاثًا أو البتة، فقال ابن القاسم: تلزمه واحدة (¬4)، وذكر ابن القصار عن مالك أنه قال: لا (¬5) يلزمه شيء. وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: لا يلزمه شيء (¬6)، وقيل: إن قضت بالثلاث لزمته واحدة وإن قضت بالبتة لم يلزمه شيء؛ لأنَّ البتة لا تتبعض (¬7)، ¬

_ (¬1) في (ب): (بذلك). (¬2) في (ح): (يلزمها). (¬3) في (ح): (لزمها). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 282. (¬5) في (ح): (لم). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 223. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 223.

والأول أحسن؛ لأنها قضت بالذي أعطاها وزادت عليه والبتة وغيرها سواء؛ لأن البتة ثلاث وقد نزل القرآن أعداد الطلاق، وأن أقلَّه واحدة وأكثره ثلاث ولا معنى للبتة غير (¬1) الثلاث. وإن قال: أنت طالق ثلاثًا إن شئت، فقالت: قد شئت واحدة، لم يلزمه شيء (¬2) إلا أن تقول بائنة، فيختلف في ذلك فمن قال: إنها تكون (¬3) ثلاثًا لزمه (¬4) الثلاث، ومن قال: إنها تكون واحدة رجعية لم يلزمه شيء، ومن قال: إنها تكون واحدة بائنة لزمه ما قضت به وهو أحسن أن يكون كما قضت به (¬5)، وقد تقدم ذلك. وإن قال: أنت طالق إذا شئت كان قد أعطاها واحدة ولها أن تقضي بها بعد (¬6) المجلس (¬7). وإن قال: متى (¬8) شئت كان قد أعطاها واحدة، واختلف هل تقضي بها في غير المجلس؟ فإن قال: متى شئت كان واحدة (¬9) تقضي بها متى شاءت، وكذلك إذا قال: متى ما شئت إلا أن يريد بقوله متى ما: كلما، فيكون لها أن تقضي مرة بعد مرة، وإن قال: كما شئت أو ما شئت كان لها أن تقضي بواحدة أو ¬

_ (¬1) في (ح): (عند). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 282. (¬3) قوله: (تكون) ساقط من (ح). (¬4) في (ح): (يلزمه). (¬5) قوله: (به) ساقط من (ح). (¬6) في (ح): (في غير). (¬7) انظر: المدونة: 2/ 59. (¬8) قوله: (متى) في (ب): (إن). (¬9) قوله: (واختلف هل. . . شئت كان واحدة) ساقط من (ح).

باثنتين أو بثلاث في مرة في المجلس، ويختلف إذا افترقا هل يقضي فإن قضت بواحدة أو اثنتين أو ثلاث لم يكن لها بعد ذلك أن تقضي بشيء، وإن قال: كلما شئت كان لها أن تقضي بواحدة واثنتين وثلاث مرة بعد أخرى في المجلس وبعده (¬1)، وإن قال: أنت طالق غدًا إن شئت، فقالت: قد شئت اليوم أو قال: أنت طالق اليوم إن شئت، فقالت: أنا طالق غدًا كان قضاؤها لازمًا وهي طالق الساعة. وإن قال: أنت طالق اليوم إن شئت، فقالت: أنا طالق إلى ثلاثين سنة، فإن كان ذلك الأجل مما يرى أنه يبلغه عمرها كانت طالقًا الآن، وإن كان لا يبلغه عمره أو عمرها لم يلزمه شيء وكانت بمنزلة من قضى بالطلاق بعد الموت، وكذلك إن قال: أنت طالق بعد ثلاثين سنة إن شئت، فقالت: أنا طالق الآن كانت طالقًا إلا أن يرى أن ذلك الأجل لم يبلغه عمرها فلا شيء عليه. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 224.

باب جامع التمليك

باب جامع التمليك وقال ابن القاسم فيمن خير زوجته أو ملكها ولم تقض حتى طلقها طلقة فبانت بها (¬1) ثم تزوجها فليس لها أن تقضي؛ لأن الملك الذي ملكها قد ذهب (¬2). قال الشيخ - رضي الله عنه -: ليس لها أن تقضي؛ لأنَّ مضمون التزويج الرضا بالإصابة وبه تستحق الصداق والرضا بذلك يسقط ما بيدها، ولو رضيت بالإصابة قبل الطلاق لسقط ما بيدها وإن لم يصب، ومن ملك أمر زوجته رجلًا ثم غاب غيبة بعيدة وكان قد أشهد أنه على حقه فيما جعل له من ذلك وأنه لا يبيحها، كان للزوج أن يرفع ذلك إلى السلطان فينزعه من يده، وإن كان في حين التمليك غائبًا كتب إليه إن كان قريب الغيبة فيقضي أو يرد (¬3). واختلف إذا كان بعيد الغيبة، فقال مالك في كتاب محمد: لا يقربها ويضرب له أجل المولي من يوم يرفع ذلك فإن جاء (¬4) وإلا طلق عليه بالإيلاء (¬5). قال محمد: وإن قدم في العدة فقضى بالطلاق لزم الزوج مع طلقة الإيلاء وإن لم يطلق عليه كان له أن يرتجع إن شاء ما كانت في العدة، وقال مالك ¬

_ (¬1) قوله: (بها) ساقط من (ح). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 283. (¬3) في (ح): (يرده). (¬4) قوله: (يرفع ذلك فإن جاء) في (ح): (ملك إن قدم). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 149.

أيضًا: يرجع الأمر إليها (¬1). يريد: إذا كان لا يرجى قدومه في الأجل، وقد اختلف قوله في هذا الأصل هل تعجل الطلقة الآن لما كان الصبر لا يعيد شيئًا، وهو مضرة عليها أو يصبر (¬2) رجاء أن ينتقل رأيها إلى الصبر. وإذا طلق بالإيلاء كان لها أن تمنعه (¬3) الرجعة؛ لأنه ممنوع من الإصابة فإن انقضت العدة، لم يجز أن يتزوجها؛ لأنه ممنوع منها حتى يقدم فلان ولا يجوز تزويج من لا يحل وطؤها ولا يعترض هذا بالحائض؛ لأن ما فوق الإزار مباح له وهذه ممنوعة الجملة. وقال مالك (¬4) في كتاب محمد فيمن شرط لامرأته إن هو غاب عنها سنة فأمرها بيدها فغاب سنة، ثم زاد عليها وأرادت الفراق كان ذلك لها إذا لم يطل، فأما الشهر والشهران فلا يضرها وتحلف أن ذلك لم يكن رضي بزوجها أو ما كان أكثر من ذلك فلا قضاء لها إلا أن تكون قيدت وأشهدت أنها قبلت لتنظر، قال محمد: فإن لم تحلف فلا خيار لها، وقال ابن القاسم في كتاب ابن حبيب: لا يمين عليها وإن أقامت الشهر والشهرين (¬5). وقال ابن حبيب: وكان ابن كنانة وابن نافع يقولان: إذا جاز الأجل فليس بيدها شيء إلا أن تكون قد أشهدت (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 228. (¬2) في (ح): (تصبر). (¬3) قوله: (لها أن تمنعه) في (ح): (له يمنعه). (¬4) قوله: (ملك) ساقط من (ب). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 189، 190. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 190، ونص النوادر: (ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ولو أشهدت عند الأجل: أني أنتظر سنة أخرى أو أكثر، فذلك بيدها ما أخرته قرب أو بعد).

وفي ثمانية أبي زيد: أن ذلك بيدها أبدًا وإن لم تشهد وهو أحسن؛ لأن الشأن في النساء الاستيناء في مثل هذا ويتربص رجاء أن يقدم ويكره أن يعجل بالفراق ليس لأنها يسقط (¬1) ذلك فإذا طال وشق عليها الصبر قامت وإن استظهرت بيمين فحسن. وقال ابن القاسم في المجموعة: إذا طلقت بعد السنة واعتدت وتزوجت ثم قدم زوجها فأقام البينة أنه كان قدم قبل السنة أنها ترد إليه وإن كان قد دخل بها الثاني، وكذلك إذا شرط إن لم يبعث بالنفقة إلى وقت كذا فأمرها بيدها فرفعت إلى الحاكم وزعمت أنه لم يبعث بالنفقة وطلقت نفسها وتزوجت ثم قدم وأقام البينة أنه كان يبعث بالنفقة سقط التمليك ونزعت من الأخير (¬2)، وإن دخل وردت إلى الأول. يريد: لأن هذا تعد من المرأة كالتي ارتجعها زوجها وعلمت ثم (¬3) تزوجت وبمنزلة من باع سلعة ثم تعدى وباعها من آخر وليس بمنزلة أن يكون التعدي من غيرها، ولو ثبت أنه كان بعث بالنفقة فأمسكها المبعوث معه ولم يعطها (¬4) لكان الطلاق ماضيًا ولم يرد. ولو أثبت رجل دينًا على غائب فبيعت له داره ثم قدم وأثبت أنه كان قضاه لم يرد البيع إذا فات، وإن كان القائم بالبيع متعديًا؛ لأنَّ التعدي على الذمة وقع فبيع ذلك على (¬5) التعدي والتعدي في الزوجة على عين المبيع فأشبه ما غصبت عينه ثم بيع بياعات بوجه شبهة، فإن ذلك لا يقطع حق صاحبه. ¬

_ (¬1) قوله: (يسقط) في (ح): (تخطأ). (¬2) قوله: (الأخير) في (ح): (الأخر). وانظر: النوادر والزيادات: 5/ 191. (¬3) في (ب): (يوم). (¬4) في (ح): (يعلمها). (¬5) في (ح): (عن).

باب فيمن قال لزوجته: أنت علي حرام، أو قال: الحلال علي حرام، أو ما انقلب إليه حرام، أو ما أعيش فيه حرام وما أشبه ذلك

باب فيمن قال لزوجته: أنت عليَّ حرام، أو قال: الحلال عليَّ حرام، أو ما انقلب إليه حرام، أو ما أعيش فيه حرام وما أشبه ذلك (¬1) ومن قال لزوجته: أنت عليَّ حرام، أو قال: أنت حرام، ولم يقل: عليَّ، أو قال: الحلال عليَّ حرام كانت طالقًا، ولو قال: عليَّ حرام، ولم يقل: أنت، أو قال: الحلال حرام ولم يقل: عليَّ، لم يكن عليه في ذلك شيء. واختلف في أربعة مواضع: أحدها: إذا قال: أردت بقولي عليَّ حرام الظهار. والثاني: إذا أراد الطلاق فما (¬2) يلزمه من عدده. والثالث: إذا قال: لم أرد طلاقًا وإنما أردت أن أهددها بذلك. والرابع: إذا حرَّم شعرها أو كلامها. فقال ابن القاسم: إذا قال أردت بقولي: أنت عليَّ حرام الظهار لا تنفعه نيته وهو طلاق (¬3). (¬4) وقال سحنون في العتبية: لا يعجبني ذلك ورأى أنه ظهار (¬5)، وهو أحسن ¬

_ (¬1) قوله: (وما أشبه) يقابله في (ح): (أو ما تعلق بذلك). (¬2) في (ح): (فيما). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 171. (¬4) انظر: المدونة: 2/ 286. (¬5) تعقب ابن رشد شارح العتبية ما للمؤلف هنا فقال: (حكى اللخمي أن لسحنون في العتبية أنه ينوى في أنه أراد بذلك الظهار وليس ذلك بموجود له عندنا في العتبية فأراه غلطًا، والله أعلم). انظر: البيان والتحصيل: 5/ 282.

إذا لم تكن عليه بينة أو كانت عليه بينة، وقال في نسق قوله ذلك أردت الظهار فقوله (¬1) لأن تحريم الزوجة يصح بهذين الوجهين: بالظهار والطلاق فإذا قال أردت أحدهما صدق، وقال يحيى بن عمر في المنتخبة: تطلق عليه فإن تزوجها بعد لم يقربها حتى يكفر كفارة الظهار. وهذا جواب من أشكل عليه الأمر هل يكون ظهارًا أو طلاقًا فأمره بالأحوط وأن يمتثل الوجهين؟. واختلف إذا أراد الطلاق فيما (¬2) يلزمه من عدده، فقال مالك وابن القاسم: هو ثلاث قبل وبعد وينوى أنه أراد واحدة قبل البناء ولا ينوى بعد (¬3). وقال عبد الملك في المبسوط: هو ثلاث ولا ينوى قبل ولا بعد. وقال أبو مصعب ومحمد بن عبد الحكم: هو في التي لم يدخل بها واحدة وللمدخول بها ثلاث. وذكر ابن خواز منداد عن مالك أنها واحدة بائنة، وإن كان مدخولًا بها. وقال عبد العزيز بن أبي سلمة في كتاب ابن سحنون: محمله على واحدة رجعية (¬4)، والقول: إنها قبل الدخول واحدة حسن؛ لأنها بالواحدة حرام، وإذا (¬5) كان ذلك الاسم يقع عليها بواحدة لم يلزمه أكثر منها. وأما بعد البناء فتلزمه الثلاث؛ لأنها بها تحرم إلا على القول أنها تصح بواحدة بائنة، وإن لم يكن معها فداء. وذهب عبد العزيز إلى أن المطلقة تحرم حتى يحدث رجعة، وكذلك قال في التمليك والتخيير، وفي قوله: حبلك على غاربك يقول: إنها قد ¬

_ (¬1) قوله: (فقوله) ساقط من (ب). (¬2) في (ب): (فما). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 289، وتهذيب المدونة: 2/ 301. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 156. (¬5) في (ح): (وإنما).

ملكت نفسها وحرمت بالطلاق والرجعة أمر (¬1) يحدث بعد وقاسه على قوله: طلقتك أو طلقت مني، وقد كان القياس إذا قال: طلقت مني ألا (¬2) رجعة له فيها (¬3)؛ لأنَّ ما طلق من الإنسان لا شيء في يده (¬4) منه، وإمساكها خلاف ما أعطاها وكذلك قوله فارقتك يجعل الله -عز وجل- الرجعة نعمة منه لما علم مما يدرك العباد من الندم بعد الطلاق. وأرى إذا أتى مستفتيًا (¬5) وقال: أردت واحدة ألا يلزمه غيرها، وكان الزائد لفظًا بغير نية وعكسه لو أراد أن يقول: أنت حرام فقال: أنت طالق، يختلف هل يلزمه ما نوى أو ما نطق به؟ وقد قال ابن القاسم فيمن أراد أن يقول: أنت طالق، فقال: ادخلي الدار فقد عوفي، فجعل الأمر إلى ما نطق به دون ما نوى (¬6)، فكذلك لو أراد أن يقول: أنت طالق، فقال: أنت حرام. واختلف فيمن قال لزوجته قبل أن يبني بها: إن كلمتُ فلانًا فأنت عليَّ حرام ثم كلمه بعد البناء، فقال سحنون في كتاب ابنه: إن كانت عليه بينة لم ينو (¬7)؛ لأنها يوم الحنث ممن لا ينوى فيها. ¬

_ (¬1) في (ح) و (ق 10): (أم). (¬2) في (ح): (لا). (¬3) قوله: (فيها) ساقط من (ب). (¬4) في (ح): (يديه). (¬5) من هنا يبدأ السقط في (ق 10) حتى قوله (فروى أشهب عنه في مختصر ما ليس في المختصر). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 403. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 194، ونص النوادر: (وفي كتاب ابن سحنون: قال أشهب: ومن قال لغير مدخول بها: أنت طالق بائن، أو قال: طلقة بائنة إن كلمت فلانا، فبنى بها ثم كلمه: إنه يحنث بالبتات ولا ينفعه إن قال: نويت واحدة، وإنما ينظر إليه يوم حنث فيؤخذ بلفظه).

قال (¬1): وقال بعض أصحابنا إن علم ذلك منه قبل البناء لم يلزمه إلا طلقة وله الرجعة (¬2). وهذا أبين ولأنه يوم حلف كان ممن ينوى ولا يلزمه الآن أكثر مما كان يلزمه يوم عقد اليمين كانت عليه بينة أو لم تكن، وإن قال: الحلال عليَّ حرام وقال: حاشيت زوجتي، صدق لأنه لم يقل: أنت. وقال مطرف عن مالك يصدق في المحاشاة وإن كان استحلف في حق لاختلاف الناس في هذا اليمين، فإن كانت اليمين لغير ذلك لم تنفعه النية واليمين على نية الذي (¬3) استحلفه (¬4). واختلف أيضًا إذا قال: كل حلال (¬5) عليَّ حرام، فقال مالك: تدخل زوجته في ذلك إلا أن يحاشيها بقلبه (¬6)، وقال أشهب: لا تنفعه المحاشاة بقلبه إلا أن يحاشيها بلسانه (¬7). والأول أحسن؛ لأن المحاشاة ما أخرج من الأول ولم يدخله الحالف في لفظه والاستثناء ما أدخل في اليمين ثم رجع فقال أصبغ: فيمن استحلف غريمه بالحلال عليه حرام فحلف وهو جاهل يظن أن الطلاق لا يدخل في ذلك: فإنه يحنث ولا ينفعه جهله وهو من ألفاظ الطلاق بمنزلة الأعجمي يحلف بالطلاق ولا يدري ما هو ولا حدوده فيلزمه (¬8) ما يلزم العالم (¬9). ¬

_ (¬1) قوله: (قال) ساقط من (ح). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 157، 158. (¬3) قوله: (الذي) في (ح): (من). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 49. (¬5) في (ح): (حلِّ). (¬6) قوله: (بقلبه) ساقط من (ح). (¬7) انظر: المدونة: 2/ 286. (¬8) قوله: (فيلزمه): في (ب): (فلزمه من ذلك). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 157.

فصل [فيمن قال لزوجته: ما انقلب إلي حرام، أو ما أعيش فيه حرام وما أشبه ذلك]

قال الشيخ -رحمه الله-: أمَّا من قال: إن اليمين على نية الحالف، وكان هذان يريان أن الزوجة غير داخلة في هذا اليمين (¬1) فلا يلزمهما شيء إلا على القول بأن الطلاق يلزمه باللفظ من غير نية. فصل [فيمن قال لزوجته: ما انقلب إليَّ حرامٌ، أو ما أعيش فيه حرام وما أشبه ذلك] وإن قال: ما انقلب إليَّ (¬2) من أهلي (¬3) حرام أو ما انقلب إليه حرام، ولم يذكر الأهل فهو طلاق، فإن قال: حاشيت الزوجة لم يصدق إذا سمى الأهل ويصدق إذا لم يسم الأهل (¬4). واختلف إذا قال: ما أنقلب إليه حرام إن كنت في امرأة أو إن لم أضربك، فقال ابن القاسم: لا يحنث في زوجته لأنه أخرجها من اليمين حين أوقع يمينه عليها علمنا أنه لم يردها بالتحريم وإنما أراد غيرها، وكذلك إن قال لعبده: إن لم أبعك اليوم فرقيقي أحرار فإنه يحنث في رقيقه ولا يحنث فيه، وقال أصبغ: يحنث في الزوجة وفي العبد، وإن قال: وجهي على وجهك حرام كان طلاقًا (¬5). واختلف إذا قال: وجهي من وجهك حرام، فقال ابن القاسم في العتبية: ¬

_ (¬1) قوله: (اليمين) ساقط من (ح) (¬2) في (ح): (إليه). (¬3) في (ح): (أهلٍ). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 156 و 157. (¬5) قوله: (وإن قال وجهي على وجهك حرام كان طلاقا) ساقطة من (ب). وانظر: النوادر والزيادات: 5/ 156

تحرم عليه زوجته (¬1). وقال محمد بن عبد الحكم: لا شيء عليه (¬2)، وذهب في ذلك إلى ما اعتاده بعض الناس في قولهم: عيني من عينك حرام، أو وجهي من وجهك حرام (¬3). يريد بذلك (¬4) البغض والمباعدة، وقال محمد فيمن قال: ما أعيش فيه حرام لا (¬5) شيء عليه (¬6). يريد: أن الزوجة ليست من العيش فلم تدخل في ذلك بمجرد اللفظ إلا أن ينويها (¬7) فيلزمه ما يلزم من قال: أنت عليَّ حرام، وقد كان يقال: لا شيء عليه، وإن أدخلها في يمينه جهلًا أنها من العيش بمنزلة من قال: ادخلي الدار، يريد بذلك الطلاق جهلًا منه يظن أنه من ألفاظ الطلاق، وليس كذلك؛ لأن هذا نوى الزوجة وغلط في ظنه أنها من العيش وأوقع عليها الطلاق بقوله حرام، وهو بمنزلة من غلط في اسم زوجته فأوقع عليها الطلاق، والآخر سمَّى الزوجة، ولم ينطق بالطلاق فغلط هذا في الزوجة، وغلط الآخر في الطلاق. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 269. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 157. (¬3) قوله: (حرام) ساقط من (ب). (¬4) قوله: (يريد بذلك) في (ب): (يريدون من ذلك). (¬5) في (ح): (ألا). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 157. (¬7) في (ب): (ينوينهما).

باب في الريق والكلام والشعر

باب في الريق والكلام والشعر (¬1) وإن قال: رِيقُكِ عليَّ حرام كانت طالقًا. وإن قال: بزاقك، لم يكن عليه شيء (¬2). واختلف إذا قال: كلامك أو شعرك عليَّ حرام، فقال سحنون: لا شيء عليه (¬3). وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب تحرم عليه في الوجهين جميعًا، قال: وشعرها من محاسنها ومن خلقها حتى يزايلها قال: وكذلك ريقها (¬4). وقال أشهب في كتاب محمد: تحرم في الكلام، وقال ابن عبد الحكم لا شيء عليه بمنزلة من قال سعالك علي حرام، وقال محمد: وليس كلامها بمنزلة شيء من جسدها، قال: وقد أُمر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحجاب وكان يُسمع كلامهن، ويُكتب عنهن الحديث (¬5). قال الشيخ -رحمه الله-: لا تحرم بتحريم السعال؛ لأنه ليس مما يلتذ به ولا بتحريم البصاق؛ لأنَّ البزاق (¬6) يقع على ما فارق الفم فطرح، وتحرم بتحريم ¬

_ (¬1) قوله: (باب في الريق والكلام والشعر) يقابله في (ب): (فصل). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 157. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 134، 157. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 134، ولفظ النوادر: (قال بعض أصحابنا. . .). (¬5) من ذلك ما أخرجه البخاري: بسنده إلى أنس بن مالك - رضي الله عنه - يقول: جاء ثلاث رهط إلى بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألون عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما أخبروا كأنهم تقالوها. . . الحديث)، البخاري: 5/ 1949، في باب الترغيب في النكاح، من كتاب النكاح، برقم (4776). وانظر: النوادر والزيادات: 5/ 157. (¬6) قوله: (البزاق) أشار في (ب) إلى أنه في بعض النسخ (البصاق).

الريق؛ لأن ذلك إنما يقع على ما كان في الفم قبل المفارقة وهو مما يلتذ (¬1) به وهو رضاب، وأمَّا الكلام فإن قصد تحريم استماعه لم تحرم وإن قصد تحريم الالتذاذ به حرمت وبخاصة إذا كانت رخيمة الكلام، وكذلك الشعر هو مما يلتذ (¬2) به وبرؤيته وبلمسه فتحرم، ولا يقع بذلك عتق، وليس العتق في هذا كالطلاق، وكما لو قال: كلامك عتيق؛ لأنَّ العتق إنما (¬3) يتعلق بالجسم، وبما لا يصح مفارقته، والطلاق يتعلق (¬4) بتحريم ما يتلذذ به منها جملة من غير تفضيل. واختلف فيمن لاعب زوجته فأخذت بفرجه، فقال لها: خلي، فقالت: لا، فقال: هو عليك حرام، وقال: إنما أردت مثل ما يقول الرجل: أحرم عليك أن تمسيه ولم أرد تحريمها، فوقف (¬5) فيها مالك وخاف أن يكون حنث، ورأى غير واحد من أهل المدينة أن زوجته حرمت عليه بذلك (¬6). ¬

_ (¬1) في (ح): (يتلذذ). (¬2) في (ح): (يتلذذ). (¬3) قوله: (إنما) ساقط من (ب). (¬4) في (ح): (متعلق). (¬5) في (ب): (فتوقف). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 287.

باب فيمن قال لزوجته: أنت علي كالميتة، أو حبلك على غاربك، أو قال: أنت خلية أو برية أو ما أشبه ذلك

باب فيمن قال لزوجته: أنت عليَّ كالميتة، أو حبلك على غاربك، أو قال: أنت خلية أو برية أو ما أشبه ذلك وقال مالك فيمن قال لزوجته: أنت عليَّ كالميتة أو كالدم أو كلحم الخنزير، هي البتة وإن لم ينوِ به طلاقًا (¬1). قال الشيخ -رحمه الله-: أنت عليَّ حرام فقط، أو أنت عليَّ حرام كالميتة سواء كل ذلك تحريم، ويجري فيه من الخلاف ما تقدم في قوله: أنت عليَّ حرام. واختلف إذا قال: أنت خلية، أو وهبتك نفسك، أو برية، أو بائن، أو حبلك على غاربك، أو وهبتك إلى أهلك، أو رددتك إلى أهلك، أو وهبتك نفسك، أو وهبت لك نفسك، فقيل: يلزمه في أي هذه الألفاظ الثلاثُ وينوى إن قال: أردت واحدة قبل الدخول ولا ينوى بعد، وهذا هو المشهور من قول مالك وأصحابه (¬2)، وقيل محمله في التي لم يدخل بها على الواحدة، وهو قول أبي مصعب ومحمد بن عبد الحكم في الحرام، وقول ربيعة (¬3) وعبد الملك في الخلية والبرية والبائنة، ويلزم على قولهم مثل ذلك إذا قال: وهبتك إلى أهلك أو رددتك لأهلك أو لنفسك ألا يلزم قبل الدخول مع عدم النية إلا واحدة إلا في التي قال: أنت عليَّ كالميتة، فعلى قول عبد اللك: يلزمه قبل الدخول ثلاثة ولا ينوى، وفي مسألتين إذا قال البتة فقال مالك: لا ينوى قبل الدخول (¬4)، ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 157. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 288. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 293، ونص المدونة: (وقال ربيعة في البرية: إنها البتة إن كان دخل بها وإن كان لم يدخل بها فهي واحدة، قال والخلية والبائنة بمنزلة البرية). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 288.

وقال أبو الحسن ابن القصار: ينوى. وفي قوله حبلك على غاربك فقال في المدونة: لا ينوى؛ لأنَّ هذا لا يقوله أحد وقد أبقى من الطلاق شيئًا (¬1). وهذا يقتضي ألا ينوى قبل ولا بعد، وفي كتاب محمد: ينوى قبل (¬2). واختلف في هذه الجملة بعدة فقال أشهب في كتاب أبي الفرج في الخلية والبرية: ينوى وإن كان بنى بها (¬3)، وترجح مالك (¬4) مرة في هذا الأصل، فروى أشهب عنه في مختصر ما ليس في المختصر (¬5) فيمن (¬6) قال: أنت طالق واحدة بائنة أو بتة أو خلية أو برية وهي مدخول بها وقال: أردت واحدة لم يقبل قوله، ثم قال لي (¬7): لا تكتبه لعلي لا أثبت على هذا. وقال محمد بن عبد الحكم في حبلك على غاربك ووهبتك لأهلك وشأنكم بها واحدة إلا أن ينوي (¬8) أكثر (¬9). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 288. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 151، ونص النوادر: (قال عبدالملك: وكذلك قوله فيها: بلك على غاربك، أو قال لأهلها: شأنكم بها أو انتقلي إلى أهلك يريد الطلاق قبل البناء، يحلف إذا أراد نكاحها، أنه أراد واحدة). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 152، ونص النوادر: (وذكر أبو الفرج في كتاب رواية الأشهب، عن مالك في الخلية والبرية، أنه منوى فيها في التي بنى بها). (¬4) قوله: (مالك) ساقط من (ح). (¬5) هنا ينتهي السقط من (ق 10). (¬6) في (ح): (إذا). (¬7) قوله: (لي) ساقط من (ق 10). (¬8) في (ب): (ينوى). (¬9) انظر: النوادر والزيادات 5/ 152، نص النوادر: (قال ابن المواز: في: خليت سبيلك فروى =

وقال عبد العزيز بن أبي سلمة في شرح ابن مزين في حبلك على غاربك: يُنَوَّى (¬1) وعلى أصله أنها واحدة رجعية؛ لأنه قال في الحرام والتخيير أنها واحدة رجعية (¬2). قال الشيخ -رحمه الله- (¬3): وأرى أن يحمل كل هؤلاء قبل الدخول مع عدم النية على واحدة؛ لأنها بالواحدة خلية وبرية وحبلها على غاربها وموهوبة ومردودة، وأمَّا بعد الدخول فيحمل على الثلاث؛ لأن (¬4) بها تبين إلا على القول أنها تكون بائنة وإن أيكن معها فداء (¬5). واختلف في قوله: فارقتك، فحمله مالك في كتاب محمد مرة على الثلاث قبل وبعد إلا أن ينوى واحدة، وقال أيضًا: إن لم يكن دخل فهي واحدة إلا أن ينوى أكثر وبعد الدخول ثلاث إلا أن ينوي واحدة، وقال أيضًا: هي واحدة وإن دخل إلا أن ينوي الثلاث، وقال أشهب: هي ثلاث ولا يُنوى، وقال أيضًا: هي واحدة إلا أن ينوي أكثر (¬6)، والقول إنها واحدة دخل أو لم يدخل أحسن؛ لأن الفراق والطلاق واحد، ومن طلق فقد فارق، ومن فارق فقد طلق، قال الله -عز وجل-: {أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] ولم يأمرنا بالثلاث، وقال تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: 130]. ¬

_ = ابن القاسم ينوي ويحلف، وروى عنه ابن وهب: هي واحدة حتى يريد أكثر وبهذا أخذ ابن عبد الحكم). (¬1) قوله: (ينوى) في (ق 10): (ينوي). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 156. (¬3) قوله: (قال الشيخ -رحمه الله-) ساقط من (ح). (¬4) في (ق 10): (لأنها). (¬5) في (ح): (فدًا). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 152.

وفرق بين قوله: أنت خلية، وخليت سبيلك، وخليتك، فقال: إذا قال: أنت خلية هي ثلاث قبل الدخول وبعده وينوى قبل ولا ينوى بعد، وحكي عنه في خليت سبيلك ثلاثة أقوال: أحدها: أن محمل قوله قبل الدخول أو بعده على الثلاث (¬1) وينوى إذا قال: أردت واحدة قبل وبعد مثل قوله في المدونة. وقال أيضًا: ينوى قبل ولا ينوى بعد. والثالث: أن محمله على واحدة قبل وبعد، قال: وإن قال: لم أرد طلاقًا فهو أشده وهي البتة. وقال محمد في قوله خليتك وسرحتك ذلك سواء، هي (¬2) واحدة إلا أن يقول في هذين (¬3): لم أرد طلاقًا فيكون ذلك له إذا حلف، ولا يقبل قوله في خليت سبيلك أنه (¬4) لم يرد (¬5) طلاقًا (¬6). وقال ابن حبيب: خليت سبيلك وخليتك وسرحتك وفارقتك سواء، هو ثلاث في المدخول جها حتى ينوي أقل فيحلف وإن لم يدخل فهي واحدة حتى ينوي أكثر من ذلك (¬7) (¬8). قال الشيخ -رحمه الله-: أما قوله خلية، فلأن العادة جارية أن يقال: فلانة خلية ¬

_ (¬1) في (ح): (ثلاثة). (¬2) في (ق 10): (وهي). (¬3) قوله: (إلا أن يقول في هذين) في (ب): (قال إن قال). (¬4) في (ح): (أنه قال). (¬5) قوله: (أنه لم يرد) في (ق 10): (إذا قال لم أرد). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 153. (¬7) قوله: (من ذلك) ساقط من (ق 10، ح). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 153.

فصل [فيمن قال لزوجته: الحقي بأهلك، أو ما أشبه ذلك]

من زوج وخلو من زوج إذا كانت لا زوج لها، وذلك بُعَيْد البينونة، وإن كانت مدخولًا بها. وأمَّا قوله: خليت سبيلك فهي عبارة عن الطلاق والمراد طلقتك، وكذلك أرى في قوله خليتك، ولا يصدق أنه لم يرد طلاقًا، وأن يحمل في جميع ذلك قبل الدخول على واحدة، وقول ابن شهاب أنت بالسراح أنها طلقة إلا أن ينوى الثلاث (¬1) حسنٌ (¬2). فصل [فيمن قال لزوجته: الحقي بأهلك، أو ما أشبه ذلك] وقال ابن القاسم في كتاب ابن حبيب وبعضه في كتاب محمد فيمن (¬3) قال لزوجته في غضب أو في غير غضب: الحقي بأهلك، أو اجمعي عليك ثيابك، أو لا نكاح بيني وبينك، أو لا سبيل لي عليك، أو لا ملك لي عليك، أو لست مني بسبيل، أو اذهبي، أو لا تكوني لي بامرأة حتى تكون أمُّه امرأتَه، أو لا تحلين لي، أو احتالي لنفسك، أو أنت سائبة، أو مني عتيقة، أو ليس بيني وبينك حلال ولا حرام، فذلك كله سواء ليس بشيء إلا أن ينوي به الطلاق فيكون على ما نوى ويحلف، قال أصبغ: وإن نوى به الطلاق ولم ينو عددًا فهي البتة، وقال ابن القاسم ومطرف وابن الماجشون إذا قال: لست لي بامرأة أو يا مطلقة أو لا حاجة لي بك أو اعتزلي أو اخرجي أو تأخري أو انتقلي أو استتري أو تقنعي أو لم أتزوجك، فذلك سواء ليس بشيء إلا أن ينوى طلاقا فيكون على ما نوى ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 294. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 153. (¬3) في (ق 10). (فمن).

ويحلف، وقال أصبغ: وإن لم ينو عددًا من الطلاق فذلك يحمل على (¬1) ثلاث حتى يريد واحدة (¬2). قال الشيخ - رضي الله عنه -: وبعض هذه الألفاظ أبين من بعض وأشدها قوله: لا سبيل لي عليك، ولا ملك لي عليك، أو لست مني بسبيل، أو أنت سائبة أو مني عتيقة، فأرى أن يحمل فيهن على الطلاق ولا يصدق أنه لم يرد بذلك طلاقًا إلا أن يأتي لذلك بوجه. وقد قال ابن القاسم في كتاب العتق الأول: إذا قال لعبده: لا سبيل لي عليك أو لا ملك لي عليك، فإن كان ذلك ابتداء من السيد عتق العبد، وإن كان قبل ذلك كلام يستدل به (¬3) بأنه لم يرد العتق كان القول قوله (¬4)، وهذا أحسن، وكذلك الطلاق ويحمل في قوله (¬5) ذلك على الطلاق إلا أن يكون قبل ذلك سبب يعلم أنه لم يرد به طلاقًا. وأما قوله: لا تكوني لي بامرأة حتى تكون أمه امرأته، فإنه يحتمل كان يريد بذلك أطلقك ولا أبقيك وقد فعلت، فيسأل ما أراد؟ فإن لم تكن له نية بقيت زوجة. وكذلك قوله: لا تحلين لي يسأل لم كانت لا تحل له؟ فإن قال: لأني ظاهرتك أو طلقتك، صدق، وإن قال: لم تكن لي نية في شيء من ذلك صدق، و (¬6) كانت زوجة حلالًا؛ لأنها لا تحرم إلا أن يوقع تحريمها بظهار أو طلاق. ¬

_ (¬1) قوله: (يحمل على) ساقط من (ق 10). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 164، 165. (¬3) قوله: (به) ساقط من (ب). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 404. (¬5) قوله: (في قوله) في (ق 10): (قوله في). (¬6) قوله: (صدق و) ساقط من (ق 10)، (ح).

فصل [فيمن قال لامرأته: اعتدي]

وأما قوله: ليس بيني وبينك حلال ولا حرام فهو أشد، وأرى أن يحمل قوله على الطلاق؛ لأنه إنما يريد أنه لم يبق بيني وبينك شيء من الأشياء، وليس ذلك بمجرد اللفظ؛ لأن قولَه ذلك مستحيل؛ لأنه لا يجتمع أن تكون ليست بحلال ولا حرام وإنما هي على وجهين، حلال بالزوجية أو حرام بالطلاق. فصل [فيمن قال لامرأته: اعتدي] وقال ابن القاسم فيمن قال لامرأته: اعتدي فهي طالق واحدة (¬1) ولا يسأل هل أراد به الطلاق؟ ويسأل كم أراد به من الطلاق؟ فإن لم تكن له نية فهي واحدة، وإن قال: اعتدي اعتدي اعتدي، فهي ثلاث إلا (¬2) أن يريد واحدة، وإن قال: أنت طالق واعتدي (¬3) كانت طلقتين إلا أن يريد (¬4) واحدة. وقال في المجموعة: إذا قال: أنت طالق فاعتدي هي طلقتان إلا أن ينوي واحدة، وإن قال: أنت طالق واعتدي كانت طلقتين ولا ينوى (¬5). وقال محمد بن عبد الحكم: إذا قال: أنت طالق اعتدي (¬6) أو فاعتدي ليس إلا طلقة وهو أبين؛ لأن حقيقة قوله اعتدي لم توضع للطلاق، وإنما هو أمر بالعدة وقد جعل الله -عز وجل- طلاقًا وعدة، وهذا رجلٌ (¬7) طلق زوجته وأمرها أن ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 134. (¬2) في (ق 10) (إلى). (¬3) في (ق 10) (فاعتدي)، وفي (ب) (اعتدي). (¬4) قوله: (يريد) في (ق 10) (ينوي). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 134. (¬6) قوله: (اعتدي) في (ق 10) (واعتدي)، وفي (ح): (أو اعتدي أو قال واعتدي). (¬7) قوله: (رجل) ساقط من (ق 10).

فصل [في الطلاق اللازم]

تعتد فكان محمله في اللفظين (¬1) على ما وضع له إلا أن ينوي غير ذلك، وكذلك قوله فاعتدي (¬2)، وإن كانت الفاء ها هنا أبين، وليس يفهم المطلق ولا يريد طلقة أخرى وليس كذلك إذا قال: اعتدي ابتداء؛ لأنه وإن كان أمر بالعدة، فلأن مفهومه أنه طلق ولا تجب عدة من غير طلاق، وذهب بعض أهل العلم فيمن قال: اعتدي اعتدي اعتدي (¬3) أنها واحدة وحمل قوله الأول اعتدي على أنه طلاق، ثم كرر الأمر بالعدة وذلك لا يوجب طلاقًا. فصل [في الطلاق اللازم] الطلاق اللازم ما اجتمع فيه (¬4) ثلاثة، نية ونطق وأن يكون ذلك النطق من ألفاظ الطلاق كقوله: طلقتك أو فارقتك أو سرحتك. واختلف إذا التزم الطلاق بالنية من غير نطق، وإذا نطق بالطلاق من غير نية أو كانت نيته ونطق بغير ألفاظ الطلاق الذي يقول: ادخلي الدار، يريد به الطلاق (¬5) (¬6). وقد ذكر محمد عن مالك فيمن أجمع الطلاق بالنية من غير نطق قولين، وجوب الطلاق وسقوطه (¬7)، فأما وجوبه فقياسًا على الإيمان والكفر أنه يقع ¬

_ (¬1) في (ح): (اللفظتين). (¬2) في (ب) (واعتدي). (¬3) قوله: (اعتدي اعتدي) ساقط من (ح، ق 10) (¬4) في (ق 10) (عليه). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 403. (¬6) من هنا يبدأ السقط في (ق 10) حتى قوله: (له الرجعة، وقوله ذلك ساقط). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 162 و 163، ونص النوادر: (ومن كتاب ابن المواز، قال =

بالاعتقاد من غير نطق، وعلى الحب والبغض أنه يُثاب إذا أحب في الله ويأثم إذا أبغض أولياءه، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "آيَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الْأَنْصَارِ، وَآيَةُ الْكُفْرِ بُغْضُ الْأَنْصَارِ" (¬1)، وأما سقوطه فلقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ" (¬2). وقال ابن القاسم فيمن قال: أنت طالق ولم يرد الطلاق، وإنما أراد من وثاق وليست في وثاق كانت طالقًا، وقال مالك فيمن قال أنت طالق فزل لسانه فقال: البتة قال: هي ثلاث فألزم الطلاق باللفظ من غير نية (¬3). وقال سحنون (¬4): لا شيء عليه في ذلك وهو أحسن، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الْأَعْمَالُ بِالنِّيَاتِ" (¬5) ولأن الطلاق يتعلق به حق لآدمي وحق لله تعالى، فحقها أنه أعطاها نفسها، ومن أراد أن يقول لرجلٍ: بعتك عبدي فقال: وهبتك إياه لم تلزمه هبة، والحقّ لله تعالى؛ لأنها لو رضيت أن تسقط حقها فيما أعطاها، لم يجز ولم يتوجه الحق لله تعالى إذا زل لسانه، فقال: أنت طالق أو قال البتة، ولقول ¬

_ = مالك: ومن طلق بقلبه ثلاثا مجمعا على ذلك، فلا شيء عليه. قال ابن عبدالحكم: وقد قيل: إنها تطلق عليه، وليس بشيء، فال أبو محمد: وهي رواية أشهب عن مالك في العتبية). (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 14، في باب علامة الإيمان حب الأنصار، من كتاب الإيمان، برقم: (17)، ومسلم: 1/ 85، في باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي - رضي الله عنهم - من الإيمان. . .، من كتاب الإيمان، برقم: (74)، من حديث أنس - رضي الله عنه -. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 5/ 2020، في باب الطلاق في الإغلاق والكره. . .، من كتاب الطلاق، برقم: (4968)، ومسلم: 1/ 116، في باب تجاوز الله عن حديث النفس. . .، من كتاب الإيمان، برقم: (127)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 291. (¬4) قوله: (سحنون) ساقط من (ح). (¬5) سبق تخريجه في كتاب الصيام، ص: 732.

فصل [في محمل قول الزوج: أنت طالق على واحدة]

الله سبحانه: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "تَجَاوَزَ اللهُ عَنْ أُمَّتِي الخطَأَ. . ." (¬1) الحديث إلا أن يكون على الزوج في حين قوله بينة ولا يصدق أنه أخطأ. وقال مالك وابن القاسم فيمن قال لزوجته: ادخلي الدار، يريد بذلك الطلاق أنها طالق (¬2). وقال أشهب: لا شيء عليه إلا أن يريد أنت طالق إذا قلت ادخلي الدار يريد أن الطلاق إنما يقع عندما أقول (¬3) ليس بنفس اللفظ. فصل [في محمل قول الزوج: أنت طالق على واحدة] محمل قول الزوج: أنت طالق، على واحدة. واختلف هل يحلف أنه لم يرد أكثر؟ فقال ابن القاسم: لا يمين عليه (¬4). وقال مالك في كتاب المدنيين فيمن خرج لسفر، فقال لزوجته: إن لم أجئ إلى شهرٍ فأنت طالق، فجاء بعد الشهر وهي في عدتها فارتجعها فقال: لم أرد إلا واحدة، فقال مالك: يحلف. واختلف أهل العلم إذا أراد بقوله: أنت طالق، الثلاث، فقال مالك ¬

_ (¬1) صحيح، أخرجه ابن حبان: 16/ 202، في باب فضل الأمة، من كتاب إخباره - صلى الله عليه وسلم - عن مناقب الصحابة. . .، برقم: (7219)، والحاكم: 2/ 216، برقم: (2801)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 403. (¬3) في (ق 10) (يقول)، وكتب في هامش (ب): الظاهر (ما نوى). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 159.

وأصحابه هو الطلاق بلفظ ونية (¬1). وقال بعضهم هو طلاق بنية. وقال مالك في كتاب محمد: إن ناسًا ليقولون: إن نوى بذلك البتة ولم يسم فلا يلزمه إلا واحدة قال: وما هو عندي (¬2) بالبين وإني لأكره ذلك إذا نوى البتة (¬3). قال الشيخ -رحمه الله-: الصواب ما قاله مالك وأصحابه أن طالقًا صفة لحالها (¬4) أنها صارت ذات طلاق بواحدة أو ثنتين (¬5) أو ثلاث ولهذا حسن فيه الاستفهام، فيقال لمن قال: امرأتي طالق كم طلقتها ولو كان ذلك للواحدة لم يحسن فيه الاستفهام ولم يحسن قوله: أنت طالق ثلاثًا ولكن (¬6) بمنزلة القائل واحدة ثلاثًا. وقال مالك فيمن أراد أن يطلق امرأته قبل الدخول ثلاثًا، فقال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، نسقًا لزمته الثلاث (¬7). وقال إسماعيل القاضي: إن أراد بقوله أنت طالق الثلاث ثم ذكر الثانية والثالثة يريد بذلك بيان (¬8) ما أراد بالأولى لزمته الثلاث، وإن أراد بقوله أنت طالق واحدة لم يلزمه ما نطق به بعد ذلك؛ لأنه أوقعه على غير زوجة. وقال مالك فيمن أراد أن يطلق ثلاثًا فقال: أنت طالق ثم سكت لم يقع ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 292. (¬2) قوله: (عندي) ساقط من (ق 10). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 159. (¬4) في (ق 10) (بحالها). (¬5) في (ق 10) (اثنين). (¬6) في (ق 10) (ولا كان). (¬7) انظر: المدونة: 2/ 289. (¬8) قوله: (بذلك بيان) في (ب) (أن).

عليه إلا واحدة (¬1). يريد: إذا كان قصده بقوله طالق طلقة وبقوله ثلاث تمام الثلاث، وإن (¬2) أراد بقوله طالق الثلاث، وبقوله ثلاثًا البيان عما أراد بقوله طالق، لزمه الثلاث وإن سكت عن ذكرها. وقال مالك فيمن قال: أنت طالق وأراد أن يقول: إن كلمت فلانًا، فلما تمَّ قوله أنت طالق بدا له في اليمين فسكت، لم يلزمه شيء (¬3). وهذا يحسن فيمن أتى مستفتيًا أو فهمت عنه البينة أن ذلك قصده؛ لأن ذلك سبب المنازعة، وإن لم يتقدم لذلك ذكر لم يصدق، ولو قال: أردت إن دخلت الدار أو لا دخلت الدار إليك وقال ذلك بفور قوله صدق. وقال مالك في كتاب محمد فيمن قال: أنت طالق البتة أنت طالق البتة إنْ أذنت لك لموضعٍ سَمَّاه كانتْ سألته الخروج إليه (¬4): هو حانث أذن لها أو لم يأذن، قال: وما هو بالبين وإن فيها لإشكالًا (¬5). قال ابن القاسم: وإنما أراد مالك أنه طلقها في الأولى بالبتة ثم ندم فاستدرك، قال ابن القاسم: وأرى أن يحلف أنه ما أراد إلا أن يسمعها اليمين ويدين، فإن لم يحلف رأيته حانثًا (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 292. (¬2) فى (ح) (ولو). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 292. (¬4) قوله: (الخروج إليه) في (ح): (قال). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 134. (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 6/ 184.

فصل [فيمن قال: أنت طالق طلاق الصلح]

فصل [فيمن قال: أنت طالق طلاق الصلح] واختلف فيمن قال: أنت طالق طلاق الصلح، أو طلقة بائنة، أو طلقة لا رجعة فيها، فقيل في قوله طلاق الصلح هي ثلاث؛ لأن طلاق الصلح بائن والبينونة لا تصح بواحدة إلا أن يكون معها فداء، وقيل: واحدة رجعية لأنه إنما التزم من العدد واحدة فلا يلزم أكثر منها وله الرجعة؛ لأن سقوطها إنما يكون مع الفداء أو ما (¬1) يمنع من ذلك لحق الزوجة مثل أن يطلق لعدم النفقة أو لعيب يحدث به ولا تصح الرجعة مع بقاء الوجه (¬2) الذي لأجله وقع الطلاق وقيل: هي (¬3) طلقة بائنة حسب ما نوى (¬4)؛ لأن الرجعة من حقه فإذا أسقط عنها حقه فيها لزمه وهو أبين. وقال مالك فيمن قال: أنت طالق طلقة بائنة: إنها تبين بثلاث (¬5). وقال محمد بن عبد الحكم: أخبرني ابن وهب أو أخبرت عنه أن مالكًا سُئل عنها فقال: هي واحدة وله الرجعة، وبه أخذ ابن عبد الحكم. وأرى أن يسأل ما أراد بقوله بائنة، فإن قال: أردت الصفة للطلاق وأنها فعلة تبين بها كانت ثلاثًا وإن قال: أردت من العدد واحدة عاد الجواب إلا ما تقدم فيمن قال: أنت طالق طلاق الصلح وقال فيمن قال: أنت طالق تطليقة ينوي لا رجعة في عليك فيها ولا ينوي الثلاث كانت واحدة وله الرجعة. ¬

_ (¬1) قوله: (أو ما) في (ح): (إنما). (¬2) في (ح): (الزوجة). (¬3) قوله: (هي) ساقط من (ب). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 306، والنوادر والزيادات: 5/ 160 و 161. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 306، والتفريع: 2/ 6.

وقوله لا رجعة في عليك (¬1) ونيته باطل، يريد أن ذلك سواء قال ذلك قولًا أو نواه. وقال في كتاب محمد: إذا قال: أنت طالق ولا رجعة في عليك فله الرجعة، وقال ابن عبد الحكم: إذا قال: أنت طالق لا رجعة في عليك كانت البتة، وإن قال: ولا رجعة لي كانت له (¬2) الرجعة (¬3). قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما قوله طلقة ينوي لا رجعة لي فيها أو قال ذلك نطقًا فهو بمنزلة من قال: أنت طالق طلقة بائنة؛ لأن ذلك صفة للطلقة، وأما قوله لا رجعة لي عليك أو ولا رجعة لي عليك فليس بصفة للطلقة وإنما أسقط حقه في الرجعة، ولو قال: أنت طالق طلاقًا لا رجعة فيه لكانت ثلاثًا قولًا واحدًا؛ لأن الطلاق يعبر به عن الواحدة والثلاث، فإذا قال: طلاق لا رجعة فيه كانت صفة للطلاق أنه ثلاث. والظاهر من المذهب فيمن طلق زوجته واحدة ثم قال لها بعد ذلك: أسقطت عنك حقي في الرجعة أو لا رجعة في عليك أن له الرجعة (¬4)، وقوله ذلك ساقط (¬5) والقياس ألا رجعة له؛ لأن الرجعة حق له على الزوجة فإذا أسقط حقه عنها لزمه كسائر الحقوق. ¬

_ (¬1) قوله: (عليك) ساقط من (ح). (¬2) قوله: (كانت له) في (ح): (عليك فله). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 161. (¬4) انظر: المدونة: 2/ 292، نص المدونة: (قال: وسمعت مالكا يسأل عن رجل قال لامرأته أنت طالق تطليقة ينوي لا رجعة لي عليك فيها؟ قال مالك: إن لم يكن أراد بقوله لا رجعة لي عليك البتات يعني الثلاث فهي واحدة ويملك رجعتها، وقوله لا رجعة لي عليك ونيته باطل). (¬5) ينتهي هنا السقط من (ق 10).

وقال ابن القاسم فيمن قال: أنت طالق أبدًا: فهي البتة ويتزوجها بعد زوج إلا أن يريد كلما تزوجتك (¬1). قال (¬2) محمد: وكذلك الذي يقول: أنت طالق كل يوم أتزوجك أبدًا وإن قال: إن تزوجتك أبدًا فأنت طالق لا شيء عليه إلا مرة واحدة، وإن قال: إن تزوجتك فأنت طالق أبدًا كانت البتة، وإن قال: كلما تزوجتك لم تحل أبدًا، ووقف محمد في قوله: أنت طالق أبدًا (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 159. (¬2) قوله: (قال) ساقط من (ب). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 128.

باب جامع

باب جامع واختلف فيمن باع زوجته، فقال مالك في المبسوط: ينكل نكالًا شديدًا وتطلق عليه بواحدة (¬1)، وليس له أن يرتجعها ولا يتزوجها ولا غيرها حتى تعرف منه التوبة والصلاح مخافة إن تزوجها أو غيرها أن يبيعها، ولم يجعل بيعه لها طلاقًا. وقال ابن نافع: هي طلقة بائنة، قال سحنون: غاب عليها (¬2) أو لم يغب، وقال ابن عبد الحكم وأصبغ في كتاب محمد: حرمت عليه كالموهوبة، قال محمد: وهذا (¬3) أحب إلينا من قول ابن القاسم، وقال ابن القاسم في العتبية: بيعه طلاق، قال ابن وهب: وترجم إن أقرت أن المشتري أصابها طائعة وإن ادعت الإكراه لم ترجم (¬4). وقول مالك لا يكون البيع طلاقًا أحسن إلا أن يكون نوى ذلك؛ لأن البيع إنما يتضمن التمكن منها، ولا خلاف فيمن مكن من (¬5) زوجته من غير بيع أن ذلك ليس بطلاق وقد يبيعها ويواطئها أن تهرب إليه أو يجعلها تثبت حريتها. ويختلف أيضًا إذا زوجها على مثل ذلك، وقال ابن القاسم فيمن قال لزوجته (¬6): اذهبي فتزوجي فلا حاجة لي بك، أو قال لأمها: زوِّجي ابنتك فلا حاجة لي بها، فلا شيء عليه ما لم يرد بلفظه (¬7) ذلك طلاقًا، وقاله أصبغ (¬8)، فإن ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 16/ 324، والنوادر والزيادات: 5/ 158. (¬2) في (بَ): (عنها). (¬3) في (ق 10) (وهو). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 158. (¬5) قوله: (من) ساقط من (ق 10). (¬6) قوله: (فيمن قال لزوجته) في (ق 10): (فمن قال لامرأته). (¬7) في (ب): (بنطقه). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 461.

هي زوجتها بعد وفاء عدتها من يوم قال ذلك بحضرتها وعلمها، فقد بانت منه (¬1)، ولا يقبل قوله إن قال: لم أرد طلاقًا، وقال محمد: لا يعجبني قول أصبغ إلا أن يكون الزوج يعلم أن ذلك ليس بطلاق فألزم ذلك نفسه، فأما إن ظن أن ذلك طلاق فتركها حتى اعتدت لم يضره إلا أن يتزوجها (¬2) غيره أو يقول: أردت بذلك الطلاق فلزمه إلا أن تتزوج بعلمه وتسليمه، فيلزمه الطلاق ويفسخ نكاح الثاني؛ لأنه إذا لم ألزمه الطلاق ألا يتزوجها بالعدة من يوم تزوجت (¬3). وقال مالك فيمن حلف للسلطان طائعًا في أمرٍ فقال: امرأتي طالق إن كذا وكذا لأمرٍ كذب فيه وأتى مستفتيًا وزعم أنه أراد امرأة كانت له قبل ذلك، وألغز على السلطان بيمينه قال: لا ينفعه ذلك (¬4) وامرأته طالق (¬5). قال ابن القاسم فيمن قال حكمة الطلاق (¬6)، وله زوجة تسمى حكمة وجارية تسمى حكمة، وقال: أردت جاريتي، كان القول قوله إذا لم تكن عليه بينة (¬7) قال: وليست كمسألة مالك لأن هذا إنما سمى حكمة والآخر قال: امرأتي، فأضاف الأمر (¬8) إلى نفسه، وقول مالك: إنه حانث يحتمل أن يكون ذلك لأنه رأى أن اليمين على نية المحلوف له وأنه أطاع باليمين في أمرٍ نجا به ¬

_ (¬1) قوله: (منه) ساقط من (ب). (¬2) قوله: (يتزوجها) في (ق 10، ح): (يزوجها). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 165، 166. (¬4) قوله: (ذلك) ساقط من (ب). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 60. (¬6) في (ب): (طالق). (¬7) انظر: المدونة: 2/ 291. (¬8) في (ح): (المرأة).

لو لم يحلف لطلبه (¬1) السلطان بما حلف عليه، وكان (¬2) طلبه إيَّاه في حق، ولو كان في باطل وفي أمر لم يلزمه لكان مكرهًا أو لأنه رآه طلاقًا بلفظ دون نية فألزمه إياه كالذي أراد أن يقول: ادخل (¬3) الدار فزلَّ لسانه فقال: امرأتي طالق، وإنما لم يصدق مع البينة؛ لأنه أتى بما لا يشبه؛ لأن الجارية لا تطلق، ولو كانتا زوجتين تسمى كل واحدة منهما حكمة لصدق، وإن كانت عليه بينة. وقال محمد في كتاب الإقرار الثاني فيمن حلف بطلاق امرأته عائشة فحنث، فرفع أمره إلى السلطان فأقر وقال: لي امرأة أخرى تسمى عائشة غائبة والغائبة (¬4) أردت، فقال: إن علم ذلك دين، وإن لم يعلم حيل بينه وبين الحاضرة وحكم بفراقها (¬5) واعتدت وتزوجت سواه إن شاءت. فإن تبين بعد ذلك صدقه قبلت نيته وردت إليه التي طلقت عليه. وقوله: تطلق عليه مع إمكان صدقه ليس بحسن وأرى أن يحال بينه وبين هذه ويكتب إلى الموضع الذي قال، فإن تبين صدقه قبل قوله (¬6) وبقيت هذه (¬7) زوجة، وإن تبين كذبه طلقت عليه هذه. تَمَّ كتابُ التخييرِ والتمليكِ، وَالحَمْدُ للهِ حَقَّ حَمْدِهِ ¬

_ (¬1) في (ق 10): (لغلبه). (¬2) قوله: (عليه وكان) غير واضح في (ق 10). (¬3) قوله: (ادخل) في (ح): (ادخلي). (¬4) قوله: (والغائبة) في (ب): (وهي التي). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 386. (¬6) قوله: (قوله) في (ق 10): (منه). (¬7) قوله: (هذه) في (ق 10): (هي).

كتاب الصرف

كتاب الصرف النسخ المقابل عليها 1 - (ب) = نسخة برلين رقم (3144) 2 - (ت) = نسخة تازة رقم (234 & 243) 3 - (ق 4) = نسخة القرويين رقم (368)

وصلي الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كتاب الصرف الرِّبا محرم بالقرآن، والسُّنَّة، والإجماع، فأما القرآن: فقوله عزَّ وجلَّ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران: 130]، وقوله تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} [البقرة: 278]. وقوله سبحانه: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]، وقوله تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ} [الروم: 39]. وأخبر سبحانه أنه كان محرمًا على من كان قبلنا كتحريمه علينا، فقال تعالى: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} [النساء: 161]. وأما السُّنَّة: فقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَعَنَ اللهُ آكِلَ الرِّبا ومُوكِلَهُ وكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ" أخرجه مسلم في صحيحه (¬1). والأحاديث في ذلك كثيرة، ولا خلاف بين الأُمَّة في تحريم الربا في الجملة. واختُلف في معنى قوله تعالى: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] على ثلاثة أقوال: فقيل: المراد به ما كانت عليه أهل (¬2) الجاهلية من فسخ الدَّيْن بالدَّيْن، ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 5/ 2045، في باب مهر البغي والنكاح الفاسد، من كتاب الطلاق، برقم (5032)، ومسلم عن جابر: 3/ 1219، في باب لعن آكل الربا ومؤكله، من كتاب المساقاة، برقم (1598). (¬2) قوله: (أهل) ساقط من (ب).

يقول المطلوب للطالب (¬1): أخرني وأزيدك، فقالوا: سواء علينا أزدنا في أول البيع أو عند محلِ الأجل، فأكذبهم الله تعالى في ذلك، وهو قول عطاء ومجاهد وغيرهما، وجعلوا الألف واللام تعريفًا للعهد. ويؤيد هذا القولَ (¬2) قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "رِبَا الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُهُ رِبَا العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المْطَّلِبِ، فِإِنَّهُ مَوْضُوع كُلُّهُ" أخرجه البخاري ومسلم (¬3). ولم يُختلف أن اسم الربا يقع على فسخ الدَّيْن بالدَّيْن، وقيل: المراد به كلُّ بيع حرُم التفاضل فيه؛ لأن الربا في اللسان الزيادة، ويؤيد ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالفِضَّةُ بِالفِضَّةِ، وَالبُرُّ بَالبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالمِلْحُ بِالمِلْحِ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، مِثْلا بِمِثْل، يَدًا بِيَدٍ، فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذَهِ الأَصَنَافُ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ". أخرجه مسلم في صحيحه من طريق عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - (¬4). فسمَّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزيادة التي تقع في هذه الأصناف ربًا، فبيَّنت السُّنَّة المراد من القرآن، وحَمْلُ قائل هذه المقالة الألف واللام في الربا لتعريف الجنس ليس للعهد. ويدخل في ذلك السلف بزيادة، لنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك. وقيل: المراد به كلُ بيع محرَّم كان تحريمه من جهة الزيادة أو غيرها، وهو قول عائشة - رضي الله عنها -، وعمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. ¬

_ (¬1) قوله: (للطالب) ساقط من (ق 4). (¬2) قوله: (القول) ساقط من (ت). (¬3) هو حديث حجة الوداع المشهور وهو مخرج في كتاب الصلاة الأول. (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 761، في باب بيع الذهب بالذهب، من كتاب البيوع، برقم (2066)، ومسلم: 3/ 1210، في باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا، من كتاب المساقاة، برقم (1587).

قالت عائشة - رضي الله عنها -: "لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الرِّبَا قَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَطِيبًا، وَحَرَّمَ التِّجَارَةَ فِي الخَمْرِ". أخرجه البخاري (¬1). وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في الكتاب: إنَّ من الربا أن تُباعَ الثمارُ وهي مُغْضِفَةٌ (¬2) لم تطِبْ (¬3). ويشهد لقوله روايته عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الذَّهبُ بالوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، والتَّمرُ بِالتَّمرِ رِبًا إلا هَاءَ وَهَاءَ" وهذا حديث صحيح اجتمع عليه الموطأ والبخاري ومسلم (¬4)، فأوقع - صلى الله عليه وسلم - اسم الربا على ما يجوز فيه التفاضل، لعدم المناجزة، فأبان هذا الحديث أن الربا لا يختص بالزيادة، وأن المراد به ما حرُم من البياعات. واختلف في معنى قوله تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ} [الروم: 39]. فقال بعض أهل العلم: نزلت في الهدايا يهديها الرجل للرجل ليأخذ أكثر من ذلك، ولم يزد على هذا، فيقول هذا حلال أو حرام، وقال بعضهم: ذلك جائز ولا أجر له، ولا وزر عليه. ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 775، في باب تحريم التجارة في الخمر، من كتاب البيوع، برقم (2113)، ومسلم: 3/ 1206، في باب تحريم بيع الخمر، من كتاب المساقاة، برقم (1580). (¬2) في (ب): (مقطفة، ويروى: وهي معضفة). وثمرة مُغْضِفة لم يَبْدُ صَلاحُها. انظر لسان العرب: 9/ 267. (¬3) انظر: المدونة 3/ 47. (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 750، في باب ما يذكر في بيع الطعام والحكرة، من كتاب البيوع، برقم (2027)، ومسلم: 3/ 1209، في باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا، من كتاب المساقاة، برقم (1586)، ومالك: 2/ 636، في باب ما جاء في الصرف، من كتاب البيوع، برقم (1308).

قال الشيخ - رضي الله عنه -: قد أوقع الله -عز وجل- على هذا الفعل اسم الربا، وأخبر في غير موضع من كتابه بتحريمه، والهدايا التي يقصد بها العوض والثواب مخرجها مخرج المعاوضات. وقد اختلف قول مالك في هبة الثواب، هل مخرجها مخرج البيع، أو مخرج المعروف؟ والمشهور من قوله: إن مخرجها مخرج البيع (¬1). فإذا عوَّض عن الهبة بعد الافتراق من جنسها أكثر لم يجز ذلك، كانت الهبة طعامًا مما يحرم التفاضل فيه أو لا يحرم، عرضًا أو عينًا، فيدخل (¬2) فيما يحرم فيه التفاضل من الطعام والعين الربا من وجهين: التفاضل والنَّساء (¬3)، وفيما يجوز فيه التفاضل من الطعام (¬4) النَّساء، وفي العروض سلف جر منفعة، وذلك ربًا. ويؤيد ذلك وجميع هذه الوجوه ما ورد في الآية من إطلاق اسم الرِّبَا. وعلى قوله الآخر ذلك من ناحية المعروف، يجوز جميع ما قدمنا ذكره، وقد أجاز في كتاب محمد أن يثيب عن الذهب فضة، وعن الفضة ذهبًا (¬5)، وذَهَبَ في ذلك إلى ما أجيز من الدينار بأوزن منه، وقرض مائة دينار بمثلها، والحوالة وإن كانت فسخ دَيْنٍ في دَيْنٍ، والعرية، فجميع هذا أجيز على وجه المعروف، ولا يجوز على وجه المكايسة. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة 4/ 382. (¬2) في (ت): (فيدخله). (¬3) النَّساء: التأخير، يقال: أَنْسَأَه أَخَّره. انظر: لسان العرب، لابن منظور: 1/ 166. (¬4) قوله: (والعين الربا. . . من الطعام) ساقط من (ت). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 247، 444. وعبارته غير ما للمؤلف هنا.

باب ذكر الربا في الصرف والوجه الذي يجوز عليه الصرف

باب ذكر الرِّبا في الصرف والوجه الذي يجوز عليه الصرف الرِّبا يدخل في الصرف إذا كان من جنس واحد -ذهبًا بذهب، أو فضة بفضة- من وجهين التفاضل والنَّساء، ولا يجوز إلا مِثلًا بمثل، يدًا بيد. ويدخل في الجنسين، وهو بيع الذهب بالورق من وجه، وهو النَّساء، فيجوز متفاضلًا يدًا بيد، والحكم في المصارفة بالتبر الذي لم يعمل والمسكوك، والحلي والذهب المكسور، والآنية تباع لتكسر أو لتبقى على قول من أجاز اتخاذها للجمال ولغير الاستعمال، والعين تكون دينًا في الذمة فيباع بعين من جنسه أو من غير جنسه، سواءٌ فيما يطلب من المناجزة والمماثلة. ومن المدونة (¬1) قال ابن القاسم فيمن اشترى حليًا مصوغًا، فنقَد بعض ثمنه ولم ينقد بعضًا: تفسد الصفقة كلها (¬2). وقال فيمن له قِبَلَ رجل مائة دينار فباعها منه بألف درهم، فنقَده تسعمائة، ثم فارقه عله أن يدفع إليه المائة الباقية، قال: تُرد الدراهم، وتكون له الدنانير بحالها (¬3). فأفسد جميع المصارفة؛ لأنها صفقة جمعت حلالًا وحرامًا. وذكر ابن القصّار في ذلك قو لًا آخر أنه يمضي الحلال وَيَبطل الحرام. وهو أبين إذا كان الحلال نصف الصفقة فأكثر؛ لأنه لم يشتر أحدهما للآخر، فإن كان الحرام أكثر فسخ جميع العقد؛ لأنه لم يرضَ بصرف ما ¬

_ (¬1) قوله: (المدونة) ساقط من (ت). (¬2) انظر: المدونة 3/ 3. (¬3) انظر: المدونة 3/ 3.

يتناجزان فيه إلا بمكان ما تأخر قبضه، وهو جُلُّ الصفقة، وهذا إذا عقد على تأخير بعض الصفقة، فإن عقد على المناجزة في الجميع فوجد معه (¬1) البعض، ثم افترقا على أن يأتي بما عجز، نظرت فإن كان العاجز أقل الصفقة لم يفسخ إلا بقدر ما لم يتناجزا فيه، وهذا فيما بينه وبين الله تعالى. واختلف إذا عثر عليها في ذلك، فقال ابن القاسم في المدونة: يفسخ جميع العقد (¬2). وقال في كتاب محمد: لا يفسخ إلا بقدر ما (¬3) عجز (¬4). وهذا هو الأصل؛ لأنه إذا عجز أقل الصفقة كان الصرف منعقدًا في الحاضر، ولا خيار فيه لواحد منهما، وإذا كان ذلك، كان التراضي بالبقاء على المصارفة في العاجز، كصرف مبتدأ منفصل من الأول، والفسخ حماية، لئلا يتذرع الناس إلى الصرف المتأخر. واختُلف فيمن صرف مائة دينار بألف درهم، فوجد معه خمسين دينارًا، ففي كتاب محمد يكون مشتري الدنانير فيما حضر بالخيار بين أن يتمسك به أو يرده، كالطعام يستحق بعضه (¬5). وخالف أشهب في الطعام، وجعل الجواب فيه كالجواب في العروض، ألا خيار له في رد ما لم يستحق، وعلى هذا لا يكون لهذا خيارٌ في الصرف. وأرى أن يرجع في ذلك إلى ما يقوله أهل المعرفة، فإن قالوا: إن شراء ¬

_ (¬1) في (ت): (منه). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 3. (¬3) قوله: (لم يتناجزا فيه، وهذا فيما بينه وبين الله تعالى. . . لا يفسخ إلا بقدر ما) ألحق بهامش (ت) وغير بين. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 374. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 374.

النصف والجميع على سعر سواء- لم يكن خيار في الحاضر، وإن قالوا: ذلك يختلف وشراء الجملة أغلى أو أرخص- كان له أن يرد؛ لأنه يقول: إذا كانت الجملة أغلى لم أشتر على سعر غالٍ إلا رغبة في شراء مائة، ولو علمت أنها قليلة لم أشتر إلا بدون ذلك. وإن كان أرخص قال: حاجتي إلى مائة، فإن تكلفت شراء الخمسين التي عجزت اشتريتها غالية. وعلى هذا يجري الجواب إذا استحق بعض الدنانير بعد المناجزة، فإن كان المستحق يسيرًا كان الصرف منعقدًا فيما لم يستحق، ولا خيار لواحد منهما، وإن كان أكثر الصفقة كان الخيار للمشتري يرد إن شاء، وإن كان النصف كان له أن يرد على قول محمد، وليس ذلك له على قول أشهب، وقد تقدم وجه ذلك. وإن كانت الدنانير سككًا مختلفة والدراهم سَكَّة واحدة، فاستحق سكة من الدنانير انتقض ما ينوبها، وإن استحق بعض الدراهم، وكان المستحق النصف- انتقض من كل سكة نصفها (¬1)، ولا تخص بذلك سكة دون الأخرى. وإن بيعت خلاخل (¬2) فضة بدنانير، فاستحق بعض الخلاخل (¬3)، فإن كانت جملة عدد استحق زوج منها- انتقض الصرف في المستحق وحده؛ لأن الدراهم سكة واحدة، فإن استُحِقَّ فَرْدٌ رَدَّ المشتري صاحبَهُ معه؛ لأن استحقاق الفرد عيب على المشتري في الباقي، وإن استحق نصف الدراهم انتقض فردٌ من كل زوج من الخلاخيل، ثم كان كل واحد من المتبايعين بالخيار في الباقي بين أن يمسك بها أو يردها، فإن أحب المشتري التمسك كان للبائع أن يقوم بردِّه؛ ¬

_ (¬1) زاد بعده في (ب): (ورد بمقدار ما ينوبها من الدنانير سكة واحدة، وإن كان سكاكًا مختلفة رد من كل سكة بقسطها). (¬2) في (ق 4): (خلاخيل). (¬3) في (ق 4): (الخلاخيل).

فصل [في أحكام الدراهم والدنانير الزائفة في الصرف]

لأن الاسترجاع لفرد عيب على البائع في المردود، بمنزلة لو اطلع على عيب في أحدهما، لم يكن له أن يرده إلا وأخوه معه. فصل [في أحكام الدراهم والدنانير الزائفة في الصرف] فإن وجد أحدها (¬1) زائفًا، فإنه لا يخلو من ثلاثة أوجه: إما أن يرضى به، أو يقوم ليردَّه فيرضيه الآخرُ بشيء يدفعه إليه على ألَّا يرده عليه، أو لا يرضيه فيرده ويريد أن يبدله له، أو ينقض الصرف. فإن أحب التمسك به جاز ذلك. واختلف إذا قام ليرده فأرضاه البائع وتمسك به، وفي البدل فأُجِيزَ ومُنِعَ. ولا يخلو المتصارفان من ثلاثة أوجه: إما أن يتصارفا على معيَّنين، فيقول: أصارفك هذه الدنانير بهذه الدراهم، أو على غير معيَّنين، فيقول: أصارفك عشرة دنانير بمائة درهم، أو يكون أحدهما معينًا والآخر غير معين. فإن كانا معيَّنين، فوجد العيب بدنانير أو بدراهم؛ قُدِّر دينار ورُدَّ، وانتقض الصرف (¬2)، ويجوز أن يتراضيا على البدل، ولا خلاف في (¬3) هذين أن الصرف منتقض بنفس الردِّ، وأن التراضي بالبدل جائز؛ لأنه لما كان معينًا لم يلزم المردود عليه أن يأتي ببدله، فانتقض الصرف (¬4)، وإذا انتقض الصرف كان ¬

_ (¬1) قوله: (أحدها) ساقط من (ت). (¬2) في (ت): (صرف دينار). (¬3) في (ت): (بين). (¬4) زاد في (ب): (وجاز البدل).

ما تراضيا عليه الآن صرفًا مبتدأً، ولم يجز إذا لم يكن معينًا؛ لأنه يأخذ الآن ما كان عليهما أن يتناجزا فيه اليوم الأول. وإن كان أحدهما معينًا والآخر غير معين، فقال: أصارفك هذا الدينار بعشرين درهمًا، فوجد العيب بالدينار (¬1)، فرده- انتقض الصرف، وجاز البدل. وإن كان العيب بالدراهم لم يجز البدل عند مالك وابن القاسم (¬2)، وأجازه ابن شهاب، والليث، وابن وهب (¬3). وهو أقيس، إذا كانا قد اختبرا (¬4) ما تصارفا عليه، وقلَّباه، فما وُجد بعد ذلك فهو من باب الغلبة في الصرف إذا لم يكن دافع الزائف مدلسًا، وأما ما يُحمل الناس عليه اليوم فالمنع والفسخ؛ لأن كثيرًا منهم يعمل على الفساد، ويعطي على غير التغليب؛ ليبدل له بعد ذلك ما وجده زائفًا، فكان حماية هذا الباب أولى. وإن كان الحكم ألَّا يبدل؛ لأن الصرف على معين ولم يتراضيا بالبدل (¬5) في فى ينار واحد، ووجد الآخر درهمًا زائفًا- انتقض جميع الصرف إلا على قول من أجاز صرف بعض دينار، فينتقض ما ينوب الزائف خاصة، وإن كان الصرف دنانير انتقض صرف دينار. وعلى القول الآخر ينتقض بقدر ما يرد، وإن عاد شريكًا في دينار. ¬

_ (¬1) في (ت): (الدنانير). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 4، والنوادر والزيادات: 5/ 377. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 377. (¬4) في (ب): (اختارا). (¬5) زاد في (ب): (وإن كان الصرف).

فصل [في أحكام الصلح والبدل في الصرف]

ويجري فيها قول ثالث: أنه ينتقض جميع الصرف؛ لأنهما لو عقدا الصرف على تسعة وتسعين دينارًا ونصف على أن يسلم المائة ويكون شريكًا بالنصف- لم يجز. وإن كان يقابل الزائفُ دينارًا واحدًا، ووجد العيب بدينار- انتقض صرف دينار قولًا واحدًا، ويكون حكم ما قابل الزائف حكم الزائد يجده أحدهما عنده؛ لأن الحكم لو علم به قبل الافتراق أن يسقط من الصرف ما يقابله فقط ويرد الزائف، بخلاف غير المعين، فإن كان ذلك قائمًا انصرف أحدهما بزائد معه. فصل [في أحكام الصلح والبدل في الصرف] وإن كان الصرف على غير معين، ولم يصح البدل على قول من منعه، فإنه يختلف فيما ينتقض من الصرف إذا كان ينوب الزائف بعض دينار، على أربعة أقوال: فقيل: ينتقض صرف دينار، وهو قول مالك وابن القاسم (¬1). وقيل: ما قابل الزائف خاصة، وهذا بناء على القول بجواز صرف بعض دينار. وقال ابن القاسم في العتبية: ينتقض الصرف كله (¬2). وقال القاضي أبو محمد عبد الوهاب: إن كانا سمَّيا لكل دينار دراهم ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 375. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 7/ 10.

انتقض صرف دينار، وإن لم يسميا انتقض جميع ذلك الصرف ورأى أنهما إذا سميا لكل دينار دراهم أن لكل دينار عقدًا لا يتعلق بالآخر، فلا يفسد ما تناجزا فيه ببطلان غيره (¬1) ويلزم على هذا أن يقال: إذا كانت صفقة جمعت حلالًا وحرامًا، وسميا لكل واحد من الثمن ما ينوبه أن يمضي الحلال، ويفسخ الحرام وحده. وإن لم يرد وصالح على الزائف بعين أو عرض، فأجاز ذلك محمد، ومنعه ابن شعبان، قال: إلا أن يتفاسخا، ثم يعملا على ما يجوز، واستشهد بمسألة كتاب الصلح في الطوق، واختلف فيه على ثلاثة أقوال: فأجاز ابن القاسم أن يرضيه على شيء يدفعه نقدًا ولا يرد، وأجاز أشهب نقدًا وإلى أجل، ومنعه سحنون إذا افترقا لا نقدًا ولا إلى أجل (¬2). وعلى هذا يجري الجواب في الدينار، فيجوز على قول ابن القاسم إذا نقد ذلك، وعلى قول أشهب يجوز إذا كان إلى أجل، ولا يجوز على قول سحنون إذا افترقا نقدًا ولا إلى أجل. وأن يجوز أحسن، وقد مضى بيان ذلك في كتاب الصلح. وإن وجد أحدهما عنده زائدًا على ما عقدا عليه الصرف، مثل أن يصارفه على مائة دينار فيجد مائةً ودينارًا، فإنه يرد الزائد؛ لأنه لم ينعقد عليه صرف، ويمضي ما سواه. ولو تصارفا سوار ذهب بفضة وقبضه بوزن، ثم تبين أنهما غلطا في ذلك، وأن أحدهما أكثر، فإن كانت الزيادة في الدراهم رد الزائد، وصح الصرف فيما ¬

_ (¬1) انظر: المعونة: 2/ 52. (¬2) انظر: المنتقى، للباجي: 6/ 264.

فصل [في أحكام المناجزة في الصرف]

سواه، وإن كان الزائد في السوار قيل لبائعه: إن تركت الفضل صح صرفكما، ولم يفسخ؛ لأن المناجزة تقدمت على أن جميعه مبيع، فإن قمت فسد الصرف، إلا على قول من أجاز صرف بعض دينار، فيجيزه ويكون شريكًا بذلك الزائد، ثم يكون كل واحد منهما بالخيار في إمضاء الصرف بعيب الشركة؛ لأنهما لم يدخلا عليها. فصل [في أحكام المناجزة في الصرف] المناجزة في الصرف شرط في صحته مع القدرة عليها، ويُختلف إذا غلبا جميعًا أو أحدهما على المناجزة في جميع الصرف أو بعضه، على أربعة أقوال: هل يكون صحيحًا أو فاسدًا، أو يكون الحكم إذا غلبا جميعًا بخلافه إذا كان بغلبة من أحدهما، وهل يفسد جميع الصرف إذا غلبا على بعضه أو ما غلبا عليه؟ فقال مالك في كتاب محمد في قوم اشتروا قلادة ذهبٍ ولؤلؤٍ بدراهم نقدًا، وقالوا: هو ذا، نَزِنُ (¬1) لك، ففَصَلُوا القلادة وباعوا الذهب، وتقاوموا اللؤلؤ، فوضعوا فيها، فلما جاءت (¬2) الوضيعة وثبوا على صاحبهم وأرادوا فسخ البيع لاستئخار النقد، فقال مالك: لا يرد البيع لاستئخار النقد (¬3). قال ابن القاسم: وذلك أنهم اشتروا على النقد، ولم يرضَ البائع بتأخيرهم، إنما هو رجل مغلوب، فأمضى مالك وابن القاسم الصرف وإن كانت الغلبة من أحدهما (¬4). ¬

_ (¬1) في (ب): (يزن). (¬2) في (ت): (خافوا). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 6/ 450، 451. (¬4) انظر تفصيل المسألة في النوادر والزيادات 5/ 369، والبيان والتحصيل: 6/ 450، 451.

ويجري فيها (¬1) قول آخر: أنه يفسخ الصرف فيه (¬2)؛ قياسًا على قولهم في الزيوف: إنه لا يجوز البدل، ويفسخ جميع العقد؛ لأن كليهما مغلوب. فإن دلَّس أحدهما بالزائف كان كغلبة المشتري للقلادة (¬3)، فيجوز له أن يبدل كما لم يفسخ ذلك، ويفسخ الصرف في القلادة كما لم يبدل، هذا وإن كانا غلبا جميعًا على المناجزة لمانع منعهما من ذلك فُسخ، كما لو توسط بينهما في الزائف مَن قلَّب لهما، وأنصرفا على المناجزة، ثم تبين غير ذلك. ويختلف إذا غلبا على المناجزة في بعض الصرف، هل ينتقض جميع الصرف أو ما يقابل ما غلبا عليه؟ وإذا قلنا: إن الصرف منعقد مع فرار أحدهما أو غلبته، فإن ثباته من قِبَل من غلب عليه دون من اختار تأخيره، فإن دعا من غُلب إلى فسخه كان ذلك له، وإن كره الآخر. وإن افترقا قبل تمام المناجزة لليل غشيهم فسد الصرف، وليس هذا بغلبة؛ لأنهما تعديا (¬4) في العقد في ضيق من الوقت لا يسعهما للمناجزة، إلا أن يكونا عقدا في اتساع من الوقت ثم طرأ ما منع من المناجزة حتى غشيهم الليل. والذي آخذ به في الغلبة أنه يمضي، والمعروف من القرآن والسُّنَّة أن الضرورات تنقل الأحكام. وإن عقدا صرفًا على ما يكثُر وتطولُ مناجزته جاز، وهذه ضرورة ما لم يكن مما لا يتناجزان فيه في بقية يومهم فلا يجوز، وإذا دخل الافتراق فسد. ¬

_ (¬1) في (ت): (فيه). (¬2) قوله: (فيه) ساقط من (ق 4). (¬3) في (ق 4): (في القلادة). (¬4) في (ت): (تعسرا).

فصل [في صرف الدين المؤجل]

فصل [في صرف الدَّين المؤجل] ومن المدونة قال مالك فيمن عقد سَلَمًا في سلعة إلى أجل بنصف دينار نقدًا، فلما وجب البيع دفع المشتري إلى البائع دينارًا وأخذ دراهم صرفًا عن بقية الدينار، ولم يكن ذلك شرطًا بينهما، قال: لا خير فيه. قال ابن القاسم: رآه صرفًا وسلعة إلى أجل (¬1). وقال في كتاب محمد: ومن كان يسأل رجلًا نصف دينار، فأتاه بدينار، فقضى نصفه، وجعل نصفه (¬2) في سلعة إلى أجل، قال: لا بأس به، قاله ابن القاسم بعد أن وقف عنه. قال محمد: ما لم يكن النصف الأول دراهم أسلفها إياه (¬3)، ولا نصف دينار مضروب، وأما ثمن سلعة فلا بأس، قال -وقاله ابن القاسم-: إن حل الأجل أو كان حالًّا، فإن لم يحل فلا خير فيه، وكان سلفًا وبيعًا، وضع وتعجل. انتهى قوله (¬4). ففرق مالك بين السؤالين، ومنع الأول واتهمهما أن يكونا عملا على ذلك، لما كانت البيعة الأولى إلى أجل وأجراها على التهم، كبياعات الآجال، ولو سلما عنده من التهمة لجاز؛ لأنه إنما دفع النصف قضاءً، وصارف في نصف، ولا شيء عليهما فيما بينهما وبين الله سبحانه، ولو حمل النصف الذي في الذمة على أنه دراهم لما كان إنما يحكم فيه بدراهم- لم يمتنع أيضًا إذا لم يُتهما أن يكونا ¬

_ (¬1) انظر: المدونة 3/ 4، 5. (¬2) قوله: (وجعل نصفه) ساقط من (ب). (¬3) في (ب): (أسلفه إياها). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 388، و 389.

عملا على ذلك؛ لأنه بمنزلة رجل عليه عشرة دراهم فاشتراها من ذمته، وعشرة أخرى يقبضها بدينار دفعه نقدًا، وذلك جائز، وجاز ذلك في المسألة الأخرى؛ لأنه لا يدخلها صرف، وإنما أخذ دينارًا وأخذ سلعة (¬1) تقدمت، ويأخذ سلعة بعد ذلك، ووقف ابن القاسم فيه مرة، مراعاةً لمن حمل النصف المتقدم على الورق، لما كان لا يحكم الآن فيه إلا بورق، فيدخله ما دخل المسألة الأولى من أنه ورق وسلعة مؤجلة بدينار نقدًا، وإذا كان النصف دراهم لم يجز عنده بحال؛ لأن دافع الدينار الآن اشترى به الدراهم التي في ذمته وسلعة مؤجلة بدينار نقدًا. وقد كان بعض شيوخنا يقول: القياس أن يجوز ذلك، فيجوز أن يعقدا صرفًا وبيعًا في دينار، ويدفع الدينار ويقبض الدراهم، وتبقى السلعة إلى أجل، وأجرى كل واحد منهما على حكمه في المناجزة في الصرف خاصة، وأجاز التراخي في البيع. قال: ولا يلزم أن يتناجزا في البيع وُيردَّا فيه إلى حكم الصرف، كما لا يجوز أن يردَّ الصرف إلى حكم البيع، لمَّا جمعهما عقد، ولم يجزه محمد إذا كان النصف دينارًا مضروبًا مجموعًا أو تبرًا، والدينار الذي يدفع الآن قائم؛ لأنه يدخله التفاضل والنَّساء، وهو ذَهَبٌ بذَهَبٍ من غير جنسه، وسلعة إلى أجل (¬2). ولو باع سلعة بنصف دينار إلى أجل، فلما حلَّ الأجل دفع إليه المشتري (¬3) دينارًا وأخذ بقيَّته دراهم- لم يجز على قول مالك؛ لأن الأول بيعة إلى (¬4) أجل، ¬

_ (¬1) قوله: (وأخذ سلعة) يقابله في (ت): (واحدًا بسلعة). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 388. (¬3) قوله: (إليه المشتري) ساقط من (ت). (¬4) قوله: (إلى) ساقط من (ت).

فيُتهما أن يكونا عَمِلا على ذلك، فيكون سلعة نقدًا ودراهم إلى أجل بدينار مؤجل، ولا فرق في بياعات الآجال فيما يعودان إليه من ذلك عند عقد البيع أو بعد حلول الأجل، وعند دفع الثمن. وقد اختُلف فيمن اشترى سلعة بعشرة دنانير إلى أجل، فلما حلَّ الأجل، قضاه عشرة، فوجد في وزنها فضلًا، فأعطاه بذلك ورقًا. فأجازه في المدونة (¬1)، وكرهه مالك في كتاب محمد في الوَرِق، قال أشهب: فإن نزل لم أفسخه (¬2)، واستخف ذلك مرة، لقلته في جملة العشرة الدنانير (¬3)، ولا يُجيزه في مثل ثمن المبيع الأول، وهو نصف دينار، وأجازه ابن القاسم في القرض، فقال فيمن استقرض نصف دينار دراهم، فقضاه دينارًا وأخذ فضله دراهم: إنه لا بأس به (¬4). وضعفت التهمة عنده هنا لما كان أصله معروفًا، بخلاف ما خرج على وجه المبايعة، وقد اختُلف فيه أيضًا، وإن كان (¬5) قرضًا. وإن اشترى سلعة بعينها بنصف دينار كل ذلك نقدًا، فنقد دينارًا وأخذ فضله دراهم، جاز ذلك إذا كان قد قبض السلعة، ولا يجوز أن يتأخر دفعها عن وقت المصارفة في بقية الدينار، وأجازوا ذلك وإن لم تكن المصارفة، ودفع الدينار بحضرة عقد البيع، وإن دفع الدينار وترك النصف عنده على وجه السلف ولم يصارفه فيه جاز ذلك، كانت السلعة الأولى نقدًا أو إلى أجل. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 47. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 360. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 359. (¬4) انظر: المدونة: 3/ 10. (¬5) في (ب): (كانت).

باب في بيع الفلوس بالفلوس وبالعين

باب في بيع الفلوس بالفلوس وبالعين الربا محرم في العين بالذهب والفضة، واختُلف في الفلوس إذا كانت ببلد يُتبايَع بها فيه، وتجري بينهم كالعين، فأجاز مالك مرة التفاضل فيها، وأن تسلم في العين الذهب والفضة (¬1)، وكره ذلك مرة (¬2). ورأى مرة أن ذلك حرام التفاضل فيها والنَّساء إذا بيعت بالعين (¬3). وهذا راجع إلى تحريم الربا في العين، هل هو شرع معلل أو غير معلل؟ فرأى مرة أنه معلل، وأن العلة أنها أثمان السلع وقيم المتلفات، وأجرى الفلوس عليها في التحريم والتفاضل (¬4). وأشكل عنده ذلك مرة، فلم يحرمه ولم يبحه، فكرهه. ولم يختلف قوله في الأربع التي جمعها النبي - صلى الله عليه وسلم - مع العين، وهي: القمح والشعير والتمر والملح (¬5)، أنها معللة، وأن التحريم ليس بمقصور عليها، وقاس عليها غيرها، وأجراها على حكمها في التحريم. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 629. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 7/ 24. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 5. (¬4) انظر: المدونة: 3/ 5. (¬5) سبق تخريجه، ص: 2766.

باب فيمن عقد صرفا على ما في ملك غيره، وفيما يكره من التراخي في الصرف ولا يحرم، وفي المواعدة في الصرف والخيار والصرف على التصديق

باب فيمن عقد صرفًا على ما في ملك غيره، وفيما يكره من التراخي في الصرف ولا يحرم، وفي المواعدة في الصرف والخيار والصرف على التصديق ولا يعقد المتصارفان صرفًا إلا على ما هو حاضر معهما، ثم يتناجزان بفور العقد، ولا يؤخران ذلك وإن لم يفترقا، ولا يقومان إلى موضع آخر ليتناجزا فيه. وقال ابن القاسم: إذا عقدا الصرف على ما ليس معهما، عقدا صرف دينار بعشرين درهمًا، ثم التفت أحدهما إلى إنسان إلى جانبه فاستقرض منه دينارًا، والتفت الآخر إلى من بجنبه (¬1) فاستقرض منه عشرين درهمًا، ثم تناجزا، فلا خير فيه (¬2). واختلف إذا صارف أحدهما على ما معه، واستقرض الآخر، فقال ابن القاسم: إذا كان ذلك متصلًا بمنزلة النفقة يحملها من كُمه، ولا يبعث رسولًا يأتي بها، فلا بأس به (¬3). وقال أشهب: لا خير فيه؛ لأنكما عقدتما على ما لا يجوز من غيبة الدينار (¬4). ¬

_ (¬1) قوله: (من بجنبه) يقابله في (ت): (ناحيته). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 6. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 6. (¬4) انظر: المدونة: 3/ 30.

واستثقل ابن القاسم ذلك إذا استقرضا جميعًا، وقال: لا خير فيه (¬1)؛ حماية لئلا يتذرع (¬2) الناس إلى التأخير في الصرف. واستخف ذلك (¬3) إذا استقرض أحدهما؛ لأنه لا يتقى من ذلك مثله إذا استقرضا جميعًا. ولم يمنع ذلك؛ لأنه صرف على الذمم، وإنما الممنوع أن يعقدا على ما تتراخى مناجزته قبل الافتراق أو بعده. ولو أن هذين عقدا الصرف ابتداءً على ما يقرضانهما هذان، وقد رضيا لهما بذلك قبل عقد الصرف أو بعده، وقالا: إن أقرضانا أمضينا ذلك وتناجزنا في الصرف، وإن لم يقرضانا فلا صرف بيننا، لم يحرم (¬4) ذلك، ويكره حماية. وإن طال ما بين العقد والمناجزة بين المتصارفين إما لغيبة العينين (¬5) أو لأحدهما، أو قصد التأخير مع بقاء المجلس، أو افترقا أو قاما جميعًا إلى موضع غير الذي عقدا فيه الصرف- فَسَدَ متى وقع الطول بشيء من هذه الوجوه. واختلف إذا كان التراخي يسيرًا ولم يطل، فكرهه مالك مرة، واستخفه أخرى، فقال في كتاب محمد فيمن صرف دراهم بدنانير، فقال: اذهب بها إلى الصراف فأرى وأزن، قال: أما الشيء اليسير (¬6) القريب فأرجو ألا يكون به ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 6. (¬2) في (ت): (يتدرج). (¬3) قوله: (ذلك) ساقط من (ت). (¬4) في (ب): كتب فوقها (يجز). (¬5) في (ب) و (ق 4): (الذهبين). (¬6) قوله: (اليسير) زيادة من (ت).

بأس (¬1)، قال: وهو يشبه ما لو قاما إليه جميعًا. فأجاز القيام عن المجلس إذا كان يسيرًا، وعلى هذا يجوز العقد على ما هو غائب عنهما على مثل ذلك القرب (¬2) إذا كان في ملكه. وقال مالك في المدونة فيمن يصرف دينارًا من الصراف ويزنه منه، فيدخله الصراف تابوته: لا يعجبني، وليترك الدينار على حاله حتى يخرج دراهمه فيزنها ثم يأخذ الدينار ويعطي الدراهم (¬3). قال محمد: وليرد ديناره إليه، ثم يتناجزان (¬4). وكل هذا حماية، ولا يفسد به الصرف. وقال ذلك ابن وهب في كتاب محمد. وقال مالك في الحلي يباع في الميراث، ثم يقوم معه صاحبه -يريد: إلى الصراف ليعطيه ثمنه- قال: لا يفارقه (¬5). قال مالك: ألا تسمع إلى قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: وإن استنظرك إلى أن ¬

_ (¬1) قوله: (فأرجو ألا يكون به بأس) يقابله في (ت): (ألا يكون له تأثير)، انظر: النوادر والزيادات: 5/ 370. (¬2) في (ب): (القدر). (¬3) انظر: المدونة 3/ 6، و 30. (¬4) انظر: النوادر والزيادات 5/ 370. (¬5) انظر: المدونة: 3/ 21، 22، بلفظ: قلت: أرأيت لو أن رجلًا هلك فباع ورثته ميراثه، فكان إذا بلغ الشيء الثمن فيمن يزيد أخذه بعضهم وكتب على نفسه الثمن، حتى يحسب ذلك عليه في حظه فبيع في الميراث حلي ذهب وفضة، أو بعض ما فيه الذهب والفضة مثل: السيف وما أشبهه والفضة أقل من الثلث فبيع ذلك واشتراه بعض الورثة وكتب على نفسه؟ قال: قال مالك: لا يباع من ذلك ما فيه الذهب والفضة إلا بنقد من الورثة أو غيرهم، ولا يكتب ذلك عليهم ولا يؤخر النقد.

فصل [في المواعدة والخيار في الصرف، والصرف على التصديق]

يلج بيته، فلا تنظره (¬1)، قال: قلت: قول عمر يغيب عنه حتى (¬2) يلج بيته، وهذا معه لا يفارقه، فقال: أرأيت لو سار معه ميلين؟ لا أرى ذلك حتى يعطيه مكانه، وقال: يحمل معه كيسه حتى يعطيه. ولا يجوز اليوم لمن صرف دينارًا بدراهم أن يودعها بعد المناجزة عند الصراف؛ لأن القصد بتركها أن يبرأ من نقصها ونحاسها، وقد عُلم ذلك منهم، ومحمل قول مالك في الذي قبض من دين له طوق ذهب (¬3)، فافترقا قبل قبضه الطوق: "لا خير فيه"، على أنه بقي فيه وجه (¬4) من التوفية وزن أو غير ذلك، ولو لم يبق فيه شيء من التوفية لكانت مصيبته من مشتريه، وإيداعه جائز، بخلاف إيداع الدنانير والدراهم. فصل [في المواعدة والخيار في الصرف، والصرف على التصديق] واختلف في المواعدة في الصرف وفي الخيار في الصرف، وفي الصرف على التصديق في الوزن أو الجودة. فأما المواعدة فاختلف فيها على ثلاثة أقوال: فقال مالك وابن القاسم: يكره ذلك (¬5). وقال أصبغ في ثمانية أبي زيد: يفسخ، ورآه صرفًا فاسدًا، وقاسه على ¬

_ (¬1) انظر: المدونة 3/ 30. (¬2) في (ب): (ثم). (¬3) في (ب): (طوقًا ذهبًا). (¬4) قوله: (وجه) ساقط من (ت). (¬5) انظر: المدونة 3/ 6.

المواعدة في العدة؛ لأن كليهما مبايعة. وقال ابن نافع في السليمانية: لا بأس به، ما سمعت أن أحدًا كرهه. وفرق بينه وبين المواعدة في العدة، وهو أحسن؛ لأن الوجه في منع المعتدة من النكاح خيفة أن تكون حاملًا، حفظًا للأنساب فمنعت من المواعدة خوف أن تسرع بالعقد في العدة، فيؤدي ذلك إلى اختلاط الأنساب، مع ما عُلم ممن تكون له رغبة في ذلك، ويخشى أن يُسبق إليها، وقلة تثبت النساء في ذلك أن يوقعا العقد في العدة، فحُمي باب المواعدة لذلك، وليس الصرف كذلك؛ لأنهما قادران على العقد في الحال. ويجري الخلاف المتقدم في المواعدة في الصرف في بيع الطعام قبل قبضه، هل يجوز أو يكره أو يكون فاسدًا؟ واختلف أيضًا في الخيار في الصرف: فقال مالك: هو فاسد (¬1). وقال في كتاب محمد في رجل اشترى سواري ذهب بمائة درهم على أن يذهب بهما إلى أهله، فإن رضوهما رجع فاستوجبهما، قال: أرجو أن يكون خفيفًا، قال محمد: وغير هذا من قول مالك أحب إلينا (¬2). وفي الزاهي عن مالك في الخيار في الصرف قولان: الجواز، والمنع. وقد اختلف في هذا الأصل فيما عقد على خيار ثم أجيز، فقيل: يصير كأنه لم يزل منعقدًا من يوم عقداه، وعلى هذا يكون الصرف فاسدًا، وقيل: هو بمنزلة ما لم يتقدم فيه عقد إلا وقت أجيز؛ لأنه قبل ذلك على ملك بائعه ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 223. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 370.

مصيبته منه، وغلاته له، وعلى هذا يكون الصرف جائزًا. واختلف في الصرف على التصديق إذا قال: بائع الدراهم هي جياد ووزنها كذا، فأراد مشتريها أن يقبلها على ذلك، فمنعه مالك في كتاب محمد، وأجازه أشهب (¬1). وكذلك لو باع سوارين، فقال: وزنهما كذا، وأراد مشتريهما أن يقبلهما على ما قاله من غير وزن، فاختلف فيه حسبما تقدم. قال الشيخ - رضي الله عنه -: والمنع أحسن إذا كان بائع الدراهم أو السوارين غيرَ مأمون، فإن كان ثقة ومن أهل الصرف جاز؛ لأنه يتقي أن يوجد الأمر على خلاف ما قال، ولا يُطلع من مثل ذلك على الرجل الصادق إلا أن يكون نادرًا، والنادر لا حكم له. وقال أشهب في كتاب محمد: إن افترقا على التصديق، فوجد زيادة أو نقصًا، فترك صاحب الفضل ما له فيه جاز ذلك (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 373. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 373.

باب فيمن بادل رجلا دنانير بدنانير، ثم صرفها منه بدراهم، أو صارفه دنانير بدراهم، ثم باعها منه بدنانير

باب فيمن بادل رجلًا دنانير بدنانير، ثم صرفها منه بدراهم، أو صارفه دنانير بدراهم، ثم باعها منه بدنانير ومن المدونة قال مالك فيمن بادل رجلًا بدنانير تنقص خروبة خروبة بدنانير قائمة، فلما أخذ وأعطى أراد أحدهما أن يصرف منه دينارًا مما أخذ، قال: لا خير فيه (¬1). فمنع ذلك خشية أن يكونا عَمِلا على ذلك، فيدخله دنانير ودراهم بدنانير. ولو ردَّ جميع ما أخذ من الدنانير بالحضرة، وأخذ دراهم- لجاز؛ لأن حكم المراطلة يسقط، وكان صرفًا صحيحًا. ولو ردَّ جميعها بعد أن فارقه ولم يطل ما بين ذلك لكره، لإمكان أن يكونا عَمِلا على ذلك، فيكون صرفًا مستأخرًا، وإن طال ذلك جاز. وعكسه أن يكون الأول صرف دنانير بدراهم، ثم يرد الدنانير ويأخذ الدراهم من غير سكة دراهمه؟ فقال ابن القاسم: كره مالك ذلك، فإن كان بعد يوم أو يومين كرهه أيضًا. قال ابن القاسم: وإن تطاول ذلك فلا بأس به (¬2). قال الشيخ: أما إن رجع إليه أدنى سكة والوزن سواء، أو أدنى سكة وأقل وزنًا (¬3) جاز، ولا تهمة في هذا. وإن رجع إليه أجود سكة والوزن سواء، أو أجود سكة وأكثر وزنًا (¬4) - جاز أيضًا؛ لأنه ليس فيه تهمة على صرف، والتهمة ¬

_ (¬1) انظر: المدونة 3/ 7. (¬2) انظر: المدونة 3/ 12. (¬3) قوله: (وأقل وزنًا) يقا بله في (ب): (ووزنًا). (¬4) زاد بعد قوله: (وزنًا) يقابله في (ب): (أو أجود سكة وأكثر وزنًا).

فيه من باب سلف بزيادة، وهذا الوجه تدخل التهمة فيه في بياعات الأجل، وهذه بيعة نقد، وإنما تدخل التهمة في بيع النقد لو رجع أمرهما إلى تفاضل في الجنس الواحد أو صرف مستأخر. فإن كانت إحداهما أجود فضة، والأخرى أجود سكة نظرت، فإن اختلف الوزن لم يجز ذلك في الحضرة ولا بعد يوم أو يومين، وهو ربًا، وإن استوى الوزن جاز ذلك إذا لم يفترقا؛ لأن أمرهما عاد إلى المراطلة، وهما لو اعترفا أنهما عَمِلا على ذلك لجاز، وإن افترقا ولم يطل منع وفسخ، وإن طال مضى. وقال مالك: لو أن رجلًا كان يسأل رجلًا ذهبًا فأتاه بها فقضاه فردها إليه مكانه في طعام، أو كان لرجل على رجل ذهب، فأسلم إليه مثلها في طعام، ثم ردها إليه قضاءً من دينه: إنه لا خير فيه، وهو يشبه الصرف (¬1). يريد: أنه تدخله التهمة كما تدخل الصرف، إلا أن التهمة ها هنا في فسخ الدَّيْن في الدَّيْن؛ لأن المعاملة الثانية بيع أجل، وإن نزل ذلك رُدَّ ما فعلاه أخيرًا، فإن كان الأول قضاء فرده في سلم- فسخ السَّلَم، وإن كان الأول سَلَمًا ثم قضاه- رُدَّ القضاء ومضى السَّلَم. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة 3/ 7.

باب فيمن اشترى سيفا محلى نصله تبع لحليته

باب فيمن اشترى سيفًا مُحَلَّى نصله تبعٌ لحليته ومن المدونة قال ابن القاسم فيمن اشترى سيفًا مُحَلًّى نصله تبع لفضته (¬1) فقبضه وافترقا قبل أن يدفع ثمنه، ثم باعه مشتريه: كان بيعه فوتًا، وعليه للأول قيمته من الذهب، وإن كان بيده ولم يتغير رد البيع فيه، وإن حال سوقه فليس ذلك بفوت، وإن انقطع السيف أو انكسر الجفن كان فوتًا، وعليه قيمة حليته (¬2). قال الشيخ: إذا كان نصل السيف تبعًا لحليته جرى في البيع على حكم الصرف، فيباع بخلاف حليته يدًا بيد، ولا يباع بجنس حليته يدًا بيد ولا مؤجلًا، فإن فعل أو اشتراه بخلاف حليته فافترقا قبل أن ينقده- اشتراه بمثل حليته يدًا بيد أو مؤجلًا- فسخ ذلك إن كان قائمًا. واختلف فيه إذا فات، وفيما يفيته: فرأى ابن القاسم أن الذي يفيته البيعُ، أو تغيره في نفسه، بأن ينقطع السيف أو ينكسر الجفن، ولا يفيته حوالةُ الأسواق (¬3). وقد خولف في هذه الوجوه الثلاثة، فقال محمد: القياس في حوالة الأسواق أنها فوت. وذكر عن ابن القاسم أنه قال في الحلي يباع جزافًا بيعًا فاسدًا: أن حوالة الأسواق فيه فوت (¬4). ¬

_ (¬1) في (ت): (لحليته). (¬2) انظر: المدونة 3/ 8. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 9. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 173.

وهذا اختلاف قول من (¬1) ابن القاسم؛ لأنه إذا كان ذلك فوتًا في الحلي، وهو ذهب بغير عرض- كان في السيف أحرى؛ لأنه عرض وذهب، أو فضة جزاف. وخالف سحنون فيما إذا باعه أو انكسر عنده، وقال: إذا باعه تُرَدُّ فيه البياعاتُ كلُّها حتى يُرَدَّ إلى ربِّه؛ لأنه من باب الربا إلا أن يتلف البتة ويذهب، فيكون على مشتريه قيمةُ الجفن والسيف (¬2) ووزنُ ما فيه من الفضة. قال: وكذلك إذا انقطع السيف أو انكسر الجفن فإنما عليه قيمة النصل والجفن ووزن الفضة (¬3). وهذا أصل سحنون في كل بيع حرام مجمع على تحريمه أنه لا ينعقد فيه بيع، وأنه إن هلك بيد مشتريه من غير سببه، وله بذلك بينة- كانت مصيبته من بائعه، ولذلك (¬4) لم يرَ البيع الثاني فيه فوتًا؛ لأنه عنده بمنزلة من باع ملك غيره؛ لأنه في ضمان الأول، فيكون له أن يرد البياعات كلها، وله أن يجيز البيع في أيها أحب، ويأخذ الثمن. وإن بان به مشتريه لم يكن على المشتري الأول الذي اشتراه شراءً فاسدًا إلا الثمن الذي باعه به، كالمستحق يبيعه مشتريه فإنه ليس عليه سوى الثمن الذي باعه به، وإن لم يوجد بيد المشتري الأول وادَّعى ضياعه ولا بينة له على ذلك- ¬

_ (¬1) قوله: (اختلاف قول من) يقابله في (ت): (خلاف قول). (¬2) في (ق 4): (النصل). (¬3) انظر: المدونة 3/ 8. (¬4) في (ت): (وكذلك).

ضمن قيمة النصل والجفن، ووزن الحلية مصوغًا؛ لأنها صياغة عُملت بوجه جائز، وهذا هو أحد قولي مالك أنه يقضى في الصياغة بالمثل، ولو كانت الحلية موجودة وعلم أن فساد الصياغة من غير سببه سلمها بحالها، ولا شيء عليه في ذلك.

باب في الوكالة والحمالة والحوالة في الصرف

باب في الوكالة والحمالة والحوالة في الصرف وإذا عقد الرجلان صرفًا لم يكن لأحدهما أن يُدخل في ذلك وكالة ولا حمالة ولا حوالة. قال مالك في المدونة فيمن صرف دينارًا بعشرين درهمًا، فقبض عشرة، وقال له: ادفع العشرة الأخرى إلى هذا الرجل: قال لا يعجبني ذلك حتى يقبضها هو منه، ثم يدفعها إلى من أحب (¬1). وقال فيمن صارف رجلًا، ثم وكل أحدهما من يدفع عنه ويقبض له، وقام هو وذهب: لا خير فيه، قال: ولا أحب لرجل أن يصرف ويوكل من يقبض له، ولكن يوكل من يصرف له ويقبض (¬2). وقال أشهب وابن نافع في المجموعة عن مالك: لا يجوز. وقال في كتاب محمد: لا أحب ذلك، ولا يعجبني (¬3). وقال ابن القاسم (¬4) في كتاب محمد: ولو أن رجلين أتيا بدينار أو بدراهم (¬5) فصرفاها بدينار واحد بينهما، فوكل أحدهما صاحبه بقبضه وانقلب - كان ذلك جائزًا، والحلي كذلك لا بأس أن يوكل أحدهما صاحبه أن يشتري نقرة فضة بذهب بينهما، وينقلب بها أحدهما (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة 3/ 9. (¬2) انظر: المدونة 3/ 9. (¬3) قوله: (ويقبض. . . ولا يعجبني) ساقط من (ت). وانظر: النوادر والزيادات: 5/ 370. (¬4) قوله: (ابن القاسم) زيادة من (ب). (¬5) قوله: (بدينار أو بدراهم) يقابله من (ت): (بدنانير دراهم). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 372، وانظر مسألة النقرة في: البيان والتحصيل: 6/ 455.

ومحمل قوله: "لا أحب ذلك، ولا يعجبني" أنه على الكراهة، وليس على الوجوب، ولا يفسد به الصرف؛ لأن الوكالة فيمن يقوم مقامه في الدفع والقبض مع حضوره لا يفسد به (¬1) الصرف. وإذا لم يفسد قبل الافتراق لم يفسد بعده (¬2)؛ لأنه لا يخلو قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ" (¬3) أن يكون المراد به أن يكون (¬4) المُصرِف هو الدافع وهو القابض، فيكون فعل الوكيل قبل الافتراق فاسدًا. أو يكون المراد: أن يكون التقابض معًا، كانت اليد المصرفة هي الدافعة أو غيرها، فتجوز الوكالة إذا فعل الوكيل بالحضرة ما كان يفعله الموكل قبل الافتراق. وأما الحوالة بما يقع عليه الصرف ففاسدة؛ لأن معنى الحوالة أن تبرئني (¬5) من دَيْنك بما لي قِبَلَ الصيرفي. وأما الحمالة فهي على ثلاثة أوجه: فإن كانت بما يحضره أحدهما كان الصرف فاسدًا، وإن كانت بما يستحق مما يتناجزان فيه الآن، فيغرم الحميل (¬6) العوض عن المستحق- جاز ذلك، وإن كان ليغرم مثل المستحق جرى على الخلاف في البدل. ¬

_ (¬1) قوله: (به) ساقط من (ق 4). (¬2) في (ب): (بَعْدُ). (¬3) سبق تخريجه، ص: 2767. (¬4) قوله: (يكون) ساقط من (ت). (¬5) قوله: (أن تبرئني) يقابله في (ت): (أني بريء). (¬6) زاد بعده في (ب): (مثل).

باب فيمن له على رجل دراهم فوكله على أن يصرفها له بدنانير، وكيف إن وكل الذي عليه الدين الذي له الدين فدفع إليه عرضا أو دنانير ليبيعها وليصرفها، ويأخذ دراهمه منها

باب فيمن له على رجل دراهم فوكله على أن يصرفها له بدنانير، وكيف إن وكل الذي عليه الدَّيْن الذي له الدَّيْن فدفع إليه عرضًا أو دنانير ليبيعها وليصرفها، ويأخذ دراهمه منها ومن المدونة قال مالك فيمن له على رجل دراهم، فقال له: صَرِّفها لي بدنانير وجئني بها: أنه (¬1) لا خير فيه. قال ابن القاسم: كره ذلك؛ لأنه يتهم أنه إنما ترك له الدراهم يومًا أو يومين على أن يعطيه كذا وكذا دينارًا، أو يكون تأخيره (¬2) ليشتري بها فيَدْخُلُهُ فسخُ الدَّيْن في الدَّيْن، والصرف المستأخر، فإن فعل وصرفها ببينة كان ما صرفت به للآمر (¬3). ويختلف إذا لم تكن له (¬4) بينة، فعلى قول ابن القاسم يكون ما صرفت به للمأمور، وعلى قول أشهب يكون للآمر (¬5). وقد اختلفا فيمن كان له على رجل دَيْن فقال له: اعمل به قراضًا، فأتى بعد ذلك بربح، فقال ابن القاسم: الربح للعامل، وقال أشهب: الربح بينهما على ما اشترطا (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (أنه) زيادة من (ق 4). (¬2) في (ت): (يؤخره). (¬3) انظر: المدونة 3/ 9 و 10. (¬4) قوله: (له) ساقط من (ق 4). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 371. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 245.

وأرى أن تكون الدنانير للآمر؛ لأن التهمة في ذلك ليست بالبينة، والمنع في ذلك ابتداء حماية، فإن فعل وأتى بدنانير لم أَحُلْ بين المقر له بها وبينها (¬1) من غير دليل تهمة. وإن كانت الوكالة من المطلوب ودفع إلى الطالب عرضًا ليبيعه له بدارهم ويستوفيها لنفسه- جاز إذا كان العرض الثاني من غير جنس المبيع أولًا، وإن كان من جنسه وهو أدنى صفة أو أقل عددًا جاز، وإن كان أجود أو أكثر عددًا لم يجز، ويتهمان على سلف بزيادة إذا كانت البيعة الأولى بيعة أجل، ولو كان البيع الأول نقدًا لجاز على المستحسن من المذهب. واختُلف إذا أعطاه دنانير ليصرفها له، ويستوفي دراهمه من ثمنها، فقال مالك: لا يعجبني ذلك، وأخاف أن يحبس الدنانير لنفسه. قال ابن القاسم: استثقله مالك وكرهه (¬2). وقال مالك في سماع أبي قرة: لا بأس أن يدفع الرجل إلى الرجل الدنانير ويقول له: صَرِّفها وخذ حقك منها لدراهم يسأله إياها. وقال في كتاب محمد فيمن كان له على رجل نصف دينار فأعطاه دينارًا، فقال له: صَرِّفه واستوفِ نصفه وجئني بنصفه: لا بأس به، وقد كان قال: لا خير فيه (¬3). فأجاز ذلك في هذه المسألة؛ لأن له ذهبًا، فإذا أعطاه دينارًا كانا شريكين فيه من الآن، ومنعه (¬4) لما قيل إن النصف الذي في الذمة دراهم. ¬

_ (¬1) قوله: (وبينها) ساقط من (ت). (¬2) انظر: المدونة 3/ 11. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 397. (¬4) قوله: (ومنعه) ساقط من (ت).

والقول: إنه ذَهَبٌ أحسن. ولو أَسْلَم رجل لرجل (¬1) في طعام، فلما حلَّ الأجل قال له: بعه وجئني بثمنه، فإن فعل وكاله وباعه ببينة كان الثمن الذي أتى به للآمر، وإن كان الذي أتى به أكثر من الأول، وإن لم يكن على ذلك بينة وأتى بدراهم أو بدنانير هي أكثر من رأس المال- لم يجز ذلك؛ لأنهما يتهمان أن يكونا عملا على ذلك، فيدخله في الدراهم الصرف المستأخر، وفي الدنانير السلف بزيادة، ووافق أشهب على هذا؛ لأن التهمة عادت إلى ما كان في أصل العقد، وهي بيعة أجل (¬2). ويختلف إذا أتاه بمثل رأس المال أو أقل، فمنع ذلك مالك وابن القاسم، خيفة أن يكونا عملا على ذلك، فيدخله بيع الطعام قبل قبضه، وفسخ الدَّيْن في الدَّيْن (¬3). ويجوز على أصل أشهب؛ لأن ما يفعلانه الآن يجري عنده على بياعات النقود؛ لأن العقد قد سلم من التهمة. وإذا منعا من قبض ما أتى به؛ لأن التهمة كانت في أصل العقد كانت الدنانير والدراهم للمأمور. واستحسن أن يشتريا بها مثل الطعام الذي كان في الذمة، فإن فضل بعد ذلك فضل تصدَّق به، ولم يُترك للمُسْلَم إليه؛ لأنه مقر أنه لا شيء له فيه، وإن لم يوفِ لم يكن عليه غير ما اشترى به قياسًا على قول ابن القاسم في العتبية فيمن ¬

_ (¬1) زاد في (ق 4): (دنانيره). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 41. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 140.

كان له على رجل دَيْنٌ، فقال له: اشترِ لي به سلعة، فقال: اشتريتها وضاعت، فقال: القول قوله (¬1). وإذا برئت ذمة هذا بقوله: اشتريت، برئ الآخر من النقص. وإن كانت الوكالة من المُسْلَم إليه، فإن اشترى ذلك ببينة كان المُشتَرَى لمن له السَّلَم، وإن لم تكن له بينة، وكان الذي أخذه من الغريم ليشتري به أكثر من رأس المال- لم يجز، وكان على القابض أن يرد مثل ما أخذ من الدنانير، ويكون الطعام مشترى له. وإن كان الذي أخذ مثل رأس المال جازت الوكالة، ولم يكن ها هنا تهمة؛ لأنهما لو شاءا لجعلا ذلك إقالة، وأخذها لنفسه، بخلاف أن تكون الوكالة من الذي له الدين، فيأتيه المُسْلَم إليه بمثل رأس المال، فإنه يمنع، خيفة أن يكونا عملا على ذلك، فتكون إقالة مستأخرة. واختُلف إذا كان الذي أخذ الطالب بدون رأس المال: فمنعه ابن القاسم؛ لأنهما يتهمان أن يكونا عملا على ذلك، فتكون إقالة على أقل من رأس المال (¬2). وأجازه أشهب في كتاب محمد؛ لأن التهمة ليست في أصل العقد، وإنما هي فيما يفعلانه الآن، فيرده إلى بياعات النقود (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 14/ 145، بلفظ: وسئل مالك عمن أتى رجلًا فقال له إن لي عليك عشرة دنانير من ثمن سلعة بعتكها، فقال الرجل لا، ولذلك عندي عشرة دنانير وديعة استودعتنيها فضاعت، القول قول من زعم أنها وديعة، ويحلف أنها ما كانت إلا وديعة، وأنها قد ضاعت، ولا شيء عليه. (¬2) انظر: المدونة 3/ 11. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 41.

فصل [في الصرف والمقاصة فيه]

ومثله لو أعطاه مثل رأس المال فرد الطالب بعضه، وقال: فضل هذا بعد ما اشتريت، لم يجز على قول ابن القاسم. وجاز على قول أشهب، وإن قال: بقيتْ عليك بقية لم يجز على قوليهما جميعًا. فصل [في الصرف والمقاصة فيه] وقال ابن القاسم في المدونة في صيرفي له على رجل دينار فأتاه المطلوب بعشرين درهمًا صرف بها منه دينارًا، فلما وجب الصرف أحب الصيرفي أن يحبس الدينار عن ديناره وأبى الآخر، قال: إذا تناكرا لم يكن ذلك له، وكان عليه أن يدفع الدينار، ثم يتبعه (¬1). وقال أشهب في كتاب محمد: ذلك للصيرفي أن يحبسه عن ديناره على ما أحب الآخر أو كره. فجعل له أن يحبسه عن ديناره؛ لأنه الحُكْم لو رفع ذلك إلى حاكم أن يجعل له أن يحبسه عن ديناره. وكذلك لو كان على المطلوب غرماء لكان له أن يحبسه إذا كان قائم الوجه لم يفلس؛ لأنه لو قام به إلى الحاكم لقضى له بحقه إذا لم يقم بقية الغرماء بتفليسه، وليس في كلام ابن القاسم ما يرد قول أشهب، وقد يحمل قوله: "إذا تناكرا" أن المطلوب أنكر أن يكون له عليه دينار. واختُلف إذا صارفه على أن لا يستوفي ديناره هذا منه، فقيل: ذلك جائز، ¬

_ (¬1) انظر: المدونة 3/ 10.

فصل [فيما يجوز من صرف الدين أو شراء عرض به]

وله حبسه وشرطه باطل. وقيل: ليس له أن يحبسه من ديناره، ويدفعه، ثم يقوم بحقه حسبما شرط. وقيل: ذلك فاسد؛ لأنه صرف على تأخير حق. وليس هذا القول بالبين؛ لأنه لم يشترط أن يؤخره بالحق الأول، وإنما شرط أنه لا يقبض دينه من هذا الدينار، فيقال له: ادفعه وقم بحقك. فصل [فيما يجوز من صرف الدَّيْن أو شراء عرض به] ومن استقرض من رجل دراهم على الحلول، ثم صرفها منه بدنانير- لم يصلح ذلك؛ لأنهما يُتَّهَمَان أن يكونا عملا على ذلك وجعلا ذكر هذا القرض محلًا (¬1). فإن اشترى منه بها سلعة معينة أو أسلمها في عرض جاز ذلك، ولا يؤخر قضاء القرض إذا أعادها إليه في سلم، فيدخلهُ تأخير رأس مال السَّلَم والدَّيْن بالدَّيْن، وإن كان القرض إلى أجل، ثم اشترى منه به سلعة نقدًا جاز ذلك، ويكون بمنزلة من اشترى سلعة بعينها بثمن إلى أجل، فإن أعادها إليه في سلم لم يجز، وكان الدَّيْن بالدَّيْن، وإن كان القرض عوضًا إلى أجل فباعه منه بثمن نقدًا جاز، ولا يجوز إلى أجل، فيدخله الدَّيْن بالدَّيْن، وإن كان القرض على الحلول، فباعه منه بثمن نقدًا أو إلى أجل لم يجز إلا على قول (¬2) من أجاز السَّلَم على الحلول. ¬

_ (¬1) في (ب): (محللًا). (¬2) قوله: (قول) ساقط من (ت).

باب في الصرف من النصراني والسيد من عبده

باب في الصرف من النصراني والسَّيِّد من عبده ومن المدونة قلت (¬1): أرأيت عبْدًا لي صيرفيًّا نصرانيًّا، أيجوز لي أن أصارفه؟ قال: نعم، وعبدك وغيره من الناس سواء (¬2). قال الشيخ: الرِّبا بين المسلم والنصراني محرم، كما يحرم بين المسلمين، وكذلك إذا كان المسلم غير بالغ والكافر بالغًا فذلك حرام؛ لأن الإجازة إلى ولي الصغير فكان العقد منه، ولو لم يكن له ولي ولم ينظر في ذلك حتى بلغ وصار الأمر إليه لفسخ، وفيه نظر. وقال مالك: أكره أن يكون النصراني في أسواق المسلمين، لاستحلالهم الربا وعملهم به (¬3)، وأرى أن يقاموا من أسواق المسلمين (¬4). قال الشيخ: قد تغير أمر الناس اليوم، وكثر العمل بالرِّبا من غير النصارى (¬5)، وإذا كان ذلك، وكان (¬6) رجلان يعملان بالربا أحدهما مسلم والآخر نصراني- كان الصرف من النصراني أحسن؛ لأنه غير مخاطب بتحريم الربا على الصحيح من المذهب، ولأنه لو (¬7) أسلم لحل له ما في يديه كان ذلك عن ربًا أو ثمن خمر (¬8)، ولو تاب المسلم لم يحل له إمساك ما في يديه من ذلك. ¬

_ (¬1) في (ت): (قال). (¬2) انظر: المدونة 3/ 12. (¬3) زاد في (ت): (وقد نهوا عنه). (¬4) انظر: المدونة 3/ 12. (¬5) قوله: (غير النصارى) يقابله في (ت): (النصارى وغيرهم). (¬6) في (ب): (كانا). (¬7) قوله: (ولأنه لو) يقابله في (ت): (ولو أنه). (¬8) زاد في (ق 4): (أو ثمن خنزير أو بيع. . . . لأنه حل لهم إذا أسلموا).

فصل [حكم الربا بين السيد وعبده]

فصل [حكم الربا بين السيد وعبده] اختُلف في الربا بين السيد وعبده، فمنعه ابن القاسم ها هنا (¬1). وقال ابن وهب: لا بأس به. والاختلاف في ذلك راجع إلى مبايعته إياه، هل هي مبايعة في الحقيقة، أو انتزاع مال (¬2) من السيد، ويكون العِوَض (¬3) المأخوذ عن ذلك البيع كالهبة؟ وقال ابن القاسم فيمن أعتق عبده على عبد في يديه: إن ذلك (¬4) انتزاع، ولا رجوع للسيد على العبد متى استحق ذلك من يده أو اطلع فيه على عيب (¬5). وقال في العبد يكاتب سيده على رهن: إنه ليس برهن، ولا مقال للعبد فيه متى فلس أو مات، قال: وإنما هو انتزاع من السيد بمنزلة ما لو أنه كاتبه على أن يسلفه العبد دنانير (¬6). ولم ير أن ذلك ربًا إذا كانت الكتابة على سلف. وقال غيره: ليس ذلك بانتزاع. على هذا يجري (¬7) الجواب إذا أخذ منه دينارًا ليدفع إليه عنه دراهم بعد ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 400. (¬2) قوله: (مال) ساقط من (ت). (¬3) في (ب): (القرض). (¬4) قوله: (إن ذلك) ساقط من (ت). (¬5) انظر: المدونة 2/ 490. (¬6) انظر: المدونة 2/ 490. (¬7) قوله: (يجري) ساقط من (ت).

شهر، أو باعه دينارًا بدينارين، فعلى القول: إنه انتزاع يجوز ذلك، ولا شيء للعبد متى فلس السيد، وعلى القول الثاني: إنه ليس بانتزاع، فيحرم جميع ذلك. وهو أحسن؛ لأن العبد عندنا مالك، وإذا كان مالكًا فقال السيد: أبايعك في هذا ولا أنتزعه منك كانت مبايعة حقيقة. وإن كان على العبد دَيْنٌ امتنع الانتزاع، وجرى في جميع ذلك على حكم (¬1) البياعات، ويحرم فيما بينه وبين السيد ما يحرم بينه وبين غيره ممن ليس هو له بعبد. ¬

_ (¬1) زيادة من (ق 4).

باب [فيمن اشترى فلوسا ببعض درهم فدفع درهما، وأخذ بقيته فضة، أو اشترى سلعة ببعض دينار فدفع دينارا وأخذ بقيته ذهبا]

باب [فيمن اشترى فلوسًا ببعض درهم فدفع درهمًا، وأخذ بقيته فضة، أو اشترى سلعة ببعض دينار فدفع دينارًا وأخذ بقيته ذهبًا] ومن اشترى من اللحَّام أو الحنَّاط، أو السقَّاط ببعض درهم، أو اشترى فلوسًا ببعض درهم فدفع درهمًا واحدًا (¬1) وأخذ بقيته دراهم صغارًا، جاز ذلك له (¬2) إذا كان الذي يرجع إليه الثلث فأقل، ولا يجوز إذا كان الذي يرجع إليه (¬3) الأكثر الثلثين أو نحوهما. واختُلف في النصف، فأجازه مالك وابن القاسم في المدونة (¬4)، ومنعه ابن القاسم وأشهب في كتاب محمد (¬5). وقال مالك: وكنا نحن نكرهه، ويخالفنا فيه أهل العراق. وقد كان الأصل ألا يجوز إلا في الثلث فأقل، كما قال في الثمار في اكتراء (¬6) الدار (¬7). ولم يجزه أبو محمد عبد الوهاب إلا فيما قلَّ وكان تافهًا، فقال: لا يجوز صرفٌ وبيعٌ إلا أن يكون يسيرًا، مثل أن يصرف دينارًا بعشرة دراهم، فيعجز ¬

_ (¬1) قوله (واحدًا) زيادة من (ب). (¬2) قوله: (له) ساقط من (ق 4). (¬3) قوله: (إليه) ساقط من (ت). (¬4) انظر: المدونة 3/ 12. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 387. (¬6) قوله: (اكتراء) ساقط من: (ت). (¬7) انظر: المدونة 3/ 511.

الدرهم أو النصف، فيدفع إليه عرضًا بقيمته، أو يزيد الدينار أو الدرهم، وكسره غير جائز، فها هنا يجوز للضرورة، فلم يجز ذلك في الدرهم إلا في اليسير إذا كان الدرهم لا يجوز كسره (¬1). وذكر أشهب عن مالك في كتاب محمد: أنه كان يكرهه جملة في القليل والكثير، قال: كنا نحن نكرهه، ويخالفنا فيه أهل العراق، ثم خففناه؛ لأن الناس لا يطلبون به صرفًا (¬2). وقال في المدونة: لأنها نفقات لا تكاد (¬3) تنقطع، ولما للناس في ذلك من المرفق وقلة غناهم عنها (¬4). وقال أشهب: إنما يجوز ذلك عندي بالمدينة، وأما كل بلد يتعامل فيه بالفلوس، فلا يجوز (¬5). وقول مالك أحسن؛ لأنهم أجازوا ذلك وإن كانت تجوز في أيديهم الدراهم الصغار المقطعة، ويلزم أشهب ألا يجيز (¬6) ذلك وإن لم تجز (¬7) عندهم الفلوس؛ لأن صاحب الدرهم قادر على أن يصرفه بصغار، ثم يشتري بالصغار إن أحب، وإذا أجاز (¬8) ذلك مع القدرة على أن يأخذ فيه صغارًا، جاز ¬

_ (¬1) انظر: المعونة: 2/ 55. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 387. (¬3) قوله: (تكاد) ساقط من (ت). (¬4) انظر: المدونة 3/ 385. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 387. (¬6) في (ت): (يجوز). (¬7) في (ت): (تجر). (¬8) في (ت): (جاز).

وإن كانوا يتبايعون بالفلوس- ولو كان الذي يرجع إليه فضة غير مسكوكة لم يجز. وقال محمد فيمن اشترى قمْحًا بثلثي دينار فدفع دينارًا، وأخذ قطعة ذهب منقوشة: أكره ذلك (¬1). وفرق بين أن يرجع ثلث الدرهم فضة وثلث الدينار ذهبًا؛ لأن السعر في الدراهم الصحاح والصغار سواء، وسعر ثلث الدينار الصحيح بخلاف سعره إذا كان قطعة، فاتقى أن يكونا عملا على ذلك، فيكون دينارًا صحيحًا بقمح وقطعة ذهب، وذلك ربًا، ولا شيء عليهما في ذلك فيما بينهم وبين الله سبحانه إذا لم يعملا على ذلك؛ لأن الثلثين قضاء، والثلث مراطلة بوزنه. وقال مالك في المدونة فيمن اشترى سلعة بعشرة دنانير مجموعة، فوزنها ليقضيها، فكان في وزنها فضل، فأخذ في ذلك عرْضًا أو وَرِقًا: فلا بأس به (¬2). وقال ابن القاسم وأشهب في كتاب محمد: إن أخذ في الفضلة ذهبًا لم يصلح، ولو كان ذلك خروبة واحدة كان ذلك من بيع أو سلف، قالا: ويدخله في البيع سلعة وذهب بذهب، وفي السلف ذهب أقامت عنده شهرًا وذهب يدفعها الآن بذهب يأخذها منه. قال أشهب: وهو في السلف أخف، ولا بأس به في السلف ولا خير فيه من بيع (¬3). وقال مالك: لا يعجبني أن يعطيه في الزيادة وَرِقًا، كما لم يعجبه أن يعطيه ذهبًا (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 387. (¬2) انظر: المدونة 3/ 47. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 359، 360. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 360، بلفظ: قال محمد: وكره مالك، في رواية أشهب أن يأخذ في الزيادة ورقًا كما كره الذهب.

قال أشهب: وإن نزل لم أفسخه (¬1). قال مالك: وأما النقصان فلا بأس أن يعطيه فيه (¬2) ما تراضيا عليه من شيء من الأشياء، وأن يترك النقصان على حاله (¬3). وأجازه مالك في موضع آخر في الذهب كان من بيع أو غيره، فقال فيمن كان له دينار ناقص على رجل، فأعطاه دينارًا تامًا فجعل معه قطعة ذهب حتى تم العدل: لا بأس به (¬4). وقال ابن القاسم في كتاب محمد فيمن أتى بدنانير جعفرية بعيونها فضل، فصارف بها دنانير صحاحًا نقصًا، وجعل مع الجعفرية قراضة حتى اعتدل الميزان، مثل الثلث والسدس: لا بأس به إذا لم يعين فضل عيون الجعفرية، وإن كانت القراضة قدر الدينار فلا خير فيه (¬5). فاستخفا ذلك إذا كان يسيرًا في جملة الدنانير، بخلاف الدينار الواحد (¬6). والاقتضاء ها هنا أخف من مسألة ابن القاسم في المراطلة (¬7)؛ لأنهما لا يتهمان أن يكونا عملا على ذلك في الاقتضاء لقلته، ويتهمان في المراطلة أن يكونا شرطا ذلك في أصل البيع. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 360. (¬2) قوله: (فيه) ساقط من (ت). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 359. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 359، والبيان والتحصيل: 6/ 452. (¬5) انظر البيان والتحصيل: 7/ 40. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 354. (¬7) وانظر: المدونة 3/ 46، والنوادر والزيادات: 5/ 356.

باب [فيمن غصب دنانير أو خلاخل، ثم صارف المغصوب منه فيها بدراهم، أوغصب جارية، تم اشتراها من صاحبها]

باب [فيمن غصب دنانير أو خلاخل، ثم صارف المغصوب منه فيها بدراهم، أوغصب جارية، تم اشتراها من صاحبها] ومن غصب دنانير وغاب (¬1) عليها فإنه يجوز له أن يصارف (¬2) المغصوب منه فيها بدراهم إذا انتقدها وإن لم تحضر الدنانير؛ لأنها في ذمته بالغيبة عليها، وصرف ما في الذمة جائز. وإن غصب خلاخل فضة لم يجز أن يصارف المغصوب منه فيها إلا أن يحضرها، لئلا يكون أتلفها فتلزمه قيمتها. والقيمة فيها بالذهب والبيع بالذهب، فإن باعها بأكثر من القيمة أو أقل دخله الرِّبا وبيع الذهب بأكثر منه. واختلف إذا غصب جارية ثم اشتراها من صاحبها، فقال ابن القاسم: أرى ذلك جائزًا إذا وصفها؛ لأنه ضامن لما أصاب الجارية قبل وجوب البيع وبعده (¬3). وقال محمد: يجوز إذا انتقد القيمة ووقف الزائد. وقال سحنون: لا يجوز بيعها؛ لأنه لا يدري ما باع، القيمة أو الجارية؛ لأنه بالخيار، فإما أغرمه القيمة، وإما أتبعها حيث كانت، فإذا اختار إغرامه القيمة وعرفوها (¬4) جاز أن يبيع منه ¬

_ (¬1) في (ت): (وغلب). (¬2) قوله: (له أن يصارف) يقابله في (ت): (أن يصارفه). (¬3) انظر: المدونة 3/ 13. (¬4) في (ت): (وعرفاها).

تلك القيمة ويتعجل (¬1). قال الشيخ: لا يخلو أن يبيع منه الجارية بدنانير أو بدراهم أو بعرض، فإن باعها بدنانير من السكة التي الشأن أنها تباع بها بمثل القيمة فأقل- جاز، وإن شرط النقد. فإن باع بأكثر من القيمة، قيل له: الأمر متردد في الجارية بين ثلاث: بين أن تكون سالمة، أو هالكة، أو حدث فيها عيب، فإن بيعت على أنها إن كانت هلكت أو حدث فيها عيب ضمنته جاز البيع إذا انتقدتَ القيمة، فإن تبين أنها كانت هلكت أو حدث بها عيب لم يكن لك سوى ما انتقدت، وإن كانت سالمة أخذت الفاضل، وإن بعت على أنها إن كانت هلكت ضمنت، وإن حدث فيها (¬2) عيب كنت على ما تراه من التضمين أو أخذها، لم يجز البيع وإن لم تنتقد إلا القيمة؛ لأنها تكون تارة بيعًا إن اختار إجازة البيع، وتارة سلفًا إن اختار الرَّدَّ. وإن باع بدراهم لم يجز على أن ينتقد شيئًا؛ لأنها من غير جنس القيمة، فهو بائع حقيقة، ويجوز ذلك على غير النقد، فإن سلمت انتقدت الدراهم، وإن هلكت أغرمه القيمة من الدنانير، وإن حدث عيب كان بالخيار بين أن يضمن ويأخذ القيمة دنانير أو يأخذها معيبة، إلا أن يرضى بها المشتري معيبة، فيكون ذلك له، ولو أحب بيعها بدنانير على أن يرفع حكم الغصب عنه، والقيمة عشرة والبيع بخمسة عشر- لم يجز وذلك غرر؛ لأنه إنما أسقط عنه عشرة لمكان الخمسة التي زاده، فإن سلمت كان البائع قد أخذ الخمسة بالباطل، ولو علم ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 372. (¬2) قوله: (فيها) ساقط من (ق 4).

الغاصب بسلامتها لم يشترها بأكثر من عشرة، وإن هلكت كان الغاصب قد انتفع بسقوط الضمان لما أطمعه من الخمسة عند رجاء السلامة. وعلى هذا يجري الجواب إذا باعها بعرض، وعليه تكلم سحنون إذا بيعت بغير الصنف الذي تُقَوَّمُ به. وقال ابن القاسم: هو ضامن لما أصاب الجارية بعد البيع (¬1). ولم يبين هل يضمنها بالثمن، أو بالقيمة التي كانت يوم الغصب؟ والذي يقتضيه أصله أنه يضمنها بالقيمة؛ لأنه يقول في الغائب يُشترى: مصيبته من البائع. فمن حق الغاصب على البائع التوفية، فإن هلكت قبل وصوله إليها (¬2) كانت عليه بالقيمة المتقدمة، وعلى القول إن مصيبة الغائب بعد العقد من المشتري تكون هذه مضمونة بالثمن. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة 3/ 13. (¬2) في (ق 4): (إليه).

باب [فيمن أودع دراهم أو رهنها، ثم صارف صاحبها فيها، أو صرفها من غيره لنفسه أو لصاحبها]

باب [فيمن أودِع دراهم أو رهنها، ثم صارف صاحبَها فيها، أو صرفها من غيره لنفسه أو لصاحبها (¬1)] وقال ابن القاسم فيمن أُودِعَ دراهم أو رهنَها ثم لقي صاحبها فصرفها منه: لم يجز ذلك إلا أن يحضرها (¬2). قال في كتاب محمد: أرأيت لو قامت البينة على هلاكها أكانت تكون في ضمانه؟ إنما تكون من صاحبها (¬3). فمن ها هنا كرهه مالك، فرأى أنه بقي فيها حق التوفية حتى يصل إليها المودع ويقبضها من نفسه. وقال أشهب في كتاب محمد: ذلك جائز في الوديعة والرهن (¬4). ورأى أنها مقبوضة ولا يحتاج إلى توفية، لما كانت تحت يده، وهو في الرهن على أصله أبين؛ لأنه يقول: هو ضامن له وإن قامت البينة على ضياعه. وكذلك قال ابن القاسم فيمن كانت عنده وديعة فيتصدق صاحبها عليه بها، فقال: قد قبلت أن ذلك قبض، بخلاف أن تكون تحت يد غيره (¬5). وهذالخلاف إذا صرفها ولم يذكرا (¬6) رفع الضمان ولا بقاءه، فأما ¬

_ (¬1) زاد في (ق 4): (واختلف فيمن أقرض. . . ثم صارف صاحبها). (¬2) انظر: المدونة 3/ 13. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 399. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 372. (¬5) انظر البيان والتحصيل: 15/ 304. (¬6) في (ت) و (ب): (يذكر).

إن شرطا (¬1) أنها في ضمان بائعها حتى يصل إليها المودع ويقبضها كان فاسدًا قولًا واحدًا. وإن شرطا رفع الضمان وأنها من المودع بنفس الصرف كان جائزًا، ولا خلاف في هذين الوجهين، وإنما الاختلاف إذا أطلقا (¬2) الأمر. وإن صرفها المودع عنده لنفسه وهي دنانير بدراهم، ثم أتى صاحبُها فأَحبَّ أن يأخذ الدراهم التي صرفت بها لم يكن ذلك له، وإنما له مثل دنانيره. واختُلف إذا صرفها المودعَ لصاحبها فأراد صاحبها أن يجيز ذلك، فقال محمد: لا يحل ذلك وتباع الدراهم حتى يستوفي منها (¬3) دنانيره، فإن كانت أكثر فله، وإن كانت أقل فعلى المتعدي (¬4). وقال ابن القاسم في المنتخبة فيمن وكَّل من يقبض له دنانير فصارفه بها، أو أخذ بها (¬5) عرضًا، فقال: إن رضي رب المال جاز، وإلا فُسِخَ (¬6). وقد اختُلف في هذا الأصل في المدونة فيمن تحمل بدنانير فدفع عنها (¬7) دراهم بغير أمر المتحمل عنه، فقيل: ذلك جائز، لما كان القصد من الحميل المعروف والتخفيف عن الغريم (¬8). ¬

_ (¬1) في (ب): (شرط). (¬2) في (ت): (أطلق). (¬3) في (ت): (منه). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 398. (¬5) قوله: (بها) زيادة من (ب). (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 208. (¬7) في (ت): (عنه). (¬8) انظر: المدونة 4/ 109، والنوادر والزيادات: 5/ 396.

وهو أحسن في مسألة الوديعة؛ لأن المصرف منه لم يدخل على خيار، ولا يجوز في مسألة الوكيل؛ لأنهما جميعًا -الوكيل والمصرف منه- دخلا (¬1) على خيار صاحب الدنانير. وقال ابن القاسم في المدونة فيمن استودع حنطة فاشترى بها تمرًا (¬2)، فأجاز ذلك المودِع وأراد أن يأخذ الثمن: إن ذلك له (¬3). وفرق بين الطعام والدنانير، ورأى أن الطعام تختلف فيه الأغراض، وقوله في كتاب الوديعة إذا تسلف الطعام المودَع أو خلطه بطعامه خلاف قوله ها هنا، وأجراه في كتاب الوديعة مجرى الدنانير إذا صرفها لنفسه (¬4). فعلى هذا يكون التمر للمودع، وعليه مثل القمح. ويختلف أيضًا إذا باعه لصاحبه بتمر فأحب أن يجيز، فعلى قول محمد: يباع التمر ويُشترى به قمح، فإن فضل شيء كان لصاحب الوديعة، وإن عجز كان على المتعدي التمام. وعلى قول ابن القاسم يجوز له (¬5) أن يأخذ التمر (¬6). ¬

_ (¬1) في (ب): (دخل). (¬2) زاد في (ب): (لنفسه). (¬3) انظر: المدونة 3/ 14. (¬4) انظر: المدونة 4/ 434. (¬5) قوله: (له) ساقط من (ت). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 55.

باب [في الصرف والبيع في عقد واحد]

باب [في الصرف والبيع في عقد واحد] قال مالك: لا يجوز صرف وبيع، ولا نكاح وبيع، وكذلك المساقاة والجُعل والقراض والشركة، لا يجمع (¬1) عنده شيء من ذلك إلى البيع (¬2). وقد اختلف في جميع ذلك، وقد تقدم في كتاب النكاح الثاني ذكر الاختلاف في النكاح والبيع، وفي كتاب الجُعْل ذكر الاختلاف في البيع والجُعْل، وفي كتاب البَيْعَتَيْن بالخيار الاختلاف في بيع بَتٍّ وخيار في عقد واحد. ويختلف في البيع والمساقاة على مثل ذلك، فأما الصرف والبيع فاختلف فيه على ثلاثة أقوال: فقيل: يجوز ذلك في دينار واحد، وسواء كان البيع والدراهم متكافئين ينوب كلَّ واحدٍ منهما نصفُ الدينار، أو كان أحدهما تبعًا للآخر، ولا يجوز في دينارين إذا كان الذي ينوب الصرف دينارًا، والذي ينوب البيع دينارًا، وإذا كان الصرف الأكثر أو البيع الاكثر جاز؛ لأن الصرف والبيع في دينار وما سواه صرف محض، أو بيع محض، وكذلك إذا كثرت الدنانير، وإن كان الصرف والبيع في دينار وما سواه بيع كلُّه أو صرف (¬3) كلُّه جاز، مثل أن يكون مائة دينار والصرف والبيع في دينار، والذي ينوب التسعة والتسعين الباقية بيع؛ لأنها عروض، أو صرف؛ لأنها دراهم، فذلك جائز، فإن كان على غير ذلك لم يجز، وهذا قول مالك وابن القاسم (¬4). ¬

_ (¬1) في (ت) و (ب): (يجتمع). (¬2) انظر: المدونة 3/ 17. (¬3) في (ق 4): (بيعًا كلُّه أو صرفًا). (¬4) انظر: المدونة 3/ 19.

وقال ابن القاسم في كتاب محمد: إنما يجوز ذلك في أقل الدينار، مثل أن يشتري الثوب بثلثين أو بثلاثة أرباع دينار، فيدفع دينارًا ويأخذ فضله وَرِقًا، ولو كان الوَرِق أكثر الدينار لم يكن فيه خير (¬1). وقال أبو محمد عبد الوهاب: لا يجوز البيع والصرف في دينار إلا أن يكون يسيرًا، مثل أن يصرف دينارًا بعشرة دراهم، فيعجز الدرهم أو النصف، فيدفع إليه عرضًا بقدره، أو يزيد الدينار أو الدرهم، وكسره غير جائز، فها هنا يجوز للضرورة؛ لأنه يعلم أن البيع غير مقصود مع ذلك في دينار (¬2). إلا أن يكون أحدهما يسيرًا (¬3) مما لا تدعو الضرورة إليه. وأجاز أشهب في مدونته الصرف والبيع (¬4). ولمالك في كتاب محمد مثله في رجل باع مائة ثوب أو مائة جلد، كل ثوب أو جلد بدينار إلا ثلاثة دراهم: لا بأس به إذا كان كل ذلك نقدًا (¬5). فأجاز في هذه المسألة بيعًا وصرفًا؛ لأن جملة الدراهم ثلاثمائة درهم. ولو كان من عند أحدهما دنانير وعرض، ومن عند الآخر دراهم وعرض، فإن كان العرضان يسيرين ينوبهما أقل من صرف دينار- جاز، وإن كان ينوبهما (¬6) صرف دينار فأكثر لم يجز على قوله في منع صرف وبيع. وكذلك إذا كانت العروض كثيرة، فإن كان الذهب والفضة أقل من ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 383. (¬2) انظر المعونة: 2/ 55. (¬3) في (ت) و (ب): (كبيرًا). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 387. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 384. (¬6) في (ق 4) و (ت): (ينوبه).

فصل [فيمن صرف دينارا وأخذ بالدراهم سلعة فوجد عيبا]

صرف دينار جاز، وإن كان من عند أحدهما دراهم كثيرة وعروض كثيرة، ومن عند الآخر دنانير كثيرة وعروض (¬1) -لم يجز ذلك- كانت العروض التي مع الدنانير كثيرة أو قليلة- فإن كانت العروض كثيرة ومعها ذهب أقل من صرف دينار جاز. فصل [فيمن صرف دينارًا وأخذ بالدراهم سلعة فوجد عيبًا] وإذا كان البيع والصرف في دينار واحد، وأصاب عيبًا بالدينار أو بالدراهم أو بالعرض (¬2) - انتقض جميع الصفقة، ولا يفترق ذلك إلا فيما يفيت العرض (¬3)، فإن كان العيب بالدينار أو بالدراهم فات العرض بحوالة الأسواق، إلا أن يكون يسيرًا، فلا تفيته حوالة الأسواق، وإن كان العيب بالعرض لم تفته حوالة الأسواق، وإن كان العيب بالدينار (¬4) أو بالدراهم؛ لأن الدراهم جل الصفقة، فإذا ردت من يده كانت عيبًا في بقية الصفقة، والعيب لا تفيته حوالة الأسواق (¬5). فإن اشترى ثوبًا بنصف دينار، فدفع دينارًا وأخذ من صاحب الثوب دراهم بالحضرة، ثم وجد عيبًا بالدينار، انتقض الصرف وبقي البيع (¬6) الأول ¬

_ (¬1) في (ت): (أو قليلة). (¬2) في (ت) و (ق 4): (العروض). (¬3) في (ت): (العروض). (¬4) في (ت) و (ب): (بالدنانير). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 386. (¬6) قوله: (البيع) ساقط من (ب).

منعقدًا بنصف دينار على حاله، وكأنه لم ينقده شيئًا. وإن كان العيب ببعض (¬1) الدراهم انتقض الصرف في نصف الدينار، وبقي نصفه قصاصًا من الدَّيْن، وإن كان العيب بالسلعة انتقض جميع ذلك البيع والصرف على قول من لم يُجوِّز صرف بعض دينار. ومن اشترى ثوبًا ودراهم بدينارين فأصاب بأحدهما عيبًا، فإن كانت السلعة الأقل، وكان العيب بها أو ببعض الدراهم، انتقض من الدراهم صرف دينار، وإن كان العيب بها ردها ورد معها من الدراهم تمام صرف دينار، وإن كان العيب ببعض الدراهم ردَّه وردَّ معه تمام صرف دينار، وبقي ما سوى ذلك منعقدًا على حاله. وإن كانت السلعة الأكثر انتقض جميع الصفقة، وسواء كان العيب بها أو ببعض الدراهم، وإن كان العيب بأحد الدينارين انتقض جميع الصفقة؛ لأن الذي يقابل الدينار نصف السلعة ونصف الدراهم، إلا على قول من أجاز صرف بعض دينار، فينتقض نصف الصفقة ويرجع في نصف الدراهم ونصف السلعة، وينقلب الخيار لمشتري السلعة؛ لأنه لم يدخل على عيب الشركة، وليس حوالة الأسواق فوتًا في السلعة (¬2) إذا كان العيب بالسلعة، وذلك فوت فيها إذا كان العيب ببعض الدراهم أو بأحد الدينارين. قال محمد: إذا كان العيب بالثوب، وفات بتلف أو بقطع، لم يكن له أن يرجع بقيمة العيب، ولكنه يرد قيمته ويرد مع القيمة تمام صرف دينار إن كانت السلعة ¬

_ (¬1) في (ب): (بنقص). (¬2) قوله: (في السلعة) ساقط من (ق 4) و (ت).

فصل [فيمن ابتاع سلعة ودراهم بدينار، وحصل تأخير أو تقدم في السلعة والدراهم، أو استثنى في الدراهم]

الأقل، وإن كانت الأكثر (¬1) ردَّ قيمتها والدراهم، ورجع بديناره (¬2). فصل [فيمن ابتاع سلعة ودراهم بدينار، وحصل تأخير أو تقدم في السلعة والدراهم، أو استثنى في الدراهم] واختلف إذا بيعت سلعة ودرهم أو درهمان بدينار، فتأخَّرت السلعة والدرهمان أو أحدهما على أربعة أقوال: فروى ابن القاسم عن مالك أنه أجاز ذلك إذا عُجِّلت السلعة وتأخر الدرهمان، ومنعه إذا عُجِّل الدرهمان (¬3) وتأخرت السلعة (¬4). وروى أشهب عنه أنه أجاز ذلك وإن عُجل الدرهمان (¬5) وأخرت السلعة، ومنعه إذا افترق الدرهمان (¬6) وعُجلت السلعة والدرهم وتأخر الدينار، أو عُجل الدينار وأخرت السلعة والدرهم (¬7). وروى عنه ابن عبد الحكم في كتاب محمد أنه أجاز ذلك (¬8). ومنعه محمد بن عبد الحكم إذا عجلت السلعة وتأخر العينان (¬9)، وقال: ¬

_ (¬1) في (ب): (أكثر). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 385. (¬3) في (ب): (الذهبان). (¬4) انظر: المدونة 3/ 14. (¬5) في (ب): (العينان). (¬6) في (ق 4) و (ب): (الذهبان)، وأشار الناسخ في هامشهما إلى نسخة أخرى: (العينان). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 383، 384. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 383. (¬9) في (ق 4) و (ب): (الذهبان)، وأشار الناسخ في هامشهما إلى نسخة أخرى: (العينان).

هذا حرام؛ لأنه الصرف إلى أجل والدَّيْن بالدَّيْن. قال الشيخ: الجواب عن جميع هذه الأسئلة واحد، إما أن نقول: إن ذلك يسير ومما تدعو الضرورة إليه لتمام البيع لما كانت السلعة لا تبلغ دينارًا، فجائز وإن أُخر الدرهمان أو قُدِّما أو فُرِّقا فقُدِّم أحدهما وأُخِّر الآخر، أو يقال إن ذلك مما لا تدعو الضرورة إليه؛ لأنهما قادران على أن يجعلا مكان الدرهمين أو الدراهم طعامًا أو غيره مما يخف وجوده، فيمنع جميع ذلك. وإذا عجلت السلعة وأُخِّر الدرهمان (¬1) كان أبْيَن في الفساد منه إذا عُجل الدرهمان (¬2) وأخرت السلعة؛ لأن ما يقابل الدرهم من الدينار صرف، وقد عجلاه وتناجزا فيه، وما يقابل السلعة من الدينار بيعٌ يجوز تأخيره، وقد تقدم ذلك وأنه قد قيل: إن ذلك جائز وإن كثرت الدراهم إذا تناجزا في الصرف وتأخرت السلعة. قال مالك: وإذا وجد أحد الدرهمين رديئًا أبدله ولم ينتقض الصرف. وروى عنه ابن وهب أنه قال: هذا بيع منتقض كله (¬3). واختلف إذا كانت سلعة وثلاثة دراهم، هل يكون الجواب فيه كالدرهمين؟ فقال في المدونة: لا خير في ذلك (¬4). وأجازه في كتاب محمد (¬5). وأما الخمسة والستة فلم يختلفوا أنها مراعاة، فلا يجوز تأخير العينين (¬6) ¬

_ (¬1) في (ق 4): (الذهبان). (¬2) في (ق 4) و (ب): (الذهبان)، وأشار الناسخ في هامش (ب) إلى نسخة أخرى: (الذهبان). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 386. (¬4) انظر: المدونة 3/ 15. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 383. (¬6) في (ت): (الدرهمين)، وفي (ب): (الذهبين) وأشار في هامش (ب) إلى: (العينين).

ولا افتراقهما (¬1). وقال مالك فيمن اشترى سلعة بخمسة دنانير إلا ثلاثة دراهم فدفع أربعة دنانير وأَخَّرَ الدينار حتى يأخذ الدراهم ويدفع دينارًا، أو أخذ الدراهم وأَخَّرَ الأربعة: لا خير فيه، وهو عندي (¬2) بخلاف الجزء من الدينار (¬3). ولو اشترى سلعة بخمسة دنانير إلا خُمُسًا أو إلا رُبُع الدينار، فدفع أربعة دنانير وأخَّر الدينار حتى يأتيه بخُمُس أو بربع، أو عجل الدينار وأخذ مصارفة الخمس، وتأخرت الأربعة- لجاز؛ لأن البيع في هذه المسألة إنما وقع على ذهب خاصة، وليس في ذمته غير ذهب. ولو أتى المشتري بخمسة دنانير، وقال: أكون شريكًا معك (¬4) بخُمس دينار أو رُبعه، جاز ذلك، وأجبر الآخر على قبولها، ولم يكن على المشتري غير ذلك، والذي اشترى بخمسة دنانير إلا ثلاثة دراهم في ذمة أحدهما ذهب، وفي ذمة الآخر فضة فافترقا، فأجاز في هذه المسألة أن يصارفه في دينار، وإن تأخرت الأربعة. ومنع مثل ذلك إذا كان البيع إلى أجل بنصف دينار نقدًا، فدفع دينارًا وصارفه في بقيته؛ لأن المنع من باب التهمة أن يكونا عَمِلا على ذلك فقويت التهمة عنده إذا كان البيع بنصف دينار، فصارفه في بقيته، وضعفت في خُمس من عشرة دنانير. وقد تقدم ذكر الاختلاف في ذلك فيمن اشترى سلعة بعشرة دنانير مجموعة، ¬

_ (¬1) انظر: المدونة 3/ 15. (¬2) في (ق 4): (عنده). (¬3) انظر: المدونة 3/ 17. (¬4) قوله: (شريكًا معك) يقابله في (ت): (معكم شريكًا).

فقضاه إياها، فكان في وزنها فضل، فأعطاه فيه ورقًا أنه لا بأس به (¬1). وكرهه مالك في كتاب محمد، وعلى قوله ذلك يكرهه في هذه. وسئل سعيد بن المسيب عن رجل ابتاع طعامًا بدينار ونصف درهم، فأراد أن يعطي بنصف درهم طعامًا، فقال: لا، ولكن أعط درهمًا وخذ بقيته طعامًا، قال مالك: كره أن يعطي دينارًا وطعامًا بطعام (¬2). قال الشيخ: يجوز أن يعطيه بالنصف درهم من القمح بعينه بمثل ما ينوبه من الثمن لا أقل ولا أكثر، وتكون إقالة، فإن قبضه جاز أن يعطيه منه بمثل ما ينوبه وأرخص وأغلى إذا لم يفترقا أو فترقا ولم يغب عليه، فإن غاب عليه كره له ذلك. ويكره أن يعطيه به شعيرًا، وسواء كان ذلك قبل قبض القمح أو بعده، افترقا أم لم يفترقا. ويجوز أن يعطيه به قِطْنِيَّة أو تمرًا قبل القبض وبعده ما لم يفترقا، فإن افترقا كره له (¬3) ذلك، فإن نزل ذلك لم يفسخ في أي هذه الوجوه كان؛ لأن الكراهية في ذلك من باب التهمة خيفة أن يكونا عملا على ذلك، والتهمة تضعف لقلة ما ينوب نصف درهم في جنب الدينار. وقد أجاز مالك في أحد قوليه لمن اشترى سلعة بدينار إلا درهمين مفارقة الدراهم (¬4) الدينار، وإن كان ذلك يسيرًا فهو في هذه المسألة في التهمة في نصف ¬

_ (¬1) انظر: المدونة 3/ 47. (¬2) انظر: المدونة 3/ 19. (¬3) قوله: (له) ساقط من (ت). (¬4) في (ت): (الدرهم).

درهم أضعف منها في درهمين، وأجاز في المسألة المتقدمة فيمن اشترى سلعة بعشرة دنانير فقضاه إياها، فكان في وزنها فضل أن يأخذ فيه دراهم بعد الافتراق، ولم يتهمهما (¬1) أن يكونا عملا على ذلك. ¬

_ (¬1) في (ب): (يتهما).

باب [في بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، ومعهما أو مع أحدهما عرض]

باب [في بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، ومعهما أو مع أحدهما عرض] ولا يجوز للرجل أن يشتري دينارين بدينار وعرض؛ لأن ذلك يؤدي إلى التفاضل فيما بين الذهبين، فإن كان قيمة العرض أكثر من دينار كان الذي ينوبه مما أخرج الآخر أكثر من دينار، وإن كانت قيمته أقل كان الذي ينوبه أقل من دينار. وكذلك دينار وعرض بدينار وعرض، أو دراهم بدراهم ومع أحدهما عرض، أو مع كل واحد منهما (¬1) عرض، أو دنانير ودراهم بدنانير ودراهم، كل ذلك حرام وربًا، ويدخله التفاضل بين الذهبين والفضتين؛ لأنه لا بد أن يكون على أحدهما غبنٌ ما (¬2)، وذلك الغبن لا (¬3) يختص بما يقابله من الدنانير، بل ذلك شائع؛ لأنها صفقة واحدة، وعقد واحد. وإن كان من عند أحدهما حلي وعرض، ومن عند الآخر دنانير بانفرادها أو دنانير وعرض- كان ذلك أبين في الفساد ودخول الربا؛ لأن الحلي مما تختلف فيه الأغراض، وليس تحصره القيمة كالدنانير. ¬

_ (¬1) في (ت): (من الدراهم). (¬2) قوله: (ما) ساقط من (ت). (¬3) قوله: (لا) ساقط من (ت).

باب [في بيع السيف المحلي وغيره من آلة الحرب والحلي والمصحف]

باب [في بيع السيف المحلَّي وغيره من آلة الحرب والحلي والمصحف] تقدم ذكر السيف يكون نصله تبعًا لحليته أنه يجري في البيع على أحكام الصرف. واختلف إذا كانت الحلية تبعًا للنصل وهي فضة هل تباع بفضة نقدًا أو تباع بفضة أو ذهب إلى أجل؟ أو كانت ذهبًا، هل تباع بذهب نقدًا، أو تباع بذهب أو فضة إلى أجل؟ على أربعة أقوال: فأجاز مالك وابن القاسم أن يباع بجنس حليته نقدًا، ومنعا أن يباع بفضة أو ذهب إلى أجل، فإن نزل ذلك فُسِخ ورُدَّ، إلا أن يفوت بأن تنقض حليته وتفرق فيمضى ولا يرد (¬1). وقال أشهب في كتاب محمد: يكره، فإن نزل مضى ولا يرد (¬2). وأجاز ذلك ربيعة وسحنون ابتداءً أن يباع بجنس حليته وبغيرها نقدًا وإلى أجل (¬3). قال سحنون: ولو استحقت الحلية ما كان له أن يرجع عنها بشيء؛ لأنه لا حصة لها، وهي كمال العبد (¬4). وقال محمد بن عبد الحكم: لا يجوز عندي أن يباع سيف فيه فضة بفضة ¬

_ (¬1) انظر: المدونة 3/ 22. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 391. (¬3) انظر: المدونة 3/ 23، 24. (¬4) انظر: المدونة 3/ 9.

نقدًا، وإن كانت تبعًا (¬1)، وهو قول عمر وابن عمر - رضي الله عنهما -. قال أنس - رضي الله عنه -: "أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - وَنَحْنُ بَأَرْضِ فَارِسَ أَلَّا تبيعُوا السُّيُوفَ فِيهَا حِلْيَةُ فِضَّةٍ بِدَرَاهِمَ" (¬2). وقال نافع: كان ابن عمر لا يبيع سيفًا ولا سرجًا فيه فضة حتى ينزعها ثم يبيعها وزنًا بوزن (¬3). ولم يختلفوا إذا كانت الحلية منقوضة، وهي تبع أنه لا يجوز أن يباع السيف وحليته بجنسها نقدًا ولا إلى أجل. وأرى إذا كانت الحلية قائمة بنفسها صيغت (¬4) ثم ركبت وسمرت- أن يكون لها حكم المنقوض؛ لأنه ليس في ذلك أكثر من أنها سُمِّرت بمسمار، ولا كبير مضرة في نزعها وردها، وإن كان شيء مُوِّه به في السيف أو شيء أُنْزِل في قائم السيف ويَشُقُّ نزعُهُ: أن يجوز نقدًا وإلى أجل إذا كانت تبعًا. واختلف في حلية الرمح والسكين والترس والفاتخة (¬5)، فمنع ذلك مالك وابن القاسم، قال مالك: وإنما يفعل الناس ذلك على وجه السرف فلا يجوز أن يُعمل، فإن عُمل وكان تبعًا لم يجز أن يباع بما فيه (¬6)، وإن كان نقدًا (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 391. (¬2) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه: 8/ 70، في باب السيف المحلى والخاتم والمنطقة، من كتاب البيوع برقم (14353)، وابن أبي شيبة في مصنفه: 4/ 285، في باب في السيف المحلى والمنطقة المحلاة والمصحف، من كتاب البيوع والأقضية، برقم (20184). (¬3) انظر: المدونة 3/ 24. (¬4) في (ب): (صنعت). (¬5) سبق التعريف بها في كتاب الجهاد، ص: 872. (¬6) قوله: (بما فيه) يقابله في (ت): (بحليته). (¬7) انظر: المدونة 3/ 23.

وقال مالك (¬1) في مختصر ما ليس في المختصر: لا بأس بالحلي في المنطقة. وقال عبد الملك بن حبيب: كل مفضض من المناطق والأسلحة فهو كالسيف، إن كانت فضته تبعًا لثمن الجميع بِيع بفضة نقدًا، وإن لم يكن تبعًا بِيع بذهب نقدًا (¬2). وهذا أشبه؛ لأن ذلك ليس من السرف، كما قال في السيف وغيره. وإنما أجيز ذلك في السيف لما كان من آلة الجهاد؛ لأن فيه إرهابًا على العدو. وكذلك الرمح والترس والفاتخة والسرج واللجام، كل ذلك مما يرهب به على العدو، وقد يُرَى أن ذلك لأنه رجل كبير في قومه، وأن له شجاعة وفضلًا على غيره، ولأن ذلك مما يزيد في قوة نفسه، وألا يُنزِلَ نفسه في القتال منزلة من لا يؤبه له. وأجاز مالك حلية (¬3) المصحف. قال ابن القاسم: ورأيت لمالك مصحفًا محلًى بفضة (¬4). وأجاز مالك في كتاب محمد أن يحلَّى السيف والمصحف والخاتم بالذهب (¬5). وأجازه في المدونة في السيف، فقال: ولا يجوز أن يبيعه بذهب ولا بفضة نسيئة إذا كان فيه شيء من الذهب والفضة قليلًا كان أو كثيرًا (¬6). وقد قيل: إنه لا يحلى بذهب. ¬

_ (¬1) قوله: (مالك) ساقط من (ق 4). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 390. (¬3) في (ق 4): (تحلية). (¬4) انظر: المدونة 2/ 23. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 391. (¬6) انظر: المدونة 3/ 22.

فصل [في بيع المحلى بأحد النقدين بجنس الآخر، والمقدار المعتبر للتبعية في ذلك]

والأول أحسن؛ لأن الفضة لم تجز إلا لم تقدم ذكره من الترهيب، فهو في الذهب أبين. وجاز ذلك في المصحف إعظامًا لكتاب الله عز وجل، وإجلالًا لحرمته. وأجازه مالك في كتاب محمد في الخاتم كان الذهب أقل من الثلث أو أكثر (¬1). فإن كان الذهب أكثر بيع بالفضة، وإن كانت الفضة أكثر بيع بالذهب، فإذا كان الذهب الأكثر لم يجز استعماله إلا للنساء دون الرجال. ولا يجوز أن تحلَّى الأواني بذهب ولا بفضة ولا الأقداح ولا غير ذلك. فصل [في بيع المحلَّى بأحد النقدين بجنس الآخر، والمقدار المعتبر للتبعية في ذلك] واختُلف في الحلي يكون ذهبًا وفضة، أحدهما الثلثان والآخر الثلث، هل يباع بأقل ذلك؟ فمنعه مالك في المدونة (¬2)، وأجازه أشهب (¬3). وهو أقيس، ولا فرق في ذلك بين الحلي والسيف؛ لأن كليهما فُعل بوجه جائز، فإذا رأى أن التبع من ذلك في السيف كاللغو كان في الحلي مثله. ولم (¬4) يختلف في الحلي يكون فيه ذهب وفضة ولؤلؤ وجوهر والذهب والفضة الثلث فأقل، واللؤلؤ والجوهر الثلثان فأكثر- أنه يباع بأقل ذلك كالسيف. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 391. (¬2) انظر: المدونة 3/ 23. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 391، وانظر البيان والتحصيل: 6/ 439، 440. (¬4) في (ت): (ولو لم).

وأرى أن يحتاط فيما يُقدَّر من ذلك كله أنه الثلث؛ لأن كل ذلك على التقدير ليس على التحقيق. وثياب النساء المعلَّمة -بالذهب كالمعتَّق وما أشبهه- في ذلك كالسيف، فإن كان علمه الثلث فأقل جاز بيعه بالذهب، وإن كان أكثر بيع بالفضة يدًا بيد، وهذا في المعتَّقات العراقية؛ لأن ذهبها غير مستهلك (¬1) العين. والشأن فيما قدم منه أن تحرق أعلامه، فيخرج منها الذهب. فأرى أن يباع شيئًا من ذلك بالعراق وأن يسأل أهل المعرفة بصنعة ذلك عما يكون في مثل ذلك من الذهب، فإن قيل: خمسة دنانير، قيل: كم قيمة ذلك الثوب على هيئته بعلمه وصناعته؟ فإن قيل: خمسة عشر دينارًا، بيع بالذهب؛ لأن الزائد للثوب ولصنعة العلم، ولا ينظر إلى قدر الذهب وقيمة الثوب بغير علم؛ لأن الصنعة إن قومت على ذلك لم تدخل في القيمة وأبطل حكمها، وفي ذلك ظلم على المتبايعين، وهي في هذا الموضع كالخياطة. وإن (¬2) بيع شيء من ذلك بموضع لا يعمل فيه ولا يعلم كم قَدْر ما فيه، قيل: بكم يباع لو كان بغير علم، وإذا بيع وفيه ذلك العلم؟ فإن كان يزيد ذلك العلم الثلث فأقل، جاز بيعه بالذهب، وإن كان أكثرة بيع بالفضة، وكل ذلك يدًا بيد. وإنما رُجِعَ في ذلك إلى ما تزيد القيمة؛ لأنها ضرورة لا يقدر على أكثر من ذلك، وإنما يباع بالفضة أحوط، لإمكان أن يكون الذي فيه من الذهب أكثر مما زادت (¬3) القيمة. ¬

_ (¬1) في (ت): (قد يستهلك). (¬2) في (ت): (وأرى أن). (¬3) في (ق 4): (زاد في).

وأما الذي يعمل بالمغرب فهو سمنطر (¬1) لا يخرج منه شيء عند الحرق، وقد يقال: هو في معنى المستهلك من هذا الوجه فيباع بما فيه نقدًا وإلى أجل، ولا يعتبر قدر الذهب، ويصح أن يقال: يعتبر ذلك لأنه الآن موجود قائم العين. وإذا كان الوجه اعتبار ما فيه فإنه يسأل أهل المعرفة بعمله كم يدخل فيه من مثقال ذهب مغزول، ثم يسأل الذين يعملون السمنطر (¬2) كم يدخل في ذلك المثقال من الذهب؟ فإذا علم ذلك نظر إلى ذلك الذهب كم هو، وهل هو الثلث أو أكثر. وهذا أحسن؛ لأنه لو كانت جلودًا بحالها (¬3) لم تغزل بعدُ لم يجز بيعها بالذهب نقدًا، ولا بالفضة إلى أجل؛ لأن المشترَى الذهب الموجود، وهو قائم العين. وكذلك كل ما يعمل في المحاجر، فإنه يعتبر ما فيه من الذهب كما تقدم في الثياب. وأما أزرار جيوبهن فحكمه حكم حلية السيف إذا كانت منقوضة؛ لأنه ليس في ربطه ونزعه كبير أمر، وما كان مما يعملن (¬4) في المرايا والأقفال والصناديق، فحكمها حكم المنزوع؛ لأنه مما لا يجوز استعماله، وكذلك كل ما عمل مما لا يجوز استعماله، فإن حكمه حكم المنزوع. ¬

_ (¬1) قال الونشريسي: هو الذهب المستهلك في الجلود، انظر: المعيار المعرب: 6/ 132. (¬2) في "ت": "الصمنطر". (¬3) في (ب): (تحالها). (¬4) في (ت): (يعملون).

باب [في الاستحقاق في الصرف]

باب [في الاستحقاق في الصرف] وقال ابن القاسم فيمن اشترى إبريق فضة بدراهم أو بدنانير فاستحقت الدراهم أو الدنانير: إن الصرف منتقض (¬1). قال الشيخ: وكذلك إذا استحق الإبريق ينتقض الصرف أيضًا، فإن رضيا جميعًا على مثل ذلك الإبريق أو على فضة أو دراهم جاز ذلك؛ لأن البيع كان على شيء بعينه، وقد انفسخ الصرف باستحقاقه، وما تراضيا عليه الآن فهو صرف حادث. وكذلك إذا استحقت الدنانير أو الدراهم، وكان البيع على أعيانها، فالصرف منتقض باستحقاقهما (¬2)، والتراضي على مثلها جائز؛ لأنه صرف حادث. وإن لم تكن بأعيانها كان أخذ العوض عنها على القولين في البدل، فمن أجاز البدل أجاز هذا أن يعطي عوضها بالحضرة (¬3)، ويجبر الآخر على قبولها، ومن لم يجز البدل لم يجز هذا أن يعطي عوضها، وإن رضي الآخر بذلك لم يجز. وإن كان الصرف دنانير بأعيانها بدراهم بأعيانها فاستحق أحدهما، انفسخ الصرف، وسواء كان الاستحقاق قبل الافتراق أو بعده. وإن دعي (¬4) من استحق ذلك من يده إلى خلفه لم يجبر الآخر على ذلك، ¬

_ (¬1) انظر: المدونة 3/ 24. (¬2) في (ق 4): (واستحقاقهما). (¬3) في (ق 4): (وإن لم يكن بالحضرة). (¬4) في (ب): (ادعى).

فصل [في استحقاق المصوغ في عقد الصرف]

وإن رضي بائع المستحق أن يخلفه لم يجبر الآخر على قبوله، وإن رضيا جميعًا هذا بخلفه، وقبِل الآخر جاز ذلك، وسواء كان ذلك الاستحقاق قبل الافتراق أو بعده. فإن كان الصرف على غير معين، والاستحقاق قبل الافتراق، والمثل حاضر مع بائع المستحق- أُجبِر على أن يعطي مثل ما استحق، وإن استحق ذلك بعد الافتراق انفسخ الصرف، ولا يجوز أن يتراضيا على مثل المستحق؛ لأنه إنما يدفع الآن ما كان حقه أن يدفعه يوم كان الصرف بذلك فاسدًا إلا على قول (¬1) من أجاز البدل فيجوز. وإن دُعي إلى ذلك أحدهما، وكره الآخر، أُجبر من أبى على أن يتم الصرف. فصل [في استحقاق المصوغ في عقد الصرف] وقال ابن القاسم فيمن صارف خلخالين فضة بدراهم أو بدنانير فاستحقَّا، فأراد المستحق أن يجيز الصرف فيهما، ويأخذ الثمن الذي بيعا به: إنه يجوز ذلك إذا لم يفترقا البائع لهما والمشتري، ولم تغب الخلخالان، فإن افترقا فلقي البائع، فأراد أن يأخذ منه الثمن- لم يجز ذلك لغيبة الخلخالين، وإن لقي مشتريهما فأراد أن يجيز ويدعهما، ويتبع البائع بالثمن- لم يجز لأجل غيبة الثمن، وإن رضي المشتري أن يدفع ثمنًا آخر من عنده ويتبع هو من كان باع منه بالثمن الذي دفع إليه- جاز (¬2). ¬

_ (¬1) قوله: (قول) ساقط من (ب)، ويقابله في (ت): (وجه). (¬2) انظر: المدونة 3/ 25.

فجعل إجازة المستحق كابتداء صرف منه، فيجوز إذا لم يفترقا ويمنعان (¬1) بعد الافتراق. وقد اختلف في هذا الأصل فيما كان فيه خيار فأجيز الآن: فقيل: يكون كأنه أجيز يوم كان عقد. فعلى هذا يجوز للمستحق إذا أجاز أن يأخذ الثمن وإن غاب الخلخالان، ويجوز إذا غابا أن يدعهما ويتبع بالثمن قابضهما. وقال أشهب في الإجازة قبل الافتراق ذلك استحسان، قال: والقياس أنه مفسوخ؛ لأنه صرفٌ فيه خيار (¬2). والمعروف من قوله خلاف هذا؛ لأنه قال في العبد يتزوج حرة (¬3) بغير إذن سيده ويدخل بزوجته ثم تزني تلك الزوجة: إنَّ رجمَها موقوفٌ على إجازة السيد، فإن أجاز نكاحَه الآن (¬4) كانت محصنة ورُجِمَت، وإن لم يجزه لم تُرجم وحُدَّت حدَّ البِكر. ورأى أنه إذا أجيز الآن، فإنه لم يزل منعقدًا من يوم عقد. فعلى هذا يجوز أن يجوَّز (¬5) الصرف إذا أجازه المستحق، وإن افترقا وغاب الخلخالان؛ لأنه (¬6) لا يراه كالمبتدئ من الآن، ولأن الخيار في النكاح غير جائز، فإذا أجاز أن يجاز بعد طول المدة والدخول لما كان الخيار مما لم يدخلا عليه، فإنما أوجبته الأحكام لحق السيد- جاز مثل ذلك في الصرف؛ لأنهما في الاستحقاق لم يدخلا على خيار. ¬

_ (¬1) في (ت): (ويبيعان). (¬2) انظر: المدونة 3/ 25، وانظر: النوادر والزيادات 5/ 375. (¬3) قوله: (حرة) ساقط من (ق 4). (¬4) قوله: (الآن) ساقط من (ت). (¬5) قوله: (أن يجوز) ساقط من (ق 4). (¬6) قوله: (لأنه) ساقط من (ت).

باب [في البيع على تسمية دنانير أو دراهم]

باب [في البيع على تسمية دنانير أو دراهم] وإذا صارف رجل رجلًا دراهم بدنانير كل عشرين درهمًا بدينار، أو باعه سلعة بدنانير والدنانير التي يتصرف بها في البلد بين الناس مختلفة السكك- كان ذلك فاسدًا، إلا أن يكون الثمن فيما يباع به ذلك، أو الغالب فيما يتصرفون به سكة منها وغيره قليل ونادر، فيجوز ويحملان على الغالب من ذلك (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة 3/ 25.

باب [فيمن صرف بعضا من دينار أو نقرة أو دراهم]

باب [فيمن صرف بعضًا من دينار أو نقرة أو دراهم] وقال مالك فيمن صرف من رجل نصف دينار جميعه له، وسلم الدينار إلى مشتري نصفه منه (¬1): لم يجز؛ لأن يد المصرف لم ترتفع عن الدينار الذي دفع فيه الصرف. وإن صرف جميع الدينار من رجلين وسلمه إليهما جاز (¬2)؛ لأن يد المصرف ارتفعت، وإنما بقيت الشركة بين المشترين. ومثله إذا كان دينار شركة بين رجلين فصرف أحدهما نصفه من غير شريكه جاز ذلك؛ لأن يد المصرف ارتفعت عن نصيبه منه، وإنما الشركة الآن بين المشتري والشريك. وقد اختلف في هذه المسائل الثلاث: فقال أشهب في كتاب محمد: يجوز أن يشتري نصف خلخال فضة بوزنه فضة إذا سلم جميع الخلخال. قال محمد: ورآه قبْضًا. قال: وروي لنا عن أشهب عن مالك خلافه في النقرة (¬3). فأجاز أشهب صرف بعض الخلخال. وعلى هذا يجوز صرف بعض الدينار. قال الشيخ - رضي الله عنه -: وأن يجوز أحسن في الدينار والخلخال؛ لأن الذي وقعت عليه المصارفة قد قبض وقبض ثمنه وتناجزا فيه، وهو صرف (¬4) نصف الدينار، وإنما بقي بينهما ما لم تقع فيه مصارفة. ¬

_ (¬1) قوله: (منه) ساقط من (ب). (¬2) انظر: المدونة 3/ 26. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 379. (¬4) قوله: (صرف) ساقط من (ق 4).

ولو صرف رجل خمسمائة درهم من كيس فيه ألف درهم، وهو حاضر لوزنه، فسلم جميعه، ولم يقبض نصيبه منه بالحضرة- جاز؛ لأنهما قادران على قسمته بالحضرة قبل الافتراق، فتركه المقاسمة رضًا بالشركة بعد صحة المصارفة. ولو صرف نصف نقرة جميعها له من رجل وسلمها إليه لم يجز ذلك عند مالك (¬1)، والنقرة بخلاف الدراهم، وهي كالدينار؛ لأنه لا يقدر على أن يقبض نصيبه منها بالحضرة، إلا أن يقوما إلى من يقسمها بينهما، وقيامهما لذلك كقيامهما إلى قسمة الدينار بالصرف. وأجاز في المدونة أن يصرف الرجل الدينار من رجلين وإن بقيا فيه على الشركة (¬2). ومنعه محمد إلا أن يكونا شريكين في الدراهم (¬3). وأما إن صرف رجلان دينارًا من رجل جاز قولًا واحدًا؛ لأنهما يقدران على قسمته بالحضرة إن أحبَّا، وهي الدراهم. وقال مالك في كتاب محمد: لا بأس أن يبيع النقرة من رجلين، وينقلب بها أحدهما دون صاحبه (¬4). ولا يصلح أن يبيع نصف نقرة، وإن سلمها كلها وأجراها على حكم الدينار لما كان لا يقدر على أخذ نصيبه منها بالحضرة، ومنع إذا كان له فيها ¬

_ (¬1) انظر: المدونة 3/ 26. (¬2) انظر. المدونة 3/ 26. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 380. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 379، والبيان والتحصيل: 6/ 455.

نصيب أن يبيع نصيبه من غير شريكه، ورأى أن المناجزة لم تصح، وأجازه أشهب (¬1). وهو أحسن في هذه وفي الذي صرف الدينار من رجلين؛ لأن يد المصرف قد ارتفعت، ولم يبق بينه وبين من صرف منه معاملة. ولو كان رجلان شريكين في دينار أو حلي أو دراهم أو نقرة فباع أحدهما نصيبه من ذلك من شريكه بمثل وزنه- جاز في الدينار والحلي، وهي كالمرطلة. واختلف في النقرة، فروى ابن القاسم عن مالك الجواز (¬2). وروى عنه أشهب المنع وأن تقسم (¬3). وقيل: الوجه في ذلك لأنها إذا قسمت نقصت، فكان الذي يأخذ الآن فوق الوزن الذي يصح فيها بعد المقاسمة. والأول أحسن؛ لأن النقص لم يكن بعد وهو يسلم النصف على وفائه في الوزن لم ينقص منه شيء، ويجوز ذلك في الدراهم إذا كانت وزنت بالحضرة، وأعطى وزنها بتلك الصنجة وإن كان تقدم بصنجة ثم وزنها بغيرها، لإمكان الاختلاف ما بين الوزنين، وهو معنى قول أشهب في الدراهم. وإن باع نصيبه من غير شريكه بمثل وزنه مُنع في كل ما لا ينقسم من الدينار والحلي والنقرة، لأجل المناجزة ليس لأن في ذلك تفاضلًا، وعلى القول المتقدم في جواز صرف بعض خلخال بوزنه- يجوز جميع ذلك مثل ما لو بيع ¬

_ (¬1) انظر: المدونة 3/ 26. (¬2) انظر: المدونة 3/ 26. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 42.

بغير جنسه، ويجوز ذلك في الدراهم؛ لأنها تنقسم. وفي كتاب محمد في رجل دفع دينارًا إلى رجلين صارف أحدهما في فصفه، ودفع نصفه إلى الآخر هبة أو قضاء من دَيْنٍ، لم يجز ذلك (¬1). ومثله إذا دفع ثلثيه قضاءً من دَيْنٍ، ثلثًا لكل واحد، وصارف أحدهما في ثلثه لم يجز ذلك، قال: ولو صرف ذلك الثلث منهما جميعًا جاز ذلك (¬2). قال الشيخ: المنع في هذين السؤالين على أحد القولين في منع صرف دينار من رجلين، وعلى القول الآخر يجوز ذلك كله؛ لأنه لم يبق لدافع الدينار عليه يد ولا بينه وبين من صرف منه معاملة، وإنما بقيت الشركة بين المشتري لنصف الدينار وبين من قبض النصف الآخر هبة أو قضاء. وعكسه أن يكون لرجل على رجلين دَيْنٌ ثلثا دينار، ثلث على كل واحد منهما، فأخذ منهما (¬3) دينارًا وصرف الثلث الباقي، فإن كان الدينار شركة بين الغريمين، أو كان لأحدهما ثلثاه فصرف منه الثلث والباقي قضاء جاز ذلك (¬4). واختلف إذا كان جميع الدينار لأحد الغريمين، فدفع ثلثيه قضاءً عن نفسه وعن صاحبه، وصارف في الثلث الآخر، فقال: ذلك جائز، بمنزلة أن لو كان على رجل نصف دينار فدفع إليك غيره دينارًا، وأخذ منك بقيته دراهم، كان ذلك جائزًا. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 381. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 379، 380. (¬3) قوله: (فأخذ منهما) يقابله في (ت): (فدفع إليه). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 380.

قال محمد: لا يعجبني قوله في الغريمين إذا صارف (¬1) في الثلث أو دفع فيه عرضًا؛ لأن دافع الثلث يمكن أن يزيده الآخر في الصرف ليضمن له عن صاحبه الثلث الباقي، فيدخله ضمان بجُعْل (¬2). قال الشيخ: القول الأول أحسن، إلا أن يكون الذي قضى عنه الثلث فقيرًا أو مليًا، وتبين أنه زاده في الصرف، وكذلك الذي قضى عن غيره نصف دينار وصارف في الدراهم- ذلك جائز إذا لم يزده في الصرف، وإن دفع عن الثلث أو النصف عرضًا لم يجز، ودخله البيع والسلف؛ لأن العرض يدخله في القيمة (¬3) الزيادة والنقص، وليس كذلك الصرف؛ لأنه معروف لا يختلف وقت دفع ذلك، فإن وجدت المصارفة ولا زيادة فيها حمل على أنه قصد المعروف. قال: ولو كان لك على رجل نصف دينار فدفع إليك دينارًا على أن تحيله على فلان بنصف دينار لك عليه- لجاز؛ لأنك لم تأخذ منه ولم تعطه (¬4). قال الشيخ: وقد اختلف في هذا فيمن أسلف دنانير (¬5) أو دراهم ليحال بمثلها. ¬

_ (¬1) في (ق 4)، و (ب): (صارفا). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 380. (¬3) في (ق 4): (القيم). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 381. (¬5) قوله: (أسلف دنانير) يقابله في (ت): (له دينارًا).

باب في المتصارفين يزيد أحدهما الآخر بعد انعقاد الصرف شيئا نقدا أو إلى أجل

باب في المتصارفين يزيد أحدهما الآخر بعد انعقاد الصرف شيئًا نقدًا أو إلى أجل وإذا صرف رجل دينارًا بدراهم ثم قال قابض الدراهم: استرخصت فزدني، فزاده درهمًا أو عرضًا نقدًا أو إلى أجل، جاز ذلك، وسواء أعطاه ذلك هبة أو قرضًا، ولا يتهمان على أيهما عملا على ذلك (¬1). فإن زاده درهمًا ثم وجده زائفًا، فإن كان معينًا، فقال: أزيدك هذا، لم يكن عليه أن يبدله، وإن التزم ذلك ولم يعيِّنه كان عليه أن يبدله، فإذا انتقض الصرف لفساد في العقد أو تقايلا فيه بالطَّوع رُدَّت تلك الزيادة قائمة أو فائتة، وحكمها حكم الثمن (¬2). ولو قال: هذا هبة لمكان الصرف، لم يرجع في تلك الهبة إذا تقايلا فيه، ورجع فيه إذا وجد الصرف فاسدًا (¬3). والفرق بين السؤالين أن قوله: استرخصت فزدني، أي: فزدني في الثمن، فألحقها بالثمن، فجرى مجراه، والثاني لم يلحقه بالثمن، وقد مضى ذلك في كتاب النكاح الثاني إذا زاد المرأة في صداقها أو وهبها ولم يزد في الصداق ثم طلق، أو وجد النكاح فاسدًا والهبة فائتة أو قائمة العين ولم تتغير أو تغيرت. ¬

_ (¬1) المدونة: 3/ 27. (¬2) المدونة: 3/ 27. (¬3) المدونة: 3/ 27.

باب في المصطرفين يجد أحدهما نقصا في الوزن أو العدد

باب في المصطرفين يجد أحدهما نقصًا في الوزن أو العدد النقص في الصرف على وجهين في العدد وفي الوزن، وهو في الوزن على وجهين: أحدهما: أن تكون الدنانير مجموعة. والثاني: أن تكون عددًا كالقائمة والفرادى، فيجد كل دينار ناقصًا عن الوزن المعتاد. فإن انعقد الصرف على مائة دينار عددًا أو على الوزن إلا أنها غير معينة، فوجد تسعة وتسعين، كان فيها ثلاثة أقوال: فقيل: الصرف ينتقض، قام بحقه في ذلك النقص أو لم يقم، وهو المشهور من المذهب. وقيل: إن لم يقم بحقه في ذلك النقص ثبت الصرف، وإن قام به فسد كالزائف، قاله أشهب في كتاب محمد إذا وجد الدراهم دون ما وقع عليه الصرف، وحكاه عن مالك (¬1). وهو أيضًا ظاهر ما قاله في المدونة، قال: قال مالك: إذا وجد في الدراهم نقصًا فرضيها فذلك جائز، وهي مثل الزيوف (¬2). ويجري فيها قول ثالث: أن يقوم بحقه في النقص، ويبطل من الصرف ما ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 373. (¬2) انظر: المدونة 3/ 28، 29.

يقابل ما بقي عند الصراف من عدد أو وزن. وقاله محمد فيمن اشترى مائة دينار فنقصت دينارًا فافترقا على أنه يأتيه به، قال: لا ينتقض إلا صرف دينار (¬1). وكذلك لو انعقد الصرف على مائة بعينها فقبض تسعة وتسعين وبقي منها دينار عند بائعها، فالجواب على ما تقدم، ولو لم يبق عند بائعها منها شيء، وإنما قال: أبيعك هذه المائة وهي قائمة فعداها، أو مجموعة فوزناها وانصرفا على أنها مائة، فتبين لهما أنهما غلطا في العدد أو في الوزن بدينار لم يبطل من الصرف إلا بقدر ذلك الدينار. وحكم النقص في معنى حكم الزائد؛ لأنهما لو علما قبل الافتراق لصح الصرف في الوجود من غير خيار لواحد منهما في ذلك، وردَّ من الدراهم بقدر ما قابل الدينار، وإذا كان ذلك قائمًا انصرف قابض الدراهم بزائد على حقه. وإن كان الصرف على قائمة أو فرادى أو ما أشبه ذلك مما الصرف فيه على العدد، فوجد بعضها تنقص عن الوزن المعتاد- كان كالزائف، إن تمسك به ولم يقم صح الصرف، وإن رده دخل الخلاف المتقدم: هل ينفسخ ما ينوبه أو جميع الصرف؟ ولو كانت المصارفة دنانير أو دراهم بفلوس فوجد زائفًا في شيء من الدنانير أو الدراهم أو الفلوس أو تأخر شيء من العدد- لم ينتقض الصرف، ورجع بقدر الزائف (¬2) ويقبض (¬3) ما تأخر من العدد، لقوة الخلاف في الفلوس ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 373. (¬2) في (ب): (الزائد). (¬3) في (ق 4): (وينتقض).

فصل [في مبادلة أنواع الذهب وبيع بعضها ببعض، ووجود العيب فيها]

هل يجري على حكم الصرف أو لا (¬1)؟ فصل [في مبادلة أنواع الذهب وبيع بعضها ببعض، ووجود العيب فيها] وقال ابن القاسم فيمن اشترى دنانير منقوشة مضروبة ذهبًا أو إبريزًا أحمر بتبر أصفر، ثم أصاب من صارت إليه الدنانير عيبًا: لم يكن له أن يردَّ؛ لأن الذي في يديه من الدنانير أفضل مما خرج منها، وإن أصاب الآخر بالتبر عيبًا كان له أن يردَّ، وإن كان ذَهَبُ الدنانير أدنى كان لكل من أصاب منهما عيبًا أن يرد به (¬2)؛ لأن هذا فضل ذهب وللآخر فضل سكَّة (¬3). وكذلك الحلي بالتبر، فإن كان التبر أجود كان لكل من أصاب منهما عيبًا أن يرد به، وإن كان ذَهَبُ الحلي مثل ذهب التبر أو أجود، لم يكن لمن الحلي في يده أن يردَّ، ولمن التبر في يديه الردُّ. وإن كان الصرف دنانير بحلي كان لكل من وجد منهما عيبًا أن يرد به، وسواء كان الذهبان سواء أو مختلفين؛ لأن الغرض في السكة من الصنعة مختلف. ¬

_ (¬1) قوله: (أو لا) ساقط من (ق 4). (¬2) قوله: (به) ساقط من (ق 4). (¬3) انظر: المدونة 3/ 44.

باب فيما يقضى به لمن باع ببعض دينار

باب فيما يقضى به لمن باع ببعض دينار وإذا باع سلعة بنصف دينار أو بدينار، فوهب له نصفه لم يحكم على الغريم فيه إلا بدراهم بصرف يوم القضاء، إلا أن يشاء الغريم أن يأتي بدينار ويكونان شريكين فيه، فلا يكون للطالب في ذلك مقال؛ لأن دفع الدراهم من حق الغريم لا عليه لتغليب أحد الضررين؛ لأنه لو كُلِّفَ أن يأتي بدينار فأحضره، ثم دعا الغريم إلى المفاصلة فيه بشركته، كان ذلك له وصرفاه بالحضرة، فلم يحصل له من الدراهم سوى ما قضي له به. وقال محمد فيمن له على رجل نصفا دينار من شيئين كل دَيْنٍ نصف دينار، فإنه يحكم للطالب بدينار صحيح (¬1). وهذا مما يبين ما تقدم، أن الأول إنما أغرم دراهم؛ لأنه لا فائدة في إغرامه النصف ذهبًا فلما كان له نصفان أخذه صحيحًا. وقال محمد فيمن له ثلاثة أرباع دينار أو عشرون قيراطًا ذهبًا: حكم له بدراهم، وإن كان دينارًا إلا قيراطًا أو إلا قيراطين حكم له بدينار (¬2). يريد: ويعطي الغريم ما ينوب القيراطين، ليس له أن يأخذ دينارًا ينقص قيراطًا، إلا أن يكون ذلك (¬3) النقص ليس بعيب، فإنه يعطيه بوزن ما له عليه. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 395. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 395. (¬3) قوله: (ذلك) ساقط من (ق 4).

باب في بيع الذهب والفضة جزافا

باب في بيع الذهب والفضة جزافًا بيع الذهب والفضة جزافًا جائز إذا كان تبرًا أو نقارًا أو حليًا مصوغًا، ولا يجوز إذا كان دنانير أو دراهم يتبايع عددًا بغير وزن (¬1). واختلف إذا كانت تباع على الوزن بالمنع والكراهية: فقال أبو الحسن ابن القصَّار: كره مالك بيع الدنانير والدراهم جزافًا (¬2). وقال في موضع آخر: قول مالك على طريق الكراهية. وقال محمد بن عبد الحكم: إذا بيعت جزافًا لم أرَ أحدًا من أصحابنا يجترئ على فسخ البيع فيها. وهذا هو الصحيح، أن لا فرق بين التبر والنقار والمسكوك، فإن لم تكن العادة في بيع شيء من ذلك جزافًا- لم يجز، وإن كانت لهم عادة حتى صاروا يعرفون حَزْر ذلك ولا يخطئوا الحزْر فيه عن الوزن إلا يسيرًا جاز، وإن كان يتفاوت لم يجز في تبر ولا مسكوك. فأجاز محمد أن يباع الحلي المحشو جزافًا ما لم يعلم البائع وزنه فيكتمه (¬3). يريد: إذا كان هناك دليل يدلُّ على ما فيه، إما لأنهم قطعوا طرفًا منه ليستدل به على كثافته من رقته أو بغير ذلك وإلا لم يجز؛ لأن الغرر فيه يعظم، وقد يستخف ذلك في الخاتم إذا كان ذهبه أو فضته تبعًا للفص؛ لأن ¬

_ (¬1) انظر: المدونة 3/ 31. (¬2) انظر: عيون المجالس: 3/ 1435. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 393.

الغرر فيه يخف. وهذا في بيع أحد الذهبين بغير جنسه، الذهب بالفضة، أو أحدهما بعرض، فإن كان جنسًا واحدًا -ذهبين أو فضتين- لم يجز أن يباع أحدهما بالآخر جزافين (¬1) ولا جزافًا بوزن. ¬

_ (¬1) في (ت): (جزافان).

باب [فيمن استقرض دنانير أو دراهم أفضل أو أوزن أو أكثر]

باب [فيمن استقرض دنانير أو دراهم أفضل أو أوزن أو أكثر] ويجوز لمن استقرض دراهم أن يقضي أفضل عينًا وأفضل فضة إذا كان الوزن سواء، وإن كان الفضل في الوزن أو العدد كان على ثلاثة أوجه: فإن كان القرض مائة درهم عدد، أو وزن كل درهم نصف درهم فقضي مائة وازنة- جاز. وإن كان زاده في العدد فقضى مائة درهم ودرهمًا أو أكثر من ذلك كره، وإن كانت الأولى بميزان جاز الرجحان إذا كان يسيرًا، ويكره ما أكثر من ذلك، وهذا قوله في المدونة (¬1). وأجاز عيسى بن دينار عند ابن مزين ذلك في العدد والوزن من غير مراعاة لقلة ولا غيرها. قال: وأخبرني ابن وهب: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في السلف أكثر عددًا. وأجاز أبو محمد عبد الوهاب مثل ذلك أن يقضي أفضل صفة (¬2) وأكثر عددًا (¬3). وهذا هو الصحيح (¬4)، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَّهُ اسْتَقْرَضَ بَكْرًا، فقضي جملًا خيارًا رَبَاعِيًّا، ثم قال: "إنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ أَحْسَنكُمْ قَضَاءً" (¬5)، فبان ¬

_ (¬1) انظر: المدونة 3/ 31. (¬2) في (ت): (فضة). (¬3) انظر المعونة: 2/ 35. (¬4) زاد في (ق 4): (مِن أَخْذِه). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 809، في باب وكالة الشاهد والغائب، من كتاب الوكالة =

فصل [في اختلاف القرض والقضاء]

بهذا أن النهي عن سلف جر منفعة فيما كان بشرط، وأنه لا بأس به إذا لم يشترط على أي وجه كان، قياسًا على فعله، ولعموم قوله: "فَإِنَّ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً" فمن زاد في العدد أو في الوزن فيما كان أخذه على الوزن فقد أحسن القضاء. وقال مالك في كتاب محمد: إذا قضى أكثر عددًا فلا خير فيه وإن صح؛ لأنه ذريعة للحرام (¬1). فأخبر أن ذلك ليس بحرام إنما هو حماية، والحماية في العدد والوزن واحد إذا كان القرض مائة ووزن كل درهم منها نصف، فقضى كل درهم وازنًا. فصل [في اختلاف القرض والقضاء] وإذا اختلف القرض والقضاء، وكان الفضل من أحدهما من المقرض أو المستقرض- جاز ذلك، وإن كان من (¬2) كل واحد منهما فضل واختلف الوزن لم يجز، وإن اتفق الوزن كان على القولين في القضاء، هل هو كالمراطلة؟ مثال ذلك: أن يستقرض مائة وزنها نصف نصف (¬3)، ويقضيه مائة وازنة، فإن كانت الفضة والسكة سواء، أو كانت الفضة (¬4) أجود أو السكة- جاز ذلك. ¬

_ = برقم (2182)، ومسلم: 3/ 1224، في باب من استلف شيئًا فقضى خيرًا منه، من كتاب المساقاة، برقم (18/ 1600)، واللفظ لمسلم. (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 366. (¬2) في (ت): (على). (¬3) قوله: (نصف) ساقط من (ت). (¬4) زاد في (ب): (في الوازنة).

وإن كانت إحداهما أدنى -الفضة أو السَّكَّة- والأخرى أجود لم يجز، ودخله الرِّبا والتفاضل في الوزن؛ لأن المقرض حينئذٍ ترك فضل فضته أو سكَّته لمكان فضل وزن دراهم (¬1) الآخر. وإن قضاه خمسين درهمًا وازنة وهي أجود فضة أو سكة جاز على أحد القولين؛ لأن الوزن واحد، فصار كالمراطلة. وإن كانت الخمسون منها (¬2) وزن كل درهم منها نصف أو ربع جاز ذلك؛ لأن المقرض يأخذ دون حقه، والتفاضل من ناحيةٍ واحدة، إلا أن تكون هذه الخمسون أطيب فضة وأنفق سكة فلا يجوز، ويدخله الرِّبا؛ لأن المقرض ترك فضل العدد لموضع ما أخذ من جودة الفضة والسكة. وإن كان وزن كل درهم أكثر من درهم لم يجز؛ لأن فضل الوزن لموضع فضل العدد، وعلى هذا يجري الجواب في الذهب. وأما الطعام -القمح والشعير وما أشبه ذلك- فالفضل فيه في القضاء من وجهين: الصفة والكيل، فإن قضى أفضل صفة جاز، وإن قضى أكثر كيلًا جاز إذا كان يسيرًا على قول ابن القاسم (¬3)، وعلى القول الآخر يجوز وإن أكثر. ¬

_ (¬1) قوله: (دراهم) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (منها) ساقط من (ت) و (ب). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 366.

فصل [في قضاء المحمدية من اليزيدية، واليزيدية من المحمدية، وقضاء المحمولة من السمراء، والسمراء من المحمولة]

فصل [في قضاء المحمدية من اليزيدية، واليزيدية من المحمدية، وقضاء المحمولة من السمراء، والسمراء من المحمولة] ومن اقترض (¬1) مائة درهم يزيدية فقضاه مائة محمدية جاز ذلك قبل الأجل وبعده، فإن قضاه تسعين محمدية لم يجز قبل الأجل ولا بعده؛ لأن المحمدية أفضل فكان القابض قد ترك وزن اليزيدية لموضع فضل عيون المحمدية وذلك ربًا. وإن كان القرض مائة محمدية فقضاه مائة يزيدية جاز ذلك بعد الأجل ولم يجز قبله، ويدخله "ضع وتعجل". فإن قضاه مائة وعشرة يزيدية، لم يجز قبل الأجل ولا بعده. ومن أقرض رجلًا مائة إردب سمراء، فقضاه مائة محمولة، جاز بعد الأجل، ولم يجز قبله. وإذا كان القرض مائة محمولة فقضاه مائة سمراء جاز ذلك بعد الأجل، واختلف فيه إذا لم يحل الأجل، فقيل (¬2): ذلك جائز؛ لأن السمراء أجود وقد تعجل ما هو أفضل (¬3). وقيل: لا يجوز؛ لأنها مما تختلف فيه الأغراض، والمحمولة قمح مصر ¬

_ (¬1) في (ت): (وإن اقترض)، وفي (ق 4): (ومن أقرض). (¬2) في (ت): (فقال). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 33، وما بعدها.

وزريعته، فقد يفضل (¬1) للحاجة إلى ذلك عند (¬2) الزريعة. والأول أحسن؛ لأن السمراء أفضل وأغلى إلا أن يكون دفع السمراء عندما احتيج إلى المحمولة. ¬

_ (¬1) في (ق 4): (يزيد). (¬2) في (ت)، و (ق 4): (عن).

باب في الدنانير القائمة والأفراد والمجموعة والحلي والتبر والقمح والدقيق يقتضى بعضه من بعض

باب في الدنانير القائمة والأفراد والمجموعة والحلي والتبر والقمح والدقيق يقتضى بعضه من بعض الدنانير القائمة والأفراد والمجموعة في القضاء على ثلاثة أقسام: فتجوز القائمة والأفراد والمجموعة (¬1) أن يقتضى (¬2) بعضها من بعض من غير مراعاة لأيهما تقدمت في الذمة. ولا يجوز في الأفراد والمجموعة أن يقتضى بعضها من بعض على كل (¬3) حال. ويجوز أن تقتضى القائمة من المجموعة، ولا تقتضى المجموعة من القائمة، هذا قوله في الكتاب (¬4). والصواب أن تقتضى المجموعة من القائمة، كما يجوز أن تقتضى القائمة منها، والقائمة يزيد كل دينار منها حبة على الوازن، والأفراد ينقص كل دينار منها حبة عن (¬5) الوازن (¬6)، فجاز أن تقتضى إحداهما من الأخرى (¬7)؛ لأن ¬

_ (¬1) قوله: (والمجموعة) ساقط من (ق 4) و (ب). (¬2) في (ق 4): (يقضي). (¬3) قوله: (كل) ساقط من (ق 4). (¬4) انظر: المدونة 3/ 35. (¬5) في (ب): (على). (¬6) في (ت): (الوزن). (¬7) في (ب): (الآخر).

الفضل من ناحية صاحب القائمة وهو أحسن القضاء، إن أخذت من (¬1) الأفراد، ومسامحة من المقتضي إن تركها وأخذ الأفراد إلا أن تكون القائمة أقل عددًا فتدخله مبايعة؛ لأنه ترك فضل أعداد الأفراد لموضع فضل (¬2) عيون القائمة وذلك ربًا. والمجموعة مختلفة الوزن، منها ما ينقص قيراطًا وأقل وأكثر، ويدخل فيها ما وزنه نصف وثلث إلا أن الوزن يجمعها، فمن كانت له مائة مجموعة أخذ مائة بالصنجة فيدخلها مع الأفراد المبايعة؛ لأن للأفراد فضل عين وللمجموعة فضل وزن، فجعلا فضل العين لموضع فضل الوزن وذلك ربًا، إلا أن يسقط فضل وزن المجموعة ويأخذ الأفراد بوزن المجموعة سواءً فيجوز، ويصير الفضل من ناحية واحدة وهو من صاحب الأفراد، إلا أن يكون لكثرة العدد عندهم فضل فيجوز على القول أن الاقتضاء كالمراطلة. وأما القائمة والمجموعة فيجوز أخذ بعضها عن بعض إذا لم يكن لكثرة العدد عندهم فضل؛ لأن الفضل لصاحب القائمة، فإن أخذت عن المجموعة كان حُسنُ قضاءٍ من الغريم، وإن أخذت المجموعة عنها كانت تجاوزًا من القابض؛ لأنه أخذ ما هو أدنى في الوزن والعين، وإن كان للعدد عندهم فضل (¬3) لم يجز أيهما تقدم في الذمة أو تأخر؛ لأن في مقابلة فضل وزن القائمة وفضل عينها فضل عدد المجموعة، وذلك ربًا لأنها مبايعة، وليست بمعروف إلا أن يتساويا في الوزن. ¬

_ (¬1) في (ت) و (ق 4): (عن). (¬2) قوله: (فضل) ساقط من (ب). (¬3) قوله: (فضل) ساقط من (ت).

وأجاز ابن القاسم إذا أسلف قائمة بمعيار، أو باع بقائمة وزنها كذا وكذا أن يقضي مجموعة بمثل ذلك الوزن، وإن كانت المجموعة أكثر عددًا (¬1)، وهذا هو أحد القولين أن الاقتضاء كالمراطلة. ومدار هذه المسائل وما بعدها على ثلاث (¬2): فمتى كان الفضل من جنبة (¬3) واحدة جاز؛ لأن ذلك تفضل من الدافع أو القابض، وإن كان لكل واحد منهما فضل سَكَّة أو ذهب واختلف الوزن، حرم. وإن استوى الوزن كان على قولين في الاقتضاء هل هو كالمراطلة؟ وعلى هذا يجري الجواب في الدنانير و (¬4) التبر إذا اقتضى التبر عن الدنانير أو الدنانير عن التبر. فإن كان التبر أفضل وزنًا حرم؛ لأن فضل الوزن لموضع فضل السكة، وإن استوى الوزن وجودة الذهب أو كان ذهب التبر أدنى أو كان التبر أقل وزنًا وأدنى جودة- جاز؛ لأن الفضل من صاحب الدنانير وحده. وإن كان التبر أجود نظرت إلى الوزن، فإن كان سواءً جاز على أحد القولين (¬5) إنه كالمراطلة، وإن كان التبر أقل وزنًا لم يجز، وكان ربًا؛ لأن فضل وزن الدنانير وفضل السكة في مقابلة جودة الذهب. ومثله الحلي والتبر، فإن كان التبر أكثر لم يجز، وسواء كان في الجودة مثل ذهب الدنانير أو أجود أو أدنى. وإن استوى الوزن والجودة، أو كان التبر أدنى أو أقل وزنًا جاز؛ لأن ¬

_ (¬1) انظر: المدونة 3/ 35. (¬2) قوله: (ثلاث) ساقط من (ت). (¬3) في (ب): (جهة). (¬4) قوله: (الدنانير و) ساقط من (ت). (¬5) في (ب)، و (ق 4): (على القول).

الفضل من ناحية صاحب الدنانير، وإن كان ذهب التبر أجود وهو أقل وزنًا لم يجز، وإن كان مثل وزن الدنانير جاز على أحد القولين إنه كالمراطلة. وإن كان دنانير أو حليًّا واختلف الوزن لم يجز بحال؛ لأن السكة والصياغة كالعرضين وهما مما تختلف فيهما الأغراض، ولا يقال: إن أحدهما أفضل من الآخر؛ لأن هذه تراد لما لا يراد له الآخر. وإن استوى الوزن كان فيهما قولان: الجواز والمنع، وسواء استوى الذهبان في الجودة أو اختلفا. فمنع ذلك مالك مرة (¬1) في كتاب محمد، وقال: يفسخ إذا فعلاه. وأجازه في مختصر ابن عبد الحكم فيمن أصدق امرأة دنانير أن يعطي عنها حليًّا مثلًا بمثل (¬2). وأجازه في الكتاب إذا كانت له دنانير قائمة بوزن أن يأخذ مجموعة بوزنها (¬3). وأجاز ذلك أيضًا فيمن كان (¬4) له قمح أن يأخذ عنه دقيقًا بكيله، وإن كان قد ترك الريع لمكان (¬5) الطحين، وكل هذا مختلف فيه إذا كان اقتضاءً، وأجيز في المراطلة. ولا فرق بين المسألتين، فإما أن يجوز ذلك فيهما جميعًا في الاقتضاء ¬

_ (¬1) قوله: (مرة) ساقط من (ت) و (ب). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 365. (¬3) انظر: المدونة 3/ 36. (¬4) قوله: (كان) ساقط من (ب). (¬5) في (ت): (لمكان).

فصل [في اقتضاء الدقيق عن القمح، والقمح عن الدقيق]

والمراطلة وتكون السَّكَّة والصياغة في معنى اللغو، أو يمنع فيهما جميعًا ويُقَدَّر بمنزلة سلعة وذهب بسلعة وذهب. فصل [في اقتضاء الدقيق عن القمح، والقمح عن الدقيق] واقتضاء الدقيق من القمح على ثلاثة أوجه: إما أن يكونا سواء في الكيل، أو يكون الدقيق أكثر كيلًا، أو أقل كيلًا: فإن كان في مثل كيله جاز. وقال ابن القاسم: وإن كان قد ترك ريع القمح لموضع طحن الدقيق (¬1). قال الشيخ: أخذ الدقيق من القمح تدخله المبايعة، فإن كانت الجودة سواء، كان ريع القمح لمكان الطحين، وإن كان الدقيق أجود، كان الريع لمكان الطحين والجودة، وإن كان الدقيق أدنى، كان ريع القمح وجودته لمكان الطحين، فالمبايعة (¬2) لا تفارقه بحال، وهذا على أصله في جواز بيع القمح بالدقيق (¬3). وأما على ما ذكره عبد الوهاب فيمنع هذا كله (¬4). وإن كان الدقيق أكثر كيلًا وأقل من ريع القمح لم يجز، وإن كان مثل ريع القمح بأمر لا شك فيه والجودة سواء جاز؛ لأن الفضل من الغريم وحده، وهو حُسنُ قضاءٍ. وإن كان الدقيق أدنى في الجودة لم يجز. ¬

_ (¬1) انظر النوادر والزيادات: 6/ 6. (¬2) في (ب): فالمبالغة. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 45. (¬4) انظر المعونة: 2/ 11.

واختلف إذا كان أقل كيلًا، فمنعه ابن القاسم (¬1). وأجازه أشهب إذا كانت الجودة سواء (¬2). وهو أحسن إذا كان أقل بالشيء الكثير مما يرى أنه معروف من القابض، وأن مثل ذلك لا يترك لوضع الطحين. ومثله إذا كان أقل كيلًا وأدنى جودة فذلك جائز، وإن كان أقل وأجود لم يجز قولًا واحدًا، وهذا في القرض، وكرهه ابن القاسم في البيع، وذلك كله مع حلول الأجل، وأما إذا لم يحل الأجل وأخذ دقيقًا مثل كيل قمحه لم يجز؛ لأنها مبايعة، وإذا كانت مبايعة كان طعامًا بطعام ليس يدًا بيد إلا على القول ببراءة الذمم فيجوز. وإن كان الدقيق أقل كيلًا لم يجز، ويدخله "ضع وتعجل" إذا كانا في الجودة سواء، أو الدقيق أدنى، وإن كان الدقيق أجود (¬3) كان ربًا، وإن تعجل الدقيق على القمح قبل الأجل لم يجز عند أشهب، ويدخله على قوله "ضع وتعجل" (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة 3/ 152. (¬2) انظر: المدونة 3/ 40، والنوادر والزيادات: 6/ 7. (¬3) في (ب): أفضل. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 54، 55.

باب في مبادلة الدينار بأوزن منه أو أكثر

باب في مبادلة الدينار بأوزن منه أو أكثر التفاضل بين الذهبين محرم إذا كان على وجه المبايعة، ويفترق الجواب إذا كان على وجه المعروف، وهو على ثلاثة أوجه: فيجوز بدل دينار بأوزن منه إذا كان بغير ميزان، ويمنع إذا كان بميزان هذا في كفة وهذا في كفة، وفضلا بينهما في الوزن. واختلف في بدل دينار بدينارين من سكة واحدة، فمنعه أشهب، وأجازه المخزومي وإن كان أحدهما نقدًا والآخر إلى أجل. وكذلك النَّسَاء بين الذهبين محرم على وجه البيع، ويجوز على وجه المكارمة والمعروف، وهو القرض، فبيع مائة دينار بمثلها إلى أجل ربا وحرام، وسلف مائة دينار ليرد مثلها إلى سنة جائز، ولا فرق بينهما إلا أن هذا على وجه المعروف والآخر على وجه المكايسة. وإذا كان ذلك وجاز التفاضل في بدل دينار من الأفراد بدينار (¬1) من القائمة (¬2) بغير ميزان- جاز ذلك في مجموع بقائم، وإن فضلا بينهما في الوزن فقد يقول صاحب القائم: لا أرضى بدفعه إلا أن يكون نقص الآخر قيراطًا أو قيراطين، فإن كان أكثر لم أفعل، ويقول الآخر: هذا دينار ينقص قيراطًا وحاجتي إلى وازن، فيزن له الآخر ليعطيه الوزن الذي أحب. ¬

_ (¬1) قوله: (بدينار) يقابله في (ب): (ببدل دينار). (¬2) قوله: (من القائمة) يقابله في (ق 4): (قائم).

فصل [في مبادلة الدينار بأوزن منه]

فصل [في مبادلة الدينار بأوزن منه] ويجوز عند مالك بدل الدنانير بأوزن منها، وذلك بثلاثة شروط: أن تكون سكتها واحدة وذهبهما واحد سواء، أو يكون ذهب الأوزن أجود، فإن كانت سكة أقلهما وزنًا أفضل أو كان ذهبه أجود لم يجز (¬1). واختلف إذا كان سكة الأوزن أجود، فكرهه ربيعة ومالك، وقال ابن القاسم: لا بأس به عندي. وقد كان شيخنا أبو الطيب (¬2) يقول في قول مالك: إن ذلك لأن السكك يختلف نفاقها في البلدان، فتكون في بلد بخيسة وفي آخر نافقة. وقد كان ذلك في الدينار المستنصري والتجاري، مضى لهما وقت والمستنصري أفضل في الصرف بنحو ربع الثمن وعيارهما واحد، فخشي مالك أن تكون المبادلة لأن السكة الأدنى أحسن (¬3) وزنًا من النافقة (¬4) في بلد آخر، فتدخله مبايعة. ويجوز بدل دينار طيب بدينار مغشوش بنحاس أو فضة إذا كانت السكة واحدة؛ لأن ذلك مكارمة من صاحب الجيد، وكذلك دينار صحيح طيب ¬

_ (¬1) انظر: المدونة 3/ 38. (¬2) هو: أبو الطيب عبد المنعم بن إبراهيم الكندي، والمعروف بابن بنت خلدون، قيرواني، هو ابن أخت الشيخ أبي علي بن خلدون من نبلاء هذه الطبقة ومتفننيها. وكان له علم بالأصول، وحذق بالفقه والنظر. تفقه بأبي بكر بن عبد الرحمن، وأبي عمران، وأخذ عن أبي سفيان المقرئ، وبه تفقه اللخمي، توفي سنة 435 هـ. انظر شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، لمحمد بن محمد مخلوف ص: 106. (¬3) قوله: (أحسن) زيادة من (ب). (¬4) قوله: (من النافقة) يقابله في: (ق 4)، و (ت): (نافقة).

فصل [فيما يسمح به في إبدال الناقص بالوازرن]

بدينار من هذه الرباعية وإن كانت محمولة بفضة؛ لأن ذلك مكارمة من صاحب الدينار الطيب (¬1). وقال أشهب في المدونة في بيع درهم مغشوش بدرهم طيب: لا بأس به، قال: وإنما يشبه هذا البدل (¬2). وقد مضى في كتاب القسم بدل قمح جيد بطعام غلث (¬3) أو مسوس (¬4). فصل [فيما يسمح به في إبدال الناقص بالوازرن] يجوز عند مالك بدل الدينارين والثلاثة بأوزن منها (¬5). واختلف عنه في الستة. وكره ما كان أكثر (¬6) من ذلك. وأجيز النَّسَاء في القرض وإن كثر. وأجيز أيضًا ما أكثر في (¬7) الجيد والرديء (¬8) إذا استوى الوزن. ¬

_ (¬1) قوله: (الدينار الطيب) يقابله في (ت): (الجيد). (¬2) انظر: المدونة 3/ 50. (¬3) الغَلْثُ: الخَلْطُ، والغَلْثُ: خَلطُ البُرِّ بالشعير أَو الذُّرة. انظر: لسان العرب، لابن منظور: 2/ 172. (¬4) في (ب): متشوش. (¬5) انظر: المدونة 3/ 38. (¬6) في (ت)، و (ق 4): (كثر). (¬7) في (ق 4): (من). (¬8) قوله: (ما كثر في الجيد والرديء) يقابله في (ب): (في الجيد والرديء)، وأشار لما في النسختين في هامش (ب).

باب في بيع الذهب بالذهب مراطلة

باب في بيع الذهب بالذهب مراطلة ومن المدونة قال ابن القاسم فيمن صارف رجلًا بدنانير سكة مضروبة ذهبًا أصفر بتبر مكسور إبريز أحمر وزنًا بوزن: لا بأس به (¬1). وكذلك بدل الدنانير بالدنانير أحدهما أجود سكة والآخر أجود ذهبًا، والدنانير بالحلي أحدهما أنفق سكة أو صنعة والآخر أجود ذهبًا، فلا بأس بذلك كله عنده إذا استوى الميزان. وقال الشيخ أبو الحسن ابن القصار - رضي الله عنه -: لا يجوز أن يتراطلا بخلخالين من فضة أو ذهب بمثلهما (¬2) مسكوكًا حتى تستوي الجودة، جودة الحلي وجودة الدنانير، فإذا استوى الذهبان جاز، ولم يراع نفاق السكة والصياغة عند الناس؛ لأن السكة عين، والصياغة زيادة جودة، فزيادة الجودة خلاف العين، وقد قيل: إنه يراعى ذلك فيهما، قال: الأول أحسن. قال الشيخ: ولا فرق بين السكة والصياغة، فإما أن يقال (¬3) يلغى حكمهما جميعًا، فيجوز وإن اختلف الذهبان ويكون بمنزلة تبر بتبر، أو يراعيان جميعًا فيمنعان، فيكون بمنزلة ذهب وعرض بذهب وعرض. وإن كان من عند أحدهما دنانير سكة واحدة ومن عند الآخر سكتان، فإن كانت السكة المنفردة أجود من السكتين أو أدنى منهما جازت المراطلة؛ لأنا لا نجد في فعلهما ذلك مبايعة، وإنما هو معروف من صاحب الجيدة ¬

_ (¬1) انظر: المدونة 3/ 45. (¬2) قوله: (بمثلهما) ساقط من (ت). (¬3) قوله: (يقال) زيادة من (ب).

لصاحب الدنيئة. وإن كانت المنفردة أجود من إحدى السكتين وأدنى من الأخرى لم يجز؛ لأن هذه مبايعة ترك فضل الجيدة (¬1) لمكان ما معهما من الدنية، فلو فُضَّت المنفردة على قيم السكتين كان الذي ينوب الجيدة أكثر من خمسين والأخرى دون ذلك، وكذلك إن ظهر في أحدهما على عيب لم يرجع في نصف الدنانير (¬2)؛ لأن الذي ينوبهما مختلف. واختلف إذا كانت المنفردة مثل إحدى السكتين والأخرى أجود أو أدنى، فأجازه ابن القاسم، ومنعه سحنون. مثال ذلك أن يخرج أحدهما مائة دينار عتقًا، والآخر خمسين عتقًا وخمسين هاشمية، فرأى (¬3) ابن القاسم أن الخمسين العتق تقابل الخمسين العتق، وتكون المراطلة في خمسين عتق بخمسين هاشمية (¬4). وقول سحنون أحسن؛ لأني لا أجده جعل المراطلة مائة بمائة إلا لغرض لهما في ذلك، ولو كان القصد من صاحب المائة العتق مكارمة لصاحب الهاشمية لراطله (¬5) خمسين عتقًا بخمسين هاشمية، وأبقى الخمسين التي يأخذ مثلها لنفسه، ولم يدخلها في المراطلة، إذ لا فائدة له في ذلك، فلما امتنع أن يتطول عليه بخمسين إلا بشرط أن يعاوضه بخمسين أخرى علمنا أن ذلك ¬

_ (¬1) قوله: (ترك فضل الجيدة) يقابله في (ب): (ما ترك الجيدة إلا). (¬2) في (ت): (الدينار). (¬3) في (ت): (قال). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 7/ 29. (¬5) في (ت)، و (ق 4): (لمراطلة).

لغرض لهما في ذلك، فكان المنع أولى. وكذلك إن كان من ناحية دنانير (¬1) مسكوكة ومن ناحية تبران، فإن كانت المسكوكة أجود من التبرين أو أدنى منهما فذلك جائز، وإن كانت أجود من إحداهما، وأدنى من الأخرى فهو فاسد. وكذلك إن كانت من ناحية دنانير مسكوكة ومن ناحية دنانير وتبر، فإن كانت السكة المنفردة أجود من الدنانير والتبر أو أدنى فذلك جائز. وإنما يراعى في الدنانير المسكوكة نفاقها على هيئتها ولا يراعى صفة ذهبها؛ لأنها إذا كانت مسكوكة كانت غير مراعاة، وإنما تراعى على ما ذهب إليه الشيخ أبو الحسن الجودة في الذهوب والتبر وذهبها (¬2)، وعلى القول الآخر يراعى الذهب والسكة. فإن كانت الدنانير المنفردة أنفق من الدنانير والتبر وذهبها أدنى لم يجز؛ لأنها إن أجريت على حكم البياعات في القبض وفيما ينوب كل واحد منهما كان في العين متفاضلًا. وإن كانت السكة المنفردة أنفق من الدنانير ودون التبر، أو أنفق من التبر ودون الدنانير، لم يجز، وإن كانت الدنانير المنفردة مثل الدنانير الأخرى والتبر أجود أو أدنى- جاز ذلك على قول ابن القاسم، ولم يجز على قول سحنون. وكذلك إذا كانت أربع ذهوب، من ناحية دنانير وتبر، ومن (¬3) الناحية الأخرى مثل ذلك. ¬

_ (¬1) في (ب): (دراهم). (¬2) قوله: (والتبر وذهبها) زيادة من (ب). (¬3) قوله (ومن) يقابله في (ب): (من).

وإن كان الفضل في النفاق والجودة سواء (¬1) جاز ذلك وإن تساوت السكتان واختلف التبران، وإن (¬2) اتفق التبران واختلفت السكتان (¬3)، جاز على قول ابن القاسم، ولم يجز على قول سحنون. وقد تقدم على (¬4) قول ابن القاسم إذا كان من عند أحدهما دنانير ذهب أصفر، ومن عند (¬5) الآخر ذهب إبريز أحمر- أن ذلك جائز (¬6). ومحمل قوله في الأصفر أن ذلك من أصل الخلقة في المعدن. وكذلك بعض الذهوب أصفر خلقة، فإن كان ذلك لغش في الدنيء لم يجز، قاله مالك في مختصر ما ليس في المختصر، قال: إذا كانت الدنانير مغشوشة، فلا أظن تجوز المراطلة بها. وقال ابن القاسم في المدونة فيمن اشترى دنانير منقوشة مضروبة ذهبا إبريز أحمر بتبر (¬7) أصفر، ثم أصاب بالدنانير ما لا يجوز في السوق، قال: لا يرد إلا أن يكون مغشوشًا، فينتقض من الصرف بقدر ما أصاب (¬8). ولم يبين هل ذلك إذا قام (¬9) مشتريها بالعيب أم لا، وعلى قول مالك ¬

_ (¬1) قوله: (سواء) ساقط من (ت). (¬2) في (ب)، و (ق 4): (أو). (¬3) في (ق 4): (السكة). (¬4) قوله: (على) ساقط من (ق 4) و (ب). (¬5) قوله: (عند) ساقط من (ت). (¬6) انظر: المدونة: 3/ 44. (¬7) قوله: (بذهب إبريز أحمر وتبر) يقابله في (ت): (ذهب إبريز أحمر تبر). (¬8) انظر: المدونة 3/ 44. (¬9) في (ب): أقام.

فصل [في إسلام الدراهم والدنانير في اللحم]

ينتقض جبرًا؛ لأن الرضا بذلك لا يحل؛ لأنه تفاضل. ولا يجوز على هذا بيع التبر بالتبر إذا كان في أحدهما غش، وإن دخلا (¬1) على السلامة، ثم تبين أن في أحدهما غشًا- أجبرا على نقضه إذا كان الذي فيه الغش أجود ذهبًا متى أزيل غشه، وإن (¬2) كان متساويًا أو أدنى جاز؛ لأن ذلك تفضل من أحدهما ولا تدخله مبايعة. فصل [في إسلام الدراهم والدنانير في اللحم] ومن أسلم دراهم في رطل لحم على صفة فقضاه بعد الأجل رطلًا أجود من صفته أو أدنى، ولم يزد أحدهم الآخر شيئًا- جاز ذلك، وإن أخذ الذي له السَّلَم أجود، وزاد لمكان الجودة شيئًا لم يجز، ودخله التفاضل وبيع الطعام قبل قبضه. ومثله إذا أخذ أدنى وزيادة عرض. وإن كانت الزيادة دراهم أو ذهبًا لم يجز أيضًا؛ لأنهما يتهمان أن يكونا عملا على ذلك فيدخله إذا كانت الزيادة دراهم بيع وسلف، وإذا كان ذهبًا التفاضل بين الذهبين، ويدخله التفاضل بين الطعامين وبيع الطعام قبل قبضه إذا لم يحمل على أنهما عملا على ذلك. وإن أخذ رطلين على صفة سلمه جاز، ويدفع ثمن الرطل الزائد نقدًا أو إلى أجل، وإن كانا أجود جاز أن يتطول المسلم إليه بالزائد إذا لم يأخذ عنه (¬3) ثمنًا، فإذا أخذ عنه عوضًا فسد، وكان قد باع رطلًا رديئًا ودراهم برطلين ¬

_ (¬1) في (ت): (دخل). (¬2) زاد في (ب)، و (ق 4) بعد قوله: (إن): (يكون). (¬3) في (ت) و (ب): (فيه).

جيدين، فيدخله التفاضل وبيع الطعام قبل قبضه، وإن أخذ رطلًا قبل محل الأجل لم يجز، إلا أن يكون مثل صفة سلمه سواء. وإن أخذه أجود دخله: حُطَّ عني الضمان وأزيدك، وإن كان أدنى دخله: "ضع وتعجل"، ولا يجوز أن يأخذ قبل الأجل أكثر وزنًا ولا أقل، وسواء كانت الصفة سواء أو مختلفة بجودة أو دناءة، ويدخله: التفاضل والطعام بالطعام ليس يدًا بيد، وبيع الطعام قبل قبضه.

باب فيمن له على رجل دينار هل يصارفه في بعضه؟ وفيمن اقترض نصف دينار أو اشترى بنصف دينار أو بدانق، بماذا يقضى عليه؟ وفيمن أقرض فلوسا أواشترى بها ففسدت أو انقطعت

باب فيمن له على رجل دينار هل يصارفه في بعضه؟ وفيمن اقترض نصف دينار أو اشترى بنصف دينار أو بدانق، بماذا يقضى عليه؟ وفيمن أقرض فلوسًا أواشترى بها ففسدت أو انقطعت وأجاز مالك وابن القاسم لمن له على رجل دينار أن يصارفه في بعضه في سدسه أو نصفه أو ما أحب؛ لأن الباقي بعد الصارفة ذهب، ولأنه لو صرف منه نصفه (¬1) وأحب الغريم أن يخرج دينارًا فيكونا فيه شريكن نصفين، لأُجْبِرَ الآخر على قبوله، ولو باعه بعد ذلك سلعة بنصف دينار لأجبر على أن يقضيه دينارًا صحيحًا، ولو كان يمتنع (¬2) من صرف بعضه لأجل أنه لا يحكم في الباقي إلا بفضة لمُنِعَ أن يهبه نصفه؛ لأنه يكون بمنزلة من وهب هبة على أن يصارفه بعد ذلك، فيكون على قوله هبة فاسدة. وإن صارفه في نصفه بدراهم جاز أن يأخذ في بقيته وَرِقًا أو عرضًا، وكذلك لو ابتدأ بأخذ عرض عن نصفه، ثم أراد أن يأخذ بقيته عرضًا (¬3) أو ورِقًا- جاز. واختلف إذا صارفه في نصفه (¬4) أو أخذ عرضًا، هل يجوز أن يأخذ في ¬

_ (¬1) في (ب): بعضه. (¬2) في (ب): يمنع. (¬3) في (ت): (عوضًا). (¬4) في (ب): بعضه.

بقيته ذهبًا؟ فمنع ذلك مالك وابن القاسم، وقال ابن القاسم: لأنه يصير ذهبًا وَوَرِقًا بذهب، أو ذهبًا وعرضًا بذهب (¬1). يريد: أنهما يتَّهمان أن يكونا عملا على ذلك. وقال محمد: وأجاز أشهب أن يأخذ بالباقي ذهبًا إذا كان مثل ذهبه ومثل وزنه، لا أقل ولا أكثر (¬2). وهو أحسن؛ لأنه إذا أخذ قطعة مثل ذهبه ومثل وزنه كان قد ترك فضل السكة، وذلك معروف منه، ولا يدخله مبايعة، ويجوز أن يأخذ دون ذهبه ودون وزنه، ويمنع أن يأخذ أقل وزنًا وأجود ذهبًا. ويختلف إذا أخذ أجود من ذهبه مثل وزنه، فيمنع على (¬3) من جعل الاقتضاء خلاف المراطلة، ويجوز على من سوى بينهما. وقال محمد: كره ابن القاسم أن يأخذ في ابتداء أخذه في أول ما يأخذ قطعة ذهب ثلثًا أو نصفًا (¬4). وذلك؛ لأنه إن أخذ في الباقي ورقًا أو عرضًا دخله على أصله ذهب بذهب وورق أو عرض، ويجوز ذلك على قول أشهب حسبما تقدم. ومن قال لرجل: أقرضني نصف دينار والصرف عشرة دراهم بدينار، فأعطاه خمسة دراهم، لم يقض له إلا بخمسة دراهم مثل ما أعطى، ولو مضى معه إلى الصراف فصرف دينارًا فأعطاه نصفه، فكذلك ليس له إلا مثل ما أخذ ¬

_ (¬1) انظر: المدونة 3/ 49. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 367. (¬3) قوله: (على) ساقط من (ت). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 367.

فصل فيمن ابتاع سلعة ببعض درهم أو بدانق وشبه ذلك

من الدراهم. قال مالك وابن القاسم: ولو أعطاه دينارًا فصرفه المستسلف، فأخذ نصفه ورد نصفه، كان عليه نصف دينار غلا الصرف أو رخُص (¬1). وقال ابن القاسم في كتاب محمد فيمن قال لرجل: أسلفني نصف دينار، فدفع إليه دينارًا، فقال: اذهب فصَرِّفه فخذ نصفه وائتني بنصفه، فقال: أخشى ألا يكون عليه إلا مثل ما أخذ من الدراهم. ولو قال له: خذ هذا الدينار، فخذ نصفه وجئني بنصفه، كان يجب له عليه عين (¬2). وقال ابن القاسم في العتبية: إذا أعطاه دينارًا وقال له: صرفه فخذ نصفه وجئني بنصفه أن عليه نصف دينار (¬3) ذهبًا (¬4). وهو أحسن؛ لأنه إنما قال له "خذ نصفه وجئني بنصفه" إنما يأخذه ليصرفه ويأتيه بنصفه دراهم، فلا فرق بين قوله: "خذه وجئني بنصفه" وبين قوله: "صرفه وجئني بنصفه"، وينبغي أن يكون عليه نصف دينار ذهبًا. فصل فيمن ابتاع سلعة ببعض درهم أو بدانق وشبه ذلك ومن اشترى شيئًا بدانق أو دانقين أو ثلاثة جاز، ومحمل بيعها على الفضة، والدانق سدس درهم. فمن باع بدانق كان له سدس درهم، أو دانقين كان له ¬

_ (¬1) انظر: المدونة 3/ 51. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 396. (¬3) قوله: (نصف دينار) يقابله في (ت)، و (ق 4): (نصفه دينار). (¬4) انظر البيان والتحصيل: 7/ 49.

ثلث درهم، أو ثلاثة كان له نصف درهم. فإن كان عندهم الدراهم الصغار قضي له بذلك منها، وإن كانت كبارًا لا يحوز عندهم غيرها، وكسرها فساد؛ قضي له بصرفها فلوسًا إذا كانوا يتبايعون بالفلوس، والقضاء بالفلوس إذا باع بجزء من درهم كالقضاء بالدراهم إذا باع بجزء من دينار. وإن لم يكونوا يتبايعون بالفلوس قضي له بما العادة (¬1) أنه يقضى عن ذلك من طعام أو غيره، وإن لم تكن لهم في ذلك عادة أخرج درهمًا فكانا فيه شريكين، ثم يتبايعانه بما ينقسم. وقال ابن القاسم فيمن باع بدانق فلوسًا نقدًا: فلا بأس به إذا كان الدانق معروفًا كم هو من عدد الفلوس، قال: وإن باع بدانق فلوسًا إلى أجل فلا بأس به، إذا سَمَّيا ما له من الفلوس أو كانا عارفين بعدة الفلوس (¬2). ففرق بين النقد والأجل، فأجازه في النقد إذا كانا عارفين بما يجب للدانق من الفلوس، ولم يجزه في الأجل إلا إذا سمَّيا ما يأخذ من الفلوس، ولو لم يسمِّيا لم يجز؛ لأن الحكم على ما يكون من الصرف يوم يحل الأجل. وقال مالك فيمن باع سلعة بنصف دينار إلى أجل على أن يأخذ به دراهم: لا خير فيه (¬3)؛ لأن البيع وقع على الدراهم وهي لا تعرف، وإنما وقع على ما يكون من صرف الدينار يوم يحل الأجل، فهذا لا يعرف بما باع به سلعته، فلم يجزه في الأجل إلا أن يسميا؛ لأن إطلاق الأمر عنده على ما يكون من الصرف ¬

_ (¬1) في (ت) و (ق 4): (بالعادة). (¬2) انظر: المدونة 3/ 52. (¬3) انظر: المدونة 3/ 52.

فصل [فيمن له دينار أو بعضه مؤجلا، فأراد أن يقضي الغريم قبل الأجل دراهم ونحوها]

يوم يحل الأجل. وقال أيضًا فيمن باع سلعة بنصف دينار نقدًا على أن يأخذ به دراهم، قال: (¬1) قال مالك: إذا كان الصرف معروفًا يعرفانه، فلا بأس به إذا اشترطا كم الدراهم من الدينار (¬2). والقول الأول أحسن، إذا كان البيع بالنقد أن تجزئ (¬3) معرفتهما للصرف وعليه يحملان. فصل [فيمن له دينار أو بعضه مؤجلًا، فأراد أن يقضي الغريم قبل الأجل دراهم ونحوها] ومن كان له نصف دينار إلى أجل فعجل عنه (¬4) الغريم دراهم قبل الأجل لم يجز، ويدخله الوَرِق بالذهب إلى أجل، إلا على قول (¬5) من قال ببراءة الذمم، ولو عجلا دينارًا فكانا فيه شريكين لجاز. وقال ابن القاسم فيمن كان له على رجل كراء سدس دينار في كل شهر فتدارك (¬6) عليه ستة أشهر، فإنه يحكم عليه بدينار يجمع ذلك كله عليه، قال: وإن كان معسرًا فأراد أن ينجِّمه عليه كسورًا فلا يفعل، ولكن يتركه على حاله ¬

_ (¬1) قوله: (قال) ساقط من (ت). (¬2) انظر: المدونة 3/ 52. (¬3) في (ت): (يجري). (¬4) قوله: (عنه) ساقط من (ت). (¬5) قوله: (قول) ساقط من (ت)، و (ق 4). (¬6) في (ق 4): (فتداركه)، ويقابله في (ت): (فتراكب).

فيقبض منه ما وجد (¬1). واختلف فيمن عليه دينار منجم ثلثه في كل نجم، فأراد أن يعجل دينارًا قبل الأجل، فقال مالك: لا بأس بذلك (¬2). وقال أحمد بن مُيَسِّر: لا خير فيه؛ لأنه يعجل له ما يحكم به دراهم إلى الأجل. وقول مالك أحسن؛ لأن الذي عليه (¬3) ذهب ولو كان ذلك لم يحكم في مسألة ابن القاسم فيمن له سدس دينار في كل شهر أن عليه دينارًا (¬4)، وإن تداركت عليه ستة أشهر. ولا خلاف فيمن له نصف دينار حالٌّ ونصف إلى أجل؛ أنه لا يجوز له أن يؤخره بالنصف الحالِّ ليأخذ دينارًا صحيحًا؛ لأن التأخر سلف، فلا يجوز إلا أن يريد به المعروف للمطلوب. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 395. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 6/ 445. (¬3) في (ت) و (ق 4): (عليه). (¬4) قوله: (أن عليه دينارًا) يقابله في (ت): (لا بدراهم)، ويقابله في (ب): (إلا بدراهم).

فصل [أثر قطع التعامل بالفلوس في القرض والبيع]

فصل [أثر قطع التعامل بالفلوس في القرض والبيع] وقال مالك في القرض والبيع بالفلوس: إذا فسدت فليس له إلا الفلوس (¬1)، قال في كتاب الرهن: لو كانت مائة فلس بدرهم، ثم صارت ألف فلس بدرهم- لم ينظر إلى ذلك، وليس له إلا مثل فلوسه (¬2). قال الشيخ: ولو انقطعت فلم توجد كان له قيمتها يوم انقطعت إذا كان الدَّيْن حالًّا، وإن كان إلى أجل وانقطعت قبل الأجل كان له قيمتها يوم يحل الأجل، ولم ينظر إلى قيمتها يوم انقطعت؛ لأنه لم يكن توجه له قبل الأجل طلب، وإن أخره بعد الأجل أجلًا ثانيًا كان عليه قيمتها يوم حلَّ الأجل الأول؛ لأن بالقيمة وقع التأخير. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة 3/ 50. (¬2) انظر: المدونة 4/ 152، 153.

باب [في المبايعة بالدراهم الزيوف]

باب [في المبايعة بالدراهم الزيوف] قد تقدم القول في جواز المراطلة بالزيوف، وكره مالك المبايعة بها، قال: لأن ذلك داعية إلى إدخال الغش على المسلمين (¬1). وقال أشهب: تكسر إلا أن يخاف أن تسبك فتجعل دراهم فتباع على وجه الفضة، فلتصف حتى تباع فضتها ناحية ونحاسها ناحية (¬2). واختلف في اللبن يغش، فقال مالك: كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يطرحه في الأرض أدبًا لصاحبه (¬3). وقال مالك: الأحسن أن (¬4) يتصدق به، قال: وكذلك الزعفران والمسك إذا غشه بنفسه، وإن اشتراه مغشوشًا لم أر ذلك عليه. وقال ابن القاسم: إن ذلك فيما كان يسيرًا، وأما الكثير فلا أرى ذلك، وليؤدب بالضرب الوجيع (¬5). يريد: ولا يتصدق به عليه. قال مالك: من الغش بَلُّ الخُمُر التي (¬6) تعمل من القز بماء الخبز لتتصفق بذلك وتشتد (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة 3/ 50. (¬2) انظر: المدونة 3/ 50. (¬3) انظر: المدونة 3/ 50. (¬4) قوله: (الأحسن أن) زيادة من (ب). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 274، والبيان والتحصيل: 9/ 318، 319. (¬6) قوله: (التي) يقابله في (ب): (الذي). (¬7) انظر البيان والتحصيل: 9/ 31

قال: ومن الغش أن يخلط الذهب الجيد بِدَنيِّه (¬1) فيسبكهما (¬2)، ونفخ اللحم غش، وهو يغير طعمه (¬3)، ويجوز على قوله الصدقة بذلك كله، وعلى قول ابن القاسم، تغسل الخُمُر حتى يذهب ذلك منها، ولا يتصدق بها عليه، ويعاقب. والخلاف في القليل: هل يطرح أو يتصدق به؟ والخلاف في الكثير: هل يتصدق به، أو يترك لصاحبه ويعاقب؟ ولو اشترى رجل شيئًا من ذلك كله، وهو عالم بغشه ليبيعه من الناس ولا يبين، كان حكمه حكم من غش، يتصدق به عليه أو يعاقب على قول ابن القاسم، والأصل في العقوبة في المال أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقُدور التي أُغْلِيت بلحوم الغنم قبل أن تقسم أن تُكْفَأَ (¬4). والعتاق (¬5) على مَن مَثَّل (¬6) بعبده. كمل كتاب الصرف، والحمد لله حق حمده (¬7) ¬

_ (¬1) في (ت)، و (ق 4): (بدونه). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 271. (¬3) انظر البيان والتحصيل: 9/ 327. (¬4) متفق عليه، البخاري: 2/ 882، في باب قسمة الغنم، من كتاب الشركة، برقم (2356)، ومسلم: 3/ 1558، في باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم، من كتاب الأضاحي، برقم (1968). (¬5) قوله: (والعتاق) يقابله في (ب): (وقياسًا). (¬6) أخرجه ابن ماجه: 2/ 894، في باب من مثَّل بعبده فهو حرٌّ، من كتاب الديات، برقم (2679)، ولفظه: (عَنْ سَلَمَةَ بْنِ رَوْحِ بْنِ زَنْبَاعٍ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ خَصَى غُلَامًا لَهُ. فَأَعْتَقَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالمُثْلَةِ) قال الهيثمي: 4/ 436: (رواه أحمد والطبراني ورجاله ثقات. وفيه الحجاج بن أرطاة وهو مدلس ولكنه ثقة). (¬7) قوله: (والحمد لله حق حمده) زيادة من (ب).

كتاب السلم الأول

كتاب السلم الأول النسخ المقبل عليها 1 - (ب) = نسخة برلين رقم (3144) 2 - (ت) = نسخة تازة رقم (234 & 243) 3 - (ق 4) = نسخة القرويين رقم (368) 4 - (ث) = نسخة سيدنا عثمان رقم (172)

باب في المداينة وسلم الحيوان بعضه في بعض

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كتاب السَّلَمِ الأول باب في المداينة وسلم الحيوان بعضه في بعض الأصل في المداينة إلى أجل قول الله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282]. قال مالك: هذه الآية تجمع الدين كله (¬1). والمداينة على وجهين: على وجه المعروف، وهو القرض. وعلى وجه المبايعة، وهي ثلاثة أقسام: بيع ما ليس بعين بالعين إلى أجل، وإسلام العين فيما ليس بعين إلى أجل (¬2)، وإسلام ما ليس بعين فيما ليس بعين، وكل ذلك جائز داخل في عموم الآية. والأصل في القرض من السنة حديث أبي رافع قال: اسْتَسْلَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَكْرًا، فَقَضَى جَمَلًا خِيَارًا رَبَاعِيًّا (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 60. (¬2) قوله: (إلى أجل) ساقط من (ت). (¬3) سبق تخريجه في كتاب الصرف، ص: 2846.

فصل [في أقسام المسلم فيه]

وفي البيع إلى أجل حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: اشْتَرَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ، فَرَهَنَهُ دِرْعَهُ (¬1). وفي السلم حديث ابن عباس قال: قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - المَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ فِي الثِّمَارِ العَامَ وَالعَامَيْنِ، أو قال: العَامَينِ (¬2) وَالثَّلاثَةَ، فقال: "مَنْ أَسْلَفَ فِي تَمْرٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَل مَعْلُومٍ" (¬3). وكل هذه أحاديث صحاح اجتمع عليها البخاري ومسلم. فصل [في أقسام المُسْلَم فيه] والمُسلم فيه ثلاثة: المَكيل والمَوْزُون. والثاني: العروض وما شابهها، مما لا يجري فيه كَيل ولا وَزن. والثالث: الحيوان والعبيد والإبل والبقر، والغنم والخيل والبغال والحمير والطير وغيرهما. فأما المَكيل والموزون فالأصل فيه حديث ابن عباس وقد تقدَّم. وأما العروض فلم يأتِ فيه حديث، وأجمع أهل العلم على جواز السَّلَمِ فيها على صفة يحصرها ويرفع الغرر منها، ولم يأت أيْضًا في السَّلَمِ في الحيوان ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 729، في باب شراء النبي - صلى الله عليه وسلم- بالنسيئة، من كتاب البيوع، برقم (1962)، ومسلم: 3/ 1226، في باب الرهن وجوازه في الحضر والسفر، من كتاب المساقاة، برقم (1603). (¬2) قوله: (أو قال: العامين) ساقط من (ث). (¬3) متفق عليه، البخاري: 2/ 781، في باب السلم في كيل معلوم، من كتاب السلم، برقم (2124)، ومسلم: 3/ 1226، في باب السلم، من كتاب المساقاة، برقم (1604).

حديث صحيح، واختلف أهل العلم في جواز السلم (¬1) فيه: فأجاز ذلك مالك (¬2) والشافعي (¬3). وقال به من الصحابة: علي وابن عباس وابن عمر، ومن التابعين: سعيد بن المسيب والحسن البصري والنخعي وأحمد وإسحاق، ومنع ذلك أبو حنيفة (¬4)، ورأى أن الصفة فيه لا تنحصر. واحتج من أجاز ذلك بحديث أبي رافع في استقراض البكر (¬5)، وبالحديث في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَنْعَتُ المَرْأَةُ المَرْأَةَ لِزَوْجِهَا كأَنَّه يَنْظُرُ إِلَيْهَا" (¬6). وتحمل العاقلة دية الخطأ، وهي إبل وكل هذا فيه نظر؛ لأن القرض معروف فيستخف فيه ما لا يستخف فيما خرج على وجه البيع والمكايسة، ولأن الغرر فيما أحضر مثله وقيل مثل (¬7) هذا أخف فيما لا يحضر مثله؛ لأن القرض تقدمت له عين مرئية فيرد مثله. وأما النهي عن نعمت المرأة، فإن ذلك لأنها إن كانت قبيحةً كان في نعتها ذمها وكشفها (¬8) أن تعيبها لزوجها، وإن كانت جميلة فقد تُوقع في نفس ¬

_ (¬1) في (ت): (السلف). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 54. (¬3) انظر: الأم للشافعي: 3/ 135. (¬4) انظر: المبسوط: 6/ 239. (¬5) أخرجه مسلم: 3/ 1224، في باب من استلف شيئا فقضى خيرا منه، من كتاب المساقاة، برقم (1600)، ومالك في الموطأ: 2/ 680، في باب ما يجوز من السلف، من كتاب البيوع، برقم (1359). (¬6) أخرجه البخاري: 5/ 2007، في باب لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها، من كتاب النكاح، برقم (4942)، بلفظ: (لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها). (¬7) قوله: (وقيل مثل) في (ث): (قبل). (¬8) في (ث): (وكشفة).

فصل [في السلم في الإبل والبقر والغنم والخيل والبغال والحمير]

المنعوت له شيئًا، وكل هذا للمرأة مذموم، وإن لم تأتِ بحقيقة الأمر في الصفة كان كذبا (¬1). وأما الدية فالأصل فيها أوسع، وهي من باب غرم المتلف، فلم تكن كابتداء البيع. وقد قال سحنون في الشقص يؤخذ عن دية الخطأ: إنه إن كانت الدية عينًا استشفع بمثلها، وإن كانت إبلًا استشفع بقيمتها لا بمئلها (¬2)؛ لأن الذي تغرمه العاقلة ليس له صفة محصورة في الجودة والدناءة، غير أن الصفة تتقارب فيما سوى بني آدم، وتتباين في آدم، وهي في العلي من الجواري أشد تباينًا. وقد يكون للرجل العبد، وهو ببلد لو كان جميعهم عبيدًا لم يجد من يوافقه في جميع صفاته في سِنِّهِ وطوله ولونه (¬3) وجسمه وجماله ونشاطه وقوته وفهمه وذكائه وشمائله وأمانته، وقد يقول في حليته إذا باعه أو أسلمه فيه أكحل أقرن (¬4) لون كذا فيجد في البلد الخلق العظيم يدخلون تحت تلك الصفة، فإذا أحضرتهم تباينوا في الثمن. فصل [في السَّلَمِ في الإبل والبقر والغنم والخيل والبغال والحمير] الإبل والبقر والغنم والخيل والبغال والحمير أصناف، يجوز أن يسلم كل ¬

_ (¬1) قوله: (كان كذبا) ساقط من (ت). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 169. (¬3) قوله: (ولونه) ساقط من (ث). (¬4) قوله: (أكحل أقرن) في (ت): (أقرن أقنى).

واحد من هذه الستة في الآخر ما خلا البغال والحمير (¬1)، فإنه اختلف فيهما، هل هما صنف واحد، أو صنفان (¬2)؟ ويجوز أن يسلم الصنف الواحد بعضه في بعض إذا اختلفت منافعه. فالإبل صنفان: صنف يراد للحمل عليه. وصنف يراد للركوب لا للحمل، وكل صنف منهما صنفان: جيد، وحاشي. فيجوز أن يسلم ما يراد للحمل فيما يراد للركوب وللسير عليه، جيد أحدهما في جيد الآخر، والجيد في الرديء، والرديء في الرديء، اتفق العدد أو اختلف، وأما إذا كانت كلها تراد للحمل أو للركوب، فلا يجوز أن يسلم الجيد في الرديء، ولا الرديء في الجيد. ويجوز أن يسلم جيد أحدهما في حاشين أو أكثر، وحاشيان أو أكثر في جيد. ولا يجوز أن يسلم واحد في واحد أي ذلك تقدم الجيد أو الرديء؛ لأنه سلف جرَّ منفعة إن تقدم الرديء، أو ضمان بجعل إن تقدم الجيد، فإن اختلف العدد وكانت الكثرة في جنبة الرديء كانت مبايعة، فيكون فضل العدد، لمكان الجودة. وكذلك فعل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - باع جملًا يدعى عصيفير بعشرين بدنة (¬3) إلى أجل (¬4)،. . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 54. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 14، ونص النوادر: (ومن الواضحة قال: والحمير والبغال صنفان، يجوز التفاضل بينهما إلى أجل، ولا أحد يقول بقول ابن القاسم في ذلك). (¬3) قوله: (بدنة) في (ث): (دونه). (¬4) أخرجه عبد الرزاق: 8/ 22، في باب بيع الحيوان بالحيوان، من كتاب البيوع، برقم (14142)، =

فصل [في السلم في الخيل والبغال والحمير]

واشترى ابن عمر راحلة بأربعة أبعرة إلى أجل (¬1). وهذا الشأن أن يقل عدد الجيد، ويكثر عدد الرديء، وإن استوى العدد كان الفضل من صاحب الجيد خاصة، فلم يدخله مبايعة، ولو أسلم نصفًا جيدًا في كامل رديء، لجاز ودخلته المبايعة؛ لأنَّ كمال هذا في مقابلة جودة الآخر مع نقصه. فصل [في السَّلَمِ في الخيل والبغال والحمير] ويجوز سلم الفرس الواحد في الفرس إذا كان يرغب في أحدهما لجماله والآخر لسرعته، فتكون حينئذٍ مبايعة (¬2). فإن تساويا في السبق وأحدهما أجمل أو أردأ، أو تساويا في الجمال أو السمانة أو الرداءة وأحدهما أسبق لم يجز؛ لأنه إذا كان الفضل من أحدهما لم تكن مبايعة إلا أن يختلف العدد وتكون كثرة العدد في جنبة (¬3) أدناهم في السبق أو الجمال أو غيره فيكون مبايعة، فيكون قد ترك هذا الجودة لمكان فضل العدد في الآخر. واختلف في البغال والحمير: فقال ابن القاسم: كره ذلك مالك (¬4). ¬

_ = والبيهقي: 5/ 288، في باب بيع الحيوان وغيره مما لا ربا فيه بعضه ببعض نسيئة، من كتاب البيوع، برقم (10310). (¬1) أخرجه البيهقي: 5/ 288، في باب بيع الحيوان وغيره مما لا ربا فيه بعضه ببعض نسيئة، من كتاب البيوع، برقم (10311). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 71. (¬3) في (ت): (جهة). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 54.

وكأنه رآهما صنفًا واحدًا، وجعلهما ابن حبيب صنفين، يجوز سلم أحدهما في الآخر (¬1). والقول الأول أحسن؛ لأن منافعهما متقاربة إما أن تراد للحمل أو للركوب، وليس يفترقان إلا من باب جودة ودناءة، والبغال في معنى الجيد، والحمير في معنى الدنيء، فلا يسلم حمار في بغل؛ لأنه من باب سلف بزيادة، ولا بغل في حمار؛ لأنه ضمان بجعل، ويجوز أن يسلم بغلًا في حمارين أو أكثر، فتكون الجودة في مقابلة كثرة العدد. ويجوز أن يسلم بغل للركوب في أقوى منه يراد للحمل، وحمارًا قويًا يراد للحمل في أقل حمل منه إذا كان يراد للركوب وللسرج، واختلف في سرعة السير، فلم ير ذلك محمد شيئًا. وقال عبد الملك: إذا اختلفا في سيرهما كاختلاف سير الخيل جاز سلم أحدهما في الآخر، قال: لأن فضل السير هو الذي يراد من البغال والحمير (¬2) وهو أحسن، ولا شك أنه زيادة فضل، ويزاد في الثمن لأجله إذا كان سيرًا بَيِّنًا والآخر معه في معنى الدنيء، فيسلم المسيار في اثنين دونه. وإسلام الصغار في الصغار على نحو ما تقدم في الكبار، فإن تساوت في السبق (¬3) والجودة والمنفعة، لم يجز أن يسلم أحدهما في الآخر، ولا واحد في اثنين. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 14. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 14. (¬3) قوله: (تساوت في السبق) في (ث): (تقاربا في السير).

وإن اختلف السن (¬1) والجودة والمنفعة، جاز أن يسلم واحدًا في واحد إذا كان أحدهما أسن (¬2) والآخر أجود وأحسن منفعة، وإن رجح أحدهما بشيء واحد وتساويا فيما سوى ذلك لم يجز السلم إلا أن يختلف العدد، ويكون كثرة العدد في جنبة أصغرهما أو أدناهما. وأما الكبار بالصغار فإن الإبل والبقر والبغال والحمير في ذلك سواء، يجوز أن يسلم كبير في صغيرين أو أكثر، وصغيران في كبير، فيكون كبير السن في مقابلة كثرة العدد (¬3). ولا يجوز أن يسلم صغير واحد (¬4) في كبير، ولا كبير في صغير، وهو من باب سلف بزيادة (¬5) أو ضمان بجعل إلا أن يكون الصغير أحسن نجارًا، أو أعتق أصلًا فيجوز (¬6)؛ لأنه ترك جودة الصغير لسن الكبير. وقد قال ابن القاسم في كتاب محمد: لا بأس أن تسلم الخيل كبارها في صغارها ما لم يكن على وجه سلف جرَّ منفعة، وأما إذا كان على وجه البيع فلا بأس به، قال: مثل أن يسلم الصغيران في الكبير، والكبير في الصغيرين، وإذا كان صغيرًا واحدًا فلا خير أن يسلم في كبير ولا في كبيرين؛ لأنه من وجه الزيادة في السلف (¬7). ¬

_ (¬1) في (ت): (السير). (¬2) في (ت): (أسبق). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 54. (¬4) قوله: (أن يسلم صغير واحد) في (ت): (صغير). (¬5) انظر: النوادر والزيادت: 6/ 12. (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 7/ 146. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 12.

فصل [في سلم البقر]

وهذا من قوله يبين ما تقدم من هذا الأصل أن المبايعة ما كان فيه معاوضة من الجنسين، وأجاز في موضع آخر أن يسلم حوليًا في قارحين (¬1). وعند ابن حبيب نحوه. ومحمل ذلك على أن الصغير أفضل في الأصل، والآخر من حاشي ذلك الجنس. فصل [في سلم البقر] قال ابن القاسم: ولا بأس أن تسلم البقرة الفارهة القوية على الحرث في حواشي البقر (¬2). ومثله: لو كانت كثيرة اللبن وذلك المقصود منها، فلا بأس أن تسلم في عدد لا يراد ذلك منها، ولا تسلم واحدة في واحدة إذا كانت إحداهما فارهة أو مما تراد للبن في واحدة من حواشي البقر، ولا بأس أن تسلم واحدة فارهة تراد للحرث في ذات لبن. فصل [في سلم الغنم] قال مالك: والغنم ضأنها ومعزها صغارها وكبارها صنف، وكذلك عنده ذكورها وإناثها صنف، فلا يسلم بعضها في بعض إلا أن تكون غنم غزيرة كثيرة اللبن موصوفة بالكرم، فلا بأس أن تسلم في حواشي الغنم (¬3). وقد اختلف في هذه الثلاثة وجوه: في سلم الصغار في الكبار، وفي الذكور ¬

_ (¬1) قوله: (قارحين) في (ث): (قريحين). وانظر: البيان والتحصيل: 7/ 186. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 54. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 55.

في الإناث، والضأن والمعز. فأجاز مالك في كتاب محمد أن تسلم ضائنة في معزتين صغيرتين (¬1). وأجاز ابن وهب في مختصر ما ليس في المختصر أن يسلم كبش في خروفين، وهذا هو الصواب، أن يجوز على مثل ما قالاه أن تكون الصغار أكثر عددًا، فهي مبايعة حقيقة. وأجاز ابن القاسم أن تسلم الدجاجة البيوض أو ما فيها بيض في ديكين (¬2)، وعلى هذا يجوز أن تسلم نعجة في كبشين، وهو الصواب؛ لأن المعلوم من أهل كسب الغنم أنهم يرغبون في كسب الإناث للنسل واللبن، ولا يرغبون في الذكور، ولا يمسكون منها إلا ما يحتاجونه للغنم. ولا تسلم نعجة في كبش واحد؛ لأن النعجة للكسب أفضل إلا أن يكون للكبش (¬3) فضل على النعجة من وجه آخر، فيكون مبايعة، ويكون ذلك في مقابلة ما يراد من الأخرى من النسل والولد. وأجاز عبد العزيز بن أبي سلمة الضأن في المعز ورآهما صنفين، وعلى هذا الناس اليوم فيرغب في الضأن قوم ويجتنبون كسب المعز، ويرغب آخرون في المعز دون الضأن؛ لأنها أكثر ولدًا وأغزر لبنًا. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 15، قال ابن أبي زيد: في كتاب محمد: قال مالك: الغنم كلها صنف، صغارها وكبارها، إلا ذات اللبن، ولم يجز كبشًا في خروفين. وروى عنه في ضائنة في معزتين: لا تجوز إلا أن تكون المعزتان صغيرتين، وليس بشيء، والأول هو المعروف. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 15. (¬3) في (ث): (في الكبش).

فصل [في سلم الجذع]

فصل [في سلم الجِذْع] ولا يجوز أن يسلف جذع في مثله (¬1)، وسواء كان الأصل فيهما واحدًا أو مختلفًا إذا كان المبتغى والذي يُعْمَل منهما واحدًا. ولا يسلف نصف جذع في جذع (¬2)، ولا بأس أن يُسلَّم جذع في مثله إذا كان الأصل فيهما مختلفًا، والذي يعمل منهما مختلف. وإن كان الأصل واحدًا والذي يصنع (¬3) منهما مختلف، مثل أن يكون أحدهما يصلح أن يعمل في سقف أو حائط والأخرى عريضة تعمل بابًا، وما أشبه ذلك، جاز أن يسلم إحداهما في الأخرى. قال مالك: ولا بأس أن يسلم جذع في جذوع صغار (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 55، 56. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 56. (¬3) في (ت): (يعمل). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 55.

باب السلم في العبيد والإماء

باب السلم في العبيد والإماء العبيد عند مالك صنف واحد وإن اختلفت قبائلهم وأجناسهم، البربري والنوبي والصقلبي وغيرهم لا يجوز أن يسلم أحدهم في الآخر (¬1)؛ لأن المراد من جميعهم معنى واحد، وهو الخدمة، وتنقلهم الصنائع فتصيرهم أصنافًا، فيسلم أحدهما في الآخر إذا كانا تاجرين مختلفي التجارة، بزازًا وعطارًا، أو صانعين مختلفي الصنعة، نجارًا وخياطًا، ويسلم التاجر في الصانع ولا يسلم تاجر ولا صانع فيما يراد منه الخدمة ولا تجارة له ولا صناعة، وهو كإسلام الجيد في الدنيء إلا أن يتبين بفراهة أو جمال فتدخله المبايعة، ويجوز أن يسلم التاجر والصانع في عدد يراد منهم الخدمة. واختلف في الحساب والكتابة هل يكون بها كالصنعة؟ وأرى إن كان يراد ليجلس لذلك، ومنه يعول على سيده أن يكون كالصنعة، وإن كان يراد للخدمة وإنما ذلك زيادة إن احتيج إليه استعمل فيه لم يكن كالصنعة. والإماء صنف واحد لا يسلم بعضهن في بعض ما لم تكن ذات صنعة، تسلم الواحدة في الاثنتين وأكثر، مما لا صنعة عندها. قال مالك في كتاب محمد: والطبخ والخبز صنعة، وقال ابن القاسم: والرقم صنعة (¬2)، يريد إذا كان ذلك المقصود منها، قال: وليس الغزل وعمل ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 55. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 11.

الطيب صنعة، والنساء أجمع يغزلن (¬1). يريد: ما لم تبن بذلك ويكون ذلك المقصود منها ولمثله تراد. واختلف في موضعين: أحدهما: هل يكون الجمال ومَنْ تُرَادُ للفراش صنفًا تَبِينُ بذلك عن غيرها؟ والثاني: هل الذُّكرانُ مع الإناث صنفٌ واحدٌ أو صنفان؟ وقد ذهب ابن القاسم إلى أنهن صنف واحد، ومنع أن يسلم العلي في الوخش (¬2). وأجاز ذلك مالك وابن وهب وأصبغ (¬3). فقال مالك في كتاب محمد: لا بأس بالجارية الرائعة بالجاريتين دونها (¬4)، قال: وكل ما اختلف من هذا فالنسيئة فيه تحل. وقاله ابن وهب (¬5). وقال أصبغ: لا بأس أن تسلم جارية جميلة فصيحة في جاريتين إلى أجل (¬6)، وظاهر قول مالك أنه أجاز رائعة في رائعتين دونها (¬7)، وهذا هو الأصل كما يجوز سابق في عدد دونه، وحَمَّال في عدد دونه في الحمل، وأن أعلى الجنس الواحد وحواشيه صنفان. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 11. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 11. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 12. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 12. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 12. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 12. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 12، ونصه: (وجارية فارهة في جاريتين دونها).

وقال ابن حبيب: الذكران والإناث صنف واحد (¬1). وعلى قول مالك في العتق الأول يكونان صنفين؛ لأنه قال فيمن قال: كل عبد أملكه، وكل جارية أشتريها فهي حرة: ألَّا شيء عليه (¬2)؛ لأنه عم الجواري والغلمان فلم يلزمه اليمين (¬3) إذا عم العبيد، وإن كان قد أبقى خدمة الإناث أو عم الإناث، وأبقى خدمة الذكران، ولو كانا عنده صنفًا واحدًا، لألزمه الحنث إذا أبقى أحد الصنفين. وقال ابن الماجشون: يلزمه اليمين إذا حلف على أحدهما وأبقى الآخر، ورأى أنهما شيء واحد. وقول مالك في ذلك أحسن؛ لأن الخدمة مختلفة، فخدمة الذكران بالتصرف فيما يكون من الخدمة خارج البيت والأسفار والحرث وما أشبه ذلك، وخدمة الإماء ما يتعلق بالبيت من خبز وغسل وطبخ وما أشبه ذلك (¬4)، وذلك معلوم عند الناس، ولا يشتري أمة من احتاج إلى خدمة عبد، ولا عبدًا من احتاج إلى خدمة أمة. وأما الكبار والصغار فينبغي أن يكونا صنفين، فيسلم كبير في صغيرين، وصغيران في كبير، ولا يسلم كبير في صغير ولا صغير في كبير إلا أن يكون الكبير من الوخش، ولا يراد إلا للخدمة، والصغير له جمال، وممن يرى أنه إن كِبِر يراد (¬5) للتجارة أو للصنعة فتدخله المبايعة. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 11. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 390. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 390. (¬4) قوله: (وخدمة الإماء. . . وطبخ وما أشبه ذلك) ساقط من (ث). (¬5) في (ث): (يزيد).

وقال ابن القاسم في العتبية: لا يسلم صغير في المهد في كبير (¬1)؛ لأنه عنده من باب سلف بزيادة، ولو كان الصغير فوق هذا السن فيما يبين أن القصد المبايعة لجاز. ومنع ابن حبيب أن يسلم الصغار في الكبار (¬2). يريد: إذا تساوى العدد، أو كان الكبار أكثر عددًا، وأما إن كان الصغار أكثر عددًا، جاز. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 7/ 183. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 10، 11.

باب في السلم في الثمار

باب في السلم في الثمار السلم في الثمار على ثلاثة أوجه: في ثمر قرية مأمونة، أو غير مأمونة، أو حائط بعينه. فإن كانت قرية مأمونة، جاز أن يسلم في ثمارها قبل أن تزهي، ليأخذ ذلك من ثمار عامه أو بعد عامين أو ثلاثة، ويأخذ ذلك زهْوًا أو رطبًا أو تمرًا. وإن كانت قرية غير مأمونة، أو كان حائطًا بعينه، لم يسلم فيها إلا بعد أن تزهي، ليأخذ ذلك زهْوًا أو رطبًا، ولا يسلم في تمرها، وإن كانت ثمارها قد أرطبت أسلم في رطبها، ولا يسلم في تمرها، والقرية الصغيرة والحائط بعينه في هذا سواء (¬1). ويفترقان في رأس المال، فإنه يجب تعجيله إذا كان السلم في ثمار تلك القرية؛ لأنه مضمون في الذمة، ويجوز أن يسلم لمن ليس له فيها (¬2) ملك، وإن كان حائطًا بعينه جاز تأخير رأس المال، ولا يجوز أن يسلم إلا لمن يملك تلك الثمار. ويفترقان أيضًا في أنه لا يسلم في القرية إلا فيما الغالب أنه يقدر على شرائه من سوق تلك القرية، أو من أصحابها إن لم يكن عندهم سوق، فإن لم يكن شأنهم البيع أو الذي يباع عندهم قليل، ولا يقدر هذا في الغالب على شراء القدر المسلم إليه فيه مع جملة المشترين، لم يجز. ¬

_ (¬1) انظر تفصيل ذلك: المدونة: 3/ 60. (¬2) قوله: (فيها) ساقط من (ت).

والسلم في الحائط المعين يجوز بشروط، وهي: أن يكون السلم بعد أن أزهى، ويشترط أخذه زهوًا أو رطبًا بحسب ما تقدم. ويبين أخذ ذلك هل هو في يوم أو في أيام (¬1)؟ فإذا كانت أيامًا فليسلم عددها (¬2)، وهل هي متوالية أو متفرقة؟ ومبتدأها ومنتهاها، وإذا كانت متوالية أجزأ (¬3) ذكر مبتدئها عن ذكر آخرها. ويذكر ما يأخذه كل يوم، ويكون ذلك الذي شرط أخذه لا يتعذر قبضه في كل يوم من تلك الأيام، ويبقى زهو ذلك الحائط أو رطبه إلى آخر تلك الأيام، ولا ينقطع قبل ذلك، فإن شك هل يقدر على توفية ذلك القدر (¬4) في كل يوم من تلك الأيام، أو هل يبقى الزهو أو الرطب إلى آخر تلك الأيام المسماة، لم يجز، ويجوز العقد بغير نقد (¬5). ومعنى السلم في هذا: أن تقدم رأس المال، فهو إسلام لرأس المال، وإذا لم يقدم رأس المال، لم يُسَمَّ سلَمًا. والسلم يطلق على ما قدم فيه رأس المال، سواء كان السلم في معين، أو فيما هو مضمون في الذمة. واختلف إذا أسلم تمر حائط وهو زهو أو قد أرطب ويأخذ ذلك تمرًا، ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 58، 59. (¬2) في (ث): (عددا). (¬3) في (ث): (أغنى). (¬4) في (ث): (العدد). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 58، (قلت: وإن لم يقدم نقده أيجوز ذلك أم لا في قول مالك؟ قال: نعم يجوز ويشترط ما يأخذ في كل يوم).

فقال مالك (¬1) في المدونة: ليس بالحرام البين وأكره أن يعمل به فإن عمل به وفات لم يرده (¬2)، وقوله هذا محتمل، هل يفوت بالعقد أو بالقبض؟ وقال في كتاب محمد: لا يفسخ إن وقع (¬3). وقال مالك (¬4) في كتاب ابن حبيب: يفسخ ما لم يقبض (¬5). والأول أحسن، والقياس أن ذلك يجوز ابتداءً لوجهين: أحدهما: حديث أنس وجابر - رضي الله عنهما - قالا: "نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا" (¬6). وهذا نص على جواز البيع فيها بعد بدو الصلاح الجزاف والمكيل؛ لأنه لم يفرق؛ لأن محمل النهي عن البيع قبل بدو الصلاح على البقاء؛ لأن بيعها قبل ذلك على الجداد جائز. ولو حُمل الحديث على الجزاف لقيس المكيل عليه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبان أن النهي عن البيع قبل بدو الصلاح على البقاء لمكان الغرر خوف الجوائح، فبان بهذا أن البيع بعد ذلك لا غرر فيه. ¬

_ (¬1) قوله: (مالك) ساقط من (ت). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 61. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 69، 70. (¬4) قوله: (مالك) ساقط من (ث). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 70. (¬6) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 541، في باب من باع ثماره أو نخله أو أرضه أو زرعه، وقد وجب فيه العشر أو الصدقة فأدى الزكاة من غيره، أو باع ثماره ولم تجب فيه الصدقة، من كتاب الزكاة، برقم (1416)، ومسلم: 3/ 1165، في باب النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها بغير شرط القطع، من كتاب البيوع، برقم (1534)، ومالك في الموطأ: 2/ 618، في باب النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، من كتاب البيوع، برقم (1280).

فإذا لم يكن فيه غرر، جاز على الجزاف والمكيل، وذلك أن الضمان في الجزاف من البائع حتى يقبضه المشتري، والمكيل كذلك، ولا يعترض هذا بالجائحة في الجزاف إذا كانت أقل من الثلث؛ لأنه في معنى ما لم يقع عليه بيع. وقد قال أبو محمد عبد الوهاب: إنما لم يرجع بما دون الثلث؛ لأن الغالب من الثمار السقوط، وإذا كان كذلك، فالمعتبر ما وقع عليه البيع بغير خلاف، وهو أن يصاب جملتها أو الثلث فصاعدًا (¬1). وقال ابن القاسم: إذا أسلم في حائط بعينه ليأخذ ذلك زهوًا أو رطبًا في يوم بعينه، ثم رضي صاحب الحائط أن يقدم ذلك قبل الأجل، فلا بأس به إذا رضي الذي له السلف، وكان صفته بعينها (¬2). فأجاز أن يأخذ ما طاب الآن عما يطيب بعد، وهو طعام بطعام ليس يدًا بيد، فإن كان القصد من صاحب الحائط المعروف بالتعجيل، جاز، وإن كان القصد المبايعة، ليتصرف في ثمار حائطه، فإن أجيحت الثمار بعد ذلك، لم يرجع بشيء، جاز، وإن كان ليرجع بمثل ما دفع، لم يجز، إلا أن يكون ذلك على وجه السلف، فيجوز. ومنع ابن القاسم في كتاب الحبس إذا وهب عشرة أقساط من دهن جُلجلانه، ثم أراد أن يعطي عشرة أقساط من غيره (¬3)، وقد مضى بيانها في كتاب الحبس. ¬

_ (¬1) انظر: المعونة: 2/ 48. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 171. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 396.

فصل [في بيع الثمار قبل بدو صلاحها على الجداد]

فصل [في بيع الثمار قبل بدو صلاحها على الجداد] بيع الثمار قبل بدو صلاحها على الجداد جائز وذلك بثلاثة شروط: إذا كانت حينئذٍ مما ينتفع بها وكانت هناك حاجة إلى بيعها، ولم يتمالأ على مثل ذلك أهل ذلك الموضع أو الكثير منهم. فإن لم يكن فيها حينئذٍ منفعة أو كانت ولا حاجة إلى جدادها، أو تمالأ عليه أكثر أهل ذلك الموضع لم يجز؛ لأن ذلك من الفساد. وقد منع مالك من بيع القصيل، والقضب على الجداد إذا لم يبلغ أن يرعى، ورآه من الفساد (¬1). وقد يمر بالبلح وقت لا ينتفع به لأكل ولا لعلف، فقطعه حينئذ من الفساد، وكذلك إذا صار بلحًا يؤكل، وهو مما يصير تمرًا، ولم يكن هناك حاجة إلى قطعه، فهو من الفساد، والله تعالى لا يحب الفساد، وفعل العدد الكثير أو الجميع أشد فيما يؤدي إلى الضرر بالناس. فصل [في بيع الثمار قبل بدو صلاحها بشرط البقاء] وبيعها قبل الصلاح على البقاء (¬2) على ثلاثة أوجه: يمنع في وجهين، ويجوز في وجه، فيمنع إذا شرطا أن المصيبة من المشتري، وسواء كان البيع ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 65. (¬2) انظر: التفريع: 2/ 92. ونصه: (لا يجوز بيع الثمار على التبقية قبل بدو صلاحها. ولا بأس ببيعها على القطع قبل بدو صلاحها. ومن باع ثمرة قبل بدو صلاحها لم يشترط قطعها ولا بقاءها فبقاها، فالبيع باطل).

بالنقد أم لا، ويمنع إذا شرطا أن المصيبة من البائع، وكان البيع بالنقد؛ لأنه تارة سلف، وتارة بيع. ويجوز إذا كانت المصيبة من البائع، والبيع بغير نقد. والأصل في الأول حديث أنس - رضي الله عنه - قال: "نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ تُزْهِيَ" (¬1)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَرَأَيْتَ إِنْ مَنَعَ اللهُ الثَمرة، بِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟ " (¬2) يريد: إذا بيعت على أن المصيبة على المشتري، فأحب البائع أن يأخذ الثمن بعد أن أجيحت. وهذا الحديث أصلٌ في كل مبيع لا يتوصل إلى قبضه إلا إلى وقت لا يدرى هل يسلم المبيع إلى ذلك الوقت أم لا؟ لأن البيع على أن المصيبة من المشتري فاسدٌ، ولا يمنع إذا كان بغير نقدٍ، وكانت المصيبة من البائع، لحديث زيد بن ثابت قال: كان الناس في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يتبايعون الثمار، فإذا جدّ الناس وحضر تقاضيهم قال المبتاع: أصاب الثمر الدمان (¬3)، أصابه مراض، أصابه قُشام -عاهات يحتجون بها- فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما كثرت عنده الخصومة في ذلك: "فَإِمَّا لاَ، فَلاَ يَتبَايَعُوا حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُ الثَّمَرِ" كَالمَشُورَةِ ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري: 2/ 542، في باب من باع ثماره أو نخله أو أرضه أو زرعه وقد وجب فيه العشر أو الصدقة فأدى الزكاة من غيره أو باع ثماره ولم تجب فيه الصدقة، من كتاب الزكاة، برقم (1417)، ومالك في الموطأ: 2/ 618، في باب النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، من كتاب البيوع، برقم (1281). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 766، في باب إذا باع الثمار قبل أن يبدو صلاحها ثم أصابته عاهة فهو من البائع، من كتاب البيوع، برقم (2086)، ومسلم: 3/ 1190، في باب وضع الجوائح، من كتاب المساقاة، برقم (1555)، ومالك في الموطأ: 2/ 618، في باب النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، من كتاب البيوع، برقم (1281). (¬3) الدَّمان: عفن النخلة وسوادها. لسان العرب: (13/ 157).

فصل [في بيع الثمار قبل بدو صلاحها بدون اشتراط التبقية ولا القطع]

يُشِيرُ بِهَا عَلَيْهِمْ لمَّا كَثُرَتِ الخُصُومَةُ، ذكر هذا الحديث البخاري (¬1). وقد تضمن هذا الحديث ثلاث فوائد: جواز البيع على البقاء بغير نقد إذا كانت المصيبة من البائع، بقول زيد: فإذا جدّ الناس وحضر تقاضيهم. فيه دليل أن البيع كان بغير نقد، وأن امتناعهم من النقد عند الجوائح؛ لأنهم كانوا يدخلون على أن المصيبة من البائع ولولا ذلك لم يكن لاحتجاجهم بالجوائح (¬2) وجه. وأن البيع كان قبل بدو الصلاح، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَتبَايَعُوا حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا" (¬3). وقال زيد: كان ذلك كالمشورة عليهم. فصل [في بيع الثمار قبل بدو صلاحها بدون اشتراط التبقية ولا القطع] واختلف أيضًا إذا أطلق البيع ولم يشترط جدادًا ولا بقاءً، هل يحمل البيع على الجداد، ويكون جائزًا، أو على البقاء فيكون فاسدًا؟ فقال ابن القاسم في كتاب البيوع الفاسدة إذا اشترى ثمرة فجدَّها قبل بدو صلاحها: إن البيع جائز، إذا لم يشترط أنه يتركها حتى يبدو صلاحها (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري: 2/ 765، في باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، من كتاب البيوع، برقم (2081)، ومالك في الموطأ: 3/ 155، في باب ما يكره من بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، من كتاب البيوع في التجارات والسلم، برقم (759). (¬2) قوله: (بالجوائح) ساقط من (ت). (¬3) انظر تخريج الحديث السابق. (¬4) انظر: المدونة: 3/ 188.

فصل [في بيع الثمار بعد بدو الصلاح بدون اشتراط التبقية ولا القطع]

وقال أبو محمد عبد الوهاب (¬1): البيع فاسد، واحتج بنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها (¬2). والقول الأول أحسن عند عدم العادة؛ لأن محمول البياعات على التقابض في الثمن والمثمون، ولا يعترض هذا بالعادة أنها تجد بعد الصلاح؛ لأن تلك العادة إذا لم يقع البيع، وإذا كان البيع حملوا على أصل البياعات، وأما نهيه - صلى الله عليه وسلم - فقد كان عن عادة جرت بينهم أن البيع على البقاء. فصل [في بيع الثمار بعد بدو الصلاح بدون اشتراط التبقية ولا القطع] واختلف أيضًا في إطلاق البيع بعد بدو الصلاح. فالمعروف من المذهب أنه على البقاء حتى ييبس (¬3)، وجعله ابن حبيب على الجداد، فقال: ومن اشترى ثمرة بعد طيبها لم يكن له أن يقرها حتى تيبس إن لم يكن اشترط ذلك على البائع، وذلك لمكان السقي؛ لأن سقيها على البائع، وإن اشزى ذلك مبهمًا فهو على تعجيل جناها حتى يشترط تأخيرها (¬4). انتهى قوله. وهذا هو الأصل في البياعات أنها على التعجيل في الثمن والمثمون، إلا أن ¬

_ (¬1) قوله: (أبو محمد عبد الوهاب) في (ت): (قال ابن القصار وعبد الوهاب). (¬2) انظر تخريج الحديث السابق. وانظر: المعونة: 2/ 40. (¬3) انظر: التلقين: 2/ 147 والإشراف: 2/ 543، نص التلقين: (بيع الثمار بعد بدو صلاحها جائز مطلقا وبشرط التبقية والقطع وإطلاقها يقتضي التبقية). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 189.

فصل [في اشتراط بدو الصلاح في الثمار ومعناه وكيفيته]

يشترط التأخير أو تكون تلك العادة. وإذا اشترطا التأخر حتى ييبس، أو كانت تلك العادة، وكان العقد فيها على الكيل لبُعد اليُبس، لم يلزم المشتري دفع الثمن حتى يقبض الثمرة. فصل [في اشتراط بدو الصلاح في الثمار ومعناه وكيفيته] بيع الثمار والزروع والزيتون والتين والعنب والفواكه والبقول وما أشبه ذلك لا يجوز إلا بعد بدو صلاحها (¬1). والصلاح في النخل: أن تزهي، ويصفر ما شأنه أن يصفر، ويحمر ما شأنه أن يحمر (¬2)، وهو وقت الانتفاع به، وبدو الصلاح للزرع عند مالك أن يبيض (¬3). وقال ابن شهاب في كتاب محمد: كان العلماء يقولون: بدو صلاح الزرع إذا أفرك (¬4) والأول أحسن، لحديث ابن عمر قال: "نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ مِنَ العَاهَة". أخرجه مسلم (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 157، الإشراف: 2/ 542، وعيون المجالس: 3/ 1449، والمعونة: 2/ 40، ونص المدونة: (وقال في الزرع والثمار لا تباع حتي يبدو صلاحها). (¬2) انظر: الإشراف: 2/ 543. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 61. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 188. (¬5) أخرجه مسلم: 3/ 1165، في باب النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها بغير شرط القطع، من كتاب البيوع، برقم (1535)، ومالك في الموطأ: 2/ 648، في باب جامع بيع الطعام، من كتاب البيوع، برقم (1325).

واختلف إذا وقع البيع بعد أن أفرك، واشترط المشتري أخذه يابسًا، فقال مالك: إذا أخذ ذلك وفات، فلا يرد (¬1). وقال في كتاب ابن حبيب: يفسخ ما لم يقبض، فإذا قبض، لم يفسخ (¬2). وقال ابن القاسم في العتبية: إذا فات باليبس، لم يفسخ للاختلاف فيه (¬3). وقال ابن عبد الحكم: يفسخ وإن يبس (¬4). وكل هذا الاختلاف، فإنه سواء اشترى جزافًا أو على الكيل. وكذلك الفول والحمص يباع وهو أخضر وقد امتلأ حبه، فقال ابن القاسم: إن عثر عليه قبل أن ييبس فسخ، وإن يبس لم يفسخ للاختلاف فيه (¬5). وقال ابن عبد الحكم: يفسخ وإن يبس (¬6). قال الشيخ - رضي الله عنه -: إذا كان الزرع والفول وما أشبه ذلك يشرب بالعيون، أو بالدالية فأرى أن يمضي وعقده حينئذ جائز؛ لأنه مأمون، وإن كان يشرب بالسماء، وعدم الماء يضره، ويكون ناقصًا لم يعقد فيه حينئذ بيع، ويفسخ ما لم يفت. وقال محمد في الزيتون: يباع إذا اسودَّ أو نحا ناحية الاسوداد (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 61. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 191. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: ولفظها: وسُئل عن الرجل يبيع الزرع - وقد أفرك، والفول وقد امتلأ حبه وهو أخضر، أو الحمص، أو العدس، أو ما أشبه ذلك، فيتركه مشتريه حتى ييبس ويحصده، أيجوز بيعه؟ فقال: إن علم به قبل أن ييبس فسخ البيع، وإن لم يعلم به إلا بعد أن ييبس مضى البيع ولا يفسخ. (¬4) انظر: النوارد والزيادات: 6/ 188. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 189. (¬6) انظر: النوارد والزيادات: 6/ 188. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 188، وقد عزاها لابن حبيب.

وقال في التين: لا يباع حتى يطيب أوله، فيؤكل منه. وكذلك الفواكه كلها لا تباع حتى يطيب أوائلها ويؤكل منها (¬1). وإذا كان في الدالية الحبات في العنقود والعنقودين فلا بأس ببيعه إذا كان طيب ذلك متتابعًا (¬2). قال مالك: والتين كذلك (¬3). وكذلك الحائط يزهي بعضه، قال: فإذا لم يزه الحائط نفسه وأزهى ما حوله، جاز بيعه، قال ابن القاسم: وأحبُّ إليّ حتى يزهي الحائط بعينه (¬4)؛ للحديث، وإذا كان الذي أزهى باكورًا لم يبع إلا ذلك الباكور وحده، وكذلك التين والعنب الصيفي والشتوي إذا بدا صلاح الصيفي بيع وحده دون الشتوي (¬5). وإذا كان في الحائط أصناف ثمار نخل ورمان وخوخ وما أشبه ذلك لم يبع منه إلا ما طاب وحده (¬6). قال مالك: وإن كان الصنف الذي لم يطب الثلث فأدنى، لم يبع إلا ما طاب من ذلك، ولو كان زرْعا قد يبس وفيه ما لم ييبس ولا خطب له فباعه كله فلا بأس به (¬7). قال محمد: لأن هذا الصنف واحد (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 195، وقد عزاها لابن حبيب. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 187. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 7/ 246. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 187. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 187، 188. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 188. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 188. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 188.

فصل [في الجائحة تصيب الثمار]

وقال في الفجل واللفت والجزر والبصل والثوم المغيبة في الأرض: إذا استقل ورقه وتم وأمن عليه وانتفع به ولم يكن ما يقطع منه فسادًا فبيعه حينئذ جائز، إذا نظر إلى شيء منه، يريد: كشف عنه، أو قلعه (¬1). قال: وإن وجد منه شيئًا مخالفًا لما رأى رد بحسابه من الثمن (¬2). فصل [في الجائحة تصيب الثمار] وإذا أسلم في رطب حائط بعينه فأجيح ذلك الثمر، انفسخ ذلك السلم قولًا واحدًا (¬3)؛ لأن البيع وقع على شيء بعينه، فإذا أجيح لم يلزم البائع خُلفه، ولم يلزم المشتري قبول غير ما اشتراه. وإن أسلم في ثمر قرية صغيرة فأجيح ذلك الثمر انفسخ ذلك السلم أيْضًا، ولا يبقى في ذمة البائع إلى قابل؛ لأنها غير مأمونة، فإذا مُنع أن يسلم فيها في هذا العام إلا بعد بدو صلاحها؛ لأنه غرر كان في الصبر إلى ثمرة قابل أشد غررًا. واختلف إذا كان السلم مضمونًا في رطب قرية مأمونة فأصيب ثمرها على أربعة أقوال: فقال مالك في المدونة: يتأخر إلى ثمرة قابل (¬4). وقال ابن القاسم: ومن طلب التأخير منهما كان ذلك له إلا أن يجتمعا ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 191. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 191. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 589، 590. (¬4) انظر: المدونة: 3/ 62.

على المحاسبة (¬1). وقال ابن القاسم في كتاب محمد: ذلك لمن له السلم إن شاء أخره، وإن شاء أخذه ببقية (¬2) رأس المال نقدًا، وقال: فسخ ذلك أحب إليّ (¬3). وقال أشهب: يتعجل بقية رأس ماله، ولا يجوز له أن يحول ذلك في ثمرة قابل (¬4). وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: لا يكون التأخير إلا باجتماع منهما على الرضا بالتأخير (¬5)؛ لأنهما إنما عمدا لهذه السنة بعينها، ولم يرد بائع ذلك أن يكون مخلدًا في ذمته من سنة إلى سنة، قال: وسواء كان ذلك بمطل منه أو غيره. فرأى مالك وابن القاسم أن السلم لما كان مضمونًا كان ذكر هذه السنة عبارة عن التعجيل، وإلا فإن الغرض من هذه الثمرة، وثمرة قابل سواء، بمنزلة لو أسلم في قمح، فمطل به البائع بعد محل الأجل، فليس للمشتري إلا مثل ذلك القمح، إلا أن ابن القاسم رأى أن في الصبر إلى قابل ضررًا على من له السلم، وذلك كالعيب، فإن قام بحقه، لم يلزمه الصبر، وإن لم يقم بحقه (¬6) بقي إلى قابل. ورأى أشهب أن البيعَ وقع على زهو يخلق في هذا العام لا على غيره، فكان ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 62. (¬2) قوله: (ببقية) في (ت): (ببقيته). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 39، بلفظ: (له أن يؤخر، وله أن يتعجل بقية رأس ماله، وفسخه أحب إليَّ). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 40. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 40 (¬6) قوله: (بحقه) ساقط من (ت).

فسخ السلم حكما عليهما. وقول أشهب أحسن إذا كان ذهاب الثمار بجوائح من السماء، فإن كان عدم القبض للدد المطلوب حتى خرج الإبان كان للطالب الخيار، فإن شاء أخره إلى قابل، وإن شاء استرجع منه بقية رأس ماله، وليس للمسلم إليه أن يعمد إلى ما يضر به المشتري ولا إلى فسخ السلم. وإن كان عدم القبض لهرب الطالب كان المسلم إليه بالخيار بين أن يرد رأس المال أو يؤخره إلى قابل، وإلى مثل هذا ذهب ابن حبيب إذا هرب المسلم إليه برأس المال، أو أسلم إليه فلم يقبض رأس المال حتى حلّ الأجل، ورأى أن يرفع المسلم إليه ذلك إلى الحاكم، ويحضره بذلك الزهو أو الرطب ويحكم له ببراءته منه، ويبيعه على الغائب إذا خشي فساده إلى أن يحضر الغائب. وقال مالك في كتاب محمد: كل ما أسلفت فيه إلى أجل يحتاج فيه إلى ذلك الشيء وأخلفك عن وقته، فليس لك فسخ البيع، قال: وكذلك الضحايا يخلفك حتى تزول أيام النحر، وكذلك الكراء كله إلا كراء الحاج وحده، إذا زالت أيام الحج ولم يأت المكتري إلى السلطان ليكري له، فسخ ما بينهما (¬1). وجعل الغير في كتاب الرواحل: ما أخلفه من غير كراء الحاج أنَّ له الفسخَ (¬2). وقول مالك في هذا كله أنه لا يفسخ، وعلى أحد قولي ابن القاسم المقال في ذلك للطالب وحده. وعلى قول أشهب يفسخ ذلك إذا كان المنع من غير سبب واحد منهما، فإن كان من سبب أحدهما كان المقال للآخر، إلا أن يكون الكراء في راحلة بعينها، ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 67، 68. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 507.

فصل [في انقطاع وتأخير بعض المسلم فيه، وكيفية المحاسبة]

فلا يجوز الصبر لقابل كالحائط بعينه، ولأن على المكتري في منعه من بيعها إلى قابل ضررًا، وإن أتى بالأضحية فلم يجد الطالب لم يكن عليه غيرها، وإن كان التغيب منه حتى ذهبت أيام النحر كان للآخر أن يفسخ ذلك، ولو مطل بالأضحية إلى عيد قابل أو بالفاكهة حتى عاد إبانها من قابل، لم يجبر على قبولها على قول أشهب وأصبغ، ويختلف في هذا على قول ابن القاسم هل يجبر على قبولها؟ لأنه بمنزلة عيب ذهب. وقد اختلف فيمن اكترى سفينة فدخل عليها الشتاء، فلم يتفاسخا حتى عاد إبان السفر، وهذا مثله. فصل [في انقطاع وتأخير بعض المسلم فيه، وكيفية المحاسبة] وإذا أخذ بعض الرطب أو الزهو ثم انقطع الباقي ووجب الرجوع ببقية رأس المال، فإن كان شرطًا أخذ ذلك في يوم أو يومين، أو ما أشبه ذلك كانت المحاسبة على الكيل، فإن قبض النصف رجع بنصف الثمن، كما قال ابن مزين. فإن بعُد ما بين أول القبض وآخره، كالذي يشترط الابتداء في أول الإبان، ويتأخر آخر القبض إلى وسط الإبان أو آخره، وكان ذلك مما لا يدخر، أو يدخر والقصد به البيع في الأسواق حينئذٍ كانت المحاسبة على القيم، وسواء كان السلم في حائط بعينه، أو في قرية صغيرة أو كبيرة. وهذا هو أصل مالك وابن القاسم فيمن أسلم في لبن (¬1) عشر شياه، فاحتلبها شهرًا، ثم مات منها خمس أن الرجوع على سعر ذلك في تلك ¬

_ (¬1) قوله: (لبن) في (ت): (اثني).

فصل [فيمن أحب أن يأخذ عن حقه فيما أجيح من بعض الثمرة طعاما]

الشهور (¬1). وكذلك المقاثي، فإنها تكون فقوسة في أول الإبان ثمن غير آخره إلا أن يكون ذلك مما يدخر والقصد رفعه حتى ييبس، ولا يراد بيعه حين قبضه، فيكون القبض على قدر الكيل، لا على القيم. فصل [فيمن أحب أن يأخذ عن حقه فيما أجيح من بعض الثمرة طعامًا] وإذا أحب المسلم أن يأخذ عما استرجعه (¬2) من الثمن طعامًا، جاز ذلك، إذا كان السلم في حائط بعينه، أو في قرية صغيرة؛ لأن السلمَ الأولَ قد انفسخ بغير خلاف. ويختلف فيه إذا كانت القريةُ كبيرةً، فيمنع من ذلك (¬3) على قول مالك؛ لأنَّ السلم عنده منعقد، فيصير إقالة على غير رأس المال، وكذلك على قول ابن القاسم؛ لأنه ملك التأخير، ويجوز على قول أشهب؛ لأن السلم عنده منفسخٌ، ويكره ذلك لهما ابتداءً، للاختلاف فيه، فإن فعل مضى. وقال عبد الملك (¬4) ابن حبيب: لا أحب له أن يأخذ طعامًا إذا أحب المحاسبة، ويدخله طعام معجل بطعام مؤخر (¬5). يريد: لما كان له أن يؤخر السلم إلى قابل. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 318. (¬2) قوله: (استرجعه) في (ت): (يستوجبه). (¬3) قوله: (من ذلك) ساقط من (ت). (¬4) قوله: (عبد الملك) ساقط من (ت). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 40.

وإذا أحب أن يأخذ وَرِقًا، وكان رأس المال ذهبًا، جاز ذلك إذا كان الرجوع لجائحة أتت على الثمار؛ لأن ذلك يرفع التهمة، ولا يُظن بهما أنهما عملا على صرفٍ مستأخرٍ، وهو في هذا بخلاف ما تعمدا فيه الإقالة. وقال مالك في كتاب محمد فيمن أعطى صاحب مائدة على رطب أو عنب فنفد ذلك وذهب زمانه: فلا بأس أن يأخذ بما بقي من ديناره ورقًا، أو طعامًا، أو غيره قبل أن يفارقه.

باب في السلم في الفاكهة والتمر والحنطة والزيت

باب في السلم في الفاكهة والتمر والحنطة والزيت وقال ابن القاسم في السلم (¬1) في القصب الحلو والموز والأترج: لا بأس به إذا اشترط شيئًا معلومًا (¬2). قال الشيخ - رضي الله عنه -: السلم في ذلك على العادة في البيع، فإن كانت العادة بيع ذلك على الوزن، كان السلم على مثل ذلك، وإن كانت العادة البيع عددًا، أسلم على مثل ذلك عددًا، ويسلم في الرمان عددًا، ويذكر الصنف والقدر. وقال ابن القاسم في التفاح والسفرجل: يسلم فيه عددًا، وليس الشأن في التفاح العدد، وقد يكون ذلك عادة عندهم، فإن كان قوم شأنهم فيه الكيل أو الوزن، لم يجز عددًا، وإن كانت عادتهم الكيل، لم يسلم فيه وزنًا، أو كانت عادتهم الوزن، لم يسلم فيه كيلًا (¬3)، وإذا أسلم على ما هو العادة عندهم فيه الكيل أو الوزن، فإنه يذكر قدر ذلك، ونحوه من الصغر والكبر؛ لأنه يختلف ثمنه لأجل ذلك، وإن كان محصورًا بالكيل أو الوزن (¬4). وقال في الجوز: يسلم فيه عددًا (¬5). والشأن إذا كثر كالأحمال، أن يباع كيلًا، وفيما قلّ وبيع في الحوانيت عددًا. ولا يجوز لأصحاب الحوائط ومن شأنهم يتبايعونه كيلًا أن يسلموا فيه ¬

_ (¬1) قوله: (في السلم) ساقط من (ت). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 62. (¬3) قوله: (وزنًا، أو كانت عادتهم الوزن لم يسلم فيه كيلًا) في (ت): (إلا كيلًا). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 62. (¬5) انظر: المدونة: 3/ 63.

عددًا، ولا لمن شأنهم أن يتبايعوه عددًا أن يسلموا فيه كيلًا؛ لأنه لا يدرى كم يدخل في ذلك الكيل من العدد، وإن كان شأنهم يتبايعونه على الوجهين جميعًا -الكيل والعدد- أسلم على أيّ ذلك أحب. وقال مالك فيمن أسلم في تمر، ولم يذكر برنيًا من صيحاني أو ذكر برنيًا أو صيحانيًا ولم يقل: جيدًا ولا رديئًا: إنه فاسد حتى يصف (¬1). ورأى أنه إذا قال: جيدًا أو رديئًا، جاز، ويحملان على الوسط من الجيد أو الرديء، ولو قال: وسطًا كان لهم الوسط من وسط ذلك الصنف. وقال ابن القاسم في المدونة فيمن أسلم في حنطة: فإن كان بمصر، ولم يذكر أي الجنس، فذلك عندنا (¬2) على المحمولة، ولا يكون إلا على صفة، وإن كان بالشام، فذلك على السمراء، ولا يصلح إلا على صفة (¬3). يريد: أنه إذا أسلم بمصر، وقال: في حنطة جيدة أو رديئة أجزأه، وكان له الوسط من جيد المحمولة أو الوسط من رديئها (¬4). وقال في كتاب محمد: إذا أسلم بمصر، ولم يذكر السمراء من البيضاء من المحمولة، فإنه فاسدٌ عند ابن القاسم، وابن وهب (¬5). وقال ابن عبد الحكم: يفسخ إن نزل (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 63. (¬2) قوله: (عندنا) في (ت): (عنده). (¬3) قوله: (وإن كان بالشام. . . ولا يصلح إلا على صفة) ساقط من (ت). وانظر: المدونة: 3/ 63. (¬4) في (ت): (دونها). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 62، وقد عزاه ابن أبي زيد إلى مالك. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 62.

وقال أصبغ: لا يفسخ إن نزل (¬1)؛ لأن الغالب المحمولة إلا ما أصابته عاهة (¬2). وقول ابن القاسم في المدونة أحسن؛ لأنه إن كان أراد بالسمراء ما يجلب من الشام، فإن ذلك قليلٌ، أو ما أصابته عاهة فكذلك؛ لأنه نادر، ويحملان على الغالب، وهو السالمُ من قمح مصر. وإن أسلم في زيت، فإنه يصف موضعه من الجودة أو الدناءة، ولا يحتاج إلى ذكر الصنف من الزيتون (¬3)؛ لأن أثمان هذه الأصناف التي بالساحل لا تختلف إذا تساوت في الطراوة والدناءة. والعادة اليوم أن القضاءَ من الذي يجمع في الأندر، وهو الوسط من الزيت، والطري والأخضر ليس مما يقضى في الغالب، وما دخله خمج (¬4)، فهو في جملة ما دخله العيب، فمن أسلم اليوم ولم يذكر صفة، جاز، وله الوسط من الزيت؛ لأنه العادة، ولا يحتاج أيضًا إلى ضرب أجل؛ لأنَّ العادةَ القضاء في إبانه، وهو معظم العصير. ¬

_ (¬1) قوله: (إن نزل) ساقط من (ت). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 62. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 64، ونصه: (ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ومن أسلم في زيت، فلم يذكر جيدًا من رديء، ولكن ذكر أصله، فإن كان تختلف صفته عند الناس، لم يجز). (¬4) (خمج) قوله: خَمِجَ التمر إِذا فسد جَوْفُهُ وحَمُضَ، والخَمَجُ أَن يَحْمُضَ الرُّطَبُ إِذا لم يُشَرَّرْ ولم يُشَرَّقْ - انظر: لسان العرب: 2/ 1258 بتصرف.

باب في السلم في نسل الحيوان وألبانها ولحومها وأصوافها وجلودها

باب في السلم في نسل الحيوان وألبانها ولحومها وأصوافها وجلودها السلم في نسل الحيوان بأعيانها غير جائز (¬1)؛ لأنه لا يدرى أذكر هو أو أنثى، جيد أو رديء، حي أو ميت. ولا يجوز أيضًا أن يسلم فيها على صفة معلومة إن وجدت، وإلا رجع برأس المال؛ لأنه تارة سلف، وتارة بيع (¬2). ويجوز إذا لم يقدم رأس المال، وكان الوضع قريبًا، فإن خرج على ما وصف أخذ، ودفع الثمن، وإن لم يكن، فلا بيع بينهما. ويختلف فيه إذا كان الموضع بعيدا لموضع التحجير (¬3)، فأصل ابن القاسم الجوازُ، وأصلُ غيرِهِ المنعُ (¬4). وإن كان السلم في صفة مضمونة في الذمة، جاز. فصل [في السلم في لبن أو زبد أو سمن أو جبن أو أقط غنم بأعيانها] السلم في لبن غنم بأعيانها جائزٌ إذا كان في إبان اللبن (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 58. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 58. (¬3) قوله: (موضع) ساقط من (ث). (¬4) انظر تفصيل هذه المسألة: المدونة: 3/ 58. (¬5) انظر: المدونة: 3/ 58.

فإن كانت ألبان غنم ذلك الموضع لا تختلف في الجودة والدناءة، جاز وإن لم يختبر اللبن، وإن كانت تختلف في الجودة والدناءة، لم يجز إلا بعد اختباره، ومعرفة صفته. فإن كانت الغنم كثيرة، جاز أن يسلم فيه، وأن يشتريه جزافًا، فيسلم فيه في كيل معلوم لا يتعذر وجوده من تلك الغنم، ويضرب من الأجل ما يرى أن اللبن لا ينقطع قبله، ويجوز أن يشتري جملته من غير كيل إذا اختبرها وعلم قدر حلابها. وإن كانت قليلةً كالشاةِ والشاتين افترق السلم فيه من شرائه جزافًا، فيجوز السلم في مثل ربع لبنها أو نصفه (¬1)، وما الغالب حصوله بعد نقص لبنها، واختلف في شرائه جملةً من غير كيلٍ: فكرهه مالكٌ مرة؛ لأنه يختلف، فيقِلّ مرة، ويزيد أخرى، وهو بخلاف الجماعة؛ لأنها يحمل بعضها عن بعض، إن نقصت هذه زادت الأخرى، ولا يتحسس إلى ذلك في الجملة (¬2). وأجاز ذلك في كتاب محمد، وقال: ما زال الناس ها هنا يشتري الرجل لبن الشاة شهرًا، فلا بأس به (¬3). ورأى أن الغالب استصحاب الحال فيها، وأنها على ما يعرف منها، وهو أحسن. فإن نقص (¬4) بعضها عن المعتاد حطّ من الثمق بقدره إلا أن يقع جدبٌ ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 70. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 70. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 71. (¬4) في (ت): (زاد).

فصل [في السلم في اللحم]

فيضر بها الحلاب، فيكون لصاحبها الفسخ. وكذلك الغنم الكثيرة إذا أسلم في لبنها، أو اشتراه جزافًا فأجدبت الأرض وأضر بها الحلاب كان له أن يفسخ ذلك. والسلم في الزبد والسمن والجبن والأقط جائزٌ على الصفة إذا كان مضمونًا، ولم يكن في أعيان غنم، وإذا كان على ما يكون من غنم بأعيانها، جاز ذلك في الزبد والجبن؛ لأنه تعلم صفته (¬1). واختلف في السمن والأقط: فأجازه ابن القاسم، وكرهه أشهب، ورأى أن الصفة فيهما تختلف (¬2). وأرى أن يجوز إذا أسلم في بعض ما يكون منها من سمن أو أقط، وما يرى أنه لا بد أن يحصل منها بعد احتلاب ذلك القدر على تلك الصفة. وإن أسلم في القدر الذي يكون منها من السمن والأقط، لم يجز؛ لأنه إن خرج على غير الصفة التي شرطت، لم يلزمه قبوله، ورد رأس المال، فكان تارة سلفًا، وتارة بيعًا. فصل [في السلم في اللحم] السلم في اللحم يجوز بأربعة شروط: تسمية الجنس، ضأن أو معز، أو غير ذلك. والسن، جذْع أو ثني أو رباعي، ذكرًا أو أنثًى، فحلًا (¬3) أو خصيًا. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 59. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 59. (¬3) قوله: (فحلًا) ساقط من (ث).

وموضعه من السمانة. ووزنًا معلومًا. وأجاز في الكتاب أن يسلم تحريًا من غير وزن (¬1)، والوزن أحسن إلا عند عدم الموازين. قال ابن القاسم: قال مالك: إذا اشترط تحريًا معلومًا، فإن ذلك جائز، ألا ترى أن اللحم يباع بعضه ببعض بالتحري، والخبز أيْضًا يباع بعضه ببعض بالتحري (¬2). وقال ابن القصار: اختلفت الروايات عن مالك في جواز بيع اللحم باللحم، والخبز بالخبز على التحري بغير وزن، فأجازه في البوادي والقوافل، وحيث يتعذر الوزن استحسانًا، قال: وروي عنه المنع منه (¬3). قال الشيخ - رضي الله عنه -: وهو أحسن ألا يجوز ذلك بحال، بخلاف السلم؛ لأن المماثلة لا يقطع بها في تحري بعضه ببعض، والتفاضل اليسير ربا وحرام، والسلم يراد منه رفعُ الغرر، وإذا كان التحري يأتي على المقاربة فيما يتحرى من ذلك أن يقع الغرر فافترقا، والصواب أنه لا يسلم إلا على وزن معلوم؛ لأنه أسلم من الغرر. وأجاز ابن القاسم في كتاب محمد إذا أسلم في اللحم ألا يسمى الموضع الذي يؤخذ منه، قيل له: فإن قضاه مع ذلك بطونا فأبى عليه، قال: أفيكون لحم بغير بطون؟ (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 66. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 66. (¬3) انظر: عيون المجالس: 3/ 1434. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 65، ونص النوادر: (إن لم يذكر من أين يأخذ، من جنب أو فخذ، فجائز، وإن ذكره، فحسن. وذكر مثله في كتاب ابن المواز).

فصل [في السلم في صوف الغنم]

ومحمل قوله على أن تلك عادة لهم، فأما اليوم فلا يقضى بذلك؛ لأنَّ الشأنَ بيعُ البطون بانفرادها. وأرى إن سميا الناحية التي يقضى منها، فهو أحسن، وإن لم يسم قضى من المقدم والمؤخر، ولم يخص ناحية دون غيرها. وإن أسلم في الرؤوس سمى الجنس ضأنًا أو معزًا أو بقرًا، والسن حملانًا (¬1)، أو ثنيانا (¬2)، أو غير ذلك. والتسمية في الرؤوس آكد منها في اللحم؛ لأنه لا يسلم فيها بوزن، فكانت تسمية الصغير من الكبير آكد منها في غيرها (¬3)، ويسمي موضعه من الجودة والدناءة. فصل [في السلم في صوف الغنم] السلم في صوف غنم بأعيانها جائزٌ إذا كان يأخذ في جزازها (¬4)، أو كان تأخره الأيام العشرة والخمسة عشر (¬5)، إذا كان القصد بتأخيرها أن يتعسل (¬6) لا ليتزيد. ¬

_ (¬1) في (ت): (حملًا). (¬2) في (ت): (ثنيًا). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 65، والمعونة: 2/ 26، والإشراف: 2/ 570. (¬4) انظر: المدونة: 3/ 59. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 72. (¬6) التعسيل في الصوف يقابل اليبس في الثمار، قال الإمام اللخمي عن الصوف: (يختلف فيه هل يكون غلة بالتمام، أو حتى يتعسل، أو تجز قياسا على الثمرة هل تكون غلة بالطيب، أو باليبس، أو بالجذاذ فالتمام نظير الطيب، والتعسيل كاليبس، والجز كالجذاذ) انظر: مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل، للحطاب الرُّعيني: 6/ 393.

فصل [في السلم في الجلود]

وإن كانت بغير أعيانها أسلم في وزن معلوم، ولا يسلم في جزز فحول أو غير ذلك؛ لأن وزن ذلك يختلف (¬1)، ولا بأس أن يسلم في عدد جزز إذا كان تحري كل جزة كذا وكذا، قياسًا على قوله في اللحم. فصل [في السلم في الجلود] السلمُ في الجلود جائزٌ (¬2)، فإن أسلم في جلود المعز، جاز إذا وصف سعتها وسمنها، وهل هي ذكور أو خصيان، أو إناث؛ لأنَّ الأثمانَ تختلف لاختلاف ذلك، وإن كانت ضأنًا أو غيرها وصف بصفة ترفع الغرر منها. واختلف فيمن اشترى جلود غنم أو بقر بأعيانها قبل ذبحها: فقال مالك في كتاب محمد: إن كان ذلك لا يختلف وكان (¬3) متقاربًا فلا بأس، قيل: فإن جعله بالخيار حتى يفرغ منها وينظر إليها؟ قال: إن لم ينقد الثمن فلا بأس (¬4). وقال أيْضًا: ما هو بالحرام البين وما يعجبني (¬5)، وعسى أن يكون خفيفًا، وقد كان ناس يفعلون ذلك. وقال أيْضًا: لا يعجبني مثل بيع لحمها. وقال ابن القاسم: يفسخ، وإن فات جاز بيعها (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 68. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 68. (¬3) قوله: (فيمن. . . لا يختلف وكان) في (ت): (في شراء جلود غير موصوفة). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 72. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 72. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 72.

فصل السلم في الحيتان

وأرى إذا كان يختلف خروجها أن يكون فاسدًا إذا كان الخيار للمشتري وحده، وإن كان كل واحد منهما بالخيار، ولم ينقد، جاز، وإن اشتراها على أنها إن كانت على صفة كذا وكذا أخذها وإلا فلا بيع بينهما جاز إذا لم ينقد. فصل السلم في الحيتان (¬1) وقال ابن القاسم: إذا أسلم في الحيتان، فإنه يسمى الجنس ويسلم وزنًا أو قدْرًا (¬2). يريد بالقدر التحري بغير وزن. ويسمي قدر السمك من الكبر والصغر؛ لأنه وإن كان بوزن فإن الكبار أثمن، فإن كانت النواحي التي يجلب منها ذلك الجنس يختلف في السن أو الطيب أو الثمن، فإنه يسمي الناحية التي يأخذ منها. وكذلك السلم في الطير، فإنه يسمي (¬3) الجنس وموضعه من الصغر والكبر والسمانة (¬4)، فإن أراد أن يأخذ بعد الأجل طيرًا غير جنس الذي أسلم فيه مما يحيى أو لا يحيى مذكور في كتاب السلم الثالث (¬5). ¬

_ (¬1) قوله: (السلم في الحيتان) ساقط من (ث). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 66. (¬3) قوله: (الناحية التي. . . فإنه يسمي) ساقط من (ت). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 66. (¬5) في (ت): (الثاني).

باب في ذكر السلم في المصنوعات

باب في ذكر السلم في المصنوعات وقال ابن القاسم فيمن استصنع طستًا، أو قمقمًا، أو استنحت سرجًا: إن ذلك جائز إذا كان مضمونًا، وضرب الأجل، وقدم رأس المال ولم يكن يعمل من شيء بعينه (¬1). ويفترق الجواب في المعين يشتريه ليعمله بائعه على ثلاثة أوجه: فإن كان لا تختلف الصفة التي يكون عليها إذا صنع، جاز، كالذي يشتري القمح على أن يطحنه بائعه، والزيتون على أن يعصره فيأخذ منه كيلًا معلومًا، والثوب منه (¬2) على أن يخيطه. وإن كان يختلف خروجه إلا أنه يعاد إلى حاله الأول، فتعاد صنعته، حتى يأتي على الصفة التي يشترط، جاز أيضًا، وذلك كالحديد، والنحاس، والرصاص، يقول: أشتريه منك على أن تعمل منه كذا وكذا، فهذا يجوز؛ لأنه إن خرج على غير الصفة التي شرط أعاده مرة أخرى، حتى يصنعه على الصفة التي شرط، إلا أن يكون شراؤه جملة ذلك الرصاص، فلا يجوز؛ لأنه كلما أعيد نقص، فلا يقدر أن يعمل بالثاني إلا دون الأول. وإن كان ذلك مما لا (¬3) يختلف خروجه، ولا يعاد لهيئته الأولى لم يجز، كالثوب يشترط صبغه، والغزل يشترط نسجه، والعود على أن (¬4) يعمله ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 68، 69. (¬2) قوله: (منه) ساقط من (ت). (¬3) قوله: (لا) ساقط من (ت). (¬4) قوله: (على أن) ساقط من (ت).

تابوتًا أو بابًا. ولو كثر الغزل فاشترط أن يعمل منه ثوبًا وكان إن أتى من بعضه على غير الصفة، عُمل من نفسه (¬1) حتى يأتي على الصفة، لجاز. واختلف فيمن استأجر أجيرًا ليأتيه بالغلة: فأجيز (¬2)، ومُنع (¬3). ويلزم على قوله في الأجير يأتيه بالغلة أن يجوز أن يشتري الثوب على أن يصبغه؛ لأن الأجير باع منافعه على أن يبيعها، والمشتري لا يدري ما يأتيه به. وقد قيل أيضًا فيمن اشترى سلعة على أن يبيعها بائعها: إنَّ ذلك غير جائز، وكأنه اشترى الثمن الذي تباع به، وكل هذا جائز على قوله في الأجير يستأجره ليأتي بالغلة: إنَّه جائز، وإذا جاز البيع؛ لأنَّ ذلك مما لا يختلف خروجه، أو كان يختلف ويعاد لهيئته فإنه يجوز إذا شرع في العمل، ويجوز تأخير رأس المال، ثم يجري حكمه فيما بعد ذلك على الجواب في بيع وإجارة. فإن هلك ذلك القمح قبل طحنه، أو الثوب قبل خياطته، أو الحديد والنحاس قبل صنعته، وكان هلاكه ببينة، أو لم تكن بينة، ولم يكن البائع ممن انتصب لتلك الصنعة، وحلف على ضياعه، كانت مصيبته من مشتريه، وحط عن المشتري قدر الصنعة، الطحن (¬4) أو الخياطة، أو غير ذلك. وإن كان ممن انتصب لتلك الصنعة ضمنه بالقيمة لا بالثمن الذي بيع به؛ لأن التمكين في المبيع قد تقدم، وإنما بقي لموضع الصنعة، ويكون على المشتري ¬

_ (¬1) في (ت): (بنفسه). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 442، والبيان والتحصيل: 10/ 515. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 36. (¬4) قوله: (الطحن) ساقط من (ت).

ما ينوبه من الثمن، ويحط عنه ما ينوب الصنعة حسبما تقدم. وأما الزيتون إذا كان على البائع عصره ليأخذ منه مكيله، فإن مصيبته من بائعه، وإن قامت البينة على ضياعه؛ لأن كل مبيع على الكيل مصيبته من بائعه حتى يكال. ولو لم يسلم في الغزل على أن ينسج واشتراه على أنه إن خرج على ما وصفا (¬1) أخذه ونقد، وإن خرج على غير ذلك كان لبائعه جاز. ¬

_ (¬1) قوله: (وصفا) في (ت): (وصف).

باب ما لا يجوز السلم فيه كالديار والأرضين والشجر والجزاف وتراب المعدن والصواغين

باب ما لا يجوز السلم فيه كالديار والأرضين والشجر والجزاف وتراب المعدن والصواغين ولا يجوز السلم فيما لا يقدر على الوفاء به وإن كان معلوم الصفة، ولا فيما لا تحصره صفة وإن كان مقدورًا على الوفاء به. فالأول: الديار والأرضون: لا يجوز السلم فيها؛ لأنهما إذا وصفا صفة معلومة ولم يذكر الموضع كان فاسدًا، لاختلاف أغراض الناس (¬1) في المواضع، وإن عين الموضع والمحلة لم يجز؛ لأن من شرط السلم أن يكون مثل ذلك المسلم فيه بذلك الموضع كثيرًا يُعرَضُ للبيع، ومتى كان قليلًا أو كثيرًا وإنما هو لغير البيع لم يجز، وكذلك البساتين. وإن أسلم في عدد شجر تقبض بغير أرض، وكان ذلك الجنس يوجد شراؤه، ولا يتعذر الوفاء به عند محل الأجل جاز، وإلا لم يجز، وكذلك السلم في البناء بغير أرض: لا بأس به إذا وصفه وكان لا يتعذر الوفاء به، وبناؤه عند محل الأجل، وكان عند الذي يسلم موضع يضعه فيه، أو لا يتعذر بيعه حينئذ بذلك البلد ممن يبنيه عنده. فصل [في السلم في تراب المعادن] ولا يجوز السلم في تراب المعادن (¬2)، ولا أن يُقرَض، ولا بيع المعين منه ¬

_ (¬1) في (ت): (لاختلاف الأغراض). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 69.

على الصفة، إذا كان غائبًا؛ لأنه لا تحصره صفة، ويجوز بيعه إذا كان حاضرًا مرئيًّا، قيل لمالك: إنه غرر ولا يعرف ما فيه؛ لأنه مختلط بالحجارة، قال. قد عرف ناحيته وحزره (¬1). واختلف في قسمته: فروى ابن القاسم عن مالك جوازه (¬2). وقال يحيى بن عمر: لا يجوز؛ لأنه لا بد من أن يكون أحد النصيبين أكثر، ولو جاز ذلك، لجاز سلفه. وقال محمد بن عبد الحكم: قسمته أخف من قرضه؛ لأن التبر الواحد الغالب تساويه. ولا يجوز السلم في تراب الصواغين (¬3) ولا في سحيرة الذهب ولا كنك الفضة، ولا بيعه بالنقد بغير جنسه وإن كان حاضرًا؛ لأنه لا يدري ما فيه، فإن بيع رُد البيع إذا كان قائمًا، فإدْ فات عند مشتريه بأن خلطه بما لا يعرف قدره، أو بعثه لبلد آخر، أو باعه ممن خرج به، كان عليه قيمته على حاله لو كان يجوز بيعه؛ لأنه لا يقدر على أكثر من ذلك، فإن عمله وصفّاه، فقد قيل: يكون ما خرج منه لبائعه، ويكون عليه أجرة المثل ما لم تجاوز الأجرة ما خرج منه، والقياس: أن يكون ذلك فوتًا، ويكون عليه قيمته كالأول. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 195. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 392. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 70.

فصل [في السلم جزافا]

فصل [في السلم جزافا] ولا يسلم في الجزاف وإن كان مما يكال أو يوزن، لجهل ما يقضى. وأجاز مالك أن يسلم في اللحم بغير وزن على التحري (¬1). وأجازه ابن القاسم في الحوت أن يسلم فيه بالقدر بغير وزن، ومنع ذلك كله ابتداء أحسن إلا عند تعذر الموازين (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 66. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 66.

باب في سلم الحديد والكتان والصوف في جنسه والثياب بعضها ببعض

باب في سلم الحديد والكتان والصوف في جنسه والثياب بعضها ببعض سلم الموزون من الحديد والصوف والكتان على ثلاثة أوجه: فإما أن يكونا غير مصنوعين أو مصنوعين، أو أحدهما مصنوعًا والآخر غير مصنوع، فإن كانا غير مصنوعين، لم يسلم أحدهما في الآخر وإن تباينا في الجودة. وقال ابن القاسم: وإن كان أحد الحديدين يعمل منه السيوف، والآخر لا يعمل ذلك منه، أو كان أحد الصوفين يعمل منه السيجان العراقية والأسوانية، والآخر لا يعمل منه ذلك أبدًا، والكتان كذلك، وهذا حماية، لئلا يتذرع بما يتباين إلى ما يتقارب (¬1). والقياس أن يجوز، وأصل المذهب أن كل ما يتباين اختلافه من الجنس الواحد، ويُقصد من أحدهما خلاف ما يقصد من الآخر: أن يجوز سلم بعضها في بعض، وليس كون ذلك مما يكال أو يوزن علة في المنع. والحيوان والثياب يكون أصلُها واحدًا، ويجوز سلم أحدهما في الآخر، إذا اختلفت منافعهما، وقد قيل: إن (¬2) المنع؛ لأنه يمكن أن يعمل من الدنيء جيدًا إذا بولغ في عمله. وقد نص ابن القاسم على خلاف ذلك، ومنع من أن يسلم الصوف في الصوف، وإن كان لا يعمل من أحدهما ما يعمل من الآخر أبدًا، فإذا صارا ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 71. (¬2) قوله: (إن) ساقط من (ت).

مصنوعين، أو صنع أحدهما افترق الجواب (¬1). فأما الحديد والنحاس وما يصح أن يعاد بعد الصنعة لهيئته فاختلف فيه على ثلاثة أقوال: فأجاز مالك وابن القاسم إذا كانا مصنوعين أن يسلم سيفًا جيدًا في اثنين دونه، قال: بمنزلة فرس في فرسين (¬2). ومنع إن كان أحدهما مصنوعًا والآخر غير مصنوع أن يسلم أحدهما في الآخر (¬3). وأجازه في كتاب الثالث، وجعل الحكم فيه كالحكم في ثوب الكتان بالكتان، وقال: لا بأس بالثوب الكتان بالكتان نقدًا، ولا بأس بالتور النحاس بالنحاس نقدًا، ولا خير في الفلوس بالنحاس، إلا أن يتباين الفضل إذا كان عددًا (¬4). فرأى أن الصنعة نقلته إذا عمل تورًا، فجاز من غير مراعاة لفضل، بخلاف الفلوس. وحكى فضل عن يحيى أنه قال: لا بأس أن يسلف سيوفًا في حديد لا يخرج منه السيوف. قال: مثل قوله في ثوب كتان في كتان، قال: ووافقني عليه أبو إسحاق البرقي. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 71. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 72. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 71. (¬4) انظر: المدونة: 3/ 150.

ومنع ذلك سحنون فإن صنعا، وقال: وليس ضرب السيف صنعة تخرجه من الحديد؛ لأنه يعاد حديدًا. والأول أحسن، وليس هذا مما يفعله ذو عقل أن يعيد السيف حديدًا، ولو فعله أحد عوقب؛ لأن ذلك من الفساد وإضاعة المال، وإن كان ذلك مبلغ عقله وتمييزه حُجر عليه. وقد تقدم ذكر سلم الكتان في الكتان، فإن غزلا جاز أن يسلم أحدهما في الآخر إذا اختلفا، فيسلم قليلًا جيدًا في كثير رديء؛ لأنه لما غُزلا فات أن يُعمل من أحدهما ما يُعمل من الآخر، ولو عُملا ثيابًا جاز أن يسلم أحدهما في الآخر. ويسلم ثوب كتان في كتان (¬1) وفي غزل، وإن بعد الأجل، ولا بأس أن يسلم الكتان والغزل في ثوب كتان إذا قرب الأجل، ولم يكن بينهما ما يعمل منه ذلك الثوب، ولا يجوز إذا بعُد وكان (¬2) بينهما من الأجل ما يعمل منه مثل (¬3) ذلك الثوب إلا أن يكون ذلك الغزل مما لا يعمل منه مثل (¬4) ذلك، فيجوز وإن بعُد الأجل. فإن كان الغزلُ أجودَ جاز، قلَّ وزنه أو كثر؛ لأنها مبايعة، فإن كان وزنه أقل، كان فضل وزن الثوب وصنعته لمكان جودة الغزل، وإن كان مثل وزنه كانت صنعة الثوب لمكان جودة الغزل، وإن كان الغزل أدنى، لم يجز، إلا أن يكون أكثر وزنًا، فإن كان مثل وزنه أو أدنى دخله سلف بزيادة، والزيادة فضل ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 71. (¬2) قوله: (وكان) في (ت): (ما كان). (¬3) قوله: (مثل) ساقط من (ت). (¬4) قوله: (مثل) ساقط من (ت).

جودة غزل الثاني وصنعته، وعلى هذا يجري الصوف في ثوب الصوف، والقطن في ثوب القطن. واختلف في المصنوع يباع بجنسه من الكتان والقطن والصوف والجلد بالأحذية نقدًا. فأجاز ذلك مالك في الكتان جملة من غير أن يعتبر فيعلم مبلغ أحدهما من الآخر (¬1). وقال محمد: كره مالك الصوف بالثوب الصوف يدًا بيد، والجلد بعشرة أحذية وإن كان يدا بيد، وإن كان من غير جلده، قال: وجعله من المزابنة (¬2). يريد: أن صاحب الأحذية يقول: لعلي أكون الذي أغبن، وآخذ الجلد فأعمل منه أكثر، ويقول الآخر: قد لا يخرج الجلد مثل تلك الأحذية التي آخذ، فأكون أنا الذي أغبن. وقال أبو الفرج: لا يباع اللبن الحليب باللبن الحليب (¬3)، لما فيهما من الزبد المجهول وجعله من المزابنة. وقال ابن القاسم في منع بيع اللحم بالحيوان: إن ذلك لموضع الفضل والمزابنة (¬4). والأصلُ في جميع ذلك حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 57. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 57. (¬3) قوله: (باللبن الحليب) في (ث): (بالحليب). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 147.

فصل [في سلم الثياب]

المزابنة، والمزابنة بيع الثمر بالتمر كيلًا (¬1)، وبيع الكرم بالزبيب كيلًا"، اجتمع عليه الموطأ والبخاري ومسلم (¬2). وموضع المزابنة: أنَّ بائع الرطب يقول: قد لا يصح فيه إذا يبس مثل التمر الذي آخذه، والآخر يقول: قد يكون في الرطب فضل فأكون أنا الذي أغبن، وهذا الوجه يستوي فيه الطعام والعروض، فنصَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على منع هذا الوجه، ونص في غيره على تحريم الربا، فالفساد يدخل في هذه المبايعة من وجهين: الربا والمزابنة. فصل [في سلم الثياب] فأما سلم الثياب بعضها في بعض فإن اختلفت، وكان الفضل من أحد الجنبتين جودة أو كثرة، لم يجز ذلك، وهو سلف بزيادة إذا كان المتأخر أفضل، أو ضمان بجعل إن تقدم. فإن كان لكل واحد منهما (¬3) فضل على الآخر، أحدهما أجود، والآخر أطول أو أعرض جاز ذلك، وهذه مبايعة، وهذا إذا كان السلم واحدًا في واحد، وإن اختلف العدد، جاز أن يسلم واحدًا جيدًا في اثنين، فأكثر دونه. ولا بأس أن يسلم نصفًا جيدًا في كامل رديء، وكاملًا رديئًا في نصف ¬

_ (¬1) قوله: (كيلًا) ساقط من (ت). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 760، في باب بيع الزبيب بالزبيب والطعام بالطعام، من كتاب البيوع، برقم (2063)، ومسلم: 3/ 1168، في باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا، من كتاب البيوع، برقم (1539)، ومالك في الموطأ: 2/ 624، في باب ما جاء في المزابنة والمحاقلة، من كتاب البيوع، برقم (1294). (¬3) قوله: (منهما) ساقط من (ث).

جيد، فيكون قد ترك فضل الجيد، لمكان كمال الرديء. واختلف إذا اختلفت أصول الثياب واستوت المنفعة، كرقيق الكتان، ورقيق القطن، فأجازه ابن القاسم ورآهما صنفين، ومنعه أشهب. وأجاز ابن القاسم في السلم الثالث الفُرْقُبيّ (¬1)، وهو من رقيق الكتان في الهروي، والمروي (¬2) وهو من رقيق القطن. ومنعه أشهب في مدونته، ورآهما صنفًا واحدًا، وهو أحسن. والمراعى المنفعة ليس الأصول، فكما يجوز أن يسلم ما أصله واحد إذا اختلفت منفعته، فيسلم بعضه في بعض، فكذلك يمنع ما اختلف أصله إذا استوت المنفعة، كخل العنب بخل التمر، وأما ثياب الكتان والصوف والحرير، فيسلم بعضها في بعض؛ لأن منافعها مختلفة. ولا بأس أن يسلم ما استوت جودته بعضه في بعض (¬3)، لاختلاف منافعها، كالعمائم والأردية تسلم فيما يراد للقطع، ويعمل منه أقمصة، وما أشبه ذلك فهذه منافعها مختلفة، فلم يُراعَ استواؤها في الجودة. وإن أسلم ثوبا فسطاطيًّا في فسطاطي إلى أجل، ومروي نقدًا أو إلى أجل، لم يجز، وهو سلف بزيادة، وإن تعجَّل الفسطاطي وتأخر المروي جاز (¬4). واختلف إذا أسلم فسطاطيًا في فسطاطيين مثله أحدهما نقدًا والآخر إلى أجل، فأجازه ابن القاسم ومنعه سحنون. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 73. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 73. (¬3) قوله: (لأن منافعها مختلفة. . . بعضه في بعض) ساقط من (ت). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 73.

وقال محمد: ولقد اضطر المخزومي طرد القياس فيه لأشهب حتى قال: لو كان فيها (¬1) دينار بدينارين أحدهما معجل لصاحبه والآخر إلى أجل لجاز. يريد: أن القصد بذلك المعروف، وهو بمنزلة الدينار بأوزن منه، ويجوز على قوله أن يكون الأوزن نقدًا، والآخر إلى أجل، وجوازه في الثياب أحسن، وإنما يمنع من ذلك ما كان القصد فيه إلى ما يؤدي إلى الفساد. وإن اختلفوا في الجودة، وكان المنفرد مثل المعجل من الثوبين أو أدنى، جاز، وإن كان المنفرد أجود من المعجل ومثل المؤجل أو دونه، لم يجز، وهو سلف بزيادة، والزيادة المعجل مع فضل المؤخر إن كان المؤخر أجود، وإن كان المنفرد أجود من الاثنين وأوزن وهو حينئذ مبايعة؛ لأنه لا بأس أن يسلم نصفًا جيدًا في كامل رديء. وأجاز قي مختصر (¬2) الوقار أن يسلم ثوبًا في مثله إلى أجل، ورأى أنه لما لم يكن هناك زيادة من أحدهما لم يدخله فساد، ووافق في أنه لا يجوز أن يسلم واحدًا في اثنين مثله. ¬

_ (¬1) قوله: (فيها) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (في مختصر) ساقط من (ت).

باب في القرض وما يجوز منه وما يمنع

باب في القرض وما يجوز منه وما يمنع قال ابن القاسم: القرض عند مالك جائز في الثياب والرقيق والحيوان، وفي جميع الأشياء إلا الجواري وحدهن (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: القرض جائز في سائر المتملكات اللواتي يجوز بيعهن، ويمنع في أربع: ما لا تحصره الصفة، كتراب المعادن، والصواغين. وما لا يقدر على الوفاء به، وإن حصرته الصفة، كالديار والأرضين والبساتين. والجزاف إلا فيما قل من الموزون، كما يجوز السلم في اللحم بالتحري، وهو في القرض أخف. والجواري، لا يجوز فيهن القرض؛ لأنه من باب عارية الفروج (¬2) إلا أن تكون الجارية في سن من لا توطأ، أو يكون المقرَض ممن لم يبلغ الالتذاذ إذا أقرضها له وليه، أو يقرض لامرأة أو لأحد من ذوي محارمها، أو ممن لا يجوز له وطؤها من ذوي محارم الأول، إذا كان الأول أصابها، أو لمن عليه دين فيقبضها فيه. وقال محمد بن عبد الحكم في مختصر حمديس: لا بأس بقرض الجواري إذا كان يرد مثلهن. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 74. (¬2) قوله: (لا يجوز فيهن. . . عارية الفروج) زيادة من (ب).

وقال أبو محمد عبد الوهاب (¬1) في المعونة: إن اقترض أمة ردها ما لم يطأها؛ لأن قبول ردها حق للمستقرض (¬2)، فيلزم المقرض قبولها، فإن وطئها لم يجز ردها (¬3). يريد: أن غرض المستقرض أن يرد مثلها، لا ليرد عينها، فإذا كان ذلك كان قرضًا جائزًا، وقيل له: حقك في الرد ما لم تطأ، فإذا وطئتها سقط حقك في الرد. وإنما مُنع قرض الديار؛ لأنه لا يتأتى وجود المثل في تلك المحلة، يكون مثلها في الذرع وعدد البيوت وصفة البناء وارتفاع سمكها وصفة علوها إن كان لها علو، وأيضًا، فإنه يزاد إن كان مثلها كثيرًا في تلك المحلة للبيع متى أراد شراء ذلك وجده. ولا يجوز قرض منافع الديار لهذه الوجوه، وكذلك البساتين والأشجار لا يجوز قرضهن، لتعذر وجود (¬4) مثله في ذلك الموضع، أو ما قاربه في كرم أرضه وأعداد شجره، وكونها مثلها في الشباب والجنس، ولو كان ذلك في أصول بغير أرض، لجاز إذا كان بيع مثل (¬5) ذلك في ذلك الموضع موجودًا. وقال محمد بن المواز: لا بأس بالتمر بالنخل يدًا بيد، وإلى أجل قريب أو بعيد إذا وصفت النخل، ولم يكن فيها ثمر يوم يأخذها ثمر طلع أو بلح (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (أبو محمد عبد الوهاب) في (ت): (عبد الرحمن). (¬2) في (ت): (للمشتري). (¬3) انظر: المعونة: 2/ 34. (¬4) قوله: (وجود) في (ت): (وجوده). (¬5) قوله: (مثل) ساقط من (ت). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 59، ونص النوادر: (ولا بأس بتمر بنخل، يدًا بيد، وإلى أجل, =

ومحمل قوله على أن السلم في ذلك بغير أرض يأخذها المسلم فيغرسها حيث أحب، ويختلف في قرض المبقلة، فلا يجوز ذلك عند ابن القاسم، ويجوز عند أشهب، وهذا على اختلافهما في السلم في مثل ذلك، ويجوز قرض جلود الميتة بعد الدباغ، وليس القرض بيعًا (¬1)، وأجاز سحنون إجارتها؛ لأنه يبيع ما يجوز له الانتفاع به منها، ولا يشبه بيع المنافع بيع الرقاب (¬2). ¬

_ = إذا وصف النخل، ولم يكن فيها تمرة يوم يأخذها لا طلع ولا غيره). (¬1) انظر: المدونة: 3/ 631. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 631.

باب إذا أسلم طعاما في طعام نقدا وثوبا إلى أجل

باب إذا أسلم طعامًا في طعام نقدًا وثوبًا إلى أجل ولا يجوز عند مالك أن يسلم حنطة في تمر نقدًا وثوب إلى أجل، وأجاز إذا كان ذلك كله نقْدًا (¬1)، وهذا خلاف ما تقدم له في بيع وصرف، وألا يجوز ذلك في طعامين، وإن كان كل ذلك نقدًا؛ لأن حكم الطعام بالطعام حكم الصرف، فإذا لم يجز أن يضم إلى الصرف بيع لم يجز ذلك في الطعامين. وقد كان بعض شيوخنا يقول: القياس إذا تناجزا في الطعامين أن يجوز تأخير الثوب، وإنما يؤمر أن يتناجزا فيما حكمه المناجزة، وهو الذهب والفضة، وكذلك الطعام بالطعام، ويبقى البيع على أصله في جواز التأخير. وإن كان أحد الطعامين كثيرًا والآخر يسيرًا، كالمد وما أشبهه جاز أن يتراخى الطعامان، وأن يعجل الثوب، قياسا على قوله إذا باع سلعة ودرهما أو درهمين بدينار. ولا يجوز أن يسلم في سلعة بعينها ليقبضها إلى أجل؛ لأنه غرر لا يدري هل يسلم إلى ذلك الأجل أم لا؟ فإن سلمت كان بيعًا، وإن هلكت كان سلفًا؛ ولأنه يزيده في الثمن، لمكان الضمان إلى ذلك الأجل، وهو في معنى ضمان بجعل، ولا يجوز أيْضًا إذا لم ينقد؛ لأنه إن أسقط الفساد لمكان السلف لم يسقط لمكان الضمان (¬2). واختلف إذا أسقط الأجل وعجلت هل يمضي البيع أم لا؟ وأراه جائزًا إذا رضيا جميعًا؛ لأنه كعقد مبتدأ، وإن رضي أحدهما دون الآخر، لم يجز؛ لأن ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 75. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 77، 78.

الآخر يقول: العقد فاسد ومردود، وإذا كان لي ردها، لم يجز لك أن تلزمنيها. قال مالك: إن شرطا (¬1) أن تقبض السلعة إلى يوم أو يومين جاز إن اشترط ذلك البائع على المشتري، أو المشتري على البائع (¬2). وقال ابن القاسم في كتاب الرواحل: لا يعجبني ذلك إلا أن يكون ذلك لمنفعة تركب الدابة في ذلك اليوم و (¬3) اليومين وتستخدم الجارية، وإن لم يكن ذلك لركوب ولا لا استخدام ولا للبس، ولكن حتى يتوثق ويشهد فلا بأس، وإن كان قد أشهد وحبسه لا لمنفعة لم يعجبني ولا أفسخ به البيع (¬4). قال الشيخ - رضي الله عنه -: أشد ذلك أن يكون الشرط من المشتري على البائع يقول: لا أقبضه إلى يومين أو ثلاثة وتبقى في ضمانك (¬5) وليس يؤخره إلا لذلك، وإن قال: هو في ضماني، ويبقى في يديك (¬6) هذه الأيام، جاز من غير كراهة. ¬

_ (¬1) في (ت): (شرط). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 78. (¬3) قوله: (اليوم و) ساقط من (ت). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 476. (¬5) في (ت): (ضمانها). (¬6) في (ت): (يديه).

باب في أجل السلم

باب في أجل السلم وقال مالك في السلم في الطعام والثياب والحيوان إلى يوم أو يومين: لا خير فيه إلا إلى أجل ترتفع فيه الأسواق وتنخفض (¬1). قال ابن القاسم: ولم يحد لنا فيه حدًا، وإني لأرى الخمسة عشر والعشرين يومًا (¬2). قال الشيخ - رضي الله عنه -: السلم على الحلول أو إلى يوم أو يومين أو شبه ذلك على ثلاثة أوجه: يجوز في وجهين، واختلف في الثالث. فالأول: السلم لمن شأنه بيع ذلك الصنف المسلم فيه، كالسلم في اللحم لِلَّحَّام، وفي الفاكهة للفكَّاه، وفي الرطب للرطّاب، وفي الثياب للحائك الذي يعمل مثل تلك الثياب، فجميع ذلك جائز على الحلول أو إلى أجل قريب يومًا أو يومين. والثاني: السلم ليقبض ذلك خارجًا عن البلد الذي أسلم فيه، فذلك جائز، وإن قرب ما بين الموضعين، وكأن الأميال اليسيرة على الحلول أو الأيام اليسيرة. والثالث: السلم لمن ليس شأنه بيع ذلك الشيء ليقبضه في البلد المسلم فيه، فاختلف فيه: ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 79. (¬2) قوله: (يومًا) ساقط من (ت). وانظر: المدونة: 3/ 79.

فقال مالك في المدونة: لا خير فيه (¬1). وأجازه في كتاب محمد في الثياب والطعام والحيوان إلى يومين، وروى عنه ابن عبد الحكم أنه أجازه إلى يوم بعد أن كان كرهه (¬2). وقال ابن وهب في مختصر ما ليس في المختصر: السلم إلى يومين وإلى ثلاثة في الثياب والدواب أحب إليّ من بعيد الأجل (¬3). وقال أصبغ: إن وقع ذلك لم يفسخ (¬4)، للاختلاف فيه (¬5). قال محمد: والقياس فسخه، ولم أصرح فيه بالفسخ للاختلاف في ذلك (¬6) ورآه فاسدًا. واختلف في تعليل البيع (¬7): فقال أشهب في كتاب محمد: لا يصلح؛ لأنه غرر، كأنه أخذ منه الثمن ليشتري له به، فإن كان فيه فضل كان له، وإن كان نقصان كان عليه، يريد أنهما يتهمان أن يكونا عملا على ذلك. وقيل: المنع؛ لأنه من باب (¬8) بيع ما ليس عنده، فأجيز ما بعد أجله، لما ورد في ذلك من الأحاديث والعمل وبقي ما قرب أجله أو كان حالًا على المنع لأنه بيع ما ليس عنده. ¬

_ (¬1) انظر: المدونه: 3/ 268، والنوادر والزيادات: 6/ 66. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 66. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 66 ونص النوادر: (قال عنه ابن وهب: وفي الثياب والحيوان إلى يومين أو ثلاثة: إنه جائز. قال عنه ابن وهب: وغيره أحسن منه). (¬4) قوله: (لم يفسخ) في (ت) و (ث): (فسخ). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 66. (¬6) قوله: (للاختلاف في ذلك) زيادة من (ب). وانظر: النوارد والزيادات: 6/ 66. (¬7) في (ث): (المنع). (¬8) قوله: (باب) ساقط من (ت).

فصل [في تسمية الأجل في السلم]

وقيل في الجواز: إنه سلم قرب أجله فجاز، لعموم الحديث لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيءٍ، فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ" (¬1) فلم يفرق بين قرب الأجل وبعده. وقيل: هو بيع نقد. ومحمل الحديث في بيع ما ليس عند البائع على المعين من ملك غيره، وهذا هو الصواب؛ لأنهم لم يختلفوا في اللحَّام والفكَّاه أنه يجوز على الحلول، وهذا يرد على من منع ذلك من غيرهم؛ لأنه لا فرق بين الموضعين، ومحمل الحديث في النهي على ما كان معينًا من ملك غيره أولى ليجمع بين الحديثين. وأيضا فإنه القياس في المعين لو لم يرد حديث؛ لأنه غرر ينقد في شيء لا يدري هل يباع منه أو لا؟ وهو تارة سلف وتارة بيع. واختلف إذا لم ينقد وقال: إن صار في ملكي فهو لك بكذا وكذا، وأن يجوز أحسن؛ لأنه لا غرر فيه. فصل [في تسمية الأجل في السلم] السلم في تسمية الأجل على ثلاثة أوجه: واجب، وساقط، ومختلف فيه. فإن شرط القبض في البلد الذي عقدا فيه السلم، ولم يكن لمثل ذلك المسلم فيه عادة في وقت القبض، وجب تسمية الأجل، وإلا كان فاسدًا. وإن كان لمثله عادة في وقت (¬2) قبضه، أجزأت العادة عن تسمية الأجل، ¬

_ (¬1) سبق تخريجه ص: 2878. (¬2) في (ث): (مثل).

وقد جرت العادة اليوم في الزيت إذا كان السلم في بدو الثمرة أنه يقبض في وقت العصير، وذلك في زمانه. وفي السلم في الحبوب والقمح والشعير أنه يقبض وقت الحصاد، وكذلك السلم في التمر في بلدان النخيل، كالجزائر يجوز وإن لم يسميا الأجل، والقبض وقت الجداد، وسواء في هذا شرطا القبض في القرية التي يجني منها، أو في بلد من تلك القرى التي يجنى إليها. واختلف إذا لم يكن لمثل ذلك المسلم فيه عادة في وقت قبضه، وشرطا القبض بغير البلد الذي وقع فيه السلم، ولم يسميا أجلًا: فقيل: ذلك جائز، والمسافة التي بين البلدين كالأجل، فيجبر المسلم إليه على الخروج بفور العقد، أو التوكيل على الوفاء، فإذا وصلا أجبر على القضاء ويستحق القبض حينئذٍ من غير تأخير. وقيل: السلم فاسد، وهو أحسن؛ لأن السلم يتضمن موضعًا يقبض فيه، ومدة يُقبض إليها، فذكر الموضع لا يفهم منه الأجل، كما أن ذكر الأجل لا يفهم منه الموضع، فإذا لم يسم الوقت الذي يقبض فيه بعد الوصول كان فاسدًا. وفي سماع ابن القاسم قال: سئل مالك عن رجال يقدمون من أرياف مصر على قدر مسيرة اليومين أو أكثر فيبيعون من رجال بالفسطاط طعامًا مضمونًا عليهم يوفونهم إياه بريفهم ولا يضربون لذلك أجلًا، فقال: أليس ذلك حالا؟ فقلت: بلى، فقال: لا بأس بذلك (¬1)، ولم يجعله على الجواز، ولا على الحلول بمجرد العقد، وإلى هذا ذهب فضل إلى أن الدنانير والعروض سواء فهو فاسد. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 139.

باب في رأس المال يوجد زيوفا أو يهلكـ عند المسلم قبل تسليمه

باب في رأس المال يوجد زيوفًا أو يهلكـ عند المسلم قبل تسليمه وإذا وجد المسلم إليه رأس المال زيوفًا أو رصاصًا أبدلها، ولم ينتقض السلم (¬1). وقال مالك في مختصر ما ليس في المختصر: إذا جاء المسلم إليه بدرهم ناقص، واعترض الآخر أنه من دراهمه، انتقض من السلم بقدره. ورأى أن النهي عن الكالئ بالكالئ شَرْعٌ غير مُعَلَّلٍ، فإذا تأخر رأس مال السلم فَسَدَ، وإن لم يعملا على التأخير، وكانا قد غلبا على المناجزة. وقد اختلف في الغلبة في الصرف، واختلف إذا شرط تعيين الدنانير على ثلاثة أقوال: فقيل: الشرط ساقط، وقيل: لازم، وقيل: إن شرط ذلك بائع الدنانير كان له شرطه، وإن شرطه مشتريها بطل الشرط. فمن أبطل الشرط وجعلها بمنزلة غير المعينة يعود الجواب فيها عند العيب إلى ما تقدم، فيختلف هل يلزم بدلها ويكون السلم منعقدًا، أو ينفسخ حكمًا واحدًا (¬2)؟ ومن ألزم الشرط أجاز الحلف إذا رضيا جميعًا ولا يدخله الكالئ بالكالئ؛ لأنه إذا صح التعيين صار بمنزلة لو كان رأس المال ثوبًا أو عبْدًا، فإذا ردها، انتقض السلم، وما تراضيا عليه سلم مبتدأ. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 80، 81. (¬2) قوله: (واحدًا) ساقط من (ت).

وعلى القول الثالث: إن شرط ذلك المسلم لها، جاز الحلف إذا رضي وحده، وإلا فسخ، وإن شرطه المسلم إليه عاد الجواب إلى ما تقدم إذا لم يعين (¬1). وقد اختلف فيمن اشترط شرطًا ليس بفاسد ولا يتعلق بالوفاء به منفعة، هل يلزم الوفاء به؟ فوجه القول بسقوطه: أن الأصل في تعليق حقوق الآدميين بعضهم على بعض ما يتعلق بها من المنافع، وهذا هو الغالب والموجود، وفي مثلها (¬2) ورد تعلق الأحكام، فمتى عري من ذلك لم يتعلق به حكم. ووجه القول بإلزامه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "المؤمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ" (¬3)، ولم يفرق، والدنانير والدراهم لا تختلف الأغراض فيها، فالدنانير القائمة والأفراد وما أشبه ذلك الغرض في أحدها كالغرض في الآخر، إلا أن يعلم أن ذلك الشرط كان لمعنى كان الشرط لأجله، وقد يشترط ذلك بائعها؛ لأنه لا شيء عنده (¬4) سواها، أو يكون له شيء يشق عليه بيعه لخلفها، أو يشترط ذلك مشتريها لحلها أو (¬5) لطيب أصلها، فيكون لكل واحد منهما شرطه؛ لأنه حينئذٍ شرط يتعلق به منفعة. ¬

_ (¬1) قوله: (يعين) في (ث): (تعين). (¬2) قوله: (وفي مثلها) في (ت): (وفيها). (¬3) أخرجه أبو داود: 2/ 327، في باب في الصلح، من كتاب الأقضية، برقم (3594)، وسنده حسن صحيح. (¬4) قوله: (عنده) في (ت): (عليه). (¬5) قوله: (أو) في (ث): (و).

فصل [في حكم السلم إذا كان رأس المال فيه معينا أو موصوفا فوجده معيبا]

فصل [في حكم السلم إذا كان رأس المال فيه معينًا أو موصوفًا فوجده معيبًا] وإن كان رأس مال السلم عرضًا أو شيئًا مما يكال أو يوزن فرده بعيب، انتقض السلم (¬1)، وهذا إذا كان انعقاد السلم على شيء بعينه، وإن لم يكن رأس مال السلم معينًا، وكان موصوفًا على قول من أجاز الموصوف على الحلول، لم ينتقض السلم برده بالعيب، وكان الحكم بينهما الرجوع بمثله. فصل [في العمل إذا انتقض السلم بسبب رد رأس المال المعيب] وإذا وجب انتقاض السلم لرد رأس المال؛ لأنه كان معيبًا، وكان ذلك بعد أن قبض المسلم فيه، فإن كان قائمًا بيد المسلم ردَّه. وإن حالت سوقه، أو حدث به عيب، أو خرج من يد قابضه نظرت، فإن كان المسلم فيه عروضًا، أو عبيدًا، أو حيوانًا، ردّ قيمته يوم قبضه، وإن كان موجودًا بيده، وإن كان مما يوزن أو يكال، كالطعام والحديد والنحاس، كان لبائعه أن يأخذ عينه إن كان موجودًا بيده، أو مثله إن لم يكن موجودًا، ولا تفيته حوالة الأسواق. وروي عن ابن وهب في البيع الفاسد في المكيل والموزون أن حوالة الأسواق تفيته، فعلى هذا لا يكون للمسلم إليه أن يرجع فيما سلمه إذا فات ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 209، والنوادر والزيادات: 10/ 416.

فصل [في حكم السلم إذا كان المسلم فيه معيبا]

بحوالة الأسواق، ويرجع بقيمته. فصل [في حكم السلم إذا كان المسلم فيه معيبًا] وإن كان العيب بالمسلم فيه فظهر على ذلك العيب بعد قبضه لم ينتقض السلم بحال، وسواء كان السلم في ثوب، أو عبد، أو فيما يكال، أو يوزن، ولقابض ذلك وهو المسلم أن يرده بالعيب ويرجع بالمثل في الذمة بمنزلة لو لم يقبض ذلك (¬1). وكذلك إن كان ظهوره على العيب بعد أن حال سوقه، فإن له أن يرده؛ لأن حوالة الأسواق لا تمنع (¬2) الرد بالعيب. وإن حدث به عنده عيب كان له أن يرد ويغرم ما نقصه ذلك العيب، ويرجع بمثل الصفة التي أسلم فيها، وإن أحب أن يمسك أو كان خرج من يده بهبة، ثم اطلع على العيب كان في ذلك ثلاثة أقوال: فقيل: يغرم قيمة ما قبض معيبًا ويرجع بالصفة، وقيل: يرجع بقدر ذلك العيب شريكًا في الصفة التي كان أسلم فيها، فإن كانت قيمة ذلك العيب الربع، رجع بمثل ربع الصفة شريكًا للمسلم إليه. وقيل: يرجع بقيمة العيب من الثمن الذي كان أسلم؛ لأن بقاءه شريكًا عيب عليه، وأرى أن يكون المسلم بالخيار بين أن يرد القيمة ويرجع بالمثل، أو ينتقض من السلم بقدر العيب؛ لأن رجوعه شريكًا عيب عليهما. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 315. (¬2) في (ث): (تفيت).

فصل [في حكم هلاك رأس المال بيد بائعه قبل أن يسلمه]

فصل [في حكم هلاك رأس المال بيد بائعه قبل أن يسلمه] وإذا هلك رأس مال السلم بيد بائعه قبل أن يسلمه، أو ادعى ذلك فإنه لا يخلو بقاؤه في يده من أربعة أوجه: إما أن يكون ذلك بعد أن أمكنه من قبضه، أو لم يمكنه منه وكان محبوسًا للإشهاد، أو لأنه استثنى بعض منافعه، أو لم يمكنه ولم يمنعه وكان حين العقد حاضرًا بين أيديهما أو غائبًا عنهما. فإن كان حاضرًا ومكنه منه ثم تركه مشتريه عنده، كان على أحكام الوديعة، فإن ادعى بائعه تلفه أو أن أحدًا غصبه إياه أو استهلكه كان القول قوله، ويحلف إن كان ممن يتهم أنه كذب في قوله ذلك والسلم على حاله (¬1). وإن منعه منه حتى يشهد وهو مما يغاب عليه لم يصدق، وإن أمكنه من الرقاب وبقي لمنافع استثناها منه صُدق. وإن لم يمنعه ولا مكنه وكان حاضرًا بين أيديهما ومضى وتركه كان على حكم الإيداع؛ لأنه لم يكن له (¬2) حبسه لا كان الثمن إلى أجل بخلاف البيع على النقد. وإن كان غائبًا عنهما لم يصدق إلا أن تقوم البينة على تلافه. ثم يختلف فيه إذا كان غائبًا أو حاضرًا محبوسًا في الإشهاد هل تكون مصيبته من بائعه أو مشتريه؟ وذلك مبين في كتاب العيوب. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 80. (¬2) قوله: (له) ساقط من (ث).

ويفترق الجواب إذا لم تقم البينة على هلاكه، أو علم أن ذلك من سبب البائع؛ لأنه باعه من غيره أو وهبه أو أحرقه. فقال ابن القاسم: إن ادعى ضياعه انفسخ السلم (¬1). وقال محمد: المسلم إليه بابخيار إن شاء فسخ عن نفسه السلم، وإن شاء ألزمه قيمته (¬2)، أحب أو كره، وكان الفسخ (¬3) على حاله؛ لأنه يتهم في حبسه. قال: وإن تعدى وباعه من غيره وغاب به مشتريه كان المسلم إليه بالخيار في وجهين: إن شاء أخذ (¬4) الثمن الذي باعه به، وإن شاء أغرمه القيمة ما بلغت، ويكون عليه الفسخ (¬5) في الوجهين جميعًا، ولا ينفسخ السلم، ولو تراضيا جميعًا لم يجز، قال: وإن أحرقه كانت عليه قيمته لا يصلح فيه غير ذلك (¬6)، فلم ير للمسلم إليه أن يفسخ السلم عن نفسه إذا أحرقه، خيفة أن يكون قد اختار أخذ القيمة، فلا يجوز له أن ينتقل إلى الفسخ، فتكون إقالة على غير رأس المال. وكذلك إذا باعه لم ير له أن يفسخ السلم، خيفة أن يكون قد اختار إجازة البيع أو التضمين وأخذ القيمة، فيكون إقالة على غير رأس المال. ويلزم مثل ذلك إذا ادَّعى ضياعه، لإمكان أن يكون قد اختار أخذ ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 80. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 375. (¬3) في (ث): (القمح). (¬4) قوله: (أخذ) ساقط من (ث). (¬5) في (ث): (القمح). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 375.

القيمة، فتكون إقالة على غير رأس المال؛ لأنه حمل عليه أنه حبسه وحال بينه وبين قبضه، فصار كالغاصب له، فلهذا جعل له أن يأخذه بالقيمة، وإذا كان كذلك صارت إقالة على غير رأس المال منهما (¬1)، وإن كان موجودًا عند المسلم إليه لما (¬2) لَمْ يمكنه منه، وإنما تكون إقالة على رأس المال لو مكنه منه، ولم يوجب (¬3) له أخذ القيمة، ولا يلزم ذلك ابن القاسم؛ لأنه لم يجعل له أخذ القيمة، وإنما رأى له أن يفسخ السلم من غير خيار، لإمكان أن يكون قد ضاع وأنه الصادق في قوله. ¬

_ (¬1) قوله: (منهما) ساقط من (ث). (¬2) قوله: (لما) ساقط من (ت). (¬3) قوله: (يوجب) في (ت): (يتوجه).

باب فيمن باع طعاما فأخذ عن ثمنه طعاما أو أقرض طعاما أو أسلم فيه فأخذ غيره

باب فيمن باع طعامًا فأخذ عن ثمنه طعامًا أو أقرض طعامًا أو أسلم فيه فأخذ غيره ومن باع طعامًا، ثم أخذ عن ثمنه طعامًا، فإن كان المبيع سمراء فأخذ عن ثمنها سمراء مثلها في الكيل والجودة، جاز ذلك، وتكون إقالة، وإن كان الثاني أكثر كيلًا أو أفضل صفةً، لم يجز (¬1)؛ لأنهما يتهمان أن يكونا عملا على ذلك، فيدخله سلف بزيادة. وإن كان الثاني أدنى صفة وأكثر كيلًا لم يجز أيضًا؛ لأنه ربا ترك فضل الأول لمكان كثرة كيل الثاني. وإن كان الثاني أدنى في الكيل أو في الصفة أو فيهما جميعًا في الكيل والصفة كان فيهما قولان: المنع، والإجازة والجواز أحسن. وليس يتهم الناس في الغالب فيما يجر إلى وضيعة، وإنما التهمة فيما يجر إلى زيادة، إلا أن يكون هناك دليل على التهمة، مثل أن يكون زمن (¬2) خوف، أو كان يخاف عليه الفساد، وهو في وقت ليس بيعه فيه من حسن النظر، لما يرجى من نَفَاقِه في المستقبل، فيتهمان على ضمانٍ بجعل، إلا أن يكون الآخر تافهًا يسيرًا، وإن أخذ محمولة، وكان المبيع الأول سمراء، وكان الثاني أكثر كيلًا لم يجز، واختلف إذا كانت مثل كيل الأول فأدنى: فرأى ابن القاسم مرة في كتاب الصرف أنهما مما تختلف فيه الأغراض، ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 82، 83. (¬2) في (ت): (من).

فيمنع التفاضل إن أخذ أدنى، وإن أخذ مثل الكيل دخله بيع الطعام بالطعام ليس يدًا بيدٍ، ورأى مرة أن المحمولة أدنى (¬1)، فعلى هذا يختلف هل يتهمان على ضمان بجعل؟ وأن يجوز أحسن. وقد تقدم أن التهمة إنما تكون فيما جر إلى منفعة ليس إلى خسارة، وإن أخذ تمرًا أو قطنية لم يجز، هذا هو المعروف من قوله، والجواب فيها يجري على القول في بيوع الآجال: فأجاز ابن القاسم في المدونة لمن باع ثوبًا بدراهم إلى أجل أن يشتريه بدنانير نقدًا إذا كانت الدنانير أقل (¬2) من الأولى بالشيء البين (¬3). وأجاز ابن القاسم وعبد الملك في المجموعة إذا كانت الدنانير مثل صرف الدراهم بالنقد يوم البيع الأول؛ لأنه يحسن الصبر، وجعل التهمة فيما يعود بزيادة (¬4). فعلى أصل قوله في المدونة ينظر إلى ثمن الذي أخذ أخيرًا فإن كان أقل من الثمن (¬5) الأول بالشيء البين (¬6) جاز؛ لأنه لا يتهم أن يبيع ما قيمته يوم البيع دينار ليأخذ مثل نصف قيمته إلى أجل. وعلى قوله في المجموعة يجوز إذا كانت قيمة الطعام الثاني مثل قيمة ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 33، 34. (¬2) قوله: (أقل) في (ث): (أكثر). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 163. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 105. (¬5) قوله: (الثمن) ساقط من (ت). (¬6) في (ث): (اليسير).

فصل [في قضاء السمراء أو القطنية أو التمر بعضها من بعض]

الطعام الأول يوم وقع البيع، والمراعاة (¬1) في قيمة الطعامين يوم البيع الأول، فإن كان في قيمة الثاني ذلك اليوم فضلٌ مُنِعَ، وإن نزلت سوقه الآن، وإن اقتضى بعض الثمن ثم أخذ عن البقية طعامًا مُنِعَ، كان الطعام المأخوذ الآن سمراء أو محمولة أو تمَرًا، أو غير ذلك، ويدخله إذا كان الآخر مثل الأول بَيعٌ وسلفٌ، وإن كان أجودَ أو أدنى - التفاضلُ، وإن كان من غير صنف الطعام بالطعام إلى أجل، إلا أن يكون الذي اقتضى من الثمن الشيء اليسير، فيجري الجواب فيه على ما تقدم إذا لم يقبض شيئًا، وكذلك إذا كان الباقي من الثمن الشيء اليسير (¬2)، وتضعف التهمة حينئذ في بيع وسلف. فصل [في قضاء السمراء أو القطنية أو التمر بعضها من بعض] وإن أقرض سمراء جاز أن يأخذ سمراء أفضل منها جودة، ويختلف إذا كانت أكثر كيلًا. وقد تقدم ذلك في كتاب الصرف (¬3) فإنه لا فرق بين الفضل في الجودة وفي الكيل؛ لأن الأول كان على وجه المعروف فلم يحملا في ذلك على التهمة. ولا بأس أن يأخذ قطنية أو تمرًا بعد محل الأجل، كما يأخذ عن (¬4) الدنانير القرض دراهم، ولم يتهما على صرف مستأخر. ¬

_ (¬1) في (ب) و (ث): (والمراعى). (¬2) قوله: (فيجري الجواب. . . من الثمن الشيء اليسير) ساقط من (ت). (¬3) انظر: كتاب الصرف، ص: 2849. (¬4) قوله: (عن) ساقط من (ت).

فصل [في قضاء الطعام بعضه من بعض بعد محل الأجل وقبله]

واختلف إذا أخذ التمر أو غيره من الطعام قبل محل الأجل: فقيل: لا يجوز ذلك؛ لأنه يقدر أن الطعام الأول باق في الذمة يقتضيه من ذمته (¬1) إذا حلّ الأجل، ويدخله الطعام بالطعام إلى أجل. وقيل: ذلك جائز؛ لأن الذمم تبرأ الآن وتخلو من الدينين. وفي كتاب الصرف إذا أخذ عن القرض وهو سمراء دقيقًا (¬2)، وفي كتاب السلم الثاني إذا أخذ عن الطعام طعامًا بغير البلد الذي أقرض فيه (¬3). ومن أقرض رجلًا طعامًا ليحيله على طعام مثله من قرض أو بيع، نظرت: فإن كان قصد المقرض منفعة المقترض، جاز، وهو قول أشهب وسحنون (¬4). وإن كان قصده منفعة نفسه ليضمن له ذلك، لم يجز، كان قصده مع ذلك منفعة المقترض أم لا، وعلى هذا يحمل قول ابن القاسم، ومثله (¬5) إذا أقرض دنانير ليحال بمثلها. فصل [في قضاء الطعام بعضه من بعض بعد محل الأجل وقبله] وإن أسلم في مائة إردب سمراء، وأخذ بعد محل الأجل مائة إردب سمراء أجود أو أدنى، جاز، وهو في أجود حسن قضاء، وفي أدنى حَسنٌ اقتضاء، ¬

_ (¬1) قوله: (يقتضيه من ذمته) في (ت): (يقبضه من أسلمه). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 42. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 143. (¬4) انظر: المدونة: 3/ 40. (¬5) قوله: (ومثله) ساقط من (ت).

ويجوز أن يأخذ أجود وأكثر كيلًا، أو (¬1) أدنى وأقل كيلًا، ولا يأخذ أجود وأقل كيلًا، ولا (¬2) أدنى وأكثر كيلًا، وهو ربًا. ولا يجوز أن (¬3) يأخذ قبل محل الأجل إلا مثل الكيل والصفة سواء، ولا يأخذ أجود ولا أكثر كيلًا، فيكون ضمانًا بِجُعْلٍ، ولا أدنى صفة ولا أقل كيلًا، فيكون قد وَضَعَ وَتَعَجَّلَ. ولا يجوز أن يأخذ أجود صفة وأدنى كيلًا، ولا أدنى صفة وأكثر كيلًا، فيدخله التفاضل والطعام بالطعام ليس يدًا بيدٍ. وإن كان السلم في سمراء وأخذ محمولة، فإن استوى الكيل وحلّ الأجل جاز، وإن كانت المحمولة أكثر كيلًا، لم يجز. واختلف إذا كانت أدنى كيلًا وأخذ خمسين محمولة عن مائة سمراء، فأجاز ذلك ابن القاسم مرة؛ لأن المحمولة أدنى صفةً (¬4)، ومنعه أخرى (¬5)، لإمكان أن يرغب فيها في بعض الأوقات، وبالأول قال أشهب (¬6)، وإن أخذ خمسين محمولة عن خمسين سمراء، ثم حط الباقي جاز. ولا يجوز أن يأخذ عن مائة محمولة خمسين سمراء، وذلك ربا، ترك فضل ¬

_ (¬1) قوله: (أو) في (ت): (و). (¬2) قوله: (ولا) في (ت): (و). (¬3) قوله: (يجوز أن) ساقط من (ت). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 144. (¬5) انظر: المدونة: 3/ 41. نص المدونة: (قال: ومما يبين لك ذلك أن الرجل إذا أسلف مائة إردب سمراء فأخذ بها خمسين إردبا محمولة أنه لا خير فيه. . .). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 366، ونصه: (وأجازه أشهب في القرض ما لم يكن أنقى من السمراء).

كيل المحمولة لموضع جودة السمراء، فإن أخذ خمسين سمراء عن خمسين محمولة ثم حط الخمسين الباقية من المحمولة جاز على مغمز فيه. قال في كتاب السلم الثالث: أرجو أن لا يكون به بأس؛ لأني أخاف أن يكونا عملا على ذلك من الأول، فأخذ خمسين سمراء عن مائة محمولة وأظهرا (¬1) أنها خمسون عن خمسين ثم حط الباقي (¬2). وأجاز أن يأخذ عن مائة إردب حنطة مائة إردب شعيرًا، وسواء كانت الحنطة من بيع أو قرض. وقال فيمن أخذ مائة إردب دقيقًا عن مائة إردب حنطة: لا بأس به من قرض، ولا خير فيه من بيع (¬3). فمنع ذلك في البيع مراعاة لقول من قال: إن الطحين صنعة، فيدخله بيع الطعام قبل قبضه، ويلزم على قوله أن لا يأخذ شعيرًا، بل هو أولى بالمنع، لقوة الخلاف فيه، وأما القمح والشعير صنفان يجوز التفاضل بينهما. وإن أسلم في تمر فلا بأس أن يأخذ بعد محل الأجل تمرًا مثل كيله وإن اختلفت الجودة، وأن يأخذ مثله في الجودة وإن اختلف في الكيل والجودة وكان أحدهما أكثر كيلًا وأجود، جاز، وإن كان أجود وأقل كيلًا أو أدنى وأكر كيلًا، لم يجز. وعلى هذا يجري الجواب في اللحم إذا أحب أن يأخذ لحمًا غير ما أسلم فيه. تم السلم الأول، بحمد الله وعونه ¬

_ (¬1) في (ت): (وأظهر). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 144. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 83.

كتاب السلم الثاني

كتاب السلم الثاني النسخ المقابل عليها 1 - (ب) = نسخة برلين رقم (3144) 2 - (ت) = نسخة تازة رقم (234 & 243) 3 - (ق 4) = نسخة القرويين رقم (368) 4 - (ث) = نسخة سيدنا عثمان رقم (172)

باب فيمن أسلم فى دنانير في طعام سلما فاسدا وأخد طعاما غير ما أسلم فيه أو مثل ما أسلم فيه وأخذ دراهم

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا. كتاب السلم الثاني باب فيمن أسلم فى دنانير في طعام سلمًا فاسدًا وأخد طعامًا غير ما أسلم فيه أو مثل ما أسلم فيه وأخذ دراهم وقال ابن القاسم فيمن أسلم في حنطة سلمًا فاسدًا: أن له أن يأخذ برأس ماله تمرًا أو طعامًا غير الحنطة إذا قبض ذلك ولم يؤخره، وأن يأخذ بعض رأس ماله ويحط بعضًا، ويجوز أن يؤخره برأس ماله (¬1). وقال محمد: ولا خير أن يرتجع إلا ما يَصْلُح (¬2) أن يسلم (¬3) رأس ماله فيه إلى أجل إذا لم يكن من النوع الذي فسخ عنه (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 86، والنوادر والزيادات: 6/ 173. (¬2) قوله: (إلا ما يَصْلُح) يقابله في (ت): (إلى ما يصح). (¬3) في (ق 4): (يسلف). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 173، ولفظه: (قال محمد: وليس بالقياس، وكل ما فات في البيع الفاسد مما يرد مثله أو قيمته، فلا بأس أن يأخذ بذلك صنفًا آخر مما يصلح أن يسلم فيه رأس المال وما اشتراه به. وإن كان طعامًا فله أن يأخذ برأس ماله ما شاء مما يصلح أن يقدم فيه رأس ماله إذا لم يكن من النوع الذي فسخ عنه).

قال أشهب: وذلك فيما كان من السَّلَم (¬1) الحرام، فأما المكروه الذي لعله أن يجاز، فلا يصلح حتى يفسخه السلطان أو يتفاسخانه ويشهدان على ذلك (¬2). وقال محمد: كل (¬3) ما كان فيه اختلاف، لم يجز إلا بعد حكومة السلطان (¬4). قال الشيخ -رحمه الله-: الذي له السلم فيما يأخذه على ثلاثة أوجه: فإما أن يأخذ غير الصنف الذي أسلم فيه، أو ما أسلم فيه، أو ما لا يجوز له أن يسلم رأس ماله فيه، مثل: أن يسلم ذهبًا فيأخذ ورِقًا، أو يسلم طعامًا في عرض فيأخذ طعامًا (¬5) من غير جنسه. فأجاز ابن القاسم إذا أسلم في طعام (¬6) أن يأخذ طعامًا غير الحنطة نقْدًا، وأن يأخذ بعض رأس ماله، وأن يؤخره بالجميع (¬7)، ولم يفرّق بين أن يكون ذلك مجمعًا على فساده أو مختلفًا فيه، وهذا جواب من قلد مذهب نفسه، ولم يراع الخلاف. وأما إن كان فاسدًا عنده وجائزًا عند المخالف، فإنهما يؤمران بردِّ رأس المال نقْدًا ولا يؤخرانه، ولا يأخذ طعامًا ولا غيره، مراعاة لقول من ذهب إلى ¬

_ (¬1) في (ق 4) و (ت): (السلف). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 173. (¬3) قوله: (كل) ساقط من (ت). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 173. (¬5) قوله: (فيأخذ طعامًا) ساقط من (ب). (¬6) قوله: (إذا أسلم في طعام) ساقط من (ت). (¬7) انظر: المدونة: 3/ 86

أنه صحيح. فإن لم يفعلا وأخذ طعامًا غير الصنف المُسْلَم فيه، أو أخذ عَرْضًا أو بعض رأس ماله، أو أخره (¬1) به، فإنه يمضي ولا يرد، ولا يصلح (¬2) أن يفسخه وهو عنده فاسد فينتقض مذهبه ليردهما إلى مذهب غيره. ومنع محمد أن يأخذ النوع المسلم فيه (¬3)، خيفة أن يكونا لم ينتقلا عن ذلك العقد الأول، وأن يكونا فعلا ذلك تتمة لما كانا عليه، وسواء في هذا القسم كان الأول مجمعًا على تحريمه أو مختلفًا فيه، وأجازه ابن حبيب. ومنع (¬4) محمد أيضًا إذا كان رأس المال ذهبًا أن يأخذ ورِقًا (¬5)، وأجازه مالك في كتاب محمد، وقال في من أعطى صاحب مائة دينار في رطب أو عنب فنفد (¬6) ذلك وذهب زمانه: فلا بأس أن يأخذ بما بقي من ديناره ورِقًا قبل أن يفارقه (¬7). وذكر ابن نافع عن مالك في الحاوي مثل ذلك، فقال في من أسلم ذهبًا في عرض: فلا بأس أن يأخذ عند محل الأجل ورِقًا. ¬

_ (¬1) في (ت): (أخذه). (¬2) في (ق 4): (ولا يصح). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 173. (¬4) في (ت): (فمنعه). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 173 (¬6) في (ب) و (ت): (فنقد). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 40، وعبارته (قال مالك: وإن أسلم في عنب، فانقطع، فأراد أن يأخذ شتويًا، فلا يصلح إلا أن يأخذ جملة قبل أن يفارقه).

قال الشيخ: أما ما كان السلم فيه صحيحًا ثم تعمد (¬1) إلى مثل ذلك، فيأخذ ورِقًا عن ذهب فليس بحسن، ولا بأس به في البيع الفاسد، ولا يتهم أحد على أن يعقدا على سَلَمٍ فاسد فيعثر عليهما فيه ليفسخ (¬2) ويرجعا فيه إلى صرف مستأخر. وأما ما ذهب إليه في منع أخذ المثل، فإنه لا يصح أن يكونا متممين للعقد الأول إلا أن يأخذ مثل المُسْلَم فيه سواء في الجودة والكيل بعد محل الأجل. فإن اختلفت الصفة فأخذ أجود أو أدنى أو أكثر كيلًا أو أقل جاز؛ لأن كل ذلك ليس بتتمة للعقد الأول. ولو وجب أن يمنع (¬3) من مثل ذلك، لمنع من اشترى (¬4) سلعة شراء فاسدًا (¬5) أن يشتريها منه أبدًا، أو تزوج امرأة نكاحًا فاسدًا ففسخ أن يتزوجها بعد ذلك، وفي فسخ ذلك بيان لفساد القول بمنع ذلك (¬6). وأجاز مالك وابن القاسم وأشهب في كتاب محمد أن يأخذ مثل الأول سواء، فقال مالك في من سلف (¬7) في طعام فأقال منه ولم يأخذ الثمن أيامًا: فليرجع إلى الطعام إلا أن يقيله منه مرة أخرى (¬8). ¬

_ (¬1) في (ب): (تعمدان). (¬2) في (ب): (فيفسخ). (¬3) قوله: (أن يمنع) يقابله في (ق 4): (المنع). (¬4) في (ب): (اشتراء). (¬5) قوله: (فاسدًا) يقابله في (ب): (فاسدًا من رجل). (¬6) قوله: (بيان لفساد القول بمنع ذلك) يقابله في (ق 4): (بيان وإفساد لقول من منع ذلك). (¬7) في (ب): (أسلم). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 51.

فصل [فيمن باع دارا واشترط على مشتريها النفقة عليه حياته]

فأفسد الإقالة الأولى لموضع التأخير، ولم ير أن الإقالة الثانية تتمة للأولى. وقال ابن القاسم في من أخذ مائة دينار قراضًا على أن يوصل مائة أخرى إلى بلد، لم يجز، فإن نزل كان أجيرًا في المائتين إلا أن يسوغه (¬1) الربح الذي دخل عليه (¬2). وقال أشهب في من صرف دراهم بدنانير فافترقا ثم وجد الدراهم تنقص: انتقض الصرف، ثم ليصرفها منه إن شاء، قال: فإن صرفها منه قبل أن يقبض الدنانير فلا بأس به (¬3). فصل [فيمن باع دارًا واشترط على مشتريها النفقة عليه حياته] وقال مالك في من باع دارًا على أن ينفق المشتري على البائع حياته: يرد البيع إذا كان قائمًا والغلة للمشتري، وإن كان فائتًا كانت فيه القيمة، قال: ويرجع المشتري بقيمة ما أنفق (¬4)، يريد: أنه كان يطعمه أو يعطيه ذلك مصنوعًا، أو يكون مما لا يتحصل فيه المثل؛ لأن الإدام في الأيام يختلف، ولو كان يعطيه ثمن ذلك دراهم لرجع بمثلها. ¬

_ (¬1) هكذا في جميع النسخ، وفي النوادر والزيادات: (يسوفه). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 250. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 374، وعبارته: (قال أشهب: إذا وجد في الدراهم نقصا أو رديئا فردها ثم صارف بها مكانه بعد أن أخذ دنانيره، فذلك جائز ما لم يكن فيه وأي، ولو رد الدراهم، ثم صارفه ولم يقبض منه الدنانير، فلا بأس بذلك). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 86.

وكذلك إن أعطاه مكيلة، فإنه يرجع بمثلها، وسواء كان يدفع ذلك من طعامه أو يشتريه له؛ لأن البائع باع على أن نفقته في ذمة المشتري، فإن كان في النفقة سرف لم يرجع به؛ لأنَّ البائع لم يصوّن به ماله، وقد كان في مندوحة منه، ففارق بذلك من أثاب من صدقة. وقال أشهب في من باع على أن ينفق المشتري على البائع حياته: البيع جائز (¬1). وهذا منافٍ للأصول، وقد يحمل قوله على مثل ما يقع من الأبوين أنه يعطي لولده الدار المثمنة (¬2) لينفق عليه حياته، وأن القصد بذلك مكارمة ولده، ويرى أن نفقته فيما بقي من عمره لا يبلغ إلا بعض ثمنها، وقد يفعل ذلك القريب والصديق. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 158، وعبارته (قال أشهب: ومن دفع داره إلى رجل على أن ينفق عليه حياته، فلا أحب ذلك، ولا أفسخه إن وقع). (¬2) في (ق 4): (الثمينة).

باب فيمن باع عبدا بطعام موصوف أو أسلمه في طعام، وفي تأخير رأس مال السلم، ومن أسلم بغير المكيال المعروف

باب فيمن باع عبدًا بطعام موصوف أو أسلمه في طعام، وفي تأخير رأس مال السَّلَم، ومن أَسْلَم (¬1) بغير المكيال المعروف وقال ابن القاسم في من اشترى دابة أو بعيرًا بطعام موصوف ولم يضرب أجلًا: أنه حرام (¬2). قال الشيخ -رحمه الله-: أما إذا قال: أشتري منك هذه الدابة أو أبيعها منك بطعام على صفة كذا، فهو جائز، وهو بخلاف قوله: أسلمها إليك، فإنه فاسد؛ لأن محمول السَّلَم على الأجل. وإذا قال: أبيعكها ولم يقل: أسلم، كان على الأصل في البياعات أنها على النقود، فيقبض البعير ويسلم الثمن نقْدًا، إلا على قول (¬3) من منع أن يكون الموصوف على الحلول. وقال مالك في من أسلم مائة دينار في مائة إردب طعامًا فنقد خمسين وأجَّلَه بخمسين: إن جميع السَّلَم فاسد (¬4). وقال ابن القاسم في من أسلم في طعام ولم يضرب لرأس المال أجلًا، ¬

_ (¬1) في (ب): (اشترى). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 87. (¬3) قوله: (قول) ساقط من (ت) و (ب). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 87، وعبارته (قلت: أرأيت إن أسلمت إلى رجل في مائة إردب تمر مائة دينار خمسين أعطيتها إياه وخمسين أجلني بها؟ قال: وقال مالك: لا يجوز هذا وينتقض جميع السلم).

فصل [في أحكام رأس مال السلم المضمون]

فافترقا قبل أن يقبض رأس المال، قال: هذا حرام إلا أن يكون على النقد (¬1). وقال مالك: لا بأس بذلك وإن افترقا قبل أن يقبض رأس المال إذا قبضه بعد يوم أو يومين أو نحو ذلك (¬2). قال الشيخ -رحمه الله-: يراعى في السَّلَم أربعة: رأس المال، والمُسْلَم فيه، والأجل، والموضع الذي يقبض فيه: فأما رأس المال فمن شرطه أن يكون معجلًا إذا كان مضمونًا، وإن كان معينًا لم يضر تأخيره. وأما المُسْلَم فيه، فمن شرطه أن يكون مؤجلًا، واختلف إذا كان حالًا. وأن يكون معلوم الصفة (¬3)، معلوم القدر، لا يتعذر الوفاء به عند محل الأجل، معلوم الأجل إذا كان مؤجلًا، معلوم الموضع الذي يقبض فيه. فصل [في أحكام رأس مال السَّلَم المضمون] نفوذ (¬4) رأس المال المُسْلَم على وجهين (¬5): مضمون، ومعين. فإن كان مضمونًا أُمر أن يكون النقد حين العقد، ليخرجا من الخلاف، فإن نَقَد بعد يوم أو يومين بغير شرط لم يفسد. واختلف إذا تأخر المدة البعيدة، أو حتى حلَّ الأجل وذلك في ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 87. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 87. (¬3) قوله: (معلوم الصفة) ساقط من (ب). (¬4) زيادة من (ت). (¬5) في (ت): (نقود رأس المال على وجهين)، وفي (ب): (رأس المال على وجهين).

الكتاب الثالث (¬1). وإن تأخر المدة البعيدة أو حتى حلَّ الأجل بشرط، فإن شرط (¬2) فسد السَّلَم. واختلف إن شرط التأخير المدة اليسيرة، كاليوم واليومين، أو اشترط تأخير الشيء اليسير من رأس المال المدة البعيدة، هل يصح السَّلَم، أو يفسد جميعه، أو يفسد منه بقدر ما تأخر؟. وإن شرط تأخير ما له قدر فسد من السَّلَم بقدر ما تأخر. ويختلف هل يصح قدرما نقد منه؟ فأجاز مالك وابن القاسم تأخير جميع رأس المال بشرط اليومين والثلاثة (¬3). وحكى ابن سحنون وغيره من البغداديين أن ذلك فاسد، للحديث أنه - صلى الله عليه وسلم -: "نَهَى عَنِ الكَالِئِ بِالكَالِئِ" (¬4)، فإذا افترقا على أن الذمتين عامرتان يقضى أحدهما إلى أمَدٍ قليل والآخر إلى أمَدٍ كثير كان الكالئ بالكالئ. وأجيز في القول الآخر؛ لأن (¬5) التأخير اليسير في جنب (¬6) الكثير في معنى ¬

_ (¬1) سيأتي، ص: 3056. (¬2) قوله: (فإن شرط) ساقط من (ق 4، ث). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 81، 229، وعبارته (أجيز له أن يؤخر رأس مال السلف يوما أو يومين أو ثلاثة أو نحو ذلك في قول مالك). (¬4) صحيح، أخرجه الحاكم في المستدرك، 2/ 65، في كتاب البيوع، برقم (2342)، والدارقطني، في سننه: 3/ 71، في كتاب البيوع، برقم (269)، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وفي إسناده موسى بن عبيدة الرندي وهو ضعيف. (¬5) في (ت): (أن). (¬6) في (ت): (حيز).

النقد، ولو كان أجل السَّلَم اليومين والثلاثة على القول بإجازة ذلك لم يجز أن يتأخر رأس المال (¬1) ذلك القدر وكان دَيْنًا بدَيْن. وأجاز مالك في كتاب محمد في الكراء المضمون إذا نقد الثلثين وتأخر الثلث (¬2). فيجوز على هذا مثل ذلك في السَّلَم. وأجاز أشهب في كتاب محمد إذا تأخر الشيء اليسير بشرط (¬3). وكل هذا عند ابن القاسم فاسد، ينقض جميعه (¬4)؛ لأنه يرى أن الأتباع مراعاة في نفسها، والقياس بعد تسليم القول أن الأتباع مراعاة في نفسها ألا يبطل إلا القدر الذي تأخر، وأما إذا تأخر الشيء الكثير النصف ونحوه، فسدت جميع الصفقة، وهذا هو المعروف من المذهب. وحكى ابن القصار قولًا آخر أنه يمضي ما تناجزا فيه. ويجري فيها قول ثالث: أنه إن سَمَّيَا لكل قفيز ثمنًا صح ما تناجزا فيه، وإن لم يُسمِّ فسد الجميع، ذكره أبو محمد عبد الوهاب، وحكى ابن القصار قولًا آخر (¬5) في الصرف إذا سَمَّيَا لكل دينار ثمنًا صح ما تناجزا فيه، وقد تقدم ذلك في كتاب الصرف (¬6). ¬

_ (¬1) في (ق 4): (رأس مال السلم). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 92. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 68، ونص النوارد: (. . . فأما السلم فأكرهه، ولا أفسخه، وأضرب له أجلًا قدر مسيرة، وأجازه أشهب بدءًا). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 68. (¬5) قوله: (وحكى ابن القصار قولًا آخر) زيادة من (ت). (¬6) انظر: المعونة: 2/ 52.

فصل [في أحكام رأس مال السلم المعين]

وأرى أن يفسد ما لم ينقده وحده؛ لأنا نعلم إنما هذه صفقة لم ينعقد أحدهما بسبب الآخر. فصل [في أحكام رأس مال السلم المعين] ويجوز تأخير رأس المال السَّلَم (¬1) إذا كان معينًا، ولا يدخله الدَّيْن بالدَّيْن. وقال ابن القاسم في كتاب بيع الغرر: إنما الدَّيْن بالدَّيْن في المضمونين، قال: وإن كان أحدهما بعينه في موضع غائب لا يصلح النقد فيه، والآخر مضمونًا إلى أجل - جاز، ولا يصلح النقد فيه بشرط حتى يقبض الغائب (¬2). يريد إذا حل السَّلَم أو الدَّيْن إذا كان عينًا (¬3) قبل قبض السلعة الغائبة أخرج من الذمة ووقف حتى يقبض الغائب إلا أن يتطوع بتعجيله، ولا يجوز بشرط قبض السَّلَم متى حلَّ قبل قبض الغائب. وقال مالك في من أسلم عبْدًا بعينه فتأخر قبضه شهرًا بغير شرط: لا بأس به، وكره ذلك إذا كان ثوبًا أو طعامًا بعينه، فتأخر بغير شرط، قال ابن القاسم: ولا يفسخ لذلك السَّلَم (¬4). فأجيز في العبد؛ لأنه مما لا يغاب عليه، والقول قوله في ضياعه، وكرهه في الثوب والطعام؛ لأنه مما يغاب عليه. ولو ادعى ضياعه بعد ذلك لم يصدق، وهو في الطعام أثقل؛ لأنه لا يعرف ¬

_ (¬1) قوله: (السَّلَم) ساقط من (ب). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 263. (¬3) في (ب): (غائبًا). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 88.

فصل [في السلم في الطعام بمكيال غير معروف]

عينه بعد الغيبة عليه، ولم يؤدِّ (¬1) ذلك إلى فساد؛ لأنه لو خالفه فيه المشتري بعد الفراق، فقال: ليس هو الذي اشتريت منك - كان القول قول البائع أنه هو، وإنما كره الثوب والطعام خيفة أن يكونا عَمِلا على ذلك، فيكون معينًا يُقْبَض إلى أجل، وليس خوف الدَّيْن بالدَّيْن؛ لأنهما معينان، وهذا على القول أن المصيبة مع قيام البينة من المشتري، فيفترق الجواب بين العبد وغيره. وأما على القول إن المصيبة من الباع، فيكره في العبد، كما يكره في الثوب، ومحمل كلام مالك على أن بقاء ذلك كان للإشهاد أو ما أشبه. ولو مكن البائعُ المشتري من العبد والثوب والطعام بعد كيله، لم تكن في ذلك كراهية؛ لأنه وديعة، فإذا كان الطعام محبوسًا قبل كيله فتغير طعم الزيت، أو تسوس القمح، كان للمشتري أن يَرُدَّ إلا أن يكون التراخي عن قبضه بتعمد من المشتري، فلا يكون له رد؛ لأنه سبب ذلك. فصل [في السَّلَم في الطعام بمكيال غير معروف] وقال مالك في من أسلم في طعام بمكيال غير معروف أو بقصعة، أو بقدح: لم يجز ذلك (¬2)، قال: وإنما يجوز ذلك لمن يشتري من الأعراب حيث ليس ثَمَّ مكيال معروف، مثل: التبن والخَبَط (¬3). يريد: إنما يباع الطعام من الأعراب بالقصعة، لعدم المكيال، مثل: العادة ¬

_ (¬1) في (ق 4): (ولا يؤدي). (¬2) قوله: (ذلك) ساقط من (ت) و (ب). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 89. والخَبَطُ: كُلُّ وَرَقٍ مَخْبوطٍ بالعَصا. انظر: تاج العروس، للزبيدي، انظر: 19/ 232.

فصل [في شروط المسلم فيه واختلاف المسلم والمسلم إليه في قدر السلم]

في التبن والخَبَط في الحاضرة. وقال أشهب: يكره، فإن نزل مضى ولم يفسخ (¬1). فعلى قوله إن عقد سَلَمًا على مثل ذلك المكيال (¬2) أخذ ذلك المكيال فكيل بالمكيال المعروف وكتب في وثيقة الدَّيْن المكيال المعروف، لئلا تضيع تلك القصعة، فلا يعرفان إلى ما يرجعان إليه. وقول مالك أحسن؛ لأنَّ عدولهم في الحاضرة عن المكيال المعروف قصْد للغرر، وجاز ذلك في البادية للضرورة، وهذا في الطارئ عليهم، وأما فيما بينهم فهو الكيال المعروف بينهم، ولو كان مع الطارئ مكيال من الحاضرة، لم يجز أن يبايعوه به؛ لأنهم لا يعلمون قدره من المكيال المعتاد عندهم إلا أن يُعَيِّروه بالذي عندهم، فيعلمون قدره، وكذلك البادي يقدم الحاضرة، فيجوز أن يبيع بمكيال الحاضرة، وإن كان لا يعلم قدره من مكيالهم، ولو قدم بمكيال، لم يجز للحضري أن يبيعه به؛ لأنَّ الحضري لا يدري قدره من مكياله، ولا ضرورة بالحضري إلى ذلك. فصل [في شروط المسلم فيه واختلاف المسلم والمسلم إليه في قدر السّلم] فأما المُسْلَمُ فيه، فمن شرطه أربعة: أن يكون مضمونًا غير معين، معلوم الصفة، معلوم القدر، لا يتعذر وجوده عند حلول الأجل. ولا يجوز أن يكون معينًا إلى أجل (¬3)؛ لأنه يزيد في الثمن لمكان الضمان، إلا ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 89. (¬2) قوله: (المكيال) زيادة من (ب). (¬3) قوله: (إلى أجل) ساقط من (ت) و (ب).

أن يكون المعين ثمرة تؤخر لتنضج، أو صوفًا ليتغسل، أو غائبًا مضمونًا. وقد تقدم في الكتاب الأول ذكر الصفة في الطعام والثياب، وهل يُسْلِمُ في ثياب الحرير بوزن (¬1). وقال: لا يجوز سَلَمُ الدنانير والدراهم جزافًا، إذا (¬2) كانت العادة بيعها عددًا (¬3)، فإن نزل فسخ، وإن اختلفا بعد الفسخ في المقبوض، فقال القابض: وجدت فيه مائة، وقال الدافع (¬4): كان مائتين أو قدر ذلك ولم أزنه، كان القول قول المُسْلَمِ إليه إذا أتى بما يشبه، وإلا كان القول قول المُسْلِم (¬5) إذا أتى بما يشبه، فإن أتيا جميعًا بما لا يشبه رُدَّ إلى الوسط مما يشبه. وإن اختلفا في الكيل والثمن، فقال: أسلمت إليَّ في عشرة، ووجدت في الثمن مائة، وقال الآخر: في عشرين وكان الثمن أربعمائة، كان القول قول المُسْلَم إليه أنه كان في عشرة، ثم ينظر، هل أتى فيها بما يشبه؟ فإن أتى فيها بما يشبه حلف يمينًا واحدة أن السَّلَم لم يكن إلا مائة في عشرة، وإن نكل حلف الآخر أنه كان أربع مائة في عشرين وأخذ ما حلف عليه، وإن أتى المُسْلَم إليه بما لا يشبه كان بالخيار، فإن أحب حلف أنه لم يكن السَّلَم إلا في عشرة، ولا يذكر الثمن، (¬6)، وحلف الآخر أن الثمن كان في العشرة مائتين، وقبض مائتين، فإذا نكل، حلف المُسْلَم إليه يمينًا ثانية أن الثمن كان مائة وغرمها. ¬

_ (¬1) انظر: كتاب السلم الأول، ص: 2914. (¬2) في (ت): (وإذا). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 89. (¬4) في (ت): (البائع). (¬5) قوله: (المُسْلَمِ إليه إذا أتى. . . كان القول قول المُسْلِم) ساقط من (ب). (¬6) زاد بعده في (ب): (لأن ذلك لا يفيده، فإن نكل غرم أربعمائة)

فصل [في مكان القبض في المسلم فيه]

وإن أحب حلف أنه لم يسلم إليه إلا مائة في عشرة، فإن نكل بعد ذلك المُسْلَم إليه عن المائتين غرم هذا مائة باليمين التي تقدمت، وكذلك لو بدأ باليمين المسلم، كان بالخيار بين أن يحلف أنه أسلم مائتين في عشرة، فإن نكل حلف الآخر أنه لم يسلم إلا مائة في عشرة، وإن أحبَّ المسلم أن يحلف أنه أَسْلَم أربعمائة في عشرين وأخذ مائتين، وحلف المُسْلَم إليه أنه لم يُسْلِم إليه إلا في عشرة ولا يذكر ثمنها؛ لأن ذلك لا يفيده شيئًا، فإن نكل غرم أربعمائة. وإن اختلفا في من يبدأ باليمين اقترعا؛ لأن كل واحد منهما يحب أن يؤخر يمينه لينظر هل ينكل صاحبه، فيحلف يمينًا واحدة على الفصلين. فصل [في مكان القبض في المُسْلَم فيه] ومن أسْلَمَ في طعام أو غيره ولم يسميا موضع القبض، قُبِضَ في البلد الذي وقع فيه السَّلَم. قال ابن القاسم: يقبض في سوقه، وإن لم تكن له (¬1) سوق فحيث ما أعطاه لزم (¬2). وقال سحنون: إن لم تكن له (¬3) سوق وفَّاه ذلك بداره (¬4). وهذا يحسن اليوم إذا كانا حضريين، وإن أسلم حضري إلى بدوي كان القضاء في قرية المسلم إليه هذه العادة اليوم، إلا أن يشترط المُسْلِمُ أنه موصل، ¬

_ (¬1) في (ق 4) و (ث): (فيه). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 90. (¬3) قوله: (له) ساقط من (ق 4). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 67.

فإنه يوصله إلى دار المُسْلِم، وهذا إذا اتفقا أنه لم يكن بينهما شرط. واختلف، إذا اختلفا في الموضع الذي شرط القبض فيه: فقال ابن القاسم: القول قول من ادَّعى القضاء في موضع عقد فيه السَّلَم، وإن لم يدعه واحد منهما كان القول قول المُسْلَم إليه إذا أتى بما يشبه، وإن أتى بما لا يشبه كان القول قول المُسْلِم إن أتى بما يشبه، فإن تباعدت المواضع ولم يأتيا بما يشبه تحالفا وتفاسخا (¬1). وخالف سحنون في القول (¬2) الأول، وقال: القول قول المُسْلَم إليه وإن ادَّعى الآخر أنه شرط القبض حيث وقع السَّلَم. وخالف أبو الفرج في الوجه الآخر وقال: إن لم يدع واحد منهما موضع دفع الدراهم تحالفا وتفاسخا. وأرى إن كانا من بلد واحد أن القول قول من ادَّعى موضعًا انعقد فيه السَّلَم، وإن كان حضريًّا وبدويًّا كان القول قول البدوي إذا ادَّعى شرط القضاء بقريته؛ لأنَّ الاختلاف في ذلك إنما هو لمكان ما يتكلف من الكراء في نقله، فكان القول قول الغارم، وإن لم يدع أحد موضع السَّلَم، وكان المعنى في اختلافهما في القريتين لمكان ما يتكلف من الأجرة على نقله من القرب والبعد، كان القول قول البائع، وإن اختلفا في ناحيتين، ليس الشأن أن ينقل أحد (¬3) منهما إلى المدينة تحالفا وتفاسخا. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 47، والنوادر والزيادات: 6/ 421. (¬2) في (ق 4): (الوجه). (¬3) قوله: (أحد) ساقط من (ق 4).

فصل [في تسليم المسلم فيه في غير البلد المتفق عليه]

فصل [في تسليم المُسْلَم فيه في غير البلد المتفق عليه] وإن لقي المُسْلِم المُسْلَم إليه في غير البلد، فأراد أن يأخذ مثل طعامه وكراء حمله، لم يجز، ويدخله التفاضل والنساء، وبيع الطعام قبل قبضه، فإن فعلا رَدَّ ما قبض، وقبض سلمه في بلده. قال محمد: ولو لم يزده شيئًا إلا أنه سأله أن يقبضه طعامه بغير البلد على (¬1) أن يقدمه أو يؤخره عن وقته، لم يكن فيه (¬2) خير (¬3). وقال سحنون (¬4):. . . (¬5) ولأشهب عند محمد: ما يؤخذ منه إذا كان سعر البلدين سواء، أو هو في البلد الذي لقيه فيه أرخص يجبر المُسْلَم إليه على القضاء في البلد الذي لقيه فيه (¬6). فصل [في قول البائع أو المسلم إليه: إنه اكتال طعاما بعينه هل يصدقه المشتري أو المسلم] وقال مالك في من اشترى أقفزة من طعام بعينه ثم أخبره البائع أنه اكتالها، ¬

_ (¬1) في (ت): (أو على). (¬2) قوله: (فيه) يقابله في (ب): (قال: وفيه نظر). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 133. (¬4) قوله: (وقال سحنون) زيادة من (ق 4) و (ث) و (ت). (¬5) إحالة في (ق 4) غير واضحة. ونقل ابن أبي زيد في النوادر: 6/ 133: (قال ابن عبدوس: وقال سحنون: ذلك جائز إن كان مثل الصفة، حل الأجل أو لم يحل). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 133.

فصل [فيمن اشترى طعاما أو أسلم على التصديق فوجده ناقصا]

أو أسلمها في طعام، فأراد أن يقبض ذلك على تصديق البائع أو المُسْلَم إليه: فلا بأس به (¬1). ومنع في كتاب محمد أن يأخذ من غريمه طعامًا على تصديق الغريم، وكذلك إن حضر كيله، فلا يأخذه على تصديقه بكيله ذلك (¬2). ولا أرى اليوم أن يقبض أحد طعامًا على تصديق البائع لفساد الناس وقلة أمانتهم، ولأن ذلك يؤدي إلى التنازع والأيمان، وهو في السَّلَم أبين؛ لأنَّ الغالب أنه لا يوفي الكيل، وقد أمر الله سبحانه في المداينة إلى أجل بالإشهاد لدفع التنازع والأيمان، إلا أن يكون الدافع من أهل الدِّين والفضل، أو يكون حضر كيله ولم يغب عنه. وكره مالك أن يشتري الرجل الطعام بثمن إلى أجل على تصديق البائع أو يستقرضه للغرر (¬3)؛ لأنَّ المشتري إذا لم يكن معه ثمن فاطلع على نقص يغتفره ولا يقوم به، ويخشى إن قام به أن يسترده منه وهو محتاج إليه، أو يؤدي ذلك إلى المفاسدة بالخصومة فيسيء اقتضاءه، ويدخل القرض مثل ذلك. فصل [فيمن اشترى طعامًا أو أسلم على التصديق فوجده ناقصًا] وإذا قبض السَّلَم (¬4)، أو ما يبيع بعينه على النقد على تصديق الدافع (¬5)، ثم ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 90. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 79. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 80. (¬4) في (ب): (المسلم). (¬5) في (ت): (البائع).

قال: وجدته ناقصًا، لم يقبل قوله، وحلف الدافع وبرئ، فإن نكل عن اليمين حلف القابض ورجع ببقية كيله إن كان سَلَمًا، أو بعض صُبْرَة (¬1). وإن كان المبيع جميع الصبرة رجع بالباقي ثمنًا إلا أن تشهد بينة حضرت كيل البائع له، وأنه كان على ما قاله المشتري، أو كانت معه حتى كاله فلا يحلف. وإن قدم عليه طعام (¬2) من بلد فباعه على ما كتب إليه فيه، ثم قال القابض: وجدته دون ذلك، فإن كان بيَّن له ذلك حلف أنه صدق فيما كتب إليه فيه وأنه لم يمسك منه شيئًا وبرئ، فإن نكل حلف الآخر على ما يقول أنه أصاب فيه ورجع بالباقي ثمنًا، وإن لم يبين كان القول قول القابض؛ لأنه لم يرض أمانة الباعث. وقال في من له طعام على رجل، فقال له بعد محل الأجل: كله في غرائري (¬3) وأتركه عندك: لا يعجبني (¬4). وقال ابن القاسم: فإن كاله ببينة أو صدقه على كيله صُدق في ضياعه، وإلا لم يقبل قوله، فلم تبرأ ذمة المسلم إليه بقوله: إنه كاله؛ لأن الأمانة لا تصح فيه إلا بعد ثبات خروجه من ذمته (¬5). وقال ابن القاسم في العتبية في من كان له على رجل دَيْنٌ فأمره أن يشتري ¬

_ (¬1) الصُّبْرَة: ما جُمِع من الطعام بلا كَيْل ولا وَزْن بعضه فوق بعض. انظر: لسان العرب، لابن منظور: 4/ 437. (¬2) في (ب): (بطعام). (¬3) في (ت) و (ق 4): (غرائره). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 91. (¬5) انظر: المدونة: 3/ 91.

له به سلعة، فقال: اشتريتها وضاعت - أن القول قوله (¬1). وفرق بين السؤالين أن هذا أمين على الشراء، والأمانة على الشراء تصح قبل إخراج ما في الذمة، فكان القول قوله: أنه اشترى، وإذا اشترى صُدِّق على إخراج ما في الذمة، ولم يحمل عليه أنه ظلم البائع وهرب له بالثمن، ومسألة السَّلَم إنما تصح الأمانة بعد إخراج ما في الذمة. وقال مالك: ولا تطلب غريمك أن يكتال (¬2) طعامك ويبيعه لك، فإن فعل وأشهد على كيله وعزله، فجائز، وإن كان أمره ببيعه؛ فلا أحبه، فإن نزل لم أفسخه (¬3). وقال أشهب: وإن قال: وَكِّلْ فلانًا على قبضة منك، فإذا قبضه فبعه أنت، فهذا أخفه وتركه أحب إليَّ، فإن قال: وكلت أنا فلانًا فأعلمه، فإذا قبضه فأمره ببيعه أو بعه أنت، فذلك جائز، وإن لم يكن على ذلك إشهاد، قال محمد: يريد في القبض والبيع، والإشهاد أحب إلينا (¬4). وكل هذا ماض إذا أشهد على إخراجه من الذمة، وإن لم يشهد وكان هو المتولي للبيع وأتى بأكثر من الثمن، لم يجز. واختلف إذا أتى بمثل رأس المال فأقل: فمنعه ابن القاسم، واتهمهما على بيع الطعام قبل قبضه. وأجازه أشهب (¬5). ¬

_ (¬1) انظر البيان والتحصيل: 8/ 180، والنوادر والزيادات: 7/ 220. (¬2) قوله: (يكتال) يقابله في (ت): (يكيل). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 42. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 42. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 41.

باب في الاختلاف في السلم وغيره من بيوع الآجال والنقد

باب في الاختلاف في السَّلَم وغيره من بيوع الآجال والنقد الاختلاف في السَّلَم على ثمانية أوجه: في الكيل، وفي الجودة، وفي الصنفين هل هو قمح أو شعير، وفي الجنسين، هل هو قمح أو تمر، وفي المكيلة التي يقبض بها، وفي الأجل (¬1)، وفي الموضع الذي يقبض فيه، وفي الصحة والفساد، وفي الثمن، يقول: أسلمت هذا الثوب إليك (¬2)، ويقول الآخر: هذا الثوب والعبد. فقال مالك: إذا اختلفا في الكيل (¬3)، فقال: أسلمت إليك في عشرة، وقال (¬4) الآخر: في خمسة، كان القول قول المُسْلَم إليه أنه في خمسة، فإن أتى بما لا يشبه، كان القول قول المُسْلَم أنه في عشرة ويأخذها (¬5)؛ لأنهما اتفقا أنها صفة (¬6) واحدة في الذمة. بخلاف اللذين اختلفا في الكراء، فقال المكري: إلى برقة، وأتى بما لا يشبه، وقال الآخر: إلى إفريقية، وأتى بما يشبه، وبلغا برقة أنهما يتحالفان ويتفاسخان فيما لم يقر ببيعه (¬7)؛ لأن اختلافهما في العبد في (¬8) سلعة معينة، فأشبه ¬

_ (¬1) قوله: (وفي الأجل) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (إليك) ساقط من (ق 4) و (ت). (¬3) قوله: (في الكيل) ساقط من (ب). (¬4) قوله: (قال) ساقط من (ت). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 95 (¬6) في (ب): (صفقة). (¬7) في (ب): (به). (¬8) قوله: (العبد في) ساقط من (ق 4) و (ب).

من قال: بعتك خمسة أقفزة، وأتى بما لا يشبه، وقال الآخر: خمسة وهذا العبد، وأتى بما يشبه أن يكون كثرة ذلك الثمن يكون لهما جميعًا، فلا يُقْبل قول المشتري على البائع في العبد أنه باعه منه. وإن اختلفا في الكيل بعد الطول أو حلول الأجل كان القول قول المُسْلَم إليه. واختلف إذا كلان اختلافهما في القرب: فقيل: القول قول المُسْلَم إليه بنفس قبض الدنانير. وقال (¬1) غير ابن القاسم في كتاب الرواحل: إن قال: بعتك بهذه المائة التي قبضت منك مائة إردب إلى سنة، كان القول قوله (¬2). يريد؛ لأنه بالقبض مؤتمن على العِوَض، وقيل: حتى يبين بها. وقيل: حتى يطول الأمر، فإن لم يطل تحالفا وتفاسخا (¬3). وقيل: وإن طال الأمر تحالفا وتفاسخا، ويرجع إلى الوسط من سلم الناس (¬4). وأرى أن يتحالفا ويتفاسخا إذا لم يطل، فإن طال كان من حق دافعها أن لا ترد إليه؛ لأن القصد من المُسْلَم إليه تعجيل الانتفاع بها (¬5)، ولهذا يسلم في الشيء أقل مما يباع به بالنقد، والانتفاع بها من يوم قبضها إلى يوم اختلفا، كشيء قبضه ليدفع عنه عوضًا، فلم يكن له أن يقبض تلك المنفعة، ¬

_ (¬1) في (ق 4): (على قول). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 491. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 421. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 417، و 418. (¬5) قوله: (بها) ساقط من (ت).

ثم يرد إلا من غير شيء. وكذلك القرض إلى أجل إنما يهب المنافع إلى تلك المدة، فإن قام المسلم بحقه في الانتفاع بماله لم يمكن الآخر من التحالف وردَّه، وإن قال المُسْلِم: أنا أسقط حقي في الانتفاع بها ونتحالف ونتفاسخ، كان ذلك له. وقد اختلف في هذا الأصل، فقال في من اشترى سلعة ثم وجد بها عيبًا بعد أن حدث عنده بها عيب، فقال البائع: أنا أسقط مقالتي في العيب، فإن شئت قبلت ولا شيء لك، أو رددت ولا شيء عليك -: كان ذلك له (¬1). قال عيسى: ليس ذلك له، وكذلك السَّلَم. وإن كان رأس مال السَّلَم مكيلًا أو موزونًا، فإن لم يطل، ولم يفت ولم تتغير سوقه، تحالفا وتفاسخا، وإن استهلكه المشتري وانتفع به وطال، كان القول قول المُسْلَم إليه إلا أن يسقط المُسْلِم مقالته فيه، وإن تغير سوقه، كان فوتًا وكان القول قول المُسْلَم إليه. وإن أسلم ثوبًا في طعام ثم اختلفا في الكيل، فإن لم يفت الثوب ولا تغير سوقه تحالفا وتفاسخا، سواء طال ذلك أو حلَّ الأجل أو لم يحل؛ لأنه لم ينتفع به، ولو انتفع به لتغير في نفسه. وإن تغير أو حال سوقه، كان القول قول المُسْلَم إليه إن أتى بما يشبه، فإن أتى بما لا يشبه كان القول قول المُسْلِم، وإن أتى بما لا يشبه رُدَّ إلى الوسط مما يشبه أن يسلم فيه. وكذلك من باع سلعة بثمن إلى أجل ثم اختلفا فيه (¬2)، وأتيا بما لا يشبه رُدَّ ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 291. (¬2) قوله: (فيه) ساقط من (ت).

فصل [في اختلاف المسلم والمسلم في الجودة]

إلى ما يشبه - أن يباع به إلى ذلك الأجل؛ لأنه بيع صحيح، بخلاف الفاسد؛ لأنَّ الفاسد يسقط من الذمة ما تراضيا عليه، ويرجع إلى القيمة نقْدًا. وإذا كان السَّلَم صحيحًا فالذمة عامرة بمكيلة تقبض إلى أجل اختلفا في قدرها، فيردا (¬1) إلى ما يشبه أن يكون اشتغلت به تلك الذمة. فصل [في اختلاف المُسْلِم والمُسْلَم في الجودة] واختلافهما في الجودة، كاختلافهما في الكيل. واختلف إذا قال: هذا قمح، وقال الآخر: شعير، قال مالك: يتحالفان ويتفاسخان (¬2). وقال عبد الملك في كتاب أبي الفرج: لا يتحالفان؛ لأنهما اتفقا في الجنس، وجعلهما كاللذين اختلفا في الجَوْدة، والأول أبين. فإن استوى الكيل تحالفا وتفاسخا. وإن اختلفا، فقال أحدهما (¬3): أسلمت إليك في عشرة أرادب (¬4) قمْحًا، وقال الآخر: في عشرين من شعير (¬5)، واستوى الثمن - بيع الشعير واشتري به قمح، ولم أحلفهما؛ لأن أحدهما كاذب آثم، فلا أدخله في الإثم مع القدرة على السلامة من ذلك. ¬

_ (¬1) في (ق 4): (فردا)، وفي (ب) و (ث): (فرد). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 95. (¬3) قوله: (أحدهما) ساقط من (ق 4) و (ت). (¬4) قوله: (أرادب) ساقط من (ق 4) و (ت) و (ث). (¬5) قوله: (من شعير) يقابله في (ق 4) و (ت): (شعيرًا).

وإن كان ثمن الشعير أقل تحَالفَا، فإن حلف المُسْلَم إليه ونكل الآخر سلم (¬1) الشعير واشتُري به قمح، وكان العاجز خسارة على المُسْلِم؛ لأنه لا يجوز على إقراره أن يأخذ عشرين شعيرًا عن عشرة قمْحًا، وكذلك إن نكل المُسْلَم إليه وحلف المُسْلِم، بيع الشعير واشترى بثمنه قمح، فما عجز أتمه المُسْلَم إليه؛ لأنه لا يجوز له أن يمسك على قوله عشرين شعيرًا ويدفع عشرة قمْحًا، وإن نكلا رُدَّ رأس المال ولم يشْتر به شيء (¬2). وقال مالك في كتاب ابن حبيب: إذا نكلا كان القول قول البائع، وهو كمطلوب ردَّ اليمين، فنكل الطالب (¬3). وهذا يصح (¬4) على قول أبي الفرج؛ لأنه يقول: يبدأ البائع باليمين ويُسْلِمُ الشعير. وأما على القول الآخر، فإنما يبدأ باليمين ليسقط دعوى المسلِم في القمح، ويحلف الآخر لئلا يؤخذ بقبض الشعير، فإن نكلا كان كل واحد على ما بديء به لو حلف. وإن (¬5) قال: أسلمت إليك في قمح، وقال الآخر: في تمر، تحالفا وتفاسخا، وإن طال أو حلَّ الأجل، واستحسن إذا كان يوفي التمر بثمن القمح أن يُقبض ويباع ويُشترى به قمح ولا يحلفا. ¬

_ (¬1) في (ق 4): (بيع). (¬2) في (ت) و (ق 4): (شيئًا). وانظر: المدونة: 3/ 92، والنوادر والزيادات: 6/ 417. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 419. (¬4) في (ب): (وهذا لا يصح). (¬5) في (ت): (فصل وإن).

فصل [في اختلاف المسلم والمسلم إليه في الأجل والصحة والفساد في السلم]

وإن قال: أسلمت إليك في فرس على صفة كيت (¬1)، وقال الآخر: دونها، كان كالاختلاف في الكيل إذا اتفقا على الصفة. وإن قال أحدهما: ذكر، وقال (¬2) الآخر: أنثى، تحالفا وتفاسخا؛ لأن كل واحد منهما يراد لما لا يراد له الآخر. ولو اختلفا في بغل، فقال أحدهما: ذكر، وقال الآخر: أنثى، كان القول قول المسلم إليه؛ لأن الأنثى لا يراد منها نسل، وإنما يرجع الاختلاف إلى جيد ودنيء. وقد تقدم (¬3) القول إذا اختلفا في موضع القبض. وقال (¬4) ابن حبيب: إذا اختلفا في الكيل، وقال المسلم (¬5): أسلفتك على قفيز بلدي، وقال المسلم إليه: بل على قفيز بلدي، ولا بينة لهما كان القول قول البائع مع يمينه، وإن تقارّا أنهما لم يسميا قفيز بلد، فهو على قفيز البلد الذي أسلفت فيه الدراهم (¬6). وأرى أن يكون القول قولَ من ادَّعى مكيال البلد الذي يقبض فيه السَّلَم. فصل [في اختلاف المُسْلِم والمُسْلَم إليه في الأجل والصحة والفساد في السَّلَم] وإذا اتفقا في الأجل أنه سَنَة، واختلفا في حلوله، كان القول قول المُسْلَم إليه، ¬

_ (¬1) في (ق 4): (كذا). (¬2) قوله: (قال) زيادة من (ق 4). (¬3) قوله: (وقد تقدم) يقابله في (ت): (فصل: وقد تقدم). (¬4) في (ت): (فصل: وقال). (¬5) في (ت): (المسلف). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 418.

لأن الأصل براءة الذمة، فكان القول قوله أنه لم يعقد السَّلَم إلا من وقت كذا. وإن اتفقا في مبتدئه أنه كان من ستة أشهر، واختلفا في قدره، فقال المُسْلَم إليه: سَنَة، وقال المسلم: ستة أشهر، وقد حلَّ الأجل فاقضِ لي (¬1)، كان القول قول المُسْلَم إليه؛ لأنه غارم إلا أن يأتي بما لا يشبه أن يسلم ذلك الثمن في مثل (¬2) تلك السلعة بمثل ذلك الثمن إلى سنة، ويشبه أن يكون إلى ستة أشهر فيكون القول قول المسلِم وإن أتيا بما لا يشبه رُدَّا إلى الوسط مما يشبه في ذلك الأجل. وإن كان أسلم في زيت وكان الوقت الذي اختلفا فيه وقت العصر، أو في حنطة وكان ذلك وقت الدراس، كان القول قول المُسْلِم ولا يصدق المُسْلَم إليه؛ لأنه أتى بما لا يشبه، والعادة في مثل ذلك القبض في وقت العصر والدراس. وإن اختلفا (¬3) في الصحة والفساد: فقال أحدهما: ضربنا أجلًا للسَّلَم، وقال الآخر: لم نضربه، كان القول قولَ مدعي الصحة مع يمينه (¬4). وإن قال المُسْلِم: شرطت تعجيل الثمن، وقال الآخر: شرطنا تأخيره، كان القولُ قولَ المُسْلِم؛ لأنه ادعى الصحة وأقر بأكثر، وإن قال المُسْلِم: شرطت تأخير النقد إلى أجل، وقال الآخر: حالًّا، كان اختلافهما (¬5) اختلافًا في الثمن، فيختلف هل يحلف مدعي الصحة، ويثبت البيع أو مدعي الفساد ويفسخ، ¬

_ (¬1) قوله: (لي) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (مثل) ساقط من (ت). (¬3) في (ت): (فصل: وإن اختلفا). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 94. (¬5) قوله: (اختلافهما) زيادة من (ت).

فصل [في اختلاف المسلم والمسلم إليه في مقدار المسلم فيه]

وهما بمنزلة الاختلاف في الثمن مع قيام المبيع فأتى (¬1) أحدهما بما يشبه دون الآخر؛ لأن مدعي الفساد ادَّعى بما لا يشبه. وأرى أن يكون القولُ قولَ مدعي الفساد إذا تضمن ذلك اختلافًا في الثمن؛ لأن الذي يدعي اليوم عن الفساد في المبيع قليل إلا أن يكون المُسْلَم إليه من أهل الدِّين والفضل، فيكون القول قوله. وإن فاتت السلعة لم يقبل قول البائع في الفساد إن كانت القيمة أكثر، ولا قول المشتري إن كانت القيمة أقل. وإن اختلفا في الثمن بعد الفسخ كان القول قول المُسْلَم إليه ما لم يأت بما لا يشبه، وإن أقال من سلم صحيح، ثم اختلفا في الثمن تحالفا وفسخت الإقالة، ويبقى السَّلَم على حاله، وعلى القول: إن القول قول المشتري إذا قبض السلعة يكون القول قول المُسْلَم إليه وحده وتمضي الإقالة. فصل [في اختلاف المُسْلِم والمُسْلَم إليه في مقدار المُسْلَم فيه] وإن قال: أسلمت إليك هذا الثوب في عشرة أقفزة، وقال الآخر: بل هذين بغير الأول في عشرة تحالفا وتفاسخا، والمُسْلِم مُبَدَّى باليمين في الثوبين أنه لم يسلمهما. والمُسْلَم إليه مُبدَّى باليمين في الثوب المنفرد أنه لم يشتره، وكل واحد منهما بالخيار بين أن يحلف على سقوط دعوى صاحبه فقط، فيحلف المُسْلِم ما ¬

_ (¬1) في (ت): (فإن أتى).

أسلمت إليك هذين الثوبين، ويحلف الآخر: ما أسْلَم إليه ذلك الثوب ولا يزيدان على ذلك وقد انفسخ ما بينهما، وبين أن يثبت دعواه على صاحبه فيحلف ما أسلمت إليك إلا هذا الثوب المنفرد، فإن نكل الآخر استحق الحالف قبله ما حلف عليه وسلم الثوب وحده. وإن ابتدئ بيمين المُسْلَم إليه فأحب أن يحلف أنه لم يسلم إليه ذلك الثوب، ولقد أسلم إليه الثوبين أو ما أسلم إليه إلا الثوبين، فإن حلف على ذلك ونكل المُسْلِم استحق الثوبين في ماله وبقي المنفرد لصاحبه. واختلف إذا أقام كل واحد منهما بينة على دعواه وكانا قد اختلفا في مجلس واحد، فقيل: يقضى بالبينتين وتكون الأثواب الثلاثة سلما في عشرين؛ لأن كل واحدة أثبتت حكما، وقيل: يقضى بأعدلهما (¬1)؛ لأنه تكاذب، وإن كانت الشهادتان عن مجلسين (¬2) قضى بهما في عشرين (¬3) قولًا واحدًا. وإن قال: أسلمت إليك هذا العبد في عشرة أقفزة، وقال الآخر: وهذا الثوب معه، وأقام كل واحد منهما بينة، فهل يقضى بالشهادة بالعبد والثوب؛ لأنها زادت، أو بأعدلهما؛ لأنه تكاذب؟. وسواء ها هنا كانت الشهادة عن مجلس أو مجلسين؛ لأن المُسْلِم والمُسْلَم إليه اتفقا على أنه تكاذب، وأن العبد لم يعقد عليه السَّلَم (¬4) إلا مرة واحدة، فهذا يقول عقدنا فيه السَّلَم أمس وصار مِلْكًا للمُسْلَم إليه، ثم لم يكن عقد ¬

_ (¬1) انظر: عيون المجالس: 4/ 1570. (¬2) قوله: (عن مجلسين) يقابله في (ت): (من مجلس). (¬3) قوله: (في عشرين) زيادة من (ت). (¬4) قوله: (السَّلَم) يقابله في (ت): (المسلم).

فصل [في اختلاف المتبايعين في الثمن قبل قبض المبيع]

غيره، والآخر يقول: كذبت بينتك لم يعقد فيه إلا اليوم، فالتكاذب يقوم من قول من قام بهما. وكذلك إن قالت بينته: قال كذا، وقالت الأخرى: لم يقله بل كان ساكتًا، فهو تكاذب، بخلاف أن يقول: يمكن أن يكون قال ذلك ولم أسمعه. فصل [في اختلاف المتبايعين في الثمن قبل قبض المبيع] وإذا اختلف المتبايعان في الثمن قبل قبض المبيع؛ تحالفا وتفاسخا. واختلف في ستة مواضع: أحدها: من يبدأ باليمين؟ والثماني: هل ينفسخ البيع بنفس أيمانهما، أو حتى يتفاسخا، أو حتى يحكم بالفسخ؟ والثالث: إذا نكلا هل ذلك كأيمانهما؟ والرابع: هل يحلف كل واحد منهما على إثبات دعواه أو على نفي دعوى صاحبه؟ والخامس: إذا أتى أحدهما بما لا يشبه هل يكون القول قول الآخر، أو الحُكْم التحالف؟ والسادس: إذا تغير سوقها، أو تغيرت في نفسها، هل ذلك فوت يوجب قَبُول قول المشتري، أو ليس بفوت فيتحالفان ويتفاسخان؟ فقال مالك: يبدأ البائع باليمين (¬1). وقال في العتبية: يبدأ المشتري (¬2). فوجه الأول (¬3): قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا اخْتَلَفَ المتبايِعَانِ فَالقَوْلُ مَا قَالَ ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 408. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 7/ 459. (¬3) قوله: (الأول) يقابله في (ت): (القول).

البَائِعُ أَوْ يَتَرَادَّانِ" (¬1). ولأنه في سلعته أقوى سببًا، ولأنه المبدأ إذا أنكر البيع، وكذلك إذا أنكر أن يكون باع إلا بكذا. ووجه القول الآخر: أن البيع نقل الملك والاختلاف الآن في الثمن لا في المبيع، فكان المبدأ الغارم وهو المشتري، فإذا حلف أنه لا يستحق قبله الثمن الذي ادعاه عاد المقال إلى البائع، فقال: لا تأخذ مني سلعتي بما لم أقر به. واستحسن أن يقترعا على أيهما يبدى؛ لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر، فالبائع مبدى في ملكه وهي السلعة، والمشتري مبدى في ملكه وهو الثمن، وكل واحد يحب أن يؤخر يمينه لموضع ينتفع بها. وإن كان الباقي منهما المشتري، حلف واستحق المبيع بخمسين، وإن كان البائع حلف واستحق مائة، وإنما يكره أن يحلف عند يمين الأول؛ لأن اليمين لا يفيده حينئذ إلا الفسخ. وإذا تحالفا لم يفسخ البيع بنفس التحالف، وهذا قول ابن القاسم (¬2)، فإن رضى البائع بعد أيمانهما أن يمضي البيع بخمسين لزم المشتري، وإن رضي المشتري أن يقبلها بمائة لزم البائع. وقال سحنون: بتمام التحالف ينفسخ البيع كاللعان (¬3). ¬

_ (¬1) صحيح، أخرجه أبو داود: 2/ 307، في باب إذا اختلف البيعان والمبيع قائم، من كتاب الإجارة، برقم (3511)، والحاكم في المستدرك: 2/ 55، من كتاب البيوع، برقم (2304)، والبيهقي في سننه: 5/ 333، في باب اختلاف المتبايعين من كتاب البيوع، برقم (10591). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 408. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 408.

وقال محمد بن عبد الحكم: لا ينفسخ بنفس التحالف، وكل واحد منهما بالخيار، فإن لم يرضيا فسخاه بغير حكم (¬1). وهو أحسن؛ لأن قصد (¬2) كل واحد منهما (¬3) بيمينه إثبات دعواه، وألا يؤخذ منه ما لم يقر به إلا أن يكونا عقدا أن تلك الأيمان فسخ، فيكون على ما تراضيا عليه. وقد تقدم الاختلاف إذا تناكلا هل يفسخ البيع أو يكون القول قول من يبدأ باليمين؟ والأول أصوب؛ لأنَّ كل يمين بدي بها أحد فنكل عنها ثم ردت اليمين فنكل عنه من ردت عليه، فإن الحكم يعود إلى ما كان يجب لو حلف المبدى. فالحكم إذا بدي البائع فيحلف أنه لم يبع إلا بمائة أن تبقى السلعة بيده ليس يستحق المائة، فكذلك إذا نكل المشتري بعد نكوله تبقى سلعته له حسبما كان لو حلف، ولو كانت التبدية ليستحق المائة لم يحلف المشتري بعد يمينه، وكذلك لو بدي المشتري ثم نكلا لم يكن له أن يأخذ السلعة بخمسين؛ لأنه لم يبدَّ ليأخذها بذلك، وإنما بدي، لئلا يأخذ من ماله ما ادعاه الآخر. واختلف هل يحلف كل واحد منهما على إثبات دعواه، أو على تكذيب دعوى صاحبه؟ وأرى أن كل واحد منهما بالخيار، فإن أحب البائع حلف أنه لم يبع إلا بمائة احتياطًا، فإن نكل المشتري استحق المائة بتلك اليمين، وإن أحب حلف ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 408. (¬2) في (ت): (نية). (¬3) قوله: (منهما) زيادة من (ت).

أنه لم يبع بخمسين، فإن نكل المشتري بعد ذلك، حلف البائع يمينًا أخرى أنه باع بمائة (¬1) واستحقها؛ لأن يمينه ما باع بخمسين، لا تفيد أكثر من أنه لا تؤخذ منه سلعته بها. وإن بدي المشتري كان بالخيار بين أن يحلف أنه اشترى بخمسين، فإن نكل البائع، غرم خمسين، أو يحلف أنه أن لم يشتر بمائة؛ لأنه يقول: يميني الآن أني اشتريت بخمسين لا تفيد أكثر من أن لا ألزم بالمائة، فإن نكل بعد ذلك البائع لم يستحقها إلا بيمين ثانية. واختلف إذا أتى أحدهما بما لا يشبه: فقال ابن القاسم: يتحالفان ويتفاسخان (¬2). وقال عبد الملك: القول قول من أتى بما يشبه، فإن كان البائع حلف وأخذ مائة، وإن كان المشتري حلف ودفع خمسين (¬3)، واختلف فيها قول (¬4) مالك حسبما تقدم (¬5). وأرى أن يكون القول قول من أتى بما يشبه؛ لأنه دليل كشاهد يحلف معه. وهذا إذا أتى الآخر بما لا يشبه في الغالب إلا أنه مما يمكن أن يباع به، فأما إن قال: بعتني بعشرة ما ثمنه مائة، أو يقول الآخر: اشتريت بمائة ما ثمنه عشرة، وهما من أهل البصر بتلك السلعة، فإن القول قول من أتى بما يشبه؛ ¬

_ (¬1) قوله: (باع بمائة) يقابله في (ت): (ما باع إلا بمائة). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 408. (¬3) انظر: المنتقى: 6/ 444. (¬4) في (ت): (فقال). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 409.

لأن قول الآخر في معنى المستحيل، وهو بمنزلة من أقر بالبيع أو بالشراء وكتم الثمن، فإن القول قول من ادَّعى معرفته. واختلف هل تكون مع ذلك يمين؟ ويختلف إذا تغيرت سوق السلعة، أو تغيرت في نفسها، وهي محبوسة بالثمن، فعلى القول أن المصيبة من البائع، يكون التحالف إذا تغيرت سوقها، وإن حدث بها (¬1) عيب رُدَّ به من غير يمين إلا أن يرضى المشتري بذلك العيب، فيعود الأمر في الأيمان إلى ما تقدم لو لم يحدث العيب. وعلى القول إن المصيبة من المشتري يكون مصيبة ذلك القدر من المشتري، فإن كان يحط ربع الثمن غرم المشتري ربع الثمن على ما أقر به، ويتحالفان ويتفاسخان في الباقي، وإلى هذا ذهب ابن عبدوس في هذه المسألة؛ لأن المبيع كالرهن لما كان محبوسًا بالثمن فما هلك خرج من الرهن، وكان القول قولَ الغارم عنه، وما بقي لم يخرج من يد مرتهنه بغير ما يقول، والرهن شاهد على نفسه. واختلف إذا كان الاختلاف في جارية فصارت إلى البائع بعد أيمانهما، أو بعد نكوله ويمين المشتري، أو صارت إلى المشتري بعد نكوله ويمين البائع، هل تحل لمن صارت إليه أن يصيبها؟ وأرى أن ذلك جائز من جهة من رفع يده عنها، وجائز لمن صارت إليه إذا قبلها؛ لأنَّ الآخر رضي أن تكون ملكًا لمن صارت إليه، وإن لم يرضَ بها من صارت إليه، وقال: إنما غصبني الآخر مالي، وسلمها إليه لم تحلَّ له، وكان بالخيار بين أن تبقى في يده ولا يخلو بها، أو يبيعها، فإن عجز عن ما بيعت به ¬

_ (¬1) قوله: (بها) ساقط من (ق 4).

فصل [في اختلاف المتبايعين بعد قبض المبيع]

أتبع به صاحبه في الآخرة، وإن فضل فضلٌ وقفه، فإن رجع الآخر أخذه. فصل [في اختلاف المتبايعين بعد قبض المبيع] واختلف إذا اختلفا بعد قبض المبيع، على أربعة أقوال: فروى ابن وهب عن مالك أنه قال: إذا قبضه كان القول قوله في الثمن (¬1). وقال في كتاب المكاتب: إذا قبضها وبان بها، وقال أيضًا: إذا فات بعد القبض بحوالة الأسواق فما فوق (¬2). وقال أشهب: يتحالفان وإن فات، وتردّ القيمة ما لم تكن أكثر مما ادعاه البائع، أو أقل مما اعترف به المشتري (¬3). ورأى أنه لما كان الحكم مع القيام الردَّ، كان رَدُّ القيمة مع الفوت بدلًا من العين، ولا يلزم على هذا السَّلَم بعد الطول؛ لأنه لو رَدَّ القيمة نقدًا كان فيه ظلم على المُسلم، ويكون قد انتفع بماله باطلًا؛ لأنَّ الانتفاع الذي كان السَّلَم لأجله لا يغرم عنه قيمة. ووجه القول الأول: أنه بنفس القبض ضامن فلم يردَّ، كما قال: إذا تبايع رجلان سلعة وقبضها الآخر لم تُرَدَّ لما كان ضامنًا لها إن هلكت، وكل هذا فهو (¬4) إذا أتيا بما يشبه، فإن أتى أحدهما بما لا يشبه حلف الآخر، وكان الأمر على ما حلف عليه، ولا خلاف في ذلك مع الفوت، بخلاف إذا كانت قائمة. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 408. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 488. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 409. (¬4) قوله: (فهو) زيادة من (ت).

فصل [في اختلاف المتبايعين في قبض الثمن قبل قبض المبيع أو بعده قبل الافتراق]

فصل [في اختلاف المتبايعين في قبض الثمن قبل قبض المبيع أو بعده قبل الافتراق] وإن اختلفا في دفع الثمن قبل قبض المبيع كان القول قولَ البائع مع يمينه، وكذلك بعد القبض وقبل الافتراق إذا كانت العادة أنه يُسْلِم (¬1) ثم يقبض الثمن أو مختلفة. وإن كانت العادة أنه لا يُسْلِم المبيع إلا بعد قبض الثمن، كان القولُ قولَ المشتري مع يمينه، كالصرف. فلو قال الصراف: دفعت إليك قبل أن أقبض، لم يقبل (¬2) قوله، وإن افترقا كان القولُ قولَ المشتري في الفواكه واللحم والخبز وما أشبه ذلك؛ لأنَّ الشأن أنه لا يبين به مشتريه إلا بعد دفع الثمن، فإن قال: بِنت بغير علمي، لم يقبل قوله. وقال مالك في العبيد والدواب والثياب: القول قول البائع مع يمينه، وإن افترقا (¬3). يريد ما لم يقم دليل للمشتري أنه لا يدفع إليه ذلك إلا بعد دفع الثمن، مثل أن يكون المشتري بدويًّا، أو غريبًا لا يُعرف، أو فقيرًا، ومن الشأن أنه لا يؤمن إليه، ومثل هذا يُعرف عند النزول. ¬

_ (¬1) في (ت): (أنه لا يسلم). (¬2) في (ت): (يصدق). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 93.

فصل [في اختلاف المتبايعين في قبض السلعة]

فصل [في اختلاف المتبايعين في قبض السلعة] وإن اختلفا في قبض السلعة قبل قبض الثمن كان القولُ قولَ المشتري، وسواء اختلفا قبل أن يفترقا أو بعده. وكذلك إن نقد الثمن ولم يفترقا، إلا أن تكون العادة في مثله ألا يدفع الثمن إلا بعد قبض المبيع، وإن اختلفت العادة كان القول قول المشتري، وإن افترقا بعد دفع الثمن كان القول قول البائع. وقال ابن القاسم في العتبية في من باع سلعة بثمن إلى أجل، فقال المشتري: لم أقبض السلعة، وكذَّبَه البائع، قال: إن كان أشهد له بالثمن فقد قبض السلعة (¬1). قال أصبغ: ويحلف البائع إن كان بفور (¬2) البيع والإشهاد، فأما إن كف حتى إذا حلَّ الأجل وشبهه قال لم أقبض السلعة، فلا قول له ولا يمين (¬3). وقال محمد بن عبد الحكم: إذا شهد شاهدان على رجل أن لفلان عليه مائة دينار ثمن سلعة اشتراها منه، لم أقبل (¬4) ذلك منه، ولا ألزمه الثمن (¬5) حتى يقولا: وقبض (¬6) السلعة، وكذلك لو قالا: باعه سلعة بمائة دينار، ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 34. (¬2) في (ت): (بقرب). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 34. (¬4) في (ب) و (ت): (يقبل). (¬5) في (ب): (اليمين). (¬6) قوله: (وقبض) يقابله في (ت): (أنه قبض).

لم أقضِ (¬1) بذلك عليه؛ لأنه ليس في شهادتهما ما يوجب قبض السلعة (¬2). وقال مالك في البائع يدعي أنه اشترط الوازنة، وادَّعى المشتري (¬3) أنه اشترط الناقص (¬4)، قال: يحملان على نقد تلك السلعة (¬5). قال محمد: ولو كان إلى أن تحالفا وتفاسخا (¬6). وهو أبين؛ لأنه اختلاف في الثمن، ومن الناس من يشترط الوازنة وإن كانت العادة النقص، ويشترط النقص بحبة أو حبتين، وإن كانت العادة الوازنة. وكل من ادَّعى ذلك، فلم يأت إلا (¬7) بما يشبه. وإن كانت العادة أن الدينار ينقص (¬8) عن الوازن بحبتين، وقال البائع: أنا (¬9) لم أعلم العادة، فإن كان من أهل البلد لم يصدق، وإن كان طارئًا صُدِّق، وإن شك في معرفته أُحلف أنه لم يعلم ذلك، وكان المشتري (¬10) بالخيار بين أن يقبلها عن الوازن أو يَرُدَّ. وكذلك إن كان البيع على قنطار، وعادة البلد أنهم يطرحون للقنطار عشرة أرطال (¬11) أو خمسة، والبائع طارئ، وقال: لم أعلم فإنه يصدق، فإن كره ¬

_ (¬1) في (ب): (يقم)، وفي (ت): (يقضِ). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 416. (¬3) قوله: (المشتري) ساقط من (ت). (¬4) في (ب) و (ث) و (ق 4): (النقص). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 423. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 423. (¬7) قوله: (إلا) ساقط من (ت). (¬8) قوله: (ينقص) ساقط من (ق 4). (¬9) قوله: (أنا) زيادة من (ت). (¬10) قوله: (المشتري) ساقط من (ب). (¬11) قوله: (أرطال) ساقط من (ب).

فصل [في اختلاف المتبايعين في الاستثناء واشتراط الخيار]

كان المشتري بالخيار بين أن يرضى بإسقاط ذلك الزائد أو يَرُدَّ. وكذلك إذا كان القنطار مختلفًا، فالقنطار بالقيروان، وصقلية، والإسكندرية، والشام مختلف، فمن قدم بشيء يبيعه إلى بلد قنطاره أكبر من قنطار البلد الذي قدم منه وقال: لم أعلم ما بينهما ولم يتقدم له سفر قبل ذلك صُدق، فقنطار أهل الشام أربعة بالمصري. فصل [في اختلاف المتبايعين في الاستثناء واشتراط الخيار] ومن باع حائطًا واستثنى منه نخلات وقال: اشترطت الخيار، وقال المشتري: بل اشترطت هؤلاء، تحالفا وتفاسخا (¬1)، فإن نكل البائع وحلف المشتري سلم المعينات وكان له ما سواهن بذلك الثمن، فإن نكل المشتري وحلف البائع كان له أن يختار، وإن فات ذلك الحائط بتغير تحالفا، وسلم المشتري المعينات وإن نزل بها عيب؛ لأنه يقول: لم أشترها، وكان للآخر أن يختار ولزم المشتري ما سوى هذين وقبض الثمن على أن التي اختيرت كانت في البيع. وقال محمد في من باع طعامًا ثم اختلفا في الكيل والثمن، فقال البائع: بعتك صاعين بدينار، وقال المشتري (¬2). . . (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 92. (¬2) قوله: (وقال المشتري) ساقط من (ت) و (ب). (¬3) بعدها بياض في النسخ الموجودة لدينا، والمسألة لم تتم.

باب في الوكالة على السلم

باب في الوكالة على السَّلَم ومن قال لرجل: بعثني فلان لآخذ له سَلَمًا على طعام، فأعطاه ذلك جاز، ولزم الأمر إن أقر بالوكالة. قال مالك: وإن اشترط المشتري على المأمور أنه إن لم يرضَ الآمر فأنت لبيعي ضامن جاز، قال: وذلك مثل الرجل يقول للرجل: ابتع لي غلام فلان، فيقول: إن فلانًا أرسلني فبيعوه، فقد عرفتموه، فيقولون: نحن نبيعه فإن أقر لنا بالثمن، وإلا فالثمن لنا عليك، توفيناه نقدًا أو إلى أجل، فذلك جائز (¬1). قال محمد: ولقد غمزه بعض الناس وقال: هي ذمم ولا يدري على أيهما وقعت مبايعته. قال سحنون: وقال أشهب: هو دَيْنٌ بِدَيْن. قال الشيخ -رحمه الله-: إن كان أحدهما غنيًّا والآخر فقيرًا، فهو غررٌ؛ لأنه لا يدري أي الذمتين له، بخلاف الحميل؛ لأن له ذمة غريمه، وذمة الحميل تقوية له، أو له الذمتان على القول إن له أن يأخذ أيهما أحبَّ (¬2). فإن قيل للوكيل: إن اعترف الآمر فادفع الثمن إليه وأَشْهِدْ عليه وإلا فلا تدفع إليه لم يدخله الدَّيْن بالدَّيْن، وإن قيل له: ادفع إليه، فإن اعترف لنا أخذنا منه، وإن أنكر أتبعناك، لكان دينًا بدين، فمن قال: إنه شرع غير معلل، كان فاسدًا، ومن قال: إنه معلل بما كانت عليه الجاهلية أن يقول للغريم: تقضي أو تُرْبي لم يفسد؛ لأنه شرط في أصل العقد. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 97. (¬2) قوله: (أحبَّ) ساقط من (ت).

والوكالة على السَّلَم مخالفة للوكالة على الشراء والبيع (¬1)؛ لأن قوله: بعثني لآخذ له سَلَمًا أُمِرَ يقتضي ثمن (¬2) المسلم والقضاء على الآمر بمجرد الوكالة، وهذا قول مالك؛ لأنه جعله بمنزلة من قال: بعثني فلان فبيعوه، فإن دفع الثمن على الباعث، فإذا قبض الرسول الثمن غرم الآمر السَّلَم، فإن أنكر أنه يكون وكله، حلف وسقط السَّلَم (¬3) عنهما جميعًا. واختلف هل يغرم (¬4) الرسول رأس المال؟ فقال محمد: يغرمه. وقيل: لا شيء عليه إلا يمينه. وأرى أن يغرم إن كان غير مأمون، وإن كان مأمونًا حلف لقد أرسلني ووصلت إليه وبرئ، وتكون مصيبة ذلك من المُسْلِم. إن قال: وكلني أن أُسْلِم له كان عليه أن يدفع رأس المال وليس له قبض السَّلَم؛ لأنَّ قوله أَسْلَم له (¬5)، أي أَسْلَم له وأدفع رأس المال، فإذا دفعه انقضت وكالته، وإن قال: وكلني أن أعقد له سَلَمًا، لم يكن عليه من رأس المال شيء. واختلف إذا وكله على الشراء، هل يلزم الوكيل دفع الثمن؟ فقال محمد: عليه ذلك، وإن قال: بعثني لأشتري له منك، قال: لأن البائع يقول: أنت تشتريها، فلا أبالي لنفسك أو لغيرك (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (والبيع) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (ثمن) ساقط من (ت). (¬3) في (ق 4): (السلف). (¬4) في (ت): (يلزم). (¬5) قوله: (له) ساقط من (ت). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 237.

فصل [في مسائل في الوكالة في السلم والبيع وخشية المحاباة في ذلكـ]

وقال مالك في المبسوط في من وكل على شراء سلعة فوجد البائع بالثمن زيوفًا: فإن كان أعلمه أنه وكيل لغيره فلا شيء عليه، وإذا لم يجعل عليه البدل لم يكن عليه أن يدفع الثمن. فرأى أن العقد بيع فإذا فعل انتقضت وكالته وكان دفع الثمن وقبض المبيع من الموكل، ورأى مرة أن الأول عقد بيع (¬1) وأن البيع التقابض أن تعطيني ملكك وأعطيك ملكي، ولهذا قال: إن مصيبة الحيوان إذا حبس بالثمن من البائع (¬2). وقوله: المصيبة من المشتري، فعلى القول: إن العقد بيع، وإن قال: بعثني لأشتري منك، أو بعثني إليك لأشتري منك، ولم يقل: لأشتري له، كان محمل الشراء على أنه للمبعوث، وإنما دلَّه على من يعامله، إلا أن يقول: بعثني إليك لتبيعه، فأما إن قال: لتبيعني أو لأشتري منك، فمحمل قوله على أن الشراء لنفسه، فإن قال: لتبيعه، كان الثمن على الآمر، وإن قال: لأشتري له، كان الثمن على القولين، هل هو على الباعث، أو على المبعوث؟ وإن قال: لأشتري منك، أو لأشتري، ولم يقل: له ولا منك، كان محمل الشراء على أنه لمن باشر الشراء. فصل [في مسائل في الوكالة في السَّلَم والبيع وخشية المحاباة في ذلكـ] واختلف في من وَكَّل رجلًا على أن يشتري له جارية أو ثوبًا ولم يصف له ذلك، فاشترى ما لا يشبه أن يكون من جواريه ولا من لباسه: فقال ابن ¬

_ (¬1) قوله: (الأول عقد بيع) يقابله في (ق 4): (العقد الأول ليس عقد بيع). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 220.

القاسم: لا يلزمه ذلك (¬1). وقال أشهب: يلزمه إلا أن يقول للباسي أو لخدمتي (¬2). وقاله سحنون. ورأيا أن أمره مُشكل هل أراد القنية أو التجارة؟ فلا يحمل عليه التعدي، ولا يضمن بالشك. وقال ابن القاسم في من وكل رجلًا ليُسْلِم له في طعام، فأسلم ذلك إلى نفسه، أو إلى ابنه الصغير، أو إلى من يليه من يتيم أو سفيه: لم يجز، وإن أسلمه إلى زوجته أو ابنه الكبير، أو عبده المأذون له في التجارة، أو مكاتبه، أو إلى شريك غير مفاوض، جاز ما لم يكن فيه محاباة (¬3). قال سحنون: سَلَمُه إلى ابنه الذي في حجره أو إلى يتيمه جائز؛ لأن العهدة في أموالهم. وقال أبو محمد عبد الوهاب: إن اشترى الوكيل ما أمر ببيعه بثمن مثله جاز (¬4). قال: وكذلك عندنا الوصي والأب. وقال مالك في من اشترى سلعة، ثم أخذ من رجل مالًا قراضًا وأراد أن يدفعه في ثمن السلعة: أخاف أن يكون قد استغلاها فيدخل مال هذا فيها (¬5). فجعل المنع لأجل المحاباة ليس؛ لأنه معزول عن شرائها. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 97. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 235، 236. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 98. (¬4) انظر: المعونة: 2/ 206. (¬5) انظر: المدونة: 3/ 656.

وأرى إذا نزل ذلك أن يمضي البيع إذا علم أنه استقصى وبالغ، أو ذكر من الثمن ما يرى أنه غاية ما يباع به، وإن لم تكن بينة على إشهارها، ولا أتى من الثمن بما ذكرت لك نقض البيع إن كان قائمًا ومضى بعد الفوت بالأكثر من القيمة أو الثمن، وهذا إذا كان فواته بذهاب عينه. واختلف إذا حالت سوقه أو تغير في نفسه: فقال محمد في من أمر ببيع (¬1) سلعة فباعها من نفسه: كان صاحبها بالخيار في ردِّها ما لم تفت بغلاء سوق أو في بدنها، فتلزمه قيمتها (¬2). وذكر يحيى بن عمر فيها قولين: أحدهما: مثل هذا، والآخر: أنه لا يفيتها النماء ولا النقص. وقال غير ابن القاسم في كتاب القراض: كل من أطلقت يده في بيع فباعه من نفسه وأعتقه، كان الآمر بالخيار بين أن يجيز فعله أو يردَّ عتقه ويأخذه، إلا في المقارض، فإنه إذا كان في العتق فَضْلٌ نفذ عتقه للشرك الذي له فيه (¬3). وقال ابن حبيب في العاشر من البيوع: إن باعه من نفسه ثم باعه من آخر بربح، كان الربح للأول إلا أن تكون القيمة أكثر، فيلزمه الذي هو أكثر، قال: وكذلك الوصي يشتري من تركة من أوصى إليه فالخيار عليه فيه للسلطان، وإن باعه بربح كان الربح للأيتام أو الثلث إلا أن تكون القيمة أكثر، فجعلاه كالمتعدي، فلا يفيته العتق ولا انتقاله بالبيع. وهو أحسن إذا علم أنه حابى نفسه (¬4) في الثمن. ¬

_ (¬1) قوله: (فواته بذهاب عينه. . . فيمن أمر ببيع) ساقط من (ت). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 200. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 659. (¬4) قوله: (حابى نفسه) يقابله في (ت): (جاء بنفسه).

ومن وكّل عبدًا فأسلم له في طعام مضى والسلم للآمر، فإن كان العبد محجورًا عليه كان لسيده إجارته في ذلك، وإن كان مأذونًا له وفعل ذلك معروفًا ليصلح وجهه في تجارته لم يكن لسيده شيء؛ لأن الغالب في إجارة ذلك يسيرة (¬1). ومن وُكِّل على أن يُسْلِم فوّكَّل غيره كان متعديًا، وللآمر أن يغرمه رأس المال، وله أن يجيز إن لم يكن أَسْلَم الثمن أو أسلمه وكان قائمًا وشهدت البينة أنها دنانيره. ويختلف إذا فاتت أو لم تشهد البينة بذلك، فقيل: ليس له أن يجيز؛ لأنه فسخُ دَيْنٍ في دَيْنٍ لما ملك أن يغرم المأمور رأس ماله، وهذا قول ابن القاسم في المدونة (¬2). وروي عن مالك في كتاب ابن حبيب أنه أجاز ذلك، وهو أحسن. وأرى أن يوكل ذلك إلى أمانة الآمر، ويعلم أنه لا يجوز له متى اختار التضمين أن ينتقل إلى الإجازة ولا يحمل عليه أنه اختار التضمين ثم انتقل، فيكون قد منع ملكه بالظن وملك لغيره. ¬

_ (¬1) قوله: (شيء لأن. . . ذلك يسيرة) يقابله في (ت): (إجازته. . . ذلك سيدًا). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 101.

باب في تعدي الوكيل في البيع والسلم

باب في تعدي الوكيل في البيع والسَّلَم وقال ابن القاسم في من وكل رجلًا يبيع له سلعة أو طعامًا فباعها بطعام أو عرض نقدًا: كان المأمور ضامنًا إذا باع بغير العين، إلا إن يشاء أن يقبض ثمن ما بيع به إذا كان عرضًا أو طعامًا (¬1). قال الشيخ -رحمه الله-: أما إذا باع العرض بطعام أو الطعام بعرض، وكل ذلك نقدًا ولم يكن الآمر سمى ثمنًا، كان الآمر بالخيار في القيام بين الإجازة أو الردِّ. وفي الفوت إذا غاب بذلك مشتريه بين الإجازة وأخذ الثمن الذي بيع به، أو تضمينه قيمة سلعته، أو مثل الطعام إذا وكله على بيع طعام، ويُسْلم الثمن للمأمور بفضله إن كان فيه فضل. وقيل: يباع إذا كان فيه فضل ويكون الفضل للآمر، وهذا عقوبة للمأمور لئلا يربح الغاصب والمتعدي. واختلف إذا باع الطعام بطعام: فأجاز ابن القاسم للآمر أن يأخذ الطعام الثاني (¬2). ومنعه أشهب وقال: ليس للآمر إلا مثل طعامه، ويباع له الثاني إن كان فيه فضل (¬3)، كان ذلك الفضل للآمرة وهذا لئلا يربح الغاصب والمتعدي. وقد اختلف قوله في هذا الأصل، فقال في العبد يتزوج حرة بغير إذن سيده، ودخل بها ثم زنت قبل أن يجيز السيد، فقال: إن أجاز رجمت، وإن رُدَّ لم ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 99. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 99، والنوادر والزيادات: 6/ 55. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 55.

فصل [في مسائل يخالف فيها الوكيل في السلم والبيع ما أمر به]

ترجم (¬1). وجعله إذا أجاز كأنه منعقد من الأول، فعلى هذا يجوز للآمر (¬2) أن يأخذ الطعام الثاني. ومن وكل على أن يبيع سلعة فباعها بعرض أو بحنطة أو بشيء مما يكال أو يوزن مما سوى الدنانير والدراهم، كان للآمر أن لا يجيز ويردَّ البيع مع القيام، ويأخذه بالقيمة مع الفوت. ثم يختلف هل يباع العرض الثاني إن كان فيه فضل؟ قال ابن القاسم: وإن باع بالفلوس أو اشترى بها كان بمنزلة العروض، إلا أن تكون السلعة خفيفة الثمن مما تباع بالفلوس (¬3). ويختلف إذا أمره أن يبيع بدنانير فباع بدراهم أو بدراهم فباع بدنانير وهي في القيمة مثل ما سمى له. فأرى أن يمضي؛ لأنَّ كل واحد منهما يسد مسدَّ صاحبه، إلا أن يعلم أن ذلك كان لغرض للآمر، فيردُّ البيع إذا كان قائهًا، فإن فات وغاب المشتري، كان الآمر بالخيار بين أن يجيز أو يباع الثمن ويشتري له به مثل ما أمر به. فصل [في مسائل يخالف فيها الوكيل في السَّلَم والبيع ما أُمر به] وقال ابن القاسم في من دفع لرجل دراهم ليسلمها له في ثوب فأسلمها له ¬

_ (¬1) قوله: (إن أجاز. . . لم ترجم) يقابله في (ت): (إن أجاز السيد. . . لم ترجم). (¬2) في (ت): (للأول). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 100.

في بساط: كان للآمر أن يُغرم المأمور مثل دراهمه، وليس له أن يأخذ المُسْلم إليه بمثل دراهمه، ولا أن يجيز السَّلَم ويأخذ البساط؛ لأنه يصير دينًا في دَيْنٍ (¬1). وعلى قول مالك في كتاب ابن حبيب له أن يجيز ويأخذ البساط. وإن لم ينظر في ذلك حتى حلَّ الأجل كان له أن يأخذه قولًا واحدًا (¬2). وهذا إذا لم يبين أنه وكيل، فإن شهدت بينة أن المدفوع دنانير الآمر وكانت قائمة، كان له أن يجيز ويكون له البساط، وأن لا يجيز ويأخذ دنانيره، ويكون على المأمور خلفها ولا يفسخ السَّلَم، وإن تبين أنه وكيل لغيره وقال: أسلم إليك دنانيره هذه، فإن كانت قائمة كان الآمر بالخيار بين أن يأخذ دنانيره، فينفسخ السَّلَم، أو يجيز ويكون له البساط إلى أجله، وإن فاتت الدنانير كان له أن يغرمه مثلها وينفسخ السَّلَم. ويختلف هل له أن يجيز وله أن يأخذ المأمور بمثل الدنانير ويمضي السَّلَم إذا كان المأمور مكذبًا للبينة، ويقول: لم أتعدَّ، وإذا لم يكن للآمر أن يجيز وقال: يباع لي البساط لآخذ الفضل، لم يكن ذلك له إن كان قد أجاز؛ لأنه يصير متهمًا للربا، وإنما يباع حينئذ على ذمته، وإن لم يجز كان له أن يباع لئلا يربح المتعدي. وإن وكل على أن يُسْلِم في ثوب ويكون الثمن سلفًا من عند المأمور ليردَّه إليه إلى أجل فأسلم له في طعام كان للآمر أن يجيز ويكون له الثمن إذا دفع رأس المال بالحضرة، ويكون كالتولية. ويختلف إذا أجاز على أن يقضي السلف إذا حلَّ الأجل، هل يمنع؛ لأنه فسخ دَيْنٍ في دَيْنٍ، أو يجوز إذا قال: لم أختر إلا الإجازة؟ ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 99. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 204.

وإن وُكِّل في سلعة ليبيعها بالنقد فأسلمها في طعام، كان الآمر بالخيار في قيام سلعته بين الإجازة، ويكون له الطعام إلى أجله، أو يأخذ سلعته وينفسخ السَّلَم، وإن أفاته المُسْلِم إليه بلباس، كان للآمر أن يغرمه قيمته وينفسخ السَّلَم. ويختلف إذا أحب أن يجيز ويكون له الطعام، وكذلك إذا فات بعيب مفسد من سبب المُسْلَم إليه. وإن كان بأمر من الله تعالى، كان له أن يأخذ سلعته معيبة (¬1) وينفسخ السَّلَم ولا شيء له على المُسْلَم إليه من العيب، وله أن يغرم الوكيل قيمة ذلك العيب؛ لأنه متعدٍ في تسليمه، فله أن يغرمه ما أحدث في حال التعدي، وإن كان العيب بأمر من الله سبحانه. ويختلف هل له أن يجيز؛ لأنه وإن كان قائمًا فيما بين الآمر والمُسْلَم إليه وأن له أن يأخذ عينه (¬2)، فإنه في معنى الفائت لما ملك أن يتركه ويغرم المأمور قيمته، فيصير إذا انتقل من القيمة ويأخذ الطعام فسخ دَيْن في دَيْن. وإن لم ينظر في ذلك حتى حلَّ الأجل، لم يكن له أن يأخذ الطعام على هذا القول ويدخله بيع الطعام قبل قبضه، وله أن يباع له إذا كان فيه فضل ليأخذ الفضل. يريد إذا لم يجز فيباع على ملك المتعدي، لئلا ينال بتعديه ما أراد من الربح، وليس ذلك له إذا أجاز ليباع على ملكه، ولو جاز ذلك لكان له أن يأخذ عينه. وقال مالك في من أمر أن يبيع سلعة بدراهم سماها نقدًا فباعها بعرض إلى أجل: يباع ذلك العرض بنقد فإن كان فيه وفاء بالمسمى أو فضل كان للآمر، ¬

_ (¬1) في (ت): (بعينها). (¬2) في (ق 4): (عيبه).

وإن كان نقصانًا كان على المأمور (¬1). وقد اختلف في ثلاثة مواضع. أحدها: إذا سمى ما يباع به من العين (¬2) فباع بخلافه أو بأقل، هل يحمل على أنه التزم تلك التسيمة؟ والثاني: إذا باع بتلك التسمية من غير نداء ولا إشهار، هل يلزم البيع؟ والثالث: إذا ملك الإجازة والردَّ، هل يحمل على أنه لم يجز إلا ما يعترف أنه اختاره، أو أنه اختار الآخر ثم انتقل إلى هذا؟ فعلى قوله أنه ملتزم التسمية وأن له أن يبيع بتلك التسمية من غير نداء، فيكون قيام السلعة وفوتها سواء، وليس لصاحبها أن يأخذها، وإنما له الأكثر من التسمية أو القيمة نقدًا أو ما يباع به الدَّيْن على النقد، فيأخذه بالتسمية؛ لأنه ملتزم لها أو القيمة إن كانت أكثر (¬3)؛ لأنه مقر أنه تعدَّى ولم يلتزم ما يباع به الدَّيْن، لئلا ينال بتعديه الربح. ويختلف هل له أن يجيز ويكون له (¬4) الدَّيْن إلى أجله؛ لأنه وإن كانت السلعة قائمة فقد ملك أن يأخذ التسمية أو القيمة نقدًا أو ما يباع به الدَّيْن على النقد (¬5) فيكون ذلك فسخ دَيْن في دَيْن، وعلى القول ألا يلزم البيع بتلك التسمية من غير نداء، يكون للامر أن يأخذ سلعته وينقض البيع أو يأخذ التسمية، وليس له أن يجيز ليأخذ الدَّيْن؛ لأنه ملك أن يأخذ التسمية. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 101، انظر: النوادر والزيادات: 7/ 208. (¬2) قوله: (من العين) زيادة من (ق 4). (¬3) قوله: (أو القيمة إن كانت أكثر) يقابله في (ب): (وبالقيمة أكثر إن كانت أكثر). (¬4) قوله: (له) ساقط من (ق 4). (¬5) قوله: (نقدًا أو. . . على النقد) زيادة من (ت).

وأرى أن يكون القول قول الوكيل أنه لم يلتزم تلك (¬1) التسمية، ويكون الآمر بالخيار مع القيام بين أن يجيز بالثمن إلى أجل أو يرد. وإن فاتت بلباس كان بالخيار بين أن يجيز ويكون له الثمن إلى الأجل، أو يأخذ القيمة من اللابس يوم لبس ويسقط عنه الثمن، أو يأخذ من المأمور القيمة يوم باع؛ لأنه يوم تعدى، ويمضي بالثمن إلى الأجل. فإن هلكت بيد المشتري، كان بالخيار بين أن يجيز البيع إلى الأجل، أو يأخذ القيمة من المأمور يوم باع ويمضي للمشتري بالثمن، وليس على المشتري ها هنا إلا الثمن إلى الأجل؛ لأن من اشترى شيئًا بوجه شبهة فهلك في يده لم يضمنه بالقيمة، وإنما يضمنه بالثمن، والثمن ها هنا مؤجل فليس عليه غيره، وكذلك إن هلكت والثمن عرض، فليس للمستحق على المشتري إلا ذلك العرض. وقال في من أُمر أن يبيع سلعة بعشرين دينارًا نقْدًا، فباعها بثلاثين إلى أجل، قال: يباع الدَّيْن بعَرَضٍ نقْدًا، ثم يباع العرض بعين، فإن كان فيه وفاء بالعشرين أو فضل كان للآمر، وإن كان نقصٌ فعلى المأمور (¬2). وليس للآمر عنده أن يجيز البيع ويأخذ الثلاثين، لإمكان أن يكون اختار التسمية (¬3)، فيكون قد فسخ عشرين في ثلاثين. ولا أن يختار التسمية، لإمكان أن يكون اختار الإجازة (¬4) إلى الأجل، ¬

_ (¬1) قوله: (ذلك) ساقط من (ب). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 141. (¬3) في (ت): (القيمة). (¬4) في (ت): (الإجارة).

فيكون أخذ عشرين نقْدًا عن ثلاثين مؤجلة، فيدخله ضع وتعجل، وعلى القول الآخر: له أي ذلك أحب ويترك الآخر للمأمور. وقد اختلف إذا أمره أن يبيع بعشرة نقدًا، فباع بخمسة عشر إلى شهر، وكان إن بِيع الدينُ ساوى ثمانية، فرضي المأمور أن يدفع عشرة، فإذا حلَّ الأجل أخذها، وكانت الخمسة الفاضلة للآمر. وأن يجوز أصوب ولا وجه للمنع؛ لأنه إن قدّر أن الآمر لم يختر إلا الإجازة، فله الخمسة عشر إلى الأجل، وهذه قرض من المأمور يدفع عشرة فتعود إليه ولا يربح شيئًا، وإن قدّر أنه اختار التسمية، فله أن يغرمه العشرة، وقد أخذها ولا شيء له في الفضل في الخمسة الزائدة، وتكون كالهبة من المأمور، فلا يدخل فساد على أي الوجهين أجريت المسألة، وكذلك إذا كانت قيمة الدَّين بالنقد اثني عشر. واختلف أيضًا إذا قبض الآمر عشرة ليردّها عند الأجل وتكون له الخمسة عشر، وأن تجوز أحسن؛ لأنه إن قدّر أن الآمر لم يختر إلا الإجازة، فله الخمسة عشر، وهذه العشرة قرض، فإن قدر أنه اختار التسمية فقد قبضها، والخمسة هبة من المأمور. وما ذكر من أن الأمور يدفع العشرة لئلا يخسر دينارين فغير صحيح؛ لأن النازعة في الأصل في أن لا يباع وأن البيع لا يلزم إلا أن يتفقا عليه؛ لأنه مال مترجح بين آدميين، فلا يباع عليهما إلا باتفاقهما، والمأمور يقول: إن قدرتم أنه اختار أن لا يمضي (¬1) فهو لي وأنا لا (¬2) أبيعه وأغرم له العشرة، والخمسة بعد الأجل هبة مني، وإن قدَّرتم أنه اختار ¬

_ (¬1) في (ت) و (ث) و (ق 4): (يضمني). (¬2) في (ق 4): (وأنا الآن).

الإجازة كانت الخمسة عشر له، وهو لم يرضَ بيعها وأنا أسلفه على أن لا أرجع عليه إن هلك الدين. وقال ابن القاسم في من أمر رجلًا أن يبيع له سلعة بتسمية إلى أجل فباع بالنقد، قال: عليه الأكثر من الثمن الذي باع به أو القيمة نقْدًا، ولم يلزمه تلك التسمية إلى أجل (¬1). ولم ير في العتبية أن التسمية تلزم إلا في وجهين: أن يكون المأمور يبيعه عرضًا وليس مما يكال أو يوزن (¬2). وأن تكون التسمية عينًا نقدًا أو شيئًا مما يكال أو يوزن نقدًا. قال أشهب: فإن خالف في العرض وقد سمى له ما يبيعه به من العين أو مما يكال أو يوزن نقْدًا، فباع بدون التسمية أو بجنس آخر أو بثمن مؤجل أو وهب أو تصدق، ولم يبع لزمته التسمية. وإن سمى له أن يبيع بعين مؤجل أو بعرض نقْدًا، أو كان المأمور يبيعه شيئًا مما يكال أو يوزن، فسمى له ما يباع به من العين نقْدًا، لم يلزمه شيء (¬3) من تلك المسميات. وأجري على حكم المتعدي إذا لم يسمَّ له، وكل هذا سواء إلا أن تفرق بينهما سُنَّةٌ أو إجماع، وذلك معدوم. وأرى أن يكون القول قول المأمور أنه غير ملتزم في جميع ذلك حتى يثبت غيره. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 102. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 6/ 431. (¬3) في (ت) و (ث) و (ف 4): (يُلزم شيئًا).

ومن أمر أن يبيع بعشرة إلى شهر، فباع بعشرة نقْدًا لزمه؛ لأن التعجيل زيادة، وهو بمنزلة من باع بأكثر إلا أن يقول الآمر: اطلب عشرة فأكثر، ولا تَبع بأقل، فينظر إلى ما يباع به إلى شهر، فإن كان يباع بأكثر كان للآمر أن يرد البيع، وإن فات بها المشتري كان على المأمور الأكثر مما يباع به نقدًا أو قيمتها نقدًا. وإن أمره أن يسلمها في عشرة أقفزة قمح إلى أجل فكذلك؛ لأن العادة اليوم أن الناس لا يقصدون بالأجل التضمين (¬1) إلى ذلك الأجل، ومعلوم أنه على التعجيل أحرص، وإن كان علم أنه قصد أن يضمن له، صح أن يفسخ البيع وتعاد إليه سلعته. وقال ابن القاسم في من دفع إلى رجل دنانير ليسلمها له في طعام فصرفها بدراهم وأسلمها له: فإن فعل ذلك نظرًا للآمر جاز، وإن كان تعديًا لم يجز للآمر أن يرضى بالطعام، إلا أن يكون المأمور قد قبض الطعام (¬2). وهو قول أشهب في هذا الأصل (¬3)؛ لأن هذا (¬4) المأمور فعل ذلك على وجه البت وليأتي بطعام ولا يعلم الآمر ما فعل، والأحكام ها هنا أوجبت الخيار، ففارق مسألة من أودع دنانير فصرفها له بدراهم؛ لأنه دخل على خيار صاحبه، ولم يرد أن يجحده ويقول هذه الدراهم هي (¬5) التي أودعتني. ¬

_ (¬1) في (ت): (ليضمن). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 103. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 206. (¬4) قوله: (هذا) زيادة من (ق 4). (¬5) قوله: (هي) ساقط من (ب).

فصل [في قبض ما أسلف فيه الوكيل بغير حضرته]

فصل [في قبض ما أسلف فيه الوكيل بغير حضرته] ومن أمر رجلًا يُسْلِم له في طعام ففعل، ثم غاب المأمور وطلب الآمر قبض طعامه، كان ذلك له إن أثبت أن السَّلَم له، وإن لم تكن بينة وأقر المُسْلَم إليه أن المسْلم اعترف له به بعد انعقاد السَّلَم له (¬1)، لم يلزمه أن يدفعه للطالب؛ لأنه يقول: أخاف أن يجحدني، وإنما دخلت على أن الطعام له والقبض إليه، إلا أن يعلم من المسلَم إليه أنه من أهل الدّين والفضل، وممن لا يجحد، فلا يظلم المُقر له ولا يمنع منه طعامه. وإن كان اعترافه في حين السلَم فقال: أَسْلِم لفلان، كان عليه أن يدفع ذلك الطعام الآن، وإن كان المأمور يتخوف جحوده؛ لأنه دخل على أن الطعام لهذا، فلا يمنع قبض متاعه خيفة أن يجحده الآخر، وليس له أن يقول: احبسه ليقضيك (¬2) الغائب فيه. ¬

_ (¬1) قوله: (له) زيادة من (ق 4). (¬2) في (ت): (ليقضيها).

باب في السلم يؤخذ به رهن وهو مما يغاب عليه فيدعي ضياعه فيريد المسلم والمسلم إليه أن يقاصه الرهن بالدين

باب في السَّلَم يؤخذ به رهن وهو (¬1) مما يغاب عليه فيدعي ضياعه فيريد (¬2) المسلم والمسلم إليه أن (¬3) يقاصه الرهن بالدَّيْن ومن أَسْلَم دنانير في عرض وارتهن بالعرض دراهم وطبع عليها، ثم ادعى ضياعها، فإن كان دفع الدنانير والدراهم معًا وبحضرة عقد السَّلَم، جازت المقاصة؛ لأنه لا تهمة فيما رجعا إليه؛ لأنهما لو شاءا أن يظهرا ذلك وقت السَّلَم جاز (¬4)؛ لأنه صرف على مناجزة، فإن تأخر قبض الدراهم لم تجز المقاصة؛ لأنه صرف مستأخر. وإن كان رأس مال السَّلَم والرهن دنانير وأحدهما أجود ذهبًا وأدنى سكة، لم تجز المقاصة إذا اختلف الوزن، وسواء كان القبضان معًا أو مفترقين. وإن تساويا في الوزن وكان القبضان بحضرة عقد (¬5) السَّلَم جازت المقاصة، وليس ها هنا تهمة؛ لأنهما لو أرادا أن لا يظهراه سَلَمًا ويجعلاه مراطلة جاز، وإن لم يكن الدفع معًا لم تجز المقاصة؛ لأنها مراطلة ليست يدًا بيد. وإن كان الرهن أدنى سكة أو وزنًا أو عددًا، جازت المقاصة، وسواء كان قبض الرهن معًا أو مفترقًا، ولا يتهمان أن يظهرا سَلَمًا ليعود إلى يده أقل، وإن ¬

_ (¬1) قوله: (وهو) ساقط من (ب). (¬2) في (ب): (فيرد). (¬3) قوله: (أن) يقابله في (ب): (أو). (¬4) قوله: (جاز) ساقط من (ت). (¬5) قوله: (عقد) ساقط من (ق 4).

فصل [في من أسلم في عروض وأخذ عليه رهنا فهلكـ والمراعى في ذلكـ]

كان الرهن أجود سكة أو أكثر عددًا، لم يجز إذا كان القبض مفترقًا، وإن كان معًا جاز. فصل [في من أَسْلَم في عروض وأخذ عليه رهنًا فهلكـ والمراعى في ذلكـ] وإن أَسْلَم دنانير في ثوب كتان وأخذ ثوب صوف رهنًا جازت المقاصة؛ لأنه إنما يراعي رأس مال السَّلَم في عين الرهن لا في قيمته، وعينه وقيمته في السَّلَم. وقد قيل: يراعى رأس مال السلم وقيمة الرهن، وليس بحسن؛ لأن بياعات الآجال إنما يراعى فيها ما خرج من اليد وما عاد إليها، فإذا خرج من يده دنانير جاز أن يعود إليها عنها عروض، ولم ينظر إلى قيمتها مع رأس المال؛ لأنه لم تعد إلى يده قيمة. وقول المرتهن في قوله (¬1) قد ضاع الرهن، متردد بين أمرين: إما أن يكون صادقًا، فلا شيء عليه، أو كاذبًا، فإنما أمسك عرضًا. ثم المقاصة بعين الرهن والسَّلَم جائزة؛ لأن بيع ثوب كتان نقْدًا بثوب صوف إلى أجل جائز، وكذلك قيمته إذا كان يقوَّم بالدنانير والدراهم فجائز أن يباع السَّلَم بها. وكذلك إذا أَسْلَم دنانير في ثوب كتان وأخذ رهنًا ثوب كتان من غير جنسه مما يُسْلَم أحدهما في الآخر، وإن كان جنسًا واحدًا وأحدهما أجود، فإن ¬

_ (¬1) قوله: (قوله) زيادة من (ت).

فصل [في من باع عرضا بدنانير مؤجلة وارتهن دراهم، أو مما يكال أو يوزن، أو عرضا وادعى ضياعه، تم أرأد المقاصة قبل الأجل]

كان الرهن أدنى ولم يحِلَّ الأجلُ، لم تجز المقاصة ويدخله ضع وتعجل، وإن كان أجود دخله ضمان بجُعْل. وإن ادَّعى ضياعه بعد محل الأجل جازت المقاصة إن كان الرهن شرطًا (¬1) في أصل العقد، وإن كان بعد ذلك لم يجز؛ لأنهما يتهمان أن يكونا أظهرا أنه رهن والقصد أن يأخذه من الدَّيْن وقت دفعه إليه. فصل [في من باع عرضًا بدنانير مؤجلة وارتهن دراهم، أو مما يكال أو يوزن، أو عرضًا وادعى ضياعه، تم أرأد المقاصة قبل الأجل] وإن باع ثوب كتان بدنانير إلى أجل (¬2) شهر وارتهن دراهم، ثم أراد المقاصة بها قبل الأجل، لم يجز وهو صرف مستأخر إلا على القول ببراءة الذمم. وإن كان الرهن دنانير من سكة الدَّيْن وهي أقل عددًا فقاصه عن قدرها من الدَّيْن، جاز، وإن أخذها عن جميع حقه، لم يجز ويدخله ضع وتعجل، فإن كانت سكة الرهن أجود والوزن سواء، جاز، وإن كانت أدنى سكة، لم يجز. وإن كان المبيع ثوبًا بدنانير والرهن مما يكال أو يوزن جازت المقاصة؛ لأن أخذ ذلك (¬3) الرهن (¬4) عن رأس مال السَّلَم جائز، وأخذ عينه أو مثله عن الدَّيْن جائز. ¬

_ (¬1) في (ق 4): (بشرط). (¬2) قوله: (أجل) ساقط من (ب) و (ت). (¬3) قوله: (ذلك) ساقط من (ت). (¬4) قوله: (الرهن) ساقط من (ب).

وإن كان المبيع ثوب كتان والرهن ثوب صوف وادَّعى ضياعه، وهو مما يقوَّم بالدراهم - لم تجز المقاصة إلا على القول ببراءة الذمم، أو تكون دعواه الضياع بعد محل الأجل، فيجوز؛ لأنها مصارفة يدًا بيد. وإن كان مما يقوَّم بالدنانير، كان الجواب على ما تقدم إذا كان الرهن دنانير، فتعتبر السكتان، هل هما سواء أو مختلفتان؟ وهل العددان سواء أو مختلفان؟ وهل قوله ذلك قبل محل الأجل أو بعده؟ ولا يعتبر ها هنا رأس المال؛ لأن إسلام ثوب كتان في ثوب صوف جائز. وإن كان المبيع ثوب كتان بدنانير إلى أجل والرهن ثوب كتان من صنفه، ثم ادَّعى ضياعه، فإن كان الرهن معينًا مشترطًا في أصل البيع، فلا فساد في المقاصة من هذا الوجه، أعني: إذا اعتبر أصل المداينة، وكذلك لا فساد فيه إذا اعتبر أخذ عينه عن الدَّيْن، وإنما يعتبر قيمته على نحو ما تقدم في السؤال الذي قبل هذا، هل يقوَّم بدنانير أو بدراهم؟ وهل ذلك قبل الأجل أو بعده؟ وهل العدد والسكة سواء أو مختلفة؟ فإن لم يكن الرهن في أصل العقد ولا قبضه بالحضرة، جازت المقاصة إذا كان الرهن مثل الأول فأقل، فلا فساد من هذا الوجه، وإذا كان الرهن أجود، لم تجز المقاصة.

فصل [فيمن باع حديدا أو طعاما بدنانير إلى أجل وارتهن ثوبا أو طعاما ثم ادعى ضياعه وأراد المقاصة]

فصل [فيمن باع حديدًا أو طعامًا بدنانير إلى أجل وارتهن ثوبًا أو طعامًا ثم ادَّعى ضياعه وأراد المقاصة] فإن باع حديدًا بدنانير إلى أجل وارتهن كتانًا أو غيره مما يقضى فيه بالمثل ثم ادَّعى ضياعه، جازت عنه المقاصة؛ لأنَّ إسلامَ الحديد في عين (¬1) الرهن جائز، وأخذ عين (¬2) الرهن أو مثله عن هذا الدَّيْن جائز. وإن كان الرهن ثوب كتان أو غيره مما يقضى فيه بالقيمة، كان الوجه فيما يدخل من الفساد اعتبار قيمته لا عين الرهن. وإن باع قمحًا بدنانير إلى أجل وارتهن ثمرًا، ثم ادَّعى ضياعه، فإن كان قبضه للرهن بحضرة دفع القمح، جازت المقاصة، وإن كان عن تراخٍ، لم يجز، إلا أن يكون الثمن أقل من قيمة القمح بالشيء البيِّن فيجوز. وإن كان الرهن شعيرًا، واستوى الكيل أو كان كيل الشعير أقل، وكان القبض معًا، جازت المقاصة؛ لأنهما لا يتهمان أن يظهرا بيعًا صحيحًا ليتوصلا إلى بيع قمح بشعير أدنى منه، وكذلك إذا كان الشعير أدنى كيلًا وقبضه متراخٍ عن قبض القمح، وإن كان الشعير أكثر كيلًا، لم تجز المقاصة بحال، وسواء كان القبض بالحضرة أو بعد المفارقة، وإنما (¬3) يعتبر الفساد في هذا ¬

_ (¬1) في (ت): (غير). (¬2) في (ب): (غير). (¬3) في (ق 4) و (ت): (وإن لم).

فصل [فيمن أسلم في طعام وأخد عليه رهنا فهلكـ]

الأصل في أصل العقد، وأما (¬1) أخذ عين (¬2) بعض (¬3) الرهن أو مثله عن الدَّيْن، فجائز لا فساد فيه. فصل [فيمن أسْلَم في طعام وأخد عليه رهنًا فهلكـ] وقال ابن القاسم (¬4) في من أَسْلَم في طعام وارتهن ثوبًا، وادَّعى ضياعه: لم تصلح المقاصة (¬5). يريد: إذا كانت قيمته ورأس المال سواء، لم تجز الإقالة (¬6)؛ لأنهما يتهمان أن يجعلا الإقالة على عين الرهن، ويظهرا تلفه. ولو علم أنه أحرقه لجازت الإقالة إذا كانت قيمته ورأس المال سواء، وإذا كان رأس المال عشرة وقيمته ثمانية، جازت الإقالة بقدر ما ينوبه؛ لأنه لم يسترجع من مثل رأس المال، فيدخله بيع وسلف، وإنما منع ذلك في الدنانير خيفة أن يكونا عملا على ذلك، ولا يتهمان أن يعملا على أن يرهنه ليفسده. قال: وإن ارتهن تمرًا في رؤوس النخل، أو زرْعًا فادَّعى هلاكه لم يضمنه؛ لأنه لم يغب عليه (¬7). ¬

_ (¬1) في (ت): (وإنما). (¬2) في (ت): (عن). (¬3) قوله: (بعض) زيادة من (ق 4). (¬4) قوله: (ابن القاسم) يقابله في (ب) و (ت): (مالك). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 104. (¬6) في (ب): (المقاصة). (¬7) انظر: المدونة: 3/ 104.

وكذلك لو كان الرهن تمرًا في جرينه، أو زرْعًا في أندره، أو سفينة أو شيئًا من آلاتها، مثل أرجلها أو صواريها أو مراسيها، وما العادة أنه يكون على ساحل البحر ودخل على بقائه في موضعه، فإن القول قول المرتهن أنه ضاع من مكانه؛ لأن الراهن دخل على أن لا يغيب عنه المرتهن ويبقى إلى أمانات الناس. وقال ابن القاسم في من أَسْلَم في طعام وارتهن فيه طعامًا مثله وختم عليه: فلا بأس (¬1). قوله محتمل أنه أَسْلَم في سمراء وأخذ محمولة وما أشبه ذلك، وإن أراد أنه أخذ مثل الصفة والجودة كان ذلك أثقل ولا يفسخ، وليس بمنزلة من اشترى شيئًا بعينه يقبضه إلى أجل؛ لأن وجه المنع إذا اشترى على ألا يقبض إلا إلى أجل أنه يزيده في الثمن لمكان الضمان، وهذا في الرهن ضمانه من المرتهن بنفس الغيبة عليه. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 103.

باب فى من أسلم في ثياب أو غيرها أو باع ثيابا بعين أو أقرض عينا أو ثيابا، وأخذ في جميع ذلكـ كفيلا، وأراد الكفيل أن يصالح من له ذلكـ الحق

باب فى من أَسْلَم في ثياب أو غيرها أو باع ثيابًا بعين أو أقرض عينًا أو ثيابًا، وأخذ (¬1) في جميع ذلكـ كفيلًا، وأراد الكفيل أن يصالح من له ذلكـ الحق وقال ابن القاسم في من أَسْلَم مائة دينار في ثياب إلى أجل وأخذ منه بها كفيلًا، ثم صالح الكفيل الطالب قبل الأجل على ثياب أو طعام أو دنانير أو دراهم، قال: إن باع الكفيل إياها بيعًا والذي عليه الدَّيْن حاضر مقر حتى لا يكون للكفيل إلا ما على الغريم - فلا بأس به إذا باعها بما يحل، وإن صالحه عن الغريم بأمر، يكون فيه الغريم بالخيار إن شاء أجاز الصلح، وإن شاء أعطاه ما عليه فلا خير فيه (¬2). قال محمد: ولا يشتريه الحميل إلا بمثل الثمن الذي نقده فيه مشتريه (¬3). فيراعى فيما يصالح به الكفيل أربعة: الصنف الذي يدفعه الحميل هل (¬4) يجوز أن يؤخذ عن رأس المال وعن المسلَم فيه؟ وهل دفع ذلك عن نفسه أو عن الغريم؟ وهل حل الأجل وقت الدفع أم لا؟ وهل الصلح قبل أن يؤخذ بالقضاء عن الغريم أو بعده؟ وأما حضور الغريم ومعرفة ذمته فإنما يحتاج لذلك إذا اشترى ما على ¬

_ (¬1) في (ت): (أو أخذ). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 106. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 139. (¬4) قوله (هل) ساقط من (ب).

الغريم لنفسه، ولا يراعى ذلك إذا كان الدفع عن الغريم. وقال محمد في من باع دَيْنًا له (¬1) على غائب، قال: إن عرف أنه حي قريب، وعُلِم ملاؤه من عدمه - فلا بأس. فإن لم يكن عليه بينة، لم يجز حتى يحضر ويقر (¬2)، قال: ولا يجوز بيع ما على الميت وإن كان مقرًا وعلم ما ترك؛ لأنه لا يدري ما يلحقه من دينٍ لم يعلم به، فلم يجز بيع ما على الغائب (¬3) البعيد الغيبة؛ لأنه لا يدري ما طرأ على ماله (¬4). ولا أرى أن يجوز إذا قربت الغيبة وإن كانت عليه بينة، إلا أن يشهد أنه كان مُقرًا حين غيبته، فإن كان منكرًا لم يجز -وإن كان عليه بينة- لأنه بيع ما فيه خصومة، وقد يكون للغائب بينة على القضاء أو يخرج شهود الدين. ويجوز شراء ما على الميت إذا كان ظاهر اليسار، وليس هو معروفًا بمداينة الناس، وقد فرق ابن القاسم في قسمة ماله بين الغرماء، بين من هو معروف بالدَّيْن، وغير معروف به. وأما قول ابن القاسم في الحميل أنه لا يشتري إلا أن يكون الغريم مُقِرًّا بالدين، فيراعى الإنكار مع كون الحميل غارمًا، لإمكان أن يثبت الغريم أنه قضى أو يدعي ذلك، فلا يستحق الدّين إلا بعد يمين الطالب، فإن نكل حلف الغريم وسَقَط الدَّيْن، فلم يصح ما اشتراه، وإن جحد الغريم أن يكون عليه دين أصلًا حلف وغرم الحميل، لم يجز للحميل أن يشتري قبل يمين الغريم؛ ¬

_ (¬1) قوله: (له) ساقط من (ت). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 371. (¬3) قوله: (الغائب) زيادة من (ت). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 371.

فصل [فيمن أسلم مائة دينار, ثم صالح الكفيل عن دنانير أكثر منها أو أقل، أو على دراهم قبل الأجل وبعده]

لأن الثمن يختلف، فإذا نكل الغريم وحلف الطالب ثبت الدّين على الغريم فاشتراه بأكثر، وإن حلف وسقط الدين نظر كيف يشتريه بأرخص؛ لأنه يغرم ما لا يرجع له به وهو يخسر ما يشتريه به. ومحمل قول محمد أنه لا يشتريه إلا بمثل الثمن الأول، على أن الحمالة كانت شرطًا في أصل العقد. وقد قال ابن القاسم في من أسلم إلى رجلين وبعضهما حميل عن بعض: لم يجز أن يقيل أحدهما (¬1)، فجُعِلت إقالة أحدهما سلفًا. فأما إذا كانت الحمالة بعد العقد، فتضعف التهمة ويجوز أن يشتريه بمثل ما يشتريه به الأجنبي. فصل [فيمن أسلم مائة دينار, ثم صالح الكفيل عن دنانير أكثر منها أو أقل، أو على دراهم قبل الأجل وبعده] وإن أسلم مائة دينار في ثياب ثم صالح الكفيل على دنانير أكثر من رأس المال - لم يجز الصلح عن نفسه ولا عن الغريم، وإن كان صالح على مائة فأقل، جاز إذا كان الصلح لتكون له الثياب، حلَّ الأجل أو لم يَحل. واختلف إذا كان الصلح عن الغريم، هل يمنع للغرر؟ لأن الغريم بالخيار بين أن يدفع ما عليه فيكون بيعًا، أو مثل ما دفع الحميل فيكون سلفًا، أو يجوز؛ لأنه معروف من الكفيل، وأن القصد بمثل هذا التخفيف عن الغريم، وأن ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 119.

فصل [في صلح الكفيل بالعروض قبل الأجل وبعده، والأوجه في ذلكـ]

يخيره فيما هو أخف عليه فيقضيه، وليس القصد المكايسة ولا المبايعة، كما أجيزت العرايا وغيرها. وإن صالح على دراهم لم يجز، سواء دفعها عن نفسه أو عن الغريم، قبل الأجل أو بعده؛ لأن الطالب خرج من يده دنانير، فلا تعود إليه دراهم. وأرى إن كانت الحمالة بعد العقد ودفع الدراهم على وجه الشراء لنفسه أن يجوز. وإن صالحه على شيء مما يكال أو يوزن لتكون له الثياب، جاز قبل الأجل أو بعده. ويختلف إذا دفع ذلك عن الغريم؛ لأن الغريم بالخيار بين أن يدفع ما عليه فيكون بيعًا، أو مثل ما عليه فيكون سلفًا. فصل [في صلح الكفيل بالعُرُوض قبل الأجل وبعده، والأوجه في ذلكـ] وإذا دفع عروضًا من غير جنس العروض المُسْلَم فيها، فإن دفعها ليكون له ما على الغريم، جاز. ويختلف إذا دفعها عن الغريم، هل يجوز أو يفسد؟ لما كان الغريم بالخيار وإن كانت هذه العروض من صنف العروض التي في الذمة ومثلها في الجودة والعدد - جاز قبل الأجل وبعده؛ لأنها قضاء. وإن كانت أدنى صفة أو أقل عددًا لم يجز قبل الأجل؛ لأنه إن دفعها عن الغريم كان الآخذ (¬1) قد وضع وتعجل، وإن دفعها عن نفسه كان سلفًا بزيادة، ¬

_ (¬1) في (ب) و (ت): (الآخر).

فصل [فى من أقرض رجلا دنانير، وتكفل بها رجل، فدفع الكفيل قبل الأجل أو بعده دنانير أكثر أو أقل أو دراهم]

وإن دفعها بعد الأجل عن الغريم جاز، وإن كان ليكون له ما على الغريم ولم يجبر على القضاء لم يجز، وإن كان قد جبر على القضاء وقصد الطالب بالوضيعة غريمه رجع الحميل بما قضى عنه، وإن قصد هبة الحميل رجع بجميع الدَّيْن. وإن كانت العروض التي دفع الحميل أجود صفة أو أكثر عددًا، فإن دفعها قبل الأجل لم تجز عن الغريم؛ لأن ذلك لما حط عنه من الضمان، وإن كان ليكون له الدَّيْن كان ضمانًا بجُعْل، وإن حلَّ الأجل جاز، وسواء دفع عن نفسه أو عن الغريم؛ لأنه قضى أفضل، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنكُمْ قَضَاءً" (¬1). فصل [فى من أقرض رجلًا دنانير، وتكفل بها رجل، فدفع الكفيل قبل الأجل أو بعده دنانير أكثر أو أقل أو دراهم] وإن أقرض رجلٌ رجلًا دنانير وتكفل بها رجل فدفع الكفيل قبل الأجل أكثر عددًا أو أجود صفة - جاز، وإن كانت أقل عددًا أو أقل صفة لم يجز ذلك عن الغريم؛ لأنَّ الطالب وضع عن الغريم (¬2) على أن تعجل، وإن (¬3) دفعها ليكون له ما على الغريم لم يجز؛ لأنه سلف بزيادة، وإن دفعها ليكون له الدين، لم يجز، إلا أن يكون قد جُبِر على القضاء، ورضي الطالب أن يأخذ خمسين ويفديه بمائة؛ لأنها هبة منه. ¬

_ (¬1) سبق تخريجه في كتاب الصرف، ص: 2846. (¬2) قوله: (عن الغريم) زيادة من (ت). (¬3) قوله: (وإن) يقابله في (ت، وث): (ولا إن).

فصل [فيما يجوز أخذه من الكفيل، وما لا يجوز]

وإن دفع الحميل دراهم عن الغريم، لم يجز قبل الأجل؛ لأنه صرف مستأخر. ويختلف إذا حلَّ الأجل؛ لأن الغريم بالخيار بين أن يدفع ما عليه أو مثل ما قضى عنه، وإن دفع عن نفسه، لم يجز قبل الأجل ولا بعده، إلا أن يكون قد جُبِر على القضاء فتكون مصارفة عما في ذمته. وقال محمد: إذا كان دفعه بعد الأجل وبعد أن لزمت الحميل جاز ذلك بين الحميل وصاحب الحق، ويخرج الغريم ما عليه من الدنانير فيشتري بها دراهم حتى يرجع للحميل عدة ما دفع أو وزنه، فإن لم يوجد بالدنانير إلا أقل لم يكن للحميل غير ذلك، وإن كانت أكثر لم يكن له الفضل عليه (¬1). والأول أبين. وإن دفع الكفيل شيئًا مما يكال أو يوزن لتكون له الدنانير التي على الغريم - جاز قبل الأجل وبعده. ويختلف إذا دفع ذلك عن الغريم، وإن دفع عروضًا عن الذي عليه الحق، جاز قبل الأجل وبعده، ورجع بالأقل من قيمة العروض أو الدَّيْن، وإن دفعها ليكون له الدَّيْن، جاز، ورجع بالدَّيْن قل أو كثر. فصل [فيما يجوز أخذه من الكفيل، وما لا يجوز] وقال ابن القاسم في من أسلم في سمراء: فلا يأخذ من الكفيل محمولة ولا شعيرًا، وكذلك إذا كان أسلم في محمولة، لم يأخذ منه سمراء ولا شعيرًا -وإن استوى الكيل حلَّ الأجل أو لم يحل- لأنه إن رجع بمثل ما أعطى كان بيع ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 145، 146.

الطعام بالطعام متأخرًا وبيع الطعام قبل قبضه، وإن دفع مثل ما قضى كان سلفًا (¬1). قال الشيخ: أما إن دفع محمولة أو شعيرًا ليرجع بالسمراء فهو سلف بزيادة، ولا يجوز قبل الأجل ولا بعده، ولو حلَّ الأجل وجبر على القضاء، جاز ذلك، فإن قصد الطالب بذلك التخفيف عن غريمه رجع بمثل ما دفع؛ لأنه أدنى، وإن قصد مبايعة الحميل عما توجه له قبضه بالحضرة، جاز؛ لأنها مبايعة حاضرة، ولأن الشعير أدنى على كل حال، ولا يختار الغريم أن يغرم إلا شعيرًا؛ لأنه أدنى. ويختلف إذا دفع محمولة والذي على الغريم سمراء، فعلى القول إنها أدنى يجوز، والقول إنها مما تختلف الأغراض فيها مع السمراء يجري فيها قولان على الأصل المتقدم، إذا دفع ما يكون الغريم فيه بالخيار. وقال في كتاب الحمالة: لا يعطي (¬2) عن السمراء سمراء أجود ولا أدنى، إذا كان الدَّيْن الذي على الغريم من بيع وإن استوى الكيل، قال: لأن الذي عليه الدَّيْن بالخيار إن شاء أعطاه مثل ما أعطى وإن شاء أعطى مثل ما عليه، فكان بيعًا، قال: ولا بأس بذلك في القرض إذا حلَّ الأجل (¬3). وأرى السَّلَم والقَرْض في ذلك سواء في الغرر؛ لأنَّ الغريم في جميع ذلك بالخيار بين أن يدفع ما عليه أو مثل ما قضى عنه، وإنما يفترقان في التعليل ببيع الطعام قبل قبضه، فإن ذلك يجوز في القرض، وأرى أن يجوز إذا دفع أجود بعد ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 107. (¬2) في (ق 4): (يقضي). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 114.

فصل [في ما يضمنه الكفيل وما لا يضمنه في القبض من الغريم]

الأجل؛ لأن الغريم لا يدفع إلا مثل ما عليه وإنما ذلك من الحميل حسن قضاء. وكذلك إذا دفع أدنى صفة أو أدنى كيلًا ليرجع بمثل ما دفع فيجوز؛ لأن الغريم لا يختار أن يدفع إلا مثل ما قضى عنه، وإن دفع ذلك ليرجع بمثل ما في الذمة لم يجز؛ لأنه سلف بزيادة ولم يجز ذلك قبل الأجل في قرض ولا بيع، فلم يجز أن يدفع أدنى عن الغريم قبل الأجل ويدخله ضع وتعجل، ولا يكون له ما على الغريم؛ لأنه سلف بزيادة، وإن دفع أجود قبل الأجل لم يجز (¬1) في البيع؛ لأنه ضمان بجُعل من الطالب، أو حُطَّ عني الضمان وأزيدك إذا كان برضا الغريم. فصل [في ما يضمنه الكفيل وما لا يضمنه في القبض من الغريم] وقال ابن القاسم: إذا قبض الحميل ما على الغريم فضاع عنده، فإن أخذه على وجه الرسالة لم يضمنه، وإن أخذه على وجه الاقتضاء ضمنه (¬2). قال في كتاب محمد: لأنَّ ذلك من السلطان إن قضى به السلطان خطأ (¬3). يريد: إذا قال الحميل للغريم: أنا أخاف أن أطلب بما عليك؛ لأني أخاف أن تغيب أو تعسر، فلا يجوز للحاكم أن يقضي بذلك للحميل، وإنما للحميل أن يقوم بالبراءة من الحمالة، فيلزمه أن يقضي ذلك للطالب إن كان حاضرًا، وإن كان غائبًا أخرج ذلك الحاكم من ذمة الغريم، ثم يوقفه على يد عدل، ¬

_ (¬1) قوله: (لأنه سلف بزيادة. . . قبل الأجل لم يجز) زيادة من (ق 4) و (ث) و (ت). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 110. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 145.

فصل [في الكفالة برأس المال]

ويبرئ ذمة الغريم، وتسقط الحمالة. وإن قبض الكفيل الطعام من المُسْلَم إليه ثم باعه، فإن كان قبضه بوكالة من الطالب - برئ الغريم، وكان مقال الطالب مع الحميل، وهو بالخيار بين أن يغرمه مثل الطعام أو مثل الثمن الذي باعه به، وإن كان قبضه بغير وكالة من الطالب، كان مقال الطالب والمطلوب على (¬1) الكفيل في المثل ليس في الثمن. فإن غرم المثل للطالب سقط ذلك الحكم وبرئ المطلوب، وإن أغرم المثل المطلوب للطالب (¬2) رجع به على الكفيل. وإن كان قبض الكفيل من الغريم على وجه الرسالة، كان للطالب أن يأخذه بالمثل وليس بالثمن (¬3)، وكان للمطلوب أن يأخذه بالمثل أو بالثمن. فإن أغرمه الطالب المثل، كان للمطلوب أن يغرم له مثل ذلك الذي غرمه ويأخذه بمثل ذلك الثمن. وإن ابتدأ المطلوب بالكفيل، فأغرمه المثل أو الثمن، ثم لقيه الطالب، كان له أن يغرمه المثل؛ لأنه يقول: أُرْسِلَ لي معك شيء، فتعديت عليه، ثم يرجع على المطلوب (¬4)، فيغرمه المثل. فصل [في الكفالة برأس المال] وإن كانت الكفالة برأس المال على أنه (¬5) إن أعسر المُسْلَم إليه اشترى به ¬

_ (¬1) قوله: (على) يقابله في (ب): (مع). (¬2) في (ب): (الطالب للمطلوب). (¬3) قوله: (وليس بالثمن) ساقط من (ب). (¬4) قوله: (المطلوب) يقابله في (ت): (الحميل إلى المطلوب). (¬5) قوله: (أنه) ساقط من (ق 4).

مثل المُسْلَم فيه، جاز ذلك، وسواء كانت الكفالة (¬1) في أصل العقد أو بعده. فإن كانت الكفالة برأس المال على أنه إن عجز المطلوب عن الأداء رد إلى المُسْلَم رأس (¬2) ماله - لم يجز، سواء كانت الكفالة في أصل العقد أو بعده، فإن كانت في أصل العقد كان السَّلَم فاسدًا إن كانت برضى المُسْلَم إليه، وإن كانت بغير رضاه لم يفسد السَّلَم وكانت الكفالة ساقطة، وإن كانت بعد العقد صح السَّلَم وسقطت الكفالة، وسواء كانت برضى المُسْلَم إليه أو بغير رضاه. وقد كان بعض أهل العلم يذهب إلى فساد الكفالة برأس المال، وإن كانت ليشتري بها مثل المُسْلَم فيه، قال: لأنه لا يدري ما يشتري به ولا هل يوفي بالدَّيْن أم لا؟ وهذا غير صحيح؛ لأن الكفالة شيء معلوم لا غرر فيه، ولو كان هذا فاسدًا، لم يجز اشتراط رهن الثوب والعبد؛ لأنه لا يدري ما يوفي من الدين بل هو أشد غررًا؛ لأنَّ الغرر في الثوب والعبد من وجهين: تغيره في نفسه، ونزول أسواقه وزيادتها، وأنه لا يدري ما يشترى به، والغرر في رأس المال من وجه واحد، وهو أنه لا يدري ما يشترى به. وهذا غير مراعى، ولو روعي ذلك لم يصح رهن، وإنما الاختلاف في الغرر في العبد الآبق والبعير الشارد، والثمر الذي لم يبدُ صلاحه، أو يقول الحميل: لا أقضيك حتى يموت المحتمل به، أو حتى يقضيك فلان. ¬

_ (¬1) قوله: (الكفالة) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (رأس) ساقط من (ق 4).

باب فيمن أسلم في ثوب، ثم زاد المسلم إليه دراهم أو غيرها قبل الأجل، ليأخذ إذا حل الأجل غير تلكـ الصفة أو تلكـ الصفة ليكون أطول

باب فيمن أسلم في ثوب، ثم زاد المسلم إليه دراهم أو غيرها قبل الأجل، ليأخذ إذا حلَّ الأجل غير تلكـ الصفة أو تلكـ الصفة ليكون أطول ومن أسلم في ثوب ثم زاد المسلم المسلم إليه دراهم ليعطيه إذا حلَّ الأجل أصفق أو أرق أو أعرض - لم يجز، وهو فسخ دين في دين، ويجوز ذلك إذا حلَّ الأجل (¬1) وكان العرض الثاني حاضرًا، أو يقوما ليقبضه قبل الافتراق، وإن زاده قبل الأجل ليأخذ أطول وهو على الصفة في الجودة، جاز ذلك عند ابن القاسم (¬2). وقال سحنون: هو فسخ دين في دينٍ (¬3). والأول أصوب إذا كانت تلك الزيادة لا يرتفع لها ثمن الأول، ولا يزيد في ثمنه إلا على حساب ما زادت الأذرع التي أسلم فيها أخيرًا، وإن كان ذلك مما يرتفع له ثمن الأول، لم يجز. ويجوز مثل ذلك في الإجارة أن يزيده (¬4) ليجعله أطول، وإن كان في ذلك زيادة في الثمن؛ لأنَّ ثمن المنافع لا تتغير لذلك. ولو تغيرت الصفة وكانت الإجارة ليعمل له ثوبًا فنقله إلى عمل عمامة أو رداء - لم يجز، إذا كان العمل مضمونًا، ويختلف فيه إذا كان معينًا. ¬

_ (¬1) قوله: (الأجلُ) ساقط من (ب). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 114. (¬3) النوادر والزيادات: 6/ 365. (¬4) قوله: (أن يزيده) ساقط من (ب).

فصل [فيمن أقال من السلم بعد أن زاد فيه]

فصل [فيمن أقال من السَّلَم بعد أن زاد فيه] وإن أخذ بعد الأجل من السَّلَم (¬1) أدنى صفة واسترجع شيئًا من رأس ماله، جاز إذا كان رأس مال السَّلَم مما تعرف عينه، أو مما لا تعرف عينه ولم يغب عليه وشهدت البيِّنَة أنه عين ماله، وإلا لم يجز ودخله بيع وسلف. قال محمد: وإن نقد بعض الثمن، جاز أن يقيل مما نقد لا من بعضه، وأن يقيله مما لم ينقد ومن بعضه، ومما نقد ومما لم ينقد (¬2). وأرى إذا نقد نصف رأس المال أن تجوز الإقالة منه؛ لأنه يقبضه (¬3) ما لم ينقد ولا يعود إليه شيء، وإنما (¬4) يكون قصاصًا بما لم يقبض، ويجوز أن يقيله من نصف المقبوض فيقاصه به مما لم ينقد ويقبض الباقي، وإن كان الذي نقد أكثر من النصف باليسير، جاز، ولم يتهم. قال (¬5) ابن القاسم في كتاب محمد في بيع وسلف: إذا كان الذي يرجع الشيء اليسير، قاله في الذي باع نصف سلعة بطعام على أن يبيع له النصف الآخر، وضرب أجلًا فباع في بعض الأجل. ¬

_ (¬1) قوله: (وإن أخذ. . . من السَّلَم) يقابله في (ب): (وإن أخذ في المُسْلَم إليه. . . في الصفة). (¬2) قوله: (وأن يقيله. . . ومما لم ينقد) يقابله في (ت): (وأن يقيله. . . ومن بعضه)، وانظر: النوادر والزيادات: 6/ 51. (¬3) في (ب): (يقضيه). (¬4) قوله: (وإنما) ساقط من (ت). (¬5) قوله: (قال) ساقط من (ق 4).

فصل [فيمن أسلم في ثياب موصوفة بذراع رجل بعينه ونحو ذلكـ]

فصل [فيمن أسْلَم في ثياب موصوفة بذراع رجل بعينه ونحو ذلكـ] وقال ابن القاسم في من أَسْلَم في ثوب بذراع رجل بعينه إلى أجل: لا بأس به إذا أراه الذراع، ويأخذ قياس ذراعه عنده، وقال مالك في من أَسْلَم في ويبة (¬1) وحفْنة بدرهم (¬2): لا بأس به إذا أراه الحفنة (¬3). يريد إذا كان البيع ويبة أو ويبتين وما قلَّ فإن كثر لم يجز؛ لأن الغرر يكثر ولا ضرورة بهما إلى (¬4) أن يجعلا كيل ذلك بالحفنة، وليجعلا جميع ذلك ويبة أو جزءًا من الويبة. وقال في من أسلم في ثوب حرير لم يكن عليه أن يشترط وزنه (¬5). وقال ابن حبيب: إن اشترط الوزن مع الصفة والذَّرْع (¬6) فجائز، وإن لم يفعل فجائز، وإن أراه المثل الذي يأخذ عليه فلا بأس. ¬

_ (¬1) الويبة: أربعة أرباع، وقيل: عشرون مُدًّا. انظر: مشارق الأنوار على صحاح الآثار، لعياض، ص: 376. (¬2) قوله: (بدرهم) ساقط من (ب). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 115. (¬4) في (ب) و (ت): (إلا). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 115. (¬6) في (ت): (الذراع).

باب في الإقالة في الطعام والثياب والعبيد

باب في الإقالة في الطعام والثياب والعبيد إقالة الطعام تجوز قبل قبضه على عين رأس المال وعلى مثله إذا كان رأس المال عينًا دنانير أو دراهم، وإن كان رأس المال (¬1) عَرْضًا أو عبدًا، أو ما يقضى فيه بالقيمة، جازت الإقالة على عينه إذا لم يتغير في نقصه، ولم يجز على مثله ولا على قيمته. واختلف إذا كان رأس المال شيئًا (¬2) مما يكال أو يوزن: فقال ابن القاسم في كتاب محمد: لا (¬3) تجوز الإقالة على مثله ولا تولية (¬4) بمثله. وأجازه أشهب في المجموعة (¬5). وهو أحسن، إذا كان المثل مما لا تختلف فيه الأغراض في الغالب، كالحديد والنحاس والرصاص وما أشبهها. وإن كان مما يتحصل فيه المثل كالكتان وما أشبهه، لم يجز. وإن كان رأس المال تبرًا أو ذهبًا مكسورًا أو نقرة (¬6) فضة، فيسأل عنه أهل المعرفة، فإن قيل: إنه يقطع، أن هذا مثل الأول، جازت الإقالة، وإن قيل: إنه ¬

_ (¬1) قوله: (عينًا دنانير. . . رأس المال) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (شيئًا) ساقط من (ب). (¬3) قوله: (لا) ساقط من (ب). (¬4) في (ب): (يوليه). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 46. (¬6) في (ب): (نقر).

لا يحاط بمعرفة ذلك، لم يجز. وقال مالك في كتاب محمد: ولا تقيل (¬1) من طعام غائب عنك (¬2) ويدخله الدَّيْن بالدَّيْن، ولا توليه (¬3) لأحد، وفي الواضحة: ولا يشرك فيه (¬4). وأما الإقالة فيستوي فيها الطعام والعُرُوض، وقد منع مالك ذلك في العروض إذا اشترى سلعة غائبة أن يقيل منها، وقال: أراه من الدَّيْن بالدَّيْن (¬5). وأجازه أشهب (¬6)، وقاله يحيى بن عمر قال: لأن ذمم هذين تبرأ ولا تنعقد. وعلى هذا تجوز الإقالة من الطعام وإن كان غائبًا. ويختلف في الشركة والتولية إذا كان الثمن الأول مؤخرًا إلى أن يقبض الطعام؛ لأن الذمم تختلف فيها الأغراض كالعُرُوض. وقد اختلف في من اشترى طعامًا حاضرًا بثمن مؤجل ثم أشرك فيه عبده (¬7) أو ولاه قبل الأجل، فأجاز ذلك ابن القاسم في المدونة (¬8). ومنعه ابن القاسم وأشهب في كتاب محمد (¬9). ¬

_ (¬1) في (ب): (يقيل). (¬2) في (ب): (عنها). (¬3) في (ب): (يوليه). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 47. (¬5) انظر: المدونة: 3/ 262. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 46. (¬7) قوله: (عبده) ساقط من (ق 4) و (ت). (¬8) انظر: المدونة: 3/ 18. (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 46.

فصل [في ما يمنع من الإقالة في السلم]

وقال أشهب: لا يصلح فيه إلا الإقالة وحدها، قال: وهو بمنزلة من وجب له طعام من إجارة أو اشتراه بعَرْض، فإنه لا (¬1) تصلح فيه إلا (¬2) الإقالة ما لم يفت العَرْض أو يعمل الأجير (¬3). قال ابن حبيب: لأن الذمم تختلف، فليس ذمته وذمة الذي أشركه أو ولاه سواء، ولا بد أن يكون أحدهما أملى أو أعدم. قال: ولو بيع الغائب بالنقد؛ لأنه قريب الغيبة (¬4) لجازت التولية فيه والشرك، ولا يدخله فسخ دَيْنٍ في دَيْنٍ، ولا بيع الطعام قبل قبضه (¬5). فصل [في ما يمنع من الإقالة في السَّلَم] حوالة الأسواق في رأس المال إذا كان رأس المال ثوبًا أو عبْدًا لا يمنع الإقالة، وإن تغير في نفسه بزيادة أو نقص، لم يجز. والسَّمَانة بعد الهزال والهزال بعد السَّمَانة في الدواب فوت يمنع الإقالة، واختلف في مثل ذلك في الجواري، فلم يره في المدونة فوتًا (¬6). وقال ابن حبيب: الهزال البَيِّن بعد السَّمَانة، والسَّمَانة البَيِّنَة بعد الهزال البين في الجواري فوت، إذا ظهر على عيب يوجب له الرجوع بقيمة العيب (¬7). ¬

_ (¬1) قوله: (لا) ساقط من (ت) و (ب). (¬2) قوله: (إلا) ساقط من (ت) و (ب). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 48. (¬4) في (ت): (القيمة). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 48. (¬6) انظر: المدونة: 3/ 117. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 282.

فعلى هذا يكون ها هنا فوتًا ويمنع الإقالة. وأرى أن ينظر إلى ما يقوله أهل المعرفة بقيمة الرقيق، فإن قالوا: إنما انتقل إليه من سِمَن (¬1) أو هزال ينتقل ثمنه لم تجز الإقالة، وإن لم ينقل ثمنه لم تمنع الإقالة. واختلف في الحيوان إذا طالت مدته الشهرين والثلاثة: فقال ها هنا: ليس بفوت (¬2). وقال في كتاب البيوع الفاسدة: ذلك فوت وحمله على التغيير (¬3). والأول أحسن؛ لأنه يصح أن تمضي له مثل هذه المدة ولا يتغير، فكان حمله على ما كان عليه حتى يعلم غيره أو لا. واختلف في من أسلم عشرة دنانير في طعام، ثم زاد المُسْلِم المُسْلَم إليه دينارًا، ثم ولي ذلك الطعام، فقال محمد مرة: يوليه على أحد عشر دينارًا، ومرة قال: لا تجوز فيه تولية بحال (¬4). والأول أحسن؛ لأنَّ الدينار ألحقه بالثمن، ولو كان ذلك في سلعة ثم استحقت لرجع بأحد عشر. وقال في من أسلم في طعام بحميل أو رهن فولاه رجلًا على إن أسقط الحمالة، لم يجز، وإن أسقط ذلك قبل ثم ولاه، جاز، إذا تبين أنه أسقط ذلك عن بائعه (¬5). ¬

_ (¬1) في (ب): (سمان). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 117. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 185. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 52. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 52.

بخلاف الزيادة إذا أسقطت؛ لأنَّ الثمن ها هنا على حاله، وإنما أسقط ما كان من التوثق وليس ذلك بثمن. وقال مالك في كتاب محمد في من أسلم في أصناف تمر: فلا بأس أن يولي صنفًا منها بما ينوبه (¬1). ويجوز على قوله الإقالة والشرك في كل صنف بما ينوبه. وأجاز في المجموعة لمن أَسْلَم في طعام: قمح وشعير وعدس أن يولي صنفًا منها بما ينوبه (¬2). واختلف في من أسلم ثوبين في طعام فأقال من أحدهما بما ينوبه: فأجازه ابن القاسم في العتبية (¬3). ومنعه سحنون في المجموعة، وقال: أخاف أن يكون بيع الطعام قبل قبضه؛ لأنَّ الغلط يدخل في التقويم (¬4)، وقد كره ابن القاسم بيع أحدهما مرابحة إذا اُشتريا في صفقة واحدة (¬5). فعلى هذا لا تجوز الإقالة ولا التولية في أحد أصناف الطعام. وإن أقال من نصف الطعام جاز قولًا واحدًا، ويسقط من السَّلَم من كل صنف نصفه، ويكون كل ثوب بينهما نصفين، بخلاف الإقالة على أحد الثوبين. وأجاز مالك لمن أسلم عبْدًا أو ثوبًا في طعام أن يقيل من نصفه، وليس ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 49 (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 136. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 72. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 47. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 47.

فصل [في مسائل في السلم والإقالة منه والتولية]

بالبَيِّن؛ لأنَّ الشرك (¬1) عيب. فصل [في مسائل في السَّلَم والإقالة منه والتولية] وقال مالك: إن أسلم رجلان إلى رجل في طعام، جاز لأحدهما أن يقيل من نصيبه، أو يوليه، قال: (¬2) وليس للشريك على شريكه في ذلك حجة، وإنما الحجة فيما بين الشريك والبائع (¬3). وقال سحنون: لا يجوز إلا بإذن شريكه في ذلك (¬4)؛ لأنه لا يجوز أن يتقاضى دون شريكه (¬5). والأول أحسن؛ لأنَّ الشركة تضمنت عنده ألا يقتضي أحدهما دون الآخر، ولم يتضمن ألا يقيل؛ لأنها حل بيع. وأجاز التولية ولم يرَ للشريك حجة في ذلك. وقال مالك (¬6): إذا باع أحد الشريكين كان لشريكه أن يدخل في الثمن (¬7). والأول أحسن؛ لأنه إنما باع نصيبًا شائعًا هو له. وإن أسلم رجل إلى رجلين جاز أن يقيل أحدهما، إلا أن يكون أحدهما ¬

_ (¬1) في (ب): (الشركة). (¬2) قوله: (قال) ساقط من (ق 4). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 118. (¬4) قوله: (في ذلك) زيادة من (ق 4). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 624. (¬6) في (ت): (محمد). (¬7) انظر: المدونة: 3/ 118.

حميلًا بما على صاحبه، وله أن يولي وإن كان حميلين. وقال أشهب في المجموعة في من أسلم إلى رجل في طعام فولَّى نصفه، جاز لكل واحد منهما أن يقيل من جميع نصفه لا من بعضه، أو يقيلاه، قال: (¬1) وإن أَسْلَم رجلان إلى رجل فولى أحدهما رجلين أو وهبهما أو ورثاه، جاز لكل واحد أن يقيل البائع من جميع ما صار له لا من بعضه، أو يقيلاه (¬2). والقياس في هذين الموضعين الجواز؛ لأنَّ المولي لم يكن بينه وبين المسلم إليه معاملة، وقد حمله على البراءة من التهمة؛ لأنه أجاز أن يقيله من جميع نصيبه، فلو حملهما على التهمة، لم تجز الإقالة؛ لأنَّ المسلم إليه قبض دينارين (¬3) ثم رد أحدهما بعد أن انتفع به، فإذا جاز أن يرد دينارًا جاز أن يرد نصف دينار، وكذلك إذا أَسْلَم رجلان إلى رجل فولَّى أحدهما من بعض نصيبه فينبغي أن يكون جائزًا، ولو كانت الإقالة من البعض بين الأول والثاني لم يصح؛ لأنه دفع شيئًا ثم استرجع بعضه. وإن أسلم رجل إلى رجل في طعام ثم مات المسلم، جاز على قوله (¬4) إقالة بعض الورثة من جميع نصيبه لا من بعضه. والقياس أن تجوز إقالة الوارث من البعض؛ لأن التهمة في بيع وسلف فيما بين المسلم إليه والميت دون ورثته، ولو كان ورثته في ذلك بمثابته، لم يجز أن يقيل أحد الورثة من جميع نصيبه. ¬

_ (¬1) قوله: (قال) ساقط من (ق 4). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 48. (¬3) في (ت): (الدنانير). (¬4) أي على قول أشهب السابق.

فصل [في الإقالة في بيع العبيد بعد وجود عيب فيهم]

وقال ابن القاسم في كتاب محمد: إن حلَّ الأجل ثم قبض المسلم بعض الطعام، لم يجز أن يولي ما قبض وما لم يقبض، ولا مما يقبض وحده. وأجاز في العتبية التولية مما لم يقبض، وقاله ابن حبيب (¬1). وهو أصوب ولا وجه للمنع؛ لأنه موصوف مضمون في الذمة، فالذي ينوب المقبوض والباقي سواء، وكذلك الشريك إن أشرك فيما قبض، وما لم يقبض، لم يجز. ويختلف (¬2) إذا أشرك فيما لم يقبض وحده، ولا يصلح أن يقيل مما قبض ويدخله بيع وسلف، إلا أن يكون رأس المال شيئًا معينًا، ولا يصلح أن يقيل من الجميع مما قبض ومما لم يقبض. قال مالك: إلا أن يكون المقبوض يسيرًا كالخمسة والعشرة من المائة (¬3). فصل [في الإقالة في بيع العبيد بعد وجود عيب فيهم] ومن باع عبْدًا بثوب فأصاب العبدَ عيبٌ ثم تقايلا، فإن علم بالعيب صحت الإقالة، وإن لم يعلم كان بالخيار بين القبول والرد. وإن هلك العبد ثم تقايلا ولم يعلم بائع العبد بهلاكه، لم تلزم الإقالة، وإن علم وأقاله على قيمته، لم يجز، إلا أن يكونا قد علما القيمة. وإن أقاله على مثله، جازت الإقالة إذا كان المثل موجودًا في ملك مشتري ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 50. (¬2) في (ب): (واختلف). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 50.

العبد، وسواء كان المثل حاضرًا أو غائبًا عن البلد، فإن لم يكن في ملكه جاز على أحد القولين في مسألة المرابحة إذا اشترى بعَرْض فباع على مثله، وعلى القول بجواز السَّلَم على الحلول أو إلى يوم أو يومين. ولو أقاله على أن يأخذ المثل إلى مئل آجال السَّلَم، جاز؛ لأن البيع كان على معينين فلا يدخله فسخ الدَّيْن في الدَّيْن، وإن حدث العيب بالعبد أو هلك بعد الإقالة كانت مصيبته من بائعه على القول أن الإقالة حلُّ بيع. ويختلف على القول إنها ابتداء بيع، هل تكون مصيبته ممن هو في يده أو ممن يرجع إليه قياسًا على الاختلاف في المحبوسة بالثمن؛ لأن لمن بيده العبد أن يحبسه حتى يقبض الثوب، ولو كان ذلك سَلَمًا أسلم عبْدًا في ثوب جرى الجواب على ما تقدم، إلا أنه إن كانت الإقالة على المثل لم تجز، إلا أن يكون المثل في ملكه حاضرًا بين أيديهم أو يقوما لقبضه، وإلا كان دينًا بدَيْن. ومن أسلَم في بلده وأقال بغيره جازت الإقالة، على أن يأخذ المثل في البلد الذي أقال فيه بالحضرة، وإن أقاله على أن يؤخر قبض المثل إلى البلد الذي أَسلَم فيه لم يجز، وكان دَيْنًا بدَيْن، ولو كان السَّلَم في طعام أسلم شيئًا مما يقضى فيه بالمثل فلقيه بغير بلد السَّلَم، لم تجز الإقالة بحال؛ لأن الإقالة على أن يتعجل المثل بموضع لقيه يدخله بيع الطعام قبل قبضه؛ لأن ثمن ذلك في البلد أن يختلف، والإقالة على أن يؤخر القبض للبلد الذي كان أَسلَم فيه يدخله دَيْن بِدَيْن.

فصل [في ضمان الطعام المقال منه بعد قبضه أو توليته أو الإشراك فيه]

فصل [في ضمان الطعام المقال منه بعد قبضه أو توليته أو الإشراك فيه] ومن أقال من طعام ابتاعه بعد قبضه أو ولاه أو أشرك فيه، وكل ذلك قبل أن يغيب عليه لم يكن على كل (¬1) من كان في يده أن يكيله، وإن غاب عليه كان عليه أن يكيله في الإقالة والتولية. واختلف في الشركة: فلم ير مالك عليه أن يكيله، فقال في من اشترى طعامًا واكتاله في سفينة، ثم أتاه رجل فقال: أشركني فيه ففعل فغرقت السفينة قبل أن يقاسمه، قال: هلاكه منهما جميعًا (¬2). وقال فضل بن سلمة: ينبغي أن تكون المصيبة من المشرك كالتولية، قال: ووجدت في بعض الكتب لسحنون قال: هذه مسألة سوء. وقول مالك أصوب؛ لأن الشرك (¬3) يقتضي أن يكون له جزء: نصفٌ أو ثلثٌ أو ربعٌ، فهو بنفس القبول يكون شريكًا، إلا أن يدعو إلى المقاسمة. وقال ابن حبيب في من أقال من طعام باعه فضاع بعد الإقالة: فضمانه من المقيل بائع الطعام إذا لم يغب عليه مشتريه، وإن كان قد اكتاله وغاب عليه كان ضمانه من المبتاع، حتى يكيله للبائع، وإن ولى الطعام كان ضمانه من المُولي حتى يكتاله المولى غاب عليه أو لم يغب حتى ضاع، إذا كان المولى قد اكتاله من البائع ¬

_ (¬1) قوله: (كل) زيادة من (ق 4). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 128. (¬3) في (ب): (الشريك).

الأول، إلا أن يوليه ذلك على التصديق، وجعل الجواب في الشركة مثل ما في المدونة؛ لأنه لا يحتاج إلى كيل. وأرى ألا يكون على الولى كيل إذا لم يغب عليه مشتريه؛ لأن المشتري يقول أنت قد عاينت كيله، فإن كان على الوفاء فهو حقي على البائع مني، وإن كان فيه بخس فقد رضيته لنفسي ودخلت عليه أنت، بمنزلة لو اشتريت سلعة فاطلعت فيها على عيب، ثم وليتها وأنت عالم بالعيب. وقال ابن القاسم في من أسلم دنانير ثم أقال عنها وهي حاضرة بيد المُسْلَم إليه، فأراد المُسْلَم إليه أن يعطى غيرها، فقال المُسْلِم: لا أجد غيرها - كان القول قول المُسْلَم إليه، وله أن يعطى غيرها (¬1). وقال سحنون: ليس له أن يحبسها ويعطى غيرها وهو أقيس؛ لأنها بنفس الإقالة ملك للأول، فلا يجبر على أن يأخذ غيرها، وتكون مصيبتها على قوله من الأول. وعلى قول ابن القاسم تكون مصيبتها ممن هي في يده حتى يسلمها. تم كتاب السلم الثاني من التبصرة (¬2)، والحمد لله حق حمده ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 119. (¬2) قوله: (من التبصرة) زيادة من (ت).

كتاب السلم الثالث

كتاب السلم الثالث النسخ المقابل عليها 1 - (ب) = نسخة برلين رقم (3144) 2 - (ت) = نسخة تازة رقم (234 & 243)

باب في إقالة المريض من السلم

وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كتاب السلم الثالث باب في إقالة المريض من السلم وقال ابن القاسم فيمن أسلم مائة درهم في مائة إردب قيمتها مائتا درهم، ثم أقال منها في مرضه ولا مال له غيرها: يخير الورثة بين أن يجيزوا الإقالة، أو يقطعوا له بثلث ما عليه من الطعام ويأخذوا ثلثيه، وإن كان الثلث يحمل جميعه جاز ذلك وتمت وصيته، وإن لم يكن فيه محاباة فالإقالة جائزة (¬1). وقال سحنون: لا تجوز إقالة المريض إذا كان فيها محاباة؛ لأن فعل المريض موقوف لبعد الموت (¬2). قال أبو بكر ابن اللباد: لعل ابن القاسم أراد أن المريض مات مكانه (¬3). قال: ولو قيل: تفسخ الإقالة ما لم يمت، فإذا مات صارت ضرورة، كمن أقال وهرب بعد (¬4) فقد قالوا: تصح الإقالة (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 122. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 51، 52. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 51. (¬4) قوله: (بعد) ساقط من (ت). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 52.

قال الشيخ -رحمه الله-: الإقالة على وجهين: على البت، ووصية لبعد الموت، فإذا كانت على البت، وتناجزا وتقابضا جهلًا منهما بما توجبه الأحكام من حق الورثة، أو كانا عالمين بما للورثة في ذلك من الحق، وتقابضا على وجه الافتيات على الورثة، وعلم الورثة بذلك بعد الموت - كانت الإقالة جائزة. وعلى هذا يُخَرَّج كلام ابن القاسم؛ لأن المسألة تتعلق بحق الله (¬1) سبحانه وهو (¬2) قوله: (تتعلق بحق الله) المناجزة، وقد كانت وتقدمت، والمقال الآن لحق آدمي وهم الورثة، ولا يقال فيما يراد لحق آدمي: إنه فاسد، والورثة بالخيار بين أن يسقطوا مقالهم فتمضي الإقالة أو يردوها، إلا أن يحملها الثلث. وإن علم الورثة في الحياة فأجازوا، مضت الإقالة، وقد قيل في الأصل: إنه لا ينظر إلى إجازتهم وأن للحاكم أن يفسخ ذلك، لإمكان أن يكون الوارث غير من أجاز. والأول أحسن؛ لأن هذا من النادر أن يموت الصحيح في حياة موروثهم الذي أشرف على الموت، فإن أرادوا الفسخ بأنفسهم الآن كان ذلك لهم، والفسخ إلى الحاكم إذا رفعوا ذلك إليه، فإن فسخوا بأنفسهم من غير حاكم كان ذلك على قولين، هل ذلك فسخ أم لا؟ وإن لم يفسخوه وقالوا لهما: رُدَّا الإقالة، فلم يفعلا حتى وقع الموت، مضت الإقالة إذا كان الثلث يحمل المحاباة. والوصية بالإقالة على ثلاثة أوجه: جائزة, وممنوعة، ومختلف فيها بالجواز والمنع. ¬

_ (¬1) في (ب): (يتعلق بها حق لله). (¬2) في (ت): (وهي).

فإن كانت الوصية إلى الورثة وقد وكلهم على أن يقيلوه كانت جائزة. وإن كانت من الميت، فقال: إذا مت فقد أقلته وأوجب (¬1) ذلك له، كانت فاسدة، عَاقَدَهُ على ذلك المُسْلَمُ إليه أم لا. وإن لم يوجب الإقالة كان فيها قولان: الإجازة والمنع، فأجاز في الكتاب الوصية (¬2). وحكى ابن حبيب فيمن صرف ذهبًا بورق في مرضه وحابى أو وصى (¬3) أن يصرف منه، وفيه (¬4) محاباة أو لا محاباة فيه أن ذلك جائز، قيل: وإن كان ينظر في ذلك بعد الموت، قال: قد قال قائل ذلك حرام للتأخير، قال: ولا أراه إلا حلالا؛ لأنه لم يرد التأخير (¬5). وقد جمع ابن حبيب في هذا السؤال بين البت والوصية، وأجاز ذلك في الجميع، ومحمله في البت على أنهما تناجزا. والحكم في الإقالة والصرف سواء، وكذلك النكاح: لا يجوز على الوقف. وإن أوصى أن تزوج ابنته من فلان جاز، وإن أوجب هو ذلك ليكون تمامه بعد الموت لم يجز، وإن قال: إذا مت فقد زوجت ابنتي وكان الخيار ما بينه وبين أن يموت كانت على قولين، وقد مضى ذلك في كتاب النكاح الأول. وإذا كانت الإقالة على البت كانت المحاباة في الثلث وحده خاصة، وإذا ¬

_ (¬1) في (ت): (وأوجبت). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 122. (¬3) قوله: (أو وصى) ساقط من (ب). (¬4) في (ب): (وهو فيه). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 374.

الإقالة كانت على الوصية لبعد الموت، كان في الثلث جميع السلم، لمحاباته (¬1). والفرق بينهما أن المريض غير ممنوع من البيع، وممنوع من الهبة، فإذا جمع عقد واحد بيعًا وهبة، مضى البيع، وكانت الهبة وحدها في الثلث، وإذا أخر البيع لبعد الموت، كان الورثة مالكين للثلثين بنفس الموت، فلم يكن له أن يبيع ذلك عليهم وإن استوفى الثمن. ولم ير ابن القاسم أن يمضي من ذلك ما لا محاباة فيه كالعروض؛ لأن ذلك بيع الطعام قبل استيفائه، والمنع في ذلك شرعٌ لا لِتهمةٍ (¬2). ولو كان المسلم إليه هو المريض فأقال من السلم ولا شيء له سوى رأس المال، ولم يُجِزِ الورثة، وقيمة السلم يوم أقال أقلّ، فإن لم يجز الورثة اشترى من تلك الدراهم الطعام الذي عليه فقضى عنه، فما فضل بعد قضاء دينه كان للمسلم ثلثه، ولا يدخل في هذا بيع الطعام قبل استيفائه. ¬

_ (¬1) في (ت): (لمحاباة). (¬2) في (ب): (للتهمة).

باب إذا أسلم جارية في طعام فولدت ثم أقال منها

باب إذا أسلم جارية في طعام فولدت ثم أقال منها وإذا أسلم جارية في طعام فولدت عند المسلم إليه ثم أقال منها امتنعت (¬1) الإقالة؛ لأنه إن كانت الإقالة على أن يرد الولد معها كان ذلك زيادة، وإن كان (¬2) على أن يحبسه كان نقصانًا (¬3)؛ لأن كونها ذات ولد عيب يوجب الرد لمن اشترى أمة ولم يعلم. وإن اشترط أن يبقى له ويكون الولد (¬4) في حضانتها، فذلك أنقص لثمنها ويدخله التفرقة، وإن مات الولد وكانت حاملًا به حين أسلمت لم تجز الإقالة؛ لأنها كانت ذات عيب فذهب العيب. وكذلك إن حدث عند المشتري مِنْ زنًا أو من زَوْجٍ زوجها المسلم إليه لم تجز الإقالة؛ لأن الزنا والتزويج عيب. وإن كانت حين ولدت ذات زوج فولدت ثم مات الولد وتعالت من نفاسها جازت الإقالة. ¬

_ (¬1) في (ب): (سقطت). (¬2) قوله: (إن كان) ساقط من (ت). (¬3) قوله: (كان نقصانًا) في (ت): (نقص). (¬4) قوله: (الولد) ساقط من (ت).

باب إذا أسلم غنما أو نخلا أو دورا في طعام

باب إذا أسلم غنمًا أو نخلًا أو دورًا في طعام قال ابن القاسم: إن أسلم غنمًا أو دارًا أو نخلًا في طعام فأكل من لبنها أو من تمرها وأخذ كراء الدور، فلا بأس بالإقالة بعد ذلك. وهذا الذي قاله صحيح؛ لأن أخذ الغلة لا يمنع الإقالة إذا كان الأصل لم يتغير، فأخذ اللبن غلة، وسواء كانت في حين السلم ذات لبن أو حدث بَعْدُ. وأما الصوف فلا تجوز الإقالة بعد جَزِّهِ؛ لأنه إن كان عليها في حين السلم فجزه كانت الإقالة على أقل من رأس المال، إلا أن يسلمه معها إذا كان قائمًا، أو يحط ما ينوبه من الطعام إذا كان فائتًا، وإن حدث الصوف عنده فجزه لم تجز الإقالة؛ لأن الشاة تتغير في مثل تلك المدة. وإن أسلم نخلًا لا تَمْرَ فيها فأقاله، وفيها تمر مأبور أو مُزْهٍ، جازت الإقالة والثمرة للمسلم إليه، ويؤخذ بجذاذها بالحضرة؛ لأن إطلاق الإقالة يقتضي رجوع الأصل على هيئة ما قبضت عليه، وليس ذلك بمنزلة بيعها ابتداءً؛ لأن الثمر على أنه لا تعلق له (¬1) فيها أفضل منه إذا كان على أن هناك حقًا في الدخول والخروج والتصرف (¬2) لأجل الثمار، فكان عليه رد الشيء على صفته، لا عيب فيها على ما كانت أسلمت (¬3) عليه. وإن أسلمها وفيها ثمار غير مأبورة كان السلم فاسدًا إلا أن يشترطها ربها على الجذاذ، وإن كانت مأبورة أو مزهية كان السلم جائزًا إلا أن يستثنيها ¬

_ (¬1) قوله: (له) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (والتصرف) ساقط من (ت). (¬3) في (ت): (أسلفت).

مشتري الأصول، فيفسد عند ابن القاسم؛ لأنها وإن كانت في حين السلم علفًا غير طعام فإنه يراعى ما تؤول إليه في المستقبل، وأجاز ذلك ابن مسلمة (¬1) إذا لم تزه، قال: لأنها غير مقصودة، وأجازها سحنون في السليمانية، وإن طابت، قال: هو بمنزلة العبد يباع ويستثنى ماله، فلا بأس به نقدًا أو إلى أجل؛ لأن ماله ملغىً، قال: وكذلك يقول بعض أصحابنا، وكذلك السيف المحلى بالفضة تبعٌ له. وإذا كان السلم جائزًا على قول ابن مسلمة ثم تقايلا بعد أن انتقلت الثمرة إلى الإبار، أو كانت مأبورة فأزهت- لم تجز الإقالة؛ لأنها على أحد ثلاثة أحوال: (¬2) إما أن يتقايلا على أن يسلما الثمار مع الأصول، فهي إقالة على أكثر من رأس المال، أو على أن تبقى لمشتريها، فهي إقالة على أقل من رأس المال، أو على أن يبقى ما (¬3) ينوبها من الثمن فتفسد؛ لأنهما يتهمان أن يكونا عَمِلا على ذلك في أصل العقد، فيكون بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها. ولو عقدا على الثمرة وهي مزهية على قول سحنون، ثم انتقلت إلى اليبس لم تجز الإقالة لهذه الوجوه التي تقدمت، وإذا كانت الإقالة على أن تبقى بما ينوبها كانت التهمة على بيع طعام بطعام ليس يدًا بيد. وإذا أسلم عبدًا في طعام فاستدان العبد دينًا، ثم أقال من ثمن الطعام، لم تجز الإقالة، إلا أن يقضي ذلك عنه سيده، أو يسقطه عنه صاحب الدين، فتجوز الإقالة، إلا أن يكون استدان ذلك بغير إذن مشتريه (¬4)، أو يكون تداين ¬

_ (¬1) في (ب): (سلمة). (¬2) في (ب): (أمور). (¬3) قوله: (يبقى ما) يقابله في (ب): (يتقايلا بما)، وفي هامشها كتب في نسخة (يبقى). (¬4) في (ت): (سيده).

في فساد، فلا تجوز الإقالة وإن أسقط عنه الدين. وإذا أسلم دراهم في طعام، ثم تقايلا، وأخذ عن الدراهم دنانير- لم تجز الإقالة؛ لأنهما يتهمان أن يكونا عَمِلا على ذلك، فيكون صرفًا مستأخرًا. وإن أخذ عن الدراهم عرضًا، لم يجز ذلك (¬1) عند مالك، خيفة أن تكون الإقالة في الباطن على ذلك العرض، ويجوز على أصل أشهب؛ لأن التهمة حينئذ (¬2) ليست على شيء كان في أصل العقد، وإنما ينبغي أن يكون بيع الطعام قبل قبضه. وقد أجاز أن يعطي الغريم لمن له السلم أقل من رأس المال ليشتري به طعامًا لنفسه، ولم يتهمهما أن يكونا عَمِلا على ذلك فيدخله بيع الطعام قبل قبضه. وفرق بين الموضعين: فيمنع ما أدى إلى تهمة في أصل العقد؛ لأنها بيعة أجل، وبياعات الأجل مما يتهم الناس عليها، وإذا سَلِمَ (¬3) العقد من التهمة لم يمنع فيما يكون بعد؛ لأنها من بياعات النقود، ولا يتهم فيها إلا أهل العينة. ¬

_ (¬1) قوله: (ذلك) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (حينئذ) ساقط من (ب). (¬3) في (ت): (أسلم).

باب في التأخير في الإقالة والتولية ورأس مال السلم

باب في التأخير في الإقالة والتولية ورأس مال السلم وقال ابن القاسم: قال مالك فيمن أسلم في طعام أو عروض، فأقال من ذلك أو ولَّى ذلك رجلًا، أو باع السلم إن كان مما يجوز بيعه، قال مالك: لا يجوز أن يؤخره ساعة ولا يفترقان حتى تقبض ذلك من الذي وليت أو من صاحبك الذي أقلت، أو من الذي بعت، وإلا صار دينا بدين، وكذلك الصرف لا يجوز أن يفترقا قبل القبض، كذلك هذا (¬1). قال الشيخ -رحمه الله-: والمعروف من المذهب أن الأمر في الإقالة أوسع من الصرف، وأنه تجوز المفارقة في الإقالة ليأتي بالثمن من البيت، أو ما قارب ذلك، والتولية وبيع الدين أوسع من الإقالة؛ لأنه لا يجوز تأخير الإقالة اليومين والثلاثة بشرط بغير خلاف، واختلف في التولية هل يجوز مثل ذلك في التولية وبيع الدين. واختلف في الإقالة إذا وقع التراخي فيها بغير شرط على ثلاثة أقوال: فمنعه في المدونة، ورءاه دينًا بدين (¬2). وقال مالك في كتاب محمد: بل يتبعه بالدنانير ولا يرجع في الطعام (¬3)، قيل له: إن المشتري يقول: إن الإقالة لا تصلح مستأخرة فأنا أرجع في طعامي، قال: ليس ذلك له. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 123، 124. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 124. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 46.

وقال أشهب: إذا كانا من أهل العينة، فسخت الإقالة، وإن لم يكونا كذلك ولا عملا عليها رأيت أن يلح عليه حتى يأخذ (¬1). وهذا تفسير لقول مالك. فإن كانت تهمة فسخت الإقالة، وإن قام دليل على عدم التهمة؛ لأن ذلك كان لسفر حدث، أو لأنه حبس، أو كان من أهل الدين والثقة، بحيث لا يتهمان، مضت الإقالة، وإن لم يكن دليل تهمة (¬2) ولا براءة، كان هو موضع الخلاف المتقدم. والإقالة من العروض والطعام سواء، فإن كان رأس المال عينًا في الذمة، لم تجز الإقالة إلا على المناجزة، وإن كان السلم في الطعام، وكانا شَرَطَا تأخير رأس المال ثلاثة أيام، لم يجز تأخير الإقالة إلى مثل ذلك، وجازت إذا تناجزا، ولا يراعى ما كان من تأخير الثمن عند بائع الدنانير. ولو أسلم رجل دنانير في طعام إلى سنة ثم أقال منها عند تمام السنة لجاز، وإن كان ذلك في معنى من أقال في أقل من رأس المال؛ لأن المسلم لها قد خسر انتفاع الآخر بها إلى (¬3) سنة، وإذا لم يراع ذلك كان أحرى ألا يراعى انتفاع بائعها بها قبل أن يسلمها. ولو أسلم رجل عبدًا في ثياب على أن يدفع العبد بعد يومين، ثم أسلمه، ثم أقال من تلك الثياب، ليسلم (¬4) العبد بالحضرة بمجرد الإقالة، ولم يكن لمن ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 138. (¬2) قوله: (تهمة) ساقط من (ت). (¬3) قوله: (إلى) ساقط من (ت). (¬4) في (ب): (لا يسلم).

فصل [في حكم التراخي في الإقالة في السلم إذا كان رأس المال شيئا معينا أو طعاما أو عروضا]

كان في يده أن يقول يبقى في يدي يومين كالأول. فصل [في حكم التراخي في الإقالة في السلم إذا كان رأس المال شيئا معينًا أو طعامًا أو عروضًا] وإن كان رأس المال شيئًا معينًا -عبدًا أو ثوبًا- وأقاله على ألا يقضيه إلا إلى يوم أو يومين، لم يجز ذلك في الطعام، ويدخله بيع الطعام قبل قبضه. ويختلف فيه إذا كان السلم في عروض: فيمنع على قول ابن القاسم، ويدخله عنده فسخ الدين بالدين. ويجوز على قول أشهب؛ لأنه أجاز أن يأخذ من دين سلعة غائبة وتمرًا لاستجذاذه (¬1). وإن كان حاضرًا فأمكنه منه فقام وتركه، جاز ذلك، وهو وديعة عنده، وإن أمسكه حتى يشهد بالإقالة (¬2) وسقوط السلم، لم تفسد الإقالة على القول بأن المصيبة فيه من بائعه الأول، وعلى القول الأول (¬3) أنه ممن هو في يده (¬4) يعود الخلاف المتقدم. وأن يجوز أحسن؛ لأنه إن أخذ بظاهر النهي عن فسخ دين في دين، قيل: هذا معين ليس بدين، وإن أخذ بالقول أنه معلل وأنه (¬5) لئلا يزيد في الثمن ¬

_ (¬1) في (ت): (لاستجذاذه استيناء) (¬2) قوله: (يشهد بالإقالة) في (ت): (شهد الإقالة). (¬3) قوله: (الأول) ساقط من (ت). (¬4) في (ت): (يديه). (¬5) قوله: (وأنه) ساقط من (ب).

فصل [في التأخير اليسير عقد السلم]

لمكان الصبر، جاز. هذا أيضًا لأنه لا يزيده في الثمن لمكان حبسه في الثمن عنه حتى يشهد، وقد أجاز أن يأخذ من دين طعامًا يكثر كيله وتتراخى المناجزة فيه، لما كانت العادة أنه لا يختلف الثمن فيما يقبض من ساعته، أو يكون التراخي لأجل كثرة (¬1) كيله. فصل [في التأخير اليسير عقد السلم] واختلف في التأخير في بيع الدين: فمنع ذلك في المدونة إلا على المناجزة (¬2). وقال محمد: يجوز تأخيره اليوم واليومين والإقالة غير هذا (¬3). وهو أصوب، ولا فرق بين بيع الدين وعقد الدين، وهو السلم. وقد اختلف في السؤالين جميعًا وهو (¬4) عقد السلم وبيعه، فقيل: يجوز تأخير ذلك اليوم واليومين. وقيل: لا يجوز أن يفترقا قبل أن يدفع فيهما جميعًا، وهو أقيس، فإما أن يؤخذ بمجرد النهي عن بيع الكاليء بالكاليء، فلا يجوز أن يفترقا في السؤالين جميعًا على أن الذمتين مشغولتان، ولا يجوز إلا أن يدفع هذا رأس المال، وهذا ثمن الدين، ويكون الدين في ذمة واحدة، أو يقال: إن تأخر هذا القدر معفو عنه في جنب أجل السلم وأجل الدين، فيجوز في الجميع. ¬

_ (¬1) قوله: (كثرة) ساقط من (ت). (¬2) في (ت): (التناجز). وانظر: المدونة: 3/ 82. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 66، بلفظ: ومن كتاب محمد: قال مالك: ولا خير في السلم إلى يوم أو يومين، كان في طعام أو ثياب أو حيوان. قال ابن القاسم: وكرهه ابن المسيب، وربيعة، والليث. قال محمد: فإن نزل، فلو فسخ كان أحب إلي، ولم أصرح به لاختلاف قول مالك فيه. (¬4) قوله: (وهو) ساقط من (ب).

ولو كان (¬1) أجل السلم قريبًا إلى يومين أو ثلاثة لم يجز أن يشترط تأخير رأس المال إلى يومين، وكذلك بيع الدين إذا كان الدين (¬2) حالًا، أو بقي من أجله هذا القدر، لم يجز تأخير رأس المال بحال، وكان دينًا بدين، وإن ولى طعامًا وكان دفع رأس المال فيه بفور العقد، كانت التولية فيه (¬3) على مثل ذلك، ولا يجوز تأخير القبض. وإن كانا شرطا تأخير رأس مال السلم إلى ثلاثة أيام، وكانت التولية بفور العقد- لم يقبض رأس المال من المولَّى إلا بعد مضي (¬4) ثلاثة أيام، فإن كانت التولية بعد مضي ثلاثة أيام جرت التولية على قولين: أحدهما: أن إطلاق التولية يقتضي التأخير إلى مثل ذلك، وإن شرطا التعجيل فسدت. والآخر: أنها تقتضي التعجيل والقبض بالحضرة، فإن شرط التأخير إلى مثل الأول فسدت. وهذا قياس على الشفعة إذا كان الشراء بثمن مؤجل، فقام الشفيع بعد انقضاء ذلك الأجل؛ لأن الشفيع إنما يستشفع بمثل ذلك الثمن، وكذلك التولية تجب بمثل ذلك الثمن أمرهما واحد. ¬

_ (¬1) قوله: (كان) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (الدين) ساقط من (ب). (¬3) قوله: (فيه) ساقط من (ت). (¬4) قوله: (مضي) ساقط من (ب).

فصل [في تأخير رأس مال السلم بعد الإقالة من غير شرط، وتأخيره حتى يحل الأجل عمدا أو مطلا]

فصل [في تأخير رأس مال السلم بعد الإقالة من غير شرط، وتأخيره حتى يحل الأجل عمدًا أو مطلًا] واختلف إذا كان الثمن عينًا في الذمة، فأقاله فتراخى قبض رأس المال من غير شرط على ثلاثة أقوال: فمنعه في المدونة، ورءاه دينًا بدين. وقال مالك في كتاب محمد: بل يتبعه بالدنانير، ولا يرجع في الطعام، قيل له: إن المشتري يقول: إن الإقالة لا تصلح مستأخرة فأنا أرجع في طعامي، قال: ليس ذلك له. وقال أشهب: إن كانا عَمِلا على ذلك، أو كانا من أهل العينة، فسخت الإقالة، وإلا رأيت أن يلح عليه حتى يأخذ (¬1). وهذا (¬2) أصوب فإن كانت تهمة فسخت الإقالة، وإن كان ذلك لسفر حدث أو غيره من العذر، أو كانا من أهل الدين والثقة، مضت الإقالة، وإن لم يكن دليل تهمة ولا براءة، كان هو موضع الخلاف المتقدم. واختلف إذا تأخر رأس المال من غير شرط حتى حل الأجل، فقال ابن القاسم: أراه من الدين بالدين ولا يجوز، وأجازه في كتاب محمد. وأرى أن يعتبر رأس مال السلم، فإن كان مثل ما كان سلم الناس جاز، وإن كان أكثر مثل ما يكون ثمنًا لما يقبض يدًا بيدٍ، كان فاسدًا، وذلك تهمة، وإن كان التأخير بهرب من أحدهما لم يفسد السلم. ¬

_ (¬1) سبق تخريج هذه الأقوال، ص: 3054. (¬2) في (ب): (وهو).

وقال ابن حبيب: إن كان التأخير من المسلم بمطل (¬1) أو التراخي حتى حل الأجل، كان المسلم إليه بالخيار بين أن يقبض الثمن ويعطي ما عليه، أو يفسخ السلم؛ لأن السلم إنما أرخص (¬2) لتعجيل الثمن قبل أوان حلوله وانتفاع المسلم إليه (¬3) بثمنه، فإذا حرم ذلك لم يلزم دفع السلم (¬4). وإن كان التأخير من سبب المسلم إليه حتى حل الأجل كان السلم لازمًا، وكذلك من باع طعامًا بثمن إلى أجل فلم يقبض الطعام حتى حل الأجل، قاله ابن القاسم وغيره. وقال مالك في مختصر ما ليس في المختصر فيمن أسلم في حنطة ثم وجد درهمًا ناقصًا انتقض من السلم بقدره، فعلى هذا ينتقض السلم إذا تأخر رأس المال وإن كان بهرب من أحدهما؛ لأن محمل الزائف والنقص على غير التهمة. ¬

_ (¬1) في (ت): (مطلا). (¬2) في (ب): (يترخص). (¬3) قوله: (إليه) ساقط من (ت). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 69، بلفظ: قال ابن حبيب: نحو ما تقدم أنه لا يفسد إلا بالشرط. وزاد: إذا مطله برأس المال، أو ببعضه والتوى به حتى حل الأجل، فالبائع مخير، إن شاء أخذ منه بقية رأس المال، وأعطاه طعامه، أو يعطيه حصة ما نقده فقط، إن كان نقده بعضًا، وإن لم يلتو المشتري بالثمن، وإنما ذلك بسبب البائع، فالطعام كله لازم له، وليأخذ ما بقي له، وكذلك من باع طعامًا بثمن مؤجل، فلم يقبض المشتري بعض الطعام حتى حل الأجل، فإن كان البائع مطله به، لم يلزم المبتاع إلا ثمن ما قبض، وإن مطله البائع، فلم يقبض، فليؤد بقية الثمن، ويأخذ جميع الطعام.

باب [فيمن أسلم ثيابا في حيوان، ثم استقال من ذلك السلم أو من بعضه]

باب [فيمن أسلم ثيابًا في حيوان، ثم استقال من ذلك السلم أو من بعضه] ومن أسلم ثوبين في فرسين ثم استقال من ذلك السلم، فإنه لا تخلو الإقالة من أن تكون: على أعيان الثوبين، أو مثلهما، أو على عين أحدهما، أو على مثله، أو على عين أحدهما ومثل الآخر. فإن أقال على أعيانهما جاز، وكذلك إن زاد شيئًا من صنفهما، أو من غير صنفهما، وكانت الإقالة على جميع السلم أو عن بعضه، ما خلا وجهًا واحدًا، وهو أن تكون الزيادة من صنف المسلم فيه، فلا يجوز (¬1) أن يعجل قبل أجله، وإن أخر إلى أجله جاز. وإن كانت الإقالة على مثلهما من غير زيادة، أو أخذهما عن جميع الدين جاز، وإن كان معهما زيادة، أو أخذهما عن بعض السلم دخله سلف بزيادة. وكذلك إن أقاله على مثل أحدهما عن جميع الحق جاز، وإن أخذه عن بعضه لم يجز ودخله بيع وسلف، وكذلك إن أخذه عن جميع السلم ومعه زيادة، فهو بيع وسلف، فالثوب الذي رجع إليه سلف، والزائد بيع، والذي في الذمة من الفرسين بيع بالثوب الباقي. وإن أقاله على عين أحدهما لأنه مثل الآخر (¬2) من غير زيادة جاز، إذا (¬3) كانت الإقالة عن جميع السلم، ولا يجوز عن بعضه، وهو سلف بزيادة؛ لأن ¬

_ (¬1) زاد في (ت): (على). (¬2) قوله: (لأنه مثل الآخر) ساقط من (ب). (¬3) قوله: (إذا) ساقط من (ب).

المعين الذي رجع إليه (¬1) لغو، كأنه لم يسلم، والآخر الذي هو مثل الباقي سلف، وما معه زيادة لأجل السلف. وكذلك إن أخذه عن بعض السلم والباقي في الذمة زيادة لأجل السلف. وقد اختلف في موضعين: فالأول: إذا كانت الإقالة على عين أحدهما على أحد الفرسين على أن يعجل الباقي، فأجازه ابن القاسم في كتاب محمد، ورأى أنه إنما أخذه على أنه حقه ليس على وجه السلف (¬2). ولا خلاف فيمن عجل دينًا عليه ثم فلس ألا مقال لغرمائه فيه، ولو كان سلفًا لأخرجه وتحاصوا فيه. والثاني: إذا رد مثل الثياب وزيادة: فأجازه ابن القاسم في كتاب محمد، وقال: كل ما خرج عن يدك (¬3) بمناجزة مما له مثل فلا تأخذ في ثمنه إلا ما يجوز أن تبيعه به إلى أجل، قال: ولا يدخل ذلك في الثياب مع المناجزة ولا فيما لا يجب فيه إلا القيمة في التعدي (¬4). ¬

_ (¬1) قوله: (إليه) ساقط من (ب). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 164، 165. والنوادر والزيادات: 6/ 123، بلفظ: قال ابن القاسم: وإن باعه عبدين بدنانير إلى أجل، ثم أقاله من أحدهما فلا يجوز حتى يسمي كم للذي أقاله منه من الثمن اتفقت قيمتها أو اختلفت. (¬3) في (ت): (ملكه). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 26.

باب في الشركة والتولية في الطعام

باب في الشركة والتولية في الطعام قال سحنون: أخبرني ابن القاسم عن سليمان بن بلال، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن سعيد بن المسيب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلاَ يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ، إِلا مَا كَانَ مِنْ إِقَالَةٍ أَو شِرْكٍ أَو تَوْليَةٍ" (¬1). وقال مالك: أجمع (¬2) أهل العلم على أن لا بأس بالإقالة والشركة والتولية (¬3). وذكر أبو الفرج عن مالك أنه منع الشركة. ووافق الشافعي وأبو حنيفة في الإقالة وحدها؛ لأنها عندهما حل بيع. واختلف فيمن اشترى طعاما بثمن إلى أجل ثم أشرك فيه قبل أن يكتاله: فقال مالك في المدونة: لا بأس بذلك (¬4)، وعلى قوله تجوز التولية. وقال ابن القاسم في كتاب محمد: لا يحل أن يولي حتى يقبضه (¬5). قال أشهب: لا يصلح فيه إلا الإقالة وحدها، قال: وهو بمنزلة من وجب له طعام من إجارة أو اشتراه بعرض فلا يصلح فيه إلا الإقالة فقط ما لم يفت العرض، أو يعمل الأجير، فلا تصلح إقالة ولا غيرها (¬6). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري: 2/ 748، في باب الكيل على البائع والمعطي، من كتاب البيوع في صحيحه، برقم (2019)، ومسلم: 3/ 1160، في باب بطلان بيع المبيع قبل القبض، من كتاب البيوع، برقم (1526)، ومالك في الموطأ: 2/ 640، في باب العينة وما يشبهها، من كتاب البيوع، برقم (1310). (¬2) زاد في (ت): (بعض). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 127، والموطأ: 2/ 676. (¬4) انظر: المدونة: 3/ 127. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 48. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 48.

فصل [في اشتراط المعاوضة في الشركة والتولية والإقالة في الطعام]

واحتج ابن حبيب في منع الشركة والتولية باختلاف الذمم، قال: فليس ذمته وذمة الذي أشرك أو ولي سواء، يكون أحدهما أملى أو أعدم ولا يمكن أن يكون الاستيفاء منهم واحدا (¬1). وإن اشترى طعاما غائبا قريب الغيبة واشترط النقد جاز فيه الشرك والتولية، وإن كان بعيد الغيبة مما لا يجوز النقد فيه واشتراه على ألا ينقد إلا بعد قبضه جاز فيه الشرك والتولية على قول مالك، ولم يجز على القول الآخر؛ لأن الذمم تختلف، فأشبه من اشترى بثمن إلى أجل. ويختلف في الإقالة هل تجوز؛ لأن الذمم تبرأ من الآن، أو لا تجوز؛ لأنه يأخذ طعاما غائبا (¬2) عن دين، فيدخله فسخ دين في دين، وبيع الطعام قبل قبضه. فصل [في اشتراط المعاوضة في الشركة والتولية والإقالة في الطعام] قال محمد: وإن أشركته في طعام ابتعته على أن أشركك في طعام ابتاعه، أو قال: أوليك على أن توليني، أو أشركك على أن توليني، أو أقيلك على أن تقيلني، أو تشركني أو توليني، لم يجز (¬3)؛ لأنهما خرجا بذلك عن المعروف إلى المكايسة والمبايعة ودخلا في النهي عن بيع الطعام قبل قبضه. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 48. (¬2) قوله: (غائبًا) ساقط من (ت). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 48، بلفظ: ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: وإن أشركته في طعام ابتعته، على أن أشركك في طعام ابتاعه، لم يجز ذلك.

فإن قال: أشركني وأشركك، وكان رأس المال سواء، كان محمل شركتهم بيع أحد الطعامين بالآخر، وذلك جائز؛ لأن الثمن لغو لا يخرجه واحد منهما. وإن كان رأس مال أحدهما دنانير والآخر دراهم، أو عينًا والآخر عرضًا - فسدت الشركة؛ لأنها خرجت عن وجه المعروف لما شرط أحدهما بيع الطعام بالآخر (¬1). وإن قال: أقيلك على أن تقيلني، جاز إن تساوت رؤوس الأموال؛ لأن مآل أمرهما إلى (¬2) بيع أحد الطعامين بالآخر؛ لأنه لا يخرج أحدهما للآخر شيئًا، وإن اختلف رأس المال أو استوى واختلف الطعامان، لم يجز. وإن قبض المشتري بعض الطعام جاز تولية ما قبض، والشرك فيه، ولا يجوز أن يولي ما قبض وما لم يقبض، ولا أن يشرك فيهما. واختلف هل يولي ما لم يقبض وحده؟ فمنعه ابن القاسم في كتاب محمد، وأجازه ابن حبيب (¬3). وقال محمد فيمن أسلم في طعام فقبض بعضه، فأعسر بما بقي فأقاله منه: لم يجز ذلك في طعام ولا عرض، ويدخله بيع الطعام قبل قبضه مع البيع والسلف (¬4). لأنه لما قبض بعضه صار لما قبض منفعة، فكانت (¬5) إقالة بمنفعة، قال: فإن رد المقتضي ما اقتضى وأقاله من الجميع لم يجز، وهو بيع الطعام قبل قبضه؛ لأن ما اقتضى صار مالًا من ماله، فلم يقِله مما بقي حتى ولاه قمحه ¬

_ (¬1) قوله: (بيع الطعام بالآخر) في (ت): (على الآخر). (¬2) قوله: (إلى) ساقط من (ب). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 50. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 49. (¬5) في (ت): (فصارت).

فصل [فيمن اشترى سلعة ثم سأله آخر أن يشركه فيها]

الذي اكتاله. قال محمد: إلا أن يكون الذي قبض يسيرًا مثل خمسة من المائة، وإن قبض عشرة من المائة فأرجو أن يكون خفيفًا (¬1). فصل [فيمن اشترى سلعة ثم سأله آخر أن يشركه فيها] وقال ابن القاسم في رجلين اشتريا عبدًا، فقال لهما رجل: أشركاني فيه، ففعلا، قال: له ثلث العبد؛ لأنهما إنما أرادا أن يكون فيه كأحدهما (¬2). فجعل له الثلث؛ لأن ذلك القصد عنده، ولو كان المشتري واحدًا، كان له النصف على قوله، وأصله في الشرك عنده أنه لا يقع على جزء معلوم. وقد قال فيمن أعطى رجلًا مالًا قِراضًا على أن له شركًا من الربح إنه فاسد (¬3). لأن قوله: "شرك" لا يتضمن جزءًا معلومًا، وقال غيره: هو جائز، وله النصف (¬4). فإذا كان ذلك عند ابن القاسم لا يقع على جزء معلوم، كان القول قولهما فيما دون ذلك. وفي كتاب ابن سحنون فيمن قال لفلان في هذا العبد شرك معي، أو لم ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 50. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 128. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 633. بلفظ: قلت: أرأيت إن قال له: اعمل، على أن لك شركا في المال أيرد إلى قراض مثله؟ قال: نعم؛ لأن هذا بمنزلة من أخذ مالا قراضا، ولم يسم له من الربح، ولا مال رب المال فعمل، فهؤلاء يردون إلى قراض مثلهم. (¬4) انظر: المدونة: 3/ 633. بلفظ: (قال سحنون: وقال غيره: إذا قال لك شرك في المال ولم يسم شيئا وتصادقا فذلك النصف).

يقل معي، ثم قال: وهو العشر، كان القول قوله، وصل الكلام أو لم يصله؛ لأن الشرك يقل ويكثر، وكذلك الدار (¬1). قال ابن سحنون: وقال بعض أصحابنا: له النصف، وفرق بعضهم فقال: إن قال: معي صُدّق، وإن لم يقل: معي، لم يُصدّق، وأجمعوا أنه إذا وصل كلامه بقوله: له (¬2) شرك الثلث أنه (¬3) يصدّق (¬4). وإن قال: هذا العبد لي ولفلان، أو بيني وبينه، ثم سكت، فيسأل بعد ذلك، فقال: له الثلث أو السدس، وقال الآخر: النصف، فذكر الخلاف المتقدم، قال: ولو قال له معي فيه حق لصدق فيما يقر به (¬5). وقال الشيخ -رحمه الله-: قوله له فيه شرك معي، أو لم يقل معي (¬6)، أو هو بيني وبينه، أو له فيه حق، كل ذلك سواء، وهذه الألفاظ لا تتضمن المساواة، ويصح أن يؤتى بها مع اختلاف الأجزاء. وإذا كان ذلك، كان القول قول المقر أنه أراد ذلك، فإن خالفه الآخر، أخذ ما أقر له به، وتحالفا في الجزء الذي اختلفا فيه على أصل ابن القاسم، فكان ذلك الجزء بينهما نصفين، فإن قال المقر: له الربع، وقال الآخر: النصف، أخذ الربع بإقراره، وتحالفا في الربع، وكان بينهما؛ لأن الإقرار بالربع إقرار منه بأن يد الآخر معه على ذلك العبد وإن كان في بيت المقر. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 128. (¬2) قوله: (له) ساقط من (ت). (¬3) قوله: (أنه) ساقط من (ب). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 128. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 128. (¬6) قوله: (معي) ساقط من (ت).

ولو كان الإقرار بطعام أو بدراهم وقال: كانت الشركة في نصفه، وهو الذي قبضت وأضفت إليه نصفًا، كان القول قول المقر، وإن قال: كانت أيدينا على جميع هذا (¬1) الطعام إلا أن الذي لك الربع، لم يقبل قوله، وقيل له: سلّم الربع واقتسما الربع بعد أيمانكما. ¬

_ (¬1) قوله: (هذا) ساقط من (ت).

باب فيمن اشترى سلعة فأشرك فيها رجلا على أن ينقد عنه أو ينقد هو عن المشرك

باب فيمن اشترى سلعة فأشرك فيها رجلًا على أن ينقد عنه أو ينقد هو عن المشرك وقال ابن القاسم فيمن اشترى سلعة، ثم سأله رجل أن يشركه فيها فقال: أشركك على أن تنقد عني، لم يجز، وهو بيع وسلف (¬1). فإن نزل فسخ، إلا أن يسقط السلف، فإن كان السلف من المشتري، فقال: اشتر وأشركني وانقد عني، أو قال: اشتر وأشركني ثم بعد انعقاد الشراء قال: انقد عني، جاز ذلك في كل شيء الصرف والطعام والعروض، وبيع النقد والأجل؛ لأن الشراء انعقد عليهما جميعًا. ولو اشترى لنفسه فبعد أن عقد البيع قال: أشركني وانقد عني، أو قال: أشركني، فلما أشركه، قال: انقد عني، لم يجز في الصرف، وجاز في العروض إذا لم يكن سلمًا في الذمة، وسواء أشركه بشرط النقد أو تَطَوَّعَ بالنقد بعد أن أشركه. فإن كان سلمًا في الذمة فأشركه على أن ينقد عنه، لم يجز، وإن أشركه بغير شرط ثم رضي أن ينقد عنه جاز. وجعل الجواب في الطعام على ثلاثة أوجه: معينًا حاضرًا، أو معينًا غائبًا، أو (¬2) سلمًا في الذمة. فإن كان حاضرًا، لم يجز أن يشركه على أن ينقد عنه، وإن أشركه بغير شرط ثم قال: انقد عني، ولم يكن الأول نقد، جاز، وإن كان قد (¬3) نقد لم يجز. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 129. (¬2) في (ت): (و). (¬3) قوله: (قد) ساقط من (ت).

وقال ابن القاسم أيضًا: لا بأس إذا سأله بعد أن ينقد عنه (¬1). ولم يراع نقد الأول أو لم ينقد. وإن كان الطعام سلمًا في الذمة لم تجز الشركة إلا أن ينقد بالحضرة، قال ابن القاسم مثل الصرف حرفًا بحرف. يريد أنه لا يجوز أن ينقد الأول بشرط ولا بتطوع. قال: وإن كان الطعام غائبًا لم يجز فيه شرك ولا تولية وإن كان معينًا؛ لأنه يصير دينًا بدين (¬2). قال محمد: إلا أن ينقد حصته قبل أن يفترقا (¬3). والجواب في الصرف صحيح؛ لأن الشركة في جميع هذه الوجوه كبيع مبتدأ، فلا يجوز أن يتطوع بالصبر في الصرف، كما لا يجوز إن كانت مصارفة من غير شركة. وأما العروض تكون سلمًا في الذمة، فمحمل قوله في منع الشركة بشرط النقد على (¬4) القول في التولية أنها لا تجوز إلا أن ينقد (¬5)، ويجوز على القول الآخر أن ينقد بعد (¬6) اليومين والثلاثة، كتأخير رأس مال السلم. ومنع الشركة في الطعام الحاضر بشرط النقد؛ لأنهما خرجا عن وجه المعروف (¬7)، وإن كانت بغير شرط، صحت، ثم كان تطوعه بالنقد معروفًا أيضًا، ومنعه في القول الآخر، خيفة أن يكونا عَمِلا على ذلك (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 129. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 50. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 378. (¬4) في (ت): (وعلى). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 129. (¬6) في (ت). (إلى). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 51. (¬8) انظر: المدونة: 3/ 129.

باب في بيع زراريع ما يكون منه طعام وبيع التوابل قبل أن تستوفى

باب في بيع زراريع ما يكون منه طعام وبيع التوابل قبل أن تستوفى قال مالك: لا بأس ببيع زريعة الفجل الأبيض الذي يؤكل وزريعة الجزر، والسِّلق، والكراث قبل أن تستوفى، وكذلك كل زريعة لا تراد للأكل وإنما يزرع منها ما يؤكل، وإن كان (¬1) تراد للأكل في نفسها، لم تبع قبل أن تستوفى إلا أن يكون ذلك نادرًا (¬2). واختلف قول مالك في التوابل: الكزبر، والقرنباذ (¬3)، والفلفل وما أشبه ذلك، فقال في المدونة: لا يباع قبل أن يستوفى (¬4). وأجاز ذلك في مختصر ما ليس في المختصر (¬5). ¬

_ (¬1) في (ب): (كانت). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 131. (¬3) قوله: (والقرنباذ) ساقط من (ت). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 132. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 34.

باب في بيع الطعام قبل قبضه

باب في بيع الطعام قبل قبضه قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلاَ يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ" اجتمع (¬1) عليه الموطأ، والبخاري ومسلم (¬2)، فبيع الطعام قبل قبضه يمنع بثلاثة شروط: أن يكون من بيع على كيل، أو وزن، أو عدد مما يحرم التفاضل فيه، واختلف إذا كان مما يجوز التفاضل فيه، وإذا كان في ضمان البائع على غير كيل. فأما ما يجوز فيه التفاضل فالمعروف من قول مالك المنع، لعموم الحديث: "مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا"، ولم يفرق. وروى عنه ابن وهب أنه قال: ما (¬3) لا ربا فيه يجوز بيعه قبل قبضه (¬4). وقال في كتاب محمد فيمن اشترى تينًا وزنًا ثم قال: زن لي بنصفه عنبًا أو بطيخًا، ونصفه تينًا: أرجو أن يكون خفيفا، لا بأس به، وقال محمد: لا خير فيه (¬5). ومحمل قول مالك في التين على (¬6) أنه مما لا يدخر كالشتوي أو صنف يدخر عُجِّلَ جناه في وقت لا يدخر، وهذه المسألة أصل في جواز التفاضل فيما أصله الادخار إذا كان هذا في نفسه لا يدخر، وكأنه حمل الحديث على ما كان غالبًا أنهم يتبايعونه ويسلمون فيه، وهو التمر، وقاس عليه جميع المدخرات. ¬

_ (¬1) في (ب): (أجمع). (¬2) سبق تخريجه في أول الكتاب، ص: 3062. (¬3) قوله: (ما) ساقط من (ت). (¬4) انظر: المعونة: 2/ 14. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 43. (¬6) قوله: (على) ساقط من (ت).

واختلف في الجزاف إذا كان في ضمان بائعه: فقال ابن القاسم في كتاب محمد فيمن ابتاع لبن غنم بأعيانها شهرًا بغير كيل: لا يبعه حتى يحتلبه (¬1). وأجازه أشهب (¬2). وقال مالك في العتبية (¬3) فيمن اشترى جزءًا من ثمرة: لا يبعه حتى يقبضه، ثم رجع عن ذلك (¬4)، ولا فرق بين الجزء والجميع. وقال في كتاب محمد فيمن ابتاع ثمرة حائط غائب لم يره: لم يجز أن يبيعه حتى يراه؛ لأنه في ضمان البائع (¬5). يريد إذا كانت يابسة؛ لأنه لا يسقط الضمان وإن رضيه (¬6) إلا فيما كان يابسًا، والمنع في جميع ذلك أحسن؛ لعموم الحديث. وقد قال مالك: نهى في الحديث "عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ" (¬7) أن ذلك في الطعام (¬8)، فبأي وجه كان الطعام في ضمان بائعه، فإنه يمنع من بيعه. ويختلف على هذا في الصبرة إذا كانت محبوسة بالثمن على القول أن ¬

_ (¬1) في (ب): (يحلبه). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 39. (¬3) قوله: (في العتبية) ساقط من (ب). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 7/ 296، 297، والنوادر والزيادات: 6/ 38. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 38. (¬6) قوله: (وإن رضيه) في (ت): (رضيه). (¬7) حسن صحيح، أخرجه أبو داود في سننه: 2/ 305، في باب في: الرجل يبيع ما ليس عنده، من كتاب الإجارة، برقم (3504)، والترمذي في سننه: 3/ 533، في باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك، من كتاب البيوع، برقم (1234)، والنسائي في المجتبى: 7/ 288، في باب بيع ما ليس عند البائع، من كتاب البيوع، برقم (4611)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 31.

المصيبة من البائع. واختلف إذا أمكن منها هل يبيعها قبل نقلها؟ فقال ممالك مرة: لا بأس بذلك (¬1). وقال في العتبية: أحب إلي أن يؤخذ في ذلك بالحديث فيمن اشترى طعامًا جزافًا قال: لا يباع (¬2) حتى ينقل من مكانه (¬3). يريد: حديث ابن عمر، قال: رَأَيْتُ النَّاسَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا تَبَايَعُوا (¬4) طَعَامًا جُزَافًا يُضْرَبُونَ أَلَّا يَبِيعُوهُ في مَكَانِهِمْ، حَتَّى يُئْوُوَهُ إِلَى (¬5) رِحَالهِمْ. اجتمع عليه البخاري ومسلم (¬6)، وذكره مالك في الموطأ، ولم يقل جزافًا (¬7)، وأخذ به الشافعي، وأبو حنيفة، وقال مالك في تفسير ابن مزين: إنهم كانوا يريدون بيعه بالدين، وأما بالنقد، فلا بأس. ولا فرق بين النقد في ذلك والدين إذا بيع من غير بائعه، واتباع الحديث أولى. واختلف في المكيل هل المنع معلل أم لا؟ فقال أبو محمد بن عبد الوهاب ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 38. (¬2) قوله: (قال: لا يباع) في (ت): (ألا يباع). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 7/ 117. (¬4) في (ت): (ابتاعوا). (¬5) في (ب): (في). (¬6) متفق عليه، أخرجه البخاري: 6/ 2513، في باب كم التعزير والأدب، من كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة في صحيحه، برقم (6460)، ومسلم: 3/ 1160، في باب بطلان بيع المبيع قبل القبض، من كتاب البيوع، برقم (1527). (¬7) أخرجه مالك في الموطأ: 2/ 640، في باب العينة وما يشبهها، من كتاب البيوع، برقم (1312).

وأبو الفرج وغيرهم من البغداديين: المنع لأجل العينة (¬1). وقيل: شرعًا، وهو أحسن. ولو كانت العلة العينة، لجاز بيعه من بائعه بأقل، ومن غير بائعه بأقل وأكثر، وهذا الأصل فيما كان المنع فيه خيفة العينة، ويكون على قولهم الطعام والعروض سواء. وقال (¬2) محمد فيمن باع طعامًا قبل قبضه وقبض الثمن وذهب المشتري بالطعام، قال: يأخذ الثمن من البائع الآخر، ويقام به للغائب فيشتري به طعامًا، فإن كان أقل من الكيل الأول كان الباقي دينًا على الغائب يتبع به، وإن كان أكثر وُقف له (¬3)، ورأى أن البائع الأول قد برئ بذلك الكيل؛ لأنه وفى بما عليه، والتعدي في البيع إنما كان من البائع الآخر، وليس من البائع الأول تعد، واستحسن في السليمانية إذا اشترى طعامًا أن يعاد إلى يد الأول حتى يوصله إلى يد (¬4) من اشترى منه. ¬

_ (¬1) انظر: المعونة: 2/ 14. (¬2) في (ت): (وفي كتاب). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 32. وعبارته: (قال ابن القاسم: ومن باع طعامًا من بيع قبل استيفائه، فقبضه مبتاعه، وغاب عليه، ولم يقدر عليه ليرده، فإنه يؤخذ الثمن من البائع الآخر، فيبتاع به طعامًا مثله فيقبضه، فإن نقص عن مقدار طعامه، فله اتباع الغائب بما نقص، وإن فضل شيء من الثمن، أوقف ذلك للغائب، فيأخذه إن جاء، وإن كان كفافًا برئ بعضهما من بعض). (¬4) قوله: (يد) ساقط من (ب).

فصل [في الطعام يجب عن نكاح أو صلح أو ثمن كتابة أو غير ذلك فيبيعه قبل قبضه]

فصل [في الطعام يجب عن نكاح أو صلح أو ثمن كتابة أو غير ذلك فيبيعه قبل قبضه] وإذا وجب الطعام عن (¬1) نكاح أو خلع أو مصالحة عن دم أو كراء دار أو غير ذلك، لم يجز أن يباع حتى يقبض؛ لأن كل هذه معاوضات وداخلة في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا. . ." (¬2). واختلف فيمن باع كرمه أو حائطه واستثنى منه كيلًا، قال ابن القاسم: أكره بيعه قبل قبضه، ثم رجع عنه وقال: لا بأس به (¬3)، فذهب في القول الأول إلى أن المستثنى مشتَرَى اشتراه البائع من المشترى منه، والقول أنه يبقى (¬4) على الملك الأول أحسن. وقال ابن القاسم في المكاتب يكاتب بطعام: يجوز لسيده أن يبيعه من المكاتب قبل قبضه؛ لأن الكتابة ليست بدين ثابت، ولا يبيعه من أجنبي؛ لأن السيد لو دبر عبده جاز أن يبيع خدمته منه، ولا يبيعها من أجنبي (¬5). ولا فرق بين المسألتين، فإما أن يقال: إن الكتابة دين ثابت، كما قال ابن عمر، فلا يباع الطعام من المكاتب ولا من غيره، أو يقال: ليست بدين ثابت، فيباع منه ومن الأجنبي. ¬

_ (¬1) في (ب): (على). (¬2) سبق تخريجه في أول كتاب السلم الثالث، ص: 3062. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 39. بلفظ: ومن باع ثمر حائطه، واستثنى منه كيلًا، يجوز أن يستثنيه. وقد كره مالك بيعه قبل قبضه، ثم رجع فأجازه. (¬4) في (ب): (مبقى). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 132.

فصل [في المواعدة في الطعام قبل قبضه ومن ابتاع طعاما بعينه أو بغير عينه فيريد بيعه قبل قبضه]

وقد منع سحنون فسخ الكتابة في غيرها إذا لم يعجل العتق؛ لأن فيه شبهة الدين، فكذلك بيع الطعام (¬1). وأرى أن يجوز ذلك من العبد وغيره إذا كانت الكتابة على قدر الخراج؛ لأنها غلة، وإن كانت أكثر بالشيء البين، أو كانت إنما ينالها بما يستعين من الناس ألا يجوز بيعه؛ لأنه يصير ثمنًا للرقبة. وقال مالك في النصراني يبتاع الطعام من نصراني: لا أحب للمسلم أن يشتريه منه قبل قبضه (¬2). فلم يره محرمًا؛ لأنهم غير مخاطبين بفروع الإسلام، والحديث متوجه لمن كان مسلما بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلاَ يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ" (¬3)، وسواء كان اشتراه النصراني من نصراني أو مسلم، فإن كان المسلم هو المشتري لم يجز أن يبيعه من نصراني قبل قبضه قولًا واحدًا. فصل [في المواعدة في الطعام قبل قبضه ومن ابتاع طعاما بعينه أو بغير عينه فيريد بيعه قبل قبضه] قال ابن القاسم: ولا يواعد أحدًا في بيع الطعام قبل قبضه، ولا يبيع طعامًا ينوي أنه يقضيه من طعام اشتراه، بعينه كان، أو بغير عينه (¬4). والمواعدة ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 132. بلفظ: قال سحنون: وإنما يجوز إذا تعجل المكاتب عتق نفسه. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 138. (¬3) سبق تخريجه في أول كتاب السلم الثالث، ص: 3062. (¬4) انظر: المدونة: 3/ 135.

في هذا كالمواعدة في الصرف. وقد اختلف في المواعدة في الصرف: فكره ذلك مالك (¬1)، ومنعه أصبغ، وأجاز هذا (¬2) ابن نافع. وأجاز مالك في كتاب محمد الخيار في الصرف (¬3)، والمواعدة في هذا أخف. وكذلك إذا عقدا بيعًا على طعام في ذمته، ونيته أن يقضيه من ذلك الطعام، فالعقد ماض ولا تأثير للنية في العقد، وقد أجيز التعريض في النكاح، فكيف بمن يضمر هذا ولا ينطق به. وقيل: المعنى: لا يبيع طعامًا ينوي أنه يقضيه من طعام عليه. وهذا أبعد؛ لأنه يستحيل صرف النية فيه إذا كان عليه طعام فطُلب بقضائه، وليس عنده، فلا يجري إليه. إلا بشراء. وإنما الاختلاف إذا جعل للطالب أن يقضيه من المشتري منه أخيرًا: فمنع ذلك ابن القاسم، إلا أن يقضيه الغريم من البائع آخرًا ثم يقضيه (¬4). وأجازه مرة، فقال فيمن عليه طعامٌ من سلم فأعطى الطالب مثل رأس ماله ليشتري ذلك لنفسه: فلا بأس به (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 396. (¬2) في (ب): (وأجازها). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 370. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 33، بلفظ: ومن الواضحة: وكره مالك أن يقول لغريمه: تعال حتى أشتري طعامًا من فلان، ثم أقضيكه، لوجهين: وجه كأنه له اشتراه، فكأنه قضاه دراهم واشتراه لنفسه فيدخله أنه قضاء له قبل قبضه، ولا ينبغي للطالب أن يدله على طعام يبتاعه لقضائه، أو يسعى له فيه، أو يعينه عليه، أو يجعل له فيه. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 36، والبيان والتحصيل: 7/ 77. بلفظ: قال ابن القاسم: سمعت مالكا قال في رجل أقرض رجلا طعاما إلى أجل، فلما حل الأجل قال له غريمه: =

فإذا جاز للطالب أن يشتري الطعام على ذمة المطلوب، ثم يقبضه لنفسه، جاز أن يشتريه الغريم ثم يجعل للطالب قبضه. وقد قيل: إن هذه إقالة (¬1)، وهو خطأ؛ لأنهما متفقان أنه أخذ ذلك على وجه الوكالة، ولو ضاع الثمن كانت مصيبته من الباعث، وإن ثبت أنه اشترى ذلك للغريم ثم قبضه منه جاز، وأجازه أشهب (¬2) وإن أخذ أقل (¬3) من رأس المال؛ لأنه أخذه على أنه وكيل وأن يشتري على ذمة الباعث، ولو دخل على أنه يمسك ذلك لنفسه لم يجز، ويجوز على قوليهما إذا أعطاه أكثر من رأس المال واشترى بنيته وكل ذلك راجع إلى القضاء عن البيع، هل هوبيع أم لا؟ والقول إنه ليس ببيع أحسن (¬4)؛ لأن البيع المتقدم لم يكن في عين (¬5) هذا الطعام، وإنما قضاه عن دين تَقَدَّمَ تَقَرُّرُهُ في الذمة، وإنما جاء الحديث: "مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلاَ يَبِعْهُ" (¬6)، ولم يقل فلا يقضه. وقد أجاز مالك وابن القاسم وأشهب لمن أسلم في حنطة أو اشترى حنطة بعينها أن يأخذ بكيلها شعيرًا (¬7)، وإن تقارَّا أنهما أرادا المبايعة ولم يقصدا المعروف. ¬

_ = يعني طعاما أقضيك. قال: إن ابتاع منه بنقد فلا بأس به. (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 36. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 41. (¬3) قوله: (أقل) ساقط من (ت). (¬4) في (ت): (أولى وأحسن). (¬5) في (ت): (غير). (¬6) سبق تخريجه، ص: 3062. (¬7) انظر: المدونة: 3: 83، والنوادر والزيادات: 6/ 42.

وكذلك من أسلم في سمراء وأخذ محمولة (¬1) يريدها للزريعة جاز وإن اعترف أنه قصد المبايعة جاز (¬2)، وإن كان مما ينطلق عليه بيع الطعام قبل قبضه. ويختلف في المقاصة قياسًا على ما تقدم في القضاء. فإن أسلم رجلان كل واحد لصاحبه في طعام كيلًا واحدًا وصفة واحدة، ثم أرادا المقاصة، وتساوت رؤوس الأموال، لم يجز عند ابن القاسم (¬3). وقال أشهب في كتاب محمد: يجوز ويكون (¬4) إقالة (¬5). يريد: أنهما لواتهما أنهما (¬6) عَمِلا على ذلك في حين عقد السلم الثاني، جاز، وكانت إقالة، فإذا سَلِمَا من التهمة جازت المقاصة؛ لأن الثاني قضاء عن الأول، والقضاء بخلاف البيع. ويلزم ابن القاسم أن يجيزه على ما تقدم له إذا وكله على أن يشتري لنفسه، فإذا اختلف رأس المال لم يجز، فإن كان الثاني أكثر دخله سلف بزيادة، وإن كان أقل، كانت إقالة على أقل من رأس المال، فإن خفي ذلك لهما، وكان باطنهما على الصحة أنهما يسلمان، جازت المقاصة؛ لأنه قضاء. وكذلك إذا كان لرجل قِبَلَ رجل طعام فأحاله المطلوب على من له عليه ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3: 83، والنوادر والزيادات: 6/ 42. (¬2) قوله: (جاز) ساقط من (ب). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 136، وعبارته: قلت: أرأيت إن أسلمت إلى رجل في كر حنطة إلى أجل من الآجال، ثم أسلم إلي في كر حنطة مثله بلى ذلك الأجل، فأردنا أن نتقاص قبل محل الأجل يكون ما له من الطعام علي بما لِيَ عليه من الطعام أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: لا. قلت: وكذلك إن حل الأجل؟ قال: نعم. قلت: ولم؟ قال: لأنه بيع الطعام قبل أن يستوفى. (¬4) في (ب): (وتكون). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 147. (¬6) قوله: (اتهما أنهما) في (ت): (أنهما اتهما لجاز يكون).

طعام من سلم، فمنعه ابن القاسم (¬1)؛ لأن الحوالة عنده بيع، فيدخله بيع الطعام قبل قبضه. وأجازه أشهب إذا تساوت رؤوس الأموال قال: ويكون تولية (¬2). يريد: أنهما يَسلَمَانِ من التهمة؛ لأنهما لو شاءا جعلاها تولية، وإلا فهما مُقران أنهما لم يقصدا إلا الحوالة والقضاء، ولو كان ذلك فاسدًا لم يجز أن يطرح ما اعترفا به على أنفسهما من الفساد ليصح غيره. فإن اختلف رأس المال، وكان أحدهما أكثر -الأول أو الآخر- لم تجز الحوالة على قولهيما. وإن كان أحدهما من سلم والآخر من قرض جازت المقاصة عند ابن القاسم إذا حلَّا (¬3). وأجازه أشهب إذا حلَّ أحدهما (¬4). وذكر ابن حبيب عنه أنه قال: يجوز إذا حل السلم (¬5). وقال ابن حبيب: تجوز وإن لم يحلا (¬6). وهو أبين؛ لأن الذمم تبرأ من الآن. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 145. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 145. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 182. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 145. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 146، بلفظ: قال ابن حبيب: والأول قول جميع أصحاب مالك إنه جائز إذا حل ما يحيل به. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 147. بلفظ: وقال ابن حبيب: إذا اتفق أجلاهما، جازت المقاصة وإن لم يحلا.

فصل [في الرجل يكون له طعام من سلم على أخر فيأمره ببيعه وإحضار الثمن]

وأما الحوالة فتجوز إذا حل المحال به، حل المحال عليه (¬1) أم لا، وإذا صحت الحوالة عاد الجواب في بيعه في ذمة المحال عليه قبل قبضه على ما تقدم، فإن كانت الحوالة ببيع على قرض أو بقرض على بيع لم يجز على قوله في المدونة (¬2)، ويجوز على قوله في كتاب ابن حبيب إذا كانت الحوالة بقرض على بيع (¬3). فصل [في الرجل يكون له طعام من سلم على أخر فيأمره ببيعه وإحضار الثمن] ومن كان له على رجل طعام من سلم فقال له: بعه وجئني بالثمن، لم يجز عند مالك وابن القاسم (¬4)، وسواء أتاه بمثل رأس المال أو أقل أو أكثر، فإن أتاه بأكثر اتهما أن يكونا عَمِلا على ذلك في أصل السلم، وهي بيعة أجل، فيكون سلفًا بزيادة، وإن أتاه بمثل رأس المال دخله فسخ دين في دين، وبيع الطعام قبل قبضه؛ لأن الإقالة على التأخير في معنى أقل. وكذلك إن أقاله على أقل من رأس المال فهو فسخ دين في دين، وبيع الطعام قبل قبضه. وفرق ابن القاسم، فمنع أن يكون المسلم إليه وكيلًا على البيع وإن أتى برأس المال؛ لأنه يتهم على الإقالة المستأخرة، وأجاز أن يكون الذي له السلم ¬

_ (¬1) قوله: (عليه) ساقط من (ت). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 129. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 147. (¬4) انظر: المدونة: 3/ 140.

وكيلًا على الشراء بمثل رأس المال؛ لأنه يقبض ذلك بالحضرة، فلو أراد الإقالة لصحت بالحضرة، وإذا سقطت التهمة بقي وكيلًا على (¬1) حسب ما اعترف (¬2) به، إلا أن يقول: بقي لك الفضل بعد الشراء، فتدخله (¬3) التهمة على بيع الطعام قبل قبضه، أو يقول: بقي عليك فأتم، فتدخل التهمة في أصل العقد في السلم بزيادة. ويجوز على قول (¬4) أشهب أن يوكل المسلم إليه إذا أتى بمثل رأس المال فأقل، قياسًا على قوله إذا وكل الطالب على الشراء بأقل من رأس المال، وإنما منع عنده إذا أتاه بأكثر من رأس المال؛ لأنه يعد تهمة (¬5) في أصل العقد، وهي بيعة أجل. وإذا لم تكن زيادة، سَلِمَ العقدُ، وكانت التهمة بعد ذلك فيما يفعلانه بالحضرة على النقد إلى يومين أو ثلاثة، وهي كبيعة النقد، لا يتهم فيها إلا أهل العينة. وقد أجاز أشهب لمن عليه دين أن يعمل به قراضًا، وأجاز لصاحب المال أن يأخذ الربح (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (على) ساقط من (ت). (¬2) في (ت): (تقدم). (¬3) في (ب): (فتدخل). (¬4) في (ب): (أصل). (¬5) في (ت): (بعد يتهمه). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 326، والبيان والتحصيل: 12/ 48.

فصل [في بيع الطعام قبل قبضه إذا كان من غير معاوضة]

فصل [في بيع الطعام قبل قبضه إذا كان من غير معاوضة] يجوز بيع الطعام قبل قبضه إذا كان من (¬1) غير معاوضة، كالقرض، والهبة، والصدقة، والميراث، إذا لم يكن الميراث في ذمته عن معاوضة، والغصب والتعدي، فمن أقرض رجلًا طعامًا، جاز للمقرض أن يبيعه قبل أن يقبضه، ويجوز للمقرض إذا قبضه منه أن يبيعه قبل أن يقبضه (¬2) من المقرض ومن غيره، ويجوز لمن له (¬3) سلم أن يقرضه قبل أن يقبضه، ولا يجوز للمقرض أن يبيعه قبل قبضه؛ لأنه على حكم السلم ما دام في الذمة، ولا يصح القرض إلا بعد قبضه. ولو فلس المسلم إليه أو مات أو غاب، لم يلزم المقرض إليه (¬4) شيء، فإن قبضه وصار إليه، جاز للمقرض أن يبيعه منه ومن غيره قبل أن يقبضه؛ لأن كيل البيع قد تقدم، ولا يدخل في الحديث "مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلاَ يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ" (¬5)؛ لأن هذا قد قبضه، وما وقع في الكتاب فحماية أن يكون باعه منه قبل قبضه من المسلم إليه وأظهر أنه إنما أقرضه (¬6)، وأجاز في كتاب محمد إذا ¬

_ (¬1) في (ب): (عن). (¬2) قوله: (قبل أن يقبضه) ساقط من (ت). (¬3) قوله: (له) ساقط من (ت). (¬4) قوله: (إليه) زيادة من (ت). (¬5) سبق تخريجه في أول كتاب السلم الثالث، ص: 3062. (¬6) انظر: المدونة: 3/ 84. بلفظ: ولا يجوز أن يبيعه من غير صاحبه الذي عليه السلم بنوعه، ولا بشيء من الأشياء، ولا بمثل كيله ولا صفته حتى يقبضه من الذي عليه السلف؛ لأنه إن =

أقرضه الشيء اليسير من الشيء الكثير أن يبيعه قبل قبضه من المقرض؛ لأن التهمة تضعف (¬1). ويجوز ذلك على أصل أشهب (¬2)؛ لأنه لم يتهم على بيع الطعام قبل قبضه. ولو أطاع رجل أن يقرض ذلك المسلم إليه ويقضيه عنه، لم يجز للذي له السلم بيعه قبل قبضه للحديث: "مَنِ ابْتَاعَ. ." (¬3)، فهو مبتاع بَعْدُ، لم يخرج عن ذلك. فإن قبض ذلك المسلم جاز للمقرض أن يأخذ من المسلم إليه فيه ثمنا ما شاء (¬4)؛ لأن السلم قد قبض، وهذا مقرض وليس بمبتاع، ولو استقرض الذي له السلم مثل ذلك الطعام ثم أحال به على المسلم إليه لم يجز للمحال أن يبيعه قبل قبضه عند ابن القاسم، ويجوز على قول مالك في كتاب ابن حبيب؛ لأن المحال مقرض وليس بمبتاع، والمبتاع قد خرجت عن يده (¬5). ويفترق الحكم (¬6) أيضًا في الهبة والصدقة، فإن كانت الهبة والصدقة من الذي له السلم، وهبة لأجنبي، لم يجز للموهوب له بيعه قبل قبضه. ¬

_ = باعه من غير الذي عليه ذلك بمثل كيله وصفته- صار ذلك حوالة، والحوالة عند مالك بيع من البيوع، فلذلك لا يجوز أن يحتال بمثل ذلك الطعام الذي سلف فيه على غير الذي عليه السلف؛ لأنه يصير دينًا بدين، وبيع الطعام قبل أن يستوفي. (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 34. بلفظ: أما الشيء اليسير من الكثير فلا بأس به، وكأنه وكيل على قبضه. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 32. (¬3) سبق تخريجه، ص: 3062. (¬4) قوله: (ما شاء) ساقط من (ت). (¬5) قوله: (عن يده) في (ت): (يده منه). وانظر: النوادر والزيادات: 6/ 34. (¬6) في (ب): (الجواب).

وقال مالك في كتاب ابن حبيب: الهبة والصدقة أخف (¬1). يريد: لأن يد المشتري قد خرجت. وإن كانت الهبة والصدقة من أجنبي، التزم أن يقضي ذلك عن المسلم إليه، ورضي المسلم بالحوالة عليه، لم يجز للمسلم بيعه قبل قبضه من الواهب ولا من غيره. وعقد هذا أنه متى كانت يد المسلم إليه (¬2) باقية على سلمه، وهو القابض، لم يجز البيع، وسواء كان المقبوض منه المسلم إليه أو واهبًا أو متصدقًا أو مقرضًا، للحديث: "مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلاَ يَبِعْهُ"، وإذا زالت يده وكان القابض موهوبًا له أو متصدقًا عليه، جاز (¬3)؛ لأنه لا ينطلق عليه الحديث: "مَنِ ابْتَاعَ". (¬4) ومن وكل رجلًا يشتري له طعامًا ليقضيه عنه من سلم عليه، فأمسك الوكيل الذهب، وقضى الطعام من عنده فرضي ذلك المسلم إليه، جاز؛ لأن السلم قد قبض. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 33. (¬2) قوله: (إليه) ساقط من (ت). (¬3) قوله: (جاز) ساقط من (ت). (¬4) زاد في (ت): (فصل).

باب فيمن ابتاع طعاما على كيل، أو جزافا ثم هلك بيد بائعه

باب فيمن ابتاع طعامًا على كيل، أو جزافًا ثم هلك بيد بائعه ومن اشترى طعامًا بعينه، ثم هلك قبل قبضه، فإنه لا يخلو هلاكه من أربعٍ: إما أن يكون من سبب البائع، أو أجنبي، أو لا سبب فيه لآدمي، أو من المشتري، فإن كان من سبب البائع، باعه، أو أكله، أو وهبه- كان عليه أن يأتي بمثله إن علم كيله، وإن لم يعلم تحَرَّى قدر ما فيه فيغرمه، وليس للمشتري إن كان باعه أن يجيز البيع ويأخذ الثمن، ولا إن كان أكله أو وهبه أن يأخذ القيمة، ويدخله إن فعل بيع الطعام قبل قبضه، ولا أن يفسخ البيع عن نفسه. قال ابن القاسم: وهو بمنزلة من استهلك طعامًا، فإنما عليه مثله (¬1). وإن أهلكه أجنبي أغرم القيمة، واشترى بها طعامًا، ويكيله البائع للمشتري، وإن لم يشتر بالقيمة حتى حال سوقه، لم يكن على البائع سوى ما اشترى بالقيمة، وينفسخ البيع في العاجز عن قدر الأول؛ لأنه بمنزلة ما ذهب بأمر من السماء، وإن حال برخص لم يشتر بالفاضل، وكان للبائع؛ لأنه في ضمانه فله رخصه. وإن كان الذي أهلكه معسرًا لم يكن على البائع شيء، وكان للمشتري أن يفسخ البيع، ولم يلزمه الصبر حتى يوسر المعتدي، فإن رضي بالصبر جاز ولا مقال للبائع؛ لأنه لا مضرة عليه في ذلك، وإن رضي البائع أن يغرم مكيلته (¬2) مثل ما كان يشتري بالقيمة، لزم المشتري. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 164. (¬2) في (ب): (مكيلة).

وقال أشهب في كتاب محمد: إذا غرم الأجنبي القيمة للبائع ينفسخ البيع، وليس للمشتري إلا ثمنه، إلا أن يقر المتعدي بعدد كيل، فيكون رب الصبرة بالخيار، إن شاء أغرمه كيل ما أقر به بعد أن يستحلفه، وإن شاء أغرمه القيمة ولا يصدقه، فيكون المشتري حينئذ بالخيار، إن شاء أخذ المكيلة التي أقرَّ بها المتعدي، وإن شاء أخذ (¬1) القيمة، فاشترى له بها طعامًا فأكله (¬2)، وإن شاء فسخ البيع عن نفسه (¬3). قال محمد: اختلف قول أشهب إذا أخذت القيمة فقال مرة: يشتري بها طعاما (¬4) فيوفاه المشتري، ومرة قال: لا، إلا أن يعرف الكيل (¬5). فجعل في القول الأول الفسخ من حق البائع إذا غرم المتعدي القيمة، وكذلك قال فيمن اشترى طعامًا فاطلع فيه على عيب بعد أن فات، قال: المشتري بالخيار بين أن يغرم المثل، أو يرجع بالعيب (¬6). ورأى أن عليه في تغريم المثل وشرائه مشقة، وكذلك البائع ها هنا له الفسخ، ولا يتكلف الشراء. ورأى في القول الآخر أن يشتري بالقيمة وأن هذا (¬7) أخف من المشتري يجد عيبًا بحضور ما يشترى به، ولأنه لا يغرم ذلك من ذمته، ثم اختلف قوله ¬

_ (¬1) قوله: (أخذ) ساقط من (ت). (¬2) في (ب) زيادة: (فاكتاله لغيره كانت معلمة عليها). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 374. (¬4) في (ت): (يشترى بها طعام). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 375. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 303. (¬7) قوله: (وأن هذا) يقابله في (ب): (وهذا).

فصل [فيمن ابتاع صبرة جزافا ثم هلكت بعد تمكين المشتري منها أو بعد حبس البائع لها]

إذا سقط قول البائع، وغرم المستهلك المكيلة: هل يكون للمشتري خيار؛ لأنه يقول: اشتريت طعامًا بعينه، فلا ألزم غيره. وإن هلك بأمر من الله، فسخ البيع على قوليهما (¬1) جميعًا إذا ثبت ذلك. واختلف إذا لم يعلم ذلك إلا من قِبل البائع: فقال ابن القاسم في العتبية: لا يصدق، وعليه أن يوفِّيَ الكيل الذي باع (¬2). وعلى قوله في كتاب السلم الأول يحلف أنه هلك ولم يكتمه، وينفسخ البيع. وإن أهلكه المشتري وعرف كيله، كان ذلك قبضًا، وعليه وإن يغرم الثمن، وإن لم يعرف كيله، فالقدر الذي يقال: إنه كان فيه (¬3)، فإن قيل: قفيز، غرم ثمنه. فصل [فيمن ابتاع صبرة جزافًا ثم هلكت بعد تمكين المشتري منها أو بعد حبس البائع لها] وإن بيعت صبرة جزافًا فهلكت بعد أن أمكن المشتري منها، كانت المصيبة (¬4) من المشتري وعليه الثمن، وإن أهلكها البائع كان له الثمن، وعليه القيمة، فمن كان له فضل عند صاحبه غرمه، وإن أهلكها أجنبي غرم القيمة للمشتري، وغرم المشتري الثمن للبائع. ¬

_ (¬1) في (ب): (قولهما). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 7/ 456 - 457. وعبارته: (وسئل: عن رجل يشتري كيلا من طعام بعينه فلم يقبضه حتى ادعى البائع أن الطعام هلك عنده، وكذبه المبتاع، وأراد أن يضمنه الكيل الذي باع منه، قال: عليه أن يوفيه الكيل الذي اشترى منه، إلا أن يعلم هلاكه بالبينة العادلة). (¬3) في (ت): (فيها). (¬4) قوله: (المصيبة) ساقط من (ب).

واختلف قول مالك إذا كانت محتبسة بالثمن: فقال محمد: لم يثبت مالك منها على أمر (¬1). يريد: أنه جعلها مرة من المشتري، ومرة من البائع، كالعبد يحبس بالثمن، فقد اختلف فيه قول مالك، فعلى قوله: إن المصيبة من المشتري يعود الجواب إلى ما تقدم لو أمكن منها، هذا إذا كان هلاكها بأمر من الله أو أهلكها أجنبي. واختلف إذا أهلكها البائع، فقيل: المشتري بالخيار، فله أن يفسخ البيع؛ لأنه حال بينه وبين المبيع (¬2)، وله أن يغرمه القيمة ويدفع الثمن. قال ابن القاسم في العتبية في مثل هذا: لو قال قائل: عليه القيمة، قلّت أو كثرت لم أعبه (¬3). وعلى القول أن المصيبة من البائع ينفسخ البيع إن هلكت بأمر الله أو أهلكها أجنبي ويسقط الثمن عن المشتري، ويعود المقال للبائع على الذي أهلكها فيغرمه القيمة إلا أن يكون الثمن أكثر فيغرمه إياه؛ لأنه كان دينًا ثابتًا فأبطله بإهلاكه، وإن أهلكها البائع فأكلها أو باعها، كان للمشتري أن يفسخ البيع. واختلف هل له أن يغرم البائع القيمة إن أهلكها أو الأكثر من القيمة والثمن الذي بيعت به إن باعها؟ فعلى قول أشهب ذلك له، وليس ذلك له على قول ابن القاسم، ويدخله بيع الطعام قبل قبضه، لما كان في ضمان بائعه، كما تقدم في اللبن في الضروع والثمرة الغائبة. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 373. (¬2) في (ت): (البيع). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 7/ 479.

وإن أهلكها المشتري عمدا كان ذلك (¬1) رضا بالقبض، وإن باعها بائعها على كيل فعلى القول أن المصيبة من المشتري يكون بالخيار بين أن يجيز البيع ويأخذ الثمن، أو يغرم البائع مثل ما وجد فيها من الكيل، وعلى القول أنها من البائع يكون له أن يغرمه، مثل ما وجد فيها من الكيل، ويختلف هل له أن يجيز البيع ويأخذ الثمن؟ ¬

_ (¬1) قوله: (ذلك) ساقط من (ب).

باب فيمن له دين على رجل يقبضه ببلد فلقيه بغيره

باب فيمن له دين على رجل يقبضه ببلد فلقيه بغيره وقال مالك فيمن باع سلعة وهو بمصر بدنانير على أن يقبضها بإفريقية، وضرب أجلًا، وحل الأجل وهو بمصر: أجبر على القضاء الآن حيثا وجده، قال: وليس العين كالسلع؛ لأن أثمانها في البلدان تختلف، فلا يأخذه إلا في البلد الذي شرط فيه (¬1). قال ابن القاسم: ولو أسلم في سلعة لا حمل لها كاللؤلؤ والمسك والعنبر، لم. يأخذه إلا في البلد الذي شرط؛ لأن سعر هذا في البلدان يختلف (¬2). وقال أشهب في كتاب محمد: إلا ألا يختلف السعر في البلدان ولا في سوق يلتمس فيه هذا اللؤلؤ والعنبر، وكان الموضع بعيدًا جدًا، فله أخذه بالموضع الذي هو فيه -وإن كره- إذا حل الأجل، وإن كان على غير ذلك، لم يكن له أن يأخذه به إلا أن يرضى المطلوب فيجيز صاحب الحق على قبوله؛ لأنه بموضعها أغلى، يريد: لأن القصد من السلم التَّجر والأثمان، فإن علم أن له غرضًا في قبضه في الموضع الذي سمى، لم يلزمه قبضه الآن ها هنا، إلا أن يكون الطريق مأمونًا، فإن كان مخوفًا لم يلزمه قبوله هنا، وإن كان أغلى؛ لأن الطالب يقول: لي غرض في قبض مالي في ذلك البلد، وأخاف على وصوله إليه، وإن كان الدين مما له حمل، وهو هنا أرخص، فرضي الطالب بقبوله، أجبر (¬3) الآخر على ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 141. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 142. (¬3) في (ب): (جبر).

فصل [في مسائل في اشتراط القبض في السلم في غير بلد التبايع]

الوفاء؛ لأنه حط عنه الحمل وغلاء السعر، وإن كان ها هنا أغلى ورضي المطلوب بالقضاء، كان للطالب ألا يقبل، لِحقِّه في الحمل، ويصح ألا يجبر على القضاء بغير البلد في العين. فإن قال: أشتري لأقضي في البلد الفلاني؛ لأن لي به مالًا، وإن ما معي ها هنا ما أتوصل به، أو قال: ليس عندي ما أقضي منه ها هنا إلا داري أو ربعي، ولا أحب بيعه، فهذا لا يجبر على القضاء إلا بالبلد الذي سمّى. ويجوز البيع وإن لم يضربا أجلًا، ويصير بمنزلة من باع على دنانير بأعيانها غائبة، فإن كان الشرط من البائع فقال: أبيعك على أن أقبض في بلد كذا؛ لأني احتاجها هناك لوجه كذا، فعجلها المشتري بغيره- لم يلزم البائع قبولها؛ لأنه يقول: أخاف في وصولها إلى هناك، وقد اشترَطتُ شرطًا جائزًا؛ فيوفي لي به. فصل [في مسائل في اشتراط القبض في السلم في غير بلد التبايع] وإن اشترط المشتري الوفاء في بلد وكان الثمن معينًا عبدًا أو دنانير موقوفة، جاز البيع وإن لم يضرب الأجل، واستحب محمد في الدنانير أن يضرب أجلًا (¬1)، ولا وجه لذلك؛ لأنهما في الأجل على وجهين: إن حل الأجل قبل الوصول لأمر عاقهما لم يجبر على القضاء من غير الغائب، وإن وصلا قبل الأجل، كان للبائع قبض تلك الدنانير، ولم يلزمه الصبر حتى يحل الأجل، وإن كان الثمن مضمونًا وهو عين لم يجز إلا أن يضربا أجلًا. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 68.

واختلف إذا كان عرضًا أو طعامًا، فقيل: ذلك جائز، والمسافة كالأجل، وعلى المسلم إليه أن يخرج للقضاء فإذا وصل قضاه. وقال ابن القاسم في سماعه عن مالك: سئل مالك عن ذلك، فقال: أحالٌّ هو؟ فقيل (¬1): نعم، قال: لا بأس به. ولم يجعله على الجواز بمجرد العقد، وقال فضل: الدنانير والعروض سواء، فإن لم يضربا أجلًا فهو فاسد. وهو أحسن؛ لأن السلم يحتاج إلى أجل يقبض عنده، وموضع يقبض فيه، فإذا ذكر الموضع بقي الأجل، وذكر الموضع لا يفهم منه الأجل. وقد استحب مالك فيمن باع بدنانير غائبة أن يضربا الأجل، فهو في السلم أولى، وإذا ضربا الأجل (¬2) فبقي من الأجل قدر مسافة الوصول، كان على الغريم أن يخرج للقضاء. واختلف إذا وكل وكيلًا للقضاء: فأجازه ابن القاسم (¬3). ومنعه سحنون، وقال: لا أعرف الوكيل في هذا؛ لأنه لا يستطيع أن يتحول بما له من الطعام. وقول ابن القاسم أصوب؛ لأنه إنما يخرج على أنه وكيل، والوكالة تضمنت بقاء الدين في ذمة الأول، وليس بحوالة، فيدخله دين في دين، وإن خرج على أنه وكيل وحميل (¬4) جاز؛ لأن الطالب له ذمة غريمه وذمة الحميل، والحمالة بما لم يحل جائزة، ويسقط مقال الطالب بخروج الوكيل إذا كان يدفع إليه من المال ما يوفي بالدين في الغالب، أو كان للغريم بذلك الموضع ما يوفي به ¬

_ (¬1) في (ب): (قال). (¬2) في (ب): (أجلًا). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 279. (¬4) فى (ب): (وكيل حميل).

فصل [في منع الدائن للمدين من السفر عند قرب حلول الأجل]

ولا يحتاج فيه إلى خصومة، وإلا لم يجز، إلا أن يتحمل الوكيل بالقضاء ويكون موسرًا بذلك، أو يأتي بمن يتحمل به إلى ذلك البلد، فإن حيل بين الناس وبين ذلك البلد لفساد طريق أو لعدو أو فتنة ولا يرجى قرب انكشافه، كانت على الخلاف فيمن أسلم في ثمرة فخرج وقتها هل يلزم الصبر إلى انكشاف ذلك أم لا؟ وأرى أن يكون بالخيار بين الصبر أو يأخذ رأس ماله، وإن أراد أن يأخذ الثمن الذي كان يشتري به في ذلك البلد، جاز على قول أشهب إذا كان السلم في عروض، وإن كان في طعام لم يجز، ويدخله بيع الطعام قبل قبضه. وإن رضي الطالب أن يقبض ببلد هو قريب من البلد الذي شرطا والسعر سواء وهو في هذا أرخص كان ذلك له. وإن كان بالبلد الذي هما فيه فقال الغريم: خذ حقك، وقال الطالب: لا أقبضه؛ لأني إن قبضته هلك، يجبر على قبضه، وكذلك إن كان على الطالب طلبٌ من سلطان، فكان قبضه أخذه السلطان، وإن لم يقبضه أغرمه المطلوب، كان من حق الغريم أن يبرئ ذمته منه (¬1) فيكون الغصب على الطالب. فصل [في منع الدائن للمدين من السفر عند قرب حلول الأجل] ومن كان عليه دين إلى أجل فأراد السفر قبل حلوله لم يمنع إذا بقي من الأجل قدر سيره ورجوعه، وكان ممن لا يخشى لدَدُهُ ومقامه، وإن خشي ذلك ¬

_ (¬1) قوله: (منه) ساقط من (ت).

منه، أو كان معروفًا باللدد، منع إلا أن يأتي بحميل، وإن كان موسرًا وله عقار كان بالخيار بين أن يعطي حميلًا بالقضاء أو وكيلًا بالبيع، ويكون النداء قبل الأجل بقدر ما يرى أنه يكمل الإشهاد قبل محل الأجل. وإن أشكل أمره هل يريد سفرًا بجيدًا أم لا؟ حلف أنه ما يسافر فرارًا، وأنه لا يتأخر عن العودة عند محل الأجل، وتُرك.

باب فيمن اشترى تمرا في النخل بطعام، أو نخلا مثمرة بطعام، أو طعاما حاضرا بغائب عن موضعهما

باب فيمن اشترى تمرًا في النخل بطعام، أو نخلًا مثمرة بطعام، أو طعامًا حاضرًا بغائب عن موضعهما ومن اشترى تمرًا في نخل بطعام نقدًا، فإن كانت زهوًا أو رطبًا (¬1)، لم يجز إلا أن تجذ الثمرة ويتقابضا، قال ابن القاسم: لأن فيها الجوائح (¬2). وإن كانت قد يبست، وكان الجذاذ على المشتري، جاز وإن لم يجذ بالحضرة، وكذلك إن كان الجذاذ على البائع، ودخل على أنها في ضمان المشتري بالعقد، وإن شرط أنها في ضمان البائع حتى تجذ، لم يجز إلا أن تجذ الثمرة (¬3) بالحضرة أو يتقابضا (¬4)، واختلف إذا اشترى نخلًا بما فيها من الثمار وهي زهو أو رطب: فقال ابن القاسم: لا يجوز إلا أن تجذ الثمار، ويتقابضا في الطعامين (¬5). وقال سحنون: يجوز ذلك وإن لم تجذ الثمار وكان قبض الطعام الآخر مؤجلًا، قال (¬6) كان كحلية السيف ومال العبد. وقد مضى ذلك في كتاب القسم. وإن بيع قمح بتمر أو عسل بزيت تقابضا بحضرة العقد وقبل الافتراق، ¬

_ (¬1) في (ت): (تمرًا). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 145. (¬3) قوله: (الثمرة) ساقط من (ت). (¬4) في (ب): (ويتقابضا). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 275. (¬6) قوله: (قال) ساقط من (ب).

كالصرف، وإن كان أحد الطعامين غائبًا وقريبًا من مجلسهما أُحضر بفور ذلك، أو قاما إليه وتناجزا بالحضرة، جاز ولم يفسخ، وقد مضى مثل ذلك في كتاب الصرف. وقال مالك في صاحب الحانوت يشتري حنطة بزيت أو سمن، فيكتال الحنطة، ويدخل الحانوت ليخرج السمن أو الزيت: لا يعجبني، وليدع الحنطة عند صاحبها، ويخرج السمن أو الزيت ثم يأخذ ويعطي. وهذا حماية، ولا يفسخ إن نزل (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 145.

باب فيمن اقتضى من ثمن الطعام طعاما

باب فيمن اقتضى من ثمن الطعام طعامًا ومن باع طعامًا فقضى في ثمنه طعامًا، فإن كان مثله في الصفة والكيل جاز، وهي كالإقالة، وإن كان أكثر كيلًا أو أجود صفة لم يجز؛ لأنهما يُتَّهَمَان أن يكونا عَمِلا (¬1) على سلف بزيادة، وإن كان أقل كيلًا وأدنى صفة كان فيها قولان، وأرى أن يجوز؛ لأنه لا يتهم على خسارة. قال فضل: إنما كره ذلك لما يتخوف في الطعام من السوس، وهذا إنما يخشى إذا كان بين الكيلين ما يرى أن الناس يدفعونه للضمان، ويكون هناك ما يوجب أن يخرجه عن يده ليضمن، أما أن يكون في وقت يخشى عليه الفساد، ويكون بين بيعه وبين اقتضائه ما يتغير فيه الأول أو تكون فتنة. وكل ما لا يجوز للبائع أن يأخذه من المشتري منه، فإنه إن أحال بالثمن على المشتري لم يكن للمحال أن يأخذه من المحال عليه، وكذلك إن أحال المشتري البائع على غريم له، لم يأخذ البائع من المحال عليه إلا ما كان يجوز له أن يأخذه من المشتري منه، وهذا حماية، ولا أفسخه إن نزل، وإن أحال البائع على المشتري رجلًا فأحاله المشتري على آخر جاز أن ياخذ طعامًا، أيّ صنف أحب؛ لأن المنع في الأول لأجل التهمة خيفة أن يكونا عَمِلا على ذلك، فإذا خرجت يد البائع والمشتري، وصار الآخذ والمأخوذ منه غير المتبايعين في ذلك الطعام، ضعفت التهمة، وقد تقدم بيان ذلك في الكتاب الأول. ومن باع حبًا فلا يقبض من المشتري في ثمنه ما ينبت ذلك الحب إذا كان ¬

_ (¬1) زاد في (ت): (على ذلك).

بينهما من الأجل ما ينبت ذلك الحب فيه، قال مالك في كتاب محمد: وما هو بالحرام البين (¬1). يريد: أن ذلك حماية، واختلف فيمن باع ثمرة حائطه (¬2) بعد الطيب، فلما صار تمرًا أقال منه: فقال مالك (¬3) مرة: لا بأس به (¬4). ومرة: لا خير فيه إلا أن يفلس المشتري فيكون البائع أحق بها من الغرماء (¬5). وأرى أن يجوز وإن لم يفلس؛ لأنه طعامه بعينه فلا يدخله طعام (¬6) بطعام. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 59. (¬2) في (ب): (حائط). (¬3) قوله: (مالك) ساقط من (ب). (¬4) قوله: (به) ساقط من (ب). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 52. (¬6) قوله: (طعام) ساقط من (ت).

باب في بيع الشاة اللبون بالطعام أو باللبن نقدا أو إلى أجل أو بيع الخلايا بالعسل

باب في بيع الشاة اللبون بالطعام أو باللبن نقدًا أو إلى أجل أو بيع الخلايا بالعسل ومن المدونة قال مالك: لا بأس بالشاة اللبون بالطعام نقدًا أو إلى أجل، ولا بأس بها باللبن نقدًا، ولا يسلم في لبن، ولا يسلم اللبن في شاة لبون، ولا بأس بالشاة غير اللبون باللبن إلى أجل (¬1). وقال ابن القاسم في العتبية: إذا تقدم اللبن فلا بأس، وإن تقدمت الشاة في اللبن فذلك حرام (¬2)، وله نحو ذلك في كتاب محمد (¬3). وقال أشهب: لا بأس بالشاة اللبون باللبن إلى أجل إذا صح، ولم يتق ذلك منهما. وقال أيضًا: إن كان اللبن المعجل لم يجز (¬4). عكس ما ذهب إليه ابن القاسم. فمن منع الوجهين جميعًا رأى أنه من باب سلف بزيادة إذا تقدم اللبن، كالكتان في ثوب كتان، وإن تقدمت الشاة من باب ضمان بجعل. وأرى إن أسلم اللبن الكثير وما يرى أنه لا يرجى من تلك الشاة إلا في أعوام أن يجوز، ويحمل على أنه لبن شياه (¬5)، وإن كان قليلًا يرجى منها مُنِعَ، إلا أن يعلم أنه أراد المعروف والمكارمة، ولا يجوز أن يسلم الشاة (¬6) في اللبن ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 149. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 7/ 73. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 18. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 18. (¬5) في (ت): (أنه ليس بشاة). (¬6) قوله: (ولا يجوز أن يسلم الشاة) يقابله في (ت): (ويجوز أن تسلم شاة).

فصل [في بيع النحل أو الخلايا بالعسل]

الكثير، إلا أن يعلم أنه أراد المكارمة فيجوز وإن كان يسيرًا، وكذلك إذا أسلم صوفًا في شاة عليها صوف، يجوز إذا كان كثيرًا، ويمنع إذا كان في قدر ما عليها إذا تم، وكذلك إن أسلم شاة في صوف فإن كان في (¬1) قدر ما يرجى منها في عامها وما قارب ذلك لم يجز، وإن كان كثيرًا لا يرجى منها جاز. فصل [في بيع النحل أو الخلايا بالعسل] قال ابن حبيب: لا بأس ببيع ذباب النحل بالعسل نقدا أو إلى أجل، وكذلك بيع العسل بكيل (¬2) من ذبابه أو من ذباب النحل إلى أجل؛ لأنه لا عسل فيه (¬3)، بمنزلة بيع النخل بتمر إلى أجل يكون في النخل تمر. قال محمد: قال ابن القاسم: لا تباع الخلايا بشيء من العسل نقدًا ولا إلى أجل (¬4). قال محمد: كان فيها عسل أو لم يكن (¬5). قال أصبغ: فإن لم يكن فيها يَومَ بِيعتْ عسل، جاز بيعها بالطعام غير العسل نقدًا أو إلى أجل قريب، لا يأتي فيه بعسل، وإلا فلا خير فيه إلا بالعين ¬

_ (¬1) قوله: (في) ساقط من (ب). (¬2) في (ب): (بكل). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 25. وعبارته: (ومن الواضحة: ولا يجوز بيع جبح نحل العسل نقدًا، أو إلى أجل، ولا بيع عسل بجبح نحل إلى أجل، ولا بأس ببيع ذباب النحل كيلًا بالدراهم، وبالعسل نقدًا أو إلى أجل، وكذلك بيع عسل بكيل ذباب النحل إلى أجل، إلا أن لا يكون فيه عسل، فيجوز بطعام إلى أجل قريب لا يكون فيه إليه العسل، وإن كان يأتي إلى مثله فيه العسل، فلا يباع إلا بعين أو عرض). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 25. وعبارته: (ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: لا تباع الخلايا بشيء من العسل نقدًا، ولا إلى أجل). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 25.

والعروض، ولا يجوز بالعسل على حال (¬1). قال الشيخ -رحمه الله-: أما بيع ذباب النحل بالعسل فالجواب فيه حسن إذا كان إلى أجل لا يجني فيه منها (¬2) ذلك العسل. ويختلف إذا كان الأجل بعيدًا يجني فيه ذلك منها، قياسًا على بيع النخل بتمر إلى أجل يكون فيها تمرًا، وأما الخلايا بالطعام فإذا كان فيها عسل فاضل عن قوتها جاز بالطعام نقدًا، ولم يجز إلى أجل. ويختلف إذا لم يكن فيه فضل. هل يجور بيعها بالطعام إلى أجل، قياسًا على حلية السيف إذا كانت تبعًا وهى فضة، هل يجوز بيعها بالفضة أو الذهب إلى أجل؟ فقيل: يجوز. وقيل: يكره. فإن نزل مضى. وقيل: يفسخ. فإن فات مضى وهو في النحل أجوز؛ لأنه إن قطع هلكت، وليس في زوال (¬3) الحلية أكثر من أجرة تؤدى على إعادتها، ولا يجوز بيعها بالعسل إذا كان فيها فضل عنها، نقدًا ولا إلى أجل، ويدخله التفاضل والنساء إن كان إلى أجل، ويختلف إذا لم يكن فيه (¬4) فضل هل يباع بعسل إلى أجل يصير فيه فضل عنها؟ وإن بيع النحل والخلايا بقرب ما رمى النحل فيها ولم تعمل شيئًا، أو عملت الشهد دون العسل، جاز بيعها بالعسل، بمنزلة بيع الذباب قبل أن تعمل ذلك. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 25. (¬2) قوله: (لا يجني فيه منها) يقابله في (ت): (لا يجبى منها فيه). (¬3) في (ب): (زول). (¬4) في (ت): (فيها).

باب [فيما] يحرم التفاضل فيه من الطعام وما يجوز منه

باب [فيما] (¬1) يحرم التفاضل فيه من الطعام وما يجوز منه ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "البُرُّ بِالبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالمِلْحُ بِالمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، فَمَنْ زَادَ أَوِ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى، فَإِنِ اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ (¬2) شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ" (¬3). واختلف في تعليل هذه الأصناف فقال مالك في كتاب محمد: ما كان من الطعام والشراب من الحبوب والأوداك، والأدم، والفاكهة رطبها ويابسها مما يدخر- نوع واحد لم يجز التفاضل فيه. فجعلها ثلاثة أقسام: مقتات، مؤتدم، ومتفكه، وقال أبو جعفر الأبهري: مِن أصحابنا من علله بثلاث علل فالبر مقتات مدخر جنس، فكل مقتات مدخر مردود إليه، والتمر متفكه يصلح للقوت، فكل ما وجد فيه هذا المعنى فهو مثله، والملح مؤتدم، فكل ما وجد فيه هذا المعنى فهو مثله. ومنهم من علله بالقوت جنسًا. وقال ابن القصار وأبو محمد عبد الوهاب: العلة أنها مأكولة مدخرة للعيش غالبًا (¬4). وليس هذا التعليل بصحيح، وهذه العلة شرط في كل ما تجب فيه الزكاة، وأنها إنما تجب فيما كان للعيش غالبًا، إذا كان مقتاتًا مدخرًا وقد يكون مدخرًا، ¬

_ (¬1) في (ت): (ما). (¬2) في (ت): (إن). (¬3) سبق تخريجه في كتاب الصرف، ص: 2766. (¬4) انظر: المعونة: 2/ 5.

وليس للعيش غالبًا يحرم فيه التفاضل، وليس تجب فيه زكاة، فالجوز واللوز (¬1) وما أشبه ذلك يحرم فيه التفاضل؛ لأنه مقتات مدخر، ولا تجب فيه الزكاة؛ لأنه ليس بأصل للعيش (¬2)، فالبر والشعير وما أشبه ذلك أصل للعيش فوجبت فيه الزكاة، وحرم فيه التفاضل. والقول إن التمر متفكه غلط؛ لأنه كان بالمدينة أصلا للعيش، وكذلك مدائن التمر هو العمدة في أقواتهم، كالقمح في الحواضر، والشعير في البوادي. وفي كتاب مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأخذ لأزواجه من خيبر ثَمَانِينَ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ وَعِشْرِينَ وَسْق شَعِيرٍ (¬3). ولورود النص بوجوب الزكاة فيه، ويلزم القائل أنه تفكه، أن يسقط الزكاة منه أو يوجب الزكاة في الفواكه، وإذا صح أن هذه الثلاثة البر والشعير والتمر أصل للعيش لم يبق إلا الملح، وهو مصلح القوت، فَقِس عليه المؤتدمات والفواكه المدخرة؛ لأن عمدة الملح في القوت الإصلاح، إن صنع في خبز أو طعام صلح وعذب، واستعمل الإنسان منه أكثر ما يستعمل لو لم يكن فيه، وإن أخل به كان ناقصًا، وفي معنى الفساد (¬4)، وتدخل فيه المؤتدمات بالمعنى؛ لأن كل واحد منها متعلق بما هو أصل للعيش غالبًا يراد ليستطاب به (¬5) الطعام، ولينال منهما من الطعام ما لا ينال عند عدمهما، وكذلك المتفكه به تعلق فيما هو أصل للعيش فيما يستطاب به. واختلف في الرمان والتفاح ¬

_ (¬1) قوله: (فالجوز واللوز) في (ت): (واللوز والجلوز والجوز). (¬2) في (ب): (العيش). (¬3) سبق تخريجه في كتاب الزكاة الثاني، ص: 1073. (¬4) في (ت): (المفسود). (¬5) في (ب): (فيه).

والخوخ: فأجاز مالك التفاضل فيها، ولم يرها مدخرات (¬1). وقال ابن نافع في شرح ابن مزين: الرمان والخوخ وعيون البقر والإجاص (¬2) والموز مما ييبس ويدخر، فلا يجوز التفاضل فيه. وقال محمد في الزفيزف (¬3) يجوز التفاضل فيه، قال: لأن يبس ذلك ليس الغالب، ولا ييبس للأكل ولا للمعاش، وإنما ذلك ليدخل في غيره من العلاج والطبخ (¬4). قال الشيخ -رحمه الله-: أما الرمان فلا يجوز التفاضل فيه؛ لأنه يدخر الشهور، وهو يتفكه قبل الادخار وبعده، وأما العين، والزفيزف فيجوز التفاضل فيهما؛ لأنهما إنما يرادان بعد اليبس للعلاج. والحلبة الخضراء طعام، فإذا يبست كانت علاجا، فإن نبتت كانت طعاما وهي في حال اليبس على حكم العلاج، ولا تراد في المغرب لتنبت بخلاف الترمس له حكم الطعام وإن كان لا يؤكل في حال اليبس؛ لأنه لا يراد إلا لينبت فحمل على ما يراد له. وقد تقدم ذكر الاختلاف في التوابل والبقول (¬5)، وألا يجوز التفاضل فيه أحسن؛ لأنها مصلحة للقوت كالملح. ¬

_ (¬1) المدونة: 4/ 269، والبيان والتحصيل: 7/ 171. (¬2) في (ب): (الإنجاص). (¬3) في (ب): (الزفزوف). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 9. (¬5) في (ت): (القول).

فصل [في بيع الرطب بالرطب، والرطب بالتمر، والبسر بالرطب، والبسر بالبسر]

فصل [في بيع الرطب بالرطب، والرطب بالتمر، والبسر بالرطب، والبسر بالبسر] البسر بالبسر والرطب بالرطب والتمر بالتمر لا يجوز التفاضل فيها (¬1)، واختلف في بيع بعضها ببعض مثلًا بمثل: فأجازه مالك وابن القاسم. وذكر أبو محمد عبد الوهاب عن عبد الملك: أنه منع بيع الرطب بالرطب، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا جَفَّ. . ." الحديث (¬2). ويمنع على قوله بيع البسر بالبسر، ويجوز التمر بالتمر إذا كانا جديدين أو قديمين. واختلف في الجديد والقديم: فأجازه مالك في كتاب محمد، ومنعه عبد الملك. والمنع في جميع (¬3) ذلك أحسن إذا كانا من جنسين صيحاني وبرني (¬4)، وما يعلم أنهما يختلفان في النقص إذا صار تمرًا، للحديث، ولا يجوز البسر بالرطب، ولا الرطب بالتمر مثلًا بمثل، ويختلف إذا تحريا نقص الرطب إذا جف، وقد ¬

_ (¬1) في (ت): (فيه). وانظر: المدونة: 3/ 146. (¬2) انظر: المعونة: 2/ 10. والحديث حَسَنٌ صَحِيحٌ أخرجه مالك في الموطأ 2/ 624، في باب ما يكره من بيع التمر، من كتاب البيوع، برقم: (1293)، والترمذي: 4/ 447، في بَاب مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ المُحَاقَلَةِ وَالمُزَابَنَةِ، من كِتَاب البُيُوعِ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، برقم (1146)، وقَالَ الترمذي: هَذَا حَدِيث حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهلِ العِلْمِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِنَا. (¬3) قوله: (جميع) ساقط من (ب). (¬4) الصيحاني والبرني: نوعان من التمر.

اختلف قول مالك في بيع الطري من اللحم باليابس على التحري، وفي العجين بالدقيق على التحري، وأجاز في كتاب محمد رطب الخبز بيابسه على التحري (¬1)، والمنع في جميع ذلك أحسن؛ لأن الفضل محرم وإن قل، والتحري لا يأتي على حقيقة المماثلة. وقال ابن القاسم في بيع البلح الكبير بعضه ببعض لا يجوز متفاضلًا (¬2). وأن يجوز أحسن؛ لأنه غير مدخر، وكذلك البلح الكبير بالبسر أو بالتمر قال مالك: لا خير فيه. وقال في مختصر ما ليس في المختصر: تركه أحب إليّ وعسى أن يجوز. وهذا أقيس؛ لأنه مدخر بما ليس بمدخر. وقد اختلف في الشتوي من التين والعنب متفاضلًا: فأجيز؛ لأنه لا يدخر، ومنع؛ لأن الغالب في ذلك الجنس الإدخار، فحمل القليل على حكم الكثير، وأجاز البلح الصغار بالكبار وبالبسر وبالرطب متفاضلًا إذا كان يدًا بيد. وقال في كتاب القسم في البلح (¬3) الصغار هو علف كالبقل. فإذا كان في وقت يكون علفًا جاز أن يسلم في الكبار وفي الزهو والتمر إذا كان مجذوذًا أو يجذ قبل أن يراد للأكل، فإن كان يراد للأكل جاز التفاضل يدًا بيد، ولا يجوز صغاره بصغاره إلى أجل وإن لم يكن طعامًا، كما لا يجوز ثوب بمثله إلى أجل وأجاز النوى بالتمر، ومنعه مرة بموضع المزابنة خاصة؛ لأن التفاضل بين النوايين وبين النوى بالتمر جائز. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 22. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 232. (¬3) قوله: (البلح) ساقط من (ت).

باب في بيع اللحوم بعضها ببعض، وفي بيع الحيوان باللحم والحي بالحي

باب في بيع اللحوم بعضها ببعض، وفي بيع الحيوان باللحم والحي بالحي اللحم (¬1) ثلاثة أصناف: فلحوم ذوات الأربع صنف، إنسيها ووحشيها، الإبل والبقر والغنم وبقر الوحش وحمره وغيرها من ذوات الأربع، لا يجوز التفاضل فيها. ولحوم الطير صنف، إنسيه ووحشيه، وما كان عيشه في البر والماء سواء، ولحوم الحيتان كله صنف البحري والنهري لا يجوز التفاضل فيه، والجراد صنف رابع لا يضم إلى الطير ولا إلى الحوت (¬2)، وأجاز أشهب في كتاب محمد التفاضل فيه (¬3)، ولا أرى ذلك؛ لأنه مما يدخر. ومنع مالك التفاضل بين لحوم ذوات الأربع بعضها ببعض، وبين لحوم الطير بعضها ببعض لتقارب الأغراض وتقارب منافعها، وأجازه بين ذوات الأربع ولحوم الطير، لتباعد الأغراض والمنافع، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الُبرُّ بِالُبرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالمِلْحُ بِالمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كانَ يَدًا بِيَدٍ" (¬4). فأبان أن التفاضل جائز فيما تباعدت الأغراض فيه. ¬

_ (¬1) في (ت): (اللحوم). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 147. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 17. (¬4) سبق تخريجه، ص: 2766.

فصل [في بيع اللحم بالحيوان]

فصل [في بيع اللحم بالحيوان] روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنه نَهَى عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالحَيَوَانِ" (¬1)، ومحمل الحديث إذا كانا من جنس واحد، وإن كانا من جنسين جاز، فيجوز أن يباع لحم ذوات الأربع بحي الطير، ولحم الطير بحي ذوات الأربع، والحيتان بحي ذوات الأربع وبحي الطير، كل ذلك جائز يدًا بيد. ويفترق الجواب إذا كان إلى أجل، فإن كان الحي يراد للقنية جاز إلي أجل (¬2)، وإلا يكون يدًا (¬3) بيد، واختلف إذا كان لا يراد للقنية: فمنعه مالك إذا كان الحي لا تطول حياته، واختلف عنه إذا كانت تطول: فمنعه مرة، وأجازه أخرى (¬4). قال في كتاب محمد: ليس كل شارف يمنع وإنما ذلك إذا شارف ¬

_ (¬1) أخرجه مالك: 2/ 655، في باب بيع الحيوان باللحم، من كتاب البيوع، برقم (1335)، والشافعي: 1/ 250، برقم (1227)، قال ابن حجر في تلخيص الحبير 3/ 10: (مالك وعنه الشافعي من حديث سعيد بن المسيب مرسلا وهو عند أبي داود في المراسيل ووصله الدارقطني في الغرائب عن مالك عن الزهري عن سهل بن سعد وحكم بضعفه وصوب الرواية المرسلة التي في الموطأ وتبعه بن عبد البر وابن الجوزي وله شاهد من حديث بن عمر رواه البزار وفيه ثابت بن زهير وهو ضعيف وأخرجه من رواية أبي أمية بن يعلى عن نافع أيضا وأبو أمية ضعيف وله شاهد أقوى منه من رواية الحسن عن سمرة وقد اختلف في صحة سماعه منه أخرجه الحاكم والبيهقي وابن خزيمة). (¬2) قوله: (إلى أجل) ساقط من (ب). (¬3) في (ب): (وإلا لم يجز إلا يدًا بيد). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 26، بلفظ: وكره مالك الشارف أو المكسورة من الأنعام باللحم، ثم أجازه.

الموت (¬1). ومنعه ابن القاسم جملة، ورآه في حكم اللحم فيدخله الطعام بالطعام ليس يدًا بيد (¬2). وأجازه أشهب وإن كان لا تطول حياته، كطير الماء، وهو أقيس، وهو قبل الذبح كسائر الحيوان، وليس كونه مما لا تطول حياته مما يخرجه عن أن يكون في حكم الحي، والقول حتى تطول حياته أحوط، وإذا كان من شرط جواز النسيئة الاقتناء فإن المقتنى ما كان يراد للولادة أو اللبن، أو كان كبشًا يراد لصوفه أو للفحلة للغنم، أو تيسًا يراد لشعر ولمثل ذلك، واختلف فيما لا منفعة فيه إلا اللحم: فقال ابن القاسم في كتاب محمد: هي شاة لحم (¬3). وقال أصبغ: لا بأس به، ولا يعد شاة لحم (¬4). وهو أبين؛ لأنهم سلموا ما كان يراد للصوف أن ذلك قنية، وما يراد للسمن ولكثرة لحمه أبين، واختلف قول ابن القاسم في الكبش الخصي بالطعام إلى أجل: فكرهه مرة، وقال: لأنه لا يقتنى للفحلة، ثم رجع فقال: إذا كانت فيه منافع غير ذلك فلا بأس به (¬5). يريد: إذا كان يرغب في بقائه لصوفه، وإن كان للحمه فهو موضع الخلاف. وقد (¬6) قال مالك في العتبية في التيس الخصي: إن كان لا منفعة فيه قائمة ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 26. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 26. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 26. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 26. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 26. بلفظ: وكره ابن القاسم الكبش الخصي بالطعام إلى أجل، لا يعيب العجلة، ثم رجع فأجازه إن كانت فيه منافع غير ذلك. (¬6) قوله: (قد) ساقط من (ب).

فصل [في بيع اللحم بالحيوان من جنس واحد]

ولا مؤخرة فهو مثل ما وصفنا (¬1). يريد: ألا يجوز. وأرى أن يجوز؛ لأن العرب ترغب فيه لشعره، وغيرهم لزقه، وأما الوحشي من ذوات الأربع والطيرفقال مالك: ما كان منه يستحيا فلا بأس به بالحيتان إلى أجل (¬2). وقال ابن حبيب: الوحشي لا يقتنى ولا يحيى حياة الاقتناء (¬3). وأرى أن يجوز في مثل الحيوان؛ لأنه تطول حياته، ويراد للفراخ والولد، والولد (¬4) قنية قولًا واحدًا، فيجوز بذوات الأربع وبالحيتان إلى أجل. فصل [في بيع اللحم بالحيوان من جنس واحد] واختلف إذا كان الحي واللحم من جنس واحد فقال مالك وابن القاسم: لا يجوز كان الحي يراد للقنية أو للذبح، لا نقدًا ولا إلى أجل، لظاهر الحديث، ورأيا أنه شَرْعٌ غير معلل. وقال ابن القصار: معنى الحديث إذا كان الحي لا يراد إلا للحم، وهو من المزابنة بمنزلة الرطب باليابس، وإليه ذهب الأبهري، وأبو محمد عبد الوهاب، وغيرهم من البغداديين، ورأوا أن الحديث معلل (¬5)، وإن كان الحي يراد للقنية جاز. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 7/ 156. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 147. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 26. (¬4) قوله: (والولد) ساقط من (ب). (¬5) انظر: المعونة: 2/ 33.

وقال ابن القاسم في المدونة: إن المنع لأجل المزابنة، إلا أنه مر على المنع جملة، وإذا سلم أن المنع لأجل المزابنة جاز إذا كان الحي يراد للقنية (¬1). ويجري فيها قول ثالث: ألّا يجوز حتى يعلم ما بينهما من الفضل فيخرجان من عين المزابنة، قياسًا على قول مالك في بيع (¬2) ثوب الصوف بالصوف، والجلد بالأحذية، فقال: يكره وإن كان يدًا بيد (¬3). قال محمد: إن (¬4) جعله من المزابنة فلا يجوز هذا حتى يتبين الفضل (¬5). وإن كان الحي لا يقتنى ويراد للذبح لم يبعه باللحم على الإطلاق للحديث، ويختلف هل يجوز على تحري مساواة ما فيهما من اللحم؟ فمنعه ابن القاسم في كتاب محمد على التحري (¬6). وأجاز في العتبية أن يباع طير لا يستحيا بطير لا يستحيا إذا كان (¬7) تحريا أن يكون مثلًا بمثل (¬8). وقال محمد: كره مالك الشارف والمكسورة من الأنعام التي هي للذبح أن تباع باللحم ثم أجازه (¬9). يريد: على التحري. وكرهه ابن القاسم. وقال أصبغ: هو خفيف وليس بالحرام (¬10). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 147. (¬2) قوله: (بيع) ساقط من (ت). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 57. (¬4) قوله: (إن) ساقط من (ت). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 17. (¬6) انظر: المدونة: 3/ 154، والنوادر والزيادات: 6/ 23. (¬7) قوله: (كان) ساقط من (ت). (¬8) انظر: البيان والتحصيل: 7/ 205. (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 26. (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 26.

فصل [في بيع الحيوان الحي بالحي]

وقال محمد: لا خير فيه وبيعها باللحم أكره من بيعها بالحية، وكل لا خير فيه (¬1). فصل [في بيع الحيوان الحي بالحي] وبيع الحي بالحي على أوجه: فإن كانا مما يقتنى جاز، وإن كانا لا يرادان للقنية وهما مما تطول حياته، جرت على اختلاف قول مالك، فأجاز ذلك مرة، ورآه بمنزلة ما يقتنى، ومنعه أخرى، ثم يختلف بعد القول بالمنع، هل يجوز على تحري مساواة اللحم؟ وإن كان لا تطول حياتهما لم يجز عند مالك على الإطلاق، ويختلف هل يجوز على التحري؟ فأجازه أشهب على الإطلاق، وهو عنده بمنزلة ما يقتنى، فإن اختلفا فكان أحدهما يقتنى، والآخر لا يقتنى، لم يجز على أحد قولي مالك أنه في حكم اللحم، وإن كان مما تطول حياته، وعلى قوله أنه كالذي يراد للقنية، يجوز، وإن كان مما لا تطول حياته لم يجز على قوله، ويجوز على ما ذكره ابن القصار وغيره. وإن كان أحدهما تطول حياته ولا يراد للقنية والآخر لا تطول لم يجز عند مالك، ويدخله اللحم بالحي على أحد قوليه، وعلى قوله أن ما تطول حياته في حكم الحي، يختلف هل يجوزان على التحري؟ وعلى قول أشهب يجوز ذلك كله كيفما تصرفت به (¬2) الحالات من الاختلاف؛ لأنه حي كله. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 26. (¬2) في (ب): (فيه).

والقول ألا يجوز على التحري، وإن سلم (¬1) أنه في حكم اللحم أحسن؛ لأن التحري لا يأتي على الحقيقة. وقد تقدم ذكر الاختلاف في بيع اللحم باللحم على التحري في الكتاب الأول، وما قيل: إنه لا يجوز إلا عند عدم الموازين، والقول الأخر: أن ذلك لا يجوز بحال أحوط. ¬

_ (¬1) في (ب): (سلم).

باب في بيع اللبن والبيض بعضه ببعض

باب في بيع اللبن والبيض بعضه ببعض اللبن عند مالك في حكم ما يدخر؛ لأنه يعمل منه ما يدخر: السمن والجبن وما أشبه ذلك، واللبن وما يؤول (¬1) عنه على وجوه: حليب، ومخيض، ومضروب، وزبد، وسمن، وجبن، وأقط، فبيع الحليب بالحليب، والزبد بالزبد، والسمن بالسمن، والجبن بالجبن، والأقط بالأقط متفاضلًا ممنوع قولًا واحدًا (¬2). واختلف في بيع الحليب بالحليب متماثلًا: فأجازه مالك في المدونة (¬3)، وحكى عنه أَبو الفرج المنع، قال: لما بينهما من الزبد المجهول. فمنعه من وجه الغرر، لا من وجه المماثلة؛ لأن المماثلة موجودة. وهذا يصح إذا كانوا يريدونه ليستخرج زبده، وإن كانوا لا يريدونه لذلك جاز. والأول أصوب، ولو منع ذلك لاختلاف ما يراد منهما لما جاز بيع قمح بقمح، لاختلاف ريعهما، ويجوز بيع الزبد بالزبد والسمن بالسمن متماثلًا، وكذلك الجبن بالجبن إلا أن يكون اليابس بالطري. ولا يجوز الحليب بالزبد ولا بالسمن ولا بالجبن ولا بالأقط، ولا يجوز بيع شيء من هذه بالآخر؛ لأن الادخار موجود والتفاضل ممنوع، والمماثلة معدومة لا يقدر عليها. ¬

_ (¬1) في (ب): (يزول). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 148. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 148.

فصل [في بيع البيض بالبيض]

ويختلف في بيع المخيض بالمخيض، والمضروب بالمضروب متفاضلًا؛ لأنهما لا يدخران، فمن منع التفاضل فيهما منع أن يباع شيء منهما بحليب أو زبد أو سمن أو غيره مما تقدم ذكره؛ لأنه كالرطب باليابس. ومن أجاز التفاضل أجاز بيع أحدهما بأي ذلك أحب من الحليب وغيره، وقال مالك في المدونة: لا بأس بالسمن باللبن الذي قد (¬1) أخرج زبده (¬2). وهذا لا يصح إلا على القول أن التفاضل بينهما جائز؛ لأنه كالرطب باليابس. وأرى أن يجوز التفاضل في المخيض بالمضروب؛ لأنه مما لا يدخر، ومن منع ذلك حمله على الأصل، وقد تقدم الاختلاف في التين والعنب الشتوي، هل يمنع التفاضل بينهما ويحمل على الغالب من جنسه، أو يجوز؛ لأنه لا يدخر في نفسه ويفسد. فصل [في بيع البيض بالبيض] اختلف في التفاضل في البيض: فمنعه مالك، ورآه مما يدخر (¬3). وذكر ابن شعبان فيه قولين: الجواز، والمنع. والأول أبين أنه مدخر، وإنما يسرع إليه التغير في بعض أزمنة الصيف. ¬

_ (¬1) قوله: (قد) ساقط من (ب). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 148، بلفظ: قلت لمالك: فلبن الحليب بلبن الماخض وقد أخرج زبده واحد باثنين؟ قال: لا خير فيه إلا مثلا بمثل قيل له: أفتراه مثلا بمثل لا بأس به؟ قال: نعم لا بأس به. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 7/ 380.

قال محمد: والبيض كله صنف بيض ما يستحيا وبيض (¬1) ما لا يستحيا، وما يطير وما لا يطير (¬2). وقال مالك في بيع (¬3) بيض النعام وبيض الأوز وبيض الدجاج: يتوخى أن يكون قدرًا واحدًا. قال محمد: ذلك إذا استثنى صاحبه قشره، فإن أسلمه بقشره لم يصلح وزنًا؛ لأنه لو نحّى قشرة دون الآخر لكان فسادًا، وإنما يريد مشتريه أن يبقى في قشره إلى وقت استعماله (¬4). وقد يحمل قول مالك في تسليم بيض النعام بقشره لهذا، ويكون في موضع لا ثمن له فيه، والقياس ألا يجوز ذلك جملة. وقد تقدم ذكر الاختلاف في بيع اللحم باللحم تحريًا، وألا يجوز أصوب؛ لأن حقيقة المماثلة إنما تصح بالوزن أو الكيل، وذلك لا يعقل؛ (¬5) لأنه يصير إلى حالة لا تقبله النفس، والتحري لا يأتي على المماثلة حقيقة، ولو كانت شركة فقسمت جاز؛ لأنه يجوز أن يَفْضُلَ أحدهما صاحبه في القسم، ولا يجوز في البيع. ¬

_ (¬1) قوله: (بيض) ساقط من (ب). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 16. (¬3) قوله: (بيع) ساقط من (ب). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 16، بلفظ: قال محمد: وأرى فِي بيض النعام إن استثنى صاحبه قشره، فلا بأس به بغيره من البيض تحريًا، ولا يجوز أن أسلمه بقشره؛ لأن له ثمنًا. (¬5) في (ب): (يفعل).

باب في بيع الزيت والعسل والخل بعضه ببعض

باب في بيع الزيت والعسل والخل بعضه ببعض الزيوت والعسول أصناف، والخلول صنف، ويفترق الجواب في الأنبذة هل هي صنف أو أصناف؟ فزيت الزيتون، والجلجلان والفجل والقُرطُم، وزيت زريعة الكتان، والجوز واللوز أصناف، يجوز بيع كل واحد منها بالآخر متفاضلًا (¬1)، ويجوز التفاضل في زيت زريعة الكتان؛ لأنه لا يراد للأكل، ويجوز بيعه بزيت الزيتون نقدا وإلى أجل، ويجوز التفاضل في زيت اللوز؛ لأنه لا يراد للأكل غالبًا، وإنما يراد للعلاج ويدخل في الأدوية، وكذلك زيت الجوز عندنا. وعسل النحل والقصب والقشر (¬2) أصناف يجوز بيع (¬3) أحدهما بالآخر متفاضلًا، وخل التمر والعنب والتين والعسل صنف لا يجوز التفاضل فيه، ويجوز مثلًا بمثل؛ لأن منافعه الآن متقاربة، فلم يراع الأصل وإن كانت (¬4) أصنافًا. واختلف في نبيذ الزبيب والتمر: فقال مالك لا يصلحان إلا مثلًا بمثل؛ لأن منفعتهما واحدة (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 16. (¬2) في (ت): (العشر). (¬3) قوله: (بيع) ساقط من (ب). (¬4) في (ت): (كان). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 151.

فصل [في بيع الزيتون بعضه ببعض وبزيته، وبيع قصب السكر بعضه ببعض]

وقال ابن حبيب: الأشربة الحلال ما كان من التمر والزبيب والتين (¬1). وقال أبو الفرج: عصير العنب والتمر صنفان ما داما حلوين، فإذا خللا لم يجز التفاضل بينهما. وهذا أبين؛ لأن التمر بنبيذه والعنب بعصيره لا يجوز متفاضلًا، ولم ينقله ما يحدث فيه من عصر وانتباذ عن أصله، وإذا كانت باقية على أصولها وكان التمر بالعنب متفاضلًا جائزًا (¬2)، جاز الفضل بين نبيذيهما، فإذا صارا خلًا جازت بأصولهما متفاضلة، ولو طالت مدة الانتباذ حتى انتقل طعمه عن أصله جاز بأصله متفاضلًا، واعتبر حينئذ الحالة التي هما عليها، هل يتقارب طعمهما ومنفعتهما أم لا؟ واختلف في بيع التمر بخله، والزبيب بخله، فأجيز ذلك على الإطلاق. وفي ثمانية أبي زيد أنه فاسد، لموضع المزابنة حتى يتبين الفضل، مثل قول مالك في الجلد بالأحذية. فصل [في بيع الزيتون بعضه ببعض وبزيته، وبيع قصب السكر بعضه ببعض] ويجوز بيع الزيتون بالزيتون مثلًا بمثل، وإن كان زيت أحدهما أكثر من الآخر، كالقمح بالقمح، والقمح بالشعير والسلت، يجوز كيلًا وإن كان الريع مختلفًا، ولا يباع الزيتون بالزيت. واختلف إذا كان ذلك الزيتون لا زيت فيه مثل زيتون مصر: فمنعه مالك، ¬

_ (¬1) في (ب): (والتمر صنف). (¬2) في (ب): (جائز).

وأجازه ابن نافع في المبسوط، ويختلف على هذا في بيع الزيتون المصري بالآخر متفاضلًا، وقول ابن نافع هو أحد القولين في بيع التين والعنب الشتوي بالصيفي، فلا يجوز التفاضل في المصري بعضه ببعض؛ لأنه مما يدخر. ولا يباع السمسم بزيته إلا أن يدخله صنعة فيعمل بالورد، أو بالبنفسج، أو الياسمين، فيباع به نقدًا أو إلى أجل؛ لأن ذلك يخرجه عن حكم الطعام، وإنما يراد حينئذ للعلاج، ويباع أحد هذه الأدهان بالصنف الآخر متفاضلًا يدًا بيد، وإلى أجل؛ لأنها ليست بطعام ومنافعها مختلفة. ولا يباع القصب بعسله ولا برُبه إلا أن يدخله الأبزار (¬1)، وأجيز في السليمانية بيع قصب السكر وعسل القصب بالسكر؛ لأن ذلك صنعة ويطول أمره، ومنع مالك التفاضل بين السكر؛ لأنه عتده يستعمل للتفكه (¬2)، ومنه يعمل أهل مصر حلواتهم، ولا يراد عندنا إلا للعلاج. ولا يجوز بيع عسل القصب بِرُبِّهِ (¬3)، وهو كالطري باليابس؛ لأن عسل القصب إذا عمل رُبا (¬4) نقص. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 151. (¬2) في (ت): (تفكهًا). وانظر: المدونة: 3/ 157. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 17. (¬4) في (ت): (عسل ربما).

باب فيما يكون من الأطعمة صنفا أو أصنافا، والصنعة التي تخرجه عن أصله

باب فيما يكون من الأطعمة صنفًا أو أصنافًا، والصنعة التي تخرجه عن أصله القمح والشعير والسلت صنف واحد. واختلف في العلس والأرز والذرة والدخن، فقال مالك: هي أصناف يجوز التفاضل بينها وبين الآخر (¬1). وقال مالك في كتاب ابن حبيب في العلس مع الحنطة: صنف واحد في الزكاة والبيع (¬2). وقال ربيعة في مدونة أشهب: في الذرة أنها مع القمح صنف واحد في الزكاة والبيع. وذكر عن الليث أنه قال: القمح، والشعير، والسلت، والأرز، والذرة، والدخن صنف واحد في الزكاة والبيع، قال: لأنها تخبز خبزًا (¬3). وهو أقيس على قولهم أن أخبازها صنف واحد؛ لأن هذه الأشياء ليست تؤكل على حالها وإنما تراد للخبز (¬4)، إلا التسعير فإنه يستعمل على الوجهين جميعًا على حاله ويختبز. وقال أشهب في كتاب محمد: أخبازها كلها صنف واحد (¬5). وقال ابن القاسم في العتبية: أكره خبز القمح بخبز الأرز متفاضلًا، فإذا ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 6، بلفظ: قال أشهب: والأرز والدخن والذرة أصناف، حبه ودقيقه، فإذا صار خبزًا تقاربت منافعه وحرم التفاضل فيه. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 262، بلفظ؛ قال ابن كنانة: هو صنفٌ من الحنطةِ يقال له: العلسُ، يكون باليمن يُجمعُ مع الحنطةِ. قال ابنُ حبيبٍ: وهو قول مالكٍ فيه. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 511، بلفظ: وقال الليث: كل ما يختبز، فيه الصدقة. (¬4) في (ت): (لتختبز). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 8.

كان الغرض استعمالهما خبزًا، وكانت أخبازها كلها (¬1) صنفًا واحدًا كانت أصولها كذلك، وليست كالخلول؛ لأن التمر والزبيب استعمالهما على حالهما وطعمهما حينئذ متباينة (¬2). ويلزم على القول أن أصولهما مختلفة أن يجوز التفاضل فيها، ويجوز التفاضل في أخبازها. وكل ما طُحن من هذه الأصناف فلا يخرجه الطحين (¬3) عن أصله فلا يجوز الفضل بينهما، وكذلك إن عُجن، فإن خبز أو عمل سويقًا كان ذلك صنعة يخرجه عن أصله، فيجوز التفاضل إذا بيع بحبه، والفرق بين ذلك أن الطحين لم ينقل طعمه ولا منفعته، وأكثر ما فيه تفرقه أجزائه، وكذلك إذا عجن فإنما أضيف إليه ماء، فإذا خبز انتقل طعمه ومنفعته وتباين الغرض بينهما، وكذلك إذا عُمل منه سويق انتقل طعمه ومنفعته، وإذا كان الطحن ليس بصنعة ولم يجز الفضل فقد اختلف في بيع أحدهما بالآخر كيلًا على ثلاثة أقوال: فقال مالك: يجوز بيع القمح بالدقيق كيلًا لا فضل بينهما (¬4). وقال في كتاب ابن حبيب: لا يجوز إلا فيما قل على وجه المعروف بين الجيران والرفقاء، ولا يجوز فيما كثير لزيادة القمح وريعه إذا طحن (¬5). وقال أَبو الحسن ابن القصار: يجوز موازنة ولا يجوز مكايلة. ¬

_ (¬1) قوله: (كلها) ساقط من (ب). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 7/ 192. (¬3) قوله: (يخرجه الطحين) في (ت): (يخرج بالطحين). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 45. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 7.

وظاهر قول مالك في كتاب ابن حبيب: أنه لا يجوز مكايلة ولا موزانة، ولا يصلح (¬1) أن يجوز موازنة إلا أن يقال: إن المماثلة بين القمحين تجوز من طريقين: الكيل والوزن، وإذا جاز (¬2) ذلك قبل الطحن جاز إذا طحن أحدهما؛ لأنه ليس في طحنه أكثر من تفرقة أجزائه. وإن قيل: إن المماثلة بالكيل خاصة لم يجز إذا طحن أحدهما على الوزن، وكان الوجه امتناع المبايعة جملة، فلا يجوز على الكيل، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا جَفَّ" (¬3) الحديث، ولا على الوزن؛ لأن استواء الوزن لا يدل على استواء الكيل؛ لأن الكيل يستوي والوزن يختلف. ولا يصح حمل قولهم على ما وزنه وكيله سواء؛ لأنهم لم يتكلموا على بيع صورة معينة، ولا على نازلة في عين، وإنما أطلقوا الجواب في بيع القمح بالدقيق وزنًا، وإن كان غير معين، وفي البخاري ومسلم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ" (¬4). ففي قوله: "ووزن معلوم" (¬5) دليل على أنه كان لا (¬6) يباع عندهم على الكيل والوزن. ويختلف في بيع الدقيق بالسميد (¬7)، فيجوز على من أجاز القمح بالدقيق، ¬

_ (¬1) في (ت): (يصح). (¬2) قوله: (إذا جاز) في (ت): (وأجاز). (¬3) سبق تخريجه، ص: 3106. (¬4) سبق تخريجه في كتاب السلم الأول، ص: 2878. (¬5) قوله: (ففي قوله: ووزن معلوم) ساقط من (ب). (¬6) قوله: (لا) ساقط من (ب). (¬7) في (ت): (بالسميذ). والسميد: هو خلاصة الدقيق ولبابه. انظر: أساس البلاغة: 1/ 226، والفائق في غريب الحديث: 1/ 330.

ويمنع على القول الآخر؛ لأن السميد إذا سُحق زاد ريعه، وإن كان هذا قول بعض المخالفين، فهو قياس أحد قولي مالك، ولا يجوز الفضل بين العجينين، واختلف عن ابن القاسم في العتبية هل يباع أحدهما بالآخر على التحري؟ والمنع أصوب؛ لأنه لا يبلغ معرفة ما خالط كل واحد من الماء. وكذلك الدقيق بالعجين لا يجوز على تفاضل، ويختلف إذا كان (¬1) تحريًا. واختلف قول مالك في هذا الأصل في اللحم الطري بالقديد على التحري (¬2)، وأجاز في كتاب محمد رطب الخبز بيابسه تحريًا (¬3)، ولا يجوز الفضل بين الخبز والكعك إلا أن يكون فيه أبزار. ويجوز ذلك بين الإسْفنجة (¬4) والخبز والكعك؛ لأن الزيت ينقل طعمهما، كما ينقل الأبزار (¬5)، وبين الخبز والسويق؛ لأن منافعهما وطعومهما متباينة (¬6)، وكره مالك الحنطة المبلولة بالمقلوة حتى تطحن، وأجازه ابن القاسم (¬7). واليابسة بالمقلوة كذلك (¬8)، ويجوز الدقيق بالمقلوة قولًا واحدًا؛ لأنه قد فات أن يعمل من أحدهما ما يعمل من الآخر (¬9)، واختلف في الحنطة المبلولة ¬

_ (¬1) قوله: (كان) ساقط من (ت). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 23. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 22. (¬4) الإسفنجة: الزلابية مواهب الجليل في شرح مختصر خليل: 4/ 353. (¬5) هي التوابل، انظر: مختار الصحاح 1/ 21. (¬6) في (ت): (مختلفة). (¬7) انظر: المدونة: 3/ 152. (¬8) انظر: المدونة: 3/ 153. (¬9) انظر: المدونة: 3/ 153.

فصل [في أصناف القطاني والتفاضل بينها]

بالمبلولة فمنعه مالك؛ لأن البلل يحتلف (¬1). وقيل: ذلك جائز إذا كان ما بُل هذا مثل ما بُل به الآخر (¬2). وأما المقلوة بالمقلوة، فإن كانا قد بُلا (¬3) قَبْلُ لم يجز، لإمكان اختلاف البلل، وإن لم يبلا وتساوى القلي جاز؛ لأن البل (¬4) ينفخ القمح عما كان قبل. فصل [في أصناف القطاني والتفاضل بينها] لا خلاف في القطاني (¬5) أنها لا تضاف إلى القمح وما ذكر معه وأن الفضل بينهما جائز، واختلف هل هي صنف؟ فجعلها مالك مرة صنفًا لا يجوز التفاضل فيها (¬6)، ومرة أصنافًا. وفرق ابن القاسم في كتاب محمد فقال: القطاني أصناف ما خلا الحمص باللوبيا والبسيلة بالجلبان، فإنهما متشابهان في الأكل والمنفعة (¬7). وفي السليمانية: الحمص واللوبيا صنفان، والقول إن جميعها صنف أحسن (¬8)، وهي في تقاربها أشبه من الشعير والسلت بالقمح والترمس من القطنية. واختلف في الكرسنّة: فقال مالك في العتبية: هي من القطنية وتزكى ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 154. (¬2) انظر: المعونة: 2/ 10. (¬3) قوله: (كانا قد بُلا) في (ت): (كانتا قد بلتا). (¬4) في (ت): (القلي). (¬5) وهي الحبوب التي تدخر كالحمص، والعدس، والباقلى، والترمس، والدخن، والأرز. انظر لسان العرب (13/ 342). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 384. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 8. (¬8) في (ت): (أشبه).

معها (¬1). وقال ابن حبيب: هي صنف لا تجمع مع القطنية في الزكاة ولا في البيع (¬2). واختلف في أخباز القطنية بعد القول: إنها إذا كانت حبًا أصناف فقال ابن القاسم: خبزها مختلف كاختلاف حبها (¬3). وقاله أشهب مرة، وقال أيضًا: لا يصلح ذلك متفاضلًا (¬4). قال محمد: وهذا أحب إلينا، وهو مثل سويقه (¬5). وأرى أن ينظر في ذلك: فإن كان إذا صار خبزًا تباينت منافعه وطعمه جاز التفاضل، وإن كان الأصل مختلفًا كخبز القمح والذرة والأصل مختلف، فالتفاضل إذا صار خبزًا ممنوعٌ. واتفقا أن سويق القطنية صنف لا يجوز التفاضل بينهما، وإن جاز في حال كونه حَبًّا. والسويق والخزيرة صنف، فاجاز ابن القاسم بيع أحدهما بالآخر متماثلًا. وهذا صحيح على أصله؛ لأنه يجيز القمح بالدقيق، وعلى القول الآخر يمنع؛ لأن الخزيرة جليل السويق، فلو طحن كالسويق كان له ريع. ولا يجوز الحمص اليابس بالمسلوق متفاضلا؛ لأن ذلك ليس مما يطول، ولا يتكلف فيه كبير مؤنة، ولا متماثلًا؛ لأنه رطب يابس، وكذلك يباس الفول بمسلوقه، وإن كان الفول أكثر مؤنة، وقد يجوز ذلك في الترمس يابسه بما يصلح للأكل؛ لأنه يطول أمره ويتكلف فيه مؤنة (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 492. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 262. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 8. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 8. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 8. (¬6) قوله: (مؤنة) ساقط من (ت).

باب في بيع اللحم باللحم نيئه بمطبوخه

باب في بيع اللحم باللحم نيئه بمطبوخه وإذا كان اللحم صنفًا واحدًا، جاز بيع بعضه ببعض إذا كانا ذبحا في وقت واحد أو متقارب، وإن بَعُدَ ما بينهما وجف أحدهما دون الآخر لم يجز مثلًا بمثل. ويختلف هل يتحرى ذلك النقص أو يكون ذلك على وجه التفضل من صاحب الأول، وهما في الجودة سواء، أو كان الأول أجود فيجوز، كما قال في الدنانير القليلة بأوزن منها، وإن كان الأول أدنى لم يجز وكان ربًا (¬1). واختلف هل يتحرى عظم كل واحد من اللحمين؟ فالظاهر من المذهب الجواز من غير اعتبار في ذلك. وقال ابن شعبان: يتحرى أو يفصل (¬2) منه. والأول أحسن إذا كانت شاة بشاة أو نصفًا بنصف، وقد أجاز النبي - صلى الله عليه وسلم - التمر بالتمر مكايلة (¬3)، وإن كان مختلف النوى وبعضه منتقى والآخر على غير ذلك. ¬

_ (¬1) قوله: (كان ربًا) في (ت): (وكانت الربا). (¬2) في (ت): (يفضل). (¬3) ونصه: عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الذهب بالذهب وزنا بوزن والفضة بالفضة وزنا بوزن والبر بالبر كيلا بكيل والشعيو بالشعير كيلا بكيل والتمر بالتمر والملح بالملح فمن زاد أو استزاد فقد أربى". أخرجه البيهقي في السنن الكبرى باب: اعتبار المتماثل فيما كان (5/ 291)، وهو متفق عليه بنحوه، أخرجه البخاري: 2/ 670، في باب بيع التمر بالتمر، من كتاب البيوع، برقم (2062)، ومسلم: 3/ 1209، فى باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدا، من كتاب المساقاة، برقم (1586).

وإن كان لحمًا معظمًا (¬1) وأحدهما كثير العظام، لم يجز إلا على وجه المكارمة والتفضل من أحدهما للآخر (¬2)، ويعتبر مثل ذلك في قسمته إلا أن المقاسمة تجوز أن يفضل أحدهما الآخر فيعطى أوزن، فإذا جاز أن يعطى أوزن جاز أن يكون مباينًا للعظام ما لم يكن لحمه أحسن، وقد يكون موضع من الشاة أطيب لحمًا. وأجاز ابن القاسم بيع الرؤوس بعضها ببعض موازنة، وإن دخل في ذلك رأس برأسين، وعلى القول الآخر لا يجوز إلا أن يتحرى اللحم. واختلف في بيع الشاة بالشاة إذا ذبحتا ولم تسلخا على التحري على ثلاثة أقوال: فقال ابن القاسم: لا بأس به إذا كان يقدر فيه على التحري حتى يكونا مثلًا بمثل (¬3). قال أصبغ في كتاب محمد: لا يجوز؛ لأنه لا يقدر فيه على التحري ويقع فيه اللحم المغيب. وقال فضل بن سلمة: لا ينبغي ذلك وإن استطيع تحريهما إلا أن يستثني كل واحد منهما جلد شاته. وأرى أن يمنع ذلك كله؛ لأنهما إن دخلا على تسليم الجلود في المعاوضة كان بيع عرض وطعام بعرض وطعام، وهو في هذا بخلاف حلية السيفين إذا كانت تبعًا؛ لأن تلك للضرورة في نزعها، وإنما تشترى لتبقى على حالها، وهذه تنزع جلودها. ¬

_ (¬1) مخرومة في (ت). (¬2) قوله: (أحدهما للآخر) في (ت): (الآخر). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 156.

وإن دخلا على أن الجلود لأربابها دخله الفساد من وجهين: الغرر؛ لأنه لحم مغيب. والآخر: التفاضل؛ لأن التحري لا يأتي على المثل بالحقيقة. وبيع القديد بالقديد، والمطبوخ بالمطبوخ، والمشوي بمثله جائز مثلًا بمثل. وقال ابن حبيب: لا خير في القديد بالقديد؛ لأن يابسه يختلف، ولا في المشوي بالمشوي؛ لأنه لا يعتدل (¬1). وبيع أحدهما بالآخر وبالنيء مثلًا بمثل لا يجوز؛ لأنه رطب بيابس، وهذا إذا كان لا أبزار (¬2) فيهما (¬3)، فإن كان الأبزار في أحدهما جاز مثلًا بمثل ومتفاضلًا. قال ابن حبيب: وذلك إذا غيرته الصنعة بالتوابل والأبزار التي عظمت فيها المنفعة، فأما ما طبخ بالماء والملح فلا. وقال ابن القاسم في قلية اللحم بالعسل وقليه بخل ولبن: لا يجوز التفاضل فيه؛ لأنه مطبوخ كله (¬4). يريد: إذا تعاوضا اللحم باللحم خاصة، وإن أدخل الأوداك في المعاوضة جرى على الخلاف في بيع قمح ودقيق بقمح ودقيق. والقياس أن يجوز التفاضل بين قلية العسل والخل؛ لأن الأغراض بينهما متباينة. قال محمد: لا بأس بالأرز المطبوخ بالهريسة (¬5) مثلًا بمثل، ولا يصلح ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 23. (¬2) قوله: (لا أبزار) في (ت): (الإبزار). (¬3) زاد في (ب): (أو فيها إبزار). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 155. (¬5) الهَرِيس الحب المهْروس قبل أَن يُطْبَخ، فإِذا طبخ فهو الهَريسة، وسُميت الهَريسَةُ هَرِيسَةً لأَن =

فصل [في بيع مد قمح أو دقيق بمثله، ومد حنطة أو دقيق بمد حنطة ومد دقيق]

الفضل بينهما (¬1). قال أصبغ: وهو مثل عجينهما لا يصلح إلا بالتحري (¬2). يريد إذا طبخ الأرز باللحم والأرز والقمح وإن كانا صنفين فالأصل: يجوز التفاضل بينهما، فإذا صارا إلى هذه الصفة تقاربت منفعتهما، فلم يجز التفاضل وجاز بيع كل واحد منهما متفاضلا. والقمح بالهريسة، والأرز غير مطبوخ بالمطبوخ؛ لأن إضافة اللحم إلى أحدهما تخرجه عن أصله؛ لأنه نقله عن طعمه، كإضافة الأبزار إلى اللحم، ويجوز بيعه بما لم يطبخ وبما طبخ بغير أبزار متفاضلا. ويجوز بيع الهريسة بالخبز متفاضلا كان فيها لحم أو لم يكن؛ لأن كون اللحم فيه صنعة، وصنعته غير صنعة الخبز، وإن لم يكن فيها لحم جاز، كما أجزنا القمح بالهريسة. فصل [في بيع مد قمح أو دقيق بمثله، ومد حنطة أو دقيق بمد حنطة ومد دقيق] قال مالك: ولا يصلح مدا قمح ودقيق بمدي قمح ودقيق، وإن كانت سواء كلها، أو بيضاء كلها، وكذلك مد قمح ومد شعير بمد قمح ومد شعير (¬3). قال ابن القاسم: خشي الذريعة، لما يكون بين القمحين من الجودة أو ¬

_ = الُبرَّ الذي هي منه يدق ثم يطبخ. انظر: لسان العرب: 6/ 247. (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 8. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 8. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 157.

لفضل ما بين الشعيرين، فيأخذ فضل شعيره في حنطة صاحبه (¬1). قال: وهو مثل من باع مائة دينار كيلًا ومائة درهم بمائة دينار ومائة درهم كيلًا (¬2). وقال محمد في مدي قمح أو دقيق بمد حنطة ومد دقيق: إن كان مدا (¬3) الحنطة ليس أحدهما أرفع من مدي (¬4) الحنطة والآخر أدنى، كان الدقيق أو الحنطة فلا بأس به، وإن كان مد الحنطة والدقيق كلاهما أجود أو أدنى مما قابلهما أو أحدهما أجود أو أدنى والآخر مثل ما قابلهما جاز، كما قلنا في المراطلة. قيل لمحمد: لم (¬5) كره مالك مد حنطة ومد دقيق بمثلهما؟ قال: كرهه مالك للذريعة، ولا بأس به عندي (¬6). قال ابن ميسر: لا يعجبني شيء من ذلك، ولا يعجبني قول محمد (¬7). يريد: لأن هذا مما يختلف فيه الأغراض، ولا يقطع أن هذا القمح مثل هذا، ولا أن الدقيق مثل الآخر، بخلاف الدنانير، ولهذا نظرها ابن القاسم بدنانير ودراهم، ولم يرها بمنزلتها إذا كانت دنانير كلها؛ لأنه يقطع إذا كانت إحداهما سكة واحدة، وضرب أمير واحد، وبلد واحد، وعيار واحد، ألا فضل لأحدهما على الآخر، فيتقى الفضل في الأخرى، ولا يقطع بمثل ذلك في ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 157. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 157. (¬3) في (ب): (مد). (¬4) في (ب): (مد). (¬5) في (ب): (فقد). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 6. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 6.

القمحين، فقد نجد قائلًا يقول: هذا أسوأ، وآخر يقول: هذا أفضل، وثالثًا يقول: بل الآخر أفضل، ولا نجد مثل ذلك في الدنانير على أن الصواب في الدنانير المنع، كما قال بعض أهل العلم؛ لأنا لا نجدهما يخرجان عن (¬1) تلك الذهبين المتساويين (¬2) إلا لغرض علماه وقصدا به المبايعة، ولولا ذلك لأمسك كل واحد منهما الدنانير المتساوية وتراطلا في المختلفة، وهو في القمحين أبين، لاختلاف الأغراض فيهما، وهو حرام لا يحل. تمَّ كتاب السلم الثالث بحمد الله وعونه ¬

_ (¬1) قوله: (عن) ساقط من (ب). (¬2) في (ت): (المتساوية).

كتاب التفليس

كتاب التفليس النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ت) = نسخة تازة رقم (234 & 243) 3 - (ر) = نسخة الحمزوية رقم (110)

باب في الغرماء وهل يفلس الواحد غريمه

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلي الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كتاب التفليس باب في الغرماء وهل يفلس الواحد غريمه ومن حق الغرماء إذا تبين فلس غريمه الحجر عليه، وانتزاع ما في يديه، وقد حجر النبي - صلى الله عليه وسلم - على معاذ بن جبل، وقسم ماله بين غرمائه (¬1)، وفعل ذلك عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وقال: أسيفع جهينة رضي من دينه وأمانته أن يقال: سبق الحاج، ثم ادان معرضا، فمن كان له عليه شيء فليأتنا فإنا نبيع ماله (¬2). فإن خالفهم الغريم وادعى الملاء وامتنع من التفليس كشف السلطان عن ماله (¬3)، فإن وجد وفاء بجميع دينه لم يفلس، وإن لم يجد وفاء فلس، وهذا هو المعروف من المذهب. ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقي: 6/ 48، في باب الحجر على المفلس وبيع ماله في ديونه، من كتاب التفليس، برقم (11041)، وأخرجه الدارقطني: 4/ 230، في باب في المرأة تقتل إذا ارتدت، برقم (95) قال ابن حجر في تلخيص الحبير: 37/ 3: (قال ابن الطلاع في الأحكام: هو حديث ثابت). (¬2) أخرجه مالك: 2/ 770، في باب جامع القضاء وكراهيته، من كتاب الوصية، برقم (1460)، وأخرجه ابن أبي شيبة: 4/ 536، في رجل يركبه الدين، من كتاب البيوع والأقضية، برقم (22915)، وأخرجه البيهقي: 6/ 49، في باب الحجر على المفلس وبيع ماله في ديونه، من كتاب التفليس، برقم (11046). (¬3) قوله: (عن ماله) ساقط من (ر).

فصل [في وجه من يقوم بالفلس]

وفي كتاب محمد: إذا كان في يديه أكثر مَن حقِّ (¬1) من حلّ (¬2) دينُه وقام بفلسه لم يفلس (¬3)، وليس بحسن إلا أن يكون ما فضل عن الأول إذا تجر فيه وفاء لحق الآخر عند محل دينه، وإن كان ما في يديه كفافا لمن حل دينه، وله مؤجل مثل المؤجل (¬4) الذي عليه في العدد والأجل على موسر أو كان محل دينه أبعد أجل وهو أكثر عددا، فإن بيع الآن أو عند محل ما عليه وفى بالدين لم يفلس، وكذلك إن كان أجل دينه (¬5) قبل وهو أقل، ويرجى بعد قبضه (¬6) وتجره به (¬7) أن يوفى بما يحل عليه. فصل [في وجه من يقوم بالفلس] وقيام الواحد بالفلس (¬8) على ثلاثة أوجه: فإما أن يكون هو أحد الغرماء، أو يكون الدين (¬9) له وحده، وهو حال أو مؤجل. فإن كان أحد الغرماء كان له تفليسه، وإن كره ذلك من سواه ويقسم ما ظهر له (¬10) ويسجن فيما عجز، قال محمد: إلا أن يرضى غرماؤه لهذا (¬11) أن يأخذ من الظاهر جميع دينه أو (¬12) يدفعوا ذلك من أموالهم فلا يفلس (¬13)، وإن لم يكن عليه دين لغير (¬14) من قام به ودينه حال كان له أن يفلسه إن ادعى ¬

_ (¬1) في (ت): (دين). (¬2) قوله: (حل) ساقط من (ر). (¬3) انظر: النوادر والزيادات 10/ 21. (¬4) في (ر): (الرجل). (¬5) في (ت): (فما). (¬6) في (ر): (قبله). (¬7) قوله: (به) ساقط من (ر). (¬8) في (ر): (في الفلس). (¬9) قوله: (الدين) ساقط من (ر). (¬10) قوله: (له) ساقط من (ر). (¬11) قوله: (غرماؤه لهذا) يقابله في (ت): (الغرماء). (¬12) في (ر): (أن). (¬13) انظر: النوادر والزيادات 10/ 21. (¬14) قوله: (لغير) ساقط من (ر).

الغريم الفقر فإن وجد سلعته كان بالخيار بين (¬1) أخذها أو تباع له، فإن لم يوف ما بيعت به سجن في الباقي، وإن لم يجد سلعته سجن حتى يوفي أو يثبت فقره، وإن كان دينه مؤجلا ولم (¬2) يتغير حاله عن يوم عامله ولا كان غيره من فلس لم يكن له أن يفلسه، وسواء كان يجد عند الأجل شيئا أم لا، وإن ظهر منه إتلاف وخشي أن لا يجد عند الأجل شيئا كان له أن يحجر (¬3) عليه، ويحل دينه إلا أن يضمن له أو يجد ثقة يتجر له فيه، ويحال بينه وبينه، وإن غره من فلس لم يكن له عند مالك مقال لا في أخذ سلعته ولا في تعجيل حقه، والأبين أن يكون له أن يأخذ (¬4) سلعته لأن العسر عيب، ومعلوم أن ثمن ما يباع به من المعسر مخالف لما يباع به من الموسر، وكثير من الناس من (¬5) لا يرضى البيع من المعسر، وإن أضعف في (¬6) الثمن، وإذا كان ذلك له أمر يأخذ سلعته وليس له أن يتعجل الثمن ولا أن (¬7) تباع له السلعة بالنقد لأنه لم (¬8) يحدث من المشتري أمر خلاف ما كان عليه، وإنما له أن يأخذها لأجل عيب الذمة. ¬

_ (¬1) في (ر): (بمن). (¬2) قوله: (ولم) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (أن يحجر) يقابله في (ر): (الحجر). (¬4) قوله: (أن يأخذ) يقابله في (ت): (أخذ). (¬5) قوله: (من) ساقط من (ر). (¬6) في (ر): (له). (¬7) قوله: (أن) ساقط من (ر). (¬8) في (ر): (لا).

باب فيمن فلس وله مالان حاضر وغائب، أو كان له، أو بيده قراض، وهل يعجل مال قسمة مال المفلس

باب فيمن فلس وله مالان حاضر وغائب، أو كان له، أو (¬1) بيده قراض، وهل يعجل مال (¬2) قسمة مال (¬3) المفلس وإذا كان للمفلس مالان حاضر وغائب وليس في الحاضر وفاء بما عليه، والغائب قريب الغيبة وفيه وفاء لم يفلس، فإن شك في قدره أو وجوده لم يعجل تفليسه، وكتب في غائبه، فإن كان موجودا وفيه وفاء لم يفلس، وإن كان غائبه (¬4) بعيد الغيبة وشك فى قدره أو وجوده لحالة طرأت هناك أوجبت شكا فلس لجميعهم ولم يوقف لاختبار ماله هناك. واختلف إذا كان فيه وفاء ومعلوم الوجود، فقال ابن القاسم: لا يفلس ويقضي الذين حلت ديونهم، وليس لمن وجد سلعته أن يأخذها ويترك الآخرون إلى حلول ديونهم، وقال أشهب: يفلس، وإن علم ملاؤه قال: ولو كان رجل حاضر بمصر وله مال بالأندلس ولا يدري ما حدث على ماله أليس بفلس، وبه أخذ (¬5) أصبغ (¬6)، قال: (¬7) أو يكتب بفلسه (¬8) حتى يستتم عليه (¬9). ¬

_ (¬1) قوله: (له، أو) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (يعجل مال) يقابله في (ر): (تعجل). (¬3) قوله: (قسمة مال) يقابله في (ت): (قسمه). (¬4) قوله: (غائبة) ساقط من (ر). (¬5) في (ت): (قال). (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 10/ 465. (¬7) قوله: (قال) ساقط من (ت). (¬8) قوله: (أو يكتب بفلسه) يقابله في (ر): (ويكتب تفليسه). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 14.

قال الشيخ -رحمه الله-: أما إذا تباين البلدان مثل مصر والأندلس فتفليسه أحسن، وكذا إذا لم يكونا على ذلك من البعد إلا أنه لا يقدر على القضاء من الغائب عند حلول الأجل، وإن كان يقدر على القضاء (¬1) منه حتى كتب فيه وأتى به عند حلول الأجل أو بعده بالشيء اليسير لم تحل ديونه؛ لأن محمل الغائب على السلامة والتلف نادر، ثم ينظر فيما حل من ديونه، فإن كان في يديه كفاف له (¬2) لم يفلس لهم، وإن لم يكن فيه وفاء فلس لهم (¬3)، وكان لمن وجد سلعته أن يأخذها إذا كان ثمنها حالا، ويكون مفلسا لمن حل دينه غير مفلس لمن لم يحل دينه (¬4)، وإذا كان الحكم فلسه لجميعهم وفلس كان من حقهم أن يكتب لهم بما كان من فلسه، وما يثبت لهم من الديون، وبما ناب كل غريم في المحاصة ثم ينظر في غائبه، فإن لم يكن فيه وفاء استتم فلسه (¬5) حسب ما فعل (¬6) لحاكم الأول ودخل معهم من لم يحل دينه، وعلى هذا محمل قول أصبغ، وإن كان فيه وفاء وكان بلوغ البلد (¬7) قبل حلول ما عليه لم يعجل دينه، وكان من حق الغريم إن كان حاضرا هناك أن يقبض ماله وينتفع به إلا أن يكون المؤجل عرضا أو طعاما مما (¬8) الحكم أن يقضى (¬9) بالبلد الأول، وإن من حق ¬

_ (¬1) قوله: (من الغائب عند حلول الأجل، وإن كان يقدر على القضاء) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (له) ساقط من (ت). (¬3) قوله: (لهم) ساقط من (ت). (¬4) قوله: (دينه) ساقط من (ت). (¬5) قوله: (وفلس كان من حقهم. . . وفاء استتم فلسه) ساقط من (ر). (¬6) في (ت): (تقوم). (¬7) قوله: (البلد) ساقط من (ر). (¬8) قوله: (مما) ساقط من (ت). (¬9) قوله: (أن يقضى) يقابله في (ت): (فيه).

فصل [فيمن فلس وله قراض]

الطالب (¬1) أن يقوم بقدر حقه (¬2) ويتوخى سعره بالبلد الذي يقضى به ويبعثه (¬3) الحاكم لمن يقوم بالقضاء إذا حل الأجل. وإن وجد على الغريم دين بالبلد الآخر وليس في ذلك المال ما يوفى بالدينين بدئ الآخرون فيأخذون جزءا مثل الجزء الذي أخذه من قبل نصفا أو ثلثا أو غيره، وما فضل تحاصوا فيه، وإن لم يكن في الغائب (¬4) ما يوفي بمثل ذلك الجزء، رجع هؤلاء على الأولين حتى يساووهم إلا أن يكون هذا الدين مستحدثا بعد الفلس فيكون للأولين إذا كان المال متقدما حين فلسه، وإن كان محدثا من هذه المعاملة تحاصوا فيه دون الأولين، وإن كان من هبات أو ميراث دخل فيه جميعهم والحكم (¬5) فيمن فلس وهو حاضر وماله غائب، أو كان غائبا بالبلد الذي فيه ماله أو بغير البلد سواء. فصل [فيمن فلس وله قراض] ومن فلس وله قراض جاز بيعه، أجبر العامل على بيعه، وكذلك إذا كان الدين على العامل وفيه فضل جبير على البيع، وإن لم يجز البيع لم يجبر على بيعه أيهما فلس صاحب المال أو العامل، وأرى إن رضي الغرماء أن يضمنوا للعامل ما يربح في مثلها عند أَوَانِ البيع أن يمكنوا الآن من بيع تلك السلع، فإن جاء وقت البيع دفعوا ذلك إليه، فإن لم يربح في أمثالها ذلك الوقت لم يكن له شيء، ¬

_ (¬1) قوله: (وإن من حق الطالب) يقابله في (ر): (وإنما الحق للطالب). (¬2) قوله: (حقه) ساقط من (ر). (¬3) في (ت): (يبيعه). (¬4) في (ر): (الغالب). (¬5) قوله: (والحكم) ساقط من (ر).

فصل [في الرجل يقوم عليه بعض غرمائه بتفليسه]

وقال مالك في كتاب محمد فيمن اشترى بمال قراص متاعًا وخرج به إلى موضع، فقام غرماء صاحب المال بيع لهم، وأما غرماء العامل فلا يباع لهم حتى يحضر صاحب المال، وإن كان مربحًا (¬1)، يريد: لما كان غرماء صاحب المال يحلون محله، ولو لقي صاحب المال العامل بذلك البلد لانتزعه منه لأن القراض على أول نضة ولم يكن ذلك لغرماء العامل؛ لأنه لو أراد أن يترك المال بذلك البلد لم يكن ذلك له، ومن حق صاحب المال أن يرد العامل إلى حيث قبضه، ولو علم من العامل أنه لم يتكلف السفر إلا لما يرجو من الربح فيما يرجع به لم يكن لصاحب المال ولا لغرمائه انتزاعه منه إلا بعد الرجوع، وإن وجد وقد اشترى بثمن ما باع لم يكن لهم أن يأخذوه منه حتى يقدم به، وهو بمنزلة من لم يجز بيعه. فصل [في الرجل يقوم عليه بعض غرمائه بتفليسه] وإذا جمع مال المفلس قسم بين غرمائه من غير استثناء إذا لم يكن معروفا بالدين، والفلس والموت في ذلك سواء، وإن كان معروفًا بالدين استؤني في الموت، واختلف في الحياة، فقيل: لا يستأنى لأن ذمته قائمة، وقيل: يستأنى (¬2) وهو أحسن لأنه إذا أمكن أن يكون تعلق بذلك المال حق لغير من حضر لم يعجل عليه، ولأنه لا خلاف أنه إن ثبت حقه بعد القسم أن له أن يرجع عليهم كالموت، فإن لم يتربص أمكن أن يجد من يجب عليه الرجوع، وقد غلب أو تلف ذلك، وإذا علم جميع غرمائه ومنهم من لم يقم وحضر القسم استؤذن من ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 10/ 499 و 500، 12/ 359. (¬2) انظر: المدونة 4/ 76 و 77.

لم يقم هل تسقط المحاصة بدينه أم لا؟ فإن لم يستأذن وأسقط الغرماء نصيبه من المحاصة وهو عالم ولم يقم لم يكن له بعد ذلك قيام، وإن لم يستأذن، وقال: علمت أنكم (¬1) علمتم بديني، وظننت أنكم وقفتم نصيبي، وإنما كرهت أن أحضر (¬2) لمثل لهذا كان القول قوله مع يمينه، إلا أن تطول المدة مما يعلم أنه لم يكن يرضى ببقاء ذلك في الوقف لو كان وقف له، ومحمل قول ابن القاسم أنه (¬3) على أنه علم أنه (¬4) لم يوقف لأنه نظرها بالمفلس يعتق فإصراف نصيبه لغيره كإصراف ما استحق منه القبض في العتق، وإن لم يعلموا بدينه ولم يقم لم يكن له قيام بحال؛ لأنه عالم أنهم لم يوقفو له شيئًا. ¬

_ (¬1) قوله: (علمت أنكم) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (أن أحضر) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (أنه) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (علم أنه) ساقط من (ر).

باب خلع المفلس من ماله وما يباع عليه، وكيف يباع وهل يقضي الغرماء من مال لا يملكه إذا كان يملك انتزاعه

باب خلع المفلس من ماله وما يباع عليه، وكيف يباع وهل يقضي الغرماء من مال لا يملكه إذا كان يملك انتزاعه وإذا ثبت فلس الغريم جمع السلطان ماله وحجر عليه التصرف فيه، كان السلطان المتولي للبيع والقضاء يبيع ما كان لتجارة أو لقنية وداره وخادمه ودابته وسرجه وسلاحه، واختلف في خاتمه، فأجاز ذلك (¬1) ابن القاسم بيعها (¬2) ومنعه أشهب (¬3)، والأول أبين، ويترك لباسه، قال ابن القاسم في كتاب محمد: إلا أن يكون فيها فضل (¬4)، يريد: فيباع ويشترى دونها، وإن كان لثياب جمعته فضل بيعت، وإلا تركت (¬5)، وهذا استحسان، والقياس البيع، ويباع مصحفه. واختلف في بيع كتب العلم، فكره ذلك (¬6) مالك مرة ومنعه أخرى، قال مالك (¬7) في كتاب محمد: لا تباع للغرماء، وإن مات كان الوارث وغيره ممن هو أهل الانتفاع بها سواء (¬8)، وقال محمد بن عبد الحكم: يجوز بيعها، قال: وقد ¬

_ (¬1) قوله: (ذلك) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (بيعها) ساقط من (ر). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 158. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 8. قال في العتبية: ويترك له للسنة إلا أن يكون فيها فضل عن لباس مثله. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 326. (¬6) قوله: (ذلك) ساقط من (ت). (¬7) قوله: (مالك) ساقط من (ت). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 9.

فصل [فيما يباع على المفلس من الدين المؤجل والرهن]

حضرت بيع كتب ابن وهب، وقد كان أبي وصيه، وحضرها غير واحد من أصحاب مالك وغيرهم، وبيعت بثلاثمائة دينار وستين دينارا (¬1)، ولا تباع أم ولده ولا يؤاجر لغرمائه، وتباع كتابة المكاتب وكذلك خدمته العبد (¬2) المعتق إلى أجل، وإن طالت العشر سنين ونحوها (¬3)، وتباع من خدمة المدبر السنة والسنتين، وإن كان له عبد أخدمه رجلا لم يبع من حقه، وسواء كانت الخدمة حياة المخدم أو السنة والسنتين، وإن فلس المخدم كانت تلك الخدمة التي يعطيها كالعرض وإن كانت سنين معلومة العشر ونحوها بيعت (¬4)، وإن كانت حياة المخدَم أو المخدَم بيع منها (¬5) ما قرب السنة و (¬6) السنتين، وإن اكترى دارا أو دابة أو عبدا (¬7) وكان نقض الكراء بيعت تلك المنافع المدة (¬8) التي أكراها. فصل [فيما يباع على المفلس من الدين المؤجل والرهن] ويباع من دينه ما كان مؤجلًا إذا كان عينًا أو عرضًا أو طعامًا من قرض، وإن كان طعامًا من بيع أُخِّرَ حتى يحل أجله، وكذلك ما لم يبد صلاحه يؤخر بيعه حتى يبدو صلاحه. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 10، 3/ 212. (¬2) قوله: (وكذلك خدمته العبد) يقابله في (ر): (وخدمة). (¬3) قوله: (ونحوها) ساقط من (ت). (¬4) قوله: (بيعت) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (منها) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (السنة و) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (أو عبدا) ساقط من (ت). (¬8) قوله: (المدة) ساقط من (ر).

ومن كان له عليه دين مؤجل حاص بعدده إن كان عينا، وبمثله إن كان غير عين أو كان حالا، فما صار له في الحصاص اشترى له مثل صفة دينه، فإن تغير سوق ذلك بغلاء قبل أن يشترى به (¬1) لم يرجع على أصحابه بشيء لأنه لو ضاع جميعه قبل أن يشتري لم يرجع عليهم، وإن صلح سعره اشترى له الجزء الذي كان نابه في الحصاص اشترى له مثل صفة دينه (¬2) ودخل معه أصحابه في الفضل بمنزلة ما (¬3) طرأ للمفلس، وقال عبد الملك (¬4) بن الماجشون في كتاب ابن حبيب: لا يدخلون معه في الفضل، ومر في ذلك على أصله (¬5)؛ لأن من أصله أن المصيبة منه إن هلك قبل أن يشتري به. وقال ابن القاسم في العتبية: إذا كان الدين (¬6) عرضا وقال صاحب الحق (¬7): لا تعجل (¬8) حقي حتى يحل أجله أنه يجبر على أخذه (¬9). وقال ابن نافع في المبسوط: إذا قال الغريم انا أعطي حميلا بما علي إلى أجله لم يقبل منه (¬10)، وقد حل ما عليه بتفليسه. ¬

_ (¬1) في (ت): (له). (¬2) قوله: (اشترى له مثل صفة دينه) ساقط من (ت). (¬3) في (ر): (من). (¬4) قوله: (عبد الملك) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (ومر في ذلك على أصله) ساقط من (ت). (¬6) قوله: (الدين) ساقط من (ر). (¬7) في (ر): (الدين). (¬8) في (ت): (أتعجل). (¬9) انظر: البيان والتحصيل: 7/ 97. (¬10) انظر: النوادر والزيادات 11/ 229. قال سحنون: سمعت أشهب وابن نافع يقولان: سئل مالك عمن كانت له على رجل مائة درهم، فسأله أن ينظره ويتحمل له بها حميل. قال: لا بأس بذلك.

والقياس إذا رضي الطالب تأخير حقه أن يكون ذلك له لأن القيام الآن حق له لا عليه، وأن يكون ذلك للمطلوب إذا أتى بحميل؛ لأن الأصل الأجل، وإنما توجه للطالب مقال خوف أن لا يجد عند الأجل شيئا، فإذا ضمن له حقه سقط مقاله، ومن كان له دين لم يحل وبيده رهن فيه كفاف بحقه لم يحل دينه لأنه لا ضرر عليه. وقال عبد الملك (¬1) ابن الماجشون في كتاب محمد: إذا كان بيد أحد الغرماء رهن فإنه يحاص بجميع حقه إلى أن يباع الرهن (¬2)، ومحمل ذلك على أنه مما (¬3) لا يجوز بيعه الآن كالثمر والزرع الذي لم يبد صلاحه، ولو كان مما يجوز بيعه وبدا صلاحه لبدئ بيعه ولم يبتدئ بالمحاصة، ثم يباع الرهن، فإن كان في الرهن فضل كان مقال الغرماء في ذلك الفضل. فقال ابن القاسم في العتبية: يباع الرهن إذا كان فيه فضل قبل الأجل فيقبض المرتهن دينه، ويقضي الباقي للغرماء (¬4)، يريد: إذا كان الدين عرضا أو عينا من قرض، وإن كان عرضا من بيع كان من حق المرتهن أن يبقى إلى أجله. وفي كتاب محمد فيمن اشترى عبدا بثمن إلى أجل ثم رهنه عبدا آخر ففلس المشتري كان الغرماء بالخيار إن شاءوا دفعوا الثمن لبائع العبد، ويباع المرتهن ويتحاص الغرماء في الفضل، وإن شاءوا أسلموه لبائعه ويكون بائعه بالخيار بين أن يفتديه ويحاص الغرماء بما فداه (¬5)، يريد: ويكون العبد له (1)، وإن شاء أسلمه وحاص الغرماء بالثمن، وفي فضل ¬

_ (¬1) قوله: (عبد الملك) ساقط من (ر). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 87. (¬3) قوله: (مما) ساقط من (ت). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 11/ 74 و 71. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 61.

فصل [فيما يستأنى به مما يباع على المفلس]

العبد له (¬1)، وإن شاء أسلمه وحاص الغرماء بالثمن، وفي فضل ثمنه بعد افتكاكه إن فضل شيء، وإن كان الرهن زرعا أو ثمرا لم يبد صلاحه كان للمرتهن أن يقوم الآن ويضرب بدينه، فإذا بدا صلاح الزرع بيع له، فإن كان فيه وفاء رد ما أخذ في المحاصة، وإن لم يكن فيه وفاء وكان دينه مائه وباع الرهن بخمسين وكان الذي صار إليه في المحاصة (¬2) خمسين كان الباقي من دينه بعدما بيع به الرهن خمسين فيمسك من الذي أخذ في المحاصة خمسة وعشرين؛ لأنها التي كانت تنوبه لو كان بيع الزرع له، ويرد خمسة وعشرين فيضرب فيها بخمسة وعشرين لأنه الباقي من دينه. فصل [فيما يستأنى به مما يباع على المفلس] وإذا توجه البيع في حال المفلس لم يكن عليه أن يبيعه بالحضرة ويستأنى بذلك ليشتهر أمر البيع في القرب والبعد في الديار والعبيد والديار والدواب (¬3) والثياب، وذلك على حسب العادة في كل صنف منها. قال مالك: يستأنى في الديار والأرضين الشهر والشهرين، وفي الحيوان والعروض يسيرا، والحيوان دون العروض (¬4). قال الشيخ -رحمه الله-: إلا أن يكون العطاء من الأول مستوفى ولا يرجى فوقه زيادة، وما يرى أن المبادرة إلى العقد أو لئلا يثني رأيه على الشراء فلا يؤخر، ¬

_ (¬1) قوله: (له) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (وإن لم يكن فيه وفاء وكان دينه مائه. . . في المحاصة) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (والديار والدواب) ساقط من (ت). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 10/ 382.

فصل [فيما ينتزع لقضاء دين المفلس]

وكذلك إذا قال الغرماء أو أحدهم أنا آخذه بكذا لما لا (¬1) يرجى بعده زيادة، وإن كان على غير ذلك استؤني به ثم بيع على الخيار رجاء أن يأتي زائدا (¬2) والعادة أن بيع القاضي على خيار، وإن لم يشترط إلا أن يكون المشتري غير عالم بالعادة، فإن له أن يقوم فينجز له البيع أو يرد إذا كره البقاء على خيار. فصل [فيما ينتزع لقضاء دين المفلس] ولا ينتزع لقضاء دينه مال مدبره، ولا مال أم ولده، ولا معتقه (¬3) إلى أجل إذا لم يرض الغريم؛ لأنه ملك لغيره، فإن أحب السيد انتزاعه لقضاء ما عليه جاز (¬4) على المستحسن من القولين، وكذلك هباته لولده له اعتصارها، ولا يجبر على ذلك. وقال مالك في كتاب محمد في رجل (¬5) تصدق على ابنين له بدار على وجه (¬6) الحبس، وقال: إن شاءوا أمسكوا وإن شاءوا باعوا فرهقهما دين، وقام غرماؤهما، قال: (¬7) فلهما أن يبيعا الدار لأن أباهما شرط لهما إن شاءا باعا، وإن شاءا أمسكا (¬8). ¬

_ (¬1) قوله: (لا) ساقط من (ر). (¬2) في (ت): (تأتي زيادة). (¬3) في (ر): (معتقة). (¬4) قوله: (جاز) ساقط من (ر). (¬5) في (ت): (من). (¬6) في (ت): (جهة). (¬7) في (ت): (فقيل). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 23.

فصل [في القدر الذي يترك للمفلس من النفقة والكسوة]

وإن وجبت له شفعة وفيها فضل لم يجبره الغرماء على أخذها، واختلف إذا هو رضي بالأخذ، فقال مالك وابن القاسم: ذلك له (¬1)، وقال سحنون: ليس ذلك له (¬2)، وهو أبين، ومن أصل مالك أن الشفيع لا يستشفع للبيع ولا للربح، وإنما جعلت الشفعة لدفع مضرة القسم، فإذا كان الشفيع مجبورًا على بيع نصيبه للدين صار الأخذ لغير ما وضعت له. فصل [في القدر الذي يترك للمفلس من النفقة والكسوة] تقدم القول فيما يترك من الكسوة على المفلس (¬3)، واختلف إذا كانت الثياب على أهله وولده قد خلقت هل تجدد لهم، فروى ابن القاسم عن مالك أنه قال: يترك له قدر ما يعيش فيه في نفقة له، وكسوة له ولأهله وعياله، ويشك في زوجته، وكذلك إن واجر نفسه (¬4)، وإنما شك فيما حفظ عن مالك ليس في الفقه؛ لأن الزوجة أوجب حقًّا في ذلك من الولد، وإذا ترك للولد كان أولى أن يترك للزوجة. وقال سحنون: ولا يترك لها كسوة (¬5)، وعلى هذا لا يترك للولد (¬6)، وهو ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 228. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 204. قال ابن عبدوس: قال سحنون: لمالكٍ فيها تفسير لم يقع عليه أشهب، وكانت تُعجِبُ سحنون ويراها أصلًا حسنًا، وهي للمغيرة. قال المغيرة: وإذا أبى الورثة أن يُقضى الدين وقالوا ولكن يُباع المالُ فإن كان فيه فضل ورثناه قال: لا شفعة لهم ولا للغرماء؛ لأن الغرماء لا يملكون الشقص الذي به الشفعة. (¬3) في (ت): (للمفلس). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 10/ 352، والنوادر والزيادات: 10/ 8. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 10/ 352. (¬6) قوله: (للولد) ساقط من (ر).

أبين، وحسبهم ما كان عليهم، ولا أرى أن يستأنف له أيضا كسوة، ويكفيه ماكان يجتزء به قبل ذلك (¬1). واختلف في النفقة، فقال ابن القاسم في كتاب الزكاة يترك له ما يعيش به هو وأهله الأيام (¬2)، وقال مالك (¬3) في كتاب محمد: يترك نفقة شهر (¬4)، وقال ابن القاسم في العتبية: إلا أن يكون المال يسيرا لا خطب له، فيترك له نفقة الأيام (¬5). وقال ابن كنانة في كتاب المدنيين: لا يترك له شيء، وقال محمد: إذا كان الذي يوجد له الذي يتجر فيه لا خطب له، فإنه يترك له ما يعيش به (¬6)، قال أصبغ: إن مقدار ذلك لو جمع مثل نفقة شهر أو نحوه (¬7). قال الشيخ - رضي الله عنه -: الأصل للغرماء أن ينتزعوا جميع (¬8) مال غريمهم كما قال ابن كنانة، ويكون هم وغيرهم في مواساته (¬9) سواء، والترك استحسان وأرى أن يعتبر فيما يترك له قدر ثلث المال الذي معه وعياله (¬10)، والسعر من الرخص والغلاء، فإن ترك له (¬11) نفقة الشهر مع الغلاء ¬

_ (¬1) قوله: (ذلك) ساقط من (ت). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 10/ 352. (¬3) قوله: (وقال مالك) يقابله في (ت): (وقاله). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 8. (¬5) انظر البيان والتحصيل: 10/ 352. (¬6) انظر النوادر والزيادات: 10/ 8. (¬7) انظر النوادر والزيادات: 10/ 8. (¬8) قوله: (جميع) ساقط من (ت). (¬9) قوله: (في مواساته) يقابله في (ت): (فيما سواه). (¬10) قوله: (وعياله) ساقط من (ت). (¬11) قوله: (له) ساقط من (ر).

وكثرة العيال أضر بالغرماء (¬1)، فإن ترك له ذلك مع كثرة المال ورخاء السعر لم يضر بهم، وأما مع قلة ما في يديه فالخمسة أيام والجمعة حسن، ويصح أن لا يترك له شيء، وذلك أن يكون ذا صنعة وصنعته قائمة متى انتزع ما بيده راح بقوته وقوت عياله، وقيل: يترك للصانع النفقة اليسيرة خوف المرض، وليس يبين؛ لأن المرض نادر، ولأنه لا يخشى أن يكون ذلك بقدر ما يفلس، ولأن الغالب من المفلس (¬2) أن يؤخر ويكتم، وإن فلس العبد المأذون له في التجارة (¬3) انتزع ما في يديه كالحر، وإن كان يؤدي لسيده خراجا في حال تجارته من ربحه مضى له ما أخذ، وإن كان يؤدي ذلك من رأس ماله رد ما أخذ (¬4)، وإن كان صانعًا يشتري الشيء ويصنعه كان أحق بما في يديه، ولا مقال على السيد فيما أخذ من الخراج مما قابل صنعته، وإن كان عنده فضل أخذ منه، وإن علم أنه كان على خسارة انتزع من السيد ما أخذ، وإن أبقى السيد في يديه شيئا من خراجه لم يأخذه الغرماء، وإن كان في يديه مال وهب له أو تصدق به عليه أو أوصى به له قضى منه دينه إلا أن يشترط المعطي أن يتسع فيه العبد، ولا يقضى منه. وقال ابن القاسم في كتاب محمد: إذا بعث المفلس (¬5) بنفقة لأهله كان للغرماء أخذها إن قاموا بالحضرة، وإن قاموا بعد قدر ما يرى أنهم أنفقوها لم يكن عليه شيء، فإن قالوا بقرب قبضها قضينا (¬6) منها نفقة متقدمة، أو كراء لم ¬

_ (¬1) في (ت): (أضرب الغرماء). (¬2) في (ر): (الفلس). (¬3) قوله: (له في التجارة) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (ما أخذ) ساقط من (ت). (¬5) قوله: (المفلس) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (قضينا) ساقط من (ت).

يصدقوا إلا أن يأتي بلطخ أو شبهة أو برهان (¬1) ولم يجعل لأهله أن يحبسوا منها نفقة الشهر والأيام لأنهم قد أخذوا ذلك عند المفلس (¬2)، وإن قالوا لم يدفع إلينا شيئا حلفوا وحلف الرسول إذا (¬3) وصل ذلك ولم يكن للغرماء مقال على واحد منهم، وهذا على أصل عبد الملك أن القول قول الرسول في الدفع بغير بينة، وعلى أصل ابن القاسم يحلف مرة ويغرم الرسول. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 10. (¬2) في (ت): (الفلس). (¬3) في (ر): (أنه).

باب في بيع المفلس وشرائه ونكاحه وهبته وعتقه وقضاء دينه ورهنه وإقراره

باب في بيع المفلس وشرائه ونكاحه وهبته وعتقه وقضاء دينه ورهنه وإقراره أفعال من تبين فلسه أو فلس على ثلاثة أوجه جائزة وممنوعة، ومختلف فيها، فالأول بيعه وشراءه وهبته للثواب ونكاحه وما أشبه ذلك مما يخرج عن (¬1) المعاوضة جائز قبل الفلس وبعد الفلس والحجر إذا اشترى على أن يقضي من غير ما حجر عليه فيه، فإن باع قبل الحجر بمحاباة ردت المحاباة، وإن باع بعد الحجر بغير محاباة كان بيعه موقوفا على الاختيار (¬2)، فإن كان إمضاؤه من حسن النظر أمضى، وإن كان فيه (¬3) بخس رد، وإن لم يكن (¬4) مما يراد بمثله المحاباة، وإن شك فيه التمس به (¬5) الزائد، فإن لم يوجد أمضى، وهذا ما لم يقبض الثمن أو قبضه وكان قائمًا بيده، وإن أنفقه كان لهم أن يرجعوا في السلعة إلا أن يرضى المشتري أن يدفع الثمن مرة أخرى، وإن اشترى بعد الحجر على المال الذي فلس في رد إلا أن يكون فيه فضل ويقرب بيعه إلا أن يرضى البائع أن يباع له ولا يدخل معه الغرماء فيكون بمنزلة مبايعته بعد اقتسام ما في يديه، ونكاحه قبل التفليس وبعده جائز ويفترق الجواب في الصداق، فإن كان العقد قبل الحجر حوصص بالصداق، وإن كان بعد الحجر ¬

_ (¬1) في (ت): (على). (¬2) في (ت): (الاختبار). (¬3) قوله: (فيه) ساقط من (ت). (¬4) قوله: (لم يكن) يقابله في (ت): (كان). (¬5) قوله: (به) ساقط من (ت).

لم يضرب له، وكان صداقها فيما يفيده بعد وهبته وصدقته وعتقه بتلا أو (¬1) مؤجلا وتدبيره قبل الحجر وبعده سواء كان ذلك مردود لأن ذلك معروف، والدين مبدا على معروفه (¬2) إلا أن يكون في خدمة المعتق إلى أجل، وفيما يجوز بيعه (¬3) من خدمة المدبر وما يوفي بالعاحز من دينه ويفترق الجواب في إيلاده، فإن كان قبل الحجر لم تبع للغرماء، وإن كان بعد الحجر بيعت بعد الوضع دون ولدها. واختلف في الكتابة، فقيل: هي من ناحية العتق، فترد، وقيل: من ناحية البيع العتق فتمضي، وأرى أن ينظر في قيمته مكاتبا فإن كان مثل قيمته رقيقا مضت، وسواء كان قبل الحجر أو بعده؛ لأنه لا ضرر على الغرماء إلا أن يتعذر بيع المكاتب، وإن كانت قيمته مكاتبا أبخس من قيمته غير (¬4) مكاتب إلا أنه يوفي بالدين لم ترد، وإن كانت لا توفي ردت إذا كانت بعد الحجر، وإن كانت قبل وكان البخس لتخفيف (¬5) في الكتابة لما يرجو من الولاء ردت، فإن كانت الكتابة على حسن النظر (¬6) من السيد، ومن ناحية التجارة لكثرة النجوم مضت بمنزلة من باع سلعته بثمن إلى أجل وكان بيع ذلك الدين إن بيع لا يوفي بالثمن لو بيعت على النقد، فإنه لا يرد، واختلف في ¬

_ (¬1) قوله: (أو) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (والدين مبدا على معروفه) ساقط من (ت). (¬3) قوله: (بيعه) ساقط من (ت). (¬4) قوله: (غير) ساقط من (ت). (¬5) في (ر): (التخفيف). (¬6) في (ر): (نظر).

فصل [في إقرار المفلس قبل الحجر عليه وبعده]

قضاء دينه ورهنه، واختلف قول مالك في قضائه دينه ورهنه (¬1)، فأمضاه مرة ورده أخرى، وجعل للغرماء أن يدخلوا مع القابض والمرتهن فيحاصوه (¬2)، وقد تقدم ذلك في كتاب المديان. فصل [في إقرار المفلس قبل الحجر عليه وبعده] وإقراره قبل الحجر لمن لا يتهم عليه جائز، واختلف إذا أقر لمن يتهم عليه (¬3) كالأب والأخ والزوج، وأن لا يجوز أحسن لأنه يتهم أن يواطئه على ذلك ليرده إليه. وإقراره بعد القيام عليه على ثلاثة أوجه (¬4) فيجوز إذا كانت الديون التي قيم عليه بها بغير بينة وهو إقراره (¬5) كله أو (¬6) كان أصحاب (¬7) البينات لا يستغرقون جميع ما في يديه أو يستغرقون، وكان يعلم من المقر له معاملته، وأنه كان يتقاضاه وأقر له بما يشبه أن يداينه به، ولا يجوز إقراره بعد الحجر، والاستسلام تقريره على (¬8) ما عليه، واختلف في ثلاث مسائل: إحداها: إذا كان الإقرار بعد القيام وقبل الحجر والسجن والاستسلام (¬9). ¬

_ (¬1) قوله: (واختلف قول مالك في قضائه دينه ورهنه) ساقط من (ر). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 63 و 4/ 143. (¬3) قوله: (عليه) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (أوجه) ساقط من (ت). (¬5) في (ت): (إقرار). (¬6) في (ت): (و). (¬7) في (ت): (بعض). (¬8) قوله: (على) ساقط من (ر). (¬9) قوله: (والاستسلام) ساقط من (ر).

الثانية: إذا ثبتت المعاملة بالبينة وأقر أن (¬1) عين المشتري قائمة. والثالث: إذا أقر بأمانة قاموا عليها (¬2) كالوديعة والبضاعة والقراض، فقال مالك مرة: إذا قاموا عليه على وجه التفليس وسجنوه (¬3)، وقال محمد: إذا قاموا عليه على وجه التفليس وحالوا بينه وبين ماله ومنعوه البيع والشراء أو الأخذ والإعطاء واستسلم لم يجز إقراره حينئذ إلا بالبينة (¬4). قال الشيخ -رحمه الله-: إنما من حق الغرماء الحجر في البيع والشراء، ولا يحجر عليه الإقرار؛ لأنه كان مطلق اليد في الشراء ولا يعرف ما اشتراه إلا منه، فيحتاج إلى استفساره، فإن بادر بعض الغرماء بالحجر عليه لم يقطع ذلك حق من سواهم، وإنما ينبغي للحاكم (¬5) أن يبتدئ بسؤاله عما عليه للناس (¬6) فيكتب ذلك ويشهد به، ولو كان لا يقبل إلا قول من أتي به إلى المحاكمة والحجر عليه لبطلت (¬7) أموال الناس، وأكثر الناس يتبايعون بغير إشهاد لا سيما (¬8) البزازين وأصحاب الإدارات (¬9) فهي بيوعهم. ولو قال بعد أن كشف عن ديونه، وسمى كل واحد لفلان علي كذا ¬

_ (¬1) قوله: (وأقر أن) يقابله في (ت): (أو إقراره). (¬2) قوله: (قاموا عليها) ساقط من (ر). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 78. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 44. (¬5) قوله: (للحاكم) ساقط من (ت). (¬6) في (ت): (الناس). (¬7) في (ر): (ليطلب). (¬8) قوله: (لا سيما) يقابله في (ر): (سيما). (¬9) في (ت): (الإرادات).

وكذا (¬1)، وقد أشبه لقبل قوله إذا كان ذلك بالقرب، وكذلك لو قال كنت (¬2) عقدت الشراء من فلان في كذا أو بعته كذا لقبل قوله إذا كان ذلك عندما سئل، وقد قيل في المقارض يسلم المال ثم يقول: نسيت نفقة أو ما أشبه ذلك: أنه يقبل قوله إذا كان بقرب ذلك. واختلف إذا ثبت البيع أو الإيداع، ثم قال بعد الفلس: هذا الثوب الذي كنت اشتريته أو الوديعة التي قبضت، فقيل (¬3): لا يقبل إقراره، وقيل: لا يقبل في البيع (¬4) ويقبل في الإيداع، والبضائع والقراض، وأن يقبل في الجميع أحسن؛ لأن الأصل وجود هذه الأشياء حتى يعلم أن تصرف فيها، ولأنه لا يتهم في أن يكون يعطيهم ما كان أخذ منهم، والتفرقة بين البيع والإيدل والبضائع وجه؛ لأنه يقول قبض المبيع على أنه يتصرف فيه لنفسه، فلا يقبل قوله في بقائه، وقبض الوديعة على أن تبقى على حالها لصاحبه، والقراض على أن ينصرف فيه لصاحبه، فلم يجز أن يحمل على أنه تعدى وخان أمانته وتصرف فيها لنفسه. واختلف في الصانع يفلس فيقر فيما في يده أن هذه السكينة (¬5) أو الغزل لفلان، فقال مالك في العتبية: لا يقبل قوله لعله أن يخص صديقه أو يواطئ هذا، ليرد عليه (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (وكذا) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (قال كنت) يقابله في (ر): (كانت). (¬3) في (ر): (قال). (¬4) قوله: (لا يقبل في البيع) ساقط من (ر). (¬5) في (ر): (السبيكة). (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 10/ 402.

وقال ابن القاسم: يقبل إقراره لمن أقر له، وإن لم تكن لهم (¬1) بينة، وقال محمد: يبطل قوله إذا كان على أصل الدفع بينة أو على إقراره قبل الفلس، وإن لم تعرف ذلك البينة بعينه (¬2). وقول ابن القاسم أحسن لأن الصناع منتصبون لمثل هذا، وليس العادة الإشهاد عند الدفع، ولا يعلم ذلك إلا من قولهم، وهم مثل المقر بالقراض والودائع؛ لأنه يقبض ذلك ليبيعه (¬3) لأربابه يصنعه ثم يسلمه فلم يجز أن (¬4) يحمل عليه (¬5) أنه خالف فيه، وهذا إذا لم يدع ذلك المقر به أحد (¬6) من القائمين عليه، فإن ادعاه وقال: بل (¬7) أنا دفعته حلف المقر له وكان له (¬8)، ويرجح قول الصانع أنه منه أخذ، وإن سرق بيته أو احترق واعترف في شيء مما سلم أنه لفلان، كان القول قوله؛ لأنه في السرق والاحتراق ولم يحجر عليه، وهو بمنزلة من تبين فلسه ولم يضرب على يديه، وقد قال ابن نافع في المبسوط: لا يجوز إقرار من تبيين فلسه، وإن لم يضرب على يديه وليس بحسن. ¬

_ (¬1) قوله: (لهم) ساقط من (ت). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 48. (¬3) في (ر): (ليبقيه). (¬4) قوله: (يجز أن) ساقط من (ت). (¬5) قوله: (عليه) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (أحد) ساقط من (ت). (¬7) قوله: (بل) ساقط من (ت). (¬8) قوله: (له) ساقط من (ر).

فصل [في المفلس يقر بالدين ثم يداين آخرين]

فصل [في المفلس يقر بالدين ثم يداين آخرين] وإذا لم يقبل إقرار المفلس لمن أقر له بعد الحجر ثم داين آخرين لم يدخل معهم؛ لأنه كان راضٍ بالتفليس وحقه على قوله فيما كان أخذ أصحابه، واختلف إذا صح إقراره ولم يرض بتفليسه ولا دخل في المحاصة، فقال محمد: له أنه يدخل مع الآخرين (¬1)، وقال مطرف في كتاب (¬2) ابن حبيب: لا يدخل معهم (¬3)، وإن كان غائبًا في حين فلسه ثم قدم كان له أن يدخل على (¬4) الأولين فيحاصصهم، ويختلف إذا أحب أن يدخل مع الآخرين فعلى قول محمد يكون ذلك له. وقال ابن القاسم في كتاب السرقة: لا يدخل معهم، وهو موافق لقول مطرف، وهو أحسن لأن هذه الأموال للآخرين ولا شرك للأول فيها. واختلف إذا أبقى أحد الأولين في يديه نصيبه في المحاصة، فقال ابن القاسم: يضرب مع الآخرين بقدر ما أبقى كمداينة حادثة، وفي كتاب ابن حبيب: أنه يضرب بأصل دينه وهو أحسن إذا لم يكن أراد فلسه، وإنما قام بحقه لئلا ينتفع به أصحابه، وإن كان بنية التفليس (¬5) قُبل بنية حدثت (¬6). فكما قال ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 49. قال ابن المواز: وقال أشهب في المفلس يقر بدين لرجل ثم يداين آخرين، ثم يفيد فائدة: أن المقر له يدخل فيها مع الأولين والآخرين، ثم لا يرجع الأولون على المقر له فيأخذوا منه ما أخذه. (¬2) قوله: (في كتاب) يقابله في (ت): (عند). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 48. (¬4) في (ر): (مع). (¬5) في (ت): (الفلس). (¬6) قوله: (قُبل بنية حدثت) يقابله في (ر): (ثم نيته حالة الآن).

ابن القاسم: وإذا اقتسم مال المفلس ثم وجد في يديه مال فإنه لا يخلو أن يكون معاملة محدثة (¬1)، أو من فائدة هبة أو ميراث، ولم يعامل أحدا بعد التفليس أو بعد أن عامل وهو قائم الوجه، أو بعد أن فلس ثانية، فإن كان من معاملة، وقال الذين فلسوه أن في يده فضلا ليأخذوه كشف السلطان عن ذلك، فإن وجد فضلا آخر (¬2) في يديه بقدر ما يوفي الآخرين، وقضى بالفضل للأولين، وإلا (¬3) لم يعرض له (¬4)، وإن كان من فائدة ولم يعامل أحدا بعد الفلس أخذه الذين فلسوه على الحصص المتقدمة إن لم يكن فيه وفاء، وإن كان قد عامل آخرين وفلسوه اقتسم تلك الفائدة الأولون والآخرون بقدر الباقي لهم، فإن كان قائم الوجه لم يفلس بعد كان الأولون أحق بالفائدة؛ لأن محمله في المعاملة الثانية على الوفاء، وإن قضى الفائدة الآخرين كان للأولين أن يأخذوا مثل ما قضى مما في يديه من المعاملة الثانية، وإن تبين فلسه في المال الثاني تساوى حق الأولين والآخرين في اقتسام الفائدة إن قاموا به، فإن لم يقوموا حتى قضى (¬5) أحد الفريقين أو رجلا منهم مضى على أحد قولي مالك في قضاء من تبين فلسه؛ لأن الحجر الأول قد ذهب وبقي مطلق اليد في البيع والشراء والاقتضاء. وقال ابن الماجشون في كتاب محمد: إذا داين قوما آخرين ثم أفاد مالا بقي للأولين وهم أولى به من الآخرين ما لم يقع فلس ثان وهي في يديه لأن ذمته الثانية (¬6) قائمة، يريد أن محمله في المداينة الآخرة على الوفاء ولم يرد أنها تكون ¬

_ (¬1) قوله: (محدثة) ساقط من (ت). (¬2) في (ر): (أمر). (¬3) قوله: (إلا) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (له) ساقط من (ت). (¬5) في (ر): (قضاها). (¬6) قوله: (لأن ذمته الثانية) ساقط من (ت).

فصل [في الحصاص على المفلس بما لم يكن عن معاوضة]

للأولين مع العجز عن الوفاء للآخرين. فصل [في الحصاص على المفلس بما لم يكن عن معاوضة] واختلف في الحصاص بما لم يكن عن معاوضة كنفقة الزوجتين والولد والأبوين والصداق والجنايات، فقال ابن القاسم في كتاب النكاح: يضرب للزوجة بما أنفقت على نفسها، قال سحنون: في الدين المستحدث ولا تحاص إذا كان الدين قبل الإنفاق (¬1). وفي كتاب محمد: تضرب في الفلس (¬2)، وقيل: لا يضرب في فلس ولا موت، (¬3) ولا وجه للتفرقة لأنه إن كان لها حكم الهبات سقطت في الفلس أو حكم المعاوضات يثبت في الموت، وفي كتاب ابن الجلاب عن ابن القاسم (¬4) أن الزوجة تضرب بصداقها في الفلس (¬5) الحياة ولا تحاص به في الفلس بعد الوفاة (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 358 والنوادر والزيادات: 4/ 607. (¬2) زاد في (ر) هنا: (ولا تضرب في الموت ولا في الفلس). وانظر: النوادر والزيادات: 4/ 606. ومن كتاب ابن المواز: قيل لابن القاسم: فإذا لم يكن للغائب مال حاضر، أيؤمر من قام بالنفقة أن يتسلف عليه؟ أما الزوجة فنعم، وأما الأبوان فلا، ولأنهم لو لم يقوموا حتى يقدم فاقر لم يتبعه الآبوان، وتتبعه هي، وهي لها النفقة في ملائها ويضرب بها في الفلس والموت. (¬3) قوله: (وقيل: لا يضرب في فلس ولا موت،) ساقط من (ت). (¬4) قوله: (عن ابن القاسم) ساقط من (ت). (¬5) قوله: (الفلس) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (به في الفلس بعد الوفاة) يقابله في (ت): (بعد الموت). وانظر: التفريع: 2/ 265.

فصل [في المحاصة بين الوارث والأجني إذا أقر لهما المفلس]

وقال ابن القاسم: لا تضرب بنفقة الولد ولا بنفقة الوالدين (¬1) في فلس ولا موت، وقال أشهب: يضرب الولد مع الغرماء (¬2)، وقاله أصبغ في نفقة الوالدين إلا أن يكون حدث بحكم وتسلفت وهو ملي فيضرب بها في الموت والفلس (¬3). ويختلف عن (¬4) هذا هل يحاص بالجنايات، فقال مالك في المدونة: يحاص بها (¬5)، وعلى القول الآخر: لا يحاص بها، وأما قتل الخطأ فإن كان عليه دين حتى تفض الدية لم يكن عليه شيء، وإن كان لا دين عليه وقضى عليه في جملة العاقلة ثم فلس حوصص بها على أحد القولين، والقياس في كل هذا أن يضرب به، ولا خلاف فيمن باع سلعة فغصبت (¬6) أو هلكت أن لبائعها أن يحاص بثمنها، وإن لم يكن له معه شيء لأنها ديون معهم (¬7) كلها، وليس بمنزلة من فلس، فإن الشأن أنه إنما يعامل على أن لا يدخل الأولون معه في شيء. فصل [في المحاصة بين الوارث والأجني إذا أقر لهما المفلس] واختلف فيمن أقر لوارث ولأجنبي بمائة دينار، وخلف مائة، فقال ابن القاسم: يتحاصان فما صار للأجنبي أخذه، وما صار للوارث دخل في بقية ¬

_ (¬1) في (ر): (الأبوين). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 606. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 459. (¬4) في (ر): (على). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 595، 670. (¬6) في (ر): (فعطبت). (¬7) قوله: (معهم) ساقط من (ر).

الورثة (¬1)، ولا رجوع للوارث المقر له على الأجنبي، وقال أشهب: يرجع على الأجنبي بنصف ما يفضل به، فما صار له دخل فيه معه الورثة ثم يرجع المقر له على الأجنبي حتى يتساويا، فإن كان للمقر له أخ واحد عاد المال بينهم أثلاثا، وإن كان الولد ثلاثا عاد المال (¬2) بينهم أرباعا (¬3)، وهذا ضعيف أن يضر (¬4) الأجنبي بما يأخذ الأخ على وجه الميراث، والقياس أن يبدأ بالأجنبي (¬5) بجميع المائة؛ لأن الإقرار له صحيح، والإقرار للوارث فيه تهمة، والتهمة لا تبعض، وإذا اتهم الميت فيما أقر به له حتى يكون للورثة أن يدخلوا معه سقط أن يكون له مع الأجنبي حصاص؛ لأن الأجنبي يقول: إن كان إقراره للوارث معي صحيح فيجب ألا يدخل فيه الورثة، وإن كان يتهم فيه حتى يكون للورثة فيه مقال بطل إقراره جملة؛ لأنه يستحيل أن يكون إقراره صحيحًا سقيمًا في حال. وإن أقر لزوجته ولأجنبي وكان يورث بولد تحاص على قول ابن القاسم، فما صار لها أخذته، ولم يدخل فيه بقيمة الورثة، وإن كان ورثته عصبة دخلوا معها، وإن أقر لأجنبي ولصديق ملاطف والورثة عصبة، فما صار للصديق أخذ الورثة جميعه، ثم لا رجوع له، وعلى قول أشهب يرجع، وذلك يؤدي إلى ألا يبقى بيد الأجنبي شيء لأن الورثة ينتزعون جميع ما يأخذه، بخلاف أن يقر لوارث فإنه ينتزع منه الزائد. وقال محمد: إذا كان عليه دين لأجنبي ببينة وأقر لأجنبي آخر ولوارث ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 79. (¬2) قوله: (عاد المال) يقابله في (ر): (كان). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 353. (¬4) قوله: (أن يضر) يقابله في (ت): (إن رضي). (¬5) في (ت): (هو).

ولا بينة لهما، قال: فلا حق للوارث حتى يستوفي الأجنبيان فإن كان ما ترك الميت مثل حق صاحب البينة كان تهمة من الميت لوارثه إن أدخله مع صاحب البينة (¬1)، ولو طلب الوارث أن يدخل فيما يصير للذي لا بينة له لمنعه الذي له البينة لأنه يقول: أنا أحق بما تأخذه، ولا حق لك في مال الميت، ولي عليه دين ببينة (¬2) يحيط بما ترك، وكذلك لو كان (¬3) ثم فضل عن حقه إلا أنه لا فضل فيه (¬4) عن حق الأجنبيين لأنه إن جعل له حق فيما يصير للذي لا بينة له رجع على الذي له البينة فيقول في يدك أكثر مما في يدي وأنت لا تكون أحق بشيء من مال الميت مني، وقد قال فيها غيري إذا قسم ما ترك الميت بين الأجنبيين نصفين لأنه حقهما سواء دخل الوارث مع الذي لا بينة له فقاسمه ورجع الذي له البينة على الوارث وأخذ منه ما صار له من ذلك فقاسمه إياه الذي لا بينة له، فما صار للذي لا بينة له (¬5) دخل فيه الوارث فحاص بجميع ما كان أقر به الميت فما صار (¬6) للوارث أخذه أيضا صاحب البينة ثم دخل فيه صاحب الإقرار، فما صار له منه دخل معه فيه الوارث بجميع حقه لأنه ليس بيده شيء، وهكذا أبدا حتى لا يبقى منه شيء، قال محمد وهو (¬7) يرجع إلى ألا يكون للوارث معهما شيء (¬8). ¬

_ (¬1) قوله: (كان تهمة من الميت لوارثه إن أدخله مع صاحب البينة) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (ببينة) ساقط من (ت). (¬3) في (ر): (قال). (¬4) قوله: (عن حقه إلا أنه لا فضل فيه) ساقط من (ت). (¬5) قوله: (فقاسمه ورجع. . . للذي لا بينة له) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (فما صار) يقابله في (ر): (فصار). (¬7) في (ر): (وهذا). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 590.

فصل [في حمالة المريض]

قال الشيخ - رضي الله عنه -: إلا أن القسمة (¬1) تختلف فيكون بيد صاحب البينة أكثر، وفي القول الآخر يتساويان، والقول الأول (¬2) الذي ذكر محمد هو أصل أشهب، وأما على قول ابن القاسم يتحاص الأجنبيان (¬3)، فما صار للذي لا بينة له دخل فيه الوارث، فما صار للوارث دخل فيه بقية الورثة، ثم لا تراجع بينهم (¬4)، ويصح أن يقال: إن لصاحب البينة أن يحاص من لا بينة له بالوارث، فما صار للوارث أخذه صاحب البينة. فصل [في حمالة المريض] وقال محمد في مريض له دين على رجلين أحدهما وارث وبعضهما (¬5) حميل عن بعض، فأقر المريض أنه قبض حقه من الوارث لم يقبل قوله ولم يسقط الحق عن واحد منهما وكان الحق والحمالة عليهما على حالهما، وسواء كانا معدمين أو موسرين؛ لأنه أسقط دينه عن وارثه وصير له ما على الأجنبي (¬6) وصارت وصية منه له إن كان الأجنبي موسرا أخذه منه، وإن كان معدما أتبعه به. وإن أقر أنه قبض جميع حقه من الأجنبيين (¬7) فكانا موسرين جاز إقراره وسقط جميع الحق عنهما للميت؛ لأنه قد أبرأ الأجنبي وصار له ما على وارثه، ¬

_ (¬1) في (ت): (القيمة). (¬2) قوله: (الأول) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (يتحاص الأجنبيان) يقابله في (ت): (فيتحاص الأجنبيون). (¬4) قوله: (بينهم) ساقط من (ر). (¬5) في (ت): (والآخر). (¬6) قوله: (وصير له ما على الأجنبي) ساقط من (ت). (¬7) في (ر): (الأجنبي).

وإن كانا معدمين لم يسقط عن واحد منهما الحق ولا الوارث ولا (¬1) الحمالة لأن الوارث إن أيسر قبل الأجنبي لزمه الغرم عن الأجنبي بحمالته، فإسقاط المريض عن الأجنبي باطل؛ لأنه إسقاط عن الوارث، وكذلك إذا كان الأجنبي معدما والوارث (¬2) موسرا لم يجز إقراره لواحد منهما أنه قبض حقه منه، فإن كان الحق على الوارث وحده وتحمل به أجنبي أقر أنه قبض حقه من الوارث لم يقبل قوله، لم تسقط الحمالة عن الأجنبي لأن الحق ثابت على حاله على الوارث، ولو أقر أنه قبض الحق من الحميل جاز قوله وسقطت الحمالة وصار الحق الذي على الوارث للحميل (¬3). ¬

_ (¬1) قوله: (الوارث ولا) ساقط من (ر). (¬2) في (ر): (الآخر). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 149.

باب في من فلس ولعبده عليه دين، وإذا تلف مال المفلس بعد الجمع وقبل القضاء، ومن وجد سلعته بعينها هل يكون أحق بها في الفلس والموت

باب في من فلس ولعبده عليه دين، وإذا تلف مال المفلس بعد الجمع (¬1) وقبل القضاء، ومن وجد سلعته بعينها (¬2) هل يكون أحق بها في الفلس والموت ومن فلس ولعبده عليه دين ولا دين على العبد (¬3) لم يضرب عبده بدينه، وإن كان عليه دين ضرب به (¬4) مع غرماء السيد إلا أن يكون ما ينويه في الحصاص أكثر مما عليه فليبدأ بدينه ويسقط الباقي، وإن كان له سواء العبد بيع لغرماء السيد (¬5)، والعبد أحدهم، فإن كان الدين ألفا ودين العبد منها (¬6) ستمائة (¬7)، وعلى العبد منها (¬8) مائة (¬9) بيع على التبعيض (¬10)، يقال بكم تشترونه على أن عشر ما يباع به قضاء عن المائة التي عليه لأن كون الدين عليه عيب، فإذا بيع على هذه الصفة قبض (¬11) على ما يذهب من ¬

_ (¬1) في (ت): (التفليس). (¬2) قوله: (بعينها) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (على العبد) يقابله في (ر): (عليه). (¬4) قوله: (به) ساقط من (ت). (¬5) قوله: (السيد) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (منها) ساقط من (ت). (¬7) في (ر): (مائة). (¬8) قوله: (منها) ساقط من (ت). (¬9) قوله: (مائة) ساقط من (ر). (¬10) في (ر): (النقيض). (¬11) قوله: (قبض) ساقط من (ر).

فصل [في ضمان ما تلف من مال المفلس]

العيب وما يبقى، وإن كان دين العبد عشرين والذي ينوبه من الحصاص إذا ضرب بالمائة أكثر من العشرين بيع علي ألا دين عليه، فما بيع به قضى منه ما عليه وسقط الباقي عن سيده. فصل [في ضمان ما تلف من مال المفلس] واختلف في مال المفلس إذا تلف بعد أن جمع قبل البيع (¬1) أو بعده، فقال مالك مرة: مصيبته من المفلس (¬2) حتى يقبضه الغرماء وسواء كان عرضا أو عينًا (¬3). وقال أيضًا: مصيبة ما ليس بعين من المفلس، ومصيبة العين من الغرماء وكان ذلك العين في يديه حين التفليس أو ثمن ما بيع عليه (¬4). وروى عنه (¬5) عبد الملك عن مالك (¬6) أنه قال: ضمان ما تلف من ذلك كله من الغرماء من حضر منهم ومن غاب، ومن علم ومن لم يعلم، كان دينه عرضا أو عينا أو حيوانا أو ما كان (¬7). وقال المغيرة: مصيبة الدنانير ممن له دنانير، والدراهم ممن له دراهم، ¬

_ (¬1) في (ر): (الجمع). (¬2) في (ر): (الفلس). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 26. (¬4) انظر: المدونة: 3/ 369. (¬5) قوله: (عنه) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (عن مالك) ساقط من (ت). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 26.

فصل [في السلعة يبتاعها الرجل ثم يفلس وهي عنده بعينها]

ومصيبة (¬1) العروض من المفلس. وذكر ابن الجلاب عن عبد الملك مثل ذلك (¬2)، والقول الأول أحسن؛ لأن من حق الغرماء التوفية في الكيل والوزن، و (¬3) كلما كان قبل ذلك فهو في ضمانه حتى يوفى لهم بحقهم من كيل أو وزن، والسلطان كالوكيل له على ذلك، وفائدة التفليس والحجر ألا يتلف ذلك قبل أن يوصله إليهم. فصل [في السلعة يبتاعها الرجل ثم يفلس وهي عنده بعينها] البائع أحق بسلعته في الفلس وهو أسوة في الموت لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أيما (¬4) رجل ابتاع متاعًا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض البائع (¬5) من ثمنه شيئًا فوجده بعينه، فهو أحق به، فإن مات المشتري فصاحب المتاع أسوة الغرماء" ذكره مالك في الموطأ غير مسند (¬6)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من أدرك ماله بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحق به" (¬7)، وقال أيضا: "فصاحبه الذي باعه أحق به"، ¬

_ (¬1) قوله: (مصيبة) ساقط من (ر). (¬2) انظر: التفريع: 2/ 263، ولفظه: (وقال عبد الملك: إذا كان ماله ذهبًا أو ورقًا ودينه كذلك فتلف ماله بعد جمعه ونزعه فضمان الذهب ممن له عليه الذهب وضمان الورق ممن له عليه الورق). (¬3) قوله: (و) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (أيما) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (البائع) ساقط من (ت). (¬6) أخرجه مالك في الموطأ: 2/ 687، في باب ما جاء في إفلاس الغريم، من كتاب البيوع، برقم (1357)، وأبو داود: 2/ 309، في باب في الرجل يفلس فيجد الرجل متاعه بعينه عنده، من كتاب الإجارة، برقم (3520). (¬7) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 846، في باب إذا وجد ماله عند مفلس في البيع والقرض والوديعة فهو أحق به، من كتاب الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس، برقم =

رواه مسلم (¬1). واختلف في ثلاث مسائل: إحداها: هل يكون أحق (¬2) في الفلس بالعين، وإن كان من بيع. والثاني: هل يكون أحق بالعرض إذا كان من قرض. والثالث: هل يكون أحق بالسلعة إذا كانت من بيع (¬3) وهل يكون أحق بالسلعة إذا كانت عن بيع (¬4)، وأحيل بثمنها وفلس المحال عليه. فقال مالك وابن القاسم في المدونة فيمن أسلم عينا دنانير أو دراهم هو أحق بها في الفلس إذا عرفت (¬5)، وهي كالمكيل والموزون، وقال أشهب: هو أسوة (¬6). ¬

_ = (2272)، ومسلم: 3/ 1193، في باب من أدرك ما باعه عند المشتري وقد أفلس فله الرجوع فيه، من كتاب المساقاة، برقم (1559). (¬1) لم أقف على هذه الزيادة عند مسلم ولا عند غيره، والذي وقفت عليه في مصنف عبد الرزاق عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أيما رجل أفلس وعنده سلعة بعينها فصاحبها أحق بها دون الغرماء": 8/ 264، في باب الرجل يفلس فيجد سلعته بعينها، من كتاب البيوع، برقم (15161). وعند النسائي عن عمر بن عبد العزيز فذكره، أي: حديث أبي هريرة السابق: إذا ابتاع الرجل السلعة ثم أفلس وهي عنده بعينها فهو أحق بها من الغرماء، وقال: من اشترى سلعة ثم أفلس فصاحبها أحق بها": 6/ 189، في باب ما جاء فيمن أحيا حسيرا، من كتاب اللقطة، برقم (11896). (¬2) قوله: (أحق) ساقط من (ر). (¬3) في (ت): (قرض). (¬4) قوله: (وهل يكون أحق بالسلعة إذا كانت عن بيع) ساقط من (ر). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 92 و 93. (¬6) انظر: المدونة: 4/ 93.

وفي كتاب محمد فيمن أقرض عرضًا أو عبدًا هو أسوة، قال: وإنما جاء الحديث في البيع، وقال أبو محمد الأصيلي: هو أحق كالبيع، وقال أصبغ في كتاب محمد: إذا فلس المحال عليه لم يكن المحال بالثمن أحق بتلك السلعة التي باعها المحيل. وقال محمد: هو أحق، والقول أنه أحق بالعين وبالعرض أحسن لعموم الحديث: "أيما رجل أدرك ماله" ولم يخص، وقياسا على العرض إذا كان من بيع (¬1) لأنه لم يكن أحق لكونه عرضا، وإنما كان ذلك لأنه عين متاعه، وإن منع أن يقول القياس كان في البيع أنه أسوة لأن البيع نقل الملك، وإنما له ثمن في الذمة فهو فيه أسوة الغرماء، فيتبع (¬2) الحديث فيما ورد فيه، ويبقى ما سواه على الأصل، وقياسا على الموت، وأما الحوالة فجواب ابن القاسم أنه لا يكون أحق على أصله أن الحوالة بيع، ويصح قول محمد على أصل أشهب أنها على وجه المعروف، وليست ببيع. ولو اشترى رجل ذلك الدين ثم أفلس مشتري السلعة لم يكن مشتري الدين أحق بها، ولو تصدق بالدين لكان المتصدق عليه أحق به قال ابن القاسم في العتبية: إذا فلس المشتري بعد بيعه للسلعة، وحاص البائع الغرماء ثم ردت بعيب كان للبائع أن يرد ما أخذ في الحصاص ويأخذ سلعته (¬3). ويصح أن يقال: ذلك حكم مضى فلا يرد، وقاله ابن حبيب فيمن اشترى سلعة ثم باعها (¬4) ثم ظهر على عيب فرجع بقيمته ثم ردت عليه لم يردها على ¬

_ (¬1) في (ت): (بيعه). (¬2) في (ر): (أو يتبع). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 10/ 440. (¬4) قوله: (ثم باعها) ساقط من (ر).

الأول، قال: لأن رجوعه بالعيب حكم فلا يرد. واختلف فيمن باع عبدا فأبق عند المشتري ثم فلس، فقال ابن القاسم للبائع أن يطلبه على أن ألا شيء عنده (¬1) غيره أو يحاص وليس له أن يطلبه (¬2)، فإن لم يجده رجع إلى الحصاص، وقال أشهب: له ذلك، يطلبه، فإن وجده كان أحق به، وإلا رجع فحاص، وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: ليس له أن يختار (¬3). وقد اختلف فيمن أخذ سلعته عند الفلس (¬4)، فقيل: ذلك نقض للبيع الأول، فعلى هذا يصح أن يطلبه، ولا رجوع له إذا لم يجده، ومثل أخذه كبيع مبتدأ، فعلى هذا لا يجوز له أن يطلبه على أن لا شيء له سواه، ولا على أن له أن يرجع إن لم يحده، فاستخف ذلك أشهب (¬5) للاختلاف هل هو كابتداء بيع أم لا؟ واختلف عن مالك فيمن باع (¬6) ثمرة قد أزهت ثم فلس المشتري بعد أن يبست هل يكون البائع (¬7) أحق بها (¬8)، وأن يكون ذلك له أحسن؛ لأنها عين ماله، وليس بينهما كثير (¬9) تغير، ولأنها في ضمان البائع حتى تصير إلى اليبس، ¬

_ (¬1) في (ر): (له). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 10/ 440. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 62. (¬4) في (ت): (التفليس). (¬5) قوله: (أشهب) ساقط من (ت). (¬6) في (ت): (ابتاع). (¬7) قوله: (البائع) ساقط من (ت). (¬8) انظر: المدونة: 4/ 237. (¬9) في (ر): (كبير).

فصل [فيمن اشترى عبدا ثم رده بعيب فلم يسترجع الثمن حتى فلس البائع]

وإنما يقع الشراء على أن تصير إلى تلك الحالة. فصل [فيمن اشترى عبدا ثم رده بعيب فلم يسترجع الثمن حتى فلس البائع] ومن اشترى عبدا ثم رده بعيب فلم يسترجع الثمن حتى فلس البائع كان أسوة، واختلف إذا لم يرده بالعيب حتى فلس البائع (¬1) هل يكون أحق به برده، ويباع له، ويكون أسوة. واختلف بعد القول أنه أسوة، فقيل: هو بالخيار بين أن يحبسه ولا شيء له من العيب، أو يرد ويحاص، وقيل له أن يحبسه إن أحب، ويرجع بقيمة العيب؛ لأن عليه ضررا في رده ليحاص وهو أبين، ومن باع سلعته بيعا فاسدا فلم يقبض الثمن البائع (¬2) حتى فلس المشتري فإن لم يفت رد البيع من جهة الفساد، وإن فات بحوالة أسوق أو بعيب كان فوتًا من ناحية الفساد وكان للبائع أن يأخذها من جهة الفلس (¬3) أو يحاص بالقيمة، واختلف إذا قبض البائع الثمن ثم فلس قبل فوت السلعة هل يكون المشتري أحق بها، وتباع له في ثمنه أو يكون أسوة، وعلى القول الآخر يكون بالخيار بين أن يرد ويحاص بثمنه أو يمسك ويكون عليه القيمة أو يحاص (¬4) بالثمن، وإن أخذها المشتري من دين (¬5) ردت وكان أسوة الغرماء قولًا واحدًا، وتقدم القول فيمن اشترى ¬

_ (¬1) قوله: (كان أسوة. . . فلس البائع) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (البائع) ساقط من (ر). (¬3) في (ر): (الفساد). (¬4) في (ر): (يقاص). (¬5) في (ت): (ثمن).

سلعة فأرهنها ثم فلس المشتري. فصل [فيمن رد المبيع بعيب فلم يقبض ثمنه حتى فلس بائعه فوجده، هل يأخذه؟] وإن حدث في المبيع عيب ثم فلس المشتري (¬1) فإنه لا يخلو من (¬2) أن يكون ذلك من سبب أجنبي وأخذ له المشتري أرشا أو من قبل الله -عز وجل- أو من سبب المشتري، فإن كان من فعل آدمي وأخذ له أرشا ثم ذهب ذلك العيب كالموضحة ثم عاد لهيئته كان للبائع أخذه ولا شيء له من الأرش؛ لأنه لم ينظر به. . . بشيء. وقال محمد فيمن اشترى عبدا ثم شج موضحة وأخذ أرشها (¬3) ثم عاد لهيئته ثم وجد عيبا رده ولم يرد ما أخذ في الموضحة، قال محمد: فإن لم يعد لهيئته رده وأخذ الباقي بما ينوبه من الثمن يوم البيع وحاص بما نقصت الجناية ويصير بمنزلة سلعتين وجد في إحداهما عيب. واختلف عن مالك إذا كان ذلك من الله سبحانه ولم يأخذ له عوضًا فقال مرة: يأخذ الباقي بجميع الثمن أو يحاص (¬4). وقال (¬5) في مختصر ما ليس في المختصر فيمن اشترى جارية (¬6) فحدث بها ¬

_ (¬1) في (ت): (المبتاع). (¬2) قوله: (من) ساقط من (ت). (¬3) في (ر): (أرشا). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 59. (¬5) قوله: (وقال) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (جارية) ساقط من (ر).

عيب فالبائع بالخيار إن شاء أخذها بقيمتها وإن شاء حاصهم بالثمن. ويختلف إذا كان من سبب المشتري (¬1) فقال مالك في كتاب ابن حبيب فيمن اشترى ثوبا فلبسه حتى خلق فالبائع بالخيار (¬2) إن شاء أخذه بحقه كله أو أسلمه وحاص. قال ابن الماجشون: إلا أن يكون الذي دخله من البلاء فاحشا جدا (¬3) فلا يكون له أخذه (¬4). والقياس أن يفض الثمن على الذاهب والباقي ويسقط من الثمن ما ينوبه الموجود الآن (¬5) يضرب بما ينوب ما أبلى منه؛ لأنه شيء قبضه منه، ولكذلك بذل الثمن وليس بمنزلة ما ذهب بأمر من السماء وهو بمنزلة ما أخذ له أرشا. ويختلف إذا كان عبدا كبيرا فهرم هل يكون له أخذه قياسا على من اشترى عبدا فهرم عنده ثم وجد عيبا فاختلف فيه هل يكون ذلك فوتا، ويمنع الرد فعلى القول أن ذلك فوت لا يكون لهذا أن يأخذ في الفلس وعلى القول أنه ليس بفوت له أن يأخذه. ثم يختلف هل يضرب بما نقصه الهرم على ما قال في الجارية يحدث بها عيب (¬6) ثم يفلس مشتريها، وإن كان صغيرا فكبر كان فوتا ولم يأخذه، وقد اختلف إذا وجد به (¬7) عيبا بعد أن كبر، والأمر فيهما سواء. ¬

_ (¬1) في (ت): (المبتاع). (¬2) قوله: (بالخيار) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (جدا) ساقط من (ت). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 60. (¬5) في (ت): (إلا أن). (¬6) قوله: (يختلف هل. . . بها عيب) ساقط من (ت). (¬7) في (ر): (بها).

فصل [في ولادة الجارية في الفلس]

فصل [في ولادة الجارية في الفلس] ولادة الجارية ليس بفوت، وللبائع أن يأخذها وولدها في الفلس، وليس بغلة فيكون للمشتري حبسه، وإن مات لم يضمنه المشتري (¬1) وكان البائع بالخيار بين أن يأخذ الأم بجميع الثمن أو يدع، وكذلك إذا ماتت الأم وبقي الولد، فإن أحب أخذه بجميع الثمن أو تركه وضرب مع الغرماء، وإن باع الأم دون الولد كان للبائع أن يأخذ الولد بما ينوبه من الثمن أن لو كانا جميعًا يوم البيع. واختلف إذا باع الولد فقال مالك في كتاب محمد: يأخذ الأم بجميع الثمن (¬2) لأنه غلة من غلاتها وفرق بينه وبين الأم، وقال سحنون: لا أدري ما هذا (¬3)، يريد: أن القياس فيهما سواء. وقال ابن الجلاب يأخذ الأم ويضرب بما ينوب الولد (¬4). قال الشيخ -رحمه الله-: لم يرد مالك أنه غلة في الحقيقة ولو كان غلة لم يرد إذا كان قائمًا مع أم، ولم يكن للبائع أخذه إذا باع الأم؛ لأن الغلة في القيام والفوت سواء، إنما لم يجعل عليه في ثمنه شيئًا كما لم يكن عليه في ما أخذ في الشجة إذا عاد لهيئته، وإن كان ما أخذ عنها إنما أخذ عن بعض المبيع. ¬

_ (¬1) في (ت): (المبتاع). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 65. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 66. (¬4) انظر: التفريع: 2/ 261. ونصه: (ولو باع الأم أو الولد كان له أخذ الباقي منهما بحسابه من الثمن).

فصل [فيما يكون فوتا وما لا يكون في الفلس]

وقال ابن القاسم في كتاب ابن حبيب: لو قتل أحدهما فأخذ له عقلا وبقي (¬1) الآخر كان مثل البيع، وإن لم يأخذ له عقلا فسبيله سبيل الموت (¬2). فصل [فيما يكون فوتا وما لا يكون في الفلس] وقال مالك فيمن اشترى عرصة فبناها أو غزلا فنسجه ليس ذلك بفوت، وللبائع أن يأخذه، ويكون المشتري شريكا بصنعته (¬3). واختلف قول ابن وهب في صباغ الثوب ودباغ الجلد وثبت على أنه ليس بفوت (¬4)، وإن قطع الجلود خفافا أو نعالا كان فوتًا (¬5). واختلف في قطع الثياب، فقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: إذا قطع الثوب قميصا فهو فوت (¬6) ووقف مالك فيه؛ وقال: لا أدري، وقال: إذا جعل الزبد سمنا والثوب ظهارة والخشبة بابا أو تابوتا أو ذبح الشاة فذلك فوت، وليس إلا المحاصة قال (¬7) بخلاف العرصة والغزل لأن هذا عين شيئه، وإنما زيد فيه (¬8)، قال محمد: وطحن الحنطة فوت، ولا يكون أحق بها (¬9). ¬

_ (¬1) في (ت): (مضي). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 66. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 60. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 61. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 60. (¬6) قوله: (فهو فوت) ساقط من (ر). وانظر: النوادر والزيادات: 10/ 60. (¬7) قوله: (قال) ساقط من (ر). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 60. (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 61.

فصل [فيما يفوت بالخلط في الفلس]

وأرى أن ينظر إلى كل ما يحدثه المشتري أو يحدث بالمبيع من غير فعله، فإن كان ذلك مما لا يمنع المشتري الرد لو ظهر على عيب فإنه لا يمنع البائع في الفلس من أخذه وإن أبطل الغرض منه وكان مما يمنع الرد بالعيب فإنه يمنع البائع من أخذه (¬1) عند المفلس (¬2). وقد اختلف إذا بنى ثم ظهر على عيب هل يمنع الرد والبناء مختلف فيه فما عظم قدره والنفقة فيه كان فوتا، وما قل فليس بفوت، والقطع والصبغ إذا كان قطع مثله، و (¬3) صبغ مثله لا يمنع الرد، فإن قطع الثوب تبابين، أو صبغ الثياب مما يكون فسادا لمثلها كان فوتا، ولا يأخذها في الفلس. واختلف في طحن القمح إذا ظهر على عيب، وأن لا يكون فوتا أبين لأن الصناعة فيه يسيرة، ولو باعه زعفرانا أو عصفرا، فصبغ به ثوبا ثم فلس مشتريه كان بائعه أحق بالأقل مما زادت قيمته في الثوب أو الثمن الذي باعه به، وقد قيل: هو أسوة، والأول أصوب. فصل [فيما يفوت بالخلط في الفلس] وإذا خلط (¬4) القمح أو الشعير أو الزيت أو الدنانير بمثله في الجودة أو الدناءة كان شريكا بمثل ما باع ولم يكن ذلك فوتا. وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: إن خلط زيت فجل بزيت الزيتون أو ¬

_ (¬1) قوله: (وإن أبطل. . . من أخذه) ساقط من (ت). (¬2) في (ر): (الفلس). (¬3) في (ر): (أو). (¬4) في (ت): (اختلط).

القمح المسحل (¬1) بالمغلوث جدا أو السويق حتى يحول ويفسد فهو فوت، ولا يأخذه (¬2). قال الشيخ -رحمه الله-: ولو خلط زيت الزيتون بجنسه وأحدهما أجود لم يكن فوتًا، وكان شريكا بقدر (¬3) ما ينوبه من قيمة الآخر بمنزلة ما لو اختلطا بوجه جائز، وكذلك لو خلط القمح بغلث (¬4) أو مسوس. وقال محمد: إذا خلط عسل هذا بخزيرة هذا (¬5) أو لته كان أحق به من الغرماء ويتحاصان، وقال ابن أبي مطرف: ثم وقف عنها محمد (¬6). ¬

_ (¬1) في (ت): (النصيل). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 57. (¬3) قوله: (بقدر) ساقط من (ر). (¬4) في (ف): (ببال أو مسوس). (¬5) قوله: (هذا) ساقط من (ر). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 56.

باب في تفليس الصناع والأجراء وتفليس من استأجرهم

باب في تفليس الصناع والأجراء وتفليس من استأجرهم ومن أسلم إلى صانع غزلا (¬1) ليحوك له ثوبا أو يخيطه أو يصبغه ثم فلس الصانع كان لمن أسلم أن يحاص بقيمة تلك الصنعة، وما صار له كان بالخيار بين أن يعجل به (¬2) ويتم من عنده، ويتبع الصانع بالباقي متى أيسر، أو يأخذ ما صار له في الحصاص من الثمن الذي كان أسلم ويتبع بالباقي وتنفسخ الإجارة؛ لأن تبعيض الخياطة والصبغ عيب، وإن كانت الإجارة في عين الأجير كان من له عليه مال أحق بماله، والذين استأجروه أحق بصنعته، ولا يدخل بعضهم على بعض، ثم يعمل الذين استأجروه الأول فالأول، إلا أن تكون العادة أنه يؤخذ من ابتدئ بالعقد له إن شاء ذلك الصانع، وعلى مثل ذلك يدخلون أولا يعلم أيهم (¬3) كان أول، فيقترع على أيهم يبتدأ (¬4) به. فصل [في الأجير يموت مستأجره أو يفلس] فإن فلس الذي استأجره كان الأجير أحق في الفلس والموت، وهذا للعادة، ويختلف إذا لم تكن عادة هل يكون أحق بصنعته لأنها بيده، ولم يسلمها أو يكون أسوة لأنه سلمها في الثوب، وفاتت فيه، ويختلف أيضا إذا مات ولم ¬

_ (¬1) قوله: (غزلا) ساقط من (ر). (¬2) في (ر): (له). (¬3) قوله: (أولا بعلم أيهم) يقابله في (ر): (أو لا يعلم أنهم). (¬4) في (ر): (يبدأ).

يكن عادة هل يكون أحق بصنعته، (¬1) وإن كان الفلس قبل أن يعمل كان بالخيار بين أن يفسخ الإجارة أو يعمل ويكون أسوة وليس له أن يعمل ليكون شريكا بصنعته. واختلف إذا عمل وسلم ذلك إلى ربه فقال ابن القاسم في العتبية إذا كان ذلك مثل الخياطة والقصارة والصبغ كان أسوة، وقال أيضا هو أحق بصنعته، ويكون شريكًا بها. واختلف بماذا يشارك، فقيل: بقيمة الصنعة، وقيل: بما زاد، فإن لم يزد كان أسوة لأنه لا يختار إذا لم يزد إلا التسليم والحصاص (¬2). وقال في كتاب محمد: هو أحق بما زادت قيمة الصبغ ويكون شريكا به، وما بقي له خاص به، وأرى أن يكون أحق لصنعته؛ لأن المشترى هو الموجود من الخياطة والصبغ، وهو قائم لم يفت، ولو ضاع الثوب بعد الخياطة (¬3)، والصبغ وقبل أن يسلم كانت المصيبة منه لأنه في معنى الشيء القائم، ويكون شريكا بما زادت الصنعة ليس بقيمتها؛ لأن الثوب هو الأصل، وهو المقصود بالشراء وكثيرا ما يكون الصبغ غير مقصود بالشراء، ولو كان أبيض لكان أثمن، فإنما يكون للصبغ ما زاد، وأما الخياطة فهو أشبه أن يكون شريكا بقيمتها لأنه لو قام بعد القطع وقبل الخياطة لأخذ بجميع الثمن ولم يحط لأجل القطع شيء، وإذا كان ذلك فالخياطة تزيد على قيمته مقطوعا، ولا يشترى إلا ليخاط وقال ابن القاسم في العتبية إذا أخرج الصانع من عنده شيئًا سوى عمله ¬

_ (¬1) قوله: (لأنها بيده، ولم يسلمها. . . أحق بصنعته) ساقط من (ر). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 10/ 432. (¬3) قوله: (والصبغ وهو قائم لم يفت، ولو ضاع الثوب بعد الخياطة) ساقط من (ر).

فأدخله في عمله مثل الصباغ أدخل الصبغ (¬1) والصيقل إذا أدخل متاع السيف، والفراء يسترقع الفروَ فيجعل من عنده الجلود، فإن أدركوا السلعة قائمة نظر إلى قيمة الثوب مرقوعا وغر مرقوع فيكون شريكا بذلك (¬2)، وكذلك إذا تناصفت (¬3) الخياطة والرقاع، وإن كانت الخياطة الأكثر كان أسوة في الجميع. وقال مالك في الخياط والعمال يستعملون الثوب (¬4) فيستعملون هم غيرهم، فإن أرباب المتاع يأخذونه فلا غرم عليهم إن كانوا دفعوا أجرة ذلك إلى الأول، ويتبع الثاني الأول (¬5) هذا يصح على القول أن الصنعة قد سلمت إلى رب الثوب، ولو ضاع ببينة كانت له الأجرة، وهو قول محمد (¬6)، وأنه لو سلم الصانع الثوب كان أسوة على ما قال ابن القاسم في كتاب الرواحل إذا ضاع ببينة كانت المصيبة من الصانع، وأنه لو سلمه لكانت كالقائمة ولو سلم الثوب كان أحق بصنعته، يكون ها هنا الصانع الثاني أحق بصنعته (¬7) لأنها قائمة بعده، ويختلف إذا اشترى ثوبا وخاطه ثم فلس وهو بيد المشتري ولم يكن دفع الثمن ولا الأجرة هل يكونان أحق به، وتكون شركة بينهما، أو يكونان أسوة أو يكون البائع أحق به والصانع أسوة، وأن يكونا أحق في الجميع أحسن، وقد تقدم الاختلاف فيمن باع ثوبا ففلس ¬

_ (¬1) قوله: (أدخل الصبغ) ساقط من (ت). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 10/ 432. (¬3) في (ت): (تضاعفت). (¬4) قوله: (الثوب) ساقط من (ت). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 218 والنوادر والزيادات: 7/ 78. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 70. (¬7) قوله: (يكون. . . بصنعته) ساقط من (ر).

فصل [في المساقي يفلس من استعمله]

المشتري بعد أن صبغه، هل يكون أحق به، وفي الصانع هل يكون أحق بصنعته، وإن الصواب في كل واحد منهما على الانفراد أنه أحق، فكذلك إذا اجتمعا هما أحق، ويكونان شريكين، وإن فلس المشتري والثوب في يد الصانع كان البائع بالخيار بين أن يدفع إلى القصار (¬1) أجرته ويكون أحق بثوبه، قال أشهب: ويحاص، بما دفع إلى الصناع يريد: ويكون (¬2) المشتري شريكا بالصنعة في الثوب (¬3)، فأرى أن يكون أحق بالصنعة لأنه متعد فيحل محل الصانع، وقد اختلف فيمن أراد أن يأخذ سلعته في الفلس فدفع إليه أحد الغرماء الثمن هل يكون أحق في ثمنها حتى يستوفي ما دفع إلى البائع، وأن يبرأ أحسن. فصل [في المساقي يفلس من استعمله] وقال مالك: فيمن استؤجر في نخل أو زرع يسقيه فسقاه ثم فلس صاحبه فساقيه أولى به في الفلس واختلف في الموت فقال في الكتاب هو أسوة (¬4). وقال عبد الملك في المبسوط (¬5) هو أحق وكذلك الجواب عنده إذا أكرى بعيره ممن يسقي عليه فإن صاحب البعير أحق بما سقى بعيره وهو أسوة في الموت، ومن استؤجر في إبل يرعاها أو يرحلها فهو أسوة في الموت والفلس، وقال عبد الملك (¬6) ابن الماجشون: الأجراء فيما أرسلوا فيه وخلوا به وقاموا فيه ¬

_ (¬1) في (ر): (الصانع). (¬2) قوله: (أجرته ويكون. . . يريد: ويكون) ساقط من (ر). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 61. (¬4) انظر: المدونة: 4/ 86. (¬5) قوله: (في المبسوط) ساقط من (ت). (¬6) قوله: (عبد الملك) ساقط من (ت).

دون صاحبه أحق في الموت والفلس، وكذلك الجعل في الآبق والبعير الشارد (¬1)، وفي الحلب (¬2) يبعث الرجلُ الرجلَ يحلب (¬3) عليه ماشيته، وكذلك الأجير يرعى الظهر أو شيئا سوى ذلك مما (¬4) يتباعد عن صاحبه ويوكل إلى رأي الأجير، وكونه في يديه أو يوكل رجلا ليأتيه بمال من العراق أو يوكل من يبيع له أرضا، والمال بيده فهو مبدأ في الفلس والموت، ولو اكترى أرضا فزرعها أو اكترى بعيرا ليستقي عليه فهو أحق به في الفلس والموت. وقال في المدونة في مكرى (¬5) الأرض: هو أحق في الفلس وأسوة في (¬6) الموت (¬7). وقال في كتاب محمد: هو أحق في الموت (¬8)، والقول إنه أسوة في الموت في السقي وكراء الأرض أحسن، ولا تكون الثمار النامية عن السقي أو عن الأرض أعلى رتبة من البيع لو كان الأجير أو صاحب الأرض بائع تلك الثمار وذلك الزرع فإنه أسوة في الموت وأحق في الفلس، وأرى أن يتحاصا لأنه إنما ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 74 - 75. (¬2) في (ت): (الجلب). (¬3) في (ت): (يجلب). (¬4) قوله: (مما) ساقط من (ت). (¬5) في (ت): (مكتري). (¬6) قوله: (وأسوة في) ساقط من (ت). (¬7) انظر: المدونة: 3/ 561. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 73، ونصه: من كتاب ابن المواز: قلت: أيكون الأجراء أحق بما في أيديهم؟ قال: أما الحرابين، وأجير خدمة بيتك، أو لرحلك إبلك أو دوابك، وعلوفتهم، وليبيع لك في حانوت بزا أو غيره، فهو أسوة في الفلس والموت وأما أجير السقي للزرع أو حائط فأحياه بسقي، فالأجير أولى بالزرع حتى يأخذ حقه، وهو في الموت أسوة، وكذلك في سقي الأصول من الفواكه وغيرها إلا أن يعطيه الغرماء أجره في الفلس، قاله كله مالك.

جني بهما، ولا مزية لأحدهما على الآخر، وكذلك في الموت على القول أن كل واحد منهما على الانفراد أحق في الموت فإنهما يتحاصان، واختلف إذا ساقى رجلان واحد بعد واحد، فقيل: المراعى الآخر وإن قل؛ لأنه به تم، وقيل: يبدأ أكثرهما، فإن تكافؤا كان حصاصًا، وقيل: يتحاصان، وإن كان أحدهما تبعًا. وكذلك لو استدان على الزرع والثمار فأنفق ثم استدان، فقال مالك في كتاب محمد: يبدأ الآخر فالآخر؛ لأنه أحياه للذي قبله، فإن فضل شيء كان للأول (¬1). ويجري فيها الخلاف المتقدم هل يراعى الأكثر ويتحاصان (¬2)، وإن كان أحدهما تبعًا، واستحسن في الأجيرين إذا استدانا من رجلين أن يتحاصا لأن الآخر لم يتم إلا بما تقدم من الأول من سقي أو استدانة (¬3). قال مالك: والأجير مبدأ كان أولًا أو آخرًا (¬4)، يريد: أنه مبدأ على من استدان لأنه باشر السقي فيبدأ، وإن كان أولًا، وإن كانا أجيرين وصاحب الأرض بدئ صاحب الأرض على أحد القولين، فإن فضل عنه (¬5) شيء بدئ به الأجيران على الغرماء، ثم يختلف في صفة حكمهما هل يتحاصان أو يبدأ الآخر لأنه به تم أو يراعى الأكثر حسبما تقدم، وقال ابن القاسم: يتحاص صاحب الأرض والأجير الآخر، فإن فضل عنه شيء بدئ به الأول على الغرماء (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 10/ 396، والنوادر والزيادات: 10/ 74. (¬2) في (ت): (أو يتحاصان). (¬3) في (ت): (سراية). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 74. (¬5) قوله: (عنه) ساقط من (ر). (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 10/ 541.

فصل [في تفليس المكري إبلا]

ويجري فيها قول آخر أن للأجير الآخر أن يحاص الأرض كصاحبه لأن حقهما معا سواء، فما نابهما بدئ به الآخر (¬1) أو الأكثر على القول الآخر، فإن فضل عنه شيء كان لصاحبه، وإن اجتمع مرتهن وصاحب الأرض وأجير بديا على المرتهن في الفلس، فإن فضل عنهما شيء كان المرتهن أحق به من الغرماء، والمرتهن أولى منهما في الموت على القول أنهما في الموت أسوة. فصل [في تفليس المكري إبلا] ومن اكترى إبلًا بعينها كان أحق بها في الفلس والموت، واختلف إذا كانت غير معينة وكان قد أسلم إليه المكري بعيرا يركبه، فقال ابن القاسم: هو أحق به (¬2)، قال محمد: ولو كان يدير الإبل تحته فهو أحق، وقال غيره: هو أسوة وهو أحسن إلا أن يكون سلم إليه ذلك البعير ليصل عليه، وإلا حاص فما صار له كان فيه بالخيار بين أن يكتري به، ويتم بقية الكراء من عنده ليرجع بما بقي له من الركوب متى أيسر، أو يفسخ عن نفسه الكراء أو يأخذ ما نابه في الحصاص من الثمن الذي كان وزن، ويتبعه ببقية الثمن في ذمته إلا أن يكون الذي نابه في الحصاص أكثر من الكراء، وإن اكتري به ثم وصل به إلى مستعتب فليس له أن يفسخ عن نفسه الكراء (¬3)، وإن فلس المكتري وكان الكراء على ركوبه كان المكري أحق بإبله في الفلس، وسواء كان بعيرا بعينه أو بغير عينه. ويختلف إذا كان الكراء على حمل متاع، وقد أبرزه له ولم يحمله، فقال في ¬

_ (¬1) قوله: (به الآخر) يقابله في (ر): (الأكثر). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 493. (¬3) قوله: (الكراء) ساقط من (ر).

كتاب الرواحل: المكري أحق به (¬1)، وعلى قول غيره في الإبل (¬2): إذا كانت غير معينة أنه يكون أسوة ولا يكون هذا أحق بالمتاع لأن المتاع (¬3) لا يتغير، ولو أحب صاحب المتاع قبل ذلك أن يأخذه لم يمنع منه عند ابن القاسم: وإذا لم يمنع منه كان أسوة، وإن وقع الفلس بعد أن بلغ المتاع وكان صاحب الإبل يخلو بالمتاع، ويحوزه كان أحق به في الموت والفلس، ويختلف إذا لم يكن يحوزه، فقال ابن القاسم: هو أحق به في الفلس والموت (¬4)، وإن كان صاحب الإبل أسلم إبله إلى المكتري، قال: لأنها بلغت على إبله، وعلى قول عبد الملك يكون أسوة لأنه لم يحزه ولم يخل به، وهو أبين، وقد يحمل قول ابن القاسم على أن زيادة السوق في البلد الذي بلغت إليه أكثر من الكراء، وإن كان أقل لم يكن أحق إلا بتلك الزيادة في الفلس دون الموت، وقد تقدم في كتاب الرواحل القول إذا فلس في بعض الطريق هل يباع المتاع ولا يكون مكري الحانوت والدار أحق بما فيها من المتاع. تم كتاب التفليس من التبصرة والحمد لله حق حمده ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 510. (¬2) قوله: (في الإبل) ساقط من (ت). (¬3) قوله: (لأن المتاع) يقابله في (ت): (و). (¬4) قوله: (ويختلف إذا لم. . . في الفلس والموت) ساقط من (ر).

كتاب اللقطة

كتاب اللقطة النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 4 - (ق 6) = نسخة القرويين رقم (368) 3 - (ق 10) = نسخة القرويين رقم (370)

باب في اللقطة وتعريفها والحكم فيها بعد التعريف

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليمًا كتاب اللقطة باب في اللقطة وتعريفها والحكم فيها بعد التعريف الأصل في اللقطة والضوال حديث زيد بن خالد الجهني قال: سأل رجل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن اللقطة فقال: "اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنَكَ بِهَا". قال: فضالَة الغنم؟ قال: "هِيَ لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ". قال: فضالَة الإبل؟ قال: "مَالَكَ وَلهَا، مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا، تَرِدُ المَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا" (¬1). فهذه ثلاثة أقسام: فالقسم (¬2) الأول: يأخذها ليحفظها إلى ربها، والثاني: يأخذها لنفسه على وجه الملك، والثالث: يتركها ولا يعرض لها. فأجاز أخذ العين لما كان تسرع إليه اليد ولأنه مما يخفى لآخذه، ولم يكن له أن يأخذه لنفسه لأنه لا يخشى عليه الفساد ويَخِفُّ تكلف (¬3) حفظه، وكذلك كل ما يغاب عليه من سوى العين. ¬

_ (¬1) متفق عليه، البخاري: 2/ 855، في باب باب ضآلة الإبل، من كتاب اللقطة، برقم (2295)، ومسلم: 3/ 1346، في كتاب اللقطة، برقم (1722). (¬2) قوله: (فالقسم) زيادة من (ق 6). (¬3) قوله: (تكلف) زيادة من (ق 9).

فصل [مسائل وأحكام اللقطة]

وأجاز أخذ الشاة على وجه الملك؛ لأنها إن تُركت هلكت وأكلها الذئب فلم ينتفع بها صاحبها، ويشق نقلها، فكان انتفاعه بها أولى، وكذلك كل ما يخاف فساده إن ترك وَيُشق نقله. ومنع أن يعرض للإبل لا على وجه الحفظ ولا على وجه الملك؛ لأنها لا تسرع إليها اليد لما كانت لا يغاب عليها، ولا يخاف عليها الوحش بالحجاز، وهي تستقل بنفسها لعيشها. وقد اختلفت ألفاظ هذا الحديث في اللقطة، فقال في بعض طرقه: "خُذْهَا وَاسْتَنْفِقْهَا وَلْتكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ فَإِنْ أَتَى صَاحِبُهَا فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ" (¬1)، وقال أيضًا: "عَرِّفْهَا سَنهً فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَعَرَفَ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا وَعَدَدَهَا فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ"، وهذه الألفاظ مترددة بين البخاري ومسلم (¬2). فصل [مسائل وأحكام اللقطة] الكلام في اللقطة من ستة أوجه: أحدها: هل أخذها مباح أو مستحب أو واجب أو ممنوع. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم: 3/ 1346، من كتاب اللقطة، برقم (1722)، ولفظ البخاري: (سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن اللقطة فزعم أنه قال: (اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة). يقول يزيد إن لم تعرف استنفق بها صاحبها وكانت وديعة عنده. قال يحيى فهذا الذي لا أدري أفي حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو أم شيء من عنده) أخرجه: 2/ 856، في باب ضآلة الغنم، من كتاب اللقطة، برقم (2296). (¬2) أخرجه مسلم: 3/ 1346، من كتاب اللقطة، برقم (1722)، بلفظ: (أن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ضالة الإبل؟ زاد ربيعة فغضب حتى احمرت وجنتاه واقتص الحديث بنحو حديثهم وزاد: (فإن جاء صاحبها فعرف عفاصها وعددها ووكاءها فأعطها إياه وإلا فهي لك).

والثاني: موضع التعريف وصفته. والثالث: الأمد الذي تعرف إليه. والرابع: الوجه الذي تستحق به. والخامس: ما يصنع بها بعد السنة إن لم يأت صاحبها. والسادس: إن أتى بعد البيع أو الصدقة بها. فأما أخذها فمستحب وواجب ومكروه وممنوع، وذلك راجع إلى حال الملتقط وإمام الوقت والناس الذين هي فيهم، وقدر اللقطة، فإن كان الواجد لها مأمونًا ولا يخشى سلطان الموضع إن أنشدها أن يأخذها (¬1) وهي بين ناس لا بأس بحالهم ولها قدر، كان أخذها وتعريفها مستحبًا، وهذه صفة الحال حين (¬2) سئل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "خُذْهَا"، ولأنه أحوط لصاحبها خوف إن تركت أن يأخذها من ليس بمأمون. وإن كانت بين ناس (¬3) غير مأمونين كان حفظها واجبًا؛ لأن حفظ أموال الناس وألا تضيع واجب، وقد نهى الله -عز وجل- عن إضاعة المال، وهو داخل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ولأن في تركها معونة على أكلها. وإن كان السلطان غير مأمون ومتى أنشدت وعرفت أكلها مُنع مَن وَجَدَها أن يعرض لها، وكذلك إن استفتى عن ذلك من ليس بمأمون ويخشى أن يستفزه الشيطان بعد أخذها أمر أن لا يقربها، وكل ذلك إذا كان لها قدر (¬4). ¬

_ (¬1) قوله: (أن يأخذها) زيادة من (ق 9). (¬2) في (ق 6): (التي). (¬3) في (ق 6): (قوم). (¬4) قوله: (وكل ذلك إذا كان لها قدر) ساقط من (ق 6) و (ف).

وإن كانت حقيرة كره له أخذها؛ لأن الغالب فيما لا قدر له ألا يبالغ في تعريفه، ولا يحفل به آخذه، وهذا عقد هذه المسألة. وقد اختلفت الروايات في ذلك، فاستحب مالك في العتبية في الدنانير والدراهم أن يأخذها (¬1). وقال أبو إسحاق (¬2) ابن شعبان. ينبغي أن (¬3) تترك اللقطة ولا تؤخذ. وهذا مثل قول مالك في المدونة في الكساء: أَحْسَنَ حين رَدَّه (¬4). وقوله في الآبق إن كان لمن لا يعرفه: فلا يقربه إلا أن يكون لأخ أو لجار أو لمن يعرف، قال ابن القاسم: وإن لم يأخذه فهو في سعة، وكان مالك يستحب له أن يأخذه (¬5). يريد: بعد أن يكون لمن يعرف. ومحمل قوله: ألا يقربه إذا كان لمن لا يعرفه على أن سلطان الموضع غير مأمون. قال مالك في العتبية: فإن عرفه فلم يجد من يعرفه يخليه خير من أن يبيعه فيهلك ثمنه ويؤكل، أو يطرح في السجن فلا يوجد من يطعمه (¬6). وقال: لا أحب لمن وجد لقطة أن يأخذها إلا أن يكون لها قدر (¬7). وقال في الدلو والحبل: إذا كان في طريق وضع في أقرب المواضع إلى ذلك المكان يعرف فيه، وإن كان في مدينة انتفع به وعرفه، وإن تصدق به كان أحب ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 365، والنوادر والزيادات: 10/ 467. (¬2) قوله: (أبو إسحاق) ساقط من (ق 9) و (ف). (¬3) قوله: (ينبغي أن) ساقط من (ق 6). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 459. (¬5) انظر: المدونة: 4/ 464. (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 362. (¬7) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 358.

فصل [في موضع تعريف اللقطة]

إلي، فإن جاء صاحبها كان على حقه (¬1). فصل [في موضع تعريف اللقطة] تعرف اللقطة في الموضع الذي التقطت فيه، وفي المواضع التي يجتمع الناس إليها، ودبر الصلوات على أبواب المساجد والجامع إذا كان يجلس إلى الحلق فيسأل ولا يرفع صوته؛ للحديث: أن رجلًا نَشَدَ ضالة في المسجد فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ وَجَدْتَ" (¬2). وقال أشهب في مدونته: تعرف في موضع وجدت فيه، وعلى أبواب المساجد اليومين والثلاثة، وما أشبه ذلك، ثم تعرف تمام السنة عند من حضر وينشر ذكرها عند من لقي، وإن وجدها في طريق بين مدينتين عرفها في تينك المدينتين. واختلف عن مالك هل يسمي جنس اللقطة إذا أنشدها، وألا يسمي أحسن، ويلفف ذكرها مع غيرها (¬3)، وإن أفرد فلا بأس؛ لأن ذكر الجنس بانفراده لا يقوم بنفسه حتى يضم إليه ذكر أشياء تدل على صدقه. وهو مخير بين أربع: بين أن يعرفها بنفسه، أو يرفعها إلى السلطان إذا كان عدلًا ولا يتشاغل عن تعريفها، أو إلى مأمون يقوم مقامه فيها، أو يستأجر عليها من يعرفها. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 349. (¬2) أخرجه مسلم: 1/ 397، في باب النهي عن نشد الضالة في المسجد وما يقوله من سمع الناشد، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم: (569). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 470.

فجاز له أن يعرفها دون الإمام للحديث، وأجاز في المدونة أن يرفعها إلى السلطان (¬1)، وأجاز ابن القاسم في العتبية أن يدفعها إلى مأمون يعرفها (¬2)، وأجاز أبو إسحاق (¬3) ابن شعبان أن يستأجر عليها منها، يريد: إذا لم يلتزم تعريفها أو كان مثله لا يلي مثل ذلك. وإن أمسكها سنة ولم يعرفها ثم عرفها في الثانية فهلكت ضمنها، وإن هلكت في السنة الأولى ضمنها، إذا تبين أن صاحبها من الموضع الذي وجدت فيه. وإن كان من غيره وغاب بقرب ضياعها ولم يقدم في الوقت الذي ضاعت فيه لم يضمن. وإن ردها إلى موضعها وكان أخذها ليتأملها أو صاح لمن يمر بين يديه ألكم هذه، فقالوا: لا، فردها لم يكن عليه شيء. وقال القاضي أبو محمد عبد الوهاب: إن أخذها بنية التعريف ثم ردها ضمن (¬4). وقال ابن القاسم: إن ردها بعد أن مكثت في يديه ضمن (¬5). وظاهر قوله: إن ردها بالقرب لم يضمن. وقال أشهب في مدونته: لا يضمن، وإن مكثت في يديه، قال: وقد قال عمر للذي وجد البعير بعد أن عرفه أرسله حيث وجدته، فأخذ مالك بهذا مرة أنه يرسله (¬6)، وقال مرة: يبيعه السلطانُ ويجعل ثمنه في بيت المال (¬7)، وقال في ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 458. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 354. (¬3) قوله: (أبو إسحاق) زيادة من (ق 6). (¬4) انظر: المعونة على مذهب عالم المدينة: 2/ 223. (¬5) انظر: المدونة: 4/ 459. (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 359. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 477.

فصل [كيفية استحقاق اللقطة]

المدونة في الآبق: إن أرسله ضمنه (¬1). وقال في العتبية: أرى أن يرسله إذا لم يجد من يعرفه خير من أن يبيعه فيهلك ثمنه أو يطرح في السجن فلا يجد من يطعمه (¬2). فأما القول أنه يلزمه تعريفها إذا نوى ذلك فليس بحسن؛ لأن النية لفعل الخير لا توجبه، والإيجاب أمر زائد على النية، وكذلك إذا رده بالقرب فلا شيء عليه على القول إن أخذها ليس بواجب. فصل [كيفية استحقاق اللقطة] واختلف في الوجه الذي تستحق به اللقطة، فقال في المدونة: إذا عرف العفاص والوكاء (¬3). وقال ابن القاسم أيضا (¬4) وأشهب: إذا عرف العفاص والوكاء والعدد (¬5). وقال أبو إسحاق (¬6) ابن شعبان: إذا عرف العفاص والوكاء وما شدا عليه. يريد: العدد والسكة إن كانت دنانير، وإن كانت دراهم السكة والوزن. وقال أشهب أيضًا: إن عرف العفاص والوكاء دون العدد أو العفاص والعدد ولم يعرف الوكاء أو عرف الوكاء ولم يعرف ما سواه أجزأه ويحلف، ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 461. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 477، والبيان والتحصيل: 15/ 361، 362. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 456. (¬4) انظر: (أيضا) ساقط من (ق 6). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 471. (¬6) قوله: (أبو إسحاق) زيادة من (ق 6).

فإن نكل لم تدفع إليه، وإن عاد إلى أن يحلف (¬1). فأجاز أن تدفع بوجه واحد وهو الوكاء. وعلى هذا تدفع إذا عرف العفاص وحده أو العدد، ولا أرى ذلك لأنه مخالف للحديث، ولأنه ليس الغالب ألا يعرف الإنسان مما سقط له إلا هذا القدر وهذه ريبة، ولو وصف الباطن وهي السكة والعدد دفعت إليه، وحمل على أنه نسي ما سوى ذلك لأن الباطن لا يعرفه إلا المالك. واختلف إذا استحق قبضها بالصفة هل يحلف، وأرى اليمين استحسانًا (¬2)، فإن نكل دفعت إليه، وليس قول أشهب في هذا بالبين لأن الحديث ليس فيه يمين، وإن وصف بعضًا وأخطأ بعضًا فوصفه بغير صفته لم تدفع إليه، ولو رجع فوصف ثانية لم تدفع إليه؛ لأن ذلك حدس وتخمين. وقال محمد بن عبد الحكم: إذا وصف تسعة أعشار الصفة وأخطأ في واحد لم تدفع إليه إلا في معنى واحد أن يذكر عددًا فيوجد أقل، فإن أشهب قال: يعطى، وقال: أخاف أن يكون اغتيل فيها (¬3). ولو ادعاها رجلان واتفقت صفتهما اقتسماها بعد أيمانهما، فإن نكل أحدهما كانت لمن حلف. قال أشهب: وإن نكلا لم تدفع إليهما. وأرى أن يقتسماها؛ لأن يمين أحدهما للآخر من باب دعوى التحقيق، فإن نكل أحدهما (¬4) كانت لمن حلف، وإن نكلا اقتسماها لتساوي دعواهما ولم يمنعاها لإمكان أن يدعيها ثالث، وإن زاد أحدهما صفة قضي له بها، مثل: أن يصفا ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 471. (¬2) في (ق 6): (استحبابًا). وأشار في حاشيتها إلى أنها في نسخة: (استحسانًا). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 471. (¬4) قوله: (أحدهما) زيا دة من (ق 6).

العفاص والوكاء، ويزيد أحدهما العدد أو العدد والسكة. واختلف إذا اختلفت صفاتهما فوصف أحدهما الباطن، العدد والسكة، والآخر الظاهر، العفاص والوكاء، فقيل: من وصف العفاص والوكاء أحق بها للحديث. وقيل: يقتسمانها. وهو أبين لأن كليهما يريد أخذها بالدليل، ودليل من عرف الباطن أقوى، فهو إن لم يرجح به ويكون أحق فلا يكون أدنى منزلة، وإن أخذها أحدهما بالصفة ثم أتى آخر فوصف مثل الأول قبل أن يبين بها ويظهر أمرها قسمت بينهما، وهذا هو الصحيح من القول، وإن ظهر أمرها لم يقبل قول الثاني، وإن أقام الثاني البينة انتزعها من الأول إلا أن يقيم الأول بينة فيقضى بها لأعدلهما، فإن تكافئتا سقطتا وبقيت للأول بالصفة. وقال ابن الماجشون: إذا جاء رجل فوصف أو أقام البينة، فقال الملتقط: دفعتها لمن وصفها ولا أعرفه، ولم يشهد عليه، ضمنها؛ لأنه فرط إذ دفع بغير بينة (¬1). يريد: إذا لم يعلم دفعها إلا من قوله، ولو علم أنها أخذت منه بصفة لم يكن عليه شيء، وإن لم يشهد عليه ولا عرف الآن من هو. وقال سحنون: إذا وصف سكة الدنانير لم يعط لذلك حتى يذكر علامة وكاء (¬2) أو سقاء. وقال يحيى بن عمر: يأخذه لذلك (¬3). يريد: إذا كانت دنانير البلد سككًا، فان كانت سكة واحدة لم تدفع إليه قولًا واحدًا. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 473. (¬2) قوله: (وكاء) ساقط من (ف). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 472.

فصل [في صفة تصرفه في اللقطة]

فصل [في صفة تصرفه في اللقطة] ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في اللقطة: "عَرِّفْهَا سَنهً فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وإِلَّا فَشَأنْكَ بِهَا" (¬1)، وقال أيضا في البخاري ومسلم: "فَإِنْ لَمْ تُعْترَفْ فَاسْتَنْفِقْهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ" (¬2)، وفي النسائي: "فَإِنْ لَمْ يَجِئْ صَاحِبُهَا فَهِيَ مَالُ اللهِ يُؤْتيهِ مَنْ يَشَاءُ" (¬3)، فأباح له أن يتصرف فيها لنفسه بعد الحول. واختلف في صفة تصرفه فيها، فقال مالك: لا أحب أن يأكلها وليحبسها أو يتصدق بها، فإن جاء صاحبها أداها إليه (¬4). وقال القاضي أبو الحسن علي بن القصار: يكره أن يأكلها غنيًّا كان أو فقيرًا، فإن أكلها جاز. يريد: ولا تنتزع منه إن لم يجئ صاحبها. وقال ابن شعبان: له ذلك إن كان غنيًّا بمثلها. وقال ابن وهب في العتبية: إن كانت قليلة وكان فقيرًا أكلها، فإن أتى صاحبها أداها إليه (¬5). والذي يقتضيه قول ابن القاسم في المدونة أن له أن يستمتع به غنيًّا كان أو فقيرًا، والذي يقتضيه قول أشهب أن ذلك له إن كان غنيًّا. واللقطة أربع: العين، والعروض، والحيوان، والطعام. فإن كانت عينًا ¬

_ (¬1) سبق تخريجه، ص: 3191. (¬2) متفق عليه, أخرجه البخاري: 2/ 855، في باب ضالة الإبل، من كتاب اللقطة في صحيحه، برقم: 2295، ومسلم: 3/ 1346، أوائل كتاب اللقطة، برقم: 1722. وفيه: (تعرف) بدل (تعترف). (¬3) أخرجه النسائي في السنن الكبرى: 3/ 418، في باب الإشهاد على اللقطة، من كتاب اللقطة، برقم: 5808. (¬4) انظر: المدونة: 4/ 455. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 372، 373، والنوادر والزيادات: 10/ 468.

جاز له التصرف فيها حسبما تقدم، وفيه جاء الحديث. واختلف في العروض إذا باعه، فقال ابن القاسم: البيع جائز وإن بيع بغير أمر السلطان، وإن جاء صاحبها لم ينقض البيع (¬1). وقال أشهب له أن ينقض البيع، وإن فات كان له الأكثر من القيمة أو الثمن. وله بيع الحيوان والآبق بعد الحول فليس عليه أن يتكلف أمره أكثر من السنة، وإن كان طعامًا لا يخشى فساده بعد السنة جاز بيعه عند ابن القاسم، ولم يجز عند أشهب، وإن خشي فساده من سوس أو غيره جاز البيع وإن لم تتم السنة، فأجاز ابن القاسم بيع العروض، وحمل الحديث أنه بعد السنة في حكم من يئس منه، وعلى هذا يكون له أن ينفقها إن كانت عينًا موسرًا كان أو فقيرًا، وحمل الحديث على العين خاصة لما كان لا ضرر على صاحبه في إنفاقه، وإذا لم يجز في العرض لم يجز أن ينفق العين إلا أن يكون موسرًا بها فيضمنها (¬2) إن أتى صاحبها. وكذلك الصدقة بها تجوز على القول الأول (¬3) وإن كان الملتقط فقيرًا، ولا تجوز علا القول الآخر إلا أن يكون غنيًّا، يشهد. للأول قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "فشأنك بها", وقوله: "فأنفقها"، فعم، ولم يقل إذا كان قادرًاً على الأداء، ويشهد للقول الآخر قوله "فَأَدِّهَا إِلَيْهِ"، فإذا كان مطالَبًا بالأداء فلا يباح لمن كان عاجزًا عنه، والأول أبين لقوله - صلى الله عليه وسلم - "فذلك مال الله يؤتيه من يشاء". وقال ابن القاسم: إذا تصدق بها ثم جاء صاحبها، فإن كانت قائمة بأيدي ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 459. (¬2) قوله: (فيضمنها) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (القول الأول) يقابله في (ف): (هذا القول).

المساكين فله أخذها، وإن أكلوها لم يضمنوها (¬1)، وقال في الدمياطية في الذي يلتقط الثوب أو السيف فيتصدق به فيبيعه المساكين ثم يأتي صاحبها وهم قد أكلوه: أنه يرجع على الذي اشتراه من المساكن ويرجع الذي اشتراه (¬2) من المساكين على الذي تصدق به عليهم. وقال أشهب في مدونته: إن كانت بأيدي المساكين ولم يدخلها نقص لم يكن لصاحبها إلا أخذها، وسواء تصدق بها عن نفسه أو عن صاحبها، وإن نقصت كان بالخيار بين أن يأخذها بنقصها ولا تباعة له على الملتقط أو يضمنه قيمتها، فإن ضمنه قيمتها، وكان قد تصدق بها عن صاحبها كان للملتقط أن يرجع فيها فيأخذها، وإن تصدق بها عن نفسه لم يرجع فيها، وإن أكلها المساكين كان لربها أن يضمنهم إياها، فإن كان قمحًا فأكلوه غرموا مثله أو حيوانًا باعوه غرموا ما باعوه به إن شاء ربها، وإن شاء أخذ الملتقط بقيمتها يوم تصدق بها عن نفسه أو عن صاحبها (¬3). ولا تخلوا الصدقة بها من ثلاثة أوجه: إما أن يتصدق بها عن صاحبها أو عن نفسه، أو ليكون صاحبها بالخيار، فإن تصدق بها عن صاحبها وهي عين وكانت قائمة بأيدي المساكين لم يكن لصاحبها إلا أن يأخذها، وإن تصدق بها عن نفسه وهو موسر لم يأخذها وكان له أن يغرمها الملتقط، وإن كان ليكون صاحبها بالخيار وهو موسر، فكذلك أيضا ليس له أن يأخذها وهو بالخيار بين أن يكون له أخذها أو يغرمها الملتقط، وإن كانت عرضا وهو موجود بأيدي ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 481. (¬2) قوله: (فيبيعه المساكين ثم يأتي صاحبها. . . الذي اشتراه) يقابله في (ف): (فيبيعوه المساكين، ويأكلون الثمن، قال: له أن يأخذها ممن باعها منه المساكين ويرجع المشتري). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 480.

فصل [حكم اللقطة في الحرم]

المساكين كان الجواب على ما قاله أشهب، وإن باعوه وغاب به المشتري عاد الجواب إلى ما تقدم في العين فيكون مقاله مع الملتقط، وإن لم يفت لم يكن له أخذه على قول ابن القاسم كما لو باعه الملتقط لنفسه إلا أن يكون أعطاه للمساكين صدقة عن صاحبه. فصل [حكم اللقطة في الحرم] وقال القاضي أبو الحسن ابن القصار: حكم اللقطة في الحرم وغيره سواء، له أن يأخذها على حكم اللقطة ويمتلكها بعد ذلك، وله أن يأخذها ليحفظها على صاحبها حسب ما تقدم في غير الحرم، وبه قال أبو حنيفة (¬1). وقال الشافعي: له أن يأخذها ليحفظها على صاحبها ويعرفها ما دام بمكة، فإن أراد الخروج سلمها إلى الحاكم، وليس له أن يتملكها إذا عرفها سنة (¬2)، وهذا أبين للحديث والقياس. فأما الحديث فقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في مكة: "لاَ تَحِلُّ لُقَطتهَا إِلَّا لِمُنشِدٍ"، وقال: "إِلَّا لمُعَرِّفٍ" (¬3) اجتمع عليه البخاري ومسلم، ففرق بينها وبين غيرها، وأخبر أنها لا تحل إلا للتعريف لا لغير ذلك ولم يوقت للتعريف سنة ولا غيرها، وقال في غيرها: "تعرف سنة ثم شأنك بها"، ولو كانت مثل غيرها لم يكن للحديث معنًى. ¬

_ (¬1) انظر: الهداية شرح البداية: 2/ 177. (¬2) انظر: حاشيتي قليوبي وعميرة على المنهاج: 10/ 124. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 736، في باب السهولة والسماحة في الشراء والبيع، من كتاب البيوع في صحيحه، برقم: 1984، ومسلم: 2/ 986، في باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها إلا لمنشد على الدوام، من كتاب الحج، برقم: 1353.

فأما القياس فإن الغالب من الناس إذا حجوا أن يرحلوا إلى أوطانهم، فربما عاد إلى الحج بعد العشر سنين والعشرين وأكثر وأقل فلم يكن مرور السنة دليلًا على اليأس ممن يطلبها، وغيرها من البلدان يتكرر الناس في السفر إليها في السنة مرارًا، فإذا عرفت سنة ولم تعرف غلب على الظن اليأس منه.

باب في لقطة الطعام

باب في لقطة الطعام وإذا التقط طعامًا لا يدخر ويخشى فساده كالفاكهة واللحم، فإن كان في غير عمارة أكله ولا ضمان عليه إلا أن يكون في رفقة وجماعة فيكون له حكم الحاضرة. واختلف إذا وجده في حاضرة، فقال مالك: يتصدق به أعجب إلي، فإن أكله فلا شيء عليه، والتافه وغيره سواء (¬1). وقال مطرف في كتاب ابن حبيب: يتصدق به ولا شيء عليه، وإن أكله ضمنه لانتفاعه به تافها كان أو غيره. وقال أشهب في مدونته: إن كان في عمارة أو قربها باعه وعرفه، فإن جاء صاحبه كان له الثمن (¬2). وأرى أن يفرق بين القليل والكثير، فما كان الغالب في مثله أن صاحبه لا يطلبه، وإنما يتفقده بالحضرة ثم يعرض عنه فلا شيء على واجده أكله أو تصدق به لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في التمرة التي وجدها على الطريق "لَوْلاَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لأَكَلْتُهَا" (¬3)، وكذلك ما كثر من التمر، والغالب أنه لا يطلب مثله. وما كان الغالب طلبه أبقي لصاحبه على الأصل في الأموال أنها لأربابها، وعلى واجدها حفظها، وليس من وجد حمل فاكهة كمن وجد شيئًا تافهًا، ولا ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 457. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 469. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 725، في باب ما يتنزه من الشبهات، من كتاب البيوع في صحيحه، برقم: 1950، ومسلم: 2/ 656، في باب تحريم الزكاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعلى آله، من كتاب الزكاة، برقم: 1071.

من وجد سليخًا كمن وجد قطعة لحم، ولهذا قال مالك في الدلو أو الحبل: أن له أن ينتفع به، وإن تصدق به كان أحسن (¬1). لأنه وإن كان مما يدخر -أعني: الدلو والحبل- فالغالب ألا ينشغل (¬2) صاحبه بطلبه كالتمرة وهي مما تدخر ولا تطلب. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 349. (¬2) في (ق 6): (يحفل)، وأشار في حاشيتها إلى المثبت.

باب في ضالة الغنم والإبل

باب في ضالة الغنم والإبل لضالة الغنم خمسة أحوال: إما أن يجدها على بعد من العمارة وهو وحده أو معه الواحد والاثنان ومن لا حاجة له بشرائها، أو في جماعة يقدر على بيعها، أو في غير جماعة ومعه غنم، أو بقرب عمارة وقرية، أو في القرية نفسها. فإن كان على بعد وحده أو مع من لا حاجة له بشرائها كانت لواجدها ولا شيء عليه إن جاء صاحبها، وفي مثل هذا جاء الحديث، وإن نقلها إلى الحاضرة بعدأن ذبحها كان له أكلها. قال أصبغ في العتبية: له أن يأكلها وإن كان غنيًا ولحمها وجلدها مال من ماله، وليس عليه أن يعرفها إلا أن يأتي صاحبها وهي في يديه فيكون أحق بها -يريد: ويعطيه أجر نقلها- قال: ولو قدم بها حية عرفها وكانت كاللقطة (¬1). وهذا قول مالك في المدونة: وفي الغنم والبقر إذا التقطها رجل فأنفق عليها ثم أتى صاحبها فهي له، ويغرم ما أنفق هذا عليها (¬2). والقياس: ألا شيء له في الشاة، وإن كانت حية لأنه نقلها بعد أن سوغت له ملكًا، ولولا ذلك لم ينقلها. وإن كان في رفقة باعها ووقف ثمنها لصاحبها، فإن أكلها ضمنها. واختلف إذا تصدق بها، فقال مالك في المختصر: لا شيء عليه، قال: وليست المواشي كغيرها (¬3). وقيل: يضمنها. وهو أحسن؛ لأن الأصل في الأموال أنها ملك لأربابها، ويجب حفظها لهم إلا ما ورد في الحديث مما يشق حفظه، وإن ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 379. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 457، 458. (¬3) انظر: النوادر والزيادات 10/ 477.

فصل [حكم أخذ ضالة الإبل]

تركه لم ينتفع به صاحبه. وإن كانت معه غنم ضمها إلى غنمه، قال مالك في المبسوط: يحبسها مع غنمه سنة أو أكثر، وله حلابها ولا يطلب به، فإن ذبحها قبل السنة اختيارًا ضمنها، وإن خاف عليها لم يضمن إلا أن يقدر على بيع لحمها (¬1). وعلى قوله إن مرت بها السنة (¬2) أو أكثر جار له أكلها إن لم يجد من يشتريها منه، وهذا أحسن في الشاة والشاتين؛ لأنه لا ضرر عليه إن ضمها إلى غنمه، فإن كثرت وشق حفظها لم يكن ذلك عليه، وكان له أن يأكلها إن لم يجد من يشتريها منه، وتبقى الواحدة والاثنتان وما لا يشق حفظه. وإن وجدت قرب قرية ضمها إليها وعرفها فيها، فإن لم يفعل وأكلها ثم تبين أنها لأهل تلك القرية ضمنها. واختلف إذا كانت لغيرها، فقال أشهب في الدمياطية: لا شيء عليه. وقال مالك في كتاب ابن حبيب: يضمنها أكلها أو تصدق بها (¬3). ولم يفرق بين أن تكون لهم أو لغيرهم، وهذا أحسن، وقد تقدم وجه ذلك لأن الأصل بقاء الملك لأربابه. وإن وجدها في قرية كان حكمها حكم الأموال في التعريف والحفظ. فصل [حكم أخذ ضالة الإبل] قد تقدم الحديث في ضالة الإبل أنها تترك ولا يعرض لها، واختلف ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 477. (¬2) قوله: (اختيارًا ضمنها، وإن. . . إن مرت بها السنة) ساقط من (ف). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 479.

السلف في أخذها، فمنعه عمر - رضي الله عنه -، وأجازه عثمان - رضي الله عنه - (¬1)، قال ابن شهاب كانت في زمن عمر - رضي الله عنه - مُؤَبَّلَة لنتاج لا يمسها أحد حتى كان زمن عثمان - رضي الله عنه - فأمر بتعريفها ثم تباع، فإن جاء صاحبها أعطي الثمن (¬2). واختلف فيها عن مالك، فقال مرة: لا يعرض لها، ومن أخذها عرفها، فإن لم تعترف ردها حيث وجدها (¬3). وقال مرة في من وجد بعيرًا ضالًا: فليأت به الإمام يبيعه ويجعل ثمنه في بيت المال (¬4). قال أشهب في مدونته (¬5): يوقف ثمنه حتى يأتي ربه، وإن كان الإمام غير عدل خلي حيث وجد (¬6). فكان الحكم في الزمان الأول الترك لوجود النبوة والصحابة، ثم كذلك في خلافة عمر - رضي الله عنه - لعدل الخليفة وصلاح الناس (¬7)، ثم لم تترك في زمان عثمان - رضي الله عنه - لعدل الخليفة وفساد الناس، ثم تغير الأمر ففسد السلطان والناس فرأوا (¬8) أن تؤخذ، ولا ترفع (¬9) إليه، وعلى هذا يجري أمرها اليوم؛ تعرف فإن لم يأت ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 458. (¬2) انظر: الموطأ: 2/ 759، في باب القضاء في الضوال، من كتاب الأقضية برقم: 1449. ومؤبلة: هي المتخذة للقنية، وفي حديث ضوال الإبل أنها كانت في زمن عمر إبلا مؤبلة لا يمسها أحد. انظر لسان العرب: 11/ 3. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 457. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 477. (¬5) قوله: (أشهب في مدونته) يقابله في (ف): (في مدونة أشهب)، وأشار في حاشية (ق 6) إلى ما في (ف). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 478. (¬7) قوله: (وصلاح الناس) ساقط من (ف). (¬8) في (ق 6): (فرأى). (¬9) في (ق 6): (تدفع) وأشار إلى ما في (ف).

صاحبها بيعت، وإن خشي السلطان إن عرفت لم تؤخذ، وإن كان إنما يخشى عند عدم صاحبها إذا صارت ثمنا، أرسلت حيث وجدت ولم تبع، وإن كانت بموضع فيه السباع أخذت وعرفت؛ لأنه لا مشقة في بلوغها بخلاف الشاة، إلا أن يخاف عليها من سلطان الموضع متى عرفت فتترك فقد يعود صاحبها بقرب قبل أن تهلكها السباع.

باب في ضالة البقر والخيل وغيرها من الدواب

باب في ضالة البقر والخيل وغيرها (¬1) من الدواب يراعى في هذه أربعة أحوال: هل تؤخذ، وأمد التعريف إن أخذت، وبيعها، وإلى من يكون البيع؟ لمن أخذها أو السلطان؟. فأما أخذها فيمنع إذا كانت في موضع رعي وماء لا يخاف عليها سباع ولا ناس، فإن انخرم أحد هذه الوجوه أخذت، وليس لهذه صبر عن الماء كالإبل. فإذا أخذت عرفت حولًا إذا تكلف ذلك واجدها، ولم يلحق صاحبها في الإنفاق عليها في تلك المدة مضرة، فإن قدر على رعيها في أمن وحفظ وإلا أوجرت بقدر ما تحتاجه من النفقة في مأمون من الأعمال، فإن لم توفِّ الإجارة بعلفها أو قال واجدها لا أتكلف الصبر عليها، بيعت. واختلف فيمن يتولى البيع، فقال مالك في المختصر: لا يبيع ضالة إلا الإمام (¬2). وقال مطرف في كتاب ابن حبيب: أحب إلي أن تدفع إلى الإمام إذا كان مأمونا إلا في ما خف من الشاتين والثلاث، ويشهر ذلك (¬3). وقال ابن القاسم: إن باع الدواب بعد السنة بغير أمر السلطان ثم جاء صاحبها ولم تفت لم يكن له إلا الثمن (¬4). وقال أشهب في مدونته: له نقض البيع وإن لم يقدر عليها لم يكن له إلا ¬

_ (¬1) قوله: (وغيرها) ساقط من (ف). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 477، 478. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 480. (¬4) انظر: المدونة: 4/ 459.

الثمن (¬1) إذا بيعت خوف الضيعة بخلاف الثياب وما لا مؤنة في بقائه، فإن لصاحبه إذا فات الأكثر من الثمن أو القيمة. وبيع الإمام (¬2) إذا كان مأمونا أحسن (¬3)، فإن فعل (¬4) كان بيعه ماضيًا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعله فيها كالإمام، وأجاز أن تبقى عنده، ويكون هو المعرف لها، وأن يكون هو القاضي (¬5) فيها فيدفعها لمن يعرفها (¬6) دون الإمام، وإذا صح البيع صار حكم الثمن في وقفه والانتفاع به والصدقة حكم اللقطة. ¬

_ (¬1) قوله: (وقال أشهب في مدونته. . . له إلا الثمن) ساقط من (ف). (¬2) في (ف): (الثمار). (¬3) قوله: (أحسن) ساقط من (ف). (¬4) في (ق 6): (لم يفعل). (¬5) أشار في حاشية (ق 6) إلى أنه في نسخة: (الناظر). (¬6) قوله: (لمن يعرفها) ساقط من (ف).

باب في الدابة تقف على صاحبها والمتاع يتركه لهلاك دابته أو يطرحه في البحر خوف الغرق فيقذفه البحر أو يخرج منه

باب في الدابة تقف على صاحبها والمتاع يتركه لهلاك دابته أو يطرحه في البحر خوف الغرق فيقذفه البحر أو يخرج منه (¬1) وقال مالك مرة في إبل اعترفها رجل وقد كان أسلمها، وقد أنفق عليها: له ما أنفق عليها إن أحب صاحبها أخذها وإن أسلمها فلا شيء عليه (¬2). وقال ابن وهب: إن أسلمها في ماء وَكَلَإٍ فهو أحق بها. فعلى قوله إن أسلمها في غير ماء ولا كلإ وما يرى أنه لا يعود إليها إلا وقد هلكت، ألا شيء له فيها، وتكون كالشاة. وقال مالك في العتبية فيمن ماتت راحلته بفلاة فترك متاعه (¬3) فأخذه رجل فاحتمله إلى منزله: فصاحبه أحق به, ويغرم أجر حمله. وقال في قوم طرحوا أمتعتهم خوف الغرق، ثم أخذها قوم من ماء البحر: أنها لأصحابها (¬4). وذكر أبو إسحاق ابن شعبان عن الحسن أنه قال: إن أخرجها من ماء البحر فهي له، وإن قذفها البحر كانت لصاحبها. وعن الليث والحسن بن صالح أنها لمن أخذها وإن قذفها البحر إلا أن يقول صاحبها كنت على الرجوع إليها، فيحلف ويأخذها. ¬

_ (¬1) قوله: (أو يطرحه في البحر خوف الغرق فيقذفه البحر أو يخرج منه) يقابله في (ف): (أو العطب فيقذف به في الصحراء). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 457. (¬3) قوله: (فترك متاعه) ساقط من (ف). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 358، 359.

وأرى إن أرسل الدابة على ألَّا يعود إليها فأحياها هذا فأقام عليها كانت له بخلاف الشاة يوصلها حية؛ لأن هذه أسلمها صاحبها ولم يسلم الشاة، ولو علم ضمها إلى غنمه، فإن أخذها هذا بعد أن حييت ولم يعلم إلا بعد (¬1) أن ساقها كان ربها أحق بها، وإن تركها ليعود إليها وعلم أنه لا يعود إليها إلا وقد هلكت كانت لصاحبها كالشاة يأخذها ثم يجدها صاحبها قبل أن تذبح. وإن كان متاعًا يشق نقله، وتركه صاحبه على ألَّا يعود إليه، وأخذه رجل ونقله، كان لمن أخذه؛ لأن صاحبه أباحه للناس لما مضى على ألا يعود، وإن تركه ليعود كان لصاحبه، ولهذا أجر حمله إلا أن يرجع صاحبه بدوابه يحمله فلا أجر له. وأما المتاع يؤخذ من (¬2) البحر، فإن كان غرقهم في مرسى ومضى صاحبه ليعود لإخراجه كان له وإن تركه على ألا يعود كان لمن أخرجه، وهو في هذا أبين مما ترك في البر لأن هذا هالك لو لم يخرج، وهو كالشاة كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هِيَ لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ"، وإهلاك البحر لها كإهلاك الذئب مع ما يتكلف من المشقة للعطش عليه والخوف على نفسه حينئذ. وإن قذفه البحر فنقله كان لصاحبه؛ لأنه فيه على وجهين، إما أن يكون لا يخاف عليه الفساد لو بقي فلم يكن لهذا أن يعرض له، أو يخشى فساده كالمتاع (¬3)، فعلى من وجده أن يفتحه (¬4) وينشره ثم يدعه. ¬

_ (¬1) قوله: (يعلم إلا بعد) يقابله في (ف): (يعمل إلى). (¬2) قوله: (يؤخذ من) يقابله في (ق 6): (يوجد في)، وأشار في حاشيتها إلى المثبت. (¬3) قوله: (أو يخشى فساده كالمتاع) يقابله في (ق 6): (أو يكون مما يسرع إليه الفساد كالأمتاع). وأشار في حاشيتها إلى المثبت. (¬4) في (ف) و (ق 9): (يقيمه).

ولو مرَّ قوم في سفينة بمتاع قوم قد انكسروا وهو على الماء كان عليهم رفعه إذا كان مرورهم بريح لا يضرُّهم الإمساك لأخذه، وكذلك إن مروا بناس أحياء فعليهم أن يحطوا لرفعهم.

باب في الآبق هل يؤخذ ليعرف؟ وهل يباع إن لم يوجد صاحبه أو يسرح؟ وفي أمد تعريفه والنفقة عليه واستحقاقه بالصفة

باب في الآبق هل يؤخذ ليعرف؟ وهل يباع إن لم يوجد (¬1) صاحبه أو يسرح؟ وفي أمد تعريفه والنفقة عليه واستحقاقه بالصفة اختلف في أخذ الآبق وفي تسريحه بعد أخذه؛ فأما أخذه، فقال مالك: إن كان لأخ أو لجار أو لمن يعرف أخذه، وإن كان لمن لا يعرف فلا يقربه. قال ابن القاسم: إن كان لمن يعرف (¬2) استحب له أخذه وهو في سعة من تركه (¬3). وقال أشهب في مدونته: إن كان سيده قريبًا فأَخْذُه أحب إلي، وإن تركه فهو في سعة، وإن كان بعيدًا فتَرْكُه أحب إلي، فإن أخذه فهو في سعة (¬4). وأما تركه بعد أخذه، فقال مالك في المدونة: إن أرسله ضمنه (¬5). وقاله ابن القاسم وأشهب وابن الماجشون وابن عبد الحكم (¬6). وقال مالك في العتبية: إن لم يجد صاحبه أرسله خير من أن يبيعه فيهلك ثمنه أو يطرح في السجن فلا يجد من يطعمه (¬7). فرآه في سعة من تركه بخلاف الثوب والبعير؛ لأن الثوب لا كلفة في حمله، وكذلك البعير لا يتكلف له نفقة والرعي يجزئه حتى يوصله، وفي العبد وجوه ¬

_ (¬1) في (ف): (يجئ). (¬2) قوله: (يعرف) يقابله في (ف): (لا يعرف). والمثبت موافق لما في المدونة. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 464. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 485. (¬5) انظر: المدونة: 4/ 461. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 485. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 477، والبيان والتحصيل: 15/ 361، 362.

تكلف النفقة والاحتراز منه، فقد يسرق متاعه ويفر بنفسه، وإن كان شريرًا خشي أن يقتله إن نام ويذهب، وإن قيده تكلف الكراء عليه. وإن كان لمن يعرف وهو على الأميال اليسيرة من موضع أبق منه فلا سعة له في تركه إن لم يخف منه. ومحمل قوله: إذا كان لمن لا يعرف ألا يقربه- أن ذلك لفساد الأئمة إن أنشده أخذه، ولا يخشى ذلك إن كان لمن يعرف؛ لأنه يبلغه إلى ربه بغير إنشاد. وقال مالك في الآبق: يعرف سنة (¬1). يريد: إن كان له صنعة تقوم بنفقته ويعملها في موضع يعقل فيه، أو يكون إمام عدل ينفق عليه من بيت المال في زمن رجا (¬2) إن أتى سيده فغرم تلك النفقة لم تضر النفقة بثمنه. فإن لم تكن له صنعة، أو لم يكن بيت مال، أو كانت النفقة تجحف بثمنه، أو قال واجده: لا أتكلف حفظه سنة، ويخشى عليه إن رفع إلى السلطان، بيع قبل السنة، وكان التعريف باقيًا. وإن بيع بعد السنة فالقياس ألا يتصدق بثمنه حينئذ ولا ينفقه بخلاف اللقطة؛ لأن للقطة موضعًا يتفقدها فيه صاحبها، فإذا مضت السنة ولم يأت كان قد أبلى عذره، والآبق لا يدري صاحبه أين توجه فيخصه بالطلب، فلم تأت السنة من ذلك على ما تأتي عليه في اللقطة، وإنما السنة طول فيما يتكلف من أمره، ويوقف الثمن عنده أو عند أمين، ولو رفع ذلك إلى السلطان جعل الثمن في بيت المال أو على يدي أمين (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 458. (¬2) قول (في زمن رجا) زيادة من (ق 9). (¬3) قوله: (ولو رفع ذلك بلى السلطان جعل الثمن في بيت المال أو على يدي أمين) زيادة من (ق 9).

فصل [في بيع السلطان الآبق]

فصل [في بيع السلطانِ الآبقَ] وإن باع السلطان الآبق ثم أتى سيده وقال: كنت أعتقته أو دبرته، لم يقبل قوله (¬1). واختلف إذا كانت أمة، فقال: كانت ولدت مني، ولا ولد معها، فقال ابن القاسم: يقبل قوله إن لم يتهم فيها (¬2). وقال أشهب: لا يقبل قوله، ولا يرد البيع كما لا يرد العتق. وأرى أن يرد البيع بخلاف العتق؛ لأن الشأن في العتق إشهاره، فعدم ذلك يضعف قوله، وليس كذلك الإيلاد، وأيضًا فإن الحر لا يأبق، فلو أعتقه لم يأبق، وتأبق أم الولد، إلا أن يكون العبد لم يواجه بالعتق، فيصح أن يأبق، إلا أن الشأن أن يشهر عتقه. وبيعُ السيد لأمته ثم يعترف أنها ولدت منه وبيع السلطان- مفترقٌ؛ لأن بيعه بنفسه يتضمن إقراره أنها ليست بأم ولد، فقوله بعد ذلك كانت ولدت مني تكذيب لقوله الأول، فلم يقبل، وبيع السلطان لا يكذب قوله الآن لأنه لم يكن منه خلاف لقوله هذا. فصل [في كيفية دفع الآبق والدواب والثياب إلى مدعيها وواصفها] واختلف إذا حبس الآبق ثم أتى رجل فادعاه ووصفه هل يدفع إليه بالصفة من غير بينة؟ فقال ابن القاسم: يتلوم له في ذلك، فإن لم يأت من يطلبه ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 461. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 462.

دفعه إليه وضمنه (¬1). وقال أشهب: لا يأخذه بالصفة. وإليه رجع سحنون، وقال: لا يدفع إلا ببينة طال مقامه أو لم يطل (¬2). وإن اعترف لغيره بالرق كان لمن اعزف له بالرق دون من وصفه قولًا واحدًا، وإن اعزف لغائب كتب إليه، فإن ادعاه كان أحق به. واختلف إذا أنكر العبد هذا المدعي ولم يقر لغيره وهو يقر بالعبودية، أو قال: أنا حر، وهو معروف بالرق، هل يكون لمن ادعاه؟ فأما الصفة (¬3) فأرى أن يدفع إليه إذا وصف صفة تخفى وليست بظاهرة. وكذلك الدواب تدعى فإنه يختلف فيها هل تدفع بالصفة من غير بينة؛ لأنها مما يتصرف بها ويظهر صفتها؟ وأما الثياب فدفعها بالصفة أبين، والصفة فيها كالعفاص والوكاء في الدنانير. قال ابن القاسم في المتاع يسرق بمكة فيدعيه رجل ويصفه: يدفع إليه، وإن لم تكن بينة (¬4). واختلف في استحقاقه بشهادة البينة على الصفة، وفي رجوع المستحَق من يده على بائعه بالشهادة على الصفة أنه استُحِق من يده عبدٌ على صفة كذا. فأجازه ابن القاسم في الوجهين جميعًا؛ فقال فيمن أتى يدعي عبدًا بكتاب قاضٍ أنه أبق له عبد على صفة كذا وشهادة الشهود فيه على الصفة: إنه يقضى له به (¬5). وإن استُحِق عبدٌ من يد رجل بشهادة بينة عرفت أنه ملكه، فأتى ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 461. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 486، 487. (¬3) أشار في حاشية (ق 6) إلى أنه في نسخة: (فأما بالصفة). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 115. (¬5) انظر: المدونة: 4/ 462.

فصل [في عتق الآبق وتدبيره وعتقه إلى أجل]

المستحَق من يده بكتاب القاضي باستحقاقه ومعه العبد موافق لصفة الكتاب، أو ليس معه العبد: قضي له بالثمن على البائع (¬1). وخالف ابن كنانة في استحقاقه بالشهادة على الصفة، فقال فيمن أبق له غلام من مصر إلى الأندلس، فأتى بكتاب من قاضي مصر على الصفة أنه أبق له عبد ونعته ووصفه، وأثبت الكتاب عند قاضي الأندلس، فأنكر العبد أن يكون هذا سيده: فلا يأخذه بذلك إن ادعى العبد الحرية أو كان في يد من يدعيه لنفسه. وأجاز ذلك إذا اعترف له العبد (¬2). ومنع ذلك أشهب إذا أتى به المستحق من يده ومعه صفة موافقة لما في كتاب القاضي، إلا أن تشهد البينة أنه العبد الذي في الحكم، وأجاز المستحق بالبينة على الصفة، وفرق بين الموضعين؛ لأن الشهادة على الصفة إنما تجوز للضرورة، وهؤلاء الذين شهدوا على حكم القاضي قادرون على أن يشهدوا على عينه، وإذا كان العبد غائبًا قبلت الشهادة ها هنا على الصفة؛ لأنها ضرورة لا يقدر على غير ذلك. وأرى إذا أغفل القاضي أن يشهدهم على عين العبد حتى خرجوا وبعدوا أن تقبل الشهادة على الصفة وتصير ضرورة. واختلف هل يطبع في عنق العبد، والطبع أحسن. فصل [في عتق الآبق وتدبيره وعتقه إلى أجل] عتق العبد الآبق جائز لازم لسيده وكذلك تدبيره وعتقه إلى أجل، فإن ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 486. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 487.

جعل (¬1) الأجل من يوم أعتق ثم لم يقدر عليه حتى انقضى الأجل كان حرًّا، وإن وجده قبل ذلك خدمه بقية الأجل، وإن جعل (¬2) الأجل من بعد وجوده جاز واستؤنف الأجل من بعد وجوده. وتجوز كتابته، ويوقف الأمر فيه، فإن وجده وكان قصده إجباره على المكاتبة كان مكاتبًا، وإلا كان العبد بالخيار بين القبول والرد، وفائدة، الكتابة الآن انعقادها على السيد، فإن قبلها العبد بعد ذلك لم يكن للسيد الرجوع. وإن أعتقه عن ظهار وجب عليه جاز، ويمنع من زوجته حتى يعلم أنه كان حيًّا سالمًا من العيوب يوم أعتق فتحل (¬3). وقال ابن حبيب: لا يجزئه إلا أن يكون صحيحًا يوم أعتق ويوم وجد، فإن كان صحيحًا يوم أعتق ثم اعتل أو سقيما ثم صح، لم يجزئه حتى يجتمع فيه الوجهان جميعا (¬4). والأول أحسن. ¬

_ (¬1) في (ف): (حل). (¬2) في (ف): (حل). (¬3) في (ف): (فيحل بيعه). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 506، 507. ونصها: "قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: لا يجزئ في الرقاب الواجبة مدبر ولا مكاتب ولا ولد ولا معتق إلى أجل. . . ولا الآبق إلا أن يجده بعد العتق سليمًا ويعلم أنه كان يوم أعتقه صحيحًا، فأما إن كان يومئذ عليلًا ثم صح أو كان صحيحًا ثم اعتل لم يجزئه حتى يكون صحيحًا ويجده صحيحًا".

فصل [في اشتراء العبد الآبق بأرض الحرب]

فصل [في اشتراء العبد الآبق بأرض الحرب] وإن أبق العبد إلى أرض الحرب فاشتراه (¬1) رجل بأمر سيده ثم هلك قبل وصوله كانت مصيبته (¬2) من سيده وغرم للمأمور ما افتداه به، وإن أعتقه الذي افتداه رد عتقه، وإن كانت أمة فوطئها فحملت كان زانيًا يحد وتؤخذ الأمة وولدها. وإن اشتراه بغير إذن السيد فهلك أو أبق كان من المشتري، واختلف إذا أعتقه أوكانت أمة فحملت منه، فقال ابن القاسم: يمضي العتق والإيلاد (¬3). وقال أشهب: لسيدها أن يرد العتق ويغرم ما افتداها به، وإن حملت أخذها وحاسبه بقيمة الولد من الثمن. وهو أصوب، وليس كون المستحَق لا يؤخذ إلا بعد دفع الثمن مما يخرجه عن حكم الاستحقاق، ولو كنت أقول أن ذلك فوت لرأيت على المعتق والواطئ فضل القيمة يوم أعتق أو أولد؛ لأنه أتلف ملك غيره بوجه شبهة. ¬

_ (¬1) قوله: (فاشتراه) يقابله في (ف): (فاشتراه صحيحًا). (¬2) قوله: (كانت مصيبته) يقابله في (ف): (كان). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 466، 467.

باب في جعل الآبق والضوال

باب في جُعْل الآبق والضوال وإذا جاء بالآبق من ذلك شأنه كان له جعله على قدر عنائه وبُعْد موضعه، وما تكلف من استخراجه إذا كان في موضع أخفى فيه نفسه أو لا يستطيع غيره إخراجه، وقدر حال العبد فليس العبد الشديد (¬1) ومن يخاف كغيره، وقدر ثمنه وقد علم أن الجعل فيما كثر ثمنه بخلافه إذا قل. وله على قول مالك جعله على أن نفقته على العبد داخلة في الجعل، ثم إن السيد بالخيار بين أن يفتديه بذلك أو يسلمه. قال مالك وابن القاسم: وكذلك الدواب والأمتعة إن أتى بها من ذلك شأنه فلابد من (¬2) جعل مثله، وإن لم يكن ذلك من شأنه فلا شيء له (¬3). وقال أشهب في مدونته فيمن ذلك شأنه: لولا فساد الناس وأنه يخشى على المسلمين ضيعة ما يصل إليهم إن لم يجعل في ذلك لمن أتى به، لم أرَ له شيئًا (¬4). ¬

_ (¬1) في (ق 6): (الشرير). (¬2) في (ف): (فله). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 458. ونصها: "قال: سألنا مالكا عن الآبق إذا وجده الرجل فأخذه فطلب جعله، أترى فيه جعلا؟ قال: قال مالك: أما من كان ذلك شأنه وطلبه وهو عمله فأرى أن يجعل له جعل. قال مالك: وعندنا قوم شأنهم هذا، وفي هذا منافع للناس. وأما من لم يكن ذلك شأنه وإنما وجده فأخذه فإنما له فيه نفقته ولا جعل له. . . قلت: أرأيت إن كان رجلًا هذا شأنه يطلب الأباق والدواب الضوال والأمتعة ويردها على أربابها، أيكون له في قول مالك شيء؟ قال: لم أسمعه من مالك، وينبغي أن يكون له جعله لأن في ذلك منافع للناس". (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 481.

وأرى إن لم يكن ذلك شأنه وكان خروجه لأجل هذا العبد والبحث عنه، وصاحبه ممن لا يتكلف طلبه بنفسه ولا يستغنى عن أن يجعل لمن يطلبه، أن يكون عليه الأقل من جعل هذا أو جعل من كان يخرجه لطلبه.

باب فيما يلتقط من أموال أهل الجاهلية

باب فيما يُلتَقَط من أموال أهل الجاهلية وقال ابن القاسم فيما أصيب من أموال أهل الجاهلية على وجه الأرض: فيه الخمس. وكذلك التماثيل يقذفها البحر ويعلم أنها من أموال أهل الجاهلية ففيها الخمس، وإن غُسل تراب على ساحل البحر فخرج منه الذهب كان كالمعدن فيه الزكاة (¬1). فأما ما أصيب من أموال الجاهلية في فيافي أو بلد عفا ثم اختطه المسلمون فهو لواجده، وفيه الخمس (¬2). ويفترق الجواب فيما يوجد في أرض عنوة أو صلح، وقد تقدم ذلك في كتاب الزكاة. وأما ما يخرج من التراب إذا غسل، فإن كان ذلك معدنه كان فيه الزكاة، وإن كان من بقية أموال الجاهلية وكان ما يتكلف من غسله يسيرًا كان فيه الخمس، واختلف عن مالك إذا كثرت مؤنته هل يخمس، وقد تقدم ذلك في كتاب الزكاة، وإن كان من أموال المسلمين كان له حكم اللقطة، وإن كان شيئًا تأتي به السيول عن معادن الذهب صح أن يقال: فيه الزكاة، وأن يقال هو فائدة بخلاف ما أخذ من معدن يملكه. وقد قال مالك في الزيتون الجبلي يرفع منه خمسة أوسق: هو فائدة (¬3) ولا ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 456. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 339. (¬3) قوله: (بخلاف ما أخذ من معدن يملكه. . . هو فائدة) ساقط من (ف).

فصل [في العبد يلتقط اللقطة]

زكاة فيه إلا أن يكون عمره بالعمل والحرث وتملكه قبل ذلك (¬1). وقد اختلف الناس في زكاة المعادن، فقال غير واحد: هو فائدة، وهو فيما تقدم ذكره أبين أن يكون فائدة. فصل [في العبد يلتقط اللقطة] وإذا التقط العبد اللقطة عرفها، وليس لسيده منعه؛ لأن التعريف يصح منه في حين تصرفه لسيده، ولا يقطعه ذلك عن تصرفه لسيده (¬2)، ولسيده أن ينتزعها ويوقفها على يدي عدل لئلا يحلف عليها إن تلفت أو يتصرف فيها العبد، وإن كان غير مأمون كان أبين أن توقف على يدي عدل. وقال مالك في العبد يلتقط اللقطة فيستهلكها قبل السنة: فهي في رقبته، وإن استهلكها بعد السنة كانت في ذمته (¬3). فجعلها قبل السنة جناية في الرقبة؛ لأن صاحبها لم يضع يده عليها، وبعد السنة في ذمته، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد السنة: "استنفقها". ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 265. (¬2) قوله: (تصرفه لسيده) يقابله في (ف): (سعيه). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 455.

باب فيمن سرق من دار أو حانوت ولم يغلقه فسرق منه آخر, أو حل قيد عبد أو فتح عن طير

باب فيمن سرق من دار أو حانوت ولم يغلقه فسرق منه آخر, أو حل (¬1) قيد عبد أو فتح عن طير ومن سرق من دار غير مسكونة أو من حانوت وتركه مفتوحًا ثم سرق من ذلك آخر ضمن الأول سرقة الثاني، وإن أعاد غلقه لم يضمن، فإذا كانت الدار مسكونة لم يضمن وإن تركها مفتوحة وإن كان أهلها نياما، هذا قول مالك (¬2). وكذلك إن كانت دواب فتح عليها فذهبت، فإن كان الموضع غير مسكون ضمن، وإن كان مسكونًا لم يضمن (¬3)، وقال أشهب في مدونته: إن كانت مربوطة لم يضمن، وإن كانت مسرحة ضمن وإن كان فيها أهلها؛ لأنها تبادر للخروج. وأرى أن يضمن وإن كانت مربوطة، وليس يكلها أربابها إلى الرباط وحده، وتحفظهم بالباب أشد، وهذا إذا خرجت بنفسها، وكذلك إن سرقت أو كانت ثيابًا فسرقها آخر فأرى أن يضمن الأول. وإن حل قيد عبد أو فتح عن طير فذهب ضمن، وسواء كان العبد في دار ¬

_ (¬1) في (ف): (فتح). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 459، 460. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 459.

مع أهله أم لا؛ لأن العبد إنما يتوثق منه بالقيد ليس بالباب، وإن أمره أن يجعل طيرًا في قفص ويغلق عليه فنسي أن يغلق عليه لم يضمن، وإن تعمد ضمن (¬1)، وبالله التوفيق. تم كتاب اللقطة والآبق والضوال، والحمد لله حق حمده ¬

_ (¬1) قوله: (وإن أمره أن يجعل طيرا في قفص. . . ضمن) زيادة من (ق 6).

كتاب المأذون له في التجارة

كتاب المأذون له في التجارة النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ت) = نسخة تازة رقم (234 & 243) 3 - (ر) = نسخة الحمزوية رقم (110)

باب في تجارة العبد وإجارته، وإذا أخذ مالا قراضا أو أعطاه

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليمًا كتاب المأذون له في التجارة (¬1) باب في تجارة العبد وإجارته، وإذا أخذ مالًا (¬2) قراضًا أو أعطاه العبد والمدبر والمعتق إلى أجل وأم الولد على الحجر في البيع والشراء والإجارة حتى يأذن السيد، وكذلك (¬3) المعتق بعضه في يوم سيده على الحجر (¬4) حتى يأذن له (¬5) السيد (¬6) وفي يومه (¬7) كالحر يبيع ويشتري ويؤاجر نفسه إذا كان ذلك المال يخصّه دون من له فيه رق (¬8)؛ لأنه صار إليه بالمقاسمة مع من له فيه رق (¬9)؛ ولأنه صار إليه بالمقاسمة مع من له فيه الرق (¬10) أو اكتسبه في الأيام ¬

_ (¬1) قلت: خالفت نسخة (ف) ترتيب كتاب المأذون له في التجارة فلم تجعله قبل كتاب المديان. (¬2) قوله: (مالًا) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (كذلك) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (على الحجر) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (له) ساقط من (ت). (¬6) قوله: (السيد) ساقط من (ف). (¬7) في (ر): (حرمه). (¬8) قوله: (من له فيه رق) يقابله في (ف): (سيده). (¬9) قوله: (من له فيه رق) يقابله في (ف): (سيده). (¬10) قوله: (من له فيه الرق) يقابله في (ف): (سيده).

التي تخصه فله أن يشتري بالنقد، ولا بأس (¬1) أن يبيع إلى أجل؛ لأنه ماله لا اعتراض عليه (¬2) للسيد فيه (¬3)، وهو في النكاح والهبات والأسفار على الحجر حتى يأذن له السيد والمكاتب على الإطلاق في البيع والشراء والإجارة بنفس الكتابة، وفي النكاح والهبات والصدقة (¬4) على الحجر، وفي التسري (¬5) على الإطلاق إذا كان يبقى في يديه بعد ما يتسرى (¬6) به ما لايضر بكتابته (¬7). واختلف في سفره هل هو فيه على الحجر أم لا؟ وأرى أن ينظر فيه (¬8) إلى حال المكاتب وإلى (¬9) الموضع الذي يسافر إليه فإن كان مثل ذلك العبد لا يخشى تغيبه والموضع الذي يسافر إليه (¬10) قريب يرجع منه قبل أن يحل أول نجم لم يمنع (¬11) وإن كان الأمر على غير ذلك منع (¬12). ¬

_ (¬1) قوله: (ولا بأس) يقابله في (ف): (وله). (¬2) قوله: (عليه) زيادة من (ت). (¬3) قوله: (فيه) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (والصدقة) ساقط من (ف)، وفي (ت): الصدقات. (¬5) قوله: (التسري) يقابله في (ت): (الشراء). (¬6) قوله: (يتسرى) يقابله في (ت): (يشتري). (¬7) انظر: المدونة: 2/ 472. (¬8) قوله: (فيه) زيادة من (ت). (¬9) قوله: (إلى) ساقط من (ف). (¬10) قوله: (فإن كان مثل ذلك العبد لا يخشى تغيبه والموضع الذي يسافر إليه) زيادة من (ف). (¬11) انظر: المدونة: 2/ 471، المعونة: 2/ 389، والإشراف: 4/ 1879. (¬12) قوله: (وإن كان الأمر على غير ذلك منع) يقابله في (ر): (وإن كان يخشى مغيبه أو يحل ذلك النجم قبل رجوعه منع من السفر إذا كانت نجومه مشاهرة ولو كانت كل سنة لمنعه أن يغيب عنه ذلك القدر).

فصل [في وجوه إذن السيد لعبده في التجارة وغيرها]

فصل [في وجوه إذن السيد لعبده في التجارة وغيرها] إذن السيد لعبده على سبعة أوجه: إما أن يأذن له في التجارة جملة أو يخص صِنْفًا بعينه أو الشراء (¬1) يبيحه جميع التجارات إلا صِنْفًا بعينه أو ياذن له (¬2) في الإجارة جملة أو يخص صِنْفًا (¬3) بعينه أو يبيحه جَميع الأعمال إلا صِنْفًا بعينه أو يبيحه (¬4) جميع التجارة والإجارة (¬5) وأي ذلك أذن له (¬6) فيه جاز، ولا يجوز للعبد أن يجاوز ما قصره عليه سيده (¬7) فإن فعل وتعدى إلى ما لا يشبه ما أذن له فيه مثل أن يأذن له في التجارة فأجر نفسه أو في الإجارة (¬8) فتجر أو أجلسه بزازًا فتجر (¬9) في العطر أو حائكًا فأجر نفسه في الخياطة أو في القصارة، لم يلزمه ذلك (¬10)، ولم يتعلق ذلك (¬11) بالمال الذي بيده منه ¬

_ (¬1) قوله: (الشراء) زيادة من (ف). (¬2) قوله: (له) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (صِنْفًا) يقابله في (ف): (نوعًا). (¬4) قوله: (جَميع الأعمال إلا صِنْفًا بعينه أو يبيحه) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (التجارة والإجارة) يقابله في (ف): (التجارات والإجارات). (¬6) قوله: (أذن له) يقابله في (ت): (فعل وأذن). (¬7) قوله: (سيده) زيادة من (ت). (¬8) قوله: (الإجارة) يقابله في (ت): (التجارة). (¬9) قوله: (أو أجلسه بزازًا فتجر) ساقط من (ر). (¬10) قوله: (ذلك) ساقط من (ف). (¬11) قوله: (ذلك) زيادة من (ف).

شيء (¬1)، وكان أمره فيه على أحكام التعدي إذا شاركه إذن مَن تعدى عليه فاختلف فيه (¬2) هل يكون في ذمته ويتبع به يومًا ما أو يكون (¬3) جناية في رقبته. واختلف إذا أشكل الأمر على من يداينه أو يعامله (¬4): هل ذلك من الجنس المأذون له فيه مثل أن يأذن له في صنف (¬5) من البز فاشترى من غير الصنف الذي أذن له فيه أو في البيع والشراء بالنقد فباع واشترى بالنسيئة أو في صنف من الخياطة فأجر نفسه في الخياطة في الصنف الذي حجر عليه فيه (¬6)، هل يلزمه ذلك في المال الذي في يديه أم لا؟ وهذا مع الفوت، وأما مع القيام فلا خلاف أن للسيد ردّ ذلك. وقال ابن القاسم في المدونة: إذا أذن له في نوع من التجارة فتجر في غيره، لزمه، قال: وهذا أقعده للتجارة ولا يدري الناس (¬7) بأي أنول التجارة (¬8) أقعده (¬9). ورأى أنه غرَّ الناس بذلك الإذن، وقال في من دفع قراضًا لحر على أن يتجر في صنف فتجر في غيره: كان متعديًّا (¬10)، ولا تتعلق تلك المعاملة بالمال الذي في يديه، ¬

_ (¬1) قوله: (منه شيء) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (فيه) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (يكون) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (أو يعامله) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (صنف) يقابله في (ف): (جنس). (¬6) قوله: (فيه) زيادة من (ف). (¬7) قوله: (الناس) زيادة من (ف). (¬8) قوله: (أنواع التجارة) يقابله في (ت): (نوع). (¬9) انظر المدونة 4/ 88. (¬10) انظر المدونة 3/ 652.

ويلزم على هذا ألا يلزم السيد معاملة العسد في غير الصنف الذي أذن له فيه، ولا يؤخذ من المال الذي في يديه. وقال في العتبية: إذا أمر عبده أن يبيع ويشتري بالنقد فعامل بالنسيئة، لزمه ذلك في المال الذي في يديه، وكان الغرماء أحق به، وإن لم تكن أموالهم بعينها (¬1) وأبى ذلك سحنون، واستشهد بمسألة القراض (¬2)، وقول ابن القاسم أحسن (¬3)، وأرى إذا (¬4) كان مثل ذلك (¬5) العبد لا يقف عما أذن له فيه السيد أن يلزمه ما أدخل فيه نفسه (¬6)؛ لأن السيد غر الناس بإذنه ذلك، وإن كان يرى أنه لا يخالف ما حدّ له ويقف عنده (¬7) فكان في الباطن خلاف ذلك، كان قول (¬8) سحنون حسنًا (¬9) فإن هلك ذلك المبيع أو نقص من غير سبب العبد لم يلزمه، وكذلك (¬10) إن هلك من سببه، ولم يصون به ماله لم يتعلق بالمال الذي في يديه، فإن كان من سببه وصون به ماله كان في ماله (¬11) الأقل من الثمن أو القيمة، وإن باع العبد ذلك الشيء (¬12) الذي اشتراه تعديًا (¬13) وكان الثمن موجودًا ¬

_ (¬1) انظر البيان والتحصيل 10/ 495. (¬2) انظر النوادر والزيادات 10/ 90، والبيان والتحصيل: 10/ 495. (¬3) قوله: (وقول ابن القاسم أحسن) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (وأرى ذلك) يقابله في (ف): (وأرى ذلك)، وفي (ف): (إذا). (¬5) قوله: (مثل ذلك) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (أن يلزمه ما أدخل فيه نفسه) ساقط من (ف). (¬7) في (ت) و (ر): (عنه). (¬8) قوله: (خلاف ذلك كان قول) يقابله في (ف): (على خلافه، فقول). (¬9) في (ت): (أحسن). (¬10) قوله: (كذلك) ساقط من (ر). (¬11) قوله: (في ماله) يقابله في (ف): (عليه). (¬12) قوله: (الشيء) ساقط من (ف). (¬13) قوله: (اشتراه تعديًا) يقابله في (ف): (تعدى في شرائه).

كان عليه الأقل من ثلاث (¬1) أوجه: (¬2) من الثمن الأول أو الثاني أو القيمة، وإن ضاع ذلك الثمن، لم يلزمه الغرم من المال الذي في يديه وبيعه وشراؤه بالنسيئة مفترق، فإن باع وتغير سوق ذلك المبيع، كان السيد بالخيار فإن شاء أجاز، وإن شاء رد وأخذه على نقصه، وإن تلف أو تغير من غير سبب المشتري لم يكن له سوى (¬3) الإجازة أو أخذ ذلك على نقصه، وإن كان ذلك من سببه، لبس أو أكل كان السيد بالخيار بين أن يجيز أو يأخذ القيمة نقدًا، وإن لم ينظر في ذلك حتى حل (¬4) الأجل كان له أخذ الثمن، وإن اشترى بالنسيئة، وكان قائمًا كان للسيد أن يقبل ذلك (¬5) بالثمن أو يرد، وإن هلك من غير سبب العبد كانت المصيبة (¬6) من البائع، ويرجع السيد بالثمن إن كان قبضه بعد حلوله، وإن حدث به عيب من غير سبب العبد رده السيد، واسترجع الثمن، وإن كان من سببه كان للسيد أن يرد، ويختلف: هل يغرم العبد ذلك النقص أو تكون جناية في رقبته (¬7)، وللسيد أن يقبله بالأقل من الثمن أو القيمة إلا أن يرضى البائع أن يأخذه معيبًا (¬8) ويتبع (¬9) العبد بالعيب (¬10) حسب ما تقدم، وإن صون به ماله أنه لبس أو أكل كان عليه الأقل من القيمة أو الثمن إلا أن ¬

_ (¬1) قوله: (من ثلاث) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (أوجه) زيادة من (ت). (¬3) قوله: (سوى) يقابله في (ف): (إلا). (¬4) قوله: (حل) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (يقبل ذلك) يقابله في (ف): (يقبله). (¬6) قوله: (كانت المصيبة) يقابله في (ف): (كان). (¬7) في (ت): (ذمته). (¬8) قوله: (معيبًا) ساقط من (ر). (¬9) في (ف): ويبيع. (¬10) قوله: (بالعيب) ساقط من (ف).

فصل [في قراض المأذون له في التجارة]

يكون ذلك (¬1) مما يكال ولا يرضى البائع بالقيمة، فيكون له أن يرجع بالمثل على العبد أو السيد؛ لأن طعامه مما يلزم السيد، وكذلك كسوته (¬2). فصل [في قراض المأذون له في التجارة] واختلف إذا أذن له في التجارة وأخذ قراضًا أو أعطاه (¬3) فأجاز ذلك (¬4) ابن القاسم (¬5) ومنعه أشهب، وقال: لأنه إن أخذ قراضًا كان قد أجر نفسه، وإنما أذن (¬6) له في التجارة وإن أعطى قراضًا كان قد أودع المال. وأرى أن يمنع (¬7) من الإعطاء لأن مفهوم الإذن في التجارة أن يتجر بنفسه، وليس أن يترك العمل ويجعل العمل فيه لغيره، إلا أن يكون المال كثيرًا أو يعلم أن مثله يبضع ويقارض فيجوز- في بعضه حسب المعتاد لا في جميعه ويمنع أن يأخذ مالا (¬8) يعمل فيه للناس ويدع المال الذي أذن له فيه وليس له أن يأخذ زيادة إلى ما في يديه كما ليس له أن يتجر في مائتن إذا أعطاه سيده مائة ¬

_ (¬1) قوله: (ذلك) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (وكذلك كسوته) ساقط من (ر)، وفي (ف): وكسوته. (¬3) قوله: (أو أعطاه) ساقط من (ت). (¬4) قوله: (فأجاز ذلك) يقابله في (ف): (فأجازه). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 644، ونص المدونة: (قال: قال مالك: لا بأس أن يأخذ العبد المأذون له في التجارة المال قراضا. ولم أسمع منه في أن يعطي هو المال قراضا شيئا، ولا بأس به أيضا عندي؛ لأنه يبيع بالدين ويشتري). (¬6) قوله: (أذن) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (وأرى أن يمنع) يقابله في (ر): (منع). (¬8) في (ف): (قراضًا).

فصل [في العبد الغير المأمون له يأذن له سيده]

إلا أن يكون أذن السيد في غير مال دفعه إليه (¬1) فيعلم أن تجره يكون من قراض أو بضاعة أو ما أشبه ذلك. فصل [في العبد الغير المأمون له يأذن له سيده] ولا ينبغي للسيد أن يأذن لعبده في التجارة إذا كان غير مأمونٍ فيما يتولاه، إما (¬2) لأنه يعمل بالربا أو خائن في معاملته (¬3) أو ما أشبه (¬4) ذلك. فإن تجر وربح وكان يعمل بالربا تصدق بالفضل فإن كان يجهل ما يدخل عليه من الفساد في تجره (¬5) ذلك استحسن له (¬6) الصدقة بالربح من غير جبر. قال مالك: ولا يستأجر (¬7) الرجل (¬8) عبده النصراني ولا يأمره أن يبيع له (¬9) شيئًا لقوله تعالى: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} [النساء: 161] (¬10). قال الشيخ: فإن أذن له في التجارة (¬11) فتجر مع المسلمين كان الحكم فيما أتى (¬12) به على ما تقدم في العبد المسلم. ¬

_ (¬1) قوله: (السيد في غير مال دفعه إليه) يقابله في (ف): (له في التجارة, ولا مال في يديه لنفسه). (¬2) قوله: (إما) زيادة من (ف). (¬3) في (ت): (تجارته). (¬4) قوله: (ما أشبه) يقابله في (ف): (غير). (¬5) في (ر): (حجره)، وفي (ف): (بيعه). (¬6) قوله: (له) ساقط من (ف). (¬7) قوله: (يستأجر) يقابله في (ت): (يستحقن)، وفي المدونة: (يستتجر) ولعله الأصوب. (¬8) قوله: (الرجل) ساقط من (ر). (¬9) قوله: (له) ساقط من (ف). (¬10) انظر المدونة 3/ 99، 4/ 94. (¬11) قوله: (في التجارة) ساقط من (ف). (¬12) في (ف): (أربى).

واختلف إذا كان تجره (¬1) مع أهل دينه فأربى وكان تجره (¬2) في الخمر فعلى القول أنهم مخاطبون بفروع الإسلام (¬3) يكون الجواب فيهم (¬4) على ما تقدم إذا كانت مبايعتهم تلك مع المسلمين (¬5) وعلى القول أنهم غير مخاطبين إلا بعد تقدم الإسلام يسوغ للسيد ما أتى به من ذلك، وقد كان لابن عمر عبدٌ (¬6) نصراني يبيع الخمر فمات فورثه (¬7)، وهذا إذا كان يتجر (¬8) لنفسه، وإن كان تجره (¬9) لسيده لم يجز شيء من ذلك وكان بمنزلة ما لو كان السيد تولى برأ ذلك (¬10) البيع؛ لأنه وكيلٌ له، وإذا (¬11) كان عبد بين رجلين لم يكن لأحدهما أن يأذن له في تجارة أو إجارة من غير مراضاة لشريكه بذلك (¬12)؛ لأن ذلك يؤدي إلى تلف ما في يديه إن خسر أو يلزم ذمته دينًا (¬13) وذلك عيب فيه، ولهما أن يقتسما ماله إذا تراضيا بذلك (¬14) فإن اختلفا كان القول قول من دعا ¬

_ (¬1) قوله: (كان تجره) يقابله في (ف): (تجر). (¬2) قوله: (وكان تجره) يقابله في (ف): (أو تجر). (¬3) قوله: (الإسلام) يقابله في (ف): (الشرع). (¬4) قوله: (فيهم) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (كانت مبايعتهم تلك مع المسلمين) يقابله في (ف): (باع مسلمًا). (¬6) قوله: (عبدٌ) ساقط من (ف). (¬7) انظر: المدونة: 2/ 599. (¬8) في (ف): (تجره). (¬9) في (ر): (يتجر). (¬10) قوله: (تولى ذلك) يقابله في (ت): (يولي ذلك)، وفي (ف): (المتولي لذلك). (¬11) في (ر): وإنما. (¬12) قوله: (بذلك) زيادة من (ت). (¬13) في (ر): (دينٌ). (¬14) قوله: (بذلك) زيادة من (ر).

إلى بقائه (¬1). قال مالك: لأن ذلك يكسد ثمن العبد (¬2)، يريد: إذا كان بقاء المال يزيد في ثمنه أكثر من ذلك المال (¬3)، وإن كان (¬4) الذي يزيد في ثمنه مثل الذي في يديه مثل أن يكون ثمنه خمسين دينارًا وماله خمسون دينارًا (¬5) فإن بيع بماله بيع بمائة أو تسعين فيكون القول قول من دعا إلى قسمة ذلك المال (¬6)؛ لأنه يكسد ثمنه. ¬

_ (¬1) قوله: (كان القول قول من دعا إلى بقائه) يقابله في (ف): (لم يقسم). (¬2) انظر المدونة: 4/ 94. (¬3) قوله: (المال) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (كان) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (دينارًا) زيادة من (ر). (¬6) قوله: (ذلك المال) يقابله في (ف): ماله.

باب في هبات المأذون له في التجارة وصدقته وتأخيره بالدين

باب في هبات المأذون له في التجارة وصدقته (¬1) وتأخيره بالدين ولا يجوز للمأذون له في التجارة أن يتصرف في ذلك المال في وجه لا يرجى فيه (¬2) فضل كالهبة والصدقة والعارية والسلف والتأخير بالدين والوضيعة منه؛ لأنه معروف وخارج عن التنمية (¬3) إلا أن تكون الهبة والصدقة الشيء اليسير، وما يعلم من السادات أو من هذا السيد أنه لا يكرهه أو يعير ما العادة أن العبيد يعيرونه كعارية الماعون (¬4) وشبهه (¬5)، وقال مالك: إذا دعا إلى طعامه أو أراد أن يعق عن ولده لم يكن ذلك له إلا أن يكون ليجتر (¬6) به منفعة في بيعه وشرائه، أو يعلم أن سيده لا يكره ذلك (¬7)، ويجوز من التأخير والوضيعة ما يراد بمثله (¬8) الاستيلاف للتجارة ما لم يبعد (¬9) في الأجل أو يكثر (¬10) في الوضيعة فيرد جميعها، وإذا كان الحكم في الصدقة والهبة الرد نظرت فإن كانت معينة كان رد السيد إسقاطًا لها وللعقد (¬11) قبضت أو لم ¬

_ (¬1) قوله: (في التجارة وصدقته) ساقط من (ف). (¬2) في (ف): (له). (¬3) في (ف): (التسمية). (¬4) في (ف): (كالماعون). (¬5) في (ت): (وغيره). (¬6) في (ر): (ليجر). (¬7) انظر المدونة: 4/ 89. (¬8) في (ف): (به). (¬9) في (ت): (ينعقد)، وفي (ف): (أبعد). (¬10) قوله: (يكثر) يقابله في (ف): (أضر). (¬11) في (ف): (وللعبد).

تقبض وليس رد السيد انتزاعا لها فإن أعتق العبد كانت له، وسواء كانت في يديه أو في يد المتصدق عليه قائمة أو مستهلكة فالقيمة للعبد، وإن كانت غير معينة فقال لك في مالي أو ذمتي مائة دينار كان للسيد رد عقده عند ابن القاسم، وليس ذلك له (¬1) عند أشهب، وإن لم يعلم السيد حتى قبض الموهوب له تلك المائة كان له ردها قولًا واحدًا، ويبقى العقد (¬2) على حاله، وليس رد المقبوض ردًا للعقد (¬3) لأن عقد الهبة لم يكن ذلك العين المقبوض، فإن رد العقد كان على الخلاف المتقدم هو رد (¬4) عند ابن القاسم وليس برد عند أشهب، وهو أحسن؛ لأن بقاء العقد لا يضر بالسيد في مال العبد ولا في ثمنه أن يبيع؛ لأنه لا يؤخذ من ماله (¬5) إلا بعد عتقه، وإذا لم ترجع الصدقة أو الهبة إلى (¬6) العبد حتى أعتق لم يكن له أن يرتجعها (¬7)؛ لأنه مطالب بالعقد، وأن يغرم مثلها بخلاف أن تكون الصدقة معينة إلا أن يفلس العبد المعتق (¬8) فيكون غرماؤه أحقَّ بها لأن مطالبة المتصدق عليه إنما هو بعقد على ما في الذمة، وهي صدقة لم تقبض، والذي كان قبضه قد ردّ السيد فعله فيه، وبقى (¬9) على ملك العبد فكان غرماؤه أحقَّ به. ¬

_ (¬1) قوله: (له) ساقط من (ر). (¬2) في (ر): (العبد). (¬3) في (ت): (ردَ العقد). (¬4) قوله: (فإن رد العقد كان على الخلاف المتقدم هو رد) يقابله في (ف): (فإذا رد العقد صح رده). (¬5) قوله: (من ماله) ساقط من (ف). (¬6) في (ر): (أو). (¬7) في (ت): (يرتجعهما). (¬8) قوله: (العبد المعتق) يقابله في (ر): (المتعتق). (¬9) في (ف): (وهي).

فصل [في تسري المأذون له في التجارة]

فصل [في تسري المأذون له في التجارة] وأجاز مالك للمأذون له (¬1) التسري في ماله (¬2)، ومحمل ذلك على أنه العادة عندهم؛ لأنه لا يختلف أنه لا يستبيح ذلك بمجرد الإذن في التجارة؛ لأنه ليس مما يتضمنه الاسم (¬3) ولا داخل في معناه، ولأن في (¬4) ذلك إشغالًا لبعض المال في غير الوجه الذي أذن له فيه، وهي التجارة، وقد يؤدي ذلك إلى إضعاف تجارته أو تهلك الجارية أو يخسر فيها، وإن كان تجره لسيده لم يجز أن يشتري (¬5) منه، وإن أذن له السيدة لأنه وكيل في ذلك المال، والإذن تحليل وليس هو في ذلك بمنزلة تجره (¬6) لنفسه، وقال مالك في كتاب محمد في العبد في يديه مال لسيده (¬7) فأذن له أن يشتري (¬8) منه جارية لنفسه لصيبها (¬9) لم يصلح ذلك (¬10) إلا أن يهبه ذلك المال قبل أو يسلفه (¬11) إياه (¬12). ¬

_ (¬1) قوله: (له) ساقط من (ر). (¬2) النوادر والزيادات: 4/ 518. (¬3) قوله: (الاسم) يقابله في (ف): (اسم التجارة). (¬4) قوله: (في) ساقط من (ف). (¬5) في (ف): (يتسرى). (¬6) قوله: (تجره) يقابله في (ت): (من تجر). (¬7) في (ف): (السيد). (¬8) في (ف): (يتسرى). (¬9) في (ف): (ليضمها). (¬10) قوله: (ذلك) ساقط من (ف). (¬11) في (ت) و (ر): (أن يسلفه)، وانظر: النوادر والزيادات: 4/ 518، وعزاه لمالك في المختصر. (¬12) في (ف): (أيامًا).

باب في العبد يودع الوديعة فيتعدى فيها وإذا أرهن سيده رهنا بما يتدين به

باب في العبد يودع الوديعة فيتعدى فيها وإذا أرهن (¬1) سيده رهنا بما يتدين به (¬2) واختلف في العبد يتعدى على الوديعة تكون (¬3) عنده ولا مال له هل تكون في ذمته أو في (¬4) رقبته؟ وإذا كانت في ذمته هل لسيده أن يسقطها (¬5)، فقال ابن القاسم: للسيد أن يسقطها من ذمته إن كان محجورًا عليه، وليس ذلك له إذا كان مأذونا له (¬6)، وقال أشهب في مدونته: إن كان العبد (¬7) ممن يستودع (¬8) مثله كالعبد الفاره كانت في ذمته، وإن لم يكن مأذونًا، وإن لم يكن ممن (¬9) يستودع مثله (¬10) فلا شيء عليه رد ذلك السيد أو لم يرد حتى يلي نفسه بالعتق (¬11) قال (¬12): وكذلك إذا كان مأذونًا له وهو وغد تبطل عنه إذا أتلفها يريد ما لم يل (¬13) نفسه. ¬

_ (¬1) في (ر): (رهن). (¬2) قوله: (بما يتدين به) يقابله في (ف): (بما يشتريه منه). (¬3) قوله: (الوديعة تكون) يقابله في (ف): (وديعة). (¬4) قوله: (في) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (لسيده أن يسقطها) يقابله في (ف): (يسقطها السيد). (¬6) انظر المدونة: 4/ 89. (¬7) قوله: (العبد) ساقط من (ف). (¬8) في (ف): (يودع). (¬9) قوله: (لم يكن ممن) يقابله في (ف): (كان ممن لا). (¬10) قوله: (مثله) ساقط من (ر). (¬11) انظر النوادر والزيادات 10/ 448. (¬12) قوله: (قال) ساقط من (ر). (¬13) قوله: (يلي) ساقط من (ر).

وقال يحيى بن عمر: هي جناية في الرقبة (¬1). وقال مالك في العبد يبعث معه البعير فيأتي به منحورًا ويقول (¬2) خفت عليه الموت فنحرته (¬3)، قال: هي جناية في رقبته (¬4)، وقال ابن القاسم في العتبية (¬5) في العبد يأتي القوم فيستعيرهم حليا ويزعم أن أهله بعثوه فيتلف ذلك (¬6) وينكر سيده أن يكون بعثه كانت (¬7) جناية في رقبته (¬8)؛ لأنه خدع القوم، وقال أيضا يكون (¬9) في ذمته. قال الشيخ: وأرى إن كانت الوديعة (¬10) عينًا والعبد مؤسرًا فهي في الذمة (¬11)؛ لأنه قد كان له أن يتسلفها على أحد الأقوال، وإن كان معسرًا أو كانت الوديعة عرضًا حسن الاختلاف هل تكون في الذمة أو في الرقبة وأن تكون (¬12) في الذمة أحسن؛ لأن المالك وضع يده مع إمكان أن يفعل ذلك، وكذلك الذي بعث معه بالبعير، وأما الذي ادعى الرسالة فهو متعد من أول ما وضع يده بإقرار سيده عليه (¬13) أنه تعدى وخدع من سلم ذلك إليه (¬14)، ولو قال: أرسلني فلان لغير سيده فأنكر فلان أن يكون أرسله لم ¬

_ (¬1) قوله: (الرقبة) يقابله في (ف): (رقبته إذا كان مأذونًا له). (¬2) في (ت) و (ر): (وقال). (¬3) قوله: (فنحرته) ساقط من (ف). (¬4) انظر البيان والتحصيل: 8/ 133. (¬5) قوله: (في العتبية) زيادة من (ف). (¬6) قوله: (ذلك) يقابله في (ف): (الحلي). (¬7) قوله: (كانت) يقابله في (ف): (فهي). (¬8) انظر النوادر والزيادات: 10/ 460. (¬9) قوله: (يكون) ساقط من (ر). (¬10) قوله: (وأرى إن كانت الوديعة) يقابله في (ر): (أما الوديعة إن كانت). (¬11) قوله: (فهي في الذمة) يقابله في (ف): (أن يكون في ذمته). (¬12) قوله: (أن تكون) ساقط من (ف). (¬13) قوله: (عليه) ساقط من (ف). (¬14) قوله: (وخدع من سلم ذلك إليه) يقابله في (ف): وإن لم يرسله.

فصل [في مبايعة السيد عبده المأذون له في التجارة]

يكن في رقبته لإمكان أن يكون العبد صادقًا (¬1) وليس كإقرار سيده عليه، ولأن إنكار السيد أنه لم يرسله؛ إقرار منه على نفسه أن عبده جنى وأرى أن يسأل العبد عن الوديعة. فإن قال: هلكت، كان القول قوله مع يمينه (¬2) وبرئ (¬3)، وإن (¬4) قال: خلطتها بمالي وهو مأذون له ضرب بها صاحبها مع الغرماء، وإن لم يكن عليه غرماء وكان يتجر لسيده بدِّي صاحب الوديعة على سيده، وإن قال: أنفقتها أخذ عوضها مما في يديه. وإن علم أنه أنفقها في شيء (¬5) لم يصون به ماله، وكان تجره لسيده لم تؤخذ من ذلك المال، وإن كان تجره لنفسه أخذت من ماله (¬6). فصل [في مبايعة السيد عبده المأذون له في التجارة] وللسيد أن يبايع (¬7) عبده المأذون له في التجارة، فإن فلس ضرب بما داينه به مع الغرماء (¬8) إذا لم يحابه (¬9)، وكان تجره لنفسه (¬10) وإن كان في البيع محاباة ¬

_ (¬1) قوله: (صادقًا) يقابله في (ت): (قد صدق). (¬2) قوله: (كان القول قوله مع يمينه) يقابله في (ف): (حلف). (¬3) في (ت): (ويبرأ). (¬4) قوله: (إن) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (في شيء) يقابله في (ف): فيما. (¬6) قوله: (من ماله) يقابله في (ف): منه. (¬7) في (ت): يباع. (¬8) قوله: (مع الغرماء) ساقط من (ف). (¬9) انظر المدونة: 3/ 250، 4/ 87 و 91. (¬10) في (ف): له.

ضرب بما قابل الصحة، وقيل: لا يضرب بشيء، والأول أحسن. واختلف إذا أخذ منه بذلك الدين (¬1) رهنًا، فقيل: ليس برهن وهو أسوة (¬2) وقيل: يكون جميعه رهنًا بقدر الصحة، وتكون المحاباة كالقضاء لبعض الدين أنه لا يسقط من الرهن بقدره (¬3) فقيل: يكون مفضوضًا (¬4) فيثبت من الرهن (¬5) ما قابل الصحة ويسقط ما قابل المحاباة (¬6) وهو أبين، وإن كان تجر العبد لسيده لم تصح مبايعة السيد له فيه (¬7)؛ لأن كل ذلك مال (¬8) للسيد (¬9) ولم يضرب بما داينه به مع الغرماء. ¬

_ (¬1) قوله: (الدين) ساقط من (ف). (¬2) البيان والتحصيل: 11/ 12. (¬3) قوله: (وتكون المحاباة. . . بقدره) ساقط من (ف). وانظر المدونة: 4/ 91. (¬4) في (ف): مقضوضًا. (¬5) قوله: (من الرهن) زيادة من (ف). (¬6) انظر البيان والتحصيل: 10/ 351. (¬7) قوله: (له فيه) ساقط من (ت)، وفي (ف): (له)، وانظر: النوادر والزيادات: 6/ 361. (¬8) قوله: (مال) ساقط من (ف). (¬9) في (ت): لسيده.

باب في إقرار العبد قبل الحجر وبعده

باب في إقرار العبد قبل الحجر وبعده إقرار العبد المأذون له في التجارة جائز بثلاثة شروط: وهي أن يقر لمن لا يتهم عليه, وقبل أن يحجر عليه سيده, وقبل أن يقوم به (¬1) غرماؤه، فإذا كان ذلك، جاز إقراره في الصحة والمرض، وإن أقر لمن يتهم عليه، لم يجز إقراره (¬2). والتهمة في إقراره على وجهين: فإن كان لا دين عليه روعيت (¬3) التهمة في من كان من ناحيته كالولد والوالد والأخ والصديق والزوجة، ومن (¬4) أشبههم ممن يتهم أن يفر (¬5) من سيده إليه أو يولجه إليه، وإن كان إقراره و (¬6) عليه دين وتبين فلسه روعيت التهمة، فيمن كان من ناحيته حسب ما تقدم وفي (¬7) من كان من (¬8) ناحية سيده فلا يصح إقراره لسيده ولا لمن (¬9) هو من سبب السيد (¬10) كالأب والابن والأخ؛ لأنه يتهم أن يفر (¬11) عن غرمائه ويولجه إلى مثل هؤلاء إلا أن يكون للمقر له (¬12) لطخ، وشبهة (¬13) أنه كان يعامله ويداينه (¬14) فيجوز إقراره ما لم يأتِ بما لا يشبه أن يعامله بمثله. واختلف إذا أقر بعد أن حجر عليه سيده بدين لأجنبي، فأجاز ذلك في ¬

_ (¬1) في (ر): عليه. (¬2) قوله: (إقراره) ساقط من (ف). (¬3) في (ت) و (ر): (رعيت). (¬4) في (ت) و (ر): (وما). (¬5) في (ت) و (ر): (يقر). (¬6) قوله: (إقراره و) ساقط من (ف). (¬7) في (ت) و (ر): (في). (¬8) قوله: (ناحيته حسب. . . كان من) ساقط من (ت). (¬9) قوله: (لمن) ساقط من (ت). (¬10) في (ف): سيده. (¬11) في (ت) و (ر): (يقر). (¬12) قوله: (له) ساقط من (ف). (¬13) قوله: (وشبهة) ساقط من (ف). (¬14) قوله: (ويداينه) ساقط من (ف).

المدونة (¬1)، وقال ابن وهب في كتاب محمد: لا يجوز إقراره (¬2)، وفي كتاب الإقرار الثاني من كتاب محمد أن إقراره بعد الحجر عليه (¬3) جائز (¬4) (¬5)، والأول أحسن لأن السيد قد مكنه من الشراء والبيع والعادة أن الناس لا يشهدون على مثل ذلك، ولا يعلم ما عامل الناس به (¬6) ولا ما داينهم به، ولا ما عقد لهم من بيع ولا ثمن ما اشتراه إلا من قبله فلو رد إقراره ذهبت أموال الناس وإقراره إذا قام الغرماء بفلسه كإقرار الحر فالموضع الذي يصح فيه إقرار الحر يصح فيه إقرار العبد، والموضع الذي يسقط فيه إقرار الحر يسقط فيه إقرار العبد (¬7)، فينظر هل حجر عليه السلطان أو هل ديونه ببينة أو بإقرار حسب ما تقدم في كتاب التفليس (¬8). ¬

_ (¬1) انظر المدونة: 4/ 93. (¬2) النوادر والزيادات: 10/ 49. (¬3) قوله: (عليه) زيادة من (ت). (¬4) قوله: (وفي كتاب الإقرار الثاني من كتاب محمد. . . جائز) ساقط من (ف). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 333. (¬6) قوله: (به) ساقط من (ف). (¬7) قوله: (فالموضع الذي يصح فيه إقرار الحر يصح فيه إقرار العبد، والموضع الذي يسقط فيه إقرار الحر يسقط فيه إقرار العبد) يقابله في (ت): (بالموضع الذي يصح فيه إقرار العبد، والموضع الذي يسقط فيه إقرار العبد)، وفي (ف): (فالموضع الذي يصح فيه إقرار العبد). (¬8) تنبيه: كتاب التفليس سيأتي إن شاء الله بعد كتاب الحجر وهو الكتاب الآتي بإذن الله.

فصل [في إقرار العبد لغير سيده بسلعة بيده]

فصل (¬1) [في إقرار العبد لغير سيده بسلعة بيده] وإذا أقر العبد في سلعة بيده (¬2) أنها لفلان وقال السيد: بل هي (¬3) لي أو لعبدي أو قال: لا أعلم لمن أقر له العبد فيها شيئًا (¬4) فإن كان العبد مأذونًا له كان القول قول العبد (¬5)، وإن كان غير مأذون له (¬6) كان القول قول السيد وسواء ادعاها السيد لنفسه أو لعبده (¬7) أو قال: لا أعلم لك فيها شيئًا، فإن ادعى من أقر له العبد أن السيد (¬8) عالم أنها له حلف السيد أنها له أو لعبده أو أنه لا يعلم له فيها ملكًا (¬9). وأرى إذا قال السيد: لا أعلم له فيها شيئًا وكانت تلك السلعة (¬10) لا تشبه أن تكون من ملك عبده لكثرة ثمنها أو لأنها من صنف لا يشبه كسبه (¬11) أن تكون لمن أقر له العبد. ¬

_ (¬1) قوله: (فصل) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (في سلعة بيده) يقابله في (ر): بسلفة في يديه. (¬3) قوله: (بل هي) يقابله في (ت): (إنها)، وفي (ف): (هي). (¬4) قوله: (شيئًا) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (كان القول قول العبد) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (له) ساقط من (ف). (¬7) في (ف): (لغيره). (¬8) قوله: (أن السيد) يقابله في (ف): (أنه). (¬9) قوله: (له أو لعبده أو أنه لا يعلم له فيها ملكًا) ساقط من (ف). (¬10) زاد في (ت): (مما). (¬11) قوله (كسبه) يقابله في (ر) و (ت): (أن تكون من كسب العبد).

وكذلك إن قال: إنها (¬1) لعبدي وهو مقر أنه لم يعطه ذلك (¬2) ولا يشبه أن يكسبه صدق العبد (¬3)، وأخذ ذلك (¬4) المقر له، ومثل هذا يعلم عند النزول. وقال أبو الحسن ابن القصار (¬5): وفي كتاب محمد: إذا أقر العبد في دنانير قي يديه أنه ملكها وهو في يد البائع من هذا الذي هو في يديه أو قال إنها له لم يقبل قوله، والقول قول من هو في يديه، ولو كانت الدنانير بيد رجل دفعتها إلى العبد (¬6) وهو في ملك البائع، وقال العبد دفعتهما إليه، وأنا في ملك هذا كان القول قول المقر له (¬7) ولا يقبل قول العبد، وإن أقر أنه زنى أو قذف أو سرق قبل إقراره (¬8)، وأخذ بذلك، وإن أقر بما يكون جناية في رقبته لم يجز إلا أن يكون لذلك دليلٌ. قال ابن القاسم: كالذي يأتي متعلقًا به وأصبعه تدمى فيقول: وطئني بدابته، وأقر له الغلام فيقبل إقراره (¬9). واختلف إذا أقر لآدمي بما يكون في نفسه من قتل أو قطع. ¬

_ (¬1) قوله: (وكذلك إن قال: إنها) يقابله في (ت): (ولو قال أيضا ذلك ملك). (¬2) قوله: (وهو مقر أنه لم يعطه ذلك) يقابله في (ت): (أو قال أنا أعطيته ذلك). (¬3) قوله: (أن يكسبه لصدق العبد) يقابله في (ت): (أن يكون من كسب السيد لصدق العبد). (¬4) في (ف): (وأخذها). (¬5) زاد في (ر): (إذا أقر العبد) وهذه الزيادة موجودة في (ت) وبعدها بياض بقدر أربع كلمات. (¬6) في (ت) و (ر): (فقال فيها التي للعبد). (¬7) قوله: (له) زيادة من (ف). (¬8) قوله: (قبل إقراره) يقابله في (ف): (صدق). (¬9) انظر المدونة: 4/ 671.

فقال مالك وابن (¬1) القاسم: يقبل إقراره (¬2)، وقال أشهب في كتاب محمد: إذا أقر بالقتل فإن أتى بأمر يعرف مثل أن يرى يتبعه فذلك لازم له، ويحلف ولي القتيل (¬3) فإن لم يكن إلا قوله فلا يقبل قوله قيل له (¬4): فإن أظهر عليه (¬5)، أو قال قتلته، وها هو ذا مقر قال: لا يقبل قوله إلا أن يكون معه ويرى يتبعه (¬6) ونحو هذا (¬7). ¬

_ (¬1) قوله: (مالك و) زيادة من (ف). (¬2) قو له: (يقبل إقراره) يقا بله في (ف): (يصدق). وانظر: المدونة 4/ 671. (¬3) في (ف): (المقتول). (¬4) قوله: (فلا يقبل قوله قيل له) يقابله في (ف): (لم يصدق)، وفي (ت): (فلا قول له). (¬5) قوله: (أظهر عليه) يقابله في (ف): (طير عينه): وفي (ت): (أظهر عينه). (¬6) قوله: (وها هو ذا مقر قال: لا يقبل قوله إلا أن يكون معه ويرى يتبعه) يقابله في (ف): (وهذا هو لم يصدق إلا أن يرى يتبعه). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 294 و 295.

باب في حجر السيد والغرماء على العبد المأذون له في التجارة وفي عهدة ما يشتريه أو يبيعه

باب في حجر السيد والغرماء على العبد (¬1) المأذون له في التجارة و (¬2) في عهدة ما يشتريه أو يبيعه وللسيد أن يحجر على عبده بعد إذنه له في التجارة (¬3)، وله أن يقوم بفلسه إذا خاف تلف ما في يديه وإن كره ذلك (¬4) غرماؤه ليخلص (¬5) ذمته ولغرمائه أن يفلسوه ويضربوا على يديه ويمنعوه من البيع والشراء في ذلك المال (¬6)، وإن كره سيده فإن اعترف غرماؤه ألا مال له سوى ما عقلوه عليه لم يكن لهم أن يحجروا عليه (¬7) البيع والشراء، وكان من حق سيده (¬8) أن يبقيه على التصرف في التجارة، وإن لم يصدقوه، وأتى السيد بحميل حتى يثبت فقره، كان ذلك له، ويبقى على التجر وإن اتهم أنه غيب أموالهم لم ينظر لقول السيد وكان من حقهم أن يسجن ويضيق عليه حتى يتبين أمره، ويقسبم غرماؤه جميع (¬9) ما في يديه، وإن كانت له أم ولد بيعت لهم دون ولدها إذا (¬10) ولدته بعد الشراء؛ ¬

_ (¬1) قوله: (العبد) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (المأذون له في التجارة و) ساقط من (ف). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 94 و 95. (¬4) قوله: (ذلك) ساقط من (ف). (¬5) في (ف): (ولتخلص). (¬6) قوله: (المال) ساقط من (ف). (¬7) قوله: (يحجروا عليه) يقابله في (ف): (يمنعوه). (¬8) قوله: (وكان من حق سيده) يقابله في (ف): (وللسيد). (¬9) قوله: (جميع) ساقط من (ف). (¬10) في (ف): (وإن).

لأنه (¬1) ملك للسيد وإن كانت حاملًا أخر بيعها حتى تضع فيكون الولد للسيد وتباع بولدها ويفض الثمن ويكون للسيد قيمة ما ينوب الولد (¬2)، وإن كان الذي يربي (¬3) الولد في يديه بشراء أو هبة بيع لغرمائه إلا أن يعلم من الواهب أنه قصد به إياه ليكون عنده فلا يباع لغرمائه فلا يكون لهم عليه سبيل (¬4)، وكذلك جميع ما يوهب للعبد من مال أو ثياب أو غيرها (¬5) فلغرمائه أن يأخذوا ذلك في ديونهم إلا أن يعلم أن (¬6) قصد الواهب بقاء ذلك في يديه ليتسع في ملبس أو مطعم أو ليتجر به لأجل فلسه فيبقى ذلك في يديه حسب ما قصده المعطي (¬7) ولا شيء لغرمائه؛ لأن ذلك تطوع من المعطي فلا يعترض (¬8) فيه بغير ما أعطى عليه الأمة وإن اشترى زوجته وهي حامل فإن أقيم عليه قبل أن تضع بيعت الآن ويختلف إن أقيم عليه بعد أن وضعت قياسًا على من اشترى حاملًا بالخيار فوضعت في أيام الخيار فاختلف هل يكون الولد للبائع أو للمشتري، وأن يكون للمشتري أحسن، ولم يختلف فيمن أعتق ما في بطن أمته ثم باعها ولم يبين فوضعته أن البيع يرد فيه بما ينوبه ويباع معها ما كان لها من ولد لم يبلغ حد التفرقة ويقوم كل واحد بانفراده قبل البيع ليعلم كل واحد ما ¬

_ (¬1) قوله: (لأنه) يقابله في (ف): (إلا أنه). (¬2) قوله: (بولدها ويفض الثمن ويكون للسيد قيمة ما ينوب الولد) زيادة من (ف). (¬3) قوله: (الذي يربي) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (لغرمائه فلا يكون لهم عليه سبيل) يقابله في (ف): (لهم). (¬5) قوله: (أو غيرها) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (يعلم أن) يقابله في (ف): (يكون). (¬7) قوله: (فيبقى ذلك في يديه حسب ما قصده المعطي) ساقط من (ف). (¬8) في (ف): (يتعرض).

فصل [في تحمل المأذون له في التجارة تبعات ما يبيع وما يشتري في ماله أو ذمته]

بيع به ملكه (¬1)، والحجر على العبد على وجهين فإن لم تطل إقامة العبد (¬2) فيما أذن له فيه، ولم يشهد (¬3) أجزأ الحجر من السيد فيذكره عند من يرى أنه يخالطه أو يعامله وعند أهل سوقه، وإن طالت إقامته واشتهرت تجارته والإذن له كان الحجر إلى السلطان يسمع بذلك ويظهر (¬4). ولو حجر عليه السيد، وبالغ في ذلك (¬5) حسبما يفعله السلطان أجزأ فإن لم يفعل و (¬6) لم يبالغ في إعلام ذلك كانت مداينة العبد لازمة له؛ لأن ذلك غرور من السيد. فصل [في تحمل المأذون له في التجارة تبعات ما يبيع وما يشتري في ماله أو ذمته] وإذا أذن السيد لعبده في التجارة، ثم طلب بثمن (¬7) ما اشترى أو أدركته تباعة فيما باع أو اشترى (¬8) بعيب أو استحقاق كانت عهدة ذلك متعلقة بالمال ¬

_ (¬1) قوله: (الأمة وإن اشترى زوجته وهي حامل. . . ليعلم كل واحد ما بيع به ملكه) جاء متقدما (ت) و (ر) بعد قوله: (ويكون للسيد قيمة ما ينوب الولد) المتقدم قبل قليل. (¬2) قوله: (إقامة العبد) يقابله في (ف): (إقامته). (¬3) في (ف): (يشتهر). (¬4) قوله: (طالت إقامته واشتهرت تجارته والإذن له كان الحجر بلى السلطان يسمع بذلك ويظهر) يقابله في (ف): (وإن طال ذلك واشتهر الإذن له كان التحجير للسلطان يشيع ذلك ويظهره). (¬5) قوله: (حجر عليه السيد، وبالغ في ذلك) يقابله في (ف): (بالغ السيد). (¬6) قوله: (لم يفعل و) ساقط من (ف). (¬7) قوله: (بثمن) ساقط من (ت). (¬8) قوله: (أو اشترى) ساقط من (ف).

الذي في يديه وبذمته إن لم يوفِ ما في يديه، ولا يتبع السيد منه بشيء (¬1)، وهذا (¬2) إذا كان تجره لنفسه، وإن كان تجره لسيده جرى على حكم الوكيل (¬3) فإن كان وكيلًا على بيع شيء بعينه أو اشترائه كانت التباعة على السيد في العيب والاستحقاق وفي وزن ثمن (¬4) ما يشتريه إلا أن يكون دفع إليه ثمنًا ليشتري به فضاع من العبد قبل وزنه. فيختلف هل يكون خلفه على سيده ويجري على أحكام القراض فيمن دفع قراضًا لحرٍّ. كمل كتاب المأذون, والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليمًا ¬

_ (¬1) انظر: التفريع: 2/ 269. (¬2) قوله: (وهذا) ساقط من (ف). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 91، التفريع: 2/ 269. (¬4) قوله: (ثمن) ساقط من (ف).

كتاب حريم الآبار

كتاب حريم الآبار النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ق 2) = نسخة القرويين رقم (370) 3 - (ق 6) = نسخة القرويين رقم (368)

باب في حريم الآبار والأنهار والأشجار

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليمًا كتاب حريم الآبار باب في حريم الآبار والأنهار والأشجار قال ابن القاسم: ليس للبئر حريم محدود إلا ما أضر به، قال مالك: فقد تكون أرضًا رخوة وأخرى صلبة، فإنما ذلك على قدر الضرر بالبئر، فإن كان لا يضر بالماء؛ لأنها في أرض صلبة فإنه يمنع إذا كان يضر بالمناخ والمعاطن (¬1). يريد: أن حده بالضرر ليس بالقيس، فمن حق الأول أن يمنع الثاني (¬2) من أن يضر به في باطن الأرض، وظاهرها. وباطنها: ما ينقص الماء ويذهب به، وظاهرها: ما يضر به في مناخ الإبل (¬3) أو مرعى أو مزدرع إن كانت أرض زرع. وحفر الثاني إذا كان يضر بالأول على ثلاثة أوجه: ممنوع وجائز ومختلف فيه، وذلك راجع إلى الأرضين، هل هما مملوكتان أو غير مملوكتين أو إحداهما مملوكة. فإن كانتا غير مملوكتين، فإنما الأولى للماشية. أو كانت الأولى (¬4) مملوكة، منع الثاني من أن يحفر بحيث يضر بالأول. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 468. (¬2) في (ق 6): (الناس). (¬3) قوله: (الإبل) ساقط من (ق 6). (¬4) قوله: (الأولى) ساقط من (ف).

وإن كانتا مملوكتين -وعلم أيهما اختط أولًا- كان الأول أحق، وإن كان آخرهما حفرًا، وسواء انقطع ماء الذي احتفر أولًا أو انتقص؛ لأن من ملك أرضًا ملك باطنها، والذي اختط أولًا (¬1) سبق ملكه لذلك الماء (¬2)، وليس تأخره (¬3) عن الحفر لاستغنائه يقطع حقه فيه الآن إلا أن يحفر الثاني فيتركه الأول وهو عالم بمضرته متى احتاج إليه، فليس له أن يحفر؛ لأنه أسقط حقه فيها، وقد اختلف في هذا الأصل، واختلف إذا لم يعلم أيهما اختط قبل، وقد قال مالك: لمن احتفر أولًا أن يمنع الثاني (¬4). وروى عنه أشهب أنه قال: له أن يمنع إذا كان للثاني مندوحة عن الحفر هناك ولا يمنع إن لم تكن له مندوحة عنه (¬5)، فوجه الأول أن الماء في يد الذي احتفر أولًا، ومحتمل أن يكون هو المختط أو آباؤه، أو من ابتاع منه فلا ينتزع منه بالشك، ووجه القول الآخر أن كل واحد مالك لبطن أرضه، وممكن أن يكون من صارت إليه عنه اختط أولًا، فلا يمنع بالشك، وأرى أن ينظر إلى جريان الماء، فإن كان يأتي من أرض الذي احتفر أولًا ردم على الثاني، وإن كان من أرض الذي احتفر آخرًا إلى أرض صاحبه لم يمنع؛ لأنه يقول: هو مائي كان يصل إليك لاستغنائي عنه، فإذا احتجت إليه كنت أحق به، ولو أحدث بئرًا للنجاسات فأضر بئر جاره ردمت عليه قولًا واحدًا، وليس كالأول، وبلوغ النجاسات إلى أرض جاره كبلوغ ¬

_ (¬1) قوله: (أولا) ساقط من (ف). (¬2) زاد في (ق 6): (أولا). (¬3) في (ق 2): (بأخذه). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 474. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 24. وقوله: (هناك ولا يمنع إن لم تكن له مندوحة عنه) ساقط من (ف).

فصل [في مقدار ما يترك لمن له بئر بجوار موات]

الدخان وغيره في الظاهر. فصل [في مقدار ما يترك لمن له بئر بجوار موات] وأما ظاهر الأرض، فإن كان للأول بئر ماشية، فأراد آخر أن يحفر في موات هناك بئرًا للماشية، كان ذلك له، ويترك للأول ما يحتاجه عطنًا لإبله أو مرابضًا لغنمه، ولا يحفر عند آخر حق الأول؛ لأن إبل الثاني وغنمه إذا وردت الماء انتشرت حول الماء فدخلت في حق الأول، فيجعل بينه وبين آخر حق الأول (¬1) ما إذا وردت إبله أو غنمه لم يصل إلى آخر حق الأول، وإن كانت الأولى بئر زرع فأراد الثاني أن يحيي (¬2) ويحفر بئرًا لزرع ترك للأول ما يرى أن بئره تسقيه إلا أن يرى أن يعجز عن السقي بجميع ذلك الماء فيترك ما لا يعجز عنه، وإن كان الأول أحيى ذلك الموضع، وقطع الغياض ترك له، وإن كان فوق ما يسقيه بئره فقد يحرثه بعلًا (¬3)، وإن استنبط عينًا كان أحق من تلك الأرض بما تسقيه تلك العين إلا أن يكون الماء كثيرًا أو لا يقدر على عمارة ما يسقيه في تلك العين فيزك له ما لا يعجز عنه، وهذا كله أصل قول مالك وابن القاسم (¬4) أن المراعى الضرر من غير قيس (¬5)، وقيل: ذلك محدود بالقيس (¬6)، ¬

_ (¬1) قوله: (فيجعل بينه وبين آخر حق الأول) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (يحيى) ساقط من (ق 6). (¬3) البَعْلُ: هو كلُّ شجر أَو زرع لا يُسْقى، وقيل: هو ما اكتفى بماء السماء. انظر: لسان العرب: 11/ 57. (¬4) قوله: (وابن القاسم) ساقط من (ق 2). (¬5) في (ق 2): (قياس). (¬6) في (ق 2): (القياس).

فقال أبو مصعب: حريم الآبار العادية (¬1) خمسة وعشرون ذراعًا، والتي ابتدأ صاحبها عملها خمسون ذراعًا (¬2)، وبئر الزرع خمسمائة ذراع، وقال ابن نافع في المستخرجة: حريم البئر العادية خمسون ذراعا والتي ابتدأ عملها خمسة وعشرون ذراعا. وقال ابن المسيب: في بئر الزرع ثلاثمائة ذراع من نواحيها كلها، وقال أشهب: سمعت الناس يقولون: حريم البئر خمسمائة ذراع، قال: وكان يقال: الأنهار ألف ذراع (¬3). وقول مالك أحسن، فليس الآبار في كثرة مائها وسقيها سواء، فمن حفر بئرًا أو استنبط عينًا في أرض ليس فيها غياض ولا شعر (¬4) أو لم يعمل أكثر من الحفر ترك له ما يسقيه ذلك الماء أو ما يستطيع عمارته، وإن قطع غياضًا ترك له، وإن كان لا يستطيع حرثه (¬5)، ولا عمارته لأنه ملكه بالإحياء وله بيعه، وإن كان للأول شجر غرسها في موات، ثم أراد آخر أن يحمي ويغرس، ترك للأول حِمَى شجره، قال مالك: ويترك له ما يرى أن فيه مصلحتها ولا يضر بها، قال: ويسأل أهل المعرفة بذلك، وقد قالوا: اثنا عشر ذراعًا من نواحيها إلى عشرة أذرع، ويسألون عن الكرم وعن كل شجرة أهل العلم بذلك، فيكون بقدر ¬

_ (¬1) البئرُ العادِيَّةُ: القَدِيمَةُ التي لا يُعلمُ لها رَبٌّ ولا حافِرٌ. انظر: لسان العرب: 1/ 26. (¬2) قوله: (والتي ابتدأ صاحبها عملها خمسون ذراعًا) ساقط من (ق 2). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 22، 23. وقول المصنف: "وقال أشهب: سمعت الناس يقولون: حريم البئر خمسمائة ذراع، قال: وكان يقال: الأنهار ألف ذراع" إنما هو في النوادر عن ابن شهاب. (¬4) الغَيْضَة: مَغِيضُ ماءٍ يجتمع فيَنْبت فيه الشجر وجمعها غِياضٌ، والشعر: يقال أَرض ذات شَعارٍ أَي ذات شجر. انظر: لسان العرب: 7/ 201، و 4/ 410. (¬5) قوله: (وإن قطع غياضًا ترك له، وإن كان لا يستطيع حرثه) ساقط من (ق 2).

مصلحتها (¬1). وأرى إن قالوا مصلحتها عشرة أذرع لم يغرس الآخر عند آخر العشرة، وإن كانت الثانية من جنس الأولى جعل ما بين الأصلين عشرون ذراعًا؛ لأن الشجرة الثانية تحتاج إلى مثل ما تحتاج الأولى، فإن جعل ما بينهما دون ذلك أضر بالأولى، فتشترك فروعها أو عروقها، فإن فعل قطع ما وصل إلى حد الأولى في باطن الأرض وظاهرها، ولو باع نخلة وشرط حقوقها وفنائها جعل لها على هذا القول عشرة أذرع من جميع نواحيها، وإذا أحيا الأولى للسكنى فأراد الثاني أن يحيي ليسكن فأحب الأول أن يبعد عنه، وقال: يكشفني إن كنت قريبًا كان ذلك له، وقد قضى عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - في ذلك أن ينزل عنه نحو مائة ذراع، قال: حيث لا يتبين أمره ولا يسمع كلام الحي، وإن شكا أنه ضيق عليه في المرعى أبعد عنه، وأرى أن يبعد إذا خاف الكشفة (¬2) أكثر من المائة ذراع، ولا يضيق على النساء في تصرفهن هناك. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 25. (¬2) في (ق 2): (كشفه).

باب في صفة الانتفاع بماء الآبار والمواجل والأنهار وحكم المياه إذا نزلها المسافرون

باب في صفة الانتفاع بماء الآبار والمواجل والأنهار وحكم المياه إذا نزلها المسافرون والآبار ثلاثة: بئر ماشية، وبئر زرع، وبئر شفة (¬1)، وكل هذه الآبار فصاحبها أحق بمائها حتى يروي ماشيته أو زرعه أو ما جعلها له، فإذا صارت إليه كفايته افترق الجواب في الفضلة: فإن كان (¬2) جعل الفضلة صدقة أنفذ فيما جعل فيه. فإن لم يجعله في وجه من الوجوه كان في حبسه عمن احتاج إليه لماشية أو زرع قولان: فقال مرة: له حبسه. وقال في كتاب ابن حبيب: ليس ذلك له، وإن كانت بئر ماشية فيما لا يملك من الأرضين لم يكن له حبس الفضل (¬3). وقال ابن القاسم في المجموعة: هذا إذا جعله للصدقة (¬4). يريد: أن له حبسه إن لم ينو به الصدقة كبئر الزرع؛ لأن حفر تلك البقعة إحياء لها, فإذا لم ينوي الصدقة كانت كغيرها من الأملاك , وإن حفرها في ملكه كان له الفضل إلا أن ينوي به الصدقة، وكذلك بئر الزرع له الفضل إلا أن ينوي به الصدقة، فإن نوى الصدقة ولم يخص به زرعا، ولا ماشية فاحتاج إليه رجلان ¬

_ (¬1) بئر الشفة المراد بها الآبار التي تستعمل للشرب لا التي تستعمل لسقي الأرض. (¬2) قوله: (كان) ساقط من (ق 2). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 469، والنوادر والزيادات: 11/ 7. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 7.

فصل [في صفة ما يحبس فضله من الماء]

أحدهما لماشيته والآخر لزرعه بدئ به أحوجهما إليه، وإن تساويا في الحاجة اقتسماه، وإن جعل الفضل لأهل الماشية بدوابه، فإن فضل عنهم شيء أخذه أهل الزرع، وقال ابن الماجشون في بئر الماشية إن تشاحوا استهموا عليه (¬1). وأرى أن يقسم بينهم، فإن استوت الماشيتان والماء كفاف (¬2) اقتسماه نصفين ويسقي كل واحد منهما نصف ماشيته، وكذلك إن كان زرعًا والفضل كفاية زرع أحدهما، وإن كان كفاية لسقي مائة شاة وماشية أحدهما مائة شاة والآخر مائتان اقتسماه نصفين؛ لأن زيادة المائة في سهم أحدهما لو سلم إليه الماء هالكة على كل حال، وكذلك إذا كان الزرع كفاية أحدهما، ولنصف زرع الآخر اقتسماه نصفين؛ لأنه لو سلم الماء لصاحب الكثير لم يسق إلا النصف، والنصف هالك بكل حال، وإن كان كفاية لمائتي شاة أو لجميع زرع أحدهما ونصف الآخر اقتسماه أثلاثًا. فصل [في صفة ما يحبس فضله من الماء] وكل فضل ماء إذا لم يكن على وجه الصدقة، وكان شأن أهله بيع الماء مثل أهل الجزائر عندنا يتبايعون الماء بالقواديس كان له حبس الفضل أو بيعه إن أحب إلا لمن انهارت بئره، فيقضى له بالثمن. واختلف عن مالك إذا لم تكن عادة ولم يكن حَبْسُهُ (¬3) له للبيع، فجعل مرة الجواب: مثل هذا له حبسه، وقال في كتاب ابن حبيب في بئر بين رجلين: ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 6. (¬2) في (ق 2): (شرب إحداهما). (¬3) في (ق 6): (كسبه).

فصل [في حق المسافرين يردون القرى والحواضر في الماء]

يسقي هذا يومًا وهذا يومًا، فيستغني أحدهما عن السقي في يومه، ويريد الآخر أن يسقى به فيمنعه شريكه، فقال: ليس له ذلك، يمنعه ما ليس ينفعه حبسه، ولا يضره تركه، قال: وهو تفسير الحديث: "لاَ يُمْنَعُ نَقْعُ بِئْرٍ" (¬1). وهذا أحسن؛ لأنه يمنع ما ينتفع به جاره ولا ينفعه إمساكه إلا أن يخشى لفساد الناس أن تطول المدة فيدعي أن ذلك حق له فيمنعه مما يكثر وتطول مدته، ولهذا قال: لا يزرع على الفضل، وإن زرع على بئر نفسه فانهارت قضى له به بغير ثمن؛ لأنه إن أبيح له على الاختيار وطالت المدة خيف أن يدعيه ويستشهد بالحوز، وإذا كان عندما تنهار بئره إلى أن يصلح لم يخف ذلك. فصل [في حق المسافرين يردون القرى والحواضر في الماء] حق المسافرين إذا أتوا قرية أن يشربوا من الآبار والمواجل المحبسة للشفة، ومن بئر الماشية، ويبدّون على الماشية إذا كانوا على ظهر لم ينزلوا؛ لأن الماء يعود بعد سير المسافرين، وإن كانوا نزلوا بُدِّيت الماشية إذا كان يضر بها تبدية المسافرين، وإن كان لا فضل فيه عن الماشية منع المسافرون منه، ولهم أن ¬

_ (¬1) مرسل، أخرجه مالك: 2/ 745، في باب القضاء في المياه، من كتاب الأقضية، برقم: 1428، وعبد الرزاق: 8/ 105، في باب بيع الماء وأجر ضراب الفحل، من كتاب البيوع، برقم: 14493، والبيهقي: 6/ 152، في باب ما جاء في النهي عن منع فضل الماء، من كتاب إحياء الموات، برقم: 11626. قال البيهقي: "هذا هو المحفوظ: مرسل". انظر السنن: 6/ 152. وقال ابن عبد البر: "لا أعلم أحدًا من رواة الموطأ عن مالك أسند عنه هذا الحديث وهو مرسل عند جميعهم فيما علمت". انظر: التمهيد: 13/ 123. وانظر المسألة في النوادر والزيادات: 11/ 10، 11.

فصل [في ما إذا منع أهل الآبار الماء المسافرين]

يشربوا من آبار الزرع إن لم يضروا بالزرع، فإن أضروا به منعوا وصرف المسافرون إلى غيره، فإن خيف عليهم إن صرفوا إلى غيره لم يمنعوا إن كان فيه فضل عن شرب أهل (¬1) الموضع، وإنما يحتاجونه إلى ماشية أو زرع فيكون المسافرون أحق به، فإن نقصت الماشمية والزرع ضمنوا النقص، وإن هلك ضمنوا قيمة ما هلك، وإن كان لا فضل فيه عن شرب أهله، وإن شربه أحد الفريقين خيف على الآخر كان أهل الماء أحق به. فصل [في ما إذا منع أهل الآبار الماء المسافرين] وإن كان فضل وخيف على المسافرين أن يصرفوا إلى غيره كان لهم أن يأخذوه بثمن إن كان شأنهم البيع، وإن كره أصحابه (¬2) وإن لم يكن معهم ثمن، وكان لهم أخذه الآن، واختلف هل يتبعون بالثمن متى أيسروا قياسًا على من وجبت مواساته لأجل فقره، فقد اختلف هل يتبع متى أيسر، وإن كانوا مياسر في بلادهم اتبعوا. واختلف إذا امتنع أهل الماء ولم يقدر على أخذه إلا بالقتال هل يقاتلون؟ (¬3) فأجاز ابن القاسم قتالهم، وكرهه أشهب (¬4)، فإن قاتلوهم على قول ابن القاسم، فقُتل أحدٌ من أهل الماء كان دمه هدرًا، وإن قتل من المسافرين كان فيه ¬

_ (¬1) قوله: (أهل) ساقط من (ق 6). (¬2) قوله: (كره أصحابه) في (ق 2): (كرهوا). (¬3) قوله: (هل يقاتلون؟) ساقط من (ق 2). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 8.

القصاص، إلا أن يكون أهل الماء ممن يجهل ذلك، ويرون أن لهم المنع فيرجع إلى الدية، وإن لم يكن بالمسافرين قوة على قتالهم حتى ماتوا عطاشًا كان فيهم الدية على عواقل أهل الماء، وقال ابن القاسم: والكفارة على كل رجل من أهل الماء عن كل نفس مع الأدب (¬1). ويختلف إذا كانوا عالمين بما بلغ منهم العطش، وعالمين أنه لا يجوز لهم المنع، هل يقتص منهم أو تكون الدية في أموالهم- قياسًا على من شهد على محصن (¬2) بالزنا فَرُجم ثم أقروا بتعمد الزور، فقد اختلف هل يكون فيهم القصاص أو الدية في أموالهم؟ وقال محمد في الطعام مثل قول ابن القاسم: يقاتلون عليه عند الحاجة إليه. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 469. (¬2) قوله: (على محصن) ساقط من (ف).

باب هل يمنع الكلأ أو يباع، ومن دخل أرضه ماء أو حيتان هل يمنعه أو يبيعه

باب هل يمنع الكلأ أو يباع، ومن دخل أرضه ماء أو حيتان هل يمنعه أو يبيعه قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُمْنَعُ الْكَلأُ، وَالنَّاسُ فِيهِ سَوَاءٌ" (¬1)، وقال: "لاَ يُمْنَعُ فَضْلُ المَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلأُ" (¬2)، يريد: أن الإبل والماشية إنما يقام بها على الرعي إذا مكنت من الشرب، فإن منعته رحلوا عن الكلأ، فكان منع الشرب منعًا للكلأ، قال ابن القاسم: وأحسب ذلك في الصحاري، وأما القرى والأرض التي عرفها أهلها فهم أحق به إذا احتاجوا إليه (¬3). والكلأ يختلف في الإباحة والمنع باختلاف أماكنه، وأماكنه ثلاثة: أرض غير مملوكة، ومملوكة مباحة لا حيطان عليها، ومحظر عليها بالحيطان. - فإن كان في أرض غير مملوكة فأتى إليها رجلان معًا كانا فيه شريكين، ¬

_ (¬1) لم أقف على لفظ المؤلف، وفي سنن أبي داود وغيره عن رجل من المهاجرين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: غزوت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثا أسمعه يقول: "المُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ فِي الْكَلَإِ وَالمَاءِ وَالنَّارِ"، صحيح، أخرجه أبو داود: 2/ 300، في باب في منع الماء، من كتاب الإجارة, برقم (3477)، وابن ماجه: 2/ 826 , باب المسلمون شركاء في ثلاث، من كتاب الرهون، برقم (2472)، وأحمد في المسند: 4/ 364، في أحاديث رجال من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم (23132). (¬2) أخرجه البخاري: 2/ 830 في باب من قال إن صاحب الماء أحق بالماء حتى يروى لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يمنع فضل الماء"، في كتاب المساقاة, برقم (2226)، ومسلم: 3/ 1198، في باب تحريم فضل بيع الماء الذي يكون بالفلاة ويحتاج إليه لرعي الكلأ. . . في كتاب المساقاة, برقم (1566)، ومالك: 2/ 744، في باب القضاء في المياه, من كتاب الأقضية، برقم (1427). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 469.

واختلف إذا سبق أحدهما أو حفر بئرًا للماشية هل يكون أحق بذلك الكلإ إذا كان لا فضل فيه عنه، فقال ابن القاسم في المدونة إذا حفر قوم بئرًا لماشيتهم: هم والناس في المرعى سواء (¬1). ولم يجعل لهم حقًا في التبدية (¬2) يمنعون به غيرهم ممن يأتي. وقال أشهب في النوادر: إذا نزل قوم أرضًا فرعوا ما حولهم، فهم أحق به من غيرهم، وقال: ذلك إحياء (¬3)؛ لأنهم رعوا، وينتظرون أن يرعوا (¬4). فرأى لهم السبق حقًا، وقد يحسن هذا إذا انتجعوا (¬5) لأجله، فأما إذا مروا به فنزلوا عليه (¬6) فلا، وإن حفروا لأجله فهو أبين أن يكونوا أحق به، ولا يختلف أنه لا يمنع بذلك الحفر الفضل عن حاجته، وقال المغيرة: من حفر بئرًا حيث الكلأ وحيث يرعى الناس فهو أحق بما يصلح ماشيته، ولا يمنع ما فضل عنه (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 473. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 473. وقوله: (إذا حفر قوم بئرًا لماشيتهم: هم والناس في المرعى سواء. ولم يجعل لهم حقًا في التبدية) ساقط من (ف). (¬3) زاد بعدها في (ق 2): (لهم). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 505. (¬5) الانتجاع: طلب الكلأ ومساقط الغيث. انظر: لسان العرب: 8/ 347. (¬6) قوله: (عليه) زيادة من (ف). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 8.

فصل [فيمن حفر بئرا في أرض مملوكة] -وإن كان في أرض مملوكة كان صاحبها أحق بها في وجهين: أحدهما: أنه يحتاج إليه لإبله أو ماشيته، قال مالك: فإن فضل عنه شيء فليخل بين الناس وبينه (¬1). والثاني: إذا كانت الأ اض مزروعة فعطل زراعتها (¬2) ووقفها للكلإ ليبيعه فإنه أحق به يبيعه، ويصنع به ما شاء، وإن لم يوقفها لذلك ولم تكن له حاجة ولم يكن له هناك سوق ولا من يشتريه، ولا يقدر صاحب الأرض أن يجمعه ليبيعه في موضع يباع فيه لم يمنع هؤلاء من رعيه؛ لأنه إن ترك فسد وصوح فيه، فهو يمنع ما لا ينفعه. واختلف إذا كان يقدر على بيعه على ثلاثة أقوال: فقال مالك: يخل بين الناس وبينه، وجعل الفاضل عن حاجته كغيره مما في الصحاري. وقال أيضًا: لا بأس أن يبيع خصب أرضه ممن يرعاه عامًا إذا بلغ أن يرعى ولا يبيعه عامين، وهذا خلاف قوله الأول. وقال مطرف في كتاب ابن حبيب: إنما ذلك له في مروجه وحماه، وليس في البور والعفاء (¬3)، إلا أن يكون عليه في تخلية المواشي مضرة, مثل أن يكون حول ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 469، والنوادر والزيادات: 11/ 19. (¬2) في (ق 2): (مزدرعاته). (¬3) العفاء: التراب، والعفو: الأرض الغفل التي لم توطأ. انظر: الصحاح، للجوهري: 6/ 2431.

الخصب زرع (¬1). فأخذ أشهب بالقول الأول، وأنكر قول ابن القاسم أن له أن يبيع خصب أرضه، وقال: الكلأ يخرجه الله -عز وجل- عشبًا لعباده، كالماء العذب الذي يخرجه الله تعالى على وجه الأرض، فلا يملك ولا يباع، ويجوز له أن يذب عنه ويحميه عند حاجته إليه، إلا أن يجزه ويحتمله فيبيعه، وأما قائمًا فلا، ولو جاز هذا لجاز للإمام في أرض العنوة أن يبيع كلأها حتى يجعلها كالسواد، وأخذ سحنون بالقول الآخر، وقال له أن يمنع مراعي أرضه وحيتان غديره؛ لأنه في ملكه (¬2). قال الشيخ - رضي الله عنه -: قد جاء الحديث "لَا يُمْنَعُ فَضْلُ المَاءِ" (¬3)، و"لاَ يُمْنَعُ نَقْعُ بِئْرٍ وَفَضْلُ المَاءِ" (¬4)، ونقع البئر مما يملك، فإذا لم يكن له منع؛ لأنَّ منع ذلك يضر بغيره ولا ينفعه لأنه يذهب تحت الأرض، فكذلك الكلأ فيما يملك إذا كان بموضع لا يباع فيه، وإن منع يبس وفسد، ولم يحتجه فيما يستقبل، فإنه يجبر على تسليمه بغير شيء، إلا أن يكون صاحبه يحصده (¬5)، ويحتمله للبيع فيكون أحق به كما قال أشهب، ويفارق فضل الماء لأن هذا قادر على أن يتموله، وفضل الماء يذهب تحت الأرض فلا ينتفع به، وعند ابن مزين: له أن ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 19، 20. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 20، 21. (¬3) سبق تخريجه، ص: 3269. (¬4) أخرجه مالك في الموطأ: 2/ 745، في باب القضاء في المياه، من كتاب الأقضية، برقم (1428)، والبيهقي في سننه: 2/ 152، في باب ما جاء في النهي عن منع فضل الماء، من كتاب إحياء الموات، برقم (11626). (¬5) في (ق 2): (يجذه).

فصل [في منع الطاريء إذا ضاق كلأ القرية عليهم]

يمنع ويبيعه إذا كان قد حظر عليه، وأما الفدادين فلا. - وإذا كان الكلأ في حائط كان له منعه؛ لأن ذلك مما يضره، وقال أشهب في كتاب محمد: يمنع إذا كان في الدخول ضرر (¬1)، ويجوز أن يأخذ فيه حينئذ ثمنًا، ويكون الثمن للضرر الذي يدخل عليه في زرعه. فصل [في منع الطاريء إذا ضاق كلأ القرية عليهم] وإن ضاق الكلأ عن أهل القرية كان لهم أن يمنعوا الطارئ من الرعي لأنهم إن تركوا اضطر أهل الموضع إلى الانتجاع بمواشيهم، وذلك ضرر عليهم، فكان انتجاع الطارئ أولى، وللإمام أن يحمي الكلأ عن بعض أهل الموضع إذا كان كفاية لما أوقفه المسلمون من الإبل والخيل للسبيل، والصدقة، وقد فعل ذلك عمر - رضي الله عنه -، وقال للذي استعمله على الحمى: ضم جناحًا عن الناس واتق دعوة المظلوم، فإن دعوة المظلوم مجابة، وأدخل رب الصُّرَيْمَةِ والغُنَيْمَةِ (¬2)، وإياك ونعم ابن عفان وابن عوف، فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى زرع ونخل، وإن رب الغنيمة والصُّرَيْمَةِ إن تهلك ماشيتهما يأتيني ببنيه فيقول: يا أمير المؤمنين، أفتاركهم أنا لا أبا لك، فالماء والكلأ أيسر علي من الذهب والورق، وأيم الله إنهم ليرون أنا قد ظلمناهم إنها لبلادهم ومياههم، ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 30، وعبارته: "وقال أشهب:. . . ليس لهم أن يدخلوا عليه في حظيره، ولم يكن له قبل الحظر منعهم من غسل ثيابهم في العين إلا أن يكونوا يغسلون ثيابهم في موضع من الحائط يخاف على بعض ما فيه منهم فله منعهم، وإن لم يكن الحائط محظرًا". (¬2) الصريمة: تصغير الصرمة, وهي القطعة من الإبل نحو الثلاثين. والغنيمة: تصغير الغنم، ما بين الأربعين إلى المائة من الشاة. انظر: البدر المنير: 7/ 94.

فصل [في فضل الماء يكون في الأرض المملوكة]

قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام، والذي نفسي بيده، لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله -عز وجل- ما حميت عليهم من بلادهم شبرًا (¬1). وهذا من النظر للعامة على (¬2) الخاصة، فقدم الفقراء على الأغنياء لتغليب أحد الضررين، وهذا فيما يكون من (¬3) الكلإ من عفا (¬4) القرية وموات الأرض، وما يجوز أن يحيى، وأما ما كان في أرض مملوكة فصاحبها المُبَدَّى، وإن كان لا فضل فيه لم يدخل عليه فيه أحد، وكذلك ما قرب من العمران وكان غير مملوك. فصل [في فضل الماء يكون في الأرض المملوكة] وأما الماء يكون في الأرض المملوكة فهو عند أشهب كالكلإ لا يمنع فضله (¬5)، والماء في الأرض المملوكة على ثلاثة أوجه: أحدها: أن يجتمع فيها منها ولم يدخل إليها من غيرها. والثاني: أن يصير إليها من غيرها، ولم يرده صاحبه إليها. ¬

_ (¬1) أخرجه الشافعي في مسنده: 1/ 381، ومن كتاب الطعام والشراب وعمارة الأرضين مما لم يسمع الربيع من الشافعي، برقم (1753)، وعبد الرزاق في مصنفه: 11/ 8 , في باب الحمى، من كتاب الجامع للإمام معمر بن راشد الأزدي رواية الإمام عبد الرزاق الصنعاني، برقم (19751)، والبزار في مصنفه، برقم (272). (¬2) في (ق 6): (عن). (¬3) في (ق 2): (في). (¬4) عَفا النَّبتُ والشَّعَرُ وغيرُه يَعْفُو فهو عافٍ: كثُرَ وطالَ. انظر: لسان العرب: 15/ 72. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 20، 21.

والثالث: أن يرده إليها. فإن اجتمع فيها ماء كان صاحبه أحق بما تحتاجه أرضه، وإن كان أكثر من الكعبين، وإن فضل عنها وكانت له أرض أخرى كان له أن يجريه إليها، ولا مقال لمن أرضه أسفل منه، فإن لم يكن له أرض أخرى كان لمن أسفل منه بغير ثمن بخلاف الكلإ؛ لأن هذا إن أمسك فضل الماء أفسد ما فيها من الزرع، وإن لم يكن له زرع فهو يرسله إذا أراد الزرع، فلم يكن له أن يأخذ فيه (¬1) ثمنًا، وجعل ابن سحنون الجواب في السيل يدخل أرض رجل مثل ذلك إذا كان يصل من أرض قوم آخرين، فقال: السيول إذا كانت من ماء المطر تأتي من الأرض المملوكة، فلكل واحد أن يمسك ماءه ويحبسه في أرضه، وإن كثر، ولا يرسله إلى من تحته، ولا حجة لمن تحته إلا أن يتطوع، فمان أرسله كان للمرسل إليه أن يحبسه، ولا يخلِّي لمن تحته شيئًا، وجعل المعنى في مَهْزُور ومُذَينيب (¬2) أن يكون يجري بين البساتين فيردوه إلى حوائطهم، بخلاف أن يدخل إليهم من غير رد، فقال في جنانين في زقاق من أزقة المدينة أحدهما أعلى والآخر أسفل، فيأتي المطر إن الأعلى أصلى حتى يصير الماء إلى الكعبين، ثم يرسله لمن تحته، وإن تقابلا اقتسما الماء، وإن كان بعض الأسفل مقابلًا لبعض الأعلى كان للأعلى فيما يخرج عن الأسفل إلى الكعبين، ثم يقتسمان الباقي، وإن كان بعض الأَجِنَّةِ (¬3) ¬

_ (¬1) في (ق 2): (فيها). (¬2) قال القاضي عياض: "مهزور: بفتح الميم وسكون الهاء وزاي مضمومة وآخره راء، ومذينيب: بضم الميم وفتح الذال المعجمة وبنون بين يائين باثنتين تحتها وآخره باء بواحدة، هما واديا المدينة التي عليهما سقي أموالها، قال أبو عبيد: مهزور هو وادي بني قريظة. انظر: مشارق الأنوار: 1/ 395. (¬3) الأَجِنَّةُ: يعني الأَمْواهَ المُنْدَفِنةَ. انظر: لسان العرب: 13/ 92.

أقدم من بعض كان أحق به (¬1). يريد: وإن كان أسفل فإنه يُبَدَّى حتى يروي حائطه، وليس يقتصر على الكعبين إذا غرس عليه، أو أحيا، وإلا لم يكن أحق بالتبدية وفي المجموعة: قوم لهم مرج وللمرج واد فإذا أتت السيول سقى مرجهم وانصرف الوادي من مرجهم فليس لهم أن يسدوا مصرفه عن مرج الآخرين، وانصرف عنهم قبل أن يدخل أرضهم، فإن دخل إليهم قبل كانوا أحق به، ثم يرسلون الفضل، وإلا لم يصرف عن قوم ماء صرفه الله -عز وجل- إليهم، ولا ينقلوه عن مكان بعيد فيصرفوه إليهم دون من هو أقرب إليه منهم (¬2). والأصل في الحكم للأول أن يمسك إلى الكعبين حديث الزبير: اختصم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في شراج الحرة التي يسقون بها النخل، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اسْقِ حَتَّى يَبْلُغَ المَاءُ إِلَى الجَدْرِ" (¬3) وكان ذلك إلى الكعبين، أخرجه البخاري ومسلم. واختلف إذا صار عنده ذلك القدر هل يمسكه ويرسل الباقي أو لا يمسكه وشرحه، ولا يكون له إلا ما بقي بعد التسريح، فقال ابن كنانة: يمسك في النخل والشجر إلى الكعبين وفي الزرع إلى شراك النعلين (¬4)، وقال مالك في شرح ابن مزين: يمسك الأول إلى الكعبين حتى يروي حائطه ويستغني عنه. وقال الطبري: الأرض تختلف، فيمسك لكل أرض بقدر ما ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 27. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 28. (¬3) متفق عليه: 2/ 832 في باب شرب الأعلى قبل الأسفل، من كتاب المساقاة- الشرب، برقم (2232)، ومسلم: 4/ 1829، في باب وجوب اتباعه - صلى الله عليه وسلم -، من كتاب الفضائل، برقم (2357). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 26.

يكفيها، ورأى أن الجواب للزبير قضية في عين، وأن تلك الأرض كان يكفيها ذلك القدر، وهذا هو الفقه، أن يكون لكل أرض ما يكفيها إلا أن يقال إن في كونها على حكم واحد رفعًا للتنازع؛ لأن كل واحد يقول: كفاية أرضي كذا، أو يقول الآخر خلافه، كالحكم في المصراة، بصاع مع اختلاف لبن بعضها على بعض لدفع التنازع وقد اختلف في المصراة وإذا أمسك الأول إلى الكعبين ثم أرسل إلى من تحته فأمسك مثل الأول ثم فضل عنه عاد المقال إلى الأول، إلا أنه لا يقدر أن يرد شيئًا من ذلك الفضل إلى الأول، فإن أتى ما أخر أمسك الأول منه بقدر حبس الآخر، فإن فضل عنه شيء بعد ذلك حبس منه إلى الكعبين ثم أرسل إلى من تحته. فصل [في السمك يكون في الأرض المملوكة وما يحق لأهلها] واختلف في الحيتان تكون في الأرض المملوكة، فقال مالك: لا أحب لأهلها أن يمنعوها ممن يصيد فيها ممن ليس له فيها حق، وقال سحنون: لهم منع الصيد فيها، وقال مطرف وابن الماجشون: ما كان ملكًا لأهله وفي حوزهم وحقهم منعوه، وما كان في الأنهار والخُلْجِ التي لا تملك فليس لمن له بها سكنى أن يمنع من طرأ، وقال أشهب في مدونته: ليس له أن يمنع من صيد (¬1) حيتان أرضه إلا أن يكون هو الذي طرحه هناك أو يكون عليهم في صيدهم مضرة، ويفسدوا غير ذلك فيمنعوا (¬2). ¬

_ (¬1) في (ق 6): (يصد). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 20، 21.

وأرى الأرض المملوكة على ثلاثة أوجه: فإن كان صاحب الأرض طرحهم فيها كان أحق به. وكذلك إن لم يطرحه وكان في مزدرعاته فوقفها لذلك ومنع نفسه من زراعتها. وإن كان في عفاء أرضه أو في مزدرع ولم يأت إبان الزراعة ولو أتى السيل الماء عنها كان كالكلإ والماء، وإمساكه ها هنا أشبه من الكلإ ومن فضل ماء البئر؛ لأن الكلأ يهلك وفضل ماء البئر يذهب تحت الأرض، فلا يمنع ما ينفع غيره، وإن تركه هلك أو ذهب، والحوت يبقى وينمو ويتوالد، فكان له منعه وبه آخذ.

باب فيمن كان له نهر في أرض غيره فأراد أن يحوله في غير تلك الأرض أو أراد صاحب الأرض أن يحوله وهل يحدث مجرى في غير أرضه؟

باب فيمن كان له نهر في أرض غيره فأراد أن يحوله في غير تلك الأرض أو أراد صاحب الأرض أن يحوله وهل يحدث مجرى في غير أرضه؟ واختلف فيمن له ساقية في حائط غيره، فأراد أن يحولها إلى موضع هو أقرب وأنفع (¬1) له من غير مضرة على صاحب الأرض (¬2) أو أراد صاحب الحائط أن يحولها إلى موضع لا ضرر فيه على صاحب الساقية، أو أراد رجل أن يحدث ساقية في حائط غيره ولم يكن له فيه مجرى، فقال مالك: يمنع من جميع ذلك، ولا يغير هذه عن موضعها، ولا يحدث الآخر مجرى في موضع لم يكن له (¬3). وروي عنه أنه أجاز أن يُحدِثَ ذلك، إذا لم يضر بمن يحدث عليهم، وأجاز لمن له ساقية أن يحولها إذا لم يضر بصاحبها (¬4). ويجوز على هذا لصاحب الحائط أن يحول الساقية إذا لم يضر بصاحبها (¬5)، والقياس فيهما سواء؛ لأن هذا ينقل ساقية إلى موضع لم يكن له فيها حق، ¬

_ (¬1) في (ق 6): (وأنبع). (¬2) في (ق 6): (الحائط). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 471. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 54، وعبارته: "قال مالك في رواية زياد: إنه إن لم يضر به فليقض بمروره في أرضه وإن أضر به فليمنع من ذلك. . . قال ابن نافع: وهذا فيما يُراد تحويله فأما ما يُبتدأ عمله فليس له ذلك". (¬5) قوله: (ويجوز على هذا لصاحب الحائط أن يحول الساقية إذا لم يضر بصاحبها) ساقط من (ق 6) و (ف).

ويعطيه عوض موضعها بغير رضاه، وصاحب الأرض ينقلها إلى موضع من أرضه، ويأخذ موضع السقاية بغير رضاه، وأجاز في كتاب ابن مزين تحويل الساقية، ومنع إحداثها خوفًا أن يطول الأمر فيدعي في ذلك صاحب (¬1) الحائط بدعوى، فقال في مدونة أشهب: كان يقال: يستحدث للناس أقضية بقدر ما يحدثون من الفجور، قال: وقد أحدثها من يوثق به، فلو كان الزمان معتدلًا في زماننا كاعتداله في زمان عمر - رضي الله عنه -، رأيت أن يقضى له بإجراء مائه في أرضك؛ لأنك تشرب به أولًا وآخرًا، ولا يضرك ولكن فسد الناس، واستحقوا التهم، ويخاف إن طال الزمان، وينسى (¬2) ما كان عليه جري هذا الماء أن يدعي في الأرض (¬3). انتهى قوله، فرأى أن القياس أن يجريه مثل ما قضى به عمر - رضي الله عنه -، وإذا تقدم له مجرى في ذلك الحائط كان الذي يخشى قبل تحويلها وبعد سواء، بخلاف إحداثه، وقال أشهب في مدونته في رجل له بئر وأرض، وبينهما أرض لآخر، فأراد أن يجري ماؤه إلى أرضه على أرض جاره، فقال: إن كان أرض جاره أحييت بعد أن أحييت الأرض والعين كان ذلك له، وإن أحييت أرض جاره قبل العين أو (¬4) قبل الأرض لم يكن ذلك له. ¬

_ (¬1) قوله: (صاحب) ساقط من (ق 6). (¬2) في (ق 6): (ويبس). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 54. (¬4) في (ق 6): (و).

باب في إصلاح مجاري ماء البساتين وغيرها، وهل يجبر من أبى الإصلاح، وإذا أصلح أحدهم هل يكون له الماء الذي يزيد على الإصلاح؟

باب في إصلاح مجاري ماء البساتين وغيرها، وهل يجبر من أبى الإصلاح، وإذا أصلح أحدهم هل يكون له الماء الذي يزيد على الإصلاح؟ فساد المجاري على ثلاثة أوجه: فالأول: ما يكون من أول العين إلى أول مغلق. والثاني: ما يكون بين (¬1) البساتين. والثالث: ما يكون بعد خروجها عن جميعها، وهو: مُصَالَةُ المياه (¬2). فأما ما يكون من أول العين إلى أول مغلق، فعلى جميعهم، قال ابن القاسم: على العدد، وقال أصبغ: على قدر الأنصباء (¬3). وإن كان السد من أول مغلق إلى الثاني فعلى الأول لأن ذلك من سببه، ومما يحدث عند الفتح والغلق، فيذهب التراب حينئذ مع الماء لمن تحته. واختلف إذا تمادى السد إلى آخرها فقيل: يغرم الأول مع جميعهم، وكذلك الثاني والثالث، كل واحد يغرم مع من بعده إلى آخرهم، وذهب يحيى ابن عمر إلى أن يغرم كل واحد منهم (¬4) ما يكون منه إلى ما يليه خاصة، ولا ¬

_ (¬1) في (ق 2): (من). (¬2) مُصَالَةُ المياه: ما سال من الماء، والمَصْل والمُصالة ما سال من الأَقِط إِذا طُبخ ثم عصر. . . . ومَصْلُ الأَقِط عملُه وهو أَن تجعله في وِعاء خُوصٍ أَو غيره حتى يقطُر ماؤه والذي يَسِيل منه المُصالةُ والمُصالةُ ما قطر من الحُبِّ. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 16. (¬4) قوله: (منهم) ساقط من (ق 2).

فصل

يشركه أحد ممن قبله، وإن كان السد في المصالة، وما هو خارج عن جميع البساتين كان على جميعهم (¬1). فإن كان ما حدث بين البساتين متى نزل من العين كان زواله على من هو عنده إلى من بعده، ولا شيء على من قبله إذا لم يكن عنده سد. وأرى إذا كان السد من سببهم أن تفض النفقة على قدر ما يرى لكل واحد فيه؛ لأن ما يحدث عند الفتح والغلق له قدر يعرف عند جميعهم، وإذا كان أحدهم كثير المصالة، كل يوم يصيب أو يومًا بعد يوم، والآخر يومًا بعد خمسة أيام- فض على عدد ذلك الفتح والغلق. وكذلك إذا كان السد خارجًا من البستان حتى منع نفوذ ما يأتي كان على جميعهم على مثل ما تقدم؛ لأن ذلك حدث عنها، إلا أن يكون السد من غير سبب المصالة، فيصح أن يقال على عدد البساتين. وكذلك ما يكون من أول العين إلى أول مغلق، وقول ابن القاسم أنه على العدد أشبه. فصل وقال مالك (¬2) في بئر بين أشراك قلَّ ماؤها، فأبى بعضهم من الإصلاح، قال: إن كان في الماء ما يكفيهم أمر الذين أرادوا الإصلاح بالكنس وكان لهم ما زاد، وكذلك إن كان لأحدهم نخل يسيرة وفي نصيبه ما يكفيه ولا يكفي الآخر فيصلح من لا يكفيه، ويكون أحق بالفضل إلا أن يعطيه الآخر ما أنفق، ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 18. (¬2) في (ف): (ابن القاسم).

فإن كانت بئر ماشية، كان الشريك والأجنبيون في ذلك الفضل سواء (¬1). وقد اختلف في هذين الموضعين، هل يجبر من أبى الإصلاح؟ والثاني: إذا أصلح أحدهم هل يكون أحق بجملة الماء؟ فقال مالك وابن القاسم: لا يجبر (¬2)، وقال أشهب في مدونته: إن كانت النفقة يسيرة جبر، وإن كان في مائهم ماء يكفيهم ولم يخف على الباقي الذهاب إن ترك الكنس لم يجبر (¬3)، فعلى قوله: إذا لم يكن في الماء ما يكفيهم أو خيف ذهاب الباقي إن لم يصلح أجبر، وإن كثرت النفقة، وقال أبو مصعب: إن كان له نخل أو كرم أو أشجار على عين، فانقطع ماؤها فلم يصل إليه من الماء ما يجري لعامر، أجبره السلطان على العمل مع شركائه. والمسألة في العتبية على أربعة أوجه: فإما أن يكون الماء على نخل مثمر أو زرع وهم فيه شركاء لا يستطيعون قسمته، أو يستطاع، أو لا شركة بينهم، أو لا حياة عليه لا نخل ولا غيره. فإن كان عليه نخل مثمر أو زرع هم فيه شركاء، فهذا لا يستطاع قسمته، وإن ترك هلك، فيجبر على أن يصلح مع شركائه أو يبيع نصيبه من الماء والنخل والزرع، ممن يصلح أو يبيع بعض نصيبه ممن يصلح إن كان لا يستطاع القسمة. وإن كان النخل لا شيء فيه، أو لا شركة بينهما، ولكل واحد نخل أو زرع بانفراده كان فيها قولان: ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 471، 472. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 12، 13. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 17.

فقال ابن القاسم: لا يجبر من أبى ويقال للآخر: اعمل ولك الماء كله إلا أن يأتي شريكه بما ينوبه من النفقة، قال: بمنزلة الدار بين الشريكين تنهدم. وقال المخزومي وابن نافع: يجبر على العمل بمنزلة العلو والسفل ينهدم، وإن كان لا حياة عليه لم يجبر (¬1). وقول ابن القاسم أحسن، وليس كالعلو والسفل؛ لأن لصاحب العلو على صاحب (¬2) السفل حمل العلو، فكان له جبره على إعادة السفل لهذا الوجه، وهذان لا حق لأحدهما على الآخر. وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب في رجلين بينهما دار أو رحى أو حانوت حبسًا فخرب، فأراد أحدهما العمل وأبى الآخر: لم يؤمر الذي أبى العمل بالبيع، وقيل للآخر اعمل، واستقل وحدك، فإن أعطى الشريك ما أنفق كان شريكًا معه، ويجعل معه في النفقة أمين، وسَوَّى بين الدار وغيرها (¬3). وقال ابن القاسم في الرحى: الغلة كلها للعامل حتى يستوفي ما أنفق، وقال عيسى: الغلة كلها للعامل، وعليه كراء نصيب صاحبه من القاعة والأنقاض، وقال ابن دينار: للعامل من الغلة بقدر ما أنفق، وبقدر ما كان له فيها قبل أن ينفق، وللذي لم يعمل بقدر ماله من القاعة، وما بقي له من الحجارة وغيرها (¬4)، وهذا أقيسها أن يكونا كالشريكين، ومحمل قول مالك: للعامل ما أنفق. على أنه لا تغابن فيه، ولم يتغير سوقه، ولا تغير في نفسه، فإن ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 10/ 242. (¬2) قوله: (صاحب) ساقط من (ق 2). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 87. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 85 والبيان والتحصيل: 10/ 271.

فصل [في إصلاح القنوات وكنسها وما يلزم من ذلك]

كان فيه غبن أو حال سوقه بغلاء أو رخص أو تغير في نفسه كانت القيمة يوم يقوم عليه (¬1) شريكه. فصل [في إصلاح القنوات وكنسها وما يلزم من ذلك] اختلف في كنس قنوات الديار، فقال سحنون: يكنس الأول حتى يبلغ الثاني، ثم الأول والثاني حتى يبلغ الثالث، ثم الأول والثاني والثالث حتى يبلغ الرابم هكذا حتى يبلغ الآخر؛ لأن الأول ينتفع بها وماؤه يسلكها، وقال يحيى بن عمر في قوم لهم قناة يجري ماء كل قناة على جاره حتى يصل ماؤهم إلى الأم فانسدت قناة أحدهم، فكنس الأول فلم يجر ماؤها في قناة جاره, فقال له اكنس قناتك حتى يجري مائي، وكذلك من بعده ممن يليه, قال: يجبر من انسدت قناته على كنسها حتى يجري (¬2) ماء جاره هكذا يلزمهم حتى يخرج ماؤهم إلى الأم التي تخرج إلى الخندق، فإن كنسها على جميعهم ثم ينظر، فإن كان إنما يجري إليها ماء المطر فالكنس على عدد الديار، وإن كانت بالأثفال فالغرم على كثرة العيال (¬3)، فلم يجعل بينهم شركة فيما كان قبل أن يخرج إلى الأم، وليس بالبين لأن ما يجتمع من ذلك بمنزلة ما يكون من الأنهار بين البساتين؛ لأن ما يكون من أول دار في الدرب أو الرائغة (¬4) أقل مما يكون من الثانية إلى (¬5) الثالثة، فكلما تمادى كثر (¬6)، فالثاني يقول للأول: لولا ما يصل من دارك لم يكن عندي إلا مثل ما عندك، والثالث يقول: لولا ما يصل من دارك لم يكن عندي إلا مثل ما عند الأول، ولهذا كان ¬

_ (¬1) في (ق 2): (على). (¬2) في (ق 2): (يمر). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 18، 19. (¬4) الرائغة: طريق يعدل ويميل عن الطريق الأعظم. انظر: لسان العرب: 8/ 430. (¬5) في (ق 2): (أو). (¬6) يبدأ من هنا سقط في (ق 2).

ما يخرج إلى الشوارع أمهات واسعة، ويلزم على ما قال يحيى أن يقال هو ليس على أصحاب الدرب والروائغ أن يؤدوا مع أصحاب الشوارع، وهذا ظلم لأن كل واحد يقول لولا ما يصل من دار جاري لم يكن من داري إلى من تحته إلا مثل ما يكون من أول دار في الدرب، إلا أني لا أقول إن على كل واحد (¬1) أن يؤدي مع كل واحد حتى يصل إلى آخر المدينة بالسواء؛ لأنه لا يدري ما وقف عنده ولا قدر ما أضر به، وأن يجري الأمر على ما اصطلحوا عليه، وتحالوا فيه، وإن كان سفل لرجل وعلوه لآخر وتجتمع الأثفال في بئر السفل، فإن كانت البئر شركة كنس على عدد الجماجم. واختلف إذا كانت ملكًا لصاحب السفل، فقال ابن القاسم وأشهب: ذلك على صاحب السفل، وقال ابن وهب: على أعداد الجماجم (¬2). وهو أحسن، وإصلاح ما فسد من رقبة البئر على صاحب السفل إذا كان لا شركة فيها لصاحب العلو، وإن كان بئر للطهر وهو شركة بينهما كان إصلاحه أو بناؤه إن انهدم عليهما، وإن كانت الرقبة لصاحب السفل كان إصلاحها عليه، وكنس كل ما اجتمع فيه مما ينكسر من الذي يستأنى به عليهما (¬3)، فإن كان الكنس لقلة الماء ونقصه مما يجره المياه من الرحل كان على صاحب السفل وهو صاحب البئر، فإن امتنع وتعطل أصلح العلو وكان أحق بمائه، إلا أن يعطيه الآخر ما أنفق. ¬

_ (¬1) في هامش (ق 6): [الظاهر: (على الأول)]. وهو الموافق لما في نسخة (ف). (¬2) الجمجمة: قدح من خشب والجمع الجماجم. انظر: لسان العرب: 12/ 104. وانظر تفصيل الأقوال في النوادر والزيادات: 11/ 107. (¬3) قوله: (وإن كانت الرقبة لها. . . يستأنى به عليهما) زيادة من (ف).

باب فيمن أرسل في أرضه ماء أو نارا فأهلكت زرع غيره أو أهلكت ناسا

باب فيمن أرسل في أرضه ماءً أو نارًا فأهلكت زرع غيره أو أهلكت ناسًا وقال ابن القاسم فيمن أرسل في أرضه نارًا فأحرقت ما في أرض جاره، فإن كانت النار بعيدة أو حملها الريح فلا شيء عليه، وإن كانت قريبة ولا تسلم أرض جاره فهو ضامن، قال: وكذلك الماء، وإن أحرقت ناسًا في تلك الأرض كانت ديتهم على عاقلته، ووافقه أشهب في النار وخالفه في الماء، وقال: إن كان الماء يسير بالرد، فأغفل بتسريحه فهو ضامن، وإن كان خدمته الذين تولوا ذلك كان الضمان عليهم، وإن سرحه على احتياط، وفي تسريحه بالجسور فتحامل النار على تلك الجسور من غير خوف من المرسل، ولا في عمل الجسور فلا شيء عليه، وإن كانت أرض جاره مجسرة فتحامل الماء بريح أو بزيادة زادها الله -عز وجل- فيها فلا شيء عليه (¬1)، وأرى أن يعتبر في البئر مثل ذلك، فإن لم يكن في وقت إرسالها ريح فحدثت أو كانت فتغيرت إلى الناحية التي أحرقت فلا شيء عليه، وإن كانت الريح إلى تلك الأرض ضمن؛ لأن الشأن في الريح أنها تحمل النار، وإن بعدت إلا أن تكون بعيدة جدًا، وقوله: الدية فيمن مات، فإن ذلك في الموضع الذي يكون فيه الحكم غرم ما أفسد من تلك الأرض، وإن كان الحكم ألا غرم في الزرع لم يغرم ما هلك من الناس. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 356.

باب في إحياء موات الأرض وصفة الإحياء, ومن يصح ذلك منه

باب في إحياء موات الأرض وصفة الإحياء, ومن يصح ذلك منه الأصل في إحياء موات الأرض قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَعْمَرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لأَحَدٍ فَهْوَ أَحَقُّ بِهَا" أخرجه البخاري (¬1)، وقوله: "مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ"، وهذا حديث حسن السند ذكره النسائي والترمذي (¬2). والإحياء على ثلاثة أوجه: جائز، وممنوع، ومختلف فيه. وذلك راجع إلى حال تلك الأرض وهي ثلاثة: بعيدة من العمران، وقريبة، وما كان بين الديار. فما كان بعيدًا كان له أن يحييه بغير إذن الإمام، واستحسن مطرف وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب أن يكون بقطيعة من السلطان (¬3)، فإن لم يفعل مضى له. والأول أحسن؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أباح ذلك من غير قطع ولا مطالعة، فقال: "مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ" (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري: 2/ 823، في باب من أحيا أرضا مواتا، من كتاب المزارعة، برقم (2210). (¬2) سبق تخريجه في كتاب الغصب، وهو في البخاري، والموطأ، والذي عزاله المؤلف هنا أخرجه الترمذي في سننه: 3/ 662، في باب ما ذكر في إحياء أرض الموات، من كتاب الأحكام، برقم (1378)، والنسائي في الكبري: 3/ 405، في باب من أحيا أرضا ميتة ليست لأحد، من كتاب إحياء الموات، برقم (5761). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 491. (¬4) أخرجه البخاري معلقا: 2/ 822، في باب من أحيا أرضا مواتا، كتاب المزارعة، ومالك في الموطأ: 2/ 743، في باب القضاء في عمارة الموات، من كتاب الأقضية، برقم (1424).

واختلف فيما قرب من العمران إذا فعل من غير إقطاع الإمام، فقال أشهب: إن فعل مضى، وأحب إليَّ ألا يفعل إلا بإذن السلطان، وقاله أصبغ (¬1)، وقال مطرف وابن الماجشون: الإمام بالخيار بين أربعة أوجه: إن رأى أن يقره له، أو يقره للمسلمين ويعطيه قيمته منقوضًا، أو يأمره بقلعه، أو يقطعه غيره، ويكون للأول قيمته منقوضًا (¬2). والبعيد ما كان خارجًا عما يحتاجه أهل ذلك العمران من محتطب، ومرعى مما العادة أن الرعاة يبلغونه، ثم يبيتون في منازلهم، ويحتطب المحتطب، ويعود إلى موضعه وما كان من الإحياء في المحتطب والمرعى فهو القريب من العمران -أي: من الديار- فيمنع. وأرى إذا نزل أن ينظر في ذلك إن كان في بقائه ضرر؛ لأنه ضيق المرعى والمسكن لما كان يسكن بأهله وماشيته، وفي كونه هناك ضرر وفساد لما يعلم من شره وحاله، أو لأنه في غنًى عنه وغير فقير أخرج الأول، وإن كان فقيرًا لا يخشى ناحيته ولا يضيق على الناس- كان الإحياء للرعي لا للسكنى فأحيا الشيء اليسير لم ينزع منه، ولو قيل: إذا خرج أن له القيمة قائمًا، لكان وجهًا؛ لأنه بنى بشبهة، ولقول أشهب: إنه ماض، ولا ينتزع، وقال سحنون في المجموعة: سواء كانت أرض صلح أو عنوة أو أسلم عليها (¬3). يريد: أنه ينظر في القرب والبعد، وهذا صحيح؛ لأن العافي (¬4) والبعيد ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 15/ 501. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 500. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 15/ 501. (¬4) ينتهي هنا السقط في (ق 2).

فصل [في ما يعتبر في الإحياء ويكون به]

خارج عما ينعقد الصلح به (¬1) أو سلم عليه (¬2)؛ لأنه لم يكن فيه قبل ذلك منتفع، ولا حِمًى ولا ذب. واختلف في إحياء أهل الذمة فقال ابن القاسم: ما أحيوا من موات أرض الإسلام فهي لهم، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ" (¬3)، إلا أن يكون في جزيرة العرب، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَبْقَيَنَّ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ" (¬4)، قال مالك: وجزيرة العرب الحجاز والمدينة ومكة واليمن، قال مطرف وابن الماجشون: فإن فعل أعطي عمارته وأخرج، وإن أعمر في غير ذلك في بعد من العمران فهو له، فأما ما قرب من العمران فيخرج ويعطى قيمته منقوضًا؛ لأنه ليس للإمام أن يقطعه إياه (¬5). وقال أبو الحسن ابن القصار: لا يجوز للإمام أن يأذن لأهل الذمة في إحياء الموات. ولم يفرق بين قريب ولا بعيد. فصل [في ما يعتبر في الإحياء ويكون به] والإحياء: الغرس، والبناء -وهو أعلاها-، وقطع الغياض، وتسييل الماء عنها، وإجراء العيون، والحرث، وحفر الأرض، وتعديلها. وحفر الآبار على وجوه: فإن حفر في أرض ذات غياض، ليقطع من الغيضة ما يسقى بتلك البئر، كان ذلك له، وهو كالإحياء للغيضة، ويكون ¬

_ (¬1) قوله: (به) ساقط من (ق 2). (¬2) قوله: (أو سلم عليه) زيادة من (ق 2). (¬3) سبق تخريجه، ص: 3288. (¬4) أخرجه أحمد في مسنده، برقم (1583)، والنسائي في سننه: 9/ 208، في باب لا يسكن أرض الحجاز مشرك، من كتاب الجزية، برقم (18530). (¬5) انظر تفصيل هذا في النوادر والزيادات: 10/ 503.

أحق بها بما تسقيه تلك البئر، وإن كانت البئر ليس فيها شعر، فحفر ليزرع أو ليغرس- كان (¬1) هو أحق بالقدر الذي يسقيه ماء تلك البئر، وإن حفر للماشية ليسكن ذلك الموضع- كان أحق بالقدر الذي يحتاجه للسكنى، وإن كان ليرعى غنمه ويذهب عنه- لم يكن إحياء، وهو أحق بما ترعى غنمه، ومحمل قول ابن القاسم في المدونة: إذا لم يكن الحفر لأجل الكلإ، وإن كان راعيًا (¬2) بانفراده بغير حفر لم يكن إحياء، ولم يكن أحق به (¬3)، وقال أشهب: إذا نزل قوم فرعوا ما حولهم، فهم أحق من غيرهم، قال: وذلك إحياء لأنهم رعوا وينتظرون أن يرعوا ورأى أن السبق له حق -وقد تقدم- وليس التحجير إحياء (¬4). وقال أشهب: ولا يكون أولى لأجل التحجير، إلا أن يعلم أنه حجره ليعمله إلى أيام يسيرة حتى يمكنه العمل، وليس ليقطعه عن الناس، ويعمله يومًا ما، قال: ولو حجر كثيرًا وعمر منه يسيرًا كان كمن حجر يسيرًا (¬5) أو أخر العمل، فإن كان قويًا على عمله وأخره لأيام تليين الأرض أو لغلاء أجرة (¬6) أو لغيره من العذر فذلك له، وإن حجر ما لا يقوى على عمله كان له ما عمل، وشرع الناس فيما لم يعمل (¬7). ¬

_ (¬1) في (ق 2): (فكذلك). (¬2) في (ق 2): (رعيا). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 473. (¬4) انظر: الاستذكار: 7/ 185. (¬5) قوله: (كان كمن حجر يسيرًا) ساقط من (ق 6). (¬6) في (ق 6): (أجراء). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 505.

فصل [في من أحيا مواتا ثم تركه حتى درس]

يريد: إذا لم يقو على عمل الباقي وإلا فيترك له ما يرى أنه يقوى على عمله. وقال مطرف وابن الماشجون: إذا تحجر أرضًا بحيث يجوز الإحياء من موات الأرض فلا يحجر ما يضعف عنه، فإن رأى الإمام به قوة على عمارته إلى عامين أو ثلاثة خلاه وإلا أقطعه غيره, قالا: ومن أقطعه الإمام أرضًا على عمارتها ليملكها ليس بشرط العمارة كانت له، وإن عجز عن عمارتها (¬1). وروى ابن وهب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أقطع بلال بن الحارث من العقيق ما يصلح للعمل، فلم يعمله, فقال عمر: إن قويت على عمله فاعمله، وإلا أقطعته للناس، فقال له: قد أقطعنيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , فقال له عمر: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترط عليك فيه شرطًا، فأقطعه عمر للناس، ولم يكن بلال اغتل فيه شيئًا. فصل [في من أحيا مواتا ثم تركه حتى درس] واختلف فيمن أحيا مواتًا ثم تركه حتى عفا ودرس، فطال زمانه، وأحياه غيره، فقال مالك في المدونة: هو لمن أحياه آخرًا قال: بمنزلة الذي أحياه أول مرة (¬2). يريد: أن الذي أحياه قبل هذا وهو الذي أحياه أول مرة قد كان قبله من أحياه أيضًا، قال سحنون: هو للأول، ولا يخرج من يده بتعطيله إياه، وإن عَمَّرَهُ غيره كان الأول أحق به، قال ابن عبدوس: قلت: أَوَلَا يشبه الصيد، إذ ندً من صائده؟ قال: لا، وقال ابن القاسم: إن كان مختطًا أو ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 508. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 473.

فصل [في من تعدى على الطريق بضم بعضه]

بشراء، فهي لأهلها، وإن أسلمت (¬1). يريد: إذا اشتراها ممن أحياها، ثم درست في يد المشتري، لم يكن لغير المشتري، وكذلك لو باعها ممن اقتطعت له قبل أن يحييها، ثم عطلها المشتري- لم تنزع منه، وقد تقدم ذلك في كتاب الصيد. فصل [في من تعدى على الطريق بضم بعضه] وأما ما يكون بين الديار من الرحاب والشوارع فيأخذ أحدهم منه إلى داره (¬2)، فإن كان ذلك مما يضر بالمارة وبأهل الوضع مُنِعَ منه (¬3)، وإن فعل هدم عليه. واختلف إذا كان لا يضر فروي عن مالك الجواز، والكراهة (¬4)، فإن نزل مضى ولم يهدم، وهو ظاهر (¬5) قول ابن القاسم وأصبغ (¬6)، وذهب مطرف وابن الماجشون وسحنون إلى المنع وإن تهدم (¬7)، واختلف فيه عن أشهب فكرهه ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 473. ونصه: قال ابن القاسم: وإنما قول مالك في هذا لمن أحيا في غير أصل كان له، وأما أصول الأرضين إذا كانت للناس تخطط أو تشرى فهي لأهلها، وإن أسلمت فليس لأحد أن يحييها. (¬2) في (ق 6): (عماره). (¬3) قوله: (منه) ساقط من (ق 2). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 49. (¬5) قوله: (ظاهر) ساقط من (ق 6). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 48، ونص قول أصبغ: وقضى عمر بالأفنية لأرباب الدور فالأفنية دور الدور كلها مقبلها ومدبرها ينتفعون جها ما لم يُضيق طريقًا أو يمنع مارة أو يضر بالمسلمين. ونص قول ابن القاسم: وأما كل بناء إن أنتفع به أهله لم يُضيق على المسلمين شيئًا لسعته فلا بأس بذلك. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 49.

مرة، ومنعه أخرى وقال: يهدم (¬1). واحتج من قال بالهدم بالحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "مَنِ اقْتَطَعَ مِنْ طَرِيقِ المُسْلِمِينَ وَأَفْنِيتِهِمْ شِبْرًا طَوَّقَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبع أَرَضِينَ" (¬2). وأن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مر حداد في السوق فأمر بهدمه، وقال: يضيقون على الناس. واحتج من أجازه بحديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا تَشَاحُّوا فِي الطَّرِيقِ فَسَبْعَة أَذْرُعٍ"، أخرجه البخاري ومسلم (¬3). وليس الحديث الأول في الصحيح، ولو صح لكان الحكم الهدم، وأما حديث أبي هريرة فيحتمل أن يكون المراد إذا تشاحوا (¬4) في وقت بناء الدار، في الأصل ليس إذا استقر ذلك، وحيزت الطرق بالانتفاع للتصرف وغيره، ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 50. (¬2) لم أقف عليه بهذا اللفظ، والذي وقفت عليه في الصحيحين وغيرهما ولفظ البخاري: "من أخذ شبرا من الأرض ظلما فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين" أخرجه في صحيحه: 3/ 1168، في باب ما جاء في سبع أرضين، من كتاب بدء الخلق، برقم (3026)، وأخرجه مسلم: 3/ 1230، في باب تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها، من كتاب المساقاة، برقم (1610) وفي الطبراني: "من أخذ من طريق المسلمين شبرا طوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين" أخرجه في الصغير: 2/ 297، برقم (1197) (¬3) قوله: (ومسلم) ساقط من (ق 2)، والحديث متفق عليه، البخاري: 2/ 874، في باب إذا اختلفوا في الطريق الميتاء وهي الرحبة تكون بين الطريق ثم يريد أهلها البنيان فترك منها الطريق سبعة أذرع، من كتاب المظالم، برقم (2341)، ومسلم في المساقاة باب قدر الطريق إذا اختلفوا فيه، برقم (1613)، ولفظ البخاري: "قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا تشاجروا في الطريق بسبعة أذرع". (¬4) في (ق 2): (اختلفوا).

والأمر فيها أشكل؛ لأنه لا يدري هل ترك ذلك الاتساع حين بنيت الديار لانتفاع المارة وغيرهم، فتكون أحباسًا لا تغير لجواز الناس عليها، ولأن البيع تداول تلك الديار على أنها على تلك الحال فتهدم على من فعله، أو يكون ترك لما كان له (¬1) من دواب أو للتحمل أو لحاجة لهم تخصهم، فيجوز لهم تغييرها، وإذا احتمل الوجهين لم يفعل ابتداء، لإمكان أن يكون حبسًا، وإن فعل لم يهدم لإمكان أن يكون القصد تركها للناس، ولا يكون المراد لمنافع تخصهم. تم كتاب حريم الآبار والأنهار من التبصرة والحمد لله حق حمده ¬

_ (¬1) قوله: (له) ساقط من (ق 6).

كتاب الشفعة

كتاب الشفعة النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ق 2) = نسخة القرويين رقم (370) 3 - (ق 5) = نسخة القرويين رقم (368) 4 - (ق 7) = نسخة القرويين رقم (367)

باب في الشفعة بين المسلم والذمي

كتاب الشفعة باب في الشفعة بين المسلم والذمي الأصل في الشفعة حديث جابر بن عبد الله، قال: "قَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الحُدُودُ وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ فَلاَ شُفْعَةَ"، أَخرجه البخاري ومسلم (¬1). وقد تضمن هذا الحديث ثلاثة أحكام (¬2): وجوب الشفعة بالشرك، وسقوطها بالجوار؛ لأنه بعد المقاسمة جار، وأن الشفعة في الرباع دون العروض والحيوان. وفي مسلم قال جابر: "قَضَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شِرْكٍ لَمْ يُقْسَمْ رَبْعٌ أَوْ حَائِطٌ لاَ محلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِن شَاءَ تَرَكَ، فَإِنْ بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقّ" (¬3)، فجعل الشفعة قبل البيع وبهذا أُخِذَ. فصل [في الشفعة بين المسلم والذمي] وإذا كانت دار بين مسلم ونصراني، فباع المسلم نصيبه من مسلم كانت للنصراني الشفعة (¬4). واختلف إذا باع المسلم نصيبة من نصراني، فقال في المدونة: له الشفعة، ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري: 787/ 2، في باب الشفعة في ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة, من كتاب الشفعة، برقم (2138)، ومسلم: 3/ 1229، في باب الشفعة، من كتاب المساقاة، برقم (1608) وفيه زيادة واللفظ للبخاري. (¬2) قوله: (أحكام) سقط من (ق 2). (¬3) أخرجه مسلم: 3/ 1229، في باب الشفعة، من كتاب المساقاة, برقم (1608). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 213.

وقال أيضًا: لا يحكم بينهم (¬1)، وهو أحسن؛ لأن الآخذ والمأخوذ منه نصرانيان، والشفعة من شريعة المسلمين، ليس من شريعتهم، فلم يقض بينهم فيها؛ لأنها ليست من المظالم (¬2) عندهم، إلا أن يترجح في ذلك للخلاف أن الشفعة وجبت على المسلم البائع قبل البيع، وإن باع النصراني نصيبه من مسلم أو نصراني كانت للمسلم الشفعة. واختلف إذا باع من نصراني بخمر بماذا يستشفع؟ (¬3) فقال أشهب بقيمة الشقص، وقال محمد بن عبد الحكم ويحيى بن عمر: بقيمة الخمر (¬4)، وهو أحسن، وليس ذلك بمنزلة استهلاك الخمر؛ لأنَّ البائع والمشتري ممن يجوز لهما أن يتبايعا بها (¬5)، وقد أعطوا الذمة على ذلك، وقد قال ابن القاسم: لو أخذ بها (¬6) بعضهم لبعض أو أفسدها حكم بينهم؛ لأنها من أموالهم (¬7)، وإذا كان ذلك (¬8) لم أردهما (¬9) إلى قيمة الشقص؛ لأن فيها (¬10) ضررًا على المشتري إن كانت (¬11) قيمتها أكثر، وعلى الشفيع إن كانت قيمتها (¬12) أقل. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 213، والنوادر والزيادات: 11/ 201. (¬2) في (ق 2) و (ق 6) و (ق 7): (التظالم). (¬3) في (ق 7): (يأخذ الشفعة الشفيع). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 201. (¬5) قوله: (يتبايعا بها) يقابله في (ق 7): (يتبايعها) و (ق 2): يبتاعاها. (¬6) قوله: (لو أخذ بها) يقابله في (ق 2): (إذا أخذها). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 201. (¬8) قوله: (وقد قال ابن القاسم لو أخذ بها بعضهم لبعض أو أفسدها حكم بينهم لأنها من أموالهم وإذا كان ذلك) سقط من (ق 7). (¬9) في (ق 2): (أردها). (¬10) في (ق 7) و (ق 11): (فيه). (¬11) في (ف): (إن تكن). (¬12) زاد بعده في (ق 7): (أضر على الشفيع إن كانت قيمتها).

باب في تشافع الورثة والشركاء

باب في تشافع الورثة والشركاء وقال مالك في رجلٍ هلك وخلف ولدا: ثلاثة بنين (¬1). ثم مات أحدهم عن ثلاثة من الولد، فإن باع أحد الأعمام نصيبه كانت الشفعة لأخيه ولبني أخيه، وإن باع أحد من (¬2) بني الأخ كانت الشفعة لهم دون الأعمام (¬3)، فإن سلموا كانت الشفعة للأعمام. وقال أبو الحسن ابن القصار: واختلفت الرواية عن مالك فقال: الأخ أولى بما باعه أخوه من العم. وقال: كل من له ملك في ذلك الشيء فله حقه من الشفعة فيما يبيعه أحد الشركاء. قال: وهو القياس (¬4)، وساوى بين الورثة والشركاء في ذلك، ولا تخلو الدار من ثلاثة أقسام: إما أن تنقسم أتساعًا، أو أثلاثًا، أو لا تنقسم بحال؛ فإن كانت تنقسم أتساعًا كان الجواب على ما قاله ابن القاسم عنه؛ لأن الدار تنقسم قسمين تقسم أولا أثلاثًا، فإذا صار إلى بني الابن (¬5) ثلثهم قسموه أثلاثًا كدار قائمة بنفسها، فبعضهم أحق بدفع الضرر ممن لا يصير له في ذلك الثلث شرك، وإن كان لا تنقسم بحال أثلاثًا ولا أتساعًا كانت الشفعة لجميع (¬6) من له فيها شرك بوراثة أو غيرها؛ لأن الأصل فيما جعلت له الشفعة مما (¬7) لا ينقسم خوف أن يدعو المشتري إلى البيع فتخرج ¬

_ (¬1) قوله: (البنين) سقط من (ق 7). (¬2) قوله: (من) زيادة من (ف). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 213. (¬4) انظر: عيون المجالس: 4/ 1765، 1766. (¬5) في (ف) و (ق 6) و (ق 7): (البنين). (¬6) في (ق 7): (بجميع). (¬7) في غير (ف): (فيما).

الدار من أملاكهم، ومضرة خروج الملك من العقار أشد من مضرة المقاسمة، وإن كانت الدار تنقسم أثلاثًا خاصة فباع أحد الأعمام كانت الشفعة لجميعهم؛ لأنَّ بني الأخ (¬1) شركتهم مع أعمامهم فيما ينقسم، وإن باع أحد بني الإخوة كان فيها قولان، فعلى أحد قولي مالك أن الشفعة فيما لا ينقسم يتشافعون دون أعمامهم، وعلى قوله لا شفعة فيما ينقسم تكون الشفعة للأعمام دون بني الإخوة؛ لأنَّ الأعمام يقولون: نحن نشفع فيما يحتمل القسمة، ولا شفعة لبعضكم على بعض؛ لأنَّ نصيبكم لا يحتمل القسمة (¬2)، ولو كانت الدار فيها شركة بغير وراثة ووراثة بعد وراثة، فعلى قوله في المدونة: إن باع أحد الورثة السفلى كانت الشفعة به لبقيتهم (¬3)، فإن سلموا كانت لأهل الوراثة الأولى، فإن سلموا كانت للشركاء، وإن باع أحد الورثة الأولى كانت الشفعة لجميعهم الأولى (¬4) والآخرة، فإن سلموا كانت الشفعة للشركاء، فإن باع أحد (¬5) الشركاء كانت الشفعة لجميعهم لبقية الشركاء ولأهل الوراثتين (¬6)، وعلى الرواية الأخرى: الشفعة شركة بين جميعهم؛ الشركاء وأهل الوراثتين كان البيع من بعض (¬7) الشركاء أو الوراثة الأولى والآخرة، وأرى أن (¬8) تعتبر صفة القسمة (¬9) فيها هل ينقسم النصف أتساعًا أو أثلاثًا أو لا ينقسم إلا نصفين على أصل الشركة قبل الوراثة أو لا ينقسم بحال، ¬

_ (¬1) في (ق 2) و (ق 6) و (ق 7): (الإخوة). (¬2) قوله: (يحمل القسم) يقابله في (ف): (يحتمل القسمة). (¬3) في (ق 7): (بينهم). (¬4) قوله: (كانت الشفعة لجميعهم الأولى) زيادة من (ف). (¬5) قوله: (أحد) سقط من (ف). (¬6) انظر: المدونة: 4/ 214 وما بعدها. (¬7) في (ف): (أحد). (¬8) قوله: (أن) سقط من (ق 7). (¬9) قوله: (صفة القسمة) يقابله في (ق 7): (صفقة القسم).

فكل موضع يكون للمشتري أن يدعو إلى القسمة فإنه يستشفع منه، وكل موضع لا يكون له أن يدعو إلى القسمة، وله أن يدعو إلى البيع، فإنه يختلف هل تكون (¬1) له شفعة أم لا؟ وكل موضع ليس له أن يدعو إلى القسمة ولا إلى البيع، فلا شفعة له, وذلك أن تكون دارًا لا تنقسم، وإن باع هذا نصيبه على الانفراد لم ينقص عن بيع الجملة، ولو كانت دارًا بين ثلاثة، لأحدهم النصف وللاثنين النصف، والدار تنقسم نصفين ولا تنقسم أرباعًا، فإن باع صاحب النصف استشفع الاثنان، وإن باع أحد الاثنين كانت الشفعة على أحد قولي مالك لصاحب الربع، وعلى القول الآخر لصاحب (¬2) النصف دونه. وقال ابن القاسم في شركاء ثلاثة في دارٍ باع أحدهم نصيبه من ثلاثة، ثم باع أحدُ هؤلاء الثلاثة نصيبه (¬3) من ذلك الثلث إن الشفعة (¬4) لجميعهم (¬5). وقال أشهب: الشفعة لبقية أصحاب الثلث (¬6)، ورأى (¬7) أن الشركة بميراث أو غيره سواء، وهو أبين، وإنما يراعي صفة القسم (¬8). ¬

_ (¬1) قوله: (تكون) سقط من (ق 7). (¬2) قوله: (الربع وعلى القول الآخر لصاحب) سقط من (ق 7). (¬3) في (ق 7): (نصيبهم). (¬4) في (ق 2): (المنفعة). (¬5) انظر: الاستذكار، لابن عبد البر: 7/ 76. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 154. (¬7) في (ف): (وأرى). (¬8) قوله: (وهو أبين وإنما يراعي صفة القسم) سقط من (ق 7).

فصل [في الشفعة بين ورثة مختلفي المنازل]

فصل [في الشفعة بين ورثةٍ مختلفي المنازل] وإذا كانت الدار في أيديهم بوراثة واحدة إلا أنهم (¬1) مختلفو المنازل، زوجات وبنات وجدات وعصبة، فإن باعت إحدى الزوجات كانت الشفعة لبقيتهن، فإن سلمن كانت الشفعة لجميع الورثة أهل السهام الآخرين وغيرهم، فإن باعت إحدى البنات كانت الشفعة لبقيتهن، فإن سلمن كانت الشفعة لبقية (¬2) الورثة، الزوجات والجدات والعصبة، واختلف إذا باع أحد العصبة، فقال مالك مرة: لأهل السهام، الشفعة لبقيتهم، وقال أيضًا: الشفعة لجميع الورثة (¬3)، ومثله إذا خلف بنات وأخوات، فإن باعت إحدى البنات كانت الشفعة لبقيتهنَّ، فإن سلمن كانت للأخوات. واختلف إذا باعت إحدى الأخوات هل تكون الشفعة لبقيتهن أو لجميع الأخوات والبنات؛ لأن الأخوات ها هنا عصبة البنات (¬4)؟ فعلى القول إنّهن كأهل سهم يكون من حق البنات أن تقسم الدار أثلاثًا، ثم يقسم الأخوات بينهن إن كن ثلاثا (¬5) أثلاثًا، وعلى القول الآخر يكون من حق الأخوات أن يقسم من الأول أتساعًا. واختلف عنه أيضًا إذا أوصى الميت بثلثه لثلاثة نفر هل يكون الموصى لهم ¬

_ (¬1) قوله: (إلا أنهم) بياض في (ف). (¬2) في (ف): (لجميع). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 213، 214، والنوادر والزيادات: 11/ 151. (¬4) قوله: (البنات) زيادة من (ف). (¬5) قوله: (ثلاثا) سقط من (ق 7).

فصل [في الشفعة بين الورثة والموصى له بشراء شيء من الميراث]

كأهل سهم، والقول إنهم يتشافعون دون الورثة أحسن؛ لأنَّ الميت شرك بينهم في الثلث (¬1)، ومن حقِّ الورثة أن يعزل عنهم ثلث الميت جملة، ولا ينقص، وإذا لم يكن للموصى لهم أن يقتسموا تركة الميت على أقلهم سهمًا، وإنما يعطون الثلث يقتسمونه بينهم كانوا أهل سهم يتشافعون فيما باعه بعضهم دون الورثة، وقال ابن القاسم: إذا كانت أخت شقيقة وأخوات لأب فباعت إحدى الأخوات للأب كانت الشفعة لجميعهن، وقال أشهب في كتاب محمد: الشفعة لبقية الأخوات للأب خاصة، فإن سلمن كانت للأخت الشقيقة؛ لأنَّ لهن السدس (¬2)، وهو أحسن؛ لأنَّ من حق الأخت للأب والأم أن يقسم لها من الأول (¬3) نصف، ثم يقسمن أولئك بينهن السدس، فهو سهم يسلم إليهن، وهذا إذا كان السدس يحمل القسم (¬4). فصل [في الشفعة بين الورثة والموصى له بشراء شيء من الميراث] وإذا أوصى الميت أن يباع نصيب من داره من رجل بعينه والثلث يحمله- لم يكن للورثة فيه الشفعة؛ لأنَّ قصد الميت أن يُمَلِّكَهُ إيَّاه، فالشفعة ردٌّ لوصيته، وجعل سحنون الجواب فيه إذا أوصى ببيع نصيب ليصرف ثمنه في المساكين كذلك، لا شفعة للورثة فيه، قال: إذا كأن الميت باعه (¬5)، والقياس أن يستشفع؛ ¬

_ (¬1) قوله: (شرك بينهم في الثلث) يقابله في (ق 7) و (ق 2): (شريك لهم بالثلث). (¬2) قوله: (لأن لهن السدس) سقط من (ق 7)، وانظر: النوادر والزيادات: 11/ 150. (¬3) في (ق 7): (الأولى). (¬4) في (ق 7): (السدس). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 200.

لأن الميت أخر البيع لبَعدِ الموت، ولوقت لم يقع البيع إلا بعد ثبات الشركة، ولو أوصى أن يباع من رجلٍ بعيثه، والشريك أجنبيٌّ - كانت فيه الشفعة. وفي المجموعة في ميت لَحِقَهُ دين فباع الإمام أرضه من آخر (¬1)، فقال أحد الورثة بعد البيع: أنا (¬2) أؤدي من الدين بقدر ما عليَّ وآخذ نصيب شركائي بالشفعة، إن ذلك له إذا كان في بقية ما يباع من الأرض تمام الدين (¬3)، وقاله ابن كنانة في كتاب المدنيين إذا كان في الباقي ما إذا (¬4) بيع وفى ببقية الدين، قال: ولو قال بقية الورثة: يباع جميعه؛ لأنَّ لنا فيه فضلًا، لم يكن ذلك لهم، قال: وإن لم يكن الباقي يوفي بالدين بيع جميعه؛ لأنَّه أثمن لهم، وقال ابن القاسم مثله، قال عيسى بن دينار: وهذا أحب ما فيه إليَّ. ولم يراع نقص الثمن بين الورثة إذا وفى بالدين، وهذا أصل في كل شريكين في كل ما (¬5) لا ينقسم، فدعا أحدهما إلى البيع أنه يبيع نصيبه خاصة، وإن كان بيع الجملة أثمن، وقال ابن القاسم في المدونة في كتاب القسم فيما كان يحمل القسم إنه يقسم، وإن كان أبخس في الثمن أو أدى إلى فساد اقتسم، وفساد المقتسم أعظم مضرة (¬6) من نقص الثمن في بيع أحدهما نصيبه بانفراده (¬7). ¬

_ (¬1) في (ق 2): (مزايدة). (¬2) في (ق 7): (إذًا). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 200، 201. (¬4) قوله: (إذا) زيادة من (ف). (¬5) في (ق 2): (فيما). (¬6) في (ق 7): (مرة). (¬7) انظر: المدونة: 4/ 273.

باب في قسمة الشفعة، وهل تقسم على قدر الأنصباء أو على عدد الرءوس؟

باب في قسمة الشفعة، وهل تقسم على قدر الأنصباء أو على عدد (¬1) الرءوس؟ قال مالك: تقسم الشفعة على قدر الأنصباء (¬2). قال محمد: بمنزلة العبد بين الشركاء (¬3) يكون (¬4) لأحدهم نصفه ولآخر سدسه ولآخر ثلثه، فأعتق صاحب النصف والسدس معًا، فإنه يقوّم عليهما أرباعًا، وقد اختلف في ذلك، فقال ابن الماجشون: يقوم عليهما بالسواء (¬5)؛ لأنه لو كان الكثير النصيب معسرًا لقوم جميع الرقيق منه على القليل النصيب. وعلى هذا تكون الشفعة على العدد؛ لأنَّ القليل النصيب لو انفرد لكان له جميع الشفعة، فإن القليل النصيب يقول لصاحبه: هذا حق أينا خلا به كان له جميعه، ولو انفردت أنا به لم يحط لقلة نصيبي، وأيضًا فإن الشفعة لرفع مضرة القسم، ومعلوم أن المضرةَ التي تلحق القليل النصيب عند المقاسمة أكثر، وهذا إذا كانت الشفعة (¬6) فيما ينقسم، فإن كانت فيما لا ينقسم وحكم بالشفعة فيه كانت على العدد ولم يراع الأنصباء (¬7)؛ لأنها إنما (¬8) جعلت لما يلحق من المضرة متى دعا المشتري إلى البيع، وذلك مما يستوي فيه القليل النصيب والكثير. ¬

_ (¬1) قوله: (عدد) سقط من (ق 2). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 215. (¬3) في (ق 2): (الشريكين) (¬4) قوله: (يكون) زيادة من (ق 2). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 288. (¬6) قوله: (الشفعة) سقط من (ق 2). (¬7) في (ق 7): (ولم تكن على الأنصباء). (¬8) قوله: (إنما) زيادة من (ق 7).

باب هل تحب الشفعة بالشركة في الساحة والطريق؟

باب هل تحب الشفعة بالشركة في الساحة والطريق؟ وإذا كانت دار بين أشراك اقتسموا بيوتها دون ما لها من حق في ساحة وبئر وماجِل (¬1) وطريق، ثم باع أحدهم ما صار له من البيوت بجميع حقوقه مما لم يقسم (¬2) لم يستشفع ما قسم بالشركة فيما لم يقسم، ولا تستشفع الساحة والبئر والماجل والطريق لأجل بقاء الشريك فيها؛ لأنها من شفعة ما قسم ومصلحته, فإن باع نصيبه من الساحة والبئر والماجل خاصة كان للشركاء أن يردوا بيعه إذا كان البائع يتصرف إلى البيوت؛ لأنَّ في ذلك زيادة مضرة، وإن كان قد أسقط تصرفه من عندهم وجميع بيوته إلى حقٍّ آخر (¬3) جاز ذلك، وكان لبقية الشركاء الشفعة على أحد القولين في وجوب الشفعة فيما لا ينقسم، وإن كان بيعه من غير أهل تلك الدار كان لهم أن يردوا بيعه؛ لأنَّ ضرر الساكن أخف من ضرر من ليس بساكن، ولهم أن يجيزوا بيعه، ويأخذوا بالشفعة إن أحبوا، وقال أبو الحسن ابن القصار: اختلفت الرواية عن مالك في وجوب الشفعة فيما لا ينقسم مثل الحمام والبئر والرحبة والطريق (¬4)، ولم يبين كيف كان صفة البيع وموضع الفقه فيه ما تقدم ذكره. ¬

_ (¬1) الماجِل: كلُّ ماءٍ في أصْلِ جَبلٍ أو وادٍ انظر: القاموس المحيط: 1/ 1365، الماجِل والمأْجَل: مُسْتَنْقَع الماء. انظر: لسان العرب: 11/ 616. (¬2) في (ق 2): (ينقسم). (¬3) قوله: (وفتح لها من دار أخرى فإن كان بيعه من أهل الدار) ساقط من (ف). (¬4) انظر: عيون المجالس: 4/ 1772، 1773.

باب فيما تجب فيه الشفعة وما تسقط منه

باب فيما تجب فيه الشفعة وما تسقط منه قال مالك: لا شفعة إلا في الدور والأرضين والنخل والثمرة، ولا شفعة في دين ولا حيوان ولا سفن ولا بَزٍّ (¬1). قال الشيخ: الشفعة تجب بثلاثة شروط: أحدها: أن يكون البيع في أحد هذه الأصناف التي قال مالك: إنها تجب فيه. والثاني: أن يكون البيع قبل القسم. والثالث: أن يكون فيما يحمل القسم من (¬2) غير ضرر، فإن وقع البيع بعد المقاسمة لم تجب قولًا واحدًا. واختلف في الشفعة: فيما لا يجوز التراضي بقسمته كالنخلة الواحدة والشجرة، وفي فحل النخل إذا بيع بانفراده. والثاني: ما لا يحمل القسم إلا على ضرورة وفساد، كالحمام، والدار اللصيقة (¬3). والثالث: الساحة والطريق والجدار، وإن حمل القسم إذا بيع بعد قسمة الأصول. والرابع: الأنقاض إذا بيعت بغير أرض. والخامس: الماجل والبئر والعين إذا لم يكن عليها جنات أو كانت عليها جنات وقسمت وبيعت بانفرادها. ¬

_ (¬1) في (ق 7): (بر)، وانظر: المدونة: 4/ 216. (¬2) قوله: (القسم من) يقابله في (ق 7): (من القسم). (¬3) في (ف): (اللطيفة)، والدار اللصيقة: أي المتصلة البيوت التي ليس بين بيوتها شيء.

والسادس: الثمار (¬1) إذا بيعت مع الأصول، أو بانفرادها، والزرع إذا بيع مع الأصل والمساقاة، والسابع: رحى الماء (¬2)، ورحى الدواب إذا بيعت بانفرادها أو مع الأرض (¬3) ويختلف كُلُّ هذا في رقيق الحائط ودوابه إذا بيعت مع الأصل أو بانفرادها. والثامن: المساقاة. والتاسع: بيع منافع ما فيه شفعة، وهو الكراء. والعاشر: استشفاع ما يوصي الميت ببيعه إذا أوصى ببيع جزء غير (¬4) معين، وقد تقدم (¬5) ذلك. والحادي عشر: ما كان خروجه عن يد مالكه على وجه الهبة والصدقة. والثاني عشر: شفعة من كان شريكه بغير البلد الذي فيه البيع، فقال مالك في النخلة والشجرة الواحدة: لا شفعة (¬6). وقال محمد: إنما جعلت الشفعة لخوف وقوع السهم في ضيق الأجزاء، أو تغير البنيان وقطع الرِّجل (¬7) وضيق الممر، وتضييق الواسع وخراب العامر، فكل ما لا يقع فيه القسم من كلِّ شيءٍ فلا شفعة فيه، إذ لا تقع فيه الحدود، قال: ولو كانت الشفعة إنما هي للأذى ¬

_ (¬1) في (ق 7): (من الثمار). (¬2) زاد في (ف) و (ق 6) و (ق 7): (إذا بيعت). (¬3) في (ق 2): (الأصل). (¬4) في (ق 7): (لغير). (¬5) في (ق 2): (تفرق). (¬6) انظر: المدونة: 4/ 234. (¬7) في (ق 7) و (ق 2): (الرحاب)

أو الضرر الذي يقع من الشركاء لكانت في الجارية التي هي فرج، والشرك (¬1) فيها ضرر، وقال عبد الملك وأشهب وأصبغ في كتاب ابن حبيب: في النخلة والشجرة الشفعة (¬2). واختلف عن مالك في الدار التي لا تنقسم (¬3)، وهذا إنما يحسن إذا كان لهذا المشتري أن يدعو إلى بيع جميع الدار بعد ذلك، وأما على القول إن من اشترى نصيبًا بانفراده ليس له أن يدعو إلى بيع جميع الدار (¬4) لا يكون للآخر عليه شفعة، وكذلك إذا كانت تلك الدار إن بيع ذلك النصيب بانفراد لا يزيد على بيع الجميع فلا شفعة؛ لأنه ليس للمشتري (¬5) أن يدعو إلى بيع الجميع، ومثله إذا كان بيع الجميع أثمن، وقال المشتري: الآن أنا أسقط مقالي في ذلك ولا أدعوك إلى بيع الجميع، ومتى أردت البيع بعت نصيبي فلا شفعة له إلا أن يقال إن الشفعة لدفع ما يكون من الضرر في طول أمد الشركة، ولأنه لا يقدر على إصلاح ولا جذاذ (¬6) ولا حرث إلا برضا صاحبه وحضوره، وقال مالك في المدونة: في الحمام الشفعة (¬7). وقال ابن الماجشون: لا شفعة فيه (¬8)، وهذا اختلاف من قوله الأول في النخلة، ولا فرق أيضًا بين الحمام والدار، فكل ما لا يحمل القسم من دار أو حمام أو حانوت إلا على فساد أو على خروجه عن ¬

_ (¬1) في (ف): (والشريك). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 114. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 147. (¬4) في (ف): (الجميع). (¬5) قوله: (لأنه ليس للمشتري) يقابله في (ف): (للمشتري وليس له). (¬6) في (ف): (إحداث). (¬7) انظر: المدونة: 4/ 240. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 115.

فصل [في المناقلة]

الوجه الذي كان يُراد له، فإن الخلاف في قسمه وفي استشفاعه، واختلف عن مالك في قسمته (¬1) فعلى قوله بجواز القسم تجب الشفعة، وعلى القول بمنع القسم يختلف في الشفعة، وقد تقدم القول في الساحة والطريق، وأما الجدار (¬2) يكون بين الدارين فيبيع أحدهما داره بما يستحقه من ذلك الجدار، فقال ابن القاسم (¬3): فيه الشفعة (¬4)، وعلى أصل أشهب لا شفعة فيه؛ لأنه منع أن يقسم، وإن حمله القسم، وقال: يبقى مرتفقًا بينهما (¬5) يحمل كل واحد منهما (¬6) عليه خشبة، ويضرب وتده، وكذلك قال في الماجل يبقى شركة, وقد اقتسما ما سواه: إنه يبقى مرتفقا لهما ولا يقسم، وإن حمل القسم ولا شفعة فيه (¬7). فصل [في المناقلة] واختلف في المناقلة على ثلاثة أقوال، فقال ابن القاسم في العتبية في من باع نصف أرضه بأرض أخرى وبزيادة دنانير: فيه الشفعة (¬8). قال (¬9): وقال بعض أصحابنا إنه كان من قول مالك وغيره من المدنيين أنه ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 307، والنوادر والزيادات: 11/ 224، 225. (¬2) قوله: (وقد تقدم. . . وأما الجدار) سقط من (ق 2). (¬3) قوله: (ابن القاسم) يقابله في (ق 7): (مالك). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 259. (¬5) في (ق 7): (لهما). (¬6) قوله: (منهما) زيادة من (ق 7). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 225. (¬8) انظر: البيان والتحصيل: 12/ 55. (¬9) قوله: (قال) سقط من (ق 7).

إن علم أنه أراد المناقلة والسكنى ولم يرد البيع فلا شفعة له (¬1) لأنه لم يكن يرضى أن يخرج من داره، ويبقى لا دار له، وقال مطرف وابن الماجشون: إنما قال مالك: لا شفعة أن تكون داران أو حائطان بين أشراك فيناقل أحدهم بعض أشراكه حصته من هذه الدار بحصتة من الدار الأخرى أو الحائط، فيجتمع حظ كل واحد منهم في شيء واحدة لأنه إنما أراد توسعة حظه (¬2) وجمعه، وأمَّا إن ناقل بنصيبه من دار بنصيبه من دار (¬3) أخرى لا نصيب له فيها ففيها الشفعة، ناقل (¬4) بعض أشراكه أو أجنبيًا بذلك، وقد كان ابن القاسم يروي عن مالك أن في ذلك كله (¬5) الشفعة (¬6). قال الشيخ: أما المناقلة ليجمع نصيبه فالقول ألا شفعة أحسن؛ لأن الأصل أن كل ذي ملك أحق بملكه، وورد الحديث بالشفعة (¬7) لتغليب أحد الضررين، وأن يعاد إلى المشتري مثل دنانيره، وخصت الرباع بذلك؛ لأنَّ المضرة فيها أشدُّ، فإذا خرج من ربعه وعقاره ليرفع مضرة من ربع آخر كان أحق بما دفع (¬8) المضرة (¬9)، وبما خرج من ملكه لأجله، وكذلك إذا أخذ نصيبًا ¬

_ (¬1) قوله: (له) سقط من (ق 7). (¬2) في (ف): (حقه). (¬3) قوله: (بنصيبه من دار) سقط من (ق 7). (¬4) في (ق 2): (عامل). (¬5) قوله: (كله) سقط من (ف). (¬6) وزاد بعده في (ق 7): (بنصيب)، وانظر: النوادر والزيادات: 11/ 117، 118. (¬7) إشارة إلى حديثي البخاري ومسلم وقد خرجا في موضعهما في بداية كتاب الشفعة. (¬8) في (ق 2) و (ق 6) و (ق 7): (رفع). (¬9) زاد في (ق 2) و (ق 6) و (ق 7): (منه).

من دار لاشرك له (¬1) فيها، والأمر في الأول أبين، وقال ابن شعبان: فيمن (¬2) قال من الصدر الأول: لا شفعة لشريك في مشاع لا يسكن حيث الانتفاع من أجل أن الشفعة تصيب (¬3) من له (¬4) واطئة الرجل (¬5)، قال: وروي ذلك عن مالك أيضًا، وقاله الشعبي فعلى هذا لا تجب الشفعة في الحمام ولا في الفندق ولا في الفرن ولا في كل (¬6) شيء يراد للغلة ولا يسكن. ¬

_ (¬1) قوله: (له) سقط من (ق 7). (¬2) في (ق 2) و (ق 6) و (ق 7): (من). (¬3) في (ق 7): (قضيت). (¬4) زاد بعده في (ف): (قطع واطئة). (¬5) في (ق 7): (الرحاب). (¬6) قوله: (كل) سقط من (ف).

باب في الشفعة في الأنقاض

باب في الشفعة في الأنقاض ومن المدونة قال ابن القاسم في رجل أذن لرجلين أن يبنيا في عرصته، فبنيا ثم باع أحدهما حصته (¬1) من النقض، قال: إن أحب صاحب العرصة أن يأخذ النقض بالقيمة أخذ ولم ينظر إلى ما بيع به النقض، وإن كان أكثر من قيمته لأنه لو أراد أن يأخذ النقض بالقيمة كان ذلك له إلا أن تكون القيمة أكثر فيأخذه بما بيع به (¬2)؛ لأن البائع رضي بذلك، فإن أبى رب الأرض أن يأخذه، فالشريك أولى من المشتري؛ لأن مالكًا قال في الشركاء الذين بنوا في الحبس، فباع بعضهم إن لهم الشفعة؛ لأن ذلك يدخل على الباقي منهم إذا نزعه صاحب الأرض مضرة إذا صار يهدم نصف كل بيت (¬3)، وقال مالك في رجل أذن لرجل أن يبني في عرصته فبنى ثم أراد الخروج إن صاحب العرصة بالخيار إن أحب أخذه بالقيمة، وإن أبى أسلمه (¬4). قال الشيخ: شراء الأنقاض على وجهين: أحدهما: أن يكون لرجل دار فيبيع نقضها دون أرضها. والثاني: أن تكون الأرض لرجل، والأنقاض لآخر، وقد أعارها إلى أجل، وانقضى ذلك الأجل، فاختلف في البيع في هذين السؤالين هل هو صحيح أو فاسد، وقد ورد في شبه ذلك ثلاث سؤالات: ¬

_ (¬1) في (ق 2): (نصيبه). (¬2) قوله: (به) سقط من (ق 7). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 216. (¬4) انظر: المدونة: 4/ 216.

أحدها: إذا بيع شقص فيه شفعة، والثاني: إذا أعتق شقصًا من عبد وهو موسر، ثم باع الآخر نصيبه (¬1)، والثالث: شراء الأنقاض، فأجيز بيع الشقص بعبد أو بعرض، وإن كان المشتري لا يدري هل تسلم الشفعة فيتم البيع أو يأخذ بقيمته، والقيمة لا يدري ما هي إلا بعد، لما كانت الشفعة بعد (¬2) انعقاد البيع على المشتري، ولم يجب على البائع شيء، ومنع بيع الشقص إذا كان المعتق موسرًا؛ لأنَّ القيمة وجبت للبائع قبل البيع، وإنما باع بالثمن الذي أخذ من المشتري منه (¬3) القيمة التي وجبت له، وهو لا يدري ما هي، وإن باع بدنانير، والقيمة دنانير كان غررًا وربا تارة إن كانت القيمة أكثر من الثمن، وإن باع بدراهم دخله الصرف المستأخر والغرر لا يفارقه في الوجهين جميعًا وإن باع بعروض كان غررًا. واختلف عنه في بيع النقض (¬4) فأجازه مرة- بخلاف بيع الشقص من العبد لما كان لصاحب الأرض أن يأخذه من المشتري بالقيمة فأشبه الشفعة- ومنعه مرة (¬5)، وإذا سلم أن البيع جائز فإن لصاحب الأرض أن يرد البيع ويأخذه من الأول بقيمته مقلوعًا يوم الحكم، وله أن يأخذه بالثمن إن كان الثمن أقل من القيمة لأن البائع رضي به؛ لأنه يقول لو علمت بذلك- وقد وقف على هذا قبل (¬6) أن ينعقد (¬7) البيع-. . . . . . . . .¬

_ (¬1) انظر تفصيل المسألة في المدونة: 2/ 419. (¬2) في (ف): (بغير). (¬3) في (ق 2): (فتلزم). (¬4) في (ف): (الشقص). (¬5) زاد بعده في (ق 2): (من الأول). وانظر: النوادر والزيادات: 11/ 127. (¬6) في (ق 7): (ثمن). (¬7) في (ق 2): (ينفذ). وفي (ق 7): (تنقل).

لأخذت به (¬1)، وتكتب العهدة عليه؛ لأنه استحق الأخذ بذلك، قبل إنفاذ البيع بخلاف الشفعة؛ لأنها لا تستحق إلا بعد تمام البيع لأن للمشتري أن يقول: إنما اشتريت لغرض لي في عين ذلك، فإذا كان فيه مقال وحق لغير البائع كان ذلك عيبًا عليَّ (¬2)، فأنا أرد بذلك العيب، ويأخذه مني البائع إن شئت، ولا خلاف في هذين الوجهين. واختلف إذا أجاز البيع، وأحب أن يأخذ من المشتري على ثلاثة أقوال، فقيل: له أن يأخذه بالثمن كالشفعة ويكتب العهدة على المشتري، وهو قول ابن القاسم في من باع نخلًا على القلع ثم اشترى الأرض فقال مرة: يأخذه بقيمته، وقال أشهب: للمشتري أن يقلع النخل ولا شيء لصاحب الأرض لأنه إذا أجاز بيعه رضي بأن يقلعه،- وهو أصحهما (¬3) على تسليم القول بالجواز (¬4). وإن باع المستعير قبل ذهاب الأجل -على أن المشتري يسكن ويعمر حتى يتم الأجل ثم ينقض عليه- جاز ذلك، ولا مقال للمعير الآن (¬5) على المشتري حتى يتم الأجل، وإن باع ذلك على أن ينقضه المشتري كان للمعير أن يأخذه بالأقل من القيمة أو الثمن إذا كان بيعه لأنه كره المقام، وأراد الخروج وإن كان لأن ذلك المشتري أرغب له في الثمن وآثر الثمن على المقام لم يكن للمعير أن يأخذه إلا بالثمن الذي اشتراه (¬6) هذا به، أو يمكنه من قلعه. ¬

_ (¬1) في (ف): (له). (¬2) زاد بعده في (ق 7) و (ق 2) قوله: (علي). (¬3) قوله: (أصحهما) زيمادة من (ق 2). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 123. (¬5) في (ق 7): (لأن ذلك). (¬6) في (ق 7) و (ق 2): (اشترى).

وإن كان أذن لرجلين فباع أحدهما فإنه لا يخلو أن يكون بيعه قبل الأجل أو بعده على البقاء أو على النقض، فإن باعه بعد الأجل كان الجواب على ما تقدم لو أذن لرجل واحد في البناء، وانقضى الأجل أن لصاحب الأرض أن يأخذه من البائع بالأقل من الثمن أو القيمة، وإن لم يأخذ من الآخر الذي لم يبع كان للمشتري أن يقاسم الشريك في تلك الأنقاض أو يقاسم رب الأرض إن كان أخذ من الآخر بالقيمة، وإن كان صاحب الأرض أذن للآخر في المقام سنة أخرى ابتدأ أيضًا بصاحب الأرض، فإن أخذ نصيب البائع كان شريكًا في البناء قائمًا مع الذي أذن له في المقام فيقاسمه منافع البيوت أو يكرونها، وإن لم يأخذ نصيما البائع، وكانت البيوت تحمل القسم- قاسم المشتري الشريك الذي أذن له في المقام فما (¬1) صار (¬2) له نقضه وإن كانت لا تقسم ابتدأ بصاحب الأرض، فقاسم الذي أذن له في المقام الأرض على ألا بناء فيها، فما صار له أقررناه فيه (¬3)، وقاسم المشتري في (¬4) النقض قسمًا ثانيًا، وإن صار بعض سهمه في النصيب الذي له (¬5) بالمقاسمة، وبعضه عند صاحب الأرض كان له أن يعطي المشتري قيمة (¬6) ما صار له منه في نصيبه (¬7) ويرجعان جميعًا، هو والمشتري على صاحب الأرض فينقضان ما صار إليه من ذلك. ¬

_ (¬1) زاد بعده في (ق 2): (خص الشريك الذي لم يبع) وقد سقطت من (ف)، وضرب على هذه الجملة في (ق 7). (¬2) في (ق 7): (جاز). (¬3) في (ق 7): (فيها). (¬4) قوله: (في) سقط من (ق 2). (¬5) قوله: (الذي له) يقابله في (ق 7): (عن ذلك). (¬6) في (ف): (فيه). (¬7) قوله: (في نصيبه) زيادة من (ف).

وإن كان بيع أحد الشريكين قبل انقضاء الأجل على البقاء كان المقال فيه للشريك دون صاحب الأرض فيأخذ الشفعة بالثمن، وإن كره بقي معه شريكًا، وإن باع على النقض وكانت البيوت تنقسم ابتدئ (¬1) بصاحب الأرض، فإن شاء أخذ ذلك بالأقل من قيمته منقوضًا (¬2) أو الثمن وإلا كان للمشتري أن يقاسم الشريك، فما (¬3) صار له نقضه، وإن كانت البيوت لا تنقسم كان للشريك أن يرد بيعه فيه (¬4). ¬

_ (¬1) في (ق 7) و (ق 2): (ابتداء). (¬2) قوله: (منقوضا) زيادة من (ف). (¬3) في (ق 7): (مما). (¬4) قوله: (فيه) زيادة من (ق 7).

باب في شفعة الصغير والسفيه والمريض والغائب

باب في شفعة الصغير والسفيه والمريض والغائب وإذا وجبت (¬1) الشفعة للصغير كان الأمرُ فيها لوليه من أبٍ أو وصي أو حاكم أو من أقامه الحاكم له (¬2) فما رآه (¬3) من حسن نظرٍ (¬4) من أخذٍ أو تركٍ مضى (¬5)، فإن رشد الصغير بعد ذلك لم يكن له أخذ ما ترك ولا ترك ما أخذ ولا نقض شيء من ذلك (¬6) إلا أن يثبت (¬7) أن الأخذ له (¬8) لم يكن من حسن النظر، لغلائه أو لأنه قصد بالترك (¬9) محاباة من (¬10) اشترى (¬11) ذلك النصيب، واختلف إذا لم يأخذ بالشفعة وكان (¬12) الأخذ أحظ (¬13) (¬14)، وقال مالك في كتاب محمد: إذا علم من الوصي أنه ضيع أو فرط في ذلك، وأن أمره فيه كان ¬

_ (¬1) في (ف): (كانت). (¬2) قوله: (له) زيادة من (ف). (¬3) في (ق 7): (فيما يرآه). (¬4) في (ق 7): (النظر). (¬5) قوله: (مضى) زيادة من (ف). (¬6) قوله: (شيء من ذلك) سقط من (ق 2). (¬7) في (ق 7): (يتبين). (¬8) قوله: (له) سقط من (ق 2). وفي (ق 7): (إن). (¬9) قوله: (بالترك) سقط من (ق 7). (¬10) وزاد بعده في (ق 7): (كان). (¬11) في (ف) و (ق 6) و (ق 7): (منه). (¬12) قوله: (واختلف إذا لم يأخذ بالشفعة وكان الأخذ أحض) سقط من (ق 7). (¬13) في (ف): (أحض). (¬14) في (ق 2): (واختلف إن لم يأخذه من له الأخذ ممن ذكر حتى مضت سنة)، وقوله: (وكان) ساقط من (ق 7).

على غير حسن نظر، ومضى للبيع خمس سنين فلا شفعة له (¬1)، وكأنه رأى أن أخذ الشفعة بمنزلة الاشتراء ابتداء، والوصي (¬2) ليس بمجبر (¬3) على ذلك (¬4) ولو بذل رجل للصبي سلعة بثمن بخس فلم يأخذ له لم يضمن (¬5) لأنَّ تنمية. المال مباح له، وليس بواجب. قال محمد: إن اختلف الوصيان فأخذ أحدهما وترك (¬6) الآخر كان الأمر إلى السلطان فيما يراه صوابًا من أخذ أو ترك، فإن غفل عن ذلك حتى تمت السنة والشقص في يد مشتريه (¬7) سقطت الشفعة، وإن كان في يد الوصي الذي أخذ- كان الصبي إذا رشد بالخيار في الأخذ أو الترك (¬8). وإذا وجب للصبي شفعة فرشد بعد بعض السنة وحُكم برشده (¬9)، فقال في كتاب محمد: فله تمام السنة من يوم (¬10) وجبت الشفعة (¬11)، وإن لم يكن له وصي ولا من ينظر له كانت له سنة مستأنفة. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 189. (¬2) في (ق 2): (وهو). (¬3) في (ف): مجبور. (¬4) في (ف): (الشراء للتجارة) (¬5) في (ق 2) و (ق 6) و (ق 7): (وليس بواجب). (¬6) في (ق 7) و (ق 2): (وسلم). (¬7) في (ق 7) و (ق 2): (المشتري). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 189. (¬9) قوله: (وإذا وجب للصبي شفعة فرشد بعد بعض السنة وحُكم برشده) يقابله في (ق 7) و (ق 2): (فإن مضى بعض السنة ثم رشد). (¬10) (قوله: (يوم) سقط من (ف). (¬11) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 189.

واختلف في مبتدئها فعند محمد من يوم يلي أمر (¬1) نفسه، وعند ابن حبيب السنة (¬2) من يوم البلوغ، وفي البكر من يوم الدخول والغائب من يوم القدوم والمريض من يوم يصح، وخالف أصبغ في المريض، وقال: هو كالصحيح إلا أن يشهد في مرضه قبل مضي السنة أنه على شفعته (¬3)، فأمَّا الصغير (¬4) فالاختلاف فيه راجع إلى هل (¬5) يحمل على الرشد بالبلوغ أم لا؟ واختلف في البكر إذا لم تكن في ولاية (¬6) هل هي بالبلوغ (¬7) على الرشد كالصبي؟ ولا أرى أن تكون بعد البلوغ على الرشد (¬8)، وأرى (¬9) إذا بلغ سفيها ثم قام بعد الرشد بالشفعة ألا شفعة له (¬10) إلا أن يكون الأخذ قبل ذلك حسن نظر، ولو كان رفع إلى السلطان لم يأخذ له (¬11)، إما لأن الصبي لا مال له يأخذ له (¬12) به أو لأن ذلك المال قدر الحاجة إلى الإنفاق أو لم يكن الأخذ (¬13) صوابًا لأجل غلائه أو لسوء موضعه أو لأنه في زمن فتنة، ثم انتقل الحال اليوم لغنى أو بارتفاع الأسواق في ¬

_ (¬1) قوله: (أمر) زيادة من (ف). (¬2) قوله: (السنة) زيادة من (ف). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 187. (¬4) في (ف): (الصبي). (¬5) في (ق 7): (ما). (¬6) في (ق 7) و (ق 2): (ولاء). (¬7) في (ف): (في البلوغ). (¬8) زاد في (ق 2) و (ق 6) و (ق 7): (ولا أرى. . . بعد البلوغ على شفعتها). (¬9) في (ق 7) و (ق 2): (ولا أرى). (¬10) قوله: (سفيها ثم قام بعد الرشد بالشفعة ألا شفعة له) في (ق 11): (أن تكون بعد البلوغ على شفعتها). (¬11) زاد بعده: في (ق 7) و (ق 2): (إما). (¬12) قوله: (له) سقط من (ق 7). (¬13) قوله: (قدر الحاجة إلى الإنفاق أو لم يكن الأخذ) يقابله في (ف): (قدر حاجته للإنفاق أو لأن الأخذ لم يكن).

فصل [في شفعة الغائب]

الرباع (¬1) أو بعمارة ذلك الموضع أو ذهاب الفتنة لم يكن له الآن شفعة، وقد قال مالك فيمن أعتق عبدًا وهو معسر يعلم ذلك العبد والشريك والناس، ثم أيسر لم يقوم عليه (¬2)، يريد: لأنه لو كان (¬3) رفع إلى حاكم لم يقوم عليه, فكذلك هذا (¬4)، فأما المريض فإن كان على رأيه في النظر في أمر الدنيا (¬5) بالبيع والشراء فهو الصحيح، وإن كان قد أعرض عن ذلك، ثم قال بعد صحته كنت تركت ذلك والنظر فيه لمن يصير إليه ذلك، قُبِل قوله، وليس من يكون (¬6) ورثته ولد ويعلم منه الاجتهاد لهم بمنزلة من ورثته عصبة فلا يصدق وإن (¬7) كانوا عصبة (¬8). فصل [في شفعة الغائب] وقال محمد في الغائب: إن كانت غيبة قريبة لا مؤنة عليه في الشخوص فهو كالحاضر، وقال غيره: ليس المرأة والضعيف، ومن لا يستطيع النهوض مثل غيرهم (¬9)، وإنما في (¬10) هذا اجتهاد السلطان (¬11). ¬

_ (¬1) قوله: (في الرباع) زيادة من (ف). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 418. (¬3) قوله: (كان) زيادة من (ف). (¬4) قوله: (فكذلك هذا) سقط من (ق 7). (¬5) في (ف): (دنياه). (¬6) قوله: (يكون) سقط من (ف). (¬7) في (ق 6): (إن). (¬8) قوله: (فلا يصدق إن كانوا عصبة) سقط من (ف). (¬9) في (ف): (غيره). (¬10) قوله: (في) سقط من (ق 7). (¬11) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 187.

قال الشيخ (¬1): وليس من يعلم منه الاجتهاد في رباعه التي غاب عنها (¬2) وعقد الأكرية والاقتضاء بالمكاتبة وهو على مثل اليومين، بمنزلة غيره ممن (¬3) يعلم منه التراخي في أموره، داذا بعدت (¬4) الغيبة فإنها لا تخلو من أربعة أوجه: إما أن يكون الغائب (¬5) الشفيع وحده (¬6) أو المشتري أو كلاهما وهما ببلد واحد أو متفرقين، فإن كان الشفيع هو الغائب كان على شفعته بعد القدوم، وإن كان حاضرًا ثم غاب وعاد قبل مضي أمد (¬7) الشفعة أو منعه أمر من العودة حتى مضت السنة فهو (¬8) على شفعته (¬9) بعد أن يحلف، وإن كان سفرًا (¬10) بعيدًا لا يرجع حتى تمضي السنة سقطت الشفعة، وإن عاد عن قرب لأمر عن التمادي (¬11) فإن ذلك سواء (¬12) فلا شفعة؛ لأن سفره بمثل ذلك الموضع رضا بإسقاط الشفعة (¬13)، وإن كان الغائب المشتري والشفيع حاضر كان على شفعته حتى يقدم المشتري، قال محمد: ولو اشترى ذلك وكيل ¬

_ (¬1) في (ق 2): (قلت). (¬2) في (ف): (خلف). (¬3) قوله: (بمنزلة غيره ممن) يقابله في (ف): (وليس بمنزلة من). (¬4) في (ف): (وجدت). (¬5) قوله: (يكون الغائب) يقابله في (ف): (يغيب). (¬6) قوله: (وحده) سقط من (ق 7). (¬7) في (ق 7): (وقت). (¬8) في (ق 2): (كان). (¬9) في (ق 7): (كان للشفيع). (¬10) قوله: (سفرا) سقط من (ف). (¬11) في (ق 2): (الوصول). (¬12) قوله: (فإن ذلك سواء) سقط من (ف). (¬13) قوله: (لأن سفره بمثل ذلك الموضع رضا بإسقاط الشفعة) زيادة من (ف).

الغائب (¬1) والوكيل يكري ويهدم ويبني بحضرة الشفيع كان على شفعته لموضع العذر (¬2) واستثقال اختلاف الناس إلى القضاة، وأن المرء ربما ترك حقه إذا لم يأخذه إلا بالسلطان (¬3). قال الشيخ (¬4): وقوله يحسن فيمن يعلم منه ذلك، فأمَّا من يعلم منه الطلب والدخول إلى القضاة فلم يأخذ من الوكيل حتى مضت السنة فلا شفعة له إلا أن يكون في الوكالة تسليم الشفعة، وتشهد ذلك ببينة عادلة (¬5) حاضرة فلا تكون له شفعة، وإن كانا مجتمعين في مدينة (¬6) وغائبين عن موضع الشقص فلم يأخذ حتى مضت السنة فلا شفعة له (¬7)، قال محمد: وإنما ينظر في حضور الشفيع مع المشتري ولا ينظر إلى غيبة الدار (¬8)؛ لأنه يأخذ على مثل ما اشترى عليه المشتري على الصمْة، وإن قال: أخروني حتى أراه لم يكن ذلك له إلا أن يكون الشقص على ساعة من النهار. ¬

_ (¬1) في (ق 2): (العبد). (¬2) في (ف): (القدر). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 188. (¬4) قوله (قال الشيخ) ساقط من (ف) وبعده في (ق 7) و (ق 2): ليس الناس في ذلك سواء, ومن الناس من لا يشق ذلك عليه ولا يزك إلا لأنه لم يرد الأخذ). (¬5) قوله: (عادلة) سقط من (ف). (¬6) في (ف): (بلد). (¬7) قوله: (له) زيادة من (ق 7). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 189.

باب في شفعة الحاضر وأجل الشفعة وما يسقطها

باب في شفعة الحاضر وأجل (¬1) الشفعة وما يسقطها (¬2) الشفعة تسقط بسبعة أوجه (¬3): أحدها: إسقاط الشفيع حقه في ذلك (¬4) بالقول (¬5) فيقول: تركت. والثاني: أن يقاسم (¬6) ما فيه الشفعة فتسقط الشفعة، ولا خلاف في ذلك (¬7) لأن الشفعة إنما تجب في ما لم يقسم مع بقاء الشركة فإذا قسم فلا شفعة (¬8). والثالث: أن يمضي من طول الأمد ما يرى أنه معرض عنها وتارك لها. والرابع: ما يحدثه المشتري من هدم أو بناء أو غرس. والخامس: خروجه عن اليد بالبيع والهبة والصدقة والرهن. والسادس: ما يكون من الشفيع من مساومة أو مساقاة أو كراء. والسابع: إذا باع الشفيع (¬9) النصيب الذي يستشفع به، وقد اختلف في هذه الوجوه الخمس (¬10)، فأمَّا المدة التي تنقطع الشفعة فيها، فقال مالك في ¬

_ (¬1) في (ف) و (ق 6): (وأمد). (¬2) في (ف): (وفيما يسقط الشفعة). (¬3) في (ق 2): (أسباب). (¬4) قوله: (في ذلك) زيادة من (ق 7). (¬5) بعدها في (ف) زيادة: (فيه). (¬6) في (ف): (يقسم). (¬7) في (ف): (هذين الوجهين). (¬8) قوله: (لأن الشفعة. . . فلا شفعة) سقط من (ف). (¬9) قوله: (الشفيع) سقط من (ق 2). (¬10) في (ق 2) و (ق 6) و (ق 7): (الأربع).

المدونة: السنة قريب (¬1). وقال في كتاب محمد: إذا مضت (¬2) سنة فلا شفعة. وقال ابن ميسر: ما قارب السنة داخل فيها. وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب هو على شفعته في (¬3) الثلاث سنين ونحوها. وقال مطرف وابن الماجشون عن مالك (¬4) في شفيع حاضر قام بشفعته بعد خمس سنين، وربما قيل له أكثر من ذلك فيقول: (¬5) لا نراه طولًا ما لم يحدث المشتري بنيانا أو غيره وهو حاضر، فإن أجله أقصر من أجل الذي لم يحدث عليه شيئًا إلا أن يقوم بحدئان ذلك (¬6). وقال ابن وهب في كتاب ابن شعبان: إذا علم بوقوع البيع (¬7) فسكت فلا شفعة له. وقال القاضي عبد الوهاب عن مالك (¬8): هو على حقه أبدًا (¬9) ما لم يوقف. قال الشيخ: وأرى أن تسقط الشفعة إذا مضى من الأمد ما الغالب أنه لو كان لهذا الشفيع غرض في الأخذ لأخذ ولم يؤخره إلى تلك المدة والناس في هذا مختلفون، فمنهم من يعلم منه الحرص وهو موسر بالناض، والأمر فيه أضيق ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 217. (¬2) في (ف) و (ق 6): (مرت). (¬3) قوله: (في) زيادة من (ف). (¬4) قوله: (عن مالك) زيادة من (ق 6). (¬5) قوله: (وربما قيل له أكثر من ذلك فيقول:) في (ف) و (فقالا). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 185، 186. (¬7) قوله: (بوقوع البيع) يقابله في (ق 7): (أخذ الشفيع)، وفي (ف): (بوقوع الشفعة). (¬8) قوله: (القاضي عبد الوهاب عن مالك) يقابله في (ق 7): (أيضا)، وفي (ق 2): (سحنون عن بعض أصحاب مالك). (¬9) قوله: (أبدا) سقط من (ق 7).

فصل [فيما تسقط به الشفعة]

فإذا مضى من المدة ما يعلم أن مثله لا يترك إليه إلا لأنه معرض عنها أو تارك لها فلا شفعة له (¬1)، وإن لم يبلغ السنة، ومنهم من يعلم منه التراخي في أموره أو لا (¬2) يكون له مال حاضر ويرجو أن يتيسر الثمن لوقتٍ آخر فلا يسقط شفعة مثل هذا، وقد يقوم دليل على أن القيام الآن لرأى حدث مثل أن يزيد ثمن الرباع أو يزيد غلة (¬3) أو يكون فقيرًا فاستغنى (¬4) فهذا وما أشبهه لا يمكن من الأخذ. فصل (¬5) [فيما تسقط به الشفعة] والهدم والبناء (¬6) والغرس بعلم الشفيع وحضوره يُسقط شفعته. وأما إذا قاسم الشفيع المشتري (¬7) سقطت (¬8) الشفعة (¬9) وإن باع المشتري ذلك النصيب المستشفع ولم يعلم الشفيع كانت له الشفعة يأخذ بأي البيعتين (¬10) ¬

_ (¬1) قوله: (والأمر فيه أضيق. . . فلا شفعة له) يقابله في (ق 2) و (ق 7): (فإنه لو كان له غرض في الأخذ لم يؤخره إلى تلك المدة فهذا تسقط شفعته). (¬2) في (ف)، و (ق 7): (ولا). (¬3) في (ف) و (ق 6) و (ق 7): (غلاته). (¬4) في (ق 7) و (ق 2): (وكان له يسار). (¬5) قوله: (فصل) سقط من (ف). (¬6) قوله: (الهدم والبناء) يقابله في (ق 7): (الشفعة وإن كان في). (¬7) قوله: (المشتري) زيادة من (ق 2). (¬8) اختلف سياق (ق 2) و (ق 7) بالزيادة والنقصان وترتيب الأقوال ففيهما بعد ذلك: (شفعته لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أسقط الشفعة فيما وقعت المقاسمة فيه وإذا صار للشفيع بالمقاسمة نصيب معين لم يكن له شفعة في الآخر ولأن نصف النصيب للمشتري صار إلى الشفيع بالمقاسمة ولم ير ابن القاسم المقاسمة من غير الشفيع تسقط الشفعة. . .) وهو ما سيأتي، ص: 3332. (¬9) قوله: (وأما إذا قاسم الشفيع سقطت الشفعة) زيادة من (ق 6). (¬10) في (ف) و (ق 2) و (ق 7): (الشفعتين).

فصل [في سقوط الشفعة بعد البيع إذا وهب المشتري أو تصدق بعلم الشفيع]

شاء، فإن أخذ بالبيع الأول انتقض ما بعده من البياعات، وإن أخذ بالثاني ثبت الأول ويفسخ الثالث، وإن أخذ بالثالث صحت جميع البياعات. واختلف إذا كان عالمًا هل يكون بالخيار على (¬1) حسب الأول، أو لا (¬2) تكون الشفعة إلا في آخر بيعة (¬3)، وهذا أحسن، إن بيع بحضرته، فلم يأخذ بها حتى بيع بعد ذلك ولم ينكر فهو إسقاط (¬4) لشفعته في ما بيع قبل ذلك. فصل (¬5) [في سقوط الشفعة بعد البيع إذا وهب المشتري أو تصدق بعلم الشفيع] وكذلك إن وهب المشتري ما اشتراه (¬6) أو تصدق به وهو حاضر عالم ولم ينكر فلا شفعة له في الأول؛ لأن ذلك منه (¬7) رضى بإسقاط القيام فيه، ولا في الثاني (¬8) لأن الهبة والصدقة لا شفعة فيهما، وإن لم يعلم الشفيع كان له أن يرد الهبة والصدقة ويأخذ بالثمن الذي بيع به، ويكون الثمن للمشتري إن لم يعلم أن هناك شفيعا (¬9). واختلف إذا علم فقال ابن القاسم: الثمن للموهوب، قال: ¬

_ (¬1) قوله (على) زيادة من (ق 2). (¬2) قوله: (لا) ساقط من (ق 6). (¬3) قوله: (آخر بيعة) يقابله في (ف) و (ق 7): (أخذ بيعة). (¬4) في (ف): تارك. (¬5) زيادة من (ق 2) و (ق 7). (¬6) قوله: (ما اشتراه) يقابله في (ف): (ذلك النصيب) (¬7) في (ق 7) و (ق 2): (فيه). (¬8) في (ق 6): (الباقي). (¬9) من قوله (واختلف إن كان عالما. . . شفيعا) مكرر في (ق 6).

لأنه وهبه وهو عالم أنه يستشفع، فكأنه إنما وهب الثمن (¬1). وقال أشهب في كتاب محمد (¬2): الثمن للواهب (¬3)، ولا حق في الشفعة (¬4). وقال ابن القاسم: إذا ساومه الشفيع (¬5) أو ساقاه أو اكترى منه فذلك قطع لشفعته (¬6). وقال أشهب في كتاب محمد: هو على شفعته، قال: لأنه يقول كما لو فعل ذلك غيري بمحضري ولم أنكر، أو حضر وهو يباع في المزايدة فزايده ثم بيع بحضرته ثم طلب شفعته كان له ذلك (¬7). وأرى (¬8) إذا ساومه أن يسأل لِمَ يساومه؟ فقال: إن باعني بأقل وإلا رجعت إلى الشفعة، حلف على ذلكَ، واستشفع (¬9)، وإن قال: لأشتري منه بما باعني بأكثر أو بأقل فلا شفعة (¬10). وأما الكراء والمساقاة فإن كان أمدها سنة (¬11). . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 222. (¬2) قوله (في كتاب محمد): زيادة من (ق 6). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 176. (¬4) قوله (ولا حق في الشفعة) زيادة من (ق 6). (¬5) قوله: (الشفيع) ساقط من (ق 2). (¬6) انظر المدونة: 4/ 244. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 190، 191. (¬8) في (ق 2) زيادة: (قلت). (¬9) قوله: (حلف على ذلك، واستشفع) يقابله في (ق 2): (أن يحلف ويأخذ بالشفعة). (¬10) قوله: (فلا شفعة): في (ق 2): (فذلك إسقاط لشفعته). (¬11) قوله: (أمدها سنة فأكثر) يقابله في (ق 2) و (ق 7): (انقضاء أمدها بعد تمام السنة من يوم العقد).

فأكثر فلا شفعة (¬1) وإن كان أقل من سنة, فهو موضع الخلاف، فرأى ابن القاسم أن من حق المشتري أن يأخذ منه بالحضرة أو يترك فعقدة الكراء والمساقاة خلاف ما يوجبه الحكم في أخذ الشفعة (¬2). ورأى أشهب أنه لما كان ما دون السنة لا يسقط شفعته كان بعد فعله ذلك على شفعته، فإن أراد المشتري الآن أن يلزمه (¬3) الأخذ أو الترك قبل أن ينقضي ما عقد له لم يكن ذلك له، وقد سقط حقُّه في الإيقاف (¬4) في تلك المدة؛ لأنه لا يملك نقض ما عقد للشفيع، وليس له أن (¬5) يستحق أخذ الثمن الآن والغلة جميعا، فإذا انقضت تلك المدة استحق عليه الإيقاف على الأخذ أو الترك، ولو أراد الشفيع أن يستوجب الشفعة قبل انقضاء ما عقد من (¬6) مدة الكراء والمساقاة كان ذلك له، ويتعجل منه الثمن ولا يحط عنه من الثمن شيئًا، وأما قوله إن له الشفعة بعد البيع بحضرته فليس بالبين (¬7)، وذلك رضى منه بإسقاط الأخذ بالبيع الأول وله أن يأخذ بالبيع الثاني، وللمشتري أن يقوم على الشفيع فيأخذ أو يترك وقال في كتاب محمد لا يؤخر شيئًا (¬8). ولو أكرى أو ساقى غير الشفيع ولم يعلم كان للشفيع أن يرد عقده ذلك ¬

_ (¬1) قوله: (فلا شفعة) يقابله في (ق 2): (فالشفعة له). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 242. (¬3) قوله: (الآن أن يلزمه): في (ق 2) و (ق 7): إلزامه. (¬4) قوله: (الإيقاف): في (ق 2): (الإنفاق). (¬5) قوله: (وليس له أن) في (ق 2): (لا). (¬6) قوله: (ما عقد من) زيادة من (ق 7) و (ق 2). (¬7) قوله: (فليس بالبين) يقابله في (ق 2): (فضعيف). (¬8) قوله: (وللمشتري أن يقوم على الشفيع فيأخذ أو يترك وقال في كتاب محمد لا يؤخر شيئًا) ساقط من (ق 2).

ويأخذ بالشفعة ويعجل الثمن، ويختلف إذا كان عالمًا فعلى أحد القولين يكون ذلك رضى بإسقاط (¬1) الشفعة. واختلف إذا باع الشفيع النصيب الذي يستشفع به هل له الشفعة؟ والقول ألا شفعة له أحسن؛ لأنَّ الشفعة جعلت لدفع الضرر الذي يدخل المشتري من المقاسمة (¬2) أو تضييق نصيبه، فإذا خرج من يده نصيبه زال الوجه الذي يستشفع به. واختلف بعد القول إن الشفعة تسقط إذا باع بعض نصيبه هل يسقط من الشفعة بقدر ما باع؟ وأرى أن يستشفع الجميع؛ لأنَّ الشفعة تجب بالجزء اليسير في الجزء الكبير، وتقدم القول إن المقاسمة من الشفيع تسقط الشفعة؛ لأنَّ الشفعة تجب بالشرك، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فَإِذَا وَقَعَتِ الحُدُودُ وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ فَلاَ شُفْعَة" (¬3)، فإذا اقتسما وصار للشفيع نصيب معين لم يكن له شفعة في الآخر؛ لأنه معين، ولم يرَ ابن القاسم مقاسمة غير الشفيع تسقط الشفعة، فقال في رجل اشترى شقصًا من دار مشتركة، ولها شفيع غائب فقاسم المشتري من حضر من الشركاء، ثم قدم الغائب فله أن يرد القسمة ويأخذ بالشفعة (¬4) ذلك له (¬5)، وفي كتاب محمد مثل ذلك، فإن كانت المقاسمة من السلطان فقال سحنون: لا يرد القسم، وللشفيع أن يأخذ للمشتري بالمقاسمة (¬6)، وأرى إذا لم ¬

_ (¬1) قوله: (الأخذ بالبيع الأول. . . يكون ذلك رضى بإسقاط) زيادة من (ق 6). (¬2) قوله: (من المقاسمة) زيادة من (ق 6). (¬3) سبق تخريج الحديث في بداية كتاب الشفعة، ص: 3299. (¬4) في (ف) زيادة: (بالشفعة). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 222. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 190.

فصل [في إلزام الشفيع بأخذ الشفعة أو تركها]

يكن للمشتري شفيع إلا الغائب وحده ألا مقاسمة له؛ لأنه دخل على أن للغائب حقًّا في دقاء الشرك حتى يأخذ بالشفعة أو يترك وكذلك إذا كان معه شريكا سوى الغائب فليس له أن يدعو إلى المقاسمة وذلك لشركائه إن أحبوا، ويجمع نصيب الغائب مع نصيب المشتري ليبقي على حقه في الشفعة فيستشفع إذا قدم فيجمع نصيبه مع (¬1) النصيب المستشفع، فإن جهل القاسم قسم نصيب الغائب بانفراده، كان للغائب أن يرد القسم كما قال ابن القاسم؛ لأنه إن كان صار نصيب الغائب في طرف والمشتري في طرف، وبينهما نصيب من لم يأخذ الشفعة كان فيه ضررًا على الغائب؛ لأنَّ من حقه أن يجمع له جميع ذلك في موضع، وإن كان نصيب المشتري والغائب في موضع كانت الشفعة بالجوار وليس بالشرك؛ لأنَّ الغائب صار له نصيب في معين لا يشركه فيه الآخذ، وهذا إنما تصح الشفعة فيه على مذهب أبي حنيفة - رضي الله عنه - (¬2). فصل [في إلزام الشفيع بأخذ الشفعة أو تركها] وللمشتري أن يقوم على الشفيع ويلزمه بالأخذ أو الترك، فإن امتثل أحد الوجهين وإلا رفعه إلى السلطان فألزمه مثل ذلك، فإن سأل أن يؤخر فينظر ويستشير كان فيه قولان، فقيل: لا يمكن من ذلك ويجبره السلطان على الأخذ أو الترك، ولا يؤخر، وقال مالك في المختصر: يؤخر اليومين والثلاثة (¬3)، وهو أحسن إذا كان وقفه بحسب ما اشترى؛ لأن الأول قد تربص وأمهل وإن تأنى ¬

_ (¬1) قوله: (نصيبه مع ال) زيادة من (ف). (¬2) انظر: المبسوط للسرخسي: 14/ 162 وما بعدها. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 184.

قبل الشراء وكان وقفه بعد أيام وهو عالم لم يمهل إلا اليوم لا أكثره، فإن أخذ وسأل الصبر ليأتي بالثمن كان ذلك له. واختلف في القدر الذي يؤخر له، فقال مالك: ثلاثة أيام، وفي ثمانية أبي زيد: العشر ونحوه مما يعرف، ولا يكون على المشتري فيه ضرر، وقال أصبغ: الخمسة عشر والعشرين وأكثر بقدر ثمن الشقص وكثرة المال وجمعة وشهر إن رأى ذلك الحاكم، ولا أرى لما وراء ذلك تأخيرًا في شيء قل ذلك أو كثر، انتهى قوله، داذا أخذ فلم يأت بالمال كان المشتري بالخيار بين أن يمضى له الأخذ ويباع عليه ذلك الشقص وغيره في الثمن أو يرد الشقص لأنه ليس له أن يأخذ للبيع، وهذا إذا شرط عليه إحضار الثمن إلى ذلك الأجل ولم يزد فأما إن شرط إن لم يحضره فلا شفعة له فعجز عن إحضار المال -رد الشقص (¬1) للمشتري ولم يكن له أن يسلمه الشفيع ويباع عليه في الثمن. ¬

_ (¬1) قوله: (إلى ذلك الأجل. . . عن إحضار المال- رد الشقص) ساقط من (ق 2).

باب في اختلاف المشتري والشفيع في الثمن

باب في اختلاف المشتري والشفيع في الثمن وإذا اختلف المشتري والشفيع في الثمن وأتيا معًا (¬1) بما يشبه، فقال المشتري مائة، وقال الشفيع تسعين، كان القول قول المشتري مع يمينه إذا ادعى الشفيع المعرفة بالثمن فقال: كنت حاضرًا البيع أو أقررت لي بذلك (¬2). واختلف إذا لم يدع المعرفة واتهمه أن يكون الثمن دون ذلك، فقيل: لا يمين عليه، وقيل: يحلف بالله لقد أخرج فيه من الثمن ما سمَّى، وما أعلن شيئا وأسر غيره، وما ابتاع بعرض ولا بدَين، ثم قيل للشفيع: خذ أو اترك، والأخذ باليمين اليوم أحسن؛ لأن الناس قد كثر منهم التحيل فيما يرون أنه يدفع الشفيع عن الأخذ، وربما أظهروا أن ذلك صدقة وهو في الباطن بيع إلا من كان من أهل الثقة والدين فلا يحلف. وإن أتى المشتري بما لا يشبه والشفيع بما يشبه حلف الشفيع وأخذ بما حلف عليه، قال مالك: إلا أن يكون مثل هؤلاء الملوك فيرغب في الدار لجواره، ويُثْمن فيها- فيكون القول قول المشتري إذا أتى بما يشبه (¬3)، يريد: ما يمكن أن يزيده فيها، وإن أتيا جميعًا بما لا يشبه حلفا ورد إلى الوسط مما يشبه فيأخذ به أو يدع وإن حلف أحدهما ونكل الآخر كانت الشفعة بما حلف عليه الحالف منهما (¬4). ¬

_ (¬1) في (ق 7) و (ق 2): (جميعًا). (¬2) المدونة: 4/ 217. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 217. (¬4) قوله: (منهما) زيادة من (ف).

ولأشهب عند محمد: وإن أتى المشتري بما لا يشبه ولا علم عند الشفيع من الثمن لأنه لم يحضر البيع أن القول قول المشتري مع يمينه (¬1). وليس بحسن، وأراه بمنزلة من غيب الثمن، فإن رجع إلى ما يشبه، وإلا كان الشفيع بالخيار بين أن يأخذ الشقص ولا يدفع ثمنا حتى يثبت المشتري ما اشترى به، ويلزمه بيان الثمن، وإن لم يبين سجن. ومحمل القول (¬2) -إذا أتى المشتري بما لا يشبه ونكل المشتري- إن للشفيع أن يحلف ويأخذ ذلك إذا أتى بما لا يشبه في الغالب، فأما إن قال فيما ثمنه خمسون اشتريته بمائتين لم يقبل قوله، ولم يتعلق في مثل ذلك يمين؛ لأنه في معنى المستحيل (¬3) وبمنزلة من غيب الثمن، وقال سحنون في المجموعة: إذا ظهر للحكم في ثمن الشقص تجاوز عن التغابن، وكان الأغلب أنه حيلة لقطع الشفعة رد إلى ما شبه من ذلك، وأقربه من قيمة الشقم (¬4) وجعلهما بمنزلة من اشترى بثمن فكتمه. وهذا أحسن إذا كان لا يشبه على حال (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 196. (¬2) في (ق 7) و (ق 6) و (ق 2): (قوله). (¬3) في (ف): (المستحمل). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 166. (¬5) قوله (وهذا أحسن. . . حال) ساقط من (ف).

فصل [في اختلاف تقويم المشتري والشفيع إذا كان الثمن عرضا]

فصل [في اختلاف تقويم المشتري والشفيع إذا كان الثمن عرضا] وإذا كان الثمن عرضا واختلفا في قيمته قوَّمه أهل المعرفة وأخذ بتلك القيمة، وإن نقص سوقه أو زاد أخذه بقيمته يوم كان اشترى إذا كان أتى بما يشبه. فإن اختلفا في القدر الذي نقص سوقه أو زاد كان القول قول المشتري، فإن قال المشتري نقص سوقه (¬1) عشرة أو زاد خمسة، وقال الشفيع بل نقص خمسة أو زاد عشرة كان القول قول المشتري إلا أن تشهد بينة أن مثل ذلك لم يزد سوقه أو لم ينقص إلا على ما قاله الشفيع، وإن قال المشتري تغير سوقه بنقص، وقال الشفيع لم يتغير (¬2) وأشكل (¬3) الأمر كان القول قول من ادعى أنه لم يتغير سوقه؛ لأنه (¬4) يدعي استصحاب الحال إلا أن يثبت الآخر تغيره، وإن كان الغالب من حين البيع أنه يتغير إلى نقص أو غلاء كان القول قول من ادعى تغيره (¬5)، فإن هلك العرض واختلفا في صفته كان القول قول المشتري، فإن أتى بما لا يشبه كان القول قول الشفيع إن أتى بما يشبه، وقال ابن دينار في كتاب المدنيين فيمن اشترى أرضا فقام الشفيع بشفعته، وادعى الشفيع أنها لم تقسم: فالقول قول الشفيع إنها لم تقسم حتى يقيم الآخر البينة، وقال ابن ¬

_ (¬1) قوله: (سوقه) زيادة من (ف). (¬2) في (ف) و (ق 2) و (ق 7): (تغير). (¬3) زاد في (ف) و (ق 2) و (ق 7): (بزيادة). (¬4) قوله (لأنه) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (وإن كان الغالب من حين البيع أنه يتغير إلى نقص أو غلاء كان القول قول من ادعى تغيره) زيادة من (ق 6).

القاسم مثله؛ لأن الأصل الشركة، فكان القول قول من ادعى ما كانا عليه حتى يثبت غيره، ولأن نصف ما يقول المشتري إنه اشتراه الشفيع في أصل الشركة فلا يقبل قول المشتري على الشفيع إنه باع، وإن اشترى هو منه، وعكسه أو قال المشتري: اشتريت النصف شائعا، وقد مات البائع أو غاب فقال الشريك: كنت قاسمت البائع منها (¬1) قبل أن تشتري منه كان القول قول المشتري إن ذلك شائع حتى يعلم المقاسمة. ¬

_ (¬1) قوله: (منها) زيادة من (ف).

باب في اختلاف البائع والمشتري في الثمن

باب في اختلاف البائع والمشتري في الثمن وإذا قال البائع بعت بمائة، وقال المشتري بخمسين، والشقص قائم تحالفا وتفاسخا وسقطت الشفعة، فإن نكل البائع وحلف المشتري غرم خمسين واستشفع بها الشفيع، وإن نكل المشتري وحلف البائع (¬1) أخذ مائة. واختلف بما يستشفع (¬2) فقال أشهب في كتاب محمد (¬3): بخمسين لأنَّه الثمن الذي أقرَّ به المشتري، ولأنه يقول: ظلمني البائع بيمينه، وأخذ ما ليس له، قال: ولو رجع المشتري إلى ما قاله البائع ما قبل منه، وقال عبد الملك بن الماجشون وأصبغ في كتاب (¬4) ابن حبيب: يستشفع بمائة (¬5)، والأول أصوب والوجه ما قال أشهب، وليس ذلك بمنزلة من اقتدى لأنَّ الشراء تقدم وثبت، وإنما في الذمة خمسون، فظلم البائع وأخذ (¬6) فوق ذلك، وإن أحب (¬7) الشفيع قبل أن يفسخ البيع أن يستشفع بمائة ويكتب العهدة على المشتري بخمسين، وعلى البائع بخمسين كان ذلك له على قول ابن القاسم (¬8)، وإن كره المشتري وليس له ذلك على قول أشهب قياسًا على قولهما إذا استحق بعض الأرض، ¬

_ (¬1) قوله: (البائع) سقط من (ف). (¬2) قوله: (واختلف بما يستشفع) زيادة من (ف). (¬3) قوله: (في كتاب محمد) يقابله في (ق 2) و (ق 7): (عن محمد). (¬4) قوله: (في كتاب) يقابله في (ق 2) و (ق 7): (عند). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 195. (¬6) في (ف): (بما). (¬7) في (ق 7): (أراد). (¬8) انظر: المدونة: 4/ 31.

وكان ذلك عيب يوجب للمشتري الرد، فرضي الشفيع بالأخذ (¬1) وأراد المشتري الرد، فقال ابن القاسم ذلك للشفيع (¬2) ولم ير (¬3) ذلك أشهب للعهدة التي (¬4) تكتب عليه وهو في الاختلاف (¬5) في الثمن أحسن، وله الشفعة قبل التحالف أو بعد يمين أحدهما، وكذلك إن حلفا على القول إن البيع منعقد بعد أيمانهما (¬6) حتى يحكم بفسخه. واختلف إذا اختلفا بعد فوت الشقص، فقال ابن القاسم: القول قول المشتري مع يمينه والشفعة بخمسين (¬7)، وقال أشهب في كتاب (¬8) محمد: يتحالفان وعلى (¬9) المشتري قيمته يوم الصفقة، إلا أن تكون القيمة أكثر مما ادعاه البائع أو أقل مما قاله المشتري، ثم تكون الشفعة (¬10) بما تستقر به القيمة (¬11)؛ لأن أيمانهما عنده فسخ العقد الأول، والقيمة بدل من رد العين، وإذا انفسخ العقد الأول صار الثمن القيمة بخلاف المسألة الأولى، إذا حلف البائع ونكل المشتري؛ لأنَّ العقد في ذلك بحاله لم ينفسخ، والخمسون مظلمة على المشتري، ولا يدخل ¬

_ (¬1) قوله: (فرضي الشفيع بالأخذ) يقابله في (ف): (فقال الشفيع: إذا أخذ). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 242. (¬3) في (ق 2): (ولم يرد). (¬4) قوله: (التي) في (ق 7) و (ق 2): (الذي). (¬5) في (ف): (اختلاف المتبايعين). (¬6) قوله: (بعد أيمانهما) زيادة من (ف). (¬7) قوله: (مع يمينه والشفعة بخمسين) يقابله في (ق 7) و (ق 2): (وأخذ الشفيع بما حلف عليه). (¬8) قوله: (في كتاب) يقابله في (ق 2) و (ق 7): (عند). (¬9) في (ف): (ويغرم). (¬10) قوله: (تكون الشفعة) يقابله في (ف): (يستشفع). (¬11) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 195.

فصل [في حكم الشفعة إذا مات المشتري أو غاب وجهل ورثته الثمن]

ها هنا قول ابن الماجشون: إذا فات البيع؛ لأنه مع القيام كالمتعدي مع الفوت. فصل [في حكم الشفعة إذا مات المشتري أو غاب وجهل ورثته الثمن] واختلف إذا قال المشتري: نسيت الثمن وطالت السنون مما ينسى فيه الثمن، أو مات المشتري وقال الورثة: لا علم عندنا، وكان الشفيع غائبًا أو صغيرًا، فقال ابن القاسم في كتاب محمد: الشفعة ساقطة (¬1)، قال: وإن كان على غير ذلك فالشفعة قائمة بقيمة الشقص، يريد: إذا لم يبعد، وقال ابن عبدوس: قال عبد الملك: إذا جاء الشفيع إلى ولد المبتاع بعد طول الزمان حلف الولد ما عنده علم، ثم أخذ بالقيمة، وكذلك لو كان حيًا وقال لا أدري بما اشتريت، حلف، فإن نكل أخذ الشفيع إن شاء، وقيل للمبتاع: متى أحببت حقك فخذه، فإن حلف فله القيمة يوم أسلمه إلى الشفيع، فإن قال الشفيع: لا أقبضه إذ لعله ثمنه كثير، فلا بدَّ من يمين المبتاع أنه ما علم أو يستحق، وقال غيره: إذا اختلفا في الثمن، فجاء المشتري بما لا يشبه أو جهل الثمن استشفعه بقيمته يوم ابتاعه (¬2) فأسقط ابن القاسم الشفعة إذا طالت السنون، وأثبتها عبد الملك بالقيمة، ولم يبين هل تكون القيمة يوم البيع أو اليوم، والقول ألا شفعة أحسن؛ لأنَّ الشفعة كانت لتغليب أحد الضررين فيعود إلى المشتري ثمنه، ويرتفع الضرر عن الآخر، فإذا جهل وأمكن أن ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 194. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 194، 195.

فصل [فيما إذا أقر المالك بالبيع وأنكر الآخر الشراء]

يؤخذ بأقل مما بيع به كان فيه ظلم على المشتري- لم يؤخذ منه. فصل [فيما إذا أقر المالك بالبيع وأنكر الآخر الشراء] وإن أقرَّ المالك بالبيع وأنكر الآخر الشراء حلف أنه لم يشتر ويسقط الشفعة، وقال في كتاب محمد فيمن أقرَّ أنه باع من فلان وفلان منكر فلا شفعة له إن أنكر، وإن كان (¬1) غائبًا، فإن كان بعيد الغيبة فللشفيع الشفعة؛ لأنَّ البائع مقرٌّ أنه أولى به منه، فإن قدم الغائب فأقر كانت العهدة عليه، وإن أنكر وحلف رجع الشقص إلى البائع، وقال محمد: أحب إليَّ ألا يرجع الشقص إلى البائع، وإن أنكر الغائب (¬2)؛ لأنَّ البائع مقرٌ أن الشفيع أحق بذلك الثمن، ويكتب عهدة الثمن على البائع، وقول محمد صواب، وأرى الحاضر مثله له الشفعة؛ لأنَّ المالك مقر بانتقال ملكه، وأن الشفعة واجبة للشفيع وأن المشتري ظلمه في جحوده. وقال ابن القاسم في المدونة فيمن قال: اشتريت هذا الشقص من فلان وفلان غائب، وقام الشفيع بالشفعة فلا شفعة له (¬3)؛ لأنَّ الغائب إذا قدم وأنكر كان له كراء ما سكن وأخذ نصيبه، وإن قُضي له بالشفعة، ثم أتى فأنكر البيع لم يكن له على الذي قُضيَ له بالشفعة من الكراء شيء، وقال أشهب في كتاب محمد: إذا كان الشقص في يد المدعي حتى لا يقدر أحد على إخراجه من يده كان له الشفعة، فإن قدم الغائب فأقر ¬

_ (¬1) قوله: (منكر فلا شفعة له إن أنكر وإن كان) زيادة من (ق 6). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 198. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 257.

فصل [في الشفعة إذا اختلف المشتري والشفيع في وقوع البيع قبل القسم]

مضت الشفعة، وإن أنكر أخذ شقصه، ورجع الشفيع بالثمن على من دفعه إليه (¬1)، وأرى أن يقضى له بالشفعة على أنه (¬2) إن أنكر الآخر الشراء حلف أنه لم يشتر ولا شفعة للشريك، وسواء كان يمينه بعد يمين المدعى عليه أو قبل يمينه (¬3). فصل [في الشفعة إذا اختلف المشتري والشفيع في وقوع البيع قبل القسم] وإذا قال المشتري: اشتريت مقسوما فلا شفعة لك علي، وقال الشفيع: اشتريت شائعا قبل القسم كان القول قول الشفيع البيع كان ولم يقسم؛ لأن الأصل الشركة فكان القول قول من ادعى ما كان عليه أمرحتى يثبت غيره وأن نصفها يقول المشتري إنه اشتراه للشفيع فلا يأخذ قول المشتري على الشفيع إنه باعه بالذي اشترى هو منه (¬4)، وعكسه لو قال المشتري اشتريت ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 198. (¬2) قوله: (أنه) زيادة من (ق 6). (¬3) زاد الناسخ في نسخة (ف): (تمَّ الباب من الأصل، يتلوه بقية كتاب الشفعة من الأم)، وسقط الفصل التالي من نسخته, ثم أكمل ما يتلوه إلى آخر الكتاب. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 12/ 78، ونصه: (وسئل عن رجل اشترى أرضًا وقبضها ثم أن رجلًا أتي يطلب فيها الشفعة فزعم المشترى أنه اشترى شيئًا مقسومًا وأدعى الشفيع أنها لم تقتسم على من ترى البينة؟ قال: بلغني عن سعيد بن المسيب أنه قال: أيما رجل عرف المدعي من المدعى عليه لم يلتبس عليه ما يحكم به بينهما، فالمدعي أن يقول الرجل قد كان والمدعي عليه أن يقول لم يكن، فالذي قال هو مقسوم وقد اشتريت مقسومًا مدع لأنه لا يشك أن الأرض أصل ما كانت عليه أنها لم تقسم، فهو مدع حين يقول اشزيت شيئًا قد قسم، فعليه أن يثبت ذلك، والذي يقول لم يقسم مدعى عليه فالقول قوله حتى تبطل قوله البينة). وانظر: النوادر والزيادات: 11/ 198.

نصفها شائعا وقد مات البائع أو غاب، وقال الشريك كنت قاسمت شريكي قبل أن تشترى أنت منه لكان القول قول المشتري إن ذلك شائع غير مقسوم حتى يعلم أنه قاسمه فيه (¬1). ¬

_ (¬1) قوله: (فصل. . . إلى آخر الفصل) مثبت فقط من (ق 6).

باب إذا اشترى بثمن تم زاد أو حط منه أو أسقط وفي الإقالة

باب إذا اشترى بثمن تم زاد أو حط منه أو أسقط وفي الإقالة وإذا اشترى بألف ثم زاد المشتري البائع مائة استشفع بالألف؛ لأن الزائد هبة، وقال أشهب في المجموعة: وللمشتري أن يرجع على البائع بما زاده بعد أن يحلف ما زاد إلا فرارًا من الشفعة، وإلا فلا رجوع له. وقال عبد الملك: يستشفع بالألف ومائة، وإلا يترك ولا يتهم المشتري أن يريد إلا إصلاح البيع (¬1)، ولا أعلم لذلك وجهًا؛ لأن المشتري كان في مندوحة عن تلك الزيادة، وقد استحق الشفيع الشفعة بالألف، إلا أن يعلم أنه لو لم يزده لادعى عليه ما يفاسخه البيع به، وأمَّا إن حط من الثمن، فقال ابن القاسم في المدونة: إذا حط تسعة مائة درهم، فإن كان يشبه أن يكون ثمنها عند الناس مائة درهم استشفع بمائة درهم، وإن كان لا يشبه أن يكون ثمنها مائة درهم كانت الشفعة بالألف (¬2)، وأرى إن حط مائة أو ما يمكن أن يسامح به المشتري فإنه يستشفع بقيمته. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 167. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 223، ونصه: (قلت: أرأيت ما حط البائع عن المشتري قبل أخذ الشفيع بالشفعة أو بعد ما أخذ؟ قال: إذا وضع عنه ما يرى أن مثل ذلك مما يوضع في البيوع، فذلك يوضع عن الشفيع. وإن كان شيئا لا يوضع مثله، فإنا ذلك هبة، ولا يوضع عن الشفيع من ذلك شيء).

فصل [فيما يجب في الشفعة من الثمن]

فصل [فيما يجب في الشفعة من الثمن] الشفعة تجب بمثل الثمن إذا كان دنانير أو دراهم أو ما يكال أو يوزن، وإن كان عرضًا أو غير ذلك مما لا يقضى فيه بالمثل فعلى ثمانية أقسام: فالأول: إذا كان الثمن عبدًا بعينه، فالشفعة بقيمته يوم البيع لا يوم الاستشفاع. الثاني: أن يكون موصوفًا في الذمة حالًا، فالشفعة بمثله الآن. والثالث: أن يكون الشقص صداقًا ففيه وجهان، فقيل: يستشفع بقيمة الشقص، وقيل: بصداق المثل، وهذا بناء على استحقاق الشقص، فقيل: يرجع بقيمته، وقيل: بصداق المثل وبقيمته أحسن (¬1). والرابع: أن يكون أخذ عن خلع (¬2) أو صلح أو عن دم، فالشفعة بقيمته. والخامس: أن يكون صلحًا عن دارٍ أو عبد، والمدعى عليه منكر، فقيل: فيه الشفعة بقيمة المدعى فيه، وقيل: لا شفعة فيه؛ لأن الأول إنما دفع عن نفسه خصومة، والقياس أن يستشفع بقيمته لا بقيمة المدعى فيه قياسا على قوله: إنه إذا استحق رجع بقيمته لا بقيمة المدعى فيه، وفي استشفاعه بقيمة المدعى فيه ظلم على الشفيع؛ لأنَّ الغالبَ في الصلح على الإنكار أنه لا يؤخذ ما يساوي قيمة المدعى فيه، ولا ما يقاربه، والمسامحة فيه والتجاوز أكثر منه في النكاح، فإذا لم يجعل لزوجته أن تأخذ من الشفيع قيمة ما سلمت وهو صداق المثل لم يرجع ¬

_ (¬1) قوله: (وبقيمته أحسن) زيادة من (ق 6). (¬2) في (ق 7): (خلف).

فصل [في الشقص يباع بياعات والشفيع غير عالم]

هذا بقيمة ما ادعى فيه مع أنه لم يثبت أنه ملك له. والسادس أن يكون ذلك الشقص عوضًا من هبة الثواب، فإنه يستشفع إن كانت الهبة قائمة بقيمته. واختلف إذا كانت فائتة، فقال ابن القاسم: بقيمته، وقال أشهب وعبد الملك: بالأقل من قيمة الهبة أو قيمة الثواب (¬1). والسابع أن يكون الثمن جزافًا، فقال محمد: إن اشترى بحلي جزافًا، فإنّ الشفيع يستشفع بقيمته، فإن كان ذهبًا قوِّم بالفضة أو فضة قوِّم بالذهب، والقيمة في ذلك يوم كان اشترى ليس يوم يأخذ بالشفعة، وكذلك كل ما اشترى به جزافًا فالقيمة في ذلك يوم كان اشترى ليس يوم يأخذ بالشفعة. والثامن: أن يكون مما له مثل فيغرم ذلك المثل، فرجع فيه إلى القيمة، فقال مالك في المجموعة فيمن اشترى بعنبر يوجد ولم يأخذ، فعلى الشفيع قميته (¬2)، وأرى أن يكون المشتري بالخيار بين أن يأخذ بقيمة هذا أو يضم حتى يؤخذ أو يأتي وقت السفر به أو قدوم الناس به. فصل [في الشقص يباع بياعات والشفيع غير عالم] وإذا بيع الشقص بياعات والشفيع غير عالم كان له أن يستشفع بأيها أحب، فإن استشفع بأولها انفسخ ما كان من البياعات، ورجع كل مشترٍ على بائعه بالثمن، وإن استشفع بآخرها بيعًا، ثبت جميعها، وإن استشفع بأوسطها ثبت ما قبلها، وانفسخ ما بعدها، وإن كان بيعًا ونكاحًا وتقدم البيع كان له بالخيار بين ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 175، 176. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 161.

أن يستشفع من الزوج بالثمن وترجع الزوجة بالثمن على الزوج بقيمة ذلك الشقص، وتكتب العهدة عليها، وإن تقدم النكاح ثم باعت ذلك الزوجة استشفعت الزوجة بقيمة الشقص، وينفسخ البيع أو من المشتري بالثمن، وكتب العهدة عليه، ولو كان نكاح وخلع استشفع من الزوجة بقيمته يوم النكاح، ويرجع الزوج عليها بقيمته يوم الخلع، فإن كان بيعًا ثم هبة (¬1) كان له أن يستشفع من المشتري، واختلف لمن يكون الثمن، فقال ابن القاسم: الثمن للموهوب له، ولا يشبه ما استحق (¬2)، وقال أشهب: الثمن للواهب، قال محمد: وهو أحبُّ إلينا، وقاله سحنون (¬3). واختلف إذا اشترى شقصًا بثمن إلى أجل أو أخذه من دين مؤجل على ثلاثة أقوال، فقيل: يأخذ بمثل ذلك من الثمن مؤجل في الوجهين جميعًا، وهو قول ابن القاسم في المدونة فيمن اشترى بثمن إلى أجل يستشفع (¬4) بمثله، وإن أخذه عن دية خطأ وهو غني استشفع بمثله منجما في ثلاث سنين (¬5)، وقيل: يستشفع بقيمته في الوجهين جميعًا، وقيل: إن اشتراه بثمن مؤجل استشفعه بمثله، وإن أخذه من دين فقيمته وهو على قول عبد الملك وسحنون، ثم ينظر إلى الدين، فإن كان عرضًا استشفع بقيمته عينًا، وإن كان عينًا قوم بما يكال ويوزن (¬6)، قال ابن عبدوس عن سحنون: تقوّم العين بعروض ويقوّم العروض ¬

_ (¬1) قوله: (ثم هبة) يقابله في (ف): (ثم وهبة). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 222. (¬3) قوله: (وقال أشهب. . . وقاله سحنون) زيادة من (ق 6). (¬4) قوله: (يستشفع) ساقط من (ف). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 248. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 162.

بعين، وبه يستشفع الشفيع (¬1)، والأول أحسن، وإن كان الثمن طعامًا أخذ بمثله، ولا يدخله بيع الطعام قبل أن يستوفى؛ لأن الطعام الذي في ذمته ثابت لمن باع منه يوفيه إياه، وهذا بيع بمثله (¬2)، والقول الأول أحسن أن يستشفع بمثله في الوجهين جميعًا؛ لأنَّ الدين إن كان عينًا أو عرضًا موصوفًا له مثل والأجل له مثل، فالأصل في الشفعة أن يؤخذ بمثل الثمن فيوجب أن يأخذه بمثله إلى أجلٍ. وقال أشهب في كتاب محمد: إن اشتراه بثمن مؤجل وهو عين استشفع بمثله إلى أجل، وإن كان المؤجل عرضًا أخذ بقيمته، قال محمد: وهذا غلط (¬3). قال الشيخ - رضي الله عنه -: وهذا مثل قول ابن القاسم في المدونة، إذا أخذ عن دية خطأ وهي عين، أخذ بمثله، وإن كانت إبلًا أخذ بقيمتها، وإذا أخذ ذلك من دين مؤجل، وكان الغريم مُلِدّا ظالمًا أو لا وفاء عنده أو عليه غرماء، لم يأخذ (¬4) الشفيع بمثل ذلك الدين، ثم يختلف بم (¬5) يأخذ؟ فعلى القول في الموسر إنه يأخذ بمثل ذلك الدين يحط ها هنا ما يرى أنه يحط لمكان لدده أو قلة وفائه، وعلى القول الآخر يأخذ بقيمة ذلك الدين على حال من هو عليه، إلا أن يتبين أن الطالب لم يهضم لذلك شيئًا، وأنه يأخذ ما يؤخذ بمثله من الموسر الموفي، فلا يحط من عدد ذلك الدين شيئًا. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 163. (¬2) في (ق 6): (مثله). (¬3) انظر: النوادر والزيادات 11/ 163. (¬4) قوله: (لم يأخذ) يقابله في (ف): (ثم يأخذ). (¬5) قوله: (ثم يختلف بم) يقابله في (ف): (لم يختلف بما).

فصل [في الشفعة فيمن اشترى بدين إلى أجل والشفيع مثله في اليسار أو دونه]

واختلف إذا أخذه من دين حالٍ (¬1)، فقيل: يأخذه بقيمته، وهو قول ابن القاسم في المدونة؛ لأنه لا يبيع ما أخذ من دين حال مرابحة، إلا أن يبين، وقال: لا يبين ويأخذ هذا بالشفعة بجميع الثمن (¬2)، وهذا أحسن إذا كان الغريم موسرًا غير مُلِد، ومكنه من أخذ دينه، وإن كان معسرًا أو ملدًا فليبين في المرابحة، ويستشفع الآخر بالقيمة، وإن اشترى بدين له في ذمة رجل آخر كان كالذي اشتراه بثمن في ذمته. واختلف إذا لم يأخذ الشفيع حتى حل الأجل هل يأخذه بمثل الثمن حالًا أو يستأنف له وهو أحسن؛ لأن الأول كانت له الغلة (¬3). فصل (¬4) [في الشفعة فيمن اشترى بدين إلى أجل والشفيع مثله في اليسار أو دونه] وإن اشترى بدين إلى أجل وهو موسر والشفيع مثله في اليسار كانت له الشفعة، واختلف إذا كان دونه في اليسار إلا أنه مأمون، فقيل: له الشفعة، وقيل: لا شفعة له، إلا أن يأتي بحميل مثل الأول في اليسار، وإن كان الشفيع معسرًا لم يستشفع إلا أن يأتي بحميل موسر، ثم يختلف هل يجزئ إذا كان مأمونًا، أو حتى يكون مثل الأول؟ والصواب في السؤالين جميعًا أن له الشفعة إذا كان مأمونًا، وإن لم يكن مثل الأول. ¬

_ (¬1) قوله: (حال) ساقط من (ف). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 248. (¬3) قوله: (لأن الأول كانت له الغلة) ساقط من (ق 7) و (ف). (¬4) قوله: (فصل) ساقط من (ق 7) و (ف).

واختلف إذا كانا (¬1) فقيرين، المشتري والشفيع، وهو مثل الأول في الفقر هل له شفعة أم لا؟ وأنّ له الشفعة أحسن؛ لأنه موسر بجميع ذلك النصيب الذي استشفع به، والنصيب الذي استشفعه، وكذلك لو كان النصيب الذي استشفع به يسيرًا والمستشفع كثير، ولأنه موسر بجميع ذلك إلا أن يكون عليه غرماء أو يعلم منه الإتلاف فلا يمكن من الشفعة إلا بحميل مأمون. واختلف إذا قام الشفيع بعد أن حل الأجل هل يلزم تعجيل الثمن أو يؤخر (¬2) به بمثل ذلك الأجل وهو أحسن؛ لأنّ الأجل إنما يراعى من بعد الملك، فالأول ملك سنة يغتل ويسكن ثم بعد ذلك دفع، فكذلك هذا يأخذ ويغتل ويسكن ثم يدفع الثمن بعد سنة. ¬

_ (¬1) في (ف): (كان). (¬2) في (ف): (يؤخذ).

باب في تسليم الشفعة أو أخذها قبل المعرفة بالثمن والرجوع فيها بعد تسليمها

باب في تسليم الشفعة أو (¬1) أخذها قبل المعرفة بالثمن والرجوع فيها بعد تسليمها أو قبل تسليم الشفعة قبل معرفة الثمن جائز، واختلف في الأخذ قبل معرفة الثمن، فقيل: جائز، وهو ظاهر المدونة (¬2)؛ لأنه قال: إذا أشهد أنه أخذه قبل المعرفة بالثمن، ثم قال: بدا لي، قال: له، أن يترك (¬3) إن أحب، فجعله بالخيار في التمسك، ولو كان عنده فاسدًا لم يكن له أن يمسك، وفي كتاب محمد أن ذلك فاسد ومجبور على رده. واختلف إذا كان الثمن عبدًا وهو يعرفه، وأخذ قبل المعرفة بقيمته، فقال: ذلك فاسد، وقال في موضع آخر (¬4): إنه جائز (¬5)، ومثله إذا كانت الشفعة تجب بقيمة الشقص المستشفع به؛ لأنَّه كان صداقًا أو ثمنًا لخلع أو لدم، فينبغي ألا يستشفع حتى يقوَّم، وإن استشفع قبل المعرفة بقيمته قبل الأخذ، فإن هو أخذ قبل المعرفة فعلى القولين، واستحسن أن يمضي في ذلك كل ما لا تتباين فيه القيم، وينقض فيما لا يدرى هل يقل أو يكثر؟ واستخف محمد إذا كان الثمن ¬

_ (¬1) في (ق 6): (إذا). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 251. (¬3) في (ف) و (ق 7): (ويترك). (¬4) قوله: (في موضع آخر) ساقط من (ف). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 190.

فصل [في تسليم الشفعة وأخذها قبل معرفة المشتري]

طعامًا سمى له كيله دون صفته، ورآه جائزًا، وإن وصف بعد ذلك وكان وسطًا أو دونه لزمه، وإن كان أعلى من الوسط كان بالخيار إما أخذ أو ترك، وإذا سلم قبل المعرفة بالثمن ثم أعلم به لم يكن له قيام ولا رجوع إلا أن يكون في الثمن بخس مما لا يظن أنه يباع (¬1) به، فله الرجوع مثل أن يكون ثمن الشقص ألفًا، فوجده بيع بمائة. فصل [في تسليم الشفعة وأخذها قبل معرفة المشتري] تسليم الشفعة وأخذها قبل المعرفة بالمشتري جائز، قال محمد: ولا رجوع له (¬2)، وإن كان عدوًا أو شريرًا أو مضارًا (¬3)، والصواب أن يكون له الرجوع إذا تبين أن المشتري على أحد هذه الحالات، ومن يرى أنه لو علم به الشفيع لم يسلم له، وليس كذلك إذا أخذ ثم تبين أنه على مثل ذلك فلا رجوع له؛ لأنَّ ذلك أحرى أن يرغب في الأخذ وألا يكون شريكًا له، وإن سُمِيَ له رجل فسلم أو أخذ ثم تبين أنه غير من سُمِيَ له لزمه الأخذ ولا يلزمه التسليم؛ لأنَّ الترك يتضمن وجهين: المنة على المتروك له، وغرضه أن يكون ذلك شريكًا له، وقد يكون بينه وبين من سُمِيَ له مؤاخاة وصداقة، أو من يترك لمثله مراعاة لجاهه وقدره، وإن كان تركه كراهية للأخذ، وكان المسمى له ليس على شيء من ذلك، وهو ممن (¬4) لا يرغب عنه؛ لأنه من أهل الخير والسلامة في العشرة- لم يكن له ¬

_ (¬1) في (ف) و (ق 2): (يبلغ). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 193. (¬3) قول: (أو مضارا) ساقط من (ف). (¬4) في (ف): (وهذا مما).

مقال ولا رجوع، وكذلك إذا قيل له: إن فلانًا اشترى نصيب شريكك، فَسَلِّمْ أو خُذْ ثم تبين له أنه اشترى ذلك هو وآخر معه، فإنه لا مقال له في الأخذ، كما تقدَّم لو كان المشتري واحدًا، فأخذ ثم تبين أنه غيريره، وله مقال في الترك (¬1) فيأخذ نصيب من لم يسم له، واختلف في نصيب من سمّى له. ¬

_ (¬1) في (ف): (الشريك).

باب في الشفيع يوقف على أخذ الشفعة والتلوم له في الانفراد إذا أخذ

باب في الشفيع يوقف على أخذ الشفعة والتلوم له في الانفراد إذا أخذ وللمشتري أن يقوم على الشفيع ويلزمه بالأخذ أو الترك، فإن امتثل أحد الوجهين، وإلا رفعه إلى السلطان فألزمه مثل ذلك، فإن سأل أن يؤخر لينظر ويستشير كان فيه قولان، فقيل: لا يمكن من ذلك، ويجبره السلطان على الأخذ أو الترك، وقال مالك في المختصر: يؤخر اليومين والثلاثة، وهو أحسن إذا كان وقفه بفور ما اشترى؛ لأنَّ الأولَ قد تربص وأمهل، وإن تأنى (¬1) قبل الشراء، وكان وقفه بعد أيام وهو عالم- لم يمهل إلا اليوم لا أكثره (¬2). واختلف إذا كان الثمن مؤجلًا، فقيل: هو كالأول، وقيل: بخلافه (¬3)، وإذا أخذ بالشفعة وسأل الصبر ليأتي بالثمن كان ذلك له، واختلف في القدر الذي يؤخر له، فقال مالك: ثلاثة أيام، وفي ثمانية أبي زيد: العشرة ونحو ذلك مما يقرب، ولا يكون على المشتري فيه ضرر، وقال أصبغ: الخمسة عشر والعشرين وأكثر بقدر ثمن الشقص وكثرة المال وجمعه، والشهر إن (¬4) رأى ¬

_ (¬1) قوله: (وهو أحسن إذا كان وقفه بفور ما اشترى؛ لأن الأول قد تربص وأمهل، وإن تأنى) زيادة من (ف). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 184، وهو بالمدونة أيضًا، انظر: المدونة: 4/ 224، ونصه: (قلت: أرأيت إن أراد الأخذ بالشفعة ولم يحضر نقده، أيتلوم له القاضي في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: رأيت القضاة عندنا، يؤخرون الأخذ بالشفعة في النقد اليوم واليومين والثلاثة. قال: ورأيت مالكا استحسنه وأخذ به ورآه). (¬3) فراغ في (ف) و (ق 7)، وغير واضح في (ق 2). (¬4) قوله: (والشهر إن) يقابله في (ف): (والشهران إن).

ذلك الحاكم (¬1) ولا أرى لما وراء ذلك تأخيرًا في شيء قلَّ أو كثر. قال الشيخ - رضي الله عنه -: وأرى الشهر كثيرًا، والشهر كبيعه إلى أجل، والأصل بيع نقدٍ، والعشرة (¬2) والخمسة عشر ففي كثرة المال حسن، فإن كان يعجز عن ذلك قطع السلطان (¬3) شفعته، وإذا أخذ وأتى الأجل ولم يحضر ولم يأت بالمال كان المشتري بالخيار بين أن يمضي له الأخذ ويباع عليه ذلك الشقص وغيره في الثمن أو يرد الشقص ويأخذ ثمنه (¬4)؛ لأنه (¬5) ليس له أن يأخذ للبيع، وهذا إذا شرط عليه إحضار الثمن إلى ذلك الأجل، ولم يزد على ذلك، وإن كان شرط عليه إن لم يحضره فلا شفعة له فعجز سلم ذلك، ولم يكن للمشتري أن يسلمه ليباع عليه في الثمن. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 186. (¬2) قوله: (نقد والعشرة) يقابله في (ف): (بقدر العشرة). (¬3) قوله: (السلطان) زيادة من (ق 6) و (ق 7). (¬4) قوله: (ثمنه) ساقط من (ق 7) و (ق 2). (¬5) قوله: (لأنه) ساقط من (ف).

باب فيمن اشترى دارا فهدمها ثم استحق نصفها

باب فيمن اشترى دارًا فهدمها ثم استحق نصفها وإذا اشترى (¬1) رجل دارًا فهدمها ثم استحق رجل (¬2) نصفها، فإنه لا يخلو النقض (¬3) من أربعة أوجه: إما أن يكون قائمًا بيد المشتري، أو باعه، أو وهبه، أو بنى تلك الداربه. ¬

_ (¬1) في (ف): (استحق). (¬2) قوله: (رجل) سقط من (ق 2). (¬3) في (ق 7): (النقص).

باب فيمن سلم الشفعة بعد الشراء أو قبله بعوض أو بغير عوض

باب فيمن سلم (¬1) الشفعة بعد الشراء (¬2) أو قبله بعوض أو بغير عوض وإذا أسلم الشفيع الشفعة بعد عقده البيع بعوض أو بغير عوض، جاز ذلك، ولم يكن له رجوع، واختلف إذا أسلمها قبل الشراء، فقال له: اشتر (¬3)، فإذا اشتريت فلا شفعة لي عليك، فقيل: لا يلزمه ذلك (¬4)، وله أن يستشفع ويجري فيها قول آخر أن لا شفعة له قياسًا على من قال: إن اشتريت عبد فلان، فهو حر أو (¬5) تزوجت فلانة، فهي طالق؛ لأنه أوجب العتق قبل الملك والطلاق قبل أن تصل إلى حالة يصح فيها الطلاق (¬6)، وقد قالوا فيمن جعل لزوجته الخيار: إن تزوج عليها فأسقطت ذلك الخيار قبل أن يتزوج عليها (¬7) إن ذلك لازم وهو في الشفعة أبين؛ لأنه أدخل (¬8) المشتري في الشراء لمكان الترك، ولولا ذلك لم يشتر، فأشبه هبة قارنت البيع؛ لأنه لو قال له (¬9): اشتر ذلك الشقص والثمن عليَّ فاشتراه للزمه أن يغرم الثمن الذي اشتراه به؛ لأنَّه أدخله في الشراء، ¬

_ (¬1) في (ق 2): (إذا أسلم). (¬2) في (ف): (الاشتراء). (¬3) في (ف): (اشتريها). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 190. (¬5) في (ف): (و). (¬6) في (ق 2) و (ق 6) و (ق 7): (وأن تصير إلى حالة يصح فيها العتق والطلاق). (¬7) قوله: (فأسقطت ذلك الخيار قبل أن يتزوج عليها) سقط من (ف). (¬8) قوله: (لأنه دخل) يقابله في (ق 7): (إنما دخل). (¬9) قوله: (له) ساقط من (ف).

وهذا (¬1) قول مالك وابن القاسم فهو في ترك الشفعة أبين. وقد (¬2) اختلف فيمن يقول (¬3) لزوجته: إن جئتني بما لي عليك فأنا أطلقك (¬4) فجاءته به، فقال مرة: يلزمه الطلاق (¬5)، وليس له أن يدعها حتى يكثر (¬6) مالها، ثم ينزع عنها (¬7) فإن ترك الشفعة قبل الشراء بعوض، لم يجز ذلك (¬8)؛ لأنه لا يدري هل يبيع ذلك الشقص أم لا؟ وإن ترك بعوض لشرط فقال له: إن (¬9) اشزيت ذلك الشقص فقد سلمت لك شفعتي على دينار تعطيني إياه (¬10)، وإن لم يبعه منه (¬11) فلا شيء له عليك، جاز ذلك، ولو شرط النقد لم يجز، وإن سلم الشفيع شفعته لغير المشتري بعوض أو باطلا، لم يجز ذلك (¬12) لوجهين: أحدهما: أنه لم يأخذ فيبيع ذلك. والثاني: أن من حق المشتري ألا يستشفع ليبيع، ولو أراد المشتري أن يبيع ذلك من أجنبي ولم يسقط الشفيع شفعته إلا بجعل جعله المشتري الأول أو (¬13) ¬

_ (¬1) في (ف): (وهو). (¬2) قوله: (قد) سقط من (ف). (¬3) قوله: (فيمن يقول) يقابله في (ف): (في الذي يقول). (¬4) قوله: (فأنا أطلقك) يقابله في (ق 2): (فأنت طالق). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 260. (¬6) في (ف): (تيسر). (¬7) قوله: (ثم ينزع عنها) زيادة من (ق 7). (¬8) قوله: (ذلك) زيادة من (ق 7). (¬9) قوله: (إن) سقط من (ق 7). (¬10) في (ق 7): (تعطيه إياي). (¬11) في (ق 7): (منك). (¬12) قوله: (ذلك) زيادة من (ق 7). (¬13) في (ق 7) و (ق 2): (و).

الآخر للشفيع لجاز ذلك، وقال مطرف في كتاب ابن حبيب فيمن وجبت له شفعة فصالح بتركها (¬1) على أنه متى بلغه أذى المشتري أو أذى ولده أو والده فهو على شفعته، قال: لا يلزم ذلك، وله القيام فيها، ومتى طلبه المشتري بالأخذ أو الترك كان ذلك له (¬2) ما لم يطل الزمان والطول الشهور الكثيرة، وقال أصبغ: الصلح جائزٌ والشرط لازم، ولا يرجع الشفيع حتى يكون ما استثنى وإن أراد المستشفع منه (¬3) أن يدع الصلح ويوقف له الشفيع على الأخذ أو الترك، فذلك له (¬4)، وجعل المقال في ذلك والرجوع (¬5) للمشتري دون الشفيع؛ لأنّ ترك (¬6) الشفيع هبة له، وعليه في الترك على تلك الصفة مضرة؛ لأنَّهما إن أحدثا بناء أو غرسًا أو تغير لحسن قيام ثم حدث شيءٌ من المشتري أو ولده قام فأعطاه قيمة ما أحدث وأخرجه وكان له أن يقوم فيقول: إمَّا أن يسقط حقك (¬7) مرة ويتصرف تصرف (¬8) من لا يخشى أن ينزع من يديه أو تأخذ فرأى مطرف أيضًا أن للشفيع في ذلك مقالًا (¬9)، وقال أشهب فيمن اشترى شقصًا على خيار فسلم له الشفيع ¬

_ (¬1) في (ق 7): (على تركها). (¬2) قوله: (له) سقط من (ق 7). (¬3) قوله: (وإن أراد المستشفع منه) زيادة من (ق 7). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 173. (¬5) قوله: (والرجوع) زيادة من (ق 6). (¬6) قوله: (الشفيع على الأخذ أو الترك، فذلك له، وجعل المقال في ذلك والرجوع للمشتري دون الشفيع؛ لأن ترك) سقط من (ق 7). (¬7) في (ف) و (ق 2) و (ق 6): (حقًا). (¬8) في (ف): (بصرف). (¬9) قوله: (فإن ترك الشفعة قبل الشراء بعوض لم يجز ذلك لأنه لا يدري. . . . . فرأى مطرف أيضًا أن للشفيع في ذلك مقالًا) اختلف السياق في (ق 2) وقدمت فقرات وأخر غيرها، والمثبت يوافق (ق 6).

فصل [فيمن أراد أن يشفع لغيره]

الشفعة ثم استوجب إن له الشفعة (¬1)، وهذا أبعد و (¬2) أبين في سقوط الشفعة؛ لأنه قد حصل السبب الذي يكون لأجله المطالبة أو الترك كالذي أجاز له ورثته وصيته بأكثر من ثلثه في مرضه بخلاف الصحة. فصل [فيمن أراد أن يشفع لغيره] ومن المدونة: وإذا بيع نصيب من دار وأتى شفيعها فأراد أن يأخذ بالشفعة لغيره إنه ليس ذلك له (¬3)، وهذا هو الصحيح وهو يرد قوله الأول (¬4) فيمن استشفع وعليه غرماء؛ لأن ذلك للبيع. قال محمد: فإن أربحه ثم ظهر على ذلك فله رده إن ثبت ذلك بمعرفة أو إقرار الشفيع (¬5). ومن المدونة قال ابن القاسم (¬6) في دار في يد رجل فأقام رجل البينة أنه اشتراها من هذا الذي الدار في يديه وأقام الذي الدار في يديه البينة (¬7) أنه اشتراها من هذا المدعي، قال (¬8): فإن تكافأت البينتان فهي للذي هي في يديه؛ ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 179. (¬2) قوله: (أبعد و) سقط من (ق 2). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 256. (¬4) قوله: (الأول) سقط من (ف). (¬5) قوله (قال محمد: فإن أربحه ثم ظهر على ذلك فله رده إن ثبت ذلك بمعرفة أو إقرار الشفيع) كذا في (ق 6) ويقابله في ف (قال محمد ربحه ثم ظهر على ذلك قلة معرفة أو أقر وعليه غرماء لأن ذلك للبيع) وفي (ق 7): (قال محمد فإن أربحه ثم ظهر على ذلك قلة معرفة أو أقر أن ذلك بمعرفة أو إقرار الشفيع). (¬6) قوله: (ابن القاسم) سقط من (ق 2). (¬7) قوله: (البينة) سقط من (ق 7). (¬8) قوله: (قال) سقط من (ف).

فإن كانت إحداهما أعدل قضي بها لأعدلهما بينة (¬1). قال الشيخ: ولو لم تكن لهما بينة لكانت للذي هي في يديه (¬2)؛ لأنَّ الحكم إذا تكافأت البينتان سقطتا، ويصيران (¬3) كمن لا بينة لهما؛ لأنه إذا تكافأت الدعاوى (¬4) بقيت اليد (¬5)، وهذا إذا كانت الشهادتان عن مجلس واحد أو عن مجلسين وعدمت التواريخ، فإن علمت التواريخ كانت لآخرهما تاريخًا؛ لأنَّ صاحبها يقول: أنا أصدق بينتك أنك اشتريتها مني، وهذه بينتي تشهد أني اشتريتها بعد ذلك منك. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 229. (¬2) قوله: (فإن كانت إحداهما أعدل قضي. . . في يديه) سقط من (ف). (¬3) قوله: (سقطتا ويصيران) يقابله في (ق 2) و (ق 7): (أن تسقطا ويصيرا). (¬4) في (ف): (الدعوى). (¬5) في (ف): (ففيه البينة).

باب فيمن اشترى شقصا بعبد فاستحق ذلك العبد أو وجد به عيبا

باب فيمن (¬1) اشترى شقصًا بعبد فاستحق ذلك (¬2) العبد أو وجد به عيبًا ومن اشترى شقصًا بعبد فلم يستشفع الشفيع حتى استحق العبد أو وجد به عيبًا فرد به كان لبائع الشقص أن يسترجعه ولا شفعة للشفيع، فإن تغير الشقص بزيادة أو نقصان لم يرد، ورجع البائع على المشتري بقيمته، وكانت الشفعة للشفيع بمثل ذلك، وإن استحق العبد أو رده بعيب بعد أن استشفع ذلك الشقص، وقبل أن يفوت كان ذلك فوتًا فيما بين المشتري والشفيع أنه لا يرد الشقص. واختلف بماذا يستشفع؟ فقال ابن القاسم: بقيمة العبد، بمنزلة ما لو كان قائمًا بيد مشتريه ولم يرده، (¬3) قال: لأنّ الأخذ بالشفعة بيع حادث (¬4)، وقال عبد الملك بن الماجشون وسحنون: الشفعة بقيمة الشقص (¬5)؛ لأنَّ القيمة عادت ¬

_ (¬1) في (ق 2): (إذا). (¬2) قوله: (فاستحق ذلك) يقابله في (ق 2): (ثم استحق). (¬3) زاد في (ف) و (ق 6) و (ق 7): (لو). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 232. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 181،ونصه: (قال ابن القاسم: ومن ابتاع شِقصًا قيمتُه ألفٌ بعبد قيمتُه ألفان فأخذه الشفيع بقيمة العبد ثم استُحق العبدُ فليرجع البائعُ أيضًا بقيمة شِقصه ألف ولو كان الشقص قيمته ألفان وقيمة العبد ألف ثم استحق العبد لرجع البائع أيضًا بقيمة شقصه ولا رجوع للشفيع عليه بشيء. وقال ابن القاسم وقاله أشهب وأصبغ وقال عبد الملك في الكتابين: إن الشفيع مخيرٌ إن كان قيمة الشقص أكثر فإن شاء استشفع بذلك وإن شاء رد، قال في غير الكتابين: إن كان قيمة الشقص أقل رجع الشفيع بما بقي له، وقاله سحنون).

ثمنًا، وهي التي وزن المشتري فيه، وإن كانت قيمة الشقص ألفًا، وقيمة العبد خمس مائة أو ألف وخمس مائة غرم الشفيع ما غرمه المشتري من الألف، ولا ينظر إلى قيمة العبد؛ لأنه يسقط أن يكون ثمنًا، وإذا اقتصر على قيمة العبد، أدى ذلك إلى خسارة المشتري إن كانت قيمته خمس مائة أو إلى ربحه إن كانت قيمته ألفًا وخمس مائة، ومثله إذا كان البيع بطعام فاستحق أو رد بعيب بعد أن أخذ الشفيع، فإن البائع يرجع بقيمة شقصه، وتبقى الشفعة على قول ابن القاسم بمثل الطعام، وعلى قول عبد الملك بقيمة الشقص وهو أحسن (¬1)، وإن كانت قيمة الشقص أكثر من قيمة العبد أو الطعام كان الشفيع بالخيار بين أن يتمسك بالشفعة أو يرد؛ لأنه يصير بمنزلة من استشفع على ثمن ثم تبين أنه أكثر منه. ¬

_ (¬1) في (ق 7) و (ف): (أقيس).

باب في الشركة في الشفعة

باب في الشركة في الشفعة وإذا كانت دار بين ثلاثة فباع أحدهم نصيبه وسلم أحد الباقين الشفعة وقام الآخر وقال: آخذ بقدر نصيبي لم يكن له ذلك إذا كره المشتري؛ لأنه يبعض عليه صفقته، ويقال له خذ الجميع أو دع. واختلف إذا قال الشفيع: أنا آخذ جميع الصفقة، وقال المشتري لا أسلم لك إلا نصيبك منه، فقال مالك للشفيع أن يأخذ جميع ذلك النصيب (¬1)، وقال ابن حبيب: إن أراد من أسقط حقه في ذلك وجه المشتري لم يستشفع إلا نصيبه، وإن كان تركه كراهية لأخذه أخذ جميع النصيب (¬2)، وفي مختصر الوقار قال (¬3): ليس لمن لم يُجِزْ إلا مصابته خاصة (¬4) وهو أقيسها؛ لأنَّ الذي كان له من الشفعة نصفها والفاضل لا شيء له فيه، فإذا أسقط الآخر (¬5) حقه فيه كان لمن ترك له، فإن كانت الدار بين أربعة (¬6) فباع اثنان نصيبهما صفقة واحدة كان للثالث أن يأخذ الجميع، وليس له أن يأخذ نصيب أحدهما إلا أن يرضى المشتري، وإن كان البائع واحدًا والشفيع واحدًا، والمشتري رجلان اشتريا صفقة واحدة (¬7). فقال: أنا أشفع من (¬8) أحدهما لم يكن ذلك له عند ابن القاسم، وذلك له ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 230. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 153. (¬3) قوله: (قال) ساقط من (ق 2). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 153. (¬5) قوله: (أسقط الآخر) في (ف): (سقط). (¬6) قوله: (كانت الدار بين أربعة) ساقط من (ق 7). (¬7) قوله: (اشتريا صفقة واحدة) ساقط من (ف). (¬8) قوله: (أنا اشفع من) يقابله في (ف): (الشفيع أنا آخذ من أحدهما فقام الشفيع على).

عند أشهب، وبه قال سحنون (¬1)، وهو أحسن، وليس لمن أخذ منه أن يقول: لا تأخذ مني إلا أن تأخذ من شريكي، ولا لمن لم يؤخذ منه أن يقول: لا تأخذ من شريكي إلا أن تأخذ مني أو لا تترك الأخذ مني إلا أن تترك شريكي، وإن كان المشتري رجلًا واحدًا والشفيع واحدًا والبائع رجلان، باع نصيبهما من ذلك صفقة واحدة (¬2) لم يكن للشفيع إلا أن يأخذ النصيبين أو يترك، وكذلك: إذا باعا نصيبهما من دارين أو دار وبستان، وكل ذلك صفقة واحدة. ويختلف إذا كانت شركتهم مفترقةً: لأحدهم شركة في دار، وللآخر شركة في بستان، فباعا ذلك صفقة واحدة (¬3) على من أجاز جمع (¬4) السلعتين، والشفيع في ذلك واحد، فأحب أن يستشفع نصيب أحدهما دون الآخر، فقال ابن القاسم: ليس ذلك له إلا أن يأخذ الجميع، أو يدع (¬5)، وهذا هو أحد القولين في الصفقة لمالكين هل هي كالصفقة لمالكٍ واحدٍ إذا عقد أحدهما عقدًا واحدًا حلالًا والآخر عقدًا حرامًا؟ فقيل: يفسد جميع العقد، وقيل: يفسخ الحرام وحده، فعلى هذا يكون له أن يستشفع من أحدهما دون الآخر بمنزلة العقدين؛ لأنه لا يقدح أحدهما في فساد الآخر، ولو استحق أحدهما وهو الوجه لم يكن للمشتري أن يرد على الآخر، وعلى قوله ها هنا إنه يأخذ الجميع أو يدع يكون فساد أحدهما يقدح في الآخر، وإذا استحق الوجه رد الآخر، والقول إنه كالعقدين أحسن، وإن كان الشفعاء ثلاثة فاستشفع (¬6) أحدهم في الدار، ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 156. (¬2) قوله: (واحدة) ساقط من (ق 2). (¬3) قوله: (واحدة) ساقط من (ق 2). (¬4) في (ق 7) و (ق 2): (جميع). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 156. (¬6) في (ق 2): (فلا يستشفع).

والآخر في الحمام، والآخر في البستان كان ذلك لهم؛ لأنه لم يبقَ في يد المشتري شيء، وإن بعَّض أحدُهم نصيبَه فباعه ثلاث صفقات كان للشفيع أن يستشفع جميعها أو أحدها، فإن استشفع الأولى أو الأولى (¬1) والثانية صفقة لم يشركه المشتري بما بيع بعد، وإن استشفع الوسطى استشفع معه المشتري بالأولى، وإن استشفع الوسطى والآخرة استشفع معه فيهما بالأولى، وإن استشفع الأولى والآخرة استشفع بالوسطى في الآخرة (¬2). وفي كتاب محمد في دار بين أربعة نفرٍ غاب اثنان فباع أحد الحاضرين نصيبه على ثلاث صفقات فاستشفع الحاضر الصفقة الآخرة وحدها (¬3)، وهي ثلث الربع كان للمشتري أن يستشفع معه بالصفقتين الأوليين، وذلك ثلثا الربع، وللشفيع ربعٌ كاملٌ فيقسم بينهما الصفقة الآخرة على خمسةِ أجزاءٍ، فإن قدم ثان فسلم للمشتري ما سلم الأول فاستشفع في الآخرة كانت بينهما على ثمانية أجزاء؛ لأنَّ للغائب ربعَه، وهو ثلاثةُ أسهمٍ، ولصاحبِه مثله، وللمشتري سهمان، وإن استشفع القادم الصفقتين الأولتين (¬4) كانت الشفعة في الصفقة الآخرة بين الشريكين على ثمانية أجزاء (¬5)، للقادم خمسة ولصاحبه ثلاثة، فإن قدم الآخر فاستشفع الصفقة الآخرة وحدها كان بينهما على أحد عشر جزءًا، فإن دخل مع صاحبه في الصفقتين الأولتين صار في يد كل واحد أربعة أسهم، وللذي كان مقيمًا ثلاثة، وإن سلم الغائبان للمشتري الصفقتين الأوليين كانت الشفعة بينهم على حالها على أحد عشر جزءًا للغائبين ثلاثة أسهم وللشريك المقيم ثلاثة، وللمشتري سهمان. ¬

_ (¬1) قوله: (الأولى فالأولى) يقابله في (ف): (الأولى أو الأولى)، وفي (ق 7): (الأول). (¬2) قوله: (بالوسطى في الآخرة) يقابله في (ف): (في الآخرة بالوسطى). (¬3) قوله: (وحدها) ساقط من (ق 2). (¬4) قوله (الأولتين) يقابله في ف (الأوليين). (¬5) في (ق 7): (أسهم).

باب في اختلاف المشتري والشفيع والورثة والغرماء

باب في اختلاف المشتري والشفيع والورثة والغرماء ومن اشترى شقصًا مربحًا، واختلف غرماء المشتري والشفيع في الأخذ والترك كان القول قول الشفيع في الأخذ، وإن كره ذلك غرماء المشتري، وإن اختلف الشفيع وغرماؤه في الأخذ أو الترك كان القول قول من ادعى منهما إلى الترك، فإن ادعى الغرماء إلى الأخذ لفضل فيه، وكره ذلك الشفيع كان القول قوله؛ لأنه ليس لهم أن يجبروه على الشراء ولا على التجارة وإن دعا الشفيع (¬1) إلى الأخذ، وكره الغرماء (¬2) كان القول قولهم؛ لأن من حقهم أن يقبضوا ذلك الناض بالحضرة، وتأخيرهم به إلى (¬3) أن ينقد في ثمن (¬4) الشقص- ظلم عليهم، ولأنهم يخافون الاستحقاق فيرجع عليهم (¬5) وهذا هو القياس، والاستحسان إذا كان فيه الفضل والبيع لا يتراخى، وإنما هو إلى اليوم واليومين؛ لأنَّ ذلك لا كبير ضرر عليهم، ولأنَّ الاستحقاق من باب النادر، والنادر لا حكم له، فإن اجتمع أمرهم على الأخذ، فإن مات الشفيع، ولم يخلف ورثة والمال لا يوفى وفي الأخذ فضل وأرادوا الأخذ كان ذلك لهم، وإن كان له ورثة فاجتمع أمرهم على أخذ أو ترك كان الأمر على ما اجتمعوا عليه، وإن اختلفوا كان القول قول من دعا إلى الأخذ من غريم أو وارث، إلا أن ذلك للغرماء إذا كان في الأخذ فضل، وللورثة إذا كانوا يأخذون ذلك من أموالهم لا من مال الميت لأن من حق الغرماء أن يتعجلوا قبض ذلك العين، ولا يولج في شراء، وقال محمد: ليس ¬

_ (¬1) قوله: (كان القول قوله لأنه ليس. . . وإن دعى الشفيع) زيادة من (ف). (¬2) قوله: (إلى الأخذ وكره الغرماء) ساقط من (ق 7). (¬3) في (ف) و (ق 6) و (ق 7): (إلا). (¬4) قوله: (في ثمن) يقابله في (ق 2): (من). (¬5) قوله (ولأنهم يخافون. . . . . عليهم) ساقط من ف.

للغرماء الأخذ إلا أن يشاء الورثة، فإن أخذوها بمال الميت كان للغرماء الفضل، وإن بقي شيء عن دينهم كان ميراثًا، وإن أخذوها بمالهم بيعت حينئذ برأس المال، وقضي بالفضل دينه (¬1)، فلم يرَ للغرماء شفعة إذا كره الورثة لموضع العهدة متى طرأ استحقاق ومراعاة الاستحقاق من النادر. واختلف في مراعاة النادر إلا أن (¬2) يسقط الغرماء العهدة عن الميت ويثبتوا للمشتري أن العهدة عليهم دون الورثة، وليس الربح للغرماء، وإن أدوا فيه أموالهم لما كان الأخذ بحق كان للميت، والقياس أن يكون الربح لهم؛ لأنَّ من أموالهم سببه، ولأنهم (¬3) لو لم يدفعوا في ذلك أموالهم لم يفد الغرماء كون الشفعة للميت بشيء، وإذا قال الورثة: لا ندفع في ذلك أموالنا إلا ليكون الفضل لنا مكنوا من ذلك (¬4) وكل هذا فعلى القول إنه يجوز أن يستشفع للبيع، وقد اختلف في ذلك، فقال ابن عبدوس: قال سحنون وقال مالك: يبدأ بالورثة فيقال لهم: إن قضيتم الدين فلكم الشفعة؛ لأنَّ الميراثَ بعد الدين، فإن أبوا بيع نصيب الميت للدين ولا شفعة؛ لأنَّ الشقص الذي يستشفع به قد بيع (¬5). قال الشيخ - رضي الله عنه -: فإن كان الدين مائة وخلف سوى الشقص مائة وقيمة الشقص خمسون كان للغرماء أن يأخذوا المائة ويبقى الشقص ميراثًا فيستشفعوا من أموالهم، وإن كان خلف خمسين لم يستشفعو لأنَّ الشقص يباع للغرماء إلا أن يقضوا الخمسين الأخرى من أموالهم، ويبقى لهم الشقص فيستشفعوا به. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 204. (¬2) قوله: (إلا أن) يقابله في (ق 2): (ولا). (¬3) في (ق 2): (فكأنهم). (¬4) قوله: (من ذلك) ساقط من (ق 2). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 204.

باب في الشفعة في العين والبئر إذا بيع مع الحائط أو بانفراده

باب في الشفعة في العين والبئر إذا بيع مع الحائط أو بانفراده وإذا باع أحد الشريكين قبل المقاسمة نصيبه من الحائط والماء صفقة واحدة كانت الشفعة فيهما فيستشفع الماء مع الحائط؛ لأنه من مصلحته وليس له أن يبعض الصفقة فيما تكون له الشفعة في جميعه (¬1)، فإن باعهما صفقتين افترق الجواب، فإن تقدم بيع الماء كان له أن يستشفعهما أو أحدهما، وإن تقدم بيع الحائط ثم باع الماء من غير مشتري الحائط كانت الشفعة في الحائط دون الماء؛ لأنه في الحائط على أحد أمرين: إما أن يستشفعه فترفع (¬2) الشركة منه وتبقى الشركة في الماء وحده وإذا انفردت الشركة في الماء لم تكن فيه شفعة إذ لا (¬3) يستشفع الحائط فيكون شريكه في الحائط غير شريكه في الماء، وإنما يستشفع إذا بيعا معا؛ لأنه شرب لذلك الحائط. واختلف إذا باع الماء من مشتري الحائط واستلحقه به قبل أن يأخذ الأصل أو يترك، فقيل: يصير بمنزلة لو بيعا معًا فليس للشفيع أن يأخذ أحدهما دون الآخر، وهو محمل قول محمد في رقيق الحائط إذا ألحق به بعد البيع، والعفين والبئر مثله (¬4)، ويجري فيها قول آخر إن له أن يأخذ أحدها دون الآخر وهو قول محمد في (¬5) الأول دون ¬

_ (¬1) انظر: النوارد والزيادت: 11/ 119 و 120. (¬2) في (ق 7): (فترتفع). (¬3) قوله: (إذ لا) يقابله في (ق 7): (ولا). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 121. (¬5) زاد في (ف): (ومن).

الثاني (¬1)؛ لأنهما عقدان قياسًا على قولهم إذا اشترى الأصول، ثم الثمار والعبد ثم ماله والأرض ثم النخل، والقياس أن له أن يستشفعهما لأنَّ المشتري قصد أن يلحق ذلك بالعقد أو يستشفع (¬2) الأصل وحده؛ لأنه يقول قد كان ذلك من حقي قبل أن تشتري الماء، فليس شراؤك الماء مما يسقط حقي في انفراد العقد الأول أن يستشفع الماء مع الحائط لأنهما متهمان أن يَعْدُواْ العقد، ثم يقول له: لا شفعة له في الماء وإني في ذلك بمنزلة ما لو اشتراه غيري، وإن أنت استشفعت الحائط كانت الشفعة في الماء بانفراده، ويترك الشفعة إذا كان الحائط بغير ماء فيكون للشفيع أن يستشفع الجميع لهذا الوجه فكان تبعيض (¬3) ذلك أو جمعه من حق الشفيع لا من حق المشتري، فإن تقدم بيع الماء ثم ابتاع منه الحائط كان بالخيار حسب ما تقدم بين أن يأخذهما جميعًا أو أحدهما فيأخذ الماء بانفراده؛ لأنه يقع (¬4) في حين الشركة (¬5) في الحائط وله أن يأخذ الحائط بانفراده ولا يقال ها هنا: إنه كالصفقة الواحدة فيأخذ (¬6) الجميع أو يدع؛ لأنه يستلحق الماء بالحائط، ولا يستلحق الحائط بالماء، ومن المدونة قال ابن القاسم: كما لا يستلحق العبد بماله إن تقدم بيع المال، وإذا بيع الحائط بغير ماء ثم وقف الشفيع فترك ثم استُحِقَّ الماء- كان للشفيع أن يقوم فيأخذ الجميع بالشفعة؛ لأنه يقول: إنما تركت الأصل لما بيع بغير ماء، وعلى صفة يرغب عنه، ولأنهما متهمان أن يكونا عملا (¬7) على ذلك أن ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 120. (¬2) في (ف): (استشفع). (¬3) في (ف): (بيعه). (¬4) في (ق 2) و (ق 6) و (ق 7): (بيع). (¬5) في (ق 7): (البر كة). (¬6) في (ق 7): (فيكون). (¬7) في (ف) و (ق 2) و (ق 6): (أن يعملا).

يبيع (¬1) بغير ماء، فإذا ترك الشفعة (¬2) باعه منه. وإذا باع أحد الشريكين حصته من الحائط والماء، وكانت أجزاءهما في ذلك مختلفة، لأحدهم ربع الحائط وثلاثة أرباع الماء، وللآخر ثلاثة أرباع الحائط وربع الماء، فباع الأول حصته من الحائط والماء، كان للشريك الآخر الشفعة في ربع الحائط وتسع ما بيع من الماء؛ لأنه القدر الذي يستحقه ذلك الحائط من الشرب من ذلك الماء؛ لأنه إذا شرب ثلاثة أرباعه ربع الماء لم يكن على (¬3) الآخر أن يسقي ذلك الحائط عن مائه إلا بقدر ذلك، وهو جزء من تسعة، فيكون ماء الذي له ثلاثة أرباع على ثلاثة أجزاء، ومن الآخر جزء فيكمل أربعة، وثمانية أجزاء يصرفها ويسقي بها حيث شاء من غير هذا الحائط، فإن باع من له ثلاثة أرباع الحائط استشفع الآخر الجميع؛ لأنَّ جميعه شرب للمبيع. فصل [في الشفعة إذا اقتسم الشريكان الحائط أو الماء] وإذا اقتسم الشريكان الحائط، ثم باع أحدهما نصيبه من الحائط والماء لم يكن للآخر في الماء شفعة؛ لأنه من مصلحة المقتسم، وإن اقتسما الماء وحده دون الحائط، قال محمد: فأخذ هذا بئرًا وأخذ هذا بئرًا، فكان هذا يسقي من بئره يومًا، وهذا من بئره يومًا، ثم باع أحدهما حصته من الحائط مشاعًا وبئره- كانت الشفعة في الحائط دون الماء ويفض الثمن فما ناب الحائط استشفع به (¬4). ¬

_ (¬1) قوله: (بيع) ساقط من (ق 7). (¬2) قوله: (الشفعة) زيادة من (ف). (¬3) قوله: (على) زيادة من (ف). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 120.

باب ما جاء في الشفعة في الثمار والزرع

باب ما جاء في الشفعة في الثمار (¬1) والزرع ومن المدونة قال مالك فيمن اشترى شقصًا من أرض فزرعها، ثم أتى الشفيع، قال: له أن يأخذ بالشفعة والزرع للزارع، قال ابن القاسم: ولا شيء عليه من الكراء، قال: وإن غرسها نخلًا أو شجرًا، قيل: للشفيع إن شئت فخذها واغرم قيمة ما فيها من الغرس، فإن أبى لم تكن له شفعة (¬2). قال الشيخ - رضي الله عنه - (¬3): مشتري الأرض على خمسة أوجه: إما أن يشتري الأرض بزرعها، أو الأرض دون الزرع، ثم يستلحق الزرع، ثم استحق رجل نصف الأرض ونصف الزرع، أو بغير زرع (¬4)، وقد كان زرع الزارع بوجه جائز (¬5) أو كان غاصبًا أو زرعها المشتري، فإن استحق نصف الأرض ونصف الزرع، ورد (¬6) البيع في نصيبه، أخذ الآخر (¬7) بالشفعة. ¬

_ (¬1) في (ق 6): (الأرض). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 234. (¬3) قوله: (قال الشيخ - رضي الله عنه -) يقابله في (ق 2): (قلت). (¬4) في (ق 2): (زرعها). (¬5) قوله: (بوجه جائز) يقابله في (ف): (بغير شبهة)، وفي (ق 6) و (ق 7): (بوجه شبهة). (¬6) قوله: (ورد) في (ف) و (ق 7): (ويرد). (¬7) في (ف) و (ق 6) و (ق 7): (أحب الأخذ).

باب ما جاء في الشفعة في الثمار

باب ما جاء في الشفعة في الثمار (¬1) اختلف في الشفعة في الثمار على ثلاثة أقوال، فقيل: فيها الشفعة، وسواء بيعت مع الأصول أو بانفرادها كان الشفيع شريكًا في الأصل أو لا شركة له، وهو قول مالك، قال: وما هو من الأمر القديم، وما علمت أن أحدًا قاله أن في الثمار الشفعة، قال: ولكني رأيته واستحسنته (¬2). وقال عبد الملك بن الماجشون: لا شفعة فيها بحال، وسواء بيعت مع الأصل أو بانفرادها، وقال أشهب: إن بيعت مع الأصل كان فيها الشفعة، وإن بيعت بانفرادها لم تكن فيها شفعة (¬3)، وقال مالك في المدونة في شركاء في ثمرة، كان الأصل لهم، أو كانت النخل في أيديهم مساقاة، أو كانت حبسا على قوم فأثمرت وحل بيعها فباع أحد ممن سميت فإن لشركائه في الثمرة الشفعة (¬4). قال الشيخ - رضي الله عنه - (¬5): إن باع أحد الشريكين نصيبه من الحائط بثماره قبل الطيب أو بعده أو (¬6) باع نصيبه من الثمار بانفرادها بعد زهوها (¬7) من رجل كانت الشفعة في الجميع، إلا أنه إن بيعت مع الأصل لم يستشفع إلا الجميع أو يترك، وليس له أن يستشفع الأصل دون الثمرة أو الثمرة دون الأصل، فإن باع ¬

_ (¬1) قوله: (باب ما جاء في الشفعة في الثمار) ساقط من (ق 2). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 237. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 114. (¬4) انظر: المدونة: 4/ 237. (¬5) قوله: (قال الشيخ - رضي الله عنه -) يقابله في (ق 2): (قلت). (¬6) في (ف): (كانت الشفعة في الجميع وإن). (¬7) في (ق 7): (الطيب).

أحد الشريكين نصيبه من الثمار بعد الطيب من رجلين فلم يأخذ الشريك بالشفعة، ثم باع بعد ذلك أحد المشتريين (¬1) في الثمرة نصيبه (¬2) كانت الشفعة على قول ابن القاسم لشريكه في الثمرة، ولمن لم يكن باع (¬3) وعلى قول أشهب: الشفعة لشريكه في الثمن (¬4)؛ لأنه معه كأهل سهم، فإن سلم كانت الشفعة (¬5) لمن له الأصل، وإن باع من له الأصل نصيبه من الثمرة كانت الشفعة للذين اشتريا الثمرة، وإن باع (¬6) نصيبه من الأصل والثمرة كانت الشفعة في الثمرة وحدها، ولا مقال لمشتري ذلك الأصل إن قال: آخذ الجميع أو أدع ولا تبعّض عليَّ الصفقة؛ لأنه لا شركة لهما في الأصل، وكذلك إذا كان حائط بين رجلين فساقى أحدهما نصيبه من رجل أو رجلين كان لشريكه الشفعة، فإن لم يأخذ ثم باع أحد المساقين نصيبه بعد الطيب كانت الشفعة على قول ابن القاسم للجميع للمساقي (¬7)، وللشريك في الأصل، وعلى قول أشهب الشفعة للمساقي الآخر وحده، فإن سلم كانت الشفعة للشريك في الأصل، وإن باع الشريك في الأصل كانت الشفعة المساقين، ولو كان جميع الحائط لرجل فساقاه لرجلين على ¬

_ (¬1) قوله: (الشريكين) في (ف): (المشترييين). (¬2) قوله: (من رجل كانت الشفعة في الجميع. . . أحد المشتريين في الثمرة نصيبه) يقابله في (ق 2): (من رجل واحد استشفعها الشريك واختلف إذا باع نصيبه من رجلين فقيل له أن يستشفع منهما فإن ترك شريكه ولم يأخذ بالشفعة ثم باع أحد الشريكين نصيبه أو باع نصيبه من الثمار بانفرادها ثم باع بعد ذلك أحد الشريكين نصيبه). (¬3) قوله: (ولمن لم يكن باع) زيادة من (ف). (¬4) في (ق 7) و (ق 2): (الثمرة). (¬5) قوله: (كانت الشفعة) زيادة من (ف). (¬6) بعدها في (ف): (له) (¬7) في (ق 7) و (ق 2): (للمساقاة).

النصف (¬1) ثم باع أحد المساقين بعد الطيب كان لشريكه الشفعة، فإن سلم كانت الشفعة لصاحب الأصل، فإن باع صاحب الأصل كانت الشفعة للمساقين، وقال محمد في الحائط يكون بين الرجلين يساقي أحدهما نصيبه من رجل: لم يكن لشريكه شفعة بمساقاته، قاله أشهب، قال: وأظن أن ابن القاسم يقول: إن ذلك له، وجدتها في كتبي ولم أدر ممن سمعتها، وذكر عن مالك أنه قال فيمن ساقى حائطه لرجل على أن للداخل الربع، فلما طابت الثمرة باع صاحب الحائط حصته من الثمرة إن للمساقي الشفعة، وقال: وكل من له شرك في ثمرة فله الشفعة، مساق كان أو غيره (¬2)، وهذا هو الصحيح. ¬

_ (¬1) قوله: (على النصف) ساقط من (ف). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 146.

باب في إسقاط الشفعة قبل وجوبها وسقوطها قبل الوجوب وكيف إن علق إسقاطها بشرط

باب في إسقاط الشفعة قبل وجوبها وسقوطها قبل الوجوب وكيف إن علق إسقاطها بشرط وقال مالك في المجموعة: إذا رضي الشريكان أن من باع فلا شفعة للآخر لم يلزمه ذلك وهو على شفعته (¬1)، وقال في المدونة: إذا قال للمشتري اشتر فقد سلمت لك شفعتي وأشهد له بذلك ثم اشترى المشتري كانت له الشفعة (¬2)، قال أشهب: وهو كمن أذن له ورثته في صحته أن يوصي بأكثر من الثلث فلا يلزمهم ذلك، قال: ولو اشترى على خيار فسلم له الشفعة قبل أن يستوجب ذلك كانت له الشفعة (¬3). قال الشيخ -رحمه الله-: أما تسليم أحد الشريكين فلا تسقط به شفعته؛ لأنَّ الحق للمشتري وهو لم ينل ذلك ولا ترك له، وأما التسليم للمشتري فيجري على القولين قياسًا على التي جعل لها الخيار إن تزوج عليها فأسقطت ذلك قبل أن يتزوج عليها وليس بمنزلة ترك الورثة؛ لأنَّ ترك الشفيع هو (¬4) السبب لدخول المشتري ولولا ثقته بقوله لم يدخل في ذلك وقد بيع في ذلك عروضه أو ما يقر عليه خروجه عن ملكه. وقد قال في التي تقول لزوجها طلقني ولك كذا وكذا فيرضى بذلك فلما ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 190. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 251. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 190. (¬4) قوله: (هو) زيادة من (ق 6).

باب في الشفعة فيما بيع على النقض والقلع

أحضرت المال وطالبته بإيقاع الطلاق امتنع، قال: ذلك لازم (¬1) له أن يأخذ ذلك ويطلقها (¬2) (¬3). باب في الشفعة فيما بيع على النقض والقلع ومن المدونة قال ابن القاسم في من باع نقض داره ثم استحق رجل الأرض دون النقض كان للمستحق أن يأخذ من المشتري ذلك النقض بقيمته مطروحًا، وليس للمشتري أن يمتنع من ذلك، قال (¬4): وليس هذا لأنه شفيع، ولكن لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ" (¬5). قال الشيخ - رضي الله عنه - (¬6): جعل له أخذا لتغليب أحد الضررين لعظم ما ينتفع به من بقائه قائمًا، وقلة ضرر ما يلحق المشتري؛ لأنه يشتري بالقيمة مثله، ومحمل قوله على أن المشتري لم يقم على البائع بعيب الاستحقاق؛ لأنه اشترى ما يرى أن له قبضه، فإذا كان هناك تعلق به لحق آخر وصار غير قادر على قبضه، وغير متمكن من الانتفاع، ومجبور على تسليمه- كان ذلك عيبًا يوجب له الرد ويعود المقال بين البائع والمستحق، فإن كان البائع غاصبًا أخذه منه بقيمته مقلوعًا، وإن كانت له في البناء شبهة أخذه منه بقيمته قائمًا، قال سحنون (¬7) هذا (¬8) قول ليس ¬

_ (¬1) قوله: (باب في إسقاط الشفعة قبل وجوبها. . . قال ذلك لازم) ساقط من (ق 2). (¬2) قوله: (له أن يأخذ ذلك ويطلقها) زيادة من (ق 6). (¬3) قوله: (قال الشيخ -رحمه الله- أما تسليم أحد الشريكين. . . له أن يأخذ ذلك ويطلقها) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (قال) ساقط من (ق 7) و (ف). (¬5) سبق تخريجه في كتاب الجهاد، ص: 1370، وانظر: المدونة: 4/ 243. (¬6) قوله: (قال الشيخ - رضي الله عنه -) يقابله في (ق 2): (قلت). (¬7) في (ف) و (ق 2) و (ق 6): (ولسحنون). (¬8) قوله: (هذا) ساقط من (ف).

بالبين، وإن أثبت المستحق أن له نصف الأرض ونصف البناء ورد البيع في نصيبه لم يكن له مقال في النقض المبيع من نصيب شريكه أن يأخذه بالشفعة ولا بقيمته منقوضًا؛ لأنه بعد الاستشفاع غير قادر على بقائه في الأرض؛ لأن من حق بائع الأرض أو النقض أن يجبر مشتريه منه على قلعه، وإذا كان ذلك كان بمنزلة شريكين في نقض ملقى فلا شفعة فيه، وليس كالمسألة الأولى؛ لأن ذلك يقدر على نقضه (¬1) في الأرض وليس ذلك لهذا، وعلى هذا يجري الجواب في النخل إذا بيعت على القلع، فإن استحق جميع الأرض كان للمستحق أن يأخذ النخل بقيمتها مطروحة، وإن استحق نصف جميع الحائط لم يكن له أن يأخذ الباقي من النخل؛ لأنه لا يستطيع بقاءه (¬2) في الأرض، وقد تقدم ذكر الاختلاف في ذلك في أول الكتاب، وإن باع أحد الشريكين في الحائط نصف النخل على القلع، فإن كان البائع لم يعلم المشتري أن معه شريكًا أو أعلمه وادعى أنه أجاز له مقاسمة النخل، أو كانا دخلًا على الافتيات على الشريك، وأنه يقسم دون الشريك كان البيع جائزًا؛ لأنهما دخلا على شيء معلوم، ولم يدخلا على غرر، فإذا لم يجز الشريك ذلك قسم الحائط في الأرض والنخل جميعًا، ثم ينظر إلى ما يصير إلى البائع، فإن صار له نصف النخل أخذه المشتري، وإن صار له أكثر من ذلك كان ذلك الزائد للبائع، وإن صار أقل من النصف حط عن المشتري بقدر ذلك النقص (¬3)، وإن كان البائع أعلم المشتري بالشرك (¬4) وباع ما يصير له بالمقاسمة إذا قسمت الأرض والنخل معًا- كان البيع فاسدًا؛ لأنه يدري ما ¬

_ (¬1) في (ق 2): (يغره). (¬2) في (ق 2) و (ق 6) و (ق 7): (أن يقوما). (¬3) في (ف): (النقض). (¬4) قوله: (الشريك) ساقط من (ف).

يصير له، قليلًا أو كثيرًا جيدًا أو دنيًا (¬1)، قال محمد: إلا أن تكون متساوية يشبه بعضها بعضًا، وفي موضعها ومما يصح أن يقسم بالقيس (¬2)، فيجوز البيع. قال الشيخ - رضي الله عنه - (¬3): اتفاق مثل هذا (¬4) لا يوجد، وإن باع الشريك جميع الحائط صفقتين: النخل ثم الأرض، أو الأرض ثم النخل، أو كانا شريكين في دار فباعا (¬5) جميعها صفقتين النقض ثم الأرض، أو الأرض ثم النقض، فرد الشريك البيع في نصيبه- كان له أن يستشفع بنصيب شريكه من الأرض بالثمن قولًا واحدًا تقدم بيع الأرض أو تأخر. واختلف في استشفاع النخل والنقض على ثلاثة أقوال، فأوجب ذلك له ابن القاسم تقدم بيعها (¬6) أو تأخر، وأن يأخذه بالثمن (¬7)، وأسقط ذلك أشهب في كتاب محمد تقدم بيعها أيضًا أو تأخر (¬8)، وقال محمد: إن تقدم البيع كانت له الشفعة، وإن تأخر فلا شفعة له، قال كالعين إن تقدم بيعها استشفعت، وإن تقدم بيع الأرض لم يستشفع (¬9). واختلف بعد القول بثبوت الشفعة بماذا يستشفع، فقال ابن القاسم مرة: بالثمن، وقال مرة: بالقيمة، فقال: ها هنا بالثمن (¬10)، ورأى أن القصد أن يلحق ¬

_ (¬1) في (ف): (رديئًا). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 124. (¬3) قوله: (قال الشيخ - رضي الله عنه -) يقابله في (ق 2): (قلت). (¬4) في (ق 2): (هذه الصفة). (¬5) في (ف): (فيباع). (¬6) في (ف): (النقض). (¬7) انظر: المدونة: 4/ 242. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 124. (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 124. (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 122، 123.

العقد الثاني بالأول، فصار كالعقد الواحد، وقال بعد ذلك في الدار تباع، والنقض صفقتين يستشفع بالقيمة قائما كأنه أحدثه وبدأه (¬1)، قال سحنون في هذه المسألة: قلت: فلم لا تجعلها كالعقد الواحد، وهذا هو الصحيح، وقد اختلف عن مالك في مثل هذا إذا اشترى الرقاب ثم الثمار والرأس (¬2) ثم الخلفة هل يكونان كالعقد الواحد أو يكونان على عقدهما (¬3) عقدين فيكون في الثمار الجائحة، ويمنع استلحاق الخلفة، وإلى هذا ذهب أشهب أنهما عقدان (¬4)، وهذا هو الصحيح؛ لأنّ العقد انبرم ولم يكن مفتقرًا (¬5) إلى ما يلحق به وإن تقدم بيع النخل فإلى المشتري (¬6). ¬

_ (¬1) في (ق 6) و (ق 7) و (ق 2): (بناه). (¬2) في (ق 6) و (ق 2): (أو الرأس). (¬3) قوله: (يكونان على عقدهما) في (ف): (أو يكون على غيرهما). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 129، 130. (¬5) في (ف): (مفترقا). (¬6) قوله: (فإلى المشتري) يقابله في (ق 7): (مال المشتري).

باب الشفعة في هبة الثواب

باب الشفعة في هبة الثواب ومن وهب شقصًا للثواب كانت فيه الشفعة؛ لأنها بيع (¬1)، ولا شفعة إلا بعد الثواب فاتت الهبة أو لم تفت، ولا يجب قبل الثواب وقبل الفوت؛ لأنَّ الموهوب له بالخيار بين التمسك أو الرد. واختلف في الشفعة بعد الفوت وقبل الثواب، فقال ابن القاسم وعبد الملك: لا شفعة له حتى يدفع الثواب أو يقضى به عليه ويعرف، وقال أشهب وابن عبد الحكم: إذا فات الشقص وجبت فيه الشفعة (¬2)، فالقيمة والشفعة إذا كان الثواب قبل فوت الهبة بمثله إن كان عينًا أو مما يكال أو يوزن قلَّ ذلك أو كثر، وإن كان عرضًا فبقيمته. واختلف إذا كان الثواب بعد الفوت، فقال ابن القاسم وعبد الملك: يستشفع بالثواب إن كان عينًا وبقيمته إن كان عرضًا قلَّت القيمة أو كثرت (¬3) كالجواب الأول، إذا كانت الهبة قائمة. وقال أشهب في كتاب محمد: يستشفع بالأقل من قيمته أو قيمة الهبة (¬4)؛ لأنَّ الثواب عنده من العين، ولا يجبر الواهب عنده على قبول العرض، فإن كانت قيمة الشقص أقل لم يكن عليه غيرها، وكان دفعه العرض بيعة ثانية، وإن كانت قيمة العرض أقل لم يكن عليه غيره، وكان بمنزلة من دفع عرضًا عن ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 244. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 175. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 176. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 175.

دين فيه هضيمة من الدين، فإنه لا يبيع مرابحة بذلك الدين، والقياس أن يستشفع بالأكثر من قيمة الهبة أو قيمة الثواب، فإن كانت قيمة الثواب أكثر قال هذا الذي كان يرجو مني، ولمثل هذا وهب، ولولا ذلك لم يهبه ولباعه في السوق، وإن كانت قيمته أقل، قال: إنما (¬1) أخذ ذلك بدينه علي وهي القيمة ولولا ذلك لاستوفيت (¬2) منه القيمة عينًا، إلا أن يعلم أن الموهوب له ملك، وأنه أخذ ذلك على وجه التخلص منه، أو يرى أن قيمته أقل بالشيء الكثير مثل أن تكون قيمة الهبة مائة وقيمة الثواب عشرين، واختلف هل يستشفعه بعشرين أو يسقط (¬3) حكم (¬4) الشفعة ويغلب حكم الهبة بغير عوض، فالذي يوصي بشقص أن يباع من فلان بعشرين وقيمته مائة وعكسه إن وهب عبدًا فثاب (¬5) شقصًا، فإن كان الثواب قبل فوت العبد استشفع بقيمة الشقص قلت أو كثرت، ويختلف إذا كان الثواب بعد الفوت، فقال (¬6) ابن القاسم: يستشفع الشقص بقيمته، وعلى قول أشهب يستشعفه بالأقل من قيمة العبد أو قيمة الشقص (¬7)، والقياس أن يستشفعه بالأكثر من قيمة الشقص أو قيمة العبد. ¬

_ (¬1) قوله (وإن كانت قيمته أقل قال إنما) يقابله في (ق 7): (و). (¬2) قوله: (ذلك بدينه علي وهي القيمة ولولا ذلك لاستوفيت) ساقط من (ق 7). (¬3) في (ف) و (ق 2) و (ق 6): (تسقط). (¬4) قوله: (حكم) ساقط من (ق 2). (¬5) في (ق 2) و (ق 6) و (ق 7): (فيثبت). (¬6) في (ق 2): (فقول). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 175، 176.

باب الشفعة في بيع الخيار

باب الشفعة في بيع الخيار ولا شفعة فيما بيع على خيار حتى يقبله مشتريه، وعلى ما ذهب إليه بعض الناس أن الشفعة تجب قبل البيع (¬1) إذا كان الخيار للمشتري؛ لأنَّ البيع انعقد من ناحية البائع بخلاف أن يكون الخيار للبائع، وإذا كانت دار الرجل فباع نصفها من رجل بالخيار ثم باع النصف الآخر من آخر بتلا ثم قبل المشتري بالخيار كانت الشفعة عند ابن القاسم لمشتري الخيار على مشتري البت (¬2)، ورأى أنه إذا قبل لم يزل (¬3) منعقدًا من يوم اشتراه وقيل: الشفعة لمشتري البت على مشتري الخيار (¬4)، وهو أحسن؛ لأنه كَلَا عقدٍ حتى يمضي، وضمانه من بائعه وغلاته له حتى يمضي، وإن كانت الدار بين رجلين فباع أحدهما نصيبه على خيار ثم باع الآخر نصيبه بتلا كانت الشفعة عند ابن القاسم لمشتري الخيار على مشتري البت، وعلى القول الآخر الشفعة لمشتري البت على مشتري الخيار، وهذا الجواب فيما بين المشتريين (¬5). ¬

_ (¬1) قوله: (قبل البيع) ساقط من (ق 2)، وزاد بعدها في (ف): (تجب في هذه الشفعة). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 247، ونصه (قلت: أرأيت إن اشتريت شقصا من دار على أني بالخيار ثلاثًا، فبيع الشقص الآخر بيعا بتله بائعه بغير خيار، لمن الشفعة؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئًا إلا أني أرى الشفعة للمشتري الأول الذي كان له الخيار إن قبل البيع، وكان أولى بالشفعة فيما اشترى صاحبه. وإن رد أيضًا الذي كان له الخيار البيع، كان بائعه أولى بالشفعة فيما باع صاحبه). (¬3) قوله: (لم يزل) يقابله في (ق 2): (كأنه). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 179، وهو قول أشهب ومحمد وأصبغ وعبد الملك. (¬5) في (ف): (المشترين).

واختلف في البائعين، فقيل: لا شفعة لهما؛ لأنَّ كل واحد منهما باع النصيب الذي يستشفع به، وقيل: الشفعة قائمة، فتكون الشفعة لمن باع على البت على مشتري الخيار؛ لأنَّ بيعه ناجز، وهذا على القول أن الخيار إذا مضى ينعقد من يوم بيع، وعلى القول الآخر الشفعة لمن باع بالخيار على من باع بالبت؛ لأنه إنما يراعى عليه يوم يتم والقياس ألا شفعة لمن باع ما يستشفع به.

باب الشفعة في البيع الفاسد

باب الشفعة في البيع الفاسد ومن المدونة قال ابن القاسم فيمن اشترى شقصًا شراء (¬1) فاسدًا (¬2) لا شفعة فيه؛ لأنه يفسخ إلا أن يفوت بهدم أو بناء فيكون على المشتري بقيمته يوم قبضه، ويكون للشفيع الشفعة بما لزم المشتري، وبقيمة ما أنفق إذا كان قريبًا (¬3). قال الشيخ -رحمه الله-: (¬4) ومن اشترى شقصًا شراء فاسدًا ثم قام شفيع فإنه (¬5) لا يخلو الشقص أن يكون قائمًا في يد مشتريه أو تغير بحوالة سوق أو بهدم أو بناء أو خرج عن يد مشتريه بعد أن فات بتغير سوق أو تغير في حاله (¬6) أو كان قائمًا لم يتغير بشيء، وقام الشفيع وهو قائم بيد المشتري أو فات أو خرج إلى يد الشفيع بشراء أو بشفعة قبل الفوت أو بعده فإن كان قائما بيد مشتريه والشراء فاسد نقض البيع فيه ولم يستشفع، وإن فات بهدم أو بناء كانت فيه الشفعة ويؤمر ألا يستشفع إلا بعد المعرفة بقيمة الشقص وبقيمة البناء. واختلف إذا فات بحوالة أسواق، فقال مالك وابن القاسم: ليس ذلك فوتًا (¬7)، وقال أشهب: ذلك فوت (¬8)، ويستشفع، وإن استشفع الشفيع ذلك قبل ¬

_ (¬1) في (ف): (بيعا). (¬2) زاد بعده في (ف): (على خيار). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 249. (¬4) قوله: (قال الشيخ -رحمه الله-) يقابله في (ق 7): (قلت). (¬5) قوله: (ومن اشترى شقصا شراء فاسدا ثم قام شفيع فإنه) ساقط من (ق 2). (¬6) في (ق 7) و (ق 2): (نفسه). (¬7) انظر: المدونة: 4/ 249. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 175.

الفوت على مثل البيع الأول رد أخذه، وهو بمنزلة من اشترى شراء فاسدًا وباعه بيعًا فاسدًا فإنه ينقض البيعتان، وإن فات عند الشفيع لزم المشتري قيمته يوم اشتراه، قال محمد: ويلزم الشفيع ما لزم المشتري إلا أن يكون أكثر مما أخذ له المشتري فيكون الشفيع مخيرًا إن شاء رد الشفعة، وإن شاء تمسك بها بتلك القيمة (¬1)، يريد: يسقط الأخذ بالشفعة ويكون عليه قيمته يوم قبضه، وليس له أن يقبضه صحيحًا، ويرده مهدومًا إن كان فات بهدمه، وإن فات ببناء لم يكن عليه ولا له أن يرده مبنيًا، وهذا هو الأصل إذا كان العيب في الثمن كالمرابحة، وقيل: له أن يأخذه بقيمة ما اشتراه الأول؛ لأنه قد مرت حالة فات (¬2) فيها فلا يرد البيع الأول، وإن رد الثاني إلا أن يغرم المشتري الأول لمن باع منه القيمة قبل قيام الشفيع فيكون له أن يأخذ بالأقل من القيمة أو الثمن، وإذا أخذه الشفيع بثمن صحيح، وهو عالم أن البيع الأول كان فاسدًا كان ذلك فوتًا ولا شفعة له؛ لأنه رضي أن يشتري شراء صحيحًا ولا يأخذ بالشفعة، وإن استشفعه بثمن صحيح، ولم يعلم أن الأول كان فاسدًا كان الشفيع بالخيار بين أن يتمسك به بذلك الثمن ويكون (¬3) بيعًا حادثًا أو يرده، وإن لم يعلم بذلك حتى فات عنده بهدم أو بناء كان عليه بالأقل من القيمة؛ لأنها ثمنه أو الثمن الذي نقده به؛ لأنَّ المشتري رضي بالبيع، وإن باعه المشتري من غير الشفيع كان فوتًا في البيع الفاسد، وللشفيع أن يأخذ بالشفعة بالبيع الصحيح، وعليه يكتب عهدته، وليس له أن يأخذه بالقيمة عن البيع الفاسد؛ لأنَّ ذلك رد للبيع (¬4) الصحيح (¬5) والبيع الفاسد قائم فلا يستشفع. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 176، 177. (¬2) في (ف): (وفات). (¬3) في (ف): (أو يكون). (¬4) في (ق 2) و (ق 6) و (ق 7): (رد البيع). (¬5) قوله: (وعليه يكتب عهدته. . . لأن ذلك رد البيع الصحيح) ساقط من (ق 7).

باب في شفعة العبد والمكاتب والمعتق بعضه والعبد بين الشريكين والمرأة ذات الزوج

باب في شفعة العبد والمكاتب والمعتق بعضه والعبد بين الشريكين والمرأة ذات الزوج الشفعة للعبد هي كالحر (¬1)، وإن كان غير مأذون له كان المقال فيها في الأخذ والترك لسيده، وإن كان مأذونًا له كان المقال فيها له ولسيده، فإن أخذ العبد أو ترك قبل نظر سيده في ذلك جاز، ولا مقال لسيده، وإن سبق السيد (¬2) فأخذ أو ترك مضى فعله، ولم يكن للعمد في ذلك مقال ما لم يكن عليه دين فينظر فيها فعل (¬3) السيد، فإن كان أخْذه فيه مضرة على الغرماء كان لكل واحد من العبد أو الغرماء رد مأخذه، وليس كذلك إذا ترك، فإنه لا مقال للغرماء كما لم يكن ذلك لهم مع الحر، وذلك للعبد أن يأخذ لتبرأ ذمته إلا أن يحجر عليه سيده التجر جملة، وإن ترك لم يكن ذلك، كما لم يكن ذلك لهم في الحر وهذا العبد. والمدبر كالعبد إذا وجبت له (¬4) الشفعة في صحة السيد، فإن وجبت في مرضه فاتفق السيد والعبد على أخذ أو ترك كان الأمر على ما اتفقا عليه، وإن اختلفا كان الأمر إلى (¬5) ما قاله السيد من أخذ أو ترك إن صح، وإن مات كان الأمر على ما قاله العبد من أخذ أو ترك، وإن قام المشتري، ولم يرضَ بالصبر إلى صحة السيد (¬6) أو موته كان ذلك له، ويوقف الحاكم السيد والمدبر جميعًا ¬

_ (¬1) في (ق 2) و (ق 6) و (ق 7): (كهي للحر). (¬2) في (ف): (العبد). والمثبت من ق 6. (¬3) في (ق 7) و (ق 2): (فيما فعله). (¬4) قوله: (له) ساقط من (ق 2). (¬5) في (ق 7) و (ق 2): (على). (¬6) في (ف): (المشتري).

إلى (¬1) أن يتفقا على أخذ أو ترك، وإن لم يتفقا أسقط الشفعة إلا أن يرى أن أمره لا يطول فيوقف اليومين والثلاثة، والجواب في (¬2) أم الولد مثل ما مضى في المدبر. وأما المعتق إلى أجل فإن كان في حين وجبت له الشفعة غير مأذون له و (¬3) لم يقرب الأجل كان الأمر (¬4) إلى سيده، وإن قرب وصار إلى موضع لا ينتزع ماله لم يكن لسيده الأخذ ولا الترك والأمر للعبد (¬5). وأما المكاتب فالأمر إليه في الأخذ أو الترك دون سيده، وإن لم يأخذ ولم يترك حتى عجز قبل تمام السنة كان الأمر إلى سيده فيما بقي من السنة، وكذلك الشفعة تورث فإن مضى البيع دون السنة ثم مات الشفيع كان لورثته (¬6) تمام السنة (¬7). وأما المعتق بعضه فإن كان مأذونًا له كان له أن يأخذ أو يترك، وإن كان غير مأذون له لم يكن له (¬8) الأخذ إلا باجتماع منهما (¬9)، وإن اختلفا كان ¬

_ (¬1) قوله: (جميعا إلى) يقابله في (ق 2): (على)، وفي (ف): (إلا). (¬2) في (ق 7) و (ق 2): (عن) .. (¬3) قوله: (غير مأذون له و) زيادة من (ق 7) و (ق 2) .. (¬4) قوله: (كان الأمر) يقابله في (ق 2): (فالأمر). (¬5) قوله: (لسيده الأخذ ولا الترك والأخذ والترك للعبد) يقابله في (ق 2): (للسيد الأخذ والترك والأمر إلى العبد)، وفي (ف): (لسيده الأخذ والترك والأمر إلى العبد). (¬6) قوله: (كان لورثته) زيادة من (ق 6). (¬7) قوله: (فيما بقي من السنة. . . تمام السنة) زيادة من (ق 7) و (ق 2). (¬8) قوله: (له) ساقط من (ق 2). (¬9) قوله: (منهما) ساقط من (ق 2).

فصل [في شفعة المرأة ذات الزوج]

مردودًا، ولو كان عبد بين شريكين وجبت له شفعة، فاختلف الشريكان فأخذ أحدهما وترك الآخر (¬1). فصل (¬2) [في شفعة المرأة ذات الزوج] وإذا وجبت الشفعة لامرأة ذات زوج كان الأمر إليها دون زوجها في الأخذ أو (¬3) الترك، فإن تركت، وفي ذلك فضل لم يكن للزوج مقال في ذلك (¬4) لأنه لا يجبرها على التجارة، ولا على البيع ولا على (¬5) الشراء، وإن أخذت وفي ذلك محاباة، والثلث يحملها، جاز ذلك (¬6). واختلف إن كانت أكثر من الثلث، وقال مالك في المدونة: لا يجوز من ذلك قليل ولا كثير (¬7)، وقوله هذا محتمل هل أراد جميع المحاباة أو جميع المبيع (¬8)، والصواب في حق المشتري أن يؤخذ منه بجميع الثمن أو (¬9) يرضى أو يرد جميعه، ¬

_ (¬1) قوله: (فاختلف الشريكان فأخذ أحدهما وترك الآخر) يقابله في (ف): (واختلف السيدان فأخذ أحدهما وترك الآخر). (¬2) قوله: (فصل) ساقط من (ق 2) ومن (ف). (¬3) في (ق 7): (و). (¬4) قوله: (في ذلك) ساقط من (ق 2). (¬5) قوله: (لا على) ساقط من (ق 2). (¬6) انظر: المدونة: 4/ 253 و 254. (¬7) انظر: المدونة: 4/ 254. (¬8) في (ق 7): (المبيع). (¬9) في (ف): (ولا).

ولا يؤخذ منه الشقص بدون الثمن للذي اشترى به، ويختلف إذا رضي المشتري بأن يسقط مقال الزوج في المحاباة على ثلاثة أقوال، فقيل (¬1): إذا أسقط من تلك المحاباة الزائد على ثلثها، جاز، وعلى أصل مالك، وابن القاسم إذا أسقط المحاباة كلها مضى، ولا يكون للمرأة ولا لزوجها مقال في رد البيع. ¬

_ (¬1) في (7): (فيقول)، وفي (ف): (فقول).

باب في الأب والوصي والمفاوض والمقارض يبيع أو يشتري نصيبا له فيه شرك

باب في الأب والوصي والمفاوض والمقارض (¬1) يبيع أو يشتري نصيبًا له فيه شرك وإذا كانت دار بين رجل وولده، فباع الأب نصيب نفسه، كان له أن يستشفع نصيبه لولده، وإن باع نصيب ولده، كان له أن يستشفعه لنفسه (¬2)، وكذلك الوصي يكون شريكًا لمن يلي عليه، فإن باع نصيب نفسه كان له أن يستشفعه بحق لمن يلي عليه، وإن باع نصيب من يلي عليه جاز (¬3) له أن يستشفعه لنفسه إلا أن ذلك بعد أن يرفعه إلى السلطان لما يتعلق بذلك من التهمة في أن يبيع نصيب الصغير ببخس ليستشفعه أو يواطئ (¬4) على بيع نصيبه بغلاء ليأخذه له، فإن فعل وأخذ (¬5) من غير مطالعة سلطان رفع إليه، فإن رأى سدادًا أمضاه، وإن وجد تهمة رد، والأب والوصي في ذلك سواء، وإن كانا متفاوضين في الرباع فباع أحدهما نصيبًا من دار (¬6) لم يكن للآخر في ذلك شفعة؛ لأن المبيع شركة بينهما، والباقي بينهما، ومن المدونة قال ابن القاسم فيمن أخذ مالًا قراضًا فاشترى به شقصًا (¬7) من دار هي شركة بين البائع، وبين صاحب المال إن لصاحب المال في ذلك الشفعة، وإن كانت شركة بين البائع والعامل بالقراض ¬

_ (¬1) قوله: (والمقارض) ساقط من (ق 7). (¬2) قوله: (يستشفعه لنفسه) في (ف): (يستشفع نصيبه). (¬3) في (ق 2): (كان). (¬4) قوله: (له) ساقط من (ق 2). (¬5) قوله: (وأخذ) ساقط من (ق 2). (¬6) في (ف): (ذلك). (¬7) في (ق 7): (نصيبا).

كانت للعامل الشفعة (¬1)، وقيل: لا شفعة للعامل، وهو أبين إذا قال العامل اشتريت للقراض، وهو عالم بوجوب الشفعة للشريك؛ لأنَّ ذلك إقرار منه أنه قد (¬2) قصد طلب الربح والتنمية والشفعة بمثل رأس المال فهي خلاف ما اعترف به، وإن كان ممن يجهل الحكم بالشفعة فأعلم بذلك بعد الشراء حلف وكانت الشفعة له، وإن قال: قصدت بالشراء لنفسي، وتعديت على المال كان لصاحب المال أن يباع له، ويأخذه من ربحه، وهذا هو الحكم في كل من أخذ مالًا ليتجر به لصاحبه فتعدى وتجر به لنفسه أن الربح لصاحب المال إلا أن يكون متى بيع لم يكن فيه ربح أو كان فيه خسارة فيترك ولا يباع. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 252. (¬2) قوله: (قد) ساقط من (ق 7).

باب فيمن غصب عبدا أو دراهم فاشترى بها شقصا

باب فيمن غصب عبدًا أو دراهم فاشترى بها شقصًا ومن المدونة قال ابن القاسم فيمن غصب عبدًا فاشترى به شقصًا فلا شفعة في الشقص إن (¬1) كان العبد قائمًا، فإن فات حتى تجب فيه القيمة ففيه الشفعة بقيمة العبد يوم اشترى به الشقص، وإن غصب دراهم فاشترى بها شقصًا، كانت فيه (¬2) الشفعة للشفيع (¬3)؛ لأنها إذا استحقت غرم مثلها، ولم ينقض البيع (¬4). قال الشيخ -رحمه الله-: أما العبد فإنه لا يخلو أن يكون في (¬5) حين قيام الشفيع (¬6) قائمًا أو فائتًا بحوالة أسواق أو تغير في نفسه أو خرج عن يد مشتريه بموت أو بيع أو هبة، فإن كان قائمًا أو تغير سوقه أو تغير في نفسه (¬7) بزيادة أو نقص لم يكن في الشقص شفعة، والشفعة حينئذ تمتنع (¬8) لحق المشتري والبائع (¬9)، فالمشتري (¬10) يقول: ليس له أن يستشفع لأن صاحب العبد على أحد أمرين: إما ¬

_ (¬1) في (ف): (وإن). (¬2) في (ق 2): (للشفيع). (¬3) قوله: (للشفيع) زيادة من (ف). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 263. (¬5) قوله: (في) ساقط من (ق 7). (¬6) في (ق 7): (الشفعة). (¬7) قوله: (أو خرج عن يد مشتريه. . . سوقه أو تغير في نفسه) ساقط من (ق 7). (¬8) في (ق 7): (تمنع). (¬9) زاد في (ق 2) و (ق 6): (للعبد). (¬10) في (ف): (فالبائع).

ألا يجيز فيأخذ الشفعة (¬1) أو يجيز فعليه يُثبتُ (¬2) للعهدة، وأما البائع فيقول: أنا أمنعه من أن (¬3) يستشفعه؛ لأنه إن أخذ مني العبد رجعت في الشقص، وكل هذا متمكن مع وجود عين العبد فإن غرم أو (¬4) حدث به عيب أو حال سوقه، وإن فات (¬5) بموته كانت في الشقص (¬6) شفعة بقيمة العبد؛ لأنَّ المغصوب منه لا يختار إلا إجازة البيع (¬7)، ولا يختار أن تكون مصيبة العبد منه، وينقض البيع فيه، وإنما هو على أحد أمرين: إما أن يضمنه قيمته يوم الغصب فيتم البيع في الشقص، وتكتب العهدة على الغاصب، وإن أجاز البيع كتبت العهدة على (¬8) المغصوب منه فتوقف القيمة الآن؛ لأنها ثمن العبد، فإن أجاز السيد البيع أخذها، وإن ضمن كانت القيمة للغاصب وعليه القيمة يوم الغصب، والشفيع يأخذ بقيمته يوم اشتراه (¬9) وعليه (¬10) لصاحبه أكثر القيمتين، وإن قتل (¬11) العبد ¬

_ (¬1) في (ق 2): (العبد)، وقوله: (ألا يجيز فيأخذ الشفعة) يقابله في (ف): (لا يجيز). (¬2) في (ق 2): (يكتب). (¬3) قوله: (من أن) يقابله في (ف): (من أخذه). (¬4) قوله: (غرم أو) زيادة من ق (7) ولعل صوابه (غصب) إن شاء الله تعالى. (¬5) في (ق 7): (حال). (¬6) قوله: (في الشقص) ساقط من (ق 2). (¬7) قوله: (إجازة البيع) يقابله في (ق 7): (الإجازة والبيع). (¬8) قوله: (الغاصب وإن أجاز البيع كتبت العهدة على) ساقط من (ق 7). (¬9) في (ف): (اشترى به). (¬10) قوله: (عليه) ساقط من (ق 2). (¬11) قوله: (قتل) في ق 11): (قبل).

فكانت قيمته يوم قتل (¬1) أكثر من قيمته يوم غصب ويوم بيع عاد الجواب إلى ما تقدم إذا كان قائمًا؛ لأنَّ الغالب أن (¬2) يختار الأكثر، وهي القيمة يوم القتل، وذلك نقض للبيع. ¬

_ (¬1) قوله: (قتل) في (ق 2): (قبل). (¬2) قوله: (أن) ساقط من (ق 2).

باب إذا قال المشتري بنيت أو أصلحت

باب إذا قال المشتري بنيت أو أصلحت ومن المدونة: وإذا قام الشفيع على المشتري فقال المشتري: بنيت هذا البيت، وكذبه الشفيع لم يصدق المشتري إلا أن تشهد له بينة بذلك (¬1). قال الشيخ -رحمه الله-: أرى أن ينظر في ذلك البيت، فإن كان قديمًا، لم يصدق، وإن كان جديدًا، صدق إذا قال للشفيع: إنه قديم، وإن قال: بنيته معك (¬2) صدق الشفيع؛ لأنهما شريكان، وأيديهما جميعًا على الدار فلا يصدق أحدهما أنه بناه دون الآخر، وإن أشكل الأمر هل هو قديم أو جديد (¬3)، وقال الشفيع: إنه قديم قبل شرائك صدق مع يمينه؛ لأنه يدعي استصحاب الحال إلا أن يقول: إنه كان بنى (¬4) لوقت متقدم لا يشبه أن يكون بناه إلا بعده فلا يصدق. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 263. (¬2) قوله: (وإن قال بنيته معك) ساقط من (ق 7). (¬3) في (ق 7): (حديث). (¬4) في (ف): (بناء).

باب فيمن وهب شقصا أو تصدق به لغير الثواب

باب فيمن وهب شقصًا أو تصدق به لغير الثواب اختلف قول مالك هل في ذلك شفعة أم لا (¬1)؟ وأن لا شفعة أصوب، ولا يستحق على رجل ملكه إلا في موضع جاءت فيه السنة وهو البيع، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شرِيكَهُ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ" (¬2)، ولا يتصور مثل ذلك في الهبة، فإن أثاب الموهوب له عن تلك الهبة فلا شفعة فيها فلم يرَ فيها شفعة؛ لأنَّ العوض تطوع فلا تنقل الهبة عن أصلها إلا أن يقوم دليل على أنهما عملا على ذلك، قال محمد فيمن وهب شقصًا للثواب، ثم ترك الواهب الثواب لموضع الشفعة: فلا شفعة إلا بعد دفع الثواب (¬3)، يريد: أن الشفعة إنما تجب بعد معرفة الثواب فيأخذ به أو يدع، فإذا أسقط الواهب العوض لم يستحق الواهب (¬4) الشفعة بجهل (¬5) العوض. قال الشيخ - رضي الله عنه -: إذا كانت الهبة قائمة، فالقول صحيح، وكذلك (¬6) إذا فاتت (¬7) على أصل ابن القاسم، وأما على قول أشهب فإنما يستحق القيمة (¬8)، ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 246، النوادر والزيادات: 11/ 174. (¬2) أخرجه مسلم: 3/ 1229، بزيادة من باب الشفعة، من كتاب المساقاة، برقم (1608) من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 175. (¬4) قوله: (الواهب) ساقط من (ف). (¬5) في (ف): (لجهل). (¬6) قوله: (قال الشيخ - رضي الله عنه - إذا كانت الهبة قائمة فالقول صحيح كذلك) ساقط من (ق 2). (¬7) في (ف) و (ق 6): (كانت). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 175.

فصل [في الدار تكون بين رجلين فيبيع أحدهما طائفة منها]

فإذا كانت الهبة لغير ثواب فأراد الشريك أن يحلف الموهوب أنهما لم يُسِرَّا بيعًا لم يحلف (¬1) إلا أن يكون ممن يتهم. وقال مالك في المجموعة: فإن رأى أنها لثواب؛ لأنه محتاج وهب لغني أحلف الموهوب له، وإن كانت على صغير أحلف أبوه، وإن كان في غنى عن الثواب، وإنما كانت لقرابة أو لصداقة فلا يمين، وإن لم تكن قرابة ولا صداقة (¬2) ولا حاجة به (¬3) إليهم، فاليمين (¬4) في ذلك (¬5)، وقال مطرف في كتاب ابن حبيب في رجل له دار فتصدق بنصفها، وباع النصف في مجلس واحد: فإن بدأ بالصدقة كانت الشفعة للمتصدق عليه، وإن كان في كلام واحد، وإن بدأ بالبيع فلا شفعة، وإن قال: كنت تصدقت وبعت فلا شفعة، ولا ينظر إلى ما بدأ به (¬6)، ولا يقبل قوله (¬7). فصل (¬8) [في الدار تكون بين رجلين فيبيع أحدهما طائفة منها] وإذا كانت دار بين رجلين فباع أحدهما طائفة لنفسه بعينها، كان شريكه بالخيار بين خمسة أوجه: بين أن يمضي للمشتري ما باع الشريك (¬9) ويكون له ما ¬

_ (¬1) قوله: (لم يحلف) يقابله في (ف): (يحلف). (¬2) قوله: (ولا صداقة) ساقط من (ق 2). (¬3) في (ق 2): (له). (¬4) في (ق 7): (فلا يمين). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 176. (¬6) في (ق 7) و (ق 2): (له). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 206. (¬8) قوله: (فصل) ساقط من (ق 2). (¬9) قوله: (يمضي للمشتري ما باع الشريك) يقابله في (ق 2): (يمضيها الشريك أو يبيع له ما بيع =

لم يبع (¬1) بلا شركة (¬2) أو يجوز (¬3) البيع في الطائفة المبيعة، ويكون الثمن بينهما أو يرد البيع في نصيبه، ولا يستشفع نصيب شريكه أو يستشفع، (¬4) أو يدعو إلى المقاسمة، فإن صارت الطائفة المبيعة إلى البائع مضى البيع فيها، وإن صارت للآخر كان بالخيار في إجازة البيع أو رده، وإن صار بعضها عند من لم يبع فأجاز له البيع مضى البيع، وإن رد البيع في نصيبه كان للمشتري أن يرد البيع فيما بقي في يديه إلا أن يكون الذي رد الشريك البيع فيه أيسر الطائفة فلا يكون له أن يرد للباقي (¬5). واختلف إذا قال البائع: ليس لك أن تبقي ما لم تبع شركة، وتشاركني في المبيع ولكن قاسمني فيصير ذلك لي أو إليك، فقيل: لا مقال له في ذلك، والمبدى الشريك الذي لم يبع حسب ما تقدم، وقيل: ذلك له، وهو أحسن؛ لأن كون ما لم يبع شركة ضرر عليه، وإنما رضي أن يكون ذلك على وجه المقاسمة، فإما رضي بإمضاء ذلك أو برده ويرجعان إلى المقاسمة. ¬

_ = أو)، وفي (ق 7): (يمضيها للمشتري والشريك). (¬1) قوله: (ما لم يبع) يقابله في (ق 2): (أو يبيع له ما بيع). (¬2) قوله: (بلا شركة) زيادة من (ف). وزاد بعده (ق 7)، (ق 2): (أو يكون ما لم يبع شركة). (¬3) قوله: (أو يجوز) يقابله في (ق 7) و (ق 2): (بينهما ويجيز). (¬4) قوله: (ولا يستشفع أو يستشفع) يقابله في (ف): (ولا يشفع نصيب شريكه أو يستشفعه). (¬5) قوله: (فلا يكون له أن يرد للباقي) ساقط من (ق 2).

فصل [في حبس أحد الشريكين نصيبه في دار ثم يبيع الثاني هل للأول الأخذ بالشفعة؟]

فصل [في حبس أحد الشريكين نصيبه في دار ثم يبيع الثاني هل للأول الأخذ بالشفعة؟] وقال مالك في دار بين رجلين (¬1) حبس أحدهما نصيبه منها على رجل وعلى عقبه ثم باع الآخر نصيبه فأراد الذي حبس أن يأخذ بالشفعة، قال: ليس ذلك له؛ لأنه ليس له أصل يستشفع به إلا أن يأخذ ذلك ليجعله في مثل ما جعل الأول، قال: وليس للذي حبس عليهم أن يأخذوه بالشفعة؛ لأنه لا أصل لهم (¬2)، وقد قيل: إنه لا شفعة للمحبس، وإن أراد أن يجعله في مثل الأول، وهو أقيس؛ لأنه لا أصل له، وإذا كان قد سقط ملكه بالتحبيس، وكانت الشفعة ساقطة لم يكن له أن يتطوع بإخراج الثمن لينتزع ملك (¬3) من لم يكن له عليه حق في الانتزاع، وهو بمنزلة من أعتق شركًا له (¬4) في عبد وهو معسر، وأراد آخر أن يتطوع بدفع القيمة ليستكمل العتق ولم يأمره المعتق بذلك، فإنه لا يقبل ذلك منه، ولو كان الحبس على معينين جرت على قولين، فعلى قول مالك إنه لا يرجع بعد انقراض المعينين إلى المحبس- يعود الجواب إلى ما تقدم، وعلى القول إنه يرجع ملكا له (¬5) يكون له أن يستشفعه، وإن لم يلحقه بالحبس، وهذا الجواب في (¬6) الشفعة، وأما جواز الحبس فإن كانت الدار تحمل القسم جاز الحبس؛ لأنه ¬

_ (¬1) في (ق 2): (شريكين). (¬2) انظر: تهذيب المدونة: 4/ 173. (¬3) قوله: (ملك) ساقط من (ق 7). (¬4) قوله: (له) ساقط من (ق 2). (¬5) قوله: (له) ساقط من (ق 2). (¬6) قوله: (الجواب في) يقابله في (ف): (الجواب إلى في).

لا ضرر على الشريك في ذلك إن كره البقاء على الشركة- قاسم، وإن كانت لا تنقسم كان له أن يرد الحبس للضرر الذي يدخل عليه في ذلك (¬1) لأنه لا يقدر على البيع بجميعها، وإذا فسد فيها شيء لم يجد من يصلح معه، وإن كان علو لرجل والسفل لآخر فحبس صاحب السفل كان لصاحب العلو أن يرد تحبيسه لأنه إن فسد منه شيء لم يجد من يصلح له، ومن حقه أن يحمل له علوه السفلي، وإن حبس صاحب العلو كان للآخر أن يرد ذلك للضرر متى وهَي فقد يسقط منه ما يفسد سفله، ولو كان الحبس في شرك من حائط كان الجواب على ما تقدم في الدار ينظر هل تنقسم أم لا؟. تمَّ كِتابُ الشُّفعةِ مِن التبصرةِ، والحمدُ للهِ حقَّ حَمْدِهِ ¬

_ (¬1) قوله: (في ذلك) ساقط من (ق 7).

كتاب الهبة

كتاب الهبة النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ق 6) = نسخة القرويين رقم (368)

باب في هبة الثواب والوجه الذي تجوز عليه، وقدر الثواب وجنسه، وهل يمنع الرد ويوجب الثواب

كتاب الهبة (¬1) باب في هبة الثواب والوجه الذي تجوز عليه، وقدر الثواب وجنسه، وهل يمنع الرد ويوجب الثواب هبة الثواب جائزة، وإن لم يسم العوض؛ لأن القصد من أخذها مكارمة الواهب، فجاز قبولها على ذلك، وقياسًا على نكاح التفويض في قول الله عز وجل: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236]، فأجاز النكاح على ما يفرضه الزوج بعد العقد لما كان القصد فيه المكارمة (¬2)، ولقول عمر - رضي الله عنه -: من وهب هبة يرى أنها للثواب فهو على هبته ما لم يرض منها (¬3). وأباح النبي - صلى الله عليه وسلم - بيع العرية بخرصها تمرًا إلى الجذاذ (¬4). وهو الطعام بالطعام مستأخرًا والرطب باليابس، فأجاز ذلك لأن القصد المكارمة من ¬

_ (¬1) قد سمي الباب في بعض مخطوطاته ب (كتاب الهبات). (¬2) انظر المعونة: 2/ 499. (¬3) أخرجه مالك في الموطأ: 2/ 754، في باب القضاء في الهبة، من كتاب الأقضية، برقم (1440)، والبيهقي في الكبرى: 6/ 181، في باب المكافأة في الهبة، من كتاب الهبات، برقم (11803). (¬4) متفق عليه: البخاري 2/ 763، في باب بيع المزابنة وهي بيع الثمر بالتمر، من كتاب البيوع، برقم (2076)، ومسلم 3/ 1168، في باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا، من كتاب البيوع، برقم (1539).

المعري، فتجوز الهبة إذا لم يذكر الثواب أو ذكره على وجه البيان فقال: خذ (¬1) هذه هبة ثواب أو هبتي للثواب لئلا يظن أنها لغير ثواب فينازعه أو يحلفه، واختلف إذا شرط فقال: أهبك هذا العبد على أن تثيبني. فقال عبد الملك في كتاب محمد: الهبة فاسدة (¬2)، ورأى أن فائدة الشرط رفع خيار الموهوب له، وذلك يخرجه عن حد المكارمة، وقال في ثمانية أبي زيد: يجب الثواب بنفس القبول، ولا خيار للموهوب له في الرد. والمعروف من المذهب أنه بالخيار بعد القبض بين الإمساك أو الرد ما لم يفت، ويعتبر في ذلك خمسة أوجه: أحدها: هل للواهب أن يحبس هبته حتى يثاب؟ والثاني: المصنف الذي يثاب. والثالث: القدر (¬3) الذي يلزم قبوله. والرابع: ما يفيتها. والخامس: الوقت الذي يعتبر قيمتها فيه. فقال ابن القاسم في كتاب الصدقة من المدونة: إن له أن يمنع هبته حتى يثاب (¬4). قال محمد: ليس له أن يمنع من قبضها. وهو أحسن، والشأن أن تسلم (¬5) ثم ¬

_ (¬1) قوله: (خذ) ساقط من (ف). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 248، ونصه: (قال عبد الملك: لا تكون هبة الثواب بشرط أهبك على الثواب، فلو شدد على أخذ الشرط، لم يحل؛ لأن للمشترى فيها غير سهم، فيصير كبائع سلعته بالقيمة). (¬3) في (ق 6): (القول). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 415. (¬5) في (ف): (يعلم).

فصل [في الصنف الذي يلزم قبوله من الثواب]

يطلب الثواب، وإن كان الواهب مريضًا جاز أن يسلمها قبل القبض على القول الآخر، ويجبر على القول الآخر إلا أن يكون الموهوب له فقيرًا، فللورثة منعه منها، فإن قبضها منعوه من بيعها حتى يثيب، فإن كان موسرًا لم يكن لهم منعه من البيع على قول مالك في المدونة، ولهم منعه من البيع حتى يثيب على قوله في كتاب ابن حبيب؛ لأنه قال: لا يجبر الواهب على قبول القيمة (¬1)، فإذا لم يلزمه قبول القيمة كان له أن يمنعه من البيع أو يحدث ما يفيتها حتى يثيبه رضاه، إلا العلي من الجواري، فإنه بالغيبة يمنع الرد، خوفًا أن يكون أصابها، فإذا منع الرد لم يمنع الوطء قبل أن يثاب. فصل [في الصنف الذي يلزم قبوله من الثواب] اختلف في الصنف الذي يلزم قبوله من الثواب على ثلاثة أقوال، فقال ابن القاسم: له أن يثيب (¬2) أي صنف أحب، إلا ما كان مثل الحطب والتبن، فإنه مما لا يتعاطاه الناس بينهم (¬3)، وقال سحنون: يلزمه قبول ما أعطاه إذا كان فيه وفاء بالقيمة (¬4)، وقال أشهب: الثواب من العين الدنانير والدراهم، ولا يجبر على قبول العرض (¬5). واختلف إذا وجد بالعبد أو العرض عيبًا، فقال ابن القاسم: يلزمه قبوله كان فيه بعد العيب وفاء بالقيمة أو كان أقل فأتم له القيمة ما لم يكن العيب ¬

_ (¬1) في (ق 6): (الهبة). (¬2) في (ف): (يثبت). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 386. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 446. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 446.

فاحشًا كالجذام والبرص (¬1)، وقال أشهب: له أن يرد بما يرد به في البيع؛ لأنه إنما أخذه عن القيمة (¬2)، وقول ابن القاسم أحسن، وليس القصد من الواهب إلا أن يعوض (¬3) أكثر مما خرج من يده، إلا أنه ينبغي أن يكون له مقال فيما كثير عليه وإن لم يبلغ الجذام، ولا يجبر على قبول ما يتأخر قبضه كخدمة العبد وسكنى الدار، ومن حق الواهب أن يكون الثواب نقدًا ولا يعوض آبقا ولا جنينًا ولا تمرًا لم يصلح للبيع، ومحمل الهبة في هذا الوجه محمل البيع، ولا يعوض من جنس الهبة وأكثر منها بعد الافتراق، ويمنع من (¬4) ذلك ما يمنع في البيع، فإن كانت الهبة طعامًا لم يأخذ أكثر، ولا أجود، خيفة أن يكون عَمِلا على ذلك. واختلف هل يأخذ أدنى صفةً أو كيلًا؟ وأن يجوز أحسنُ، ولا تهمة في الخسارة، ويختلف إذا عوضه دقيقًا من حنطة فمنعه ابن القاسم في المدونة، قال: لأن مالكًا قال: من باع حنطة فلا يعوض من دقيقها (¬5)، وهذا هو أحد قولي مالك فيمن باع زهوًا ثم أقال منه بعد أن صار تمرًا فمنعه مرة، وجعله بمنزلة من باع رطبًا بتمر، وأجازه مرة؛ لأنه طعامه بعينه، فلا يدخله طعام بطعام، وهو أحسن في الرطب والدقيق، فإن رد جملة الدقيق جاز، وكان الموهوب له قد تفضل بالطحن، فإن رد أقل كان الذي أمسك عوضًا عن الطحن، وان عوضه عنه تمرًا أو قطنية قبل أن يفزقا جاز، وأجازه في كتاب ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 386. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 248. (¬3) في (ف). (يعرض). (¬4) في (ف): (في). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 387.

محمد بعد الافتراق إذا كان الأول قائمًا، ورآه في هذا الوجه أخف من البيع لما كان له أن يرد الأول، فيصير بمنزلة ما لو باعه حينئذٍ. ويختلف إذا فات الأول فمنعه مالك وهو المعروف من قوله (¬1)، وذكر محمد بن المواز عنه أنه أجاز أن (¬2) يثاب عن هبة الحلي إن كان ذهبًا فضة، وإن كانت فضة ذهبًا، بخلاف البيع (¬3)؛ لأن هبة الثواب خرجت على وجه المعروف والمكارمة، فضعفت التهمة فيه، وأجراها على القرض، وعلى هذا يجوز أن يأخذ عن الحنطة تمرًا، ومنع ابن القاسم أن يثاب عن الثياب أكثر منها، خيفة أن يكونا عَمِلا على ذلك، ويجوز ذلك على أحد قولي مالك في الحلي، وهو في الثياب أخف؛ لأن محمل الهبة محمل بيع النقد، ولا يتهمان في بيع النقد في العرض بأكثر منه، ويتهمان في الصرف وإن كان نقدًا على الربا، وإن عوضه منافع سكنى دار أو خدمة عبد أو ركوب دابة جاز إذا كانت الهبة قائمة. واختلف إذا فاتت فمنعه ابن القاسم وقال: يدخله فسخ الدين في الدين (¬4)، وأجازه أشهب في كتاب محمد، واختلف فيه عن مالك (¬5)، وقد تقدم ذلك في كتاب الآجال، وإن أثابه دينًا قبل فوت الهبة جاز، وإن كان بعد فوتها جاز إذا كان الدين من جنس القيمة، وهو في القدر مثل القيمة فأقل، ولا يجوز أن يثيبه أكثر، ويدخله في جميع ذلك فسخ الدين في الدين، ويدخله مع ذلك في أكثر سلف بزيادة، وفي خلاف الجنس إذا كانت دنانير أو دراهم الصرف المستأخر. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 412. (¬2) في (ف): (لمن). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 247. (¬4) انظر: المدونة: 4/ 383. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 446.

فصل [في قدر الثواب الذي يلزم قبوله]

فصل [في قدر الثواب الذي يلزم قبوله] وأما قدر الثواب فلم يختلف المذهب إذا فاتت الهبة أنه يجبر على قبول القيمة وليس له المطالبة بأكثر، واختلف إذا كانت قائمة، فقال مالك وابن القاسم في المدونة: إن أثابه القيمة لزمه قبولها (¬1)، وسوى بين القيام والفوات (¬2). وقال مالك ومطرف في كتاب ابن حبيب: للواهب أن يأبى، وإن أثابه أكثر من قيمة الهبة قال: وهو معنى قول عمر - رضي الله عنه - إنه على هبته ما لم يرض منها (¬3)، وليس يلزمه قبول قيمتها (¬4)، ولو أراد ذلك لباعها في السوق، وإنما أهداها رجاء الفضل، فإذا لم يعطه كان أحق بهبته، وإن تغيرت بزيادة أو نقص ما لم تفت بموت أو تكون جارية فيصيبها أو يغيب عليها- فلا ترد؛ لأن ذلك ذريعة لإحلال الفروج. انتهى قوله، وأرى إن أثابه ما يرى أنه كان يرجوه من مثل هذا الموهوب له في مثل تلك الهبة- أن يلزمه قبوله، وسواء كانت قائمة أو فائتة، وإلى هذا ذهب بعض أهل العلم، وهو القياس. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 388 - 390. (¬2) في (ق 6): (الفوت). انظر: النوادر والزيادات: 12/ 241. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 241. (¬4) قوله: (قبول قيمتها) في (ق 6): (قبولها).

فصل [فيما يفيت هبة الثواب من حوالة أسواق أو بدن]

فصل [فيما يفيت هبة الثواب من حوالة أسواق أو بدن] وأما ما يفيتها من حوالة أسواق أو بدن فاختلف فيه على أربعة أقوال: فقال ابن القاسم في المدونة: لا يفيتها حوالة الأسواق (¬1)، وقال في كتاب محمد: ذلك فوت، وسواء كان ذلك بزيادة أو نقص. ولم يختلف عنه أنَّ تغير البدن بزيادة أو نقص فوت (¬2)، وقال مطرف في كتاب ابن حبيب: تغير البدن بزيادة أو نقص (¬3) ليس بفوت (¬4). وقال أشهب في كتاب محمد: تغير السوق والبدن سواء، إن كان بنقص كان المقال للواهب، وهو بالخيار بين أن يلزمه القيمة أو يرضى بأخذها ناقصة، فلا يكون للموهوب له، مقال (¬5). يريد: إلا أن يثيبه برضاه، وإن تغيرت بزيادة كان المقال للموهوب، فإن أحب أن يثيبه وإلا ردها، وإن كره الواهب، وسواء كانت الزيادة من فعله أو غيره، وإن اجتمعت زيادة ونقص لم ترد الهبة إلا باجتماع منهما، فإن أراد الموهوب له أن يردها بالزيادة (¬6) - كان للواهب أن يمتنع لأجل النقص (¬7)، وإن أراد الواهب ألا يقبل الثواب ويأخذها لمكان ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 208. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 239. (¬3) في (ف): (أنه). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 241. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 239. (¬6) قوله: (يردهما لزيادة) في (ق 6): (يرد بالزيادة). (¬7) في (ف): (الزيادة).

النقص- كان للآخر المنع لأجل الزيادة، وقولهم في حوالة الأسواق حسن، فإن زاد جُبِرَ الواهب على قبولها إن أراد الموهوب له، وإن نقص لم يجبر؛ لأن عليه في ذلك ضررًا، وأما تغير الجسم فاستحسن إن زاد من غير فعله أن له أن يرد؛ لأنه لا ضرر على الواهب، وإن كان من فعله مثل أن يقصر الثوب أو يبني الأرض أو يغرسها- أن يكون فوتًا؛ لأن إحداثه رضًى بالتزام الثواب، وأما الدور والأرضون فقال ابن القاسم في كتاب محمد: الفوت في الهبة كالفوت في البيع الفاسد لا يفيتها إلا الهدم والبناء وخروجها من اليد (¬1)، وعلى قول أشهب يفيتها ما يفيت العبد، والثوب (¬2)، وقال في كتاب محمد في الطعام: يرد مثل كيله أو وزنه (¬3)، وهذا يحسن إذا كان فوته بغير سببه، فأما إن أكله أو باعه فذلك رضًى بالتزام الثواب، فيلزم به، ويمنع رد المثل، وصبغ الثوب عند ابن القاسم فوت، وقال أشهب: ليس بفوت (¬4). فإن كان الصبغ يزيد (¬5) - كان المقال للموهوب له أن يرد إن شاء، وإن كان ينقص (¬6) كان المقال للواهب له أن يأخذه بنقصه إلا أن يثيبه برضاه، وأما قول أشهب في هذا فيما يغرم فمثل قول مالك في كتاب ابن حبيب- إنه لا يجبر مع القيام على قبول الهبة، وإن أرضاه، وأن له رضاه أو يرده. وإن كانت أمة فولدت من غير الموهوب له- امتنع الرد على القولين ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 240. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 240. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 133. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 240. (¬5) قوله: (يزيد) في (ف): (بزيادة لك). (¬6) في (ف): (بنقص).

جميعًا، وإن أحب الموهوب له الرد مع الولد كان للواهب الامتناع لنقص الولادة، وإن أحب الواهب الأخذ لأن الولادة نقص كان (¬1) للموهوب له الامتناع لمكان زيادة الولد، وإلى هذا ذهب محمد، والقياس إذا كان في الولد ما يجبر النقص أن يكون له الرد وإن كره الواهب؛ لأنه لا ضرر عليه، وقياسًا على البيع يظهر فيه على عيب بعد الولادة. وإن وهب شاة فاحتلبها لم يكن رضًى؛ لأنه غلة، وله الخراج بالضمان حتى يرد. وقال سحنون: إن كان عليها صوف فجزه لزمته ولم يردها؛ لأنه نقص. وأصل ابن القاسم أن له أن يردها، وهبته الصوف بمنزلة سلعتين فاتت الأدنى، فإن زوال الصوف عن الشاة ليس بعيب فيها، والغراس والبناء عند ابن القاسم فوت (¬2)، وقال أشهب في كتاب محمد: ليس بفوت (¬3). والأول أحسن؛ لأن إحداثه ذلك رضًى بالتزام الثواب، وقال مالك: الحرث فوت (¬4). يريد: كان فيها زرع أم لا، وعلى قول أشهب ليس بفوت إن أسلمها بزرعها، وإن أقام عليه بعد حصاده أسلمها وحدها؛ لأن ذلك غلة، وكذلك النخل يردها بثمرها إن لم تطب، وإن طابت الثمار وجذها- رد الأصول دون الثمر. ويختلف إذا لم تجذ وقد طابت أو يبست هل يردها أو تبقى له؟ والعتق والتدبير وتقليد الهدي وإشعاره فوت يوجب القيمة إن كان الموهوب له ¬

_ (¬1) في (ف): (كما أن). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 410، والنوادر والزيادات: 6/ 175. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 138، 12/ 240. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 240.

موسرًا، وإن كان معسرًا كان الواهب بالخيار بين أن يمضي ذلك ويتبعه بالقيمة (¬1)، أو يرد فعله ويأخذ هبته، وقد عورض هذا بأن قيل: يجب أن يكون للواهب أن يبيعها في القيمة؛ لأن التقليد رضًى بالتزام الثواب، وقول ابن القاسم أصح؛ لأن الموهوب له يقول: إنما التزمت الثواب لفعل فعلته وهو التقليد والإشعار، فردك ذلك ردٌّ لرضاي، وإذا رددت الوجه الذي به التزمت الثواب- لم يلزمني ثواب، وإن كاتب العبد وهو معسر وكانت قيمته مكاتبًا وقبل الكتابة سواء مضت الكتابة، وبيع في الثواب على أنه مكاتب، وإن كانت كتابته أقل ردت الكتابة على القول إن الكتابة من ناحية العتق، ولم ترد على القول الآخر إنها من ناحية البيع إذا لم يحابه في الكتابة. وقال محمد في الأمة تكاتب وإن كانت على غير وجه التجارة، واستدل أنه أراد العتق بالتخفيف (¬2) من الكتابة بما لا يكاتب به مثله - رد الكتابة، وإن علم أنه أراد وجه التجارة وطلب الفضل- كان الواهب أحق به من الغرماء إن فلس، وهي على كتابتها، فإن ماتت ورثها، وإن عجزت كانت أمة، وإن أدت كانت حرة، وولاؤها لمن عقد كتابتها (¬3). وهذا يصح على القول إن الفلس نقض بيع، فلم يجعل له منها سوى ما بقي من الكتابة، والماضي للموهوب له كالغلة، وهذا كما قال: إن اشترى ثوبًا فلبسه ثم فلس إن البائع يأخذ الباقي بجميع الثمن، وإن كان قد أبلاه. وعلى القول إن الأخذ من المفلس كابتداء بيع، وإن جنى جناية عمدًا كان فوتًا- أسلمه ¬

_ (¬1) قوله: (ويتبعه بالقيمة) ما بين معكوفتين زيادة من (ف). (¬2) في (ق 6): (بالخفيف). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 445.

فصل [فيمن أراد رد بعض الهبة والتصرف في بعضها الآخر ببيع ونحوه]

أو افتداه، وإن كان خطأ فأسلمه- غرم الثمن، وإن افتداه كان له رده. فصل [فيمن أراد ردَّ بعض الهبة والتصرف في بعضها الآخر ببيع ونحوه] وإن (¬1) باع بعض الهبة وكانت دارًا فباع نصفها، وأراد رد الباقي (¬2) - كان الواهب بالخيار بين أن يقبله ويأخذ الثواب عن المبيع (¬3)، أو يلزم الثواب عن جميعها (¬4)، وقال محمد: إن كانت عرصة لا يضيق ما بقي عما كان يريدها- رد الباقي، وأثاب عن المبيع (¬5)، وهذا يصح على قول ابن القاسم، وقد اختلف في من وهب ثوبين فأراد أن يثيب عن أحدهما ويرد الآخر، فقيل: ليس ذلك له. وقال أصبغ في المستخرجة: له ذلك (¬6). والأول أشبه، وهو بمنزلة من اشترى ثوبين بالخيار صفقة واحدة فليس له أن يمسك أحدهما ويرد الآخر، وهذا مع قيامهما. واختلف بعد القول أن ليس ذلك له مع القيام. . . (¬7) إن باع أحدهما وأراد رد الآخر (¬8) فقال ابن القاسم: إذا كان الوجه المبيع لزماه، وإن كان ¬

_ (¬1) في (ق 6): (ومن). (¬2) في (ف): (الثاني). (¬3) في (ف): (البيع). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 390. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 241. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 241. (¬7) بياض في نسخة (ق 6) مقداره كلمتان. (¬8) قوله: (وهذا مع قيامهما. . . وأراد رد الآخر) زيادة من (ق 6).

فصل [فيمن باع الهبة ثم اشتراها وأرأد ردها من غير ثواب]

الأدنى رد الأجود، وقيمة الأدنى يوم قبضه، وقال محمد: له أن يرد الباقي، وإن كان الأدنى لأنه قد كان له أن يردهما جميعا، فإن فات أحدهما ببيع أو عتق أو زيادة أو نقص صار غير قادر على رد الفائت (¬1)، وقال يحيى: إن باع أحدهما لزماه، وإن كان المبيع الأدنى بمنزلة لو اشتراهما بالخيار فباع أحدهما، قال: ولقد بلغني ذلك عن سحنون، وأرى إن فات أحدهما بأمر أحدثه من بيع أو عتق أن يلزماه كما ذكر عن سحنون؛ لأنه لم يكن له أن يبعض الصفقة، وإن كان من غير سببه أو تغير في نفسه رد الباقي إن كانا متكافئين، وإن فات الأدنى، وكذلك إذا كان الفوت بسببه باع أو أعتق وكان ممن يجهل ويظن أن له أن يأخذ أحدهما وادعى ذلك فإنه يحلف ويرد الباقي بمنزلته إذا كان من غير سببه. فصل [فيمن باع الهبة ثم اشتراها وأرأد ردها من غير ثواب] وإن باع الموهوب له الهبة ثم اشتراها وأراد ردها ولا يثيب لم يكن ذلك له؛ لأن البيع رضى منه بالتزام الثواب، ولو حال سوقها أو حالت في نفسها ثم عاد أو عادت لحالها كان له أن يرد؛ لأن ذلك لم يكن بفعله فيعد راضيا، وإنما يمنع الرد لمكان الضرر بالواهب في نقصها أو نقص سوقها، فإذا لم ينظر في ذلك حتى ذهب الضرر سقط مقاله (¬2). والجواب في البيع الفاسد بعكس هذا، فإن باع ثم عادت إلى يده ردت، وإن حال السوق ثم عاد لم يرد، والفرق بينهما أنه في الهبة حق لآدمي فينظر هل ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 241، 442. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 389، 390.

فصل [في الوقت الذي تضمن فيه قيمة الهبة]

فعل ما يفهم منه الرضا، وفي البيع الفاسد حق لله -عز وجل-، فلم يعتبر الرضا بالتزام القيمة بالبيع الثاني؛ لأن المشتري مع البائع الأول رضيها لنفسه، وهي بعد ذلك تنقض، وإنما يعتبر هل في الرد ضرر على أحدهما، فإن عادت إلى يد بائعها لم يكن في الرد ضرر على أحدهما، وإن حال السوق سقط ملك البائع عنها، وإذا سقط ملكه لم يكن له سوى القيمة، ولا يراعى أن يعود إلى مثل السوق الأول، ولو قيل مثل ذلك إذا خرجت من يده ثم عادت إليه لم يبعد كما قال أشهب. فصل [في الوقت الذي تضمن فيه قيمة الهبة] اختلف في الوقت الذي تضمن فيه القيمة، فقال مالك في كتاب محمد: يوم وهبت. وقال: يوم قبضت. قال محمد: لأنه كان في قبضها بالخيار (¬1)، وهذا الاختلاف على القول أن للواهب حبس الهبة حتى يثاب؛ لأنها محبوسة بالثمن، فإن دخل هذا على حبسها كانت المصيبة على القولين في المحبوسة بالثمن، وإن دخلا على التسليم كانت القيمة يوم الهبة؛ لأنها صارت ملكًا للموهوب له بنفس الهبة، وبقيت على الإيداع، وقول محمد: لأنه كان في قبضها بالخيار- ليس بحسن، وليست كبيع الخيار؛ لأن بيع الخيار على الرد حتى يقبله المشتري، ولهذا كانت المصيبة بعد القبض من البائع، وهبة الثواب على القبول حتى يرد، ولهذا كانت المصيبة قبل القبض وبعده من الموهوب له حتى يرد وكذلك نكاح التفويض على القبول حتى يرد ولهذا كانت فيه (¬2) قيمة المواريث ووقع فيه ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 239. (¬2) قوله: (المصيبة قبل القبض وبعده من. . . ولهذا كانت فيه) ساقط من (ف).

الطلب، فإن مات الواهب أو الموهوب له قبل قبض الهبة أو بعد قبضها وقبل الثواب- لم تسقط الهبة، فإن مات الواهب فورثته مكانه، فإن لم تكن قبضت- كان له أن يقبض الثواب ويسلمها، وعلى القول الآخر يسلمونها ويقومون بالثواب، وإن مات بعد أن قبضت كان لهم أن يقوموا بالثواب، أو ترد إليهم إن كانت قائمة، وإن مات الموهوب له وهي قائمة (¬1) كان ورثته بالخيار بين أن يثيبوا (¬2) أو يردوها، فإن فاتت أخذ من تركته الثواب، وإن فلس -وهي قائمة- كان للغرماء أن يسلموها أو يمكنوا الموهوب له من الثواب عنها، وإن فاتته كان بالخيار بين أخذها أو يسلمها ويضرب مع الغرماء بالقيمة، وإن مات وهي قائمة كان للغرماء أن يسلموها أو يثيبوه، وتباع لهم، وإن فاتت ضرب مع الغرماء بقيمتها ولم يكن له أن يأخذها. ¬

_ (¬1) قوله: (وهي قائمة) ساقط من (ق 6). (¬2) في (ف): (يثبتوا).

باب فيما فيه الثواب من الهبات وما لا ثواب فيه والثواب بين الأغنياء والفقراء والسلطان والزوجين والآباء والأبناء

باب فيما فيه الثواب من الهبات وما لا ثواب فيه والثواب بين الأغنياء والفقراء والسلطان والزوجين والآباء والأبناء ومن وهب هبة ثم قال: أردت بها الثواب، فإن كانت دنانير أو دراهم- لم يقبل قوله؛ لأن الشأن أنها لا توهب للثواب، قال ابن القاسم: ولو كان يرى أنه وهبها للثواب فلا شيء له (¬1). يريد: أن الواهب رأى ذلك ولم يره الناس. قال مالك في المختصر: إلا أن يكون لذلك وجه (¬2)، يريد: دليلًا على ما ادعاه، وإن كانت الهبة دارًا أو عبدًا أو عروضًا (¬3) أو شيئًا مما يكال أو يوزن لها قدر- قُبِلَ قوله، وإن كانت يسيرة لا يراد بمثلها الثواب- لم يصدق. وقال ابن القاسم في كتاب محمد في صفائح الذهب ونقار (¬4) الفضة والسبائك والحلي المكسور: لا ثواب فيها، وهي كالدنانير (¬5). واختلف في الحلي الصحيح، فقال ابن القاسم: فيه الثواب. وقال أشهب في كتاب محمد: لا ثواب فيه (¬6). واختلف في هبة الدنانير والدراهم وغيرها مما لا ثواب فيه إذا اشترط الواهب الثواب، فقال ابن القاسم: الهبة جائزة، وله الثواب ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 412. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 247. (¬3) قوله: (عروضًا) ساقط من (ف). (¬4) النقرة من الذهب والفضة: القطعة المذابة، وقيل: هو ما سبك مجتمعا منها، والنقرة: السبيكة، والجمع نقار. انظر لسان العرب: 5/ 227. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 13/ 437، والنوادر والزيادات: 12/ 248. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 248.

من العروض والطعام (¬1). وقال أشهب في كتاب محمد: الهبة فاسدة؛ لأن ثواب الهبات من الدنانير والدراهم إلا أن يتراضيا بعد ذلك (¬2)، وقول ابن القاسم أبين، فيقضى بالثواب على الحلي عند عدم الشرط؛ لأن العادة فيما يصنع ويستطرف أن هبته للثواب، ولمجوز هبة الدنانير والدراهم إذا اشترط أنها للثواب، ولا تفسد قياسًا على غيرها من الهبات، ويكون الثواب من غير العين، ومن وهب عبدًا أو عرضًا فغاب فعوض عن الموهوب له رجل آخر عرضًا أو عبدًا، وقال: أردت به الثواب- كان الموهوب له بالخيار بين أربع: بين أن يثيب عن الأولى أو الثانية أو يعطي قيمة الأولى أو قيمة الثانية، فإن كانت قيمة الأولى أو الثواب عنها أقل من الثانية- لم يكن له غيره، ولم يرجع الآخر على الواهب بشيء، وإن كانت قيمة الثانية أو الثواب عنها أقل- لم يكن له غير ذلك، إلا أن يتطوع بأكثر، فإن أثاب الثاني عينًا وقال: أردت به الثواب من الأولى- لم يقبل قوله، وإن قال: أردت السلف صدق، وكان له الأقل من قيمة الأولى أو السلف. قال محمد: وإن أثاب الثاني قبل فوت الأولى فذلك فاسد، والموهوب له بالخيار، إن شاء رد القيمة على الذي وهب له، ويرجع المثيب الأول من قيمتها أو ما أثاب. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 412. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 247.

فصل [في هبة القادم من السفر وفيمن أثاب من صدقة أو أثاب جهلا فيما لا ثواب فيه]

فصل [في هبة القادم من السفر وفيمن أثاب من صدقة أو أثاب جهلا فيما لا ثواب فيه] اختلف في الهبة للقادم من السفر كالطعام والفاكهة وما أشبهه، فقال مالك: لا ثواب فيه (¬1). وقال محمد بن عبد الحكم في مختصر حمديس: له الثواب. وهو أبين، والشأن رجاء الثواب مما يقدم به المسافر إلا أن الناس على ضربين، فمنهم من لا يرضى الكلام على ذلك إن لم يكافأ، فهذا إن وقع بينهما بعد ذلك مقابحة أو مفاسدة فتكلم على هبته- لم يكن له شيء، ومنهم من يتكلم على الثواب، فذلك يقضى له به، فأما ما وهبه القادم لجيرانه أو الصديق عند قدومه فليس الشأن الثواب فيه، والشأن أيضًا فيما يهديه الصديق أو الجار في الجرس أو غيره من الولائم الثواب، إلا أنهم مختلفون أيضًا في القيام إن لم يثب فمن علم من مثله ألا يطلب- لم يكن له قيام ولا لورثته إن مات قبل أن يثاب، ومن كان (¬2) مثله يطلب الثواب- كان ذلك له ولورثته، وهي في الصحة والفساد على وجهين: إن كانت العادة أن يثيب من الأول بأقل- كانت جائزة؛ لأن الأولى مكارمة لما كان لا يعود إليه أكثر، فأشبهت القرض، وإن كان قصده أن يثاب أكثر، ولولا ذلك لم يهبه- كانت فاسدة وترد. واختلف إذا كان الحكم في الهبة ألا ثواب فأثاب جهلًا منه أو أثاب من صدقة، فقال مالك: يرجع في ثوابه إن كان قائمًا ولا شيء له إذا فات. وقال ابن القاسم: إن أثابه دنانير، فقال: أنفقتها أو هلكت- حلف وبرئ، وإن أثابه ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 248. (¬2) قوله: (من) زيادة من (ف).

فصل [فيمن وهب هبة مطلقة ثم ادعى الثواب]

سلعة فهي له، وإن نقصت، وكذلك إن زادت إلا أن يعطيه قيمتها (¬1)، وأرى أن يرجع في عوض ثواب بعد الفوت إذا صون به ماله، ولا يصدق في الدنانير ولا غيرها مما يغاب عليه، كما لم يصدق في ذلك إذا استحق من يديه، فادعى التلف؛ لأنه يتهم أن يغيب ذلك، والتلف نادر، ويصدق وإن كان حيوانًا. فصل [فيمن وهب هبة مطلقة ثم ادعى الثواب] وإن كانت الهبة مطلقة لم يذكر فيها ثوابًا ثم قال: أردت الثواب، فإن كان له دليل على ذلك صدق، وإن كان هناك دليل أنه لا يراد بها الثواب -لم يصدق، وإن أشكل الأمر- لم يكن له شيء؛ لقول عمر - رضي الله عنه -: "من وهب هبة يرى أنها للثواب فهو على هبته" (¬2). فلم يجعل له فيها مقالًا إلا مع قيام الدليل؛ ولأن موضع الهبات والصدقات عدم الإعواض، والإعواض يخرجها عن الهبات إلى البياعات، فكانت على ما وضعت له إلا أن يعلم أنه أراد المبايعة، وإن كانت الهبة من فقير لغني- كان له الثواب، وإن كان من غني لفقير لم يكن له ثواب. وقيل: إنه نادم؛ لأن المراد بالعطية للفقراء الصدقة، وإن كانت بين غنيين كان له الثواب عند مالك؛ لأن شأن الأغنياء المكافأة. واختلف إذا كانت بين فقيرين، فقال مرة: لا ثواب له. وذكر أبو الفرج عنه أن له الثواب؛ لأن رجاء الفقير من مثله مثل رجاء الغنيين، وقد يسقط الثواب بين الغنيين، وإن كانت من فقير لغني إذا كانت العادة ألا يراد بها ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 245، والنوادر والزيادات: 12/ 251. (¬2) سبق تخريجه في أول الكتاب، ص: 3405.

الثواب (¬1)، وقال أشهب في كتاب محمد في هبة الغني أو الفقير للغني: له الثواب ما لم يرد بها عونًا في حاجة أو ذبًا (¬2)، يريد: أن الشأن فيمن أهدى لمن يسعى له في حاجة أو صرف مظلمة، لا يريد: ثوابًا، وسواء كان الواهب غنيًا أو فقيرًا، وثوابه ما يتكلف من تلك الحاجة، ولا ثواب للسلطان إن وهب لغني، وهو قول محمد (¬3). واختلف في الهبة له، فقال ابن شعبان لا ثواب عليه. وقال أبو محمد عبد الوهاب: إن كان الواهب فقيرًا فله الثواب، وإن كان غنيًا فلا ثواب له (¬4). وقوله في الفقير حسن؛ لأني (¬5) لا أجده يقصد بذلك ذبًا عن مال ولا اكتساب جاه. وأما الغني فلا ثواب له؛ لأن القصد اكتساب جاهه أو ذب عن مال إلا أن يكون ذلك عند ما لزمه من مطالبات فيفعل ذلك رجاء الترك فلا يفعل، أو طارئًا قدم بتجارته كالأعلاق النفسية يهديها إليه؛ فالشأن في مثل هذا الثواب، إلا أن يعلم أنه اراد اكتساب جاه؛ فيهدي بعض ما يقدم به، أو يريد المقام والسكنى أو تلزمه مغارم فلا ثواب له إن ترك له ما يرى أنه رجه، وقال أبو محمد عبد الوهاب: لا ثواب فيما يوهب لفقيه أو لرجل صالح (¬6). قال ابن شعبان: وهي تجب على من وهبها له. يريد: إلا أن تكون الهبة بين فقيهين أو ما أشبه ذلك. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 414. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 444. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 444. (¬4) انظر: المعونة: 2/ 500. (¬5) في (ف): (لأنه). (¬6) انظر: المعونة: 2/ 500.

فصل [في الهبة بين الزوجين وبين الوالدين والولد وبين ذوي الأرحام]

فصل [في الهبة بين الزوجين وبين الوالدين والولد وبين ذوي الأرحام] واختلف في الزوجين، فقال مالك: لا ثواب بينهما إلا أن يقوم لمن قام به دليل مثل الرجل الموسر تهبه زوجته الجارية الفارهة، يطلبها فتعطيه إياها استقرارًا لصلته، وفي الرجل يهب مثل ذلك لامرأته (¬1)، وذكر أبو محمد عبد الوهاب في الزوجين قولين: الثواب، وسقوطه (¬2)، والأول أحسن؛ لأن قصد كل واحد منهما بهبته التواصل والتعاطف، وهي من الرجل لامرأته أبين إلا أن يكون لقوم عادة فيحملون على عاداتهم، وقال ربيعة: هي من الرجل حسن صحبة، ومن المرأة مواساة ومعونة (¬3). ويختلف في الثواب بين الوالدين والولد على ما تقدم في الزوجين، فلم يجعل بينهم في المدونة ثوابًا، إلا أن يكون هناك دليل، فقد يهب الرجل لابنه استقرارًا لما عنده، وما يرى الناس أنه وجه ما طلب بهبته، وعلى القول في الثواب بين الزوجين يكون القول قول من ادعى الثواب من هذين، ودعوى الابن الثواب من الأب أبين من دعوى الأب الثواب من الابن إلا أن يكون قليل ذات اليد والابن موسرًا. واختلف في ذوي الأرحام فقال ابن القاسم في المدونة في عطية ذي رحم لرحمه في الجد والجدة، والأخ والعمة وابن العم: إن علم أنه أراد الثواب، فإن ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 413، والنوادر والزيادات: 12/ 444. (¬2) انظر: المعونة: 2/ 500. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 413.

أثابوه وإلا رجع في هبته وما علم أنه لم يرد ثوابًا مثل الغني يصل قرابته الفقراء فلم يصدق. ولم يذكر الحكم إذا عدم هذان الدليلان للواهب، والموهوب له؛ لأن هبة الغني للفقير لا ثواب فيها، وإن كانا أجنبيين والأقارب مختلفون وأقواهم في سقوط الثواب الجد والجدة يهبان لولد الولد، وليس كذلك هبته لهما (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 413.

باب في الهبة أو الثواب يستحقان أو يوجد بهما عيب

باب في الهبة أو الثواب يستحقان أو يوجد بهما عيب وإذا وجد بالهبة عيبًا أو استحقت- كان الحكم في رجوع الموهوب له على الواهب على حكم البياعات فيرد من العيب ما يرد به في البيع، فإذا رد أو استحقت- رجع في الثواب إن كان قائمًا، وفي قيمته يوم قبضه إن كان فائتًا، وإن كان الثواب عينًا أو ما يكال أو يوزن- رجع بمثله، وهذا أصل قول مالك وابن القاسم (¬1) وأشهب، إلا في وجه، وهو أن يثيب عرضًا بعد فوات الهبة، فإنَّ مذهب أشهب ألا يرجع في الثواب وإن كان قائمًا؛ لأنه قال: إنما يجب الثواب بالعين (¬2)، وإنما أخذ العَرْض (¬3) عن القيمة ولم يأخذه عن الهبة، فإذا رد الهبة رجع بقيمة الهبة؛ لأن القيمة ثمن العَرْض (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 404، 414، والنوادر والزيادات: 12/ 249. (¬2) في (ق 6): (من العين). (¬3) في (ق 6): (العوض). (¬4) في (ق 6): (العوض).

كتاب الحبس والصدقة

كتاب الحبس والصدقة النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ق 6) = نسخة القرويين رقم (368)

باب فيمن حبس شيئا في سبيل الله -عز وجل-

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه كتاب الحبس والصدقة باب فيمن حبس شيئًا في سبيل الله -عز وجل- قال مالك فيمن حبس في سبيل الله: فسبل الله تعالى كثيرة، ولكن يجعل في الغزو (¬1). وقال أشهب في المجموعة: القياس أنه في أي سبيل خير وضع جاز والاستحسان أن يجعل في الغزو (¬2). والمسألة على ثلاثة أوجه: فإما أن يقول حبس في سبيل الله تعالى فيكون قد قيد من الطرفين أو يقول حبس ولا يسمي ما يصرف فيه أو يقول في سبيل الله -عز وجل-، ولا يقول حبس، فإن قال: حبس في سبيل الله جعل في الغزو كما قال مالك؛ لأن العادة جارية أن المراد بهذا اللفظ الجهاد، وإن كان غيره مما يتقرب به (¬3) إلى الله -عز وجل- من سبيل الله تعالى، قال الله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60]، ثم قال: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} ولا خلاف أن المراد بقوله تعالى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} ها هنا: الغزو، وإن كانت الصدقات المذكورة في الآية من سبيل الله، وقال فيمن قال "داري حبس" ولم يجعل لها مخرجًا: أراها ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 417. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 15. (¬3) قوله: (به) ساقط من (ف).

حبسًا في الفقراء والمساكين (¬1). وقال ربيعة في المبسوط فيمن حبس رباعًا ولم يزد على ذلك، قال: يسكنها الولد والقرابة والرحم. وهذا أحسن لحديث أبي طلحة قال: إن أحب أموالي إليَّ بَيْرُحَاء، الحديث. فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجعلها في الأقربين (¬2). ولا يمنع مالك أن يبتدئ بالأقارب والرحم. قال مالك: وإن كانت في الإسكندرية وجل ما يحبس فيها في سبيل الله فليجتهد في ذلك الوالي، وأرجو أن يكون له سعة في ذلك (¬3)، وقال أشهب: يجعل حبسًا في سبيل الله -عز وجل- (¬4). وأرى أن ينظر في ذلك، فإن كان جل الأحباس من الرباع وغيرها في سبيل الله جعلت الدار في سبيل الله، فإن كانت للسكنى سكنها أهل الغزو، وإن كانت للغلة أكريت وفرق فيهم غلتها، وإن كان جل الأحباس في السبيل من غير الرباع جعلت في الفقراء. وقال في كتاب النذور فيمن جعل شيئًا من ماله في سبيل الله: فإنه يبيعه ويجعل ثمنه لمن يغزو به (¬5). وقال مالك في كتاب الوصايا من كتاب محمد فيمن أوصى بسلاحه في سبيل الله: لا أحب أن يعطى أهل الغنى (¬6) وليعطَ أهل ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 417. (¬2) أخرجه البخاري: 2/ 530، في باب الزكاة على الأقارب، من كتاب الزكاة، برقم (1392)، ومالك في الموطأ: 2/ 995، في باب الترغيب في الصدقة، من كتاب الصدقة، برقم (1807). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 417، 418. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 15. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 573. (¬6) في (ق 6): (الأغنياء).

الحاجة (¬1). قال: ولا يجعل حبسًا ولكن يجتهد فيه (¬2). وأرى أن يجعل حبسًا ولا يباع، وكذلك إذا قال في فرس أو سيف أو درع أو غير من آلة الجهاد: وهو حبس، ولم يقل: في سبيل الله، أو قال: في سبيل الله، ولم يقل حبسًا فيكون عند ذلك حبسًا في الغزو كالذي قال: في سبيل الله، فإن قال: داري حبس في سبيل الله، وكانت في المواحيز (¬3)، ومما يراد للسكنى سكنها أهل الغزو، وإن كانت للغلة فرقت غلتها عليهم، وإن لم تكن في المواحيز وكان شأنهم أن يبعثوا إلى أهل الغزو وكانت دار السكنى والغلة سواء تؤاجر وتبعث غلتها، وإن لم (¬4) يكن الشأن البعثة إليهم حمل قوله في سبيل الله -عز وجل- على ما يكون في سبيل الله من غير الغزو، فيسكنها الفقراء والمساكين وتكرى لهم إن كانت للغلة، وإن رأى أن يجعل الغلة في إصلاح المساجد أو القناطير أو غير ذلك جاز. وإن قال: في سبيل الله، ولم يقل: حبس، بيعت الرقبة، وبعث بالثمن إن كان الشأن البعثة وإن لم يكن فُرِّق، وإن قال: حائطي حبس في سبيل الله، فرق غلته في السبيل، وإن قال: في سبيل الله، ولم يقل: حبس، بيع وصرف ثمنه في ¬

_ (¬1) لم أقف على كلام مالك هذا معزوًّا لكتاب محمد، وإنما وقفت عليه معزوًّا للعتبية، انظر: البيان والتحصيل: 2/ 548، والنوادر والزيادات: 3/ 414. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 12/ 478. (¬3) "المواحيز" جمع "ماحوز": وهو الموضع أو الناحية وتطلق على المواضع التي يرابط فيها المسلمون، وفي الحديث: (فلم نزل مفطرين حتى بلغنا ماحُوزَنا) قال شمر في قوله (ماحُوزَنا): هو موضعهم الذي أَرادوه، وأَهل الشام يسمون المكان الذي بينهم وبين العدوّ الذي فيه أَساميهِم ومَكاتِبُهُم الماحُوزَ. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر 4/ 629، ولسان العرب: 5/ 339. (¬4) قوله: (لم) زيادة من (ق 6).

المجاهدين والسلاح والكُراع، وإن قال في ثياب: "هي حبس في سبيل الله" لبسها المجاهدون، وإن قال: في سبيل الله، ولم يقل: حبس، بيعت. وإن قال في عبد: هو حبس في سبيل الله، فإن كانت صناعته مما تراد للجهاد صيقلًا أو سراجًا أو قواسًا أو نجارًا أوقف لمثل ذلك، وكذلك إن قال: في سبيل الله، ولم يقل: حبس، وإن كان شجاعًا يعرف بالنجدة وذلك قصد سيده كان العبد بالخيار بين أن يقبل ويوقف لذلك أو يأبى فيباع ويصرف ثمنه في سلاح وغيره؛ لأن الجهاد ساقط عنه، وليس لسيده أن يلزمه القتال، وإن كان يراد للغلة افترق الجواب، فإن قال: حبس فرقت غلته، وإن لم يقل حبس بيعت رقبته، وكذلك إن كان للخدمة، فإن حبس عينه خدم في الجهاد، وإن لم يقل حبس بيعت رقبته.

باب ما يجوز حبسه وما يمنع

باب ما يجوز حبسه وما يمنع الحبس ثلاثة: الأرض وما يتعلق بها كالديار والحوانيت والحوائط والمساجد والمصانع والآبار والقناطر والمقابر والطرق. والثاني: الحيوان كالعبيد والخيل وغيرها. والثالث: السلاح والدروع والثياب. فيجوز تحبيس المصنف الأول وهو الأرض، وما ذكر معها، واختلف في الحيوان والثياب على أربعة أقوال، فأجازه ابن القاسم في المدونة (¬1)، وذكر أبو الحسن ابن القصار وأبو محمد عبد الوهاب في ذلك قولين: الجواز والمنع (¬2)، وقال: من أصحابنا من يقول "يجوز في الخيل"، وإنما الخلاف في غيرها، يريد: في العبيد والثياب. وقال ابن القاسم في كتاب محمد: استثقل مالك حبس الحيوان، وقال في رجل حبس غلامًا على رجل وعقبه: أكرهه؛ لأنه ضيق على العبد (¬3)، يريد: لما كان يرجى له من العتق، وظاهر هذا أنه يكره في العبيد والإماء دون غيرهما. وأرى أن يجوز الحبس في جميع ذلك، والأصل في حبس الأرض وما يتعلق بها قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر لأرض صارت له من خيبر: "إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا غَيْرَ أَنَّها لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلَا تُورَثُ وَلَا تُوهَبُ". فتصدق بها عمر في الفقراء والغرباء، وفي الرقاب، وفي سبيل الله وابن السبيل، ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 418. (¬2) انظر: التلقين: 2/ 216، والإشراف: 2/ 673. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 101.

والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم صديقًا غير متمول فيه، أخرجه البخاري ومسلم (¬1). وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ يَشْتَري بِئْرَ رُومَةَ فَيَجْعَلُ دَلْوَهُ فِيهِ مَعَ المسْلمينَ بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا فِي الجَنَّةِ" فاشتراها عثمان وجعلها للمسلمين، وقال: "مَنْ يَشْتَري بُقْعَةَ بِئْرِ فُلَانٍ بخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا في الجَنَّةِ"، فاشتراها عثمان وزادها في المسجد، رواهما مسلم (¬2)، وقد وقف عمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وزيد بن ثابت وعمرو بن العاص، وزيد بن عبد الله، وابن عمر، وذكر لمالك قول شريح: لا حبس على فرائض الله، فقال: تكلم شريح في بلده ولم يقدم المدنية فيرى أحباس الصحابة - رضي الله عنهم - وأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذه أوقاف النبي - صلى الله عليه وسلم - سبع حوائط (¬3). والأصل في تحبيس ما سوى الأرضين قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ الله إِيمانًا بِاللهِ وَتَصْدِيقًا لِوَعْدِهِ، فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرِّيهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، أخرجه البخاري (¬4)، وقال في خالد: قال: "حَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَعَبِيدَهُ (¬5) فِي سَبِيلِ ¬

_ (¬1) متفق عليه: أخرجه البخاري: 2/ 982، في باب الشروط في الوقف، من كتاب الشروط، برقم (2586)، ومسلم: 3/ 1255، في باب الوقف، من كتاب الوصية، برقم (1632). (¬2) أما الحديث الأول فلم أقف عليه في مسلم، والحديث في البخاري: 3/ 1021، في باب إذا وقف أرضًا أو بئرًا واشترط لنفسه مثل دلاء المسلمين، من كتاب الوصايا، برقم (2627)، والحديث الثاني أيضًا لم أقف عليه في مسلم، والحديث في سنن الترمذي: 5/ 627، في باب في مناقب عثمان - رضي الله عنه -، من كتاب المناقب، برقم: (3703)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 6. (¬4) أخرجه البخاري: 3/ 1048، في باب من احتبس فرسًا، من كتاب الوصايا، برقم (2698). (¬5) في (ق 6): (وأعبده).

الله"، أخرجه البخاري ومسلم (¬1)، وقال: "إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاَثٍ: عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُوا لَهُ أَوْ صَدَقَةٌ جَاريَةٌ" (¬2)، يريد: الحبس؛ لأن معنى الحبس: حبس الرقاب عن البيع (¬3) وتُصْرَفَ منافعُهُ فيما وقف له، فكان الحكم المساواة في ذلك بين الرباع وغيرها. ¬

_ (¬1) متفق عليه: أخرجه البخاري: 2/ 534، في باب قول الله تعالى {وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ}، من كتاب الزكاة، برقم (1399)، ومسلم: 2/ 676، في باب في تقديم الزكاة ومنعها، من كتاب الزكاة، برقم (983). (¬2) أخرجه مسلم: 3/ 1255، في باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، من كتاب الوصية، برقم (1631)، والموطأ: 2/ 399، في باب تكفين المحرم، من كتاب الحج، برقم (508). (¬3) في (ف): (المبيع).

باب في بيع الحبس إذ انقطعت منفعته

باب في بيع الحبس إذ انقطعت منفعته وإذا انقطعت منفعة الحبس وعاد بقاؤه ضررًا جاز بيعه، وإن لم يكن ضررًا ورجي أن تعود منفعته لم يجز بيعه. واختلف إذا لم يكن ضررٌ ولا رجا منفعته، فأجاز ابن القاسم وربيعة البيع ومنعه غيره، فقال مالك فيما ضعف من الدواب حتى صار لا قوة فيه للغزو أو كَلِبَ أو خَبُثَ: يباع، ويجعل ثمنها في غيره من الخيل، قال ابن القاسم: فإن لم يكن في ثمنه ما يشترى به فرس أو هجين أعين به في فرس. وقال في الثياب: إن لم يكن فيها منفعة بيعت واشتري بقيمتها ثياب، فإن لم يكن في الثمن ما ينتفع به فُرِّق في السبيل (¬1). وقال مالك في كتاب محمد: لا تباع الدور والأرضون، وإن خربت وصارت عرصة وقد كان البيع أمثل (¬2). وقال ربيعة في المساكن تخرب فلا يكون على وليها أن يصلحها فعسى أن يرى الإمام بيع ذلك ويجعل ثمنه في مثله (¬3). قال سحنون وقال غير مالك: ما جعل في سبيل الله -عز وجل- من العبيد والثياب لا يباع (¬4). وقال مالك في كتاب ابن حبيب في الدور المحبسة حول مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - حين زيد فيه: لم يكن بد (¬5) أن تهدم تلك الدور (¬6). وقال ابن حبيب في العبد إن أحدث فسادًا أو إباقًا: بيع وجعل ثمنه في ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 418. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 83. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 418. (¬4) انظر: المدونة: 4/ 418. (¬5) قوله: (بد) ساقط من (ق 6). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 88.

مثله (¬1). وقال أشهب في المجموعة في الرقيق المحبس في السبيل: إن فضل عن عيشهم شيء فرق على فقراء ذلك الثغر، فإن فضل عنهم ففي أقرب الثغور منهم، وإن لم يكن في غلتهم فضل عن عيشهم لم يباعوا ما قام سوادُهُم بما يؤاجرون به، فإن انقطع ذلك وخيف هلاكهم بيعوا وقسمت أثمانهم في السبيل، فإن رأى أن يشترى بأثمانهم سلاح أو خيل فعل (¬2). وقوله: "لا يباعوا ما قام سوادهم بإجارتهم" أصلح (¬3) إذا كان ذلك لكساد تلك الصفقة أو لغلاء سعر ورجاء أن تعود لهم منفعة، وإن كان ذلك لأنهم (¬4) أسنُّوا أو لغير ذلك مما لا يرجى لهم منفعة بيعوا على قول مالك وابن القاسم. وأما الفرس يكلب فلا ينتفع به، وإن كان يعلف بيع (¬5)؛ لأن بقاءه ضرر على بيت المال أو على ذلك الثغر، فإن كان في الرعي ولا يعلف جرى بيعه على القولين، ولا يباع ما خرب من الرباع إذا كان بالمدينة لأنه (¬6) لا يؤمن من إصلاحه وقد يقوم محتسب لله -عز وجل- فيصلحه، وإن كان على عقب فقد يستغني بعضهم فيصلحه. وما بعد من العمران ولم يرج صلاحه جرى على القولين، والذي آخذ به في الرباع منع البيع لئلا يتذرع إلى بيع الأحباس. ومن تعدى على حبس فقطع النخل أو هدم الدار أو قتل العبد والفرس ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 87. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 17. (¬3) في (ق 6): (أصح). (¬4) قوله: (لأنهم) ساقط من (ف). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 418. (¬6) قوله: (لأنه) ساقط من (ق 6).

أو أفسد الثوب أغرم قيمة ما أفسد، فإن كان الحبس في السبيل أو على الفقراء أو المساكين جعل ما أخذ عن هدم أو قطع نخل في بناء تلك الدار وغراسة مثل تلك النخل، وفي مثل ذلك العبد والفرس والثوب، وعلى قول أشهب يصرف فيما يرى أنه أفضل (¬1). ويختلف إذا كان الحبس على معين هل يسقط حقه فيما هلك أو يعود حقه في تلك القيمة، فقال محمد فيمن أوصي له بغلة دار أو سكناها فهدمها إنسان، فإن هدمها في حياة الموصي وهو يخرج من الثلث غرم الهادم ما بين القيمتين فيورث عنه وتكون الأرض على حالها فيما وصى به، فإن هدمها بعد موت الموصي بني به تلك الدار، فإن أتى في بنائها علما ما كانت عليه أو أقل يكون ذلك للموصى له به (¬2)، وكذلك إن كان حائطًا منقطع نخله أو شجره. وفي كتاب الجنايات من المدونة فيمن أوصي له بعبد فقتل فلا شيء له من قيمته (¬3)، وعلى قول محمد يشتري له من القيمة مثل الأول. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 15. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 438. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 589.

باب في صفة الانتفاع بالحبس

باب في صفة الانتفاع بالحبس الحبس على ضربين: حبس المراد منه (¬1) غلاته كالثمار وعبيد الإجارة (¬2) والحوانيت وما أشبهه ذلك، فإنه يساقي الثمار أو يؤاجر عليها، فما اجتمع من ذلك قسم في الوجه الذي حبس له، والثاني: الديار توقف للسكنى وعبيد الخدمة والخيل فهذه ينتفع بأعيانها، تسكن هذه ويستخدم الآخر وتركب الخيل، فإن لم يكن في ذلك متسع لجميعهم وكان الحبس على معينين كقوله هؤلاء العشرة أو هؤلاء النفر كان لجميعهم، والغني والفقير والآباء والأبناء سواء، فإن لم يكن في الدار محمل لجميعهم اكتريت وقسموا غلتها أو اقترعوا على أيهم يسكن ويدفع إلى الآخر نصيبه من الكراء. واختلف إذا كان على عقب، فقال مالك وابن القاسم يؤثر الفقراء على الأغنياء والآباء على الأبناء، وسواء قال على ولدي أو ولد ولدي (¬3)، وقال عبد الملك في كتاب محمد: لا يؤثر الفقير إلا بشرط من المحبِّس؛ لأنه تصدق على ولده وهو يعلم أن منهم الفقير والمحتاج، وقال مالك: إن اختلفت منزلتهم يؤثر الآباء، وسواء قال ولدي أو ولد ولدي. وقال في كتاب محمد: هم سواء إلا أنه يفضل ذو العيال بقدر عياله، ولا يكون الآباء أولى من الأبناء، والذكر والأنثى سواء. وقال أشهب: إن قال ولدي وولد ولدي لم يقدم أحدهم على الآخر، وإن قال ولدي ودخل ولد ¬

_ (¬1) في (ق 6): (به). (¬2) في (ق 6): (الإجارات) (¬3) انظر: المدونة: 4/ 421.

الولد بالتأويل بدئ بالأعيان إذا استوت الحاجة (¬1). والقول بالمساواة أحسن، نص على ولد الولد أو أدخل بالمعنى إلا أن تكون العادة تبدية الآباء، وإذا سكن جميعهم ثم استغنى الفقير أو مات بعض العيال أو كثر عيال آخر أو كبر الصغار، فصار رجلًا يحتاج إلى مسكن أو غاب أحدهم افترق الجواب، فقال مالك في كتاب محمد: إذا استغنى أحدهم لم يخرج. وقال ابن القاسم في العتبية: ينتزع ويرجع إلى عصبة المحبس. قيل له: فإن كان للمحبس ابنة قال: ليس النساء عصبة إنما يرجع إلى الرجل، فإن افتقر بعض للحبس عليهم انتزع ورد إليهم (¬2). وهذا صواب إذا كان الحكم أنه للفقراء إلا أن تكون العادة متى سكن أحدهم لم يخرج وإن استغنى. وإن مات بعض العيال ففضل مسكن انتزع، وإن كثير عيال أحدهم أو بلغ أحد الولد وتأهل لم يخرج له أحد ولم يستأنف القسم، وإنما تساوى حق الآباء والأبناء في مبتدأ القسم، وإن كان أحدهم في مبتدأ السكنى غائبًا قريب الغيبة وقف نصيبه وأكري له، وإن كان بعيدًا لم يكن له شيء ولم يستأنف القسم إن قدم، وإن غاب أحدهم بعد القسم على وجه السفر ليعود كان على حقه في مسكنه، ويكريه إن أحب، وإن كانت الغيبة المنقطعة أو خرج على وجه الانتقال سقط حقه إلا أن يكون ذلك المسكن فاضلًا عن جميعهم فيكون على حكم الغلة يقسم كراؤها وله نصيبه من كرائه. وأما الثمار وغلة الحوانيت والحمامات وما أشبه ذلك فحق الحاضر، ومن ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 30، 31. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 12/ 314، وانظر: النوادر والزيادات: 12/ 65.

أحدث سفرًا قريبًا أو بعيدًا أو انتقل سواء، وإن كان في حين الحبس قد انتقل إلى موضع بعيد لم يبعث إليه شيء، وليس العادة ولا القصد من المحبِّس إدخاله في الحبس إلا أن يقدم فيستأنف له القسم. وإن كان الحبس عبدًا يراد للإجارة جرى الحكم في إجارته على ما تقدم من الثمار وغيرها، وإن كان من عبيد الخدمة كان على حكم الدار تراد للسكنى إلا أن العبد يفارق الدار إذا ضاقت عن جميعهم، فإن كثير من حُبِّس عليهم العبدُ وسع في الأيام فإن كانوا ثلاثين كان لكل واحد خدمة يوم من ثلاثين يومًا.

باب في النفقة على الحبس

باب في النفقة على الحبس وهي على ستة أقسام: فقسم (¬1) نفقته من غلته كان الحبس معينًا أو مجهولًا، وقسم نفقته من غلته إن كان على مجهول، أو على المحبس عليه إن كان على معين، وقسم لا ينفق عليه من غلته كان على معين أو مجهول، وقسم نفقته تارة من غلته، وتارة من غيرها على مجهول كان أو معين، وقسم يختلف فيه هل النفقة على المحبِّس وهو المالك الأول أو على من حُبِّس عليه. والسادس: لا يكون نفقته على أحد إن وجد من يصلحه وإلا ترك. فالأول ديار الغلة والحوانيت والفنادق نفقتها إن احتاجت إلى إصلاح من غلتها، وإن كانت الديار للسكنى خير المحبَّس عليه بين أن يُصْلِح أو يخرج فيُكْرَى بما يُصْلَح به، ثم يعود. والثاني: البساتين، فإن كانت حبسًا في السبيل أو على المساكين أو على عقب معين ولم يسلم إليهم الأصول، وإنما تقسم الغلة عليهم كانت النفقة عليها منها تُساقَى أو يُستأجَر عليها، فما فضل بعد ذلك أصرف فيما حبس عليه، وإن كان على معينين وهم يَلُونَها كانت النفقة عليهم، والحكم في الإبل والبقر والغنم كالحكم في الثمار، وإن كانت تقسم الغلة عليهم استؤجر عليها، وما فضل أصرف في الوجه الذي جعلت له، وإن كان حبسًا على معين سُلِّمت إليهم، وكانوا بالخيار بين أن يلوها بأنفسهم أو يستأجروا عليها. والثالث: الخيل لا تؤاجر في النفقة، فإن كانت حبسًا في السبيل فمن بيت ¬

_ (¬1) قوله: (فقسم) ساقط من (ق 6).

المال، وإن لم يكن بيعت واشترى بالثمن ما لا يحتاج إلى نفقة كالسلاح والدروع، وإن كانت حبسًا على معين أنفق عليها، فإن قبلها على ذلك وإلا فلا شيء له. والرابع: العبيد على ثلاثة أوجه، فإن كانت حبسًا في السبيل ولهم صنعة تراد للسبيل كانوا كالخيل ينفق عليهم من بيت المال فيوقفوا لتلك الصنعة، وإن كان المراد منهم الغلة كان نفقتهم من غلتهم، وسواء كانوا حبسًا في السبيل أو على الفقراء والمساكين أو على مجهول أو على (¬1) معين، فما فضل بعد نفقتهم من غلتهم (¬2) أنفق فيما حبسوا عليه. واختلف في المخدم هل تكون نفقته على صاحبه أو على المخدَم والقول إنه على المخدَم أصوب (¬3)؛ لأنه منقطع إليه ليله ونهاره، وليس الشأن أن يأخذ نفقته معه، ولو كان يخدم النهار ويأوي إلى سيده كانت نفقته على سيده، ولو قيل نفقته في النهار على المخدَم، فإذا آوى إلى سيده كانت نفقته عليه لكان وجهًا، وكذلك إذا كان العبد حبسًا على معين ليخدمه كانت نفقته عليه. والخامس: أن يضرب للحبس أجلًا يخدم فيه العبد وينتفع بالفرس، فيختلف هل تكون النفقة على المعطِي أو المعطَى كالمخدم؛ لأن الرقبة ها هنا باقية على ملك المحبس، وكذا ينبغي أن يكون الجواب إذا لم يضرب أجلًا على القول إنه يعود بعد موت المحبَّس عليه ملكًا لصاحبه يكون كالمخدم، ويختلف على من تكون نفقته. ¬

_ (¬1) قوله: (على) ساقط من (ق 6). (¬2) قوله: (من غلتهم) ساقط من (ق 6). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 345.

فصل [فيمن حبس عليه عبد أو فرس فلم يقبله]

والسادس: المساجد والقناطر (¬1)، فإنه لا تتعلق النفقة وإصلاحه على المحبس، وإصلاح ذلك من بيت المال، فإن لم يكن ولم يجد من يحتسب لله -عز وجل- بقي حتى يهلك. فصل [فيمن حبس عليه عبد أو فرس فلم يقبله] ويختلف إذا حبس العبد أو الفرس على رجل بعينه فلم يقبله هل يصرف لغيره أو يرجع ملكًا للمحبِّس أو لورثته إن وَصَّى (¬2) بحبسه؟ فقال مطرف في كتاب ابن حبيب فيمن حبس عبدًا فلم يقبله المحبَّس عليه لأجل نفقته: يرجع ميراثًا. وقال مالك في كتاب محمد فيمن قال: أعطوا فرسي رجلًا سماه فلم يقبله، قال: إن كان حبسًا أعطي لغيره وأرى إن أعطاه ليركبه ليس ليغزو عليه أن يرجع ميراثًا (¬3)، وإن كان ليغزو عليه فهو موضع الخلاف؛ لأن الحبس حينئذٍ يتضمن منفعة المحبس عليه، والقربة إلى الله -عز وجل-، وكذلك الذي وصى أن يحج عنه فلان بكذا والموصي ليس بصرورة، فقال ابن القاسم: يكون المال ميراثًا (¬4)، كقول مطرف في الفرس، وقال غيره: يدفع المال لغيره يحج به عنه، كقول مالك ها هنا (¬5). وهو أحسن؛ لأن ذلك يتضمن حقين: حقًّا لله سبحانه ¬

_ (¬1) في (ق 6): (القناطير). (¬2) في (ق 6): (رضي). (¬3) انظر النوادر والزيادات: 12/ 107. (¬4) انظر: المدونة: 4/ 367. (¬5) انظر: المدونة: 4/ 367.

فصل [في شرط المحبس أن يصلح المحبس عليه الحبس أو ينفق عليه]

وتعالى وهو: الحج والغزو، وحقًّا لآدمي، فإذا أَسْقَطَ الآدميُّ حقَّهُ لم يَسْقُط الحقُ الآخر. فصل [في شرط المحبس أن يصلح المحبس عليه الحبس أو ينفق عليه] وإن حبس دارًا وشرط على المحبَّس عليه أن يَرُمَّها إن احتاجت إلى إصلاح لم يصلح ذلك ابتداء، وقال ابن القاسم: وذلك كراء وليس بحبس، واختلف إذا نزل فقال في المدونة: مرمتها من غلتها، وأجاز الحبس وأسقط الشرط (¬1). وقال محمد: يرد الحبس ما لم يقبض، قال: ولو اشترط أن يرم ما اشترى منها بقدر كرائها جاز (¬2). واختلف فيمن أعطى فرسًا، وقال: تحبسه سنة ولا تركبه ثم هو لك ملك، أو قال: يكون في يديك حبسًا تغزو عليه، أو قال: تحبسه سنة (¬3) وتغزو عليه، ثم هو لك ملك، فقال مالك في مختصر ابن عبد الحكم: من أعطى رجلًا فرسًا ينفق عليه سنة، فإذا انقضت فهو له، قال: غير ذلك من الشرط أفضل، فإن وقع جاز، وقال ابن القاسم: إن لم يفت الأجل، فإن أحب أسقط الشرط وبتله له، ويدفع إليه ما أنفق، ويأخذ فرسه، وإن فات الأجل كان للذي بتل له بغير قيمة، ولم يجعل له بيعًا (¬4)؛ لأن المالك لم يشترط لنفسه شيئًا ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 422. (¬2) انظر النوادر والزيادات: 12/ 102 ولفظه: (ولو شرط رم ما يسترم منها من أموالهم، بقدر كرائها، جاز ذلك). (¬3) قوله: (ولا تركبه ثم هو لك ملك، أو قال: يكون. . . تحبسه سنة) ساقط من (ف). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 422.

يأخذه، وإنما قال: تأخذه لنفسك ملكًا، وتنفق على ملكك وشرط ألا يعجل الانتفاع به لأمر رأى أن فيه صلاحًا للفرس أو لغير ذلك من الوجوه، وعلى هذا يجري الجواب إذا قال: تحبسه سنة، ثم يكون بعد السنة بيدك حبسًا تغزو عليه، وإن كان هذا أثقل. واختلف في القسم الثالث، فروى ابن القاسم عن مالك فيه الكراهة (¬1). وعلى قوله في المختصر إذا نزل مضى، وقال أشهب: ذلك جائز، وهذا أخف. ولو قال رجل خذ هذا الفرس، تركبه سنة ثم هو لفلان بتلًا، فترك المعار عاريته لصاحب البتل جاز (¬2)، وقال مطرف وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: من أخدم عبده رجلًا عشر سنين ثم هو له بتلًا، أو أخدمه ثم قال ذلك بعد الإخدام، فذلك سواء قد صار له يصنع به الآن ما شاء، وقال أصبغ: إن جمع له الآن ذلك معًا فهو كالمحبس إلى الأجل (¬3). وهذا أصوب لأنها هبة ومعروف، فلا تغير عن الشرط الذي شرط المالك فيها، وكذلك إذا كانا عقدين، وقال: لا يتصرف فيها بالملك إلا بعد الأجل، وإن قال بعد الإخدام هو لك، ولم يزد كان له من الآن يصنع به ما شاء. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 431. (¬2) انظر المدونة: 4/ 431. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 218.

باب في مراجع الأحباس وما يرجع منها ملكا لصاحبها

باب في مراجع الأحباس وما يرجع منها ملكًا لصاحبها الحبس على وجهين: على معين ومجهول، والمعين على خمسة أوجه يرجع ملكًا في وجهين. واختلف في ثلاثة هل يرجع ملكًا أو يمضي حبسًا. فإن قال: حبسًا على هؤلاء النفر أو هؤلاء العشرة، وضرب أجلًا، أو قال: حياتَهم، رجع ملكًا، ولا خلاف في هذين الوجهين، وقال محمد: ليس هذا حبسًا وإنما هو سكنى (¬1). واختلف إذا أطلق ولم يسمِّ أجلًا، ولا حياة، وقال: حبسًا صدقة، أو قال: لا يباع ولا يورث، فقال مالك مرة: إذا أطلق ذلك لم يرجع ملكًا، وكان على مراجع الأحباس، وقال أيضًا: يرجع ملكًا إلا أن يقول: حبسًا (¬2) صدقة أو لا يباع ولا يورث (¬3)، وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: إذا كان الحبس على إنسان بعينه فهي عمرى، وإن سماها صدقة (¬4). وقال ابن وهب في العتبية فيمن حبس دارًا على رجل وقال: لا تباع ولا توهب، ثم بداله، فقال: هي عليك صدقة، فقال: هي له، يصنع بها ما شاء (¬5)، ولم يرَ قوله لا تباع ولا توهب مما يمنع المرجع. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 12. (¬2) في (ف): (حبس). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 419، والنوادر والزيادات: 12/ 12. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 14. (¬5) انظر البيان والتحصيل: 12/ 310.

وأرى إن أطلق الحبس أن يرجع ملكًا؛ لأن معنى الحبس حبس الرقاب لتقبض المنافع، فإذا قبضت وانقضت بموت المعطى عاد إلى صاحبه ولا يخرج عن ملكه إلا ما أعطاه؛ ولأن حياة المعطى أجل، ولا فرق بين قوله حياته وسكوته عن ذلك؛ لأن قوله على فلان يتضمن حياته، وكذلك إذا قال حبس صدقة ويعود ملكًا؛ لأن الحبس على معين يحتمل أن يريد به وجه المحبس عليه أو وجه الله -عز وجل-، فإذا قال: صدقة أبان أنه أراد به وجه الله -عز وجل-، ولا يفيد أكثر من ذلك، وليس يفهم منه زيادة مدة ولا قوم (¬1) آخرين، ولا يختلف أن هذه الكلمة لم توضع لشيء من ذلك. وقوله: "لا تباع ولا تورث" مشكل يحتمل أن يريد لا تباع ولا تورث أبدًا، أو حتى يستوفي هذا ما جعلت له أَوْجَبْتُ ألا أبيعه، ولا يورث عني حتى يستوفي حبسه، فإن كان حيًّا سئل ما أراد، فإن مات قبل أن يسأل حمل على (¬2) أن ذلك ما عاش المحبس عليه، ولم يسقط حقه في المرجع بالشك إلا أن تكون العادة ألا يباع ولا يورث أبدًا. وقال عبد الملك في المبسوط: إن قال في صدقته: "حبسًا" ولم يزد فهي عمرى، وإن قال: صدقتي هذه على فلان وهي محبسة، لم ترجع من بعده إلا أن يقول عليه، ولو قال: صدقة محبسة وفلان يأخذها ما عاش، فإنها حبس (¬3). ¬

_ (¬1) قوله: (ولا قوم) في (ف): (ولأقوام). (¬2) قوله: (على) ساقط من (ف). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 11.

فصل [في رجوع الحبس على المحبس بعد انقضاء الأجل أو الحياة]

فصل [في رجوع الحبس على المحبِّس بعد انقضاء الأجل أو الحياة] واختلف إذا كان الحبس على مجهولين، فقال: حبس على فلان وعلى عقبه فانقرض ذلك العقب، فقال مالك في المدونة: لا يرجع ملكًا (¬1)، وذكر ابن الجلاب قولًا آخر: أنه يعود ملكا (¬2)، وقال مطرف في كتاب ابن حبيب: إن قال في حبسه ما عاش أو عاشوا فهي عمرى مالٌ لصاحبها ولا يحرمها قوله صدقة، ولا قوله لا تباع ولا تورث، ولا تعقيبه (¬3) إياها؛ لأن هذا كالشرط المرجع (¬4). ولم ير ذلك إذا أطلق ولم يقل بأعيانهم، ولا ما عاشوا إن كان الحبس معقبًا وقال: صدقة ولا يباع، ولا فرق بين قوله "ما عاشوا" ولا إطلاقه ذلك؛ لأن الإطلاق لا يقتضي أكثر من حياتهم. واختلف أيضًا إذا ضرب أجلًا، فقال محمد: إذا سمى عقبًا أو نسلًا لم يأتِ فهو من المؤكد الذي لا يضر معه إن سمى أجلًا أو حياة. وقال مطرف في كتاب ابن حبيب: إن سمى أجلًا أو حياة عاد ملكًا (¬5)، وهذا أبين له (¬6) إذا ضرب أجلًا، وإنما رأى مالك إذا سمى العقب ولم يزد ألا يرجع ملكًا؛ لأن الغالب من العقب أنه لا ينقطع، فكأنه أسقط ملكه عنه، ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 419. (¬2) انظر التفريع: 2/ 357. (¬3) في (ف): (لعقبه). (¬4) في (ق 6): (للمرجع)، وانظر: النوادر والزيادات: 12/ 14. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 14. (¬6) قوله: (له) ساقط من (ق 6).

فصل [التصدق يعني التمليكـ إلا في حالات]

ورأى مرة أن العقب في معنى المعين، فإذا انقرضوا رجع ملكًا؛ لأنه لم يعطِ غير عقب فلان (¬1). فصل [التصدق يعني التمليكـ إلا في حالات] وإن قال: صدقة على فلان أو على فلان وفلان- كان ملكًا لهما، قال مالك في كتاب محمد: فإن قال صدقة عليك أو على ولدك أو على عقبك- كان ملكًا، إلا أن يقول لا يباع ولا يورث، قال محمد: إذا عقب الصدقة فهي حبس إلا أن يقول صدقة بتلًا لَه ولعقبه، فيكون لآخر العقب فإن كان آخر العقب بنتًا كان لها أن تبيع، وقال ابن الماجشون وابن القاسم في كتاب محمد: إذا قال: صدقة على فلان وولده فسبيلها سبيل الحبس (¬2). والأول أحسن أن تكون ملكًا أو يحملها على الموجود من الطبقة العليا؛ لأن الأصل في الصدقة التمليك ليس التعقيب، ففارق الحبس. وكذلك إذا أدخل العقب تركها ملكًا على الأصل في الصدقة أنها تكون ملكًا للمعطَى، فتكون للأول هبة منافع، ولا تباع ولا توهب، فإذا مات انقلب إلى من بعده، فإذا لم يبق إلا بنت أو ولد لا يولد لمثله كانت ملكًا فَيُحَيَّا الأولون بالذكر ثم يقتسم على جميعهم، وعلى القول الآخر يكون ملكًا لآخرهم يبيعُ إن أحب، فيكون قد أعطى الأولين هبة منافع لما كانت تنتزع منه إلى من بعده، وللآخر هبة رقبة، ولا أرى أن تكون حبسًا إذا قال لفلان ولولده، ولم يذكر حبسًا، والذي عهده الناس من هذا اللفظ التمليك لمن هو موجود من الولد. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 419. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 19.

فصل [من أوصى بثلثه لفلان وعقبه وكيف يعمل في ذلكـ]

واختلف إذا قال: صدقة على فلان وعقبه ما عاشوا، فقال مالك في المدونة: ترجع مراجع الأحباس (¬1)؛ لأنه إنما أعطى بقوله "ما عاشوا" منافع لا أكثر من ذلك، وعلى قول مطرف ترجع ملكًا؛ لأنه قال: إذا قال: حبسًا على فلان وعقبه ما عاشوا ترجع ملكًا (¬2)، فهو في الصدقة أبين أن ترجع ملكًا، وقال في كتاب محمد: إن قال داري صدقة عليك وعلى ولدك ما عشتما هي إلى الصدقة بتلًا أقرب (¬3)، قال: وقد اختلف فيه قول مالك، والصحيح من هذا أنه هبة منافع، وترجع ملكًا لصاحبها. فصل [من أوصى بثلثه لفلان وعقبه وكيف يُعْمَلُ في ذلكـ] قال محمد: ومن أوصى فقال ثلث مالي لفلان وعقبه لم يكن له أن يستهلكه، وإنما له أن يتجر فيه, وله ربحه، وعليه خسارته، وهو ضامن له، فإن ولد له ولد دخل معه فيه فإن انقرضوا وكان الآخر امرأة أخذته بالميراث تأكله إن شاءت (¬4). فحمله على الملك وإن كان معقبًا؛ لأن أصل الهبات الملك، فللأول هبة المنافع، وللآخر الرقاب، وعلى القول الآخر يُحيَّا الأولون بالذكر، ويقسم على جميعهم إلا أن يقول: لا يباع ولا يوهب، فيكون على مراجع الأحباس. وإن قال: صدقة أو هبة على بني تميم أو الفقراء والمساكين أو مؤبدًا أو ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 419. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 14. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 18. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 21.

فصل [في أنواع المحبس عليهم]

حتى يرث الله -عز وجل- الأرض ومن عليها كان حبسًا لا يرجع إلى المعطي أبدًا، وقال مالك فيمن حبس على ولده ولا ولد له: فله أن يبيع، وقال ابن القاسم: ليس له أن يبيع إلا أن يُؤْيَس له من الولد، ومن حبس على ولده ثم هو في سبيل الله، فلم يولد له فله أن يبيع، وقال عبد الملك: بل هو حبس (¬1). والأول أقيس؛ لأن القصد بالحبس ولده، والمرجع في معنى الاحتياط إن انقرضوا، فإذا لم يكن له ولد لم يلزمه حبس. وقال ابن القاسم: إن قال حبس على فلان وعقبه ثم مصيرها إلى فلان بتلًا فانقرض الذي بُتِّلَتْ له قبل، ثم انقرض المحبس عليه وعقبه، فإنها ترجع ميراثًا بين ورثة الذي بُتِّلَتْ له يوم مات (¬2). فصل [في أنواع المحبس عليهم] المحبس عليهم ثلاثة: معين، ومجهول يترقب انقراضهم، ومجهول لا يترقب ذلك فيهم، فالأول أن يقول حبس على هؤلاء النفر أو على فلان وابنه، أو على ابن فلان. واختلف في قوله "على بني" كقوله "على بني عبد الله" وما أشبه ذلك في موضعين: أحدهما: هل يحمل (¬3) على بنيه لصلبه خاصة، أو عليهم وعلى بنيهم وأعقابهم؟ والثاني: دخول الإناث، فقال محمد: إذا قال ابن ولم يقل ولد كان لفظ التعيين إلا أن يقول بنوه. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 28. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 14، حيث عزاه لمالك. (¬3) في (ق 6): (يحل).

وقال مالك في المجموعة: إذا قال بني فلان ولم يقل ولد، رجعت ملكًا إليه أو إلى ورثته (¬1)، وحمل قوله على بنيه لصلبه خاصة، وذكر ابن شعبان في دخول الإناث قولين، واحتج من قال: يدخلن بقوله سبحانه {يَابَنِي آدَمَ}، وإن قال: على ولد فلان، فإن كان حبسًا كان على العقب وعلى مجهول من يأتي. واختلف إذا قال: صدقة على ولد فلان هل يحمل على التعيين وعلى من هو موجود يأخذون ذلك ملكًا، أو يكون حبسًا معقبًا؟ وإن قال: حبس على ولد ظهري كان لولده دون بنيهم، وإن قال: على بني أبي كان لإخوته لأبيه وأمه ولإخوته لأبيه، ويختلف في دخول بنيهم ولاشيء (¬2) لإخوته لأمه، وإن قال: على إخوتي كان لإخوته من حيث كانوا دون بنيهم، وإن قال: لآبائي كان للآباء والأمهات والأجداد والجدات من حيث كانوا، وإن بعدوا، ويختلف في دخول العمومة، فقيل: يدخلون لقول الله سبحانه {إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [البقرة: 133] ولا يدخل بهذا (¬3) الأعمام وإن قال: لأعمامي كان للعمومة من حيث كانوا دون بنيهم، وإن قال: على عصبتي دخل في ذلك نسب الأب من الذكور، وإن بعدوا، ولا يدخل فيه أحد من الأم. واختلف إذا قال: على أهلي، فقال ابن القاسم: أهله وآله سواء، وهم العصبة والأخوات والعمات، ولا شيء للخالات (¬4)، وقال مطرف في كتاب ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 13. (¬2) قوله: (ولا شيء) ساقط من (ف). (¬3) في (ق 6): (بنوا). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 26، والبيان والتحصيل: 12/ 192.

ابن حبيب: يدخل في ذلك جميع أقربائه ورحمه من قبل أبيه وأمه والأخوال والخالات وبنوهم الذكور والإناث وبنو البنات ذكورهم وإناثهم. واختلف في الأقارب إذا حبس عليهم أو أوصى لهم هل يدخل معهم من كان من قبل الأب خاصة أو يدخل معهم من كان قبل الأم، فقال مالك في كتاب محمد فيمن أوصى لأقاربه قسم على الأقرب فالأقرب بالاجتهاد، ولا يدخل ولد البنات (¬1)، قال ابن القاسم: ولا الخالة، ولا قرابته من قبل أمه، إلا أن لا يكون له قرابة من قبل الرجال (¬2)، وقال علي بن زياد عن مالك: يدخل في ذلك قرابته من قبل أبيه وأمه ويعطى بنو البنين وبنو الإخوة وفقراء أبناء (¬3) من يرثه. وقال ابن كنانة وأشهب: لا يفضل الأقرب وأسعدهم به أحوجهم. وقال ابن كنانة: إن قال صدقة أعطي الفقراء، وإن لم يَقُل صدقة فأغنياء أقاربه وفقراؤهم سواء (¬4). وإن قال لذي رحمي أعطي من كان من قبل الرجال والنساء، وقال مالك في كتاب محمد فيمن حبس على ولده الذكور والإناث وقال: من مات منهم فولده بمنزلته لا أرى (¬5) لولد البنات شيئًا (¬6). وقال ابن القاسم في المستخرجة فيمن قال: داري حبس على ابنتي وولدها فولدها بمنزلتها ذكورهم وإناثهم، فإن ماتوا كان لأولاد الذكور ذكورهم ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 533. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 534، والبيان والتحصيل: 13/ 145. (¬3) في (ق 6): (أبنائه). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 534، 535. (¬5) قوله: (لا أرى) في (ق 6): (أرى). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 33.

فصل [في أولى الناس بالحبس]

وإناثهم، ولا شيء لولد بناتها لا لذكورهم ولا لإناثهم، وكذلك قال مالك (¬1)، وقوله في هذه حسن، وكذلك ينبغي أن يكون الجواب في الأولى أن يدخل ولد البنت؛ لأن الميت نص على ذلك. فصل [في أولى الناس بالحبس] وقال مالك: يرجع الحبس إلى أولى الناس بالمحبس رجالًا كانوا أو نساء إذا كانوا فقراء، فإن لم يكن فقراء فأقرب الناس لهؤلاء الأغنياء (¬2). واختلف في دخول الأغنياء والنساء، فقال عبد الملك: إن أراد بالحبس المسكنة والحاجة جعل المرجع كذلك، وإن كان أقرب الناس أغنياء لم يعطوا شيئًا، فإن أراد مع ذلك القرابة أوثر أهل الحاجة، فإن لم يكن من له حاجة أعطي الأغنياء (¬3). وقال ابن القاسم في العتبية: إن كان للمحبس ابنة لم يكن لها شيء، وإنما هو للعصبة (¬4). وقال مالك في كتاب محمد: ذلك لكل من لو كانت رجلًا كان عصبة (¬5)، قال ابن القاسم: يدخل الجدات والعمات وبنات الأخ والأخوات للأم والأب أو للأب دون الإخوة للأم، وتدخل أمه، وقال مالك: لا تدخل، وقاله عبد الملك: لا تدخل الأم، ولا أحد من الإناث إلا أن ترثه (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 12/ 302. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 67. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 66، حيث عزاه لابن المواز. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 65، والبيان والتحصيل: 12/ 314. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 62. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 63.

فأما عمة وبنت أخ فلا، والأول أصوب أن يعطى الأقارب من النساء إذا كن فقراء، وسواء كن من الرجال أو النساء؛ لأن المرجع ليس فيه شرط، وهو بمنزلة حبس لم يسمَّ من يصرف فيه؛ لأن المحبس مات وهو يرى أن العقب لا ينقرض، فكان الوجه أن تصرف في الأقربين لحديث أبي طلحة (¬1). وقد قال مالك في كتاب محمد: الذكر فيه والأنثى سواء، وإن اشترط في أصل الحبس للذكر مثل حظ الأنثيين، قال: لأن المرجع ليس فيه شرط ولا هو تصدق بها على من رجعت إليه. ولو لم يكن له يوم يرجع إلا ابنة واحدة كان لها جميعه، قال: وإن انقرض المحبس عليهم إلا امرأة واحدة أخذت جميعه، وإن شرط أن للذكر مثل حظ الانثيين (¬2)؛ لأن معنى قوله إن كان معها رجل. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري: 2/ 530، في باب الزكاة على الأقارب من كتاب الزكاة؛ برقم (1392)، ومالك في الموطأ: 2/ 995، في باب الترغيب في الصدقة من كتاب الصدقة, برقم (1807). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 67.

باب فيمن حبس في مرضه على ولده وولد ولده

باب فيمن حبس في مرضه على ولده وولد ولده قال ابن القاسم فيمن حبس في مرضه دارًا على ولده وولد ولده ثم مات والثلث يحملها، تقسم الدار على الولد الأعيان وولد الولد، فما صار لولد الولد أخذوه على وجه الحبس، وما صار لولد الأعيان دخلت فيه الزوجة والأم وقسم على فرائض الله -عز وجل- (¬1)، يريد: لأن الحبس على وارث وغير وارث، فما ناب الوارث شاركه فيه بقية الورثة، فإن كان الولد أربعة وولدهم أربعة ولم تجز الزوجة والأم الحبس قسم في الأول قسم الحبس، فما صار للورثة قسم على الميراث ودخلت فيه الزوجة والأم. فإن مات بعد ذلك أحد هذه الطوائف الأربعة الزوجة أو الأم أو الولد الأعيان، أو ولدهم افترق الجواب، فإن ماتت أم الميت (¬2) وهي جدة الولد الأعيان لم ينتقض القسم، فإن كان لها ولد غير الميت المحبس كان نصيبها لولدها، ولا ينتزع منه إلا بموت الأعيان أو بموت أحدهم. وكذلك إن ماتت الزوجة ولا ولد لها إلا الولد الأعيان، فإنهم يأخذون نصيبها الذي كانت أخذته منهم، ولا حق لولد الولد فيه، ويكون ما في أيديهم بوجهين بميراث من قبل الأب وبميراث من قبل الأم. وإن كان إنما مات واحد من الولد الأعيان انتقض جميع نصيبه، وقد كان صار له الثمن فيه، فينتزع من يد الزوجة والأم ما أخذتا منه، فيكمل ثُمُنًا ثم ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 421. (¬2) في (ف): (الولد).

يقسم ذلك الثمن أسباعًا فيأخذونه أربعة أسباع، والولد الأعيان ثلاثة أسباعه، فتأخذ الزوجة والأم منه ميراثها وهو السدس والثمن، ثم يضم الباقي إلى ما بيد الولد الأعيان، ويحيى الميت بالذكر، ويقسم أرباعًا فيأخذ الولد الأعيان ثلاثة أرباعه، ويأخذ ابن الميت من الولد الأعيان فيصير ما في يده من وجهين بالحبس من جده وبالميراث من أبيه، وهكذا إن مات ثانٍ وثالث من ولد الأعيان يُجْمَعُ نصيبه في الميراث عن أبيه، فيقسم قسم الأحباس ثم قسم الميراث. فإن مات الرابع انتزع جميع ما صار للولد الأعيان، وما في يد الزوجة والأم، وسلم ذلك لولد الولد بالحبس، وسقط القسم بالميراث، وإن كان الميت أولًا واحدًا من ولد الولد قسم ما كان أخذه أسباعًا، فأخذ ولد الولد الثلاثة ثلاثة أسباعه، وأخذ الولد الأعيان أربعة أسباعه فيقتسمونه على الميراث عن الميت المحبس، وتدخل فيه الزوجة والأم. وقال سحنون: لا يدخلان فيه (¬1)، ورآه كمراجع الأحباس. والأول أصوب؛ لأنهم المحبس عليهم، وإنما يأخذون ذلك بعطية من الميت، وإنما يكون مرجع الحبس بعد انقراض من حبس عليه، وإن لم يحمل الثلث الدار ولم يُجِزِ الورثة، فما حمله الثلث مِنْه (¬2) عمل فيه حسب ما رسم الميت لو (¬3) حملها الثلث؛ لأنه لا يصح أن (¬4) يقطع بالثلث شائعًا، فيحبس ما لم يقصد الميت إلى تحبيسه أو لا يحبس فتغير وصية الميت، وإنما يجمع ثلثه في الدار كالعتق إذا أوصى به فلم يحمل الثلث، فإنه ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 79. (¬2) في (ف): (مما). (¬3) في (ف): (أو). (¬4) في (ق 6): (ممن).

يجمع في غير (¬1) ذلك العبد. وقال محمد فيمن حبس في مرضه داره على جميع ورثته، ولم يدخل غيرهم ولا بعدهم: فليس بحبس، ولهم إن شاءوا باعوا، وإن شاءوا حبسوا. قال مالك: وكذلك لو قال: حَبْسٌ على ولدي ولم يدخل في ذلك غيرهم. وقاله ابن القاسم وأشهب (¬2)، وإنما أبطل الحبس ها هنا؛ لأنه وصية لوارث، فمن مات قَبْلُ (¬3) كان نصيبه لمن بعده، فصار ميراث الآخر أكثر، وهذا على أحد (¬4) القولين: إن الحبس المعين يرجع ميراثًا، وعلى القول أنه يرجع مراجع الأحباس لا يبطل الحبس، ويصير بمنزلة من حبس على ورثته وغيرهم. ¬

_ (¬1) في (ق 6): (عين). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 71. (¬3) في (ق 6): (قبله). (¬4) قوله (على أحد) يقابله في ف (يدل على) والمثبت من ق 6.

باب في إخراج البنات من الحبس

باب في إخراج البنات من الحبس اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال: فقال مالك في المجموعة: أكره ذلك (¬1). وقال في العتبية: إن أخرج البنات إن تزوجن فالحبس باطل، قال: وهو الشأن. وقال ابن القاسم: إن كان المحبس حيًّا فأرى أن يفسخه ويُدخِل فيه البنات، وإن حيز أو مات فات، وكان على ما حبسه عليه (¬2). وقال أيضًا: إن كان المحبس حيًا فليفسخه ويجعله مسجلًا، وإن مات لم يفسخ (¬3)، فجعل له أن يرده بعد الحوز ويجعله مُسْجَلًا ما لم يمت؛ لأنه لو لم يحزه الذكور حتى مات بطل وكان ميراثًا، ولم يكن للذكور ولا لغيرهم شيء. وقال ابن شعبان: من أخرج البنات بطل وقفه، وهذا مثل قول مالك في العتبية، وذكر أبو بكر ابن حزم أن عمر بن عبد العزيز مات وهو يريد أن يرد صدقات الناس التي أخرجوا منها النساء (¬4)، وعلى هذا يجري الجواب في الصدقات إذا تصدق على الذكور خاصة أو على بعض الذكور، فعلى القول الأول يكره، فإن نزل مضى، وعلى القول الآخر يبطل إن لم يشركهم فيه، وعلى أحد قولي ابن القاسم يفسخ ما لم يُحَز، وعلى القول الآخر يفسخ وإن حيزت ما لم يمت. وقال في كتاب محمد: لا بأس أن ينحل بعض ولده، وإنما يكره أن ينحل جل ماله، قيل: فإن فعل أترى أن يرد؟ فلم يقل شيئًا (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 8. (¬2) في (ف): (ماتت)، وانظر: النوادر والزيادات: 12/ 8، والبيان والتحصيل: 12/ 204، 205. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 12/ 226. (¬4) انظر: المدونة: 4/ 423. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 210.

والأصل في المنع حديث النعمان بن بشير، قال: أتى بي أبي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إنِّي نَحَلْتُ ابني هذا غلامًا، قال: "أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا؟ ". قال: لَا. قال: "فَارْجِعْهُ" (¬1). زاد في كتاب مسلم: "لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ" (¬2)، وقال: "لَا تُشْهِدْنِي إِلَّا عَلَى حَقٍّ" (¬3)، وقال: "اتَّقُوا اللهَ وَاعْدِلُوا فِى أَوْلاَدِكُمْ "وقد وافقه البخاري على بعض هذه الألفاظ (¬4). وكل هذا يتضمن منع عطية بعض الولد لعدم المساواة، فأخذ مالك مرة بهذا، وحمله على الوجوب، ومرة حمله على الندب (¬5)، ولا يحسن حمل الحديث على من وهب جل ماله أو جميعه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا؟ " فأبان أن الرد لعدم المساواة، ولأن ما يبقى الآن بيد الأب لا يفيد من لم يعط شيئًا؛ لأنه إن بقي فورثوه تساووا في ميراثه, وكان ذلك المعطى قد فضل من لم يعط. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري: 2/ 913، في باب الهبة للولد وإذا أعطى بعض ولده شيئًا لم يجز حتى يعدل بينهم، من كتاب الهبة وفضلها، برقم: (2446)، ومسلم: 3/ 1241، في باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة, من كتاب الهبات، برقم (1623)، ومالك في الموطأ: 3/ 228، في باب النحلى، من كتاب البيوع في التجارات والسلم، برقم (805). (¬2) أخرجه مسلم: 3/ 1241، في باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة من كتاب الهبات، برقم (1623)، وبنحوه أخرجه البخاري: 2/ 938، باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد، من كتاب الشهادات، برقم (2507). (¬3) أخرجه ابن حبان في صحيحه: 11/ 506، في كتاب الهبة, برقم (5107) بلفظ "لا تشهدني إلا على عدل". (¬4) أخرجه البخاري: 2/ 914، في باب الإشهاد في الهبة, من كتاب الهبة وفضلها، برقم (2447)، ومسلم: 3/ 1241، في باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة، من كتاب الهبات، برقم (1623). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 13/ 370.

فصل [في أحوال الحبس على البنات]

واختلف في صفة العدل إذا كان ذكرًا وأنثى، فقيل: هو أن يعطيها مثل ما يعطي أخاها، وإلى هذا ذهب أبو الحسن ابن القصار، واستحسن ابن شعبان أن يكون على فرائض الله -عز وجل-، وهو أحسن؛ لأنه حظها من ذلك المال لو بقي في يد الأب حتى يموت، فقد عجل قسمته بينهم، وقد يحمل الحديث "أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْته مِثْلَ هَذَا؟ " على أن ولده كانوا ذكورًا، وأما عطية أبي بكر لعائشة - رضي الله عنها - دون إخوتها (¬1) فيحتمل أن يكون ذلك؛ لأنه علم من بَنيه أنهم لا يكرهون ذلك لمكانها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو لأنه كان أعطاهم قبل ذلك. فصل [في أحوال الحبس على البنات] وقال محمد: من حبس على بناته حياتهن في صحته (¬2) وشرط أن من تزوج منهن فلا حق لها، فتزوجت واحدة أو كلهن ثم تأيمت فلا حق لها، وسواء كان ذلك في الصحة أو وصية إذا كانت غير وارثة، وقد انقطع ما أوصى لها به، وكذلك إن أوصى بأن ينفق على أمهات أولاده ما لم يتزوجن أو يسكُنَّ (¬3)، قال: ولو حبس وله بنات متزوجات لم يدخلن في الحبس (¬4) قال: والمردودة تدخل في حبسي، فإنها تدخل معهم متى رجعت من ذي قبل، وإن قال: من تأيَّم من بناتي ¬

_ (¬1) أشار بهذا إلى ما أخرجه مالك في موطئه عن عائشة - رضي الله عنه - أنها قالت: "أن أبا بكر الصديق كان نحلها جداد عشرين وَسْقًا من ماله بالغابة، فلما حضرته الوفاة قال: والله يا بُنَيَّة ما من الناس أحدٌ أحبُّ إليَّ غِنًى بعدي منك. . . الحديث" أخرجه مالك: 2/ 752، في باب ما لا يجوز من النحل، من كتاب الأقضية، برقم (1438). (¬2) في (ف): (صحة). (¬3) في (ق 6): (بسكنى). (¬4) لعل صوابه: (ولو قال).

ولها مسكن بعينه كانت أحق به، ولا حق لها فيها. قيل: ولو شرط لمن هو في حبسه، فقال: فمن تزوجت فلا حق لها، فإن رجعت فإنها تسكن (¬1)، كذا لم يكن لها في حين تزويجها شيء حتى ترجع فترجع فيما مضى فليست كالتي لم يذكر رجعتها؛ لأنه إذا سمى رجعتها (¬2) فكأنه حبس عليها حقها إلى رجعتها فتأخذه، وإن قال: إن رجعت دخلت في حبسي كان لها من يوم ترجع (¬3). وقال عبد الملك في المبسوط فيمن شرط في حبسه أن من تزوج من بناتي فلا حق لها ما دامت عند زوج، فتزوجت واحدة منهن- كان نصيبها لمن هو معها في الحبس من أخواتها ما دامت متزوجة، فإن رجعت أخذته، قال: ولو تزوجن كلهن وقفت عليهن الغلة، فإن رجعت واحدة أخذته كله، ما وقف وما يستقبل كأنها لم تتزوج (¬4). وعلى القول المتقدم لا شيء لها في الماضي، وهذا في الغلة، وأما إن كان الحبس سكنى فذلك أبين ألا شيء لمن تزوجت في الماضي وتسكن في المستقبل. وقال محمد: وإن قال: فمن تزوج منهن فلا حق لها، ونصيبها رد على أصحابها أو على أحد سماه، إلا أن يردها الزوج- لم يكن لها إن رجعت، إلا في المستقبل؛ لأنه سمى نصيبها في تزويجها لغيرها، وكذلك إن قال: فمن تزوج منهن فلا حق لها إلا أن ترجع فتدخل في حبسي؛ فإنه يستأنف لها (¬5). ¬

_ (¬1) في (ق 6): (فلها مسكن). (¬2) قوله: (شيء حتى ترجع فترجع فيما مضى فليست كالتي لم يذكر رجعتها لأنه إذا سمى رجعتها) ساقط من (ف). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 57، 58. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 55. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 56.

باب في من حبس حائطا أو دارا أو عبدا على جماعة فمات أحدهم

باب في من حبس حائطًا أو دارًا أو عبدًا (¬1) على جماعة فمات أحدهم ومن المدونة قال مالك فيمن حبس حائطه على قوم بأعيانهم وكانوا يسقون ويلون، ثم مات أحدهم بعد الإبار: فلا حق له، ونصيبه في المستقبل على أصحابه، وإن مات بعد الطيب ورث عنه نصيبه (¬2). وقال أشهب: له ذلك بالإبار (¬3)، وإن كانت تنقسم عليهم، وليسوا يلون عملها فمات أحدهم- لم يستحق نصيبه بالإبار، واختلف هل يستحقه بالطيب أو يكون لمن أدرك القسم. واختلف عن مالك في نصيبه في المستقبل هل يرجع إلى المحبس أو يكون لبقية أصحابه، وهو الذي ثبت عليه أنه لأصحابه (¬4). وكذلك إن كان المحبَّس دارًا لسكنى أو عبدًا يستخدم رجع نصيب من مات عند أصحابه حتى ينقرض آخرهم فترجع إلى المحبس (¬5)، فإن كانت الدار للغلة والعبد للخراج كان نصيب من مات على القولين هل يرجع إلى أصحابه أو إلى المحبس؟ وحكى أبو محمد عبد الوهاب في المعونة في العبد للخدمة والدابة لتركب عن مالك قولًا آخر أن نصيب من مات لا يكون لأصحابه (¬6)، وهو أقيس. ¬

_ (¬1) قوله: (حائطًا أو دارًا أو عبدًا) يقابله في (ق 6): (غلة حائط أو دار أو عبد). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 426. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 51. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 52. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 12/ 190. (¬6) انظر المعونة: 2/ 493.

ولا فرق بين ما يراد للغلة أو للسكنى، ولا فيما يلون عمله ولا يلونه، فإن كان الحبس على خمسة، فإنما جعل لكل واحد الانتفاع من ذلك الحبس بخمسه (¬1)، فلا يزاد إن مات أحدهم نصيب صاحبه، وإنما يرد إلى المحبس، وإلى من جعل المرجع إليه إلا أن يكون العادة رجوع ذلك إلى بقية أصحابه. وإن جعل لكل واحد مسكنًا بعينه، أو قال في العبد: يخدم فلانًا يومًا وفلانًا يومين وفلانًا ثلاثة أيام، أو قال في الثمار: لفلان وَسْق ولفلان ثلاثة، ولفلان خمسة، لم يرجع نصيب من مات إلى بقية أصحابه، وذلك راجع إلى المحبس أو إلي من جعل المرجع إليه. وإن قال: لفلان وسق، ولفلان وسقان، ولفلان ثلاثة أوسق، ولفلان عشرة أوسق، فأخرج الحائط أكثر من تلك التسمية كان الفاضل لصاحب الحائط، وإن أخرج أقل تحاصُّوا في العاجز، وإن مات أحدهم ولم يوفِّ الحائط حُوصِصَ نصيب الميت ولم يرجع نصيبه إلى أصحابه. وقال مالك في كتاب محمد: إن سمى ما يعطى لأحدهم كل عام من الكيل ولم يسمِّ للآخرين بُدِّئ الذين سمَّى لهم إلا أن يعمل فيه عامل فيكون أولى بإجارته (¬2)، وأرى إن سمى لأحدهم مكيلة ولآخرين جزءًا، وقال: يعطى فلان عشرة أوسق وفلان ربع الثمرة، وفلان سدسها، وفلان نصف سدسها كان جميع الأجزاء نصف الثمرة، فإن كان نصف الثمرة عشرة أوسق أخذ كل واحد تسميته، وإن كان جميعها ثلاثين وسقًا كان للموصى لهم بالأجزاء نصف ¬

_ (¬1) في (ف): (بخمسة). (¬2) لم أقف عليه إلا معزوًّا للعتبية عن مالك، انظر: النوادر والزيادات 12/ 36، والبيان والتحصيل: 12/ 210.

فصل [في حكم ما يعمله المحبس عليه في الحبس من بناء أو إصلاح]

الثمرة، وللآخر عشرة، ويرجع خمسة إلى المحبس أو إلى من جعل المرجع إليه. ويختلف إذا كان جميعها أقل من عشرين وسقًا هل يتحاصان، أو يسلم النصف إلى الموصى له، ويكون النقص على أصحاب الأوسق وهو أحسن؛ لأن المحبس أعطى لهذا وجعل الأوسق في النصف الآخر. وإن حبس على معين وقال: من مات منهم فنصيبه في وجه كذا كان كما قال: يصرف إلى ما سمى، ولا ينتظر موت أحدهم، ويختلف إذا قال: فإن انقرضوا رجع ذلك الحبس في وجه كذا، فمات أحدهم وكان المحبس هو الذي يلي السقي والعلاج هل يكون نصيب من مات لبقية أصحابه أو للمحبس حتى يموت أحدهم فيرجع فيما جعل المرجع فيه، أو يجعل من الآن في ذلك، وأرى أن يرجع إلى المحبس حتى ينقرض آخرهم فلا يرجع نصيب الميت إلى أصحابه؛ لأنه جعله بينهم على أعدادهم، ولا يرجع مراجع الأحباس لقوله: فإذا انقرضوا، وذلك بعيدة انقراض جميعهم. فصل [في حكم ما يعمله المحبَّس عليه في الحبس من بناء أو إصلاح] اختلف فيما يعمله المحبس عليه في الحبس من بناء أو إصلاح، فقال ابن القاسم: إن بنى أو أدخل خشبًا أو أصلح قليلًا أو كثيرًا ثم مات ولم يذكره لم يكن لورثته فيه شيء، فإن قال: خذوه كان ذلك لهم وإن قل (¬1)، وجعل ذلك المغيرة موروثًا، وإن لم يوص بأخذه إلا ما كان لا قدر له (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 424، والنوادر والزيادات: 12/ 98. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 98.

قال محمد: أما كل ما يرى أنه أراد به الحبس وإصلاحه، وإتمامه فلا حق له فيه، أوصى به أو لم يوص، وأما (¬1) كل ذي بال من العمل والبنيان، ومثل المسكن يحتاج إليه يبنيه ناحية من الدار أو الحجرة (¬2)، أو ما يرى أنه لم يرد به الحبس من طريق المرمة (¬3) فأراه حقًّا لورثته، ورواه أصبغ عن ابن القاسم، وقال عبد الملك: كل (¬4) ذلك حبس ولا شيء لبنيه (¬5). وأرى أن كل ما لا بال له مثل الخشبة تزاد، وما أشبهها فهي حبس، وإن أوصى به، وما كان له قدر مثل البيت فهو موروث إن وصى به، وإن لم يوص به فلا شيء لورثته فيه؛ لأن أمره فيه مشكل، هل بناه حبسًا أو على وجه الملك، فإذا لم يذكر كان دليلًا على أنه أراد به حبسًا إلا أن يكون مثل ذلك البناء (¬6) لا يبنى على وجه الحبس. ¬

_ (¬1) في (ف): (ذلك). (¬2) في (ف): (الحجر). (¬3) قوله: (المرمة) زيادة من (ق 6). (¬4) قوله: (كل) ساقط من (ق 6). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 100. (¬6) في (ف): (الثاني).

باب في حيازة الأحباس

باب في حيازة الأحباس الأحباس تفتقر إلى حوز كالهبات، فإن بقي في يد المحبس ينتفع به أو لا ينتفع به، وأمكنه أن يصرفه فيما حبس فيه، أو غلته فلم يفعل حتى مات كان ميراثًا، واختلف إذا لم يكن إصرافه فيما حبس له حتى مات. والحبس أصناف: صنف لا يصح بقاء يد المحبِّس عليه, ولا يحتاج إلى حائز مخصوص وهي المساجد والقناطر والمواجل (¬1) والآبار، فإذا خلى بين الناس وبينها صح حبسه, وصنف لا يصح بقاء يد المحبِّس عليه ويتعين حائزه وهو المحبس على معين إذا كان مما ينتفع بعينه كالديار لتسكن والعبيد لتخدم والدواب لتركب، وصنف يصح بقاء يده عليه إذا أنفذه فيما حبسه عليه كالخيل يغزى عليها والسلاح يقاتل بها والكتب ليقرأ فيها، فإذا لم يكن الحبس على معين صح أن يعود إلى يده بعد قبضه. ويختلف إذا لم يأت وقت العادة للجهاد، ولم يطلب الآخذ للغزاة حتى مات المحبس، فقيل: يبطل الحبس ولو كان يركب الدابة إذا عادت إليه ليروضها لم يفسد حبسه, وإن كان يركبها حسب ما يفعل المالك بطل حبسه، وقراءة الكتب إذا عادت إليه خفيف، وإن أنفذ بعض الحبس صح ما أنفذ، وإن قل وهو كحوز الكبير اليسير من صدقة الأب وصنفه مختلف فيه هل يصح بقاء يد المحبس عليه وهو كل حبس على غير معين، والمراد غلاته كالثمار والحوانيت وعبيد الخراج، وهذا الصنف على أربعة أوجه, فإن أخرجه عن يده ¬

_ (¬1) قوله: (والمواجل) ساقط من (ف)، والمواجل جمع ماجل وهو: صِهْريج الماء الكثير المجتمع. انظر لسان العرب 11/ 616.

فصل [في من تصدق بصدقة فلم يقم عليه حتى مرض المصدق]

وأقام بحوزه وأنفذ غلاته صح (¬1). واختلف إذا علم أنه كان ينفذ الغلة في الوجه الذي حبسه له أو كان جعله على يدي غيره وكان هو المخرج لغلاته هل تمضي، فقال مالك وابن القاسم: يبطل الحبس (¬2)، وقال مالك أيضًا والمغيرة ومحمد بن مسلمة في المبسوط: الصدقة ماضية، وإن بقي في يديه إذا كان يخرج الغلة. وقال مالك في كتاب محمد: إن أسلم ذلك إلى من يحوزه عنه والمحبس يقسم غلاته بين أهله جاز. وقال: وأباه ابن القاسم وأشهب (¬3). وأرى ذلك في الوجهين جميعًا؛ لأنه حبس أنفذ فيما (¬4) حبس له، ولم يعد فيه محبِّسُه ولا كان ينتفع به. فصل [في من تصدق بصدقة فلم يقم عليه حتى مرض المصدق] ومن المدونة قال ابن القاسم في من تصدق بصدقة فلم يقم (¬5) عليه حتى مرض المتصدق: لم يجز للمتصدق عليه قبضها وكانت ميراثًا (¬6). وقد اختلف في موضعين: أحدهما: إذا كان المرض بفور الصدقة هل ¬

_ (¬1) في (ف): (بطل). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 419. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 110. (¬4) قوله: (وقال وأباه ابن القاسم وأشهب وأرى ذلك في الوجهين جميعًا؛ لأنه حبس أنفذ فيما) ساقط من (ف). (¬5) في (ق 6): (فلم يقبل). (¬6) انظر: المدونة: 4/ 424.

يخرج من رأس المال؟ والثاني: إذا فرط في القبض هل يخرج من الثلث أو يسقط أو يكون له ثلثها؟ فقال مالك مرة: إن لم يفرط في القبض كانت له من رأس المال، وقال مرة: يسقط وإن فرط لم يخرج من رأس المال، قال ابن القاسم: ولا من الثلث. وقال في كتاب العتق الأول في من أعتق نصيبًا من عبد فقيم عليه في المرض أنه يقوم عليه في الثلث، فعلى هذا يخرج الصدقة من ثلثه (¬1). وقال أشهب في كتاب محمد: يقضى له الآن بثلثها، فإن صح قضى له بقيتها، قال: ولا أرى قول من قال: يجوز له كلها من ثلثه، ولا من قال: لا شيء له منها (¬2). واختلف إذا لم يقم عليه حتى مات بفور الصدقة، فقال: يسقط جميعها (¬3)، وقال في غير موضع: تصح من رأس المال، فإن فرط لم يصح من رأس المال ولا من الثلث. قال محمد: فلم تخرج من الثلث لأنه سبق فيها حوز الورثة قبل حوز المتصدق عليه بها، وقد صار ما جعل من ذلك لغيره إذ ترك لورثته ولم يستثن ثلثًا ولا غيره. قال: وهو بمنزلة من تصدق بصدقة ثم تصدق بها فقبضها الآخر فهو أحق بها بحوزه. قال: وقال أشهب: قال ربيعة: إن مات المعطي قبل الحوز كان للمعطى ثلثها، وقال ابن شهاب: بل هي للمعطى إن حملها الثلث (¬4)، وقول ابن القاسم: "إذا قيم عليه في المرض تكون في الثلث" حسن؛ لأن ثلثه باقٍ على ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 419. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 129. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 428. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 129، 130.

فصل [في موت المهدي قبل إهدائه هل تصير هديته ميراثا؟]

ملكه تجوز أحكامه فيه حسب ما كانت تجوز في الجميع في الصحة. فصل [في موت المهدي قبل إهدائه هل تصير هديته ميراثًا؟] وقال مالك فيما يشتري الناس في حجهم من الهدايا لأهليهم ثم يموت قبل أن يصل (¬1): فإن كان أشهد على ذلك كانت لمن اشتريت له، وإن لم يشهد فهي ميراث (¬2)، وقال في كتاب محمد: فيمن تصدق على ابنته أو امرأته، وهو في سفر بعيد والعبد في يديه على وجه الاختدام ثم مات قبل أن يقدم، قال: إن أشهد من يعلم أنهم يبلغونها فذلك جائز، وإن أشهد من لا يعرف المرأة ولا الولد فلا أدري ما هذا (¬3). فأمضى الصدقة للزوجة مع عدم القبض لما لم تكن له تهمة في ترك القبض ولم يكن من المتصدق عليه في ذلك تفريط، واستخف استخدام العبد لما كان باقيًا في نفقته حتى يصل، وعلى قوله إن من شرطها القبض لا تصح للزوجة، وتصح للابنة إن كانت بكرًا أو ثيبًا في ولاية. وقال مالك في الضحايا يشتريها الرجل ثم يموت قبل أن تذبح، قال: إن كان أشهد في شيء منها أنها لأهله فهي له من رأس المال، وإلا فهي ميراث، وأما أضحية نفسه فهي ميراث وإن أشهد؛ لأنه لا يضحى عن ميت، وإن مات بعد أن ذبح أضحيته أو عقيقته لم تبع لدين ولا لغيره، وأما الهدي فإن مات بعد ¬

_ (¬1) في (ق 6): (تصل). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 430. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 145.

أن قلد فهو مثل الأضحية بعد الذبح (¬1). وقال مالك فيمن بعث بهدية أو صلة لرجل فمات الباعث أو المبعوث إليه قبل أن تصل (¬2): رجحت إلى الباعث أو لورثته (¬3). قال ابن نافع: لأن صاحبها كان فيها بالخيار. قال مالك: وإن كان أشهد على إنفاذها حين بعثها فهي نافذة، مات الباعث أو المبعوث إليه (¬4)، وقال عبد الملك في ثمانية أبي زيد: إن قبضها على وجه الرسالة فلا شيء للمعطى فيها مات المعطي أو المعطى، وإن قبضها على وجه الحيازة للغائب فذلك حوز له. ومن تصدق على غائب وجعلها على يدي غيره ثم مات المعطي، فإن قال له: لا تعطه إياها حتى آمرك -كانت ساقطة، وإن قال: حتى أموت- كانت من الثلث، وإن قال: وصلها إليه، وأَشْهَد له بها، وقال خذها له- مضت من رأس المال، وإن لم يقل خذها عني كانت على الخلاف المتقدم، وإن علم المتصدق عليه، فقال: اتركها عندك- مضت له من رأس المال، واختلف إذا لم يأمر المتصدق بدفعها ولا بحبسها- فقال: ها هنا هي ماضية (¬5)، وقال بعد ذلك: هي ساقطة. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 147. (¬2) في (ف): (يصل). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 68. (¬4) انظر: المدونة: 4/ 68، والنوادر والزيادات: 12/ 145. (¬5) انظر: المدونة: 4/ 430.

باب في الرجل يشتري صدقته أو هبته أو عريته, والأب يشتري ما تصدق به على ولده أو وهبه

باب في الرجل يشتري صدقته أو هبته أو عريته, والأب يشتري ما تَصدَّقَ به على ولده أو وهبه وقال مالك: ولا يشتري الرجل صدقته من المتصدق عليه ولا من غيره (¬1)، والأصل في هذا حديث عمر - رضي الله عنه - قال: حملت على فرس في سبيل الله فأضاعه الذي كان له عنده، فأردت (¬2) أن أشتريه وظننت أنه بائعه برخص، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَشْتَرِهِ، وإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّ الْعَائِدَ فِى صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِى قَيْئِهِ" (¬3). وقال ابن عباس: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ لنا مَثَلُ السَّوْءِ؛ الْعَائِدُ فِى هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِى قَيْئِهِ" (¬4). وقد اختلف في خمسة مواضع: أحدها: هل النهي على الوجوب أو الندب؟ والثاني: هل النهي عن الشراء من المتصدق عليه خاصة، أو منه وممن صارت إليه؟ والثالث: هل تدخل في ذلك الصدقات الواجبة كالزكاة؟ والرابع: هل الهبة في ذلك كالصدقة؟ والخامس: هل عطية المنافع كالعرية أو ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 429، والنوادر والزيادات: 2/ 223. (¬2) في (ق 6): (فبادرت). (¬3) أخرجه البخاري: 2/ 925، في باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته، من كتاب الهبة وفضلها، برقم (2480)، ومسلم: 3/ 1239، في باب كراهة شراء الإنسان ما تصدق به ممن تصدق عليه، من كتاب الهبات، برقم (1620)، ومالك في الموطأ: 1/ 282، في باب اشتراء الصدقة والعود فيها، من كتاب الزكاة، برقم (623). (¬4) أخرجه البخاري: 2/ 924، في باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته، من كتاب الهبة وفضلها، برقم (2479).

العرية كالرقاب؟ فالمشهور من المذهب أن النهي في ذلك على الندب، قال مالك: لا ينبغي أن يشتريها، وقال: يكره (¬1). وقال الداودي: ذلك حرام. فعلى القول الأول: إذا نزل مضى، وعلى القول الآخر يفسخ، وظاهر ما في كتاب محمد أنه لا يجوز، والأول أحسن؛ لأن المثل ضرب لنا بما ليس بحرام على فاعله؛ لأنه ليس بمخاطب، وقال مالك في كتاب الزكاة: لا يشتري الرجل صدقة حائطه ولا زرعه ولا ماشيته، وذكر عن عمر وابن عمر وجابر أنهم كرهوا ذلك (¬2). وقال ابن القاسم في كتاب النذور: كره مالك للرجل أن يشتري صدقه التطوع فهذا أشد كراهية (¬3). وقال يحيى بن سعيد: من الناس من لا يرى بذلك بأسًا (¬4). وفي البخاري قال طاوس: قال: معاذ لأهل اليمن: إيتوني بعرض من ثياب خميص أو لبيس (¬5) في الصدقة مكان الشعير والذرة (¬6). واختلف بعد القول ألا يفعل إذا نزل هل يجزئه؟ وأرى أن تجزئ قياسًا على التطوع، وإن كان لا ينبغي ذلك ابتداءً، ولا يتبع نفسه شيئًا أخرجه لوجه الله -عز وجل-، فيرده إلى ملكه، وأعظم لأجره ألا يعود إليه، وقد رَثَى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - سعدَ بن خولة أن مات بمكة في وطنه (¬7)؛ لأن موته في الموضع الذي هاجر إليه ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 429، والنوادر والزيادات: 2/ 223. (¬2) انظر: المدونة: 1/ 377. (¬3) انظر المدونة: 1/ 599. (¬4) انظر المدونة 1/ 376. (¬5) في (ق 6): (حسن أو لبس). (¬6) الأثر أخرجه البخاري: 2/ 525، في باب العرض في الزكاة, من كتاب الزكاة, وقد ذكره البخاري معلقًا. (¬7) أشار بهذا إلى ما أخرجه البخاري عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه - رضي الله عنه - قال: (كان =

متغربًا- أعظم لأجره. وأما الهبة، فقال مالك في كتاب محمد فيمن حمل على فرس، قال: إن لم يكن للسبيل ولا للمسكنة فلا بأس أن يشتريه (¬1). يريد: إن لم يكن صدقة. وقال أبو محمد عبد الوهاب: يكره ذلك (¬2)؛ لأن الوهوب أو المتصدق عليه قد يستحي فيسامحه فيها، فيكون رجوعًا في ذلك القدر، وهذا أحسن، وليس من مكارم الأخلاق أن يرجع في هبته، وإن كانت الصدقة أبين. وأما إن لم يكن ذلك لرغبة من المتصدق ولا من الواهب، وإنما هو بسؤال من المتصدق عليه أو من الموهوب له- جاز له؛ لأن ذلك يرجع إلى أنه معروف ثانٍ، ومكارمة من المهدي، وقد أُهدي للنبي - صلى الله عليه وسلم - خميصة لها أعلام ثم ردها إلى صاحبها لما ألهته أعلامها في الصلاة (¬3)، وكذلك فعل معاذ، لم يكن بحرص من المعطي على بقاء الأول، وإنما كان ذلك طلبًا لرضا المعطى، وقد يستخف هذا في الهبة دون الصدقة. ويختلف في العارية والعرية، وإذا أخدم عبدًا أو أسكن دارًا أو غير ذلك ¬

_ = رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتدَّ بي، فقلت: إني قد بلغ بي من الوجع وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة أفاتصدق بثلثي مالي. . . الحديث) أخرجه البخاري: 1/ 435، في باب رثى النبي - صلي الله عليه وسلم - خزامة بن سعد، من كتاب الجنائز، برقم (1233)، ومسلم: 3/ 1250، في باب الوصية بالثلث، من كتاب الوصية، برقم (1628)، ومالك في الموطأ: 2/ 763، في باب الوصية في الثلث لا تتعدى، من كتاب الوصية، برقم (1456). (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 196. (¬2) انظر: المعونة: 2/ 504. (¬3) أخرجه البخاري: 1/ 146، في باب إذا صلى في ثوب له أعلام ونظر إلى علمها، من كتاب الصلاة, برقم (366)، ومسلم: 1/ 391، في باب كراهة الصلاة في ثوب له أعلام، من كتاب الصلاة، برقم (556).

من إعطاء المنافع، فقال ابن المواز: كل من تصدق بغلة سنين ولم يبتل الأصل فلا بأس أن يشتري المتصدق ذلك، وإن كان له الأصل، قال: وأبى ذلك عبد الملك واحتج بالحديث في النهي عن الرجوع في الصدقة، وأجاز لورثته أن يشتروا المراجع، قال محمد: والحجة لمالك ما بَيَّنَه رسول الله - صلي الله عليه وسلم - في العرية فهي أعم فيما بتل أصله وأرخص العرية (¬1). وقول عبد الملك هو الأصل، ولا فرق بين الرجوع في الرقاب أو النافع، وكل ذلك داخل في النهي عن أن يعود في الصدقة، ولم يخص. وأما العرية فإنما أجيزت لأنها على وجه المعروف، يضمنها ويكفيه مؤونتها، فهي معروف ثانٍ. وقيل: على وجه دفع الضرر، والضرورات تنقل الأحكام، وقد أجاز بعض أصحاب مالك في النخلة تكون في الحائط يشتريها بخرصها لدفع الضرر (¬2)، ولو اعترف المعري أنه يشتريها لرغبة في الشراء لا (¬3) لإرادة معروف ولا لرفع ضرر- لم يجز. وقد تكون العرية على وجه الهبة فيكون ذلك أخف، وقد منع ابن القاسم في المدونة من تصدق بصدقة أن يأكل من ثمرتها أو يركبها أو ينتفع بشيء منها (¬4)، فإذا منع أن ينتفع بالغلات كان بَيِّنًا إذا كانت الغلات هي المتصدق بها أن يمنع من الانتفاع بها. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 196. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 286. (¬3) في (ف): (إلا). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 429.

فصل [في الشيء يجعل لله تم يريد المتصدق نفسه أن يشتريه]

فصل [في الشيء يجعل لله تم يريد المتصدق نفسه أن يشتريه] واختلف فيمن جعل من ماله شيئًا لله سبحانه وتعالى، وكان مما لا يتصدق بعينه, وإنما يتصدق بثمنه، هل يجوز للمتصدق أن يشتريه؟ فقال مالك في العتبية فيمن قال في دابة أو عبد: أنا أهديه- إنه مخير في ثمنه أو قيمته، ويجعله في هدي (¬1). وقال في كتاب محمد في امرأة جعلت خلاخلها (¬2) في سبيل الله إن شفاها الله -عز وجل-، فصحت، هل تخرجهما أو تحبسهما لتخرج قيمتهما؟ فإنه كان يقال: أنجز لله ما وعدته (¬3). وهذا أحسن، والأصل أنه يكره أن يتملك شيئًا جعله لله -عز وجل- أو يعود إلى كسبه، ولا فرق بين المسألتين إلا أن يقول المتصدق: نويت الثمن. وقال مالك فيمن تصدق على ولده الصغير بجارية فتبعتها نفسه فله أن يقومها على نفسه (¬4). وقال مالك في العتبية مثل ذلك إذا كانت الصدقة بعبد: إن له أن يشتريه (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 99. (¬2) في (ق 6): (خلاخيلها). (¬3) لم أقف على هذه المسألة إلا في العتبية من سماع ابن القاسم عن مالك، انظر: البيان والتحصيل: 18/ 278. (¬4) انظر: المدونة: 4/ 429، والنوادر والزيادات: 12/ 198. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 13/ 362.

فصل [فيمن وهب شيئا واشترط له شروطا]

وقال في كتاب محمد فيمن تصدق على ابن له بغنم فلا بأس أن يأكل من لحمها ويشرب من لبنها ويلبس من صوفها إذا أعطاه ولده ذلك، ويأكل من ثمرة الحائط، قال ابن القاسم: وكذلك الأم (¬1)، وقال ابن نافع في شرح ابن مزين: أكره أن ينتفع بصدقته على ولد كانت أو أجنبي، ولا أحب أن ينتفع بشيء منها، وهذا أحسن لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الْعَائِدَ فِى صَدَقَتِهِ" (¬2) ولم يفرق، ولأن كل ذلك أراد به وجه الله -عز وجل-، فلا يرجع في شيء منه، وله أن يشتري الهبة؛ لأن له أن يعتصرها بغير شراء فهو في الشراء أخف. فصل [فيمن وهب شيئًا واشترط له شروطًا] وقال ابن القاسم فيمن وهب نخلًا واشترط ثمرها عشر سنين، فإن النخل يسقى بماء الموهوب له- لم يصح؛ لأنه لا يدري هل يَسْلَمُ النخل إلى ذلك الأجل أم لا (¬3)، ويجوز الهبة إذا كان السقي على ربها. وقال محمد: ولو طلب أخذ النخل لم يكن ذلك له؛ لأنه قال: لك نخلي هبة بعد عشر سنين (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 199. (¬2) أخرجه البخاري: 2/ 925، في باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته, من كتاب الهبة وفضلها، برقم (2480)، ومسلم: 3/ 1239، في باب كراهة شراء الإنسان ما تصدق به ممن تصدق عليه، من كتاب الهبات، برقم (1620)، ومالك في الموطأ: 1/ 282، في باب اشتراء الصدقة والعود فيها، من كتاب الزكاة، برقم (623). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 431. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 187.

وأرى إن قال "هي لك الآن وثمرتها إلى عشر سنين وسقيها" أن يجبر على أن يحوزها إياه الآن، ولو تعدى عليها رجل وقطعها كانت القيمة للموهوب له، وإن قال: هي لك بعد عشر سنين كانت القيمة للواهب. تم كتاب الحبس والحمد لله حق حمده

كتاب الصدقة والهبة

كتاب الصدقة والهبة النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ق 2) = نسخة القرويين رقم (370) 3 - (ق 8) = نسخة القرويين رقم (369) 4 - (ق 9) = نسخة القرويين رقم (369)

باب ما جاء في الصدقة والهبة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلي الله علي سيدنا ومولانا محمد وعلي آله وسلم تسليما كتاب الصدقة والهبة (¬1) باب ما جاء في الصدقة والهبة (¬2) نقل (¬3) الملك بغير عوض كالصدقة والهبة جائز (¬4)، والصدقة ما أريد به وجه الله -عز وجل-، والهبة ما أريد به وجه المعطى، وكلاهما مندوب إليه وغير داخل في قول الله -عز وجل- (¬5): {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188]. والأصل في الصدقة قول الله -عز وجل-: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: 114]، وفي الهبة قول الله -عز وجل-: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237]، فحض سبحانه على مكارم الأخلاق بتنزيله فمدحه (¬6) فأخبر أنه أقرب للتقوى، وقال تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو ¬

_ (¬1) قوله: (والهبة) ساقطة من (ق 2). (¬2) في (ف): (الهبة والصدقة). (¬3) في (ق 2): (والهبة نقل). (¬4) في (ق 2) و (ف): (جائزة). (¬5) قوله: (قول الله -عز وجل-) يقابله في (ق 9): (كتاب الله تعالى). (¬6) قوله: (فحض سبحانه على مكارم الأخلاق بتنزيله فمدحه) ساقط من (ق 9) و (ق 2).

فصل [ما يراعى في الصدقه]

الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى. . .} [النور: 22]. وكان النبي - صلي الله عليه وسلم - يهب ويقبل الهبة (¬1). ووهب بعيرًا لجابر اشتراه منه (¬2) (¬3)، ولعبد الله بن عمر بعيرًا (¬4)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ" (¬5). وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "تَهَادُوا تَحَابُّوا" (¬6). فصل [ما يراعى في الصدقه] ويراعى في ذلك ثلاث أحوال (¬7): حال المعطي، وقدر العطية (¬8)، وفي من توضع، فأفضل ذلك حال (¬9) الصحة، لقول النبي - صلي الله عليه وسلم - وقد سئل: أي الصدقة ¬

_ (¬1) في (ق 2): (الهدية). والحديث أخرجه البخاري: 913/ 2، في باب المكافأة في الهبة، من كتاب الهبة وفضلها، برقم (2445) بلفظ "كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْبَلُ الهَدِيَّةَ وَيُثيبُ عَلَيْها". (¬2) قوله: (اشتراه منه) يقابله في (ق 2): (اشتر لي منه). (¬3) إشارة إلى حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - الذي أخرجه أحمد في قصة طويلة وفيه أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - سامه جمله فاشتراه منه ثم لما أتاه به قال له: "أَمْسِكْ عَلَيْكَ جَمَلَكَ" ودفع إليه الثمن. مسند أحمد (23/ 271) برقم (15026). (¬4) إشارة لحديث ابن عمر في الموطأ الذي أخرجه مالك عن نافع عنه أنه كان في سرية بعثها رسول الله - صلي الله عليه وسلم - قبل نجد فغنموا إبلًا كثيرة فكان سهمانهم اثني عشر بعيرًا أو أحد عشر بعيرًا ونفلوا بعيرًا بعيرًا، (2/ 450)، برقم (970). (¬5) حسن صحيح: أخرجه الترمذي في سننه: 3/ 623، في باب ما جاء في قبول الهدية وإجابة الدعوة, من كتاب الأحكام، برقم (1338). وابن حبان في صحيحه (12/ 103) برقم (5292)، والبيهقى في سننه: 6/ 169، في باب التحريض على الهبة والهدية، برقم (11725). (¬6) أخرجه البيهقى في سننه (6/ 169)، برقم (11726). والبخاري في الأدب المفرد (1/ 208)، برقم (594)، وأبو يعلى، في مسنده (11/ 9)، برقم (6148). (¬7) في (ف): (خلال)، وفي (ق 8) (حالات) وساقط من (ق 9). (¬8) في (ف): (الهبة). (¬9) في (ق 8): (على).

أفضل؟ فقال: "أَنْ تَتَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَأْمَلُ الْغِنَى وَتَخْشَى (¬1) الْفَقْرَ وَلَا تُمْهِلُ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الحُلْقُومَ قُلْتَ: لِفُلَانٍ كَذَا وَلفُلَانٍ كَذَا. أَلا وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ" (¬2). وأما القدر فأفضله ما خلف غنى، لقول الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: 219]، قال محمد (¬3) ابن جرير الطبري: العفو الفاضل (¬4). فأرشدنا الله -عز وجل- عندما سئل نبيه - صلى الله عليه وسلم - عن القدر الذي يتصدق به أن يكون الفاضل عما يحتاجون إليه، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67]، وقال تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ. . .}، وفي البخاري ومسلم (¬5) قال النبي - صلي الله عليه وسلم -: "لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ" (¬6). وقال كعب بن مالك: إن (¬7) من توبتي أن أنخلع من مالي. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ¬

_ (¬1) في (ق 8): (تخاف). (¬2) متفق عليه، البخاري: 2/ 515، في باب أي الصدقة أفضل، من كتاب الزكاة؛ برقم (1353)، ومسلم: 2/ 716، في باب بيان أن أفضل الصدقة صدقة الصحيح الشحيح، من كتاب الزكاة، برقم (1032). (¬3) قوله: (محمد) ساقط من (ق 9). (¬4) انظر: جامع البيان في تأويل آي القرآن، للطبري: 4/ 337 وما بعدها. (¬5) قوله: (ومسلم) ساقط من (ق 8). (¬6) متفق عليه، البخاري: 5/ 2048، في باب وجوب النفقة على الأهل والعيال، من كتاب النفقات، برقم (5041)، ومسلم: 2/ 717، في باب أن اليد العليا خير من اليد السفلى، من كتاب الزكاة، برقم (1034)، كلاهما بنحو اللفظ المذكور في المتن. (¬7) قوله: (إن) ساقط من (ف).

"أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ" (¬1). وقال سحنون في العتبية: إن تصدق بجل ماله ولم يبق (¬2) ما يكفيه ردت صدقته (¬3). وقال مالك في كتاب محمد: يجوز أن يتصدق بجميع ماله (¬4)، وقد فعله أبو بكر الصديق (¬5). والأول أحسن، للقرآن وللأحاديث المروية في ذلك (¬6)، وأما صدقة أبي بكر - رضي الله عنه - فقد كانت لاستئلاف الناس واستنقاذهم من الكفر، وذلك حِيِنئذٍ واجب, ويستحب أن يتصدق من أنفس ماله، لقول الله -عز وجل-: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92]، وقياسًا على العتق (¬7)، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - حين سئل (¬8): أي الرقاب أفضل؟ فقال: "أَغْلَاهَا ثَمَنًا وَأَنْفَسُهَا عَنْدَ أَهْلِهَا" (¬9). ¬

_ (¬1) متفق عليه, البخاري: 4/ 1603، في باب حديث كعب بن مالك، من كتاب المغازي، برقم (4156)، ومسلم: 4/ 2120، في باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، من كتاب التوبة، برقم (2769). (¬2) قوله: (لم يبق) ساقط من (ق 9). (¬3) البيان والتحصيل: 13/ 369. (¬4) قوله: (ولم يبق ما يكفيه ردت صدقته. . . بجميع ماله) ساقط من (ق 2). (¬5) النوادر والزيادات: 12/ 209. (¬6) قوله: (المروية في ذلك) ساقط من (ق 8) و (ق 9). (¬7) من هنا يبدأ سقط بمقدار لوحة من (ق 9). (¬8) قوله: (حين سئل) يقابله في (ق 8): (وسئل عن). (¬9) متفق عليه، البخاري: 2/ 891، في باب أي الرقاب أفضل، من كتاب العتق، برقم (2382)، ومسلم: 1/ 89 , في باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال، من كتاب الإيمان، برقم (84).

ويستحب أن يجعل ذلك في أقاربه ثم جيرانه وفي من يستصلح به نفسه، ويرفع به الشحناء، فأما (¬1) الأقارب فلحديث أبي طلحة، وقد تقدم (¬2)، وقال النبي - صلي الله عليه وسلم - لميمونة وقد أعتقت خادمًا لها: "لَوْ أَعْطَيْيهَا أَخْوَالَكِ لَكَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِكِ" (¬3). فقدم العطية للأقارب على العتق، وقال: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ فِي أَجَلِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" (¬4). وقال مالك في كتاب محمد في من أحب أن يعتق عبدًا أو يتصدق به على ابني عمه وهما يتيمان فقال: يتصدق (¬5) به عليهما (¬6). وأما الجار فلقوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة - رضي الله عنها - وقالت: يا رسول الله إن لي جارين، ¬

_ (¬1) قوله: (ويستحب أن يجعل ذلك في أقاربه ثم جيرانه وفيمن يستصلح في نفسه، ويرفع به الشحناء، فأما) ساقط من (ق 8). (¬2) تقدم الحديث في كتاب النذور، ص: 1670. (¬3) متفق عليه, البخاري: 2/ 915، في باب هبة المرأة لغيى زوجها وعتقها، من كتاب الهبة وفضلها، برقم (2452)، ومسلم: 2/ 694، في باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين، من كتاب الزكاة، برقم (999). (¬4) (متفق عليه) أخرجه البخاري: 5/ 2232، في باب من بسط له في الرزق بصلة الرحم من كتاب الأدب برقم (5640)، ومسلم: 4/ 1982، في باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها من كتاب البر والصلة والآداب برقم (2557) ولفظه فيهما: "من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه". (¬5) في (ف) و (ق 8) و (ق 9): (تصدق). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 252.

فإلى أيهما أهدي؟ قال: "لِأَقْرَبِهِما مِنْكِ بَابًا" (¬1). وقال: "لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لجِارَتِهَا وَلَوْ فِرْسَنِ شَاةٍ" (¬2). وجميع هذه الأحاديث أخرجها البخاري. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري: 2/ 916، في باب بمن يبدأ بالهدية, من كتاب الهبة وفضلها، برقم (2455). (¬2) متفق عليه، البخاري: 5/ 2440، في باب لا تحقرن جارة لجارتها، من كتاب الأدب، برقم (5671)، ومسلم: 2/ 714، في باب الحث على الصدقة ولو بالقليل ولا تمتنع من القليل لاحتقاره, من كتاب الزكاة برقم (1030).

باب في هبة المجهول والغرر

باب في هبة المجهول والغرر هبة المجهول والصدقة به ماضية، ويستحب ألا يفعل إلا بعد المعرفة بقدره وصفته خوف الندم بعد معرفته به، فكره مالك في كتاب محمد أن يقول الرجل للرجل (¬1): اشترِ هذا الفرس وأحملك عليه. ولا يدري كم يبلغ من الثمن، حتى يوقتا له وقتًا (¬2). واختلف إن هو فعل ثم تبين أنه (¬3) على خلاف ما كان (¬4) يظن، فقال ابن القاسم في العتبية في من تصدق بميراثه من رجل (¬5) ثم تبين أنه خلاف ذلك إن له أن يرد عطيته، وكذلك (¬6) في كتاب ابن حبيب له رد عطيته (¬7). وقال محمد بن عبد الحكم: لا رجوع له (¬8). وأرى أن يكون (¬9) له في ذلك مقال، فيرد الجميع تارة والبعض تارة من غير شرك، وتارة يكون شريكًا، فإن كان الوارث يرى أن الموروث دارا (¬10) ¬

_ (¬1) قوله: (للرجل) ساقط من (ف) و (ق 2). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 102. (¬3) زاد بعده في (ق 8) و (ق 9) (كان). (¬4) قوله: (كان) ساقط من (ق 8). (¬5) قوله: (من رجل) ساقط من (ق 2). (¬6) قوله: (فيمن تصدق بميراثه. . . أن يرد عطيته، وكذلك) ساقط من (ق 8). (¬7) قوله: (له رد عطيته) ساقط من (ف) و (ق 2). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 227. (¬9) قوله: (يكون) ساقط من (ف) و (ق 2). (¬10) في (ق 8): (للموروث دارا).

فصل [في من قال: لكـ في مالي مائة دينار وليس في ماله وفاء]

يعرفها في ملكه فأبدلها الميت في غيبته بأفضل كان له أن يرد (¬1) جميع العطية إذا قال: كان قصدي تلك الدار. وإن خلف مالًا حاضرًا ثم طرأ له مال لم يعلم به مضت العطية فيما علم خاصة (¬2)، وإن كان جميع (¬3) ماله حاضرًا وكان يرى أن قدره كذا فتبين أنه أكثر كان شريكًا بالزائد. ومن المدونة قال ابن القاسم فيمن قال: وهبتك نصيبًا من داري، فليقر بما شاء مما يكون نصيبًا (¬4). وهذا صحيح على مراعاة الألفاظ، وأما على مراعاة المقاصد فإن أقر بما لا يشبه أن يهبه مثله لمثله (¬5) لم يصدق ويعد نادمًا، فإن رجع إلى ما يشبه وإلا أعطاه الحاكم ما يشبه، وهذا مع دعوى المعطي النية (¬6)؛ فإن لم تكن له نية أعطي ما يشبه أن يعطيه لمثله. فصل [في من قال: لكـ في مالي مائة دينار وليس في ماله وفاء] ومن قال: لك في مالي مائة دينار، فلم يكن في ماله وفاء سقط الزائد، وإن قال: لك في ذمتي مائة دينار. أُتبع بالباقي. ¬

_ (¬1) قوله: (أن يرد) يقابله في (ق 8): (رد). (¬2) قوله: (خاصة) ساقط من (ق 2). (¬3) في (ق 8): (كل). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 397. (¬5) في (ق 8) و (ق 2): (لمثل هذا). (¬6) في (ق 8): (البينة).

وقال ابن القاسم فيمن قال: وهبتك عشرة أقساط من دهن جلجلان. جاز وعليه عصره، فإن قال: أنا أعطيك (¬1) من غيره عشرة أقساط. لم يعجبني (¬2). وقال أشهب في كتاب محمد: لا يجبر على عصره. والأول أصوب؛ لأنه وهب دهنًا لا جلجلانًا ودفعه دهنًا من غيره على (¬3) ثلاثة أوجه، فيجوز أن يعطيه مثل مكيلته (¬4) على وجه القرض ليعصر ويستوفي ذلك (¬5). فإن ضاع (¬6) قبل العصر أو بعد العصر وقبل الكيل رجع على الموهوب له، ويجوز أن يدفع ذلك على وجه البيع ليبقي (¬7) له الجلجلان ليس أن يعصره ويستوفي؛ لأنها مناجزة من الآن، ولا يجوز ذلك (¬8) على وجه المبايعة ليقبض (¬9) ذلك بعد العصر. ومن كان له على ميت دين فقال لورثته: وهبت ديني للميت. أو أسقطته عنه. اقتسم ذلك الدين الورثة على سهامهم، وإن قال: وهبت ديني (¬10) لكم. ¬

_ (¬1) في (ف) و (ق 2) و (ق 9): (أعطيه). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 396. (¬3) في (ق 8): (وهو على). (¬4) في (ق 8): (بمثل كيله)، وفي (ف): (قبل مكيلته). (¬5) إلى هنا نهاية السقط من (ق 9). (¬6) قوله: (فإن ضاع) يقابله في (ق 9): (ذلك فإن ضاع ذلك). (¬7) في (ف): (ليفي). (¬8) قوله: (ولا يجوز ذلك) يقابله في (ق 8) و (ق 9): (ولا تجوز). (¬9) في (ق 9): (ليقتضى). (¬10) قوله: (للميت. أو: أسقطته عنه. اقتسم ذلك. . . وهبت ديني) ساقط من (ق 8).

اقتَسَموه بالسواء، الذكر والأنثى والزوجة، إلا أن يقول: أردت أن (¬1) يكون بينهم على سهامهم. وقال محمد في رجل مات عن ولد وزوجة فاقتسما تركته ثم طرأت زوجة أخرى فقالت: قد صار إلي ميراثي. أو (¬2): تركته لكما. فذلك سواء يقتسمانه على المواريث (¬3)، وينبغي إذا قالت: تركته لكما. أن يقتسماه بالسواء (¬4). وإن طرأ غريم آخر فإن كان الأول قال: وهبت ديني لكم، كان للورثة أن يضربوا بدين الأول ويأخذوا ما ينوبه، وقال محمد بن عبد الحكم: إن قال: أسقطت ديني عن الميت، لم يحاص الورثة بدينه، يريد (¬5) إذا كان الميت معروفًا بالدين، وإن لم يكن معروفًا بالدين (¬6) وكان الورثة فقراء حمل تركته (¬7) على الرفق بالورثة فيتحاصون به (¬8). ¬

_ (¬1) قوله: (أن) ساقط من (ق 9). (¬2) في (ق 8) و (ق 9): (و). (¬3) في (ق 2): (الميراث). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 254. (¬5) قوله: (يريد) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (وإن لم يكن معروفًا بالدين) ساقط من (ق 9) و (ق 2). (¬7) لعله (تركه)، مع أن تركته أيضا تؤدي نفس المعنى. (¬8) في (ق 2): (فيتحاصوا فيه).

باب في الصدقة بالمشاع

باب في الصدقة بالمشاع ومن المدونة قال مالك في من تصدق بنصيبه من دار أو وهبه: ذلك جائز. قال ابن القاسم: والحوز أن يحل محل الواهب يحوز (¬1)، ويمنع مع شركائه، وكذلك إن وهب نصيبه من عبد (¬2) (¬3). واختلف إذا كان جميع الدار أو العبد للواهب فوهب نصف ذلك هل تصح العطية مع بقاء يد الواهب على (¬4) الموهوب له؟ واختلف أيضًا إذا وهب بعض ذلك لولده الصغير هل يحوز جميعه (¬5) لنفسه ولولده؟ فأجاز في كتاب محمد إذا تصدق بنصف عبده أو داره أن تبقى يده مع (¬6) المتصدق عليه، قال: ويكون العبد إن كان للخدمة يخدمهما جميعا (¬7) يومًا بيوم وعشرة أيام بعشرة أيام، وأجاز في موضع آخر شهرًا بشهر، قال: وإن كان من عبيد الغلة آجراه واقتسما إجارته (¬8). وعلى هذا إن كانت الصدقة دارًا للسكنى سكناها شهرًا بشهر وسنة بسنة؛ لأنها مأمونة، وإن كانت دار غلة أو حانوتًا أو حمامًا آجراه واقتسما الإجارة. ¬

_ (¬1) في (ق 8): (فيجوز). (¬2) في (ق 8): (عبده). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 396. (¬4) في (ف) و (ق 2) و (ق 9): (مع). (¬5) في (ق 9): (جميعها). (¬6) في (ق 2): (على). (¬7) في (ف) و (ق 2) و (ق 9): (يخدمهما). (¬8) في (ق 8): (أجرته). وانظر: النوادر والزيادات: 12/ 138.

وقال سحنون في كتاب ابنه: الصدقة باطلة، ولا تتم مع بقاء أيديهما عليها (¬1). وقد تقدم الاختلاف (¬2) في الرهن إذا رهن بعض ملكه، هل يصح أن يكون تحت أيديهما؟ والأول أحسن؛ لأن المتصدق عليه والموهوب له قد حاز نصيبه بالسكنى والكراء. وقال مالك في كتاب محمد فيمن تصدق على ولده الصغير، أو على يتيم يلي عليه بمائة من غنمه ولم يفرزها حتى مات، فذلك جائز (¬3)، ويكون شريكًا فيها، وله حظه فيها من النماء والنقصان. وقال أيضًا: إن لم يفرزها بأعيانها أو يسميها (¬4) لم يجز. قال (¬5): وأهل الإبل (¬6) يسمون الإبل والغنم كما يسمي أهل مصر الخيل لمشتريها (¬7). قال ابن القاسم: فإن سماها جازت إذا عرفت بذلك، وإن كانت غائبة عن الشهود إذا كان في حجره (¬8). وقال ابن القاسم أيضًا: يجوز إذا تصدق بعدة من خيله أو غنمه ويكون شريكا (¬9). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 141. (¬2) قوله: (في كتاب ابنه. . . وقد تقدم الاختلاف) ساقط من (ق 2). (¬3) قوله: (فذلك جائز) يقابله في (ق 8): (أنه جائز)، وفي (ق 2): (فذلك له). (¬4) في (ف) و (ق 2) و (ق 9): (أو يسميها). (¬5) قوله: (قال) ساقط من (ق 8). (¬6) في (ق 8): (البادية). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 173. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 178. (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 172.

واختلف إذا وهب أو حبس على ولده الصغير وعلى أجنبي بعبد أو حائط، فلم يحز الأجنبي حتى مات المعطي، فقال مالك في المدونة (¬1): الحبس باطل قال: (¬2) ولا يعرف إنفاذ الحبس للأصاغر إلا بحيازة الأكابر، وقاله ابن القاسم. وقال ابن القاسم (¬3): وكذلك إن وهب لولده الصغير ولأجنبي كبير، فلم يحز الكبير حتى مات الأب فالهبة باطل، وروى علي بن زياد وابن نافع عن مالك أن نصيب الصغير جائز في الهبة والصدقة، وباطل في الحبس، قال: من قِبَلِ أن الصدقة تقسم، وقد قبض عليه من هو جائز القبض له، وأن الحبس إن أسلم إلى من يقبضه له أو للكبير لم تجز فيه قسمة (¬4). وقال مالك في كتاب محمد (¬5): إن حاز ذلك الأب من العبد (¬6) لابنه وعرف أنه أفرزه (¬7) ومنع (¬8) نفسه من منافعه جاز نصيب الابن. قال: والحبس والصدقة في ذلك سواء (¬9). ولا خلاف في نصيب الكبير أو الأجنبي أنه باطل إذا لم يحز ذلك وبقي في يد الأب، وإنما الاختلاف في نصيب الصغيرة فأجيز وأبطل، وأجيز مرة في الصدقة وأبطل في الحبس. ¬

_ (¬1) قوله: (في المدونة) ساقط من (ق 8). (¬2) ناقص في (ق 2) و (ق 8) و (ق 9): (قال). (¬3) قوله: (وقال ابن القاسم) ساقط من (ق 8)، وفي (ق 9): (قال ابن القاسم). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 402. (¬5) في (ق 2): (ابن حبيب). (¬6) في (ق 9): (القن). (¬7) في (ف) و (ق 2) و (ق 9): (وعرف أنه أفرزه). (¬8) في (ق 9): (ومنعه). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 160.

وكل هذا راجع إلى الاختلاف في هبة المشاع، هل يصح أن تبقى في (¬1) يد المتصدق والمتصدق عليه جميعًا؟ وعلى (¬2) القول بجواز ذلك يصح نصيب الصغير؛ لأنه لو قام الأجنبي بالحوز كانت يد الأب معه على تلك الهبة أو الحبس فهو حائز لولده، وبطل نصيب الأجنبي، لعدم الحوز، وعلى القول ألا يصح في هبة المشاع بقاء يد المعطي مع المعطى يبطل الجميع؛ لأنه لو قام الأجنبي بالحوز لرفعت يد الأب عن الجميع، وجعل جميع ذلك على يد الأجنبي، أو يجعل معه من يحوز للصغير فكان بمنزلة من تصدق على صغير ولده على أن لا يحوز (¬3) له وأن يكون الحائز له فلانًا فلم يحز فلان حتى مات الأب، فإن الحبس يرجع ميراثًا بخلاف الصدقة؛ لأن الأجنبي لو قام بالحوز في الصدقة لقال له الأب: أنا أقاسمك أو أبيع معك لولدي، ولا ترفع (¬4) يدي؛ لأنه أمر لا يتأخر. وألحق مرة الصدقة بالحبس ورأى أن من حق الأجنبي أن يكون جميعها (¬5) على يديه، أو على يدي أجنبي يقاسمه. ¬

_ (¬1) قوله: (تبقى في) يقابله في (ق 8) و (ق 9): (يبقي). (¬2) في (ق 2) و (ق 8) و (ق 9): (وعليها فعلى). (¬3) في (ف) و (ق 2): (أن الحوز). (¬4) في (ف): (يرفع)، وفي (ق 8): (أرفع). (¬5) في (ق 8): (جميع ذلك).

باب فيمن باع عبدا بيعا فاسدا ثم وهبه

باب فيمن باع عبدًا (¬1) بيعًا فاسدًا ثم وهبه قال ابن القاسم في من باع عبدًا بيعًا فاسدًا ثم وهبه: فإن لم يفت أخذه الموهوب له ورد البائعُ الثمنَ (¬2)، وإن فات لم تجز الهبة فيه (¬3). قال مالك: وإن أعتقه البائع جاز عتقه، إلا أن يموت البائع فلا يكون للموهوب له فيه (¬4) شيء وإن لم يتغير سوقه (¬5). يريد (¬6) وإن لم يعتق. وقال محمد: هو أحق به، وإن مات الواهب إذا قام به قبل أن يفوت، وإن لم يقم حتى فات بيد المشتري فلا شيء له فيه (¬7). وأرى (¬8) إذا وهبه قبل الفوت ورضي المشتري أن تمضي الهبة فيه (¬9) جاز وانتقض (¬10) البيع، وصار وديعة في يد المشتري، ولا ضمان عليه فيه (¬11) إن هلك أو حدث فيه عيب، فإن قال الموهوب له: أنا أحوزه لك، كان حوزًا ولم يبطله فلس ولا موت، وإن لم يقل ذلك جرت على القولين (¬12) في هبة الوديعة، ¬

_ (¬1) في (ق 2): (عبده). (¬2) قوله: (البائع الثمن) يقابله في (ف): (الثمن للبائع). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 150. (¬4) في (ف): (منه). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 398. (¬6) في (ف): (بذلك). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 150. (¬8) قوله: (وأرى) ساقط من (ق 8). (¬9) قوله: (فيه) ساقط من (ق 9). (¬10) في (ق 9): (ولا ينقض). (¬11) من هنا يبدأ سقط بمقدار لوحة من (ق 9). (¬12) في (ف) و (ق 2) و (ق 9): (قولين).

فقيل: تبطل، وقيل: تصح؛ لأنه لا يد للواهب عليها (¬1)، وإن تمسك المشتري ببيعه ولم يرضَ (¬2) بِنِقْضِهِ ولا بإمضاء الهبة حتى فات مضى على حكم البيع إذا كان مختلفًا في فساده، وإن كان مجمعًا على فساده مضت الهبة؛ لأن البيع لم ينقل الملك، وإنما نقل الضمان على أحد القولين. وإن وهبه بعد أن فات ولم يعلم البائع بفوته، أو علم وجهل أن (¬3) ذلك يمنع الرد، لم تصح الصدقة (¬4)، وإن علم فوت العبد أو (¬5) أن الحكم ألا يُرد حمل على أنه واهب للقيمة، وإن مات العبد قبل الهبة أخذ القيمة؛ لأنه لا يجهل أحد أن ذلك فوت، وإن كان ذلك فالقصد هبة قيمته، فيصح وإن لم يقبض كهبة الدين. ¬

_ (¬1) في (ف): (عليهما). (¬2) في (ف): (يوص). (¬3) في (ف): (هل). (¬4) قوله: (الصدقة) ساقط من (ق 8). (¬5) في (ق 8): (و).

باب فيمن وهب عبدا بعد أن رهنه أو أجره أو أعاره أو أودعه أو غصب منه

باب فيمن وهب (¬1) عبدًا بعد أن رهنه (¬2) أو أجره أو أعاره أو أودعه أو غصب منه قال ابن القاسم في من ارتهن عبدًا ثم وهبه: يجبر الواهب على أن يفتكه ويأخذه الموهوب له (¬3). وقد قيل في هذا الأصل: ليس عليه أن يعجل الدين إذا حلف أنه لم يرد التعجيل، ويكون المرتهن بالخيار بين أن يرضى بخروجه من الرهن ويمضي هبته أو يبقيه إلى الأجل، فإن حل والواهب موسر قضى الدين وأخذه الموهوب له، وإن كان ممن يجهل أن الهبة لا تصح إلا بعد تعجيل الدين حلف على ذلك ولم يجبر على تعجيل الدين (¬4) قولًا واحدًا. قال محمد: ولو وهبه قبل أن يحوزه المرتهن وقبضه الموهوب له (¬5) كان أحق به إن كان الواهب موسرًا ولم يعجل للمرتهن حقه؛ لأنه فرط في حيازته، وإن كان معسرًا كان المرتهن أولى (¬6) به، إلا أن يكون وهبه لثواب، وإن وهبه ثم قاما (¬7) قبل أن يحوزه واحد منهما، فإن كان موسرًا جازت الهبة وكان أحق به من المرتهن، وحكم للمرتهن بتعجيل حقه، فإن (¬8) أعسر بعد ذلك أتبعه بحقه ¬

_ (¬1) في (ف): (باع). (¬2) في (ف): (وهبه). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 399. (¬4) قوله: (حلف على ذلك ولم يجبر على تعجيل الدين) ساقط من (ق 2). (¬5) قوله: (له) ساقط من (ف). (¬6) في (ق 2): (أحق). (¬7) في (ق 8): (ماتا)، وفي (ف): (قام). (¬8) في (ف): (وإن).

فصل [في الرجل يؤاجر الرجل دابته أو يعيره إياها ثم يهبها لغيره]

ورآه بمنزلة من وهب ثم وهب فحاز الثاني أنه أحق من الأول (¬1). وقال ابن القاسم في هذا الأصل: الأول أحق، وإن كان الرهن شرطًا في أصل عقد البيع (¬2) أو القرض، فذلك أبين أن يقوم بحقه فيه ويقبضه. فصل [في الرجل يؤاجر الرجل دابته أو يعيره إياها ثم يهبها لغيره] وان أخدم عبده أو آجره ثم (¬3) وهبه مضت الخدمة والإجارة (¬4) على ما هي عليه ولم يدخلا في الهبة، بخلاف الرهن؛ لأن حق (¬5) المرتهن في الرقبة، وهي التي وهبت، فعليه أن يفتديها (¬6) ليتم هبته، وحق المخدم والمستأجر في الخدمة دون الرقاب، فإنما وهب ما لا حق فيه للآخر. واختلف هل تصح هبة الرقاب مع تعلق حق المخدم والمستأجر؟ فقال مالك في المدونة: إذا أخدم الجارية سنين ثم قال بعد قبضها: هي لفلان بتلًا، فإن قبض المخدم قبض للموهوب له (¬7)، وهي من رأس المال. قال ابن القاسم: وكذا إذا أعار عبده ثم وهبه، قال: ولا يكون ما في الإجارة قبضًا إلا أن يسلم الإجارة معه، وفرق ما (¬8) بين السؤالين ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 150، 151. (¬2) قوله: (عقد البيع) يقابله في (ق 8): (العقد للبيع). (¬3) في (ف): (أو). (¬4) في (ق 8): (والأجرة). (¬5) في (ف): (من حق). (¬6) في (ف): (يفيد بها). (¬7) قوله: (له) ساقط من (ق 8). (¬8) قوله: (ما) ساقط من (ق 8).

لأن (¬1) المخدم محوز عن ربه والمستأجر محوز له (¬2). وخالف عبد الملك في المخدم وقال: لا يكون حوزًا إذا كانت الهبة بعد الإخدام، وإن أخدمه وتصدق به في فور واحد كانت العطية محوزة، وإن قتل كانت القيمة (¬3) لمن وهبت (¬4) له الرقبة. وخالفه (¬5) أشهب في الإجارة، فقال (¬6) في كتاب محمد: هو حائز وإن لم يسلم الإجارة معه. قال: وهو بمنزلة ما لو وهبه لمن هو (¬7) في يديه (¬8). قال الشيخ -رحمه الله- (¬9): المخدم على وجهين، فإن وهب المرجع بعد انقضاء الخدمة ليس من (¬10) الآن لم يكن محوزًا؛ لأن المخدم يحوزه الآن لنفسه، وإن قتل (¬11) كانت القيمة لصاحبه (¬12) الأول، وإن جعل له الرقبة من الآن فإن كانت نفقة العبد على سيده لم تصح الهبة؛ لأنه إذا كانت النفقة على الواهب لم يكن محوزًا، وإن شرطها على الموهوب له كانت فاسدة؛ لأنه لا يدري هل يسلم لانقضائها (¬13)، وإن كانت ¬

_ (¬1) كذا في (ف)، ولعل صوابه: (أن). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 403. (¬3) قوله: (كانت القيمة) يقابله في (ق 8): (فقيمته). (¬4) في (ق 8): (جعلت). (¬5) في (ق 8): (وخالف). (¬6) زاد هنا في (ف) قوله: (مالك). (¬7) قوله: (لمن هو) يقابله في (ق 8): (وهو). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 149. (¬9) قوله: (قال الشيخ -رحمه الله-) ساقط من (ف). (¬10) قوله: (وهبه لمن هو في يديه. . . ليس من) ساقط من (ق 2). (¬11) في (ف): (كان قبل). (¬12) في (ف) و (ق 2): (لصاحب). (¬13) في (ق 8): (لانقضاء الأجل).

نفقته قبل الهبة على المخدم صار كالعبد المغصوب؛ لأن الواهب رفع يده عنه، إلا أن يرضى المخدم أن يحوز له (¬1) فيجوز، بخلاف ارتهان فضلة المرتهن؛ لأن المرتهن حقه في الرهن وفي ثمنه، والمخدم حقه في منافعه (¬2) ليس في رقبته، فإذا حاز الرقبة للموهوب له جاز. وإن كان العبد في الإجارة لم يكن محوزًا؛ لأن نفقة العبد على صاحبه، فإن أبقاها على نفسه لم يكن حوزًا، وإن شرطها على الموهوب له كانت هبة فاسدة؛ لأنه لا يدري هل تسلم لانقضاء الأجل، وإن كانت نفقته قبل الهبة على المخدم صار كالعبد المغصوب؛ لأن الواهب فليحذف رفع يديه عنه، إلا أن يسلم الواهب النفقة إلى الموهوب له ويكون هو (¬3) المتولي للإنفاق عليه، وإليه يأوي العبد فتصح الهبة. وإن كانت الهبة دارًا أو ثوبًا أو ما لا يحتاج إلى نفقة فرضي الساكن أن يحوزها للموهوب له جاز، وإن لم يرض وقال: لا أحوزها (¬4). لم تصح الهبة، قال محمد: وإن قال المخدِم بعد أن أخدمه وحازه (¬5): إن مت فهي صدقة على فلان المخدم أو غيره جاز وكان من الثلث، قال مالك: وإن قال بعد الخدمة في مرضه: هو لفلان (¬6). كان من الثلث (¬7)؛ قال: ومن حبس على رجل حياته، ثم قال: هو في سبيل الله. وأسلمه إليه كان من الثلث (¬8)، قال محمد: وأصل أشهب أنه من ¬

_ (¬1) قوله: (يحوز له) يقابله في (ق 8): (يحوزه للموهوب له)، وفي (ق 2): (يحوزه له). (¬2) في (ق 8): (منافع العبد). (¬3) في (ق 2): (هذا). (¬4) قوله: (لا أحوزها) يقابله في (ق 8): (أنا لا أحوزها للموهوب له)، وفي (ق 2): (لا أحوزها له). (¬5) في (ق 8): (وحازه المخدم). (¬6) قوله: (بعد الخدمة في مرضه: هو لفلان) يقابله في (ق 8): (بعد الخدمة: هو لفلان في مرضه). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 113. (¬8) قوله: (قال ومن حبس. . . وأسلمه إليه كان من الثلث) ساقط من (ف).

رأس المال؛ لأنه مما لا يرجع إليه ولا إلي ورثته منه شيء. ومن أودع عبدًا ثم وهبه ولم يعلم المودعَ لم يكن محوزًا، بخلاف المخدم؛ لأن المودعَ قبل العلم يحوزه لربه، والمخدم يحوزه لنفسه، وإن علم بالهبة وقال: أحوزه للموهوب له كان حوزًا، وإن قال: أُبقي على حوزه للواهب. لم يكن محوزًا، وإن قال: لا أحوزه للأول؛ لأنه وهبه، ولا أرضى أن أحوزه للثاني، ولا أكون أمينًا له. كان على القولين في المغصوب. واختلف إذا وهب نصفه ورضي المودعَ أن محوز له نصفه، فقيل: ذلك حوز. وقال ابن الماجشون في المبسوط: ليس بحوزة لأن يده باقية عليه للأول، والقول الأول أحسن؛ لأنه أمين لهما، وقد رضي أن يمنع الواهب أو يمكنه من نصفه. وإن وهبه وهو في يد غاصب كانت الهبة جائزة، بخلاف البيع، فإن انتزعه الموهوب له (¬1) في حياة الواهب صحت الهبة. واختلف إذا لم ياخذه حتى فلس الواهب أو مات، فقال ابن القاسم: الهبة ساقطة. وقال أشهب ومحمد: هي ماضية (¬2). واختلفا (¬3) في تعليل (¬4) ذلك، فقال أشهب (¬5): لأنه ليس فيها حوز غير هذا. يريد أنه (¬6) لا يقدر على أكثر من هذا. ¬

_ (¬1) قوله: (وهو في يد غاصب كانت الهبة. . . الموهوب له) ساقط من (ق 2). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 150. (¬3) في (ق 8): (واختلف). (¬4) إلى هنا ينتهي السقط المشار إليه من (ق 9). (¬5) قوله: (فقال أشهب) ساقط من (ق 8). (¬6) في (ق 8): (لأنه).

وقال محمد: لأن (¬1) الغاصب ضامن، فهذا كالدين (¬2). وقول أشهب في هذا إنَّ الهبة ماضية أحسن؛ لأن الواهب رفع يده عنها ولا يقدر على أكثر من هذا، وليس كالدين؛ لأنه إنما وهبه عين المغصوب ولم يهبه قيمته (¬3). ¬

_ (¬1) في (ق 8): (إن). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 150. (¬3) في (ق 8): (قيمة).

باب في من وهب صوف غنمه أو لبنها، أو ما في بطنها، أو ما في بطن أمته أو ما تحمل به بعد

باب في من وهب صوف غنمه أو لبنها، أو ما في بطنها، أو ما في بطن أمته أو ما تحمل به بعد الهبة في جميع ذلك جائزة، ويراعى أربعة (¬1): صفة (¬2) الحوز، ومتى يجبر (¬3) الواهب على التحويز، وعلى من الرعي، وهل (¬4) تحمل الهبة على هبة عام، فإن وهب صوف غنمه وسلم الرقاب (¬5) كان حوزًا، وإن كانت الهبة بإثر الجزاز؛ لأن الصوف موجود الآن، فإن كان يتزيد إليه شيء آخر، فإن نما وتم أخذ ذلك الموجود يوم الهبة مع ما انضاف إليه، وان وهب لبن غنمه وفيها لبن فحاز الرقاب كان حوزًا لما فيها ولما يأتي بعد. واختلف إذا لم يكن فيها لبن، فقيل: يجزئ حوز الرقاب؛ لأن الواهب قد رفع يده عن تلك الرقاب، وهو أكثر ما يقدر عليه الآن. وقيل: ليس بحوز؛ لأن الموهوب غير موجود. وقال ابن القاسم: إن وهب ما في بطن جاريته أو شاته فحوز الأمهات حوز للولد (¬6). وقال أشهب: لا يكون حوزًا إلا أن يقبض الولد بعد الخروج. قال (¬7): ألا ترى ¬

_ (¬1) قوله: (أربعة) ساقط من (ق 9). (¬2) في (ف) و (ق 2) و (ق 9): (صحة). (¬3) في (ق 8): (يحيز). (¬4) في (ق 9): (وما). (¬5) قوله: (وسلم الرقاب) يقابله في (ق 2): (وحاز الرقاب)، وهو ساقط من (ق 9) و (ف). (¬6) انظر: المدونة: 4/ 343. (¬7) قوله: (قال) ساقط من (ق 8).

أن العتق فيه (¬1) ليس (¬2) بحوز وقد تباع أمه في دين يستحدثه (¬3). والأول أحسن؛ لأن الولد مقبوض، ولو استحدث دينًا بعد قبض الأمهات لم يبع (¬4) في دينه، ولأنه أكثر ما يقدر عليه. وقد قال أشهب في العبد المغصوب: يوهب إنه حوز بالقبول (¬5) لما كان أكثر ما يقدر عليه. ويختلف أيضًا إذا وهب ما تحمل أمته أو شاته في المستقبل، قياسًا على من وهب ثمارًا أو لبنًا لم يكن، محاز (¬6) الأصول، فإن وهب كل ولد تلده فقبض الأصول وفيها ولد كان حوزا لذلك الحمل وما تحمل به بعد ذلك، وكذلك إن قبضها فحملت بعد القبض ثم مات الواهب كان قبضه قبضًا لذلك الولد ولكل ولد تلده فيما بعد، قياسا على هبة الثمار والألبان إذا وهبت (¬7) سنين أن ذلك حوز للموجود ولما يأتي بعد، ويجبر على التحويز إذا كان الحمل أو اللبن موجودًا وظهرت الثمرة. قاله ابن القاسم في الثمرة والزرع، وقاله في كتاب محمد في هبة حمل (¬8) الجواري والغنم، فيجبر في هبة اللبن على أن يسلم الغنم للموهوب له وفي هبة (¬9) ما في بطون الجواري والغنم على أن يجعلها على يد ثقة ¬

_ (¬1) قوله: (أن العتق فيه) ساقط من (ق 8). (¬2) قوله: (ليس) ساقط من (ق 2). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 184. (¬4) في (ف) و (ق 2): (تبع). (¬5) قوله: (بالقبول) ساقط من (ق 9). (¬6) في (ق 2) و (ق 8): (بحوز). (¬7) قوله: (إذا وهبت) ساقط من (ق 8). (¬8) في (ف) و (ق 2) و (ق 9): (هبة). (¬9) قوله: (في هبة) ساقط من (ف).

فصل [في سقي النخل والنفقة على الأمة الموهوبين]

حتى تضع (¬1)، وليس للموهوب له أن يقول: تكون على يدي. لأن حاجته إليها مرة في وقت واحد، وهو في الإماء آكد لأنه لا يخلو (¬2) بهن، واللبن يحتاج إليه كل يوم، وكذلك الثمار، توضع الأصول على يدي ثقة، فإذا جاء وقت الانتفاع بها أخذ هبته (¬3). وله أن يأخذ ما سقط منها من بلح أو غيره، وإن لم يكن حمل ولا لبن ولا ظهرت الثمرة لم يجبر الواهب على تحويز الرقاب. فصل [في سقي النخل والنفقة على الأمة الموهوبين] ويختلف في السقي والعلاج في النخل وفي النفقة على الأمة، فقال ابن القاسم في كتاب العرايا في من وهب ثمرة حائطه قبل طيبها: نفقتها (¬4) وعلاجها وزكاتها على الموهوب له (¬5). وقال ابن حبيب: كل ذلك على الواهب (¬6). ويختلف في الرعي وفي النفقة على الأمة، قياسًا على النخل. وقد اختلف في نفقة المخدم: هل تكون على المخدِم أو المخدَم، وقال محمد في من أوصى لرجل بصوف غنمه أو لبنها أو سمنها، ولآخر برقابها: كان رعيها ¬

_ (¬1) قوله: (حتى تضع) زيادة من (ق 8). (¬2) قوله: (لأنه لا يخلو) يقابله في (ق 8): (لأنها لا تخلو). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 184، و 185. (¬4) في (ق 8): (فنفقتها)، وفي (ق 9): (ونفقتها). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 292. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 272.

ومؤنتها على الذي أوصي له برسلها (¬1) من اللبن أو السمن أو الصوف (¬2). وأرى إن وهب في مرة واحدة لثلاثة نفر لأحدهم صوفها ولآخر لبنها ولآخر ما في بطونها، أن تكون النفقة والرعي (¬3) على جميعهم، ثم يختلف، هل يفض على عددهم أو على قيمة هبة كل واحد (¬4)، فيصح أن يقال: على قدر ما لكل واحد. قياسًا على القراضين إذا اختلف قدرهما (¬5)، ويصح أن يقال (¬6): هم في ذلك (¬7) على السواء. لأن كل واحد منهم لو انفرد كان عليه جميع تلك النفقة. وإن كانت الهبة (¬8) واحدة بعد أخرى كان (¬9) القيام بها على الأول دون الآخرين على قول محمد؛ لأنه عنده إذا أعطاه (¬10) الصوف أو اللبن بانفراده وأبقى ما سوى ذلك لنفسه كان القيام به على المعطى له ولا شيء على الواهب وإن بقيت له تلك المنافع، فكذلك إذا أعطاها لقوم آخرين بعد الأول، والقياس أن يكون على الواهب إذا أبقى شيئًا من ذلك على نفسه بقدر ما يبقى. وكذلك الرقاب تدخل في القبض، وليس كذلك العبد توهب خدمته؛ لأن منفعة العبد شيء واحدة وهي الخدمة، والغنم يراد منها الولد واللبن والصوف. ¬

_ (¬1) في (ف): (يرسلها). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 442. (¬3) قوله: (والرعي) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (هبة كل واحد) يقابله في (ق 9): (كل واحد فيهم). (¬5) قوله: (إذا اختلف قدرهما) يقابله في (ق 8): (المختلفين). (¬6) قوله: (قياسًا على القراضين إذا اختلف قدرهما، ويصح أن يقال) ساقط من (ق 2). (¬7) قوله: (هم في ذلك) زيادة من (ق 8). (¬8) في (ق 9) و (ق 2): (الهبات). (¬9) من هنا يبدأ سقط من (ق 8) بمقدار لوحة ونصف. (¬10) في (ق 9): (أعطى).

فصل [في محمل الهبة إذا كانت حاملا أو ذات لبن]

فصل [في محمل الهبة إذا كانت حاملا أو ذات لبن] ومحمل (¬1) الهبة إذا كانت حاملًا أو ذات لبن على ما هو موجود، ويختلف إذا لم يكن شيء من ذلك فقال: وهبت لك لبنها أو صوفها أو ما تحمل، فهل تكون هبة على ما تكون حياة الغنم والجواري أو حياة المعطي؟ وقد اختلف ابن القاسم وأشهب في هذا الأصل في كتاب الوصايا الثاني (¬2)، وقال محمد فيمن أوصى لرجل بصوف غنمه أو لبنها أو سمنها، ولآخر برقابها فللموصى له ما (¬3) على ظهورها يوم مات الموصي، وما بقي في ضروعها وما في بطونها ما عاش المعطَى، فإن مات رجعت إلى من أوصى له بها، قال: وذلك إذا لم تكن حاملًا يوم أوصى، فإن كانت حاملًا فليس له إلا حملها ذلك (¬4). وعلى هذا محمل قوله في الصوف واللبن على أنه حدث بعد الوصية. وإن مات وهو موجود، ولو كان وقت الوصية وفيها (¬5) لبن أو عليها صوف قد تم، كان محمل الوصية على ما هو موجود. ¬

_ (¬1) في (ق 9): (ومحل). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 360. (¬3) قوله: (ما) ساقط من (ق 9). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 442. (¬5) في (ق 9) و (ق 2): (فيها).

باب فيمن وهب أرضا حاضرة أو غائبة أو دينا على حاضر أو غائب

باب فيمن وهب أرضًا حاضرة أو غائبة أو دينًا على حاضر أو غائب قال مالك -رحمه الله- (¬1): ومن وهب أرضًا حاضرةً في غير وقت حرثها كان قول الموهوب له قد قبلت- كافيًا في الحوز. وقال ابن القاسم: إن كان إبان حرثها فلم يحزها بطلت (¬2)، والقياس أن تمضي ولا تبطل، إلا أن تعود يد الواهب عليها بحرث أو غيره. وإن كانت الهبة بستانًا يغلق عليه أجزأه معاينة إغلاقه، ثم لا يضره إن لم يعمره، وتركه حتى درس، وهو بمنزلة من وهب دارًا فأغلقها الموهوب له ثم لم يسكنها؛ لأن الغلق حائل بين الواهب وبينها. وقال ابن القاسم في من وهب أرضًا بإفريقية، والواهب والموهوب له بالفسطاط فقال: قد قبلت. لم يكن حوزًا، وإن لم يفرط في الخروج (¬3). وقال أشهب: إن لم يفرط في الخروج فلم يخرج حتى مات فهو حوز. وقال ابن عبد الحكم عن مالك فيمن تصدق على ابنه البالغ بدار غائبة وجعل من يحوزها له فمات الأب قبل أن تحاز: فهي جائزة للابن (¬4). ومحمل (¬5) قول ابن القاسم في الأرض على أنه لو خرج لأدرك حراثتها، ¬

_ (¬1) قوله: (قال مالك -رحمه الله-) ساقط من (ق 9) و (ف). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 403. (¬3) المدونة: 4/ 402. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 142. (¬5) في (ف): (وعلى).

ولو كان يكون وصوله قبل إبان حرثها لم يضر إن لم يخرج الآن إذا خرج بعد ذلك في وقت يصل قبل حرثها (¬1)؛ لأنها لو كانت حاضرة لكان حوزها بالقول "قد قبلت" بخلاف الدار. ولو وهب رجل دينًا على رجل بإفريقية، والواهب والموهوب له بالفسطاط فقال: قد قبلت. كان حوزًا. قال: لأن الديون هكذا تقبض (¬2). يريد أنه لو كان الغريم حاضرًا لجاز بقبول الموهوب له، وإن لم يقبض الدين. وإن كانت الأرض أو الدار على يدي رجل فوهبها لمن هي في يديه وهو حاضر فقبلها، أو لأجنبي فقال من (¬3) هي على يديه: أنا أحوزها له. جاز، ولم يضر غيبة الأرض ولا الدار. قال ابن القاسم: ولو استودع الرجل وديعة أو آجره دارًا أو أعاره عبدًا (¬4) وكل ذلك غائب فوهب ذلك المالك لمن هي في يديه، وكلاهما بالفسطاط، فقال الموهوب له: قد قبلت. كان حوزًا (¬5). وقال مالك فيمن وهب دارًا غائبة لابن له صغير في حجره جاز (¬6). وقال ابن القاسم فيمن وهب لرجل دينًا له عليه فقال: قد قبلت. فذلك قبض، وقد سقط الدين (¬7). ¬

_ (¬1) قوله: (يصل قبل حرثها) يقابله في (ف): (إن وصل قرب حرثها). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 403. (¬3) في (ق 2): (فيمن). (¬4) قوله: (أجرة دار أو إعارة عبد) يقابله في (ف): (أجرة عبد أو إعارة دار). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 404. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 142. (¬7) انظر: المدونة: 4/ 403.

واختلف إذا افترقا ولم يقل: قبلت. فقال ابن القاسم: الهبة ساقطة. وقال أشهب في كتاب محمد: الدين لمن هو عليه إذا أسقطه عنه. وإن لم يعلم بذلك حتى مات الواهب؛ لأنها وضيعة، قال: وقد قال مالك فيمن بعث بثوب صدقة إلى غائب وأشهد إنّ ذلك حوز (¬1)، وإن لم يبلغ حتى مات، وإن وهب الدين لغير من هو عليه وأشهد له أو جمع بينه وبينه ودفع إليه ذكْرَ الحق فهو قبض، وإن لم يكن ذكر حق فالإشهاد يجزئ. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 151.

باب في حوز الأب صدقته لولده الصغير والوصي ليتيمه والأم لولدها

باب في حوز الأب صدقته لولده الصغير والوصي ليتيمه والأم لولدها يصح حوز الأب في عطيته إذا كان صغيرًا أو كبيرًا سفيهًا ولابنته البكر أو الثيب السفيهة، وذلك في عطية العقار والعروض والعبيد وما أشبه ذلك (¬1). واختلف في الدنانير والدراهم، فقال مالك: لا يجوز له إلا أن يضعها على يدي غيره (¬2). قال محمد: وإن أشهد على طائفة عليها ثم كانت بيد الأب حتى مات لم يجز (¬3). وقال مالك في كتاب ابن حبيب: يجوز وإن بقيت عنده حتى مات إذا أشهد عليها (¬4) وكتب عليها، ختم عليها أو لم يختم، وإن ختم كان أقوى وأحسن، وهذا ما دامت عينًا، فإن اشترى له بها عقارًا أو تجارة وأشهد جازت للولد وسقط حكم العين، وإن كانت الصدقة عرضًا وأشهد الأب بها، ثم باعها فَصَارَتْ عينًا مضت لما كان الأصل ليس بعين. وقال محمد: إن وهبه دينًا له على رجل فمات الأب قبل أن يقبضه لولده فهو نافذ، ولو قبضه ثم مات وهو في يده أو تسلفه بعد قبضه فهو نافذ (¬5). وجعل هبة الدين بمنزلة هبة ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 406. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 163. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 162. (¬4) قوله: (عليها) ساقط من (ق 2). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 163.

فصل [في حوز الأم هبتها لابنها]

العرض، يصح الحوز قبل قبضه، وهو بعد القبض بمنزلة لو كان عرضًا فبيع بغبن، والقبض كالنضوض بالبيع. وقال مالك فيمن تصدق على ولده الصغير بمائة دينار وأفرزها له ثم مات الأب كانت ميراثًا له، فإن أنفذها له الورثة ثم رجعوا وادعوا الجهل حلفوا على ذلك إن عرفوا بالجهل، ثم تكون ميراثًا. قال ابن القاسم: يريد أفرزها (¬1) على يدي غيره (¬2). وقال مالك: يحوز الأب هبته لولده الصغير إذا كانت كالطوق والسوارين، وهو كالعروض، وأما التبر ونقر (¬3) الفضة فكالعين تجري على الخلاف، وكذلك اللؤلؤ والزبرجد والحديد والنحاس والكتان وكل ما يكال من الطعام والزيت يختلف (¬4) فيه، كالعين، والجواز في جميع ذلك أحسن. فصل [في حوز الأم هبتها لابنها] ولا يصح حوز الأم ما وهبت لولدها من دار أو حائط أو غير ذلك مما يستقل (¬5). واختلف إن وهبته غلامًا فكان يخدمه، أو ثوبًا أو حليًّا، فكان يلبسه، فقال مالك في كتاب محمد في امرأة وهبت لولدها الصغير غلامًا (¬6) وهو معها ¬

_ (¬1) في (ف) و (ق 8) و (ق 9): (فرزها). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 164. (¬3) في (ق 2): (ونقار). (¬4) في (ق 2): (مختلف). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 407. (¬6) قوله: (فكان يخدمه أو ثوبًا أو حليًّا. . . لولدها الصغير غلامًا) ساقط من (ق 2).

وللابن مال في يدي أبيه أو وصيه، قال: إن كان الغلام للخراج فليس بحوز، وإن كان يخدم الصبي وهو في ذلك مع أمه فأراه جائزًا. وقال ابن القاسم وأشهب: ليس بحوز إلا أن تكون الأم وصية (¬1). والأول أحسن؛ لأن إصراف منافع العبد في خدمة الصبي كإصراف خدمته في السبيل، وكالفرس يحبس في السبيل، فتنفذ منافعه في الوجه الذي حبس عليه أنه جائز، وإن كان يعود إلى يده، بخلاف النخل وما تنفذ غلاته وتبقى الأصول، فالعبد يخدم الولد والثوب والحلي يلبسه، فهو حوز، بخلاف الغنم والجواري، ويصح للوصي أن يحوز ما وهبه ليتيمه مما لو كانت الهبة فيه من الأب لصح حوزه له، وهو في ذلك بمنزلة الأب. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 177.

باب في الشروط في الهبات وما يجوز منها وما لا تصح الهبة لأجله

باب في الشروط في الهبات وما يجوز منها وما لا تصح الهبة لأجله اختلف في الواهب يشترط على الموهوب له ألا يبيع ولا يهب أو يقول: إن بعتها فهي لي بغير شئ, أو الثمن بيع به، فقال مالك فيمن وهب هبة علي ألا يبيعها ولا يهبها: فالهبة غير جائزة (¬1). وقال ابن القاسم في العتبية: أكرهه، فإن نزل مضى على (¬2) شرطه (¬3)، وقال في كتاب محمد: يخير الواهب، فإن قبلها وإلا نقضت، وقال أشهب: ذلك جائز، وهو (¬4) كالحبس (¬5). وأرى أن تجوز على ما شرط، فإن مات الموهوب له ورثت عنه؛ لأنها معروف، فيجوز أن يعطي الرقاب ينتفع بها من الآن، أو يعطي المنافع خاصة حياته ثم يعود إليه، أو يعطي المنافع حياته ثم يكون له المرجع بعد موته يقضي منه دينه، أو يأخذه ورثته. واختلف إذا قال: إن بعتها فهي رد علي. فقال مالك في العتبية: الهبة جائزة. قال: لأنه ليس ببيع. وقال ابن القاسم: ليست هذه الهبة بشيء. وكذلك إن قال: إن بعتها، فأنا ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 406. (¬2) في (ق 2): (ويكون على). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 13/ 440. (¬4) في (ق 2): (وهي). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 216.

أحق بها بالثمن (¬1). فعلى قول مالك تجوز الهبة والشرط لازم (¬2)، وعلى قول ابن القاسم الهبة فاسدة. وإن قال: إن مت أنت رجع العبد إلي، وإن مت أنا قبل كان لك. فإنه يمضي على ما شرط، وكانت العطية قد تضمنت عُمرى ووصية، فإن مات المعطى قبل ردت إلى المعطي؛ لأنها عُمرى، وإن مات المعطي قبل (¬3) كانت في ثلثه. قال ابن القاسم في العتبية: وسواء حيزت العطية (¬4) أو لم تحز؛ لأن الوصايا وما يرجع إلى الثلث لا يحتاج إلى حوز. وقال أصبغ: ليس له أن يحولها عن حالها (¬5). يريد أنه أوجب الوصية كالمدبر، ولو قال: أهبك على إن مت أنا قبل رجع العبد إلي، وإن مت أنت قبل كان لورثتك. كان على ما شرط. وقال المغيرة في كتاب (¬6) المدنيين فيمن وهب أمة واشترط لنفسه كل ولد تلده فهو حلال جائز، وقد يهب الرجل الحائط ويشترط ثمرته، يريد اشتراط الثمرة السنة والسنتين، ولا يجوز فيما كثر (¬7)، ويجوز (¬8) في الولد وإن طالت السنون؛ لأن المقصود منها المنافع والخدمة، وهي للموهوب له، والولد تبع ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 14/ 55، 56، والنوادر والزيادات: 12/ 217. (¬2) قوله: (فيمن تصدق على ابنه البالغ. . . تجوز الهبة والشرط لازم) ساقط من (ق 9). (¬3) قوله: (قبل) ساقط من (ق 9). (¬4) قوله: (وإن مات المعطي قبل. . . حيزت العطية) ساقط من (ق 2). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 14/ 5. (¬6) في (ق 2): (كتب). (¬7) قوله: (كثر) ساقط من (ق 9). (¬8) إلى هنا انتهى السقط من (ق 8).

وليس بمقصود، وقد يكون أو لا يكون. واختلف في من وهب أمة على أن يتخذها أم ولد، قال ابن القاسم: لا يحل وطؤها (¬1) على ذلك؛ فإن أدركها قبل أن يطأها الموهوب له كان الواهب بالخيار بين أن يمضيها بغير شرط أو يردها، فإن وطئها مضت للموهوب له وإن لم تحمل؛ لأنه على الوطء وطلب الولد أُعطيها، وقد طلب الولد للوطء، وكذلك إن حملت مضت له ولا قيمة عليه حملت أو لم تحمل، وليس كالتحليل في القيمة؛ لأنه لم يعط الرقبة، والموهوب له أعطي الرقبة (¬2). وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: إن علم بذلك بعد الوطء وقبل الحمل خير المعطي، فإن أمضاها بغير شرط وإلا ردها، ولو أفاتها المعطي (¬3) بعتق أو تدبير أو بيع (¬4) لزمته قيمتها؛ لأنها فاتت في غير ما أعطيت له. وقال محمد بن عبد الحكم: الهبة جائزة، ويؤمر الموهوب له أن يفي بالوعد، وإن قال: لا أعطيها الولد. أمر بذلك ولم ينتزع منه. ¬

_ (¬1) قوله: (وطؤها) ساقط من (ق 9). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 218. (¬3) في (ق 9): (المعطى). (¬4) قوله: (أو بيع) ساقط من (ف).

باب في صدقة أحد الزوجين على الآخر وفي صدقة الزوجه على غير زوجها

باب في صدقة أحد الزوجين على الآخر وفي صدقة الزوجه (¬1) على غير زوجها وإذا تصدق الزوج (¬2) على زوجته بحلي أو بشيء مما يصلح للمرأة من الثياب وغيرها فحازته، أو تصدقت (¬3) عليه بعبد أو بشيء من لباسه فحازه، كان ذلك لمن تصدق به عليه (¬4). واختلف إذا تصدق أحدهما على الآخر بشيء مما يشتركان في منفعته، كالخادم والفرس، وبقي تحت أيديهما ينتفعان به، فقال مالك: ذلك إلى الضعف ما هو (¬5). وقال ابن القاسم وأشهب: ذلك ماضٍ لمن تصدق به عليه (¬6). وهو أبين (¬7)؛ لأن كل واحد منهما لو اشترى ذلك من ماله لأبقاه على مثل (¬8) هذا ولم يختص بمنفعته. وقال ابن القاسم (¬9): وإن تصدق عليها بدار فسكناها لم يكن حوزًا؛ لأن ¬

_ (¬1) في (ف): (المرأة). (¬2) في (ف): (الرجل). (¬3) في (ق 8): (تصدقت هي). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 413، والنوادر والزيادات: 12/ 182. (¬5) قوله: (إلى الضعف ما هو) كذا في جميع المخطوطات ولعل به سقط حيث سقطت منه كلمة (أقرب) فيكون تامًّا هكذا: (إلى الضعف أقرب ما هو). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 180، 181. (¬7) في (ف): (أحسن). (¬8) في (ق 9): (حاله). (¬9) قوله: (ابن القاسم) ساقط من (ق 8).

فصل [فيما يجوز من هبة المرأة وما لا يجوز]

السكنى عليه، وإن مات فيها كانت ميراثًا، وإن تصدقت عليه (¬1) بها هي (¬2) كان حوزًا (¬3). فصل [فيما يجوز من هبة المرأة وما لا يجوز] هبة المرأة لغير زوجها بثلثها جائزة، واختلف إذا كانت بأكثر (¬4) من الثلث، فقال ابن القاسم: يرد جميع عطيتها إلا أن يكون الزائد الدينار والشيء الخفيف فيعلم أنها لم ترد الضرر. وقال المخزومي: يرد الزائد على الثلث وحده (¬5). وهو أحسن، ومحملها على أنها فعلت ذلك لغير (¬6) ضرر، حتى يعلم أنها أرادت الضرر، وقد تفعل ذلك رجاء أن يمضيه الزوج، وكثير من النساء يجهل أن فعلها مقصور على الثلث. واختلف إذا وهبت ثلثها إرادة الضرر، فقال مالك في كتاب ابن حبيب (¬7): يرد. وقال ابن القاسم وأصبغ: يمضي (¬8). وهو أبين؛ لأنه مالها. وقد اختلف في الوصية بالثلث على وجه الضرر، فقيل: ترد. لقوله سبحانه: {غَيْرَ مُضَارٍّ} [النساء: 12]. وقيل: تمضي. والضرر ما زاد على الثلث. ¬

_ (¬1) قوله: (عليه) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (هي) ساقط من (ق 8) و (ق 9). (¬3) النوادر والزيادات: 12/ 181. (¬4) في (ف): (أكثر). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 148. (¬6) في (ق 8): (على غير الضرر). (¬7) في (ق 2): (كتاب محمد). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 211.

فصل [في ما إذا تصدقت بثلث مالها ثم بثلث الباقي]

فصل [في ما إذا تصدقت بثلث مالها ثم بثلث الباقي] واختلف إذا تصدقت بثلث ثم بثلث الباقي وَبَعُدَ ما بين الصدقتين، هل تمضي الثانية؟ فقال محمد (¬1): تمضي الصدقتان، ولها أيضا أن توصي بثلثها (¬2). وقال أبو محمد عبد الوهاب: ليس لها بعد ذلك في ذلك المال عطية إلا أن تفيد مالًا آخر (¬3). وهو أحسن، وقول (¬4) محمد يؤدي إلى أنها تنفذ جميع مالها بالعطايا مرة بعد أخرى. واختلف إذا قرب ما بين الصدقتين، هل تمضي الأولى أو تردان جميعًا؟ وجعل أصبغ في كتاب ابن حبيب (¬5) المسألة على ثلاثة أوجه، فإن قرب ما بينهما مثل اليوم واليومين كان محمله محمل العقد الواحد، فيبطل الجميع، وإن كان بينهما (¬6) مثل ستة أشهر مضى الجميع، وإن كان مثل الشهر والشهرين مضى الأول دون الثاني، وهذا قوله: إذا أعتقت ثم أعتقت. والعتق والصدقة سواء، وأرى أن تمضي الصدقة الأولى وإن قرب ما ¬

_ (¬1) في (ق 9): (سحنون). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 213. (¬3) انظر: التلقين: 2/ 168. (¬4) في (ق 8): (لأن قول). (¬5) في (ق 2): (كتاب محمد). (¬6) قوله: (مثل اليوم واليومين كان محمله محمل العقد الواحد، فيبطل الجميع، وإن كان بينهما) ساقط من (ق 2).

بينهما؛ لأن (¬1) العطية الثانية على شك هل ذلك (¬2) لرأي حدث، أو لأنه كان المراد من الأول؟ على أن الصواب في العطية الواحدة إذا جاوزت الثلث أن يرد (¬3) الزائد، إلا أن تفيد مالًا فلا تمنع من إحداث العطية، ولو قيل لها أن تعطي جميع الفائدة كان صوابًا؛ لأنها إنما منعت من أكثر من الثلث فيما كان قبل التزويج، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "تتزوج المرأة لأربع لمالها. . ." (¬4) الحديث، والفائدة لم تتزوج لأجلها، ولا زيد في الصداق لأجلها، وقد يكون له في ذلك مقال: إذا كانت الفائدة بميراث عن أبيها، وزيد (¬5) في الصداق، ليسار الأب لما يرجى منه، وإن تزوجها بصداق فقيرة، أو صار لها ذلك بصدقة أو هبة (¬6) من أجنبي، أو بميراث عن أخ، أو ولد لم يكن له فيه مقال. واختلف في حمالتها بأكثر (¬7) من الثلث، فقيل: لا يجوز (¬8)؛ لأنها هبة. وقال عبد الملك في كتاب محمد (¬9): تجوز. ¬

_ (¬1) في (ق 9): (من)، وفي (ق 2): (لأنها من). (¬2) في (ق 8): (كان ذلك). (¬3) قوله: (أن يرد) يقابله في (ق 9): (ألا يرد إلا). (¬4) متفق عليه, البخاري: 5/ 1958، في باب الأكفاء في الدين، من كتاب النكاح، برقم (4802)، ومسلم: 2/ 1086، في باب استحباب نكاح ذات الدين، من كتاب الرضاع، برقم (1466)، بلفظ (تنكح المرأة. . .). (¬5) في (ف) و (ق 2): (ويزيد). (¬6) قوله: (أو هبة) ساقط من (ق 2). (¬7) في (ق 8): (أكثر). (¬8) انظر: المدونة: 4/ 123، والنوادر والزيادات: 10/ 148. (¬9) في (ق 8): (ابن حبيب).

وهو أحسن إذا كان المتحمل به موسرًا، فإن توجه الغرم عليها لعدم الناض أو لغيبة مال رجعت متى تيسر القضاء من المتحمل به، وإن كان فقيرًا جاز ذلك من الثلث، وسقط الزائد (¬1). ¬

_ (¬1) قوله: (جاز ذلك من الثلث، وسقط الزائد) في (ق 8): (جاز من الثلث).

باب في ما يعتصر من الهبات

باب في ما (¬1) يعتصر من الهبات الاعتصار يصح في الهبات دون الصدقات، ويراعى في الاعتصار أربعة أوجه (¬2): أحدها: من له الاعتصار من أب أو أم (¬3) أو جَدِّ (¬4). والثاني: هل يعتصر بعد فوتها؟ والثالث: ما يتعلق بها من حق لغير الموهوب له من (¬5) غريم أو زوج أو زوجة؟ والرابع: الوقت الذي يعتصر فيه من الصحة والمرض، فإن كانت الهبة من الأب، والابن غني وهي قائمة، ولم يتعلق بها حق لغريم أو زوج أو زوجة والمعطي والمعطى صحيحان، جاز الاعتصار، فهذه جملة متفق عليها. والاعتصار يصح من الأب، واختلف في الأم والجد والجدة، فقال مالك وابن القاسم: للأم أن تعتصر (¬6). وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: إن حازها الأب لم تعتصر؛ لأنها لا تعتصر ما ولايته إلى غيرها (¬7). ¬

_ (¬1) في (ف): (فيمن). (¬2) قوله: (أوجه) ساقط من (ق 8) و (ق 9). (¬3) زاد في (ف) و (ق 2) و (ق 9): (أو غيرهما). (¬4) في (ف) و (ق 2) و (ق 8): (جدة). (¬5) من هنا يبدأ سقط بمقدار لوحة من (ق 9). (¬6) انظر: المدونة: 4/ 407. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 190.

وكذلك إن لم يكن له أب ولم يكن في ولايتها، وإنما يرى ذلك لها إذا لم تخرج العطية عن يدها والولد (¬1) في ولايتها. والأول أحسن؛ لأن الأب يعتصر ما وهب لولده (¬2) الكبير بعد قبضه منه، وأما الجد والجدة فروى ابن القاسم عن مالك أنهما لا يعتصران، وروى عنه أشهب في كتاب محمد أن ذلك لهما؛ قال: لأنه يقع عليهما اسم أب ويدخل في مجمل الحديث (¬3). ووجه الأول أن الهبة انتقلت إلى ملك الموهوب له بالقبض، فلا يُزال ذلك إلا بنص لا شك فيه أو إجماع. ¬

_ (¬1) في (ق 2): (الوالد). (¬2) في (ق 8): (لابنه). (¬3) النوادر والزيادات: 12/ 192.

فصل [في حدوث العيب في الهبة هل يمنع الاعتصار أم لا؟]

فصل [في حدوث العيب في الهبة هل يمنع الاعتصار أم لا؟] تعتصر الهبة وإن تغير سوقها بزيادة أو نقص، واختلف إن حدث بها عيب، هل يمنع الاعتصار؟ والقول: إنَّ ذلك له (¬1). أحسن؛ لأن مضرة ذلك العيب (¬2) على الواهب، وإن زاد فكان صغيرًا فكبر أو هزيلًا فسمن كان فوتًا، إلا أن يكون الأب هو المنفق على العبد وبماله نَمَا، فلا يكون فوتًا، وهو قول محمد. وكذلك إن كانت أمة فزوجها فله أن يعتصرها على أحد القولين؛ لأن التزويج عيب، وإن ولدت كان له أن يأخذ الأمة دون ولدها والزوجة بحالها؛ لأن الزوجية عيب، فلا تفيت، والولد إنما بمال السيد؛ لأن الزوج المنفق على الزوجة والسيد المنفق على الولد، إلا أن يعتصره بفور الولادة. وقال مالك في كتاب المدنيين في من وهب جارية فولدت: له أن يعتصرها (¬3)، ولم يبين (¬4)، هل ذلك من زوج أو زنا. واختلف إذا وطئها الابن فقال مالك وابن القاسم: ذلك فوت. وقال يحيى بن عمر: إن غاب عليها وادعى أنه وطئ كان فوتًا (¬5). وقال المخزومي في كتاب محمد: له أن يعتصر، وإن وطئها (¬6). ¬

_ (¬1) النوادر والزيادات: 12/ 193. (¬2) قوله: (العيب) زيادة من (ق 8). (¬3) في (ق 8): (يعتصر). (¬4) في (ق 2): (يتبين). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 193، 194. (¬6) في (ق 8) و (ق 2): (وطئ).

يريد: لأن الوطء ليس بزيادة ولا نقص، ولم يتهمهما أن يكونا عملا على ذلك، فأشبه لو قبض منافع العبد، والأول أحسن إن كانت من العلي لأنها لمثل ذلك توهب إلا أن تكون من الوخش فهو أخف (¬1). ولو كانت أرضًا فغرسها أو بناها كان فوتًا، وإن كانت دارًا فانهدمت لم يكن فوتًا (¬2)، ولو هدمها الابن لأشبه (¬3) أن يكون فوتًا؛ لأنه أخرج في ذلك ثمنًا، إلا أن يعتصر العرصة وحدها. وذكر سحنون عن ابن القاسم في من وهب لولده الصغير دنانير فصاغها له حليًّا، فليس له أن يعتصر؛ لأنه أحالها عن حالها، قال: بمنزلة ما (¬4) لو اشترى له (¬5) بها جارية، ثم أراد اعتصارها (¬6)، وليس السؤالان (¬7) سواء إذا كانت الإجارة على الصياغة منها؛ لأن عين الهبة موجود ولم ينمِّها الولد (¬8) بماله، فإذا اشترى له بها جارية كانت هبته (¬9) وهي الدنانير صارت لبائع الجارية، والذي في يديه غير الهبة فذلك فوت. ¬

_ (¬1) قوله: (أحسن إن كانت من العلي؛ لأنها لمثل ذلك توهب، وإن كانت من الوخش فهو أحب) يقابله في (ق 2): (أصوب؛ لأنها لمثل ذلك توهب، وإن كانت من الوخش فهو أخف). (¬2) قوله: (لم يكن فوتًا) ساقط من (ق 2). (¬3) في (ق 2): (لأشبهت). (¬4) قوله: (ما) ساقط من (ق 8). (¬5) قوله: (له) ساقط من (ق 9). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 190. (¬7) في (ق 8): (السؤالات). (¬8) في (ق 2): (الوالد). (¬9) في (ق 8): (هبة).

فصل [في ذكر بعض موانع الاعتصار]

فصل [في ذكر بعض موانع الاعتصار] وإن دُويِنَ الابن أو تزوجت الابنة (¬1) لأجل تلك الهبة أو مرض الأب أو الابن امتنع الاعتصار. وقال محمد: يمنع الاعتصار إذا داينه الناس لأجلها (¬2). يريد: وإن لم يداين لأجلها لقلتها أو لأن الابن موسر (¬3) فإنها تعتصر. وأرى أن يعتصر إذا استدان وعنده وفاء بدينه؛ لأن الولد لو أراد أن يهب تلك الهبة لم يكن للغريم مقال، وإنما يمنع الاعتصار إذا تعلق للغريم بها حق، وكذلك إن لم يكن عنده سوى الهبة، ثم اشترى سلعة للتجارة؛ لأن الابن موسر بالقضاء، وإن كانت المداينة لطعام يأكله أو ثياب يلبسها امتنع الاعتصار؛ لأن المداينة لأجل الهبة، وليكون القضاء منها، وكذلك الصداق إن لم يتزوج لتلك (¬4) الهبة؛ لأنها قليلة أو كثيرة وهو بين اليسار، كان له أن يعتصر، إلا أن تكون كثيرة (¬5)، ولولا هي لم يُتَزَوَّجْ إليه، وإن كان يُرغب فيه (¬6) لأجلها ولو لم تكن له لم (¬7) يمتنع التزويج فإن له أن يعتصرها (¬8). ¬

_ (¬1) قوله: (أو تزوجت الابنة) يقابله في (ف): (أو تزوج الابن أو لها بنت). (¬2) النوادر والزيادات: 12/ 193. (¬3) قوله: (لأن الابن موسر) يقابله في (ق 8): (ليسر الابن). (¬4) في (ف): (بتلك). (¬5) في (ق 2): (كبيرة). (¬6) قوله: (يرغب فيه) يقابله في (ق 2): (التزويج). (¬7) في (ف): (أو). (¬8) في (ق 8): (يعتصر).

وقال ابن دينار في كتاب ابن حبيب: له أن يعتصر من الابن بعد التزويج ولا يعتصر من الابنة. قال من قبل أن الابنة دخلت فيما لا مخرج لها منه ولا إليها (¬1) والابن له مخرج إن قامت قال لها: إن شئت قطعت اللسان الذي تكلميني به ففارقتك (¬2). قال الشيخ -رحمه الله- (¬3): وهذا صحيح؛ لأن تزويج الابن لمكان الهبة بخلاف الابنة (¬4)؛ لأن للابن إذا كان موسرًا بالصداق، أن يتصدق بتلك الهبة، فلا حق لها (¬5) فيها، وليس كذلك الابنة (¬6)؛ لأن للزوج أن يمنعها من مثل ذلك، وإن كانت الهبة قدر ثلث مالها كان له أن يعتصر. قال محمد: إن مرض الأب أو الابن امتنع الاعتصار (¬7). وروى أشهب في كتاب محمد (¬8) عنه (¬9) أن للأب أن يعتصر وإن كان مريضًا. وقال أيضًا: لا يعتصر؛ لأنه حينئذٍ يعتصر لغيره، وإن كان الابن هو المريض فلا أدري. وقال ابن نافع: للسيد أن يعتصر (¬10) مال مدبره وأم ولده في مرضه، وإن ¬

_ (¬1) في (ق 8): (إليه). (¬2) في (ق 8): (أو فارقتك)، وفي (ق 2): (ففارقته)، وانظر: النوادر والزيادات: 12/ 189. (¬3) قوله: (قال الشيخ -رحمه الله-) زيادة من (ق 8). (¬4) قوله: (بخلاف الابنة) زيادة من (ق 8). (¬5) في (ف): (له). (¬6) قوله: (وهذا صحيح. فلا حق له فيها) يقابله في (ق 8): (قال الشيخ -رحمه الله-: وهذا يصح؛ لأن تزويج الابن لمكان الهبة بخلاف الابنة لأن الابن إن كان موسرا بالصداق أن يتصدق بتلك الهبة، ولا يكون للزوجة في ذلك. . ولا يكون لهما في ذلك حق). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 189. (¬8) قوله: (في كتاب محمد) ساقط من (ف). (¬9) قوله: (عنه) ساقط من (ق 8). (¬10) في (ق 8): (ينتزع).

كان الانتزاع حينئذٍ لغيره، وعلى هذا يكون للأب أن يعتصر في مرضه (¬1)، وإذا امتنع الاعتصار لدين فقضي أو لنكاح فطلق الابن أو طلقت الابنة لم يعد الاعتصار. واختلف إذا امتنع الاعتصار لمرض الأب أو الابن ثم برئ، فذكر ابن حبيب عن مالك أنها لا تعتصر، وقال المغيرة وابن دينار وابن القاسم وابن الماجشون: يعتصر (¬2). وهو أبين؛ لأن المنع إنما كان لأن الظاهر أنه (¬3) مرض موت، فإذا صح تبين لهم أنهم أخطأوا وأنه مرض لا يموت منه، ولو اعتصر في ذلك المرض ثم صح، ثبت وقد تبين أنه كان اعتصارًا صحيحًا (¬4)، وقد قيل: إذا طلب الاعتصار في المرض، فمنع منه (¬5) ثم صح لم يعد الاعتصار. وليس بحسن، والوجه ما تقدم، وأرى أن يكون اعتصاره موقوفًا، فإن (¬6) مات سقط, وإن صح ثبت، وقد تبين أنه كان اعتصارًا صحيحًا (¬7). ¬

_ (¬1) قوله: (وإن كان. . . في مرضه) ساقط من (ق 2). (¬2) النوادر والزيادات: 12/ 189 وما بعدها. (¬3) في (ق 8): (أن ذلك). (¬4) قوله: (ثبت وقد تبين أنه كان اعتصارًا صحيحًا) يقابله في (ق 8): (كان الاعتصار صحيحًا؛ لأنه قد تبين أنه قد كان في حكم الصحيح)، و (ق 2): (كان الاعتصار صحيحًا؛ لأنه قد تبين أنه كان في حكم الصحيح). (¬5) قوله: (فمنع منه) زيادة من (ق 8). (¬6) في (ق 2) و (ق 8) و (ق 9): (وإن). (¬7) قوله: (وأرى. . . صحيحًا) ساقط من (ف).

فصل [في اعتصار الصدقة والصلة]

وإن كانت الهبة بعد التزويج أو بعد المرض أو بعد ما (¬1) داين الناس كان له أن يعتصر، وقال ابن الماجشون: ليس ذلك له (¬2). وليس بحسن، وقد يحسن مثل (¬3) هذا في المداينة خاصة إذا كان قصده أن يقضي منها دينه؛ فيكون للابن أن يمنعه من (¬4) ذلك. فصل [في اعتصار الصدقة والصلة] وقال عبد الملك وسحنون: إذا كانت العطية لصلة رحم لم تعتصر (¬5). يريد: أن المراد بمثل ذلك (¬6) وجه الله تعالى وامتثال ما أمر به من صلة الرحم، فعاد الأمر فيها إلى الصدقة؛ لأنه (¬7) إذا (¬8) أراد وجه الله -عز وجل- والثواب منه فهي صدقة. واختلف في اعتصار الأب إذا كان الولد كبيرًا فقيرًا (¬9)، فقيل: للأب أن يعتصر. ومنع ذلك سحنون إذا كان الابن أو الابنة محتاجين، فقال: قد يكون الولد صغيرًا فيهبه لما يخاف عليه من الخصاصة، قال: وإنما يعتصر إذا كان ¬

_ (¬1) في (ق 8) و (ق 2): (أن). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 193. (¬3) قوله: (مثل) ساقط من (ق 8) و (ق 2). (¬4) قوله: (من) ساقط من (ق 8). (¬5) النوادر والزيادات: 12/ 190. (¬6) قوله: (أن المراد بمثل ذلك) يقابله في (ق 8): (إن أراد بذلك). (¬7) إلى هنا ينتهي السقط المشار إليه من (ق 9). (¬8) قوله: (إذا) ساقط من (ق 8). (¬9) في (ف): (أو فقيرًا).

فصل [في اعتصار الأم]

الولد في حجره أو بائنًا (¬1) عنه وله مال كثير (¬2). يريد (¬3): إذا كان في حجره يعتصر، وإن كان الابن فقيرًا؛ لأنه القائم به والمنفق عليه، فهو في معنى الموسر، إلا أن يخاف الأب أن يموت بغتة (¬4) فتلحقه خصاصة، أو يكون الولد قد قارب البلوغ، ويرى أن نفقته تزول عنه، فيقصد سد (¬5) ما يصير إليه، لئلا يلحقه عند زوال النفقة خصاصة. فصل [في اعتصار الأم] يصح الاعتصار من الأم (¬6) إذا كان للولد أب، وسواء كان الأب موسرًا أو معسرًا، أو الابن موسرًا (¬7)، ويختلف إذا كانا فقيرين الأب والابن، قياسًا على اعتصار الأب من ولده إذا كان فقيرًا، ويصح اعتصارها مع عدم الأب إذا كان الابن موسرًا. قاله أشهب في كتاب محمد، ولا يصح إذا كان صغيرًا فقيرًا؛ لأنها حينئذٍ على وجه الصدقة، ويختلف إذا كان كبيرًا فقيرًا، فعلى قول سحنون لا تعتصر، والمعروف من الذهب أنها تعتصر، وإن كان صغيرًا فقيرًا ثم أيسر قبل البلوغ أو بعدُ لم تعتصر؛ لأن المراعى حين العطية: هل كانت على وجه ¬

_ (¬1) في (ف) و (ق 8): (نائيًا). (¬2) النوادر والزيادات: 12/ 190. (¬3) في (ق 8): (يقول). (¬4) في (ق 8) و (ق 9): (عنه). (¬5) قوله: (فيقصد سد) يقابله في (ف): (فيعتصر). (¬6) قوله: (الاعتصار من الأم) يقابله في (ق 8) و (ق 9): (اعتصار الأم). (¬7) قوله: (أو الابن موسر) ساقط من (ق 8) و (ق 2).

الهبة أو على وجه (¬1) الصدقة (¬2). وإن كان له أب يوم العطية فلم تعتصر الأم حتى مات الأب كان لها أن تعتصر؛ لأنها لم تكن على وجه الصدقة، وفي كتاب محمد أنها (¬3) لا تعتصر (¬4). والأول أحسن؛ لأن المراعى وقت العطية (¬5) هل كانت هبة أو صدقة. تم كتاب الصدقة والهبة والحمد لله حق حمده (¬6) ¬

_ (¬1) قوله: (على وجه) زيادة من (ق 8). (¬2) زاد بعده في (ق 8): (وإن كان له أب يوم العطية هل كانت على وجه الهبة أو على وجه الصدقة). (¬3) قوله: (أنها) زيادة من (ق 8). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 191 وما بعدها. (¬5) في (ف): (الصدقة). (¬6) قوله: (تم كتاب الصدقة والهبة والحمد لله حق حمده) يقابله في (ق 8): (انتهى ما وجد في مبيضة الشيخ من كتاب الصدقة والهبة, يتلوه إن شاء الله الهبات).

كتاب الوصايا الأول

كتاب الوصايا الأول النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ق 6) = نسخة القرويين رقم (367) 3 - (ق 7) = نسخة القرويين رقم (367)

باب في الوصايا ومنازلها في الوجوب والاستحباب والمنع

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلي الله علي سيدنا محمد وعلي آله وسلم تسليمًا كتابُ الوصايا الأول باب في الوصايا ومنازلها في الوجوب والاستحباب والمنع الأصلُ في الوصايا قول الله سبحانه وتعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180]، وقوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12]. وقد تضمنت هذه الآية ثلاثة أصناف: دينًا، ووصية، وميراثًا، فكان المفهوم أن الوصية التي تنفذ هي (¬1) ما يعطيه الميت بالطوع من غير الصنفين المذكورين: الدين، والميراث. ولما جعل الله سبحانه ألا ميراث إلا بعد إنفاذ الوصايا، دلَّ على وجوب إنفاذها. وقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَىْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتْينِ إلَّا وَوَصِتيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ" (¬2). واختلف في الآية الأولى، فقيل: المراد بها من لا يرث من الأبوين، كالعبد ¬

_ (¬1) قوله: (هي) ساقط من (ق 6). (¬2) متفق عليه، البخاري: 3/ 1005، في باب الوصايا وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (وَصيَّةُ الرَّجُلِ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ)، من كتاب الوصايا، برقم (2587)، ومسلم: 3/ 1249، أول كتاب الوصية, برقم (1627)، ومالك: 2/ 761، في باب الأمر بالوصية, من كتاب الوصية, برقم (1453).

فصل [في وصية المريض وما يعرض لها من جواز ومنع واستحباب]

والنصراني، ومن الأقارب من لا يستحق الميراث، ولم تنسخ، وقيل: هي منسوخة في الأبوين (¬1)، ثابتة في الأقارب، وقيل: منسوخة في الفريقين بآية الميراث، ورجح محمد بن جرير الطبري وغيره القول الأول، وقال: لا يجوز حمل الآية على النسخ مع إمكان استعمالها، إلا بآية، أو سنة، أو إجماع (¬2). ويؤيد هذا القول قول على بن أبي طالب - رضي الله عنه - وابن عباس وعائشة والنخعي (¬3) وقتادة، إن الخير المراد (¬4) في الآية: المال الكثير، أي: إنما تجب الوصية للوالدين والأقربين إذا كان المال كثيرا، فلا يضر الورثة ما يخرج عنهم بالوصية للوالدين والأقربين. ولو كان المراد بالآية الوالدين والأقربين الذين يستحقون الميراث، لم يكن لتخصيص الوصية بالمال الكثير وجه؛ لأنَّ ذلك الذي يخلفه (¬5) لهم قليلًا كان أو كثيرًا. فصل [في وصية المريض وما يعرض لها من جواز ومنع واستحباب] وصيةُ المريضِ على خمسة أوجه: واجبة، ومستحبة، ومباحة، ومكروهة وممنوعة، فتجب بما قبله من تباعات الله سبحانه وتعالى، زكاة، أو كفارة يمين، أو ما أشبه ذلك مما فرط فيه أو لم يفرط، أو لآدمي من مداينات، أو قراض، أو وديعة لم يتقدم الإشهاد بها؛ لأن ترك الإشهاد الآن يؤدي إلى تلف ذلك على ¬

_ (¬1) في (ق 7): (الوالدين). (¬2) انظر: تفسير الطبري: 3/ 384 - 387. (¬3) كتب في هامش (ق 6): (وفي نسخة: الشعبي). (¬4) في (ق 7): (الوارد). (¬5) في (ق 6) و (ق 7): (نخلفه).

أربابها، وإنما رضوا بترك الإشهاد مع الصحة ورجاء السلامة. وإن كان قَبِلَهُ غصب أو تعدٍّ، فعليه أن يشهد به ليبرأ منه (¬1)، وما سوى هذا القسم فهو راجع إلى ما تطوع به الموصي. فإن كانت الوصية يتعلق بها حق الله سبحانه وتعالى (¬2)، ولا تضر بالورثة، أو تضر بهم لقلة المال، وكان ما يرجى فيها من الأجر أعظم مما يرجى من الترك للورثة (¬3)، كانت مستحبة. وإن كان ما يرجى من الترك أعظم أجرًا كانت مكروهة، وإن تقاربا كانت مباحة، وإن كان لا يتعلق بها (¬4) طاعة ولا معصية ولا مضرة على الورثة، كانت مباحة. وإن كان يتعلق بها معصية كانت ممنوعة، فإن كان الورثة مياسير لم يكن في الوصية كراهة من جهتهم، وسواء كان المال قليلًا أو كثيرًا. ثم ينظر في الموصى له، فإن كان موسرًا كانت مباحة، وإن كان معسرًا كانت مستحبة، وإن كان معسرًا وله قرابة (¬5) كانت آكد في الاستحباب، وإن كانا فقيرين قريبًا وأجنبيًا، استحب أن يجعلها في القريب، ومكروة له أن يجعلها في الأجنبيِّ دونه، وقد قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأبي طلحة: "ضَعْها فِي أَقارِبِكَ وَبَنِي عَمِّكَ" (¬6). ¬

_ (¬1) في (ق 7): (أن يشهد ليبرئ ذمته). (¬2) في (ق 7): (قربة لله سبحانه). (¬3) قوله: (للورثة) ساقط من (ق 7). (¬4) قوله: (بها) ساقط من (ف). (¬5) زاد بعده في (ق 7): (مياسير) (¬6) متفق عليه، البخاري: 2/ 530، في باب الزكاة على الأقارب، من كتاب الزكاة, برقم (1392)، ومسلم: 2/ 693، في باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ولو كانوا مشركين، من كتاب الزكاة, برقم (99)، ومالك: 2/ 995، في باب الترغيب في الصدقة، من كتاب الصدقة، برقم (1807).

وإن كان الورثة فقراء والمال قليلًا كرهت الوصية لأجنبي، فقيرًا كان أو موسرًا، لقول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّكَ إِنْ تَذَرْ وَرَثتَكَ أَغْنياء خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتكَفَّفُونَ النَّاسَ". (¬1) ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنىً، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُوْلُ" (¬2). فهو عند الموت إلى ذلك أحوج. وإن جعل الوصية في قريبٍ فقيرٍ وهو أقرب قرابة (¬3) من الوارث كانت مستحبة. فقد يحرم الأقرب الميراث، ويأخذ الأبعد بالتعصيب كبنت الأخ، والعم، والعمة، وابن العم. وكذلك إذا كانت منزلتهم سواء، كبني الأخ، والأعمام، وبني الأعمام رجالًا ونساء، وكلهم (¬4) فقراء، فهي مستحبة في الإناث؛ لأن الميراث للذكور، فيكون قد وصل رحمه وعمَّ نفع ماله جميعهم. وإن كان الإناث صغارًا، كان ذلك آكد على الحثِّ في الوصية لهم. وإن كان للوارث ولد فقير والمال قليل، كره له الوصية حملًا على الحديث: "ابْدَأْ بِمَنْ تَعُوْلُ" (¬5). وإن كان صغيرًا كان آكد في الكراهة. ¬

_ (¬1) متفق عليه, البخاري: 1/ 435، في باب رثاء النبي - صلى الله عليه وسلم - خزامة بن سعد، من كتاب الجنائز، برقم (1233)، ومسلم: 3/ 1250، في باب الوصية بالثلث، من كتاب الوصية، برقم (1628)، ومالك: 2/ 763، في باب الوصية في الثلث لا تتعدى، من كتاب الوصية، برقم (1456). (¬2) متفق عليه، البخاري: 5/ 2048، من حديث أبي هريرة, في باب وجوب النفقة على الأهل والعيال، من كتاب النفقات، برقم (5040)، ومسلم: 2/ 717، في باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى وأن اليد العليا هي المنفقة وأن السفلى هي الآخذة, من كتاب الزكاة، برقم (1034). (¬3) قوله: (قرابة) ساقط من (ق 7). (¬4) في (ق 7): (وهم كلهم). (¬5) سبق تخريجه، ص: 1670.

فصل [في وصية الصحيح إذا كان في ذمته حق لله سبحانه]

فصل [في وصية الصحيح إذا كان في ذمته حقٌّ لله سبحانه] وأمَّا الصحيح فإن كان في ذمته حقٌّ لله سبحانه، كان عليه إيصال ذلك إلى مستحقه الآن، ولا يجعله وصية. وإن كان قبله مداينة، أو وديعة، أو قراض، لم يتقدم الإشهاد به أمر بالإشهاد به (¬1). واختلف هل ذلك واجب أو مستحب؟ وذلك راجع إلى الأمر، هل هو على الوجوب أو الندب؟ في قول الله تعالى: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} [البقرة: 282] الآية. وهل ذلك منسوخ أم لا؟ وأرى ذلك اليوم واجبًا لما حدث من فساد الناس، والفجور، وقلة الأمانة، فيجب الإشهاد؛ حفظًا للأموال وللأديان، لترتفع الأيمان والتنازع. وإن كانت الوصية بما يتقرب به، كانت مستحبة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَىْءٌ يُوصِي فِيهِ" (¬2) الحديث. ¬

_ (¬1) قوله: (أمر بالإشهاد به) ساقط من (ق 6). (¬2) سبق تخريجه, ص: 3537.

باب فيمن أوصى أن تشترى رقبة لتعتق تطوعا أو عن واجب

باب فيمن أوصى أن تشترى رقبة لتعتق تطوعًا أو عن واجب وإذا قال: اشتروا رقبةً فأعتقوها. لم تكن حرة بنفس الشراء حتى تعتق، فإن قال: فإذا اشتريتموها فهي حرة، كانت حرة بنفس الشراء. واختلف إذا قال: أعتقوها. فهلكت بعد الشراء وقبل العتق، فقال في المدونة: تشترى أخرى إلى مبلغ الثلث (¬1). وبه قال أصبغ. وقال ابنُ القاسم في كتاب محمد: تشترى من ثلث ما بقي كأنه لم يكن مال، إلا ما بقي (¬2). وقال ابن حبيب (¬3): القياس ألا يرجع في بقية الثلث شيء، واستحسن أن يشتروا من بقية الثلث، وقال ابن المواز: إن عزل ثلثه للوصية، وقسم الورثة الثلثين، كان لجهم بقية الثلث الأول، ولا وجه لهذا؛ لأن الميت لم يوص بجزء، فيكون عليهم أن يقسموه، وإنما وصى بشراء رقبة لا غير ذلك (¬4). وقول ابن حبيب في هذا أحسن. وقال أشهب في كتاب محمد: فيمن أوصى أن يحج عنه، فدفع مال لمن يحج عنه على البلاغ، فسُرقت النفقةُ في بعض الطريق، قال: يحجوه، أو غيره مما بقي من ثلث الميت، بمنزلة من أوصى أن يعتق رقبة، فماتت قبل العتق، فعليهم ذلك ما بقي من الثلث الأول شيء (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 324. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 485. (¬3) قوله: (حبيب) في هامش (ق 6): (وفي نسخة: القاسم). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 486، 487. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 486.

قال الشيخ: إلا أن يعترفوا أنهم قصدوا بالشراء جملة المال، وليخرج بالقيمة، فيؤخذوا باعترافهم ويخرجوا ثلث الباقي. واختلف إذا أوصى أن تشترى رقبة لتعتق تطوعًا، أو عن الظهار فيما تشترى به، فقال ابنُ القاسم في المدونة: ينظر إلى قلة المال وكثرته، فيجتهد في ذلك، وليس من ترك مائة دينار بمنزلة من ترك ألفًا (¬1). وقال في كتاب محمد: وبذلك يحاص أهل الوصايا، وقال أشهب: يشترى وسطًا من الرقاب، ولا ينظر إلى قدر المال وبه يحاص. والقياس أن يحاص بأدنى القيم (¬2) فيما يجزئ عن الظهار والقتل. قال: والأوّلُ أحبُّ إلي الوسط كما قيل فيمن تزوج على خادم (¬3). قال الشيخ: الوسط حسن مع عدم الوصايا، فأمَّا إذا كانت الوصايا وضاق الثلث، رجع إلى أدنى الرقاب وإلى حكم المال القليل؛ لأن المعلوم من الميت أنه يقصد إنفاذ وصاياه جملة، فإذا علم أن المال لا يبلغ إلى الأعلى ولا إلى الوسط، رجع إلى الأدنى ما خلا الرضيع والمعيب؛ لأنهما لا يقصدهما الميت، ثم ينظر (¬4) إلى ما يصير في المحاصة، فإن كان يوجد به رضيع وكان عن واجب اشترى؛ لأنه تبرأ ذمته، أو معيبًا إن كان تطوعًا. وإن لم يبلغ ذلك العتق عن ظهار أطعم عنه إن وفى بالإطعام أو ما بلغ منه. وإن كان فوق الإطعام ودون العتق أطعموا وكان الفضل لهم، وهذا القياس. والاستحسان أن يتصدق به. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 324. (¬2) في (ف): (القسم). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 514، 515. (¬4) في (ف): (ينطلق).

فصل [فيما إذا طرأ دين لم يعلم به إلا بعد عتق الوصي]

وإن كان العتق عن قتل أشرك بما ينوب العتق في رقبة وإن كان تطوعًا، فكذلك يشرك بينه وبين آخر. قال مالك: أو يعان به مكاتب (¬1). فصل [فيما إذا طرأ دين لم يعلم به إلا بعد عتق الوصي] واختلف إذا طرأ دين لم يعلم به إلا بعد عتق الوصي، فقال ابن القاسم في المدونة: لا شيء على الوصي، ويرد العتق ويباع للدين، إلا ألا يغترقه الدين فيباع بقدره، ويعتق ثلث الباقي (¬2). وقال في كتاب محمد: يمضي العتق ويغرم الوصي (¬3). والأول أحسن؛ لأنه وكيل لغيره، ولم يعتق عن نفسه، ولم يكن عليه سوى ما فعل، وكذلك من وكل على شراء جارية وأن يعتقها فأعتقها، ثم استحق الثمن فيختلف في رد العتق، وكذلك إن تلف الثمن قبل أن يزفه (¬4) إلى البائع، وأرى أن ينظر إلى تلف الثمن، فإن كان بعد العتق لم يرد ورجع بالثمن على الآمر، وإن تلف قبل العتق خير الآمر بين أن يغرم المال ويمضي العتق، أو لا يغرم ويكون للوكيل أن يرد العتق. وقال مالك فيمن أوصى أن يباع غلامه رقبة فبيع بوضيعة الثلث وأعتقه المشتري ثم طرأ على الميت دين، قال: يغرم المشتري ما وضع عنه ويمضي ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 518، 12/ 256. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 324، والنوادر والزيادات: 11/ 318، والبيان والتحصيل: 13/ 77. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 318. (¬4) قوله: (يزفه) يقابله في ف (يرثه)

عتقه (¬1). وقال ابن القاسم: إن كان العبد ثلث مال الميت بيع منه بقدر ثلث الدين وأخذ من الورثة بقدر الثلثين، وإن كان العبد الربع أخذ من الورثة ثلاثة أرباع الدين (¬2)، فجاوب مالك إذا كان الدين يغترق التركة فرجع على المشتري بجميع المحاباة، وتكلم ابن القاسم على أن الدين ثلث التركة أو ربعها فينتقض ربع الجميع بمحاباة ويمضي ما لا يستحقه الدين على ما فيه من محاباة، وقاله أشهب في كتاب محمد. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 509. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 13/ 245.

باب فيمن قال: بيعوا عبدي واشتروا عبد فلان للعتق أو لفلان

باب فيمن قال: بيعوا عبدي واشتروا عبد فلان للعتق أو لفلان وصيةُ الرجل ببيع عبده على ستة أوجه: فإمَّا أن يقول: بيعوه ممن أحب، أو من فلان، أو بيعوه لا يزيد على ذلك، أو يشترط مع ذلك عتقه فيقول: بيعوه ممن أحب للعتق، أو من فلان للعتق، أو بيعوه للعتق ولا يسمِّي أحدًا، فإن كان ثلث الميت يحمل قيمة العبد ولم يُوص الميت بغير ذلك أنفذت وصيته, فإن قال: بيعوه ممن أحب وأحب العبد أن يباع من أحد بيع منه، فإن لم يشتره بقيمته حط إلى مبلغ ثلث قيمته، فإن لم يرض إلا بأكثر، أو لم يكن له رغبة في شرائه، أو انتقل العبد إلى آخر فعل معه مثل ذلك ما لم يكثر، فإن لم يرض من يختاره العبد إلا بوضيعة أكثر من الثلث، كان فيه قولان: فقال مالك: يخير الورثة بوإن أن يبيعوه بذلك، أو يعتقوا ثلثه (¬1)، وقال أيضًا: يكون رقيقًا (¬2). وهو أقيس؛ لأنَّ الوصية لم تكن بأكثر مما فعلوه، وإن لم يحمله الثلث ولم يجز الورثة الوصية أعتق منه ما حمل جميع الثلث من مال الميت (¬3) ليس ثلث العبد، وإن قال: بيعوه من فلان عرض عليه بقيمته، فإن لم يرض حط إلى مبلغ ثلث قيمته. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 326، والنوادر والزيادات: 11/ 413. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 326، ونصه: (وقد روى أشهب عن مالك وغير واحد: أن الورثة إذا بذلوه بوضيعة الثلث فلم يوجد من يشتريه إلا بأقل، أن ذلك ليس عليهم؛ لأنهم قد أنفذوا وصية الميت، فليس عليهم أكثر من ذلك). (¬3) قوله: (جميع الثلث من مال الميت) يقابله في (ق 7): (الثلث الميت).

واختلف إذا لم يرض إلا أن يحط فوق ذلك، أو قال: لا أشتريه، فقال ابن القاسم في المدونة: له ثلث العبد بغير شيء (¬1). وقال أشهب في كتاب محمد: لا شيء له (¬2). وهو أحسن، وقد تقدم وجه ذلك. واختلف في القدر الذي يحط إذا قال: بيعوه ممن يعتقه، فقال مالك: يحط ثلث قيمته (¬3)، وقال في كتاب محمد: يباع بما أعطي فيه ويجعل ثمنه ثلث الميت ويبدى على الوصايا. قال: وإنما يمضي ثلث ثمنه إذا قال: بيعوه ممن أحب (¬4). وهو أصوب؛ لأنه إذا قال: بيعوه ممن أحب (¬5) يشتريه مشتريه ليتملكه فيحط ما يكون تغابنًا والمشتري للعتق لا يتملكه، وإنما هو معتق على الآخر ولا يبذل فيه للعتق إلا أيسر ثمنه. وأرى أن ينظر إلى ما يباع به بشرط العتق، فإن قيل: عشرون كانت العشرون كالثمن الصحيح ثم يحط ثلثها؛ لأنه التغابن الذي يقع في بعض البياعات. وقال أشهب: إذا قال: بيعوه ولم يزد على ذلك لم تنفذ وصيته (¬6). وحمل قوله أنه لغير فائدة وأن ينفذ أحسن، وليس يوصي الميت بذلك إلا لفائدة، وهو أعلم بفائدة ذلك، وقد يريد صرف الأذى عن العبد؛ لأن (¬7) كثيرًا ما يجري بين العبد وبين أولاد سيده المفاسدة لما يريدون منه من مال سيده، ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 325. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 341. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 326. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 504، 505. (¬5) قوله: (وهو أصوب؛ لأنه. . . ممن أحب) ساقط من (ف). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 506. (¬7) كذا في (ف)، ولعلها: (لأنه).

فصل [في وجوه الوصية بشراء العبد]

أو يكون عبد سوء ويخشى على ولده منه، فإن كان الوارث عاصبًا فكثيرًا ما تجري المفاسدة بين الأقارب فيحتمي لسيده فيهدده متى ما ملكه، فإن قال: بيعوه ممن أحب للعتق أو من فلان للعتق أنفذ ذلك. ويختلف في القدر الذي يحط، هل يحط ثلث قيمته أو يباع بما أعطى، وإن لم يحمله الثلث، ولم يجز الورثة عتق ما حمل الثلث، وهذا الجواب في الوصية بالبيع. فصل [في وجوه الوصية بشراء العبد] فإن كانت الوصية بالشراء فهي أيضًا على ستة أوجه: إمَّا أن يقول: اشتروا عبد فلان (¬1) ولا يزيد على ذلك، أو يقول: اشتروه لفلان أو للعتق، أو يقول: اشتروا عبدًا ولا يزيد على ذلك، أو يقول: اشتروا عبدًا لفلان أو للعتق. فإن قال: اشتروا عبد فلانٍ، اشتري منه بقيمته، فإن لم يبعه زيد إلى ثلث قيمته، فإن لم يبعه إلا بأكثر لم يزد وأعطى له ثلث قيمته، وعلى القول الآخر لا يكون لسيد العبد شيء. وإن قال: اشتروا عبد فلان لفلان اشتري له ويزاد ما بينه وبين ثلث القيمة. واختلف إذا لم يبعه بذلك فقال ابن القاسم: إذا أبوا أن يبيعوه ضنًّا منهم بالعبد لم يكن للموصى له شيء، وإن أبوا إلا بزيادة كان للموصى له ما كان ¬

_ (¬1) قوله: (عبد فلان) يقابله في (ف): (فلانًا).

يشتري به وهو ثمنه وثلث ثمنه قال غيره: لا شيء للموصى له كان ذلك ضنًا منهم بالعبد أو ليزداد (¬1). وهذا أصوب؛ لأن الميت إنما وصى بعبدٍ لا بعين، والقول الآخر استحسان لما كان ذلك القدر يخرج عن أيدي الورثة والبائع راغب في البيع، وفرَّق ابنُ القاسم بين السؤالين إذا أوصى أن يشتري ولم يزد على ذلك أو قال: لفلان؛ لأن محمل الوصية إذا قال: لفلان أن يملك فلان ذلك العبد، وأمَّا إذا لم يقل لفلان لم تكن فائدة الوصية إلا منفعة بائعه إلا أن يعلم أنه أراد خلاص العبد من إساءة سيده فلا يعط إذا لم يبعه شيئًا، وإن قال: اشتروه للعتق فأبى سيده أن يبيعه ضنًّا منه به أو بزيادة لم يعط سيده شيئًا وسقطت الوصية عند مالك وابن القاسم (¬2)، وأنكر في كتاب محمد قول من قال: إذا يئس من السيد جعل ذلك في رقاب فتعتق (¬3). قال ابن كنانة في كتاب المدنيين: يجعل ثمنه وثلث ثمنه في رقاب فتعتق. واختلف في هذا الأصل، فقال ابن القاسم فيمن أوصى أن يحج عنه رجل بعينه ولم يكن الموصي صرورة، فأبى فلان أن يحج كانت الوصية ميراثًا، وقال غيره: يدفع لغيره؛ لأن الحج إنما أراد به نفسه (¬4). يريد: أن الحج عن الميت وإنما يدفع المال لما يرجو فيه من الثواب، وإنما أخذ فلان الثمن على وجه الإجارة، وكذلك الوصية بالعتق. وإن قال: اشتروا عبدًا لفلان أو للعتق، أنفذت وصيته. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 326. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 325، 326. (¬3) قوله: (فتعتق) زيادة من (ق 6). وانظر: النوادر والزيادات: 11/ 511. (¬4) انظر: المدونة: 4/ 367.

ويختلف هل يجعل من أوسط الرقاب أو يراعى قدر المال؟ وإن قال: اشتروا عبدًا ولم يزد لم تنفذ وصيته؛ لأن ذلك لا فائدة فيه لما عدا (¬1) أن يتعلق به حق لله سبحانه أو حق لآدمي. والذي يعتبر في هذه الأسئلة خمسة أوجه: أحدها: هل يحمل الثلث الوصية؟ والثاني: إذا حمل الثلث هل يعلم البائع والمشتري أن ذلك وصية؟ والثالث: القدر الذي يحط أو يزاد. والرابع: إذا أنفذت الوصية على ما قال الميت فلم يقبل الموصى له أو منع مانع من نفوذه على ما رسم هل تسقط؟ والخامس: إذا كان الحكم أن ترجع ميراثًا هل ذلك من الآن أو بعد الاستيناء واليأس؟ فأمَّا إعلام البائع والمشتري، فإن كان غير معين لم يعلم وذلك أن يقول: بيعوا عبدي ممن أحب أو للعتق، أو اشتروا عبدًا لفلان أو للعتق. واختلف إذا كان معينًا فقال: بيعوه من فلان ولم يزد أو قال (¬2) عبد فلان، فقال ابن القاسم: لا يُعْلَمُ وإن باع هذا بمثل القيمة أو اشترى الآخر بالقيمة ولم يعلمهما لم يكن لواحد منهما مقال (¬3). وقال أشهب: يعلم وإن لم يعلم وكان قال: بيعوه من فلان رجع بما زاد على ثلثي قيمته (¬4). والأول أبين، وليس ذلك ¬

_ (¬1) (قوله: عدا) يقابله في (ف): (عرض). (¬2) في (ف) و (ق 6): (واشتروا). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 505. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 506.

بوصية من الميت، والأصلُ في البياعات القيم، فرأى مالك أن الثلث يقع تغابنًا في البيع فيمضي قدر التغابن، ولا تبطل وصية الميت. وإن قال: اشتروا عبد فلان لفلان أو للعتق لم يُعْلَمْ البائعُ؛ لأن القصد بالوصية من يصير إليه العبد أو ما يصير إليه من العتق. وأمَّا القدر الذي يحط أو يزاد فالثلث إلا في مسألتين: إذا قال: بيعوه من فلان للعتق، أو بيعوه للعتق ولم يسم فلانًا، وأمَّا إذا رضي الورثة بإنفاذ وصية الميت فكان الامتناع من غيرهم (¬1) كان في المسألة قولان حسبما تقدم أحدهما: أن الوصية ساقطة وترجع ميراثًا، والآخر: أن يكون لكل واحد ما كان ينتفع به ويخرج عن ثلث الميت. فإن قال: اشتروا عبد فلان أو بيعوا عبدي من فلان، كان لهذا (¬2) ثلث الثمن، ولهذا ثلث العبد. وإن قال: بيعوه ممن أحب جعل ذلك الثلث الذي كان يوضع لمن يشتريه في ذلك العبد عتقًا. وإن قال: اشتروا عبد فلان لفلان كان لمن أوصَى أن يُشْتَرَى له قيمةُ العبد وثلث قيمته. والقياس ألا فرق بين الامتناع لأنْ يزادوا أو ضنًّا منهم، وإن قال: اشتروه للعتق جعل ما كان يشترى للعتق. وأمَّا الاستيناء فيفقرق الجواب فيه، فإن كان امتناع إنفاذ الوصية من الموصى له لم يستأن، وذلك قوله: اشتروا عبد فلان فيأبى البيع، أو بيعوا عبدي من فلان فيأبى الشراء، فلا يستأنى في ذلك؛ لأن الموصى له رضي بترك وصيته. وإن كان امتناع إنفاذ الوصية من غير الموصي كقوله: اشتروه للعتق فيأبى ¬

_ (¬1) في (ق 7): (غرمهم). (¬2) في (ق 6): (لها).

فصل [فيما إذا لم يحمل الثلث الوصية ولم يجز الورثة]

فلان البيع، فالعبد له حق في العتق، ولم يكن امتناع إنفاذ الوصية منه، فقال ابن القاسم: يكون الثمن ميراثًا بعد الاستيناء ولم يحد الاستيناء بمدة (¬1). وقال في كتاب الوصايا الثاني: يكون ميراثًا بعد اليأس (¬2). وقال في كتاب محمد: يستأنى حتى ييأس منه، لطول زمانه أو فوت العبد أو عتقه. وروى ابن وهب عن مالك أنه قال: يوقف ما كان يشتري به إلا أن يفوت بعتق أو موت (¬3)، وذكر محمد قولًا آخر: أنه يستأنى إذا عرض على صاحبه فأبى أن يقبل (¬4)، وعلى هذا يجري الجواب إذا قال: بيعوا عبدي من فلان للعتق فيأبى فلان من الشراء فقال محمد: يستأنى، وعلى القول الآخر: لا يستأنى، ويختلف بعد القول بالاستيناء في حده. فصل [فيما إذا لم يحمل الثلث الوصية ولم يجز الورثة] وإذا لم يحمل الثلث الوصية ولم يجز الورثة، جعل جميع ثلث الميت في تلك الوصية وإن كان أكثر من المحاباة، فإن قال: بيعوا عبدي من فلان، وكان (¬5) ثلثُ الميت ثلثَيْ العبد، دفع إلى الموصى له وإن كان أكثر من وصيته لأنه يقول: وصى في بثلثه، وبملك الثلثين بالبيع ولي غرض في ملك جميعه. وكذلك قوله: بيعوه ممن أحب ولم يجز الورثة، وكان ثلث الميت ثلثي ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 325. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 367. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 325، 326. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 511. (¬5) قوله: (تلك الوصية وإن. . . من فلان، وكان) ساقط من (ق 7).

العبد أعتق ثلثاه؛ لأنَّ العبد يقول: إنما (¬1) كان الثلث بشرط أن أصير إلى من أحب، فإذا لم يجيزوا أسلموا ثلث الميت، وإن كان هنالك وصايا كان القدر الذي يكون تغابنًا في جميع هذه المسائل إذا قال: اشتروا عبد فلان أو بيعوا عبدي من فلان أو ممن أحب حصاصًا، وإن قال: اشتروا عبد فلان للعتق بدئ به على الوصايا. واختلف إذا قال: بيعوا عبدي للعتق فقال مرة: يبدى، وقال: لا أدري ما حقيقته (¬2)، فوقف لما كان العتق من غيره، بخلاف الذي يقول: اشتروه للعتق؛ لأن العتق من الموصي. واختلف إذا قال: اشتروا عبد ولدي فأعتقوه. ومعه ورثة سواه، فقال مرة: لا يزاد على قيمته (¬3). وقال في كتاب محمد: يزاد ثلث قيمته، قيل له: أفلا يتهم على التوليج، فقال: وهل يعلم هذا أن وارثه يزاد في ثمن عبده ثلث ثمنه قال: وهذا قضاء قُضيَ به (¬4)، وهو يريد قول ابن القاسم إن الزائد لا يعلم به البائع ولا المشتري؛ لأنه ليس بوصية من الميت وإنما هو اجتهاد من المفتي. ¬

_ (¬1) في (ق 6): (إذا). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 505. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 205. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 513.

باب [فيمن أوصى بعتق عبده، أو أمته، أو بيعهما للعتق فكرها ذلكـ]

باب [فيمن أوصى بعتق عبده، أو أمته، أو بيعهما للعتق (¬1) فكرها ذلكـ] الوصيةُ بالعتق إذا كره العبد ثلاثة: فإمَّا أن يقول: إذا مت فهو حر، أو أعتقوه، أو بيعوه ممن يعتقه. فإن قال: هو حر كان عتيقًا بعتق الميت والعتق لا يرد بعد وقوعه إذا كره ذلك العبد أو الأمة. وكذلك إذا قال: أعتقوا أو بيعوا ممن يعتق، فقال: ذلك في عبد أو أمة من الوخش. واختلف إذا كانت من الحلي فكرهت العتق، فقال مالك: إن قال: أعتقوها لم يكن ذلك لها، وإن قال: بيعوها ممن يعتقها كان ذلك لها (¬2). وقال غيره: ليس ذلك لها في الوجهين جميعًا. وقال أصبغ في ثمانية أبي زيد: ذلك لها، وإن قال: أعتقوها. قال: وهو (¬3) بمنزلة قوله بيعوها ممن يعتقها، وهو أبين؛ لأن العتق لم ينفذ بعد والضرر في الموضعين سواء، وإن قال: خيروها بين البيع أو العتق خيرت، فأي ذلك اختارت كان ذلك لها. واختلف إذا اختارت أحد الأمرين ثم أحبت الانتقال إلى الآخر، فقال ابن القاسم في كتاب محمد: لها ذلك ما لم ينفذ (¬4) فيها الذي اختارته أولًا، أو يكن ذلك بتوقيف من سلطان أو قاض، وقال أصبغ في ثمانية أبي زيد: إذا شهد ¬

_ (¬1) قوله: (للعتق) ساقط من (ف). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 326، 327. (¬3) قوله: (وهو) يقابله في (ق 7): (وهي عندي). (¬4) في (ف): (يفت).

على اختيارها أحد الوجهين لم يكن لها الرجوع إلى الآخر وهو أبين. قال مالك: فإن أعتقها الورثة قبل أن تجيز (¬1) لم يكن ذلك لهم إن أحبت البيع، وكذلك إن قال: بيعوها ممن أحبت فأعتقوها وأحبت البيع رد عتقها (¬2). ¬

_ (¬1) في (ف): (تخير). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 520 - 522.

باب [فيمن اشترى ابنه أو أخاه في مرضه، أو أوصى بشراء ذلكـ]

باب [فيمن اشترى ابنه أو أخاه في مرضه، أو أوصى بشراء ذلكـ] اختلف في المريض يشتري ولده هل يعتق من الثلث أو من رأس المال؟ واختلف إذا أعتق من الثلث هل يرث؟ فقال مالك في المدونة: إن حمله الثلث أعتق وورث بقية المال إن كان وحده وإن كان مع غيره أخذ حصته من الميراث (¬1)، وعلى قوله إن لم يحمله الثلث أعتق منه ثلث الميت ولم يرث. وقال أشهب في العتبية: يعتق من الثلث ولا يرث كان ممن يحجب أو لا (¬2). وقال في كتاب محمد: الذي آخذ به وما أدري ما حقيقته أن له أن يشتريه بمالة كله؛ لأنه صار الآن أولى بمال الميت كله ممن يقوم بمنعه منه ممن كان يرث قبله. قال: وكذلك أرى في كل من يعتق بالملك ممن يرثه. وقال أيضًا: يشتريه بجميع ماله إن لم يكن له (¬3) وارث غيره، وإن كان معه وارث غيره لم يشتره بأكثر من الثلث لأنه حينئذ ينتزع من الوارث بعض ميراثه من ثلثي الميراث (¬4)، قال: ولست أدري من أين أخذ مالك قوله الذي قال فسوَّى بين الولد (¬5) ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 327. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 13/ 87. (¬3) قوله: (له) زيادة من (ق 6). (¬4) في (ق 7): (المال). (¬5) في (ق 7): (الوارث).

وغيره أنه إن كان معه وارث لم يرث وإن حمله الثلث، وإن لم يكن وارث أعتق من رأس المال (¬1). واختلف في الأب والأم والإخوة والأجداد كالاختلاف في الولد، فقال أشهب في كتاب محمد: يعتقون من رأس المال. وقال مرة: ذلك إذا لم يكن معه وارث. وقال عبد الملك في كتاب ابن حبيب: يعتق الولد من رأس المال ويرث؛ لأن له استلحاقه، ولا يجوز ذلك في الأب ولا الأم ولا الأخ لأنه لايستلحقهم. وقال في ثمانية أبي زيد: يشتري الولد وولد الولد (¬2) خاصة بجميع المال كان له ولد آخر أو لم يكن ويلحقهم بولده. وقال ابن وهب في المستخرجة: إن كان المشتري يحجب من يرث المشتري حتى يصير جميع الميراث له كان أحق ويشتريه بجميع المال ويرث إن بقي شيء وإن كان ثم من يشركه في الميراث لم يشتره إلا بالثلث ولم يرث؛ لأنه إنما يعتق بعد موت المشتري وقد صار المال لغيره. واستثقل ابن عبد الحكم في كتاب محمد الميراث، وإن اشترى من الثلث. وقال: كيف يرثه وهو لو أعتق عبدًا لم تتم حريته حتى يقوم في الثلث بعد موت السيد إلا أن يكون له أموال مأمونة، إلا أنه استسلم لقول مالك (¬3). قال الشيخ: أصل المذهب يوجب ألا يرث كان للميت ولدًا آخر أم لا؛ لأنه على وجهين: فإن لم يكن له مالك مأمون لم يتم العتق، إلا بعد الموت، وإن كان له مال مأمون كان ذلك إخراجًا للأول عن الميراث أو عن بعضه إن كان ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 366. (¬2) قوله: (وولد الولد) ساقط من (ق 6). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 366 - 368.

ثم من يشركه وقد يستخف ميراثه إذا كان ماله مأمونًا للاختلاف في تزويج المريض، وهو إدخال وارث وفي طلاقه وهو إخراج وارث، وإن لم يكن وارث بحال رأيت أن يشتريه بجميع المال، وإن اشتراه ببعضه ورث الباقي ولأن الأصوب فيمن لا وارث له أن يوصي مسألة كله. وقال ابن القاسم في كتاب محمد: إن اشترى أخاه (¬1) في مرضه ورثه إن حمله الثلث، وإن لم يحمله أعتق منه فأحمل الثلث معجلًا. وقال أصبغ: لا يرثه وإن حمله الثلث؛ لأنه لا تتم حرمته إلا بعد موت الميت، إلا أن تكون للميت أموال مأمونة من عقار وغيرها فيرث ويورث، وإن لم يحمله الثلث لم يعجل عتقه حتى يموت فيعتق في الثلث (¬2). وقال أشهب: إن اشترى أباه وأخاه في مرضه واحدًا بعد واحد بدئ بالأول وإن كانا في صفقة فقياس قول مالك يتحاصان. وأمَّا في قولي (¬3) فيبدى الأب ويرثه وإن لم يحمله الثلث. يريد: أنه يخرج من جميع المال (¬4). وقال محمد: إن حمله الثلث بدي وإن كان أقل جعل الفضل في الأخ، وإن اشترى الأخ أولًا ولم يحمله الثلث أعتق منه ما حمل الثلث وأعتق الأب في جميع الباقي ويرث إن فضل شيء، وإن لم يخرج كله لم يعتق منه إلا ما بقي من الثلث بعد الأخ قاله أشهب أيضًا (¬5). ¬

_ (¬1) قوله: (أخاه) ساقط من (ف). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 367. (¬3) كذا في جميع النسخ من غير تعيين لقائل القول. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 663. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 663.

وقال ابن القاسم فيمن أوصى برقبة تطوعًا، فلا بأس أن يشترى أبوه أو أخوه ويعتق، وإن كان ظهارًا أو شبهه فغيره أحب إليَّ، وإن أوصى أن يشترى أخوه ولم يقل: أعتقوه، فليشتري ويعتق فإن ذلك قصده (¬1). وقال ابن عبد الحكم: إن اشترى عمه في مرضه وأعتقه لم يرثه بخلاف الابن. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 368.

باب [في التشهد في الوصية، وهل يشهد عليها وهي مختومة ولم يعرف ما فيها؟ وهل للموصي أن يرجع فيما بتله، وإن علق انفاذ الوصية بصفة هل تنفذ بغيرها؟]

باب [في التشهد في الوصية، وهل يشهد عليها وهي مختومة ولم يعرف ما فيها؟ وهل للموصي أن يرجع فيما بتله، وإن علق انفاذ الوصية بصفة هل تنفذ بغيرها؟] وقال أنس بن مالك: كانوا يوصون أنه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، وأوصى من ترك من أهله أن يتقوا الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن يصلحوا ذات بينهم، ويطيعوا الله ورسوله إن كانوا مؤمنين، وأوصاهم بما أوصى به: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)} [البقرة: 132] (¬1)، وأوصى إن مات من مرضه ذلك، وهو قول مالك أن يتشهد في أول الكتب، وقال مالك فيمن كتب وصية وطبعها ودفعها إلى الشهود، وقال لهم: اشهدوا عليَّ بما فيها، فذلك جائز إذا عرفوا أن ذلك بعينه، وقال أيضًا فيمن كتب وصيته وطبع عليها ودفعها إلى نفرٍ وأشهدهم أن ما فيها منه وأمر ألا يفض خاتمه حتى يموت فذلك جائز (¬2). ولا تخلو الوصية من أن يقرها الموصي عند نفسه أو يودعها أو يسلمها إلى البينة لتكون عندهم وهي في كل ذلك مختومة أو غيرير مختومة، فإن كانت عنده فأخرجت بعد موته وكانت غير مختومة فإن عرف أنه الكتاب بعينه وليس فيه محو ولا لحق قُبلت شهادتهم، وإن كان فيها محو أو لحق لا يغير ما قبله ولا ما ¬

_ (¬1) عبد الرزاق في مصنفه: 9/ 53، من كتاب الوصايا، في باب كيف تكتب الوصية, برقم (16319)، وسعيد بن منصور: 1/ 104، أول كتاب الوصايا، برقم (326). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 329.

بعده أمضيت، وإن شكَّ هل يغير ما بعده خاصة أو يغير موضعًا منها لم ينفذ منها ذلك الموضع خاصة وأنفذ ما سواه. وأمَّا إن أودعها وجعلها على يدي أمين أنفذت ولم تبطل لما فيها من محوٍ أو لحقٍ؛ لأنَّ الميت جعله أمينًا عليها وهو بمنزلة من قال: صدقوا فلانًا فيما يقول إنَّه وصى به. وإن أسلمها إلى البينة فجعلاها في موضع وأغلق عليها فكذلك. وقال أشهب في كتاب محمد: إن غاب عليها أحدهما فأجوزهم شهادة من كانت عنده، قال مالك: ولا أدري كيف يشهد الآخرون، وقال أشهب: يشهدون بمبلغ علمهم ويحملون ما تحملوا (¬1). ولا أرى أن تجوز إلا أن يعلم أنه الكتاب بعينه بعلامة أو بغير ذلك مما يستبينه (¬2) منه، وإن كان مختومًا عليه وأقره الميت عندهم (¬3) وأشهدهم على الخاتم جاز أن يشهدوا عليه، وإن كان يجوز أن يكون غيره لأن هذا من حق الميت وقد وصى (¬4) أن يمضي بعد موته مع إمكان أن تكون قد زيد فيها وغير الطابع وطبع بمثله ففارق بهذا ما يكون من طابع القاضي وغيره مما يتعلق به حق على غير من طبعه. وقال محمد: إن طبع الميت الوصية ثم أشهدهم عليها فوجد فيها محوًا، فإن كان لا يغير ما قبله ولا ما بعده جازت، وإن غير شيئًا سقط ذلك الشيء (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 266. (¬2) في (ق 7): (يستثبته). (¬3) في (ق 7): (عنده). (¬4) في (ق 7) و (ف): (رضي). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 266.

فصل [في الوصية إذا قال: ان مت من مرضي أو في سفري هذا فأنت حر ولم يكتب كتابا]

وأرى أن تجوز، وإن كان فيها ما يغير ذلك الموضع إذا كانت بخط الميت والإصلاح بخطه، وكذلك إذا كان جميعها بخط كاتب الوصية، وكان عدلًا، وإن كان غير عدل أو لم يعرف كاتبها أو أخرجها الورثة وهم جائزون الأمر، لَحُكِم بذلك اللحق إن تضمن زيادة, ولم يحكم به إن تضمن نسخ وبعضها ورجوعه إليهم، وإن كانوا غير جائزي (¬1) الأمر لم يحكم باللحق وإن تضمن زيادة. وكل هذا استحسان، والقياس أن تمضي على ما اشتملت عليه زيادة أو نقصا أو تغييرا لأن الميت وصى أن يكون الحكم فيها إلى ما تضمنه الطابع مع إمكان أن يغير. قال محمد: وقال مالك في مريض حضره قوم، فقالت امرأته: إنه أوصى في بقية ثلثه أن ينفق على بني فلان كل شهر كذا وكذا وهو يسمع ووصيته حاضرة، وقد كانوا قرؤوها عليه ولم يقع ذلك فيها وأقرَّ بها ثم مات، فلا يجوز الذي قالت إلا ما يصيب الزوجة منها (¬2). فصل [في الوصية إذا قال: ان مت من مرضي أو في سفري هذا فأنت حرٌّ ولم يكتب كتابًا] وإن قال: إن مت من مرضي أو في سفري هذا فأنت حرٌّ، ولم يكتب كتابًا فصحَّ أو قدم، سقطت الوصية، وهو في الكتاب بذلك على ثلاثة أوجه: فإن كانت على يدي غيره فلم يأخذها منه بعد صحته أو قدومه أنفذت، وإن ¬

_ (¬1) في (ق 7): (حائزي). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 267.

أخذها سقطت. واختلف إذا كانت من الأول (¬1) عنده، فقال مالك مرة: تثبت، وقال في المجموعة: لا تثبت (¬2) لأن أكثر وصايا الناس عند السفر والمرض ثم يزول ذلك فيثق بوصيته أنها موضوعة فيقرها فهي نافذة (¬3). قال سحنون: والرواية الأخرى أنها إن كانت عنده فهي باطل- أحسن. وقال أيضًا: إن قال: إن مت من مرضي ثم صحَّ فلم يغير وصيته حتى مرض مرضًا ثانيًا فمات وقد أقرَّ الوصية فهي نافذة، وقاله أشهب قال: لأنه لما أقرها في المرض الثاني فكأنه عناه، قال: وكذلك السفر إن مات في سفر آخر (¬4). قال مالك: وإن قال: إن مت فيما بيني وبين سنة، فيذكر وصيته فيموت بعد الأجل فهي نافذة (¬5). وكذلك الحامل تقول: إن مت من هذا الحمل فتموت من غير حمل (¬6). والأصل متى علق نفوذها بشرط مرض أو سفر أو أجل أو حمل فلم يمت منه أن تسقط لعدم الشرط الذي أوجب نفوذها به، إلا أن يكون القصد عنده نفوذها به متى مات منه أو من غيره، فصار كالذي يقول: إن مت مطلقًا ولم يقيده بشرط فتنفذ إن كانت عنده أو عند غيره ولم ينتزعها وراعى مرة في ¬

_ (¬1) في (ف): (الأصل). (¬2) قوله: (لا تثبت) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (لا تثبت. . . فيقرها فهي نافذة) ساقط من (ق 7). وانظر: النوادر والزيادات: 11/ 263، والمدونة: 4/ 327. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 264. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 265. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 265، وهو قول ابن عبد الحكم.

الشرط إن كانت عنده ولم يراعه إذا كانت عند غيره وأقرها، ورأى أن إقراره قَصْدٌ لإنفاذها. وإذا قبل الوصي الوصية في صحة الموصي أو مرضه ثم رجع عنها في حياته كان ذلك له. قال أشهب في كتاب محمد: لأنه لم يغره وإن رجع بعد موت الموصي لم يكن ذلك له، قال أشهب: وكذلك إن قبلها بعد موته أو كان منه ما يدل على القبول من البيع والشراء والقضاء والاقتضاء، ولا فرق بين رجوعه قبل ولا بعد إذا كان قبوله بعد (¬1)؛ لأنه لم يغره. وقال أبو محمد عبد الوهاب وأبو الفرج: إذا قبل الموصى إليه الوصية (¬2) لم يكن له تركها (¬3). وهو أحسن؛ لأن قبولها التزام فلا فرق بين رجوعه في الحياة أو بعد الموت إلا أن تطول مدة السفيه بعد البلوغ وهو على السفه، فللوصي أن يُنْتَزَعَ من النظر له؛ لأنه لم يلتزم النظر إلا إلى الوقت المعتاد. وإن قال: فلان وصي حتى يقوم فلان جاز، ولهذا أن ينظر في جميع ما ينظر فيه الوصي حتى يقدم الغائب، ثم لا يخلو الغائب من أن يقيم هناك أو يموت أو يقدم فيقبل أو لا يقبل. وقال أشهب في المجموعة: إن مات في غيبته فلا وصية للحاضر وينظر السلطان (¬4). وكذلك على قوله إذا أقيم فلم يقبل، وهذا الذي يقتضيه مجرد قول الميت إلا أن يكون السبب في إقامة الغائب امتناع الحاضر من قبول الوصية، فقيل له: تكلف ذلك حتى يقدم فلان فإذا كان ذلك السبب جاز أن يتمادى في جميع هذه الوجوه إن أحبَّ ذلك كان كره لم يلزمه لأنه التزم وقتًا. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 279. (¬2) قوله: (الوصية) ساقط من (ق 6). (¬3) انظر: المعونة: 2/ 515. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 278.

باب [في الوصية لغير عدل، وفي وصية الأم , والجد، والأخ , والوصية إلى الغائب، وفي تصرف الوصي في مال الميت، وما يوجب عزلته, وهل للوصي أن يقيم غيره مكانه عند السفر والمرض والموت؟]

باب [في الوصية لغير عدل، وفي وصية الأم , والجد، والأخ , والوصية إلى الغائب، وفي تصرف الوصي في مال الميت، وما يوجب عزلته, وهل للوصي أن يقيم غيره مكانه عند السفر والمرض والموت؟] ولا تجوز الوصية بمال اليتامى إلا إلى عدلٍ قيِّم بما يُسْنَدُ (¬1) إليه من ذلك، وكذلك إن جعله وصيًا على قضاء دين أو اقتضائه خيفة أن يدعي غير العدل الضياع قبل القضاء وبعد الاقتضاء، فإن فعل وادعى الضياع لم يصدق وغرم إذا كان غير مأمون ولأن المال بنفس الموت ملك للوارث والوصي كالوكيل على ذلك، وإذا لم يحسن النظر رد فعله. ولا تجوز الوصيةُ لذمي يهودي أو نصراني لعدم العدالة، ولأنه غير ناصح للمسلم. قال ابن القاسم في العتبية: إلا أن يكون أبوه أو أخوه نصرانيًّا، فلا بأس، يصل بذلك رحمه. قال في بعض مجالسه: ولا يلي عقد نكاح البنات وليوكل بذلك مسلمًا (¬2). وأجازه أيضًا إلى زوجته النصرانية وهذا إذا كان الموصى إليه معروفًا بالأمانة والوفاء، فإذا اجتمع ذلك مع القربى لم يخش على الولد ضيعة في مالٍ ولا نفس (¬3). وتجوز الوصيةُ للعبد إذا كان مأمونًا على ما أقيم له غير عاجز، وسواء كان ¬

_ (¬1) في (ف) و (ق 6): (يصير). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 280. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 281.

فصل [في الوصية إلى غير العدل]

ملكًا للميت أو لأجنبي إذا رضي سيده، وكان السيد ممن لا يخاف أن يغلب على ما في يدي عبده. وقال أشهب في كتاب محمد: فإن ظعن به سيده أو مشتريه من سيده جعل السلطان وصيًا غيره. وهذا خلاف المعروف من قوله، والمعروف في هذا الأصل أن للعبد أن يقيم مكانه عند سفره أو غيره من غير حاجة إلى سلطان، ولا فرق في ذلك بين حرٍّ أو عبدٍ، وإن رضي المشتري أن يبقيه على الوصية جاز، وإن أوصى الميت ببنيه الصغار إلى عبده فدعا الكبار إلى البيع فإن رضوا ببيع أنصبائهم خاصة جاز وبقي العبد على حاله في الوصية، وإن دعوا إلى بيع الجميع؛ لأن في بيع أنصبائهم بانفرادها بخسًا كان ذلك لهم على قول مالك، إلا أن يرى أنَّ أخذ بقيته حسن نظر أو يدفع إلى الشركاء قدر ذلك البخس، فلا يباع على الصغار أنصباؤهم. فصل [في الوصية إلى غير العدل] والوصية إلى غير العدل تجوز بما يخص الميت كالوصية بالثلث وبالعتق. قال مالك في كتاب محمد: فإن كانت الوصية بعتق أو بشيء في السبيل ولم يكن وارث لم يكشف عن شيء إلا عما تبقى للورثة منفعتُه مثل العتق لهم الولاء إلا أن يكون الوصي سفيهًا سارقًا (¬1) فيكشف عن ذلك كله، فرب وصي لا ينفذ من الوصية شيئًا. وهذا صحيح؛ لأن الميت وإن أوصى إلى غير عدل فإنه لم يرد إلا إنفاذ الوصية فلا يمنع الورثة من الاطلاع على ذلك حتى يعلموا أنه أنفذها، قال مالك: وإن كان الوصي وارثًا فلباقي الورثة أن ينظروا في ذلك ¬

_ (¬1) في (ف): (مارقًا).

فصل [في صحة الوصية من الأب أو الأم]

ويكشف عنه الوصي (¬1). وأرى إن كان معلومًا بالعدالة فتبين أنه غير عدل أن ينتزع منه أو يحضر معه عدلان. فصل [في صحة الوصية من الأب أو الأمِّ] الوصيةُ تصح من الأب ولا تصح من الأم مع وجود الأب أو وصي الأب ومع عدمهما إذا كان المال كثيرًا، واختلف في اليسير فأجازه ابن القاسم إذا كان يسيرًا كالخمسين دينارًا أو نحوها (¬2)، ومنعه غيره. ولا تصح وصية الأخ بما يرث عنه أخوه إذا كان يسيرًا، ولا وصية الجد بما يرث عنه ابن ابنه، بخلاف الأب لوجهين: أحدهما: أنه كان الناظر لولده في الحياة والقابض له لو ورث عن أمه أو تصدق عليه، والآخر ما خص به الآباء من الشفقة والحنان وما لا يتهم فيه أحد منهم والإخوة والجد تارة وتارة، ولهذا جاز للأبِ الجبر على النكاح دون الإخوة والجد. قال ابن القاسم: وإن كان ولد الابن في حجر جده لم تجز وصيته به (¬3). وقال في كتاب القسم فيمن أوصى لأخيه بمال وهو في حجره: لم يقاسم له ولم يبع، وأجاز ذلك أشهب في مدونته (¬4). فعلى قوله تجوز وصيته بما يرث عنه إذا لم يكن وصي وكل هذا في الوصية فيما صار له من مال بميراث، وأما ما يتطوع الميت بالوصية به فتجوز الوصية ويكون القابض له من وصية الميت، وإن كان ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 270. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 291. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 291. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 306.

فصل [في الوصية المطلقة والمقيدة]

للمولى عليه أب (¬1) أو وصي لأنه متطوع، فإذا قال: يكون ذلك موقوفًا على يدي فلان حتى يرشد لم يكن للأب ولا لوصيه في ذلك مقال، وإن قال: يدفع إلى المولى عليه يتسع به في ملبس أو مطعم لم يكن لوصيه أن يقبض ذلك ولا يحجر عليه فيه؛ لأنها هبة من الموصي على صفة فلا تغير، وأجاز ابن القاسم لملتقط اللقيط أن يقبض ما وصي له به ويقاسم له، ومنعه في الأخ وإن كان في حجر أخيه, والأخ أولى لأنه جمع القيام به والنسب (¬2). فصل [في الوصية المطلقة والمقيدة] الوصيةُ تجوز مطلقة ومقيدة، فإن قال: فلان وصي ولم يزد على ذلك جاز وكان وصيًا في جميع ما يقام به للولد. قال مالك في كتاب محمد: إذا قال: فلان وصي قد استقصى له وبالغ (¬3). وكذلك إن قال: وصي على مالي دخل فيه الولد. وإن قال على ولدي دخل المال ويدخل في قوله على ولدي الذكران والإناث، وكذلك إذا قال: على بني إلا أن يخص فيقول: الذكران، أو بناتي (¬4)، وإن جعل الوصية إلى ثلاثة، جعل إلى أحدهم اقتضاء الدين، وقضاء ما عليه ولآخر النظر في الفاضل والتصرف فيه بالبيع والشراء، ولآخر تزويج بناته جاز، وليس لأحدهم أن يلي غير ما جعل له فإن تعدى من له النظر في الفاضل فاقتضى أو قضى مضي فعله ¬

_ (¬1) قوله: (بالوصية به فتجوز. . . للمولى عليه أب) ساقط من (ق 7). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 306. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 331. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 277.

فصل [في تصرف الوصي]

ولم يرد قضاؤه ولا اقتضاؤه. وإن باع أو اشترى من جعل له النكاح رد فعله، وإن زوج من جعل له النظر في المال رد فعله؛ لأنه معزول عن ذلك وقد أقيم له غيره وليس هو (¬1) بمنزلة قوله "فلان وصي على قضاء ديني وبيع تركتي وسكت عن بناته ولم يقم لهن أحدًا، فقال مالك: إن زوج من جعل له النظر في المال (¬2) أرجو أن يكون جائزًا واستحب أن يرفع إلى السلطان لينظر هل عليها في ذلك ضرر أو بخس في صداق؟ (¬3) وقال أشهب: النكاح جائز (¬4). وقول مالك أحسن. فصل [في تصرف الوصي] تصرف الوصي على ثلاثة أوجه: في الإنفاق، والكسوة وما أشبه ذلك، وفي البيع والشراء والنكاح. فأما الإنفاق فإنه يجري من ذلك الوسط من مثل ذلك المال في قلته وكثرته، ولا يضيق على من له المال الكثير فينفق عليه دون نفقة مثله، ولا كسوة دون كسوة مثله (¬5)، ولا يسرف فينفق ويكسو فوق ما يشبهه ولا فوق ما يحمل ذلك المال، ويوسع في الأعياد حسب المعتاد، ويضحي عنه من ماله، إلا أن يكون قليل المال يضر به ذلك، وينفق على المولى عليه في ختانه وعرسه، ولا ¬

_ (¬1) في (ف): (هي). (¬2) في (ق 7): (التركة). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 333. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 277. (¬5) قوله: (كسوة مثله) ساقط من (ق 7).

حرج على من دعي فأكل، ولا يدعو اللعابين، وهو ضامن لما أنفق في ذلك أو غيره من الباطل. ووسع ربيعة أن يشتري له اللعب، وقال: إن ذلك مما يشبه. ويجوز أن يدفع إليه من النفقة ما يرى أنه لا يتلفه الشهر ونحوه، فإن خيف أن يتلفه قبل تمام الشهر أو علم ذلك منه؟ فنصف شهر أو جمعة على قدر ما يعلم منه، وإن كان يتلفه قبل ذلك فيوم بيوم ويحسن أن يتجر له، وليس ذلك عليه، وله أن يعطي ما يراه من ماله قراضًا، وأن يسلم له أو يداين ولا يسلف ماله؛ لأن ذلك معروف إلا أن يكون كثيرًا يتجر له ويسلف الشيء اليسير مما يصلح وجهه مع الناس فلا بأس (¬1)، ويجوز أن يتسلف إذا رأى ذلك حسن نظر لتغير السوق فيما يبيع له أو لتيسر (¬2) البيع أو ليقدم مال له غائب (¬3) وتكون المداينة معلقة بعين (¬4) ذلك المال ويبيع ما يرى أن بيعه حسن نظر. قال مالك في عبد ليتامى قد أحسن عليهم: ليس للوصي أن يبيعه عليهم ولا يبيع عقارهم إلا أن يكون لذلك وجه يبيع للإنفاق أو يرغب في الثمن ما يرى أن ذلك غبطة أو يخشى سقوطه ويحتاج من النفقة ما يرى أن بيعه والشراء بثمنه أفضل، أو يكون في موضع خراب، أو يخشى انتقال العمارة من ذلك الموضع فيبدله بما هو أعلى منه أويبيعه بعين فيشتري بثمنه ما هو أعلى (¬5). ¬

_ (¬1) قوله: (فلا بأس) ساقط من (ق 6). (¬2) في (ق 6): (لتعسر). (¬3) قوله: (غائب) يقابله في (ق 6) (على غائب). (¬4) في (ق 7): (بغير). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 294.

فصل [في التصرف في البيع والشراء إذا كانا وصيين]

فصل [في التصرف في البيع والشراء إذا كانا وصيين] وإن كانا وصيين لم يكن لأحدهما أن يتصرف في بيع ولا شراء دون صاحبه، فإن فعل وأراد الآخر رد فعله رفع إلى السلطان، فإن رأى فعل الأول (¬1) صوابًا أمضاه وإلا رده، فإن فات المشتري بالبيع كان على الذي انفرد بالبيع الأكثر من الثمن أو القيمة، وإن اشترى وفات البائع بالثمن كانت السلعة المشتراة له وغرم الثمن. قال أشهب: إلا في الشيء التافه الذي لا بدَّ لليتيم منه مثل أن يغيب أحدهما فيشتري الباقي الطعام والكسوة وما يضر باليتيم استئخاره (¬2)، وإن ادعى رجل قَبِلَ الميت دعوى لم يخاصم أحدهما دون الآخر إلا أن يكون الآخر (¬3) غائبًا، فإن انحصر الحاضر (¬4) وقضي على الميت وقف الغائب على حجته ونظر ما عنده بعد قدومه، وكذلك إن كان للميت دعوى فلا يخاصم أحدهما دون الاخر، إلا أن يكون ذلك بوكالة من صاحبه أو يكون الآخر غائبًا. وقال مالك: يكون المال عند أعدلهما ولا يقسم، قال ابن القاسم: وإن كانا في العدالة سواء فأحرزهما وأكفأهما (¬5). وكل هذا استحسان، ولو جعلاه عند أدناهما عدالة لم يضمنا؛ لأن كليهما عدل. ¬

_ (¬1) في (ق 6): (الوصي). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 289، 290. (¬3) قوله: (الآخر) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (الحاضر) ساقط من (ق 7). (¬5) في (ق 7): (وأكفلهما)، وانظر: المدونة: 4/ 334.

قال مالك وابن القاسم: لا يقسمانه (¬1). قال ابن كنانة في المجموعة: فقد يريد اجتماعهم فيريد أحدهم لأمانته والآخر لكفايته والآخر لرأيه (¬2). قال مالك في كتاب محمد (¬3): فإن اختلفوا طبع عليه وجعل عند غيرهم. وقال علي بن زياد في المجموعة: إن تشاحوا قسموه ولم ينتزع منهم (¬4). وقال أشهب: لا يقتسمانه فإن اقتسماه لم يضمنا. قال: ويكون عند هذا حظ فلان وعند هذا حظ فلان. يريد: ويبقيان بعد القسمة في النظر على الشياع ويديران (¬5) جميعًا حظ كل واحد ما عنده وعند صاحبه، وليس أن ينفرد كل واحد بالنظر فلا ينظر معه الآخر فيه. وقال ابن الماجشون: فإن فعلا ضمن كل واحد منهما جميع المال فيضمن ما عنده لاستبداده بالنظر فيه وما عند صاحبه (¬6). يريد: لأنه رفع يده عنه، وكذلك الوديعة يستودعها الرجلان فيقتسمانها هما ضامنان؛ لأن الموصي والمودع لم يرض أحدهما لذلك إلا أن يكونا اقتسماها على وجه الحفظ وكل واحد نظره مع صاحبه. وإذا حضرت أحدهما الوفاة فلا يخلو من أربعة أوجه: إما أن يموت من غير وصية، أو يجعل صاحبه مكانه في ذلك، أو يشرك معه غيره بمراضاة من صاحبه، أو بغير مراضاة. فإن مات من غير وصية لم يكن للحي أن يلي النظر ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 334. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 289. (¬3) قوله: (في كتاب محمد) ساقط من (ف). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 288. (¬5) في (ق 7): (ويردان). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 289.

وحده وينظر السلطان في ذلك، فإما أقره وحده إن رأى ذلك وجهًا أو يشرك معه غيره، وإن مات صاحبه عن وصية وجعل النظر إلى الآخر (¬1) ورضي له بذلك الحي جاز، وكذلك إن أقام آخر معه (¬2) ووافقه عليه الحي جاز من غير مؤامرة حكم (¬3)، وإن خالفه فيه رفع إلى السلطان، فإن رآه صوابًا أثبته معه، وإن كره الحي وإلا عزله وأقام غيره أو أقره وحده إن رضي الحي؛ لأنه يقول: لم أكن ألتزم النظر وحدي في جميع ذلك المال، وكذلك إن مرض أحدهما أو سافر فلا يلزم الآخر النظر وحده، ويجوز أن يجتمع رأيهما على نظر هذا وحده أو على آخر (¬4) يكون مع الباقي المقيم أو الصحيح، فإن رأى ذلك المريض أو المسافر وحده وخالفه الآخر نظر السلطان في ذلك، وكذلك إن لم ينظر المسافر أو الصحيح في شيء من ذلك فعلى الآخر أن يرفع الأمر إلى السلطان فينظر هل يقره وحده أو يجعل معه غيره؟ وهذا أصل قول مالك وابن القاسم أنه لا يجوز لأحدهما أن ينفرد بالنظر دون غيره ولا أن يقيم غيره في التصرف في الحياة في شيء دون مؤامرة صاحبه، وكذلك عند الموت، وأما إجازة يحيى بن سعيد (¬5) لأحد الوصيين أن يوصي إلى غيره دون مؤامرة الآخر (¬6)، فليس هو على المذهب. ¬

_ (¬1) في (ق 7): (الحي وحده). (¬2) في (ق 7): (مكانه). (¬3) في (ق 7): (حاكم). (¬4) قوله: (أو على آخر) يقابله في (ف): (أن). (¬5) قوله: (بن سعيد) ساقط من (ق 7). (¬6) في (ف) و (ق 6): (مراضاة الحي).

فصل [في عزل الوصي]

فصل [في عزل الوصي] ويعزل الوصي إذا اطلع منه على خيانةٍ، وهو في العزل على وجهين: فإن كان لبلهٍ (¬1) أو لقلة ضبط أو تفريط، نزعت منه، وإن كان لكثرة المال أو لكثرة المستغل قوي بآخر ولم ينزع منه، وإن كانت الوصية إلى زوجته فتزوجت لم تنزع الوصية (¬2) بنفس التزويج، وكشف عن حالها وحال الزوج معها والمال والأيتام؛ لأن الغالب من الزوج أنه يغلب الزوجة على ما في يديها. قال مالك: فإن عزلت الولد في بيت وأقامت لهم ما يصلحهم كانت أولى بهم، فإن أبت نزعوا منها (¬3). قال: ولو قال الميت: إن تزوجت (¬4) فانتزعوهم منها، فتزوجت لم ينزعوا عن وصيتها. قال محمد: لأن الميت لم يقل: إن تزوجت فلا وصية لها، وإنما قال: انتزعوهم، وهي وصية على حالها فتكلم في أمر الولد إن كانوا في حفظ تركوا، وإن أضاعتهم نزعوا. قال ابن القاسم: وأما المال فإن كان يسيرًا وهي على اليسر في حالها لم يؤخذ منها، وإن كان له بال وهي مقلة وخيف ناحيتها أخذ منها، وقال أصبغ: وهي على الوصية على كل حال إلا أن تكون مأمونة بارزة والأمن على المال عندها في تزويجها في الحزم والدين والستر فيقر في يدها (¬5). يريد: ¬

_ (¬1) في (ف): (لبلد). (¬2) في (ف) و (ق 6): (للزوجة لم تعزل). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 282. (¬4) قوله: (إن تزوجت) ساقط من (ق 6). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 282.

أنها إن كانت على غير ذلك انتزع المال ووقف على يدي عدل ولم تنتزع منها الوصية وتراعى حال الزوج؛ فليس الموسر كالفقير ولا المعروف بالنزاهة كغيره، إلا أن تكون معروفة باليسار وما يكون في مالها متسع لرضاه، وهذا يعرف عند النزول.

باب فيمن أوصي بوصية وقال: أخبرت بها فلانا فصدقوه , أو قال: جعلت له أن يجعلها حيث رأى, أو قال: من ادعي علي بدين كذا وكذا, فصدقوه

باب فيمن أوصي بوصيةٍ وقال: أخبرت بها فلانًا فصدقوه , أو قال: جعلت له أن يجعلها حيث رأى, أو قال: من ادعي عليَّ بدين كذا وكذا, فصدقوه وقال مالك في كتاب محمد فيمن قال عند موته: وصيتي عند فلان، واشهدوا عليَّ بذلك فأخرج فلان وصيته بعد موته وفيها عتق وغيره: فهي جائزة، وإن كتب نسختين وجعلهما عند رجلين كان أبين، وقال أيضًا: إن أخرجها ولا بينة فيها، وإنما البينة على قوله، فإن كان الذي هي بيده عدلًا جازت، قال سحنون: وكذلك إن كان غير عدل (¬1). وهو أحسن؛ لأن الميت أمر أن يصدق مع علمه بحاله، ولأنا على يقين أنه مات عن وصية وأمر أن تنفذ، فإذا لم يقبل قوله إذا كان غير عدل بطلت وصيته، وإن قال: وصيت بثلثي لرجل وأعلمت به فلانًا فصدقوه صدق فلان فيما يقول إنه أوصى له به، إلا أن يكون لمن يتهم عليه مثل أن يقول: أوصى به لولدي أو ما أشبه ذلك، فقال مالك: لا يصدق إلا أن يرى لذلك وجه يعرف به صواب قوله (¬2). وقال أشهب: يقبل قوله، وإن قال: يجعله حيث يرى، فجعله لنفسه أو لابنه لم يجز. قال في كتاب محمد: ولو أعطى ابنه أو أقاربه (¬3) كما يعطي الناس (¬4) حسب ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 383، 268، والبيان والتحصيل: 12/ 471، 472. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 336. (¬3) قوله: (أو أقاربه) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (الناس) ساقط من (ف).

الاستحقاق جاز، ولا بأس أن يعطي أقارب الميت كما يعطي الناس، قال: وإن كان المتولي محتاجًا، فلا يأخذ منه، قال أشهب: فإن فعل وأخذ حسب استحقاقه لم آخذه منه، وقاله ابن القاسم، والأول أحسن (¬1)، وحماية ذلك أولى وإن جعل إنفاذ ثلثه لرجل يجعله حيث أراه الله -عز وجل- فهلك قبل أن ينفذ ذلك فليأمر القاضي من يرضاه فيضعه حيث يرى. وقال ابن القاسم فيمن قال: كنت أعامل فلانًا وفلانًا فما ادعوا عليَّ فصدقوهم، فليعطوا ما ادعوا بغير يمين ما لم يدعوا ما لا يشبه. وقال في العتبية فيمن قال عند موته: ما شهد به عليَّ أبي من دين فهو مصدق إنَّه كالشاهد إن كان عدلًا (¬2)، وإن لم يكن عدلًا أو نكل المشهود له عن اليمين فلا شيء له إلا قدر نصيبه. وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: يصدق وإن لم يكن عدلًا، وقال مالك فيمن قال: من ادعى عليَّ من دينار إلى عشرين فاقضوه بغير بينة، فذلك جائز، فإن ادعى جماعة كل واحد بأقل من عشرين تحاصوا في عشرين فقط (¬3). قال ابن القاسم: لأن مخرج قوله على وجه التفرقة من ادعى من ها هنا وها هنا، وإن ادعى واحد أكثر من عشرين لم يكن له شيء (¬4). واختلف إذا ادعى واحد عشرين، فقال مالك: يحاص، وقال ذلك ابن القاسم مرة: يحاص، وقال أيضًا: لا يحاص من ادعى عشرين، ولا يعجل في ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 268، 383. (¬2) قوله: (إن كان عدلًا) ساقط من (ق 7). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 272، 273. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 273.

ذلك وليكتم ولا يفش وتخرج العشرين من رأس المال، وأمَّا إن قال: من ادعى عليَّ دينًا فحلفوه وأعطوه فهذا يكون من الثلث بخلاف الذي وقت العشرين فكأنه أقرَّ بعشرين لا يدري لمن هي، وإن قال: كل من ادعى عليَّ من دينار إلى عشرين فاقضوه مع يمينه بغير بينة, فهذا من الثلث بخلاف المسألة الأولى (¬1)؛ لأنَّ ذلك وقت عشرين واحدة لا يدري لمن هي، وهذا لم يؤقت، فإن استغرقوا ثلثه بمثل هذه الدعوة أخذوه. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 273.

باب فيمن أوصى لأم ولده أو لزوجته بمال على ألا تتزوج

باب فيمن أوصى لأم ولده أو لزوجته بمال على ألا تتزوج وقال ابن القاسم فيمن أوصى لأمِّ ولده بدنانير على ألا تتزوج: فلا بأس به، فإن تزوجت انتزعت منها (¬1)، وكذلك لو كانت حرة فأوصى لها زوجها بمال على ألا تتزوج فتزوجت فأجاز ذلك (¬2)، وإن كانت معاوضة فيها غرر؛ لأنها تأخذ المال ثم هي بالخيار بين ألا تتزوج ويبقي لها المال أو تتزوج فترد المال، فهو تارة بيع وتارة سلف، وقد تمسك نفسها عن الأزواج عشر سنين ثم تتزوج فَيُرَدُّ جَمِيعُ المال ولا يحط عنها لوقوفها عن الأزواج تلك السنين شيء. وقال في السليمانية في امرأةٍ وضعت عن زوجها بعض صداقها على ألا يطلقها: فإن طلقها فلها ما وضعت، لم يجز قال: لأنها اشترت شيئًا لا يشترى مثله فإن شاء طلق وإن شاء أمسك وعليه أن يرد ما وضعت (¬3)، فمضى في هذه المسألة على الأصل في معاوضات الغرر، فعلى قوله لا يجوز أيضًا وصية أم الولد. فصل [في الوصي يقول بعد رشد يتيمه: دفعت إليه ماله وكذبه] وقال ابن القاسم في الوصي يقول بعد رشد يتيمه: دفعت إليه ماله وكذبه ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 339، والنوادر والزيادات: 11/ 572. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 572. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 132.

فالقول قول اليتيم لقول الله -عز وجل-: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [سورة النساء آية: 6] (¬1). وقال عبد الملك في هذا الأصل، إذا أمر المودع أن يدفع لغير من دفع إليه: فالقول قول المودع (¬2). فكذلك الوصي القول قوله، ومحمل قول الله -عز وجل- في الإشهاد أن ذلك لدفع التنازع والأيمان ليس لأنه إن لم يشهد لم يقبل قوله كما أمر الله -عز وجل- في المداينة بالإشهاد لدفع الأيمان والتنازع. وقيل: المعنى في الآية في الإشهاد عند دفع ما أكل الوصي بالمعروف وصار في ذمته فإنه يأكل على وجه السلف، ولا أرى أن يقبل اليوم قول أحد من الأوصياء؛ لأنَّ الغالب ممن يلي اليوم (¬3) مال اليتيم أنه يتسلفه ويصير (¬4) في ذمته إلا أن تطول المدة بعد الرشد وهو لا يطلب، وإن قال الوصي: أنفقت عليهم ذلك، كان القول قوله إن كانوا عنده ما لم يأت بما لا يشبه فيسقط الزائد، وإن كانوا في كفالة أمهم أو غيرها فأنكروا أن تكون النفقة من عنده كان القول قولها إلا أن يعلم أنها كانت تأخذ النفقة منه، وإن خفي عن البينة تتابع الأخذ إلا أن تدعي الأم أجر شهر وما يشبه أن يتأخر قبضه لما يعلم من لدده أو مطله فتصدق هي فيما يشبه من ذلك أو يُعلم من فقرها وضعفها ما يدل على أن النفقة ليست من عندها، مع ما يرى من تهمة (¬5) الصبي والقيام به. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 339. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 449. (¬3) قوله: (اليوم) زيادة من (ق 7). (¬4) في (ق 7): (ويضمن). (¬5) في (ق 6) و (ف): (همة).

فصل [فيما إذا قال أحد الورثة: هذا العبد وديعة عند أبي لفلان]

فصل [فيما إذا قال أحد الورثة: هذا العبد وديعة عند أبي لفلان] وإذا قال أحد الورثة: هذا العبد وديعة عند أبي لفلان، فإن كان عدلًا حلف المقر له واستحقه إذا لم يخلف سوى ذلك العبد أو خلف غيره، ولا ينقسم جميعهم على سهامهم، أو كانوا ينقسمون إن دخل في القسم فرضي الورثة ألا يُدْخّلّ (¬1) في القسم، فإن دعوا إلى دخوله في القسم؛ لأنه إن خرج لم تعتدل سهامهم كان ذلك لهم، فإن صار ذلك العبد لمن أنكر أخذ المقر له من المقر ما زاد في قسمه لمكان ذلك العبد. قال محمد: وإن صار للمقر أخذه المقر له بغير شيء، ولم يره كالفداء (¬2)؛ لأن الفداء (¬3) ما دخل فيه المفتدي (¬4) بالطوع، وهذا دخل فيه بالجبر من أخيه فأشبه من غصب عبدًا ثم وضع عليه يد آخر وأخذ عبده بغير رضاه، وقال: يكون ما تركت عندك عوضًا من هذا، فليس هذا بافتداء، ولصاحب العبد الأول أن يأخذ عبده بغير شيءٍ قولًا واحدًا. ¬

_ (¬1) في (ف) و (ق 7): (يجمع). (¬2) في (ف): (كالعداء). (¬3) في (ف): (العداء). (¬4) في (ف): (المتعدي).

باب فيمن أوصى لعبده أو لعبد وارثه

باب فيمن أوصى لعبده أو لعبد وارثه وصية الميت لعبده على أربعة أوجه: إمَّا أن يوصي له بجزء من ماله، أو بدنانير، أو بعرض، أو يجمع الوصية بجزء وغيره، أو بمنافع سكنى دار أو خدمة عبد. فإن أوصى له فقال: له ثلث مالي كان ثلث العبد عتيقًا؛ لأن مقتضى الوصية أن له الثلث من كل شيءٍ من العبد وغيره فيعتق ثلثه بالوصية. واختلف في عتق الثلثين، فقال مالك: يستكمل عتق العبد في بقية الثلث (¬1)، وجعل الاستكمال على العبد لا على السيد، فقال: لأنَّ العبد بين الرجلين إذا أعتق أحدهما نصيبه استكمل عليه (¬2) فالعبد في نفسه أحرى أن يستكمل ما بقي منه على نفسه (¬3). قال ابن القاسم بها كتاب ابن سحنون: وإن كان معه وصية لأجنبي بالثلث تحاصا (¬4)، قال: ولا يبدأ بالعبد لأنه إنما أُعْتِقَ على نفسه (¬5). وقال المغيرة وعبد الملك (¬6) ابن الماجشون: يعتق ثلث العبد ولا يستكمل. ورأيا أن العتق من الميت ولا يستكمل على ميت، وقال المغيرة: فإن كانت معه وصية بمال بدئ بثلث العبد، فإن فضل عن ثلثه شيء حاص به أهل الوصايا، وقال ابن ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 496. (¬2) قوله: (عليه) زيادة من (ق 7). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 341. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 497، 492. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 494. (¬6) قوله: (وعبد الملك) يقابله في (ق 7): (عبد العزيز).

الماجشون: يبدأ إلى منتهى عتقه ثم يكون مع الوصايا حصاصًا (¬1). واختلف بعد القول بالاستكمال في ماذا يستكمل؟ فقال مالك: يستكمل في بقية الثلث ولا يستكمل في ما في يديه من غير الوصية، وقال ابن القاسم: يستكمل في ما في يديه، قال: ولو لم يستكمل في ما في يديه لم (¬2) يستكمل في بقية الثلث (¬3)، وعلى هذا يجري الجواب إذا أوصى له بسدس ماله، يعتق سدس العبد، ثم يختلف هل يستكمل خمسة أسداسه؟ فأمَّا من قال: إنه يستكمل على العبد فلا يصح إلا أن يقول العبد بالخيار بين القبول والترك، وإن قبل كان الورثة بالخيار بين أن يعتقوا أو يقوموا، وعلى هذا يصح قول ابن القاسم إنَّه لا يبدى، وقول مالك ألا يستكمل فيما في يديه أبين؛ لأن ثلثي ما في يديه للورثة، وإنما يصح الاستكمال أن يدفع إليهم القيمة من غير ماله ولهذا فرق في القول الآخر، ورأى أن يستكمل فيما وصى له به؛ لأنه لم يتقدم لهم فيها شرك، وإن أوصى له بدنانير أو بثوب أو بعبد والثلث يحمله جاز وأخذ وصيته ولم يعتق منه شيء، ويختلف إذا لم يحمله الثلث ولم يجز الورثة، فعلى القول إنَّه يقطع بالثلث في عين الموصى به لا يعتق منه شيء. وعلى القول إنَّه يقطع بالثلث (¬4) شائعا يعود الجواب إلى الأول. ولو وصى (¬5) له بثلثه، وأوصى بجزء وبثوب أو عبد وحمل ذلك ثلثه مثل أن يوصي له بسدس ماله وبعبد هو تمام ثلثه، فإنه يعتق سدسه بوصية الميت ثم ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 496. (¬2) قوله: (قال: ولو لم يستكمل في ما في يديه لم) زيادة من (ق 7). (¬3) قوله: (ولا. . . في بقية الثلث) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (في عين. . . بالثلث) زيادة من (ق 7). (¬5) في (ق 7): (رضي).

يختلف في الاستكمال، وفي ماذا يستكمل؟ هل في جميع ما في يديه وفيما وصى له به أو فيما وصى له به فقط؟ وقال ابن القاسم وأشهب في كتاب ابن المواز في الخامس من العتق فيمن أوصى لعبده بمال: لم يكن ذلك عتقًا ودفع إليه ذلك إن خرج من الثلث أو ما خرج منه، وإن أوصى له بشيءٍ معين يستوعب ثلث الميت سوى ثمن العبد، فكذلك لا يعتق منه شيء، وإن كان مما لا يقطع له فيه بعينه مثل السكنى فلا تخرج الدار من الثلث ولم يسلموا كما أوصى الميت، قطع للعبد بالثلث من كل شيء فحينئذ يملك العبدمن نفسه جزءًا فيعتق كله من الثلث. ومن أوصى لعبده بربع نفسه وثلث ما بقي سوى (¬1) العبد أعتق من العبد ربعه وأعطى وصيته مالًا، ولو قال: وثلث ما بقي ولم يقل مما سوى العبد، أعتق كله في الثلث. وقال مالك فيمن أوصى لعبده بخمسين دينارًا ولا مال له غيره، فقال الورثة: نبيعك ونعطيك ثلث ثمنك، فقال: يعتق من العبد قدر الخمسن أو ما خرج منها (¬2). وقال ابن القاسم فيمن قال: بيعوا عبدي وأعطوه ثمن نفسه أو من ثمنه فعلى ما قال، ولا يعتق منه شيء (¬3). قال: ومن أوصى لعبده بثلث ماله وترك دينًا ليس فيه إلا شاهد كان للعبد أن يحلف مع الشاهد ولو لم يوص للعبد بالثلث، وإنما قال: عبدي حرٌّ لم يحلف مع الشاهد (¬4). وقال ربيعة في رجلٍ ¬

_ (¬1) في (ق 7): (من). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 495 - 497. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 501، 506. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 503.

أوصى لعبده ولامرأة له حرة ولأولاد له منها أحرار بثلث ماله، قال: يعتق العبد؛ لأنَّ لولده نصيبًا من أبيهم وقد ملكوا بعضه فهو حر، وما ملك العبد من نفسه حر (¬1). يريد أنه يعتق نصيب العبد ونصيب الأولاد ويرق الباقي، وهذا الذي يقتضيه آخر جوابه، وهو مثل (¬2) قول المغيرة، وعلى قول مالك وابن القاسم (¬3) يستكمل على العبد. وإن كان الأولاد أربعة أعتق نصيبهم وهو أربعة أسداس، ثلث الميت فإن كانت قيمته ثمانية عشر دينارًا وللميت (¬4) سواه ستة وثلاثون دينارًا، أعتق منه بالوصية دينار، وهو نصيب العبد من نفسه وبالاستكمال ديناران فيكمل بذلك عتق سدسه. وعلى قول ابن القاسم يستكمل منه ما رقَّ منه في الدينار وفيما بين يديه من غير وصية، وأمَّا نصيب الولد فإن كانوا قبلوا الوصية أعتق عليهم نصيبهم منه وهو ثلثا (¬5) ثلثه، ثم يختلف فيما بقي منه بعد ذلك رقيقًا هل يستكمل عليهم إذا كان لهم مال؟ لأنهم فيه بمنزلة من أعتق شركًا له في عبد وقد أعتق بعضه، وقد تقدَّم في كتاب العتق الأول ذكرُ الاختلاف. وهل زيادة العتق زيادة فساد؟ لأنهم إنما قبلوا ما بعضه حر فلا يستكمل على قول ابن القاسم. ويختلف إذا لم يقبل الأولاد هل يسقط نصيبه من الوصية؟ فعلى القول إنَّه لا يستكمل عليهم إن قبلوه لا تسقط وصيتهم، وعلى القول إنَّه يستكمل عليهم تسقط؛ لأنهم يردون خوف الاستكمال. والزوجة في ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 342. (¬2) قوله: (مثل) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (وابن القاسم) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (وللميت) ساقط من (ف). (¬5) في (ف): (ثلث).

فصل [في وصية الرجل لعبده ولعبد وارثه]

نصيبها بالخيار بين أن تقبل ويفسخ النكاح، أو لا تقبل وتبقى زوجة. فصل [في وصية الرجل لعبده ولعبد وارثه] وصيةُ الرجل لعبده ولعبد وارثه جائزة إذا لم يكن معه وارث سواه وإن كثرت، فإن كان معه وصايا حاص بوصيته، فإن كانت الوصية لعبد وارثه ومعه ورثة جازت فيما قلَّ مثل الثوب والشيء الخفيف، ويجوز بأكثر من ذلك إذا كان لقضاء دين عليه، وكان القضاء يزيد في ثمنه الشيء اليسير ووصيته لمدبر ولده وأم ولده تجوز في الشيء اليسير وتجوز للمكاتب بالكثير إذا كان يقدر على أداء كتابته من غير الوصية. قال أشهب: فإن كان لا يقدر إلا بالوصية وكان الأداء أفضل للسيد لم يجز، وإن كان العجز أفضل، جازت. وأرى أن تجوز وإن كان الأداء أفضل للسيد؛ لأنَّ القصد بالوصية للمكاتب ليخرج بها من الرق. وقد اختلف فيمن زوَّج ابنته في مرضه وضمن الصداق، فقيل: الضمان جائز وهي وصية للزوج، وإن كانت المنفعة تصير للابنة. وقيل: لا يجوز الضمان. والأول أحسن، فإذا أوصى لعبده أو لعبد وارثه بوصية لم يكن للورثة ولا لسيد العبد الوارث أن ينتزعها. قال ابن القاسم: ولو انتزعها لكانت وصية الميت غير نافذة، وإن باعوه باعوه مسألة، وإذا بيع بمالة كان للمشتري أن ينتزع ذلك إن شاء (¬1). وقال أشهب: يقر ذلك بيد العبد حتى ينتفع به ويطول زمان ذلك ولا ينتزعوه إن باعوه قبل أن يطول زمانه. قال: واستحسنت في الكثير ما ذكرت لك، قال: لأن القياس إمَّا أن ينتزعوه مكانه ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 346.

أو لا ينتزعوه أبدًا؛ لأنَّ الميت نزعه منهم (¬1). والأول أحسن ألا ينتزع بحال؛ لأنَّ الميت كما قال انتزعه منهم (¬2)، وكذلك أرى في المشتري ألا ينتزعه؛ لأن البيع على أن ينتزعه المشتري بمنزلة انتزاع الوارث فقد يكون ثمن العبد خمسين دينارًا وفي يديه خمسون، فإن بيع بماله على أن للمشتري أن ينتزع ماله كان ثمنه مائة دينار (¬3) أو ما قاربها، فكان البائع هو المنتزع إذْ سلطه على ذلك، وأخذ له ثمنًا، ولو بيع على أنه في يديه كالحبس لم يزد في ثمنه كبير شيء. وأجاز ابنُ القاسم إذا كانت الوصية لعبدٍ (¬4) أجنبيٍّ للسيد أن ينتزعها، والقياس أيضًا ألا ينتزع كعبد الموصي؛ لأن القصد بالوصية انتفاع العبد ولو لم يرد ذلك لوصى بها لسيد ذلك العبد (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 362. (¬2) قوله: (والأول أحسن ألا. . . انتزعه منهم) ساقط من (ق 7). (¬3) قوله: (دينار) ساقط من (ق 7). (¬4) في (ف): (لغير). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 346.

باب فيمن أوصى بخدمة عبد، أو سكنى دار, أو عتق ما في بطن أمته وما تعلق بذلك

باب فيمن أوصى بخدمة عبد، أو سكنى دار, أو عتق ما في بطن أمته وما تعلق بذلك وقال ابن القاسم فيمن أوصى بخدمة عبده سنة، أو بسكنى داره سنة (¬1): يجعل في الثلث قيمة الرقبة ولا تقوم الخدمة ولا السكنى؛ لأني إذا قومت الخدمة والسكنى كنت حبست الدار والعبد عن أربابه، وهم يحتاجون إلى بيعه (¬2). واحتجاجه بالبيع لا يصح في الدار؛ لأنه يجوز أن تباع ويستثنى سكناها سنة. والمعروف من قول مالك وابن القاسم أن يجعل في الثلث الرقاب وإن كانوا قادرين على البيع بالاستثناء وأن لهم حقًا في تعجيل الانتفاع بالرقاب، إلا ما وقع في كتاب محمد فيمن ترك مدبرين وأوصى بوصايا في مرضه، فيقول الورثة: يقوم ما ترك الميت ولا يبيع، ويقول أهل الوصايا والمدبرون: بل نبيع؛ لأن البيع أزيد لنا في ثلثنا من القيمة، فقال ابن القاسم: القول قول أهل الوصايا والمدبرين إذا طلبوا البيع، قال: وكذلك إن طلب الورثة البيع فكذلك الذي لا شك فيه، أنَّ دعا إلى البيع كان أولى ممن دعا إلى التقويم، قال: وأمَّا الورثةُ فيما بينهم فإن كان مما ينقسم فالقسمة أولى (¬3)، وقال أصبغ: القيمة في الوصايا والعتق على الورثة. وعليهم أحب إليَّ، وليس على الوصي أن يبيع ذلك في السوق ولا على ¬

_ (¬1) قوله: (أو بسكنى داره سنة) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (إلى بيعه) يقابله في (ف): (إليه)، وانظر: المدونة: 4/ 357. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 472.

الورثة (¬1). وقال ابن وهب: قال مالك فيمن أوصى لرجلٍ بعبدٍ أو ببيتٍ: أخرج ذلك بالقيمة ولا ينظر إلى ما يعطى به (¬2). وقول مالك وأصبغ في هذا أحسن، وليس على الورثة أن يبيعوا ذلك. وقال فيمن أوصى بخدمة عبده فقد أوصى بالغلة، وإن أوصى بالغلة فقد أوصى بالخدمة (¬3)، وليس بالبين، وإن كان عبد خدمة وأوصى بخدمة، لم يكن للموصى له أن يجعله في صنعة، وان كان عبد صناعة فوصى له بغلته لم يكن له أن يعطله عنها ويختدمه. وقال ابن القاسم فيمن أوصى بخدمة عبده (¬4) لرجل سنة ثم هو حر، فمات ونظر في الموصى له فكان غائبًا ببلد ثان، قال: أرى للسلطان أن يؤاجره للغائب ثم هو حر إذا وقت السنة، وإن كان عبد حضانة انتظر به وكتب إلى الرجل وأخرج العبد إليه، فإذا وفت السنة من يوم مات السيد فهو حر (¬5). ومحمل قوله على أن الميت كان يرى أن الموصى له حاضر، وأمَّا إن كان عالمًا بغيبته فالسنة من يوم (¬6) وصول العبد إليه، وسواء كان من عبيد الإجارة أو الحضانة وخدمة العبد ما بينه وبين وصوله لورثة الموصي ونفقته عليهم وعلى قول أشهب، يكون للسلطان أن يؤاجر العبد إذا كان من عبيد الحضانة في مثل ما كان وصى به إذا كان يظن أنه حاضر. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 473. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 473، 474. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 342. (¬4) قوله: (بخدمة عبده) يقابله في (ف): (بخدمته). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 344. (¬6) في (ق 7) و (ف): (بعد).

فصل [فيمن أوصى بعتق أمة فولدت ولدا، أو بعتق عبده فولد له من أمته ولدا وأوصى بهما لرجل]

وقال ابن القاسم فيمن أوصى بأمة تخدم فلانًا حياته وجعل رقبتها بعد خدمتها لفلان فولدت الأمة أولادًا في حال الخدمة فولدها بمنزلتها يخدمون إلى ذلك الأجل، وكذلك لو أخدم عبدًا فولد له من أمته ولد فإنه يخدم معه، وهذا لأن الوصية كانت بالخدمة حياة المخدم (¬1)، وكذلك إذا كان إلى أجل بعيد، فأمَّا السنتان والثلاث وما لا يكون للعبد فيه خدمة فإنه يسقط حق المخدم فيه، فإن كان مرجع العبد أو الأمة إلى حرية كان الولد معتقًا الآن؛ لأنه لا فائدة في وقفه، وكذلك إن جعل الموصي المرجع إلى رجل كان له ذلك الولد ملكًا من الآن. فصل [فيمن أوصى بعتق أمة فولدت ولدًا، أو بعتق عبده فولد له من أمته ولدًا وأوصى بهما لرجل] ومن أوصى بعتق أمة فولدت ولدًا، أو بعتق عبده فوُلد له من أمته وَلَدٌ أو أوصى بهما لرجل، فإن كانت الولادة في حياة الموصي كانت الوصية والعتق في الآباء خاصة وكان الأولاد ميراثًا. وإن كان الحمل والولادة بعد موت الموصي وقبل العتق وقبل أن يقبض الموصى له بهما، كانت الوصية والعتق في الآباء والأولاد. وإن كان الحمل في حياته والولادة بعد موته، افترق الجواب فيعتق ولد الأمة بعتق أمه؛ لأن عتق الحامل عتق لما في بطنها، ويرق ولد العبد ويكون للورثة ولا يدخل في وصيته؛ لأن السيد لو أعتق العبد لم يعتق بعتقه حمل أمته، وكذلك إن أوصى بهما كان للموصى له الأمة وولدها والعبد دون ولده. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 345.

فصل [فيمن أوصى بعتق جنين أمته أو أوصى به لفلان]

فصل [فيمن أوصى بعتق جنين أمته أو أوصى به لفلان] ومن أوصى بعتق جنين أمته أو أوصى به لفلان، جعل في الثلث قيمة الأم؛ لأن الورثة ممنوعون من التصرف فيها بالبيع، فإن لم يحملها الثلث ولم يجز الورثة، فإن كانت الوصية بعتقه جعل في الثلث الأمة وأعتق منها ومن ولدها ما حمل الثلث، وإن كانت الوصية لرجلٍ قطع له ثلث الميت شائعًا؛ لأن الوصية له معاوضة من الميت أخذ منهم أقل من الثلث، وهو الجنين، ووقف عنهم التصرف في الأم ولم يفعل مثل ذلك إذا أوصى بعتقه فتجعل وصية الميت في الثلث شائعًا؛ لأن من شرط الوصية بالعتق أن يحمل (¬1) ثلث الميت في عين المعتق؛ لأنه الموصى له، فلما لم (¬2) يقدر أن يجعل في الجنين خاصة، جمع الثلث في الأم والولد لينال من العتق أكثر مما يكون لو كان شائعًا، وهذا قول محمد، وهو صحيح على قوله إنَّ الأمة لا تباع، ويستثنى ما في بطنها (¬3). وأجاز الليث بن سعد بيع الأمة (¬4) واستثناء الولد للعتق (¬5)، فعلى هذا يجعل في الثلث ما ينقص بيعها مستثناةَ الولدِ على بيعها بولدها وإن أوصى بها لرجل وبولدها لآخر جعل في الثلث قيمة الأم على حالها، فإن حملها الثلث كان لكل واحد ¬

_ (¬1) في (ق 7) و (ف): (يجمع). (¬2) قوله: (لم) ساقط من (ق 6). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 433. (¬4) في (ق 7): (الأم). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 436.

منهما وصيته، وإن حمل نصفها كان لهذا نصف الأم، ولهذا نصف (¬1) الولد، وإن أوصى بعتق ما في بطنها وبالأم لآخر، فحمل الثلث نصفها أعتق من الولد نصفه، وكان للآخر نصف الأم، وهذا على القول إنَّ العتق يلحق ما في البطن، وعلى القول ألا يلحقه العتق يعتق ما ينوبه من الأم، لينال الولد العتق، وتسقط وصية الآخر. واختلف إن أوصى بالولد لرجل، وبالأم لآخر وأعتق الأمَّ الموصى له بها، فقال في المدونة: يمضى عتق الأم ويسقط حق الموصى له بالولد (¬2). وقال ابن القاسم في كتاب محمد: يوقف عتق الأم حتى تضع فيقوم الولد على معتق الأم فيمضي حينئذ عتق جميعها، وقال أيضًا: يوقف عتقها حتى تضع فيأخذ الموصى له بالولد الولد، ويمضي عتق الأم بالعقد الأول (¬3). وهو أحسن للإجماع على أن عتق الولد لا يسري إلى عتق الأم، وأنهما في ذلك نفسان، وليس بمنزلة من أعتق بعض الأم، وكذلك إذا أعتق الأم لا يعتق الولد بعتقها. وكذلك لو أوصى بالولد لرجل وأبقى الرقبة (¬4) للورثة فأعتقها الورثة، فعلى الخلاف المتقدم. وإن وهب الولد في الصحة ثم أعتق السيد الأمة قبل أن تحاز عنه، مضى عتق السيد وسقط حق الآخر في الولد، وإن كان الموهوب له الولد حاز الأم لم يصح عتق السيد في الأم حتى تضع. ومن أخدم عبده في مرضه رجلًا سنة ثم هو حر فلم يقبل الموصى له ¬

_ (¬1) قوله: (ولهذا نصف) يقابله في (ف): (وكان للآخر). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 343. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 444، 573 - 574. (¬4) في (ق 7): (الأم).

بالخدمة، رجعت الخدمة للورثة ولم يعتق حتى تتم السنة، وإن قبلها ثم وهبها العبد أو باعها منه، كان حرًا مكانه، وقيل: لا يعجل عتقه؛ لأن رقبته للورثة حتى تتم السنة، وإن قبل كانت قيمته رقيقًا لهم. وقال ابن كنانة فيمن أخدم عبده رجلًا حياته ثم هو حر، فمات المخدم فأراد ورثته أن يتبايعوا الخدمة: لم يجز إلا أن يشتروها ليعجلوا عتقه فأما ليخدمهم فلا، وهذا صحيح لما لم يكن له إليهم مرجع؛ لأن مرجعه إلى الحرية.

باب في وصية المحجور عليه والصبي

باب في وصية المحجور عليه (¬1) والصبي وصية السفيه المحجور عليه جائزة إذا أصاب وجه الوصية، وكذلك الصبي. واختلف في السن الذي تجوز فيه وصيته، فقال مالك: تجوز إذا كان ابن عشر سنين أو أقل باليسير وأصاب وجه الوصية (¬2). وقال في كتاب محمد: ابن تسع سنين، وقال ابن شهاب وأصبغ في كتاب ابن حبيب: تجوز إذا عقل الصلاة (¬3). وقال مالك في العتبية: إذا أثغر أُمر بالصلاة وأُدِّب عليها (¬4). وهذا أقل ما قيل. وقال ابن الماجشون في المبسوط: إذا كان يفاعًا مراهقًا جازت وصيته، وذلك إذا بلغ إبصاره والرغبة في حظه وفيما يقدم لنفسه، وهذا أكثر ما قيل، والصبيان يختلف إدراكهم وتمييزهم (¬5)، فمن علم أن عنده تمييزًا (¬6) جازت وصيته إذا أصاب وجه الوصية فيوصي بما هو قربة لله تعالى أو صلة رحم، فأما أن يجعلها لمن يستعين بها في ما لا يحل من شرب خمرٍ أو غيره، فلا تمضي. وقال أشهب: إذا أوصى الصبي بوصية وجعل إنفاذها إلى غير الوصي فذلك إلى وصيه. وقال أشهب في كتاب محمد فيمن أوصى إلى بكرٍ بمائة دينار ولا وليَّ ¬

_ (¬1) قوله: (عليه) ساقط من (ق 6) و (ف). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 345. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 261. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 268. (¬5) في (ق 6) و (ف): (تميزهم). (¬6) في (ق 6) و (ف): (تميزًا).

لها فدفع الورثة ذلك إليها بغير أمر الإمام: فقد برءوا (¬1). وأرى إن كان لها وصي أن تدفع الوصية إلى وصيها، إلا أن تكون ممن يعلم أن الميت أراد دفع ذلك إليها لتتسع به في مطعم وملبس فيدفع إليها. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 312.

باب في وصية المقتول للقاتل وما يتعلق بذلك

باب في وصية المقتول للقاتل وما يتعلق بذلك وصيةُ المقتول للقاتل على خمسة أوجه: إمَّا أن يوصي له قبل القتل ثم يموت بفور الضرب، أو بعد حياة ولم يعلم أنه قاتله، أو علم، أو كانت الوصية بعد الضرب وعلم أنه قاتله، أو لم يعلم، والقتل في جميع ذلك خطأ أو عمدًا، فإن وصى له قبل الضرب ثم قتله خطأ، فقال مالك: الوصية من ماله دون الدية، قال: بمنزلة الميراث إذا قتل موروثه خطأ، فله الميراث في المال دون الدية، قال محمد: لأنَّ الدية أديت عنه، وهو أيضًا يؤدي فيها فلا يؤدي عن نفسه لنفسه. قال ابن القاسم: إن أوصى له بعد أن ضربه خطأ، فإن علم كانت الوصية في المال والدية (¬1). وفي كتاب محمد: ذلك سواءٌ علم أو لم يعلم الوصيةُ في المال والدية، وإن أوصى له ثم قتله عمدًا ومات بفور ذلك أو بعد حياته ولم يعلم أنه ضاربه سقطت وصيته ولا شيء له في مال ولا دية، وكذلك إن علم ولم تكن الوصية بكتاب. واختلف إذا كانت بكتاب، فقال محمد: إن علم فأقر الوصية على حالها فهي جائزة من ماله بمنزلة ما أوصى له بعد الجناية (¬2)، وإن أوصى له بعد الجناية (¬3) ولم يعلم أنه قاتله فلا شيء له. قال ابن القاسم: إلا أن يكون قد علم أنه قتله عمدًا فأوصى له بعد علمه، ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 347. (¬2) في (ق 6): (الحياة). (¬3) في (ق 6) (الحياة).

وقال محمد: إذا أوصى له بعد أن جنى عليه وهو يعلم أو لا يعلم فالوصية له نافدة (¬1). وقوله في الخطأ إنه بمنزلة الميراث فليس بالبين وليس الأصلان سواء؛ لأن منع الميراث من الدية شرع، ولو أوصى بأن يورث منها ما جاز، وإن أوصى لغير وارث أن يعطى ثلث الدية جاز والاعتراض ألا يأخذ مما يؤدي غير صحيح، فلو أوصى لغريمه بثلث ماله كان للغريم من الدين الذي عليه ثلثه, ولو جنى على عبدٍ مريض كان للموصى له ثلث قيمة ذلك العبد. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 575، 576.

باب في الموصى له يموت قبل الموصي أو بعده , ومن وصى لوارث فصار غير وارث، أو لغير وارث فصار وارثا، وما يتعلق بذلكـ من نكاح أو هبة

باب في الموصى له يموت قبل الموصي أو بعده , ومن وصى لوارث فصار غير وارث، أو لغير وارث فصار وارثًا، وما يتعلق بذلكـ من نكاح أو هبة وإذا مات الموصى له في حياة الموصي بطلت الوصية، وإن مات بعده وقبل العلم بالوصية أو علم ولم يقبل ولم يرد حتى مات، كان ورثته مكانه، وذكر أبو محمد عبد الوهاب عن الأبهري أنه قال: الأشبه أنها لورثة الموصي، قال: لأنها على ملك أبيهم حتى يخرج عنهم بقبول الموصى له (¬1). فصل [فيمن أوصى لأخيه وهو أحد ورثته ثم ولد له ولد] وقال ابن القاسم فيمن أوصى لأخيه وهو أحد ورثته ثم ولد له ولد، فالوصية جائزة؛ لأنه قد تركها بعد ما ولد له فصار مجيزًا لها، قال غيره: الوصية جائزة وإن لم يعلم بالولد (¬2). وهذا صواب؛ لأن الميت قد كان راغبًا أن تكون له الوصية مع الميراث، فإذا سقط الميراث كان أبين في أنه يمضيها له، وإن ولد له بعد موته وكان عالمًا بالحمل مضت الوصية. ويختلف إذا لم يعلم، وإن أوصى له وله ولد يحجبه فمات الولد قبل أبيه (¬3) سقطت الوصية؛ لأنه صار وارثًا ولا وصية لوارث. ولو أوصى في صحته ¬

_ (¬1) انظر: المعونة: 2/ 528. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 348. (¬3) في (ف): (ابنه).

لامرأة بوصية ثم تزوجها في صحته بطلت الوصية؛ لأنها وارثة، وإن تزوجها في مرضه لم تبطل الوصية. وكذلك إن أوصى لها في المرض ثم تزوجها في المرض؛ لأن النكاح فاسد وهي غير وارثة. وإن تزوجها في الصحة ثم طلقها في المرض ثم وصى لها كانت الوصية باطلة؛ لأن الطلاق في المرض لا يبطل الميراث، وإذا كانت وارثة لم تصح الوصية وسواء كان الطلاق برضاها أو بغير رضاها. وأرى إذا كان الطلاق بسؤال منها ألا ميراث لها، ولها الوصية إذا كانت مثل ميراثها فأقل، فإن كانت أكثر لم تعط الزائد؛ لأنهما يتهمان أن يكونا عملا على ذلك. قال محمد: ولو وهب أخاه هبةً وبتلها له في مرضه وقبضها الأخ ثم مات الولد وصار الأخ وارثًا بطلت الهبة؛ لأنها إنما تخرج من ثلثه (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 359، 360.

باب فيمن عال في وصيته على ثلثه , وفي وصية من لا وارث له، وفي دخول الوصايا فيما لم يعلم به الموصي

باب فيمن عال في وصيته (¬1) على ثلثه , وفي وصية من لا وارث له، وفي دخول الوصايا فيما لم يعلم به الموصي وقال مالك فيمن عال في وصيته على ثلثه: يمضي الثلث ويرد الزائد (¬2). والأصل في قصر الوصية على الثلث حديث سعد بن أبي وقاص قَالَ: "يَا رَسُولَ اللهِ، لا يَرِثُنِي إلَّا ابْنَةٌ لي أَفَأُوصِي بِمَالي كُلِّهِ؟ قَالَ: لَا" (¬3) الحديث، وحديث عمران ابن حصين قال: "أَعْتَقَ رَجُلٌ ستَّةَ أَعْبُدٍ عِنْدَ مَوْتِهِ، فَأَسْهَمَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَهمْ فَأَعْتَقَ ثُلُثَهُم" (¬4). وهذا الحديث أصل في الوصية إذا زادت على الثلث أنها تقصر على الثلث، ولا يبطل جميعها. واختلف إذا كانت الزيادة يسيرة فقيل فيمن أوصى بعتق عبده إن وسعه الثلث فزادت قيمته على الثلث الشيءَ اليسيرَ: يعتق ولا يتبع بشيء. وقيل: يتبع بذلك القدر. وقيل: يكون ذلك القدر رقيقًا. وقيل: يرق جميعه ¬

_ (¬1) قوله: (في وصيته) زيادة من (ق 7). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 348. (¬3) متفق عليه , البخاري: 3/ 1006، في باب أن يترك ورثته أغنياء خير من أن يتكففوا الناس، من كتاب الوصايا، برقم (2591)، ومسلم: 3/ 1250، في باب الوصية بالثلث، من كتاب الوصية، برقم (1628). (¬4) أخرجه أبو داود: 2/ 422، في باب فيمن أعتق عبيدا له لم يبلغهم الثلث، من كتاب العتق، برقم (3958)، والترمذي: 3/ 645، باب ما جاء فيمن يعتق مماليكه عند موته وليس له مال غيرهم، من كتاب الأحكام، برقم (1364)، وقال الترمذي: حديث عمران بن حصين حديث حسن صحيح.

لقول الميت: إن وسعه الثلث فيعتق، والمراد من المسألة في هذا الموضع القول إنه يعتق ولا يتبع بشيء. واختلف إذا أوصى مسألة كله ولا وارث له، فقيل: ليس ذلك له لقول الله -عز وجل-: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} [النساء: 33]، فلكل ميت وارث، وإن لم يعرف تصدق به عن الوارث، وقيل: وصيته ماضية. وحكم من بعُد ولم يعرف حكم العلم. أو يبقى المال على حكم الميت يصرفه لمن أحب قياسًا على الولاء إذا كان العبد المعتق من العرب إنَّه يورث بالولاء، ولو حمل (¬1) على أنه هناك وارث لا يعرف لتصدق به عنه، ولم يورث بالولاء، وهذا إذا أوصى به للأغنياء أو في وجه لو تولاه الإمام صرفه في غيره. وأمَّا إن جعله في الفقراء أو فيما لو رفع إلى الإمام لفعل (¬2) به مثل ذلك أو يراه سدادًا (¬3) لم تغير وصيته؛ لأنه فعل صوابًا، وللاختلاف في ذلك إذا مات عن غير وصية، هل يجري مجرى الفيء ويحل للأغنياء أو يكون مقصورًا على الفقراء؟ واستشهد من أجازه للأغنياء بمسألة الولاء، ولا يصح أن يسوغ للأغنياء بعد القول إنَّ هناك وارثًا لم يعرف على اللقطة. وقال ابن نافع وغيره فيمن اشترى أخاه في مرضه ولا يحمله ثلثه: لم يعتق منه إلا ما حمل الثلث، إلا ألا يكون له وارث فيعتق من ماله كله، ويأخذ الفضل وأباه ابن القاسم، ورأى أنه لا يرث إذا لم يحمله الثلث، وإن لم يكن له وارث (¬4)، والأول أبين للخلاف في ذلك. ¬

_ (¬1) قوله: (ولو حمل) ساقط من (ف). (¬2) في (ق 7): (لقضى). (¬3) في (ق 7): (سديدًا). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 367.

فصل [في دخول الوصايا فيما لم يعلم به الموصي]

فصل [في دخول الوصايا فيما لم يعلم به الموصي] اختلف في دخول الوصايا فيما لم يعلم به الموصي، وأرى أن يكون ذلك على ثلاثة أقسام (¬1): فإن كانت الوصية بالثلث لم يكن لأهل الوصايا سوى ثلث (¬2) ما علم به كان لواحد أو لجماعة، معينين أو مجهولين؛ لأنه هو الذي أعطاهم الميت فلا يزادون فوق ما أعطاهم. وإن كانت الوصية بغير الثلث لواجبات عليه من زكاة , أو عتق عن ظهار، أو قتل نفس، أو كفارات، أو هدي، وضاق الثلث أتمت مما لم يعلم به؛ لأن الميت قد قصد أن ينفذ ذلك عنه، وأنه كالدين عليه ورغب في إبراء ذمته ومراعاة لقول ابن شهاب إنَّه لا يتهم في ذلك، وإنَّه يخرج من رأس المال. وإن كانت الوصية بتطوع، وقال لفلان عشرة، ولفلان عشرون وأعتقوا عبدي فلانًا، وللمساكين كذا، فضاق الثلث، فذلك أشكل فقد قيل: إن قصد الميت إنفاذ جميع ذلك وإتمامه من ثلثي الورثة , ولهذا يقال لهم: أجيزوا وصية ميتكم، فإن لم يجيزوا رجع إلى الثلث وإلى المحاصة أو إلى التبدية بما هو أوكد، فعلى هذا تنفذ الوصية مما لا يعلم به؛ لأنه إذا رغب في إتمام ذلك من غير ماله، وهم الورثة كان أحرى أن ينفذوه من مال نفسه. وقيل: محمل الوصية على ثلثه لا غير ذلك، فعلى هذا لا يقال للورثة أجيزوا وصية ميتكم؛ لأن الميت لم يعلق الوصية بشيء من الثلثين ولا تدخل الوصايا فيما لم يعلم به (¬3)؛ لأنه إنما قصد ¬

_ (¬1) في (ق 7): (أوجه). (¬2) قوله: (ثلث) ساقط من (ق 6). (¬3) قوله: (به) ساقط من (ف).

المحاصة في الثلث. واختلف عن مالك في المدبر في الصحة والذي ثبت عليه أنه يدخل فيما علم وفيما لم يعلم. واختلف في المدبر في المرض، والذي ثبت عليه ابن القاسم أنه لا يدخل إلا فيما علم (¬1). والفرق بين المدبرين أن الصحيح قصد إلى عتقه من محصول (¬2) ما يكون في ملكه يوم يموت، وقد يكون بين تدبيره وموته العشرون سنة وأكثر. والمدبر في المرض يتوقع الموت من مرضه ذلك، وهو عالم بمالة وإنما يقصد أن تجري أفعاله فيما علمه، وهذا إذا مات من مرضه ذلك، فأمَّا إن صح ثم مات من مرض آخر أو من غير مرض صار كالمدبر في الصحة. ويختلف في المبتل في المرض، هل يدخل فيما لم يعلم؟ وأن يعتق فيه أحسن؛ لأن الميت أعتق وهو يرجو أن يجيز له الورثة ذلك من ثلثهم، فهو في إجازة ذلك من ماله لو علم به أرغب، وكل مال مات عنه وهو لا يقدر على التصرف فيه لما تعلق به من حق الغير من خدمة، أو إسكان أو حبس على معين فراجعٌ ذلك مما علم به يدخل فيه الوصايا، وكذلك ما ذهب منه ولم يقطع سقوط ملكه عنه، وفي كتاب محمد: في الآبق إذا عَادَ غاب تدخل فيه الوصايا، وإن كان يئس منه (¬3). واختلف إذا قيل له: غرقت سفينتك فأيس منها ثم جاءت سالمة، فقال مالك في كتاب محمد: لا يدخل فيها الوصايا، وقال: يدخل فيها ولا ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 35. (¬2) في (ف) و (ق 6): (مجهول). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 398.

يشبه ما لم يعلم، ولو قتل عمدًا فقبل أولياؤه الدية، كان مما (¬1) لا يعلم به، قال ابن القاسم: ولو قال: إن قبل أوليائي (¬2) الدية فوصيتي فيها لم تدخل فيها الوصايا (¬3). قال محمد: ولكن إن عفا هو قبل موته على مال أو أوصى أن يعفى عنه على الدية دخلت فيها الوصايا (¬4)، وإن قتل خطأ ولم يكن له حياة بعد الضرب، كان كمال لم يعلم به يختلف فيه، وإن كانت له حياة كان كمال قد علم به فتدخل فيه الوصايا. قال: فإن أقر بدين لمن (¬5) يتهم عليه أو لغير ذلك ليخرج من رأس المال ولم يجز الورثة لم تدخل فيه الوصايا (¬6)، وعلى القول الآخر تدخل فيه، وهذا إذا كان الموصي (¬7) ممن يجهل ويظن أن إقراره جائز، وإن كان ممن يعلم أن لورثته ألا يجيزوا دخلت فيه الوصايا؛ لأنه كان شاكًا في خروج ذلك للمقر له كالذي يشك في الخبر عن سفينته. ¬

_ (¬1) قوله: (مما) يقابله في (ق 7) و (ف): (مالًا). (¬2) في (ف): (ولآتي)، وهما بمعنى. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 398. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 13/ 268. (¬5) في (ف): (لم). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 403. (¬7) قوله: (الموصي) ساقط من (ق 7).

باب في التبدئة والحصاص في الوصايا

باب في التبدئة والحصاص في الوصايا المأخوذ من تركة الميت من غير دين ولا ميراث، واجب ومتطوع به. والواجب ثلاثة: أحدها: ما يخرج من رأس المال بغير وصية. والثاني: مختلف فيه هل يخرج من رأس المال بغير وصية؟ والثالث: يخرج من الثلث إن أوصى به، وقد تجتمع هذه الأقسام في الزكاة فإن كانت مما لم يفرط فيها وهي زكاة حب أو ثمار، أخرجت من رأس المال بغير وصية، وكذلك زكاة الماشية إن لم يكن ساع. واختلف في زكاة العين إذا علم وجوبها ولم يفرط. فقال ابن القاسم: إن أوصى بها أخرجت من رأس المال، وإلا فلا تخرج من ثلث، ولا رأس مال (¬1). وقال أشهب: تخرج من رأس المال، وإن لم يوص (¬2)، وهو أحسن لاجتماعهما على زكاة الحب والثمار أنها تخرج من رأس المال وإن لم يوص ولا فرق بينهما، ويقول ابن القاسم إنها بعد الوصية من رأس المال، وإن وصى بزكاة فرط فيها أخرجت من الثلث. وقال ابن شهاب: من رأس المال. وقال محمد فيمن علم منه أنه لا يخرج زكاته، ولعله قيل له: في مرضه أخرج زكاة مالك، فقال: لا فإذا برئت أخرجتها: فلا تخرج عنه إن لم يوص بها. يريد: فتخرج من ثلثه، والقياس أن ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 389. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 389.

تخرج من رأس المال. وقال محمد في كتاب العتق الأول فيمن تمتع بالعمرة إلى الحج ثم مات عند انقضاء حجه ونفره ولم يهد عن تمتعه: يؤدى ذلك عنه من رأس المال، وإن فرط لم يؤد من ثلث ولا رأس مال، وعلى هذا من وجب عليه عتق رقبة من ظهار فإن لم يفرط أعتق عنه من رأس المال، وإن كان فرط لم يعتق عنه. والموصى به أربعة أوجه (¬1): أحدها: ما جاء به القرآن. والثاني: ما جاءت به السُّنة. والثالث: ما أوجبه الموصي عن نفسه. والرابع: ما أوصى به ولم يوجبه، فإن اجتمع ذلك في وصيته وضاق الثلث ابتدئ بما جاء به القرآن، فإن فضل شيء ابتدئ فيه بما جاءت به السنة، فإن فضل شيء صرف فيما تطوع به وقد يبتدأ بما جاء في السنة قبل ما جاء في القرآن في بعض المسائل، والذي أوجبه الله -عز وجل- في أموال عباده: الزكاة، والعتق عن القتل، والعتق عن الظهار، والإطعام والنسك، والإطعام عن إماطة الأذى، والهدي، والإطعام عن التمتع والهدي، والإطعام عن جزاء الصيد والعتق، والإطعام والكسوة عن اليمين بالله -عز وجل-، فإن اجتمع ذلك في وصية بدئ بالآكد فالآكد (¬2)، فتبدى زكاة الأموال، ثم زكاة الفطر، ثم الهدي، ثم الكفارة عن إفطار رمضان؛ لأن الزكاة لا مدخل له في وجوبها، وما دخل من وصم في الحج والصوم، فهو أدخله على نفسه، ويبدى هدي التمتع على الفدية؛ ¬

_ (¬1) قوله: (أوجه) ساقط من (ق 7). (¬2) في (ق 1): (الأوكد فالأوكد).

لأن المفهوم من القرآن أنه (¬1) آكد لعموم (¬2) التخيير فيه، ولأن الصوم عنه عشرة، وعن الفدية ثلاثة. وتبدى الفدية على هدي الفساد؛ لأنها بالقرآن، ولأنها عن وصم (¬3) في حج صحيح فكان جبر ما دخل فيه أولى من الهدي عن الفساد؛ (¬4) لأنَّ الفاسد أتى ببدله صحيحًا، وإنما الهدي عن الحج المتقدم الذي لم يعتد به وصار في حكم الساقط، وكذلك إن كان هدي عن حج صحيح، وكفارة عن تعمد في رمضان بدئ بما كان في الحج؛ لأنه يجبر به ما انثلم من حجة الإسلام والإفطار قد قضاه وأتى به صحيحًا، وإنما الكفارة عن الفاسد الذي سقط حكمه , وإن كان الهدي عن فساد والكفارة عن إفطار لم يقدم أحدهما على الآخر وهما مقدمان على العتق في (¬5) القتل والظهار؛ لأن الأوليين عن انتهاك القرب التي هي دعائم الإسلام، وعن وصم في فرض فرضه الله -عز وجل-، والآخران عن شيءٍ أدخل نفسه فيه لم يكن أصله فرضًا (¬6). واختلف في الكفارة عن القتل والظهار، فقيل: تبدى الكفارة عن القتل، وقيل: هما سواء، والأول أحسن؛ لأنه قد فهم أنه آكد لما لم ينقل منه إلى إطعام. قال ابن القاسم في العتبية: ولأن الظهار مختلف فيه، فقد قال بعض الناس: إن وطئ قبل أن يكفر ثم طلقها فالكفارة ليست بواجبة. قال: وهو ¬

_ (¬1) قوله: (أنه) ساقط من (ق 6). (¬2) في (ق 7): (لعلم). (¬3) في (ق 6): (صوم). (¬4) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (لأنها بالقرآن. . . أول من الهدي عن الفساد) يقابله في (ق 7): (عن). (¬6) قوله: (فرضًا) ساقط من (ف).

فصل [في حكم الوصية إذا كانت بأشياء متعددة ليس بعضها أولى من بعض]

قول أهل المشرق، وبعض من أرضى من أهل المدينة (¬1). وأرى أن يبتدأ بالعتق عن القتل، فإن فضل شيء أطعم عن الظهار. واختلف بعد القول إنههما سواء، فقيل:] (¬2) بقرع بينهما، وقيل: ذلك للورثة يعتقون عن أيهما شاءوا ثم كفارة الأيمان (¬3). وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: إذا أوصى بزكاة فرط فيها وبزكاة فطر وكفارة ظهار وقتل وجزاء صيد وكفارة أيمان، فهذه الواجبات كلها لا يبدى بعضها على بعض (¬4)، وهذا خارج عن المعروف من المذهب. فصل [في حكم الوصية إذا كانت بأشياء متعددة ليس بعضها أولى من بعض] وإن لم يكن في الوصايا شيء مما تضمنه القرآن أو جاءت به السنة وكانت كلها وصية ولم يوجب شيئًا، تحاصوا إلا العتق، فإنه يبدى. قال مالك: السُّنة المعمول بها أن العتق مبدى على الوصايا إذا كان بعينه (¬5). وقال أشهب (¬6): بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبا بكر، وعمر قضوا بذلك وإن كانت وصايا وبتل بدي البتل على الوصايا إلا أن تكون الوصية بشيء مما تضمنه القرآن ويعلم أنه أراد به براءة ذمته كالزكاة والعتق عن القتل والظهار فيبدى إذا أوصى بذلك ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 178. (¬2) في (ق 7): (هل). (¬3) قوله: (ثم كفارة الأيمان) ساقط من (ق 7). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 387. (¬5) انظر: المدونة: 4/ 354. (¬6) سقط من (ق 7).

قبل البتل (¬1) وإن أوصى به بعده يدي ما بتله (¬2) قبل (¬3). قال في المدونة: الزكاة تبدى على المدبر في المرض والمبتل (¬4)، فإن بتل عتق عبدين في كلمة، تحاصا. وقيل: يقترعان، وإن أعتق واحدًا بعد واحد يدي الأول؛ لأنه ليس له أن يحدث ما ينقص عتق الأول، بن اختلفت صفة التبتيل يدي الآكد ومن يرى أن الميت آثره على الآخر. والتبتيل على خمسة أوجه: وهو أن يقول للعبد: هو حر الآن. والثاني: هو حر بعد موتي مت أو عشت وأوجبت أَلَّا أُغَيِّرَ ذلك. والثالث: هو حر بعد موتي وأوجبت له ألا أغير وصيتي (¬5)، وإن عشت فهو رقيق. والرابع: هو حر ما لم أغير وصيتي، وإن عشت فهو حر، فبتل له العتق وإن عاش. والخامس: هو حر بعد موتي ولا أغير وصيتي، وإن عشت فهو حر متى مت، وهذا في المدبر في المرض. وهذا كله تبتيل؛ لأن البتل: القطع، والإنجاز، ورفع الخيار، إما جملة أو في إحدى الحالات إلا أن أحكامه مختلفة. ¬

_ (¬1) في (ف): (القتل). (¬2) قوله: (بتله) يقابله في (ف): (أوصى به). (¬3) قوله: (البتل. . . قبل) ساقط من (ق 6). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 388. (¬5) قوله: (وصيتي) يقابله بياض في (ف).

وقال مالك في المدونة: في المبتل والمدبر في المرض يتحاصان (¬1). وقال في المجموعة: إلا أن تكون لهم أموال مأمونة فيبدى المبتل (¬2)، وكذا على أصله مبتلان: أحدهما: عجل (¬3) له العتق في المرض، وأخر الآخر لبعد الموت يتحاصان (¬4)، ورأى أن الأمر الذي (¬5) بينهما يسير فكان بمنزلة موصى بعتقه إذا مات، والآخر إلى أجل قريب أنهما يتحاصان. وقال مطرف عن مالك في كتاب ابن حبيب: إنَّ المبتل يبدى. وهو أحسن، وهو أن يبدى من عجل له العتق في المرض على المدبر وعلى المبتل بعد الموت؛ لأن الميت وكل أولئك للفاضل بعد الموت، ثم المدبر في المرض والمبتل لبعد الموت عاش أو مات لا يبدى أحدهما على الآخر على ظاهر المذهب، وقال ابن أبي (¬6) أويس في المبسوط: يبدى المبتل وهو أحسن (¬7)؛ لأنه آثره إن عاش كان حرًا وأخر الآخر لبعد الموت، ثم من جعل لنفسه فيه الخيار إن عاش، ثم من جعل فيه الخيار ما لم يمت، وكل هؤلاء مبدون على من وصى بعتقه ولم يوجب له العتق في حالة من الأحوال. وقال محمد: اختلف قول مالك في عتق المبتل في المرض مع عتق الوصية. يريد: إذا أوصى بعتقه وأوجب ألا تغير وصيته ولم يرد أنه أوصى به وجعل ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 387. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 405. (¬3) قوله: (وقال في المجموعة. . . عجل) يقابله في (ق 6): (جعل). (¬4) قوله: (عجل له العتق. . . يتحاصان) ساقط من (ق 7). (¬5) قوله: (الذي) ساقط من (ق 7). (¬6) قوله: (أبي) ساقط من (ف). (¬7) قوله: (وهو أحسن) زيادة من (ف).

لنفسه الخيار. وقال أشهب: يتحاصان، وكأنه قال: أنتما حران إن مت وإن عشت فأنت يا فلان حر (¬1). أي أوصى بعتقهما، وله أن يغير وصيته فيهما ما لم يمت فإن مات كانا حرين، كان عاش كان هذا حرًا والآخر رقيقًا فسوى بينهما في المرض ما لم يمت أنه يرجع عنهما إن شاء، وإنما فرق بينهما إذا عاش فالبتل وقع ها هنا لبعد الموت ولم يرد أنه عجل عتقه فيحاص به الموصى بعتقه، وكل هذا إذا كان العتق في كلام واحد بكتاب أو بغير كتاب، وإن كانا مفترقين يدي الأول فالأول إذا كان إيجابًا لا خيار فيه، وإن جعل لنفسه الخيار في واحد ما لم يمت، وإن عاش فهو حر ثم بتل عتق آخر فإن مات بدئ المبتل، وإن عاش أعتقا جميعًا، وإن كان عليه دين بدئ الأول الذي أوجب عتقه؛ لأنه لم يكن له أن يحدث ما يمنع ما أوجب للأول إن عاش، قال محمد فيمن بتل عتق عبده في مرضه ثم استدان دينًا يحيط بمالة فإن صحَّ نفذ عتقه، وإن مات من مرضه بيع للغرماء (¬2)، فإن قال في عبد هو حر بعد موتي وفي آخر هو حر بعد سنة بدئ بالمعجل. واختلف إذا قال في الآخر: هو حر بعد شهر، فقال مالك وابن القاسم: يتحاصان والشهر قريب (¬3). وقال أشهب في كتاب محمد: يبدى المعجل إلا أن يكون الأجل اليوم واليومين والثلاثة (¬4). وقال محمد: وإن كانا مؤجلين بعيدين وأحدهما أبعد تحاصا. وقال ابن القاسم: إن كان أحدهما إلى سنة والآخر إلى عشر سنين أو عشرين سنة تحاصا (¬5). والقياس أن يبدى الأقرب؛ لأن المفهوم ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 381. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 388. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 353. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 377. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 379.

من الميت أنه آثره على صاحبه بتعجيل العتق، ولا فرق بين أن يكون أحدهما عتيقًا من غير أجل والآخر إلى سنة والآخر إلى عشر؛ لأن الميت سوى بينهم في أن جعل في كل واحد عتقا وخالف في التعجيل، وإن عجل عتق أحدهما بغير مال والآخر على مال أو أوصى بأن يكاتب بجعل (¬1) بدئ بالذي لم يجعل عليه مالًا ولا كتابة. واختلف إذا عجل المال، فقال ابن القاسم: يتحاصان (¬2). وقال غيره: التبدية (¬3) على حالها، وهو أحسن؛ لأن المراعى قصد الميت فيما جعل لهما ليس ما تطوع به الآخر بعد الموت، وإن عجل الميت العتق لأحدهما وأخر الآخر إلى سنة فأسقطت الورثة عنه الخدمة، أو جعل الخدمة لرجل سماه وأسقطها عنه لم يتحاصا، فكذلك تعجيل المال، وإن قال: أعتقوا هذا وضعوا عن هذا كتابته، يتحاصا، وإن قال: ضعوا عن هذا كتابته (¬4) وكاتبوا هذا، يدي من وضعت كتابته على من يكاتب. واختلف إذا قال: كاتبوا هذا وأعتقوا الآخر إلى سنة , فقيل: يتحاصان ثم يعتق من كل واحد منهما في الحصاص بتلا (¬5)، وقيل: يبدى المعتق إلى أجل لأن المكاتب يرقب فيه العجز فإن لم يحمله الثلث خُيِّر الورثة بين أن يعتقوه إلى الأجل، أو (¬6) تكون لهم الخدمة، أو يعتقوا ما حمل الثلث منه بتلًا. ¬

_ (¬1) قوله: (بجعل) زيادة من (ق 6). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 353. (¬3) في (ف): (التسوية). (¬4) قوله: (تحاصا، وإن قال ضعوا عن هذا كتابته) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (بتلا) ساقط من (ف). (¬6) في (ق 7): (و).

واختلف إذا حمله الثلث، فقيل: يعتق إلى الأجل؛ لأن الميت لم يجعل له من المعتق أكثر من ذلك فلا يزاد على ما جعل له الميت بخلاف إذا لم يحمله الثلث، وقيل: يعتق بتلًا؛ لأنَّ الوصايا إذا عالت على الثلث ولم يجز الورثة خرجوا من ثلث الميت، فإن أعتق هذا إلى الأجل بقيت لهم الخدمة وهي بقية الثلث فيكونون لم ينفذوا وصية الميت ولا خرجوا من جميع الثلث، وهذا الجواب فيما كان في ملكه، وإن كانا في غير ملكه فقال: اشتروا عبد فلان وعبد فلان ثم أعتقوهما، والثلث قدر أحدهما ورضي السيدان بالبيع تحاصا، وإن لم يرض أحدهما أعتق جميع الآخر لأن الميت كان يترقب ألا يرضي أحدهما، وقيل في هذا الأصل: إنَّ للورثة أن يتحاصوا بما ينوب الآخر، قاله مالك فيمن أوصى لرجلين لكل واحد منهما بعشرة فلم يرض أحدهما هل يحاص بنصيبه ويكون الذي ينوبه كمال لم يعلم به؟ واختلف إذا كان أحدهما معينًا والآخر غير معين، فقال مالك: يبدأ بالمعين (¬1). وقال الليث وابن أبي حازم في كتاب محمد: يتحاصان. والأول أحسن، وإنما الحصاص للمعينين؛ لأن كل واحد منهما يقوم بحقه ويقول: ليس هو أحق به (¬2) مني ولا مقال لغير معين، ولأن السلامة من عيب الشرك أولى؛ لأن عتق البعض ضرر عليه في الموارثة والخراج وكثير من أموره على أحكام العبدية (¬3). واختلف إذا كان أحدهما في ملكه والآخر معين في غير ملكه، فقال ¬

_ (¬1) انظر: المعونة: 2/ 529. (¬2) قوله: (به) زيادة من (ف). (¬3) في (ق 1): (العبودية).

فصل [فيما إذا كانت هبات وبتلها معا، وما إذا كانت مفترقة]

مالك: يتحاصان، وقال في كتاب (¬1) محمد: يبدأ بالذي في ملكه، وهو أبين لأن الميت مترقب في الذي في غير ملكه هل يباع أم لا؟ وليس يقصد أن يؤخر عتق من في ملكه، حتى ينظر هل يباع الآخر؟ وإن كان الذي في غير ملكه غير معين بدئ بمن هو في يديه قولًا واحدًا. فصل [فيما إذا كانت هبات وبتلها معًا، وما إذا كانت مفترقة] وإن كانت هبات وبتلها معًا تحاصا، وإن كانت مفترقة بدئ بالأول فالأول. ويختلف إذا حوز (¬2) الثاني هل ينقض ويبدى الأول لأنه بمنزلة صحيح وهب هبة ثم وهبها لآخر وقبضها الثاني ثم تنازعاها ولم يقع فلس ولا موت، فاختلف هل يكون الأول أولى أو الحائز؟ وكذلك حوز الثاني لا ينقض ليتم حوز الأول (¬3)؛ لأنه لو وهب في المرض هبة لرجل ثم وهبها لآخر وحازها الثاني ثم تنازعها من وهبت لهما لكانت على الخلاف؛ لأنه وإن كان هبة المرض لا تحتاج إلى حوز لما كانت في الثلث، فإنها بمنزلة الصحيح إذا حاز الثاني ولم يقع فلس ولا موت فلا يكون حوز الثاني في الهبة الثانية أدنى رتبة من الهبة الواحدة إذا حازها الثاني. وإلى هذا ذهب ابن الماجشون إلى أنه يراعى الحوز في مثل هذا وإن كانت الهبة في المرض، وخالفه أصبغ (¬4). وإن بتل ¬

_ (¬1) قوله: (في كتاب) ساقط من (ق 7). (¬2) في (ف 7) و (ف): (جوز). (¬3) في (ق 7) و (ف): (هبة الأول). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 143، 144.

هبة في المرض ووصى بأخرى يدي المبتل منها على الموصى له. ويختلف إذا بتل واحدة في المرض وأخرى لبعد الموت هل يبدى ما بتله في المرض أو يتحاصا حسبما تقدم في المعتقين؟ وإن كان عتقًا وعطية وبتلهما معًا بدئ العتق. قال ابن الماجشون لحرمته، وكذلك إن لم يكونا معًا وبدي العتق، وإن بتل الهبة ثم أعتق في مجلس آخر فإن كان قد حوز الهبة قبل العتق بديت. ويختلف إذا لم يحوز الهبة، فقال أشهب وعبد الملك: تبدى الهبة على العتق، وعلى القول الآخر يبدى العتق؛ لأن العبد حائز لنفسه، وإن لم يحرم (¬1)، وعلى القول الآخر إنَّ حوز الثاني فوت يمضي العتق، وعلى القول الآخر ينقض العتق لتتم الهبة، وإن باع في المرض وحابى كان حكم المحاباة حكم هبة التبتيل، فإن كان معه وصية بمال بديت المحاباة، وإن كان معه عتق بتل قارن (¬2) البيع يدي العتق، وكذلك إن بتل العتق قبل، ويختلف إذا كان العتق بعد المال (¬3). تمَّ كِتَابُ الوصايا الأول مِن التبصرة, والحمدُ للهِ حَقَّ حَمْدِهِ ¬

_ (¬1) في (ف) و (ق 7): (يحز). (¬2) في (ف): (فارق). (¬3) في (ف): (الملك).

كتاب الوصايا الثاني

كتاب الوصايا الثاني النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ق 2) = نسخة القرويين رقم (370) 3 - (ق 6) = نسخة القرويين رقم (368) 4 - (ق 7) = نسخة القرويين رقم (367)

باب في اختلاف الشهادة في الوصية

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلي الله على سيدنا محمد وآله صحبه وسلم كتاب الوصايا الثاني باب في اختلاف الشهادة (¬1) في الوصية (¬2) وإذا شهد شاهدان بوصية الثلث، وشهد وارثان أنه أوصى بعتق هذا العبد وهو الثلث، وكانت الشهادة عن مجلسين، لم ينظر إلى أعدل البينتين، وكانت الشهادة بالعتق أولى إذا كان العبد ممن لا يرغب في ولائه. واختلف إذا كان ممن يرغب في ولائه، وكان في الورثة نساء أو لم يكن، فقال ابن القاسم: الشهادة بالثلث أولى (¬3). وقال محمد: الشهادة بالعتق أولى (¬4). وهو أحسن؛ لأن الولاء أمر يبعد رجوعه ولا يتهم فيه الآن، وأرى الشهادة بالثلث أولى ليس للتهمة في الولاء، والتهمة ها هنا في الفرار من الشركة في كل ما يخلفه الميت من ثوب ومسكن وغيره، فيسكن معهم الدار ويستخدم العبد (¬5) ويدعوهم إلى البيع، ولو كانت الوصية بالثلث للمساكين، لكان ¬

_ (¬1) في (ق 7): (الشهادات). (¬2) في (ق 6): (الوصايا). (¬3) انظر: المدونة (4/ 356). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 599. (¬5) في (ق 6): (العبيد).

أخف، وإن اختلفت (¬1) الشهادة عن مجلس واحد، كان (¬2) تَكَاذُبًا، فإن كان العبد ممن لا يرغب في ولائه قضي بأعدل البينتين للعتق أو للثلث، وإن تكافأتا في العدالة وقف بعضها بعضًا، ويعتق العبد بإقرار الورثة إذا لم يكن معهما غيرهما، وقد اختلف في هذا الأصل، فقيل: قد اتفقت الشهادات على وصية الميت، وأنها تستغرق الثلث، فعلى الورثة أن يخرجوا من الثلث لأهل الوصايا فيقتسمونه بينهم، فيأخذ الموصى له بالثلث نصف وصيته، ويعتق نصف العبد، وهو أبينها. وإن شهد شاهدان أنه وصى بالثلث، وشهد وارثان أنه رجع عنه إلى عتق هذا العبد، وكان ممن لا يرغب في ولائه، كان العتق أولى على مذهب ابن القاسم، وإن شهد وارثان بالثلث لرجل، وشهد شاهدان أنه أوصى بالثلث لآخر (¬3)، والشهاداتان عن مجلسين قضى بجميعهما وكان الثلث بين الموصى لهما نصفين، وإن كانت الشهادتان عن مجلس قضى بأعدلهما. واختلف إذا تكافأتا (¬4) هل تقسم بينهما أو يكون لمن شهد (¬5) له الورثة؟ وأن يقسم (¬6) بينهما أحسن. وإن كان الورثة أدنى عدالة فقضي بالثلث للآخر، كان لمن شهد له الورثة ثلث الباقي، وقيل: له الثلث كله، وكذلك في العتق إذا كان الحكم أن يبدأ بالثلث، ثم صار العبد إلى الشاهدين من الورثة، فقال ابن ¬

_ (¬1) في (ق 6) و (ق 7): (اختلف). (¬2) في (ق 2): (لكان). (¬3) في (ق 2): (لرجل آخر). (¬4) في (ق 2): (تكافئا). (¬5) في (ق 2): (شهدت). (¬6) في (ق 7): (تقسم).

القاسم: يعتق جميعه ويكون الغصب على الورثة. وقال أشهب: يعتق ثلثاه، وهذا إذا اقتسما حتى صار العبد إلى الشاهدين، فأمَّا مع بقاء الشركة مع البنات، فإنه لا يعتق من العبد شيء؛ لأنَّ عتق نصيب من أقرَّ عيب على البنات.

باب فيمن أوصى بخدمة عبد وبمرجعه إلى عتق، أو إلى فلان أو أوصى مع ذلكـ بدنانير أو بالثلث

باب فيمن أوصى بخدمة عبد وبمرجعه إلى عتق، أو إلى فلان أو أوصى مع ذلكـ بدنانير أو بالثلث وقال مالك فيمن أوصى بخدمة عبده (¬1) لرجلٍ سنة ثم هو حر فلم يحمله الثلث ولا أجازت الورثة: عتق منه ما حمل الثلث بتلًا، وسقطت الخدمة (¬2). وقال أيضًا: ينظر إلى ما حمل الثلث منه فيخدم فلانًا سنة ثم يعتق ذلك الجزء بعد انقضائها (¬3). ولم يختلف أنه إذا جعل المرجع بعد الخدمة إلى فلان فضاق الثلث أنه لا يبدى أحدهما على الآخر، وإنما يقطع لهما من ذلك العبد بما حمل الثلث، ثم يختدم الموصى له بالخدمة ذلك الجزء، فإذا انقضت عاد إلى من جعل له المرجع ولم يجعل صاحب الخدمة بمنزلة من جعل له التبدية من الثلث فيقطع له بجميع الثلث إذا لم يحمل (¬4) الوصايا، وإنما قصد الميت قسمة ذلك بينهما فجعل لهذا خدمة ولهذا مرجعًا، ولهذا قال مالك مرة: إنه إذا جعل المرجع إلى عتق لا يبدأ العتق؛ لأن الميت ساوى بين الوصيتين ولم يبدِ إحداهما على الأخرى. وإن قال: يخدم عبدي فلانًا سنة ولم يحمله الثلث ولم يُجِزْ الورثة، قطع للموصى له بالثلث شائعًا، وإن قال: له خدمته حياة العبد قطع له في عين (¬5) ¬

_ (¬1) في (ق 2): (عبد). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 357. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 357. (¬4) في (ق 2): (يجعل). (¬5) في (ق 2): (عتق).

العبد بخلاف الأول؛ لأنَّ هذا أخرج العبد جملة عن الورثة فأشبه إذا أوصى برقبته، والأول فيه معاوضة؛ لأنه أخذ من خدمة العبد فوق نصيبه على أن أعطاهم (¬1) ماله (¬2) فيه من المرجع، وكذلك إن قال: يخدم ورثتي سنة ثم مرجعه لفلان فيه معاوضة من الميت، فإن لم يجيزوا قطعوا له بالثلث. كان قال: يخدم فلانًا سنة ثم ورثتي سنة ثم مرجعه لفلان فلم يحمله الثلث، قطع للموصى لهما بالثلث شائعًا هذا بقيمة خدمته سنة والآخر بقيمة المرجع بعد سنتين، وإن أوصى بخدمة عبد وبعتق آخر وضاق الثلث، يدي بالعتق، وإن أوصى برقبة الآخر (¬3) لفلان تحاصا هذا بقيمة الخدمة على غررها والآخر بقيمة الرقبة، فما ناب المخدم أخذه شائعًا، وما ناب الآخر قطع له به في العبد، وإن قال: يخدم عبدي فلانًا عشر سنين ثم هو لفلان، وقال في آخر: هو لفلان، تحاصا فيضرب الموصى لهما (¬4) بالخدمة والمرجع بقيمة ذلك العبد بتلًا؛ لأنَّ الميت أخرج جميعه لهما ويضرب الآخر بقيمة العبد، فما ناب المخدم خدم الموصى له بالخدمة ما حمل الثلث منه, ثم كان مرجع ذلك القدر لمن جعل له، وما ناب الآخر أخذه في عين ذلك العبد أيضًا، وإن قال: يخدم عبدي فلانًا عشر سنين ثم هو حر ولفلان مائة دينار، فكان الثلث: العبد وخمسين دينارًا، أخذه الموصى له بالمائة وهي نصف وصيته وأخذ الآخر نصف الخدمة, ثم تحاصا في باقي الخدمة هذا بخمسين دينارًا وهذا بقيمة نصف (¬5) الخدمة، فإن ¬

_ (¬1) في (ق 7): (أعطى). (¬2) زاد بعده في (ف). (من) (¬3) في (ق 2): (برقبته لآخر). (¬4) في (ق 6): (له). (¬5) في (ق 2): (بنصف قيمة).

كانت قيمتها خمسين كانت (¬1) الخدمة بينهما نصفين، وإن كان العبد كفاف الثلث تحاصا في (¬2) خدمته، هذا بقيمة الخدمة وهذا بمائة دينار، فإن كانت قيمة (¬3) الخدمة مائة اقتسماها نصفين، فإن مات العبد بعد خمس سنين كان فيه قولان: فقيل: ذلك حكم مضى ولا رجوع لأحدهما على الآخر، وقيل: ينقض الأول ويرجعان إلى ما كشف الغيب وقد كان الحكم المحاصة (¬4) بالخدمة خمس سنين فيحاص الآن بقيمة الخدمة على ألا غرر فيها (¬5)، والآخر بالمائة فيغرم المخدم الفاضل عنده, وإن خلف العبد مائة دينار أخذها الموصى له بالعين (¬6)، ورجع المخدم على صاحبه بقيمة ما أخذ من الخدمة, وإن خلف العبد خمسين دينارًا (¬7) أخذها الموصى له بالعين وهو نصف وصيته، ويكون للمخدم نصف الخدمة وهي سنتان ونصف وقد صارت إليه، ثم يرجع على صاحبه في سنتين ونصف (¬8) يتحاصان فيها، والقول الأول أحسن لأنَّه (¬9) حكم قد مضى وقد كانت القيمة (¬10) في الخدمة (¬11) تلك العشر سنين على غررها، وإنما قومت ما تساوى (¬12) مع إمكان أن يموت ¬

_ (¬1) في (ق 6): (كانت قيمة). (¬2) قوله: (في) ساقط من (ق 7). (¬3) قوله: (قيمة) ساقط من (ق 6). (¬4) في (ق 2): (المحاص). (¬5) قوله: (ألا غرر فيها) يقابله في (ق 2): (غررها). (¬6) في (ق 2): (بالعتق). (¬7) قوله: (دينارًا) ساقط من (ق 6). (¬8) قوله: (صارت إليه، ثم يرجع على صاحبه في سنتين ونصف) ساقط من (ق 2). (¬9) في (ف) و (ق 2) و (ق 6): (أنه). (¬10) قوله: (القيمة) ساقط من (ق 6). (¬11) في (ق 2): (بالخدمة). (¬12) في (ق 2) و (ق 7): (بما تسوى).

فصل [فيمن أوصى بخدمة عبد من غير توقيت أو أوصى بالخدمة لرجل وبالرقبة لغيره]

العبد قبل، فلا يكون لمشتر تلك المنافع سوى ما قبض، وإذا كانت القيمة على هذه الصفة فلم يكشف الغيب أكثر مما كانا دخلا عليه، ويتحاص على غير هذا القول مما ترك العبد على ما كان يتحاصان في الخدمة قبل موته (¬1)، وإن لم يحمل الثلث إلا نصف العبد، ولم يجز الورثة أعتق نصف العبد بتلًا، وسقطت الخدمة والوصية بالمال، فإن قال الورثة: نحن نجيز عتق جميعه إلى الأجل، وسلم أهل الوصايا نصف الخدمة، كان ذلك لهم، ولم يكن للموصى لهما في ذلك مقال؛ لأنَّ الورثة لم ينتفعوا من ثلث الميت (¬2) بشيء، ولو قال الورثة: نجيز لأهل الوصايا جميع الخدمة ثم يعتق نصف العبد إلى الأجل لم يكن ذلك لهم. فصل [فيمن أوصى بخدمة عبد من غير توقيت أو أوصى بالخدمة لرجل وبالرقبة لغيره] وإن قال: يخدم عبدي فلانًا ولم يوقت، كان محمله على حياة المخدم. واختلف إذا قال لفلان: خدمة عبدي، فقال ابن القاسم: محمله على حياة العبد (¬3). وقال أشهب: على (¬4) حياة المخدم (¬5). قال: ولو أراد حياة العبد أعطاه العبد بتلًا، والأول أحسن؛ لأن متضمن قوله له (¬6) خدمة عبدي على جميعها، ¬

_ (¬1) قوله: (ويتحاص على غير هذا القول. . . الخدمة قبل موته) ساقط من (ق 6) و (ق 2). (¬2) قوله: (ثلث الميت) يقابله في (ق 2): (الثلث). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 569، والبيان والتحصيل: 14/ 34. (¬4) قوله: (على) ساقط من (ق 7) و (ق 2). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 569. (¬6) قوله: (له) ساقط من (ق 6).

ويصح أن يعطيه جميع الخدمة، ولا يعطيه الرقبة، ويبقى ميراثه وجنايته لنفسه، أو يحب أن يرى صنيعه فيه، أو يبقيه في يديه كالحبس لئلا يتلفه، وإن قال: يخدم عبدي فلانًا ومرجعه لفلان، خدم فلانًا حياته، فإن مات رجع إلى الآخر. واختلف إذا قال لفلان: خدمة عبدي ولفلان رقبته، فقال ابن القاسم: يتحاصان هذا بقيمة جميع خدمة العبد، والآخر بقيمة الرقبة (¬1). يريد على ألا خدمة فيها؛ لأنه يستحيل أن يكون جميع الخدمة لواحد حتى يموت، وللآخر الرقبة، وإنما يصح أحدهما خدمة بلا رقبة أو رقبة بلا خدمة، فلما استحال ذلك، حمل قوله على أنه أراد الحصاص، وإلى هذا يرجع قول ابن القاسم في المدونة، وإن كان اختلف لفظ أول المسألة وآخرها لأنه قال في أول (¬2) السؤال إذا قال: يخدم عبدي فلانًا، ثم قال: فأما إذا جعل لأحدهما الخدمة وللآخر (¬3) الرقبة، وعلى قوله في آخر المسألة: يصح جوابه، وهو أن يقول: لهذا خدمته ولهذا رقبته. وأما إذا قال: يخدم فلانًا ورقبته لفلان، فيبدأ من جعلت له الخدمة ويكون للآخر المرجع، وظاهر قول غيره إذا جعل لواحد خدمته ولآخر رقبته (¬4) أنه (¬5) يخدم فلانًا حياته ثم يكون مرجعه للآخر. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 429. (¬2) قوله: (أول) ساقط من (ق 2). (¬3) في (ف) و (ق 2) و (ق 6): (ولآخر). (¬4) في (ق 6) و (ق 2): (الرقبة). (¬5) في (ق 7): (أي).

فصل [فيمن أوصى بوصيتين لا يصح إنفاذهما معا]

فصل [فيمن أوصى بوصيتين لا يصح إنفاذهما معا] وإن أوصى لرجل بجميع ماله ولآخر بثلث ماله، فإن أجازت الورثة تحاصا في ماله أو باعا، ولا خلاف في ذلك؛ لأنه يستحيل إنفاذ الوصيتين، فحمل على أنه أراد الحصاص، وكذلك إن لم يجز الورثة تحاصا في ثلثه أرباعًا، وكذلك إن أوصى لرجل بنصف ماله ولآخر بثلثي ماله، تحاصا في جميعه في الإجازة أسباعًا أو (¬1) الثلث إن لم يجيزوا أسباعًا (¬2). واختلف إذا أوصى لرجل بثلث ماله، ولآخر بعبد وهو ثلثه في القيمة فأجاز الورثة، فقيل: يكون للموصى له بالثلث ثلثا الثلث، وللموصى له بالعبد ثلثاه، ويكون ثلث العبد بينهما نصفين؛ لأنه وصى بثلثه مرتين. وقيل: يكون لمن وصى له بالثلث جميع الثلث وللآخر جميع العبد؛ لأنه يصح مع الإجازة إنفاذ الوصيتين. وإن لم يجز الورثة , كان الثلث بينهما نصفين. وقيل: يبدأ صاحب الثلث ولا شيء للمعين (¬3)؛ لأن الميت إنما وصى به من ثلثي الورثة. وإن قال: لفلان عبدي هذا وقيمة ثلث ماله، ولفلان خدمة هذا الآخر وأجاز الورثة لصاحب الخدمة، كان له أن يختدمه ويقوم الورثة مقامه في المحاصة بالخدمة، فما نابه أخذوه. وقال محمد فيمن أوصى بخدمة عبده لرجل وبعشرة دنانير لآخر، ولا مال له سوى العبد فأجاز الورثة للمخدم الخدمة: فإنه يباع ثلث العبد، ¬

_ (¬1) في (ق 7): (وفي). (¬2) قوله: (أو الثلث إن لم يجيزوا أسباعًا) ساقط من (ق 2). (¬3) في (ق 7): (للمعين)، وفي (ق 2): (للعتق). .

ويتحاصان (¬1) فيه هذا بالعشرة والآخر بقيمة الخدمة فما صار للمخدم أخذه، ثم يختدم ثلثي العبد حتى يموت فيرجع العبد إلى الورثة. يريد إذا صار له في المحاصة قيمة ثلث الخدمة فأقل، فإن صار له أكثر، سلم الفاضل للورثة، ولا يزاد على وصيته، وهو بمنزلة رجل وصى لرجل (¬2) بثلث ماله، ولآخر بنصف ماله فأجاز الورثة للموصى له بالنصف، فإنه يحاص الموصى له بالثلث بجميع النصف، فما صار له في الحصاص أخذه، ثم أعطى الورثة تمام النصف وقد ذكرت فيما بعد إذا أوصى لرجل بثلث ماله، ولآخر بنصف ماله فأجاز الورثة لصاحب النصف (¬3). ¬

_ (¬1) في (ف) و (ق 2) و (ق 6): (فيتحاصان). (¬2) في (ق 2) و (ق 6): (لرجلين). (¬3) قوله: (وقد ذكرت فيما بعد إذا. . . لصاحب النصف) ساقط من (ق 7).

باب فيمن أوصى لرجل بخدمة عبده , ولآخر بما بقي من ثلثه وما أشبه ذلكـ

باب فيمن أوصى لرجل بخدمة عبده , ولآخر بما بقي من ثلثه وما أشبه ذلكـ وقال ابن القاسم فيمن أوصى لرجلٍ بخدمة عبده حياته، ولآخر بما بقي من ثلثه فكان العبد كفاف الثلث: أنفذتْ الخدمة لمن أوصى له بها، وكان للآخر مرجع العبد إذا انقضت الخدمة (¬1). وكذلك إن حبس دارًا على رجل حياته وهي كفاف ثلثه كان له مرجعها بعد موت المحبس عليه. وكذلك إذا ضرب أجلًا، كان له المرجع بعد انقضاء الأجل، وإن فضل عن العبد أو الدار شيء أخذه الآن، والمرجع بعد، وإن لم يحمل الثلث قطع بثلث الميت للمخدم، وللمحبس عليه بتلًا، ولا شيء لمن وصى له بباقي الثلث؛ لأنه لم يبق من الثلث شيء، وأرى إذا قال لفلان خدمة عبدي، ولفلان (¬2) ما بقي بعده فخرج الورثة من ثلث الميت، أن يكون للموصى له بالخدمة قيمتها، وما فضل بعده للآخر. فصل [فيمن أوصى لثلاثة نفر بعبده وبعشيرة دنانير وبباقي الثلث, فمات العبد قبل النظر في الثلث] وقال محمد فيمن أوصى لرجل بعشرة دنانير، ولآخر بعبده، ولآخر بباقي الثلث، فمات العبد قبل النظر في الثلث، قال: يأخذ الموصى له بالعشرة وصيته من كل ما بقي بعد العبد كأنه لم يكن، ثم يحيى العبد بالذكر فتضم قيمته إلى ما ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 358. (¬2) قوله: (خدمة عبدي ولفلان) يقابله في (ق 6): (خدمته ولآخر).

ترك الميت، ثم يخرج من ثلث الجميع العبد والعشرة، فإن بقي شيء كان لصاحب باقي الثلث، وإلا فلا شيء له (¬1). وكذلك لو (¬2) باع ذلك العبد، لم يكن لصاحب باقي الثلث إلا ما بعده كأنه لم يبعه، أوكانت أمة فأولدها، لم يكن له إلا ما بعد قيمتها. قال مالك: وإن قال: لفلان عشرة، ولفلان ما بقي من ثلثي، ولفلان عشرة، كانت العشرة مبدأة كمثل الذي قال له ما بقي من ثلثي؛ لأن أول الوصية وآخرها سواء (¬3). قال أشهب: هو بمنزلة قوله لفلان عشرة، ولفلان عشرة، ولفلان ما بقي من ثلثي (¬4). قال محمد: وإن قال لفلان عشرة، ولفلان ما بقي من ثلثي بعدها، ولفلان عشرة، نظر ما بقي من الثلث بعد العشرة الأولى فيكون كشيء مسمى أوصى له به، ويحاص به صاحب العشرين، فما صار لصاحب باقي الثلث، أتم منه (¬5) لصاحب العشرة الأولى عشرته، ويصير الحصاص للأول أو لصاحب باقي الثلث جميعًا بالثلث، ثم يفضل الأول من ذلك بعشرة، وهذا إذا كان الثلث أكثر من عشرة، فإن كان عشرة فأقل فلا حصاص لصاحب باقي الثلث، والثلث بين صاحبي العشرتين (¬6) نصفين، وإن كان ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 410. (¬2) في (ق 2): (إن). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 406. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 406. (¬5) في (ف) و (ق 2) و (ق 6): (عنه). (¬6) في (ق 6) و (ق 2): (العشرين).

الثلث ثلاثين، كان لصاحب العشرة الأخرى سبعة ونصف، وللأول مثلها، ويأخذ تمام عشرته، ثم يبدأ بصاحب باقي الثلث، ويبقى لصاحب باقي الثلث اثنا عشر ونصف (¬1). وقال أشهب: تخرج العشرة الأولى من الثلث، فإن بقي خمسة، تحاص فيها صاحب باقي الثلث، وصاحب العشرة المبهمة، فما وقع لصاحب الباقي أخذه، وما وقع (¬2) لصاحب العشرة الآخرة أتبعه مع صاحب الأولى، فاقتسماه نصفين (¬3). والأول أبين؛ لأن الميت لم يبد الأول على الآخر بل سوى بينهما. وقال مالك: إذا قال: ثلثي لفلان، ولفلان من ثلثي عشرة دنانير، يدي صاحب العشرة، وإن قال: ولفلان عشرة، ولم يقل: من ثلثي، تحاصا، ثم رجع فقال يتحاصان وإن قال: من ثلثي (¬4). والأول أبين؛ لأنه انتزع العشرة من الثلث، وقد قال فيمن حبس على ولده وأجنبيين حائطًا وسمى لبعضهم كيلًا، وأبهم الآخرين يدي من سمى له كيلًا وهم أولى بما يخرج الحائط من الآخرين. وقال في العتبية فيمن أوصى لثلاثة نفر بثلثه (¬5)، ثم قال لفلان عشرة، ولفلان عشرون، وسكت عن الثالث فقال: للذي سكت عنه ثلث الثلث، ويعطى لهذا عشرة، وللآخر عشرون، ثم يقسم الباقي على ثلث الثلث، وعلى العشرة والعشرين بالحصاص (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 406. (¬2) في (ف) و (ق 2) و (ق 6): (بقي). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 407. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 13/ 43 و 44. (¬5) قوله: (بثلثه) ساقط من (ق 2). (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 12/ 435.

وقال أصبغ في كتاب محمد: يأخذ المسكوت عنه ثلث الثلث، ويقسم الباقي بين المسمى لهما أثلاثًا، لصاحب العشرة جزء وللآخر جزءان (¬1). وعلى قول مالك في مسألة الحائط: يبدأ صاحب العشرة والعشرين، ويكون ما بقي للمسكوت عنه. وقال ابن وهب في العتبية: إذا أوصى فقال: ثلثي لفلان، ولفلان عشرة دنانير، ولا تنقصوا صاحب الثلث شيئًا، كان الثلث كله له، ولا شيء للآخر، ولو قال: لفلان ثلثي، ولفلان عشرة، ولا ينقص منها شيء (¬2)، والثلث عشرة، كانت له ولا شيء للآخر فجعلها منتزعة من الثلث، وإن قال: لا تنقصوا صاحب الثلث، كانت العشرة من ثلثي الورثة إن رضوا وإلا فلا شيء له (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات (11/ 556). (¬2) قوله: (شيء) ساقط من (ق 6). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 13/ 295.

باب فيمن أوصى بعمارة مسجد، أو بإطعام مساكين أو إطعام رجل بعينه

باب فيمن أوصى بعمارة مسجد، أو بإطعام مساكين أو إطعام رجل بعينه الوصيةُ بالمجهول على وجهين: أحدهما: ما لا غاية له كقوله: اسقوا كل يوم راوية، أو أطعموا خبزة. والثاني: ما له غاية تنقطع بها فيضرب أجلًا ويقول: أعطوا فلانًا كل يوم درهمًا أو خبزة. فاختلف إذا كانت الوصية للمساكين، أو لعمارة مسجد، ولم يضرب أجلًا، فقيل: محمل الموصي على أنه أراد جميع المال، فيقال للورثة: أجيزوا وصيته، فإن لم يفعلوا فحينئذ يرجع إلى الثلث. وقيل: محمله على الثلث، ولا يقال للورثة شيء وهو أبين، وليس القصد من الميت أن يخرج ولده وأهله من جميع المال. واختلف إذا اجتمع في الوصية مجهولان (¬1)، عمارة مسجد وإطعام مساكين، فقيل: هو بمنزلة من وصى بمجهول واحد وقد جمعهما الثلث، وقيل: لكل وصية ثلث، فإن أجازت الورثة خرج ثلثا المال، وإن لم يُجزْ ردت إلى الثلث. ويختلف في صفة القسمة، فعلى القول الأول إن ذلك وصية واحدة بثلث واحد يفض الثلث على قيمة ما يخرج منه كل يوم، لكل واحد بانفراده، وعلى القول إنها وصايا، ولم يجز الورثة يكون الثلث بينهما نصفين، وإن وصى مع ¬

_ (¬1) في (ق 6) و (ق 7): (مجهولًا و).

فصل [فيمن أوصى بالنفقة على رجل بعينه]

ذلك بمعلوم، عاد الخلاف المتقدم في القدر الذي يحاص به المجهول إن كان مجهولًا واحدًا هل (¬1) يحاص بالثلث، أو بجميع المال ومن جعلها وصايا ضرب لكل مجهول بجميع المال، أو بالثلث على القول الآخر، والقول إن بجميعها ثلثا واحدا (¬2) أحسن، فإن ضرب أجلًا فقال: اسقوا كل يوم راوية وأطعموا كل يوم خبزة سنة أو سنتين، نظر (¬3) إلى ما ينفق في تلك السنة من تلك (¬4) الوصية، فإن كان أكثر من الثلث قيل للورثة إن لم تجيزوا فاخرجوا من ثلث الميت، وإن كان ذلك أقل من الثلث (¬5) وأخذ الورثة بقية الثلث، ثم غلا السعر، انتزع منهم تمام الثلث، وإن كان مع ذلك وصية بمعين، كان الحصاص بقدر ما ينفق في تلك السنة. فصل [فيمن أوصى بالنفقة على رجل بعينه] فإن أوصى بالنفقة على رجل بعينه، فإن الوصية على ثلاثة أوجه: إما أن يسمى السنين أو حياته، أو يطلق الوصية فلا يذكر سنين ولا حياة، فإن أطلق الوصية، كان محملها على حياة المنفق عليه. واختلف إذا قال: حياته في حد التعمير. فقيل: تسعين سنة. وقيل: ثمانين. وقيل: سبعين. وقيل: مائة، وهذا إذا كانت الوصية لواحد (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (هل) ساقط من (ق 6). (¬2) في (ف) و (ق 2) و (ق 7): (يجمعها ثلث واحد). (¬3) في (ق 2): (ينظر). (¬4) في (ق 2): (ثلث). (¬5) في (ق 7): (ثلث الميت، وإن كان ذلك أقل من الورثة). (¬6) في (ق 6): (إلى واحد). وانظر: النوادر والزيادات: 11/ 453، 454.

واختلف إذا كانت الوصية لجماعة بعد القول إنَّ الحد تسعون أو (¬1) مائة، فقال مالك: ثمانين لكل واحد (¬2). وقال محمد: سبعين؛ لأن الجماعة يحمل بعضها عن بعض فيموت بعضهم قبل السبعين، ويتأخر الآخر. والقول بالسبعين في الواحد أحسن. وإن كان الموصى له ابن سبعين، زيد عليها. وروي عن مالك أنه قال: إن كان ابن ثمانين عمر تسعين، وإن كان ابن تسعين، عمر مائة (¬3). والوصية بالنفقة على وجهين: مقيدة مثل أن يقول يعطى كل شهر دينارًا (¬4)، وكل يوم خبزة، ومطلقة. فإن كانت مقيدة، أنفذت حسبما رسمه الميت، وإن كانت مطلقة، كانت له نفقة مثله، فليس ما يعرض للرجل ¬

_ (¬1) في (ق 6): (و). (¬2) هذه المسألة مما اختلف النقل فيها عن مالك ومن هذا ما ورد في العتبية، من رواية أشهب، وابن نافع، عن مالك، فيمن أوصي لخمسة نفر بنفقتهم حياتهم، قال: يعمرون سبعين سبعين، ويجمع ما صار لهم بيد عدل فينفق عليهم منه, فكلما مات منهم أحد رجع على من بقي من الخمسة. فإن ماتوا كلهم، رجع ما بقي إلي أهل الوصايا إن بقي لهم شيء، فإن استوعبوا، رجع ما بقي إلي الورثة. وإن فرغ المال، وهم أحياء، فلا رجوع لهم بشيء على أهل الوصايا. انظر: النوادر والزيادات: 11/ 453. ومن المجموعة، وكتاب ابن المواز، والعتبية، من رواية أشهب, عن مالك؛ ذكر الوصية لنفر أن ينفق عليه أعمارهم، قال: يعمرون سبعين سبعين. قال غيره , عن مالك: يعمر ثمانين، فإن كان ابن ثمانين عمر تسعين، وإن كان ابن تسعين عمر مائة. ويعمر في كل سنة بقدر ما يري من الاجتهاد. انظر: النوادر والزيادات: 11/ 453، 454. ومن المجموعة قال ابن كنانة عن مالك، في أمهات أولاد أوصى أن ينفق عليهن حياتهن، فعمرهن مالك ثمانين. انظر: النوادر والزيادات: 11/ 454. (¬3) انظر: النوادر والزيادات 11/ 453 - 454. (¬4) زاد في (ف) و (ق 2): (وأكثر).

المتوسط، ومن له الهيئة كالمعروف بالبذاذة (¬1) والسؤال. وقال مالك في كتاب محمد: يفرض الطعام والإدام، والماء والحطب والدهن، والثياب، ولا أدري ما ثياب الصون (¬2). وقال ابن أبي حازم في كتاب المدنين: له النفقة بغير كسوة. وهو أقيس؛ لأن الذي عليه الناس اليوم أن النفقة غير الكسوة، وإنما يقولون نفقة وكسوة، ولا يرون أن ذكر النفقة يغني عن ذكر الكسوة، ولا يدخل عليه (¬3) في ذلك، وإن أوصى بدينار (¬4) كل شهر، ووصى مع ذلك بوصايا، وضاق الثلث، ضرب للموصى له بالنفقة بما وصى له على (¬5) التعمير. واختلف فيما يصير له في المحاصة (¬6) على ثلاثة أقوال: فقال محمد، وابن نافع في المجموعة: إن صار له نصف وصيته، أنفق عليه نصف دينار في كل شهر (¬7). وقال مطرف: يعطى كل شهر دينارًا (¬8). وقال أصبغ: يدفع إليه (¬9) ما صار له في الحصاص (¬10) بتلًا؛ لأن الوصية ¬

_ (¬1) في (ف): (البرادة)، وهو تصحيف وصوابه: البراذة وصي سوء الحال. (¬2) في (ق 2): (الصوف)، وانظر: النوادر والزيادات (11/ 455). (¬3) في (ف) و (ق 6) و (ق 7): (عياله). (¬4) في (ق 7): (بدنانير). (¬5) في (ق 2): (عن). (¬6) في (ق 6): (بالمحاصة). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 453. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 453. (¬9) في (ق 7): (له). (¬10) في (ق 6): (بالحصاص).

عالت (¬1). وأرى أن ينظر في ذلك، فإن كان قصد الميت أن يعطي ذلك (¬2) كل شهر لما يعلم من تبذيره، لم يعجل له، ودفع إليه دينار كل شهر؛ لأنَّ الميت قصد أن يوسع (¬3) عليه ذلك القدر من النفقة، وإن كان يعلم أن ثلثه يضيق عن جميع الوصايا، كان آكد ألا ينقص من الدينار (¬4)، وإن كان قصد الميت رفق الورثة ليخرجوه من غلات، ولئلا يبيعوا في ذلك الرقاب، أو ما أشبه ذلك، عجل للموصى له ما صار في المحاصة. وإن أشكل الأمر ولم يعلم قصده، لم يعجل، ويحمل على الظاهر أن الميت لم يرد تعجيل ذلك، وفي الباب الذي بعد: إذا أوصى بدينار (¬5) من غلة حائطه بقية ما يتعلق بهذا المعنى. وقال محمد: التعمير والنفقة من يوم الموت (¬6). واختلف إذا وقف ذلك لينفق عليه فمات قبل انقضاء التعمير، وقبل أن ينفَّذ ما صار له في المحاصة، فقال مطرف: إذا صار (¬7) له في المحاصة خمسون دينارًا، وكان أوصى له بدينار في كل شهر فأنفق عشرة، رجعت الأربعون للموصى لهم، فإن استكملوا وصاياهم، وفضل شيء رجع إلى الورثة فاقتسموه على قدر مواريثهم، وانتقاض القسمة ها هنا والرجوع إلى ما كشف الغيب حسن؛ لأن المحاصة كانت بما عمر على الكمال، ولم ينقص منها شيء لمكان ¬

_ (¬1) في (ق 2): (حالة). وانظر: النوادر والزيادات: 11/ 449، 450. (¬2) قولة: (ذلك) ساقط من (ق 2). (¬3) في (ق 2): (لو بيع). (¬4) في (ق 2): (الدنانير). (¬5) في (ق 2): (بدنانير). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 449. (¬7) في (ق 7) (ظهر).

فصل [فيمن أوصى أن تكرى أرضه من فلان]

الغرر (¬1)، ولا أرى للورثة في الفاضل شيئًا؛ لأنهم لم يجيزوا وصية الميت، وخرجوا من ثلثه فنماء ذلك الثلث، ونقصانه ومصيبته للموصى لهم وعليهم. فصل [فيمن أوصى أن تكرى أرضه من فلان] ومن أوصى أن تكرى أرضه من فلان بثمن سماه، والثلث يحملها أو لا يحمل، وأجاز الورثة، عرضت على فلان (¬2) بما سماه الميت، فإن أبى إلا أن يحط عنه من تلك التسمية، لم يكن ذلك له، وسقطت وصيته، وهو في هذا بخلاف من قال: أكروها منه، ولم يسم فإنه يوضع عنه ثلث الكراء، إلا أن يكون في التسمية هضيمة بينة مثل أن يقول: أكروها منه بعشرة، وكراؤها عشرون فيعلم أنه أراد أن يهبه نصف المنافع، فيعطى ذلك النصف بغير شيء، وإن لم يحملها الثلث ولم يجز الورثة، قطعوا له جميع (¬3) ثلث الميت في الأرض، وغيرها. ¬

_ (¬1) قوله: (شيء لمكان الغرر) ساقط من (ق 2). (¬2) قوله: (على فلان) يقابله في (ق 6): (لفلان). (¬3) في (ف) و (ق 7): (قطعوا).

باب في اختلاف الوصايا واختلاف أحكامها

باب في اختلاف الوصايا واختلاف أحكامها الوصية عشرة (¬1) فالأول: أن يكون قدرها الثلث، ويجعلها في صنف (¬2) لا يلحق الورثة بإخراجه (¬3) منه ضرر. والثاني: أن يعول على ثلثه (¬4)، ويجعله بحيث يجوز حسب الأول. والثالث: أن يوصي بالثلث، ويجعله فيما يضر بالورثة إخراجه كالذي يأخذ الحاضر ويترك الغائب، أو يأخذ النَّاضَّ ويجعل لهم الدين. والرابع: أن يعاوض ورثته ويبايعهم فيأخذ المنافع والغلات، ويترك لهم المرجع، أو يترك (¬5) لهم المنافع، ويجعل لنفسه المرجع، أو يأخذ حاضرًا دون الثلث، ويترك كثيرًا غائبًا. والخامس: أن يقصد الضرر بورثته دون البر لنفسه، وما لا ينفع في عاجل الدنيا ولا في آجل (¬6) الآخرة. والسادس: أن يجتمع في الوصية شيئان: العول على الثلث، ويجعلها فيما يضر بهم، أو يتعذر بيعه. والسابع: أن يجتمع العول والمبايعة. ¬

_ (¬1) في (ق 7): (تسعة). (¬2) في (ق 7): (نصف). (¬3) في (ق 6): (بإخراجها). (¬4) في (ق 6) و (ق 7): (ثلث). (¬5) في (ق 7): (ترك). (¬6) قوله: (لا في آجل) ساقط من (ق 6).

والثامن: أن يجتمع العول والمبايعة، ويجعلها فيما يضر بهم. والتاسع: (¬1) أن يجتمع في ذلك ما يريد به الضرر، وما يريد به البر (¬2). والعاشر: ألا يكون عول، ويريد بر نفسه، وضرر الورثة، فإن كانت التركة صنفًا عبيدًا أو ديارًا أو عروضًا فوصى بشيء بعينه من ذلك وهو الثلث فأقل، جاز وليس للورثة أن يقولوا له (¬3): الثلث شائعًا وليس له أن يأخذ ذلك المعين لنفسه. وكذلك إن كانت عبيدًا، أو متاعًا فأراد أن يأخذ أحد المصنفين، وهما في إنجاز (¬4) البيع إن أريد سواء، وليس لهم أن يقولوا: إنما يأخذ ثلث كل صنف. وكذلك إن كانت التركة عينًا فوصى بالدراهم دون الدنانير، أو بالدنانير دون الدراهم، وهو في القيمة الثلث فأقل أو كانت كلها دنانير، وهي مختلفة السكك فوصى منها بما (¬5) قيمته الثلث وهو أجود سكة (¬6)، وأدنى وزنًا أو أوزن وأدنى سكة، فترك فضل العدد لمكان جودة السكة، أو ترك فضل الجودة لمكان كثرة العدد، فذلك جائز، وإن كره الورثة، ولم ير ذلك من الرِّبا بينه وبين الورثة، وإن كانوا شركاء له بالموت. وكذلك لو خلف عينًا، ودينًا والدين دنانير ودراهم فأوصى بالدين، جاز ¬

_ (¬1) قوله: (أن يجتمع العول. . . فيما يضر بهم. والتاسع) ساقط من (ق 7). (¬2) قوله: (وما يريد به البر) ساقط من (فرنسا). (¬3) قوله: (له) ساقط من (ق 7). (¬4) في (ق 2): (إيجاز). (¬5) في (ق 2): (بمائة بما). (¬6) قوله: (سكة) ساقط من (ق 2).

إذا حمل الثلث عدده. واختلف إذا كان في العدد أكثر من الثلث، وفي القيمة الثلث فأقل، فقيل: تجوز الوصية؛ لأنَّ الدين كعرض فلو وصى له بعرض، وله عين لجاز إذا حمل الثلث قيمته، وقيل يجعل (¬1) في الثلث العدد. قال مالك: وليس له أن يوصي بالعين ويترك لهم (¬2) الدين. وأرى إذا كان الدين حالًا على موسر حاضر غير مُلِدٍّ، أو مؤجلا لا يتعذر بيعه وقيمته إن بيع الثلثان فأكثر أن تجوز الوصية، وإن كره الورثة. كما قال: لو أوصى بالعين، وجعل لهم عرضًا وهو مما لا يتعذر بيعه. وكذلك إن كانت التركة ديارًا، أو حمامات، أو حوانيت، أو عبيدًا، أو متاعًا (¬3)، فله أن يجعل ثلثه في أي ذلك أحب، وإن لم يرض الورثة إلا أن يكون الذي ترك لهم مما يتأخر بيعه بالأمر البين ويعلم أن غرضهم فيما يصير إليهم (¬4) من التركة (¬5) البيع ليس الاقتناء. والقسم الثاني: إن جعل الوصية بحيث يجوز له حسبما تقدم، وعال على ثلثه، مضت وصيته في الصنف الذي جعلها فيه، ويكون المقال للورثة في الزائد على الثلث خاصف فإن أجازوه وإلا كان لهم رد الزائد خاصة إذا كانت التركة دنانير ودراهم أو مكيلًا أو موزونًا، وإن كان فيها ربا مما لا يجوز ¬

_ (¬1) في (ق 7): (يحمل). (¬2) قوله: (لهم) ساقط من (ق 2). (¬3) في (ق 6) و (ف): (ضياعا). (¬4) في (ق 2): (لهم) (¬5) قوله: (من التركة) ساقط من (ق 6).

بين الأجنبيين مثل أن يخلف مائة شعيرًا ومائة قمحًا فوصى بالشعير وهو الثلث، فإنه يمضي ويصير إلى الورثة المائة القمح على (¬1) الثلثين. واختلف عن مالك إذا كانت التركة ديارًا أو عبيدًا أو متاعًا، فقال مرة: إن لم يجز الورثة، قطعوا بالثلث شائعًا (¬2). وقال أيضًا: يحط ذلك الزائد من الموصى به خاصة، وهو أحسن؛ لأن للميت أن يجعل ثلثه في تلك العين، وإنما مقالهم في الزائد. والقسم الثالث: إن وصى بالثلث فأقل، وجعله مما يضر بالورثة فوصى بالحاضر، وترك لهم الغائب، كان الورثة بالخيار فإن لم يجيزوا كان للموصى له ثلث الحاضر، وثلث الغائب. واختلف إذا كان عينًا وعقارًا أو عينًا وعبيدًا، وأوصى بالعين. فقال مالك: ليس له أن يأخذ العين، وبقيهم في العروض (¬3). وقال أشهب في كتاب محمد فيمن أوصى بعشرة دنانير، ولم يخلف عينًا غيرها، وله عروض وشوار ورقيق ودواب (¬4)، قال: تدفع الدنانير في الوصية وإن كره الورثة، قال: وسواء أوصى (¬5) بعشرة بعينها، أو قال: عشرة (¬6). وقال ابن الماجشون في المجموعة: إذا كان ما سوى العشرة بعيد الغيبة، أو بطئ ¬

_ (¬1) في (ق 6): (عن). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 341. (¬3) قوله: (ويبقيهم في العروض) يقابله في (ف): (ويلقيهم في العرض)، والمثبت من (ق 6). (¬4) في (ق 7): (ودور). (¬5) في (ق 7): (وصى). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 419.

البيع، خير الورثة بين أن يدفعوا الدنانير، أو يقطعوا له بالثلث من الجميع (¬1). وقال ابن القاسم في العتبية فيمن وصى بعشرة دنانير، وليس له إلا مال غائب، أو ديون على الناس فيريد (¬2) الموصى له أن يتعجل العشرة ويقول الورثة: إذا تقاضينا أعطيناك قال: يخير الورثة بين أن يعجلوا له ذلك، وبين أن يقطعوا له بالثلث، فينظر قدوم الغائب، أو يتقاضى (¬3) لنفسه (¬4). وقال في كتاب محمد: لا يخير (¬5) هنا، ويباع للوصية (¬6). قال: ومن أوصى بعشرة دنانير لرجل، وليس له إلا مائة دينار دينًا فقبض من المائة عشرة أفيخير الورثة؟ قال: لا؛ لأنه على (¬7) علم أن ماله دين، وإنما أشركه في المائة بعشرة، ولم يقل من أولها، ولا (¬8) من آخرها وقد أوصى بعشرها (¬9)، قال: ولو كان (¬10) الميت قبض منها خمسة عشر قبل أن يموت، أو كانت عنده خمسة عشر من غيرها، خير الورثة بين دفع العشرة نقدًا، أو القطع بالثلث (¬11). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 421. (¬2) في (ق 2): (فأراد). (¬3) في (ق 6): (يتقاضاه). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 13/ 209، النوادر والزيادات: 11/ 419. (¬5) في (ق 2): (تخيير). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 420. (¬7) قوله: (على) ساقط من (ق 6). (¬8) في (ق 2): (أو). (¬9) في (ق 6): (بعشرة). (¬10) في (ق 6): (أن). (¬11) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 469.

القسم الرابع (¬1): فإن أوصى بالخدمة، أو بالسكنى وترك لهم المرجع، أو ترك لهم الخدمة (¬2) مرة وأخذ المرجع والرقاب جميع مال الميت (¬3)، كانت مبايعة منه لهم؛ لأنَّ الورثة يستحقون ثلثي الرقاب بتلًا فقد أخذ ثلثي مالهم بتلًا (¬4)، من الخدمة، وأعطاهم ثلث الرقبة، أو أعطاهم ثلث الخدمة، وأخذ منهم ثلثي المرجع، فإذا كان ذلك، كان الورثة بالخيار بين أن يجيزوا وصيته (¬5)، أو يقطعوا لأهل الوصايا بالثلث بتلًا؛ لأنَّ مقال الورثة لم يكن لأنه عال (¬6) على الثلث فيحط الزائد، وإنما كان مقالهم لمكان ما حبس من الرقاب، أو المنافع. وكذلك إذا كان أخذ حاضرًا (¬7)، ولم يستوعب الثلث، وترك لهم الغائب، وهو (¬8) أكثر من الثلثين (¬9) ولم يجز الورثة، خرجوا من الثلث شائعًا؛ لأنَّ مقال الورثة لم يكن للزائد فيقطع في عين الموصى به. وروي عن أشهب أنه قال: يقطع في عينه (¬10). يريد لأنه إذا قطع في عينه صار له من الخدمة فيه أكثر مما يكون إذا قطع له من جميع التركة، فكان ذلك من جميع التركة (¬11)، وكان ذلك أقرب لقصد الميت. ¬

_ (¬1) في (ق 6): (والرابع). (¬2) في (ق 6): (الخدمة والسكنى). (¬3) قوله: (جميع مال الميت) يقابله في (ق 7): (والثلث فأقل). (¬4) قوله: (بتلًا) ساقط من (ق 6). (¬5) في (ق 6): (وصية الميت). (¬6) قوله: (عال) ساقط من (ق 7). (¬7) في (ق 2) و (ق 6): (الحاضر). (¬8) في (ق 2): (وكان). (¬9) في (ق 6): (الثلث). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 197. (¬11) قوله: (فكان ذلك من جميع التركة) ساقط من (ق 7) و (ق 2).

القسم الخامس (¬1): إن قصد بالوصية ضرر الورثة من غير منفعة له مثل أن يوصي بدار أن تهدم أو شجر أن تقطع أو ثوب أن يحرق، وأن يبقى ذلك موقوفًا لا يسكن ولا يستغل، ولا يقام عليه ويترك حتى يهلك، وكل هذا الوصيةُ به باطل، فلا تنفذ إن قصد الضرر، ويقول الله سبحانه: {غَيْرَ مُضَارٍّ} [سورة النساء آية: 12]، ولا إن لم يقصد الضرر لنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن إضاعة المال، وقوله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [سورة البقرة آية: 205]. القسم السادس (¬2): فإن قصد بالوصية ضرر الورثة، وجعلها فيما يتعلق به قربة لله سبحانه، لم يجز. قال مالك وابن القاسم وأشهب فيمن أوصى لوارث بثلث ماله، وقال: فإن لم يجز ذلك الورثة فهو في سبيل الله: لم تجز للوارث، ولا في سبيل الله؛ لأنه من الضرر (¬3). وإن قال: ذلك في سبيل الله (¬4) إلا أن يدفعها ورثتي لابني، أنفذت في سبيل الله إن لم ينفذوها للابن. وقال ابن القاسم: إن قال غلامي هذا لابني وله ولد سواه، فإن لم يجيزوه له فهو حر كان ميراثًا، ولا حرية له (¬5). ولو قال: هو حر إلا أن ينفذوه ورثتي لابني، كان كما قال (¬6). ¬

_ (¬1) في (ق 6): (الخامس). (¬2) قوله: (القسم السادس) في (ق 6): (السادس). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 350. (¬4) قوله: (لم تجز للوارث , ولا في سبيل الله. . . في سبيل الله) ساقط من (ق 7). (¬5) انظر: المدونة (4/ 371). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 350.

وقال أشهب في كتاب محمد: لا يجوز وهو من الضرر (¬1)، وسواء عنده قال: هو لابني فإن أبوا فأعتقوه، أو هو عتيق إلا أن ينفذوه لابني. وحملوا قول الله عزَّ وجلَّ: {غَيْرَ مُضَارٍّ} [النساء: 12] على العموم فيما يكون ضررًا (¬2)، وإن كان الثلث. وقيل: معنى قوله سبحانه: {غَيْرَ مُضَارٍّ} [النساء: 12] ألا (¬3) يوصي بأكثر من ثلثه. وقال محمد بن عبد الحكم: إنه عتيق قدم ذلك أو أخره، وهو أحسن؛ لأن العتق مما يراد به البر، وإنما أراد أن يؤثر به ولده، فإن لم يكن قدمه لآخرته، وأدنى منازله مشكل هل أراد الضرر أم لا؟ وليس هذا مما يقطع به (¬4) أنه أراد به الضرر، فلا تسقط وصيته (¬5) بالشك. واختلف في مثل ذلك في الزوجة تتصدق بثلثها إرادة الضرر بزوجها، فقال مالك في كتاب ابن حبيب (¬6): ترد صدقتها (¬7). وقال ابن القاسم: ذلك ماض والأمر فيهما واحد، الزوجة والموصي (¬8)، وأرى أن تجوز الوصية إذا كانت الثلث، وإن قصد بها ضرر الورثة، ومحمل الآية على ما زاد على الثلث؛ لأنه حينئذ قد وصى بأموالهم وذلك ضرر حقيقة، وأما إذا كانت الوصية بالثلث فهو ماله، له أن يجعله في العتق والصدقة أو أي ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 350. (¬2) في (ق 2): (مضارًا). (¬3) في (ق 7): (لا). (¬4) قوله: (به) ساقط من (ق 7). (¬5) (وصيته) ساقط من (ق 6). (¬6) قوله (فقال مالك في كتاب ابن حبيب) مطموس من (ق 2). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 213. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 213.

القرب أحب، وإن كان قد أشرك في النية ألا يتركه لورثته، وقد يكون وارثه ولدًا (¬1) عاقًّا، أو سفيهًا يتلف ماله فيما لا يحل، أو عاصيًا يكون عدوًا له، فلا يجب أن يترك ثلثه لمثل هؤلاء فلا يمنع من الوصية. وإن أراد أن يوصي لموسرٍ وغير ذلك مما لا يراد به الأجر لأشبه أن يمنع إذا أراد ضرر الورثة. وقال (¬2) في كتاب محمد فيمن قال: غلامي يخدم فلانًا لبعض ورثته حتى يبلغ، ثم هو حر، فإن لم يجز الورثة فثلثي صدقة، كانت الخدمة لجميع الورثة، ثم يكون حرًا إذا بلغ الوارث، وهذا إذا أخرج من الثلث (¬3). قال محمد: وإنما وقع الضرر ها هنا في الوصية بالخدمة، وأما الحرية فجائزة قائمة إلى وقتها. القسم السابع (¬4): فإن عال على الثلث، وأخذ الحاضر، وترك لهم الغائب، كان الورثة بالخيار بين أن يجيزوا الوصية حسبما وصى (¬5)، أو يجمعوا له ثلثه في (¬6) الحاضر حسبما (¬7) قصد، ويرد الزائد على الثلث، أو يقطعوا بثلث الحاضر والغائب. ¬

_ (¬1) قو له: (وارثه ولدًا) في (ق 6): (ولده). (¬2) قوله: (قال) ساقط من (ق 7) و (ق 2). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 435. (¬4) قوله: (القسم السابع) يقابله في (ق 6): (السابع). (¬5) في (ب): (أوصى). (¬6) في (ق 7): (من). (¬7) قوله: (وصى، أو يجمعوا له ثلثه في الحاضر حسبما) ساقط من (ق 6).

القسم الثامن (¬1): وإن اجتمع فيها عول ومبايعة وجعلها فيما يضر بهم، وإن أوصى بمعينات، وصى لهذا بعبد، ولهذا بدار، ولهذا بثوب، وضاق الثلث، تحاصوا، وضرب لكل واحد بقيمة وصيته. وكذلك إذا اشتملت على أجزاء، وأوصى هذا بسدس ماله، ولهذا بثلثه، ولهذا بنصفه ولم يجز الورثة، تحاصوا الثلث أسداسًا (¬2) وأخذ الموصى له بالسدس سدس الثلث، والآخر ثلثه، والآخر نصفه. واختلف إذا اشتملت على جزء وشيء (¬3) بعينه على ثلاثة أقوال: فقال مالك في المدونة: يتحاص جميعهم في الثلث (¬4). وقال أبو محمد عبد الوهاب: فيها ثلاث روايات: إحداها: البداية بالجزء. والثانية: أن تبدأ التسمية على الجزء. والثالثة: أنهم يتحاصون بقدر وصاياهم (¬5). فأما تبدية الجزء إذا وصى هذا بثلثه، ولآخر بعبد، ولآخر بدار؛ فلأن الثلث للميت يصرفه (¬6) حيث أحب، والعبد والدار من الثلثين، وهما حق للورثة، فإذا لم يجيزوا، سقطت وصيتهم، ولو أوصى لرجل (¬7) بسدس ماله، ¬

_ (¬1) قوله: (القسم الثامن) يقابله في (ق 6): (الثامن). (¬2) قوله: (أسداسًا) ساقط من (ق 7). (¬3) في (ق 7) و (ق 2): (شيء). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 358. (¬5) انظر: المعونة: 2/ 518. (¬6) في (ق 2): (يضعه). (¬7) قوله: (لرجل) ساقط من (ق 7).

ولآخر بدار هي قدر ثلثه، بدي بالسدس، ويخير الورثة بين أن يجيزوا الدار، أو يقطعوا له منها بتمام الثلث. وأما تبدية العبد أو الدار على الثلث فإنه حمل الميت (¬1) في وصاياه على أن يريد بها الثلث، ولا يزيد فيها (¬2) شيئًا من غيره كأنه انتزع التسمية ممن الثلث، وجعل الباقي لصاحب الثلث، ويلزم على هذا ألا يقال: إنه عال في وصيته، ولا يقال (¬3) للورثة إنه قد وصى بأكثر من الثلث فهل تجيزون؟ والقياس تبدية الثلث؛ لأنه أوصى به؛ لأنه هو الذي يملك من التركة، ولا مقال فيه عليه، وما سوى ذلك فقد جعله من الثلثين، فإن أجازت الورثة، وإلا سقط. وقيل أيضًا (¬4): إذا أوصى بثلثه لرجل، وبعبد لآخر إنَّ ثلث العبد قد وصى به مرتين؛ لأن ثلثه داخل في الوصية لصاحب الثلث، فيكون الثلث بينهما نصفين، وقيل فيمن أوصى لرجل بنصف ماله، ولآخر بثلثه فإن أجازت (¬5) الورثة لصاحب النصف، ولم تجز للآخر فإن الثلث يضرب فيه الموصى له بالنصف بثلاثة أسهم والآخر بسهمين، فيصير لصاحب النصف ثلاثة أخماس الثلث، ويتم له الورثة من مال الميت تمام النصف، وإن أجازوا لصاحب النصف، ولم يعلموا بالموصى له بالثلث، كان للموصى له بالنصف سدس المال ¬

_ (¬1) في (ق 2): (الوصية). (¬2) قوله: (بها) ساقط من (ق 7). (¬3) في (ف) و (ق 6) و (ق 7): (مقال). (¬4) قوله: (أيضًا) ساقط من (ق 7). (¬5) قوله: (فإن أجازت) يقابله في (ق 7): (فأجازت).

بإجازة الورثة، ثم يضرب (¬1) هو والموصى له في الثلث (¬2) بضرب الموصى له بالنصف بثلاثة أسهم (¬3)، ويضرب الآخر بسهمين فيصير له خمسَا الثلث، وللآخر ثلاثة سهام والسدس (¬4). ¬

_ (¬1) قوله: (ثم يضرب) يقابله في (ق 6): (ويضرب). (¬2) في (ق 2): (بالثلث). (¬3) في (ق 6): (سهام). (¬4) في (ق 6): (والثلث) كذا بالمتن وفي الهامش: (والسدس).

باب [فيمن أوصى بعتق عبد وله مال غائب ولا يحمله ثلث المال الحاضر]

باب [فيمن أوصى بعتق عبد وله مال غائب ولا يحمله ثلث المال (¬1) الحاضر] وقال مالك فيمن أوصى بعتق عبد وله مال غائب ولا يحمله ثلث الحاضر، قال: يوقف العبد حتى يقدم الغائب (¬2). قال ابن القاسم: وإن كان الغائب بعيدًا، أو أجله بعيدًا، لم يعتق ثلث الحاضر (¬3). وقال سحنون: إلا أن يخاف تلف الحاضر فيكون في الوقف ضرر على الموصي، والموصى له فما يشتد (¬4) وجه طلبه (¬5)، ويعسر (¬6) جمع (¬7) المال (¬8)، فالغيبة (¬9) على ثلاثة أوجه: فإن كانت قريبة، انتظر جمع (¬10) المال، ثم (¬11) يعتق وإن كان بعيدًا كخراسان من مصر والأندلس، فيعتق الآن ما حمل الثلث، وإن كان على غير ذلك، وقف عند ابن القاسم (¬12)؛ لأن الورثة يقولون: نحن شركاء الميت فيما خلفه، فليس له أن ¬

_ (¬1) قوله: (المال) ساقط (ق 6) و (ق 7). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 362 والنوادر والزيادات: 11/ 422. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 362. (¬4) في (ف): (يشبه)، وغير واضحة في (ق 6). (¬5) في (ف) و (ق 6) و (ق 7): (مطلبه). وانظر: المدونة: 4/ 362. (¬6) في (ف): (يعتبر). (¬7) في (ق 6) و (ق 2) و (ب): (جميع). (¬8) انظر: المدونة: 4/ 362. (¬9) في (ق 7): (بالقيمة). (¬10) في (ق 2): (جميع). (¬11) في (ق 7): (ولم). (¬12) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 424.

ينتفع منه بشيءٍ دوننا، فيعتق ما حمل ثلث الحاضر، ويحال بيننا وبين التصرف بالبيع وغيره فيما رق (¬1) منه، فإما أن يقال (¬2) ننتفع (¬3) جميعا (¬4) أو نمنع (¬5) جميعا (¬6). وقال أشهب وسحنون: يعتق ما حمل الثلث الآن، فإن لم يخلف سواه، أعتق ثلثه ووقف ما بقي، وكلما حضر من الغائب شيء، زيد في عتق العبد بقدر ثلثه (¬7)، وهذا أقيس؛ لأنَّ وقف عتق (¬8) ثلث العبد مضرة عليه من غير منفعة للورثة. وإذا كان الغائب في مثل خراسان أو الأندلس وأعتق منه ثلثه، جاز للورثة بيع الثلثين، ثم يختلف إذا قدم الغائب هل ينقض البيع ليستكمل ما بقي، أو لا ينقض؛ لأن البيع كان مع العلم بهذا المال؟ واختلف فيمن مات عن زوجة حامل، ولا ولد لها، أو لها (¬9) ولد هل تعطى الآن شيئًا، أو حتى تضع؟ فقيل: تعطى (¬10) الثُّمن، فإن أسقطته، أو ولدته ميتًا، أتم لها الربع أو لا ¬

_ (¬1) في (ق 7): (دق). (¬2) قوله: (يقال) ساقط من (ق 6) و (ق 7). (¬3) في (ق 7): (ينتفع). (¬4) في (ف) و (ق 2) و (ق 7): (جميعنا). (¬5) في (ق 7): (يمنع). (¬6) في (ف) و (ق 2) و (ق 7): (جميعنا). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 423. (¬8) قوله: (عتق) ساقط من (ق 2). (¬9) قوله: (أو لها) ساقط من (ق 7) و (ق 2). (¬10) قوله: (شيئًا، أو حتى تضع؟ فقيل: تعطى) ساقط من (ق 7) و (ق 2).

تعطى الآن (¬1) شيئًا حتى تضع وكذلك إذا كانت حاملًا ولها ولد فقيل: لا تعطى شيئًا ولا ولدها شيئًا حتى تضع، وقيل تعطى الثمن (¬2)، وللولد نصف الباقي، لإمكان أن يكون ذكرًا. وقيل: ثلثه لإمكان أن يكون الحمل غلامين. وقيل: الربع، لإمكان أن يكونوا ثلاثة، وقيل: الخمس، لإمكان أن يكونوا أربعة. وأرى أن تعطي الزوجة الآن الثمن كان لها ولد سوى الحمل أم لا، وأن يعطى الولد إن كان نصف الباقي؛ لأن الغالب من الحمل واحد وقد (¬3) يحتمل أن يكون ذكرًا وغيره نادر، ولا يراعى النادر. ¬

_ (¬1) قوله: (الآن) ساقط من (ق 2). (¬2) قوله: (أو لا تعطى الآن شيئًا. . . وقيل تعطى الثمن) ساقط من (ق 6). (¬3) قوله: (قد) ساقط من (ق 7).

باب [فيمن أوصى لرجلين أحدهما وارث]

باب [فيمن أوصى لرجلين أحدهما وارث] ومن أوصى لرجلين أحدهما وارث، ولا وارث له غيره، جازت وصية الأجنبي (¬1) إذا كانت الوصية لهما بثلثي المال فأقل؛ لأن الذي ينوب الأجنبي الثلث، وكذلك إن كانت الوصية بأكثر من الثلثين، ولم يجز الوارث، فإن للأجنبي الثلث (¬2)، وكذلك إن كانت وصيتان، لكل واحد شيء بعينه، وهما في القيمة الثلثان، فكانتا متكافئين (¬3) فتجوز وصية الأجنبي. وقال ابن الماجشون في ثمانية أبي زيد فيمن هلك عن وارث واحد، وأوصى بثلثه لأجنبي، ثم قال: ثلثي لفلان يعني الوارث، أو قال: ثلثي لفلان الوارث، ثم قال: ثلثي (¬4) لفلان الأجنبي، قال (¬5): فإن كان الأجنبي هو الآخِر، كان له الثلث كله، وإن كان الوارث الآخِر، كان له الثلث كله؛ لأنه انتزاع من الأجنبي. فجعل الثلث بمنزلة العبد المعين (¬6) يوصي به مرتين، فجعله للآخر منهما. وإن كان للميت ورثة سوى الموصى له، وكان جميع الوصية الثلث فأقل، مضت الوصية للأجنبي، وكان الورثة بالخيار في نصيب الوارث، وإن كانت أكثر من الثلث، ولم يجز بقية الورثة، تحاص الموصى لهما، فما صار للوارث، ¬

_ (¬1) قوله: (وصية الأجنبي) يقابله في (ق 7): (وصيته للأجنبي). (¬2) قوله: (وكذلك إن كانت الوصية. . . فإن للأجنبي الثلث) ساقط من (ق 7). (¬3) في (ف) و (ق 2) و (ق 7): (وكانا متكافئتين). (¬4) قوله: (ثلثي) ساقط من (ق 2). (¬5) في (ق 2): (ثم قال). (¬6) وفي (ق 2): (المعتق).

دخل فيه جميع الورثة، وإنما لم يجعل في المسألة الأولى محاصة؛ لأن ما ينوب الوارث ليس بوصية في (¬1) الحقيقة، فليس يأخذه بالوصية، وإنما يأخذه بالميراث بكتاب الله عز وجل، وإن كان معه وارث، كان ما فضل به أحدهما على الآخر وصية؛ لأنه يعطيه أكثر مما جعل الله تعالى له بالميراث (¬2). واختلف فيمن مات عن ثلاثمائة دينار (¬3)، وخلف ابنًا وابنة (¬4)، وأوصى بثلث ماله لأجنبي، وأوصى أن تقسم (¬5) المائتان بين الذكر والأنثى بالسواء في صفة الحصاص، فقال ابن القاسم: تضرب للابنة بخمسين؛ لأنه سمى للذكر مائة، فيكون للبنت خمسون، والزائد وصية. (¬6) وقيل: يضرب بثلث المائة؛ لأن حقها من المائتين ثلثها (¬7)، والزائد وصية. وقد قيل فيمن أوصى بالثلث، وبتسمية: إنه لا يضرب صاحب التسمية مع صاحب الثلث بشيءٍ، فعلى هذا لا تضرب الابنة مع الأجنبي؛ لأن له ثلثه أخرجه فيما أحب من وجه البر، وبقي الثلثان فضل فيه أحد الولدين على الآخر، ولم يقصد أن يدخل شيئًا من المائتين في الثلث. وقال محمد فيمن أوصى بثلث ماله وألا تنقص (¬8) أمه من السدس، قال: يعزل ¬

_ (¬1) في (ق 2): (علي). (¬2) قوله: (له بالميراث) يقابله في (ق 2): (في الميراث). (¬3) قوله: (دينار) ساقط من (ق 2). (¬4) في (ق 7): (وبنتًا). (¬5) قوله: (أن تقسم) يقابله في (ق 6): (بقسم). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 352، ولفظه فيها: (فروى أصبغ عن ابن القاسم: في ابن وابنة أنه إذا أوصى لكل واحد بمائة وللأجنبي بمائة أن الأنثى تُحاص الأجنبي بخمسين وهي التي زادها على مورثها بما للذكر مائة كان يجب لها هي خمسون فوداها خمسين، وقاله أبو زيد). (¬7) في (ق 6): (ثلثاها). (¬8) في (ف) و (ق 2) و (ق 7): (لا ينقص).

الثلث، ويقسم الباقي على الورثة ثم ينظر ما بقي للأم إلى تمام السدس ففيه تحاص، فما صار لها فإن أجازه (¬1) الورثة وإلا رجع ميراثًا، ولو أجازوا لها وللأجنبي، خرجوا من نصف المال، وقسم الورثة الباقي على مواريثهم بالذي تقوم منه الفريضة من (¬2) ثمانية عشر، للموصى له بالثلث ستة، وللأم السدس من الباقي، وهو اثنان الباقي إلى تمام سدس الجملة واحد فيه تحاص، فيقسم الثلث بينهما أسباعًا فيكون للموصى له بالثلث ستة أسباعه، وللأم سبع الثلث (¬3). وقال في امرأة خلفت زوجًا، وأمًا، وأختين لأم، وأختين شقيقتين (¬4)، أو لأب، وأوصت ألا تنقص الأم من السدس شيئًا، فأجاز الورثة، فإن الوصية بالعول من عشرة، للأم منها سهم فأسقط (¬5)، وتبقى تسعة فتعطى الأم سدسها من رأس المال، ويقسم الباقي على تسعة، قال: وكذلك لو تركت الأم نصيبها للورثة، أو قالت: نصيبي عندي، ولم يكن وصي لها بشيء (¬6). ¬

_ (¬1) في (ف) و (ق 6) و (ق 7): (أجازوه). (¬2) قوله: (من) ساقط من (ق 7). (¬3) قوله: (بينهما أسباعًا فيكون للموصى. . . الثلث) ساقط من (ق 2)، انظر: النوادر والزيادات: 11/ 357. (¬4) قوله: (وأختين شقيقتين) يقابله في (ق 2): (أو أختين شقائق)، وفي (ق 6): (أو أخوات شقائق). (¬5) في (ق 7): (فأسقطه). (¬6) انظر النوادر والزيادات: 11/ 357.

باب في الوصية بالحج

باب في الوصية بالحج ومن أوصى أن يحج عنه، أنفذت وصيته، فإن لم يعين من يحج عنه استؤجر حر بالغ غير صرورة، وإن استؤجر صرورة أجزأ. واختلف في العبد، والصبي بالجواز (¬1) والمنع (¬2)، واختلف بعد القول بالمنع هل يجزئ؟ فقال ابن الجلال: ذلك جائز، ومنعه ابن القاسم (¬3)، فإن فعل لم يجز في الصبي، وأجزأ في العبد إذا كان يظنه حرًّا واجتهد. يريد: ويستأجر حرًّا من بقية الثلث. وقال غيره: الوصي ضامن، وإن جهل أنه عبد، ويجري فيه قول آخر: ألا شيء عليه. وإن كان عالمًا أنه عبد، وجاهلًا بوجه العلم كما قال في أحد الشريكين: يشتري شراء فاسدًا. قال: (¬4) لا شيء عليه، وليس كل الناس فقهاء، فهو في العبد أبين ألا شيء على الوصي للاختلاف في جواز استئجاره ابتداء، وأرى أن يجزي؛ لأن العبد ممن يصح منه التقرب بهذه العبادة، وإن لم تفرض عليه، وإذا صح منه التقرب بها (¬5)، صح أداؤها عن غيره، وإن كان الموصي غير صرورة، أو صبيًا، كان أبين في الجواز، وإن قال الميت: يحج عني فلان، لم (¬6) يعدل عنه إلى غيره إن رضي، وإن لم يرض، وكان الموصي صرورة، ¬

_ (¬1) في (ق 6): (في الجواز). (¬2) قوله: (واختلف في العبد، والصبي بالجواز (1) والمنع) ساقط من (ق 2). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 366. (¬4) قوله: (قال:) ساقط من (ق 2). (¬5) في (ق 7): (بما). (¬6) في (ق 2): (ولم).

دفعت إلى غيره؛ لأن (¬1) قصد الميت بالوصية رجاء أن تبرأ ذمته بذلك وفي الحديث قال ابن عباس: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله (¬2) إن أمي ماتت، وعليها صوم شهر أفأقضيه (¬3) عنها؟ قال: ولَوْ كَانَ عَلَيهَا دَيْنٌ أَكنْتَ قَاضِيَهُ عَنْهَا؟ (¬4) قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى" (¬5) فجعل فعل الحي عن الميت قضاء. واختلف إذا كان غير صرورة، ولم يرض الموصى إليه بالحج. فقال ابن القاسم: يرجع المال ميراثًا (¬6)، وقال غيره (¬7): يدفع لغيره. قال: وليس مثل الصدقة على مسكين بعينه، ولا العبد (¬8) بعينه يقول: اشتروه فأعتقوه وهو أحسن؛ لأن الميت إنما وصى (¬9) بأن تشترى منه منافعه، فإن لم يبعها صرف (¬10) ذلك البر (¬11) في غيره وإن عين الموصي عبدًا أو صبيًا أنفذت الوصية إليه كان الموصي صرورة أو ممن قد حج فإن لم يرض سيد العبد ¬

_ (¬1) في (ق 2): (أن). (¬2) قوله: (فقال: يا رسول الله) ساقط من (ق 2). (¬3) في (ق 6): (فأقضيه). (¬4) قوله: (قال: ولو كان عليها دين أكنت قاضيه عنها؟) ساقط من (ق 2). (¬5) متفق عليه: أخرجه البخاري: 2/ 690، في باب من مات وعليه صوم، من كتاب الصوم، برقم (1852)، ومسلم: 2/ 804، في باب قضاء الصيام عن الميت، من كتاب الصيام، برقم (1148). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 489، 490. (¬7) في (ق 7): (غير ابن القاسم). (¬8) في (ق 6): (للعبد). (¬9) في (ق 7): (أوصى). (¬10) في (ف) و (ق 2) و (ق 6): (أصرف). (¬11) قوله: (البر) ساقط من (ق 2).

كان (¬1) المال ميراثًا على قول ابن القاسم، وصرف (¬2) لغيره على القول الآخر، وإن لم يرض ولي الصبي، وقف المال حتى يبلغ الصبي، فإن بلغ، ولم يرض رجع المال (¬3) ميراثًا على قول ابن القاسم. وعلى القول الآخر: يدفع إلى غيره يحج به، ومن المدونة قال ابن القاسم فيمن وصى، وقال: أحجوا (¬4) فلانًا حجة، ولم يقل: عني قال: يعطى من الثلث قدر ما يحج به، فإن أخذ المال، ولم يحج به (¬5) رد منه (¬6). قال الشيخ: أما إن لم يقل عني، فإنه يعطى ما يقوم به لحجه (¬7) لكراء ركوبه، وزاده وثياب سفره، وغير ذلك من آلة السفر، وكراء سكناه بمكة أيام مقامه حتى يحج، والنفقة في ذلك على ما يعتاده (¬8) مثله، فإن انقضت أيام الرمي، سقطت نفقته عن الموصي، إلا أن تكون العادة في مثل هذا أن ينفق عليه حتى يعود إلى أهله، وإن قال: يحج عني، كان الأمر فيما يحج به على قدر المراضاة، فإن رضي يرخص، وهو لا يقوم به، جاز وإن لم يرض إلا بأكثر من إجارة مثله (¬9)، زيد ما بينه وبين ثلث إجارة مثله (¬10)، فإن لم يرض استؤجر ¬

_ (¬1) في (ق 2): (عاد). (¬2) في (ق 6) و (ق 2): (أصرف). (¬3) قوله: (المال) ساقط من (ق 6) و (ق 7). (¬4) في (ف) و (ق 2) و (ق 6): (حجوا). (¬5) قوله: (به) ساقط من (ق 7). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 489، 490. (¬7) في (ق 2): (لحجته). (¬8) في (ق 6): (يعتاد). (¬9) في (ب): (نفسه). (¬10) قوله: (مثله) غير واضحة (ق 6).

غيره إن كان صرورة، ولو كان الموصي أوصى (¬1) بأن يُحَجَّ وارث، فإن قال: أحجوا (¬2) فلانًا، لم يعط شيئًا؛ لأنها (¬3) وصية لوارث وإن قال: عني أنفذت، وأعطى إجارة مثله، ولم يزد ثلث الإجارة كما يزاد (¬4) الأجنبي. وقال ابن القاسم في المدونة: يعطى نفقته وكراؤه (¬5). وهذا (¬6) أحسن (¬7) إذا رضي أن يأخذ النفقة، والكراء ذاهبًا وراجعًا (¬8)؛ لأن خروجه للميت وعنه، وإن أبى إلا بإجارة المثل، كان ذلك؛ لأن ثمن المنافع في ذلك كثمن الرقاب، وهو يأخذ قيمة منافعه، وإن قال: يحج عني بثلثي، دفع إليه قدر نفقته، وكرائه، ورد الزائد ما لم (¬9) يدع إلى إجارة المثل فإن ذلك له. ¬

_ (¬1) قوله: (أوصى) ساقط من (ق 6) و (ق 7). (¬2) في (ف) و (ق 2) و (ق 7): (حجوا). (¬3) في (ق 6): (لأنه). (¬4) في: (ق 7): (لا يزاد). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 485. (¬6) في (ق 7): (وهو). (¬7) في (ق 2): (حسن). (¬8) في (ق 2): (وجائيا). (¬9) قوله: (ما لم) يقابله في (ق 2): (على ما لم).

باب [فيمن أوصى بدينار من غلة داره، أو بأوسق من غلة بستانه، أو أوصى بغلته للمساكين]

باب [فيمن أوصى بدينار من غلة داره، أو بأوسق من غلة بستانه، أو أوصى بغلته للمساكين] وإذا أوصى (¬1) الرجل بدينار من غلة داره (¬2) كل سنة، فغلَّت (¬3) سنة (¬4) عشرة دنانير، أخذ منها (¬5) الموصى له دينارًا، وكانت التسعة الفاضلة للورثة من الآن، فإن بارت الدار بعد ذلك أو انهدمت (¬6)، لم يكن للموصى له من تلك التسعة شيء. وإن قال: لك (¬7) دينار كل سنة من غلتها، أو لك (¬8) من غلتها دينار كل سنة، فبارت الدار أو انهدمت، (¬9) أخذ كل سنة دينارًا من التسعة الباقية حتى تنجز (¬10)، ولو بارت من أول ثم بعد سنين أغلت (¬11) قضى له مني هذه الغلة عن ماضي السنين، إلا أن يكون ما غلت بعد موت الموصى له، فلا يقضي منها عن الفارط في حياته، وإذا أغلت (¬12) أول سنة عشرة دنانير فأخذ دينارًا، ¬

_ (¬1) زاد في (ق 2) بعده: (في). (¬2) في (ق 7): (في دار بدينار من غلتها). (¬3) في (ق 6): (فأغلت). (¬4) قوله: (كل سنة، فغلت سنة) ساقط من (ف)، وفي (ق 2): (كل سنة، فغلت الدار). (¬5) في (ق 2): (منه). (¬6) في (ق 2): (تهدمت). (¬7) في (ق 7): (له). (¬8) في (ق 7): (له). (¬9) قوله: (لم يكن للموصى له. . . فبارت الدار أو انهدمت) ساقط من (ق 2). (¬10) في (ق 6): (تتم). (¬11) في (ق 7): (غلت). (¬12) في (ق 2): (غلت).

وبقيت تسعة، نظر في ذلك، فإن كانت الدار مأمونة؛ لأنها (¬1) لا تبور (¬2)، وإن بارت تأتي كل سنة بأكثر من دينار، أخذ الورثة من (¬3) التسعة. وإن (¬4) كان يخشى ألا تأتي بذلك، وقف منه ما يخاف ألا تأتي به، إلا أن يكون الوارث مأمونًا (¬5) غير ملد، ولا ممتنع (¬6)، ورضي أن يأخذها (¬7) في ذمته فيكون أحق بها؛ لأن له (¬8) فيها شبهة الملك، والوقف غير مقيد (¬9) للموصى له، وإن أكراها الميت منه (¬10) بالنقد، لم يكن للموصى له من ذلك الكراء شيء، وكان حقه فيما (¬11) تكرى (¬12) به بعد وإن أكراها بغير النقد، كانت الوصية فيما يقبض من ذلك الكراء، وإن أكراها الورثة سنة بالنقد، أخذ الموصى له منه دينارًا، وإن أكروها (¬13) سنة بدينار كل شهر، كان للموصى له من كل دينار نصف سدسه، ويسلم الباقي للورثة، إن كانوا مأمونين، وإن كانوا غير مأمونين أخذ الموصى له جميع الدينار المتقدم (¬14)؛ لأن وقف بقيته ضرر على جميعهم من غير منفعة، ¬

_ (¬1) في (ف) و (ق 7): (أنها). (¬2) قوله: (لا تبور) يقابله في (ق 2): (تبور). (¬3) في (ق 2): (هذه). (¬4) قوله: (إن) ساقط من (ق 2). (¬5) قوله: (مأمونًا) ساقط من (ق 2). (¬6) قوله: (ولا ممتنع) يقابله في (ق 2): (أو لا يمتنع). (¬7) في (ق 6): (يأخذه). (¬8) قوله: (له) ساقط من (ق 2). (¬9) في (ق 2): (معين). (¬10) في (ق 7): (سنة). (¬11) في (ق 7): (مما). (¬12) في (ق 2): (يكون). (¬13) في (ق 6): (أكراها). (¬14) في (ق 7): (المقدم).

كان اختلفا هل تكرى بالنقد، أو مؤجلًا (¬1) إلى آخر السنة، حملا على العادة في تلك الديار (¬2)، فإن عدمت العادة، أكريت مشاهرة؛ لأنَّ كراء جميع السنة بالنقد فيه على الورثة بخس، وهو بمنزلة من أسلم في سلعة لتقبض (¬3) إلى أجل، وإن أكريت سنة كل شهر بدينار، ثم انهدمت بعد مضي شهر، كان له ذلك الدينار (¬4) إذا قال يعطى من الغلة كل سنة دينارا، وإن قال: يعطى من غلة كل سنة دينارا، كان له منه نصف سدسه هذا على مراعاة الألفاظ، إلا أن يكون قصده مما حصل (¬5) من الغلة كل سنة، وكذلك إن مات الموصى له بَعْدَ شهر، كان له نصف سدس دينار، وإن كانت الوصية بأوسق من غلة جنانه (¬6) فقال لهم: أعطوه (¬7) خمسة أوسق من غلة كل سنة، فغل خمسين وسقًا، أخذ الموصى له خمسة أوسق (¬8)، وكان الباقي للورثة، فإن بارت بعد ذلك لم يرجع عليهم، وإن قال: له خمسة أوسق كل سنة من الغلة، وقف الباقي خوف أن يحبس (¬9) الحائط فيما بعد فيقضى ذلك (¬10) من الموقوف، أو قدر ما يرى أنه (¬11) يحتاج إليه. فإن جاءت الثمرة لقابل أخذ الموصى له الخمسة من الجديد؛ لأنه إنما ¬

_ (¬1) في (ق 2): (مؤجل). (¬2) في (ق 2): (الدار). (¬3) في (ق 6): (سلف ليقبض). (¬4) في (ق 2): (والدينار). (¬5) في (ق 2): (جعل). (¬6) في (ق 6): (حائطه). (¬7) في (ق 2): (أعطوا). (¬8) قوله: (أوسق) ساقط من (ق 6) و (ق 7). (¬9) في (ق 7): (يخلف). (¬10) في (ق 2): (بذلك). (¬11) زاد بعده في (ق 2): (ما).

وقف خيفة ألا يجد، ولو كان مأمونًا، لم يوقف، وإن مات الموصي، وفي الحائط ثمر مزهية، لم يكن للموصى له منها شيء، وإن أزهت بعد موت الموصي أخذ منها الموصى له وصيته. وقال ابن القاسم في الموصى له بدينار من غلة عبده كل شهر، أو من غلة حائطه يريد حياته: فإن ضمن له الورثة ذلك، وإلا وقف العبد، والحائط لذلك (¬1). وقال فيمن أوصى (¬2) لمواليات (¬3) بآصعٍ من ثمره (¬4)، فقال الورثة: نحن نضمن لك مكيلة مالك، فليس ذلك عليها (¬5)، إلا أن يرضى ففرق بين الوصية بعين، والوصية (¬6) بالثمار (¬7)؛ لأن (¬8) الوصية بالثمار كالسلعة المعينة، فليس لهم أن يشتروها بغير رضى الموصى له، والدينار لا تختلف فيه الأغراض، ولو علم أن قصد الميت بذلك الإمساك على الموصى له لئلا يتلف ذلك إن أخذه جملة، لم يجز (¬9) رضاه، وكان على الورثة أن يغرموا له وصيته كل سنة. وقال محمد: إن انهدمت الدار في حياة الموصي، وهي تخرج من الثلث، ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 448 - 449. (¬2) زاد بعده بعده (ق 2): (به). (¬3) قوله (لمواليات) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (لمواليات بآصعٍ من ثمره) غير واضح في (ق 2). (¬5) في (ق 6): (عليهم). (¬6) في (ق 2): (وبين الوصية). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 447. (¬8) في (ق 2): (ولأن). (¬9) في (ق 2): (يكن).

فصل [فيمن أوصى بغلة حائطه للمساكين فلم يحمله الثلث]

كان ما بين القيمتين ميراثًا، وتكون الوصية على حالها في القاعة، فإن هدمها بعد الموت، غرّم ذلك الهادم، وبنيت له (¬1) تلك الدار، وتكون الوصية فيها على حالها، وكذلك لو كان حائطًا فقطع نخلَه (¬2)، أو شَجرَه (¬3)، لكان على ما وصفت لك في الدار (¬4). فصل [فيمن أوصى بغلة حائطه للمساكين فلم يحمله الثلث] وإن أوصى بغلة حائطه للمساكين فلم يحمله الثلث، ولا أجاز الورثة، قطع بثلث الميت في ذلك الحائط، ولم يجعل شائعًا؛ لأنه وإن كانت الوصية بالغلة فليس فيها معاوضة؛ لأن المساكين لا يعوضون (¬5)، ولا ترجع الرقبة بحال، وإن ضرب أجلًا دخله المعاوضة، ويكون شائعًا في (¬6) جميع التركة، ويكون ثلث الحائط حبسًا فما خرج من غيره فرق على المساكين، ولو جعل في مثله لكان حَسَنًا. وعلى قول أشهب: يجمع ثلث الميت في ذلك الحائط، وإن لم يضرب أجلًا (¬7) وقال: يعطى من ثمرة كل عام خمسة أوسق، ولا مال له سواه، والأوسق قدر ¬

_ (¬1) في (ق 7): (به). (¬2) في (ف) و (ق 2) و (ق 6): (نخلة). (¬3) في (ف) و (ق 2) و (ق 6): (شجرة). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 438. (¬5) قوله: (لا يعوضون) يقابله في (ق 2): (لم ينقرضوا). (¬6) في (ق 6): (من). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 439.

ثلث غلته في الغالب، ولو لم يجز الورثة، قطع للمساكين بثلثه (¬1)، فإن كان الأوسق أكثر من ثلث الغلة، خير الورثة بين أن يجيزوا (¬2)، أو يخرجوا من ثلث الحائط، وكذلك إن كان له مال سواه، والأوسق أكثر من ثلث غلته، فيخير الورثة بين أن يجيزوا (¬3)، ويوقف جميع الحائط، أو يخرجوا من ثلث الميت، فيكون ثلث الحائط حبسًا، وما سواه يفرق في المساكين، أو يشترى به ما يجعل في مثله (¬4). وقال محمد فيمن أوصى بثلث غلة حائطه: وقف جميعه، ولم يقسم (¬5)؛ لأن مقتضى الوصية عنده أن تقسم الغلة إذا اجتمعت، فلو قسم الحائط لأمكن أن يصيب الثلثين (¬6) دون الثلث. قال: وإن أوصى بغلة الثلث، قسم، ولم يوقف جميعه. وقد قيل: يوقف كالأول وهو أبين؛ لأن الميت لو أراد القسم لوصي بثلث الحائط، ولم يتكلف فيقول: غلة الثلث (¬7)، وإذا كان الحكم وقف جميعه فلم يحمله الثلث، ولم يُجِزْ الورثة عاد الجواب إلى ما تقدم فيختلف هل يقطع بالثلث شائعًا أو في عينه؟. ¬

_ (¬1) في (ق 6): (ثلثه). (¬2) في (ق 7): (الإجازة). (¬3) قوله: (أو يخرجوا من ثلث الحائط. . . أن يجيزوا) ساقط من (ق 2). (¬4) في (ق 2): (ثلثه). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 443. (¬6) في (ق 7): (بالثلثين). (¬7) قوله: (غلة الثلث) يقابله في (ق 2): (عليه غلة الحائط).

باب [فيمن أوصى بخدمة عبده أو سكنى داره فأحب الورثة شراء الوصية أو الموصى له شراء المرجع أو يكن ذلك من الورثة أو من أجنبي]

باب [فيمن أوصى بخدمة عبده أو سكنى داره فأحب الورثة شراء الوصية أو الموصى له شراء (¬1) المرجع أو يَكُنْ ذلك من الورثة أو من أجنبي] ومن أوصى بأن يخدم عبده فلانًا حياته، جاز للورثة أن يشتروا تلك الخدمة، واختلف عن مالك هل يشتري الموصى له منهم المرجع، فأجاز ذلك في المدونة؛ لأن القصد عنده أن يتصرف في الرقبة بالبيع، وغيره. وقال في المستخرجة في رجل حبس على أمه وصيفة حياتها (¬2) فحازتها ثم توفي الابن، وعليه دين، فأرادت الأم أن تبتاع مرجع الجارية من الغرماء لتكون لها بتلًا، فقال: لا يصلح ذلك حتى تموت الأم، فيتحاص فيها الغرماء (¬3). وأصل سحنون في هذا: لا يجوز، إلا لضرورة فلس، أو ما أشبه. وكذلك أرى في شراء الورثة الخدمة: لا تجوز، إلا لضرورة تنزل بالمخدم، ويجوز على قول مالك لبعض الورثة أن يشتري نصيبه من الخدمة، ولا يجوز له أن يشتري نصيب شركائه، إلا أن يشتري جميع الخدمة السنة والسنتين، كما يجوز للأجنبي فإن انقضت السنتان، عاد في خدمة الموصى له، وإن هلك قبل ذلك رجع الوارث ببقية الإجارة، فإن كانت الوصية بالخدمة عشر سنين، جاز أن يشترط ¬

_ (¬1) في (ق 2): (يشتري). (¬2) في (ق 2): (حياته). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 12/ 250.

فصل [فيما أراد المخدم أن يبيع الخدمة أو يكريها]

تلك المدة، فإن هلك العبد قبل تمام المدة، رجع عليه الورثة، إلا أن يكون قصدهم بالشراء التحلل في الرقاب، فلا يرجعوا، والثمن في ذلك مختلف فليس ما يباع به على ألا رجوع، إن هلك قبل انقضاء تلك المدة مثل ما يباع به على الرجوع. فصل [فيما أراد المخدم أن يبيع الخدمة أو يكريها] وإن أراد المخدم أن يبيع الخدمة من أجنبي نظرت هل الخدمة مؤقتة (¬1) بأجل، أو حياة المخدم، أو حياة العبد، فإن كانت مؤقتة بأجل حياة المخدم، أو حياة العبد (¬2)، جاز أن يبيع جميع تلك الخدمة ما لم يبعد الأجل. وأجاز ابن القاسم إذا كان الأجل عشر سنين أن يكريه بالنقد في العشر سنين؛ لأنه يقول: إن مات المخدم قبل انقضاء العشر سنين، خدم الورثة بقية الأمد (¬3)، ولا يجوز عند ابن نافع؛ لأنه قال: إن مات المخدم بعد سنة أو سنتين، رجع العبد إلى سيده. وقال ابن القاسم: إن كانت الخدمة حياة المخدم أَجّرَهُ السنة، والسنتين، والأمد القريب؛ لأن الغرر فيه من وجهين: حياة العبد، وحياة المخدم. وإن كانت الخدمة حياة العبد، جاز على أصل ابن القاسم أن يؤاجره (¬4) عشر سنين؛ لأن الغرر فيه من وجه واحد، وهي حياة العبد فأشبه لو آجر عبد نفسه تلك المدة؛ لأن الغرر من (¬5) حياة العبد وحده. ¬

_ (¬1) قوله: (مؤقتة) ساقط من (ق 2). (¬2) قوله: (حياة المخدم، أو حياة العبد) زيادة من (ق 6). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 370. (¬4) في (ق 2): (يؤاجر). (¬5) في (ق 7): (في).

وقد (¬1) قال في الدار يوصى بسكناها: إنه لا يكريها، إلا الأمد القريب السنتين ونحوها (¬2). وقال ابن ميسر: لا بأس أن يكري الثلاث والأربع (¬3). قال: ولو كرهت هذا القدر، أو أكثر منه (¬4) لكرهت أن يؤاجر عبده سنتين (¬5)، والحال فيهما سواء ولا بأس بالنقد فيه (¬6)، وهذا صحيح؛ لأن الغرر في الدار من ناحية واحدة وهي حياة الوصى له؛ لأنها مأمونة فأشبه عبد نفسه أن الغرر فيه من ناحية واحدة وهي حياة (¬7) العبد وحده، ولو أراد الموصى له أن يؤاجر الدار و (¬8) العبد عشر سنين بغير نقد لجاز على القولين جميعًا. وأجاز ابن القاسم للموصى له أن يؤاجر العبد، وإن كان من عبيد الحضانة إذا كان الموصى له ليس يحتاج إلى حضانة (¬9)، أو كان يحتاج إلى حضانة، والعبد ليس من عبيد الحضانة، فإن اجتمع الوجهان فكان من عبيد الحضانة، والموصى له يحتاج إلى حضانة، لم يؤاجره. وقال أشهب: يجوز أن يؤاجر في مثل تلك الحضانة (¬10)، والأول أحسن؛ لأن ¬

_ (¬1) قوله: (قد) ساقط من (ق 2). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 331، 7/ 47. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 150. (¬4) قوله: (أو أكثر منه) ساقط من (ق 6) و (ق 2). (¬5) في (ق 7): (سنين). (¬6) في (ق 2): (فيها). وانظر: النوادر والزيادات: 7/ 150. (¬7) قوله: (واحدة وهي حياة) ساقط من (ق 2) و (ق 6). (¬8) في (ق 6): (أو). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 436. (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 436.

فصل [فيمن أوصى لرجل بثمرة حائطه، هل يجوز للورثة أن يصالحوه عنها بما يبذلونه؟]

الموصي بمثل ذلك يكره أن يؤاجر آخر عبده، وكذلك أرى في الرجل الذي له القدر يوصي بأن يخدم عبده فلانًا أو يخدمه إياه من غير وصية سنين معلومة، فمعلوم أنه لا يريد أن يكون عبده في الإجارة عند الناس، وإنما يريد بر صديقه أو قريبه بذلك، وكذلك دابة ركوبه يعيره ركوبها شهرًا (¬1)، فليس له أن يؤاجرها، وكذلك دار سكناه، وإلى هذا ذهب ابن نافع فقال في كتاب (¬2) المدنيين في من وصى (¬3) فقال: يخدم عبدي فلانًا سنة، فمات في بعضها: إنه يرجع إلى ورثة الموصي، ولا شيء لورثة الموصى له فيه (¬4)؛ لأنه إنما يريد أن يخدم عين (¬5) ذلك الرجل، ولم يرد أن يوله تلك الخدمة، وكذلك الرجل يسكن صهره الدار سنين، ثم يفارق بنته (¬6) في بعضها، أو تموت الابنة فلا شيء له من بقية المدة؛ لأنه إنما يريد رفقه ومجاملته لتكون ابنته في تلك الدار وألا يخرجها إلى مساكن الناس أو يبعد بها عنه (¬7). فصل [فيمن أوصى لرجل بثمرة حائطه، هل يجوز للورثة أن يصالحوه عنها بما يبذلونه؟] وقال ابن القاسم فيمن أوصى لرجلٍ بثمرة حائطه، والثلث يحمله، فصالحه الورثة على مال ليخرج من وصيته في الثمرة، جاز (¬8). يريد: إذا كانت ¬

_ (¬1) قوله: (يعيره ركوبها شهرًا) يقابله في (ق): (يعيرها شهرًا). (¬2) في (ق 7): (كتب). (¬3) قوله: (فيمن وصى) ساقط من (ق 2). (¬4) قوله: (فيه) ساقط من (ق 6). (¬5) في (ق 2): (غير). (¬6) في (ق 6): (ابنة). (¬7) قوله: (في تلك الدار وألا يخرجها. . . أو يبعد بها عنه) ساقط من (ق 7). (¬8) انظر: المدونة: 4/ 371.

فصل [فيمن أوصى بثمرة حائطه وفيه ثمرة مأبورة أو مزهية]

الوصية بالثمرة سنين، وليس فيها وقت الصلح ثمرة، أو كانت وهي غير مأبورة؛ لأنه ممنوع من بيع الرقاب، فأجيز الشراء ليتوصلوا (¬1) إلى بيعها، وإن كانت الوصية بالثمرة عامًا واحدًا وهي مأبورة، لم يجز شراؤها؛ لأن بيع الرقاب جائز. وعند ابن سحنون يجوز بيع الرقاب، ويستثنى الثمار السنة والسنتين، فعلى هذا لا يجوز شراء (¬2) الثمار لأن بيع الرقاب متأت، وإن كانت الوصية خمس سنين أو أكثر، جاز أن يشتروا ما سوى (¬3) هذه الثمرة. فصل [فيمن أوصى بثمرة حائطه وفيه ثمرة مأبورة أو مزهية] وإن قال: لفلان ثمرة حائطي، وفيه ثمرة مأبورة أو مزهية، كان محمل الوصية على عين تلك الثمرة، وإن لم يكن فيها ثمر (¬4) كان محمله على ما يكون من الثمرة حياة الموصى له. قال ابن القاسم: وكذلك إذا أوصى (¬5) له بولد أمته أنها إن كانت حاملًا، كان له ذلك الحمل عاش أو مات، أو أسقطته قبل تمامه، وإن لم تكن حاملًا كان له ما تلد إلى أن تموت الأمة (¬6) أو ترتفع عن الحمل (¬7). وعلى قول أشهب: ¬

_ (¬1) في (ق 7): (ليتوصل). (¬2) في (ق 6): (بيع)، وكذلك في هامش (ق 2). (¬3) قوله: (سوى) ساقط من (ق 2). (¬4) في (ق 6): (ثمرة). (¬5) في (ق 7): (وصى). (¬6) قوله: (الأمة) ساقط من (ق 6). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 441، 442، وعزاه ابن أبي زيد لأشهب ومحمد، ولفظه. =

ذلك له ما لم يمت الموصى له بالولد، وإن ضرب أجلًا في الثمرة فانقضى الأجل وفيها ثمرة لم تؤبر، كانت للورثة وإن أزهت كانت للموصى له. واختلف إذا أبرت هل تكون للورثة أو للموصى له؟ وألا شيء له (¬1) فيها أحسن، إلا أن تزهي، وإن كانت الوصية بما تلد أمته فانقضى الأجل وهي حامل، كان للورثة دون الموصى له؛ لأنه إنما وصى له بما تلد في تلك السنين، وهذا يولد في غيرها. وقال محمد فيمن أوصى بثمرة حائطه الآن لرجل، وبغلته فيما يستقبل (¬2) لآخر والحائط، لا يخرج من الثلث، فإن كانت الثمرة أبرت أو طابت، قومت ثم قومت الغلة التي تأتي إلى حياة الموصى له، فإن كانت قيمتها سواء، كان لصاحب المأبورة شطر ثلث الميت في عين الثمرة، وكان للآخر شطر الثلث شائعًا في جميع ما ترك الميت، وإن لم تؤبر قطع لهما بثلث مال الميت، وكان بينهما على قدر وصاياهما. ¬

_ = (من كتاب ابن المواز، وأراه لأشهب: وإذا أوصى بولد أمته لرجل وبرقبتها لآخر، فهو كذلك، هذا ما تلد ما دام حيا، وعليه نفقتها، فإذا مات فرقبة الأمة للموصى له بالرقبة قال ابن المواز: وهذا إن لم تكن حاملًا يوم أوصى. فإن كانت حاملًا يومئذ فليس له إلا حملها ذلك فقط). (¬1) قوله: (له) ساقط من (ق 6). (¬2) في (ق 2): (يستغل).

باب في غلات الموصى به وولده وماله والجناية عليه

باب في (¬1) غلات الموصى به وولده وماله والجناية عليه ومن أوصى لرجل بحائط وفيه ثمر مأبورة (¬2)، لم تدخل الثمرة في الوصية، وهي للورثة، ويكثر بها مال الميت وإن لم تؤبر، كانت للموصى له، فإن لم ينظر في الثلث حتى أزهت، كانت للموصى له بالحائط. واختلف هل تدخل (¬3) في القيمة، أو يقوم الأصل بانفراده؟ وأرى أن تدخل في القيمة؛ لأن الاعتبار في قيم الرقاب يوم ينظر في الثلث، فإن زادت أو نمت قومت على هيئتها يوم ينظر في الثلث، فكذلك الغلات، وتكون النفقة عليها (¬4) من مال الميت، وعلى القول الآخر: إنَّها (¬5) لا تدخل في القيمة، تكون نفقتها على الموصى له، وإن أوصى (¬6) بعبد أو أمة، كان ما ولد لهما قبل موت الموصي غير داخل في الوصية، وإن كان الحمل بعد موته دخل في الوصية، وقوم مع الأم أو العبد قولًا واحدًا بخلاف المال، فإن كان الحمل في حياته والولادة بعد وفاته، كان ولد الأمة للموصى له، وولد العبد من أمته للورثة، وسواء كانت الوصية فيهما بالعتق أو لفلان. وأما المال فهو على ثلاثة أوجه: فإن مات الموصي وفي يد العبد أو الأمة مال من الخراج كان للورثة، وسواء كانت الوصية فيهما (¬7) بالعتق أو لفلان. ¬

_ (¬1) قوله: (في) ساقط من (ق 6). (¬2) في (ق 6): (مأبور). (¬3) قوله: (تؤبر، كانت للموصى له، فإن. . . واختلف هل تدخل) ساقط من (ق 7). (¬4) في (ق 6): (عليهما). (¬5) قوله: (إنها) ساقط من (ق 6). (¬6) في (ق 6): (وصى). (¬7) قوله: (فيهما) ساقط من (ق 7).

وإن كان المال من غير الخراج، والوصية بالعتق تبعه المال. واختلف إذا كانت الوصية لرجلٍ فقال مالك مرة: المال للورثة. وقال مرة: إني لأراه شبيهًا بالعتق، وأن يكون لمن أوصى له به. قيل له (¬1): أتراه مخالفًا للهبة والصدقة إذا تصدق به أو وهبه، قال: نعم وإن كان المال من ربح المال الذي كان في يديه، كان حكمه حكم رأس المال، فإن كانت الوصية بعتق تبعه، وإن كانت (¬2) لرجلٍ كان على الاختلاف في رأس المال، وإن كان ذلك من فائدة كان للموصى له (¬3)، ثم يختلف هل يدخل في القيمة. والجناية على العبد في حياة السيد لورثته ويكثر به ماله، وكذلك إذا كانت الجناية بعد موته، وقد وصى بعتقه؛ لأنه (¬4) جنى (¬5) عليه، وهو عبد (¬6) ولو قتل لكانت قيمته لهم، إلا أن تكون له أموال مأمونة، فإن كان له مال مأمون، وقال: إن مت فهو حر، كان حرًّا بنفس الموت، والجناية عليه جناية حر، فله قيمة الجناية إن كانت دون النفس، ولورثته إن قتل. وقال محمد: إن أوصى به لرجلٍ فجنى عليه، كانت الجناية لورثة السيد بمنزلة الموصى بعتقه. وقال ابن القاسم: قال مالك في العبد الموصى به لرجلٍ يموت عن مال ¬

_ (¬1) قوله: (له) ساقط من (ق 6) و (ق 2). (¬2) في (ق 6): (كان). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 12/ 462. (¬4) قوله: (لأنه) ساقط من (ق 2). (¬5) في (ق 7): (يجني). (¬6) في (ق 2): (عبده).

قبل النظر في مال الميت: إن مال العبد للموصى له به (¬1). فعلى هذا تكون الجناية عليه إن جرح، أو قتل للموصى له به، وهو أحسن؛ لأنه بنفس موت الموصي ملك للموصى له به، وقد أخرجه الميت عن الورثة وإنما بقي موقوفًا لاعتبار القيمة. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 13/ 100.

باب فيمن أوصى لرجل بوصيتين

باب فيمن أوصى لرجلٍ بوصيتين ومن أوصى لرجل بوصيتين فإنه لا يخلو أن يكونا معينتين أو إحداهما معينة (¬1) أو غير معينتين (¬2) بتسمية أو بأجزاء، أو إحداهما بتسمية (¬3) والأخرى بجزء، فإن كانتا معينتين، فقال لفلان: ناصح، ثم قال في تلك الوصية أو غيرها له (¬4): مرزوق أو (¬5) علين دارًا ثم عبدًا ثم (¬6) ثوبًا، كان له الوصيتان إذا حملهما الثلث أو ما حمل منهما، وكذلك إذا كان معينًا وغير معين، فقال له: عبدي فلان، ثم قال: عبد من عبيدي، فله الوصيتان جميعًا. قال أشهب في المجموعة: له العبدان (¬7). يريد المعين و (¬8) عبد مما سواه، وهذا صواب إذا كانتا بكتاب واحد (¬9) أو نسقهما في كلام (¬10) بغير كتاب. وإن لم يكن نسقًا وصى له أمس ثم اليوم بغير كتاب ففيها نظر، فإن هو قدم النكرة ثم عين كان أشكل هل أراد بالتعيين بيان ما أبهم أو وصية ثانية؟ وإن كانا من جنسين فقال: له عبدي فلان، ثم قال في تلك الوصية أو في غيرها: له دار من ¬

_ (¬1) قوله: (معينة) ساقط من (ق 6) و (ق 7). (¬2) قوله: (أو إحداهما معينة أو غير معينتين) ساقط من (ق 6). (¬3) قوله: (أو بأجزاء، أو إحداهما بتسمية) ساقط من (ق 6). (¬4) قوله: (له) ساقط من (ق 6). (¬5) في (ف) و (ق 2) و (ق 6): (و). (¬6) في (ق 7): (أو). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 347. (¬8) في (ق 2): (أو). (¬9) قوله: (بكتاب واحد) يقابله في (ق 6): (في كتاب). (¬10) في (ق 7): (كلامه).

دوري، كان له الوصيتان. وكذلك إن كانتا غير معينتين وهما من جنسين فقال: له عبد من عبيدي، ودار من دياري (¬1)، أو ثوب من ثيابي، أو عشرة دنانير، أو عشرة أقفزة قمحا (¬2)، كان له الوصيتان، وسواء كان ذلك كلامًا بغير كتاب، أو بكتاب واحد، أو بكتابين. واختلف إذا كانتا (¬3) من جنس واحد، فقال: له عشرون دينارًا، ثم قال: له عشرة، أو قال عشرة (¬4) ثم قال: له عشرون على ثلاثة أقوال: فقال مالك وابن القاسم في المدونة: ليس له سوى عشرين وهو أكثر الوصيتين، وسواء تقدمت الوصية بها أو تأخرت (¬5). وقال علي بن زياد عن مالك: إن أوصى بعشرة (¬6) ثم بعشرين، كان له عشرون، وإن أوصى بعشرين ثم عشرة (¬7)، كان له ثلاثون (¬8). وقال مطرف في كتاب ابن حبيب: وسواء كان ذلك في كتاب أو كتابين (¬9). وقال ابن الماجشون (¬10): إن كانتا في كتابين، كان له أكثر الوصيتين، كانت ¬

_ (¬1) في (ق 7): (دوري). (¬2) في (ف) و (ق 2) و (ق 7): (قمح). (¬3) في (ق 6): (كان). (¬4) قوله: (أو قال عشرة) ساقط من (ق 6). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 343. بمعناه. (¬6) في (ق 2): (بعشرين). (¬7) في (ق 7): (بعشرة). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 344. بمعناه. (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 344. (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 344.

هي الأولى أو الآخرة مثل قول ابن القاسم، وإن كانتا في كتاب فقدم الأكثر كانتا له، وإن تأخر الأكثر كان له بانفراده مثل أن يكون بين الوصيتن وصايا. قال في أولها: لزيد كذا، وقال (¬1) في آخرها: لزيد كذا. وكان الذي بينهما ليس بوصايا، وإنما قال في أولها (¬2): لزيد كذا، ثم قال: انظروا فلانًا، فإنه فعل كذا، ثم قال: ولزيد عشرون فله ثلاثون. واختلف أيضًا إذا استوى العددان (¬3) قال: لزيد عشرة، ثم وصى له بعشرة، فقال محمد: ليس له (¬4) إلا عشرة واحدة. وقال مطرف وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب (¬5): له (¬6) الوصيتان، كانتا بكتاب أو بكتابين، وأرى إذا كان كلامًا نسقًا أو بكتاب أن يأخذهما، وسواء كانت الآخرة الأقل أو الأكثر، وإن لم تكونا نسقًا أعطي الأخيرة (¬7) منهما (¬8) إذا كانت أكثرهما؛ لأن الشأن أن (¬9) الإنسان يوصي بالشيء ثم يستقله فينقله إلى أكثر، وإن كانت الأولى أكثر أخذها (¬10) وحملت الثانية على أنها زيادة إلى الأولى، وإن استوى العددان وصى (¬11) له بعشرة ثم بعشرة بكتاب واحد ¬

_ (¬1) قوله: (قال) ساقط من (ق 6) و (ق 7). (¬2) قوله: (في أولها) ساقط من (ق 7) و (ق 2). (¬3) في (ق 6): (القدر) وفي (ف): (العدد). (¬4) قوله: (له) ساقط من (ق 6). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 13/ 16. (¬6) قوله: (له) ساقط من (ق 2). (¬7) في (ق 6): (الآخرة). (¬8) قوله: (منهما) ساقط من (ق 6) و (ق 2). (¬9) قوله: (الشأن أن) ساقط من (ق 6). (¬10) في (ق 7) و (ق 2): (أخذهما). (¬11) في (ق 7): (أوصى).

كان له عشرون ولا يحمل على أنه أراد نسخ أول (¬1) الوصية بآخرها وهي مثلها إذ لا فائدة لذلك (¬2) إلا الزيادة. وإن كانتا في كتابين نظر إلى الثانية، فإن كان فيها زيادات لأقوام حمل عليه في هذه مثل تلك، وإن كان فيها نسخ لبعض من في الأول (¬3) حمل عليه في الثانية أنه أراد أن يبين من أثبت ولم ينسخ، وكذلك إذا كانتا بجنس واحد (¬4) من غير العين بعبيد أو ديار أو ثياب، فأوصى بعبدٍ ولم يعينه ثم بعشرة أعبد، أو بعشرة أعبد ثم بعبد، أو بثوب ثم بعشرة أثواب، أو بعشرة أثواب ثم بثوب، فعلى قول ابن القاسم يأخذ أكثر الوصيتين، تقدمت أو تأخرت، ويجري فيها (¬5) الخلاف المتقدم في الدنانير عن مالك، ومطرف، وابن الماجشون. وكذلك إذا كانت الوصيتان بجزئين، فعلى ما تقدم في الدنانير فإن استوى الجزءان كان له على قول محمد أحدهما، وعلى ما عند ابن حبيب جميعهما، وإن اختلف الجزءان وصى له بثلث ماله ثم بسدسه، أو بسدسه ثم بثلثه، كان له على أحد قولي مالك الثلث وحده، تقدم أو تأخر، وعلى القول الآخر يكون له الثلث، إن تأخر والنصف إن تَقَدَّمَ الوصية بالثلث وأجازت الورثة، ويدخل في ذلك قول مطرف وابن الماجشون، وهل كانتا بكتاب أو بكتابين؟ وكذلك إذا كانتا بجزء وتسمية، والتركة من جنس واحدة دنانير، أو ثياب، أو عبيد، أو ديار. ¬

_ (¬1) قوله: (أول) ساقط من (ق 6). (¬2) في (ق 6): (في ذلك). (¬3) في (ق 7): (الأولى)، وفي (ق 2) الأولى زيادات لأقوام. (¬4) قوله: (واحد) ساقط من (ق 6) و (ق 2). (¬5) في (ق 6): (فيهما).

واختلف إذا كانت التركة عينًا أو ثيابًا أو عبيدًا أو ديارًا، فقال لفلان: عشرة دنانير، ثم قال: له ثلث مالي. فقيل: له ثلث (¬1) ماله (¬2) سوى العين. ويكون له من العين الأكثر حسبما تقدم إذا أوصى بعشرة وعشرين، فإن كان (¬3) ثلث العين الأكثر (¬4) أخذه، وإن كانت العشرة أكثر أخذها إن أجازت الورثة، وقيل: له العشرة وثلث التركة قبل إخراج العشرة إن أجاز الورثة، بمنزلة لو كانت الوصيتان لرجلين، وكذلك إذا قال: له دار من دوري أو عبد من عبيدي، ثم قال: له ثلث مالي كان على الخلاف المتقدم إذا وصى (¬5) بدنانير ثم بجزء. واختلف إذا أوصى بدنانير ثم بدراهم، فقال محمد: يأخذهما. وقال ابن حبيب: هما كالشيء الواحد بمنزلة لو كانتا (¬6) كلاهما بدنانير أو بدراهم. قال محمد: فإن كانت دراهم وسبائك فضة أو قمحًا أو شعيرًا، أعطي جميعها (¬7). ¬

_ (¬1) قوله: (ثلث) ساقط من (ق 2). (¬2) في (ق 7) و (ق 2): (ما). (¬3) في (ف) و (ق 2) و (ق 6): (كانت). (¬4) في (ق 7): (أكثر). (¬5) في (ق 6): (أوصى). (¬6) في (ق 7): (كانا). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 345.

باب فيمن أوصى لرجل بشيء ثم أوصى به لآخر، وما يعد من ذلك رجوعا

باب فيمن أوصى لرجل (¬1) بشيء ثم أوصى به لآخر، وما يعد من ذلك رجوعا (¬2) وقال مالك فيمن أوصى لرجل بعبد ثم أوصى به لآخر: كان بينهما نصفين (¬3). قال محمد: كان ذلك في كتابٍ أو كتابين، إلا أن يقوم دليل على رجوعه بلفظ أو بمعنى (¬4). قال أبو القاسم: ولو قال العبد الذي أوصيت به لفلان هو لفلان، كان رجوعًا وكان جميعه للآخر (¬5). قال محمد: لو قال: بيعوه من فلان كان رجوعًا، اشتراه الآخر أو لم يشتره. قال: وكذلك لو قال: بيعوه ولم يقل من فلان واستحب أن يجوزا جميعًا (¬6). والأول أصوب وهو رجوع. ولو قدم البيع من فلان أو لم يسمه، ثم وصى به لآخر، كان للآخر. قال محمد: ولو قال: هو لفلان وبيعوه من فلان في كلام واحد، لبيع من هذا بثلثي ثمنه، وأعطي ذلك الثلثان فلانًا، فإن لم يشتره كان ثلث ثمنه للورثة، ¬

_ (¬1) في (ق 2): (لرجلين). (¬2) في (ف) و (ق 2) و (ق 6): (رجوع). (¬3) انظر: المعونة: 2/ 526 - 527. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 339. (¬5) انظر: المعونة: 2/ 527. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 340.

ولو (¬1) وصى به لفلان وبعتقه في كتابين أو في كتاب، لكان على ما وصى به آخرا (¬2) من عتق أو لفلان (¬3). وقال أشهب: الحرية أولى، تقدمت أو تأخرت (¬4). والأول أبين، وهو رجوع. وقال ابن الماجشون في ثمانية أبي زيد فيمن هلك عن وارثٍ واحد، وأوصى بثلثه لوارثه، ثم قال ثلثي لفلان، أو قال: هو لفلان. وهو أجنبي، ثم قال: لفلان وهو الوارث، كان ثلثه للآخر منهما وهو انتزاع من الأول، وجعل الثلث كالشيء المعين يوصى به مرتين، وعلى قوله لو كان عبدًا أو أوصى به لأجنبي ولوارثه، كان للآخر منهما (¬5) ويلزم على قوله إذا أوصى به لأجنبي (¬6) أن يكون رجوعًا عن الأول، ويكون للآخر. وقال محمد (¬7) فيمن قال: عبدي مرزوق لمحمد، ولسعيد مثله قال: يعطاه (¬8) محمد ويشتري لسعيد مثله في قيمته، ونحوه ولو قال: مرزوق لمحمد وسعيد مثله، كان خلاف الأول، وكان بينهما نصفين، وحمل قوله مثله، أي مثل محمد في الوصية (¬9). ¬

_ (¬1) في (ق 6): (وإن). (¬2) في (ق 7): (أخيرًا). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 341. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 340. (¬5) قوله: (وهو انتزاع من الأول، وجعل. . .، كان للآخر منهما) ساقط من (ق 7). (¬6) في (ق 7): (لأجنبيين). (¬7) في (ق 6): (مالك)، وساقطة من (ق 2). (¬8) قوله: (يعطاه) ساقط من (ق 7). (¬9) انظر: البيان والتحصيل: 13/ 307.

باب فيمن أوصى بمثل نصيب أحد بنيه أو أحد ورثته

باب فيمن أوصى بمثل نصيب أحد بنيه أو أحد ورثته وإذا خلف الميت ثلاثة من الولد، وأوصى لرجل بمثل نصيب أحد بنيه، كان له الثلث، وإن كانوا أربعة فالربع أو (¬1) خمسة فالخمس، وهذا قول مالك (¬2). وقال ابن أبي أويس في ثمانية ابن أبي زيد: له السدس إذا كانوا خمسة. وإن قال: أنزلوه منزلة أحد ولدي، أو اجعلوه كأحدهم كان له السدس إذا (¬3) قولًا واحدًا، وكذلك إن (¬4) قال له نصيب أحد ولدي، ولم يقل مثله. واختلف أيضًا إذا كانوا ذكرانًا وإناثًا، فقال مالك وابن القاسم: ينظر إلى عددهم، فإن كانوا ثلاثة كان له الثلث، أو (¬5) أربعة كان له (¬6) الربع (¬7). وقال ابن الماجشون في ثمانية أبي زيد: له نصف نصيب ذكر، ونصف نصيب أنثى. وقول مالك في المسألة الأولى أحسن؛ لأن نصيب ولده إن كانوا ثلاثة الثلث فمثله هو الثلث والربع دون المثل، فكان حمله على الثلث أولى حتى يقوم دليل أنه أراد أن يجعله مضافًا إليهم، وقول عبد الملك في المسألة الأخرى ¬

_ (¬1) قوله: (فالربع أو) يقابله في (ق 6): (كان الربع و). (¬2) المدونة: 4/ 376. (¬3) قوله: (إذا) ساقط من (ق 6) و (ق 2). (¬4) في (ق 7): (إذا). (¬5) في (ق 7): (و). (¬6) قوله (كان له) يقابله في (ق 2): (فله). (¬7) انظر: البيان والتحصيل: 13/ 127.

أحسن، وهو أعدل (¬1) في الوصية ألا يكون له نصيب أعلاهم وهو الذكر، ولا نصيب أدناهم وهو (¬2) الأنثى، فإن قال: له مثل نصيب أحد ولدي، وله زوجة وأبوان، عزل نصيب الزوجة والأبوين، ثم ينظر إلى ما ينوب كل واحد من الباقي، فيعطى مثل (¬3) نصيب أحدهم، ثم يجمع نصيب الزوجة والأبوين إلى الباقي بعد ما أخذه الموصا له فيعطى مثل نصيب أحدهم ثم يجمع فيقتسمونه على فرائض الله تعالى. وقال مالك إن قال: له مثل نصيب أحد ورثتي، جمع عدد البنين والزوجات والأبوين، فإن كانوا عشرة أعطي العشر (¬4)، وقياد (¬5) قول عبد الملك يعطى ربع (¬6) نصيب ذكر وربع نصيب أنثى، وربع نصيب زوجة (¬7)، وربع نصيب أحد الأبوين، واختلف إذا وصى بسهمٍ من سهام ماله. ¬

_ (¬1) في (ف) و (ق 2) و (ق 6): (عدل). (¬2) في (ق 7): (وهي). (¬3) في (ق 2): (إلى). (¬4) في (ق 2): (العشرة). (¬5) قوله: (وقياد) ساقط من (ق 2). (¬6) قوله: (ربع) ساقط من (ق 6). (¬7) في (ق 2): (الزوجة).

باب [فيمن أوصى لرجل ولولده فمات بعضهم قبل القسم، وولد له آخرون، وما تحمل الوصية فيه على التعيين وعلى غير التعيين وإذا أوصى لأقاربه أو لأهله أو لعصبته أو لجيرانه أو لمواليه]

باب [فيمن أوصى لرجلٍ ولولده فمات بعضهم قبل القسم، وولد له (¬1) آخرون، وما تحمل الوصية فيه على التعيين (¬2) وعلى غير التعيين وإذا أوصى لأقاربه أو لأهله أو لعصبته أو لجيرانه أو لمواليه] وصية الميت على ثلاثة أوجه: أحدها: أن يقول: هؤلاء (¬3) النفر، فهؤلاء معينون، فمن مات منهم بعد موت الموصي وقبل القسم، كان ورثته مقامه، ومن توالد لهم لم يكن لولده شيء، والغني والفقير في ذلك سواء. والثاني: أن يقول: لتميم أو لقيس، فهذه لمن أدرك القسم، فمن مات قبل القسم سقط نصيبه، ومن توالد دخل في القسم، ويؤثر الفقير على الغني. والثالث: أن يقول: لأعمامي، أو لأخوالي، أو لموالي، أو لفلان وولده، فقيل: هم كالمعينين فمن مات لم يسقط نصيبه، ومن توالد لم يدخل في الوصية، والغني والفقير سواء، وقيل: هم كالمجهولين، والوصية لمن أدرك القسم كالذي قال: لتميم. والأول أحسن؛ لأن هؤلاء يعلم عددهم، إلا أن يدخل العقب، فيقول: لفلان وعقبه (¬4)، فيكون لمن يتوالد بعد، أو يقول: ¬

_ (¬1) قوله: (له) ساقط من (ق 6). (¬2) في (ق 2) و (ق 6): (التعين). (¬3) في (ق 2): (لي هؤلاء). (¬4) في (ق 2): (ولعقبه).

لفلان وولده حبسًا، فيعلم (¬1) أنه أراد مجهول من يكون عند كل قسم. وإن أوصى (¬2) لولد فلان، ولا ولد له، وله حمل حملت (¬3) الوصية على أنها لذلك الحمل، فإن ولد كانت له الوصية، وإن أسقطته أو ولدته ميتًا، سقطت الوصية، ولا شيء لمن يولد بعد، وإن لم يكن حمل، والموصي يظن أن له ولدًا، أسقطت الوصية، وإن كان عالمًا حملت الوصية على من يولد بعد، وإن كثروا، فإن ولد له ولد تجر له بذلك المال، ثم كذلك كما ولد له ولد تجر له (¬4) مع الأول، ومن بلغ التجر تجر لنفسه، فإن خسر فيه أو ضاع منه شيء في حين يتجر (¬5) به للصغير، لم يضمن؛ لأنَّ الصغير لا تعمر ذمته بذلك، وقد رضي الموصي (¬6) بالوصية له على ما توجبه الأحكام في الضمان، فإن بلغ وتجر لنفسه ضمن الخسارة والتلف، وإن أوصى لميت والموصي (¬7) لا يعلم بموته، سقطت الوصية، وإن كان عالمًا قضى بها دينه وورث عنه إن لم يكن عليه دَيْن. وقال في مختصر ابن عبد الحكم: الوصيةُ ساقطةٌ. ولم يجعل لورثته ولا لغرمائه شيئًا. وأرى أن الميت لا يملك، وأن الوصية (¬8) لمن يستحيل أن يوصى له. ¬

_ (¬1) في (ق 2): (فيكون فيعلم). (¬2) في (ق 7): (وصى). (¬3) قوله: (وله حمل حملت) يقابله في (ق 2): (حمل). (¬4) قوله: (له) ساقط من (ق 6) و (ق 7). (¬5) في (ق 2): (فتجر). (¬6) في (ق 7): (الميت). (¬7) في (ق 7): (والوصي). (¬8) قوله (وأن الوصية لمن. . . .) إلخ كذا في جميع النسخ وفيه تصحيف والصواب إن شاء الله تعالى أنه هكذا (وأن لا وصية لمن يستحيل ان يوصى له) كما هو مقتضى السياق والله تعالى أعلم.

فصل [فيمن أوصى لبني فلان أو لأقاربه أو لأهله أو لعصبته أو لجيرانه أو لمواليه]

فصل [فيمن أوصى لبني فلان أو لأقاربه أو لأهله أو لعصبته أو لجيرانه أو لمواليه] ولو قال: لبني فلان، كانت الوصية لبنيه الموجودين دون من يأتي، بخلاف الحبس (¬1)، وكذلك قوله لولد فلان هو للموجودين الذكران والإناث دون من يأتي. وإن قال: لإخوتي، كانت لإخوته لأمه وأبيه، ولإخوته لأبيه، ولإخوته لأمه دون بنيهم. وإن قال لبنيهم دخل بنوهم (¬2) الموجودون على القول إنه يقتضي التعيين، ومن قال: إنهم كالمجهولين ويكون لمن أدرك القسم يكون لمن يوجد بعد موت الموصي وقبل القسم. وإن قال: لآبائي، كانت للآباء والأمهات والأجداد والجدات، فإن لم يجز بقية الورثة للآباء حوصص الأجداد والجدات بما ينوبهم، وكان ما ينوبهم ميراثًا. وإن قال: لأعمامي، كان للعمومة والعمات من حيث كانوا. كان قال: لعصبتي، دخل في ذلك نسب الأب الذكور وإن بعدوا، ولم يدخل فيه الإناث، ولا من كان من قبل الأم ذكرانًا كانوا أو إناثًا. واختلف إذا قال: لأهلي، فقال ابن القاسم: أهله وآله سواء وهم العصبة والأخوات والعمات، ولا شيء للخالات (¬3). فجعل الوصية لمن كان من قبل الأب ذكرانًا كانوا أو إناثًا دون من كان من قبل الأم. وقال مطرف في كتاب ابن حبيب: يدخل في ذلك الأخوال والخالات، ¬

_ (¬1) في (ق 6): (الحميس). (¬2) في (ق 2): (به). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 536.

وبنوهم الذكران والإناث، وبنوا البنات ذكورهم وإناثهم (¬1). واختلف إذا قال: لقرابتي، أو لرحمي، كالاختلاف الأول، فقال مالك (¬2) في كتاب محمد: يقسم للأقرب (¬3) فالأقرب بالاجتهاد (¬4)، ولا يدخل في ذلك أحد من قبل الأم، إلا أن لا (¬5) تكون له قرابة من قبل الرجال (¬6)، وروى عنه علي بن زياد أنه قال: يدخل فيه قرابته من قبل أبيه وأمه (¬7)، وبنو البنين وبنو الإخوة، ويعطى فقراء أبناء من يرثه (¬8)، وقاله ابن كنانة، قال: يعطي من كان من قبل الأب والأم (¬9). قال أشهب: ولا يفضل الأقرب، فأسعدهم به أحوجهم (¬10). وقال ابن كنانة: إن قال: صدقة لم يعط إلا الفقراء، وإن لم يقل (¬11) صدقة فأغنياؤهم وفقراؤهم سواء (¬12)، وإن قال: لرحمي، كان لمن هو من قبل الرجال والنساء. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 536. (¬2) قوله: (مالك) ساقط من (ق 6). (¬3) في (ق 6): (على الأقرب). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 533. (¬5) قوله: (لا) ساقط من (ق 6) و (ق 2). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 534، والبيان والتحصيل: 13/ 145. (¬7) قوله: (وأمه) ساقط من (ق 6). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 534. (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 533، 534. (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 534. (¬11) زاد بعده في ف (إلا) (¬12) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 535.

وذكر ابن حبيب عن ابن القاسم، ألا شيء في ذلك لمن كان من قبل النساء، والأول أحسن. واختلف إذا قال: لجيراني، فقيل: إن كان في دار كبيرة جامعة وهو يسكن بعضها، قسمت الوصية على أهلها من أدرك القسم وإن سكن قبل ذلك بيوم، ولا حقَّ لمن انتقل عنهم قبل ذلك، وإن كان ساكنًا جميعها، كان الجوار لمن واجهه، وهو معه في الحومة (¬1) المستقبل بعضها بعضًا، يجمعهم الطريق والمدخل، وما وراء ذلك مما يلصق بالمنزل وجنابيه (¬2) فقط، يقسم على أحرارهم ولا يقسم لزوجة ولا لمن تلزمه النفقة (¬3) من ولد، ويقسم لمن كان بالموضع في إجارة أو ضيف إذا كان حرًا، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أَرْبَعُونَ دَارًا جَار" (¬4). ولم يثبت. ¬

_ (¬1) الحومة الحي أو الناحية في عرف أهل المغرب. (¬2) في (ق 7): (وجنباته). (¬3) في (ق 6): (نفقته). (¬4) أخرجه أبو يعلى في مسنده من حديث أبي هريرة، برقم (5982)، والبيهقي عن عائشة - رضي الله عنها -: 6/ 276، في باب الرجل يقول ثلث مالي إلى فلان يضعه حيث أراه الله وما يختار للموصى إليه أن يعطيه أهل الحاجة من قرابة الميت حتى يغنيهم ثم رضعاءه ثم جيرانه، من كتاب الوصايا، برقم (12391) وأخرجه أبو داود في المراسيل (1/ 257، برقم (350) من حديث الزهري مرسلا، وقال ابن حجر في تلخيص الحبير (3/ 93): (حديث حق الجوار أربعون دارا هكذا وهكذا وهكذا وهكذا وأشار قداما وخلفا ويمينا وشمالا أبو داود في المراسيل بسند رجاله ثقات إلى الزهري بلفظ أربعون دارا جار قال الأوزاعي فقلت لابن شهاب كيف قال الأربعون عن يمينه الحديث قال البيهقي وروي من حديث عائشة أنها قالت يا رسول الله ما حد الجوار قال أربعون دارا وفي رواية عنها أوصاني جبريل بالجار إلى أربعين دارا عشرة من ها هنا الحديث قال البيهقي وكلاهما ضعيف والمعروف المرسل الذي أخرجه أبو داود انتهى ورواه بن حبان في الضعفاء مثل ما ذكره الرافعي سواء من حديث =

فصل [في الوصية للموالي]

وقال الزهري: أربعون من كل جانب (¬1). وقال بعض أهل العلم: ومن سمع الإقامة فهو جار. وقال (¬2): الجيران أهل المحلة الذين يجمعهم المسجد أو مسجدان لصيقان متقاربان (¬3). فصل [في الوصية للموالي] وقال ابن القاسم إذا قال: لموالي فلان، فمات بعضهم قبل القسم، وولد آخرون وأعتق فلان آخرين، كانت الوصية لمن أدرك القسم (¬4). قال سحنون: وقد بينا هذا الأصل (¬5). يريد، أنه اختلف فيه، هل يكونون كالمعينين ولا يدخل من ولد ولا من أعتق ولا يسقط نصيب من مات وُيسَوَّى (¬6) بين الغني والفقير؟ وقال مالك في كتاب محمد فيمن أوصى لمواليه: يدخل في ذلك أمهات أولاده المعتقون بعد موته، ومدبره إذا أخرج (¬7) من ثلثه وفضلت فضلة (¬8)، ¬

_ = أبي هريرة وفي إسناده عبد السلام بن أبي الجنوب وهو متروك ورواه الطبراني من حديث كعب بن مالك نحو سياق أبي داود وينظر في إسناده) (¬1) ذكره أبو داود في المراسيل: 1/ 257 بعد حديث رقم (350) عن يونس قال: قلت لابن شهاب: وكيف أربعون دارا؟ قال: أربعون عن يمينه وعن يساره وخلفه وبين يديه". (¬2) في (ق 7): (وقيل). (¬3) قوله: (أو مسجدان لصيقان متقاربان) ساقط من (ق 2). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 378. (¬5) انظر: المدونة: 4/ 378. (¬6) في (ف) و (ق 2) و (ق 6): (وسوى). (¬7) في (ف) و (ق 6) و (ق 7): (خرج). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 539.

والمعتق إلى أجل، والمكاتب إذا انقضى الأجل وأدى الكتابة قبل القسم، فإن سبقهم القسم، فلا شيء لهم. وقال في العتبية: يدخلان الآن (¬1) في الوصية، فيقسم بينهما بالسواء، فما صار لهما وقف فإن انقضى الأجل وأدى المكاتب أخذا (¬2) ذلك، وإن مات هذا قبل الأجل أو عجز المكاتب، رجع حقهما إلى بقية الموالي (¬3). والأول أحسن. واختلف إذا قال: لموالي وله موال (¬4) أنعم عليهم، وموال أنعموا عليه، فقال ابن القاسم: الوصية للموالي الأسفلين (¬5). وروى أشهب أن ذلك محتمل أن يراد به الأسفل والأعلى، فجعله بينهما نصفين، وإن اختلف العدد فكان إحدى الطائفتين خمسة، والأخرى عشرة، كان بينهما نصفين، وإن كان (¬6) إحدى (¬7) الطائفتين ثلاثة فما فوق، والأخرى واحدة أو اثنتين، كان للجماعة، كانوا أعلى أو أسفل؛ لأن الواحد والاثنين لا يقع عليهما اسم موالي، وإن كان إحدى الطائفتين واحدة، والأخرى اثنين، كان بينهما أثلاثًا لأنه لا يقع عليهم اسم موالي (¬8) إلا بضم بعضهم إلى بعض. واختلف إذا قال: لموالي، هل يدخل في ذلك موالٍ ولده وآبائه وإخوته ¬

_ (¬1) في (ق 6): (إلا). (¬2) في (ق 2): (أخذ). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 13/ 136. (¬4) قوله: (وله موال) ساقط من (ق 2). (¬5) في (ق 7): (الأسفل)، وانظر: البيان والتحصيل: 12/ 201. (¬6) في (ق 6): (كانت). (¬7) في (ق 2): (أحد). (¬8) قوله: (وإن كان إحدى. . . عليهم اسم موالي) ساقط من (ق 7).

وأعمامه (¬1)؟ فقال مالك في العتبية فيمن حبس على مواليه: لا يكون الحبس إلا لمواليه الذين أعتق وأولادهم، وقال بعد ذلك: يدخل في ذلك موالي الأب والابن (¬2). وقال أيضًا: يدخل في ذلك (¬3) موالي الأب والأم، وموالي الموالي وأولادهم. وفي المجموعة: يدخل فيهم موالي الولد، وولد الولد، والأجداد والأم، وموالي الموالي وأولادهم (¬4) والجدة، والإخوة، ولا يدخل في ذلك موالي بني الإخوة والعمومة (¬5). والأول أحسن، أن تقصر الوصية على مواليه الذين أعتق حتى يقوم دليل أنه أراد غيرهم، أو لا (¬6) يكون له موالي لنفسه فيعلم أنه أراد الآخرين. ¬

_ (¬1) قوله: (وأعمامه) ساقط من (ق 6) و (ق 2). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 12/ 200. (¬3) قوله: (ذلك) ساقط من (ق 6). (¬4) قوله: (وموالي الموالي وأولادهم) ساقط من (ق 6) و (ق 2). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 12/ 200. (¬6) في (ق 6) و (ق 2): (إذ لا).

باب فيمن أوصى لجماعة، فمات أحدهم أو لم يقبل

باب فيمن أوصى لجماعة، فمات أحدهم أو لم يقبل اختلف عن مالك فيمن أوصى لثلاثة نفر، لكل واحدٍ منهم بعشرة (¬1) دنانير ولم يحمل الثلث، فمات أحدهم في حياة الموصي، أو لم يقبل فقال مرة: لورثة الموصي أن يحاصوا أهل الوصايا بنصيبه، علم الموصي بذلك أو لم يعلم (¬2)، وقال أيضًا: لا يحاصوا به، علم أو لم يعلم، وقال أيضًا: (¬3) إن علم لم يحاصوا بنصيبه، وإن لم يعلم حاصوا به. فأما قوله يحاصوا (¬4) به إن علم، فإنه مبني على أحد (¬5) أقواله إنَّ محمل الميت في الوصايا إذا عال على ثلثه، أنه يقصد دخول بعضهم على بعض، وقد تقدم ذلك إذا أوصى بالثلث وبتسمية، أن التسمية تنزع (¬6) من الثلث. وأما تفرقته بين ما علم ومن لا (¬7) يعلم، فهو بناء على القول إنه إذا عال في الوصية يريد به (¬8) الزائد من الثلثين، فيكون كما لم يعلم به. وأمَّا قوله: لا يحاص به وإن لم يعلم، فإنه محتمل لوجهين: ¬

_ (¬1) في (ق 6): (عشرة). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 556. (¬3) قوله: (لا يحاصوا به، علم أو لم يعلم، وقال أيضًا) ساقط من (ق 2). (¬4) في (ق 7): (يحاصون). (¬5) في (ق 7): (آخر). (¬6) في (ق 7): (تنتزع). (¬7) قوله: (ما علم وما لم) في (ق 6): (من يعلم ومن لا). (¬8) قوله: (يريد به) في (ق 7): (يرد).

أحدهما: أن يكون ذلك على أحد (¬1) القولين في دخول الوصايا فيما لم يعلم به. والثاني: أن يكون ذلك؛ لأنه كان مترقبًا للرد. وهذا أحسن، ومحمل الميت في مثل (¬2) هذا أنه يريد إنفاذ جميع وصاياه من الثلث (¬3) وغيره، رجاء أن تتم له الورثة ذلك، فإذا طرأ له مال كان أبين أن تنفذ منه وصيته، وكذلك إذا أوصى لواحد بثلث ماله، ولآخر بسدسه أو نصفه (¬4)، فلم يجز الورثة ومات أحد الموصى لهما (¬5) أو رد، فيختلف في نصيبه حسبما تقدم، وأما إن أوصى لهم بثلثه، فلم يقبل أحدهم أو مات، فإن لورثة الموصي أن يحاصوا بنصيبه قولًا واحدًا؛ لأن الميت إنما أعطى لكل واحد منهم (¬6) ثلث الثلث فلا يزاد على ما وصى له به، وهو في هذا بخلاف ما تقدم إذا وصى (¬7) لكل واحد منهم (¬8) بعشرة أو لثلاثة بثلث. ¬

_ (¬1) في (ق 7): (آخر). (¬2) قوله: (مثل) ساقط من (ق 6) و (ق 7). (¬3) قوله: (من الثلث) ساقط من (ق 6). (¬4) قوله: (بسدسه أو نصفه) في (ق 6): (بسدس أو نصف). (¬5) في (ف) و (ق 2) و (ق 6): (له). (¬6) قوله: (أحدهم أو مات. . . إنما أعطي لكل واحد منهم) ساقط من (ف). (¬7) في (ق 6): (إذ أوصى). (¬8) في (ف) و (ق 2) و (ق 6): (منهما).

باب إذا أوصى بأكثر من ثلثه، فأجاز الوارث ثم رجع بعد موته، وكيف إذا كان على الوارث دين فأجاز وصيته إليه بأكثر من ثلثه، أو أقر أن على أبيه دينا، أو عنده وديعة، أو أوصى بوصية

باب إذا (¬1) أوصى بأكثر من ثلثه، فأجاز الوارث ثم رجع بعد موته، وكيف إذا (¬2) كان على الوارث دين فأجاز وصيته إليه (¬3) بأكثر من ثلثه، أو أقر أن على أبيه دينًا، أو عنده وديعة، أو أوصى بوصية (¬4) وإذا أوصى المريض بأكثر من ثلثه، فأجاز الوارث في حياته ثم رجع بعد موته، فإنه لا يخلو الوارث من أن يكون ولدًا، أو عاصبًا، أو زوجة، فإن كان (¬5) ولدًا أو عاصبًا رشيدًا وليس في نفقة الميت، لزمه ذلك، ولم يكن له أن يرجع، وسواء كانت إجازته بالطوع منهم (¬6) أو بعد أن استأذنهم (¬7)، وكذلك إن (¬8) كان رشيدًا في نفقته أو في رفقه فأجاز قبل أن يستأذنهم، وإن كانت الإجازة بعد أن استأذنه فقال (¬9) بعد ذلك: أجزت خيفة أن يصح فيقطع عني معروفه- حلف على ذلك ولم تلزمه الإجازة. ¬

_ (¬1) في (ق 2): (فيمن). (¬2) في (ق 7): (إن). (¬3) قوله: (إليه) ساقط من (ق 6). (¬4) قوله: (وكيف إن كان على. . . أو أوصى بوصية) ساقط من (ق 2). (¬5) إلى هنا انتهت نسخة (ق 2). (¬6) في (ق 7): (منه). (¬7) قوله: (أن استأذنهم) يقابله في (ق 6) و (ف): (استئذانهم). (¬8) في (ق 7): (إذا). (¬9) في (ق 7): (ثم قال).

واختلف في الزوجة فقال مالك: لها أن ترجع (¬1). وقال أشهب في كتاب محمد: ليس كل زوجة لها أن ترجع، رب زوجة لا ترهب منعه ولا تهاب ذلك، فهذه لا ترجع قال: وكذلك الابن الكبير يكون في عيال أبيه وهو غير سفيه، فلا رجوع له إذا كان ممن لا يخدع (¬2)، وقوله في الزوجة حسن، فأما الولد فالقول الأول أصوب، إلا أن يعلم أنه كان في حياة الأب، لا يرهبه، وأنه كان لا (¬3) يتكلف النفقة عليه والولد على وجه الاستعلاء وقلة الخضوع، وإن كان الولد صغيرًا أو كبيرًا سفيهًا موليًا (¬4) عليه، لم تجز إجازته وإن لم يكن في نفقته، ويختلف إذا كان غير مولى عليه، فمن أجاز هباته أمضى إجازته. واختلف إذا استأذن الأب ولده الرشيد عند سفره فأجاز، فقال محمد: لا يلزمه ذلك. وقاله ابن وهب في العتبية (¬5)، وقال ابن القاسم: هو كالمريض. وقال مالك في الموطأ: إن أذن الورثة للصحيح أن يوصي بأكثر من ثلثه، لم يلزمهم؛ لأنهم أذنوا في وقتٍ لا منع لهم (¬6). وفي كتاب الصدقة من كتاب محمد فيمن قال: ما أرث من فلان صدقة عليك، وفلان صحيح قال: يلزمه ذلك (¬7) إذا كان في غير يمين، والأول أشهر، وهذا أقيس؛ لأنه التزم ذلك بشرط الملك، ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 371. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 371. (¬3) قوله: (لا) ساقط من (ق 7). (¬4) في (ق 7): (مولى). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 12/ 476. (¬6) انظر: الموطأ: 2/ 766، وذلك في باب الوصية للوارث والحيازة، من كتاب الوصية، النوادر والزيادات: 11/ 370. (¬7) قوله: (ذلك) ساقط من (ق 6).

فصل [فيما إذا أوصى بأكثر من ثلثه فأجاز الوارث وكان على الوارث دين]

فأشبه من أوجب الصدقة بما يملك إلى أجل أو في بلد سماه (¬1)، أو بعتق ذلك، أو بطلاق ما يتزوج فيه. وقال ابن القاسم في العتبية في مريض أوصى بجميع ماله وليس له وارث إلا ابن مريض فأجاز الابن وصيته، وقال الابن: ثلث مالي صدقة على فلان، ولا مال له إلا ما خلفه أبوه، وهو ثلاثمائة دينار. قال: يبدى بوصية الأب مائة دينار، ثم يتحاص من وصى له الأب، ومن وصى له الابن يَضْرِبُ الأول بمائتين، والآخر بثلث المائتين (¬2). يريد، فيتحاصان في ثلث المائتين إن أَرْبَاعًا؛ لأن المائتين تصير بموت الأب مالًا للابن، وهو جميع ماله، ووصى بجميعه لرجل، وبثلثه لآخر ووصيته ترجع إلى ثلثه، والفريضة تخرج من ثمانية عشر، فيأخذ من وصى له الأب ثلثها، وهو ستة، وتبقى اثنا عشر وهو ميراث الابن، يخرج ثلثها للموصى له، وهي أربعة، ولمن وصى له الأب (¬3) منها ثلاثة أسهم، وللآخر سهم. فصل [فيما إذا أوصى بأكثر من ثلثه فأجاز الوارث وكان على الوارث دين] واختلف إذا أوصى الأب بأكثر من ثلثه، فأجاز الابن وعليه دين، فقال ابن القاسم: للغرماء أن يردوا ذلك (¬4). وقال ابن القصار: إذا أجاز الوارث ما ¬

_ (¬1) في (ق 6): (سمى). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 13/ 140، والنوادر والزيادات: 11/ 371. (¬3) قوله: (الأب) ساقط من (ق 6). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 517.

أوصى به الميت من الزيادة على الثلث أو الوصية للوارث، كان ذلك تنفيذًا لفعل الميت، ولم يكن ذلك ابتداء عطية من الوارث والأول أحسن؛ لأن الزيادة على الثلث ملك للوارث، ولم يجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - للميت من تركته إلا الثلث، وإذا كان ذلك كانت الزيادة عطية من الوارث، وهو أصل أشهب في كتاب محمد (¬1). واختلف إذا أجاز الوارث ولا دين عليه، فلم يقبض ذلك الموصى له حتى استدان الوارث أو مات، فقال ابن القاسم (¬2): غرماء الولد وورثته أحق بها؛ لأنها هبة منه، ولم تحز عنه (¬3). وقال أشهب: يبدى بوصية الأب قبل دين الابن (¬4). والأول أحسن؛ لأنها هبة منه، فإذا لم تجز عنه حتى فلس سقطت، وإن اعترف (¬5) الابن بدين على أبيه، أو بوديعة أنها لفلان عنده، والمُقَرُّ له حاضر، جاز إقراره، وإن أنكر ذلك غرماء الابن، قال ابن القاسم: ويحلف المقر له إذا كان إقرار الابن قبل أن يقوم عليه غرماؤه (¬6). ولا مقال لغرماء الابن في ذلك (¬7). واختلف إذا أقر أن أباه أوصى لفلان بوصية، فقال ابن القاسم: يجوز إقراره ولا مقال لغرماء الابن في ذلك (¬8). وقال أشهب: لا يجوز إقراره، ولا ¬

_ (¬1) قوله: (وهو أصل أشهب في كتاب محمد) ساقط من (ق 6). (¬2) قوله: (فقال ابن القاسم) يقابله في (ق 7): (كان). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 594. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 594. (¬5) في (ق 6): (أقر). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 594. (¬7) قوله: (ولا مقال لغرماء الابن في ذلك) ساقط من (ق 7). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 593.

شهادته أن أباه أوصى بعتق، ولا بوصية إذا لم يصدقه غرماؤه، كما لو فعل هو ذلك في ماله (¬1). قال: وليس بمنزلة إقراره على أبيه بالدين؛ لأنه لو أقر بذلك على نفسه للزمه (¬2). وقول ابن القاسم أحسن؛ لأنه لم يصنع معروفًا، فيرد فعله، وإنما اعترف أن أباه أبقى الثلث لنفسه، ووصى فيه بوصايا، وهذا مما يفعله الموتى ولا يتهم الابن في ذلك. تَمَّ كِتَابُ الوصايا الثاني والحمدُ للهِ تعالى ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 593. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 593 ونصه: (وأما إقراره على أبيه بالدين، فيلزمه بخلاف إقراره عليه بصدقة، أو عِتق كما لو فعل ذلك هو في ماله).

كتاب العتق

كتاب العتق النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ح) = نسخة الحسنية رقم (12929) 3 - (ر) = نسخة الحمزوية رقم (110)

كتاب العتق الأول

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب العتق الأول العتقُ من أعمال البر وأحد القُرب لله تعالى ومندوب إليه بقوله تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج: 77]، وبقوله: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 11 - 13]، واقتحامها جوازها، فأخبر اللهُ تعالى أن العتق أحد ما يتسبب به إلى النجاة حينئذ، وقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أيَما رَجُلٍ أَعْتَقَ امْرَءًا مُسْلِمًا اسْتَنْقَذَ اللهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ" أخرجه البخاري ومسلم (¬1)، وزاد البخاري في كتاب النذور "حَتَّى الفَرْجَ بالفَرْج" (¬2). وفي النسائي: "وَأَيُّما رَجُل مُسْلِمٍ (¬3) أَعْتَقَ امْرَأَتَيْن مُسْلمَتَيْن فَهُما فكاكُه من النَّار عَظْمَان مِنْهما بعَظْمٍ، وَأَيُّما امْرَأَةٍ مُسْلمَةٍ أَعْتَقَت امرأةً مسلمةً فهي فِكاكُها مِنَ النَّار عَظْمًا بعَظْمٍ" (¬4). ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 891، في باب ما جاء في العتق وفضله، من كتاب العتق، برقم: (2381)، ومسلم: 2/ 1148، في باب فضل العتق، من كتاب العتق، برقم: (1509). (¬2) أخرجه البخاري: 6/ 2496، من باب قول الله تعالى: {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}، ونصف الرقاب أزكى، في كتاب كفارات الأيمان وقول الله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: 89]، برقم: (6337). (¬3) قوله: (مسلم) ساقط من (ف). (¬4) حسن صحيح، أخرجه الترمذي: 4/ 117، في باب ما جاء في فضل من أعتق، برقم: (1547)، وقال: حسن صحيح غريب، والنسائي 3/ 169، في كتاب فضل العتق، برقم: (4881)، وابن ماجه: 2/ 843، في باب العتق، من كتاب العتق، برقم: (2522).

وظاهرُ الحديثِ في العضوِ بالعضوِ (¬1) والفرج بالفرج أنه إذا كان المعتق ناقص عضو لم يستنقذ من المعتق ما قابل ذلك (¬2) الناقص، وأنه يصح أن يوجد الألم ببعض الجسم ويحجب عن بعضه، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "حَرَّمَ اللهَ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ" (¬3) وفي كتاب مسلم نحو هذا (¬4)، والذكران أفضل للحديث، ويحتمل أن يكون ذلك لأنَّ الغالب أن الطاعة (¬5) فيهم أوجد. وفي الحديث قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اطَّلَعْتُ على النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ" (¬6). ولأنَّ الرجل إلى العتق أحوج والرق فيه أنكى، وكثير من الإناث لا ترغب في العتق وإن أعتقت ضاعت، وإذا تساووا في الذكورية أو غيرها فأعلاهما ثمنًا أعظمهما أجرًا، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد سئل: أيُّ الرقاب أفضل؟ فقال: "أَغْلاَهَا ثَمَنًا، وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا" (¬7). ¬

_ (¬1) قوله: (بالعضو) ساقط من (ح) (¬2) زاد بعده في (ح): (العضو من العضو). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري: 6/ 2704، في باب قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}، من كتاب التوحيد، برقم: (7000)، ومسلم: 1/ 165، في باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم، من كتاب الإيمان، برقم: (182). (¬4) قوله: (هذا) في (ر) (ذلك). (¬5) قوله: (الطاعة) في (ح): (الطاعات). (¬6) متفق عليه، أخرجه البخاري: 3/ 1184، في باب ما جاء في صفة الجنة. من كتاب بدء الخلق، برقم (3069)، ومسلم: 4/ 2096، في باب أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء، من كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، برقم: (2736)، ومالك: 1/ 186، في باب العمل في صلاة الكسوف، من كتاب صلاة الكسوف، برقم (445). (¬7) أخرجه البخاري: 2/ 891، في باب أي الرقاب أفضل، من كتاب العتق، برقم: (2382)، ومسلم: 1/ 89، في بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال، من كتاب الإيمان، برقم: (84).

واختلف إذا كان كافر أغلى ثمنًا من مسلم، فقال مالك عند ابن حبيب: هو أفضل ولا أبالي يهوديًّا كان أو نصرانيًّا (¬1) أو ولد زنى، وقال أصبغ: المسلم أفضل (¬2). وهو أبين، قياسًا على عتق الواجب (¬3) في قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92]، ولأنَّ الأجر ليس هو معلق بقدر الثمن خاصة دون ما يصرف فيه الثمن، ولو كان ذلك لم يُفَرَّقْ بين صرفه في عتق أو صدقة، والأجر يتفاضل بقدر (¬4) ما يصرف ذلك (¬5) المال فيه، وإذا كان عتق الذكران أفضل كانت الأَمَة المسلمة أفضل من الكافر، ولو كانا مسلمين وأقلُّهما ثمنًا ذو دين وعفاف، والآخر شرير فاسق، لكان عتق ذي (¬6) الدين أفضل، وقد قيل في قول الله -عز وجل-: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33]: إن (¬7) الخير ها هنا هو الدين (¬8). ¬

_ (¬1) قوله: (أو نصرانيًا) ساقط من (ف، ح). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 509. (¬3) قوله: (الواجب) في (ر) (الرقاب الواجبة). (¬4) قوله: (بقدر) في (ف): (بحسب). (¬5) قوله: (ذلك) ساقط من (ح) (¬6) قوله: (ذي) ساقط من (ف) و (ر). (¬7) قوله: (إن) ساقط من (ف). (¬8) انظر: تفسير الفخر الرازى: 23/ 378.

فصل [في الرجوع عن العتق]

فصل (¬1) [في الرجوع عن العتق] والعتق عقد لازمٌ لا يصح الرجوع عنه كان العتق بتلًا أو إلى أجلٍ شهرًا (¬2) أو سنة أو موت فلان، وليس له بيعه قبل ذلك الأجل، وإن علقه بيمين فقال: إن كلمت فلانًا أو دخلت الدار، ثم حنث؛ لزمه (¬3)، وإن أراد بيعه قبل حنثه كان ذلك له (¬4)، إذا قال: إن فعلت وإن قال: لأفعلن مثل قوله (¬5): لأكلمن أو لأدخلن، مُنع من بيعه، وإن علق ذلك بموت نفسه كان ذلك (¬6) على ثلاثة أوجه، فإن أوجب ذلك له، لزمه، ولم يكن له أن يرجع عنه، وسواء قال ذلك في صحته أو في مرضه، ولو قال في مرضه أو عند سفره: أنت حرٌّ بعد موتي كان له الرجوع عنه (¬7)؛ لأن العادة عند هاتين الحالتين قصد الوصايا التي الإنسان فيها بالخيار. واختلف إذا قال ذلك في الصحة من غير سفر، فقال ابن القاسم: له أن يرجع فيه كالوصية، وقال أشهب: هو تدبير إلا أن يريد بذلك ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: "لا يَنْبَغي لأَحَدٍ لَهُ شَيءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلتيْنِ إلَّا وَوَصيَّتُهُ ¬

_ (¬1) قوله: (فصل) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (شهرا) ساقط من (ح). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 392. (¬4) انظر: المدونة: 2/ 65، والنوادر والزيادات: 10/ 25. (¬5) قوله: (مثل قوله) ساقط من (ف، ح). (¬6) قوله: (ذلك) ساقط من (ف، ح). (¬7) قوله: (عنه) ساقط من (ح)، وانظر: النوادر والزيادات: 12/ 280.

فصل [العتق بيمين]

عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ" (¬1) (¬2). ولو علق ذلك بيمين فقال: إن كلمت فلانًا، فأنت حر بعد موتي، فحنث كان عقدًا (¬3) لازمًا ليس له الرجوع عنه؛ لأن ما علق بيمين خرج عن أحكام الوصايا، وإن كان العتق بعد الموت، وهو قول ابن القاسم في كتاب التدبير (¬4). فصل [العتق بيمين] وقال ابن القاسم: التدبير بغير يمين والعتق بيمين مختلف فيه (¬5) (¬6). يريد: إذا حلف ليفعلن، فهما يجتمعان في أن (¬7) التدبير عتق يوافي به الموت، ويكون في الثلث ويمنع من (¬8) البيع في الحياة، واليمن بالعتق (¬9) عتق يوافي به الموت إن لم يفعل، ويكون في الثلث ويمنع من البيع في الحياة (¬10)، ويفترقان في ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 3/ 1005، في باب الوصايا وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وَصيةُ الرَّجل مكتوبةٌ عندَه"، من كتاب الوصايا، برقم: (2587)، ومسلم: 3/ 1249، من كتاب الوصية، برقم: (1627)، ومالك: 2/ 761، في باب الأمر بالوصية من كتاب الوصية، برقم: (1453). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 330. (¬3) قوله: (عقدًا) في (ر): (عتقًا). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 330. (¬5) قوله: (فيه) ساقط من (ف، ر). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 378. (¬7) قوله: (فيه) ساقط من (ر، ح). (¬8) قوله: (من) ساقط من (ف، ح). (¬9) زاد بعده في (ر): (ليفعلن). (¬10) قوله: (واليمين بالعتق ليفعلن عتق. . . البيع في الحياة) ساقط من (ح).

أنَّ المحلوف عليه إن حلف ليكلمن فلانًا (¬1) قد يموت في حياة الحالف فيقع العتق في الحياة، فإن أقام عليه غرماؤه في الحياة بيع لهم لما كان قادرًا على أن يكلمه، بخلاف المدبر، ولهذا افترق حكمهما بعد الموت إذا ضاق الثلث فبدي (¬2) المدبر على الذي حلف بعتقه، وإن كان عقد التدبير بعد المحلوف عليه (¬3) بعتقه؛ لأنَّه آكد لما كان قادرًا على إسقاط اليمين في أن (¬4) يكلمه، وإن نذر عتقًا فقال: لله عليَّ عتق عبد ولم يعينه، أو قال (¬5) عتق هذا العبد، لزمه الوفاء بذلك، ويفترق الجواب في الجبر على ذلك (¬6) فإن لم يعين العبد، لم يجبر. واختلف إذا عين، فقال مالك: إذا قال: لله عليَّ عتق رقيقي هؤلاء، إن ذلك واجب عليه ولا يجبر، فإن شاء حبسهم وإن شاء أعتقهم (¬7). ولأشهب عند محمد: إن قال: لا أفيء (¬8)، قضي عليه، وإن قال: أفعل، تُرك (¬9)، وإن مات قبل أن يفعل لم يعتقوا عليه في ثلث ولا غيره، فلم يجبر في القول الأول، لقوله: لله (¬10)، فخرج مخرج القُرب التي تتجرد (¬11) لله سبحانه كالصلاة والصيام والحج، وما هذه سبيله ¬

_ (¬1) قوله: (فلانًا) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (فبدى) مكانها بياض في (ف). (¬3) قوله: (عليه) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (في أن) في (ر) (وأن). (¬5) قوله: (قال) ساقط من (ف، ر). (¬6) قوله: (على ذلك) ساقط من (ف، ح). (¬7) انظر: المدونة: 2/ 387. (¬8) قوله: (أفي) في (ح): (أوفي). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 28. (¬10) قوله: (لله) في (ح): (تعالى). (¬11) قوله: (تتجرد) في (ف): (تنذر).

فمخرجه مخرج المعاوضات إن وفى أَخَذَ العوض تكفر (¬1) سيئاته وترفع درجاته (¬2)، وإن لم يوف لم يكن له عوض وجبر في القول الآخر؛ لأنه اجتمع فيه حق لآدمي (¬3) عتق بهذا، فكان للعبد أن يقوم بحقه، وإن ترك العبد القيام، لم يجبر، ولو قال: أوجبت لك عتقك لجبر على القولين جميعًا، وعلى هذا الجواب في الصدقة، ولو قال: لله عليَّ صدقة مائة دينار، لم يجبر، وإن قال لمعين (¬4): لك عليَّ صدقة مائة دينار جُبر؛ لأنه شَافَه الرجل بالإيجاب، وإن قال: لله عليَّ صدقة مائة دينار يأخذها فلانٌ، كانت على القولين. وقال ابن القاسم في كتاب محمد فيمن جعل شيئًا للمساكين ولم يعيّنهم: إنه يجبر (¬5)، فعلى هذا يجبر في العتق، وإن لم يعينه أو عينه فقال: لله عليَّ عتق رقيقي. ¬

_ (¬1) قوله: (تكفر) في (ف): (تكفير). (¬2) قوله: (درجاته) في (ر): (درجته) (¬3) زاد في (ح) و (ر): (لقوله). (¬4) قوله: (المعين) في (ف): (لرجل). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 206.

باب [فيمن قال لعبده: إن بعتك فأنت حر فباعه بيعا صحيحا أو فاسدا أو على خيار وهل يتبعه ماله؟]

باب [فيمن قال لعبده: إنْ بعتك فأنت حرٌّ فباعه بيعًا صحيحًا أو فاسدًا أو على خيار وهل يتبعه ماله؟] وقال مالك فيمن قال لعبده: إن بعتك فأنت حرٌّ، فباعه: إنه عتيق على البائع (¬1). وقال ربيعة وعبد العزيز بن أبي سلمة: لا حرية للعبد وهو رقيق للمشتري؛ لأنَّ الحنث إنما (¬2) يقع بعد تمام البيع وانتقال ملكه عنه، وكأنه أعتق ملك غيره (¬3). واختلف إذا قال: إن بعتك فأنت حرٌّ إلى سنة، ففي كتاب محمد: إن باعه يفسخ البيع ويكون حرًّا إلى سنة (¬4). وقال عبد الملك بن الماجشون في ثمانية أبي زيد: لا حرية له وهو عبد لمن اشتراه، قال: لأنه إنما (¬5) يقع الحنث بعد بيعه وإنما أعتق ملك غيره، ووافق مالكًا إذا قال: إن بعتك (¬6) فأنت حرٌّ، ولم يقل إلى سنةٍ (¬7). واختلف في تعليل القول بوجوب العتق إذا لم يضرب أجلًا، فقال محمد: ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 388. (¬2) قوله: (الحنث إنما) في (ف): (الجزاء بما). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 270. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 271. (¬5) قوله: (إنما) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (إن بعتك) ساقط من (ف، ر). (¬7) انظر: المدونة: 2/ 388.

لأن البيع والعتق وقعا معًا (¬1) لم يسبق أحدهما صاحبه، والعتق أولاهما وأوجب حقًّا وحرمة، واستشهد بتبديته في الوصية واستكماله على الشريك. وقال إسماعيل القاضي: لأن (¬2) تقدير القول (¬3): إن بعتك فأنت حرٌّ قبل بيعي إياك. وقال سحنون (¬4): لأنه معتق ببيع المالك له قبل أن يقول المشتري: قبلت (¬5). واختلف بعد القول: إنه حر على البائع هل يفتقر إلى حكم لموضع الاختلاف؟ ففي كتاب محمد: إذا كانت أمةً فأولدها المشتري أن عليه قيمة الولد يقاصه بها البائع من الثمن (¬6). وقال محمد: لا شيء على المبتاع في الولد (¬7). فلم يرها في القول الأول (¬8) حرة بنفس البيع (¬9)؛ لأنها مسألة اختلاف (¬10) تفتقر إلى حكم (¬11) لأحد القولين، ورأى محمد أنها حرة بنفس الميع، والقول الأول أحسن، ألا (¬12) تكون حرة إلا بحكم لقوة الاختلاف (¬13) في ذلك، وليس هذا ¬

_ (¬1) قوله: (معًا) ساقط من (ح). (¬2) قوله: (لأن) ساقط من (ف، ح). (¬3) قوله: (تقدير القول) في (ح): (تقديره لقوله). (¬4) قوله: (سحنون) ساقط من (ح) (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 270. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 270. (¬7) قوله: (في الولد) ساقط من (ح)، وانظر: النوادر والزيادات: 12/ 271. (¬8) قوله: (الأول) في (ف): (الآخر)، وهو ساقط من (ح). (¬9) قوله: (بنفس البيع) ساقط من (ح). (¬10) قوله: (اختلاف) ساقط من (ر). (¬11) قوله: (حكم) في (ر) (حاكم). (¬12) قوله: (ألا) في (ر) (أنها لا). (¬13) قوله: (الاختلاف) في (ف): (الخلاف).

من الخلاف (¬1) الشاذ، والقول إنه رقيق للمشتري أقيس (¬2)؛ لأنَّ البيع سبق العتق، وإنما وقع العتق على ملك (¬3) المشتري؛ لأنَّ الفاء في قوله: فأنت (¬4) حر إن جعلت ها هنا للتعقيب، فهو بعد البيع أو الشرط فلا يجب المشروط (¬5) -وهو العتق- إلا بوجود الشرط، وهو البيع، ولهذا قال إسماعيل القاضي: التقدير فأنت حر قبل بيعي؛ لأنَّ ترك اللفظ على ظاهره لا يوجب عتقًا ويتبعه (¬6) ماله على قوله؛ لأنه يقول العتق سبق، وكذلك على قول محمد؛ لأنهما وقعا معًا فغلب حكم العتق. وقال سحنون: لا يتبعه ماله، واتبع في ذلك أصله؛ لأنه يقول: البيع سبق، فصار بذلك منتزع المال (¬7)، وإن باعه بيعًا فاسدًا كان الجواب على ما تقدم في البيع الصحيح، وإن باعه على خيار، لم يعتق؛ لأنه ليس ببيع (¬8) في الحقيقة إلا بعد القبول. ¬

_ (¬1) قوله: (الخلاف) في (ف): (الاختلاف). (¬2) قوله: (أقيس) في (ر): (أحسن). (¬3) قوله: (ملك) ساقط من (ح) (¬4) قوله: (فأنت) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (المشروط) في (ح): (المشترط). (¬6) قوله: (ويتبعه) في (ف): (وبيعه). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 273. (¬8) قوله: (ببيع) في (ح): (يبيع).

باب [فيمن قال: إن اشتريت فلانا فهو حر، فاشتراه شراء فاسدا أو صحيحا]

باب [فيمن قال: إن اشتريت فلانًا فهو حر، فاشتراه شراءً فاسدًا أو صحيحًا] وإذا قال: إن اشتريتُ فلانًا، فهو حر، فاشتراه شراءً صحيحًا، عتق عليه (¬1). واختلف إذا كان البيع فاسدًا، فقال ابن القاسم وأشهب: يعتق (¬2). وقال سحنون: لا يعتق. وإن قال: إن باعنيه سيده بمائة دينار، فهو حر، فرضي بذلك سيده فهو حر (¬3)، بين قال: إن باعنيه بقيمته فهو حر. فقال: رضيت ببيعه منك بقيمته، كان على القولين في البيع الفاسد؛ لأنَّ شراءه بقيمته فاسد، فإن قال: هو حر من ماله أو حر بقيمته، لم يلزمه شيء، وإن اشتراه؛ لأنَّ مجرد اللفظ (¬4) إذا لم يقل: إن اشتريته أو باعني صاحبه أنه يأخذه ويدفع قيمته (¬5) أو ثمنًا ما بغير رضا من مالكه، ولهذا قال في كتاب محمد: ولو رضي صاحبه أن يبيعه منه ما لزمه ذلك إلا برضا محدث، ولو قال: هو حر من مالي إن رضي صاحبه أو بقيمته فرضي صاحبه كان حرًّا على أحد القولين في البيع الفاسد؛ لأنه لم يكن سمى ثمنًا، وما وقع في هذه المسائل من الاختلاف فراجع إلى ما ذكرت لك. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 387 و 388. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 388. (¬3) قوله: (فهو حر) في (ح): (كان حرًا). (¬4) قوله: (اللفظ) ساقط من (ح). (¬5) قوله: (لم يلزمه شيء. . . ويدفع قيمته) مكرر في (ف).

باب فيمن قال: رقيقي أحرار أو عبيدي أو ممالكي، وهل يدخل في ذلك ملك المماليك، وإذا كان له شريك في أشقاص

باب فيمن قال: رقيقي أحرار أو عبيدي (¬1) أو ممالكي، وهل يدخل في ذلك (¬2) ملك المماليك (¬3)، وإذا كان له شريك في أشقاص وإن قال: رقيقي أحرار (¬4) دخل في ذلك الذكران والإناث. وقال سحنون في العتبية: إذا قال: عبيدي أحرار، كان على الذكران خاصة، ثم رجع فقال: يعتق (¬5) (¬6). واختلف إذا قال: ممالكي أو كل مملوك لي (¬7)، فقال مالك (¬8) في المدونة: يعتق الذكران والإناث (¬9). وقال سحنون: إذا قال: ممالكي، يعتق الذكران خاصة، ثم رجع فقال: يعتق الذكران والإناث (¬10) ويلزم على أحد قوليه إذا قال: كل مملوك ألَّا يعتق إلا الذكران، وقولُ مالك إذا قال: ممالكي أحسنُ؛ لأنه من الجمع المكسر فيدخل فيه الذكران والإناث. وأمَّا قوله عبيدي، فورد في القرآن حمله على الذكران خاصة في قوله ¬

_ (¬1) قوله: (أو عبيدي) ساقط من (ح). (¬2) قوله: (في ذلك) ساقط من (ح). (¬3) قوله: (المماليك) في (ح): (المالك) وزاد بعده في (ر): (من الإناث). (¬4) قوله: (أحرار) ساقط من (ح). (¬5) قوله: (ثم رجع فقال: يعتق) ساقط من (ف، ح). (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 14/ 405، 406. (¬7) قوله: (لي) ساقط من (ف). (¬8) قوله: (مالك) ساقط من (ف). (¬9) انظر: المدونة: 2/ 389. (¬10) انظر: البيان والتحصيل: 14/ 405، 406، والنوادر والزيادات: 12/ 267.

سبحانه: {مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا} [النور: 32]، وَحَمْلُه على الجميع (¬1) في قوله: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46]. وأما قوله: كل مملوك، فإطلاق اللفظ (¬2) يقتضي الذكران؛ لأنه يقال: كل مملوك للذكر وكل مملوكة (¬3) للأنثى. وقوله: كل، فإنما جمع به ما يقع عليه ذلك الاسم قبل قوله كل، ألا ترى أنه يصح أن يقول: كل مملوك وكل مملوكة. وقال مالك: إذا قال: كل عبد اشتريته إنه على الذكران، وهذا يؤيد ما تقدم إذا قال: كل مملوك أنه على الذكران، ولأنك تقول: كل عبدٍ أو كل عبدة، إلا أن الاستحسان اليوم إذا قال: كل مملوك أن يدخل في ذلك الإناث؛ لأنَّ الناس لا يميزون الفرق بينهم. وأما قوله: عبيدي، فالصواب أن يدخل في ذلك الإناث، يدخلن في ذلك (¬4) لوجهين: أحدهما: القرآن في قوله: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46]. ولا خلاف أن الإناث يدخلن في ذلك. والثاني: أنه من الجمع المكسر. وإذا قال: عبيدي أو ممالكي دخل في ذلك المدبر والمكاتب؛ لأنه ملك له حتى تنفذ فيهم الحرية، وإذا قال: مماليكي أحرار، ولمماليكه مماليك أو أمهات ¬

_ (¬1) قوله: (وحمله على الجميع) في (ر) (وجملة الجميع)، (¬2) قوله: (فإطلاق اللفظ) في (ح): (فإطلاقه). (¬3) قوله: (وكل مملوكة) في (ح): (ومملوك). (¬4) قوله: (يدخلن في ذلك) ساقط من (ر، ح).

أولاد، لم يعتقوا وكانوا تبعًا لهم كالأموال (¬1)، ولأنه لم يختلف المذهب أن العبد مالك. وما ذكر عن مالك فيمن حلف أنه لا يملك عبدًا ولجاريته عبد أنه حانث (¬2)، فلأن قصد (¬3) الحالف في مثل هذا أنه لا يقدر على التصرف في عبد عبده (¬4) وقد يكون بساط يمينه أن يستعيره إنسان عبدًا فحلف أنه ما يملك عبدًا فيكون (¬5) حانثًا؛ لأنه قادر على ذلك. وكذلك من حلف ألا يركب دابة فلان فركب دابة عبده يحنث (¬6)؛ لأنه قصد اجتناب منته، ومنَّةُ (¬7) عبده أشدُّ عليه. وإن كان له أشقاص في عبيده وشركاؤه فيهم شتى، أعتق أنصباؤه واستكمل عليه أنصباء شركائه. وإن كان شريكه فيهم واحدًا فظاهر المدونة أن ربَّه (¬8) يقوم عليه كالأول (¬9)؛ لأنه لم يفرق بين أن يكون شريكه فيهم واحدًا أو جماعة. وقال محمد بن المواز: يقتسمون فما صار للحالف أعتق عليه وما صار (¬10) لشريكه كان رقيقًا (¬11)، والأول هو الأصل؛ لأنه لا يختلف إذا كانت الشركة ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 389. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 14/ 564. (¬3) قوله: (قصد) في (ح): (صدق). (¬4) قوله: (عبده) ساقط من (ف، ر). (¬5) قوله: (فيكون) في (ح): (فهو). (¬6) انظر: المدونة: 1/ 607. (¬7) قوله: (منته ومنة) في (ر) (منه و). (¬8) قوله: (ربَّه) ساقط من (ف، ح). (¬9) انظر: المدونة: 2/ 389. (¬10) قوله: (صار) في (ف): (كان). (¬11) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 491.

على النصف أن للحالف في كل عبد نصفه إلا أن للشريك أن يأخذه بالمقاسمة فيجمع له ذلك في بعضهم، فإن أسقط الشريك حقه في المقاسمة أعتق نصف كل عبد واستكمل الباقي، وإن قام بحقه في المقاسمة كان ذلك (¬1) له، فما صار للحالف عتق عليه. واختلف إذا كان له في كل عبد شريك فأعتقهم واحدًا بعد واحد (¬2) ولا مال له، فقيل: يمضي عتقهم وهو بمنزلة من وهب ثم وهب وحازه (¬3) الثاني أنه يمضي له ولا يرد إلى الأول، وقيل: ينقض الآخر، فالآخر لِيَسْتكْمِلَ الأول حتى لا يبقى منهم إلا معتق أو ممتنع (¬4) العتق، وعلى هذا يكون الجواب إذا وهب (¬5) ما الحكم أن يستكمل منه العتق وحازه الموهوب له. فيختلف أيضًا هل تمضي الهبة أو ينتقض الاستكمال؟. ¬

_ (¬1) قوله: (ذلك) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (بعد واحد) ساقط من (ح). (¬3) قوله: (وحازه) في (ف، ر): (وجازه). (¬4) قوله: (يمتنع) في (ف): (متبع). (¬5) قوله: (الأول حتى لا يبقى. . . إذا وهب) ساقط من (ح).

باب فيمن قال: كل عبد أشتريه أو أملكه فهو حر أو جارية أو سمى قبيلة أو بلدا أو ضرب أجلا

باب فيمن قال: كل عبد أشتريه أو أملكه فهو حر أو جارية أو سمى قبيلة أو بلدًا أو ضرب أجلًا اليمين بالعتق على ثلاثة أوجه: على ما استأنف ملكه، وعلى ما هو مملوك، ومختلف فيه هل يحمل على الماضي أو على (¬1) المستقبل؟ فإن قال: كل عبد أشتريه (¬2) كان على ما يستحدث (¬3) ولم يدخل في ذلك ما هو مملوك، وإن قال: أملكه في ما أستقبل أو إلى أجل كذا أو أبدًا (¬4) (¬5)، فكذلك لا شيء عليه في ما هو في ملكه، والحكم فيه كالحكم في قوله: أشتري. وأسقط سحنون من مسألة المدونة: إن دخلت الدار الأبد من قوله أملكه وأثبته في دخول الدار وهو الصحيح (¬6)؛ لأنَّ قول الحالف أبدًا يخلصه (¬7) للاستقبال، وإن قال: كل عبد عندي أو في ملكي أو ملكته كان على ما هو في ملكه ولم يدخل فيه ما يملكه في المستقبل. واختلف إذا قال: أملك مطلقًا ولم يقيده، فيقول أبدًا أو (¬8) إلى أجل، هل يحمل على الماضي أو المستقبل؟. ¬

_ (¬1) قوله: (على) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (أشتريه) في (ح): (اشتريته). (¬3) قوله: (يستحدث) في (ف): (استحدث). (¬4) قوله: (أو أبدًا) في (ر) (وكذا). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 390. (¬6) انظر: المدونة: 2/ 390. (¬7) قوله: (يخلصه) ساقط من (ح). (¬8) قوله: (أو) في (ف، ر): (ولا).

فقال مالك في المدونة: إذا قال كل عبد أملكه حر أو جارية أشتريها فهي حرة، فلا شيء عليه؛ لأنه عمَّ الغلمان والجواري (¬1)، فساوى بين قوله أملك وأشتري، والمعروف من المذهب أن ذلك لما هو مملوك، وهو الذي يريد الناس اليوم، ولولا العادة لرأيت أن يسأل هل أراد ما هو في ملكه أو ما يملكه؟ لأنه يحسن (¬2) لهما جميعًا؛ لأنَّ أملك وإن كان لفظها لفظ الاستقبال (¬3) فإنه يحسن أن يراد به الماضي أو الحال إلا أن يكون لا عبيد عنه أو سمى صنفًا ليس في ملكه، فيعلم أن المراد به الاستقبال. وقال ابن القاسم في المدونة فيمن قال: إن كلمت فلانًا فكل مملوك أملكه من الصقالبة، فهو حر، فذلك عليه فيما يملك بعد يمينه، قال: وإن اشترى بعد يمينه وقبل حنثه لزمه إلا أن يريد ما يملكه بعد حنثه (¬4). وهذا نحو قوله في المسألة التي قبلُ (¬5) إنه حمل قوله: أملك على ما يستقبل، ولا يحسن على هذا اليوم إلا أن يكون له (¬6) عبد من الصقالبة وجعل الحنث فيمن (¬7) يملك بعد انعقاد اليمين. وقال في العتبية فيمن قال: إن كلمت فلانًا فكل امرأة أتزوجها بمصر طالق، فتزوج ثم كلمه، فلا شيء عليه في التي تزوج (¬8)، وإنما يلزمه الحنث ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 390. (¬2) قوله: (لأنه يحسن) في (ح): (لأنها تحسن). (¬3) قوله: (الاستقبال) في (ف، ر): (المستقبل). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 391، 292. (¬5) قوله: (قبل) في (ح): (قال). (¬6) قوله: (له) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (فيمن) في (ف): (فيما). (¬8) قوله: (في التي تزوج) ساقط من (ح).

فصل [في الرجل يقول: كل مملوك أملكه فهو حر]

فيما (¬1) تزوج بعد كلامه (¬2). فجعل الفاء في المدونة للشرط، وفي القول الآخر للتعقيب، وهي بالشرط (¬3) أشبه لأنه لو قال: كل امرأة أتزوجها بمصر طالق إن كلمت فلانًا كان بمنزلة من ابتدأ فقال: إن كلمت فلانًا فكل امرأة أتزوجها بمصر (¬4) طالق. فصل [في الرجل يقول: كل مملوك أملكه فهو حر] وإذا قال: أشتري أو أملك في المستقبل، فإنه لا يخلو أن يعم في (¬5) يمينه أو يخص، فإن عمَّ الأصناف والبلدان اللازمة كانت يمينه ساقطة، وإن خصَّ فقال: كل (¬6) عبدٍ أشتريه من صنف كذا أو من بلد كذا أو ضرب (¬7) أجلًا يبلغه عمره، لزمه، وهذا قول مالك في الأجل، وقد مضى ذكر الأجل إذا كان يبلغه عمره في كتاب الأيمان بالطلاق (¬8). واختلف إذا عم الذكران أو (¬9) الإناث، فقال: كل عبد أو كل (¬10) جارية. ¬

_ (¬1) قوله: (فيما) في (ر) (فيمن). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 6/ 297. (¬3) قوله: (بالشرط) في (ر) (في الشرط). (¬4) قوله: (بمصر) ساقط من (ف، ح). (¬5) قوله: (في) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (كل) ساقط من (ف). (¬7) قوله: (أو ضرب) ساقط من (ح). (¬8) راجع كتاب الأيمان بالطلاق، ص: 2638. (¬9) قوله: (أو) في (ف، ر): (و). (¬10) قوله: (كل) ساقط من (ح).

فقال مالك (¬1) في المدونة: لا شيء عليه (¬2). وقال ابن الماجشون في المبسوط: اجعل الملك كله صنفًا واحدًا، فإن قال: كل مملوك أملكه فهو حر حلَّ له ملك العبد والإماء، وإن قال: كل أمة ثم قال: كل عبدٍ، لزمه اليمين في الأول ولا شيء عليه في الثاني، وقول مالك أبين؛ لأنَّ خدمة العبيد (¬3)، والإماء صنفان لا يسد أحدهما مسد الآخر، فالذكران يرادون (¬4) للتجارة والأسفار والحرث ولما يكون خارج البيت ولا يحسن مقامهم في البيت، والإماء يحسن للطبخ والغسل وما يكون في البيت، ولا يقمن بما يقوم به الذكران خارجًا. واختلف إذا عم التسري (¬5) فقال: كل جارية أتسراها (¬6)، فقال في (¬7) كتاب محمد: اليمين لازمة له (¬8)؛ لأنه أبقى النكاح. وقال سحنون في كتاب ابنه: لا شيء عليه (¬9). والأول أبين؛ لأنه أبقى التزويج وهو عمدة الناس اليوم في هذا الوجه، والتسري في جنب النكاح يسير، وإذا كان ممنوعًا من التسري على ما قاله محمد، فإنه لا يمنع ملكهن للخدمة، فإن قال: كل جارية أملكها فقد (¬10) امتنع من الفضلين، الخدمة والاستمتاع، فألزمه عبد الملك اليمين؛ لأنه أبقى ¬

_ (¬1) قوله: (مالك) ساقط من (ح). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 390. (¬3) زاد في (ر): (أبين). (¬4) في (ر): (يبتغون)، وفي (ف): (يراد) وهو تصحيف. (¬5) في (ر) (المشتري). (¬6) في (ر) (اشتراها). (¬7) قوله: (فقال في) في (ف) و (ر): (ففي). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 269. (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 269. (¬10) قوله: (فقد) ساقط من (ح).

خدمة الذكران والاستمتاع بالنكاح، ولم يلزمه ملك اليمين؛ لأنه عمَّ خدمتهن (¬1). وقال في المبسوط: لا يلزمه اليمين؛ لأنَّ ذلك تحريمٌ لفروج (¬2) الإماء كما كان حين حرم النكاح بالطلاق، وإن كان له ما يطأ بملك اليمين، وهذا الذي قاله صحيح؛ لأن اليمين على ألا يملك أمة (¬3) يدخل فيه اليمين على التسري؛ لأن بالامتناع للملك يمتنع التسري (¬4) واليمين على التسري لا يدخل فيه اليمين على الملك للخدمة، وإن خص بلدًا أو قبيلة، لزمه اليمين. ¬

_ (¬1) قوله: (لأنه عم خدمتهن) ساقط من (ح). (¬2) قوله: (تحريمٌ لفروج) في (ح): (تحريم الفرج من). (¬3) قوله: (أمة) ساقط من (ح). (¬4) قوله: (لأن بالامتناع للملك يمتنع التسري) ساقط من (ر).

باب فيمن حلف بعتق عبده ألا يكلم فلانا، فباعه تم عاد إليه، هل يعود عليه اليمين؟

باب فيمن حلف بعتق عبده ألا يكلم فلانًا، فباعه تم عاد إليه، هل يعود عليه اليمين؟ وقال مالك: فيمن حلف بعتق عبده ألا يكلم فلانًا فباعه ثم عاد إليه إنَّه إن عاد إليه (¬1) بشراء أو هبة أو صدقة أو وصية (¬2) عادت عليه اليمين، فإن كلم فلانًا، حنث. وإن عاد إليه بميراث لم يحنث، قال (¬3): لأنه لا يتهم في الوراثة أن يكون باعه ليرثه، والشراء والصدقة هو جر ذلك إلى نفسه (¬4). يريد: أنه يتهم أن يظهر البيع فيه ولم يبعه. (¬5) واختلف في هذه المسألة في موضعين: أحدهما: إذا اشتراه اختيارًا. والثاني: إذا بيع عليه في فلس ثم اشتراه، فقال ابن بكير: إذا باعه من غير فلس، ثم اشتراه لم تعد عليه اليمين؛ لأنَّ الملك الذي حلف عليه به سقط وحمله على البراءة من التهمة، وإذا كان الوجه في التفرقة بين الميراث وغيره التهمة، وجب أن ينظر إلى هذا المشتري، فإن كان ممن يتهم أن يواطئ الحالف على مثل ذلك حنث، وإن كان من أهل الدين والفضل أو تداولته الأملاك حتى بعدت التهمة رأيت (¬6) ألا يحنث. وقال: إذا ورث بعضه، واشترى بقيته إنَّ اليمين يعود عليه وليس بالبين؛ لأنَّ التهمة ترتفع برجوعه بالميراث، ولا ¬

_ (¬1) قوله: (أنه إن عاد إليه) ساقط من (ح). (¬2) قوله: (أو وصية) ساقط من (ح). (¬3) قوله: (قال) ساقط من (ر). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 392. (¬5) قوله: (يبعه) في (ر) (يكن باعه). (¬6) قوله: (كانت) في (ف، ح): (كان).

يتبعض (¬1) الحكم فيكون فيه متهمًا غير متهم، وكذلك الوصية لا يتهم من كان (¬2) عنده أن يتقلد (¬3) عند الموت أن يرق حرًّا. وكذلك لو باعه من رجلٍ فمات المشتري فاشتراه من ورثته أو أسر العبد فاشتراه من المغنم، لم يحنث. واختلف إذا بيع على الحالف في فلس ثم اشتراه (¬4) وألا يعود عليه اليمين أصوب؛ لأنَّه لا يتهم أن يكتم ماله حتى يباع في فلس ثم يواطيء من يشتريه من السلطان، وقد يسجن حتى يثبت فقره (¬5). ولم يختلف المذهب أنه إذا باعه طوعًا، ثم كلم المحلوف عليه ثم اشتراه فلم يعاود الكلام، أنه لا يحنث بالكلام الذي كان وهو عند غيره، وكذلك إذا كانت اليمين بما لا يتكرر فعله فقال: إن ذبحت هذه الشاة أو تزوجت فلانة (¬6)، فباع العبد ثم تزوج تلك المرأة أو ذبح تلك الشاة ثم اشتراه، أنه لا يحنث (¬7). وقال ابن القاسم فيمن حلف إن كلم (¬8) فلانًا فباعه (¬9)، ثم كلمه ثم رد ¬

_ (¬1) في (ف): (ينتقض). (¬2) في (ر): (كانت). (¬3) قوله: (يتقلد) في (ح): (يتهم). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 65، ونص المدونة: (قال: فقلت لمالك: فلو فلس هذا الحالف فباعه السلطان عليه ثم كلم فلانا ثم أيسر يوما ما فاشتراه قال مالك إن كلمه حنث، وأرى بيع السلطان العبد في التفليس بمنزلة بيع السيد إياه طائعًا)، والنوادر والزيادات: 4/ 231 و 232. (¬5) قوله: (فقره) في (ر) (عدمه). (¬6) قوله: (فلانة) في (ح): (هذه المرأة). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 492. (¬8) قوله: (فيمن حلف إن كلم) في (ر) (إن حلف ألا أكلم). (¬9) قولا: (فباعه) في (ف): (ثم باعه).

بعيب، فإنه يحنث بذلك الكلام الذي كان قبل أن يرد عليه، وإن رضيه (¬1) المشتري بالعيب لم يحنث، وإن أدَّى (¬2) قيمة العيب حنث (¬3). يريد: إذا أدَّى (¬4) قيمة العيب قبل فوت العبد؛ لأنه إذا قام برده كان الصلح كابتداء (¬5) بيع، ولا يحنث (¬6) على قول أشهب؛ لأنه يراه شراء مرجعٍ، وإن صالحه عن العيب بعد الفوت، لم يحنث قولًا واحدًا. وقال أشهب فيمن حلف بعتق عبده ليبيعنه إلى أجلٍ سماه (¬7)، فباعه بعيبٍ دلس به ثم رد بذلك العيب بعد الأجل (¬8) إنه حانث (¬9). وقال عبد الملك بن الماجشون: لا يحنث؛ لأنه كان في ضمان المبتاع ورده كبيع ثان (¬10). فعلى قول عبد الملك لا يحنث الأول إذا كلم (¬11) المحلوف عليه، ثم رد بعيب؛ لأنَّه لم يكن في ملكه. ¬

_ (¬1) قوله: (رضيه) في (ف): (رضي). (¬2) قوله: (أدى) في (ف): (رد). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 211. ونصه في النوادر: قال ابن القاسم فى المجموعة فيمن حلف بعتق عبده إن كلم فلانا فباعه ثم كلمه ثم رُدَّ عليه العبد بعيب إنه يحنث، وإن أعطى للمبتاع قيمة العبد حنث، وإن رضى المشتري بعيبه لم يحنث. (¬4) قوله: (ودى) في (ف): (رد). (¬5) قوله: (كمبتدأ) في (ر) (كابتداء). (¬6) قوله: (يحنث) في (ف): (يجب). (¬7) قوله: (سماه) في (ح): (مسمى). (¬8) قوله: (بعد الأجل) ساقط من (ح). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 231. (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 231. (¬11) قوله: (كلم) في (ف): (كلمه).

وقال مالك (¬1) في كتاب محمد: إذا حلف بعتق عبيده ألا يكلم فلانًا، فوهبهم لولده أو لمن (¬2) تحت يده، فلا أرى ذلك مخرجًا من يمينه (¬3). يريد: أنه كلمه وهو في الهبة لم يعد (¬4) إليه إنه يحنث؛ لأنه يتهم (¬5) أن يكون (¬6) أظهر الهبة ولم يهبه. قال مالك: ولا أرى أيضًا أن يبيعه من أهله، ولا يتصدق به (¬7) عليهم ولا يبيع إلا من غيرهم بيع بتل لا دُلْسَة فيه (¬8). قال أشهب: فإن تصدق به على ابنه (¬9) ثم فعل ما حلف عليه (¬10) ألا يفعله، كان الغلام حرًّا، فإن كان قد حيز (¬11) عليه كانت عليه القيمة للابن وهو حر. قال مالك (¬12): وذلك في الابن الصغير، وأمَّا الكبير البائن فلا حرية له فيهم (¬13) إذا حازه عنه. وقاله أشهب في المجموعة في الكبير، قال: وأما الصغير فيعتق عليه كما لو أعتق عبد ابنه ¬

_ (¬1) قوله: (مالك) ساقط من (ح). (¬2) قوله: (لمن) ساقط من (ر). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 239. (¬4) قوله: (يعد) في (ف): (تعد). (¬5) قوله: (يتهم) في (ف): (لا يتهم). (¬6) قوله: (أن يكون) في (ر) (أنه). (¬7) قوله: (به) في (ف، ح) (بهم). (¬8) انظر: البيان والتحصيل: 14/ 403. (¬9) قوله: (ابنه) في (ر) (أبيه). (¬10) قوله: (عليه) في (ف): (به). (¬11) قوله: (حيز) في (ر) (جبر). (¬12) قوله: (مالك) في (ر، ح): (محمد). (¬13) قوله: (فيهم) في (ف، ح) (فيه).

فصل [في تعجيل العتق إذا حنث الحالف به بعدما أعتق العبد إلى أجل أو دبره ونحو ذلك]

الصغير عن نفسه (¬1). قال الشيخ (¬2): وليس حنثه بعقد تقدم قبل الهبة بمنزلة من يبتدئ (¬3) العتق في ذلك العبد بعد الهبة؛ لأنَّ هذا لم يحنث حتى زال عن ملكه، ولم يستأنف فيه عتقًا إلا أن يتهمه أن يكون أظهر الهبة ولم يهبه. فصل [في تعجيل العتق إذا حنث الحالف به بعدما أعتق العبد إلى أجل أو دبره ونحو ذلك] وإذا دبر السيد عبده بعد اليمين، أو أعتقه إلى أجلٍ أو كاتبه، أو كانت أمة فأولدها ثم كلمه أعتق عليه. وإن كاتبه وعبدًا آخر معه ثم كلمه لم يعتق إلا أن يرضى من معه في الكتابة، ورآه بمنزلة من ابتدأ عتق أحد المكاتبين من (¬4) غير يمين لما كان في يمينه على بر، ولو كان على حنث فقال: لا كلمته، فمات قبل أن يكلمه لعتق المحلوف به (¬5) بمنزلة لو كان أحدهما مدبرًا قبل الكتابة فمات السيد والثلث (¬6) يحمله. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 239. (¬2) قوله: (قال الشيخ) في (ف): (قلت). (¬3) قوله: (يبتدي) في (ر) (يستوي). (¬4) قوله: (من) في (ر) (في). (¬5) قوله: (به) في (ح): (عليه). (¬6) قوله: (والثلث) في (ف، ح): (والثالث).

فصل [فيمن حلف بحرية شقص له في عبد]

فصل [فيمن حلف بحرية شقص له في عبد] وإن حلف بحرية شقص له في عبد: إن دخلت هذه الدار، ثم اشترى الشقص الآخر، ثم دخل الدار، حنث (¬1) وكان نصف العبد عتيقًا بنفس الحنث ونصفه بالاستكمال، فإن لم يستكمل حتى مات الحالف، لم يستكمل، وإن باع نصفه من غير شريكه، ثم اشترى من شريكه نصفه ثم دخل، لم يعتق عليه منه شيء (¬2) (¬3)، وإن باع نصيبه من شريكه ثم اشترى منه نصفًا أو ابتدأ بالشراء من شريكه، فلما صار (¬4) له جميعه باع نصفًا من شريكه أو من غيره ثم دخل، كان ربعه عتيقًا بنفس الحنث وربعه بالاستكمال، وهو بقية ما في يديه منه ونصفه بالتقويم؛ لأنَّ الذي في يديه الآن منه نصف تقدم ملكه عليه ونصف (¬5) كان لشريكه ولم يتقدم له فيه ملك. فصل [فيمن حلف بعتق كل مملوك له إن كلم فلانًا وله يوم حلف مماليك ثم أفاد مماليك بعد ذلك ثم كلمه] وقال ابن القاسم فيمن قال: كل مملوك لي حر يوم أكلم فلانًا، وله يوم حلف مماليك، ثم أفاد بعد ذلك مماليك لم يعتق عليه إلا من كان في ملكه دون ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 392. (¬2) قوله: (شيء) في (ح): (بشيء). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 393. (¬4) قوله: (صار) في (ح): (كان). (¬5) قوله: (ونصف) ساقط من (ح).

من أفاده (¬1). وكذلك الطلاق عنده لا يحنث إلا فيمن كان عنده يوم حلف، وإن لم يكن عنده يوم حلف (¬2) عبد ولا امرأة لم يكن عليه شيء فيما يشتري (¬3) بعد ذلك ولا فيما (¬4) يتزوج. وحمل قوله: كل مملوك لي حر يوم أكلم فلانًا أن اليوم ظرف للحرية خاصة. ولو قال: إن كلمت فلانًا فكل مملوك في يوم أكلمه حر، لأعتق عليه من يكون في ملكه يوم الكلام ويكون اليوم ظرفًا للملك والحرية. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 394. (¬2) قوله: (حلف) في (ف): (حنث). (¬3) قوله: (يشتري) في (ف): (اشترى). (¬4) قوله: (ولا فيما) ساقط من (ح).

باب [فيمن حلف بحرية عبده أو أمته: إن لم يدخل هذه الدار أو ليدخلنها هو، أو ليدخلنها فلان أو حلف على عبده ليضربنه]

باب [فيمن حلف بحرية عبده أو أمته: إن لم يدخل هذه الدار أو ليدخلنها هو، أو ليدخلنها فلان أو حلف على عبده ليضربنه] ومن المدونة قال ابن القاسم فيمن قال لأمته: إن لم تدخلي (¬1) الدار، فأنت حرة، أنه إن (¬2) أراد بقوله ذلك (¬3) أنه يكرهها، فذلك له يدخلها مكرهة، فإن لم يرد إكراهها (¬4) وإنما فوض إليها وقفت الجارية ومنع من وطئها ثم يتلوم له السلطان بقدر ما يعلم أنه أراد بيمينه إلى ذلك الأجل، فإن أبت الحارية عليه (¬5) الدخول أعتقها عليه السلطان (¬6). قال الشيخ (¬7): فإن عدمت البينة كان محمله على طوعها (¬8) حتى يقوم دليل الإكراه، وإذا علم أن نيته الإكراه فلم يكرهها حتى مات أعتقت عليه (¬9) من الثلث، ولم يبر بإكراه ورثته. وإن أراد بطوعها فلم تدخل حتى مات السيد في أيام التلوم أعتقت عند ¬

_ (¬1) قوله: (تدخلي) في (ف، ح): (تدخل). (¬2) قوله: (إن) ساقط من (ح). (¬3) قوله: (ذلك) ساقط من (ف، ح). (¬4) قوله: (إكراهها) في (ح): (أن يكرهها). (¬5) قوله: (عليه) ساقط من (ف، ح). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 394. (¬7) قوله: (قال الشيخ) في (ر) (فقلت). (¬8) قوله: (طوعها) في (ر) (الطوع). (¬9) قوله: (عليه) ساقط من (ف، ر).

فصل [فيمن حلف بعتق عبده ليضربنه]

ابن القاسم في الثلث، ولم تعتق عند أشهب في ثلث، ولا رأس مال وكانت رقيقًا؛ لأنَّ ذلك عنده كما لأجل، وأرى (¬1) ألا تعتق الآن ولا ترق؛ لأنَّ المحلوف عليها ليفعلن باقية والفعل لم يفت فيقال لها الآن: ادخلي، فإن دخلت سقطت اليمين عن الحالف (¬2) وإن لم تدخل حتى مضت أيام التلوم أعتقت من الثلث، وقيل في هذا الأصل: تعتق (¬3) من رأس المال؛ لأنَّ الفعل ليس بيده بخلاف ما يكون البر فيه بيد السيد وهو قادر على أن يفعل، فترك (¬4) الفعل مختارًا حتى مات فيكون في الثلث؛ لأنه كان قادرًا على ألا يعتق بحال. فصل [فيمن حلف بعتق عبده ليضربنه] ومن حلف بعتق عبده ليضربنه، فإن كانت يمينه لجناية جناها العبد، ولم يسم عددًا، جاز له أن يضربه بقدر جنايته. وكذلك إذا سمَّى عددًا بقدر جنايته أو جاوز ذلك بالشيء اليسير؛ لأنَّ الغالب من العبد أنه لا يخلو من تقصيرٍ لما (¬5) يجب لسيده، فإن جاوز ذلك بالعدد الكثير لم يمكن من ضربه، وإن لم يجن جناية، فإن كانت يمينه بفور ملكه لم يمكن من ضربه (¬6) وإن قلَّ، وإن طال مكثه في يديه لم يحنث ومكن من ضربه إذا كان يسيرًا، لما تقدم (¬7) أن ¬

_ (¬1) قوله: (وأرى) في (ف): (ورأيت). (¬2) قوله: (عن الحالف) في (ف): (على الخلاف). (¬3) قوله: (تعتق) في (ح): (العتق). (¬4) قوله: (فترك) في (ر): (فيترك). (¬5) قوله: (لما) في (ف، ر): (مما). (¬6) قوله: (وإن لم يجن. . . لم يمكن من ضربه) ساقط من (ح). (¬7): (لما تقدم) في (ح): (كما).

الغالب أن (¬1) لسيده عليه في تلك المدة مطالبة، وإن سمى عددًا كثيرًا، لم يمكن من ضربه. فإن كان ضرب أجلًا كان حرًّا بمضي ذلك الأجل، وإن لم يكن ضرب (¬2) أجلًا وكانت نيته المبادرة، فإنه يحنث إذا مضى ما لا يتأخر إليه، وإن لم تكن له نية لم يعتق عليه؛ لأنَّه لا يحنث إلا بموت نفسه فيعتق من الثلث، وإذا ضرب أجلًا ثم قال بعد مضي ذلك الأجل: كنت ضربته، فإن صدقه العبد، لم يعتق عليه، وإن خالفه كان القول قول السيد مع يمينه أنه ضربه (¬3). قال مالك في كتاب محمد: وليس عليه أن يحضر هذا شهودًا كما عليه أن يحضرهم في الحدِّ. قال: وكذلك الزوجة يحلف زوجها ليضربنها، مثل العبد سواء (¬4). قال ابن القاسم: ولو مات السيد قبل أن يذكر أنه ضربه ولم يعلم ذلك كان العبد حرًّا من الثلث، وأما المرأة فهي ترث زوجها على كل حال. قال محمد: لا يعجبني قوله (¬5): إنه من الثلث؛ لأنه ضرب أجلًا شهرًا، فإن مات قبل الأجل لم يكن عليه شيء، وإن مات بعد الأجل كان حرًا من رأس المال إلا أن يكون مرض (¬6) قبل الشهر. وقال أصبغ فيمن حلف لزوجته بالطلاق: لا خرجت إلا بإذنكِ أو لا فعلت كذا إلا برضاكِ، ففعل فقامت عليه البينة، فقال: أذنت لي، وقالت: لم آذن، قال: فهي طالق (¬7)، وهي مثل الدين، وإن ¬

_ (¬1) قوله: (أن) ساقط من (ر)، وفي (ف): (من). (¬2) قوله: (لم يكن ضرب) في (ر) (كان لم يضرب). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 395. (¬4) قوله: (سواء) ساقط من (ف، ح). (¬5) قوله: (قوله) ساقط من (ح). (¬6) قوله: (مرض) في (ح): (مريضًا). (¬7) قوله: (طالق) في (ف) (طلاق).

صدقته لم يكن لي (¬1) بد من أن أحلفه (¬2)، فصدقه في الضرب بخلاف الدين لوجهين، وذلك أن الضرب حق له وأن الشأن ألا يشهد فيه والدين حق عليه، فكان القول قول من له الحق إنه لم يأخذه، ولأنَّ الشأن عنده الإشهاد فيه (¬3) ولم يصدقه في قوله: أذنت لي؛ لأنَّ ذلك صار حقًّا لها، فالقول قولها إنَّها لم تعطه ذلك الحق وهو مدع عليها في عطيتها، فإن صدقته لم تطلق عليه؛ لأنَّ الشأن ألا يشهد (¬4) على ذلك، وكذلك ما كان من الديون يقضى بغير بينة، وإن صدقه صاحب الدين في القضاء، لم تطلق عليه؛ لأنَّ القول قول من له الحق إنه لم يقضه (¬5)، وقول ابن القاسم (¬6) فإن كانت العادة القضاء بغير بينة مثل عادات الناس اليوم في البز وغيره إنهم يتبايعون ولا يشهدون (¬7) على بيع ولا على قضاء، فإن اختلفوا (¬8) في الدفع كان القول قول من له الدين إنه لم يقضه. وقول ابن القاسم: (¬9) إذا مضى الأجل، ثم مات قبل أن يسأل هل ضربه أم لا؟: إنه من الثلث- أحسن، ولم يجعله من رأس المال لإمكان أن يكون ضربه فيكون رقيقًا، ولم يرقه، لإمكان أن يكون لم يضربه، فلما أشكل أمره جعله من الثلث. ¬

_ (¬1) قوله: (لي) ساقط من (ر). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 6/ 278. (¬3) قوله: (فكان القول قول من له الحق أنه لم يأخذه) مكرر من (ف). (¬4) قوله: (ألا يشهد) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (يقضه) في (ف): (يقبضه). (¬6) قوله: (وقول ابن القاسم) ساقط من (ر، ح). (¬7) قوله: (يشهدون) في (ح): (يستشهدون). (¬8) قوله: (اختلفوا) في (ر) (اختلفا). (¬9) زاد في (ف) و (ح): (أنه).

فصل [فيمن حلف بعتق عبده ليضربنه ثم دبره أو أعتقه إلى أجل أو أمة فأولدها ثم ضربه]

فصل [فيمن حلف بعتق عبده ليضربنه ثم دبره أو أعتقه إلى أجل أو أمة فأولدها ثم ضربه] وإذا حلف بعتق عبده ليضربنه ثم دبره أو أعتقه إلى أجل أو كانت أمة، فأولدها ثم ضربه بعد ذلك أجزأه، واختلف إذا باعه قبل أن يضربه أو كاتبه، فأما البيع فاختلف فيه (¬1) هل يحنث بنفس البيع أم لا يحنث وينقض البيع، ويرد إلى يده حتى يبر بالضرب. واختلف هل يحنث (¬2) إذا لم يرد البيع حتى ضربه وهو في يد المشتري، فذهب مالك وابن القاسم إلى أن البيع ليس بفوت وينقض البيع، ويرد إلى يد (¬3) البائع حتى يبر أو يحنث. وقال ابن دينار: ينقض البيع ويعتق، قال: ولا أنقض صفقة مسلم إلا إلى عتق ناجز (¬4) (¬5). وقول مالك أبين؛ لأنَّ البيع ينقض من أصله، ويعاد على ملك الأول؛ لأنه كان مرتهنًا بيمينه. وقال ابن القاسم: إن ضربه وهو عند (¬6) المشتري، لم يبر، وإن ضربه بعد أن كاتبه فإنه يبر، وقال أشهب: إن ضربه وهو عند المشتري (¬7) أجزأه، وإن ضربه بعد أن كاتبه وقفت كتابته، فإن عجز أجزأه ذلك الضرب، وإن أدَّى كان ¬

_ (¬1) قوله: (فيه) ساقط من (ف، ح). (¬2) قوله: (هل يحنث) ساقط من (ف، ح). (¬3) قوله: (يد) ساقط من (ح). (¬4) قوله: (إلى عتق ناجز) في (ف): (التي عتق). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 395، 396. (¬6) في (ر): (في ملك). (¬7) قوله: (لم يبر وإن ضربه بعد. . . وهو عند المشتري) ساقط من (ر).

حرًّا ورد إليه ما أخذ منه، وقاله أصبغ إذا أدى وخالفه إذا عجز وقال: لا يجزئه ذلك الضرب (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: اختلف في الأيمان عند عدم النية، هل تُحمل على ما يوجبه اللفظ أو على المقاصد والعرف (¬2)؟ فعلى القول: إنه (¬3) على ما يوجبه اللفظ يبر بضربه عند المشتري وفي الكتابة؛ لأنه فعل ما حلف عليه ليفعلنه (¬4)، وكذلك إذا حمل على المقاصد وكان القصد إيلامه بذلك الضرب؛ لأنه آلمه به وبلغ مراده ونكايته (¬5)، وإن كان القصد نكاية الضرب (¬6) بالعبدية؛ لأنَّ فيه زيادة الإذلال، لم يبر إذا باعه، ويبر إذا كاتبه؛ لأَنَّه باق على ذلة (¬7) العبدية لم يخرج عنها بعد. واختلف إذا كانت أمة فحملت من المشتري، فقال أشهب: لا يبر بضربها (¬8) بعد الحمل، وقد فات موضع بره (¬9)، وهي حرة مكانها ويرجع المشتري بالثمن ولا يحاسب من قيمة الولد بشيء، وكذلك قال لي مالك، وقال (¬10) ابن القاسم: تمضي أم ولد للمشتري كالمدبرة إذا بيعت ففاتت بحمل ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 30. (¬2) في (ح): (والمعروف). (¬3) قوله: (فإنه) في (ر): (إنه تحمل)، وفي (ف): (بحمل). (¬4) في هامش (ر) كتب قوله: بيان في الكتابة. (¬5) قوله: (ونكايته) ساقط من (ح). (¬6) في (ح): (العبد). (¬7) في (ف): (ذلك)، وفي (ر): (ذلية). (¬8) قوله: (يبر بضربها) يقابله في (ح): (يضربها). (¬9) في (ف): (يده). (¬10) قوله: (قال) ساقط من (ح).

فصل [فيمن حلف بعتق عبد هل له أن يستخدمه ويؤاجره في الخدمة؟]

وهو أحسن، وأن تمضي أم ولد أولى من ردها إلى البائع فيضربها وتكون رقيقًا (¬1). فصل [فيمن حلف بعتق عبد هل له أن يستخدمه ويؤاجره في الخدمة؟] ومن حلف بعتق عبده كان له أن يستخدمه ويؤاجره في الخدمة، وسواء كان في يمينه على بر فقال: إن فعلت، أو على حنث فقال: لأفعلن. ويفترق الجواب في البيع والوطء إن كانت أمة، وفي عتقها إن مات (¬2) قبل الفعل، فإن كان على بر فقال: إن فعلت كان له أن يبيع ويطأ، وإن كان على حنث فقال: لأفعلن، منع من البيع. واختلف في الوطء فقيل: لا يطأ على حال؛ لأنه لا يدري هل يبر أم لا؟ وسواء ضرب لبره أجلًا أم لا؟ وقيل: إن ضرب أجلًا كان له أن يصيبها وإن لم يضرب أجلًا لم يصب. وفي كتاب محمد: إذا كانت يمينه ليكلمن فلانًا أو ليركبن هذه الدابة كان له أن يصيب؛ لأن حياة المحلوف عليه كالأجل. يريد: ويمنع إذا كانت يمينه: ليدخلن هذه الدار أو ليتزوجن. ولابن كنانة في كتاب ابن حبيب عكس هذا فقال: إن كانت يمينه مما يقع عليه الحنث (¬3) في حياته يومًا ما، مثل أن يحلف ليضربن عبده أو ينحر هذا البعير، لم أحب له أن يصيب؛ لأنَّ العبد والبعير قد يموتا (¬4) في حياة الحالف ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 480. (¬2) في (ف): (ماتت). (¬3) قوله: (عليه الحنث) يقابله في (ر): (الحنث عليه). (¬4) في (ر) و (ح): (يموت) ولعله: (يموتان) لأن: (يموتا) لحن غير سائغ في العربية.

فيقع عليه الحنث في حياته، وكل ما لا يقع عليه الحنث إلا بموت نفسه مثل أن يحلف ليسافرن أو ليتزوجن فله أن يصيب؛ لأنَّ الحنث والعتق إنما يقع بموته (¬1) وليس في حياته. وقال مالك: ترك الوطء محدث وليس من الأمر القديم. يريد: أنه لم يكن يمنع من الوطء في حال من الأحوال كان على بر أو على حنث، وهو أحسن، والمنع في جميع ذلك استحسان، والمنع فيمن ضرب أجلًا و (¬2) كان يحنث في حياة نفسه أو لا، كما قال ابن كنانة؛ لأن المنع خيفة ألا يبر فيقع عليه الحنث فيكون فيه ضرب من نكاح المتعة فمن ضيق على نفسه ذلك الفعل بأن يفعله في أجل لا يجاوزه أولى بالمنع؛ لأنه إذا انقضى الأجل ولم يفعل كانت عتيقة وتبين أنه كان يصيب من تحرم عليه بمضي الأجل، والآخر لا يحنث إلا بموت نفسه، وإن كانت يمينه على فعل غيره فحلف على رجلٍ ليدخلن هذه الدار أو ليكلمن (¬3) فلانًا أو ليلبسن هذا الثوب وضرب أجلًا، كان بمنزلته (¬4) لو (¬5) كانت اليمين على فعل نفسه فيحلف (¬6) في إصابته، وهذا قول مالك في المدونة (¬7)، وإن لم يضرب أجلًا فضُرِب أجل للمحلوف عليه ليفعلن، لم يكن للحالف أن يصيب عند ابن القاسم. ¬

_ (¬1) في (ح): (في موته). (¬2) قوله: (و) في (ح): (وإن)، وفي (ف) و (ر): (أو) المثبت من (ق 10). (¬3) في (ح): (ليملكن). (¬4) في (ر): (بمنزلة). (¬5) في (ح): (أو). (¬6) في (ر) و (ح) (فيختلف). (¬7) قوله: (وهذا قول مالك في المدونة) ساقط من (ف، ق 10).

وقال أشهب في كتاب محمد: ذلك له؛ لأنَّ له وقتًا أراده فلا يحنث حتى يبلغه، وأما العتق إذا لم يفعل ما حلف عليه فهو ينقسم على الوجوه الثلاثة المتقدم (¬1) ذكرها أنه ينظر هل ضرب للفعل أجلًا أم لا؟ وهل فات البر في أيام التلوم، وإن كانت اليمين على فعل غيره، فإن كان ضرب أجلًا وانقضى ذلك الأجل ولم يفعل كان العبد عتيقًا من رأس المال، وإن مات السيد قبل انقضاء الأجل، لم يعتق العبد، وهذا (¬2) قول مالك وابن القاسم. قال محمد: لأنه أخر حنثه أو بره لوقتٍ فلم يبلغه حتى صار في ملك ورثته قبل وقت حنثه. وقال ابن كنانة في كتاب المدنيين: هو حانث وإن مضى الأجل ولم يدر هل فعل أم لا؟ كان العبد حرًا من الثلث، وهو قول ابن القاسم وقد تقدم ذكر ذلك، وإن كانت اليمين على فعل غيره وضرب أجل التلوم (¬3) فمات السيد في أيام التلوم كان العبد حرًّا عند ابن القاسم من الثلث، وقول أشهب: لا شيء عليه وأصوب من (¬4) ذلك أن يقال للمحلوف عليه (¬5): افعل ما حلف (¬6) عليك أن تفعله؛ لأنَّ المحلوف عليه قائم العين والفعل منه متأت موجود (¬7) لم يفت بعد، فإن فعل لم يعتق العبد بحال وإن لم يفعل عتق من رأس ¬

_ (¬1) في (ح): (التي تقدم). (¬2) في (ح): (وهو). (¬3) قوله: (أجل التلوم) يقابله في (ف) و (ح): (أجلًا للتلوم). (¬4) قوله (من) ساقط من: (ف) و (ر). (¬5) قوله: (عليه) ساقط من (ح). (¬6) في (ف): (حلفت). (¬7) قوله: (متأت موجود) يقابله في (ح): (ممكن).

المال؛ لأنَّ الفعل لم يكن بيد (¬1) الحالف فيقال: إنه قصد إلى العتق (¬2) لما كان قادرًا على أن يفعل ذلك (¬3) وإذا كان ذلك بيد غيره وليس إليه حل ذلك أعتق بالعقد الذي كان في الصحة، وإن مات المحلوف عليه قبل أن يفعل في أيام التلوم صح أن يعتق على قول ابن القاسم، وترتفع المعارضة (¬4) لأن الفعل قد فات، فإن كان السيد صحيحًا أعتق من رأس المال، وإن كان مريضًا أو قد مات أعتق على قوله من الثلث. ¬

_ (¬1) في (ح): (بين). (¬2) قوله: (العتق) يقابله في (ر): (تأخير العتق). (¬3) قوله: (ذلك) ساقط من (ف) و (ر). (¬4) في (ح): (المعاوضة).

باب فيمن قال: أحد عبدي حر أو إحدى امرأتي طالق

باب فيمن قال: أحد عبديّ حر أو إحدى امرأتي طالق وإذا قال (¬1): أحد (¬2) عَبْدَيَّ (¬3) حر أو إحدى امرأتي طالق، فإنه لا يخلو ذلك (¬4) من ثلاثة أوجه، إما أن يقول ذلك ولا نية له في واحد بعينه، أو له نية في واحد وهو ذاكر لمن نواه، أو نسيه، فإن لم تكن له فيه (¬5) نية كان فيها ثلاثة أقوال: فقال ابن القاسم في المدونة: إن قال: أحد عبدي حرٌّ كان بالخيار يعتق أيهما أحب (¬6)، قال: وهو بمنزلة من قال: رأس من رقيقي صدقة على المساكين أو في سبيل الله (¬7)، وإن قال: إحدى امرأتي طالق، طلقتا من غير خيار وفرق بين العتق والطلاق. وفي مختصر ابن الجلاب: يعتق العبدان جميعًا من غير خيار ورد العتق إلى الطلاق (¬8). وقال في كتاب محمد: يخير في الطلاق. وقال إسماعيل القاضي شبه ابن القاسم قول الرجل أحد عبدي حر بقوله أحدهما صدقة، فكأنه حين أنزله هذه المنزلة جعله عقدًا أوجبه على نفسه ليعتق به واحدًا إذا كان هذا من العقود ¬

_ (¬1) قوله: (رجل) زيادة من (ر). (¬2) في (ف) و (ح): (إحدى). (¬3) في (ح): (عبيدي). (¬4) قوله: (ذلك) ساقط من (ر) (¬5) قوله: (فيه) ساقط من (ر) و (ف) و (ق 10). (¬6) في (ح): (شاء). (¬7) انظر: المدونة: 2/ 398. (¬8) انظر: التفريع، لابن الجلاب: 1/ 352.

التي يوجبها الرجل على نفسه يتقرب بها (¬1) إلى الله -عز وجل-، وقد سمعت أحمد بن المعذل ينحو هذا النحو: والطلاق لا يجري هذا المجرى، وإذا كان السيد أراد هذا المعنى الذي ذهب إليه ابن القاسم فكأنه أوجب على نفسه حرية يوقعها بعد ذلك الوقت في عبد (¬2) من أولئك العبيد وهو مصدق أنه (¬3) لم يرد ذلك المعنى، وأنه أراد الإيجاب في أحدهم من غير أن يكون المعنى الذي وصفنا، فينبغي أن يجري مجرى الطلاق وأن يعتقوا كلهم بالحكم؛ لأنه لما أشاع (¬4) العتق فيهم ولم يكن واحد منهم أولى من الآخر كان كأنه أعتق سدسهم إن كانوا ستة، ويحكم عليه بعتق من (¬5) بقي، فإن مات من قبل أن يبّين (¬6) ما أراد، لم يجز أن يحكم بعتق جميعهم، ويقرع بينهم فيعتق (¬7) سدسهم بالقيمة؛ لأنَّ في ذلك ضررًا على الورثة انتهى قوله. قال الشيخ: ليس هذا معنى قول ابن القاسم ولو كان أوجب أن يوقع عتقًا فلم يوقعه (¬8) حتى مات لم يعتق بعد موته منهم أحد لا في ثلث ولا من رأس المال. وفي كتاب محمد: إذا مات أحد العبدين قبل أن يختار كان الآخر حرًّا فلو ¬

_ (¬1) قوله: (يتقرب بها) يقابله في (ح): (ليتقرب). (¬2) قوله: (في عبد) ساقط من (ح) (¬3) في (ح): (وإن). (¬4) في (ح) و (ف) (شاع). (¬5) قوله: (بعتق من) يقابله في (ح): (فيما). (¬6) في (ر) و (ف): (يتبين). (¬7) في (ف) و (ح): (فأعتق). (¬8) في (ف): (يعتقه).

كان الأمر على ما قاله إسماعيل لم يكن الآخر حرًا إلا أن يوقع السيد عليه ذلك، وإنما أراد أنه أوقع العتق في واحد، ولم يعينه. وذكر محمد عن المصريين من أصحاب مالك: ابن القاسم وأشهب وابن وهب وابن عبد الحكم عن مالك في الطلاق أنه قال: يطلقان عليه جميعًا، وقال (¬1): وأمَّا المدنيون من أصحاب مالك فقد سمعت بعضهم يقول (¬2): ورواه لي (¬3) عن مالك أنه قال (¬4): يخير فيهن فمن شاء منهن أوقع عليها الطلاق كالعتق (¬5). وفي مختصر ابن الجلاب في العتق أنهما يعتقان عليه جميعًا كالطلاق (¬6) (¬7). وإذا كان (¬8) له أن يختار في العتق فلم يختر (¬9) حتى مرض كان على خياره، فإن اختار عتْقَ الأدنى، رُق الأعلى (¬10) وعتق الآخر من رأس المال. وإن اختار عتْقَ الأعلى كان الفضل على أصل ابن القاسم في الثلث وعلى قول غيره من رأس المال. وفي كتاب محمد: إن لم يختر حتى مات لم يكن لورثته خيار، ولكن يعتق ¬

_ (¬1) قوله: (وقال) ساقط من (ر). (¬2) في (ح): (يقولون). (¬3) قوله: (لي) ساقط من (ر) و (ح). (¬4) قوله: (قال) ساقط من (ح). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 142. (¬6) قوله: (وفي مختصر ابن الجلاب. . . جميعًا كالطلاق) ساقط من (ح) (¬7) انظر: التفريع، لابن الجلاب: 1/ 352. (¬8) في (ح): (قال). (¬9) في (ح): (يحنث). (¬10) قوله: (رق الأعلى) يقابله في (ح): (والأعلى).

من (¬1) كل رأس عشرة إن كانوا عشرة، وخمسة إن كانوا خمسة (¬2). وقال محمد: الخيار لورثته كما كان لميتهم، وقاله أشهب وأصبغ ورجع إليه ابن القاسم (¬3)، وقال مالك في العتبية: يعتق ثلثهم بالسهم إن كانوا ثلاثة، وربعهم إن كانوا أربعة (¬4). وقال عبد الرحمن بن القاسم في كتاب محمد: إذا لم يختر السيد سجن أبدًا (¬5) حتى يوقع العتق على أحدهما، وقاله أصبغ قال: فإن أصر على الإباء (¬6) بعد الحبس أوقع الحاكم العتق على الأدنى منهما؛ لأنه قد كان للسيد أن يعتقه، ويرق الأفضل (¬7)، وكذلك ورثته إذا أنكروا أو اختلفوا إذا (¬8) كانوا صغارًا أو بعضهم، عتق (¬9) الأدنى بعتق الوصي، وإن لم يكن وصي فالسلطان، وكذلك إذا كانوا كبارًا فاختلفوا، قال محمد: وإن لم يختر السيد حتى مات أحدهما كان ما خلفه لسيده وكان الباقي حرًّا، وإن قتله رجل كان فيه دية حر إن قتل خطأ والقصاص إن قتل عمدًا، واختلف في ذلك قول سحنون فقال في كتاب ابنه: إن قتلا جميعًا كان في الأول قيمة عبد وفي الثاني دية حر إن قتل خطأ والقصاص إن قتل عمدًا، وإن ماتا ورث الأول بالرق وكان مال الثاني لورثته ¬

_ (¬1) في (ر): (في). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 344. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 347. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 93، والنوادر والزيادات: 12/ 347. (¬5) قوله: (أبدًا) ساقط من (ح). (¬6) قوله: (فإن أصر على الإباء) يقابله في (ح): (وإن أجبر على الأداء). (¬7) في (ح): (الفضل). (¬8) في (ف) و (ر): (واختلف إذا). (¬9) قوله: (أحدهما، وقاله أصبغ. . . أو كانوا صغارًا أو بعضهم عتق) ساقط من (ف).

الأحرار، قال محمد: ثم رأيته بعد ذلك نحا إلى أنهما قبل الاختيار على حكم العبيد، فإن ماتا لم يتوارثا بالحرية، وإن قتلا فقيمة عبدين، ولا يعتق واحد منهما قبل اختياره، وقال أشهب: إن استحق أحدهما أنه حر من الأصل أو (¬1) أنه مدبر لم يكن عليه في الثاني شيء (¬2). وقال ابن القاسم في المدونة: إذا قال أحد عبديّ (¬3) حر وقال (¬4): نويت أحدهما، صدق ولا يمين (¬5). وقال أشهب في كتاب محمد: يحلف (¬6) (¬7)، والأول أبين إذا كانا متكافئين وقال: نويت أحدهما وكذلك لو تفاضلا (¬8) وقال: نويت بالعتق الأعلى صدق (¬9)، وإن قال: نويت الأدنى أحلف (¬10) في موضعه استحسانًا؛ لأنه لو قال: لم تكن في نية لصدق وكان له (¬11) أن يختار الأدنى، وإن لم يسأل عن نيته حتى مرض فقال: نويت هذا صدق إذا (¬12) كانا مساويين أو مختلفين وقال: نويت الأدنى، ويحلف (¬13) على قول أشهب. ¬

_ (¬1) (في (ر): (و). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 357، 358. (¬3) قوله: (أحد عبدي) يقابله في (ف): (إحدى عبيدي). (¬4) في (ف): (وادعى). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 399. (¬6) قوله: (يحلف) ساقط من (ح). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 346. (¬8) قوله: (وقال نويت أحدهما وكذلك لو تفاضلا) ساقط من (ر). (¬9) قوله: (صدق) ساقط من (ر). (¬10) في (ح): (حلف). (¬11) قوله: (كان له) ساقط من (ح). (¬12) في (ف): (وإذا). (¬13) في (ف): (ويختلف).

واختلف إذا قال نويت الأعلى، فقال ابن القاسم: يجعل فضل قيمته على الأدنى في الثلث، وقال غيره: يخرج جميعه من رأس المال، وهو أبين، ولو جعل الفضل في الثلث لإمكان أن تكون نيته الأدنى لوجب أن يجعل الأدنى في الثلث أيضًا؛ لأنه لا يصح (¬1) أن يكون الفضل في الثلث إلا خيفة أن يكون نوى بالعتق (¬2) الأدنى، ثم انتقل إلى الأعلى، فإذا لم يجعل الأدنى (¬3) في الثلث جعل جميع (¬4) هذا من رأس المال، وإن نوى واحدًا بعينه ثم أنسيه، أعتقا أو طلقا (¬5) جميعًا، ولا يصح (¬6) أن يمسك أحدهما لإمكان أن يكون هو الحر أو هي المطلقة، وهو بمنزلة من اختلط عليه شاتان إحداهما غير (¬7) ذكية، إلا أنهما لا يكونان حرين ولا مطلقتين بنفس النسيان حتى يحكم بالعتق أو الطلاق، فإن مات العبدان في حياة السيد ولكل واحدٍ منهما ولد حر، كان للسيد نصف ميراثهما والنصف للولدين، ولا يكون جميع ما خلفاه للسيد؛ لأنَّ أحدهما حر، ولا للولدين لأنَّ أحدهما (¬8) عبد، وإن مات أحدهما كان ما خلفه بين (¬9) سيده وولده نصفين، وأعتق الثاني بحكم؛ لأنه يمكن أن يكون الباقي (¬10) هو العبد (¬11). ¬

_ (¬1) في (ح): (يصلح). (¬2) في (ف): (بالعين). (¬3) في (ح): (الأعلى). (¬4) قوله: (جميع) ساقط من (ح). (¬5) قوله: (أو طلقا) ساقط من (ح). (¬6) في (ح): (يصلح). (¬7) قوله: (غير) ساقط من (ر). (¬8) قوله: (حر ولا للولدين لأن أحدهما) ساقط من (ر). (¬9) قوله: (خلفه بين) يقابله في (ف): (خلفاه يمين). (¬10) في (ح): (الثاني). (¬11) في (ر): (العتيق).

باب في يمين العبد المعتق

باب في يمين العبد المعتق وإذا حلف العبد بعتق ما يملك إلى ثلاثين سنة كانت اليمين منعقدة، فإن (¬1) اشترى عبدًا وهو في حال الرق، وكان سيده قد أجاز يمينه، لزمه العتق (¬2)، وإن كان السيد قد (¬3) أجاز يمينه في ذلك العبد وحده لزمه عتقه، وله أن يرد العتق فيما يشتريه بعد ذلك، وإن لم يعلم السيد بشرائه حتى أعتق العبد الحالف أو علم ولم يجز ولم يرد حتى أعتقه لزم العبد (¬4) عتقه، وإن رد السيد عتقه في ذلك العبد ثم عتق (¬5) الحالف والعبد في يديه لم يلزمه عتقه، وإن اشترى عبدًا بعد عتقه لزمه عتقه (¬6). ويختلف هل للسيد أن يرد يمينه فأصل ابن القاسم أن ذلك له (¬7)، وقال (¬8) أشهب: أن (¬9) ليس ذلك له وهو أبين؛ لأن حق السيد في رد ما يضر (¬10) به ولا ضرر عليه في يمينه ولا ينقص من ثمنه (¬11) إذا باعه. ¬

_ (¬1) في (ح): (ومن). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 400. (¬3) قوله: (كان السيد قد) ساقط من (ف) و (ر). (¬4) قوله: (العبد) ساقط من (ر). (¬5) في (ف): (أعتق). (¬6) قوله: (وإن اشترى عبدًا بعد عتقه لزمه عتقه) ساقط من (ح). (¬7) انظر: المدونة: 2/ 399. (¬8) قوله: (قال) ساقط من (ر) و (ف). (¬9) قوله: (أن) ساقط من (ر) و (ح). (¬10) في (ف): (يمر). (¬11) قوله: (ولا ينقص من ثمنه) ساقط من (ح).

باب فيمن حلف على أمته: ألا دخلت هاتين الدارين، فدخلت إحداهما، أو على أمتيه: إن دخلتما هذه الدار فدخلتها إحداهما

باب فيمن حلف على أمته: ألا دخلت هاتين الدارين، فدخلت إحداهما، أو على أمتيه: إن دخلتما هذه الدار فدخلتها إحداهما ومن قال لأمته: أنت حرة إن دخلت هاتين الدارين، فدخلت إحداهما حنث (¬1). واختلف إذا قال لأمتيه: أنتما حرتان إن دخلتما هذه الدار، فدخلت إحداهما، فقال ابن القاسم: لا شيء عليه حتى يدخلا جميعًا، وقال أيضًا: يعتقان بدخول واحدة (¬2)، وقال أشهب: تعتق التي دخلت وحدها (¬3). وهو أبين، وإنما حلف على كل واحدة ألا تدخل، ولم يرد أن يجعل ذلك كالتمليك للعتق فلا يقع إلا بقضاء (¬4) من جميع من جعل ذلك بيده ولا أن يجعل اليمين في دخول واحدة بعتق غيرها (¬5)، والجواب في الطلاق على (¬6) مثل ذلك، وإن قال لامرأته: أنت طالق إن دخلت هاتين الدارين فدخلت إحداهما (¬7) حنث، وإن قال (¬8) لامرأتيه: أنتما ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 400. (¬2) في (ر) (إحداهما). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 400. (¬4) قوله: (فلا يقع إلا بقضاء) يقابله في (ح): (ولا يعتق إلا لقضاء). (¬5) قوله: (بعتق غيرها) يقابله في (ح): (بغير عتقها). (¬6) قوله: (على) ساقط من (ر). (¬7) في (ف): (واحدة). (¬8) قوله: (لامرأته: أنت طالق. . . حنث وإن قال) ساقط من (ح).

فصل [في الرجل يقول لعبده: أنت حر إن دخلت هذه الدار، فيقول العبد: قد دخلتها]

طالقتان إن دخلتما هذه الدار (¬1)، فدخلت واحدة كان حنثه (¬2) على الخلاف المتقدم في العتق (¬3). فصل [في الرجل يقول لعبده: أنت حرٌّ إن دخلت هذه الدار، فيقول العبد: قد دخلتها] قال ابن القاسم فيمن قال لعبده: أنت حر إن دخلت هذه الدار، أو لامرأته أنت طالق إن دخلتها، فقالا بعد ذلك: دخلناها، إنَّه (¬4) يؤمر بعتق عبده وطلاق امرأته ولا يجبر على ذلك بالقضاء (¬5) (¬6). وكذلك إن قال: إن كنتما دخلتما هذه الدار (¬7) فقالا: قد دخلناها. وكذلك إن قال لأمته: أنت حرة إن كنت تحبيني، فقالت: أنا أبغضك، أو كنت تبغضيني فقالت: أنا أحبك أو قال ذلك لزوجته، أو قال: إن كتمتني، فتخبره الخبر، قال: إنه (¬8) لا يقيم عليهما؛ لأنه لا يدري أصدقته أم لا (¬9)؟ فقال (¬10) فهذا كله وما أشبهه على هذا يؤمر ولا يجبر (¬11). ¬

_ (¬1) قوله: (هذه الدار) يقابله في (ح): (هاتين الدارين). (¬2) قوله: (كان حنثه) يقابله في (ح): (حنث). (¬3) قوله: (في العتق) ساقط من (ح). (¬4) قوله: (أنه) ساقط من (ف) و (ح). (¬5) قوله: (لا يجبر على ذلك بالقضاء) يقابله في (ر): (لا يقضى عليه بذلك). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 400. (¬7) قوله: (هذه الدار) ساقط من (ف، ر). (¬8) قوله: (إنه) ساقط من (ح). (¬9) قوله: (لا) في (ح): (كذبته). (¬10) قوله: (فقال) ساقط من (ح). (¬11) انظر: المدونة: 2/ 400 و 401.

قال الشيخ (¬1) - رضي الله عنه -: فهذا كله كما قال من باب الشك لا يدري هل حنث أم لا؟ فيؤمر بالعتق والطلاق لإمكان أن يكون حنث، ولا يجبر لإمكان أن يكون لم يحنث. وقال في المجموعة: قوله: أنت حرة إن كنت تحبيني، فقالت: أنا أبغضك أشد؛ لأنا نعلم أنها لو كانت تبغضه ما قالت ما يلزمها ما تكره منه، ولكن حبه دعاها إلى أنها لم (¬2) تذكر محبته مخافة من الخروج من يده. وكذلك هذا في الطلاق وقال: إلا أن يقول (¬3): نويت ما تُعْلِمُني من ذلك فأرى (¬4) ذلك له مع يمينه. ¬

_ (¬1) قوله: (قال الشيخ) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (أنها لم) يقابله في (ف) و (ح): (أن). (¬3) في (ح): (تقول). (¬4) في (ح): (فإن).

باب فيمن ملك عبده أن يعتق نفسه فقال: اخترت نفسي أو أنا أدخل الدار أو أنا أذهب

باب فيمن مَلَّكَ عبده أن يعتق نفسه فقال: اخترت نفسي أو أنا أدخل الدار أو أنا أذهب ومن قال لعبده: أنت حرٌّ إن شئت، فقال: اخترت نفسي وقال: أردت العتق صدق. واختلف إذا قال: لم أرد العتق، فقال ابن القاسم: يصدق ولا يكون حرًّا. وقال أشهب: لا يصدق، وإن قال: أنا أدخل الدار ثم قال: لم أرد بذلك العتق صدق، واختلف إذا قال: أردت به العتق، فقال ابن القاسم: لا يصدق (¬1)، وقال أشهب: يصدق (¬2). وقول أشهب إذا قال: اخترت نفسي أحسن؛ لأنَّ المراد بذلك العتق، ومن اختار العتق فقد اختار نفسه، ومن اختار نفسه فقد اختار العتق. وقول ابن القاسم إذا قال: أنا أدخل الدار أحسن؛ لأنَّ ذلك ليس من حروف العتق، ولا مما يراد به العتق (¬3)، ولو قال السيد لعبده: ادخل الدار، وقال: أردت به العتق صدق؛ لأنه مقر على نفسه بالعتق، ولا يصدق العبد؛ لأنه مدع في حق غيره، فلا يصدق إذا أتى بما لا يشبه. وإن قال العبد: أنا أذهب، ثم قال: لم أرد بذلك العتق صدق، وإن قال (¬4): أردت العتق صدق، قال ابن القاسم: لأنه من حروف العتق قاله فيمن ملك رجلًا عتق خادمه فقال لها: اذهبي (¬5)، ولا فرق ¬

_ (¬1) قوله: (وقال أشهب: لا يصدق. . . ابن القاسم: لا يصدق) ساقط من (ف). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 265. (¬3) قوله: (ولا مما يراد به العتق) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (لم أرد بذلك العتق صدق، وإن قال) ساقط من (ح). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 403.

بين أن يوكلها- على عتق نفسها أو يوكل أجنبيًّا، فتقول (¬1): أنا أذهب أو يقول لها: اذهبي، ولو قالت: أنا أذهب بنفسي كان ذلك أبين (¬2)، ولو قال الوكيل: ادخلي الدار ثم قال: أردت بذلك العتق لم يصدق على السيد على قول ابن القاسم، كما لم يصدق العبد على السيد (¬3). واختلف إذا لم يرد بذلك العتق، وأراد أن يقضي بعد ذلك بالعتق، فقال ابن القاسم: ليس ذلك له، قال (¬4): بخلاف السكوت؛ لأنَّ هذا حين أجاب بذلك اللفظ تارك لما جعل له، وفي السكوت هو على أمره، وقال أشهب في كتاب محمد: ذلك له ما دام في المجلس، قال: وقوله الأول كالسكوت ولا شيء له بعد التفرق، وقد قال مالك (¬5) في المخيّرة تختار واحدة: ليس ذلك لها، ولها أن تختار ثلاثًا (¬6). انتهى قوله. قال الشيخ - رضي الله عنه - (¬7): وقول ابن القاسم: إن ذلك ترك بخلاف السكوت ليس ببين، ويحتمل أن يريد: ادخل الدار حتى أرتئي (¬8) رأي وأنظر، فإن ادعى ذلك صدق. وكذلك إذا قال: أردت بذلك العتق فلم يصدق فإن له أن يقضي. وقال ابن القاسم: إذا قال السيد: أردت بقولي: ادخل (¬9) الدار العتق ¬

_ (¬1) في (ف) و (ح) (فيقول). (¬2) قوله: (أبين) ساقط من (ح). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 401. (¬4) قوله: (قال) ساقط من (ر، ح). (¬5) قوله: (مالك) ساقط من (ح). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 265. (¬7) قوله: (قال الشيخ - رضي الله عنه -) ساقط من (ر). (¬8) في (ر) و (ح): (أرى). (¬9) في (ف): (ادخلي).

صدق وكان حرًّا (¬1). وقال أشهب في كتاب محمد: إن أراد به العتق أو الطلاق لم يلزمه عتق ولا طلاق، وإن أراد: إذا قلت (¬2) هذا، فأنت حر أو طالق لزمه. وفرق أشهب بين ذلك؛ لأنَّ الأول أراد العتق والطلاق باللفظ، وليس ذلك من حروف العتق ولا من حروف الطلاق، والثاني: أراد أن يلتزم الطلاق بالنية عند عدم (¬3) النطق بذلك، ولو لم (¬4) يوقعه باللفظ، والعتق والطلاق في هذا على أربعة أوجه، يلزم في وجه وهو ما اجتمع فيه ثلاثة شروط (¬5)، نية، ولفظ، وأن يكون ذلك اللفظ من حروف العتق والطلاق أو من كنايتهما (¬6). واختلف إذا وقع (¬7) ذلك بالنية من غير نطق، أو نطق بالعتق والطلاق من غير نية غلطًا أو سهوًا أو اجتمع فيه (¬8) نية ولفظ بغير حروف الطلاق والعتق، كقوله: ادخل الدار، يريد بذلك العتق أو الطلاق، وأضعفهما إذا كان نطقًا بغير نية، قال الله -عز وجل-: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 5]، وقال سبحانه وتعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 401. (¬2) قوله: (إذا قلت) ساقط من (ح). (¬3) قوله: (عدم) ساقط من (ف) و (ر). (¬4) قوله: (ولو لم) يقابله في (ف): (ثم)، وفي (ح): (ولم). (¬5) قوله: (شروط) ساقط من (ف) و (ر). (¬6) في (ف): (كتابتهما). (¬7) قوله: (وقع) في (ر) (أوقع). (¬8) قوله: (فيه) ساقط من (ف، ر).

فصل [في الرجل يقول لعبده: قد وهبت لك عتقك]

"قال: نَعَم" أخرجه (¬1) مسلم (¬2) (¬3) وقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "رُفِعَ عَنْ أُمَّتي الخَطَأُ والنِّسْيَانُ وَمَا اسْتكْرهوا عَلَيْهِ". أخرجه البخاريُّ ومسلم (¬4). فإذا لم يلزم الإكراه لم يلزم ما كان عن خطأ أو نسيان. فصل [في الرجل يقول لعبده: قد وهبت لك عتقك] وإذا قال: أنت (¬5) حر اليوم من هذا العمل كان كما قال، ولم يكن له أن يستعمله في ذلك اليوم، وذكر عن (¬6) ابن يونس عن أشهب في الموازية أن له أن يستعمله في ذلك العمل أو غيره في ذلك اليوم وبعده (¬7) (¬8) ولو قال، أنت حر من هذا العمل هذا الشهر أو هذه السنة لم يستخدمه فيها، وكذلك لو قال: وهبتك خدمة هذا الشهر أو هذه السنة. قال سحنون: ولو قال: تصدقتُ عليك بعملك أو بخراجك أو بخدمتك حياتك كان حرًّا (¬9). ¬

_ (¬1) قوله: (مسلم) في (ح): (البخاري ومسلم). (¬2) قوله: ("قال: نعم": ومسلم)، ساقط من (ر). (¬3) أخرجه مسلم: 1/ 115، في باب بيان أنه سبحانه لم يكلف إلا ما يطاق، من كتاب الإيمان، برقم: (125). (¬4) سبق تخريجه في كتاب الطهارة، ص: 185. قلت: ولم أقف عليه في الصحيحين. (¬5) قوله: (أنت) في (ف): (إنك). (¬6) لعل كلمة: (عن) مقحمة في هذا الموضع. (¬7) قوله: (وذكر عن ابن يونس. . . ذلك اليوم وبعده) ساقط من (ر، ح). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 263. والبيان والتحصيل: 15/ 115. (¬9) انظر: المدونة: 2/ 405.

قال الشيخ - رضي الله عنه -: ولو قال: لم أرد تبتيل (¬1) العتق، وإنما أردت أن يبقى رقيقًا لما يكون من جنايةٍ أو ميراث فيرث بالرق دون ولده الحر (¬2)، لكان كما قال قياسًا على أحد القولين في أم الولد إذا بطل منها الوطء: إنها لا تعتق. قال سحنون: ولو قال: تصدقتُ عليك بخراجك وأنت حر بعد موتي كان كأمِّ الولد (¬3). يريد: أنه يكون حرًّا من رأس المال. وقد اختلف في هذا الأصل في كتاب محمد هل يكون من الثلث أو من رأس المال؟ وقال ابن القاسم: فيمن قيل له في عبده: مَنْ ربُّ هذا العبد؟ فقال: ما له رب إلا الله -عز وجل-، أو قيل له: أمملوك هو؟ فقال: لا، أو قيل له: هو لك؟ (¬4) فقال: ما (¬5) هو لي، فقال (¬6): فلا شيء عليه في ذلك كله، كمن قيل له: ألك امرأة؟ أو هذه امرأتك؟ فقال: لا، فلا شيء عليه في ذلك كله (¬7) إن لم يرد طلاقًا ولا يمين عليه. وقال عيسى: يحلف (¬8) فيه وفي العتق (¬9). وقال فيمن مرَّ بأمته على عاشر فقال: هي حرة وهو لا يريد بذلك القول حرية، لم يكن عليه شيء (¬10). يريد (¬11): إذا أراد بها حرة من الأصل. ¬

_ (¬1) قوله: (تبتيل) ساقط من (ف)، وفي (ر): (إبتال). (¬2) في (ف) و (ح): (الأحرار). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 465. (¬4) قوله: (هو لك؟) في (ح): (ألك؟). (¬5) قوله: (فقال: ما) ساقط من (ح). (¬6) قوله: (فقال) ساقط من (ف) و (ح). (¬7) قوله: (في ذلك كله) ساقط من (ف) و (ح). (¬8) في (ر) (يختلف). (¬9) انظر: البيان والتحصيل: 14/ 549. (¬10) انظر: المدونة: 2/ 404. (¬11) قوله: (يريد) ساقط من (ر).

ولو قال له (¬1): لا أدعك إلا أن تقول: إن كانت أمة (¬2) فهي حرة، ففعل، فإن قال ذلك بغير نية للعتق لم يلزمه شيء، وإن نوى العتق وهو ذاكر أن (¬3) له ألا ينويه (¬4) كانت حرة؛ لأنه لم يكره على النية، وإن لم تكن مهلة فيذكر (¬5) الواجب في ذلك أو يعزل النية كانت حرة (¬6) على أحد الأقوال (¬7) في الإكراه على المال. وقال ابن القاسم فيمن قال لأمته: أنت حرة، ونوى الكذب فيما بينه وبين الله تعالى، أو قال لامرأته: أنت طالق، لزمه العتق والطلاق (¬8) ولا تنفعه نيته في ذلك (¬9). وقال أشهب في كتاب محمد: إذا قال: أنت حرة و (¬10) قال: أردت أن أعتقها كذبًا مني ولا بينة عليه، فلا شيء عليه، وكذلك إن قال (¬11) لزوجته: إن تسررت عليك فأنت طالق ونوى الحمل، فلا شيء عليه (¬12). يريد: طلق ¬

_ (¬1) قوله: (له) ساقط من (ف). (¬2) في (ر): (أمتي). (¬3) قوله: (أن) ساقط من (ح) (¬4) في (ر): (ينوى). (¬5) قوله: (مهلة فيذكر) يقابله في (ح): (له نية فذكر). (¬6) قوله: (حرة) ساقط من (ح). (¬7) في (ر): (القولين). (¬8) قوله: (لزمه العتق والطلاق) ساقط من (ح). (¬9) انظر: المدونة: 2/ 404. (¬10) في (ح): (ولو). (¬11) قوله: (إن قال) ساقط من (ح). (¬12) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 262.

فصل [في عبد بين سيدين أعطى أحدهما دنانير على أن يعتقه]

الولادة. وقول أشهب في هذا أحسن؛ لأنه لفظ بغير نية إذا صدقته الأمة أو الزوجة في ذلك، فإن كذبتاه فيما ادَّعى من النية لزمه العتق والطلاق. فصل [في عبدٍ بين سيدين أعطى أحدهما دنانير على أن يعتقه] وقال مالك في عبدٍ بين رجلين أعطى أحد سيديه دنانير على أن يعتقه، قال: إن أراد وجه العتق عتق عليه (¬1) كله وقوّم عليه نصيب صاحبه، قال ابن القاسم: ويرد المال إلى العبد ولا شيء للسيد فيه، وإن كان أراد وجه الكتابة فسخ ذلك، وكان العبد بينهما، وأخذ منه صاحبه نصف ما أخذ (¬2). وقد اختلف في المال إذا أخذه برضا العبد إذا أراد الشريك العتق (¬3) على ثلاثة أقوال، فقال ابن القاسم: المال للعبد -يريد: ويقوم بماله- وقال في كتاب ابن حبيب: المال بين السيدين (¬4) ولا شيء للعبد فيه؛ لأنه أعطاه طوعًا، وقال مطرف وابن الماجشون: المال للمعتق وحده، ولا يرد إلى العبد إلا أن يكون السيد معسرًا ليس ممن يقوم عليه نصيب صاحبه، فيكون المال موقوفًا بيد العبد (¬5). قال الشيخ: أمَّا إذا كان الاستثناء بغير رضا العبد رد المال إليه وقوم بماله قولًا واحدًا، وإن كان الاستثناء برضا العبد سقط مقال العبد فيه وكان من لم ¬

_ (¬1) قوله: (عليه) ساقط من (ر). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 405. (¬3) زاد في (ر) قوله: (كان). (¬4) قوله: (بين السيدين) يقابله في (ف): (للسيدين). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 308.

يعتق بالخيار بين أن يقوم بغير مال و (¬1) يكون المال بينهما أو يقوم بماله ويكون (¬2) المال للمعتق إلا أن يكون القدر الذي يزيد المال في قيمته (¬3) مثل ما في يديه من المال، فلا يقوم بماله، وإن كان استثناؤه بغير رضا العبد، فإن استثنى نصيبه من المال فهو عتق محض، وإن استثنى جميع ماله، وأعتق النصف، فهي مبايعة، وإن كانت بغير رضا العبد فالقول قوله، إنَّه لم يرض بالعتق إلا بذلك، فإما أن يجيز له ذلك شريكه فيقومه بماله، ويكون المال للمعتق ولا يكون أدنى منزلة ممن قال لعبده: أنت حر وعليك كذا وكذا (¬4)، فإذا صحَّ أن يوجب عليه المال في هذه (¬5) بغير رضاه صحَّ أن يأخذ الموجود بغير رضاه، وإن قال الشريك: أنا لا (¬6) أقوم كان للمعتق أن (¬7) يرد العتق؛ لأنه قصد المعاوضة فإذا لم يصح له رد العتق كالكتابة سواء. وفي كتاب محمد أن محمله على العتاقة حتى يعلم أنه أراد الكتابة (¬8). وهذا إنما يحسن إذا استثنى نصف ماله، وأما إذا استثنى جميعه فهي معاوضة وهي كالكتابة (¬9)؛ لأنَّ له من ماله إن كان مائة خمسين (¬10) فإذا استثنى جميعه كان قد ¬

_ (¬1) قوله: (بغير مال و) في (ح): (بعين أو). (¬2) في (ر) (فإن كان). (¬3) في (ح): (قيمة العبد). (¬4) قوله: (كذا وكذا) ساقط من (ف، ح). (¬5) في (ح): (يديه)، وفي (ر): (هذا). (¬6) قوله: (لا) ساقط من (ف، ر). (¬7) في (ح): (لا). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 308. (¬9) في (ح): (كالعتاقة). (¬10) في (ح): (وخمسين).

أخذ الخمسين الأخرى عن عتق نصيبه منه هذا إذا أعتق نصيبه خاصة، وإن أعتق جميعه وقيمته (¬1) بغير مال مائة، فإنه (¬2) كان عتقًا؛ لأنه لم يستفضل شيئًا، وإن كانت قيمته خمسين كانت معاوضةً. ¬

_ (¬1) قوله: (وقيمته) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (وقيمته) ساقط من (ر، ح).

باب الاستثناء في العتق

باب الاستثناء في العتق وإذا قال لعبيده: أنتم أحرار إلا فلان، كان له ثنياه (¬1)، وإن قال لعبده: أنت حرٌّ إن شئتُ أنا أو شئتَ أنت أو شاء فلان، لم يعتق حتى يعتقه من جعلت تلك المشيئة إليه. واختلف إذا قال: أنت حرٌّ إلّا أن يشاء أبي، فقيل: هو حرٌّ وإن كره أبوه العتق، وقيل: لا يعتق حتى ينظر ما يقول أبوه؛ لأنَّ العتق معلقٌ بمشيئة أبيه (¬2)، فإن رضي مضى وذلك يرجع إلى قوله: أنت حرٌّ إن شاء أبي؛ لأنه لم يجعل تبتيل العتق منه (¬3) لما كان موقوفًا على ما يقوله الأب. وقال ابن القاسم: إذا قال الأب (¬4): أنت حرٌّ إن كلمتُ فلانًا إلا أن يبدو لي أو إلا أن أرى غير ذلك (¬5)، كان له ثنياه، فإن بدا له أو رأى (¬6) غير ذلك ثم كلمه لم يعتق عليه، وإن كلمه، وهو على رأيه الأول ولم ير غيره حنث. ولو قال: أنت حرٌّ إلا أن أرى غير ذلك كان حرًّا الآن (¬7)؛ لأنَّ العتق لا يرفع بعد (¬8) وقوعه. وقال ابن القاسم في كتاب محمد: لو قال أنت حرٌّ إن كلمت فلانًا إلا أن يريني الله غير ذلك، إنَّ ذلك ينفعه (¬9). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 405 و 406. (¬2) قوله: (بمشيئة أبيه) يقابله في (ر): (بمشيئته)، وفي (ف): (بسبب الأب). (¬3) في (ح): (إليه). (¬4) قوله: (الأب) ساقط من (ف) و (ر). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 406. (¬6) في (ر) (ارتأى). (¬7) قوله: (الآن) ساقط من (ر). (¬8) قوله: (يرفع بعد) في (ح): (يرجع عند). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 50.

باب التمليك والوكالة والرسالة في العتق

باب التمليك والوكالة والرسالة في العتق وقال ابن القاسم: فيمن قال لرجلين: أعتقا عبدي، أو مَلَّكَهُماَ عتقه، فأعتقه أحدهما لم يلزمه ذلك (¬1) وإن كانا رسولين أعتق العبد وإن لم يعتقاه (¬2). قال الشيخ - رضي الله عنه -: أمر السيد في ذلك على أربعة أوجه، تمليك، ووكالة يقول: ملكتكما أو وكلتكما (¬3). والثالث أن يأمرهما فيقول: أعتقاه، ولا يبين هل (¬4) ذلك (¬5) على وجه التمليك أو الوكالة؟ وأي ذلك كان فإنَّ العبد لا يكون عتيقًا إلا أن يوقعا عليه العتق، ولا يكون عتيقًا بعتق أحدهما. ولو وكل رجل رجلين أن يبيعا له سلعة فباع أحدهما لم يلزمه البيع، وإنما يفترق الجواب في عزل السيد إياهما (¬6)، فإن كان تمليكًا لم يكن ذلك له، وإن كان (¬7) وكالة كان له أن يعزلهما، وإن قال: أعتقا سئل: هل أراد التمليك أو الوكالة؟ وأي ذلك قال صدق، فإن قال: أردت التمليك لم يكن له أن يعزلهما (¬8). وإن قال أحدهما: رددت (¬9) ما جعلت لي (¬10) سقط ما بيد الآخر؛ لأنه لو لم ¬

_ (¬1) زاد في (ر): (والعتق). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 406. (¬3) قوله: (ملكتكما أو وكلتكما) يقابله في (ف): (ملكتهما أو وكلتهما). (¬4) قوله: (هل) ساقط من (ح). (¬5) في (ف): (تلك). (¬6) في (ف): (أيهما). (¬7) في (ر): (كانت). (¬8) قوله: (وإن قال: أعتقا سئل. . . لم يكن له أن يعزلهما) ساقط من (ح). (¬9) في (ف): (أردت). (¬10) قوله: (لي) في (ف، ح): (إلي).

فصل [في الرجل يدعو عبدا له باسمه ليعتقه فيجيبه غيره، فيقول له: أنت حر]

يرد لم يصح قضاء (¬1) الآخر دونه، وإن قال: أردت الوكالة كان له أن يعزلهما. والرابع: الرسالة (¬2)، وإن كانا رسولين كانا على وجهين، فإن كانت الرسالة بأن يخبرا (¬3) العبد أن سيده أعتقه كان حرًّا، وإن لم يخبراه (¬4)، وإن كانا رسولين يخبران عن السيد أنه جعل للعبد أن يعتق نفسه كان للعبد أن يقضي إذا بلغه ذلك، وإن لم يبلغه ذان وقد مضى نحو هذا (¬5) في كتاب التمليك (¬6). فصل [في الرجل يدعو عبدًا له باسمه ليعتقه فيجيبه غيره، فيقول له: أنت حر] وقال ابن القاسم فيمن له عبدان ناصح والآخر مرزوق (¬7)، فدعا ناصحًا فأجابه مرزوق، فقال: أنت حرٌّ -وهو يظنه ناصحًا- قال: إن لم تكن عليه بينة عتق ناصح (¬8)، وإن كانت عليه بينة عتق ناصح بما أقر له، ومرزوق بما شهد له، وقال أشهب: يعتق مرزوق وحده كانت على السيد بينة أو لم تكن (¬9). وقال أصبغ: يعتقان جميعًا (¬10). وإن لم تكن بينة عتق أحدهما بالبينة والآخر باللفظ، ¬

_ (¬1) في (ح): (إمضاء). (¬2) قوله: (والرابع الرسالة) ساقط من (ف) و (ح). (¬3) في (ح): (يخير). (¬4) في (ح): (يخيراه). (¬5) في (ح): (ذلك). (¬6) انظر: كتاب التخيير والتمليك. (¬7) قوله: (ناصح ومرزوق) يقابله في (ر): (اسم أحدهما ناصح والآخر مرزوق). (¬8) زاد في (ر): (بما أقرَّ له). (¬9) انظر: المدونة: 2/ 407. (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 264.

فصل [في العبد بين رجلين يقول أحدهما: إن لم يكن دخل المسجد أمس، فهو حر، ويقول الآخر: إن كان دخل فهو حر، ولا يوقنان أدخل أم لا؟]

وقيل: لا يعتق واحد منهما، وإن لم تكن بينة، وهذا هو أحد القولين في العتق والطلاق إنه لا يلزم إلا (¬1) بالنية والنطق بلفظ العتق ولا يلزم أحدهما بانفراده، ورجح ها هنا أشهب النية على النطق (¬2)، وقول ابن القاسم أحسن، وقد اجتمع في الأول نطق ونية؛ لأنَّه وإن (¬3) أجابه مرزوق، فإن نيته بذلك النطق لناصح، وأرى إن كانت عليه بينة أن يحلف أنه إنما أراد ناصحًا ويعتق، ولا شيء عليه (¬4) لمرزوق؛ لأنَّ ما تقدم من قوله: يا ناصح، يصدق قوله إنه أراده (¬5) وأنه ظنَّ أنه الذي أجابه. فصل [في العبد بين رجلين يقول أحدهما: إن لم يكن دخل المسجد أمس، فهو حر، ويقول الآخر: إن كان دخل فهو حر، ولا يوقنان أدخل أم لا؟] وقال ابن القاسم في عبدٍ بين رجلين حلف أحدهما بعتق نصيبه: لقد دخل صاحبه المسجد أمس، وحلف الآخر بعتق نصيبه ما دخله، وكلاهما يدعي التحقيق، فإنهما يدينان ولا يعتق عليهما. قال: وإن كانا لا (¬6) يدعيان علم ما حلفا عليه أمرا أن يعتقاه، ولا يسترقَّاه بالشك ولا يجبران على ذلك، وقال غيره: يجبران (¬7). ¬

_ (¬1) قوله: (إلا) ساقط من (ح). (¬2) قوله: (النية على النطق) في (ر) (النطق على البينة). (¬3) قوله: (وإن) ساقط من (ح). (¬4) قوله: (عليه) ساقط من (ف)، وفي (ح) (في). (¬5) قوله: (أراده) في (ح): (أراد ناصحا). (¬6) قوله: (لا) ساقط من (ح). (¬7) انظر: المدونة: 2/ 407.

وفي بعض نسخ كتاب محمد قال في القسم (¬1) الأول: وقد قيل فيما غير هذا إن كانا ممن عليهما التقويم، فعلى كل واحد منهما عتق مصابته. وقيل له: إن كنت صادقًا فصاحبك ظلمك في الثمن، وإن كان على أحدهما تقويم. يريد: ليسر أحدهما وعسر الآخر أعتق مصاب (¬2) الذي ليس عليه تقويم. وقيل له: صاحبك ظلمك في (¬3) القيمة، قال: فرأيت هذا غير صواب، قال (¬4): لأن الذي يعتق مصابته وله مال لا يعتق عليه مصابة صاحبه إلا بالقيمة، وإن لم يقوم عليه. حتى أعدم، لم يقوم عليه، وإنما يعتق (¬5) بأداء الثمن فإذا جحد (¬6)؛ فلا حرية له، قال (¬7): وكذلك من تمتع بالعمرة إلى الحج، وليس له مال إلا ما (¬8) على رجل (¬9) حاضر وهو موسر فجحده (¬10)، فسقط عنه الهدي، يريد: ويجوز له الصوم. ¬

_ (¬1) قوله: (القسم) في (ح): (العتق). (¬2) قوله: (أعتق مصاب) في (ح): (عتق مصابة) وفي (ف): (أعتق مصابه). (¬3) قوله: (في) ساقط من (ف، ح). (¬4) قوله: (قال) ساقط من (ر، ح). (¬5) قوله: (يعتق) في (ح): (يقوم). (¬6) قوله: (جحد) في (ح): (عجز). (¬7) قوله: (قال) ساقط من (ح). (¬8) قوله: (ما) في (ف): (مال). (¬9) قوله: (رجل) ساقط من (ح). (¬10) قوله: (فجحده) في (ح): (فعجز).

باب في العتق بالسهم، ومن قال: عبيدي أحرار أو ثلثهم أو أثلاثهم أو رأس أو عشرة أو فلان وفلان في الصحة، أو قال ذلك في المرض، أو أوصى به لبعد الموت أو كان عليه دين، أو معه فيهم شريك وهو عالم، أو غير عالم فطرأ عليه استحقاق

باب في العتق بالسهم، ومن قال: عبيدي أحرار أو ثلثهم أو أثلاثهم أو رأس أو عشرة أو فلان وفلان في الصحة، أو قال ذلك في المرض، أو أوصى به لبعد الموت أو كان عليه دين، أو معه فيهم شريك وهو عالم، أو غير عالم فطرأ عليه استحقاق ومن قال في صحته: عبيدي أحرارٌ، وعليه دين يغترق بعضهم (¬1) بِيعَ منهم للدين بالحصص؛ لأن الدين لا يختص بأحدهم دون الآخر، وحق العبيد في العتق سواء، فوجب أن يساوي بينهم في البيع ليستوي حقهم في العتق، وإن قال ذلك في مرضه وبتل العتق أو أوصى به لبعد الموت، ولا دين (¬2) عليه، أعتق ثلثهم عند مالك بالسهم (¬3)، والبتل والوصية عنده سواء. وقال أبو زيد وأصبغ والحارث في كتاب محمد في البتل: يعتق منهم بالحصص، بخلاف الوصية، فإن العتق منهم بالسهم (¬4). وقال المغيرة: القرعة خطر، ولا تجوز إلا حيث جاء الأثر. يريد: حديث عمران بن حصين، قال: أعتق رجل ستة أعبد عند موته ولا مال له غيرهم، فجزأهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أثلاثًا، ثم أقرع بينهم، فأعتق اثنين، وأرق أربعة. وقال مرة: "إن رجلًا من الأنصار أوصى عند موته"، ثم ذكر الحديث. . . . . أخرجه و (¬5) مسلم (¬6). وقول مالك ¬

_ (¬1) قوله: (يغترق بعضهم) في (ح): (يغترقهم). (¬2) قوله: (دين) في (ح): (يدين). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 409. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 333. (¬5) زاد بعده في (ر) (البخاري). (¬6) أخرجه مسلم: 3/ 1288، باب من أعتق شركا له في عبد، من كتاب الأيمان برقم: (1668).

فصل [في قول الرجل عشرة من عبيدي أحرار]

أحسن، ولا فرق بين البتل والوصية؛ لأنَّ عتق المريض يتضمن حقين: حقًّا للعبيد (¬1) وحقًّا للورثة، فحق العبيد أن يكون العتق منهم بالحصص؛ لأن الميت أعطاهم شيئًا حقهم فيه سواء، فوجب ألا يخص به بعضهم دون بعض، وحق الورثة القرعة؛ لأن الورثة شركاء الميت بالثلثين، ولو كانت تلك الأعبد الستة شركة بين الميت وبين غيره (¬2)، له ثلثها ولشريكه ثلثاها، فأعتقهم المريض، لكان (¬3) للشريك أن يرد عتقه ويقرع عليهم، فما صار للمعتق مضى عتقه فيه؛ لأنه كان أعتق جميعه، فإن أسقط الورثة أو الشريك مقاله في المقاسمة، كان العتق بالحصص، لتساوي حق العبيد -كما تقدم- إذا كان العتق في الصحة وعلى المعتق دين. وقد يحمل الحديث في القرعة أن ذلك كان لحق الورثة في الشركة (¬4) فيقاسمون بالقرعة. فصل [في قول الرجل عشرة من عبيدي أحرارٌ] وإذا قال في صحته: عشرة من عبيدي أحرار، وهم خمسون، كان بالخيار في أن يعتق عشرة أيهم (¬5) شاء، وقد تقدم ذلك. واختلف إذا أوصى بذلك في مرضه على خمسة أقوال: فقال مالك في المدونة: يعتق خمسهم بالسهم (¬6)، خرج في ذلك خمسة أو ¬

_ (¬1) قوله: (للعبيد) في (ح): (للعبد). (¬2) قوله: (غيره) في (ف): (عبده). (¬3) قوله: (لكان) في (ف): (لجاز). (¬4) قوله: (الشركة) في (ح): (التركة). (¬5) قوله: (أيهم) في (ف): (أيهما). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 407.

خمسة عشر. وقال أيضًا في المدونة وهو في كتاب ابن حبيب: إن خرج في الخمس أكثر من عشرة أعتقوا، وإن خرج أقل ضرب بالسهم على الباقين حتى يستكمل عشرة، ما لم يجاوز ثلث الميت (¬1). وقال أشهب في كتاب محمد: ذلك واسع أن يعتق منهم بالسهم أو بالحصص (¬2)، وقال المغيرة في كتاب ابن سحنون: يعتق خمسهم بالحصص إذا كان العتق من الميت، وإن أوصى ورثته أن يعتقوا عنه كانوا بالخيار، أن يعتقوه أيهم شاءوا، وقال مالك في كتاب ابن حبيب فيمن قال: رأس من رقيقي حر -وهم ثلاثة- يعتق ثلثهم بالسهم. ثم رجع فقال: ما هذا الذي أراد الميت، وإنما أراد أن يعتق واحدًا منهم، فأرى أن يسهم بينهم، فإن خرج واحد، وهو أدنى من ثلثه أعتق، ولم يعد السهم فيمن بقي، وإن كان أكثر من ثلث قيمتهم أعتق كله إذا حمله الثلث، قال مطرف: وبه أقول (¬3). فعلى هذا إذا قال: عشرة، وهم خمسون، أعتق منهم تلك التسمية، وسواء كانت قيمتهم أقل من الخمس (¬4) أو أكثر إذا حملهم الثلث، فأعتق في القول الأول خمس (¬5) قيمتهم؛ لأنه عدل بين الميت وبين ورثته وبين العبيد؛ لأنه إن أعتق أعلاهم كان للورثة مقال (¬6) أن يقولوا: لم يقصدهم الميت، وللأدنى من ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 408. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 488. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 335. (¬4) قوله: (الخمس) في (ح): (الخمسين). (¬5) قوله: (الخمس) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (مقال) ساقط من (ر).

العبيد أن يقولوا: ليس لكم (¬1) أن تخصوا الأعلى بالعتق لهم، وحق جميعنا فيه واحد، وإن أحب الورثة عتق الأدنى قيل لهم: للميت حق ألا تعطوه (¬2) شرار ماله، وللأعلى من العبيد حق (¬3) أن يقولوا: ما لكم أن تخصوهم بالعتق دوننا، وإن كان في الأوسط العدد الذي سمى الميت (¬4) كان للأعلى والأدنى من العبيد مقال ألا (¬5) يخص بالعتق الأوسط مع تساوي حقهم (¬6) فيه فكانت القرعة، وألا يخص بالعتق واحد دون الآخر (¬7) من حق العبيد، وأن تكون خمس القيمة عدلًا بين الميت وورثته (¬8)، فإن مات منهم أربعون أعتق العشرة الباقية، وسقط مقال الميت والورثة في أعلى وأدنى، وكذلك العبيد. وإن أسقط الورثة في هذه المسألة مقالهم في الشركة مع حياة جميعهم لم يعتق منهم (¬9) بالحصص؛ لأنَّ الميت قال: عشرة، وإنما أراد عتق تسمية (¬10) من تلك الجملة بخلاف المسألة الأولى إذا أعتق جميعهم، ولم يحملهم الثلث، وأسقط الورثة مقالهم في الشركة أن يعتق من جميعهم (¬11) بالحصص. وقوله في كتاب ابن حبيب أبين أنه يعتق عشرة بالقرعة وقعت على الأعلى أو الأدنى، ¬

_ (¬1) قوله: (ليس لكم) في (ر): (ما لكم). (¬2) في (ح): (تقصدوا). (¬3) قوله: (حق) ساقط من (ح). (¬4) قوله: (الميت) في (ر) (من الثلث). (¬5) في (ف): (لا). (¬6) في (ر): (حقوقهم). (¬7) قوله: (بالعتق واحد دون الآخر) في (ر) (واحد دون آخر). (¬8) قوله: (وورثته) في (ر) (وبين ورثته). (¬9) قوله: (منهم) ساقط من (ر). (¬10) في (ح): (تسميته). (¬11) قوله: (من جميعهم) ساقط من (ح).

فصل [فيمن قال لعبديه: أنتما حران، وكان عليه دين أو أوصى بذلك فلم يحملهما الثلث]

وهو الذي يقتضي قول الميت في قوله: أعتقوا عشرة. فصل [فيمن قال لعبديه: أنتما حران، وكان عليه دين أو أوصى بذلك فلم يحملهما الثلث] وإذا قال: عبدي ميمون ومرزوق حران، فإن قال ذلك في صحته وعليه دين يغترق بعضهما بيع منهما للدين بالحصص. واختلف إذا قال ذلك في مرضه أو وصى بهما ولم يحملهما الثلث فقيل: يعتق منهما بالقرعة، وقال في كتاب الوصايا الأولى وفي كتاب محمد: يعتق منهما بالحصص (¬1). ولا فرق بين قوله: هما حران وقوله (¬2): فلان وفلان؛ لأنَّ كل واحد راجع إلى أنه شملهما (¬3) بالعتق، فإن أسقط الورثة مقالهم في عيب الشركة أعتق منهما بالحصص وإلا عتق منهما بالقرعة. وإن قال: أنصاف عبيدي أو أثلاثهم أعتق من كل عبد نصفه أو ثلثه، والصحة والبتل في المرض (¬4) والوصية في ذلك سواء، وإنما يفترق الجواب في الاستكمال وفي مقال الورثة إذا قاموا بعيب الشركة، فإن قال ذلك في صحته استكمل عليه عتق كل عبد منهم إلا أن يكون عليه دين بقدر (¬5) ما لم يعتق منهم، فإن كان بتلًا في المرض استكمل عليه أيضًا إن قيم عليه في المرض، وإن لم ينظر في ذلك حتى مات لم يستكمل، وإن ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 332. (¬2) قوله: (وقوله) في (ر): (وبين وقوله). (¬3) قوله: (شملهما) في (ر) (سماهما). (¬4) قوله: (والبتل في المرض) في (ر): (والمرض والبتل). (¬5) قوله: (بقدر) في (ح): (تقدم).

وصى بذلك لم يستكمل (¬1) ولا مقال للورثة في عيب الشركة إذا كان ثلثه يحملهم؛ لأنه قد كان له أن يعتق جميعهم، وكذلك إذا حمل الثلث ثلثهم وقدر عيب (¬2) الشركة وإن لم يحمل ذلك الثلث كان للورثة في ذلك مقال، وقد يحمل ما في الرواية على أن العتق لا يعيبهم (¬3) أو على أن الورثة لم يقوموا بعيب الشركة، ولو قال في الصحة: أثلاث عبيدي أحرار، وذلك نصيبه منهم ولشريكه ثلثاهم، لكان الشريك بالخيار بين أن يمضي ذلك، ويستكمل عليه الثلثين أو يرد فعله ويقرع بينهم، فما صار له منهم عتق ثلث كل عبد (¬4) منهم؛ لأنه لم يعتق قبل القرعة من كل عبد إلا ثلثه، ثم يستكمل عليه الباقي، وإن لم يستكمل حتى استدان لم يستكمل عليه، وعلى قول المغيرة يمضي العتق في ثلث كل واحد، ويستكمل الباقي وإن كره الشريك؛ لأنَّه لا يرى (¬5) القرعة في العتق إلا حيث جاء فيه الحديث وهو الوصية. واختلف إذا قال: ثلث رقيقي (¬6) أو نصفهم على ثلاثة أقوال، فقال مالك: يعتق ذلك الجزء بالقرعة، فإن قال: ثلث قسموا أثلاثًا، أو نصف قسموا أنصافًا، ثم يقرع بينهم (¬7). وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: إن قال ذلك في صحته عتقوا كلهم ولم ¬

_ (¬1) قوله: (لم يستكمل) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (وقدر عيب) في (ف): (وقد روعيت). (¬3) قوله: (يعيبهم) في (ح): (يعمهم). (¬4) قوله: (عبد) في (ف): (واحد). (¬5) قوله: (يرى) في (ح): (يدري). (¬6) قوله: (رقيقي) ساقط من (ف). (¬7) انظر: المدونة: 2/ 408.

فصل [فيمن قال في صحته: عشرة من رقيقي أحرار، وهم خمسون، فمات منهم أربعون وبقي عشرة]

ينو وجعله بمنزلة من قال: أثلاث عبيدي (¬1) أنه يعتق من كل عبد ثلثه ويستكمل الباقي (¬2). وقال (¬3) سحنون في كتاب ابنه: إذا قال لعبديه: نصفكما حر كان له أن يعتق أيهما شاء، وإن قال: نصفاكما أعتق من كل واحد نصفه واستكمل الباقي (¬4). وقال أيضًا: إن قال (¬5): نصف رقيقي، حلف ما أراد واحدًا بعينه، ثم يختار من يعتق إلى نصف قيمتهم (¬6). قال الشيخ - رضي الله عنه -: قوله ثلث ونصف يتوجه إلى القولين جميعًا، فإن أعتق ثلث كل واحد (¬7) أو نصفه، كان ذلك داخلًا في قوله ثلث عبيدي ونصفهم، فإن جعلوا أجزاء، ثم أقرع بينهم دخل ذلك في قوله ثلث ونصف، وأرى أن يسأل ما أراد بذلك فيصدق، وإن عدمت النية كان حمله على الأجزاء أشبه. فصل [فيمن قال في صحته: عشرة من رقيقي أحرار، وهم خمسون، فمات منهم أربعون وبقي عشرة] واختلف إذا قال في صحته: عشرة من رقيقي (¬8) أحرار وهم خمسون، ¬

_ (¬1) قوله: (عبيدي) ساقط من (ر، ح). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 14/ 322. (¬3) قوله: (وقال) في (ف): (وقول). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 14/ 321. (¬5) قوله: (نصفاكما أعتق. . . وقال أيضًا: إن قال) ساقط من (ح). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 337. (¬7) قوله: (واحد) في (ر): (عبد). (¬8) في (ر): (عبيدي).

فمات منهم (¬1) أربعون وبقي عشرة (¬2)، فقيل العشرة الباقية أحرار (¬3)، وقيل: لا عتق لهم؛ لأن السيد كان قبل موت من مات منهم بالخيار، وقد كان له أن يرق هؤلاء، ويعتق من الآخرين، وقد تقدم ذلك (¬4) في أول الكتاب فيمن قال في عبدين: أحدكما حر، ثم مات أحدهما، وإن كان العتق بتلًا في المرض كان الموت من جميعهم، ويعتق خمس الباقين. واختلف إذا كانت وصية (¬5) لبعد الموت، فقال ابن القاسم: يعتق هؤلاء العشرة قال: وإنما ينظر إلى (¬6) من يكون يوم الحكم ويوم النظر في الثلث لا يوم الموت، وقال عبد الملك بن الماجشون: الموت من جميعهم ويعتق خمس الباقين (¬7)، وحمل الوصية على من يكون عند الموصي يوم يموت (¬8)؛ لأنه مات عن خمسين، وجعل العتق في عشرة منهم والموت نادر، ولو أبان الوصي ذلك فقال: عشرة منهم يوم أموت لكان الموت من جميعهم، وإن قال: ممن يكون يوم ينظر (¬9) في ثلثي لأعتق العشرة الباقية من غير خلاف. ¬

_ (¬1) قوله: (منهم) ساقط من (ف، ح). (¬2) قوله: (وبقي عشرة) ساقط من (ف، ح). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 408 و 409 ووقع في المدونة العلمية: (فإن مالكا قال: إن كان الناس يحملهم عتقوا كلهم هؤلاء العشرة جميعهم) والصواب: (إن كان الثلث) كما في طبعتي دار صادر ودولة الإمارات العربية، ونص التهذيب: 2/ 495: (ولو هلك عبيدُه إلا عشرة عتقوا إن حملهم الثلث). (¬4) قوله: (ذلك) ساقط من (ح) (¬5) قوله: (كانت وصية) في (ح): (قال ذلك في وصيته) وفي (ف): (كان وصية). (¬6) قوله: (إلى) ساقط من (ر). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 339. (¬8) قوله: (يوم يموت) في (ح): (من يوم مات). (¬9) في (ر): (أنظر).

فصل [فيمن قال في صحته لإمائه: عشرة منكن أحرار فتوالد لكل واحدة ولد]

فصل [فيمن قال في صحته لإمائه: عشرة منكن أحرار فتوالد لكل واحدة ولد] وإن كنَّ إماءً فتوالد لكل واحدة منهن ولد، فإن قال في صحته: عشرة منكن أحرار كان له أن يختار عشرة من الأمهات، وأيتهن اختار كان ولدها معها في العتق، وإن بتل ذلك المريض في مرضه أعتق خمسهن (¬1) وهو الجزء الذي كان يعتق قبل الولادة وتقوم كل واحدة (¬2) بولدها وينال الولد من العتق أو الرق ما ينال أمه. وإن أوصى بذلك بعد (¬3) الموت نظرت. فإن قال: عشرة من هؤلاء الخمسين، عينهن، فولدن أولادًا في حياة الموصي وأولادًا بعد موته كان ما ولد في حياته رقيقًا يُكَثَّر بهم مال الميت بمنزلة ما لو اشتراهم ولا يدخلون في القرعة، ويدخل في العتق من ولد بعد الموت (¬4) فيعتق خمس المائة وتقوم كل أمة بما ولدت بعد موته (¬5)، وينال الولد من العتق ما ينال أمه، ولا يقرع عليه بانفراده، وإن قال: عشرة ممن يكون عندي يوم أموت ولم يقل: مِن هؤلاء، دخل جميع الولد في العتق، من ولد قبلُ ومن ولد بعدُ، ويفترق الجواب في صفة العتق فمن (¬6) ولد قبل قوم بانفراده، وقد يناله العتق دون أمه إن وقعت ¬

_ (¬1) قوله: (خمسهن) في (ر) (جميعهم)، وفي (ح): (خمسين). (¬2) قوله: (واحدة) في (ر) (واحدة منهما). (¬3) قوله: (بعد) في (ر) (بعيد). (¬4) قوله: (الموت) ساقط من (ر، ح). (¬5) قوله: (موته) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (فمن) في (ر): (فما).

القرعة عليه أو على أمه دونه، و (¬1) إن وقعت القرعة عليها وما ولد بعدُ يقوم مع أمه فيعتق بعتقها ويرق برقها؛ لأنه علق العتق بمجهول من يكون عنده يوم يموت بقوله ممن يكون عندي يوم أموت (¬2)، فكان ما ولد قبل (¬3) بمنزلة ما (¬4) لو اشتراه فإنهم يدخلون في العتق، وإن (¬5) قال: عشرة من هؤلاء يوم ينظر في ثلثي لم يدخل في العتق من ولد في حياته لقوله من هؤلاء، ودخل في العتق من ولد بعد؛ لأنهما بعد موته بمنزلة المعتقة إلى أجل فموته أثبت لها عقد الحرية وسقط تخيير (¬6) الميت، وإن قال: عشرة ممن يكون في ملكي يوم ينظر في ثلثي: ولم يقل: من هؤلاء دخل جميع الأولاد في العتق من ولد في حياته وبعد موته، وأقرع على كل واحد (¬7) بانفراده، وكان العتق في عشرة من مائة وخمسين إذا توالد لكل واحد منهن ولد قبلُ وولد بعدُ، فإن صارت (¬8) القرعة لمن ولد قبل أو بعد أو للأم وحدها أعتق؛ لأنَّ الميت علق العتق لمجهول من يكون يوم الحكم. ¬

_ (¬1) قوله: (و) ساقط من (ح). (¬2) قوله: (يوم أموت) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (قبل) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (ما) في (ح): (من). (¬5) قوله: (وإن) في (ر) (ولو). (¬6) قوله: (تخيير) في (ر) (تأخير). (¬7) قوله: (واحد) في (ر) (ولد). (¬8) زاد بعده في (ر): (نسب).

باب في عتق المديان

باب في عتق المديان ومن أعتق وعليه دين يغترق قيمة المعتق رد عتقه، فإن كان الدين يغترق بعضهم رد بقدر الدين، وإن كان المعتق عبدًا واحدًا قيمته مائة والدين ثمانون بيع أربعة أخماسه الا أن يعيبه (¬1) العتق فلا يشترى منه شىء بثمانين على أن فيه جزء العتق فيباع جميعه، ويستحب أن يجعل الفاضل (¬2) في عتق، وإن كانوا عددًا من العبيد، والعتق في الصحة بيع للدين بالحصص؛ لأن مقال العبيد في العتق، وفيمن يباع للدين سواء فلم يكن لأحدهم مقال في العتق (¬3) دون أصحابه إلا أن يكون متى بيع بالحصص لا يفضل للعتق شيء لعيب العتق فيرجع إلى القرعة فيمن يباع للدين ويعتق الباقي، وإن كان العتق (¬4) في المرض بتلًا أو وصية لبعد الموت كان البيع للدين حسبما (¬5) كان العتق في المرض (¬6) إذا ضاق الثلث، ولم يجز الورثة، فهو بعد الموت قرعة، وكذلك يباع للغرماء بالقرعة (¬7) لا يتغير الحكم ثم يعتق بعد قضاء الدين بالقرعة. وعتق البتل مختلف فيه، فمن قال فيه (¬8) بالقرعة مع الورثة بيع للغرماء بالقرعة، ومن قال بالحصاص بيع لهم حصاص؛ لأن الذي لهم عين فلا مقال لهم في قبضه من أحدهم دون الآخر ¬

_ (¬1) قوله: (يعيبه) في (ف): (يبيعه)، وفي (ح): (يعينه). (¬2) قوله: (الفاضل) في (ح): (الفضل). (¬3) قوله: (وفيمن يباع. . . لأحدهم مقال في العتق) ساقط من (ح). (¬4) قوله: (فيمن يباع للدين. . . كان العتق) ساقط من (ح). (¬5) قوله: (حسبما) في (ح): (أحب ما). (¬6) قوله: (في المرض) ساقط من (ف). (¬7) زاد بعده في (ر) (مالا). (¬8) قوله: (فيه) ساقط من (ف، ح).

وللعبيد مع الورثة مقال لا يغيره قيام الغرماء، وإذا كان الحكم القرعة فوقع البيع على عبد وبعض آخر، لم يبع ذلك البعض حتى يقرع على بقيته (¬1)، فإن خرج للعتق بِيع على أن بقيته حر، وإن خرج للورثة بيع على ذلك، وإنما لم يجز البيع قبل القرعة على بقيته للغرر؛ لأن العتق عيب، فإن اشترى المشتري قبل العلم هل بقيته (¬2) حر أو رقيق؟ كان فاسدًا. وإذا كان الدين يغترق ما في يديه فلم يرد العتق حتى أفاد بقدر الدين، مضى العتق، فإن تلفت الفائدة بعد ذلك أو أنفقها لم يرد العتق، ولو كان في يديه خمسون ثم أفاد خمسين ثم ذهب الذي أفاد، وذهبت الخمسون الأولى، وذهب جميع ذلك، لمضى العتق. وفي كتاب محمد: إذا ذهب ما في يديه وهي الخمسون (¬3)، ثم أفاد خمسين بعد ذهابها أن العتق ماض (¬4). وليس بالبين؛ لأنَّ الدين مائة، وليس يختص بها الخمسين التي كانت عاجزة. واختلف إذا رد العتق بحكم ثم أفاد مالًا قبل البيع أو بعده، فقال مالك: إذا أفاد قبل البيع أو بعد بيع السلطان وقبل إنفاذه كانوا أحرارًا؛ لأن بيعه بالخيار ثلاثة أيام (¬5). وقال ابن نافع في كتاب ابن سحنون: لا أعرف هذا والذي لم أزل أعرف، إن رده السلطان رد، وإن لم يبعه في الدين فلا يعتق بعد ذلك، وإن أفاد مالًا الآن (¬6). ¬

_ (¬1) في (ف): (نفسه). (¬2) في (ر): (باقيه). (¬3) قوله: (وهي الخمسون) ساقط من (ف). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 406. (¬5) انظر: المدونة: 2/ 412. (¬6) قوله: (الآن) في (ح): (إلا) وهي ساقطة من (ر)، وانظر: النوادر والزيادات: 12/ 406.

فصل [في المكاتب أعتق عبدا فمات المعتق عن مال، لمن يكون ميراثه؟]

وفي مختصر الوقار: إن أفاد بقرب رد الحاكم عتقوا (¬1)، وإن طال ذلك الزمان كانوا رقيقًا. وفي كتاب محمد: إذا أفاد بعد إنفاذ السلطان بالقرب رد البيع، وقول ابن نافع أقيسها؛ لأن العتق رد من أصله بحق تقدمه فلا يعتق إلا بعتق محدث (¬2). فصل [في المكاتب أعتق عبدًا فمات المعتق عن مال، لمن يكون ميراثه؟] وإن لم يرد العتق حتى مات المعتق (¬3) عن مال، وله ورثة أحرار ومات له ولد حر وخلف مالًا، ثم أجاز الغرماء العتق لم يرث ولم يورث بالحرية. وقد اختلف في هذا الأصل، فقال في كتاب محمد في مكاتب أعتق عبدًا، ولم يعلم سيده حتى مات المعتق عن مالٍ إنه إن أجاز السيد الأعلى ورثه ورثته الأحرار أو السيد الأعلى إن لم يكن له ورثة (¬4)، ومن هذا الأصل العبد يتزوج بغير إذن سيده ويدخل. فقال أشهب: إن أجاز السيد كان إحلالًا لهما أو إحصانًا، فإن زنت فأجاز السيد رجمت وإن رد لم ترجم. ¬

_ (¬1) قوله: (عتقوا) في (ح): (عتق). (¬2) إلى هنا انتهى كتاب العتق الأول في نسخة: (ف) وقال: (وتمامه في آخر كتاب الولاء من هذا السفر) وقد بحثته فلم أجده حيث قال، وما تلوه من نسخة الحسنية والحمزاوية، وقد رقمناه على نسخة الحسنية. (¬3) قوله: (المعتق) في (ح): (العبد). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 248.

باب فيما إذا اشترى أباه وعليه دين أو ورثه أو وهب له

باب فيما إذا اشترى أباه وعليه دين أو ورثه أو وهب له وقال في المدونة فيمن اشترى أباه وعليه دين لم يعتق عليه، قال: وإن كان عنده بعض ثمنه لم يعتق عليه ما بقي منه ويرد البيع (¬1). قال في كتاب محمد: يرد البيع وقال محمد: يرد منه قدر الدين ويعتق الباقي (¬2). قال الشيخ: ونقض البيع في الموضعين جميعًا ظلم على البائع؛ لأنه باع ما يجوز له بيعه بثمن معلوم ممن يجوز له شراؤه، وحكم العتق معنى آخر يعتبر فيه يسر المشتري وعدمه، ولابن القاسم وابن نافع في كتاب المدنيين في رجلٍ باع من رجل (¬3) أخاه على علم أنه أخو المشتري عتق عليه، ثم تقاضاه فلم يجد له مالًا غير الأخ المعتق عليه إنَّه يباع له في حقه إلا أن يكون فيه فضل عن الثمن، فيباع بقدر الثمن ويعتق الباقي، فرد (¬4) العتق؛ لأنَّ من مقال البائع أن يقول: كان ظاهره اليسر فسكت، وأنا أرى أني مجبور على ذلك، ولو علمت بعسره لقمت (¬5)، وإن وهب له بعض من يعتق عليه، أو تصدق به عليه كان حرًّا، ولم يبع للدين. واختلف إذا ورثه، فقال ابن القاسم في كتاب محمد: يباع للدين. وقال ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 414 و 415. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 387، ونص النوادر: (قال مالك ومن ابتاع أباه بثلاثين دينارًا فلم يجد إلا عشرة فليرد البيع، ولا يعتق منه بقدرها. قال ابن المواز: ووجدت لابن القاسم أن يباع منه ببقية الثمن، ويعتق باقيه). (¬3) قوله: (من رجل) ساقط من (ح) (¬4) قوله: (فرد) في (ح): (فيرد). (¬5) قوله: (لقمت) ساقط من (ح).

أشهب: لا يباع. وقول ابن القاسم أقيس؛ لأنَّ الميراث يوجبه ملكًا (¬1) والدين سبق الملك، ولا يصح أن يعتق على مفلس، وإنما لم يبع (¬2) في الهبة والصدقة؛ لأنَّ الواهب والمتصدق يقصد إكرامه بالعتق، فلا يغير عما أعطى عليه، ولو بها لم كان المعطى لا يعلم أنه أبوه لكان الخلاف فيه كالميراث. ¬

_ (¬1) قوله: (ملكا) في (ح): (ملك). (¬2) قوله: (يبع) في (ح): (يعتق).

باب ما إذا أعتق ما في بطن أمته وعليه دين أو استحدث دينا

باب ما إذا أعتق ما في بطن أمته وعليه دين أو استحدث دينًا وإذا أعتق الرجل (¬1) ما في بطن أمته، وعليه دين قبل العتق بيعت للغرماء، ولم تؤخر للوضع (¬2). وقال الشيخ: وأستحسن إذا كان الوضع قريبًا وكان في الأم ما يوفي بالدين أن تدخر للوضع، وإن كان الدين يغترق بعضها لم يبع إلا بقدر الدين، ويتبين للمشتري أن ما في بطنها إن ولدته حيًّا كان ما قابل ما لم يبع من الأم عتيقًا. واختلف إذا كان العتق قبل الدين، فقال مالك: تباع بما في بطنها، وينفسخ العتق في الولد (¬3). وقال ابن القاسم في كتاب محمد: الناس كلهم على خلاف مالك في هذا ويقولون: لا تباع، وقال الليث بن سعد: تباع ويستثنى الجنين حرًّا، وعند ابن حبيب مثل ذلك تباع ويستثنى الجنين (¬4)، وأجاز في كتاب محمد للورثة أن يبيعوها اختيارًا من غير دين عليهم ولا على الميت (¬5). وذكر ابن الجلاب في بيع الغرماء في الحياة وفي بيع الورثة بعد الموت قولين، الجواز والمنع (¬6)، مثل ما حكاه (¬7) ابن القاسم عن المخالفين. ¬

_ (¬1) قوله: (الرجل) ساقط من (ح). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 415. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 415. (¬4) قوله: (الجنين) ساقط من (ح). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 436. (¬6) انظر: التفريع، لابن الجلاب: 1/ 352، 353. (¬7) قوله: (حكاه) في (ح): (حكى).

قال الشيخ: والقولُ: إنها تباع ويستثنى ما في بطنها أحسنُ لوجوه ثلاثة: أحدها: أن العتق كان قبل الدين وقبل حق الغرماء، ولأنَّ الصحيح من المذهب أن المستثنى مبقّى، ولم يدخل في البيع، ولأنه لو سلم أن المستثنى مُشْتَرى، فإنما يحسن (¬1) فيما يصح إدخاله في البيع، وهذا فيه عقد حرية لا يصح أن يدخل في العقد، ففارق ما يصح أن يدخل (¬2) في البيع، فإن باعها السيد اختيارًا من غير دين ولم ينظر في ذلك حتى أعتقها المشتري وهي حامل أو أعتقها بعد الوضع (¬3) مضى العتق وله ولاؤهما، وإن أعتقها بعد الوضع كان له ولاء الأم، وللبائع ولاء الولد، ويرجع عليه بقيمة العيب، إن كانت تباع مستثناة الولد، وإن باعها من زوجها وهي حامل من غير دين كان جائزًا، قال محمد: وتصير به أم ولد، ويبطل عتق السيد (¬4). وإن باعها من غير زوجها واستثنى جنينها كان البيع على قول مالك فاسدًا. قال ابن القاسم في كتاب ابن حبيب: فإن ولدت كان حرًّا وترد الأم إلا أن تفوت فيغرم قيمتها يوم قبضها على أنها مستثناة الولد، ومحمل ما في كتاب محمد على أنه باع ولم يعلمه أنه أعتق جنينها (¬5). وما في كتاب ابن حبيب على أنه أعلمه باستثنائه فأمضاها محمد بالثمن وأرجعه بالعيب، وأمضاها ابن حبيب بالقيمة. ¬

_ (¬1) قوله: (يحسن) في (ح): (يصح). (¬2) قوله: (في العقد ففارق ما يصح أن يدخل) ساقط من (ح). (¬3) زاد بعده في (ف) و (ر): (وفي كتاب محمد إن أعتقها قبل الوضع). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 438. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 439.

باب في عتق أحد الشريكين، ومن أعتق نصيبا من عبد جميعه له

باب في عتق أحد الشريكين، ومن أعتق نصيبًا من عبد جميعه له قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ في عَبْدٍ وَلَهُ مَالٌ قُوِّمَ عَلَيْه قِيمَةَ العَدْلِ، وأُعْطيَ شُرَكاؤُه حِصَصَهُمْ، وَأُعْتِقَ عَلَيْهِ، وَإلَّا فَقَدْ عَتَقَ بَعْدُ مِنْهُ مَا عَتَق" (¬1). واستكمالُ العتق حقٌّ لله سبحانه، فلو رضي العبد والشريك بتركه، لم يجز. واختلف قول مالك: هل يكون بقية العبد عتيقًا بنفس العتق الأول أو بعد الحكم؟ وفرق الحكم (¬2) مرة وقال: إن كان له جميعه كان عتيقًا بنفس العتق وإن لم يحكم به، وإن كان شريكًا فحتى يحكم. قال الشيخ: الأحسن ألا يكون عتيقًا في الموضعين إلا بعد الحكم، لقوله -عليه السلام-: "قُوِّم. . . وَأُعْتق عَلَيْه" هذا أمر، وإن وقع العتق وليس في الحديث أنه بعتق الشريك (¬3) يصير جميعه عتيقًا، فإن قيل: فليس في الحديث أيضًا أنه رقيق حتى يعتق، قيل: الأصل الرق فلا يصير الباقي عتيقًا إلا بلفظٍ لا احتمال فيه، فإن لم ينظر فيه حتى قتل أو جرح أو قذف كان على أحكام العبيد حتى يستكمل، وقد قيل: إنه بنفس التقويم يصير عتيقًا، وهذا وهم؛ لأنَّ عتقَ البعضِ يتضمن شيئين، حقًّا لآدمي في أخذ ملكه منه بالقيمة، وحقًّا لله تعالى في إكمال العتق ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 892، في باب إذا أعتق عبدا بين اثنين أو أمة بين الشركاء، من كتاب العتق، برقم: (2386)، ومسلم: 3/ 1286، في باب من أعتق شركا له في عبد، من كتاب الأيمان، برقم: (1501). (¬2) قوله: (الحكم) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (بعتق الشريك) في (ح): (يعتق الشريك نصيبه).

فالحكم (¬1) بأحدهما ليس بحكم في الآخر. وإذا حكم على الشريك صار بمنزلة لو كان له جميعه، والصحيح من المذهب بعد أن يكون جميعه للمعتق ألا يكون بقيته حرًا إلا بعد الحكم، وللشريك أن يعتق نصيبه ولا يقوّمه. ومعنى الحديث أن يصير جميعه عتيقًا إذا طلب ذلك المتمسك، فإن اختار الشريك أن يعتق ثم انتقل إلى التقويم، لم يكن ذلك له إلا برضا المعتق؛ لأنَّه أسقط حقه عنه. واختلف إذا اختار التقويم، ثم انتقل إلى العتق، فقيل: ليس ذلك له، وقال عند (¬2) ابن حبيب: له ذلك. وقاله ابن القاسم وابن الماجشون ومحمل هذا القول ألا مقال في ذلك للعبد فيقول: لا يستكمل إلا على الأول وذلك للمعتق الأول لأنه (¬3) يقول صار في في ذلك حق لاستكمال الأجر والولاء. قال محمد: ويقوّم على أنه عبد لا عتق فيه. يريد: لأنَّ العتق عيب في باقي العبد وهو أدخل ذلك العيب فعليه فيه قيمة نصيب صاحبه سالمًا قبل ذلك العيب ويقوم كم يسوى لو بيع كله؛ لأنَّ بيعَ الجملة أثمن، وإن أعتق بإذن الشريك لم يكن له سوى القيمة يوم الحكم على أن نصفه حر ولا شيء له إذا كان معسرًا، وإن تأخر الاستكمال حتى تغير سوقه كان لمن لم يعتق قيمة عيب المعتق يوم أعتق وله قيمة النصف معيبًا يوم الحكم، فإن مات العبد قبل الاستكمال أو قال الشريك: أنا أعتق ولا أقوم أو كان المعتق معسرًا اتبع المعتق بقيمة العيب في ذمته ولو لم يكن للشريك مقال لموضع عيب العتق لم يكن ¬

_ (¬1) قوله: (فالحكم) ساقط من (ح). (¬2) قوله: (عند) في (ح): (عبد الملك). (¬3) في (ح): (أن) والمثبت من (ر).

فصل

للقول: إنه يقوم على أنه لا عتق فيه- وجه ومقتضى الحديث في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَق"، على ما يتعلق به من حق الله تعالى دون ما يتعلق به من حق الشريك، ولا يقوّم عليه لأجل ذلك العيب الذي أدخل مع العسر فيستكمل (¬1) العبد العتق فقال محمد: ذلك له، وحمل الحديث في ترك الاستكمال لحق الشريك خاصة. وقال غيره في كتاب أمهات الأولاد من المدونة: ليس ذلك له (¬2)، وهو أحسن لأنَّ الأصل لو لم يرد الحديث ألا شي له على المعتق سوى القدر الذي تقرب به إلى الله سبحانه، فأمر باستكمال النصيب الآخر مع اليسر وإذا كان معسرًا لم يلزمه سوى ما تقرب به إلى الله ولا تعمر ذمته بسواه، وقد حمل بعض أهل العلم الحديث على الندب، وإن كان موسرًا بالبعض قوَّم عليه بقدر (¬3) ما هو موسر به إلا أن يشاء الشريك أن يعتق ذلك الجزء فذلك له ولا شيء عليه (¬4) غيره. فصل ويباع عليه في الاستكمال شوار بيته وفضول ثيابه، ويترك له ثياب ظهره وعيشه الأيام (¬5). وقال عبد الملك بن الماجشون في المبسوط: إذا ادعى الفقر، وليس له مال ظاهر سئل جيرانه ومن يعرفه، فإن قالوا: لا نعرف له شيئًا (¬6)، حلف وترك. ¬

_ (¬1) قوله (فيستكمل) يقابله في ر (يستكمل). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 556. (¬3) قوله: (بقدر) في (ح): (قدر). (¬4) قوله: (عليه) فِى (ح): (له). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 419، والنوادر والزيادات: 12/ 286. (¬6) قوله: (شيئا) في (ح): (مالا).

قال سحنون: وجميع أصحابنا على ذلك إلا في اليمين، فإنه لا يستحلف عندهم (¬1). قال الشيخ: وهذه المسألة أصل في كل ما لم يكن أصله معاوضة أنه لا يضيق الأمر فيه كالمداينة، وإذا كان موسرًا، فلم يقوم عليه حتى عسر سقطت القيمة. واختلف إذا كان معسرًا فلم يحاكمه حتى أيسر، فقال: كان مالك يقول: يقوّم عليه، قال: ثم قال: إذا كان يعلم الناس والعبد والشريك (¬2) بعسره فلا شيء عليه (¬3). وهو أحسن لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ" (¬4) ثم قال (¬5): "وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ منه ما عَتَق" فعلق الحكم بما يكون يوم العتق من اليسر والعسر، وعلى هذا يجري الجواب إذا كان موسرًا، ثم أعسر بأمر بّين ثم أيسر، فلا يستكمل عليه ولو شك فيه وقال: كنت معسرًا ومعلوم أن الذي في يديه فائدة كان القول قوله، ولا يستكمل في الفائدة؛ لأنه مال محدث فلا يقوّم فيه للشك فيما قبله، هل كان له مال والقيمة مع اليسر على النقد، فإن تراضيا بالقيمة مؤجلة، لم يجز ودخله الربا وفسخ الدين في الدين، وإن تراضيا بالتأخير (¬6) مع العسر جاز؛ لأنه بيع باختيار (¬7)، وإن أعتق المتمسك بعض ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 286. (¬2) قوله: (الشريك) في (ح): (السيد). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 418. (¬4) أخرجه ابن ماجه (2/ 845) في باب (من أعتق عبدا وله مال)، من كتاب (العتق)، برقم: (2529). (¬5) قوله: (ثم قال) ساقط من (ح). (¬6) قوله: (بالتأخير) في (ح): (بالتأجيل). (¬7) قوله: (باختيار) في (ح): (بالتأخير)، وفي (ر): (بإجبار).

نصيبه بتلًا أيضًا أكمل بقية نصيبه عليه، فإن لم يستتم عليه حتى مات استتم على الأول. قال الشيخ: القياس ألا يعتق منه على الثاني إلا ما عتق ويقوم الباقي على (¬1) الأول؛ لأنَّ الثاني يقول: كان لي أن أقوم عليك الجميع، فأنا أسقط حقي في البعض وأقوم ما بقي. وأيضًا فإنه قد اختلف في العبد يكون بين ثلاثة نفر فيعتق الأول وهو معسر، ثم يعتق الثاني وهو موسر (¬2) أنه لا قيمة على الثاني (¬3)، وعلى هذا لو كان العبد بين اثنتين فأعتق أحدهما نصيبه وهو معسر، ثم أعتق الثاني نصف نصيبه وهو موسر أنه لا يستتم عليه، وإن أعتق الأول وهو موسر بنصف نصيب صاحبه كان من لم يعتق بالخيار بين أن يعتق نصف نصيبه وهو القدر الذي استحق العبد أن يعتق منه على الأول، ولا يستكمل عليه نصيبه؛ لأنَّه قد يسبق فيه العتق، ولم يرده بعتقه هذا فسادًا، وبين أن يقوم عليه بقدر ما هو موسر به ويتمسك بالباقي رقيقًا (¬4). ¬

_ (¬1) قوله: (على) ساقط من (ح). (¬2) في (ف) و (ح): (معسر). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 417. (¬4) قوله: (ولا يستكمل عليه نصيبه. . . ويتمسك بالباقي رقيقًا) ساقط من (ح).

فصل [في عبد بين ثلاثة نفر، فأعتق اثنان نصيبهما منه واحدا بعد واحد]

فصل [في عبدٍ بين ثلاثة نفر، فأعتق اثنان نصيبهما منه واحدًا بعد واحد] وإذا كان العبد بين ثلاثة نفر، فأعتق اثنان نصيبهما منه واحدًا بعد واحد، فإن كان الأول موسرًا قوم الثالث على الأول إلا أن يرضى الثاني أن يقوم عليه، فإن رضي بذلك قوم على الثاني ولا مقال للأول في ذلك؛ لأنَّ الأول لا يستحق الاستكمال وإنما الاستكمال حقٌّ للعبد، وإذا جاز أن يستكمله الشريك الذي لم يعتق فيعتق ولا يقوم جاز أن يستكمل على الأوسط، وإن كان الأول معسرًا كان في الاستكمال على الثاني قولان، فقال في المدونة: لا يستتم على الثاني لأنه لم يبتدئ فسادًا (¬1) (¬2). وقال ابن نافع: يقوم على الثاني (¬3). وقال (¬4): أرأيت لو قال الشركاء: نحن لا نبالي بالضرر ونتماسك نصيبنا ولا نريد أن نقوم وأَبَى العبدُ ذلك كان له أن يقوم عليه (¬5) أحب الشركاء أو كرهوا، وهذا أحسن، ولا وجه للتعليل بالضرر؛ لأنه لو كانت العلة في التقويم الضرر الذي أدخل على شريكه لوجب إذا أعتق نصف عبده ألا يستكمل عليه؛ لأنَّه لم يدخل على أحد ضررًا، وأيضًا فلو كان التقويم لحقِّ الشريك فيما أدخل عليه من الضرر لم يقوم إلا أن ¬

_ (¬1) قوله: (فسادا) ساقط من (ح). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 417. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 14/ 539، نص العتبية: (. . . أن بعض أهل العلم قد رأى أن يقوم على الثاني- ولم يعتقه. . .) ونبه ابن رشد في شرحه على العتبية أن المقصود هو: ابن نافع، والنوادر والزيادات: 12/ 289 و 290. (¬4) قوله: (وقال) ساقط من (ح). (¬5) قوله: (عليه) ساقط من (ح).

فصل [في حكم التقويم في حالة غيبة من يعنى به من معتق أو عبد أو شريك. .]

يكون الفساد كثيرًا، ويقوم الشريك بما أدخل عليه من الفساد (¬1)، وإن كان عتق الاثنين معًا وهما موسران قوّم عليهما، ولم يكن للثالث أن يخص أحدهما بالتقويم دون الآخر. واختلف إذا كانت أجزاء المعتقين مختلفة، لأحدهما الثلث وللآخر السدس، كيف يقوم عليهما؟ فقال أشهب في كتاب محمد: يقوّم عليهما بقدر أنصبائهما بمنزلة الشفعة، وقال ابن الماجشون في المبسوط: يعتق عليهما (¬2) نصفين؛ لأنَّ فساد القليل والكثير سواء، ألا ترى أنه يقوم على صاحب السدس جميعه لو كان هو المعتق وحده، ويختلف إذا كان أحدهما موسرًا والآخر معسرًا، فقيل: لا يقوَّم على الموسر إلا قدر نصيبه، وأباه سحنون (¬3) (¬4). فصل [في حكم التقويم في حالة غيبة من يعنى به من معتق أو عبد أو شريك. .] التقويم يجب إذا كان المعتق (¬5) والعبد والمال والشريك حضورًا، وإن كان أحد ذلك غائبًا قريب الغيبة أخِّر التقويم حتى يعذر إلى (¬6) المعتق إن كان هو الغائب أو يحضر العبد أو المال الذي يقوم فيه ويكاتب الشريك الذي لم يعتق ¬

_ (¬1) قوله: (من الفساد) ساقط من (ح). (¬2) قوله: (عليهما) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (فقيل: لا يقوم. . . وأباه سحنون) ساقط من (ر). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 288، 289. (¬5) قوله: (المعتق) ساقط من (ح). (¬6) قوله: (يعذر الى) في (ح): (يقدم).

إن كان هو الغائب فيعتق أو يقوم. ويفترق الجواب إذا بعدت الغيبة، فإن غاب السيد بعدما أعتق، وعلمت حياته وخلَّف يسيرًا قوم، وإن غاب العبد أخِّر التقويم حتى يقدم، فإن كان المال هو الغائب لم يقوَّم ولم يمنع الشريك من البيع. ويختلف إذا قدم المال هل ينقض البيع وألا ينقض البيع أحسن، وإن غاب الشريك الذي لم يعتق قوم العبد وأكمل له العتق ولا مقال للغائب إن قدم فقال: أنا أعتق ولا أقوم، وإن فلس المعتق بيع للغرماء ولم يستكمل العتق. واختلف إذا مات المعتق، فقال مالك في المدونة: لا يستكمل إذا لم يعلم إلا بعد موته (¬1)، قال سحنون في كتاب ابنه: وهذا قول أصحابنا ولو مات مكانه أو أفلس (¬2). يريد: بفور العتق. وروى مطرف وابن الماجشون عن مالك في كتاب ابن حبيب: إذا كان جميع العبد له وأعتق بعضه في صحته فإن غافصه الموت أعتق عليه بقيته (¬3) وإلا لم يعتق منه إلا ما أعتق إلا أن يقام عليه في المرض (¬4). فأجريا حكم الاستكمال حكم الهبات أنها إن حيزت في الحياة صحت، وإن لم تحز وفرط الموهوب في القبض سقطت، وإن لم يفرط كان فيها قولان، وكذلك الاستكمال إن استكمل في الصحة كان كالحوز في الهبة، وإن لم يستكمل وكان تفريطًا لم يستكمل. واختلف أيضًا إذا أعتق شركًا له في عبد، ولم يقوم عليه حتى مات، فقال ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 349. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 291. (¬3) قوله: (بقيته) في (ح): (بقيمته). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 292، 293.

مالك في كتاب محمد: إن مات بحدثان ذلك قوِّم عليه، وعتق من رأس ماله، ولا يقوم في ثلثه، قال أشهب: وذلك بخلاف (¬1) إذا كان جميعه له، فلم يعلم به حتى مات أنه لا يستكمل عليه، وإن مات بحدثان عتقه (¬2). واختلف أيضًا إذا قُيِّم عليه في المرض، فقال مالك وابن القاسم في المدونة: يعتق الباقي في ثلثه، وإن لم يعلم بذلك حتى مات لم يعتق منه إلا ما كان عتق (¬3). قال سحنون: وقال بعض الرواة: إذا لم يستكمل عليه نصيب صاحبه حتى مرض لم يستكمل وبقي الباقي رقيقًا، وسواء كان جميعه له أو كان شركة بينه وبين غيره (¬4). قال عبد الملك بن الماجشون في المبسوط: المرض والموت في هذا سواء ولا يجعل في ثلثه قال: وإنما يكون في ثلثه ما أحدثه في المرض (¬5). وأمَّا إذا كان في الصحة، وجاء المرض وفرط في ذلك شريكه صار بمنزلة من وهب أو تصدق على صحيح فلم يقبض ذلك حتى مرض، فلا يقبل ذلك (¬6) بعد المرض إلا أن يصح، وإن مات بطلت وكذلك العتق. قال الشيخ: إن تراخى الاستكمال عن العتق حتى مرض لم يعتق الباقي من رأس المال. ¬

_ (¬1) قوله: (بخلاف) في (ر): (مخالف له). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 291. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 419. (¬4) انظر: المدونة: 2/ 420. (¬5) قوله: (المرض) في (ح): (مرضه). (¬6) قوله: (يقبل ذلك) في (ح): (يقبض).

واختلف هل يكون في الثلث، وإن كان المرض بَعْدَ (¬1) العتق كان في الاستكمال ثلاثة أقوال؟ هل يكون في الثلث، أو من رأس المال، أو ساقطًا لا يكون في الثلث ولا رأس المال؟ فعلى قول مالك عند ابن حبيب: يعتق من رأس المال، وسواء كان العتق في عبد جميعه له أو شركة بينه وبين غيره، وعلى قول أشهب يستكمل من رأس المال إذا كان شركة بخلاف أن يكون جميعه له، وعلى قول الغير في المدونة: لا يعتق من ثلث ولا من رأس مال (¬2). قال (¬3): واختلف فيما يصنع في نصيب الشريك في حال المرض، فقال أصبغ في كتاب محمد: يحكم بالاستكمال ويوقف المال لحياته أو موته وينفذ الحكم عليه في ذلك إن صح لزمته تلك القيمة، وإن مات أخرجت تلك القيمة من ثلثه أو ما حمل الثلث وهذا على الوصايا وما أعتق أولا فمن رأس المال (¬4) فيعتق بما بقي منه قدر ما يكون عليه من ثلث (¬5) ربعه أو ثلثه أو ما كان من ذلك ويرق ما بقي وينفذُ الحكم بذلك، فإن صحَّ مضى عتقه، وإن مات أخرجت تلك القيمة من ثلثه مبداة على جميع الوصايا. وقال عبد الله بن عبد الحكم: لا يقوم ولكن يوقف أبدًا، وإن طال مرضه وأضرَّ بأشراكه حتى يموت فيعتق من ثلثه، أو يصح فمن رأس ماله إلا أن يعتق الشريك (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (بعود) في (ح): (بعد). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 531. (¬3) قوله: (قال) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (لحياته أو موته وينفد. . . وما أعتق أو لا فمن رأس المال) ساقط من (ح). (¬5) قوله: (ثلث) في (ر): (ثلثه). (¬6) قوله: (إلا أن يعتق الشريك) ساقط من (ح).

وقال عبد الملك بن الماجشون في المبسوط: الشريك مخير (¬1) بين أن يقوم ويدفع القيمة إلى الشريك ويكون العبد بيد المريض فيعتق في ثلثه أو ما حمل الثلث منه أو لا يقوم؛ لأنه لا يدري أيعتق أم لا؟ ولكن لا يبيعه (¬2) فإن أعتق شقصًا منه في مرضه وعلم بذلك في مرضه حكم عليه بالاستكمال وبقي الأمر فيه موقوفًا، فإن صحَّ كان من رأس المال، وإن مات كان في الثلث. وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: إذا أعتق حصته منه في مرضه بتلًا فلا يقوم عليه بقيته حتى ينظر أيصح أم يموت؟ فإن صحَّ قوم عليه نصيب صاحبه، وإن مات لم يقوم عليه (¬3) نصيب صاحبه، وإن حمله الثلث من قبل أن التقويم لا يلزم إلا في عبد يمضي (¬4) إلى حرية ناجزة أو إلى أجل قريب لا يردها دين، وهذا يرده كالدين (¬5) إلا أن تكون له (¬6) أموال مأمونة فيقوم حينئذ ويعجل العتق مكانه قبل أن يموت، وإن أوصى بعتق بعض عبد لبعد الموت لم يقوم كانت له (¬7) أموال مأمونة أم لا؟ (¬8) قال مالك (¬9) في المبسوط: لأن ماله قد صار لغيره، فكيف يعتق ما بقي من (¬10) العبد على قوم آخرين ليسوا ¬

_ (¬1) قوله: (مخير) في (ح): (بالخيار). (¬2) قوله: (لا يبيعه) في (ح): (يبيعه). (¬3) قوله: (عليه) ساقط من (ح). (¬4) في (ف) و (ر): (يقضي). (¬5) قوله: (يرده كالدين) في (ح): (يطردها الدين). (¬6) قوله: (له) ساقط من (ر) و (ح) والمثبت موافق لما في النوادر والزيادات 12/ 294. (¬7) قوله: (له) ساقطة من (ر). (¬8) انظر: النوادر والزيادات 12/ 294. (¬9) قوله: (مالك) ساقط من (ر). (¬10) قوله: (ما بقي من) في (ح): (بقية).

فصل [إذا كان الشريكان نصرانيا ومسلما]

هم الذين ولوا (¬1) عتاقته إلا أن يوصي بعتق ما بقي منه في ماله (¬2)، فإن ذلك لازم لشركائه، وإن أبوا. وحكى ابن الجلاب (¬3) قولًا آخر إنَّه يستكمل في ثلثه وإن لم يوص بذلك (¬4). فصل [إذا كان الشريكان نصرانيًّا ومسلمًا] وإذا كان الشريكان نصرانيًّا ومسلمًا، فأعتق المسلم استكمل عليه، مسلمًا كان العبد أو نصرانيًّا. واختلف إذا أعتق النصراني، فقال ابن القاسم: يستكمل عليه إذا كان العبد مسلمًا، ولا يستكمل عليه إذا كان نصرانيًّا، وقال غيره: يقوم وإن كان نصرانيًّا (¬5). ولمالك في المختصر: لا يقوّم وإن كان مسلما، وهو أحسن فيحكم عليه بإمضاء العتق في النصيب الذي أعتق؛ لأنه التزم ذلك للمسلم، ولا يستكمل عليه لأنه لم يلتزم ذلك، والاستكمال شرع وحق لله سبحانه، والكافر غير مخاطب بفروع الشريعة (¬6) إلا بعد تقدم الإسلام (¬7)، ولو أعتق بعض عبد لا شركة معه فيه لم يستكمل عليه ولم يلزم غير ما ألزم نفسه، وأما الغير (¬8) فإنه ¬

_ (¬1) قوله: (ولوا) في (ح): (تولوا). (¬2) قوله: (في ماله) ساقط (ح). (¬3) قوله: (الجلاب) في (ح): (القصار). (¬4) انظر: التفريع: 1/ 350. (¬5) انظر: المدونة: 2/ 416، 417. (¬6) قوله: (الشريعة) في (ح): (الشرع). (¬7) قوله: (الإسلام) في (ح): (الاستكمال). (¬8) في (ح) (العبد).

فصل [في فقد السيد وقد أعتق نصف عبد جميعه له]

يقول (¬1): يقوم عليه ولم يقل ويستكمل، ومحمل ذلك إذا كان العتق يعيب الباقي عيبًا كثيرًا فيقوم لحقِّ الشريك ولا يعتق. وقال أشهب في نصراني اشترى ابنه المسلم إنَّه يعتق عليه قال: ولو كان نصرانيًّا لم يعتق (¬2). وعلى قول مالك لا يعتق، وإن كان مسلمًا؛ لأنه غير مخاطب بالشرع مثل الاستكمال. فصل [في فقد السيد وقد أعتق نصف عبد جميعه له] واختلف إذا فقد السيد وكان قد أعتق نصف عبد جميعه له، فقال ابن القاسم في المدونة: يوقف (¬3) نصف العبد؛ لأنه لا يدري لمن يكون ذلك النصف وقد يكون للوارث ولا يعتق الآن في ماله؛ لأنا لا ندري أحي هذا المفقود أو ميت؟ فلا يعتق في ماله بالشك (¬4). وقال مطرف وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: إن كان فقده (¬5) بحدثان ما أعتق، أعتق عليه كله؛ لأنه بمنزلة من أعتق بعض عبيده، ثم غَافَصَهُ الموت، وإن كان قد طال لم يعتق منه إلا ما أعتق ويوقف (¬6) سائره مع ماله قالا: وكذلك إذا أعتق شركًا له في عبد ثم فقد، فإن كان فقد بحدثان العتق وقام ¬

_ (¬1) في (ح): (قال). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 388. (¬3) قوله: (يوقف) في (ح): (موقوف). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 420، 421. (¬5) قوله: (فقده) في (ر) (فقد). (¬6) قوله: (يوقف) في (ح): (أوقف).

فصل [في عتق أحد الشريكين نصيبه بتلا وهو موسر، ثم أعتق الثاني إلى أجل]

عليه شريكه قوّم عليه، وإن كان قد طال ذلك من فقده قبل أن ينظر فيه (¬1) لم أر أن يقوّم عليه ويشترى (¬2) بأجل، فإن انقضى الأجل، وهو على فقده صنع شريكه بحصته ما شاء، فإن قدم المفقود وقد باع الشريك (¬3) نصيبه أو علمت حياته وله مال نقض البيع وقوم في مال المفقود، وقال أشهب في كتاب محمد: إذا كان له (¬4) فيه شريك وفقد المعتق بحدثان العتق (¬5) قوم عليه (¬6) وعلى أصله إن كان جميعه له لم يستكمل إلا أن تعلم حياته (¬7). فصل [في عتق أحد الشريكين نصيبه بتلًا وهو موسر، ثم أعتق الثاني إلى أجل] واختلف إذا أعتق أحد الشريكين نصيبه بتلًا وهو موسر، ثم أعتق الثاني إلى أجلٍ، فقال ابن القاسم: يخير الثاني بين أن يسقط الأجل ويبتل (¬8) نصيبه، أو يقوم على الأول، وقال غيره: يبتل على الثاني (¬9). قال الشيخ: والأول أحسن؛ لأن الثاني لم يلتزم (¬10) العتق إلا على صفة فإن ¬

_ (¬1) قوله: (فيه) ساقط من (ح). (¬2) قوله: (ويشتري) في (ر): (ويشتري المرة). (¬3) قوله: (الشريك) ساقط من (ح). (¬4) قوله: (له) ساقط من (ح). (¬5) قوله: (العتق) ساقط من (ح). (¬6) قوله: (عليه) ساقط من (ح). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 293. (¬8) قوله: (يبتل) في (ر): (يقبل). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 296. (¬10) قوله: (يلتزم) في (ح): (يلزم).

أجيزت وإلا ردت. ويختلف على هذا إذا دبر الثاني أو كاتب (¬1)، فعلى قول ابن القاسم: يخير الثاني بين أن يسقط التدبير والمال عن المكاتب، ويبتل العتق أو يقوم (¬2) على الأول، وعلى قول غيره: يبتل على الثاني. فإن غفل عن النظر في ذلك حتى مضى الأجل، أو لم ينظر في ذلك حتى عسر الأول مضى التدبير، ولم يرد ولا قيمة على الأول، وكذلك إن مات الثاني والثلث يحمله مضى عتقه وسقط التقويم، وإن حمل بعضه قوم على الأول ما عجز عنه ثلث الثاني، وإن كان عليه دين يرقه قوّم على الأول، فإن أعسر الأول في حياة المدبر ولم يرد التدبير، وكذلك لو كان جميع العبد لرجل فأعتق نصفه بتلًا ثم أعتق نصفه الثاني إلى أجل ثم لم ينظر في ذلك (¬3) حتى أعسر، واستدان لمضى العتق إلى أجله، وتباع الخدمة للغرماء لو (¬4) لم يستكمل عليه حتى استدان لبيع للغرماء، فكذلك إذا أعتق إلى أجل وبقيت خدمته بيعت للغرماء، وكذلك إذا أعتق نصفًا بتلًا ثم دبر نصفًا فلم ينظر في ذلك حتى أعسر واستدان، فإنه يمضي على تدبيره وليست الكتابة كذلك؛ لأنه (¬5) لو أعتق أحد الشريكين بتلًا، وهو موسر (¬6) ثم كاتب الثاني فلم ينظر في ذلك حتى أدى ¬

_ (¬1) قوله: (كاتب) في (ح): (كوتب). (¬2) قوله: (يقوم) في (ح): (يقول). (¬3) قوله: (في ذلك) ساقط من (ح). (¬4) في (ف) و (ر): (لأنه). (¬5) قوله: (لأنه) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (وهو موسر) ساقط من (ح).

الكتابة لرد إلى العبد المال واستكمل على الأول (¬1)، على قول ابن القاسم وتبل على الثاني (¬2) على قول غيره؛ لأن المعتق بعضه لا ينزع ماله، ومن حقه أن يبقى ماله بيده ويستكمل له العتق وإنما فعل ذلك عند عدم من يوفي له بحقه وليستكمل له العتق إلا أن يعسر الأول قبل رد المال فتمضي الكتابة، وسواء رد المال أو لم يرد؛ لأن الاستكمال سقط بالعسر والكتابة تسقط (¬3) الدين، وصارت بمنزلة عبد بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه وهو معسر وكاتب الثاني وإن لم يكن أدى شيئًا كان للغرماء أخذ الكتابة، وكذلك لو كان جميعه له فأعتق نصفه، وهو موسر ثم كاتب نصفه فلم ينظر في ذلك حتى أعسر، واستدان فإنه تمضي كتابته كان قد أدى الكتابة أو لم يؤد وتباع الكتابة للغرماء، ولو كانت أمة فأعتق أحدهما ثم أولد الثاني، سقط التقويم عن الأول وأعتق نصيب الثاني بتلًا؛ لأنَّ أم الولد إذا سقط منها الوطء عجل عتقها (¬4). واختلف هل يكون للأول نصف ولاء الولد؟ فقال ابن القاسم في كتاب محمد: ولاء الولد بينهما، وقال محمد: ولاء الولد كله للثاني وعليه نصف ما نقصها اغتصابه ووطئه ليكون ذلك بيد الجارية (¬5). قال الشيخ: محمل قول ابن القاسم إذا عدم النسب والولاء ممن أعتق ¬

_ (¬1) قوله: (على الأول) ساقط من (ح). (¬2) قوله: (بتلا على الثاني) في (ح): (بتل الثاني). (¬3) قوله: (تسقط) في (ح): (أسقطت). (¬4) قوله: (عتقها) في (ح): (العتق). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 245.

الأم (¬1) فيعود إليه ولاء نصفه ويكون بمنزلتها لو حملت بعد أن أعتق جميعها، فإن ولاء ولدها (¬2) إذا عدم النسب لمن أعتق الأم (¬3)، ولو أعتق الأول إلى أجل ووطئ الثاني وحملت منه لكان للأول على الثاني قيمة نصف الولد ويكون ولاء الولد كله للثاني ولا شيء للأول منه؛ لأنَّ الأول أخذ قيمة نصيبه منه ولا يعود إلى الأول شيء من ولاء الولد، وإن عدم النسب والولاء من جهة الأب بخلاف المسألة الأولى وذلك كالبيع، وسواء كان الأول (¬4) موسرًا أو معسرًا ثم يعتق (¬5) نصيب الثاني من الأمة، ولو أولد الأول و (¬6) أعتق الثاني نصيبه بتلًا أو إلى أجل، فإن كان الأول موسرًا بطل عتق الثاني وكان له على الأول نصف قيمتها، وكان جميعها أم ولد للأول، وإن كان الأول معسرًا جرت على قولين، فقال مرة: هو كالموسر فعلى هذا يبطل عتق الثاني، وليس له إلا القيمة على الأول، وقال مرة: إن للثاني ألا يقوم على الأول، وعلى هذا يمضي عتق الثاني، ثم يختلف هل يكون له نصف قيمة الولد ونصف ما نقصتها الولادة أو يكون له نصف قيمة الولد خاصة أو لا يكون له عليه (¬7) شيء. ¬

_ (¬1) قوله: (الأم) في (ح): (العبد). (¬2) قوله: (ولاء ولدها) في (ح): (ولاءها). (¬3) قوله: (الابن لمن أعتق الأم) في (ح): (للأم). (¬4) قوله: (الأول) في (ر): (الولد). (¬5) قوله: (يعتق) في (ح): (يعلق). (¬6) قوله: (و) في (ح): (أو). (¬7) قوله: (عليه) ساقط من (ح).

باب في العبد بين الرجلين يعتق أحدهما نصيبه إلى أجل، وهل يستكمل نصيب الشريك جبرا أو لا يستكمل حتى يتم الأجل؟

باب في العبد بين الرجلين يعتق أحدهما نصيبه إلى أجل، وهل يستكمل نصيب الشريك جبرًا أو لا يستكمل حتى يتم الأجل؟ وقال ابن القاسم في المدونة: في عبد بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه إلى أجل (¬1) يقوَّم عليه الآن؛ لأن الناس قد اختلفوا في المدبر، وقد أفتى مالك في المدبر أنه يقوم عليه نصيب صاحبه بدين حكمًا كالعتق (¬2)، وقاله مالك والمغيرة وسحنون، قال ابن سحنون: وإن لم يكن يوجد ذلك (¬3) له الآن شيء كان للمتمسك بالرق أن يبيع ويصنع بنصيبه ما شاء، ولا يراعى حالة عبده من اليسر والعسر عند (¬4) مَحَلِّ الأجل، وقال أشهب: إذا كان الأجل سنة، فكما قال مالك والمغيرة، وإن طال الأجل فليؤخر التقويم إلى حلول الأجل، قال: ولو قال قائل: لا يقوم إلا (¬5) إلى الأجل في الوجهين جميعًا لم أعبه (¬6). يريد: الأجل القريب والبعيد. وقال مطرف عن مالك في كتاب ابن حبيب: يخير الذي لم يعتق فإن شاء قوم على شريكه المعتق حصته، وإن شاء تماسك بنصيبه إلى حلول الأجل (¬7)، ¬

_ (¬1) قوله: (في عبد بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه إلى أجل) ساقط من (ر). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 423. (¬3) قوله: (يكن يوجد ذلك) في (ر): (يوجد). (¬4) قوله: (عند) في (ر) (محل). (¬5) قوله: (إلا) ساقط من (ح). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 297. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 302.

فإذا حلَّ الأجلُ كان كمن ابتدأ عتقًا ساعتئذ وعمل فيه لسنة (¬1) التقويم. قال: وإنما خير الذي لم يعتق؛ لأنَّ الشريكَ قد يريد أن يختص بالعبد وحده ويأبى شريكه بيعه منه فيحتال فيعتق نصيبه إلى أجل ويتعجل بذلك ما قد منعه منه شريكه، فإذا جاز ذلك له في السنة فعله في أبعد. وبه قال عبد الملك في المبسوط: إن المتمسك بالرق (¬2) بالخيار بين أن يقوم عليه الساعة، ويأخذ القيمة للضرر الذي أدخل عليه ويكون العبد بيد المعتق معتقًا كله إلى سنة بالحكم، وإن شاء تماسك، وقال: لا أخرج من عبدي إلا إلى عتق صريح غير أنه لا يبيع نصيبه إلى سنة إلا من شريكه المعتق؛ لأنَّ بيعه من غيره غرر، وإن أتت السنة وهو موسر أخذ قيمة ما اشترى حينئذ، وإن كان معسرًا صحَّ له ذلك النصف فمنع البيع، فإن أتت السنة وهو موسر أعتق عليه وإن كان معسرًا لم يعتق، قيل له فإن أراد الذي لم يعتق أن يقوم الآن فلم يوجد له شيء ثم جاءت السنة، هل (¬3) تعاد القيمة؟ قال: نعم تعاد القيمة، ويفتش (¬4) عن ماله؛ لأنَّ يومئذ (¬5) وجبت القيمة، وإنما كانت القيمة أولًا نظرًا للمتمسك بالرق متى اختارها، والقول إن (¬6) السيد بالخيار أحسن، وقد أبان مالك في كتاب ابن حبيب وعبد الملك في المبسوط حجة السيد في ذلك، ولو أعتق الأول إلى سنة والثاني إلى ستة أشهر لم يقوم على واحد منهما (¬7). ¬

_ (¬1) قوله: (لسنة) في (ح): (بسبب). (¬2) قوله: (بالرق) ساقط من (ح). (¬3) قوله: (هل) في (ر): (قيل). (¬4) قوله: (يفتش) في (ح): (يقيمه). (¬5) قوله: (يومئذ) في (ح): (حينئذ). (¬6) قوله: (إن) في (ر): (أرى). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 298.

واختلف إذا أعتق الثاني إلى سنتين فعلى القول إنَّ التقويم الآن حكما من غير خيار في ذلك إن لم يعتق، يقال (¬1) للثاني: إما أن تسقط السنة الثانية، وتجعل عتقك إلى أجل صاحبك وإلا رد عتقك، وعلى القول إن الثاني بالخيار بين تعجيل التقويم وتأخيره إلى السنة، لا يتعرض له الآن ويؤخر الأمر إلى محل السنة، فإن جاءت السنة والأول معسر مضى عتق الثاني إلى السنتين، وإن كان موسرًا خير حينئذ بين أن يسقط السنة أو يقوم على الأول، وإن أعتق الأول إلى سنة والثاني إلى موت فلان وقف الأمر، فإن مات فلان أولا أعتق نصيب الثاني وبقي عتق الأول إلى تمام السنة وإن انقضت السنة قبل موت فلان قيل للثاني: إما أن تعجل عتق نصيبك وإما أن تقوم على الأول، ولو أعتق الأول إلى موت فلان والثاني إلى سنة لمضى العتقان الآن على ما شرط ثم ينظر، فإن مات فلان قبل انقضاء السنة قيل للثاني: إما أن تعجل عتق نصيبك وإما أن تقوم، فإن انقضت السنة قبل أن أعتق (¬2) نصيب الثاني وبقي الأول إلى موت فلان، وإنما يراعى في هذا يسر الأول وعسره عند نفاد العتق في نصيبه قبل نفاد عتق الثاني، ولا تراعى حالة المعتق يوم أعتق، وإن أعتق الأول إلى موت فلان والثاني إلى موت رجل آخر، فإن مات فلان الثاني أعتق نصيب المشترط بموته وبقي الأول حتى يموت من شرط العتق بموته، وإن مات فلان الأول أعتق نصيب الأول، وقيل للثاني: إما أن تعجل عتق نصيبك وإما أن تقوم على الأول، وإن أعتق أحدهما إلى موت نفسه والآخر إلى موت فلان، فمات فلان أولًا أعتق نصيب من علق العتق بموته، ثم ينظر، فإن كان هو المشترط (¬3) العتق بموته ¬

_ (¬1) قوله: (يقال) في (ر) (فقال). (¬2) قوله: (أن أعتق) ساقط من (ح). (¬3) قوله: (المشترط) في (ح): (المشرط).

فصل [في العبد بين الشريكين يعتقه أحدهما بتلا أو إلى أجل، ثم يقتله الآخر]

أولًا قيل للآخر: إما أن تعجل عتق نصيبك وإما قوّمت على شريكك، وإن كان التدبير قبل وحمل الثلث ذلك النصيب أعتق وبقي نصيب الآخر إلى الموت (¬1)؛ لأنه لا يقوم على ميت، وإن كان على الميت دين يرقه قدم نصيب الميت على الحي، وإن لم يكن عليه دين ولم يحمله الثلث أعتق منه ما حمل الثلث ولم تستكمل بقيته على الآخر لأنه أعتق من سبق فيه العتق من غيره، وإن مات فلان قبل وكان التدبير قبل، أعتق نصيب من علق العتق بموته. ثم يختلف في نصيب المدبر هل ينقضُ تدبيره ويستكمل على المعتق لموت فلان أم لا؟ لأن العتق آكد من التدبير، وإن أعتق كل واحد منهما لموت نفسه كان تدبيرًا منهما، وذلك مذكور في كتاب التدبير. فصل [في العبد بين الشريكين يعتقه أحدهما بتلًا أو إلى أجل، ثم يقتله الآخر] وإذا كان العبد بين شريكن فأعتق أحدهما نصيبه بتلًا أو إلى أجل ثم قتله الآخر، كانت قيمته على القاتل (¬2) قيمة عبد يأخذها المتمسك بالرق، فإن مات عن مالٍ كان جميع ماله للمتمسك بالرق (¬3)، وإن كان باقيه بين رجليه، لأحدهما ثلثه وللآخر سدسه، اقتسما ماله بقدر (¬4) ما لهما فيه من الرق. وإن أعتق أحدهما نصيبه إلى أجل ثم قتل أو مات، كانت قيمته وميراثه ¬

_ (¬1) قوله: (الموت) في (ح): (موت فلان). (¬2) قوله: (القاتل) في (ح): (قاتله). (¬3) قوله: (فإن مات عن مال كان جميع ماله للمتمسك بالرق) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (بقدر) في (ح): (على قدر).

بين السيدين المعتق إلى أجل (¬1) وغيره؛ لأنَّ نصفه لم تجر (¬2) فيه حرية بعد، وإن كانت أمة فأعتق أحدهما نصيبه مما في بطنها كان عليه قيمة نصيب صاحبه يوم تضعه إن ولدته حيًا، وإن وضعته (¬3) ميتًا لم يكن عليه (¬4) شيء، وهذا قول مالك (¬5)؛ لأنَّ العتق إنما يلحقه بعد خروجه، ليس وهو في البطن، وعلى القول إن العتق يلحقه وهو في البطن، يكون على المعتق نصف (¬6) عشر قيمة أمه، ثم لا يراعى بعد ذلك وضعته حيًّا أو ميتًا. وإن ضرب رجل بطنها فألقت ذلك الجنين ميتًا كانت فيه الغرة للمعتق وحده، وإن استهل صارخًا كانت فيه الدية بالقسامة، وعلى القول الأول إنَّ العتق لا يلحقه إلا بعد خروجه كان (¬7) على الضارب عشر قيمة أمه إن كان ميتًا. واختلف إذا استهل صارخًا، فقال ابن القاسم: فيه دية حرٍّ لورثته الأحرار، وقال أشهب: دية عبد (¬8). وكذلك المعتق إلى أجل يجرح في الأجل، ويموت بعد الأجل فقيمته قيمة عبد لمعتقه، قال: وكذلك النصراني يضرب ثم يسلم ثم يموت بعد الإسلام. يريد: أن ديته دية نصراني، وقال ابن القاسم: دية مسلم في مال الجاني، ليس على عاقلته (¬9). ¬

_ (¬1) قوله: (إلى أجل) ساقط من (ح). (¬2) قوله: (تجر) في (ح): (تجز). (¬3) قوله: (وضعته) في (ح): (ولدته). (¬4) قوله: (عليه) في (ر): (له). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 423. (¬6) قوله: (نصف) ساقط من (ح). (¬7) قوله: (كان) في (ح): (يكون). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 469. (¬9) انظر النوارد والزيادات: 13/ 431، نص النوادر والزيادات: (قال: ولو إن عبدًا معتقًا إلى =

وإن أعتق أحدهما جميع الجنين ثم ضرب رجل بطنها فألقت الجنين، فقال ابن القاسم في المدونة: عقله بينهما لأنَّ حريته بعد خروجه (¬1). قال محمد: ولو خرج حيًّا لم تكن ديته إلا دية عبد للشريك الذي لم يعتق وحده له قيمته كلها؛ لأنه لا عتق له إلا بعد التقويم بمنزلة عبد بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه ثم قتل قبل التقويم (¬2). يريد: أنه لما جرح حيًّا صحَّ العتق في نصيب المعتق خاصة دون نصيب صاحبه؛ لأنه لم يقوّم بعد. قال ابن القاسم: وإن أعتق أحد الشريكين نصفها وأعتق الآخر ما في بطنها كانت القيمة على معتق نصفها، وَعَتْقُ الآخر ما في بطنها ليس بشيء إلا أن يعتقا جميعًا الأم، وكذلك إذا أعتقها أحدهما ودبر الآخر ما في بطنها. وإن دبر الآخر (¬3) ما في بطنها ولم يعتق الأم، فقال ابن القاسم: إن خرج تقاوماه جميعا فيما بينهما (¬4). ولم يره تفرقة إذا صار الولد لأحدهما لما كانت الأم شركة، وكذلك لو كان ولد الأمة للتركة والأم لأحدهما، لجاز ولم يكن تفرقة توجب الجمع. ¬

_ = أجل، جرح، فحل الأجل، فصار حرا، ثم مات من الجرح، فليس على جارحه قود في جرح، ولا دية جرح، جرحه حر، أو عبد، ولا لسيده دية جرح، ولا قصاص له؛ لأن الجرح سقط، وصار قتلا، ويصير فيه دية حر مسلم، من مال قاتل. وكذلك النصراني، يجرح، ثم يسلم، ثم يموت، فإن ديته لورثته الأحرار المسلمين، دية حر). (¬1) انظر: المدونة: 2/ 423. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 442. (¬3) قوله: (الآخر) في (ح) (أحدهما). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 419.

باب إذا اشترى بعض من يعتق عليه أو وهب له أو ورثه أو أوصى له به

باب إذا اشترى بعض من يعتق عليه أو وهب له أو ورثه أو أوصى له به فإن اشترى نصف ولده استكمل عليه بقيته، فإن ورثه لم يعتق عليه منه إلا القدر الذي ورث. واختلف إذا وهب له نصف ولده أو تصدق به عليه أو أوصى له به في ثلاثة مواضع، في الاستكمال إذا قبل ذلك النصف، وفي عتق النصف إذا لم يقبل الهبة ولا الهبة ولا الوصية، وفي ولاء ذلك النصيب على القول بعتقه إذا لم يقبله، فقال مالك: إن قبله استكمل عليه الباقي، وإن لم يقبله سقطت الوصية (¬1) (¬2). وقال في كتاب محمد: إن لم يقبله أعتق ذلك الشقص (¬3) وحده، وولاؤه له، وقال ابن القاسم في كتاب محمد مرة: وولاؤه للسيد (¬4) الموصي به، ثم رجع فقال: للقريب الموصى له به، ولابن الماجشون عند ابن حبيب: لا يقوم عليه، وإن قبله قال: لأن الذي وهب له منه أو أوصى له به عتيق على كل حال قبله أو لم يقبله وولاؤه للموهوب له أو للموصى له به كأنه أعتق عنه (¬5) (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (الوصية) في (ح): (الهبة). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 424. (¬3) قوله: (الشقص) في (ح): (النصف). (¬4) قوله: (للسيد) في (ح): (لسيده). (¬5) قوله: (عنه) في (ر): (غيره). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 317، 318.

واختلف إذا أوصى له بجميعه والثلث يحمله فلم يقبله، فقيل: هو عتيق ولا خيار في ذلك لمن أوصى له به، وقال مالك في كتاب محمد (¬1): إن قبله فهو حر. وقال القاضي أَبو الحسن بن القصار: هو فيه بالخيار بين أن يقبله ويعتق عليه وبين ألا يقبل الوصية، قال: وهو قول (¬2) كافة الفقهاء. وفرَّق أصبغ في كتاب محمد بين الوصية والصدقة فجعله في الوصية عتيقًا، وإن لم يقبله قال: وأمَّا الصدقة فلا يعتق إلا أن يقبله، كان ذلك بكله أو بعضه قال: وهو غير الوصية. قال الشيخ (¬3): الأصل في العطايا والهبة والصدقة والوصية أن المعطى بالخيار بين القبول (¬4) أو الترك، ولا فرق بين من يعتق على المعطى أو غيره ولم يكن على المعطي أن يستكمل عليه، فإن قيل على العبد في ذلك ضرر قيل: وكذلك قد كان الصواب أن يقبل إذا كان العبد راغبًا في العتق، ولا يرد تلك العطية إلا أن الواهب والمتصدق وورثة الموصي يقولون (¬5): قد عاد هذا إلينا وقد رد العطية ولا يكون أعلى رتبة من العبد يجعل له الخيار (¬6) في نفسه، فيرد ولا يقبل فلم يختلف المذهب أنه رقيق، وعلى هذا يصح الاستكمال إذا كانت العطية لبعضه (¬7)، وإن كان القصد من المعطي عتق ذلك على المعطى كان ¬

_ (¬1) قوله: (محمد) ساقط من (ح). (¬2) قوله: (قول) ساقط من (ح). (¬3) قوله: (قال الشيخ) في (ح): (قلت). (¬4) قوله: (القبول) في (ح): (العتق). (¬5) قوله: (يقولون) في (ح): (يقول). (¬6) قوله: (الخيار) في (ح): (المعتق). (¬7) قوله: (لبعضه) في (ح): (ببعضه).

فصل [في إرث الصغير بعض أخيه]

عتيقًا (¬1)، وإن لم يقبل المعطى ولا يستكمل عليه، وهو وجه ما ذهب إليه عبد الملك بن الماجشون. قال الشيخ - رضي الله عنه -: وينبغي أن يستكمل على المعطي (¬2) إذا كانت هبة أو صدقة، ولا يستكمل إذا كانت وصية لأن العتق من المعطي يستكمل على الحي وذلك في الهبة والصدقة، ولا يستكمل في الوصية لموت المعطي ولانتقال المال عنه إلى ورثته. فصل [في إرث الصغير بعض أخيه] وإذا ورث الصغير بعض أخيه لم يعتق عليه سوى ما ورث منه، وإن وهبه له أو تصدق به عليه (¬3) كان للأب أن يقبل ذلك ولا يستكمل عليه بخلاف الكبير، وإن اشترى ذلك البعض وهو غير عالم أعتق عليه ذلك المشتري ولم يستكمل عليه الباقي. واختلف هل يجوز للأب أن يشتري لولده من يعتق عليه؟ فمنع من ذلك ابن القاسم وأجازه أشهب في مدونته فقال: إذا اشتراه له مضى ولم ينقض ولم يعتق ويباع ولا يؤخر بيعه خيفة أن يبلغ الصبي فيعتق عليه. فصل [في العبد المأذون له في التجارة يملك ذا قرابته] وقال مالك: ولا يبيع العبد المأذون له في التجارة أم ولده إلا بإذن ¬

_ (¬1) قوله: (عتيقا) في (ح): (رقيقا). (¬2) في (ف) و (ر): (المعطى). (¬3) قوله: (عليه) ساقط من (ح).

سيده (¬1). وقال في كتاب ابن حبيب: له أن يبيعها وإن لم (¬2) يستأذنه. فوجه القول الأول أن للسيد في ذلك شبهة خوفًا أن تكون حاملًا فيكون له منعه من بيعها حتى تضع؛ لأن الولد له ولا حق لغرماء العبد فيه لو كان عليه دين، ووجه القول الآخر أن البيع على المواضعة والإيقاف للاستبراء فإن ظهر حمل ردت، والقول الأول أحسن؛ لأن بيعها من غير مطالعته قضاء عليه فقد يرضى بها المشتري إذا ظهر حمل ويتعدى العبد على سيده فيسلمها حاملًا، وكذلك أمته لا يبيعها على قوله في الكتاب إلا بإذن سيده خيفة أن تكون حاملًا والولد للسيد. وقال ابن القاسم: إذا اشترى العبد (¬3) المأذون له أباه أو ولده لم يبعه إلا بإذن السيد قياسًا على أمِّ ولده (¬4). قال الشيخ: له أن يبيع ذلك بغير إذن سيده ولا يشبه في ذلك الأمة ولا حق للسيد في ذلك إلا كحقه فيما سواه من ماله، وما قيل إنه قد يعتق وهم في يديه فضعيف (¬5) لأن ذلك من النادر (¬6). تَمَّ الأولُ مِنْ كِتابِ العتقِ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وَلَا حَوْلَ وَلَا قوَّةَ إلَّا باللهِ العليِّ العظيمِ ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 426. (¬2) قوله: (وإن لم) في (ح): (ولا). (¬3) قوله: (العبد) ساقط من (ح). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 426. (¬5) في (ر): (فخفيف). (¬6) في (ر): (القادر).

كتاب العتق الثاني

كتاب العتق الثاني النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ح) = نسخة الحسنية رقم (12929) 3 - (ر) = نسخة الحمزوية رقم (110)

باب في عتق الأقارب بالملك وغير ذلك

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلي الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب العتق الثاني باب في عتق الأقارب بالملك وغير ذلك اختلف فيمن يعتق على الرجل من أقاربه، فقال مالك: يعتق الأبوان والأجداد والجدات للأب وللأم والأبناء وأبناؤهم وإن سفلوا، والإخوة من حيث ما كانوا شقائق أو لأب أو لأم (¬1). وذكر ابن القصار عن مالك أنه قال: يعتق عليه كل ذي رحم (¬2) محرم، فيدخل في ذلك العم والعمة والخال والخالة وبنو الأخ والأخت (¬3)، وهو قول الليث وعبد العزيز بن أبي سلمة وابن وهب وأصحاب الرأي. وذكر ابن خويز منداد (¬4) عن مالك أنه قال: لا يعتق الإخوة فما (¬5) بعدهم. فأما الأبوان فالأصل فيهما قول الله سبحانه: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: 23] فإذلالهما بالرقِّ ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 427، والنوادر والزيادات: 12/ 283، والبيان والتحصيل: 14/ 343. (¬2) قوله: (رحم) ساقط من (ح). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 428. (¬4) في (ح): (خواز منداد). (¬5) في (ر): (فمن).

وتصرفه فيهما بالاستخدام (¬1) والأمر والنهي وبيعهما ممن يسترقهما فذلك (¬2) في النهي أعظم. وأمَّا عتق الأبناء فقد قيل: الأصل فيه قوله سبحانه: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا} [مريم: 94]. فنفى أن يكون الولد عبدًا. ولا يجوز الجمع بين هذين فيقال: ما لا يجوز على الله تعالى وكان منتفيًا (¬3) عنه لا يجوز علينا ويكون منتفيًا (¬4) عنا، ولا يقاس أحدهما بالآخر (¬5)، ولأنه يجوز أن يكون ولد الإنسان عبده، وإنما يمنع (¬6) ذلك بتوقيف من الله عزَّ وجلَّ أو من رسوله - صلى الله عليه وسلم - (¬7). وأرى أن يعتق كل ذي رحم محرم، لقول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحرَمٍ فَهُو حُرٌّ" ذكره النسائي والترمذي (¬8). ¬

_ (¬1) في (ر): (بالإخدام). (¬2) في (ف): (يسير فيهما بذلك). (¬3) في (ر): (منفيًا). (¬4) في (ر): (منفيًا). (¬5) في (ر): (على الآخر). (¬6) في (ف): (يمتنع). (¬7) انظر: المعونة: 2/ 367. (¬8) صحيح: أخرجه النسائي في الكبرى: 3/ 174، في باب ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر سمرة. . .، من كتاب ما قذفه البحر، برقم: 4903، والترمذي: 3/ 646، في باب فيمن ملك ذا رحم محرم، من كتاب الأحكام، برقم: 1365، وأبو داود: 2/ 419، في باب فيمن ملك ذا رحم محرم، من كتاب العتق، برقم: 3949، وابن ماجه: 2/ 843، في باب من ملك ذا رحم محرم فهو حر، من كتاب العتق، برقم: 2524، والحاكم: 2/ 233، برقم: 2852، وصححه ووافقه الذهبي، من حديث سمرة بن جندب - رضي الله عنه -.

فصل [فيمن يعتق بالملك هل يفتقر إلى حكم الحاكم؟]

فصل (¬1) [فيمن يعتق بالملك هل يفتقر إلى حكم الحاكم؟] وإذا كان الحكم العتق فإنه يختلف، هل يكون حرًّا بنفس الملك أو بحكم (¬2)؟ فإذا كان بحكم (¬3) هل له أن ينتزع ماله (¬4) قبل العتق؟ فقال مالك في كتاب محمد: من ملك من يعتق عليه بالملك فهو حر مكانه (¬5) قبل الحكم. وقال فيمن أبضع في أخ أن يشترى له فاشتري فهو حر مكانه، وإن كان غائبًا عنه (¬6) قال: وإن أوصى أن يشترى بعد موته من يعتق عليه بالقرابة فلا يكون حرًّا حتى يعتق (¬7). قال الشيخ (¬8): فأمَّا الأبوان والولد (¬9) فيحسن أن يكونوا أحرارًا (¬10) بنفس الملك للإجماع من فقهاء الأمصار -مالك وأبي حنيفة والشافعي- على عتقهم. وأمَّا الإخوة ومن بعدهم فلا يكونون أحرارًا إلا بعد الحكم، لقوة ¬

_ (¬1) قوله: (فصل) ساقط من (ف) و (ح). (¬2) قوله: (أو بحكم) يقابله في (ر): (أو حتى يحكم به)، وفي (ح): (ويحكم). (¬3) في (ر): (يفترق إلى حكم). (¬4) في (ر): (المال). (¬5) قوله: (مكانه) ساقط من (ف). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 384 ونصه: قال مالك: ومن أبضع فى شراء أخ له فهو بتمام الشراء حر وإن كان غائبا عنه. (¬7) انظر: البيان والتحصيل: 10/ 556. (¬8) قوله: (قال الشيخ:) ساقط من (ف) و (ح). (¬9) قوله: (والولد) ساقط من (ف) و (ح). (¬10) قوله: (يكونوا أحرارًا) يقابله في (ف): (يكونا حرين).

الخلاف (¬1) فيهم، ولما روي عن مالك أنهم لا يعتقون، ولأنَّ الحديث المروي (¬2) في ذلك لم يتفق على سنده. وقد اختلف فيهم (¬3) في العتق بالثلث فقال ابن القاسم وابن عبد الحكم: لا يعتق إلا بالحكم. وقال ابن القاسم في الدمياطية: كل ما اختلف فيه لا يعتق إلا بحكم. وإذا كان الوجه أنه لا يعتق إلا بحكم فإنه يختلف هل يكون له أن ينتزع (¬4) ماله قبل الحكم. وقد قال ابن نافع في المعتق إلى أجل: ينتزع ماله قبل الحكم (¬5) وإن شارف العتق، ومحمل القول في المبضع في شرائه أنه حر: أن له (¬6) ذلك في القريب الغيبة، فإن بعدت الغيبة لم يعتق لإمكان موت المبضع وانتقال الملك (¬7) إلى غيره. وقد قال ابن القاسم في الغائب يموت بعض ورثته، فطلبت زوجة الغائب النفقة من ذلك الميراث: أن ليس ذلك لها إلا أن يعلم (¬8) حياة زوجها. وأرى أن يؤرخ الوقت الذي اشتري فيه لينظر هل كان حيًّا أو ميتًا؟ ¬

_ (¬1) في (ف): (الاختلاف). (¬2) زاد بعده في (ح): (عن مالك أنهم لا يعتقون). (¬3) قوله: (فيهم) ساقط من (ف) و (ر). (¬4) قوله: (أن ينتزع) يقابله في (ر): (انتزاع). (¬5) قوله: (قبل الحكم) ساقط من (ر) و (ف). (¬6) قوله: (له) ساقط من (ف) و (ر). (¬7) في (ر): (المال). (¬8) في (ر): (تعلم).

فصل [في صحة العتق في شراء البنت]

فصل [في صحة العتق في شراء البنت] العتق يصح في شراء البنت (¬1)، ولا تعتق إذا كان على خيار البائع (¬2). واختلف إذا كان الشراء على خيار المشتري فقال ابن القاسم: لا يعتق وإذا كان الخيار للبائع أبين. وقال ابن حبيب: أستحسن إذا كان الخيار للمشتري أن يعتق قال: وقد سمعت من أرضى يقوله والقول الأول أبين؛ لأنه باق على ملك بائعه وخيار المشتري لا ينقل ملك البائع. ولم يختلف المذهب فيمن قال لعبده: أنت حر إن شئت. أن له أن يرق نفسه ولا يختار الحرية، فهو فيمن لا يملك ذلك إلا بغرم ثمن أحرى. قال محمد: وليس بيع الخيار في الأمة بيعًا أفسخ به النكاح إذا اشتراها زوجها، ولا أحل به (¬3) الأخت، ولا أعتق (¬4) به على ذوي القرابة. وقال ابن القاسم في كتاب ابن حبيب فيمن اشترى أباه شراء (¬5) حرامًا: لم يفسخ وقد عتق عليه ساعتئذ كما لو ابتدأ عتق عبد ابتاعه بيعًا فاسدًا (¬6). وقال ابن الماجشون في كتاب ابن سحنون فيمن اشترى أباه على عهدة ¬

_ (¬1) في (ف): (الميت). (¬2) قوله: (البائع) ساقط من (ح). (¬3) في (ح): (له). (¬4) في (ف): (يعتق). (¬5) في (ر): (بيعا). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 384.

الإسلام: فهو حر بنفس العقد ولا عهدة فيه، وكذلك إذا أصدق امرأته أباها على العهدة أنه حر إذا قبلته (¬1). وكذلك لو حلف بعتق أبيه إن ابتاعه فابتاعه على العهدة أنه حر ولا عهدة فيه. ومحمل قول ابن القاسم في البيع الفاسد على أنه مختلف في فساده، فإن كان مجمعًا عليه لم يعتق إذا كان في يد بائعه؛ لأنَّ المجمع على فساده لا ينقل ملكًا ولا ضمانًا، وليس كذلك إذا أعتقه المشتري؛ لأن البائع سلطه على إيقاع العتق فأوقعه (¬2) وهذا لم يوقع عتقًا وإنما يقع حكمًا إذا ملكه وهو لم يملكه بهذا الشراء. قال ابن القاسم في العتبية: وإذا اشترى أباه فحبسه البائع للثمن فهلك فهو حر بالعقد في جراحه وميراثه وأحكامه وضمانه من الولد (¬3) (¬4). وأمَّا إذا اشتراه على العهدة فهو حر بنفس الشراء؛ لأنه بيع صحيح. ويختلف في قيامه لما يظهر من العيب في الأيام الثلاثة أو في السنة. وقد اختلف فيمن اشترى على العهدة فأعتق قبل انقضاء العهدة، فقيل: العتق ماض وله القيام بالعيب إن ظهر في الأيام الثلاثة، وإذا كان له القيام إذا أعتق ابتداء فهو في العتق بالحكم إذا لم يعتقه هو أبين، ولو اشتراه على أنَّه على ملك البائع حتى يختبره في عهدة الثلاث لم يعتق حتى تظهر سلامته. وأمَّا عهدة السنة فله أن يقوم (¬5) بها؛ لأن العتق يصح مع بقائه على حقه ¬

_ (¬1) قوله: (إذا قبلته) ساقط من (ح). (¬2) في (ف): (فإن وقعه). (¬3) قوله: (قال ابن القاسم في العتبية: وإذا اشترى. . . وضمانه من الولد) ساقط من (ف) و (ح). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 385. (¬5) قوله: (أن يقوم) يقابله في (ر): (القيام).

فيها ولو اشتراه على أنه يوقف حتى يختبره في السنة (¬1) لم يجز البيع. ولا يعتق ذوو المحارم من الرضاع؛ لأنَّ الحديث فيمن ملك ذا رحم محرم وليس المحرم بالرضاع ذا رحم، وإذا اشترى أمة حاملًا منه أعتق عليه ما في بطنها. واختلف في الأم هل تكون أم ولد (¬2)؟ ¬

_ (¬1) قوله: (في السنة) يقابله في (ح): (فيها). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 135.

باب في الأب يشتري لولده من يعتق عليه

باب في الأب يشتري لولده (¬1) من يعتق عليه وإذا اشترى الأب لولده من يعتق عليه كالأخ وما أشبهه، فإن لم يعلم أنه أخوه أو علم وجهل أنه يعتق عليه، كان الشراء ماضيًا ويعتق على الولد (¬2)، ولا شيء على الأب (¬3) إذا لم يعلم أنه أخوه (¬4). ويختلف هل يغرم الثمن إذا علم وجهل الحكم؟ واختلف إذا علم (¬5) أنه أخوه وأنه يعتق عليه هل يعتق على الأب أو يبقى رقيقًا للأب أو للولد، أو يرد البيع فيه ويرجع إلي بائعه؟ فقال ابن القاسم في الوكيل يشتري من يعتق على من وكله: إنه عتيق على الوكيل (¬6). وقال أيضًا: لا يعتق عليه (¬7) ويبقى رقيقًا للوكيل (¬8). وقال سحنون: إذا كان فيه فضل عما اشترى به بيع منه برأس المال ويعتق الفضل، وعلى هذا يجري الجواب في الأب؛ لأنه وكيل للابن. وقال أشهب في شراء الأب: إنَّه ماضٍ ولا يعتق ويباع ولا يؤخر بيعه خوفًا ¬

_ (¬1) في (ف) و (ح) و (س): (على ولده). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 429. (¬3) في (ف): (الوالد). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 429. (¬5) في (ر): (كان عالمًا). (¬6) انظر: المعونة: 2/ 373. (¬7) في (ح): (على الوكيل). (¬8) انظر: البيان والتحصيل: 14/ 566.

فصل [فيمن أعطى رجلا مالا يشتري به أباه أو ابنه]

من (¬1) أن يبلغ الصبي فيعتق عليه. وعلى قول مالك فيمن اشترى من يعتق عليه وعليه دين إن البيع مردودٌ يرد بشراء الأب ولا يباع على الولد إذا ثبت أنه اشتراه لولده؛ لأنه متعد في شرائه إياه فإن لم يثبت ذلك (¬2) ولم يصدقه البائع لزمه غرم الثمن لولده وكان ذلك للمشترى (¬3) له يصنع به ما يشاء (¬4). فصل [فيمن أعطى رجلًا مالًا يشتري به أباه أو ابنه] وقال فيمن أعطى رجلًا مالًا يشتري (¬5) به أباه أو ابنه يعينه به، فاشتراه: إنه لا يعتق على المشتري ولا على من أعانه، وهما مملوكان للمشتري (¬6). قال الشيخ - رضي الله عنه -: فإن كان ذلك من الأب ليخلصه ممن كان في ملكه كان للمشتري بيعه، وإن كان بقرب ما اشتراه، فإن كان معونته إياه ليكون عنده لما علم من حسن صحبته فباعه بقرب شرائه كان له أن يرجع فيما كان أعانه به إلا أن يبيعه بدون ما اشتراه به فلا يضمن له الخسارة وليس له إلا ما باعه به إذا كان اشتراؤه إياه بما دفع إليه خاصة، وإن كان من عنده زيادة فضت الخسارة على المالين. واختلف إذا كانت أَمَة وأعانه الأب ليتخذها أم ولد، فقال ابن القاسم في ¬

_ (¬1) قوله: (خوفًا من) يقابله في (ر): (خيفة). (¬2) قوله: (ذلك) ساقط من (ح). (¬3) في (ر): (الشراء). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 429. (¬5) قوله: (له) ساقط من (ف) و (ح). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 429.

العتبية: لا يجوز ذلك ويحرم عليه فرجها، وسواء أعانه ببعض ثمنها أو بجميعه وعليه أن يرد ذلك المال؛ لأنه أعطاه إياه على ما لا يحل. قال: وإن أعطاه إياه بغير شرط وعلى غير عدة تفسد مسيسها فلا بأس. قال: فإن عجل بيعها فقال الأب: إنما أعنتك (¬1) لما رجوت من حبسها وكان يرى أنه أعان بمثل هذا الوجه فهو كالشرط ويرد المال على الأب ويجتنب المسيس حتى يردها، فمنعه منها حتى يرد المال؛ لأنه معلق بعين (¬2) الجارية لا بذمة (¬3) المشتري، فإن هلكت لم يرجع عليه بشيء (¬4). وأجاز محمد بن عبد الحكم أن يعينه ليتخذها أم ولد. ¬

_ (¬1) في (ح): (أعطيتك). (¬2) في (ح): (بعتق). (¬3) في (ف): (يلزمه). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 80.

باب في العبد يشتري من يعتق على سيده

باب في العبد يشتري من يعتق على سيده (¬1) وإذا اشترى العبد ابن سيده -وكان مأذونًا له في التجارة وهو غير عالم أنه ابنه ولا دين عليه- أعتق على سيده عند مالك وابن القاسم، ولم يعتق عند أشهب (¬2)، قال (¬3): ولو كانت ابنة سيده جاز له أن يصيبها، وإن أعتقه سيده تبعته (¬4) كماله، وإن بيع العبد أو مات صارت (¬5) للسيد عتقت عليه، وكذلك الجواب إذا كان العبد عالمًا أنه ابن سيده وجاهلًا بوجه الحكم لا يعلم أنه يعتق عليه (¬6). واختلف إذا كان عالمًا أنه يعتق عليه أو غير عالم وعليه دين، فقال ابن القاسم مرة: لا يعتق عليه. وقال في كتاب محمد: يعتق. وإن كان العبد غير مأذون له في التجارة كان للسيد أن يرد شراءه، ولم يعتق عليه، ولم يختلف فيه قوله إذا كان غير مأذون له في التجارة (¬7)، والأصل في ذلك ألا يعتق على السيد بحال كما قال أشهب؛ لأن العبد مالك، والعتق أحوط ليخرج من الخلاف في أن العبد غير مالك فيعتق إذا كان العبد غير عالم ولا دين عليه، أو عليه دين (¬8) وكان اشتراؤه إياه (¬9) وهو غير عالم؛ لأنَّ الشراء على ذلك القول لسيده وكأنه ¬

_ (¬1) قوله: (باب في العبد يشتري من يعتق على سيده) يقابله في (ف): (فصل). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 429. (¬3) قوله: (قال) ساقط من (ف). (¬4) في (ر): (تبعه). (¬5) في (ف): (وصارت). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 389. (¬7) قوله: (في التجارة) ساقط من (ر) و (ح). (¬8) قوله: (دين) ساقط من (ف). (¬9) قوله: (إياه) ساقط من (ف).

فصل [فيمن قال لأمته: أنت حرة إذا قدم، أو إن قدم فلان]

وكيل له. وأمَّا إذا كان عالمًا فهو متعد في الشراء وله أن يرد تعديه، وكذلك إذا كان العبد غير مأذون له في التجارة، فإنه متعد وله أن يرد (¬1). فصل [فيمن قال لأمته: أنت حرة إذا قدم، أو إن قدم فلان] وإذا قال لأمته: أنت حرة إذا قدم فلان أو إن قدم فلان (¬2) أو إلى قدومه، لم يحرم بيعها ولا وطؤها عند مالك بخلاف المعتقة (¬3) إلى أجل (¬4)، واستثقل مالك بيعها وقال: يفي لها بما وعدها به. وعلى قوله يستثقل وطؤها لأنه يكره أن يطأ إلا من شاء باع (¬5) إن شاء أمسك، وهي عنده بخلاف قوله: أنت طالق إن قدم فلان. وقال ابن القاسم: لا أرى ببيعها بأسًا وله أن يطأها (¬6). قال: وهي (¬7) عندي بمنزلة قوله (¬8): أنت طالق إذا قدم فلان (¬9). وقال ابن القاسم في كتاب الأيمان بالطلاق: وكان مالك يقول: قوله: إذا قدم أشد من قوله: إن قدم، ثم قال: هما سواء، "إذا" و"إن" (¬10). ¬

_ (¬1) قوله: (فإنه متعد وله أن يرد) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (فلان) ساقط من (ف). (¬3) في (ف): (العتق). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 62. (¬5) قوله: (من) ساقط من (ف). (¬6) انظر: المدونة (طبعة دار صادر): 1/ 52. (¬7) في (ح): (وهو). (¬8) قوله: (قوله) ساقط من (ح) (¬9) انظر: المدونة: (طبعة دار صادر): 1/ 52 .. (¬10) انظر: المدونة: 2/ 59 - 60.

باب إذا قال لأمته: أول ولد تلديه فهو حر، أو أول بطن، أو أنت حرة إن ولدت جارية

باب إذا قال لأمته: أول ولد تلديه فهو حر، أو أول بطن، أو أنت حرة إن ولدت جارية (¬1) وإن قال: أول ولد تلديه فهو حر فولدت توأمًا، كان الأول منهما حرًا، وإن ولدت الأول ميتًا كان الثاني رقيقًا (¬2). وقال ابن شهاب: يكون عتيقًا. والقول الأول أحسن؛ لأنه قال: أول، وليس يقع على الثاني أول، ولأنه لا يتحسس (¬3) أن يكون الثاني ميتًا أو حيًّا، ولو ولدت في عامين وكان الذي ولدت في العام الأول ميتًا لم يعتق ما ولدت في العام الثاني. واختلف إذا كانا حيين، ولم يدرِ أيهما أول، فقال مالك في كتاب محمد: يعتقان جميعًا وشهادة النساء في ذلك جائزة (¬4). وقال ابن القاسم: يعتق من كل واحدٍ نصفه ثم (¬5) يستتم الباقي منهما بالسنة (¬6). قال الشيخ - رضي الله عنه -: قول مالك أحسن وهو بمنزلة شاتين إحداهما ذكية والأخرى (¬7) غير ذكية، وبمنزلة من طلق إحدى امرأتيه ثم نسيها، فإنه يحرم أكل الشاتين، وأن يتمسك بواحدة من المرأتين، ولا أعلم للقول إنَّه يعتق من ¬

_ (¬1) قوله: (باب إذا قال. . . ولدت جارية) يقابله في (ف): (فصل). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 431. (¬3) في (ف): (يتجسس). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 445. (¬5) قوله: (ثم) ساقط من (ح). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 444. (¬7) قوله: (ذكية والأخرى) ساقط من (ف) و (ح).

كل واحد منهما (¬1) نصفه وجهًا؛ لأنَّ العتق في واحدٍ، وإذا كان أحدهما حرًّا لم يقسم تلك الحرية في كل (¬2) نصف. وإن قال: أول (¬3) بطن تلديه (¬4) حر فولدت توأمًا عتقا جميعًا. قال ابن شعبان: ولا يُنوَى. يريد: أنه لا ينوي أنه (¬5) أراد واحدًا، وأرى أن ينوّى إذا قال: أردتُ بقولي أول بطن أول ولد، ويكون الثاني رقيقًا؛ لأنَّ الغالب ولادة واحدة ولا يعتق عليه اثنان. وإن قال: إن ولدت غلامًا فأنت حرة. فولدت (¬6) غلامين، كان الأول منهما (¬7) رقيقًا وهي والمولود (¬8) الثاني عتيقان، وإن ولدت جارية ثم غلامًا كانا رقيقين وهي حرة، وإن ولدت غلامًا ثم جارية كان الغلام رقيقًا وهي والجارية حرتان، وإن لم يعلم (¬9) أيهما ولدت أولا (¬10) وإن (¬11) كانا غلامين جرى فيهما الخلاف المتقدم، وإن كانا (¬12) غلامًا وجارية رق الغلام، ويختلف في الجارية؛ ¬

_ (¬1) قوله: (منهما) ساقط من (ف) و (ح). (¬2) قوله: (كل) ساقط من (ح) (¬3) في (ح): (كل). (¬4) في (ر): (تضعيه). (¬5) قوله: (لا ينوى أنه) ساقط من (ر). (¬6) في (ف): (فولدت هي). (¬7) قوله: (منهما) ساقط من (ف) و (ح). (¬8) قوله: (المولود) ساقط من (ر)، وفي (ح): (الولد). (¬9) في (ف): (يدر). (¬10) قوله (أولا) سقط من (ف). (¬11) قوله: (إن) ساقط من (ر). (¬12) في (ف) و (ح): (كان).

فصل [فيمن قال لرجل: أعتق أمتك وزوجنيها ولك ألف]

فعلى قول أصبغ تعتق (¬1) ولا تسترق بالشك، وعلى القول الآخر يعتق نصفها. فصل (¬2) [فيمن قال لرجل: أعتق أمتك وزوجنيها ولك ألف] وإن قال: أعتق أمتك وزوجنيها ولك ألف درهم، ففعل وأبت الأمة أن تتزوجه قال: الألف لازمة للرجل وللأمة ألا تتزوجه (¬3). وقيل: (¬4) للسيد من الألف قيمة الأمة ويسقط الزائد (¬5). وقال أصبغ: تُقَضُّ الألف على قيمة الأمة وصداق المثل فيكون للسيد ما قابل الأمة، ولا شيء له فيما سوى ذلك (¬6). والقول الأول أحسن؛ لأن قوله (¬7): لها ألف، يقتضي أن يكون الألف للسيد، فإن رضيت الأمة بالنكاح كان لها صداقها غير ما أخذ السيد إلا أن يكون القائل ذلك ممن يجهل ويظن أن الصداق يكون للسيد فيقضُّ الألف على قيمة الرقبة وعلى (¬8) صداق المثل ثم (¬9) ينظر إلى قيمتها إذا ¬

_ (¬1) في (ف) و (ح): (يعتق). (¬2) في هامش (ر): (باب فيمن قال لرجل أعتق أمتك وزوجنيها ولك ألف درهم). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 436. (¬4) زاد بعده في (ر): (يكون). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 436. (¬6) انظر النوادر والزيادات: 4/ 473 ونصه: وإن أعطاه رجل ألفًا على أن يعتق أمته، ويزوجها له فأعتقها على ذلك، فللأمة أن تأبى، والألف للسيد والعتق نافد، والولاء له، واستحسن أصبغ أن تقسم الألف على قدر صداق مثلها وفكاك رقبة مثلها، فما أصاب قدر الفكاك فللسيد، وما أصاب قدر المهر رد على الدافع. (¬7) زاد بعده في (ف): (ذلك). (¬8) قوله: (على) ساقط من (ر). (¬9) قوله: (ثم) ساقط من (ر) و (ف).

بيعت (¬1) بشرط العتق (¬2) وعلى (¬3) قيمتها على البيع للملك. ولو قال: أعتقها وزوجنيها (¬4) على الألف لفضت الألف حسب ما تقدم وذلك بخلاف في (¬5) قوله: ولك ألف (¬6). ¬

_ (¬1) في (ف): (بلغت). (¬2) قوله: (العتق) ساقط من (ح) (¬3) قوله: (العتق وعلى) يقابله في (ر): (وليس). (¬4) في (ف): (أو زوجنيها). (¬5) قوله: (وذلك بخلاف في) يقابله في (ح): (وذلك وجه). (¬6) قوله: (ولك ألف) يقابله في (ف): (لك الألف).

باب في العبد يعطي مالا لمن يشتريه من سيده

باب في العبد يعطي مالًا لمن (¬1) يشتريه من سيده وقال مالك في العبد يوكل رجلًا يشتريه من سيده بمال يدفعه العبد إلى الموكل: إن (¬2) البيع ماض والعبد لمن اشتراه وعليه أن يغرم ثمنه ثانية (¬3). وقال ابن القاسم: إلا أن يكون المشتري استثنى ماله (¬4) فيكون البيع جائزًا والعبد (¬5) لمن اشتراه (¬6). قال الشيخ -رحمه الله-: أما إذا لم يستثن ماله وكان (¬7) الثمن عينًا فإنه يغرمه ثانية إن كان له مال، فإن لم يكن له مال بيع فيه، وإن أعتقه رد عتقه وبيع في الثمن، وإن كان الثمن عرضًا وعلم بذلك السيد قبل أن يتغير سوقه أو تغير في نفسه كان للسيد أن يأخذه موسرًا كان أو معسرًا، وإن تغير سوقه أو تغير في (¬8) نفسه قضي (¬9) له بالقيمة ولم يكن لسيده أن يأخذه، وإن كان السيد (¬10) موسرًا أخذت منه القيمة وإن كان معسرًا بيع فيها، وإن أعتقه وهو معسر رد عتقه وبيع في ¬

_ (¬1) في (ر): (لرجل). (¬2) في (ف): (كان). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 437. (¬4) في (ر): (مال العبد). (¬5) قوله: (والعبد) ساقط من (ح) و (س) (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 462. (¬7) في (ر): (وإن كان). (¬8) قوله: (كان للسيد أن يأخذه. . . وإن تغير سوقه أو تغير في) ساقط من (ر) و (ح) و (س). (¬9) في (ر) و (ف): (مضى). (¬10) قوله: (السيد) ساقط من (ف) و (ر).

فصل [فيمن قال لسيده بعني نفسي بكذا]

القيمة لمن كان تغير سوقه، وإن لم يتغير أخذه؛ لأن الوجه الذي يفوت به رد من أصله. وعند أشهب: أنه يباع في القيمة؛ لأنه مرت به حالة فات فيها. وقول ابن القاسم أحسن، وقال محمد: إن قال اشترني لنفسك (¬1) فاشتراه واستثنى (¬2) ماله كان حرًا وولاؤه لسيده، وإن لم يستثن ماله كان (¬3) رقيقًا لبائعه. ابن المواز (¬4): ولم يفرق بين أن يكون ماله الذي اشتراه من سيده عينًا أو عرضًا (¬5). فصل [فيمن قال لسيده بعني نفسي بكذا] وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب في عبد قال لسيده: بعني نفسي بمائة دينار، ولم يقل من نفسي فباعه وقبض المائة ثم قال: فلان (¬6) أعطاني المائة لأشتري له بها نفسي، وقد أعتقه (¬7) فلان ولا بينة له على (¬8) ذلك وصدقه فلان، قال: إن كان قوله جوابًا للكلام أو في المجلس أو قريبًا منه صُدِّق ويكون مولاه ووارثه (¬9)، وإن كان تباعد ¬

_ (¬1) قوله: (اشتريني لنفسك) يقابله في (ف): (اشتري). (¬2) في (ح): (واشترى). (¬3) في (ر): (بقي). (¬4) قوله: (ابن المواز:) ساقط من (ف) و (ح). (¬5) زاد بعدها في (ف): (فإن كان عرضًا). وانظر: النوادر والزيادات: 12/ 460. (¬6) في (ح): (فإن). (¬7) في (ح): (أعتقني). (¬8) في (ر): (في). (¬9) قوله: (ووارثه) ساقط من (ر) و (ح)، وفي (ر): (ويرثه).

الأمر من بعد (¬1) تمام (¬2) الشراء لم يقبل منه. وقال أيضًا: إن كان مثله لا يملك ذلك المال فهو كالأول، وإن كان مثله يملك (¬3) ذلك الثمن لم يصدق والعتق ماض وولاؤه لسيده (¬4). قال الشيخ - رضي الله عنه - (¬5): لا يصدق العبد إلا أن تثبت (¬6) له بينة، فإن لم تكن له بينة بطل عتقه (¬7) ويكون (¬8) المال للآمر وليس له أن يجيز فعله، وإلى هذا يرجع (¬9) كلام أصبغ إذا صدق العبد أن يكون سيده بالخيار؛ لأن (¬10) من حجته أن يقول: إنما أعتقته بهذا المال ليكون (¬11) لي أجر العتق ويكون في ولاؤه. ¬

_ (¬1) قوله: (بعد) ساقط من (ح) و (س) (¬2) قوله: (تمام) ساقط من (ف) (¬3) في (ف): (تملك). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 462. (¬5) قوله: (قال الشيخ - رضي الله عنه -) في (ر): (و). (¬6) في (ف): (يثبت). (¬7) قوله: (إلا أن تثبت له بينة، فإن لم تكن له بينة بطل عتقه) يقابله في (ر): (إلا أن تكون له بينة، فإن كانت له بينة بطل عتقه) وفي (ح): (إلا أن تكون له بينة فيبطل عتقه). (¬8) في (ر): (كان). (¬9) في (ح): (يخرج). (¬10) (في (ف): (و). (¬11) قوله: (إنما أعتقته بهذا المال ليكون) يقابله في (ح): (أنا أعطيته هذا المال ليكون).

باب في العبد يشتري نفسه من سيده شراء فاسدا

باب في العبد يشتري نفسه من سيده شراءً فاسدًا شراء العبد نفسه من سيده (¬1) شراءً فاسدًا (¬2) على ثلاثة أوجه: فإن كان ذلك بغرر (¬3) معين في ملك العبد: عبد (¬4) آبق، أو جنين في بطن أمه (¬5)، أو تمر لم يبد صلاحه، مضى عتقه (¬6) وكان للسيد أن يأخذ ذلك الغرر (¬7). ويختلف إذا لم يجدِ السيدُ الآبقَ هل يرجع بقيمته لأنه قصد المبايعة، أو لا يرجع بشيء لأنه انتزاع؟ وإن كان عتقه على خمر أو ميتة بيد العبد مضى عتقه وأهريقت (¬8) الخمر على السيد، ولم يمنع من الميتة إذا كان ينتفع بها فيما يجوز له الانتفاع به، وإن كان ذلك مضمونًا في ذمة العبد مضى العتق، ورجع عليه السيد (¬9) بقيمة رقبته، وقيل في مثل ذلك: له كتابة مثله وإن كان غررًا (¬10). ¬

_ (¬1) قوله: (من سيده) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (شراء فاسدا) ساقط من (ر). (¬3) في (ف): (بغير). (¬4) قوله: (عبد) ساقط من (ف)، و (ر) .. (¬5) قوله: (في بطن أمه) ساقط من (ف)، و (ح) .. (¬6) في (ح): (عليه). (¬7) انظر: المدونة: 2/ 437. (¬8) في (ر): (أريقت) (¬9) قوله: (عليه السيد) يقابله في (ف): (على العبد). (¬10) في (ف): (عبدًا).

باب إذا أعتق عبده على مال

باب إذا (¬1) أعتق عبده على مال واختلف إذا أعتق عبده على مال جعله عليه فقال: أنت حر وعليك (¬2) مائة دينار، قال مالك وأشهب: هو حر وعليه مائة دينار (¬3). وقال ابن القاسم وسعيد بن المسيب: هو حر ولا شيء عليه من المال (¬4). قال عبد الملك بن الماجشون في كتاب ابن حبيب: العبد بالخيار فإن رضي كان حرًّا وأتبع بالمال، وإن كره (¬5) كان رقيقًا (¬6). واختلف إذا قال: أنت حرٌّ على أن عليك مائة دينار، فقال مالك: ذلك لازم للعبد، وإن كره (¬7). فظاهر قوله أنه حر من الآن ويتبع بالمال. وقال ابن (¬8) القاسم في كتاب محمد: إن العبد بالخيار فإن رضي لم يعتق حتى يدفع المال، وإن كره كان رقيقًا. وقال أصبغ عند ابن حبيب: لا خيار للعبد ولا يعتق حتى يدفع المال إلا أن يقول السيد: أردت تعجيل العتق. ولم يختلف المذهب إذا قال: أنت حر على ¬

_ (¬1) في (ر): (فيمن). (¬2) في (ر): (وعليه). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 438. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 457. (¬5) في (ف): (كان كره). (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 250. (¬7) انظر: المدونة: 4/ 120. (¬8) قوله: (وقال ابن) يقابله في (ف) و (ح) و (س): (ولابن).

أن تدفع إلي مائة دينار، أن العبد بالخيار بين القبول أو الترك (¬1) ويكون رقيقًا، وأنه إن قبل لم يعتق حتى يدفع المال. فإن قال: إن أعطيتني (¬2) مائة دينار فأنا أعتقك، فرضي العبد ورجع السيد عن ذلك المقال (¬3). قال ابن القاسم: يحلف السيد أنه ما أراد إيجاب العتق وما أراد إلا لينظر فيه ولا شيء عليه. وأما قوله: أنت حر وعليك مائة. فقول مالك فيها أحسن (¬4) فيجبر العبد على أداء ذلك المال متى قدر عليه؛ لأن السيد لم يدخل عليه (¬5) بذلك ضررًا، وقد كان له أن يأخذ ذلك منه مع بقائه في الرق، ولم يزده بالعتق إلا خيرا، ولا يعد نادمًا بإردافه المال؛ لأن ذلك نسقا وقد قال عويمر: "كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها (¬6) " (¬7)،. . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) في (ر): (الرد). (¬2) قوله: (إن أعطيتني) يقابله في (ف): (أعطني). (¬3) قوله: (المقال) ساقط من (ر) و (ح). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 120. يشير إلى قوله: "قال مالك: في الرجل يعتق عبده على أن عليه مائة دينار: إن ذلك لازم للعبد وإن كره العبد ذلك". (¬5) قوله: (عليه) ساقط من (ف). (¬6) في (ف): (أسكنها). (¬7) متفق عليه، أخرجه البخاري: 5/ 2014، في باب من أجاز طلاق الثلاث من كتاب الطلاق، برقم: 4959، ومسلم: 2/ 1129، من كتاب اللعان، برقم: 1492، ومالك: 2/ 566، في باب ما جاء في اللعان، من كتاب الطلاق، برقم: 1177، من حديث سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنهما - ونصه عند البخاري: أن عويمر العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري فقال له: يا عاصم أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ سل لي يا عاصم عن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأل عاصم عن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسائل وعابها حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما =

فطلقها (¬1) فلم يؤاخذ بأول قوله (¬2) كذبت عليها (¬3) ويعد مكذبًا لنفسه. وأما قوله: أنت حر على أن عليك، فإنه لفظ (¬4) مشكل، فأرى أن يسأل فإن قال: أردت جبره على المال ويكون عتيقًا، قُبل قوله. وإن قال: أردت أن أخيره هو صُدِّقَ ولم يعتق العبد إلا أن يختار (¬5) ذلك ويلزم (¬6) المال. ولا أرى أن يؤخر العتق حتى يدفع؛ لأن الذي يقتضيه اللفظ أنه حر متى كان المال في الذمة، فإن كان في الذمة قيل: على هذا العبد كذا وكذا، بخلاف قوله: على أن يدفع، فلا يعتق (¬7) إلا بوصول المال إليه (¬8)؛ لأنه علق العتق وفارق البيع للعادة؛ لأنه لو قال: أبيعك هذا العبد على أن تدفع إلي مائة دينار إلى سنة. فإن (¬9) للمشتري أن يتعجل قبض العبد ولا يؤخر قبضه ليقبض المال، والعتق ¬

_ = رجع عاصم إلى أهله جاء عويمر فقال: يا عاصم، ماذا قال لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال عاصم: لم تأتني بخير قد كره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسألة التي سألته عنها. قال عويمر: والله لا أنتهي حتى أسأله عنها فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسط الناس فقال: يا رسول الله، أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك فاذهب فأت بها). قال سهل: فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما فرغا قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (¬1) قوله: (فطلقها) ساقط من (ف) و (ح). (¬2) في (ر): (لفظه). (¬3) قوله: (عليها) ساقط من (ف) و (ح). (¬4) قوله: (لفظ) ساقط من (ر) و (ح) (¬5) قوله: (أن يختار) يقابله في (ف): (بحيازة). (¬6) قوله: (ويلزم) ساقط من (ر)، وفي (ح): (ويلتزم). (¬7) في (ف): (يدفع). (¬8) قوله: (إليه) ساقط من (ف) و (ح). (¬9) قوله (فإن) يقابله في (ف): (إن).

كالكتابة (¬1) أنه لا يعتق العبد إلا بأداء المال. وإذا قَبِل العبد العتق في قوله: أنت حر على أن تدفع إلي، حيل بين السيد ومال العبد وخراجه، وله أن يسعى (¬2) فيما التزم من المال ويضرب له من الأجل ما يرى أنه يحضره فيه (¬3)، وإن لم يأت به تلوم له ولم يمكن العبد من أن يطول بسيده (¬4) فإن لم يحضره كان رقيقًا، وإن رضي غيره يدفعها عنه أجبر السيد على قبولها، وكان العبد حرًا. وقال ابن الماجشون عند ابن حبيب: إذا قال: إن جئتني بمائة إلى سنة فأنت حر وأشهد بذلك ثم أراد بيعه كان ذلك له إلا أن يقيم بيده حتى يأتي بالمائة فيمنع من بيعه (¬5). وأما الطلاق فإن قال: أنتِ طالق وعليك مائة دينار، كانت طالقًا والمال ساقط. وإن قال: على أن تدفع إلي مائة دينار، لم تطلق عليه حتى يحضر المال (¬6)، والزوجة بالخيار بين أن تقبل ويحال بين الزوج وبينها حتى يحضر المال، أو لا تقبل وتبقى زوجته. وإن قال: أنتِ طالق على أن عليك مائة دينار، جرت على الخلاف المتقدم (¬7) في العتق، فعلى قول مالك تكون طالقًا والمال ساقط، وعلى قول ابن القاسم لا يقع الطلاق إلا بدفع (¬8) المال، وعلى قول أصبغ تخير الزوجة ¬

_ (¬1) في (ح): (كالعادة في الكتابة). (¬2) في (ح): (يبيع). (¬3) قوله: (فيه) ساقط من (ح) (¬4) في (ح): (السيد). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 458. (¬6) في (ر): (المائة). (¬7) قوله: (المتقدم) ساقط من (ف) و (ر). (¬8) قوله: (إلا بدفع) يقابله في (ر): (حتى تدفع).

فصل [فيمن أعتق أمته ثم كتمها العتق]

فإن التزمت المال كانت طالقًا وأتبعت بالمال، وإن كرهت بقيت زوجة إلا أن يعترف الزوج أنه قصد في شيء من هذه الوجوه أنها طالق من الآن (¬1) من غير خيار لها في ذلك فتكون طالقًا ويسقط المال. فصل (¬2) [فيمن أعتق أمته ثم كتمها العتق] وإذا أعتق السيد (¬3) أمته ثم كتمها العتق واستخدمها واستغل ووطئ (¬4) وجرح وقذف أو فعل مثل (¬5) ذلك بها غير سيدها، ثم شهدت البينة بتقدم عتقها كانت أحكامها فيما بينهما وبين الأجنبين على (¬6) أحكام الأحرار، يُقتص لها من الجراح والقتل، ويُحد قاذفها، ويُقتص منها إن جرحتْ، وتُحد ثمانين إن قذفتْ، وتحمل العاقلة عنها إن قتلتْ خطأ. واختلف في أحكامها فيما (¬7) بينها وبين سيدها فجعلها مالك وابن القاسم (¬8) معه على أحكام العبيد، لا رجوع لها عليه بقيمة خدمة، ولا يغرم (¬9) لها شيئا مما استغل، ولا صداق عليه عن الوطء، ولا يحد فيه ولا في قذفها ¬

_ (¬1) في (ف): (الأمس). (¬2) قوله: (فصل) يقابله في (ر): (باب في السيد يعتق أمته ثم يكتمها العتق ثم تشهد البينة بعد أن استغل أو استخدم أو فعل غير ذلك أو فعل ذلك غيره بها ثم شهدت البينة عليه بذلك). (¬3) قوله: (السيد) ساقط من (ر). (¬4) في (ح): (وأصاب). (¬5) قوله: (مثل) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (على) ساقط من (ف) و (ح). (¬7) قوله: (فيما) ساقط من (ف). (¬8) قوله: (ابن القاسم) ساقط من (ر). (¬9) في (ف): (يقوم)

إياها، وحمل امرأة معها على النسيان وعلى شبهة الملك المتقدم بمنزلة من طلق ثم أصاب على شبهة العقد الأول (¬1) أنه لا (¬2) صداق لها عليه (¬3). قال سحنون: والرواة يخالفونه ويرون أن الغلة على من أخذها، وأنه حر في أحكامه فيجلد من قذفه ويقاد من جرحه، سيده (¬4) كان أو غيره (¬5). قال أشهب في كتاب محمد: إلا الوطء (¬6) فلا شيء عليه فيه ما لم يقر بالتعمد والمعرفة؛ لأنه ينزل بمنزلة الناسي، أو يجهل ذلك ويظن أن ذلك جائز. وفي كتاب ابن شعبان: يحد حد الزنى على (¬7) الوطء. قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما إذا شهدت البينة أنه أوقع العتق بغير يمين لم يحسن (¬8) أن يحمل (¬9) على (¬10) النسيان، وقد يحسن (¬11) ذلك إذا كان العتق (¬12) بيمين فحنث. ¬

_ (¬1) زاد في (ح) و (س): (وحمل). (¬2) قوله: (أنه لا) يقابله في (ر): (فلا). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 608. (¬4) قوله: (وأنها حرة في أحكامها فيجلد من قذفها ويقاد من جرحها سيده) يقابله في (ف) و (ح): (ويقاد من جرحها سيده). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 440. (¬6) قوله: (إلا الوطء) يقابله في (ف): (إن وطئه فقط). (¬7) في (ف): (عن). (¬8) في (ر): (يصح). (¬9) في (ف): (يوقع). (¬10) في (ف) و (ح): (عليه) (¬11) في (ر): (يصح). (¬12) قوله: (العتق) ساقط من (ر).

باب فيمن له سهم في الغنيمة

باب فيمن له سهم في الغنيمة (¬1) اختلف فيمن له سهم في الغنيمة فزنى بجارية منها أو سرق أو أعتق هل يجري في ذلك على حكم من لا سهم له فيها أو على حكم الشريك في المال (¬2)؟ فأنزله ابن القاسم منزلة الأجنبي إن زنى بجارية منها حد، وإن سرق قطع، وإن أعتق رد عتقه (¬3)، وجعله غيره كالشريك إن زنى لم يحد، وإن سرق فوق حقه من ذلك المسروق (¬4) ثلاثة دراهم قطع، وكان سحنون يقول: إن سرق فوق حقه من جميع المغنم بثلاثة دراهم، ثم رجع إلى حقه من المسروق (¬5). قال سحنون: وإن أعتق مضى عتقه وغرم نصيب أصحابه، وإن كان فيها من يعتق عليه أعتق نصيبه وغرم ما سواه. قال (¬6): وإن أولد جارية درأ عنه الحد للشرك الذي له؛ لأنه يورث (¬7) عنه بخلاف بيت المال، ويخرج قيمة الأمة يوم أحملها إلى أمير الجيش وإن تفرقوا (¬8) تصدق به، وإن كان عديمًا كان نصيبه ¬

_ (¬1) قوله: (باب فيمن له سهم في الغنيمة) يقابله في (ر): (باب فيمن وطأ أو سرق من الغنم ممن له فيها سهم). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 441. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 286. (¬4) قوله: (المسروق) ساقط من (ر). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 286. ونصه فيها: "وكان سحنون يقول: إن سرق حقه من المغنم بثلاثة دراهم قطع. ثم رجع إلى أنه: إنما يقطع إن سرق فوق حقه من المسروق بثلاثة دراهم". (¬6) قوله: (قال) ساقط من (ح) و (ف) (¬7) في (ح): (لم يورث). (¬8) في (ف): (يعرفوا).

بحساب أم ولد ويباع باقيها (¬1). وهذا القول أحسن لقول الله -عز وجل-: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] فلم يخرج عنهم سوى الخمس وأبقى الباقي على ملكهم، ولو كان للإمام أن يخرج الباقي (¬2) عنهم لم يكن لذكر الخمس وجه. ¬

_ (¬1) قوله: (ويباع باقيها) في (ر): (ولا يباع باقيها)، وانظر: النوادر والزيادات: 3/ 286. (¬2) قوله: (الباقي) ساقط من (ر).

باب في عتق النصراني عبده المسلم والنصراني

باب في عتق النصراني عبده المسلم والنصراني وإذا أعتق النصراني عبده المسلم لزمه ذلك (¬1)؛ لأنه حكم بين نصراني ومسلم فيجري على حكم الإسلام. فإن أعتق عبده النصراني ثم أسلم العبد، فإن أسلم بعد أن رجع النصراني عن عتقه ذلك واسترقه لم يلزمه ذلك العتق، وإن أسلم بعد أن حاز (¬2) العبد نفسه لم يكن ذلك للسيد (¬3)، فإن أسلم قبل أن يرجع عن العتق وقبل أن يحوز نفسه (¬4) كان فيها قولان: هل يلزمه العتق أم لا؟ والقياس ألا شيء عليه؛ لأنه لو رجع عنه (¬5) قبل إسلام العبد كان ذلك له ولم يؤخذ بما (¬6) عقد له، وإسلام العبد لا يوجب عليه ذلك العقد، وكذلك إذا أسلم السيد وحده أو أسلم السيد ثم العبد، فإن كان ذلك الإسلام بعد أن رجع في العتق لم يلزمه، وإن كان بعد أن حاز نفسه لزمه (¬7). وإن كان بقرب العتق قبل أن يرجع وقبل أن يحوز العبد نفسه، كان على الخلاف المتقدم، وإن حلف بعتق عبده فحنث لم يلزمه عتقه، وسواء حنث قبل أن يسلم أو بعد؛ لأن عقود الكفر غير لازمة. وإذا أعتق النصراني ثم امتنع من ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 441. (¬2) في (ر) و (ف): (جاز). (¬3) في (ف): (السيد). (¬4) قوله: (نفسه) ساقط من (ح) (¬5) في (ر): (عليه). (¬6) في (ح) و (ف): (بما). (¬7) قوله: (وإن كان بعد أن حاز نفسه لزمه) ساقط من (ح)

إنفاذ ذلك لم يجبر عليه ولو حوزه لنفسه لم يكن له أن يرجع فيه، وإن أعتق نصفه وحوزه ذلك لم يستكمل عليه، وإن كان عبد نصراني بين نصرانين أعتق أحدهما نصيبه منه (¬1) ثم امتنع من إنفاذ (¬2) ذلك لم يجبر عليه، وإن أنفذ ذلك له لم يكن للشريك أن يستكمل عليه، وله أن يأخذه بقيمة عيب العتق (¬3) في نصيبه؛ لأن ذلك من التظالم. وقال المغيرة في كتاب ابن سحنون: إذا حلف النصراني بعتق غلامه أو بطلاق زوجته ثم بها، فرفع الغلام أو الزوجة ذلك بلى السلطان، أمره بعتق الغلام (¬4) وبطلاق (¬5) الزوجة. قال: وإن مات عن أم ولد نصرانية ثم رفعت أمرها واستعدت، حكم حاكم (¬6) المسلمين، وسن بها سنة أمهات أولاد المسلمين (¬7). وحكى عنه إسماعيل القاضي أنه قال: يحد إذا زنى حد البكر. وكل (¬8) هذا ضعيف، وقول مالك أحسن (¬9)؛ لأنه إنما يخاطب بفروع الإسلام (¬10) بعد تقدم الإسلام (¬11). ¬

_ (¬1) قوله: (منه) ساقط من (ر) و (ف). (¬2) في (ح): (إبقاء). (¬3) في (ف): (قيمة العتق). (¬4) في (ر): (العبد). (¬5) في (ح): (تطليق). (¬6) قوله: (حاكم) ساقط من (ف) و (ح). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 136. ونصه: ومن كتاب ابن سحنون، قال سحنون، عن المغيرة، إذا مات، فاستأذنت حاكم المسلمين، سن بها سنة أم ولد المسلمين وكذلك يقول إن حنث بطلاق امرأته، أو حرية غلامه، فرفعت المرأة والغلام ذلك بلى حاكم المسلمين فلتطلق عليه ويعتق. (¬8) قوله: (كل) ساقط من (ف). (¬9) انظر: المدونة: 2/ 441. (¬10) قوله: (بفروع الإسلام) يقابله في (ف) و (ح): (بالإسلام). (¬11) في (ح): (السلطان).

فصل [فيمن أخدم عبده سنين ثم أعتقه]

وقال ابن القاسم في حربى دخل (¬1) إلينا بأمانٍ فكاتب عبيدًا له أو أعتقهم أو دبرهم، ثم أراد بيعهم (¬2): إن ذلك له (¬3). فصل (¬4) [فيمن أخدم عبده سنين ثم أعتقه] وإذا أخدم عبده سنين ثم هو حر بعد الخدمة (¬5)، ثم استدان دينًا بعد حوز الخدمة لم يكن للغرماء على الخدمة سبيل، وإن استدان قبل حوزها كان الغرماء أحق بها (¬6)، فإن كان الدين قبل العتق والدين يستغرق قيمة العبد رد العتق وبيع للغرماء (¬7)، وإن كان الدين لا يستغرق العبد وفي قيمة الخدمة إذا بيعت كفاف بالدين (¬8) بيعت الخدمة خاصة ومضى العتق إلى أجله، وإن كانت الخدمة لا توفي بالدين، وإن بيعت الرقبة وكان فيها فضل لم يبع جميع الرقبة، فإن كان إن (¬9) بيع ثلاثة أرباع الخدمة وربع الرقبة (¬10) وفي الدين فعلى (¬11) ذلك وكان ثلاثة أرباع الرقبة عتيقًا إذا انقضى ذلك الأجل. ¬

_ (¬1) في (ح): (وصل). (¬2) في (ح): (بيعتهم). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 441. (¬4) أورد بعد قوله (فصل) يقابله في (ر): (باب فيمن أخدم عبده أو أعتقه ثم استدان أو أعتق عبده وللعبد عليه دين). (¬5) قوله: (بعد الخدمة) ساقط في (ف) و (ح). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 442. (¬7) في (ف): (الغرماء). (¬8) في (ف): (فلا دين). (¬9) في (ح): (في). (¬10) قوله (فيه) زيادة من (ر). (¬11) قوله: (وما بالدين فعلى) يقابله في (ر): (في وفاء الدين فعل).

باب في العبد يعتق وله على سيده دين

باب في العبد يُعتق وله على سيده دين (¬1) وقال ابن القاسم فيمن أعتق عبده وللعبد عليه دين: إن للعبد أن يتبع (¬2) سيده بذلك الدين (¬3). وقد (¬4) اختلف قوله في هذا الأصل فقال في كتاب المكاتب إذا كاتب عبده على أن يسلفه: أن ذلك ليس بسلف، وأن ذلك انتزاع، وكأنه وعده أن يعيد ذلك، فعلى هذا لا يتبع العبد السيد، والسيد بالخيار بين أن يعيد ذلك إليه (¬5) أو لا يعيده. واختلف أيضًا إذا أعتقه على عبيد بيده، فقال: ذلك انتزاع (¬6). وقال (¬7) في كتاب محمد: ليس بانتزاع. والقول إنه ليس بانتزاع أحسن (¬8)؛ لأن العبد مالك (¬9) فإذا أخذ ذلك على أنه باق على ملك عبده (¬10) بقي ملكًا له إلا أن ¬

_ (¬1) قوله: (باب في العبد يعتق وله على سيده دين) يقابله في (ف) و (ح): (فصل). (¬2) في (ف): (يبيع). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 442. (¬4) قوله: (وقد) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (إليه) ساقط من (ف)، وفي (ح): (عليه). (¬6) قوله: (واختلف أيضًا إذا أعتقه على عبيد بيده فقال ذلك انتزاع) ساقط من (ف). وانظر: المدونة: 2/ 443. (¬7) في (ف): (وقد تقدم ذلك). (¬8) في (ح): (أبين). (¬9) في (ف): (ملك). (¬10) في (ف): (غيره).

يكون على العبد دين حين تداين منه سيده فإنها تكون مداينة بغير خلاف، ولو أفاد العبد بعد ذلك مالا يقضي دينه (¬1) منه ثم أعتقه السيد لكان له أن يتبع السيد بدينه ذلك؛ لأنه لم يكن انتزاع. ¬

_ (¬1) قوله: (دينه) ساقط من (ف) و (ح).

باب في أحكام المعتق بعضه وكيف تكوق نفقته وكسوته وخدمته والسفر به

باب في أحكام المعتق بعضه (¬1) وكيف تكوق نفقته وكسوته وخدمته والسفر به (¬2) والمعتق بعضه ماله موقوف (¬3) بيده ينفق منه ويكتسي؛ لأن ماله شركة بينهما نصفين ونفقته وكسوته مفضوضة، على العبد نصفها وعلى السيد نصفها، فإذا أخذ ذلك من جملة المال كان قد أخذ كل (¬4) واحد منهما من ذلك المال بقدر ما استحق منه، وإن لم يكن له مال أنفق عليه (¬5) السيد النصف ونظر العبد لنفسه في نصف نفقته وكسوته وأخرج السيد نصف كسوته (¬6)، وإن كان في يده مال يفضل بعد (¬7) نفقته تُرك في يديه ولم يكن للسيد أن يأخذ نصفه. قال مالك: وإن بِيعَ بِيعَ بماله وليس لبائعه ولا لمشتريه أن يأخذ من ماله شيئًا، وإن استثنى البائع نصف ماله لم يجز ورُدَّ البيعُ إلا أن يرضى البائع بتسليم شرطه أو يرضى العبد أن يمضي المال للبائع؛ لأنه لو رضي العبد لسيده بذلك من غير بيع (¬8) جاز، وإن بيع على جهل من موجب الحكم في المال أو (¬9) على أن ¬

_ (¬1) قوله: (في أحكام المعتق بعضه) يقابله في (ح): (العتيق نصفه). (¬2) قوله: (باب في أحكام المعتق بعضه (2) وكيف تكون نفقته وكسوته وخدمته والسفر به) يقابله في (ف): (فصل). (¬3) قوله: (موقوف) ساقط من (ح) (¬4) قوله: (قد أخذ كل) يقابله في (ح): (لكل). (¬5) قوله: (عليه) ساقط من (ف) و (ح). (¬6) قوله: (وأخرج السيد نصف كسوته) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (بعد) ساقط من (ف). (¬8) في (ح): (بائع). (¬9) قوله: (أو) ساقط من (ح)

يسأل عن ذلك لمن (¬1) يكون فيمضي لكان البيع فاسدًا ونقض واستأنفا (¬2) البيع على وجه جائز. وأما منافعه، فإن كان عبد خدمة اختدمه السيد يومًا وكان للعبد يومًا يعمل فيه ما أحب، وإن تراضيا على (¬3) اقتسام الخدمة أربعة وأربعة أو خمسة وخمسة جاز. وأجاز عند محمد أن تكون شهرًا بشهر. وإن كان عبد (¬4) إجارة اقتسما ما يصيب في إجارته؛ لأنها غلة فكان للسيد أن يأخذ نصيبه منها بخلاف ما يكسبه من غير خراجه، وإن قال السيد: تعمل لنفسك (¬5) يومًا ولي يومًا (¬6) ويعمل له شيئًا يأتيه به، أو آجرك (¬7) في تلك الصنعة في يومي كان ذلك له، وإن كان تاجرًا فتَجَر بمال قراض (¬8) أو بضاعة كان للسيد أن يأخذ نصف ما أخذ عن ذلك؛ لأنه آجر نفسه، وإن تجر في مال في يديه لم يكن للسيد أن يأخذ (¬9) نصيبه من ذلك الوبح وهو بمنرلة ماله، وإن قال السيد: أنا أستخدمك في يومي أو آجرك في صناعة (¬10) تحسنها؛ لأن تجرك لا يفيدني ولا أتوصل إليه. كان ذلك له. ¬

_ (¬1) في (ح): (لم). (¬2) في (ح): (ويستأنفان). (¬3) قوله: (على) ساقط من (ح) (¬4) في (ر): (عبد). (¬5) في (ر): (تعمل لنفسك). (¬6) قوله: (ولي يوما) يقابله في (ح): (أو). (¬7) في (ح): (وآجرك). (¬8) قوله: (بمال قراض) يقابله في (ح) ت (بالمال القراض). (¬9) زاد في (ر): (نصف ما أخذ). (¬10) في (ح): (صنعة).

واختلف إذا أحب السفر؛ فقال محمد: إن أبى (¬1) الغلام وقال: يقطعني (¬2) عن عملي فإن كان سفرًا قريبًا فذلك للسيد. قال مالك: (¬3) إن كان بعيدًا كتب له القاضي كتابًا وأشهد له شهودًا من أهل البلد الذي يخرج إليه إن خاف أن يباع أو يركب بظلم، وإن كان سيده غير مأمون منع من الخروج له (¬4). قال: ونفقته وكراؤه على السيد حتى يقر قراره (¬5). (¬6) وقال أشهب: لا يخرج به مأمونًا كان أو غير مأمون (¬7)؛ لأنه شريك معه في نفسه ملك من نفسه ما كان يملك غيره. وهو أحسن؛ لأن العبد يحل فيما أعتق منه محل (¬8) معتقه وإذا كان عبد بين شريكين لم يكن لأحدهما أن يسافر به (¬9) دون رضا شريكه، وأيضًا فإنه يظلمه (¬10) في أيام السفر (¬11) وفي ذلك مضرة عليه؛ لأنه (¬12) قد يكون السفر شهرًا ومنافع ذلك الشهر بينهما نصفين ¬

_ (¬1) في (ح): (أحب). (¬2) في (ح): (يقطع بي). (¬3) قوله: (ذلك) ساقط من (ف) و (ر). (¬4) قوله: (له) ساقط من (ح) (¬5) انظر النوادر والزيادات: 7/ 364. (¬6) قوله: (قال ونفقته وكراؤه على السيد حتى يقر قراره) ساقط من (ر) و (ف). (¬7) انظر النوادر والزيادات: 12/ 329. (¬8) في (ح): (محمل). (¬9) قوله: (به) ساقط من (ر). (¬10) في (ف): (يطلبه). (¬11) قوله: (وأيضا فإنه يظلمه في أيام السفر) ساقط من (ر). (¬12) قوله: (وفي ذلك مضرة عليه لأنه) ساقط من (ح)

فيصير (¬1) له جميعها في سفره، فإذا وصل لم يحاسب منها بشيء. وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: للعبد أن يرجع على سيده بإجارة مثله بقدر ما له فيه من الحرية حتى يرجع إلى قراره (¬2). وهذا أشبه إلا أن يكون (¬3) ذا صنعة يعملها في الحاضرة ولا يوفي إجارة المثل فلا يكون له أن يخرج به إلا أن يغرم له (¬4) عن نصف القدر الذي كان يجده قبل سفره. ¬

_ (¬1) في (ر): (فيصير به). (¬2) في (ف): (إقراره). (¬3) قوله: (أشبه إلا أن يكون) يقابله بها (ر): (الصواب إذا كان)، وقوله: (إلا أن يكون) يقابله في (ح): (إذا كان). (¬4) قوله: (يغرم له) يقابله في (ح): (يقوم به)، وقوله: (له) ساقط من (ر).

باب في العتق بالمثلة ومن مثل بزوجته أو عبد عبده

باب في العتق بالمثلة ومن مثل بزوجته أو عبد عبده (¬1) الأصل في ذلك حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: كان لزِنباع عبد يسمى سندر أو ابن سندر فوجده يقبل جارية له فجبَّهُ وجذع (¬2) أنفه فأعتقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "مَنْ مُثِّلَ بعبده (¬3) أَوْ أُحْرِقَ بِالنَّارِ فَهُوَ حُرٌّ وَهُوَ مَوْلَى اللهِ وَرَسُولِهِ" (¬4). وروي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - (¬5) أنه أعتق أمة أحمى لها سيدها رَضْفًا (¬6) فأقعدها (¬7) عليه فاحترق فرجها، فأعتقها. ويعتبر العتق بالمثلة من ثلاثة أوجه: أحدها: الوجه الذي كانت عليه (¬8) من عمد أو خطأ. ¬

_ (¬1) قوله: (ومن مثل بزوجته أو عبد عبده) ساقط من (ف). (¬2) في (ح): (جدع). (¬3) في (ف) و (ح): (به). (¬4) ضعيف: أخرجه أحمد: 2/ 225، برقم: 7096، من طريق الحجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب، والبيهقي: 8/ 36، في باب ما روي فيمن قتل عبده أو مثل به، من كتاب النفقات، برقم: 15728، من طريق المثنى بن الصباح عن عمرو. قال البيهقي: المثنى بن الصباح ضعيف لا يحتج به، وقد روي عن الحجاج بن أرطاة عن عمرو مختصرًا ولا يحتج به، وروي عن سوار أبي حمزة عن عمرو وليس بالقوي، والله أعلم. (¬5) قوله: (وروي عن عمر بن الخطاب) يقابله في (ف): (وروى عمر بن الخطاب). (¬6) الرَّضْفُ الحجارَةُ التي حَمِيَتْ بالشمس أَو النار واحدتها رَضْفةٌ. انظر لسان العرب: 9/ 121. (¬7) في (ر): (فأجلسها). (¬8) في (ف): (عنده)، وفي (ر): (عليه المثلة).

والثاني: صفة المثلة هل هي إزالة عضو أو شيء من غير إزالة. والثالث (¬1): الممثِّل هل هو بالغ صحيح العقل أو غير ذلك. فأما الوجه الذي تكون عنه المثلة فأربعة (¬2): يعتق في واحد وهو أن يكون عمدًا (¬3) على وجه العذاب. ولا يعتق في ثلاث: وهي أن تكون خطأ، أو عمدًا على وجه المداواة والعلاج، أو شبيهًا بالعمد وليس بصريحة مثل أن يخذفه بسيف أو سكين فيُبين منه عند ذلك عضوًا. قال عيسى بن دينار في شرح ابن مزين: ولا يكون مثلة برميه أو ضربه وإن كان عامدًا بذلك إلا أن يكون عامدًا للمثلة فأضجعه (¬4) فمَثَّل به، وفي مثل ما يستقاد (¬5) للابن من أبيه. قال الشيخ - رضي الله عنه -: وهذا صحيح؛ لأن الغالب شفقة الإنسان على ماله، وقد يريد تهديده (¬6) بالرمي ولا يريد خروجه من ملكه بالعتق عن المثلة، وقد يريد المثلة حقيقة وإذا احتمل فعله الوجهين أحلف أنه لم يقصد ذلك ويترك. وقال سحنون في كتاب ابنه: إذا ضرب رأسه فنزل الماء في عينيه لم يعتق عليه ولم يعتقه؛ لأنه يحتمل أن يكون قد قصد ضرب الرأس دون ما حدث عن الضربة (¬7). ¬

_ (¬1) قوله: (والثالث) ساقط من (ح). (¬2) قوله: (فأما الوجه الذي تكو عنه المثلة فأربعة) يقابله في (ر): (والمثلة على أربعة أوجه). (¬3) قوله: (واحد وهو أن يكون عمدا) يقابله في (ر): (وجه منها واحد). (¬4) في (ح): (يضجعه). (¬5) في (ف): (يستفاد). (¬6) في (ف): (تهدية). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 394.

فصل [في صفات المثلة]

واختلف إذا اختلف السيد والعبد، فقال السيد: كانت خطأ، وقال العبد: عمدًا. أو مَثَّلَ بزوجته، فقال الزوج: خطأ، وقالت الزوجة: عمدًا. وقد (¬1) فقأ عينه أو عينها وقال: كنت مؤدبًا (¬2) فأخطأت. فقال سحنون في العتبية: القول قول العبد والمرأة بخلاف الطبيب يقول: أخطأت. ثم رجع فقال: القول قول السيد والزوج (¬3). وهو أحسن؛ لأن الأمر محتمل فيحلف ولا يعتق العبد ولا تقتص (¬4) الزوجة إلا أن يكون الزوج والسيد معروفين بالجرأة والاستخفاف والأذى فيقبل قول العبد والزوجة، أو يكون ذلك بالحديد وما يقوم الدليل فيه أنه عمد فلا يصدق فتقتص الزوجة ويعتق العبد (¬5). وقال مالك في العتبية في الزوج (¬6) يمثل بزوجته: تطلق عليه (¬7). فصل [في صفات المثلة] والمثلة في صفاتها على خمسة أوجه: فإن كانت إزالة عضو أو إفساده أو أنزل به شيئًا يشوّهُ (¬8) به خلقه وساءت ¬

_ (¬1) في (ر): (أو). (¬2) في (ف): (مؤدبًا له). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 396. (¬4) قوله: (تقتص) يقابله في (ح): (تطلق). (¬5) قوله: (أو يكون ذلك بالحديد. . . ويعتق العبد) ساقط من (ح). (¬6) في (ح): (الرجل). (¬7) قوله: (وقال مالك في العتبية في الزوج بمثل بزوجته تطلق عليه) ساقط من (ر). وانظر: النوادر والزيادات: 12/ 396. (¬8) في (ر): (شُوِّه).

منظرته، وكان ذلك مما لا يزول ولا يعود إلى هيئته أعتق عليه. وإن كان الشين يسيرًا أو كثيرًا ويعود العبد إلى هيئته أو يبقى من الشين الشيء (¬1) اليسير لم يعتق، وهذا عقد هذا القسم فإن أبان من يده أنملة فما فوقها أعتق عليه، وإن أبطل أنملة أو أصبعًا ولم يُبِنْها لم يعتق عليه، ولأنه لا يشين به كبير شين (¬2) إذا لم يبن، ولو أبطل كفه فما فوق أعتق. وقال ابن حبيب: إذا أذهب ظفره فما فوقه (¬3) يعتق (¬4). وفيه نظر، ولو قلع أسنانه أو أبردها (¬5) فأحفاها أعتق عليه (¬6). واختلف إذا قلع (¬7) سنًّا أو سنّين فقال مالك في كتاب محمد: يعتق عليه. وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: لا يعتق إلا في جل الأسنان والأضراس (¬8). قال الشيخ - رضي الله عنه - (¬9): وأستحسن أن يفرق فإن قلع سنين من الثنايا أو الرباعيات أن يعتق؛ لأن شينهما ظاهر، ولا يعتق (¬10) بثنية (¬11) واحدة أو رباعية؛ لأنه لا يقع بذلك كبير شين. ¬

_ (¬1) قوله: (الشيء) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (يشين به كبير شين) يقابله في (ف): (يستحق كبير شيء). (¬3) قوله: (فما فوقه) ساقط من (ر) و (ح). (¬4) في (ر): (لم يعتق وليس بحسن). (¬5) في (ح) و (ف): (يردها). (¬6) قوله: (عليه) ساقط من (ف) و (ح). (¬7) في (ف): (أقلع). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 394. (¬9) قوله: (قال الشيخ - رضي الله عنه -) ساقط من (ر) و (ح) (¬10) قوله: (ولا يعتق) يقابله من (ف): (أو لا يعتق). (¬11) في (ر): (بقلع ثنية).

وأما الأرحاء (¬1) فلا يعتق إن أزال له سنين؛ لأن شينهما غير ظاهر، وإن أزال ما أفسد عليه استعمال الأكل (¬2) وطحنه أعتق، وإن جدع طرف أنفه أعتق؛ لأن ذهاب اليسير منه يقع به شين كبير. وقال مطرف وابن الماجشون: وإن خرم أنفه أعتق. وقال مالك في كتاب محمد: إن قطع طرف أذنه (¬3) أو بعض جسده أعتق عليه (¬4). قال الشيخ (¬5): يريد إذا قطع ما يقع به شين بَيِّنٌ (¬6) فليس طرف الأنف كطرف الأذن وبضعة من جسده، وذلك يختلف فالقليل إذا كان في الوجه شين، وليس كذلك إذا كان تحت الثياب. وقال ابن وهب وأصبغ: إذا وسم جبهته وكتب فيه آبق يعتق، ولو فعل (¬7) ذلك في ذراعيه لم يعتق، وهذا إذا كان وسمًا بنار (¬8). واختلف إذا كان وسم جبهته بمداد وإبرة وكتب فيه آبق، فقال ابن وهب في العتبية: يعتق. وقال أشهب: لا يعتق. ورآه خفيفًا، وقد ذكر أنه ربما عُمل له ما يزيله (¬9). ¬

_ (¬1) الأرحاء: عامة الأضراس. انظر: لسان العرب: 14/ 312. (¬2) في (ف): (الأكمل). (¬3) في (ح): (أنفه). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 393. (¬5) قوله: (قال الشيخ) ساقط من (ح) و (ف). (¬6) قوله: (البين) ساقط من (ح) وفي (ف): (يبين). (¬7) في (ر): (جعل). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 394. (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 395.

وإن حلق لحية عبده أو رأس جاريته والعبد وغد والجارية ليست برائعة لم يعتقا. واختلف إذا كان العبد (¬1) التاجر والجارية الفارهة (¬2)، فقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: يعتقان (¬3). وقال مطرف في الثمانية: لا يعتقان. والأول أحسن إذا كان ذلك شينا (¬4) لا يعود بعده لهيئته، وإن كان يعود لم يعتقا، ومنع السيد من أن يخرجه (¬5) يتصرف عليه حتى يعود لهيئته (¬6). وقد تقدم ذكر الجباب وكي الفرج (¬7) وفيه جاء الأثر، ولو كان كي الفرج الشيء الخفيف لم يعتق به، ولا يعتق العبد بشيء من الجراح إذا لم يذهب له بذلك (¬8) عضو، وقال ابن المواز عن مالك في امرأة عضت لحم جاريتها وأثرت بذلك أثرًا شديدًا: تباع عليها ولا تعتق (¬9). وقال أشهب: إذا نيبتها (¬10) في عضتها وذلك فلتة لم تبع، وإن لم تكن فلتة بيعت، وإن قطعت بذلك شيئًا من جسدها أعتقت (¬11). ¬

_ (¬1) قوله: (العبد) ساقط من (ف). (¬2) في (ح) و (ر): (الرائعة). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 394. (¬4) في (ف): (لشيء). (¬5) في (ح): (يخرج العبد). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 394. (¬7) قوله: (الجباب وكي الفرج) يقابله في (ف): (الحباب وكي الفرج)، وفي (ح): (الجباب والفرج). (¬8) قوله: (بذلك) ساقط من (ر). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 395/ 12، والبيان والتحصيل: 9/ 329. (¬10) في (ح) و (ر): (بينتها). (¬11) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 395.

فصل [في شروط العتق على الممثل]

وقال مالك: إذا ضرب عبده مائتي سوط أو ثلاثمائة سوط وبلغ ذلك منه لم يعتق إلا أن يبلغ (¬1) الضرب منه ما يكون مُثْلَة بينة شديدة من ذهاب لحمه، فرب ضرب يذهب اللحم حتى يبلغ العظام فيصير جلدًا على عظم يتآكل، فإذا بلغ ذلك حتى يصير مثلة عند الناس أعتق. وكل موضع لا يعتق فيه العبد فإن العقوبة لا ترفع بالضرب والسجن على قدر فعله وما يرى أن فيه زجرًا لغيره (¬2)، وأما البيع (¬3) فإن كان ذلك فلتة منه لم يبع وإلا بيع، فإذا كان العتق كان هو العقوبة إلا أن يرى لعظيم ما فعل أو لما يعلم من سوء حاله وتحامله (¬4) أن تزاد عقوبته في جسمه بالضرب أو بالسجن فيفعل، ولابن القاسم وأشهب في كتاب محمد العتق والعقوبة معًا. فصل [في شروط العتق على الممثل] يعتق على الممثِّل بستة شروط: أن يكون بالغًا، عاقلًا، حرًّا، رشيدًا، لا دَيْن عليه، مسلمًا. ولا يعتق على اثنين: الصبي والمجنون؛ لأن عمدهما كالخطأ. واختلف في العتق على أربع: السفيه، والمديان، والعبد، والنصراني. واثنان يعتق عليهما واختلف هل يكون (¬5) ذلك من رأس المال أو من الثلث وهما: المريض، وذات الزوج. ¬

_ (¬1) في (ح): (يكون بلغ). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 397. (¬3) قوله: (وأما البيع) ساقط من (ح) و (ف). (¬4) في (ف): (تحماله). (¬5) قوله: (يكون) زيادة من (ر).

فقال أشهب في كتاب محمد في السفيه ومن أحاط الدين بماله: والعبد يعتق عليهم؛ لأنها جناية حدها العتق. قال محمد: وقد قيل: لا يعتق عليهم. وقال ابن القاسم في كتاب محمد: في السفيه قولان، والذي ثبت عليه أنه لا يعتق. قال في العتبية: كل من لا يجوز عتقه، فإنه لا يعتق عليه بالمثلة. وقال في المريض يمثل بعبده: إنه يعتق في ثلثه إن مات، وإن صح فمن رأس ماله (¬1). وقال في كتاب ابن حبيب في ذات الزوج: هو كابتدائه العتق. يريد أنه يمضي عليها ذلك في ثلثها أو ما حمل ثلثها فيه (¬2)، وعلى أصل أشهب يعتق عليها من رأس المال ولا مقال في ذلك للورثة ولا للزوج. والقول في السفيه أنه (¬3) يعتق أحسن؛ لأنه ماله ولا تعلق (¬4) لأحد عليه فيه، وذات الزوج قريب منه؛ لأنه لا شرك لزوجها (¬5) فيه، والمريض أشكل منهما (¬6) لأن في ذلك إتلافًا على الورثة وتعلق حقهم في المال أقوى من تعلق حق الزوج، والعقوبة بالعتق عقوبة عليهم، والمفلس أبينهما ألا يعتق عليه؛ لأن في ذلك إتلافا (¬7) لأموالهم، والعتق على العبد أبين؛ لأن السيد ملَّكه ومكّنه (¬8) ¬

_ (¬1) النوادر والزيادات: 12/ 400. (¬2) في (ح): (منه). (¬3) قوله: (أنه) ساقط من (ح). (¬4) في (ح): (يعتق). (¬5) قوله: (شريك له) يقابله في (ح): (شرك لزوجها)، وفي (ر): (شرك لها). (¬6) قوله: (أشكل منهما) يقابله في (ح): (أشكلهم). (¬7) قوله: (على الورثة. . . لأموالهم) ساقط من (ف)، وفي (ح): (للورثة والعقوبة بالعتق عليه عقوبة عليهم والمفلس أبينهما لا يعتق عليه لأن فيه إتلافا). (¬8) في (ف): (وهبه).

فصل [في السيد يمثل بمعتقه]

وسلّطه (¬1) فوجب أن تجري عليه الأحكام في ماله كالحر. وقال ابن القاسم في الكافر: لا يعتق عليه. يريد وإن كان ذميًّا (¬2). قال أشهب: يعتق عليه. وهذا أبين لأنه من التظالم. فصل [في السيد يمثل بمعتقه] وإذا مثل السيد بمعتقه إلى أجل أو بأم ولده عتقا عليه بمنزلة عبده وكذلك مدبره إذا كانت المثلة في صحته. ويختلف إذا كانت في مرضه، فعلى قول أشهب يعتق من رأس المال، وعتقه بالمثلة آكد من التدبير، ولا مقال (¬3) في ذلك لغرمائه ولا لورثته (¬4) إن (¬5) لم يكن عليه دين. وعلى قول ابن القاسم لا يعتق بالمثلة إن كان عليه دين، وإن لم يكن عليه دين عتق في ثلثه إلا أن يكون له مال مأمون فيعجل عتقه لحق المثلة (¬6). ¬

_ (¬1) في (ح): (وسلفه). (¬2) قوله: (ذميا) كتب فوقها في (ر): (العبد كافرا). (¬3) في (ر): (مقال له). (¬4) في (ر) و (ف): (لورثة). (¬5) في (ح): (وإن). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 346.

فصل [في المثلة بعبد عبده أو عبد معتقه أو عبد مدبره وأم ولده]

فصل [في المثلة بعبد عبده أو عبد معتقه أو عبد مدبره وأم ولده] وإن (¬1) مثل بعبد عبده أو عبد (¬2) معتقه إلى أجل قبل أن يتقارب (¬3) الأجل أو عبد مدبره أو عبد (¬4) أم ولده في صحته، عتق عليه بمنزلة ما لو (¬5) مثَّل بعبد نفسه؛ لأن له انتزاع أموالهم. وإن قرب الأجل في (¬6) المعتق إلى أجل كان كعبد الأجنبي على قول مالك وابن القاسم (¬7)، ولا يعتق إلا بما يعتق به المعتق إلى أجل (¬8). وعلى قول ابن نافع يعتق بما يعتق به عبد نفسه لأنه يقول: له أن ينتزع ماله ما لم يفض (¬9) إلى الحرية. وكذلك عبد مدبره (¬10) وأم ولده إذا كان (¬11) في مرضه هما عند مالك وابن القاسم كعبد الأجنبي، وعلى قول ابن نافع كعبد نفسه، ثم يكون الحكم ¬

_ (¬1) في (ر): (ومن). (¬2) قوله: (عبد) ساقط من (ح). (¬3) قوله: (أن يتقارب) يقابله في (ف): (تقارب). (¬4) قوله: (عبد) ساقط من (ف) و (ح). (¬5) في (ف) و (ح): (لو). (¬6) قوله: (الأجل في) يقابله في (ر): (أجل). (¬7) انظر: المدونة: 2/ 444. (¬8) قوله: (كان كعبد. . . المعتق إلى أجل) ساقط من (ف). وقوله: (المعتق إلى أجل) ساقط من (ر). (¬9) في (ف): (يقض). (¬10) (في (ف): (دبره). (¬11) في (ر): (كانت المثلة).

فصل [في حكم المثلة بالمكاتب أو عبده]

فيهما بمنزلة مثلته (¬1) بعبده، فيختلف هل يعتقان من رأس ماله أو من ثلثه؟ فمن جعله من الثلث بَدَّى المدبر على الممثل به (¬2) لأنه عنده بمنزلة من ابتدأ عتقًا في المرض وله مدبر. ومن قال: إنه من رأس المال فإنه يبدأ به على المدبر وإن أدى ذلك إلى سقوط التدبير، وإذا كان الحكم التبدية بالمدبر لم يعتق الممثل به إلا أن يحمل الثلث قيمة المدبرة وقيمة الممثل به مرتين (¬3)، وذلك أنه إذا مثّل بعبد مدبره وبدأ (¬4) بالمدبر يقوم المدبر بماله والعبد الممثل به بماله (¬5) فإن كانت قيمته مائة وعبده لممثل به مائة والثلث مائتان لم يعتق العبد الممثل؛ لأنه لم يبق من الثلث شيء، وإن كان الثلث مائة عتق الممثل به وإن كان مائتين وخمسين أعتق نصفه. فصل [في حكم المثلة بالمكاتب أو عبده] وإن مثل بمكاتبه أو جرحه ولم يمثل به وكانت قيمة الجناية عليه مثل ما عليه من الكتابة عجل عتقه. وإن كانت الجناية دون ما عليه من الكتابة أعتق في المثلة ولم يعتق في الجرح وحاسبه السيد به من آخر نجومه. وإن كانت الجناية أكثر من الكتابة أتبع المكاتب السيد بالفاضل، والمثلة والجرح في ذلك سواء، ¬

_ (¬1) قوله: (فيهما بمنزلة مثلته) يقابله في (ر): (في مثله). (¬2) قوله: (الممثل به) يقابله في (ف): (الممثول). (¬3) في (ف): (مرتهن). (¬4) قوله: (إذا مثل بعبد مدبره ويبدأ) يقابله في (ح): (يبتدي). (¬5) قوله: (والعبد الممثل به بماله) ساقط من (ح)، وقوله: (الممثل به) يقابله في (ر): (المسئول له).

فصل [فيمن مثل بعبد ولده الصغير]

وهذا قول ابن القاسم. وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: لا يتبع (¬1). والأول أحسن؛ لأن المكاتب حاز نفسه وماله عن سيده بالكتابة وليس قبله شيء (¬2) سوى ما كاتبه به، وإن مثل بعبد مكاتبه كان بمنزلة المثلة بعبد أجنبي. فصل [فيمن مثَّل بعبد ولده الصغير] ومُثْلتُه بعبد ولده (¬3) الصغير كمثلته بعبد نفسه، إن كان موسرًا بقيمته، وإن كان فقيرًا لم يقوم (¬4) عليه. قال ابن القاسم: وهو بمنزلة لو أعتقه. وليس بالبين؛ لأنه إنما ألزم القيمة إذا أعتقه؛ لأنه ألزم نفسه ذلك ورضي أن يأخذه لنفسه بقيمته وليس تعديه بالمثلة رضًى منه بعتقه. ومثلته بعبد ولده الكبير بمنزلة مثلته بعبد غيره من الأجنبيين إلا أن يكون الولد سفيها فيعتق عليه على قول ابن القاسم. فصل [في العتق بالمثلة هل يفتقر إلى حكم وما يجري في ذلك] العتق بالمثلة يفتقر إلى حكم إذا لم تكن المثلة بينة فيرجع الأمر إلى الحاكم ويجتهد في ذلك هل يعتق بمثلها أم لا؟ واختلف في المثلة البينة فقال مالك وابن القاسم وابن عبد الحكم (¬5) في كتاب محمد (¬6): لا يكون حرًّا إلا أن يحكم ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 398. (¬2) قوله: (شيء) ساقط من (ف)، و (ر). (¬3) في (ح): (ابنه). (¬4) في (ح): (يعتق). (¬5) قوله: (وابن عبد الحكم) زيادة من (ح). (¬6) قوله: (في كتاب محمد) ساقط من (ر).

بذلك حاكم. وقال ابن القاسم في الدمياطية: ولو قطع أذنيه ولسانه ويديه ورجليه ثم مات قبل أن يحكم بعتقه ورثه سيده بالرق. قال: وكل ما اختلف فيه فإنه مملوك أبدًا ما لم يحكم بالعتق. وقال أشهب في كتاب محمد: من مثل بعبده مثلة بينة لا يشك فيها فهو حر حين مثل به من غير سلطان (¬1). والقول الأول أحسن؛ لأن الحديث في العتق بالمثلة غير مسلم، ولا جاء من طريق صحيح (¬2) ولأنه (¬3) نازلة في عين، وقد يرى (¬4) في آخر العقوبة (¬5) من غير عتق. واختلف الناس في ذلك، فقال الشافعي وأبو حنيفة: لا يعتق ويعاقب بغير العتق من الضرب والسجن، وقد يكون العتق أضر ببعض العبيد (¬6). قال الشيخ - رضي الله عنه -: أرى أن يخيَّر، فإن أحبَّ العبدُ (¬7) العتقَ عتق وإلا لم يعتق، فقد يكون العتق أضر به، وقد (¬8) ينزل به من المثلة ما يزمنه (¬9) ¬

_ (¬1) انظر: التلقين: 2/ 203. (¬2) في (ر): (صحيح). (¬3) قوله: (والآلة) يقابله في (ح): (ولأنه). (¬4) في (ف): (نوى). (¬5) قوله: (آخر العقوبة) يقابله في (ر): (آخرين العقوبة)، وفي (ف): (آخر العقد وبه). (¬6) قوله: (وقد يكون العتق أضر ببعض العبيد) ساقط من (ر) و (ح). (¬7) قوله: (العبد) زيادة من (ح). (¬8) قوله: (يكون العتق أضر به، وقد) ساقط من (ف). (¬9) في (ر): (يضنيه) وكتب فوقها في نفس النسخة (يزمنه).

فصل [في مال المعتق بالمثلة]

ويضر العتق به (¬1). فصل [في مال المعتق بالمثلة] ويختلف في ماله هل يتبعه؟ فعلى قول أشهب يتبعه؛ لأنه عنده حر بنفس المثلة، وكذلك قول (¬2) مالك: يتبعه ماله، وإن لم يكن حرًّا بنفس المثلة؛ لأنه بمنزلة من أشرف على العتق. وعلى قول ابن نافع يكون له أن ينتزع ماله قبل عتقه. واختلف في السفيه يعتق عليه بالمثلة، قال ابن القاسم عند محمد: لا يتبعه ماله. وقال ابن وهب: يتبعه (¬3). فصل [فيمن مثل بعبد أجنبي] وإذا مثل بعبد أجنبي فإن لم يبطله ولا أبطل الغرض الذي يكسب لأجله لم يكن على الجاني إلا قدر قيمة الجناية (¬4). وإن أبطلته (¬5) الجناية وملك السيد (¬6) التضمين كان في المسألة ثلاثة أقوال، فقيل: يقوم على الممثل حرًا وإن لم يقم بذلك العبد ثم (¬7) يعتق. ¬

_ (¬1) قوله: (ويضر العتق به) يقابله في (ف): (ويصير العتق أضر به). (¬2) قوله: (وكذلك قول) يقابله في (ر): (وقال). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 399. (¬4) قوله: (فإن لم يبطله. . . قيمة الجناية) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (وإن أبطلته) يقابله في (ف): (لم يبطله). (¬6) قوله: (السيد) ساقط من (ح). (¬7) قوله: (العبد ثم) يقابله في (ر): (السيد ثم)، وفي (ح): (السيد لم).

وقيل: يخير (¬1) السيد فإن اختار التمسك والرجوع بقيمة العيب (¬2) خاصة كان له ذلك ولم يعتق العبد، وإن اختار التضمن ضمن وأخذ قيمة عبده وعتق على الممثل. وقيل: لا يعتق عليه وإن صار العبد إليه وغرم قيمته (¬3)؛ لأن الحديث إنما جاء فيمن مثل بعبده، ولأن فيه ردعًا لئلا يسرع السادات بمثل (¬4) ذلك، وليس من الشأن أن تسرع يد الإنسان إلى ملك غيره، وهذا أصوب. وقد اختلف في العتق على من مثل بعبده، فقيل: لا يعتق عليه؛ لأن (¬5) الحديث ليس بصحيح، ولأنه إن صح فإنما هو نازلة في عين فرأى النبي - صلى الله عليه وسلم - العقوبة فيها بالعتق وهو من باب العقوبة في المال، وقد يرى في آخر لو نزل (¬6) مثل ذلك أن يعاقبه في جسمه بالضرب والسجن، وقال أشهب في كتاب محمد فيمن مثل بعبده: يعتق عليه ويعاقب ويسجن. فجمع عليه العقوبة في المال والحبس (¬7)، وفي العقوبة بالعتق (¬8) كفاية ولا يزاد على ذلك (¬9). ¬

_ (¬1) في (ف): (يقوم فخيار). (¬2) في (ح): (العبد). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 398. (¬4) في (ح): (إلى مثل)، وفي (ر): (لمثل). (¬5) قوله: (على من مثل بعبده فقيل لايعتق عليه لأن) يقابله في (ر): (بالمثلة، و). (¬6) قوله: (في آخر لو نزل) يقابله في (ح): (لو نزل به). (¬7) في (ح): (والجسم). (¬8) قوله: (بالقبض) يقابله في (ح): (بالعتق). (¬9) قوله: (ولأنه إن صح. . . ولا يزاد على ذلك) ساقط من (ر).

فصل [فيمن مثل بزوجته]

فصل [فيمن مثَّل بزوجته] وإذا مثل بزوجته (¬1)، فقال مالك في العتبية فيمن مثل بزوجته (¬2): إنَّها تطلق عليه (¬3). وقال في المبسوط: يفرق بينهما بطلقة مخافة أن يعود إليها بمثل ذلك، وذلك في المثلة البينة يأتيها متعمدًا مثل فقأ عين أو قطع يد أو أشباه ذلك، وقد يفرق بين الرجل وامرأته (¬4) بما هو أيسر (¬5) من هذا الضرر. وقال الشيخ - رضي الله عنه -: مثلة الزوج بزوجته بخلاف مثلته بعبده؛ لأن الزوج يُقْتَصُّ منه ولا يقتص من السيد، فإن رأى أن في القصاص زجرًا وردعًا عن المعاودة لم تطلق عليه، وإن كان رجلًا شريرًا يخاف أن يكون (¬6) عندما اقتص (¬7) منه أن ينتقم منها بداهية ويوقعها بها طلقت عليه. فصل (¬8) [فيمن فقأ عين زوجته أو عبده] ومن العتبية قال سحنون: إذا فقأ الزوج عين زوجته أو السيد عين عبده ثم اختلفا قال الزوج أو السيد: كانت خطأ وإنما كنت مؤدبًا، وقالت الزوجة ¬

_ (¬1) قوله: (وإذا مثل بزوجته) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (فيمن مثل بزوجته) ساقط من (ر) (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 70. (¬4) في (ح): (وزوجته). (¬5) في (ف): (أشد). (¬6) قوله: (أن يكون) ساقط من (ف). (¬7) في (ر): (اقتصت). (¬8) هذا الفصل بالكامل ساقط من (ر) وهذا الكلام مكرر في فصل سابق.

والعبد: عمدًا، إن القول قول الزوجة والعبد بخلاف الطبيب يقول: أخطأت؛ لأنه مأذون له في الفعل. ثم رجع فقال: القول قول الزوج والسيد (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: قوله هذا أحسن؛ لأنه مأذون له في الأدب. والأمر محتمل أن يكون الأمر كما قالت الزوجة والعبد، وإذا احتمل ذلك لم يقتص منه ولم يعتق عليه إذا حلف أن ذلك كان مما ادعاه، ولو كان ذلك قطع يد أو نحو ذلك لم يقتص منه ولم يعتق عليه إذا حلف (¬2) مما يكون بالحديد أو مما يقوم الدليل فيه أنه عمد لم يصدق واقتص للزوجة وعتق العبد. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 396. (¬2) قوله: (لم يقتص منه ولم يعتق عليه إذا حلف) ساقط من (ح)

باب في الرجل يؤاجر عبده أو يخدمه ثم يعتقه

باب في الرجل يؤاجر عبده أو يخدمه ثم يعتقه (¬1) ومن أخدم عبده إلى سنة أو آجره ثم قال (¬2): هو حر بعد انقضاء تلك السنة، كان حرًّا كما قال، فالخدمة والإجارة على حالها فإن رضي من له تلك الإجارة أو رضي المخدم بإسقاطها ليرجع على السيد بما دفع إليه عن تلك المدة أو رضي المخدم بإسقاط الخدمة ليرجع على السيد (¬3) بقيمتها (¬4) لم يكن ذلك لازم (¬5) لهما، وإن رضيا بإسقاط حقها (¬6) هبة للعبد جاز ذلك وعجل للعبد العتق. وقد قيل في هذا الأصل: لا يعجل العتق؛ لأن للسيد حقًّا في الجنايات إن جني عليه وفي الميراث إن مات (¬7) قبل انقضاء السنة. والأول أحسن؛ لأن الجناية من النادر، وإن عجل السيد عتقه من الآن فقال مالك: لا عتق للعبد حتى يتم الإجارة، وإن مات السيد قبل السنة كان العبد حرًّا من رأس المال (¬8). ¬

_ (¬1) قوله: (في الرجل يؤاجر عبده أو يخدمه ثم يعتقه) يقابله في (ر): (إذا أجر السيد عبده أو أخدمه ثم هو حر بعد ذلك). (¬2) قوله: (قال) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (بما دفع إليه عن. . . ليرجع على السيد) ساقط من (ح). (¬4) في (ف): (بقيمته). (¬5) قوله: (لازم) زيادة من (ف). (¬6) في (ح): (حقهما). (¬7) قوله: (وفي الميراث إن مات) زيادة من (ح). (¬8) انظر: المدونة: 2/ 446.

قال في كتاب محمد: ولا يرده دين استحدثه سيده من يوم أعتق قبل تمام السنة، وإن وضع المستأجر عن العبد أو الأمة الإجارة كانا حرين مكانهما، فإن قال: أنا أضع ذلك لأرجع على السيد، فأبى السيد، حلف أنه لم يرد بذلك الإبطال عنه، فإن لم يحلف غرم وجاز العتق. قال مالك: وإذا لم يرض المستأجر بإسقاط الإجارة وقال السيد: أردت أن يكون حرًّا ساعةَ نطقتُ بذلك وأرد الإجارة، كانت الإجارة (¬1) فيما يستقبل للعبد، وإن قال: أردت عتقه بعد مضي الأجل، أُحْلِف وكانت الإجارة للسيد. قال الشيخ - رضي الله عنه -: وعلى قوله في المكاتبين يعتق السيد أحدهما ويأبى الآخر، إنَّ الكتابة للسيد لا يكون للعبد شيء (¬2). وهو أحسن؛ لأن السيد لم يرد أن يعطي العبد الإجارة وإنما أراد أن يردها على المستأجر لينال العبد العتق، وإذا لم يصح ما أراد من تعجيل العتق كانت الإجارة له. واختلف (¬3) إذا أخدم أمته ثم عجل عتقها، فقيل: يكون في الخدمة (¬4) كالإجارة تبقى إلى أجلها إذا لم يرض المخدم بإسقاط حقه فيها (¬5). وقال أشهب في كتاب محمد: إذا أخدم نصف عبده ثم أعتق النصف الباقي خرج حرًّا مكانه وغرم الأقل (¬6) من قيمة نصفه أو قيمة نصف الخدمة (¬7). وإذا ولد ¬

_ (¬1) قوله: (وقال السيد أردت. . . كانت الإجارة) ساقط من (ح). (¬2) قوله: (شيء) ساقط من (ح). (¬3) قوله: (اختلف) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (فقيل يكون في الخدمة) يقابله في (ر): (كان ذلك). (¬5) قوله: (فيها) ساقط من (ح). (¬6) في (ف): (الأول). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 304.

للعبد المستأجر (¬1) ولد من أمته أو كانت أمة مستأجرة (¬2) فولدت ولدًا في الإجارة أو الخدمة، فإن جعل السيد العتق (¬3) بعد انقضاء الإجارة أو الخدمة بقي الولد على الرق ولم يعتق إلا بانقضاء (¬4) ذلك الأجل، وإن عجل العتق ولم يرض بذلك من له الإجارة (¬5) والخدمة افترقت الإجارة من الخدمة، فهو في الإجارة عتيق من الآن ولا ينتظر به لأنه لا حق للمستأجر في خدمته الولد، وكذلك في الخدمة إذا كانت الخدمة (¬6) السنة والسنتين، فإن طالت السنون لم يعجل عتق الولد؛ لأن لمن له الخدمة أن يختدم الولد بخلاف الإجارة. ¬

_ (¬1) قوله: (المستأجر) ساقط من (ح). (¬2) قوله: (المستأجر) زيادة من (ر). (¬3) في (ف): (المعتق). (¬4) في (ح): (بعد انقضاء). (¬5) في (ف): (الأجل). (¬6) قوله: (الإجارة) ساقط من (ر).

باب في اللقيط يقر بالعبدية لرجل أو يدعي رجل أنه عبده

باب في اللقيط (¬1) يقر بالعبدية لرجل أو يدعي (¬2) رجل (¬3) أنه عبده وقال ابن القاسم في اللقيط يقر عند البلوغ أنه عبد لرجل: أنه (¬4) لا يقبل قوله (¬5). قال الشيخ - رضي الله عنه -: يعتبر اللقيط في أربع: الحرية، والدين، والنسب إن استلحقه رجل، والولاء إذا لم يُسْتَلحق. فحمله على الحرية؛ لأنه الأصل في الناس والرق طارئ عليه، ولأنه الغالب من البلدان أنهم أحرار والعبدية قليل ونادر، والنادر لا حكم له، فإن اعترف اللقيط لرجل بعد بلوغه أنه عبد له فعند (¬6) ابن القاسم لم يقبل قوله. قال الشيخ (¬7): وأرى إن (¬8) اعترف له بالعبدية أن يَنْتَزع ماله ويستخدمه ولا يُمَكَّن من بيعه، وإن قذفه أو جرحه حر لم يحد قاذفه، ولم يقتص من جارحه، وأخذ في ذلك بإقراره على نفسه. وإن أقام رجل شاهدين أنه عبده استرقه. ويختلف إذا أقام شاهدًا هل ¬

_ (¬1) في (ح): (اللفط). (¬2) قوله: (أو يدعي) يقابله في (ر): (ويدعيه). (¬3) قوله: (أو يدعي رجل) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (أنه) ساقط من (ح) (¬5) انظر: المدونة: 2/ 447. (¬6) في (ف): (قال). (¬7) قوله: (قال الشيخ) ساقط من (ت). (¬8) في (ر): (لمن).

يحلف ويسترقه (¬1) أو لا؟ وأن يحلف ويأخذه أحسن؛ لأن حمله على الحرية إنما كان لأنه الغالب لا لبينة شهدت له. وأما دينه، فدين البلد الذي التقط فيه، فإن كانوا مسلمين كان مسلمًا، وإن كانوا نصارى كان على النصرانية، وإن كانوا مسلمين ونصارى حمل أنه مسلم. قال ابن القاسم (¬2) في كتاب تضمين الصناع: إلا أن يكون الذي في تلك القرية من المسلمين الاثنان والثلاث فيحمل على أنه نصراني (¬3). ولم يحمله على النصرانية إن كان الغالب النصارى احتياطًا للإسلام، وإلا فمن أصله أن الحكم للغالب. ولأشهب في كتاب محمد: أنه مسلم وإن كان في قرية فيها نصارى (¬4). قال في غير (¬5) كتاب محمد: وإذا جعلته حرًّا حين لم أدر حر هو أم عبد فكذلك (¬6) أجعله مسلمًا وإن لم أدر مسلم هو أو نصراني (¬7). وقول ابن القاسم أحسن؛ لأنه إنما جعله حرًا لأنه الغالب من الناس ذلك فوجب أن يكون في الدين على الغالب من ذلك الموضع، ولو قدر أن يوجد بمدينة كلها عبيد لم يحمل على أنه حر (¬8)، ولو رباه المسلم على دينه حتى عرف الإسلام حمل على الإسلام (¬9) ولم ينقل عنه، ولو التقط نصرانيٌّ لقيطًا في بلد ¬

_ (¬1) قوله: (هل يحلف ويسترقه) يقابله في (ر): (واحدًا هل يسترقه). (¬2) قوله: (ابن القاسم) ساقط من (ف). (¬3) انظر النوادر والزيادات: 10/ 482. (¬4) انظر النوادر والزيادات: 10/ 482. (¬5) قوله: (غير) ساقط من (ر) و (ح). (¬6) قوله (فكذلك) يقابله في ف (وكذلك) والمثبت من الحمزاوية. (¬7) انظر النوادر والزيادات: 10/ 482. (¬8) قوله: (حر) ساقط من (ف). (¬9) قوله: (حمل على الإسلام) ساقط من (ر) و (ح).

المسلمين ورباه على دينه لم يترك على النصرانية إلا أن يبلغ على ذلك فيختلف فيه هل يقر على ذلك؟. وأما نسبه، فحمله على أنه ذو نسب وأنه لرَشْدَة (¬1) إلا أنه غير معروف، فإن قال له رجل: لا أب لك، أو: يا ولد زنى، حد له (¬2). واختلف إذا استلحقه رجل، فقال في كتاب أمهات الأولاد: لا يقبل قوله ولا يصدق إلا أن يكون لذلك وجه مثل: أن يكون رجل لا يعيش له ولد فيسمع قول الناس إنَّه إذا طرح عاش فيطرح ولده، وقد كان سمع منه ما يستدل به على صدقه فيلحق به، وإلا لم يلحق به إلا ببينة (¬3). قال سحنون: وقال غيره: لا يقبل قوله (¬4) إلا ببينة (¬5). يريد: وإن كان ممن لا يعيش له ولد. قال محمد: إن ادعاه غير ملتقطه قُبِلَ وإن بعد الدهر الطويل ويلحق به (¬6). وهذا أشبه بقول مالك وابن القاسم؛ لأن من قولهما أن كل من ادعى ولدًا واستلحقه وليس له أب معروف يقبل قوله إلا أن يتبين كذبه، وإنما يصح ألا يصدق في اللقيط على القول في الاستلحاق: إلا (¬7) أنه لا يقبل قوله، إلا أن يثبت أن أمه كانت فراشًا لمستلحقه بزوجية أو بملك يمين (¬8). ¬

_ (¬1) في (ف): (لرشده). (¬2) قوله: (له) ساقط من (ح). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 547، 548. (¬4) قوله: (قوله) ساقط من (ف). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 548. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 405. (¬7) قوله: (إلا) زيادة من (ف). (¬8) قوله: (يمين) زيادة من (ر).

فصل [في حكم المنبوذ]

فصل (¬1) [في حكم المنبوذ] وحكم المنبوذ حكم اللقيط في الحرية والدين. واختلف في النسب، فجعله ابن حبيب لزَنْتة لا نسب له وقال: من قذف المنبوذ بأبيه أو بأمه لم يحد، ومن قذف اللقيط بأبيه أو بأمه حد. وقيل: المنبوذ من نبذ (¬2) عندما ولد والشأن أن ذلك (¬3) إنما يفعل بما ولد عن زنى، واللقيط من يطرح عند الشدائد والجدب وليس عندما يولد. ولمالك في المبسوط مثل ذلك قال فيمن قال لرجل: يا منبوذ، قال: ما نعلم المنبوذ إلا ولد الزنى، وأرى على من قال ذلك الحد (¬4). وكل هذا خلاف لقول ابن القاسم؛ لأنه قال فيمن استلحق لقيطًا: لا يقبل قوله إلا أن يعلم أنه ممن لا يعيش له ولد ويسمع قول الناس: إنه إذا طرح عاش، وهو إنما يفعل عند الولادة. وأما ولاؤه فلجميع المسلمين يرثونه ويعقلون عنه، وهذا هو الأصل في كل من لا يعرف نسبه أو كان يعرف نسبه ولا عاقلة له، ومعنى قول عمر - رضي الله عنه - للذي التقط اللقيط "لك ولاؤه" (¬5) أي: يتولاه ويكفله، ومن التقط لقيطًا فهو أحق بتربيته والقيام به (¬6) ولا ينزع منه إذا كان ممن لا يعجز عنه. ¬

_ (¬1) قوله: (فصل) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (المنبوذ من نبذ) يقابله في (ح): (في المنبوذ من ولد). (¬3) قوله: (أن ذلك) ساقط من (ح). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 337. (¬5) أخرجه النسائي في الكبري: 6/ 201، في باب التقاط المنبوذ وأنه لا يجوز تركه ضائعا، من كتاب اللقطة، برقم (11913)، وأخرجه عبد الرزاق: 7/ 452، في باب اللقيط، برقم (13848). (¬6) قوله: (به) ساقط من (ف).

باب في إقرار بعض الورثة أن الميت أعتق عبدا

باب في إقرار بعض الورثة أن الميت أعتق عبدًا (¬1) واختلف إذا أقر بعض ولد الميت أن أباه أعتق هذا العبد وأنكر ذلك بقية الورثة، فقال مالك (¬2): لا يقبل قوله ويكون حظه من ذلك العبد رقيقًا (¬3). قال مالك في كتاب محمد: وسواء كان من العبيد الذين لا ينقص عتق بعضه (¬4) من ثمن ما بقي منه (¬5) أو ينقصه (¬6) ولا يعتق على الشاهد منه شيء قيل له: إنه وارث قال: هو شاهد. قال مالك: ويستحب للذي أقر أن يبيع (¬7) نصيبه من ذلك العبد، ويجعله (¬8) في رقبة إن بلغ ويعتقها عن أبيه، فإن لم يبلغ شارك به والولاء لأبيه، فإن لم يجد أعان به في كتابة مكاتب (¬9). قال: ولا يقضى بذلك عليه. قال مالك: في كتاب محمد: لأنه لا أدري أصدق أم لا؟ قال ابن القاسم: ولو ترك الميت عبدين أو ولدين (¬10) فأقر أحدهما أن أباه أعتق هذا العبد، وقال الآخر بل أعتق هذا العبد، والثلث يحملهما أو لا يحملهما، فإنه يقسم الرقيق فمن صار إليه العبد الذي أقر بعتقه عتق عليه ما ¬

_ (¬1) في (ح): (هذا العبد). (¬2) قوله: (فقال مالك) يقابله في (ح): (فقيل). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 448. (¬4) قوله (بعضه) يقابله في ف (نفقة) وهو تصحيف والتصويب من الحمزاوية. (¬5) قوله: (ما بقي منه) ساقط من (ح). (¬6) قوله: (أو ينقصه) يقابله في (ر): (أو لم ينقص). (¬7) في (ر): (يجعل). (¬8) قوله: (ويجعله) ساقط من (ر). (¬9) انظر: المدونة: 2/ 448. (¬10) قوله: (عبدين وولدين) يقابله في (ف): (عبدين أو ولدين).

يحمل الثلث منه، وإن صار لصاحبه أخرج نصف قيمة ذلك العبد إذا كان الثلث يحمله فيجعله في رقبة أو في بعضها أو يعين (¬1) به مكاتبًا (¬2). قال الشيخ - رضي الله عنه -: اختلف في هذه الوجوه الثلاثة فيما (¬3) إذا أقر أحدهما أن أباه أعتق عبدًا هل يعتق نصيب المقر أم لا (¬4)؟ وإذا لم يعتق هل يؤمر ببيع نصيبة؟ وإذا كانا عبدين هل يعتق على المقر (¬5) إذا صار إليه ما حمل منه الثلث؟ أو يعتق في ثلث جميع تركة الميت؟ وإنما ينظر إلى ثلث (¬6) ما في يديه، فقال في المدونة: إذا أقر أحدهما لم يجز إقراره وكان نصيبه رقيقًا. وقيل: يجوز إقراره على نفسه ويعتق نصيبه خاصة. وقيل يعتق نصيبه ويستكمل عليه أنصباء شركائه؛ لأنه (¬7) يتهم أن يكون العتق منه وينسب ذلك إلى الميت (¬8). واختلف بعد القول إنَّ نصيبه رقيق هل ذلك لحق الورثة لأنه يدخل عليهم (¬9) بإقراره عيبًا، أو لأن ذلك حقًّا لله تعالى؛ لأنه يؤدي إلى عتق من غير استكمال؟ فجعل في (¬10) المدونة أنه لحق الشركاء، ورد قوله مع بقاء الشركة، وأجازه إذا كانا عبدين فاقتسماهما فصار إليه وأعتق منه (¬11) ما حمل الثلث؛ لأن ¬

_ (¬1) في (ر): (يعين). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 449. (¬3) في (ح): (في). (¬4) قوله: (أم لا) ساقط من (ف) و (ح). (¬5) قوله: (على المقر) ساقط من (ح). (¬6) قوله: (ثلث) ساقط من (ف). (¬7) في (ف): (لا). (¬8) انظر: المدونة: 2/ 449. (¬9) قوله: (عليهم) ساقط من (ف). (¬10) قوله: (فجعل في) يقابله في (ح): (وفي)، وفي (ر): (فجعلة). (¬11) قوله: (أعتق منه) يقابله في (ف): (وأعتق).

عتق البعض عيب في بقيته (¬1) فلم يكن (¬2) إقراره يدخل (¬3) عليهم عيبًا، وعلى هذا إذا كان عتق نصيبه لا ينقص الثمن أو ينقصه ودفع إليهم قيمة العبد أن يجوز إقراره وإن كره شركاؤه، وكذلك إن رضي الشركاء بالعيب (¬4). وقيل: إنما لم يجز إقراره؛ لأن هذا يؤدي إلى عتق البعض من غير استكمال، وإلى إبطال ما جاء في ذلك من الحديث، ويؤيد ذلك قول مالك في كتاب محمد: إنه لا يمضي عتق نصيب المقر وإن كان ذلك لا ينقص ثمن ما بقي. وعلى هذا لا يعتق نصيب المقر وإن (¬5) صار ذلك العبد (¬6) إليه في قسمته (¬7) إذا كان لا يحمله الثلث. والقول: إنه يمضي العتق في نصيبه أحسن سواء نقصه العتق أو لم ينقصه؛ لأن ذلك (¬8) مما لا يتهم فيه الإنسان (¬9)، ودخول العيب أهون من الاسترقاق بالشك، وللعتق حرمة (¬10)، وقد قال ابن القاسم مرة في إقرار أحد الشريكين على صاحبه أنه أعتق نصيبه وهو موسر: إنَّه يعتق نصيب الشاهد. فهو في هذا أحرى (¬11) أن يعتق نصيبه، ولو كنت أقول إنه لا يعتق نصيب المقر لم آمره ¬

_ (¬1) في (ف): (نفقته). (¬2) في (ف): (يقبل). (¬3) في (ف): (لما يدخل). (¬4) قوله: (وكذلك إن رضي الشركاء بالعيب) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (كان ذلك لا ينقص. . . . نصيب المقر وإن) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (ذلك العبد) ساقط من (ر). (¬7) في (ح): (قسمه). (¬8) قوله: (لأن ذلك) يقابله في (ح): (لأنه). (¬9) قوله: (الإنسان) ساقط من (ف). (¬10) قوله: (وللعتق حرمة) يقابله في (ف): (والعتق خدمة). (¬11) في (ف): (أجدى).

بالبيع، وكيف يندب إلى بيع ما هو مقر به أنه حر؟! ولو دعا إلى ذلك دون بقية الورثة لم أُمكّنه منه. وقال محمد: يقال للمقر إن كنت صادقًا فلا تختدمه في يومك، وإن بعتم (¬1) فخذ الثمن فاجعله في رقبة من غير حكم. ومحمل قوله "إن بعتم" أي (¬2): إذا دعا إلى ذلك (¬3) غيره من الورثة. وأرى أن يحكم عليه ألا يستخدمه في يومه؛ لأنه لم يرجع عن قوله، ومحمله فيما بينه وبين العبد على الصدق (¬4) إلا أن يرجع عن ذلك ويأتي في ذلك بعذر (¬5). وأما إذا صار (¬6) ذلك العبد إلى المقر بالمقاسمة وكان قيمة كل عبد من هذين العبدين مائة مائة وخلف الميت مائة غيرهما، فإنه يعتق جميعه، وهو قول ابن القاسم في كتاب محمد، وهو ظاهر قوله في (¬7) المدونة؛ لأن من صار إليه ذلك (¬8) العبد مقر أن الثلث يحمله وأن الحكم أن يخرج حرًّا، ويكون الموروثُ عن الميتِ العبدَ الآخرَ والمائةَ، وأخوه ظلمه بإمساكه عنه (¬9) نصف العبد الآخر (¬10). ¬

_ (¬1) قوله: (تختدمه في يومك وإن بعتم) يقابله في (ح): (تحنث منه في قولك وإن يقم). (¬2) قوله: (أي) زيادة من (ر). (¬3) قوله: (إلى ذلك) يقابله في (ح): (ذلك إلى). (¬4) في (ف): (الصداق). (¬5) قوله: (بعذر) يقابله في (ف): (بعد). (¬6) في (ح): (كان). (¬7) قوله: (قوله في) ساقط من (ر). (¬8) قوله: (ذلك) ساقط من (ح). (¬9) قوله: (عنه) ساقط من (ر). (¬10) قوله: (والمائة وأخوه ظلمه بإمساكه عنه نصف العبد الآخر) ساقط من (ح)

وأصل مالك وأشهب في كتاب محمد أنه لا يعتق منه إلا نصفه وما صار (¬1) إلى الأخ فهو عنده غصب على التركة قبل المقاسمة وإن كان (¬2) الميت لم يتركه، فإذا صار إليه العبد (¬3) وخمسون دينارًا فثلثه (¬4) للميت معه (¬5) خمسون وهي نصف العبد. قالا (¬6) ذلك فيمن قال: أعتق أبي هذا العبد، ثم قال: بل هذا، ثم قال (¬7) في ثالث: بل هذا. إنه يعتق الأول ويعتق من الثاني ثلث (¬8) قيمة الاثنين ويعتق من الثالث تسع (¬9) الثلث. وقال ابن القاسم: يعتق الثلاثة إذا كانت قيمتهم سواء. وقد قيل في هذا الأصل: إن الذي غصبه (¬10) الأخ على الأخ المقر وعلى العبد جميعًا بالسواء (¬11)؛ لأن حظ الأخ من مال الميت مائة وحظ العبد مثل ذلك، فيقسمان (¬12) المائة وخمسين (¬13) نصفين فيعتق ثلاثة أرباع العبد. ¬

_ (¬1) في (ف): (جاز). (¬2) قوله: (وإن كان) يقابله في (ح) و (ر): (وكان). (¬3) قوله: (العبد) ساقط من (ح). (¬4) في (ر): (فثلث)، وفي (ح): (فثله). (¬5) في (ح): (منه). (¬6) في (ف) و (ح): (قال). (¬7) قوله: (قال) ساقط من (ف). (¬8) قوله: (من الثاني ثلث) يقابله في (ف): (عن الثاني). (¬9) في (ر): (سبع). (¬10) في (ح): (يمضيه). (¬11) قوله: (جميعا بالسواء) ساقط من (ر). (¬12) في (ف): (فيقتسمان). (¬13) في (ر): (والخمسين).

فصل [في الشهادة بالعتق]

قال محمد: ولو أقر أحد الولدين بعبد (¬1) نصفه حر أن أباه عتقه لجاز إقراره في نصيبه، ولو لم يكن فيه شيء (¬2) عتيق فقال أحدهما: أعتق أبي نصفه (¬3) وقال الآخر: أعتقه كله، والثلث يحمله، فإنه يعتق ثلاثة أرباعه، ربعه على من قال: أعتق نصفه، ونصفه على من قال: أعتقه كله (¬4). وهذا إنما يصح على قول (¬5) من قال: إنَّه إنما يرد إقرار أحد الورثة لدخول العيب على بقية الورثة، فإذا اجتمعا على أنه قد (¬6) كان من الميت عتق سقط المقال في عيب (¬7) العتق. وأما على القول إنَّ رَدَّ الإقرار لأنه لا يقدر أن يقيم البينة في الاستكمال، فإنه لا يجيز (¬8) إقرارهما ويبقى جميعه رقيقًا، ومثله لو قال أحدهما: أعتق أبي جميعه (¬9) في صحته، وقال الآخر: جميعه في مرضه والثلث يحمله، فإنه يعتق ثلاثة أرباعه -على ما قاله محمد- ربعه على من قال: نصفه في الصحة، ونصفه على من قال: جميعه في المرض. فصل [في الشهادة بالعتق] وإذا شهد واحد بالعتق وهو عدل فأراد العبد أن يحلف له من أنكره، فإن ¬

_ (¬1) في (ح): (بغير)، وفي (ر): (بعبد). (¬2) قوله: (شيء) ساقط من (ر). (¬3) في (ف): (نصيبه). (¬4) في (ر): (جميعه). (¬5) قوله: (قوله) زيادة من (ر). (¬6) قوله: (قد) زيادة من (ح). (¬7) قوله: (في عيب) يقابله في (ر): (وثبت العتق) (¬8) قوله (يجيز) يقابله في ر (يجبر). (¬9) في (ر) و (ح): (نصفه).

فصل [في شهادة الورثة بالعتق]

كانوا كبارًا رشدًا حلفوا. قال محمد: إن كان فيهم سفيه أو صغير لم يكن على من بقي من الأكابر يمين (¬1)؛ لأنهم لو أقروا بمثل ما شهد الشاهد لم يعتق عليهم. وعلى قوله "لو كانوا كبارًا رشدًا" فابتدئ بيمين أحدهم لم يحلف الباقين (¬2)؛ لأنهم لو أقروا لم يعتق أنصباؤهم بعد يمين أحدهم (¬3)، وإن تبدى (¬4) بيمين أحدهم فنكل (¬5) أُحلف الثاني فإن حلف لم يحلف الثالث وإن نكل أحلف الثالث. وعلى القول الآخر (¬6) إنَّ نصيب المقر يكون عتيقًا يحلف كل واحد منهم وإن حلف من قبله وإن أقر عتق نصيبه، وإن نكل سجن حتى يحلف، وينبغي أن يحلف، وإن كان لا يعتق على أحدهم (¬7) بإقراره؛ لأن العبد يقول: من حقي ألا يستخدمني في يومه إن أقر، وألا يدعو إلى بيعي وقد أقر بعتقي إذا دعي إلى اليمين. فصل [في شهادة الورثة بالعتق] وإن شهد شاهدان من الورثة أن الميت أعتق هذا العبد ولم يثبت عدالتهما لم يعتق من ذلك العبد -على قوله في المدونة- شيء. ¬

_ (¬1) في (ف): (شيء). (¬2) قوله: (فابتدئ بيمين أحدهم لم يحلف الباقين) يقابده في (ف): (ما بقي لي بيمين أحدهم فحلف لم يحلف) (¬3) قوله: (يعتق أنصباءهم بعد) ساقط من (ر). (¬4) في (ر): (أبدي). (¬5) قوله: (وإن تبدى بيمين أحدهم فنكل) يقابله في (ف): (وأن نكل). (¬6) قوله: (الآخر) ساقط من (ر). (¬7) في (ف): (أحد).

وعلى القول الآخر يعتق أنصباؤهما، فإن كانا عدلين وكان الولاء يصير لجميعهم للمقر والمنكر أو لمن أنكر خاصة قضى بشهادتهما وأعتق العبد. وإن كان يصير لمن أقرَّ خاصة كالإخوة للأب والإخوة للأم أو كان الورثة نساء ورجالًا فأقر الرجال (¬1) وأنكر النساء نظرت، فإن كان العبد ممن لا يرغب في ولائه جازت الشهادة. واختلف إذا كان يرغب في ولائه، فقال في المدونة: لا تجوز الشهادة (¬2). وفي كتاب محمد (¬3): الشهادة جائزة. ¬

_ (¬1) قوله: (الرجال) ساقط من (ر)، وفي (ف): (الرجل). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 450. (¬3) قوله: (محمد) ساقط من (ح)

باب فيمن أعتق عبده وقال: أعتقته على مال، وقال العبد: على غير مال

باب فيمن (¬1) أعتق عبده وقال: أعتقته (¬2) على مال، وقال العبد: على غير (¬3) مال قال ابن القاسم - فيمن أقر بعتق عبده وقال: أعتقته (¬4) على مائة (¬5) دينار وجعلتها عليه، وقال العبد: بل أعتقني (¬6) على غير مال -: إن القول قول العبد مع يمينه (¬7). وقال غيره (¬8): القول قول السيد مع يمينه؛ لأنه لو قال: أنت حر وعليك مائة دينار، كان (¬9) ذلك عليه، وليس مثل الزوجة يقول لها: أنت طالق وعليك مائة دينار، فهي طالق ولا شيء عليها. وقال الشيخ - رضي الله عنه -: العتق على ثلاثة أوجه (¬10): فإن كان العتق (¬11) بغير محضر العبد كان القول (¬12) قول السيد ولا مناكرة للعبد، وإن كان العتق (¬13) ¬

_ (¬1) في (ر): (إذا). (¬2) في (ح): (أعتقه). (¬3) قوله: (على غير) يقابله في (ر): (بغير). (¬4) في (ح): (أعتقه)، وفي (ف): (أعتقت). (¬5) قوله: (على مائة) يقابله في (ر): (بمائة). (¬6) قوله: (بل أعتقني) ساقط من (ف). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 388. (¬8) قوله: (القول قول العبد مع يمينه وقال غيره) ساقط من (ف). (¬9) في (ف) و (ح): (أن). (¬10) في (ح): (أضرب). (¬11) قوله: (العتق) ساقط من (ر). (¬12) قوله: (كان القول) يقابله في (ر): (فالقول). (¬13) قوله: (العتق) ساقط من (ر).

بمحضره فقال السيد: قلت (¬1) أنت حر على أن عليك مائة دينار، وقال العبد: أعتقتني (¬2) ولم تذكر مالًا، كان ها هنا (¬3) موضع الخلاف. وإن قال: أعتقتك وجعلت عليك مائة بمراضاة منك، وقال العبد: لم أرض لك بشيء، كان ذلك أشكل، فيصح أن يقال ها هنا: القول (¬4) قول العبد أنه لم يرض له بشيء، ويصح أن يقال: القول قول السيد؛ لأنه يقول: لم أعتق إلا على مال وذلك لي، وإن لم ترضَ أنت فقولك أنك (¬5) لم ترض لا يسقط قولي (¬6) أني لم أعتق إلا على أن جعلت عليك مالًا (¬7). وهو أحسن أن القول قول السيد في الوجهين جميعًا إذا قال (¬8) كان ذلك بغير رضاك أو برضاك (¬9)، ولا يؤخذ بغير ما أقر به، ولأن (¬10) من حقه أن يعتق على مال فالقول قوله أنه لم يسقط حقه في ذلك. ¬

_ (¬1) قوله: (قلت) ساقط من (ف). (¬2) في (ر): (أعتقني). (¬3) في (ر): (هذا). (¬4) في (ر): (أن القول). (¬5) في (ف): (أنت). (¬6) في (ف): (قول). (¬7) قوله: (أن جعلت عليك مالًا) يقابله في (ر): (مال). (¬8) قوله: (قال) ساقط من (ر). (¬9) قوله: (أو برضاك) ساقط من (ر). (¬10) (في (ر): (ولا).

باب أحد الشريكين في العبد يشهد أحدهما على صاحبه أنه أعتق نصيبه

باب أحد (¬1) الشريكين في العبد يشهد أحدهما على صاحبه أنه أعتق نصيبه (¬2) وقال ابن القاسم في شريكين في عبد (¬3) شهد أحدهما على صاحبه أنه أعتق نصيبه: إن كان المشهود عليه موسرًا أعتق نصيب الشاهد؛ لأن شريكه جحده قيمة نصيبه، وإن كان معسرًا لم يعتق عليه. وقال أيضًا: لا يعتق نصيب الشاهد وإن كان المشهود عليه موسرًا. وقال سحنون: وهو أجود، به يقول جميع الرواة (¬4). وقال ابن القاسم في كتاب محمد في شركاء ثلاثة شهد اثنان على الثالث أنه أعتق نصيبه وهما عدلان، قال: إن كان المشهود عليه موسرًا لم تجز الشهادة؛ لأنها شهادة لأنفسهما بالقيمة، وإن كان معسرًا جازت الشهادة. قال: وبلغني عن مالك أنه قال: لا تجوز شهادتهما في الأمرين جميعًا. قال الشيخ - رضي الله عنه -: أرى أن تجوز إن كان موسرًا، ولا تجوز إذا كان معسرًا؛ لأنهما مع اليسر لا يتهمان في القيمة؛ لأن ذلك لا يتعذر أخذه إذا بيع في السوق، وإنما يتهم الشاهد إذا شهد (¬5) فيما يؤدي إلى أكثر من القيمة، ويتهمان مع العسر؛ ¬

_ (¬1) قوله: (أحد) ساقط من (ح) (¬2) قوله: (باب: أحد الشريكين في العبد يشهد أحدهما على صاحبه أنه أعتق نصيبه) في (ف): (فصل). (¬3) قوله: (شريكين في عبد) يقابله في (ح): (عبدين شريكين). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 450. (¬5) قوله: (إذا شهد) زيادة من (ر).

لأن المعتق بعضه يكون منقطعًا بجملته إلى من يكون له فيه بقية (¬1) الرق وينحاز إليه، وقد يكره أحد الشركاء صحبة أحد شركائه وسوء عشرته فيخرجه من العبد بالشهادة عليه (¬2). ¬

_ (¬1) في (ح): (بقيد). (¬2) قوله: (عليه) زيادة من (ر).

باب في الرجوع عن الشهادة في العتق، والتدبير، والإيلاء، والكتابة، والعتق إلى أجل، وغير ذلك

باب في الرجوع عن الشهادة في العتق، والتدبير، والإيلاء، والكتابة، والعتق إلى أجل، وغير ذلك (¬1) وقال ابن القاسم في البينة تشهد بالعتق فيحكم بشهادتهما (¬2) ثم يرجعان بعد الحكم: إنَّ العتق ماض لا يرد، ويضمن (¬3) الشاهدان قيمة العبد (¬4). قال الشيخ - رضي الله عنه -: اختلف في الشهود، فقيل: عليهم غرم قيمته تعمدوا أو أخطأوا، وقيل: لا شيء عليهم في الوجهين جميعًا؛ لأنهم في العمد غَرُّوا (¬5) بالقول وفي الخطأ أخطأوا (¬6) فيما أذن لهم فيه بل يرون أن ذلك واجب عليهم، وقيل: ذلك عليهم في العمد ولا شيء عليهم (¬7) في الخطأ، والأول أحسن أن يغرموا في الوجهين جميعًا: فيغرموا في العمد؛ لأنهم تعمدوا إلى ما أدى إلى إتلافه، وفي الخطأ لأن الخطأ في أموال الناس لا يسقط الغرم. وقال محمد فيمن شهد عليه شاهدان أنه أقر في عبد (¬8) في يديه أن لفلان نصفه وأن الذي في يديه أعتقه، ثم رجعا عن الشهادة بعد الحكم: إن ¬

_ (¬1) قوله: (باب في الرجوع. . . إلى أجل وغير ذلك) ساقط من (ف)، وقوله (غير ذلك) زيادة من (ر). (¬2) في (ر): (بشهادتها). (¬3) في (ر): (ويغرم). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 450. (¬5) في (ح): (عدول). (¬6) في (ح): (إنما أخطأوا). (¬7) النسخة الحسنية تنتهي في (باب الرجوع عن الشهادة في العتق والتدبير والإيلاء والكتابة والعتق إلى أجل) عند قوله: "وقيل ذلك عليهم في العمد ولا شيء عليهم". (¬8) في (ف) و (ح): (غير).

الشاهدين يغرمان للمشهود عليه قيمة العبد ونصف قيمته؛ لأنهما أخرجا العبد من يديه ونصف قيمته (¬1). وكذلك لو شهدا (¬2) على المشهود له بالثمن ثم رجعا عن جميع الشهادة عن الشهادة بالملك والشهادة بالعتق، فإنهما يغرمان قيمة العبد ونصف قيمته، فيأخذ الأول نصف قيمته التي أتلفها عليه، وللآخر قيمته (¬3)، ولو رجعا عن الشهادة بالملك خاصة غرما نصف قيمته وحدها، وإن رجعا عن الشهادة بالعتق غرما قيمته وحدها (¬4)، وإن شهدا على رجل أنه أعتق عبده إلى أجل ثم رجعا عن الشهادة غرما قيمته بتلًا. واختلف في الخدمة على ثلاثة أقوال، فقال عبد الملك بن الماجشون في كتاب محمد: تسلم الخدمة إلى الشاهدين، وتحسب عليهما، فإن استوفيا ما غرما من قيمته رجع فضل الخدمة للعبد (¬5). وقال عبد الله بن عبد الحكم: يطرح عن الشاهدين ما تسوى الخدمة ويغرمان ما بقي (¬6). وقال محمد: السيد بالخيار بين أن يسلم الخدمة للشاهدين، فإذا استوفيا ما غرماه وفضل شيء رجع للسيد، وإن انقضت الخدمة قبل استيفاء القيمة كان حرًّا ولم يتبع بشيء، وإن أحب السيد أن يحبس الخدمة ويحسب قيمتها شهرًا بشهر فليسلمه (¬7) للبينة، قال: لأن من حجة السيد في غلامه وجاريته المدبرين ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 499. (¬2) في (ر): (شهدوا). (¬3) في (ف): (قيمته). (¬4) قوله: (وإن رجعا عن الشهادة عن العتق غرما قيمته وحدها) ساقط من (ر). (¬5) في (ر): (إلى السيد). وانظر: النوادر والزيادات: 8/ 499. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 499. (¬7) في (ر): (فيسلمها).

لصنعته، لعله لا يجد من يعمل عملهما، فيشهدا عليه بذلك ليصير عملهما إليهما الأمد الطويل، فيكونا قد نالا بذلك مما حاولا. قال الشيخ رحمه الله تعالى: ولا (¬1) يختلف أنه إذا لم توف الخدمة بما غرماه (¬2) أن العبد عتيق عند محل الأجل وأنه لا يتبع بالفاضل. ويختلف إذا كان في الخدمة فضل هل يكون للسيد أو للشاهدين؟ فعلى القول إنَّ الغاصب إذا ضمن ما غصب وكان فيه ربح أنه يباع ليكون (¬3) الربح للمغصوب منه وأن الغاصب لا يربح، يكون فضل تلك (¬4) الخدمة للسيد، وعليه يصح ما قال عبد الملك. وعلى القول إن ذلك يبقى للغاصب بربحه، تكون الخدمة ها هنا للشاهدين وإن كان فيها فضل. وقول محمد إنه يحسب الخدمة بغير النقد - ليس ببين (¬5) وفيه ضرر على الشاهدين؛ لأن من حقهما أن يباع بالنقد فيكون لهما أن يتعجلاها (¬6) مكان ما غرما، وإن أحب السيد أن يأخذ تلك الخدمة بما يباع به كان ذلك له. وقال محمد: وإن كان الشاهدان معدمين كان السيد (¬7) بالخيار بين أن يأخذها ويحاسب بها (¬8) شهرًا بشهر -حسبما قال- إذا كانوا موسرين (¬9). ¬

_ (¬1) في (ر): (لم). (¬2) قوله: (بما غرماه) يقابله في (ف): (لما غرموا). (¬3) في (ر): (فيكون). (¬4) قوله: (فضل تلك) يقابله في (ر): (للمفضل). (¬5) في (ر): (بشيء). (¬6) قوله: (فيكون لهما أن يتعجلاها) يقابله في (ر): (فيتعجلاها). (¬7) قوله: (السيد) ساقط من (ر). (¬8) في (ف) و (ح): (لها). (¬9) قوله: (حسبما قال إذا كانوا موسرين) ساقط من (ر). وانظر: النوادر والزيادات: 8/ 503.

فصل [في الرجوع عن الشهادة في التدبير]

قال الشيخ - رضي الله عنه -: وأرى أن (¬1) من حقِّ السيد أن تباع له الخدمة بالنقد؛ لأن المعسر تباع عليه تلك الخدمة ولو كانت له بالنقد فيقضي بها دينه، وكذلك دين السيد. فصل (¬2) [في الرجوع عن الشهادة في التدبير] ولو (¬3) شهد أنه دبر عبده ثم رجعا بعد الحكم، غرما قيمته وقت الحكم (¬4) بشهادتهما. قال محمد: ثم خير السيد في الخدمة، فإن شاء أسلمها إلى الشاهدين بحسبانها (¬5) فيما غرما، فإن استوفيا في حياة السيد رجع إلى سيده مدبرًا، وإن شاء السيد كان أولى بخدمته ودفع إليهما قيمة (¬6) الخدمة، فإن مات السيد وهو في الخدمة التي صارت لهما قبل أن يستوفيا ما غرما من قيمته وحمله الثلث كان حرًّا ولم يكن لهما غير ما صار إليهما من أجرة (¬7) خدمته، وإن لم يخرج من الثلث كان للشاهدين ما رق منه حتى يستوفيا ما غرما من قيمته (¬8)، فإن فضل بعدها شيء كان للورثة ولم يربح الشاهدان شيئًا (¬9). ¬

_ (¬1) قوله: (وأرى أن) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (فصل) ساقط من (ف). (¬3) في (ر): (وإذا). (¬4) في (ر): (حكم). (¬5) في (ر): (بحسابها). (¬6) قوله: (قيمة الخدمة) يقابله في (ر): (قيمة ذلك). (¬7) قوله: (أجرة) ساقط من (ر). (¬8) قوله: (من قيمته) ساقط من (ف). (¬9) قوله: (شيئًا) ساقط من (ف). وانظر: النوادر والزيادات: 8/ 502.

وعلى قوله إذا كان على الميت دين يغترق المدبر بيع وكان للشاهدين من ثمنه ما كانا غرماه، ويكون الفضل للغرماء، وكل هذا على (¬1) قوله إنَّه لا يربح (¬2) المتعدي، وعلى القول الآخر يكون (¬3) للشاهدين جميع الخدمة بفضلها. وإن مات السيد وعليه دين يغترقه كان جميع العبد لهما بفضله ولا يباع، وإن لم يكن عليه دين ولم يخلف مالا (¬4) سواه كان لهما ثلثان بفضله، ولا مقال للورثة فيه إن كان فيه (¬5) فضل. وإن أفاد المدبر مالًا أو مات العبد وخلف مالًا أو (¬6) قتل وأخذت قيمته كان للشاهدين من ذلك تمام ما غرماه والفضل للسيد، وعلى القول الآخر يكون جميع ذلك بفضله للشاهدين دون السيد، وإن كان الشاهدان معدمين بيع من الخدمة ما يجوز أن يباع بالنقد وذلك السنة والسنتان، فإذا انقضت تلك المدة بيع لهما (¬7) أيضا مثل ذلك حتى يستوفى (¬8). وقال محمد بن عبد الحكم إذا كان الشاهدان معدمين ضمنا (¬9) فضل ما ¬

_ (¬1) في (ف) و (ح): (فعلى). (¬2) في (ح) و (س) و (ر): (يرجع). (¬3) قوله: (يكون) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (مال) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (فيه) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (أفاد المدبر مالًا أو مات العبد وخلف مالا أو) يقابله في (ر): (وإن مات العبد وخلف مالا أو أفاد مالا). (¬7) في (ف) و (ح): (له). (¬8) في (ر): (يستوفيا). (¬9) في (ف) و (ح): (ضمن).

بين قيمته عبدا أو (¬1) قيمته مدبرا أن لو جاز بيعه، قال: ولو قال قائل يقضى على الشاهدين بما نقص (¬2) التدبير من قيمته موسرين كان أو معسرين لم أعبه، وهو أقوى في النظر من القول الأول (¬3). قال الشيخ - رضي الله عنه - النظر (¬4) أن يغرما قيمته كلها؛ لأنهما بشهادتهما منعاه من بيعه، ومن أين (¬5) يأخذ تلك القيمة (¬6) إذا أحب البيع؟ قال سحنون في كتاب ابنه: لو شهدا بتدبير جارية ليست ممن يخارج كما نهى عمر - رضي الله عنه - (¬7) أن يكلف الأمة غير ذات الصنعة الكسب (¬8) فتكسب بفرجها، فإن الشاهدين يؤديان القيمة، وتعتق إذا لم يبق فيها ما يستوفيان منه ما وديا إلا أن يشاءا أن ينفقا عليها إلا (¬9) أن يدركا شيئا (¬10) من رقها بموت السيد لعجز الثلث أو لدين يحدث، فإن فعلا بيع لها فيما وديا وما أنفقا ولا يكون لها في (¬11) الفضل (¬12). ¬

_ (¬1) في (ر): (و). (¬2) في (ف): (يقضي). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 503. (¬4) في (ر): (والقياس). (¬5) في (ر): (أن). (¬6) قوله: (تلك القيمة) يقابله في (ر): (ذلك الثمن). (¬7) في (ف): (عثمان). (¬8) قوله: (الكسب) ساقط من (ف). (¬9) في (ر): (إلا). (¬10) في (ر): (يدرك شيء). (¬11) قوله: (في) ساقط من (ف). (¬12) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 503، 504 ونصه: ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: ولو كان المشهود على تدبيره جارية ليست ممن تخارج ولا تعمل، كما نهى عمر أن تكلف الأمة غير ذات الصنعة الكسب فتكسب بفرجها، قال: فيؤديا قيمتها وتعتق إذ لم يبق فيها ما =

فصل [في الرجوع عن الشهادة في الكتابة]

قال (¬1) وإن أسلم المدبر إلى الشاهدين يختدمانه فيما غرما ثم أعتقه سيده مضى عتقه ولم يرده ثم (¬2) ينظر إلى الباقي فإن بقي لهما نصف ما غرماه غرمه لهما وإن بقي ثلث غرمه (¬3). فصل [في الرجوع عن الشهادة في الكتابة] فإن شهدا على رجل أنه كاتب عبده ثم رجعا بعد الحكم غرما قيمته يوم حكم بشهادتهما. واختلف في الكتابة على أربعة أقوال، فقال عبد الملك: تكون الكتابة للشاهدين حتى يصير إليهما منها على النجوم ما غرما، فإن استوفيا رجع الفضل إلى السيد، فإن أدى الكتابة خرج حرًا، وإن عجز كان مملوكا لسيده وإن عجز قبل أن يستوفي الشاهدان ما غرماه بيع لهما منه بقدر ما بقي لهما، وقال ابن القاسم: تؤخذ القيمة من الشاهدين توقف (¬4) على يدي عدل ويتأدى الكتابة، فإن تأداها وفيها وفاء بالقيمة رجعت القيمة الموقوفة إلى الشاهدين، وإن كانت الكتابة أقل أو مات المكاتب قبل الاستيفاء دفع إلى السيد من ¬

_ = يستوفيان منه ما وديا، إلا أن يشاءوا أن ينفقوا عليها السيد كان ينفق عليهما السيد إلى أن يدركا شيئا من رقها بموت السيد لعجز الثلث، أو لدين حدث عليه، فإن فعلا فأدركا شيئا من رقها فليبع لهما ذلك فيما وديا من قيمتها وفيما أنفقا، ولا يكون لهما الفضل، وإن لم يف ذلك بما وديا من قيمة ونفقة، فلا شيء لهما غير ذلك. (¬1) قوله: (قال) ساقط من (ر). (¬2) في (ف) و (ح): (لم). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 504. (¬4) في (ر): (فتوضع).

الموقوف تمام قيمة عبده (¬1). وقال سحنون: قال بعض أصحابنا: تباع الكتابة بعرض فإن كان فيها وفاء بقيمة العبد أو أكثر كان ذلك للسيد و (¬2) إن كان أقل رجع عليهما بتمام القيمة (¬3). وقال ابن الماجشون في كتابه: تباع الكتابة بعرض فإن شاء السيد أخذه وإن شاء بيع العرض فإن كان ثمنه مثل قيمة العبد أو أكثر فهو له وإن كان أقل غرما تمام (¬4) القيمة قال عنه ابن ميسر إلا أن يأبى السيد من بيع الكتابة فلا يغرم له الشاهدان شيئًا (¬5). قال الشيخ: والقول (¬6) بالبداية (¬7) ببيع الكتابة مثل ما تقدم من بيع الخدمة إذا شهدا أنه أعتقه إلى أجل وهو أحسن أن يبتدئ ببيع الكتابة (¬8) إذا كان فيها وفاء بالقيمة فإن كان كل (¬9) ما يباع به أقل كانا بالخيار بين أن يباع (¬10) بالنقد ويغرما تمام القيمة أو يغرما القيمة ويتأدى بالكتابة فقد يكون في عدة (¬11) ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 506. (¬2) في (ف) و (ح): (أو). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 507. (¬4) في (ف): (بتمام). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 507. (¬6) في (ر): (والصواب). (¬7) في (ر): (أن يبدأ). (¬8) قوله: (ببيع الكتابة مثل. . . يبتدئ ببيع الكتابة) ساقط من (ر). (¬9) قوله: (كل) ساقط من (ر). (¬10) في (ر): (تباع). (¬11) في (ر): (عدد).

فصل [في الرجوع عن الشهادة في أمة أنها أم ولد، أو في أم ولد أن سيدها أعتقها]

الكتابة ما يوفي (¬1) بالقيمة، وهذا كما تقدم إذا شهد أنه أعتقه إلى أجل. وإذا أحب السيد (¬2) أن يأخذ الكتابة ولا يغرم الشاهدان وكان العدد أكثر من القيمة لم يكن له ذلك على أحد القولين؛ لأنه ملك أخذ (¬3) القيمة نقدا ففسخ ذلك في أكثر منه (¬4) إلى أجل. فصل [في الرجوع عن الشهادة في أمة أنها أم ولد، أو في أم ولد أن سيدها أعتقها] وإن شهدا أنه أولد أمته ثم رجعا بعد الحكم غرما قيمتها. قال محمد: ولا شيء لهما عليها (¬5) وتبقى أم ولد للسيد (¬6) يطأها؛ لأنهما أدخلا ذلك على أنفسهما وهي لا خدمة فيها غير أنها إن جرحت أو قتلت (¬7) وأخذ لها أرشا كان للشاهدين من ذلك قدر ما غرماه، والفضل للسيد، ولا شيء لهما في مال (¬8) تكتسبه بعمل أو هبة أو غير ذلك (¬9). ¬

_ (¬1) في (ر): (يفي). (¬2) في (ر): (الشهادان). (¬3) في (ف): (لذي). (¬4) قوله: (منه) ساقط من (ر). (¬5) في (ر): (عليه). (¬6) قوله: (للسيد) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (أو قتلت) ساقط من (ر). (¬8) قوله: (في مال) يقابله في (ر): (مما). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 508.

وقال سحنون يرجعان فيما أفادت من مال بقدر ما أديا فقط (¬1). وقال محمد بن عبد الحكم (¬2): إذا رجعا عن الشهادة أنها أم ولد فإن عليهما القيمة ويخفف عنهما من القيمة لما (¬3) بقي له فيها من الاستمتاع، قال: وكذلك إذا كانت حاملًا غرما قيمتها على التخفيف (¬4). قال الشيخ أبو محمد - رضي الله عنه - في النوادر: وقد رووا عن بعض مشايخنا أنه قال لا شيء عليهما إذا شهدا أنه اتخذها أم ولد (¬5). قال الشيخ رحمه الله تعالى: أما القول إن للسيد أن يأخذ القيمة (¬6) وتبقى له متعة فليس ببين؛ لأن البينة لم ترد أن تكون له متعة ويغرمان القيمة، وأرى أن يكون السيد بالخيار بين أن يأخذ قيمتها ويمنع من إصابتها؛ لأنه قد أخذ ثمنها وذلك كالبيع لها، أو لا يأخذ القيمة ويستمتع بها، وإذا أخذ القيمة وأراد الشاهدان الرجوع عليها سئلت: هل تقول إنها أم ولد -كما شهدت البينة- أم لا؟ وإن قالت: لم ألد منه قط. كان لهما أن يؤاجراها في القيمة وينزعا (¬7) مالها، وإن قالت: إنها ولدت منه، لم يكن لهما على خدمتها سبيل ولا على مالها؛ لأنه تقول: إنما انتزاع المال إلى سيدي، فإذا لم ينتزعه مني لم يكن ذلك للبينة هذا ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 508. (¬2) قوله: (عبد الملك) يقابله في (ر): (محمد بن عبد الحكم). (¬3) في (ر): (ما). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 508، 509. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 509. ثم قال ابن أبي زيد: "وهي رواية ما أدري ما حقيقتها، ولا أرى ذلك". (¬6) قوله: (أن يأخذ القيمة) يقابله في (ر): (آخذها بالقيمة). (¬7) في (ف): (وينتزعها).

فصل [في الرجوع عن الشهادة في العتق]

بمنزلة ما لو شهدت البينة (¬1) لرجل بالحرية ثم رجعت عن الشهادة والمشهود له يقر بالعبدية فإن للمشهود عليه أن يستخدمه ولا يبيعه؛ لأن الخدمة حق له والعتق فيه حق (¬2) لله عز وجل. فصل [في الرجوع عن الشهادة في العتق] واختلف إذا شهدا عليه أنه أعتق أم ولده ثم رجعا بعد الحكم، فقيل: لا يغرمان له (¬3) شيئا؛ لأنهما إنما أبطلا عليه (¬4) متعة. وقيل: يغرمان قيمة أم ولد، وقيل: قيمتها أن (¬5) لو كانت أمة لم تلد. وإن شهد أنه أسقط الكتابة عن مكاتبه وأنه أعتقه أو أنه أعتق مدبره أو معتقه إلى أجل غرما قولًا واحدًا (¬6). واختلف في القدْر الذي يغرمانه، فأما أم الولد (¬7) فقال أشهب وعبد الملك في كتاب محمد في أم الولد (¬8): لا شيء على البينة. قال محمد: لأنهما لم يتلفا عليه مالًا ولا خدمة، وإنما أبطلا (¬9) عليه الوطء وما في الوطء من ثمن، كما لو شهدا عليه أنه طلق امرأته البتة ثم رجعا ما كان عليهما في ذلك غرم (¬10). ¬

_ (¬1) قوله: (بينة شهدت) يقابله في (ر): (ما لو شهدت البينة). (¬2) قوله: (له والعتق فيه حق) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (له والعتق فيه حق) ساقط من (ر). (¬4) في (ف): (له). (¬5) قوله: (أن) ساقط من (ر). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 507. (¬7) قوله: (فأما أم الولد) ساقط من (ر). (¬8) قوله: (في أم الولد) ساقط من (ف). (¬9) في (ر): (أتلفا). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 494.

وقال ابن القاسم عليهما قيمتها (¬1): قيمة (¬2) أمة مثل ما لو قتلت، وقيل في هذا الأصل: قيمة أم ولد. وهو ظاهر قول ابن القاسم إذا وطئ الأب أم ولد ولده فأبطل عليه الوطء، وقاله في أم الولد تغر من نفسها (¬3) فتُزوج ويولد لها من الزوج ثم تُستحق إنَّ على الأب قيمة الولد على الرجاء والخوف، وقيل: قيمته رقيقًا بمنزلته لو قتل، ويختلف إذا كان لها مال فعلى قول ابن القاسم يكون للسيد أن يغرمهما قيمتها بمالها، وإن شاء أغرمهما المال وقيمتها بغير (¬4) مال، وعلى قول أشهب وعبد الملك يغرمان المال خاصة؛ لأنه قد كان له أن ينتزع مالها؛ لأن الشهادة بالعتق توجب كون مالها لها ثم ينظر فيما يكون (¬5) من أمرها بعد ذلك إن ماتت أو قتلت فإن ماتت عن مال أو قتلت (¬6) خطأ فأخذت الدية فإن تقدم الحكم فيها بقول أشهب ولم يغرم البينة شيئا ولم يكن لها نسب يرثها (¬7) أخذ ذلك السيد ولا شيء على البينة وإن كان لها نسب ورث المال إن ماتت والدية إن قتلت، وكان للسيد أن يرجع على الشاهدين بمثل ذلك المال (¬8) لأنه يقول: بشهادتكما أخذه وارث النسب إلا أنه يرجع في القتل بقيمتها يوم قتلت على أنها أمة كانت تلك (¬9) القيمة أقل من الدية أو أكثر، فإن ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 506. (¬2) قوله: (قيمة) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (تغر من نفسها) يقابله في (ف): (يغر من بقيمتها). (¬4) في (ر): (بلا). (¬5) في (ف) و (ح): (كان). (¬6) قوله: (فإن ماتت عن مال أو قتلت) ساقط من (ف). (¬7) في (ر): (نسيب يرثها). (¬8) قوله: (المال) ساقط من (ر). (¬9) في (ر): (يملك).

فصل [في الرجوع عن الشهادة في الكتابة]

كانت أقل من الدية لم يكن له (¬1) غير القيمة؛ لأنه يقول: إنها (¬2) قتلت وهي أم ولد لم تعتق. وإن كانت قيمتها على ذلك أكثر أغرمهما قيمتها؛ لأنه يقول: شهادتكما منعتني أن آخذ تمام القيمة. فإن تقدم الحكم بقول ابن القاسم وكان قد أخذ السيد القيمة لم تورث إلا بنسب (¬3) أخذ المال الشاهدان إلا أن يكون فيه فضل فيكون الفضل للسيد، وإن قتلت خطأ (¬4) لم يغرم القاتل شيئا على هذا القول؛ لأن تقدم الشهادة بالعتق يسقط الغرم عن القاتل ويوجب كونها على العاقلة والسيد والبينة مقرون (¬5) أن لا شيء لهم على العاقلة فبطل الدم، وإن كانت تورث لنسب (¬6) كان لمن له النسب أن يأخذ ما خلفته من المال وتغرم العاقلة الدية (¬7) ولا يضره رجوع البينة ولا شيء للسيد على البينة على قوله. فصل [في الرجوع عن الشهادة في الكتابة] وإن شهد أن سيده أسقط عنه الكتابة أو أنه استوفاها ثم رجعا (¬8) غرما ما بقي من الكتابة على النجوم، كلما حل نجم غرمه الشاهدان للسيد كان عينًا أو عرضًا أو ما كان، وهو قول عبد الملك في كتاب محمد (¬9). وللسيد -إن أحب- ¬

_ (¬1) قوله: (له) ساقط من (ف). (¬2) في (ف): (إنما). (¬3) في (ف): (أن ينسب). (¬4) قوله: (خطأ) ساقط من (ف). (¬5) في (ف): (يقرون). (¬6) في (ر): (بنسب). (¬7) قوله: (الدية) ساقط من (ر). (¬8) قوله: (ثم رجعا) ساقط من (ف). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 506.

فصل [فيمن شهدا أنه أعتق مدبره ثم رجعا]

أن يغرمهما قيمته لو بيع على أنه مكاتب بالنقد؛ لأن السيد يقول: قد كان لي أن أبيعه مكاتبًا بالنقد وأتعجل ثمنه، فشهادتكما منعتني ذلك. فإن أخذ ذلك السيد من الشاهدين على النجوم ثم مات المكاتب عن مال أو قتل وأخذ ذلك السيد لعدم من يرثه بالنسب لم يكن للبينة على السيد رجوع؛ لأن السيد يقول: قد كان لي السببان (¬1) جميعًا المكاتبة (¬2) ثم المال والدية الآن (¬3). قال الشيخ - رضي الله عنه -: ولا أرى للسيد على العاقلة شيئا إذا تبين (¬4) منه بعدُ (¬5) العجزُ، وأنه لو لم تشهد البينة لم يقدر على الأداء. فصل [فيمن شهدا أنه أعتق مدبره ثم رجَعَا] وإن شهدا أنه أعتق مدبره غرما قيمته عبدًا لا تدبير فيه، قاله عبد الملك وأصبغ (¬6). واختلف في المعتق إلى أجل، يشهدان على سيده أنه عجل عتقه ثم رجعا عن الشهادة، فقال عبد الملك: عليهما قيمة الخدمة إلى ذلك الأجل، إلا أن يكون الأجل طويلًا لا يبلغه عمر ذلك (¬7) العبد فيكون عليهما ¬

_ (¬1) في (ف): (في الشيئان). (¬2) في (ف): (الكتابة). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 506. (¬4) في (ف): (ثبت). (¬5) في (ف): (بعد ذلك). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 505. (¬7) قوله: (ذلك) ساقط من (ف).

الأقل من ذلك (¬1). وقال أصبغ عليهما قيمته كالمدبر (¬2)، وهو قياد قول ابن القاسم في أم الولد، وقاسا ذلك على القتل لو قتلها أحد، وإذا غرم الشاهدان قيمة خدمة المعتق إلى أجل (¬3) على قول عبد الملك ثم مات العبد في ذلك الأجل عن مال أو قتل وأخذت ديته نظرت فإن كانت تورث (¬4) بنسب كان للسيد أن يرجع على الشاهدين بمثل ما خلف من المال وبقيمته يوم قتل أن لو كان عبدًا، ويقاصهما (¬5) من ذلك بباقي (¬6) الخدمة، وإن لم يكن له نسب وكان ميراثه لسيده كان للشاهدين أن يرجعا عليه بباقي الخدمة، فإن كانت الخدمة عشر سنين -وهي التي غرم- فمات بعد خمس سنين رد عليهما ما أخذ عن خمس. وإن قتل خطأ رجع عليهما بقيمته يوم قتل وقاصهما (¬7) بباقي الخدمة؛ لأن دمه يبطل لأن السيد أبرأ العاقلة، والبينة أبرأت القاتل فشهادتهما حالت بينه وبين أن يغرم القاتل. وإن كان القتل عمدًا كان للسيد أن يجبره على أن يغرم القاتل قيمته عبدًا ويرجع الشاهدان عليه بباقي (¬8) الخدمة. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 501. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 501. (¬3) قوله: (خدمة المعتق إلى أجل) يقابله في (ف): (الخدمة). (¬4) قوله: (كانت تورث) يقابله في (ف): (كان يورث). (¬5) قوله (ويقاصهما) يقابله في ف (يقاصصهما). (¬6) في (ف): (بما في). (¬7) في ف: وقاصصهما. (¬8) قوله: (عليه بباقي) يقابله في (ف): (على باقي)

وأما المدبر إذا مات السيد والثلث يحمله وعليه دين يرقه أو لا دين عليه ولا مال له سواه.

باب إذا شهد بعتق عبد فردت شهادته ثم اشتراه

باب إذا شهد بعتق عبد (¬1) فردت شهادته ثم اشتراه وقال مالك في رجلين شهدا بعتق عبد فردت شهادتهما ثم اشتراه أحدهما: إنه يعتق عليه (¬2). وقال أشهب: يعتق عليه إن أقام على الإقرار بعد الشراء، وإن قال: كنت قلت باطلًا، وأردت إخراجه من يديه. لم يكن عليه شيء (¬3). قال الشيخ - رضي الله عنه -: إن ردت شهادته (¬4) لعدواة وما أشبه ذلك قُبِلَ قوله وإلا لم يقبل قوله. وقول مالك إنه (¬5) يعتق عليه محتمل أن يريد بحكم أو (¬6) أنه حر بنفس الشراء والقياس أن يكون حرًا بنفس الشراء؛ لأنه مقر أنه اشتراه حرًا، والحر لا يفتقر إلى حكم إلا أن يراعى الاختلاف فيه فلا (¬7) يعتق إلا بحكم. ¬

_ (¬1) قوله: (عبد) ساقط من (ف). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 451. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 451. (¬4) في (ر): (شهادتهما). (¬5) قوله: (أنه) ساقط من (ف). (¬6) في (ف): (و). (¬7) في (ف): (لا).

باب في اختلاف الشهادة بالعتق

باب في اختلاف الشهادة بالعتق وقال ابن القاسم في رجل شهد عليه شاهد أنه أعتق عبده (¬1) بتلًا وشهد عليه (¬2) آخر أنه أعتقه إلى سنة: إنَّ السيد يحلف على تكذيب شهادة (¬3) البتل، ويكون عتيقًا إلى سنة، فإن أَبَى أن يحلف سجن حتى يحلف (¬4). قال الشيخ - رضي الله عنه -: وإن كانت الشهادة في (¬5) مجلسين فالجواب صحيح، وإن كانت عن (¬6) مجلس واحد وكلمة واحدة وقام العبد بهما جميعًا، كان فيها (¬7) قولان، فقيل: ذلك تكاذب ويسقطان جميعًا. وقيل: الجواب كالأول يحلف السيد على تكذيب شاهد البتل ويكون معتقًا إلى أجل، وإن قام العبد بشهادة أحدهما والسيد منكر لهما أحلف على تكذيبه وبرئ. وإن أقر السيد بشاهد الأجل، وقام (¬8) العبد بشاهد البتل حلف السيد على تكذيب شاهد البتل، وكان معتقًا إلى أجل، وسواء كان شاهد البتل مثل الآخر في العدالة أو كان أعدل، وليس للعبد أن يحلف مع شاهد البتل، ويعجل عتقه، وإن تأخرت الشهادة حتى حمل الأجل كان عتيقًا، وإن شهد ¬

_ (¬1) في (ر): (غلامه). (¬2) قوله: (عليه) ساقط من (ف). (¬3) في (ر): (شاهد). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 452. (¬5) في (ف): (عن). (¬6) في (ف): (عن). (¬7) في (ف): (فيهما). (¬8) في (ف): (وأقام).

أحدهما أنه أعتقه بتلًا وشهد الآخر أنه دبره بطلت الشهادة، فقال: لأنهما لم يجتمعا في ثلث ولا غيره. وقال ابن القاسم في كتاب محمد: إذا شهد أحدهما أن السيد بتل عتقه في صحته، وشهد آخر أنه بتله في مرضه، جاز وأعتق في الثلث، وإن شهد أحدهما أن السيد (¬1) دبره والآخر أنه أوصى بعتقه جازت شهادتهما ولم تجب له تبدية (¬2) المدبر (¬3). تمَّ كتاب العتق الثاني من التبصرة، والحمد لله حقَّ حمده ¬

_ (¬1) قوله: (أن السيد) يقابله في (ف): (أنه). (¬2) في (ف): (بتبدية). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 504.

كتاب المدبر

كتاب المدبر النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ح) = نسخة الحسنية رقم (12929) 3 - (ق 10) = نسخة القرويين رقم (370)

باب في التدبير والوصية وما يتعلق بذلك

كتاب المدبر (¬1) باب في التدبير (¬2) والوصية وما يتعلق بذلك قال مالك: التدبير واجب؛ لأنه أوجبه على نفسه، والوصية بالعتق عدة إن شاء رجع فيها (¬3)، قال الشيخ رحمه الله تعالى: الأمر في هذين العتقين في موجب اللسان واحد؛ لأن معنى القول أنت مدبر أو معتق عن دبر مني (¬4)، أي: إذا أدبرتُ عن الدنيا، فقوله: أنت معتق، إذا متُّ أو إذا أدبرتُ عن الدنيا واحد. والوصية بالعتق على ثلاثة أوجه: فإن كانت في المرض أو عند سفر كان له أن يرجع عنها، وإن لم يبرأ من ذلك المرض، ولا قدم من ذلك السفر. واختلف إذا قال ذلك وهو صحيح مقيم، فقال ابن القاسم له أن يرجع فيها (¬5)، وقال أشهب: ليس له ذلك وهو التدبير إلا أن يقول ذلك (¬6)، لما جاء في الخبر (¬7) أنه لا ينبغي لأحد أن يبيت ليلتين إلا ووصيته عنده مكتوبة، وهذا هو الأصل عند عدم العادة؛ لأنه عتق معلق بأجل، ولا فرق بين أن يعلقه بموته أو ¬

_ (¬1) وهو في (ف): (كتاب التدبير). (¬2) في (ق 10): (المدبر). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 387. (¬4) قوله: (دبر مني) يقابله في (ق 10): (دبري). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 511. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 18. (¬7) قوله: (الخبر) ساقط من (ق 10).

بموت فلان أو إلى سنة، وقول ابن القاسم أحسن للعادة، وقد استمر في (¬1) الناس أن للموصي أن يغير وصيته متى أحب. ومحمل قول مالك في التدبير أنه لا يغير للعادة عنده أن القائل لذلك ألقى الكلمة على الأصل أنه أعتق إلى أجل، ولو قال السيد: قلت ذلك، وجعلت لنفسي أن أغيره متى شئت ولا بينة عليه حين التدبير، لقبل قوله. وقد يحمل الحديث في بيع النبي - صلى الله عليه وسلم - المدبر (¬2) أن التدبير كان عندهم على مقتضى اللسان أنه عتق معلق بموت صاحبه، وأن القائل لذلك يقصد إلى ما ندبهم الله إليه من الوصية، ولا فرق عندهم بين اللفظين، ولو قصد الإيجاب لم يبعه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأيضًا فإنها نازلة في عين، ولم يقل من دبر عبده لم يلزمه. والثالث: أنه لم تختلف الأخبار (¬3) أن الرد والبيع من النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير أن يدعو إلى ذلك المال، وفي ذلك دليل على أن ذلك لأمر أوجبه؛ لأنه لا يختلف بعد القول أنه عقد غير لازم أنه يجوز البقاء عليها كالوصايا، وأنه إن رجع عن ذلك العقد لم يجب أن يخرج من يديه فيباع عليه. وقد اختلف في الوجه الذي لأجله كان البيع، فذكر النسائي عن جابر أنه كَانَ مُحْتاجًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، وفي مسلم قال: "لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) قوله: (في) ساقط من (ق 10). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 777، في باب بيع المدبر، من كتاب البيوع، برقم (2117)، ومسلم: 3/ 1288 في باب جواز بيع المدبر، من كتاب الأيمان، برقم (997) والنسائي: 8/ 246، في باب منع الحاكم رعيته من إتلاف أموالهم وبهم حاجة إليها، من كتاب آداب القضاة، برقم (5418). (¬3) في (ق 10): (الأحاديث).

فصل [في تقييد التدبير وإطلاقه في الصحة والمرض]

فَقَالَ: "مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟ " فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ (¬1) بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ، ثم قال: ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَلَ شَيءٌ فَلأَهْلِكَ، فَإِنْ فَضَلَ شَيءٌ عَنْ أَهْلِكَ فَلِذِي قَرَابَتِكَ (¬2)، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا، يَقُولُ: فَبَيْنَ يَدَيْكَ وَعَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ" (¬3). ففي هذا دليلٌ أن ذلك كان عندهم كالوصايا فندبه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلى ما هو أولى وألا يضيق على نفسه وعلى أهله، وهذا كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ (¬4) غِنًى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ". أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ (¬5). فصل [في تقييد التدبير وإطلاقه في الصحة والمرض] التدبير في الصحة والمرض سواء (¬6) إذا أطلق ولم يقيد. يريد: بشرط (¬7). واختلف إذا قيد ذلك، فقال: أنت مدبر إن مت من مرضي هذا، فقال ابن ¬

_ (¬1) ورد اسمه في صحيح مسلم: نعيم بن عبد الله العدوي، وفي صحيح البخاري نعيم بن النحام. (¬2) قوله: (فَإِنْ فَضَلَ. . . قَرَابَتِكَ) ساقط من (ق 10). (¬3) أخرجه مسلم: 2/ 692، في باب الإبتداء في النفقة بالنفس ثم أهله ثم القرابة، من كتاب الزكاة، برقم (997). قلت وقوله: (نعيم بن النحام) في صحيح مسلم: (نعيم بن عبد الله العدوي)، وفي صحيح البخاري نعيم بن النحام. اهـ محقق. (¬4) قوله: (ظَهْرِ) ساقط من (ق 10). (¬5) متفق عليه، البخاري: 2/ 1360، في باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى، من كتاب الزكاة، برقم (1360)، ومسلم: 2/ 717، في باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى وأن اليد العليا هي المنفقة وأن السفلى هي الآخذة، من كتاب الزكاة، برقم: (1034). (¬6) انظر: المعونة: 2/ 514. (¬7) قوله: (إذا أطلق ولم يقيد، يريد: بشرط) ساقط من (ح).

القاسم في كتاب محمد: قد ثبت له التدبير، وليس له الرجوع عنه (¬1)، وقال في العتبية: هي وصية، وليس بتدبير، وإن عاش كان له أن يصنع به ما شاء (¬2)، وعلى هذا يجري الجواب إذا دبر عند السفر، فإن لم يقيد (¬3) لم يرجع عنه، وإن قال إن مت من (¬4) سفري هذا، فأنت مدبر كان على الخلاف، وقال مالك فيمن كتب كتابًا لجاريته أنها مدبرة تعتق بعد موتي إن لم أحدث فيها حدثا، قال: هذه وصية له الرجوع فيها (¬5)، فجعل له أن يغيرها لأنه شرط ذلك لنفسه بقوله: إن لم أحدث فيها حدثا (¬6) فكان له أن يغير الوصية، وإن لفظ بالتدبير قولًا واحدًا، وهذا بخلاف من قال: أنت مدبر إن مت من مرضي هذا (¬7) ولم يقل إن لم أحدث فيها حدثًا، وقول ابن القاسم إنها وصية أحسن؛ لأن قوله: إن مت من هذا المرض شرط علق العتق به، فلا يلزمه العتق بغيره. ¬

_ (¬1) في (ح): (عن ذلك). وانظر: النوادر والزيادات: 13/ 18. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 13/ 191. (¬3) في (ق 10): (يقيده). (¬4) في (ح): (في). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 17. (¬6) قوله: (قال: هذه. . . فيها حدثا) ساقط من (ح). (¬7) قوله: (هذا) ساقط من (ح).

فصل [فيما إذا قال أنت: معتق عن دبر من أبي]

فصل [فيما إذا قال أنت: معتق عن دبر من أبي] وإن قال: أنت معتق عن دبر من أبي (¬1) كان (¬2) كقوله: أنت حر إن مات فلان، فيعتق من رأس المال إن مات السيد قبل الأب، وإن كانت أمة لم يصبها. واختلف إذا قال: أنت مدبر عن أبي، فقيل: هو كالأول يكون حرًّا إذا مات الأب (¬3) (¬4)، وإن كان الأب ميتًا حين قال ذلك كان العبد حرًّا مكانه، وقيل: هو حر إذا مات الابن من ثلثه (¬5)، وقيل: إن قال عنه: فإذا مات الأب أو قال عليه، فإذا مات الابن، ومن قال: إن العتق معلق بموت الابن، ومن ثلثه كان له أن يصيبها إن كانت أمة. واختلف في الولاء، فقال ابن القاسم في كتاب محمد: الولاء للأب في الموضع الذي يكون فيه العتق معلقًا بموته (¬6)، وظاهر قوله في السماع أن الولاء تبع لمن كان العتق معلقًا بموته (¬7) فإن كان بموت الابن كان الولاء للابن، وإن كان بموت الأب كان الولاء للأب (¬8)، والقول إنه لا يعتق إلا بموت الابن أحسن، وأن الولاء للأب، وسواء قال عن أبي أو على (¬9) ابني؛ لأن قوله: ¬

_ (¬1) قوله: (من أبي) في (ح): (مني أو من أبي). (¬2) قوله: (كان) ساقط من (ح). (¬3) في (ف): (الأبوان). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 205 و 206. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 19 و 241. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 19. (¬7) قوله: (وظاهر قوله. . . بموته) زيادة من (ف). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 19. (¬9) في (ح): (عن).

فصل [في تعليق حرية العبد بموت السيد وآخر]

أنت مدبر يتضمن أنه حر إذا مات القائل وأدبر عن الدنيا، وقوله عن أبي يقتضي أن العتق على الأب بمنزلة من أوصى في عبد أن يعتق عن فلان، فإن الولاء للمعتق عنه. فصل [في تعليق حرية العبد بموت السيد وآخر] وإن قال: أنت حر بعد موتي وموت (¬1) فلان كان حرًّا من الثلث (¬2)، فإن مات السيد آخرهما (¬3)، ولم (¬4) يحمله الثلث أعتق منه ما حمل الثلث بتلًا (¬5) ورق الباقي، وإن مات السيد أولًا خُير الورثة (¬6) بين أن يجيزوا (¬7) أو تكون لهم الخدمة حتى يموت فلان أو يعتق منه ما حمل الثلث بتلًا، ويرق الباقي. وإن قال: أنت حر بعد موتي، وإن مات فلان فأنت حر توجه (¬8) له العتق بأحد الوجهين من رأس المال إن مات فلان (¬9) قبل، وسواء كان السيد صحيحًا أو مريضًا، وإن مات السيد قبل كان من الثلث، وإن لم يحمله رق الفاضل عن الثلث، وإن قال: أنت حر بعد موت فلان، وإن مت أنا، فأنت حر، توجه له العتق بالشرطين جميعًا، فإن مات فلان كان حرًا من رأس المال، وإن مات ¬

_ (¬1) في (ق 10): (أو موت). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 511. (¬3) في (ح): (أخرجهما). (¬4) قوله: (ولم) في (ح)، (ق 10): (وإن لم). (¬5) قوله: (بتلًا) زيادة من (ق 10). (¬6) قوله: (الورثة) ساقط من (ح). (¬7) في (ح): (يجيز). (¬8) في (ح): (يوجب). (¬9) قوله: (فلان) ساقط من (ق 10).

السيد قبل ولم يحمله الثلث، عجل (¬1) منه عتق ما حمل الثلث، وكان الباقي عتيقًا إذا مات فلان. واختلف فيما يجعل في الثلث، فقيل: الرقبة لما كان لفظًا واحدًا، وقيل: الخدمة؛ لأنه باللفظ الأول معتق إلى أجل لا يملك منه شيئًا سوى الخدمة، وإن قال: أنت حر بعد موتي إلا أن يموت فلان، فأنت حر كان كقوله: وإن مات فلان فأنت حر. واختلف إذا قال: أنت حر إذا مات فلان إلا أن أموت أنا فأنت حر، فقيل: هو كالذي قال: إن مت أنا فأنت حر، وقيل: إن مات السيد أولًا ولم يحمله الثلث كان الباقي رقيقًا (¬2)، والأول أبين، وليس قصده بقوله: إلا أن أموت أنا (¬3)، الرجوع عن الأول. وإن قال: أنت حر لآخرنا موتًا، كان كالذي قال: بعد موتي وموت فلان، وإن قال: لأولنا موتًا كان معتقًا بأحد الوصفين، فإن مات فلان قبل كان من رأس المال، وإن مات السيد قبل (¬4) كان من الثلث ورق (¬5) منه ما عجز عن الثلث. ¬

_ (¬1) في (ح): (عجز). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 14/ 582، والنوادر والزيادات: 13/ 42، 43. (¬3) قوله: (أنا) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (قبل) ساقط من (ح). (¬5) في (ح): (وعجز).

فصل [في العبد يكون بين رجلين تعلق حريته لأولاهما موتا أو لآخرهما]

فصل [في العبد يكون بين رجلين تعلق حريته لأولاهما موتًا أو لآخرهما] وإذا كان عبد بين رجلين، فقالا (¬1): هو حر لأولنا موتًا في كتاب واحد أو عقد واحد بغير كتاب، فمات أحدهما كان نصيب الحي حرًّا من رأس المال، ونصيب الميت حرًّا من ثلثه، فإن عجز نصيبه عن ثلثه لم يقوم (¬2) الذي عجز عن الحي، فإن قالا: هو حر لآخرنا موتًا، فمات أحدهما كان نصيبه في ثلثه، فإن حمله الثلث خدم ورثته حياة الحي منهما (¬3)، وإن لم يحمله ثلثه خير الورثة بين أن يجيزوا أو تكون لهم (¬4) خدمة ذلك النصيب حياة الحي ويعتق (¬5) ما حمل الثلث منه معجلًا، ولا (¬6) يقوم ما رق منه على الآخر، فإن مات الآخر كان نصيبه في ثلثه وعجل عتقه إن حمله الثلث أو ما حمل الثلث منه، فإن جعلا ذلك في عقدين فقال أحدهما: أنت حر لأولنا موتًا ثم قال الآخر مثله، فإن مات القائل أولًا أعتق نصيب الحي من رأس المال، ونصيب الميت من الثلث، فإن (¬7) عجز عنه لم يقوم على الثاني؛ لأنه لم يبتدئ عتقًا (¬8)، ولو كان على الأول دين يرق نصيبه قوم على الثاني، ويصير بمنزلة من لم يعتق سواه، وإن مات القائل أولًا ¬

_ (¬1) في (ف): (فقال). (¬2) في (ح): (يعوض). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 452. (¬4) قوله: (أو تكون لهم) في (ف): (ويكونا سهم). (¬5) في (ح): (أو يعتق). (¬6) في (ف): (ولم). (¬7) في (ف): (فما). (¬8) في (ف): (عتيقا).

أو أخيرًا (¬1) أعتق نصيب الحي من رأس المال، ونصيب الميت من ثلثه (¬2)، فما عجز عن ثلثه قوم على الحي؛ لأنه المبتدئ بالعتق، وإن قالا (¬3): أنت حر لآخرنا موتًا في عقدين، ثم مات القائل أولًا وحمل الثلث نصيبه خدم ورثته حياة الحي منهما (¬4)، فإن مات كان حرًّا، وإن لم يحمله الثلث لم يستتم (¬5) على الحي، فإن مات القائل (¬6) أخيرًا، وإن لم (¬7) يحمله الثلث ولم يجز ورثته، عجل عتق ما حمل الثلث منه (¬8) واستكمل الباقي على الحي؛ لأنه المبتدئ بالعتق، وإن قال أحدهما: أنت حر لأولنا موتًا، ثم قال الآخر: أنت حر لآخرنا موتًا، فإن مات الأول أعتق نصيبه في ثلثه بتلا، فإن عجز منه شيء عن ثلثه رق لورثته، ولم يقوم على الآخر، وإن مات أولًا (¬9) القائل: أنت حر لآخرنا موتًا كان نصيب الحي حرًّا من رأس المال، ونصيب الميت عتيقًا من ثلثه، فإن حمله الثلث خدم ورثته حتى يموت الآخر، وإن لم يحمله الثلث ولم يجز ورثته، عجل عتق ما حمل الثلث منه، وهذا إذا كان الأول فقيرًا، وإن كان موسرًا استكمل على الأول، ويصير بمنزلة من أعتق نصيبه بتلا، ثم أعتق الآخر إلى موت فلان، فإنه يخير الثاني بين أن يبتل العتق أو يقوم على الأول. ¬

_ (¬1) قوله: (القائل أولًا أو أخيرًا) في (ح): (أول القائل آخرا). (¬2) في (ح): (الثلث). (¬3) في (ف): (قال). (¬4) قوله: (منهما) زيادة من (ف). (¬5) قوله: (يستتم) في (ف) طمس. (¬6) قوله: (مات القائل) في (ف): (أول القائل). (¬7) قوله: (وإن لم) في (ح): (ولم). (¬8) قوله: (منه) ساقط من (ف). (¬9) في (ف): (أول).

فصل [فيما يعتق من العبد إذا قال له سيده: اخدم فلانا حياتي وأنت حر]

فصل [فيما يعتق من العبد إذا قال له سيده: اخدمْ فلانًا حياتي وأنت حرٌّ] واختلف إذا قال: اخدم فلانًا حياتي وأنت حر، فقال ابن القاسم: يعتق من الثلث؛ لأنه عتق لا يوجبه إلا الموت، وقال أشهب: هو حر (¬1) من رأس المال (¬2)؛ لأنَّ السيدَ ليس له انتفاع فيه لما كانت خدمته لغيره (¬3). وإن قال: اخدم فلانًا حياتي، فإن مات فأنت حر، كان عتيقًا من رأس المال؛ لأن عتقه (¬4) معلق بحياة فلان، ليس بحياة سيده، فإن مات فلان أولًا كان عتيقًا وسقطت الخدمة، وإن مات السيد أولًا سقط حق فلان في الخدمة وعاد في خدمة ورثة سيده حتى يموت فلان. وإن قال: اخدم فلانًا حياته وإن مت أنا فأنت حر، كان عتيقًا من الثلث (¬5)، فإن مات السيد أولًا أعتق وسقط حق فلان من الخدمة، فإن مات فلان أولًا عاد في خدمة سيده حتى يموت فيعتق من ثلثه. وإن قال: اخدم عبد الله حياة محمد، فإن مات سعيد فأنت حر، فمات عبد الله أولًا خدم ورثته حتى يموت محمد، فإن مات محمد بعد ذلك عاد في خدمة ¬

_ (¬1) قوله: (حر) ساقط من (ح). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 41. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 41. (¬4) في (ح): (عنده). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 41.

سيده (¬1) حتى يموت سعيد، وإن مات محمد أولًا سقط حق عبد الله في الخدمة، وعاد إلى سيده حتى يموت (¬2) سعيد، وإن مات سعيد أولهم كان حرًّا وسقط حقُّ عبد الله وغيره في الخدمة. ¬

_ (¬1) في (ح): (سعيد). (¬2) في (ف): (بموت).

باب الحكم في تبدية المدبرين إذا ضاق الثلث أو كان على السيد دين وله مال غائب، وهل يقوم بماله أو يباع به؟

باب الحكم في تبدية المدبرين (¬1) إذا ضاق الثلث أو كان على السيد دين وله (¬2) مال غائب، وهل يقوم بماله (¬3) أو يباع به؟ ومن مات عن مدبرين وكان تدبيرهم مفترقًا وكلهم في الصحة أو في المرض أو بعضهم في الصحة (¬4) وبعضهم في المرض- بدئ بالعتق الأول فالأول (¬5)، وإن كان عليه دين بيع الآخر فالآخر (¬6)، ثم يرجع بعد قضاء الدين في العتق الأول فالأول (¬7). وإن كان التدبير في كلمة واحدة أو نسقًا كان العتق بالحصص، وإن كان عليه دين كان البيع بالحصص أيضًا، ثم العتق بعد قضاء الدين بالحصص (¬8) (¬9). وقال ابن نافع في كتاب المدنيين فيمن قال: رقيقي مدبرون ولا مال له (¬10) غيرهم، قال: يقرع بينهم، فمن خرج سهمه عتق ورق الآخرون (¬11)، وهذا هو ¬

_ (¬1) قوله: (تبدية المدبرين) في (ح): (المدبر). (¬2) في (ح): (أو). (¬3) قوله: (يقوم بماله) في (ح): (يغرم). (¬4) قوله: (أو بعضهم في الصحة) ساقط من (ح). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 512. (¬6) قوله: (فالآخر) ساقط من (ح). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 36. (¬8) قوله: (أيضًا، ثم العتق بعد قضاء الدين بالحصص) ساقط من (ح). (¬9) انظر: المدونة: 4/ 310، 2/ 512. (¬10) في (ح): (لكم). (¬11) والنوادر والزيادات: 12/ 333.

فصل [فيما إذا ضاق الثلث وكان للسيد دين على حاضر مؤجل، أو غائب قريب الغيبة حال]

الصواب قياسًا على العتق في الوصايا إذا لم يحملهم الثلث؛ لأن كل ذلك عتق بعد الموت وبعد أن صار الورثة شركاء في أولئك العبيد. فصل [فيما إذا ضاق الثلث وكان للسيد دين على حاضر مؤجل، أو غائب قريب الغيبة حال] وإذا ضاق الثلث وكان للسيد دين على حاضر مؤجل، بيع بالنقد، وإن كان على غائب قريب الغيبة، وهو حال استؤني بالعتق حتى يقبض الدين، وإن كان بعيد الغيبة أو على حاضر معدم بيع المدبر للغرماء الآن، فإن قدم (¬1) بعد ذلك الغائب أو أيسر المعدم والعبد بيد الورثة أعتق في ثلث ذلك بعد قضاء ذلك الدين (¬2). واختلف إذا خرج عن أيديهم ببيع (¬3)، فقال ابن القاسم في العتبية: يكون ما يعوض (¬4) للورثة ولا شيء للمدبر فيه (¬5). وقال عيسى بن دينار وأصبغ: يعتق من حيث كان (¬6)، وهو ظاهر المدونة (¬7) (¬8)، والأول أقيس والمعتق بعد ¬

_ (¬1) في (ف): (قبض). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 169، والنوادر والزيادات: 13/ 29. (¬3) في (ح): (للبيع). (¬4) في (ف): (يفوض). (¬5) قوله: (فيه) ساقط من (ف). (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 169. (¬7) انظر: المدونة: 2/ 513 ونص المدونة: (قلت: فإن أحاط الدين برقبته بيع في الدين في قول مالك؟ قال: نعم، فإن باعه السلطان في الدين ثم طرأ للميت مال قال: ما سمعت من مالك فيه شيئًا وأرى أن ينقض البيع ويعتق إذا كان ثلث ما طرأ يحمله). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 29.

موت سيده بمنزلة من أعتق وعليه دين، وله مال غائب (¬1) بعيد الغيبة، فإن (¬2): من حق الغرماء رد العتق، فإن بيع لم ينقض البيع إن أتى ذلك المال، وإن طرأ للسيد مال لم يعلم به نقض البيع إذا كان في البلد أو قريب الغيبة، ويختلف فيه إذا كان بعيد الغيبة في موضع لو علم به لبيع ولم ينتظر ذلك المال (¬3) حسب ما تقدم لو علم به. واختلف إذا بيع المدبر بعد موت سيده وبيده مال، فقال ابن القاسم: يباع بماله. وقال يحيى: يباع بغير مال (¬4)، وهو (¬5) أصوب إذا كان لا يرجى للسيد مال، وإن كان يرجى له مال حياته (¬6) من موضع فعلى القول: إنه لا ينقض بيعه متى طرأ ذلك المال بيع بغير مال، وعلى القول: إنه ينقض البيع يباع (¬7) بماله. وقال سحنون فيمن دبر أمة ثم ولدت أولادًا فأبقوا، ثم مات السيد وعليه دين يحيط برقبة الأمة ولا مال له غيرها، فإنها تباع للغرماء، ولا ينتظر الأولاد، فإن آبوا (¬8) بعد ذلك نظر إلى الدين، فإن كان يحيط بأثلاثهم، وثلث الأم بيع من كل واحد ثلثه، ويعتق ثلث ما بقي من الأم والولد، ويقال لمشتري الأم: أنت بالخيار إن شئت فرد، وإن أحببت (¬9) أن تمسك ما بقي رقيقًا (¬10). ¬

_ (¬1) قوله: (غائب) ساقط من (ح). (¬2) قوله: (فإن) في (ح): (قال). (¬3) قوله: (المال) ساقط من (ح). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 38. (¬5) قوله (هو) في (ح): (قال وهو). (¬6) قوله: (حياته) ساقط من (ح). (¬7) قوله: (يباع) ساقط من (ح). (¬8) في (ح) و (ق 10): (أبق). (¬9) في (ح): (شئت). (¬10) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 175.

فصل [فيما إذا لم يحمل الثلث وكان بيد العبد مال]

فصل [فيما إذا لم يحمل الثلث وكان بيد العبد مال] واختلف إذا لم يحمل الثلث المدبر وكان بيد العبد مال، فإن انتزع منه وكثر به مال الميت حمله الثلث، فقال ابن القاسم: لا ينتزع منه ويعتق منه ما حمل الثلث على أن ذلك المال في يديه، وقال ربيعة والليث ويحيى بن سعيد وابن وهب: ينتزع المال ويعتق فيه (¬1)، وقالوا: إن كانت قيمة العبد مائة دينار وفي يديه ثمانمائة دينار (¬2)؛ كان للورثة ستمائة دينار (¬3)، وأعتق المدبر وترك له (¬4) مائتا دينار (¬5). وعلى قول ابن القاسم: يعتق ثلثه ويقر المال في يديه. وقال في كتاب محمد (¬6) فيمن دبر عبده في صحته، واستثنى (¬7) ماله، فذلك جائز، وقاله مالك، قال ابن القاسم: يستثنيه بعد الموت، ويقوم في ثلث سيده بغير مال، ويؤخذ ما في يديه فيحاسب (¬8) من مال سيده بمنزلة من قال: إذا مت فعبدي حر ومدبر (¬9) وخذوا ماله (¬10). ¬

_ (¬1) قوله: (فيه) ساقط من (ق 10). (¬2) قوله: (وفي يديه ثمانمائة دينار) ساقط من (ق 10). (¬3) قوله: (دينار) ساقط من (ق 10). (¬4) قوله: (له) ساقط من (ح). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 38، والبيان والتحصيل: 15/ 167 و 168. (¬6) قوله: (محمد) ساقط من (ح). (¬7) في (ح): (واشترى). (¬8) في (ت): (فيحسب). (¬9) قوله: (ومدبر) ساقط من (ح). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 453.

فصل [إذا مات السيد عن مدبرته في يدها مال من تجارات وهبات وغلات وخراج وجبايات وصداق]

فصل [إذا مات السيد عن مدبرته في يدها مال من تجارات وهبات وغلات وخراج وجبايات وصداق] وإذا مات السيد عن مدبرته وفي يديها مال من تجارات وهبات وغلات وخراج وجبايات وصداق، كان ما كان من تجارات وهبات (¬1) لها تقوم به إن حملها الثلث، ويختلف فيه (¬2) إذا لم يحملها الثلث حسب ما تقدم، وإن كانت غلات وخراجًا وجبايات كانت للورثة، وسواء حملها الثلث أم لا، ويكثر بها مال الميت (¬3) إذا لم يحملها الثلث فتعتق (¬4) فيه قولًا واحدًا (¬5). واختلف في مهرها، فقال ابن القاسم في المدونة: هو بمنزلة مالها (¬6). يريد. (¬7) أنها تقوم به، وقيل: ذلك للورثة؛ لأنه لا يخلو أن يكون ثمنًا لبعض منافعها فهو غلة أو ثمنًا (¬8) لبعض الرقبة، وأي ذلك كان (¬9) فهو للورثة، وليس بمنزلة مالها، ويصح قول ابن القاسم (¬10) على وجهين: ¬

_ (¬1) قوله: (وغلات وخراج وجبايات وصداق، كان ما كان من تجارات وهبات) ساقط من (ح). (¬2) قوله: (فيه) ساقط من (ق 10). (¬3) في (ح): (السيد). (¬4) في (ف) و (ق 10): (فيعتق). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 515. (¬6) انظر: المدونة: 2/ 515، 4/ 596. (¬7) قوله: (يريد:) ساقط من (ح). (¬8) قوله: (تقوم به وقيل: ذلك للورثة؛ لأنه لا يخلو أن يكون ثمنًا لبعض منافعها فهو غلة أو (ثمنًا) ساقط من (ف). (¬9) قوله: (كان) ساقط من (ق 10). (¬10) في (ح): (ابن الزبير).

أحدهما: أن يقول: يبقى (¬1) بيدها لحق الزوج في الاستمتاع فيما تشتري (¬2) به، أو يقول أنه في معنى الهبة؛ لأن كل واحد من الزوجين يستمتع بصاحبه وثيابه (¬3) شرعًا، وما اغتلت (¬4) في حياة السيد أو بعد موته أو جنى عليهما في حياة السيد أو بعد موته سواء ذلك للورثة، وإنما يعتبر ما يحمل المدبر من مال سيده يوم (¬5) ينظر فيه، ليس يوم مات (¬6) السيد، قال مالك: وإن تلف مال الميت (¬7) بعد موت السيد ولم يبق إلا المدبر لم يعتق إلا ثلثه (¬8). قال الشيخ - رضي الله عنه -: ولو كان الثلث يوم مات السيد لا يحمله، فلم ينظر فيه حتى نما وزاد واغتل النخل غلات أو كانت رباعًا فأغلت غلات حتى صار الثلث يحمله، لأخرج جميعه فينتفع بالزيادة وينظر بالنقص، فكذلك إذا تغيرت قيمة المدبر وكان الثلث يحمله فلم ينظر في ذلك حتى زادت قيمته بحوالة أسواق أو زاد في نفسه لم يعتق منه إلا ما يحمل الثلث أو كان لا يحمله الثلث، ثم نقص سوقه أو نزل به عيب فصار يحمله الثلث لأعتق جميعه. قال مالك: ولو كانت مدبرة فولدت بعد موت السيد وقبل أن ينظر في ثلثه، فإنها تقوم بولدها ولا يعتقان عنده إلا أن يحملهما الثلث جميعًا (¬9). ¬

_ (¬1) قوله: (يبقى) ساقط من (ق 10). (¬2) في (ف): (يشتري). (¬3) في (ف): (وإتيانه). (¬4) في (ف): (أغلت). (¬5) في (ح): (ثم). (¬6) في (ح): (موت). (¬7) في (ح): (السيد). (¬8) انظر: المدونة: 2/ 513. (¬9) انظر: المدونة: 2/ 514.

ولو كان يوم مات السيد معها (¬1) ولد ولا يحملها الثلث، فلم ينظر في ذلك حتى مات الولد أو الأم، فحمل الثلث الباقي منهما أنه يعتق جميعه. ولو كان الورثة بعد موت السيد حازوا المالَ (¬2) لأنفسهم على وجه التصرف فيه، والثلث يحمل العبد ثم هلك المال لكانت مصيبته منهم (¬3)، وعتق جميع العبد بخلاف لو (¬4) كان موقوفًا حتى تعتبر وصاياه، قال مالك (¬5): ولو ترك أموالًا مأمونة لكان المدبر حرًّا بموت السيد قبل أن ينظر في أمره وقبل التقويم، فإن هلك بعد ذلك تلك الأموال المأمونة بعد عتقه لم يرد (¬6). ¬

_ (¬1) في (ف): (معه). (¬2) قوله: (المال) ساقط من (ق 10)، وتوجد إحالة غير واضحة في (ق 10). (¬3) في (ف): (منه). (¬4) قوله: (بخلاف لو) في (ح): (أو). (¬5) في (ح): (محمد). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 484، 13/ 35.

باب في العبد بين الشريكين يدبر أحدهما نصيبه بإذن شريكة أو بغير إذنه، وهو موسر أو معسر، أو يدبرانه جميعا أو يدبر أحدهما ويعتق الآخر

باب في العبد بين (¬1) الشريكين يدبر أحدهما نصيبه بإذن شريكة أو بغير إذنه، وهو موسر أو معسر، أو يدبرانه جميعًا أو يدبر أحدهما ويعتق الآخر (¬2) وقال مالك في عبدٍ بين (¬3) شريكين دبر أحدهما نصيبه أن الشريك بالخيار بين أن يدبر نصيبه أو يقومه على شريكة و (¬4) يدبر جميعه كالعتق (¬5)، وقال أيضًا: الشريك بالخيار بين أن يدبر نصيبه أو يتمسك به رقيقًا أو يقومه، فيدبر على الشريك (¬6)، ولم يجعل في هذين الوجهين مقاومة (¬7)، ورأى أن الولاء قد ثبت والمقاومة تؤدي إلى نقض التدبير فأثبت المقاواة مرة وجعل الشريك بالخيار بين ثلاثة أوجه (¬8)، بين أن يدبر نصيبه أو يقومه أو يقاوي شريكة، وليس له أن يتمسك بنصيبه رقيقًا. وقال أيضًا في باب آخر (¬9): هو بالخيار بين أن يدبر أو (¬10) يتمسك بنصيبه ¬

_ (¬1) قوله: (العبد بين) في (ف): (العبدين). (¬2) زاد من (ق 10): (جميعًا). (¬3) قوله: (عبدٍ بين) في (ف): (عبدين). (¬4) قوله: (و): في (ق 10) (أو). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 423 و 2/ 482. (¬6) انظر: المعونة على مذهب عالم المدينة: 2/ 397، والتفريع: 1/ 331، 349، والنوادر والزيادات: 13/ 23. (¬7) في (ف) و (ق 10): (هذين مقاواة). (¬8) قوله: (ثلاثة أوجه) ساقط من (ف). (¬9) قوله: (في باب آخر) ساقط من (ح). (¬10) قوله: (يدبر أو) ساقط من (ح).

أو يقومه أو يقاوي شريكة (¬1)، والقول بالمقاواة جنوح لقول من أجاز بيع المدبر في الحياة، وقياد قوله في منع البيع أن يمنع المقاواة، ولا أرى أن يجبر الشريك على التدبير ولا على التقويم؛ لأن الحديث إنما جاء فيمن أعتق عبدًا (¬2) بتلًا، والإجبار على التقويم يؤدي إلى الضرر بالشريك، فقد تكون الشركة في جارية فيرغب فيها أحد الشريكين فيدبر نصيبه ويجبر الآخر على التقويم إذا كره التدبير، ويصير جميعها له ويصيبها (¬3) أو يكون العبد الفاره التاجر فيرغب فيه أحدهما فيدبر نصيبه (¬4) ويقوم عليه فيصير له يستبد بجميعه، ويختلف إذا دبر أحدهما بإذن شريكة، فقال مالك في المدونة: لا بأس بذلك (¬5)، ويكون نصف العبد مدبرًا ونصفه رقيقًا، وليس له أن يقوم عليه (¬6)؛ لأن عيب التدبير كان بإذن شريكة، وهذا أحد القولين (¬7) أن التقويم من حق الشريك (¬8)، وعلى القول أن ذلك حق لله سبحانه يجبر على التقويم في العتق. ويفترق الجواب في صفة التقويم، فإن كان بغير إذن الشريك قوم هذا نصيبه على أنه لا تدبير فيه، وإن كان بإذنه قوم على أن نصفه مدبر؛ لأنَّ دخول ذلك العيب كان بإذن الشريك. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 8. (¬2) قوله: (عبدًا) زيادة من (ق 10). (¬3) في (ف): (ونصيبها). (¬4) قوله: (ويجبر الآخر على التقويم. . . أحدهما فيدبر نصيبه) ساقط من (ق 10). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 411. (¬6) انظر: المدونة: 4/ 595. (¬7) قوله: (أحد القولين) في (ح) و (ق 10): (هو أحد قوليه). (¬8) قوله: (من حق الشريك) في (ف): (حق للشريك).

فصل [فيما إذا دبر أحد الشريكين وهو معسر هل يمضي تدبيره؟]

ويفترق الجواب أيضًا إذا لم يقوم نصيبه (¬1) وتمسك به أو دبرها، فإن كان التدبير الأول بغير إذن الشريك تبعه الآخر بعيب التدبير، وإن كان بإذنه لم يتبعه بشيء. فصل [فيما إذا دبر أحد الشريكين وهو معسر هل يمضي تدبيره؟] واختلف إذا دبر أحد الشريكين وهو معسر: هل يمضي تدبيره؟ واختلف بعد القول إنه يمضي: هل للشريك أن يقوم عليه (¬2)؟ واختلف إذا كان له أن يقوم: هل يقوم للتدبير أو للبيع؟ وإذا كان له أن يقوم (¬3) للبيع هل يباع ذلك النصيب الذي يقوم خاصة، ويتبعه في الذمة بما عجز من القيمة إن لم يوف الثمن بما قوم عليه (¬4)، أو يباع بما يوفي بالقيمة من النصيب (¬5) المدبر. وقال سحنون في المستخرجة: اختلف أصحابنا من أهل الحجاز إذا دبر أحد الشريكين وهو معسر، قال: والذي آخذ به أن تدبيره ليس بشيء إذا لم يرض شريكة؛ لأن تدبيره عيب أدخله على صاحبه (¬6). وقال ابن القاسم: يمضي على حالة، ولا مقاواة فيه، وأنزله بمنزلة عتق أحد الشريكين وهو معسر، وقال أيضًا: الشريك بالخيار، فإن رضي أن يقاويه ¬

_ (¬1) في (ح): (نصيبه وتقوم). (¬2) قوله: (عليه) ساقط من (ح). (¬3) قوله: (هل يقوم للتدبير أو للبيع؟ وإذا كان له أن يقوم) ساقط من (ح). (¬4) في (ح): (به). (¬5) في (ح): (نصيبه). (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 177.

فصل [فيما إذا دبر أحد الشريكين ثم أعتق الثاني]

على أنه إن وقع على الذي دبر كان مدبرًا كله، واتبعه (¬1) بذلك دينًا أو يتمسك بنصيبه، قال: ولو قاواه وهو يظن أن له مالًا ثم علم أنه لا مال له، فسخت المقاواة له (¬2) حتى يقاويه (¬3) على (¬4) رضا باتباعه، قال أصبغ: لا يعجبني ذلك، وإذا وقعت المقاواة لزمت وبيع عليه منه، وكان ما بقي مدبرًا بمنزلة من دبر، وعليه دين فيباع منه كله بقدر الدين، قال: وهذا هو القياس، وأما الاستحسان فلا يباع إلا بقدر ما حبس عن مبلغ المقاواة، ويتبع بالباقي دينًا (¬5). قال الشيخ - رضي الله عنه -: أرى أن ينظر إلى التدبير، فإن لم ينقص من ثمن نصيب (¬6) الشريك قبل التدبير لم يقوم على المدبر، وإن نقص نقصًا يسيرًا اتبعه به في الذمة ولم يبع عنه من نصيب المدبر شيئًا؛ لأن التدبير سبق العيب، والتدبير أوجبه، وإن كان العيب كثيرًا قوم الشريك نصيبه للبيع، وإن لم يوف اتبع بالباقي في الذمة؛ لأن العيب حدث من بعد العتق. فصل [فيما إذا دبر أحد الشريكين ثم أعتق الثاني] واختلف قول مالك إذا دبر أحد الشريكين ثم أعتق الثاني، فقال في المدونة: تقوّم حصة المدبر على المعتق (¬7). وقال في كتاب محمد: لا يقوّم، ولا ¬

_ (¬1) في (ح): (أتبعته). (¬2) قوله: (له) زيادة من (ح). (¬3) في (ح): (يقومه). (¬4) قوله: (على) ساقط من (ح). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 25، 26. (¬6) قوله: (نصيب) ساقط من (ح). (¬7) انظر: المدونة: 2/ 419.

يغير التدبير عن موضعه، ثم رجع إلى أنه يقوم (¬1). وعلى قوله هذا- يسقط عن الأول عيب التدبير؛ لأن التدبير قد سقط، ويقوم على المعتق على أنه لا تدبير فيه ولا عتق، وعلى قوله: إنه لا يقوم، فيرجع المعتق على المدبر بعيب التدبير. وألا يقوم أحسن إذا كان ذلك من المدبر على وجه الإيجاب. وإذا كان عبدًا بين ثلاثة نفر فأعتق أحدهم وهو موسر، ثم دبر الثاني- قُوِّمَ على المعتق نصيب شريكة، وإن كان المعتق معسرًا مضى العتق في نصيب المعتق، والتدبير في نصيب الآخر، ورق نصيب الثالث، وهذا قول ابن القاسم (¬2). وعلى قول ابن نافع يقوم الثالث نصيبه على المدبر إن شاء. وإن تقدم التدبير ثم العتق والمعتق موسر- كانت في المسألة ثلاثة أقوال، فعلى قول مالك في المدونة يقوم المدبر والمتمسك بالرق جميعًا على المعتق (¬3). وعلى قوله الآخر لا يقوم المدبر، ولا ينتقل الولاء، ويقوم المتمسك بالرق على المدبر (¬4)؛ لأنه الذي ابتدأ الفساد، ولا يقوّم على المعتق، وعلى قول ابن نافع يقوم على المعتق، وإن كان المعتق معسرًا قوّم الثالث على المدبر أو يقاويه، وهو قول ابن القاسم (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 24. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 516. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 419. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 297. (¬5) انظر: المدونة: 2/ 516.

فصل [في الشريكين يدبران نصيبهما]

فصل [في الشريكين يدبران نصيبهما] واختلف في الشريكين يدبران نصيبهما، فأجازه مالك مرة، وكرهه أخرى (¬1)؛ لأنه يؤدي إلى العتق من غير استكمال متى مات أحدهما، ولم يحمل ثلثه (¬2) نصيبه. فإن نزل مضى، وإن دبّرا في عقدين فمات أحدهما- أعتق نصيبه من ثلثه، أو ما حمل الثلث منه، وكان الباقي رقيقًا لورثته، ولا (¬3) يقوم نصيب الحي على الميت وإن حمله الثلث، ولا على الحي، ما عجز عن ثلث الميت، وسواء كان الحي المدبر أولًا أو آخرًا، وهذا على ظاهر قوله في المدونة (¬4)، ويختلف في هذين الموضعين، فإن مات المدبر الأول وثلثه يحمل جميع العبد- لم يقوم عليه نصيب الحي على قوله في المدونة (¬5)، وقوم على ما ذكره ابن الجلاب عنه فيمن وصى بعتق بعض عبد- أنه يقوّم عليه (¬6). وإن حمل ثلث الميت نصف نصيبه كان لورثته أن يقوّموا ما رق منه على قول ابن نافع فيمن أعتق نصيبًا من عبد، ثم أعتق الثاني بعض نصيبه- أنه يستكمل على الثاني (¬7)، وإن كان على الميت دين يغترق نصيبه - قوم ذلك ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 482 و 518، والنوادر والزيادات: 12/ 301. (¬2) في (ح): (الثلث). (¬3) في (ح): (ولم). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 517. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 14/ 535، والنوادر والزيادات: 12/ 300. (¬6) انظر: التفريع: 1/ 350. (¬7) انظر النوادر والزيادات: 12/ 297، والمدونة: 2/ 417، ونصها: (قلت: أرأيت لو أن عبدًا بيني وبين رجل، أعتق أحدنا نصيبه منه، ثم أعتق الآخر نصف نصيبه منه أيكون له أن يضمن شريكة الذي أعتق أولا نصف نصيبه الباقي؟ قال: لا،. . .).

النصيب على الحي على أحد قولي مالك في التدبير أنه كالعتق، وأنه يستكمل بالحكم. وإن لم يرض المتمسك بالرق (¬1) بالتدبير، وإذا رد تدبير أحد الشريكين بدينه- قوم على الثاني، وإن كان تدبيره أخيرًا (¬2). ¬

_ (¬1) قوله: (بالرق) ساقط من (ح). (¬2) في (ح): (آخرًا).

باب في رهن المدبر وبيعه

باب في رهن المدبر وبيعه قال مالك: للسيد أن يرهن مدبره (¬1) (¬2)؛ لأن ذلك لا ينقص عتقه، فإن مات السيد ولا مال له غيره بيع للمرتهن دون الغرماء؛ لأنه حازه دون غيره (¬3)، ومنع أشهب رهنه (¬4). يريد: إذا كان في أصل البيع، فإن كان بعد عقد البيع أو في قرض في أصل العقد أو بعده، جاز؛ لأن الغرر في ذلك جائز، ولم يجز إذا كان في أصل عقد البيع على أحد القولين؛ لأن البائع (¬5) لا يدري متى يقبض دينه عند حلول أجل دينه (¬6) أو بعد موت المشتري؟ فصل [في بيع المدبر في حياة سيده] وإذا بيع المدبر في حياة سيده رد بيعه إذا كان قائمًا قولًا واحدًا (¬7). واختلف إذا فات بعيب أو بموت أو عتق أو (¬8) كانت أمة فحملت من ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 518، 4/ 158. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 518، (قلت: أرأيت المدبرة هل يجوز أن يرهنها سيدها في قول مالك؟ قال: نعم). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 11/ 158. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 203. (¬5) في (ح): (المشتري). (¬6) قوله: (أجل دينه) في (ح): (الأجل). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 6. ونص النوادر: (قال سحنون: وقد تأكد منع بيع المدبر عند السلف من الصحابة والتابعي)، والتفريع: 1/ 329، والإشراف على نكت الخلاف: 2/ 992، التلقين: 2/ 207، والمعونة: 2/ 395. (¬8) قوله: (كان قائمًا قولًا واحدًا. واختلف إذا فات بعيب أو بموت أو عتق أو) ساقط من (ح).

المشتري فرأى مالك مرة أن البيع لا ينعقد، وأن الولاء قد ثبت للبائع، وما حدث من عيب أو موت فهو من البائع، ويرد العتق، وكذلك إن ولدت ترد (¬1) إلى البائع ويرجع المشتري بجميع الثمن (¬2) (¬3). واختلف هل يكون على المشتري قيمة الولد إذا غرّه ولم يعلمه أنها مدبرة؟ وألا (¬4) شيء عليه أحسن؛ لأنه أوطأه إياها (¬5). ورأى مرة أنه في ضمان مشتريه وأن البيع منعقد حتى ينقضي، فإن حدث به العيب رده وما نقصه العيب (¬6)، وإن مات كان من مشتريه، ولا يرد عتقه ولا إيلاده، والولاء للمشتري (¬7)، قال مالك في كتاب محمد: ولا حجة للمشتري على البائع علم المشترى أنه مدبر أو لم يعلم (¬8). قال (¬9): ولقد أجاز ناس بيع المدبر في الدين في حياة سيده- أهل مكة وغيرهم (¬10)، والأول هو قياد قوله في منع البيع، والقول الآخر في ضمان ¬

_ (¬1) في (ف): (يرد). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 519، 520، وانظر التفريع: 1/ 329. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 9. (¬4) في (ح): (وإلا فلا). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 485: (ومن العتبية، روى أصبغ عن ابن القاسم إن حملت من المبتاع، فإنها تعتق، ويرد إليه الثمن، ويكون له الولدُ بغير قيمة). (¬6) في (ف): (البيع). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 7. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 10. (¬9) قوله: (قال) ساقط من (ح). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 7، ونص النوادر: (قال مالك: وأهل مكة وغيرهم يرون بيعه في الدين في حياة سيده).

المشتري، وفوته بالموت والعتق فمراعاة لقول من أجاز بيعه، فهو يرده إذا كان قائمًا على أصله في المنع، فإن فات مضى على القول الآخر. واختلف بعد القول أنه إذا فات من المشتري فيما يصنع البائع بالثمن، فقال في المدونة: إذا فات بموت كان له من الثمن ما يرى أنه كان (¬1) يباع به على رجاء العتق وخوف الرق (¬2). يريد: رجاء العتق إن حمله الثلث، وخوف الرق إن كان عليه دين، وما فضل جعله في رقبة يدبرها أو يعين به في رقبته إن لم يبلغ رقبة كاملة، وإن كان فوته بعتق أو إيلاد أو قتل كان له جميع الثمن يصنع به ما شاء. وقال سحنون في العتبية: إذا فات بموت جعل ما بين القيمتين في عبد من غير قضاء (¬3)، وقال في موضع آخر: يرد ذلك الفضل على المشتري (¬4). وقال أشهب في الدمياطية: يجعل الثمن كله في رقبة، وظاهر قوله أن ذلك بغير قضاء. وقال ابن كنانة في كتاب المدنيين: إذا فات بعتق جعل الثمن في مثله. وقاله ابن وهب في كتاب ابن شعبان، وكل هذا الاضطراب مراعاة للاختلاف في جواز بيعه ابتداء. قال الشيخ رحمه الله تعالى: (¬5) والصواب أحد أمرين، فإما أن يقال: إن ¬

_ (¬1) قوله: (كان) زيادة من (ح). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 519. (¬3) انظر: انظر التفريع: 1/ 329، والبيان والتحصيل: 14/ 335. وقال ابن القاسم في المدبر يباع فيموت عند المبتاع، أن الموت فوت ويرجع على البائع بما بين قيمته مدبرًا وقيمته غير مدبر. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 9. (¬5) قوله: (قال الشيخ رحمه الله تعالى:) ساقط من (ح).

فصل [فيما إذا لم ينقض البيع حتى مات السيد]

الولاء قد ثبت، وإن البيع ممنوع، على مثل الحكم في أم الولد إذا بيعت أو يقال: إن الولاء لم يثبت فيمضي في جميع هذه الوجوه بالثمن، ثم يكون للبائع أن يصنع بالثمن ما أحب. فصل [فيما إذا لم ينقض البيع حتى مات السيد] وإذا لم ينقض البيع حتى مات السيد، فإن كان الثلث يحمله نقض، وعتق على الميت، وإن كان عليه دين برقبة مضى البيع فيه، وإن لم يكن له مال سواه أعتق ثلثه، ورق ثلثاه للمشتري، ومضى البيع فيه (¬1)، قال محمد: وللمشتري أيضًا (¬2) أن يرده إن شاء بعيب الحرية، إلا أن يكون المشتري عالمًا بالتدبير، فيلزمه شراء ما رق منه بحسابه من الثمن، وليس قوله هذا بالبين؛ لأنَّ المشتري إنما اشترى جملته، وهو يرى أنَّ ذلك جائزٌ، فإنه يمضي (¬3) له، ولا يرد شراؤه، ولو دخل على أن البيع ينقض فيه إن حمله (¬4) الثلث أو ينقص (¬5) ثلثه، ويعتق (¬6) إن لم يكن له مال سواه أو يرد (¬7) جميعه إن كان عليه دين لكان البيع فاسدًا ولو أعتقه المشتري ثم لم ينقض العتق ولا (¬8) البيع على أحد قولي مالك ¬

_ (¬1) قوله: (وإن لم يكن له مال سواه. . . ومضى البيع فيه،) ساقط من (ح). (¬2) قوله: (أيضًا) زيادة من (ف). (¬3) في (ح): (يخفى)، وفي (ق 10): (حق). (¬4) قوله: (حمله) في (ف): (جملة). (¬5) في (ح) و (ق 10): (ينقص). (¬6) قوله: (ويعتق) ساقط من (ح). (¬7) قوله: (يرد) في (ق 10): (يرق). (¬8) قوله: (العتق ولا) زيادة من (ق 10).

أن العتق مردود حتى مات البائع (¬1)، فإنك تنظر (¬2)، فإن حمله الثلث أعتق على البائع، وإن كان عليه دين مضى عتق المشتري ولم يكن له مال سواه (¬3) أعتق ثلثه على البائع، ومضى عتق المشتري في ثلثه (¬4)، ورجع بعيب عتق الثلث، وإن دبره المشتري رد تدبيره، ورد البيع، وكان تدبيره (¬5) الأول أولى، فإن لم يرد حتى مات البائع، وعليه دين يستغرقه مضى تدبير (¬6) الثاني، وإن كان لا دين عليه ولا مال له (¬7) سواه أعتق ثلثه من البائع، ومضى تدبير الثاني في ثلثيه، وإن مات المشتري في حياة البائع، وثلثه يحمله أعتق على المشتري على أحد قولي مالك، وإن لم يخلف مالًا سواه عتق ثلثه (¬8) ورد البيع في ثلثيه، ولم يرجع (¬9) البائع بعيب العتق؛ لأنَّ البيع وجب بعد العتق، والمعتق فقير؛ لأن الثلثين للورثة بحقِّ الشركة. ¬

_ (¬1) قوله: (البائع) في (ح): (المشتري). (¬2) قوله: (فإنك تنظر) في (ق 10): (فإنا ننظر). (¬3) قوله: (أو يرد جميعه إن كان. . . يكن له مال سواه) ساقط من (ف). (¬4) في (ف): (ثلثيه). (¬5) في (ح) و (ق 10): (تدبير). (¬6) في (ف): (تدبيره). (¬7) قوله: (له) ساقط من (ف). (¬8) قوله: (من البائع، ومضى. . . على أحد قولي مالك سواه عتق ثلثه) ساقط من (ح). (¬9) في (ح): (يرد).

فصل [فيما إذا كاتبه، ولم ينظر في ذلك حتى مات البائع، والثلث يحمله]

فصل [فيما إذا كاتبه، ولم ينظر في ذلك حتى مات البائع، والثلث يحمله] وإن كاتبه ولم ينظر في ذلك حتى مات البائع، والثلث يحمله -أعتق عليه، وردت الكتابة، وإن كان عليه دين يرقه- مضى البيع والكتابة، وإن لم يخلف مالًا سواه أعتق ثلثه على البائع، ومضت الكتابة من المشتري في ثلثيه، ولو لم يمت السيد ولم ينظر فيه حتى أدى الكتابة وأعتق مضى عتقه على أحد قولي مالك، وإن لم ينظر فيه حتى عجز- رد البيع، وإن ولدت من المشتري فلم يرد البيع حتى مات البائع، والثلث يحملها- أعتقت على البائع، وإن كان عليه دين يرقها (¬1) - مضت أم ولد للمشتري، وإن لم يخلف مالًا سِوَاهَا- أعتق ثلثها، ومضى ثلثاها للمشتري (¬2) على حكم أم الولد. ويختلف هل يعتق ذلك (¬3) الثلثان؛ لأن الشرك حرم وطأها عليه، وقال محمد فيمن اشترى مدبرًا أو مكاتبًا بشرط أن يعتقه: رُدَّ البيع ما لم يعتقه المشتري، فإنه ينفذ عتقه، والولاء للبائع (¬4). والقياس: أن يكون الولاء للمشتري؛ لأن المشتري إنما دخل على أن يعتقه بالشراء على ملكه، فإما أن يمضي على ذلك ويكون له الولاء، أو يرد العتق والبيع، وكذلك قال في أم الولد تباع على أن يعتقها المشتري ففعل، فإن عتقها يمضي ويرد البائع جميع الثمن والولاء له. ¬

_ (¬1) في (ق 10): (يغرقها). (¬2) قوله: (ومضى ثلثاها للمشتري) ساقط من (ح). (¬3) هكذا في (ف)، ولعل صوابه ذانك. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 10.

فصل [في مدبر وهبه سيده وحازه الموهوب له ثم مات السيد ولا مال له سواه]

فصل [في مدبر وهبه سيده وحازه الموهوب له ثم مات السيد ولا مال له سواه] قال ابن القاسم في كتاب محمد في مدبر وهبه سيده، وحازه الموهوب له (¬1)، ثم مات السيد ولا مال له سواه: فإنه يعتق ثلثه، ويرق ثلثاه للموهوب له (¬2). قال محمد: ولو كان على السيد دين استحدثه بعد الهبة، لكان المدبر للموهوب له، أو ما رقَّ منه، ولو كان الدين قبل الهبة، لكان أهل (¬3) الدين أحق به بعده، قال: وأما قول أشهب: فلو كان الدين القديم درهمًا واحدًا والمستحدث يغترق بقيَّته (¬4)، لبيع كله (¬5)، قال: ولو أخدمه عشر سنين (¬6)، وحازه المخدم، ثم (¬7) مات السيد، فإن خرج من ثلثه أعتق بالتدبير وسقطت الخدمة، وإن لم يكن له مال سواه أعتق ثلثه ورق ثلثاه، وكان المخدم أولى بما رق منه إلى تمام الأجل، ثم يصير إلى الورثة، وإن كان على السيد دين يحيط به (¬8) سقط التدبير وكان المخدم أولى به إلى تمام الأجل (¬9)، وإن كان الدين يرق (¬10) ¬

_ (¬1) قوله: (له) ساقط من (ف). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 11. (¬3) قوله: (أهل) ساقط من (ح). (¬4) في (ق 10): (جميعه). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 12. (¬6) قوله: (عشر سنين) في (ق 10): (عشرين سنة). (¬7) في (ح): (يومًا). (¬8) قوله: (به) في (ق 10): (بماله). (¬9) قوله: (ثم يصير إلى الورثة. . . المخدم أولي به إلى تمام الأجل) ساقط من (ح). (¬10) في (ف): (يغترق).

بعضه كان ما يرق منه (¬1) الدين للمخدم هو أولى به مع ثلثي (¬2) ما يبقى (¬3) منه، فما رق منه للورثة فهو موقوف للمخدم إلى تمام الأجل، ولو لم يكن الدين إلا دينارًا واحدًا لم يبع منه شيئًا إلا بعد انقضاء الخدمة، فإن قُلتَ (¬4): إن المخدم يخدم ما يباع منه للدين (¬5) إلى تمام الخدمة ويعتق ثلثا ما بقي الساعة، رجع أهل الدين إلى ما أعتق أيضًا، فيقولون: كيف يعتق ولنا (¬6) دين ولو درهم، فيكون ذلك لهم، ويكون الدين أولى من العتق والخدمة التي حيزت أولى من الدين، وكل ما منع الدين عتقه فالخدمة التي قبل الدين أولى به إلى انقضائها، قال: ولو آجر مُدَبَّرَهُ سنة، وقبض أجرته، ثم مات بقرب ذلك (¬7)، ولم يختلف إلا المدبر، فقال ابن القاسم: إذا كان ثمن الإجارة يحيط برقبة المدبر- لم يبع منه شيء حتى يتم عمل السنة كلها، فإذا انقضت- رق ثلثاه للورثة، وعتق ثلثه (¬8)، وإن لم تحط الأجرة برقبته بِيعَ من جميع المدبر بثلث الإجارة، ويستخدم (¬9) المستأجر ثلثيه، فإن فضل (¬10) منه أكثر من ثلثي المدبر بعد الدين بِيعَ منه في ثلث الأجرة، وعتق ما فضل عن ثلثي الرقبة، ويخدم ثلثاه سنة، فإذا مضت السنة أعتق منه تمام ¬

_ (¬1) قوله: (منه) زيادة من (ف). (¬2) قوله: (ثلثي) ساقط من (ق 10). (¬3) في (ح): (بيع). (¬4) في (ق 10): (قيل). (¬5) في (ق 10): (بالدين). (¬6) في (ف) و (ق 10): (ولها). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 12. (¬8) قوله: (رق ثلثاه للورثة، وعتق ثلثه) في (ف): (رق ثلثاه وعتق ثلثاه)، وفي (ق 10) (رق ثلثه وعتق ثلثاه). (¬9) قوله: (الإجارة، ويستخدم) في (ح): (الأجرة ويخدم). (¬10) في (ح): (وصل).

الثلث فما بقي بعد الدين، ورق ثلثاه، ويرفع ثمن ما (¬1) بيع منه عن ثلث الأجرة إلى الذي استأجره، وينفسخ منه ثلث الخدمة (¬2). قال محمد: إذا كان ثمن الأجرة لا يحيط برقبته فأحب إليَّ (¬3) ألا يباع منه شيء، ولو كانت الأجرة دينارًا واحدًا، وكان ثمنه واسعًا حتى تتم السنة، فيخرج ثلثه كاملًا؛ لأن كل ما يجب فيه البيع من رقبته، فالمستأجر أولى به في أجرته من بيعه في الدين. قال: وإنما أراد ابن القاسم أن يعجل (¬4) فيه العتق ولو بشيء، وهو حينئذ يرق بذلك أكثر رقبته (¬5). وقال ابن القاسم في المستخرجة: إذا كانت الأجرة تسعة دنانير، واستهلكها (¬6) السيد، وقيمة الرقبة ثلاثون دينارًا، ولا مال له غيره، قال: يقسم التسعة دنانير على قيمته، فيصير على الثلث من (¬7) المعتق ثلاثة دنانير، فيباع منه لها، ويعتق بقية الثلث وهو سبعة دنانير، ويكون ثلث (¬8) الخدمة للمستأجر، وثلثها بين العبد والذي اشترى منه بثلاثة دنانير، فإذا تمت السنة رجع إلى الورثة، فيقول: كملوا لي (¬9) ثلث الميت، فيخرج ثلثاه (¬10) وهو عشرون دينارًا، ¬

_ (¬1) قوله: (ويرفع ثمن ما) في (ح): (ويدفع لمن). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 13. (¬3) قوله: (إليَّ) ساقط من (ح). (¬4) في (ح): (يجعل). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 13. (¬6) قوله: (واستهلكها) في (ح): (واستكملها). (¬7) قوله: (من) زيادة من (ح). (¬8) قوله: (ويكون ثلث) في (ح): (وتكون ثلثا). (¬9) في (ح): (لي). (¬10) قوله: (فيخرج ثلثاه) في (ح): (فيجمع ثلثيه).

وما صار إلى العبد وهو سبعة دنانير (¬1)، فجملة ذلك سبعة وعشرون دينارًا، فيعتق من ذلك الثلث وهو تسعة دنانير، فيزاد العبد دينارين، قال: ولو كان على (¬2) السيد دين لأجنبي خمسة دنانير، فإن هذه الخمسة دنانير (¬3) تضاف إلى الثلاثة التي (¬4) تنوب العتق؛ لأن ثلثي الورثة لا سبيل لأصحاب الدين عليه؛ لأن المستأجر أحق به، ودين الأجنبي أولى من عتق المدبر، فيباع من العبد بثمانية دنانير، فإذا انقضت السنة ودفع ثلثا العبد (¬5) للورثة- رجع عليهم، فيعتق منه تمام الثلث (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (دنانير) ساقط من (ح). (¬2) قوله: (على) ساقط من (ح). (¬3) قوله: (دنانير) ساقط من (ح). (¬4) قوله: (التي) ساقط من (ح). (¬5) قوله: (ثلثا العبد) في (ح): (ثلثاه). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 13، 14، والبيان والتحصيل: 15/ 182، 183.

باب في المدبر يكاتب والمكاتب يدبر، والمدبر يعتق إلى أجل والمعتق إلى أجل يدبر

باب في المدبر يكاتب والمكاتب يدبر، والمدبر يعتق إلى أجل والمعتق إلى أجل يدبر وإذا كاتب السيد مدبره جاز، ويكون المدبر مكاتبًا، فإن أدى في حياة السيد كان حرًّا، وإن عجز بقي على حقه في التدبير، وإن لم يؤدِّ ولم يعجز حتى مات السيد- قام (¬1) بحقه في التدبير، فإن حمله الثلث على أنه لا كتابة فيه أعتق وسقطت الكتابة، وإن لم يخلف مالًا سواه- أعتق ثلثه بالتدبير، وبقي ثلثاه في الكتابة، وسقط من كل نجم ثلث، وسعى في الثلثين، وإن كان عليه دين يغترقه سقط التدبير وبقيت الكتابة، فبيع على أنه مكاتب لا تدبير فيه، وهذا إذا كانت قيمته مكاتبًا وغير (¬2) مكاتب سواء، أو كانت قيمته مكاتبًا أكثر (¬3). واختلف إذا كانت قيمته غير مكاتب أكثر، مثل أن تكون قيمتُه غير مكاتب مائةً، وقيمتُه مكاتبًا خمسين والدين خمسون (¬4)، فقال ابن القاسم: (¬5) يبقى مكاتبًا، لإمكان أن يعجز بعد البيع فيسقط حقه فيما عقد له (¬6) من التدبير، ولا يعجز الآن، وهو يقول: أنا أسعى وأقدر على الأداء. وقال عبد الملك: يعجز ويباع لهم (¬7). وهو أحسن؛ لأنه اجتمع فيه شيئان: تدبير وكتابة، وكل واحد منهما لو انفرد كان للغرماء أن يبيعوه في الدين، وإنما يمنع ذلك في الحياة، ¬

_ (¬1) في (ف): (قال). (¬2) قوله: (مكاتبًا وغير) ساقط من (ف). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 521. (¬4) قوله: (والدين خمسون) ساقط من (ح). (¬5) زاد في (ف) و (ق 10): (مكاتبه أولًا يباع للغرماء). (¬6) قوله: (له) ساقط من (ح). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 15، 16، 74.

لأن المدبر لا يباع في الحياة، ولا تباع الكتابة؛ لأن ذلك يؤدي إلى بيع الرقبة وفيها (¬1) عقد تدبير، وإذا توجه البيع بعد الموت من الوجهين جميعًا- كان رد الكتابة وتبتيل عتق بعضها أحسن، ولا يعترض هذا بأن الغرماء دخلوا على ذلك؛ لأن المسألةَ ليست نازلة في عتق، وهي جارية فيمن عومل وهو موسر فذهب ماله، أولا يملك إلا المكاتب، وهم عالمون بمكاتبه، ولا يعلمون في ملكه، وكثير لا يعلمون الحكم في ذلك. ولو كاتب عبدًا ثم دبره- كان الجواب على ما تقدم لو سبق التدبير الكتابة، فإن أدى الكتابة في حياة السيد أعتق، وسقط حكم التدبير وإن عجز بقي مدبرًا، ويفترقان إذا لم يكن أدى ولا عجز حتى مات السيد، فإنه إن تقدم التدبير كان في الثلث الرقبة خاصة، وإن تقدمت الكتابة كان في الثلث الأقل من الكتابة أو قيمة الرقبة، والفرق بينهما أنه إذا تقدم التدبير (¬2) ثم مات السيد - كان السيد على حقه في الكتابة؛ لأنه لم يسقطها ولم يجعل في الثلث، وكان قيامه من ناحية (¬3) التدبير خاصة، وإن تقدمت الكتابة كان قد أسقطها بالتدبير فلم يجعل في الثلث في التدبير، وإن فات، فإن كانت قيمته مكاتبًا أقل قال العبد: إنما يستحق، قبلي مالًا، وقد أسقطه بالتدبير، وسواء الذي يجعل في الثلث، فإن كان قيمة الوصية (¬4) أقل، قال: أنا أعجز نفسي إلى عتق العبد، فإذا عجز نفسه- كان الذي يملك الرقبة، وإن دبره ثم كاتبه ثم مات السيد وعليه دين يغترق نصفه، وكانت قيمته مدبرًا أو مكاتبًا سواء، أو كانت قيمته مكاتبًا ¬

_ (¬1) قوله: (وفيها) ساقط من (ح). (¬2) قوله: (التدبير) ساقط من (ح). (¬3) في (ح): (جهة). (¬4) في (ف): (الرقبة).

أكثر- بيع منه بقدر الدين، ثم أعتق ثلث ما بقي، فقال (¬1): بكم يشترى، بكذا؟ (¬2) على أن الثلث الباقي حر. وإن كاتب المكاتب (¬3) عبدًا آخر معه، فإن أدَّيا في حياة السيد عتقَا، وإن عجزَا بقي الآخر على حقه في التدبير، وإن لم يكن أدى (¬4) ولا عجز حتى مات السيد، والثلث يحمل المدبر- أعتق بالحق المتقدم على الكتابة، وسقطت حمالته عن صاحبه، وإن كان عليه دين يرقه (¬5) - سقط التدبير، ويبقيا (¬6) جميعًا بالكتابة، وإن لم يكن دين ولا مال له سواهما أعتق منه ما حمل الثلث، وسقط عنه من الكتابة ما حمل الثلث منه (¬7) وبقي مع صاحبه على السعاية، ولا تسقط الحمالة عن صاحبه. وصفة التقويم أن ينظر إلى قيمة ما يعتق منه على أنه لا كتابة فيه وقيمته باقية مع الآخر على الكتابة لو بيعت بقيمة كتابته مع الآخر (¬8)، ولو كاتب (¬9) عبدين، ثم دبر أحدهما، فمات السيد والثلث يحمله- كان الجواب على ما قال إذا أعتقه، فينظر من هو أقواهم على الأداء. ¬

_ (¬1) قوله: (فقال) في (ح): (فقيل) (¬2) قوله: (بكذا؟) ساقط من (ح). (¬3) في (ح): (المدبر). (¬4) في (ح) و (ق 10): (أديا). (¬5) في (ح): (برقه). (¬6) في (ح): (واتبعا). (¬7) قوله: (وسقط عنه من الكتابة ما حمل الثلث منه) ساقط من (ح). (¬8) قوله: (على الكتابة لو بيعت بقيمة كتابته مع الآخر) زيادة من (ح). (¬9) في (ح): (كانا).

فصل [فيما إذا دبر عبده ثم أعتقه إلى أجل، أو أعتقه إلى أجل ثم دبره]

فصل [فيما إذا دبر عبده ثم أعتقه إلى أجل، أو أعتقه إلى أجل ثم دبره] وإن (¬1) دبر عبده ثم أعتقه إلى أجل، أو أعتقه إلى أجل ثم دبره، فإن انقضى الأجل في حياة السيد- أعتق من رأس المال، كان السيد صحيحًا أو مريضًا، وإن مات السيد قبل انقضاء الأجل (¬2) - أعتق من ثلثه إن حمله الثلث، وما عجز عن الثلث- خدم للورثة (¬3)، ثم يعتق بانقضاء الأجل، ويفترق الجواب فيما يجعل في الثلث، فإن تقدم التدبير- كان في الثلث الرقبة، وإن تقدم العتق إلى أجل كان في الثلث الخدمة. ¬

_ (¬1) في (ح): (وإذا). (¬2) زاد في (ح): (في حياة السيد). (¬3) في (ح): (غرم الورثة).

باب في المدبرة بين الشريكين تحمل من أحدهما

باب في المدبرة بين الشريكين تحمل من أحدهما قال مالك في المدونة: إذا دبر رجلان أمة، ثم حملت من أحدهما وهو موسر- قُوِّمَ نصيب المدبر على الواطئ، ويفسخ التدبير، قال: وإنما ينظر إلى الذي هو أوكد، فيُلْزِمُهُ السيد، وأم الولد آكد من التدبير (¬1) (¬2). وقال غيره: فإن كان الواطئ معسرًا كان الشريك بالخيار بين أن يضمنه نصف قيمتها، وتكون له أم ولد، أو يتمسك (¬3) بنصيبه ويتبعه بنصف قيمة الولد يوم يولد، فإن أفاد بعد ذلك مالًا لم تقوم الأم (¬4) عليه (¬5)، وإن مات المدبر وعليه دين يغترق نصفه- لم يقوم ذلك النصيب على الواطئ، وإن اشتراه الواطئ ليسر (¬6) حدث لم يكن ذلك النصف على حكم أم الولد، وكان نصفًا رقيقًا ونصفًا (¬7) بحساب أم الولد، وحل له وطؤها (¬8)، فإن كان للمدبر مال وحمل الثلث نصيبه- أعتق بالتدبير، وأعتق نصيب الواطئ، وكذلك إن حمل الثلث بعض نصيب الميت، فإنه يعتق نصيب الواطىء؛ لأن وطأها حرام، ولا يرجى أن تحل له بملك، وإن مات الواطئ في حياة المدبر كان نصيبه حرًّا من ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 524. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 524. (¬3) قوله: (أو يتمسك) في (ف): (ويتمسك). (¬4) في (ف): (الأمة). (¬5) قوله: (عليه) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (ليسر) زيادة من (ق 10). (¬7) قوله: (ونصفًا) ساقط من (ح). (¬8) انظر: المدونة: 2/ 524، 525.

رأس المال، وبقي نصيب الآخر على التدبير حتى يعتق في ثلث سيده (¬1)، ويختلف في هذه المسألة في ثلاثة أوجه: أحدها: في تقويم نصيب المدبر مع يسر الواطئ (¬2). فقال مالك في مختصر ابن عبد الحكم: يقوم نصف الولد وحده، ويمنع الواطئ منها، فإن مات المدبر وترك وفاءً- أعتق نصيبه، وإن لم يترك وفاء قومت على الواطئ، وكانت له أم ولد، وهذا هو أحد قوليه: أن الولاء قد ثبت بالتدبير، وأنه ينقض عتقه إن بيع وعتق. وأما قوله إنها تكون له أم ولد فإنما يصح على أن القيمة تكون يوم حملت، وتسقط القيمة التي أخذت من الواطئ في الولد، وتعاد إليه أو يحاسب بها، فإن التزم (¬3) قيمتها بولد وجعل القيمة عليه اليوم، أو يوم ولدت لم تكن أم ولد. والثاني: إن كان الواطئ معسرًا فإنه لا يخير المدبر على هذا القول، ولا ينقض التدبير، وإنما يرجع بنصف قيمة الولد. والثالث: إذا لم يقوم على الواطئ لأجل العسر أو لأن في ذلك نقلًا للولاء على أحد قولي مالك، فإنه لا يعتق نصيبه الذي أولد عند أشهب، وله أن يتبعه (¬4) ولا يكون عنده بعض أم ولد. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 455، 456. (¬2) قوله: في حياة المدبر كان نصيبه. . . . تقويم نصيب المدبر مع يسر الواطئ) ساقط من (ق 10). (¬3) في (ق 10): (ألزم). (¬4) في (ق 10): (يبيعه).

باب في المدبر يباع في المقاسم

باب في المدبر يباع في المقاسم وإذا كان في المقاسم مدبر لمسلم ولم يعلم سيده- لم تبع رقبته، وكانت خدمته لأهل الجيش، فإن افترقوا بيعت شيئًا بعد (¬1) شيء، فإن أتى سيده كان أحق به، وإن لم يعلم أنه مدبر حتى بيعت رقبته ثم جاء سيده- كان بالخيار بين أن يفتديه بالثمن، ويعود إليه على تدبير، أو يسلمه فيخدمه المشتري في الثمن (¬2). قال ابن القاسم: فإن استوفاه (¬3) وسيده حي رجع إليه، وإن لم يستوف حتى مات وثلثه يحمله كان عتيقًا، واتبع بالفاضل، وإن لم يحمله الثلث (¬4) قبض الباقي، واتبع العتيق بما ينوبه، وكان له من العبد (¬5) ما لم يحمله الثلث، ولا خيار في الفاضل للورثة، وقد اختلف في هذه الوجوه هل يبقى مدبرًا أو رقيقًا لمشتريه (¬6). واختلف بعد القول (¬7) أنه يبقى مدبرًا في رجوع فاضل الخدمة في حياة السيد إلى السيد، وفي اتباع العبد بعد الوفاة (¬8) والحرية بفاضل الثمن في تخيير ¬

_ (¬1) قوله: (بعد) ساقط من (ح). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 525. (¬3) في (ق 10): (استوفي خدمته). (¬4) قوله: (الثلث) ساقط من (ق 10). (¬5) في (ف): (العمد). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 225. (¬7) قوله: (بعد القول) ساقط من (ق 10). (¬8) في (ف): (الوفاء).

الورثة فيما رق منه، والمشهور من المذهب أنه على تدبيره، وقال ابن القاسم في الدمياطية: يكون رقيقًا لمشتريه، وهو آخر قوله، وقال محمد بن المواز: للمشتري خدمته حياة السيد (¬1)، وإن كثرت (¬2)، وقال غير ابن القاسم في المدونة: لا يتبع العتيق بشيء (¬3). فأجرى ابن القاسم الجواب فيه (¬4) على الجناية. وقد اختلف في العبد يجني جناية هي (¬5) أقل من قيمته وأسلم السيد خدمته، هل ذلك تسليم اقتضاء فيرجع إليه الفاضل، أو تسليم ملك فيكون للمجني عليه جميعها (¬6) وإن كثرت؟ وعلى القول أنه تسليم ملك- يكون للمشتري المدبر جميع خدمته كما قال محمد، وما يرق منه بعد موت سيده من غير خيار لورثته؛ لأن على السيد أن يسلم جميع ما يتعلق به فيه من حق، كما كان (¬7) يسلمه (¬8) لو لم يكن في عقد التدبير، وإن كان فيه فضل، وعلى قوله في العبد يجني أنه يباع ليكون الفضل لسيده (¬9)، يسلمه ها هنا إسلام اقتضاء، ليأخذ ثمنه من (¬10) الخدمة، ويكون الفضل لسيده (¬11)، فإن مات السيد قبل أن يستوفي- خير ورثته في الباقي، وعلى هذين القولين يكون الجواب في الغرماء ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 222. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 14. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 225. (¬4) في (ق 10): (فيها). (¬5) قوله: (هي) ساقط من (ق 10). (¬6) في (ح): (جميعًا). (¬7) قوله: (كان) ساقط من (ق 10). (¬8) في (ف): (له تسليمه). (¬9) في (ح): (للسيد). (¬10) في (ح): (في). (¬11) في (ح): (للسيد).

بعد موت السيد، وعلى قوله أنه لا خيار للورثة، لا يكون للغرماء خيار (¬1) ولا مقال (¬2) إن كان فيه فضل، وعلى القول أنه إسلام (¬3) اقتضاء- يكون للغرماء أن يدفعوا له باقي (¬4) ثمنه، ويباع لهم. والأول أحسن، وهو إذا بيع في المقاسم أقوى (¬5) منه إذا جنى؛ لأنه لو كان عبدًا لا تدبير فيه- لم يكن للسيد أن يقول (¬6): يباع له منه بقدر الثمن، وأخذ الباقي، وكذلك اتباعه بعد العتق الصحيح ألا بيع؛ لأن المستحق منه بعد التسليم (¬7) على وجهين: ملك وحرية، فما كان بملك فينتزع (¬8) إلا بعد دفع الثمن، وهي خدمة، وما كان بحرية فلا يتبع بشيء كما لو كان حرًّا بيع في المقاسم ثم علم أن المدبر ضامن (¬9) على أن يتبين (¬10) أنه مدبر، فلم يفعل، فبيع بعد الحرية (¬11) كالحر يقع في المقاسم فيغر من نفسه حتى يباع. ولو اشترى المدبر من أرض الحرب ثم خرج به مشتريه وهو يرى أنه عبد ثم ثبت أنه مدبر، وأسلمه سيده ثم مات، وحمله الثلث لاتّبعَ بالباقي، بخلاف الأول؛ لأن لمن أخرج من أرض الحرب حرًّا أن يتبعه بما اشتراه به، ¬

_ (¬1) قوله: (لا يكون للغرماء خيار) ساقط من (ف). (¬2) في (ف): (يقال). (¬3) في (ح): (يسلم). (¬4) في (ق 10): (ما له). (¬5) في (ف): (أفدى). (¬6) قوله: (يقول) ساقط من (ح). (¬7) قوله: (بعد التسليم) في (ح): (عند ابن القاسم). (¬8) في (ح): (فلا ينتزع). (¬9) قوله (ضامن) ساقطة من (ق 10)، وفي (ح): (قادر). (¬10) في (ح): (يبن). (¬11) في (ف): (الخدمة).

ولو قدم حربب بمدبر، ثم أسلم عليه- لم ينتزع منه، وكان له منه (¬1) ما كان (¬2) لسيده فيه وهي الخدمة، فإن مات الذي دبره والثلث يحمله كان عتيقًا وولاؤه لمدبره (¬3)، وإن لم يكن له مال (¬4) سواه عتق ثلثه، وكان ثلثاه رقيقًا للحربي، وإن كان على السيد دين يرقه كان جميعه (¬5) رقيقًا له. ¬

_ (¬1) قوله: (منه) زيادة من (ح). (¬2) قوله: (كان) ساقط من (ق 10). (¬3) في (ف): (للمدبر). (¬4) قوله: (مال) ساقط من (ق 10). (¬5) في (ق 10): (في سعة).

باب في مدبر النصراني يسلم ومدبر المرتد

باب في مدبر النصراني يسلم ومدبر المرتد مدبر النصراني يكون مسلمًا على ثلاثة أوجه: إما أن يسلم بعد التدبير، أو يسلم ثم يدبره، أو يشتريه مسلمًا فيدبره، وقد اختلف في هذه الوجوه الثلاثة، فاختلف إذا أسلم بعد التدبير، هل يبقى على تدبيره ويؤاجر إلى موت سيده، أو تباع رقبته؟ وإن أسلم ثم دبره لم يبع قولًا واحدًا. واختلف هل يؤاجر إلى موت سيده (¬1) أو يعجل عتقه الآن، وإن اشتراه وهو مسلم، ثم دبره كان فيه ثلاثة أقوال، وكان الجواب كالأول: يمضي تدبيره (¬2) إلى موت سيده. وقيل (¬3): يعجل عتقه. وقيل (¬4): الشراء فيه كان غير منعقد، وكأنه دبر عبد غيره، (¬5) وقال مالك في المدونة: إذا دبره وهو نصراني ثم أسلم النصراني (¬6) المدبر، فإنه يؤاجر من مسلم إلى أن يموت سيده (¬7). وقال أبو محمد عبد الوهاب: يتخرج فيها قول آخر: أنه يباع ويدفع ثمنه إلى النصراني؛ اعتبارًا بأم الولد إذا أسلمت؛ لأن خدمة أم الولد أقوى من خدمة التدبير (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 526. (¬2) في (ح) و (ق 10): (بتدبيره). (¬3) في (ق 10): (وقد). (¬4) في (ق 10): (وقبل). (¬5) قوله: (وقيل. . . غيره) ساقط من (ح). (¬6) قوله: (النصراني) زيادة من (ق 10). (¬7) انظر: المدونة: 2/ 563. (¬8) انظر: المعونة: 2/ 398.

وهذا صواب، فيباع لأن العقد المتقدم (¬1) إنما كان من كافر (¬2)، والعتق يتضمن وجهين، حق و (¬3) هبة من السيد إلى العبد، وهبة الكافر لا تلزمه، وحقًا لله، والكافر غير مخاطب بفروع الشريعة، وهذا بخلاف العتق المبتل إذا حوزه لنفسه فإن الرجوع بعد الحوز من باب التظالم، ولهذا قال مالك مرة في أم ولد النصراني تسلم (¬4): أنها تباع (¬5). وقال في المبسوط في مكاتب النصراني يسلم: إن له أن يبيعه عبدًا لا كتابة فيه، والكتابة أبين كان أن يمضي إذا حوزه نفسه ليسعى فيها، وإن دبره بعد أن أسلم لم يرد تدبيره؛ لأنه حكم بين مسلم ونصراني. واختلف في تعجيل العتق فرآه مالك مثل الأول: يؤاجر ولا يعتق الآن (¬6). وقال غيره: يعجل عتقه؛ لأن حكمَه إذا أسلم أن يباع، فلما منع ذلك التدبير أعتق عليه. وكذلك إذا اشتراه وهو مسلم ثم دبره- لم يبع ولم يتعجل (¬7) عتقه على قول مالك. وقال غيره: يعجل عتقه. وقال ابن القاسم فيمن دبر عبده ثم ارتد ولحق بدار الحرب: إن ماله يوقف حتى يموت، ويعتق المدبر من ثلثه (¬8)، وفي عتقه من ثلثه نظر؛ لأن جميع ماله صار فيه (¬9) للمسلمين ولا ثلث له. ¬

_ (¬1) في (ح): (الأول). (¬2) في (ح): (كافرين). (¬3) هكذا في الأصول والصواب حذف الواو. (¬4) قوله: (تسلم) ساقط من (ف). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 486. (¬6) انظر: المدونة: 2/ 526. (¬7) في (ح): (يعجل). (¬8) في (ح): (الثلث). انظر: المدونة: 2/ 527. (¬9) زاد في (ف) و (ق 10): (فيه).

باب في العبد والمدبر، وأم الولد والمعتق إلى أجل والمكاتب يدبر عبده

باب في العبد والمدبر، وأم الولد والمعتق إلى أجل والمكاتب يدبر عبده (¬1) قال ابن القاسم في العبد يدبر أمته بإذن سيده أنها معتقة إلى أجل من رأس المال، ولا يلحقها دين في ذلك (¬2)، ولا يمسها السيد ولا العبد، وولاؤها للسيد إن أعتق العبد وجعل لها (¬3) الإذن في ذلك انتزاعًا (¬4). (¬5) قال سحنون: وإن وطئها العبد فحملت وقفت هي وولدها حتى يموت العبد فتعتق هي وولدها، قال: ولو وطئها السيد فحملت لحِقَ الولد بالأب ولا يقربها وتعتق لأولهما موتًا، العبد أو السيد، ولو قيل: يعجل عتقها حين حملت، لكان قولًا. قال عيسى: بل تعتق الساعة (¬6). وكذلك مدبرة المدبر وأم الولد، والمعتق إلى أجل. . . قاله كالمعتقات إلى أجل (¬7)، ويعتق بموت من دبرهن، قال: وليس لهؤلاء التدبير، إلا بإذن السيد والولاء للسيد (¬8) الأدنى. ¬

_ (¬1) قوله: (والمكاتب يدبر عبده) ساقط من (ح). (¬2) قوله: (في ذلك) ساقط من (ح). (¬3) قوله: (لها) زيادة من (ف). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 21. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 156. (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 157. (¬7) في هذا الموضع إشكال. وهو ساقط من (ح)، وفي (ق 10) مطموس. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 22.

وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب في مكاتب دبر أمته بإذن سيده فليس له وطؤها إلا أن يؤدي خوف أن يعجزه، فترجع هي إلى سيده معتقة إلى أجل (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 22.

باب في العتق إلى أجل

باب في العتق إلى أجل (¬1) قال ابن القاسم فيمن قال لعبده: أنت حر إذا مات فلان أنه معتق إلى أجل (¬2) من رأس المال (¬3)، ومن قال لعبده: أنت حر إلى سنة أو خمس أو عشر -أعتق من رأس المال، وإن مات السيد قبل انقضاء الأجل- كان العبد حرًّا من رأس المال، وليس للورثة فيه إلا الخدمة إلى ذلك الأجل (¬4)، وإن ضرب أجلًا بعيدًا لا يبلغه عمر العبد- كان عتقه باطلًا، وهو بمنزلة من قال: أنت حر بعد موتك (¬5) والأجل في ذلك يختلف، وليس الشاب كالكهل، ولا الكهل كالشيخ، فكان من ضرب له أجل يؤجل (¬6) حياته إليه لزم العتق، وإن كان لا يبلغه- جاز بيعه، وقال مالك في كتاب محمد فيمن أوصى عند موته جواريه (¬7) أن يحبسن تسعين سنة ثم يعتقن: ذلك جائز (¬8). قال: وينظر في ذلك الإمام، فإن رأى أن يبيعهن- باعهن، وإن رأى أن يعتقهن- أعتقهن، ولا تنفذ له وصية (¬9). وقال ابن القاسم: أحب إلي أن يبعن (¬10). ¬

_ (¬1) قوله: (في العتق إلى أجل) ساقط من (ح). (¬2) قوله: (إلى أجل) ساقط من (ح). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 527. (¬4) انظر: المدونة: 2/ 511. (¬5) انظر: المقدمات الممهدات: 2/ 295. (¬6) قوله: (فكان من ضرب له أجل يؤجل) في (ح): (وعلى من ضرب له أجل ترجا). (¬7) في (ح): (جوارٍ). (¬8) في (ح): (أَنَّ ذلك غير جائز). (¬9) انظر: البيان والتحصيل: 17/ 28، والنوادر والزيادات: 11/ 349. (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 349.

فصل [في مدبر قتل سيده عمدا]

قال الشيخ - رضي الله عنه -: وقول ابن القاسم (¬1) في هذا أحسن، وليس إلا البيع؛ لأنه بمنزلة من قال: أنت حر بعد موتك. فصل [في مدبر قتل سيده عمدًا] وقال ابن القاسم في كتاب محمد في مدبر قتل سيده عمدًا: فلا يعتق في ثلث ولا في (¬2) دية، ويباع، ولا يتبع بشيء، وإن قتله خطأً أعتق في المال دون الدية، قال: وإن حمله الثلث اتبع بالدية، قال: (¬3) وإن خرج بعضه فعليه من الدية بقدر ما أعتق منه (¬4). تمَّ كتابُ التدبير من التبصرة، والحمدُ لله حقَّ حمده ¬

_ (¬1) قوله: (ابن القاسم) ساقط من (ح). (¬2) قوله: (في) ساقط من (ح). (¬3) قوله: (قال) ساقط من (ح). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 16/ 125.

كتاب المكاتب

كتاب المكاتب النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ح) = نسخة الحسنية رقم (12929) 3 - (ر) = نسخة الحمزوية رقم (110)

ما جاء في الكتابة وأحكامها وغير ذلك

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب المكاتب ما جاء في الكتابة وأحكامها وغير ذلك (¬1) الأصل في الكتابة قول الله -عز وجل-: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] فهذا أمر من الله تعالى للسادات بالكتابة. واختلف هل هو على الندب أم على الإباحة، فقال مالك في الموطأ: سمعت بعض أهل العلم إذا سئل عن ذلك يتلو هاتين الآيتين: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2]، {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} (¬2) [الجمعة: 10] فحملها (¬3) على الإباحة (¬4). وذكر أبو الحسن ابن القصار عنه (¬5) أنها مستحبة، وقاله ابن الماجشون في كتاب (¬6) المبسوط، وامتنع (¬7) حمل الآية على الوجوب؛ لأنّ الكتابة تتضمن خروج الملك وإباحة التجارة والعتق، وقد انعقد الإجماع على أن ليس على السيد أن (¬8) يبيع (¬9) عبده، ولا أن يأذن له في التجارة، ولا أن يعتقه إلا أن يرضى. ¬

_ (¬1) قوله: (ما جاء في الكتابة وأحكامها وغير ذلك) زيادة من (ر). (¬2) انظر: الموطأ: 2/ 788. (¬3) في (ف) و (ر): (فجعلها). (¬4) انظر: الموطأ: 2/ 788. (¬5) قوله: (عنه) ساقط من (ح). (¬6) قوله: (كتاب) زيادة من (ر). (¬7) زاد في (ح) و (ر): (من). (¬8) قوله: (على السيد أن) في (ح): (للسيد). (¬9) قوله: (أن يبيع) يقابله في (ر): (بيع).

فصل [في أوجه الكتاب]

واختلف في الخير المراد في الآية، هل هو (¬1) الدين أم المال، أم (¬2) هما جميعًا: الدين والمال؟ فقال مالك في كتاب محمد: هو القوة على الأداء (¬3)، بمال أو صنعة (¬4) أو غير ذلك. فصل (¬5) [في أوجه الكتاب] والكتابة على أربعة أوجه: ندب وإباحة (¬6)، مباحة (¬7) من وجه ومندوب (¬8) إليها (¬9) من وجه، ومكروهة، وممنوعة وذلك راجع إلى حال العبد من (¬10) الدين والقوة على الأداء والوجه الذي يوفي (¬11) منه. فإن كان العبد معروفًا بالدين ولا يعرف بسوء، والكتابة على مثل الخراج أو يزيد (¬12) يسيرًا والسعاية من وجه جائز، كانت ندبًا، لما تضمنت من العتق؛ لأنه مما يتقرب به إلى الله -عز وجل-. وإن كانت على أكثر من الخراج بالشيء الكثير كانت رخصة، وإباحة من هذا (¬13) الوجه، لما تضمنت من الغرر، لإمكان أن يعجز عند آخر نجومه فيذهب سعيه باطلًا، وهذا محظور في البيع أن يبقى المبيع وما ينقد فيه من الثمن ¬

_ (¬1) زاد بعده في (ف): (على). (¬2) في (ر): (أو). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 64، والبيان والتحصيل: 18/ 185. (¬4) في (ف): (يريد المحال أو صناعة)، وفي (ح): (يريد: المال، أو صناعة). (¬5) قوله: (فصل) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (وإباحة) ساقط من (ر). (¬7) في (ح): (وأباح)، وفي (ر): (مباح). (¬8) في (ف): (مندوب). (¬9) قوله: (من وجه ومندوب إليها) ساقط من (ر). (¬10) في (ر): في). (¬11) في (ر): (تؤدي). (¬12) في (ر): (تزيد). (¬13) قوله: (هذا) زيادة من (ر).

تارة في يد البائع، إلا على قول (¬1) من قال إنه (¬2) يعتق منه بقدر ما أدى (¬3). وندبًا لما تضمنت من العتاقة؛ لأنه إذا سقط (¬4) المنع من وجه الغرر ثبت الندب لأجل العتق. وإن كان العبد معروفًا بالإيذاء والشر (¬5) كانت مكروهة، لقوله سبحانه: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] أو لأن كتابة من هذه صفته وعتقه تسليط على الناس، وبقاؤه في الرق أمنع لشره، وإن كانت سعايته من غصب أو سرقة أو عمل بالربا أو كانت أمة تكسب من فرجها كانت ممنوعة. وأجاز مالك كتابة من لا حرفة له من الرجال (¬6)، وقال ابن القاسم: يجوز، وإن كان يسأل الناس. وكره مالك كتابة الأمة التي لا حرفة لها (¬7)، وقال الشيخ أبو الحسن - رضي الله عنه -، وقال (¬8) أشهب: يفسخ إلا أن تفوت بالأداء (¬9). واختلف في كتابة الصغير، فذكر ابن القصار عن مالك قولين: الجواز والمنع (¬10)، وأجازه ابن القاسم (¬11)، وقال أشهب في كتاب محمد: لا يجوز، ويفسخ إلا أن تفوت بالأداء، أو يكون له ما يؤدي منه، فيعجز (¬12) فيؤخذ منه ¬

_ (¬1) قوله: (قول) ساقط من (ح). (¬2) قوله: (إنه) ساقط من (ر). (¬3) هو قول الإمام الشافعي، انظر: المعونة: 2/ 388، وراجع: عيون المجالس: 4/ 1875. (¬4) في (ر): (أسقط). (¬5) قوله: (بالإيذاء والشر) في (ح): (بالأداء والشراء)، وفي (ر): (بالإيذاء والفسق)، قال في منح الجليل: 5/ 437، عن اللخمي: (إن كان العبد لا يعرف بسوء، وسعايته من مباح، وقدر الكتابة ليس بأكثر من خراجه بكثير، فمباحة، وإن عرف بالسوء والأذية، فمكروهة). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 473. (¬7) انظر: المدونة: 2/ 473. (¬8) قوله: (الشيخ أبو الحسن - رضي الله عنه -، وقال) زيادة من (ر). (¬9) انظر: المدونة 2/ 473. (¬10) انظر: المدونة: 2/ 473. (¬11) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 64 ونص النوادر: (وأجاز ابن القاسم كتابة الصغير، وقال أشهب: يفسخ إلا أن يموت أو يكون له ما يؤدي فيؤخذ ويعتق وكذلك الأمة في ذات الصنعة). (¬12) قوله: (فيعجز) زيادة من (ر).

فصل [في إجبار العبد على الكتاب]

ويعتق، قال: وكذلك الجارية غير ذات الصنعة (¬1)، وهذا أحسن، ولا يكاتب اليوم من لا حرفة له من رجل أو امرأة أو صبي لأن الغالب أنه يتغير (¬2) الأمر في ذلك، ولا يعترض هذا ببريرة؛ لأنهم كانوا أحسن دينًا، وكانوا على حال العرب في (¬3) العطايا والهبات. والقول بأن الخير: الدين، أحسن، لقول الله -عز وجل-: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] ولو كان المراد: المال، لقال: إن علمتم لهم، يقال: في فلان خير، إذا أريد به (¬4) الدين، وله خير، إذا أريد به (¬5) المال، وإن كان يجوز بدل حروف الجر بعضها من، فإن ذلك مجاز (¬6)، وإنما يحمل اللفظ على حقيقته، وعلى ما وضع له إلا أن يقوم دليل المجاز، ولا يختلف أن من حق السيد القدرة على الأداء. فصل [في إجبار العبد على الكتاب] وإذا كانت الكتابة على الإباحة أو الندب لم يجبر السيد عليهما (¬7)، وله جبر العبد إذا كانت الكتابة (¬8) بمثل الخراج أو يزيد يسيرًا؛ لأنَّ الغالب أن العبد (¬9) متى تكلف ذلك الزائد اليسير (¬10)، قدر عليه ونال العتق، وليس (¬11) له إجباره إذا كان الزائد كثيرًا؛ لأنه قد يتكلف مشقة ذلك، ثم يعجز فيذهب سعيه باطلًا. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 64 ونص النوادر: (وأجاز ابن القاسم كتابة الصغير، وقال أشهب: يفسخ إلا أن يموت أو يكون له ما يؤدي فيؤخذ ويعتق، وكذلك الأمة غير ذات الصنعة). (¬2) في (ف) و (ر): (ينقسم). (¬3) في (ف) و (ح): (القرب من). (¬4) قوله: (به) ساقط من (ف) و (ر). (¬5) قوله: (به) ساقط من (ر). (¬6) في (ف): (مجازًا). (¬7) في (ر): (عليها). (¬8) قوله: (الكتابة) ساقط من (ح). (¬9) قوله: (أن العبد) ساقط من (ف). (¬10) قوله: (اليسير) زيادة من (ر). (¬11) قوله: (ليس) ساقط من (ح).

باب في الكتابة على الغرر وعلى ما في ملك فلان

باب في الكتابة على الغرر وعلى ما في ملك فلان والكتابة على الغرر جائزة (¬1)، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "المُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ" (¬2)، فأجاز أن يسعى ويتكلف المدة الطويلة، فإن عجز عن (¬3) آخر نجم كان عبدًا، وقد تقدم أن مثل ذلك لا يجوز في البيوع أن يبيع (¬4) سلعة مناجمة (¬5)، فإن لم يوف كان المنتقد من الثمن (¬6) والسلعة للبائع، ثم لا يخلو الغرر من ثلاثة أوجه: إما أن يكون في ملك العبد، أو في ملك السيد، أو في ملك غيرهما. فإن كان في ملك العبد فكاتبه على عبد له آبق أو بعير شارد أو جنين في بطن أمه أو ثمر لم يبد صلاحه- جاز ذلك (¬7)، وكره ذلك أشهب في كتاب محمد ابتداء (¬8)، فإن نزل مضى، والأول أحسن (¬9)؛ لأنه قد كان للسيد انتزاع ذلك من عبده، وأن يجبره على طلبه من غير كتابة، فإذا جعل له بذلك العتق فقد تفضل عليه. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 455، 2/ 459. (¬2) أخرجه أبو داود مرفوعًا: 2/ 414، في باب في المكاتب يؤدي بعض كتابته فيعجز أو يموت، من كتاب العتق، برقم (3926)، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بنحوه، ومالك موقوفًا 2/ 787، في باب القضاء في المكاتب، من كتاب المكاتب، برقم (1486)، من حديث عبد الله بن عمر بنحوه. (¬3) قوله: (عن) ساقط من (ف). (¬4) في (ح): (تباع). (¬5) في (ر): (مناجزة). (¬6) في (ف): (المكاتبة). (¬7) قوله: (ذلك) زيادة من (ر). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 71. (¬9) قوله: (والأول أحسن) يقابله في (ر): (ذلك).

وأجاز ابن القاسم في العتبية أن يكاتبه على أن يأتيه بعبده الآبق أو بعيره الشارد (¬1)، وهذا أحسن، والوجه فيه ما تقدم؛ لأنه وإن كان ذلك ملكًا للسيد، فقد كان له أن يجبره على طلبه من غير كتابة، ويجوز أن يقول: أكاتبك على أن تغرس لي هذه الأرض بهذا الودي (¬2) -بودي للسيد (¬3) - فإذا بلغت فأنت حر. واختلف في هذا الأصل هل هي كتابة فثبتت عند الفلس والموت، أو عِدَة فيسقطها الفلس والموت؟ فقال ابن القاسم في كتاب محمد فيمن كاتب عبده على إن أعطاه عشر بقرات على أنها (¬4) إن بلغت خمسين كان حرًّا، هذه كتابة (¬5)، قال: ذلك جائز، ولا يفسخ ما جعل له إن رهقه دين (¬6)، وعلى هذا لا تسقط الكتابة بالموت. وأجاز في العتبية فسخ ذلك إذا رهقه دين، وقال: إن مات السيد فلا حرية له (¬7). وقال ابن ميسر: ليست بكتابة (¬8)، وأمضى ابن القاسم ذلك له في القول الأول على أحكام الكتابة لقصد السيد، وأنه الوجه الذي أراد، ورده في القول الآخر؛ لأنّ الكتابة في الحقيقة على ما يتكلف العبد من السعي. وهذه أشياء للسيد جبره على رعيها والقيام بها من غير كتابة. واختلف إذا كاتبه على معين في ملك غيره، فقال: أكاتبك على عبد فلان ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 275. (¬2) (الودي): فسيل النخل وصغاره. انظر لسان العرب 15/ 383. (¬3) قوله: (بهذا الودي بودي) في (ح): (الودي لودي). (¬4) قوله: (أنها) زيادة من (ر). (¬5) في (ف) و (ر): (كتابتك). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 72، والبيان والتحصيل: 15/ 265. (¬7) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 265. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 72.

أو على (¬1) داره، فأجازه ابن القاسم (¬2). وقال أشهب: يفسخ إلا أن يشتريه قبل الفسخ (¬3). وقال محمد: إن لم يشتره أدى قيمته (¬4). وقال ابن ميسر: لا يعتق (¬5) إلا بعبد فلان (¬6)، وقول ابن القاسم: إن ذلك جائز أحسن. والأمر في الكتابة أوسع من هذا إذا كان العبد يسعى فيما يشتري به ذلك العبد، وإن كان العبد يملك ما يشتريه به، كان ذلك أبين؛ لأنها كالوكالة من السيد، وقد كان له أن يجبره على أن يشتريه له بذلك المال من غير كتابة. وقول ابن ميسر ألا يعتق إلا بإحضار ذلك العبد أبين؛ لأن السيد لا يشترط ذلك إلا لغرض له فيه إلا أن يعلم أن ذلك كان لمبلغ ثمنه وغلائه، وإن كاتب السيد عبده على قيمته، جاز، ويكون له الوسط مما يباع به نقدًا (¬7)، ثم تنجم تلك القيمة على قدر ما يرى أنه يقوى عليه من النجوم، ولا يقوم على التأجيل؛ لأن الأصل في القيم النقد، ولأن النكرة إذا أضيفت إلى معرفة تعرفت بها، فقوله: قيمته (¬8)، إشارة إلى قيمة معروفة. وإن كاتبه على مائة دينار ولم يسمِّ النجوم، جاز، ووضعت على ما يرى أنه يحضرها فيه، وإن سمَّى النجوم ولم يسمِّ ما يؤدي في كل نجم، جاز، وجعل عليه ما يرى أنه يستطيعه في تلك النجوم. ¬

_ (¬1) قوله: (على) زيادة من (ر). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 455. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 71. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 71. (¬5) في (ر): (لا عتق له). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 71. (¬7) انظر: المدونة: 2/ 455، والإشراف على مسائل الخلاف: 2/ 1001. (¬8) في (ر): (قيمتك).

ومنع ابن القاسم الكتابة على اللؤلؤ إذا لم يوصف (¬1). وقال محمد: لا يفسخ (¬2)، ويكون من أوسط ما يكون بينهما (¬3)، وإن كاتبه على وصيف أو عبد ولم يصفه (¬4) جاز، وإن (¬5) كان للسيد المعتاد من كسب الموضع من الحمران والسودان والوسط في الجودة من ذلك الصنف والوسط في (¬6) السن إن قال وصيف (¬7)، فإن قال عبد كان الوسط، لا شيخ ولا وصيف، ويجعل له نجمًا واحدًا. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 71. (¬2) في (ر): (لا تفسخ الكتابة). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 71. (¬4) في (ر): (يصف). (¬5) قوله: (وإن) ساقط من (ر). (¬6) في (ر): (من). (¬7) انظر: المدونة: 2/ 455.

باب في الكتابة على الخدمة أو على مال وخدمة أو غيرها وفي فسخ الكتابة في غيرها نقدا أو إلى أجل

باب في الكتابة على الخدمة أو على مال وخدمة أو غيرها (¬1) وفي فسخ الكتابة في غيرها نقدًا أو إلى أجل فإن (¬2) قال: أكاتبك على خدمة هذا الشهر أو على خدمة شهر جاز (¬3)، فإن عينه وقال: هذا، ومرضه أو أبق فيه لم يعتق، بخلاف المعتق إلى أجل لأن هذا أجراه على الكتابة (¬4)، ومفهوم الكتابة ألا حرية إلا بالأداء كالبيع، فإن أعطاه العبد قيمة خدمته عن ذلك الشهر (¬5) فيستحسن أن يعتق، وإن قال: أكاتبك (¬6) على خدمة شهر ومرض بعد العقد شهرًا أو أَبَقَهُ لم يعتق إلا أن يخدم بعد ذلك شهرًا، أو محمل (¬7) قوله أكاتبك على خدمة شهر على سنة الكتابة أن العتق بعد الخدمة إلا أن يعترف أنه أراد تعجيل العتق فيمضي العتق وتسقط الخدمة. واختلف إذا كاتبه على مال وخدمة شهر، فقال مالك مرة: الخدمة لازمة ما لم يؤد (¬8) المال، فإن أداه سقطت ولم يؤد عنها شيئًا (¬9) قال: لأن الخدمة بقية رق فيستكمل عليه، وكذلك الأسفار يشترطها عليه فإنه يسافر ما لم يؤد المال، فإن أداه سقطت (¬10). ¬

_ (¬1) في (ر): (أو غيرهما). (¬2) في (ر): (ومن). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 459. (¬4) زاد في (ح): (ألا حرية). (¬5) قوله: (خدمته عن ذلك الشهر) في (ف): (ذلك للسيد). (¬6) في (ف): (كاتبتك). (¬7) قوله: (أو محمل) يقابله في (ر): (ومحمل). (¬8) في (ف): (يرد). (¬9) انظر: الموطأ: 2/ 800، والمدونة: 2/ 459، وفيها: (قال مالك: وكل خدمة اشترطها في الكتابة أنه إذا أدى الكتابة قبل أن يخدم سقطت عنه الخدمة). (¬10) انظر: الموطأ: 2/ 802.

وقال في كتاب محمد: يعطيه مكان الأسفار شيئًا ويمضي عتقه (¬1)، وعلى هذا يعطيه قيمة الخدمة، وقال أيضًا: كل من جعل حرية عبده (¬2) بعد قضاء الخدمة والأسفار لزم ذلك العبد، ولم يعتق إلا بعد ذلك كله، أو يعجل قيمة ذلك (¬3)، وقال أصبغ: لا يعجبني إلزامه الشرط بالخدمة، ولكن تسقط الخدمة (¬4) وتثبت الكتابة، كالذي يستثني على الأمة ما تلد في الكتابة، فتمضي الكتابة ويسقط الشرط (¬5) فأسقط الخدمة وإن لم يؤد المال، وليس بحسن، وقد قال ابن القاسم: إذا اشترط ألا يخرج من عمل (¬6) ولا من خدمته حتى يؤدي المال أن الكتابة ثابتة، فلا يفسخ الشرط (¬7)، وإن كاتبه على مال ضحايا (¬8) يؤديها له (¬9) في الأعياد فعجل (¬10) المال لم يعتق إلا بأداء الضحايا لأنها مال بخلاف الخدمة، وإن عجل قيمتها عجل عتقه (¬11)، وإن كره السيد، قال مالك: ليس قيمتها إلى حلولها، ولكن قيمتها على أنها قد (¬12) حلت (¬13)، وهذا صحيح، وهو بمنزلة من كاتب على عروض، فإن للمكاتب تعجيلها، وعلى السيد قبولها؛ لأن القصد في التأجيل بالكتابة التخفيف عن (¬14) المكاتب، وليس ليضمن (¬15) السيد ففارقت البيع، وكذلك إذا كاتبه (¬16) على خدمة خاصة ولا شيء معها فأراد تعجيل قيمتها كان ذلك له ويغرم (¬17) حسب ما تقدم في الضحايا ¬

_ (¬1) انظر النوادر والزيادت: 13/ 65. (¬2) قوله: (عبده) ساقط من (ح). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 65. (¬4) قوله: (الخدمة) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (ويسقط الشرط) ساقط من (ر). وانظر: النوادر والزيادات: 13/ 69. (¬6) في (ر): (عمله). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 68. (¬8) قوله: (ضحايا) ساقط من (ف)، وفي (ر): (وضحايا). (¬9) قوله: (له) زيادة من (ر). (¬10) في (ف): (فجعل). (¬11) قوله: (عجل عتقه) ساقط من (ح). (¬12) قوله: (قد) زيادة من (ر). (¬13) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 65، 66. (¬14) في (ر): (على). (¬15) في (ف): (يتضمن). (¬16) في (ف): (كانت). (¬17) قوله: (كان ذلك له ويغرم) يقابله في (ر): (وتقوم).

فصل [الكتابة بدنانير إلى أجل هل له أن يأخد عنها دراهم نقدا؟]

خاصة (¬1) تقويم الشيء الذي قد حل وتوجه قبضه، وليس قيمة الشيء المؤجل يباع بالنقد، فإن كانت قيمة الخدمة في تلك الشهور والأيام متساوية نظر كم قيمة أول يوم بالنقد لأنه يمكن قبضه فما قيل أنه قيمته حسب على مثله جميع أيام تلك الخدمة. فصل [الكتابة بدنانير إلى أجل هل له أن يأخد عنها دراهم نقدًا؟] وإذا كانت الكتابة على (¬2) دنانير إلى أجل جاز أن يأخذ عنها دراهم نقدًا؛ لأنه قد يكون حرًا بنفس دفعها (¬3). واختلف إذا فسخ الدنانير في دراهم إلى مثل ذلك (¬4) الأجل، أو أبعد أو أقرب أو فسخ الدنانير في أكثر منها إلى أبعد من الأجل، وأجاز ذلك مالك وابن القاسم، وإن لم يعجل العتق ومنعه سحنون إلا أن يعجل العتق (¬5) ومنعه ابن عمر وإن عجل العتق، وأجرى الكتابة مجرى الديون الثابتة، وكذلك إذا كانت الكتابة عينا ففسخها في عروض، أو كانت عروضًا ففسخها في عين، أو كان طعامًا (¬6) ففسخها في عين (¬7) أو عروض، فإن كان من انتقد (¬8) إليه يأخذه نقدًا جاز، وإن كان إلى مثل الأجل الأول أو أقرب أو أبعد جاز عند مالك وابن القاسم، ولم يجز عند سحنون إلا أن يعجل العتق، ولم يجز عند ابن عمر، وإن عجل العتق، ولا يجوز على أصله إذا كانت الكتابة طعامًا أن يفسخها (¬9) في عين أو عرض، وإن انتقد ذلك فيدخله على قوله بيع الطعام قبل قبضه. ¬

_ (¬1) قوله: (خاصة) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (على) زيادة من (ر). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 460. (¬4) قوله: (ذلك) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (العتق) ساقط من (ف). وانظر: المدونة: 2/ 460. (¬6) في (ف) و (ح): (أو طعام). (¬7) في (ر): (عبد). (¬8) في (ر): (انتقل). (¬9) في (ر): (يفسخه).

باب في الأمة يكاتبها سيدها على أن يصيبها أو يستثني ولدها

باب في الأمة يكاتبها سيدها على أن يصيبها أو يستثني ولدها واختلف فيمن كاتب أمة على أن يصيبها أو يستثني ولدها في كتابتها (¬1)، فقال ابن القاسم: الكتابة جائزة، والشرط باطل (¬2)، وقال محمد: يفسخ (¬3) الكتابة ما لم يؤد نجمًا (¬4)، وقيل: ما لم تؤد صدرًا من كتابتها، وأراد (¬5) أن يفسخ ما لم يؤد نجمًا إلا أن يسقط السيد شرطه أو يتراضيا على شيء، فإن أدت نجمًا سقط الشرط، وزيد في الكتابة ما حط لأجل ذلك الشرط (¬6)، وإن لم ينظر في ذلك حتى أدت جميع الكتابة وكان يصيبها أو ترك ذلك اختيارًا فلم يكن له شيء سوى ما كاتبها عليه، وأما الولد فيزاد (¬7) لأجل ما حط له، وإن أدت جميع الكتابة. وقال محمد: إن شرط المكاتب (¬8) ما تلد زوجته وهي أمة لسيده كان له شرطه ما لم يبعها أو يهبها فلا تدخل في كتابتها ما تلد بعد ذلك، وإن كانت حاملًا به في (¬9) حين خرجت من (¬10) ملكه (¬11)، وإن كاتب السيد الأم بعد كتابة الأب كان ما ولدت قبل كتابتها في كتابة الأب (¬12)، وأسقط شرطه فيما تلد بعد ذلك، وكانوا في كتابة الأم وإن لم يبطل شرطه حتى ولدت فسخ ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 460. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 68. (¬3) في (ر): (تفسخ). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 68. (¬5) في (ح): (فأرى). (¬6) قوله: (لأجل ذلك الشرط) في (ف): (لأجله). (¬7) قوله: (فيزاد) يقابله في (ر): (فيرد إذا أشرطه). (¬8) في (ر): (للمكاتب). (¬9) قوله: (في) ساقط من (ر). (¬10) في (ر): (عن). (¬11) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 70. (¬12) في (ر): (الأم). وقوله: (كان ما ولدت قبل كتابتها في كتابة الأب) ساقط من (ف).

فصل في قطاعة المكاتب

الشرط فيما تلد بعد ذلك (¬1) وكان ما ولدته بعد كتابتها وقبل إسقاط الشرط يسعى في كتابة (¬2) أبويه ويعتق مع أولهما عتقا ويوارثه ولا يسعى عليه مع (¬3) الباقي ولا يوارثه، وإن (¬4) مات في الكتابة. قال الشيخ أبو الحسن (¬5) -رحمه الله-: وإن احتاج إلى معونته انتفع (¬6) به، ولا يقضى عليه بشيء من كتابتهما (¬7) لأنها لم تعقد عليه، وإن كان يرجى عتق أحدهما قيل يسعى مع أقربهما عتقا، فإن مات أحد أبويه وخلف وفاءً عتق فيه وورث الباقي، وإن لم يخلف وفاء وعجز عن السعي في الباقي بقي في كتابة (¬8) الحي منهما. فصل (¬9) في قطاعة المكاتب قطاعة أحد الشريكين المكاتب جائزة بإذن شريكة (¬10)، فإن كانت الكتابة مائة دينار فقاطعه من (¬11) نصيبه على عشرين دينارًا (¬12) جاز، وإن أخذها ثم عجز (¬13) المكاتب قبل أن يأخذ منه الآخر شيئًا كان الذي قاطعه بالخيار بين أن يرد على صاحبه عشرة دنانير (¬14) ويعود إليه نصيبه ¬

_ (¬1) قوله: (وكانوا في كتابة. . . بعد ذلك) ساقط من (ف). (¬2) في (ف): (كتابته). (¬3) قوله: (عليه مع) ساقط من (ف). (¬4) في (ر): (إن). (¬5) قوله: (أبو الحسن) زيادة من (ر). (¬6) في (ح): (معونته استعين)، وفي (ر): (معونة أعيب). (¬7) في (ف): (كتابتها). (¬8) في (ر): (كتابته). (¬9) في (ر): (باب). (¬10) انظر: الموطأ: 2/ 792، والمدونة: 2/ 461. (¬11) في (ر): (في). (¬12) قوله: (دينارًا) زيادة من (ر). (¬13) قوله: (ثم عجز) ساقط من (ر). (¬14) قوله: (دنانير) زيادة من (ر).

منه (¬1) أو لا يرد ويكون جميعه لشريكه، وإن قبض الثاني عشرة ثم عجز رد خمسة وكان بينهما، أو لا يرد ويكون جميعه لشريكه (¬2)، وإن أخذ الثاني عشرين أو ثلاثين كان بينهما نصفين، ولم (¬3) يكن على الثاني أن يرد على الأول من الفاضل عنده (¬4) شيء، وفي كتاب محمد: إذا قاطع الأول على حيوان أو عرض حسب قيمته يوم قبضه على النقد، ورد نصف الفاضل، وإن كان طعامًا رد مثله، ورد المتمسك ما اقتضى إن كان اقتضى (¬5) شيئًا فيقاسمه (¬6)، يريد: في العرض إذا فات لأنه يعود إلى قيمة، والقيمة من العين، فينظر إلى الفاضل (¬7) خاصة، ولو كان قائمًا كان (¬8) الجواب فيه كالطعام، ويكون بالخيار بين أن يرد نصفه ويأخذ نصف ما أخذ شريكة، أو أن (¬9) يتمسك، ولا شيء له في العبد ولا فيما اقتضى صاحبه، وإن كان فيما اقتضى شريكة فضل على (¬10) ما قاطع عليه الأول كان بالخيار بين أن يرد نصف ما اقتضى ويأخذ من شريكة (¬11) نصف العروض أو الطعام (¬12) أو يتمسك بما في يديه ويكون للأول ما في يديه، ويكون (¬13) العبد بينهما نصفين، وإن كانت المقاطعة على عشرين دينارًا فلما قبض منها عشرة عجز العبد كان بمنزلة من قاطع على نصف نصيبه، وقد اختلف فيه: ¬

_ (¬1) قوله: (منه) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (وإن قبض الثاني عشرة. . . ويكون جميعه لشريكه) ساقط من (ح) و (ر). (¬3) في (ف): (وإن لم). (¬4) قوله: (عنده) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (إن كان اقتضى) ساقط من (ف). (¬6) في (ف) و (ح): (فيقسمانه). وانظر: النوادر والزيادات: 13/ 110. (¬7) في (ف) و (ح): (الفضل). (¬8) قوله: (كان) ساقط من (ح). (¬9) قوله: (أن) ساقط من (ر). (¬10) في (ر): (عن). (¬11) قوله: (من شريكة) زيادة من (ر). (¬12) قوله: (أو الطعام) ساقط من (ر). (¬13) قوله: (يكون) ساقط من (ح).

فقيل: الأول بالخيار بين أن يرد خمسة ويكون (¬1) العبد بينهما نصفين أو لا يرد ويكون (¬2) له من العبد ربعه ويكون ثلاثة أرباعه لمن لم يقاطعه. وقال الداودي: يكون (¬3) الربع بينهما أثلاثًا، مفضوضًا على ما بقي لكل واحد منهما فيه، وهو أقيس، ولا فرق عنده (¬4) بين أن يبقى الربع للذي قاطع أو لأجنبي (¬5)، وإن قاطعه أحدهما بغير إذن شريكة، ثم (¬6) لم يعلم الآخر حتى عجز، وقد اقتضى منه (¬7) مثل ما قاطع عليه صاحبه أو أكثر، كان العبد بينهما نصفين؛ لأن الذي لم يقاطع لا يختار إذا كان الفضل عنده إلا إجازة ما قاطع عليه صاحبه ولا يختار الآخر إلا الرجوع. وإن اقتضى عشرة كان له أن يجبر الأول على رد خمسة (¬8) ويكون العبد بينهما نصفين، وإن رضي بالتمسك بما اقتضى وبالعبد مضت المقاطعة. واختلف هل يكون للذي قاطع خيار، فقال ابن القاسم: لا خيار له (¬9). وقال أشهب: ذلك (¬10) له (¬11)، وهو أحسن؛ لأنه إذا أجاز (¬12) صار بمنزلة من قاطع بإذن شريكة، فإن اختلفت قطاعتهما فقاطعه أحدهما على ¬

_ (¬1) زاد بعد قوله: (ويكون) (ح): (العبد بينهما نصفين ويكون). (¬2) قوله: (العبد بينهما نصفين أو لا يرد ويكون) زيادة من (ر). (¬3) زاد في (ف): (في). (¬4) قوله: (عنده) ساقط من (ح) و (ر). (¬5) في (ر): (للأجنبي). (¬6) قوله: (ثم) ساقط من (ف). (¬7) قوله: (منه) زيادة من (ر). (¬8) في (ر): (جميعه). (¬9) قوله: (له) ساقط من (ح). وانظر: النوادر والزيادات 13/ 111. (¬10) قوله: (ذلك) ساقط من (ف). (¬11) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 111، ونصه: (قال أشهب له الرجوع بنصف الفضل، فإن اختار التمسك بالعبد رجع الخيار للمقاطع). (¬12) قوله: (إذا أجاز) ساقط من (ح).

من قاطع بإذن شريكة، فإن اختلفت قطاعتهما فقاطعه أحدهما على عشرين نقدا وقاطعه الآخر (¬1) على مائة إلى أبعد من الأجل الأول و (¬2) تراضيا على ذلك جاز. قال محمد: إذا كانت زيادة الثاني بعد قبض الأول ما قاطع عليه؛ لأنه ليس له أن يضعفه (¬3) حتى يستوفي الأول ما قاطع عليه (¬4)، فإن عجز قبل أن يقبض الثاني شيئًا (¬5)، قيل للذي قاطع: إن شئت فرد إلى شريكك نصف ما عندك من الزائد، ويكون بينكما، وإن عجز بعد أن قبض الثاني أدى (¬6) مثل ما قبض للذي قاطعه (¬7) كان العبد بينهما نصفين، وقال: وإن قبض أكثر مما قبض الذي قاطع إلا أنه مثل جميع حقه الأول، فكذلك العبد بينهما فلا تباعة، وإن قبض الزيادة الذي (¬8) زادها كان عليه أن يرد نصف الزيادة إلى صاحبه. والقياس أن يكون الزائد لمن قاطعه وحده؛ لأنه ثمن لذلك التأخير، فإن شاركه (¬9) فيه الأول كان الثاني (¬10) قد خسر ذلك التأخير، وأما قوله: إن كانت الزيادة بعد أن قبض الأول؛ لأنه ليس له أن يضعه (¬11) حتى يستوفي الأول ما قاطعه عليه فوهم؛ لأن الثاني أخره على (¬12) الأجل، فكيف يقبض الثاني قبل الأول. ¬

_ (¬1) في (ف) و (ح): (والآخر). (¬2) قوله: (الأول و) ساقط من (ف). (¬3) في (ر): (يضمنه) لعلها (يضعه). (¬4) قوله: (عليه) ساقط من (ح). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 111. (¬6) قوله: (الثاني أدى) في (ح) و (ر): (الذي زاد). (¬7) قوله: (للذي قاطعه) يقابله في (ر): (الذي قاطع). (¬8) في (ر): (التي). (¬9) في (ف) و (ح): (شارك). (¬10) قوله: (الثاني) ساقط من (ر). (¬11) في (ف) و (ح): (يضعفه). (¬12) في (ر): (عن).

فصل [فيما إذا أخذ الأول من الشريكين نصيبه من المقاطعة ثم مات المكاتب عن غير شيء]

فصل [فيما إذا أخذ الأول من الشريكين نصيبه من المقاطعة ثم مات المكاتب عن غير شيء] وإن أخذ الأول نصيبه من المقاطعة وهي عشرون، ثم مات المكاتب عن غير شيء أو عن أقل من عشرين دينارًا (¬1) لم يكن له سوى ما خلف، ولا رجوع له على الأول، وإن خلف أكثر من ذلك إلى خمسين دينارًا كانت للآخر لأنها حلت له بالموت، وإن فضل بعد ذلك شيء كان بينهما نصفين، وإن لم يأخذ الأول العشرين التي قاطع عليها حتى مات المكاتب ولم يخلف وفاء كان ما خلفه بينهما أسباعا فإن فضل بعد السبعين شيئًا (¬2)، كان بينهما نصفين، وليس بمنزلة العتق أنه يكون جميع ما خلفه العبد للمتمسك بالرق. وقال مالك في كتاب محمد: كان ربيعة يكره أن يقاطع أحد الشريكين المكاتب (¬3). قال: يريد: وإن أذن له صاحبه ويقول: فإن فعل ثم مات المكاتب عن مال كان ميراثه لمن لم يقاطع، فأنزل أخذ المال بالقطاعة منزلة العتق، ويلزم على هذا إذا أعجز عن نصيب الثاني أن يمضي نصيب الأول (¬4) عتيقًا (¬5)، ولا خيار فيه لأحدهما. والقياس إذا لم يقبض الذي قاطع العشرين أن يحاص بخمسين؛ لأنه يقول لم أترك ثلاثين إلا لأبدأ (¬6) على صاحبي بعشرين، فإذا لم أبدًا ضربت بأصل مالي وهو خمسون، فإن صار له في المحاصة عشرون فأقل أخذه، وإن ¬

_ (¬1) قوله: (دينارًا) ساقط من (ف) و (ر). (¬2) في (ر): (شيء). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 110. (¬4) في (ف): (الثاني). (¬5) في (ف): (عتقا). (¬6) في (ح): (لإبراء).

فصل [في أوجه إنظار أحد الشريكين المكاتب]

صار له فوق ذلك لم يزد على العشرين؛ لأن الشريك يقول: أنا أبديك بالعشرين (¬1) والفاضل لي. فصل [في أوجه إنظار أحد الشريكين المكاتب] إنظار أحد الشريكين المكاتب على ثلاثة أوجه: أحدها: أن يحضر المكاتب جميع النجم الذي عليه (¬2) للشريكين وهو عشرة، ويقول أحد الشريكين لصاحبه: دعني آخذ هذا النجم، وخذ أنت الآخر ففعل ثم عجز المكاتب، فإن للشريك أن يرجع على شريكة بخمسة (¬3)، وسواء قال: بَدُّونِي بهذا النجم أو خذه أو أنا آخذ هذا النجم وخذ أنت الآخر؛ لأن ذلك سلف من أحد الشريكين لصاحبه. والثاني: أن يحضر المكاتب خمسة، فإن قال: بَدُّونِي (¬4) بها (¬5) أو أنا آخذها، وأنظره أنت لم يرجع على شريكة إذا عجز؛ لأنها قدر نصيبه، فقوله: أو خذه أنت، أن يكون نصيبه باقيًا عليه. وإن قال: دعني آخذ هذه وخذ أنت الخمسة الباقية، كان له الرجوع على شريكة، بخلاف قوله: أو خذه أنت. والثالث: أن يعجل المكاتب قبل محل الأجل لأحد الشريكين جميع نصيبه من الكتابة وهي خمسون دينارًا برضى الشريك الآخر. فاختلف فيه، فقال ابن القاسم: هو بمنزلة القطاعة (¬6)، يريد: أنه إن شاء ¬

_ (¬1) في (ر): (بعشرين). (¬2) في (ر): (حل). (¬3) في (ر): (بخمسة). وانظر: المدونة: 2/ 463. (¬4) في (ف): (بديني). (¬5) قوله: (بها) زيادة من (ف). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 114.

تمسك بما قبض، ويكون جميعه (¬1) لصاحبه أو يرد خمسة وعشرين، ويكون له نصف العبد، وقال غيره: ذلك سلف من العبد لأحد السيدين (¬2). وفي كتاب محمد أنه سلف من أحد السيدين (¬3) لصاحبه (¬4)، فعلى هذا يكون له أن يرجع على شريكة (¬5)، فكلما عجز نجم رجع بقدره، فإن عجز (¬6) ورد رقيقًا لم يرجع إلا على النجوم حسب ما رضي بالصبر إليه (¬7). وقول ابن القاسم بّين (¬8) وليس هو سلف من العبد ولا من أحد السيدين، وليس القصد من (¬9) تعجيل العبد أن يكون ذلك عند سيده على وجه السلف ولا من السيد أن يكون سلفًا والقصد من العبد أنه عجل لسيده ما يستحقه قبله من الكتابة، وكذلك السيد قصده أن ذلك المعجل من نصيب الذي عجل له وأن نصيبه باقٍ على المكاتبة (¬10) فإذا سقط أن (¬11) يكون سلفًا من العبد أو من السيد كان رده إلى القطاعة أصلي، والمعنى فيهما واحد؛ لأنَّ القطاعة أن يسقط (¬12) حق أحد (¬13) السيدين في العبد، ويعجز في نصيب الآخر، وكذلك هذا قد صار إليه نصيبه وعجز عن (¬14) نصيب صاحبه. ¬

_ (¬1) في (ر): (خمسة). (¬2) في (ف): (الشريكين). وانظر: المدونة: 2/ 462. (¬3) في (ح): (الشريكين). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 114. (¬5) في (ر): (صاحبه). (¬6) قوله: (فإن عجز) ساقط من (ح). (¬7) في (ر): (السيد). (¬8) في (ح): (أحسن). (¬9) قوله: (من) ساقط من (ف). (¬10) في (ر): (المكاتب). (¬11) قوله: (ذلك المعجل من نصيب. . . فإذا سقط أن) ساقط من (ف). (¬12) في (ف) و (ح): (أن يكون سقط). (¬13) قوله: (أحد) ساقط من (ح). (¬14) في (ر): (في).

باب في جماعة العبيد يكاتبون كتابة واحدة وهم لمالك واحد أو لمالكين

باب في جماعة العبيد يكاتبون كتابة واحدة وهم لمالك واحدٍ أو لمالكين وإذا كان لرجل جماعة عبيد جاز أن يكاتبهم كتابة واحدة، ثم يكون سعيهم منفردًا يسعى كل واحد على قدر قوته (¬1) منهم فيما ينوبه من تلك الكتابة (¬2). واختلف في كيفية الفض عليهم، فقال في المدونة: يفض (¬3) على قدر قوتهم عليها (¬4). وقال ابن الماجشون: وعلى قدر القوة والأداء، وقيمة الرقاب، وذكر ابن المواز (¬5) قولًا آخر (¬6) أنها تقسم على العدد. وأرى أن تقسم على قدر القوة، وقيم الرقاب بحسب (¬7) ما يرى أنه كان (¬8) يكاتب به كل واحد منهم، بانفراده فقد يتساوون في القوة (¬9) على الأداء، وثمن أحدهم عشرة دنانير، والآخر مائة، فمعلوم أن السيد لو كاتبهم على الانفراد (¬10) لم يساو بينهم؛ لأن الغالب من السيد أنه (¬11) يطلب الفضل. وقال مالك: إن مات أحد المكاتبين لم يحط عنهم شيء (¬12) من الكتابة والقياس أن يحط عنهم ما ينوبه (¬13)؛ لأن كل واحد منهم اشترى نفسه بما ¬

_ (¬1) قوله: (على قدر قوته) ساقط من (ح) و (ر). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 463. (¬3) في (ح) و (ر): (يقسم). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 463. (¬5) في (ح): (القصار). (¬6) قوله: (آخر) زيادة من (ر). (¬7) في (ر): (حسب). (¬8) قوله: (كان) ساقط من (ف). (¬9) في (ف): (القدرة). (¬10) قوله: (على الانفراد) ساقط من (ف). (¬11) في (ر): (أن). (¬12) في (ر): (شيئا). (¬13) انظر: المدونة: 2/ 463.

فصل [في أحوال انعقاد الكتابة على كبار وصغار]

ينوبه من تلك الكتابة، فإن مات، مات في الرق (¬1) وسقطت الحمالة عنه. وإن استحق أحدهم بحرية أو ملك (¬2) سقط عن أصحابه ما ينوبه؛ لأنه قد تبين أن السيد عقد الكتابة على غير ملكه ولا تلزم الحمالة للسيد بما هو ملك لغيره، وإن غاب أحدهم أو عجز لم يسقط عن الباقين مما ينوبه شيء. واختلف إذا عجز بعضهم (¬3) وأدى الآخرون (¬4) جميع الكتابة في صفة رجوعه على من أدى عنه (¬5)، فقال مطرف وابن الماجشون: ذلك على قدر قيمتهم يوم عتقوا ليس يوم كوتبوا، وقال أشهب: يوم كوتبوا، وقال أصبغ: على قدر قيمتهم يوم (¬6) كوتبوا وحالهم يوم عتقوا لو كانت هي حالهم يوم كوتبوا (¬7)، والقياس أن يرجع (¬8) بما أدى عنهم مما (¬9) كانوا يؤدونه لو لم يعجزوا على صفة الفض الأول قبل العجز؛ لأنه القدر الذي كانت الحمالة به (¬10). فصل [في أحوال انعقاد الكتابة على كبار وصغار] وإذا انعقدت الكتابة على كبار وصغار، فإنه لا يخلو من ثلاثة أحوال: إما أن يكون لا يقدر على شيء من السعي حتى انقضت الكتابة أو قادر على الأداء يوم الكتابة وقوي على السعي بعد مضي بعضها فإن كان لا يقوى ¬

_ (¬1) قوله: (فإن مات؛ مات في الرق) يقابله في (ر): (فمن مات في رق). (¬2) قوله: (بحرية أو ملك) يقابله في (ر): (بالحرية أو بملك). (¬3) في (ر): (أحدهم). (¬4) في (ح): (الآخر). (¬5) قوله: (عنه) زيادة من (ر). (¬6) قوله: (عتقوا ليس يوم كوتبوا. . . قدر قيمتهم يوم) ساقط من (ف). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 79، 80. (¬8) في (ر): (عليهم). (¬9) في (ح): (كما). (¬10) في (ف): (له).

على السعي حتى مضت الكتابة لم يتبع بشيء فإن كان يقوى (¬1) على السعي يوم الكتابة (¬2) فُض (¬3) عليه، كما يفض (¬4) على الكبير، ويجتهد في ذلك على قدر ما يراه أنه يقوى عليه في كل سنة، فيفض (¬5) على قدر ذلك. واختلف إذا قوي على السعي بعد مضي بعض (¬6) النجوم. فقال أشهب في كتاب محمد: يكون عليه بقدر ما يطيق يوم وقعت الكتابة على حالة (¬7). وقال محمد: يوم الحكم لو كان هكذا يوم الكتابة بالغًا، وقال أصبغ: أرى أن يؤدي على قدر طاقته يوم بلغ السعي لو كان بحالته تلك (¬8) يوم وقعت الكتابة (¬9)؛ لأنه يومئذ وقعت عليه حمالة الكتابة (¬10) وإن لم تنعقد الكتابة (¬11) على الصغير، وإنما ولد للمكاتب (¬12) من أمته أو للمكاتبة، ثم بلغ السعي قبل انقضاء الكتابة وصار له مال لم يكن لهم (¬13) عليه سبيل في سعاية ولا في المال الذي في يديه إذا كان الأب أو الأم في كفاية، فإن احتاجوا سعى معهم (¬14) أو أخذ ذلك من يديه إن احتاجوا إلى جميعه، وقيل: تفض (¬15) باقي الكتابة عليه ¬

_ (¬1) قوله: (أو قادر. . . كان يقوى) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (فإن كان يقوى على السعي يوم الكتابة) ساقط من (ر). (¬3) في (ف): (قضى). والفض بمعنى التفريق، قال في لسان العرب: 7/ 206: (فَضَضْتُ الشيءَ أَفُضُّه فَضًّا فهو مَفْضُوضٌ وفَضِيضٌ كسرتُه وفَرَّقْتُه). (¬4) في (ف): (يقضى). (¬5) في (ف): (فيقضى). (¬6) قوله: (بعض) ساقط من (ف) و (ر). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 80. (¬8) قوله: (بحالته تلك) ساقط من (ف). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 80. (¬10) قوله: (حمالة الكتابة) يقابله في (ر): (الحمالة). (¬11) قوله: (وإن لم تنعقد الكتابة) ساقط من (ف). (¬12) في (ف): (المكاتبة). (¬13) قوله: (لهم) ساقط من (ف). (¬14) قوله: (معهم) ساقط من (ح). (¬15) قوله: (وقيل تفض) في (ح): (وقبل أن يفض)، وفي (ر): (وقيل: يفض).

فصل [في كتابة الزمن والشيخ الفاني]

وعليهم بمنزلة من كان موجودًا يوم عقد الكتابة، والأول أحسن؛ لأنه لم يكن معهم، ولا عقدت الكتابة على أن يؤدي منها شيئًا (¬1). فالصغير على ثلاثة أحوال: حالة (¬2) يعتق بعتقهم، ولا يتبع. وحالة يكون عليه أن يسعى معهم، وتفض (¬3) الكتابة عليه معهم. وحالة لا يكون عليه شيء، ولا يسعى معهم، وإن كان له مال إلا أن (¬4) يحتاج إليه. فصل [في كتابة الزَّمِن والشيخ الفاني] فإن كان فيهم زمن كان الجواب فيه كالجواب في الصغير. فإن كان زمنًا يوم عقد الكتابة، وانقضت وهو بحاله تلك (¬5) لم يتبع بشيء متى طرأ له مال أو (¬6) ذهبت الزمانة (¬7) قبل أداء الكتابة وكان ذلك مما يرجى ذهابه حين العقد كان عليه أن يسعى معهم. ويختلف في صفة ما يعجل (¬8) عليه نحو ما تقدم في الصغير، وإن كان ذلك مما لا يرجى لعذر، ثم (¬9) ذهب وصار ذا قوة ومال لم يكن عليه شيء إلا أن يحتاج إلى (¬10) معونته، وإلى ما في يديه. ¬

_ (¬1) قوله: (شيئًا) ساقط من (ح) و (ر). (¬2) قوله: (حالة) ساقط من (ف). (¬3) في (ف): (وتقضى). (¬4) في (ح): (ألا). (¬5) في (ر): (ذلك). (¬6) في (ر): (وإن). (¬7) زاد في (ح) و (ر) و (ق 10): (وإن ذهبت الزمانة). (¬8) قوله: (ما يعجل) يقابله في (ر): (الجعل). (¬9) في (ر): (إن) ولعلها "يجعل". (¬10) قوله: (إلى) ساقط من (ف).

فصل [في كتابة واحدة على عبدين لا شركة بين ساداتهما فيهما]

وعلى القول الآخر يفض الباقي عليه وعليهم، وكذلك إن كان فيهم شيخ فانٍ (¬1) كان (¬2) لا يقدر على السعي عتق بعتقهم (¬3) فإن وهب له مال بعد ذلك لم يتبع بشيء، وإن وهب له قبل أن يصير إلى العتق جرى على الخلاف المتقدم إذا حدث الولد بعد الكتابة. فصل [في كتابة واحدة على عبدين لا شركة بين ساداتهما فيهما] ولا يجوز أن تعقد كتابة واحدة على عبدين لا شركة بين ساداتهما فيهما (¬4). ويختلف إن نزل (¬5) ذلك هل تمضي الكتابة وتفض عليهما وتسقط حمالة أحدهما عن الآخر، أو يفسخ (¬6) ما لم يؤد نجمًا أو صدرًا من الكتابة نحو ما تقدم في الشروط الفاسدة في الكتابة إذا استثنى ما يولد أو اشترط الوطء. ¬

_ (¬1) زاد في (ح): (كان). (¬2) قوله: (كان) زيادة من (ر). (¬3) في (ح): (بعضهم). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 467. (¬5) في (ف): (يقول). (¬6) قوله: (أو يفسخ) يقابله في (ر): (وتفسخ).

باب في استحقاق أحد المكاتب أو عجزه أو موته

باب في استحقاق أحد المكاتب (¬1) أو عجزه أو موته وإذا استحق أحد المكاتبين بحرية أو غيرها سقط عن أصحابه ما كان ينوبه (¬2) بخلاف موته (¬3)؛ لأنه قد بنى عقد الكتابة على خلاف ملكه، ولا يقصد بالحمالة إلا عن من هو ملك له ليس عن حر، فإن عجز أحدهم أو غاب على أصحابه الوفاء عنه؛ لأن العقد بكتابتهم جميعًا ليكون بعضهم عونًا لبعض ونائبًا عنه. واختلف إذا كان الأداء عن عجز كيف يكون الرجوع، فقال مطرف وابن الماجشون: يكون ذلك على قيمتهم يوم عتقوا ليس يوم كوتبوا، وقال أشهب: يوم كوتبوا (¬4). قال الشيخ - رضي الله عنه -: إنما ينظر إلى القدر الذي بقي عليه، وكان يوفي به لو لم يعجز فيرجع فيه؛ لأنه هو الذي أدى عنه، ولا ينظر إلى ما أدى قبل ذلك إذا لم يقدر، وكان بمنزلة لو كوتب بانفراده، فلا يعتد بشيء إذا عجز عن آخر نجم ولم يحاسب منه بشيء. ¬

_ (¬1) كذا في المخطوطة، ولعل الصواب: (المكاتبين) والعنوان ساقط من (ح). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 88. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 463. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 79.

باب في عتق أحد المكاتبين

باب (¬1) في عتق أحد المكاتبين وإذا كاتب السيد عبدين كتابة واحدة ثم أعتق أحدهما فإنه لا يخلو العبدان من أن يكونا قويين على السعاية أو زمنين، أو أحدهما قوي والآخر زمن، أو كبير وصغير، فإن كانا قويين على السعاية (¬2) لم يصح عتق السيد لأحدهما إلا برضا صاحبه (¬3)؛ لأن كل واحد منهما حميل بما على الآخر، فلو أجزنا عتق السيد بغير رضاه لأسقط (¬4) حق الآخر في الحمالة، فإن رضي وكان المعتق أدناهما في السعاية، جاز، ويسقط (¬5) عن الباقي ما ينوب المعتق (¬6). واختلف إذا كان المعتق أقواهما أو كانا متساويين، فأجاز (¬7) ذلك ابن القاسم إذا كان لا يخاف على الباقي العجز عند عتق صاحبه، ومنعه غيره وإن كان قِبل الباقي من القوة مثل ما قِبل المعتق، قال: لأنا لا ندري ما يصير إليه حال الباقي من الضعف. وقول ابن القاسم أحسن (¬8): إلا أن يكون هناك دليل لضعف هذا أو قوة هذا (¬9) الآخر، ومنعا ذلك إذا كان المعتق أقواهما لأن ذلك داعية إلى رق الباقي، وهو بمنزلة من رضي بالعجز (¬10)، وله مال ظاهر. وقد اختلف قول مالك في ذلك (¬11)، فإن رضي وأوقع (¬12) السيد العتق ¬

_ (¬1) هذا الباب ساقط من (ر). (¬2) قوله: (على السعاية) ساقط من (ر). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 465. (¬4) في (ر): (لأسقطنا). (¬5) في (ر): (وسقط). (¬6) في (ر): (العتق). (¬7) في (ر): (وأجاز). (¬8) قوله: (أحسن) ساقط من (ف). (¬9) قوله: (هذا) ساقط من (ح). (¬10) في (ح): (بالعبد). (¬11) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 87، ونصه: "قال مالك، وإذا أعتق السيد أحد المكاتبين لم يجز ذلك إلا أن يجيزه الباقون ويكونوا أقوياء على السعاية، فيجوز ويحط عنهم حصته". (¬12) قوله: (وأوقع) ساقط من (ف).

على ذلك (¬1) كان ذلك فوتًا (¬2)، ولم يرد على قوله الآخر، وإن كانا زمنين، جاز عتق من أعتق منهما دون (¬3) الآخر، وإن كانا قويًّا وزمنًا، فإن أعتق الزمن ولا مال له مضى عتقه. وإن كره صاحبه ولم يحط عنه (¬4) لأجله شيء، وإن أعتق القوي ورضي بذلك الزمن كانت المسألة على القولين: هل يمضي أو يرد (¬5) على القول الآخر. وإن كان كبيرًا أو صغيرًا فأعتق الصغير وكان لا ترجى سعايته قبل انقضاء أمد الكتابة مضى عتقه، وإن كره صاحبه، ولا يحط لأجله شيء، وإن كان يبلغ السعي (¬6) قبل انقضاء الكتابة، وكان ممن عقدت عليه لم يعتق إلا برضى من معه، ويحط ما ينوبه. وإن ولد بعد (¬7) العقد وبلغ السعي أو صار له مال لم يعتق إلا برضى من معه؛ لأن ماله قوة لهم إن احتيج إليه، ولا يحط لأجله شيء؛ لأنه لم يكن عليه منها (¬8) في حين العقد شيء، وإن أعتق الأب قبل أن يبلغ الولد السعي، لم يجز عتقه؛ لأن عتق الأب يرق الابن إلا أن يكون عتقه بعد أن نزل به ما منعه السعي زمانة أو غيرها، فيصح عتق الأب، ويرق الابن إذا لم يكن في يد الأب ¬

_ (¬1) قوله: (على ذلك) ساقط من (ف). (¬2) في (ح): (قويا). (¬3) في (ح): (ورق). (¬4) قوله: (عنه) ساقط من (ح). (¬5) في (ف): (يزد). (¬6) قوله: (السعي) ساقط من (ف). (¬7) زاد بعده في (ف): (سلم). (¬8) في (ح): (منهما).

مال (¬1)، أو كان له من المال ما لا يوفي بالنجوم إلى أن يبلغ الابن السعي، فإن كان له من المال ما يوفي بتلك (¬2) النجوم إلى أن يبلغ السعي (¬3) أديت عنه. واختلف هل يقبضها (¬4) السيد الآن أو توقف. ¬

_ (¬1) قوله: (في يد الأب مال) في (ح): (للابن مال). (¬2) في (ر): (بذلك). (¬3) قوله: (إلى أن يبلغ السعي) زيادة من (ر). (¬4) في (ف): (يقتضيها).

باب في عجز المكاتب وبيعه وبيع كتابته

باب في عجز المكاتب وبيعه وبيع كتابته وإذا صحت الكتابة ثم دعا السيد إلى فسخها كان للعبد المنع من ذلك، وأن يأخذه بما عقده (¬1) متى أحضر المال، وإن (¬2) دعا إلى ذلك العبد كان للسيد منعه والمطالبة (¬3) بما كان من رضاه عند العقد (¬4) لما يتعلق به من (¬5) ذلك من المال والولاء وثواب العتق، فإن كانت الكتابة بالجبر من السيد قال: أنا على ذلك الجبر في المستقبل. واختلف إذا رضيا جميعًا بالفسخ، فقال مالك: إن كان له مال ظاهر لم يكن له ذلك، وإن لم يكن ظاهر المال كان (¬6) ذلك له (¬7)، فإن ظهر بعد ذلك أموالًا (¬8) كتمها لم يرجع عما رضي به، وقال أيضًا: له ذلك وإن كان ذا مال ظاهر. وقال سحنون: ليس له ذلك، وإن لم يكن له مال ظاهر إلا عند السلطان (¬9). وقال محمد: إذا كان صانعا ولا مال له كان له أن يعجز نفسه (¬10)، وعلى أصل سحنون: لا يكون ذلك له إلا عند السلطان، فإن كانت صناعة قائمة وهو قادر على الوفاء منعه من العجز، فجعل له في القول الأول الرضى ¬

_ (¬1) في (ح) و (ر): (عقد له). (¬2) في (ر): (أو إن). (¬3) قوله: (منعه و) زيادة من (ر). (¬4) قوله: (عند العقد) زيادة من (ر). (¬5) قوله: (به من) يقابله في (ر): (له في). (¬6) زاد بعد قوله: (كان) في (ح): (على). (¬7) انظر: المدونة: 2/ 468. (¬8) كذا بالمخطوط ولعل الصواب: (أموال). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 77. (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 77.

بالفسخ؛ لأنها معاوضة، فأشبهت البيع ورضاهما كالإقالة، ومنعه (¬1) من ذلك في القول الثاني ابتداء وأمضاه إذا فعل، ثم تبين أنه كان قادرا (¬2) وأنه كتم ماله، مراعاة للخلاف في ذلك، ومنع من (¬3) ذلك في القول الثالث إلا بعد نظر الحاكم لما تعلق بذلك (¬4) من شبهة العتق، ولما تعلق من حق (¬5) الأخ (¬6)، والعم وغيرهما من العصبة في الولاء، فكان لهم أن يمنعوا من الرضا بالفسخ إلا بعد نظر الحاكم. واختلف بعد القول بالمنع إذا رضي بالفسخ ولم ينظر في ذلك حتى فات بالبيع أو عتق المشتري، فقيل: البيع فوت، وقيل: ليس ذلك (¬7) بفوت إلا أن يفوت بعتق، وقيل: يرد، ولو فات بالعتق فإنه ينقض. قال ابن القاسم في الدمياطية: إذا باع السيد رقبته برضاه جاز، وقال في المدونة: يفسخ إلا أن يفوت بالعتق (¬8)، قال: لأن ذلك من العبد رضي بالفسخ، وقد دخله العتق وفات له (¬9)، وقال غيره: يرد (¬10)، وإن دخله العتق فأمضى (¬11) البيع (¬12) في القول الأول إذا كان برضا؛ لأنه رضي بالفسخ، وللبيع تأثير في الفوت. ورد في القول الآخر للحقوق التي ذكرناها ما لم يقع العتق من المشتري فيمضي، ولا يرد لإمكان أن يعجز بعد الرد فيصير عبدًا (¬13). ¬

_ (¬1) في (ر): (ومنع). (¬2) في (ر): (أنه قادرٌ). (¬3) قوله: (من) زيادة من (ر). (¬4) قوله: (بذلك) زيادة من (ر). (¬5) قوله: (من حق) ساقط من (ف) و (ر). (¬6) في (ر): (للأخ). (¬7) قوله: (ذلك) ساقط من (ر). (¬8) انظر: المدونة: 2/ 478. (¬9) قوله: (له) زيادة من (ر). (¬10) انظر: المدونة: 2/ 478. (¬11) في (ف) و (ح): (فمضي). (¬12) في (ح): (والبيع). (¬13) قوله: (فيصير عبدًا) في (ح): (فيضر بالعبد)، وفي (ر): (فيصير بالعبد عبدًا).

فصل [في بيع كتابة المكاتب]

ومحمل قول الغير في نقض العتق على أن له مالًا ظاهرًا لا (¬1) يخشى عليه الرق متى رد هذا العتق، وإن بيع بغير رضاه رد البيع إذا قام بذلك العبد إلا أن يفوت بالعتق فيسقط مقال العبد؛ لأنه صائر (¬2) إلى حرية. ثم (¬3) يختلف هل ينقض بما تعلق من الحق لغير العبد من الولاء على ما تقدم إذا كان البيع برضاه. فصل [في بيع كتابة المكاتب] وأجاز مالك بيع كتابة المكاتب (¬4)، ومنع ذلك ربيعة وعبد العزيز ابن أبي سلمة (¬5) وهو أقيس للغرر؛ لأنه إن (¬6) أدى (¬7) كان للمشتري الكتابة وحدها، وإن عجز عند أول نجم كانت له الرقبة، وإن عجز عند آخر نجم كانت له الكتابة والرقبة. قال الشيخ أبو الحسن - رضي الله عنه - (¬8): وأصل سحنون في مثل هذا أنه يمنع البيع مع الاختيار، ويجيزه عند الضرورة لفقر أو فلس، كما قال في بيع العبد بعد الإخدام، والأمة يعتق ولدها وهو رضيع فتباع، ويشترط على المشتري كونه معها، ومؤنته. وإذا جاز بيع الكتابة على قول مالك، قيل: (¬9) فهل يجوز بيع بعضها، ¬

_ (¬1) قوله: (ظاهرا لا) ساقط من (ح). (¬2) قوله: (لأنه صائر) يقابله في (ر): في ذلك؛ لأنه صار). (¬3) في (ر): (لم). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 478. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 97. (¬6) قوله: (إن) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (أدى) ساقط من (ف) و (ر). (¬8) قوله: (أبو الحسن - رضي الله عنه -) زيادة من (ر). (¬9) قوله: (قيل) ساقط من (ف).

فأجاز ابن القاسم وأشهب بيع نصف الكتابة أو جزء منها، أو نجم بغير عينه؛ لأنه يرجع إلى الجزء (¬1). واختلف في المكاتب بين الشريكين يبيع أحدهما نصيبه. فقال مالك في العتبية: لا يجوز، وإن أذن له شريكة إلا أن يبيعاه جميعا (¬2). وأجاز ذلك ابن الماجشون (¬3)، وهو أحسن، ولا أعلم للمنع وجهًا، ولا يباع نجم بعينه؛ لأنه غرر إن عجز بعد انقضاء (¬4) ذلك النجم أخذ ما ينوبه من الرقبة، فكان له المال والرقبة، والمكاتب أحق بكتابته إذا بيع جميعها لما ينال من تعجيل العتق. وإن باع سيده النصف لم يكن أحق به إلا أن يأذن له سيده في ذلك؛ لأنه يضعف ما في يديه ويؤدي، فالحكم (¬5) أن يؤدي (¬6) عن جميعه، لو لم يشتر غير (¬7) الجزء المبيع خاصة. وإن كان بين شريكين، فباع أحدهما نصيبه لم يكن أحق بما بيع منه إلا أن يأذن الشريك الذي لم يبع؛ لأن لمن لم يبع حقًّا في المال الذي يدفعه إلى البائع، فإن أذن له ثم عجز عن أداء الباقي منه، كان ذلك الجزء الذي اشترى عتيقًا بخلاف وضع السيد. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 79. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 219، والنوادر والزيادات: 13/ 97. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 97، ونصه: "قال عبد الملك: أما من المكاتب فلا يجوز إلا برضى شريكة، وأما من غيره فجائز، وإن كره الشريك". (¬4) في (ح): (اقتضاء)، وفي (ر): (بعد أن انقضى). (¬5) في (ر): (مما). (¬6) زاد في (ر): (عنه). (¬7) في (ر): (عن).

فصل [في المكاتب يحل عليه نجم من نجومه وله على سيده دين بمثل ذلك]

فصل [في المكاتب يحل عليه نجم من نجومه وله على سيده دين بمثل ذلك] وقال ابن القاسم في المكاتب يحل عليه نجم من نجومه وله على سيده دين بمثل ذلك (¬1) النجم: إن للمكاتب أن يقاصص سيده إلا أن يكون على السيد دين فيحاص بدينه إلا أن يكون قد حاص (¬2) به السيد قبل أن يقوم عليه غرماؤه (¬3). وإذا حاص المكاتب بدينه كان لهم بعد ذلك أن يبيعوه على أنه مكاتب، وعلى أن له أن يضرب بدينه مع الغرماء فيما يباع (¬4) به. فصل [في أداء المكاتب كتابته وعليه دين] وإذا أدى المكاتب كتابته وعليه دين فقام غرماؤه ليردوا ما أخذ السيد. قال مالك: ليس ذلك لهم إذا لم يعلم أنها من أموالهم، وحمل القضاء على أن ذلك (¬5) بوجه جائز حتى يعلم أن ذلك (¬6) من أموالهم؛ لأنه عومل على الأمانة فيما يقضي منه الكتابة، فهو على ذلك حتى يعلم أنه خالف فتعدى وقضى من أموالهم (¬7). قال ابن القاسم: وإذا كان للغرماء أن ينتزعوا من السيد ما عتق به ¬

_ (¬1) قوله: (ذلك) ساقط من (ف). (¬2) في (ر): (قاص). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 469. (¬4) قوله: (فيما يباع) في (ح): (فيباع). (¬5) قوله: (أن ذلك) يقابله في (ر): (أنه). (¬6) قوله: (أن ذلك) يقابله في (ر): (أنه). (¬7) انظر: المدونة: 2/ 470.

المكاتب رأيته مردودًا في الرق (¬1). قال الشيخ أبو الحسن - رضي الله عنه - (¬2): إذا استحق من يد السيد ما أخذه من الكتابة (¬3) أو عن القطاعة، فإن كان المكاتب موسرًا غرم مثل ما أخذ من السيد، ومضى عتقه، وسواء كان له في ذلك شبهة أم لا. وإن كان معسرًا افترق الجواب، فإن لم يكن له في ذلك شبهة، وإنما قضى من أموال الغرماء أومن وديعة عنده (¬4) ولا شيء له رد في الكتابة إن كان يرجى له مال. وإن كان لا يرجى رد في الرق، وسقطت الكتابة. قال مالك: ولا يؤخذ الحق بالباطل (¬5)، وإن كان له في ذلك شبهة اتبع بذلك في ذمته، ولم يرد، وقاله (¬6) ابن القاسم، ومحمل ذلك على أن السيد أعتقه عندما دفع ذلك إليه، فلا يرد عتقه وإن لم يعتقه وإنما أخذ منه المال وتشاهدا على (¬7) أنه لا ملك له عليه لدفعه المال فإنه قد استحق الحرية والخروج عن ملك سيده بذلك كان له أن يرده إلى (¬8) الكتابة أو في الرق إذا (¬9) كان لا يرجى له مال إلا أن يكون الاستحقاق بعد أن طال أمره وجازت شهادته وورث الآخران (¬10) فيستحسن ألا يرد. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 470. (¬2) قوله: (أبو الحسن) زيادة من (ر). (¬3) في (ح): (المكاتب). (¬4) قوله: (عنده) زيادة من (ر). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 470. (¬6) في (ح): (وقال). (¬7) قوله: (على) زيادة من (ر). (¬8) في (ر): (في). (¬9) في (ف): (وإذا). (¬10) في (ف): (وورث الأحرار)، وفي (ر): (وورثة الأحرار).

فصل [في أداء المكاتب كتابته]

فصل [في أداء المكاتب كتابته] وللمكاتب أن يؤدي كتابته من خراجه ومن ربح تجارته ومن هباته وما أشبه ذلك. وإن كان صانعًا ويحتاج إلى رأس مال لتلك الصنعة فلا يقضي إلا من الفاضل بعد قضاء ما داين عليه لتلك الصنعة، فإن كانت وضيعة وكان تاجرًا فربح الآن، وقد (¬1) تقدم ذلك الربح خسارة لم يقض من ذلك الربح شيئًا. وإن وهبت له هبة وليس في يديه كفاف لدينه، وكان القصد من الواهب أن يقضي منها كتابته كان ذلك له، ولم يكن (¬2) لغرمائه فيها مقال، وإن لم يقصد بذلك (¬3) أحدا فله أن يقضي منها أيهما أحب من (¬4) الغرماء أو الكتابة؛ لأنه ليس من أموالهم، وقد دخلوا معه على أنه يقضي من الفوائد. ¬

_ (¬1) قوله: (وقد) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (ولم يكن) يقابله في (ر): (وليس). (¬3) في (ر): (له). (¬4) قوله: (من) زيادة من (ر).

باب في سفر المكاتب

باب في سفر المكاتب اختلف في سفر المكاتب بغير إذن سيده، فمنعه مالك (¬1)، وقال: قد تحل نجومه وهو غائب. وأجازه ابن القاسم إذا كان قريبًا قال (¬2) ولم يكن فيه كبير مؤنة فيما يغيب عن سيده إذا حلت نجومه (¬3). قال الشيخ أبو الحسن - رضي الله عنه - (¬4): أما إذا كان المكاتب صانعًا أو تاجرًا قبل كتابته، فلسيده منعه من السفر؛ لأن القصد أن يسعى في الحاضرة من صناعته أو تجارته حسب (¬5) عادته، ولا يغيب عنه، فإذا بارت صناعته أو تجارته (¬6) واحتاج إلى السفر لم يكن ذلك له إلا أن يأتي بحميل بالأقل من الباقي من كتابته أو قيمته. وإن كان شأنه السفر ومنه سعايته قبل الكتابة لم يكن له منعه، وليس عليه أن يأتي في ذلك بحميل. وإن أحب السفر إلى موضع (¬7) يحل النجم الذي عليه قبل رجوعه منع منه، وإن كان يعود قبل ذلك، وكانت هناك تهمة أن يبعد عنه أو يتأخر منع إلا أن يأتي بحميل. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 471. (¬2) قوله: (قال) ساقط من (ف). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 471. (¬4) قوله: (أبو الحسن) زيادة من (ر). (¬5) زاد في (ر): (ما). (¬6) قوله: (حسب عادته. . . أو تجارته) ساقط من (ح). (¬7) في (ح): (الموضع).

فصل [في إحراز المكاتب ماله بعد كتابته]

فصل [في إحراز المكاتب ماله بعد كتابته] قال مالك: إذا كوتب العبد فقد أحرز ماله كالعتق وسواء كان ماله دينًا أو عينًا أو عرضًا (¬1). واختلف إذا كان له مال فكتمه من سيده، فقال مالك: ذلك للعبد (¬2)، وقال يحيى بن سلام في كتاب (¬3) تفسير القرآن: إذا لم يعلم بذلك السيد حتى إذا كاتبه فذلك المال للسيد وهو أحسن، إذا (¬4) كان يرى أنه لو علم به (¬5) السيد لانتزعه ثم (¬6) يكاتبه وإن كان يرى أنه يقره في يديه ويزيد في كتابته ويعلم بذلك (¬7) قبل أن يؤدي الكتابة، وكانت الكتابة بالجبر (¬8) كان له (¬9) أن (¬10) يزيد في الكتابة على قدر ما يرى أنه يزاد لأجل ذلك المال، وإن كانت الكتابة برضى العبد خير الآن فإن رضي (¬11) بتلك الزيادة، وإلا فسخت الكتابة إلا أن يرضى العبد بتسليم ذلك المال، وإن أشكل الأمر هل كان ينزعه (¬12) أو يزيد في الكتابة لأجله كان القول قول العبد فيما (¬13) يقوله من ذلك، فإن كانت (¬14) أمة وهي حامل ولم يعلم بحملها كان ولدها معها، ولأنه لو علم بحملها فاستثناه لسقط شرطه، ولو كاتب عبدًا وله أمة حامل منه لم يدخل ولده في الكتابة إلا أن يشترطه المكاتب. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 472. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 472. (¬3) قوله: (كتاب) ساقط من (ف). (¬4) في (ح): (وإذا). (¬5) قوله: (به) ساقط من (ف). (¬6) في (ر): (لم). (¬7) قوله: (ويعلم بذلك) في (ح): (وعلم ذلك). (¬8) في (ح): (أكثر). (¬9) في (ر): (له إلا). (¬10) قوله: (إلا أن) في (ح): (آلان). (¬11) في (ف): في الرضى)، وفي (ح): (فرضي). (¬12) في (ر): (ينتزعه). (¬13) قوله: (فيما) ساقط من (ح). (¬14) قوله: (فإن كانت) يقابله في (ح): (فلو كاتب)، وفي (ر): (فلو كانت).

فصل [في إعانة المكاتب على كتابته]

فصل [في إعانة المكاتب على كتابته] وإذا أعتق (¬1) المكاتب بمال فأعطاه سيده (¬2) كان ذلك له، وكان الولاء للسيد، فإن كاتب واستعان رجلًا فأعطاه مالًا (¬3) ثم لم يجد وفاء، وعجز أو أدى وفضلت منه فضلة، فإن أعطى ذلك على وجه الصدقة لم يكن للمعطي على السيد مقال إذا كان العجز ولا على العبد إذا كان فضل، وإن أعطى ذلك على وجه الفكاك كان للمعطي أن ينتزع ذلك من السيد إذا لم يوف، ومن العبد إذا كان فضل، وإن أخذ ذلك من رجلين وفضلت منه (¬4) فضلة ولم يدر لأيهما هي؛ تحاصا في ذلك الفاضل (¬5)، وإن عرفت من أي المالين هي كانت لصاحبها كان هو المعطي أولًا أو آخرًا، وإن أعطى ذلك من زكاة ولم يوف انتزع من السيد إلا أن يكون فقيرًا، وإن فضلت فضلة (¬6) بيد العبد جاز له حبسها إذا كان ممن تجوز له الزكاة، وإن أخذ مالين من رجلين وفي كل واحد كفاف ما بقي عليه، أمر أن يؤدي من الأول ويرد الثاني، فإن فضل من الثاني كان الأول بالخيار بين أن يأخذ ماله بعينه (¬7) أو يدفعه للثاني ويبقى له الأخير (¬8). ¬

_ (¬1) في (ف) و (ح): (أعين). (¬2) قوله: (سيده) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (كان ذلك له وكان الولاء. . . فأعطاه مالا) ساقط من (ح) و (ر). (¬4) قوله: (منه) ساقط من (ف). (¬5) في (ح): (الفضل). (¬6) قوله: (فضلة) ساقط من (ح). (¬7) في (ف): (لعينه). (¬8) في (ح): (الأجر)، وفي (ر): (الأجود).

باب إذا كاتب عبدا ثم أعتق نصفه أو كان مكاتب بين شريكين فأعتق أحدهما نصيبه

باب إذا كاتب عبدًا (¬1) ثُمَّ أعتق نصفه (¬2) أو كان مكاتب بين شريكين فأعتق أحدهما نصيبه عتق السيد بعض مكاتبه (¬3) على وجهين: وصية بعد الموت (¬4)، وإبتال في الحياة، فإن كان ذلك وصية، فقال: إن مت فنصفه حر أعتق ذلك النصف من ثلثه، وإن عجز عن الأداء في النصف الباقي كان نصفه عتيقًا. واختلف إذا أعتق نصفه في صحته، فقال مالك وابن القاسم: ذلك وضع مال (¬5)، فإن عجز عن الأداء في النصف الباقي (¬6) كان جميعُه رقيقًا، وإن كان شركة بين رجلين فأعتق أحدهما نصيبه في الصحة كان عتقه وضع مال أيضًا، فإن عجز عن نصيب الشريك كان جميعه رقيقًا بينهما، ولو كان ذلك عتقًا لأعتق على السيد ما بقي منه حين أعتقه إذا كان جميعه له، ولو كان بين شريكين لقوم عليه نصيب صاحبه إذا عجز، وإن كان ميراثًا فأعتق أحدهما نصيبه ثم عجز كان نصيبه (¬7) رقيقًا، وإن أدى كان ولاؤه على العقد الذي عقد سيده، وإن أعتقت امرأة نصيبها لم يكن لها ولاء (¬8) ما أعتقت. وقال مالك في كتاب ابن سحنون: إذا أعتق نصف مكاتبه أنه وضيعة (¬9)، ¬

_ (¬1) قوله: (عبدًا) ساقط من (ح). (¬2) في (ح) و (ر): (بعضه). (¬3) في (ف): (عبده). (¬4) قوله: (وصية بعد الموت) في (ف): (بعد وصية الموت). (¬5) قوله: (وضع مال) يقابله في (ر): (له)، وانظر: المدونة: 2/ 474. (¬6) قوله: (كان نصفه عتيقًا واختلف إذا. . . في النصف الباقي) ساقط من (ف). (¬7) في (ف) و (ر): (جميعه). (¬8) قوله: (ولاء) ساقط من (ف). (¬9) انظر: المدونة: 2/ 474.

إلا أن يريد العتق أو يعقد (¬1) له فيكون حرا كله (¬2)، يريد: يكون حرًّا الآن، ولو كان شريكًا لأعتق الآن (¬3) عليه جميعه إذا عجز، فيعجل العتق إذا كان له جميعه؛ لأنَّ الولاء لا ينتقل، ويؤخر إذا كان شركة (¬4) حتى يعجز؛ لأن الولاء ينتقل عن الشريك الذي لم يعتق إلى الذي أعتق، وإلى هذا ذهب ابن القاسم في قوله: لو كان عتيقا (¬5) لأعتق على السيد ما أعتق منه حين أعتق، وإذا كان شركة بين قوم إذا (¬6) عجز ففرق بينهما لأجل الولاء؛ لأنه (¬7) لا يتغير (¬8) إذا كان جميعه له، وينتقل إذا كان شركة، والقياس أن لا يعجل الاستكمال على السيد ولو كان جميعه له على هذا القول، ويؤخر حتى يعجز؛ لأن فعله ذلك يتضمن وضع مال، إن قدر على الوفاء وعتقًا إن عجز، ومضمون العتق أنه إن عجز فإنما يمضي له العتق، وقال محمد فيمن قال لعبده: نصفك حر إن كلمت فلانًا، فكاتبه ثم كلم فلانًا (¬9): فإنه يوضع عنه نصف ما بقي من الكتابة يوم حنث، وإن عجز يرق (¬10) كله، قال أشهب: كمن أعتق نصف مكاتبه، ولو حنث أحد الشريكين بعد أن كاتباه وضعت حصته (¬11)، قال: ولو كان عتقًا (¬12) لقُوِّم عليه وأجراه على مثل المسألة الأولى، لما (¬13) كان في يمينه على بر، فقال: إن ¬

_ (¬1) في (ف) و (ر): (يعمد). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 88. (¬3) قوله: (الآن) زيادة من (ر). (¬4) في (ف): (شريكه). (¬5) في (ر): (عبدًا). (¬6) قوله: (شركة بين قوم إذا) ساقط من (ف)، وفي (ر): (شركة قوم عليه إذا). (¬7) في (ر): (أنه). (¬8) في (ف): (يعتبر). (¬9) قوله: (كلم فلانا) في (ح): (كلمه). (¬10) في (ر): (رق). (¬11) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 89. (¬12) في (ر): (عتيقا). (¬13) في (ح): (لمن).

فصل [في إصابة السيد مكاتبته]

تكلمت (¬1)، ولو كان على حنث فقال: لأفعلن لكان عتيقًا. فصل [في إصابة السيد مكاتبته] وإذا أصاب السيد مكاتبته فلم تحمل مضت على كتابتها (¬2)، ولا شيء لها عليه إذا كانت طائعة، وإن أكرهها رجعت عليه بما نقص إن كانت بكرًا ولا شيء لها إن كانت ثيبًا؛ لأنَّ ذلك لا ينقص من ثمنها لو قيل: بكم تباع هذه الأمة وهي ثيب ولم يمسها (¬3) سيدها أو بعد أن أصابها لم تتغير القيمة، فإن حملت كانت بالخيار بين أن تمضي على كتابتها أو تعجز نفسها وتكون على حكم (¬4) أم (¬5) ولد، وأجاز لها محمد العجز (¬6) وإن كانت قوية على السعي، وليس بالبين؛ لأنها تنتقل من عتق ناجز إلى عتق بعد موت (¬7) سيدها، وقد تموت قبله فتموت رقيقًا. واختلف في النفقة إذا مضت على كتابتها، فقال مالك في كتاب ابن سحنون: نفقتها على السيد ما دامت حاملًا (¬8)، ولأصبغ عند ابن حبيب: لا نفقة لها (¬9). وحكى (¬10) عن غيره أن لها النفقة، كقول مالك، وهو أحسن أن تلزمه النفقة كالمطلقة ثلاثًا. ¬

_ (¬1) في (ر): (كلمت). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 477. (¬3) في (ر): (ولم يصبها). (¬4) قوله: (حكم) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (أم) ساقط من (ف). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 102. (¬7) في (ف): (الموت). (¬8) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 280، عن سحنون. (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 103. (¬10) قوله: (وحكى) ساقط من (ف).

فصل [في العبد المأذون له في التجارة يكاتب عبده]

فصل [في العبد المأذون له في التجارة يكاتب عبده] وقال ابن القاسم في العبد المأذون له في التجارة، والحر يكون عليه دين يغترق ما بيديه (¬1)، يكاتبان عبدهما: لا يجوز (¬2)، قال: لأنَّ الكتابة عتق، إلا أن يجيز ذلك الغرماء، أو تكون في (¬3) الكتابة إذا بيعت وفاء بالدين أو بثمن رقبته، وأجاز ذلك الأب والوصي؛ لأن مالكًا قال: يجوز بيعه على ابنه (¬4) على وجه النظر، وقال في المكاتب يكاتب عبده على وجه النظر (¬5) أنه يجوز (¬6)، فجعل الكتابة مرة من ناحية العتق ومرة من ناحية البيع، فعلى قوله أنها من ناحية العتق يمنع الأب والوصي أن يكاتبا عبد الصغير، ويمنع المكاتب أن يكاتب عبده، وعلى قوله أنها من ناحية البيع يجوز للمأذون ولمن اغترقه (¬7) الدين أن يكاتبا عبديهما، وأرى أن ينظر في الكتابة، فإن كانت بقدر الخراج أو فوقه بيسير كانت على حكم العتاقة، وإن كانت فوق ذلك بالشيء الكثير، ولا يحسن فيها بعد ذلك عن كتابة المثل مضت على أحكام البيع، وذكر الولاء في المكاتب يباع، وولاء مكاتبه (¬8) الأسفل (¬9) في كتاب الولاء. ¬

_ (¬1) قوله: (ما بيديه) يقابله في (ف) و (ح): (ما في يديه). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 480. (¬3) قوله: (في) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (على ابنه) ساقط من (ف)، وفي (ر): (على أبيه). (¬5) قوله: (وقال في المكاتب يكاتب عبده على وجه النظر) زيادة من (ر). (¬6) قوله: (أنه يجوز) ساقط من (ف). (¬7) في (ح): (اعترفه). (¬8) قوله (وولاء مكاتبه) في (ف): (أولا مكاتب)، وفي (ر): (أو ولاء مكاتبه). (¬9) في (ح) و (ر) و (ق 10) زيادة (مذكور).

وقال في المكاتب يعتق عبده بغير إذن سيده أن عتقه مردود (¬1)، وأحسن ذلك أن يوقف فلا يمضي ولا يرد ولا يباع، فإن أدى المكاتب ما عليه مضى عتقه، وإن عجز رد عتقه إلا أن يكون المكاتب قليل المال، ويرى أنه يضرّ به إيقاف عتقه في سعيه فيرد الآن، وعتقه بإذن سيده جائز إذا كان كثير المال لا يخاف عليه أن يؤدي ذلك (¬2) إلى عجزه، ويختلف فيه إذا خيف عليه لأجل ذلك العجز، قياسًا على قوله: إذا رضي بالعجز (¬3) وله مال ظاهر. ¬

_ (¬1) انظر: الموطأ: 2/ 805. (¬2) في (ح): (في ذلك). (¬3) قوله: (إذا رضي بالعجز) يقابله في (ر): (إذا أرد العجز).

باب في الرجل يكاتب بعض عبده أو العبد بين الرجلين يكاتب أحدهما نصيبه أو يكاتبه كل واحد كتابة بانفرادها

باب في الرجل يكاتب بعض عبده أو العبد بين الرجلين يكاتب أحدهما نصيبه أو يكاتبه (¬1) كل واحد كتابة بانفرادها وتجوز كتابة العبد بين الشريكين إذا كانت الكتابة واحدة في العدد (¬2) والنجوم، ويكون اقتضاؤهما واحدًا (¬3) على الشركة، وإن شرطا أن لكل واحد أن يقضي (¬4) دون صاحبه، فإن الشرط فاسد (¬5)، وإن كانت الكتابة متساوية في القدر والنجوم والعقد مفترقا كان ذلك فاسدًا (¬6). واختلف إذا نزل فقال ابن القاسم: تفسخ الكتابة، وقال غيره: تمضي الكتابة (¬7)، يريد: ويسقط الشرط (¬8) ويكون اقتضاؤهما واحدًا، وقد تقدم لابن القاسم في هذا الأصل: إذا شرط أن يصيبها أو استثنى ما في بطنها أن الكتابة جائزة، والشرط باطل مثل ما ذهب إليه غيره في هذه المسألة، وإذا قيل: إن الكتابة فاسدة فإنه يختلف إذا لم ينظر في ذلك حتى أدَّى نجمًا أو صدرًا من كتابته، فقيل: الحكم في الفسخ قائم، وقيل: ذلك فوت تمضي الكتابة ويسقط الشرط، وإن لم ينظر في ذلك حتى أدَّى لهما جميعًا كان عتيقًا قولًا واحدًا، وهذا إذا كان الفساد لمكان الافتراق في الاقتضاء خاصة أو لاختلاف النجوم أحدها ¬

_ (¬1) في (ر): (يكاتباه). (¬2) في (ح): (العبد)، وفي (ر): (القدر). (¬3) قوله: (واحدا) ساقط من (ف). (¬4) في (ر): (يقتص). (¬5) قوله: (فإن الشرط فاسد) يقابله في (ر): (كان الشرط فاسدًا). (¬6) قوله: (وإن كانت الكتابة متساوية. . . مفترقا كان ذلك فاسدًا) ساقط من (ف). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 115. (¬8) قوله: (ويسقط الشرط) في (ف): (ويسقط الشرط).

إلى سنة والآخر (¬1) إلى سنتين، وقد صار إلى كل واحد مثل ما صار إلى صاحبه، وإن كان الفساد لاختلاف الأداء أخذ (¬2) أحدهما مائة والآخر مائتين، كان الحكم بالفسخ باقيا، إلا (¬3) أن يرضى العبد أن يتم للآخر مائة، أو يرضى السيد أن يرد الفضل على شريكه، وإن كاتبه أحدهما على مائة دينار والآخر على عروض فسخت قبل الأداء أو بعده إلا أن يرضى السيد أن تكون الدنانير والعروض شركة بينهما، وإذا اختلفت الكتابة فكاتبه أحدهما على مائة والآخر على مائتين، وكلاهما إلى سنة، أو كاتباه على مائة مائة (¬4)، وأحدهما إلى سنة، والآخر إلى سنتين كانت الكتابة فاسدة تفسخ، وإن أدى (¬5) نجما أو صدرا من كتابته (¬6)، فإن رضي من له الفضل من السيدين أن يحط ذلك الفضل أو رضي العبد أن يلحق الأدنى بالأعلى، ورضي السيد أن يكون الاقتضاء واحدًا مضت الكتابة، فإن لم يرضيا باجتماعهما على الاقتضاء (¬7) عاد الجواب إلى ما تقدم، فعلى أحد الأقوال تكون ماضية، ويكون اقتضاؤها (¬8) واحدًا، وعلى القول الآخر تفسخ (¬9) ما لم يؤد نجما أو صدرا منها (¬10) على القول الآخر (¬11). ¬

_ (¬1) في (ح): (والثاني). (¬2) قوله: (أخذ) ساقط من (ح). (¬3) قوله: (إلا) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (مائة) ساقط من (ر). (¬5) في (ح): (إذا). (¬6) قوله: (من كتابته) في (ح): (منهما). (¬7) في (ف): (الاقتصاد). (¬8) في (ر): (اقتضاؤهما). (¬9) في (ر): (يفسخ). (¬10) زاد في (ح): (على القول الآخر). (¬11) قوله: (على القول الآخر) زيادة من (ر).

فصل [في مكاتبة أحد الشريكين نصيبه دون شريكه]

فصل [في مكاتبة أحد الشريكين نصيبه دون شريكه] ولا يكاتب أحد الشريكين نصيبه دون شريكه، قال مالك: لأن ذلك يصير إلى عتق من غير استكمال (¬1)، وقال عبد الملك: وفيه مخاطرة؛ لأن هذا يأخذه بخراج، والآخر بنجوم. واختلف فيه (¬2) إذا نزل فقال: تسقط الكتابة وإن أدى جميع ما كوتب عليه، ويكون جميعه رقيقًا، وقال في المبسوط: يحلف السيد أنه ما كان يعلم أنه يعتق عليه إذا أدى، فإن حلف لم يقوم عليه وإن نكل قوم عليه (¬3) بقيمته، وظاهر قوله أنه لا يرد عتق ذلك النصيب؛ لأنه لم يقل إذا حلف يرد عتق النصيب (¬4) الذي أدى، وإنما قال: لم يقوم عليه، ويختلف على هذا إذا لم يكن فيه شرك (¬5)، فقال في المدونة (¬6): يرق ما كاتب منه، وإن كان قد أدى ذلك إلى سيده، وعلى القول الآخر يحلف السيد، وإن نكل عتق جميعه إلا أن يكون عليه دين (¬7) يغترق ما لم يكاتب منه، فتمضي كتابته، ولا يرد لأن الكتابة مختلف فيها: هل هي من ناحية العتق أم من ناحية البيع، فعلى القول أنها من ناحية العتق يمضي القدر الذي كاتب منه مع اليسر، وعلى القول أنها من ناحية البيع يمضي ذلك النصيب موسرًا كان أو معسرًا، ولا يقوم عليه، وإن كان فيه شرك (¬8)، فكاتب نصيبه، وفات بالأداء، أو فات ما قبضه (¬9) السيد وهو معسر، وإن (¬10) كان ما ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 483. (¬2) قوله: (فيه) ساقط من (ح). (¬3) قوله: (وإن نكل قوم عليه) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (عتق النصيب) في (ف): (العتق). (¬5) في (ف) و (ح): (شريك). (¬6) في (ح): (كتابي)، وفي (ر): (الكتاب). (¬7) زاد في (ح): (من). (¬8) في (ف): (شريك). (¬9) في (ف): (قبض). (¬10) قوله: (إن) ساقط من (ف) و (ر).

اقتضاه مثل ما ينوبه من مال كان (¬1) في يديه، أو من خراجه، فإنه يمضي عتق ما كاتب منه، ولا يرد لأن الرد لأحد وجهين لحق الاستكمال وهذا معسر، ولحق الشريك فيما يؤخذ منه وهذا لم يأخذ منه فوق حقه إذا كان من خراجه، فإن لم يكن منه إذن، وإن كان من غير الخراج مضى ذلك إذا كان بإذنه، وإذا كان العبد معتقًا (¬2) نصفه جاز لمن له النصف الآخر أن يكاتب بقيته، ويختلف في كتابة نصف نصيبه (¬3)، فعلى القول أنه ليس بزيادة فساد يجوز (¬4)، وإن كان نصفه مدبرًا كاتب الآخر نصفه جاز (¬5) إذا كان في يوم من لم يدبر (¬6) يسعى في كتابته ولو كانت سعايته من مال فى يديه قسم فكان للمدبر نصيبه (¬7) وسعى في يوم الآخر بما يصير له في كتابته، وكذلك إذا أعتق الأول إلى أجل (¬8) أو أولد وهو معسر؛ لأن المقال في قسمة المال للثاني، فإن دعا إلى قسمته (¬9) الأول كان للآخر منعه؛ لأنه يقول إذا بيع كان بيعه بماله أفضل، وإن دعا إلى قسمة الثاني لم يكن للأول مقال؛ لأن عقد التدبير والعتق إلى أجل، والإيلاد منعه البيع. وقال ابن وهب في الدمياطية في عبد بين ثلاثة أعتق أحدهم وهو معسر ودبر الآخر، وكاتب الثالث، قال: هو بحاله (¬10) من العتق والكتابة والتدبير، ¬

_ (¬1) قوله: (كان) ساقط من (ر). (¬2) في (ف) و (ح): (معتق). (¬3) قوله: (نصيبه) في (ف): (نصفه). (¬4) زاد في (ف): (ويختلف في. . .) وترك بياض بمقدار كلمتين. (¬5) في (ف): (جائزا). (¬6) في (ح): (يريد). (¬7) في (ح): (نصفه). (¬8) قوله: (إلى أجل) ساقط من (ح). (¬9) في (ف) و (ح): (قسمة). (¬10) في (ر): (بحالة).

يريد: أنه يؤدي من ثلثي المال الذي في يديه أو من ثلثي ما يكسبه (¬1)، ولا يصح أن يؤدي الكتابة من جميع ما في يديه؛ لأن للشريك المدبر أن يأخذ ثلث ما في يديه ويستخدمه يومًا (¬2) بعد يومين. ¬

_ (¬1) في (ر): (يكتسب). (¬2) قوله: (يومًا) ساقط من (ر).

باب في النصراني يكاتب عبده ثم يريد الرجوع عن ذلك قبل أن يسلم العبد أو بعد إسلامه وكيف إن كاتبه بعد أن أسلم

باب في النصراني يكاتب عبده ثم يريد الرجوع عن ذلك قبل أن يسلم العبد أو بعد إسلامه وكيف إن كاتبه بعد أن أسلم اختلف في النصراني يكاتب عبده النصراني، ثم يريد فسخ كتابته وبيعه على أنه لا كتابة له، فقال ابن القاسم: لا يمنع من ذلك، وليس هذا من التظالم والعتق أعظم من ذلك ولو أعتقه ثم رده في الرق لم يعرض له (¬1). وقال سحنون: قال بعض الرواة: ليس ذلك له، وهو من التظالم الذي لا ينبغي للحاكم أن يتركهم عليه (¬2) (¬3). قال الشيخ أبو الحسن - رضي الله عنه - (¬4): أما إذا كانت الكتابة على الخراج أو ما قاربه فهي من ناحية العتق، والعتق بابه باب الهبة، وما لم يخرج على (¬5) العوض (¬6) فله الرجوع عنه، ولا يجبر على الوفاء به (¬7)، وإن كانت على أكثر من الخراج، فالشيء الكثير من ناحية البيع والمعاوضة، فيحكم بينهم إذا امتنع السيد من الوفاء كما يحكم بينهم في البيع. واختلف أيضًا إذا كاتبه وهو نصراني ثم أسلم العبد، فقال مالك في المدونة: تباع كتابته (¬8)، قال إسماعيل القاضي في المبسوط: يباع عبدًا، وهذا نحو ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 485. (¬2) في (ف): (في ذلك). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 485. (¬4) قوله: (أبو الحسن) زيادة من (ر). (¬5) قوله: (يخرج على) في (ف): (يكن عن). (¬6) في (ر): (عوض). (¬7) قوله: (به) زيادة من (ر). (¬8) انظر: المدونة: 2/ 485.

الأول، فإن كانت الكتابة على أكثر من الخراج، بالشيء الكثير (¬1) بيع مكاتبًا؛ لأنه لو لم يسلم وأراد رد كتابته وبيعه عبدًا غير مكاتب منع من ذلك، فأحرى إذا أسلم أن يمنع من ذلك، وإن كانت الكتابة على الخراج أو ما قاربه بيع مكاتبًا على نحو ما عقد له (¬2)، إلا أن يقول: أنا أرجع فيما عقدت له، فيباع عبدًا، ولا يبرأ (¬3) بالبيع على أنه لا كتابة له حتى يقول: أنا أرجع فيما عقدت له، وعلى هذا يحمل القولان في مدبر النصراني يسلم فيقول: إنه يؤاجر ولا يباع ما دام النصراني لم يرجع عن التدبير، فإن رجع عنه بيع عبدًا لا تدبير فيه، ولا تكون الكتابة والتدبير أوجب من العتق كما قال ابن القاسم، وهو لو أعتقه ثم لم يبنه عن يده حتى أسلم لكان له أن يرده في الرق فهو في الكتابة والتدبير أبين أن له الرجوع عن ذلك، ولو أسلم السيد دون العبد فكذلك أيضًا له فسخ كتابته على قول ابن القاسم، وليس ذلك له على قول غيره، وإذا رضي السيد أن يباع مكاتبًا، ولم يرجع عما عقد, وكان ذلك الحكم؛ لأنها كانت من ناحية البيع, فإن كانت الكتابة على خمر أو خنزير نظرت, فإن أسلم المكاتب, فإن كان (¬4) لم يؤد شيئًا فكتابته (¬5) قيمة -رقبته- وإن أدّى النصف كان عليه نصف قيمة الرقبة (¬6)، وهذا قول سحنون (¬7)، قال (¬8) فلو غفل عنه حتى أدى جميع (¬9) ما (¬10) عليه من الخمر ¬

_ (¬1) قوله: (بالشيء الكثير) يقابله في (ف) و (ح): (فالكثير). (¬2) في (ف) و (ح): (عقده). (¬3) في (ر): (ولا يبتدأ). (¬4) قوله: (فإن كان) يقابله في (ر): (قام بذلك). (¬5) في (ح): (فكاتبه). (¬6) في (ر): (رقبته). (¬7) في (ر): (ابن القاسم). وانظر: البيان والتحصيل: 15/ 278. (¬8) قوله: (قال) ساقط من (ف) و (ر). (¬9) قوله: (أدّى جميع) في (ف): (إذا جمع)، وفي (ر): (إذا جميع). (¬10) قوله: (ما) ساقط من (ر).

والخنازير، وعتق بذلك؛ لأن السيد رضي بعتقه بأخذ الخمر والخنزير (¬1)، قال: ألا ترى أنه لو باع كتابته بعد ما أسلم من نصراني أو وهبها له أن البيع والهبة ماضيان وتباع الكتابة على هذا الذي صارت إليه. يريد: ويكون المشتري بالخيار (¬2) إذا كانت خمرًا أو خنازير؛ لأنه نصراني اشترى (¬3) ما يجوز له قبضه، فإذا منعه (¬4) إسلام المكاتب من قبضه ورجع إلى قيمة الرقبة كان له رد الكتابة ولو كانت قيمة الرقبة أكثر من قيمة الخمر؛ لأنه له غرض (¬5) في عينه، وقد يقال: ليس له إلا القيمة، وإسلام المكاتب جائحة على مشتري الكتابة، وقال بعض أهل العلم: إذا أسلم المكاتب وقد أدى بعض الخمر وبقي عليه منه أن عليه جميع قيمة الرقبة؛ لأن العتق إنما يقع بآخر جزء من الكتابة, وهو لو عجز وقد بقي عليه شيء رجع رقيقًا فدل أن لا يعتق إلا بآخر جزء من الكتابة (¬6) ولا يكون كل جزء ودى من الكتابة يقابله من الحرية بقدر الأداء، بل الأمر موقوف على آخر النجوم، وبهذا فارق المهر لو تزوجها على مهر خمر أو خنزير فقبضت بعضه؛ لأنه كالدَّيْن والبراءة تصح (¬7) منه, وليست (¬8) الكتابة كالدَّيْن، وعلى قياس قول ابن عبد الحكم: إذا أسلم المكاتب عليه قيمة الخمر قياسًا على قوله إذا أسلم في خمر ثم أسلم المطلوب، وإذا أسلم سيد المكاتب فيختلف فيه، فقيل: يكون على المكاتب قيمة الخمر، وقيل: رقبته وهي (¬9) جائحة طرأت عليه. ¬

_ (¬1) في (ف) و (ح): (بأخذ الخنازير). (¬2) في (ح) و (ر): (الكتابة الخيار). (¬3) في (ف): (يشتري). (¬4) في (ف): (منع). (¬5) قوله: (له غرض) في (ف): (لو عرض). (¬6) قوله: (وهو لو عجز وقد بقي عليه. . . بآخر جزء من الكتابة) ساقط من (ف) و (ر). (¬7) قوله: (تصح) زيادة من (ح). (¬8) في (ر): (وليس). (¬9) قوله: (وقيل رقبته وهي) في (ح): (أو قيمة رقبة أو).

باب في الدعوى في الكتابة

باب في (¬1) الدعوى في الكتابة اختلاف المكاتب وسيده في ستة (¬2) أوجه: أحدها: أن يختلفا في القدر فيقول السيد مائة، ويقول العبد خمسين. والثاني: في جنسه (¬3)، فيقول هذا عين، ويقول الآخر: ثياب (¬4). والثالث: أن يختلفا هل كانت على الحلول أو منجمة. والرابع: أن يتفقا أنها منجمة، ويختلفا في حلولها. والخامس: القطاعة، يقاطعه ثم يختلفان في مثل ذلك (¬5) الوجه من (¬6) قدرها أو جنسها أو حلولها، وتكون القطاعة على أنه لا يكون حرًّا إلا بأداء ما قاطعه (¬7) عليه. والسادس: أن يعجل له عتقه ثم يختلفا (¬8) فيما قاطعه وعجل له عتقه (¬9) عليه. فإن اختلفا في قدر الكتابة، فقال السيد: مائة، وقال العبد: خمسون (¬10)، فقال ابن القاسم: الكتابة فوت (¬11) بمنزلة ما (¬12). . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) قوله: (في) ساقط من (ح) و (ر). (¬2) قوله: (في ستة) في (ف): (على سبعة). (¬3) في (ح): (جنسها). (¬4) في (ف) و (ح): (ثيابًا). (¬5) في (ح): (تلك). (¬6) في (ح) و (ر): (في). (¬7) في (ر): (قاطع). (¬8) قوله: (عتقه ثم يختلفا) في (ح): (عتقها ثم يختلفان). (¬9) في (ر): (العتق). (¬10) في (ف) و (ح): (خمسين). (¬11) انظر: المدونة: 2/ 489. (¬12) قوله: (ما) ساقط من (ر).

لو اشتراه (¬1) عبدًا فأعتقه أو كاتبه أو دبره، وقال محمد بن عبد الحكم: اختلف في ذلك ابن القاسم وأشهب، يريد: أن أشهب يقول: القول (¬2) قول السيد، وقال محمد: والحجة لأشهب أنه يقول: مملوكي، فلا يخرج إلى الكتابة إلا بما أقر لك به (¬3)، كالبيع يختلفان فيه، فالقول قول البائع، والمبتاع مخير (¬4). قال الشيخ - رضي الله عنه -: وقد اختلف (¬5) أيضًا ابن القاسم وأشهب في مثل هذا إذا اشترط السيد الولد أو اشترط أن يطأها ما دامت في الكتابة، فقال ابن القاسم: الكتابة فوت، والشرط باطل (¬6)، وقال أشهب: ليس بفوت، ويفسخ ما لم يؤد نجمًا (¬7)، وقد تقدم الاختلاف في مثل (¬8) ذلك، وكذلك إذا اختلفا في قدر الكتابة، على قوله يتحالفان ويتفاسخان ما لم يؤد نجمًا، وإن أديا نجمًا تحالفا ورجع (¬9) إلى كتابة المثل ما لم تكن (¬10) أكثر مما ادعاه السيد فلا يزاد، أو أقل مما قاله العبد فلا ينقص، وهذا أيضًا أصل أشهب في البيع مع فوات السلعة أنهما (¬11) يتحالفان ويتفاسخان (¬12) وترد القيمة ما لم تكن أكثر مما ادعى البائع، أو أقل مما قاله المشتري، وكل هذا إذا أتيا جميعًا بما يشبه، وإن أتى أحدهما بما يشبه كان القول قول من أتى بما يشبه مع يمينه من سيد أو عبد، وسواء اختلفا ¬

_ (¬1) في (ح) و (ر): (اشترى). (¬2) قوله: (القول) ساقط من (ح). (¬3) قوله: (به) ساقط من (ر). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 109. (¬5) في (ف): (يختلف). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 68. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 68. نص النوادر: (قال أشهب: وكذا إن شرط على الأمة الحامل أن ما في بطنك رقيق فسخت الكتابة لو لم يبق منها إلا درهم). (¬8) قوله: (مثل) زيادة من (ر). (¬9) في (ر): (ورد). (¬10) في (ر): (يكن). (¬11) قوله: (أنهما) ساقط من (ف). (¬12) قوله: (ويتفاسخان) زيادة من (ر).

قبل أداء النجم (¬1) أو بعده، وكذلك إذا اختلفا في جنس الكتابة، فقال أحدهما: ثياب كذا، وقال الآخر غيرها أو شيئًا مما يكال أو يوزن، فعلى قول ابن القاسم: الكتابة فوت يتحالفان ويكون على كتابة مثله من العين، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر كان القول قول الحالف، ويدفع (¬2) الصنف (¬3) الذي حلف عليه، وإن (¬4) قال أحدهما: دنانير وقال الآخر دراهم، وكانت في القدر سواء أخذ (¬5) ذلك من المكاتب، واشترى به ما قال السيد، ولم يتحالفا وإن اختلفا في القدر فيهما (¬6) وعاد الجواب إلى ما تقدم في أول الفصل. وإن قال أحدهما عينًا، وقال الآخر عرضًا (¬7) كان القول قول من ادعى العين، إلا أن يأتي في قدره بما لا يشبه. وإن اتفقا في القدر والجنس (¬8) واختلفا هل هي حالة أو منجمة كان القول قول العبد (¬9) أنها منجمة ما لم يأت من كثرة النجوم بما لا يشبه، مثل أن (¬10) يقول عشرين نجمًا في عشرين سنة وما أشبه ذلك، وإن اتفقا في التأجيل واختلفا في حلوله (¬11) كان القول قول المكاتب، وإن اختلفا في القطاعة، فقال السيد: على الحلول، وقال العبد على النجوم، كان القول قول السيد وهو قول أصبغ في كتاب ابن حبيب (¬12)، ومحمل قوله فيما (¬13) إذا كانت القطاعة (¬14) على أقل من الكتابة ¬

_ (¬1) في (ر): (نجم). (¬2) في (ف) و (ح): (ويرفع). (¬3) في (ح): (النصف). (¬4) في (ف) و (ح): (فإن). (¬5) قوله: (أخذ) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (فيهما) ساقط من (ف). (¬7) في (ح): (عروض). (¬8) قوله: (والجنس) ساقط من (ح). (¬9) في (ح): (العبيد). (¬10) قوله: (مثل أن) زيادة من (ر). (¬11) قوله: (في حلوله) ساقط من (ر). (¬12) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 109. (¬13) قوله: (فيما) زيادة من (ر). (¬14) في (ف): (المقاطعة).

تكون الكتابة مائة دينار، والقطاعة خمسون (¬1) أو على دراهم أو عروض هي (¬2) أقل من الكتابة، وإن كانت مثل قدر الدنانير أو أكثر كان القول قول العبد: أنك فسخت الكتابة في قدرها إلى مثل ذلك الأجل الأول أو دونه أو أكثر (¬3) منه إذا أتى بما يشبه إذا كان قد عجل له العتق، وإن لم يعجل العتق تحالفا وتفاسخا (¬4) وعاد إلى الكتابة حسب ما كانت، وإن قال السيد: قاطعتك على كذا وكذا ثوبًا، وقال العبد: على جنس آخر أو على مكيل أو (¬5) موزون، تحالفا (¬6) وتفاسخا القطاعة، وعاد إلى أصل الكتابة يؤديها العبد (¬7) حسب ما كان عليه (¬8) قبل القطاعة، وهذا إذا لم يكن عجل له العتق، فإن كان عجل له العتق (¬9) ثم اختلفا كان القول قول العبد (¬10) في ذلك (¬11). ¬

_ (¬1) في (ر): (خمسين). (¬2) قوله: (أو عروض هي) يقابله في (ر): (وعروض وهي). (¬3) قوله: (أو أكثر) يقابله في (ر): (فأكثر). (¬4) قوله: (وتفاسخا) زيادة في (ح). (¬5) قوله: (مكيل أو) ساقط من (ح). (¬6) في (ف) و (ح): (وتحالفا). (¬7) قوله: (العبد) زيادة من (ر). (¬8) قوله: (عليه) ساقط من (ر). (¬9) قوله: (فإن كان عجل له العتق) ساقط من (ف) و (ر). (¬10) قوله: (قول العبد) في (ح): (قوله). (¬11) قوله: (في ذلك) زيادة من (ر).

باب في الكتابة على خيار السيد أو العبد

باب في الكتابة على خيار السيد أو العبد الكتابة على أن السيد بالخيار أو العبد جائزة (¬1)، وسواء كان أمد الخيار قريبًا أو بعيدًا، وأجاز ابن القاسم أن يكون أمد الخيار شهرًا، وذلك عنده بخلاف البيع؛ لأن المنع في البيع خيفة أن يكونا (¬2) عملا على شراء (¬3) شيء بعينه، ليبقى في ضمان بائعه فيزيده في الثمن لمكان الضمان، وليس المكاتب كذلك؛ لأن المصيبة من السيد قبل الكتابة وبعدها، وليس للسيد أن ينتزع ماله في أيام الخيار وإنما له فيما (¬4) يتضمنه العقد لو لم يكن فيه خيار، والعبد فيما يوجد في يديه من المال في أيام الخيار وإنما له الخيار فيما يتضمن العقد لو لم يكن فيه خيار والعبد فيما يوجد في يديه من المال (¬5) في أيام الخيار (¬6) على أربعة أوجه: فإن كان في يديه يوم عقد الكتابة على الخيار مال كان للعبد، وليس للسيد انتزاعه إلا أن يرد الكتابة ولا يقبلها من كان له بالخيار وإن كان ذلك المال (¬7) حدث من خراجه وعمل يديه كان للسيد انتزاعه، فإن حدث من (¬8) غلات ماله: نخيله أو عبيده، أو غيره (¬9) أو تجر في ماله، أو ما أشبه ذلك كان ذلك للعبد، وليس للسيد انتزاعه. واختلف إذا كان من هبات أو صدقات، فقيل: ذلك للعبد (¬10)، وهو قول محمد وأن المال مع المال الذي في يديه، وقيل: للسيد، وأراه (¬11) للسيد إلا أن يكون القصد من الواهب أو (¬12) المتصدق أن يستعين العبد (¬13) في كتابته فيمنع السيد منه, وإن لم يمض الكتابة من له الخيار كان للواهب أو للمتصدق أن يسترده. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 489. (¬2) قوله: (يكونا) في (ف): (يكون). (¬3) قوله: (شراء) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (وإنما له فيما) في (ف): (مما). (¬5) قوله: (من المال) يقابله في (ر): (ماله). (¬6) قوله: (وإنما له الخيار فيما يتضمن العقد. . . في أيام الخيار) زيادة من (ر). (¬7) قوله: (ذلك المال) زيادة من (ر). (¬8) في (ر): (عن). (¬9) قوله: (أو غيره) زيادة من (ر). (¬10) في (ف): (للسيد). (¬11) في (ر): (وأرى أنه). (¬12) قوله: (أو) ساقط من (ح). (¬13) قوله: (العبد) زيادة من (ر).

باب في الرهن في الكتابة

باب في الرهن في الكتابة وإذا ارتهن السيد من مكاتبه رهنًا بعد انعقاد الكتابة جرى ذلك (¬1) الرهن على أحكام الرهان، فإن فلس السيد أو مات كان المكاتب أحق بالرهن إن كان قائمًا، وإن فات حاص بقيمته في الفلس والموت، واختلف إذا كان الارتهان في أصل العقد، فجعله ابن القاسم انتزاعًا (¬2)، وكأنه وعده أن يرده إليه، وأرى أن له أن يأخذه أو قيمته إذا فات، فإن وقع فلس أو موت لم يكن له أخذه وإن كان قائما ولا يحاص به في الفلس ولا يقاص في الفوت (¬3) إن كان فائتًا (¬4)، قال: ولو كانت الكتابة على أن يسلف العبد السيد أو يبيعه سلعة بثمن إلى أجل ثم فلس السيد لم يدخل العبد على غرماء سيده, وقال غيره: الرهن في أصل الكتابة وبعدها سواء، ليس بانتزاع (¬5) السيد ضامنا (¬6) له إن تلف، ولم يعلم ذلك إلا من قوله، فإن كان يقوم بالدنانير، والكتابة دنانير كان قصاصًا؛ لأن وقفها ضرر عليهما لا منفعة لهما فيه، إلا أن يتهم السيد بالعداء ليتعجل (¬7) القيمة قبل وقتها فيغرم القيمة, وتوقف على يدي عدل، وإن كانت الكتابة عرضا أو طعاما كانت القيمة موقوفة لما يرجى من رخص ذلك، ويحاص بالقيمة في الفلس (¬8)، وهذا القول أحسن؛ لأن المكاتب يزيد على نفسه لمكان ذلك الرهن، فدخل في المعاوضة على أحكام الرهن (¬9)، ويلزم على قول ابن القاسم ها هنا أن السلف انتزاع أن يجيز الربا فيما بين السيد وعبده، وإن أخذ السيد ¬

_ (¬1) قوله: (جرى ذلك) في (ف): (جبر على). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 490 و 491. (¬3) في (ر): (الموت). (¬4) قوله: (ولا يحاص به في الفلس ولا يقاص في الفوت إن كان فائتا) ساقط من (ف). (¬5) في (ف) و (ح): (انتزاع). (¬6) في (ر): (ضامن). (¬7) في (ر): (ليستعجل). (¬8) انظر: المدونة: 2/ 490 و 491. (¬9) في (ح): (الراهن)، وفي (ر): (الرهان).

فصل [إذا تزوج رجل المكاتبة بإذن سيدها فمات زوجها بعدما ولدت]

من عبده دنانير (¬1) مصارفة كان أخذه الدينار (¬2) انتزاعًا، وقوله: أرد إليك الدراهم عدة (¬3)، وإن دفع السيد دينارًا (¬4) كان ذلك هبة، وقوله آخذ منك دراهم (¬5) انتزاع، وإن أخذ دينارًا ليرد دينارين كان أخذه انتزاعًا، ورده الدينارين (¬6) هبة، وإن دفع دينارًا ليأخذ منه ديناربن كان الأول هبة والآخر انتزاعًا. فصل [إذا تزوج رجل المكاتبة بإذن سيدها فمات زوجها بعدما ولدت] وإذا قال رجل لسيد المكاتبة: أنا آخذ المكاتبة (¬7) واحتل (¬8) علي بها وزوجنيها ففعل السيد وزوجه واحتال عليه فولدت المكاتبة منه بنتًا، فمات الزوج، فقال مالك: الحمالة باطلة، والأمة مكاتبة على حالها وابنتها أمة لا ترث أباها (¬9)، وقال فضل: الأمة في كتابتها والنكاح فاسد يفسخ قبلُ، ويثبت بعدُ إذا كان نكاحها (¬10) برضاها، وإن كان بغير رضاها فسخ قبل وبعد، ولها صداق المثل في الوجهين جميعا يقاصه (¬11) بما أدى عنها، فمن له فضل رجع به، فجعل مالك الحوالة ها هنا حمالة؛ لأنها على غير دين، وإنما يقتضي أن للمتحمل له أن يبتدئ بالحميل إذا سماها حوالة، ثم أسقطها؛ لأنها حمالة بجعل وراجعة إلى بيع سلف، فالبيع النكاح، والجعل السلف، وهو يؤدي له (¬12) بالحمالة ليرجع به عليها، ولا يصح الوفاء به ولا المطالبة به؛ لأنّ الوفاءَ بذلك كالوفاء ¬

_ (¬1) في (ف) و (ح): (دينارًا أو). (¬2) في (ر): (للدينار). (¬3) في (ح): (غرة). (¬4) في (ح): (دنانير). (¬5) في (ر): (الدراهم). (¬6) في (ر): (دينارين). (¬7) قوله: (أنا آخذ المكاتبة) ساقط من (ف). (¬8) في (ر): (واحمل). (¬9) انظر: المدونة: 2/ 491. (¬10) في (ر): (نكاحا). (¬11) قوله: (يقاصه) ساقط من (ف). (¬12) قوله: (له) زيادة من (ر).

بالربا، ويفسد النكاح لما (¬1) قارنه من السلف، وينبغي أن يكون على الزوج الأكثر من المسمى أو صداق المثل، إلا أن يسقط السيد مقاله في الحمالة فيمضي بالمسمى بمنزلة من أسقط السلف. واختلف في جبر السيد مكاتبته على النكاح (¬2)، فعلى القول أن له جبرها (¬3) يمضي ها هنا النكاح (¬4) إذا دخل بها، وإن كان بغير رضاها، ولو (¬5) قال: أعتقها وزوجنيها واحتل علي بكتابتها (¬6)، فأعتقها السيد لذلك كان العتق ماضيًا وهي حرة، ولا يصح إجبارها (¬7)، والابنة حرة ترث أباها، ولو قال احتل (¬8) علي وأبرئها، ولم يقل أعتقها، كان الجواب كالأول؛ لأنها حوالة فاسدة، حوالة بما لم يحل وحوالة بجعل، ولا تصح مطالبة الزوج بالحمالة لهذه الوجوه، ولأنه يقول: وإنما رضيت، وإنا نرى أن الزوجة (¬9) تكون بتلك الحوالة حرة، فإذا لم تصح لها حرية فلا شيء علي. ¬

_ (¬1) في (ر): (بما). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 413. (¬3) في (ف) و (ر): (أن يجبرها). (¬4) قوله: (يمضي ها هنا النكاح) يقابله في (ر): (على النكاح يمضي ها هنا). (¬5) في (ر): (وإن). (¬6) في (ف): يكاتبها. (¬7) في (ر): (جبرها). (¬8) في (ف): (أحل). (¬9) في (ر): (وأنا أرى الزوجة).

باب فيمن يدخل في كتابة المكاتب ومن لا يدخل في الكتابه

باب فيمن يدخل في كتابة المكاتب ومن (¬1) لا يدخل في الكتابه (¬2) يدخل في الكتابة (¬3) الولد إذا حدث (¬4) في كتابة المكاتب أو المكاتبة، ويفترق (¬5) الجواب: إذا كان في حين الكتابة حمل، فإن كوتبت أمة وهي حامل كان حملها في كتابتها (¬6)، وإن كوتب عبد وله أمة حامل لم يدخل الحمل في كتابته إلا أن يشترطه (¬7)، فإن اشترى أمة حاملًا منه بإذن سيده دخل الحمل إذا ولد في كتابته، وإن اشتراها بغير إذنه (¬8) لم يدخل في كتابته (¬9)، وعلى قول ابن نافع يدخل في كتابته (¬10) وإن (¬11) لم يأذن السيد (¬12)، وأجاز ابن القاسم أن يشتري زوجته وهي حامل منه بغير إذن السيد (¬13) لما كان يجوز له أن يتسرى (¬14) بغير إذن سيده ويولد؛ لأن الحمل لا يزاد في الثمن لأجله, بل الغالب أنه يحط من الثمن. وأما من سوى الابن ممن يعتق عليه من القرابة (¬15) فإن اشتراه بغير إذن سيده لم يدخل في الكتابة. ¬

_ (¬1) في (ف) و (ح): (وفيمن). (¬2) قوله: (في الكتابة) زيادة في (ف). (¬3) قوله: (يدخل في الكتابة) ساقط من (ف). (¬4) في (ف): (أحدث). (¬5) قوله: (ويفترق) زيادة في (ح). (¬6) انظر: التفريع: 1/ 345 و 346. (¬7) انظر: المعونة: 2/ 382. (¬8) في (ر): (بغير إذن سيده). (¬9) في (ف): (الكتابة). وانظر: المدونة: 2/ 501. (¬10) قوله: (وعلى قول ابن نافع يدخل في كتابته) زيادة في (ح). (¬11) في (ح): (فإن). (¬12) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 82. (¬13) انظر: المدونة: 2/ 501. (¬14) في (ف) و (ح): (يتسرر). (¬15) قوله: (عليه من القرابة) يقابله في (ف) و (ح): (بالقرابة).

واختلف إذا اشتراه بإذن (¬1) سيده، فقال (¬2) مالك وابن القاسم: يدخل في الكتابة الأب (¬3) والجد والأخ وابن الأخ، ولا تدخل العمات ولا الخالات، وقال أشهب: يدخل الأب دون الجد والإخوة، وقال ابن نافع: لا يدخل إلا (¬4) الابن وحده (¬5)، وسواء اشتراه بإذن سيده أو بغير إذنه (¬6)؛ لأن له أن يستخدمه (¬7)، قال الشيخ: إن (¬8) إذن السيد في الشراء لا يتضمن سوى جواز الشراء، ولا يوجب بغير (¬9) عقد الكتابة، ولا دخل (¬10) المشتري فيها، والابن والأب في ذلك سواء، إلا أن تكون العادة أن المراد بالاستئذان أن يدخل في الكتابة، وكره مالك أن يشتري أحدًا من هؤلاء بغير إذن سيده (¬11)، ولم يفسخه ابن القاسم (¬12) إذا نزل، وقياد قول مالك أنه (¬13) يفسخ، ولا (¬14) يجوز أن يشتريه إلا أن يكون (¬15) معه في الكتابة، وإلا نقض (¬16) البيع، فكل من دخل في الكتابة يكون حكمه حكم من عقدت عليه الكتابة: يتجر ويبيع ويشتري ويسعى ويؤاجر نفسه من غير إذن من (¬17) السيد الأعلى ولا من (¬18) مشتريه، وإن خشي من عقدت عليه الكتابة من (¬19) العجز لم يمكن من بيع المشترى وكان العجز أو العتق في جميعهم، إلا أن يأذن السيد لمن عقدت عليه الكتابة في ¬

_ (¬1) في (ف): (بغير إذن). (¬2) في (ف) و (ح): (وقال). (¬3) في (ر): (كالأب). (¬4) قوله: (إلا) ساقط من (ف). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 495. (¬6) في (ف) و (ح): (إذن سيده). (¬7) في (ف) و (ح): (يستحدثه). (¬8) قوله: (إن) ساقط من (ح) و (ر). (¬9) في (ر): (لغير). (¬10) في (ح) و (ر): (دخول). (¬11) في (ف) و (ح): (بغير إذنه). (¬12) انظر: المدونة: 2/ 494. (¬13) في (ر): (أن). (¬14) في (ر): (والبيع لا). (¬15) قوله: (أن يكون) في (ح): (ليكون). (¬16) في (ح): (ينقض). (¬17) قوله: (من) زيادة من (ر). (¬18) قوله: (من) زيادة من (ر). (¬19) قوله: (من) زيادة من (ر).

بيعه، فيجوز؛ لأن للسيد أن يعجز جميعهم، فلو أذن حينئذ لمن لم تنعقد عليه الكتابة أن يبيع ما انعقدت عليه الكتابة لجاز، وإذا كان الشراء بغير إذنه كان المشتري على الحجر إلا أن يأذن له مشتريه، فإن خشي العجز جاز له أن يبيعه وإن كره السيد الأعلى.

باب في المريض يكاتب عبده

باب في المريض يكاتب عبده وقال ابن القاسم في المريض يكاتب عبده فلم يحابه أنه مثل البيع، فإن أدى كتابته قبل موت سيده كان حرًّا، ولا كلام للورثة فيه، وقال أيضًا: أنه كالعتق، فإن كانت قيمته أكثر من ثلث الميت خير الورثة بين أن يمضوا الكتابة أو يعتقوا منه ما حمل ثلث الميت بتلا، ووافق الغير على هذا القول، وقال في الكتابة بمحاباة أو بغير محاباة من ناحية العتق، وليس من ناحية البيع، وهو موقوف بنجومه، وإن (¬1) لم يحمله ثلثه، ولم يجز الورثة أعتق منه ما حمل الثلث بما في يديه (¬2). قال الشيخ (¬3) الكتابة بغير محاباة على وجهين، فإن كانت بمثل خراجه كانت من ناحية العتق؛ لأنه إن لم يحابه ولا يقدر على أكثر من ذلك فهو كالعتق لما كان للسيد أن يأخذ ذلك من غير كتابة، وإن كانت على أكثر من الخراج بالأمر البين كانت مبايعة، وحينئذ ينظر: هل فيها محاباة أم لا؟ فقد يقال: إن مثل ذلك العبد في حالته (¬4) يتغالى في كتابته بأكثر من تلك الكتابة، فتكون كتابته هذه محاباة. ¬

_ (¬1) في (ر): (فإن). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 497، 498. (¬3) زاد في (ف) و (ح): (في). (¬4) في (ر): (جلالته).

باب في حكم أم الولد إذا كانت في حياة سيدها وسعيها بعد وفاته

باب في حكم أم الولد إذا كانت (¬1) في حياة سيدها وسعيها بعد وفاته اختلف قول مالك في أم ولد المكاتب، فيرى مرة أنها بمنزلتها قبل ولادتها، وله أن يبيعها اختيارًا في الكتابة، وبعد أدائها ومصيرها (¬2) إلى الحرية، ويرى مرة أنها أم ولد ولا يبيعها ما كان في الكتابة، إلا أن يخاف العجز، وإن أدى كتابته وهي عنده كانت كأم ولد الحر، تعتق بموت سيدها، وهذا إذا حملت بعد الكتابة (¬3)، وإن كانت الولادة قبل الكتابة لم تكن على أحكام أم الولد قولًا واحدًا (¬4)، ويختلف إذا كانت الكتابة وهي حامل قياسا على الحر يشتري الأمة وهي حامل منه بزوجية (¬5) كانت فلمالك (¬6) فيها قولان، هل تكون أم ولد الأم؟ (¬7) وإن مات المكاتب عن أم ولد فإنه لا يخلو أن يكون معها في الكتابة ولدها أو ولد من غيرها أو أولاد وأحدهم ولدها أو إخوة للمكاتب أو أجنبيون، وخلف في جميع ذلك مالا فيه وفاء، أو لا وفاء فيه، أو لم يخلف مالًا، فإن كان ولدها وخلف وفاء أعتق فيه الولد وأعتقت (¬8) بعتقه قولًا واحدًا، وسواء كانت ولادتها له وحملها به بعد الكتابة أو قبلها (¬9)؛ لأنها وإن لم تكن لها حرمة أم الولد مع سيدها فإنها تعتق على ولدها، فإن لم يكن في ¬

_ (¬1) قوله: (إذا كانت) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (وبعد أدائها ومصيرها) يقابله في (ر): (وبعد أدائه ومصيره). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 542. (¬4) انظر: المدونة: 2/ 501. (¬5) في (ف): (بزوجته). (¬6) في (ف): (فملكت). (¬7) انظر: المدونة: 2/ 501. (¬8) في (ف) و (ح): (أم لا). (¬9) قوله: (أو قبلها) يقابله في (ف) و (ح): (أو قبل الكتابة).

المال وفاء سعى الولد وأمه (¬1) في الباقي من الكتابة، وإن لم يكن في ذلك المال ما يسعيان (¬2) فيه أو لم يخلف (¬3) مالًا، وكان في الأم إذا بيعت ما يوفي بباقي (¬4) الكتابة أو ما يستعان (¬5) به في السعي أو ما يؤدي إلى أن يبلغ السعي إن كان صغيرًا بيعت وأخذ ثمنها السيد إن كان كفافًا لباقي (¬6) الكتابة أو سعى فيه الولد أو لم يكن فيه ما يوفي بالكتابة، فإن كان الولد صغيرًا أخذه السيد وحبسه (¬7) من أول النجوم إلى أن يبلغ السعي، وإن لم يكن في ثمنها ما يوفي بما في الكتابة ولا سعي عند الولد، ولا فيه ما يبلغ الولد السعي عُجِّزَا جميعًا وكانا رقيقين للسيد، وإن كان الولد من غيرها كان له أن يتملكها أو (¬8) يبيعها إن كانت الولادة قبل الكتابة أو كانت بعد الكتابة على القول أنها لا تكون على حكم أمهات الأولاد، ولو كان السيد حيًّا وهي في هذا بخلاف الولد؛ لأنها تعتق على الولد بكل حال، وإن كانت الولادة قبل أو بعد على القول أنها تكون على أحكام أم الولد لو أدى السيد الكتابة لم يكن له (¬9) أن يبيعها، وإن كانا ولدين أحدهما ابنها، فإن كانت الولادة قبل الكتابة أعتق نصيب ولدها منها ورق نصيب الآخر، وكذلك إذا كانت بعد الكتابة على القول إنها لا تكون مع السيد على أحكام أم الولد، فإنه يعتق عليه (¬10) نصيب الولد خاصة، وعلى القول الآخر تعتق عليهما جميعًا في مال الميت، وتسعى معها إن لم يخلف مالًا. واختلف إذا لم يكن ولد بحال، فقال ابن القاسم: يكون رقيقًا إن كان مع ¬

_ (¬1) في (ر): (وفاء سعيا جميعا الولد والأم). (¬2) في (ح): (يستعان). (¬3) في (ح): (يخلفه). (¬4) قوله: (يوفي بباقي) في (ح): (يوفي بها في). (¬5) في (ف): (يسعيان). (¬6) في (ر): (بباقي). (¬7) في (ح): (حبس). (¬8) في (ح): (و). (¬9) في (ح): (للولد). (¬10) قوله: (عليه) ساقط من (ف).

المكاتب أبوه أو (¬1) أخوه سواء خلف الميت مالًا أم لا، وقال: يعتق في مال الميت، وإن لم يخلف مالا كانت رقيقًا ولا تسعى مع أخي الميت ولا الأب، وإن خلف الميت أمهات الأولاد مع إحداهن ولدا أعتقت التي معها الولد (¬2)، ويختلف فيمن سواها ولو لم يخلف الميت (¬3) مالا، واحتج (¬4) إلى الوفاء بالكتابة من ثمن إحداهن لم تبع (¬5) التي معها ولدها، وبيع من سواها. واختلف في صفة البيع، فقال ابن القاسم: تباع التي فيها نجاة الولد، وذلك إلى الولد، وقال سحنون: لا تباع واحدة منهن إلا بالقرعة، قال الشيخ أبو الحسن (¬6): والقياس أن يباع منهن بالحصص كالمدبرين، ويختلف أيضًا لو كان السيد حيًّا وله أمهات أولاد وخشي العجز، واحتاج إلى بيع واحدة ليؤديها في نجم أو ليوفي (¬7) بها في (¬8) الكتابة، فعلى قول ابن القاسم: يبيع أيتهن أحب، وعلى قول سحنون: بالقرعة، والأبين أن تكون حصاصا كما قدمناه (¬9). ¬

_ (¬1) في (ح): (و). (¬2) في (ح): (ولدها). (¬3) قوله: (الميت) ساقط من (ف). (¬4) كذا بالمخطوط، ولعل الصواب (احتيج). (¬5) في (ف): (تبلغ)، وفي (ر): (تتبع). (¬6) قوله: (أبو الحسن) زيادة من (ر). (¬7) في (ف) و (ر) و (ق 10): (ليفي). (¬8) قوله: (في) ساقط من (ر). (¬9) في (ر): (والأبين أن يكون بالحصاص كما تقدم).

باب في المكاتب يموت ومعه أولاد وغيرهم في الكتابة, ومال فيه وفاء وفضل أو لا فضل فيه

باب في المكاتب يموت ومعه أولاد وغيرهم في الكتابة, ومال (¬1) فيه وفاء وفضل أو لا فضل فيه وإذا مات المكاتب عن مال لا وفاء فيه ومعه في الكتابة ولد أو غيره كان في سعي من بقي في الكتابة بذلك المال على ثلاثة أقوال، فقال ابن القاسم: يسعى (¬2) به الولد خاصة إذا كان مأمونًا، وممن بقوا على السعي، فإن كان غير مأمون أو لا يقوى على السعي فأم الولد، فإن كانت غير مأمونة أو لا تقوى على السعي أخذه السيد فإن كان فيه ما يؤدي من النجوم إلى أن يبلغ الولد السعي لم يعجز الولد وإن لم يكن فيه (¬3) ما يؤدي إلى أن يبلغ (¬4) السعي (¬5) وكان في أم الولد إذا بيعت ما يؤدي إلى أن يبلغ السعي بيعت ولم يعجز الولد، وإن كان لا يوفي بجميع ذلك كان الولد رقيقًا (¬6)، وقال أشهب: يسعى به (¬7) من بقي في الكتابة وإن كان أخًا أو أجنبيًّا (¬8)، وقال ربيعة: السيد أحق به، وإن كان له ولد لم يدفع إليه، وإن كان للسيد أن يأخذه على قول مالك؛ لأنَّ الباقي في الكتابة ليسوا بولد، فإنه يختلف هل يحسب (¬9) ذلك لهم من آخر النجوم أو من أولها، فقال في كتاب الجنايات: يحسب لهم ذلك من آخر كتابتهم (¬10)، وقال ابن ¬

_ (¬1) في (ح): (وهل). (¬2) في (ح): (يستعين). (¬3) قوله: (فيه) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (أن يبلغ) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (لم يعجز الولد. . . إلى أن يبلغ السعي) ساقط من (ر). (¬6) انظر: المدونة: 4/ 620 عن مالك بنحوه، والنوادر والزيادات: 13/ 84. (¬7) قوله: (يسعى به) في (ح): (يستعين). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 84. (¬9) قوله: (يحسب) ساقط من (ح). (¬10) انظر: المدونة: 4/ 619.

القاسم في كتاب محمد: يحسب من أولها (¬1). قال الشيخ: والذي أختاره ألا يحسب من أولها ولا من آخرها، وإنما ينظر إلى ما خلفه، فإن كان هو القدر الذي ينوبه من الكتابة أخذه السيد عن الميت وكان على الحي أن يسعى فيما عليه مما ينوبه من الكتابة، فإن عجز كان له ألا يعجل عليه بفسخ الكتابة ويحاسبه بما خلف (¬2) الميت، بمنزلة لو كان حيًّا فعجز عما ينوبه لأخذ (¬3) من يد صاحبه ذلك النجم وودى عنهما، وإن لم يكن فيما خلفه وفاء بما ينوبه سعى هذا في القدر الذي ينوبه، وحوسب السيد فيما خلفه من أول نجومه، فإذا ذهب من النجوم ما يقابل ما خلف (¬4) أخذ حينئذ الحي بالأداء عنه، وإن كان فيما خلفه فضل عما ينوبه سعى هذا في الباقي خاصة؛ لأنه لو خلف وفاء أعتق فيه، ومن حق السيد أن يبتدئ له بأداء ما ينوبه، فإذا لم يبق إلا ما يوفي به الباقي مما خلف الميت عما ينوبه أعتق (¬5)؛ لأنَّ الحمالة وإن حلت بالموت، فإن التعجيل والأخذ بالحمالة من حق السيد، فله أن يقول: أنا آخذك بما ينوبك الآن، ولا آخذ ما خلفه الميت عن الميت إلا أن يعجز، وإن خلف الميت ما يوفي بما بقي من جميع الكتابة أعتق من بقي في الكتابة، وسواء كانوا أقرباء (¬6) أو أجنبيين، وإنما يفترق الجواب في الرجوع عليهم، وإن كانوا أجنبيين رجع السيد عليهم، وإن خلف (¬7) ولدًا لم يرجع، واختلف فيما سواه. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 84. (¬2) في (ح): (خلفه). (¬3) في (ف) و (ح): (مما أخذ). (¬4) في (ف): (حلف). (¬5) زاد في (ر): (السيد). (¬6) في (ح): (قرابة). (¬7) في (ح): (كان).

فصل [إذا ارتد المكاتب وقتل على ردته وخلف مالا وولدا]

فصل [إذا ارتد المكاتب وقتل على ردته وخلف مالا وولدا] واختلف إذا ارتد المكاتب وقتل على ردته وخلف مالًا وولدًا (¬1)، فقال ابن القاسم في كتاب محمد: يعتق الولد فيه، ولا يتبعون بما ينوبهم، ولا يرثون الفضل (¬2)، وقال في الدمياطية: يسعى (¬3) الولد في بقية ما عليهم ولا يتبعون بما ترك أبوهم. تم كتاب المكاتب من التبصرة والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليمًا (¬4) ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات 13/ 119. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 119. (¬3) في (ح): (يتبع). (¬4) قوله: (تم كتاب المكاتب من التبصرة. . .) زيادة من (ر).

كتاب أمهات الأولاد

كتاب أمهات الأولاد النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ح) = نسخة الحسنية رقم (12929) 3 - (ر) = نسخة الحمزوية رقم (110)

باب في الأمة تأتي بولد فتدعي أنه من سيدها

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وسلم تسليمًا كتاب أمهات الأولاد باب في الأمة تأتي بولد فتدعي أنه من سيدها ومن المدونة قال مالك: ومن أقر بوطء أمته فجاءت بولد لزمه إلا أن يدعي استبراء، يقول: حاضت حيضة فكففت عنها حتى ظهر هذا الحمل، فلا يلزمه إذا أتت به بعد الاستبراء لأكثر من ستة أشهر (¬1)، وإن لم يدَّع استبراء لزمه إذا جاءت به لأقصى ما يلد له (¬2) النساء (¬3). قال الشيخ: لا يخلو إنكار السيد الولد من تسعة أوجه: إما أن ينكر الوطء، أو يعترف به وينكر الولادة، أو يعترف بالوطء والولادة ويدعي الاستبراء، أو يعترف بالوطء والولادة ولا يدعي استبراءً، أو يدعي أنه أصاب لأقل من ستة أشهر أو خمسة أو ما أشبه ذلك (¬4)، أو يبعد في الوقت فتكون قد أتت به بعدما جاوزت أقصى الحمل أو يقول: لم أصبها بعدما ولدت ولدًا ولدته قبل هذا، أو يقول: كنت أطأ ولا أنزل، أو أعزل عنها، أو أصبتها في غير ¬

_ (¬1) قوله: (أشهر) ساقط من (ح). (¬2) قوله: (يلد له) يقابله في (ح): (تلده). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 499، 500. (¬4) قوله: (أو خمسة أو ما أشبه ذلك) سقط من (ح).

الفرج -في الدبر، أو بين الفخذين- فيصح نفيه إذا أنكر الوطء، وإذا اعترف به وأتت به لدون ما يلد له النساء، أو جاوزت ما يلدن له، وإذا قال: لم أصب بعد ولد ولدته قبل هذا الولد، أو لم أنزل، ويفترق الجواب إذا أنكر الولادة ومعها ولد أو لا ولد معها. واختلف في نفيه بالاستبراء أو إذا أصاب في غير الفرج، ولا ينفى بالعزل (¬1)، فأما إنكاره الوطء فلم يختلف المذهب (¬2) أن القول قوله رائعة كانت أو من الوَخْش. قال محمد: ولا يمين عليه؛ لأنها بمنزلة من ادعى محض (¬3) العتق (¬4). قال الشيخ: وأرى أن يحلف إن كانت من العلي؛ لأن العادة تشهد لها وتصدقها، وله تشترى، فمن ادعى غير ذلك من الرجال فقد أتى بما لا يشبه، وليس كالعتق؛ لأنَّ العتق نادر والوطء غالب. ولو قيل: إنه لا يصدق في العلي (¬5) إذا طال مقامها، لكان وجهًا، ولو عُلِم من (¬6) السيد ميلُهُ إلى مثل (¬7) ذلك الجنس من الوخش لأُحْلِف (¬8). ¬

_ (¬1) زاد بعده في (ح): (إلا على صفة). (¬2) قوله: (المذهب) سقط من (ح). (¬3) قوله: (محض) سقط من (ح). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 125. (¬5) في (ح): (العمل). (¬6) قوله: (من) سقط من (ح). (¬7) قوله: (مثل) زيادة من (ح). (¬8) زاد بعده في (ر): (وإن كانت سوداء).

فصل [فيما إذا اعترف بالوطء وأنكر الولادة ولا ولد معها]

فصل [فيما إذا اعترف بالوطء وأنكر الولادة ولا ولد معها] وإن اعترف بالوطء وأنكر الولادة ولا ولد معها كان القول قوله مع يمينه إذا ادعت عليه العلم، وعلى قول محمد: لا يحلف (¬1)، وإن كان غائبًا في حين تقول إنها ولدت فيه لم يحلف. وقال عبد الملك بن الماجشون: وإذا أقرَّ بالوطء قُبِل قولها (¬2)، حيًّا كان الولد (¬3) أو ميتًا وإن كان قد باعها. واختلف إذا شهدت امرأة واحدة بالولادة، وقد تقدم ذلك في كتاب الشهادات. ويختلف إذا شهدت امرأتان بالولادة، فقال ابن القاسم: تكون بذلك (¬4) أم ولد (¬5). ومنعه سحنون وربيعة إذا لم يكن معها ولد (¬6). واختلف إذا كان معها ولد فقال في المدونة: يقبل قولها، وقال أيضًا: إذا أنكر الوطء فإن أقامت رجلين على إقراره بالوطء وامرأتين على الولادة كانت أم ولد وثبت نسب ولدها إن كان معها ولد فساوى بين وجود الولد وعدمه وأنها تقيم امرأتين على الولادة (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 125. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 423. (¬3) في (ح): (سيدها). (¬4) قوله: (بذلك) زيادة من (ح). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 549. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 401. (¬7) انظر: المدونة: 2/ 549.

فصل [فيما إذا أنكر الوطء والولادة]

وقال محمد: يقبل قولها إذا صدقها جيرانها أو واحد حضرها (¬1). قال: وليس يحضر لمثل هذا الثقات. فصدقها في القول الأول قياسًا على الحرائر، ولم يصدقها في القول الآخر (¬2) لنقص حرمتهن، ولما علم من قلة تحفظهن (¬3) لأنفسهن. وأرى: أن تراعى الدلائل التي أجراها الله تعالى عادة عند الولادة من: اللبن في الثدي، ودم النفاس، وتغير اللون، فوجودُه عَلَمٌ على صدقها، وعدمُه دليلٌ على كذبها، وهذا إذا اختلف بقرب ما يقول إنها ولدت، وكذلك إذا كان الولد كبيرًا (¬4) لا يشبه أن يولد ذلك اليوم أو في مثل تلك الأيام. فإن اختلفا بعد ذهاب هذه الدلائل وبعد الفطام؛ لأنه كان غائبًا أو قالت: كان مقرًّا به، وقال هو: لم تدَّع ذلك إلى الآن - عاد الجواب إلى الاختلاف المتقدم، وقد يكون الولد شبيهًا به أو بها على ما تقول القَافَة، فذلك دليل على صدقها؛ فيرجح به أحد القولين. فصل [فيما إذا أنكر الوطء والولادة] وإن أنكر الوطء والولادة (¬5) ولم يكن إلا قولها من غير بينة على اعترافه بالوطء ولا على الولادة، فإن القول قوله، ولا يمين عليه على ما (¬6) قال محمد (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 125. (¬2) في (ح): (الثاني). (¬3) في (ح): (حفظهن). (¬4) قوله: (كبيرًا) سقط من (ح). (¬5) في (ر): (والولد). (¬6) قوله: (على ما) سقط من (ح). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 125.

وأن يحلف أصوب إذا كانت من العلي، وإن لم يكن معها ولد كان بالخيار بين أن يحلف على إنكاره الوطء أو إنكاره الولادة، فإن حلف على أحدهما لم يحلف على الآخر، وإن كان معها ولد حلف على إنكار الوطء خاصة، رجاء أن يقر بالوطء فتكون له (¬1) أم ولد. وإن أثبتت امرأتين على الولادة فكذلك القول قوله، أنه لم يصب، ولا ينفعها شهادة المرأتين، ويحلف (¬2)، وإن شهد رجلان على الوطء ولا بينة لها على الولادة لم يقبل قولها عند مالك إذا لم يكن معها ولد، ويحلف (¬3) إذا كان معها ولد حسب ما تقدم إذا اعترف بالوطء، وإن أتت (¬4) مع ذلك بامرأتين على الولادة كانت أم ولد وثبت نسب ولدها (¬5). واختلف إذا لم يكن معها ولد فإن شهد شاهد على الوطء وامرأتان على الولادة حلف على تكذيب الشاهد بالوطء، وإن شهد شاهدان على الوطء وامرأة على الولادة حلف على تكذيب شهادة المرأة إن لم يكن معها ولد. ويختلف إذا كان معها ولد هل يكون القول قوله ويحلف أو قولها؟؛ لأنَّ قولها مقبول، وإن لم تشهد المرأة على أحد القولين، فإن كان شاهد على الوطء وامرأة على الولادة فإن كان معها ولد حلف على تكذيب شاهد الوطء، وإن لم يكن معها ولد كان في يمينه قولان واليمين أحسن؛ لأنها أقامت لطخًا في الطرفين، فإن حلف على تكذيب أحد الشاهدين لم يحلف على تكذيب ¬

_ (¬1) قوله: (له) سقط من (ح). (¬2) زاد بعده في (ر): (وإن أتت بشهادة رجلين على إقراره بالوطء). (¬3) في (ر): (ويختلف). (¬4) قوله: (وإن أتت) في (ح): (وإذا أثبتت). (¬5) قوله: (وثبت نسب ولدها) زيادة من (ر).

فصل [فيما إذا اعترف بالوطء والولادة وادعى الاستبراء]

الآخر (¬1)، والحكم إذا جحد الوطء وشهدت البينة على اعترافه به كالحكم إذا اعترف به ولم يجحد (¬2) وقد قصد بعض الناس إلى الفرق بينهما بشيء لا يرجع إلى صحة. فصل [فيما إذا اعترف بالوطء والولادة وادعى الاستبراء] وإذا اعترف بالوطء والولادة وادعى الاستبراء كان فيها ثلاثة أقوال: فقال مالك في الكتاب بنفيه بحيضة (¬3). قال محمد: حيضة بغير يمين، وقال ابن الماجشون في كتابه: ثلاث حيض ويمين. وقال المغيرة: مرة لا ينبغي بالحيض، وهو ولده إلا أن تأتي به لبعد خمس سنين ثم رجع فقال بنفيه بثلاث حيض (¬4). وقال محمد بن مسلمة: هو مصدق إلا أن يتهم فيحلف لقد استبرأها (¬5) فإن نكل لحق به الولد ولم ترد اليمين. قال الشيخ: النفي بالاستبراء ضعيف؛ لأن الحيض عند مالك وأصحابه يأتي على الحمل إلا أن تكون الأمة ممن يظن بها الفساد، فيرجح القول بالنفي والاستبراء، وإن كانت معروفة بالعفاف والصيانة لم ينف به. ¬

_ (¬1) قوله: (تكذيب الآخر) يقابله في (ح): (الآخرة). (¬2) قوله: (ولم يجحد) في (ر): (ولم يقصد). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 529. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 123، 124. (¬5) قوله: (لقد استبرأها) في (ح): (بعد استبراء).

فصل [فيما إذا اعترف بالوطء والولادة ولم يدع استبراء]

فصل [فيما إذا اعترف بالوطء والولادة ولم يدَّعِ استبراء] وإن اعترف بالوطء والولادة ولم يدع استبراءً، وأتت به لأقل من ستة أشهر من يوم أصاب أو لأكثر مما يتأخر الحمل إليه- لم يلحق به (¬1)، ولا يمين عليه إلا أن يختلفا في وقت الإصابة فتقول الأمة في هذا: إنه لأكثر من ستة أشهر وفي هذا: إنه لا يجاوز ما يتأخر إليه (¬2) الحمل، فيحلف السيد ويبرأ منه، ولا تكون هي أم ولد. فصل [إن أقر بالوطء وقال: لم أنزل أو كنت عزلت] وإن قال: وطئت ولم أنزل. كان القول قوله ويحلف، وإن قال: كنت أعزل. ألحق به الولد (¬3) إلا أن يكون العزل البين؛ فقد يكون الإنزال حركة بالفرج خارجًا، وإن كان الوطء في الدبر أو بين الفخذين، كان فيها قولان، فقيل: يلحق الولد؛ لأن الماء يصل إلى الفرج، قال محمد: كل من وطئ في موضع إن نزل منه وصل إلى (¬4) الفرج لحق به الولد (¬5). وقيل: لا يلحق؛ لأن الماء إذا باشر الهواء فسد. والأول أحسن؛ لأن القول: إنه يفسد مظنون، فلا يسقط بمثل هذا النسب، وإن كان الإنزال بين شفري الفرج فيلحق به قولًا واحدًا. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 529. (¬2) قوله: (وفي هذا: إنه لا يجاوز ما يتأخر إليه) في (ر): (وأنها لم تجاوز ما يتأخر له). (¬3) قوله: (الولد) سقط من (ح). (¬4) قوله: (إلى) سقط من (ح). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 334.

باب في المريض يقر بالولد أو بالإيلاد وليس هناك ولد

باب في المريض يقر بالولد أو بالإيلاد وليس هناك ولد قال مالك و (¬1) ابن القاسم في المريض يقر في مرضه فيقول: ولد هذه الأمة مني، أو: حملها، أو: أصبتها فإن جاءت بولد فهو مني، أنه يقبل إقراره (¬2). وكذلك إذا أقر بذلك في صحته وعند قيام الغرماء عليه، وإن قال: كانت ولدت مني وليس معها ولد- قُبِلَ قوله إذا أقر لها في صحته وهي في ملكه, ولا غرماء عليه. واختلف إذا كان إقراره في مرضه أو في صحته وقد قام الغرماء عليه، أو بعد بيعها وهي في ملك غيره؛ فقال مالك: وإذا أقر في مرضه وهو يورث بولد قُبِلَ قوله، وإن كان ورثته كلالة لم يقبل قوله، ولا يعتق في الثلث قال: وهو بمنزلة من اعترف بعتق عبده. وقال أيضًا: لا يقبل قوله وإن كان ورثته ولدًا (¬3). وعلى قوله في المريض يقر بقبض (¬4) كتابة مكاتبه، وورثته كلالة أنه (¬5) يقبل قوله إذا كان الثلث يحمله لو لم يشغل الثلث بوصية. ويجري فيها قول رابع: إنه إن كان اعترف بوطئها في الصحة (¬6) قُبِلَ قوله ¬

_ (¬1) قوله: (مالك و) سقط من (ح). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 530. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 530 , 531. (¬4) في (ر): (ببعض). (¬5) قوله: (أنه) سقط من (ح). (¬6) قوله: (في الصحة) زيادة في (ح).

الآن، وإن لم يحملها الثلث، وهو قول عبد الملك بن الماجشون في كتاب ابن حبيب إذا باعها ثم قال: ولدت مني. وقال محمد: إذا أقر بذلك في صحته وعند قيام الغرماء عليه - لم يقبل قوله. وعلى قول ابن الماجشون يقبل قوله إذا كان قد سمع منه أنه أصابها (¬1). وأرى أن يصدق في قوله، وتكون على حكم أم ولد، وإن كان إقراره في مرضه، وورثته كلالة ولا يحملها الثلث، أو في صحته وعليه دين، لَمِا جرى من كثير الناس من كتمان مثل هذا، ثم يعترف به عند الموت، ويكون معها الولد، ولا يقر به إلا عند الموت، ولا سيما إذا كانت دنيئة أو سوداء، فيكتمه لمعرة ذلك، فإذا كان عند الموت أقر به خوفَ الإثم، ولأنه ذاهب من معرة الدنيا، ولهذا صدق في استلحاقه الولد بعد بيعه وقوله: إنه عبد، وأما العتق فالشأن من السيد الإشهاد ويكتب له كتابًا، ومن العبد شهادته، ففارق الإيلاد. واختلف إذا قال: ولدت مني بعد البيع، فقال مالك في كتاب الآبق: ترد إليه إذا كان لا يتهم عليها (¬2). وقال أشهب: لا ترد إليه إلا أن يكون معها ولد (¬3)، وبه قال ابن عبد الحكم، وروي أيضا عن أشهب عن مالك أنه لا يصدق فيها ويصدق في ولدها وترد حصته من الثمن، قال ابن القاسم وعبد الملك: إلا أن تقوم بينة على إقراره بالمسيس قبل البيع فترد مع الولد وإن كان معدما وبيع بالثمن. وقاله ابن القاسم وأصبغ في العتبية: ترد إليه إذا كان لا يتهم فيها بعشق ولا ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 140، 141. (¬2) المدونة: 4/ 462. (¬3) قوله: (ولد) سقط من (ح). وانظر: النوادر والزيادات: 13/ 141.

فصل [في الإقرار بالولد]

بزيادة ولا (¬1) صلاح حال في (¬2) نفسها، وكان موسرًا وإلا لم يقبل قوله، وإن كان إقراره بعد أن أعتقها المشتري لم يقبل قوله (¬3). وقال عبد الملك بن الماجشون في كتاب ابن حبيب: إذا كان (¬4) سمع إقراره بمسيسها قبل بيعها ردت إليه في ملائه وعدمه, اتهم فيها أو لم يتهم، كان معها ولد أو لم يكن، أعتقت أو لم تعتق (¬5) كأم ولد بيعت، ولو ادعت هي ذلك دونه لصدقت كان حيًّا أو ميتًا (¬6)، وهذا أحسن. وأرى أن يقبل قوله وإن لم يتقدم منه إقرار بالوطء؛ لأنها إن كانت من العلي فالشأن الوطء، وإن كانت من الوخش مثل السوداء وشبهها (¬7) فكثير من الناس يميل لمثلها، فإن ولدت كتمه، لمعرة ذلك عليه، إلا أن يعلم من المقر هوى في تلك الأمة فلا يقبل قوله؛ لأن الإنسان عند مثل ذلك يقر بما ليس بحق، والتهمة عند تعلق النفس أقوى من التهمة عند الفقر وقيام الغرماء (¬8). فصل [في الإقرار بالولد] وأما الإقرار بالولد فإن كان في ملكه وتوالد (¬9) عنده من بعد ملك الأم ¬

_ (¬1) قوله: (ولا) سقط من (ح). (¬2) قوله: (حال في) سقط من (ح). (¬3) البيان والتحصيل: 4/ 110، 111. (¬4) قوله: (كان) سقط من (ح). (¬5) قوله: (أو لم تعتق) سقط من (ح). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 195. (¬7) قوله: (السوداء وشبهها) في (ح): (السوداء وغيرها). (¬8) في (ح): (الفقراء). (¬9) في (ر): (وتولد).

لستة أشهر فصاعدًا قُبِلَ قوله، وسواء كان إقراره عند قيام الغرماء عليه أو في مرضه، والورثة ولد أو كلالة، وكذلك إذا أعتقه والورثة ولد أو كلالة، وكذلك إذا باعه، والورثة ولد. واختلف إذا كانوا كلالة فقال مالك: لا يقبل قوله إذا كان للولد إليه انقطاع، والورثة كلالة. وقال غيره: يقبل قوله إذا كان ولد عنده ولم يكن له نسب يلحق به، قال سحنون: وعلى هذا العمل وهو أصل قولنا (¬1)، واستدل لصحة ذلك بقول مالك إذا أقر عند قيام الغرماء أن قوله مقبول. قال الشيخ: قول أشهب في ذلك أحسن، وقد تقدم وجه ذلك أن كثيرًا من الناس يكتم الولد من الأمة، وبخاصة إذا كان من الدنيئة، ثم يتورع عند الموت ويخاف الإثم ويعترف به، وإذا كان منقطعًا إليه فهو قوة للإقرار؛ لأنه وإن كتمه في الظاهر فحنان البنوة ورأفتها لا يذهب فهو يدنيه، ويقربه لذلك، وليس الجمع بين المسألتين من حيث ذهب إليه سحنون، والحجة لمالك في تفرقته بين المسألتين أن هذا قد تقدم منه بيع، وقال: هو عبد، وليس كذلك من لم يتقدم منه بيع بل لو كان يقول هو عبدي ولم يتحامل على بيعه، فلما خشي أن يباع عليه اعترف به، فكان أبين في قبول القول ممن باعه وَأَرَقَّهُ للمشتري، وإذا باع الأمة وولدها أو ولدته (¬2) عند المشتري مذكور بعد هذا. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 531. (¬2) في (ح): (ولدت منه).

باب في أم الولد تأتي بولد فينكره السيد أو تأتي به بعد موت سيدها

باب في أم الولد تأتي بولد فينكره السيد أو تأتي به بعد موت سيدها وقال ابن القاسم في أم الولد تأتي بولد بعد موت سيدها لأربع سنين أو لما يلد له النساء أنه لازم للسيد (¬1). وجعلها بالولد الأول كالزوج، القول قولها إن السيد عاودها، وأن الآخر منه، ولو كان حيًّا فأنكر الولد (¬2) وقال: لم أطأ بعد الأول، أو قال: استبرأت - كان القول قوله ويحلف؛ لأن له مثل ذلك في الزوجة، ولو قال: لم أطأ بعد الأول، أو قال: وطئت واستبرأت، لكان القول قوله، إلا أن النفي في الزوجة باللعان، وفي ملك اليمين بغير (¬3) لعان، وقد تقدم قول عبد الملك في الأمة يقر بوطئها وليست أم ولد، ثم تأتي بولد بعد موت سيدها أن القول قولها أنه منه. وقال محمد في أمة معها ثلاثة من الولد ادعت أنهم من سيدها فإن أقر السيد بالأوسط فأنكر الأول والثالث، وقال: لم تلديهما كان القول قوله في الأول والقول قولها في الثالث؛ لأنها صارت فراشًا إلا أن يدعي استبراء، وإن اعترف بالآخر كان القول قوله في الأولين (¬4)، فظاهر قوله: إن القول قول السيد إن أنكر الولادة وان اعترف بالوطء، وهو أحد القولين، ولو كان منكرًا للوطء لتساوى الأول والثالث. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 532. (¬2) قوله: (فأنكر الولد) في (ح): (فأنكره). (¬3) في (ح): (بلا). (¬4) انظر: النوادر والزيادات 13/ 198، 199.

باب إذا زوج الرجل أمته فأتت بولد لأقل من ستة أشهر, وكيف إذا أصابها السيد بعد إصابة الزوج، فأتت بولد لأكثر من ستة أشهر؟

باب إذا زوج الرجل (¬1) أمته فأتت بولد لأقل من ستة أشهر, وكيف إذا أصابها السيد بعد إصابة الزوج، فأتت بولد لأكثر من ستة أشهر؟ وقال ابن القاسم فيمن زوج أمته، ودخل بها الزوج، ثم أتت بولد لأقل من ستة أشهر: إن الولد لا يلحق بالزوج، والنكاح فاسد، فإن كان السيد مقرًّا (¬2) بالوطء لحق به إلا أن يدعي استبراءً (¬3). قال الشيخ: وإن أتت به لستة أشهر فأكثر، وقد وطئها السيد وزوجها قبل الاستبراء كان فيها ثلاثة أقوال: فقيل: تُدعى له القَافَة؛ لأنَّ الولد ملك، وهو قول مالك وروي عن ابن القاسم (¬4)، وقال أيضًا: هو للثاني وإن كان بين الوطئين يوم (¬5). وقال محمد بن مسلمة: هو للأول؛ لأنه صحيح، والثاني فاسد، وإن صح النكاح؛ لأنه كان بعد الاستبراء وأصاب الزوج، ثم أصاب السيد بعده في طهر واحد، فقال مالك: الولد للزوج (¬6)، وفرق بين أن يتقدم الملك أو النكاح، فإن تقدم الملك دعي له القَافَة، وإن تقدم النكاح كان للأول. وبيان ذلك يأتي فيما بعد إن شاء الله -عز وجل-. ¬

_ (¬1) قوله: (الرجل) زيادة من (ح). (¬2) في (ح): (معترفًا). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 533. (¬4) قوله: (وهو قول مالك وروي عن ابن القاسم) في (ح): (وهو قول ابن القاسم). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 553، والنوادر والزيادات: 5/ 350. (¬6) انظر: المدونة: 2/ 26.

واختلف بعد القول إنه للأول (¬1) فيما يفرق بين الوطئين فيصيره للسيد على ثلاثة أقوال: قول أصبغ في كتاب محمد: إذا كان بين الوطئين شهر وهو قدر حيضة كان للثاني (¬2). وقال المغيرة: إذا كان بينهما ما لا يحمل له النساء؛ لأنه قال فيمن اشترى أمة فوطئها فحملت، ثم علم أن لها زوجًا قال: إن طالت غيبته (¬3) لمثل ما لا يحمل له النساء لم يكن الولد للزوج، فإن كانت الغيبة على غير ذلك مما لا يدرى هل هو من الزوج أو من المشتري؟ كان للزوج إلا أن ينفيه (¬4) بلعان، ثم يقال للأمة: ما تقولين؟ فإن قالت: هو من السيد كان ذلك لها، ولا لعان عليها ولا حدَّ. وقول ابن الماجشون في ثمانية أبي زيد: إذا كان الزوج قد أبق، وطالت غيبته، فأصابها المشتري فحملت، وولدت أولادًا، فإن كان السيد عالمًا، كانوا للزوج إلا أن يلاعن فيلحقون بالسيد، وإن كان غير عالم كانوا للسيد. وقول أصبغ في الشهر ضعيف؛ لأن مضي ذلك القدر لا يرفع الشك في حملها من الأول، والشك قائم هل حاضت أم لا؟ والولادة لستة أشهر نادر، ومضي تسعة أشهر من وطء الأول لا يدل على براءتها منه, ولا يسقط به حكم الفراش الصحيح، وذلك قول المغيرة: إنه للأول إلا أن يكون بينهما ما لا تحمل لمثله, إلا أن يحمل قوله: لا تحمل لمثله في غالب العادة, وهو التسعة أشهر والعشرة، والغالب إذا جاوزت الوضع المعتاد أن الأول يسقط، وأنه من الثاني. ¬

_ (¬1) قوله: (بعد القول إنه للأول) سقط من (ح). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 274، 275. (¬3) في (ح): (غيبة الزوج). (¬4) قوله: (إلا أن ينفيه) سقط من (ح).

باب وطء السيد أمة عبده أو مكاتبه

باب وطء السيد أمة عبده أو مكاتبه وإذا وطئ السيد أمة عبده فحملت كانت له أم ولد، وذلك انتزاع (¬1)، إلا أن يكون على العبد دين يغترقها، فيغرم السيد (¬2) قيمتها للغرماء، وإن كان معسرًا وكانت قيمتها وقيمة العبد سواء بيع لهم العبد في قيمتها، وإن كان ثمنه (¬3) يفي نصف قيمتها بيع لهم نصفها في باقي دينهم، وإن وطئ مكاتبة عبده ولم تحمل بقيت على حالها في الكتابة، ولم يحدَّ، لشبهة الملك، وإن حملت كانت بالخيار بين أن تمضي على كتابتها أو تعجز نفسها وتكون له أم ولد، وإن وطئ أمة مكاتبه فلم تحمل بقيت أمة للمكاتَب، وإن حملت كانت أم ولد للسيد المكاتِب، وغرم له قيمتها إن كان موسرًا. واختلف إذا كان معسرًا فقال ابن القاسم: يقاص المكاتب سيده بما عليه وإن كان كفافًا بقيمتها أعتق، وإن كان في قيمتها فضل اتبعه به وأعتق. وقال غيره: ليس للسيد تعجيل ماله على مكاتبه فإن لم يكن له مال بيعت الكتابة، وأعطي ثمنها المكاتب إلا أن يشاء أن يكون أولى بما بيع منه، ليتعجل العتق، وإن لم يكن في قيمتها إلا قدر نصف قيمة الجارية أخذه واتبعه بالباقي (¬4). فأما قول ابن القاسم: يقاصه فإنه (¬5) يحتمل أن يكون ذلك إذا كانت ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 136. (¬2) قوله: (السيد) سقط من (ح). (¬3) قوله: (ثمنه) زيادة في (ح). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 533. (¬5) قوله: (فإنه) سقط من (ح).

الكتابة حملت (¬1)، أو لأنه قال مرة: بقول ربيعة: إنه لا يجوز بيع الكتابة (¬2). وأما قوله في المعسر: إنه يتبع بالباقي، فهو على قول مالك (¬3) في الجارية بين الشريكين تحمل من أحدهما وهو معسر أنه يتبع بالقيمة (¬4)، وعلى قوله: إنه يبقى ذلك بيد الشريك يكون ها هنا العاجز عن الكتابة بيد المكاتب. ¬

_ (¬1) في (ح) و (ر): (حملت). (¬2) انظر: المدونة (دار صادر): 7/ 258. (¬3) قوله: (قول مالك) في (ح): (إحدى قولي مالك). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 483.

باب في الأب والابن يصيب أحدهما أمة الآخر أو أم ولده أو مدبرته أو مكاتبته وغير ذلك

باب في الأب والابن يصيب أحدهما أمة الآخر أو أم ولده أو مدبرته أو مكاتبته وغير ذلك (¬1) وقال مالك في الأب يصيب أمة ابنه: إنها تقوم عليه وإن لم تحمل، ولا خيار في ذلك للابن، وفرق بينه وبين الأمة تكون شركة (¬2) بين رجلين يصيبها أحدهما أن الذي لم يصب بالخيار بين أن يتمسك أو يقوم عليه (¬3). وقيل في الشريكين أيضًا: إن للمتعدَّى عليه نصف (¬4) القيمة من غير خيار كالأب. وفي الكتاب (¬5): له نصف ما نقصها (¬6)، وليس له أن يقوم (¬7). قال الشيخ -رحمه الله- (¬8): وأما من أوجب القيمة من غير خيار فإنه رأى أن في ذلك حقًّا لله تعالى؛ لأن الأب تسرع يده (¬9) إلى ملك ولده، وكذلك الشريك تسرع يده إلى ما له فيه شرك، وإن لم يلزم القيمة أدى ذلك إلى أن يتكرر منهما مثل ذلك، وفي إلزام القيمة حماية لهذا الباب. ولمالك في كتاب ابن حبيب فيمن باع جارية فأصابها المشتري، ثم ظهر على ¬

_ (¬1) قوله: (أو أم ولده أو مدبرته أو مكاتبته وغير ذلك) زيادة من (ر). (¬2) قوله: (تكون شركة) زيادة من (ح). (¬3) قوله: (عليه) سقط من (ح). وانظر: المدونة: 2/ 534. (¬4) قوله: (نصف) سقط من (ح). (¬5) قوله: (وفي الكتاب) في (ح): (وقيل). (¬6) في (ح): (نقصه الوطء). (¬7) انظر: المدونة: 4/ 480. (¬8) قوله: (قال الشيخ -رحمه الله-) سقط من (ر). (¬9) في (ح): (يسرع).

فصل [فيما إذا حملت من وطء الابن]

عيب، أنه يرجع بقيمته (¬1)، ولا خيار له في ردها، فإذا مغ الرد بالعيب، حماية كان في هذين أبين، ورأى مرة أن حماية ذلك في الأب أولى؛ لأنَّ الشريك قد لا يسامح شريكه، والمساواة أحسن، وإذا سقط أن يكون الحكم الجبر، وأن ذلك حق للمتعدى عليه (¬2)، فأما الابن فإن له أن يلزم الأب القيمة؛ لأنه لو رفع العداء وعادت إليه لبعتها (¬3) عليه، خوف أن يقع بها إذا كان غير مأمون أو ينظر إلى شعرها أو غير ذلك إذا كان مأمونًا، وهي من العلي، فكان من حجته أن يقول للأب، فعلت فعلًا يوجب لها (¬4) خروجها من ملكي، وأما الشريك فإن لم ينظر في ذلك حتى حاضت لم يكن له إلا قيمة العيب، ولو قام عليه قبل أن تحيض كان له أن يلزمه جميع القيمة إن كانت من الوخش؛ لأن الإصابة تمنع بيعها بالتعدي، ولو كانت من العلي لم يكن ذلك؛ لأن الذي أصاب يقول: أنا أدعوها إلى البيع، وهي لا تباع إلا على المواضعة، فلم أمنعها تعجيل النقد، فإن سلمت أخذت، وكان على قيمة النقص، وليس يكون ذلك النقص أكثر من الثمن. فصل [فيما إذا حملت من وطء الابن] وإن حملت الأمة من وطء الابن (¬5) كانت عليه بالقيمة موسرًا كان أو معسرًا، وتبقى له فراشًا إلا أن يكون أصابها الأب (¬6) فتعتق عليه (¬7)، فإذا ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 265. (¬2) قوله: (للمتعدى عليه) في (ح): (لله تعالى تعدى عليه). (¬3) في (ح): (تبعتها). (¬4) قوله: (لها) زيادة من (ح). (¬5) في (ف): (الأب). (¬6) قوله: (الأب) سقط من (ح)، وفي (ر): (الابن). (¬7) قوله: (عليه) سقط من (ح).

أصاب الابن بعد إصابة الأب ولم تحمل، فإن لم يعلم بإصابة الأب كانت القيمة للابن على الأب يوم أصاب، والقيمة للأب يوم أصاب الابن، وإن كان عالمًا فكذلك، وهذا على قوله في المدونة: إنه لا خيار للابن، وعلى القول الآخر لا شيء لأحدهما على الآخر (¬1)؛ لأن ذلك رضًا (¬2) من الابن برفع العداء عن الأب، فإن حملت دعي لها القَافَة، فإن ألحقته بالابن كان له، وكان التراجع في القيم حسبما تقدم لو لم تحمل؛ لأن الأمة تعتق على الابن؛ لأنها أم ولد له حرمت بإصابة الأب، وإن ألحقته بالأب كان له، وكانت القيمة للابن على الأب قيمة أمته (¬3). ويختلف هل يكون على الابن قيمة للأب؟ لأنها تعتق على الأب لما حرم وطؤها عليه بإصابة ولده، فيقوم الأب عليه، فيقول له: أفسدت عليَّ وطء أم ولدي، إلا أن يكون قد تقدم للابن فيها إصابة قبل إصابة الأب، ولا يكون للأب عليه شيء؛ لأنها تعتق عليه بما تقدم قبل هذه الإصابة. ولو وطئ الأب أم ولد ولده حرمت على الابن قال ابن القاسم: وتعتق على الابن ويرجع على الأب للفساد الذي أدخل عليه ويغرمه قيمة أم الولد (¬4). ويختلف في هذه الوجوه الثلاثة: في عتقها، وفي رجوع الابن إذا أعتقت، وفي صفة القيمة، فقيل: لا تعتق وإن حرم وطؤها (¬5)، وقد يرد هذا إلى الاختلاف في تزويجها، فمن أجاز ذلك لم يعتقها عليه؛ لأنه يقول: هذا الوجه ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 534، 535. (¬2) قوله: (رضًا) سقط من (ح). (¬3) قوله: (قيمة أمته) في (ح): (قيمتان). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 534، 535. (¬5) انظر: المدونة: 2/ 535.

فصل [فيما إذا وطئ مدبرة ولده, أو مكاتبته, أو معتقته إلى أجل، ولم يحملن]

إنما حرم عليَّ فأنا قادر على بيعه، وآخذ العوض عنه ومن منع تزويجها عجل عتقها ولا وجه لإيقافها عن العتق خوف أن يقطع لها عضو، فيكون له أخذ العوض عنه. فصل (¬1) [فيما إذا وطئ مدبرة ولده, أو مكاتبته, أو معتقته إلى أجل، ولم يحملن] وإن وطئ مدبرة ولدٍ له (¬2) أو مكاتبته أو معتقته إلى أجل، ولم يحملن لم يكن على الأب للابن شيء، فأما المكاتبة والمعتقة إلى أجل فقد كانتا محرمتين على الابن، إلا أن تعجز المكاتبة فيعود فيها الجواب إلى ما تقدم في الأمة. وأما المدبرة فإنها لا تعتق، وإن كانت حلالًا قبل وطء الأب فحرمت؛ لأن للابن فيها الخدمة، وإذا لم تعتق لم يكن للابن مقال، لأجل تحريم الوطء بانفراده، قياسًا على رجوع البينة بعد الشهادة بطلاق الثلاث بعد الدخول. وإن حملن افترق الجواب، فلا شيء في المعتقة إلى أجل؛ لأن الولاء لا ينتقل والولد معتق عليه، فكان حكمها قبل الحمل (¬3) وبعده سواء، وكذلك المدبرة على القول إنه قد ثبت الولاء، وعلى القول بأنه لم يثبت يرجع فيها الجواب إلى ما تقدم في الأمة فتقوم على الأب، وتكون له أم ولد، ويسقط التدبير، ويوقف الأمر في المكاتبة، فإن أدت كانت حرة، والولاء للابن، ولا شيء له على الأب إذا (¬4) أصابها. ¬

_ (¬1) قوله: (فصل) سقط من (ف). (¬2) قوله: (ولد له) في (ح): (ولده). (¬3) قوله: (معتق عليه، فكان حكمها قبل الحمل) في (ح): (على أخيه فكان حملها بعد الحمل). (¬4) في (ر): (الذي).

فصل [في أم ولد المرتد حال ردته]

فصل [في أم ولد المرتد حال ردته] وإذا ارتد المسلم وله أم ولد حرمت عليه في حين ارتداده، واختلف في عتقها فقال ابن القاسم: لا تعتق فإن رجع إلى الإسلام حلت (¬1). وقال أشهب عند محمد: هي حرة لا ترجع إليه بمنزلة امرأته، ليس له فيها إصابة وقد حرم ذلك عليه بارتداده فطلقت هذه وحرمت هذه (¬2). فجعلها حرة بنفس الارتداد. وقد قال هو وعبد الملك في الزوجة أنها تكون في العدة، فإن لم يتب حتى خرجت من العدة بانت وكان الطلاق من يوم ارتد، وإن عاد إلى الإسلام قبل خروجها بقيت على الزوجية من غير طلاق (¬3). فعلى هذا تكون هذه في الاستبراء، فإن رجع قبل خروجها من الحيضة لم تحرم عليه، وإن غفل عنه حتى خرجت من الحيضة حرمت، وكانت حرةً من يوم ارتد كما تكون طالقًا من يوم ارتد، وهو قول ابن عبد الحكم عن ابن حبيب في أم ولد النصراني تُسلم دونه (¬4). وإن ارتد ولحق بدار الحرب فقال ابن القاسم: لا تعتق وأمرها موقوف حتى يرجع إلى الإسلام أو يموت (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 536. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 137. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 592. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 171. (¬5) انظر: المدونة: 2/ 537.

وعلى قول أشهب هي حرة الآن، وعلى القول الآخر حتى تخرج من الحيضة. وقول ابن القاسم في الحاضر أحسن. وأما إذا (¬1) لحق بدار الحرب فالعتق أحسن؛ لأن أمره يطول، ولا يتوصل إلى استتابته، وإنما له فيها الاستمتاع، فإذا كان امتناع ذلك منه (¬2) ولم ترج عودته عن قرب كان للحاكم أن يحكم الآن لها (¬3) بالعتق، قياسًا على أم ولد المسلم يحرم عليه وطؤها أنه يحكم لها بالعتق (¬4) ولا توقف لغير منفعة، ولأن لبيت المال شبهة في ماله بارتداده، وقد تأتي النفقة عليها على ماله، وفي ذلك ضرر على المسلمين في ذهاب ذلك المال، وعليها في إنفاقها من غير منفعة (¬5)، وإن لم يخلف مالًا ينفق عليها منه عجل لها العتق قولًا واحدًا. ¬

_ (¬1) في (ر): (الذي). (¬2) قوله: (منه) سقط من (ح). (¬3) قوله: (لها) زيادة في (ح). (¬4) قوله: (قياسًا على أم ولد المسلم يحرم عليه وطؤها أنه يحكم لها بالعتق) ساقط من (ح). (¬5) زاد بعدها في (ح): (له).

باب في أم ولد الذمي تسلم

باب في أُمِّ ولد الذمي تُسلم قال مالك في أم ولد الذمي تسلم: إنها (¬1) تعتق الآن، وقال: إنما توقف حتى يموت أو يسلم (¬2). وقال في المختصر الكبير: تباع. وعلى القول بأنها توقف فإن ذلك إذا أنفق عليها (¬3) قال ابن القاسم عند ابن حبيب: إن أنفق عليها أوقفت على يدي مسلم حتى يسلم السيد (¬4). قال مالك عند ابن سحنون: لا يترك؛ لأنها ليست (¬5) بحرة، ولا يلزمه الإنفاق عليها، وهو (¬6) لا ينتفع بها. واختلف بعد القول بالعتق هل يفتقر إلى حكم؟ فقال ابن القاسم: لا تكون حرة إلا بحكم؛ لأنه أمر مختلف فيه عن مالك، فإن طال زمانها ثم أسلم سيدها كان أولى بها ما لم يحكم بعتقها (¬7). وقال ابن عبد الحكم عند ابن حبيب: توقف له حتى تحيض حيضة، فإن أسلم كان أحق بها وإن انقضت الحيضة قبل أن يسلم عتقت (¬8). وحمله فيها محمل الزوجة، وأنها لا تحتاج إلى حكم. ¬

_ (¬1) قوله: (إنها) سقط من (ح). (¬2) انظر تفصيل القولين في المدونة: 2/ 486. (¬3) قوله: (إذا أنفق عليها) في (ح): (توقف). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 137، وعزاه لابن حبيب عن ابن الماجشون. (¬5) قوله: (لأنها ليست) في (ر): (وليست). (¬6) قوله: (وهو) سقط من (ح). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 135، 136. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 137.

قال الشيخ -رحمه الله- (¬1): والقول: إنها تباع أحسن؛ لأنَّ الإيلاد في حال (¬2) الكفر لم يوجب لها حرمة أم الولد، فلا يوجب لها الإسلام عليه حقًّا لم يكن. وقد اختلف إذا أعتق ثم أسلم العبد المعتق بالقرب قبل رجوعه عن العتق هل ينفذ عتقه؟ والصواب ألا يعتق؛ لأنه إنما يأخذه بالعقد في حال الكفر، والعتق كالهبة؛ لأنه وهبه نفسه، وإذا لم يؤخذ بما عقده على نفسه من العتق كان أبين ألا يؤخذ بالإيلاد؛ لأنه لم يعقد لها على نفسه شيئًا ولم يكن في ذلك عندهم شيء (¬3). وقد اختلف الناس في أم ولد المسلم، فكيف بالكافر؟! وإن كاتبها ثم أسلمت جرت هذه الأقوال الثلاثة، فعلى قوله تباع ها هنا على أنها مكاتبة إلا أن يرجع عن الكتابة، قال في كتاب المكاتب: ذلك له، وتباع على هذا على أنه لا كتابة لها (¬4). وقال غيره: ليس ذلك له، وهو من التظالم، وعلى قوله: إنها تعتق -تسقط الكتابة ويتعجل (¬5) العتق، وعلى قوله توقف-تكون بالخيار بين أن تمضي على كتابتها، أو تعجز نفسها وتوقف ما لم يرجع السيد عن الكتابة فيختلف فيها. ¬

_ (¬1) قوله: (قال الشيخ -رحمه الله-) زيادة من (ف). (¬2) في (ح): (حين). (¬3) قوله: (ولم يكن في ذلك عندهم شيء) ساقط من (ح). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 538. (¬5) في (ح): (ولم يتعجل).

باب في كتابة أم الولد وعققها على مال واستئجارها

باب في كتابة أم الولد وعققها على مال واستئجارها (¬1) كتابة أم ولد بغير رضاها غير لازمة؛ لأنها لا سعاية عليها ففارقت جبر العبد على مثل خراجه، وإن رضيت جاز ذلك (¬2)، قاله الأبهري وهو أصل قول مالك؛ لأنه قال في المختصر الكبير: لا تؤاجر ولا توهب خدمتها، ولا تؤاجر للغرماء إلا برضاها. وهذا صحيح؛ لأن الحر لو رضي للإنسان أن يؤاجره نفسه (¬3) ويأخذ إجارته (¬4) لجاز، وإذا جاز ذلك برضاها لكانت الكتابة أجوز؛ لأنها تستعجل بذلك عتقها، وإن أجبرها وأدت الكتابة أعتقت ولم ترد، وإن علم بذلك قبل الوفاء بالكتابة، واختارت المضي عليها- لم تمنع، وإن أعتقها على مال ينتزعه منها جاز ذلك، وإن جعله في ذمتها برضاها جاز، وإن كان بغير رضاها لم يجز، وكان العتق ماضيًا والمال ساقطًا، وإن قاطعها على مال إن أتت به أعتقت عاد الجواب إلى ما تقدم في الكتابة إن كان ذلك برضاها أو بغير رضاها، وإن مات السيد قبل أن توفي بالكتابة (¬5) أو بالقطاعة كانت حرة بحق الإيلاد، وسقط حكم الكتابة والقطاعة، فإن تعجلت العتق على مال يكون في ذمتها، ثم مات السيد قبل أدائه لم يسقط. ¬

_ (¬1) قوله: (واستئجارها) سقط من (ح). (¬2) انظر: المدونة 2/ 538، 539، المعونة على مذهب عالم المدينة: 2/ 392. (¬3) قوله: (نفسه) سقط من (ح). (¬4) في (ف) و (ح): (جاريته). (¬5) قوله: (إن كان ذلك برضاها أو بغير رضاها،. . . أن توفي بالكتابة) ساقط من (ح).

باب في بيع أم الولد

باب في بيع أم الولد (¬1) بيع أم الولد غير جائز (¬2)، فإن بيعت نقض فيها البيع، وإن فاتت عند المشتري بموت كانت مصيبتها من البائع، وإن أحدث فيها المشتري عتقًا أو كتابة أو تدبيرًا -نقض جميع ذلك ورجع المشتري على البائع بالثمن، وكذلك إذا أولدها المشتري لم يفتها (¬3) الإيلاد، فإن كان المشتري عالمًا أنها أم ولد البائع غرم قيمة الولد. واختلف إذا غره وكتمه أنها أم ولد، فقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: عليه قيمة الولد كالأول. وقال مطرف: لا شيء عليه؛ لأنه أباحه إياها. وهذا أحسن؛ لأن الغرور من الواطئ غرور من الولد، والظاهر من المذهب إذا نقض البيع في أم الولد أنه لا شيء على البائع من نفقة المشتري التي أنفقها عليها، ولا له من قيمة خدمتها. وقال سحنون: يرجع عليه بالنفقة. يريد: ويرجع هو بالخدمة. قال في التي (¬4): تزوجت على عبد ثم استحق أنه حر، وفي الذي يغر من الأمة فيزوجها، والولي يغر من وليته، وبها عيب ترد به فيردها به، والذي يشتري الصغير فيكبر فينفق عليه، ثم يعلم أنه حر قال: لم أسمع في النفقة شيئًا ثم قال، لعلهم لم يسألوا عن النفقة. ¬

_ (¬1) قوله: (في بيع أم الولد) سقط من (ح). (¬2) انظر: المدونة 2/ 541، والإشراف على نكت مسائل الخلاف: 2/ 1003، وعيون المجالس: 4/ 1861. (¬3) في (ف) و (ح): (يعتقها). (¬4) قوله: (قال في التي) في (ر): (وقال إذا)، وفي (ح): (وإذا قال).

قال الشيخ: والصواب في أم الولد ألا يرجع السيد (¬1) على المشتري بالخدمة، ولا يرجع هو بنفقته، وليست هي في ذلك بمنزلة الحرة؛ لأنَّ هذه في وقت الاستخدام في حال الرق، ولو أن السيد أجرها (¬2) وفات ذلك لم ترد، وكانت الإجارة للسيد. وقد اختلف في الذي يستحق بحرية، فقال ابن القاسم في العتبية: لا شيء على المشتري من خراجه (¬3). وإذا لم يغرم الخراج لم يرجع بالنفقة. وقال المغيرة: يرجع بالخراج (¬4). لأنه غير مضمون، وإنما جاء الحديث "الخَرَاجُ بِالضَّمَانِ" (¬5)، والحر غير مضمون. وإذا رد البيع في أم الولد تحفظ منه عليها، لئلا يعود إلى بيعها، ولا يمكن من السفر بها، وإن خيف عليها ولم يمكن (¬6) التحفظ منه أعتقت عليه، قياسًا على قول مالك في المبسوط في الذي يبيع زوجته أن (¬7) بيعها لا يكون طلاقًا قال: ويُطلَّق عليه إذا خيف منه أن يعود لمثل ذلك، وإن غاب بها المشتري ولم يعلم حيث هو -تصدق بالثمن عن البائع، بمنزلة مال لا مالك له. ¬

_ (¬1) قوله: (السيد) سقط من (ح). (¬2) في (ح): (أخر)، وفي (ف): (أجبرها). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 11/ 174، والنوادر والزيادات: 10/ 403. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 403. (¬5) سيأتي تخريجه، ص: 4334. (¬6) في (ح): (ولم يكن). (¬7) في (ح): (أنه).

باب في استلحاق الولد

باب في استلحاق (¬1) الولد وقال ابن القاسم فيمن باع صبيًّا صغيرًا في يديه ثم أقر أنه ولده قال: يرد إليه إذا كان ولد عنده، ونزلت بالمدينة فرد البيع فيه بعد خمس عشرة سنة وكذلك قال مالك، وإن لم يولد عنده فإن القول قوله أبدًا، إلا أن يأتي بأمر يستدل على كذبه، قيل لابن القاسم: وإن لم تكن أمه في ملكه، ولا كانت له زوجة أيصدق إذا كان الابن لا يعرف نسبه؟ فقال: قال مالك: من ادعى من لا يعرف كذبه فيما ادعى فيه ألحق به، والذي يعرف به كذبه: أن يولد في أرض الشرك فيؤتى به محمولًا ويعرف أن المدعي لم يدخل تلك البلاد قط (¬2). قال الشيخ -رحمه الله-: استلحاق النسب يكون على وجهين: عن ملك يمين، وزوجية، وادعاؤه عن ملك اليمين على ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون في ملكه، والثاني: أن يكون في ملك غيره وقد باعه، والثالث: أن يكون في ملك غيره ولم يبعه، فإن كانت الأمة وولدها في ملكه كان في استلحاقه ثلاثة أوجه: (¬3) أحدها: أن يلحق به، وتكون أمه (¬4) أم ولد. والثاني: أنه لا يلحق به، ولا يعتق عليه، ولا تكون أمه أم ولد. ¬

_ (¬1) في (ح): (استحقاق). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 543. (¬3) قوله: (أحدها: أن يكون في ملكه. . . كان في استلحاقه ثلاثة أوجه) ساقط من (ح). (¬4) في (ف) و (ر): (الأمة).

والثالث: أنه لا يلحق به، ويعتق عليه، وتكون أمه أم ولد، فإن قال: وُلِدَ عندي من غير (¬1) هذا الملك، ولها في ملكه ستة أشهر فصاعدًا -لحق به، وكانت أمه أم ولد، وإن كان دون ستة أشهر لم يلحق به ولم يعتق عليه، ولم تكن أمه أم ولد؛ لأن ذلك مما يقطع فيه بوَهْمِه، وإن لم يدر ما أقامت في ملكه صدق فيما يقوله من قليل أو كثير. وإن قال: هو ولدي من إصابة تقدمت قبل (¬2) هذا الملك؛ لأني كنت ملكتها في وقت كذا، وشهد شاهدان أنها كانت حينئذٍ ملكًا لغيره لم يصدق، وظاهر قول سحنون: أنه لا يعتق (¬3). وأرى أن يعتق، وتكون أمه أم ولد؛ لأن تلك الشهادة لا توجب إلا غلبة الظن، فلا يقطع بصدقها، وهو مقر على نفسه أنها كذبت، وأنه حر، وأن أمه أم ولد، وإن عُلِمَ أنها كانت في ذلك في ملكه، وأتت به لما يشبه أن يكون عن ذلك الوطء، ولم يصبها بعد بيعه أحد حتى ولدته -ألحق به، وإن أتت به لمثل ما لا يكون عن ذلك الوطء أو أصابها غيره بعد- لم يلحق به، ولم تعتق عليه، ولم تكن أمه أم ولد؛ لأنه مما يقطع بكذبه وهو رجل جهل وجه لحوقه به. وإن لم يعلم هل ملكها أم لا صدق على قول ابن القاسم، وألحق به، ولم يصدق على قول سحنون؛ لأنه لم يثبت أنها كانت له فراشًا، وإن كانت الأمة وولدها قي ملك غيره فاستلحق ولدها وعُلِمَ أنه كان مالكًا لها- لحق به، وردت الأمة والولد إليه إن أمكن أن يكون ذلك الولد عن ذلك الملك، وإن ¬

_ (¬1) قوله: (غير) ساقط من (ح). (¬2) قوله: (قبل) زيادة من (ف). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 403.

عُلِمَ أنها لم تزل ملكًا (¬1) لغيره في حين ولادتها لم يصدق، وإن لم يعلم هل ملكها أم لا وكذبه سيدها -لم يصدق، وهذا قول محمد وقول ابن القاسم (¬2)، وأصل قول مالك وابن القاسم (¬3) أنه مصدق في كل موضع يشكل أمره، ولا يتبين كذبه، ولا فرق بين ولد الحرة وولد الأمة إذا لم يكن للولد أب معروف؛ لأنه لا بد أن يكون له أب إلا أنه لا يسقط بذلك ملك من هي في يديه، ولا تنتزع من يده إلا أن يعلم أنها كانت ملكًا للمستلحق (¬4)، وأن ذلك الولد يشبه أن يكون عن ذلك الملك. وإن قدم بذلك الولد من بلدٍ آخر فاستلحقه، وعلم أن هذا المدعي لم يدخل ذلك البلد، وأنه غاب غيبة لا يمكن أن يكون وصل إليه، ثم قدم في تلك المدة (¬5) لم يصدق، وإن علم أنه (¬6) دخله صُدِّق وألحق به، وهذا قول مالك وابن القاسم (¬7) في المدونة، وصار هو والولد في حكم الطارئين (¬8). واختلف عنه إذا لم يعلم هل دخله أم لا؟ فقال مرة: إذا أتى به محمولًا مثل الصقالبة والزنج ويعلم أن هذا لم يدخل تلك البلاد قط لم يلحق به. وقال مرة: ¬

_ (¬1) هنا نهاية (ح) من كتاب (أمهات الأولاد). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 403. (¬3) قوله: (وقول ابن القاسم، وأصل قول مالك وابن القاسم) في (ف): (وأحد أقوال ابن القاسم، وقول مالك). (¬4) في (ف): (له). (¬5) قوله: (ثم قدم في تلك المرة) في (ف): (في سيره وقدومه). (¬6) في (ف): (أن هذا المدعي). (¬7) قوله: (وألحق به، وهذا قول مالك وابن القاسم) في (ح): (وهذا قوله). (¬8) انظر: المدونة: 2/ 543.

فصل [في بيع الأمة وولدها أو بيعها حاملا فتأتي بولد، أو غير حامل فيظهر بها حمل فيدعي البائع الولد]

إذا ادعاه (¬1) ولم يعرف أنه دخل تلك البلاد لم يلحق به و (¬2) لم يصدق وصدقه إذا علم أنه دخل ذلك البلد (¬3)، فعلى هذا يصدق في المحمولين إذا استلحق أحدهم الآخر (¬4) وقال: هو ولدي، ولا يكلف بينة، وإنما يكلف البينة إذا ادعى أنه أخوه أو ابن عمه. وقال القاضي أبو الحسن بن القصار: لا يقبل قوله. قال الشيخ: والأول أحسن؛ لأن الطارئين من بعض بلاد الإسلام لا خلاف (¬5) أنه يصدق في استلحاقهم، وإنما لا يصدق في الولادة التي تكون بين أظهرنا؛ لأنه لا يخفى النكاح إلا أن يكون المصر الكبير (¬6). فصل [في بيع الأمة وولدها أو بيعها حاملًا فتأتي بولد، أو غير حامل فيظهر بها حمل فيدعي البائع الولد] وإذا باع الأمة وولدها أو باعها حاملًا فأتت بولد، أو غير حامل فظهر بها حمل وولدته فادعى البائع الولد في جميع هذه الوجوه -صدق فيها، ورد إليه إن كانا قائمين لم يجر فيهما عتق، ولم تكن في الأم تهمة (¬7). ¬

_ (¬1) قوله: (إذا ادعاه) سقط من (ف). (¬2) قوله: (لم يلحق به و) سقط من (ف). (¬3) قوله: (وصدقه إذا علم أنه دخل ذلك البلد) في (ف): (وإن علم أنه دخلها صدق). (¬4) في (ر): (أحدهم). (¬5) قوله: (لأن الطارئين من بعض بلاد الإسلام لا خلاف) في (ر): (والمتحملون كالطارئين من بعض بلاد الإسلام، فلا خلاف). (¬6) زاد بعده في (ف): (أنه في مخفي أمور الناس فيه). (¬7) انظر: المدونة: 4/ 461، 462.

واختلف في الولد في موضع واحد وهو إذا أعتق، وفي الأم في موضعين: أحدهما: هل ترد عند عدم رجوع الولد إما بموته، أو لأنه أعتق ولم تعتق هي؟ والثاني: مع رجوع الولد وهو أن تعتق هي، أو يتهم فيها البائع لتَعَشُّقٍ (¬1)، أو لأنها رائعة، أو لأنه فقير فيردها متعة ولا ثمن عنده، فقيل: يردان جميعًا، وسواء كان الولد أعتق أو لم يعتق، وعلى أي حال كانت الأم؛ لأنَّ استلحاق النسب يرفع التهمة، وهو كالبينة له على ذلك، وإذا رد الولد إليه (¬2) لم يصح بقاء الأم، ولا يبعض الحكم، فيكون الابن ولده، وأمه ليست بأم ولده (¬3). وقيل: إن اتهم في الأم رد الولد وحده بما ينوبه من الثمن، وجعل ابن القاسم في العتبية التهمة التعشق أو زيادتها في نفسها أو فقر السيد المعترف بالولد، وكذلك إذا كانت رائعة (¬4). ولابن الماجشون عند ابن حبيب أن التهمة بالفقر خاصة، وإن كان موسرًا ردت وإن كانت رائعة (¬5). قال الشيخ: والأول أحسن، أنه لا يتبعض الحكم فيها، وأنها ترد برد ولدها. وإن ماتا عند المشتري كانت المصيبة من البائع، ورد الثمن، وكذلك إذا ماتت الأم رد الولد للبائع واسترجع منه جميع الثمن، وإن مات الولد، وبقيت الأم وصار الأمر إلى رجوع الأم وحدها من غير نسب يلحق به، لم ترد إلا في ¬

_ (¬1) في في (ف): (بصبابة). (¬2) قوله: (إليه) زيادة في (ف). (¬3) قوله: (يبعض الحكم، فيكون الابن ولد, وأمه ليست بأم ولده) في (ف): (يتبعض الحكم فيحكم للابن، وأنه ولد، والأمة ليست أم ولد، فوجب ردهما جميعًا). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 110، 111. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 141.

وجه واحد وهو أن تكون دنية ولا (¬1) يتهم فيها بتعلق نفس وهو موسر، فإن اتهم بتعلق نفس أو كانت رائعة أو كان معدمًا لم ترد، وفي كتاب الآبق من المدونة (¬2) قولان: لا ترد، وترد مطلقًا من غير تقييد (¬3). والأول أحسن. واختلف أيضًا إذا أعتقهما أو أحدهما، فقال ابن القاسم: إذا أعتق الولد لم يرد (¬4)؛ لأن الولد (¬5) قد ثبت، وينسب إلى أبيه، وترد الأم إن كانت دنية لا يتهم في مثلها، وإن أعتقها مضى العتق ويرد الثمن، وإن أعتقهما رد الولد، ولم يرد عتقها، وينسب إليه الولد (¬6)، ولم يرد عتقها على أصله (¬7). وحكى سحنون عن بعض أصحاب مالك أنهما يردان إليه وينقض العتق أعتقهما جميعًا أو أحدهما (¬8). وهو أحسن؛ لأن ابن القاسم قال: لا يرد العتق وينسب إليه. وهذا ليس بشيء بَيِّن (¬9)؛ لأنه إن كان عنده صادقًا انتسب إليه ورد (¬10) العتق، وإن كان كاذبًا مضى العتق، ولم ينتسب إليه، وليس يجتمع العتق والانتساب إلى البائع. وأما قوله: يرد الثمن إذا أعتقها. فإن ذلك على أن المشتري يصدقه. ¬

_ (¬1) قوله: (وحدها من غير نسب يلحق به، ولم ترد إلا في وجه واحد وهو أن تكون دنية ولا) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (من المدونة) زيادة في (ف). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 462. (¬4) قوله: (لم يرد) في (ف): (لم ترد). (¬5) في (ف): (الولاء). (¬6) قوله: (ولم يرد عتقها، وينسب إليه الولد) زيادة في (ف). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 142. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 192. (¬9) قوله: (بشيء بَيِّن) في (ف): (ببين). (¬10) (في (ف): (ونقض).

فإن مات أحد المعتقين في حياته ورثه البائع، على قول ابن القاسم إذا صدقه المشتري (¬1)، وإن كذبه لم يأخذ المال، وكان ميراث من مات منهما في حياته للمشتري؛ لأنه جعل للمشتري مقالًا في الولد، وليس للبائع نزع ذلك منه. وقال عبد الملك بن الماجشون في كتاب ابن حبيبب: يبدأ بالنسب قبل الولاء. فعلى هذا يكون للمشتري أن يسترجع الثمن الآن، وهذا في موت الابن، فأما إذا مات الأب فإن الابن يرث معهم كأحدهم. قال عبد الملك عند ابن حبيب: وإن كان إقراره لمسيسها قد شهد عليه وسمع منه قبل بيعها ردت إليه، وإن لم يكن معها ولد معدمًا كان أو مليًّا اتهم حينها (¬2) أو لم يتهم؛ لأنها بمنزلة أم ولد بيعت قال: ولو كانت هي ادعت ذلك دونه وثبت إقراره بالوطء لكان القول قولها (¬3) حيًّا كان أو ميتًا (¬4). قال الشيخ -رحمة الله-: وإذا كان الحكم أن يرد الولد دون الأم إما لفقره أو لأنها رائعة أو لأنه متعلق النفس بها أو لأنها أعتقت وحدها، فإنه ينظر فإن كان الولد بيع معها قسم الثمن على ما يرى أنه ينوبه في (¬5) يوم البيع على ما كانت حاله يومئذٍ. واختلف إذا كان يوم البيع حملًا فولدته فقال ابن القاسم في العتبية: يغرم قيمته يوم يقر به ولا ترد الأم (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (على قول ابن القاسم إذا صدقه المشتري) زيادة في (ف). (¬2) قوله: (معدمًا كان أو مليًّا اتهم حينها) في (ر): (وإن كان معدمًا، اتهم فيها). (¬3) في (ر): (قوله). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 195. (¬5) قوله: (في) زيادة من (ف). (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 111، والنوادر والزيادات: 13/ 144.

فصل [فيما إذا ادعى ولد حرة وعلم أنها كانت لم تزل زوجة لغيره]

وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: قيمته يوم ولد (¬1). وأجراه (¬2) على الحكم فيمن استحق أمة وقد ولدت من المشتري فقال أيضًا فيها (¬3) ابن القاسم: على الأب قيمته يوم الحكم. وقال المغيرة: قيمته (¬4) يوم ولد (¬5). فصل [فيما إذا ادعى ولد حرة وعلم أنها كانت لم تزل زوجة لغيره] وإن ادَّعى (¬6) ولد حرة وعلم أنها كانت لم تزل زوجة لغيره -لم يصدق، وإن علم أنها كانت زوجة له صدق إلا أن يقوم دليل على كذبه؛ لأنَّ أمد الولد كثير وأمد التزويج قريب، أو يكون الولد صغيرًا، أو الأمد الذي طلق منه بعيدًا. وإن لم يعلم هل تزوجها أم لا (¬7)، أو كانت زوجة لغيره (¬8) وليسا طارئين- صدق عند ابن القاسم، ولم يصدق عند غيره. وإن كانت اليوم زوجة لغيره، وقال: كنت تزوجتها قبله، صدق على قول ابن القاسم، إلا أن يتبين كذبه بصغر (¬9) الولد أو تزوجها هذا وهي بكر (¬10) لم ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 141. (¬2) في (ح) و (ر): (وأجرياه). (¬3) قوله: (أيضًا فيها) زيادة من (ف). (¬4) قوله: (قيمته) زيادة من (ف). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 391، 392. (¬6) في (ف): (استلحق). (¬7) قوله: (أم لا) زيادة من (ر). (¬8) زاد بعده في (ف): (وقال: كنت تزوجتها بكرًا لم يصدق، ولم يلحق به الولد). (¬9) في (ف): (لسن). (¬10) قوله: (أو تزوجها هذا وهي بكر) سقط من (ف).

يلحق به الولد. قال محمد: ويحدان إذا اعترفت له الزوجة ولم يعرف لهما تزويج ولا اجتماع على وجه النكاح ولا سماع؛ لأن النكاح عنده لا يخفى في المقيمين، فأما الطارئان فيلحق به إذا تصادقا على الزوجية الأب والأم ولا يكلفان (¬1) إثبات ذلك (¬2). ويفترق الجواب إذا ادعى وكذبته أو ادعت أنه منه وكذبها فقال محمد: إن ادعاه وكذبته وقالت: هو ولدي من غيرك ولم تسم أحدًا، كان القول قول مستلحقه ما لم يتبين كذبه، وإن سمت أحدًا وحضر وادعاه كان أحق به بإقرار المرأة إذا كانوا غرباء، وإن لم يكونوا غرباء نظر من الحائز لها المعروفة به (¬3)، فإن لم تكن حيازة كان ولد زنا ولم يلحق بواحد منهما (¬4). وعلى أصله يحد جميعهم. قال: ولو جاءت امرأة بولد وقالت: هو من زوجي هذا، فإن أقر لها الرجل بالزوجية وأنكره لاعن وإن قال: لم أتزوجها قط برئ، وإن قال: هو ولدي (¬5) غير أنها حملت به من زنا وما تزوجتك قط (¬6) وهما غريبان غير معروفين كان القول قول المرأة؛ لأنها مدعية الصحة والحلال، وهو مدعي الفساد والحرام مقر بالحمل (¬7) مع ما يجب عليه (¬8) من الحد لقذفه إياها (¬9). ¬

_ (¬1) قوله: (ولا يكلفان) في (ف): (ولا يكلف). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 406. (¬3) قوله: (لها المعروفة به) في (ف): (لهما والمعروفة له). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 404، 405. (¬5) قوله: (هو ولدي) زيادة من (ف). (¬6) قوله: (قط) زيادة من (ف). (¬7) قوله: (مقر بالحمل) زيادة من (ف). (¬8) قوله: (عليه) سقط من (ف). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 406.

فصل [فيما لو ادعى ولد أمة بنكاح]

قال الشيخ: في حده لهما حد القذف (¬1) ضعف؛ لأنا إنما جعلناه للحلال من باب غلبة الظن مع إمكان أن يكون الأمر كما قال أنه من زنا، وأما حده حد الزنا فلا يشك فيه؛ لأنه مقر على نفسه بذلك. فصل (¬2) [فيما لو ادعى ولد أمة بنكاح] ولو ادعى ولد أمة بنكاح فإن علمت الزوجية صدق، وإن كذبه السيد، وإن علم أنها لم تزل زوجة لفلان الآخر لم يصدق ولم يلحق به صدقه السيد أو كذبه، وإن لم يعلم هل تزوجها أو كانت زوجة لفلان لم يصدق عند ابن القاسم إلا أن يصدقه السيد. وقال أشهب في كتاب محمد: إنه (¬3) يصدق وإن كذبه السيد. وقول سحنون: لا يصدق ولا يلحق به وإن صدقه السيد إلا أن يثبت (¬4) الزوجية، وإن اشتراه أعتق عليه باعترافه أنه حر، ويثبت نسبه عند ابن القاسم وأشهب، ولم يثبت عند سحنون. ويختلف على هذا إذا لم يشترهم وأعتقهم السيد، فقال ابن القاسم: لا يصدق إذا أكذبه المعتق. وقال أشهب في كتاب محمد: يلحقون بمن ادعاهم قبل أن يعتقوا وبعد أن أعتقوا إلا أن ولاءهم لسيدهم الذي أعتقهم، وكذلك إذا لم يعتقهم يلحق نسبهم بمن ادعاهم ويكونون رقيقًا لسيدهم، فمتى أعتقوا ورثوا أباهم الذي ادعاهم أنهم ولده وورثهم، وظاهر قوله: إنه يورث بالنسب قبل الولاء وإن لم يصدقه السيد (¬5). ¬

_ (¬1) قوله: (لهما حد القذف) زيادة من (ف). (¬2) قوله: (وأما حده حد الزنا. . . فصل) زيادة من (ف). (¬3) قوله: (أنه) سقط من (ف). (¬4) في (ح) و (ر): (يثبت). (¬5) راجع تفصيل ذلك لابن القاسم في المدونة: 2/ 543، 547.

فصل [فيمن ابتاع أمة معها ولد وقال: ابني]

قال الشيخ: دعوى ولد الأمة إذا كانت ملكًا لغيره على ثلاثة أوجه: فإن ادعاه بملك وشهدت البينة أنها لم تزل ملكًا لغيره، أو ادعاه بزوجية وشهدت البينة أنها لم تزل زوجة لغيره -لم يصدق؛ لأن البينة كذبته (¬1). واختلف إذا ادعاه بزوجية وشهدت البينة أنها لم تزل ملكًا لغيره فقال ابن القاسم مرة: لا أدري لعله تزوجها. وهذا صحيح؛ لأن كون الملك لا يمنع أن تكون زوجًا لأحد، وقال مرة: لا يصدق (¬2). فصل (¬3) [فيمن ابتاع أمة معها ولد وقال: ابني] وقال ابن ميسر: فيمن ابتاع أمة معها ولد فقال: هو ابني، فإن كان بنكاح لحق به ولم تكن هي أم ولد، وإن قال بملك لحق به، وكانت هي أم ولد، وإن قال بزنا لم يلحق به ولم تكن هي أم ولد (¬4) وحد إلا أن يرجع عن قوله، فإن كان ملكه لها يعرف فألحق به، وهو كاذب في قوله: إنه من زنا (¬5). وقال ابن القاسم فيمن أقر في مرضه أن فلانة زوجته وأن الولد الذي معها ولده، لحق به وترثه المرأة، وإن لم يكن معها ولد لم ترثه إلا أن تقيم البينة على أصل النكاح أو سماع من العدول أنها امرأته (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (البينة كذبته) في (ف): (الشهادة أكذبته). (¬2) انظر: المدونة (دار صادر): 8/ 331 , 332. (¬3) قوله: (فصل) زيادة في (ف). (¬4) قوله: (وإن قال بملك لحق به، وكانت هي أم ولد، وإن قال بزنا لم يلحق به ولم تكن هي أم ولد) ساقط من (ف). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 191. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 189.

باب في الأمة يطؤها رجلان في طهر واحد

باب في الأمة يطؤها رجلان في طهر واحد وقال مالك في الأمة يطؤها سيداها (¬1) البائع والمشتري في طهرٍ واحد فتأتي بولد من ذلك (¬2) لستة أشهر أنه تدعى له القَافَة وتكون أم ولد (¬3) من ألحقته به منهما (¬4). قال الشيخ: إذا وطئ رجلان حرة أو أمة في طهر واحد فأتت بولد لستة أشهر من وطء الآخر فأكثر، فإن الولد للأول تارة من غير قافة، وتارة للآخر، وتارة تدعى له القَافَة، وذلك راجع إلى الوجه الذي كان الوطئان عليه، وهو ثمانية أقسام: نكاحان (¬5) جميعًا، أو ملك يمين جميعًا، أو نكاح ثم ملك يمين، أو ملك يمين ثم نكاح، أو نكاح ثم زنا، أو زنا ثم نكاح، أو ملك يمين ثم زنا، أو زنا ثم ملك يمين: فإن كان الوطئان (¬6) بنكاح، فقال مرة: الولد للأول. وقال أيضًا: تدعى له القَافَة، فيكون ولد من ألحقته به منهما الأول والآخر (¬7). وإن كان الواطئان (¬8) جميعًا بملك يمين، بائع ومشتر، أو كانت بين ¬

_ (¬1) زاد بعده في (ر): (أو). (¬2) قوله: (من ذلك) سقط من (ف). (¬3) قوله: (وتكون أم ولد) في (ف): (ويكون ولد). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 553، 252، والنوادر والزيادات: 13/ 162. (¬5) في (ر): (نكاح). (¬6) في (ف) و (ح): (الواطئان). (¬7) انظر: المدونة: 2/ 26. (¬8) في (ر): (الوطئان).

شريكين دعي له القَافَة قولًا واحدًا (¬1) فيكون ولد من ألحقته به منهما (¬2). وإن كان (¬3) بنكاح وملك يمين والنكاح أولهما، كان الجواب فيهما كالنكاحين (¬4). وإن كانا (¬5) يملك أولهما كان كالملكين (¬6). وإن كانا (¬7) بنكاح وزنا (¬8)، كان للنكاح إن كان الزنا آخرهما إلا أن ينفيه الزوج بلعان (¬9). وإن كان ملك يمين وزنا والزنا آخرهما، كان لملك اليمين وليس له أن ينفيه بحال؛ لأن الزنا لا قافة فيه، وملك اليمين لا لعان فيه. وإن كان الأول زنا والثاني نكاحًا أو ملك يمين، فهو بمنزلة (¬10) إذا كان الأول نكاحًا أو ملك يمين والثاني زنا. ¬

_ (¬1) قوله: (قولًا واحدًا) زيادة من (ف). (¬2) قوله: (فيكون ولد من ألحقته به منهما) في (ف): (فمن ألحقته به منهما كان ولدًا له وإن كانا). وانظر: المدونة: 2/ 552. (¬3) في (ح) و (ر): (كان). (¬4) في (ف): (كالناكحين). (¬5) في (ف): (كانا). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 552. (¬7) في (ح) و (ر): (كان). (¬8) في (ف): (زنا ونكاح). (¬9) قوله: (كان للنكاح إن كان الزنا آخرهما إلا أن ينفيه الزوج بلعان) في (ف): (والنكاح أول والزنا آخر كان الولد للزوج ولا ينفيه إلا بلعان). (¬10) قوله: (فهو بمنزلة) في (ف): (كان الجواب).

وقال الليث في رجلٍ له زوجة فاغتصبت وقد كان يطؤها (¬1) فيريد أن ينفي بذلك حملًا إن كان بها، قال: لا يجوز أن ينفي ولدها، وقد كان يطؤها في ذلك اليوم، ولكن لا (¬2) أرى أن يلزمه، ويدعى له القَافَة، فإن ألحقوه به لحق، وإن توفي قبل أن ينظر إليه القَافَة (¬3) لحق به (¬4). قال الشيخ - رضي الله عنه -: فجعل الولد للأول إذا كانا نكاحين، أو نكاحًا ثم ملك يمين؛ لأن الأول صحيح والثاني فاسد، فغلب حكم الصحيح، والأصل في ذلك الحديث في ابن وليدة (¬5) زمعة ألحقه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأول (¬6)، وإن كان الثاني مما تلحق فيه الأنساب؛ لأن الولد يلحق فيما كان من الزنا في الجاهلية وقدم (¬7) في القول الثاني القياس على الحديث؛ لأنهما ماءان اجتمعا في رحم يلحق في كل واحد منهما النسب، ولا يختلف في (¬8) أنه يصح أن يلحق من الثاني، وإن كان فاسدًا، فلم يجز أن يلحق بالأول غير ولده، ولا أن يسقط عن الثاني حقه في ولده، فكان القياس أن يجري الحكم فيه (¬9) كالحكم في ملك اليمين، فوجب الرجوع في ذلك إلى ما قضى به عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من القَافَة. ¬

_ (¬1) قوله: (كان يطؤها) في (ف): (وطئها). (¬2) قوله: (لا) سقط من (ف). (¬3) قوله: (القافة) زيادة في (ف). (¬4) في (ف): (بأبيه). (¬5) قوله: (ابن وليدة) في (ف): (ولد). (¬6) تقدم تخريج هذا الحديث، ص: 2444. (¬7) في (ر): (وقد تقدم). (¬8) قوله: (في) زيادة من (ف). (¬9) في (ر): (فيهما).

فصل [فيما إذا قالت القافة اشتركا فيه]

وإذا وطئا (¬1) بملك اليمين وكانا شريكين دعي لهما القَافَة (¬2)؛ لأنهما فاسدان جميعًا -الأول والثاني- فلم يرجح حق (¬3) أحدهما على الآخر، وإن كانا بائعًا ومشتريًا كان الثاني فاسدًا. وقال محمد بن مسلمة: إنما يدعى له القَافَة؛ لأنه إن ألحق بالثاني كان الوطء صحيحًا؛ لأن ذلك دليل على (¬4) أنها كانت غير حامل من الأول، وهذا موافق لقول سحنون: إنها تلزمه بالثمن، وكان (¬5) عليه الأكثر من القيمة أو الثمن؛ لأنه كان متعديًا، وإن تبين أنها كانت بريئة الرحم. فصل [فيما إذا قالت القَافَة اشتركا فيه] واختلف إذا كان الحكم في الولد إلى القَافَة فقالت القَافَة اشتركا فيه على أربعة أقوال فقال مالك: الأمر في ذلك إلى الولد فهو بالخيار في من والى منهما كان ابنًا له دون من لم يواله، واتبع في ذلك ما روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - (¬6). وقال عبد الملك بن الماجشون ومطرف وابن نافع: يلحق بأصحهم له شبهًا (¬7) ولا يترك وموالاة من أحب (¬8). ¬

_ (¬1) في (ف): (وطئها). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 552. (¬3) في (ح) و (ر): (دخول). (¬4) قوله: (على) سقط من (ف). (¬5) في (ر): (وقال). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 162، 163. (¬7) قوله: (يلحق بأصحهم له شبهًا) في (ر): (يقال للقافة ألحقاه بأوضحهم به شبهة). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 163.

وقال محمد بن مسلمة: إن عرف الأول لحق به؛ لأنه كان حملًا قبل أن يصيبها الآخر، وإنما غدا ولد غيره، فإن جهل الأول ألحق بأكثرهما به شبهًا فيما يرى من الرأس والصدر؛ لأنه الغالب. وحكى سحنون قولًا رابعًا أنه يبقى ابنًا لهما ولا يوالي أحدهما (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: وهو أحسن، وليس للولد أن يقطع أبوةً ممن (¬2) خُلق من مائه، ويقول: هذا يكون (¬3) أبي، ولكل واحد منهما فيه حق، وليس أحدهما (¬4) بأحق به من الآخر. وإن أشكل أمره عليهما كانا كالذي قالا: اشتركا فيه؛ لأن ذلك لا يكون إلا لوجود (¬5) شبهة من كل واحد منهما، وإن قالا: ليس هو من واحد منهما، دعي له غيرهما، فإن لم يوجد غيرهما، لم يحكم به لأحدهما، ولا أنه شرك (¬6) بينهما، لإمكان أن يكون ابنًا لأحدهما من غير شرك، فإن مات الأبوان لم يرث الولدُ واحدًا منهما؛ لأنه ميراث بالشك، ولكل واحد من الواطئين وارث محقق يمنع من يدخل معه بالشك، فإن مات الولد عن مال وَرِثاه؛ لأنه لا (¬7) يخرج عنهما، ولا يدعيه غيرهما بتحقيق ولا شك. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 166. (¬2) قوله: (أبوةٍ ممن) في (ف): (أبوته ومن). (¬3) قوله: (يكون) سقط من (ف). (¬4) قوله: (أحدهما) سقط من (ف). (¬5) في (ف): (بوجه). (¬6) في (ف): (مشترك). (¬7) في (ف): (مال لم).

فصل [فيما إذا مات أحد الواطئين قبل أن تدعى القافة]

فصل [فيما إذا مات أحد الواطئين قبل أن تُدْعَى القَافَة] وإن مات أحد الوطئين قبل أن تدعى القَافَة للولد، فإن كان القَافَة تعرف الميت كان الجواب في الأبوين الميتين (¬1) كالحيين، وإن كانت لا تعرفه فإنه لا يخلو من ثلاثة أوجه: إما أن يقولا: هو ابن للحي، أو ليس بابن له، أو له فيه شرك: فإن قالا: إنه منه، لحق به (¬2). واختلف إذا قالا: لا شيء له فيه، أو ماتا جميعًا قبل نظر القَافَة، فقال أصبغ: وإذا قالا: لا شيء لهذا الحي فيه، لحق بالميت، وإن ماتا جميعًا (¬3) قبل نظر القَافَة (¬4) إليه كان ابنًا لهما جميعًا، وخالفه ابن الماجشون في الوجهين جميعًا (¬5) فقال: إن قالا لا شيء لهذا الحي فيه بقي لا أب له؛ لأنها قد تفجر بغيرهما، وكذلك إذا ماتا جميعًا قبل النظر فيه فإنه يبقى لا أب له (¬6). واختلف في عتق الجارية فقال أصبغ: يعجل عتقها بموت الأول (¬7). وقال ابن الماجشون: أوقفها (¬8) إلى موت الثاني منهما (¬9). ¬

_ (¬1) قوله: (الميتين) زيادة من (ف). (¬2) قوله: (به) زيادة من (ف). وانظر: النوادر والزيادات: 13/ 165. (¬3) قوله: (جميعًا) سقط من (ف). (¬4) قوله: (القافة) سقط من (ف). (¬5) قوله: (جميعًا) زيادة من (ف). (¬6) قوله: (لأنها قد تفجر بغيرهما، وكذلك إذا ماتا جميعًا قبل النظر فيه فإنه يبقى لا أب له) ساقط من (ف). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 165. (¬8) في (ف): (يوقف). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 165، بلفظ: فإذا مات الباقي عتقت.

قال الشيخ: قول أصبغ في المسألة الأولى أحسن؛ لأن الولد لم يخرج عنهما، فإذا لم يلحق بالحي لم يبقَ إلا الميت وإخراجه عنهما إلى وطء ثالث، ولا يعرف أنه أصابها أحد غيرهما، ولا أنها زنت -غير صحيح، وقول ابن الماجشون إذا مات الواطئان (¬1) أحسن؛ لأنه حمله على الشرك مع إمكان أن يكونا لم يشتركا فيه، فهو ميراث بالشك، إلا أن يكون لهما وارث معروف فيكون له نصف ميراث من كل واحد، والباقي لبيت المال. وقال محمد بن سحنون: إذا مات أحدهما فقالت القَافَة: للحي فيه شرك - كان له من الحي نصف الأبوة، ويرث منه إذا مات نصف ميراثه، ولا يرث من الميت قبل شيئًا (¬2). قال الشيخ: وهذا صحيح، لم يجعل (¬3) جميعه للحي، لإمكان أن يكون للميت فيه شرك، ولم يجعل (¬4) للميت فيه شرك (¬5) ويورثه منه النصف، لإمكان ألا يكون له فيه (¬6) شرك، وأن يكون جميعه للحي أولى (¬7)؛ لأنه لو كان الأبوان حيين فقالا: لهذا فيه شرك، ولا شرك فيه للآخر، لألحق جميعه لمن له فيه شرك دون من لا شبهة له فيه. ¬

_ (¬1) قوله: (وقول ابن الماجشون إذا مات الواطئان) في (ف): (وأما إذا هلك الواطئان جميعا فقول ابن الماجشون). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 165. (¬3) في (ف): (لم يعجل). (¬4) في (ف): (لم يعجل). (¬5) في (ر): (شركاء). (¬6) قوله: (فيه) زيادة في (ف). (¬7) قوله: (أولى؛) زيادة من (ف).

فصل [في موت الأمة وهي حامل]

فصل [في موت الأمة وهي حامل] واختلف إذا ماتت الأمة وهي حامل، أو أسقطت ولدًا قبل تمام العدة، أو بعد تمامها ولدًا ميتًا أو حيًا، فمات قبل نظر القَافَة إليه فقال ابن القاسم في العتبية: إذا ماتت قبل الوضع فالمصيبة من البائع طاولها الحمل أو لم يطاولها، ويرجع المشتري بماله، وإن وضعت لأقل من ستة أشهر من يوم أصاب المشتري، فالمصيبة من البائع أيضًا ولدته ميتًا أو ولدته تامًّا حيًّا أو سقطا فالولد ولده (¬1) وهي أم ولد له (¬2). قال ابن حبيب: لأن الفراش فراشه حتى ينقطع منه بالبراءة بالاستبراء، أو بإلحاق القَافَة الولد بالمشتري (¬3). قال ابن القاسم: وإن وضعته لستة أشهر من يوم أصاب المشتري أو بنقصانها بالأهلة فصاعدًا، وإن تقارب الواطئان فأصاب هذا اليوم وهذا غدًا، فهي أم ولد للمشتري، وضعته سقطًا، أو تامًّا إذا وضعته ميتًا، ولا أرى للقافة في الأموات ولا أراهم يعرفون ذلك، وإن كان حيًّا لستة أشهر فصاعدًا (¬4) دعي له القافة (¬5). وخالفه سحنون في جميع هذه الوجوه الثلاثة، فقال في كتاب ابنه: إن ماتت قبل الوضع وقد أصاباها في طهر واحد جميعًا (¬6) فالمصيبة منهما جميعًا، ¬

_ (¬1) في (ف): (له). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 148. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 164. (¬4) قوله: (فصاعدًا) زيادة من (ف). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 148، 149. (¬6) قوله: (وقد أصاباها في طهر واحد جميعًا) زيادة من (ف).

ماتت قبل ستة أشهر من يوم أصاب الثاني أو بعد؛ لأنهما أصابا في طهر واحد (¬1) إلا أنه في البيع يضمن المشتري (¬2) الأكثر من نصف قيمتها أو نصف الثمن، وإن أسقطت قبل تمام ستة أشهر أو بعد تمامها والأمة لهما أعتقت عليهما، وإن اشتراها أحدهما من صاحبه كان على المشتري الأكثر من نصف قيمتها يوم أصاب أو نصف الثمن، وإن وضعت بعد ستة أشهر حيًّا، ثم مات قبل أن تدعى له القافة، فإنه تدعى له القافة؛ لأن الموت لا يغير شخصه، إلا أن يفوت الولد قبل نظر القافة، فإن الأمة تعتق عليهما (¬3)، وهو أحسن؛ لأنهما ماءان اجتمعا في رحم، وليس أحدهما أقوى سببًا في أن يخلق منه دون الآخر، وهذا إذا أهملا النظر عند أول الحمل، فأما إن نظر في أول ذلك فعلم أن ظهور الحمل كان قبل ثلاثة أشهر من يوم الشراء أو أن (¬4) الحركة كانت قبل أربعة أشهر، فهو من الأول، وإن وضعته حيًّا قبل ستة أشهر وعاش بعد ذلك، فهو من الأول، وقول ابن القاسم: إذا وضعته لستة أشهر أنه من الثاني، وإن وطئ هذا اليوم وهذا غدًا أو (¬5) بعدها؛ لأنَّ يومًا لا يفرق بين الوطئين. ¬

_ (¬1) قوله: (لأنهما أصابا في طهر واحد) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (المشتري) زيادة من (ف). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 164، 165. (¬4) قوله: (أن) سقط من (ف). (¬5) قوله: (أو) سقط من (ف).

فصل [فيما إذا أتت الأمة بولدين وهي لشريكين في بطنين]

فصل [فيما إذا أتت الأمة بولدين وهي لشريكين في بطنين] وإذا أتت (¬1) الأمة التي بين الشريكين بولدين في بطنين (¬2) فادعى أحدهما الأكبر والآخر الأصغر، كان لكل واحد منهما من ادعى من غير قافة، فإن اختلفا وادعياه جميعًا -الأكبر أو الأصغر- ونفيا الآخر دعيت القافة لمن ادعياه، فمن ألحقته به منهما كان الولد له، وإن كان دعواهما الأكبر كان الأصغر ولد من تقول الأمة أنه منه؛ لأن دعواهما الأكبر إقرار لها (¬3) بأنها أم ولد، والقول قول أم الولد متى أتت بولد بعد الأول (¬4) أنه من السيد، إلا أن يدعي استبراءً، وهي في هذا كالزوجة. وقد اختلف فيهما، أعني: في أم الولد والزوجة (¬5)، وإن كانت دعواهما في الأصغر لم يقبل قولهما في الأكبر؛ لأنه لم يتقدم من أحد السيدين إقرار بالولد (¬6). فصل [فيما إن ولدت توأمين] وإن ولدت توأمين دعي لهما القافة، فإن ألحقاهما بأحد السيدين أو قالا: اشتركا فيهما كان الأمر إلى ما قالا، وإن قالا: هذا ابن هذا وهذا ابن هذا ¬

_ (¬1) في (ف): (ماتت). (¬2) في (ف): (بطن). (¬3) في (ف): (منهما). (¬4) في (ر): (الولد). (¬5) قوله: (والزوجة) زيادة من (ف). (¬6) في (ف): (بالوطء).

فصل [في توأمي المسبية والمغتصبة والملاعنة]

الآخر، كان في المسألة قولان فقال عبد الملك بن الماجشون، لا يقبل قولهما ولا يلحق إلا (¬1) بأحدهما (¬2). وقال سحنون: يقبل قولهما، فإن كان أولهما وطئًا موسرًا كانت أم ولد له، وعليه نصف قيمتها يوم حملت، وله (¬3) على الثاني جميع قيمة الولد، وإن كان معسرًا كان عليه نصف قيمة الولد، وله على الثاني مثل ذلك وقيل لا شيء له عليه وأعتقت الأمة عليهما جميعًا (¬4). يريد: لأن وطأها حرم عليهما، ولا يصح أن تسقط القيمة في نصف الولد عن الثاني إلا أن يقول: إنها عتيقة بنفس (¬5) الحمل من الثاني، وقوله: يرجع أحسن؛ لأن عتق أم الولد إذا حرم وطؤها مختلف فيه، فلا تكون حرة إلا بحكم، وقد يرى الحاكم ألا تعتق. فصل (¬6) [في توأمي المسبية والمغتصبة والملاعنة] واختلف في توأمي المسبية والمغتصبة والملاعنة هل يتوارثان بالأم والأب أو بالأم خاصة؟ فقال ابن القاسم في المدونة في توأم (¬7) المرأة تحمل من العدو: إنهما يتوارثان بالأب والأم (¬8). وقال المغيرة في توأم (¬9) المسبية والملاعنة: ¬

_ (¬1) قوله: (إلا) سقط من (ر). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 158. (¬3) قوله: (وله) سقط من (ف). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 169. (¬5) في (ف): (بنفي). (¬6) قوله: (فصل) سقط من (ف). (¬7) في (ف): (توأمي). (¬8) انظر: المدونة (دار صادر): 8/ 339. (¬9) في (ف): (توأمي).

يتوارثان بالأم خاصة (¬1)، وقال: لأنا لا نعلم أباهما يقينًا، وكيف يتوارث بمن (¬2) لا يرثه؟ وقد يشترك الاثنان في الواحد (¬3) فهما في الاثنين أحرى. يريد: أنه يمكن أن يكون لكل واحد منهما أحد الولدين، وهذا نحو قول سحنون: إن للقافة أن تلحق أحد الولدين بمن لا يلحق به الآخر، وقال سحنون: يتوارثان بالأب والأم؛ لأن واطئ المسبية يحمل على أنه وطئ على وجه النكاح أو الملك، ولأنه يلحق بأبيه ولأن للملاعن أن يستلحقهما، ولا يتوارث توأم (¬4) المغتصبة والزانية إلا من قبل الأم. وقال مالك في مختصر ما ليس في المختصر في توأم المغتصبة: يتوارثان من قبل الأب والأم (¬5). فيجيء (¬6) على هذا القول في توأم الزانية إنهما يتوارثان من قبل الأب والأم؛ لأن المراعى في النسب صفة وطء الأب، فإن كان الواطئ طائعًا لم يلحق الولد وإن كانت مكرهة، ولو وطئ حرة غلطًا وهو غير عالم وهي عالمة -حُدت، ولحق النسب، فالنسب تبع لوطء الأب. ¬

_ (¬1) قوله: (خاصة) زيادة من (ف). وانظر: النوادر والزيادات: 13/ 207. (¬2) قوله: (يتوارث بمن) في (ر) (يوارث من). (¬3) في (ف): (الولد). (¬4) في (ر): (ولد). (¬5) لم أقف على هذا الكلام إلا في العتبية ونصها: (قال يحيى: أخبرني ابن القاسم أنه سمع من يثق به يخبر أن مالكًا قال: يتوارث أبناء المغتصبة التوأم من قبل الأب، قلت لابن القاسم: فمن أين يجب الميراث بينهما -ونسبهما غير ثابت؟) انظر: البيان والتحصيل: 14/ 257. والنوادر والزيادات: 13/ 207: ونصها: (عن ابن القاسم في العتبية قال: سمعت من أثق به يقول عن مالك، قال: يتوارث توأم المغتصبة من قبل الأب والأم). (¬6) في (ف): (ونحن).

فصل [فيما إذا كانت بين حر وعبد فقالت القافة: إنه من الحر]

وقد ذهب الداودي (¬1) في كتاب الأموال أن ولد الزنا يلحق نسبه بالزاني إن علم أنه منه، وقد (¬2) أجمع أهل العلم أن ولد الزنا يرث أمه وترثه، قال: ولا فرق بين الأم والأب وإنما منع (¬3) من ميراث العاهر؛ لأنه لا يعلم حقيقة ذلك هل هو منه أو من غيره، قال: وقد قال (¬4) النخعي والنعمان وإسحاق: إنه إن لم يكن للمرأة فراش وأتت بولد أنه يرث العاهر بها، واحتج إسحاق بتوريث الأم. قال الشيخ -رحمه الله-: وقول سحنون في توأم المسبية أحسن، ولا يحمل أمرها على وطئين (¬5) في طهر؛ لأن ذلك من النادر، والنادر لا حكم له. وأما الملاعنة فالأمر فيها أشكل؛ لأنَّ النسب الحلال منقطع، وهما على غير الاستلحاق حتى يستلحقا، إلا أن يترجح في ذلك الخلاف في المغتصبة. فصل [فيما إذا كانت بين حر وعبد فقالت القافة: إنه من الحر] وإذا كانت الأمة بين حُرٍّ وعبد، فقالت القافة: إنه من الحر كانا فيها كما (¬6) لو كانت بين حرين، وإن كان الحر موسرًا غرم نصف قيمتها وحدها، وإن كان معسرًا كان بالخيار لسيد العبد بين أن يتمسك بنصف الأمة لعبده ويتبعه بنصف قيمة الولد؛ لأن الولد للسيد وليس للعبد، وإن شاء قوم عليه نصف ¬

_ (¬1) في (ر): (الماوردي). (¬2) في (ف): (وقال). (¬3) في (ر): (امتنع). (¬4) قوله: (قال: وقد قال) في (ف): (وقال). (¬5) في (ر): (واطئين). (¬6) في (ف): (على الحكم).

الأمة ونصف الولد، فما ناب الولد فله، وما ناب الأمة فلعبده، ثم يختلف هل يتبع بذلك في الذمة وتكون أم ولد أو تكون القيمة للبيع؟ وقيل: يقوم نصف الأمة وحدها للبيع ولم تكن (¬1) أم ولد، فإن ألحقوه بالعبد كان الحر بالخيار إن شاء لم يقوم عليه وكان له نصف الولد رقيقًا؛ لأن الولد للسيد دون عبده (¬2)، وإن شاء ضمنه. قال سحنون (¬3) في العتبية: فإن ضمنه والعبد معسر بيعت الجارية في نصف (¬4) قيمتها يوم وطئ ليس يوم ولد، ولا يباع الولد إن لم تُوَفِّ بنصف قيمتها لأن الولد ليس بمال للعبد، ولا يكون ما بقي في رقبته وليس بجناية لأنه مأذون له في ذلك. ومن كتاب ابن سحنون: والأمة بين الحر والعبد يطؤها العبد فتحمل فهي جناية فإما فداه سيده بنصف قيمتها أو يسلمه بماله وهي لا تعتق لأن ولدها عبده (¬5). وقال محمد بن عبد الحكم: إنه ليقع في قلبي أنها جناية جناها (¬6) على نصيب الحر (¬7). قال: فإن قالت القافة: اشتركا فيه، أعتق الولد على الحر: يعتق جميعه، ويغرم نصف قيمته لسيد العبد، ويقوَّم عليه نصف الأمة، فيحل له وطؤها، ¬

_ (¬1) قوله: (ولم تكن) في (ر): (أو تكون). (¬2) في (ف): (غيره). (¬3) قوله: (سحنون) زيادة في (ف). (¬4) قوله: (نصف) زيادة في (ف). (¬5) قوله: (ومن كتاب ابن سحنون: والأمة بين الحر والعبد يطؤها. . . لأن ولدها عبده) زيادة من (ف). (¬6) قوله: (جناها) زيادة في (ف). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 169.

ويكون نصفها أم ولد له (¬1) ونصفها رقيق حتى يولدها مرة أخرى بعد اشترائه (¬2) النصف (¬3) الثاني، بمنزلة الحرين تكون لهما الجارية يصيبانها في طهر واحد فتلد ولدًا فتدعى له القافة فلا تلحقه بواحد منهما أو تلحقه بأحدهما (¬4) ولا مال له، فإذا بلغ الصبي قيل له: والِ أيهما شئت، فإن والى العبد فهو حر وغرم السيد نصف قيمة الولد ونصف قيمة الأم (¬5) وهو حر فإن أعتق العبد يومًا ما ورثه الولد. وقال أصبغ: ليس (¬6) على السيد الآن من قيمة الولد والأم شيء ويكون نصف الولد ونصف الأم عتيقًا من الآن، فإذا بلغ الولد ووالى الحر لحق به وغرم نصف قيمة الولد وإن والى العبد لحق به نسبه وكان نصفه حرًّا ولم يقوم عليه بقيمته (¬7). لأنه ليس بعتق ابتداءً، وإنما هو حكم لزم، كهيئة ما لو ورث نصفه، وأما الأم فإن مات العبد قبل أن يبلغ الولد فيوالي، ورثها سيدها عنه، وإن أذن له باعها، وإن رهقه دين وهو مأذون له بيعت عليه. وان كانت الأمة بين مسلم ونصراني فقالت القافة: من المسلم لحق به وغرم النصراني نصف قيمة الأم، وإن ألحقته بالنصراني كان له، وعلى دينه، ¬

_ (¬1) قوله: (له) سقط من (ف). (¬2) في (ر): (استبرائه). (¬3) قوله: (النصف) سقط من (ف). (¬4) قوله: (يصيبانها في طهر واحد فتلد ولدًا فتدعى له القافة فلا تلحقه بواحد منهما أو تلحقه بأحدهما) زيادة من (ف). (¬5) قوله: (فإن والى العبد فهو حر. . . ونصف قيمة الأم) زيادة من (ف). (¬6) في (ف): (ولا يكون). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 170.

ويوارثه وينسب إليه، ويقوم نصف قيمة الأم مسلمة كانت أو نصرانية، فإن كانت نصرانية أقرت عنده وإن كانت مسلمة أعتقت عليه، وإن قالت القافة: اشتركا فيه كانت الأمة معتقة منهما، والولد موقوف حتى يبلغ فيوالي أيهما أحب، فإن والى المسلم فهو ولده، وإن والى الكافر كان ولده، ولا يكون إلا مسلمًا. فإن مات الأبوان قبل أن يبلغ وقف له ميراثه منهما جميعًا، فإذا بلغ والى أيهما شاء وورثه ورد ميراثه من الآخر، ولا يكون إلا مسلمًا فإن مات قبل أن يبلغ رد ما كان وقف له من مالهما إلى ورثتهما، فإن خلف مالًا غير ذلك كان قد وهب له أو ورثه من أمه كان نصفه لعصبة أبيه المسلم بعد فرض ذوي الفرض، ونصفه لعصبة أبيه النصراني المسلمين منهم، فإن لم يكن للكافر عصبة مسلمون فبيت المال. فجعل له الميراث من النصراني وإن لم يمكنه أن يكون بعد البلوغ على دينه؛ لأن له نصف البنوة، وقد مات الأب في حين لا معرفة عند الابن من الإسلام فينسب إليه، ولا جحود فينسب إلى الكافر، فجرى في النصف على أحكام الكفر في ميراثه من الأب والميراث منه، وقد تقدم مثل ذلك في كتاب النكاح الثالث (¬1). قال أصبغ: ولو كانوا ثلاثة نفر مسلم ونصراني وعبد وقالت القافة: "اشتركوا فيه" فإن كانت الأمة مسلمة عتقت على المسلم والنصراني، ولم تعتق على العبد، ويكون للعبد قيمة نصيبه عليهما، وإن كانت نصرانية أعتق جميعها على الحر المسلم، وقوم عليه نصيب النصراني والعبد (¬2). ¬

_ (¬1) انظر كتاب النكاح الثالث، ص: 2119. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 170.

باب في الأمة بين الرجلين يصيبها أحدهما فتحمل أو لا تحمل

باب في الأمة بين الرجلين يصيبها أحدهما فتحمل أو لا تحمل (¬1) وقال مالك في الأمة بين الشريكين يصيبها أحدهما ولم تحمل: إن الشريك بالخيار بين أن يقوم نصيبه على شريكه أو يتماسك ولا شيء له (¬2). وقال في كتاب محمد: يجبر على أن تقوم على شريكه مثل ما قال مالك (¬3) في الأب يطأ أمة ابنه. وقال أيضًا: إذا لم تحمل لم تقوم عليه وكانت على حالها في الشركة يغرم (¬4) نصف ما نقصها وطؤه لشريكه (¬5). وهذا هو القياس؛ لأن الوطء لا يوجب قيمته إلا بما يتعلق به من نقص عيب أو موت، فإذا حاضت لم تحمل ولم ينقصها الوطء؛ لأنها ثيب، ولم يكن على الواطئ لشريكه شيء، وإن كانت بكرًا فنقصها ذلك الوطء (¬6) كان على الواطئ نصف ما نقصها ولم يضمن الرقبة؛ لأن الغالب أنه يسير ولا يبطل الغرض منها (¬7)، ولو كان يعلم أن غرض سيدها لمكان البكارة ولولا ذلك لم يشترها -كان له أن يغرمه نصف قيمتها (¬8) إن شاء، وقد يحمل قوله: إنه بالخيار على هذا، وأما قوله: إنه يجبر على القيمة ¬

_ (¬1) قوله: (فتحمل أو لا تحمل) في (ف): (ولا تحمل). (¬2) قوله: (أو يتماسك ولا شيء عليه) في (ف): (أو يتماسك ولا شيء له). وانظر: المدونة: 2/ 554. (¬3) قوله: (مالك) سقط من (ف). (¬4) في (ف): (يلزمه). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 148. (¬6) قوله: (الوطء) سقط من (ف). (¬7) في (ف): (المقصود فيها). (¬8) في (ف): (قيمته).

فصل [فيما إذا حملت وهو موسر]

من غير خيار فإن ذلك حماية لئلا يتسامح الشريكان في ذلك، ويعملان على التحليل، يصيب هذا ثم يصيب هذا. ويختلف أيضًا إذا قام الشريك قبل أن يتبين هل هي حامل أم لا. فصل (¬1) [فيما إذا حملت وهو موسر] فإن حملت وهو موسر مضت للواطئ أم ولد، وكان عليه نصف قيمتها لشريكه. واختلف متى تكون القيمة فقال مالك: يوم وطئ. وقال أيضًا (¬2): يوم حملت (¬3). وقال محمد: واختلف في ذلك فقيل: يوم وطئ، وقيل: يوم حملت، وقيل: يوم الحكم، وحكي (¬4) عن مالك في موضع آخر: إنه بالخيار إن شاء يوم وطئ وإن شاء يوم حملت، وبه أخذ محمد (¬5)؛ لأنه يقول: قد كان لي أن أقومها عليه يوم وطئ وإن لم تحمل، وكان لي أن أقومها عليه الآن يوم لا بد من تقويمها عليه. قال الشيخ - رضي الله عنه -: لا يخلو أن تكون إصابة الشريك إياها مرة أو مرتين وبينهما طهر أو لا طهر بينهما، فإن لم يصبها إلا مرة واحدة (¬6) كانت القيمة يوم الوطء، وإن كانت مرتين وبينهما طهر كان الخلاف في الوطء الأول راجع إلى ¬

_ (¬1) قوله: (فصل) زيادة من (ف). (¬2) في (ف): (مرة). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 554. (¬4) في (ف): (وقيل). (¬5) زاد بعدها في (ر) قوله: (وقال). وانظر: النوادر والزيادات: 14/ 277. (¬6) قوله: (واحدة) ساقط من (ف).

ما تقدم إذا لم تحمل، فعلى القول أن القيمة واجبة من غير خيار تكون القيمة اليوم الأول، وعلى القول أنها بالخيار يكون ها هنا بالخيار بين أن يقوم لأول يوم؛ لأنه قد كان ذلك له وإن لم تحمل، أو يسقط مقاله (¬1) من أول يوم ويأخذه بالقيمة (¬2) يوم حملت، وإلى هذا ذهب محمد في قوله: إنه بالخيار إن شاء يوم وطئ وإن شاء يوم حملت، وعلى قوله إذا تبين أنه لا حمل بها ليس له تقويم، وإنما له قيمة العيب -تكون له القيمة يوم حملت، ثم ينظر إلى أول يوم، فإن كانت بكرًا كان له ما نقص، وإن كانت ثيبًا لم يكن عليه شيء وهذا أقيسها (¬3). واضطرب القول فيها إذا كان الواطئ معسرًا في خمسة مواضع: أحدها: هل يكون كالموسر ويجبر الشريك على التقويم، أو يكون بالخيار بين التقويم أو التمسك فينتفع بها (¬4)؟ والثاني: إذا كان بالخيار فاختار التمسك هل يتبع الواطئ بنصف قيمة الولد ونصف ما نقصتها الولادة، أو لا شيء له من ذلك؟ والثالث: إذا اختار التقويم هل يكون له نصف قيمة الأمة ونصف قيمة الولد، أو نصف قيمة الأمة خاصة؟ والرابع: إذا ثبت التقويم هل يتبعه بذلك في الذمة فلا يباع له منها شيء أو تباع؟ ¬

_ (¬1) قوله: (مقاله) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (بالقيمة) زيادة من (ف). (¬3) في (ف): (قيمتها). (¬4) قوله: (فينتفع بها) ساقط من (ف).

والخامس: إذا كان (¬1) البيع هل يباع له نصفها أو بقدر دينه؟ وإن كان أكثر من النصف فقال مالك مرة: الأمة أم ولد للواطئ ويتبع بالقيمة دينًا كالموسر، ثم رجع فقال: الشريك بالخيار إن أحب لم يقوم وأتبع بنصف قيمة الولد وإن أحب قوم وكان له نصف قيمتها ونصف (¬2) قيمة الولد ويباع له نصفها خاصة فيما لزمه (¬3). وقال ابن القاسم في كتاب محمد: إذا تماسك الشريك بنصيبه ولم يقوّم اتبع بنصف قيمة الولد وبنصف ما نقصها الولادة، وذكر مطرف وابن الماجشون عن مالك أنه بالخيار بين أن يتمسك ولا شيء له من نصف قيمة الولد وإن أحب قومها عليه واتبعه في الذمة وإن أحب بيع له نصفها فلم يوجب على الواطئ في الولد شيئًا قوم عليه الشريك أو أمسك (¬4). وذكر (¬5) سحنون قولًا آخر: إنه قوم اتبعه بالقيمة في الذمة ولم يجعل له أن يبيع ذلك عليه (¬6)، وقال سحنون (¬7) وأشهب: يباع عليه ما يوفي بالدين وإن كان أكثر من النصف لأنه يقول لا يكون بعض أم ولد وأن للواطئ أن يبيع الباقي إن أحب. ¬

_ (¬1) في (ف): (جاز). (¬2) في (ف): (أو نصف). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 554 , 555. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 148، 149. (¬5) في (ف): (حكى). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 555، 556. (¬7) قوله: (سحنون) سقط من (ف).

باب فيمن أخدم أمته ثم حملت من السيد أو المخدم

باب فيمن أخدم أمته ثم حملت من السيد أو المخدم قال ابن القاسم فيمن أخدم أمته عشر سنين ثم أصابها السيد فحملت وهو موسر كانت له أم ولد وعليه أن يأتي بأمة تخدم مثل خدمتها فإن ماتت الأولى قيل (¬1): رجعت الثانية إليه (¬2) وإن ماتت الآخرة والأولى حية لم يكن له شيء. وقد قيل: يؤخذ منه قيمة الأولى فيؤاجر منها فإن ماتت الأولى قبل نفاد القيمة رجع الباقي إلى السيد، وإن انقضت القيمة والأولى حية لم يكن له شيء (¬3). وقال ابن الماجشون: يغرم السيد قيمة الخدمة على أقصر العمرين عمر الأمة أو عمر المخدم إن كان أعمره إياها (¬4). وإن كانت الخدمة سنين فعلى الأقصر من عمرها أو السنين (¬5)، وإن لم تكن عنده قيمة اتبع بها في ذمته، وهذا هو الأصل: أن يقضى في المنافع بالقيم، وما قيل: إنه يقضى بالمثل إما بأمة تقوم مكان الأولى أو يستأجر من القيمة من يخدم مثل تلك الخدمة، فلأن الأصل في خدمة الأولى على وجه المكارمة والمعروف، فكان الأمر فيه بخلاف ما خرج على وجه المبايعة والمكايسة، كما قيل فيمن ¬

_ (¬1) قوله: (قيل) سقط من (ف). (¬2) قوله: (إليه) سقط من (ف). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 556. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 132. (¬5) قوله: (أو السنين،) سقط من (ف).

تزوجت على عبد بعينه ثم استحق: إن الزوج يغرم مثله، بخلاف البيع، ولم يجعل للمخدم مقالًا إذا ماتت الثانية أو نقصت القيمة، وجعله حكمًا مضى، وقد اختلف في هذا الأصل، هل يرجع إلى ما يتبين من ذلك أو يمضي الحكم؟ وأن يرجع إلى ما يتبين من ذلك أحسن، والظاهر من قول ابن القاسم إذا كان معسرًا أنها تبقى في الخدمة. وقال عبد الملك: يتبعه في الذمة. وقد اختلف في هذا الأصل إذا حملت الأمة من أحد الشريكين (¬1) وهو معسر والمخدم مثله؛ لأنه (¬2) شريك بالخدمة، فقال سحنون: إذا حملت الأمة (¬3) من المخدم، فإن قلت الخدمة مثل الشهر ونحوه (¬4) حُدَّ ولم تكن الأمة (¬5) أم ولد ولم يلحق بأبيه (¬6)، وإن طال ذلك فكان تعميرًا (¬7) ما عاش أو يطول الزمان إلى ما يشبه التعمير لم يحد، ولحق به النسب، وكانت الأمة أم ولد به (¬8) إلا أن يكون معدمًا فتكون لربها، ولا تكون أم ولد، وللحق الولد بأبيه (¬9). وقال المغيرة: إذا أعمر خدمتها حياته ثم ترجع للآخر، فحملت من ¬

_ (¬1) في (ف): (السيدين). (¬2) قوله: (مثله؛ لأنه) زيادة من (ف). (¬3) قوله: (الأمة) زيادة من (ف). (¬4) قوله: (ونحوه) زيادة من (ف). (¬5) قوله: (الأمة) سقط من (ف). (¬6) قوله: (ولم يلحق بأبيه) زيادة من (ف). (¬7) في (ف): (معمرًا). (¬8) قوله: (به) ساقط من (ف). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 131، 132.

المخدم، يدرأ الحد عنه، ويلحق النسب به (¬1) وعليه قيمة الولد للذي ثبتت له الجارية بعد الخدمة (¬2). ولم يجعل الأمة أم ولد؛ لأن حق الواطئ كان في الخدمة، فهو أضعف ممن له شرك في الرقبة، وهو أحسن. تم كتاب أمهات الاولاد والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وأزواجه وسلم تسليمًا. ¬

_ (¬1) قوله: (به) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (بعد الخدمة) زيادة من (ف).

كتاب الولاء والمواريث

كتاب الولاء والمواريث النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ح) = نسخة الحسنية رقم (12929) 3 - (ر) = نسخة الحمزوية رقم (110)

باب فيمن يستحق الولاء وهل يجوز بيعه أو هبته؟ وفيمن أعتق عن غيره أو أعتق سائبة أو أعتق عن عبد غيره

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليمًا كتاب الولاء والمواريث (¬1) باب فيمن يستحق الولاء وهل يجوز بيعه أو هبته؟ وفيمن أعتق عن غيره أو أعتق سائبة (¬2) أو أعتق عن عبد غيره ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إِنَّمَا (¬3) الوَلاَءُ لمِنْ أَعْتَقَ" (¬4)، وأنه نَهَى عَنْ بَيْعِ الوَلاَءِ وَعَنْ هِبَتِهِ (¬5) فمن أعتق عبدًا كان له ولاؤه، فإن مات ¬

_ (¬1) قلت: قال في نهاية نسخة (ر): (وبالله التوفيق وحده تم كتاب الولاء والمواريث والحمد لله رب العالمين والصلاة على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وأصحابه البررة الأكرمين يتلوه كتاب العتق الأول وفي هذه النسخة تقديم وتأخير كما وجد في الأم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) وهو مثبت بآخر الكتاب. (¬2) السائبةُ: العَبْدُ يُعْتَقُ على أَن لا وَلاءَ له، انظر: لسان العرب: 1/ 477. (¬3) قوله: (إنما) زيادة من (ف). (¬4) متفق عليه , أخرجه البخاري: 2/ 757، في باب البيع والشراء مع النساء , من كتاب البيوع برقم (2048)، ومسلم: 2/ 1141، في باب إنما الولاء لمن أعتق، من كتاب العتق برقم (1504)، ومالك: 2/ 562، في باب ما جاء في الخيار، من كتاب الطلاق برقم (1170). (¬5) متفق عليه , أخرجه البخاري: 2/ 896 في باب بيع الولاء وهبته , من كتاب العتق برقم 2398، ومسلم: 2/ 1145 في باب النهي عن بيع الولاء وهبته، من كتاب العتق برقم 1506، ومالك: 2/ 782 في باب مصير الولاء لمن أعتق، من كتاب العتق والولاء برقم 1480 من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -.

ورثه، وإن قُتِلَ أخذ ديته، وإن قَتَلَ عقل عنه (¬1) قوم معتقه، والولاء كالنسب ليس للمعتق أن يزيل ذلك ببيع ولا هبة، ولا للعبد أن يجعل ولاءَه لغير من أعتقه، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ ادَّعَى (¬2) إِلَى غيرِ أَبِيهِ أَوْ تَوَلَّى غَيرَ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ الله. . ." الحديث (¬3). ولأن البيع (¬4) يتضمن وجهين: الغَرر؛ لأن البائع (¬5) ما يدري ما باع قليلًا أو كثيرًا، أو لأهل يكون أم لا؟ والربا تارة إذا كان الشراء بالعين والميراث عينًا، وبيع ما يملك غيره إن مات السيد قبل موت المعتق. وأما الهبة فلا تصح فيما يكون من الولاء بعد موت المعتق؛ لأن ذلك هبة لملك الغير. ويختلف هل يصح فيما يكون في حياة الواهب؛ لأنه وهب ما يكون من الميراث في صحته، قياسًا على من وهب في صحته ما يرث من أبيه أو غيره؟ فقد اختلف فيه , وإن وهب ذلك في مرض المولى (¬6) صحت الهبة على المشهور من المذهب. ¬

_ (¬1) قوله: (عقل عنه) يقابله في (ف): (عند) وفي (ح): (فعلى). (¬2) في (ح): (دعي). (¬3) متفق عليه, أخرجه البخاري: 3/ 1157، في باب ذمة المسلمين وجوارهم واحدة يسعى بها أدناهم، من أبواب الجزية والموادعة، برقم (3001)، ومسلم: 2/ 1146، في باب تحريم تولي العتيق غير مواليه، من كتاب العتق برقم (1370) من حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -. (¬4) في (ح): (البائع). (¬5) قوله: (لأن البائع) سقط من (ح). (¬6) قوله: (مرض المولى) يقابله في (ر): (المرض).

فصل [في ولاء العبد إذا أعتق]

فصل [في ولاء العبد إذا أعتق] والولاء لمن أعتق بخمس شروط: وهي أن يكون العبد ملكًا للمعتِق، وأعتقه عن نفسه لا عن غيره، وأن يكون المعتِق حرًّا كامل الحرية ليس بمدبَّر ولا مكاتَب ولا معتَق إلى أَجَل، ولا معتَق بعضُهُ، ويتساوى (¬1) في الدِّين -السيد والعبد- فيكونا مسلمين أو نصرانيين، فإن انخرم شيء من هذه الشروط سقط أن يكون الولاء للمعتِق، وقد يثبت تارة على اختلاف فيه. وإن كان وكيلًا على العتق (¬2) كان الولاء للسيد دون من يتولى (¬3) العتق وهو الوكيل، ومن اشترى رقبة من زكاته فأعتقها كان الولاء لجميع المسلمين دونه؛ لأن الرقبة والثمن الذي اشتريت به ليس بملك له، وإنما هو وكيل. واختلف إذا أعتق عبده عن غيره، فقال: أنت سائبة، وهو يريد بذلك العتق عن المسلمين أو قال: أنت حر عنهم، فقال ذلك جائز، والولاء للمسلمين (¬4). وقال مالك: لا يعتق أحد سائبة؛ لأن رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيع الوَلاَءِ وَعَنْ هِبَتِهِ (¬5) (¬6). ¬

_ (¬1) في (ف) و (ر): (ويتساويا). (¬2) في (ف): (المعتق). (¬3) في (ح): (توسد). (¬4) انظر: التفريع 1/ 360. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 111، وقد سبق تخريج الحديث، ص: 4095. (¬6) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 896، في باب بيع الولاء وهبته من كتاب العتق، برقم (2398)، ومسلم: 2/ 1145، في باب النهي عن بيع الولاء وهبة من كتاب العتق, =

وقال ابن القاسم: لا يعتق للحديث، فإن فعل (¬1) كان الولاء لهم (¬2). وقال ابن نافع وابن الماجشون: الولاء للمعتِق دون المسلمين (¬3). وعلى هذا يجري الجواب إذا أعتق رجل عبده عن رجل بعينه -حي أو ميت- فيجوز على أحد الأقوال، ويكره على قول مالك وابن القاسم في السائبة (¬4)، فإن فعل مضى، وكان الولاء للمعتق عنه، ويمنع على قول مطرف وابن الماجشون، فإن فعل كان (¬5) الولاء للسيد دون المعتق عنه (¬6). فَحُمِلَ الحديث في القول الأول: "الوَلاَءُ لمِنْ أَعْتَقَ" (¬7) أن ذلك إذا أعتق عن نفسه، فإن أعتق عن غيره كان كالوكيل، ويؤيد ذلك ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أجاز الصوم والحج عن غيره (¬8)، وحمله في القول الآخر على العموم، أعتق عن نفسه أو عن غيره، وفارق الوكيل؛ لأن الوكيل غير مالك ¬

_ = برقم (1506)، ومالك في الموطأ: 2/ 782، في باب مصير الولاء لمن أعتق، من كتاب العتق والولاء، برقم (1480). (¬1) قوله: (فعل) سقط من (ف). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 239، وانظر البيان والتحصيل: 15/ 111. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 239. (¬4) في (ف): (السليمانية). (¬5) قوله: (كان) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (عنه) ساقط من (ف). (¬7) سبق تخريجه في أول كتاب الولاء والمواريث، ص: 4095. (¬8) حديث الصوم عن الغير أخرجه البخاري: 2/ 690، في باب من مات وعليه صوم، من كتاب الصوم، برقم (1852)، ومسلم: 2/ 804، في باب قضاء الصيام عن الميت، من كتاب الصيام برقم (1148) من حديث عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -. وأما حديث الحج عن الغير فأخرجه مسلم: 2/ 973، في باب الحج عن العاجز لزمانة وهرم ونحوهما أو للموت، من كتاب الحج برقم (1334) من حديث عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -.

فصل [في الولاء لمن أعتق عن عبد غيره]

وهذا مالك، ولم يمكن المعتق عنه من ملكه (¬1)، ولو أراد ذلك المعتق عنه لم يعطه إياه، إلا أن يمكنه (¬2) منه ثم يأمره الموهوب له أن يعتقها عنه، والقول أن الولاء يكون (¬3) للمعتق عنه أبين (¬4)، وقد نحو النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أزواجه البقر (¬5) بغير أمرهن (¬6). ومن قال: أنت حر عني وولاؤك لفلان، أو قال: أنت حر -ولم يقل: عني- كان الولاء له، وقوله: "عن فلان" باطل، وإن قال: "أنت حر عن فلان وولاؤك لي" كان الو لاء لفلان، وقوله: "وولاؤك لي" (¬7) باطل (¬8). فصل [في الولاء لمن أعتق عن عبد غيره] ومن أعتق عن عبد غيره كان الولاء لسيد المعتق عنه ما دام المعتق عنه عبدًا. واختلف إذا أُعْتِق، فقال ابن القاسم: لا يعود إليه ذلك الولاء (¬9). ¬

_ (¬1) في (ر): (ملك العبد المعتق). (¬2) في (ر): (يكون هذا قد مكنه). (¬3) قوله: (يكون) زيادة في (ر). (¬4) في (ف): (أحسن). (¬5) في (ر): (عن المتعة). (¬6) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 611، في باب ذبح الرجل البقر عن نسائه من غير أمرهن، من كتاب الحج، برقم (1623)، ومسلم: 2/ 870، في باب بيان وجوه الإحرام وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع والقران وجواز إدخال الحج على العمرة ومتى يحل القارن من نسكه، من كتاب الحج، برقم (1211)، ومالك: 1/ 393، في باب ما جاء في النحر في الحج، من كتاب الحج، برقم (881) من حديث عائشة - رضي الله عنها -. (¬7) قوله: (وولاؤك لي) يقابله في (ح): (عني). (¬8) النوادر والزيادات: 13/ 238. (¬9) انظر: المدونة: 2/ 559.

وقال أشهب: يعود إليه، وهو أحسن؛ لأن سيده لم يكن مَلَكَه، وإذا لم يتقدم له فيه ملك كان الولاء للمعتق عنه، وهو بمنزلة من أعتق عبدًا مسلمًا عن نصراني، فولاؤه للمسلمين ما كان (¬1) نصرانيًّا، فإن أسلم رجع إليه ولاؤه. ¬

_ (¬1) في (ر): (دام المعتق عنه).

باب فيمن أعطى مالا لرجل على أن يعتق عبده أو يدبره أو يكاتبه أو يتخذ الأمة أم ولد

باب فيمن أعطى مالًا لرجل على أن يعتق عبده أو يدبره أو يكاتبه أو يتخذ الأمة أم ولد ومن أعطى لرجل مالًا على أن يعتق عبده بتلًا جاز (¬1) كان المال نقدًا أو إلى أجل (¬2). واختلف إذا أعطاه ذلك (¬3) ليعتقه إلى أجل أو ليدبره أو ليكاتبه (¬4) أو ليتخذ الأمة أم ولد فقال ابن القاسم: لا خير فيه؛ لأنه إن مات العبد قبل أن يصير إلى الحرية ذهب المال باطلًا (¬5). قال محمد: فإن فعل رد المال، ولزم السيد ما عقد للعبد. وقال أشهب: يمضي ذلك ويتبع السيد الرجل بما ألزم نفسه (¬6). وقال سحنون: يوقف المال، فإن صار العبد إلى الحرية أخذه السيد، وإن مات العبد قبل ذلك رد المال إلى معطيه (¬7). وقول أشهب أحسن؛ لأن هذا مما يراد به المعروف والتعاون على الخير، ليس المكايسة وقد قال (¬8) مالك فيمن أعطى لرجل فرسًا على أن يحبسه ¬

_ (¬1) قوله (جاز) ساقط من (ر). (¬2) انظر المدونة: 2/ 559. (¬3) قوله (ذلك) ساقط من (ف). (¬4) قوله (أو ليكاتبه) زيادة في (ر). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 559. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 20. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 263. (¬8) قوله (أشهب أحسن. . . وقد قال) سقط من (ف).

سنة (¬1) ويقوم عليه، ثم هو له بتلًا: لا ينبغي؛ لأنه لا يدري هل يسلم أم لا (¬2) فإن لم يسلم ذهبت نفقته باطلًا، ثم أمضاه إذا فات وغلب المعروف (¬3). وأجاز ذلك ابتداءً في مختصر ابن عبد الحكم فإذا جاز ذلك فيمن ينفق ليكون له العوض ولا يدري هل يسلم أم لا -كان من دفع مالًا على ألا يأخذ عوضًا في الجواز أبين، بخلاف من باع عبدًا على أحد هذه الشروط، فإذا قارنت البيع جرت على أحكام البياعات الفاسدة، ويختلف على هذا إذا أعطى مالًا لمن يكاتب عبده فكاتبه، فقال ابن القاسم في المدونة: الكتابة غير (¬4) جائزة، ولم ير عقد الكتابة فوتًا (¬5) كالتدبير (¬6)، وعلى قول أشهب يجوز ذلك، وعلى قول سحنون يوقف المال، فإذا أدى صح وإن عجز رده. ¬

_ (¬1) في (ف): (أعوامًا سماها). (¬2) قوله: (أم لا) سقط من (ح). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 422. (¬4) قوله: (غير) سقط من (ف). (¬5) قوله: (فوتًا) سقط من (ح). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 559.

باب في المرأة تتزوج العبد ثم تعطي لسيده مالا على أن يعتق

باب في المرأة تتزوج العبد (¬1) ثم تعطي لسيده (¬2) مالًا على أن يعتق وإذا تزوجت الحرة عبدًا، ثم أعطت لسيده مالًا على أن يعتقه -جاز، فإن لم تقل: "عني" كان الولاء للسيد، والزوجة على حالها، وإن قالت: "عني" كان الولاء لها. واختلف في النكاح فقال ابن القاسم: يفسخ النكاح (¬3) لأنها اشترته (¬4). وقال أشهب: لا يفسخ (¬5). وهو أبين؛ لأنها لم تشتره، وإنما أعطت المال على إيقاع العتق وكذلك إذا كان العتق بغير مال، فإن قالت أعتقه ولم تقل عني ففعل كان الولاء له (¬6) والنكاح ثابت، وإن سألته أن يعتقه عنها كان الولاء لها، وانفسخ النكاح على قول ابن القاسم؛ لأنها استوهبته على قوله، ولم يفسخ عند أشهب، وإن كان العتق عنها بغير أمرها كان الولاء لها (¬7) والنكاح ثابت قولًا واحدًا. ¬

_ (¬1) قوله: (العبد) سقط من (ف). (¬2) قوله: (لسيده) سقط من (ف). (¬3) قوله: (النكاح) زيادة في (ح). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 560. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 241. (¬6) قوله: (له) سقط من (ف). (¬7) قوله: (له) سقط من (ر).

باب في ولاء من أعتقه النصراني من نصراني أو مسلم بتلا أو إلى أجل أو دبره أو كاتب أو أولد

باب في ولاء من (¬1) أعتقه النصراني من نصراني أو مسلم بتلًا أو إلى أجل أو دبره أو كاتب أو أولد وإذا أعتق النصراني عبدًا نصرانيًّا كان له ولاؤه، ويرثه ويعقل (¬2) عنه أهل جزيته، وإن مات السيد المعتِق قبل ثم مات العبد المعتَق (¬3) كان ميراثه لولد معتقه أو غيره (¬4) ممن له الولاء عند أهل دينه. واختلف إذا لم يكن له قريب من أهل دينه، فقال مالك في المدونة: ميراثه لجماعة المسلمين (¬5)، وقال في كتاب محمد: ميراثه لأهل دينه (¬6) وأهل جزيته (¬7). وإن أسلم العبد المعتق في حياة سيده لم ينتقل عنه ولاؤه، فإن كان لسيده ولد مسلم أو أخ أو عم أو ابن عم كان ميراثه له، وعقله على قوم (¬8) سيده إن كان من العرب أو من غيرهم ممن لم ينسب لهم يتعاقلون به، وإن لم يكن لسيده أحد مسلم كان ميراثه لبيت المال وعقله عليه. ¬

_ (¬1) في (ر): (ما). (¬2) في (ح): (ويعتق). (¬3) قوله: (قبل ثم مات العبد المعتَق) سقط من (ح). (¬4) قوله: (غيره) زيادة في (ح). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 560. (¬6) قوله: (واختلف إذا لم يكن له قريب من أهل دينه، فقال مالك في المدونة: ميراثه لجماعة المسلمين وقال في كتاب محمد: ميراثه لأهل دينه) سقط من (ح). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 258. (¬8) في (ح): (قرابة).

وإن كان له ولد مسلم أو أخ أو عم (¬1) أو ابن عم ولا عاقلة له كان ميراثه لمن هو مسلم ممن ذكرنا، وعقل جميعهم على بيت المال، وإن أسلم السيد بعد إسلام العبد المعتَق رجع إليه ولاؤه، وكان أحق به دون من كان يرثه لو لم يسلم، وإن أعتق النصراني عبدًا مسلمًا لم يكن له ولاؤه، ولم يجز ذلك لولده -إن كان له ولد مسلم- ولا لغيره، ولم يرجع إليه ولاؤه إن أسلم هو، وهذا قول مالك (¬2). والقياس أن يرجع إليه ولاؤه ويجزئه لولده؛ لأن العتق كالنسب، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الوَلاءُ لمِنْ أَعْتَقَ" (¬3) وهذا مُعتِق، وقد قال ابن المواز (¬4) في مسلم له عبد نصراني وللعبد عبد مسلم فأعتقه بغير علم (¬5) سيده ولم يعلم حتى أعتق المسلم (¬6) عبده النصراني، ثم مات العبد المعتق المسلم عن مال، فقال: ميراثه للسيد المسلم (¬7) الأعلى (¬8). فإذا صح أن يجره إلى السيد الأعلى دون جميع المسلمين صحَّ أن يجره لولده المسلم ويرجع إليه إذا أسلم؛ لأنه قال في عبدٍ أعتق بغير إذن سيده فلم يعلم سيده حتى أعتق العبد الأعلى قال: ولاء العبد الأوّل للعبد الثاني (¬9) الذي كان ¬

_ (¬1) قوله: (أو عم) سقط من (ر). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 565. (¬3) سبق تخريجه في أول كتاب الولاء والمواريث، ص: 4095. (¬4) في (ف): (ابن القاسم). (¬5) في (ح): (إذن). (¬6) قوله: (المسلم) سقط من (ر). (¬7) في (ر) و (ف): (للمسلم). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 258. (¬9) قوله: (الثاني) زيادة في (ف).

فصل [فيمن يرث العبد المعتق إذا كان ذميا]

أعتقه دون (¬1) سيده. وإن أعتق المسلم نصرانيًّا وللسيد قرابة نصارى ورثوه إن مات؛ لأن الولاء كالنسب ووقف فيها محمد (¬2). فصل (¬3) [فيمن يرث العبد المعتق إذا كان ذميًّا] واختلف إذا كان للعبد المعتق قرابة نصارى فقال مالك في كتاب محمد: لا يرثه أحد من ورثته ممن هو على دينه إلا أن يسلم و (¬4) يسلموا، وإنما يجعل ماله في بيت المال وقال أيضًا: يرثه ولده. وقال أيضًا: أما الولد والوالد فنعم يرثونه. وقال مرة: يرثه إخوته، وقال ابن القاسم: يرثه قرابته كلهم، فإن لم تكن قرابة فبيت المال، وهو ظاهر قول مالك في المدونة (¬5). وقال ابن سحنون: لا يرثه من رحمه إلا من أعتقه مسلم (¬6). يريد: ليكونا لا جزية عليهما، وإن كان ذميًّا لم يتوارثا؛ لأن هذا عليه جزية وهذا لا جزية عليه. وقال المغيرة في العتبية: لا يرثه مولاه أبدًا (¬7)، إن لم يكن له (¬8) أحد من الناس فمن (¬9) أخذ ميراثه من النصارى لم يعرض له، فمن أخذه وقال: إنا نتوارث (¬10) ¬

_ (¬1) قوله: (دون) سقط من (ف). (¬2) النوادر والزيادات: 13/ 258. (¬3) قوله: (فصل) ساقط من (ح). (¬4) في (ف): (أو). (¬5) انظر تفصيل الأقوال في النوادر والزيادات: 13/ 257، والمدونة: 2/ 576. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 257. (¬7) قوله: (لا يرثه مولاه أبدًا) زيادة في (ر). (¬8) في (ر): (معه). (¬9) في (ح): (قيل). (¬10) (في (ر): (نوارث).

فصل [في ولاء وميراث العبد النصراني إذا أعتقه سيده النصراني ثم أسلما]

وأهل ديننا هكذا -لم يُحَل بينه وبينه، فإن أسلموه (¬1) ولم يطلبه منهم أحد جُعِل في بيت المال معزولًا، ولا يكون فيئًا حتى يرثه الله أو يأتي طالبه (¬2). واختلف إذا لم تكن قرابة نصارى فقال مالك مرة (¬3): ميراثه للمسلمين وعليهم جنايته (¬4). وقال ربيعة في كتاب ابن سحنون: ميراثه لسيده وإنما يرثه بالرق، وإن كان يرثه المسلمون فيرثه الذي أعتقه قال: وهو قول عمر بن عبد العزيز والليث (¬5). فصل [في ولاء وميراث العبد النصراني إذا أعتقه سيده النصراني ثم أسلما] وإذا عقد النصراني في عبده النصراني (¬6) عتقًا بتلًا أو إلى أجل أو تدبيرًا أو كتابة، أو إيلادًا (¬7) ثم أسلموا وصاروا إلى الجزية، أو صاروا إلى الحرية (¬8) ثم أسلموا- لم ينتقل الولاء عن سيدهم، وعاد الجواب في الميراث إلى ما تقدم، يرثه من كان مسلمًا من نسبه، فإن لم يكن فنسب سيده، فإن لم يكن فبيت المال. ¬

_ (¬1) في (ف): (أسلموا). (¬2) في (ح): (الله طالب)، انظر: البيان والتحصيل: 14/ 490، 491. (¬3) قوله: (مرة) زيادة في (ر). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 576. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 257. (¬6) قوله: (النصراني) سقط من (ف). (¬7) في (ف): (أولاد). (¬8) قوله: (أو صاروا إلى الحرية) سقط من (ر) و (ف).

فصل [في ولاء وميراث عبد نصراني كاتبه مسلم ثم كاتب المكاتب عبدا له نصرانيا ثم أسلم الأخير]

ويختلف إذا عقد ذلك فيهم وهم مسلمون، هل يكون الولاء للسيد ويرثهم إن أسلم أو (¬1) يجر ذلك إلى ورثته المسلمين؟ وقد تقدم ذلك. فصل [في ولاء وميراث عبد نصراني كاتبه مسلم ثم كاتب المكاتبُ عبدًا له نصرانيًّا ثم أسلم الأخير] وإذا كاتب المسلم عبدًا نصرانيًّا، ثم كاتب المكاتب عبدًا له نصرانيًّا (¬2)، ثم أسلم المكاتب الأسفل بيعت كتابته من مسلم، فإن غفل عن ذلك حتى أدَّيَا جميعًا عَتَقا وكان ولاء (¬3) كل واحد منهما (¬4) لمن عَقَدَ له (¬5) الكتابة. ويختلف الحكم في الميراث فميراث المكاتب الأعلى للمسلمين؛ لأنه كافر وسيده مسلم، وميراث الأسفل للسيد الأعلى؛ لأنهما مسلمان، وهذا مع عدم النسب من المكاتبين، فإن كان للأسفل نسب مسلم بدئ به، فإن عدم فمن كان مسلمًا من نسب سيده، فإن عدم فسيد سيده، (¬6) فإن لم يكن فنسبه، ويختلف في نسب المكاتب الأعلى هل يرثه (¬7)؟ وقد تقدم (¬8). ¬

_ (¬1) في (ف): (إذ). (¬2) قوله: (ثم كاتب المكاتب عبدًا له نصرانيًّا) سقط من (ف). (¬3) قوله: (ولاء) سقط من (ح). (¬4) قوله: (منهما) سقط من (ف). (¬5) قوله: (لمن عَقَدَ له) سقط من (ر). (¬6) قوله: (فإن عدم فسيد سيده) يقابله في (ف): (فإن لم يكن فسيده). (¬7) في (ح): (يرثونه). (¬8) قوله: (وقد تقدم) سقط من (ف).

باب في ولاء من أعتقه العبد أو المدبر أو أم الولد والمكاتب والمعتق إلى أجل والمعتق بعضه

باب في ولاء من أعتقه العبد أو المدبر أو أم الولد (¬1) والمكاتب والمعتق إلى أجل والمعتق بعضه عتق العبد عبده (¬2) على ستة أوجه: أحدها: أن يعتق بإذن سيده. والثاني: أن يعتق بغير إذنه فيجيز. والثالث: أن يعلم السيد بعتقه، فلا يجيز ولا يرد حتى يعتق العبد الأعلى. والرابع: ألا يعلم حتى يعتق العبد (¬3) الأعلى. والخامس: أن يعتق العبد عبده بعتق نفسه، فيقول: إن أُعْتِقْتُ أنا فأنتَ حرٌّ. والسادس: أن يعتقه إلى أجل فلا يأتي ذلك الأجل حتى يعتق العبد المعتق. فإن أعتق العبد عبده بإذن سيده أو بغير إذنه فأجاز السيد (¬4) كان الولاء لسيده، ولم يرجع إلى العبد إن أعتق. واختلف إذا علم السيد (¬5) بعتقه فلم يُجز ولا يرد حتى أعتقه فقال في كتاب محمد: الولاء للعبد، وقال ابن الماجشون في المبسوطة: الولاء للسيد الأعلى (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (أو أم الولد) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (عبده) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (العبد) زيادة من (ح س). (¬4) في (ر): (ذلك). (¬5) في (ف): (سيده). (¬6) النوادر والزيادات: 13/ 247.

ويختلف إذا لم يعلم السيد حتى قال العبد لعبده: يوم أُعْتَقُ فأنت حرٌّ، ثم (¬1) أعتق العبد المعتق فقال مالك في المدونة: الولاء للعبد دون سيده (¬2). وقد قيل في هذا الأصل إنه يكون عتيقًا من يوم كان أعتق، فيكون الولاء للسيد الأعلى. واختلف إذا قال العبد لعبده (¬3): يوم أعتق فأنت حر، أو قال: اخدمني عشر سنين وأنت حر، فيعتق العبد الأعلى قبل انقضاء العشر سنين فقال ابن القاسم في العتبية: الولاء للعبد، وقال ابن نافع: الولاء للسيد (¬4). فوجه القول الأول أن العتق لم يثبت للعبد الأسفل إلا بعتق معتِقه، فهما عتقان منبتٌّ (¬5) ومخير فيه، ولم (¬6) يرتفع الخيار إلا بتقدم الانبتات، ووجه القول الآخر أن عقد العتق في عبد العبد متقدم على عتق (¬7) سيده، وقد اختلف في هذا الأصل إذا تزوج العبد بغير إذن سيده، أو المرأة بغير إذن وليها، ثم أجاز السيد (¬8) أو الولي بعد دخول الزوج فقال أشهب: يُحِلُّ ويُحْصِن بتلك الإصابة التي تقدمت الإجازة، وكأنه لم يزل مجُازًا (¬9). ¬

_ (¬1) قوله: (قال العبد. . . فأنت حر، ثم) زيادة من (ر). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 570. (¬3) قوله: (لعبده) ساقط من (ح س). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 14/ 516. (¬5) قوله: (منبتٌّ) سقط من (ح). (¬6) في (ف): (وإن لم). (¬7) قوله: (عتق) سقط من (ف). (¬8) في (ف): (الزوج). (¬9) في (ر): (مجيزًا).

فصل [في ولاء من أعتق المدبر وأم الولد والمعتق بعضه والمعتق إلى أجل]

فصل [في ولاء من أعتق المدبر وأم الولد والمعتق بعضه والمعتق إلى أجل] ولاء من أَعْتَقَ المدبرُ وأمُّ الولدِ في صحة السيد إلى السيد، ولا يرجع إليهما. واختلف إذا كان ذلك في مرض السيد (¬1) فقيل: الولاء للسيد، صح أو مات. وقيل: الولاء لهما إذا صارا إلى العتق، وقيل (¬2): إن صحَّ السيد كان الولاء له، وإن مات كان الولاء للمدبر وأم الولد (¬3) والمكاتب (¬4). والأول أحسن؛ لأنهما في حن العتق على الرق حقيقة، ولم يصر إلى الحرية، وإن لم يكن للسيد انتزاع المال منهما (¬5)، وليس بمنزلة المكاتب؛ لأن المكاتب قد اشترى نفسه، وإنما هو الآن مطالب بدين، وقد حاز نفسه عن سيده، ولو كانت أمة لم تحل للسيد بخلاف المدبرة وأم الولد. واختلف في المعتق بعضه يعتق عبده بإذن من له فيه الرِّقُّ، ثم يموت المعتَق عن مال قبل أن يَتِمَّ عِتْق مُعْتِقِهِ أو بعد أن صار جميعه حرًّا، فقال ابن القاسم في العتبية: إذا مات المعتَق قبل أن تتم حرية معتِقِهِ فولاؤه بَيْن (¬6) المتمسك بالرِّقِّ وبين الذي أعتق النصف من سيده، وفي سماع يحيى بن يحيى: ¬

_ (¬1) قوله: (السيد) سقط من (ف). (¬2) من قوله: (صح أو مات. . . إلى العتق، وقيل:) سقط من (ر). (¬3) قوله: (وأم الولد) سقط من (ف). (¬4) قوله: (والمكاتب) سقط من (ر). (¬5) قوله: (منهما) زيادة في (ر). (¬6) قوله: (بين) سقط من (ف).

فصل [في عتق المكاتب عبده وفي ميراثه إذا مات]

إنه للمتمسك بالرِّقِّ وحده، وهو أحق بميراث مواليه من الشريك المعتق، وإن أعتق بقية العبد المعتق رجع إليه ولاء معتقه (¬1). قال محمد: لأن المتمسك بالرق لم يكن يقدر على انتزاع ماله قال: وكذلك المكاتب والمعتق إلى أجل إذا اقترب أجله. وقال أشهب في كتاب محمد: لا يرجع إليه الولاء (¬2) وإن استكمل عتق نفسه، والأول أحسن؛ لأن السيد لم يكن يملك انتزاع ماله. ويختلف في عتق المعتق إلى أجل إذا قرب الأجل، وكان عتقه بإذن سيده. وأرى: ألا يرجع إليه الولاء؛ لأن للسيد أن ينتزع ماله، وإن قرب الأجل على الصحيح من القولين. فصل [في عتق المكاتب عبده وفي ميراثه إذا مات] ولا يجوز للمكاتب أن يعتق بغير إذن سيده، قال ابن القاسم: وللسيد أن يرد عتقه إذا فعل (¬3). ولا أرى أن يعجل برد عتقه، ويوقف فلا يمضي ولا يرد، فإن قضى كتابته مضى، وإن عجز أو خيف عليه العجز رد ليقضي من ثمنه، إلا أن يكون المكاتب قليل المال ويَضُرُّ بِهِ وَقْفُهُ في سِعايته فيرد الآن، وعتقه بإذن سيده جائز إذا كان موسرًا. ويختلف إذا كان يخاف عليه العجز هل يمضي عتقه قياسًا على من رضي بالعجز وله مال ظاهر، وإذا صح عتقه كان ولاء معتقه مترقبًا، فإن أدَّى كان ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 52. (¬2) قوله: (الولاء) سقط من (ر). (¬3) قوله: (إذا فعل) زيادة في (ر)، وانظر: النوادر والزيادات: 13/ 249.

الولاء له (¬1)، وإن عجز كان الولاء (¬2) لسيده الأعلى. وكذلك إن مات المعتق قبل العجز وقبل الأداء كان ميراثه للسيد الأعلى ما لم يكن له نسب يوارثه، فيبدأ به قبل السيد. ولا شيء لولد المكاتب ولا لذوي نسبه، ولا يجر إليه الولاء إلا (¬3) بعد أن يستكمل الحرية ويبتدئ بمن بينه وبين الميت نسب، فإن لم يكن فنسب سيده (¬4)، فإن لم يكن فنسب سيد سيده (¬5). وإن مات المكاتب وخلف أولادًا في كتابته وأولادًا أحرارًا أو موالي (¬6) كان ميراثه نفسه لولده الذين في كتابته للذكر مثل حظ الأنثيين، وإن كانت بنتًا كان لها (¬7) النصف والباقي للسيد، وإن مات بعد أن صار إلى الحرية كان ميراثه لجميع ولده الذين كانوا في كتابته وغيرهم؛ لأنهم يرثونه بالنسب والسيد بالولاء، والنسب مقدم على الولاء. وإن مات بعد ذلك الولد الذي كان معه (¬8) في الكتابة كان ميراثه لأخيه الذي كان حرًّا دون مولاه. وإن مات الولد الحر قبل أن يصير الأب إلى الحرية كان ميراثه لبيت المال دون مولى (¬9) أبيه، فإن كان موته بعد أن صار الأب إلى الحرية كان ميراثه لسيد ¬

_ (¬1) قوله: (له) ساقط من (ح). (¬2) قوله: (الولاء) زيادة من (ح). (¬3) قوله: (إلا) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (فإن لم يكن فنسب سيده) ساقط من (ح). (¬5) قوله: (فإن لم يكن فنسب سيد سيده) سقط من (ف)، وانظر المدونة: 2/ 572. (¬6) في (ف): (مماليك). (¬7) قوله: (لها) سقط من (ف). (¬8) قوله: (معه) زيادة في (ح). (¬9) في (ف): (موالي).

فصل [في المكاتب يعتق عبده على مال بيد العبد]

أبيه بجر الأب، وإن مات مولاه قبل أداء الكتابة كان ميراثه لسيد المكاتب. واختلف إذا مات المكاتب وهو في الكتابة ثم أدى ولده الكتابة ثم مات المولى، فقال مالك: ميراثه لولد سيده (¬1). وقال عبد الملك في كتاب محمد (¬2): ميراثه للسيد دون الولد الذين كانوا معه (¬3) في كتابته (¬4). وإذا مات المكاتب بعد أن أدى الكتابة ثم مات مولاه كان ميراثه للولد الذين كانوا معه في الكتابة دون السيد. واختلف عن مالك هل يدخل معهم الأولاد الأحرار؟ فقال في كتاب المدنيين: لا يدخلون معهم مثل قوله في المدونة، ثم رجع فقال: يدخلون معهم. فصل [في المكاتب يُعْتِق عبده على مال بيد العبد] ولا يجوز للمكاتب أن يعتق عبده على مال بيد العبد؛ لأن له انتزاعه من غير عتق، ولا بأس إذا كان يأتيه (¬5) به (¬6) من غيره، وكان كفافًا لقيمته، وكذلك لو قال رجل (¬7) لعبد: أعتق عبدك على كذا (¬8) وهو كفاف بقيمته، والولاء لسيد ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 573. (¬2) قوله: (في كتاب محمد:) سقط من (ف). (¬3) قوله: (معه) زيادة في (ف). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 249. (¬5) قوله: (كان يأتيه) يقابله في (ح): (كاتبه). (¬6) قوله: (به) سقط من (ف). (¬7) قوله: (رجل) سقط من (ح). (¬8) في (ف): (عبدي)، وفي (ح): (كذا وكذا).

العبد إلا أن يقول: "عني"، وإن كان في (¬1) ذلك محاباة افترق الجواب فقال محمد: إن لم يقل: "عني" كان سيد العبد بالخيار بين أن يمضي العتق بذلك المال أو يرد العتق ويرد المال، وإن قال: "عني" وكان العبد مأذونًا له أتم (¬2) معطي المال القيمة، وإن كان معسرًا بيع من العبد المعتق بتمام القيمة وأعتق ما بقي إلا أن يشاء السيد أن يتبع المشتري بذلك، وإن كان غير مأذون له كان السيد بالخيار بين أن يمضي البيع بما بيع (¬3) به وإن قل، أو يرد البيع وينقض العتق ويرد المال، وليس له أن يمضي العتق ويأخذ المحاباة (¬4). وإن أعتق المكاتب عبدًا بغير إذن سيده ثم مات المعتَق عن مال، ثم علم سيد المكاتب فإن رَدَّ عتقَهُ كان ميراثه للمكاتب بالرِّقِّ. واختلف إذا أجاز فقال محمد: يرث الميت ورثة نفسه الأحرار، فإن لم يكونوا (¬5) فسيد سيده (¬6). وقيل: ميراثه لسيد سيده دون ورثته الأحرار؛ لأن إجازة السيد كعتق مبتدأ. ¬

_ (¬1) قوله: (في) سقط من (ف). (¬2) في (ح): (ثم). (¬3) في (ح): (بلغ). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 466. (¬5) في (ف) و (ح): (لم يكن). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 249.

باب في العبد والمدبر وأم الولد والمعتق إلى أجل والمكاتب يدبر عبده

باب في العبد والمدبر وأم الولد والمعتق إلى أجل والمكاتب يدبر عبده وإذا دبر العبدُ أمتَهُ بإذن سيده أو بغير إذنه، فأجاز ذلك السيد (¬1) كان ذلك انتزاعًا، والولاء للسيد الأعلى، والأمة معتقة إلى أجل من رأس مال السيد الحر، والمعتق معلق (¬2) بحياة العبد، ولا يحل للعبد ولا لسيده أن يصيبها. ويختلف إذا دبرها بغير إذن سيده فلم يعلم حتى أعتق العبد، فعلى القول أن الولاء للعبد تكون مدبرة معتقة من ثلثه والولاء له، ويجوز له أن يصيبها، وعلى القول أن الولاء للسيد الأعلى تكون معتقة إلى أجل. وإن دَبَّر المدبَّرُ أمةً في صحة سيده بإذنه أو بغير إذنه، فأجاز السيد (¬3) كانت معتقة إلى أجل، وإن دبرها في مرض سيده، ومات من مرضه ذلك، وحملها الثلث، كانت مدبرة تعتق من ثلثه، ويجوز له أن يصيبها. وكذلك المعتق إلى أجل إن دبر قبل أن يقرب الأجل بإذن سيده كان انتزاعًا (¬4)، وكانت معتقة إلى أجل. وإن قرب الأجل ومنع السيد انتزاع ماله كانت مدبرة، فإذا انقضى الأجل أعتقت بموته من ثلثه. وإن دبرت أم الولد في صحة سيدها بإذنه كان معتقًا إلى أجل من رأس مال السيد الأعلى، والعتق معلق بحياتها، وإن دبرت في مرضه كان مدبرًا معتقًا ¬

_ (¬1) قوله: (ذلك السيد) سقط من (ر). (¬2) قوله: (معلق) سقط من (ح). (¬3) قوله: (السيد) زيادة في (ر). (¬4) قوله: (كان انتزاعًا) سقط من (ح).

من ثلثها. وإذا أعتقت أم الولد بعد موت سيدها عبدًا ثم ماتت ثم مات المولى -كان ولاؤه لولدها دون ولد سيدها، فإن لم يكن لها ولد فولد سيدها (¬1)؛ لأن ولدها يأخذ بالنسب، وولد سيدها يأخذ (¬2) بالولاء. وإن دبر المكاتب أمة كان سيده بالخيار بين أن يجيز أو يرد، وهو قول ابن القاسم، فإن أجاز منع المكاتب منها، خوف أن يعجز فتكون (¬3) معتقة إلى أجل فلا تحل لواحد منهما، وإن أدى كتابته كانت مدبرة تعتق من ثلثه، ولم يمنع منها. وإن دبر المعتق بعضه بإذن من له فيه الرق كانت مدبرة؛ لأنه ليس للسيد أن ينتزع ماله، ويجوز له أن يصيبها، فإن مات المعتق بعضه أعتقت من ثلثه، وأخذ المتمسك بالرق الباقي وهو الثلثان إذا مات المعتق بعضه قبل أن تتم حريته (¬4). وكل موضع يصح فيه التدبير يكون الولاء للسيد الأسفل، وكل موضع لا يصح فيه التدبير ويكون معتقًا إلى أجل يكون الولاء فيه للسيد الأعلى. ¬

_ (¬1) قوله: (فولد سيدها) يقابله في (ف): (فذلك لسيدها). (¬2) قوله: (يأخذ) زيادة في (ر). (¬3) في (ف): (فتصير). (¬4) في (ح): (حرمته).

باب في النصراني يعتق عبدا نصرانيا ثم يسلم العبد ويهرب سيده إلى أرض الحرب ثم يسبى

باب في النصراني يعتق عبدًا نصرانيًّا ثم يسلم العبد ويهرب سيده إلى أرض (¬1) الحرب ثم يسبى وإذا أعتق النصراني عبدًا نصرانيًّاَ، ثم أسلم العبد ونقض سيده العهد وهرب إلى أرض (¬2) الحرب ثم سباه المسلمون -لم يرجع إليه ولاء ذلك العبد؛ لأن السيد عبد كافر، إلا أن يعتق ويسلم فيرجع إليه ولاؤه ويرثه، وإن أسلم ولم يعتق رجع إليه ولاؤه ولم يرثه، وإن أسلم وأعتق رجع إليه ولاؤه وورثه، ولم يجر الولاء لمن أعتقه، ولا ولاء لولد كان ولد له قبل أن يؤسر. وفي كتاب محمد: يجرهم إلى من أعتقه فإن ولد له بعد ذلك أو أعتق كان ولاؤهم (¬3) لمن أعتقه (¬4). وقال ابن القاسم في حربية قدمت بأمان فأسلمت: ولاؤها للمسلمين، فإن سبي ولدها بعد ذلك فأعتق وأسلم جر ولاءها (¬5) لمن أعتقه (¬6). وقال سحنون: لا يجره (¬7). ¬

_ (¬1) في (ح): (دار). (¬2) في (ح): (دار). (¬3) في (ح): (ولاؤه). (¬4) النوادر والزيادات: 13/ 261. (¬5) في (ف): (ولاؤه). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 572، والنوادر والزيادات: 13/ 261. (¬7) النوادر والزيادات: 13/ 261.

باب فيمن شهد بعتق فردت شهادته ثم اشتراه أو اشترى عبدا ثم أقر أن بائعه أعتقه، أو أمة ثم أقر أنها أم ولد

باب فيمن شهد بعتق فردت شهادته ثم اشتراه أو اشترى عبدًا ثم أقر أن بائعه أعتقه، أو أمة ثم أقر أنها أم ولد ومن اشترى عبدًا ثم أقر أن البائع كان أعتقه وكذبه البائع كان حرًّا، وكان (¬1) ولاؤه للبائع والثمن لازم له، فإن مات العبد عن مال كان للمشتري الأقل مما ترك أو الثمن، فإن كان ما تركه أقل لم يكن له سواه، وإن كان الثمن أقل أخذه المشتري وأخذ البائع الفضل إن اعترف بالعتق، وإلا تصدق به. وإن مات البائع ثم مات العبد كان للمشتري الأقل من ثلث ما خلف العبد أو السيد أو الثمن، فإن كان الذي خلفه المولى أقل قال (¬2) ورثة السيد: نحن على ما مات (¬3) عليه أبونا أنه لم يعتق، فإن كان الثمن أقل قالوا: نحن نصدقك فخذ ثمنها، وإن كان الذي خلفه السيد أقل كان لهم تصديقه، وإن كان ورثة البائع رجالًا ونساء كان للمشتري الأقل من ثلث ما خلفه العبد أو الثمن أو ما ينوب الذكران من الميراث (¬4). وقيل في هذا الأصل يأخذ (¬5) جميع الثمن؛ لأنهم مقرون أن الذي أخذه الأب أخذه بغير وجه، وأنه الآن دين عليه، ولا يصح ميراث إلا بعد قضاء (¬6) دينه، وإن كان ¬

_ (¬1) قوله: (كان) سقط من (ف). (¬2) قوله: (قال) سقط من (ح). (¬3) قوله: (مات) سقط من (ح)، وفي (ف): (كان). (¬4) في (ف): (الإناث). (¬5) قوله: (يأخذ) زيادة في (ر). (¬6) في (ر): (فضل).

ورثة الولاء (¬1) عصبة أو بنين ولم يترك البائع مالًا كان للورثة جميع ما خلفه المولى، ولا شيء للمشتري، ولا يقضى ما عليه من الدين من هذا الولاء، وإن كان ورثة السيد نساء وأحطن بجميع تركته وورثة الولاء (¬2) عصبة لم يكن للمشتري أيضًا شيء. وقال ابن القاسم: وإن اشترى أمة ثم ادعى أنها أم ولد للبائع وكذبه البائع وقفت، فإن رجع البائع وادعى أنها أم ولد حلت (¬3) له فإن كان في يديها مال أنفقت منه في حال الإيقاف (¬4) وإن لم يكن وأنفق عليها أحد السيدين وقفت، فإن أبيا (¬5) عتقت على من منع تزويجها أو زوجت على قول (¬6) من أجاز ذلك. وقال ابن القاسم فيمن أقر في عبد في يديه أن فلانًا اشتراه منه وأنه أعتقه، فإن كان موسرًا كان حرًّا؛ لأن البائع مقر أنه لا يجوز له (¬7) أن يبيعه في الثمن ليُسْر المشتري وإنما جحده المشتري ثمنًا (¬8). وقد اختلف فيمن شهد على شريكه في عبدٍ أنه أعتق نصيبه منه (¬9) وهو موسر، هل يعتق نصيب الشاهد؟ فقال ابن القاسم: يعتق. وقال: لا يعتق (¬10). ¬

_ (¬1) في (ف): (المولى). (¬2) في (ف): (النساء). (¬3) في (ف): (حملت). (¬4) في (ف): (حين الإنفاق). (¬5) في (ف) و (ح): (أبى). (¬6) قوله: (قول) زيادة في (ر). (¬7) قوله: (له) زيادة في (ف). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 471. (¬9) قوله: (منه) زيادة في (ر). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 320.

قال الشيخ أبو الحسن - رضي الله عنه -: إنما يصح العتق على القول بالسراية (¬1) ولا يصح على قول (¬2) من يقول: لا يعتق إلا بالقيمة؛ لأنه لا يعتق نصيبه إلا بعد أداء القيمة. ¬

_ (¬1) في (ح): (بالبراءة). (¬2) قوله: (قول) سقط من (ح).

باب في جر الولاء

باب في جر الولاء وإذا اشترى الرجل أباه أو أخاه فعتق عليه كان له ولاؤه، وإن اشترت امرأة أباها ثم مات ورثت (¬1) النصف بالنسب، والنصف بالولاء، وإن كان لها أخت لم تشتره ورثا الثلثين بالنسب والثلث الباقي للتي اشترته بالولاء، وإن ماتت بعد ذلك التي (¬2) لم تشتره كان للباقية في جميع تركتها النصف بالنسب، والنصف (¬3) يجر إليها؛ لأنها ابنة من أعتقته، فهي ابنة مولاها، وإن اشترتاه جميعًا ثم مات ورثتاه، الثلثين بالنسب، والباقي (¬4) بالولاء، فإن ماتت بعد ذلك إحداهما كان للباقية ثلاثة أرباع ما خلفته، النصف بالنسب، ونصف النصف (¬5) الباقي بالولاء؛ لأنها ابنة من أعتقت نصفه. قال محمد: ويكون الربع الباقي لموالي أم الميتة (¬6)، قال: فإن ماتت هذه الباقية كان ما تركت نصفه لموالي أمها ونصفه لموالي أم أختها، وإن ماتت إحدى الابنتين أولًا، ثم مات الأب، كان ميراث الابنة للأب، وكان للأخت الباقية مما خلف الأب سبعة أثمانه، النصف بالنسب، ونصف النصف بالولاء؛ لأنها أعتقت نصفه، ونصف (¬7) النصف بالجر عن أختها (¬8). ¬

_ (¬1) في (ح): (كان لها). (¬2) قوله: (التي) سقط من (ح). (¬3) قوله: (النصف) سقط من (ح). (¬4) في (ح): (والثلث). (¬5) قوله: (ونصف النصف) يقابله في (ح): (والنصف فمن). وفي (ف): (ونصف). (¬6) في (ر): (الميت). (¬7) في (ف) و (ر) زيادة: (الباقي). (¬8) النوادر والزيادات: 13/ 253.

قال محمد: لأن لها نصفًا ولأختها نصفًا (¬1)، وإن كان الأب اشترى ابنًا له ثم مات الأب ورثاه، للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن مات الابن بعد ذلك كان للأخت الباقية (¬2) من جميع ما خلفه سبعة أثمانه، النصف بالنسب، ونصف النصف بالولاء؛ لأنه ابن (¬3) من أعتقت نصفه، ونصف الباقي بجر أختها التي (¬4) توفيت قبل الأب، وإن اشترى الأب والباقية من الابنتين (¬5) هذا الابن فمات الأب ورثاه للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن مات الابن بعد ذلك كان للباقية جميع ما خلفه إلا نصف الثُّمُن، النصف بالنسب، ونصف النصف بالولاء؛ لأنها أعتقت نصفه، ونصف الربع الباقي بجر أبيها؛ لأنه ولد من أعتقت نصفه، ونصف الثُّمُن (¬6) الباقي بجر أختها (¬7)، ولو مات الأخ كان لأختيه (¬8) الثلثان بالنسب ويبقى الثلث نصفه للتي باشرته (¬9) بالعتق؛ لأنها أعتقت نصفه، ويبقى سدس بين الأختين يأخذانه بجر أبيهما (¬10) إليهما (¬11) بالسواء (¬12). وقال في كتاب محمد في مملوك له ابنة وابن حران فاشتريا أباهما فخرج عليهما ¬

_ (¬1) قوله: (نصفًا) سقط من (ح). (¬2) قوله: (الباقية) زيادة في (ر). (¬3) في (ح): (ابنة). (¬4) في (ح): (إن). (¬5) في (ف): (البنتين). (¬6) في (ح): (الربع). (¬7) في (ح): (أبيها). (¬8) قوله: (مات الأخ كان لأختيه) يقابله في (ف): (ورث الأخ لفتاة كانت تركته بينهما على اثني عشر جزءًا لهما). (¬9) في (ر): (اشترته). (¬10) في (ف): (أخيها). (¬11) قوله: (إليهما) زيادة في (ر). (¬12) في (ح): (بالشراء) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 254.

فصل [في ميراث موالي المرأة وعقلهم]

حرًّا فلم يهلك الأب حتى مات (¬1) الابن وترك بنتًا، وماتت البنت وتركت ابنًا، ثم هلك الأب بعد ذلك عن مال وموال: أن بنت الابن ترث النصف بالنسب دون الولاء والباقي يرث منه ابن البنت بالولاء دون النسب، فله نصف النصف بعتق أمه نصف الأب (¬2)، ونصف الربع الباقي بجر الأخت (¬3) والباقي لموالي أم (¬4) البنت إن كانت معتقة وإن لم تكن معتقة فبيت المال (¬5). فصل [في ميراث موالي المرأة وعقلهم] ميراث موالي المرأة لعصبتها وعقلهم على قومها هذا مع عدم الولد. واختلف في ميراث ولدها منهم، وفي دخوله مع العاقلة فقال مالك: ميراثهم لولدها وعقل جريرتهم (¬6) على قومها. وقال ابن بكير: النظر أن لا ميراث لولدها من مواليها، وهو قول علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - (¬7). وقال القاضي أبو محمد عبد الوهاب: وقيل يحمل ولدها مع العاقلة؛ لأن البنوة عصبة في نفسها (¬8). ¬

_ (¬1) في (ر): (هلك). (¬2) في (ح): (الأمة). (¬3) في (ف): (الأخ). (¬4) في (ح): (أب). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 252، 253. (¬6) في (ر): (جرائرهم). (¬7) انظر: المدونة: 2/ 578. (¬8) انظر: المعونة: 2/ 269.

باب في انتقال الولاء، وفي ولاء ولد الحرة والمعتقة من الزوج إذا كان عبدا، وولاء ولد الأمة من الحر والأمة من العبد

باب في (¬1) انتقال الولاء، وفي ولاء ولد الحرة والمعتقة من الزوج إذا كان عبدًا، وولاء ولد الأمة من الحر (¬2) والأمة من العبد قال سحنون في كتاب ابنه: قامت السنة عن الصحابة والتابعين وتابعيهم (¬3) أن ولاء ولد (¬4) الحرة المعتقة إذا كان زوجها عبدًا لموالي أمه ما دام أبوه عبدًا، فإذا أعتق جره (¬5) إلى مواليه (¬6). قال الشيخ (¬7): إذا تزوج العبد معتقة فولدت ولدًا كان ميراثه لموالي أمه، فإن أعتق أبوه كان ميراثه لأبيه بالنسب، فإن لم يكن أبوه (¬8) كان ميراثه لمعتق أبيه، فإن عدم كان لبيت المال، هذا قول ابن القاسم في المدونة (¬9). وظاهر قول محمد أن ميراثه عند عدم المولى (¬10) يرجع إلى موالي الأم حسب ما كان قبل (¬11) الجر. ¬

_ (¬1) قوله: (في) سقط من (ر). (¬2) قوله: (من الحر) سقط من (ح). (¬3) في (ر): (وتابعي تابعيهم). (¬4) قوله: (ولد) سقط من (ر). (¬5) في (ح): (جر الولاء). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 241. (¬7) في (ر) زيادة: (أبو الحسن - رضي الله عنه -). (¬8) قوله: (كان ميراثه لأبيه بالنسب، فإن لم يكن أبوه) ساقط من (ح). (¬9) المدونة: 2/ 580. (¬10) في (ر): (الموالي). (¬11) قوله: (قبل) سقط من (ح).

وإن تزوج عبد أمة ثم ولدت له (¬1) ثلاثة من الولد، ولدت ولدًا فأعتقه السيد، ثم حملت فأعتقها وهي حامل فولدت، ثم ولدت الثالث بعد أن عتقت -كان ميراث جميعهم لمعتِق الأم ما دام الأب عبدًا، فإن أعتق كان ميراثهم للأب بالنسب، فإن عدم النسب وورثوا بالولاء افترق الجواب، فكان ميراث الأولين لمعتق الأم، وميراث الثالث لمعتق الأب، وإن عدم من يقوم بالولاء مِن قِبَلِ الأم فلبيت المال، وإن عدم من يقوم بالولاء مِن قِبَلِ الأب كان ميراثه لموالي الأم (¬2) إن كان موجودًا، وعلى (¬3) القول الآخر لبيت المال، وكذلك الجواب في أولاد أولادهم يبتدأ بالنسب، فإن عدم النسب كان ميراث أولاد الأولين لمعتق الأم، وميراث ولد (¬4) الآخرين لمعتق الجد، ويجره الجد إلى مواليه، فإن أعتق الأب بعد الجد انتقل ولاء الثالث خاصة عن معتق الجد إلى معتق الأب (¬5). ولابن القاسم في العتبية أنَّ جر الجد إلى مواليه يصح فيمن توالد لولده العبد في حياة الجد أو مات وهو حمل في البطن، ولا يصح فيما حمل به بعد موت الجد ولا ينقلهم عن موالي الأم وانتقال الولاء عن موالي الجد إلى موالي الأب كانتقاله في ولد الملاعنة إذا اعترف به أبوه فهو قبل الاعتراف به ينسب إلى موالي أمه ويعقلون (¬6) عنه، فإن اعترف به الأب انتقل عنهم إلى نسب أبيه أو ¬

_ (¬1) في (ح): (معه). (¬2) في (ح): (الأب). (¬3) في (ف): (وكذلك). (¬4) قوله: (ولد) سقط من (ح). (¬5) انظر: التلقين: 2/ 204. (¬6) في (ح): (ويعتقون).

مواليه إن كان معتقًا (¬1). قال ابن القاسم في المدونة: وإن كان رجل أسلم وتزوج امرأة (¬2) معتقة أو امرأة من العرب فولدت أولادًا ثم مات، ومات الأولاد بعد ذلك أن ميراثهم لجميع المسلمين (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 32. (¬2) قوله: (امرأة) زيادة في (ح). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 579.

باب في الشهادة على السماع في الولاء

باب في (¬1) الشهادة على السماع في الولاء الشهادة في الولاء (¬2) على السماع على ضربين، فإن كان سماعًا فاشيًا يقع به العلم قال ابن القاسم (¬3): مثل نافع مولى ابن عمر صحت الشهادة (¬4) في المال والولاء، وإن خلف ذلك الميت ولدًا وموالي كان ولاؤهم للمشهود له (¬5). واختلف إذا لم يقع العلم بها (¬6)، فقال ابن القاسم: يقضى بها في المال دون الولاء، وكذلك إذا شهد شاهد على العتق، وخالفه أشهب في الوجهين جميعًا (¬7)، وقال في الشهادة على السماع: يقضى بها في المال وفي (¬8) الولاء، وفي الشاهد على العتق لا يقضى بها لا في مال ولا في ولاء (¬9)، (¬10). قال الشيخ - رضي الله عنه -: لا تخلو الشهادة على السماع من أربعة أوجه: أن تكون (¬11) جماعة عن جماعة، أو اثنين عن اثنين، أو اثنين عن جماعة، أو جماعة عن اثنين، ¬

_ (¬1) قوله: (في) سقط من (ح). (¬2) قوله: (في الولاء) سقط من (ح). (¬3) قوله: (قال ابن القاسم) سقط من (ح). (¬4) قوله: (الشهادة) زيادة في (ر). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 10/ 231، 232، وانظر: النوادر والزيادات: 8/ 379. (¬6) قوله: (بها) زيادة في (ح). (¬7) قوله: (جميعًا،) زيادة في (ر). (¬8) قوله: (في) زيادة في (ف). (¬9) قوله: (بها لا في مال ولا في ولاء) يقابله في (ر): (به في مال ولا ولاء). (¬10) انظر: المدونة: 2/ 581. والنوادر والزيادات: 8/ 380. (¬11) قوله: (أن تكون) زيادة في (ر).

فإن شهد الآن جماعة عن جماعة، وكلا الفريقين عدول كان القضاء بالمال والولاء أحسن، وإن كانتا غير عدول كان القضاء (¬1) بالمال (¬2) خاصة مع يمين القائم بها، فإن طرأ مال آخر حلف أيضًا، وإن مات بعد ذلك للمشهود عليه ولد أو موال، ولم يأتِ مدَّعٍ غيرُ الأول -حلف مع تلك الشهادة واستحق، وهذا استحسان؛ لأنه لا يدعي ها هنا غيره (¬3) ولا شبهة (¬4) فيه لغيره. وإن شهد اثنان عن (¬5) اثنين احتيج إلى عدالة الفريقين، فإن عُدِّلا أخذ المال دون الولاء على قول ابن القاسم، إلا أن يقولا: انقلا عنا فتكون شهادة على شهادة، فيكون له المال والولاء. وقال عبد الملك بن الماجشون: لا تصح شهادة (¬6) السماع من أقل من أربعة عدول، وقال: وهي بمنزلة شهادة على شهادة. ¬

_ (¬1) قوله: (القضاء) زيادة من (ف). (¬2) قوله: (والولاء أحسن، وإن كانتا غير عدول كان القضاء بالمال) سقط من (ح). (¬3) قوله: (ها هنا غيره) زيادة في (ر). (¬4) في (ح): (يشهد). (¬5) في (ح): (على). (¬6) قوله: (شهادة) زيادة في (ر).

باب في الاستلحاق

باب في الاستلحاق قال محمد بن مسلمة: لا يستلحق إلا الأب وحده (¬1) ولا يستلحق ابن ولا جد ولا أخ. وقال سحنون في كتاب ابنه: ما علمت بين الناس اختلافا أنه لا يجوز للرجل أن يقر بابن ابن ولا بابن ابنة ولا بشيء من ولد الولد، ذكورهم ولا من إناثهم (¬2)، ولا يثبت نسبه مع وارث معروف ولا غير معروف (¬3). وإقرار الجد بولد الولد على وجهين: أحدهما: أن يستلحق فراش نفسه. والثاني (¬4): أن يستلحق فراش ابنه، فإن قال أبٌ: "هذا ولدي" صدِّق، وإن قال: "هذا ابن ولدي" لم يصدَّق. وقوله: "أبو هذا ولدي" مقبول؛ لأنه إنما استلحق فراش نفسه، ولو كان الطفل لا يُعرف له أبٌ، فقال: "هذا ابن ولدي فلان" لم يقبل قوله؛ لأنه إنما (¬5) ألحقه بفراش ابنه، وإلى هذا ذهب سحنون في كتاب ابنه، وقال: إنما يجوز لو باع عبدًا لم يجره نسب فولد للعبد عند المشتري ولد (¬6)، ثم توفي العبد وترك مالًا عظيمًا، ثم قال البائع: إن الميت ابني (¬7) وإن ¬

_ (¬1) قوله: (وحده) زيادة في (ر). (¬2) في (ح): (ولد الإناث). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 187. (¬4) في (ر): (والآخر). (¬5) قوله: (إنما) سقط من (ح). (¬6) قوله: (ولد) سقط من (ف). (¬7) في (ر): (أبي).

هؤلاء ولد ولدي، فإنه يلحق الولد بالجد وإنهم بنو ابنه (¬1) ويرث معهم، قال: وإن كان الولد من زوجة، فإن كانت حرة رجع ولاؤهم إلي أبيهم وإن كانت الزوجة أمة لقوم كانوا عبيدًا، وإن كان الولد من أمة للميت في حين كان عبدًا عند مشتريه كانت الأم بذلك حرة يجري لها من الحرية ما يجري لأم الولد إذا مات عنها سيدها. قال الشيخ - رضي الله عنه -: وإن قال رجل لرجل: هذا أخي، فإن كان للمقر أخ ثابت النسب أو عم أو ابن عم -كان المال للثابت النسب وإن بَعُدَ، دون الأخ المقَرِّ له، وإن كان أقرب نسبًا على إقرار الميت. واختلف إذا لم يكن له نسب ثابت يرثه، فقيل: المال لبيت المال، ولا شيء للمقَرِّ له. وقيل: المقَرُّ له أولى. وهو أحسن إذا أشكل الحال ولم يتبين كذبه، مثل أن يكونا طارئين، أو يكون المصْرُ الكبير وكان مثل ذلك (¬2) يخفى فيه، أو كانت بينة ولم تُعَدَّل (¬3)، وهم داخلون في النسبة وما أشبه ذلك، فيكون المقَرُّ له أحق (¬4) من بيت المال لوجهين: أحدهما: أن له بذلك شبهة، فهو أولى ممن لا شبهة له. والثاني: أنه اختلف هل للميت إذا لم يكن له وارث أن يوصي بماله كله؟ فإن تبين كذبه أو كان مثل ذلك مما لا يخفى لم يُعْطَ إلا على القول بأن له (¬5) أن يوصي له به، وقد يستخف ذلك إذا كان المال قليلًا والمقَرُّ له فقيرًا، ولو كان ¬

_ (¬1) قوله: (وإنهم بنو ابنه) زيادة في (ر). (¬2) قوله: (ذلك) سقط من (ر). (¬3) في (ر): (وإن لم تكن عادلة). (¬4) في (ر): (أولى). (¬5) قوله: (بأن له) سقط من (ف).

الإقرار في الصحة وطالت المدة وهما على ذلك الحال (¬1) يقول كل واحد منهما للآخر: أخي، أو يقول: هذا عمي ويقول الآخر (¬2): ابن أخي، ومرت (¬3) على ذلك السنون، ولا أحد يدعي بطلان ذلك، لكان ذلك حوزا (¬4). وإذا حضرت الوفاة رجلًا (¬5) فأقر بأخ وله أخت ثابتة النسب، فإن الأخت تأخذ النصف، ثم يختلف في الباقي هل يكون المقر له أصلى به أو بيت المال؟ ¬

_ (¬1) قوله: (الحال) زيادة في (ح). (¬2) قوله: (ويقول الآخر) يقابله في (ح): (وللآخر). (¬3) في (ح): (وطالت). (¬4) في (ف): (جوازًا)، وانظر: النوادر والزيادات: 13/ 188، بلفظ: قال سحنون: وإنما اختلف أصحابنا وأهل العراق في مثل هذا لاختلافهم في الأصل؛ لأنهم قالوا إذا لم يكن له وارث معروف كان له أن يوصي بماله كله لمن أحب، فبذلك جوزوا إقراره بمن ذكرنا من القرابة، وأصحابنا لا يجيزون له أن يوصي إلا بالثلث وإن لم يكن له وارث. (¬5) قوله: (الوفاة رجلًا) يقابله في (ح): (الرجل الوفاة).

باب في الإقرار بالولاء

باب في الإقرار بالولاء الإقرار بالولاء يصح إذا أقر أنه هو المعتَق فقال: أعتقني فلان، وصدقه فلان، ولم يقم دليل على كذبه، فإذا كان كذلك جرى مجرى ما شهدت به البينات في الموارثة والمعاقلة. واختلف إذا كذبه فلان فقيل: لا يثبت له ولاء، وهو المعروف من المذهب. وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: يكون مولاه وإن أنكره ولم يأت ببينة، ولا يكون ذلك في الولد إلا ببينة أو بإقرار الأب (¬1). والأول أحسن، إلا أن يقول: إن إقراره يتضمن حقًّا له ولغيره من ولد المقر له من أخ أو عاصب، فلا يسقط حق المقر له من غير المعتق، ويصح على قوله إن صدقه ولد المقر له (¬2) أو أخوه أو عاصبه أن يعقلوا عنه، وإن مات المقو بعد موت المنكر فأرى (¬3) أن يرثه من صدقه هو من ولد أو أخ إن لم يكن للمقر (¬4) ولد، وإن قال: أعتقني فلان، وفلان هذا ميت وله ولد أو عصبة، فإن صدقوه ثبت ولاؤه له، وإن اعترف بحيٍّ فقال: هذا (¬5) أعتق أبي أو جدي، وصدقه من اعترف له -لم يثبت له بذلك ولاء؛ لأنه اعترف بالرق على غيره، فإن مات المعترِف بالولاء ولا وارث له بالنسب أخذ ميراثه المقَرُّ له بعد يمينه، وهو في هذا بمنزلة من قال: فلان أخي؛ لأنه يستلحق فراش أبيه، وهذا أقر ¬

_ (¬1) النوادر والزيادات: 13/ 209. (¬2) قوله: (له) سقط من (ر). (¬3) قوله: (فأرى) زيادة في (ح). (¬4) في (ر): (للمعتِق). (¬5) قوله: (هذا) سقط من (ح).

على أبيه بالعتق. وإن مات رجل وخلف ابنتين فأقرتا لرجل أنه أعتق أباهما لم يثبت له بذلك ولاء، فإن لم يكن للميت من يرث الباقي عن الثلثين، وكانتا عدلتين حلف معهما واستحق الفاضل بمنزلة شاهد شهد بالعتق، وعلى قول أشهب يكون بيت المال أحق به (¬1) من المقر، وإن ماتت واحدة منهما بعد ذلك أخذ الفاضل عن أختها، وإن ماتت الأخرى أخذ جميع ما خلفت -وإن لم تكن عدلة- إذا حلف، وقيل: هو (¬2) لبيت المال، وهي بمنزلة من أقرَّ عند الموت بأن هذا أخوه، ولا وارث له أنه يأخذ ميراثه وإن لم يثبت النسب. وقال ابن الماجشون عند ابن حبيب: إذا قال عند موته: فلان مولاي وفلان أخي ولا يعرف ذلك منهما إلا من قوله قال: يرثه مولاه دون أخيه (¬3). وفي العتبية لأصبغ: إذا قال: هذا مولى أبي (¬4) وهذا أخي -يُبَدَّى الأخُ بالميراث؛ لأن الإقرار بأن الأب المعتِق لا يُثْبِت ولاءَه، وكذلك الإخوة وهو إقرار كله، فبدَّى النسب (¬5). وهو في هذا بخلاف قوله: "فلان مولاي، وفلان أخي"؛ لأن قوله: "مولاي" كالبينة، ولا يثبت النسب بقوله: فلان أخي، فيبدى الولاء لثبوته على النسب؛ لأنه لم يثبت، وإذا قال: مولى أبي (¬6)، وفلان أخي لم يثبت واحد منهما، وهو إقرار كله، فيبدى بالنسب. ¬

_ (¬1) قوله: (به) زيادة في (ر). (¬2) قوله: (هو) زيادة في (ر). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 209. (¬4) قوله: (مولى أبي) يقابله في (ح): (مولاي). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 14/ 296. (¬6) قوله: (مولى أبي) يقابله في (ح): (فلان مولاي).

باب في الاختلاف في الولاء

باب في (¬1) الاختلاف في الولاء وإذا اختلف رجلان في ولاء رجل، وقال كل واحد منهما: أنا (¬2) أعتقته، ولا بينة لهما، فإن أقر المدعى عليه بالولاء لأحدهما كان مولاه، وإن قال: كلاهما أعتقني كان مولاهما جميعًا، وإن أنكرهما وقال: لم يتقدم عليَّ رِقٌّ -كان القول قوله، وإن قال: أنا معتَق لغيركما -كلف الإقرار لمن أعتقه، فإن سمّاه وادعاه المقَرُّ له كان مولى له دون هذين، وإن قال المقَرُّ له (¬3): لم أعتقه، أو قال الآخر (¬4): لا أسمي من أعتقني -لم يقبل قوله، وألزم أن يقر، فإن تمادى على الإنكار كان مولى (¬5) لهذين بعد أيمانهما بعضهما لبعض، وإن أقام كل واحد منهما بينة أنه أعتقه، وكانت إحدى البينتين أعدل -قضي به لأعدلهما، وسواء كان مُقِرًّا للآخر أو منكرًا لهما، وإن تكافئوا في العدالة كان تكاذبًا، فإن أقر لأحدهما كان فيهما قولان (¬6) فقال ابن القاسم: هما بمنزلة من لا بينة له ويكون الولاء لمن أقرَّ له. وقال: قال (¬7) مالك: إذا تكافأت البينتان والحق في يد أحدهما فالحق لمن هو في يديه وإقرار هذا بمنزلة من الحق في يديه (¬8). ¬

_ (¬1) قوله: (في) سقط من (ر). (¬2) في (ح): (إنما). (¬3) قوله: (المقر له) زيادة في (ر). (¬4) في (ر): (هو). (¬5) في (ح): (عبدًا). (¬6) قوله: (كان تكاذبًا، فإن أقر لأحدهما كان فيهما قولان) يقابله في (ف): (وأقر لأحدهما). (¬7) قوله: (وقال: قال) يقابله في (ف): (وقال). وفي (ح): (وبه قال). (¬8) انظر: المدونة: 2/ 584، 585.

وقال سحنون: لا يقبل إقراره، وهو بمنزلة الدار يدعيها رجلان ولا يد عليها لأحد منهما ويقيمان البينة، ويقر الذي هي في يديه أن الدار (¬1) لأحدهما فلا يقبل قوله. وكذلك قال مالك (¬2) في المرأة يدعي نكاحها رجلان ويقيمان البينة (¬3). قال الشيخ -رحمه الله-: كلا القولين فيه (¬4) نظر، وأرى: ألا يقبل قوله (¬5) في الولاء، ويقبل قوله (¬6) في الدار وقول المرأة (¬7) في النكاح؛ لأنَّ المعتق لا يصح أن يبقى ولاؤه لنفسه، وإذا لم يصح ذلك لم ينظر إلى قوله، ومن بيده الدار يصح بقاؤها له إذا ادَّعاها لنفسه، وإذا صحَّ أن تبقى لنفسه (¬8) صحَّ إقراره لغيره بها. وأمَّا المرأة فإن أنكرتهما، وقالت: لم أتزوج واحدًا منهما، كان القول قولها، وإن قالت: تزوجت هذا دون الآخر، كان القول قولها وإن قالت: كلاهما تزوجني ولكن هذا الأول منهما. . . (¬9) يكون مولى لها، قياسًا على الدار يدعيها رجلان ويقيمان البينة ويتكافآن وهي بيد الثالث فقيل: تبقى لمن هي في يديه، ¬

_ (¬1) قوله: (أن الدار) زيادة في (ح). (¬2) قوله: (قال مالك) سقط من (ح). (¬3) النوادر والزيادات: 4/ 441 وما بعدها. (¬4) قوله: (فيه): في (ر): (فيهما). (¬5) في (ح): (إقراره). (¬6) في (ح): (إقراره). (¬7) قوله: (وقول المرأة) يقابله في (ح) و (ف): (وقولها). (¬8) قوله: (وإذا صحَّ أن تبقى لنفسه) سقط من (ح). (¬9) هنا ينتهي الباب في النسختين (ر)، و (ح) ويتلو ذلك بياض في النسختين بمقدار أربع كلمات، وفي (ف) زيادة انفردت بها على أن سياق الفقرة مضطرب، ولم أقف على من نقل تعقيب اللخمي على رأي سحنون بين نقول المتأخرين عنه. اهـ. محقق.

وقيل: تنزع من يده ويقتسمانها. فعلى القول الأول لا يكون لواحد من هذين من ولاية شيء. وعلى القول الآخر يكون مولى لهما، وإن قال: أنا معتق لفلان وادعاه فلان يختلف هل يكون مولى لمن أقر له أو لهما؟ وإن اعترف أنه مولى ولم يعترف لأحد بعينه كان مولى لهما (¬1). ¬

_ (¬1) قوله: (يكون مولى لها قياسًا على الدار. . . كان مولى لهما) زيادة في (ف).

باب الدعوى في الولاء

باب الدعوى في الولاء وإذا أعتقت أمة وهي ذات زوج فأتت بولد بعد العتق لأقل من ستة أشهر أو ظهر بها حمل لأقل من ثلاثة أشهر -كان قد (¬1) مسَّه الرق وولاؤه للمعتق، وإن ولدتْ لأكثر من ستة أشهر أو ظهر بها حمل لثلاثة أشهر -حمل على أنه محدث بعد العتق، وإن اختلف السيد والزوج في تقدمه على العتق كان القول قول (¬2) الزوج، ولو صدق الزوج السيد لم يقبل قوله؛ لأن ذلك إقرار على غيره وهم مواليه، وأما مع وجود الزوج أو وجود عصبة فلا يقبل ذلك؛ لأن النسب مقدَّم على الولاء، والأب الوارث، تقدم العتق (¬3) أو تأخر، فبان بهذا أن إقرار الزوج على غيره وهم موالي الأب. واختلف هل يوقف الزوج عنها عندما تعتق حتى يعرف أنها حامل (¬4) أم لا؟ فقال مالك في كتاب محمد: لا يمنع ولا يكف (¬5) عنها (¬6). يريد: ويعمل على (¬7) ما يتبين من الأمر (¬8). ¬

_ (¬1) قوله: (قد) سقط من (ف). (¬2) قوله: (قول) سقط من (ح). (¬3) قوله: (تقدم العتق) سقط من (ف). (¬4) في (ح): (ذات حمل). (¬5) في (ر): (لا يوقف). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 245. (¬7) قوله: (على) سقط من (ح). (¬8) في (ر): (الأمد).

وقال في المختصر الكبير: يكف عنها حتى يتبين هل بها حمل أم لا (¬1) لمكان الولاء. وقال أيضًا في التي لها ولد من غير زوجها فهلك ذلك الولد: يوقف عنها الزوج لمكان الميراث. وعلى القول الأول لا يوقف (¬2) ويعمل على ما يتبين من الأمر (¬3). والوقف في السؤالين أحسن؛ لأنه لا يقطع إذا أتت به لستة أشهر فأكثر أنه محدث، والوضع لهذا القدر من النادر، والوضع المستمر تسعة أشهر فأكثر، وإنما يراعى ستة أشهر إذا تقدّمت حيضة؛ وأما إذا لم يكن استبراء فلا وجه لحمله على النادر من الحمل، وأيضًا فإنه يحتمل أن تكون إصابة في أول النهار وأعتقت في آخره، فلا يكون في مرور الستة أشهر دليل على أنَّه لم يكن قبل العتق، فكان الواجب وقفه عنها (¬4) لدفع هذه الشبهة. ¬

_ (¬1) قوله: (أم لا) سقط من (ح). (¬2) قوله: (الزوج لمكان الميراث. وعلى القول الأول لا يوقف) سقط من (ح). (¬3) في (ر): (الأمد). (¬4) قوله: (عنها) زيادة في (ف).

باب في مراتب الأولياء في الولاء وميراث النساء من الولاء

باب في مراتب (¬1) الأولياء في الولاء وميراث النساء من (¬2) الولاء الابن أولى بولاء من أعتق أبوه، ثم ابن الابن وإن سفل، ثم أبو المعتِق، ثم بنوه وهم الأخوة، ثم بنو الإخوة، ثم جد المعتِق، ثم بنوه وهم عمومة المعتِق، ثم بنو العمومة. وقال مالك مرة: الجد مقدَّم على بني الإخوة، ثم رجع عنه (¬3). واستدل ابن الجهم على أن الأخ أولى من الجد فقال: لو كان الجد أولى لكان بنوه أولى من بني الأخ، ولأن بنات الأخ محرمات وإن سفلن وليس كذلك بنات بني الجد. قال الشيخ - رضي الله عنه -: الولاء يؤخذ (¬4) بالبنوة والأبوة، والبنوة مقدمة على الأبوة، فإذا عدم بنو المعتق كان أبوه، فإذا عدم أبوه كان بنوة (¬5) الأب أولى من أبوته كما كان ذلك (¬6) في بنوة المعتق نفسه، والأخ الشقيق أولى من الأخ للأب والاخ للأب أولى من ابن الأخ الشقيق (¬7) وابن الأخ أولى من العم، والعم الشقيق أولى من العم للأب، وابن العم الشقيق أولى من ابن (¬8) العم للأب. ¬

_ (¬1) في (ح): (ميراث). (¬2) قوله: (من) سقط من (ح). وفي (ف): (في). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 588، وانظر النوادر والزيادات: 13/ 251. (¬4) في (ح): (يوجد). (¬5) في (ر): (كان بنو الأب). (¬6) قوله: (ذلك) زيادة في (ر). (¬7) قوله: (ابن الأخ الشقيق) يقابله في (ح): (الأخ للأم). (¬8) قوله: (ابن) سقط من (ح).

فصل [في ميراث النساء من الولاء]

واختلف إذا كانا ابني عم أحدهما أخ للأم، فقال مالك وابن القاسم في المدونة (¬1): هو كرجل من العصبة لا فضل للأخ للأم (¬2). وقال أشهب في كتاب محمد: الأخ للأم أحق؛ لأنه أقعد بالرحم مثل ما لو ترك المعتِق أخًا لأب وأم، وأخًا لأب -كان الشقيق أولى، ومثل ما لو ترك ابني عم، أحدهما (¬3) لأبيه وأمه -كان أحق به (¬4). يريد: أن هذا أحق؛ لأنه زاد مؤنة (¬5). فصل [في ميراث النساء من الولاء] ولا يرث النساء (¬6) من الولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن أو (¬7) ولد من أعتقن من ولد الذكور خاصة (¬8)، ذكرًا كان ولد هذا الذكر أو أنثى. قال الشيخ: المرأة في الولاء على وجهين: فأما ما أعتقه غيرها، أبوها أو ابنها أو أخوها فلا حق لها فيه؛ لأن الولاء بابه التعصيب، ولا تعصيب لها في ذلك. وأما ما أعتقته فهي تجري فيه مجرى ما لو كان المعتق رجلًا، فكل موضع ¬

_ (¬1) قوله: (في المدونة) سقط من (ر). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 587. (¬3) قوله: (أحدهما) سقط من (ف). (¬4) قوله: (به) زيادة في (ف) وانظر: النوادر والزيادات: 13/ 251. (¬5) في (ح): (أمره). (¬6) قوله: (النساء) سقط من (ح). (¬7) قوله: (من أعتقن أو) سقط من (ف). (¬8) قوله: (خاصة) زيادة في (ر).

يكون فيه الولاء للمعتق إذا كان رجلًا يكون لها فيه (¬1) الولاء، وكل موضع يسقط فيه (¬2) حقه يسقط حقها، فإن أعتق رجل أو امرأة عبدًا كان لهما ولاؤه وولاء ولده -ذكورهم وإناثهم- وولاء ولد ولده (¬3) الذكور -ذكورهم وإناثهم- ولا شيء لهما (¬4) في ولاء ولد الإناث، ذكرًا كان ولد البنت (¬5) أو أنثى، فإن أعتقا أمة كان لهما ولاؤها دون ولدها، فإن ولدت تلك الأمة ولدًا -ذكرًا كان أو أنثى- كان ولاؤهم لمعتق زوجها، فإن لم يخلف معتق الزوج من يجر الولاء أو كان زوجها حرًّا لم يتقدم عليه ولاء لأحد (¬6) -كان ولاؤهم على قول مالك في المدونة لبيت المال (¬7). وعلى قول محمد يعود الولاء لمعتق الأم، وعله هذا يعود الجواب في قوله أن لهن ولاء من أعتقن، وأن لهن ولاء المعتق الأسفل، وسواء كان المعتق الأسفل ذكرًا أو أنثى، ويفرق الجواب في ولاء (¬8) الأسفل، فإن أعتق رجل أو امرأة عبدًا أو أمة ثم أعتق ذلك العبد المعتَق أو الأمة عبدًا أو أمة كان ولاؤهم (¬9) للمعتِق الأعلى (¬10)، يرثهم (¬11) الأعلى إذا عدم المعتِق ¬

_ (¬1) قوله: (فيه) زيادة في (ف). (¬2) قوله: (فيه) زيادة في (ف). (¬3) قوله: (ولده) زيادة في (ف). (¬4) قوله: (لهما) سقط من (ف). (¬5) في (ف): (الميت). (¬6) قوله: (لأحد) زيادة في (ر). (¬7) انظر: المدونة: 2/ 589. (¬8) في (ح): (ولد). وفي (ف): (أولاد). (¬9) في (ف): (جر ولائهم). (¬10) في (ف): (الأول). (¬11) (في (ح): (يرثه).

فصل [في ولاء ولد الزنى والملاعنة]

الأسفل (¬1). فإن كان للمعتَق الأسفل أولاد نظرت، فإن كان المعتَق (¬2) الأسفل عبدًا جرَّ ولاء أولاده لمعتِق معتِقه -ذكورهم وإناثهم- فإن كان (¬3) الأسفل أمة كان ولاء ولدها لمعتق زوجها، ذكورهم وإناثهم، ولم (¬4) تجرهم إلى من أعتقها ولا لمن أعتق من أعتقها (¬5). فصل [في ولاء ولد الزنى والملاعنة] وإذا أعتق رجل أو امرأة أمة فأتت تلك الأمة بولد من زنى أو تزوجت فلاعنت بذلك الولد -كان ولاء هذين الولدين لمعتق الأم، وتجرهم الأم إلى مولاها ومولاتها (¬6)، وهم في ولد الزنى واللعان بخلاف ولد الحلال الثابت النسب؛ لأنه في الحرام ينسب إلى مولى الأم (¬7) كما ينسب الولد الحلال إلى مولى (¬8) أبيه، ويعقل عنه قوم أمه كما يعقل عنه (¬9) في الولد (¬10) الحلال قوم الأب ومواليه، وإذا كان ذلك فإنه يبدأ بالنسب، وهي الأم وولدها، فترث الأم والولد الواحد أو الولدان النصف، والباقي لمواليها؛ لأن لها مع الولد ¬

_ (¬1) في (ر): (الأول). وفي (ح): (الأعلى). (¬2) قوله: (المعتق) زيادة في (ف). (¬3) قوله: (الأسفل عبدًا جرّ ولاء أولاده لمعتق. . . فإن كان) ساقط من (ف). (¬4) زاد في (ف): (يكن لمن أعتق الأم أو أم الأم ولم). (¬5) قوله: (ولا لمن أعتق من أعتقها) سقط من (ح). (¬6) قوله: (مولاها ومولاتها،) في (ح): (مواليها ومولى ابنها). (¬7) في (ح): (موالي أمه). (¬8) في (ح): (موالي). (¬9) قوله: (عنه) سقط من (ر). (¬10) قوله: (الولد) سقط من (ح).

الواحد الثلث، وللولد الواحد (¬1) السدس؛ لأنَّه أخ للأم، ولها مع الولدين السدس، ولهما الثلث، والباقي لموالي الأم، وإن ولدت الملاعنة توءمًا أحرز الباقي منهما المال دون العصَبة؛ لأنه يرث من قِبَلِ الأب والأم، فتأخذ الأم الثلث والباقي له، وإن كان هناك ولد آخر أخذت الأم السدس، وأخذ الآخر (¬2) الذي لم (¬3) يولد مع الميت السدس، والباقي للذي ولد معه. ¬

_ (¬1) زيادة في (ف). (¬2) قوله: (الآخر) زيادة في (ف). (¬3) قوله: (لم) سقط من (ح).

باب في الميراث بالشك

باب في الميراث بالشك وقال ابن القاسم في رجل ماتت زوجته وابنه منها ولا يدرى أيهما مات قبل الآخر (¬1): إنه لا ميراث بين الأم والابن، وميراث الابن للأب وحده، وميراث الأم للزوج والأخ بعد أيمانهما، وكذلك إذا نفست به واستهل ثم ماتا، الأم والابن، ولا يدرى أيهما مات أولًا لا ميراث بينهما (¬2). قال مالك في العتبية: وإن شهد النساء أن الأم ماتت أولًا حلف أبو الصبي أو ورثته مع شهادة النساء واستحقوا ميراثه من أمه لأنه مال. قال أصبغ: ونظيرها شهادتهن أنه ذكر (¬3). يريد: أنه يختلف فيه؛ لأنها شهادة على غير مال والمستحق به مال (¬4)؛ لأنَّ التاريخ في تقديم موت أحدهما على الآخر ليس بمال، والذي يستفاد بالشهادة مال، فعلى قول أشهب لا يحلف وارث الصبي معهن، ويحلف المنكر للشهادة، ويبرأ إذا ادعَى عليه العلم أو أشبه أن يكون عنده من ذلك علم، وإن لم يُدَّعَ عليه علم ولا كان عنده من ذلك شبهة لم يحلف (¬5) ولم يرث أحدهما الآخر. واستحسن إذا لم تقبل شهادتهن أن يكون الزائد على ميراث أنثى بينهما نصفين؛ لأنَّ الأمر مشكل هل هو ذكر أم أنثى؟ ¬

_ (¬1) قوله: (الآخر) زيادة في (ر). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 593. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 31. (¬4) في (ح): (قال). (¬5) في (ر): (حلف).

ولو مات رجل حر عن زوجته وهي أمة وأعتقت، ولم يُدْرَ هل كان العتق قبل موت الزوج أو بعده لم ترثه؛ لأنه ميراث بشك، والأصل العبودية، فإن قالت الزوجة تقدم عتقي وصدقها المعتق لم ينفعها ذلك، وإن شهد شاهد بتقديم العتق حلفت واستحقت على قول مالك وابن القاسم، ولم يكن ذلك لها على قوله أشهب، وإن كان السيد عدلًا حلفت معه على القول الأول (¬1)؛ لأنه لا يجر بشهادته منفعة. وقال ابن القاسم في العتبية فيمن شُقَّ جوفُهُ أو مِعاه أو ذُبح فهو كذلك حتى مات ولده أيرثه؟ قال: أما المذبوح فلا يرث وأما المشقوق الجوف ففي عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حجة في ذلك قيل له: فإن قتله رجل آخر في تلك الحال أيقتل به؟ قال: لا (¬2). وقال (¬3) في كتاب محمد في من أنفذت مقاتله يقتل به (¬4) الثاني ويؤدب الأول. وقال أشهب: يقتل الأول (¬5). فعلى قول ابن القاسم إذا ذبح ورثه الابن وإن مات الابن قبله، وإذا أنفذت مقاتله ولم يذبح ورث الأب الابن. ¬

_ (¬1) في (ف): (الآخر). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 91. (¬3) قوله: (قال) سقط من (ف). (¬4) في (ف) و (ح): (مقاتله يقتل). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 75.

باب في ميراث الحملاء

باب في ميراث الحملاء قال مالك: كل بلاد افتتحت عَنْوة ثم سكنها المسلمون ثم أسلم أهل تلك الدار، فإنهم يتوارثون بأنسابهم التي كانت في الجاهلية كما كانت العرب حين أسلمت، وأما كل قوم تحملوا فإن كان عددهم يسيرًا لم يتوارثوا بذلك إلا أن تكون لهم بينة عادلة على الأصل مثل الأسارى من المسلمين يكونون عندهم (¬1). وأجاز في كتاب السرقة (¬2) شهادة من دخل إليهم بتجارة (¬3). واختلف في العدد الذي يكتفى به إذا لم تكن عدالة فقال ابن القاسم في العتبية: العشرون إذا شهدوا يتوارثون بهم (¬4)، وقال سحنون: لا يتوارثون بهم (¬5). قال الشيخ: دعوى الحملاء المناسبة على ثلاثة أوجه: أبوة، وبنوة، وأخوة وغيرها من الأقارب، فاختلف في البنوة هل يكتفى في ذلك بقول الأب: "هذا ولدي" من غير شهادة، فقول مالك أنه يقبل قوله؛ لأنه قال في كتاب أمهات الأولاد في من كان مقيمًا في بلد فيقدم بالغلام محمولًا وقد ولد في أرض الشرك مثل الصقالبة والزنج فقال: هذا ابني، وقد علم أنه دخل تلك ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 591، والنوادر والزيادات: 13/ 205. (¬2) في (ف): (في كتاب محمد السرقة). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 546. (¬4) قوله: (بهم) سقط من (ف). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 14/ 228.

البلاد أنَّه يقبل قوله، فإذا قبل قول من دخل إليهم كان قول من هو منهم ومقيم معهم أولى (¬1). وقال أبو الحسن بن القصار والقاضي أبو محمَّد عبد الوهاب في كتاب الفرائض من المعونة (¬2): لا يقبل منه (¬3). والأول أحسن، والمعروف في الولد أنه يقبل ممن (¬4) استلحقه إذا كانا طارئين، وإذا قال: "ولد ولدي" كان على التفسير الذي تقدم في الجد. وإن قال: "أخي أو ابن أخي أو ابن عمي" لم يقبل منه (¬5)، وها هنا يفتقر إلى الشهادة كما قال، فإن شهد مسلمون كانوا عندهم أو اثنان ممن أسلم منهم وعدلوا- جازت شهادتهم، وإن شهد اثنان منهم عدلان (¬6) وشهد المشهود له (¬7) للشهود جرت على قولين: فإن لم تكن عدالة فالعدد الكثير كما قال ابن القاسم وجميع هذا إذا كانت الدعوى والموت بفور القدوم، وأما إن طالت المدة وهم يتناسبون على ذلك ولا أحد ممن قدم ينكر ذلك عليهم ولا ممن يقدم من الموضع الذي قدموا منه، فإن ذلك يصير حوزا ويتوارثون به، وإن لم تكن شهادة كما (¬8) قال في الطارئ يدعي نسبًا ويطول زمانه، وهو يزعم ذلك ولا ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 544. (¬2) زاد في (ح): (في الحملاء). (¬3) انظر المعونة: 2/ 537. (¬4) في (ف): (قول من). (¬5) في (ف): (قوله). (¬6) قوله: (عدلان) زيادة في (ر). (¬7) قوله: (له) سقط من (ح). (¬8) قوله: (كما) سقط من (ح).

فصل [فى ميراث رجل مات عن ولدين مسلم ونصراني]

ينكره أحد: إن طول المدة تثبت له نسبه، ويحد من قطعه منه. فصل [فى ميراث رجل مات عن ولدين مسلم ونصراني] وإذا مات رجل عن ولدين مسلم ونصراني، وادعى كل واحد منهما أن أباه كان على مثل دينه ولا بينة لهما حلفا (¬1) واقتسما ميراثه نصفين، وإن أقر المسلم أن أباه كان نصرانيًّا وادَّعى أنه انتقل إلى الإِسلام عند الموت- حلف النصراني أنه لم يَزُل عن دينه وكان الميراث له دون المسلم، إلا أن يصلي عليه المسلمون ويدفن عندهم بحضرته ولا ينكر ذلك (¬2)، فيسأل عن عذره في ذلك (¬3)، فإن قال النصراني: كان مسلمًا ثم مات على النصرانية- كان المال للمسلم بغير يمين؛ لأنه على قوله مرتد، والمال لجماعة المسلمين على قوله، وهو مدَّعٍ لغيره، فلا يقبل قوله لأنه غير عدل، وهذا إذا قال: أسلم بعد أن كبرت، وأما إن قال: أسلم وأنا صغير كان النظر في بقائه على الكفر (¬4). واختلف إذا لم يعلم أصله هل يرجح بصلاة المسلمين عليه؟ فلم ير ابن القاسم في المدونة ذلك وقال: ليس الصلاة (¬5) شهادة (¬6). وقال مطرف وابن الماجشون (¬7) في كتاب ابن حبيب: إنه (¬8) إذا كان ذلك ¬

_ (¬1) في (ح): (أحلف). (¬2) قوله: (ذلك) زيادة في (ر). (¬3) قوله: (في ذلك) سقط من (ح). (¬4) المدونة: 2/ 594، والبيان والتحصيل: 14/ 293. (¬5) زاد في (ر): (عليه). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 594. (¬7) زاد في (ر) و (ف): (وأصبغ). (¬8) قوله: (إنه) سقط من (ر).

فصل [في ميراث رجل مات عن ولدين مسلم ونصراني أقام كل واحد منهما بينة على أنه مات على دينه]

بحضرة النصراني كان ذلك (¬1) قطعًا لدعوى النصراني (¬2). وهو أبين إلا أن يعلم من النصراني أمر يعذر به في السكوت؛ لأنه ليس من العادة صلاة المسلمين على الكافرين ولا دفنهم عندهم، ولو صلى عليه النصارى ودفنوه عندهم بحضرة المسلم كان ميراثه للنصراني، وهو ها هنا أبين من صلاة المسلمين عليه، وإن قال كل واحد منهما: لم يَزُل عن ديني، كان المال بينهما نصفين على (¬3) حسب ما تقدم. فصل [في ميراث رجل مات عن ولدين مسلم ونصراني أقام كل واحد منهما بينة على أنه مات على دينه] واختلف إذا أقام كل واحد منهما بينة على دعواه فقال ابن القاسم: يقضى بأعدلهما فإن تكافأتا كان المال بينهما. وقال غيره: إذا تكافأتا كان المال للمسلم (¬4). قال الشيخ: لا تخلو البينة من ثلاثة أوجه: إما أن تشهد بما لم يزالوا يعرفونه من دينه، أو بما مات عليه، أو إحداهما بما لم يزل عليه والأخرى بما مات عليه، فإن كانت الشهادتان أنه لم يزل على (¬5) ذلك (¬6) حين موته ولا ¬

_ (¬1) قوله: (ذلك) سقط من (ر). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 66. (¬3) قوله: (على) زيادة في (ح). (¬4) انظر القولين في المدونة: 2/ 594. (¬5) قوله: (على) سقط من (ح). (¬6) زيادة: (إلى) سقط من (ف).

يعرفونه انتقل عنه - كان تكاذبًا، يقضى بأعدلهما، فإن تكافأتا سقطتا، وكان الميراث بينهما نصفين بمنزلة من لم تشهد له (¬1) فيه بينة. وإن كانت الشهادتان بما مات عليه فقالت إحداهما: نشهد أنه مات على الإسلام، وقالت الأخرى: على النصرانية، ولا علم عندهما بما كان عليه، وقال كل واحد من الولدين: لم يزل دينه على ما شهدت لي البينة به- قضي بأعدلهما أيضًا، فإن تكافأتا سقطتا واقتسما المال نصفين. وإن كان معروفًا بأحد الدينين أو أقر بذلك الولدان كان فيها قولان، فقيل: ذلك تكاذب كالأول، يقضى بأعدلهما، فإن تكافأتا سقطتا وبقي على ما كان يعرف به من إسلام أو نصرانية. وقيل: يقضى بشهادة من نقلته عن الحال الأوّل؛ لأنها زادت حكمًا، فإن كان قَبْلُ نصرانيًّا كان المال (¬2) للمسلم، وإن كان مسلمًا كان المال لبيت مال المسلمين؛ لأنه ارتداد، وإن شهدت إحداهما أنه لم يزل يعرف على كذا ولم يُدْرَ ما مات عليه، والأخرى بما مات عليه ولا يُدرَى ما كان عليه قبل ذلك- قضي بشهادة الأخيرة (¬3)، إن كان إسلامًا للمسلم، وإن كان كفرًا فلبيت المال. قال أصبغ ولو كان معهما أخ صغير فقال: كلاهما مقرٌّ له بالنصف- فله النصف (¬4) كاملًا، ويجبر على الإِسلام ولهما النصف بعد أيمانهما (¬5). ¬

_ (¬1) قوله: (له) زيادة في (ح). (¬2) قوله: (يقضى بأعدلهما. . . . كان المال) سقط من (ح). (¬3) في (ح) (: (الأخرى). (¬4) قوله: (فله النصف) سقط من (ف). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 14/ 293.

قال سحنون: فإن مات الصبي قبل البلوغ حلفا واقتسما ماله. (¬1). قال الشيخ: أصل قولهم أن يكون المال بينهم أثلاثًا، فإن خلف الميت ستين دينارًا كان لكل واحد من الأولاد عشرون دينارًا؛ لأنَّ المسلم يقول: المال بيني وبين أخي الصغير نصفين، والنصراني غاصب لنا، والغصب عليَّ وعليه على قدر أنصبائنا من المال (¬2)؛ فما خلص منه كنا فيه سواء. ويقول النصراني مثل ذلك، وذلك يؤدي إلى تساويهم فيه. وفي كتاب ابن سحنون: يحلفان ويوقف ثلث ما بيد (¬3) كل واحد حتى يكبر الصغير، فيدعي مثل دعوى أحدهما (¬4)، فيأخذ ما وقف له من سهمه ويرد إلى الآخر ما وقف من سهمه. وإن مات قبل أن يبلغ الحلم (¬5) حلفا واقتسما ميراثه، وإن مات أحدهما قبل بلوغه وله ورثة يُعرفون فهم أحق بميراثه، ولا يردون شيئًا منه إذا كبر الصغير فادعى مثل دعواهم، وإن لم يكن ورثة أقر الميراث فإن بلغ الصبي فادعاه كان له (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (قال سحنون. . . اقتسما ماله) سقط من (ف). وانظر: النوادر والزيادات: 9/ 67. (¬2) قوله: (من المال) سقط من (ح). (¬3) في (ح): (يرث). (¬4) زاد في (ر): (فيه). (¬5) قوله: (الحلم) زيادة في (ر). (¬6) قوله: (ولا يردون شيئًا منه. . . فادعاه كان له) يقابله في (ف) و (ح): (ولا يرد ما أخذ فإذا كبر الصغير فادعاه كان له)، وزاد في (ر): (وكيف يدعيه الصغير وهو يجبر على الإِسلام). انظر: النوادر والزيادات: 9/ 66، 67.

باب في ميراث المرتد وهل يكون له ماله إذا راجع الإسلام وهل تمضي أفعاله في ماله في حال ارتداده

باب في ميراث (¬1) المرتد وهل يكون له ماله (¬2) إذا راجع الإسلام وهل تمضي أفعاله في ماله (¬3) في حال ارتداده وإذا ارتد المسلم حيل بينه وبين ماله، قال ابن القاسم في كتاب محمد: وينفق عليه منه في الأيام الثلاثة التي يستتاب فيها ولا ينفق منه على عياله ولا على ولده (¬4). فإن راجع الإِسلام كان له ماله (¬5). وقال في المبسوط: لا يرد إليه. ورأى (¬6) أنه كافر قدر عليه لا عهد له فلا شيء له في ماله. وإن لم يراجع الإِسلام كان ماله (¬7) لجماعة (¬8) المسلمين، ولا يرثه ورثته، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَرِثُ المُسْلِمُ الكافِرَ" (¬9). وإن ارتد إلى النصرانية وله ولد أو أخ نصراني لم يرثه؛ لأنه دين لا ¬

_ (¬1) في (ف): (أحكام). (¬2) في (ح): (ميراثه). (¬3) قوله: (ماله) سقط من (ف). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 506. (¬5) انظر: المدونة: 2/ 596. (¬6) في (ح): (وأرى). (¬7) في (ح): (ميراثه). (¬8) في (ف) و (ح): (لجميع). (¬9) متفق عليه، أخرجه البخاري: 6/ 2484، في باب لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم، من كتاب الفرائض، رقم: (6383). ومسلم: 3/ 1233، في أول كتاب الفرائض، برقم: (1614).

يقر عليه، ولا تضرب عليه الجزية فيه (¬1) فيجمعه وإياهم جزية واحدة. واختلف إذا ارتد في المرض فقال في المدونة: لا يورث (¬2). وقال في كتاب ابن حبيب: لا يورث إلا أن يتهم أن يكون أراد منعهم الميراث. وذكر ابن شعبان في ذلك (¬3) قولين: الميراث والمنع. قال الشيخ: لا يخلو المرتد في المرض من ثلاثة أوجه: إما أن يقتل عليها، أو يعاجله الموت قبل ذلك، أو يرجع إلى الإِسلام ثمَّ يموت مسلمًا، فإن قتل لم يرثه ورثته، ولم يتهم أحد في مثل هذا، وإن عاجله الموت قبل أن يقتل نُظِرَ إلى ورثته، فإن كانوا ولدًا وممن يعلم منهم (¬4) القرب إليه لم يرثوه، وإن كانوا أباعد وممن يعلم منه (¬5) أنَّه بينهم وبينه عداوة وشنان- حُقَّ أن يقال: إنهم يرثونه. وإن راجع الإِسلام ورثه على قوله في المدونة إن ملكه لا يسقط عن ماله (¬6)، وعلى قوله: إنه لا يعود إليه (¬7) تقوى التهمة فيمن بينهم وبينه عداوة أن يظهر ذلك ثم يعود إلى الإِسلام، فيموت مسلمًا ويمنعهم ماله. ¬

_ (¬1) قوله: (فيه) سقط من (ح) (¬2) انظر: المدونة: 2/ 228. (¬3) قوله: (فى ذلك) زيادة من (ر). (¬4) قوله: (منهم) سقط من (ح). (¬5) قوله: (منه) زيادة فى (ح). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 596. (¬7) زاد في (ر): (ماله).

فصل [فى هل تمضي أفعال المرتد في ماله في حال ارتداده؟]

فصل [فى هل تمضي أفعال المرتد في ماله في حال ارتداده؟] واختلف في المرتد في الصحة هل يكون مطلق اليد في ماله وتمضي أفعاله فيه حتى يحجر عليه أو يكون محجرًا عليه بنفس الارتداد؟ وهذا إذا قتل على ردته، وإذا راجع الإِسلام مضت أفعاله التي كانت قبل الحجر. واختلف هل تمضي إذا كانت بعد الحجر عليه (¬1) وذلك أن يبيع أو يشتري أو يهب أو يتزوج؟ فقال ابن القاسم في كتاب محمَّد: ما تداين به (¬2) قبل أن يحجر عليه يلزمه، وما تداين به (¬3) بعد أن حجر عليه فهو هدر إن قتل على ردته، وإن هو تاب ورجع إلى الإِسلام (¬4) لزمه. ولم ير (¬5) ردته حجرًا حتى يحجر عليه. قال سحنون: ما أعرف هذا وردته حجر وهو بالردة ممنوع من ماله (¬6). ووافق أشهب ابن القاسم أن الردة ليست بحجر وأن أفعاله بعد الردة ساقطة إن قتل، وخالفه إن رجع إلى الإِسلام، وقال: ما أحدثه بعد الحجر من بيع أو شراء أو عتق فباطل سواء قتل أو رجع (¬7) إلى الإِسلام (¬8). ¬

_ (¬1) قوله: (عليه) زيادة في (ف). (¬2) قوله: (به) سقط من (ر). (¬3) قوله: (به) زيادة في (ح). (¬4) قوله: (إلى الإسلام) زيادة في (ر). (¬5) في (ح): (ولم يرد). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 503، 504. (¬7) قوله: (سواء قتل أو رجع) يقابله في (ح): (قبل أن يرجع) وقوله (سواء) ساقط من (ف). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 504، 505.

فصل [فى توبة الزنديق وميراثه]

وقال ابن القاسم في كتاب النكاح الثالث من المدونة إذا تزوج المرتد في حال ارتداده يهودية أو (¬1) نصرانية ثمَّ راجع الإِسلام لم يقر على نكاحها (¬2). وقال سحنون في كتاب ابنه نكاحه هذا (¬3) جائز، قال: ولو تزوج مسلمة في حال ارتداده وهي عالمة بارتداده (¬4) وأصابها- كان صداقها في ذمته، فإن رجع إلى الإِسلام أخذته من ماله، وإن قتل على ردته لم يكن لها شيء (¬5). فصل [فى توبة الزنديق وميراثه] وأما الزنديق فإنه لا يخلو من خمسة أوجه: إما أن يأتي تائبًا قبل أن يظهر عليه (¬6)، أو يظهر عليه فتشهد البينة عليه (¬7) ويقر ويتمادى على ما كان يعتقده، أو يتوب عندما شُهِد عليه (¬8)، أو يتمادى على الإنكار والتكذيب بالبينة، أو شُهِد عليه بعد موته. وأحكام هذه الوجوه ثلاثة: قبول التوبة، والقتل إن لم تقبل التوبة، والميراث. فإن أتى تائبًا قبل أن يظهر عليه قبلت توبته، ولم يقتل. ¬

_ (¬1) قوله: (يهودية أو) سقط من (ر). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 226. (¬3) قوله: (هذا) زيادة في (ف). (¬4) قوله: (وهي عالمة بارتداده) سقط من (ف). (¬5) النوادر والزيادات: 4/ 592. (¬6) قوله: (يظهر عليه) يقابله في (ح): (يفرض عليه الإِسلام). (¬7) قوله: (عليه) زيادة في (ف). (¬8) قوله: (شهد عليه) يقابله في (ف): (تشهد عليه البينة)، وفي (ح): (شهد عليهم).

وإن ظهر عليه فاعترف (¬1) ولم يرجع قتل ولا يورث. وإن اعترف وتاب أو كذب البينة وتمادى على الجحود قتل، ولم تقبل توبة هذا، ولم ينظر إلى جحود الآخر. واختلف في الميراث عنهما (¬2) على ثلاثة أقوال: فقال مالك مرة: يرثه ورثته من المسلمين (¬3). وقال أيضًا: لا يرثونه، وميراثه فيء لجميع المسلمين، وبه قال المغيرة وأشهب وابن عبد الحكم وابن نافع وعبد الملك وسحنون، قالوا: سبيل ماله سبيل دمه (¬4). وقال ابن القاسم: إن اعترف وتاب لم تقبل توبته وقتل ولم يرثه ورثته، وإن جحد فقتل أو مات قبل أن يظهر عليه ورثوه. وفي كتاب محمَّد لمالك فيمن اعترف أن أباه مات على الزندقة أو أنه كان يعبد الشمس قال: لك أن ترثه (¬5). وهذا أشد ما روي في هذا, لاعتراف الابن علي الأب أن أباه (¬6) كان كافرًا. وقال سحنون في منع قبول توبته إذا ظهر عليه أنه إنما يقتل الزنديق على ما يُسِرُّ، وما أظهر لا يدلّ على ما يسره؛ لأنه كذلك كان (¬7). وهذا الذي قاله صحيح؛ لأنه كان يبطن الكفر وينطق بالإيمان , وما زادنا ¬

_ (¬1) قوله: (فاعترف) سقط من (ح). (¬2) زاد في (ف): (وفي ميراث من ظهر عليه بعد موته زائد). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 522. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 523. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 522، 523. (¬6) قوله: (على الأب أن أباه) يقابله في (ح): (على نفسه أنه). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 518.

أكثر مما هو (¬1) عليه وهو النطق باللسان، ويدل على ذلك قول الله سبحانه في المحاربين: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34]، وإذا لم يقبل قول المحارب بعد القدرة عليه: إني تائب، مع أنه كان يعلن ما يوجب حده (¬2) إلا أن تعلم (¬3) توبته بالأعمال الصالحة وما يدل على نزوعه عن ذلك (¬4) قبل الظهور عليه وأخذه- كان الزنديق ابن أنه لا يقبل قوله: إني تائب، إلا أن يظهر نزوعه قبل أن يظهر عليه، أو يعترف، وكذلك شاهد الزور إذا ظهر عليه فقال: إني تائب لا يقبل ذلك منه بحضرة ما ظهر عليه، فلا تجوز شهادته إلا بما (¬5) يظهر منه مما يفعله بعد ذلك، وليس بمجرد قوله: إني تائب، وأيضًا فإن الزنديق كان (¬6) يرى ذلك حقًّا وهو اجتهاده، وشاهد الزور كان (¬7) يعتقد ذلك باطلًا، فانتقال حاله إلى الصلاح والتدين دليل على انتقاله. فأما ميراثه فاستدل من أوجبه لورثته بالمنافقين أنهم تُرِكُوا على ما كانوا يُظهِرُونَهُ من الإِسلام وأُجْرُوا على أحكام الإِسلام (¬8) في المناكحة والموارثة وغيرها، واحتج للمنع بوجوه: فقيل: لأنَّ (¬9) ذلك مما يعلمه النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة، فترك سنةً، لئلا يقضي ¬

_ (¬1) في (ف): (كان). (¬2) قوله: (يوجب حده) يقابله في (ح): (يرخص له). (¬3) في (ف): (تظهر). (¬4) قوله: (عن ذلك) سقط من (ف). (¬5) في (ف): (فيما). (¬6) قوله: (كان) سقط من (ح). (¬7) قوله: (كان) زيادة في (ف). (¬8) في (ر): (المسلمين). (¬9) قوله: (فقيل: لأنَّ) يقابله في (ر): (منها أن).

حاكم بعلمه، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أُولَئِكَ الَّذِينَ نَهانِي اللهُ تَعالَى عَنْ قَتْلِهِمْ" (¬1). وقيل: علة ذلك لئلا ينفر الناس (¬2) عن الدخول في الإِسلام ويقال: إنه يقتل أصحابه، لا سيما بغير بينة وبما لم يعلمه غيره. قال محمَّد بن المواز: ولو أظهروا نفاقهم لقتلهم النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). والاتفاق على نقل حكمهم اليوم عن الحكم الأول؛ لأنَّ الحكم فيهم اليوم القتل، ولم يكن تعرض لهم قبل ذلك بقتل، وإنما التنازع في الميراث، فإذا أجري عليه القتل بما شهد عليه من الكفر أجري على مثل ذلك في الميراث. ¬

_ (¬1) صحيح، أخرجه مالك: 1/ 171، في باب جامع الصلاة، من كتاب قصر الصلاة في السفر، برقم: (413) بنحوه من حديث عبيد الله بن عدي بن الخيار - رضي الله عنه -. (¬2) قوله: (ينفر الناس) يقابله في (ف): (يرد). وفي (ح): (يفر). (¬3) النوادر والزيادات: 14/ 522.

باب في توارث أهل الملل

باب في توارث أهل الملل توارث (¬1) أهل الملل على وجهين: ممنوع، ومختلف فيه، فالأول الميراث بين المسلم والكافر: فهو ساقط، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَرِثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ وَلاَ الكَافِرُ المُسْلِمَ ". أخرجه البخاري ومسلم (¬2). والثاني: الميراث بين أهل الكفر إذا اختلفت أديانهم كالنصراني واليهودي والمجوسي، فقال في الكتاب (¬3): لا يتوارثون (¬4). وقال أيضًا: يتوارثون؛ لأنه كفر كله. قال أصبغ: ثم رجع ابن القاسم عنه (¬5). وروى أشهب عن مالك أنَّه قال (¬6) في الحديث: "إِنَّهُ لا يَتَوارَثُ أَهْلُ مِلَّتينِ" (¬7) إنما ذلك في أهل الإسلام وأهل الكفر. قيل: أفيرث اليهودي النصراني؟! قال: لا أدري. ¬

_ (¬1) قوله: (توارث) سقط من (ف). (¬2) سبق تخريجه ص: 4153. (¬3) في (ف): (المدونة). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 597، 598. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 14/ 344. (¬6) قوله: (أنه قال) زيادة في (ف). (¬7) صحيح، أخرجه أبو داود في سننه: 2/ 140، في باب: هل يرث المسلم الكافر، من كتاب الفرائض برقم (2911)، والترمذي: 4/ 424، في باب لا يتوارث أهل ملتين شتى، من كتاب الفرائض برقم (2108)، والنسائي: 4/ 82، في باب سقوط الموارثة بين الملتين من كتاب الفرائض برقم (6381)، وابن ماجه: 2/ 912، في باب ميراث أهل الإِسلام من أهل الشرك، من كتاب الفرائض برقم (2731).

وقال ابن شعبان في ذلك قولان مدنيان (¬1) أحدهما (¬2) أنهما يتوارثان، لقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: الإِسْلاَمُ مِلَّة والكُفْرُ كُلُّهُ مِلَّةٌ (¬3). وهو قول الزهري وربيعة. قال ابن المنذر: وهو قول الحكم وحماد وابن شبرمة والثوري ومالك والشافعي وأبي ثور. ¬

_ (¬1) قوله: (مدنيان) سقط من (ح). (¬2) قوله: (أحدهما) سقط من (ر). (¬3) أخرجه مالك: 2/ 519، في باب ميراث أهل الملل، من كتاب الفرائض، برقم (1084) عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن محمَّد بن الأشعث أخبره: أن عمة له يهودية أو نصرانية توفيت وأن محمَّد بن الأشعث ذكر ذلك لعمر بن الخطاب وقال له: من يرثها؟ فقال له عمر بن الخطاب: يرثها أهل دينها. ثم أتى عثمان بن عفان فسأله عن ذلك فقال له عثمان: أتراني نسيت ما قال لك عمر بن الخطاب يرثها أهل دينها. ولم أقف على هذا القول الذي ذكره اللخمي منسوبًا لعمر بن الخطاب، وإنما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه: 4/ 532، في باب شهادة أهل الشرك بعضهم على بعض، من كتاب البيوع والأقضية، برقم: (22874) من قول سفيان الثوري -رحمه الله-.

باب في النصراني يموت ويختلف ورثته فى ميراثه أو يسلمون أو يسلم بعضهم قبل أن يقسم ميراثه

باب في النصراني يموت ويختلف ورثته فى ميراثه أو يسلمون أو يسلم بعضهم قبل أن يقسم ميراثه وقال مالك في النصراني يموت عن ورثة (¬1) نصارى فيختلفون في ميراثهم (¬2) ويرتفعون إلى حاكم (¬3) المسلمين: إنه بالخيار بين الحكم أو الترك، وإن حكم بينهم (¬4) حكم بحكم المسلمين (¬5). يريد: إذا بين لهم أنَّه إنما يحكم بينهم بمنزلة ما لو كانوا مسلمين، فإن رضوا بعد البيان أن يحكم بينهم بذلك حكم بينهم، وإلا تركهم. قال: فإن أسلم بعضهم حكم بينهم ولم يردوا إلى حكم النصارى، قال: ولم ينقلوا عن مواريثهم، وإن أسلم جميعهم ثمَّ اختلفوا حكم بينهم أيضًا (¬6). واختلف قوله: هل يحملهم على مواريث النصارى أو مواريث المسلمين، ففرق في الجواب في المسائل الثلاث: فجعله بالخيار إذا كان جميعهم على الكفرة لقول الله سبحانه: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ}. [المائدة: 42].ولم يحكم بينهم بحكمهم لإخبار الله عز ¬

_ (¬1) في (ف): (قوم) وفي (ح): (وورثته). (¬2) في (ف): (ميراثه). (¬3) في (ف) و (ح): (حكم). (¬4) قوله: (بينهم) زيادة في (ر). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 598. (¬6) انظر: المدونة: 2/ 598.

وجل أنهم بذلوا ما أنزل الله سبحانه، ولأن ذلك منسوخ بشرعنا وقد حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - بما علم أنه لم يبدل. وإذا أسلم بعضهم لم يكن له خيار، وأجراهم على حكم مواريث النصارى (¬1)؛ لأنه لا يحسن أن يُحَكَّمَ كافر في مسلم، لما في ذلك من الإذلال له، ولأنه لا يؤمن (¬2) أن يميلوا أو يحيفوا عليه -لمفارقته لدينهم- إلى من هو على دينهم، فكان على حاكم المسلمين أن يكشف عن مواريثهم فيحملهم عليها، وكذلك إذا أسلم جميعهم على القول أنهم يتوارثون وراثة النصارى وأنه يحكم بينهم بذلك (¬3)، ولا يردون إلى حكم (¬4) النصارى؛ لأنه إذلال لهم. وإن اختلفوا كيف المواريث عندهم كشف عن ذلك حتى يتبين له ثم يحكم. وقد اختلف إذا أسلم جميعهم قبل أن تقسم (¬5) مواريثهم على ثلاثة أقوال: فقال مالك يقتسمون (¬6) على قسم النصارى، وقال معنى الحديث "أَيُّمَا دَارٍ أَدرَكَهَا الإِسْلاَمُ وَلَمْ تُقْسَمْ فَهِيَ عَلَى قَسْمِ الإِسْلاَمِ" (¬7) في غير أهل الكتاب (¬8) مثل المجوس ¬

_ (¬1) قوله: (حكم مواريث النصارى) يقابله في (ح): (مواريث النصار) وفي (ر): (حكم الإسلام). (¬2) في (ف) و (ر): (يؤمنوا). (¬3) قوله: (بذلك) زيادة في (ف). (¬4) في (ر): (حاكم). (¬5) في (ر): (قسمة)، وفي (ف): (أن يقسموا). (¬6) في (ف): (وابن القاسم). (¬7) أخرجه مالك: 2/ 746، في باب القضاء في قسم الأموال , في كتاب الأقضية، برقم (1433) مرسلًا من حديث ثور بن زيد الديلي، وأخرجه أبو داود: 2/ 141، في باب فيمن أسلم على ميراث، من كتاب الفرائض، برقم: (2914)، وابن ماجه: 2/ 831 , في باب قسمة الماء، من كتاب الرهون، برقم: (2485) موصولًا من حديث عبد الله بن عباس - رضي الله عنه -. (¬8) قوله: (في غير أهل الكتاب) سقط من (ح).

والزنج، وأما النصارى فهم على مواريثهم، وبه أخذ ابن القاسم (¬1). وروى أشهب عنه: أنهم يقسمون قسم أهل (¬2) الإسلام إذا أسلم جميعهم، قيل له: فإن أسلم بعضهم؟ قال لا أدري (¬3). وقال ابن نافع في المدونة ومطرف وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب في الحديث: هو لأهل الكفر كلهم، أهل الكتاب وغيرهم (¬4). وقال ابن القاسم في العتبية في المجوس: إن كانوا أهل ذمة فأسلم أولادهم قبل أن يقسموا الميراث قسم على قسم الشرك، ثم قال: ألا ترى في الحديث (¬5): "سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الكِتابِ" (¬6) إنما ذلك في المجوس من أهل الذمة (¬7). وينبغي على قول ابن القاسم أن يقول في النصراني الذي (¬8) لا ذمة له أنه يقسم ميراثه قسم المسلمين، وقد قال إسماعيل القاضي في (¬9) المرتد يموت على ردته: إنه لا يرثه من كان على دينه الذي ارتد إليه؛ لأنه لا عهد له، وإنما تركنا ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 599. (¬2) قوله: (أهل) زيادة في (ح). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 91. (¬4) انظر: المدونة: 2/ 599. (¬5) قوله: (فأسلم أولادهم قبل أن يقسموا الميراث قسم على قسم الشرك، ثم قال: ألا ترى في الحديث) سقط من (ح). (¬6) سبق تخريجه في كتاب الجهاد، ص: 4153. (¬7) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 90. (¬8) في (ح): (الحربي). (¬9) قوله: (في) زيادة في (ر).

المعاهدين يتوارثون ولم يعرض (¬1) لهم لأجل العهد. وأما كل كافر لا عهد له فماله فيء إذا قدرنا عليه، فعلى هذا إذا أسلم ورثة نصراني لا عهد له ثم قدموا علينا- قسموا على قسم الإِسلام. ¬

_ (¬1) في (ر): (يتعرض).

باب في إقرار الوارث بوارث

باب في إقرار الوارث بوارث وقال ابن القاسم فيمن هلك وترك ابنين، فادعى أحدهما أختًا لم تحلف الأخت مع هذا الأخ ولا يحلف مع هذا الشاهد في النسب، ولكن يقسم ما في يد الأخ المقر على خمسة أسهم (¬1)، فيكون (¬2) للمقر أربعة أسهم، وللأخت المقَرِّ بها (¬3) سهم، وإن خلف الميت ابنين فأقر أحدهما بزوجة أعطاها ثمن ما صار في يديه، وإن هلكت امرأة وتركت زوجًا وأختًا فأقر الزوج بأخ وأنكرته الأخت، فلا شيء على الزوج ولا على الأخت (¬4). يريد: أن الزوج له النصف في وجود الأخ وعدمه، وإنما يدفع المقِرُّ الزائد في يده قبل الإقرار إن كان في يده زائد، وإلا فلا شيء عليه ويكون نصيب من أُنْكِر عند من جحده (¬5)، وقد اختلف في هذا الأصل، فقيل: نصيب (¬6) الذي جحد غصب على المقِرِّ والمقَرِّ له جميعًا، وليس هو على المقر (¬7) له وحده، فيقال ها هنا: للزوج إذا خلف الميت ستن دينارًا، نصيبك منها ثلاثون، ونصيبي عشرون، ونصيب الأخت عشرة، وفي يدها الآن بالإنكار ثلاثون فزادت (¬8) عشرين، وهي ¬

_ (¬1) قوله: (أسهم) زيادة في (ف). (¬2) قوله: (فيكون) سقط من (ف). (¬3) قوله: (المقر بها) زيادة في (ر). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 600. (¬5) قوله: (أُنْكِر عند من جحده) يقابله في (ر): (أقر به عند من جحد). (¬6) في (ف): (النصيب). (¬7) زاد في (ر): (والمقر). (¬8) في (ر): (فأرادت).

من نصيبي ونصيبك؛ لأنَّ مقاسمتها علي غير جائزة؛ فيقسمان الثلاثين التي في يد الزوج أخماسًا، وكذلك إذا خلف الميت ابنين فأقر أحدهما بأخت فإنَّه يعطيها عشرة، وهي ثلث الثلاثين التي في يديه؛ لأنَّ له من تركة الأب سهمين ولها سهم، فالمغصوب عليهما جميعًا. وهذا هو كان الأصل على قول (¬1) ابن القاسم: أن القسمة لا تجوز على الأخ (¬2)، وإنما جازت (¬3) بذلك على أصل مالك في الوارث يقر بالدين أنه ليس عليه إلا قدر نصيبه (¬4)، وإن كان الأصل لا ميراث إلا بعد الدين؛ لأنه لو أخذ له (¬5) بجميع ما أقر به في نصيبه لأدى ذلك إلى ألا يقر أحد بدين، وكذلك هذا لو جعل الغصب عليهما خيف ألا يقر أحد بمثل ذلك، وإذا أخذ منه الزائد وحده لم يجحد، ومما يبين ذلك أنه لو كانت التركة ديارًا (¬6) أو عبيدًا وغير ذلك فاقتسما ذلك لم يكن عليه عندهما سوى الزائد إن كان لا خلاف أنه لا يصح ذلك إلا باجتماع الشركاء (¬7). ¬

_ (¬1) في (ف): (مذهب). (¬2) في (ح): (الأخت). (¬3) في (ف): (جاوب). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 67. (¬5) قوله: (له) زيادة في (ف). (¬6) في (ف): (التركة دنانير). (¬7) جاء في ختام (ف): (تم والحمد لله وحده) وفي (ر): (وبالله التوفيق وحده تم كتاب الولاء والمواريث والحمد لله رب العالمين والصلاة على سيدنا محمد خاتم النبين وعلى آله وأصحابه البررة الأكرمين يتلوه كتاب العتق الأول وفي هذه النسخة تقديم وتأخير كما وجد في الأم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).

كتاب بيع الآجال

كتاب بيع الآجال النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ت) = نسخة تازة رقم (234 & 243)

باب فى بيوع الآجال وما يجوز منها وما يمنع

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وبه استعين كتاب بيع الآجال باب فى بيوع الآجال وما يجوز منها وما يمنع وقال مالك فيمن باع من رجل سلعة بمائة إلى شهر ثم اشتراها منه بخمسين نقْدًا، أو مائة وخمسين إلى شهرين: لم يجز؛ لأنهما يتهمان أن يكونا عملا على ذلك وأظهرا البيع وعقدا على دفع خمسين في المائة، أو مائة في مائة وخمسين (¬1). ويجوز أن يشتريها بمثل الثمن نقْدًا، أو إلى أجل أبعد من الأجل، أو إلى مثل الأجل بأكثر من الثمن أو أقل، فمتى استوى الثمن لم يراع الأجل، أو اتفق الأجل لم يراع اختلاف الثمن من باب القلة والكثرة. وإن اختلف جنسه، فكان أحدهما دنانير والآخر دراهم، أو محمدية ويزيدية صحت تارة، وفسدت تارة (¬2). ولا تخلو البيعتان من أن يكونا نقْدًا، أو إلى أجل، أو أحدهما نقْدًا والآخر ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 160. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 162، ولفظه فيها: (أرأيت إن بعته ثوبًا بعشرة دراهم محمدية إلى شهر فاشتريته بثوب نقدًا أو بخمسة دراهم يزيدية إلى شهر؛ قال: لا خير فيه لأن ثوبه الأول رجع إليه فألغي وصار كأنه باعه ثوبه الثاني بخمسة دراهم محمدية على أن يبذل له إذا حل الأجل خمسة يزيدية بخمسة محمدية).

إلى أجل، فإن كانتا نقْدًا حملا على الجواز إلا أن يكونا ممن عرف بالعينة. قال أصبغ في كتاب محمَّد: وإن كان أحدهما من أهل العينة فهما من أهل العينة؛ لأنَّ الآخر يعامله عليها (¬1). يريد: ما لم يكن الآخر من أهل الدين والفضل، فلا يحمل عليه أنه عامله عليها. وإن كانت البيعتان إلى أجل، أو الأولى إلى أجل، والثانية نقْدًا حُملا على العينة، واختلف إذا كانت الأولى نقْدًا، والثانية إلى أجل: فحملها مالك في كتاب محمَّد على بيع الآجال، وقال ابن القاسم وأشهب: إذا كانت الأولى نقْدًا فلا بأس أن يبيعها البائع بأكثر إلى أجل قبل أن ينقد، أو بعد أن نقد (¬2). واختلف في وجه المنع في بيوع الآجال: فقال أبو الفرج: لأنَّ أكثر معاملات من أراد الربا على ذلك. وذهب محمَّد ابن مسلمة في مختصر ما ليس في المختصر إلى أن ذلك حماية لئلّا يتذرع الناس إلى الربا؛ لأنه قال: يفسخ إذا كانت السلعة قائمة، وإن فأتت لم ترد لفسخ ولا قيمة، قال: لأني لا أدري أراد الرغبة والندامة أو تعمد الحرام فأمضى البيعتين على ما هما عليه بعد الفوت. وعلى قول أبي الفرج ينظر في ذلك فإن كانت عادتهم التعمد للفساد حملا عليه، وإن لم تكن لهم فيه عادة مضى بيعهما، وإن اختلفت العادة فكان بعضهم يعمل على الفساد، وبعضمهم على الصحة فسخ بيع من يرى أنه لم يعمل على ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 86. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 86.

فصل [فى مواضع الاختلاف في بيوع الآجال]

فساد حماية، وإن كان من أهل الدين والفضل. فعلى هذا يحمل قول عائشة - رضي الله عنها - لأم ولد زيد بن أرقم، وقد باعت من زيد عبْدًا بثمانمائة درهم إلى العطاء، ثم اشترته منه بستمائة نقدًا، فقالت لها عائشة: بِئْسَ ما شَرَيْتِ وَبِئْسَ ما اشْتَرَيْتِ، أَبْلِغِي زَيْدًا أَنَّهُ قد أَبْطَلَ جِهادَهُ مَعَ رَسُولِ اللهِ إِنْ لَمْ يَتُبْ. تريد لأنه ممن يقتدى به فخشيت أن يفتح على الناس من ذلك باب فساد فيصير سنة، فإن لم يرجع بعد ما بينت له خشيت (¬1) أن يكون ما كتب له من الأجر في الجهاد يؤخذ فيما يدخل عليه من الإثم في ذلك. وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُها وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِها إِلَى يَوْمِ القِيامَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزارِهِمْ شَيء" (¬2). وليس لأنَّ زْيدًا يُتَّهم أن يعمد إلى التحيل (¬3) بمثل ذلك ليتوصل (¬4) إلى الربا، ألا ترى أن مبايعته كانت مع أم ولده وهو قادر على أن ينتزع مالها. فصل [فى مواضع الاختلاف في بيوع الآجال] واختلف في بيوع الآجال في أربعة مواضع: أحدها: إذا باع بعشرة إلى أجل فاشترى بخمسة نقْدًا، هل يُفسخ البيعان ¬

_ (¬1) في (ت): (خشي). (¬2) صحيح: أخرجه النسائي في سننه: 5/ 75، في باب التحريض على الصدقة، من كتاب الزكاة , برقم (2554)، والطبراني في المعجم الكبير، برقم (2437). (¬3) في (ت): (التحليل). (¬4) قوله: (ذلك ليتوصل) يقابله في (ت): (ما يتوصل).

أو الآخرة، أو يمضيان جميعًا؟ الثاني: بعشرة إلى أجل ثم نقد البائع فباعها بخمسة نقْدًا، أو أهلكها وقيمتها خمسة، هل تمضي البيعتان إذا كان ذلك بتعدٍ، أو يكون حكمه حكم ما لو كان برضى من المشتري؟ الثالث: إذا اشتراها بأقل لحدوث عيب نزل، أو كان عبْدًا أو دابة فهزل، هل يكون ذلك مما يرفع التهمة وتمضي البيعتان أم لا؟ الرابع: إذا لم يتهما في دفع قليل في كثير، وإنما يبقى صرف مستأخر أو مبادلة أو مراطلة أو أسلفني على أن أسلفك، هل يحملان في البيعتين على الجواز، بخلاف أن تكون التهمة أن يدفع شيئًا في أكثر منه. فأما إذا باع بعشرة ثم اشتراه بخمسة نقْدًا: فقال عبد الملك بن الماجشون: تُفسخ البيعتان، وسواء كانت السلعة قائمة أو فائتة (¬1)، وقال ابن القاسم: تفسخ البيعة الآخرة، وترد السلعة إلى يد مشتريها الأول، فإن فاتت فسخت البيعتان (¬2)، وذكر ابن عبدوس قولًا ثالثًا، أنه يغرم المشتري الآخر وهو البائع الأول الخمسة، ولا يكون له إذا حل الأجل سوى تلك الخمسة (¬3). وقال ابن مسلمة: يفسخ البيع الآخر إذا كان قائما، فإن فات مضى. فأما عند مالك، فإن محمل قوله فيمن كان عادتهم التعمد للفساد أو حماية ذلك، كما قالت عائشة - رضي الله عنها - في زيد (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 113. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 7/ 95. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 95. (¬4) سبق تخريجه: 4173.

فصل [فيمن باع سلعة بمائة إلى أجل ثم تعدى بائعها فباعها بعشرة نقدا]

وكذلك قول ابن القاسم يحمله على ما ليس بعادتهم التعمد للفساد أو يرد مع القيام، فإن فات فسخ البيعتين حماية، وقد تتوزع في الوجه الذي يفيتها هل هو حوالة الأسواق أو العيوب وهو الأشبه (¬1)، وكل ذلك استحسان وليس بقياس. والقياس ألا ترد وإن كانت قائمة؛ لأنَّ من هي في يده يقول: لا تخلو أن تكون البيعتان صحيحتين فلا تنزع من يدي، أو تكونا فاسدتين على ما زعمتم فحكمها أن تقر في يدي؛ لأنه لم يكن بيننا على قولكم بيع، ولهذا قال في المجموعة: لا ترد ويدفع الآن خمسة ثم يأخذها عند الأجل (¬2)؛ لأنَّ المشتري الأول يقول: هذا مقر لي بخمسة الآن فأنا آخذها، وأنتم تمنعون أن يؤخذ عنها بعد ذلك عشرة فأنا أدفع إذا حل الأجل خمسة وتبقى خمسة ويتصدق بها. وقد أبان ابن مسلمة الوجه الذي من أجله تمضي البيعتان. فصل [فيمن باع سلعة بمائة إلى أجل ثم تعدى بائعها فباعها بعشرة نقدًا] وقال ابن القاسم في العتبية فيمن باع سلعة بمائة إلى أجل ثم تعدى بائعها فباعها بعشرة نقْدًا، ففاتت قال: للمشتري الأول أن يغرم البائع منه الآن الأكثر مما باعها به أو قيمتها ولا يدفع إذا حل الأجل إلا ما قبض، وليس له أن يقبض عشرة ويدفع مائة (¬3). ¬

_ (¬1) قوله: (وهو الأشبه) ساقط من (ت). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 94. (¬3) انظر البيان والتحصيل: 7/ 95.

فصل [فى أثر تغير السلعة أو فواتها في بيوع الآجال]

وقاله (¬1) أصبغ في ثمانية أبي زيد: إذا كانا ليسا من أهل العينة، فأما إن كانا من أهلها فسخ البيع من أوله (¬2). وفي المجموعة: إذا نقد البائع فباع السلعة بعد قبض المشتري الأول (¬3) لها، أو وهبها، أو أفسدها، قال: للمشتري الأول (¬4) الثمن الذي باعها به أو القيمة إن لم يبعها ويؤدي إذا حل الأجل الثمن الذي كان اشترى به (¬5). وهو أحسن إذا وهبها، وإن أهلكها كان أبين، وأما إن باعها، فقول ابن القاسم أحوط إلا أن يكون المشتري من أهل الدين والفضل فيحملان على السلامة، ويكون عليه أن يوفي بالثمن إذا حل الأجل إن أحب أن يقبض الثمن، وإن أحب فسخ عن نفسه البيع إن لم يكن قبضها. وإن باعها في الأول بدنانير، ثم تعدى فباعها بعرض أو بطعام، فأجاز المشتري الأول البيع الثاني وأخذ ما بيعت به كان عليه إذا حل الأجل أن يدفع الدنانير، وإن كان الثمن الأول المؤجل طعامًا فباعها صاحبها بعد ذلك بطعام، كان الجواب على ما تقدم إذا كان الثمن الأول دنانير فباعها بدنانير. فصل [فى أثر تغير السلعة أو فواتها في بيوع الآجال] واختلف قول مالك إذا اشترى البائع بأقلَّ لحدوث عيب أو غيره، فقال ¬

_ (¬1) في (ت): (وقال). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 86. (¬3) قوله: (الأول) ساقط من (ت). (¬4) قوله: (الأول) ساقط من (ت). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 95.

فيمن اشترى بعيرًا بثمن إلى أجل فسافر به إلى الحج من (¬1) إفريقية ثم أتى به فوقفه في السوق فاشتراه بائعه بأقل نقْدًا: فلا بأس به إذا أتى بها وقد دبرها (¬2) وأنقصها (¬3). وقال أيْضًا في مثل ذلك: لا يصح (¬4). والأول أحسن. واختلف فيمن أسلم في فاكهة فأخذ بعضها ثم خرج الإبان فأقال من الباقي: فمنع ذلك مرة؛ لأنه يدخله بيع وسلف (¬5). وقال في كتاب محمد: فقد يزيده في سلعة (¬6) مما يعلم المبتاع أنه ليس عند البائع وفاؤه، وإنما زاده في السلعة (¬7) ليزداد في السعر، فإذا حل الأجل أخذ ما وجد وصار بيعًا وسلفًا. قال: وإن كان واحدًا في ذلك كله فأتت عاهة وجائحة فلم يجد إلا البعض فإن ذلك ذريعة لغيرك. واختلف في كتاب الرواحل والدواب من المدونة فيمن اكترى راحلة ونقد الثمن ثم تقايلا بعد ما سار من الطريق ما به قدر وبال: فأجاز ذلك ابن القاسم، ومنعه غيره حماية (¬8). وكذلك قال مالك في كتاب محمَّد فيمن تكارى ¬

_ (¬1) في (ت): (أو إلى). (¬2) في (ت): (أدبرها). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 91. ولفظه فيها "ومن باع سلعة بثمن إلى أجل، ثم ابتاعها بأقل منه نقدًا بعد أن سافر على الدابة سفرًا بعيدًا، فرجع وقد أنقصها أو دبرت، أو لبس الثوب فأبلاه , كان مثل هذا فلا بأس به , وكذلك بالثمن إلى سنة فجائز، وبأكثر منه نقدًا فجائز، إلا من أهل العينة". (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 91، وانظر: البيان والتحصيل: 7/ 118، 119. (¬5) انظر: البيان التحصيل: 7/ 91. (¬6) في (ف): (سلمه). (¬7) في (ف): (السلم). (¬8) انظر: المدونة 3/ 509.

فصل [فى مسائل ممنوعة فى بيوع الآجال وأخرى محل خلاف]

إلى الحج فلما خرج رأى من كَرِيِّه ما لا يحب: ففسخ ذلك واسع (¬1). قال ابن القاسم: وإن لم يتغير عليه شيء فلا أحب فسخه، ويدخله بيع وسلف. فصل [فى مسائل ممنوعة فى بيوع الآجال وأخرى محلّ خلاف] بيوع الآجال تمنع إذا تضمنت سلفًا بزيادة، أو ما كان في معناه من دفع قليل ليرجع إليه كثير، واختلف إذا عريَ من الزيادة في أربع مسائل: في الصرف المستأخر، والمراطلة، والمبادله المستأخرة، وأسلفني وأسلفك. وأما المبادلة، فقال ابن القاسم فيمن باع ثوبًا بمائة محمدية إلى شهر ثم اشتراه بمائة يزيدية إلى ذلك الأجل: لا خير فيه، فكأنه باعه محمدية بيزيدية إلى أجل (¬2). وقال ابن القاسم وعبد الملك في المجموعة فيمن باع سلعة بمائة دينار (¬3) قائمة إلى شهر ثم ابتاعها منه (¬4) بمائة مثقال إلى ذلك الأجل أو أبعد منه: فلا بأس به، ولا يتهم أحد على مثل ذلك، وأما عين (¬5) بمائة مثقال (¬6) نقْدًا فلا خير فيه، وإن كان إلى شهر فلا بأس به (¬7). فعلى هذا يجوز إذا باع ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 99. (¬2) انظر: المدونة 3/ 34. ولفظه فيها (قلت: أرأيت إن أقرضت رجلًا دراهم محمدية مجموعة فلما حل الأجل قضاني في يزيدية مجموعة أكثر من وزنها أيجوز هذا أم لا؟ قال: لا يجوز هذا لأن هذا إنما أخذ فضل عيون المحمدية على اليزيدية في زيادة وزن اليزيدية فلا يجوز هذا). (¬3) قوله: (دينار) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (منه) ساقط من (ت). (¬5) قوله: (عن) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (بمائة مثقال) يقابله في (ف): (بثمانية مثاقيل). (¬7) قوله: (وإن كان بلى شهر فلا بأس به) ساقط من (ت). وانظر: النوادر والزيادات: 6/ 105.

ثوبًا (¬1) بمائة محمدية إلى شهر ثم اشتراه بمائة يزيدية إلى ذلك الأجل أو أبعد منه، ولا يجوز بيزيدية نقْدًا. وأما المراطلة فقال ابن القاسم وعبد الملك في المجموعة: إذا باع سلعة بعشرة عتق إلى شهر، ثم اشتراها بعشرة هاشمية نقدًا، والهاشمية أكثر عددًا وهي بزيادتها مثل العتق المؤخرة (¬2) أو أكثر منه (¬3)، فلا بأس به، وإن لم تكن مثلها فلا خير فيه. قال: وإن باعها بمائة عتق تنقص (¬4) خروبة خروبة إلى شهر، ثمَّ اشتراها بمائة هاشمية رديئة وازنة نقْدًا، فإن كان في زيادة وزنها ما يحمله وجوه العُتق فأكثر جاز، وإلا لم يجز (¬5). وهذا خلاف قول ابن القاسم في منع المحمدية باليزيدية، بل المنع في المراطلة أقوى من المنع في المبادلة؛ لأن المراطلة فيها مبايعته (¬6)، والمبادلة فيها (¬7) تفضل من صاحب المحمدية على صاحب اليزيدية (¬8). والقول بالجواز في جميع ذلك أحسن؛ لأن التهمة في بيوع الآجال أن يقدم قليلًا ليأخذ كثيرًا، ولا تهمة في هذه المراطلة والمبادلة؛ لأنه في معنى من خسر (¬9) يخسر الصبر، ولا يزداد شيئًا. ¬

_ (¬1) قوله: (ثوبا) ساقط من (ت). (¬2) في (ت): (المدخرة). (¬3) قوله: (منه) ساقط من (ت). (¬4) قوله: (تنقص) ساقط من (ف). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 105. (¬6) في (ف): (مبادلة). (¬7) قوله: (فيها) ساقط من (ت) و (ف). (¬8) انظر المدونة: 3/ 34. (¬9) في (ف): (جنس).

وأما الصرف فإن باع بدراهم ثم يشتريها بدنانير، فاختلف فيه على ثلاثة أقوال: فقال ابن القاسم في المدونة: إذا كان البيع الأول بأربعين درهمًا إلى شهر، ثم اشتراها بدينارين وصَرْف الدينارين أربعون درهمًا: لا يعجبني، وإن اشتراها بعشرين دينارًا جاز؛ لأنهما سلما من التهمة (¬1). وقال أشهب: لا يجوز، وإن اشتراها بعشرين دينارًا (¬2). وعلى قول ابن القاسم وعبد الملك في المجموعة يجوز وإن اشتراها بدينارين، وهو أحسن؛ لأنه يخسر (¬3) الصبر، ولا يعود إلى يده أكثر مما خرج منها. وقال ابن القاسم في كتاب محمَّد (¬4) فيمن باع من رجل سلعة بعشرة إلى شهر ثمَّ ابتاعها منه بخمسة نقْدًا، وخمسة إلى شهرين: لا بأس به (¬5). وكرهه عبد الملك وزعم أن البائع دفع خمسة لينتفع بها المشتري شهرًا، ثم يردها إليه ليدفع إليه المشتري معها عند الشهر خمسة أخرى إلى شهرين فيقع في معاملتهما: أسلفني وأسلفك (¬6). قال محمد: ويتهم أهل العينة في بيوع النقود، وبيوع الآجال فيما فعلاه في أول المبايعة من قبل رجوع السلعة المبيعة، وغير أهل العينة يتهمون في بيوع الآجال فيما عملاه من الصفقة (¬7) الثانية، ولا ينظر إلى ما مضى من انتفاع ¬

_ (¬1) انظر: المدونة 3/ 163. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 106. (¬3) في (ف): (يحسن). (¬4) قوله: (في كتاب محمد) ساقط من (ت). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 96. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 96. (¬7) في (ف): (الصفة).

المشتري بما نقد قبل الصفقة (¬1) الثانية، فمن باع السلعة بالنقد، ثم اشتراها بأكثر منه (¬2) نقدًا أو إلى أجل، جاز إلا من أهل العينة (¬3). وإن باع سلعة بخمسة نقدًا وخمسة إلى شهر، ثم اشتراها منه بستة نقْدًا، وبخمسة إلى شهر فلا خير فيه إن كانا (¬4) من أهل العينة؛ لأنه أدخل التهمة فيما كان انتقد دفع خمسة وأخذ ستة، وإن لم يكن من أهل العينة جاز؛ لأنَّ البائع بخس دينارًا، وإن اشتراه بخمسة فأقل نقدًا (¬5) جاز (¬6). وإن اشتراه بستة إلى تسعة نقدًا، لم يجز؛ لأنَّ الزائد على الخمسة الأولى مدفوع في خمسة فهو سلف بزيادة، وإن اشتراه بعشرة نقدًا، جاز (¬7). قال ابن القاسم فيمن باع عبدين بمائة دينار إلى سنة، ثم اشترى أحدهما بتسعة وتسعين نقْدًا أو بدينار نقْدًا، أو بخمسين نقْدًا: لم يجز ويدخله بيع وسلف (¬8). وقوله: في بيع وسلف، يحسن إذا اشتراه بخمسين ولا يحسن إذا اشتراه بدينار، ولا يتهم أن يبيع بتسعة وتسعين ليسلف دينارًا، وأبعد في التهمة أن يشتريه بتسعة وتسعين؛ لأنه لا يتهم أن يبيع بدينار لسلف مائة إلا دينار (¬9). ¬

_ (¬1) في (ف): (الصفة). (¬2) قوله: (منه) ساقط من (ت). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 97. (¬4) في (ف): (كان). (¬5) قوله: (نقدًا) ساقط من (ف). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 96. (¬7) انظر؛ النوادر والزيادات: 6/ 96. (¬8) انظر: المدونة 3/ 160. (¬9) قوله: (مائة إلا دينارا) يقابله في (ف): (مائة دينار).

وإن اشتراه بخمسين فسخت البيعتان في العبدين جميعًا على قول (¬1) عبد الملك، ويرد العبد الباقي في يد المشتري إن كان قائمًا أو قيمته إن كان فائتًا، وإن كانت القيمة أكثر من خمسين لإنكار المتبايعين أن يكونا عقدا على بيع وسلف، فان اعترفا أنهما عقدا على بيع وسلف كانت القيمة ما لم تكن أكثر من الخمسين، وإن أنكرا أن يكونا عملا على بيع وسلف، وكانت قيمة العبد الباقي في يد المشتري ستين دينارًا أو ما أشبه ذلك مضى البيع فيه بخمسين؛ لأنه لا يتهم أن يبيع ما قيمته ستون بخمسين، ويسلف (¬2) خمسين. ولو استرجع العبد بائعه بخمسين إلى أبعد من الأجل، لم يجز، وإن كانت قيمته ستين؛ لأنه يتهم أن يترك العشرة وهي فضل في قيمة العبد, لمكان ما سلفه المشتري وهي الخمسون، وإن كانت قيمته أربعين، جاز، وإن اشتراه بمائة إلى أبعد من الأجل، لم يجز، ويدخله سلف بزيادة. وقال ابن القاسم فيمن باع ثوبًا بعشرة إلى شهر، ثم اشتراه بخمسة نقدًا، وبثوب من نوعه أو من غير نوعه نقدًا: لا خير فيه (¬3). قال: ويدخله بيع وسلف؛ لأن ثوبه رجع إليه، وباع ثوبًا بخمسة على أن يسلفه خمسة وهذا يحسن، إذا كانت قيمة الثوب الثاني أربعة فيشتريه منه بخمسة ليسلفه خمسة (¬4)، فإن كانت قيمته خمسة منع حماية، فإن فات مضى، ولا يتهم أن يبيع ما يساوي خمسة نقدا بخمسة إلى أجل فيسلف خمسة فيخسر ¬

_ (¬1) في (ت): (هذا). (¬2) فى (ف): (ويستلف). (¬3) انظر: المدونة 3/ 161، 162. (¬4) انظر: المدونة 3/ 161.

فصل [فيمن باع شيئا إلي أجل ثم اشتراه بثمن من جنسه دراهم نقدا، ومن قال: اشتر لي سلعة وأربحك]

الصبر بالخمسة والسلف، وإن كانت قيمته ستة (¬1) كان ابن في الجواز، وأبعد من التهمة. وقال ابن القاسم فيمن باع ثوبن بعشرة إلى شهر فاشترى (¬2) أحدهما بثوب نقدًا وبخمسة نقدًا: لا خير فيه، ويدخله بيع وسلف (¬3). ويعتبر في هذا نحو ما تقدم في الأولى من قيمة الثوبين (¬4) هل قيمتهما أربعة أو خمسة، أو أكثر، وكذلك الجواب في الذي باع ثوبًا بعشرة محمدية إلى شهر، ثم اشتراه بثوب نقدًا، أو (¬5) بخمسة يزيدية إلى ذلك الأجل، قال: لا خير فيه، وعلى قوله في المجموعة: ينظر إلى قيمة الثاني على حسب ما تقدم. فصل [فيمن باع شيئًا إلي أجل ثم اشتراه بثمن من جنسه دراهم نقدًا، ومن قال: اشترِ لي سلعة وأربحك] وقال محمَّد فيمن باع من رجل ثوبًا بعشرة إلى شهر، ثمَّ اشتراه منه وثوبًا معه بعشرة نقدًا أو أكثر من عشرة أو أقل، لم يجز، ويدخله في أكثر بيع وسلف، وبعشرة فأقل سلف بزيادة؛ لأن ثوبه رجع إليه فكان لغوًا، فإن اشتراه بخمسة عشر كانت الخمسة ثمنًا للثوب الآخر والعشرة سلفًا، وإن اشتراه بعشرة ¬

_ (¬1) في (ف): (تسعة). (¬2) في (ت): (فاشتراها). (¬3) انظر: المدونة 3/ 162. (¬4) قوله: (الثوبين) ساقط من (ت). (¬5) في (ف): (و).

كانت سلفًا والثوب منفعتها، وإن اشتراه بتسعة كانت هي السلف والمنفعة الثوب والدنانير (¬1)، وإن اشترى ثوبا (¬2) وثوبًا معه بعشرة فأقل إلى أبعد من الأجل، جاز، ولم يجز بأكثر ويدخله بيع وسلف، والسلف ها هنا من المشتري الأول (¬3). ومن سأل رجلًا أن يبيعه سلعة بثمن إلى أجل فقال: ما هي عندي فانصرف عنه على غير موعد، ثم اشتراها المسؤول ثم دعاه فباعها منه بأكثر فلا بأس بذلك (¬4)، قال مالك: وإن قال السائل: اشترِ ذلك حتى أشتريه منك ولم يتراضوا (¬5) على ربح: أكرهه ولا أبلغ به الفسخ (¬6). واختلف إذا سمَّيا الربح وأوجباه فقال مالك وابن القاسم في العتبية: إذا قال: اشترها بعشرة نقدًا، وأنا أشتريها منك باثني عشر إلى شهر، لزمه اثنا عشر إلى شهر؛ لأنَّ مبتاعها ضمنها قبل أن يبيعها منه (¬7). وقال ابن حبيب: إذا قال: اشترها لنفسك بعشرة نقدًا وهي لي باثني عشر إلى أجل يفسخ الثمن الثاني؛ لأنه أوجبها للثاني قبل وجوبها له، فيدخله بيع ما ليس عندك، قال: وقد كان من ابن القاسم فيها اختلاف (¬8). ¬

_ (¬1) في (ف): (والدينار). (¬2) في (ت): (ثوبه). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 99. (¬4) قوله: (بذلك) ساقط من (ت). (¬5) في (ف): (يتراضوا). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 88. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 90. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 89.

فصل [فيمن باع لآخر طعاما إلى أجل بعين، ثم اشترى منه قبل الأجل أو بعده أو مثله مثل صفة ذلك الطعام أو أكثر أو أقل]

وقال محمَّد: إن قال: اشترها لي بعشرة نقدًا (¬1)، وهي لي باثني عشر نقدًا، لم ينفسخ البيع وكانت للآمر بعشرة (¬2) نقدًا، وللمأمور جعل المثل على الآمر (¬3)، وقال مالك في كتاب ابن حبيب: إن قال الآمر: اشترها لي إيجابًا على الآمر بعشرة ينقدها عنه المأمور على أن تكون للآمر باثني عشر إلى أجل، فهو زيادة في السلف ويفسخ البيع فيها إن لم تفت، فإن فأتت لزمت الآمر بعشرة نقدًا ويسقط عنه ما زاد؛ لأنه ضمنها حين قال: لى (¬4). وقول ابن القاسم إذا قال: اشترها، ولم يقل: لي، حسن، فيمضي البيع الآخر باثني عشر؛ لأنَّ محمل الشراء على أنه للأول، وقد ضمنه ولا يفسد؛ لأنه باعه قبل أن يملكه، وكره (¬5) قوله: اشتره لي وأنا أشتريه منك؛ لأنَّ قوله: وأنا أشتريه منك بيَّن أن قوله: لي مجاز إلا أن يقول: وزن عني، فيكون الشراء على ملك الآمر ويفسخ الثاني. فصل [فيمن باع لآخر طعامًا إلى أجل بعين، ثم اشترى منه قبل الأجل أو بعده أو مثله مثل صفة ذلك الطعام أو أكثر أو أقل] ومن باع من رجل عشرة أقفزة حنطة بعشرة دنانير إلى أجل ثم اشترى منه مثل قيل (¬6) حنطته وصفتها بمثل الثمن نقدًا أو إلى أبعد من الأجل، جاز، وإن ¬

_ (¬1) قوله: (نقدًا) ساقط من (ف). (¬2) في (ف): (باثني عشر). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 89. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 220، والنوادر والزيادات: 6/ 89. (¬5) في (ت) و (ف): (وكذلك). (¬6) في (ف): (مكيلة).

اشتراها بأقل من الثمن أو أكثر إلى ذلك الأجل، جاز، وإذا استوى الثمن لم يراع اختلاف الأجل، وإن اتفق الأجل لم يراع اختلاف الثمن، وإن اختلف الأجل والثمن، جاز بأكثر من الثمن نقدًا أو بأقل إلى أبعد من الأجل، ولم يجز بأقل نقْدًا، ولا بأكثر إلى أبعد من الأجل، وهو سلف بزيادة في الوجهين جميعًا؛ لأنَّ طعامه عاد إليه، وآل أمره إلى دفع (¬1) دنانير بأكثر منها، وإن اختلف الكيل فكان الثاني أكثر كيلًا، لم يجز بحال، ويدخله إذا اشتراه بمثل الثمن فأقل نقدًا أو إلى أبعد من الأجل بيعٌ وسلف بزيادة، وبأكثر من الثمن نقْدًا أو إلى أبعد من الأجل بيع وسلف فزيادة الثمن ثمن لزيادة الكيل، فإن كان ذلك نقْدًا كان السلف من البائع الأول، وإن كان إلى أبعد من الأجل كان السلف من المشتري الأول، وإن اشترى منه (¬2) أقل من الكيل بمثل الثمن فأكثر نقْدًا جاز؛ لأنَّ الأول يخسر إن اشتراه بمثل الثمن بقية (¬3) الكيل، وبأكثر من الثمن بقية (¬4) الكيل وزيادة الثمن (¬5). وقد قيل فيمن باع من رجل (¬6) سمراء بثمن إلى أجل ثم وجده يبيع محمولة أو شعيرًا أو سلتًا قبل حلول الأجل: فلا بأس أن يشتري ذلك منه بنقد، ولا يدخله بيع وسلف ولا سلف بزيادة (¬7). ¬

_ (¬1) قوله: (دفع) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (منه) ساقط من (ف). (¬3) في (ف): (ببقية). (¬4) في (ف): (ببقية). (¬5) قوله: (الثمن) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (من رجل) ساقط من (ت). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 327.

وأرى إذا باع منه سمراء فأخذ منه سمراء أجود صفة ألا يجوز بحال ويدخله إن كان الثمن سواء أو أكثر سلفٌ بزيادة، وإن كان أقلَّ- التفاضلُ، وسلفٌ بزيادة، والطعامُ بالطعام ليس يدًا بيد؛ لأنه باع عشرة دنيئة بثمانية جيدة، ودينارين بعشرة جيدة، وكذلك إذا كان الثاني أجود، وأقل كيلًا فاشتراه بمثل الثمن فأقل (¬1) فلا يجوز؛ لأنه طعام بطعام وتفاضل (¬2)، وإن كان أدنى صفة، جاز أن يشتري منه (¬3) مثل الكيل فأقل بمثل الثمن فأكثر، ولا يشتري منه أكثر من الكيل لا بمثل الثمن، ولا بأكثر، ولا بأقل، ويدخله التفاضل والطعام بالطعام ليس يدًا بيد. ¬

_ (¬1) قوله: (فأقل) ساقط من (ت). (¬2) في (ف): (متفاضل). (¬3) في (ف): (معه).

باب فيمن أسلم فى أثواب ثم باع بعضها قبل الأجل وأرجأ الباقي إلى أجله أو تعجله قبل الأجل أو أخره عنه

باب فيمن أسلم فى أثواب ثم باع بعضها قبل الأجل وأرجأ الباقي إلى أجله أو تعجله قبل الأجل أو أخره عنه ومن أسلم فرسًا في عشرة أثواب إلى شهر، ثمَّ أخذ ذلك الفرس عن خمسة وبقيت خمسة إلى أجلها, جاز، وإن أخر الخمسة الباقية عن أجلها (¬1) لم يجز (¬2)، واختلف إذا تعجَّلها فقال مالك وابن القاسم: لا يجوز وهو بيع وسلف (¬3). وقال ابن القاسم في كتاب محمَّد فيمن أسلم ذهبًا في عبدين أو فرسين فعرض (¬4) عليه قبل الأجل عبده مثل شرطه (¬5) وعرْضًا معه بحقه فقال: ذلك جائز (¬6). يريد: لأنه لم يأخذ العبد الباقي (¬7) على وجه السلف، وإنما أخذه على أنه حقه وعلى أن الغريم قد برئت ذمته بدفعه هذا. ولو كان تعجيل الدين قبل الأجل سلفًا لوجب إذا فلس المسلم إليه قبل الأجل أن يخرج ذلك من قبضته من ذمته فيتحاصص جميعهم فيه، وإذا نزل ذلك على القول: إنه لا يجوز خُيِّر المسلم بين أن يرد السلف وهي الخمسة ¬

_ (¬1) قوله: (عن أجلها) ساقط من (ت). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 165. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 165، 166. (¬4) في (ف): (عوض). (¬5) في (ت): (عبدا). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 132. (¬7) قوله: (الباقي) ساقط من (ف).

الأثواب ويردها إلى أجلها، أو قيمتها إن كانت فأتت ومضي الفرس بخمسة، وإن كره أجبر على ردها إن كانت قائمة أو قيمتها إن كانت فائتة، أو يرد الفرس إن كان قائمًا أو قيمته إن كان فائتًا بالغة ما بلغت وتبقى العشرة الأثواب في الذمة على حالها، وكذلك إن لم ينظر في ذلك حتى حل الأجل فإن الأثواب تمضي بالقيمة؛ لأنَّ القرض الفاسد في العروض كالبيع الفاسد. وإن أخذ فرسًا مثل فرسه وبقيت خمسة إلى أجلها, لم يجز ويدخله سلف بزيادة، والتهمة ها هنا في أصل العقد إذا أخذ مثل فرسه، بخلاف إذا أخذ عين فرسه فإن العقد الأول صحيح إذا أخذ عينه والفساد فيما عملاه أخيرًا. وكذلك الجواب (¬1) إذا باع ثوبًا أو دابة بعشرة دنانير إلى شهر، ثم استقال منه المشتري على أن يأخذه بتسعة، فإن بقي الدينار إلى أجله؛ جاز، وإن شرط تأخيره عن الأجل، لم يجز. ويختلف إذا اشترط تعجيله هل يجوز، أو يكون فاسدًا؛ لأنه بيع وسلف؟ فيخير المشتري الآن وهو البائع الأول بين أن يرد الدينار إلى أجله ويمضي الثوب بتسعة دنانير، أو يرد الثوب إن كان قائمًا أو قيمته إن كان فائتًا، ويرد السلف وتبقى العشرة إلى أجلها، وإن لم ينظر في ذلك حتى حل الأجل، جاز أن يُقال بمضي البيع في الثوب بتسعة؛ لأنَّ المشتري له أن يقول: أنا أريد السلف فيمضي البيع بتسعة، ولي أن أحبس الدينار الآن؛ لأنه قد حل. وهو في هذا الوجه بخلاف المسألة الأولى في الفرس؛ لأنه تعجل ها هنا (¬2) أثوابًا وقد فأتت بالقيمة، فإذا حل الأجل رد القيمة وأخذ الأثواب. ¬

_ (¬1) قوله: (الجواب) ساقط من (ت). (¬2) في (ت): (هناك).

وإن كانت الإقالة في الثوب على أن يأخذه ودراهم معه نقدًا، لم يجز، فإن كانت الدراهم صرفَ دينار فأكثر دخله الفساد من وجهن البيع والصرف المستأخر، وإن كانت أقل من صرف دينار دخله الفساد من التأخير. وعلى القول بجواز الصرف والبيع في عقد واحد، وأن الذمم تبرأ من الآن يجوز ها هنا، وإن كانت الدراهم أكثر من صرف دينار، ويجوز أيضًا إذا كان مع الثوب الدرهم والدرهمان على أحد الأقوال فيمن باع سلعة ودرمين نقدًا بدينار إلى أجل، وإن أخذ الثوب ومعه ثوب آخر أو (¬1) شيء مما يكال أو يوزن نقدًا، جاز، وإن باع الدابة بعشرة نقدًا، ثمَّ أخذها عن تسعة وأخذ دينارًا، جاز، فإن آخره إلى أجل، لم يجز، وكذلك إن أخذ الدابة وثوبًا معها نقدًا، وإن شرط أن يكون موصوفًا إلى أجل، لم يجز، وكان فسخ دين في دين، وإن أخذها ودراهم معها نقدًا وكانت أقل من صرف دينار, جاز، وإن كانت صرف دينار فأكثر, لم يجز على أحد القولين في منع بيع وصرف (¬2). ¬

_ (¬1) في (ف): (و). (¬2) قوله: (منع بيع وصرف) يقابله في (ف): (البيع والصرف).

باب فيمن باع عبدا بثمن إلى أجل ثم اشتراه بأقل منه نقدا بوكالة لغيره أو اشتراه بوكاله لمن يلي عليه من يتيم أو سفيه أو اشتراه عبد له

باب فيمن باع عبدًا بثمن إلى أجل ثم اشتراه بأقل منه نقدًا بوكالة لغيره أو اشتراه بوكاله (¬1) لمن يلي عليه من يتيم أو سفيه أو اشتراه عبدٌ له قال ابن القاسم فيمن باع سلعة (¬2) بعشرة دنانير إلى شهر فوكله آخر على أن يشتريها له بخمسة نقدًا: لا يعجبني ذلك (¬3). قال: وقد قال مالك فيمن باع سلعة بمائة دينار إلى أجل، ثم سأل المشتري البائع أن يبيعها له، وقال: إني لا أبصر البيع: لا خير فيه، إلا أن يبيعها بمائة فأكثر (¬4)، وقال أشهب في كتاب محمد: إن وكل أجنبي البائع على شرائها، أو اشتراها البائع لولد له صغير كرهته ولم أفسخه إن نزل إذا صح (¬5). وهذا أحسن؛ لأنَّ الوجه الذي منع أن تعود السلعة إلى ملك ربها فيصير الأمر إلى أنه دفع خمسة في عشرة، وأما إذا صح أن يشتري لغيره فإنه يمضي وليس يدخله ما كره من الأول، وكذلك إذا وكله المشتري على بيعها فاشتراها أجنبي وبان بها فإنَّه ماض (¬6)، والوكالة على بيعها أخف من الوكالة على شرائها، وليس كذلك إذا اشتراها لولده فلا أرى أن يمضي؛ لأني ما أدري ما ضميره فيها، ولا هل ¬

_ (¬1) قوله: (بوكالة) ساقط من (ت). (¬2) في (ت): (عبدًا). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 167، 168. (¬4) انظر: المدونة: 3/ 168. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 94. (¬6) في (ف): (فهو ضامن).

أخذها لنفسه أو لولده؟. وإن اشتراها عبده فإن كان يتجر لسيده، لم يجز، وإن كان يتجر لنفسه جاز، وكره أشهب أن يشتريها بأقل وإن كان يتجر لنفسه (¬1)، وكذلك إن كان العبد هو البائع، وكان يتجر لنفسه فاشتراها السيد بأقل يكره، ولا يفسخ إن نزل، فإن وكل البائع أجنبيًّا فاشتراها له بأقل، لم يجز وفسخ. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 94.

باب فيما يجوز من فسخ الدين في الدين وما يمنع، وهل يأخذ عن الدين منافع عبد أو دابة أو ثمر فى رؤوس النخل، أو دارا غائبة أو جارية توضع للاستبراء أو على خيار أو طعام يكثر كيله

باب فيما يجوز من فسخ الدين في الدين وما يمنع، وهل يأخذ عن الدين منافع عبد أو دابة أو ثمر فى رؤوس النخل، أو دارًا غائبة أو جارية توضع للاستبراء أو على خيار أو طعام يكثر كيله ويجوز لمن له دنانير حالة أو إلى أجل أن يفسخها إلى أجل في مثلها في الوزن والجودة، وفي أدنى وزنًا وجودة، ولا يجوز في أكثر ولا أجود، وهو سلف بزيادة، ولا في دراهم، وهو فسخ دين في دين، وصرف مستأخر، ولا في عروض، وهو فسخ دين في دين، فمنع فسخ العين في العروض، والعروض في العين بعد محل الأجل للحديث (¬1). وقد كان ربا الجاهلية يقول الرجل لغريمه بعد محل الأجل: (¬2) تقضي أو تربي. وكذلك فسخ ذلك قبل الأجل ليؤخره إلى أبعد من الأجل، وهو في معناه؛ لأنه لا يؤخره لبعد الأجل إلا بزيادة، وفسخه قبل الأجل ليأخذه بعد ذلك عند الأجل أو لأجل قبل الأجل الأول ممنوع شرعًا غير معلل، فلا يجوز وإن فسخ الأول فيما يكون أقل قيمة، ولا يجوز أن يفسخ ما حل من دينه أو لم يحل في منافع عبد أو دابة إذا كان ذلك مضمونًا. واختلف إذا كان العبد أو الدابة أو الدار معينًا على ثلاثة أقوال: ¬

_ (¬1) سبق تخريجه في كتاب الصرف، ص: 2766. (¬2) زاد في (ف) قوله: (ألا).

فمنعه مالك وابن القاسم إذا حل الأجل الأول (¬1) أو لم يحل (¬2). وأجازه أشهب (¬3). قال مالك في كتاب محمَّد فيمن كان له دين على رجل إلى أجل (¬4) واستعمله عملًا قبل محل الأجل، قال: لا خير فيه؛ لأني أخاف أن يمرض الذي عليه الدين، أو يغيب فلا يعمله فيتأخر إلى أجل آخر فإذا هو قد صار دينًا في دين فلا خير فيه لهذه العلة (¬5). قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما إذا حل الأجل فالمنع أصوب؛ لأنَّ ما يتأخر قبضه يأخذ بأقل من ثمن ما يقبض جميعه بالحضر, وإذا كان ذلك دخله تقضي أو تربي. وكذلك إذا لم يحل الأجل وكان انقضاء هذه المنافع لأبعد من أجل الدين، وإن كان أجلها ينقضي قبل أو عند الأجل الأول، جاز، ولا يدخله دين بدين؛ لأنها (¬6) معينة ولا تقضي أو تربي؛ لأنه لم يستحق القضاء ذلك الوقت فيجوز ها هنا. وإن أكثر الأجل وكان لا يجاوز الأجل الأول ولا يدخله ما كره مالك من مرض الرجل؛ لأنه ها هنا إذا مرض انفسخ من الإجارة بقدر ما بقي من ذلك الأمد، وهو في هذا بخلاف أن يقاطعه على خياطة الأثواب أو ما أشبه ذلك فلا يستأجره (¬7) في ذلك إلا فيما قلَّ؛ لأنَّ الخياطة في المقاطعة لا تتعلّق بوقت ¬

_ (¬1) قوله: (الأول) ساقط من (ت). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 193. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 137. (¬4) قوله: (إلى أجل) ساقط من (ت). (¬5) في (ت): (الداخلة)، انظر: النوادر والزيادات: 6/ 138. (¬6) في (ف): (يريد لأنها). (¬7) في (ف): (يستأخره).

ويدخله ما خشي مالك من أنه إن مرض قضى في وقت آخر. واختلف إذا أخذ ثمرة يتأخر جدادها: فمنعه ابن القاسم (¬1)، وأجازه أشهب، واستثقله مالك في كتاب محمد (¬2)، وهو قوله في المدونة؛ لأنه قال: وإنه من أشياء ينهى عنها (¬3). يريد أنه ليس بالحرام البين، وعلى قوله في كتاب محمد يمنع ذلك بعد الأجل، ويجوز قبل إذا كان لا يتأخر جدادها بحال إلى محل الأجل. واختلف أيضًا إذا أخذ دارًا غائبة: فمنعه ابن القاسم، وأجازه أشهب (¬4). وعلى القول الآخر يمنع بعد محل الأجل؛ لأنها وإن كانت معينة فإنها لو كانت حاضرة لاشتريت بأكثر من ذلك، فالذي بينهما من الثمن ترك لمكان التأخير، ويجوز قبل الأجل إذا كان يصل إلى قبضها عند الأجل وقبل محله، ولا يأخذ بعد محلّ الأجل جارية تُتواضع للحيضة، ولا عبدًا هو فيه بالخيار؛ لأنه نقد في المواضعة وفي الخيار. ويختلف إذا كان قبل الأجل، وكان انقضاء الحيضة قبل الأجل وأيام الخيار، والصواب ها هنا جوازه؛ لأنها سلعة معينة فلا يدخله فسخ دين في دين ولم يحل ويتوجه القضاء فيدخله تقضي أو تربي، وقال مالك فيمن أخذ من دين طعامًا يكثر كيله فيقول بعد مواجبة البيع: أنا أذهب فآتي بدوابِّى أو أتكارى فيها (¬5) سفنًا نحمل ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 175. (¬2) في (ت): (ابن حبيب). وانظر: النوادر والزيادات: 6/ 137. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 170 و 171. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 137. (¬5) قوله: (فيها) ساقط من (ت).

فيها فيتأخر في ذلك اليوم واليومين: لا بأس به (¬1). قال محمَّد: وكذلك لو كان مما يكال أيامًا أو شهرًا: لم يكن بذلك بأس إذا شرع فيما يكتال؛ لأنه لا بد من ذلك (¬2). فأجاز البيع وإن تأخر الكيل شهرًا لما كان معينًا حاضرًا، والشأن أن الذي يشترى به ما يكثر كيله ويقلُّ سواء، فلم يدفع (¬3) لتأخير الكيل ثمنًا، ولم يدخله ما خيف منه من تقضي أو تربي. واختلف فيمن له دين فباعه من أجنبي بمنافع عبد أو دابة: فقيل: لا يجوز ذلك؛ لأنه دين في دين (¬4)، وهو إن شرع في أخذ منافع الدابة لا يكون ذلك تقاضي مناجزة وهو يتأخر بعضه، وقيل: يجوز ذلك من أجنبي، فكرهه من الغريم (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 178. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 138. (¬3) في (ت): (يرجع). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 456. (¬5) قوله: (فقيل: لا يجوز ذلك. . . فكرهه من الغريم) ساقط من (ت).

باب في البيع والسلف وبيع الثنيا ومن أقال من سلعة على إن باعها بائعها كان أحق بها

باب في البيع والسلف وبيع الثنيا ومن أقال من سلعة على إن باعها بائعها كان أحق بها روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه: "نَهَى عَنْ بَيع وَسَلَفٍ" (¬1). فالسلف المقارن للبيع على ستة أوجه: أحدها: أن يكون عينًا. والثاني: أن يكون طعامًا يحرم التفاضل فيه. والثالث: أن يكون مما يجوز فيه التفاضل. والرابع: أن يكون سلعة أو عبدًا، أو ما يكال أو ما يوزن، وليس بطعام. والخامس: أن تكون جارية. والسادس: أن يكون عقارًا، ديارًا أو أرضين. وكل ذلك فاسد، إلا أن وجه الفساد فيه يختلف، فإن كان السلف دنانير أو دراهم والثمن من جنس السلف دخله الربا من وجهين: التفاضل، والنَّساء، فإن باعه سلعة بمائة دينار على إن أسلف البائع المشتري خمسين دينارًا، كان تقدير البيع سلعة وخمسين دينارًا نقْدًا بمائة دينار إلى أجل؛ لأنَّ السلف إذا كان بشرط خرج عن وجه المعروف وكان بيعًا، وإن كان السلف من المشتري كان تقديره سلعة وخمسين مؤجلة بمائة نقدًا. ولو سلم أن السلف لا يكون مفضوضًا فسد أيْضًا من وجه الربا؛ لأنه ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في الموطأ: 2/ 657، في باب السلف وبيع العروض بعضها ببعض، من كتاب البيوع، برقم (1339)، وأخرجه ابن حبان في صحيحه: 10/ 161، في باب باب الكتابة، من كتاب العتق، برقم (4321).

بيع قرنه منفعةٌ فصار سلفًا بزيادة، وإن كان الثمن دنانير والسلف دراهم دخله الربا من وجهين: وهو النساء والتفاضل، وإن كان السلف من المشتري كان مضمون البيع سلعة نقدًا ومائة دينار (¬1) مؤجلة بمائة دينار نقدًا، ومائة درهم إلى أجل ويدخله البيع والصرف، وإن كان الثمن والسلف طعامًا يحرم التفاضل فيه وهما صفة واحدة دخله الفساد من وجهين: التفاضل والنساء، نحو ما تقدم إذا كان الثمن والسلف دنانير، وكذلك إذا كان الثمن قمْحًا والسلف تمرًا دخله الربا من النساء فيما بين التمر والسلف، والنساء والتفاضل في السلف، وإن كان الثمن والسلف طعامًا يجوز التفاضل فيه دخله الربا من وجهين: التفاضل والنساء؛ لأنَّ السلف يقبض نقدًا، ويرد مؤجلًا. وإن كان الثمن عينًا والسلف طعامًا يجوز التفاضل فيه، دخله الربا من وجه النساء خاصة، وإن كان الثمن دنانير والسلف طعامًا يحرم التفاضل فيه دخله الربا من وجهين التفاضل والنساء؛ لأن السلف يقبض نقدًا ويرد مؤجلًا (¬2)، فإن كان الثمن عينًا والسلف ما ليس بطعام مكيل أو موزون أو عبد أو سلعة، لم يجز عند مالك شرعًا؛ لعموم الحديث، وذلك جائز عند الشافعي؛ لأنَّ التفاضل في ذلك جائز والنساء جائز، فيجوز عنده أن يبيع ثوبًا بثوبين مؤجلين، فعلى هذا يجوز أن يبيعه عبدًا بمائة دينار ويسلفه ثوبًا؛ لأن التقدير عبد وثوب نقدًا بمائة دينار نقدًا أو مؤجلة وثوب مؤجل، وإن كان السلف جارية يقبضها في ذمته (¬3) كانت كالعبد، وإن كان يستمتع بها ويردها ¬

_ (¬1) في (ت): (درهم). (¬2) قوله: (خاصة، وإن كان. . . يقبض نقدًا ويرد مؤجلًا) ساقط من (ف). (¬3) في (ف): (دينه).

فصل [في إسقاط مشترط السلف شرطه]

إن أحب دخله الفساد من وجهين: البيع والسلف إن رد المثل، والإجارة (¬1) على الاستمتاع إن رد عينها، وإن كان على أنه متى استمتع بها (¬2) لم يردها كان بيعًا وسلفًا، وإن كان السلف دارًا أو حائطًا أو أرضًا، رد إلى بيع الغرر؛ لأنه لا يقدر على رد المثل. فصل [في إسقاط مشترط السلف شرطه] واختلف فيمن باع عبدًا بمائة دينار على أن يسلفه المشتري خمسين، أو أسلف هو المشتري خمسين، فقال مالك وابن القاسم: إن كان العبد قائمًا فسخ البيع إلا أن يسقط من اشترط السلف منهما فيمضي البيع بالمائة، وإن فات العبد وكان السلف (¬3) من المشتري، كان للبائع الأكثر من القيمة أو الثمن فله القيمة ما لم ينقص من المائة، وإن كان السلف من البائع، كان على المشتري الأقل من القيمة ما لم يزد على المائة (¬4). واختلف إذا كان السلف من المشتري وقيمة العبد مئتان فقال ابن القاسم: له أن يأخذ القيمة (¬5)، وقال أصبغ: لا يزاد على المائة والخمسين؛ لأن المشتري يقول: إنما فسد البيع لكون الخمسين سلفًا، فأنا أجعلها لك ملكًا فيسقط الفساد. وكذلك إذا كان السلف من البائع وقيمته أربعون، فعلى قول ¬

_ (¬1) في (ف): (والإجازة). (¬2) قوله: (بها) ساقط من (ف). (¬3) في (ف): (سلفه). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 437. (¬5) في (ف): (المئتان) انظر: المدونة: 2/ 437.

ابن القاسم لا يزاد على أربعين، وعلى قول أصبغ لا يحط عن الخمسين، وقال أصبغ: ومن نكح (¬1) على دنانير وثمرة (¬2) فأسقطت الثمرة (¬3)، أو عجل الزوج قيمة الثمرة لو صلحت للبيع، جاز النكاح (¬4). وقال سحنون: إنما يثبت البيع إذا سقط السلف (¬5) قبل القبض، فإن قبض وانتفع به (¬6) فقد تم (¬7) الربا بينهما (¬8). يريد فيجبر (¬9) على رد السلعة إن كانت قائمة أو قيمتها إن كانت فائتة، قلّت قيمتها أو كثرت، وهو أشبه، وإن لم ينظر في ذلك حتى تم الأجل الذي تسلف إليه كان أبين، ولا يكون على المشتري إن كان هو المستسلف (¬10) سوى القيمة وإن كانت تسعين؛ لأن البائع قد استوفى جميع الربا، ولم يبقَ له شيء يسقطه ليأخذ الثمن، وكذلك إذا كان السلف من البائع، والقيمة أكثر من المائة له أن يأخذ جميع القيمة؛ لأن المشتري قد قبض جميع المنفعة التي شرط. ¬

_ (¬1) قوله: (أصبغ: ومن نكح) يقابله في (ف): (في كتاب محمد إذا أنكحها). (¬2) في (ت): (وثمر). (¬3) في (ت): (الدنانير). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 470، ونص النوادر: (قال أصبغ: وإن تزوجت بصداق بعضه صحيح وبعضه غرر، فرضيت بإسقاط الغرر وأخذ الصحيح منه، لم يفسخ إذا كان في الصحيح منه ربع دينار). (¬5) قوله: (السلف) ساقط من (ت). (¬6) قوله: (وانتفع به) ساقط من (ت). (¬7) في (ف): (تقدم). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 350. (¬9) في (ت): (فجبران). (¬10) في (ف): (السلف).

فصل [في بيع الثنيا]

وقال ابن نافع في شرح ابن مزين فيمن أخذ قراضًا على شرط فاسد: إنه إنما يصح إسقاط الشرط إذا لم يعمل في القراض. فعلى قوله لا يصح البيع إن أسقط السلف بعد فوت السلعة، وإن لم يقبض السلف؛ لأن السلعة فأتت قبل إسقاطه على بيع فاسد، وإنما عُمرت ذمة المشتري فيها، وقيل: البيع فاسد يوم فاتت بالقيمة. وقيل: البيع فاسد بمنزلة من باع عبدًا بمائة دينار وخمر، فإن البيع على المشهور من المذهب ينتقض وإن أسقط الخمر (¬1)؛ لأنَّ الربا يقابل بعض السلعة كما يقابلها الخمر، ولا فرق بين الربا والخمر، وهذا أقيس، وإن كان الأول أشهر. فصل [في بيع الثُّنيا] اختلف في بيع الثُّنيا هل هو بيع أو رهن، وإذا كان بيعًا فأسقط البائع شرطه هل يصح البيع؟ فقال ابن القاسم فيمن باع جارية على أنه متى جاء بالثمن أخذها: لم يجز، وقال: كأنه بيع وسلف (¬2). يريد: أنه تارة بيع إن لم يردَّ البيع، وتارة سلف إن رده فرآه (¬3) بيعًا، فيكون على قوله ضامنًا قياسًا (¬4) على المشتري إن هلك. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 553 ونص المدونة: (قلت: فإن قال الذي أكرى أرضه بخمر ودراهم: أنا أترك الخمر وآخذ الدراهم؟ قال: لا يجوز هذا. ألا ترى أنه لو اكترى الأرض بخمر أن ذلك لا يجوز، فكذلك إذا اكترى بخمر ودراهم صارت الخمر مشاعة في جميع الصفقة). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 173. (¬3) قوله: (فرآه) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (قياسا) ساقط من (ف).

وقال مالك في العتبية فيمن اشترى أرْضًا على بيع ثنيا فبنى أو غرس: فهو فوتٌ، وقال (¬1) أيضًا فيمن اشترى حائطًا على مثل ذلك فاغتل، وبنى وحفر، قال: الغلة للمشتري بالضمان ويرد الحائط وللمشتري على البائع ما أنفق في بنيان جدار أو حفر (¬2). فجعله بيعًا وأنه ضامن (¬3) والغلة له، ولم يجعل الحفر والبناء فوتًا؛ لأنَّ ذلك إنما يكون فوتًا فيما دخل المتبايعان فيه على البتِّ وعلى ألا يرد، وإن كان فاسدًا فكان رده بعد حدوث مثل ذلك مضرة على المشتري تارة وعلى البائع تارة، وهذا إن (¬4) دخلا على الرد بعد أن كان حدوث مثل ذلك فلم يكن فوتًا، فإن باعه المشتري على ثنيا من آخر كان فوتًا على القولين جميعًا؛ لأنَّه لم يحجر عليه البيع، وإنما قال: إن جئت بالثمن، يريد وهو قائم في يديك، ولو قال: أبيعك على ألا تبيعه حتى آتي (¬5) بالثمن لكان له نقض البيع على أحد قولي مالك فيمن باع سلعة على إن باعها المشتري كان أحق بها. وفي كتاب محمد فيمن اشترى على ثنيا فأسقط البائع الشرط مضى البيع، قال: ويصير جائزًا، وقال محمد: ذلك إذا رضي المشتري، وقال الشيخ أبو محمد ابن أبي زيد: وقد فسخا الأول (¬6). وقول محمَّد إذا رضيا جميعًا أحسن؛ لأن انتقالهما عن الصفة (¬7) الأولى فسخ. ¬

_ (¬1) في (ف): (وهو). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 7/ 336، والنوادر والزيادات: 6/ 160. (¬3) في (ف): (فجعله بيعا ورآه ضمانا). (¬4) قوله: (وهذا إن) يقابله في (ف): (وهذان). (¬5) في (ف): (تأتي). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 160. (¬7) في (ت): (الصفقة).

وإن قال المشتري بعد عقد البيع متى جئت بالثمن، فهي لك، جاز ذلك في العروض والعبيد والوخْش من الإماء؛ لأنه بعد العقد معروف، ولا يجوز في العلي؛ لأنه لا يجوز أن تبقى له منفعة وفيها حق لآخر. وقال أصبغ: فإن باع ذلك المشتري، ولم يكن ضرب لإتيانه بالثمن أجلًا جاز البيع، وإن ضرب أجلًا لم يكن له أن يحدث فيها شيئًا إلى منتهى ذلك الأجل (¬1)، ولم يقل: يرد البيع. وأرى أن يمضي البيع؛ لأن قول ذلك معروف وهبة فإذا خرج ما علق به الهبة والمعروف من يده إلى غيره سقطت الهبة. وكذلك إذا قال المشتري للبائع على شرط أنه متى باعها البائع بعد رجوعها إليه كان المشتري المقيل أحق بها، جاز ذلك، ولزمه الوفاء بالشرط؛ لأنَّ ذلك معروف من المقيل. وقال مالك في العتبية فيمن أقال بائعًا (¬2) من حائط اشتراه منه على أنه متى باعه فهو له بما يبيعه به، ثم باعه الأول بعد مدة فقام بشرطه قال: ذلك له وليس يُردُّ البيعُ، ولكن يأخذ الثمن الذي باعه به الآخر (¬3). وقال ابن القاسم: إن (¬4) طلب البائع المبتاع أن يقيله فقال: أخاف أنك إنما رغبت (¬5) في الثمن، فقال: لا، فقال: أنا (¬6) أقيلك على أنك إن بعتها فهي لي ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 160. (¬2) في (ت): (بائعة). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 7/ 333، والنوادر والزيادات: 6/ 162. (¬4) في (ت): (إن المشتري). (¬5) في (ت): (أرغبت). (¬6) قوله: (فقال: أنا) يقابله في (ف): (إنما).

بالثمن الأول، فباعها بأكثر، فإن تبين أنه إنما طلب الإقالة رغبة في الزيادة، فهي للمقيل بالثمن الأول، وإن كان ذلك لأمر حدث فباعها بأكثر، فلا شيء للأول (¬1). وقال ابن القاسم أيضًا: وإن علم أنه إنما طلب الإقالة ليبيعها فباعها، رد بيعه، وإن لم يكن ذلك وطال الزمان ثم باع فذلك نافذ، كالذي طلب زوجته وضيعة صداقها فقالت: أخاف أن تطلقني، فقال: لا أفعل، فوضعته، ثم طلقها، قال: (¬2) فإن كانت بقرب ذلك فلها الرجوع، وإن كان بعد طول الزمان وما لا يتهم أن يكون خدعها فلا رجوع لها (¬3). فجعل له الرجوع وإن لم يشترط أنك إن بحت فأنا أحق لما كانت الإقالة لئلا يبيعها. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 162. (¬2) قوله: (قال:) ساقط من (ف). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 163.

باب في القرض الصحيح والفاسد

باب في القرض الصحيح والفاسد القرض يجوز إذا كان قصد المقرض منفعة المستقرض وحده، فإن قصد منفعة نفسه أو منفعتهما، لم يجز وكان ربًا، فمن أقرض ثوبًا وأراد منفعة المقرَض، جاز، وكان المستقرض بالخيار بعد قبضه بين أن يتمسك به أو يرد عينه أو مثله. واختلف إذا قصد أن يبيعه ذلك الثوب بمثله: فقال مالك وابن القاسم وغيرهما: ذلك فاسد (¬1)، وأجازه في مختصر الوقار، وإذا كان فاسدًا على القول الأول (¬2) ردّ إن كان قائمًا أو قيمته إن كان فائتًا وهو بيع فاسد تفيته حوالة الأسواق فما فوق ذلك. وإن قال المقرض: أردت منفعة نفسي، ليكون مضمونًا أو غير ذلك من الوجوه، لم يصدق إذا كذبه المستقرض وأخر الأمر إلى محل الأجل، ثم يغرم المستقرض مثل ما قبض ثم يباع؛ لأنَّ المقرض مقر أن ليس له المثل، وإنما له قيمة، فإن بيع بدون القيمة (¬3) لم يكن للمقرض إلا ما بيع به، وإن بيع بأكثر من القيمة وقف ذلك الزائد، فإن رجع المستقرض فأقر بالفساد أخذ تلك الفضلة، وإلا تصدق بها، وإن أقر المستقرض بالفساد وأنكر المقرض والثوب قائم، جُبر على رده ولم يمكن من التمسك به، وإن فات بحوالة الأسواق فما بَعُد كان فوتًا على قول المستقرض، وليس بفوت على قول (¬4) ربه، فإن رجع المستقرض عن ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 174. (¬2) في (ف): (الآخر). (¬3) في (ت) زيادة: (قبض الأول و). (¬4) قوله: (قول) ساقط من (ف).

فصل [في اشتراط القضاء في غير بلد القرض]

قوله ورده جُبر المقرض على قبوله، وإن أمسكه غرم المثل إلا أن يصدقه المقرض أنه كان فاسدًا، أو يغرمه القيمة، فإن فأتت عينه وكان قد كذبه غرم القيمة معجلة، ولم يؤخر لمحل الأجل، ثم يشترى بها مثل الأول، فإن وفَّت فهو له، وإن لم توف كان عليه تمام الثمن، وإن كان في القيمة فضل وُقف، فإن رجع المستقرض فاعترف (¬1) بالفساد كان له ذلك الفضل. فصل [في اشتراط القضاء في غير بلد القرض] ومن أقرض طعامًا ببلد ليقضيه بغيره لم يجز، إلا أن يقوم دليل على أنه أراد منفعة المستقرض وحده، وقال مالك في الحاج يسلف (¬2) السويق والكعك يحتاج إليه، ويقول: أوفِّيكَهُ في موضع كذا ببلد آخر: لا خير فيه، ولكن يتسلف ولا يشترط (¬3). وقال سحنون في الحمديسية (¬4): لا بأس بذلك للحاج ونحوه للضرورة، ولولا الشرط لم يسلفه. وهو أحسن؛ لأن المقرِض لا منفعة له في ذلك؛ لأن القرض يحتاجه في البلد الذي يصل إليه، ولا يسلفه ذلك ليقضيه في المناهل التي قبضه فيها؛ لأن ذلك مما يضر المقرض، ولا منفعة للمقرض في هذا الشرط؛ لأن المقرض كان يوصلها على راحلته إلى مكة فينتفع به هناك، وكذلك لو أخذه الذي يحتاج إليه بقبضه (¬5)؛ لأنه وجبت مواساته، لوجب أن يقضيه له في موضع كان حمله ¬

_ (¬1) في (ف): (فاستقر). (¬2) في (ت): (يتسلف). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 175. (¬4) قوله: (وأجازه سحنون في الحمديسية وقال) يقابله في (ف): (وقال سحنون في الحمديسية). (¬5) في (ف): (يقضيه).

المقرض لينتفع به فيه؛ لأنه إن لم يقض (¬1) له به في الوضع الذي يحتاجه فيه كان قد أضر بالمقرض، وانتفع المستقرض. وقال مالك فيمن أتى إلى رجل له زرع قد يبس، فقال: أسلفني فدانًا أو فدانين أحصدهما وأدرسهما وأذريهما وأكيلهما وأقضيك كيلهما: لا بأس به إذا كان على وجه الرفق من المقرض، فيحصد الشيء اليسير من الشيء الكثير وما لا يخفف عن صاحبه مؤونة (¬2). وقال مالك في الدنانير والدراهم يسلفها الرجلُ الرجلَ (¬3) على أن يعطيه إياها ببلد آخر: لا بأس به إذا كان على وجه المعروف من المقرض والرفق بصاحبه وليس ليضمن (¬4) له كما يفعل أهل العراق بالسفتجات (¬5) (¬6). وقال أبو محمد عبد الوهاب: إذا كانت المنفعة للمعطي لما يخاف من غرر (¬7) الطريق لم يجز ذلك. يريد: إذا لم يكن (¬8) الهلاك وقطع الطريق غالبًا، فإن كان ذلك الغالب صارت ضرورة، وأجيزت صيانة للأموال. وقد قال مالك في كتاب محمد في الكراء المضمون يتأخر النقد: لا أحبه إلا ¬

_ (¬1) في (ت): (يقصد). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 176. (¬3) قوله: (الرجلَ) ساقط من (ف). (¬4) في (ت): (يتضمن). (¬5) في (ت): (بالمسفتجات) السفتجات، جمع: السَّفْتَجَة بفتح السين المهملة وسكون الفاء وفتح الفوقية والجيم أعجمية، أي: ورقة يكتبها مقترض ببلد كمصر لوكيله ببلد آخر كمكة، ليقضي عنه بها ما اقترضه بمصر. انظر: منح الجليل: 5/ 406. (¬6) انظر: المدونة: 3/ 176. (¬7) في (ف): (عذر). (¬8) قوله: (لم يكن) يقابله في (ف): (كان).

فصل [فيمن استقرض طعاما ثم أقرضه على تصديقه في كيله]

أن ينقد الثلثين وما أشبهه، ثم قال: قد اقتطع الأكرياء بأموال الناس، ورخص أن يؤخر الثمن كله، ويقدم (¬1) الشيء اليسير الدينار ونحوه (¬2). وهذا هو الدين بالدين، فأجازه لئلا تهلك أموال الناس. فصل [فيمن استقرض طعامًا ثم أقرضه على تصديقه في كيله] ومن استقرض طعامًا على أن المقرض مصدق في كيله، لم يجز إلا أن يكون قد شهد كيله أو يقبضه على أنه مصدق في كيله. وكذلك البيع بثمن إلى أجل لا يجوز أن يقبض ذلك المشتري على أن البائع مصدق في كيله، لما يدخله من الغرر (¬3)؛ لأن المستقرض والمشتري في مثل ذلك لا يدخل على أنه يقوم بحقه في النقص إن وجده، بخلاف الذي يشتري (¬4) بثمن إلى أجل عند الحاجة والعجز عن الشراء بالنقد فيخشى إن قام بالنقص أو شاحح فيه أن يسترجعه منه وبه حاجة إليه، فهو يتحمل نقصه لذلك، فإن شهد كيله أو قبضه على أنه المصدق في كيله، جاز. وقال ابن القاسم فيمن استقرض رطلًا من خبز الفرن ليقضي رطلًا من خبز التنور: لم يجز، وإن كان ذلك بغير شرط، جاز إذا تحريا الصواب (¬5). قال محمد: إذا تحريا الكيل. ¬

_ (¬1) في (ف): (ونقد). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 92. (¬3) في (ت): (العمد). (¬4) زيادة: (بالنقد وإنما يشتري) ساقط من (ف). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 180.

قال الشيخ - رضي الله عنه -: مراعاة الكيل فيما صار خبزًا ساقطة؛ لأنَّ عمله خبزًا نقله عن أصله، وصار يجوز بيعه بأصله متفاضلًا (¬1)، وصار الخبزان إلى حالة البيع فيها بالوزن، وإذا كان ذلك كان مراعاة المماثلة أن يكون وزنا بوزن، فينبغي أن ينظر إلى المماثلة في الوزن، وهو دقيق وهو علم على المماثلة الآن فهما خبز، وما كان من الاختلاف بعد ذلك في الوزن علم أنه لما زاد الماء الذي عجن به أحدهما على الآخر، أو لأن النار أخذت منه أكثر. وعلى القول في منع (¬2) بيع بعض ذلك ببعض على التحري لا يجوز ذلك في الخبز على حال؛ لأن التحري (¬3) لا يأتي على حقيقة الوزن، كما قيل في العجين بالعجين، والقديد بالقديد إذا كان الجفاف فيهما مختلفا فلا يجوز؛ لأن التحري في ذلك لا يوجد والمماثلة معدومة لاختلاف اليبس والجفاف (¬4)، ويجوز في ذلك القضاء في (¬5) الخبزين إذا تبين الفضل واستوت الجودة، أو كان الأجود أوزن فيأخذ أدنى أو أقل؛ لأن القضاء في ذلك بخلاف البيع، ويجوز أن يكون القضاء أجود أو أوزن بالشيء اليسير. واختلف إذا كان أوزن بالشيء الكثير، وقد تقدم ذلك في كتاب الصرف. ¬

_ (¬1) زيادة: (جائز) في (ف). (¬2) قوله: (منع) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (لا يجوز ذلك في الخبز على حال؛ لأن التحري) ساقط من (ت). (¬4) قوله: (فلا يجوز؛ لأن التحري. . . اليبس والجفاف) ساقط من (ت). (¬5) قوله: (ذلك القضاء في) ساقط من (ت).

باب في هدية المديان ومبايعته

باب في هدية المديان ومبايعته قال مالك: ولا يقبل الرجل من غريمه هدية إلا أن يكون ذلك قد عُرف بينهما قبل المداينة (¬1). يريد: ويهاديه بالقدر الذي كان يجري بينهما، وإن لم يكن بينهما في ذلك عادة، لم يجز، وردت، وقد عُلم من غير واحد أن ذلك لمكان الدين فإذا قضاه لم يُهد إليه شيئًا، فهي ربًا، وقد كان في الجاهلية يزيده ليؤخره. ولا فرق بين أن تكون تلك الزيادة طعامًا، أو كسوةً، أو ذهبًا قبل الأجل أو بعده، فإن كانت الهدية قائمة ردَّها، وإن فأتت غرم المثل أو القيمة فيما يقضى فيه بالقيم، وإن هلكت بأمر من السماء أو حال سوقها غرم القيمة. واختلف في مبايعته قبل الأجل: فأجيز بخلاف الهدية، وكره خيفة أن تكون زيادة من الغريم في الثمن إن كان هو المشتري أو سماحة إن كان هو البائع فتكون هدية مديان (¬2). فإن نزل ذلك نُظر إلى الثمن فإن كان هو (¬3) ثمن مثله أو كان فيه غبن علي الغريم بالشيء اليسير حمل على السلامة، وإن كان الغبن كَثِيرًا، لم يجز، ويكره أن يشتري الغريم من الطالب بعد محل الأجل لئلا يتذرعا بذلك إلى هدية مديان، أو فسخ دين في دين، فإن فعل ولم يكن فيه سماحة أو كانت وقضاه الدين بفور (¬4) ذلك مضى، وإن طالت علمت (¬5) تلك ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 179. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 128. (¬3) قوله: (هو) ساقط من (ف). (¬4) في (ت): (بعقب بعد). (¬5) قوله: (علمت) ساقط من (ف).

السماحة أنها لموضع التأخير فترد السماحة. ويكره أن يبيع الطالب من الغريم خيفة أن يزيده في الثمن ليؤخره أو يعملا على فسخ دين في دين، فإن نزل ذلك، وكان ثمن الثاني يسِيرًا مما لا يتهمان فيه على فسخ دين في دين، ولم يزده في الثمن مضى، وإن زاده في الثمن وأعقبه تأْخيرًا حملا على أنهما قصدَا بالزيادة التأخير، وإن كان ثمن الثاني قريبًا من الدين الأول حملا على فسخ دين في دين إلا أن يعلم أنه اشترى الثانية ليقضيها لغريم آخر، أو ما أشبه ذلك فيجوز. قال عطاء (¬1): وكذلك من قارضته، فلا تقبل منه هدية كالدين (¬2)؛ لأن القصد إذا لم يكن بذلك عادة بينهما قبل أن يفعل ذلك، ليقره في يديه إذا كان الآن (¬3) نَاضًّا، وإذا نص ألا يأخذه ويتمادى في العمل، وتكره هدية صاحب المال للعامل؛ لأنه يفعل ذلك ليتمادى له في العمل إن كان فيه خسارة فيجبرها وإن لم تكن فيه خسارة (¬4) ليتمادى في العمل ولا يفاصله في الربح الآن. وقد اختلف فيمن كان في يديه قِراضٌ على النصف هل يجوز أن يزيده (¬5) على أن الثلث (¬6) لأحدهما، فمنعا مرة (¬7) لهذا الوجه الذي تقدم ذكره. ¬

_ (¬1) قوله: (قال عطاء) ساقط من (ف). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 179، نص المدونة: (قال ابن وهب، عن محمد بن عمرو، عن ابن جريج أن عطاء بن أبي رباح قال له رجل: إني أسلفت رجلًا فأهدى إلي قال: لا تأخذه، قال: قد كان يهدي إلي قبل سلفي، قال: فخذ منه قال الرجل: فقلت: قارضت رجلًا مالًا، قال: مثل السلف سواء). (¬3) في (ف): (الأول). (¬4) قوله: (فيه خسارة) يقابله في (ت): (فساد). (¬5) في (ت): (يرده). (¬6) في (ف): (الثلثين). (¬7) انظر: المدونة: 3/ 650.

باب في المقاصة في الديون

باب في المقاصة في الديون وإذا كان لرجلين لكل واحد منهما على صاحبه دين، فإن كان الدينان دراهم، أو دنانير وهما في السكة والوزن سواء، جاز أن يتقاصا عند ابن القاسم، حل الأجلان، أو حل أحدهما، أو لم يحلا، اتفق الأجلان (¬1)، أو اختلفا (¬2). وقال ابن نافع: يجوز إذا حلَّا أو حل أحدهما، ولا يجوز إذا لم يحلا اتفق الأجل أو اختلف (¬3) (¬4). وروي عن مالك أنه منعه (¬5) إذا اختلف الأجل، ووقف إذا اتفق الأجل (¬6). فأجيز في القول الأول؛ لأن ذمتيهما تبرأ الآن، ولا يبقى لأحدهما على الآخر شيء. ورأى ابن نافع أن الذمم لا تبرأ، وأن كل واحد منهما أحال على صاحبه بما لم يحل فيدخله فسخ دين في دين. وجعل (¬7) في القول الآخر إذا اختلف الأجل؛ لأن المكايسة تدخل فيه، وإذا استوى الأجل لم تكن فيه (¬8) مكايسة؛ لأنهما إذا حل الأجل على وجهين: ¬

_ (¬1) قوله: (اتفق الأجلان) ساقط من (ف). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 146. (¬3) قوله: (وقال ابن نافع: يجوز إذا حلا أو حل أحدهما، ولا يجوز إذا لم يحلا اتفق الأجل أو اختلف) مطموس في (ف). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 148. (¬5) قوله: (منعه) سقط من (ف). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 146. (¬7) قوله: (وجعل) ساقط من (ت). (¬8) قوله: (فيه) ساقط من (ف).

إما أن يكونا موسيرين فلكل واحد منهما أن يمسك ما عنده قضاء عن الآخر، أو أحدهما موسرًا فله أن يمسك ما عنده قضاء عن المعسر، وليس كذلك إذا اختلف الأجل. وإن كان أحد الدينين أجود وحل الأجلان، أو حل الأجود منهما، أو لم يحلا وكان الأجود أولهما حلولًا، جازت المقاصة (¬1)، وإن حل الأدنى، أو كان هو أولهما حلولًا، لم يجز ودخله ضع وتعجل، وكذلك إن كان أحدهما أكثر عددًا فتتاركا على ألا يطلب صاحب الأكثر الفضل. تجوز المقاصة حسب ما تقدم في الأجود، وهذا إذا كان الدينان من بيع. وإن كانا من قرض فحلا جميعًا، جازت المقاصة إذا كان أكثرهما أولهما قرضا، وإن كان الأكثر آخرهما قرضا لم تجز المقاصة عند ابن القاسم واتهم على سلف بزيادة، وأجازه ابن حبيب وغيره (¬2)، ورأى أن زيادة العدد والجودة واحدة، وإن حل أحدهما وهو الأقل أو لم يحلا وكان أقلهما أولهما حلولًا، لم تجز المقاصة، وإن حل الأكثر أو كان هو (¬3) أولهما حلولًا وأولهما قرْضًا، جاز، وإلا لم يجز، وإن استوى الأجل، جاز ما لم يكن الأكثر آخرهما قرْضًا. وإن كان أحدهما من قرض والآخر من بيع، جازت المقاصة ما لم يكن الذي حل أولهما حلولًا الأقل وما لم يعد إلى المقرض أكثر. وإن كان أحد الدينين دنانير والآخر دراهم، جازت المقاصة، إن حل الأجلان، وإن حل أحدهما أو لم يحلا وقد اتفق الأجلان أو اختلفا لم تجز ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 182. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 147. (¬3) قوله: (هو) ساقط من (ت).

فصل [في حكم المقاصة إن كان الدينان من العروض]

المقاصة عند مالك وابن القاسم (¬1)؛ لأن المبايعة يدخلها الصرف المستأخر وفسخ الدين بالدين، بخلاف أن يكونا من جنس واحد فيجوز إذا حل أحدهما قولًا واحدًا، وعلى القول ببراءة الذمم يجوز وإن اختلفا ولم يحلا، وهو أحسن وليس القصد منهما أن يبقى دين صاحبه في ذمته ليستوفيه من نفسه إذا حل الأجل. فصل [في حكم المقاصة إن كان الدينان من العروض] وإن كان الدينان عرُوضًا، وهما من جنس واحد والجودة سواء، كان الجواب فيهما كالجواب في الدنانير، يجوز إن حلا (¬2) أو حل أحدهما، ويختلف إن لم يحلا واتفق الأجل أو اختلف (¬3)، وإن كان أحدهما أجود، فإن حلا، أو حل الأجود، أو كان أولهما هو (¬4) حلولًا، جازت المقاصة، وإن حل الأدنى أو كان هو أولهما حلولًا، لم يجز، ويدخله ضع وتعجل، وهذا إذا كانا من قرض، فإن كانا من بيع، لم يجز إن حل أحدهما أو لم يحلا (¬5)، ويدخله ضع وتعجل إن حل الأدنى أو حط عني الضمان وأزيدك إذا حل الأجود. وإن كان أحدهما من قرض والآخر من بيع، فإن كان المتأخر في الذمة المبيع لم تجز المقاصة؛ لأنه إن كان أجود دخله حط عني الضمان وأزيدك، وإن كان أدنى دخله ضع وتعجل. وإن كان المتأخر في الذمة هو القرض، جازت ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 146. (¬2) في (ف): (حل). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 182. (¬4) قوله: (هو) ساقط من (ف). (¬5) في (ت): (يحل).

فصل [في حكم المقاصة إن كان الدينان طعامين]

المقاصة، وإن اختلف الأجل ولم يحل، لم تجز (¬1) إن كان هو الأجود، ولم تجز إن كان الأدنى، وإن كانا من جنسين أحدهما كتان والآخر حرير، جازت المقاصة إن حلا. ويختلف إن حل أحدهما أو لم يحلا اتفق الأجلان، أو اختلفا: فقال ابن القاسم في المدونة: إن حل أحدهما أو لم يحلا واتفق الأجل جازت المقاصة، وإن اختلف الأجل ولم يحلا (¬2) لم تجز (¬3). وقال محمد: إن حل أحدهما لم تجز المقاصة، وإن لم يحلا واتفق الأجل جاز ما خلا المصارفة (¬4). فصل [في حكم المقاصة إن كان الدينان طعامين] وقال ابن القاسم في الطعامين إن كانا من قرض: فلا بأس بالمقاصة حلا أو أحدهما أو لم يحلا (¬5)، اتفق الأجلان أو اختلفا، وإن كانا من بيع لم تجز المقاصة بحال حلا أو لم يحلا، وإن كان أحدهما قرضا والآخر بيعا جازت المقاصة إن حلا، ولم تجز إن حل أحدهما أو لم يحلا، اتفق الأجل أو اختلف (¬6). وعلى قول ابن نافع تمنع المقاصة وإن كانا من قرض إذا لم يحلا، اتفق الأجل أو اختلف على حسب قوله في الدنانير. ¬

_ (¬1) قوله: (وإن اختلف الأجل ولم يحل لم تجز) ساقط من (ف). (¬2) في (ف): (يحل). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 146، 147. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 146. (¬5) قوله: (حلا أو أحدهما أو لم يحلا) يقابله في (ف): (حل أحدهما أو لم يحل). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 145.

فصل [في دخول الفساد على المقاصة]

وقال أشهب: إن كان الطعامان من بيع، جازت المقاصة إذا (¬1) استوت رؤوس الأموال، وتكون إقالة، والإقالة تجوز وإن لم يحلا (¬2). واختلف قوله إذا كان أحدهما من قرض والآخر من بيع، فقال مرة: تجوز المقاصة إذا حل أحدهما، وإن حل أجل السلم (¬3)، جازت المقاصة (¬4). وإن كان أحدهما قمحا والآخر تمرا، فإن حل الأجلان وكانا من قرض جازت المقاصة، وإن حل أحدهما أو لم يحلا، اتفق الأجل أو اختلف لم تجز المقاصة على قول ابن القاسم. وعلى القول ببراءة الذمم تجوز، وهو أقيس في هذا وفي جميع ما تقدم مما قَصَدا فيه المبايعة أن تجوز؛ لأن ذمتهما تبرأ من الآن. فصل [في دخول الفساد على المقاصة] وإذا سلمت المقاصة من الفساد فيما يفعلانه الآن، فإنه يعتبر هل يدخله الفساد من أصل المداينة؟. فإن كان الدينان دنانير وهي متساوية، وكان أحدهما من ثمن قمح، والآخر من ثمن (¬5) تمر، لم تجز المقاصة على أصل ابن القاسم في المدونة؛ لأنهما يتهمان أن يكونا قصدا إلى بيع تمر بقمح (¬6) ليس يدًا بيد، والمقاصة فيما بين ذلك ¬

_ (¬1) في (ف): (وإن). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 145. (¬3) في (ف): (المسلم). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 147. (¬5) قوله: (ثمن) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (تمر بقمح) يقابله في (ت): (قمح بتمر).

لغو إلا أن تكون البيعتان نقدًا، أو الأولى مؤجلة والثانية نقدًا، وأخذ عن المبيع الأول مثل ما كان يباع به نقْدًا، فيجوز، وإن كان الثاني أكثر ثمنًا، لم تجز. وكذلك إذا كانت المقاصة في عروض أسلم بعضهم إلى بعض فيها، فإن اتفق رأس المال أو كان الأول أكثر، جاز، وإن كان الأول أقل، لم تجز المقاصة؛ لأنهما يتهمان على سلف بزيادة، وإن كان رأس مال أحد العوضين (¬1) دنانير والآخر دراهم، لم تجز المقاصة على قول ابن القاسم في المدونة؛ لأنهما يتهمان على صرف مستأخر. وتجوز على ما قال (¬2) في المجموعة، إلا أن يكون رأس مال الأول أقل فيما يكون الصرف يوم أسلم الأول، وإذا سلمت المقاصة من الوجهين جميعًا فيما يفعلانه الآن وفي أصل المداينة، جازت، واختلف إذا فسدت وكانت التهمة على صرف مستأخر، أو بيع طعام بطعام ليس يدًا بيد، فقيل: تفسخ المقاصة خاصة، وقيل: يفسخ البيع الآخر ويصح الأول، والأول أحسن إذا كان المنع حماية، ولم تجر بينهما في ذلك الموضع عادة، فإن كانت العادة التحيل لمثل ذلك فسخ البيع الأول والثاني. تم كتاب بيوع الآجال بحمد الله وحسن عونه ¬

_ (¬1) في (ت): (العرضين). (¬2) في (ت): (جاء).

كتاب البيوع الفاسدة وما يفيتها

كتاب البيوع الفاسدة وما يفيتها النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ت) = نسة تازة رقم (234، 243) 3 - (ق 4) = نسخة القرويين رقم (368)

كتاب البيوع الفاسدة وما يفيتها

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه كتاب البيوع الفاسدة وما يفيتها ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن اشترى حيوانًا بيعًا فاسدًا، فطالَ مُكثها عنده فذلك فوت؛ لأن الحيوانَ لا يثبتُ على حاله. وأما الثياب والعروض فإن تغيرت أسواقها أو دخلها عيب فقد فأتت، وإن تغيرت أسواقها ثم عادت إلى حالها يوم اشتراها لم ترد وقد فاتت، وإن باعها بيعًا صحيحًا، ثم ردت بعيب، أو اشتراها ولم تتغير في نفسها ولا حال سوقها، أو رجعت إليه بهبةٍ أو صدقةٍ أو ميراثٍ، ردَت على البائعِ الأول (¬1). وقال أشهب: ليس له أن يردها وقد لزمته القيمة فيها (¬2). قال في كتاب محمد: وكذلك لو دبرها أو أعتقها فرد غرماؤه التدبير والعتق، لزمته قيمتها (¬3). ولم يفسخ البيع. قال الشيخ - رضي الله عنه -: المبيع أربعة أصناف: الديار والأرضون، والحيوان، والعروض، والمكيل والموزون. والذي يفيتُ البيعَ الفاسدَ سبعةٌ: حوالة الأسواق بزيادةٍ أو نقصٍ، وتغير المبيع في نفسه بزيادة أو نقص، وخروجه عن يد المشتري ببيعٍ أو هبةٍ أو صدقةٍ ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 185. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 185، والنوادر والزيادات: 6/ 174. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 174.

أو عتقٍ، أو ما يؤدي إلى خروجه من اليد: كالكتابة (¬1) والتدبير، وتعلق حق غير (¬2) المشتري به كالإجارة والرهن والحبس، ونقله إلى بلد آخر، والوطء في الإماء، وقد يجتمع أكثر هذه في العروض والحيوان. فأما الدور والأرضون فيفيتها الهدم والبناء والغرس، وشق العيون وحفر الآبار، وخروجها عن اليد، والتحبيس. واختلف هل يفيتها حوالة الأسواق أو الطُّول؟ فقال مالك وابن القاسم: لا يفيتها ذلك (¬3). وقال أصبغ: إلا أن يكون الطول مثل عشرين سنة أو أكثر (¬4)، فإن هذا لا بد أن يدخله التغيير في بعض الوجوه والْبِلَى. وقال أشهب (¬5): حوالةُ الأسواق فوتٌ، والديارُ والعروضُ في ذلك سواء (¬6)، وهو أبين؛ لأن مراعاةَ حوالة الأسواقِ كانت في العروض لدفع الضرر؛ لأن في رده بعد نقص سوقه ضررًا على البائع، وإن تغير بزيادة كان ضررًا على المشتري؛ لأنه كان في ضمانه، وإذا كان ذلك كانت الديار وغيرها سواء. وإن كان التغيرُ أبينَ (¬7) كالذي يشتري بالثمن اليسير في الشدة، ثم يتضاعف ثمنه في الزمن الآخر، أو يشتريه بما له قدر في زمن رخاء، ويريد ¬

_ (¬1) في (ت): (كالكتاب). (¬2) قوله: (غير) ساقط من (ت). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 228. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 172. (¬5) في (ت): (أصبغ)، وكتب فوقها بخط مغاير (أشهب). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 172. (¬7) في (ت): (التغيير البين).

فصل [فيما يكال أو يوزن متى يدخله الفوت]

البائعُ أن يستردَّه في شدةٍ، وقد تباينت الأسواقُ، فذلك أبين في أنه فوتٌ. وكذلك إذا اشتريت للتجارة فهو فوت، وإن لم يتباين اختلاف الأسواق حسب ما تقدم. ولا يفيت العروض الطول إذا لم تتغير في نفسها ولا حال سوقها (¬1). واختلف في الطول في الحيوان، فقال مالك في كتاب التدليس فيمن اشترى عبدًا شراءً فاسدًا، فكاتبه ثم عجز بعد شهر: أنه طول وقد فات (¬2). وقال في كتاب السلم الثالث في الشهرين والثلاثة: ليس بفوت في العبيد والدواب، إلا أن يعلم أنه تغير (¬3). وهو أحسن، إلا أن يكون المبيع صغيرًا، فإن المدة اليسيرة يتغير فيها وينتقل. فصل [فيما يكال أو يوزن متى يدخله الفوت] وأما الطعامُ وغيره مما يُكال أو يُوزن يشترى على كيلٍ أو وزنٍ فلا يفيته تغيره في نفسه، ولا ذهاب عينه إذا لم يتغير سوقه؛ لأنه مما يقضى فيه بالمثل، فالمثل يقوم مقام الأول. واختلف إذا تغير سوقه وهو قائم العين، فقال مالك وابن القاسم: ليس بفوت (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 185. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 336. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 123. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 7/ 379. وانظر: النوادر والزيادات: 6/ 172.

فصل [فيما تفوت به الأمة ولا تفوت به]

وقال ابن وهب وغيره: إنه فوت. وهو أبين؛ لأن وجودَ المثلِ كقيام العينِ في الفوتِ. وقد اتفقوا في العرض أن حوالة الأسواق فيه فوت وإن كان قائمَ العينِ، ولا يكون وجود المثل في المكيل والموزون أعلى رتبة من وجود عين العرض، فإذا لم ينقض البيع في العرض للمضرة التي تدخل على البائع من نقص السوق، أو على المشتري إن زاد؛ لأنه كان في ضمانه، فكذلك المكيل والموزون، وهما في دخول المضرة على البائع والمشتري من هذا الوجه سواء، وربما كانت المضرة في الطعام أبين، لتباين انتقال الأسعار، وإِنْ بِيعَ شيءٌ من ذلك جزافًا كان كالعرض تفيته حوالة الأسواق، وذهابُ عينه، ويقضى فيه بالقيمة. وأرى إذا ذهب عينه وعرف كيله ولم يتغير سوقه أن يقضى فيه بالمثل، وكذلك إذا لم يعرف كيله، وأراد البائع أن يقضي له بمثل المكيلة التي تقوم لا بقيمتها؛ لأنه إذا قيل فيها من تسعة إلى أحد عشر غرم المشتري قيمة عشرة، كان غرم تلك العشرة أولى من غرم قيمتها. وكذلك إذا قال البائع: أنا أغرمه أقل مما يقال أنه فيها، أو قال المشتري: أنا أغرم أكثر مما يقال أنه فيها، كان ذلك لهما ويسقط حكم القيمة، وقد تقدم قول أشهب وسحنون في كتاب الغصب في هذا الأصل. فصل [فيما تفوت به الأمة ولا تفوت به] وقال ابن القاسم في كتاب محمد: وطء الأمة فوتٌ (¬1)، ولم يجعل الغيبة عليها فوتًا، وهذا أمر لا يعلم إلا من قوله، فإن قال: أصبتها صدق، وإن قال: لم ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 172.

أصبها وصدقه البائع ردت ووقفت للاستبراء، وإن كَذَّبه وكانت من العلي لم ترد. وإن كانت من الوَخْش كان القول قوله إن لم يصب (¬1) وردت ولم توقف. وكذلك هبةُ الأبِ الجاريةَ لولده الكبير له أن يعتصرها، وإن غاب عليها إذا اعترف أنه لم يصب، وإن ادعى أنه قد أصاب صدق ولم يعتصر الأب على مذهب ابن القاسم (¬2). وقال المخزومي: له أن يعتصرها (¬3). وكذلك الجارية يشتريها شراءً صحيحًا، ثم يجد بها عيبًا فله أن يردها، وإن غاب عليها والقول قوله أنه لم يصبها (¬4). واختلف قول مالك إذا أصابها، فروى عنه ابن القاسم أن له أن يردها (¬5). وقال في كتاب ابن حبيب: ليس له أن يردها. وكذلك الهبة للثواب له أن يردها وإن غاب عليها، والقول قوله أنه لم يصبها، فإن وطئها كان رضا بالتزام الثواب ولم ترد (¬6). وأما الغاصب يغصب الجارية، فإن غاب عليها لزمته قيمتها، وطئها أولم يطأها؛ لأن الغاصب يضمن بالعيب اليسير، فيضمن بذكر الغصب والغيبة وإن لم يصب. ومن أحل جاريته لرجل وغاب عليها لم يضمن بالغيبة عليها عند ابن ¬

_ (¬1) في (ق 4): (لم يصبها). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 410، والنوادر والزيادات: 12/ 191. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 191. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 300. (¬5) انظر: المدونة: 3/ 251. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 249.

فصل [فيمن اشترى رقيقا شراء فاسدا ثم نقلها هل يدخلها الفوت]

القاسم وردت ما لم يطأ، فإن ادعى أنه وطئ لم ترد (¬1). ولو قيل في هذا: إنها لا ترد لكان وجهًا، وقد يكون قول ابن القاسم أنها ترد (¬2) مراعاةً للخلاف أنها ترد وإن وطئ. وليس حرث الأرض وزراعتها فوتًا، فإن أدرك ذلك في الإبان كان على المشتري كراء مثلها، فإن لم يعلم حتى خرج الإبان لم يكن عليه كراء، وردت الأرض في الوجهين جميعًا. ولو كانت نخلًا بيعت بيعًا فاسدًا فأثمرت، ردت الثمرة مع الأصل ما لم تطب، فإن طابت كانت للمشتري. وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: فهي للمبتاع بالإبان (¬3). والأول أحسن. فصل [فيمن اشترى رقيقًا شراء فاسدًا ثم نقلها هل يدخلها الفوت] قال ابن القاسم في العتبية فيمن اشترى رقيقًا شراءً فاسدًا، اشتراه بإفريقية ثم نقله إلى الفسطاط: ليس نقله فوتًا إلا أن يتغير بنماء أو نقص أو حوالة الأسواق، قال: ولا أرى سوق مصر وسوق القيروان إلا مختلفًا وذلك فوت، وإن قدم بها من الإسكندرية، فإن لم تختلف الأسواق ردها بالفسطاط. قال: ولو كان طعامًا لم يرده بالإسكندرية (¬4). يريد لمكان الحمل، ولو كان المبيع عروضًا مما له حمل وأجرة لكان فوتًا، ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 483. (¬2) قوله: (أنها ترد) ساقط من (ق 4) و (ت). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 175، 176. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 7/ 385، 386، وانظر النوادر والزيادات: 6/ 176.

وإن لم تختلف الأسواق (¬1). ولم يرَ ابنُ القاسم نقل الحيوان فوتًا إذا لم تختلف الأسواقُ؛ لأنه مستقل بنفسه فلم يكن على المشتري إن أُخذ من يده مضرة؛ لأنه لم يتكلف له أجرةً، ولا على البائعِ إن أسلمَ إليه مضرة؛ لأنه قادرٌ على أن يردَّه ويرجعَ بنفسه. وأرى إن قال البائعُ: لا أقبله إلا في البلد الذي قبضه مني، أن يكون ذلك له. وإن كان الطريق مخوفًا كان أبين، ويكون البائع بالخيار بين أن يقبله ها هنا أو يضمن قيمته، وإن حال سوقه، وإن كان ما بين البلدين قريبًا وَمأمونًا فقال المشتري: أنا أرده إلى موضع قبضته فيه، أن يكون ذلك له ولا يكون فوتًا، وقد تقدم لابن القاسم وأشهب (¬2) إذا باعها المشتري ثم اشتراها شراءً صحيحًا هل تُردُّ إلى البائعِ الأول. وأرى إذا رجعت بعيب أن ترد إلى البائع الأول؛ لأنَّ الوجه الذي به فاتت نقض من أصله، وإن رجعت بشراء مبتدأ أو هبة أو صدقة أو ميراث، أن لا ترد ويمضي الأول بالقيمة؛ لاتفاقهما على ما أحدثه (¬3) المشتري الأول من بيع، ثم عادت إلى يده بشراء أو هبة أو صدقة أن لا ينقض، وإن العهدة في البيعة الثانية على حالها، وإذا كان كذلك لم يصح أن ترد إلى البيع الأول على الملك الأول؛ لأنها قد انتقلت بعد إلى آخر بملك صحيح. وأما إن أعتق أو دبر أو كاتب فرد ذلك لدين عليه فقول ابن القاسم (¬4) فيه أحسن؛ لأن الوجه الذي كان يفوت به قد رد من أصله، ولا خلاف أنه إن ¬

_ (¬1) في (ت): (في الأسواق). (¬2) في (ت): (قول ابن القاسم وأشهب). (¬3) في (ق 4): (أخذ به). (¬4) انظر: قول ابن القاسم في النوادر والزيادات: 6/ 174.

فصل [في الأوجه التي تكون في السلعة في حين بيعها]

أقيم في ذلك وهي (¬1) عند المشتري شراء صحيحًا، فحكم بالقيمة ثم ردت بعيب، أو حكم بالقيمة قبل قيام الغرماء أن الحكم ماضٍ ولا يرد، وإن ردت بعد ذلك بعيب أو رد الغرماء عتقه أو تدبيره. وإن قصد المشتري بالبيع والهبة تفويت ذلك المشترى قبل أن يقوم عليه البائع كان فوتًا (¬2). واختلف إذا فعل ذلك بعد أن قام عليه البائع؛ ليرد البيع هل يكون فوتًا (¬3)؟ وألا يكون فوتًا أحسن. وإن قال البائعُ حينَ قامَ: قد رَدَدتُ ذلك البيع -كان أبين. فصل [في الأوجه التي تكون في السلعة في حين بيعها] لا تخلو السلعة في حين البيع من ثلاثة أوجه: إما أن تكون في يد البائع، أو في يد أمينة، أو في يد مشتريها. فإن كانت في يد البائع فهلكت قبل أن يسلمها، أو يُمكِّن المشتري منها (¬4) كانت من البائع. واختلف إذا أمكنه منها، فقال ابن القاسم: المصيبة من البائع. وقال أشهب: من المشتري (¬5)، والأول أصوب (¬6)؛ لأن الحكم أن يرد ذلك إلى الرضا وتقر في يد البائع على حالها. ¬

_ (¬1) في (ف): (وهو). (¬2) زاد في (ف): (وأما إذا أعتق إرادة إبطال الرد، فإنه لا يرد لحريته وقول ابن القاسم فيها أظهر). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 176، وانظر: البيان والتحصيل: 7/ 455. (¬4) قوله: (منها) ساقط من (ت). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 372، 373. (¬6) في (ت): (أحسن).

واختلف إذا كانت في يد أمن البائع، فأقرها المشتري ولم يقبضها، هل تبقى على ضمان البائع؟ لأن الحكم أن تقر للبائع في يد أمينه ولا يقبضها المشتري، أو هل يضمنها المشتري؟ وكذلك إذا كانت قبل البيع عند المشتري، ثم اشتراها شراءً فاسدًا، فاختلف هل يضمنها المشتري أو تبقى في ضمان البائع؛ لأن الحكم أن يرد ذلك الرضا وتقر اليد على حالها على الأمانة، إلا أن يحدث فيها المشتري حدثًا فيضمن قيمتها (¬1) يوم أحدث ذلك، بخلاف أن يحدث بها أمر من غير سبب المشتري، وقد مضى بيان ذلك في كتاب الرهن وفي كتاب البيوع (¬2) إذا باعها المشتري وهي في يد البائع أو البائع بعد أن قبضها المشتري. واختلف إذا كانت في يد البائع فقبضها المشتري في نقض البيع، وفي ضمانها. فقال مالك وابن القاسم: ترد إلى البائع إن كانت قائمة، وإن هلكت كانت من المشتري (¬3). وقال محمد بن مسلمة: رد البيع بعد القبض استحسان. وقال سحنون: إن كان البيع حرامًا كانت المصيبة من البائع، وهو في يد المشتري كالرهن (¬4). فإن كان حيوانًا كان القول قول المشتري في تلفه، وإن كان مما يُغابُ عليه ¬

_ (¬1) في (ت): (من قيمتها). (¬2) قوله: (البيوع) يقابله في (ق 4): (البيوع الفاسدة). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 186. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 374.

فصل [في وجوه فساد البيع]

لم يصدق إلا أن تشهد له بينة على هلاكه، فيكون من البائع. وقول مالك في ذلك أحسن إلا أن يمضي البيع مع القيام لإمكان أن تفوت وهو لم يفت بعد. واختلف إذا كان البيع مختلفًا فيه على أربعة أقوال: فقيل: يمضي بالعقد. وقيل: بالقبض. وقيل: حتى يفوت بعد القبض فيمضي بالثمن. وقيل: بالقيمة كغيره من البياعات الفاسدة، وهذا قول من قاد مذهب نفسه ولم يراع الخلاف. وقد تقدم (¬1) ذلك في كتاب السلم الأول فيمن اشترى الثمار على كيل أو الزرع أوالفول قبل أن ييبس (¬2). وأرى إذا ترجحت الدلائل عند المفتي، في صحة ذلك البيع وفساده، أن يتركهما على ما هما عليه ولا يعترضهما بنقض. فصل [في وجوه فساد البيع] ولا يخلو البيع الفاسد من أربعة أوجه: إما أن يكون فساده من قِبَل ثمنه، أو من قِبَل عقده، أو من قبل ثمنه وعقده، أو بشرط فاسد قارنه. وقد تقدم الجواب فيما كان فساده من قبل ثمنه، ومضى في كتاب الصلاة الثاني ما كان فساده من قبل عقده (¬3). والاختلاف فيه كبيع ¬

_ (¬1) في (ت): (تقدم بيان). (¬2) راجع كتاب السلم الأول، ص: 4230. (¬3) راجع كتاب الصلاة الثاني، ص: 573.

فصل [في اشتراء ثمر النخل وجدادها قبل بدو صلاحها]

الجمعة (¬1)، واختلف في التفرقة في البيع بين الأم وولدها، فقيل: البيع جائز، ويجمعان بينهما وإلا فسخ (¬2). وقيل: البيع فاسد، ويفسخ وإن جمعا بينهما (¬3). وأما ما كان فساده من قبل عقده وثمنه، فإنه يجري على الحكم فيما كان فساده من قبل ثمنه، فينقض بعد القبض إذا كان قائمًا، وإن فات مضى بالقيمة (¬4). وقد تقدم ذكر البيع إذا قارنه شرط في كتاب بيوع الآجال (¬5). وقال ابن القاسم -فيمن باع جاريةً بيعًا فاسدًا ورضي البائعُ والمشتري بردها معيبةً: جاز ذلك (¬6). يريد: إذا كانت من الوخش أو من العلي وهي في أول دمها. وقيل: لا يجوز ذلك إلا بعد معرفتهما بقيمة الجارية (¬7). فصل [في اشتراء ثمر النخل وجُدادها قبل بدو صلاحها] وقال ابن القاسم -فيمن اشترى ثمر نخل قبل أن يبدو صلاحها ثم جدَّها قبل أن يبدو صلاحها-: إن البيعَ جائزٌ إذا لم يشترط تركها حتى يبدو صلاحها، فإن اشتراها قبل بدُوِّ صلاحها، ثم جَدَّها بعد أن بدا صلاحُها، كان ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 234، النوادر والزيادات: 1/ 468، 469، الإشراف: 1/ 336، عيون المجالس: 3/ 1505 و 1406، المعونة: 1/ 166، عيون الأدلة: 1/ 422. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 303. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 26 و 9/ 26. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 171. (¬5) انظر: كتاب بيوع الآجال، ص: 4189. (¬6) انظر: المدونة: 3/ 186. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 173.

عليه قيمتها يوم جَدَّها إن كانت رطبًا، وإن كان جَدَّها (¬1) تمرًا كان عليه مكيلتها تمرًا، وهو قول مالك (¬2)، فحمل ابن القاسم البيع قبل بدو الصلاح على الجواز وعلى الجداد حتى يشترط البقاء. وقال أبو الحسن ابن القصار وأبو محمد عبد الوهاب: البيع على الفساد حتى يشترط الجداد (¬3). والأول أحسن؛ لأن الأصل البيع في الثمن والمثمون على المناجزة، حتى يشترط الأجل في أحدهما أو تكون عادة، وكذلك قال ابن حبيب -فيمن اشترى ثمرة بعد طيبها فأراد أن يقرها حتى تيبس-: فليس له ذلك وهي على تعجيل جدادها حتى يشترط تأخيرها من أجل السقي (¬4). يريد: أنه لا يكون على البائع بقاؤها ولا سقيها إلا أن يشترط أو تكون عادة. وأرى إذا بيعت قبل بدو الصلاح أن يستدل بالثمن الذي بيعت به فثمن ما بيع على الجداد مباين (¬5) لما بيع على البقاء، ومحمل قول ابن القاسم إذا جدها رطبًا أن عليه قيمتها يوم جدها؛ لأن جدادها رطبًا فساد فيكون عليه قيمتها على ما تباع به على البقاء لتيبس، ولا يلزم البائع أخذها مجدودة، وإن كانت قائمة العين، وإن كانت العادة جدادها رطبًا سلمت إليه على حالها، وهذا بخلاف من باعها قبل بدو صلاحها على الجداد فجدها زهوًا أو رطبًا فله أن يسلمها مجدودة، وإن كان جدادها حينئذٍ فسادًا؛ لأن البائعَ سلطه على جدادها ¬

_ (¬1) قوله: (جدها) ساقط من (ت). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 188. (¬3) انظر: الإشراف على نكت مسائل الخلاف: 2/ 542، والمعونة: 2/ 39. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 189. (¬5) في (ت): (فائق).

قبل بدو صلاحها، فهو لم يزده تأخير الجداد إلا خيرًا. وإن فاتت ولم تعلم المكيلة كان عليه قيمتها مجدودة، وليس على البقاء لتيبس وكذلك إن علمت المكيلة، وكان غرم المثل يتعذر، وإن لم يتعذر وأحضر المثل لزم البائع قبوله، وإن لم يحضره وأحب البائع أن يأخذ من المشتري الثمن الذي يشتريه به كان ذلك له، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ" (¬1)، وإذا جدها تمرًا أو لم يعلم المكيلة غرم قيمتها تمرًا. واختلف إذا علمت المكيلة، فقال مالك وابن القاسم: عليه مثل مكيلة التي جد (¬2). وقال محمد: عليه القيمة في كل ما قبض جزافًا، وإن عرفت المكيلة. والأول أقيس، وقد تقدم الجواب عنه في البيع الفاسد. وقال مالك في كتاب محمد: فيمن اشترى ثمرة في رؤوس النخل قبل طيبها ثم باعها بعد طيبها وقبل أن يجدها-: كان بيعها فوتًا وعليه القيمة يوم بدا صلاحها، وقال محمد: عليه القيمة يوم باعها، قال (¬3): وقد كان مالك يقول يرد عدد المكيلة (¬4). فأما قوله عليه (¬5) القيمة يوم بدا صلاحها فلا يصح إلا أن يكون المشتري ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في الموطأ: 2/ 745، في باب القضاء في المرفق، من كتاب الأقضية، برقم (1429) وابن ماجه: 2/ 784، في باب من بني في حقه ما يضر بجاره، من كتاب الأحكام، برقم (2341). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 188. (¬3) قوله: (قال) ساقط من (ت). (¬4) قوله: (عدد المكيلة) يقابله في (ت): (عددا مكيلة). وانظر: النوادر والزيادات: 6/ 172. (¬5) قوله: (عليه) ساقط من (ت).

دخل على أن يجدها إذا بدا صلاحها وبعد ذلك، فيجري على الخلاف في التمكين هل هو قبض؟ وإن دخل على أن تبقى لتيبس هل (¬1) تعتبر القيمة يوم بدو الصلاح؟ وكان الاعتبار يوم البيع الثاني. وقد اختلف فيمن اشترى عبدًا شراء فاسدًا فباعه أو أعتقه هل ذلك فوتٌ؟ فعلى القول أنه ليس بفوتٍ يكون البائعُ الأولُ بالخيارِ، بين أن يجيز البيع ويكون له الثمن، أو يرد المشترى، وإن بان بها وهو يعلم لم يكن له إلا الثمن، وإن لم يعلم بالبيع الثاني كان بالخيار، بين أن يجيز البيع ويأخذ من المشتري الثاني الثمن، أو القيمة مجدودة حسبما قبضها عليه المشتري الآخر، أو المكيلة إن عرفت، وعلى القول أن ذلك فوت يكون على المشتري الأول القيمة يوم باعها، فقال: بكم تباع على أن تبقى في رؤوس النخل، في ضمان بائعها الأول إلى أن تيبس، وهو معنى قول محمد؛ لأن المشتري الآخر اشترى على مثل ما تشترى عليه الثمر المزهية، أن الجائحة من البائع حتى تيبس، وإذا لم يضمنها المشتري الآخر إلا باليبس كان للمشتري الأول على البائع مثل ذلك، وهو بمنزلة من اشترى ثمارًا مزهية ثم (¬2) باعها بالحضرة، فإن لكل واحد من المشترين الرجوع على من باع منه متى أجيحت، ويصح أن يقال: إن البيع فوت، ويكون للمشتري الأول الثمن الذي باع به، وعليه لمن باع منه أولًا مثل المكيلة، كما قال مالك؛ لأنه وإن كان البيع فوتًا، فإن الضمان لا ينتقل عن واحد منهما إلا باليبس، وإذا كان ذلك كانت المكيلة على صفتها وقت قبضها. ¬

_ (¬1) في (ت): (ثم). (¬2) في (ت): (يوم).

باب في الوقت الذي يباع فيه القصيل وهل تباع معه خلفته؟ وفي بيع المقاثي

باب في الوقت الذي يباع فيه القصيل وهل تباع معه خلفته؟ وفي بيع المقاثي (¬1) يجوز بيع القصيل (¬2) إذا برز على الأرض وبلغ أن يرعى، ولم يكن رعيه حينئذٍ من الفساد، ولا يترك حصاده لزيادة ولا ليتحبب، فإن انخرم شيء من هذه الشروط لم يجز (¬3). واختلف في شراء الخلفة والرأس صفقة واحدة، وفي بيعها ممن اشترى الرأس في عقد بانفراده. فأجاز في المدونة اشتراءها في صفقة واحدة، وفي عقد ثانٍ إذا كانت مأمونة (¬4). وقال مالك في كتاب محمد في كتاب المساقاة: كل شيئين يجوز أن يشتريهما صفقة واحدة فلا بأس أن يشتريه صفقة أخرى (¬5). ومنع محمد أن يشتريه صفقة واحدة، فقال في قصب السكر: إذا كانت له الخلفة، فساقاه عليه وعلى خلفته لم يجز؛ لأنه لا يجوز مساقاة ما لم يخرج من الأرض، ولا بيع خلفته، ولو انفرد به وحده جاز إذا عجز عنه، واستقل عن الأرض ولم يشترط خلفته (¬6)، وهذا أقيس؛ لأن بيع الخلفة بيع ما لم يخرج من ¬

_ (¬1) المقاثي: اسم لما يسميه الناس الخيار والعجور والفقوس، الواحدة قثاءة. انظر: المصباح المنير، ص: 292. (¬2) القصيل: هو قطع الزرع أخضر. انظر: لسان العرب: 11/ 558. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 189. (¬4) انظر: المدونة: 3/ 188. (¬5) انظر: المدونة: 3/ 589. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 298.

فصل [فيما إذا تحبب الرأس]

الأرض، وإذا لم يجز بيعها على الانفراد لم يجز أن يضمها إلى الرأس. فإن قيل: إنما جاز ذلك؛ لأنها مأمونة، قيل: فيجوز بيعها على الانفراد لمن لم يشتر رأسها، فإن اشترى الرأس ثم جَدَّه لم يجز له أن يشتري الخلفة؛ لأن الذي يلحقه به قد زال. فصل [فيما إذا تحبب الرأس] وإن تحبب الرأس انتقض البيع، وإن تحبب بعضه رجع بما ينوبه على القياس (¬1)، إلا أن تختلف الصَّفاقَة والخفة، فيُقَوَّمُ (¬2) ما ينوب ما تحببت، وإن تحببت الخلفة رجع بما ينوبها على القيمة، يقوم الرأس ثم تقوم الخلفة على سوقها يوم أصيبت من قيمة الرأس يوم قبض؛ لأن أوقات جداده مختلفة، والأسواق التي تباع فيها مختلفة، فليس أول ذلك كآخره، وإن تحبب بعض الخلفة قُوِّم ما ينوب الرأس من الخلفة، فإذا عرف ذلك رجع إلى قياس ما تحبب من الخلفة إلا أن يختلف في صفاقته. فصل [في بيع المقثاة] ويجوز بيع المقثاة إذا بدا صلاحها، ببيع البطن الذي أطعم أو ما أطعم وما لم يطعم إلى انقضائها، قال ابن القاسم: ولا يجوز أن يبيع ما يطعم شهرًا، قال: لأن حمله في الشهور يختلف، إن اشتد الحر كثر، وإن اشتد البرد قلَّ (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 188، 189. (¬2) في (ت): (فيغرم). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 190.

ويلزم على قوله ألا يبيع جميع ما يطعم؛ لأنه يأتي عليه شهور، والحمل يكثر في شدة الحر، ويقل في البرد، وإذا جاز ذلك جاز بيع ما يطعم هذا الشهر، وإذا انقضى ذلك الشهر لم يكن له ما كان صغيرًا وليس العادة جناه حينئذٍ. وإن باع أول بطن كان له منه (¬1) ما يقال إنه من ذلك البطن، وليس له ما يقال إنه بداية من البطن الثاني. ¬

_ (¬1) قوله: (منه) ساقط من (ت).

باب فيمن باع عبدا بخمسين نقدا، أو بمائة إلى سنة ومن باع عبدا على أن يعتقه أو يدبره أو أمة على أن يتخذها أم ولد

باب فيمن باع عبدًا بخمسين نقدًا، أو بمائة إلى سنة ومن باع عبدًا على أن يعتقه أو يدبره أو أمة على أن يتخذها أم ولد قال مالك وابن القاسم فيمن باع سلعة بخمسين نقدًا أو بمائة إلى سنةٍ: لم يجز إلا أن يكون البائعُ والمشتري جميعًا بالخيار، فإن اجتمعا على ثمنٍ نقدًا أو إلى أجلٍ جاز، وإن اختلفا لم يجز (¬1). وهذا الجواب صحيح من ناحية رفع الغرر؛ لأنه لا ينعقد بينهما بيع إلا بعد تراضيهما واتفاقهما على خمسين أو مائة، ويبقى الخلاف من ناحية الربا وفسخ دين في دين؛ لأنهما إن اتفقا على مائة مؤجلة منع، لإمكان أن يكون قد اختار كل واحد منهما في نفسه إمضاءها بخمسين نقدًا، فيكون فسخ خمسين في مائة، وإن اتفقا على خمسين نقدًا قيل: لا يجوز لإمكان أن يكون كل واحد منهما قد رضي بإمضائها بمائة، فيدخله ضع وتعجل. فصل [في أوجه شرط البائع العتق على المشتري] شرطُ البائع العتق على المشتري على أربعة أوجه: فإما أن يبيعه على أنه حر، أو على أن يعتقه وأوجبا ذلك، أو على أن المشتري بالخيار في العتق، أو يشترط العتق ولا يقيده بإيجاب ولا خيار، وأي ذلك كان فإن البيع جائز، وإنما يفترق الجواب في صفة وقوع العتق، وفي شرط النقد، فإن باعه على أنه حر كان ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 191.

حرًّا بنفس البيع، وإن كان الشرط على أن يعتقه والتزم ذلك، وأجبر على أن يوقع العتق، فإن لدَّ أعتقه الحاكم عليه، وإن كان بالخيار بغير نقد جاز ذلك (¬1) البيع، وإن اشترط النقد لم يجز، للغرر، ولأنه تارة بيع وتارة سلف. واختلف إذا اشترط العتق مطلقًا من غير تقييد بإيجاب ولا خيار، فقال ابن القاسم: له ألا يعتق، وقال أشهب يلزمه، وبه أخذ سحنون (¬2). وهو أحسن؛ لأنه شرط جائز قارن البيع فيجب الوفاء به، ولأنَّ الثمن يحط لأجله فأشبه غيره من المعاوضة الجائزة، ثم لا يخلو العبد إذا شرط الخيار أو كان ذلك الحكم على قول ابن القاسم من أن يكون قائم العين، ولم يتغير في نفسه ولا سوقه، أو هلك أو حدث به عيب أو حال سوقه أو كانت أمة فكان يصيبها أو يستخدمها. فإن مات العبد بقرب البيع كانت مصيبته من المشتري؛ لأنه على القبول حتى يرد، ولا مقال للبائع عليه، وكذلك إذا مات بعد تراخٍ والبائع عالم أنه لم يعتق، فإن لم يعلم رجع عليه بما ترك لمكان الشرط، وإن حدث عيب بقرب البيع، كان للمشتري أن يعتقه معيبًا ولا شيء للبائع، أو لا يعتقه ويغرم ما حط لمكان الشرط، وكذلك إذا حدث العيب بعد تراخي الشهر ونحوه وهو عالم، وإن لم يعلم كان البائعُ بالخيار بين أن يرضى بعتقه معيبًا ولا شيء له، أو يأخذه بما حط لمكان الشرط، وكذلك إذا لم يرضَ المشتري بعتقه معيبًا فللبائع ما حط لمكان الشرط. واختلف إذا حال سوقه بعد تراخي ذلك القدر، فقال محمد: إذا حبس ¬

_ (¬1) قوله: (ذلك) ساقط من (ت). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 191، 192.

فصل [في حكم صدقة وهبة العبد]

العبد يستخدمه، أو كانت أمة فوطئها، أو حال سوقه، أو مات المشتري، رجع البائع (¬1) بما كان وضع من الثمن لشرط العتق. قال: وإن كان ذلك كله بعلم البائع ورضاه فلا شيء له، وقد سقط الشرط عن المشتري (¬2). قال أصبغ في العتبية: أما حوالة الأسواق وما خف من زيادة البدن ونقصانه، فالمبتاع مخير بين أن يعتق ولا شيء للبائع أو يرد (¬3)، وإن أحب ألا يعتق ويغرم الأكثر فله أن يغرم الأكثر ويعتقه عن واجب، أو يغرم الثمن ويعتقه بالشرط، ولا أرى للبائع مقالًا في فوت المشتري؛ لأن ورثته مكانه فإن أعتقوا سقط مقال البائع، وكذلك الاستخدام ليس بفوت؛ لأنه وإن تعدى في الاستخدام فالعين على حالها، فإن أعتق فقد وفي بالشرط، والوطء أثقل ولا يفيت. وقال ابن القاسم في كتاب محمد: إذا طال ذلك مثل السنة ثم أعتقه، كان عليه بقيمة الثمن، وإن أعتقه عن ظهاره أجزأه، قال: وكذلك بعد شهر وبعد أن حدث به عيب يجزئه عن ظهاره (¬4). يريد: إذا كان العيب مما يجزىء في الواجب. فصل [في حكم صدقة وهبة العبد] والصدقة والهبة كالعتق، فإن باعه على أنه صدقة لفلان، وعلى أن يتصدق به على فلان، والتزم المشتري ذلك، جاز العقد والنقد، وإن كان المشتري ¬

_ (¬1) في (ت): (عليه). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 163. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 46، وانظر: النوادر والزيادات: 6/ 163، 12/ 512. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 512، 513.

بالخيار في إنفاذ الصدقة جاز العقد دون النقد. ويختلف إذا أطلق ذلك ولم يقيده بالتزام ولا بخيار فقال ابن القاسم في كتاب محمد فيمن باع من امرأته خادمًا بشرط أن تتصدق بها على ولده: ذلك جائزٌ، ولا تلزمها الصدقة بحكم، والبائع بالخيار إن هي لم تتصدق بها، إن شاء أجاز البيع على ذلك، وإن شاء رد (¬1). وعلى قول أشهب وسحنون يلزمها ذلك من غير خيار، وإن باعه على أن لا يبيعه من فلان وحده جاز، وإن قال: على أن لا تبيعه جملة، أو لا تبيعه إلا من فلان كان فاسدًا، وعلى المشتري أن يغرم تمام الثمن، إلا أن يسقط البائع شرطه، وإن قال: على أن تبيعه من فلان كان فاسدًا، وليس على المشتري إلا الثمن الذي باعه به من فلان؛ لأنه بيع ليس فيه تمكين فلا يضمنه المشتري، وإن قال على أن لا تبيع من هؤلاء النفر، جاز. وقال في كتاب محمد فيمن باع جارية على أن لا يخرجها من بلدها أو على أن يخرجها إلى الشام: يفسخ البيع، إلا أن يضع البائع شرطه (¬2). وقال في مختصر ما ليس في المختصر فيمن باع عبدًا على أن يخرجه مبتاعه إلى بلد آخر: لا بأس به. وهو أبين؛ لأنَّ الشأن أن البائعَ، إنما يشترط ذلك لضرورة لأمر يتقيه من العبد إن بقي، فقد يكون شريرًا، وقد اطلع على أسراره أو على موضع ماله، أو غير ذلك من العذر، أو يتقي مثل ذلك من الأمة، وإن كان المشتري طارئًا كان أبين في الجواز؛ لأنه يفعل ذلك من غير شرط، وإن شرط ألا يجيزها البحر جاز؛ لأنه قد أبقى ما سوى ذلك من البلدان. ويختلف ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 164. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 164.

إذا شرط أن يجيزها البحر قياسًا على من شرط أن يخرجها من بلدها. وقال مالك -في كتاب محمد فيمن شرط على المشتري أن لا يبيع ولا يهب حتى يقبضه الثمن: لا بأس به. وقال محمد: ذلك فيما يرى في الأجل القريب اليوم ونحوه. وقال ابن القاسم: لا خير فيه (¬1). وظاهر قول مالك الجواز، وإن كان الأجل أكثر من هذا؛ لأن المشتري ينتفع بالمبيع، يسكن ويستخدم ويركب إن كانت دابة، وليس الغالب أن المشتري يريد البيع بالقرب، وإن كان للقنية كان أبين. واختلف إذا شرط أن يبقى رهنًا بيد البائع أو بيد عدل حتى يحل الأجل، وإن كان المشتري لا ينتفع به فهو إذا أسلم إلى المشتري أبين في الجواز (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 156. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 194.

باب في البيع على حكم البائع أو المشتري ومن باع عبدا آبقا أو بعيرا شاردا أو ثمرا لم يبد صلاحه أو جنينا وبيع العوادي من الحيوان

باب في البيع على حكم البائع أو المشتريٍ ومن باع عبدًا آبقًا أو بعيرًا شاردًا أو ثمرًا لم يبدُ صلاحه أو جنينًا وبيع العوادي من الحيوان البيعُ على حكم البائع أو المشتري فاسدٌ (¬1)؛ لأنه لا يُدْرَى بماذا يحكم، إلا أن يقوم دليل أن القصد مكارمة من جعل له الحكم لقرابة أو لصداقة، وكان من له الحكم بالخيار، وقال محمد فيمن قال لرجل: بكم جاريتك؟ فقال: بخمسين، فقال: أحسن، قال: خذها فقد حكمتك، فأخذها وبعث ثلاثين فلم يرضَ وفاتت- قال: عليه قيمتها ما لم تجاوز الخمسين أو تنقص من الثلاثين (¬2). فأجاز ذلك لما قام عنده من الدليل أنه أراد مكارمته، وجعل القيمة ما لم تخرج عما رضيا به، ولو كان فاسدًا لم يراعَ ذلك، وكانت القيمة مطلقة قلَّت أو كثرت. وقال ابن القاسم -فيمن قال: بعني غلامك فقال سيده: هو لك بما شئت فأعطاه عطاءً سخطه -قال: إن أعطاه قيمته جاز وإن سخط سيده، وقال محمد: ذلك إذا فات، فإن لم يفت رد، وإنما يجوز هذا في هبة الثواب (¬3). والمفهوم من كلام ابن القاسم الجواز كهبة الثواب، أجيزت لما كان القصد المكارمة من القابض، ليثيب (¬4) أكثر وإلا رجع إلى القيمة، والقصد في هذه ¬

_ (¬1) انظر: المدونة 3/ 194، والنوادر والزيادات: 6/ 157. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 157. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 158. (¬4) في (ت): (ليثبت).

فصل [في بيع الآبق]

المكارمة من البائع أنه يسامحه فيأخذ منه أقل من (¬1) القيمة، أو يقف على حقه فيأخذ القيمة. فصل [في بيع الآبق] بيعُ الآبقِ فاسدٌ (¬2) إذا شرط أنه من المشتري، أو أنه من بائع حتى يقبضه المشتري، وعلى أن طلبه على مشتريه، أو على البائع بشرط النقد، أو بغير النقد على أنه للمشتري على أي صفة وجد عليها، أو على أنه على صفة كذا، ولا يدرَى متى يجده قريب أو بعيد. وإن كان المبيعُ بغير نقد، وعلى أن طلبه على البائع، فإن وجد على صفة كذا في وقت كذا، أو ما يقارب ذلك، جاز؛ لأنه لا غرر فيما عقد على هذه الصفة، وقد قال ابن القاسم فيمن قال: اعصر زيتونك فقد أخذت زيته كل رطل بدرهم، وكان يختلف خروجه لا خير فيه، إلا أن يشترط إن خرج جيدًا، أو أنه بالخيارِ ولا ينقد (¬3)، فإن عرف مكانه وقبض عليه وسجن، وعرفت حالته بعد وجوده، ولا خصومة فيه وقرب موضعه، جاز العقد والنقد، وإن بعد جاز العقد وحده، وإن لم يعلم صفته لم يجز عقد ولا غيره، ولا أن يقول إن وجد على ما كنت أعرف، أو على أنه إن كان الآن على صفة كذا فيجوز العقد، أو يكونا بالخيار فيجوز، وإن لم يذكر صفة. وإذا جعل المشتري في الآبق جعلًا ¬

_ (¬1) قوله: (أقل من) ساقط من (ت). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 462، النوادر والزيادات: 6/ 151، التفريع: 2/ 107، المعونة: 2/ 20، الإشراف: 2/ 563. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 198.

لمن طلبه حتى وجده، رجع به على البائع. قال محمد: فإن فات طرح من القيمة ذلك الجعل (¬1). وقيل: لا يرجع بشيء، وليس بحسن؛ لأن المشتري لا يضمنه ولا بعد القبض، وما كان قبل فهو للبائع وعليه، وهو بمنزلة من اشترى ثمرًا قبل أن يبدو صلاحه على البقاء، فسقى وعالج ثم فسخ البيع، فإنه يرجع بقيمة سقيه وعلاجه قولًا واحدًا؛ لأنها كانت حينئذٍ على ملك البائع وفي ضمانه، بخلاف من اشترى نخلًا فسقى وعالج ثم فسخ البيع لفساد فيه؛ لأنه كان ضامنًا وكانت الغلات له. ومن اشترى عبدًا على أنه إن أبق كان من بائعه، وقد كان أبق عند البائع أو لم يأبق، أو اشترى مريضًا على إن مات من مرضه كان من البائع كان بيعًا فاسدًا (¬2). واختلف في ضمانه إن أبق أو مات من ذلك المرض، فقال محمد: الضمان من المشتري، وقال سحنون في كتاب ابنه: إن اشترط إن أبق إلى سنة فالثمنُ ردٌّ، فأبق عند المشتري فيها قبل فسخ البيع كان من البائع (¬3)، والأول أحسن؛ لأن المشتري دخل على أنه ملكه، ويتصرف فيه في جميع الوجوه، يبيع ويهب ويعتق ويستخدم، ويطأ إن كانت أمة، و (¬4) على أنه إن حدث عيب أو فوت قيمة، وإنما شرط البائع وجهًا واحدًا (¬5) إن كان، فلا يسقط جميع ما دخل عليه ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 167. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 326. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 152. (¬4) في (ت): (أو). (¬5) قوله: (واحدًا) ساقط من (ت).

فصل [في بيع الجنين]

من وجوه الملك بذلك، وليس بمنزلة من باع واستثنى منفعة يوم بعد أيام؛ لأن هذا لم يمكن من الرقبة لما اشترط رجوعها، والأول قد مكن من الرقبة. والجواب في البعير الشارد على ما تقدم في الآبق (¬1). فصل [في بيع الجنين] ولا يجوز بيع الجنين (¬2)؛ لأنه لا يدرى أحيٌّ أم ميتٌ، حسن أم قبيح، ذكر أم أنثى، فإن خرج وقبضه ضمنه إن هلك، والأيام اليسيرة تفيته إن لم يهلك، بخلاف الكبير؛ لأن المولودَ سريعُ الانتقالِ، ثم يجمعان (¬3) بينهما في ملك، ولا مقال لأحدهما إن دعا إلى نقض البيع، إذا كانا عالمين أن الحكم الجمع (¬4)، وإن جهلا كان للمشتري الرد؛ لأنَّ الجمعَ عيب عليه، والعيب لا يفيته حوالة الأسواق، وقد مضى ذكر ذلك في كتاب التجارة بأرض الحرب (¬5)، وبيع الأمة واستثناء ما في بطنها مذكور في كتاب العتق الأول (¬6). فصل [في العوادي من الماشية والنحل وغيره] ومن كان له إبل أو بقر أو خيل، وشأنها أن تعدو على الزرع، أمر أصحابها ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 194، والنوادر والزيادات: 6/ 151، والتلقين: 2/ 150، 152، والمعونة: 2/ 20. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 194. (¬3) في (ف) و (ت): (يجمع). (¬4) في (ت): (للجميع). (¬5) راجع كتاب التجارة بأرض الحرب. (¬6) راجع كتاب العتق الأول.

بإمساكها أو تخرج إلى بلد لا زرع فيه (¬1)، فإن تعدت وأفسدت قبل ذلك ضمن أصحابها إن كان نهارًا، وإن لم يكن ذلك شأنها لم يضمنوا، إلا أن تترك ترعى بقرب الزرع فيضمن، وإن أفسدت ليلًا كانت العادية وغيرها سواء، يضمن إن تركها ترعى ليلًا، وإن صونها وحفظها فانطلقت وأفسدت لم يضمن (¬2). وقال مطرف في كتاب ابن حبيب في النحل يتخذها الرجل في القرية، وهي تضر بالشجرة إذا نورت، والبرج يتخذه الرجل للحمام، وهي تفسد الزرع، قال: يمنع من ذلك كله، قال: ولا يشبه النحل والحمام الماشية؛ لأن النحل والحمام طيارة لا يستطاع الاحتراس منها، كما قال مالك في الدابة الضارية بفساد الزرع التي لا يحترس منها (¬3). وقال أصبغ: النحل والدجاج والحمام كالماشية، لا يمنع صاحبها من اتخاذها وإن أضرت، وعلى أهل القرية حفظ زروعهم وشجرهم، وهكذا قال ابن القاسم (¬4). والأول أحسن، وليس لأحد أن يحدث ما يعلم أنه يضر بجاره، ولا يكلف جاره أن يتكلف صرف ذلك الأذى. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 515. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 196، والبيان والتحصيل: 9/ 120 و 211، والمعونة: 2/ 303. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 66. (¬4) قوله: (قال ابن القاسم) يقابله في (ق 4): (كان ابن القاسم يقول). وانظر: النوادر والزيادات: 11/ 66.

باب في البيع إلى أجل مؤقت بعادة

باب في البيع إلى أجل مؤقت بعادة البيع إلى الحصاد أو الجذاذ أو العصير جائز، ويجب القضاء عند معظم ذلك، وليس للبائع أن يطلب الثمن في أوله، ولا للمشتري أن يؤخره إلى آخره، فإن أصيب (¬1) الزرع أو الثمار كان القضاء في الوقت المعتاد لو سلم (¬2). وقال مالك في كتاب محمد فيمن باع حائطه، أو كرمه على أن يوفي (¬3) نصف الثمن إذا جدَّ النصف، وباقيه إذا جدَّ الباقي: لا أحب ذلك له، ويبيعه إلى فراغه، وقال: النصف غير معروف، وأجازه أشهب (¬4). والأول أحسن؛ لأن النصف والربع والثلاثة أرباع لا تتحصل حقيقة، وإنما هو على المقاربة، وذلك يؤدي إلى التنازع والاختلاف، فيقول المشتري: لم أَجُدَّ ذلك، ويقول الآخر: قد جددت، ويحتاجون إلى مشاهدة أهل المعرفة بذلك، وقد تدخل بينهم الأيمان فحسم (¬5) ذلك أولى، ولهذا فرق مالك بين هذا، وبين أن يكون دفع الكل إذا فرغ الجداد. وكذلك البيع إلى قدوم الحاج جائز، فإن لم يقدم كان القضاء في الوقت الذي العادة قدومه، كان كان القدوم مفترقًا دفعة بعد أخرى كان القضاء عند قدوم أولها، إلا أن يكون القدوم الأول النفر اليسير كالسابق فلا يراعى، ¬

_ (¬1) في (ت): (أصابت). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 196. (¬3) في (ت): (يؤدي). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 154. (¬5) قوله: (فحسم) يقابله بياض في (ف).

والبيع إلى النيروز والمهرجان والفصح (¬1) جائز (¬2)، إلا أن يكونا أو أحدهما لا يعلم حساب العجمي، ولا يعرف كم بين وقت البيع ودخول ذلك، وقد تقدم في كتاب الحوالة البيع إلى خروج العطاء (¬3)، وأجاز مالك البيع على التقاضي؛ لأنه كان لم يكن محصورًا، فلا يختلف اختلافًا يؤدي إلى غرر (¬4). ¬

_ (¬1) في (ت): (الفسح). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 196. (¬3) راجع كتاب الحوالة. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 154.

باب في بيع النجاسات واستعمالها وأكل ما استعملت فيه

باب في بيع النجاسات واستعمالها وأكل ما استعملت فيه والأصل في منع (¬1) بيع النجاسات حديث جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الخَمْرِ وَالمَيْته وَالخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ. فَقِيلَ: يَا رَسُولَ الله، أَرَأَيْتَ شُحُومَ المَيْتَةِ، فَإِنَّهُ تُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُسْتَصْبَحُ بِهَا؟ فَقَالَ: لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ، حُرّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ، فَبَاعُوهَا وَأَكلُوا أَثْمانَهَا". أخرجه البخاري ومسلم (¬2). وبيع النجاسات على وجهين: محرمٌ ومختلفٌ فيه، هل يجوز أو يكره أو يحرم؟ واستعمالها على وجهين: جائزٌ ومختلفٌ فيه، وكذلك أكل ما استعملت فيه جائزٌ ومختلف فيه، هل يجوز أو يمنع؟ فبيع كل نجاسةٍ لا تدعو الضرورة إلى استعمالها، ولا تعم بها البلوى حرام، كالخمر والميتة ولحومها وشحومها ولحم الخنزير، والأصل في ذلك الحديث المتقدم. واختلف فيما تدعو الضرورة إلى استعماله، كالرجيع وزبل الدواب يتخذ للبساتين على ثلاثة أقوال: فقال ابن القاسم: كره مالك بيع العَذِرة؛ لأنها نجس ولا أحفظ عنه في الزبل شيئا، إلا أنه كره العَذِرة لأنها نجسة؛ فكذلك ¬

_ (¬1) قوله: (منع) ساقط من (ف). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 779، في باب بيع الميتة والأصنام، من كتاب البيوع، برقم (2121)، ومسلم: 3/ 1207، في باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، من كتاب المساقاة، برقم (1581).

فصل [في استعمال النجاسات مما لا تدعو إليه ضرورة]

الزبل، وأنا لا أرى ببيعه بأسًا (¬1). فساوى ابن القاسم بينهما، وأجاز بيع الزبل وإن كان عنده نجسًا، لما كانت الضرورة تدعو إلى استعماله، فكذلك العذرة يجوز على أصله بيعها. وقال أشهب في الزبل: المشتري فيه أعذر من البائع، وأما العذرة فلا خير فيها (¬2). وقال في كتاب محمد في العذرة بيعها للاضطرار والعذر (¬3) جائز، والمشتري أعذرهما (¬4). وقال محمد بن عبد الحكم: ما عذر الله أحدًا منهما، وأمرهما في الإثم واحد. فأجيز في القول الأول؛ لأنه مما تدعو الضرورة إليه، لإصلاح البساتين، فلو أسقط العوض عنها لم يتكلف أحد صيانتها وسرحت، وأدى ذلك إلى المضرة لمن احتاج إليها، وفسدت أموالهم، وكرهه في القول الآخر؛ لأنه ليس من مكارم الأخلاق، أخذ الأعواض عن مثل هذا، ومنع في القول الثالث قياسًا على الأصل في سائر النجاسات وما ورد في الحديث. فصل [في استعمال النجاسات مما لا تدعو إليه ضرورة] واستعمال النجاسات (¬5) على وجهين، فما كان مما تدعو الضرورة إليه ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 199. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 199. (¬3) في (ت): (الغرم). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 183. (¬5) في (ت): (النجاسة).

كالصنف المتقدم ذكره جائز. واختلف فيما لا تدعو الضرورة إليه، فأجازه مالك وقال: لا بأس أن يستصبح بزيت الفأرة، وتعلف النحل العسل النجس (¬1). ويجوز على أصله أن تطلى السفن بشحم الميتة، ومنع عبد الملك أن ينتفع بشيء من ذلك على حالٍ. وذكر ابن المنذر عن عطاء بن أبي رباح والحسن البصري والشعبي والنخعي وقتادة ويحيى بن سعيد الأنصاري (¬2) وسعيد بن جبير والأوزاعي والليث والثوري والشافعي وأهل الكوفة وابن المبارك وإسحاق أنهم قالوا: الانتفاعُ بالميتةِ قبلَ الدباغِ حرامٌ وبعدَه حلالٌ (¬3). واختلفت الأحاديث في ذلك فذكر مالك في الموطأ عن ابن شهاب عن عبيد الله عن عتبة بن مسعود عن عبد الله (¬4) بن عباس أنه قال: مَرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِشَاةٍ مَيِّتةٍ كَانَ أَعْطَاهَا مَوْلاةً لمِيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬5) فَقَالَ: "هَلَّا (¬6) انْتَفَعْتُمْ بِجلْدِهَا؟ ". فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهَا مَيْتةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّما حُرِّمَ أكلُهَا" (¬7)، وتعلق من منع بالحديث نفسه، فقال ابن عباس: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 1/ 131. (¬2) قوله: (الأنصاري) ساقط من (ت). (¬3) انظر: الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف، لابن المنذر: 2/ 267، 268. (¬4) قوله: (ابن شهاب عن عبيد الله عن عتبة بن مسعود عن عبد الله) ساقط من (ق 4). (¬5) قوله: (زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -) ساقط من (ق 4). (¬6) في (ت): (أفلا). (¬7) سبق تخريجه في كتاب الأشربة، ص: 1623.

"أَلا أَخَذُوا إِهَابَهَا فَدَبَغُوهُ فَانْتَفَعُوا بِهِ" (¬1). أخرجه مسلم. فقيد الحديث، والمقيد يقضي على المطلق. وفي الموطأ عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "أَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُسْتَمْتَعَ بِجُلُودِ المَيْتةِ إِذَا دُبِغَتْ" (¬2). وروي عنه أنه قال: "لاَ يُنْتَفَعُ مِنَ المَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلاَ عَصَبٍ" (¬3)، يريد في الإهاب قبل الدباغ. واختلف في طهارتها بعد الدباغ وفي بيعها، فذكر ابن عبد الحكم عن مالك أنه أجاز بيعها، وعلى هذا تكون طهارته، وبه أخذ ابن وهب في البيع (¬4)، ويستعمل في المائعات وهو ظاهر قوله في المدونة (¬5)، وإنما استعمله (¬6) في خاصة ¬

_ (¬1) أخرجه مالك: 2/ 498، في باب ما جاء في جلود الميتة، من كتاب الصيد، برقم (1064)، وأبو داود: 2/ 464، في باب في أهب الميتة، من كتاب اللباس، برقم (4124)، والنسائي: 7/ 176، في باب الرخصة في الاستمتاع بجلود الميتة إذا دبغت، من كتاب الفرع والعتيرة، برقم (4252). (¬2) أخرجه مالك: 2/ 498، في باب ما جاء في جلود الميتة من كتاب الصيد، برقم (1064)، وأبو داود: 2/ 464، في باب في أهب الميتة من كتاب اللباس، برقم (4124)، والنسائي: 7/ 176، في باب الرخصة في الاستمتاع بجلود الميتة إذا دبغت من كتاب الفرع والعتيرة، برقم (4252). (¬3) حسن: أخرجه أحمد، مسند الكوفيين، برقم (18802)، وأبو داود: 2/ 465، في باب من روى أن لا ينتفع بإهاب الميتة، من كتاب اللباس، برقم (4127)، والترمذي: 4/ 222، في باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت، من كتاب اللباس، برقم (1729)، والنسائي: 7/ 175، في باب ما يدبغ به جلود الميتة من كتاب الفرع والعتيرة برقم (4249)، قال الترمذي: هذا حديث حسن. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 156. (¬5) انظر: المدونة: 1/ 131. (¬6) في (ق 4): (اشتمله).

فصل [في الانتفاع بعطام الميتة وأنياب الفيل]

نفسه. وذكر أبو محمد عبد الوهاب (¬1) عنه فيه روايتين هل هو طاهر أو نجس (¬2)؟ والأول أحسن؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا دُبِغَ الإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ" (¬3). ولحديث سودة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: "مَاتَتْ لَنَا شَاةٌ فَدَبَغْنَا مَسْكَهَا، ثُمَّ مَا زِلْنَا نَنْبِذُ فِيهِ حَتَّى صَارَ شَنًّا". أخرجه البخاري (¬4). وذِكْرُ طهارة ما أسقي به (¬5) من بهيمة أو زرع أو بقل مذكور في كتاب الوضوء. فصل (¬6) [في الانتفاع بعطام الميتة وأنياب الفيل] واختلف في الانتفاع بعظام الميتة وأنياب الفيل للامتشاط والادهان، فقال مالك: لا أرى أن تشترى عظام الميتة ولا أنياب الفيل، ولا يمتشط بها، ولا يدهن بمداهنها، وكيف يمتشط بالميتة وهي مبلولة (¬7)؟ وأجاز الليث وابن الماجشون ومطرف وأصبغ الامتشاط بها والادهان فيها. وقال ابن وهب: إذا غليت عظام الميتة جاز بيعها (¬8). قال الشيخ - رضي الله عنه -: هي قبل أن تغلى نجسة، ويختلف هل تستعمل فيما ¬

_ (¬1) انظر: المعونة: 1/ 464. (¬2) انظر: عيون المجالس: 1/ 178 و 179. (¬3) أخرجه مسلم: 1/ 277، في باب طهارة جلود الميتة بالدباغ، من كتاب الحيض، برقم (366)، ومالك: 2/ 498، في باب ما جاء في جلود الميتة، من كتاب الصيد، برقم (1063). (¬4) سبق تخريج الحديث في كتاب الطهارة، ص: 118. (¬5) في (ف) و (ق 4): (فيه). (¬6) قوله: (فصل) ساقط من (ق 4). (¬7) انظر: المدونة: 3/ 199. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 376.

تستعمل فيه النجاسات؟ فعلى قول مالك يجوز، ويمنع على قول عبد الملك، وكره مالك في المدونة أن يوقد بها تحت طعام، أو يسخن بها الماء للوضوء أو لعجين (¬1). وأجاز ابن القاسم أن يحرق بها الطوب (¬2)، فإن أوقدت تحت طعام أو ماء، فانعكس من دخانها شيء في الطعام أو الماء، فسد، وصار نجسًا. ويختلف فيما صعد منها من الدخان والوهج بعد أن صارت جمرًا أو رمادًا، أو في طهارة ذلك الجمر والرماد؛ لأن تلك الدهنية استهلكت وذلك كالدباغ، والقول أنه طاهر أحسن، ويجوز البيع حينئذٍ، ولا أرى التغلية تبلغ من العظام مبلغ الدباغ من الجلد. وأما أنياب الفيل فهي تجري على الخلاف في قرون الميتة (¬3)؛ لأنها ليست بأنياب ولا في الفم، وإنما هي قرون منعكسة إلى أسفل. وقد اختلف في القرن والظلف من الميتة فكرهه مالك في المدونة وقال: أراه ميتة، قال: وكذلك إن أخذ منها وهي حية (¬4). وقال ابن المواز: ما قطع من طرف القرن والظلف، مما لا يناله دم ولا لحم، وما لو كان حيًّا لم يألم، فهو حلال، أخذ منها حية أو ميتة (¬5)، وعلى هذا يجري الجواب فيما قص من الظفر إذا قطع من موضع لا يألم. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 199، والنوادر والزيادات: 4/ 376. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 199. (¬3) انظر: المدونة: 1/ 183. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 183. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 375.

فصل [في الانتفاع بشعر الخنزير]

فصل [في الانتفاع بشعر الخنزير] واختلف في الانتفاع بشعر الخنزير، فقال ابن القاسم في العتبية: لا بأس ببيعه، قال: وهو كصوف الميتة. وقال أصبغ: ليس مثل صوف الميتة، وهو مثل الميتة نفسها (¬1). قال: وكل شيء منه حرام حيًّا أو مَيِّتًا (¬2). والأول أحسن؛ لقول الله عز وجل: {وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ} [النحل: 115] إنما حرم اللحم، ولم يحرم الشعر (¬3). ويختلف في الانتفاع بشحومها للاستصباح وما أشبهه، وقال ابن سحنون، لا يحل بيع الشحم ولا ملكه. وقال سحنون: والناس مجمعون على تحريم بيعه (¬4). فصل (¬5) واختلف في أكل الطين، فقال محمد: أكره أكله، فأما بيعه فقد يشترى لغير وجه، وقال: سمعت ابن الماجشون يقول: أكله حرام (¬6)؛ لأن الله لم يحله ولم يجعله طعامًا. ورأى أن الأشياء على الحظر وقد اختلف في هذا الأصل. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 46، والنوادر والزيادات: 6/ 184. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 46، والنوادر والزيادات: 6/ 185. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 47. (¬4) انظر: النوادر والزيادت: 6/ 186. (¬5) قوله: (فصل) ساقط من (ق 4). (¬6) انظر: النوادر والزيادت: 6/ 185.

باب في بيع الصبرة جزافا وعلى الكيل، وهل يجمع الرجلان سلعتيهما في البيع ومن باع على حميل بعينه، أو رهن غائب، أو تزوج أو خالع أو صالح عن دم على مثل ذلكـ

باب في بيع الصبرة جزافًا وعلى الكيل، وهل يجمع الرجلان سلعتيهما في البيع ومن باع على حميل بعينه، أو رهن غائب، أو تزوج أو خالع أو صالح عن دم على مثل ذلكـ الأصل في بيع المكيلِ جزافًا حديث ابن عمر، قال: "كَانَ النَّاسُ يَتبَايَعُونَ الطَّعَامَ جُزَافًا" الحديث، وقال: "وكان الصحابةُ يتبايعون الثمارَ جزافًا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -" (¬1). أخرجه البخاري ومسلم (¬2). وبيع الجزاف يصح ممن اعتاد ذلك؛ لأن الحزر لا يخطئ ممن اعتاد ذلك إلا يسيرًا، وإذا كان قوم لم يعتادوا ذلك واعتاده أحدهما، لم يجز؛ لأن الغررَ يعظمُ، ويدخل في النهي عن بيع الغررِ، وقد كان الصحابة - رضي الله عنهم - اعتادوا ذلك، وقد كانوا يبعثون (¬3) عليهم الخُرَّاص إلى الزكاة، ولو أراد رجل أن يبتاع (¬4) ثمرة قد رآها قبل أن يحزرها أو يكيفها؛ لم يجز، وإذا كان أحد المتبايعين يعرف كيل الصبرة، والآخر يجهل ذلك (¬5) كان لمن جهل الكيل أن يقوم على من عرف، فإن عرف البائع كان ¬

_ (¬1) متفق عليه، البخاري: 2/ 751، في باب من رأى إذا اشترى طعامًا جزافا أن لا يبيعه حتى يؤويه إلى رحله والأدب في ذلك، من كتاب البيوع، برقم (2030)، ومسلم: 2/ 1160، في باب بطلان بيع المبيع قبل القبض، من كتاب البيوع، رقم (1527) بلفظ: أنهم كانوا يضربون على عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذا اشتروا طعاما جزافا أن يبيعوه في مكانه حتى يحولوه. (¬2) قوله: (ومسلم) ساقط من (ق 4). (¬3) في (ت): (يبعث). (¬4) في (ت): (يشتري). (¬5) قوله: (ذلك) ساقط من (ق 4).

فصل [فيما يباع جزافا]

المقال للمشتري، وإن عرف المشتري وحده كان المقال للبائع كالعيوب. وقد اختلف فيمن ابتاع جوهرة بثمن مائة دينار بدرهم، وهو عالم أنها جوهرة والبائع يجهل، هل يمضي البيع أو يكون للبائع مقال؟ وإذا لم يُجعل للبائع في هذه المسألة مقال لم يكن لمن جهل الكيل على من عرفه مقال، بل هو في الصبرة أخف؛ لأنه اشترى على الحزر وعلى ما يرى أنه فيها، والآخر لم يبع على أنه يظن أنها جوهرة، واستحسن أن يكون لبائع الجوهرة مقال بخلاف الصبرة، فإن قال البائع: أنا أعرف كيلها ولا أعلمك، فاشتر مني على الجزاف (¬1)، كان البيع فاسدًا، أو قال الآخر: أبيعك ولا أعلمك ما هي أجوهرة أو خرزة، فالبيع فاسد، وكذلك إن شكَّا هل هي جوهرة أو خرزة؟ وقالا: نتبايعها على ذلك ولا نسأل أهل المعرفة، فالبيع فاسد، ومن هذا الأصل أن يتبايع الرجلان السلعة وأحدهما يعرف سوقها دون الآخر، فقد اختلف هل يكون لمن جهل السوق على من علمه مقال؟ قال مالك: ولا يباع القمح في الأندر قبل أن يدرس (¬2). قال الشيخ: ولو رآه المشتري، وهو قائم قبل أن يحصد؛ جاز؛ لأنه قد علم حزره وهو قائم، ولا يعلمه بعد حصاده. فصل [فيما يباع جزافًا] البيع جُزافًا يكون فيما يكال أو يوزن، ولا يجوز فيما يُعدُّ كالثياب والرقيق (¬3). قال مالك: ويباع صغيرُ الحيتانِ والعصافيرِ جُزافًا، ولا تباع إذا ¬

_ (¬1) في (ت): (على الحزر). (¬2) انظر: النوادر والزيادت: 6/ 75، والبيان والتحصيل 7/ 110. (¬3) في النوادر ثلاثة مواضع جعل مكان الرقيق الدقيق، الموضع الأول: 6/ 74، (ولا يباع ما أكثر من الدقيق والثياب جزافًا)، الموضع الثاني: 6/ 45، (ولا يجوز بيع ما يعد عددًا جزافًا، =

كانت كبارًا جزافًا، ولا أحمالًا ولا صُبَرًا حتى تُعَدَّ (¬1). قال ابن القاسم: ذلك في العصافير إذا كانت مذبوحة، فأما الحي فلا؛ لأنه يموج ويدخل بعضه تحت بعض (¬2). قال مالك -في كتاب محمد-: ولا يجوز أن يباع جزافًا ما يعلم أحد المتبايعين عدده من جميع الأشياء لا قثاء ولا غيره، وهو كالعيب يرد به إن شاء (¬3). يريد: فيما كان يجوز أن يباعَ جزافًا وعددًا كالرمان والأترج. وأجازه محمد وابن حبيب في البيض والجوز (¬4)، قال محمد: ويجوز أن يشتري الطعام في غرائره (¬5) والزيت في أزقاقه جزافًا (¬6). ولا يجوز أن يقول: أشتري منها ما في هذه الغرارة، وأن تملأها ثانية، وكذلك قارورة الدهن يجوز أن يشتريها جزافًا وهي ملأى، ولا يجوز أن يقول وهي فارغة أشتري منك ملأها (¬7). ¬

_ = من الدقيق، والثياب والحيوان)، الموضع الثالث: 6/ 83، (قال مالك: ولا يباع الدقيق والثياب جزافًا، ولا يباع دقيق وثياب في صفقة، لا على جزاف ولا عدد، حتى يعلم عدد كل صنف، وإن سمى لكل رأس أو ثوب ثمنًا) وفي الموضع الأخير ذكر بعد (وإن سمى لكل رأس أو ثوب ثمنًا) مما يوضح أنه يعني الرقيق بالراء لا الدقيق بالدال. (¬1) انظر: البيان والتحصيل 7/ 110، والنوادر والزيادات: 6/ 74، 75. (¬2) انظر: النوادر والزيادت: 6/ 76. (¬3) انظر: النوادر والزيادت: 6/ 75. (¬4) انظر: النوادر والزيادت: 6/ 75. (¬5) في (ق 4): (في غراره). (¬6) انظر: النوادر والزيادت: 6/ 75. (¬7) انظر: النوادر والزيادت: 6/ 75.

فصل [في بيع الصبرة على الكيل كل قفيز]

فصل [في بيع الصبرة على الكيل كل قفيز] بيع الصبرة على الكيل كل قفيز بكذا جائز، وكذلك إن قال: أبيعها من هذه الصبرة مائة قفيز، أو قال: أبيعكها على أن فيها مائة قفيز، فذلك جائز وهو على الكيل، فإن كان فضل كان للبائع، وإن كان نقصان أعطاه المشتري بحسابه، إلا أن يكون النقص كثيرًا، فيكون له أن يرد على قول ابن القاسم (¬1)، وليس ذلك عند أشهب (¬2)؛ لأن الطعام عنده كالعروض. وقال ابن القاسم -في كتاب محمد-: فيمن اشترى طعامًا وسمى كيله، أو كان حاضرَ المكيلةِ فهو على الكيلِ حتى يشترطَ أن يأخذه بكيله مثل (¬3) أن يقول: كم في طعامك؟ فيقول: مائة إردب فيقول: قد أخذته بخمسين دينارًا، فهو على الكيل؛ لأنه لم يشترط على التصديق (¬4). فصل [في بيع الصبرتين جزافًا] ولا بأس أن يبيع صبرتين جزافًا، وسواء كانا في الجودة سواء أو اختلفا أو كانا جنسين وقال مالك في العتبية (¬5) في صبرة قمح وعشرة أرادب عدس: لا خير فيه؛ لأن الخطار (¬6) يدخله إلا أن يكون جزافًا كله أو مكيلًا ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 140. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 80. (¬3) في (ت): (ومثله). (¬4) انظر: النوادر والزيادت: 6/ 79. (¬5) انظر: العتبية ضمن البيان والتحصيل: 7/ 376. (¬6) في (ت): (الحظر).

كله (¬1). فأجاز أن يجمع في العقد الواحد صبرتين جزافًا، وإن كانا من جنسين. وأجازه ابن القاسم في كتاب محمد (¬2) أن تباع صبرتان جزافًا، إحداهما، قمح، والأخرى من غير القمح، شعيرًا، أو عدسًا، أو سلتًا، أو غير ذلك (¬3). والثمن متفق أو مختلف. ويجوز أن يباع تمر الحائطين جزافًا اتفق ثمرهما أو اختلف بثمن واحد. واختلف هل يجمع في عقد واحد جزاف ومكيل، أو جزاف وعدد (¬4) أو ثوب؟ فمنعه مالك (¬5) وقد تقدم ذكر ذلك في القمح والعدس. وقال ابن القاسم (¬6): لا يجوز بيع كيل وجزاف، اتفق الطعامان أو الصنفان أو اختلفا، وإن اختلفا فهو أشده (¬7)، ولا يباع جزاف وكيل وإن قلّ الكيل، ولا جزاف على الكيل وعروض ما كانت العروض، فإذا قلت لك: جزافًا وكيلًا، فهو يجمع لك لا يباع مع الجزاف شيء، إذا كان يأخذ جميع ما في الصبرة على الكيل مع العروض؛ لأنه لا يدرى ما مبلغها، قال أصبغ: أقوله على خوف الذريعة للمزابنة والخطار استحسانًا واتباعًا، وليس بالبين، وقد أجازه أشهب (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات 6/ 82، والبيان والتحصيل: 7/ 376. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 82. (¬3) قوله: (من غير القمح. . . أو غير ذلك) ساقط من (ت). (¬4) في (ت): (وعبد). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 82. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 82. (¬7) في (ت): (سواء). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 82.

فصل [في الرجلين يجمعان سلعتيهما في البيع]

فصل [في الرجلين يجمعان سلعتيهما في البيع] واختلف في الرجلين يجمعان سلعتيهما في البيع، فمنعه ابن القاسم وقال: لا يعجبني؛ لأنَّ كل واحد لا يدري بما باع سلعته، ولا يدري المبتاع بما يتبع البائع إن استحقت إحداهما (¬1)، وأجاز ذلك مرة وأجازه أشهب (¬2). وقوله في الجهل عند الاستحقاق ضعيف؛ لأنه من الطوارئ، ويلزم مثل ذلك إذا كانت لمالك واحد؛ لأنه لا يدري ما ينوب المستحقة، وقوله: لا يدري كل واحد بما باع حسن، واستخفه إذا نزل؛ لأن الغالب من المتاجرين أنها لجان القيم، وإن كان اختلاف فيسير لا يؤدي إلى غرر، كان كان المبيع مما لا يتقارب معرفة البائعين لقيمته، كالدارين والدار والعبد أو العبد والثوب، كان فاسدًا؛ لأنه غرر حقيقة، إلا أن يقوما ذلك قبل البيع، ويعرف كل واحد منهما مبلغ قيمة ملكه من ملك صاحبه. فصل [فيمن باع سلعة على أن يتحمل بثمنها فلان] ومن باع سلعة على أن يتحمل بثمنها فلان؛ جاز، فإن رضي فلان وإلا رد البيع، إلا أن يرضى البائع أن يمضيها بغير حميل، فإن كان فلان غائبًا قريب الغيبة، وقفت السلعة حتى ينظر هل يرضى الغائب بالحمالة، فإن رضي؛ جاز، كان كان بعيد الغيبة (¬3)، لم يجز البيع وإن وقفت السلعة (¬4)، بخلاف بيع سلعة ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 200. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 201. (¬3) في (ت): (القيمة). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 202.

فصل [في الحمالة إن لم يرضها الحميل]

حاضرة بسلعة غائبة؛ لأن (¬1) السلعة ملك لبائعها؛ وإنما يترقب التلف وليس بغالب، ومحمل الحميل على أنه غير راضٍ حتى يرضى، والبيع على هذا غرر؛ لأن المشتري يزيد في الثمن لمكان ذلك ما لا يزيد لو كان مكان الحميل سلعة، وكذلك إن باع على رهن بعينه لغير المشتري، وإن كان ملكًا للمشتري؛ جاز البيع بشرط النقد، إذا كان الرهنُ قريبَ القيمةِ، وعلى وقف الحاضر إذا كان بعيدَ الغيبةِ بمنزلة بيع سلعة بسلعة (¬2). وقال أشهب في كتاب محمد: إنما يجوز في الرهن إذا كان قريب الغيبة اليوم واليومين (¬3). والأول أحسن إلا أن يكون البيع على أن تنقد السلعة. قال ابن القاسم: ولا يجوز نكاح على حميل بعينه غائب؛ لأن النكاح لا يجوز على إن لم يرض الحميل فلا نكاح بينهما (¬4). وإن قال: إن (¬5) لم يرض فلان أتيت بغيره حميلًا، أو برهن أو ترضى هي بالنكاح بغير حميل؛ جاز. ويجوز الخلع على حميل بعينه، كان لم يرضَ بقيت على الزوجية، وينبغي أن يقف الزوج عنها حتى ينظر هل يرضى فلان بالحمالة؟. فصل (¬6) [في الحمالة إن لم يرضها الحميل] وجاز الصلح عن دم العمد على حمالة فلان بالمال، فإن لم يرض ¬

_ (¬1) في (ت): (وإنما). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 210. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 214. (¬4) انظر: المدونة: 3/ 201. (¬5) قوله: (إن) ساقط من (ت). (¬6) قوله: (فصل) ساقط من (ق 4) و (ف).

وإلا قتل (¬1). واختلف إذا باع على حميل بعينه فلم يرض الحميل، ورضي المشتري أن يأتي بحميل مثل الأول، هل يلزم البائع أن يقبله؟ وأن يلزمه أحسن (¬2) إذا كان مثله في الثقة والوفاء وقلة اللدد؛ لأنَّ المراد من الحميل الثقة، وليس هو بمنزلة من اشترى سلعة بعينها فلا يلزمه قبول غيرها. ومن باع على رهن بعينه فهلك عند المرتهن بعد قبضه، لم يكن له مقال في غيره، ولا في سلعته، وكذلك إن هلك قبل قبضه وبعد أن أمكنه منه (¬3). واختلف إذا هلك قبل أن يمكنه منه قياسًا على البيع، على القول إن مصيبة المبيع من البائع، يكون للبائع إذا هلك الرهن ألا يسلم سلعته، إلا أن يشاء أو يتراضيا على رهن آخر. وعلى القول إن مصيبة المبيع من المشتري يسقط مقال البائع في الرهن ويكون بمنزلة لو قبضه. واختلف بعد القول إن للبائع مقالًا في سلعته، إذا رضي الراهن بخلفه، فقال ابن القاسم: ليس ذلك له (¬4). وقال عبد الملك: ذلك له (¬5). وهو أصوب، لأن مقاله في التوثقة، وليس الرهن مشترىً، فإذا أعطى مثل الأول في التوثق والجنس لزمه، فإذا كان الأول سلعة، لم يلزمه أن يقبل عبدًا؛ لأنه يتكلف حفظه ويخشى تلفه، وإن كان الأول ما لا يغاب عليه، لم يلزمه أن يقبل السلعة؛ لأنه يكون ضامنًا لها، ولم يكن ضامنًا للأول، كان قبض المرتهن الرهن، ثم أراد ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 201. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 201، وانظر النوادر والزيادات: 10/ 213، 214. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 202. (¬4) انظر: المدونة: 3/ 202. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 211.

فصل [فيمن باع سلعة على إن لم يأت المشتري بالثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما]

الراهن أن يبدله، لم يكن ذلك له قولًا واحدًا؛ لأنَّ الراهن يأخذ الأول لحاجته إليه، ويرهن ما هو عنه في غنى، وما لا يبالي ألا يفديه عند الأجل، وإذا بقي الأول كان أسرع لقضاء الحق ففارق بهذا هلاك (¬1) الأول. فصل [فيمن باع سلعة على إن لم يأت المشتري بالثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما] وقال مالك- فيمن باع سلعة، على إن لم يأتِ المشتري بالثمن إلى ثلاثة أيام، فلا بيع بينهما-: فلا يعجبني؛ لأنه غرر زاده في الثمن لموضع الشرط، وإن نزل ذلك كان ضمان المبيع من البائع حتى يقبضه المشتري (¬2). وقال -في كتاب محمد-: إذا باع على إن لم يأت بالثمن إلى شهر فلا بيع بينهما، قال: أما الدور والرباع فلا بأس به، وأما الحيوان فأكرهه؛ لأنه يحول، وإن شرطه في العروض فشرطه باطل والبيع نافذ (¬3). وقال ابن القاسم: العروض وغيرها سواء، أثبت البيع وإن جاز الأجل، وهو جائز ولا ينفعه شرطه، قال: وقد كرهه مالك في الدور وغيرها (¬4). قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما إن دخلا على أن المبيع على ملك البائع، فإن أتى بالثمن إلى ذلك الأجل أخذها، كان كبيع الخيار ويجوز من الأجل فيه ما يجوز في بيع الخيار، ويفترق أمد السلعة من أمد الدار ومصيبته قبل القبض وبعده ¬

_ (¬1) قوله: (هلاك) ساقط من (ت). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 204. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 405. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 405.

فصل [فيمن باع في مرضه من بعض ولده عبدا أو دارا]

من البائع، وإن دخلا على أنه مشترى فإن لم يأت بالثمن أخذ المبيع عن الثمن كان شرطًا فاسدًا. واختلف في الشرط الفاسد فقيل: البيع فاسد، وقيل: جائز والشرط باطل. وقيل: إن أسقطه جاز، وإن تمسك به فسخ وهو أحسنها. واختلف بعد القول: إن الشرطَ باطلٌ، هل يبقى البيع إلى أجله أو يوقف الآن؟ فإن أمضى البيع ودفع الثمن وإلا فسخ. وأرى أن يبقى البيع إلى أجله (¬1) لأن الفساد ليس في الأجل، وإنما الفساد في قوله: إن لم يات بالثمن أخذ السلعة. فصل [فيمن باع في مرضه من بعض ولده عبدًا أو دارًا] ومن باع في مرضه من بعض ولده عبدًا أو دارًا؛ جاز، ما لم يحابه في الثمن، أو في العين (¬2)، فيبيعه خيار دوره، أو عبيده، كان أوصى أن يُشتَرى عبد ولده، أو يباع عبده من ولده، ولم يسم ثمنًا، وليس الوصى به عين عبيده؛ جاز، ولا يزاد في القيمة إن قال: اشتروا منه، ولا يحط منها إن قال: بيعوه إلا أن يوصي بعتقه فيفترق الجواب، فإن قال: اشتروا عبدَ فلان للعتق؛ جاز، قال مالك: ولا يزاد بخلاف الأجنبي (¬3). وقيل: يزاد، وهي وصية العبد، إن لم يرض الولد لم ينله العتق، فكانت المضرة على العبد. ¬

_ (¬1) قوله: (أو يوقف الآن. . . أن يبقى البيع إلى أجله) ساقط من (ق 4). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 205. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 205.

وإن قال: بيعوه فلانًا للعتق، حط عنه ثلث الثمن (¬1)، أو أكثر من ذلك على القول الآخر، إن لم يرض الولد بشرائه بالقيمة؛ لأن الولد ها هنا لا ينتفع بالعبد ولا يبقى في يده، وإنما هي معونة على عتق العبد. وقد قال مالك -مرة-: يباع بما أعطي فيه وإن كان أقل من الثلثين، وقد مضى ذكر ذلك في الأول من كتاب (¬2) الوصايا (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 325. (¬2) قوله: (كتاب) ساقط من (ق 4). (¬3) انظر: كتاب الوصايا، ص: 3546.

باب فيمن باع أمة ولها ولد حر يرضع

باب فيمن باع أمة ولها ولد حر يرضع وقال مالك- فيمن باع أمة ولها ولد حر يرضع، واشترط رضاعه على المشتري: ذلك جائز إذا كان إن مات الصبي أخلف له آخر (¬1). قال سحنون: يجوز ذلك إذا كان عليه دين فباعها السلطان، أو احتاج ولم يجد شيئًا، وأكرهه إن لم تكن حاجة؛ لأن المبتاع لعله يظعن بالجارية، فيكلف للصبي مؤنة، ولا يُدْرَى ما يلحقه وذلك غررٌ (¬2). قال الشيخ - رضي الله عنه -: اشتراط رضاع الولد الحر على أربعة أوجه: إما أن يكون مضمونًا ليس في عين الولد ولا في عين الأم، أو شرطا في عين الولد والأم، أو مضمونًا من ناحية الأم وحدها، أو من ناحية الولد، فإن كان مضمونًا فيها، جاز، فإن ماتَ الولدُ كان للبائعِ أنْ يخلفه، وإن لم يخلفه، لم يرجع بشيء، كان ماتت الأم أو انقطع لبنها كان على المشتري أن يأتي بغيرها، وإن اشترطا أن ذلك معين فيهما جميعًا جاز، ومن مات منهما وجبت المحاسبة، والرجوع بما ينوب الرضاع. وإن شرطا أن ذلك مضمونٌ من ناحية الأم (¬3)، معينٌ من ناحية الولد، فماتت الأم أخلف المشتري غيرها، وإن مات الولد وجبت المحاسبةُ، وعكسه أن يكون معينًا من ناحية الأم مضمونًا من ناحية الولد، فإن ماتت الأم وجبت ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 205. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 165. (¬3) في (ت): (الولد).

المحاسبة وإن ماتَ الولدُ أخلف في مكانه غيره. وإن شرطا الرضاع في عين (¬1) الأم، على إن ماتت أخلف المشتري غيرها من يرضع مكانها، لم يجز على قول مالك؛ لأن المعن المستأجر لا يخلف، ويجوز إن اشترطا تعيين الولد وخلفه؛ لأنه مستأجر له. ولم يختلف المذهب على أنه يجوز أن يستأجر على رضاع الولد بالنقد، وإن كان على أن لا يخلف إن مات، وإذا كان ذلك فلا فرق بين أن يكون الثمنُ عينًا أو ثوبًا، أو بعضَ الأَمةِ المبيعةِ. وإذا جازت الإجارة على ذلك بالنقد، جاز أن تضم الإجارةُ إلى بيعٍ، وإن شرطا أن ذلك في عينِ الأم وعلى أن يخلف، كان أثقل؛ لأنه لا يجوز أن يباع ويستثنى رضاعها ذلك القدر لغير ولدها. ولا أرى أن يفسخ إذا اشترط رضاعها لولدها؛ لأنا نعلم أنه لو إشترط أن يكون مضمونًا لم ترضعه إلا هي، وأن المشتري لا يتكلف إجارة غيرها لرضاعه، فكأن الشرط وغيره سواء، ولأنا نعلم أنه لو باع رجل أمة لا لبن لها، وشرط على المشتري أن يكون عليه رضاع غلام عنده يتكلف ذلك المشتري لم يشترها بشيء. ولو باع رجل أمة لها لبن على أن ترضع ابنًا للبائع، لم يجز، بخلاف رضاعها (¬2) ولدها؛ لأنه إذا اشترط أن ترضع ولد البائع لم يقدر المشتري على السفر ولا البينونة بها، وإن كان ولدها لم يمنع منها؛ لأنه يسافر بها وبولدها إذا كان عتيقًا، ولو أراد المشتري أن يفرق بينهما لم يكن ذلك له. ¬

_ (¬1) في (ت): (غير). (¬2) في (ت): (رضاع).

فصل [فيمن باع شاة على أنها حامل]

فصل [فيمن باع شاة على أنها حامل] ومن المدونة قال مالك -فيمن باع شاة على أنها حامل-: لا خير فيه، وكأنه أخذ لجنينها ثمنًا (¬1). قال محمد: وقد قيل: إن كانت ظاهرة الحمل فلا بأس به، قال: (¬2) وقال أشهب: لا بأس إن يشترط أنها حاملٌ، كان لم يتبين الحمل، ويقول: ضربها الفعل، فأنا أبيع على أن ذلك في بطنها يقول: لأن ذلك الغالب في الغنم، وإن لم يظهر حمل لم يرجع بشيء (¬3)؛ لأنه أبان الوجه الذي منه علم ولم يغر. وأرى أن يحلف أنه قد ضربها الفحل ويبرأ. وأما إن كانت بينة الحمل فالبيع جائز والشرط وغيره سواء؛ لأن المشتري يزيد في الثمن لمكان ما ظهر من الحمل، وإن لم يشترط ولا يفسد الشرط؛ لأنه لم يشتر الجنين بانفراده، وهو بمنزلة من اشترى نخلًا واشترط ثمرتها، فيجوز ذلك مع الأصول، ولا يجوز ذلك بانفرادها فإن تبين أن الجنين كان في حين البيع ميتًا بأمر لا شك فيه، حط من الثمن بقدر ما يزيد الحمل على قيمتها غير حامل. وقال محمد -في الجارية تباع على أنها حامل وهي ظاهرة الحمل-: لا بأس بذلك (¬4) قال: والشرط وغيره سواء. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 205. (¬2) قوله: (قال:) ساقط من (ت). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 399، 400. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 399.

قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما إن كانت من العلي أو من الوخش، والمشتري من الحاضرة فالشرط في ذلك براءة، وإن كان الشتري من أهل البادية لم تكن براءة؛ لأن كثيرًا منهم يرغب في نسل الإماء وكثرة العبيد منهن، فيصير الجوابُ على ما تقدم في الغنم.

باب في البياعات المنهي عنها بالسنة

باب في البياعات المنهي عنها بالسنة وهي على ثلاثة أوجه: أحدها: شرع لحق الله سبحانه. والثاني: لما يتعلق به من حق آدمي. والثالث: حض وتنبيه على مكارم الأخلاق وما يرفع الشحناء. فالأول: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْع الغَرَرِ (¬1)، وَعَنِ المُلاَمَسَةِ وَالُمَنابَذَةِ (¬2)، وَبَيْعِ حَبَلِ الحَبَلَةِ (¬3) وَالمَلاَقِيحِ وَالمَضَامِينِ (¬4)، وَبَيع الحَصَاةِ (¬5) وَبَيع الثُّنْيَا (¬6) وَبَيع العُرْبَانِ (¬7)، وَعَنْ شَرْطينِ فِي بَيع، وَعَنْ بَيع مَا لَيْسَ عِنْدَكَ (¬8)، وَعَنْ بَيع الثِّمارِ ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم: 3/ 1153، في باب بطلان بيع الحصاة والبيع الذي فيه غرر، من كتاب البيوع، برقم (1513). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 754، في باب بيع المنابذة، من كتاب البيوع، برقم (2039)، ومسلم: 3/ 1151، في باب إبطال بيع الملامسة والمنابذة، كتاب البيوع، برقم (1511)، ومالك: 2/ 666، في باب الملامسة والمنابذة، من كتاب البيوع، برقم (1346). (¬3) متفق عليه أخرجه البخاري: 2/ 753، في باب بيع الغرر وحبل الحبلة، من كتاب البيوع، برقم (2036)، ومسلم: 3/ 1153، في باب تحريم بيع حبل الحبلة، من كتاب البيوع، برقم (1514). (¬4) أخرجه مالك: 2/ 654 في ما لا يجوز من بيع الحيوان من كتاب البيوع برقم (1334). (¬5) أخرجه مسلم: 3/ 1153، في باب بطلان بيع الحصاة والبيع الذي فيه غرر، من كتاب البيوع، برقم (1513). (¬6) أخرجه مسلم: 3/ 1172، في باب النهي عن المحاقلة والمزابنة وعن المخابرة وبيع الثمرة قبل بدو صلاحها، من كتاب البيوع، برقم (1536). (¬7) أخرجه مالك: 2/ 609، في باب ما جاء في بيع العربان، من كتاب البيوع، برقم (1271)، وأحمد في مسنده، برقم (6723)، وأبو داود: 2/ 305، في باب في العربان، من كتاب الإجارة، برقم (3502). (¬8) حسن صحيح: أخرجه أبو داود: 2/ 305، في باب في الرجل يبيع ما ليس عنده، من كتاب =

قَبْلَ بُدُوِّ صَلاَحِهَا (¬1)، وَعَنْ بَيْعِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ (¬2)، وَعَنْ بَيْعِ المُزَابَنة وَ (¬3) المُحَاقَلَةِ، وَالمُخَابَرَةِ وَالمُعَاوَمَةِ (¬4). وجميع هذه البياعات المنهي عنها لحق الله تعالى، لما تضمنت من الغرر، وداخلة في قول الله سبحانه {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188]، وَعَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ (¬5)، والكَرْمِ بِالزَّبِيبِ، والنهي عن هذين البيعين لما تضمناه من الغرر والمزابنة والربا، وداخل في قوله سبحانه: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]، وكذلك البيع والسلف هو من الربا، وَعَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُضْمَنْ (¬6)، وَبَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى (¬7)، وَعَنْ بَيع الخَمْرِ وَالمَيْتَةِ ¬

_ = الإجارة، برقم (3504)، والترمذي: 3/ 535، في باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك، من كتاب البيوع، برقم (1234)، والنسائي: 7/ 288، في باب بيع ما ليس عند البائع، من كتاب البيوع، برقم (4611)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (¬1) أخرجه البخاري: 2/ 766، في باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، من كتاب البيوع، برقم (2082)، ومسلم: 3/ 1165، في باب النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها بغير شرط القطع، من كتاب البيوع، برقم (1534). (¬2) أخرجه مسلم: 3/ 1165، في باب النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها بغير شرط القطع، من كتاب البيوع، برقم (1535). (¬3) قوله: (المُزَابَنَةِ، وَ) ساقط من (ت). (¬4) أخرجه مسلم: 3/ 1172، في باب النهي عن المحاقلة والمزابنة وعن المخابرة وبيع الثمرة قبل بدو صلاحها، من كتاب البيوع، برقم (1536). (¬5) أخرجه البخاري: 2/ 763، في باب بيع المزابنة وهي بيع الثمر بالتمر وبيع الزبيب بالكرم وبيع العرايا، من كتاب البيوع، برقم (2072)، ومسلم: 3/ 1167، في باب النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها بغير شرط القطع، من كتاب البيوع، برقم (1534). (¬6) حسن صحيح: أخرجه الترمذي: 3/ 535، في باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك، من كتاب البيوع، برقم (1234)، والنسائي: 7/ 295، في باب سلف وبيع وهو أن يبيع السلعة على أن يسلفه سلفا، من كتاب البيوع، برقم (4629)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (¬7) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 748، في باب الكيل على البائع والمعطي، من كتاب البيوع، برقم (2019)، ومسلم: 3/ 1160، في باب بطلان بيع المبيع قبل القبض، من =

وَالخِنْزِيرِ وَشُحُومِ المَيْتَةِ (¬1)، وَثَمَنِ الدَّمِ (¬2) وَالأَصْنَامِ (¬3)، وجاء القرآن بالنهي عن البيع عند النداء للجمعة. والثاني: نهيه - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ (¬4)، وعَنْ تَلَقِّي السِّلعِ (¬5)، وَعَنِ النَّجْشِ (¬6)، وَتَصْرِيَةِ الإِبِلِ والغَنَم (¬7)، وعن الغش فقال: "مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ ¬

_ = كتاب البيوع، برقم (1526)، ومالك: 2/ 640، في باب العينة وما يشبهها، من كتاب البيوع، برقم (1310). (¬1) أخرجه البخاري: 2/ 779، في باب بيع الميتة والأصنام، من كتاب البيوع، برقم (2121)، ومسلم: 3/ 1207، في باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، من كتاب المساقاة، برقم (1581). (¬2) أخرجه البخاري: 2/ 735، في باب السهولة والسماحة في الشراء والبيع، من كتاب البيوع، برقم (1980). (¬3) سبق تخريجه، ص: 4250. (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 752، في باب لا يبيع على بيع أخيه ولا يسوم على سوم أخيه، من كتاب البيوع، برقم (2033)، ومسلم: 2/ 1033، في باب تحريم الخطبة على خطبة أخيه حتى يأذن أو يترك من كتاب النكاح، برقم (1413). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 758، في باب النهي عن تلقي الركبان، من كتاب البيوع، برقم (2057)، ومسلم: 3/ 1157، في باب تحريم تلقي الجلب، من كتاب البيوع، برقم (1517)، ومالك: 3/ 173، في باب ما يكره من النجش وتلقي السلع، من كتاب البيوع، برقم (771). (¬6) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 753، في باب النجش ومن قال لا يجوز ذلك البيع، من كتاب البيوع، برقم (2035)، ومسلم: 3/ 1156، في باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه وسومه على سومه، من كتاب البيوع، برقم (1516)، ومالك: 2/ 683، في باب ما ينهى عنه من المساومة والمبايعة، من كتاب البيوع، برقم (1367) (¬7) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 755، في باب النهي للبائع أن لا يحفل الإبل والبقر والغنم، من كتاب البيوع، برقم (2541)، ومسلم: 3/ 1154، في باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه وسومه على سومه، من كتاب البيوع، برقم (1515).

مِنَّا"ـ (¬1)، وعن التفرقة بين الأم وولدها في البيع (¬2). والثالث: نهيه - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ (¬3)، أَوْ يَسُومَ عَلى سَوْمهِ (¬4)، أَو يَخْطُبَ عَلى خِطْبَتِه، وهذا حض منه على رفع الشحناء وما يجر إلى التباغض، ونهيه - صلى الله عليه وسلم - عن ثَمَنِ الكَلْبِ، وثَمَنِ السِّنَّوْرِ. أخرجه مسلم (¬5). وعن كراء الأرض إذا كان صاحبها في غنى عن حرثها لقوله: "يَمْنَحُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ أَرْضَهُ خَيرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا خَرْجًا مَعْلُومًا" (¬6). ونهيه عن عَسِيبِ الفَحْلِ (¬7) وبَيع نَقْعِ المَاءِ، وبَيع فَضْلِ المَاءِ، وبَيع الكَلإِ، فهذا حض منه - صلى الله عليه وسلم - على مكارم الأخلاق ونهيه عن ثَمَنِ الكَلْبِ، ومَهرِ البَغِيِّ وَحُلْوَانِ الكَاهِنِ (¬8)، والأول حض على مكارم ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم: 1/ 99، في باب قول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم من غشنا فليس منا، من كتاب الإيمان، برقم (101). (¬2) أخرجه ابن أبي شيبة: 4/ 527، في باب في التفريق بين الوالد وولده، من كتاب البيوع والأقضية، برقم (22818). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 752، في باب لا يبيع على بيع أخيه ولا يسوم على سوم أخيه، من كتاب البيوع، برقم (2033)، ومسلم: 2/ 1033، في باب تحريم الخطبة على خطبة أخيه حتى يأذن أو يترك، من كتاب النكاح، برقم (1413). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 971، في باب الشروط في الطلاق، من كتاب الشروط، برقم (2577)، ومسلم: 2/ 1028، في باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح، من كتاب النكاح، برقم (1408). (¬5) أخرجه مسلم: 3/ 1199، في باب في ثمن السنور، من كتاب الإجارة، برقم (1569). (¬6) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 821، في باب إذا لم يشترط السنن في المزارعة، من كتاب المزارعة، برقم (2205)، ومسلم: 3/ 1184، في باب الأرض تمنح، من كتاب البيوع، برقم (1550). (¬7) أخرجه البخاري: 2/ 797، في باب عسب الفعل، من كتاب الإجارة، برقم (2164). (¬8) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 779، في باب ثمن الكلب، من كتاب البيوع، برقم =

الأخلاق (¬1)، وما سوى ذلك فثمن لما لا يحل. وجميع هذه الأحاديث في الموطأ والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي، ومن أحب مطالعة نصوصها اختبرها هنالك، فأخرج مسلم النهي عن بيع الغرر جملة من غير تعيين (¬2) لصنف من الغرر، فإذا تضمن البيعُ غررًا في الثمن، أو المثمون أو الأجل منع لعموم الحديث. والملامسة: البيع باللمس من غير رؤية ليلًا كان أو نهارًا، والمنابذة أن ينبذ كل واحد منهما ثوبه إلى الآخر من غير نظر. واختلف في المراد في النهي عن بيع حبل حبلة، فقيل هو أن يبيع الرجل ولد ولد هذه الحامل الآن، وجعل الحبل الثاني هو المبيع، وهذا غرر لا شك فيه (¬3). وقيل: هو أن يجعل ذلك أَجلًا (¬4)، وهو الوقت الذي تضع فيه هذا الحبل، فإذا كانت أنثى فوضعت فهذا غرر، إلا أن يريد الوضع على أن هذا الحبل أنثى فيكون أجلًا معلومًا إذا قصد الوضع المعتاد. والملاقيح ما في ظهور الإبل، يريد بيع ما يلقحونه في المستقبل، والمضامين ما في بطون الإناث، وكل هذا غررٌ. واختلف في بيع الحصاة فقيل هو: بيع كان أهل الجاهلية يتبايعون الثوب، فإن أعجبه ترك عليه حصاة فيجب البيع بذلك، وقيل: كان الرجل يسوم ¬

_ = (2122)، ومسلم: 3/ 1198، في باب تحريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي، من كتاب المساقاة برقم (1567)، ومالك: 2/ 656، في باب بيع اللحم باللحم، من كتاب البيوع، برقم (1338). (¬1) قوله: (الأخلاق) ساقط من (ف). (¬2) في (ت): (تفصيل). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 149. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 150.

بالثوب وبيده حصاة، فيقول: إذا سقطت من يدي فقد وجب البيع (¬1)، وكل هذا لا يكون البيع فاسدًا إذا كان الثمن معلومًا، وإن كان مجهولًا كان فاسدًا. وقيل: كان الرجلُ يضربُ بالحصاةِ، فما خرج له كان له من الدنانيرِ والدراهمِ مثله، وهذا التأويل أبينهما؛ لأنه مجهول. وبيع الثنيا أن يبيع الثوب أو الدار، ويشترط أنه متى جاء بالثمن استرجعه، وهذا غرر لأنه (¬2) تارة بيعًا إن لم يرد الثمن، وتارة سلفًا إن رده، وقد تقدم بيان ذلك قبل. وبيع العربان أن يشتري السلعة بثمن معلوم، ويقدم الدينار والدراهم، ليكون بالخيار. فإن قبل: كان ذلك العربان (¬3) من الثمن، وإن كره ورد مضى العربان (¬4) للبائع بغير شيء (¬5). وأما بيعتان في بيعة فهو على وجوه أحدها: أن يبيع السلعة الواحدة بثمنين متفقي الجنس، ومختلفي القدر بعشرة نقدًا، أو بعشرين إلى أجل، يأخذ بأيهما أحب، أو يكون الثمن مختلف الجنس والقدر، يبيعه بتسعة عتق، أو بعشرة هاشمية (¬6)، أو بعشرة دنانير، أو بألف درهم. وليس يسد أحدهما مسد الآخر في القدر، أو يبيعه بعشرة دنانير، أو بهذه السلعة أو يبيع سلعتين مختلفتي الجنس بثمن واحد متفقي الجنس والقدر يقول أبيعك هذا العبد أو هذه الدابة بعشرة دنانير خذ أيهما أحببت، أو يقول: أبيعك ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 150. (¬2) قوله: (لأنه) ساقط من (ت) و (ق 4). (¬3) في (ق 4): (العربون). (¬4) في (ق 4): (العربون). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 150. (¬6) انظر: المدونة: 3/ 38.

قفيزًا من هذا القمح، أو قفيزين من هذا الشعير، أو التمر (¬1)، أيهما أحببت كان لك بدينار. فجميع ذلك فاسد وهو بيع غرر، ويدخله مع الغرر إذا كان الذهب مختلف السكة، الربا والتفاضل فيما بين الذهبين، والصرف المستأخر إذا كان أحدهما ذهبًا والآخر فضة. وبيعُ الطعام قبل قبضه والطعام بالطعام ليس يدًا بيد، والتفاضل بين الطعامين إذا كان الجنس واحدًا والكيل مختلفًا، لإمكان أن يكون قد اختار الأخذ بأحد الثمنين، ثم انتقل إلى الآخر فيكون قد فسخ الأول في الثاني. وقد اختلف في هذا الأصل فقيل: المشتري مؤتمن ومصدق، وإذا قال: لم أختر إلا هذا، فعلى هذا لا يدخل الفساد إلا من وجه الغرر، إذا كان البيع منعقدًا على أحد المتبايعين والآخر بالخيارة البائع أو المشتري فإن كانا جميعًا بالخيار كان البيع جائزًا؛ لأنه لا ينعقد إلا بعد اتفاقهما على ثمن واحد فيرتفع الغرر، وبيع السلعة الواحدة بثمنين مختلفين بخمسة نقدًا، أو (¬2) عشرة إلى أجل فاسد إذا كان الخيار من أحد الجنبتين، البائع أو المشتري. كمل كتاب البيوع الفاسدة بحمد الله وعونه (¬3) ¬

_ (¬1) قوله: (أو التمر) ساقط من (ق 4). (¬2) في (ف) و (ت): (و). (¬3) قوله: (كمل كتاب البيوع الفاسدة بحمد الله وعونه) ساقط من (ق 4)، زاد في نسخة (ف): (وتسديده وبمنه على يد العبد الفقير المعترف بذنبه الراجي رحمة ربه الحقير الذليل إلى الله عبده محمد بن فتح الله تاب الله عليه وغفر له ولوالديه ولأشياخه ولجميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. فرحم الله من قرأ ونظر ودعا لناسخه بالرحمة والمغفرة بمنه وكرمه آمين آمين آمين. كمل في أوائل ربيع الثاني من عام 1243 هـ).

كتاب العرايا

كتاب العرايا النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ق 4) = نسخة القرويين رقم (368)

وفي اشتراء المعير عريته، وهل ذلك من الرجوع في الهبة؟

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وسلم تسليمًا كتاب العرايا وفي اشتراء المعير عريته، وهل ذلك من الرجوع في الهبة؟ العرايا جائزة في جميع أنواع الثمار المدخرة وغيرها: النخيل، والعنب، والفواكه: التفاح (¬1)، والرمان، والخوخ، والموز، وغير ذلك (¬2)، كانت الثمرة وقت العرية موجودة أو معدومة، ويجوز في قليل الشجر وكثيرها السنة والسنتين وأكثر من ذلك؛ لأن العرية هبة ومعروف، والغرر في الهبة جائز، فلم يقتصر فيها على أمر محدود في جنس ولا قدر ولا مدة، ما لم تكن الشجر (¬3) صغارًا ولم تبلغ الإطعام، فإنه يختلف في ذلك فعلى القول أن المؤنة على المعري تكون العرية جائزة وعلى القول أن المؤنة على المعطى لا تجوز العارية (¬4) فلا تجوز؛ لأنها تخرج عن المعروف إلى المعاوضة والمكايسة، يتكلف المعطَى خدمتها للمعطي، على أن يكون العوض الثمرة في عام آخر، فإن نزل ذلك وفات بالعمل كان للعامل أجر مثله فيما تكلفه في حال صغرها وحال إثمارها، ¬

_ (¬1) في (ف): (والتفاح). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 284. (¬3) زاد في هامش (ق 4) قوله: (وقت العارية). (¬4) في هامش (ق 4) لحق بالسياق: (فإنه يختلف في ذلك فعلى القول أن المؤنة على المعري تكون العرية جائزة وعلى القول أن المؤنة على المعطى لا تجوز العارية).

فصل [في شراء المعري لعريته]

والثمرة للمعطي إلا أن يعلم أنها تثمر تلك السنة فيجوز (¬1) أن يدخلا (¬2) على أن (¬3) السقي والخدمة على المعطي. فصل [في شراء المعري لعريته] اختلف عن مالك في شراء المعري (¬4) عريته على ثلاثة أقوال؛ فأجاز مرة شراءها بالدنانير والدراهم والعروض، وبالطعام، وبخرصها (¬5)، وذكر ابن شعبان عنه أنه منع شراءها بالدنانير والدراهم والعروض، وأجازه بالخرص وحده، وروي عنه عكس ذلك: أنه منعه بالخرص وأجازه بالعين وغيره. فأما إجازة شرائها بالخرص وغير ذلك فلحديث زيد بن ثابت قال: "رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِصَاحِبِ العَريَّةِ أَنْ يَبِيعَهَا بِخَرْصِهَا" (¬6)، فإذا أجيز له (¬7) شراؤه بالخرص مع ما فيه من الوجوه الممنوعة ولم يعد راجعًا في هبته، كان ذلك أحرى أن تجوز بالدنانير والدراهم. وأما إجازتها بالخرص وحده ¬

_ (¬1) قوله: (فيجوز) ساقط من (ف). (¬2) في (ف): (فيجوز أو يدخلا). (¬3) قوله: (أن) زيادة من (ق 4). (¬4) قوله: (المعري) ساقط من (ف). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 284. (¬6) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 763، في باب بيع المزابنة وهي بيع الثمر بالتمر وبيع الزبيب بالكرم من كتاب البيوع، برقم (2067)، ومسلم: 3/ 1168، في باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا، من كتاب اليوع، برقم (1539)، ومالك: 2/ 619، من كتاب البيوع، في باب ما جاء في بيع العرية، برقم (1284). (¬7) قوله: (له) ساقط من (ف).

فلقوله - صلى الله عليه وسلم -: "العَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئهِ" (¬1) فاقتضى هذا الحديث منع شرائها جملة (¬2)، إلا بما وردت فيه رخصة، وبالخرص وردت (¬3). وأما منعه بالخرص خاصة فله فيه وجهان: أحدهما: أنه قد اختلف في معنى الحديث، هل أريد به المعري أو غيره؟ وإذا اختلف في ذلك، وكان الأصل المنع؛ لأن في بيعها بخرصها بيع الرطب باليابس، والجزاف بالمكيل، والنقد بالنَّساء، فاستحسن الوقوف عن ذلك، والوجه الآخر: تقديم القياس على الخبر (¬4) لما كان بيع العرية بخرصها يتضمن الوجوه التي ذكرناها، وهي ممنوعة باتفاق، ولم يرد طريق الرخصة مثل طريق المنع في الصحة. وأجاز (¬5) شراءها بالعين والعروض (¬6)؛ لأنَّ الحديث في منع (¬7) شراء الهبة (¬8) فيما وهبت رقبته، ولم يبق للواهب فيه تعلق، كالعبد والفرس على أحد القولين، والعرية هبة منافع (¬9) ولها تعلق بالأصول، فتارة يشتري ذلك إرادةَ ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 915، في باب هبة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها، من كتاب الهبة وفضلها، برقم (2449)، ومسلم: 3/ 1240، في باب تحريم الرجوع في الصدقة والهبة بعد القبض من كتاب الهبات، برقم (1622). (¬2) زاد في (ق 4) قوله: (جملة). (¬3) زاد بعده في حاشية (ق 4): (وبقي ما سواه على المنع). (¬4) في (ق 4): (الحديث). (¬5) في (ق 4): (وأباح). (¬6) زاد في هامش (ق 4): (إن كان فيه عود في الهبة). (¬7) في (ف): (معنى). (¬8) زاد في هامش (ق 4) قوله: (ورد). (¬9) زاد في هامش (ق 4) قوله: (دون الرقاب).

فصل [فيما يراعى في بيع العرية بخرصها]

معروفٍ يصنعه ليحمل عنه السقي والمؤنة والخراصة والجداد، وتارة يشتريها (¬1) ليرفع مضرة المعرى من دخوله وخروجه، وقد يطلع منه على أذية أو خيانة. وأرى أن يسأل المُعْرِي لماذا يشتريها؟ فإن قال: لأرفع مضرة من دخوله وخروجه (¬2) دخلت علي، أو لأتصرف في الرقاب، أو إرادةَ معروفٍ جاز. وإن قال: رغبة في شرائها صارادة التجر، منع من (¬3) شرائها بالعين، للحديث: "العَائِدُ فِي هِبَته" (¬4)، وبالخرص للحديث الآخر في منع المزابنة والطعام المتأخر (¬5). فصل [فيما يراعى في بيع العرية بخرصها] ويراعى في بيع العرية بخرصها سبعة أوجه: جنسها، وقدرها، وهل العوض عنها (¬6) نقدا أو مؤجلًا؟ وهل بدا صلاحها؟ والجنس الذي تشترى به، والوجه الذي تشترى به، وهل العرية جملة حائط أو بعضه؟ ¬

_ (¬1) في (ق 4): (يشتري). (¬2) قوله: (من دخوله وخروجه) ساقط من (ق 4). (¬3) قوله: (من) ساقط من (ق 4). (¬4) سبق تخريجه، ص: 3473. (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 763، في باب بيع المزابنة وهي بيع الثمر بالتمر وبيع الزبيب بالكرم، من كتاب البيوع، برقم (2073)، ومسلم: 3/ 1171، في، باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا، من كتاب البيوع، برقم (1542) أخرجه مالك: 2/ 624، في باب ما جاء في المزابنة والمحاقلة، من كتاب البيوع، برقم (1294). (¬6) قوله: (عنها) ساقط (ف).

فأما الصنف الذي يجوز شراؤه بخرصه فاختلف فيه (¬1)، فقال مالك في كتاب محمد: لا يشترى بخرصه إلا النخل والعنب (¬2)، ثم رجع عن ذلك وأجاز أن تشترى بخرصها إذا كانت مما ييبس ويدخر النخل وغيره (¬3) كالجوز واللوز وما أشبه ذلك، ومنعه فيما لا يصلح (¬4) فيه الادخار كالفواكه: التفاح والخوخ والموز وما أشبه ذلك (¬5). وذهب محمد إلى أن ذلك واسع في جميع الثمار المدخرة وغيرها، إلا أنه كرهه فيما لا يدخر ابتداء ورده مع القيام (¬6) وأمضاه بالقبض، فقال: إن اشتراها حين بدا صلاحها قبل تناهي طيبها بخرصها يدفعه من غيرها نقدًا، أو إلى آخر تناهيها ردت إن لم تفت، وإن قبض أنفذ ولم يرد (¬7)، قال: وكذلك كل عرية ما كانت، فإنها تدخل في رخصة العرية ومرفقها، قال (¬8): ولو أجيزت ابتدأه بغير كراهية في العرية كلها على مثل هذا لكان قريبا (¬9) فقصر مالك الحديث مرة على ما وردت فيه (¬10) الرخصة وعلى ما كان عليه العمل عندهم (¬11)، ومرة قاس عليها ما شابهها وهي المدخرات. وقاس ¬

_ (¬1) زاد في هامش (ق 4) قوله: (على عدة أقوال). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 199. (¬3) إحالة غير مقروءة في (ق 4). (¬4) في (ق 4): (يصح). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 269. (¬6) قوله: (ورده مع القيام) ساقط من (ف). (¬7) قوله: (ولم يرد) ساقط من (ف). (¬8) قوله: (قال) ساقط من (ف). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 200. (¬10) قوله: (على ما وردت فيه) ساقط من (ف). (¬11) زاد في هامش (ق 4) قوله: (ولم يعد بها ما كانت).

فصل [في قدر العرية]

محمد جميع (¬1) الثمار على النخل والعنب في قوله: لو أجيزت ابتداء، إلا أنه ترجح في ذلك لقول مالك. فصل [في قدر العرية] وأما قدرها فيجوز إذا كانت أقل من (¬2) خمسة أوسق، ويمنع في أكثر من خمسة أوسق (¬3)، واختلف في الخمسة والمنع أحسن؛ لحديث أبي هريرة (¬4) قال: "أَرْخَصَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْعِ العَرِيَّةِ بِخَرْصِهَا مَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسقٍ، أَوْ فِي (¬5) خَمْسَةِ أَوْسقٍ" شَكَّ دَاودُ بْنُ الحُصَيْنِ فِي خَمْسَة (¬6)، (¬7). فورد الحديث مقيدًا وأنه لا يجوز في كثير الثمار، والأصل المنع فأجيز من ذلك ما اتفق (¬8) على أن الرخصة تتناوله، وما شك فيه يبقى (¬9) على الأصل في المنع (¬10). ¬

_ (¬1) قوله: (جميع) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (أقل من) ساقط من (ق 4). (¬3) قوله: (أوسق) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (لحديث أبي هريرة) يقابله في (ف): (للحديث). (¬5) قوله: (في) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (بن الحصين في خمسة) ساقط من (ق 4). (¬7) أخرجه مالك، كتاب البيوع، باب ما جاء في بيع العرية: 2/ 620، برقم (1285)، والحديث في الصحيحين أخرجه البخاري، كتاب المساقاة، باب الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط أو في نخل: 2/ 839، برقم (2253)، ومسلم، في كتاب البيوع، باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا: 3/ 1171، برقم (1541). (¬8) في (ق 4): (أجمع). (¬9) في (ق 4): (بقي). (¬10) قوله: (الأصل في المنع) يقابله في (ف): (أصله).

فصل [في بيع العرية بخرصها من جنسها]

فصل [في بيع العرية بخرصها من جنسها] تباع العرية بخرصها من جنسها، فإن كانت برنيا لم تبع بصيحاني، ولا يجوز أن تباع بجنسها إذا كان الذي يعطي العربي أدنى، وإن كان أجود كانت المسألة على وجهين، فإن كان قصده رفع الضرر لم يجز، وإن أراد المعروف للمعرى جاز؛ لأنه معروف ثان يتولى حفظها وما يكون من مؤنتها ويعطيه ما فضل (¬1). فصل [في بيع العرية بخرصها إلى الجداد] تباع العرية بخرصها إلى الجداد، واختلف إذا كان العوض نقدًا؛ فمنعه مالك وابن القاسم (¬2)، وأمضاه محمد بالقبض قال: ولو أجيز ذلك ابتداء من غير كراهية في العرية كلها لكان قريبًا (¬3) فكأنه يقول: إذا (¬4) جاز أن يأخذ رطبًا ويدفع تمرًا على وجه المعروف والرفق (¬5) للمعري، كان دفعه ذلك نقدًا معروفًا أيضًا وزيادة خير. ووجه آخر أنه قد اختلف في جائحة العرية، إذا أصيبت بعد شرائها بخرصها، فقال أشهب: المصيبة من الذي له الأصل. فإذا كانت الجائحة من المعري كان شراؤه بخرصها نقداَّ أَجوز منه مؤجلَّا؛ لأنه يسقط ¬

_ (¬1) قوله: (ما فضل) يقابله في (ف): (أفضل). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 293. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 200. (¬4) قوله: (إذا) يقابله في (ق 4): (إنما). (¬5) قوله: (والرفق) ساقط من (ف).

فصل [في بيع العرية بخرصها إذا بدا صلاحها]

الربا في النساء ويكون طعامًا بطعام نقدًا. فصل [في بيع العرية بخرصها إذا بدا صلاحها] ولا (¬1) يجوز بيع العرية بخرصها (¬2) قبل بدو صلاحها، فإن فعل نقض ذلك إن كانت قائمة، كان فاتت بالجداد ولم تعلم مكيلتها كان على المعري قيمتها يوم جدها، وإن أصيبت في رؤوس النخل كانت مصيبتها من بائعها، وهو المعرى وهذا على أصل ابن القاسم، وأما على أصل أشهب، أن لا جائحة فيها في البيع الصحيح، يكون ها هنا على المعري قيمتها يوم اشتراها قبل بدو صلاحها، إن انتقلت عن حالها يوم البيع؛ لأنها في أصوله وسقيها عليه فكانت عنده (¬3) في معنى المقبوض. فصل [في بيع العرية بطعام من جنسها وغيره] بيع العرية بطعام من غير جنسها، مثل أن تكون تمرًا (¬4) فيبيعها بحنطة على ثلاثة أقسام: فقسم يجوز المبايعة فيه (¬5) وإن لم يتقابضا في الثمن والمثمون فيجوز مع عدم الجداد (¬6) وتأخر (¬7) العوض، وقسم يجوز بشرط التقابض في الثمن ¬

_ (¬1) قوله: (لا) ساقط من (ق 4). (¬2) زاد في هامش (ق 4) قوله: (إذا بدا صلاحها ولا يجوز). (¬3) قوله: (عنده) ساقط من (ف). (¬4) في (ف): (ثمرًا). (¬5) قوله: (المبايعة فيه) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (في الثمن. . . عدم الجداد) يقابله في (ف): (ولم يجز الثمرة). (¬7) في (ف): (ويأخذ).

والمثمون تارة، وتارة يجوز التراخي فيهما، وقسم يجوز بشرط قبض العوض، ويختلف في جواز تأخير جداد الثمرة، فإن بيعت العرية قبل أن يطلع في النخل ثمرة أو طلعت ولم تُؤَبَّر- جازت بالطعام نقدًا ومؤجلًا؛ لأنه يتحلل بذلك الرقاب، وسواء كانت العرية سنة أو سنتين، وهو بمنزلة من اشترى (¬1) منحته بطعام نقدًا ومؤجلًا، ويجوز أيضًا وإن كانت العرية نخلًا بتمرٍ (¬2) نقدًا ومؤجلًا. وإن كانت الثمار مؤبرة (¬3) والعرية عامًا واحدًا، وكانت الثمار لو جدت علفًا، جاز بيعها بالطعام من جنسها وغيره نقدًا ومؤجلًا إذا جدت الثمرة، وإن كانت تراد لو جدت للأكل لم يجز على قول ابن القاسم، إلا أن يجد الثمرة ويقبض العوض بالحضرة، وعلى قول أشهب يجوز بشرط قبض العوض، وإن لم يجد (¬4) الثمرة إذا كان لا يؤخر جدادها حتى يبدو صلاحها. وإن كانت العرية سنين وفيها الآن ثمر مأبور فأحبا التبايع فيها بطعام، رأيت أن تفرد هذه الثمرة بعقد عن الأعوام الباقية، وإن جمعاها في عقد وكانت هذه الثمرة تبعا، ويسيرة في جنب ثمرة الأعوام الباقية، كان واسعًا أن تباع بطعام نقدًا وإلى (¬5) أجل من جنسها وغيره؛ لأنه متحلل للرقاب، وإن (¬6) بدا صلاحها والعرية عامًا واحدًا، وبيعت بغير جنسها لم يجز أن يتأخر دفع ¬

_ (¬1) في (ق 4): (يشتري). (¬2) قوله: (وإن كانت العرية نخلًا بتمرٍ) يقابله في (ق 4): (شراؤها بطعام من جنسها وغيره). (¬3) في (ق 4): (مأبورة). (¬4) في (ق 4): (تجد). (¬5) في (ق 4): (أو إلى). (¬6) في (ق 4): إحالة في الهامش (كانت الثمرة تجد).

فصل [في بيع العرية بالدنانير والدراهم والعروض نقدا أو إلى أجل]

العوض عن العقد (¬1). ويختلف هل يجوز (¬2) تأخير الجداد؟ فمنع ذلك ابن القاسم (¬3)، ويجوز على أصل أشهب؛ لأنه لا يرى فيها جائحة إذا بيعت بالعين، وأنها في ضمان المشتري لها الآن (¬4) لما كانت في أصوله وسقيها عليه فهي مقبوضة عنده. فصل [في بيع العرية بالدنانير والدراهم والعروض نقدًا أو إلى أجل] بيع العرية بالدنانير والدراهم والعروض نقدًا أو إلى (¬5) أجل، إذا لم يكن في النخل ثمرة، أو كانت وهي غير مأبورة جائز، وسواء كانت العرية سنة أو سنتين، وإن كانت الثمار (¬6) مأبورة جاز إذا شرط (¬7) جدادها قبل (¬8) صلاحها؛ لأنه قادر على بيع الرقاب إن كانت العرية عامًا، وإن كانت أعوامًا جاز شراء الجملة إذا شرطا جداد ثمره (¬9) هذا العام (¬10). ¬

_ (¬1) في (ق 4): (النقد). (¬2) زاد في هامش (ق 4) قوله: (أن يدخلا على). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 293. (¬4) قوله: (لها الآن) ساقط من (ف). (¬5) في (ف): (إلى). (¬6) قوله: (الثمار) ساقط من (ف). (¬7) في (ق 9): (شرطا). (¬8) زاد في هامش (ق 4) قوله: (بدو). (¬9) في (ق 4): (ثمرة). (¬10) زاد في هامش (ق 4) قوله: (قبل بدو صلاحها).

فصل [في الوجه الذي يباح له شراء العرية بخرصها]

فصل [في الوجه الذي يباح له شراء العرية بخرصها] اختلف في الوجه الذي يباح له، شراء العرية بخرصها على ثلاثة أقوال: فقيل: يجوز على وجهين: على وجه المعروف (¬1) مع (¬2) المعرى يحفظها له، ويحمل عند الجداد، وعلى دفع الضرر لما يكره من دخوله وخروجه، وهو قول مالك وابن القاسم في المدونة (¬3)، وقال عبد الملك: يجوز على رفع الضرر، ولا يجوز على وجه المعروف. وقيل: إن أراد المعروف جاز، ولا يجوز إن أراد رفع الضرر. (¬4) والأول أحسن، فيجوز على وجه المعروف قياسًا (¬5) على القرض، أنه يدفع مائة دينار في مثلها إلى سنة على وجه القرض، ولا يجوز على وجه المبايعة، وكذلك قرض الدراهم والطعام (¬6) وبدل دينار بأوزن منه يجوز على وجه المعروف بخلاف (¬7) المبايعة، ويحيل بدنانير حلت على دين لم يحل، ويجوز على رفع (¬8) الضرر قياسًا على المساقاة. ¬

_ (¬1) إحالة في هامش (ق 4) غير واضحة. (¬2) في (ف): (من). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 285، 286. (¬4) انظر: المدونة: 3/ 284، 285. (¬5) زاد في هامش (ق 4) قوله: (بدل دينار بأوزن منهو على). (¬6) قوله: (وكذلك قرض الدراهم والطعام) ساقط (ف). (¬7) قوله: (بخلاف) يقابله في (ق 4): (ولا يجوز على وجه). (¬8) قوله: (رفع) يقابله في (ق 4): (دفع).

فصل [في شروط جواز بيع العرية بخرصها]

فصل [في شروط جواز بيع العرية بخرصها] بيع (¬1) العرية بخرصها جائز بثلاثة شروط: إذا كانت جملتها دون خمسة أوسق، وهي بعض حائط واشترى جميعها، فإن كانت العرية بعض حائط فاشترى جزءا منها، أو عددا وهي أكثر من خمسة أوسق، وأحب (¬2) أن يشتري منها دون خمسة أوسق، أو كان جميعها أقل (¬3) من (¬4) خمسة أوسق، فأحب أن يشتري بعضها، أو كانت العرية جملة حائط فأحب أن يشتري جملتها، أو بعضها كانت المسألة على قولين: فيجوز على القول أنها تجوز (¬5) على وجه المعروف، قال ابن القاسم (¬6): وقد أجاز مالك لمن أسكن رجلًا داره، أن يشتري بعض (¬7) السكنى (¬8)، ولم يجز (¬9) على القول ألا يجوز إلا على وجه (¬10) رفع الضرر؛ لأنه إذا اشترى بعض العرية، وهي بعض حائط بقي المعرَى يتصرف في الدخول إلى الباقي (¬11)، كتصرفه للكل ولم يرتفع ضرر وإذا كانت ¬

_ (¬1) قوله: (بيع) ساقط من (ف). (¬2) في (ق 9): (وأحبا). (¬3) قوله: (أقل) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (من) زيادة من (ق 4). (¬5) قوله: (أنها تجوز) يقابله في (ق 4): (بجواز شرائها). (¬6) قوله: (قال ابن القاسم) ساقط من (ف). (¬7) في (ق 4): (منه بعض ذلك). (¬8) انظر: المدونة: 3/ 287. (¬9) في (ق 4): (ولا يجوز). (¬10) قوله: (وجه) ساقط من (ف). (¬11) في (ق 4): (والخروج).

فصل [في بيع ما سوى العرية من الثمار أو بيع الأصل دون الثمار]

العرية في عرية جملة الحائط لا مضرة عليه فيه في تصرفه، إذا لم يبق (¬1) له فيها ثمرة وهو بائن عنه. فصل [في بيع ما سوى العرية من الثمار أو بيع الأصل دون الثمار] وإذا باع المعري ثمر (¬2) حائطه ما سوى العرية، وبقي الأصل في يده، أو باع الأصل وبقيت الثمار (¬3)، أو باع الثمار من رجل، والأصل من رجل آخر، ثم أحب المعري أن يشتري عريته، جاز على القول: إنه يجوز (¬4) على وجه المعروف، ولا يجوز (¬5) على القول الآخر، إلا أن تبقى الثمار في يد المعري، لم يبعها أو بعضها، وكذلك إن أحب من انتقل إليه الملك من الثمرة، أو الأصل أن يشتري العرية بخرصها، فيجوز لمن صارت إليه الثمرة؛ لأنه يصح منه قصد المعروف ورفع (¬6) الضرر، ولا يجوز لمن صار إليه الأصل، إلا على قول (¬7) من أجاز ذلك على وجه المعروف؛ لأنه لا مضرة عليه. واختلف فيمن له نخلة في حائط لرجل، فأراد صاحب الحائط أن يشتري ثمرة تلك النخلة بخرصها، فأجازه مالك وابن القاسم إذا كان ذلك على وجه ¬

_ (¬1) في (ق 4): (تبق). (¬2) في (ق 4): (ثمار). (¬3) زاد في هامش (ق 4) قوله: (في يديه). (¬4) قوله: (أنه يجوز) ساقط من (ق 4). (¬5) في (ق 4): (يجز). (¬6) قوله: (ورفع) يقابله في (ق 4): (ودفع). (¬7) قوله: (قول) ساقط من (ق 4).

فصل [في الرجل إذا أعرى رجلا عرية حوائط شتى مرة أو مرة بعد أخرى، وفي الرجل إذا أعرى جماعة في مرة واحدة]

المعروف (¬1). ومنعاه إذا أراد رفع (¬2) الضرر بدخوله وخروجه، ويمنع (¬3) ذلك غيرهم على وجه المعروف، وأجازه على وجه (¬4) رفع (¬5) الضرر (¬6). وهو من الأصل الذي تقدم ذكره، فعلى قول مالك هذا يجوز أن يشتري العرية بخرصها من لم يعر، وإن كان أجنبيا إذا أراد المعروف، وإن باع المعرَى العرية جاز للمعري أن يشتريها بخرصها من مشتريها. فصل [في الرجل إذا أعرى رجلًا عرية حوائط شتى مرة أو مرة بعد أخرى، وفي الرجل إذا أعرى جماعة في مرة واحدة] وإذا أعرى رجل رجلا عرية في حوائط شتى، وهي في بلد واحد أو بلدان مفترقة، في مرة واحدة أو مرة بعد أخرى (¬7)، لم يجز له أن يشتري من (¬8) جميعها إلا دون خمسة أوسق، كالعرية الواحدة من الحائط الواحد. وإن أعرى رجل واحد جماعة في مرة واحدة، جاز أن يشتري جميعها، إذا كان الذي ينوب كل واحد دون خمسة أوسق، ويجوز له أن يشتري نصيب ¬

_ (¬1) قوله: (كان ذلك على وجه المعروف) يقابله في (ق 9): (أراد بذلك المعروف). (¬2) قوله: (إذا أراد رفع) يقابله في (ق 4): (إن أراد دفع). (¬3) في (ق 4): (ومنع). (¬4) قوله: (على وجه) ساقط من (ق 4). (¬5) قوله: (رفع) ساقط من (ف). (¬6) انظر: المدونة: 3/ 286. (¬7) قوله: (أخرى) يقابله في (ق 4): (مرة). (¬8) قوله: (من) ساقط من (ف).

أحدهما، إذا أراد المعروف أو رفع المضرة (¬1)؛ لأنه يصح في الوجهين جميعا؛ لأن المضرة ترتفع عن المعري من دخول هذا وخروجه، وقد يتأذى بواحد دون أصحابه. كان أعرى جماعة رجلًا واحدًا بعض حائط، فكانت عرية كل واحد دون خمسة أوسق، جاز لجميعهم شراء تلك العرية (¬2). واختلف هل يجوز ذلك لبعضهم؟ فأجازه ابن القاسم في المدونة (¬3)، ومنعه ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب قال: لأن المعري يدخل لبعض حقه، كما يدخل له كله، يريد أنه لا يرفع (¬4) بذلك مضرة. والأول أحسن وأنه لا يمنع إذا قصد (¬5) المعروف، وقد تنوزع في المسألة الأولى، فقال الشيخ أبو بكر بن عبد الرحمن: إن أعرى رجل رجلا واحدا من حوائط شتى، لم يجز أن يشتري من تلك الحوائط، أكثر من خمسة أوسق. وقد وقف فيها مالك إذا أعرى ناسا شتى في غير المدونة. (¬6) وقال الشيخ أبو الحسن: يجوز له أن يشتري خمسة أوسق من كل حائط بخرصها، أعرى تلك الحوائط لرجل واحد، أو لرجال. قال: وبلغني عن الشيخ أبي محمد بن أبي زيد أنه قال: إن أعرى تلك الحوائط لرجل واحد فلا يشتري من جميع الحوائط بالخرص، إلا خمسة أوسق. وقال أبو القاسم ابن ¬

_ (¬1) قوله: (أو رفع المضرة) ساقط من (ق 4). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 201. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 288، والنوادر والزيادات: 6/ 201. (¬4) في (ق 4): (يدفع). (¬5) في (ف): (قصر). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 201.

فصل [فيما إذا مات المعري أو فلس قبل أن يقبض العرية]

الكاتب: إن أعرى ذلك لرجل واحد في لفظ واحد فهي عرية واحدة، فلا يشتري من جميع الحوائط بخرصها، إلا خمسة أوسق، وإن كان أعرى ذلك شيئا بعد شيء، فله أن يشتري من كل حائط خمسة أوسق. قال الشيخ: والقول الأول أصوب والأصل المنع، والإباحة وردت مقصورة، فلا يجوزن ذلك إلا ما اشتمل عليه (¬1). (¬2) فصل [فيما إذا مات المعري أو فلس قبل أن يقبض العرية] وإذا مات المعري أو فلس، قبل أن يقبض العرية بطلت، وسواء طلع فيها شيء أو لم يطلع، كان قبضت الأصول بعد أن طلعت الثمرة صحت. واختلف إذا قبضت الأصول ولم تطلع ثمرة، فقيل: لا تصح؛ لأن المعرى وهي الثمار (¬3) لم تقبض، وليس الأصول المعطاة، وقيل: تصح؛ لأن الذي يبطلها التهم، وأن يكون القصد بقاءها، وأن لا يمكن منها، وقد علم أن ذلك لم يكن لأجل التهمة. ¬

_ (¬1) قوله: (قال الشيخ: والقول الأول أصوب والأصل المنع والإباحة وردت مقصورة، فلا يجوزن ذلك إلا ما اشتمل عليه) زيادة من هامش (ق 4). (¬2) زاد في هامش (ق 4): (باب في حوز العرية وصفة الحوز) وهو باب كامل بالهامش غير مقروء. (¬3) في (ق 4): (الثمرة).

باب في سقي العرية، والهبة وزكاتها

باب في سقي العرية (¬1)، والهبة وزكاتها اختلف في ذلك على أربعة أقوال: فقيل: سقي العرية وزكاتها على المعري، ويجوز له أن يشتريها بخرصها، وسقي (¬2) الهبة وزكاتها على الموهوب له، ولا يجوز للواهب أن يشتريها بخرصها. (¬3) وقال ابن حبيب: الهبة كالعرية سقيها وزكاتها على الواهب، ويجوز للواهب أن يشتريها بخرصها، قال: لأن العرية في ترجمتها هبة. (¬4) وقال ابن القاسم (¬5): كان كبار أصحاب مالك يحلون ذلك، ويرون أن العرايا كالهبة. (¬6) يريد أنهم ردوا العرايا إلى الهبة في السقي والزكاة، أنها على المعرى. وقال محمد بن المواز (¬7): سقي العرية على المعري، وزكاتها على المعرى. (¬8) قال الشيخ -رحمه الله-: لا فرق بين العرية والهبة؛ لأن معنى العرية عطية الثمار من غير معاوضة. وقيل: المعنى أنه جعل له أن يعري النخلة من ثمرها، وأي ذلك كان فإن الهبة كذلك، وإذا كان ذلك (¬9) كالجمع (¬10) بين حكمها هو ¬

_ (¬1) قوله: (سقي العرية) يقابله في (ف): (زكاة العرية). (¬2) في (ق 4): (أو سقي). (¬3) زاد في هامش (ق 4) قوله: (وهذا قول مالك في المدونة). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 202. (¬5) زاد في هامش (ق 4) قوله: (في المدونة). (¬6) انظر: المدونة: 3/ 292. (¬7) قوله: (بن المواز) ساقط من (ف). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 273، 6/ 201. (¬9) قوله: (ذلك) ساقط من (ف). (¬10) قوله: (كالجمع) يقابله في (ق 4): (الجمع).

الصحيح؛ لأن الصحيح أن السقي والزكاة على المعطى، كما قال بعض (¬1) أصحاب مالك؛ لأن المعطى ملك من الآن، وخدمة كل ملك ومئونته على مالكه، وكذلك زكاتها؛ لأنها على ملكه طابت، ولا تكون المئونة والزكاة على المعطي، إلا أن يكون التزم ذلك. وإذا قيل: إن الزكاة على المعطي، فكانت دون خمسة أوسق، وله ثمار من (¬2) غيرها من جنسها، تبلغ بالعرية مبلغ (¬3) خمسة أوسق، أضافها وزكى عن الجميع، وعلى القول إن الزكاة على المعري (¬4)، لا يضيفها المعطي إلى ملكه، ويضمها المعطَى إلى ما عنده من جنسها، فإذا بلغ جميعها خمسة أوسق زكاها. وأما تفرقة محمد بين السقي والزكاة، فإنه حمل المعري على أنه قصد تمليكها من الآن، والتزم سقيها وعلاجها، أو يكون قصد تمليكها (¬5) من بعد طيبها، فيخرج زكاتها منها. وقد اختلف في ذلك، واختلف أيضا فيمن وهب صغيرا يرضع من أمه، فقال ابن حبيب: رضاعه على الواهب ترضعه أمه. وذكر عن ابن القاسم أن رضاعه (¬6) على الموهوب له إذا حلف الواهب أنه لم يرد أن ترضعه أمه. (¬7) ¬

_ (¬1) قوله: (بعض) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (من) ساقط من (ق 4). (¬3) قوله: (مبلغ) ساقط من (ق 4). (¬4) في (ف): (المعرى). (¬5) قوله: (من الآن، والتزم. . . قصد تمليكها) ساقط من (ق 4). (¬6) في (ق 4): (الرضاع). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 186.

فصل [فيمن ابتاع عريته بخرصها ثم جدها أو وجد فيها أكثر مما خرصها]

فصل (¬1) [فيمن ابتاع عريته بخرصها ثم جدها أو وجد فيها أكثر مما خرصها] وقال مالك- في كتاب (¬2) المدنيين في المعري (¬3) يبتاع عريته بخرصها-: فإن هو جدها بعد ذلك، أو وجد (¬4) فيها أكثر مما (¬5) خرصها، أن الفضل للمعرى يرده إليه، قال: وإن جد منها دون ما (¬6) خرص، ضمن الخرص (¬7) حتى يوفيه إياه، وإن جده (¬8) وخلطه بثمره (¬9) قبل أن يكيله، فليوفيه ما ضمن له من ذلك الخرص. ومحمل قوله: إذا وجد فيها (¬10) ذلك، لم يعلم إلا من قوله، أو لأنه لا يعلم ما أكل منها قبل ذلك، ولو ثبت أنه لم يجد منها (¬11) إلا أقل، وإن الأمر على ما قاله، لم يؤخذ منه إلا ما وجد فيها، كما قال مالك: إذا جد (¬12) أكثر، إنه يرد ¬

_ (¬1) قوله: (فصل) ساقط من (ف). (¬2) في (ق 4): (كتب). (¬3) في (ف): (المعرى). (¬4) قوله: (أو وجد) يقابله في (ق 4): (فوجد). (¬5) في (ق 9): (من). (¬6) قوله: (دون ما) يقابله في (ق 4): (أقل مما). (¬7) قوله: (ضمن الخرص) يقابله في (ق 9): (من المعري أنه يضمن). (¬8) قوله: (جده) ساقط من (ف). (¬9) في (ق 4): (بتمره). (¬10) قوله: (أقل على أن) ساقط من (ف). (¬11) في (ق 4): (فيها). (¬12) في (ف): (أخذ).

فصل [في من منح لبن شاة عاما أو أعواما أيشترى بذلكـ طعاما نقدا؟]

الزائد. فكذلك لا يضمن النقص. وقول مالك أنه يبيع في ذلك إلى ما قد حسن وقد اختلف (¬1). فصل [في من منح لبن شاة عامًا أو أعوامًا أيشترى بذلكـ طعاما نقدا؟] وقال ابن القاسم -فيمن منح لبن شاة عامًا أو أعوامًاً-: لا بأس أن يشتري ذلك بطعام نقدا أو إلى أجل (¬2)؛ لأنه إنما يتحلل الرقبة، بمنزلة من باع شاة لبونا بطعام نقدا أو إلى أجل (¬3). وليست المسألتان سواء؛ لأن القصد من بائع (¬4) المنحة بيع اللبن، وعلى قدر عطيته وحقه في ذلك اللبن يبيع، وإن كان قصد المعطي التحليل (¬5) في الرقبة، (¬6) فإنه إنما يشتري اللبن عنه ويعطي العوضٍ. وقد اختلف في الصلح على الإنكار، إذا كان صحيحًا من ناحية المنكر، فاسدًا على دعوى المدعى. فقال ابن القاسم: الصلح فاسد. وأجازه أصبغ. وكذلك شراء المنحة لا يجوز على أصله؛ لأنها وإن كانت صحيحة من قبل المعطي، فهي فاسدة من قبل المعطى. وأجاز إذا أسكن دارًا أن يشتري سكناها بسكنى (¬7) أخرى، أو أخدم عبدًا أن يشتري خدمته بخدمة عبد آخر. وقال ¬

_ (¬1) قوله: (يبيع في ذلك إلى ما قد حسن وقد اختلف) غير واضح في (ق 4). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 290. (¬3) زاد في هامش (ق 4) قوله: (ذلك جائز). (¬4) في (ف): (باع). (¬5) في (ق 4): (التحلل). (¬6) زاد في هامش (ق 4) قوله: (فإن المشتري والذي يقصد الآخر للبيع وأخذ العوض عنه هو اللبن). (¬7) زاد في هامش (ق 4) قوله: (دار).

سحنون: ذلك إذا كانت الدار الأخرى، أو العبد الآخر سنين معلومات (¬1). وحمل الشيخ أبو الحسن قول ابن القاسم: أنه أجاز ذلك، وإن كان سكنى الأخرى، أو خدمة العبد الآخر حياة المعطي، حسب ما كان الأول. وهذا أحسن (¬2) في الدارين؛ لأن كون الثانية حياة المعطي (¬3)، أقل غررًا منه سنين معلومات (¬4)، بخلاف العبدين؛ لأن الدارين مأمونتان أن تبقيا حياة المعطى، فإنما تقديره سكنى يوم بيوم، وشهر بشهر، وكلما مضى يوم قابله من الآخر مثله (¬5)، وإن (¬6) اشترى بذلك سنين معلومات (¬7)، أمكن أن يعيش المعطى، أكثر فيكون عليه (¬8) غبن، أو يموت قبلها فيبقى ورثته في سكنى الثانية، فيكون فيها غبن (¬9) على المعطى، وإذا كانت الثانية حياة المعطى لم يدخله غرر، وليس كذلك العبدان، لاختلاف حياتهما، وقد يطول عمر الثاني فيكون الغبن على المخدم، أو يموت قبل الأول فيكون الغبن على المعطي، وإن تراضيا على سنين معلومات (¬10) فمات الثاني بعد مضي نصفها، رجع في قيمة نصف خدمته الأولى على غررها. ¬

_ (¬1) في (ق 4): (معلومة). وانظر: المدونة: 3/ 291. (¬2) في (ق 4): (حسن). (¬3) في (ق 4): (المعطي). (¬4) في (ق 4): (معلومة). (¬5) زاد في هامش (ق 4) قوله: (ولا غرر في هذا). (¬6) في (ق 4): (وإذا). (¬7) في (ق 4): (معلومة). (¬8) في (ق 4): (فيه). (¬9) قوله: (أو يموت قبلها. . . فيكون فيها غبن) ساقط من (ق 4). (¬10) (ق 4): (معلومة).

وعلى قول أصبغ يرجع بقيمة السنين، قياسًا على الصلح (¬1) على الإنكار، فإن كانت قيمتها عشرين رجع بعشرة، كان مات الأول لم يرجع على الثاني بشيء؛ لأنه أخذه على أنه يتصرف في رقبته بالبيع وغيره (¬2). تمَّ كتابُ العرايا والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم ¬

_ (¬1) قوله: (على الصلح) ساقط من (ف). (¬2) في (ف): (ورقبته)، زاد في هامش (ق 4) قوله: (متى أحب وقد قيل في مثله أنه يرجع إلى ما تبين حياته وذكر ذلك في الوصايا إذا حاص بالخدمة وكانت الوصية بها حياة الموصى له ثم مات هل مضي الأمر على ما كانت عليه المحاصة) وفي الهامش كلام غير واضح.

كتاب التجارة إلى أرض الحرب

كتاب التجارة إلى أرض الحرب النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071)

باب التجارة إلى أرض الحرب، وما يجوز أن يباع فيها وهل يعاملون بالريا؟ وهل يباع اليهودي من النصراني، أو صغار أهل الكتاب إذا كانوا نصارى، أو المجوس من النصارى واليهود؟

كتاب التجارة بأرض الحرب (¬1) باب التجارة إلى أرض الحرب، وما يجوز أن يباع فيها وهل يعاملون بالريا؟ وهل يباع اليهودي من النصراني، أو صغار أهل الكتاب إذا كانوا نصارى، أو المجوس من النصارى واليهود؟ السفر إلى أرض الحرب على ثلاثة أوجه: فإن كان يكره من سافر إليهم على فعل ما لا يجوز؛ من التقرب إلى آلهتهم أو لأصنامهم، أو على شرب خمر أو زنا- لم يجز السفر إليهم. وإن كان لا يكره على شيء من ذلك، ولكن يناله بذلة وصغار- لم يجز أيضًا. والأول أشد، وهو في كلتيهما مستجرح. وإن كان سفره إليهم كسفره إلى أرض المسلمين، إنما يؤخذ بمغارم عما يأتي أو ما يخرج به- كان الأمر أخف، وألا يفعل أولى، ولا نبلغ به الجرحة، وكذلك السفر إلى مصر وإن كان سلطانها كافرا وأتباعه، فلا يؤدي ذلك إلى جرحة من سافر إليها. ¬

_ (¬1) لم نقف لهذا الكتاب إلا على مخطوطة واحدة نسخ عليها الكتاب وضبط عليها، وهي مخطوطة (فرنسا) ويرمز لها بـ (ف).

فصل [لا يباع لاهل الحرب شيء مما يتقوون به في حروبهم]

فصل [لا يباع لاهل الحرب شيء مما يتقوون به في حروبهم] قال مالك: ولا يباع لأهل الحرب شيء مما يتقوون به في حروبهم، من كُراع أو سلاح أو خوثي (¬1) أو نحاس (¬2). وقال ابن حبيب -في أهل العهد وتجار الحربيين-: يمنعون من حمل السلاح والحرير والحديد والنحاس، والأدم والخيل والبغال والحمير، والغرائر والأخوجة والزفت والقطران، والشمع واللحم والسروج والمهامز، والبسط والكتان والصوف، والطعام من القمح والشعير. يريد: في الطعام في مثل الشدائد، يرجى تَمَنُّعُهُمْ أن يتمكن منهم (¬3). وأما الحرير والصوف والكتان والملابس فالأمر فيه خفيف، ولا يَتَّجِر إليهم بما كان من العبيد من دينهم، وإن قدموا إلينا لم يباعوا منهم؛ لاطلاعهم على عورة بلاد المسلمين، وهو في النساء أخف. واختلف في مبايعة أهل الكتاب، وأهل الحرب بالدنانير والدراهم، فمنع ذلك في المدونة تنزيهًا لاسم الله سبحانه (¬4). وقال ابن كنانة: يمسها اليهودي والنصراني قديمًا وحديثًا، لم يعب ذلك من أهل العلم علمناه أحد. وأباح مالك الاستنجاء بالخاتم فيه اسم الله، ومنعه ابن القاسم (¬5). فعلى قول مالك في ¬

_ (¬1) الخُرْثِيُّ: أَرْدأُ المَتاع والغنائم وهي سَقَطُ البيتِ من المتاع. انظر: لسان العرب: 2/ 145. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 294. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 377. (¬4) انظر: المدونة 3/ 294. ولفظه فيها "سئل مالك عن قوم يغزون فينزلون قبرس فيشترون من أغنامهم وعسلهم وسمنهم بالدنانير والدراهم فكره ذلك مالك وقال لنا ابتداء من عنده: إني لأعظم أن يعمد إلى دراهم فيها ذكر الله وكتابه ويعطاها نجس، وأعظم ذلك إعظاما شديدا وكرهه". والبيان والتحصيل 1/ 71. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 71، 72.

الخاتم يبيح الدراهم، وعلى قوله في الدراهم يمنع الخاتم. والمنع أحسن، لحديث أنس قال: "كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ الخَلاَءَ نَزَعَ خَاتَمهُ" (¬1)، ولقول الله سبحانه: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة: 28]. فللمسجد حرمة ولأسماء الله تعالى حرمة. وقال الحسن: لا تصافحوهم للأمة (¬2). وقال ابن القاسم: لا يتعمد المسلم إلى مراباة النصراني بدار الحرب (¬3). قال عمد: وليتصدق بقدر ما أربى، وكذلك ما خان، إن لم يقدر على رد ذلك على من خانه (¬4). وقوله في الخيانة حسن. وأخذ أموالهم في أرض الحرب على ثلاثة أوجه: فيجوز أن تؤخذ على وجه السرقة والغصب والقهر، ولا يجوز أخذ ما ائتمنوه عليه ولا خيانتهم (¬5)، ويختلف في أخذها بوجه البيع دينارا بدينارين نقدًا أو إلى أجل، فمنعه في المدونة. وعلى قول عبد الملك يسوغ له إمساكها، قياسًا على الزنا بنسائهم. وقال ابن القاسم: يحد (¬6). وقال ابن الماجشون: لا حدّ عليه. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود: 1/ 52، في باب الخاتم يكون فيه ذكر الله تعالى يدخل به الخلاء من كتاب الطهارة، برقم (19)، والترمذي: 4/ 229، في باب ما جاء في لبس الخاتم في اليمين من كتاب اللباس، برقم (1746)، والنسائي: 8/ 178، في باب نزع الخاتم عند دخول الخلاء، من كتاب الزينة، برقم (5213)، وابن ماجه: 1/ 110،، في باب ذكر الله -عز وجل- على الخلاء والخاتم في الخلاء من كتاب الطهارة وسننها، برقم (303)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. (¬2) كذا في المخطوط، ولعل الصواب: (للآية) ولما في المصنف: (عن الحسن قال: إنما المشركون نجس، فلا تصافحوهم، فمن صافحهم فليتوضأ) أخرجه ابن أبي شيبة، في مصنفه: 5/ 247، في المصافحة عند السلام من رخص فيها)، من كتاب الأدب برقم (25727). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 294. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 319. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 118. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 319.

فصل [في بيع المسلم عبده النصراني البالغ من نصراني]

فعلى هذا لا يرد ما أربى عليه. وجعل ابن القاسم ملكه ملكًا حقيقيًّا، ومراباته ربًا، ووطأه زنًا. وذهب عبد الملك إلى أنه لما جاز أن يأخذ تلك الرقبة ويملكها قهرًا، فإن لم يقدر إلا على أخذ المنافع بالإكراه، أو الطوع للاستخدام أو بالوطء- لم يكن عليه شيء. وعلى قوله يجوز له أن يتمسك رباه عليه؛ لأنه كان له أن يأخذ منه بغير ربا، إن قدر على ذلك. وإن دخلوا إلينا بأمان لم يجز سرقة أموالهم، ولا الزنا بنسائهم. واختلف في قطع من سرق منهم. فقال ابن القاسم: يقطع (¬1). وقال أشهب: لا يقطع. فصل [في بيع المسلم عبده النصراني البالغ من نصراني] يجوز للمسلم أن يبيع عبده النصراني -إذا كان بالغًا- من نصراني. واختلف في بيعه من اليهودي، فأجازه محمد، ومنعه ابن وهب وسحنون في المستخرجة، للعداوة التي بينهم (¬2). وهو أحسن. ولا يجوز أن يضربهم. واختلف في بيع صغار النصارى من النصارى، وفي بيع المجوس والصقالبة والسودان من النصارى، فقال مالك في المدونة: تمنع النصارى من شراء صغار النصارى (¬3)، وقال في العتبية: فإن بيعوا منهم فسخ البيع (¬4). وقال محمد: لا بأس أن يبيع المسلم عبيده النصارى من أهل الكتاب، وإن كانوا صغارًا. وقال ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 516. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 7/ 511. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 294. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 9/ 396.

أشهب في كتاب الجهاد من كتاب محمد: وقال مالك- في المدونة في التجار ينزلون بالرقيق من الصقالبة فيشتريهم أهل الإسلام، ثم يبيعونهم مكانهم من أهل الذمة، قال: ما علمته حرامًا وغيره أحسن منه (¬1). وقال- في العتبية في الصقالبة والسودان مثل ذلك: ما علمت حرامًا، ولا يعجبني، فإن بيعوا منهم فسخ البيع إن كانوا صغارًا، وإن كانوا كبارًا فلا بأس من بيعهم منهم قال: لأن الصغار يجبرون والكبار لا يجبرون (¬2). وقال محمد: فإن فعل بيعوا ما لم يدن بدين. وأرى أن ينقض البيع، وإن دانوا بدين؛ لأن من هو في يده متعد في شرائه، وفي تعليمه الكفر، ومعلوم إذا صار بعد ذلك إلى مسلم-أسلم، واستنقذ من الكفر، ومحمل قول مالك وابن القاسم في الإجبار أنه بالتهديد والضرب ونحوه من غير قتل، ولو كان ذلك بالقتل ما حل البيع؛ لأن المشتري قد دخل على ما لا يدرى، هل يجبر أو يقتل؟ ولأنه لا يخلو ذلك العبد من أن يكون اشتري من السبي، ليكون قد استحياه الإمام، فلا يجوز قتله بعد ذلك، أو نزل ول أحط من أهل الحرب، فباعه مِنْ أحد من المسلمين، فكذلك لا يحل قتله، فإن كانت أمة فذلك أبين؛ لأن النساء لا يقتلن إذا لم يسلمن. وقال أصبغ فيمن اشترى عبدًا مجوسيًّا من المجوس الذين بالعراق، قد سُلِّمُوا على مجوسيتهم: فهذا لا يجبر على الإسلام، وإنما يجبر الذي يشترى من السبي. يريد: بغير قتل (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 295. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 167 - 168. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 380. ونصه: قال أصبغ فى المسلم يشتري عبدا مجوسيا من =

فصل [في شراء النصراني العبد المسلم والأمة المسلمة]

وقال ابن القاسم- في العتبية في الروم يقدمون بعبيد من مجوس الصقالبة: يمنعهم الإمام من بيعهم من اليهود والنصارى، صغيرهم وكبيرهم؛ لأنهم يصيرون إلى دين من ملكهم، فإن اشتروهم بيعوا عليهم، ما لم يدينوا بدين مَنْ ملكهم؛ لأنهم لم يكونوا يجبرون على الإسلام إذا ملكهم المسلمون (¬1). وأجازه ابن عبد الحكم في كتاب محمد، وإن كان صغيرًا إذا كان بيد حربي، ألا يمنع من بيعه من أهل الكفر (¬2). والأول أحسن. فصل [في شراء النصراني العبد المسلم والأمة المسلمة] وقال مالك في النصراني يشتري العبد المسلم والأمة المسلمة: يمضي البيع ويباعان عليه (¬3). وقال في كتاب ابن حبيب: يفسخ البيع ويعاقبان (¬4). وأصل سحنون في كل بيع حرام أن البيع غير منعقد، وهو بيع القبض على ملك البائع ومصيبته منه، وقال مالك في مختصر ما ليس في المختصر: يفسخ البيع، كان باعه النصراني لمسلم وتداولته الأيدي يفسخ، ويرادون الأثمان، وإن هلك عند النصراني ولم يبعه، كانت عليه القيمة. ومحمل قوله في رد البياعات، أن ذلك عقوبة؛ لئلا يعود لمثل ذلك، ولو كان البيع عنده لا ينعقد، كما قال سحنون لم ¬

_ = المجوس الذين بالعراق قد أقروا بين المسلمين على مجوسيتهم، فليس عليه أن يجبره على الإسلام. وانما ذلك فيما يشترى من السبى من الصقالبة ونحوهم من المجوس. (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 201. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 381. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 299. ونصه فيها: قلت: أرأيت النصراني يشتري الأمة المسلمة أو العبد المسلم أيجبره السلطان على البيع أم يفسخ البيع بينهما؟ قال: قال مالك: البيع بينهما جائز ويجبر السلطان النصراني على بيع الأمة أو العبد. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 341.

يضمن قيمته. وأرى إن كان المشتري ممن يظن أن له ملكه- أن يمضي البيع بالثمن ويباع عليه، إلا أن يقوم المشتري بالعيب فيرده؛ لأنه يقول: ظننت أن ملكي يثبت عليه، وإن كان عالمًا أنه لا يجوز شراؤه وكان فاسدًا؛ لأنه دخل على أنه غير ممكن منه، فإن فات مضى بالقيمة وبيع عليه. وقال ابن القاسم في النصراني يسلم عبده ثم يرهنه: أنه يباع، ويقضى للغريم ثمنُه، إلا أن يأتي النصراني برهن ثقة يجعل مكانه (¬1). وقال سحنون: يعجل ثمنه للمرتهن، وإن أتى برهن آخر (¬2). وقول ابن القاسم أحسن؛ لأن رهنه بعد إسلامه ليس رضى بتعجيل الدين، ورهنه دليل على أنه أراد البيع بعد انقضاء الأجل، إلا أن يكون المرتهن غير عالمٍ بإسلامه، فيكون بمنزلة من عرض رهنًا وأراد ألا يعجل الحق وإن عز؛ لأن ثمنه بدلًا منه، وإن أسلم بعد أن رهن - بيع، ولم يعجل ثمنه إذا أتى بالرهن مكانه. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 301. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 11/ 30.

باب في المسلم يشتري الخمر من النصراني أو يبيعها وفي النصرانيين يسلمان أو أحدهما وقد عقدا ربا، أو أسلم في خمر، أو له ثمن خمر

باب في المسلم يشتري الخمر من النصراني أو يبيعها وفي النصرانيين يسلمان أو أحدهما وقد عقدًا ربًا، أو أسلم في خمر، أو له ثمن خمر وقال مالك في المسلم يشتري خمرًا من النصراني: يكسرها على المسلم، ولا أدعه يردها على النصراني، ويتصدق بالثمن على النصراني حتى لا يعود (¬1). قال ابن القاسم: فإن قبض الثمن لم ينتزع منه (¬2). وقال سحنون: ينتزع وإن قبضه، ويتصدق به (¬3). وقال ابن حبيب: إن قبضه ترك به، وإن لم يقبضه لم يقض له به، وكسرت الخمر على النصراني إذا قبضت أو أبرزها، وإن لم يقبض، ويتصدق بالثمن في موضعين: إذا لم يقبض وكان معينًا، أو قبض ولم يقبض الخمر، وإن لم يكن معينًا لم يتصدق به (¬4). وأرى أن يدرك ذلك قبل أن يتقابضا، ولم يعين الثمن ولا الخمر، نقض البيع بينهما وعوقب المسلم والنصراني، إن لم يغرر بجهالة، وإن كان معينين ولو تقابضا تصدق بالثمن على المسلم، وكسرت الخمر على النصراني، وكذلك إن قبض الخمر ولم يسلم الثمن، ولو دفع ولم يقبض الخمر وكان الثمن قائمًا- جاز أن يقبض وينتزع الثمن، فيتصدق به، ويكسر الخمر على النصراني. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 295. ولفظه فيها "قال مالك: لو أن رجلا مسلما اشترى من نصراني خمرا كسرتها على المسلم ولم أدعه يردها ولم أعط النصراني ثمنها إن كان لم يقبض الثمن وتصدقت بثمنها حتى لا يعود هذا النصراني أن يبيع من المسلمين خمرا". (¬2) انظر: المدونة: 3/ 295. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 7/ 484. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 179، 180.

واختلف إذا فات الثمن فقال مالك: لا ينتزع (¬1). وقول سحنون: إنه ينتزع- أبين (¬2). وكذلك إن كان المسلم هو البائع للخمر من النصراني، فإن عين الخمر والثمن، كسرت الخمر على المسلم، إذا كانت بيده أو قبضت ولم يفت، ويتصدق بالثمن على النصراني إن دفع أو لم يدفعه وكان معينًا، إلا أن يعذر بجهالته. واختلف إذا فاتت الخمر عند النصراني، فقال محمد: اختلف فيه قول مالك، فمرة قال: لا يؤخذ من النصراني. ومرة قال: يؤخذ؛ فيتصدق به (¬3). قال ابن القاسم: وهو أحب إلينا (¬4). قال محمد: لا يؤخذ منه، وإن كان أخذ رد عليه، وأغرم خمرًا مثل ما أخذ، فيكسر على المسلم (¬5). ولو أخذ منه الثمن لكان قد أجيز له شراؤها. والأول أحسن. وأَخْذُ الثمن ليتصدق به بعد فوت الخمر أولى من أن يغرم مثلها. وقال ابن القاسم في مسلم اشترى من نصراني جارية بخمر فحملت أو أعتقها: ذلك فوت، وللنصراني على المسلم قيمة الجارية (¬6). قال سحنون: ويؤخذ الخمر من النصراني، أو مثلها إن كان أتلفها فيهراق. وأرى إن كانت قائمة أن تهراق على المسلم، ويدفع القيمة للنصراني وإن فاتت، والصدقة بالقيمة أولى من إغرامه ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 295. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 7/ 484. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 179. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 179. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 179. (¬6) انظر: النوادر والزيادات 6/ 179. ولفظه فيها "وقال ابن القاسم وأشهب: ولو أخذ فيه المسلم جارية فأحبلها أو أعتقها، فليقض للنصراني بقيمتها. ويغرم النصراني مثل الخمر فتهراق على المسلم".

فصل [في بياعات أهل الكفر إذا انعقدت على حرام ثم أسلموا بعد القبض]

المثل، وإنما يغرم المثل في أحد القولين إذا كانت في ملكه، وإلا لم يكلف شراؤها، وأخذ منه الثمن الذي تشترى به فيتصدق به. فصل [في بياعات أهل الكفر إذا انعقدت على حرام ثم أسلموا بعد القبض] بياعات أهل الكفر إذا انعقدت على حرام من الربا أو خمر أو غيره، ثم أسلموا بعد قبض الثمن والمثمون- ماضية. واختلف إذا أسلما بعد قبض أحدهما، هل يفسخ أو لا؟ مثل أن يسلم دينارًا في دينارين، أو درهمًا في خمر، أو يبيع خمرًا بثمن إلى أجل. فذهب مالك وابن القاسم إلى أن ذلك مفسوخ، فيرد رأس المال إذا أسلم في ربًا أو غيره، ويسقط ثمن الخمر (¬1). وقالا في نصراني تزوج نصرانية ثم أسلما قبل الدخول، وبعد قبض الخمر: لا يدخل بها على ذلك الصداق؛ لأنه ثمن للخمر. وقال عبد الملك: يدخل بها. يريد: لأن الخمر قبضت في وقت كان عندهم كالدراهم في شرعهم، وهي البضع وهو مما يجوز قبضه في الإسلام. وقال محمد فيمن باع خمرًا بثمن إلى أجل، ثم أسلم قبل قبض الثمن: على المشتري أن يدفع الثمن (¬2). وهذا مثل قول عبد الملك، فأمضيا العقد بينهما. وقال سحنون في السليمانية: إذا أسلم في خمر، فأسلما قبل قبضها أن لا شيء لمن أسلم فيها، وهي مصيبة نزلت به (¬3). وهذا يصح على القول لإمضاء عقودهم، فماذا أمضى ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 308. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 181. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 12/ 401.

العقد لم يكن له رأس المال، وإنما له خمر، فوافق في ثبوت العقد، وخالف في الغرم عن الخمر، لتغليب أحد الضررين، فيكون عليه ما يسد مسده. واختلف أيضًا إذا تزوجها بخمر، فأسلما بعد الدخول وقبل قبض الخمر، فقيل: لا شيء على الزوج. وقيل: عليه صداق المثل. ومن أمضى العقد الأول لم ير عليه شيئًا، ويكون مصيبة نزلت بها؛ لأن الذي لها خمر، ولو غرمت لكسرت عليها. وعلى قول محمد بن عبد الحكم يكون لها قيمتها، وكذلك إن أسلم دينارين- يكون له أن يقبض الدينارين على قوله، أو أسلم دينارًا في دراهم، فله أن يقبض الدراهم، فإنه يمضي العقد، فما كان لا يصح ملكه في الإسلام- أسقط الغرم فيه عن المطلوب، وما كان يصح ملكه وهي الدنانير والدراهم- جعل له قبضها، وإن كانت ثمنًا عما لا يحل. واختلف إذا أسلم أحدهما بعد تسليم القول بالفسخ، إذا أسلما جميعًا، فقال ابن القاسم: يفسخ ذلك أيضًا، بمنزلة إذا أسلما جميعًا، ووقف فيه مالك إذا تعلق به حق النصراني، فقال: إن أسلم الذي له الديناران- كان له رأس ماله، وإن أسلم الذي عليه الديناران خفت أن أظلم النصراني (¬1). وفي كتاب محمد: إذا أسلم دينارًا في دراهم فأسلم الذي له الدراهم- أخرج النصراني الدراهم فاشترى منها دينارًا، فإن لم يوف الدراهم لم يكن له غيره، وإن فضل فضل كان للنصراني (¬2). فأمضى العقد الأول، ولم يفسخه في حق النصراني. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 308. ولفظه: وإن أسلم الذي له الحق رد إليه رأس ماله، وان أسلم الذي عليه الحق قال: قال مالك: لا أدري ما حقيقته. قال مالك: إن أمرته أن يرد رأس ماله خفت أن أظلم الذمي. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 181. ونصه: وقال أصبغ: واختلف قول ابن القاسم كاختلاف قول مالك في نصراني أسلم دينارا في دينارين فأسلم أحدهما وثبت على أنهما يردان =

على قول ابن القاسم يفسخ، ويرد الدينار الذي أسلم، وقال: إن أسلم في خمر، فأسلم الذي عليه الخمر- رد رأس المال. وإن أسلم الذي له الخمر، فلا أدري؛ لأني إن أمرته برد رأس المال ظلمته، كان أعطيته الخمر أعطيته ما لا يحل (¬1). ففرق بين السؤالين، وفسخ ذلك إذا أسلم الذي عليه الخمر؛ لأنه لا يقدر على أدائها إن كانت في ملكه؛ لأنها تكسر عليه، ولا يجوز له شراؤها إن لم تكن في ملكه، فصارت ضرورة. وإن أسلم من له (¬2) الخمر، قال النصراني: هذه الخمر التي تستحق قبلي، لا أغرم غيرها وتكسر عليك. وقد اختلف في الموضعين جميعًا، فقال محمد بن عبد الحكم: إن أسلم الذي عليه الخمر غرم قيمتها للنصراني. ورأى إسلامه بمنزلة من استهلك لنصراني خمرًا فعليه قيمتها. وقال ابن الماجشون: إن أسلم من له الخمر لم يكن له شيء، لا رأس مال ولا غيره، مثل قول سحنون إذا أسلما. وقول مالك أحسن، وأخذها من النصراني فتهراق أولى من تركها عنده. وإن أقرض أحدهما الآخر خمرًا، ثم أسلما- لم يكن للمقرض شيء؛ لأنه ¬

_ = على رأس المال بإسلام من أسلم منهما. وقيل عن مالك إن أسلم المطلوب فعليه ديناران. وقيل: إن مالكا توقف فيه، قال: ولو كان دفع إليه دينارا في دراهم إلى أجل، فأسلم الطالب، فلتؤخذ الدراهم من النصراني فيصرف بها دينارا، فإن لم يف، لم يكن له غير ذلك. وإن كان فيها فضل، رد الفضل إلى النصراني، وإن أسلم المطلوب رد الدينار الذي قبض على النصراني. (¬1) انظر: المدونة: 3/ 308. (¬2) قوله (له) ساقط من (ف).

إن كان في يد المستقرض خمرٌ أريقت عليه، وإن لم تكن عنده لم يجز له شراؤها، وعلى قول محمد بن عبد الحكم له قيمتها اليوم. واختلف إذا أسلم أحدهما فقال ابن المواز: إن أسلم المسلف فلا شيء له، كان أسلم المتسلف فلا شيء عليه (¬1). وقال ابن القاسم في العتبية فيمن استقرض خمرًا أو خنزيرًا: فعليه قيمتها، كان أسلم المسلف فأحب إلي أن يؤخذ الخمر فيراق والخنزير فيقتل (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 125. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 181.

باب في بيع أرض الصلح وأرض العنوة وإذا هودن أهل أهل الحرب ثم أغار عليهم غير من هادنهم، هل يشتريهم من هادنهم وما أشبه ذلكـ؟

باب في بيع أرض الصلح وأرض العنوة وإذا هودن أهل أهل الحرب ثم أغار عليهم غير من هادنهم، هل يشتريهم من هادنهم وما أشبه ذلكـ؟ يجوز لأهل الصلح بيع أرضهم، بقوا على دينهم أو أسلموا، إذا لم يجعل عليها في حين الصلح خراج. واختلف عن مالك إذا كان عليها خراج، فأجاز مرة بيعها، ومرة وقف وأبى أن يجيب فيها بشيء، وقال أيضا: لا ينبغي لمسلم أن يبتاع أرضًا عليها جزية (¬1)، وأجاز ابن القاسم وأشهب بيعها (¬2). واختلف في الخراج فقال ابن القاسم: الخراج على البائع، وسواء باعها من مسلم أو ذمي، كان أسلم البائع سقط خراجها، وإن شرط البائع خراجها على المشتري كان بيعًا مكروها؛ لأنه لا يدرك قدره ولا منتهاه. وقال أشهب: الخراج على المشتري ولا يجوز شرطه على البائع. يريد: لأن الغالب من أهل الكتاب أنهم لا يسلمون، فهو لا يسقط ولا منتهى له، فكان كونه على المشتري أحوط؛ لأنه إن بقي على البائع فافتقر أو غاب أو مات، وأصابت الأرض لم يؤخذ شيء، فكانت الأرض تصيب والخراج غير مؤدى، فكان هذا أحوط، وإن شرط على البائع مضى على القول الآخر، وإن لم يشترط على واحد ودخلا على ما يوجبه الحكم، وهما لا يعرفان- كان البيع فاسدًا قولًا واحدًا. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 259. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 295، 296.

واختلف عن مالك في أرض العنوة، فمرة قال: لا تقسم (¬1). ومرة قال: لا بأس بقسمتها (¬2). ولا خلف أنه إن قسمها الإمام أن فعله ماض ولا يرد، فإن رأى وَقَفَها للأبد، وكانت حبسًا ينتفع بمنافعها، بإجارة وبغير إجارة. وإن أوقفها ليرى رأيه فيها في المستقبل- جاز، ويعطي الآن منفعتها هبة أو بكراء، حتى يرى وجهًا لقسمتها، وإن تركت لأهل العنوة، الذين افتتحت عليهم على وجه العون، ليس على وجه الملك- لم يبيعوها، كان مات لم يورث عنه، وإن أسلم لم يكن له وما خلا أهله عنه كالعنوة، فإن رأى الإمام قسمتها قسمها، وإن رأى أن يوقفها وقفها، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قسم خيبر على السهمين (¬3). وقال عمر: لَولا أَنْ يَأْتِيَ مِنَ المُسْلِمِينَ، لَمْ أَدع قَرْيَةً أَفْتَتِحُهَا إِلا قَسَمْتُهَا، كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ (¬4). أخرجه البخاري ومسلم. فسلم عمر - رضي الله عنه - أن القسم جائز لم ينسخ، ولأنه إذا أجاز أن يعيد على الجيش بعض الخمس على وجه النفل؛ جاز أن يخمس ما سوى الأرض، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه فَتَحَ مَكَّةَ عَنْوَةً (¬5). قال ابن شعبان: وأجمعوا على أنه لم يجعلها فيئًا، كما فعل بغيرها. ¬

_ (¬1) انظر المدونة: 1/ 514. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 539، 540. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 823، في باب إذا قال رب الأرض أقرك ما أقرك الله ولم يذكر أجلا معلوما، من كتاب المزارعة، برقم (2213)، ومسلم: 3/ 1186، في باب المساقاة والمعاملة بجزء من الثمر والزرع من كتاب المساقاة، برقم (1551). (¬4) أخرجه البخاري: 3/ 1136، في باب الغنيمة لمن شهد الوقعة، من كتاب الخمس، برقم (2957)، ولم أقف عليه في صحيح مسلم. (¬5) أخرجه أبو داود: 2/ 177، في باب ما جاء في خبر مكة، من كتاب الخراج والفيء، برقم (3022)، ومن طريقه البيهقي: 9/ 118، في باب فتح مكة حرسها الله تعالى، من كتاب السير، برقم (18057).

فصل [في شراء من سبي من أهل الحرب ممن لم يهادنهم]

وقال مالك: فأرض مصر وديارها لا تباع (¬1). يريد: لأنها وقفت على وجه الحبس؛ فلا تباع رقابهم. وقال ابن القاسم في المنتخبة: قال مالك: إذا أسلم أهل العنوة أخذ منهم دنانيرهم ودراهمهم وعبيدهم وكل ما لهم (¬2). فصل [في شراء من سبي من أهل الحرب ممن لم يهادنهم] وقال مالك في قوم من أهل الحرب سبوهم: فلا يجوز أن يشتروا منهم (¬3). وأجاز ابن شعبان أن يشتريهم من هادنهم، إذا أغار عليهم غير من هادنهم. وإذا جاز أن يشتروهم إذا أغار عليهم من المسلمين من لم يهادنهم، كان اشتراؤهم ممن أغار عليهم من أهل الحرب أبين. وعَقْدُ أمير المؤمنن عَقْدٌ على جميع أهل الإسلام حيث كانوا، وعَقْدُ عماله -إذا كان قد عمل كل واحد على ناحية- يصح على عمله دون عمل غيره، إلا أن يكون جعل له ذلك. وأما من غلب على بلد أو عمل، ولم يعمله أمير المؤمنين، فذلك بَيِّنٌ أنه لا يصح عقده إلا على الموضع الذي غلب عليه، والسنون الكثيرة والقليلة إذا استووا سواء. وقال مالك: إذا صولح أهل الحرب على مائة رأس في كل عام، فأعطوا أولادهم- لم يجز، فإن الصلح لهم ولأبنائهم، إلا أن يكون الصلح السنة والسنتين؛ فلا بأس أن يؤخذ أبناؤهم ونساؤهم (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 298. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 203. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 298. (¬4) انظر: المدونة: 3/ 299.

فصل [في إسلام العبد النصراني إذا باعه نصراني لنصراني في مدة الخيار]

وقال في كتاب ابن حبيب: لا يجوز أن يؤخذ أبناؤهم ولا نساؤهم، وإن كانت الهدنة العام والعامين أو إلى غير مدة، إلا أن يكون شرطوا ذلك. وقال ابن حبيب: وسواء علم أهل مملكة البطريق بما شرط أو لم يعلموا (¬1)، ولا بأس أن يصالح أهل الحرب، على أن يبعثوا في الجزية من شاؤوا من أولادهم ونسائهم ومن قهروه من كبارهم، إذا كان شرط بطارقتهم، قال: وإن قدم بأمان من لا هدنة بيننا وبينهم فلا بأس أن يشتري منهم صغار أبنائهم، ونسائهم أمهات أولادهم. فصل [في إسلام العبد النصراني إذا باعه نصراني لنصراني في مدة الخيار] وإذا باع نصراني من نصراني عبدًا نصرانيًّا بالخيار ثلاثة أيام، فأسلم العبد - لم يفسخ البيع. قال ابن القاسم: ويقال لمن له الخيار: إن شئت أخذت، وإن شئت رددت. فإن أخذ بيع عليه، وإن رد بيع على الأول. قال: لأنه كان حلالًا بيعهما، وإن كان المشتري مسلمًا فأسلم العبد لم يكن فوتًا، قال: والمسلم بالخيار بين أن يسلم أو يرد (¬2). وظاهر قوله أنه على خياره في بقية أيام الخيار، وهذا محتمل أن يكون لما تقدم من حق المسلم، أو لأنه يجيز إن أسلم العبد قبل البيع، أن يبيعه من مسلم بالخيار ثلاثة أيام، وأن لا يضيق عليه فيجبر على البيع بالحضرة، بخلاف أن يكون الخيار للبائع؛ لأن بقاء الخيار للكافر ولاء على المسلم. ويختلف إذا كان الخيار للبائع فأسلم، هل إمضاؤه كبيع مبتدأ فيمنع؟ ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 342. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 298.

أو إنما يمضيه بالعقد المتقدم فيجوز؟ وأستحسن ألا يمكن البائع من إمضائه للكافر، فإن فعل مضى. وقال ابن القاسم: فيمن باع أمة على أنه بالخيار، ثم اشترى ولدها في أيام الخيار- ليس له أن يمضي البيع في الأم فإن فعل رد البيع إلا أن يجمع بينهما، بخلاف أن يكون الخيار للمشتري، فيشتري البائع الولد، وبناء المسألة في البائع على أحد القولين أنه كابتداء بيع.

باب في تفرقه الولد من أحد أبويه أو غيرهما من الأقارب في البيع

باب في تفرقه الولد من أحد أبويه أو غيرهما من الأقارب في البيع روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "مَنْ فَرَّقَ بينَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامةِ" (¬1). وهذا حديث حسن السند ذكره الترمذي في مسنده. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُوَلَّهُ وَالِدَةٌ عَنْ وَلَدِهَا" (¬2). والتفرقة بين الأم وولدها ممنوعة في البيع بهذه الأحاديث، ولا خلاف في ذلك. واختلف في التفرقة بين الأب والولد، فقال مالك وابن القاسم: لا بأس به (¬3). وذكر محمد عن بعض أهل المدينة مَنعْ ذلك. وهو أحسن، قياسًا على الأم، وإن كانت الأم أعظم في الموجدة، فمعلوم أن الأب يدخل عليه من ذلك ما تعظم فيه المشقة، وهو كالأم، وقد يكون بعض الآباء أشد. ولم يختلف المذهب في جواز التفرقة بين من سوى هذين من الأقارب، كالأخ والجد والجدة والخالة والعمة. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد: 5/ 412، من حديث أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - في باقي مسند الأنصار، برقم (23546)، والترمذي: 4/ 134، في باب في كراهية التفريق بين السبي، من كتاب السير، برقم (1566)، والحاكم: 2/ 63، كتاب البيوع، برقم (2334)، والبيهقي: 9/ 126، في باب التفريق بين المرأة وولدها، من كتاب السير، برقم (18089)، قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. (¬2) أخرجه البيهقي: 8/ 5، فى باب الأبوين إذا افترقا وهما في قرية واحدة فالأم أحق بولدها ما لم تتزوج، من كتاب السير، برقم (15545). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 261.

فصل [في الوقت الذي إذا بلغه الصبي جازت التفرقة]

واختلف في وجه منع التفرقة بين الأم والولد، فقيل: ذلك لحق الأم، لئلا قوله عليه كما في الحديث. وقيل: ذلك لحق الولد في الحضانة، والأول أحسن. ولو كان ذلك لحق الولد في الحضانة لم يفرق بين الصغير وبين كل مَن الصبي متعلق به في الحضانة، كالجدة والخالة والعمة، وتسليمهم ذلك دليل على أن النهي لما يختص بالأم من الموجدة، فحكم النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك لتغليب أحد الضررين؛ لأن المضرة التي تدخل على الأم في التفرقة أعظم من ما يتزيد البائع من الثمن في بيعها على الانفراد. فصل [في الوقت الذي إذا بلغه الصبي جازت التفرقة] واختلف في الوقت الذي إذا بلغه الصبي جازت فيه التفرقة على أربعة أقوال: فقال مالك: إذا أثغر ولم يعجل به الانفراد. وقال ابن القاسم: إذا استغنى عن الأم، وعرف ما يؤمر به وينهى عنه (¬1). وقال الليث وابن وهب: إذا بلغ عشرين سنة (¬2). وروى ابن غانم عن مالك أنه قال: إذا احتلم (¬3) وقال محمد بن عبد الحكم: لا يفرق بينهما أبدًا (¬4). والقول أنه يتربص به إلى البلوغ أحسن؛ لأن الموجدة حينئذ وإن لم تذهب فتخف، وهذا موجود في الحرة إذا غاب عنها ولدها وهو صغير، لم يكن موقعه عندها بمنزلة إذا كان كبيرًا. والقول أنه من وجه الحضانة ضعيف، وقد تقدم وجه ذلك. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 261. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 287. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 170. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 287، والبيان والتحصيل: 4/ 170.

فصل [فيما إذا وكع البيع على التفرقة بغير رضا الأم]

واختلف إذا رضيت الأم بالتفرقة، وأن يباع ولدها دونها، أو تباع هي دونه، فقال في كتاب محمد: لا يفرق بينهما (¬1). وقال في مختصر ابن عبد الحكم في كتاب الوصايا وغيره: لا بأس به (¬2). وهذا أيضًا راجع إلى الخلاف المتقدم، ومن جعل ذلك لحق الحضانة لم يصحَّ رضاؤها؛ لأنه إسقاط لحق الولد، وعلى القول أنه حق الأم؛ لئلا قوله- يصح رضاها، وبه آخذ إذا علم صحة رضاها، وأنها غير مكرهة ولا خائفة ولا مختدعة. واختلف في الحرة تخالع على أن تسلم ولدها، فقال مالك وابن القاسم: يجوز ذلك (¬3). وجعلاه حقًّا للأم. وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: والشرط باطل، ويبقى في حضانتها. فصل [فيما إذا وكع البيع على التفرقة بغير رضا الأم] واختلف إذا وقع البيع على التفرقة من غير رضى الأم، وبيعت الأم وحدها أو الولد، فقيل: البيع صحيح ويتعلق به حق لآدمي. وقيل: البيع فاسد يتعلق به حق لله تعالى (¬4). وأرى إن كان المتبايعان عالمين أنهما مطالبان بالجمع، أن يكون فاسدًا؛ لأن المشتري دخل على أنه متعذر الملك يوم اشتراه، ومأخوذ ببيعه من البائع، أو يشتري منه الأم، أو يبيعاه جميعًا، أو يرد البيع فيكون الثمن سلفًا، وجميع هذه ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 342. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 170. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 252. (¬4) انظر: عيون المجالس: 2/ 733.

الوجوه توجب الفساد، فينقض البيع إن لم يفت، وإن فات بحوالة أسواق فما فوق مضى بالقيمة، وهو قول مالك، وابن عبدوس في القيمة، ثم يجبران على الجمع (¬1)، وإن كان أحدهما أعلم بالحكم، جرى على الخلاف في علم أحد المتبايعين بالفساد وإن كانا لا يعلمان أنهما مطالبان بالجمع كان بيعًا صحيحًا، يتعلق به حق البائع أو المشتري، فالمشتري يقول: اشتريت ما يرى أنه يتقرر ملكي عليه، وإذا كنت مجبورًا على أن أبيعه من البائع، أو أجنبي أو أشتري الأم وأنا غير راغب فيها، كان ذلك عيبًا عليَّ في شرائي، والبائع يقول: بعت الولد وأنا أظن أن بيعه يصح، فإذا كنت مأمورًا بأن أبيع ما بقي في يدي من المشتري أو أجنبي، كان ذلك عيبًا عليَّ، فله أن يأبى من ذلك كان رضي المشتري بالجمع. وإن فات الولد في يد المشتري بعيب، كان الخيار للمشتري دون البائع، فإن أحبها أمسك ورجع بقيمة عيب الجمع، يقال: بكم قيمة هذا؟ على أن المشتري مطالب بالجمع، وعلى أنه مطالب بذلك أن لو كان يجوز البيع، فيسقط من الثمن عن المشتري ما بين القيمتين، ثم يجمعان، وإن أحب أن يرده ويرد قيمة العيب الحادث، على أن العيب فيها بالتقويم، وعلى البائع أن يقوم لحقه في العيب، ما لم يفت الولد بعيب، ومثله إذا دخلا على الوجه الفاسد، وفات البيع بحوالة أسواق، غرم المشتري قيمته على المطالب بالجمع؛ لأنه أبخس في القيمة، ولا يقوم على أنه غير مطالب فيضر المشتري، وإن لم ينظر في ذلك حتى مات المبيع، أو الباقي في يد البائع لم تتعين القيمة؛ لأن القيمة إنما تعتبر على الحالة وقت وقع القبض، وإن كان داخلًا على الوجه الصحيح، ثم مات الولد أو الأم، لم يكن للمشتري رد ولا مقال؛ لأن عيب الجمع قد ذهب، ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 11/ 258.

فصل [فيما إذا كانا على الكفر وهما لمسلم باع أحدهما من نصراني أو كانا لنصراني فباع أحدهما لمسلم]

وإن لم ينظر في ذلك حتى بلغ الولد حد التفرقة، لم يرد البيع ويسقط حكم الجمع ووقت العيب، وإن دخل على الوجه الفاسد لم تعتبر القيمة. فصل [فيما إذا كانا على الكفر وهما لمسلم باع أحدهما من نصراني أو كانا لنصراني فباع أحدهما لمسلم] وإن كانت الأم والولد لمسلم وهما على الكفر، فباع أحدهما من نصراني، أو كانا لنصراني فباع أحدهما من مسلم أجبر على الجمع، وكان بمنزلة إذا كانا لمسلم فباع أحدهما لمسلم. وأرى إذا كانا لنصراني أن يجبر على الجمع؛ لأنه من التظالم ومضرة على الأم ألا قوله على ولدها، وبمنزلة لو ضربها أو أساء إليها، فرفعت إلينا فإنه يرفع الضرر عنها، ولو قدم حربي بعبيد ففرق بين الأم والولد في البيع، لم يعرض له ولا يشتري ذلك منه مسلم، فإن فعل أجبرا على الجمع؛ لأنه حكم بين النصراني والمسلم، وإن باع ذلك من ذمي لم يعرض له. فصل [في شروط الجمع بين الأم والولد] الجمع على ثلاثة أوجه: تارة يكون من شرطه أن يجمعا في ملك، وتارة في حوز. وثالث: مختلف فيه، هل يكون في ملك أو حوز؟ فإن وجد الأم والولد في يد مالكين وكانا في أيديهما ببيع، أو لا يعلم بأي وجه صارا إليهما، بمعاوضة أو بهبة جمعا في قول مالك، كان جمعهما في حوز لم يقبل منهما؛ لأن رغبة كل واحد من السيدين أن يبين بملكه، وبعث له أو يسافر، فإن أراد ذلك لم يمتنع عليه الآخر؛ لأن رغبته مثل ذلك والولد لا يعرب عن نفسه، وقد يتحيل من

فصل [في عتق أحدهما مع بيع الآخر]

يريد ذلك فلا يعلم به، إلا أن يفوت به، فإذا جمعا في ملك سلما من ذلك ورفعت المضرة عن الولد. واختلف إذا كانا في أيديهما بهبة أو صدقة أو وصية، أو أحدهما ببيع والآخر بهبة أو صدقة أو وصية، فقال مالك: إن جمعهما في حوز جاز (¬1). وقال في كتاب محمد: يجمعان في ملك، أو يباعان. وقال مطرف وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: إذا كان الشمل واحدا، مثل الولد والوالد والزوج والزوجة والإخوة، يكون شملهم واحدًا ودارهم واحدة، جاز الجمع في حوز (¬2). وهذا أحسن والقول يجمعان في ملك أحوط، وقد مضى وجه ذلك، وأيضًا فإنه لا يجوز أن يبيع أحدهما على أنه لا يسافر به مشتريه. فصل [في عتق أحدهما مع بيع الآخر] وإن كانا لمالك واحد فأعتق أحدهما، جاز بيع الآخر ويجمعانهما في حوز، وإن أعتق الولد لم يكن له أن يخرجه عن أمه، كان باعها شرط على المشتري كونه معها وعندها، كان سافر بالأم سافر به معها، ويكون الكراء على المشتري، ويشترطان عليه في حين البيع نفقته، وهذا قول مالك في المدونة (¬3) ولم يذكر مدة النفقة، وقال في كتاب البيوع الفاسدة: السنة. وقال محمد بن المواز: إلى وقت إثغاره. يريد لأنه وقت التفرقة. وفي كتاب محمد: إن على من أعتق صغيرًا نفقته، لعجزه عنها (¬4)، والقياس لا شيء عليه، وتكون مواساته على من ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 303، والبيان والتحصيل: 11/ 44. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 344. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 306. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 342.

بذلك البلد والسيد أحدهم، فإن كان بيت مال أنفق عليه منه، فإن باع الأم فأخرجها من حوزه ترك الولد في حضانتها إن كان صغيرًا لا خدمة له، وإن كانت له خدمة كان مبيته عندها، ويأوي إليها في نهاره في وقت لا يحتاجه سيده لخدمة، فإن باع الولد بشرط على المشتري كونه عندها، وللمشتري أن يسافر به وتتبعه أمه حيث كان، وإن أعتق جزءا من أحدهما، أو جزءا من كل واحد منهما، ثم أراد البيع جمعا في ملك ويباع الرقيق منهما على الجزء الذي لم يعتق صفقة واحدة، كان أعتق أحدهما إلى أجل جاز بيع الرقيق منهما، مع خدمة الآخر إذا كان أجل العتق وأمد التفرقة سواء، أو كان أجل العتق أقل، فإن كان أبعد لم يكن عليه أن يبيع من الخدمة إلا ما قابل أمد التفرقة خاصة، ويشترط على المشتري نفقة المخدم تلك المدة، كان أعتق الولد في وقت لا خدمة فيه، لصغره إلى أجل لا يبلغ فيه الخدمة شرط على المشتري للأم نفقة الولد ما بينه وبين أن يبلغ أجل البيع، وإن كان أجل العتق ينقضي قبل ذلك، مثل أن يكون أمد العتق سنتين والإثغار لخمس، شرط نفقته خمس سنين؛ لأنه لو كان معتقًا بتلا أنفق عليه إلى الإثغار، وإن كان أمد العتق يتأخر إلى أن يبلغ الخدمة، بيع من الخدمة إلى ما يقابل مدة التفرقة وهذا للضرورة؛ لأنه لا يجوز لو لم يبع الأم أن تباع الخدمة، إذا كان لا يشرع في قبضها إلا إلى الأجل القريب، وإن كاتب الأم بيعت الكتابة مع رقبة الولد، وكذلك إن كاتب الولد، وإن دبر الأم أو الولد، لم يكن له بيع من لم يدبر؛ لأن ذلك تفرقة وبيع الخدمة لا يجوز، وكذلك إن أولد الأم وكان لها ولد قبل ذلك، لم يمكن من بيعه؛ لأن مشتريه يحب أن يظعن به، وليس على البائع أن يترك أمه يبيعها.

فصل [فيما إذا جنت أمة وولدها وهما لملكـ واحد]

فصل [فيما إذا جنت أمة وولدها وهما لملكـ واحد] وإن جنت أمة وولدها وهما لملك واحد، جاز للسيد أن يسلم الجاني بانفراده، ثم يجمعانهما في ملك واحد، يريد يشتري أحدهما من الآخر، أو يبيعانهما من ثالث بعد أن يقوم كل واحد بانفراده، وعلى القول بجواز جمع السلعتين يجوز وإن لم يقوما، ولم يرد ابن القاسم أن يجبرا على أن يشتري أحدهما من الآخر فقط، وإنما الحكم في الذي يجبران عليه أن يبيعهما ويقسم الثمن (¬1)، إلا أن تطوع أحدهما أن يشتري من الآخر، وإن كانت الأمة لرجل وولدها لعبده، أجبرا على جمعهما في ملك أحدهما، أو يبيعانهما من رجل واحد؛ لأن العبد مالك إن أعتق تبعه ماله، وعلى قول مطرف وابن الماجشون يجوز أن يجمعاهما في حوز؛ لأن الشمل واحد (¬2)، ولا بأس أن تكون الأمة وولدها شركة بين رجلين على أجزاء متفقة أو مختلفة. واختلف إذا كانت الشركة في أحدهما، فقال ابن القاسم -في أمة حامل بين رجلين دبر أحدهما ما في بطنها-: إذا خرج تقاوماه، فإن صار للذي لم يدبر كان رقيقًا، فأجاز ملكه لأحدهما (¬3)، ومنعه سحنون وهو أقيس، وقد يكون قصد ابن القاسم الكلام على حكم التدبير خاصة، أو يكون ذهب إلى ما ذكره ابن حبيب إذا كان الشمل واحدًا (¬4)، وإلا فباب التفرقة موجود، إذا أراد من له الملك في أحدهما السفر به. ومن اشترى أمة وولدها صفقة واحدة ثم وجد ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 305، 4/ 579. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 344. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 419. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 344.

فصل [في الأمة تباع على خيار ثم يشتري البائع ولدها في أيام الخيار]

بأحدهما عيبًا، كان بالخيار بين أن يقبلهما أو يردهما، وليس له أن يرد المعيب بانفراده، فإن رضي البائع والمشتري برد المعيب وحده، بعد معرفتهما بما ينوبه من الثمن، ثم يجمعانهما في ملك جاز، وإن جهلا أنهما مطالبان بالجمع، فقال المشتري: أنا أرد السالم وأسترد المعيب ولا أقوم بعيب. كان ذلك له، أو قال البائع: لو علمت لم أقبل المعيب، فإما أن تأخذ الجميع أو ترد. كان ذلك له، وإن اطلع على العيب بعد أن حدث عنده عيب بالمعيب أو بالسالم، كان بالخيار بين أن يتمسك بالجميع ويرجع بقيمة العيب، أو يردهما ويرد قيمة العيب الحادث، ويرجع بجميع الثمن، وإن كان اطلاعه على العيب، بعد أن بلغ الولد حد التفرقة، كان له أن يرد المعيب بانفراده، وقال محمد- فيمن اشترى رمكة ومعها مهر فوجد به عيبًا فأراد رده بقيمته-: فإن كان مستغنيًا عن أمه رده وحده، إلا أن يكون أكثر ثمنًا منها وفيه الرغبة، فلا يكون له إلا أن يردهما جميعًا (¬1)، فمنع من رده بانفراده إذا كان غير مستغن عن أمه؛ لأن ذلك يؤدي إلى هلاكه. فصل [في الأمة تباع على خيار ثم يشتري البائع ولدها في أيام الخيار] وقال ابن القاسم -في الأمة تباع على خيار ثم يشتري البائع ولدها في أيام الخيار-: إن كان الخيار للبائع لم يكن له أن يمضي البيع، وإن كان للمشتري كان له أن يمضي (¬2). ويجري في المشتري قول آخر، أنه يمنع من القبول قياسًا على القول فيمن اشترى جارية حاملًا فولدت في أيام الخيار، فقال ابن القاسم ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 343. وعزاه لابن القاسم. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 489.

فصل [فيما إذا قدم مسلم أو نصراني بامرأة ومعها صبي، فزعم أنه ولدها أو ادعت الأمة ذلكـ]

في العتبية: الولد للبائع، وللمشتري أن يقبل الأم، قال: لأن أصل البيع كان جائزًا، ثم يجمعانهما في ملك ولا ينقض البيع، وقال أصبغ: ينقض البيع إن لم يجمعا بمنزلة من ابتدأ شراء على تفرقة (¬1). وكذلك إذا كان الخيار للبائع، فله أن يمضي البيع قياسًا على قول ابن حبيب إذا جنى على العبد في أيام الخيار (¬2)، ثم قيل: إن الجناية للمشتري. فعلى قول ابن القاسم إذا اشترى شقصًا بالخيار، ثم بيع الشقص لآخر بتلا، فقيل: مشتري الخيار أن له الشفعة على مشتري البتل (¬3)، وأرى أنه قيل: كأنه لم يزل منعقدًا من الأول، وإذا أراد المتبايعان أن يجمعا بين الأم والولد، في ملك غيرهما في جميع الوجوه التي تقدمت، فلا يبيعان حتى يقوما كل واحد بانفراده، فيسلمان من المعاوضة بجمع سلعتين، فإن باعا قبل التقويم جرى على الخلاف. فصل [فيما إذا قدم مسلم أو نصراني بامرأة ومعها صبي، فزعم أنه ولدها أو ادعت الأمة ذلكـ] وإذا قدم مسلم أو نصراني بامرأة ومعها صبي، فزعم أنه ولدها أو ادعت الأمة ذلك، لم يفرق بينهما ولم يتوارثا، إلا أن يثبت. كان قدم رجل بأمة وآخر بصبي فادعى أنه ولدها، وادعت الأم ذلك لم يفرق بينهما ولم يتوارثا إلا ببينة، وإن قدم رجل بأمة وآخر بصبي فادعت أنه ولدها، فإن سبيا أو اشتريا من بلد واحد جمعا بينهما، كان علم أنهما من بلدين لم يعجل في ذلك وكشف، وإن لم ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 27. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 224. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 247.

يعلم هل هما من بلد أو من بلدين؟ جمعا لأن مثل ذلك لا تلحق فيه تهمة ولا يخفى أيضًا أمرهما، فيما يتبين من حنان الأم وشدة وجدها عند وجوده. وقد أجاز أشهب للمرأة أن تستحق الولد ويوارثها، إلا أن يعلم باطل قولها، وإن كانا ممن ولد في أرض الإسلام، فمن قامت من أرض الحرب أحرى أن تصدق.

باب في بيع المصراة من الإبل والغنم والبقر

باب في بيع المصراة من الإبل والغنم والبقر ولا يجوز تصرية الماشية لبيع؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُصَرُّوا الإِبِلَ وَالْغَنَمَ، فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدُ فَإِنَّهُ بِخير النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْتَلِبَهَا إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ، وإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعَ تَمْرٍ" (¬1). واختلف في العمل بهذا الحديث، فقال ابن القاسم: فقلت لمالك: أيأخذ بهذا الحديث، يريد هل يرد معها صاعا؟ قال: نعم. والأخذ بهذا الحديث رأي (¬2). وقال مالك في مختصر ما ليس في المختصر: ليس هو بالموطأ ولا بالثابت (¬3). وقال أشهب في كتاب محمد: لا يؤخذ به، وقد جاء ما هو أثبت منه: "الخرَاجُ بِالضَّمَانِ" (¬4) (¬5). والأول أصوب، لوجهين أحدهما: ورود النص -وهو ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 755، في باب النهي للبائع أن لا يحفل الإبل والبقر والغنم من كتاب البيوع، برقم (2041)، ومسلم: 3/ 1154، من كتاب البيوع في باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه وسومه على سومه، برقم (1515)، ومالك في الموطأ: 2/ 683، في باب ما ينهى عنه من المساومة والمبايعة، من كتاب البيوع، برقم (1366). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 309. ونصه: قال ابن القاسم: قلت لمالك: أتأخذ بهذا الحديث؟ قال: نعم. قال مالك: أو لأحد في هذا الحديث رأي؟. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 7/ 350. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 321. (¬5) أخرجه أحمد: 6/ 49، من حديث السيدة عائشة - رضي الله عنها -، في باقي مسند الأنصار، برقم (24270)، وأبو داود: 2/ 306،، باب فيمن اشترى عبدا فاستعمله ثم وجد به عيبا من كتاب الإجارة، برقم (3508)، والترمذي: 2/ 581، في باب ما جاء فيمن يشتري العبد =

حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم ومالك في الموطأ وغيرهم- أن ذلك اللبن مبيع؛ لأنه كان وقت البيع موجودًا مجموعًا ولم يبق إلا حلابه، وهو بمنزلة الثمرة إذا يبست ولم يبق إلا جذاذها، والصوف إذا تمَّ ولم يبق إلا جزازه، وإنما الخراج بالضمان فيما يحدث عند المشتري، وإذا كان ذلك فإن كان اللبن قائمًا وكان حلابه بفور الشراء، رد عينه ولا يغرم بالعوض عنه مع قيامه، وإن كان حلابه بعد ذلك لم يكن عليه رده؛ لأنَّ ما حدث في ضروعها بعد شرائها فهو للمشتري، فكان ذلك الموجود بعضه للبائع وبعضه للمشتري، ولا يدرى ما لكل واحد فيه، وعلى هذأ محمل قول مالك في المدونة، أنه لا يرده إذا كان قائمًا، أن ذلك إذا لم يحلب بحضرة البيع (¬1)، ولهذا قال: له اللبن بما علف؛ لأن ما حلب بالحضرة لم يكن على العلف. وقد قيل: في حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن اللبن بصاع، إن ذلك لرفع التنازع؛ لأن الأصل أبدًا فيه مجهول، قال مالك: والصاع من عيش البلد (¬2). وإن كان عيشه قمحًا أو شعيرًا، كان عليه صالح من عيشهم، وذهب بعض أهل العلم إلى ألا يغرم الصاع، إذا كان السعر غالبًا، فقد يكوق قيمة الصاع نصف قيمة الشاة، فإن غرم المشتري قيمة أعلى ما يرى أنه كان فيها، لم يكن للبائع في ذلك مقال، وخصوا الحديث بالقياس؛ لأن الأصل في المتلفات أن يغرم قيمتها أو مثالها، ولا يحمل الحديث على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ألزم المشتري فوق ما قبض. ¬

_ = ويستغله ثم يجد به عيبا من كتاب البيوع، برقم (1285)، والنسائي: 7/ 254، في باب الخراج بالضمان، من كتاب البيوع،، برقم (4490)، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (¬1) انظر: المدونة: 3/ 352. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 309.

وقد قال ابن أبي ليلى وأبو يوسف: يرد قيمة اللبن. وحملوا الحديث أن الصاع كان ذلك الوقت قيمة اللبن. واختلف إذا كان المبيع جماعة غنم، هل يغرم صاعًا واحدًا، أو لكل شاة صاع؟ وهذا أصوب، فإن كانت الغنم عدة، أكان لكل واحدة حكمها؟ والشاة المصراة والبقرة والناقة في ذلك سواء، يريد عن اللبن الذي بيعت به وهذا للحديث المتقدم وقد قيل ذلك لأن لبن الغنم وإن كان أقل فهو أجود ولبن الإبل أدنى وأكثر، فإذا علم المشتري أن الشاة مصراة قبل أن يحلبها، وأن ذلك ليس بعادة لها، كان له أن يردها قبل الحلاب، وله أن يمسكها ويحلبها ثم يختبرها، وينظر كيف عادتها؟ وهل تنقص التصرية اليسير أم لا؟ وكذلك إن علم بعد أن حلبه ما صريت، فهو بالخيار بين أن يرد الآن، أو يمهل حتى يحلبها ويعلم عادتها. واختلف إذا حلبها الثالثة هل ذلك رضى؟ فقال في المدونة: إن جاء من ذلك ما يعلم أنه اختبرها قبل ذلك فهو رضى (¬1)، وقال محمد: ذلك رضى. وقال مالك في كتاب محمد: له أن يرد وإن حلبها الثالثة (¬2). وهو أحسن لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ بِالخيَارِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ". أخرجه البخاري ومسلم (¬3)، فجعل له الخيار إلى ثلاثة أيام، وإن تحقق قبله العيب قبل ذلك؛ لأن المشتري يريد أن يؤامر نفسه في ذلك، وهل يرضى بذلك العيب أو ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 309. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 321. (¬3) أخرجه مسلم: 3/ 1158، في باب حكم بيع المصراة من كتاب البيوع، برقم (1524)، ولفظ ما وقفت عليه في البخاري: "من اشترى غنما مصراة فاحتلبها فإن رضيها أمسكها وإن سخطها ففي حلبتها صالح من تمر" أخرجه: 2/ 756، في باب إن شاء رد المصراة وفي حلبتها صالح من تمر، من باب إن شاء رد المصراة وفي حلبتها صالح من تمر، برقم (2044).

يرد؟ ولأنه خلف إذا حلبها أول مرة اللبن الذي صريت به، أن لى أن يرد الآن؛ لأنه اشترى على أن ذلك عادة لها، وله ألا يعجل بالرد حتى يختبر حلابها، هل هو قدر يرضاه؟ وإن كان يعلم أنه لا يأتي بمثل الأول، وإن اشتراها وهو عالم بأنها مصراة من الأصل، لم يكن له رد إلا أن يجدها قليلة الدر دون المعتاد من مثلها، وإن بيعت وهي غير مصراة والبائع يعلم بحلابها، كان له أن يرد كمن باع صبرة وهو يعلم كيلها، وقد تقدم ذكر الاختلاف في هذا الأصل، في كتاب البيوع الفاسدة. واختلف إذا اشتراها في غير إبان حلابها، ثم وجدها في إبان الحلاب تحلب دون حلاب مثلها، فقال ابن القاسم: ليس له أن يرد (¬1). وقال أشهب: ذلك له (¬2). وقال محمد: أرى أن ينظر في ثمنها، فإن هي في كثرة ثمنها أن شحمها ولحمها لا يساوي ذلك، ولا يبلغه إن هي حملت بعد ذلك، كان له أن يرد متى علم أن البائع كان عالمًا بحلابها أم يخيره. وإن اشترط المشتري أنها تحلب كل يوم قسطًا، فوجدها تحلب دون ذلك رد إن شاء، ويفترق الجواب فيما حلب. وإن اشترى على أنها إن كانت كذلك كانت له، كان الحلاب للبائع ردا وقيل لأنها على ملك البائع وإن اشتراها في ملكه على التصديق كان الحلاب للمشتري وله الردة لأنها كانت في ضمانه؛ لأن اللبن حدث في ملكه، فأشبه الحلاب الثاني من مصراة. وقال محمد فيمن اشترى شاة مصراة، فوجد بها عيبًا من غير التصرية: لم ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 310. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 321.

يرد عن اللبن شيئًا (¬1). وأرى أن ذلك شرعًا إذا كان العيب التصرية خاصة، وأرى أن يرد عوض اللبن الذي صرته له كالعيب إذا كان من سبب اللبن. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 321.

باب في احتكار الطعام وغيره إذا كان يشترى من الأسواق أو يجلب من بلد وهل يباع على أهله في الغلاء؟

باب في احتكار الطعام وغيره إذا كان يشترى من الأسواق أو يجلب من بلد وهل يباع على أهله في الغلاء؟ الاحتكار إذا كان يضر بالناس إما لحاجة الناس إليه، أو لأن هذا يغلي السعر غلاء يضره غير جائز، قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ" (¬1)، فإن كان لا يضر بالناس ولا يغلي سعرًا جاز، طعامًا كان أو غيره. ومنعه ابن حبيب في الطعام والحبوب كلها، والقطنية والعسل والسمن والزيت واللبن والعلوفة، أضر بالناس أو لم يضر والأول أحسن، وفي ادخار الأقوات وقت الرخاء مرتفق وقت الشدة، ولولا ذلك لم يجد الناس عيشًا حين الشدة، ولو قيل: إن ذلك حينئذ مستحسن لم أعبه، ولا يمنع من يشتري من السوق الأعظم ليبيع بأطراف البلاد، وإن غلا السعر؛ لأن فيه مرتفقًا للناس. وقال مالك في كتاب محمد: لم يزل ذلك من أمر الناس (¬2)، وليس كل الناس يجد ما يشتري به في السوق الأعظم، وقال في الذين يشترون من الطحانين: يمنعون إذا أضر بالناس (¬3). وأرى ألا يمنعوا وإن أضروهم في ذلك، بمنزلة الذين يشترون ليبيعوا في نواحي البلد؛ لأنهم لا يشترون للادخار، وإنما يشترون للناس، وكذلك الذين يشترون ليعملوه خبزًا، أو ليبيعوه لا يمنعون كان أضر، ومن اشترى ذلك ليخرجه إلى بلد آخر، لم يمنع وإن غلا السعر، إذا كان لا يضر بالناس، وإن ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم: 3/ 1227، في باب تحريم الاحتكار في الأقوات، من كتاب المساقاة، برقم (1605). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 9/ 337 (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 9/ 322.

كان يضر منع، إلا أن يكون بالآخرين حاجة، ومن قدم بطعام لم يمنع من ادخاره، إلا أن يكون جهد وشدة فيؤخذ ببيعه. وقال محمد: وإن كان في البلد طعام مخزون، فكان الغلاء واحتيج إليه، فلا بأس أن يأمر الإمام أهله أن يخرجوه إلى السوق فيباع (¬1). وقال مالك فيمن احتكر في وقت يضر بالناس: اشترك فيه أهل السوق بالثمن الذي اشتراه به، كان لم يعلم ثمنه فبسعره يوم اشتراه (¬2). وأرى إذا طال أمر ذلك أن يمضي له ولا يرد. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 454. ونصه فيها "قال مالك: وإذا كان بالبلد طعام مخزون، واحتيج إليه للغلاء، فلا بأس أن يأمر الإمام بإخراجه إلى السوق فيباع". (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 453. وعزاه لابن حبيب، ونصه: قال ابن حبيب: ولا يحتكر غيرهما، وليخرج من يده إلى أهل السوق، يشركون فيه بالثمن، فإن لم يعلم كم ثمنه فسعره يوم احتكره وقد فعل مثله عمر.

باب في التسعير ومن حط السعر وأغلى أو أرخص

باب في التسعير ومن حط السعر وأغلى أو أرخص قال أنس: غلا السعر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: يا رسول الله، سعر لنا. فقال: "إِنَّ الله هُوَ المسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّزَّاقُ، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى رَبِّي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ وَلاَ مَالٍ" (¬1). وهذا حديث حسن صحيح ذكره الترمذي في سننه. والتسعير على وجهين: ممنوع وهو التسعير على الجالب وغيره، مما يباع على النداء وعلى مثل هذا محمل الحديث. والثاني: التسعير على الذين يبيعون في الحوانيت. واختلف هل يتركون على ما يبيعون به من غلاء، أو ينظر أشريتهم والربح المعتاد فيقصرون عليه، وقال مالك- في العتبية في السوق إذا أفسد أهله وحطوا من السعر: لا يسعر عليهم (¬2). يريد مثل أن يكون البيع رطل بدرهم فيبيعون نصف رطل وما أشبهه. وقال أيضًا في صاحب السوق يقول للجزارين، ليشتروا على ثلث رطل بسعره عليكم من الضأن، وعلى نصف رطل من الإبل، وإلا فاخرجوا من السوق، فقال: إذا سعر عليهم على قدر ما يرى من شرائهم فلا بأس، ولكن أخاف أن يقوموا من الأسواق. قيل له: إن ¬

_ (¬1) حسن صحيح، أخرجه أبو داود: 2/ 293، في باب في التسعير، من كتاب الإجارة، برقم (3451)، والترمذي: 3/ 605، في باب ما جاء في التسعير، من كتاب البيوع، برقم (1314)، وقال قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه ابن ماجه: 2/ 741، في باب من كره أن يسعر، من كتاب التجارات، برقم (2200). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 9/ 355.

صاحب الجزار أراد أن يسعره على صاحب السفن قال: بئسما صنع (¬1). ففرق بين هذين؛ لأن أصحاب السفن يبيعون على النداء، فلا سعر عليهم بخلاف أصحاب الحوانيت. وإن اختلف بيع أهل السوق، في الصنف الواحد والصفة الواحدة، فإن كان الفريقان قريبًا من السواء في الكثرة، لم يعرض للدَّين يبيعون برخص، وينظر إلى الذين أغلوا، وإن كان السعر الذي يبيعون به، هو القدر الذي يبيعون لو سعر عليهم، لم يعرض لهم وترك كل قوم على ما يبيعون، وإن كان فوق ما يسعر به جرت على القولين، فعلى القول بمنع التسعير لا يعرض لهم، وعلى القول الآخر يمنعون من ذلك، ويردون إلى بيع الذين أرخصوا، إلا أن يكون التسعير فوق ذلك ودون ما أغلوا، فيرد إلى ما يسعرونه وليس عليهم أن يرخصوا حسب ما فعل الآخرون، وإن أرخص الأكثر وأغلى الاثنان والثلاثة، منع الذين أغلوا وأمروا أن يبيعوا بيع الآخرين أو يقاموا، وسواء باعوا على ما يباع به لو سعر عليهم أو لا؛ لأن في ذلك غرورا على المشتري؛ لأن المشتري يظن أن ذلك هو السعر الذي يبيع به أهل السوق، ولو علم غيره لم يشتر عليه. وإن أرخص النفر اليسير، وباع الآخرون على ما يباع به، على أثمان ما شتروا به، لم يعرض لواحد منهم. وقال ابن حبيب في الزيت والعسل والسمن والبقل والفواكه وشبه ذلك، مما يشتريه أهل السوق للبيع على أيديهم: فينبغي للحاكم إذا أراد أن يسعر، أن يجمع وجوه أهل ذلك السوق، ويستظهر على صدقهم بغيرهم، فيسألهم كيف يشترون؟ وكيف يبيعون؟ فإن رأى شططًا نازلهم إلى ما فيه لهم وللعامة سدادٌ حتى يرضوا به، دالن حط من ذلك قيل له: ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 449.

إما بعت بسعر الناس وإما رفعت، ويؤدب المعاند لذلك ويحرج من السوق. وأما جلب القمح والشعير وشبه ذلك من الأقوات، فلا يسعر عليهم ولهم أن يبيعوا على أيديهم كيف شاؤوا، وإن أرخص بعضهم تركوا إن قلوا، وإن كثروا قيل لمن بقي: إما أن تبيع مثلهم وإلا فارفع يدك؛ لأن فيه غرورا على المشتري. قال: وكذلك كل ما يوزن أو يكال، وإن كان لا يؤكل ولا يشرب، ولا يفعل ذلك في العروض، ولا فيما لا يكال ولا يوزن (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 451.

باب في بيع الشاة والاستثناء منها

باب في بيع الشاة والاستثناء منها المستثنى من الشاة تباع تسعة: صوف، ولبن، وجلد، وجزى وأرطال، وفخذ، وبطن، ورأس، وجنين. فأما الصوف فيجوز أن يستثنى إذا كان يجز إلى يومين أو ثلاثة، وهو في هذا بخلاف أن يكون الصوف هو المبيع، فإنه يجوز أن يشترط بقاؤها العشرة والخمسة عشرة، إذا كان لا يريد ببقائه زيادة نمائة، بمنزلة من اشترى ثمرة يتراخى جذاذها، لتنضج ليست لتزيد، وأجد الاستثناء فيه على الأصل فيمن باع دابة واستثنى ركوبها، أنه يجوز من ذلك ما قل، ومثله إذا استثنى لبنها يجوز ما قلت أيامه، لأجل حبس الرقاب، بخلاف من اشترى اللبن. وإن استثنى جلدها وكان البيع في السفر جاز؛ لأنه ليس له هناك كبير ثمن، وكرهه إذا كان الشراء في الحضر. قال مالك: وكأنه اشترى اللحم (¬1). قال في كتاب ابن حبيب: ولا يفسخ إذا نزل، وأجازه ابتداء ابن وهب (¬2). وإن اختلفا في ذبحها كان القول قول المشتري، دعا إلى الذبح أو إلى البقاء، فله أن يذبح ويدفع إليه الجلد. وإن رضي البائع بأخذ مثله، فله أن يعطيه مثله أو قيمته ولا يذبح، كان كره البائع لتغليب أحد الضررين، فإن ضاعت الشاة أو ماتت قبل أن يدعو المشتري إلى بقائها، كانت مصيبة من البائع؛ لأنه مبقى على ملكه فلا شيء له إن ضاعت، كان ماتت أخذه من عليها إن أحب، وإن كان بعد أن دعا إلى بقائها، كانت مصيبة من المشتري، وعليه مثل الجلد أو قيمته، كان استثنى جزءًا أو ربعًا أو ثلثًا أو نصفًا جاز، وكانا شريكين فيها على الحياة على تلك الأجزاء. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 315. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 336.

وإن اختلفا في ذبحها كان القول قول من دعا إلى ألا تذبح. واختلف عن مالك إذا استثنى أرطالًا، فأجاز ذلك مرة إذا كانت يسيرة، أربعة أرطال أو نحوها، وقال أيضًا: إذا كانت الثلث فأدنى جاز (¬1)، ومنع ذلك مرة يسيرة كانت أو كثيرة. وهو أحسن. وقد اختلف في المستثنى هل هو مبقى على الملك الأول أو مشترى؟ وأي ذلك كان فإنه يدخله اللحم المعيب؛ لأنه إن قدرأنه مبقى، فما بعد المستثنى هو الذي يصير إلى المشتري، إنما يأخذه لحما؛ لأن القول قول من دعا إلى الذبح، قال ابن القاسم بخلاف الجلد: فهو لحم معيب (¬2). وإن قدر أن المستثنى مشترى، كان البائع مشتريًا للحم قبل ذبحه، ويجوز جميع ذلك على قول أشهب؛ لأنه أجاز أن يشتري أرطالًا من لم شاة حية إذا جسها وعرف نحوها. ويختلف إذا ماتت قبل الذبح، فعلى القول أنه مبقى تكون المصيبة منهما جميعًا، ولا يرجع أحدهما على الآخر بشيء، وعلى القول الآخر يرجع البائع على المشتري بقدر تلك الأرطال، وعلى القول الأول يجوز جميع ذلك ويجبر المشتري على الذبح. وأجاز مالك والليث أن يستثني الرأس، وأن يعطي المشتري البائع شراءه أو قيمته. (¬3) قال ابن حبيب: والقيمة أحب إليَّ وكل جائز، وأرى الثل في ذلك جائزا، وإن أمكن أن يكون أكثر أو أقل؛ لأنه إن كان الحكم عند المشاحة ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 316. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 336. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 317.

فصل [في شراء لبن الغنم إذا كانت كثيرة كيلا أو وزنا]

القيمة، فأخذه عن القيمة أكثر أو أقل جائز، وإن كان الحكم أن يقضي فيه بالمثل فكذلك، وهو بمنزلة طعام في ذمة، فأخذ أكثر من حقه، فهو تطوع وحسن قضاء، أو أقل فهو فضل من القابض. وروى مطرف عن مالك فيمن باع بعيرًا واستثنى رأسه، أو أرطالًا يسيرة من لحمه جاز، فإن أخره المشتري حتى صح أو مات، أو كان مريضًا فأخره رجاء صحته، كان ضامنًا لما استثنى إن مات، كان صح كان عليه شراء ما استثنى أو قيمته، ولم يجبر على نحره، وإن كان حين البيع صحيحًا، تربص به الأسواق فزاد ونما يكره نحره، كان البائع شريكًا بقدر ما استثنى (¬1)، فأجاز في السؤال الأول أن يعطيه مثل الأرطال ويستحييه وهو القياس، وكذلك إذا استثنى البطن أو ما أشبه ذلك. واختلف إذا استثنى الجنين فمنعه مالك (¬2)؛ لأنه لا يدرَى أحي هو أم ميت. وأجازه الليث بن سعد في كتاب محمد، في الجارية تباع ويستثنى ما في بطنها وهو أحسن؛ لأنه مبقى على أصل مالك، لم يدخل في البيع فلا يضره حيًّا كان أو ميتًا، ولا فرق بين أن يكون رقيقًا أو يعتق. فصل [في شراء لبن الغنم إذا كانت كثيرة كيلا أو وزنا] ويجوز أن يشتري لبن الغنم إذا كانت كثيرة كيلًا أو وزنًا، فإن اشتراه كيلًا جاز إذا ذكر مكيلة، يعلم أنها تحصل منه في الغالب، ويذكر من الأمر ما يعلم أن مدة يبقى إليها اللبن، وإن كانت الغنم قليلة كالشاة والشاتين افترق الجواب، فيجوز على كيل إذا أسلم في بعض ما يحلبه، قال محمد: يسلم في قدر ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 337. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 167.

ربع لبنها. يريد أنه وإن قل لم يتعذر قبض ذلك القدر منها. واختلف في شراء جملته جزافًا فكرهه في المدونة ورآه خطرًا؛ لأنه قد يقل فلا يدرَى ما يؤخذ بخلاف شراء لبن الغنم الكثيرة؛ لأن بعضها يحمل عنه بعض، إن قل لبن هذه لم يقل لبن الأخرى، وأجازه في كتاب محمد، وتحمل على الغالب من حالها فإن نقصت نقصًا بينًا عن المعتاد كان له مقال. وقال ابن القاسم فيمن اشترى لبن عشر شياه بأعيانها ثلاثة أشهر، فلما حلبها شهرًا مات منها خمسة، فإن كان حلاب الهالكة كل يوم قسطين، والباقي كل يوم قسط، [وقيل: إن الشهر هلا أول اللبن يعدل الشهرين الباقيين] (¬1)، كان المشتري قد قبض نصف حقه، ويأخذ من الباقي السدس ويرد ثلث جميع الثمن، وإن لم تهلك ولكن ينقص لبنها، فإن كان يخرج عن المعتاد رجع بجميع النقص؛ لأن النقص الأول لم يكن ثانيًا على كل حال، وكذلك إذا نزل غيث، فزاد الخصب على المعتاد كان الزائد للبائع (¬2). ¬

_ (¬1) قوله: (وقيل: إن الشهر هلا أول اللبن يعدل الشهرين الباقيين) كذا بالأصل والعبارة مشكلة. (¬2) انظر: المدونة: 7/ 300، 301، ونصها: (قلت: أرأيت إن اشترى لبنها ثلاثة أشهر ثم حلبها شهرا ثم يموت منها خمس؟ قال: ينظر إلى الخمس الهالكة كم كان حلابها كل يوم فإن كان حلابها كل يوم قسطين قسطين قيل فما حلاب هذه الخمس الباقية كل يوم فإن كان حلابها قسطا قسطا قيل فكم كان الشهر الذي حلب فيه العشرة كلها من الثلاثة الأشهر التي اشترى حلابها فيها في قلة اللبن وكثرته في غلائه ورخصه فين بين اللبن في أوله وآخره تفاوتا بعيدا في الثمن يكون شهرا في أوله يعدل شهرين في آخره وأكثر من ذلك. فإن قيل الشهر الذي احتلبت فيه يعدل الشهرين الباقيين أن لو كانت الغنم الهالكة قياما في نفاق اللبن في الشهر الأول لغلائه فيه ورخصه في الشهرين الباقيين قيل: فقد قبضت أيها المشتري نصف حقك بحلابك الغنم كلها الشهر الأول وبقي نصف حقك فلا حق لك في نصف اللبن الباقي وقد استوجبه البائع بحلابك غنمه شهرا ويرد عليك البائع لما هلكت الخمس =

فصل [فيمن اكترى بقرة للحرث أو يسقي عليها وشرط حلابها]

فصل [فيمن اكترى بقرة للحرث أو يسقي عليها وشرط حلابها] وقال فيمن اكترى بقرة للحرث، أو يسقي عليها وشرط حلابها: لا بأس إذا عرف حلابها (¬1). وقال سحنون: لا يعجبني؛ لأنه لا يجيز شراء لبنها وحده. وقال أصبغ- في ثمانية أبي زيد فيمن اكترى بقرة فانقطع لبنها: لم ينقص من الكراء شيء؛ لأنه تبع بمنزلة الذي يكتري الأرض، فيها نخل تبع للأرض فتصيبها جائحة فلا يوضع عن المكتري شيء. وقول ابن القاسم وأصبغ أحسن، إذا كانت بيد المكتري لا تعود إلى المكري حتى تنقضي الإجارة، وإن كانت تعود كل يوم إلى ربها عندما ينقض ما استؤجرت له، وهو وقت حلابها، فقول سحنون أحسن. ¬

_ = التي كانت تحلب قسطين قسطين وبقيت التي تحلب قسطا قسطا ثلثي نصف الثمن لأن لبن الهالكة قسطان قسطان ولبن الباقية قسط قسط فعلمنا أن الهالكة ثلثان من نصف الثمن الباقي والباقية الثلث من نصف الثمن الباقي وإنما هما في هذا النصف الباقي بمنزلة رجل اشترى لبن عشر شياه في أبان الحلاب على ما وصفنا ثم مات منها خمس قبل أن يحلب منها شيئا فإنه يصير أمرهما إلى ما وصفت لك في المسألة التي فوق وكذلك أن لو كانت الهالكة تحلب الثلث أو النصف أو الثلاثة أرباع فعلى هذا الحساب يكون جميع هذه الوجوه). (¬1) انظر: المدونة: 3/ 320.

كتاب التدليس بالعيوب

كتاب التدليس بالعيوب النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071)

باب في منع التدليس بالعيوب والحكم فيه إذا نزل

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم كتاب التدليس بالعيوب باب في منع التدليس بالعيوب والحكم فيه إذا نزل التدليس في العيوب غير جائز؛ لقول الله -عز وجل-: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188]، فما زاد ثمن الصحة على العيب يأكله البائع بالباطل. ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا". وفي كتاب مسلم: أنه - صلى الله عليه وسلم - مر على صُبْرَةِ طعام فأدخل يده فنال أصابعه بلل فقال: "مَا هَذَا؟ " قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ الله، فقال: "أَلاَ جَعَلْتة عَلَى الطَّعَامِ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَليسَ مِنَّا" (¬1). وقال في المتبايعين: "إِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَ بَرَكَةُ بَيْعِهَما" (¬2). فمن كتم عيبًا كان للمشتري أن يرد؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُصَرُّوا الإِبِلَ ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم: 1/ 99، في باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من غشنا فليس منا"، من كتاب الإيمان، برقم: 101. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 743، في باب البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، من كتاب البيوع، برقم 2004، ومسلم: 3/ 1164، في باب الصدق في البيع والبيان، من كتاب البيوع، برقم 1532.

فصل [فيمن باع عبدا ودلس فيه بعيب]

وَالغَنَمَ فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَهَا إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ" (¬1). وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "عُهْدَةُ الرَّقِيقِ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ" (¬2) وفائدة ذلك الرد بالعيب القديم. فصل [فيمن باع عبدًا ودلس فيه بعيب] ومن المدونة قال ابن القاسم -فيمن باع عبدًا ودلس فيه بعيب-: إن للمشتري أن يرد به، فإن أصابه عند المشتري عمى أو عور أو قطع أو شلل، رد معه ما نقصه أو حبسه، ورجع بقيمة العيب، إلا أن يقول البائع أنا أقبله بالعيب الحادث فيكون له ذلك. وإن كان العيب الحادث خفيفًا مثل الحمى والرمد، رده ولا شيء عليه, وإن ذهبت أصابعه أو إصبع واحدة لم يرده إلا بما نقص، وإن ذهبت الأنملة وكان من العلي رده وما نقصه، وإن كان من الوَخْش (¬3) لم يكن عليه شيء، وإن ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 755، في باب النهي للبائع أن لا يحفل الإبل والبقر والغنم وكل محفلة، من كتاب البيوع، برقم: 2041، ومسلم: 2/ 1154، في باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه وسومه على سومه، من كتاب البيوع، برقم: 1515، ومالك: 2/ 683، في باب ما ينهى عنه من المساومة والمبايعة, من كتاب البيوع، برقم: 1366. (¬2) ضعيف، أخرجه أبو داود: 2/ 306، في باب في عهدة الرقيق، من كتاب الإجارة، برقم: 3506، وأحمد: 4/ 152، برقم (17422) مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني، وابن ماجه: 2/ 754، في باب عهدة الرقيق، من كتاب التجارات، برقم: 2244. (¬3) الوخش: رذالة الناس وصغارهم، يكون للواحد والاثنين والجمع والمؤنث بلفظ واحد. انظر: لسان العرب: 6/ 371، مادة: (وخش).

ذهب ظفره لم يكن عليه شيء، وإن كان من العلي رده وما نقصه (¬1). وقد خولف في هذه المسألة في ثلاثة مواضع: أحدها: إذا كان العيبُ مفسدًا. فقال محمد بن مسلمة: إذا عمي أو أقعد أو هرم أو كانت دابة سمينة فعجفت، أو انقطع ذنبها حتى تصيرَ في غير حدها الذي تراد له، أخذ قيمة العيب ولم يرده. والثاني: إذا قال البائع: أنا أقبلها بالعيب الحادث ولا شيء عليك، أو تمسك ولا شيء لك. فقال ابن دينار: ليس له ذلك، فقد يريد العبد ويرغب فيه فيقول له: احبس ولا غرم عليَّ، أو رُدَّ ولا غرم عليك. وقاله ابن دينار والثالث: إذا حدث به حمى. فقال سحنون: الحمى مرض من أمراض الموت. يريد فلا يرد به. والعيب الحادث عند المشتري ثلاثة: يسير، وكثير لا يبطل الغرض الذي كان يملك لأجله، وكبير يبطل ذلك الغرض منه. فإن كان يسيرًا كان كالعدم عند ابن القاسم، والمشتري بالخيار بين أن يمسك ولا شيء له، أو يرد ولا شيء عليه. وإن كان كثيرًا ولم يبطل الغرض منه، لم يمنع من الرد، وكان المشتري بالخيار بين أن يمسك ويرجع بقيمة العيب، أو يرد، ويرد ما نقصه العيب. وإن كان ذلك العيب قد أبطل الغرض الذي يراد منه، لم يكن له ردٌّ ورجع بقيمة العيب، فالعمى وقطع اليد والشلل، يبطل الغرض من العبد، كما قال ابن مسلمة وذلك فوت، وكذلك الهرم والعجف في الدابة إذا كان لا يرجى ذهابه، وقطع ذنبها إذا كانت تراد قبل ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 321.

ذلك للركوب، وكذلك الإصبع والأنملة من العبد الصانع إذا كان يرغب فيه لصنعته، فبطلت صنعته لذهاب الإصبع والأنملة. وأما الظفر فخفيف في العلي من العبيد، ولا يخفف في العلي من الجواري ولا يردها إلا بما نقص ذلك العيب. وقول سحنون في الحمى حسن ولا يعجل بالرد، ولأنه في شك مما ينكشف عنه، فقد ينكشف عن عرض مخوف يمنع الرد. وكذلك الرد لا يعجل برده حتى ينظر ما يؤول إليه. وقول عيسى في الوجه الآخر حسن إذا زاد سوق العبد أو زاد في نفسه، وإن لم يزد سوقه ولا زاد في نفسه، فقول ابن القاسم أحسن. والقياس في العيب اليسير إذا كان البائعُ غيرَ مدلس ألا يرد المشتري إلا بما نقصه العيب؛ لأنه قبضه سالمًا فعليه أن يرد سالمًا، وقد حدث العيب وهو في ضمانه، وإن دلس لم يرد عنه شيء؛ لأن الغالبَ أنه لا ينفك من ذلك. وقال ابن حبيب: إذا حدث عيب في الخُلُق، شرب الخمر أو السرقة أو الزنا أو الإباق، لم يغرم المشتري عنه شيئًا، وهذا خلافُ الأصول، ولا فرقَ بين عيب الخلق وغيره.

باب فيمن اشترى عبدين فأصاب بأحدهما عيبا، أو استحق أو اشترى طعاما فوجد به عيبا، أو استحق بعضه، أو شاتين فوجد إحداهما غير ذكية أو خلا فوجد بعضه خمرا

باب فيمن اشترى عبدين فأصاب بأحدهما عيبًا، أو استحق أو اشترى طعامًا فوجد به عيبًا، أو استحق بعضه، أو شاتين فوجد إحداهما غير ذكية أو خلًّا فوجد بعضه خمرًا ومن اشترى عبدين صفقة واحدة، فأصاب بأحدهما عيبًا وكانا متكافئين، أو كان العيب بأدناهما، رد المعيب ولزمه السالم. وإن كان العيب بأجودهما، كان له أن يردهما؛ لأن الشأن أن شراء الأدنى إنما كان رغبة في الأعلى، والجواب في الاستحقاق كذلك إن استحق الأدنى، أو كانا متكافئين لزمه ما لم يستحق، وإن استحق الأعلى رد ما لم يستحق. واختلف إذا اشترى جملة عبيد أو ثياب، وهي متساوية أو متقاربة، فكان العيب أو الاستحقاق في أكثرها، فقال ابن القاسم: له أن يرد السالم وما لم يستحق (¬1). وقال أشهب: يلزمه ذلك ولا رد له. وفرق بين هذه المسألة والتي قبلها، إذا كان العيب والاستحقاق في الأرفع؛ لأن الأدنى إنما يشترى لمكان الأجود، وإذا كانوا صفقة سواء أو متقاربة، كان كل واحد مشتريا لنفسه لا مشتريا لغيره، ولو بقي عنده عبد من عشرة لزمه. ورأى ابن القاسم أن التاجر يرغب في شراء الجملة ولا يرغب في شراء القليل، وليس هذا اختلافا في فقه. وأرى أن يرجع في ذلك إلى ما يقوله التجار، فإن قالوا: إن الرغبة في ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 323.

الجملة، ومتى كان الواحد والاثنان لم يرغب في شرائه، وكان يشتريه بدون ما اشترى به في الجملة، كان له أن يرده. وإن قالوا: الرغبة والثمن سواء؛ لزمه. واختلف في خمسة مواضع: أحدها: إذا أراد أن يمسك الأدنى بعد أن مكن من الرد، هل له ذلك؟ والثاني: إذا كان العيب بالأعلى واستحق وفات الأدنى، هل يمضي بالثمن أو بالأقل من القيمة أو الثمن؟ والثالث: إذا كان العيب بالأدنى وأراد رده، وقال البائع إما أن تقبل الجميع أو ترد الجميع. والرابع: إذا فات المعيب أو استحق وفات الآخر، واختلف في قيمة الفائت. والخامس: ما الذي يفيت الأدنى إذا رد الأعلى، حوالة الأسواق أو العيوب؟ فمنع ابن القاسم إذا كان رد الأعلى بعيب أو استحق أن يمسك الباقي ورآه بمنزلة من ابتدأ الشراء بثمن مجهول؛ لأنه مَلَكَ الرد، فأمسكه بما يصير له من الثمن في الجملة، وذلك غير معلوم إلا بعد تقويم (¬1). وأجازه ابن حبيب وله في إجازته وجهان: أحدهما: أنه إنما يتمسك به على العقد الأول ولا ينحل إلا برده؛ لأن مصيبته بعد رد المعيب أو الاستحقاق من المشتري حتى يرده، وهو أصل أشهب فيمن وجد عيبًا فصالح عليه، أنه شراء مرجع وليس كمبتدأ بيع. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 324.

والثاني: أن يكون أجراه على أحد القولين في جمع السلعتين، وإن كان يرى أن البيع الأول قد انحل. وأرى له أن يتمسك به؛ لأنه باق على العقد الأول لم ينفسخ بعد، ولو كنت أرى قبوله ورضاه به فاسدا فرددت قبوله، لكان بمنزلة من لم يلتزمه، ثم ينظر قيمة الباقي من المعيب أو المستحق فيقبل بعد المعرفة بما ينوبه أو يرد. واختلف إذا كان العيب بالأدنى فأراد المشتري رده وحده، وقال البائع: إما أن ترضى به أو ترد الجميع، فقيل: القول قول المشتري. وقال ابن القاسم في المدونة: إذا كان العيبُ في كثير من عدده أو وزنه أو كيله، حتى يضر ذلك بصفقته، لم يكن له أن يحبس ما صح بما ينوبه من الثمن، وإن كان معروفًا؛ لأن البائع إنما باع على أن حمل بعضه بعضًا بخلاف الاستحقاق (¬1). وإذا جعل للبائع مقالًا أن يحمل الأقل عيبَ أكثر الصفقة، كان ذلك أبين أن يكون له ذلك، إذا كان العيب بالأدنى أن يحمله الأجود. وقال الداودي: وقد قيل ذلك سواء كان العيب في أقل الصفقة أو أكثرها، فإنه يرد الجميع أو يحبس الجميع. والأول أحسن، وإذا رد الأجود وفات الأدنى، مضى عند ابن القاسم بما ينوبه من الثمن، وقال- في كتاب محمد: فيمن اشترى شاة وعليها صوف، ثم وجد عيبًا بعد أن جزه وفات-: أنه يرد مثل الصوف أو قيمته ما بلغ (¬2). فعلى هذا يرد قيمة الأدنى، إلا أن تكون القيمة أكثر فيمضي بالثمن. وأما الوجه الذي يفيت الأدنى، فظاهر قول ابن القاسم حوالة ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 324. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 320.

فصل [في الاستحقاق]

الأسواق (¬1). وقال محمد: يفيته العيب المفسد الذي يفيت الرد بالعيب، وليس حوالة الأسواق ولا تغير البدن (¬2). لأنه لما وجد العيب بالمرتفعة من الجاريتين، فكأنه وجده فيهما، وهذا لأن رد الأدنى إذا كان الأجود قائما، من باب العيب عليه في صفقة، والعيوب لا تفيتها حوالة الأسواق ولا العيب الخفيف، وإذا كان العيب كثيرًا كان بالخيار بين أن يمسك ويرد قيمته، ليس مما ينوبه من الثمن من الصفقة الأولى؛ لأن ذلك العقد سقط. وقال محمد- فيمن اشترى عبدين فوجد بهما عيبًا، فرضي بعيب أحدهما وأراد رد الآخر-: ذلك له (¬3). وهذا صحيح؛ لأن الرد بالعيب من حق المشتري فيهما، فله أن يقوم بحقه فيهما أو في أحدهما. وإن اختلفا في صفة الفائت كان القول قول المشتري عند ابن القاسم إن لم ينقد، والقول قول البائع إن انتقد. وقال أشهب ومحمد: القول قول البائع انتقد أو لم ينتقد (¬4). والأول أحسن؛ لأن المعيب سقط العيب فيه بالرد، وصار البيع في الباقي وحده. فصل [في الاستحقاق] والجواب في الاستحقاق كالجواب في العيب يجده بأحدهما، فإن استحق ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 324. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 311. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 311. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 312.

فصل [في استحقاق الأقل أو النصف]

الأدنى أو كانا متكافئين لزمه الباقي، وإن استحق الأجود كان له أن يرد الباقي إذا كان قائمًا. واختلف هل له أن يحبسه بما ينوبه من الثمن؟ وإن فات هل يمضي بالثمن أو بالأقل من الثمن أو القيمة؟ وهل تفيته حوالة الأسواق أو العيوب؟ وإن كان الاستحقاق على الأجزاى والمبيع عبيدًا أو ثيابًا، وكان ذلك مما يخرجه القسم، كان الجواب على ما تقدم لو كان المستحق شيئًا بعينه، فإن كان المستحق النصف فأقل لزم الباقي، وإن كان أكثر الصفقة كان له أن يرد الباقي أو يمسكه قولًا واحدًا؛ لأن الجزء له ثمن معلوم، وإن كان لا يخرجه القسم كان له أن يرد وإن قل الجزء المستحق؛ لأن بقاء الشركة عيب على المشتري. وإن كانا عبدين متكافئين فاستحق ربحهما أقرع بينهما، فما صار للبائع لزم المشتري، وفسخ البيع في الآخر للشركة. وإذا استحق رجل جميع العبدين وكانا متكافئين، فأرى أن يمضي البيع في أحدهما جاز. وقال أشهب في كتاب محمد فيمن غصب جارية فولدت أولادًا ثم باعها وأولادها ثم استحقت فأراد المستحق أن يجيز البيع في بعض الأولاد، أن ذلك له (¬1). فصل [في استحقاق الأقل أو النصف] ومن اشترى طعامًا فاستحق أقله لزمه الباقي، واختلف في النصف، فقال ابن القاسم: له رد الباقي (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 387. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 324.

وقال أشهب -في مدونته-: يلزمه مثل العروض، وأنكر قول ابن القاسم، وأن يكون مالك قاله قط (¬1)، وليس هذا اختلافا في فقه. وأرى أن يرجع في ذلك إلى العادة في بيع الطعام في ذلك البلد، فإن كان ثمن الخمسين على الانفراد والجملة سواء لو كانت مائة لزم الباقين، وإن كان ثمن الخمسين على الانفراد أرخص كان له أن يرد؛ لأن المشتري يقول: إنما اشتريته بغلاء رغبة في شراء الجملة، ولئلا أتكلف شراء الباقي، ولو علمت أن المبيع هذا لم أشتره بذلك، وإن كان الثمن في الجملة أرخص، كان له مقال؛ لأنه يقول: إذا رددت هذا اشتريت الجملة رخيصة. وقال محمد -فيمن اشترى صبرتين أو حملين على غير كيل فاستحق أحدهما-: لزمه الباقي كالعبدين بخلاف البيع على الكيل. قاله في مسألة النصف حمل، والقياس أن يكون الجزاف والمكيل في ذلك سواء، ويرجع في الجميع إلى ما يقوله أهل المعرفة، هل البيع في الجميع والنصف سواء غلا أو رخص؟ وهذا الجواب في الاستحقاق. وأما العيب فقال مالك وابن القاسم: إن مِن حق البائع أن لا يرد المعيب وحده، والمشتري بالخيار بين أن يقبل جميعه أو يرد جميعه سالمة ومعيبة؛ لأن بعضه يحمل بعضًا ومحمل قوله على أحد الأقوال في العروض أنه يقبل جميع المعيب أو يرده، وعلى القول أنه يرد المعيب وحده ويكون ذلك في الطعام؛ لأنه لا يجوز له أن يخلط الطعام الجيد بالرديء ثم يبيعه، واذا كان الحكم أن لا يخلطا وإن بيعا صفقة صار كالعروض، وإن كان المعيب مما لا ينفك عنه أسافل الصبرة، لزم المشتري قبوله، إلا أن يكون زائدًا على المعتاد فيرد الزائد. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 309.

وقال ابن القاسم -فيمن اشترى شاتين مذبوحتين، فأصاب إحداهما غير ذكية-: له أن يرد الذكية كالطعام يستحق نصفه، وله أن يحبسها بما يصيبها من الثمن. وعلى قول أشهب تلزمه الذكية، وإن كانت الأدنى كالعروض (¬1). وهذا إذا كانتا على الوزن، وإن كانتا جزافًا لم يكن له أن يرد على قول محمد، إذا كانتا متكافئتين ولا على قول أشهب، وإن كانت الذكية الأدنى. وقال سحنون: البيع فاسد؛ لأنها صفقة جمعت حلالًا وحرامًا، وهو أصله أيضًا فيمن تزوج بعبد فثبت أنه حر، أن النكاح فاسد وإن لم يتعمداه (¬2). وأخذ القاضي أبو الحسن علي بن القَصَّار من هذه المسألة: أنه متى جمعت الصفقة حلالًا وحرامًا نقض البيع الحرام وحده. وقول ابن القاسم: إذا لم يعلما، أحسن؛ لأن الميتة في ذلك كالمستحقة، وكذلك أراد إذا علما وكانتا متكافئتين؛ لأنه لم يشترِ إحداهما لمكان الأخرى، وكذلك إذا كانت الميتة الأدنى، وكل موضع يكون البيع لازمًا في الاستحقاق، وفيما لم يستحق يكون لازمًا في الذكي؛ لأنه لم يشتره لمكان الميتة، وإذا كان ذلك لزم الذكي. وكذلك إذا كانت قلالَ خلٍّ فوجد بعضها خمرًا، يختلف هل يكون العقد في الخل صحيحًا أو فاسدًا؟ وإذا كان صحيحًا وكان الخل النصف فأكثر وهو جزاف لزم البيع فيها. ويختلف إذا كانت على الكيل، فقال ابن القاسم: يكون بالخيار فيها. وقال أشهب: يلزم البيع في الخل، وإن كانت التي هي خل واحدة من عشرة لزمت. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 322، 323. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 130، والبيان والتحصيل: 4/ 446.

وقال ابن القاسم -فيمن باع عبدًا بثوبين، ثم وجد أحد الثوبين معيبًا، وهو الوجه وفات الأدنى، والعبد قائم-: رد المعيب وقيمة الأدنى وأخذ العبد، وإن فات العبد بحوالة الأسواق فما فوق وقيمة المعيب من الثوبين الثلث أو الربع، رده وأخذ قيمة ثلث العبد أو ربعه. فتكلم على وجهين من المسألة، إذا كان المعيب الوجه والعبد قائم، أو كان المعيب الأدنى وفات العبد. وبقي وجهان: إذا كان المعيب الوجه وفات العبد، أو كان المعيب الأدنى والعبد قائم. فإن كان المعيب الوجه وفات العبد، رد المعيب وأخذ ما ينوبه من قيمة العبد، ومضى الأدنى بما ينوبه من قيمة العبد. وعلى القول الآخر يكون للمشتري أن يرد قيمته بدلًا عن عيبه، ويأخذ قيمة عبده إذا كان الذي ينوبه من قيمة العبد أكثر من قيمة الأدنى. وإن كان المعيب الأدنى والعبد قائم، رد المعيب ورجع بما ينوبه من قيمة صاحبه، ولا يرجع شريكًا في عين العبد، وقاله ابن القاسم مرة، وينقلب الخيار لمشتريه، فيخير بين أن يرضى بالشركة أو يرده، وهو معنى قول أشهب؛ لأنه لم يقل لا خيار لمشتريه. وما قيل في ذلك: إن الخيار له لأن العيب من سببه- فليس بحسن؛ لأن البائع إذا كان غير مدلس فلم يقصد إلى بقاء الشركة فيه، وإن كان مدلسًا، فإنه يرجو أن بحاله ذلك، أو يطلع فيجري على الأحكام في المبيعات أن لا يؤخذ في العيب بغير ما باع به، كما لم يجبر أن يسقط قيمة العيب مع قيام المبيع، وإن وجد العيب بالعبد رده وأخذ ثوبيه إن كانا قائمين، أو قيمتهما إن كانا فائتين. وإن فات أحدهما وهو الأعلى كان فوتًا للأدنى ويأخذ قيمتها، إلا أن يحب

فصل [فيمن اشترى ثوبين بطعام فاستحق أحدهما أو وجد به عيبا]

البائع أن يأخذ الأدنى فذلك له؛ لأن المقال له فيه لا عليه. وإن فات الأدنى أخذ الأعلى، واختلف في الأدنى إذا كان قائمًا، فقيل: يرد قيمته. وقيل: لمشتريه أن يرده؛ لأن انتزل الأجود من يديه عيب عليه في الأدنى، وقد تقدم ذلك. فصل [فيمن اشترى ثوبين بطعام فاستحق أحدهما أو وجد به عيبًا] ومن اشترى ثوبًا بطعام فاستحق أحدهما، أو وجد به عيبًا، فإن كان الأدنى رجع بما ينوبه من الطعام، ولا خيار لواحد منهما، وإن كانا متكافئين رجع في نصف الطعام إن كان قائمًا، وفي مثله إن كان فائتًا، ثم يكون المشتري بالخيار في الباقي -على قول ابن القاسم- بين أن يمسك الباقي، أو يرده ويأخذ ثوبه إن كان قائمًا أو قيمته إن كان فائتًا، ولا خيار له في قول أشهب. وإن كان المستحق أو المعيب الوجه (¬1) من الثوبين، كان له أن يرد الأدنى وليس له أن يتمسك به، ويكون المشتري بالخيار، وعلى قول أشهب لا خيار له. وإن كان الاستحقاق في الطعام، فإن كان يسيرًا لزمه ما لم يستحق ورجع بما ينوبه في الثوبين قيمة على مذهب ابن القاسم، وشريكًا على قول أشهب. ويرجع الخيار لمن في يده الثوبان. وإن استحق نصف الطعام فأكثر كان مشتريه بالخيار عند ابن القاسم بين أن يتمسك بالباقي ويرجع بما ينوب المستحق قيمته، وعلى قول أشهب يلزمه في الطعام ويرجع شريكًا في الثوبين، وينقلب الخيار لمشتريهما. ¬

_ (¬1) لعل المراد: (هو الوجه).

باب فيمن اشترى سلعة أو عبدا فهلك بيد البائع، أو شيئا مما يكال أو يوزن فهلك قبل الكيل والوزن، أوبعد كيله ووزنه وقبل أن يفرغ في وعاء المشتري

باب فيمن اشترى سلعة أو عبدًا فهلك بيد البائع، أو شيئًا مما يكال أو يوزن فهلك قبل الكيل والوزن، أوبعد كيله ووزنه وقبل أن يفرغ في وعاء المشتري ومن اشترى ثوبًا أو عبدًا فهلك بيد البائع، فإنه لا يخلو أن يكون ذلك لا سبب فيه لآدمي، أو يكون هلاكه من سبب البائع أو أجنبي أو مشتر. فاختلف عن مالك إن كان لا سبب فيه لآدمي، فقال مرة: المصيبة من البائع. وقال أيضًا: من المشتري. وسواء كان البيع سلعة أو حيوانًا حاضرًا أو غائبًا. واستحب ابن القاسم إذا كان المبيع حاضرًا أن يكون من المشتري، وإن كان غائبًا أن يكون من البائع (¬1). وقال محمد في "مختصر ما ليس في المختصر": إن كان المشتري من أهل البلد وهو موسر، كانت المصيبة من البائع، وإن كان غريبًا وليس بموسر كانت المصيبة من المشتري، وإن كان الأجل عشرة أيام ونحوها فهو من البائع؛ لأنه كالرهن في يديه. فرأى في القول الأول أن البيع التقابض، أن تعطيني عبدك وأعطيك عشرة دنانير، وما تقدم، فإنما هو عقد أوجب أن أعطيك وتعطيني، ولهذا قال: المصيبة من البائع وإن كان البيع عبدًا أو ثوبًا وقامت البينة على تلفه. ورأى في القول الآخر أن العقد بيع في الحقيقة، فنقل الضمان بنفس العقد. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 325.

والتعليل بأمر التسليم ليس بحسن؛ لأنه إن كان يرى أن عليه التوفية والتسليم، فإن التراخي عنهما لا يسقطهما كما لا يسقط ما كان باقيًا على الكيل، فإن التراخي عنه لا يسقطه، وإن كان يرى أن البيع عقد في الحقيقة، فعلى المشتري أن يسلم ذلك، وإنما على البائع أن يرفع يده عنه. واختلف بعد القول إن عليه التسليم، فقال أبو الحسن ابن القصار: الذي يجيء على المذهب أحد وجهين: إما أن يجبر المبتاع على تسليم الثمن، ثم يؤخذ من البائع المبيع، أو يقول لهما: إن لم يتطوع أحدكما فيبتدئ بالتسليم، أو تكونا على ما أنتما عليه. وأن يجبر المبتاع أقوى. قال الشيخ -رحمه الله-: أما إذا كان المبيع ثوبًا بثوب، فعلى كل واحد منهما إذا تشاحَّا أن يمد يده بثوبه، فإذا تحاذيا قبض كل واحد منهما ما اشتراه. وإن بيع ثوب بعين كان على مشتريه أن يزن الثمن ويقلب، فإذا لم يبق إلا تسليمه، مد كل واحد منهما يده بملكه نحو الأول لأنه لا تبدية لأحدهما على الآخر. وإن كان المبيع دارًا أو أرضًا أو حائطًا أو ما لا بنيان به، جبر المشتري على البداية بدفع الثمن؛ لأنه ليس على البائع أكثر من رفع يده والتسليم، فالقول إذا كان المبيع فارغًا من أشغاله. وإن كان المبيع منافع دابة أو دار، ولم تكن عادة في تعجيل الكراء ولا تأخيره، كان للمكتري أن يبتدئ بالركوب والسكن، فكلما مضى يوم دفع ما ينوبه؛ لأن المنافع لا يقدر على قبضها كالثوب، ولا يقدر الآخر أن يعطيه كلما مشى خطوة أو ساعة بحسابها، وليس على المكتري أن يَبتدئ بالدفع ثم يقبض ما يتراخى قبضه، فكان لتغليب أحد الأمرين أن يبتدئ بدفع ما يتراخى قبضه،

فصل [في المبيع يهلك بيد البائع أو المشتري أو المشتري الأجنبي]

وأقل ما يكون في المحاسبة عنه خرج يوم. وعلى القول: إن العقد بيع في الحقيقة، فإن كان بيع الثوب بعين، كان على بائع الثوب تسليمه ثم يطلب بالثمن، وإلى هذا يرجع قول مالك في "مختصر ما ليس في المختصر": إذا كان المشتري موسرًا ومن أهل البلد. يريد: أن البائع يصير في حكم المتعدي في إمساكه؛ لأن المبيع صار للمشتري بنفس العقد، وللبائع مطالبته في الذمة بالثمن، فعليه أن يسلم للمشتري ملكه، ويطلب بالذمة، والإمساك حتى يقبض الثمن ضرب من الارتهان، والارتهان لا يكون إلا بشرط. وإذا كان المشتري على غير ذلك فقيرًا أو غريبًا، كان الإمساك من سبب المشتري فكانت المصيبة منه، ورأى أن الأجل قريب كبياعات النقود، يكون للبائع أن يمسك المبيع حتى يقبض الثمن. فصل [في المبيع يهلك بيد البائع أو المشتري أو المشتري الأجنبي] ويختلف إذا أهلك البائع المبيع، فعلى القول: إن المصيبة من البائع، ينفسخ البيع إن أهلكه خطأ، ولا شيء للمشتري عليه. إن كانت قيمته أكثر من الثمن، فإن أهلكه عمدًا وكانت قيمته أكثر من الثمن، غرم البائع فضل القيمة عن الثمن. وإن اختلف الثمن من الجنس الذي تقدم به البيع، كان بالخيار بين أن يفسخ البيع عن نفسه، أو يدفع الثمن الذي اشترى به ويرجع بالقيمة. وعلى القول: إن المصيبة من المشتري، يكون الخطأ والعمد سواء وعلى المشتري الثمن وعليه القيمة، فمن كان له فضلٌ أخذه. وإن أهلكه المشتري

فصل [في هلاك ما يوزن أو يكال قبل الكيل أو الوزن أو بعده]

خطأ، انفسخ البيع على القول أن المصيبة من البائع، ويغرم القيمة إن كانت أكثر من الثمن، وإن كان الثمن أكثر غرمه؛ لأنه من باب الخطأ على الثوب أبطل الدين. وعلى القول الآخر يكون عليه الثمن قل أو كثر؛ لأنه كان في معنى المقبوض. وإن أهلكه عمدًا غرم الثمن قل أو كثر على القولين جميعًا؛ لأنه رضي منه بقبضه على تلك الحال. وإن أهلكه أجنبي خطأ أو عمدًا، كان عليه على القول أن المصيبة من البائع الأكثر من القيمة أو الثمن؛ لأن خطأه على السلعة أبطل على البائع الدين الذي كان له في الذمة، ذمة المشتري. وعلى القول الآخر تكون القيمة للمشتري على الذي أهلكه وعليه الثمن للبائع. فصل [في هلاك ما يوزن أو يكال قبل الكيل أو الوزن أو بعده] ضمان ما يوزن أو يكال من البائع حتى يكال أو يوزن، واختلف عن مالك إذا كيل أو وزن ثم هلك وهو في المكيال، أو في كفة الميزان قبل أن يصير إلى وعاء المشتري أو يده، فقال مرة: هو من البائع حتى يصير إلى وعاء المشتري (¬1). وقال في رجل اشترى زيتًا، فأمر البائع من يكيل له، فكال مطرًا (¬2) وصبه في وعاء المشتري، ثم كال آخر فسقط من يد الأجير على وعاء المشتري فانكسرا ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 377. (¬2) المطرُ: مِكْيَالٌ يُكَالُ به، وقد ذكر هذا ابن رشد، انظر: البيان والتحصيل: 7/ 374.

جميعًا؛ قال: الثاني من البائع، وعلى الأجير ضمان الأول (¬1). وقال أيضا: ذلك من المشتري وإن لم يصل إلى وعائه (¬2). وقال ابن القاسم في العتبية: إن مكن البائع المشتري من المكيال، يكيل لنفسه فسقط من يده بعد أن امتلأ المكيال، فهو من البائع حتى يقبضه المشتري. قال: والقبض أن يحصل في وعاء المشتري أو حيث يأمره بجعله (¬3). وروى عنه سحنون إذا ولي المشتري الكيل أو وزن الدراهم لنفسه فهلك ذلك بعد أن استوفى الكيل والميزان، أن المصيبة من المشتري (¬4)، بخلاف أن يلي ذلك البائع أو وكيله (¬5). وقد مضى في كتاب السلم الثالث، ذكر الطعام يباع على كيل فيهلكه البائع أو أجنبي قبل أن يُكال. واختلف عن مالك في ضمان الصبرة تباع جزافًا، هل تكون مصيبتها إذا كانت محبوسة بالثمن من البائع أو المشتري (¬6)؟ قال محمد: لم يثبت فيها مالك على شيء (¬7)، والصبرة ها هنا كالعبد والثوب. ويختلف في التمر والزرع إذا أصيب بعد اليبس وقبل الجداد والحصاد؛ فقيل: هو من البائع. وقيل: من المشتري. وقيل: إن دخل على أن حصاده وجداده على البائع كان من البائع، وإن دخل على أن ذلك على المشتري كانت ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 377، والبيان والتحصيل: 7/ 373. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 7/ 375. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 377، والبيان والتحصيل: 7/ 463. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 378. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 7/ 482. (¬6) انظر: المدونة: 3/ 139، 140. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 373.

فصل [فيمن اشترى سلعة ثم علم بها عيبا بعد هلاكها]

المصيبة من المشتري. ومن اشترى زرعًا مذارعة كل ذراع بكذا، فهو من البائع حتى يذرع، إلا أن يدخلا على أن يحصده المشتري ثم يذرع الأرض، فيكون من المشتري بنفس العقد، إلا أن يكون محبوسًا بالثمن. ومن اشترى عبدًا أو سلعة على صفة على أن الأمر موقوف على أن ينظر إليها، كانت المصيبة من البائع حتى يختبر، إلا أن يكونا دخلا على تصديق البائع أو تصديق غيره، فيكون بمنزلة من اشترى ما عاينه، فيختلف هل يكون من البائع أو المشتري. فصل [فيمن اشترى سلعة ثم علم بها عيبًا بعد هلاكها] ومن اشترى سلعة ثم علم أن بها عيبًا بعد أن هلكت، كانت مصيبتها منه، وسواء هلكت بيد المشتري أو بيد البائع قبل أن يقبض منه، وكذلك إن علم بالعيب وهي قائمة، ثم هلكت قبل أن يقوم بالعيب، أو بعد أن قام ليرد ولم يحكم بالرد ولم يقل رددت. واختلف إذا هلكت بعد الرد وقبل وصولها إلى يد البائع، فقال في المدونة: المصيبة من المشتري حتى يرد بقضاء من السلطان، وسواء كان قبضها من البائع أو لم يقبضها (¬1). وقاله مالك في كتاب محمد، وقال أيضا: المصيبة من المشتري وإن رد بقضاء من السلطان حتى يقبضه بائعه (¬2). وقال أبو الحسن ابن القصار: إذا قال المشتري بعد أن وجد العيب قد فسخت البيع، وسواء كان ذلك قبل القبض أو بعده، حكم به حاكم أم لا، ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 326. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 373، 300.

وبه قال الشافعي، ووافقنا عليه أبو حنيفة إذا كان قبل القبض، يريد إذا كان العيب مما لا يشك فيه أنه يوجب الرد. وهو قول ابن القاسم فيمن تزوجت رجلا، ثم علمت أنه عبد فردت النكاح عن نفسها من غير حكم، أنه منفسخ، بخلاف أن يكون العيب جنونًا أو جذامًا، أو مما يحتاج فيه إلى اجتهاد أهل المعرفة فيه، هل هو مما يذهبه العلاج؟ فلا يرد إلا بحكم حاكم (¬1). واختلف فيمن ابتاع عبدًا فقبضه ثم تقايل فيه. وقال محمد -فيمن اشترى عبدًا بعيد الغيبة فأعتقه-: وجب عليه أن يدفع الثمن ساعة أعتق، وإن كان غائبًا؛ لأن عتقه كقبضه (¬2). وليس هذا بالبين؛ لأنه في حين العتق لا يدرى هل هو حي أو ميت أو غائب إلى غير ذلك البلد؟ والوجه الذي كان يتخوف منه ولأجله لم يجز البيع بشرط النقد- موجود وقت العتق. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 526، والبيان والتحصيل 4/ 482. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 368.

باب فيمن اشترى سلعة أو عبدا، فباع أو وهب أو تصدق أو أعتق أو أجرى أو رهن، ثم أصاب عيبا

باب فيمن اشترى سلعة أو عبدًا، فباع أو وهب أو تصدق أو أعتق أو أجرى أو رهن، ثم أصاب عيبًا ومن اشترى سلعة فباعها وتداولها رجال، ثم اشتراها من أحدهم، ثم أصاب بها عيبًا كان عند البائع منه أو لا، كان له أن يردها على الآخر. ويختلف هل يردها على الأول قياسًا على من اشترى سلعة شراءً فاسدًا، ثم باعها بيعًا صحيحًا، ثم اشتراها فوجدت في يده, فلم تتغير في سوقها ولا في بدنها؟ فقال ابن القاسم: ينقض البيع الأول. ولم ير ما حدث بعده من البيع الصحيح فوتًا ليمنع الرد على الأول. وقال أشهب: لا يرد على الأول (¬1). وهو أحسن، وقد حال بين الرد على الأول ما حدث بعده من البياعات والعهد. ومن اشترى سلعةً أو عبدًا، فوجد بها عيبًا بعد أن انتقل ملكه عنها، وصارت إلى آخر بهبة أو بيع أو صدقة أو عتق أو دبر أو كاتب أو اتخذ أم ولد، فإن علم بالعيب قبل خروجه من يده، ثم باع أو وهب أو تصدق لم يرجع بشيء، وإن لم يعلم رجع بقيمة العيب إذا وهب أو تصدق أو أعتق (¬2). واختلف في البيع على ثلاثة أقوال: فقال مالك: لا يرجع بشيء. وقال ابن القاسم: لأنه في بيعه على وجهين: إن باع بمثل الثمن فقد عاد إليه ثمنه، وإن باع باقل فإن النقص لم يكن لأجل العيب (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 185. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 327. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 328.

وقال أشهب: إن باع بمثل الثمن فأكثر لم يرجع بشيء، وإن باع بأقل رجع بالأقل من قيمة العيب، أو ما نقص الثمن (¬1). ورأى أن الحكم لو علم قبل البيع أن يمسك ولا شيء له، أو يرد ويأخذ الثمن، فقد صار إليه مثل الثمن إن باع به أو بأقل فأتم له، وإن كانت قيمة العيب أقل، أخذ قيمة العيب؛ لأنه الذي يجب له لو هلك ولم يبعه. وفي مختصر ابن عبد الحكم عن مالك: أن له أن يرجع بقيمة العيب على كل حال، بمنزلة لو وهب وهو أبين فله أن يرجع بالعيب وإن باع بمثل الثمن أو أكثر؛ لأن ذلك يكون لزيادة المبيع في نفسه, أو لغلاء سوق، أو لمغابنة كانت في وقت الشراء، فهو بما في ضمان المشتري أو من سبب تجره، فلا يجبر به ما كان على البائع أن يغرمه إذا علم المشتري الثاني بالعيب والعبد قائم فرضيه (¬2). واختلف إذا مات عند الثاني ورجع على من باع منه بقيمة العيب، أو باع الأول وهو عالم بالعيب، وهو يظن أنه حدث عنده، ثم ثبت أنه كان عند الأول، أو باعه وكيل المشتري وبيَّن العيب ولم يعلم أنه كان عند البائع الأول، أو قتل العبد عند المشتري الأول فاخذ قيمته معيبًا. فاختلف في هذه الأربع مسائل، فقال ابن القاسم: إذا علم المشتري الثاني بالعيب بعد فوت العبد ورجع على من باع منه بقيمة العيب، رجع المشتري الأول على البائع الأول بأقل من ثلاث، فما رجع به عليه، أو تمام الثمن، أو قيمة العيب من الصفقة الأولى. فإن بقي في يد المشتري الأول بعدما رجع به عليه مثل الثمن الأول فأكثر، لم يرجع بشيء (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 303. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 303. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 303.

وعلى قول أشهب، إذا بقي في يديه بعد ما رجع إليه أقل من الثمن، رجع بالأقل من وجهين: من قيمة العيب، أو ما نقص الثمن. وإن بقي في يديه مثل الثمن، لم يرجع بشيء. وعلى رواية ابن عبد الحكم، يرجع بقيمة العيب من الصفقة الأولى على كل حال، وإن بقي بيده مثل الثمن فأكثر، وكذلك إذا باعها وبَيَّن العيب وهو يظن أنه كان عنده، أو باعها وكيله وبَيَّن العيب، فقال محمد: يرجع بالأقل من قيمة العيب أو تمام الثمن (¬1). يريد: إن باع بمثل الثمن لم يرجع بشيء، وإن كان قد حط من الثمن لمكان العيب، وأنه لو كان سالمًا لباع بأكثر، وهو أصل ابن القاسم في قوله: إن باع بغير عيب ثم رجع المشتري الآخر عليه على الأول، وبقي في يديه مثل الثمن، لم يرجع بشيء (¬2). وقال ابن القاسم في المدونة: إذا قتل العبد رجع المشتري بقيمة العيب (¬3)، ولم يراع القيمة التي أخذ من القاتل، هل هي مثل الثمن أم لا؟ وهذا خلاف قوله المتقدم إذا باع وبَيَّن العيب، ويلزم على قوله في القتل أنه يرجع بقيمة العيب، وإن صار إليه من القاتل مثل الثمن، أن يقول مثل ذلك إذا باع بالعيب، وهو يظن أنه عنده أن يرجع بقيمة العيب، وإن باع بمثل الثمن؛ لأن هذا في يديه ثمن معيب، وهذا أخذ قيمة معيب. وقال أشهب: إذا قتل وكانت القيمة مثل الثمن، لم يرجع على البائع منه شيء (¬4)، ومضى على أصله في المسألتين جميعًا وساوى بين البيع والقتل. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 303. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 303. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 220. (¬4) انظر: المدونة: 3/ 220.

فصل [فيمن اشترى عبدا ثم اشتراه الذي باعه منه فوجد به عيبا]

فصل [فيمن اشترى عبدًا ثم اشتراه الذي باعه منه فوجد به عيبًا] ومن اشترى عبدًا ثم اشتراه منه الذي باعه منه بمثل الثمن، ثم وجد به عيبًا كان عند الأول، لم يرجع أحدهما على الآخر بشيء. وكذلك إذا اشتراه منه بأكثر من الثمن الأول وهو عالم بالعيب، لم يكن للبائع الأول أن يرجع على من باعه منه بشيء، وإن لم يعلم كان له أن يرده على الذي اشتراه منه، إلا أن يرضى المشتري الأول أن يرد عليه ذلك الفضل. واختلف إذا اشتراه منه بأقل، فقال ابن القاسم: للمشتري الأول أن يرجع على من باعه منه بتمام الثمن؛ لأنه يقول: كان لي أن أرده عليك وها هو ذا في يديك. وقد اختلف في هذا الأصل، فقيل فيمن خالعت زوجها، ثم علمت أن به عيبًا يوجب: لها الرد. فقال عبد الملك بن الماجشون: لها أن ترجع عليه بما افتدت به منه (¬1). وهو قياس قول ابن القاسم ها هنا؛ لأنها تقول: قد كان لي أن أرد هذا النكاح عني ولا أغرم شيئًا. وقال ابن القاسم: ليس لها أن ترجع بشيء (¬2). وعلى هذا لا يكون للمشتري أن يرجع على البائع منه بشيء؛ لأنه في يد البائع بعقد ثان، وإن علم المشتري الأول بالعيب وحده ثم باعه من الأول، كان ذلك رضًا منه وسقط قيامه إن باع بأقل، ويكون للبائع الأول أن يرده ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 274. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 250، والبيان والتحصيل: 5/ 49.

فصل [فيمن اشترى عبدا فباعه منه أجنبي ثم اشتراه فوجد به عيبا]

عليه إن شاء، وسواء كان اشتراه منه بمثل الثمن أو أكثر أو أقل، فإن هو رده لزم المشتري الأول ولم يكن له أن يرده عليه وقال محمد: إن كان العيب مشكوكًا فيه، هل كان عند البائع الأول أو الثاني؟ وقد عاد إلى الأول بأقل، حلف الأول، فإن نكل حلف الثاني وارتجع منه بقيمة الثمن. قال الشيخ: فإن عاد إلى الأول بأكثر من الثمن، حلف الأول أنه لم يكن عنده قديمًا، ثم كان له أن يرده على المشتري الأول ويرتجع ثمنه منه، وإن شك في العيب هل كان عند الأول قبل بيعه، أو حدث عند المشتري الأول، أو حدث عند البائع الأول في البيعة الآخرة؟ فإن بيع بأقل حلفا جميعًا ولم يرجع أحدهما على الآخر بشيء، فيحلف الأول أنه لم يكن عنده، ويسقط الرجوع عليه ببقية الثمن، ويحلف المشتري الأول أنه لم يحدث عنده، ويسقط رده عليه، فإن بيع بأكثر من الثمن حلف المشتري، ولم يرجع عليه بفضل الثمن، إلا أن يعترف أنه كان عند البائع الأول، فيكون عليه أن يرد الفضل. فصل [فيمن اشترى عبدًا فباعه منه أجنبي ثم اشتراه فوجد به عيبًا] ومن اشترى عبدًا فباعه منه أجنبيٌّ، ثم اشتراه فوجد به عيبًا كان عند الأول، فإن اشتراه من الآخر بمثل ما كان باعه منه فأقل، لم يكن له أن يرده إلا على الأول، ويكون للآخر وهو الثالث أن يرجع على الأوسط بتمام الثمن إن كان باعه منه بأقل، وإن عاد إلى الأوسط بأكثر من الثمن، وهو عالما بالعيب،

فكذلك يكون رجوع الأوسط على الأول دون الأخر، وإن لم يكن عالم بعيب كان بالخيار بين أن يرده على الأول أو على الآخر، إلا أن يرضى الآخر أن يرد إليه فضل الثمن، فلا يرده عليه ويرده على الأول. ومن اشترى عبدًا ثم تصدق به على بائعه منه، ثم علم أن به عيبًا كان عند البائع، كانت الصدقة ماضية، ويرجع المتصدق على البائع بقيمة العيب. وإن تقدمت الصدقة ثم اشتراه المتصدق به من المتصدق عليه، كان له أن يرده بالعيب ويرتجع الثمن، ويبقى في يد الأول على وجه الصدقة. وإن باعه المشتري من آخر ثم تصدق به المشتري الثاني على من باعه منه، مضت الصدقة ورجع المتصدِّق على المتصدَّق عليه بقيمة العيب، وكان للمتصدَّق عليه أن يرده بالعيب على الأول. وإن تصدق به الأوسط على ثالث ثم اشتراه منه، كان بالخيار بين أن يرده على الثالث ويرجع على الأول بقيمة العيب، أو يرده على الأول ويرجع عليه بالثمن، ولا شيء على الآخر. ومن اشترى عبدًا ثم مات البائع فورثه المشتري وآخر معه، كان له أن يرد بالعيب نصف العبد على أخيه، ويرجع فيما ينوب أخاه من الميراث بنصف الثمن. وإن مات المشتري والبائع وارثه، فإن كان معه وارث آخر رجع الأخ على أخيه، فرد نصف العبد وارتجع نصف الثمن. وإن أجر أو رهن ثم وجد عيبًا، كان بالخيار بين أن يرجع بقيمة العيب الآن، أو يمهل حتى تنقضي الإجارة ويفتك الرهن ويرده بالعيب، وإن حدث به عيب مفسد رده وما نقص العيب، وهذا قول ابن القاسم. وقال أشهب: إن

افتكه حين علم بالعيب رده، وإلا رجع بما ينوبه بين الصحة والداء (¬1). والأول أحسن إذا كان أمد الإجارة والرهن الشيء اليسير، وإن كان الأمد البعيد، كان بالخيار بين أن يرجع الآن بقيمة العيب، أو يمهل حتى تنقضي الإجارة والرهن فيرد. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 250.

باب فيمن اشترى جارية فزوجها فولدت ثم وجد بها عيبا

باب فيمن اشترى جارية فزوجها فولدت ثم وجد بها عيبًا وقال مالك -فيمن اشترى جارية فزوجها ثم وجد بها عيبًا-: أن له أن يردها وما نقص النكاح، أو يمسك ويرجع بقيمة العيب (¬1). فلم يجعل النكاح فوتًا، وهذا على القول في العبد إذا عمي أو ذهبت يده أو أقعد أو هرم؛ أنه ليس بفوت. وعلى قول محمد بن مسلمة يكون النكاح فوتًا، ويرجع بقيمة العيب ولا يرد؛ لأن النكاح يبطل الغرض منها إن كانت من جواري الوطء، وإن كانت من الوَخْش فالزوج يأتي إلى البائع من أجل ما تزوجها له أو تتردد هي إليه، وإن شرط الزوج أن تبوأ كما تبوأ الحرة، كان ذلك أبين؛ لأنها تصير منقطعة، وكل هذا يبطل الغرض منها ولا يكسبها إلا القليل من الناس. وقد قال مالك -فيمن اشترى عبدًا فباع نصفه ثم وجد به عيبًا-: أن بيعَ النصفِ فوتٌ يمنع المشتري الأول من رد النصف الباقي، والمشتري الأول بالخيار بين أن يقبض منه النصف أو يعطيه قيمة عيبه، فهو في التزويج أبين (¬2). واختلف بعد القول أن له أن يردها وإن صارت ذات زوج، إن ولدت أو زادت في جسمها، هل يجبر بذلك عيب التزويج والولادة؟ فقال ابن القاسم: يجبر بالولد، فإن كان كفافًا لما حدث عنده من العيب، رد ولا شيء عليه، أو أمسك ولا شيء له، وإن لم يكن فيه كفاف للعيب أتم الباقي، وإن كان فيه ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 327، والبيان والتحصيل: 8/ 259. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 297، والنوادر والزيادات: 6/ 305، والبيان والتحصيل: 8/ 306.

فضل كان للبائع. وقال غيره: عليه ما نقص النكاح ولا يجبر بالولد. قال: وإنما زيادة ولدها كزيادة بدنها. وقال مالك في مختصر ما ليس في المختصر، في زيادة البدن: إذا زادت قيمتها بقدر ما نقص التزويج، ردها ولا شيء عليه، والنكاح ثابت يجبر العيب بزيادة الجسم. وقال غيره: لا يجبر والأول أحسن؛ لأن كل ذلك إنما هو حادث في ملك المشتري وفي ضمانه، ولم يتقدم للبائع فيه ملك، وهو ملك للمشتري فوجب أن يجبر به. وقد حمل بعضُ أهل العلم قولَ مالك في جبره بالولد، أنه يرى أن الولد غلة، وليس كذلك؛ لأنه لا خلاف أن ولد الحرة من العبد حر، وولد الأمة من الحر عبد، وولد المعتق بعضها بمنزلة معتق بعضه، وولد المدبرة مدبر، والمعتق إلى أجل والمعتقة إلى أجل معتق إلى أجل وولد المكاتبة مكاتب، ولو كان الولد غلة والأم طرفًا لبطل جميع ما تقدم ذكره. وإنما رأى مالك ذلك من باب "لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ" (¬1)؛ لأن الأم إذا عادت بالولد على مثل القيمة الأولى، لم يكن عليه ضررة ولذلك راعى في المشتري إذا اطلع على عيب من بعد ما باع بمثل الثمن، لا مقال له على البائع؛ لأنه لو كان بيده فرَدَّه كان له الثمن، فقد عاد إليه فلم ينظر من جهة العيب. وكذلك إذا باع بأقل، لم يكن ذلك من سبب العيب. والأمة بعد الولادة على أوجه: إما أن يكونا قائمين، أو ماتا، أو بيعا، أو قتلا، أو نزل ذلك بأحدهما. وقد تقدم القول إذا كانا قائمين، وهل يجبر ¬

_ (¬1) هو لفظ حديث سبق تخريجه في كتاب الجهاد، ص: 1370.

بالولد؟ وإن ماتا رجع بالعيب، وإن مات الولد لم يضمنه المشتري، وكأنه لم يكن، والمشتري بالخيار بين أن يمسك ويرجع بقيمة العيب، أو يرد وما نقص النكاح، وإن ماتت الأم دون الولد، كان فيها قولان بقول ابن القاسم، يرجع بقيمة العيب بمنزلة ما لو ماتا. وقال أشهب: البائع بالخيار بين أن يدفع قيمة العيب، أو يخير المشتري بين أن يمسك الولد ولا شيء له، أو يرد ويأخذ الثمن (¬1)؛ لأن الولد كبعضها، بمنزلة لو كانت قائمة وقد حدث بها عيب. وإن بيعا لم يرجع بشيء على رواية ابن القاسم، وكذلك على قول أشهب إن بيعا بمثل الثمن، وإن بيعا بأقل رجع بالأقل من تمام الثمن أو قيمة العيب، وعلى قول ابن عبد الحكم يرجع بقيمة العيب، وإن باع بمثل الثمن. وإن بيعت الأم دون الولد لم يرجع على قول ابن القاسم بشيء، وكذلك على قول أشهب إن بيعت بمثل الثمن، وإن بيعت بأقل كان البائع بالخيار بين أن يعطي قيمة العيب أو يخيره بين أن يمسك الولد أو يرده ويتم له الثمن. وقال ابن القاسم: إن بيع الولد أو قتل، رد الأم وما أخذ من ثمن الولد أو قيمته. قال: بخلاف المفلس: يبيع الولد ثم يجد البائع الأم، فلا شيء له فيما بيع من ولده. وقال أصبغ -في العيب-: يرد من ثمنه قدر قيمته كأنه اشتراه مع أمه مولودًا (¬2). وقال ابن القاسم -في العتبية، فيمن اشترى شاة حاملًا فولدت وأكل ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 283. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 284.

ولدها ثم أصاب بها عيبًا-: إن أحب ردها وتقاصص بقيمة الولد، وإن أحب أمسك ورجع بقيمة العيب، وإنما جعلت له أن يمسك؛ لأن الولد ربما جاء من ثمنه ما هو أكثر من ثمنها، فإن قاصصه لم يرجع بشيء (¬1). وإن قتلا أو قتلت دون الولد، رجع على قول ابن القاسم بقيمة العيب، وعلى قول أشهب لا شيء له إن أخذ مثل الثمن، وإن أخذ أقل رجع بالأقل من قيمة العيب، أو تمام الثمن إن قتلا. وإن قتلت وكانت القيمة أقل كان له أن يعطيه قيمة العيب، أو يخيره بين أن يسلم له الولد ويتم له الثمن، أو يمسكه ولا شيء له. وإن قتل الولد دون الأم، وكان في قيمته ما يجبر عيب النكاح، خير بين أن يمسك ولا شيء له، أو يرد ويحاسب بالولد، فإن لم يجبر كان له أن يمسك ويأخذ قيمة العيب، أو يرد ويغرم له ما نقص العيب بعد الولادة. واستحسن إذا فات الولد ببيع أو قتل أن يمسك ويرجع بالعيب على كل حال بمنزلة الصغير يكبر. واختلف إذا كان صغيرًا فكبر؛ فقال ابن القاسم في المدونة: ذلك فوت ويرجع بقيمة العيب ولا وجه لواحد منهما (¬2). وقال مالك -في كتاب محمد-: له أن يرده ويرجع بالثمن (¬3). وهو أحسن؛ لأن النماءَ من حقه لا عليه. وقال مالك في المدونة: الهرم فوت (¬4). وقال محمد: هو عيب وليس بفوت (¬5). وقال ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 350. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 358، والنوادر والزيادات: 6/ 283. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 283. (¬4) انظر: المدونة: 3/ 358، 4/ 173. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 283.

فصل [في بيعه وهو مريض فصح، أو هزيل فسمن، أو العكس]

أصبغ: إن هرم وفني فهو فوت (¬1). وأرى إن هرم على الحال التي كان عليها يسيرًا كان عيبًا، وإن كان كثيرًا فهو فوت. فصل [في بيعه وهو مريض فصح، أو هزيل فسمن، أو العكس] واختلف إذا بيع وهو مريض فصح، أو صحيح فمرض، أو هزيل فسمن، أو سمين فهزل، هل ذلك فوت فلا يرد ويرجع بالعيب، أو يكون كالقائم يمسك ولا شيء له، أو يرد ولا شيء عليه؟ فقال محمد -فيمن اشترى جارية مريضة فصحت، أو هزيلة فسمنت وارتفع لذلك ثمنها، أو سمينة فائقة فهزلت وأبضع ثمنها، ثم وجد بها عيبًا-: لم يكن له إلا الرد ولا شيء عليه، أويمسك ولا شيء له (¬2). قال مالك: إلا أن يكون مثل المرض الذي يبلغ به (¬3). قال ابن حبيب: رأيت من أرضاه من أهل العلم يقول: السمن البين في الجواري بعد الهزال البين فوتٌ، والهزال البين بعد السمن البيّن فوتٌ (¬4). وأرى أن يرجع في ذلك إلى أهل المعرفة، فإن قالوا: إن الثمن لا يتغير عن الحال الأول أو يتغير بالشيء اليسير كالزيادة والنقص؛ كان كالقائم، وإن كانت الزيادة أو النقص الشيء الكثير، كان فوتًا يمسك لأجل الزيادة ويرجع ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 283. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 282، والبيان والتحصيل: 8/ 310. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 321. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 282.

بالعيب ويرد بالنقص ما نقصه الثمن. قال محمد: وأما الدابة تكون سمينة فتعجف فليس كالرقيق، ولم يختلف فيها قول مالك أنه يرد ما نقص، أو يمسك ويرجع بالعيب. قال: واختلف عنه إذا كانت عجفاء فسمنت هل ذلك فوت فيرجع بقيمة العيب، أو تكون كالقائمة يمسك ولا شيء له، أو يرد ولا شيء عليه؟ والأول أصوب وقد تقدم وجه ذلك. واختلف إذا علم العبد صنعة أو كانت جارية فعلمها الرَّقْم (¬1) أو الطبخ وزاد لذلك ثمنها؛ قال مالك -في كتاب محمد-: لا شيء له في ذلك (¬2). وجعلها كالقائمة يمسك ولا شيء له، أو يرد ولا شيء عليه. وقال في المبسوط فيمن تزوج على جارية أو غلام ونقد ذلك، فجعلت الزوجة الجارية في المشط، والغلام في العمل وعزمت على تعليمهما، ثم طلق قبل أن يمس-: كان عليه أن يغرم نصف ما أعطت في ذلك، ويأخذ نصفه. وهذا أحسن فيكون على هذا المشتري بالخيار بين أن يمسك ويأخذ قيمة العيب، أو يرد ويعطيه البائع ما أعطى في ذلك من الأجرة، أو يباع فيكون له من الثمن بقدر ما زادت الصنعة على الثمن الأول، فإن كان لا يزيد شيئًا لم يكن على البائع شيء ولا أن يبيعه، وللمشتري أن يحبس ويرجع بالعيب، وإن كانت الصنعة لا تزيد في ثمنه، لئلا يكثر عمله. وقد قال ابن القاسم -فيمن غصب طعامًا ثم نقله، فلقيه المغصوب منه بذلك البلد والطعام معه-: ليس له أن يأخذه؛ لأن الغاصب أذن في ¬

_ (¬1) الرقم: النقش والوشي، يقال: رَقَم الثوبَ: خططه. انظر: لسان العرب: 12/ 248. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 282.

فصل [في المشتري يرد ما اشتراه بعيب ورجع في الثمن]

نقله ثمنًا (¬1). وكذلك قال -فيمن غصب عودًا فشقه أو نجره، أو نحاسا فصنعه-: لا يؤخذ منه لئلا يكثر عمله (¬2). والمراعى في ذلك هل زادت الصنعة أو لم تزد؟ فالمشتري أحرى أن لا يخسر ما عمله بوجه شبهة. وقد ذهب بعض أهل العلم، في الجارية يشتريها الرجل ويؤدي عنها القبالة للسلطان: أن له أن يمسك ويرجع بالعيب، لئلا يخسر ما غرمه بوجه شبهة. وعلى قول مالك: أن لا مقال للمشتري إذا أدى ثمنًا في تعليمها الصنعة، فلا يكون له مقال فيما غرم من القبالة. وعلى ما ذكرنا في الغاصب يكون ذلك له، إلا أن يكون الشيء اليسير. فصل [في المشتري يرد ما اشتراه بعيب ورجع في الثمن] وإذا رد المشتري ما اشتراه بعيب ورجع في الثمن، فإن كان عينًا رجع بمثله، وإن كان عبدًا أو ثوبًا، رجع في عينه إن كان قائمًا، وإن فات بحوالة الأسواق فما فوق رجع بقيمته، فإن كان الثمن شيئًا مما يكال أو يوزن، رجع في عينه إن كان قائمًا ولم يتغير سوقه، ويختلف إذا تغيرت سوقه أو أنفقه؛ فقال ابن القاسم: ليس بفوتٍ وله أن يأخذ العين إن كانت قائمة وإن تغيرت السوق، والمثل إن لم يكن قائمًا (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 324. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 318. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 318.

وعلى قول ابن وهب في البيع الفاسد في المكيل، أن حوالة الأسواق تفيته ويرجع بالقيمة، ولا يأخذ ها هنا عين ذلك الطعام ويرجع بقيمته. وقال أشهب: إذا وجد بالمكيل عيبًا بعد أن أفاته، أنه بالخيار بين أن يتكلف شراء المثل أو لا يتكلف ذلك، ويرجع بقيمة العيب، فعلى هذا يكون المشتري بالخيار، بين أن يغرم المثل أو القيمة ولا يتكلف الشراء.

باب فيمن باع عبدا من رجلين، فأصاب به عيبا، أو باع أحدهما نصيبه من صاحبه أو من غيره ثم أصاب العيب

باب فيمن باع عبدًا من رجلين، فأصاب به عيبًا، أو باع أحدهما نصيبه من صاحبه أو من غيره ثم أصاب العيب اختلف عن مالك في الرجلين يشتريان عبدًا، ثم يجدان به عيبًا، فقال مرة: من أراد منهما رد، ومن أراد منهما أمسك، وإن للبائع ها هنا مقالا (¬1). وروى عنه أشهب في كتاب بيع الخيار أنه قال: إما أن يأخذا جميعًا أو يردا جميعًا. ولم يذكر المقالة بين المشترين، ويصح أن يقال لمن أراد الرد: أن يجبر صاحبه على الرد؛ لأنه يقول: دخلنا على صفقة واحدة، وعلى أحكام العيب أن يُرَدَّ به متى وُجِدَ، ولأن التزام المعيب ضرر بمن أراد الرد. وأن يقال: لا يلزمه ذلك، ويكون البائع بالخيار بين أن يعطي من أراد الرد قيمة عيب نصيبه، أو يقيله ويعطيه نصف ثمنه؛ لأن مقال البائع لأجل التبعيض، فيكون بمنزلة من باع عبدًا من رجل فباع نصفه ثم علم بالعيب. وقال ابن القاسم: إن باع أحدهما نصيبه من الآخر ثم علما بالعيب، لم يرجع مَن باع نصيبه بشيء، وكان للآخر أن يرد نصفه على البائع الأول (¬2). ويجري الخلاف في النصيبين جميعًا، فيكون لمن باع أن يرجع بالأقل من قيمة العيب، أو تمام الثمن إن كان باع بأقل. وعلى رواية ابن عبد الحكم يرجع بالعيب وإن باع بمثل الثمن. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 345. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 345.

ويختلف فيمن لم يبع، فعلى رواية أشهب لا يكون له أن يرد؛ لأنه يبعض على البائع بيعه، ويكون للبائع أن يعطيه نصف قيمة العيب، أو يقبل منه الرد، وكذلك إن باع أحدهما نصيبه من غير شريكه، فهو بمنزلة لو باعه من شريكه.

باب فيمن اشترى عبدا على صفة فوجد غيرها

باب فيمن اشترى عبدًا على صفة فوجد غيرها ومن اشترى عبدًا على صفة فوجده على أدنى منها، كان له أن يرد، وإن كان أجود لم يرد، وإن كانت صفة تختلف فيها الأغراض -فمن الناس من يريد الأول لمعنى في الآخر، ومنهم من يقدم الآخر- كان له أن يرد. وقال ابن القاسم -فيمن اشترى جارية، على أنها بربرية فأصاجها خراسانية-: كان له أن يرد. قال محمد: وإن اشتراها خراسانية فأصاجها بربرية كان له أن يرد (¬1). يريد: لأنه مما تختلف فيه الأغراض. وكل واحدة تترجح بوجه ليس في معنى الأخرى (¬2). وإن شرط أخها بربرية أو خراسانية، فأصابها صقلية أو آبُرِيَّة أو أشبَانِيَّة (¬3) رد (¬4)؛ لأنها دون التي وصف. وإن شرط أنها أحد هذه الثلاث، فوجدها بربرية أو خراسانية لم يرد؛ لأنها أفضل. قال ابن القاسم: إلا أن يعلم أن المشتري يكره البربرية، لما يخاف من أصولهن أو حريتهن (¬5). وقد قيل: حريتهن وسرقتهن. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 329. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 263. (¬3) والأَشَبَانِيُّ والأُشْبَانِيُّ: الأحمر جدًّا. والأشْبَان من الصقالبة. انظر: تاج العروس: 2/ 27، 35/ 257. (¬4) انظر: المدونة: 3/ 329. قلت: الصقالبة: جيل حمر الألوان صهب الشعور يتاخمون بلاد الخزر في أعالي جبال الروم، واحدهم صقلبي. وبصِقلِّيَّة أيضًا موضع يقال له صَقْلَب. وقيل غير ذلك. انظر: معجم البلدان: 3/ 416. (¬5) انظر: المدونة: 3/ 329.

قال سحنون: يريد أنهم كانوا يسرقونهم، ولم يرد أنهن يَسْرِقْن، وهذا يؤيد من قرأ الأول حريتهن، وأي ذلك كان عند الناس يتقى ويجتنبن لأجله، فأراد أن يرد لأجله، كان له ذلك. وإن اشترى أمة على أنها مسلمة فوجدها نصرانية رد، وكذلك إن لم يشترط فله أن يرد، ومحملها على أنها مسلمة، إلا أن تكون من السبي. وإن شرط أنها نصرانية فوجدها مسلمة لم يرد. وقال محمد: إلا أن يقول: أردت أن أزوجها لعبدي النصراني (¬1)، ويعلم ذلك فيرد (¬2). وأرى إن قال البائع: إنها النصراني، على وجه البراءة فوُجِدَت مسلمة لم ترد، وإن قال المشتري أردتها لعبدي النصراني؛ لأن ذلك لم يكن على وجه الشرط. وإن ذكر أنها نصرانية فوجدها يهودية، وكان الناس إلى النصرانية أميل، كان له أن يرد، ولا يرد إذا ذكر أنها يهودية فوجدها نصرانية. وإن وجد العبد النصراني أغلف (¬3) وكان ممن يختتن وجاوز سن الاختتان، كان عيبًا، وإن كان ممن لا يختتن أو لم يجاوز سن الاختتان، لم يكن عيبًا. وإن وجد الأمة غير مخفوضة (¬4) كان أخف، وفي كتاب محمد: أنه كالغلف في العبد (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 263 والبيان والتحصيل 8/ 325. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 263 والبيان والتحصيل 8/ 325. (¬3) الأغلف: يقال غلام أغلف، إذا لم تقطع غرلته، أي: لم يختن. انظر: لسان العرب: 9/ 271. (¬4) خفضت الخافضة الجارية خفاضًا: ختنتها، فالجارية مخفوضة ولا يطلق الخفض إلا على الجارية دون الغلام. انظر: لسان العرب: 7/ 146. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 263، والبيان والتحصيل 8/ 324.

باب فيمن باع عبدا وبه عيب فهلك منه, أو تقاصا به وهو في يديه أو يدي غيره

باب فيمن باع عبدًا وبه عيب فهلك منه, أو تقاصَّا به وهو في يديه أو يدي غيره ومن باع عبدًا وبه عيب فهلك منه، أو تنامى إلى أكثر، فإن لم يدلس البائع رجع بقيمة العيب إن هلك، وإن تنامى إلى أكثر كان له أن يمسك ويرجع بقيمة العيب، أو يرد ويرد له قيمة ما تنامى عنده. وإن دلس بالعيب رجع بجميع الثمن إن مات، وله أن يرده إن تنامى عنده. وإن دلس بمرض فمات منه رجع بجميع الثمن. وقال أشهب -في كتاب محمد-: لو علم أنها ماتت من النفاس لكانت من البائع (¬1). والأول أحسن؛ لأن ذلك مما يدرك معرفته، كالسل والاستسقاء يدوم بصاحبه حتى يموت (¬2)، والنفاس تموت بفوره، وتُرَدُّ بهذه العيوب إذا ماتت منها، أو تنامت قبل معرفته بها، أو قام بقرب ما علم، وإن تراخى ما يُرى أنه راضٍ لم يكن له قيام، وإن أتى من ذلك ما يشكل أمره، هل هو راضٍ أم لا؟ حلف أنه لم يكن رضي، وقام. وإن دلس بالسرقة فسرق فقطعت يده رده أقطع، ورجع بجميع الثمن، وإن كانت السرقة لا قطع فيها لأنها من غير حرز، رده ورجع بجميع الثمن، وكانت معاملة المسروق منه في تلك الجناية مع البائع، يفتدي منه أو يسلمه. وإن كان البائع غير مدلس كان المشتري بالخيار بين أن يمسك ويأخذ ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 339، والنوادر والزيادات: 6/ 296. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 295.

قيمة العيب، أو يرده وما نقصه القطع، وإن لم يقطع كان بالخيار بين أن يسلمه للمجني عليه ويرجع بالعيب، أو يعتد به ويرده على البائع. واختلف إذا كانت سرقته من المشتري، فقال مالك: ذلك في ذمته. وقال سحنون: في رقبته. وقال ابن حبيب: ذلك ساقط وليس في ذمته، ولا في رقبته؛ لأنه عبده حتى يحكم برده (¬1). والأول أحسن؛ لأن كل ما فعله العبد، مما دلس به السيد كأنه فعله عند بائعه فلا يسقط، فإن سرق من موضع أذن له فيه كان في ذمته، وإن لم يؤذن له فيه كان في رقبته. وإن ذهب ليسرق فسقط من موضع فهلك في ذهابه أو في رجوعه كان من بائعه. وإن دلس بالإباق فأبق رجع بالثمن بنفس إباقه، وإن كان جنى كان على بائعه أن يطلبه وكذلك إن مات. وقال ابن دينار: إن لم يهلك من سبب الإباق رجع بالعيب، وإن هلك من سببه مثل أن يقتحم نهرًا أو يدخل بئرًا فتنهشه حية أو يتردى في مهواة أو من جبل فيهلك رجع بالثمن. وأما إن مات موته أو يكون سالمًا في إباقه، أو يجهل أمره فلا يُدْرَى ما آلت إليه حاله، فلا أرى أن يرجع إلا بقيمة عيب الإباق. والأول أحسن؛ لأنه بنفس الإباق وجب رجوع الثمن؛ لأنه الوجه الذي دلس به وذهب به من يد مشتريه. وقال مالك -في كتاب محمد-: إن قال المشتري: أبق مني، وقال البائع: بعته أو أعتقته، كان القول قول المشتري مع يمينه، ويرجع بالثمن؛ لأنه ادعى ما يشبه، والظالم أحق أن يحمل عليه (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 295. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 295.

واختلف إذا باعه مشتريه من آخر فأبق عند الثاني، فقال ابن القاسم: يؤخذ الثمن من الأول فيعطاه الآخر، إلا أن يكون الثاني أقل فيكون الفضل للمشتري. وقال أيضًا: يؤخذ الثمن من الأول فيعطى منه الآخر قيمة عيبه فقط، فانتزع جميع الثمن من الأول؛ لأنه مدلس، ولم يكن للآخر إلا قيمة عيبه؛ لأن الأوسط غير مدلس. وقال محمد: للآخر على الأوسط قيمة عيبه، وبه يرجع على الأول ما لم يكن أكثر من الثمن الأول. والقول الأول أصوب؛ لأن ذلك غرور من البائع الأول على المشتري الأول، وعلى كل من صار إليه، وإن كان الأول معسرًا غرم الأوسط للآخر قيمة العيب من ثمنه فقط، فإن أيسر الأول عاد الجواب فيما يغرمه إلى ما تقدم لو كان موسرًا. ويختلف إذا أعتق المشتري، ولم يبع أو أولد ثم مات من ذلك العيب، فذكر أبو الزناد عن السبعة: سعيد بن المسيب، وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، والقاسم بن محمد، وخارجة بن زيد، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير، وسليمان بن يسار أنهم قالوا: كل عبد أو أمة دلس فيها بعاهة فظهرت وقد فات رد العبد أو الأمة بموت أو عتق أو حملت من سيدها، فإن ماتت من تلك العاهة التي دلس بها، فهي من البائع ويأخذ المبتاع الثمن كله منه (¬1). قال الشيخ: أما إذا أولد فالجواب صحيح، يرجع بجميع الثمن؛ لأنها على ملكه بعد. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 331.

ويختلف إذا أعتق أو وهب، فعلى القول أنه باع فهلكت عند الثاني، أنه يؤخذ من البائع الأول جميع الثمن، يرجع عليه به إذا أعتق أو أوجب. وعلى القول أنه يغرم في البيع قيمة العيب أو ما رجع به على الأوسط، لا يغرم ها هنا إلا قيمة العيب. وإباق الصغير إذا بيع في صغره عيب، وكذلك سرقته، يرد بذلك؛ لأنه باق على تلك العادة، إلا أن يكون من الصغر بحيث لو اجتنب ذلك منه، فلا ينتقص من ثمنه. واختلف إذا كبر وانتقل عن تلك العادة، هل يسقط حكم العيب؟ وأرى أن يرجع في ذلك إلى أهل المعرفة، فإن كان ذلك مع قدمه يجتنب أو يحط من الثمن، رد به وإلا فلا.

باب فيمن قام بعيب في غيبة البائع أو ادعى أن البيع فاسد

باب فيمن قام بعيب في غيبة البائع أو ادعى أن البيع فاسد ومن اشترى عبدأ فأصاب به عيبًا في غيبة البائع، رفع ذلك إلى السلطان، فإن كان قريب الغيبة [كتب إليه. قال مالك: وإن كان بعيد الغيبة] تلوّم له، فإن لم يطمع بقدومه، وأثبت المشتري أنه اشترى على العهدة، باعه وقضى المشتري ثمنه، فإن فضل للغائب فضل وقفه، وإن عجز أتبع به (¬1). وقال ابن القاسم في كتاب محمد: إن أثبت أنه دفع الثمن، وإلا لم يدفع له (¬2). وأرى إن كانت العادة البيع على البراءة، لم يحكم له بالرد، إلا أن يثبت أنه اشترى على العهدة، دن كانت العادة العهدة، أو لا يذكر عهدة ولا براءة، فهو على العهدة ويستظهر بيمينه في مكانه. وأما دفع الثمن فإنما يكلف البينة فيما لو كان البائع حاضرًا، وأنكر القبض قُبِل قوله، ولا يكلف ذلك فيما يكون القول فيه قول المشتري إن أنكر البائع، وإذا كان ذلك نظر إلى عادة البلد في عادة الرقيق، فإن كانت على النقد وغاب أو طال مقام البائع قبل سفره، أو كان المشتري غريبًا، أو البائع لم يكلف المشتري البينة، وإذا رد بالعيب والبائع غائب ووجد البائع مال الغائب، لم يكن للمشتري الأجير أن يرد على البائع؛ لأن البائع الأول يقول: قد رضي المشتري مني بالعيب ولا يرد عليَّ، إلا أن يكون الغائب معدمًا، فيكون له أن يرد على الأول؛ لأن الغائب لو كان حاضرًا فرضي بالعيب والسلعة لا توفي بالثمن لمنعه، ولو استحقت من يد الآخر، ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 337. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 337.

لكان له أن يقوم على الأول؛ لأنه غريم غريمه, بخلاف العيب في يد المشتري. وإن ادعى المشتري الفساد والبائع بعيد الغيبة، وأثبت أن شراءه كان فاسدًا، فإن كان العقد قائمًا نقض البيع وبيع على ملك الغائب وقضي للمشتري ثمنه، فإن كان فضل وقف للغائب، وإن عجز أتبع به، وإن لم يكن نقد وقف ثمنه للغائب، وإن فات قُوِّم وتركت القيمة في الذمة، وسواء دفع الثمن أو لم يدفعه؛ لأن البائع رضي أن يغيب ويبقى الثمن في الذمة، وهو في ذلك بخلاف أن يكون قائمًا. وقال ابن القاسم -في كتاب محمد، فيمن اشترى عبدًا، أو أقام في يديه ستة أشهر لغيبة البائع (¬1) -: وإن لم يرفع إلى السلطان حتى مات العبد، فله أن يرجع بالعيب وعذر بغيبة البائع؛ لأن الناس يستثقلون الخصومة عند القضاة، ويرجو إذا جاءه البائع أن لا يكلفه ذلك. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 300، 301.

باب في المكاتب يبتاع أو يبيع ثم يعجز فيوجد بذلك المبيع عيب والعبد المأذون له يبتاع أو يبيع ثم يعجز عليه فيوجد العيب

باب في المكاتب يبتاع أو يبيع ثم يعجز فيوجَد بذلك المبيع عيب والعبد المأذون له يبتاع أو يبيع ثم يعجز عليه فيوجد العيب وقال ابن القاسم -في مكاتب اشترى عبدًا ثم باعه من سيده ثم عجز، فأصاب السيد به عيبًا-: فللسيد أن يرده بالعيب، وإن كره العبد، كذلك لو لم يشتره السيد منه ثم علم بالعيب، فله رده وإن رضي به العبد. قال: لأن المكاتب حين عجز صار محجورًا عليه (¬1). وقد قال -في موضع آخر-: إن ذلك انتزاع (¬2). وقوله ها هنا أحسن؛ لأنه ليس في عجزه أكثر من نقض الكتابة، ويبقى ماله في يديه، فإن كان قبل الكتابة محجورًا عليه عاد على الحجر، وإن كان مأذونًا له بقي على الإذن، وإن كان ذلك، فإن كانت السلعة في يد العبد ولم يشترها منه السيد فرضي العبد بالعيب، لم يكن للسيد ردها إلا أن يسبق السيد بالرد، وإن مات المكاتب على كتابته فوجد السيد بالسلعة عيبًا، كان له أن يردها، وإن قال البائعُ: كنت تبرأت له منها، لم يقبل قوله، وإن باع المكاتب عبدًا فوجد المشتري به عيبًا بعد أن عجز، كان له أن يرده على العبد ويباع له، فإن لم يوف أتبع بما عجز، وإن كان فضل كان له. وقال مالك -فيمن اشترى عبدًا فوجد ورثتُه عيبًا، فقال البائع: كنت ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 340. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 342.

تبرأت له منه-: لم يقبل قوله ويحلف ورثته إن كان يظن بهم العلم (¬1). يريد: ما لم يكونوا صغارًا أو عصبة لم يخالطوه فلا يحلفوا. وقال ابن القاسم: وإن مات البائع والمبتاع وجهل الثمن والعبد قائم فرد العبد، رجع ورثة المشتري بالوسط من قيمته يوم قبض. ثم رجع فقال: مجهلة الثمن فوت، ويرجع بقدر العيب من القيمة التي هي الوسط (¬2). وإن فات العبد بعتق أو بما لم يقدر على رده، رجع بالعيب من أوسط القيم قولًا واحدًا، وإذا اشترى المأذون له ثم حجر عليه سيده ثم وجد بما اشتراه عيبًا، كان للسيد أن يرد به. ويختلف إذا قال العبد: قد كنت علمته قبل الشراء أو عليه اشتريت، هل يقبل قوله؛ لأن كل ذلك كان موكولًا إليه ولم يعلم إلا من قوله، أو لم يقبل قوله الآن؛ لأنه محجور عليه، ولأنه يتهم فيما بينه وبين السيد فيما حجر عليه؟ وكذلك المكاتب إذا عجز وقال: قد كنت عالمًا بالعيب. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 341. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 294، والبيان والتحصيل: 8/ 303.

باب فيمن اشترى دارا فوجد بها عيبا أو جارية

باب فيمن اشترى دارًاً فوجد بها عيبًا أو جارية وقال مالك -فيمن اشترى دارًا فأصاب بها صدعًا-: فإن كان يخاف انهدامها منه رد به، وإن كان لا يخاف على الدار منه لم يرد. قال: وقد يكون بالحائط الصدع ويمكث زمانًا (¬1). قال محمد: ويرجع بقيمة العيب، وكذلك كل عيب. وأرى إن كان الصدع في حائط واحد أن لا يرد، وإن خشي سقوطه؛ لأنه لو استحق ذلك الحائط لم يرد الدار به، وإن كان ذلك الحائط يلي دار البائع، فإن رد إليه انتفع به، رده ويحط من الثمن بقدره، وتُقَوَّم الدار على أنه داخل في المبيع، وقيمة أخرى على أنه غير داخل وعلى أنه سترة له، فيرجع بما بينهما، ولو كان عيبًا شاملًا رد به، وإن قل ما ينوبه مثل أن يستحق ماجنها أو مَطْمَرَها (¬2)، أو سُقُوفَها أو قَناةَ سقيها. فصل [فيما يكون عيبًا في العبيد والإماء, وما لا يكون] وقال ابن القاسم فيمن اشترى جارية رَسْحَاء (¬3) -يريد: زَلَّاء-: لم ترد ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 342. (¬2) المطمر بفتح الميمن بينهما طاء مهمل ساكن؛ أي: موضع منخفض في الأرض لخزن الطعام ويهال عليه تراب حتى يساوي الأرض. منح الجليل: 9/ 318. (¬3) الرسحاء والزلاء: قليلة لحم العجز والفخذين. انظر: لسان العرب: 2/ 449، 11/ 306.

به (¬1). ومحمل قوله على الشيء الخفيف الذي لا يحط من الثمن. قال محمد: إلا أن تكون ناقصة الخلق (¬2). يريد: أن يكون شيئًا فاحشًا في الزلل، والقول قول المشتري إنه خفي عليه، إن خالفه البائع في ذلك، والقول: إن ذلك مما لا يخفى- ليس بشيء (¬3). وقال: إن كانت زعراء العانة (¬4) ردَّ به (¬5). قال محمد: وغير العانة إذا لم ينبت في جسدها وساقيها (¬6). وهذا لأن الجسد الذي هذه صفته كثير الأمراض. ومن اشترى عبدًا ثم تبين أن له وَلَدًا أو وَالِدًا كان عيبًا يرد به، وإن اشترى الولد فمات الأب ذهب العيب، وإن مات الولد رجع بالعيب؛ لأنه مات معيبًا. وقال ابن حبيب -في الأخ-: ليس بعيب (¬7). يريد ما لم يكن يخشى مثله ويجتنب الشراء لأجله. وقال مالك -فيمن اشترى صغيرة لم تبلغ حد التفرقة فقال بعد الشراء: هذه صغيرة لم تبلغ حد التفرقة، فأين أمها؟ فقال: ماتت. فقال: هات البينة على موتها- قال مالك: لا أرى ذلك على الناس (¬8). وإنما لا يفرق بين الصغير وبين أمه فيما علم. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 342. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 251. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 251. (¬4) زعراء: قليلة الشعر. انظر: مادة: زعر، لسان العرب: 4/ 323. (¬5) انظر: المدونة: 3/ 342. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 251. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 261. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 259.

والزوجة عيب فيمن اشترى عبدًا فتبين أن له زوجة، أو أمة فتبين أن لها زوجًا، كان له أن يرد، والطلاق لا يرفع العيب؛ لأن كل واحد منهما يركن إلى الرجوع إلى الآخر، وقد يتخلق على مولاه، واتفق مالك وغره من أصحابه: أن الطلاق لا يرفع العيب (¬1). واختلف إذا مات أحدهما، فقال مالك -في كتاب محمد-: يرد. قال عبد الملك -ثمانية أبي زيد-: لأنه عيب يتقى منه وجوه، فأما الخادم فيقول: لا أنتظرها حتى تنقضي عدتها، وقد تطول العدة أو يظهر حمل، أو يكون لها منه ولد لا أعرفه، وأما العبد فلعل ثَمَّ ولد أو أم ولد بيعا. وقال ابن حبيب: إن مات زوج الأمة، أو ماتت زوجة العبد قبل أن يرد، فقد انقطع الرد (¬2). وهو أحسن إذا كانت من العلي، ولأنها تكتسب لمثل ذلك، وإن كانت من الوَخْش ردت؛ لأنها قد ضريت (¬3) الزوج فلا ينتفع بها، مثل من لم يتقدم لها زوج. وأما العبد الفار فإن كان الذي شأنه التسري فلا يرد بعد موت الزوجة، وإن كان من الوَخْش كان له أن يرد. وقال ابن القاسم -فيمن اشترى أمة في عدة من طلاق وهو لا يعلم (¬4)، فلم يردها حتى انقضت العدة-: فلا رد له (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 261. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 261. (¬3) ضريت: قال في لسان العرب: "يقال ضَرِيَ الشيءُ بالشيء إذا اعْتادَه". انظر لسان العرب: 14/ 482. (¬4) انظر: المدونة: 3/ 350. (¬5) انظر: المدونة: 3/ 350، والنوادر والزيادات: 6/ 261.

وهذا خلاف قول مالك أن الطلاق لا يرفع العيب، إلا أن يُحمل قوله على أنه علم بتقدم الزوجية والطلاق، وظن أنها في غير عدة واشتراها وهي في الطهر الأول، وإن كان الشراء وهي في الطهر الثاني لم ترد؛ لأن الأمة تشترى على أنها تحبس حتى تحيض حيضة. وقال ابن حبيب -فيمن باع أمة وقال للمشتري: كان لها زوج فطلقها، أو مات عنها، وقالت الأمة ذلك-: فقد برئ البائع ولا يصيبها المشتري ولا يزوجها حتى تشهد البينة على الطلاق أو الوفاة (¬1). يريد إذا لم تكن طارئة، أو قدمت من موضع قريب يقدر على استعلام ذلك، وإن كان الموضع بعيدا لم تحرم على السيد ولا على الأزواج. وقال ابن القاسم -فيمن اشترى عبدًا فظهر أنه زانٍ، أو أمة وهي من العلي، أو الوَخْش-: فذلك عيب يرد به (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 261. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 343، والنوادر والزيادات: 6/ 259.

باب جامع العيوب

باب جامع العيوب الاستحاضةُ عيبٌ في العليِّ والوَخْش؛ لأن ذلك مما يضعف الجسم ويؤدي إلى الهلاك، ويزيد في العلي وجهًا آخر أنه عيبٌ في الوطءِ. وارتفاع الحيض إذا كانت شابة عيب في العلي والوَخْش؛ لأن في خروج ذلك صلاحًا لأجساد النساء، وفي العلي وجه آخر وقفها في المواضعة ثلاثة أشهر فهو عيبٌ على المشتري الآن؛ لأنه ممنوع منها طول هذه المدة، وعيب عليه إذا أراد البيع؛ لأنه لا يقدر على الانتقاد إلا بعد مضي ثلاثة أشهر، وبعد ما بين الحيضتين عيب. قال ابن حبيب: إذا كانت لا تحيض إلا فوق ثلاثة أشهر، فله أن يرد (¬1). يريد: لأنه فيه عيبٌ على المشتري الآن؛ لما كان ممنوعًا منها حتى يمضي ذلك القدر، ولو اشتراها في أول دمها لكان عيبًا عليه؛ لأنه إذا أراد البيع لم يقدر على قبض الثمن إلا بعد مضي تلك المدة. واختلف إذا كانت حيضتها على المعتاد، فتأخرت في أيام المواضعة، فقال ابن القاسم -إذا مضى لها من حين اشتراها شهران (¬2) - قال مالك: الحيض يتقدم ويتأخر الأيام اليسيرة، فإن أراد هذا أن يردها بعد مضي أيام حيضتها بالأيام اليسيرة، لم أَرَ ذلك له، إلا أن يتطاول فلا يقدر المشتري على وطئها ولا الخروج بها، فذلك ضرر وترد (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 12. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 345. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 345.

فصل [في إجماع أهل المعرفة واختلافهم في الرد بالعيب]

وقال مالك والمغيرة وابن دينار في -مختصر ما ليس في المختصر-: إذا فات خمسة وأربعين يومًا ولم تحض، كان القولُ قولَ من دعا إلى فسخ من بائعٍ أو مشترٍ، أما البائعُ فلا ينفق، وأما المشتري فلحبس ذمته. وفي كتاب محمد: إذا مضى لها ثلاثة أشهر نظر إليها القوابل، فإن قلن: لا حمل بها، فقد صارت للمشتري (¬1). وفي كتاب محمد: إذا مضى أربعة أشهر كان له أن يرد (¬2). وكل هذا خارج عن الأصل، والقول الأول أصوب، أنه إن زاد على المعتاد بالأمر البين، كان له أن يرد؛ لأن الخارج عن المعتاد بالشيء البين، أو كان عادة لها فهو عيب، أو شك هل انتقلت عادتها عن ذلك؟ فهو عيب أيضًا. وإن حاضت ثم تمادت استحاضة لم يرد على القول: إن المحبوسة بالثمن من المشتري، وعلى القول: إنها من البائع ترد. وإن قبضها في أول الدم ثم تمادى استحاضة، كان له أن يرد؛ لأنه لا يدري هل كانت مستحاضة قبل هذا الحيض؟ بخلاف أن يشتريها وهي في نقاء من الحيض والاستحاضة، إلا أن يشهد له أنها لم يكن أو يكون عليها دليل ذلك مما يحدث للنساء من الشحوب لكان أبين أنه قديم. فصل [في إجماع أهل المعرفة واختلافهم في الرد بالعيب] ومن قام بعيب فشك في قدمه، رجع فيه إلى ما يقوله أهل المعرفة، وكذلك ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 38، 6/ 256. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 256.

إن علم أنه قديم وشك هل هو عيب؟ أو هل ينقص من الثمن؟ قال محمد: ولا يرد من العيوب إلا ما أجمع عليه رجلان عدلان من أهل المعرفة والنظر. قال: ومن ذلك ما يجوز فيه قول المرأتين بلا رجل؛ مثل: عيوب الفرج، والحبل، وما لا يطلع عليه الرجال (¬1). قال: فإن وجد المشتري عيبًا فرآه أهل البصر، فقال بعضهم: هو عيب يرد به، وقال بعضهم: لا يرد به، وقال بعضهم: قديم، وقال بعضهم: حديث، لم يرد؛ لأن البينة تسقط في التكاذب، فلا يرد (¬2). وكذلك الذي يبيع ثوبًا وينسبه إلى جنس، فيريه المشتري أهلَ البصر فيختلفوا فيه، فإذا تكافؤوا في العدالة لزم المشتري (¬3). قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما إن لم يشترِ على التصديق وإنما اشتراه بشرط إن كان من ذلك الجنس، فلا يلزمه إذا اختلف فيه، وألزمه ذلك إذا اشتراه على التصديق ثم اختلفوا. وأرى أن له أن يرد، وإن قبضه على التصديق؛ لأن اختلاف أهل المعرفة هل هو من ذلك الجنس؟ عيب فيه. وإن شك في قدمه وهل كان قبل البيع أو بعده؟ كان القول قول البائع؛ لأن البيع منعقد، فلا ينقض بشك. وإن كانا عيبين قديمًا ومشكوكًا فيه، كان القول في المشكوك فيه قول المشتري؛ لأن له نقض البيع بالقديم، ويعود على ملك البائع، فكان القول قول ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 248. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 288. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 288.

فصل [في صفة اليمين في العيب المشكوك فيه]

الغارم فيه، وهو المشتري. وإن كان قديمًا وحديثًا ومشكوكًا فيه، وأحب المشتري التمسك كان القول قول البائع في المشكوك فيه، وإن أحب الرد كان القول فيه قول المشتري. وإن كان قديمًا ومشكوكًا فيه، وقال المشتري: هو حديث وإنما أتمسك به وأرجع بقيمة القديم. وقال البائع: هو قديم، فإما أمسكتَ ولا شيء لك، أو رددتَ ولا شيء عليك، كان القول قول البائع على قول ابن القاسم. وعلى قول ابن وهب وعيسى يكون القول قول المشتري مع يمينه ويرجع بالقديم (¬1). وإذا كان الحكم في المشكوك فيه أن يبدأ البائع أو المشتري فنكل عن اليمين، كان له أن يرد اليمين على صاحبه، وهذه المسألة أصل في أيمان التهم، أنها ترد إذا كان قبل المدعي منهما مثل ما قبل المدعى عليه؛ لأن حالهما في الدعوى سواء. فصل [في صفة اليمين في العيب المشكوك فيه] واختلف في صفة اليمين في العيب المشكوك فيه، فقال ابن القاسم: يحلف في الظاهر على البت، وفي الخفي على العلم (¬2). وقال أشهب: يحلف فيهما جميعا على العلم (¬3)، وهو أحسن؛ لأنه لا يقطع بحدوثه. وقال محمد -فيمن باع سلعة ثم اشتراها مشتريها بأقل، ثم وجد عيبًا ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 291. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 347. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 289.

فصل [في صفة اليمين على ما خفي من العيوب وما كان ظاهرا لا يخفى]

مشكوكًا فيه-: فعلى من هي في يديه وهو البائع الأول اليمينُ، فإن لم يحلف حلف الآخر وارتجع بقية الثمن. يريد: إذا شك فيه هل هو في الصفقة الأولى، أو حدث عند المشتري الأول وأحب التمسك؟ وإن أحب الرد حلفا جميعًا، فإن نكل من هي في يديه، وحلف المشتري ارتجع بقية الثمن، وإن حلف البائع ونكل المشتري ردها عليه وأخذ الثمن الثاني الذي اشتراها به منه. وإن شك هل كان عند المشتري، أو عند البائع في الصفقة الأخيرة خاصة؟ حلف المشتري الأول وحده وبرئ، فإن نكل حلف من هي في يديه أنه لا يعلم أنه حدث عنده ويرد. وإن شك هل كان عند البائع الأول قبل البيع، أو في الصفقة الثانية، أو عند المشتري؟ حلفا جميعًا، ويحلف البائع أنه لا يعلمه كان عنده قبل ولا حدث بعد، ويحلف المشتري أنه لا يعلمه حدث عنده ويبرآن. فإن نكل البائع عن الوجهين جميعًا، حلف المشتري ورجع على البائع ببقية الثمن. وإن حلف ونكل المشتري، كان للبائع أن يرد عليه ويرجع بالثمن ولا يغرم هو شيئًا. وإن حلف البائع أنه لا يعلمه كان في الصفقة الأولى، ونكل أنه لا يعلمه حدث في الآخرة، لم يغرم ولم يرد، ولا يمين على المشتري؛ لأنه نكل فيرد تلك اليمين على من نكل عنها. فصل [في صفة اليمين على ما خفي من العيوب وما كان ظاهرًا لا يخفى] واختلف في صفة اليمين في العيب المشكوك فيه، فقال ابن القاسم: يحلف في الظاهر على البت وفي الخفي على العلم. وقال أشهب: يحلف فيهما جميعًا على

العلم. وهو أحسن؛ لأنه لا يقطع بحدوثه ولا بقدمه، ويجوز أن يكون الحق عليه فيه للآخر، فكيف يحلف على البت وهو مقر أنه شاكّ، ولأنه إن حلف أنه لا يعلم وهو عالم كان آثمًا. وفي كتاب محمد: إن شهد شاهد بقدم العيب عند البائع، حلف المشتري مع شاهده على البت، وإن كان العيبُ مما يخفى، ويرد. قال أصبغ: فإن نكل حلف البائع على العلم. وقال محمد: يحلف على البت، وهي اليمن التي نكل عنها المشتري (¬1). وليس هذا بالبين، وأرى إن كانت الشهادة على قِدَمِه وعلى علم البائع به وقال المشتري: يعلم صحة الشهادة؛ لأن البائع اعترف عندي بذلك، كانت يمين المشتري على البت، ورَدُّها عند النكول على البت. فإن قال الشاهد: علمته قبل البيع، ولا أدري هل رآه البائع؟ وقال المشتري: لا علم لي سوى قول الشاهد، لم يحلف مع شهادته على الصحيح من المذهب؛ لأنه يكلف اليمين على بت الشهادة، ولا علم عنده من صدق الشاهد، واليمين ها هنا في جنبة البائع على العلم، وكأنه لن يشهد بذلك شاهد. وإن قال الشاهد: علم بذلك البائع ولا علم عند المشتري من صدقه، كانت اليمين في جهة البائع، فيحلف على البت في تكذيب الشاهد، وعلى العلم في قِدَم العيب. فإن نكل عن العيب وحلف على تكذيب الشاهد، رجعت اليمين على المشتري على العلم بمنزلة لو لم يشهد بذلك شاهد. وإن نكل عن تكذيب الشاهد، وإن نكل عن تكذيب رد البيع ولم يرد اليمين، وإن قطع المشتري بصدق الشاهد ولم يقطع بمعرفة البائع، حلف المشتري على البت، فإن ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 290.

نكل حلف البائع على العلم. وقال ابن القاسم -فيمن قام بعيب، فقال البائع: احلف أنك لم تره وما رضيت به أو ما تسوقت به بعد أن علمت-: فلا يمين عليه إلا أن يدعي أنه أراه إياه (¬1). واختلف إذا قال: أخبرني مخبر أنك رأيته أو رضيته أو تسوقت به، فقال ابن القاسم: يحلف (¬2). وقال أشهب -في كتاب محمد-: لا يمين له، وإن ادَّعى أن مخبرًا أخبره بذلك (¬3). وهو أصوب؛ لأنه قد يكذب ليتوصل إلى يمينه، وعليه أن يحضر من أخبره، فإن كان عدلًا كان له أن يحلف معه أو يرد اليمين، وإن كان حسن الحال وليس بعدل كان لَطْخًا يحلف به، وإن كان ساقط الحال لم يكن لطخًا. وقال مالك: يرد بالعيب القديم من غير يمين، كان العيبُ مما يخفى أو ظاهرًا مما لا يخفى. قال محمد: طالت إقامته أو لم تطل. قال ابن القاسم: لا يمين له إلا أن يكون من الظاهر الذي لا يشك أنه لا يخفى، مثل: قطع اليد أو الرجل، أو العور (¬4). قال الشيخ: أما العور: فإن كان قويم العين وقد ذهب نورها فيصح أن يرد به وإن طال. وإن كان مطموس العن لم يرد به وإن قرب، إلا أن يكون بفور الشراء. ولو قيل: إنه لا يصدق أنه لم يره لكان وجهًا. وكذلك أقطع اليد ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 348. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 348. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 288. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 289.

فصل [فيمن اشترى عبدا فقام فيه بسرقة أو إباق]

إذا كان قد قلب يده، وإن قال: كتمني العبد هذه اليد، حلف على ذلك فيما قرب. وقطع الرجل أَبن أن لا يُمَكَّن من الرد، إلا أن يكون بفور ما يصرف بين يديه عند العقد، وكان الشراء وهو جالس. وقال مالك -في كتاب محمد-: لو ابتاع بعض النخاسين عبدًا، فأقام عنده ثلاثة أشهر حتى صرع ونقص حاله فوجد عيبًا، لم أر أن يرد؛ لأنه يشتري فإن وجد ربحًا باع وإلا خاصم، فأرى أن لا يلزم هؤلاء فيما علموا وما لم يعلموا (¬1). قال ابن القاسم: والذي هو أحب إليَّ إن كان عيبًا يخفى، حلف أنه ما رآه ورد، وإن كان على غير ذلك لزمه (¬2). فصل [فيمن اشترى عبدًا فقام فيه بسرقة أو إباق] ومن اشترى عبدًا فقام فيه بسرقة أو إباق، فإنه على ستة أوجه: إما أن يقول: يمكن أن يكون سرق عندك أو أبق فاحلف لي على ذلك، ولم يطلع هو منه على مثل ذلك. أو يقول: أخبرت أنه سرق عندك أو أبق. أو يقول: سرق عندي أو أبق، فاحلف لي أنه لم يحدث مثل ذلك عندك. أو يقول: قد فعل ذلك عندي، وأخبرت أنه أحدث مثل ذلك عندك، أو يعلم أنه سرق عند المشتري أو أبق، فيقول: احلف أنه لم يكن أحدث مثل ذلك عندك. أو يقول: علمت أنه أحدث مثل ذلك عندك، فعليه اليمين في هذا القسم؛ لأنه اجتمع فيه الوجهان ثبوت السرقة والإباق ودعوى العلم أنه فعل مثل ذلك عند البائع، ولا يمين ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 291. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 291.

في القسم الأول، ولا خلاف في هذين. واختلف فيما سوى ذلك، فأصل ابن القاسم إذا قال: أخبرني مخبر، أنه يحلف. وقال أشهب: لا يمين عليه. وقال ابن القاسم -في كتاب محمد-: إذا طعن المشتري أن العبد كان عند البائع آبقًا أو سارقًا أو حُدَّ أو زانيًا، أو غير ذلك من العيوب التي لا يعلم بها إلا بقوله، فليحلف البائع على علمه فيها (¬1). وقال أشهب: لا يمين عليه (¬2). وهو ظاهر قول ابن القاسم في المدونة (¬3). وكذلك إذا قال: أحدث هذه الأشياء عندي، فاحلف أنه لم يعملها عندك، فعليه اليمين على قول ابن القاسم الأول، ولا يمين عليه على قول أشهب. وكذلك إذا قال: أحدث ذلك عندي، وأخبرت أنه فعل ذلك عندك، فعليه اليمين على قول ابن القاسم، ولا يمين عليه على قول أشهب، فأحلف مرة في القول الأول لأن المشتري ادعى ما يشبه, ولم يحلف في القول الآخر حماية من استماع الدعوى على البائعين؛ لأن المشتري إذا كره العبد أو الجارية أو استغلاها، ادعى مثل ذلك ليرد، فحمي باب الدعوى في ذلك، إلا أن يأتي بلطخ. وقال ابن القاسم: إذا لم يقم العبد عند المشتري إلا أيامًا حتى أبق، فقال المشتري: أخاف ألا يكون أبق مني في قرب إلا وقد أبق عندك. فقال: قال مالك: لا يمين عليه. قال ابن القاسم: وإنما بيع الناس على الصحة، وما جهل هل دلس فيه ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 288. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 288. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 348.

فصل [في الصهوبة وهل هي من العيوب؟]

البائع؟ فهو على الصحة حتى تشهد البينة بخلاف ذلك (¬1). وقال محمد: إذا ظهر به هكذا، فلابد من اليمين، وإلا رد عليه، وأما أن يطلب منه اليمين في عيب ليس به، فلا تجري حتى يظهر العيب (¬2)، فيخاف أن يكون أصله قديمًا. وقول محمد في هذه المسألة أحسن؛ لأن ظهور هذا العيب كالمشكوك فيه، هل هو قديم؟ وكذلك أرى إذا قال المشتري: سرق عندي وكان من أهل الدين والثقة؛ لأن سرقة العبد من مال سيده وما يأخذه من بيته، لا تشهد عليه البينة في الغالب، فأرى أن يحلفه وإن لم تشهد بينة. وقال مالك: إذا قال العبد كنت أبقت عند الأول، حلف البائع. وكذلك أرى إذا قال: كنت سرقت عنده، ويحلف. واختلف فيمن اشترى عبدًا أو أمة فتبين أنهما زنيا، فقال مالك -في المدونة-: يردان بذلك العيب. وقال سحنون: ذلك عيب وإن كانا من الوَخْش. وقال أشهب -في كتاب محمد-: إن كانا من العلي وكان ينقص من الثمن فهو عيب، وإن كانا من الوَخْش فلا. وقال ابن شعبان: هو عيب في الجارية؛ لأنها تتخذ للولد، بخلاف العبد. يريد إذا كانت من العلي، وهذا أحسنها. فصل [في الصهوبة وهل هي من العيوب؟] وصهوبة الشعر (¬3) إذا كان مخالفًا للونها، وما يرى أن شعر مثلها يكون ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 348. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 288. (¬3) صهب: الصَّهَبُ محركة: لونُ حُمْرَةٍ أو شُقْرَةٍ؟ في الشَّعر، أي: شَعر الرأس كالصُّهْبَة، بالضَّمِّ وهي: الصُّهُوبَة أيضًا. انظر: تاج العروس: 3/ 218. مادة: صهب.

أسود عيب، وإن كان موافقًا لمثلها فليس بعيب، إلا أن يسود وإن سود ما تحت الوقاية ولم يكشف المشتري عند الشراء عن ذلك فليس بعيب، وإن جعد شعرها وكان ذلك مما يزيد في ثمنها رد به، والشيب الكثير في الرائعة إذا لم تبلغ سن الشيب عيب. واختلف في قليله؛ فظاهر قول مالك في الدونة أنه عيب؛ لأنه قال: يرد به (¬1)، ولم يفرق. وقال ابن عبد الحكم -في كتاب محمد-: لا يرد (¬2). ولا يرد به الوَخْش من قليله. واختلف في كثيره، فقال ابن القاسم -في المدونة-: لا يرد به جملة (¬3). وذكر أشهب -في كتاب محمد-: أن لا يرد إلا من كثيرٍ (¬4). وأرى أن ترد الرائعة من قليل وكثير؛ لأنه يكره ويحط من الثمن، وإن لم يحط أو بلغت سن المشيب لم ترد رائعة كانت أو من الوَخْش، إلا أن يتفاحشَ عما يكون في سن مثلها، وإن سود الشعر ولم يكشف عن ذلك في حين البيع، كان كمن لم يسود؛ لأنه لم يغره، وإن كشف عنه في حين الشراء كان له أن يرد به، وسواء كانت من العلي أو من الوَخْش، وإن كانت بلغت المشيب؛ لأنه يظن أنها صغيرة، وهي في العلي أبين وإن كان عالمًا بمبلغ عمرها؛ لأن تأخيرَ المشيبِ يزيد في ثمن العليِّ، قال مالك: والبخرُ عيبٌ (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 349. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 249. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 349. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 249. (¬5) انظر: المدونة: 3/ 349، والنوادر والزيادات: 6/ 249.

فصل [في أن من العيوب ما تختلف الأغراض فيها وقال مالك والبخر عيب]

فصل [في أن من العيوب ما تختلف الأغراض فيها وقال مالك والبخر عيب] ومن العيوبِ ما تختلفُ الأغراضُ فيها، فيرغب فيها بعض الناس ولا يكون فيها عيبٌ، فإن اطَّلع عليه من يكون عنده عيبًا رد به، وإن كان ممن يرغب فيه لم يمكن من الرد، وقيل: أنت نادم، فمن اشترى عبدًا فوجده صقلبيًّا، فإن كان ممن لا يكسب مثله، كان له أن يردَّ؛ لأنه يضعف عن العمل، ولا يتصرف فيما يتصرف فيه غيره، وإن كان ممن يعلم أنه ممن يرغب في مثله، لم يمكن من الرد؛ لأنه أثمن، وقيل له: أنت نادم، إلا أن يعلم أنه قصد بشرائه لغير ما يراد له الصقليبي. وإن وجد الجارية مغنية، وعلم أنه ليس ممن يرغب في ذلك كان له أن يرد وإن كان ذلك أزيد في ثمنها عند بعض الناس؛ لأنه يتقي منها وجوهًا لعوده أمثالها، وإن علم أنه ممن يرغب في ذلك، لم يمكن من الرد؛ لأنه ليس بعيب عنده، وقيل له: أنت نادم ولا فساد في البيع؛ لأنه لم يشترط ولا علمه المشتري، وتباع عليه إذا خشي أن يستعملها في مثل ذلك. والحمل في الوَخْش اليوم عيب عند الحاضرة دون البادية، وإن كان المشتري من الحاضرة رد، وإن كان من البادية لم يرد؛ لأنهم لا يكرهون ذلك، إلا أن يعلم منه الصلاح والفضل، وأنه ممن لا يكسب مثلها، فيرد.

فصل [في العيوب يكرهها المشتري ولا تحط من الثمن]

فصل [في العيوب يكرهها المشتري ولا تحط من الثمن] واختلف في كل عيب يكرهه المشتري، ولا يحط من الثمن لأجله، فقيل: لا قيام للمشتري به. وقيل: له الرد. وهو أحسن إذا كانت الكراهية فيه توقفه عن الشراء، وإن فات مضى بالأقل من الثمن أو القيمة. ويختلف هل تفيته حوالة الأسواق أو العيوب كبيع الكذب؟ فقال -في كتاب كراء الدور-: إذا وجد في الثوب عيبًا خفيفًا لا ينقص من الثمن، لم يرد وإن كان عند الناس عيبًا، مثل: العبد يصيب به عيبًا خفيفًا لا ينقص من الثمن، فليس له أن يرد، وإن كان عند النخاسين عيبًا، كالكية والأثر (¬1). وقال محمد: كل أمر إذا علمه الناس كان عندهم له كراهية، كان عيبًا (¬2). وقد يحمل هذا إذا كان مما يوقف المشتري عن الشراء، فإن كان ذلك مما لا يثني عزمه عن الشراء بذلك الثمن فهو خفيف. وقال مالك -في كتاب محمد فيمن اشترى رقيقًا عددًا فوجد بأحدهم عيبًا-: فإن كان ينقص من جملة الثمن شيئًا، رد ذلك الرأس وحده بما ينوبه من الثمن، وإن كان لا ينقص ذلك من جملة الثمن لم يرد، وإن كان لا ينقصه لو بيع بانفراده (¬3). قال محمد: وأنا أستحسن ذلك في الحمل خاصة (¬4). ولا وجه لهذا، وقول مالك أحسن، أنه إذا كان لا ينقص من جملة الثمن، ولا يتجسس لمثله في جملة الصفقة، لم يرد من أي العيوب كان. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 517. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 349. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 258. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 258.

باب فيمن اشترى معيبا قد ذهب قبل القيام به، أو بعد القيام وقبل الحكم أو ذهب عند البائع وقبل الشراء، أو كان العيب بأحد الآباء

باب فيمن اشترى معيبًا قد ذهب قبل القيام به، أو بعد القيام وقبل الحكم أو ذهب عند البائع وقبل الشراء، أو كان العيب بأحد الآباء ومن اشترى عبدًا أو أمة بها عيب قد ذهب قبل أن يقوم به، لم يكن له الرد. واختلف إذا علم ثم ذهب، هل يرد به؟ فقال ابن القاسم: لا رد له (¬1). وقال أشهب: له أن يرد (¬2). والأول أصوب. وإن ذهب قبل الشراء لم يرد إلا أن يكون ممن لا يؤمن ظهوره في الولد. قال ابن القاسم -فيمن اشترى أمة في عدة من طلاق، فلم يردَّها حتى انقضت العدة-: فلا رَدَّ له (¬3). وكذلك أرى إذا كان شراؤه بعد مضي حيضة؛ لأنه دخل على أنها توقف حتى تحيض حيضة، فلم تدخل عليه مضرة، إلا أن تكون من الوَخْش؛ لأنها تُشترى على أنها تقبض بالحضرة، ومحمل قوله على أنه قد كان علم أن لها زوجًا طلقها ورأى أنها في غير عدة، وإن لم يعلم بتقدم الزوج كان له الرد وإن انقضت العدة. وتزويج العبد بغير إذن سيده عيبٌ وإن فسخه السيد قبل الدخول أو طلق العبد؛ لأن تعديه في مثل ذلك عيبٌ، وإن تزوج بإذن سيده ثم طلق قبل الدخول لم يرد، إلا أن يكون العبدُ يخلق على سيده حتى زوجه فذلك عيبٌ، وإن طلق قبل البناء، وتقدم القول إن الطلاق بعد البناء لا يسقط القيام. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 350. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 261. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 261.

والاختلاف في الموت، وأرى أن يرد وإن ماتت الزوجة؛ لأن الزوجة من العبد مفسدة، وعادة تطلبه نفسه بها ومطالبة مولاه بالتزويج أو يتخلق عليه، وكذلك الأمة. والدين على العبد عيب، إلا أن يسقطه الطالب أو يقضيه السيد، قال سحنون: إلا أن يكون مداينته في سفه فيرد وإن أسقط عنه (¬1). وأرى إن كانت بغير إذن سيده أن يرد وإن أسقط الدين، وإن كان في غير سفه؛ لأن دخوله في المداينة وتعمير ذمته بها عيب، وإن علم المشتري بعد العقد أن في رقبته جناية فافتكه السيد سقط العيب إن كان خطأ، وإن كانت عمدًا لم يسقط. واختلف إذا اشتراه على عهدة الثلاث فحدث في تلك الأيام حمى ثم ذهبت، فقال ابن القاسم: لا يرد (¬2). وقال أشهب: يرد (¬3). قال: وكيف يعرف ذهاب ذلك؟ وأرى أن يستأنى به، فإن استمر برؤه لم يرد، وإن عاوده عن قرب رد (¬4). ولا يخلو ذهاب العيب من ثلاثة أوجه: إما أن يكون الغالب عودته، أو أنه لا يعود، أو أشكل أمره هل يعود أم لا؟ فإن كان الغالب العودة أو أشكل أمره رد وإن كان الغالب أن لا يعود لم يرد. والغالب من الحمى الخفيفة البرء، والاستثناء حسن، إلا أن يكون ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 262. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 350. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 218. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 218.

بموضع به حمى الرِّبْع (¬1) كثير فيرد. وإن تبين أن الجارية أو العبد يبول في الفراش رد (¬2)، كان من العليِّ أو من الوَخْش. واختلف إذا أنكر ذلك البائع؛ فقال مالك -في الجارية-: توضع على يد من يوثق به ويقبل في ذلك النساء، وليس مما يحدث ويسأل عنه أصحاب الرقيق (¬3). وقال محمد بن عبد الحكم: يحلف البائع ويبرأ، فقد تكره الأمة المشتري فتفعل ذلك عمدًا (¬4). واختلف إذا وقع البيع بعد أن طال انقطاعه، فقال ابن القاسم: يرد؛ لأنه لا تؤمن عودته (¬5). وقال أشهب: لا يرد إذا طالت السنون (¬6). وهذا أشبه، وما أظن الناس يتقون ما طالت سنوه، وإن علم أنه كان به جذام أو برص ثم ذهب، كان له أن يرد؛ لأنه لا تؤمن عودته (¬7). واختلف إذا قال أهل النظر: نرى به جذامًا ولا يظهر إلى سنة، فقال ابن القاسم: لا يرد (¬8). وقال محمد: يرد، ألا ترى أن العبد والجارية يُردان إذا قيل: هو ساريٍّ (¬9) ¬

_ (¬1) وحمى الرِّبع: هي التي تأخذ يومًا وتدع يومين، ثم تجيء في الرابع. وانظر: البيان والتحصيل: 8/ 366. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 298. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 255. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 299. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 255. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 255. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 262. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 251. (¬9) لعله سياريٍّ وهو الموافق لما في النوادر الزيادات 6/ 251، ونصه: "ألا ترى أن العبد أو =

لما يخاف من الجذام بعد اليوم (¬1). وقال مالك -في كتاب محمد-: إذا كان أبوه مجذومًا، كان له أن يرد؛ لأن الناس يكرهونه، وهو أمر يخاف (¬2)، وكذلك الأم على قوله إذا كانت مجذومة، له أن يرد (¬3)؛ لأنه يكره ويخاف حدوث مثل ذلك في الولد. وإن جن العبد ثم ذهب عنه رد؛ لأنه لا تؤمن عودته (¬4)، وإن كان أحد الأبوين مجنونًا، فإن كان ذلك من لمم الجان لم يرد، وإن كان من فساد الطباع رد. وإن كان أحد الأبوين أسود، لم يرد في العبد ولا في الوَخْش من الإماء (¬5). واختلف في العلي يشتريها ليتخذها أم ولد، فقال مالك في كتاب ابن حبيب: يرد (¬6). وفي العتبية: لا يرد (¬7). والأول أبين؛ لأن ذلك مما يتقى، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وَلَعَلَّ هَذَا عِرْقٌ نَزَعَهُ" (¬8). وإن كان لا يريدها للولد لم ترد (¬9)، وإن كانت من العليِّ. ¬

_ = الأمة إذا قيل: إنه سيَّاريّ، فإنه يرد لما يخاف به من الجذام. قال غيره: السيَّاريّ: الذي لا حاجبان له". (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 251. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 260. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 260. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 262. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 260. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 260، والبيان والتحصيل: 8/ 298. (¬7) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 298. (¬8) متفق عليه, أخرجه البخاري: 5/ 2032، في باب إذا عرض بنفي الولد، من كتاب الطلاق برقم: (4999)، ومسلم: 2/ 1137، من كتاب اللعان برقم: (1500). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 260.

باب في العيوب في العروض والطعام والمكيل والجزاف وما لا يقام فيه بعيب

باب في العيوب في العروض والطعام والمكيل والجزاف وما لا يقام فيه بعيب وإذا وجد المشتري بالثوب عيبًا بعد القطع وقبل الخياطة والبائع مدلس، رده ولا شيء عليه للقطع، أو أمسك ولا شيء له في العيب (¬1)، إلا أن يكون القطع مما يؤدَّى له ثمن، فيكون له أن يمسك ويرجع بقيمة العيب، على أحد القولين فيما غرمه المشتري في صناعة عملها العبد؛ لأن القطع ليس بعين قائمة. وإن كان غير مدلس كان له أن يمسك ويرجع بالعيب، أو يرد ويرد عيب القطع. وإن خاطه وأحب أن يمسك اتفق الجواب في المدلس وغير المدلس، أن له أن يرجع بالعيب، وإن أحب الرد افترق الجواب، فإن كان مدلسًا لم يرد للقطع شيئًا، وإن كان شريكًا بالخياطة يوم الرد دلس يوم كان اشترى فيُقَوَّم اليوم قيمتين، يُقَوَّم مقطوعًا معيبًا غير مخيط، ومقطوعًا معيبًا مَخيطًا، فإن كانت الأولى مائة والثانية تسعين كان شريكًا بالعشرة، وإن لم يرد بالخياطة لم يكن له شيء (¬2). وقيل: تكون الشركة بقيمة الخياطة ليس بما زادت. والأول أصوب؛ لأن الثوب هو الأصل وهو المقصود بالشراء، فوجب أن يأخذ ما كان يستحق قبل أن يخاط. وإن كان البائع غير مدلس واختار المشتري الرد، قُوِّم ثلاث قيم: غير ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 353. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 353.

فصل [فيمن اشترى توبا وصبغه ثم وجد به عيبا]

معيب، وقائمًا معيبًا، ومقطوعًا معيبًا مخيطًا. فإن قيل: الأولى مائة، والثانية تسعون، والثالثة ثمانون، علم أن الباقي عند المشتري ما قيمته عشرة رده وعشر ثمنه. وإن قيل: تسعون رده ولا شيء عليه؛ لأن الخياطة جبرت النقص. وإن قيل: مائة، كان شريكًا بالعشر. هذا إذا لم يتغير سوقه من يوم اشتراه إلى يوم رده. ثم يُقَوَّم الآن قيمتين: مقطوعًا معيبًا غير مخيط، والثانية قيمته مخيطًا. فإن زادت الخياطة عشرة، لم يكن عليه شيء لأن الخياطة جبرت القطع، وإن زادت خمسة كان الباقي عنده نصف قيمة العيب بنصف عشر الثمن، وإن زادت خمسة عشر كان شريكًا بثلث قيمته. فصل [فيمن اشترى توبًا وصبغه ثم وجد به عيبًا] وإن صبغه ولم يقطعه فأحب التمسك به رجع بقيمة العيب كان البائع مدلسًا أو غير مدلس (¬1)، وإن أحب أن يرد وكان الصبغ يزيد في قيمته كان شريكًا بقدر تلك الزيادة يوم الرد، مدلسًا أو غير مدلس (¬2)، وإن كان ينتقص افترق الجواب، فإن كان مدلسًا لم يغرم عن ذلك النقص شيئًا، وإن كان غير مدلس غرم. الاعتبار في الزيادة والنقص يوم البيع، فإن كان ذلك ينقصه يوم البيع غرم النقص، وإن كان يوم الرد لا ينقص، وإن كان يزيده ذلك اليوم وينقص اليوم برئ المشتري من غرم النقص؛ لأنه لو رده ذلك اليوم لم يغرم المشتري شيئًا، ولم ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 355. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 356.

يشارك اليوم بشيء؛ لأنه لا فضل فيه الآن، وإن كان فيه زيادة يوم الرد كان شريكًا بالأقلِّ من زيادته يوم البيع أو اليوم. والقطع والصبغ إذا كان نقص والبائع مدلس، على ثلاثة أقسام: فإن كان ذلك الثوب يراد لمثل ذلك القطع والصبغ، رد ولا شيء عليه، وإن كان خارجًا عما يراد له وليس بمتْلِفٍ، كان له أن يرد ويغرم قيمة النقص، وإن كان متلفًا مثل أن يقطعه قلانس أو تبابن، أو يصبغ الثوب النفيس لونًا وصبغًا يبطل الغرض الذي كان يكسب له، منع الرد وكان له قيمة العيب، وإن لبسه وغسله، رده وما نقص، مدلسًا كان أو غير مدلس (¬1)؛ لأنه صَوَّن مالَه باللباس، واللباس مخالف للقطع والصبغ ومن اشترى أمة فأصابها، فإن كانت ثيبًا ردها ولا شيء عليه، مدلسًا كان أو غير مدلس، وإن كانت بكرًا والبائع غير مدلس كان له أن يمسك ويرجع بالعيب، أو يرد ويرد ما نقص (¬2). ويختلف إذا كان مدلسًا هل يغرم ما نقصه؛ لأنه انتفع بذلك، أو لا يغرم بخلاف اللباس. والأول أحسن؛ لأنه صَوَّن به مالَه، وله بذل الثمن وإياه اشترى. وإن كانت بكرًا ذات زوج، فباعها السيد قبل الدخول ثم دخل بها عند المشتري، ثم وجد بها عيبًا ردها ولا شيء عليه، مدلسًا كان أو غير مدلس (¬3)؛ لأن ذلك الوجه لم يكن دخل في البيع، وقد كان البائع باعه وأخذ ثمنه فلا يغرم عنه المشتري شيئًا. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 356. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 356. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 356.

فصل [في المشتري يجد في المبيع عيبا وكان مما يكال أو يوزن]

فصل [في المشتري يجد في المبيع عيبًا وكان مما يكال أو يوزن] وإن كان المبيع يكال أو يوزن ووجد المشتري به عيبًا، رد إن كان قائمًا ولا تفيته حوالة الأسواق. وإن فات ببيع رجع إلى الخلاف المتقدم في السلع، فعلى قول ابن القاسم لا يرجع على البائع بشيء. وعلى قول أشهب إن باع بمثل الثمن لم يرجع على البائع بشيء، وإن باع بأقل كان بالخيار بين أن يرجع بالأقل من قيمة العيب أو ما نقص الثمن، أو يرد المثل معيبًا، أو يتمسك. وعلى رواية ابن عبد الحكم هو بالخيار بين أن يمسك ولا شيء له، أو يغرم المثل معيبًا ويرجع بالثمن، إلا أن يتعذر وجود المثل فيغرم قيمة العيب كالسلع. وإن وهبه أو أكله كان عند ابن القاسم بالخيار بين أن يغرم المثل معيبًا، أو يتمسك ولا شيء له. وقال أشهب -في كتاب محمد-: المشتري بالخيار إن شاء غرم المثل، وإن شاء رجع بقيمة العيب ولم يغرم المثل. وهو أحسن؛ لأن على المشتري في شراء المثل كلفة. فإن كان المعيب لا يحاط بمعرفة مثله كان كالسلع، فالغالب من الكتان أنه لا يحاط بمعرفته؛ لأن الغزل مختلف وسطه وأجنابه، والرأس الواحد مختلف، لا يقدر أن يقال: هذا مثل هذا حقيقة، وكذلك ما شاكله. فإن كان طعامًا طحن، كان ذلك فوتًا عند ابن القاسم، فقال -في المدونة في كتاب القسم-: يرد قيمته (¬1). يريد: إذا كان لا يقدر على رد مثله. وقال ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 295.

فصل [فيمن اشترى شعيرا وشرط أنه يريده للزراعة]

سحنون: ليس الطحين فوتًا ويكون شريكًا بقيمة الطحين (¬1). وأرى أن يكون بالخيار بين أن يتكلف غرم المثل، أو يرد هذا ويكون شريكًا بما زاد الطحين، فإن لم يزد في الثمن لم يكن له شيء. وإن كان الطعام جزافًا وعلم بالعيب بعد أن أفاته، كان بالخيار بين أن يمسك ويرجع بالعيب، أو يرد قيمته ويرجع بالثمن. فصل [فيمن اشترى شعيرًا وشرط أنه يريده للزراعة] ومن اشترى شعيرًا واشترط أنه يريده للزراعة، فوجده لم ينبت والبائع عالم رجع بجميع الثمن، وكذلك إذا كان البائع شاكًّا هل ينبت، رد جميع الثمن، وإن كان مما ينبت فدخله فساد ولم يعلم، رجع بقيمة العيب (¬2)، وكذلك إن لم يشترط المشتري أنه للزراعة، إلا أنه في إبان الزراعة، وباعه بأثمان ما يراد للزراعة فهو كالشرط، وإن كان على غير ذلك لم يرجع به، وإن اشتراه ليأكله ثم بدا له قى فزرعه ولم ينبت لم يرجع بشيء، إلا أن يكون ذلك نقص من طعامه، أو من فعله فيرجع بقيمة ما ينقصه لو اشتُرِيَ للأكل. فصل [في الرد بالعيوب الباطنة في بعض السلع كالخشب والجلود وأشبهها] ومن العيوب ما لا يرد بها إلا مع التدليس، كالخشب والجلود وما ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 246. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 269.

أشبهها، قال محمد: التدليس في الخشب بالعيب كالتدليس في الثياب والجلود، فلا يضمن المبتاع ما أحدث من نشر أو نحت أو قطع أو ينحته صاريًا، أو خرطه أقداحًا، ويرد ولا شيء عليه، وإن لم يدلس فيما كان من عيب يمكن علمه لو طلب فله الرد، وما نقص من نشر إلا أن يقطعها قطع التلف، مثل الكوى والأبواب أو يدخلها في بنيانه، فليس له إلا قيمة العيب، دلس أو لم يدلس (¬1). واختلف إذا كان العيب مما لا تبلغ معرفته في حين البيع على ثلاثة أقوال: فقال مالك -في كتاب محمد-: إذا كان مما لا يمكن معرفته إلا بعد القطع، والنحت لم يرد، وكذلك الفصوص. قال مالك: وهذا أمر ثابت في هذه الأشياء معروف، عليه يشتري المشتري وعليه يبيع البائع. وقال ابن حبيب: إن كان العيب من أصل الخلقة ولم يحدث بعد القطع، فلا قيام به، وأما ما حدث بعد الصحة من عفن أو سوس، فهذا مما يعلمه بعض الناس وإن جهله آخرون، فله الرد (¬2). قال الشيخ رضي الله عنه أبو بكر الأبهري: له أن يرد في جميع هذه الوجوه. وجعل العيب فيها كالعيوب في جميع الثياب وهذا أقيس، إذا دخل المتبايعان على السلامة وجهلا الحكم في ذلك الرد بالعيب؛ لأن ثمن السالم وما يدخلان فيه على القيام بالعيب ليس كثمن البيع ما بيع على أن لا يقام بالعيب فيه، إلا أن يشترط البائع ألا قيام فيه بالعيب، أو تكون تلك العادةَ، ولا يخفى مثلها ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 296. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 298.

فصل

على المتبايعين، وعلى هذا الوجه تكلم مالك، فقال: هذا أمر معروف، عليه يبيع البائع وعليه يشتري المشتري، وأما مع جهل المشتري بذلك فلا؛ لأنه يقول: اشتريت وأنا أرى أن لي الرد مثل سائر المبيعات، ولو علمت أن لا قيام لي ما اشتريته، إلا بدون ذلك الثمن، فله الرد إن لم يفت المبيع إلا أن يرضى البائع أن يكون على حقه في العيب متى وجده، وإن لم يعلم حتى فات وتبين أنه سالم فلا مقال له، وإن تبين أنه معيب رجع بقيمة العيب. واختلف في الجلود، فقال ابن القاسم: إن قطعت خفافًا أو نعالًا، فهي مثل الثياب يقوم بالعيب (¬1). وقال ابن حبيب: هي مثل الخشب فما كان من أصل كالحوري فلا قيام له، وإن كان حادثًا من قلة الملح أو حرارة الشمس أو ماء بحر، رد كسائر العيوب، ومثل جلود الفراء يظهر للمبتاع عند الدباغ ساست ولم يطل مقامها ما تسوس فيه، ولم يظهر للمشتري أنها ساست؛ لأنها يابسة وربما كانت غير يابسة، والسوس بين الجلد والصوف فإذا دبغت تبين، فهذا يرد (¬2). فصل وقال مالك -في الجوز والرَّانج وهو الجوز الهندي-: هو مثل الخشب لا قيام فيه (¬3). وقال محمد: هذا فيما كثر كالأحمال، إلا أن يكون كله فاسدًا أو أكثره فله رده، وأما مثل الجوزتين والثلاثة فله رده, من الرانج كان أو غيره (¬4)؛ لأنه ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 357. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 298. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 357. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 297.

يمكن أن يدير فيقدر على معرفته. واختلف في القثاء والفقوس يوجد مرًّا؛ فقيل: لا رد له كالجوز، قيل لمالك: فأهل السوق يردونه، فأنكر ذلك ولم يرده على البائع (¬1). وقال أشهب -في كتاب محمد-: إن كان يوصل إلى معرفة مره بإدخال عود رقيق، فله الرد ما كان يشتري، مثل القثا والأسس، وأما الأحمال فلا ترد (¬2). قال محمد: إلا أن يكون أكثره مرًا (¬3)؛ لأنه إذا كان هكذا لم يخف على بائعه. وعلى قول الأبهري يرد، وإن لم يكن أكثره مرًّا. قال أصبغ في كتاب ابن حبيب في لوز الحرير لا يعلم فساده حتى يدخله العمل-: فإن كان الفساد أصليًّا ليس بسبب حدث بعد تمامه، وكان لا يعرف حتى يدخله العمل لم يرد، وإن كان يعرف قبل العمل رد (¬4) وأما البيض فيقام بعيبه؛ لأن فساده يعلم قبل كسره، وهو قول مالك (¬5). فإن كان البائع مدلسًا رد ولا شيء عليه في كسره. قال محمد: وإن كان غير مدلس لم يرده، ورجع فيما بين الصحة والداء (¬6). يريد: إذا كان ممروقا، وإن كان مما لا يجوز أكله فهو ميتة، يرد جميع الثمن دلس أو لم يدلس. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 297. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 297. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 297. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 297. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 297. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 297.

وقال ابن القاسم -في كتاب محمد-: إن وجد مفسودًا وكان بحضرة البيع رد، وإن بعد أيام لم يرد؛ لأنه لا يدرى، أَفَسَدَ عند البائع أو المشتري (¬1)؟ ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 298.

باب في المشتري يغتل ثم يجد عيبا وفي المشتري يستعمل بعد المعرفة بالعيب

باب في المشتري يغتل ثم يجد عيبًا وفي المشتري يستعمل بعد المعرفة بالعيب وإذا اغتل المشتري في المبيع ثم أصاب عيبًا، رد المبيع وحده دون غلته، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الخَرَاجُ بِالضَّمَانِ" وهذا حديث حسن السند، ذكره الترمذيُّ (¬1)، وهذا إذا كان المبيع لا غلة فيه يوم البيع ولا يوم الرد، واغتل فيما بين ذلك وأخذ الغلة. ويفترق الجواب إذا كانت فيه يوم الرد، أو كانت يوم الشراء، فإن اشترى شاة ولا صوف عليها، فصار ذلك عليها فجزها ثم وجد بها عيبًا، رد وكان له ما جز، وسواء جزه وقت جزازه أو قبل ذلك. ويختلف إذا قام بالعيب قبل أن يجزه، هل يكون غلة بالتمام أو حتى يتعسل، أو يجز قياسًا على الثمار؟ وهل تكون غلة المشتري بالطيب أو باليبس أو بالجذاذ؟ فتمام الصوف يصير كالطيب في الثمار، والتعسيل كاليبس، والجزاز كالجذاذ، والتمام للطيب أحسن. واختلف إذا اشتراها وعليها صوف قد تمَّ فجزه، فقال ابن القاسم: يرده إن كان قائمًا، ومثله إن كان فائتًا، وجعله مشترى (¬2). وقال أشهب: لا شيء عليه فيه، والأول أحسن؛ لأنه يزاد في الثمن لأجله فهو مشترى والمشتري بالخيار بين أن يغرم مثله أو قيمته؛ لأن خطبه قريب، كما قال في الجلد يستثنى: إنه يغرم مثله أو قيمته ¬

_ (¬1) حسن صحيح، أخرجه الترمذي: 3/ 581، في باب ما جاء فيمن يشتري العبد ويستغله ثم يجد به عيبًا، من كتاب البيوع، برقم: 1285. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 318.

وإن وجد العيب بعد أن عاد عليها الصوف وتم، ردها ولاشيء عليه للصوف الأول؛ لأن هذا كالأول وهو في هذا أبين من جبر العيب بالولد؛ لأن الولد ليس بغلة وليس له حبسه، فكان جبره بما له حبسه أولى. وإن احتلبها لم يغرم ذلك إذا لم تكن حين البيع مصراة، وإن كانت وقت الرد مصراة كان له أن يحتلبها ثم يرد؛ لأنه قد جمع ولم يبق إلا احتلابه كالجزاز أو الجذاذ، وكذلك إذا كانت يوم الشراء مصراة، فهو مبيع على الصحيح من المذهب. واختلف إذا كانت نخلًاا شتراها ولا ثمرة فيها فنمت فينتظر بها ثمرتها، هل يكون غلة بالطيب أو باليبس أو بالجذاذ؟ والطيب أحسن، وقد تقدم ذلك. واختلف إذا كانت فيها ثمرة مأبورة أو غير مأبورة فنمت وحدها ثم وجد عيبًا، فقال ابن القاسم: إن كانت مأبورة ردها وإن جذت، وإن فاتت رد المكيلة إن عُرِفَت، أو القيمة إن لم تُعْرَف، ورأى أنها مشتراة (¬1). وقال أشهب: لا شيء عليه فيها. والثمار ها هنا أشكل من الصوف، فإن كان لا يتحسس لثمنها وقت البيع، ولا يزيد فيه أو يزيد الشيء اليسير الذي لا خطب له، كانت له بغير ثمن، وإلا كانت مبيعة، وأرى أن يمضي بما ينوبها من الثمن يوم البيع؛ لأنها نمت في ضمان المشتري. وأصل مالك وابن القاسم في العيوب، أن لا يحملا على التهمة في البيع وإذا لم يتهما على أن يكونا أظهرا العيب في الرقاب، ليتوصلا إلى بيع الثمار قبل صلاحها، مضت بما ينوبها من الثمن يوم البيع، وإن كان ذلك مضت بما ينوبها ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 360.

فصل [في الانتفاع بالمعيب بعد معرفة العيب]

من الثمن إذا هي طابت وإن لم يجذ. وإن كانت غير مأبورة فنمت عند المشتري لم يكن لها قسط من الثمن. ولأشهب -في كتاب الشفعة من كتاب محمد-: إن لها قسط من الثمن وإن كانت غير مأبورة (¬1)، وليس هو المعروف من المذهب. فصل [في الانتفاع بالمعيب بعد معرفة العيب] الانتفاع بالمعيب بعد معرفة العيب على ثلاثة أوجه: فإن كان فى دارًا أو حائطًا، كان له أن ينتفع بالغات في حالة المخاصمة، والغلات له حتى يحكم بالفسخ، فيجني الثمار ويأخذ غلة الدار، وليس عليه أن يخرج المكري ثم يخاصم، وكذلك إذا كانت للسكنى. وإن كانت جارية أو ثوبًا لم يطأ ولم يلبسه بعد المعرفة بالعيب، ولا يطأ ما لا يختار إمساكه، ولأن اللباس ينقص الثوب والنقص ليس بغلة، فإن وطئ أو لبس كان رضًى ويسقط قيامه. واختلف إذا كان عبدًا أو دابة، فاستخدم وركب بعد علمه بالعيب، أو بعد أن قام، أو كان في سفر، أو كان البائع غائبًا؟ فقال مالك: إذا كان البائع والمشتري حاضرين فقد سقط قيامه (¬2). وقال ابن حبيب: له ذلك حتى يحكم له بالرد (¬3). وهو أحسن؛ لأن له الخراج بالضمان وعليه النفقة، فلا يلزم بالاتفاق ويمنع من الانتفاع ومن الخراج. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 144. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 301. (¬3) انظر: النو ادر والزيادات: 6/ 302.

فصل [فيمن نقل المبيع ثم وجد به عيبا]

واختلف قول مالك في كتاب محمد إذا علم بالعيب وهو في سفره، فقال مرة: يسقط قيامه. ومرة: له أن يقوم وإن ركب، ولم يكن عليه أن يقودها ويكري غيرها. قال: وليس عليه أن يكريها، وإن أكراها كان رضى (¬1). وعلى قول ابن حبيب يكريها، وعلى هذا يجري الجواب إذا وجد العيب بعد غيبة البائع، ولم يسافر هو، أن له أن يركب ويكري، حتى يقدم البائع، ولأن الرفع إلى القاضي مما يشق على الناس. فصل [فيمن نقل المبيع ثم وجد به عيبًا] واختلف إذا نقل المبيع ثم وجد به عيبًا، فقال محمد بن سحنون -فيمن اشترى خشبًا أو مطاحن، ثم وجد عيبًا دلس به البائع، بعد أن بان بها-: تنازع أصحابنا فيها، فقال قائلون: على المشتري ردها والكراء على ردها. وقال آخرون: ذلك على البائع؛ لأن ذلك غرور، ولو علم المشتري ما نقلها. وهو أحسن، وأرى عليه أن يغرم للمشتري ما كان نقلها به حين قبضها إلى أن أوصلها إلى داره. واختلف أيضًا إذا لم يدلس بذلك البيع، فقال ابن حبيب -فيمن نقل ماله حمولة إلى بلد آخر، وإن تكلف رده إلى بلد البائع، جاء عليه غرم كثير في الكراء والمؤنة-: يرفع إلى سلطان ذلك البلد، فيسمع من بينته على الشراء، وأنه اشترى على بيع الإسلام وعهدته، يريد في الجارية ثم يأمر من يبيع ذلك على البائع، ويكون له فضله وعليه نقصانه (¬2). فعلى هذا يكون على البائع، إذا نقلت ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 302. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 302.

في البلد نفسه، أن يقبض ذلك بحيث هو، وإن لم يدلس. وعلى ما ذكره سحنون يكون نقله إلى البلد الآخر فوتًا، ويرجع المشتري بقيمة العيب، ولا يلزم البائع قبوله في البلد الآخر، وهو أحسن إلا أن يكون المبيع دابة أو عبدًا لا يتكلف في رجوعه كراء، والطريق إن رده مأمونة، فلا يكون نقله فوتًا. ويختلف إذا وجد البائع في البلد الذي نقل إليه ما له حِمْل، فرضي البائع بقبضه، وقال المشتري: أنا أمسك وأرجع بالعيب؛ لأني غرمت في نقله ثمنًا، فعلى قول ابن حبيب ذلك للبائع، وروى أبو قرة عن مالك أنه قال: المشتري بالخيارة إن شاء رد، وإن شاء وضع عنه قدر العيب، وهو أحسن. وقد اختلف في الغاصب ينقل ما له حِمْل، هل يكون له مقال لأجل الحمل؟ فالمشتري أحرى أن يكون له ذلك، فلا يلزم تسليم ما له حِمْل بالبلد الذي نقل إليه، إلا باجتماع منهما؛ لأن للمشتري مقالًا لما غرم في نقله، وللبائع مقال فيما يغرم في رده. وإن كان لا حمل له، كان المقال للبائع إذا كان الطريق غير آمن، فإن كان آمنًا فلا مقال لواحد منهما. وإن كان البائع مدلسًا وعالمًا أن المشتري ينقله ويسافر به، كان للمشتري أن يجبره على قبوله في الموضع الذي نقل إليه، ولا يراعي حمل ولا خوف. وإن كان مما يكال أو يوزن، كان للمشتري أن يحبس هذا ويغرم المثل معيبًا في البلد الذي اشترى به، وله أن يسلمه ها هنا ويجبر البائع على قبوله إن كان مدلسا، وليس ذلك له إن لم يدلس.

باب فيمن باع معيبا وتبرأ من عيبه ولم يبين جنسه، أو بينه ولم يذكر قدره أو سماه مع غيره

باب فيمن باع معيبًا وتبرأ من عيبه ولم يُبَيِّن جنسه، أو بَيَّنَه ولم يذكر قدره أو سماه مع غيره ومن باع عبدًا أو تبرأ من عيب به أو جارية, أو ذكره ولم يذكر جنس العيب، لم يبرأ وكان البيع فاسدًا. واختلف إذا سماه ولم يذكر قدره، أو تبرأ من السرقة والإباق ولم يذكر المعاني التي يسرق بها والمواضع التي يسرق منها أو يأبق إليها، أو تبرأ مِن كَيٍّ بالجارية أو بعرجها أو رتق بها، ولم يبن قدر هذا ولا صفة الآخر، أو كان بعيرًا فتبرأ من دبرته، ولم يبين قدر هذا ولا صفة الآخر وهل هو مخوف أو قليل أو كثير؟ فقال ابن القاسم: البيع جائز، فإن كان قليلًا لزم المشتري. وإن كان كثيرًا، أو كانت سرقة الآخر من غير بيت سيده، يسرق الناس أو يثقب بيوتهم، أو يأبق الآخر إلى الشام أو إلى مصر والمشتري يظن أنه يأبق إلى العوالي، أو يكون رتق الجارية بعظم (¬1) أو ما يعالج، أو يكون الكي الشنيع، أو الدَّبَر مُنْغَلًا (¬2)، فله الرد (¬3). وقال أشهب -في كتاب محمد -: إن لم يصف ذلك وقَدْر كل كية، فالبيع ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 362. (¬2) الدَّبَر: الجرح الذي يكون في ظهر الدابة، وقيل: هو أَن يَقْرَحَ خف البعير. انظر: لسان العرب: 4/ 268. ويقال: نَغِل الجرحُ نَغَلًا: فسد. لسان العرب: 11/ 670. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 246.

مفسوخ، وإن كان الدَّبَر يختلف ولم يبين قدرها وغورها فالبيع مفسوخ (¬1). وهو أحسن في هذا وفي جميع هذه العيوب، ولا أعلم يحمل ذلك على القليل وجهًا؛ لأن اللفظ لا يقتضيه ولا يفهم ذلك منه، وقوله في جميع هذه العيوب يدخل تحته القليل والكثير، ويحتمل أن يكون أراد أحدهما، وإذا كان ذلك كان البيع غررًا، وإذا سمى العيب وذكر معه عيوبًا ليست بالعبد ولا بالدابة، فقال: أبرأ إليك من كذا وكذا، فعَدَّ عيوبًا به أحدُها، لم يبرأ منه وذلك تلفيق على المشتري. قال محمد: وكذلك إن قال: بها كذا وكذا عيبًا، وذكره مع غيره، لم ينفعه. قال: ولا ينفعه إن انفرد، وقال: أبيعك بالبراءة من كذا حتى يقول ذلك به، ولا يخلطه بغيره (¬2). وأرى إذا أفرده أن يبرأ وإن لم يقل أنه به، وإنما لم تنفع البراءة إذا ذكر عيوبًا كثيرة؛ لأن العادةَ أنَّ النخاسين يفعلون ذلك فيما ليس، إرادةَ الاحتياطِ أو لا يُقام بشيءٍ. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 246. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 247.

باب في البيع على البراءة, وما لا تصح منه البراءة أو تصح

باب في البيع على البراءة, وما لا تصح منه البراءة أو تصح واختلف في ذلك في خمسة مواضع، هل تجوز البراءة من العيوب القديمة؟ واذا أجيزت، هل ذلك في جميع المبيعات أو في بعضها؟ وهل يجوز ذلك فيما قرب ملك بائعه له، أو حتى يطول ملكه له؟ وهل تصح البراءة من كثير العيب أو لا تجوز إلا من قليله؟ وهل تجوز من جميع البائعين، أو من بعضهم دون بعض؟ فقال مالك مرة: لا يجوز بيع البراءة ولا يبرأ البائع، أي صنف كان المبيع. وقال أيضًا: يجوز في كل المبيعات (¬1). وقال ابن حبيب: يجوز ذلك في كل شيء، الرقيق والحيوان والعروض (¬2). وبه حكم عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان ومروان بن الحكم، وعمل به عبد الله بن عمر، وقال به مالك في أول زمانه، وأخذ به ابن وهب وغيره ثم رجع فقال: لا يجوز ذلك إلا في الرقيق وحده (¬3). وقال مالك -في كتاب محمد-: يجوز في الرقيق والحيوان دون غيرهما (¬4). واختلف بعد القول بالمنع إذا وقع البيع بشرط البراءة، فقال أشهب -في كتاب محمد-: إن وقعت البراءة في الحيوان لم أفسخه، ويفسخ في العروض إلا أن يتفاوت ويتباعد فلا يفسخ. قال محمد: وابن القاسم يخالفه ويقول: الشرط ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 240. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 240. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 240. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 239.

باطل (¬1). والقول بفسخ جميع ذلك وأنه غرر أحسن. وقال مالك: لا أحب البراءة في رأس لم تطل إقامته عنده ولم يختبره (¬2). وقال في المدونة: لا أرى البراءة تنفع في بيع الميراث ولا غيره، ومن ذلك: الرجل يأتيه الرقيق قد جلب إليه فيقول: أبيعكم بالبراءة ولا علم لي، فقد صدق فلا علم له ولم يكشف ثوبًا، فهو يريد أن يذهب بأموال الناس بهذا الوجه، فلم أر البراءة تنفعه (¬3)؛ لأنه لم تطل إقامته. وقال ابن القاسم: الذي آخذ به أنَّ كلَّ رأس يُعْرَف أنه كان يختبره، فالبراءة تنفعه (¬4). وقال أشهب: إن وقعت البراءةُ في رأسٍ لم تطل إقامته ولم يختبره لم أفسخه (¬5). وقال ذلك عبد الملك بن الماجشون، قال: وقد يبيع الورثةُ ما ورثوا، ومنهم الغائب والقاصي فلم يطلع فيبيع مكانه فيكون بيعُه بيعَ براءةٍ (¬6). وأما القدر الذي تصح البراءة منه، فقال مالك -في كتاب محمد -: ليس فيه حدٌّ لصغرِ عيبٍ ولا لِكِبرِه (¬7). وقال -في كتاب ابن حبيب-: يبرأ وإن أتى العيب على جُلِّ ثمنه (¬8). وعن المغيرة أنه قال: إن جاوز العيب ثلث ثمنه، ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 239. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 245. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 366. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 245. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 245. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 245. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 246. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 241.

رد (¬1). وقال ابن القاسم عن مالك: أنه رجع إلى أنه لا يجوز إلا أن يكون خفيفًا (¬2). يريد: أنه كان يجيزه وإن كان كثيرًا. وأما مراعاة البائعين فساوى بينهم في الإجازة والمنع مرة، وفرق مرة فأجازه إن كان بيع السلطان للغرماء ولأهل الميراث؛ لأن الديون تقضى والوصايا تنفذ (¬3)، وقال أيضًا: إنما كانت البراءة لأهل الديون يفلسون، فيبيع السلطان عليهم (¬4). وذكر ابن القاسم: أنه اختلف قوله في بيع السلطان (¬5)، قال سحنون: وكان قوله القديم في بيع الرقيق بيع ميراث، وبيع سلطان على من قد فلس: إن أصاب بهم عيبًا أو ماتوا في الأيام الثلاثة، أو أصابهم جنون أو جذام أو برص في السنة، لزم المشتري. يريد: أنه اختلف قوله في ذلك وإن كان بيع سلطان. وقال أيضًا -فيمن فلس فاشترى رجل من السلطان عبدًا، فأصاب به عيبًا-: رده على الغرماء. فأما إجازته البراءة في سائر المبيعات، ومن جميع البائعين، وفي قليل العيب وكثيره، فاستسلامًا لما ذكره ابن حبيب من العمل. ومنع ذلك جملة في القول الآخر؛ لأنه غرر، يقول: إن كان سالمًا فلك، وإن كان معيبًا فعليك. ومعلوم أن ثمن المعيب غير ثمن السالم، فقدم ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 241. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 366. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 239. (¬4) انظر: المدونة: 3/ 366. (¬5) انظر المدونة: 3/ 368.

القياس. وفرق في القول الآخر بين القليل والكثير، لعظم الغرر في الكثير، وخفته في اليسير. وفرق بين الحيوان وغيره؛ لأن الغالب من الحيوان أنه يُطَّلَع على عيبه، فالعبد يذكر ما يجده أو يظهر المرض عليه، والدابة يظهر ما يرى من كللها أو قلة أكلها، والغالبُ إذا لم يظهر ذلك السلامةُ، وليس كذلك الثوب إذا كان مطويًّا، فلا يدري البائع ولا المشتري على ماذا وقع البيع، فرأى أنَّ الغررَ ينتفي عن الحيوان والرقيق، ورأى مرة أن ذلك يعلم من الرقيق؛ لأنه يخبر عن نفسه بخلاف غيره من الحيوان. وقال أبو محمد عبد الوهاب: وجه التفرقة أن الرقيق يخفون عيوبهم، فلا يصل المالك إلى علم ذلك، وسائر الحيوان بخلافه؛ لأنه لا قدرة له على كتمان عيوبه (¬1). فعكس العلة وليس كذلك. وقد أبان مالك وجه المنع، فقال -في كتاب محمد-: إنما رأيت أن لا تنفع البراءة في الثياب والحيوان؛ لأنه مما لا تستطاع معرفته (¬2). وقال: لا أحب البراءة في رأس لم تطل إقامته ولم يخبره (¬3). ولا شك أن الغررَ فيما لا يكتم عيوبه وطال ملكه فلم يعلم منه عيبًا أخفُّ مما يكتم عيوبه ولم تطل إقامته. وأما تفرقته بين بيع الإنسان لنفسه، وما يقسم ثمنه للغرماء والوصايا، فلأن فيه ضربًا من الضرورة، وكل هذا في تفرقته بين ما تمكن معرفة عيبه وغيرها وبين ما يفرق ثمنه أو لا يفرق - جنوحٌ إلى تقدمة القياس، وأن ما كان ¬

_ (¬1) انظر المعونة: 2/ 84. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 240. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 245.

عليه العمل ليس على عمومه، وأنه في بعض التملكات مما يرتفع فيه الغرر أو الضرورة. وأما البراءة من عهدة الثلاث، أو السنة فهو أخف؛ لأن حمى الرِّبْع من النادر، وكذلك الجنون والجذام والبرص، ولو علم من رجل الصلاحَ والخيرَ. فقال- فيما طال ملكه لم أختبره وما علمت فيه إلا خيرًا، أو باع على البراءة، لجاز في جميع المبيعات، حسبما ذكر عن الضرر الأول. قال مالك: إن لم يعلم المشتري أنه بيع ميراث أو بيع سلطان حتى استوجبه، كانت له العهدة إلا أن يستفاق لذلك، فَيُخَيَّرُ المشتري إن شاء أخذه بالعهدة، وإن شاء رد مكانه (¬1). وأرى إن علم المشتري أنه بيع سلطان أو ميراث، أو جهل أن ذلك بيع براءة، أن تكون له العهدة، ولا أرى أن يبيع السلطان بالبراءة حتى يسأل الذي يباع عليه، هل علم به عيبًا أم لا؟ فإن قال: لا عيب به، ثم قال بعد البيع: علمت فيه ذلك العيب، لم يصدق. وإن لم يسأل عنه ولم يعلم بالعيب، صدق. وإن كان حاضرًا للبيع ولم يسأل ولم يذكر أنه عالم بالعيب، وهو عالم أن البيع بيع براءة إلا ما علمه، لم يصدق وإن كان يجهل أن ذلك بيع براءة، وقال: سكت وأنا عالم بالعيب، بمنزلة لو كنت أنا البائع لنفسي دلست به، يحلف ورد البيع وانتزع من الغرماء الثمن. وقال ابن القاسم -فيمن اشترى عبدًا من مال رجل قد فلسه السلطان- قال: قال مالك: يرده على الغرماء (¬2). وهذا أحد قوليه أنه لم يرَ بيعَ السلطان ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 242. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 369.

بيعَ براءةٍ، ولا تصح البراءة فيما علمه البائع أو السلطان أو الوصي، وللمشتري أن يرده إذا لم يصدق المفلس أنه كان عالمًا بالعيب. ولم يكن للمشتري أن يرد على الغرماء، على أحد قولي مالك أنه بيع براءة، فإن له أن يرده على البائع ويباع له على ملك المفلس، ويتبعه بما عجز متى أيسر. ومن باع عبدًا بالبراءة ثم وجد المشتري عيبًا قديمًا، كان له أن يحلف أنه لم يعلمه، قال محمد: فإن نكل رد عليه (¬1). قال مالك -في العتبية-: ولو شرط لا يمين عليه كان له شرطه (¬2). يريد: إلا أن يكون العيب مما لا يخفى على البائع في المدة التي كان عنده فيها، وعلمه المشتري بالقرب، رده. واختلف في العيب المشكوك فيه، فقال ابن حبيب: لا يمين على البائع، خفيًّا كان أو ظاهرًا (¬3). وقال ابن القاسم -في العتبية-: يحلف فإن نكل رد من غير يمين على المشتري (¬4). وأرى أن يحلف ويرد الثمن إن نكل. وقال مالك -فيمن اشترى عبدًا بالبراءة، وباعه على العهدة ولم يخبر أنه اشتراه بالبراءة-: فللمشتري أن يرد إن أحب (¬5). وقال -في العتبية-: لا بأس بذلك، ومن ابتاع على العهدة فلا يبيع على البراءة (¬6). وإنما منع أن يبيع على البراءة إذا اشترى على العهدة؛ لأنه لا يحسن أن يكون ذلك المبيع من المشتري الآخر، إن حدث به جنون أو جذام أو برص، ويرجع هو بجميع الثمن فيكون ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 245. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 279. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 244. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 295. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 248. (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 278.

قد أخذ فيه ثمنين، أو بقيمة العيب على القول الآخر. وكذلك في عهدة الثلاث إذا اشترى على العهدة، ثم باعه من يومه بالبراءة، فيموت في الثلاث فيبقى في يديه ثمن الثاني، ويرجع على الأول بالثمن الذي دفع إليه. وقال ابن القاسم -فيمن ابتاع عبدًا على البراءة ثم باعه على العهدة، ثم وجد الثالث عيبًا-: رده على الأوسط وليس على الأول إلا يمينه (¬1). وقال ابن كنانة -في عبد تداوله ثلاثة نفر بالبيع على البراءة، فوجد الآخر عيبًا كان عند الأول-: حلف الأوسط أنه ما علمه وليس بين الآخر والأول عمل. وقاله ابن القاسم (¬2). ولم يختلف في العلي من الجواري وسواء في ذلك بيع السلطان أو غيره، إلا أن تكون ملكًا لامرأة أو صبي أو بيعت في السبي. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 230. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 232.

باب في عهدة ما يبيعه الرجل لغيره كالوكيل والوصي والقاضي

باب في عهدة ما يبيعه الرجل لغيره كالوكيل والوصي والقاضي البائع لغيره سبعة: سمسار، ووكيل على معين، ووكيل مفوَّض إليه، ومبضع معه، ومقارض، وشريك في معين، وشريك مفوض. فأما السمسار يستحق ما باعه، أو يوجد به عيب فلا عهدة عليه، والتباعة على المبيع له إن عرف، وإن لم يعرف كانت مصيبة ذلك من المشتري. وأما الوكيل على شيء بعينه، فعليه التباعة إن لم يبين أنه وكيل، فإن بَيَّن فلا شيء عليه. وكذلك الوصي يبيع على من يلي عليه النفقة، أو لبعض مؤنه ويبن ذلك فلا تباعة عليه، وإنما يرجع في عين ذلك الثمن إن وجد قائمًا، فإن أنفقه على من يلي عليه لم يكن عليه شيء، وأجيز البيع على هذه الصفة، أنه متى وجد عيبًا أو استحق المبيع بعد إنفاق الثمن على اليتيم، أن لا شيء له للضرورة. وبيع القاضي كبيع الوصي في أن لا تباعة عليه. ويفترق الجواب فيمن صرف إليه الثمن، فإن كان البيع للإنفاق على الأيتام أو للصدقة، رجع على من قبض الثمن إن كان قائمًا في الاستحقاق والعيب، وإن أنفقوه لم يرجع عليهم بشيء. ولو اشترى به رقبة وأعتقت، كان في رد العتق قولان: فقال -في كتاب الوصايا من المدونة-: يرد العتق (¬1). وقال -في كتاب محمد-: لا يرد ويغرم الوصي (¬2). والأول أحسن، وإن كان ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 324. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 321.

البيعُ لإنفاذِ ديونٍ على مفلسٍ، رجع على الغرماء كان المال قائمًا أو استهلكوه أو ضاع منهم. وبيعُ العاملِ في القراض كبيعِه لملك نفسه, وهذه العادة أنه إنما يعامل على ذمته، فإن هلك ذلك المال رجع على ذمته، وكذلك إن دفع المال إلى صاحبه، كان المشتري بالخيار بين أن يتبع العامل أو صاحب المال، ما لم يجاوز ما قام به المال الذي رجع إلى صاحبه، فليس له إلا ما رجع إليه، ويتبع العامل بالعاجز. وبيعُ الشريكِ إذا كانت الشركةُ في شيء بعينه، وأخبر حين البيع أنه بينه وبين فلان، كان كبيع من تقدم إذا كان وكيلًا على معين، لا شريك فيه ولا تباعة عليه في نصيب شريكه. وإن كانت الشركة في غير معين، كان بمنزلة من باع ملك نفسه، فللمشتري أن يرد عليه ويأخذ جميع الثمن. وإن تجر الوصي ليتيمه اتبعت ذمته، كالوكيل المفوَّض إليه والعاملِ بالقراض، وهو في هذا بخلاف ما يبيعه للإنفاق على اليتيم؛ لأن هذا ضرورة، وهذا لا ضرورة فيه. ويفترق الجواب أيضًا في تعلق اليمين على من لا عهدة عليه في اليمين، فيسقط في الاستحقاق إلا أن يقوم دليل تهمة أنه كان عالمًا، وتسقط اليمين في العيب عَمَّن هو معروف بالسمسرة. واختلف في الوكيل إذا باع وأخبر أنه وكيل، فقال -في المدونة-: يحلف (¬1). وقال -في كتاب محمد-: لا يمين عليه (¬2)؛ لأنه لو أقرَّ أنه كان عالمًا بالعيب لم يرد البيع. وأما المفوض إليه والمقارض وأشباههم فعليهم اليمين. واختلف بعد تسليم القول بوجوب اليمين إذا اشترط ألا يمين عليه؛ ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 370. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 234.

فقال مالك -في كتاب محمد، فيمن وَكَّل على بيع سلعة فباعها على أن لا يمين عليه، ثم وجد بها عيبًا- فقال: لولا أني أقطع السُّنَّة لرأيت ذلك (¬1)، قد استحلف عثمانُ عبدَ الله بنَ عمر. وأما الرجل الوصي المأمون الذي يعرف بالحال، وأنه يقول: لا أحب أن أحلف لقوم آخرين، فأرى ذلك له، ولولا أن السنة في ذلك اليمين لرأيت ذلك، ثم قال: أما الوصي والوكيل فذلك له (¬2). وبهذا أخذ محمد. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 167. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 235.

باب في عهدة الثلاث

باب في عهدة الثلاث عهدة الثلاث تصح في الرقيق خاصة دون سائر الحيوان، وقال ابن وهب: أخبرني مسلمة بن علي، عن رجل، عن عقبة بن عامر الجهني قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عُهْدَةُ الرَّقِيقِ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ، أَو ثَلاَثَةٌ" (¬1)، شك أيّ ذلك قال. وقد قيل: ذلك لحمى الرِّبْع، فإن كان ذلك فقد يحمل الحديث على ما كان بالمدينة من الحمى قبل أن يدعو النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تنتقل إلى الجحفة، فإن اشترط المشتري عهدة الثلاث وكانت تلك العادةَ، حُمِل عليها. واختلف إذا شرط إسقاطها أو كانت تلك العادة فقيل: البيع جائز ولا عهدة بينهما. وقيل: الشرط باطل ورآه شرطًا فاسدًا لا يوفى به، وإذا كان فاسدًا كان البيع فاسدًا، على القول في الشرط هل يفسد لأجله البيع؟ وأرى البيعَ جائزًا ولا عهدةَ له؛ لأنَّ الغالبَ السلامة، وغير ذلك نادرٌ، وإذا بيع على العهدة كانت المصيبة والعيوب الحادثة في الثلاث، العهدة من البائع، أيّ عيب كان، كالأمة توقف للاستبراء، فيحدث بها عيب ثم يتبين أن لا حمل بها كانت من البائع، ولو قيل في الأمة: إنها من المشتري، لكان وجهًا. واختلف إذا وجد العبد بعد الثلاث ميتًا أو به عيب، ولا يدرى كان ذلك في الثلاث أو بعد، فقال مالك: هو من البائع حتى يعلم أنه خرج من الثلاث سالمًا (¬2). وقال ابن القاسم: هو من المشتري حتى يعلم أنه مات أو أصابه ذلك ¬

_ (¬1) سبق تخريجه في نهاية باب (في منع التدليس بالعيوب والحكم فيه إذا نزل)، ص: 4351. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 365.

في الثلاث (¬1). والأول أقيس؛ لأن الأصل أنه في ضمان البائع، ووجوده بعد الثلاث على ذلك مشكوك فيه، فلا ينقل عن ضمان الأول بشك، إلا أن يقال: لو مات في الثلاث لتغير. واختلف إذا تبرأ من الإباق فأبق في الثلاث، فقال مالك -في المدونة-: هو من البائع (¬2). وفي كتاب محمد: هو من المشتري (¬3). وهذه أشكل من التي قبل؛ لأنه على الحياة وعلى السلامة، حتى يعلم غير ذلك، والأول وجد ميتًا أو معيبًا. وإذا كان من البائع، كان للمشتري أن يرجع بالثمن بعد الاستيناء عند ابن القاسم (¬4). وقال سحنون: لا يستأنى بذلك. والأول أصوب؛ لأن الأمرَ مشكلٌ، فلا يعجل ويتربص. وقال محمد: إن ترادا الثمن ثم وجد العبد لزم البائع، وقد انتقض البيع (¬5). وأرى أن يرجع إلى ما كشف الغيب ويلزم المشتري ولا ينتقض البيع. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 218، البيان والتحصيل: 8/ 255. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 365. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 218، البيان والتحصيل: 8/ 255. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 219. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 219.

باب في عهدة السنة

باب في عهدة السنة عهدة السنة من ثلاثة عيوب: الجنون والجذام والبرص. والجنون على وجهين: أحدهما: ما كان من سبب الطباع وفسادها. والثاني: ما كان من مس الجان. وأيّ ذلك كان فإنه يرد به، وهذا الظاهر من المذهب، وسواء كان الجنون أمرًا لازمًا، أو يذهب المرة ويجيء المرة، كان مطبقًا أو وسوسة. واختلف إذا كان ذهاب العقل من جناية آدمي، أو أمر دخل عليه مما يعلم أنه محدث، فقال ابن القاسم: إن ضرب رأسه فذهب عقله، لا قيام في ذلك (¬1). وقال ابن وهب: إن ذهب عقله من ضربة أو من تَعَدٍّ أو علاج، فهو من البائع (¬2). وقال ابن الماجشون: هو من المشتري، إلا أن يعلم أن ذهاب عقله من مس خالطه مع الضرب أو التردي (¬3). وقول ابن القاسم أصوب؛ لأن هذه عيوب محدثة، ولا مقال للمشتري فيما حدث عنده ولم يكن أصله عند البائع، وإنما وجب الرد بهذه العيوب الثلاثة لقدمها، وتقدم ما عند البائع من فساد وتعفن فيحدث كيموسًا (¬4) رديئًا، فيفسد عقل هذا، ويجذم هذا، ويبرص هذا. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 374. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 225. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 225. (¬4) الكَيْمُوس في عبارة الأَطِبَّاء هو الطعام إِذا انْهَضَمَ في المَعِدَة قبل أَن ينصرف عنها ويصير دَمًا ويسمُّونه أَيضًا الكَيْلُوس. انظر لسان العرب: 6/ 196.

وأرى أن ذلك لا يسرع ظهوره، وإن ظهر في السنة كان دليلًا على قدمه، وما حدث عن الضربة أو التردي والعلاج فخارج عن هذا. ولا أرى أن يرد لما حدث من مس الجان بحال؛ لأنه محدث وخارج عما قاله القوم: إن الردَّ بتلك العيوب لقدمها، إلا أن يكون هناك إجماعٌ. ويرد من قليل الجذام والبرص، ولا يرد من حُمرة ولا من جَرب وإن تسلخ؛ لأنه ليس بجذام، ولا من البهق؛ لأنه ليس ببرص. واختلف إذا كانت بداية الجذام والبرص في السنة (¬1)، واستحقاقه في السنة الثانية، فقال ابن كنانة وابن القاسم: لا يرد. وقال ابن وهب وأشهب: يرد (¬2) وأرى أن يرجع في ذلك إلى ما يقوله أهل المعرفة بالطب، فإن قالوا: لا يصح أن يكون أصله قبل البيع فتخرج السنة إلا وقد استحق، لم يرد وحمل على أنه حادث، وكذلك إن أشكل الأمر عندهم، ويصح الرد بما يحدث من الجذام والبرص في السنة الثانية أو أبعد من ذلك إذا كان ذلك بأحد أبويه؛ لأنه لا يؤمن ظهور مثله بالابن وإن بعد سنين. وإن جن في السنة ثم ذهب فيها، كان للمشتري أن يرد؛ لأنه لا تؤمن عودته (¬3). واختلف في الجذام والبرص إذا ذهب بعد ظهوره، فقال ابن القاسم: لا يرد، إلا أن يقول أهل المعرفة: لا تؤمن عودته (¬4). وقال ابن حبيب: يرد؛ لأنه لا يؤمن كالجنون (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 374. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 226. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 226. (¬4) انظر: المدونة: 3/ 374. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 225.

فصل [فيمن أعتق أو أولد الأمة في السنة ثم ظهر جنون أو جذام أو برص]

فصل [فيمن أعتق أو أولد الأمة في السنة ثم ظهر جنون أو جذام أو برص] اختلف إذا أعتق المشتري العبد، أو أَوْلَدَ الأمة في السنة، ثم ظهر بها جنون أو جذام أو برص، فقال ابن القاسم -في كتاب محمد-: لا يرجع المشتري بشيء، وأرى أن ذلك رضًا بإسقاط العهدة (¬1). وقال -في كتاب ابن حبيب-: يرجع. وقاله ابن كنانة وأصبغ (¬2). واختلف بعد القول: إن له القيام، فقال ابن القاسم -في كتاب محمد-: لا يرجع المشتري بشيء. ورأى أن ذلك رضًا من المشتري بإسقاط العهدة وقال في كتاب ابن حبيب: يرجع بالثمن كله. -وقال مرة: يُرَدُّ العتقُ- (¬3). وقاله ابن كنانة في العتبية (¬4). وقال أصبغ: يرجع بقيمة العيب (¬5). وهو أحسن؛ لأن البائع غير مدلس، ولا يعد ذلك منه رضًا بإسقاط العهدة؛ لأنه لا يختلف أن المشتري غير ممنوع من الوطء والإيلاد والعتق لأجل عهدة السنة، ولو اشترى على أنه ممنوع من ذلك لكان بيعًا فاسدًا. وقد يحمل القول في الرجوع بجميع الثمن، أن العبد بعد عهدة العيوب لا ثمن له. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 223، والبيان والتحصيل: 8/ 367. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 223، والبيان والتحصيل: 8/ 366. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 223. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 367. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 366.

كتاب البيع على الصفة

كتاب البيع على الصفة النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071)

كتاب البيع على الصفة أو على رؤية تقدمت

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب البيع على الصفة أو على رؤية تقدمت (¬1) البيع يجوز على وجهين على الصفة وعلى الرؤية، واختلف في آخر وهو البيع على خيار المشتري من غير رؤية تقدمت ولا على صفة، والمبيع شيئان حاضر وغائب، فالمبيع على رؤية تقدمت يجوز في الحاضر والغائب قريب الغيبة، أو بعيد الغيبة (¬2). واختلف في المبيع على الصفة في خمس مسائل: في بيع ما هو حاضر في أيديهم، أو غائب في بيته معهم في البلد، أو غائبة عن البلد الغيبة القريبة، أو ساج مدرج في جرابه أو مشدود عليه فيبيعه على البرنامج (¬3). فأجاز في العتبية ما هو حاضر بين أيديهما على الصفة فقال في من قال: في هذا الصندوق كذا وكذا ثوب من صفة كذا، فيبيعه فيذهب به المشتري، ويغيب عليه ثم يقول: وجدتها مخالفة للصفة، فلا يصدق وقد لزمه البيع (¬4)، وأجاز في المدونة ما هو في بيته على الصفة (¬5)، ومنع ذلك في كتاب محمد، وقال: ¬

_ (¬1) هذا الكتاب يقابله في المدونة كتاب بيع الغرر، ولم نقف له إلا على مخطوطة واحدة، هي التي نسخنا وقابلنا عليها (¬2) انظر: المدونة: 3/ 256. (¬3) البرنامج عرفه الشيخ خليل في التوضيح بقوله: (البَرنامِج بفتح الباء وكسر الميم، لفظة فارسية استعملتها العرب والمراد بها الدفتر المكتوب فيه صفة ما في العدل). (¬4) انظر البيان والتحصيل: 7/ 434. (¬5) انظر: المدونة: 3/ 263.

أن لا خير في بيع دابة بعينها حاضرة في الدار على الصفة، قال محمد: لأنه قادر على النظر (¬1). وقال مالك في مختصر ما ليس في المختصر: لا تباع السلعة الحاضرة -ولا الغائبة عن مشتريها يوم (¬2) - على الصفة ولا على برنامج. وقال في الموطأ في البيع على البرنامج: يجوز وذلك الأمر المجتمع عليه والذي لم يزل الناس يجيزونه فأجاز ذلك مرة للعمل (¬3). وقال ابن حبيب: يجوز بيع الأعدال على البرنامج لكثرة الثياب وتعظم المؤونة في فتحها، ولا يجوز بيع الساج المدرج في جرابه على الصفة وفرق بين المسألتين (¬4). وفي كتاب محمد في بيع الساج على الصفة قولان فمنعه مرة، وقال في موضع آخر لا بأس إذا وصفه أو على أن ينظره (¬5). قال الشيخ: المعلوم من الصفة أنها لا تأتي على ما تأتي به المعاينة وكثير ما يوصف للإنسان الثوب أو العبد، فإذا أحضر لم يجده على ما كان يصور في نفسه عند الصفة، وإذا كان ذلك لم يجز البيع على الصفة مع القدرة على الرؤية ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 368. (¬2) كذا بالأصل المخطوط ولعل الصواب: (مسيرة يوم) قال في شرح التلقين: 1/ 98: (. . . ذكر في مختصر ما ليس في المختصر: أنه لا يجوز البيع على البرنامج ولا سلعة غائبة على مسيرة يوم)، كما ذكره صاحب عقد الجواهر الثمينة 2/ 626، ونصه: "وقال في مختصر ما ليس في المختصر: لا تباع سلعة حاضرة ولا غائبة على مسيرة يوم على الصفة، ولا على البرنامج". (¬3) انظر: الموطأ: 2/ 666. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 362. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 362.

فصل [في خيار المشتري على الصفة]

إذا كان معه في البلد، وهو في ما كان معه حاضرًا بين أيديهم أبين في المنع؛ لأنَّ العدول عن النظر إلى الصفة قصدًا للمغارّة ولا أفسخ ما كان على يوم. وأما بيع العدل على البرنامج فأجازه مالك مرة للعمل ومرة قدم القياس؛ لأن الشدّ لا يتكلف فيه كثير أجرة ولأن المشتري يفتحه بإثر ذلك إلا أن يكون متاعًا معلومًا مثل ما يقال شقاق فلان وما قد عهده الناس أنه لا يختلف. وأما الساج المدرج، فإن كان لا مضرة في إخراجه ورده جرى على الخلاف في بيع الحاضر على الصفة، وإن كان في رده فساد متى أخرج ولم (¬1) المشتري جرى على الخلاف في بيع البرنامج. فصل [في خيار المشتري على الصفة] واختلف في البيع على خيار المشتري من غير رؤية، فقال سحنون: أجازه جل أصحاب مالك وأجازه ابن القاسم في من اشترى زيتونا قبل عصره ولا يدرى كيف خروجه إذا كان بالخيار بعد عصره (¬2). وذكر أبو الحسن ابن القصار وأبو محمد عبد الوهاب أن ذلك غير جائز إذا كان البائع عارفًا به والمشتري جاهلا به (¬3). فيجوز أن ينعقد البيع على رفع الخيار من ناحية البائع؛ لأنه عارف وعلى أن الخيار للمشتري بعد نظره وما عقد عليه الصفة فلا غرر فيه، وإن كان المشتري عارفا به, والبائع يجهله جاز أن يعقدا على أن البيع منعقد من ناحية ¬

_ (¬1) في الأصل الخطي بياض والسياق يرشح كلمة (يره). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 198. (¬3) المعونة: 2/ 20.

المشتري والخيار للبائع. ولو أبق عبد لرجل وطالت مدته وتغيرت صفته فوجده رجل فاشتراه من سيده أو صار للبائع بالميراث، وهو لا يعرفه فاشتراه منه من يعرفه، جاز. والبيع على الصفة يجوز إذا كان المشتري ممن يعرف ما وَصَفَه، فقد يكون بعض المبيعات مما تغمض صفته, وليس كل الناس ممن يعرف أن يحلي، يصف المبيع ولأن شرط البيع على الصفة أن يصف صفة تقوم مقام المعاينة أو ما يقارب ذلك. ويجوز شراء الأعمى على الصفة إذا كان بصيرا ثم عمي. واختلف إذا خلق أعمى فمنع أبو جعفر الأبهري ذلك وأجازه أبو محمد عبد الوهاب. وأرى أن يجوز فيما يرى أن مثل ذلك يلزم القلب معرفته للمباشرة لمثله مثل الملابس وما يتكرر عليه لبسه ومالا يتبين ما يجوز أن يخفى عليه منه، وإن كان على غير ذلك كالألوان والجمال في الجواري لم يجز؛ لأنا نعلم أنه لو كشف عن بصره وقيل له في لون ما هذا؟ لم يعرفه، وهو في الجمال أبين في خفاء ذلك عليه، ويصح شراؤه فيما العادة في شرائه الذوق والشم كالزيوت والأدهان في البصير شراؤها على ذلك، وقد يستخف شراؤه بالمس في الشاة وما أشبهها إذا أخبر عن سنها؛ لأن ذلك الذي يعول عليه البصير وقد أجاز أشهب في كتاب محمد أن تشترى أرطالا من شاة بعينها إذا جسها وعلم نحوها فهو في شرائه على الحياة أخف.

باب في اختلاف المتبايعين في ما بيع على الصفة تقدمت هل هو على ما تبايعا عليه؟

باب في اختلاف المتبايعين في ما بيع على الصفة تقدمت هل هو على ما تبايعا عليه؟ وإن بيع غائب على صفة، ثم قال المشتري لمَّا أُحضره: كنت وصفت لي ما وصفت على غير ما هو عليه، كان القول قول المشتري مع يمينه، ويرد إلا أن يذكر المشتري صفة لا يشبه أن يكون ثمنها ما وقع به البيع. وإن اتفقا على الصفة التي تبايعا عليها واختلف هل هذا داخل في تلك الصفة لزمه وإلا لم يلزمه، وكذلك لو تقدمت للمشتري رؤية في ذلك المبيع، وانتقل عنها مثل أن يكون صغيرا فكبر ثم عقد البيع على صفة ما انتقل إليه ثم اختلفا فقال المشتري: وصفت لي صفة غير هذه كان القول قوله يحلف، ويرد؛ لأن تلك الرؤية سقط حكمها وصار البيع على صفة. واختلف إذا عقد البيع على رؤية تقدمت ثم قال المشتري تغير عنها، وقال البائع لم يتغير فقال ابن القاسم القول قول البائع، وقال أشهب القول قول المشتري (¬1). وأرى إذا أشكل الأمر هل يتغير فيما بين رؤيته إلى حين إحضاره أو (¬2) يكون القول قول البائع على ما ريء عليه حتى يثبت انتقاله عنه وتغيره وإلى هذا ذهب ابن القاسم، وروى أشهب أن المشتري غارم فلا يغرم بالشك، وإن قرب ما بين الرؤيتين مما يقال: إنه لا يتغير في حال مثله كان القول قول البائع قولًا واحدًا وكذلك إذا بعد ما بينهما مما يقال: إن ذلك المبيع لا يبقى على حال ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 253. (¬2) كذا بالمخطوط، ولعل الصواب: (أن).

فصل [في حدوث العيب أو هلاك المبيع]

ما كان ريء عليه كان القول قول المشتري؛ لأنه دليل وشاهد لقوله، وقد يسقط اليمين عن البائع إذا قطع بكذب المشتري في مثل أن يشتري زيتا أو قمحا بالأمس، ويقول اليوم قد تغير الزيت واحمر وتسوس الآخر. واختلف في من باع جارية بها ورم كان رآه ثم اختلفا هل زاد، فقال ابن القاسم: القول قول البائع، وقال أشهب: القول قول المشتري (¬1). وهذا الاختلاف يحسن إذا أشكل الأمر فيما بين الرؤيتين هل ينتقل؟ ولو كان اشترى بأثر ما رآه كان القول قول البائع، وإن طال ما بين ذلك مما يرى أنه لا يثبت على ما كان رآه كان القول قول المشتري إلا أن يكون ذلك في هبوط ونقص فلا يقبل قوله أنه زاد. فصل [في حدوث العيب أو هلاك المبيع] وإن اختلفا في هلاكه أو حدوث عيب به، فقال البائع كان ذلك بعد البيع، وقال المشتري قبل البيع فعلى القول إن ما حدث بعد البيع وقبل القبض من المشتري كان القول قول المشتري أنه قبلُ حتى يعلم أنه حدث بعدُ، وكذلك إن أدى البائع أنه مات بعد وجوب البيع، وقال المشتري: لا علم عندي، كان من البائع، حتى يعلم أنه هلك بعدُ. قال ابن القاسم: ولا يمين على المشتري. قال: وإن قال البائع والمشتري لا علم عندنا حتى مات كان من البائع (¬2)؛ يريد: لأن الأصل أنه في ضمان البائع حتى يثبت انتقال ضمانه عنه. ¬

_ (¬1) انظر المدونة: 3/ 264، 265. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 264.

وقال ابن حبيب: اشترط البائع على المشتري إن أدركته الصفة ثم وجد به وقت القبض عيب مشكوك فيه هل هو قديم أو حديث فهو على محدث حتى يعلم أنه قديم والأول أصوب؛ لأن الأصل أنه في ضمان البائع فلا ينتقل عن ضمانه بالشك (¬1). وقال ابن القاسم في كتاب محمد في من اشترى عبدًا على أنه بالخيار ثلاثة أيام فوجده ميتًا بعد انقضاء أيام الخيار فقال البائع: هلك بعد أيام الخيار، وقال المبتاع: قبل أيام الخيار، فالقول قول البائع، وهذا مثل قول ابن حبيب. وأصل ابن القاسم المتقدم أنها من البائع حتى يعلم موته بعد ذلك إلا أن يقوم دليل على أنه هلك بعد، وأنه لو هلك قبل لتغير وفسد وكذلك إذا قال المشتري لا أدري متى هلك، وقال البائع هلك بعد أيام الخيار لم يقبل قوله. واختلف فيمن اشترى عبدًا آبقًا على عهدة الثلاث، وتبرأ البائع من إباقه، فأبق في الأيام الثلاث، ثم وجد ميتًا أو معيبًا، ولا يدرى هل كان في أيام العهدة أو بعد فاختلف فيه هل يكون من البائع أو من المشتري، وهذا كله أصل واحد، وأن يكون على الضمان الأول حتى يثبت انتقاله أحسن. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 365.

باب في من اشترى غائبا فهلك بعد البيع وقبل القبض

باب في من اشترى غائبًا فهلك بعد البيع وقبل القبض (¬1) اختلف في ذلك على أربعة أقوال، فقال مالك مرة: المصيبة من البائع أي صنف كان المبيع الديار وغيرها، وقال في كتاب محمد في الديار: المصيبة من البائع (¬2)، وقال مرة: المصيبة من المشتري في المبيع كله، وقال أيضا الديار والعقار من المشتري وما سوى ذلك من البائع (¬3). وقال ابن حبيب: الديار والعقار من المشتري، وما كان من سواه قريب الغيبة يجوز اشتراط النقد فيه - مصيبته من المشتري، وما كان بعيد الغيبة لا يجوز النقد فيه فمصيبته من البائع، وإذا كانت المصيبة من المشتري، فإنه يجوز أن يشترط أن يكون في ضمان البائع، حتى يشترط أو حتى يقبضه المشتري. واختلف على القول: إن المصيبة من البائع هل يجوز أن يشترط مصيبته من المشتري، فأجازه في المدونة (¬4)، وقال في العتبية: لا يجوز بيع الطعام على شرط إن أدركته الصفقة مثل الزرع القائم إذا يبس واستحصد (¬5). ورآه بمنزلة من اشترى ما فيه سقي على أن لا جائحة، وبمنزلة من اشترى ما فيه عقد إجارة؛ لأن الإجارة تمنع من التصرف في الحاضر كمنع التصرف ¬

_ (¬1) كذا في الأصل الخطي هذا العنوان غير مسبوق بفصل أو باب. (¬2) النوادر والزيادات: 6/ 366. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 367. (¬4) انظر: المدونة: 3/ 260. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 7/ 246.

من أجل الغيبة، فمن كان بإفريقية فاشترى عبدا بمصر غير قادر على التصرف فيه بالوجه الذي يقصده فيه المشتري من الاستخدام والوطء والركوب، فهذه عهدة ما يقصده المشتري، ولا يعترض هذا بأنه قادر على الهبة؛ لأنه ليس يقصده المشتري ولا بالقدرة على البيع، وليس الغرض أن يشتري ليهب أو ليبيع قبل الوصول إليه، وإنما يحمل الناس على الغالب من مقاصدهم، وقد تأول ابن القاسم قول مالك أنه على الطعام المخزون ونص مالك خلاف ذلك (¬1)؛ لأنه قال في الزرع إذا كان قائما وإذا جاز أن يشترط أحدهما ذلك على الآخر فلم يفعل، وأراد بعد العقد أن يشترط ذلك كان فيها قولان فقيل يجوز لفعل عثمان وعبد الرحمن وقيل: لا يجوز، وأنهما كانا متساويين. وقال أصبغ في كتاب محمد في من باع دابة ثم تبرأ من عيوبها بعد العقد بشيء أخذه لا يجوز ذلك إلا في الرقيق، وقال في كتاب ابن حبيب: يجوز ذلك في الجارية؛ لأنه يجوز فيها البراءة، فعلى هذا يجوز نقل الضمان بعد العقد، والقياس ألا يجوز؛ لأنه ضمان بجعل وغرر إن سلم المبيع وكان الجعل للبائع كان من أكل المال بالباطل. وقد اختلف قول مالك في هذا الأصل فمرة يقدم القياس ومرة يقدم العمل، والحكم في مصيبة ما بيع على رؤية تقدمت وهو غائب - على ما تقدم إذا بيع على صفة من غير رؤية تقدمت، وهذا إذا كان الشراء على تصديق البائع، فأما إذا كان على الوقف وعلى أنه إن كان على الصفة كان للمشتري أو على أن يختبر، فإن المصيبة من البائع، وكذلك إذا اشترى دارًا على قياس أذرع، أو أشجارًا على عدد -على إن كان عددها كذا وكذا- كانت للمشتري، ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 7/ 246.

والمصيبة في جميع ذلك من البائع، وذلك فيه كالوكيل. وقال محمد في من اشترى زرعًا قد استحصد فدانين على أن تقاس الأرض ليعرف كم فيها، فإن كان كنه (¬1) من حصاده، ثم تقاس الأرض كانت مصيبته من المشتري؛ لأن للمشتري أن يبيعه قبل حصاده، ولو كان القياس قبل حصاده كانت المصيبة من البائع (¬2). ويختلف هل للمشتري أن يبيعه قبل ذلك؟. ¬

_ (¬1) كذا في المخطوط، ولعل الصواب: (مكنه). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 374.

باب [في النقد في الغائب أو الحاضر ومن اشترى على رؤية تقدمت]

باب [في النقد في الغائب أو الحاضر ومن اشترى على رؤية تقدمت] شروط النقد في الغائب على ثلاثة أوجه، فإن كان المبيع ديارًا أو عقارًا جاز شرط النقد، وإن بعدت، وإن كان حيوانًا أو ثيابًا وهي بعيدة أو قريبة وهو بعيد العهد برؤيتها لم يجز (¬1). واختلف إذا كانت قريبة وهو قريب العهد برؤيتها فأجاز مالك في المدونة النقد في الزرع، وإن كان على يومن، وقال ابن القاسم أصل قول مالك أن من باع عروضا أو حيوانا أو ثيابا بعينها فلا بأس بالنقد إذا كان قريب الغيبة، وقال في كتاب محمد إذا كان على مثل اليوم واليومين جاز طعامًا كان أو غيره، وقاله أشهب. وقال مالك أيضا في الطعام وشبهه: يجوز النقد إذا كان على مثل اليوم ونحوه، وقال ابن وهب كره ذلك مالك في الطعام، وإن كان على نصف يوم قال؛ لأنه يسرق، ويفسده المطر إلا أن يكون قريبا جدا. وقال ابن القاسم عنه لا يجوز في الحيوان إلا أن يكون على مثل البريد والبريدين. وروى عنه ابن عبد الحكم أنه قال لا ينبغي أن يرد في الحيوان أقرب أو أبعد (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 260. (¬2) انظر النوادر والزيادات: 6/ 367.

فصل [في بيع الحاضر على رؤية تقدمت]

قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما الثياب والطعام المخزون فالصواب أن يجوز فيه النقد وإن كان على يومين أو ثلاث لأن السرقة وتغيره في مثل ذلك نادر. وأما الزرع القائم فيجوز إذا كان على يوم أو بعض يوم وعلى هذا الوجه تكلم مالك في الطعام؛ لأنه قال يصيبه المطر. وكذلك في الثياب إذا كانت على القصارة على البحر والحيوان في الرعي فبعض يوم يجزئ. فصل [في بيع الحاضر على رؤية تقدمت] وإن بيع حاضر أو غائب على رؤية تقدمت فإن بعدت الرؤية مما يمكن أن يتغير فيه لم يجز شرط النقد وإن لم يشترط النقد جاز. وإن بيع الغائب على صفة غير البائع وكان ممن يوثق بقوله كان الجواب على ما تقدم إذا اشتري على رؤية نفسه، وإن كان على صفة البائع أو غيره ممن لا يوثق بقوله لم يجز وذلك غرر؛ لأنه لا يُدْرَى أصدق أو كذب إلا أن يكون البائع معروفًا بالعدالة والخير وقلة الحرص. وإن اشترط النقد بوجه جائز ثم لم يصح البيع رجع في الثمن إن كان عينًا أو مما يكال أو يوزن، وإن كان عرضًا أو عبدًا وفات بحوالة أسواق أو عيب رجع في قيمته وتعجيل النقد بغير شرط جائز إذا كان الثمن عينًا أو مكيلًا أو موزونًا أو عبدًا أو ثوبًا أو ما أشبه ذلك مما يجوز قبضه، ولا يجوز إذا كان دارًا أو منافع دار ولا جارية ولا جزافًا لأن تعجيل الثمن بغير شرط قرض وإذا كان شرط النقد كان بيعًا ولا يجوز أن يتطوع بنقد ما لا يجوز قرضه فأما الديار ومنافعها فإنه لا يستطاع رد المثل في تلك المحلة ويدخل الجواري في عارية الفروج، وأما الجزاف فإنه لا يعلم هل الثاني مثل الأول وكذلك إذا كان الثمن

التبر ذهب فإن تطوع المشتري بالنقد ثم لم يصح البيع رجع بمثل ما دفع لا قيمته لأنه قرض فاستوى فيه الكيل والموزون والعبد والثياب. ولو عجل الثمن على أن يرجع بالقيمة إذا لم يجد الغائب لم يجز؛ لأنه بيع على قيمة مجهولة، وإن لم يشترطا في حين التعجيل الرجوع بالقيمة ولا المثل وكانا يظنان أن الحكم الرجوع بالقيمة حمل ذلك ورجع بالقيمة كالبيع فاسدًا إذا كان الثمن عبدًا أو ثوبًا.

باب في من اشترى غائبا هل يوقف ثمنه

باب في من اشترى غائبا هل يوقف ثمنه وقف ثمن الغائب على خمسة أوجه فإن كان الثمن عينًا والمشتري موسرًا لم يوقف، وإن كان معسرًا يخشى ناحيته ما بينه وبين الغائب وقف، وإن كان الثمن عرضًا أو ما أشبهه مما لا غلة له أو ما يكال أو ما يوزن وقف؛ لأن المشتري قد تعلق له فيه حق ويخشى أن يدرك البائع ندم فيدعي ضياع ذلك. وإن كان الثمن عبدًا من عبيد الخراج بقي في أعماله على حاله ثم يختلف لمن يكون خراجه؟ فعلى القول إن المصيبة من البائع يكون له قبض خراجه الآن وعلى القول إن المصيبة من المشتري يوقف الخراج فإن سلم الغائب أخذه المشتري وإلا رد إلى البائع ونفقته الآن على البائع فإن صار الخراج للمشتري طلبه بالنفقة. وإن كان من عبيد الخدمة بقي في خدمة بائعه على القول إن مصيبته منه لأنه مما لا يغاب عليه ولأن وقف سيده عنه مضرة عليه وعلى القول إن مصيبته من مشتريه يوقف البائع عن استعماله. وإن كان الثمن دارًا كان الجواب فيها على ما تقدم في العبيد ينظر هل هي دار غلة أو سكنى؟ فإن هلك الثمن في حال الوقف كان مصيبته ممن يصير إليه، وإن هلك قبل وقفه لم يرجع أحدهما على الآخر بشيء. وإن سلم الغائب أخذه مشتريه وكانت مصيبة الثمن من البائع، وكذلك إن هلك الثمن قيل يوقف على القول: إن مصيبته من المشتري وأما على القول إن مصيبته من البائع فيفسخ البيع الآن ولا ينظر إلى الغائب هل هو سالم أم لا؟

فصل في الإتيان بالمبيع الغائب وما يلزم من ذلك

وإن خرج مشتري الغائب لقبضه فوجده سالمًا فمنعه البائع منه خيفة أن يكون الآخر قد هلك، فإن كان وقف الأول على يد بائعه لم يمنع من قبض الغائب؛ لأن هلاك ما في الوقف ممن يصير إليه ثمنًا كان أو مثمونًا، وإن لم يكونا وقفا الأول كانت على القولين، فعلى القول إن المحبوسة بالثمن من المشتري يكون للمشتري الغائب قبضه؛ لأنه يقول إن كان الآخر قائمًا قبضته وإن هلك فهو منك، وعلى القول إن مصيبته من بائعه يكون لبائع الغائب منعه ومن دعا منهما إلى وقفه كان ذلك له، فإذا وقف عاد إلى الأول فقبضه مشتريه إن وجده قائمًا ولم يكن لبيع الحاضر منعه منه؛ لأن الغائب موقوف ومصيبته من مشتريه، فإن جهلا وقف الغائب، ثم عاد إلى الأول فعاد الجواب إلى ما تقدم أن لبائع الحاضر أن يمنع منه لإمكان أن يكون الغائب قد هلك. فصل في الإتيان بالمبيع الغائب وما يلزم من ذلك ومن اشترى غائبًا وقف لقبضه، ولم يكن على البائع أن يأتي به، فإن شرط المشتري على البائع أن يأتي به، ويكون في ضمان بائعه حتى يقبضه، لم يجز، وكان بيعًا فاسدًا، وكان مصيبته إن هلك قبل وصوله من بائعه، وإن هلك قبل قبضه ضمنه بالقيمة، وإن شرط أن ضمانه في حين الإتيان به من مشتريه جاز، وكان بيعًا وإجارة فإن هلك قبل خروجه به من موضع بيع فيه أو في الطريق حط عن المشتري من الثمن بقدر الإجارة. وقال ابن القاسم في من اشترى غلامًا غائبًا بغنم غائبة فتقدم العبد ثم مات قبل أن تأتي الغنم قال: إن جاءت الغنم على الصفة أو على غير الصفة فرضي مشتريها أن يأخذها على ما جاءت به، كان العبد من الذي كان إليه

فصل [في ما قدر الغيبة في ما يشترى على الصفة]

صائرًا، ومحمل قوله على أن بائع الغنم تطوع بجلبها (¬1). فصل [في ما قدر الغيبة في ما يشترى على الصفة] ولا يجوز شراء الغائب إذا كان على بعد مما يرى أنه لا يوجد على ما رآه أو ما وصف له. قال ابن القاسم: لا يصح أن يشتري ما رأى بالمدينة من إفريقية، يريد إذا اشتراها رطبًا؛ لأنه لا يبلغ حتى ييبس، ولا يدرَى هل كانت على ما وصف، ولا بأس إذا كانت يابسة وأجازه في الحيوان. وقال ابن حبيب: لا يجوز مع بعد جدا (¬2)، يريد لأنه يتكلف المشقة على ما لا يدرَى هل يجده أم لا؟ وليس هذا من بيوع الناس، ولأن البائع يحط من الثمن لمكان تكلف المشتري الخروج ما يُعْلَم أنه لو عَلِم أنه يجده قائمًا لم يبعه بذلك الثمن. وإن كان ثمن الغائب ثوبًا كان أشد في الغرر؛ لأنه يوقف تلك المدة، ولا يدرَى هل يجد الغائب أو لا، وإن كان ثمن الغائب عبدًا أو دابة كان أشد منه إذا كان ثوبًا. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 260، والنوادر والزيادات: 6/ 368. (¬2) انظر النوادر والزيادات: 6/ 364.

باب في من أقال من غائب أو من جارية في المواضعة أو أقال من كراء داره

باب في من أقال من غائب أو من جارية في المواضعة أو أقال من كراء داره وقال مالك في من باع سلعة غائبة لا يصح النقد فيها: لم تجز الإقالة وهو دين بدين إن كانت سليمة يوم وقعت الصفقة (¬1). وقال سحنون: وهذا على القول أن المصيبة من المشتري ومنعه محمد على القولين جميعًا. يريد لأنها وإن كانت من البائع، فإنه يمكن أن يجدها سالمة وقت قبضها، فتبين أن الدين كان ثابتًا فيكون قد أخذ سلعة عن دين. وقال أشهب: لا بأس به وهو في ذلك على أصله أنه يجوز أن يأخذ سلعة غائبة عن دين (¬2). وقال يحيى: يجوز لأن ذمم هذين تبرأ ولا تنعقد وقول أشهب ها هنا أشبه، وهو خارج عما كان عليه الربا من أنه يقضي أو يربي لأن قصد هذين حل العقد الأول وبراءة بعضهما من بعض. ومن اشترى جارية، وتواضعاها للاستبراء فتقايلا فيها جاز فإن كانوا (¬3) تواقفا الثمن رجع الثمن إلى الشتري، وإن كانت الإقالة بربح يربحه المشتري استرجع الموقوف، وبقيت الجارية في المواضعة فإن خرجت الجارية من الحيضة انتقد الربح، وإن لم تخرج لم يكن له شيء، وإن أقاله بخسارة جاز أيضًا، ويسترجع الثمن الموقوف ويوقف القدر الذي يربحه البائع، وإن خرجت من ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 369. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 369. (¬3) كذا بالأصل المخطوط ولعل الصواب: (كانا).

الحيضة يأخذه البائع، وإن لم تخرج رد إلى المشتري. وقال ابن القاسم في من أكرى داره من رجل شهرين بثوب موصوف في بيت المكتري ثم باعه منه بدينار قبل أن يقبضه: لا بأس إذا علم أن الثوب قائم حين وقعت الصفقة الثانية (¬1). ويستوي في هذا القول: إن المصيبة من المشتري أو من البائع؛ لأنه الآن في يد مشتريه آخرا وبنفس العقد هو قابض له إلا أن يشترط ألا يضمنه إلا بعد وصوله إليه، فإن هلك قبل أن يصل إليه انفسخ البيع الثاني، ثم تُنْظر في الأول، وإن كان الأمر فيه موقوفًا، حتى تُنْظر هل هو على الصفة، كان من بائعه وانفسخ الكراء وكذلك إن صدق البائع المشتري في صفته على القول: إن المبيع من البائع. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 262، و 263.

باب في من اشترى على برنامج فوجد ناقصا أو زائدا

باب في من اشترى على برنامج فوجد ناقصًا أو زائدًا يجوز لمن اشترى على برنامج أن يغيب عليه قبل أن يفتحه (¬1)، وسواء اشتراه على تصديقه أو على تصديق البائع؛ فإن قبضه على أنه مصدق فيه, ثم قال: وجدته مخالفًا أو ناقصًا، قبل قوله مع يمينه. وإن قبضه على تصديق البائع حلف البائع أنه كان على ما قال له وبرئ إلا أن يُثبت المشتري بينته على ما قال، فإن وُجد مخالفًا، كان بالخيار بين أن يمسك أو يرد. وإن وجد نقصًا من العدد رجع بما ينوبه من الثمن، ويحمل على أنه من وسطها، لا أعلى ولا أدنى، فإن كان الثمن لكل ثوب دينارًا، رجع بدينار، وإن وجد زائدًا، كأن اشترى خمسين فوجدها تزيد واحدًا رد ثوبًا (¬2). واختلف في صفة الرد فقال مرة يرد كأنه عيب وجده فيه، وقال مرة: يكون شريكًا به، فعلى القول الأول يكون للمشتري أن يرد واحدًا، أيهما أحب؛ لأنه يقول: الباقي في يدي على الصفة ليس فيه زائد على الصفة، فيستحقه البائع. وعلى القول الآخر أنه يكون شريكًا يرد واحداَّ بقيمته من تلك الجملة بالقرعة، وهو أحسن، وهو عدل بينهما فيقوم جملتها، فإن كانت قيمة أحدها دينار، وآخر يزيد قيراطًا، وآخر يزيد حبتين وآخر يزيد حبة، وآخر ينقص مثل ذلك، وقيمة جيدها على ما دونه يزيد دينار، كان البائع شريكًا بدينار، فإن أراد رفع الشركة أقرع عليها، فإن خرج للبائع ما قيمته دينار أخذه، وإن كان قيمته ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 257. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 258.

دينارًا وقيراطًا كان عنده زائدًا بقدر ذلك فيحط عن المشتري من الثمن الذي اشترى به ذلك القدر جزءًا وإن كانت قيمته دينارًا إلا قيراطًا بقي له الشِّرْك في البقية بقيراط فيدفع المشتري قيمة ذلك المبيع، وإن كان المبيع أجناسًا، حديدًا وخزًّا وكتانًا، فوجد النقص أو الزائد في صنف منها قَوّم كل صنف بانفراده ثم يَنْظر إلى ما ينوب هذا الصنف على ما كان وقع عليه البيع على أن لا نقص فيه ولا زيادة، فإن علم ما ينوبه، رجع الحكم فيه إلى ما تقدم لو بيع بانفراده.

باب جامع

باب جامع وقال ابن القاسم في من باع عمودًا عليه غرفة ذلك جائز وللمشتري أن ينقض العمود، إذا كان يقدر على تعليق ما عليه، فيعلقه البائع، ليقبض المشتري العمود (¬1). وإن كان لا يقدر على ذلك إلا بهدم الغرفة لم يجز، وذلك من الفساد إلا أن يكون قد أُضْعِف له الثمن، أو تكون الغرفة تحتاج إلى النقض، وإن كان عليه بناء يسير جاز، وعلى البائع زوال ما عليه فإن كان إرفاده مأمونًا جاز البيع وإن كان غير مأمون لم يجز إلا أن يشترط المشتري سلامته بعد حطه وإن كان حوله بناء كان زواله على البائع لأن ذلك ملك البائع. وقال في من باع جفنَ سيفٍ دون حِلْيته جاز، وينقض البائع الحلية (¬2). قال الشيخ - رضي الله عنه -: وكذلك لو باع الحلية دون الجفن كان عليه أن ينقضها لأن على كل بائع أن يمكن من المبيع. وقد اختلف في هذا الأصل فقيل في من باع صوفًا على ظهور الغنم أو تمرًا في رؤوس النخل الجِزاز والجِذاذ على البائع، وقيل: على المشتري. وكذلك إذا باع البناء الذي على العمود وباع أنقاضًا ليهدم، يُخْتلف هل هدمه على البائع أو على المشتري، والحلية أشبه؛ لأنها مربوطة بملك البائع. وظاهر المذهب في من باع شاة واستثنى جلدها أن المشتري يذبحها لنفسه، ثم ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 265. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 265.

فصل [في بيع فراغ البيت وجوفه]

يأخذ هذا الجلد (¬1)، وأرى أن يكون الذبح عليهما؛ لأن التذكية منفعة لهما. ثم يُخْتلف هل تكون الأجرة على ذلك بالسوية أو على قدر ما لكل واحد منهما، ويكون السلخ على صاحب الجلد؛ لأنه على اللحم، فعلى من له الأعلى أن يزيله. فصل [في بيع فراغ البيت وجوفه] ومن باع من رجل هواء جوف بيته ليبنيه غرفة، جاز إذا وصف سعتها وعرض حيطانها وارتفاعها ويبنيه بالمعتاد عندهم من آجُرٍّ أو غيره وكذلك إذا باعها على أن يبني عشرة أذرع بعد عشرة أذرع فيذكر صفة حيطان الأسفل؛ لأن الأسفل قوة للأعلى، وثقل الأعلى يضعف الأسفل. فصل [في لزوم بيع الغائب] ومن قال لرجل: قد أخذت سلعتك أو عبدك بعشرة دنانير، فقال الآخر: ذلك لك، لزمهما البيع جميعًا ولا رجوع لواحد منهما وإن قال: بعني سلعتك بعشرة دنانير، فقال: قد فعلتُ، وقال الآخر: لا أرضى، لزم البائع وحلف المشتري إن أحب الرد أنه لم يرد الإيجاب، وقد يقول ذلك ليرى هل يبعهما أو لا يبيعها بذلك الثمن، أو يريد الشراء حقيقة، وإذا أشكل الأمر حلف وبرئ. وإن قال: بكم سلعتك؟ فقال: بعشرة دنانير، فقال: قد أخذتها بذلك، ثم رجع البائع حلف أنه لم يقل ذلك على وجه الإيجاب، ولم يلزمه البيع، وإن لم ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 335.

يقل المشتري بعد قوله بكم سلعتك شيئًا لم يلزمه؛ لأنه مساوم. وقال أشهب: إن كان قد أوقفها للبيع لزمه إذا قبلها المشتري ولم يكن له رجوع (¬1). وقال ابن القاسم: لو قال: زوجني ابنتك بعشرة دنانير، قال: قد فعلت، فقال الخاطب: لا أرضى؛ لزمه بخلاف البيع لأن سعيد بن المسيب قال: النكاح هزله جد (¬2). وروى علي بن زياد عن مالك أنه قال: نكاح الهزل لا يجوز، وهذا إذا علم أنه كان هزلًا فلا يلزمه. وقد جاء في الحديث: "ثلاث هزلهن جد النكاح والطلاق والعتق" (¬3)، ومحمل ذلك إذا لم يعلم ولم يكن دليل أنه أراد الهزل، فإن علم لم يلزم لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الأعمال بالنيات" (¬4)، وإذا لم يعلم ولم يقم دليل أنه كان هزلًا لزمه من نصف الصداق، ولم يكن منها لإقراره على نفسه أنها ليست بزوجة. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 406. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 132. (¬3) حسن: أخرجه الطبراني: 18/ 304، من حديث فضالة بن عبيد، برقم (15490). (¬4) سبق تخريجه في كتاب الصيام، ص: 732.

باب في البيع على الوزن والكيل والجزاف

باب في البيع على الوزن والكيل والجزاف البيع في ذلك على ما اعتاده المتبايعان أو أهل ذلك الموضع من كيل أو وزن أو عدد أو قيس أو جزاف، فإن خرج من ذلك إلى ما يعرف قدره من المعتاد أو يقاربه جاز وإن خرج في بيعهما إلى ما لا يعرف قدره منه لم يجز، فأما تبر الذهب ونقار الفضة فيباعان وزنًا وجزافًا إذا كانت عادة في بيعه جزافًا فإن لم يكن لم يجز. وقال أبو محمد عبد الوهاب: وأما الدنانير فهي على قسمين: فأما القائمة والفرادى فيباع عددا ووزنا لأن وزنها معلوم، القائم تزيد حبة والفرادى تنقص حبة، فإذا جمعا في الوزن علم ما تضمن ذلك الوزن من العدد ولا يباع جزافًا، وكذلك كل ما يباع عددًا فلا يباع جزافًا. وأما المجموعة فتباع وزنًا ولا تباع عددًا؛ لأن فيها النقص والزيادة ومنع في كتاب الصرف من بيع الدنانير جزافًا جملة هكذا، ولم يبين هل هي قائمة أو مجموعة. وذكر أبو الحسن بن القصار عن مالك أنه قال: لا تباع الدنانير والدراهم جزافًا على طريق الكراهية (¬1)، يريد في الدراهم إذا كانت مجموعة فتباع وزنًا. ويختلف في بيعها جزافًا، وإن كانت تباع عددًا مثل الدراهم الجائزة بين الناس في مكة أو المدينة فلا تباع وزنًا ولا جزافًا. وأما الزيت والسمن والعسل فإن كان قوم عادتهم فيه الكيل لم يجز وزنًا إلا أن يعلموا قدر الوزن من الكيل، وإن كانت العادة الوزن لم يجز كيلًا إلا أن ¬

_ (¬1) انظر: عيون المجالس: 3/ 1511.

يعلموا قدره من الوزن. والعادة عندنا في الزيت الكيل وبمصر الوزن، ووزن القفيز ثلاثة أرطال وثلث، فلا يباع عندنا وزنًا إلا لمن عرف ذلك، ولا بمصر كيلًا إلا لمن علم قدره من الوزن، وكذلك القمح والدقيق كيلًا ولا يباع وزنًا، ويجوز ذلك بمصر؛ لأن تلك العادة عندهم في الدقيق فيبيعونه وزنًا، ويسلمون القمح إلى الطحان بوزن. وأما الثياب فتباع عددًا على القيس، ولا يجوز بيعها جزافًا ولا بغير قيس إلا أن يكون قيس ذلك المتاع عندهم معلومًا، وقد جرت العادة في أشياء أنها تباع على معنى الجزاف من غير قيس ولا وزن، فلا يجوز أن يباع على غير ذلك. فمن ذلك الديار تباع عندنا بغير قيس، وإنما هي على المشاهدة، ولو قيل للبائع أو المشتري كم هي من ذراع ما عرفها، فلو أراد أن يتبايعاها على القيس ما جاز؛ لأنه غرر إن كثرت الأذرع كان فيها غبن على المشتري، ولو علم أنها تبلغ تلك الأذرع لم يشترها عليه، وإن قلَّت الأذرع كان فيها غبن على البائع، لو علم ما باع به، وعلى هذا لو كانت دار غائبة لم يشترها مذارعة إلا أن يعلم أن تلك الأذرع كيف تكون من الديار التي عليها بالمشاهدة، ومحمل قول مالك في إجازته بيع الدار مذارعة أن ذلك لعادة عندهم وكذلك الأرضون العادة عندنا أنها تباع بغير قيس إنما يمشي فيها، ويشتري ما يتصورها من قدرها من الكبر وغيره, فيجوز ذلك لمن تلك عادته. وقال ابن القاسم في الحطب: يسلم فيه قناطير؛ لأن تلك العادة عندهم بمصر أنه يباع وزنًا (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 68.

ولا يجوز ذلك عندنا؛ لأن العادة بيعه جزافًا ولا يعلم كم وزنه ولا قدر ذلك الحمل من الوزن. وأجاز مالك في كتاب محمد أن يباع الزيت والسمن في الزقاق على أن الزِّقاق داخلة في الوزن والبيع قال: لأن الناس قد عرفوا وزنها، وقاله في القلال: لو علم أنها في التعارف مثل الزقاق ما رأيت بها بأسًا (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: أمرها واحد والزقاق أشد منها اختلافًا، فزِق الفحل أكثف وأوزن والخصي دونه، وهو أكثف من زِق الأنثى، وإن ذهب بالزِّقاق ليفرغها كان القول قوله في ضياعه وإن كانت العادة أنه يفرغه قبل أن يذهب به فأذن له في الذهاب به ليفرغه لم يصدق في ضياعه بأنها عارية. وقال ابن القاسم: إن أتى بالظروف واختلفا، وقال البائع ليست بظروف فإن تصادقا على السمن ولم يغب وزن السمن، وإن فات كان القول قول المشتري؛ لأنه أبين وإن فرغ المشتري السمن، وترك الظروف عند البائع حتى يوازنه فيها كان القول قول البائع أنها الظروف التي كان فيها السمن (¬2). وقال أشهب في كتاب محمد: القول قول المشتري والمدعي ها هنا البائع في وزن السمن أنه كثير فيحلف المشتري أنه ليس في وزن السمن الذي قبض إلا ما ذكر ويبرأ (¬3). والأول أبين لأن تركها عند البائع أمانة لتوزن وإذا بقيت الضروف (¬4) ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 7/ 313. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 269. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 426. (¬4) كذا بالمخطوط ولعل الصواب: (ظروفه، من ظرف الشيء بمعنى وعاءه).

فصل [في من اشترى جارية فاطلع على عيب فأنكره البائع]

عند المشتري كان القول قوله مع يمينه وإن نكل حلف البائع على ما يقول من وزن سمنه وصفة ضروفه ويأخذ قيمة ما حلف عليه وإن كان السمن قائمًا وزن فإن وجد على ما قال البائع كانت أجرة الوزن على المشتري وإن وجد على ما قال المشتري كانت الأجرة على البائع. فصل [في من اشترى جارية فاطلع على عيب فأنكره البائع] وقال ابن القاسم في من اشترى جارية بمائة دينار فاطلع على عيب فأنكره البائع فقال رجل أنا آخذها منكما بخمسين على أن على كل منكما من الوضيعة خمسة وعشرين: لا بأس بذلك (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: فإن استحقت السلعة بعدُ، رجع الذي استحقت من يده على الأوسط بخمسين ورجع الأوسط على الأول بخمسة وسبعين، وهي تمام المائة التي كان اشترى بها، وإن اطلع على عيب، فإنه لا يخلو هذا العيب من أربعة أوجه: إما أن يكون قديمًا عند البائع الأول أو مشكوكًا فيه ويكون الشك فيه بين الأول والأوسط والآخر، فإن علم أنه لم يكن عند الآخر كان له أن يرد على من باشره بالبيع وهو الأوسط، ويأخذ منه الخمسين التي دفعها إليه، ويرجع المقال بين الأوسط والأول، فإن كان العيب الذي رد به الآخر قديمًا عند الأول كان للأوسط أن يرد بعد يمينه على المشكوك فيه الذي تقدم الصلح عنه ورجع بخمسة وسبعين؛ لأنه كان أخذ عن الصلح خمسة وعشرين فتمت المائة التي كان اشترى بها، فإن نكل حلف البائع ثم كان المشتري بالخيار بين ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 270.

فصل [في العيب المشكوك فيه ومن له الحق في الرد بالعيب]

أن يمسك، ويأخذ قيمة العيب القديم أو يرد ويحط من الثمن ما ينوب المشكوك فيه؛ لأنه كالحادث عنده، وإن كان العيب الذي رد به الآخر مشكوكًا فيه بين الأول والأوسط كان حكم الثاني حكم الأول، يحلف البائع عن العيبين جميعًا ويسترجع الخمسة والعشرين التي كان الصلح عنها، فإن نكل حلف المشتري ورد، وأكملت له المائة إلا أن يشاء أن يتمسك بالصلح عن الأول، فيحلف البائع عليَّ ويبرأ أو ينكل عن اليمين فيحلف عليه المشتري ثم يكون بالخيار بين أن يمسك ورجع بقيمة الآخر أو يرد ويرد ما نقصه العيب المصالح عنه ويكون حكم المصالح كحكم الحادث. فصل [في العيب المشكوك فيه ومن له الحق في الرد بالعيب] وإن كان العيب الذي اطلع عليه الآخر مشكوكًا أن يكون عند الأخير أو الأوسط خاصة كان القول فيه قول الأوسط مع يمينه ولزم الآخر، وإن نكل حلف الآخر ورد على الأوسط، ولا مقال فيه بين الأوسط والأول لإقرار الأوسط أن الصلح منعقد على حاله وأن الأول برئ منه، وأن الآخر ظالم في مقامه عليه وإن كان العيب مشكوكًا فيه هل كان عند الأول أو الأوسط أو الآخر كان مقال الأخير مع يمين الأوسط وبه يبتدأ، فإن أنكر الأوسط كان القول قوله مع يمينه، فإن كانت يمينه فيه على البت أنه لم يكن عنده لم يكن للآخر مع الأول مقال لإقرار الأوسط أن لا عقدة له فيه على الأول، وكذلك الجواب إذا قال الأوسط: لا أدري هل كان عندي أم لا؟ وحلف وقال الآخر: تقطع أنه عندك لم يكن قِبَل الأول مقال، وإن قالا: لا علم لنا عند من حدث وحلف الأوسط أنه لا يدري أنه كان عنده كان للآخر أن يحلف الأول، فإن

نكل حلف الآخر ورد عليه، وإن نكل الأوسط وحلف الأخير رد عليه، ثم لا قيام للأوسط على الأول؛ لأنه فيه على وجهين: إما أن يدعي أنه حدث عند الآخر، فذلك إقرار أنه لا حق له على الأول؛ لأنه يقول قد تعدى على الآخر وقام بما ليس له فيه حق أو يقول لا أدري حدث عندي أو عند الآخر أو كان عند الأول فإذا حلف الآخر كان لي أن أحلف الأول لإمكان أن يكون عنده، قال الأول فأنا أنكل عن اليمين فأردها عليك، فإن نكلت لم يكن في ذلك علي شيء، وقد تقدم نكولك؛ لأن نكولك عن الأول نكول عني؛ لأنها يمين واحدة فلا شيء لك علي.

باب في من اشترى عبدا واستثنى ماله

باب في من اشترى عبدا واستثنى ماله ومن المدونة قال مالك فيمن اشترى عبدًا واستثنى ماله والمال دنانير ودراهم وعروض بثمن إلى أجل، جاز (¬1). قال ابن حبيب: يجوز ذلك وإن كان المال عينًا معلومًا أو مجهولًا وإن كان أكثر من ثمنه لأنه لا حصة للمال من الثمن (¬2). وقال ابن القاسم في كتاب الجوائح: يزاد في الثمن لأجله (¬3)، وكذلك في كتاب محمد. وقال في العبد يرهنه سيده ثم يجني جناية ويسلمه سيده ثم يفتديه المرتهن بغير إذن سيده أنه يباع بماله ويقبض الثمن فما ناب المال دخل فيه الغرماء. وهو أحسن؛ لأن ذلك معلوم أن يبيعه بماله أكثر مما يباع به ولو كان بغير مال، ولا أرى أن يجوز بيعه إلا بعد معرفة ماله فإن كان ماله عينًا اشترى بالعروض ولم يشتر بالعين نقدًا ولا إلى أجل فيمنع شراؤه قبل معرفة ماله للغرر؛ لأن الثمن يختلف ويتباين باختلاف المال في القلة والكثرة وليس ثمن العبد إذا كان ماله عشرة دنانير كثمنه إذا كان المال مائة دينار أو مائتين أو ¬

_ (¬1) انظر المدونة: 3/ 270. (¬2) انظر النوادر والزيادات: 10/ 417. (¬3) لفظ المدونة الذي وقفت عليه في كتاب الجوائح: (الرجل يشتري العبد وله مال، فيستثني ماله معه، ولو لم يستثنه كان للبائع فيشتريه، ويشترط ماله فيصاب مال العبد، ثم يجد به عيبا أو يستحق، فيرجع المشتري بالثمن كله فيأخذه ولا يوضع عن البائع شيء لمال العبد الذي تلف) انظر: المدونة: 3/ 588.

أو آلاف، ولأن للمشتري أن ينتزع ماله فليس من يشتري وينتزع منه المشتري عشرة دنانير ما يشتري به ما ينتزع منه مائتين ويمنع أن يشتريه بالعين إذا كان ماله عينًا لوجهين: أحدهما: مراعاة الخلاف لقول من قال: إن العبد لا يملك، فكان الاحتياط في ذلك أولى. والثاني: مراعاة لأحد قولي ابن القاسم في العبد المأذون له يشتري ابنة مولاه أنها تعتق على السيد ولا يطؤها العبد. وقوله هذا محتمل أن يكون قال ذلك مراعاة للخلاف أو لأن للسيد أن ينتزع المال وأي ذلك كان، فإنه لا يجوز أن يشتريه بعين والمال عين، وكأن هذا إنما اشتراه بماله، وإن قال أشتريه وماله لم يجز إلا بعد المعرفة بالمال وقلته وكثرته وجنسه. وإن كان المال عينًا أو فيه عين لم يشتره بالعين قولًا واحدًا لأنه إذا قال أشتريه وماله فقد اشترى الشيئين جميعًا؛ العبد والمال، فصار المال منتزعًا. وإن كان في المال أمة لم يجز للعبد أن يصيبها، وإن قال أشتريه بماله جاز للعبد أن يصيبها. تم كتاب الغرر والحمد لله

كتاب الاستبراء

كتاب الاستبراء النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ر) = نسخة الحمزوية رقم (110)

باب في استبراء الأمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب الاستبراء باب في استبراء الأمة (¬1) أوجب الله سبحانه العدة على المطلقات المدخول بهنَّ ومنعهن الأزواج حتى يعلم (¬2) براءة أرحامهن، إما بالحيض وإما بمدة يعلم فيها أنها ليست بحامل، وهي ثلاثة أشهر، فإن لم تر حيضًا، أو تضع الحمل إن كانت حاملًا (¬3)، وكان يمنع من لم يظهر منها (¬4) حمل، حفظًا (¬5) للأنساب وحماية أن تأتي بولد فلا تعلم (¬6) حقيقة من ينسب إليه منهما، أو يكونا فيه شريكين، ومنعت الحامل وإن كان النسب ثابتًا من الأول؛ لأنَّ فيه ضربًا من الاشتراك، ولا فرق بين ذلك في (¬7) حفظ الأنساب، ومنع الاشتراك في الولد بين الحرائر والإماء، فلا يجوز لأحد أن يطأ أمة تقدم فيها وطء لغيره إلا بعد استبراء رحمها من الأول، وبعد ¬

_ (¬1) في (ر): (الإماء). (¬2) في (ف): (ليعلم). (¬3) في (ر): (حائضًا). (¬4) في (ر): (بها). (¬5) قوله: (حفظًا) ساقط من (ر). (¬6) في (ر): (يعلم). (¬7) قوله: (بين ذلك في) في (ف): (في ذلك).

وضع حملها إن كانت حاملًا، قياسًا على المعتدات لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تُوَطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ" (¬1). ولحديث أنس قال: صارت صفية للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما بلغت سد الروحاء حلت ثم بنى بها. أخرجه البخاري (¬2). ولحديث أبي الدرداء قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - على امرأة مُجِح على باب فسطاط، فقال: "لَعَلَّهُ أَنْ يُلِمَّ بِهَا" فقالوا: نعم. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنهُ لَعْنًا يَدْخُلُ مَعَهُ قَبْرَهُ، كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ؟ كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَه". أخرجه مسلم (¬3). وفي النسائي عن ابن عباس قال: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن وطء الحبالى حتى يضعن ما في بطونهن (¬4). وفي الموطأ عن عبد الله بن أبي أمية: أنه قال في امرأة توفي عنها زوجها فاعتدت، ثم تزوجت، ثم أتت بولد تام لأربعة أشهر، فسأل عمر بن الخطاب عن ذلك (¬5)، فقال (¬6) نسوة من أهل المدينة: هذه امرأة هلك عنها زوجها حين حملت فأهريقت دمًا فحبس (¬7) ولدها في بطنها، فلما أصابها الثاني وأصاب الماء الولد تحرك في بطنها وكبر، ¬

_ (¬1) أخرجه الدارقطني: 3/ 257، في باب المهر، من كتاب النكاح، برقم (50) بنحوه عن ابن عباس. (¬2) أخرجه البخاري: 2/ 778، في باب هل يسافر بالجارية قبل أن يستبرئها، من كتاب البيوع، برقم (2120). (¬3) في (ف): (البخاري). والحديث أخرجه مسلم: 2/ 1065، في باب تحريم وطء الحامل المسبية، من كتاب النكاح، برقم (1441). (¬4) أخرجه النسائي: 7/ 301، في باب المغانم قبل أن تقسم، من كتاب البيوع، برقم (4645). (¬5) قوله: (عن ذلك) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (فقال) ساقط من (ف). (¬7) قوله: (دمًا فحبس) في (ف): (فاحتبس).

فصدقهن عمر وفرق (¬1) بينهما (¬2). فكان منع وطء الحامل؛ لأن فيه ضربًا من الاشتراك. وقد اختلف فيمن وطئ أمته وهي حامل من غيره، هل يعتق عليه ذلك الولد (¬3)؟ فذكر ابن حبيب عن الليث بن سعد وغيره أنهم قالوا (¬4): يعتق عليه. وقال، قال (¬5) ابن لهيعة: لم يزل الخلفاء يقضون بذلك. وروى مطرف عن مالك أنه قال: يعتق بغير حكم، ولو كان ذلك الحمل جارية، لم يجز لابن السيد أن يطأ تلك الجاوية إذا وطئ الأب (¬6) أمها وهي حامل بها (¬7). ¬

_ (¬1) قوله: (وفرق) ساقط من (ر). (¬2) أخرجه مالك: 2/ 740، في باب القضاء بإلحاق الولد بأبيه، من كتاب الأقضية، برقم (1419). (¬3) قوله: (ذلك الولد) في (ر): (غير ذلك). (¬4) قوله: (قالوا) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (قال) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (الأب) ساقط من (ر). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 393.

باب في صفة الاستبراء

باب في صفة الاستبراء ومن المدونة قال مالك في المستحاضة: تستبرأ بثلاثة أشهر إلا أن تشك فيرفع بها إلى تسعة أشهر (¬1)، قال: وكذلك (¬2) التي رفعت حيضتها بمنزلة واحدة (¬3). قال ابن القاسم: لأن استبراءها عنده إنما كانت حيضة، فلما رفعت هذه حيضتها أو استحيضت هذه، كانت بمنزلة واحدة لا حيض لها (¬4)، إلا أن مالكًا قال في المستحاضة تكون في عدة من طلاق أو موت: إذا جاءها دم لا تشك فيه أنه دم حيض للونه وتغيره يعرف النساء رائحته (¬5) تكف عن الصلاة، فهذه الأمة المستبرأة (¬6) المستحاضة كذلك، إن جاءها دم لا تشك فيه (¬7) أنه دم حيضة، رأيت ذلك استبراء (¬8). قال الشيخ -رحمه الله-: اختلف في الأمة المستحاضة في ثلاثة مواضع (¬9): أحدها: هل تستبرئ بثلاثة أشهر أو تسعة أشهر؟ (¬10) ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 365. (¬2) في (ر): (قال: وهذه). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 365. (¬4) قوله: (لها) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (يعرف النساء رائحته) في (ف): (بمعرفة النساء رأيته قرءا). (¬6) قوله: (المستبرأة) ساقط من (ف). (¬7) قوله: (فيه) زيادة من (ر). (¬8) انظر: المدونة: 2/ 365. (¬9) قوله: (مواضع) ساقط من (ر). (¬10) قولة: (أو تسعة أشهر) ساقط من (ف).

والثاني: إذا كانت ممن ترى الحيض هل تبرئها حيضة أو ثلاثة أشهر؟ والثالث: إذا كانت غير مستحاضة استبرئت بحيضة ثم تمادت (¬1) استحاضة، فقال في المدونة: تستبرأ المستحاضة بثلاثة أشهر (¬2)، وقال في كتاب محمد: تستبرأ بتسعة أشهر (¬3). والأول أصوب؛ لأن الله -عز وجل- جعل الثلاثة الأشهر دليلًا على البراءة، والتسعة أمدًا للوضع، فإذا تبين عند انقضاء أمد (¬4) الطهور (¬5) أنه لا حمل بها، لم يجب أن تنتظر أمد الوضع، فإذا استرابت بحس بطن، لم تبرأ بالثلاثة أشهر قولًا واحدًا وانتظرت أمد الوضع، وهي تسعة أشهر (¬6) إلا أن تذهب الريبة قبل ذلك، أو تتحقق فتنتظر الوضع وإن بعد سنين. ومن (¬7) اشترى أمة مستحاضة وهي من العلي، كانت في المواضعة تلك الأشهر الثلاث، وكانت (¬8) نفقتها هي (¬9) على بائعها، فإن ظهر حمل (¬10) رد به (¬11)؛ لأن المشتري دخل على عيب الاستحاضة ولم يدخل على عيب الحمل، ¬

_ (¬1) في (ر): (دامت). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 365. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 378. (¬4) قوله: (أمد) ساقط من (ف). (¬5) في (ر): (الظهور). (¬6) من قوله: (قولًا واحدًا. . .) زيادة من (ر). (¬7) في (ف): (وإن). (¬8) قوله: (كانت) ساقط من (ف). (¬9) قوله: (هي) ساقط من (ف). (¬10) قوله: (حمل) ساقط من (ر). (¬11) قوله: (رد به) في (ر): (ردت).

وكذلك إذا استرابت بحس بطن (¬1) ورفعت إلى تسعة أشهر، فإن له أن يردها (¬2) ولا يلزمه الصبر إلى أمد الوضع وهو تسعة أشهر (¬3). واختلف في المستحاضة ترى الحيض، فقال في المدونة: تجزئها الحيضة في الاستبراء، وكذلك المعتدة ترى الحيض (¬4) تبرأ بثلاث حيض ولا تنتظر السنة. وروى عنه ابن وهب: أن ذلك الدم لا تعتد به من العدة ولا من الاستبراء في أقرائها، إلا أنها لا تصلي (¬5). والأول أحسن؛ لأن ذلك (¬6) حيضة حقيقة, فيسقط به (¬7) الضمان عن البائع وتحل به (¬8) المعتدة؛ لأن الاستحاضة لا حكم لها في براءة الرحم، وقد كان استبراؤها إذا لم تر حيضًا بثلاثة أشهر على غير (¬9) حكم المستحاضة إذا عدمت الدم، فإذا رأت الحيض كان دليلًا على براءتها من الحمل. وكذلك الحرة تكون في عدة من طلاق وهي مستحاضة فترى الحيض، أنها تبرأ بالثلاث حيض، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في المستحاضة: "إِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ" (¬10). فسلم أن ذلك حيض وأن ¬

_ (¬1) قوله: (بحس بطن) في (ف): (بجس). (¬2) في (ر): (يرد). (¬3) قوله: (أشهر) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (ترى الحيض) زيادة من (ر). (¬5) انظر: المدونة: 2/ 365. (¬6) قوله: (ذلك) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (به) ساقط من (ر). (¬8) قوله: (به) ساقط من (ر). (¬9) قوله: (غير) ساقط من (ر). (¬10) أخرجه البخاري: 1/ 122، في باب إقبال المحيض وإدباره, من كتاب الحيض، برقم (314)، ومسلم: 1/ 262، في باب المستحاضة وغسلها وصلاتها، من كتاب الحيض، برقم (333).

فصل [في ارتياب الأمة في الحيض]

له (¬1) أحكام الحيض وللاتفاق من قول مالك وأصحابه أنها تدع الصلاة، ولا يصح معه صوم وتحرم فيه على زوجها، ويجبر على رجعتها إذا طلق فيه. واختلف إذا حاضت ثم استحيضت، فقال أشهب: هي من المشتري ولا ترد به، وقال في الواضحة: إن للمشتري أن يرد به (¬2)، وموضع الخلاف إذا كانت في يد البائع أو في يد غيره وهي (¬3) محبوسة بالثمن؛ لأنها تصير بعد بانقضاء الحيضة كالعبد، أو الثوب يحبس بالثمن. فعلى القول أن مصيبته من البائع، تكون (¬4) مصيبة هذه (¬5) من بائعها حتى يقبضها المشتري. وعلى القول أن مصيبةَ العبدِ أو الثوب من المشتري بالعقد تكون مصيبة هذه إذا خرجت من الحيضة من المشتري، إلا أن تكون استحاضتها في أول ما رأت الدم وقبل أن يمضي لها قدر حيضة, فتكون من البائع، أو تشك في أول ذلك هل ذلك (¬6) حيض أو استحاضة؟ فصل [في ارتياب الأمة في الحيض] ارتياب الأمة هو (¬7) على وجهين: بتأخر الحيض، وبحس بطن (¬8) تشك (¬9) هل هو حملٌ أم لا؟ فإن كانت الريبة بتأخر الحيض كان فيها قولان: فروى ابن ¬

_ (¬1) قوله: (له) ساقط من (ف). (¬2) من قوله: (وقال في الواضحة. . .) ساقط من (ف). انظر: النوادر والزيادات: 5/ 12. (¬3) قوله: (هي) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (مصيبته من البائع، تكون) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (مصيبة هذه) في (ر): (مصيبتها). (¬6) في (ف): (هل كان). (¬7) قوله: (هو) زيادة من (ف). (¬8) قوله: (بطن) ساقط من (ر). (¬9) قوله: (تشك) ساقط من (ف).

فصل [في وجوه استبراء الأمة]

القاسم وابن وهب عن مالك أنه قال: تستبرأ (¬1) تسعة أشهر، وروى أشهب وابن غانم عنه: أنها تستبرأ (¬2) بثلاثة أشهر ثم يدعى إليه (¬3) القوابل، فإن قلن أنه لا حمل بها حلت، وبه قال أشهب (¬4). وهو أحسن، وقد تقدم وجه ذلك في ذكر المستحاضة، وإن كانت الريبة بحس بطن انتظرت أمد الوضع، وهو تسعة أشهر، إلا أن تذهب الريبة قبل ذلك فتحل، أو يتحقق الحمل فتنتظر الوضع. فصل [في وجوه استبراء الأمة] الأمة المستبرأة (¬5) على عشرة أوجه: ذات حيض، وذات حمل، ومن لا تحيض لصغر أو كبر، ومرتابة، ومستحاضة، ومريضة، ومرضع، ومعتدة من طلاق أو وفاة، وقد تقدم ذكر المستحاضة والمرتابة، وإن كانت ذات حيض استبرئت بحيضة واحدة، ولا خلاف في الذهب في ذلك، وعليه فقهاء الأمصار؛ مالك (¬6) والشافعي (¬7) وأبي حنيفة (¬8) وغيرهم، وحكي عن ابن المسيب أنه قال: تستبرأ بحيضتين، وجعلها كالأمة المعتدة من طلاق. وعن ابن سيرين أنه قال: تستبرأ بثلاث حيض، والأول أصح؛ لحديث ¬

_ (¬1) قوله: (تستبرأ) ساقط من (ر). (¬2) في (ر): (أنه يستبرأ). (¬3) في (ف): (لها). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 378. (¬5) في (ف): (المشتراة). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 224، والأم: 5/ 96، والبحر الرائق: 8/ 224. (¬7) انظر: المدونة: 2/ 224، والأم: 5/ 96، والبحر الرائق: 8/ 224. (¬8) انظر: الأم: 5/ 96.

أنس في صفية (¬1): أنها حلت لما بلغت سد الروحاء (¬2). ومعلوم أنه لم يكن بين مصيرها إليه (¬3) وإتيانه بها ما تحيض فيه أكثر من حيضة، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تُوَطَأُ حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ" (¬4). فأحلها بوجود الحيض ولم يشترط ثلاثًا. وقال ابن عباس: كانت المرأة من أهل الحرب إذا هاجرت لم تخطب حتى تحيض وتطهر، فإذا طهرت حلت للأزواج. أخرجه البخاري (¬5). واختلف في قدر الحيضة التي تبرئها على أربعة أقوال، فقيل: أقل ذلك خمسة أيام، وهو قول عبد الملك بن الماجشون وسحنون، وقال محمد بن مسلمة: أقله ثلاثة أيام (¬6). وقال مالك في كتاب محمد (¬7)، في امرأة رأت الدم يومًا أو يومين: تترك له (¬8) الصلاة ولا يكون حيضة يومًا (¬9)، وأرى أن يسأل عنه النساء ولا تكون حيضة يومين (¬10). يريد: أن يسأل النساء فيما زاد على اليومين. وقال في المدونة: إذا رأت الدم يومًا أو بعض يوم يسأل عنه النساء، فإن قلن: إن الدم (¬11) يكون يومًا أو بعض يوم، كان استبراء. قال ابن القاسم في كتاب محمد: إلا أن تكون حيضتها قبل ذلك أكثر من هذا فلا أراه ¬

_ (¬1) قوله: (صفية) ساقط من (ف). (¬2) سبق تخريجه، ص: 4488. (¬3) قوله: (إليه) ساقط من (ف). (¬4) سبق تخريجه، ص: 4488. (¬5) أخرجه البخاري: 5/ 2024، في باب نكاح من أسلم من المشركات وعدتهن، من كتاب الطلاق، برقم (4982). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 125. (¬7) قوله: (مالك في كتاب محمد) ساقط من (ر). (¬8) قوله: (له) ساقط من (ر). (¬9) قوله: (يومًا) ساقط من (ف). (¬10) من قوله: (وأرى أن يسأل. . .) ساقط من (ر). وانظر: النوادر والزيادات: 1/ 126. (¬11) قوله: (إن الدم) في (ر): (أنه).

استبراء (¬1). قال الشيخ: وأرى أن يرجع في ذلك إلى ما يقوله النساء، فإن قلن إن الحيضة تكون يومًا أو بعض يوم، قُبل قولهن وبرئ البائع في ذلك وحلت للمشتري، وهذا إذا علم أن ذلك عادة هذه الأمة، وإن لم يعلم لم يبرأ البائع بذلك (¬2) ولم تحل للمشتري؛ لأن مثل ذلك لا يكون حيضة إلا نادرًا، ولا يدرى هل هذا بقية حيضة تقدمت ومما يضاف إلى الأول، أو هو حيض مستأنف؟ وإذا أشكل الأمر لم يبرأ الأول بالشك ولم تبح لهذا، وإن كانت في الإيقاف من أول طهرها فأقامت طهرًا كاملًا، برئ البائع به وحلت للمشتري؛ لأنها لا تخلو من أحد أمرين: إما أن يعاودها الدم بقرب ذلك، فهو مضاف إلى الأول، أو بعد أمد يكون طهرًا، فالأول حيضة كاملة، إلا على ما روى ابن وهب عن مالك: أنها لا تبرأ بدخولها في الدم حتى يعلم أنها حيضة صحيحة مستقيمة، فلا يبرأ البائع بهذا القدر إذا لم يعلم أنها تقدمت لها عادة. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 13. (¬2) من قوله: (وحلت للمشتري. . .) ساقط من (ر).

فصل [في استبراء الأمة الحائض]

فصل [في استبراء الأمة الحائض] واختلف في الأمة تكون حيضتها من (¬1) ستة أشهر إلى ستة أشهر فقال ابن القاسم في العتبية: تبرئها ثلاثة أشهر (¬2). وقال أيضًا: لا تبرئها إلا الحيضة، فإن استرابت فأقصى ما تستبرأ (¬3) به تسعة أشهر (¬4). والأول أصوب؛ لأن المطلوب علم براءتها من الحمل، وذلك يعلم من طريقين بالحيضة, وبمضي ثلاثة أشهر، فإذا علم براءتها بدليل مضي الأشهر، لم يجب انتظار الدليل الآخر الذي هو الحيض، وكما لو تقدم الحيض لم يجب انتظار الأشهر؛ لأن كلَّ واحدٍ منهما دليل بانفراده. فصل [في استبراء الأمة الحامل] وإن كانت حاملًا لم تكن فيها مواضعة، كانت من الوخش أو من العلي، ولا يحل وطؤها للمشتري حتى تضع. ويفترق الجواب في القبلة (¬5) والمباشرة والمضاجعة، فإن كان ذلك الحمل (¬6) من زوج طلق أو مات، لم يحل ذلك له (¬7) منها (¬8) لأنها معتدة. ¬

_ (¬1) قوله: (من) ساقطة من (ر). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 100. (¬3) في (ر): (ما تبرأ). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 100. (¬5) في (ف): (القبل). (¬6) قوله: (الحمل) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (له) زيادة من (ر). (¬8) قوله: (منها) ساقط من (ر).

فصل [في استبراء الأمة التي لا تحيض]

واختلف إذا كان ذلك (¬1) من زنا (¬2) أو كانت مسبية، فمنع ذلك مالك (¬3) في المدونة (¬4) قياسًا على المعتدة وحماية؛ لأن ذلك ذريعة إلى الإصابة (¬5). وأجازه ابن حبيب (¬6). والأول أبين. وإن وضعت ولدًا وبقي في بطنها آخر، لم تحل حتى تضع آخر ما في بطنها. وإن وضعت علقة أو مُضغة حلت. واختلف في الدم المتجمع، فقال مالك: إن استوقن أنه ولد حلت (¬7)، وقال أشهب: لا تحل. فصل [في استبراء الأمة التي لا تحيض] وإذا كانت الأمة ممن لا تحيض، فإنها لا تخلو من خمسة أوجه: إما أن تكون في سن من لا تطيق الرجال (¬8)، أو ممن تطيقهم (¬9) ولم تقارب المحيض، أو قاربت المحيض (¬10)، أو جاوزت ذلك ولم تبلغ اليأس، أو قد يئست وقعدت عن المحيض، فإن كانت صغيرة (¬11) في سن من لا تطيق الوطء وهي ثيب؛ لأنه ¬

_ (¬1) قوله: (ذلك) زيادة من (ر). (¬2) قوله: (من زنا) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (مالك) ساقط من (ر). (¬4) انظر: المدونة: 2/ 385. (¬5) في (ر): (إصابتها). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 15. (¬7) انظر: المدونة: 2/ 385. (¬8) في (ف): (الرجل). (¬9) في (ف): (أو في سن من تطيقه). (¬10) قوله: (أو قاربت المحيض) ساقط من (ر). (¬11) قوله: (صغيرة) ساقط من (ر).

عنف عليها، مثل بنت ست سنين وسبع، لم يكن فيها استبراء، ولا مواضعة على بائعها، وإن كانت فوق ذلك مثل بنت (¬1) تسع سنين أو عشر، كان فيها عن مالك قولان: وجوب الاستبراء، وهي رواية ابن القاسم عنه (¬2). ونفيه، وهي رواية ابن عبد الحكم عنه، فوجه الأول أن من كانت في مثل ذلك السن قد يخشى منها الحمل وإن لم يكن غالبًا. وقد ذكر بعض أهل العلم أنه رأى جدة بنت إحدى وعشرين سنة. وقال محمد بن عبد الحكم: عرفني رجل أنه رأى باليمن جواري كثيرة يحملن لتسع سنين، فكان الاحتياط للأنساب لهذا الوجه أولى. وقياسًا على الحرة المعتدة في قول الله -عز وجل-: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] ووجه القول الثاني أنه وإن كان يصح وجود الحمل فيمن كانت في ذلك السن، فهو (¬3) نادر والنادر لا حكم له، والمراعى في الأحكام ما يكون غالبًا إلا في مثل تلك البلدان التي يكون ذلك فيها كثيرًا مثل اليمن، وعرفت أنه في بادية مكة مثل ذلك كثيرًا. وإن قاربت المحيض مثل ابنة ثلاث (¬4) عشرة سنة، أو أربعة عشر، كان الاستبراء فيها واجبًا، وكذلك إذا جاوزت سن (¬5) المحيض ولم تبلغ اليأس، مثل ابنة ثلاثين أو أربعين أو خمسين، فإن الاستبراء فيها واجب. واختلف عن مالك إذا يئست وقعدت عن المحيض، فروى ابن القاسم عنه: أن فيها الاستبراء (¬6). وروى ابن عبد الحكم أنه: لا استبراء فيها، فأما ¬

_ (¬1) قوله: (بنت) ساقط من (ر). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 11. (¬3) قوله: (فهو) ساقطة من (ف). (¬4) في (ف): (اثني). (¬5) من هنا يبدأ الساقط من (ر) بمقدار لوحة. (¬6) انظر: المدونة: 2/ 384.

فصل [في استبراء المريضة والمرضع]

الاستبراء فحماية لئلا يتذرع الناس بذلك إلى إصابة من يخشى منها الحمل ولم تدخل في سن اليأس، وقياسًا على المعتدة من طلاق في قوله: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} [الطلاق: 4] فأوجب الله -عز وجل- العدة على اليائسة حمايةً، لئلا يتذرع إلى إصابة من يخشى منها الحمل، وأما سقوطه فإن منع الإصابة في الاستبراء خوفًا من اختلاط الأنساب، فإذا أمن ذلك وقطع بأنها بريئة وأنه لا حمل بها، لم يكن فيها استبراء ولم يقسها على المعتدة، لما كان الاستبراء أخفض رتبة، وإن في العدة ما هو تعبد وزيادات على الاستبراء. فصل [في استبراء المريضة والمرضع] واستبراء المريضة والمرضع يتأخر عنهما الحيض بثلاثة أشهر؛ لأنها المدة التي يظهر فيها الحمل، وهما في ذلك كالمرتابة يتأخر عنها الحيض، إلا أن تحس في نفسها ريبة فتسعة أشهر. فصل [في بيع الأمة وهي في عدة الطلاق] وإن بيعت الأمة وهي في عدة من طلاق وهي ممن تحيض، استبرئت بحيضتين إذا كان استبراؤها بعد الطلاق وقبل أن تحيض، والعهدة على البائع في الحيضة الأولى، فإذا حاضت حيضة استحق البائع قبض الثمن وبقيت في المواضعة حتى تحيض الثانية حيث كانت تعتد فيه قبل البيع، وإن بيعت بعد أن حاضت حيضة، لم يستحق الثمن إلا بعد أن تحيض الأخرى، وإن بيعت وهي في آخر الثانية، كانت فيها المواضعة إلى أن تحيض أخرى قولًا واحدًا، وعليه الاستبراء إن أسقط المواضعة إذا كانت عند سيدها، وإن كانت معتدة في بيت

فصل [في استبراء المعتدة التي لا تحيض لصغر أو كبر]

زوجها كان فيها قولان، فقول ابن القاسم: له المواضعة وعليه الاستبراء (¬1). وفي كتاب محمد: لا مواضعة له ولا استبراء عليه، وهذا قياس على التي أقال منها وهي في الإيداع ولم يغب عليها المشتري، وكذلك الجواب إذا اشتراها زوجها وهي في عدة منه. فإن لم يصبها بعد الشراء جرت على حكم المعتدة، وإن أصابها بعد الشراء سقط حكم العدة، وجرت على حكم الأمة غير المعتدة، ولو اشتراها زوجها وهي زوجة انفسخ النكاح بالشراء، فإن باعها قبل أن يصيبها وقبل أن تحيض، كان فيها قولان، فقيل: هي كالمعتدة تستبرأ بحيضتين. وقيل: بحيضة؛ لأن الحيضة الثانية في الطلاق تعبد وهذا فسخ، ورأى في القول الأول أن الزائد على الواحدة في الطلاق احتياط واستظهار لحرمة الزوجية، فاستوى في ذلك الفسخ والطلاق، فإن وطئ قبل البيع استبرئت بحيضة وارتفع الخلاف، وإن كان استبراؤه إياها قبل الدخول استبرئت بحيضة، وسواء اشتراها قبل الطلاق أو بعده، أصابها بعد الشراء أم لا. فصل [في استبراء المعتدة التي لا تحيض لصغر أو كبر] وإن كانت معتدة لا تحيض لصغر أو كبر، فثلاثة أشهر مثل غير المعتدة، وإن كانت مرتابة أو مستحاضة فسنة، ينتقد البائع الثمن بعد مضي ثلاثة أشهر إذا لم يظهر حمل، وإن ظهر حمل كان بالخيار بين الرد أو التمسك، وينقد الثمن وتبقى في الموضع الذي تعتد فيه حتى تضع، وإن كانت في عدة من وفاة فشهران وخمس ليال مع حيضة، وإذا حاضت انتقد البائع الثمن وكان المشتري ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 375.

ممنوعًا منها ومن نقلها إلى تمام العدة، وإن كانت لا تحيض لصغر وهي في سن من لا تطيق الرجل، فشهران وخمس ليال، وللبائع أن ينتقد الثمن بنفس البيع؛ لأن العدة ها هنا تعبد. وإن كانت في سن من تطيق الرجل أو يائسة فثلاثة أشهر، ولا ينتقد البائع الثمن حتى تمضي الثلاث إن كان يخشى منها الحمل، وإن كان لم يخش وجب النقد، وإن مضى بعض العدة قبل الشراء استأنف ثلاثة أشهر. والقياس إذا انقضت العدة وهي في بيت الزوج ولم يغب عليها السيد؛ أن تكون المواضعة من حق المشتري، وله أن يسقطها ويصيب من غير استبراء؛ لأن المعتدة كالمؤتمنة على نفسها في ذلك الوقت، وبقية ما يتعلق بهذا المعنى يذكر فيما بعد إن شاء الله.

باب في استبراء المغتصبة والمكاتبة والمسبية وغيرهن

باب في استبراء المغتصبة والمكاتبة والمسبية وغيرهن ومن المدونة قال ابن القاسم فيمن اغتصب أمة فردت عليه: إن عليه الاستبراء. وقال أيضا: أحب إلي أن يستبرئها (¬1). وقال ابن القاسم في الأمة تصير إلى الرجل بشراء أو هبة أو صدقة أو ميراث أو مغنم أو غير ذلك: فإن فيها الاستبراء (¬2). قال الشيخ: الأمة في الاستبراء على ثلاثة أحوال، فحالة يجوز له أن يصيبها من غير استبراء، وحالة لا يجوز له إلا من بعد الاستبراء، وحالة يختلف هل يكون عليه فيها استبراء أم لا؟ فإن كانت الأمة قد تيقن أنها لم تصب، أو أنها في طهر لم تصب فيه، لم يكن استبراء، وإن كان معلومًا أنها أصيبت، كان فيها الاستبراء، وإن لم تعلم حقيقة ذلك وأشكل أمرها؛ فإن كان الغالب أنها أصيبت أو شك فيها أو ترجح الوجهان -الإصابة وعدمها- وجب الاستبراء أيضًا، وإن كان الغالب عدم الوطء، أو كانت التهمة بوطء حرام حاضت خيفة أن تكون قد زنت؛ كان فيها ثلاثة أقوال، فقيل: الاستبراء فيها واجب. وقيل: مستحب. وقيل: ساقط. وهذه أصول هذه المسائل. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 365، 366. (¬2) انظر: المدونة: 2/ 365، والنوادر والزيادات: 5/ 14.

فصل [فيما يجب مراعاته في استبراء الأمة]

فصل [فيما يجب مراعاته في استبراء الأمة] ويراعى في استبراء الأمة ثلاثة أوجه، أحدها: صفتها هل هي رائعة أو من الوخش؟ والثاني: سنها هل هي في سن من يخشى منها الحمل أم لا؟ والثالث: البائع هل هو رجل أو امرأة؟ وإذا كان رجلًا هل هو ممن يجوز له وطؤها ويخشى منه الحمل، أو ممن لا يخشى ذلك منه لأنه حصور أو مجبوب أو خصي، أو ممن لا يجوز له وطؤها كالعم والخال وابن الأخ وابن الأخت، فإن كانت الجارية رائعة وهي في سن من يخشى منها الحمل والبائع لها رجل وهو ممن يحل له وطؤها ويخشى من إصابته الحمل، كان على من صارت إليه الاستبراء فيها واجبًا إذا اجتمعت هذه الشروط الخمسة؛ لأن الغالب الوطء والحمل مترقب، فإن انخرم شيء من هذه الشروط، فكانت الأمة من الوخش أو من العلي وهي في سن من لا يخشى منها لصغر أو كبر، أو في سن من يخشى منها الحمل والبائع ممن لا يخشى ذلك منه، كالصبي والحصور والصغير والخصي والمجبوب والمرأة، أو ممن لا يحل له وطؤها كالعمِّ والخال وابن الأخ وابن الأخت، كان الاستبراء مختلفًا فيه، فإن كانت من الوخش كان في استبرائها قولان؛ فقيل: واجب. وقيل: مستحب، فوجه الأول أن الأمر فيها مشكل، هل أصيبت أم لا؟ فلا يستبيحها بالشك، ووجه الثاني أن الغالب في أمثالها عدم الوطء وغيره نادر والنادر لا حكم له، وهذا إذا كان البائع لها رجلًا، فإن كانت امرأة كان استحسانًا، وإن كانت أمة سوداء وهي من عليِّ ذلك الصنف كان الاستبراء واجبًا، وإن لم تكن من عليٍّ كانت على الخلاف المتقدم، إلا أن (¬1) ¬

_ (¬1) إلى هنا ينتهي الساقط من النسخة (ر).

فصل [في استبراء البكر]

يعلم من البائع ميله لذلك الصنف فيكون واجبًا، أو تكون متجالة فلا يكون فيها استبراء. وإن كانت الجارية من عليِّ الرقيق والبائع لها صبي أو امرأة، كان فيها ثلاثة أقوال، فقال مالك في المدونة: استبراؤها واجب (¬1). وكذلك إذا كانت لخصي أو حصور أو مجبوب فالاستبراء فيها واجب على قوله (¬2). وقال في الحاوي: إذا كان البائع امرأة أو صبيًّا أو خصيًّا فلا استبراء فيها. ويجري فيها قول ثالث: أن الاستبراء مستحب؛ لأن الاستبراء خيفة أن تكون قد زنت، وهذا الوجه تساوى فيه العلي والوخش، والذي ذهب إليه أشهب في هذا الأصل في كتاب محمد قال: ولا يكون (¬3) الاستبراء من سوء الظن (¬4)، إذ يدخل ذلك المماليك والحرائر (¬5). يريد أنه يلزم من ألزم الاستبراء في مثل ذلك، أن يقول متى طلق الرجل زوجته وأمته تتصرف أن لا يصيبها إلا بعد الاستبراء، وهذا إلزام صحيح وهو موافق لما حكاه أبو الفرج عن مالك. فصل [في استبراء البكر] واختلف في استبراء البكر، والمذهب على أن الاستبراء فيها واجب كالثيب، وذكر البخاري عن ابن عمر أنه قال: ليس فيها استبراء (¬6). وفي ¬

_ (¬1) قوله: (استبراؤها واجب) في (ر): (الاستبراء فيها). (¬2) قوله: (على قوله) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (ولا يكون) ساقط من (ر). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 14. (¬5) قوله: (المماليك والحرائر) في (ف): (في الحرائر). (¬6) أخرجه البخاري معلقًا: 2/ 777، في باب هل يسافر بالجارية قبل أن يستبرئها، من كتاب =

مسلم، قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَأْتِيَنَّ الرَّجُلُ ثَيِّبًا (¬1) مِنَ السَّبْي حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا" (¬2). ففي هذا دليل على أن البكر بخلافها؛ لأن الثيب وطئت، وأرى الاستبراء فيها استحسانًا (¬3) على وجه الاحتياط، ولا يجب (¬4)؛ لأن الغالب في بقاء البكارة عدم الوطء، ويستحسن ذلك لإمكان أن تكون أصيبت خارج الفرج، وقد تحمل المرأة على (¬5) بقاء البكارة، وهذه الجملة عمدة لما يحتاج إليه في استبراء الإماء، فإن غصبت أمة ثم عادت إلى ربها وكانت من العليِّ والغاصب رجل وهو ممن (¬6) يخشى منه الحمل، وجب على سيدها فيها الاستبراء. ويختلف إذا كانت من الوخش، إلا أن يعترف الغاصب أنه أصابها فيجب فيها الاستبراء، وإن ضمن الغاصب قيمتها، لم يكن له أن يصيبها إلا بعد الاستبراء، فإن حاضت عنده ولم يصبها حتى ضمن، لم يكن عليه أن يستبرئها ثانية، وإن استبرأها ثم أصابها ثم ضمن قيمتها، كان عليه أن يستبرئها ثانية ولا يصب ماءه على الماء الفاسد. وإن كان قد أصابها قبل أن يستبرئها ثم ضمن، لم يصبها إلا بعد ¬

_ = البيوع، قبل حديث رقم (2120). (¬1) قوله: (ثيبا) في (ر): (شيئا). (¬2) لم أقف عليه في مسلم، والحديث حسن، أخرجه أحمد: 4/ 108 (حديث رويفع بن ثابت الأنصاري - رضي الله عنه -، برقم (17038)، وأبو داود: 1/ 654، في باب في وطء السبايا، من كتاب النكاح، برقم (2158)، والبيهقي: 7/ 449، في باب استبراء من ملك الأمة, من كتاب العدد، برقم (15366). (¬3) في (ف): (استحبابًا). (¬4) قوله: (على وجه الاحتياط، ولا يجب) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (المرأة على) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (ممن) زيادة من (ر).

فصل [في استبراء الأمة المرهونة والموهوبة]

الاستبراء؛ لأنه لا يدري هل كانت حاملًا قبل ذلك؟ ومن كاتب أمة ثم عجزت، فإن كانت غير متصرفة وإنما تؤدي كتابتها من صنعة تعملها عنده، أو كانت متصرفة ثم تأوي إليه وهو الذابُّ عنها، لم يكن عليه فيها استبراء. وإن كانت منقطعة عنه كان فيها قولان، الاستبراء وهو قول ابن القاسم، ونفيه وهو قول أشهب (¬1). والاستبراء في هذا (¬2) حسن وليس بواجب، إلا أن تكون مغموصًا (¬3) عليها في مثل ذلك فيجب فيها الاستبراء؛ لأنه قد اجتمع فيها وجهان، الظنة في ذلك، وانقطاعها عنه، ولو كانت أمة لرجل متصرفة في صناعة أو غيرها ثم تأوي إليه، لم يكن عليه أن يستبرئها (¬4) إن أرادها، إلا أن يكون مغموصًا عليها في طرائقها (¬5) فيستحب له (¬6) الاستبراء، أو تكون معروفة بالفساد فيجب الاستبراء. ومن صارت إليه أمة من السبي وجب فيها الاستبراء إن كانت من العلي، ويختلف فيه إن كانت من الوخش. فصل [في استبراء الأمة المرهونة والموهوبة] ومن رهن أمة ثم افتكها، فإن كان المرتهن مأمونًا وله أهل، لم يكن على سيدها فيها استبراء. وإن كان مأمونًا ولا أهل له، كان الاستبراء فيها مستحبًّا. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 14. (¬2) قوله: (في هذا) في (ر): (فيها). (¬3) في (ب): (مقبوضا). (¬4) قوله: (أن يستبرئها) في (ر): (فيها استبراء). (¬5) في: (ب): (طريقها). (¬6) في (ف): (لها).

وإن كان غير مأمون في مثل ذلك، كان الاستبراء فيها (¬1) واجبًا. وسواء كان له أهل أم لا، إلا أن تكون من الوخش. وكذلك إذا وهبها وكان الواهب قد أصابها وقبضها الموهوب له على وجه الأمانة ثم عادت إلى الواهب (¬2) قبل أن تحيض، جرت على أحكام الوديعة، فينظر إلى الموهوب له، فإن كان مأمونًا وله أهل، لم يجب فيها استبراء، وإن كان لا أهل له، كان الاستبراء فيها (¬3) استحسانًا، وإن كان غير مأمون وجب الاستبراء (¬4)، كان له أهل أم لا. وإن عادت إليه بعد أن حاضت، وجب فيها الاستبراء على كل حال، وإن كان مأمونًا وله أهل، وإن قال الواهب: لم أهب، وقبضها الموهوب له على وجه الحوز (¬5) لنفسه ثم رجعت إلى الواهب قبل أن تمفي لها حيضة، لم تحل له (¬6) إلا من بعد الاستبراء. وسواء كان الموهوب له مأمونًا أو غير مأمون؛ لأنه قد يحمل الواهب في قوله: (لم أهب) (¬7) على الصدق، ويعتقد أنه لا استبراء فيها. وإن وهب الأب ولده الصغير أمة ثم اعتصرها، فإن كانت لا تتصرف لم يكن فيها استبراء. ويختلف إذا كانت تتصرف (¬8)، فقال ابن القاسم: عليه الاستبراء (¬9). وعلى أصل أشهب لا يكون فيها استبراء؛ لأن الاستبراء ها هنا ¬

_ (¬1) قوله: (فيها) ساقط من (ر). (¬2) في (ر): (البائع). (¬3) قوله: (فيها) زيادة من (ر). (¬4) قوله: (وجب الاستبراء) في (ف): (كان فيها واجبا). (¬5) في (ف): (الجواز). (¬6) قوله: (له) ساقط من (ف). (¬7) قوله: (لم أهب) ساقط من (ر). (¬8) في (ر): (متصرفة). (¬9) انظر: المدونة: 2/ 366.

من سوء الظن خيفة أن تكون زنت وهو أحسن، إلا أن يكون قبلها في مثل ذلك ظنة، وكذلك إذا وهبها لولده الكبير ولم يغب عليها، وإن غاب عليها واعترف الولد أنه لم يصبها، كان للأب (¬1) أن يعتصرها. قال ابن القاسم: وعليه أن يستبرئها (¬2). يريد (¬3): إذا كانت عنده تخرج خيفة أن تكون زنت، وليس ذلك عليه على قول أشهب. وهذا إذا كان الابن مأمونًا، فإن كان غير مأمون لم يصبها الأب وإن استبرأ، لإمكان أن يكون الابن قد أصابها. ¬

_ (¬1) في (ر): (كان له). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 366. (¬3) قوله: (يريد) ساقط من (ر).

باب فيمن اشترى أمة فاحتبسها البائع بالثمن فحاضت عنده, هل تسقط بذلك المواضعة؟ أو استقال منها المشتري بعد القبض لها هل تكون فيها مواضعة؟

باب فيمن اشترى أمة فاحتبسها البائع بالثمن فحاضت عنده, هل تسقط بذلك المواضعة؟ أو استقال منها المشتري بعد القبض لها هل تكون (¬1) فيها (¬2) مواضعة؟ ومن المدونة قال ابن القاسم فيمن اشترى أمة فاحتبسها البائع بالثمن فحاضت عنده ثم دفع المشتري الثمن وقبض الجارية، قال: إن أخذها في أول حيضتها (¬3) أجزأه ذلك، وإن كانت في آخر حيضتها أو بعد أن طهرت، لم يجزئه حتى تحيض حيضة مستقبلة وعلى البائع المواضعة، قال: وإن لم يمنعه البائع من (¬4) القبض حتى طهرت (¬5) عنده وكانت من علي الرقيق، تواضعاها أيضًا، وإن أمكنه منها وتركها عنده، كانت (¬6) حيضتها استبراءً للمشتري؛ لأن ضمانها منه؛ لأنه استودعه إياها، وهو بمنزلة ما لو وضعها عند غيره (¬7). قال الشيخ -رحمه الله-: قوله إذا علم أنها حاضت بعد العقد أن فيها المواضعة، هو على أحد قوليه في المحبوسة بالثمن أنها من البائع حتى يقبضها المشتري، فإن ثبت أن هذه أحدثت أمرًا بعد تلك الحيضة كانت من البائع؛ لأنها في ضمانه. ¬

_ (¬1) قوله: (تكون) ساقط من (ف). (¬2) في (ر): (بذلك). (¬3) في (ف): (دمها). (¬4) قوله: (من) ساقط من (ر). (¬5) في (ف): (حاضت). (¬6) قوله: (كانت) ساقط من (ر). (¬7) انظر: المدونة: 2/ 367.

فصل [فيمن باع أمة ثم استقال منها]

وأمَّا على (¬1) قوله في المحتبسة (¬2) بالثمن، أنها في ضمان (¬3) المشتري بالعقد، يكون البائع بريئًا بتلك الحيضة ولا مواضعة عليه؛ لأنها إن أحدثت ما يوجب الحمل بعد تلك الحيضة كانت قد أحدثته في ملك المشتري، ثم يكون حكم المشتري فيما يجب عليه من الاستبراء، أو يستحب له أن يسقط وجوب ذلك عنه على حكم المودعة، وجعل الجواب إذا لم يمنع من قبضها كالتي منع منها (¬4)؛ لأنَّ مِنْ حقِّ البائع الحبس لها (¬5) حتى يقبض الثمن، إلا أن تكون العادة عندهم التسليم ثم يتبع بالثمن، فإن البائع يبرأ بتلك الحيضة. فصل [فيمن باع أمة ثم استقال منها] ومن باع أمة ثم استقال منها وهي في يديه ولم تبن عنه ولم تكن حاضت بعد البيع، أو حاضت واستقاله في أول دمها، لم يكن فيها مواضعة, وإن استقاله بعد أن خرجت من الحيضة وانتقل الضمان عن البائع، فإن اعترف البائع أنها لم تخرج من (¬6) عنده، لم يكن عليه (¬7) استبراء ولا له مواضعة، وإن قال: إنها كانت تخرج، كان له المواضعة على المشتري. ويختلف إذا أسقط حقه في المواضعة، هل يكون عليه الاستبراء؟ وكذلك ¬

_ (¬1) قوله: (على) ساقط من (ر). (¬2) في (ر): (المحبوسة). (¬3) قوله: (في ضمان) في (ر): (من). (¬4) في (ر): (منع من قبضها). (¬5) قوله: (لها) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (من) ساقط من (ف). (¬7) في (ر): (فيه).

إذا كانت على يد امرأة، فإن استقال قبل أن تحيض، لم تكن فيها مواضعة، وإن كانت الإقالة بعد أن حاضت وطهرت، أو كانت في آخر دمها وكانت المواضعة (¬1) على يديها: لم تخرج، وصدقها البائع الأول، لم يكن في ذلك (¬2) استبراء ولا مواضعة، وإن لم يصدقها كانت له المواضعة. واختلف إذا أسقط حقه في المواضعة هل عليه الاستبراء؟ فقال ابن القاسم في المدونة: عليه أن يستبرئها. وقال محمد: لا باس أن يأخذها البائع ويطأها (¬3) مكانه إن أحب، قال: وكذلك الأجنبي إذا تولاها مثل ذلك سواء، فإن خرجت من يد المرأة الموضوعة على يديها إلى مشتريها (¬4) وغاب عليها (¬5)، لم يكن بد من الاستبراء. وعلى هذا يجري الجواب فيمن كانت في يده أمة بإيداع ثم اشتراها من سيدها، فإن كانت حاضت (¬6) عنده قبل الشراء ولم تكن تخرج، لم يكن فيها مواضعة ولا عليه فيها استبراء. وإن كانت تخرج وتتصرف كانت له المواضعة. ويختلف إذا أسقط حقه في المواضعة، هل يكون عليه الاستبراء؟ وكذلك إذا كانت لزوجته أو لولده الصغير، ينظر هل كانت عنده على وجه الصيانة، أو كانت تخرج و (¬7) تتصرف؟ ¬

_ (¬1) في (ف): (الموضوعة). (¬2) قوله: (في ذلك) في (ف): (فيها). (¬3) في (ف): (ويطأ). (¬4) في (ر): (المشتري). (¬5) قوله: (وغاب عليها) في (ف): (وعادت عليه). (¬6) قوله: (حاضت) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (تخرج و) ساقط من (ر).

فصل [في استبراء الأمة بين شريكين]

فصل [في استبراء الأمة بين شريكين] وإن كانت أمة بين شريكين فاشترى أحدهما نصيب شريكه، فإن كان المشتري هو الحائز لها (¬1) قبل الشراء (¬2) ولم تكن تتصرف عنه، لم يكن له على شريكه مواضعة ولا عليه هو (¬3) استبراء فيها. وإن كانت تتصرف كانت له (¬4) المواضعة. ويختلف في وجوب الاستبراء، وإن كانت قبل الشراء عند البائع لنصيبه، كان للمشتري فيها المواضعة وعليه الاستبراء، وكل هذا إذا كانت من العلي، ويختلف إذا كانت من الوخش، هل يكون عليه فيها استبراء؟ واختلف فيمن أبضع في شراء جارية وبعث إليه (¬5) بها، فقال مالك في المدونة: لا يصيبها حتى يستبرئها (¬6). وقال أشهب في كتاب محمد: لا استبراء عليه، وسواء حاضت عند الذي كان اشتراها أو في الطريق، ولا يكون الاستبراء من سوء الظن، إذ يدخل في الحرائر والمماليك. يريد: أنه يلزم مثل (¬7) ذلك في زوجته أو سريته إذا كانت تتصرف. والمسألة على ثلاثة أوجه: فإن كان متولي الشراء أو المبعوثة معه غير ¬

_ (¬1) قوله: (لها) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (قبل الشراء) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (هو) زيادة من (ر). (¬4) في (ر): (فيها). (¬5) قوله: (إليه) ساقط من (ر). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 459. (¬7) قوله: (مثل) ساقط من (ر).

مأمون، كان الاستبراء فيها واجبًا، وإن كانا مأمونين ولم يغب الأول عليها، أو غاب عليها وله أهل وأتى بها الآخر في رفقة وجماعة ولم يغب عليها (¬1)، لم يكن فيها استبراء، وإن كان الأول لا أهل له وغاب عليها أو أتى بها الآخر وحده، استحب له الاستبراء وإن كانا مأمونين؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَة لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مَحْرَمٌ" (¬2). ولقوله: "لَا تُسَافِر المَرْأَةُ مَسِيرَةَ (¬3) يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا" (¬4)، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الشَّيْطَانُ يَهِمُّ بِالْوَاحِدِ وَالاثْنَيْنِ، وَهُوَ مِنَ الثَّلاَثَةِ أَبْعَدُ" (¬5). ولم يفرق فيها (¬6) بين مأمون وغيره، فيستحب له الاستبراء لمخالفة الأحاديث ولما تخوفه النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، إلا أن يعلم أنها حاضت بعد خروجها من يد الأول، فيسقط اعتبار حال الأول ويعتبر حال الثاني. والحكم فيمن اشترى جارية من عبده أو انتزعها منه على مثل ذلك، فإن كانت في حوز العبد لم تحل للسيد (¬7) إلا من بعد الاستبراء، وإن كانت في حوز السيد نظرت، هل كانت مصونة عن العبد وعن التصرف أم لا؟ ¬

_ (¬1) من قوله: (أو غاب عليها. . .) ساقط من (ر). (¬2) أخرجه بنحوه البخاري: 5/ 2005، في باب لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم، من كتاب النكاح، برقم (4935)، ومسلم: 2/ 978، في باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره, من كتاب الحج، برقم (1341). (¬3) قوله: (مسيرة) ساقط من (ف). (¬4) أخرجه البخاري: 1/ 369، في باب في كم يقصر الصلاة، من كتاب أبواب تقصير الصلاة، برقم (1038)، ومسلم: 2/ 977، في باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره, من كتاب الحج، برقم (1339). (¬5) أخرجه البزار بنحوه كما فى كشف الأستار: 2/ 277، برقم 1698، وقال الهيثمي في المجمع 3/ 215: فيه عبد الرحمن بن أبى الزناد وهو ضعيف وقد وثق. (¬6) قوله: (فيها) زيادة من (ر). (¬7) قوله: (للسيد) ساقط من (ف).

فصل [في استبراء الجارية التى تباع على خيار البائع أو المشتري]

فصل [في استبراء الجارية التى تباع على خيار البائع أو المشتري] وإذا بيعت جارية على خيار البائع أو المشتري، فإن غاب عليها المشتري (¬1) ثم ردها في أيام الخيار، جرت على ما تقدم في المودعة، فقال في المدونة: ليس على البائع استبراء، وان استبرأها (¬2) إذا كان الخيار للمشتري فحسن (¬3). وقال أبو الفرج: القياس أن عليه الاستبراء. قال الشيخ: وهذا أبين (¬4) إلا أن يثبت أمانة المشتري، فيستحسن الاستبراء ولا يجب، وإن قبلها المشتري بعد أن حاضت عنده، لم تكن له مواضعة ولا عليه استبراء، إلا أن تكون تتصرف عنه فتكون له المواضعة، ويختلف في الاستبراء إذا أسقط حقه في المواضعة، إلا أن يكون تصرفها إلى سيدها، فيجب فيها الاستبراء قولًا واحدًا. ¬

_ (¬1) قوله: (فإن غاب عليها المشتري) ساقط من (ر). (¬2) في (ر): (اشتراها). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 370، 371. (¬4) في (ر): (أحسن).

باب فيمن باع أم ولده أو مدبرته ثم نقض البيع فيها بعد أن غاب عليها المشتري

باب فيمن باع أم ولده أو مدبرته ثم نقض البيع فيها بعد أن غاب عليها المشتري ومن باع أم ولده أو مدبرته وقبضها المشتري ثم نقض البيع، لم تحل لسيدها البائع إلا بعد الاستبراء، فإن لم يعترف المشتري بالإصابة، وجب الاستبراء دون المواضعة، إذ لا يصح فيها بيع (¬1)، وهذا قول ابن القاسم (¬2). وأرى أن توضع (¬3) ويحال بين البائع وبينها لحق (¬4) الله سبحانه، وإن ادعى الإصابة كان فيها المواضعة ولم يمكن البائع من الغيبة عليها، وسواء دعا إلى ذلك المشتري (¬5) أم لا، والمواضعة ها هنا لحق المشتري في الولد، ولحق الولد في النسب. ويختلف في المدبرة هل توقف لحق البائع؟ فعلى القول أنه لا ينعقد فيها بيع وأن مصيبتها من البائع؛ لا يكون للبائع فيها (¬6) حق في المواضعة إذا لم يقر المشتري بالإصابة، وعلى القول أن المصيبة إن ماتت والعيوب الحادثة من المشتري، يكون للبائع المطالبة بالمواضعة، فإن تبين أنها حامل أغرمه قيمة عيب الحمل. ¬

_ (¬1) قوله: (إذ لا يصح فيها بيع) ساقط من (ف). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 270. (¬3) قوله: (وأرى أن توضع) ساقط من (ف). (¬4) في (ف): القول). (¬5) قوله: (المشتري) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (فيها) ساقط من (ر).

باب في استبراء الأمة ترد بالعيب

باب في استبراء الأمة ترد بالعيب وإذا ردت الأمة بعيب بعد أن انتقل (¬1) الضمان وغاب عليها المشتري، لم تحل للبائع إلا بعد الاستبراء. واختلف هل له المواضعة على المشتري؟ فقال ابن القاسم: ذلك له (¬2). وقال مالك (¬3) في كتاب محمد: توضع ليعلم هل بها حمل أم لا (¬4)؟ فإن ماتت (¬5) قبل أن يعرف ذلك، كانت (¬6) من البائع. قال (¬7): وسواء كان المشتري وطئها أم لا، ضمانها من البائع المردودة عليه (¬8). والقول الأول أحسن؛ لأنَّ الرد بالعيب وإن كان (¬9) نقض بيع، فإن المشتري قبضها بريئة (¬10) فعليه أن يردها بريئة، ولأنَّ الذي من أجله (¬11) يمنع البائع إذا رجعت إليه من الوطء هو الوجه الذي يوجب له الواضعة. ¬

_ (¬1) في (ف): (انتقال). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 371. (¬3) قوله: (مالك) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (أم لا) زيادة من (ر). (¬5) في (ر): (مات). (¬6) في (ر) (كذلك). (¬7) قوله: (قال) ساقط من (ف). (¬8) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 272، 273. (¬9) قوله: (وإن كان) ساقط من (ف). (¬10) في (ر): (يريد). (¬11) قوله: (من أجله) ساقط من (ف).

باب فيمن توقف الأمة على يده للمواضعة

باب فيمن توقف (¬1) الأمة على يده (¬2) للمواضعة المواضعة تجوز على يد أهل الأمانة من النساء والرجال (¬3)، والمرأة (¬4) الواحدة تجزئ في الائتمان عليها، ويختلف هل يقبل قولها أنها حاضت؟ فالمشهور من المذهب أن قولها في ذلك (¬5) يجزئ، وقد قيل في هذا الأصل: إنه لا يكتفى في ذلك إلا بقول امرأتين في الحيض والحمل وعيوب الفرج، ولا بأس أن توضع على يدي رجل إذا كان مأمونا وله أهل، ولا يجوز أن تكون على يدي رجل غير مأمون، كان له أهل أم لا. ويختلف إذا كان مأمونا لا أهل له، فأجاز ذلك في كتاب محمد على كراهية فيه؛ لأنه قال: إذا تراضيا أن توقف على يدي رجل ثم اختلفا كان القول قول من دعا إلى نزعها منه، ولو كان له أهل لم يصح إذا تراضيا أن تنزع منه، وإنما تنزع إذا لم يكن له أهل، وهذا مثل قوله في الأمة يستحقها رجل ويقيم شاهدًا ويضع قيمتها، أنه أجاز له أن يمضي بها إذا كان مأمونًا. ومنع ذلك أصبغ وهو أصوب؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَخْلُوَنَّ رَجُل بِامْرَأَة لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مَحْرَمٌ" (¬6). والمنع في المستحقة (¬7) آكد؛ لأنَّ المستحق لها يقول: ¬

_ (¬1) في (ر): (توضع). (¬2) في (ر): (يديه). (¬3) قوله: (والرجال) زيادة من (ر). (¬4) قوله: (والمرأة) ساقطة من (ر). (¬5) قوله: (في ذلك) ساقط من (ر). (¬6) سبق تخريجه، ص: 823. (¬7) في (ر): (الستحاضة).

هي أمتي وحلال لي، فقد يتناول ذلك فيها، وعلى هذا يجري الجواب إذا وضعها على يدي البائع أو المشتري، فقال في المدونة: يكره أن توضع على يدي المشتري وغيره أحب إلي، وإن فعلا أجزأهما (¬1). وفي كتاب محمد مثل ذلك إذا وضعت على يدي البائع (¬2). وعلى أصل أصبغ: يمنع الوجهان جميعًا، فلا يؤمن المشتري عليها؛ لأنه لم يتقرر انتقال الملك ولا انتقال الضمان، وقد يتساهل فيها ويرى أن له فيها عقد بيع فيصيبها قبل الاستبراء، ولا يؤمن البائع عليها فقد يتأول فيها (¬3) لما كانت في ضمانه وتدعوهما النفس إلى ما تعوداه، وهذا في المأمونين بائع أو مشتر، وأما غير مأمون فلا يجوز بحال. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 373. (¬2) من قوله: (أو المشتري. . .) ساقط من (ر). انظر: النوادر والزيادات: 5/ 6. (¬3) في (ر): (عليها).

باب فيمن باع أمة على إسقاط المواضعة أو على البراءة من الحمل

باب فيمن باع أمة على إسقاط المواضعة أو على (¬1) البراءة من الحمل ولا يجوز بيع الأمة العلي على إسقاط المواضعة ولا على البراءة من الحمل. واختلف في ذلك (¬2) إذا نزل؛ فقال ابن القاسم في المدونة: إذا بيعت على إسقاط المواضعة، فالبيع جائز والشرط باطل والمواضعة بينهما، وإن بيعت على البراءة من الحمل كان بيعًا فاسدًا (¬3). وقال مالك في كتاب محمد: ما بيع على البت مثل أهل مصر لا يبيعون على المواضعة وإنما يبيعون على النقد وعلى الدفع، فهو بيع لازم ولا يفسخ ويكون (¬4) عليهما المواضعة، شاءا أو أبيا ويمنعان من القبض (¬5). قال الشيخ: أما البيع على إسقاط المواضعة، فهو راجع إلى الشروط الفاسدة؛ لأنه شرط يتضمن غررًا فقبض المبيع، وينفذ كما ينفذ في الوخش (¬6) فإن ظهر حمل رد به وهو غرر، تارة بيعًا إن لم يظهر حمل، وتارة سلفًا إن ظهر ورد به (¬7). ¬

_ (¬1) قوله: (على) زيادة من (ر). (¬2) قوله: (في ذلك) ساقط من (ر). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 85. (¬4) قوله: (يكون) ساقط من (ر). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 6. (¬6) من قوله: (أما البيع على. . .) ساقط من (ر). (¬7) من قوله: (وهو غرر. . .) ساقط من (ر).

وقد اختلف في الشروط الفاسدة، هل يمضي البيع ويسقط الشرط؟ أو يفسخ البيع إلا أن يسقط الشرط، أو يفسخ وإن أسقط الشرط. والذي آخذ به أن يكون البائع بالخيار بين أن يسقط الشرط ويرد إلى المواضعة أو يفسخ البيع. وأما إن (¬1) شرط البراءة من الحمل، فهو بيع فاسد؛ لأن (¬2) المشتري دخل إن كانت (¬3) سالمة من العيب -وهو الحمل- كانت له، وإن كانت حاملًا لم يقم بذلك العيب، وإذا كان البيع فاسدًا انتقض إن أدرك ولم يفت، وإن فات رجع فيها (¬4) إلى القيمة، ويفيته حوالة الأسواق فما فوق. واختلف متى تنتقل إلى ضمان المشتري على ثلاثة أقوال، فقال ابن القاسم في المدونة: إن كان البائع منكرًا للوطء، ضمنها المشتري بنفس القبض إن هلكت كالبيع الفاسد (¬5) ويفيتها على هذا حوالة الأسواق فما فوق، وإن أقر بالوطء كانت في ضمان البائع ولم تنتقل إلى ضمان المشتري إلا بعد حيضة، أو يمضي من الأمد ما يكون فيها استبراء (¬6). قال محمد: وذلك قدر الشهر. وقال محمد: إذا كانت من المرتفعات فسواء وطئ البائع أو لم يطأ فضمانها من البائع أبدًا، وفي كل (¬7) ما حدث فيها، وإن قبضها المشتري حتى تقيم قدر ما يكون فيه استبراء. وقال أيضًا: الضمان من ¬

_ (¬1) قوله: (إن) زيادة من (ر). (¬2) في (ر): (فإن). (¬3) في (ر): (على أنها). (¬4) في (ف): (فيه). (¬5) قوله: (كالبيع الفاسد) ساقط من (ف). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 8، 9. (¬7) قوله: (كل) ساقط من (ر).

المشتري، وإن أقرَّ البائع بالوطء (¬1) إن هلكت فيما (¬2) يكون فيه استبراء (¬3). وقول ابن القاسم في المدونة أحسن، فإن كان البائع منكرًا للوطء (¬4)، كانت في ضمان المشتري بالقبض، وهو بمنزلة من اشترى ثوبًا على ألا ينشره، ولا يقوم فيه بعيب إن ظهر عليه، فهو ضامن بالقبض، ولا يشبه هذا البيع على المواضعة؛ لأنه في البيع (¬5) على المواضعة دخل على أن (¬6) المبيع يكون على الوقف والاختيار، فإن كان سالمًا أخذه، وإن كان معيبًا لم يقبله، وهذا دخل على أنه على (¬7) غير وقف، وعلى أنلى في ضمانه من الآن. وأما إن اعترف البائع بالوطء، فلا تكون في ضمان المشتري (¬8) بالقبض، لإمكان أن تكون حاملًا فيكون بائعًا لولده ولأم ولده، ومثل هذا لا (¬9) ينعقد فيه بيع ولا ينتقل به ضمان حتى تعلم سلامتها من الحمل، فحينئذ تدخل في ضمان الشتري. وأما القول أنها تنتقل عن ضمان البائع إذا مضى قدر شهر ثم (¬10) هلكت، وأن لا (¬11) يصدق المشتري إن قال: إنها هلكت قبل أن تحيض، فليس هذا (¬12) بالبين؛ لأن مضي الشهر ¬

_ (¬1) في (ف): (بالوضع). (¬2) بعدها في (ر): (لا). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 10. (¬4) قوله: (فإن كان البائع منكرًا للوطء) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (البيع على المواضعة؛ لأنه في البيع) في (ر): (على الصحيح الذي). (¬6) قوله: (على أن) في (ر): (لأن). (¬7) قوله: (أنه على) زيادة من (ر). (¬8) قوله: (تكون في ضمان المشتري) في (ف): (يكون للمشتري ضمانًا). (¬9) قوله: (ومثل هذا لا) في (ف): (فلا يكون مثل هذا). (¬10) في (ر): (إن). (¬11) قوله: (وأن لا) في (ر): (ولا). (¬12) قوله: (هذا) ساقط من (ر).

ليس فيه دليل على البراءة ويمكن أن تكون ماتت وهي حامل، وإنما يدل على براءتها أن تمضي لها ثلاثة أشهر ولا يظهر بها حمل، ولأن المشتري يدعي الوجه الذي لأجله لم يجز البيع ولم يجز النقد، ولو كان محملها على الحيض والبراءة لكان البيع جائزًا. وأرى أن يصدق المشتري إن قال: إنها لم تحض، أو قال: لا علم لي هل حاضت أم لا؟ وقال عبد الملك بن حبيب: إن لم تمت وجاء بها بعد الشهر والشهرين والثلاثة وقد حدث بها عيب، فقال: لم تحض، فهو مصدق ويردها بالعيب الذي حدث (¬1). قال الشيخ: وإذا صدق مع وجود عيبها أنها لم تحض مع إمكان أن تكون حاضت ثم دخلت في الطهر، صدق إذا ماتت وقال: إنها لم تحض. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 9.

باب فيمن وطئ أمة ولده ثم ضمنها هل يستبرئها؟

باب فيمن وطئ (¬1) أمة ولده ثم ضمنها (¬2) هل يستبرئها (¬3)؟ وإن تعدى الأب فوطئ أمة ولده، ضمن قيمتها، فإن كان أصابها قبل أن يستبرئها (¬4)، لم يصبها بعد التقويم إلا بعد الاستبراء؛ لأنه يمكن أن تكون مشغولة الرحم من غيره (¬5). واختلف إذا كان استبرأها (¬6) قبل الإصابة ثم ضمن القيمة، فقال ابن القاسم في المدونة (¬7): ليس عليه استبراء (¬8). وقال غيره: عليه أن يستبرئها. والقول الأول أبين؛ لأن الأب بأول الملاقاة ضمن قيمتها وصارت ملكًا له (¬9)، فما كان منه بعد ذلك فهو في ملكه. ومحمل القول بالاستبراء على القول أن الابن بالخيار وأن له أن يأخذها بعد إصابة الأب؛ لأن الأمة على قوله في حين أصابها (¬10) الأب على ملك الابن حتى تقوَّم عليه وقد لا يغرمه (¬11). ¬

_ (¬1) في (ر): (ضمن). (¬2) قوله: (ثم ضمنها) ساقط من (ر). (¬3) في (ر): (يشتريها). (¬4) في (ف): (يشتريها). (¬5) قوله: (من غيره) ساقط من (ر). (¬6) في (ر): (استبراؤها). (¬7) قوله: (في المدونة) زيادة من (ر). (¬8) انظر: المدونة: 3/ 375. (¬9) قوله: (له) ساقط من (ر). (¬10) في (ف): (إصابة). (¬11) قوله: (وقد لا يغرمه) زيادة من (ر).

باب فيمن أرأد أن يزوج أمته وقد كان أصابها أو لم يصبها

باب فيمن أرأد أن يزوج أمته وقد كان أصابها أو لم يصبها ولا يجوز لمن كانت له أمة فأصابها أن يزوجها حتى يستبرئها، فإن زوجها قبل أن يستبرئها كان نكاحًا فاسدًا يفسخ قبل الدخول وبعده، ولا تحرم على الزوج ولا يكون بمنزلة من أصاب أمة في الاستبراء عند انتقال الملك، وهو بمنزلة من تزوج امرأة وهي زوجة لرجل فأصابها؛ فإنها لا تحرم عليه (¬1) بعد ذلك إن طلقها زوجها، فكذلك الأمة كانت فراشًا لسيدها فزوجها (¬2) قبل أن يستبرئها والملك على حاله. فإن لم يكن أصابها جاز (¬3) له أن يزوجها. وأرى إن كانت غير مصونة وممن يغمص (¬4) عليها أن لا يزوجها حتى يستبرئها. واختلف إذا باعها ولم يكن أصابها فأحب المشتري أن يزوجها، فقال ابن القاسم: له أن يزوجها؛ لأنها لو كانت عند البائع جاز له أن يزوجها ولا يستبرئها (¬5) فكذلك المشتري (¬6). ومنع ذلك سحنون وقال: كيف يزوج من لا يحل له أن يطأها؟ وهو أحسن، وليس البائع في هذا كالمشتري؛ لأن البائع يقطع بعلم ذلك أنه لم يصب والمشتري يتهمه أن يكون كذب وأن يكون قال ¬

_ (¬1) قوله (عليه) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (فزوجها) ساقط من (ر). (¬3) في (ف): (كان). (¬4) في (ف): (يغمض). (¬5) من قوله: (واختلف إذا باعها. . .) زيادة من (ر). (¬6) انظر: المدونة: 2/ 376.

ذلك ليتعجل الثمن، أو ليبرأ من الولد. ولهذا لم يجز للمشتري أن يصدقه ويطأها، إلا أن يكون لامرأة أو لصبي، فيجوز للمشتري أن يزوجها من غير استبراء؛ لأنا نقطع أنها بريئة الرحم ممن كانت له. وقال ابن القاسم: إذا قال البائع أصبتها (¬1)، وقال المشتري: أنا (¬2) أقبلها بعيبها إن ظهر بها حمل، فذلك له، وله أن يزوجها، ومنع ذلك سحنون. قال الشيخ: إن رضي المشتري بإسقاط المواضعة على أنه لا يغيب عليها ولا يزوجها حتى يستبرئها، جاز ذلك وإلا لم يجز. ¬

_ (¬1) في (ف): (لم أصبها). (¬2) قوله: (أنا) ساقط من (ف).

باب فيمن لامواضعة فيه على البائع من الإماء ولا عهدة إن ظهر حمل والاختلاف في ذلك

باب فيمن لامواضعة فيه على البائع من الإماء ولا عهدة إن ظهر حمل (¬1) والاختلاف في ذلك ولا مواضعة للمشتري على البائع في ست: ذات زوج، والحامل (¬2)، والمعتدة من طلاق، أو وفاة، والمستبرأة من غصب، أو زنا على اختلاف في المعتدة فيما بعدها، ولم تكن مواضعة في ذات الزوج؛ لأن المواضعة خيفة أن تكون حاملًا، ومشتري من لها (¬3) زوج يدخل على أن الزوج (¬4) مرسل عليها، أو أنها حامل، أو ستحمل حملًا بعد حمل، وليس للمشتري أن يمنع الزوج منها لتستبرئ، وإن كان لم يدخل بها الزوج، فإنما اشترى على أن سيدخل ويكون له (¬5) الولد. واختلف إذا طلقها الزوج قبل الدخول وبعد الشراء، هل تحل للمشتري من غير استبراء (¬6)؟ فمنعه ابن القاسم وأجازه سحنون. فوجه الأول لأنه لا يدرَى هل أحدثت في حين الزوجية شيئًا، أو أصابها زوجها أم لا؟ لأنه لو ظهر بها حمل ثم استلحقه الزوج للحق به. ووجه الجواز، أن الزوجة قبل الدخول على الأمانة في نفسها كالحرة؛ ¬

_ (¬1) قوله: (حمل) ساقط من (ر). (¬2) في (ف): (والحمل). (¬3) في (ف): (ذات). (¬4) قوله: (أن الزوج) في (ف): (أنه). (¬5) في (ر): (لها). (¬6) قوله: (من غير استبراء؟) ساقط من (ر).

فصل [في بيع الأمة وهي في عدة من طلاق أو وفاة أو قبل أن تستبرأ من زنا أو اغتصاب]

لقوله سبحانه: {طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49] ولا خلاف أن لسيدها أن يزوجها من غير استبراء، وإذا كان ذلك (¬1) وحملت على البراءة، جاز له أن يصيبها. فصل [في بيع الأمة وهي في عدة من طلاق أو وفاة أو قبل أن تستبرأ من زنا أو اغتصاب] وإن بيعت الأمة وهي في عدة من طلاق أو وفاة، أو قبل أن تستبرأ من زنا أو اغتصاب، لم تكن فيها مواضعة عند سحنون (¬2). وقد قيل: محملها على الحمل (¬3). وقيل: فيها المواضعة. وهو أحسن؛ لأن كل واحدة منهن أمرها مشكل، هل هي حامل أم لا؟ وليس محملها على الحمل فتسقط المواضعة، وإذا أشكل أمرهن في الحمل، لم يجز البيع على البراءة؛ لأنَّ ذلك غرر. فإن كانت غير حامل ذهب المشتري ببعض الثمن باطلًا، وإن كانت حاملًا ذهب البائع ببعض الثمن باطلًا (¬4). وإن اشتراها الزوج الذي طلقها وهي (¬5) في عدة منه، لم تكن فيها مواضعة، وإن ظهر بها حمل كانت أم ولد على أحد القولين، ولا غرر (¬6) في هذه بسبب الحمل؛ لأن (¬7) المعلوم من الناس الرغبة في ذلك، ولا ¬

_ (¬1) في (ر): (كذلك). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 378، والبيان والتحصيل: 4/ 86، والنوادر والزيادات: 6/ 221. (¬3) قوله: (قيل: محملها على الحمل) ساقط من (ر). (¬4) من قوله: (وإن كانت. . .) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (وهي) ساقط من (ف). (¬6) في (ر): (عذر). (¬7) قوله: (لأن) ساقط من (ر).

يرق ولده إلا أن يشترط الشراء إن كانت بريئة، وإلا فلا بيع بيننا. وإن باعها بعد ذلك الزوج (¬1) كانت فيها المواضعة واجبة, وإن كانت عند البائع الأول ولم يغب عليها الزوج لحق به الولد. ¬

_ (¬1) قوله: (الزوج) ساقط من (ر).

باب في المشتري يطأ الجارية وهي في المواضعة

باب في المشتري يطأ الجارية وهي في المواضعة ومن اشترى أمة فوقفت للمواضعة، لم يحل للمشتري أن يلتذ منها بشيء، لا بقبلة ولا بجس ولا بمباشرة، ولا ينظر على وجه التلذذ؛ لأن انتقال الملك لا يصح إلا بعد الاستبراء وأمرها الآن (¬1) مترقب. فإن كانت في (¬2) المواضعة من وطء السيد (¬3)، هل هي حامل فتكون أم ولد، فلا ينعقد فيها بيع؟ وإن كانت في (¬4) المواضعة من غير وطء (¬5)، كان له أن يردها إن ظهر حمل، وإن تعدى ووطئ عوقب إلا أن يعذر بجهالة. وقال ابن القاسم: إن كانت بكرًا فوطئها المشتري وهي في المواضعة فأصابها (¬6) عيب بعد ذلك، ذهاب عين أو ذهاب (¬7) يد أو حمى فأراد المشتري أن يردها، ردها وما نقصها الوطء (¬8). ولم يجعل وطؤه رضًا بإسقاط المواضعة، والقياس أن ذلك رضا، بمنزلة من اشترى أمة بالخيار فوطئها، فإن ذلك رضا، فكذلك إذا كانت في المواضعة (¬9)، فلا يردها بالعيب الحادث بعد وطئه ويرد ¬

_ (¬1) قوله: (الآن) زيادة من (ف). (¬2) قوله: (في) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (السيد) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (في) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (من غير وطء) في (ر): (من وطء البائع). (¬6) في (ر): (فأصلها). (¬7) قوله: (ذهاب) زيادة من (ف). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 385. (¬9) من قوله: (والقياس أن ذلك. . . .) ساقط من (ر).

بالعيب القديم وما نقصها الوطء (¬1). فإن قيل: إن ذلك مما تحمل عليه الشهوة من غير رضا. قيل: وكذلك إذا اشتراها بالخيار لا يعد ذلك رضا ويردها. وعلى قوله في الاستبراء ذلك (¬2) ليس برضا، بإسقاط المواضعة يكون مشتري الخيار على حقه في المواضعة ولا يعد أن ذلك رضا بالقبول بإسقاط (¬3) المواضعة. تمَّ كتابُ الاستبراء والحمد لله رب العالمين (¬4) ¬

_ (¬1) قوله: (الوطء) ساقط من (ر). (¬2) في (ر): (أنه). (¬3) في (ف): (وإسقاط). (¬4) قوله: (تمَّ كتابُ الاستبراء والحمد لله رب العالمين) خاتمة النسخة (ر).

كتاب بيع الخيار

كتاب بيع الخيار النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ق 4) = نسخة القرويين رقم (368)

باب في بيع الخيار والأمد الذي يجوز إليه الخيار، وهل يستعمل المبيع على خيار؟ والنقد في ذلك

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كتاب بيع الخيار باب في بيع الخيار والأمد الذي يجوز إليه الخيار (¬1)، وهل يستعمل المبيع على خيار؟ والنقد في ذلك الأصل في بيع الخيار (¬2) قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا، إِلَّا بَيْعَ الخِيَارِ" (¬3)، والخيار يكون لثلاث: ليرتئي في الثمن ويعلم غلاءه من رخصه، والثاني: ليؤامر نفسه في العزم على الشراء مع علمه بموضع الثمن من الغلاء والرخص، والثالث: ليختبر المبيع، وأي ذلك قصد بالخيار جاز، وإذا كان الخيار ليرتئي رأيه في الشراء، لم يكن له قبض المبيع؛ لأن ذلك يصح مع كونه عند بائعه، وإذا كان الخيار ليعاود نظره في الثوب، أو العبد وما أشبه ذلك، أو ليختبر المبيع كان له قبضه، فإن لم يبين الخيار لما أراده كان محمله على غير الاختيار؛ لأن المفهوم من الخيار أنه في العقد، إن شاء قبل وإن شاء رد، فإن قال المشتري: أسلمه إلي، لأختبره لم يكن ذلك له إلا بشرط، والخيار على وجهين: مطلق ومقيد بأجل، فإن ¬

_ (¬1) قوله: (الخيار) ساقط من (ف). (¬2) في (ف): (بالخيار). (¬3) متفق عليه, أخرجه البخاري: 2/ 743، في باب البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، من كتاب البيوع، برقم (2005)، ومسلم: 3/ 1163، في باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين، من كتاب البيوع، برقم (1531).

فصل [في مدة الخيار]

أطلق جاز وجعل له من الأجل مما يحتاج إليه، والأجل على ثلاثة أوجه: جائز ومكروه وممنوع، فإن كانت مدة تدعو الحاجة إليها جاز، وإن زاد يسيرًا كره ولم يفسخ، وإن بعد الأجل كان مفسوخًا، وهذا قول مالك (¬1)، وحملهما في بعيد الأجل على التهمة، وأن يكونا أظهرا الخيار وأضمرا البت، ليكون في ضمان البائع (¬2). ويختلف في ذلك إذا نزل على ما تقدم من الاختلاف في بيوع الآجال هل المنع لأنها عادة في التعمد للفساد أو حماية؟ وإن كانت العادة التعمد لمثل ذلك فسخ البيع، وإن لم تكن عادة مضى بالثمن، وقد مضى قول أبي الفرج ومحمد بن مسلمة في هذا (¬3). فصل [في مدة الخيار] مدة الخيار تختلف بقدر اختلاف الحاجة إلى الاختبار (¬4) قال مالك: في الثوب لا بأس أن يكون فيه (¬5) اليوم واليومان، والجارية الخمسة الأيام والجمعة ينظر إلى خبرتها وهيئتها وعملها، والدابة تركب اليوم وشبهه، ولا بأس أن يسير عليها البريد ونحوه ينظر إلى سيرها والدار الشهر وشبهه (¬6). وقال أشهب: في الدابة يسير عليها البريدين. قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما الثوب فإن كان إنما يريد معرفة ذرعه فذلك بالحضرة ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 206. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 207. (¬3) زيادة من (ف). (¬4) في (ف): (الاختيار). (¬5) قوله: (فيه) ساقط من (ف). (¬6) انظر: المدونة: 3/ 206.

ويستخف (¬1) أن يبين به لمثل ذلك ويرده من يومه أو كالغد وإن كان مخيطًا فذلك أبن أن يبين به ليلبسه هو وأهله ليعلم قيسه، وأما الدابة فإن كان قصده معرفة حسن سيرها، فاليوم وبعض اليوم يجزئ من ذلك، وإن كان يريدها لسفر وأراد اختبار صبرها وصلابتها فالبريدان في ذلك حسن بريد سير وبريد رجوع، إذا كان يردها من فورها؛ لأن البريدين في الفور الواحد يتبين ذلك فيه. واختلف في العبد والجارية، فأجاز ابن القاسم في كتاب محمد، أن يكون الخيار عشرة أيام، وروى ابن وهب عن مالك أنه أجاز أن يكون الخيار شهرًا (¬2)، وقال أصبغ: في العشرة يمضي، وفي الشهر يفسخ (¬3)، وقد قيل: في العبد والجارية إنما أجيز فيهما الخيار الجمعة؛ لأنه يصح منهما كتمان ما هما عليه، فإن كرها البائع أظهرا فوق طاقتهما، وإن كرها المشتري قصرا عن ذلك، وإذا كان الوجه ذلك لم يفسخ في الشهر؛ لأنه أبلغ فيما يراد من معرفة باطنهما، ولا يغيب المشتري على الجارية؛ لأنها لم تحل له بعد، ولا للبائع؛ لأنها حرمت عليه بما عقدا فيها من البيع، ولأن من حق المشتري أن يحول بينه وبينها لما تعلق له فيها من شبهة الشراء. وأما الدار فإن كان المشتري من أهل المحلة لم يمكّن من سكناها؛ لأنه بحال الجيران وما هم عليه من الخير وحسن الصحبة، وإن لم يكن من أهل المحلة ¬

_ (¬1) في (ف): (يستحب). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 385. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 385، ونصه: (من كتاب ابن المواز: قال: وأجل الخيار في السلع بقدر ما يشبه فيها من الاختيار، فالأمة قدر أربعة أيام أو خمسة, ولو وقع في الأمة أو العبد خيار عشرة أيام لم أفسخه, وأفسخه في الشهر).

فصل [في العوض عن الانتفاع بالدار والدابة والعبد]

جاز له أن يشترط السكنى، ليختبر حالهم، والشهر في ذلك حسن، وإن كان ليرى رأيه في الثمن استوى في ذلك الثوب والعبد والدابة، وكان الأجل على قدر الثمن وليس الأمد، إذا كان الثمن دينارا كالعشرين، ولا العشرون كالمائة، ولا المائة كالألف يشتري بها عقارًا، وإن كان الخيار للوجهين جميعا ليرتئي في الثمن ولاختبار المبيع، نظر إلى أبعدهما في الأمد لو انفرد، وإن كان أبعدهما ما يكون لمهلة النظر لكثرة الثمن ومدة الاختبار قريبة جعل أجلين، فإذا ذهبت مدة الاختبار عاد إلى يد بائعه وكان المشتري على الخيار إلى المدة الأخرى، وإن كان أمد الاختبار أبعد كان أجلًا واحدًا وهو على خياره إلى انقضاء مدة الاختبار. فصل [في العوض عن الانتفاع بالدار والدابة والعبد] والعوض عن الانتفاع بالدار والدابة والعبد على وجهين: ساقط وواجب. فأما الدار فتسقط الأجرة عنه إذا كان المشتري في مسكن بملك، أو بكراء ولم يخله لأجل انتفاعه بالأجر، وإن كان سكناه قبل ذلك في كراء وهو غير وجيبة فأخلاها، أو كانت وجيبة فأكراها، لم يجز أن يكون الثاني بغير كراء، وكذلك الدابة إن كان اختبارها فيما لا يستأجر له جاز بغير عوض، وإن كان فيما يستأجر أو لم تختبر هذه لم يجز إلا بعوض. والعبد على ثلاثة أوجه: عبد خدمة, وعبد صناعة ليس يغيب في مثلها، وعبد خراج. فإن كان عبد خدمة لم يكن له أجرة، وليس ينظر إلى الأجرة في مثل ذلك، وإن كان ذا صنعة وكان يقدر على معرفتها وهو عند سيده، فعل ذلك وإلا عمل عند المشتري وتكون عليه الأجرة، إلا أن يجري من اختباره

فصل [في شرط النقد في أيام الخيار]

الشيء الذي لا تؤدى في مثله أجرة، وإن كان من عبيد الخراج، وأراد المشتري معرفة كسبه كل يوم، بعثه المشتري في مثل ذلك وكان كسبه للبائع، وإن دخل على أنه للمشتري لم يجز، وإذا ثبت العوض عن هذه الأشياء السكنى أو غيره، فإنه ينبغي أن يكون العوض معلومًا، فإن قبل المشتري بعد انقضاء الأمد كان للبائع الثمن والأجرة، وإن قَبِل قَبْل الانتفاع به سقطت الأجرة، وإن قبل بعد مضي بعض (¬1) ذلك الأمد، أخذ أجرة للماضي ويسقط ما سواه، والأمد إذا كان الخيار للبائع في الثمن، مثل ما يكون للمشتري وليس يضرب له أجل الاختبار؛ لأنه عالم بملكه، فإن فعل حمل على أنه قصد استثناء منافعه ذلك الأمد، فإن كانت مدة يجوز استثناء منافع ذلك المبيع فيها جاز، وإلا لم يجز إلا أن يكون أمدًا تتغير فيه الأسواق فلا يجوز الخيار إليه، وإن كان لا يتغير المبيع فيه فيجوز أن تستثنى منافع الدار سنة، ولا يجوز أن يكون الخيار سنة؛ لأنه لا يدرى كيف يكون سوقها حينئذ. فصل [في شرط النقد في أيام الخيار] ولا يجوز شرط النقد في أيام الخيار، وسواء كان الخيار للبائع أو المشتري أو لهما جميعا، ولا بأس به بغير شرط في العقار والعبيد والثياب والوخش من الإماء، ولا ينبغي ذلك في العليّ؛ لأنه يصير إذا قبل كمن أخذ جارية تتواضع للحيضة من دين، وكذلك الخيار في السلم والكراء المضمون لا ينقد فيه بغير شرط، ولا أرى أن يفسخ شيء من ذلك إذا نزل؛ لأن النقد إنما كان قبل ثبوته في الذمة لتؤخذ هذه الأشياء، ففارق بذلك ما كان من ربا الجاهلية أن يقول ¬

_ (¬1) قوله: (بعض) ساقط من (ق 4).

تقضي أو تربي، وهذا قد أوجب للمشتري أن يأخذه بالعقد المتقدم من قبل أن ينقد، وإن كان بالخيار للبائع كان أثقل وهذا يمضي أيضًا، والخيار في الفواكه الرطبة واللحم جائز إلى مدة لا تتغير فيها، ولا يغيب عليها البائع ولا المشتري إلا أن يطبع عليها، أو تكون ثمرًا في شجره، فإن غاب عليها أحدهما ولم يطبع عليها لم يفسد ولم يتهم، إذا كان الخيار للبائع أن يقصد أحدهما بالبيع غير هذه الموجودة، ولا إن كان الخيار للمشتري أن يسلفها ليرد مثلها، وكذلك كل ما بيع بالخيار مما يكال أو يوزن، كالقطن والكتان والقمح والزيت، فلا يغيب عليه بائع ولا مشترٍ، فإن فعلا مضى ولم يفسخ. وقال أشهب: فيمن باع عبدين أو ثوبين بثمن إلى أجل، وشرط المشتري أن يرد أحدهما بعد أن ينتفع به إذا حل الأجل فلا بأس به (¬1). قال سحنون: هذا إذا كان الذي يردّ معلوما. والتعيين على وجهين فإن عين البائع والمشتري المبيع من المستأجر جاز، وإن جعل البائع التعيين إلى المشتري، ليكون أحدهما مبيعا والآخر على إجارة، ويشهد على ذلك قبل أن يستعملهما جاز أيضًا، وهو الظاهر من قول أشهب (¬2)، وإذا جاز أن يكون المشتري بالخيار فيهما في المبيع بانفراده، ليأخذ أيهما أحب وفي الإجارة بانفرادها، فيختار أحدهما فيكون على الإجارة، جاز أن يجمع له الخيار من الوجهين جميعًا، فيقول له: أيهما أحببت كان لك ملكًا والآخر على إجارة، وإن جعل له أن ينتفع بهما في الأجل، ويكون على خياره كان فاسدًا، ومصيبتهما إن هلكا في الأجل من البائع وله إجارة المثل فيهما، وإن اختار أحدهما في الأجل ¬

_ (¬1) انظر: الدونة: 3/ 207. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 207.

فصل [في إصابة من له الخيار بالجنون أو الإغماء أو الموت]

ضمنه بالقيمة؛ لأنه بيع فاسد وسقط عنه إجارته من حينئذ. فصل [في إصابة من له الخيار بالجنون أو الإغماء أو الموت] وإذا جن في أيام الخيار من له الخيار، من بائع أو مشترٍ جنونًا مطبقًا، نظر له السلطان في من يقيمه للنظر له في ماله، فإن رأى أن يمضي البيع أمضاه وإلا رده. واختلف إذا أغمي على المشتري، فقال ابن القاسم: ليس للسلطان أن يأخذ له (¬1) ويترك حتى يفيق فيأخذ أو يترك، فإن تطاول به الإغماء ورأى السلطان ضررًا فسخ البيع، وليس له أن يأخذ له (¬2)، وقال أشهب: للسلطان أن يأخذ له في أيام الخيار، أو يجعل ذلك إلى من يرضى من ورثته، فإن لم يفعل حتى مضت أيام الخيار، لم يكن للسلطان إلا الرد (¬3). وقوله إن للسلطان أن يأخذ له في أيام الخيار حسن؛ لأنه قد علم أن للمشتري غرضًا في اشترائها وتقدم منه عقد فيها، وليس هو بمنزلة من لم يتقدم منه عقد. وقول ابن القاسم أن لا يفسخ البيع بمضي أيام الخيار أحسن، وإذا كان الخيار ثلاثة أيام فأفاق بعد يومن كان له الخيار في اليوم الباقي ويومن بعده؛ لأنه إنما اشترى على أن يؤامر نفسه ثلاثة أيام، ولا مضرة على البائع في زيادة اليومين. ¬

_ (¬1) قوله: (يأخذ له) يقابله في (ف): (يأخذه). (¬2) قوله: (فإن تطاول. . . يأخذ له) ساقط من (ف). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 390.

وإن كان الخيار للبائع فانقضت أيام الخيار وهو مغمى عليه، كان أبين أن لا مقال للمشتري إذا قال البائع أنا أستأنف الخيار ثلاثة أيام؛ لأن الزائد لا مضرة على المشتري في الصبر إليه، وإن فقد المشتري في أيام الخيار (¬1) لم يؤخذ له على قول ابن القاسم، وعلى قول أشهب يؤخذ له في ثلاثة أيام قياسا على المغمى عليه، وإذا جاز أن يؤخذ للمغمى عليه مع قرب الأيام التي ترجى إفاقته فيها، كان أحرى أن يؤخذ للمفقود. وإن مات من له الخيار من بائع أو مشتر، كان ورثته في مكانه هم بالخيار بين الأخذ أو الترك، وإن خلّف ولدين فاتفقا على أخذٍ أو تركٍ فذلك لهما (¬2)، وإن اختلفا فاختار أحدهما الأخذ والآخر الترك، وكان الخيار للمشتري وهو الميت، كان البائع بالخيار بين أن يقبل نصيب من رد ويمضي نصيب من تمسك، أو يقول لمن قبل إما أن تأخذ الجميع أو ترد، أو يقبل نصيب من رد ويرد نصيب من قبل؛ لأن البائع يقول رد هذا لنصيبه علي جائز، وقد عاد ذلك النصيب على ملكي، ورد نصيب الآخر؛ لأنه دخل على البيع من واحد، ولم يكن للميت أن يبعض فيأخذ البعض (¬3) ويرد البعض وكذلك ورثته. قال أشهب: هذا القياس، والاستحسان أن لمن قبل أن يأخذ نصيب من رد، إذا كره البائع التبعيض؛ لأنه يقول أنا أرفع عنك عيب التبعيض، وإن كان الخيار للبائع كان ورثته بالخيار بين أن يقبلا أو يردا، فإن اختار أحدهما الرد والآخر أن يمضي البيع كان من اختار الرد على نصيبه، وكان المشتري بالخيار ¬

_ (¬1) قوله: (في أيام الخيار) يقابله في (ق 4): (فيه الخيار). (¬2) قوله: (لهما) ساقط من (ق 4). (¬3) قوله: (فيأخذ البعض) ساقط من (ف).

في نصيب من أمضى له، بين أن يقبله أو يرده وليس للوارث إذا رد نصيبه أن يأخذ نصيب من أجاز، ولا للمشتري أن يأخذ نصيب من رد والقياس والاستحسان إذا كان الخيار للبائع سواء (¬1). وقول أشهب في هذا الوجه ليس بحسن، ولو كان الوارث مولى عليه كان النظر لوصيه، وإن كانا وصيين فاختلفا نظر السلطان في ذلك، فإن كان الآخذ أولى رد فعل من رد وصار جميع ذلك مأخوذًا، وإن كان الرد أولى رد جميعه، وإن كان وصي وكبير فاختلفا، فإن كان رأي الوصي الرد كان نصيبه مردودا، وكان مقال البائع مع الكبير، وإن كان رأي الوصي الأخذ خرج الكبير، وكان مقال البائع مع الوصي حسب ما تقدم لو كانا كبيرين، وكذلك إذا كانا وصيين وكبيرًا واتفق الوصيان واختلفا مع الكبير فعلى ما تقدم لو كانا كبيرين، وإن اختلف الوصيان فأخذ أحدهما ورد الاخر ورد الكبير، نظر السلطان في ذلك، فإن رأى الرد أولى رد وصار جميع ذلك مردودًا، وإن رأى الأخذ أولى كان جميع نصيب الصغير مأخوذًا، وعاد المقال بين البائع والوصيين، وإن اختار الكبير الأخذ ورأى السلطان الأخذ أولى صار جميعه مأخوذًا، وإن رأى الرد أولى كان جميع نصيب الصغير مردودًا، وعاد المقال بين البائع والكبير، وعلى مثل هذا يكون الجواب إذا كان الخيار للبائع فمات وخلّف صغيرًا وكبيرًا واختلفا. وإن كان على الميت دين واتفق رأي الغرماء والورثة، على أخذٍ أو تركٍ كان الأمر على ما اتفقوا عليه، وإن اختلفوا فرأى أحدهم الأخذ والآخرون الرد، فإن كان فيه فضل بدئ بالغرماء، فإن أحبوا الأخذ كان ذلك لهم وإن كره الورثة، وإن أحبوا الرد كان ذلك لهم، ولا يلزمهم أن يتركوا ناضا ويتجروا ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 210.

فصل [في الرجل عليه دين فيستحلفه الطالب بالطلاق ليقضيه حقه, فيموت الطالب]

به للميت، ثم يكون الورثة بالخيار بين أن يأخذوا ذلك من أموالهم أو يتركوا، وإن لم يكن فضل سقط مقال الغرماء، وكان للورثة أن يأخذوا ذلك من أموالهم أو يتركوا (¬1). فصل [في الرجل عليه دين فيستحلفه الطالب بالطلاق ليقضيه حقه, فيموت الطالب] (¬2) ومن المدونة قال ابن القاسم -فيمن كان عليه دين فاستحلفه الطالب بالطلاق ليقضيه حقه لأجَل سماه، إلا أن يؤخره صاحب الحق فمات الطالب- كان للورثة أن يؤخروه وللوصي إن كانوا صغارا وللغرماء إن كان عليه دين يغترق ماله، وأبرأوا ذمة الميت (¬3). فرأى إن قصد الحالف أن لا يكون منه لرد، وليس أن يقضي عين (¬4) الغريم، وعلى القول بمراعاة الألفاظ، لا ينتفع بتأخير أحد ممن ذكر، فإن لم يقض قبل الأجل حنث؛ لأنه إنما شرط تأخير رجل بعينه، ويمكن أن لو كان الطالب حيا لم يرض بتأخيره. وقال أشهب: لا يجوز تأخير الوصي ولا يجوز أن يسلف أموالهم (¬5). واختلف بعد القول أن التأخير لا يجوز هل يبر بتأخير الوصي؛ لأنه لم يلد عن القضاء أو يحنث؟ وإذا كان الدين يغترق مال الميت، جاز تأخير الغرماء ¬

_ (¬1) قوله: (وإن لم يكن. . . أو يتركوا) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (في الرجل عليه دين فيستحلفه الطالب بالطلاق ليقضيه حقه، فيموت الطالب) ساقط من (ق 4). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 209. (¬4) في (ق 4): (غير). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 296.

فصل [في من شرطت على من يتزوجها أمورا إن فعلها كان أمرها بيد أمها فماتت الأم]

على قول ابن القاسم إذا أبرأوا ذمة الميت، ولا يحتاج إلى مطالعة الورثة لأن الورثة إذا لم يكن هناك ما يرثونه لم ينظروا إلى ما يفعله الغرماء، وإن كان فضل احتيج إلى مطالعتهم فقد يختارون قضاء الدين ويبقى غرماء ميتهم لهم. فصل [في من شرطت على من يتزوجها أمورا إن فعلها كان أمرها بيد أمها فماتت الأم] وقال مالك -فيمن تزوج امرأة وشرطت عليه، أنها إن هو تزوج عليها أو تسرى أو خرج بها من بلدها، كان أمرها بيد أمها فماتت الأم- قال: إن كانت أوصت بما كان بيدها من ذلك إلى أحد، فذلك إلى من أوصت إليه به، وإن أوصت بغير ذلك من أحوالها ولم توص بالتمليك سقط ما كان بيدها (¬1). قال ابن القاسم: وإن لم توص بشيء فكأني رأيته يرى أن ذلك للابنة (¬2) بيدها، أو قال: ذلك لها ولم أتبينه (¬3)، وروى علي بن زياد عن مالك أنه قال (¬4): لا يكون ذلك بيد أحد غير من جعله الزوج بيده؛ لأنه يقول لم أكن أرضى أن أجعل أمر امرأتي إلا بيده للذي أعرف من نظره وقلة عجلته (¬5). وهذا أحسن إلا أن يكون ذلك بيد أجنبي؛ لأن المعلوم من شأن الأم الإمساك على (¬6) ابنتها وأن لا تطلق، ثم ينظر إلى أصل التمليك، فإن كان ذلك سؤال من الزوجة عاد ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 210. (¬2) قوله: (للابنة) زيادة من (ف). (¬3) في (ق 4): (أتثبته). انظر: المدونة: 3/ 210، والنوادر والزيادات: 5/ 229. (¬4) قوله: (قال) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (وقلة عجلته) ساقط من (ف). وانظر: المدونة: 3/ 210، والنوادر والزيادات: 5/ 229. (¬6) في (ف): (عن).

فصل [في من باع سلعة ثم اشتراها على خيار]

الأمر إليها، ومن حقها أن لا تبقى تحته وقد تزوج أو تسرى ولا تطلق، وإن لم يكن ذلك بسؤالها حسن أن يسقط التمليك. وقال في كتاب محمد. إن تزوج عليها وأرادت الأم الطلاق وأرادت (¬1) الابنة البقاء، كان القول قول الابنة إذا كان الشرط ليس للابنة، فإن قضت الأم قبل أن يزيله الحاكم من يدها مضى قضاؤها، وإن كان الشرط لرِضَى الأم كان لها أن تقضي. فصل [في من باع سلعة ثم اشتراها على خيار] ومن باع سلعة من رجل ثم اشتراها منه على خيار جاز، وسواء انتقد الأول الثمن أو لم ينتقد؛ لأن من حق الأول أن ينتقد ثمنه الآن، ولا يمنع من ذلك، لأجل الخيار، إلا أن يقول آخذها من الدين، أو أقيلك فيها فلا يجوز لأنه نقد في خيار. ¬

_ (¬1) قوله: (وأرادت) ساقط من (ق 4).

باب في البيع على رضى فلان أو خياره أو مشورته, ومن وكل على أن يشتري على البت فاشترى على خيار

باب في البيع على رضى فلان أو خياره أو مشورته, ومن وكل على أن يشتري على البت فاشترى على خيار البيع على رضى فلان أو خياره جائز، فإن رضي فلان بإمضاء البيع أو رده، كان الأمر على ما حكم من إمضاء أو رد، وإن كان ذلك شرطا من البائع والمشتري لم يكن لأحدهما عزله إلا باتفاق منهما، فإن اتفقا على عزله، أو على قبولٍ أو ردٍّ، قبل نظر فلان، كان الأمر إلى ما اتفقا عليه، وسقط ما بيد فلان، وإن اختلفا بقي على ما جعل له من ذلك حتى يقضي أو يرد. وقال مالك فيمن اشترى على إن رضي فلان: فليس للمشتري أن يمضي ولا يرد حتى يوضى فلان (¬1). يريد إذا كان ذلك شرطا من البائع والمشتري؛ لأن قوله أشتري على إن رضي فلان، لا يقضي أن ذلك الشرط منه وحده. واختلف إذا كان الشرط من أحدهما، فقال مالك: إن شرط البائع إن رضي فلان، كان البيع جائزا، فإن رضي فلان أو رضي البائع جاز البيع (¬2)، ولم يقل أن له أن يرد قبل مطالعة فلان، وقال ابن حبيب: إن اختار الذي اشترط الخيار منهما لغيره، الأخذ أو الرد دون من اشترط له فذلك له، ولا مقال لصاحبه في ذلك، أن يقول ليس لك أن تختار شيئا دون الذي اشترطت له الخيار بائعا كان أو مشتريا (¬3). وأرى إذا كان الشرط من البائع، وكان رغبة المشتري في بت الشراء، فقال ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 231. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 387. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 288.

فصل [في من وكل على أن يشتري على البت فاشترى على خيار]

البائع: حتى يختار فلان أو يرضى، أن يكون للبائع أن يمضي البيع؛ لأن ذلك كان رغبة المشتري وليس له أن يرد، وإن كان الشرط من المشتري ورغب البائع في بت البيع، فقال المشتري: لا حتى يختار فلان أو يرضى، أن يكون للمشتري أن يقبل البيع ولا ينتظر رضى فلان ولا خياره، وليس له أن يرد قبل مطالعة فلان؛ لأن البائع يقول قد كان العقد على إن رضيها لك لزمتك، وإن اشترط أحدهما مشورة فلان، كان له أن يقبل أو يرد ولا يستشيره وهذا قول مالك، إلا أن يدخلا على التزام ما يستشيره. قال مالك -في شرح ابن مزين، فيمن باع سلعة على أن يستشير فلانا، فإن أمضى البيع ثم بينهما، ثم ندم (¬1) المشتري قبل أن يستشار الذي استثنى البائع نظره-: فالبيع لازم إن أجازه الذي استثنى نظره، قال: وإن ندم البائع لم يكن ذلك له، فألزم البيع في المشورة بقوله، فإن أمضى الذي يستشار فالبيع ثابت بينهما. وقد غلط علي بن نافع في هذه المسألة، ونسب إليه أنه جعل المشورة مثل قوله إن رضي فلان، وأسقط من الرواية قوله: إن أمضى البيع تم بينهما، وإذا كان من شرط رضاه أو خياره، أو مشورته غائبا بعيد الغيبة لم يجز البيع. فصل [في من وكل على أن يشتري على البت فاشترى على خيار] اختلف فيمن وكل رجلا يشتري له سلعة على البت، فاشتراها على خيار، هل يلزم الأمر؟ فقال مالك -في كتاب محمد فيمن وكل رجلا يشتري له ثوبا، فاشتراه على خيار فضاع-: كان من الآمر فألزمه الشراء. وقال محمد: الرسول ¬

_ (¬1) في (ف): (قدم).

ضامن إلا أن يبيّن الرسول للبائع أنه وكيل فيحلف لقد ضاع، وتكون المصيبة من البائع (¬1). والأول أحسن إذا لم يزد في الثمن لمكان الخيار؛ لأنه زاده خيرا بما جعل له من الارتياء ومهلة النظر، وإن زاد في الثمن لأجل الخيار كان متعديا. وإذا جاز الخيار على قول مالك، لم يكن للوكيل رد ولا قبول دون مطالعة الموكل؛ لأن الخيار كان بوجه جائز، وعلى قول محمد يكون له أن يرد، إذا لم يبيّن أنه رسول؛ لأنه عنده متعد فله الرد ليرفع العداء، وله أن يقبل إذا رأى ذلك من حسن النظر، ويكون كمبتدئ شراء على بت. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 390.

باب في من اشترى على خيار، فأعتق، أو دبر، أو كاتب، أو وطئ أو قبل أو نظر، أو باع، أو ساوم، أو أجر، أو رهن أو كانت أرضا فبنى أو غرس

باب في من اشترى على خيار، فأعتق، أو دبر، أو كَاتب، أو وطئ أو قبل أو نظر، أو باع، أو ساوم، أو أجر، أو رهن أو كانت أرضا فبنى أو غرس ومن اشترى على خيار فوهب (¬1)، أو تصدق أو أعتق أو دبر، أو كاتب أو أولد أو وطئ أو قبل، أو باشر أو نظر إلى الفرج، فإن ذلك رضا وقبولا للبيع، وإن نظر إليها متجردة وقال أردت معرفة جسدها، أحلف على ذلك ولم يكن رضا، وإن اعترف أنه أراد الالتذاذ بذلك فإن رضى، وإن ركب الدابة إلى الموضع القريب، أو استخدم العبد فيما يقصد من مثله الاختبار، وقال: ذلك أردت، صدق، وإن كان شرط الخيار لغير الاختبار، ثم تعدى وفعل ذلك لم يعد رضى؛ لأنه يقول تعديت لأختبر ما اشتريته. واختلف في إجارة العبد وإسلامه للصناعة ورهنه وتزويجه والجناية عليه إذا كانت عمدا فقال ابن القاسم في جميع ذلك: إنه رضىً، وقال أشهب: ليس برضى (¬2). وأرى أن ينظر في الإجارة وإسلامه إلى الصناعة والرهن، إلى المدة التي عقد فيها ذلك، فإن كانت مدة أيام الخيار، وقال أردت بالإجارة أن أعلم قدر خراجه، وفي إسلامه للصناعة هل ترجى نجابته؟ وفي الرهن أنه كان لأمر ¬

_ (¬1) قوله: (فوهب) ساقط من (ق 4). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 396.

وقف عليه تلك المدة ثم قضاه، وقال أردت أن أرده بعد القضاء، أن يقبل قوله ويحلف؛ لأن كل ذلك مما يشبه أن يكون أراده، فلا يحمل عليه رضى مع الشك، وإن ضرب أجلا طويلا في جميع ذلك كان محمله على الرضى. واختلف إذا تسوق به أو باعه، فروى ابن القاسم عن مالك: أنه رضى (¬1). وروى عنه علي بن زياد في البيع أنه ليس برضى. وقال ابن حبيب: إن تسوق به فقال أردت أن أعرف رخصه من غلاه، حلف على ذلك وكان على خياره، وإن نكل لزمه (¬2)، وهو أحسن. وأما البيع فرواية ابن القاسم أحسن وذلك رضى. وقال محمد: إن باع بربح لم يجز له ذلك، حتى يعلم البائع أو يشهد على نفسه قبل، فأما ما دام صاحبها ضامنا لها إن تلفت لم تطب له وكان من ربح ما لم يضمن، وقال أيضا: القول قوله ويحلف أنه كان اختار قبل البيع (¬3). وهذا أصوب لأن الغالب فيمن وجد ربحا أنه لا يجعله لغيره، وإن باعه المشتري والخيار للبائع وفات به المشتري الثاني (¬4)، كان للبائع الأكثر من ثلاثة من الثمن الأول؛ لأنه يقول أنا أجيزه لك، أو الثمن الثاني؛ لأنه يقول لا أمضي إلا البيع الثاني، أو القيمة؛ لأنه يأخذه بالتعدي، وإن باعه البائع والخيار له، مضى بيعه وذلك رد لعقده مع الأول، وإن كان الخيار للمشتري كان بالخيار في ثلاثة، بين أن يفسخ البيع عن نفسه أو يقبل، أو يكون (¬5) له الأكثر من الثمن الثاني، أو القيمة يوم البيع الثاني. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 396. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 395. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 395. (¬4) قوله: (الثاني) ساقط من (ف)، وفي (ق 4) بياض بقدر ثلاث كلمات. (¬5) قوله: (أو يكون) قوله: ([أو يكون]) في (ق 4): (ويكون).

فصل [في من اشترى على خيار فعتق أو وطئ]

فصل [في من اشترى على خيار فعتق أو وطئ] وعِتْق من له الخيار من بائع أو مشترٍ ماض، وهو من البائع رد ومن المشتري قبول، وإن أعتق من لا خيار له افترق الجواب، فإن أعتق البائع والخيار للمشتري، كان عتقه موقوفا، فإن قبل المشتري سقط عتق البائع، وإن رد مضى عتقه. وإن أعتق المشتري والخيار للبائع، فإن رد البائع سقط عتق المشتري، وكذلك إذا مضى له البيع لم يلزمه العتق؛ لأنه أعتق ما ليس في ملكه ولا في ضمانه، ويفارق هذا المشترى شراءا فاسدا يعتق قبل القبض، فإن العتق ماض على قول ابن القاسم؛ لأنه سلطه على العتق ولم يسلطه في بيع الخيار، ويصح أن يقال يلزمه العتق على قول ابن حبيب، فيمن اشترى عبدا على الخيار فجنى عليه ثم قبل (¬1)، أن الجناية له (¬2)، وكأنه لم يزل له من يومئذ، وإن باع عبدا بأمة وله الخيار ثم أعتق العبد مضى عتقه؛ لأنه رد لبيعه وترد الأمة إلى بائعها، وإن أعتق الأمة كان رضى بها ويكون العبد لمشتريه، وإن أعتقهما معا مضى عتقه في عبده وكانت الأمة لبائعها؛ لأن عتقه لعبده رد لبيعه، فكأنه قال أرد البيع في عبدي وآخذ الأمة، وذلك غير لازم لبائعها، وإن أعتقها بائع الأمة والخيار لبائع العبد، كان عتقه موقوفا، فإن لم يرض صاحب العبد بالبيع كان عبده له، وعتقت الأمة على بائعها، وإن رضي وأخذ الأمة وسلم العبد لم يعتق، وقال أبو الفرج: قال مالك -في الأمة تباع على خيار، فوطئها من لا خيار له فولدت، واختارها الآخر-: ¬

_ (¬1) في (ف): (قتل). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 400.

فهي له دون من لا خيار له، والولد للواطئ بالقيمة، والأمة رد على الآخر (¬1)، فدرأ الحد وألحق النسب؛ لأنه وطئ بوجه شبهة، فإن كان الولد من البائع فلأنها ملكه وفي ضمانه، وإن كان من المشتري فلأن العقد شبهة، ولم تمض الأمة أم ولد، كما لم يمض عتقها لو أعتقها من لا خيار له. وقال محمد -فيمن باع أمة واحتبسها بالثمن، ثم وطئها فحملت-: لا حد عليه إذا احتبسها بالثمن، للاختلاف في قول من يقول إنها من البائع والجارية للمشتري، وله على البائع قيمة الولد. قال ابن القاسم: وإن أمكن البائع منها المشتري، فأقرها المشتري عنده فوطئها البائع بعد الاستبراء، كان زانيا وعليه الحد أو الرجم، وإن وطئها قبل البيع ولم يستبرئ درأ الحد؛ لأني لا أدري لعل الحمل كان قبل البيع، ويفسخ البيع وتكون له أم ولد (¬2)، فإذا لم يحد في بيع البت، لم يحد في بيع الخيار. وإذا كان الخيار للمشتري فوطئها كان رضى، فإن كانت من الوخش دفع الثمن، وإن كانت من العلي وأقر البائع بالوطء، وقفت للاستبراء، فإن تبين ألا حمل بها دفع الثمن، وإن ظهر حمل ووضعت لستة أشهر فأكثر دعي له القافة، وإن هلكت قبل ظهور الحمل كانت من البائع، ويختلف إن هلكت وهي في يد المشتري قبل أن توقف (¬3) هل تكون منه (¬4) أو من البائع؟ لأنه لا يختار بالوطء إلا لتبقى عنده، ويتمادى على مثل ذلك. وقد اختلف فيمن اشترى ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 397. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 145. (¬3) في (ف): (يوقف). (¬4) في (ف): (منهما).

فصل [في من اشترى على خيار فبنى أو غرس]

جارية من العلي ليقبضها، كما يقبض وخش الرقيق، فقيل: المصيبة من البائع وقيل المصيبة (¬1) من المشتري. وقيل: إن أقر البائع بالوطء كانت منه، وإن أنكر كانت من المشتري، ولا يختلف أنها إن لم تفت تنزع وتوقف؛ لأن البائع باع بيعا صحيحا، على الاستبراء وتزويج الأمة رضى، بخلاف تزويج العبد؛ لأنه اشترى له متعة، وتزويجها بيع لمنافعها وهو ضرب من تمليكها، وإن كانت مبوأة كان أبين؛ لأنه لم تبق فيها منفعة لأحد سوى زوجها، فأشبه لو باع بعضها. فصل [في من اشترى على خيار فبنى أو غرس] البناء والغرس ممن له خيار رضى، لإمضاء البيع، إن كان من المشتري فقبول، وإن كان من البائع فرد، وإن بنى أو غرس من لا خيار له نظرت، فإن كان ذلك من المشتري، والخيار للبائع فأمضى له البيع مضى فعله، وإن رد كان على البائع قيمة ذلك منقوضا، وهو قول سحنون في العتبية (¬2)، ولم يجعله بمنزلة من بنى بوجه شبهة، وإن كان الخيار للمشتري فقيل: إن بنى البائع أو غرس، كان للمشتري على قول سحنون أن يدفع للبائع قيمته منقوضا؛ لأنه وإن كان فعل ذلك في ملكه، فإنه متعد على المشتري لما عقد له من البيع. وقال سحنون: إذا كان الخيار للبائع، فكل شيء يفعله مما لو فعله المشتري ¬

_ (¬1) قوله: (المصيبة) ساقط من (ق 4). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 368، والبيان والتحصيل: 8/ 400.

كان رضى، فهو إذا فعله البائع رد البيع (¬1). وليس هذا بالبيّن في جميع هذه الوجوه، فإن آجر البائع العبد في أيام الخيار، وكان من عبيد الإجارة، أو بعثه (¬2) في صناعة لم يكن رد؛ لأن غلاته ومنافعه له حتى (¬3) يمضي البيع. ¬

_ (¬1) قوله: (البيع) ساقط من (ف). وانظر: البيان والتحصيل: 8/ 400. (¬2) في (ف): (يعبه). (¬3) ساقط من (ف).

باب في الجناية على المبيع في أيام الخيار وإذا تغير بزيادة أو نقصان وفي الغلات والولادة

باب في الجناية على المبيع في أيام الخيار وإذا تغير بزيادة أو نقصان وفي الغلات والولادة لا تخلوا الجناية على العبد في أيام الخيار من أربعة أوجه: إما أن تكون من البائع، أو من المشتري، أو من أجنبي، أو من غير فعل آدمي، فإن كانت من البائع قتله (¬1) خطئا، انفسخ البيع ولا شيء للمشتري إن كانت القيمة أكثر، وإن قتله عمدا وكانت القيمة أكثر، كان للمشتري أن يأخذ فضل القيمة على الثمن؛ لأن التوفية عند قبول المشتري حق على البائع، فليس له أن يعمد (¬2) بفعل شيء يمنع من ذلك، فإن فعل كان للمشتري أن يأخذه بحكم التعدي، وإن كانت الجناية دون النفس خطئًا، كان المشتري بالخيار بين أن يقبله معيبا، ولا شيء له من قيمة العيب أو يترك، وإن كانت عمدًا كان له أن يأخذه معيبًا وقيمة العيب ويدفع الثمن. وقال ابن القاسم: إن جنى عليها المشتري خطئًا وكانت الجناية يسيرة، كان المشتري بالخيار بين أن يمسك أو يرد وما نقصته الجناية، وإن كان أفسده ضمن الثمن كله، وعلى هذا إن قتله عمدًا غرم الثمن (¬3). وقال سحنون: يغرم القيمة (¬4). وهو أحسن وليس هذا بمنزلة من أهللناسلعة وقفت على ثمن؛ لأن الثمن في الخيار لم يثبت، وإنما يغرم ثمن السلعة إذا وقفت على ثمن تمالأ عليه جماعة فيصير كالقيمة. ¬

_ (¬1) هكذا في النسخ، ولعل الصواب (كأن قتله) والله أعلم. (¬2) في (ف): (يعتد). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 220، والنوادر والزيادات: 6/ 396. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 396.

فصل [في حدوث العيب في أيام الخيار]

وقال ابن القاسم: جناية العمد رضى، وقال أشهب: ليس برضى لأن ذلك مما يفعل عند الغيظ والغضب (¬1). ولو قيل: يغرم الأقل لكان وجها، فإن كانت القيمة أقل غرمها؛ لأنه لم يرض الشراء، وإن كان الثمن أقل أغرمه؛ لأن البائع رضي منه به، وإذا كانت الجناية رضا على القول الأول، كان قليلها وكثيرها في ذلك سواء، فإن لم تكن مثلة لم يعتق، وإن كانت مثلة عتق؛ لأنه إن عد رضى فقد مثَّل بعبده؛ لأنه ملكه قبل أن يجني، ونية الرضى تسبق الجناية، وإن كانت الجناية من أجنبي كان الخطأ والعمد سواء، فإن قتله انفسخ البيع وكانت القيمة للبائع قلت أو كثرت، وإن كانت الجناية دون النفس أخذها البائع، وخير المشتري بين أن يقبل العبد معيبا ولا شيء له أو يتركه، وكذلك إن كانت الجناية بأمر من الله تعالى وهي دون النفس، كان المشتري بالخيار بين أن يقبله بجميع الثمن أو يرده. وقال ابن حبيب: إذا كانت الجناية من أجنبي ورضيه المشتري، كانت الجناية للمشتري، ورأى أنه إذا رضيه كأنه لم يزل منعقدا من وقت البيع. فصل [في حدوث العيب في أيام الخيار] وإذا حدث عيب في أيام الخيار فرضيه المشتري وقبل البيع، ثم حدث عنده عيب مفسد، ثم وجد عيبا قديما فأحب التمسك والرجوع بالعيب القديم، قوّم العبد قيمتين قيمة بعيب الخيار كأنه اشتراه به من الأول، وقيمة بالعيب الذي لم يعلم به، فحط من الثمن ما ينوبه تسعًا كان أو عشرًا أو غير ذلك، وكلا القيمتين يوم قبل؛ لأنه حينئذ ضمنه، وليس يوم اشترى على خيار. ¬

_ (¬1) انظر النوادر والزيادات: 6/ 396.

فصل [في تغير المبيع بالزيادة أو النقصان أيام الخيار]

وإن أحب الرد زيدت قيمة ثالثة بالعيب الحادث عنده، وهي قيمته بالعيوب الثلاثة فما حطت قيمته بالعيب الثالث عن القيمتين حط عن البائع (¬1) من الثمن بقدره ورجع المشتري (¬2) بالباقي، وإن كان البيع فاسدًا؛ لأنه بيع في أيام الخيار بشرط النقد، أو غير ذلك من وجوه الفساد، وكان قد حدث به عيب في أيام الخيار علم به ورضيه، ثم وجد عيبًا قديمًا قوم قيمة واحدة بالعيبين جميعًا، يوم قبله لأن الثمن كان فاسدًا فسقط، وإنما يغرم قيمة ما قبض على هيئته يوم القبض، وكذلك إن حدث عنده عيب مفسد وأحب التمسك، فإنه يقوم قيمة واحدة، وإن أحب الرد زيدت قيمة ثانية، فتحط قيمة العيب الحادث من تلك القيمة، وإن تغيّر سوقه بعد قبضه ولم يتغير في نفسه، كان قد فات في البيع الفاسد ولم يفت في العيب، فإن أحب أن يرده بالعيب كان ذلك له، وإن أحب أن يمسكه ويغرم قيمته كان ذلك له. واختلف هل يغرم قيمته سالمًا أو معيبًا؟ فقال سحنون وابن عبدوس: يقوّم معيبًا. وقال محمد: يقوم سالمًا؛ لأنه قد ملك الرد، وحوالة الأسواق ليست بفوت من ناحية العيب. والأول أحسن وإنما قبض معيبًا وعمرت ذمته بمعيب فلا يغرم فوق ما قبض. فصل [في تغيّر المبيع بالزيادة أو النقصان أيام الخيار] تغيّر المبيع في أيام الخيار بزيادة أو نقص للبائع وعليه، فإن كان الخيار له وحدث به (¬3) عيب، ثم أمضى البائع البيع كان للمشتري أن لا يقبله معيبا، وإن ¬

_ (¬1) قوله: (عن البائع) ساقط من (ق 4) و (ف). (¬2) قوله: (المشتري) ساقط من (ق 4) و (ف). (¬3) في (ف): (له).

نمى وزاد زيادة خارجة عن المعتاد، والخيار للمشتري وقبله، كان للبائع أن لا يمضي له البيع، وإن كانت غنمًا فاحتلب لبنها وجزّ صوفها وولدت، كان اللبن للبائع؛ لأنه غلة والصوف للمشتري؛ لأنه مما انعقد فيه البيع. واختلف في الولد فقال ابن القاسم: هو للمشتري. وقال أشهب: هو (¬1) للبائع. (¬2) والأول أصوب؛ لأنها لا تضع في أيام الخيار، إلا وهي في وقت العهد ظاهرة الحمل بقرب، وقد انعقد البيع على تسليمها بحملها، ولو كنت أقول أن للبائع في الولد مقالًا، لم أر إذا كان الخيار له أن يلزم المشتري الأمهات بغير أولادها؛ لأن المشتري زاد في الثمن لما يرجو من ولادتها، ومعلوم أن ثمنها حاملا أكثر، وثمنها بعد الوضع والولد معها أكثر من ثمنها حاملًا، فذلك النماء تقدم بعضه في وقت العقد وبعضه بعد، فليس للبائع أن يأخذه كله، وكذلك إذا كان الخيار للمشتري وَقَبِلَ، فليس للبائع أن يأخذ الأولاد وجميع الثمن، وهذا في الغنم والإماء إذا كن من الوخش، وأما إذا كن من العلي فإن للبائع مقالا في الأم على قول ابن القاسم. وإن كان الخيار للمشتري وَقَبِلَ، كانت الأمة وولدها له، إلَّا أن يَقُوم البائع بحقه في الأم؛ لأن حمل العلي عيب، وقد ذهب العيب في أيام الخيار، وكذلك إن مات الولد أو أسقطته ميتًا وَقَبِلَهَا المشتري، فإن للبائع أن يردها إن شاء؛ لأن عيب الحمل قد ذهب، وعلى قول أشهب له مقال في الأم والولد، فإن أسقط مقاله في ذهاب العيب سلمها دون الولد. واختلف في التفرقة فقال محمد: يفسخ البيع بمنزلة من باع جارية ولها ¬

_ (¬1) ساقط من (ف). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 221.

ولد صغير وسكتا عن الولد، فإن البيع يفسخ. قال: وقد (¬1) قيل: لا يفسخ البيع ويكون الولد للبائع، فإن اختار المشتري الأخذ، خُيِّرَا على أن يجمعا أو يبيعا من واحد، ثم يقسمان الثمن ولا يفسخ البيع؛ لأن أصله كان جائزًا، والجواب الأول في العتبية لابن القاسم والثاني لأصبغ (¬2). ¬

_ (¬1) قوله: (وقد) ساقط من (ف). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 399.

باب في ضمان ما اشترى على خيار

باب في ضمان ما اشترى على خيار ومن اشترى ثوبا يختاره من ثوبين فادعى ضياعهما أو أحدهما، ومن اشترى ثوبا على خيار وبان به ثم ادعى ضياعه، لم يصدق وسواء كان الخيار للبائع أو للمشتري، وقال ابن كنانة: الضمان من مشترط الخيار (¬1). فإذا بان به المشتري والخيار للبائع، لم يضمن على قوله؛ لأن المشتري رغبه في أخذه على بت، فامتنع من ذلك البائع ووقفه لخيار نفسه ولمنفعته دون المشتري، فصار قاصدا للائتمان مع القدرة على غير ذلك، وإن بقي في يد البائع والخيار للمشتري، كان ضمانه من البائع على القولين جميعا. ويختلف إذا قال المشتري أنا أقبله، فعلى قول ابن القاسم يحلف البائع لقد ضاع ويبرأ، وعلى قول أشهب يحلف ثم يغرم فضل القيمة على الثمن، إن كان فيها فضل. واختلف إذا ضاع عند المشتري والخيار له أو للبائع، فقول ابن القاسم يغرم الثمن إن كان الخيار للمشتري بغير يمين، وإن كانت القيمة أقل من الثمن فإنه يغرم الثمن، وكذلك إن كان الخيار للبائع وقيمته أقل من الثمن، وإن كانت قيمته أكثر حلف لقد ضاع وغرم الثمن، فإن نكل غرم القيمة. وقال أشهب: إن كان الخيار للمشتري غرم الأقل من القيمة أو الثمن (¬2)، فإن كان الثمن أقل غرمه بغير يمين؛ لأنه كان له أن يقبله، وإن كانت القيمة أقل غرمها بعد اليمين، فإن نكل غرم الثمن، وإن كان الخيار للبائع غرم ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 148. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 391.

فصل

الأكثر من الثمن أو القيمة، فإن كان الثمن أكثر قال: أنا أجيز البيع، وإن كانت القيمة أكثر قال: لا أجيز البيع، فكانت له القيمة بلا يمين ها هنا على واحد منهما. فصل وهو في الثوبين على أربعة أوجه: إما أن يأخذهما على أنه بالخيار في أحدهما، أو يردهما أو يأخذ واحدا وذلك لازم له أو يرد الآخر، أو قد لزمه أحدهما وهو بالخيار في الآخر، أو على أن يأخذهما جميعا أو يردهما. فاختلف إذا أخذهما ليختار واحدًا أو يردهما، فادعى ضياعهما على ثلاثة أقوال: فقال ابن القاسم: يضمن واحدا منهما بالثمن (¬1). وقال أشهب: يضمنهما جميعا أحدهما بالقيمة والآخر بالأقل من القيمة أو الثمن (¬2). وقال ابن القاسم -في كتاب محمد-: إن كان البائع هو المتطوع بذلك فقال: خذ واحدا فاختره منهما ضمن واحدا، وإن كان المشتري سأل البائع أن يعطيه إياهما حتى يختار ضمنهما كليهما، وهذا قوله في الذي دفع أربعة ليختار منها واحدا فقال محمد: لا يضمن إلا واحدا؛ لأن البائع دفعها (¬3) عن رضى وحرص وإن كان المشتري الذي ابتدأ المسألة (¬4). وقال ابن حبيب يضمنهما جميعا بالثمن الذي سمى لكل واحد، وإنما سار بها على الخيار فيها كلها، ينتقل بخياره من هذا إلى هذا، وهو قول أصحاب ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 221. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 391. (¬3) في (ق 4): (دفعهما). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 392.

فصل [في من أخد الثوبين على أن أحدهما لازم له ويرد الآخر]

مالك ولم يكن في شيء منهما مؤتمنا (¬1) كما قال ابن القاسم انتهى قوله. وقوله يضمنها لأنه قبضها على أنه بالخيار في كل واحد منها حسن، وقول أشهب إن أحدهما بالقيمة والآخر بالأقل أحسن، وليس له أن يدفع الثمن فيهما، ولا ذلك عليه؛ لأنه لم يجعل له أن يحبس اثنين. واختلف إذا ادعى ضياع أحدهما، فقال ابن القاسم: يضمن نصف ثمن التالف وهو بالخيار (¬2) في الباقي بين أن يأخذه أو يرده، قال محمد: ليس له أن يأخذ إلا نصف الباقي؛ لأنه إنما باعه ثوبا ولم يبعه ثوبا ونصفا (¬3). وقول أشهب أحسن أنه بالخيار، إن شاء رد الباقي، وغرم في التالف الأقل، أو يمسكه ويغرم فيه الثمن، وفي التالف القيمة قلت أو كثرت. فصل [في من أخد الثوبين على أن أحدهما لازم له ويرد الآخر] وإن أخذهما على أن أحدهما لازم له (¬4) ويرد الآخر، كان الجواب على الاختلاف المتقدم، فعلى قول ابن القاسم يضمن واحدا، وعلى قول أشهب وما ذكره ابن حبيب يضمنهما جميعا (¬5)، والقول الآخر: أنه إن كان ذلك (¬6) برغبة من البائع ضمن له واحدا، وإن كان برغبة من المشتري ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 392. (¬2) في (ف): (مخير). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 391. (¬4) قوله: (له) ساقط من (ق 4) و (ف). (¬5) ساقط من (ق 4) و (ف). (¬6) قوله: (ذلك) ساقط من (ف).

ضمنهما، وهذا مع عدم البينة. ويختلف إذا شهدت البينة بضياعهما، فقول ابن القاسم أنه يضمن واحدا، والبينة وعدمها في ذلك سواء، وأصل أشهب أنه يضمنهما كالرهان والعواري، (¬1) ويجري فيها قول ثالث أن لا ضمان عليه فيهما. وأرى أن يكون ضامنا لهما مع عدم البينة، وأن لا شيء عليه إذا شهدت البينة بضياعهما؛ لأن المشتري قبضهما على أنهما، على ملك البائع حتى يختار واحدا، والتزم أن يختار واحدا، فإذا ضاعا قبل أن يختار، كانت المصيبة من البائع؛ لأنهما على ملكه ولا ينتقلان عن (¬2) ملكه إلى ملك المشتري إلا أن يختار. واختلف إذا ضاع أحدهما فقال محمد: الهالك منهما والسالم بينهما، وعليه نصف ثمنها، وفي المستخرجة يلزمه نصف ثمن الثوب التالف، وله أن يرد الباقي. وقال محمد أيضًا: إذا كانا عبدين أخذهما ليختار أحدهما، وذلك واجب عليه فهلك أحدهما كان من البائع، ويجب رد الباقي على المشتري. وفي كتاب ابن سحنون: أن له أن يرد الباقي، وقاله أشهب وابن عبد الحكم (¬3). فوجه الأول أنه لما كان أحدهما على وجه الشراء، والآخر على وجه الأمانة، ولم يعين ما كان على وجه الشراء مما هو على وجه الأمانة، جعل نصفا ونصفا. ووجه القول أن له أن يرد الباقي؛ لأن الشركة عيب، ولم يدخل المشتري على شركة، فكان له أن يرد بعيب الشركة. ووجه القول أن لا شيء عليه في التالف؛ لأن كل مبيع على خيار، على ملك بائعه حتى يختاره المشتري، ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 391، 392. (¬2) في (ف): (على). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 391.

وإنما فائدة الإيجاب أنه لابد للمشتري أن يختار أحدهما، وليس القصد إيجاب الشراء في نصف كل واحد، ثم يجمع النصفين في ثوب واحد أو عبد، ولزمه الباقي لما كان الاختيار في التالف لا يصح، وهو بمنزلة من قال لعبديه (¬1) أحدكما حر، فمات أحدهما قبل أن يختار، فقيل: الباقي حر؛ لأنا لا نجد موضعا للعتق والبيع إلا في الباقي. وقد اختلف قول سحنون فيمن قال لعبديه: أحدكما حر فقتلا، فقال: على قاتل الأول قيمة عبد، وعلى (¬2) الثاني دية حر في الخطأ، ويقتص منه في العمد. وإن ماتا ورث الأولَ سيدُه بالرق، والثاني ورثته الأحرار، ثم رجع فقال: إن ماتا ورثا بالرق، وإن قتلا فقيمة عبدين قال: ولا يعتق واحد منهما قبل اختياره (¬3)، فعلى هذا يكون له أن يرد الباقي وهو أقيسهما؛ لأن المشتري دخل على أنهما على ملك البائع حتى يختار، فهو يقول لو كانا قائمين لأمكن أن يحسن (¬4) عندي الهالك، أو هو الذي كنت أرغب فيه، وقد هلك وهو على ملك المشتري، فيحلف أنه هلك قبل أن يختاره ويبرأ (¬5). واختلف إذا قال المشتري: كنت اخترت هذا الباقي قبل هلاك صاحبه هل يقبل قوله؟ ¬

_ (¬1) في (ف): (في عبديه). (¬2) في (ق 4): (وفي). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 492. (¬4) في (ف): (يحبس). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 357.

فصل [في من أخذ الثوبين على أن يمسكهما أو يرد واحدا والآخر لازم، فضاعا]

فصل [في من أخذ الثوبين على أن يمسكهما أو يرد واحدا والآخر لازم، فضاعا] وإذا أخذ الثوبين على أنه بالخيار، بين أن يمسكهما أو يرد واحدا والآخر لازم له فضاعا، ضمنهما قولا واحدا إن لم تشهد البينة على الضياع. ويختلف إذا قامت البينة على ضياعهما، فقول ابن القاسم يسقط عنه ضمان واحد، وعلى قول أشهب الضمان على حاله فيهما، وعلى القول الآخر لا شيء عليه فيهما، ومصيبتهما من صاحبهما فيسقط عنه (¬1) ضمان واحد؛ لأنه كان له أن يرده، وضمان الآخر؛ لأنه على ملك صاحبه حتى يختاره، إذا حلف أنه لم يكن اختار منهما شيئًا حتى ضاعا، وإن ضاع أحدهما ضمنه، إلا أن تقوم بينة بضياعه، فيسقط ضمان نصفه عند ابن القاسم، ويلزمه نصف الباقي، ويكون بالخيار في نصفه الثاني، بين أن يمسكه ويلزم (¬2) ثمن جميعه، أو يرد النصف ويلزم ثمن النصف الآخر (¬3)، وعلى القول الآخر له أن يرد جميعه، يرد نصفا؛ لأنه كان فيه بالخيار، ونصفا لعيب الشركة. وعلى أحد قولي سحنون لا شيء عليه في التالف؛ لأنه ضاع وهو على ملك بائعه، وإن اشتراهما صفقة واحدة على إن شاء أخذهما أو ردهما ضمنهما، إلا أن تشهد بينة على الضياع، وإن ادعى ضياع أحدهما ضمنه عند ابن القاسم بالثمن، قال: وله أن يرد الآخر بما ينوبه من ثمن صاحبه. ¬

_ (¬1) قوله: (عنه) ساقط من (ف). (¬2) في (ف) ويزن. (¬3) قوله: (الآخر) ساقط من (ف) و (ق 4).

فصل [في من اشترى ثوبا يختاره من ثوبين فمضمت أيام الخيار]

وعلى قول أشهب له أن يرد الباقي ويغرم قيمة التالف، أو يمسك ويغرم قيمة (¬1) ثمنهما (¬2) وهو أبين (¬3). فصل [في من اشترى ثوبا يختاره من ثوبين فمضمت أيام الخيار] وقال ابن القاسم- فيمن (¬4) اشترى ثوبا يختاره من ثوبين فمضت أيام الخيار وتباعد ذلك فليمس له أن يأخذ واحدا، إلا أن يكون أشهد قبل مضي الأمد (¬5) أو فيما قرب أنه أخذه وهو قول مالك (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (قيمة) ساقط من (ف) و (ق 4). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 391. (¬3) قوله: (وهو أبين) زيادة من (قرويين 4). (¬4) قوله: (فيمن) يقابله في (ف): (من). (¬5) في (ف) و (ق 4): (أيام الخيار). (¬6) انظر: المدونة: 3/ 222.

[باب] الدعوى في بيع الخيار، ومن اشترى ثوبين من رجلين على خيار فاختلطا عليه

[باب] (¬1) الدعوى في بيع الخيار، ومن اشترى ثوبين من رجلين على خيار فاختلطا عليه وقال ابن القاسم -فيمن اشترى ثوبا أو جارية بالخيار، ثم اختلفا في حين ردهما (¬2) فقال البائع: ليس هو ثوبي ولا جاريتي-: أن القول قول المشتري مع يمينه لأنه أمينه (¬3). قال الشيخ: ولو كانت هبة ثواب لكان القول قول الموهوب له، أنها الهبة التي قبض منه؛ لأنها وإن كانت آكد من بيع الخيار، فهي على القبول حتى ترد، وبيع الخيار على الرد حتى يقبل بخلاف بيع البت، لما كان أخذها (¬4) بالخيار في أن يأخذ (¬5) أو يرد؛ لأن الواهب دخل على أن له أن يردها، وأما بيع البت (¬6) يطلع فيه على عيب، فيقول البائع: ليس هذا (¬7) الثوب الذي بعت منك، فإن القول قول البائع؛ لأنه الغارم ولم يدخل معه على رد، ولو صدقه أنه الثوب الذي باع منه، فكان ثمنه ثوبا أو عبدا فاختلفا فيه، فقال بائع العبد أو الثوب: غير هذا كنت سلمت إليك، كان القول قول من يرده؛ لأن البيع قد (¬8) انتقض برد المعيب، فكان القول قول الغارم أنه الذي كنت قبضت ولو فات واختلف ¬

_ (¬1) ساقط من (ف) و (ق 4). (¬2) في (ف): (ردها). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 230. (¬4) ساقط من (ف). (¬5) في (ق 4): (يثبت). (¬6) قوله: (لما كان أخذها بالخيار في أن ياخذ أو يرد؛. . . وأما بيع البت) ساقط من (ق 4). (¬7) في (ف) و (ق 4): (هو). (¬8) قوله: (قد) ساقط من (ف) و (ق 4).

فصل [فيمن اشترى ثوبين من رجلين على خيار فاختلطا عليه]

في صفته كان القول (¬1) قول قابضه أيضا؛ لأنه هو الغارم. فصل [فيمن اشترى ثوبين من رجلين على خيار فاختلطا عليه] وقال مالك في كتاب محمد -فيمن اشترى ثوبين من رجلين بالخيار، فلما أراد ردهما ادعى كل واحد من البائعين الجيد منهما، وادعى المشتري معرفته أنه لأحدهما-: كان القول قول المشتري مع يمينه، وإن اختلفا (¬2) عليه حلف كل واحد من البائعين على الجيد أنه له ثم يكون المشتري بالخيار بين أن يغرم لكل واحد ثمنه أو يسلم الجيد (¬3)، لأحدهما ويغرم للآخر ثمنه، قال ابن القاسم: فإن نكل البائعان قيل للمشتري: ادفع الجيد إليهما واحتبس الأدنى حتى يدعياه (¬4). وقال ابن كنانة -في كتاب المدنيين-: إذا ادعى البائعان الجيد فقد أبرئا المشتري، فيحلفا على الجيد ويقسم بينهما، وينقلب المشتري بالثوب الآخر حتى يطلب على وجهه. قال: ولو قطع أحد الثوبين ورد الآخر فقال: لمن هذا منكما؟ فأنكراه، والمشتري لا يعرف لمن هو منهما، فإنهما يحلفان أنه ليس لهما ويمسكه ويغرم ثمن الثوبين. وقال مالك -في كتاب ابن حبيب-: إذا كان ثمن أحدهما عشرة والآخر ¬

_ (¬1) قوله: (قول الغارم أنه الذي كنت قبضت ولو فات واختلف في صفته كان القول) زيادة من (ق 4) و (ف). (¬2) في (ف) و (ق 4): (اختلطا). (¬3) قوله: (أنه له ثم يكون المشتري بالخيار. . . أو يسلم الجيد) زيادة من (ف) و (ق 4). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 394، 365.، والبيان والتحصيل: 7/ 466

خمسة، فققطع الذي بعشرة وشك لمن هو منهما، وكلاهما يدعيه حلفا ثم يغرم عشرة وهي ثمنه، ويغرم أيضًا قيمته، فتكون العشرة والقيمة بينهما، إلا أن تكون القيمة أكثر من عشرة، فلا يغرم إلا عشرين، ثمنه مرتين. فإن حلف أحدهما ونكل الآخر، كان للحالف عشرة وللناكل الثوب المردود، قال: وكذلك لو رد الثوبين جميعا، فادعى كل واحد منهما (¬1) الرفيع، فالجواب على ما ذكرنا (¬2). قال الشيخ: أما إذا ادعى المشتري معرفة ثوب كل واحد منهما وهما قائمان، سلم الجيد لمن اعترف له به، وحلف للآخر أن الدنيء له، ثم يعود المقال بين البائعين، فيحلف من أقر له المشتري بالجيد أنه له؛ لأن الآخر يقول أنت تعلم أن (¬3) الجيد لي، فإن نكل حلف الآخر وأخذه، وسلم إليه الدنيء؛ لأنه إن نكل المشتري عن اليمين، حلف البائع أن الذي أقررت به لصاحبي هو ثوبي، ثم يكون له على المشتري، الأقل من الثمن الذي اشترى به منه أو قيمة الجيد، فإن كان الثمن أقل قال: قد كان لي أن أقبل به، وإن كانت القيمة أقل قال: ليس علي سواه لأني لم أقبله (¬4)، فتقول ذلك رضى منك؛ لأنك حبسته وهذا هو في يد غيري يدعيه لنفسه، ولبائعه أن يحلف المقر له إذا كانت القيمة أقل، فإن حلف لم يكن له سوى القيمة من المشتري، فإن نكل حلف مدعيه واحدة، ويكون للناكل ثوب الحالف، وأما إذا لم يعلم ثوب كل واحد منهما ¬

_ (¬1) قوله: (منهما) ساقط من (ف) و (ق 4). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 395. (¬3) قوله: (أن) ساقط من (ف). (¬4) في (ف) و (ق 4): (أفته).

وكانا قائمين، فالخلاف المتقدم فيها (¬1) راجع إلى أنه هل يعذر بالنسيان؟ وقد اختلف في هذا الأصل فيمن أودع مائة دينار فادعاها رجلان، هل يعذر بالنسيان؟ وتكون المائة بينهما، أو لا يعذر ويغرم لكل واحد منهما مائة، فرأى مالك أنه: لا يعذر بالنسيان، ويغرم لكل واحد ثمنه إذا حلفا، أو يسلم الجيد منهما لهما، ويغرم لكل واحد نصف ثمنه (¬2). ورأى ابن كنانة أنه: لا يغرم (¬3) ويعذر (¬4) بالنسيان، فيقسمان الجيد بعد أيمانهما، ويحلف المشتري على الآخر، أنه أحد الثوبين الذي اشترى منهما ويبرأ، ويقسمانه إن أحبا وإلا وقف حتى يدعو إلى قسمتمه، وإن قطع أحدهما وأنكر كل واحد الباقي، وأنكر أيضًا المقطوع؛ لأن القطع غيّره، وقال المشتري: لا أعلم أيهما هو، غرم لكل واحد ثمنه، وعلى هذا تكلم ابن كنانة. وإن ادعى كل واحد أن (¬5) المقطوع أنه (¬6) له، عاد الجواب إلى ما تقدم، فعلى قول ابن كنانة، يغرم لكل واحد نصف ما اشترى منه به، وكان الباقي بينهما (¬7)، وعلى قول مالك يغرم ثمنه مرتين، إلا أن تكون القيمة أقل، وعلى هذا الوجه تكلم مالك في كتاب ابن حبيب. ¬

_ (¬1) في (ف) و (ق 4): (فيهما). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 55. (¬3) قوله: (يغرم) ساقط من (ف). (¬4) ساقط من (ق 4). (¬5) قوله (أن) ساقط من (ف) و (ق 4). (¬6) زيادة من (ق 4). (¬7) في (ف) و (ق 4): (لهما).

فصل [في المشتري بالخيار يدعي إباق العبد، أو تلف الدابة]

فصل (¬1) [في المشتري بالخيار يدعي إباق العبد، أو تلف الدابة] وإذا ادعى المشتري بالخيار إباق العبد، أو تلف الدابة، كان القول قوله مع يمينه، فيحلف على الإباق والتلف ويزيد في يمينه وأن ذلك كان (¬2) قبل اختياره (¬3)، فإن نكل عن اليمين غرم الثمن، ولو حلف على الإباق والتلف ونكل عن أن يكون ذلك قبل أن يختار أو حلف (¬4) أنه لم يختر ونكل عن الإباق والتلف لغرم الثمن، وإن ادعى أن ذلك كان بحضرة فلان وفلان فأنكرا أن يكون ذلك (¬5) بحضرتهما، وكانا عدلين غرم الثمن وإن لم يكونا عدلين لم يغرم، وعاد الجواب إلى ما تقدم من يمينه، وإن ادعى الموت كان القول قوله، إذا كان في سفر ولا أحد معه، أو كان معه من لا يقبل، وإن كان معه من يقبل قوله، وقالوا لم يمت بحضرتنا شيء لم يقبل قوله، ومثله إذا كان في حاضرة وكذبه جيرانه، (¬6) فإن لم يكونوا عدولا قبل قوله مع يمينه، وإن كانوا عدولا وكان مثل ذلك لا يخفى عليهم لم يصدق وغرم. ¬

_ (¬1) قوله: (فصل) ساقط من (ف) و (ق 4). (¬2) قوله: (وأن ذلك كان) يقابله في (ف): (كان ذلك). (¬3) قوله: (اختياره) يقابله في (ف) و (ق 4): (أن اختاره). (¬4) قوله: (على الإباق والتلف ونكل. . . أو حلف) زيادة من (ف) و (ق 4). (¬5) قوله: (ذلك) ساقط من (ق 4). (¬6) في (ف): (جيرته).

باب فيمن يبيع حائطه، أو ثمار حائطه ويستثني بعض ذلك أو يشترط ذلك، أو يشترط ذلك المشتري على البائع

باب فيمن يبيع حائطه، أو ثمار حائطه ويستثني بعض ذلك أو يشترط ذلك (¬1)، أو يشترط ذلك المشتري على البائع ومن باع حائطه فاستثنى بعضه، فإنه في استثنائه ذلك على ثلاثة أوجه: إما أن يستثني جزءا أو عددا، ولا يشترط خيارا، أو يشترط الخيار، فإن استثنى جزءا جاز ذلك، قل ذلك أو كثر، فإن استثنى الثلثين كان قد باع ثلثا على الشياع وذلك جائز، وكذلك إن استثنى عددا ولم يشترط خيارا، يجوز؛ لأنه يعود إلى الجزء، فإن استثنى ستين من مائة كان قد باع خمسيها، وإن اشترط الخيار جاز أن يكون له الخيار (¬2)، في أقل المبيع ولا يجوز في أكثره، ويختلف (¬3) في النصف. وإن كان الخيار للمشتري جاز في أكثر ذلك وأقله، وإن اشترط البائع جزءا أو عددا من غير خيار، جاز ذلك؛ لأنه يعود إلى الجزء، فإن كانت مائة فاستثنى نصفها وعشرها (¬4)، كان قد استثنى ثلاثة أخماسها، وإن اشترط جزءا وخيارا، أو عددا وخيارا لم يجز، إلا أن يكون الخيار اليسير، في (¬5) تلك الجملة التي وقع فيها البيع، مثل أن تكون الجملة مائة، فيستثنى المشتري النصف وخيار عشرة، فيجوز؛ لأنه بمنزلة من باع من رجل على الخيار، وباع ¬

_ (¬1) قوله: (أو يشترط ذلك) ساقط من (ف) و (ق 4). (¬2) قوله: (جاز أن يكون له الخيار) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (الخيار في أقل المبيع ولا يجوز في أكثره، ويختلف) ساقط من (ق 4). (¬4) في (ف) و (ق 4): (وعشرة). (¬5) قوله: (اليسير، في) يقابله في (ف) و (ق): (أيسر).

من آخر ما بعد خيار فلان، فالبائع يبتدئ بالخيار من الجملة، ثم يكون حق المشتري فيما بقي، ولو كان الخيار للمشتري جاز وإن كثر؛ لأن أكثر ذلك المبيع له بعضًا بالخيار وبعضا بغير خيار، وعلى هذا يجري الجواب في عدد بغير خيار (¬1) وعدد بالخيار، وإن كان الخيار (¬2) في الثمار لم يجز، إن كان الخيار للمشتري. واختلف قوله إذا كان الخيار للبائع فأجاز ذلك ومنعه، ولا فرق بين خيار المشتري والبائع، فإن كان يخشى أن يختار ثمرة إحدى (¬3) الأشجار، ثم ينتقل إلى الأخرى لم يجز ذلك من بائع ولا مشترٍ، ويدخله التفاضل إذا كانت الثمار مما يحرم فيها التفاضل، وإن كان لا يحمل عليها ذلك، وإن اختار شيئا لم ينتقل إلى غيره، جاز ذلك وإن (¬4) كان الخيار للبائع أو للمشتري. وأرى أن يرد الأمر فيه إلى أمانة من له الخيار، للبائع أو للمشتري (¬5)، ويبين له أنه إذا اختار شجرة، لم يجز له أن ينتقل عنها إلى اختيار أخرى (¬6)، وإن كانت الثمار مما يجوز فيها (¬7) التفاضل وهي صنف واحد، جاز الخيار ويسقط الاعتراض بالتفاضل، ويبقى فيه بيع الطعام قبل قبضه إذا كان للمشتري. وإن كان الخيار في أصناف الثمار، وكل ما يجوز فيها التفاضل لم يجز، لأجل الغرر، وهو (¬8) إذا كان الخيار للبائع أبين في الفساد؛ لأنه لا يدري ¬

_ (¬1) قوله: (وعلى هذا يجري الجواب في عدد بغير خيار) زيادة من (ف) و (ق 4). (¬2) قوله: (وإن كان الخيار) ساقط من (ف). (¬3) في (ف) و (ق 4): (أحد). (¬4) قوله: (وإن) ساقط من (ق 4). (¬5) قوله: (للبائع أو للمشتري) ساقط من (ق 4). (¬6) في (ف): (غيرها). (¬7) في (ق 4): (فيه). (¬8) في (ف): (وهذ).

أيهما يُلزِمْه المشتري. وقد اختلف في هذا (¬1) الأصل إذا كان الخيار للمشتري، فقيل -فيمن اشترى عبدًا أو دابة (¬2)، وسمى لكل واحد ثمنا وهو بالخيار أن (¬3) يأخذ أيهما أحب-: أن ذلك جائز، ولا يجوز إذا كان الخيار للبائع، وفي مختصر الوقار فيمن اشترى حائطا (¬4)، فأجاز الخيار للبائع في صنفين، وإذا كان الخيار للمشتري كان أخف؛ لأن غرض البائع بيع (¬5) سلعته وأخذ الثمن، وليس كذلك إذا كان الخيار للبائع؛ لأن المشتري لا يدري أيهما يلزمه البائع. وقال ابن القاسم -فيمن اشترى السمراء تسعة (¬6) آصع بدينار، والمحمولة عشرة آصع بدينار (¬7)، ويأخذ أيهما أحب-: ذلك فاسد؛ لأنه فسخ السمراء في المحمولة، والمحمولة بالسمراء، وفيه بيع الطعام قبل استيعابه، قال: وإن قال الحنطة عشرة آصع، والتمر عشرة آصع (¬8) لم يجز، ولا يجوز فسخ إحداهما في الآخر قبل أن يستوفى (¬9). فمنعه في المسألتين جميعا لإمكان أن يكون اختار (¬10) أحدهما، ثم ينتقل إلى الآخر، فيدخله -إذا كانت حنطة كلها- التفاضل، وبيع ¬

_ (¬1) ساقط من (ق 4). (¬2) قوله: (عبدا أو دابة) يقابله في (ق 4): (عبدا ودابة). (¬3) قوله: (أن) ساقط من (ف) و (ق 4). (¬4) يوجد من هنا في (ق 4) بياض بمقدار أربع كلمات. (¬5) في (ف) و (ق 4): (تنفيذ). (¬6) في (ف) و (ق): (سبعة). (¬7) قوله: (بدينار) ساقط من (ف) و (ق 4). (¬8) قوله: (آصع) ساقط من (ف) و (ق 4). (¬9) انظر: المدونة: 3/ 236. (¬10) في (ف): (اختيار).

الطعام قبل قبضه، وإذا كانا صنفين بيع الطعام قبل قبضه، ويدخله الغرر في المسألتين جميعا على أصله، وعلى القول أنه لا يحمل عليه أنه اختاره، لا ما يعترف باختياره، يسقط الاعتراض بالتفاضل في المصنف الواحد، وبيع الطعام قبل قبضه في المصنف الواحد وفي الصنفين، ويكون جائزا من هذا الوجه. وإذا كان المبيع جملة ثياب أو عبيد أو غنم، وكان الخيار للمشتري جاز أيضًا في أكثر ذلك المبيع وأقله، وإن كان الخيار للبائع جاز في الأقل، ولا يجوز في الأكثر. واختلف هل يجوز في النصف؟ فمنع ذلك في كتاب النكاح الأول إذا تزوج على أحد العبدين، قال: إن كان الخيار للمرأة جاز، وإن كان للزوج لم يجز (¬1)، وأجازه سحنون إذا كان الخيار للزوج، وعلى هذا يجوز الخيار للبائع في النصف، وهو ظاهر قول ابن القاسم في كتاب بيع الخيار؛ لأنه قال: لا يجوز أن يشترط البائع جلها على الخيار (¬2)، والنصف فليس هو الجل، وإذا كان المبيع أصنافا، كتانا وقطنا وحريرا والخيار للمشتري، كان على أربعة أوجه: فإن كان له الخيار في أن يأخذ أي تلك الأصناف شاء لم يجز، وسواء كان الثمن فيهما سواء أو مختلفا، فيقول الكتان بكذا والحرير بكذا، وكان كالذي قال اشترى منك هذا العبد بكذا، أو هذه الشاة بكذا، فذلك غير جائز، وكذلك إذا قال تأخذ واحدة من أي هذه الأصناف، أو عشرة من كل صنف، أو عشرة من صنف واحد لم يجز، وإن قال عشرة من كل صنف، وله أن يختارها أو يترك الجميع جاز، وإن كان الخيار للبائع، لم يجز ذلك في الموضع الذي لا يجوز للمشتري، ويجوز في الموضع الذي يجوز للمشتري (¬3)، بشرط أن يكون ذلك ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 146. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 234. (¬3) زيادة من (ف) و (ق 4).

فصل [في الرجل يشتري عشرة شياه يختارها ثم يشتري عشرة أخرى]

أقل ذلك النصف، أو نصفه على القول الآخر. فصل (¬1) [في الرجل يشتري عشرة شياه يختارها ثم يشتري عشرة أخرى] وإذا اشترى رجل عشرة شياه، يختارها من هذه الغنم، ثم اشترى عشرة أخرى جاز ذلك، ويكون كأنه اشترط خيار عشرين شاة، إن اشترى منها رجلان مفردان، واشترط كل واحد الخيار جاز الأول، واختلف في الثاني، فقال محمد: يجوز ذلك بمنزلة إذا كان المشتري واحدا، وقال أيضًا: لا يعجبني ذلك إلا أن تكون الغنم كثيرة جدا، وإلا كان الثاني كأنه اشترى شرارها، بشرط أن يختار عليه البائع أكثرها (¬2). ويختلف على هذا إذا كان الخيار للبائع والمشتري، فقال: أبيعك عشرة تختارها بعد أن أختار أنا عشرة، والقول (¬3) ألا يجوز ذلك إلا فيما كثر، الخمسين والستين أحسن، ولو كانت ثلاثين لم يجز؛ لأنه إذا اختار البائع منها (¬4) عشرة، لم يدر كيف تكون العشرين الباقية، والبيع إنما يقع على ما يختار من العشرين الباقية. وقال ابن حبيب: ولا يجوز أن يشتري الرجل عشرة يختارها من غنم، ويشتري الآخر بقيتها بخلاف الصبرة (¬5)، ومحمل هذا إذا كانت الغنم قليلة، فإن كانت كثيرة لا يتحسس إلى ما يزول من جملتها على الخيار جاز. ¬

_ (¬1) ساقط من (ف) و (ق 4). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 398. (¬3) في (ف): (وقوله). (¬4) قوله: (منها) ساقط من (ف) و (ق 4). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 399.

وقال أشهب -فيمن اشترى عشر شياه يختارها من مائة، ثم جاءه رجل فقال: خذ مني ربح كذا، واجعلني أختار مكانك آخذ ما كان لك أن تختاره-: إن ذلك ليس بجائز (¬1)؛ لأن الأول لا يجوز له أن يبيع ما لم يجب له، ولأن الخيار يختلف بخيار ما لا يوافق الثاني، وليس للآخر أن يختار أمرا يجب للأول حتى يختار الأول، ولا يجوز أيضًا وإن قال اختار، فأنا أشتري منك ما تختاره أنت لأنه غرر، قال: وهذا (¬2) بخلاف ما لو مات المشتري قبل أن يختار، أن (¬3) لورثته أن يختارو لأنهم (¬4) كأنهم هو (¬5). قال الشيخ: أما إذا اشترى الثاني ما يختاره الأول، ففاسد لا شك فيه؛ لأنه لا يدري ما يختاره الأول، ولا كيف موقعه من الاختيار. وأما اشتراؤه على ما يختاره بنفسه (¬6)، ليس على أن يختاره الأول، فالصواب أن يكون جائزا، والشأن فيمن اشترى على خيار، أنه يأتي بمن (¬7) ينظر ذلك المبيع، هل هو جيد أو رديء؟ وهل يسوى ذلك الثمن أم لا؟ وعلى قول أشهب يمنع من اشترى عبدا أو ثوبا على خيار، أن يرى ذلك غيره ويأخذ منه (¬8) فيه رأيا (¬9)، وهذا خلاف المعتاد. وقال ابن حبيب: لا بأس أن يقول بعني عشرة من خيار ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 398. (¬2) في (ف) و (ق 4): (وهو). (¬3) ساقط من (ف). (¬4) ساقط من (ف). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 398. (¬6) في (ف): (لنفسه). (¬7) في (ق 4): (لمن). (¬8) قوله: (منه) ساقط من (ف) و (ق 4). (¬9) في (ف): (ربا).

غنمك، ولا يقول اختارها أنا ولا أنت، فإن اختلفا فيمن يختار، دعي إلى ذلك أهل النظر والعدل يختارها (¬1)، وليس هذا بحسن، وأرى أن يكون الخيار للمشتري، ولا يلزم ما يختاره غيره؛ لأن الشأن أن المشتري هو الذي يختار، ولأن المشتري يقول أنا أختار، فإن اخترت الخيار فهو حقي وشرطي، وإن اخترت دون ذلك فذلك وكس عليَّ وخير لك. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 399.

باب فيمن وجد عيبا هل يكون له خيار أم لا؟

باب (¬1) فيمن وجد عيبا هل يكون له خيار أم لا؟ (¬2) وقال أبو محمد عبد الوهاب: اختلف أصحابنا في بيع السلعة بما لا يتغابن الناس بمثله، مثل أن يشتري أو يبيع ما يساوي ألفا بمائة، فمنهم من قال (¬3): يكون للمغبون خيار، ومنهم من قال: لا خيار له، إذا كان من أهل الرشاد والبصر بتلك السلعة، وإن كانا أو أحدهما بخلاف ذلك، كان للمغبون منهما الخيار (¬4)؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لحبان بن منقذ، وقال له: إني أخدع في البيوع. فقال: "إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لاَ خِلابَةَ" (¬5). ونهيه عن إضاعة المال (¬6) و (¬7) قوله: "لاَ ضَرَرَ ¬

_ (¬1) ساقط من (ق 4). (¬2) قوله: (أم لا) ساقط من (ف) و (ق 4). (¬3) في (ف): (يرى أن)، وفي (ق 4): (بقي). (¬4) انظر: التلقين: 2/ 142، والأشراف: 2/ 525، والمعونة: 2/ 69، 70. (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 745، في باب ما يكره من الخداع في البيع، من كتاب البيوع، برقم (2011)، ومسلم: 3/ 1165، في باب من يخدع في البيع، من كتاب البيوع، برقم (1533)، ومالك، في باب جامع البيوع، من كتاب البيوع: 2/ 685، برقم (1368). (¬6) النهي عن إضاعة المال ورد في أحاديث كثيرة في الصحاح، منها ما رواه البخاري بسنده عن المغيرة بن شعبة قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنع وهات. وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال" 2/ 848، في باب ما ينهى عن إضاعة المال، من كتاب الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس، برقم (2277)، ومنها ما رواه مالك في الموطأ عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله يرضى لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ويسخط لكم قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال" 2/ 990، في باب ما جاء في إضاعة المال وذي الوجهين، من كتاب الكلام، برقم (1796). (¬7) في (ف) و (ق 4): (في).

وَلاَ ضرَارَ" (¬1)؛ ولأنه نوع من الغبن في الأثمان، فجاز أن يتعلق به الخيار أصله تلقي الركبان. قال الشيخ -رَحِمَهُ الله-: أما قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لاَ خِلاَبَةَ"، فإنه حجة لمن قال الغبن ماض ولا قيام فيه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - مضى بياعاته التي كانت تقدمت قبل، ولم يجعل له قياما إلا أن يشترط في المستقبل، وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَبعْ حَاضرٌ لِبَادٍ" (¬2). وقال -في كتاب مسلم-: "دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ" (¬3). فهي أن يبيع له سمسار؛ لأن ذلك يمنع مغابنة الجالب؛ لأن السمسار يعلم سعرها، وكيف السوق من الغلاء والرخص، والجالب لا يعلم ذلك. وأما نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن تلقي الركبان (¬4)، فإن حمل على أنهم الذين يأتون من البوادي، عاد الجواب إلى ما تقدم، إنهم لا يتلقون (¬5) لحق أهل السوق؛ لأن في ذلك فسادا على من جلس ولم يتلق فلا يتلقون لهذا، فإذا بلغوا السوق باعوا لأنفسهم، وإن حمل على أنهم التجار الذين يقدمون بالبز وأشباه ذلك، وإن النهي محتمل، هل ذلك لحق أهل السوق، فإذا بلغ باع بنفسه أو لحقه؟ وأن لا يغبن وإذا احتمل الوجهين لم تقم به حجة. ¬

_ (¬1) سبق تخريجه، ص: 1370. (¬2) سبق تخريجه، ص: 4274. (¬3) أخرجه مسلم: 3/ 1157، في باب تحريم بيع الحاضر للبادي، من كتاب البيوع، برقم (1522). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري،: 2/ 758، في باب النهي عن تلقي الركبان، من كتاب البيوع، برقم (2054)، ومسلم: 3/ 1154 في باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه وسومه على سومه، من كتاب البيوع، برقم (1515). (¬5) في (ف) و (ق 4): (يلقون).

وقد اختلف عن مالك في المصري يقدم المدينة، هل يبيع بنفسه كالبادي أو يباع له؟ فسقط الاحتجاج بهذا الحديث، وكانت الحجة لمن لم يجعل في ذلك حجة (¬1). قوله: "إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لاَ خِلابةَ"، وقوله "لاَ يَبعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ"، فوجب أن لا يكون في ذلك الغبن مقال، إلا أن يقول البائع (¬2) إذا كان الغبن على المشتري، ذلك ثمن سلعتي، أو أعطيت فيها (¬3) ذلك، أو يقول المشتري إذا كان الغبن على البائع، إن سلعتك لا تساوي فوق ما أعطيتك (¬4)، أو أن ذلك قيمتها، فيكون لمن وقع عليه الغبن مقال، إذا حلف أني استسلمت لقولك فاشتريت عليه أو بعت. تم كتاب بيع الخيار والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما (¬5) ¬

_ (¬1) قوله: (حجة) ساقط من (ق 4). (¬2) في (ف): (المشترى). (¬3) في (ف) و (ق): (به). (¬4) في (ف): (أعطيك). (¬5) هذا الختام من (ف) و (ق 4): (هذا أخر ما وجد في مسودة الشيخ -رحمه الله-).

كتاب المرابحة

كتاب المرابحة النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ق 4) = نسخة القرويين رقم (368)

باب في البز يباع مرابحة، وقد اشتري من بلد آخر، أو يستأجر على شرائه وشده، أو كان رقيقا فأنفق عليه

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كتاب المرابحة باب في البز يباع مرابحة، وقد اشتري من بلد آخر، أو يستأجر على شرائه وشده، أو كان رقيقًا فأنفق عليه وقال مالك في البز يُشترى، ثم يحمل من بلد إلى بلد، ثم يباع مرابحةً: لا أرى أن يحمل عليه أجر السماسرة، ولا النفقة، ولا أجر الشدِّ، ولا أجر الطيِّ، ولا كراء بيت، ويحسب الحمل، ولا يحسب له ربحٌ، إلا أن يُعلِمَ البائع المشتري بذلك كله، فإن ربحوه بعد العلم فلا بأس به، ويحسب القصارة والصبغ والخياطة، ويحمل عليها الربح كما يحمل على الثمن، فإن باع ولم يبين شيئًا مما ذكرنا أنه لم يحسب له فيه ربح ولم يفت- فسخ، إلا أن يتراضيا على شيء مما يجوز بينهما (¬1). فإن فات حسب الكراء، ولم يحسب له ربح ويحسب نفقة الرقيق، ولا يحسب لها ربح، ولا يحسب ما أنفق التاجر على نفسه. يريد في الرقيق (¬2) ما لم ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 238. (¬2) قوله: (في الرقيق) ساقط من (ق 4).

تكن لهم (¬1) غلة تُوفي بالنفقة، فإن كانت الغلة أقل حسب له ما عجز عنه، وإن كانت الغلة أكثر كان له ولم يحاسب بشيء، وحسب الحمل؛ لأنه مما لا يستبد من إخراج الثمن عنه، وهو يزيد في الثمن؛ لأن النقل من بلد أرخص إلى بلد أغلى، والمشتري يرغب في ذلك إذا علم به، ولو كان سعر البلدين سواء لم يحسب، ولو كان سعرها بالبلد الذي وصلت إليه أرخص وأسقط الكراء لم يبع حتى يبيّن. ولم يحسب للحمل ربح؛ لأن المرابحة كانت لما وقع بها شراء الرقاب، ولم يحسب أجر السمسار؛ لأنه لا يزيد في الثمن وكثير من يتولى الشراء بنفسه وكذلك الشدّ، وأصل ذلك أن كل ما دخل المشتري فيه على صفة، فتبين غيره فإنه لا يسقط مقال المشتري حتى يرد إلى ما دخل عليه وما فهمه وقتَ العقد. وقال مالك: وتحسب القصارة والخياطة والصبغ، ويضرب الربح عليها (¬2). لأن هذه أعيان مشتراة مضافة إلى المبيع الأول، فأما القصارة فله أن يبيع ولا يبين، وأما الخياطة فلا أرى أن يبيع حتى يبين لوجهين: أحدهما: أن الناس يكرهون السوقيّ من المخيط، والثاني: أن المشتري يظن أنه اشترى مخيطًا؛ لأن الشأن -فيما اشترى قائمًا ثم قطع وخيط- أنه يحطّ ثمنه، فالمشتري يظن أنه كان ذا ثمن فخسر فيه، إلا أن يكون المشتري ممن لا يخفى عليه ذلك، وليس عليه أن يبيّن في الصبغ إذا كان مما يشترى للصبغ، إلا أن يكون قد بار عليه وهو أبيض فصبغه لذلك فلا يبيع حتى يبيّن. ويختلف إذا باع ولم يبيّن في هذا وفي الخياطة، فأصل ابن القاسم أنها تكون ¬

_ (¬1) في (ق 4): (له). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 238.

مسألة غش؛ فلا يلزم المشتري وإن حطّ عنه ذلك القدر، وعلى مذهب ابن سحنون أنها مسألة كذب، وإن حطّ عليه ذلك القدر لزمه. والأصول التي تدور عليها مسائل هذا الكتاب سبع مسائل: مسألة كذب، مسألة غش، ومسألة عيب (¬1)، ومسألة يجتمع فيها كذب وغش، ومسألة يجتمع فيها كذب وعيب، ومسألة يجتمع فيها عيب وغش، ومسألة يجتمع فيها كذب وغش وعيب، وبيان ذلك مذكور فيما بعد (إن شاء الله). ¬

_ (¬1) قوله: (مسألة غش، ومسألة عيب) يقابله في (ق 4): (وغش، وعيب).

باب في المشتري يستغل ثم يبيع مرابحة، وكيف بما حدث أو تغير المبيع أوحال سوقه وفي بيع المساومة

باب في المشتري يستغل ثم يبيع مرابحة، وكيف بما حدث أو تغير المبيع أوحال سوقه وفي بيع المساومة وإذا استغلَّ المشتري النخلَ أو العبدَ أو الدابةَ أو الدارَ، ولم يتغير كانت الغلة له، وله أن يبيع ولا يبيّن، وقد تقدم ذكر النفقة على العبد إذا كانت أكثر من الغلة أو أقل، وكذلك النخل إن كانت الغلة أكثر من النفقة كانت له ولم يحسب نفقة، وإن كانت النفقة أكثر حسب له الفضل، وإن أنفق ثم باع مرابحة قبل أن يغتل -حسب له النفقة في السقي والعلاج، فإن كانت شاةً فاحتلب لبنها أو جزَّ صوفها، أو كانت حاملًا فولدت، أو ولدت بحمل حدث- كان اللبن غلة يبيع ولا يبيّن (¬1). وأما الصوف فإن كان عليها يوم اشترى كان بمنزلة من اشترى سلعتين، فأمسك إحداهما وباع الأخرى على جميع الثمن، فهي مسألة كذب فإن حطّ البائع ما ينوب الصوف لزم المشتري، وإن حدث الصوف عند المشتري ثم جزّه لم يكن للمشتري مقال لأجل الصوف، وإنما ينظر إلى انتقال سنّها، فإن كانت جذعة فصارت ثنية كان له أن لا يبيّن؛ لأنها انتقلت إلى أفضل، إذا لم تتغير في (¬2) السوق بنقص ولا كانت تعرض فبارت، وإن كانت رباعية فهرمت كان عليه أن يبيّن. وقال: إذا ولدت الغنم والجارية لم يبع مرابحة حتى يبّين، وسواء حبس ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 240. (¬2) قوله: (في) ساقط من (ق 4).

فصل [في من ابتاع سلعة فحالت أسواقها، ثم باعها مرابحة]

أولادهما أو ضمهما معها (¬1). ولم يذكر هل حملت بعد الشراء أو كانت حوامل. وأرى إذا كانت حوامل في حين الشراء أو قريبة الوضع، فضم أولادها إليها أن يبيع ولا يبين؛ لأن ذلك زيادة، ومعلوم أن المشتري لا يكره ذلك، وهو في الأمة أبين؛ لأنها تباع أولًا بالبخس (¬2) لما يخشى عليها من الموت. وإن حملت بعد الشراء أو كانت حوامل وبعيدة الوضع- كان الجواب في الغنم على ما تقدم أن المشتري لا يكره ذلك، وأن الولد زيادة، وإنما يعتبر طول العهد بالشراء وانتقال سنها، فإن لم يتغير السوق بنقص (¬3) ولا كان يعرضها فبارت وانتقل سنها إلى ما هو أفضل- باع ولم يبين، وإن انتقلت سنها إلى أبخس كان عليه أن يبين. وأما الجارية تحمل بعد الشراء فإنه عيب وعليه أن يبين، وإن كانت حاملًا بعيدة الوضع فوضعت لم يراع عمرها (¬4)؛ لأن مثل (¬5) ذلك لا يتحسس إليه في الأمة، ويراعى تغير سوقها، وهل بارت عليه؟ فصل [في من ابتاع سلعة فحالت أسواقها، ثم باعها مرابحة] وإذا حال السوق بزيادة ولم يطل مكثه في يد المشتري باع ولم يبين، وإن حال بنقص بيَّن، واختلف إذا لم يبين: فجعله ابن سحنون على معنى الكذب، ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 240. (¬2) في (ق 4): (بأبخس). (¬3) قوله: (بنقص) ساقط من (ق 4). (¬4) في (ف): (غيرها). (¬5) قوله: (مثل) ساقط من (ف).

وجعله (¬1) ابن عبدوس مسألة غش (¬2). والأول أحسن؛ لأن مقال المشتري لموضع النقص، فإذا حطه البائع سقط مقال المشتري، وإن عاد سوقه عن قرب باع ولم يبين. وإن طال مكثه ولم يتغير سوقه، ولا تغير في نفسه، ولا كان يعرضه فبار عليه- باع ولم يبين، وإن بار عليه بيَّن؛ لأن الناس يكرهون ذلك، ويرون أن ذلك لأمر خفي عليه، وله حكم الغش إن لم يبين. وإن تغيرت مع ذلك سوقه، أو تغير في نفسه بنقص؛ لأنه شيء تمرَّث لأجل العرض- كان على قول ابن عبدوس على حكم الغش، وعلى القول الآخر كذب وغش، فطول مكثه غشٌ، ونقصه أو حوالة سوقِه كذبٌ؛ لأن كل عيب حدث عند المشتري، فإن لم (¬3) يبينه وكتم حدوثه كان له حكم الكذب، وإن تغيرت سوقه بزيادة كان له حكم الغش لمكان الطول، وإن كان في البيع الأول تغابنٌ لا يوفي بزيادة السوق، كان على المشتري الآخر القيمة، وإن لم يكن تغابن كان للمشتري أن يرد مع القيام، فإن فات مضى بالثمن؛ لأن القيمة أكثر. وبيع ما طال مكثه في يد بائعه مساومةً جائز إذا كان في يديه بغير شراء: كالميراث والهبة والصدقة، أو بشراء ولم يتغير سوقها، وتغيرت (¬4) بزيادة، ويختلف إذا تغيرت بنقص، فقال مالك: لا يبيع حتى يبين (¬5). وقال غيره: يجوز ذلك وإن لم يبين وليس بالبين. ¬

_ (¬1) قوله: (وجعله) ساقط من (ق 4). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 348. (¬3) قوله: (فإن لم) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (سوقها وتغيرت) يقابله في (ق 4): (سوقه أو تغيرت). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 240.

فصل [في من رقم سلعة ثم باعها مرابحة]

فصل [في من رقم سلعة ثم باعها مرابحة] ومن اشترى ثوبًا بعشرة فرقم عليه اثني عشر، فإن باع على اثني عشر كانت مسألة كذب، وإن باع على العشرة كانت مسألة غش، وكذلك إن باعه مساومة فهي مسألة غش؛ لأنَّ المشتري إذا رأى الرقم حسب أنه ذو ثمن، وأن البائع له الأول أو الآخر وضع (¬1) فيه ذلك غررًا وخديعة. وإن كان في يديه بميراث فرقم عليه بسوم سماه وزعم أنه اشتراه به (¬2)، ثم باع عليه مرابحة أو (¬3) مساومة- كانت مسألة غش، وللمشتري أن يرد مع القيام، وإن كره البائع، فإن فاتت كان عليه الأقل من القيمة، أو ما اشتراه به منه. ويختلف في القيمة متى تكون؟ فعلى القول في المحبوسة بالثمن أنها من البائع تكون القيمة يوم القبض، وعلى القول: إنها من المشتري تكون قيمة يوم البيع، إلا أن يكون المشتري لم ير الرقم، أو رآه ولم يعلم مضمونه؛ لأنه أمِّيٌّ، أو لأنه ليس بعربي- فلا يكون للمشتري مقال في جميع هذه المسائل الثلاث؛ لأنه لم يقع بفعله غرر. وإن اشترى جارية ثم تبين أنها ذاهبة الضرس فرضيه، فإن كان رضاه كراهية الخصومة أو للد من البائع أو لغيبته- لم يبع مرابحة إلا أن يبين العيب (¬4)، وأنه علمه بعد العقد فرضيه لأجل ذلك، فإن كتم ذهاب الضرس ¬

_ (¬1) قوله: (له الأول أو الآخر وضع) يقابله في (ف): (فيه أول أو آخر أتضع). (¬2) في (ف): (له). (¬3) في (ف): (و). (¬4) قوله: (العيب) ساقط من (ف).

كانت مسألة عيب، وإن بينه ولم يبين أنه علمه بعد العقد، وأنه رضيه لأجل ذلك- كانت مسألة غش، وإن كان رضاه رغبة في السلعة ولم يكن نقدًا ونقد ولم ينازعه البائع، وقال: هذا ثمنك فخذه أو ردّ إن شئت؛ كان له أن يبيع ويبين العيب خاصة (¬1). وكذلك من أخذ سلعة عن دين حال على موسر غير ملدٍّ، والطالب ممكّن من قبضه، فتركه وأخذ السلعة- كان له أن يبيع على ما أخذها به ولا يبين، وإن كان الغريم ملدًّا أو معدمًا أو كان الدين مؤجلًا لم يبع إلا أن يبين، فإن لم يبيّن كانت على القولين: هل هي مسألة غش أو مسألة كذب؟ فيحط قدر ما بين ما يشترى به لو كان الغريم على الصفة الأولى والصفة الثانية، وإن ذهب الضرس بعد العقد كان عليه أن يبيّن الوجهين جميعًا: ذهابه، وأن ذلك كان بعد العقد، فإن كتمه كانت مسألة عيب، وإن بيّنه ولم يبين حدوثه كانت مسألة كذب. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 239.

باب في من اشترى بثمن إلى أجل فباع عليه بالنقد أو اشترى بثمن فنقد غيره

باب في من اشترى بثمن إلى أجل فباع عليه بالنقد أو اشترى بثمن فنقد غيره ومن المدونة: قال مالك في من اشترى سلعة بثمن إلى أجل، فباعها به مرابحة نقدًا: ترد السلعة إن كانت قائمة، وإن فاتت كان على المشتري قيمتها يوم قبضها نقدًا (¬1). ولا يضرب الربح على القيمة. قال ابن القاسم: فإن قال المشتري: أنا أقبل السلعة إلى ذلك الأجل لا خير فيه، ولا أحب ذلك (¬2). وجعله بمنزلة من اطلع على عيب، فإن أراد الرد، فقال له البائع: أنا أؤخرك بالثمن ولا ترد. فلا يجوز أن يشتري رجوعًا بتأخير، وهو سلف جر منفعة، وهذا هو أصل أشهب أن الصلح مع القيام شراء مرجع. وأرى أن ينظر في ذلك، فإن قام المشتري ليرد، فقال البائع: لا ترد وأؤخرك بالثمن- كان فاسدًا، وإن قال: قد رددت، فقال له: اقبلها وأنا أصبر عليك بالثمن- جاز، وقال سحنون: يقوم الدين بالنقد، فإن كان المسمى إلى أجل عشرة، وباع على عشرة نقدًا والقيمة ثمانية كانت الثمانية كالثمن الصحيح، فإن رضي البائع مع القيام أن يضرب له الربح عليه لم يكن للمشتري أن يرد، ولا يكون له على أصله مقال بعد الفوت إذا رضي البائع أن يضرب الربح على ثمانية، فأجراها على مسألة الكذب. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 241. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 241.

فصل [في من اشترى بدنانير فنقد عرضا، أو بعرض فنقد عينا أو شيئا مما يكال أو يوزن]

فصل [في من اشترى بدنانير فنقد عرضًا، أو بعرض فنقد عينًا أو شيئًا مما يكال أو يوزن] ومن اشترى بدنانير فنقد دراهم لم يبع على ما عقد حتى يبين، واختلف هل يبيع على ما نقد ولم يبيّن، فأجازه مالك في كتاب محمد (¬1). ومنعه ابن حبيب. وإن اشترى بدنانير فنقد عرضًا لم يبع على ما نقد (¬2) حتى يبين. واختلف هل يبيع على ما نقد (¬3)، فمنعه في المدونة (¬4)، وأجازه في كتاب الشفعة من كتاب محمد، قال: وإن نقد طعامًا فليبع على ما نقد (¬5) كالدنانير والدراهم. وقال محمد: الطعام في هذا كالسلع، يريد أنه لا يبيع على ما نقد (¬6). وإن اشترى بعرض فنقد عينًا أو عرضًا أو شيئًا مما يكال أو يوزن فظاهر قوله في المدونة ألا يبيع على أحدهم حتى يبين، وعلى قوله في كتاب محمد يبيع على الأول ولا يبين، ولا يبيع على الآخر إلا أن يبين. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 352. (¬2) في (ف): (تقدم). (¬3) في (ف): (عقد). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 242، والمنع فيها لابن القاسم قال: لم أسمع من مالك في الذي يشتري السلعة بالعروض فيبيعها مرابحة شيئًا والذي أرى أنه لا بأس به أن يبيع ما اشترى بالعروض مرابحة إذا بين العروض ما هي وصفتها فيقول: أبيعك هذا بربح كذا وكذا ورأس ماله ثوب صفته كذا وكذا فهو جائز ويكون له الثياب التي وصفت وما سمى من الربح، ولا يبيع على قيمتها فإن باع على قيمتها فهو حرام لا يحل. (¬5) في (ف): (ما تقدم). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 352.

والصواب في جميع هذه الأشياء (¬1) إذا كان المشتري مستفتيًا أن يوكل إلى أمانته، فما علم أن البائع منه أخذ ذلك عن الثمن رغبة فيه وقد مكنه من الثمن الذي باع به- كان له أن يبيع على ما عقد ولا يبين؛ لأن كل مشتر مؤتمن على ما يقول أنه اشترى به، ولأنه لو شاء ذكر أكثر مما اشتراه به، وإن لم يكن ذلك لرغبة من البائع، وإنما كان قصدًا من المشتري على الهضيمة- لم يبع حتى يبين. وإن لم يكن المشتري مستفتيًا وإنما ظهر عليه بعد وقال: لم يكن إلا علا وجه الرغبة من البائع مني (¬2) - كان القول قوله إذا كان الثمن الأول عرضًا أو عبدًا؛ لأنه ليس بشيء يحط منه عند الدفع، وهي مبايعة مما تختلف فيها الأعراض، فتشترى بمثل القيمة وأكثر وأقل. وإن كان الثمن الأول عينًا دنانير أو دراهم، والشأن من المتبايعين في ذلك البلد أن ينقد ما انعقد البيع به من غير طلب للمسامحة- قبل قوله أيضًا، وإن كان العادة طلب المسامحة عند الوزن لم يصدق، وحمل على عادته أو عادة البلد. وإن اشترى بدنانير ونقد دراهم، ولم يتغير الصرف، أو تغيرت الدراهم برخص- جاز أن يبيع على ما نقد ولا يبيّن، وعليه يضرب الربح إن باع على ما عقد به، وإن تغير بغلاء الدراهم لم يبع على واحد منهما، حتى يبيّن ما عقد عليه (¬3) وما نقد؛ لأن النقد كان ذلك اليوم أقل واليوم أكثر، وإن باع على ما عقد حط من الثمن الذي وقع به العقد قدر سماحة ذلك اليوم، وإن باع على ما نقد؛ فذلك (¬4) يضرب به الربح على الأول بعد طرح السماحة، وإن نقد عرضًا ¬

_ (¬1) في (ف): (الأسئلة). (¬2) في (ق 4): (متى). (¬3) في (ف): (به). (¬4) في (ف): (فكذلك).

فصل [في من ابتاع سلعة بدين أيجوز له أن يبيعها مرابحة بنقد؟]

ثم باع على ما عقد، وعلم أنه كانت فيه هضيمة لمكان العقد- حط من الثمن الأول قدر ما استظهر به في ثمن الثاني، إلا أن يعلم أنه لم يكن عنده (¬1) جميع ذلك مسامحة وأن العادة دون ذلك، والفاضل عنه غبن وقع على قابضه، فلا يحط إلا قدر السماحة. وإن باع على مثل ما نقد وكانت قيمته مثل ما عقد به بعد طرح المسامحة، أو (¬2) كانت قيمته أكثر- ضرب الربح على ما يستحقه بالعقد؛ لأنه أقل وأخف، وإن كانت قيمة العرض أقل كان بالخيار بين أن يضرب الربح على ما عقد؛ لأنه أخف، أو على مثل ما اشتراه هو به؛ لأنه أقل، وليس له أن يقول: أعطيه قيمة العرض؛ لأن البائع يقول: إنما بعت على مثل العرض لغرض فيه. وإن نقد طعامًا وفيه هضيمة فكذلك على مثل ما تقدم إذا نقد عرضًا. فصل [في من ابتاع سلعة بدين أيجوز له أن يبيعها مرابحة بنقد؟] ويختلف إذا أخذ عرضًا عن دين: هل يبيع مرابحة ولا يبيّن قياسًا إذا أخذ شقصًا عن دين حالٍّ؟ فقيل: يستشفع بالدين، فعلى هذا ليس عليه أن يبيّن، وقيل: يستشفع بقيمة الدين، فعلى هذا يبيّن في المرابحة، وقد تقدم وجه ذلك، وأنه يراعى الغريم: هل هو موسر غير ملدٍّ أم لا؟ واختلف إذا اشترى بعرض أو بطعام، فاشترى على مثله، وليس المثل في ¬

_ (¬1) قوله: (عنده) ساقط من (ف). (¬2) في (ق 4): (وإن).

ملك المشتري، فأجازه ابن القاسم، ومنعه أشهب ورآه من بيع ما ليس عنده (¬1). والأول أحسن، ومحمل الحديث على بيع معين في ملك غيره. وإن اشترى بذهب فقال: اشتريت بعرض، وباع على قيمته، وكانت القيمة التي باع عليها مثل الثمن الذي اشترى به فأقل- لم يكن للمشتري مقال، وإن كانت أكثر كانت مسألة كذب. وإن باع على أن يأخذ المثل كان للمشتري أن يرد، إلا أن يرضى البائع أن يكون الربح على ما اشترى به، فإن رضي نظر إلى قيمة العرض، فإن كانت مثل الثمن فأكثر لزم المشتري؛ لأنه رده إلى مثل ما اشترى به في القدر، وهو أخف فيما يتكلف شراؤه وإحضاره لينقد (¬2)، وإن كانت قيمة العرض أقل لم يلزمه الرضا بالثمن وإن كان أخف؛ لأنه أكثر إلا أن يرضى أن يحط عنه الزائد. وإن اشترى بعرض فقال: اشتريت بعين، فإن كان الذي باع عليه -وهو العين- مثل قيمة العرض فأقل- لزم المشتري، وإن كان العين أكثر من القيمة عاد الجواب إلى ما تقدم في مسألة الكذب، وإلى هذا يرجع الجواب في اللذين اشتريا عدلًا فقسَماه بالتراضي، ثم باع أحدهما نصيبه على ما اشترى به؛ لأن نصف ما صار إليه مشترى بالثمن الأول، ونصف ما صار إليه من النصف الذي سلمه لصاحبه، فإن باع ولم يبيّن كان للمشتري أن يرد الجميع، إلا أن تكون قيمة نصف ما اشترى مثل نصف قيمة العين الذي باع به، فلا يكون له أن يرد، وإن فات مضى نصفه بالثمن، وضرب له الربح في النصف الآخر على قيمة ما نقد، إلا أن يكون الذي باع به أقل. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 243. (¬2) في (ق 4): (لينفذ).

وقال ابن حبيب: إذا تقاوياه بينهما فصار لأحدهما فلا بأس أن يبيع على تلك المقاواة (¬1). يريد النصف على الثمن الأول، والنصف على ما دفع فيه إلى شريكه، فإن كان ذلك أكثر مما كان اشتراه به رغبة في دفع الشركة لسوء عشرة صاحبه- لم يبع حتى يبين وإن كان؛ لأنها كانت صالحة، أو لأن السوق حال بغلاء لم يكن له أن يبين. وقال أشهب في كتاب محمد في ثلاثة شركاء في سلعة تقاووها فوقعت (¬2) على اثنين بهم وأخرجا الثالث، ثم ذهب الثالث فاستوضع البائع دينارًا، فقام عليه صاحباه ليردا عليه السلعة؛ فذلك لهما إلَّا أن يخرج لهما من الدينار، فيقسموه أثلاثًا (¬3). فأجرى الجواب على مسألة المرابحة لما كانا عالمين بالشراء، وعلى هذا يكون من اشترى سلعة مساومة، وقد كان حضر بيعها أولًا، و (¬4) كان عالمًا بالثمن، ثم استوضع المشتري الأول البائع الأول (¬5) منه- يكون للمشتري الآخر في ذلك مقال كالمرابحة. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 461. (¬2) في (ف): (فوقفت). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 345. (¬4) في (ق 4): (أو). (¬5) قوله: (الأول) ساقط من (ق 4).

باب في من باع سلعة مرابحة، ثم استقاله منها بمثل الثمن أو أكثر أو أقل

باب في من باع سلعة مرابحة، ثم استقاله منها بمثل الثمن أو أكثر أو أقل (¬1) وقال ابن القاسم في من اشترى سلعة، ثم باعها من رجل مرابحة، ثم استقاله منها بمثل الثمن: لم يبع إلا على الثمن الأول، وإن استقال (¬2) بأكثر أو أقل جاز أن يبيع على الثاني (¬3). وقال ابن حبيب: لا يبيع إلا على الأول استقال منها أو اشتراها بأكثر أو بأقل. والأول أحسن، وله أن يبيع على الثاني إلا أن يعلم من قوم أنهم يظهرون بيعة (¬4) حادثة ليتوسلوا إلى البيع بأكثر من الأول- فيمنع إذا عادت إليه بأكثر، وإنما منع ذلك وإن عادت إليه بأقل على أنه بقي معه ربح على الأول، مثل أن يشتري بعشرة ثم يبيعها باثني عشر ثم يستردها (¬5) منه بأحد عشر. فصل [في من ابتاع نصف سلعة، ثم ورث النصف الآخر ثم باعها مرابحة] ومن اشترى نصف سلعة بخمسة، وورث نصفها، ثم باعها مرابحة على أن الثمن عشرة- كان للمشتري أن يرد جميعها: يرد ما ورث؛ لأنه لم يشتره، ¬

_ (¬1) قوله: (أو أكثر أو أقل) ساقط من (ف). (¬2) في (ف): (استقاله). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 247. (¬4) في (ق 4): (معه). (¬5) في (ق 4): (يشتريها).

وما اشتراه لعيب الشركة (¬1)، فإن فاتت مضى نصفها بالثمن، ونصفها بالأقل من الثمن أو القيمة، وهذا إذا تقدم الشراء أو تأخر عن الميراث ولم يزد في الثمن لأجل استكمال الملك فيها، فإن زاد لأجل ذلك كان جميعها بالأقل. وإن باع نصفًا مرابحة ولم يبين- عاد الجواب إلى ما تقدم؛ لأن البيع يكون شائعًا (¬2) في المشترى والميراث. واختلف إذا اشترى ثوبين أو أسلم فيهما، ثم أحب أن يبيع أحدهما مرابحة، فمنعه ابن القاسم في الشراء، وأجازه في السلم (¬3)، ومنعه سحنون فيهما جميعًا، وأجازه ابن نافع فيهما، وهو أحسن؛ لأن الشراء كان على معرفته وعلمه، وكذلك التقويم، فلا يمنع خوف الحيف في القيمة؛ لأن الثمن موكول إلى أمانته، ولأنا لا نعلم الثمن في الأصل إلا منه. وإن أخذ أحد الثوبين المسلم فيهما على هضيمة فلم يبين كانت مسألة كذب على قول ابن سحنون، وإن كان من المسلم تطول في أحدهما قسم (¬4) ذلك على الثوبين جميعًا، وإن باع على الشركة نصفًا وثلثًا جاز، وإن كان شيء يكال أو يوزن كان له أن يبيع بعد القسمة ذلك الجزء ولا يبين، قال محمد: ويبيع ما بقي مرابحة، ولا يبين أنه باع منه شيئًا. يريد ما لم يكن شراء الجملة أغلى فيبين. ¬

_ (¬1) في (ف): (الشرك). (¬2) في (ق 4): (سائغًا). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 47. (¬4) في (ق 4): (فسخ).

باب في شريكين في عبد اشترياه بأثمان مختلفة، ثم يبيعانه مرابحة

باب في شريكين في عبد اشترياه بأثمان مختلفة، ثم يبيعانه مرابحة وقال ابن القاسم في عبد بين رجلين اشترى أحدهما نصفه بمائة، والآخر بمائتين، ثم باعاه مرابحة للعشرة أحد عشر، أو بربح مائة: أنهما (¬1) يقتسمان الربح على قدر رؤوس أموالهما، وإن باعاه مساومة اقتسما ما باعاه به نصفين (¬2). وقال أشهب في الدمياطية: إن باعاه مرابحة، كان الربح بينهما شطرين، قيل له: فإن باعاه (¬3) بربح للعشرة أحد عشر، قال: هو (¬4) بينهما أيضًا. فقسم ابن القاسم الربح على رؤوس الأموال، وإن كان المشتري إنما دخل على أن كل نصف بمائة وخمسين، والربح على مثل ذلك، وعلى هذا عهدته عليهما في العيب والاستحقاق، وذهب أشهب إلى أن الربح على مثل عهدته عليهما، والأول أحسن إذا كان المشتري عالمًا أن شراءهما كان على ثمن مختلف، وإن لم يعلم بما بين النصيبين من التغابن. وأرى إن كان شراؤهما في زمن واحد، وكان السوق على ما اشترى به صاحب المائتين أن يبيعا ولا يبينا، وإن كان السوق على ما اشترى به صاحب المائة لم يبيعا حتى يبينا، وإن كان ذلك لاختلاف السوق، فكان أولهما اشترى بمائة، فلم يطل حتى حال السوق، فاشترى الثاني بمائتين- جاز وأن لم يبينا، ¬

_ (¬1) قوله: (أنهما) ساقط من (ف). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 246. (¬3) في (ق 4): (باعه). (¬4) قوله: (هو) ساقط من (ق 4).

وإن كان الأول اشترى بمائتين بَيَّنا؛ لأنه اختلاف بنقص. وإن باعا بوضيعة وكان البيع مساومة اقتسما الثمن نصفين، وإن سميا الثمن، وأنه ثلاثمائة ووضعا مائة- كان الثمن (¬1) مفضوضًا على قدر رؤوس أموالهم، قال سحنون: وقد اختلف فيها قول الشعبي (¬2)؛ يريد أنه جعل الثمن بينهما نصفين حسبما دخل عليه المشتري أن كل (¬3) نصف بمائة، وهذا إذا لم يعلم باختلاف الثمن. ¬

_ (¬1) قوله: (وأنه ثلاثمائة ووضعا مائة- كان الثمن) ساقط من (ف). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 246. (¬3) قوله: (أن كل) يقابله في (ف): (إن كان).

باب في من اشترى سلعة، فباعها مرابحة، أو ولاها أو أشرك فيها، ثم وضع عنه البائع الأول

باب في من اشترى سلعة، فباعها مرابحة، أو ولاها أو أشرك فيها، ثم وضع عنه البائع الأول وضيعة البائع الأول على وجهين: فإن وضع جميع الثمن أو نصفه أو ما يعلم أنه لم يرد به مسامحة في أصل العقد- لم يكن عليه فيه مقال، وكذلك إن قلّت الوضيعة، وعلم أن ذلك مكارمة لصداقة أو غيرها، ولا يراعى في جميع ذلك: هل كان الثاني بيعًا أو تولية أو شركة؟ وإن كانت الوضيعة لأجل البيع افترق الجواب، فقال مالك: إذا كان الثاني بيعًا، فحط الأول مثل ما حط عنه- لزم المشتري، وإن أبى كان الثاني بالخيار بين أن يمسك أو يرد، وكذلك إذا ولي، وإن أشرك حط عن المشرك نصف ذلك على ما أحب أو كره (¬1). وقد اختلف إذا باع، فقال ابن القاسم مرة: إن حط عن الثاني مثل ما حط عن الأول لزم المشتري، وإن لم يحط قدر الربح مثل قول مالك (¬2). وقال أيضًا: يحط بقدره من الربح وإلا رد عليه، وقال عبد الملك: يحط ذلك عن الثاني وإن كره المشتري الأول. والقول الأول أصوب: أن لا يحط الربح؛ لأنه إذا كان الربح دينارًا والثمن عشرة كان أبين إذا كان الثمن تسعة، وصارت إلى أصلح من الأول: أن لا يحط من الربح، والشأن إذا صلح الثمن زيد في الربح، وإن فاتت ولم يرض المشتري أن يحط ما حط عنه جرت على مسألة الكذب. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 247. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 247.

واختلف في الشركة، فقال مطرف وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: إن وضع الذي ولي الصفقة كان بين جميعهم، وما وضع لأحد ممن أشرك كان له وحده، إلا أن تكون من الأشياء التي تباع في الأسواق، ويلزم الشرك فيها فذلك بينهم، وسواء وضع عن متولي الصفقة أو عمن أشرك؛ لأنهم كأنهم ولوا الصفقة جميعًا، إلا ما كان يراد به الصلة فرخصه (¬1) ليس على وجه الاستغلاء- فيكون لمن وضع له من كان منهم: المشرك، أو المشترك. وقال مالك في العتبية: وإن ولوا الصفقة جميعًا فما وضع لأحدهم فهو له وحده (¬2)، وقال ابن القاسم: إن اشتروها شركة في عقد، فما وضع لأحدهم فهو بينهم (¬3). يريد شركة عقد أي عقدوا على أن (¬4) يتجروا فيها، والوضيعة ضرب من الربح؛ لأنها إذا صلحت كان الربح أكثر، وأما إن حضر بيع سلعة أو طعام فاشتروا ليقتسموه، أو ليتصرف كل واحد والبيع في نصيبه دون شريكه- فما وضع لأحدهم فهو له وحده؛ لأنه لو ظهر على عيب كان لمن أراد الرد أن يرد الرد كالعقدين. ¬

_ (¬1) في (ق 4): (أو حصة). (¬2) انظر: البيان والتحصيل. 12/ 17. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 12/ 31. (¬4) قوله: (على أن) ساقط من (ف).

باب في تفسير أحكام ما تقدم ذكره من بيع الكذب والغش والعيب

باب في تفسير أحكام ما تقدم ذكره من بيع الكذب والغش والعيب ومن اشترى سلعة بعشرة فقال: اشتريتها باثني عشر، فإن كانت قائمة كان المشتري بالخيار: بين أن يتمسك ولا شيء له، أو يرد، إلا أن يحط البائع الكذب وربحه، فإن فاتت خيّر البائع بين أن يحط الكذب وربحه، أو يعطى قيمة سلعته يوم قبضتْ، ما لم يجاوز ما باع به، أو ينقص من العشرة وربحها، وهذا قول مالك (¬1). وقد اختلف في قيام السلعة وفوتها، فقال عبد الملك في المبسوط: للمشتري أن يرد إذا كانت قائمة وإن حط الكذب وربحه؛ لأنه عامله على الخديعة واستحلال الحرام، وهذا صواب، ومحمل قول مالك على أن المشتري قام بالكذب، فإذا حط عنه سقط مقاله. فأما إن قال: أنا أرد لإمكان أن يكون استغرقت ذمته من ذلك كان ذلك له؛ ولأن أدنى منازله أن الناس يكرهون مبايعة مثله، فإن لم ينقد الثمن، أو نقده وعرف بعينه، أو كان الثمن عرضًا ولم يفت- كان له أن يرد، كما قال عبد الملك. وإن استهلكه مضى بالثمن الصحيح؛ لأنه إن رد السلعة أخذ ثمنه من ذمة فاسدة، إلا أن يكون حديث عهد بالجلوس للبيع وبإفادة ذلك المال، فلا رد له إن حط الكذب وربحه، وإن كان حديث عهد بالجلوس للبيع وقديم الكسب ¬

_ (¬1) انظر: المنتقى: 6/ 419.

لذلك المال كان له أن يرد؛ لأنه دليل على أنه غير متوق في كسبه. وقد اختلف عن مالك فيما يفيتها؟ ومتى تكون القيمة؟ وهل يحط الكذب وربحه وإن كره البائع؟ فروى ابن القاسم عن مالك أنه قال: تفيتها حوالة الأسواق، والقيمة يوم القبض، وروى عنه علي بن زياد أنه قال: يفيتها النماء والنقص، والقيمة يوم البيع. وأرى أن تفيتها حوالة الأسواق كالاختلاف في الثمن تفيته حوالة الأسواق؛ لأنه ليس بعيب في السلعة، وإنما مقاله في كثرة الثمن وقلته، إلا أن يقول: لأجل فساد ذمة البائع، ولم يكن دفع الثمن- فلا تفيت حوالة الأسواق ولا العيوب، ويكون له هو أن يرده وما نقصه العيب. وأما الاختلاف في وقت القيمة، فهو راجع إلى الاختلاف في المحبوسة بالثمن، فعلى القول إنها على البائع، تكون القيمة يوم القبض، وعلى القول إنها من المشتري؛ تكون القيمة يوم البيع؛ لأنه بيع صحيح تعلق به حق لآدمي، والفاسد ما تعلق به حق لله سبحانه. وقال في أول الكتاب: يحط الكذب وربحه في الفوت، ولم يجعل للبائع في ذلك خيارًا. وكذلك في كتاب محمد، وإليه يرجع قوله، وجوابه في من اشترى شيئًا فنقد غيره والقول الأول أحسن، قال مالك: وليس ظلمه وزيادته بالذي يحمل عليه، فيؤخذ بما لم يبع به (¬1)، وهذا صحيح؛ لأنه يمكن لو لم يزد في الثمن لباع بأكثر من ذلك الربح. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 248.

فصل [في من باع سلعة مرابحة فزاد في ثمنها]

فصل [في من باع سلعة مرابحة فزاد في ثمنها] وأما الغش والخديعة: بأن يشتري بعشرة، ويرقم عليها اثني عشر ويبيع على العشرة، فيوهمه أنها ذات ثمن، وأنه غلط على نفسه، فهي خديعة، والمشتري بالخيار بين أن يمسك ولا شيء له، أو يرد ويرجع بالثمن، وليس للبائع أن يلزمه إياها بشيء. وإن فاتت مضت بالأقل من الثمن الذي بيعت به أو القيمة، ولا يضرب على القيمة ربح (¬1). وقال ابن عبدوس في هذا الأصل: تفيتها حوالة الأسواق (¬2). وعلى رواية علي بن زياد لا تفيتها إلا العيوب؛ لأنها في هذا أقوى من الكذب، وإن أحب الرد ردها وما نقصها العيب من القيمة إن كانت القيمة أقل، إلا أن يكون الثمن أقل. وأرى (¬3) إذا حط البائع عن المشتري الدينارين اللذين خدعه بهما- أن يلزم المشتري في (¬4) القيام والفوت؛ لأن مقاله من أجلهما، وإن كان ورثها ثم قال: اشتريتها بعشرة، وباع على الكذب (¬5) كانت مسألة غش. فصل [في من ابتاع سلعة ثم ظهر منها عيب] وأما العيب يجده المشتري في السلعة وهي قائمة، فهو بالخيار بين أن ¬

_ (¬1) قوله: (ربح) ساقط من (ف). (¬2) انظر النوادر والزيادات: 6/ 354. (¬3) في (ف): (وأراه). (¬4) قوله: (في) ساقط من (ف). (¬5) في (ف): (ذلك).

يمسك ولا شيء له، أو يرد، وليس للبائع أن يحط عنه قيمة العيب ويلزمه إياها؛ لأن كثيرًا من الناس لا يرضى المعيب وإن حط لأجله، بخلاف الكذب في البيع؛ لأن مقاله لأجل كثيرة الثمن، فإذا سقط (¬1) لم يكن له مقال. فإن علم بالعيب بعد أن فاتت بنماء أو نقص كان له أن يمسك ويحط عنه قيمة العيب من الثمن وربحه، وهذا قول مالك (¬2). والقياس أن يكون للبائع والمشتري في ذلك مقال. وإن كان في البيع غش على المشتري اشترى بعشرة ما قيمته ثمانية، والعيب ينقصها الخمس، فأسقط البائع خمس الثمن، وكان الباقي على المشتري ثمانية- قال: المشتري إنما أغرم قيمتها معيبة؛ لأنك لو أسقطت عني هذا الخمس مع القياس لم يلزمني، وكذلك إن فاتت وحططت الدينارين، فأنا أرد قيمتها بدلًا منها. وإن كان الغبن على البائع لصلاح كان في البيع قال البائع: أنا لا أجيز على أن أحط العيب، كما لم يكن ذلك للمشتري علي في القيام، وقد قال مالك في مسألة الكذب: لا يجبر البائع على أن يحطه في الفوت، قال: وليس ظلمه أن يحمل عليه أن يؤخذ بغير ما لم يبع به (¬3). فإن قيل: إن العيب بخلاف الكذب؛ لأنَّ العيب كجزء ذهب، فكان بمنزلة من اشترى سلعتين فوجد واحدة، قيل: هذا غير صحيح لوجهين: أحدهما: أنه لو كان ذلك لوجب أن يجبر على رد ما قابل العيب مع القيام. ¬

_ (¬1) في (ف): (أسقط). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 358. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 248.

فصل [في من ابتاع سلعة واطلع على كذب البائع، وظهر منها عيب والسلعة قائمة]

والثاني: أنا نعلم ضرورة أنه ليس كالجزء، ولو كان كذلك لم يرجع في فوت السلعة بشيء؛ لأنا نجد الثوب يكون طوله ثلاثين ذراعًا، وعيبه قدر درهم، فلو نظر قدره من أجزاء الثوب لم يكن له شيء يتحسس إليه. فصل [في من ابتاع سلعة واطَّلَع على كذب البَائِع، وظهر منها عيب والسلعة قائمة] وإذا اجتمع الكذب والغش (¬1) والعيب، فاشترى بعشرة، وقال: الثمن اثنا عشر وربحه دينار، ثم وجد عيبًا، فإن علم بالعيب والسلعة قائمة كان له أن يرد، ولم يلزمه وإن حط البائع الكذب، فإن فاتت بنماء أو نقصان كان ذلك فوتًا في بيع الكذب والعيب. فعلى القول إن الكذب يحط حكمًا كالعيب يبتدأ بإسقاط الكذب وربحه، ثم يحط العيب من الثمن الصحيح، وهي العشرة وربحها. وعلى القول إن الكذب لا يسقط إلا برضا البائع يبدأ بإسقاط العيب من جميع الثمن صحيحه وسقيمه، فإن قيل: قيمته صحيحًا عشرة؛ لأن الثمن لم يكن فيه تغابن، ومعيبًا ثمانية- كان له ثمانية وأربعة أخماس دينار؛ لأنها الثمن الصحيح بعد طرح الكذب والعيب، وإن كانت القيمة أكثر كان له ما لم يجاوز أربعة أخماس الثمن بكذبه وربحه؛ لأن هذا هو الحكم في العيب. وإن فاتت بحوالة الأسواق كانت كالقائمة على رواية علي بن زياد، وعلى رواية ابن القاسم فاتت في الكذب، ولم تفت في العيب، فله أن يرد بالعيب وله أن ¬

_ (¬1) قوله: (والغش) زيادة من (ف).

فصل [إذا اجتمع الكذب والغش، فعلم بذلك المشتري قبل فوت السلعة]

يمسك، ثم يخير البائع بين أن يحط الكذب وربحه أو يعطى قيمة سلعته ما لم تكن القيمة أقل من العشرة وربحها؛ لأنه الثمن الصحيح، أو أكثر مما تباع (¬1) به. ثم يختلف في الصفة التي تقوم عليها، فقيل: تقوم سالمة؛ لأن المشتري رضي بالعيب، وقد كان له أن يرد به من غير غرم عليه، وهو قول محمد، وقال ابن سحنون وابن عبدوس: تقوّم معيبة، وهو أحسن، ولا يلزم المشتري أن يرد إلا قيمة ما أخذ؛ لأنَّ القيمة بدل من العين التي قبض، والعين التي كان يرد معيبة، وكذلك قيمتها، وليس يلزمه أن يقبض معيبًا، ويغرم سالمًا. فصل [إذا اجتمع الكذب والغش، فعلم بذلك المشتري قبل فوت السلعة] وإن اجتمع الكذب والغش كأن اشترى بعشرة وقال: اشتريت باثني عشر، وطال زمانها في يديه، وبارت عليه، أو رقم عليها خمسة عشر، فإن كانت قائمة كان للمشتري أن يرد، وإن طرح عنه ما ينوب الكذب رد من جهة الغش، فإن فاتت بنماء أو نقص كان قيامه من ناحية الغش خيرًا له، فإن كانت قيمتها يوم قبضها ثمانية أو تسعة أو فوق ذلك، ولم تبلغ العشرة وربحها- لم يكن عليه غير القيمة، وإن كانت قيمتها فوق ذلك اتفق الجواب على الكذب والغش، فيغرم قيمتها بغير ربح ما لم يجاوز الكذب وربحه، وعلى القول إن الكذب يحط حكمًا كالعيب يبتدآنه (¬2) فيحط، ثم ينظر إلى قيمتها فيغرمها ما لم تجاوز (¬3) الباقي. ¬

_ (¬1) في (ف): (باع). (¬2) في (ف): (يبتدأ به). (¬3) قوله: (فيغرمها ما لم تجاوز) يقابله في (ف): (فيغرمه ما لم يجاوز).

وإن اجتمع العيب والغش فعلم بذلك المشتري قبل فوت السلعة كان له أن يرد، ولا يراعى وإن حط (¬1) البائع، وإن فاتت بنماء أو نقصان كان للمشتري أن يمسك، ثم يبتدئ بالعيب فيحط قدره من الثمن، فإن قيل: قيمتها سالمة عشرة، ومعيبة ثمانية لم يكن على المشتري سوى ثمانية؛ لأنَّ العيب نقصها الخمسَ، وأربعة أخماس التمام ثمانية دنانير وأربعة أخماس الدينار (¬2)، والثمانية هي التي تلزم من جهة الغش خاصة؛ لأنها لا يضرب لها بربح، وكذلك إن كانت قيمتها سالمة ثمانية ومعيبة سبعة، فليس عليه سوى سبعة؛ لأنَّ الباقي للبائع بعد العيب سبعة أثمان المسمى تسعة (¬3) إلا ربع، ولها ربح دينار إلا ثمن، فجميع ذلك تسعة ونصف وثمن هذا الذي يثبت من ناحية العيب، ثم يرجع إلى حكم الغش، فليس له إلا قيمتها معيبة، وقد كانت سبعة دنانير، فهي التي تستحق بعد طرح العيب، فيصير المشتري بمنزلة لو لم يشترها إلا معيبة بتسعة ونصف وثمن، ثم علم بما خدعه، فيعطى القيمة ما لم يجاوز الباقي. وإن كانت قيمتها سالمة اثني عشر ومعيبة عشرةً، سقط حكم الغش؛ لأن الذي نقصها العيب السدس، وهو دينار ان إلا سدس من المسمَّى، والباقي تسعة دنانير وسدس، فكان قيامه بالعيب خيرًا له. وإن تغيرت سوقها كان فوتًا من جهة الغش خاصة على قول ابن عبدوس، ولم تفت في العيب، فله أن يرد بالعيب، وله أن يمسك ويدفع القيمة ¬

_ (¬1) قوله: (وإن حط) يقابله في (ف): (ويحط). (¬2) قوله: (وأربعة أخماس التمام ثمانية دنانير وأربعة أخماس الدينار) يقابله في (ف): (فأربعة أخماس الثمن دينار). (¬3) في (ف): (سبعة).

فصل [إذا اجتمع الكذب والعيب والغش، فعلم بذلك المشتري بعد أن فاتت السلعة بنماء أو نقص]

من ناحية الغش. ثم يختلف في الصفة التي يقَوَّم عليها، فعلى قول ابن المواز تقوَّم على أن لا عيب فيها؛ لأنها لم تفت من ناحية العيب، وعلى القول الآخر تقوم معيبة، وقد تقدم وجه ذلك. فصل [إذا اجتمع الكذب والعيب والغش، فعلم بذلك المشتري بعد أن فاتت السلعة بنماء أو نقص] وإن اجتمع كذب وعيب وغش اشترى بعشرة، وقال: اشتريت باثني عشر وربح دينارًا، ورقم عليها خمسة عشر، ووجد بها عيبًا بعد أن فاتت بنماء أو نقص، فعلى القول: إن الكذب يسقط حكمًا كالعيب يبتدأ بإسقاط الكذب وربحه، وهو ديناران وسدس (¬1)، فيكون الباقي أحد عشر إلا سدس، ثم يرجع إلى العيب فتقوم السلعة صحيحة، فإن قيل (¬2): عشرة ثم تقوم معيبة، فإن قيل: ثمانية، كان الذي نقصها العيب الخمس، وهو دينار (¬3) وسدس، فالباقي بعد طرح العيب وربحه ثمانية دنانير وثلثا دينار، هذا الذي يستحقه بعد طرح الكذب والعيب، ثم يقول المشتري: بقي مقالي عما خدعني به من رقمه عليها، أو كتمانه طول مكثها وبوارها، فأنا أعطيه القيمة بغير ربح ما لم تجاوز الباقي، فالقيمة ثمانية دنانير، ولا شيء له غيرها. فإن كانت قيمتها سالمة ثمانية ومعيبة سبعة أو ستة لتغابن كان في البيع- لم يكن ¬

_ (¬1) في (ف): (إلا سدس). (¬2) في (ف): (قال). (¬3) في (ف): (دينار ان).

فصل [في الرجل يشتري السلعة من عبده ثم يريد أن يبيعها مرابحة]

للبائع إلا تلك القيمة، فمتى كانت القيمة والثمن متساويين، أو القيمة أقل- لم يكن على المشتري سوى القيمة، وإن كانت القيمة كثير من الثمن، ومِنَ الذي ينوبه من الربح بعد طرح العيب سقط حكم الغش وبقي حكم العيب. فصل [في الرجل يشتري السلعة من عبده ثم يريد أن يبيعها مرابحة] وقال ابن القاسم في من اشترى طعامًا أو شيئًا مما يكال أو يوزن مرابحة فأتلفه، ثم علم أن البائع كذب في ثمنه كان له أن يغرم مثله، إلا أن يحط البائع الكذب وربحه (¬1). وقال مالك في من باع جارية مرابحة، وقال: اشتريتها بمائة، ثم ثبت أنه اشتراها بمائة وعشرين، فإن كانت قائمة كان المشتري بالخيار بين أن يمسك على ما ثبت أو تبيّن من الثمن وربحه أو يرد، وإن فاتت بنماء أو نقصان كان على المشتري أن يغرم قيمتها ما لم تكن القيمة أقل مما تبايعاها به فلا يحط منه، أو أكثر من مائة وعشرين وربحها فلا يزاد عليه (¬2). وأرى إذا فاتت بزيادة، وكانت قيمتها يوم قبضها أكثر مما اشتراها به، ولا تتجاوز مائة وعشرين وربحها- أن يكون المشتري بالخيار بين أن يغرم قيمتها أو يردها؛ لأنها أفضل مما كانت، فلا مضرة على البائع، وإن نقصت من غير سبب المشتري، فله أن يردها ناقصة، إلا أن يمضيها له البائع بما باعها به. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 249. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 249.

ويختلف إذا كان نقصها من سببه خطأ، هل يضمنها، أو يردها ناقصة ولا شيء عليه؟ وكذلك إن كان المبيع ثوبًا فنقص عنده، ثم طلب البائع فضل الثمن، فإن كان النقص نابه بسببه- لزمته قيمته، ما لم تكن القيمة أقل مما باع به، أو أكثر من مائة وعشرين وربحها، فإن كان النقص بأمر من الله تعالى- لم يضمن قيمته، وله أن يرده بنقصه، إلا أن يبيع له البائع بما باع به. ويختلف إذا كان النقص لأنه قطعه ولم يلبسه؛ لأن الغلط من البائع، وهو الذي سلطه على قطعه، بمنزلة من باع ثوبًا فأعطى (¬1) المشتري غيره فقطعه المشتري، فقد اختلف: هل يغرم المشتري ما نقص القطع؟ فقال مالك في كتاب محمد في من قال في شاة: اشتريتها بسبعة دراهم وباعها، ثم قال: ما كنت إلا مازحًا وما قامت عليَّ إلا بعشرة دراهم. قال: ينظر فيها ساعتئذٍ، فإن كان مثلها لا يباع بسبعة، حلف ما كان إلا لاعبًا، ولم يرد بيعًا، وإن كان يباع بذلك مثلها، لزمه البيع، قال: وربما كسدت السلع، فيرضى صاحبها ببيعها بنقصان (¬2). وقال ابن القاسم في من اشترى من عبده أو مكاتبه سلعة: لا بأس أن يبيعها مرابحة، ولا يبيّن إذا باعها مبايعة صحيحة، وهذا صحيح فيما بينه وبين الله تعالى، وأما فيما بينه وبين المشتري، فإن كان ذلك مما يكره الناس فعليه أن يبين (¬3). ¬

_ (¬1) في (ف): (فأعطاه). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 347. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 250.

وقال في كتاب محمد في من اشترى له نصراني سلعة: فلا يبيعها مرابحة حتى يبين أن النصراني اشتراها، وغاب على أمرها، وقال أصبغ: فإن لم يبين كان عيبًا، وللمشتري أن يرد، فإن فاتت مضت بالقيمة يوم اشتراها (¬1). يريد: إذا كانت القيمة أقل، وكذلك على قوله إذا تولى شراءها مسلم غير مأمون. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 359.

باب في من اشترى دابة فسافر عليها، أو ثوبا فلبسه، أو جارية فأصابها أو زوجها، ثم باع مرابحة

باب في من اشترى دابة فسافر عليها، أو ثوبًا فلبسه، أو جارية فأصابها أو زَوَّجَهَا، ثم باع مرابحة وقال مالك في من اشترى دابة فسافر عليها أو ثوبًا فلبسه: لم يبع مرابحة حتى يبين (¬1). يربد: لأن السفر واللباس ينقص، ولو ركبها في غير سفر الشيء الخفيف لم يبين، وكذلك اللباس إن كان نقص الشيء اليسير لم يبين أيضًا، وإن كان أكثر من ذلك وما يرى أن المشتري يكرهه إذا علم به فليبين، فإن كانت جارية فأصابها لم يبين إن كانت ثيبًا، وإن كانت بكرًا من العلي بّين؛ لأنه ينقص من ثمنها، وأما الوخش فيسأل عنها التجار، فإن كان لا ينقص ولا ثمن لعذرتها عندهم- لم يبين، وإن كان ينقصها بيّن. وإن زوّجها لم يبع مرابحة إلا أن يبين أن لها زوجًا، وأنها زوجت بعد الشراء، فإن كتمه الزوج كانت مسألة عيب، وإن بينه ولم يبين أنه زوجها بعد الشراء- كانت مسألة كذب، فتفيتها في الوجه الأول العيوب (¬2)، ويكون بالخيار بين أن يمسك ويرجع بعيب التزويج، أو يرد ويرد ما نقص العيب عنده. وإن بين الزوج ولم يبين أنها زوجت بعد الشراء كانت مسألة كذب، ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 251. (¬2) قوله: (فتفيتها في الوجه الأول العيوب) يقابله في (ف): (فيفيتها في الوجه الأول ما يفيت العيوب).

فيختلف هل تفيتها حوالة الأسواق؟ وتستوي بعد الفوت في العيب والكذب في الصفة التي تقوم عليها، فينظر كم قيمتها على أن لا زوج لها، وعلى أنها ذات زوج، فإن كانت الأولى عشرة والثانية ثمانية- كان الذي ينوب العيب أو الكذب الخمُس، فإن كتم الزوج حط الخمس حكمًا؛ لأنه عيب، وإن بينه وكتم حدوثه عنده خيّر البائع بين أن يحط ذلك، وإلا أعطى القيمة، وهي الثمانية، وهذا إذا كان الثمن في الأصل أقل من عشرة، وإن كان عشرة فأكثر- كان حط الخمس وربحه للبائع أفضل؛ لأن الثمانية- التي هي القيمة- لا يضرب لها ربح، وإن كان الثمن عشرة كان لها ربح. وإن لم يتغير سوق الجارية من يوم بيعت أولًا إلى البيع الثاني- لم يكن في المسألة سوى ذلك، وكذلك إن تغير بزيادة، ولم يطل مكثها، وإن تغير بنقص ولم يطل مكثها- كان ذلك النقص في معنى الكذب عند ابن سحنون (¬1). فإن كتم الزوج كان قد اجتمع في المسألة عيب وكذب، وإن بيَّنه ولم يبين أنه الزوج كان الكذب من وجهين: من الزوج، ومن نقص السوق، فتقوّم يوم الشراء الأول كم قيمتها على أن لا زوج لها؟ وعلى أنها (¬2) ذات زوج على نقص ما صار إليه السوق، فالذي بينهما يحط حكمًا على أحد القولين، وعلى القول الأخير يخير بين أن يحط ذلك، أو يعطى القيمة حسبما تقدم، وإنما قومت أول ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 186. (¬2) قوله: (أنها) ساقط من (ف).

قيمتين؛ لأنه إذا لم يتغير السوق كانت قيمتها يوم الشراء الأول تغني عن القيمة يوم البيع أخيرًا. وإن طال مكثها وكتم الزوج كان عيبًا وغشًا، وإن بينه كان كذبًا وغشًا، وإن اجتمع الطول ونقص السوق وكتمان الزوج كان غشًا وكذبًا وعيبًا. تم كتاب المرابحة بعون الله وتأييده وإحسانه

كتاب الوكالات

كتاب الوكالات النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ق 4) = نسخة القرويين رقم (368)

باب في الوكالة وما يلزم منها

كتاب الوكالات (¬1) باب في الوكالة وما يلزم منها الوكالةُ جائزةٌ في الحقوق التي تصحّ النيابةُ فيها: البيع، والشراء، والإجارة، والجعالة، واقتضاء الديون وقضائها، وعقد النكاح، والطلاق، وإقامة الحدود، وبعض القُرَب. والأصلُ في الوكالة في الأموال وما يتعلق بها من بيع وشراء وغيرهما قولُه تعالى في ولي الأيتام: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6]. وقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} [البقرة: 220]. وقوله في آية الصدقات: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: 60]. والعامل وكيلٌ للمساكين، وفي النكاح قوله تعالى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة: 221]. وقوله: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ}. وقوله في الطلاق: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا. . .} [النساء: 35]. وفي الحدود قولهُ - صلى الله عليه وسلم -: "وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَأرْجُمْهَا" (¬2). ¬

_ (¬1) قوله: (كتاب الوكالات) يقابله في (ف): (كتاب الوكالة). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 6/ 2502، في باب الاعتراف بالزنا، من كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة، وقول الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ}، برقم (6440)، ومسلم: 3/ 1325، في باب من اعترف على نفسه بالزنى، من كتاب الحدود برقم (1697، 1698).

فصل [الوكالة على وجهين بعوض وبغير عوض]

وفي القُرَبِ وكالتُه - صلى الله عليه وسلم - لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - على نحر بعض البُدْن وأن يتصدق بجِلالها وجلودها (¬1). وفي قضاء الديون وكالتُه على أن يقضي عنه بكرًا كان عليه (¬2). فصل [الوكالة على وجهين بعوض وبغير عوض] الوكالة على ضربين: بعوضٍ، وبغير عوضٍ. فإن كانت بعوض وكانت على وجه الإجارة لزمت الفريقين بنفس العقد، واختُلف إذا كانت على وجه الجِعَالَة على ثلاثة أقوال: فقيل: هي لازمة لهما كالإجارة. وقيل: تلزم الجاعل بنفس العقد، والمجعولُ له بالخيار قبل العمل وبعده. وقيل: كل واحد منهما بالخيار قبل العمل، فإن شَرَعَ في العمل سقط خيارُ الجاعل وبَقِيَ الآخرُ بالخيار، وإن كانت الوكالة بغير عوض كانت غيرَ واجبةٍ على الموكل، وله أن يعزله قبل العمل وبعده. واختُلف في الوكيل، فقيل: هو بالخيار بين التمادي أو الترك، وهو قول مالك، وإليه ذهب أبو الحسن علي بن القصار -رحمه الله- وغيرُه من البغداديين. ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 613، في باب لا يعطي الجزار من الهدي شيئًا، من كتاب الحج،، برقم (1629)، ومسلم: 2/ 954، في باب في الصدقة بلحوم الهدي وجلودها وجلالها، من كتاب الحج، برقم (1317). (¬2) هذا إشارة إلى حديث أبي رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "استسلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكرًا فجاءته إبل من الصدقة قال أبو رافع فأمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقضي. . . ." الحديث، وهو حديث صحيح: أخرجه مسلم: 3/ 1224، في باب من استلف شيئًا فقضى خيرا منه، من كتاب المساقاة، برقم (1600)، ومالك: 2/ 680، في باب ما يجوز من السلف، من كتاب البيوع، برقم (1359).

وقيل: يلزمه ذلك ولا خيار له. فروى ابنُ نافع عن مالك في المبسوط أنه قال في رجل أَبْضَعَ رجلًا مالًا ليبتاع له سلعةً بعينها فاشتراها، وقال: لم أشترها لك، قال: يحلف إن اتُّهِمَ، وليس عليه إلا ذلك. وقال عبد الملك في ثمانية أبي زيد: إن أشهد قَبْلَ أن يشتري أَنَّه يشتريها لنفسه كانت له، وإن لم يُشْهِدْ وادَّعى ذلك بعد الشرَّاء لم يُقْبَلْ قولُهُ وكانت للآمر. وقال (¬1) أصبغ في الثمانية: لا يجوز له شراؤها لنفسه حتى يعلم الآمر أنه يشتريها لنفسه، فإن لم يعلمه لم ينفعه الإشهاد. فاتفق مالكٌ وعبدُ الملك أنَّ له أَنْ يَعْزِلَ نفسَه، وأنه إن علم ذلك قَبل الشراء كانت السلعةُ له. واختُلف إذا لم يعلم ذلك إلا من قوله بعدَ الشراء، فقبل قوله مرة، لما كان له أن يعزل نفسَه، وأشكل الأمرُ: هل هي للآمر أو المأمور فاستظهر في ذلك بيمينه، ولم يصدق في القول الآخر على القول باستصحاب الحال؛ لأنه مضى على أنَّه وكيلٌ في شرائها، فحمل على ما مضى عليه حتى يعلم غيره. وقول أصبغ أبين؛ لأن أخذَه للمال ونقله إلى بلد آخر دليلٌ على أنه التَزَم الشراءَ للآمر، ولو لم يقصد الالتزامَ لضمن المالَ إن هلَكَ في مضيه أو رده؛ لأنَّ ربَّ المال لم يرض بنقله إلا ليشتري له به، فإذا كان نقلُه للمال دليلًا على الالتزام، وكان الحكمُ بها هبة الرقاب والمنافع سواء يجبر على تسليم ما وهب- لم يصحَّ عزلُه لنفسِهِ والرجوع فيما وهب، ولو كانت الجاريةُ معهما في البلد لكان الأمر أخف، وقد يكون قولُ الوكيل على جهة الوعد، وإذا أوجب ذلك لم يكن له الرجوعُ. ¬

_ (¬1) في (ف): (وقال قال).

فصل [في عزل الموكل وحيله إذا لم يتعلق بالوكالة حق لغيرهما]

ولا يلزم على هذا النكاح إذا وُكِّلَ رجلٌ على أن يزوج امرأةً فتزوجها فهي زوجة للوكيل، ولا مقالَ للآمر؛ لأن المرأةَ لها غرضٌ فيمن تتزوجه ولا يلزمها أن تكون زوجةً لمن لم ترضَ به، ولو وُكَلَ رجلٌ على تزويج امرأة ففعل وأظهر أنه الزوجُ وأشهد في الباطن أن العقدَ للآمرِ- لم تكن زوجةً للوكيل، وكانت الزوجة بالخيار بين أن ترضى أن تكون زوجة للآمر أو تَفسخ النكاحَ. فصل [في عزل الموكِّل وحيله إذا لم يتعلق بالوكالة حق لغيرهما] وللموكل عَزْلُ وكيلِهِ ما لم يتعلق بالوكالة حقٌ لغيرهما، فمن ذلك الوكالةُ على الخصومة، فللموكَل عزلُهُ قبل أن يخاصم، وإن سخط ذلك (¬1) الموكَلُ عليه، وإن أَنْشَبَ الخصومةَ لم يكن للآمر عزلُه إلا برضَا من قبله مِنْ تلك الخصومة، أو يتبَين من الوكيل تفريطٌ أو قلةُ قيامٍ، أو يكون دليلُ تهمةٍ فيما بينه وبين من وكل عليه، فيكون له أن يعزله ويُسقط قولَ الموكل عليه. وإن كانت الوكالة بأجرة كان ذلك عيبًا، وله أن يفسخ الإجارةَ عن نفسه؛ ولأنَّ تركَه على حاله يؤدي إلى تلف حق الطالب، أو ثباتِ الحق عليه إن كانت الوكالة من المطلوب. واختلف في الرجلين تكون الخصومةُ بينهما، فحكَّما رجلًا، ثم أرادا أو أحدُهما عزلَه عن النظر بينهما- على أربعة أقوال: فمنع ذلك عبد الملك أن يكون ذلك لهما أو لأحدهما، وإن لم ينظر في شيء من أمرهما (¬2). ¬

_ (¬1) قوله: (ذلك) ساقط من (ف). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 83.

وأجازه مطرف لمن أبى منهما، وإن كره الآخر إن لم يكن نظر في شيء من أمرهما، ومنعه بعد ذلك (¬1). وأجازه ابن المواز ما لم يكن يشرف على الحكم، قاله في الزوجين يحكمان رجلًا، فإن أشرف على الحكم لم يكن ذلك لهما. وأجازه سحنون في كتاب ابنه ما لم يقع الحكم (¬2). واتفقت هذه الرواياتُ على المساواة بين رجوعهما أو رجوع أحدهما، وأرى إن رَجَعَ أحدُهُما وخالفه الآخرُ أن يكونَ القولُ قولَ من أبى عن عزله، طالبًا كان أو مطلوبًا، نظر في ذلك أو لم ينظر. ومن حجة من أَبى من عزله إن كان طالبًا أن يقول: قد يكون رأى (¬3) أن الحق لي، فليس لك أن تنقلني إلى من لا يرى ذلك بعد أن تراضينا برأيه وقد تعلق لي بذلك حق. وإن كان الذي أحبَّ التمادي المطلوب قال: قد يكون ردٌّ له أن لا شيء (¬4) قِبَلي فتنقلني إلى غيره، وقد يرى الثاني إلزامي. فكان لكل واحد منهما في ذلك مقال. وكذلك إن نَزَعَ أحدُهما بعد النظر كان من حجة الآخر ما تقدَّم ذكرُه، وأن يقولَ: قد أدليتُ بحجتي، أو أثبتُّ بينتي (¬5)، أو كان من لفظك ما يوجب لي حقًّا أو يدفع دعواك، فدعواك إلى عزله واستئناف النظر إلى غيره يؤدي إلى ضرري في جميع ذلك، وأن أتكلف البينة وإثبات ما جرى. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 84. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 84. (¬3) في (ف): (رأي هذا). (¬4) قوله: (شيء) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (أو أثبتُّ بينتي) يقابله في (ف): (أو أتيت ببينتي).

فصل [فيمن وكل رجلا يجهز إليه المتاع ويبيع ويشتري، فمات بعد أن باع واشترى]

فإن اجتمعا على عزلِهِ والانتقالِ إلى غيره جاز ما لم يكن قد أَشْرَفَ على الحكم فيُمنعان؛ لأن فيه ضربًا من القصد إلى التضارر، كما لو حَكَمَ بينهما فإنه لا خلافَ أنَّه لا يجوز أن يتراضيا على فسخ الحكم والرجوع للمخاصمة. فصل [فيمن وكَّل رجلًا يجهز إليه المتاع ويبيع ويشتري، فمات بعد أن باع واشترى] وقال مالك فيمن وكَّل رجلًا يجهز إليه المتاع ويبيع ويشتري، فباع واشترى بعد موتِ الآمرِ ولم يعلم بموته: فذلك جائزٌ على الورثة، وإن كان قد عَلِمَ بموته لم يجز (¬1). وقد اختلف في الوكيل يموت من وكله على ثلاثة أقوال: فقيل: هو معزول بنفس موتِ موكِّلِهِ وإن لم (¬2) يَعْلم بموته، فإن اشترى أو باع وهو لا يعلم لم يلزم الورثة، وهذا هو الظاهر من المذهب، وقد ذكر (¬3) ابن المنذر أنه إجماع من أهل العلم (¬4). وقيل: هو على الوكالة حتى يَعْلم بموته، وهو ظاهر قول مالك في الكتاب (¬5). وقال مطرف في كتاب ابن حبيب: يجوز قبضُه ودفعُه وخصومتُه، وإن ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 271. (¬2) قوله: (لم) ساقط من (ف). (¬3) في (ف): (ذكره). (¬4) انظر: الإجماع لابن المنذر، ص: 181. (¬5) انظر: المدونة: 3/ 271.

عَلِمَ حتى يعزله الورثة (¬1). وليس بحسن. واختُلف أيضًا في عزله عن البيع والشراء، فقال أشهب في من وكَّل رجلًا على بيعِ عبدٍ، ثم عَزَلَه قبل البيع، فباع الوكيلُ وهو لا يَعْلم قال: البيع جائزٌ ولا سبيل للآمر إلى العبد وإن لم يفت (¬2). وذكر سحنون عن ابن القاسم مثل ذلك. وأنكر قوله في مسألة الاقتضاء، وقال: هو يجيز بيعه إذا لم يعلم بفسخ وكالته فكيف لا يجوز اقتضاؤه؟ وفرَّق مالك بين موت الموكل وعزلِهِ، فجعل الوكالة ساقطةً بنفس الموت، ولا تقطع إن عزله حتى يَعلم الوكيل، وقال في الزوج يموت عن زوجته أو يطلق فتنفق من ماله بعد موته أو طلاقه وهي لا تعلم- فجعل للورثة الرجوعَ عليها بعد الموت، ولم يجعلْ للزوج عليها رجوعًا في الطلاق (¬3). والذي أختارُهُ أن يكون معزولًا بنفس الموت وإن لم يعلم، بخلاف عزلِهِ في الحياة؛ لأن المالَ في الوفاة لغير (¬4) من وَكَّل وهم الورثة، ولم يكن منهم إذنٌ ولا وكالةٌ، وفي الحياة المالُ للموكِّل، فإذا أَذِنَ ثم حجر على الوكيل في وقتٍ يُعْلم أنه لا يَبْلُغُهُ التحجير إلا بعد امتثال الوكيل- كان التحجير مستحيلًا، وهو من تكليف ما لا يُطاق. وكذلك إن حَجَرَ عليه وهو معه في البلد، وحجر وأَشْهَدَ بعزلته ولم يُعْلمه- فهو ضربٌ من التعدي على أموال الناس، يأمره بالبيع وأَخْذِ الثمن ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 224. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 212، 213. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 192، 193. (¬4) في (ف): (لتغير).

منهم فيه ثم يعزله في وقتٍ يُعلم أنه لا تَبْلُغُهُ العزلةُ إلا بعد البيع وأَخْذِ الثمن. وذكر أبو محمد عبد الوهاب عن ابن القاسم أن تَصَرَّفَ الوكيل بعد الموت مردودٌ (¬1). ولم يفرق بين بيع وشراء واقتضاء. فإن كان وكيلًا على البيع، وثبت أن البيع للميت كان حكمُ المبيعِ حكمَ المستحق، فإن كان قائمًا كان الورثةُ بالخيار بين الإجازة والردِّ. وإن تَغَيَّرَ من غير سبب المشتري أو هلك أو ضاع لم يكن لهم سوى الثمن، وإن كان هلاكُه من سببه -لبس فأَبْلَى أو ما أَشْبَهَهُ- كان لهم الأكثرُ من الثمنِ أو القيمةِ. وإن باعه (¬2) المشتري كانوا بالخيار بين إجازة البيع الأول أو الثاني، أو النقض. وإن كان وكيلًا على الشراء فاشترى وكان البائع حاضرًا، وقد بين المشتري أنه وكيل لفلان، أو ثبت ذلك- كان للورثة ردُّ البيع وانتزاعُ الثمن منه. وإن غاب البائعُ وعاد مقالهُم مع الوكيل لم يكن لهم عليه مقالٌ سوى أَخْذِ ما اشترى أو الثمنِ إن باع؛ لأنه تَصَرُّفٌ بوجهِ شُبْهَةٍ، وعلى هذا يحمل قول ابن القاسم في المدونة. وإن كان وكيلًا على قبضِ دينٍ فَقَبَضَهُ وضاع منه كانت مصيبته من الطالب أو من الورثة على القول: إنه معزولٌ بنفس الموت أو بنفس العزلة. وإن كان وكيلًا على خصومةٍ فخاصَمَ بعد موتِ الموكِّل، حتى أثبت الحق أو انحصر وسقط حكم الدعوى- كان على الخلاف المتقدم، فعلى القول: إنه ليس بمعزول- جرى فعلُهُ مجرى ما فعل في الحياة، وعلى القول: إنه معزول- يصح ثبوتُ الحقِّ قبل المدعى عليه، ولا يصح سقوطُهُ، لانحصار الوكيل، ¬

_ (¬1) انظر: المعونة: 2/ 209. (¬2) في (ف): (باع).

فصل [فيمن وكل على قبض دين فقبضه بعد أبي عزل، وقد علم أو لم يعلم]

ولهم أن يستأنفوا الخصومةَ في ذلك. وقال أصبغ: تنفسخ الوكالة بموت الآمر، ولا تجوز خصومتُه إلا أن يموت الآمرُ عندما أشرف من (¬1) تمام الخصومة له أو عليه، وبحيث لو أراد الموكل فسخ خصومته لم يكن ذلك له، وما كان من يمين كان يحلفها الآمر يحلفها الورثة (¬2). وهذا قول محمد أن للموكل أن يعزل الوكيل عن الخصومة ما لم يشرف على الحكم، والقول إنه إذا أنشب الخصومة لم يكن له أن يعزله أحسن، وكذلك وكيله. فصل [فيمن وُكِّلَ على قبضِ دينٍ فقبضه بعد أبي عُزِلَ، وقد علم أو لم يعلم] واختُلف فيمن وُكِّلَ على قبضِ دينٍ فقبضه بعد أن عُزِلَ، وقد علم أو لم يعلم- على ثلاثة أقوال: فقال ابن القاسم في كتاب الشركة: لا يبرأ الغريم وإن لم يعلم الوكيل بعزلته (¬3). وقال سحنون: هو بريء بدفعه ذلك (¬4). وقيل: إن علم لم يبرأ وإن لم يعلم برئ. وقيل: يبرأ الغريمُ وإن علم الوكيل بعزلته؛ لأن على الطالب أن يُعْلِمَ الغريمَ بعزلته؛ فيمتنع من الدفع إليه، فإذا لم يُعْلِمْهُ كان متعدياَّ عَلى الغريم، ثم مسلطًا على ذمته ممكنًا من أخذ الدين. ¬

_ (¬1) في (ف): (عن). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 194. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 626. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 194

فصل [فيمن وكل رجلا يسلم له دراهم في طعام ففعل، ثم وجد المسلم إليه فيها زيوفا]

وهذا أحسن إذا كان غيرَ قادرٍ على الامتناع من الدفع؛ لأن البينةَ تشهد على الوكالة، ولا بينةَ عند الغريم لما ادَّعاه من عزلته، وإن أعلم الطالبُ الغريمَ أنَّه عَزَلَهُ عن القبض منه وافترقا على ذلك- لم يبرأ الغريمُ بالدفع إلى الوكيل؛ لأن الغريمَ فرَّط إذا رَضِيَ من الطالب بعزلة الوكيل من غير إشهادٍ. فصل [فيمن وكَّل رجلًا يُسْلِمَ له دراهمَ في طعام ففعل، ثم وجد المُسْلَمُ إليه فيها زيوفًا] وقال ابن القاسم فيمن وكَّل رجلًا يُسْلِمُ له دراهمَ في طعام ففعل، ثم وجد المُسْلَمُ إليه فيها زيوفًا، قال: إن صدقه المأمورُ وعَرَفَها لزمت الآمرَ، ولم ينفعه إنكارُه؛ لأنَّ المأمور أمينه، وإن قبلها المأمور ولم يعرفها لزمته، ولم تلزم الآمر، وحلف الآمر (¬1) أنَّه لا يعرفها وما أعطاه إلا جيادًا (¬2) في علمه، وإن لم يقبلها المأمور ولا عرفها حلف أنه ما أعطاه إلا جيادًا (¬3) فيعلمه، وحلف الآمرُ ولزمتْ البائعَ (¬4). ومحمل المسألة على أن الوكيل لم يخبر المسْلَم إليه أنه وكيل، أو أخبره ولم يُشْهد (¬5) أنه يدفع دراهم الآمر؛ لأنَّ المأمور مطالب في حين العقد بالدفع من ذمته، وإن كان ذلك كان بدل الزائف عليه من ذمته حسب ما كان قبل ¬

_ (¬1) قوله: (الآمر) ساقط من (ف). (¬2) في (ف): (جيدًا). (¬3) في (ف): (جيدًا). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 271. (¬5) في (ف): (يشترط).

الوزن، ولم تنتقض وكالته بالدفع الأول، ولهذا قال: إن قبلها ولم يعرفها (¬1) لزمه بذلك (¬2) بدلها، وجعل له أن يُبَدِّيه باليمين إن أنكرها دخل معه على أنه يزن من ذمته، وله أن يبتدئ بالآمر لاعترافه أن المداينة له، فإن بدأ بالمأمور فنكل حلف البائع وأبدلها له، فإن نكل لم يكن له شيء، ولم يكن له أن يحلِّف الآمرَ؛ لأن الآمر يقول للبائع: لو ابتدأتَ المقال معي كنتُ أنا المبدَّى باليمين، فإن نكلتُ رددتُ اليمينَ عليكَ، فإن نكلتَ فلا شيء لكَ عليَّ وأنتَ فقد نكلت. وإن أخذ البائعُ البدلَ بيمينه من المأمور بعد نكولِهِ لم يكن للمأمور أن يرجع على الآمر بشيء؛ لأن يمينَ الآمرِ يمين للآمر والمأمور، وكذلك إن نكل الآمرُ (¬3) وحلف البائعُ وغَرِمَ لم يكن له على المأمور يمينٌ؛ لأن يمينَ البائعِ (¬4) يمينٌ لهما جميعًا، وإن كان استحقاقُ البائع بيمينه ونكولِ أحدهِما، ولم يعرض على الآمر (¬5) اليمين- نَظَرْتَ فإن كان النَّاكلُ الآمرَ لم يكن له على الأمور يمينٌ، وإن كان النَّاكلُ المأموَر كان له أن يُحلف الآمرَ؛ لأنه إذا خلصت (¬6) الأيمانُ فيما بين الآمر والمأمور برئ المأمور؛ لأنه أمينه يحلف ما خان ويبرأ، فإن نكل رد اليمين على الآمر أنه ما يعلمها من دراهمه، وهو قد نكل، وإن بدأ المأمور فنكل كان له أن يردَّها على الآمر. فإن بيّن المأمورُ للمُسْلَمِ إليه أنه وكيل لفلان ليُسْلِمَ إليه دنانيرَه هذه- ¬

_ (¬1) قوله: (ولم يعرفها) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (بذلك) ساقط من (ف). (¬3) زاد بعده في (ف): (والمأمور). (¬4) في (ف): (المأمور). (¬5) في (ف): (الآخر). (¬6) في (ف): (حصلت).

فصل [فيمن وكل على بيع سلعة ثم وجد المشتري عيبا مشكوكا فيه]

انْقَضَتْ وكالتُه بنفس دفعها، ولم يُقبل قولُ الوكيل أنها من دنانير الآمر ولا شهادتُه؛ لأنه مُتَّهمٌ أن يكون أبْدَلَها، ويحلف الآمرُ أنه لا يعلمها من دراهمه ويبرأ، ويرجع المقال فيها بين البائع (¬1) والمأمور، فإن اعترف بها وأنه كان ذاكرًا في حين الدفع غَرِمَها، وإن قال: أنسيتُها حَلَفَ أنه نسيها وبرئ. إلا أن يكون ممن يُتَّهم في بدلها فَيَزِيد في يمينه: ما أبدلتُها. فإن نَكَلَ غَرِمَ، وإن لم يعرفها لم يحلف إلا أن يُتَهم ببدلها. فصل [فيمن وكل على بيع سلعة ثم وجد المشتري عيبًا مشكوكًا فيه] وإن كان وكيلًا على بيع سلعة ثم وجد المشتري عيبًا مشكوكًا فيه، فإن أخبر أنه وكيل فيها لفلانٍ لم يحلف على العيب، وهذا قول مالك في كتاب التدليس (¬2). قال محمد: لأنه لو أقرَّ أنه كان عالمًا لم ينقض البيع (¬3). يريد: لا ينقض على الآمر بإقراره؛ لأن وكالتَه قد انقضتْ بنفس البيع. وأرى إن أقرَّ أنه كان عالمًا وذاكرًا للعيب حين البيع أن يردَّ عليه السلعة؛ لأنه غير وأتلف الثمن (¬4) على المشتري، فإن أقر الآمر بالعيب رُدَّ عليه، وإن أَنْكَرَ حَلَفَ، وإن قال الوكيل: أُنسيته في حين البيع. صُدِّق ولم يحلف بخلاف المالك؛ لأن المالكَ مُتَّهم في كتمان العيب لمنفعة نفسه، ولا يُتَّهم الوكيلُ لمنفعة ¬

_ (¬1) في (ف): (الآمر). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 370. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 234. (¬4) في (ف): (اليمين).

غيره، إلا أن يكون هناك دليلُ تهمةٍ. فإن قال الوكيل: لم أعلم بالعيب، أو قال: أُنسيته. بُدِئ بيمين المالك؛ لأنه إن نكل وحلف المشتري رُدَّ عليه واستغني عن يمين الوكيل، ولو بَدَأ الوكيلُ لم يكن من يمين المالك بُدٌّ، فكانت التَبْدِئَةُ بيمين المالك (¬1) أولى. وإن كان العَيْبُ قديمًا رد على المالك من غير يمين، إلا أن يكون المالك غائبًا فيحلف الوكيلُ على أحد القولين. واختلف في الوكيل على الشراء يتذكر أنه اشترى على صفةٍ تُوجب الفسادَ، فقال عيسى في العتبية: القولُ قولُ الوكيل مع يمينه أنه اشترى على ذلك، ويُفسخ البيع (¬2). وقال مطرف وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: إن ادعى ذلك عند دفع السلعة قُبِل قوله وحَلَفَ، فإن نكل كانت السلعةُ للآمر، وغَرِمَ المأمورُ القيمةَ إن كانت أكثرَ من الثمن، فإن ادَّعى ذلك بعد دفعها لم يقبل قوله وغرم تمام القيمة (¬3). وأرى أنه مُصَدَّقٌ كان اعترافُه عند التسليم أو بعدُ؛ لأن الشراءَ موكولٌ إلى أمانته، ولا يُعْلم قدرُ الثمن والجنس والصحة والفساد إلا من قوله. ولا فرقَ بين أن يسأل عن ذلك بالحضرة أو بعدُ؛ لأنه لو لم يسأل عن الثمن إلا بعد أن طال قُبِل قوله، وقد قال ابن القاسم فيمن وَكَّل على شراءِ سلعةٍ وسمَّى له الثمنَ، فاشتراها وسلمها، ثم زعم أنه زاد على ما سمَّاه له: إنه ¬

_ (¬1) قوله: (بيمن المالك) يقابله في (ف): (بالمالك). (¬2) انظر البيان والتحصيل: 8/ 195. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 238، 239.

فصل [فيمن وكل على بيع سلعة فباعها وجحده المشتري]

مصدق مع يمينه إذا ادعى ذلك بالقرب، فإن طال لم يقبل قوله، إلا أن يكون اشتغل عن ذلك أو سافر فيقبل قوله في الزيادة مع تهمته (¬1). لأنَّه يدعيها لنفسه، فقبولُ قول من لا يدَّعي ذلك لنفسَهِ أولى. فصل [فيمن وُكِّلَ على بيع سلعةِ فباعها وجَحَدَهُ المشتري] وقال ابن القاسم فيمن وُكِّلَ على بيع سلعةٍ فباعها وجَحَدَهُ المشتري، قال: الوكيلُ ضامنٌ؛ لأنه أتلف الثمن، ولأن مالكًا قال فيمن بعث (¬2) معه بضاعة، فقال: دفعتُها وأَنْكَرَه المَبْعُوْثُ إليه- هو ضامن إلا أن يقيمَ بينةً بالدفع (¬3). وقول عبد الملك في هذا الأصل: إنه مُصَدَّقٌ وإن لم تَشْهَد بينةٌ (¬4). وعلى هذا الناسُ اليومَ في كثير من البياعات أنَّهم لا يُشهدون، فما كانت العادةُ فيه عدمَ الإشهادِ لا ضمان على الوكيل فيه وإن جَحَدَ المشتري الشراءَ، أو قال: اشتريتُ بدون ذلك، ولا يمين على الوكيل للآمر إن كانت السلعة بيد الوكيل. وإن قال: أسلمتُها فجحدها المشتري حَلَفَ أَنْ قد أَسْلَمَها إليه، وحلف الآخر أنه ما اشترى ولا قبضها وبرئا، وكانت المصيبة من الآمر، فإنَّ نَكَلَ المأمورُ غَرِمَ الأقلَّ من القيمة أو الثمن، وإن نكل المشتري غَرِمَ الثمنَ، وإن نكلا جميعًا، وكان الآمر قد ابتدأ بالمأمور فغرم الأقلَّ- لم يرجع المأمورُ على المشتري بشيء؛ لأن المشتري يقول للمأمور: إذا خَلَصَ المقالُ والدعوى بيني ¬

_ (¬1) في (ف): (يمينه). وانظر: المدونة 3/ 274، والنوادر والزيادات: 7/ 204. (¬2) في (ف): (بعثت). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 272 (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 232.

وبينك كنتُ أنا المبدَّى باليمين، فإن نكلتُ رددتُ اليمينَ عليكَ، فإن نكلتَ عنها فلا شيء لك عليَّ. وإن ابتدأ الآمرُ بالمشتري فنكَلَ غَرِمَ الثمنَ، وكان للمشتري أن يرجع على الوكيل فيحلفه، فإن نكل أَغْرَمَهُ الثمنَ الذي غَرِمَه للآمرِ. وإن كانت العادةُ الإشهادَ على الثمنِ غَرِمَه سلَّم السلعةَ أو لم يُسلِّمها، وإن كانت العادة الإشهاد على العقد دون تسميةِ الثمنِ، فإن لم يسلِّم السلعة لم يغرم شيئًا، وإن سلَّمها غَرِمَ الأقلَّ من القيمةِ أو الثمنِ. واختُلف إذا اعترف المشتري بالشراء، وقال: اشتريتُ بأربعين. وقال المأمور: بخمسين، فقيل: يتحالفان ويتفاسخان، فإن نَكَلَ المأمورُ حَلَفَ المشتري وغَرِمَ أربعين، وهو قول ابن القاسم (¬1). وقال محمد: يَغْرَمُ الرسولُ العشرةَ الباقية (¬2)، وقال مالك في كتاب محمد: يفسخ البيع إذا نكل الرسول. وهو أبين؛ لأن الآمر يقول: نكولُ المأمورِ عليَّ ضررٌ، فلا تُؤخذ سلعتي بغير ما أقر وكيلي أنه باع به. ويختلف إذا تحالفا وفسخ البيع، هل يكون للآمر أن يُغْرِمَ الرسولَ الخمسين؟ فعلى قول محمد يغرمه الخمسين؛ لأنه فرَّط، وعلى قول ابن القاسم لا شيء عليه. ومحمل قوله ها هنا على أن العادةَ تركُ الإشهاد. وقال ابن القاسم: إن قال المأمورُ أَبقَ منِّي هذا العبدُ. وقال من هو في يديه: بعتَه مني بثلاثين دينارًا وقد دفعتُها إليك- حلف الوكيلُ أنه لم يبعه منه وأخذه، فإن نَكَلَ حَلَفَ المشتري ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 98، 99، وانظر: النوادر والزيادات: 7/ 235. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 235.

فصل [فيمن وكل رجلا يشتري له أمة، فاشترى ابنة الآمر]

وكان له العبدُ، وغَرِمَ الوكيلُ الثلاثين دينارًا (¬1)؛ لأن المشتري حلف أنه أَوْصَلَ إليه الثمنَ. وإن كان وكيلًا على الشراء، فقال: اشتريتُ لك هذا العبدَ، وجحد البائعُ وحلف- كان على الوكيل أن يغرم فضلَ القيمةِ على الثمن على أحد القولين؛ لأنه فرَّط إذ لم يشهد، وعلى القول الآخر لا شيء عليه. فصل [فيمن وكَّل رجلًا يشتري له أمةً، فاشترى ابنة الآمر] ومن وكَّل رجلًا يشتري له أمةً، فاشترى ابنةَ الآمر، فإن كان غيرَ عالمٍ كان الشراءُ جائزًا، وأُعتقتْ على الآمر. واختُلف إذا كان عالمًا، فقيل: تُعتق على المأمور. وقيل: تبقى له رقيقًا. وقيل: يعتق الربحَ إن كان فيها ربح، وهذا إذا لم يبين الوكيلُ للبائع أنه وكيل على شرائها لفلان، فإن بيَّن أنه وكيلٌ لفلان بماله ولم يجز الموكل الشراء نقض البيع. وإن اختلف الوكيلُ والآمرُ، فقال الآمرُ: علمتَ أنها ابنتي فاغرمْ لي الثمنَ. حلف الوكيلُ أنه لم يعلم ولزمتِ الآمرَ، فإن نكل الوكيل حلف الآمر وأغرمه الثمنَ وأُعتقتْ على المأمور على قول ابن القاسم؛ لأن إنكاره المعرفةَ اعترافٌ منه أنها عتيقةٌ على الآمر، وأنه ظلمه بجحوده، وفي أن أغرمه الثمن. وكذلك إن أقام الآمرُ بينةً أن الوكيلَ عَلِمَ، فإنَّها تَعتق على الوكيل؛ لأنه ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 435.

فصل [فيمن وكل على أن يشتري فرسا معينا أو على صفة بمائة، فاشترى تلك العين أو الصفة بخمسين]

يقول: هي حرة، وقد كذبت البينةُ فأغرم الثمنَ بشهادة البينة عليه بالتعدي. وإن قال الوكيلُ: كنتَ أمرتَني بشرائها. وأنكر الآمرُ- كان بمنزلة من قال: أمرتني أن أشتري لك هذا العبد، وقال الآمر: بل هذا العبد الآخر، أو قال: أمرتني بتمر، وقال الآخر: بقمح، وقد اختُلف في ذلك: هل يكون القولُ قولَ الآمر أو قولَ المأمور؟ والأمة عتيقة قولًا واحدًا. وإن بين المأمورُ للبائع أنه وكيلٌ في شرائها لفلان بماله حلف الآمرُ أنه حَجَرَ عليه شراءها، وفُسخ البيعُ وارتُجع الثمن، وكانت رقيقًا للبائع، فإن غاب البائعُ وعاد المقالُ بين الآمر والمأمور كانت الأمةُ عتيقة، ثم يختلف: هل يكون القول قول الآمر أو قول المأمور حسب ما تقدَّم إذا لم يبّين أنه وكيل. فصل [فيمن وُكِّل على أن يشتري فَرَسًا معينًا أو على صفةٍ بمائة، فاشترى تلك العينَ أو الصفةَ بخمسين] ومن وُكِّل على أن يشتري فَرَسًا معينًا أو على صفةٍ بمائة دينار، فاشترى تلك العينَ (¬1) أو الصفةَ بخمسين دينارًا (¬2) جاز، وإن وُكِّل على أن يشتري جاريةً بمائة دينار (¬3)، فاشترى جاريتين على تلك الصفة بمائة، فإن اشتراهما في صفقتين (¬4) لزمت الأولى وكان الآمر بالخيار في الثانية، وإن كانت إحداهُما على ¬

_ (¬1) في (ف): (المعين). (¬2) قوله: (دينارًا) ساقط من (ق 4). (¬3) قوله: (دينار) ساقط من (ق 4). (¬4) في (ف): (صفتين).

الصفة والأخرى على غير الصفة لزمت التي هي على الصفة، تقدَّم شراؤها أو تأخَّر، وكان بالخيار في الأخرى. واختُلف إذا اشتراهما صفقةً واحدةً، فقال محمد: إن لم يقدر على غيرهما لزمتا الآمر (¬1). وقال ابن القاسم في العتبية: الآمر بالخيار بين أن يأخذهما أو إحداهما بما ينوبها من الثمن ويرتجع باقي الثمن (¬2)، وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: يلزمان الآمر جميعًا؛ لأنه لو اشترى الجاريةَ وحدها بذلك الثمن لزمته، فهو لم يزده إلا خيرًا (¬3). وقال عبد الملك في المبسوط: الآمرُ بالخيار إن شاء أخذهما بذلك الثمن (¬4) جميعًا أو تركهما جميعًا. وقولُ محمد إذا لم يقدر على شراء واحدة لزمتاه- أحسنُ، ولا يختلف في ذلك، وإنما الاختلافُ إذا كان قادرًا على أن يشتري واحدة. وأرى: أن للآمر أن يأخذ التي هي على الصفة إن شاء (¬5)، وإن كانتا على الصفة أخذ أيتهما أحبَّ؛ لأنه لما كان ممكنًا من شراء إحداهما في معنى العقدين فيما بينه وبين الآمر. ¬

_ (¬1) انظر النوادر والزيادات: 7/ 204، 205. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 167. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 205 (¬4) قوله: (بذلك الثمن) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (إن شاء) ساقط من (ف).

باب في الوكيل يخالف ما أمر به فيبيع بأقل أو يشتري بأكثر وفي اختلاف الموكل والوكيل

باب (¬1) في الوكيل يخالف ما أمر به فيبيع بأقل أو يشتري بأكثر وفي اختلاف الموكِّل والوكيل ومن وُكِّلَ على أن يشتري سلعة بخمسين دينارًا، فاشتراها بأكثر، فإن كانت الزيادة يسيرة كالدينار ونحوه لزمتِ الآمرَ. فإن وُكِّلَ على أن يبيعها بخمسين فباعها بأقلَّ لم تلزم، وإن كان النقص يسيرًا؛ لأنه خالفَ ما أمر به، ولأن القصد أن يطلب أكثر من ذلك ولا يبيع بأقل (¬2). والشأنُ في الوكالة على الشراء أنه يستخف الزيادة اليسيرة عندما يحصل له غرضه في ملكها، وإن كانت الزيادةُ كثيرةً لم تلزم الآمرَ، وكان بالخيار في قبولها أو الترك، وإن كان فيها فضل فقال: أنا آخذ منها ما قابل رأس مالي- كان ذلك له، وإن هَلكَتْ قَبْلَ وصولهِا إلى الآمر كانت المصيبةُ من المأمور إن كانت الزيادةُ كثيرةً، وإن كانت يسيرةً كانت من الآمر. فصل في اختلاف الموكِّل والوكيل في قّدْرِ الثمن، وفي جنسه، وفي حلوله فإن اختلفا في قدره، فقال: الآمر أمرتُك باثني عشر. وقال المأمور: بعشرة وبها باع. فإن كانت للموِّكل بينةٌ ولم يَبِنْ بها المشتري كان بالخيار بين أن يرد البيع، أو يجيز ويأخذ من المشتري عشرةً ومن المأمور دينارين، وهذا قول ابن ¬

_ (¬1) قوله: (باب) ساقط من (ق 4). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 273، والنوادر والزيادات: 7/ 204.

القاسم فيمن سمَّى له ما يبيع به فباع بدون التسمية، وحمل عليه أنه التزم تلك التسمية (¬1). وقيل: لا شيء على المأمور، وهو أحسن؛ لأنَّ الظاهرَ المخالفةُ دون التزام، وإن استظهر بيمينه أنه لم يلتزم الدينارين فحسن. وإن بان بها المشتري كان على المأمور على قول ابن القاسم الأكثرُ من القيمةِ أو الاثني عشر، وإن كانت الاثنا عشر أكثرَ أخذها؛ لأنه يحمل عليه الرضا بها، فإن كانت القيمةُ أكثرَ أخذها؛ لأنه مقرٌّ أنه تعدى. واختُلف إذا لم تفتْ، أو لم يفت المبيع أو السلعة ورضي المشتري أن يتم الاثني عشر: هل يلزم ذلك الآمر؛ لأنه الثمن الذي رضي البيع به، أو لا يلزم؟ لأن الآمرَ يقول: هذا بيعُ تعدٍّ لم آمُرْ به، والبيع الذي أمرتُ به لم تفعله بَعْدُ، وقد بدا لي أن لا أبيع سلعتي. وأرى إن رَضِيَ بذلك المشتري لمَّا علم بتعدي المأمور- وأجاز له المأمور البيع بالاثني عشر قبل أن يعلم الآمر- أن يلزم البيع (¬2) ولا رد للآمر؛ لأن الوكالةَ التي وُكِّل عليها لم يكن فعلها قبلُ، ولا يزول بذلك البيع الذي كان تعديًا. ولو رد المأمورُ ذلك البيعَ قبل أن يعلم الآمر كان له أن يبيعها بالاثني عشر، وإن لم تَشهد للآمر بينةٌ، واعترف المأمورُ أنه أمره باثني عشر- لم يصدق على المشتري. قال مالك في كتاب محمد: ويكون للآمر أن يغرم الرسول ما أمر به، وإن كان ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 281. (¬2) في (ف): (تلزم البائع).

عديمًا أتبع به، ولم يكن له على المشتري سبيل ولا غُرْمٌ وإن كان موسرًا (¬1). يريد (¬2) إذا لم يحلف الآمر، فإن حلف وكانت السلعة قائمة أخذها، وإن فاتت أغرم المشتري تمامَ القيمة إن كانت أكثر من عشرة، وإن أنكر الرسول، وقال: ما أمرتني إلا بعشرة- حَلَفَ الآمرُ أنه أمره باثني عشر وردَّ البيع، فإن نكل مضت العشرة (¬3) ولم يَرُدَّ اليمينَ على المشتري؛ لأنه لا علم عنده، وإنما له أن يُحلِّف البائعَ؛ لأنها يمينٌ تهمةٍ، فلا ترجع ولا على الوكيل؛ لأنه إذا خَلَصَ المقال بين الآمر والمأمور كان القول قول المأمور. فإن نكل حلف الآمرُ واستحقَّ، فإن نكل لم يكن له شيءٌ، وهو قد تَقَدَّمَ نكولُه عنها، وكذلك إن اختلفا، وقد بأن بها المشتري فالقول قول المأمور، فإن نكل حلف الآمر واستحق، فإن نكل لم يكن له شيء، وقد قيل يتحالفان إن كانت القيمةُ أحدَ عشرَ ويغرم الوكيلُ دينارًا؛ لأن اختلاف الآمرِ والمأمورِ كاختلاف المتبايعين، وقد قال أشهب: إذا فاتت السلعة تحالفا ورُدت القيمة بدلًا من العين (¬4). ويختلف إذا أتى الآمر بما لا يشبه، والمأمور بما يشبه، والسلعة قائمة، فقال مالك مرة: القول قول البائع. وكذلك الآمر يكون القول قوله مع يمينه ويرد البيع، وبه أخذ ابن القاسم (¬5). وقال مرة: لا يقبل قوله (¬6). وهو أحسن؛ لأن ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 435. (¬2) في (ف): (يرد). (¬3) في (ف): (بالعشرة). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 76. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 435. (¬6) انظر: المدونة: 3/ 281.

فصل [إذا باع الوكيل إلى أجل وقال الآمر أمرتك بالنقد]

ذلك دليل كشاهد قام للمأمور وللمشتري على صدق المأمور وكذب البائع (¬1)، فإن فاتت كان القولُ قولَ المأمور مع يمينه، ولا يغرم المشتري إلا ما حلف عليه المأمورُ، فإن غاب المشتري حلف المأمور وبرئ، فإن نكل وكانت القيمة أكثر مما باع به غرم تمام القيمة. فصل [إذا باع الوكيل إلى أجل وقال الآمر أمرتك بالنقد] واختُلف إذا باع بثمن إلى أجل، فقال: بذلك أمرتني، وقال الآمرُ: أمرتك بالنقد، فقال ابن القاسم في كتاب محمد: القول قول المأمور، قال: وذلك بمنزلة اختلافهما في العدد، وقال ابن القاسم وابن الماجشون ومطرف وأصبغ في كتاب ابن حبيب: القول قول الآمر، قائمة كانت أو فائتة (¬2). قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما إن كانت قائمةً فالقولُ قولُ الآمر، يحلف ويأخذ سلعته. وإنما الاختلاف إذا فاتت، وأرى أن يكون القولُ قولَ المأمور؛ لأنه أتى بما يشبه. وإن قال الآمر: أمرتك بعشرة إلى أجل، فقال المأمور: بخمسة نقدًا، وبها باع، كان القولُ قولَ الآمرِ (¬3) إذا كانت قائمة يحلف ويأخذ سلعته، وإن فاتت كان القولُ قولَ المأمور مع يمينه، ويغرم الخمسة إلا أن تكون الخمسة أقلَّ من القيمة بما لا يتغابن في مثله، فيحلف ويأخذ القيمة. وإن قال: أمرتك بدنانير مسماة، فباع بقدرها من الدراهم لزمه البيع، ¬

_ (¬1) في (ف): (المشتري). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 226، 6/ 435. (¬3) في (ف): (البائع).

وهو قول أصبغ في العتبية (¬1)، إلا أن يعلم أن غرض البائع الدنانير لحاجة له إليها فلا يلزمه. وإن باع بعرض، وقال: بذلك أمرتني. وقال الآمر: بالعين - كان القول قول الآمر مع يمينه، ويرد البيع إن كانت قائمة أو فاتت بحوالة الأسواق. وإن هلكت بأمر من الله تعالى كان مقاله مع الوكيل يأخذه بالأكثر من الثمن أو القيمة، وإن كانت ثوبًا يلبسه المشتري كان له الأكثر من الثمن أو القيمة فإن كانت القيمة يوم البيع أكثر أخذها من الوكيل، وإن كانت يوم اللباس أكثر أخذها من المشتري. وإن باع الوكيل بعين، وقال الآمر: أمرتك بعرضٍ، كان القولُ قولَ المأمورِ، وقد قال مطرف في كتاب ابن حبيب: القولُ قولُ الآمر إن لم تفت، وإن فاتت كان مخيرًا بين أن يأخذ ما باعها به أو القيمة (¬2). والأول أحسن. وكذلك إن قال: أمرتُك بعرض كذا، وقال المأمور: بعرض غيره. فإن كانت السلعة قائمة حلف الآمرُ وأَخَذَ سلعتَه، فإن فاتت جرت على القولين فيمن أَمَرَ أن يشتري قمحًا وقال الآخرُ: أمرتني بتمرٍ، فقال مطرف في كتاب ابن حبيب: القول قول الآمر في القيام والفوات. والأول أحسن إذا فاتت؛ لأنهما إذا اتفقا أن الثمنَ يكون عرضًا كان كلُّ واحد منهم قد أتى بما يشبه وإذا أتى الوكيل بما يشبه كان القول قوله. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 225. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 226.

فصل [إذا وكله على شراء فقال أمرتك أن تشتري قمحا وقال الآخر تمرا]

فصل [إذا وكله على شراء فقال أمرتك أن تشتري قمحًا وقال الآخر تمرًا] اختلف إذا كان وكيلًا على الشراء فقال: أمرتُك أن تشتري قمحًا، وقال الآخر: تمرًا، وقد اشتراه، فقال مالك في المدونة: القولُ قول الرسول مع يمينه، قال ابن القاسم: لأنه لمَّا كانت الذهبُ مستهلكةً بالشراء كان الآمر مدعيًا. يريد تضمينه فلا يقبل قوله (¬1). وفي كتاب محمد: القول قول الآمر (¬2)، ورأى أنه لا يؤخذ بغير ما أقر به. والأول أحسن؛ لأن الرسولَ مؤتمنٌ على الشراء، فكان القولُ قولَه أنه لم يتعدَّ؛ لأن الغالبَ أن الصدقَ في جهته، وليس يُتَّهم الإنسانُ على أن يشتري غير ما أمر به؛ لأن ذلك لا يفيده شيئًا، ويُتَّهم الآمرُ إذا أتاه بما فيه خسارة أو حدث فيه فساد أو ضياع، وإن بيَّن الرسولُ أنه وكيل لفلان يشتري له بماله ولم يغب البائعُ- حلف الآمرُ وأَخَذَ مالَهُ قولًا واحدًا، وإن غاب البائعُ أو افتقر كان المقالُ قائمًا (¬3) بين الآمر والمأمور وعاد الخلافُ التقدم. وإن شهدت بينةٌ أن ذلك المالَ للموكِّل ولم يكن الوكيلُ بيَّن للبائعِ أنه وكيلٌ لفلان بماله- كان الخلافُ على حاله؛ لأن الموكِّل إن أخذ المال بَقِيَ على الوكيل، وكان القولُ قولَه، أنه لم يتعدَّ. وإن شهدت البينةُ أنه وكَّلَه على أن يشتري له بماله هذا، ولم يثبت على ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 273، 274. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 436. (¬3) في (ف): (فيما).

ماذا وكَّله أن يشتري (¬1) به- كان لربِّه أن يحلف أنَّه وكَّله على صنفِ كذا ويأخذ ماله، فإن نكل مَضَى الشراء لأنها يمين لا (¬2) ترجع على البائع؛ لأن يمينَ الآمرِ للبائع يمينُ تهمةٍ، وإذا مضى البيعُ لم تكن على الوكيل يمينٌ؛ لأنه يقول: إذا صار المقالُ بيني وبينك كنتُ أنا المبدَّى، فأنا أردُّ اليمينَ عليك وأنت قد نكلتَ. وإن شهدت البينةُ بالوكالة وأنه خالَفَ ما أَمَرَهُ به، وكان الثمنُ سلفًا من عند الوكيل- لم ينقض البيع؛ لأن الوكيلَ أقرَّ أن الشراء بوجه جائز وأن البينة كذبت، وأن السلف كان بوجهٍ صحيحٍ لا يجب ردُّه من قابضه. ويختلف إذا اتفقا أن الوكالةَ كانت على شراءِ عبدٍ أو ثوبٍ، فاشتراه بخمسين، وقال: بذلك أمرتني، وقال الآمر: بأربعين، فقال مطرف: القولُ قَولُ الآمرِ (¬3). وعلى القول الآخر القول قول الوكيل؛ لأنه أمينٌ على الشراء مُدَّعى عليه العداء. وهذا إذا أشكل ما قالا؛ لأنهما أتيا بما يشبه، فإن أتى أحدهما بما لا يشبه كان القولُ قولَ من أتى بما يشبه قولًا واحدًا، فإن أتى المأمورُ بما لا يشبه ولم يعلم بما اشتراها به كان للآمر أن يأخذها ويغرم ما يشبه أن تباع به، ويحمل على المأمور أنه غيب الثمن. وكل هذا إذا لم يبيّن الوكيلُ للبائع، فإن أَخْبَرَهُ أنه وكيلٌ لفلان بماله- كان القولُ قولَ الآمر قولًا واحدًا، ويصير بمنزلة من وُكِّلَ على نكاح امرأة فزوجها ¬

_ (¬1) قوله: (له بماله هذا، ولم يثبت على ماذا وكَّله أن يشتري) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (الشراء لأنها يمين لا) ساقط من (ق 4). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 226.

فصل [فيمن أمر رجلا أن يشتري له جارية بربرية، فبعث إليه المأمور بجارية بربرية ثم أتى بأخرى، وقال: هذه التي اشتريتها لك، وتلك وديعة]

بمائة، وقال: بذلك أمرتني، وقال الزوجُ: بخمسين- كان القولُ قولَ الزوجِ؛ لأن الوكالةَ على التزويج تتضمن العقدَ خاصةً، والزوجُ هو الدافع للثمن والقابضُ للمثمون. ولو كان وكيلًا على التزويج وأن يدفعَ الصَّداقَ من عنده سلفًا كان القولُ قولَ المأمور؛ لأنه لو بَرِئَ الزوجُ مع قيام المبيع وحلف وبرئ أدَّى ذلك إلى غُرْمِ الوكيل وخسارته؛ لأنه مقرٌّ أنه نقد بوجه جائز، وأنه لا يحل له انتزاع ذلك من الزوجة وأن الزوج ظالمٌ في إنكاره. فصل [فيمن أمر رجلًا أن يشتري له جاريةً بربريةً، فبعث إليه المأمورُ بجاريةٍ بربريةٍ ثم أتى بأخرى، وقال: هذه التي اشتريتها لك، وتلك وديعة] وقال ابن القاسم فيمن أمر رجلًا أن يشتري له جاريةً بربريةً، فبعث إليه المأمورُ بجاريةٍ بربريةٍ ثم أتى بجارية بربرية، وقال: هذه التي اشتريتها لك، وتلك وديعة، ولم يبيّن ذلك في حين البعث، فإن كانت الأولى قائمةً حلف وأخذ الأولى وأسلم الثانية، وإن فاتت الأولى بحمل أو عتق أو كتابة أو تدبير لم أر له شيئًا، ولم أر له عليها سبيلًا (¬1). وقال محمد: إن كانت للمأمور بينةٌ أنه اشترى الأولى لنفسه أخذها وقيمة ولدها، وإن لم تكن له بينة كان الآمر بالخيار إن شاء أخذ الثانية بما اشتراها به، وإن ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 274

شاء أسْلمها، وعليه في الأولى الأقلُّ مما اشتراها به (¬1) أو الذي سماه له (¬2). وأرى إن صدَّق الآمرُ الوكيلَ أن الأولى وديعة وأخذ الثانية- أن لا شيء عليه في الأولى؛ لأنه يقول: إذا قامت البينةُ على أن الأولى وديعة لم يكن عليه في الأولى سوى تسليمها على أحد قولي مالك وقيمة الولد، وكما لو غلط فسلم إليه ثوبًا سوى ثوبه فقطعه لم يكن عليه في القطع شيء في أحد القولين، فإن كان لها (¬3) مال كان للباعث أن ينتزعه ولا يصيبها واحد منهما، وكذلك إن أعتقها الآمرُ وصدق الباعثَ (¬4) أنها وديعةٌ- له أن يأخذ الثانية ولا شيء عليه في الأولى؛ لأنه يقول: الشرع يمنع رد العتق، فإن ماتت عن مال أخذته. وقال ابن حبيب: على الآمر قيمةُ الأولى، وسواء كانت بينة على أصل الشراء، أو على الإقرارِ فقط؛ لأنه أباحَه إياها، وعليه قيمتُها فقط (¬5). وقال ابن القاسم في العتبية فيمن بَعَثَ مع رجل مالًا في شراء جاريةٍ، فاشتراها له ثم وطئها وأعطاه غيرها، فوطئها الآمرُ فحَمَلتا جميعًا ثم أقرَّ بذلك، أو قامتُ بينة، فإن عُذِرَ المأمورُ بالجهالة، وتأوَّل أن له أن يأخذها ويعطي (¬6) الآمر غيرها لا (¬7) على وجه الزنا: لم يحدَّ، وخُيِّرَ الآمرُ في أخذ جاريتِه وقيمةِ ولدها، وذكر الخلاف الذي في المستحقة، قال: ويُخير في الجارية التي في ¬

_ (¬1) قوله: (وإن شاء أسْلمها، وعليه في الأولى الأقلُّ مما اشتراها به) ساقط من (ف). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 218، 219. (¬3) في (ف): (لهما). (¬4) قوله: (الباعثُ) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (فقط) ساقط من (ق 4). (¬6) في (ف): (يعطى). (¬7) قوله: (لا) ساقط من (ف).

يديه إن شاء ردَّها على المأمور ولا شيء عليه من قيمة ولدها، وقال أيضًا: مع قيمة ولدها، وإن شاء دفع إليه قيمتها. وإن لم يُعذر المأمورُ بالجهل حُدَّ وأخذها الآمرُ وولدَها رقيقًا له (¬1). وقال في كتاب محمد في الجارية المعينة: يُحَدُّ (¬2). ولا فرقَ بين المعينة وغيرها، فإن كان ممن لا يَجهل حُدَّ فيهما جميعًا؛ لأن غيرَ المعينة ملكٌ للآمر بنفس الشراء، وإن كان ممن يَجهل ذلك لم يُحَدَّ معينةً كانت أو غيرَ معينةٍ، فإن كان ممن لا يجهل أخذ الأمةَ وولدَها، وإن كان ممن يجهل ذلك (¬3) أَخَذَ الأمةَ وقيمةَ ولدِها. والقول: إنه يأخذ قيمتَها كالمستحقة- ليس بحسن؛ لأن المأمور ها هنا الذي أخطأ على ملك غيره مع علمه أنها له، وفي المستحقة لم يعلم. وقوله: إن الآمر الذي في يديه (¬4) بالخيار- حسن، فإن أحبَّ حَبَسَها؛ لأن المأمور رَضِيَ بتمليكه إياها، وإن أحبَّ ردَّها ولا شيءَ عليه في الولد؛ لأنه سلطه عليها، والتسليط على الوطء تسليطٌ على الولد، فإن أمسكها وأخذ جاريته غَرِمَ قيمةَ هذه ما بلغت، وإن لم يَأخذ جاريتَه وأمسك هذه كان بالخيار بين أن يأخذها عن تلك حسبما رضي به المأمور، وإن أحب غرم قيمتَها وأخذ قيمةَ جاريته. وقول ابن القاسم في المسألة الأولى لم أر له شيئًا (¬5). يريد: من زيادة قيمة الثانية على الأولى. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 217. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 218. (¬3) قوله: (ذلك) ساقط من (ق 4). (¬4) قوله: (الذي في يديه) يقابله في (ف): (في التي في يده). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 274.

فصل [فيمن وكل رجلا يبيع له سلعته فباعها وباعها صاحبها]

قال: وقال مالك فيمن أمر رجلًا يشتري له جارية بمائة فاشتراها بمائة وخمسين وفاتت بحمل: فليس له إلا المائة (¬1). وقال سحنون: له قيمتُها ما لم تجاوز مائة وخمسين. والأول أحسن؛ لأنه كان في غنى عن الزائدِ ولم يصن (¬2) به ماله. ولو أمره أن يشتري له ثوبًا بمائة فاشترى له بمائة وخمسن ولم يَعْلم حتى أبلاه، فإن كان الأمدُ الذي بلي فيه هو الأمد الذي يبلى فيه لو اشترى ما أمره لم يكن عليه شيءٌ، وإن بلي هذا في أبعد من الأول أخذ قيمةَ ما بقي منه بعد الأمدِ الذي فيه يبلى الأول، ولو أدركه في الوقت الذي كان فيه يبلى الأول أخذ الباقي، وإن أدركه في أولى لباسه وقد ذَهَبَ ربعُ منفعته أخذه، وكان له من الثمن نصفُ الثمن الذي أمره به إن كان لو لبس المأمور به ذهب نصف منفعته. فصل [فيمن وكَّل رجلًا يبيع له سلعتَه فباعها وباعها صاحبها] وقال مالك فيمن وكَّل رجلًا يبيع له سلعتَه فباعها وباعها صاحبها: كان الأول أحق بها إلا أن يقبضها الآخر، مثل أن ينكح الوليان، وقد فوض كل (¬3) واحد منهما لصاحبه أنَّ الأولَ أَوْلَى إلا أن يدخلَ بها (¬4) الآخرُ (¬5). وقال محمد بن عبد الحكم: الأول أولى وإن قبض الثاني أو دخل. وقال ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 274، والنوادر والزيادات: 7/ 204. (¬2) في (ف): (يصون). (¬3) في (ف): الكل). (¬4) قوله: (إلا أن يدخل بها) يقابله في (ف): (إلا أن يأخذها). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 275.

محمد بن مسلمة: سمعت المغيرة يقول في البيع: الأول أولى وإن قبض الأخير بخلاف النكاح. وإن مات العبدُ عند الآخر كان ضمانُه ممن مات عنده بثمنه الذي أخرج فيه، فإن كان الثمنُ الثاني أكثرَ كان الفضلُ للأول؛ لأنه ثمنُ عبده، وإن كان الثاني أقل رجع الأولُ على من كان باع منه بالثمن الذي دفع إليه. يريد: لأنه لم يمكنه منه حتى أفاته، فله أن يفسخ البيع عن نفسه وكذلك أرى في النكاح ويرد إلى الأول؛ لأن دخولَ الثاني بوجه شبهة لا يسقط عصمة تقدمت بوجه صحيح. وإن لم يعلم الأول منهما ولم يقبض العبدَ كانا بالخيار بين أن يرضيا ببقائه شركة بينهما، أو يقترعا على أيهما يرفع يدَه عنه ويبقى للآخر؛ لأن العيب يزول بزوال يده عنه، وعلى قول ابن عبد الحكم يُفسخ النكاحان وإن دخل بها أحدهما، ثم تستأنف نكاحَ من أَحَبَّتْ بعد الاستبراء.

باب في الوكيل يطلع في المشترى على عيب أو يقيل بغير رضا الموكل

باب في الوكيل يطلع في المشترَى على عيب أو يقيل بغير رضا الموكِّل وإن اطلع الوكيل في المشتري على عيب، فإن وُكِّل على شراء بعينه لم يكن له أن يرجعه، والأمر في ذلك إلى الآمر؛ لأن الوكيلَ في المشتري معزولٌ بنفس الشراء، ولا عهدةَ عليه في ذلك العيب، فإن ردَّ دون رأى الآمر رُدَّ ردُّه، إلا أن يفوت به البائعُ فيغرم الوكيلُ الفضلَ إن كان في قيمتها وقتَ رَدَّ. واختُلف إذا كانت الوكالةُ على غير معين، فقال ابن القاسم: للوكيل أن يرد؛ لأنه ضامن إذا اشترى عيبًا ظاهرًا (¬1). وقال أشهب: ليس له أن يرد. وقول ابن القاسم أبين؛ لأنه قال إذا كان العيب ظاهرًا لأنه فرط، وإن كان مما يخفى فلا شيء عليه، وإذا لم يكن عليه ضمانٌ لم يكن له أن يرد. فصل [في من وكل رجلًا على أن يسلم له في سلعة أو يبيع بثمن إلى أجلٍ ففعل ثم قال من ذلك] ومن وكل رجلًا على أن يسلم له في سلعة أو يبيع بثمن إلى أجلٍ ففعل ثم أقال من ذلك، فإن ثبت أنه وكيلٌ لغيره إما ببينة أنه بين ذلك في حين المداينة أو قال قبل المداينة إن هذا السلم لفلان، أو أبيع هذه السلعة لفلان، أو اعترف بذلك بعد المداينة وقبل الإقالة، لم تلزم الموكِّل إقالته (¬2)، وإن لم يعلم ذلك إلا ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 278، 279. (¬2) قوله: (لم تلزم الموكل إقالته) ساقط من (ق 4).

من إقرار الوكيل بعد الإقالة ولم يصدقه الآخر مضت الإقالةُ وكان على الوكيل غرم مثل ذلك الطعام إذا حل الأجل (¬1)، وليس هذا فسخ دين في دين؛ لأن الوكيل حال بين صاحب السلم وبين قبضه، فهو يأخذه بالتعدي. وإن باع سلعة بثمن إلى أجل ثم أقال منها كان بالخيار بين أن يصير إلى الأجل فيغرمه ذلك الدين، أو يأخذه بقيمته (¬2) نقدًا؛ لأن ربَّ الدين كان قادرًا على بيعه. وإذا أسلم الوكيل وأخذ رهنًا أو حميلًا، فإن حطَّ عن سلم الناس لمكان الرهن أو الحميل كان للآمر أن يردَّ ذلك، وإن لم يحط لذلك كان السلمُ جائزًا والحمالةُ لازمةً، وهو بالخيار في الرهن بين قبوله أو رده. فإن ضاع بعد أن قَبِلَهُ أو قَبْلَ أن يقبله وطالت المدة بعد علمه ولم ينكر كان ضمانُه من الآمر إذا لم تشهد بينةٌ على ضياعه من عند المأمور. وإن ضاع قبل أن يعلم أو بعد أن علم ورد (¬3) لم يضمنه، وإن علم ولم يطل حلف أنه لم يرض به ولم يضمنه. وإذا أسقط (¬4) عنه الضمانَ وعاد المقالُ فيما بين المأمور والمسلم إليه- نَظَرْتَ فإن لم يخبر (¬5) الرسولُ أنه وكيلٌ كان ضامنًا، من أخبره حَلَفَ لقد ضاع، وكانت مصيبتُه من ربِّه، إلا أن يحبسه بعد أن لم يقبله الآمر فيضمنه. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 278. (¬2) في (ق 4): (بقيمة). (¬3) في (ف): (ورده). (¬4) في (ف): (سقط). (¬5) في (ف): (يخبره).

فصل [فيمن اشترى طعاما، ثم أصاب به عيبا]

فصل [فيمن اشترى طعامًا، ثم أصاب به عيبًا] وقال ابن القاسم فيمن اشترى طعامًا، ثم أصاب به عيبًا، فقال البائع: بعتك حملًا، وقال المشتري: لم أشتر إلا هذا، وهو نصف حمل- كان القولُ قولَ المشتري مع يمينه إذا أتى بما يشبه؛ لأن البائعَ أقرَّ له بالمائة. قال: ألا ترى أنه لو باعه فرسًا أو جارية فوجد المشتري عيبًا، فأراد أن يردَّ به، فقال البائع: بِعْتكهُ وأَخر معه- كان القولُ قولَ المشتري، وإن لم يشبه ما قال وتفاحش كان القولُ قولَ البائعِ مع يمينه، ولا يرد من الثمن إلا نصفه، ولا غرم على المشتري في النصف حمل إذا حلف؛ لأن البائع مدعٍّ فيه (¬1). وقال محمد: المشتري بالخيار بين أن يمسك ولا شيء له، أو يغرم نصفًا سالمًا مع المعيب ويرد. قال الشيخ -رحمه الله-: يريد لأنَّ المشتري لما أتى بما لا يشبه كان دليلًا على أن هناك مبيعًا آخر؛ فإذا لم يعينه المشتري كان القولُ قولَ البائع في تعيينه أنه من جنس الأول، وإن أتى المشتري بما يشبه، ونكل عن اليمين وحلف البائع لم يكن للمشتري أن يرد، إلا أن يغرم نصفًا سالمًا. وهذا إذا كان البيعُ على الكيل، فإن كان جُزافًا كان للمشتري أن يَرُدَّ المعيب وحدَه؛ لأن الجزافَ بعد الفوت كالسلع، فأشبه لو اشترى سلعتين فأصاب بإحداهما عيبًا. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 280، 281.

فصل [فيمن وكل على شراء سلعة أو طعام من السوق وينقد من عنده، أو على أن يشتري سلعة من بلد وينقد من عنده ففعل]

فصل [فيمن وُكِّلَ على شراء سلعةٍ أو طعامٍ من السوقِ وينقد من عنده، أو على أن يشتري سلعة من بلد وينقد من عنده ففعل] وقال ابن القاسم فيمن وُكِّلَ على شراءِ سلعةٍ أو طعامٍ من السوقِ وينقد من عنده، أو على أن يشتري سلعة من بلد وينقد من عنده ففعل: فليس له أن يمسكه حتى يقبض ما دفعه عنه؛ لأن الثمن سلف والسلعة وديعة (¬1). وقال أشهب: له أن يمنعها حتى يقبض ما دفع عنه. والأولُ أبينُ، إلا أن يكون الآمرُ مِمَّن يخشى لدده، ويقول الوكيل: ذلك أردتُ أي أن يكون بيدي حتى أقبض ما وزنتُ. ولو أمر أن يشتري سلعةً معه في البلد لينقد الآمر، ثم تطوع الوكيلُ بالوزن من عنده من غير سؤال من الآمر- كان له أن يمسكها حتى يقبض الثمن؛ لأنه يقول: كان للبائع أن يمسكها حتى تزن أنت، فأردتُ أن لا أتكلف المجيء ودفعت الثمنَ لأحل فيه محله. ولو وزن الثمن بسؤال من الآمر لم يكن له أن يمسكها؛ لأنه رضي بالسلف من غير رهن. واختلف إذا ادَّعى الوكيلُ ضياعَ السلعةِ، فقال ابن القاسم: القولُ قولُ الوكيل؛ لأنها وديعة عنده، ويحلف لقد اشترى ما أُمِرَ به ولقد ضاع. وزاد مالك: ولقد نقد الثمن (¬2). ولا أرى ذلك عليه؛ لأن من اشترى نَقَدَ، ولا يتهم أن يكون فرَّ بالثمن ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 279. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 280.

فصل [فيمن دفع إلى رجل سلعة وقال أمرتك أن ترهنها، وكال المأمور: بل أمرتني أن أبيعها]

للبائع، وعلى قول أشهب لا يصدق في التلف لأنها رهن. واختُلِفَ إذا كانا اختلفا في الثمن: هل كان من عند الآمر أو من عند المأمور؟ فقال ابن القاسم: القول قول المأمور مع يمينه، ويرجع على الآمر (¬1). وقال أيضًا فيمن اشترى لزوجته سلعة أو اكترى لها دابةً وحازت ذلك، فطلب منها الثمنَ، فقالت: دفعتُه إليك. فإن كان نَقَدَ المشتري (¬2) الثمنَ حلفتْ أنها دفعتْه إليه، وإن لم ينقد حلف وأخذ منها، وقال عيسى وسحنون: إلا أن يكون أَشْهَدَ عند النقد أنه ينقد من عنده فيكون القول قوله مع يمينه (¬3). فصل [فيمن دفع إلى رجل سلعة وقال أمرتُك أن ترهنها، وكال المأمور: بل أمرتني أن أبيعها] وقال مالك فيمن دفع إلى رجل سلعة وقال: أمرتُك أن ترهنها، وقال المأمور: بل أمرتني أن أبيعها (¬4) - فالقولُ قولُ الآمر مع يمينه، فاتت أو لم تفت، وإن قال: أمرتُك أن تودعها، وقال المأمور: أن أرهنها- فالقولُ قولُ الآمر مع يمينه (¬5). وقال ابن القاسم في كتاب محمد: إن قال: بعتُها منك، وقال الآخر: أمرتني بأن أبيعها- فالقولُ قولُ صاحبِها مع يمينه. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 227. (¬2) قوله: (المشتري) ساقط من (ق 4). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 227، والبيان والتحصيل: 14/ 135. (¬4) قوله: (أمرتني أن أبيعها) يقابله في (ق 4): (يبيعها). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 281.

قال أصبغ: تفسيره أن يحلف أنه باعه منه، ويأخذ ثوبه إن كان قائمًا، أو قيمته إن كان فائتًا، ما لم تكن القيمة أكثر مما قال أنه باعه به منه. يريد: بعد أن يحلف الوكيلُ أنه ما اشتراها، فإن حلفا جميعًا رُدَّتْ، وإن حلف صاحبها وقال: إنه باعها منه باثني عشر، وقد بيعت بعشرة، غرم المشتري عشرة والمأمور دينارين. وإن نكل صاحبُها وحلف المأمورُ مَضَتْ بعشرة، وإن نكلا جميعًا وكانت قيمته أحد عشر مضت للمشتري بعشرة وغرم المأمور دينارًا. وكذلك إن فاتت حلفا جميعًا، صاحبُها والبائعُ، وغرم البائع دينارًا. وإن حلف أحدهما ونكل البائع غرم دينارين، فإن نكل صاحبُها وحلف البائعُ برئ ولم يكن لصاحبها سوى ما بيعت به. وإن اختلفا في صفتها بعد الفوت كان القولُ قولَ البائع لها مع يمينه في صفتها، ثم يغرم قيمةَ تلك الصفةِ ما لم تكن أقلَّ من عشرة، أو تزيد على اثني عشر، فلا يزاد عليها. وجعل ابن القاسم القولَ قولَ البائع إذا كانت قائمة، وإن كان الآمرُ والمأمورُ متفقين على أن البيع فيها صحيح وأن لا مقال لواحد منهما في رَدَّها؛ لأن المالك يقول: بعتُها منك وبيعك صحيح؛ لأنك بعتَ ملكك. والآخر يقول: بعتُها بوكالة منك. فقد اتفقا على أن بيعها صحيح، إلا أنه لما كان الوكيل مدعًى (¬1) عليه الشراء، وكان القولُ قولَه أنه لم يشترها- لم يبقَ إلا أن يحلف ربُّها أنه لم يبعها منه ويأخذها. ¬

_ (¬1) في (ق 4): (مدعيًا).

باب في الوكالة على بيع الرهن ثم يختلفان فيما رهن فيه

باب في الوكالة على بيع الرهن ثم يختلفان فيما رهن فيه ومَن وَكَّلَ رجلًا يرهن له ثوبًا، فرهنه، ثم قال المُرْتهن: رهنتُه في عشرة، وقال صاحبه والرسول هو في خمسة- فإن كانت قيمتُه عشرةً كان القولُ قولَ المرتهنِ مع يمينه: أنه في عشرة، وكان الآمرُ بالخيار بين أن يفتكَّه بعشرة، أو يسلمه للمرتهن، ثم يعود المقالُ بين الآمر والرسول، فيحلف الرسولُ أنه لم يقبض إلا خمسة؛ لأن يمينَ المرتهن تهمةٌ على الرسول، أن يكون قبض عشرة وأمسك خمسة. فإن نكل غرم خمسة، وليس له أن يرد اليمين على الآمر؛ لأنها يمين تهمة، فإن نكل المرتهن حلف الآمر أنه لم يأمره إلا بخمسة وما أوصل إلا خمسة، ودفع خمسة وأخذ رهنه، ثم لا يكون بين المرتهن والرسول يمين؛ لأن له أن ينكل فيرد اليمين على المرتهن، وهو قد نكل عنها. فإن نكلا جميعًا -المرتهنُ والآمرُ- غرم الآمر عشرة، ثم عاد الأمرُ بين الآمر والرسول حسبما تقدم، فيحلفه لأنه يتهمه أن يكون أمسك خمسة، فإن نكل غرم. وإن قال المرتهن والرسول: هو في عشرة حلفا جميعًا وغرم الآمر عشرة ويبرأ من الرهن، فإن حلف المرتهن ونكل الرسول حلف الآمر أنه لم يوصل إليه إلا خمسة، وغرم خمسة، والرسولُ خمسةً (¬1)، وأخذ رهنَه؛ لأنه إذا خلصت (¬2) الدعوى بين الرسول والآمر كان الرسول المبدَّى؛ لأنه أتى بما يشبه لما كانت قيمة الرهن عشرة، فيقول: أنا أردُّ اليمينَ عليك وأنت قد نكلتَ عنها. ¬

_ (¬1) قوله: (والرسولُ خمسة) ساقط من (ف). (¬2) في (ف): (حصلت).

وإن كانت قيمةُ الرهنِ خمسةً، وقال الآمرُ والرسولُ: هو في خمسة- حلفا ودفع صاحبُه الخمسة وأخذ رهنه. فإن حلف الآمر ونكل الرسول حلف المرتهن أنه دفع إليه عشرة، ويغرمه الخمسة الباقية، فإن نكل فلا شيء له. وإن نكل الآمر حلف المرتهن أنه في عشرة وأخذها، وحلف الرسول للآمر أنه لم يقبض إلا خمسة، فإن نكل غرمها للآمر ولم يكن له أن يرد عليه اليمين؛ لأنها يمين تهمة. وإن قال الرسول: هو في عشرة- حلف الآمر أنه في خمسة وأخذ رهنه. واختُلف في الرسول، فقيل: يغرم خمسة؛ لأنها زائدة على قيمة الرهن. وقيل: يحلف أنه أوصل عشرة ويبرأ؛ لأن المرتهن صدق الرسول أنه أمر بعشرة مع إمكان أن يكذبه الآمر، وقد تقدم ذكر الاختلاف في ذلك في كتاب الوديعة (¬1) فيمن أتى إلى مودعٍ فادَّعى أن صاحبَ الوديعة بعثه لأخذها، ثم أتى صاحبُها فأنكر أن يكون بعثه، فحلف وغرمها المودعَ، هل يرجع المودعَ على من قبضها منه؛ لأن المودِع كذبه وأنكر أن يكون أرسله، أو لا يغرم؛ لأن المودِع صدقه؟ وفي كتاب العارية (¬2) فيمن زعم أنه أرسل ليستعير شيئًا، فزعم أنه فيه رسولٌ، ثم أنكر المُدَّعَى عليه الرسالةَ هل يكون للمعير أن يرجع على الرسول؟ وإذا كان القولُ قولَ الرسول أنه أمر بعشرة فنكل- غرم خمسة؛ لأن يمينه للمرتهن يمين تهمة؛ لأنه يتهمه أنه لم يوصل إلا خمسة. فإن نكل الآمرُ وحلف المرتهن أنه في عشرة غرمها الآمر، ولا يمين للآمر على الرسول؛ لأن الرسولَ يدَّعي على الآمر التحقيق أنه أوصل إليه عشرة- ¬

_ (¬1) راجع كتاب الوديعة، ص: 4994. (¬2) راجع كتاب العارية، ص: 6018.

فله رَدُّ اليمينِ، وهي يمين قد نكل عنها الآمر. وقال محمد: إن قال الراهن: هو في خمسة. وقيمة الرهن عشرة. وقال الرسول: هو في خمسة عشر. وقال المرتهن: هو في عشرين- حلف المرتهن، ثم يحلف صاحب الثوب، ثم إن أحبَّ أخَذَ ثوبَه وغرم عشرة، ثم يكون على الرسول يمينان، ويغرم الخمسة التي زادت على قيمة الثوب، فيحلف يمينًا لصاحب الثوب: أنه أوصل إليه عشرة، ويمينًا للمرتهن: أنه لم يقبض منه عشرين (¬1). وقد تقدم ذكر الاختلاف في الرسول هل يغرم الخمسة؟ وأن لا شيء عليه فيها أحسن. وقال المخزوميُّ فيمن أعار رجلًا ثوبًا ليرهنه لنفسه فرهنه في عشرة، وهي قيمته، فقال ربُّه: لم آذن لك أن ترهنه إلا في خمسة، وقال المرتهن: في عشرة- كان القول قول المُعير مع يمينه (¬2). يريد إذا كان المستعير فقيرًا، فيحلف صاحبه أنه لم يأذن له إلا في خمسة ويغرمها ويأخذ ثوبه؛ لأنه واهبٌ والقول قوله: أنه لم يهب له إلا ما أقرَّ به. كمل كتاب الوكالات بحمد الله وعونه (¬3) ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 237. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 282. (¬3) في (ق 4): (تم السفر السادس بعون الله وتأييده وصلى الله على محمد وآله. يتلوه في السابع باب التجارة إلى أرض الحرب. فرغت من مقابلة هذا السفر بالنسختين يوم الجمعة. . . وعشرين من صفر عام. . . خمسمائة كتبه الفقيه الجليل. . . أطال الله بقاءه وأدام عزه واعتلاءه وحرس حوباءه نعمته المسند إليه أحمد بن عبيد الله).

كتاب الصلح

كتاب الصلح النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ت) = نسخة تازة رقم (234 & 243) 3 - (ر) = نسخة الحمزوية رقم (110)

باب في الصلح والإصلاح بين الناس ومن اشترى عبدا فوجد به عيبا فصالح عليه

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليمًا كتاب الصلح باب في الصلح والإصلاح بين الناس (¬1) ومن اشترى عبدًا فوجد به عيبًا فصالح عليه الأصل في الصلح قول الله -عز وجل-: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: 114]، وقوله -عز وجل-: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 182]. وقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: 35]. وقوله: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 9، 10]. وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه خرج إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم (¬2). ¬

_ (¬1) قوله: (بين الناس) ساقط من (ر). (¬2) الحديث أخرجه البخاري: 1/ 242، في باب من دخل ليؤم الناس فجاء الإمام الأول فتأخر الآخر أو لم يتأخر جازت صلاته، من كتاب الجماعة والإمامة، برقم (652).

وكان لكعب بن مالك على عبد الله بن أبي حَدْرَدٍ دين فلزمه فيه حتى ارتفعت أصواتهما، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يضع الشطر ففعل (¬1). وأتت زوجة ثابت بن قيس (¬2) بن شماس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسأله في فراق زوجها على أن ترد ما أخذت، فأصلح بينهما - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، فأخذ الصداق وأوقع الطلاق عليها (¬3). وهذه أحاديث صحاح أخرجها البخاري ومسلم، وقد تضمنت هذه الآيات (¬4) والأحاديث الإصلاح بين الناس في الأموال والفروج والدماء، وتضمنت الآية (¬5) الأولى وجهين، الأمر بالمعروف، والإصلاح (¬6)، فيبتدأ بين المتنازعين بالأمر (¬7) بالمعروف، ثم الإصلاح عندما يشكل (¬8) أمرهما، فإن (¬9) تبين الحق في جنبة أحدهما كان معه على الآخر، فإن كان طالبًا بلغه إلى حقه، وإن كان مطلوبًا كف الآخر عن ظلمه، وإن تبين له (¬10) أن كل واحد منهما ظالم لصاحبه كف كل واحد منهما ومنعهما (¬11)، وإن أشكل أمرهما ولم يتبين الحق في جنبة من ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري: 1/ 174، في باب التقاضي والملازمة في المسجد، من كتاب أبواب المساجد، برقم (445)، ومسلم: 2/ 1192، في باب استحباب الوضع من الدين، من كتاب المساقاة، برقم (1558). (¬2) قوله: (ابن قيس) ساقط من (ر). (¬3) أخرجه البخاري: 5/ 2022، في باب الخلع وكيفية الطلاق فيه، من كتاب الطلاق، برقم (4973)، (4974). (¬4) في (ف): (الآي). (¬5) قوله: (الآية) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (الأمر بالمعروف والإصلاح) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (بالأمر) ساقط من (ر). (¬8) في (ف): (أشكل). (¬9) في (ف): (فإذا). (¬10) قوله: (له) ساقط من (ت). (¬11) قوله: (كف كل واحد منهما ومنعهما) في (ت) و (ف): (كفهما ومنع كل واحد من الآخر).

هو منهما، حملهما على الصلح إن قدر على ذلك، وإلا وعظهما وخوفهما بالله -عز وجل-. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ رَأَى مِنكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغِّيرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ" (¬1). وكذلك الحكمان في الزوجين (¬2) هما على ثلاثة أوجه: إن تبين الحق في جنبة الزوج، ائتمناه عليها، وإن نشترت ولم تسكن تحته وأحب الفراق، فرق بينهما. وإن كان الحق في جنبتها ورُجي صلاحه ورجوعه عن إساءتها بوعظ فَعَلا، ولم يُعجل بالطلاق، وإلا طُلق عليه. وإن أشكل أمرهما ولم يتبين الحق في جنبة أحدهما ولم يرج الرجوع منهما (¬3)، طلق عليه. وكذلك إذا كان كل واحد غير مؤد لحق الآخر والكلام على الصداق في كتاب الخلع. وإن كان التنازع (¬4) في دماء (¬5) عمل في ذلك على ما في سورة الحجرات، ثم لا يخلو من أن يكون الحق في جنبة إحدى الطائفتين أو كل واحدة منهما ظالمة أو أشكل أمرهما (¬6)، فإن كان الحق مع إحدى الطائفتين (¬7) كان معها على ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم: 1/ 69، في باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان، من كتاب الإيمان، برقم (49). (¬2) في (ف): (الوجهين). (¬3) في (ف): (بينهما). (¬4) في (ف): (الكلام). (¬5) في (ر): (ماء). (¬6) قوله: (أو أشكل أمرهما) يقابله في (ت) و (ر): (وأشكل أحدهما). (¬7) من قوله: (أو كل واحدة منهما. . . الطائفتين) ساقط من (ت).

فصل [فيمن اشترى عبدا ووجد به عيبا]

الأخرى. وإن كان في جنبة الطالبين (¬1) وامتنع الآخرون من الإنصاف، وعظهم وخوفهم أمر الله وأعلمهم أنه يكون مع الطالبين حتى يبلغوا (¬2) حقهم، فإن لم يرجعوا وقدر على أن يأخذ الظالم بعينه أو من قبله ذلك الحق، فعل، وإن لم يقدر (¬3) كانت يده مع الطالبة. وإن تبين أن لا حق للطالبين، منعهم من الطلب. وإن تبين أن (¬4) كل واحدة منهما ظالمة، وعظ جميعهم ليرجعوا، فإن لم يفعلوا (¬5) وكانت له قدرة على منع بعضهم من بعض، فعل وإلا اعتزل الفريقين، وإن أشكل أمرهما وأمكن الإصلاح فعل، وإلا اعتزلهما. فصل [فيمن اشترى عبدًا ووجد به عيبًا] وقال ابن القاسم في من اشترى عبدًا بمائة دينار نقدًا فأصاب به عيبًا والعبد قائم فصالح على عشرة دنانير من سكة دنانيره نقدًا: جاز، ولا يجوز إلى أجل، ولا يجوز أن يصالحه على دنانير من غير سكة دنانيره نقدًا ولا إلى أجل، ويدخله عبد ودنانير بدنانير، وأجاز أن يصالح على دراهم أقل من صرف دينار، ولا يجوز على أكثر، فيدخله بيع وصرف، ويجوز على عرض نقدًا. ولا يجوز إلى أجل، ويدخله فسخ دين في دين؛ لأنه لما ملك الرد والعبد قائم كان (¬6) في جميع ما يفعله من ذلك: بمنزلة من رد ثم اشتراه، وقال أشهب: يجوز أن يصالحه على دراهم أكثر من صرف دينار (¬7). وأصله في الصلح: أنه شراء مرجع وأن العقد الأول على حاله، وإنما ¬

_ (¬1) في (ر): (الطائفتين). (¬2) في (ت): (يبلغهم). (¬3) في (ت) و (ف): (يفعل) (¬4) قوله: (أن) ساقط من (ر). (¬5) في (ت) و (ر): (يفعلا) (¬6) قوله: (كان) ساقط من (ف). (¬7) انظر: المدونة: 3/ 375.

اشترى البائع من المشتري بما أعطاه قيامه بالعيب، وقال: خذ هذا أو (¬1) تمسك ببيعك (¬2) ولا تقم عليَّ. ويجوز أن يصالحه على دنانير نقدًا أو إلى (¬3) أجل من سكة دنانيره أو غيرها، وعلى دراهم أو عرض نقدًا أو (¬4) إلى أجل، وهو أقيس إذا قام بالعيب ولم يقل: رددت، فإن قال: رددت، كان الجواب على ما قاله ابن القاسم (¬5). وقد حكى أبو الحسن بن القصار عن مالك أن قول المشتري: قد رددت- فسْخ للبيع (¬6)، وإن لم يحكم بذلك، وهذ الجواب إذا انتقد البائع الثمن، وإن لم ينتقد المائة دينار (¬7) واصطلحا (¬8) على أن ينتقد البائع تسعين ويؤخره بعشرة إلى أجل أو بدراهم أو بعرض إلى أجل (¬9)، أو يدفع الدنانير من غير سكته (¬10) نقدًا أو إلى أجل، كان الجواب بعكس الأول، فيجوز جميع ذلك على أصل ابن القاسم؛ لأنه يرى (¬11) أن البيع الأول ينفسخ وهذا (¬12) بيع حادث، ولا يجوز على أصل أشهب؛ لأن البيع الأول عنده منعقد، وإنما اشترى قيامه بما (¬13) فعله من التأخير، فإن أخره بعشرة دنانير (¬14)، دخله سلف جر منفعة، كأنه قال له: لا ترد عليَّ ¬

_ (¬1) في (ت): (و). (¬2) في (ت) و (ر): (بعبدك). (¬3) قوله: (إلى) ساقط من (ت). (¬4) في (ر): (و). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 376. (¬6) في (ت) و (ر): (بيع). (¬7) في (ف): (دينارًا). (¬8) في (ت): (أو اصطلحا). (¬9) قوله: (أو بدراهم أو بعرض إلى أجل) ساقط من (ر). (¬10) قوله: (الدنانير من غير سكته) في (ت): (دنانيره من غير سكة). (¬11) في (ت) و (ر): (رأى). (¬12) قوله: (ينفسخ وهذا) يقابله في (ت) و (ر): (منفسخ وهو). (¬13) في (ف): (لما). (¬14) قوله: (دنانير) ساقط من (ت).

فصل [فيما إذا فات العبد بعيب]

وأنا أؤخرك بعشرة دنانير (¬1) من المائة، وإن كان ليأخذ (¬2) عن العشرة دنانير (¬3) دراهم دخله صرف مستأخر، وفي العروض فسخ دين في دين، وفي دنانير من غير سكتها تفاضل، وهو بمنزلة من قال: أبدل لك عشرة هاشمية بعشرة (¬4) عتق على أن تهب لفلان ثوبًا. وإن اصطلحا على أن يقبض البائع المائة، ثم يرد بعد شهر عشرة دنانير من السكة أو غيرها (¬5)، أو يرد دراهم، عاد الجواب إلى ما تقدم في أول المسألة، ولم يجز على قول ابن القاسم، وجاز على قول أشهب (¬6). وإن (¬7) كان الصلح على أن يرد عرضًا، جاز على قوليهما جميعًا (¬8)؛ لأنَّ ابن القاسم يراه (¬9) كابتداء بيع، فيكون بمنزلة من باع عبدًا نقدًا وثوبًا مؤجلًا بمائة نقدًا، وليس كذلك إذا تقدم النقد فيدخله فسخ دين في دين. فصل [فيما إذا فات العبد بعيب] وإن فات العبد أُمِرَ ألا يصطلحا على شيء إلا بعد المعرفة بقيمة العيب (¬10). واختلف إذا اصطلحا قبل المعرفة، فمنعه ابن القاسم في المدونة (¬11)، وأجازه في كتاب محمد (¬12) ورأى أن الصلح إنما يقع في الغالب على ¬

_ (¬1) قوله: (دنانير) زيادة من (ف). (¬2) قوله: (ليأخذ) في (ت): (له أخذ). (¬3) قوله: (دنانير) ساقط من (ر). (¬4) في (ف): (بعشر). (¬5) قوله: (أو غيرها) ساقط من (ت). (¬6) انظر: المدونة: 3/ 375 وما بعدها. (¬7) في (ف): (وإذا). (¬8) قوله: (جميعًا) ساقط من (ف). (¬9) في (ت) و (ر): (رآه). (¬10) في (ر): (العبد). (¬11) انظر: المدونة: 3/ 376. (¬12) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 182 و 183.

فصل [في من باع طوق ذهب فيه مائة دينار فأصاب به عيبا]

أقل من قيمة العيب، فإن كان (¬1) الصلح على ما يرى أنه أقل من قيمة العيب بالشيء البيّن؛ جاز؛ لأنهما خرجا في (¬2) ذلك من حد المكايسة، وهو معروف من المشتري، وهبة المجهول جائزة، وكذلك إذا كان أكثر (¬3) بالشيء البيّن. وإن صالح على دنانير من غير سكته، لم يحملا على الجواز، لما يخشى أن يقعا فيه من الربا، وإن سلما (¬4) فينظر في ذلك، فإن أخذ دون سكته أو مثل ما يستحقه عن العيب أو أقل؛ جاز. وإن كان أجود سكة مثل الوزن أو أكثر، جاز أيضًا. وإن كان أدنى سكة وأكثر وزنًا أو أجود وأدنى وزنًا، لم يجز. وكذلك إن صالح على دنانير مؤجلة قبل المعرفة بقيمة العيب، لم يحملا على الجواز حتى ينظر هل يسلما (¬5) من الربا؟ فإن كانت السكتان والوزن سواء، أو كان الصلح أدنى سكة أو أدنى وزنًا وسكة (¬6)، جاز، وإن كانت سكة الصلح أجود، لم يجزة استوى الوزن أو اختلف. وذكرُ الصلح عن العيب (¬7) المشكوك فيه مذكور فيما بعد إن شاء الله. فصل [في من باع طوق ذهب فيه مائة دينار فأصاب به عيبًا] وقال ابن القاسم في من باع طوق ذهب فيه مائة دينار بألف درهم فأصاب به عيبًا وصالح- عنه على دنانير (¬8) نقدًا: لا (¬9) بأس به؛ لأنه إنما باع ¬

_ (¬1) قوله: (كان) ساقط من (ر). (¬2) في (ر): (من). (¬3) قوله: (أكثر) ساقط من (ر). (¬4) في (ت) و (ر): (يتعداه). (¬5) في (ر): (ولم يتعداه). (¬6) قوله: (وسكة) زيادة من (ف). (¬7) قوله: (عن العيب) ساقط من (ر). (¬8) في (ت): (دينار). (¬9) في (ف): (ألا).

طوقًا ودنانير (¬1) بألف درهم. وإن صالح على دراهم من سكة دراهمه نقدًا؛ جاز. وإن كانت من غير سكته، لم يجز؛ لأنه يصير بيع طوق ذهب ودراهم بدراهم (¬2). وأجرى الجواب على أصله أنه كان مبتدأ صرف. وأجاز أشهب في كتاب محمد أن يصالحه على دراهم من غير السكة، قال: لأن البيع كان على الصحة والنقد، وإنما اشترى البائع الرد بهذه (¬3) الدراهم. ويجوز (¬4) على قوله أن يصالحه على دراهم أو دنانير أو عرض إلى أجل؛ لأن البيع الأول منعقد، وإنما اشترى قيامه بما صالحه (¬5) عليه. وقال سحنون: لا يجوز الصلح بعد الافتراق. قال: بمنزلة من اشترى دينارًا بعشرين درهمًا فأصاب به عيبًا، لم يكن له (¬6) إلا قبوله أو رده، وجعله بمنزلة البدل، وليس الصلح على العيب بمنزلة البدل (¬7)؛ لأن البدل إنما يأخذ الآن (¬8) ما كان انعقد الصرف عليه، وما كان من حقهما فليتناجزا (¬9) فيه وقت المصارفة. ولا يجوز (¬10) مثل ذلك في مسألة الطوق؛ لأنه شيء بعينه، وإنما هو بالخيار بين القبول أو الرد، فإن راضاه (¬11) على ذهب، دفع إليه، أو (¬12) دراهم أو عرض (¬13) فإنهما في ذلك على أحد وجهين، إما أن يكونا كأنهما ابتدءا بيعًا الآن كما قال ابن القاسم، أو شراء مرجعًا كما ¬

_ (¬1) في (ت): (ودينار). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 376. (¬3) في (ف): (لهذه). (¬4) من قوله: (على دراهم من غير السكة. . .) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (بما صالحه) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (له) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (بمنزلة البدل) في (ت) و (ف): (كالبدل). (¬8) قوله: (الآن) ساقط من (ر). (¬9) في (ف): (أن يتناجزا). (¬10) في (ت): (ولا يتجه)، وفي (ف): (ولا نجد). (¬11) في (ف): (أرضاه). (¬12) قوله: (أو) ساقط من (ر). (¬13) قوله: (أو عرض) ساقط من (ر).

قال أشهب، وليس هناك فصل ثالث.

باب في مصالحة الورثة زوجة الميت ومصالحة أحد الورثة غريم ميتهم وفي الصلح على الإنكار

باب في مصالحة الورثة زوجة الميت ومصالحة أحد الورثة غريم ميتهم وفي الصلح على الإنكار ومن هلك (¬1) وخلف زوجة وأولاد أو مالًا- دراهم، ودنانير، وعروضًا، وعقارًا (¬2) فأعطى الأولادُ الزوجةَ من تلك الدنانير، فإن كانت ثمانين (¬3) دينارًا فأعطوها (¬4) عشرة دنانير (¬5) فأقل، جاز، ولا يراعى ما فضل بعد ذلك كان حاضرًا أو غائبًا (¬6)؛ لأن الباقي هبة. واختلف إذا أعطوها العشرة من أموالهم، فمنعه ابن القاسم (¬7) ورآه ربًا، وكأنها باعت نصيبها من الدنانير والدراهم والعروض بهذه العشرة. وأجازه أشهب (¬8)، وهو أحسن إذا كانت الدنانير التي خلفها الميت غائبة عن مجلس المفاصلة؛ لأن القصد في مثل هذا الانحلال منها والإبراء، وأن تتصرف على ألا علقة لها أو (¬9) يغتنموا منها الترك، وليس كذلك إذا كانت حاضرة؛ لأن العدول عنها ليكون (¬10) الدفع من غيرها ظنة (¬11)، إلا أن تكون التي أعطوها ¬

_ (¬1) في (ف): (مات). (¬2) زاد في (ت): (والدنانير ثمانون دينارًا). (¬3) قوله: (فإن كانت ثمانين) يقابله في (ف): (وهم ثمانون). (¬4) من قوله: (من تلك. . . فأعطوها) ساقط من (ت). (¬5) قوله: (دنانير) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (كان حاضرًا أو غائبًا) ساقط من (ر). (¬7) انظر: المدونة: 3/ 377. (¬8) انظر: المدونة: 3/ 377، والنوادر والزيادات: 7/ 170. (¬9) في (ت): (و). (¬10) في (ت) و (ر): (لكون). (¬11) في (ر): (ظنه).

أدنى سكة أو أدنى ذهبًا فيجوز؛ لأنه معروف منها في الوجهين جميعًا. وإن كانت أجود سكة وأجود (¬1) ذهبًا، لم يجز بحال. وإن أخذت من الدنانير التي خلفها الميت أحد عشر دينارًا؛ جاز؛ لأن صرفًا وبيعًا في دينار واحد (¬2) جائزٌ. وقال مالك في "كتاب محمد": لا يجوز الصلح إلا أن يكون حظها (¬3) من الدراهم الدرهمين والثلاثة وما أشبهها (¬4)، قال ابن القاسم: لأنه (¬5) منع اجتماع الصرف والبيع في دينار واحد (¬6)، وإنما جوز هذا مالك لأنه أقل (¬7) الدينار، ومثل ما يشترى بثلثين أو بثلاثة أرباع فيدفع دينارًا فيأخذ فضله ورقًا. ولو كان الورق أكثر الدينار لم يكن فيه خير؛ لأن الصرف لا يكون معه شيء من الأشياء، قال ذلك مالك. انتهى قوله (¬8). ويختلف أيضًا إذا أخذت اثني عشر دينارًا فأكثر؛ لأنه صرف وبيع. وقد اختلف قول مالك فيه إلا أن يكون الذي ينوبها من الدراهم الشيء اليسير، ومن (¬9) العروض مثل ذلك، وكل هذا إذا لم يكن في التركة شيء (¬10) غائب، وإن كان منها شيء غائب أو دين على حاضر، لم يجز ذلك بحال. ¬

_ (¬1) في (ت) و (ف): (أو أجود). (¬2) قوله: (واحد) ساقط من (ت) و (ف). (¬3) في (ت): (حظهما). (¬4) قوله: (والثلاثة وما أشبهها) يقابله في (ف): (والثلاث وما أشبهه). (¬5) قوله: (لأنه) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (واحد) ساقط من (ف) وفي (ت): (وقال). (¬7) قوله: (أقل) ساقط من (ف). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 389، وما بعدها. (¬9) في (ت): (أو من). (¬10) قوله: (شيء) ساقط من (ر).

فصل [في مصالحة الورثة الزوجة على عرض]

فصل [في مصالحة الورثة الزوجة على عرض] وإن صالحوها على عرض (¬1) من أموالهم ليس من تركة الميت، جاز إذا لم يكن من التركة شيء غائب؛ لأنها باعت نصيبها من الدنانير والدراهم والعروض بذلك العرض. وكذلك إذا كان الغائب قريب الغيبة في موضع يجوز فيه النقد. وإن كان بعيد الغيبة ونقد ما ينوب الحاضر ووقف ما ينوب الغائب؛ جاز. واختلف إذا كان الغائب أقل الصفقة، فقيل: المعاوضة جائزة، ويقبض جميع العرض، فإن هلك الغائب غرمت ينوبه من (¬2) العرض ولم ترد (¬3) ما ينوبه وإن كان قائمًا. وقيل: يوقف ما ينوب الغائب، فإن سلم الغائب قبضته (¬4)، وإن هلك رجعت (¬5) على الورثة فيما وقف له. وعلى القول الأول أن الحكم نقد ما ينوب الغائب فإنه يرجع بالقيمة؛ لا يجوز وقفه؛ لأن كل ما (¬6) يجوز نقده لا يجوز إيقافه. وقد يستخف ذلك إذا نزل للاختلاف فيه. وإن كان الغائب جل الصفقة، لم يجز أن يشترط انتقاد الثوب، ولا ما ينوب الحاضر منه؛ لأن الشركة (¬7) عيب، واستحقاق جل الصفقة عيب. فإذا اشترط انتقاد ما ينوب الحاضر، فقد دخل على أنه إن كان سالمًا من العيب وهو زوال الشركة (¬8) أخذه، فإن كان معيبًا وهو إذا رجع إلى الورثة جل الحاضر لم ¬

_ (¬1) في (ت): (عروض). (¬2) في (ر): (ما ينوب). (¬3) في (ر): (يزد). (¬4) في (ت): (قبضه). (¬5) في (ت): (رجع). (¬6) في (ت) و (ف): (ما لا). (¬7) في (ف): (الشرك). (¬8) في (ف): (الشرك).

يقم بعيب. وإن صالحوها على عرض من تركة الميت، كان لها أن تتصرف في ثُمنها (¬1) وهو نصيبها منه (¬2)، ثم ينظر إلى ما ينوبه من الحاضر، فيكون لها أيضًا أن تتصرف فيه ويوقف ما ينوب الغائب؛ لأن هذا العرض قد كان فيه شريكًا (¬3) قبل، فليس لواحد من المرأة ولا من (¬4) الولد أن يقوم بعيب الشركة؛ لأنه المتقدم. فإن صالحوها (¬5) على شيء مما يكال أو يوزن، جاز، وينتقد ما ينوب الحاضر، ويوقف ما ينوب الغائب، إلا أن يكون الغائب جل ما تصالحا به (¬6) عليه، فيوقف الحاضر، وإن شرطوا نقد الحاضر، لم يجز. وإن كانت تركة الميت دراهم وعروضًا فصالحوها (¬7) على دراهم من تركة الميت، جاز وإن كثرت الدراهم إذا لم يكن من التركة شيء غائب، وإن كان من التركة (¬8) شيء غائب (¬9) وهو أقل الصفقة، جاز وكان لها أن تقبض ما ينوب الحاضر، وإن كان الغالب جل الصفقة، لم يجز أن يشترطوا نقد الحاضر، ولم يكن لها أن تقبض ذلك بغير شرط. وإن كانت تركة الميت ديونًا (¬10) حالَّة أو مؤجلة فأعطوها من أموالهم مثل ¬

_ (¬1) في (ف): (ثمنه). (¬2) قوله: (منه) زيادة من (ف). (¬3) في (ف): (قد كانا فيه شركاء)، وفي (ر): (قد كان وفيه شركاء). (¬4) قوله: (من) ساقط من (ت) و (ف). (¬5) في (ت) و (ر): (صالحه). (¬6) قوله: (به) ساقط من (ر) و (ف). (¬7) في (ر): (وصالحوا). (¬8) قوله: (من التركة) يقابله في (ف): (منها). (¬9) قوله: (وإن كان من التركة شيء غائب) ساقط من (ت). (¬10) قوله: (ديونًا) ساقط من (ر).

ما ينوبها من الدين على (¬1) وجه السلف على أنهم يطلبون (¬2) الغرماء، فإن أخذوا وإلا رجعوا عليها، جاز. وإن كان ذلك لتحيّلهم (¬3) على الغرماء، لم يجز على قول ابن القاسم؛ لأنه يرى الحوالة بيعًا، وأجازه أشهب وسحنون. وهو أحسن؛ لأن الحوالة معروف، وكذلك إذا كانت تركة الميت طعامًا من قرض أو بيع (¬4) فأعطوها مثل نصيبها منه يجوز على وجه القرض، فإن أخذوا ذلك من الغريم وإلا رجعوا عليها، ولا يجوز على وجه الحوالة عند ابن القاسم، ويجوز على قول أشهب وسحنون، ولا بأس أن يعطوها في نصيبها إذا كان الطعام من سلم ما ينوبها من رأس المال على وجه التولية. وقال مالك في شريكين كانا يعملان في حانوت فافترقا على إن أعطى أحدهما دنانير لصاحبه ويسلم له ما في الحانوت وفي الحانوت (¬5) شركة متاع ودنانير ودراهم وفلوس: لا خير فيه (¬6). ¬

_ (¬1) في (ت): (فعلى) (¬2) في (ت): (أنهم يعطوا). (¬3) في (ت): (ليحيلهم). (¬4) قوله: (أو بيع) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (وفي الحانوت) ساقط من (ر). (¬6) انظر: المدونة: 3/ 378.

فصل [فيما إذا صالحت الزوجة الأولاد على مال ثم قدم ولد آخر]

فصل [فيما إذا صالحت الزوجة الأولاد على مال ثم قدم ولد آخر] قال ابن القاسم في "العتبية": إن صالحت الزوجة الأولاد على مال ثم قدم ولد آخر، فالصلح ماض ويأخذ الولد القادم حقه منهم أجمعين (¬1)، إن كان له السدس أخذ السدس من يد كل واحد، وكذلك (¬2) الخمس والربع (¬3). يريد: إذا أجاز القادم، فإن كان الأولاد (¬4) ثلاثة وهو الرابع، أخذ ربع ما بقي (¬5) في يد (¬6) إخوته، وإن لم يجز، نُقِضَ الصلح وأخذت ثُمنها وأخذ القادم ربع الباقي، وعلى قول أشهب وسحنون، يأخذ القادم من يد الزوجة ربعه إلا ثمن الربع (¬7)، وهو ما ينوب الزوجة مما يأخذه منها (¬8)، ويأخذ من يد (¬9) إخوته ربع ما في أيديهم بعد ثمن الزوجة منه، وترجع الزوجة على الذين صالحوها بتمام ثمنها من أصل التركة، وهذا إذا كانوا معترفين أنها زوجة وإنما بايعوها في ثمنها. وإن قالوا: مات وأنتِ (¬10) غير زوجة لأنه طلقك وبِنْتِ، أو (¬11) كان نكاحك (¬12) فاسدًا فأجاز القادم الصلح، رجع على إخوته بربع (¬13) ما في أيديهم ولا شيء له على الزوجة، وإن أنكر مثل ما أنكر إخوته، فإن أثبت ما ¬

_ (¬1) في (ف): (جميعًا). (¬2) قوله: (وكذلك) ساقط من (ر). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 14/ 206. (¬4) في (ت) و (ر): (الولد). (¬5) قوله: (بقي) ساقط من (ت) و (ف). (¬6) قوله: (يد) زيادة من (ف). (¬7) قوله: (إلا ثمن الربع) ساقط من (ر). (¬8) قوله: (مما يأخذه منها) ساقط من (ر)، وفي (ف): (مما يأخذه). (¬9) قوله: (يد) زيادة من (ف). (¬10) قوله: (وأنتِ) ساقط من (ر). (¬11) في (ت): (و). (¬12) في (ت) و (ر): (نكاحًا). (¬13) زاد في (ف): (جميع).

فصل [في الصلح الجائز والحرام والمكروه]

كان ادّعاه إخوته وأنها غير وارثة؛ أخذ ربعه كاملًا من يدها ومن أيديهم، وإن لم يثبت ذلك، بقيت على أنها زوجة غير مطلقة وعلى أن النكاح كان صحيحًا ولها ربع الثمن كاملًا، وهو ما (¬1) ينوب الغائب، والصلح ماض فيما ينوب الحاضرين. وإن قال: لم تكن زوجة، كان له أن ينتزع ما بيدها من نصيبه (¬2)، إلا أن تثبت هي الزوجية، أو يكون لسماع فاش أنها زوجة (¬3). فصل [في الصلح الجائز والحرام والمكروه] وقال ابن القاسم في من (¬4) ادعى على (¬5) رجل بمائة دينار (¬6) فأنكر فصالحه على خمسين إلى أجل: جاز (¬7). وقال في "العتبية": لا خير فيه، وهو سلف جر منفعة (¬8). وقال مالك فيمن أقام شاهدًا بعشرة دنانير، فقال للمدعى عليه اطرح عني اليمين وأؤخرك بها (¬9) سنة: ليس بحسن. قال: أرأيت إن قال: أعطيك عرضًا؟ (¬10). قال الشيخ -رحمه الله-: التأخير في الحقيقة سلف جر منفعة، والمنفعة إسقاط ¬

_ (¬1) في (ر): (بها). (¬2) قوله: (من نصيبه) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (لسماع فاش أنها زوجة) يقابله في (ف): (سماعًا فاشيًا أنها زوجته). (¬4) في (ر): (فإن). (¬5) قوله: (على) ساقط من (ر). (¬6) في (ف): (درهما). (¬7) انظر: المدونة: 3/ 396. (¬8) انظر: البيان والتحصيل: 10/ 498. (¬9) قوله: (بها) ساقط من (ر) و (ف). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 171.

اليمين، إلا أنه إنما انتفع بأن دفع عن نفسه (¬1) ظلمًا؛ لأن المدعي يقول: دعواي حق، وقد كان عليه أن يعجل الدفع (¬2) الآن فظلمني بالمطالبة (¬3) باليمين فافتديت بالصبر من اليمين بحقي، فإنما انتفع بأن رفع ظلما (¬4)، وذلك جائز (¬5). واختلف في الصلح الحرام والمكروه إذا نزل هل يفسخ (¬6) أو يمضي؟ فقال مطرف في "كتاب ابن حبيب": إذا كان الصلح حرامًا صراحًا فسخ (¬7) أبدًا ويرد إن كان قائمًا أو (¬8) القيمة إن كان فائتًا (¬9)، وإن كان من الأشياء المكروهة كان ماضيًا. وقال ابن الماجشون: إن كان حرامًا فسخ أبدًا، وإن (¬10) كان مكروهًا فسخ إذا كان (¬11) بحدثان وقوعه، فإن طال أمره (¬12) مضى. وقال أصبغ: يجوز حرامه ومكروهه وإن كان بحدثان وقوعه (¬13)؛ لأنه لو صالح عن (¬14) دعوى على شقص لم تكن فيه شفعة، وهذا في الحكم، وأما فيما بينه وبين الله تعالى فلا يجوز أن يأخذ إلا ما يجوز في التبايع. قال: أوتي علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بكتاب صلح (¬15) فقرأه، ثم قال: هذا حرام ولولا أنه صلح لفسخته (¬16). وأرى إذا قال المدعي: في عليك عشرة أقفزة قمحًا، وقال الآخر: هي ¬

_ (¬1) زاد في (ف): (اليمين). (¬2) في (ف): (الحق). (¬3) في (ت): (فطلبني). (¬4) في (ت) و (ر): (دفع الظلم). (¬5) قوله: (وذلك جائز) زيادة من (ف). (¬6) قوله: (يفسخ) ساقط من (ر). (¬7) في (ر): (فسد). (¬8) في (ر): (و). (¬9) في (ت) و (ر): (قائمًا). (¬10) قوله: (أبدًا وإن) في (ت): (إذا). (¬11) قوله: (إذا كان) زيادة من (ف). (¬12) في (ف): (أمده). (¬13) من قوله: (فإن طال أمره مضى. . .) ساقط من (ر). (¬14) في (ت): (من)، وفي (ر): (على). (¬15) قوله: (بكتاب صلح) في (ف): (بكتاب بصلح)، وفي (ر): (بصلح). (¬16) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 167، 168، والبيان والتحصيل: 14/ 209، 215، وما بعدها.

شعير، فاصطلحا على ثمر (¬1) أو دنانير إلى أجل، أن يفسخ أبدًا لأنهما متقارران (¬2) على أن الصلح انعقد على فساد. وكذلك إذا قال المدعي: عشرة دنانير عتق. وقال الآخر: هاشمية. أو قال المدعي: عشرة هاشمية. وقال الآخر: دراهم، فاصطلحا على خمسة عتق (¬3)، فإن ذلك يفسخ أبدًا؛ لأن الصلح فاسد على قول كل واحد منهما (¬4) بانفراده، فييرجعان إلى الدعوى. وإن قال المدعي: لي (¬5) عشرة أقفزة قمحًا، وقال المدعى عليه: ليس لك (¬6) عندي شيء، فاصطلحا على ثمر (¬7) إلى أجل أو دراهم إلى أجل، أن يمضي الصلح. وعلى هذا محمل قول أصبغ، ولا يفسخ؛ لأن المدعى عليه يقول: إنما اشتريت يميني بما أعطيتك (¬8) إلى أجل، وليس لك قبلي شيء. فكيف يفسخ على دعوى من لم (¬9) يعترف له (¬10) بشيء؟ وفي ذلك ظلم عليه، فإذا حل الأجل أخذ ذلك من المدعى عليه فاشترى به (¬11) للطالب الصنف الذي ادعاه، فإن لم يوف لم (¬12) يكن له غيره، وإن فضل شيء يرد (¬13) للمدعى عليه. وكذلك إن ادعى زيتًا فصالحه (¬14) على زيتون إلى أجل، لم يفسخ، فإذا حل الأجل، قبض الزيتون وعصر (¬15)، فإن وفى وإلا كان النقص ظلمًا على الطالب، ¬

_ (¬1) في (ف): (تمر). (¬2) في (ف): (مقران). (¬3) قوله: (عتق) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (منهما) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (لي) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (لك) ساقط من (ر). (¬7) في (ف): (تمر). (¬8) قوله: (بما أعطيتك) يقابله في (ت) و (ر): (يميني بمال أعطيتكه). (¬9) قوله: (لم) ساقط من (ر). (¬10) قوله: (له) ساقط من (ر). (¬11) قوله: (به) ساقط من (ت). (¬12) قوله: (لم) ساقط من (ف). (¬13) في (ف): (رد). (¬14) في (ف): (صالحوه). (¬15) قوله: (و) ساقط من (ف).

فصل [فيما إذا اقتضى أحد دائنين دينه دون صاحبه من الغريم]

وإن فضل شيء رد إلى المطلوب. وقال ابن القاسم فيمن ادعى حقًا فصالح على ثوب على أن يصبغه (¬1)، أو على عبد يكون فيه بالخيار ثلاثة أيام: إنه فاسد. وعلى القول الآخر: يمضي ولا يرد (¬2). فصل [فيما إذا اقتضى أحد دائنين دينه دون صاحبه من الغريم] وإن كان لرجلين على رجل دين فاقتضى أحدهما نصيبه دون صاحبه، كان في اقتضائه على خمسة أوجه: فإما أن يقتضي حقه بإذن شريكه، أو بغير إذنه وقد لدَّ عليه في الاقتضاء فأذن له السلطان، أو كان إذن السلطان له والشريك غائب، أو لم يرفع إلى السلطان وأعلم (¬3) شريكه، أو اقتضى بغير علمه ولا إذن السلطان. فإن اقتضى بإذن الشريك أو بإذن السلطان لغيبة الشريك (¬4) أو لدده، لم يكن لشريكه عليه (¬5) رجوع، وسواء بقي الغريم على اليسر أو افتقر أو غاب أو مات. وإن اقتضى بغير إذنه إلا أنه أعلمه بأنه (¬6) يقتضي وسأله أن يقتضي (¬7) معه فأبى، لم يدخل معه فيما اقتضى بعد ذلك. وقال ابن القاسم في شريكين في دين على غائب فطلب أحدهما صاحبه أن ¬

_ (¬1) في (ر): (يصنعه). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 396. (¬3) في (ر): (أو أعلم). (¬4) قوله: الغيية (لشريك) في (ر): (كالشريك). (¬5) قوله: (عليه) ساقط من (ر). (¬6) في (ر): (بإذنه). (¬7) قوله: (وسأله أن يقتضي) ساقط من (ف).

يخرج معه للاقتضاء فأبى فخرج الآخر واقتضى، قال: إذا أعذر إليه فترك الخروج معه رضًا لما يقتضي دونه، ألا ترى أنه لو رفعه (¬1) إلى السلطان لأمره بالخروج فإن فعل وإلا خلى السلطان بينه وبين الاقتضاء (¬2). وقوله: ذلك رضًا، ليس بالبيّن؛ لأنه إنما لدَّ عن الخروج ولم يرض. وقوله: إنه لو رفع إلى السلطان لم يفعل أكثر من ذلك، حسن. واختلف إذا كان الغريم حاضرًا فاقتضى بغير علمه، فقال مالك وابن القاسم: يكون المقتضى (¬3) بينه وبين شريكه إن شاء (¬4). وقال مالك في كتاب السلم الثاني في رجلين أسلما إلى رجل في حنطة أو ثياب فاستقاله أحدهما، أو ولى حصته رجلًا آخر (¬5)، قال: لا بأس بذلك وإن لم يرض شريكه، وليس للشريك على شريكه حجة فيما قال (¬6). وقال سحنون: لا يقبل إلا بإذن شريكه (¬7)؛ لأنه لا يجوز له أن يقتضي (¬8) دون شريكه. قال: وكل دين كان بين رجلين اشتركا فيه بتراضٍ منهما لم يصر لهما بميراث ولا من جناية (¬9)، فليس لأحدهما أن يأخذ منه شيئًا دون شريكه (¬10)، فإن فعل دخل معه فيه (¬11). ¬

_ (¬1) في (ت) و (ر): (لو دفعه). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 380. (¬3) في (ر): (القضاء). (¬4) قوله: (إن شاء) ساقط من (ف). وانظر: المدونة: 3/ 380. (¬5) قوله: (آخر) ساقط من (ف). (¬6) في (ف): (أقال). وانظر: المدونة: 3/ 118. (¬7) من قوله: (وليس للشريك على شريكه. . .) ساقط من (ر). (¬8) في (ف): (يتقاضى). (¬9) قوله: (ولا من جناية) ساقط من (ف). (¬10) من قوله: (قال: وكل دين كان. . .) ساقط من (ر). (¬11) قوله: (معه فيه) في (ت) و (ف): (عليه).

وقال ابن عبدوس: قلت له فإن دخل عليه وشاركه فيما أخذ، كان قد أقال من بعض نصيبه فيصير بيعًا وسلفًا فتبطل الإقالة؛ فلا يجوز (¬1) إلا برضا من صاحبه فيقيلانه جميعًا. قال: فرأيته يفرق بين ما اشتركا فيه وما صار لهما بميراث أو بجناية؛ لأن هذا قد اشتركا فيه بالرضا منهما (¬2)، والآخر لم يتراضيا بشركتهما (¬3) فيه (¬4). والذي أختاره من هذه الأقوال: أن يكون للشريك ما اقتضى ولا يكون لصاحبه أن يرجع عليه بشيء؛ لأنه في ذلك على أحد وجهين: إما أن يقدر أن الدين كالعين، أو كالعرض. فإن قدّرته كالعين، كان له أن يأخذ نصيبه منه؛ وهذا الخلاف راجع إلى الخلاف في العين يكون بين الشريكين فيقسم أحدهما لنفسه ويأخذ نصيبه بغير علم شريكه، فاختلف فيه، فأصل ابن القاسم في هذا أنه لا تصح قسمته وما أخذ فبينهما (¬5)، وإن ضاق (¬6) الباقي فهو بينهما. وقال أشهب: له أن يقسم لنفسه. وقد مضى الكلام على هذا في "كتاب الزكاة" هل يزكي الوصي نصيب الأصاغر قبل مقاسمة الأكابر؟ فإذا قلت: إنه ليس له أن يقسم العين لنفسه، كان ما اقتضاه بينه وبين شريكه، وسواء كان ذلك بشراءٍ أو بميراث، وإذا قلت: له أن يقاسم لنفسه، كان ما اقتضى له دون شريكه في الوجهين جميعًا، أعني: الشراء والميراث، إلا أن يكون للناس في الشراء عادة أنهما يدخلان على أنه لا يقتضي أحدهما دون صاحبه شيئًا. ¬

_ (¬1) في (ف): (فلا تجوز). (¬2) قوله: (منهما) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (بشركتهما) ساقط من (ف). (¬4) إلى هنا انتهت نسخة فرنسا. (¬5) في (ر): (منهما). (¬6) في (ر): (ضاع).

فصل [فيما إذا باع أحد الشريكين نصيبه من أجنبي]

والصواب: إذا كان الذي قبله الدين موسرًا، أن يكون هذا ما اقتضى دون شريكه. فصل [فيما إذا باع أحد الشريكين نصيبه من أجنبي] وعلى هذا يكون الجواب (¬1) إذا باع نصيبه من أجنبي (¬2)، فعلى من أجاز له أن يقتضي دون شريكه يجيز (¬3) له أن يبيع نصيبه ويكون ما باع له خاصة، وهو قول مالك في كتاب "السلم الثاني" أنه أجاز له أن يولي نصيبه. وعلى من منع أن يقتضي دون شريكه يكون البيع على وجهين، فإن قال له: نبيع منك نصيبي، وعندهما -أعني البائع والمشتري- أن للمشتري أن يقتضي من الشريك، يصح ما قاله في الكتاب أي أن يكون المبيع على الشركة. وكذلك في "كتاب محمد" إذا باع من أجنبي أن المبيع (¬4) على الشركة، وكذلك (¬5) إن باع نصيبه على أن (¬6) المشتري يحل محل البائع ويكون اقتضاؤه مع الشريك ولا يقتضي دونه، فيكون البيع جائزًا ويكون البائع قد باع نصيبه خاصة، ولا يدخل عليه شريكه فيما باع. وقد أبان هذا الأصل أشهب في "مدونته" فقال في كتاب القسم: إذا كان عبد بين رجلين فباع أحدهما نصيبه منه، فلا يكون لشريكه إذا جاء (¬7) أن يقول: بعت نصف العبد وهو بيني وبينك فنصف الثمن بيني وبينك. وليس بمنزلة الطعام يكون بين الرجلين فيبيع أحدهما نصف الطعام بكيله لصاحبه، وذلك ¬

_ (¬1) في (ر): (الكلام). (¬2) في (ت): (إنسان). (¬3) في (ر): (يجوز). (¬4) قوله: (أن المبيع) ساقط من (ت). (¬5) قوله: (وكذلك) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (أن) ساقط من (ت). (¬7) قوله: (إذا جاء) في (ت): (إذن).

لأن الطعام كانت فيه المقاسمة قبل البيع فلم يقاسمه حتى باع نصف الطعام وهو بينه وبين هذا، والعبد ليست فيه المقاسمة (¬1). انتهى كلام أشهب. فجعل الطعام لما كان ينقسم وباع النصف على أن يكيله للمشتري وهو ليس إليه المقاسمة، فكان المكيل على الشركة والثاني على الشركة، وإذا كان ذلك كان ثمن المبيع على الشركة، إلا أن يحب الذي لم يبع أن يمضي له ذلك، ولو أنه باع حظه من الطعام على أنه لا يكيل للمشتري ذلك النصيب، وقال: تحل فيه محلي وتكون (¬2) شريكًا معه فيه تبيعان جميعًا أو تقسمان جميعًا، لكان ذلك (¬3) كالعبد وكان المبيع له خاصة ولا يدخل شريكه عليه بشيء. وعلى هذا يكون (¬4) الجواب في بيع الدين إن قال له: تكون شريكًا له وتقتضي معه (¬5)، أو قال له: لا تكون شريكًا وتقتضي بانفرادك. وكذلك إذا باع نصيبه من الغريم، وإنما (¬6) يقصد أنه يسقط عنه من الدين حصة البائع وتخلى ذمته. ولو باع على أن الغريم يكون شريكًا لمن لم يبع حتى يخرجه من (¬7) الذمة فيبيعانه ويقسمانه أو يتراضيان على قسمته وهو في الذمة، لم يدخل من لم يبع على البائع بشيء. وإذا كان الغريم المشتري، كان أبين أنه لا يدخل الشريك على البائع (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 425. (¬2) قوله: (محلي وتكون) في (ر): (محله ويكون). (¬3) قوله: (ذلك) ساقط من (ر). (¬4) بعدها في (ت): (هذا). (¬5) قوله: (معه) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (إنما) ساقط من (ت). (¬7) من قوله: (الدين حصة البائع. . .) ساقط من (ر). (¬8) من قوله: (وهو في الذمة. . .) ساقط من (ر).

فصل [فيما إذا باع أحد الشريكين نصيبه من الدين ودخل عليه من لم يبع]

فصل [فيما إذا باع أحد الشريكين نصيبه من الدين ودخل عليه من لم يبع] فإذا باع منه (¬1) نصيبه من الدين ودخل عليه من لم يبع على قوله في المدونة، فلا خلاف أنه يقاسمه نصفين. واختلف في الرجوع، فقال مرة: إنهما يرجعان جميعًا، وهو قوله ها هنا وقاله في "كتاب المديان" (¬2). وقال أيضًا: إنه يرجع من لم يقبض (¬3) على الغريم، فإذا اقتضى نصيبه، رد على من اقتضى قيمة العرض الذي أخذه منه يوم أخذه من الغريم. وكذلك لو كان دينًا مائة دينار فاقتضى أحدهما نصيبه وهو خمسون فرجع عليه بخمسة وعشرين على أنه من أوجب الرجوع، فاختلف فيه أيضًا كيف يكون (¬4) رجوعهما؟ فقال مرة: يرجعان جميعًا على الغريم كل واحد منهما بخمسة وعشرين دينارًا (¬5). وعلى القول الآخر: يرجع الذي لم يقتض على الغريم، فإذا استوفى ذلك من ذمته؛ أخذ منها شريكه نصيبه وهو خمسة وعشرون، وإذا أخذ خمسة وعشرين دينارًا أخذ منها شريكه نصفها، وهو اثنا عشر ونصف دينار (¬6). وهكذا ما أخذ من قليل أو كثير. فوجه قوله: إنهما يرجعان جميعًا؛ لأن ما اقتضاه أحدهما نصفه له ونصفه ¬

_ (¬1) قوله: (منه) ساقط من (ر). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 382. (¬3) قوله: (من لم يقبض) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (يكون) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (دينارًا) ساقط من (ت). انظر: المدونة: 3/ 382. (¬6) قوله: (دينار) ساقط من (ر).

فصل [فيما إذا أفلس الشريك الثاني]

لشريكه الذي لم يقتض والباقي في الذمة بينهما، وإذا كان ذلك وجب أن يرجعا جميعًا في الذمة على أصل الشركة. وأما قوله: إنه يرجع الذي لم يقتض فيكون هو المقتضي وحده، فلأن المقتضي الأول يقول: أنا قد تكلفت الاقتضاء في النصف، وأنت قد أخذت نصف ما في يدي ولم تكن تصل إلى ذلك إلا بكلفة ومشقة، وإذا كان ذلك وجب أن ترجع أنت وتقتضي ذلك (¬1). وقد اختلف في هذا الأصل فيمن تعدى على مال إنسان فعمل فيه عملًا ليس له عين قائمة، مثل: أن يخيط له ثوبًا، أو يسقي له حائطًا، أو ما أشبه ذلك (¬2) مما لم يكن يستغني عن فعله، هل يكون له عنه (¬3) عوض، أم لا؟ فإذا قلتَ: لا عوض في ذلك، رجعا جميعًا. وعلى (¬4) القول الآخر: يقتضي الشريك الآخر ما بقي له في الذمة، فيكون قد عوضه على اقتضائه ولم يجعل على الثاني أجرة؛ لأنه لم يكن مما يدفع فيه أجرة. فصل [فيما إذا أفلس الشريك الثاني] ولو أفلس الشريك الثاني لكان من اقتضى أحق بنصيبه الذي يستحقه من غرمائه؛ لأن حقه معلق بذلك الدين. فإن نوى ما على الغريم، لم يكن له شيء. وإذا كان حقه معلقًا بعين ذلك الدين، لم يدخل معه الغرماء. وإذا اقتضى بعض ¬

_ (¬1) قوله: (ذلك) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (أو ما أشبه ذلك) ساقط من (ت). (¬3) قوله: (عنه) ساقط من (ر). (¬4) في (ر): (وعد).

حقه ووضع بعضًا، فهو على أربعة أوجه: إما أن يحط البعض ثم يقتضي الباقي، أو يقتضي على الحط (¬1)، أويقتضي على جملة حقه ثم يحط قبل أن يقوم على صاحبه، أو بعد أن قام عليه وقاسمه. فإن كان حظه من ذكر الدين خمسين يحط عشرة ثم اقتضى الأربعين، كانت الأربعون بينهما أتساعًا. وكذلك إذا اقتضى على الحط، فقال: أقتضي أربعين على أن أترك لك عشرة، فإن اقتضى أربعين فلما بقيت عشرة تركها (¬2). ¬

_ (¬1) في (ر): (الحق). (¬2) في (ر) إلى ها هنا انتهى كلام الشيخ -رحمه الله- من كتاب الصلح والحمد لله وحده، ويقابله في (ت): (هذا الذي تحصل في الأم وذكر أنه الذي في مسودة الشيخ).

كتاب المساقاة

كتاب المساقاة النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ت) = نسخة تازة رقم (234 & 243)

باب القول في جواز المساقاة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليمًا كتاب المساقاة باب القول (¬1) في جواز المساقاة الأصل في ذلك حديث ابن عمر قال: "عَامَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى شَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ، ثُمَّ كَانَ الأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرٍ مِنْ خلافَةِ عُمَرَ، ثم أجلاهم عمر إلى تيماء وأريحاء" (¬2)، وقال أيضًا: لما ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على خيبر كانت الأرض لله ولرسوله، فأراد إخراج اليهود منها، فسألت اليهود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقرهم بها على أن يكفوا نخلها ولهم (¬3) نصف الثمرة، فقال لهم: "نُقِرُّكُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا" (¬4). ¬

_ (¬1) قوله: (القول) ساقط من (ف). (¬2) أخرجه البخاري: 2/ 797، باب إذا استأجر أرضًا فمات أحدهما، من كتاب الإجارة برقم (2165). (¬3) في (ت): (وله). (¬4) متفق عليه أخرجه البخاري: 2/ 824، باب إذا قال رب الأرض أقرك ما أقرك الله، من كتاب المزارعة، برقم (2213)، ومسلم: 3/ 1186، باب المساقاة والمعاملة بجزء من الثمر والزرع، من كتاب المساقاة، برقم (1551).

فصل [في ما تجوز فيه المساقاة]

وحديث أبي هريرة قال: "قالت الأنصار (¬1) للنبي - صلى الله عليه وسلم -: اقْسِمْ بَيْنَنَا وَبيْنَ إِخْوَانِنَا مِنَ (¬2) المُهَاجِرِينَ النَّخِيلَ، فَقَالَ: "لاَ، تَكْفُونَا المَئُونَةَ وَنُشْرِكُكُمْ فِي الثَّمَرَةِ". فَقَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا. فَكَانَتْ فِي أَيدِيهِمْ عَلَى ذَلِكَ" أخرجه البخاري في كتاب الشروط وغيره (¬3). فصل [في ما تجوز فيه المساقاة] والمساقاة تجوز على النصف حسبما ورد في الحديث (¬4)، وعلى الثلث والربع، وأكثر من ذلك وأقل؛ لأنها مبايعة، فجاز أن تكون من الرخص والغلاء على ما يتراضيان عليه؛ ولأن الحوائط تختلف في الأعمال، فمنها ما يقل تكلفه فيه فيقل جزؤه، ومنها ما يكثر تعبه فيه فيكثر جزؤه. وقال مالك: لا بأس أن تكون المساقاة على أن جميع الثمرة للعامل (¬5). قال ابن القاسم: لأنه إذا جاز أن يترك بعض الثمرة بالعمل جاز أن يتركها كلها (¬6). قال مالك في كتاب ابن حبيب: وذلك أن من الحوائط ما لو اشترط ¬

_ (¬1) قوله: (قالت الأنصار) يقابله في (ف): (قال الأنصاري). (¬2) قوله: (من) ساقط من (ت). (¬3) زاد في (ت): (ومسلم)، والحديث أخرجه البخاري: 2/ 969، باب الشروط في المعاملة، من كتاب الشروط، برقم (2570)، و 2/ 819، في باب إذا قال اكفني مؤونة النخل أو غيره وتشركني في الثمر، من كتاب المزارعة، برقم (2200). (¬4) انظر الحديث في أول الباب وتخريجه. (¬5) انظر: المدونة: 3/ 567. (¬6) انظر: المدونة: 3/ 562.

صاحبه من ثمرته شيئًا لم يجد من يساقيه عليه (¬1)، ولا يقوى هو على عمله، وإن تركه هلك ومساقاته كله أنفع له بعد (¬2) اليوم. انتهى قوله. فعلى تعليله تكون مساقاة حقيقة، ويجبر العامل على العمل أو (¬3) يستأجر من يعمل إلا أن يقوم دليل على أنه أراد الهبة لقلة المؤنة وكثرة الخراج، فلا يجبر على العمل، ويجري على أحكام الهبة، ومتى أشكل الأمر حملا على المعاوضة، لقوله: أساقيك ورب الحائط أعلم بمنافعه وبمصلحة ماله، والله أعلم. ¬

_ (¬1) قوله: (عليه) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (بعد) ساقط من (ف). (¬3) في (ت): (و).

باب في مساقاة الحائط الغائب

باب في مساقاة الحائط الغائب وقال ابن القاسم في من ساقى حائطًا بالمدينة وهو بالفسطاط: إن وصف الحائط فلا بأس (¬1). قال الشيخ (¬2): تصح المساقاة بشرطين: بمعرفة ما يتكلف من العمل، وبمعرفة ما يأخذه عن عمله من العوض. فأمَّا ما يتكلف من العمل فيذكر ما فيه من الرقيق والدواب أو لا شيء فيه، والماء هل هو بالعيون أو بالغَرْب أو بعل (¬3)، والأرض وما هي عليه من الصلابة وغيرها إذا كان يتكلف أن يقلّبها ويعمر (¬4) ما بين الشجر. وأما العوض فيعرف أجناس الثمار، وعدد الشجر، وكم القدر المعتاد فيما يوجد فيها، وإن كان الحائط حاضرًا مشى فيه ونظر (¬5)، ورآه وسأل صاحبه (¬6) عما يمكن أن (¬7) يخفى عليه من حمل النخل أو غير ذلك. ويختلف إذا كان صاحب الحائط عالمًا بما يخرج، هل يجوز (¬8) إذا لم يعلمه (¬9) ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 563. (¬2) زاد بعده في (ف): (أبو الحسن - رضي الله عنه -). (¬3) البَعْل: كل شجر أَو زرع لا يُسْقى، وقال الأَصمعي: البَعْل ما شرب بعروقه من الأَرض بغير سَقْي من سماء ولا غيرها. انظر: لسان العرب: 11/ 57. (¬4) في (ت): (وبعد). (¬5) قوله: (مشى فيه ونظر) يقابله في (ف): (مساقيه). (¬6) قوله: (صاحبه) يقابله في (ف): (رب الحائط). (¬7) قوله: (يمكن أن) يقابله في (ت): (يكون). (¬8) قوله: (هل يجوز) ساقط من (ف). (¬9) في (ت): (يعطه).

قياسًا على البائع يعلم كيل صبرته ولا يبين ذلك للمشتري؟ وإذا كان هذا الحائط أول عام (¬1) يطعم فيه يسأل أهل المعرفة عن المعتاد في إطعام مثل هذا النخل أول عام، ثم يساقيه بعد المعرفة. وإن كانت المساقاة عامين أو أعوامًا سئل: كم العادة فيما يتتقل إليه حاله ويزيد في كل عام في الغالب؟ فإذا عرف ذلك عقد السقاء، وإذا صحت المساقاة كان على العامل أن يسقي، إن كان بالعيون إذا جاءت تلك النَّوبة، وإن كانت له عيون (¬2) تخصه سقى على العادة، وكذلك إن كان بالغرب فإنه يسقي في الأوقات المعتادة، فإن كانت العادة (¬3) أربع سقيات في الشهر، فسقى ثلاثًا وعطل سقيةً من كل شهر لم يستحق الجزء المسمى كله، وإن (¬4) كان صاحب الحائط بالخيار بين أن يحط من الجزء المسمى ربعه، أو يُغرمَهُ قيمة تلك المنافع التي عطل، وهو بمنزلة رجل باع منافعه بعرض، ثم حبسها تعديًا حتى فات ما اشتريت به، فإن مشتريها بالخيار بين أن يفسخ عن نفسه البيع فيها ويسقط عنه الثمن، أو يغرمه قيمتها ويدفع ثمنها. وقد قال ابن نافع: يحط من الجزء بقدر ما عطل. وقال سحنون مثل ذلك في من ساقى زيتونًا على أن يحرثه سككًا فعطل بعضها، يحط من المسمى بقدر ما عطل. ولم يتكلم إذا أحب (¬5) أن يدفع المسمى ويغرمه قيمة المنافع (¬6). وأصل قولهم (¬7) أن ذلك له. ¬

_ (¬1) قوله: (عام) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (عيون) ساقط من (ف). (¬3) في (ت): (المعتادة). (¬4) قوله: (إن) زيادة من (ف). (¬5) قوله: (أحب) يقابله في (ت): (أحب المشتري). (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 12/ 182. (¬7) في (ت): (قوله).

ولو ساقاه حائطًا غائبًا على أن يخرج ما فيه من العبيد والدواب ويأتي بذلك من عنده، على القول بإجازة ذلك، فلم يخرجهم وعمل ما بعدهم- كان صاحب الحائط بالخيار بين أن يحط عنه من المسمى بقدر ذلك؛ لأنه عطل ذلك، أو يُغَرِّمهُ قيمة عمل ذلك الرقيق والدواب ويوفيه المسمى (¬1). وإن كانت المساقاة على أن يُبقي فيه رقيقه ودوابه، ثم تعدَّى صاحب المال فأخرجهم، وأتم العامل العمل من عنده- كان له أجر ما عمل، ولا يزاد في المساقاة على الجزء الأول؛ لأن ذلك الزائد لم يتعد (¬2) صاحب الحائط، بخلاف تعدي العامل إذا عطل. ومن "العتبية" و"كتاب محمد" قيل لمالك: أرأيت إذا أتى الله عزَّ وجلَّ المساقاة بالسيل فدخل الحائط وأقام فيه أيامًا، أترى لصاحب الحائط أن يحاسبه بشيء من ذلك؟ قال: لا يحاسبه بشيءٍ من ذلك (¬3). وأرى أن للعامل أن يأخذ جزأه كاملًا وإن لم يتكلف السقي بغرب ولا غيره. والقياس أن يحاسبه بذلك إلا أن يكون العامل هو الذي رد الماء إلى الحائط، أويكون سقى الحائط بالعيون فلا يُحط عنه لمكان السيل شيءٌ. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 304. (¬2) في (ت): (لم يبعه). (¬3) انظر: والبيان والتحصيل: 12 /، والنوادر والزيادات: 7/ 306، 149.

باب في رقيق الحائط ودوابه وأجزائه، والحكم في خلف ما هلك من ذلك، وما يجب على العامل أن يعمله، واشتراط معونة صاحب المال

باب في رقيق (¬1) الحائط ودوابه وأجزائه، والحكم في خلف ما هلك من ذلك، وما يجب على العامل أن يعمله، واشتراط معونة صاحب المال لا يخلو الحائط في حين (¬2) المساقاة من أربعة أوجه: إما أن تكون فيه كفاية من الرقيق والدواب، أو لا شيء فيه، أو فيه كفاية بعضه، أو فيه أُجرَاء يعملون (¬3) بأجر، فإن كان فيه كفاية (¬4) أو لا شيء فيه- جازت المساقاة على ما هو عليه، ولا يجوز أن يخرج من هذا ما فيه، ولا يعمد الآخر بما ليس فيه (¬5). وهذا قول مالك وابن القاسم. وقد اختلف في هذين الموضعين، فقال ابن نافع ويحيى بن عمر في كتاب ابن مزين: إذا كان في الحائط رقيق لا يدخلون إلا بشرط، ولو اختلفا فقال رب الحائط: إنما ساقيتك على ألا يعمل رقيقي (¬6). وقال الآخر: على أن أعمل بهم، أنهما يتحالفان ويتفاسخان. وقال ابن نافع: ولا بأس أن يشترط من الرقيق ما ليس فيه، فرأى مالك ¬

_ (¬1) قوله: (رقيق) ساقط من (ت). (¬2) في (ف): (حال). (¬3) في (ف): (لا يعملون). (¬4) قوله: (فيه كفاية) يقابله في (ف): (كفايته). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 304. (¬6) قوله: (ألا يعمل رقيقي) يقابله في (ف): (أن تعمل برقيقي).

أن ذلك سُنة تتبع؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ساقى خيبر وفيها (¬1) حوائط كثيرة، فلم ينزع لأحد ولا زاد لأحد، ومعلوم أنها لا تكون على صفة واحدة من العمارة، والقول الآخر أقيس. وإذا جاز أن يساقي ما فيه كفاية على أن يكون على العامل ما سوى ذلك - جاز أن يعمر الخالي، ويجوز أن يخلي العامر قياسًا على ما هو على (¬2) الأول غير عامر، ولأنها إجارة يتعين العوض عنها بقدر ما يتكلف فيه فيرخص لما فيه (¬3) من الكفاية، ويزاد لعدمه. وقد ذهب مالك مرة إلى القياس ولم يمر على ما وردت به السنة، فقال: إذا كان في الحائط رقيق، كان خلف ما هلك من ذلك على رب الحائط (¬4). وهذا هو القياس؛ لأنهما إن دخلا على أن يخلفا (¬5) -كان غررًا، فإن سلموا لآخر مدة (¬6) السقاء- لم يكن على العامل إلا ما يستوى (¬7) عملهم. وإن هلكوا أو أبق العبد أو تلفت الدابة في أول العمل كان عليه أن يأتي بمثل ذلك (¬8) إلا أنه لم يرو عن النبي -عليه السلام- أنه أخلف لأحد من أهل خيبر شيئًا، وإن كان في الحائط بعض كفايته، كان مطلق المساقاة على قول مالك أن يغرما فيه والتمام على العامل، وعلى قول ابن نافع يكون ما فيه لرب الحائط، ¬

_ (¬1) في (ف): (وهو). (¬2) في (ف): (من). (¬3) قوله: (فيرخص لما فيه) ساقط من (ف). (¬4) انظر: الموطأ: 2/ 709. (¬5) قوله: (أن يخلفا) يقابله في (ت): (ألا خلف). (¬6) قوله: (لآخر مدة) يقابله في (ف): (إلى جذ هذه). (¬7) في (ف): (سوى). (¬8) في (ف): (يأتي بذلك).

ويجوز أن يشترط تمام ما يحتاج إليه من ذلك (¬1) وإن كان في الحائط أُجَراء، والكراء غير وجيبة كان حكمه حكم ما لا رقيق فيه وإن كان وجيبة أو (¬2) إلى مدة تنقضي فيها المساقاة، كانوا كرقيق الحائط لا يصح إخراجهم على قول مالك (¬3)، ويجوز على قول ابن نافع أن يخرجهم ويجعلهم يعملون له في غيره (¬4). وإن انقضي أمد (¬5) الإجارة في نصف مدة السقاء كان ما بعد أمد الإجارة على الساقي قال (¬6): فإن مات أحد منهم (¬7) كان الخلف على رب الحائط إلى انقضاء أمد الإجارة. واستحب (¬8) مالك إذا كان الحائط كثيرًا ولا رقيق فيه ولا دواب، أن يشترط العبد الواحد والدابة الواحدة (¬9). فإن اشترط من ذلك غير معين فأتى به، ثم هلك أو تلف- كان خلفه على رب الحائط، وإن كان معينًا فقال: هذا العبد أو هذه الدابة- لم يجز إلا أن يشترط على رب الحائط خلفه؛ لأن إطلاق (¬10) العقد يقتضي إذا كان معينًا أن عليه من العمل ما (¬11) بعده؛ فإن تلف ¬

_ (¬1) قوله: (من ذلك) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (أو) ساقط من (ف). (¬3) انظر المدونة: 3/ 563. (¬4) انظر المنتقى: 7/ 49. (¬5) قوله: (وإن انقضى أمد) يقابله في (ت): (وإذا كان انقضاء مدة). (¬6) قوله: (قال) ساقط من (ف). (¬7) قوله: (منهم) ساقط من (ف). (¬8) في (ف): (واستخف). (¬9) انظر: المدونة: 3/ 568. (¬10) في (ف): (انطلاق). (¬11) قوله: (ما) ساقط من (ت).

في أول كل عام (¬1) كان عليه جميع العمل، وإن سلم إلى انقضاء السقاء، لم يعمل إلا ما بعده، وهذا غير، وليس الخلف في هذا بمنزلة من استأجر شيئًا بعينه؛ لأن العامل لم يشتر منافع شيء مما في الحائط، وإنما يعملون لربِّ الحائط في ماله، وإنما يدخل العامل على أن عليه من العمل ما بعد ذلك. ولو أراد صاحب الحائط أن يخرجهم ويأتي بمن يعمل عملهم، لم يكن للعامل في ذلك مقال. واختلف إذا اشترط العامل معونة (¬2) رب المال؛ فمنع ذلك ابن القاسم وقال: يرد العامل إلى مساقاة مثله (¬3). وقال سحنون: يجوز إذا كان الحائط كبيرًا مما يجوز فيه اشتراط الغلام (¬4). والأول أحسن؛ لأن اشتراط معونة رب المال بمنزلة اشتراط غلام بعينه، فلا يجوز إلا أن يشترط الخلف، وإلى هذا ذهب ابن القاسم في "المدونة" فقال: لأن مالكًا أجاز اشتراط الغلام إذا كان لا يزول، وإن مات أخلفه، يقول: إنما أجاز ذلك مالك بشرط (¬5) الخلف، فلو شرط خلف رب المال إن مرض أو مات جاز (¬6). وقال مالك في "العتبية" في رجلٍ قال لرجلٍ: تعال اسق أنا وأنت حائطي على أن لك نصف الثمرة، لا يصلح ذلك، قال: وإنما المساقاة أن يسلم الحائط إلى (¬7) الداخل (¬8). فجعله كالقراض، فعلى هذا لا يصلح وإن اشترط الخلف. ¬

_ (¬1) قوله: (أول كل عام) يقابله في (ف): (الأول). (¬2) في (ت): (مؤنة). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 568. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 304. (¬5) قوله: (مالك بشرط) يقابله في (ف): (مما يشترط). (¬6) انظر: المدونة: 3/ 568. (¬7) قوله: (إلى) ساقط من (ت). (¬8) انظر: البيان والتحصيل: 12/ 158.

فصل [في نفقة رقيق الحائط ودوابه وعماله]

فصل [في نفقة رقيق الحائط ودوابه وعماله] واختلف في نفقة رقيق الحائط ودوابه؛ فقال مالك في "المدونة": ذلك على العامل ولا خير في اشتراطها على رب الحائط (¬1). وقال في "مختصر ما ليس في المختصر": هي على رب الحائط. فقدم في القول الأول الحديث؛ لأنه لم يرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في معاملته أهل خيبر أنه تكلف من ذلك شيئًا، وقدم في القول الآخر القياس؛ لأن رقيق الحائط ودوابه تعمل للمالك في ملكه، ومقتضى المساقاة تكلف العمل وأن يعمل ما بعدها، ولأنه يدخله بيع (¬2) الطعام بالطعام متأخرًا؛ لأن بعض الثمرة عوض عنه. وقال ابن حبيب: إذا سوقي الحائط وفيه أجراء، أُجْرتُهم على رب الحائط، ولا يصلح أن تشترط على العامل، ونفقتهم وكسوتهم على العامل وإن لم يشترط عليه بمنزلة رقيق الحائط (¬3). يريد: إذا كانت الإجارة على أن نفقتهم على صاحب الحائط، وعلى أحد قولي مالك تبقى نفقتهم على الذي استأجرهم. وإذا كانت الإجارة غير وجيبة فتركهم على (¬4) المساقي يعملون، ولم يعملوا بعقد السقاء- كان على المساقى لهم (¬5) إجارة المثل، كانت أقل من ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 565. (¬2) قوله: (بيع) ساقط من (ت). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 303. (¬4) قوله: (على) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (لهم) ساقط من (ت).

فصل [في ما يجب على العامل وصاحب الحائط]

المسمى أو أكثر، فإن كانت أكثر من المسمى قال الأجراء: إنما عملنا بذلك بمعاقدة مع صاحب الحائط، وليس لك معنا عقد. وإذا كانت أقل قال العامل: إنما تعديت على منافعي (¬1)، فعلي قيمتها (¬2)، ولا يلزمني المسمى؛ لأن العقد كان فيه مع غيري (¬3). فصل [في ما يجب على العامل وصاحب الحائط] فأما الدلاء والحبال إذا لم يكونا في الحائط -على العامل، فإن كانا فيه- كان على العامل ما بعد نفادهما (¬4)، فإن سرقا كان الخلف على صاحب الحائط، فإن أخلف جديدين استعملهما المساقي (¬5) إلى أجل ما يرى أنه بقي من استعمال الأولين، ثم يأخذهما صاحب الحائط، ويأتي العامل بما يستعمل مكانهما حتى ينقضي السقاء؛ لأن الأمد الذي يستعمل فيه هذان معلوم، بخلاف العبد والدابة؛ لأن (¬6) حياتهما مجهولة، وقد يبقيا حتى تنقضي المساقاة أو يموتا قبل ذلك، فلو دخلا على حياتهما كان غررًا. وكنس (¬7) البئر، والعين، وتنقية ما حول النخل ليستنقع فيها الماء، وبناء (¬8) ¬

_ (¬1) في (ت): (منافع). (¬2) في (ف): (قسمتها). (¬3) قوله: (العقد كان فيه مع غيري) يقابله في (ت): (العامل فإن كان فيه غير). (¬4) في (ف): (بقائهما). (¬5) في (ف): (الساقي). (¬6) قوله: (لأن) ساقط من (ت). (¬7) في (ف): (وكسر). (¬8) قوله: (بناء) ساقط من (ت).

الزُّرنوق (¬1)، والقفُّ (¬2) وإصلاحهما إن فسدا على صاحب الحائط، فإن شرط ذلك على العامل- جاز فيما قلت نفقته، ولم يجز فيما تكثر فيه النفقة، وهذا أصل قول (¬3) مالك، وقد تقدم في هذا القياس على الخبر؛ لأنه لم يرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر من يتكلف شيئًا من ذلك، والظاهر أن كل ذلك كان على العاملين. واختلف قوله في الإبار، وهو التلقيح فجعله مرة على صاحب الحائط، ومرة على العامل (¬4). ومنهم من يتأول ذلك ويقول: معنى قوله: على (¬5) صاحب الحائط؛ الشيء الذي يلقح به، ومعنى قوله: على العامل، عملُ ذلك وتعليق ما يحتاج إلى تعليقه. وليس بالبين؛ لأن الإبار هو الفعل. وقال ابن حبيب: سَرْوُ (¬6) الشَّرَب على العامل (¬7). وهو أشبه، وقال مالك: على العامل الجداد والحصاد (¬8). وقال ابن القاسم: الدراس على العامل، قال: لأنهم لا يستطيعون أن يقسموه إلا بعد دراسه كيلًا (¬9). ¬

_ (¬1) الزُّرْنُوق: والزُّرْنُوقانِ حائطان وفي المحكم مَنارتانِ تُبْنَيانِ على رأْس البئر من جانبيها فتُوضع عليهما النَّعامةُ وهي خشبة تُعَرَّض عليهما ثم تعلق فيها البَكْرة فيُسْتَقى بها. انظر: لسان العرب: 10/ 140. (¬2) قال ابنُ الأَثِير: قُفُّ البئر، بالضم: هو الدكة التي تُجْعَلُ حَوْلَها انظر: تاج العروس: 24/ 280. (¬3) قوله: (قول) ساقط من (ت). (¬4) انظر المدونة: 3/ 565. (¬5) قوله: (ويقول: معنى قوله: على) يقابله في (ت): (والقول قول). (¬6) في (ف): (سرف)، والسرو هو تنقية الحياض التي تكون حول الشجر وتحصين حروفها وجري الماء إليها. انظر: النوادر والزيادات، لابن أبي زيد: 7/ 307. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 307. (¬8) انظر المدونة: 3/ 565. (¬9) انظر: المدونة: 3/ 565.

واختلف في عصر الزيتون، فقال ابن القاسم في المدونة، ذلك على ما اشترطا، إن (¬1) اشترطاه على العامل أو على صاحب الحائط فلا بأس (¬2). ولم يذكر الحكم في عدم الشرط. وقال ابن المواز وسحنون: ذلك عليهما. وقال سحنون: منتهى المساقاة جناه (¬3). وقال ابن حبيب: العصر على العامل. وإن شرط ذلك (¬4) على صاحب الحائط وكان له قدر لم يجز (¬5)، وردَّ العامل إلى إجارة المثل. إلا أن يكون تأولًا يسيرًا جاز (¬6)، والأول أصوب، وإنما يتضمن المساقاة عمل ما تحتاج إليه الغلة وهي قائمة، فإذا زايلت الأصول- سقط عنه العمل، وكذلك أرى في الدراس أن يكون عليهما، وسواقط النَّخل: بلحه وليفه، وما يزال من جرائده، وينزع عنه التمر (¬7) من عراجينه، وتبن الزرع- بينهما، وكذلك ما يكون عن الزيتون بعد عصره. ¬

_ (¬1) قوله: (اشترطا. . . إن) ساقط من (ت). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 565. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 305. (¬4) في (ف): (يشترط). (¬5) قوله: (لم يجز) يقابله في (ف): (فلا يجوز). (¬6) قوله: (إلا أن يكون تأولا يسيرا جاز) ساقط من (ف). (¬7) في (ت): (الثمر).

باب في مساقاة النخل إذا كان مختلفا يطعم بعضه دون بعض

باب في مساقاة النخل إذا كان مختلفًا يطعم بعضه دون بعض ومن "المدونة" (¬1) قال ابن القاسم فيمن ساقى حائطًا فيه نخل قد أطعمت، ونخل لم تطعم: لم يجز؛ لأن فيه منفعة لرب الحائط يزدادها على العامل في الحائط؛ لأن بيعه قد حلَّ، والحائط إذا أزهى بعضه ولم يزه بعضه- حلَّ بيعه (¬2). قال الشيخ (¬3): مساقاة النخل على أربعة أوجه: فتجوز في وجه، وهو: إذا كان كثيرًا قد بلغ حدَّ الإطعام، عجز عنه صاحبه أو لم يعجز، كانت فيه ثمرة أو لم تكن، السنة والسنتين أو أكثر من ذلك. ويمنع في ثلاث مسائل، وهي: أن يكون وديًا لم يطعم، أو كبيرًا وفيه ثمر قد بدا صلاحه على اختلافٍ في هذا الوجه. ويمنع أن يجتمع (¬4) في سقاء واحد ما بدا صلاحه وما لم يبد صلاحه، وإذا كان كذلك، فإن الحائط إذا أطعم بعضه دون بعض على ستة أوجه: فإن كان قد أزهى بعضه، وليس بباكور وهو جنس واحد- جاز بيع جميعه (¬5)، وإذا جاز بيع جميعه لم تجز مساقاته على قول مالك في "المدونة" (¬6). وقال في "كتاب ¬

_ (¬1) قوله: (ومن المدونة) ساقط من (ت). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 566. (¬3) في (ف) زيادة (أبو الحسن - رضي الله عنه -). (¬4) قوله: (أن يجتمع) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (جاز بيع جميعه) يقابله في (ف): (فإن بيع جميعه جاز). (¬6) انظر المدونة: 3/ 579.

محمد" فيمن ساقى حائطًا بثمرة من حائط آخر على أن لصاحب الأصل نصف الثمرة أو أقل أو أكثر، فقال مالك: إذا كان ذلك بعد أن طابت ثمرة صاحب الحائط (¬1) الذي يعطى منه فلا بأس إذا كان السقي معروفًا فهو بمنزلة الأجرة (¬2) وأجازه سحنون أيضًا وقال: هذه إجارة، وهو بمنزلة البيع فكما جاز أن يبيع نصفها فكذلك يجوز أن يؤاجره بنصفها. وإن كان الذي طاب باكورًا وهو بعيد اللحوق بما لم يطب، وكانت المساقاة على أن يسقي جميع الحائط ويأخذ الجزء مما طاب خاصة- جاز ذلك، وتكون إجارة بمنزلة من أعطى حائطين قد طاب أحدهما على أن يأخذ الجزء مما طاب خاصة ومما لم يطب- لم يجز (¬3). وإن كانت المساقاة على أن يسقي جميعه ويأخذ الجزء مما لم يطب خاصة، أو مما طاب ومما لم يطب- لم يجز ذلك (¬4). وإذا كانت المساقاة على أن يسقي ما طاب وحده، ومنه يأخذ جزأه- جاز (¬5) على أحد قولي مالك. وإن كانت على أن يسقي ما لم يطب ومنه يأخذ جزأه- جاز قولًا واحدًا، وإنما لم يجز أن يسقي الحائط على أن يأخذ الجزء من الثمر (¬6) مما طاب ومما لم يطب؛ لأنها صفقة جمعت مساقاة وبيعًا، وهو أيضًا جُعْلٌ وبيعٌ، ويدخله مساقاة ما لم يطب بجزء من غيره؛ لأن أجرة ما طاب أقل، وخدمة ما لم يطب أكثر، ¬

_ (¬1) قوله: (صاحب الحائط) ساقط من (ف). (¬2) انظر النوادر والزيادات: 7/ 297. (¬3) قوله: (ومما لم يطب- لم يجز) زيادة من (ف). (¬4) قوله: (ذلك) ساقط من (ت). (¬5) قوله: (جاز) ساقط من (ت). (¬6) في (ف): (الثمرتين).

وكل هذا إذا كان كل واحد منهما كثيرًا؛ لأنه مقصود في نفسه. وإن كانت المساقاة على أن يسقي جميع الحائط، ويأخذ جزأه مما لم يطب وهو الأكثر، والذي طاب يسير مختلطًا بما لم يطب جاز. قال مالك في "كتاب محمد" فيمن ساقى نخلًا وفيها رمان قد طاب وهو لصيق النخل ومعها يشرب فذلك جائز، وهو لربِّ النخل، ولا يصلح للعامل أن يشترط منه شيئًا (¬1). ومحمل قول مالك في جواز مساقاة ما قد طاب، إذا لم يكن في الحائط رقيق ولا دواب، أو كانوا فيه وشرط إطعامهم على صاحب الحائط، فإن شرط على العامل فسد، ودخله الطعام بالطعام ليس يدًا بيد، وعلى قول مالك في مساقاة ما صلح من الثمار: أنها إجارة، تكون الجائحة إن أجيحت قبل اليبس من صاحب الحائط، ويرجع العامل بقيمة إجارته في جميع الثمرة؛ لأنه إنما يسقيها بماء البائع وعمله في ذلك تبع. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 298.

باب في المساقى يعجز عن العمل قبل صلاح الثمرة أو بعده أو يموت وفي الإقالة من المساقاة والعامل يساقي صاحب الحائط أو غيره

باب في المساقى يعجز عن العمل قبل صلاح الثمرة أو بعده أو يموت وفي الإقالة من المساقاة والعامل يساقي صاحب الحائط أو غيره (¬1) وقال ابن القاسم في المساقى يعجز بعد صلاح الثمرة فإنه: يباع نصيبه ويستأجر عليه منه، فإن كان فضل كان له، وإن كان نقص اتبع به (¬2). وقال سحنون: إذا عجز رُدَّ إلى صاحبه، بمنزلة ما إذا عجز قبل صلاحه، قال: والمساقاة أولها لازم كالإجارة، وآخرها إذا عجز كالجعل يسلم لربه ولا شيء له. والقول الأول أبين، وقد يخالف (¬3) هذا الجعل؛ لأنه عقد لازم لا خيار فيه قبل العمل، ويجبر العامل على العمل ويباع فيه ماله حتى يعمل وإذا كان ذلك، كان من حق صاحب الحائط أن تباع الثمرة ويتم له العمل. وأجاز ابن القاسم أن تعمر ذمة العامل مع فقره؛ لأنها ضرورة إن لم يمكن من ذلك هلكت ثمرته. وأرى أن يكون صاحب الحائط بالخيار بين ثلاثة: بين أن يباع ذلك النصيب بالنقد ويستأجر بالثمن كما قال ابن القاسم، أو يباع بثمن مؤجل ويجعل الأجل إلى اليبس والجداد ويستأجر أجيرًا إلى مثل ذلك، على أن الأجرة مؤجلة إلى الأجل الذي اشترى إليه المشتري، فإن وفى العمل وزن ¬

_ (¬1) قوله: (والعامل يساقي صاحب الحائط أو غيره) ساقط من (ت). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 566. (¬3) في (ف): (خالف).

المشتري (¬1) وقبض الأجير، أو يباع ممن يعمل بذلك الجزء على وجه الإجارة ليس على وجه المساقاة؛ لأنه لا فرق بين بيعها بعين أو بمنافع، ولا فرق في جواز الإجارة بعين أو بثمرة، فإن كان الثمن لا يوفي ولم يرض صاحب الحائط بالسلف- رد إليه الحائط، ثم يختلف هل يكون له عن ذلك العمل (¬2) عوض أم لا؟ وقال ابن القاسم: إذا عجز قبل صلاح الثمرة ساقى من أحب أمينًا، فإن لم يجد أسلم الحائط إلى صاحبه (¬3). قال الشيخ: للمساقي أن يساقي غيره عجز أو لم يعجز؛ لأن العمل في الذمة، ويجوز له أن يدفعه لأمين وإن لم يكن مثله في الأمانة، فإن عجز ولم يجد من يأخذه إلا بمثل الجزء الأول، كان صاحب المال بالخيار بين أن يساقى على ذلك أو يردّ إليه، ويكون أحق بما ساقى به غيره. وإن كان لا يجد من يأخذه إلا بالثلثين، أو لم يجد من يأخذه إلا على وجه الإجارة- كان صاحب المال بالخيار بين أن يساقيه على ذلك (¬4) ويحبس السدس، أو يستأجر عليه ويسلفه حتى تباع الثمرة بعد الطيب، فإن لم يف بالسلف اتبعه بالباقي، وبين أن يسترجع حائطه ولا شيء للعامل، وإن مات العامل قبل تمام العمل وخلف يسارًا (¬5)، استؤجر منه حتى يتم العمل، رضي الورثة أو كرهوا؛ لأن العمل مضمون في الذمة، وإن لم يخلف مالًا وعجز الورثة عن القيام به سلم الحائط لصاحبه ولا شيء ¬

_ (¬1) قوله: (وزن المشتري) يقابله في (ت): (ورب المشترى). (¬2) قوله: (عن ذلك العمل) يقابله في (ف): (غير ذلك الحائط). (¬3) انظر المدونة: 3/ 566. (¬4) في (ت): (بذلك). (¬5) في (ف): (يسيرا).

للورثة، وهو قول مالك وابن القاسم. والقياس أن يكون للعامل على (¬1) الماضي إذا عجز، ولورثته إذا مات، ولم يخلف شيئًا إذا أتم العمل صاحب المال، وسلمت الثمرة قيمة (¬2) ما انتفع به من العمل الأول قياسًا على قولهم في الجعل على حفر البئر، ثم يترك قبل تمام العمل اختيارًا، وأتم العمل صاحب البئر: أن للأول بقدر ما انتفع به من عمله، فمن غلب على العمل أعذر. وأولى أن يكون له بقدر ما انتفع به من عمله (¬3)، ولا يذهب عمله باطلًا فيأخذ ذلك عينًا؛ لأن الثمرة لا تستحق إلا بتمام العمل. وقال ابن كنانة في "كتاب المدنيين" في شريكين في زرع عجز أحدهما، قال: يقال للشريك أنفق، فإذا بلغ بع، فإن عجز عما أنفق أتبعه بالباقي؛ لأن العمل كان يلزمه وإن كره، وليس مما يستطاع أن يقسم وإن ترك هلك (¬4). وللعامل أن يساقي صاحب الحائط على مثل الجزء الأول عمل أو لم يعمل، ويفترق الجواب إذا اختلف الجزء الأول (¬5): فإن أخذه على النصف ورده على الثلث واستفضل سدسًا جاز إذا لم يعمل، ويختلف فيه إذا عمل فظاهر قوله في "المدونة" أنه جائز، ومنع ذلك مالك في "العتبية" قال أشهب: لأنهما يتهمان أن يكونا عملا على ذلك (¬6) أن يسقي فيبيع (¬7) شهرًا ثم ¬

_ (¬1) قوله: (للعامل على) يقابله في (ف): (العامل عن). (¬2) في (ف): (قسمة). (¬3) قوله: (فمن غلب على. . . انتفع به من عمله) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (هلك) يقابله في (ف): (ذلك). (¬5) قوله: (الأول) ساقط من (ت). (¬6) زاد في (ت): (ذلك). (¬7) قوله: (فيبيع) ساقط من (ت).

يعيده إليه (¬1) قبل طيبه ويأخذ جزءًا بعد الطيب. وإذا انقضى العام الأول جازت الإقالة إذا لم يعمل من الثاني، ويختلف إذا عمل من العام (¬2) الثاني، ثم أقاله بجزء موافق أو مخالف يأخذه على النصف وحده (¬3)، ويرده على أن لربِّ (¬4) الحائط الثلث. وعلى قول مالك في "العتبية" لا تجوز الإقالة إلا بشرطين: إذا (¬5) كانت قبل أن يعمل من العام الثاني، والجزء موافق للأول، فإن عمل من الثاني لم تجز عنده الإقالة؛ لأنهما يتهمان أن يكونا عملا من الأول على أن يعملا (¬6) عامًا وبعض آخر (¬7) بثمرة عام، وفي ذلك زيادة من العامل (¬8)، ويتهمان إذا رده على الثلث أن يكونا عملا على أن يسقي عامًا وبعض آخر، ليأخذ من ثمرة الأول النصف، ومن ثمرة الثاني السدس. وقال محمد فيمن أخذ حائطًا على النصف فرده على أن (¬9) الثلثين لصاحب (¬10) الحائط: لا بأس به إذا كانت الزيادة من الحائط بعينه وهذا وهم وغلط في الحساب، ولا يصح أن تكون الزيادة من الحائط؛ لأن لصاحب الحائط من الثمرة النصف، فكيف يزيده من نصيبه؟ ولا يصح أيضًا أن يدفعه ¬

_ (¬1) قوله: (إليه) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (العام) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (وحده) ساقط من (ف). (¬4) في (ف): (لصاحب). (¬5) قوله: (إذا) يقابله في (ف): (إلا إذا). (¬6) في (ت): (يعمل). (¬7) في (ف): (عام). (¬8) في (ف): (العام). (¬9) قوله: (أن) ساقط من (ف). (¬10) في (ف): (لرب).

لغير صاحب الحائط على أن الثلثين للثاني؛ لأنه إن شرط ذلك السدس من تلك الثمرة كان قد باع على صاحب الحائط ما لم يبعه منه، وإن اشترط أن يدفع ذلك من ذمته كان بيع الثمرة على جزأين (¬1): جزء من الحائط، وجزء من الذمة، وذلك فاسد. وقال ابن القاسم في المساقي يتبين أنه سارق مبرح يخاف أن يذهب بالثمرة أو يقلع الجذوع، وفي المكتري دارًا (¬2) يخاف أن يبيع (¬3) أبوابها، قال: ليس له أن يخرجهما من المساقاة والكراء وليتحفظ منهما (¬4). وقد قال مالك في من باع سلعة من رجل مفلس بثمن إلى أجل ولم يعلم بفلسه: إن البيع لازم (¬5). وفي كل هذا نظر، وهذا عيب على المكري (¬6) والمساقي، وليس يقدر على التحفظ من السارق، وليس عليه أن يتكلف التحفظ منه. وأرى أن تكرى (¬7) الدار عليه، ويساقى الحائط، وهو في المساقاة أشد ضررًا؛ لأنه يخفي ما سرق منه، وصاحب الحائط بالخيار بين أن يساقيه أو يستأجر عليه بالعين، فيعمل في ذلك على ما هو أحسن له، وللعامل الأول ولمن باع من مفلس وهو لا يعلم: ¬

_ (¬1) قوله: (جزأين) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (دارًا) ساقط من (ف). (¬3) في (ت): (يقلع). (¬4) انظر المدونة: 3/ 571، والمنتقى: 7/ 36. (¬5) انظر المدونة: 13/ 571. (¬6) في (ت): (المكتري). (¬7) في (ف): (يكري).

أن يرد البيع إن شاء ولو كان المشتري مشكوكًا في يساره بما (¬1) يشتريه، لم يجز البيع إلا بعد معرفته بذمته؛ لأن الثمن إذا بيع من الموسر بخلافه من المعسر، وقد قال مالك فيمن وكَّل رجلًا على أن يأخذ له سلمًا، فقال المسلم: إن أقرَّ لي (¬2) وإلا فأنت ضامن لم يجز؛ لأنه لا يدري على أي الذمتين دخل. ¬

_ (¬1) في (ف): (فيما). (¬2) في (ت): (لنا).

باب في المساقاة الفاسدة

باب في المساقاة الفاسدة ولا تجوز المساقاة على أن يبدأ أحدهما بمكيلة، ثم الباقي بينهما أنصافًا أو أثلاثًا، ولا بأس أن يساقى على أن لأحدهما جزءًا من عشرة أو أكثر، والباقي بينهما نصفين؛ لأن ذلك يرجع إلى جزء معلوم: لأحدهما خمسة ونصف، وللآخر أربعة ونصف. قال مالك في "مختصر ما ليس في المختصر": إن قال: اسق (¬1) هذا النخل وأصلحه وألقحه ولك من كل نخلة عَذق، فلا خير فيه، فإن قال: لك (¬2) من كل نخلة مدّ جاز. فأجرى الجواب في هذا مجرى الجعالة فيمن قال: بعْ هذا ولك من ثمنه درهم، فهو إن باع أخذ الدرهم من ذلك الثمن، وإن لم يبع أو باع وذهب الثمن منه قبل أن يوصله إلى ربه- لم يكن له شيء، وكذلك الثمرة إن سلمت أخذ ذلك المد، وإن لم تسلم فلا شيء له. وإن قال: اسق هذين الحائطين على أن ثمرة هذا لك، وهذا لي- لم يجز؛ لأنه غرر، فقد يصيب أحدهما ويخطئ الآخر، فإن نزل كان أجيرًا فيهما، وهذا قول ابن القاسم، فأمَّا ما عمله لصاحب الحائط فله أجره ولا خلاف في ذلك. ويختلف فيما عمله لنفسه إن أجيحت ثمرته، وألا شيء له أحسن؛ لأن صاحب الحائط لم يساقه فيه، وإنما باع منه ثمرة بيعًا فاسدًا، فإن أجيحت لم يكن له في ذمة البائع شيء، وإن سلمت الثمرة كان له أجر مثله ما لم يجاوز الثمرة. ¬

_ (¬1) قوله: (اسق) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (لك) ساقط من (ت).

وإن قال: ثمرة هذا الحائط بيننا، وثمرة هذا الآخر لي أو لك (¬1) - لم يجز، ويكون للعامل أجره في ثمرة الحائط الذي شرطا ثمرته لأحدهما حسب ما تقدم. فإن شرطاها لصاحب الحائط كان له أجره وإن جاوزت الثمرة. وإن شرطاها للعامل كان له أجره ما لم يجاوز الثمرة. ويختلف في الذي شرطا ثمرته بينهما هل يكون فيه أجيرًا أو على مساقاة مثله؟ وأرى أن يكون للعامل الأقل من المسمى، أو مساقاة المثل، إن شرطا المنفرد لصاحب الحائط، وإن شرطاه للعامل كان له الأكثر. وقال ابن حبيب: إذا كانت المساقاة على أن البرني بينهما وما سواه (¬2) لصاحب الحائط: كان في البرني على مساقاة المثل. وفي الآخر أجيرًا. وإن كان ما سواه للعامل كان أجيرًا في الجميع؛ لأن الزيادة إذا كانت لرب المال أخف؛ لأنه يعود إلى تقليل جزء الثاني، وإذا كانت الزيادة للعامل كان أجيرًا؛ لأنه شرط أن تكون الزيادة من غير الحائط. وقال ابن القاسم فيمن دفع نخلًا مساقاة خمس سنين وفيها بياض على أن يعمله العامل لنفسه أول سنة، ثم يرجع البياض إلى صاحب الحائط يعمله لنفسه لم يجز لأنه غرر، قال: وكذلك لو كانا حائطين يعملهما العامل سنة (¬3) ثم يجد (¬4) أحدهما، ويعمل في الآخر سنة لم يجز (¬5). ¬

_ (¬1) في (ف): (ولك). (¬2) قوله: (بينهما وما سواه) ساقط من (ت). (¬3) في (ت): (لنفسه). (¬4) في (ت): (يرد). (¬5) انظر النوادر والزيادات: 7/ 302.

وقال ابن حبيب: إن فات بالعمل قبل مساقاتهما جميعًا أول سنة (¬1) فإن قيل: النصف، كان له فيهما في تلك السنة النصف، ثم يقال: ما مساقاة الذي بقي في يديه وحده سنتين؟ فإن قيل: الثلث؛ كان له في هذه السنة وحدها (¬2) الثلث. وهذا صحيح؛ لأنه قد استحق النصف في أول سنة قبل أن يشرع في الثاني، ثم قوم الثاني عامين؛ لأن مساقاة الحائط عامًا واحدًا، بخلاف مساقاته عامين؛ لأن السنين يحمل بعضها عن بعض كما قيل فيمن ساقى حائطًا عامين مساقاة فاسدة فعمل عامًا، فلا ينزع من يده حتى يُتِمَّ العام الآخر. وقال ابن القاسم فيمن ساقى حائطًا ثلاثة أعوام وفيه في العام الأول ثمرة قد طابت كان أجيرًا (¬3) في العام الأول، وفي العامين على مساقاة المثل، فإن نظر في ذلك في أول عام (¬4) ولم تجد الثمرة أعطي أجر مثله ولم يمكن من التمادي، وإن لم ينظر في ذلك حتى شرع في العام الثاني لم ينتزع منه حتى يتم الثالث (¬5). وهذ الجواب في كل موضع يرجع فيه إلى أجر المثل فإنه يعطى أجره عن الماضي، ولا يُمَكَّنَ من التمادي. وكل موضع يكون فيه على مساقاة المثل لا ينتزع منه بعد العمل حتى يتم ما دخل فيه؛ لأن مساقاة المثل إنما يأخذها جزءًا من عين الثمرة، فلو أخرج قبل تمامها ذهب عمله باطلًا، والإجارة متعلقة بالذمة دنانير أو دراهم، فإذا خرج قبل تمام العمل لم يذهب عمله باطلًا. وأرى في كل موضع يرد فيه إلى مساقاة مثله تكون مساقاة المثل فيه أكثر من المسمى ¬

_ (¬1) في (ف): (السنة). (¬2) قوله: (وحدها) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (أجيرًا) ساقط من (ف). (¬4) في (ت): (العام). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 568.

أن يرد في عمله كله إلى إجارة المثل؛ لأنه إن أعطي الزائد على المسمى كان قد بيع على صاحب الحائط من الثمرة ما لم يبعه منها، وإن قصر العامل على المسمى ظلم، إلا أن يرضى العامل بالمسمى ويسقط مقاله في الزائد، أو يرضى صاحب المال أن يدفع ذلك الزائد ثمرة، أو يكون الزائد الشيء اليسير. وقال مالك فيمن له حائط تهوّر بئره ولجاره بئر، فقال له جاره: أنا آخذ حائطك مساقاة وأسقيه بمائي: لا بأس به، قال ابن القاسم: فأجاز هذا على وجه الضرورة (¬1). قال ابن عبدوس: قال سحنون: معنى ذلك إذا كان الماء الذي يسقي به هو فضل بئره؛ لأن لصاحبه أن يأخذه منه على ما أحب أو كره. فأجازه مالك لأنه لم يزد ذلك (¬2) عليه بالمساقاة شيئًا، ثم سمعته بعد ذلك يقول: ما يعجبني مسألة مالك؛ لأنه إنما له أن يأخذ ماءه حتى يصلح بئره، وهذا يتركها ولا يعمل (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 569. (¬2) قوله: (ذلك) ساقط من (ف). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 10، 11.

باب في زكاة الحائط المساقي

باب في زكاة الحائط المساقي (¬1) وتزكى ثمرة الحائط المساقى على ملك صاحبها، فإن كان جميعه خمسة أوسق كان فيه الزكاة، وإن لم يَنُبْ كل واحد إلا وسقان ونصف. ويزكي العامل وإن كان عبدًا أو نصرانيًا. وإن كان الحائط لعبد أو نصراني لم يزك العامل وإن صار له نصاب وهو حر مسلم، وهذا قول مالك، ورأى أن نصيب العامل إنما يطيب على ملك الدافع، ولهذا قال: إذا أجيحت الثمرة سقط عنه العمل. وقال أشهب في "كتاب محمد": سألت مالكًا عن المساقى في النخل وغيره تصيبه جائحة أترى فيه (¬2) جائحة؟ فقال: لا، فقلت: أرأيت الجائحة إذا أصابت الثمرة، أللمساقى أن يخرج؟ قال: لا. فجعل عليه العمل وإن أجيحت الثمرة. وهذه الرواية تقتضي أن يكون طيب (¬3) نصيب العامل على ملكه، وأن يسقيها من الآن لنفسه، ويكون فيها كالشريك، ولا تجب الزكاة إلا على من في نصيبه نصاب إن اختلفت أجزاؤها، وإن أصابا أربعة أوسق ولكل واحد منهما نخل بانفراده، وفيها من الثمرة ما إن أضافه إلى نصيبه من المساقاة كان نصابًا- فإن الزكاة تجب (¬4) عليه. ¬

_ (¬1) قوله: (الحائط المساقى) يقابله في (ت): (حائط المساقاة). (¬2) في (ت): (فيها). (¬3) قوله: (طيب) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (تجب) ساقط من (ف).

فصل [في اشتراط الزكاة من صاحب الحائط أو المساقي]

فصل [في اشتراط الزكاة من صاحب الحائط أو المساقي] ويجوز لصاحب الحائط أن يشترط الزكاة على العامل، وللعامل أن يشترط الزكاة (¬1) على صاحب الحائط، وقال في كتاب محمد: لا يجوز أن يشترط ذلك العامل على رب الحائط (¬2) {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ} [آل عمران: 137] والأول أحسن؛ لأن ذلك يرجع إلى جزء يقل للعامل إذا اشترط عليه ويكثر إذا اشترط على رب الحائط. واختلف إذا كانت الثمرة أقل من نصاب، فقيل: يقتسمان الثمرة على عشرة أجزاء، ستة لصاحب الحائط، وأربعة للعامل. وقيل: اتساعًا على حسب ما كانا يقتسمان ما بعد الزكاة. وقيل: نصفين. والأول أقيس؛ لأن الزكاة إنما تخرج عن رب الحائط ولا شيء للعامل فيها، ألا ترى أن الزكاة تجب إذا كان جميعًا خمسة أوسق، وتجب على العامل وإن كان عبدًا أو نصرانيًا؟ ويختلف أيضًا إذا كانت المساقاة على النصف فأصاب أقل من نصاب، فعلى القول الأول يكون لصاحب الحائط خمسة ونصف، وللآخر أربعة ونصف؛ لأن الزكاة لو كانت نصابًا إنما تؤخذ عن ملك صاحب الحائط، وقد كان له خمسة ونصف ويُخْرِج منها جزءًا عن الزكاة عن ملكه، وإذا كان دون النصاب كان له. ¬

_ (¬1) قوله: (يشترط الزكاة) يقابله في (ف): (يشترطها). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 160.

باب في المساقاة إلى أجل، ومن أعطى أرضا لمن يغرسها ثم تكون في يديه مساقاة

باب في المساقاة إلى أجل، ومن أعطى أرضًا لمن يغرسها ثم تكون في يديه مساقاة المساقاة إلى أجل السنتين والثلاث على وجهين: فإن أريد انقضاء السقاء بانقضاء الثمرة التي تكون في تلك السنين جاز، وإن كان القصد التمادي بالعمل إلى آخر شهور تلك السنة وإن جذت الثمرة- لم يجز، وكان العامل في السنتين: الأولى على مساقاة مثله، وفي العام الآخر من حين تجد الثمرة إلى آخر ذلك العام على إجارة المثل؛ لأن الثمرة التي تطيب بعد انقضاء المدة التي ضربا لم يبعها منه، ولو رد فيها إلى مساقاة المثل لأعطي ما لم يشتره، وبيع على الآخر ما لم يبعه. وقال مالك في "كتاب محمد" في من ساقى حائطًا من صَفَر سنة إحدى وسبعين ومائة إلى صَفَر من سنة ثلاث وسبعين، فإن وافى الأجل قبل طيب الثمرة وقبل جدادها - لم تخرج من يديه حتى يستكمل المساقاة فيه، وحتى يتم جداده. ومحمل قوله على أن الجداد قريب من انقضاء ذلك الأمد، وهي (¬1) أنهما كانا يريان أن الثمرة تطيب في تلك المدة فيكونان قد قصدا إلى بيعها، ولو كان الطيب يتأخر عن تلك المدة بالشيء البيّن لم يصح ذلك؛ لأنه استعمله على بيع منافعه في تلك المدة؛ ليأخذ ثمرة عامين. ¬

_ (¬1) قوله: (هي) ساقط من (ف).

فصل [في المساقاة إلى أجل]

فصل [في المساقاة إلى أجل] ومن "المدونة" قال ابن القاسم فيمن أعطى أرضه لمن يغرسها: فإذا بلغت كانت في يديه مساقاة عشر سنين لم تجز (¬1). قال الشيخ أبو الحسن - رضي الله عنه -: فإن نزل هذا وكان الغرس من عند صاحب الأرض، كان الغارس (¬2) أجيرًا فيما عمله قبل أن يطعم، ويخرج متى عثر على ذلك، ما لم يبلغ الإطعام فيها، فيبقى في يديه على مساقاة المثل بقية ذلك الأجل، وقيل في مثل هذا: يكون له الأقل من المسمى أو سقاء المثل. واختلف إذا كان الغرس من عند العامل وفات بالعمل، فقيل: ذلك فوت، وله قيمته وقت وضعه في الأرض وقيمة خدمته إلى وقت يخرج من العمل، ما لم يبلغ الإطعام فيمضي على مساقاة المثل. وقيل: ليس ذلك فوتًا؛ لأنه باعه بيعًا فاسدًا (¬3) على أن تبقى يده عليه ينتفع بثمرته بعد الطيب، وذلك تحجير عليه من بائعه، وليس بتمكين تام، والغرس له، وعليه قيمة ما أصلحت الأرض ونمت فيه، وله قيمته يوم يخرج عن الأرض قائمًا؛ لأنه غرسه بوجه شبهة وبإذن من مالك الأرض، ويبقى هناك للأبد. وقيل: قيمته مقلوعًا، والأول أبين. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 540. (¬2) في (ت): (العامل). (¬3) قوله: (باعه بيعًا فاسدًا) يقابله في (ف): (بيع فاسد).

باب في عقد المساقاة هل تلزم بالقول؟ واختلاف المساقيين قبل العمل وبعده

باب في عقد المساقاة هل تلزم بالقول؟ واختلاف المساقيين قبل العمل وبعده المساقاة تلزم بالعقد، وهو قول مالك وابن القاسم. وقال أشهب في "العتبية" فيمن أخذ حائطًا مساقاة فلم يعمل حتى خرج منه (¬1) لصاحب الحائط بربح سدس الثمرة: لا بأس بذلك في قول من يقول: إن السقاء إذا وجب بينهما لم يقدر واحد منهما على الترك وإن لم يعمل فيه (¬2). فأبان أنها مسألة خلاف. وقال سحنون: أولها لازم كالإجارة، وآخرها إذا عجز كالجعل؛ لأن الجعل إذا ترك قبل تمامه لم يكن له فيما عمل شيء. فصل [في الدعوى في المساقاة] الاختلاف في المساقاة (¬3) من ثلاثة أوجه: أحدها في الجزء، والثاني في دفعه، والثالث في الصحة والفساد، فإن اختلفا في الجزء، فقال صاحب الحائط: لك الثلث، وقال الآخر: النصف، فإنْ كان اختلافهما قبل العمل وأتيا بما يشبه تحالفا وتفاسخا. وإن اختلفا بعد العمل كان القول قول العامل مع يمينه إذا أتى بما يشبه، وإن أتى بما لا يشبه وأتى الآخر بما يشبه حلف، ولم يكن للعامل إلا ما حلف ¬

_ (¬1) قوله: (منه) ساقط من (ف). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 12/ 160. (¬3) قوله: (الاختلاف في المساقاة) يقابله في (ت): (إخلاف المساقيين).

عليه صاحبه، فإن نكلا عن اليمين وأتيا بما لا يشبه رُدَّ إلى مساقاة المثل. ويختلف إذا أتى أحدهما قبل العمل بما يشبه دون الآخر، هل يكون القول قوله مع يمينه وتثبت المساقاة، أو يتحالفان ويتفاسخان؟ فعلى ما ذكره أشهب يكون كالقراض إن رضي أحدهما بما قال الآخر وإلا رد بغير يمينٍ. وإن قال صاحب الحائط: كانت المساقاة على أن يبدأ العامل بمكيلة كذا، والباقي نصفين. وقال الآخر: بل الجميع بيننا نصفين، ولا تبدية لي عليك (¬1). فقد أقر له بأكثر فكان القول قول مدعي الصحة (¬2)، وسواء كان اختلافهما قبل العمل أو بعده، ويحلف (¬3) على ذلك قبل تمام العمل، وأما بعده: فإن كانت مساقاةُ مثله النصفَ فلا يمين عليه (¬4)، وإن كانت مساقاةُ المثل أكثرَ من النصف حلف صاحب الحائط (¬5)، وإن نكل حلف العامل وأخذ الفضل، وإن قال العامل: شرطت أن أبدأ بمكيلة، والباقي بيننا نصفين، وقال الآخر: نصفين (¬6) من غير تبدية- كان اختلافًا في الثمن، فيحلف مع القيام مدعي الفساد وحده، وتفسخ المساقاة؛ لأن منزلة من ادعى الفساد منزلة من أتى بما لا يشبه في الثمن، والسلعة لم تفت (¬7). فإن قال صاحب الحائط: لي صنف كذا، ولك صنف كذا، وقال الآخر: على أن (¬8) الجميع بيننا نصفين- كان القول قول ¬

_ (¬1) قوله: (لي عليك) يقابله في (ف): (في عملك). (¬2) قوله: (الصحة) يقابله في (ت) و (ف): (الحلال). (¬3) في (ت): (يختلف). (¬4) قوله: (عليه) ساقط من (ت). (¬5) قوله: (صاحب الحائط) يقابله في (ت) و (ف): (مدعي الصحة). (¬6) قوله: (نصفين) ساقط من (ف). (¬7) قوله: (لم تفت) يقابله في (ف): (قائمة). (¬8) قوله: (على أن) ساقط من (ف).

صاحب الحائط مع يمينه، وإن كان مدعي الفساد؛ لأنه لم يقر ببيع شيء من الصنف (¬1) الذي ادعاه العامل. وقال مالك في "كتاب محمد" فيمن ساقى حائطه سنة أو أكثر، ثم قال العامل بعد فراغها: لم تدفع إليَّ من الثمرة شيئًا؟ فقال: إذا جد- فلا شيء عليه. ¬

_ (¬1) في (ف): (النصف).

باب في المساقى يعري ما سوقي عليه

باب في المساقى يعري ما سوقي عليه ولا بأس أن يعري العامل جميع حظه من المساقاة أو جزءًا منه: نصفه، أو ربعه، أو أكثر، أو أقل، أو جزءًا من نخلة (¬1)، أو نخيل بعينها. وإن أعرى جميع نخلة أو نخيل- جاز قدر نصيبه منها، وليس للمُعْرَى أن يقول بجميع نصيب العامل من جميع المساقاة في هذه النخيل حتى تكمل عريتي (¬2)، وكذلك لو كان المعري هو صاحب الحائط، فالجواب فيه على ما تقدم إن أعرى جميع حظه أو بعضه أو شيئًا بعينه. ¬

_ (¬1) في (ف): (نخليه). (¬2) في (ت): (عيرتي).

باب في مساقاة المديان والمريض

باب في مساقاة المديان والمريض ومن "المدونة" قال ابن القاسم فيمن عليه دين يحيط بماله ثم ساقى حائطه: ذلك جائز، بمنزلة أن لو أكرى أرضه أو داره وعليه دين، فإن قام الغرماء بعد ذلك لم يفسخ الكراء ولا المساقاة، وإن ساقى أو أكرى بعد أن أقام عليه الغرماء، كان لهم أن يردوا فعله (¬1). قال الشيخ أبو الحسن - رضي الله عنه -: إذا عقده قبل قيام الغرماء عقدًا يمنع من بيع الرقاب- كان لهم أن يردوا عقده في الكراء والمساقاة؛ لأنه يتهم أن يكون فعل ذلك ضررًا بهم، فيمنعون من تعجيل أخذ ديونهم، وإذا كانت المساقاة قبل الدين أو بعده وفي يديه ما يوفي بدينه ثم طرأ عليه ما أذهب ذلك المال- لم ترد المساقاة قبل أمدها أو بعد، وكان مقاله في بيع الحائط دون نقض (¬2) المساقاة، وسواء كان قيامهم قبل العمل أو بعده. فقال ابن القاسم: يباع على أن هذا مساقى كما هو، قال (¬3): وليس هذا باستثناء (¬4). وقال غيره: لا يجوز البيع ويبقى موقوفًا إلا أن يرضى العامل بترك المساقاة. قال الشيخ أبو الحسن - رضي الله عنه -: وإن كانت المساقاة عامًا واحدًا والثمار مزهية جاز بيع الأصل قولًا واحدًا، ثم ينظر في بيع نصيب المفلس من الثمرة، فإن كان بيعها على الانفراد أثمن بيعت على الانفراد، وإلا بيعت مع الأصول، وإن ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 574. (¬2) في (ف): (بعض). (¬3) قوله: (قال) ساقط من (ت). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 575.

كانت الثمار مأبورة جاز بيع الأصل بغير خلاف. ويختلف في إدخال نصيب المديان في البيع مع الأصل، فأجازه ابن القاسم وقال: ليس هذا باستثناء يؤثر (¬1) في نصيب العامل إذا لم يدخل في البيع (¬2). وهو أحسن؛ لأنه قد سبق بيعه بوجهٍ جائزة وإنما يكون الاستثناء فيما بقي على ملكه وهو قادر على أن يدخله في البيع، ويجوز ذلك أيضًا على مذهب أشهب؛ لأنه يجيز ذلك وإن لم تكن مساقاة، إن استثنى نصف الثمرة، وإن أحب المفلس أن يؤخر بيع الثمار حتى تطيب؛ لأنه أثمن، ودعا الغرماء إلى إدخالها في البيع مع الأصل كان ذلك لهم؛ لأن من حقهم أن يباع لهم الآن كما قدر على بيعه، ولا يؤخر لسوق يرجى في ذلك، وإن كانت الثمار غير مأبورة كان الخلاف في بيع الرقاب. فعلى قول ابن القاسم يجوز بيع الرقاب، ونصيب العامل المفلس (¬3) من الثمرة، بخلاف ما لم يعقد فيه مساقاة، وعلى قول غيره يوقف بيع الأصل و (¬4) الثمرة؛ لأن عنده لا يجوز استثناء بعض الثمرة. وقول ابن القاسم أحسن، وقد تقدم وجه ذلك. وكذلك إذا كانت المساقاة سنتين أو ثلاثًا أو أربعًا، فيجوز على قول ابن القاسم بيع الرقاب، ونصيب الغريم من الثمرة دون نصيب العامل، وعلى قول غيره يمنع البيع جملة. واختلف في مساقاة المريض، فقال ابن القاسم: لا بأس بذلك، وإن كان ¬

_ (¬1) في (ت) و (ف): (يريد). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 566. (¬3) قوله: (المفلس) ساقط من (ت). (¬4) قوله: (الأصل و) ساقط من (ت).

فيها محاباة كانت في الثلث (¬1). وقال ابن عبدوس: أنكرها سحنون، ولا أحفظ عنه فيها تفسيرًا، والذي أعرف من مذهبه أنه إن زاد على مساقاة مثله بِأَمْرٍ بَيَّنٍ فذلك مثل هبته وما أنفد من عطيته، فيوقف السقاء إلى ما لا يطول ولا يدخل على صاحب الحائط مضرة، فإن صح كانا على شرطهما، وإن مات قبل القسم وحمل ثلثه الحائط تمَّ ما صنع، وإن لم يحمله وحمل المحاباة لم ينظر في ذلك، وخير الورثة بين أن يجيزوا السقاء كما شرط، وإلا قطعوا للعامل بثلث تركة الميت، وفسخت المساقاة، ولا يمكّن العامل في حال الوقف من السقي، فإن طال الوقف وخيف على الحائط أن يضيع فسخت المساقاة، ولم ينتظر صحة ولا موتًا. قال الشيخ أبو الحسن - رضي الله عنه -: إذا كانت المساقاة سنة واحدة فقول ابن القاسم حسن، فيمكن العامل الآن من العمل ولا يوقف عنه، فإن صحَّ المريض كانت له (¬2) المحاباة، وإن مات كانت في الثلث أو ما حمل الثلث منها، ولا يجعل الحائط في الثلث؛ لأن الورثة ممكّنون منه، والمحاباة حق للعامل لا عليه، فإن رضي بالعمل على ذلك لم يمنع منه. وقد اختلف قول ابن القاسم في كتاب العتق في المريض يشتري العبد ويحابي في الثمن، فجعل المحاباة مرة كالهبة المنفردة عن البيع تكون في الثلث، ولا مقال للبائع في المبيع إذا لم تتم المحاباة (¬3). وقال مرة: لا يتم البيع إلا بتمام المحاباة (¬4). فعلى القول الأول يجبر العامل الآن على العمل، وعلى القول الآخر ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 574. (¬2) قوله: (له) ساقط من (ت). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 415. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 372.

لا يجبر حتى يموت صاحب الحائط فتتم له المحاباة، وهذا يصح إذا كان العامل ممن يجهل، ويظن أن المحاباة تصح من رأس المال. وعلى كلا القولين فإن ذلك حق له، فإذا رضي بالعمل لم يمنع، وإن كانت المساقاة سنين صحَّ على (¬1) قول ابن عبدوس؛ لأن مقال الورثة في حبس الرقاب، وإن لم تكن محاباة فإن حمل الثلث الرقاب صحت المحاباة (¬2)، وإلا رد وقطع له بثلث الميت. ¬

_ (¬1) قوله: (على) ساقط من (ف). (¬2) في (ف): (المساقاة).

باب فيما يجوز مساقاته من ذوات الأصول وغيرها

باب فيما يجوز مساقاته من ذوات الأصول وغيرها المساقاة (¬1) ثلاثة أصناف: فالأول: الشجر، والنخل، والزيتون، والرمان، وما أشبه ذلك. والثاني: ما ليس بشجر، وكان إذا جني لم يخْلف كالزرع، والقمح، والشعير (¬2)، والقطاني، والجزر، والبصل. والثالث: ما ليس بشجر، وإذا جد (¬3) أخلف: كالقضب والكراث والموز. فأما الشجر، فتجوز مساقاته اختيارًا وإن لم يعجز عنه صاحبه، كان فيه ثمر أو لم يكن، سنة وسنتين (¬4)، ما خلا شيئين: أن يكون صغيرًا لم يبلغ الإطعام، أو كبيرًا فيه ثمر قد بدا صلاحه على اختلاف فيه إذا بدا صلاحه. وأما الزرع والقطاني وما أشبهها فاختلف فيه على أربعة أقوال: فقال مالك في "كتاب ابن المواز" في الذي يضعف عن زرعه ويريد أن يساقيه ما هو بالموطأ حتى يكون مثل النخل، وأرجو أن يكون خفيفًا (¬5). فأجازه على كراهية، وأجاز ذلك في "المدونة" بثلاثة شروط: إذا عجز عنه، وبرز من الأرض، ولم يبد صلاحه (¬6). وأجازه ابن نافع في "كتاب ابن سحنون" من غير شرط ¬

_ (¬1) في (ف): (المساقى). (¬2) قوله: (والقمح، والشعير) ساقط من (ف). (¬3) في (ف): (جني). (¬4) في (ت): (سنين). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 298. (¬6) انظر: المدونة: 3/ 575.

كالشجر، وقال: المساقاة جائزة في الزرع والجزر والبطيخ، والأصول المغيبة وإن لم يعجز عنه صاحبه (¬1). ولم يفرق في ذلك برز أو لم يبرز. وقال ابن عبدوس: والقياس ألا تجوز مساقاة الزرع (¬2). وأما ما يجز ويخْلف فلا تجوز مساقاته عند مالك قال في "المدونة": لا تجوز مساقاة القصب، قال: لأن المساقاة تقع فيه وقد حل بيعه، وهو يجز جزة بعد جزة، والذي يريد أن يساقيه فليشتره وليشترط لنفسه خلفته (¬3). وقال محمد بن المواز في قصب السكر: إن كانت له خلفة فساقى عليه وعلى خِلفته لم يجز؛ لأنه لا تجوز مساقاة ما لم يخرج من الأرض، فكذلك خِلفته لا تجوز مساقاته، قال: ولو انفرد وحده جاز إذا عجز عنه واستقل من الأرض، ولم يشترط خِلفته؛ فكان في هذا وجهان: جواز مساقاة ما له خِلفة إذا عجز عنه في وقت لا يجوز بيعه. والثاني: منع بيع الخِلفة جملة، وأنها بمنزلة الرأس في المنع. وهذا خلاف ما في "المدونة" (¬4)، وعلى قول ابن نافع تجوز مساقاة الرأس في وقت لا يجوز بيعه وإن لم يعجز عنه. ففرق مالك بين مساقاة ذوات الأصول وغيرها؛ لأن القياس منع المساقاة جملة؛ لأنها تتضمن بيع الثمر قبل صلاحه. والثاني: أن العامل يعمل على أنه إن أصيبت الثمرة لم يرجع بشيء، وكان ¬

_ (¬1) انظر المنتقى: 7/ 26. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 298. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 579. (¬4) انظر: المدونة: 3/ 188.

فصل [في مساقاة الورد والياسمين والمقاثي وشجر البعل]

عمله باطلًا مع انتفاع الأصول بعمله. والثالث: أنه لا يدري ما يكون عوض عمله قليلًا أو كثيرًا، ومن شرط الجعل أن يكون معلومًا. والرابع: أن يدخله إذا كان في الحائط عبيد أو دوابُّ بيعُ (¬1) الطعام بالطعام ليس يدًا بيد؛ لأنه يطعمهم ويأخذ العوض طعامًا، فأجاز المساقاة في ذوات الأصول للسُّنة، ومنع ما سواها إلا لضرورة، لئلا يتلف الزرع متى منع، والضرورات تنقل الأحكام، وأرى أن يجوز ذلك إذا كان العجز قبل البروز بل هو أعذر، فقد ينتفع بما برز واستقل برعي أو غيره، ولم ينتفع بما لم يبرز. وقاسه ابن نافع على ذوات الأصول؛ لأن الغرر فيهما سواء. وقد يكون بعضُ ما ليس له أصل كالجزر واللفت -وَلَهُ الشِّرْبُ المأمونُ- آمَنَ مِنَ الثمار؛ لأنه يَقْرُبُ أخذه، والانتفاع به، "وَقَدْ سَاقَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى شَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنَ الثَّمَرَةِ وَالزَّرْعِ (¬2) " (¬3) وإذا جازت المزارعة بالجزء كانت المساقاة عليه أجوز. فصل [في مساقاة الورد والياسمين والمقاثي وشجر البعل] وأجاز مالك مساقاة الورد والياسمين (¬4) وثمرة نَوْره (¬5)، واختلف عنه في المرسين وهو الريحان فأجاز مساقاته ومنعها، وأجازها ابن وهب، واختلف فيه ¬

_ (¬1) قوله: (بيع) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (من الثمرة والزرع) يقابله في (ت): (منها). (¬3) الحديث سبق تخريجه، ص: 4691. (¬4) انظر: المدونة: 3/ 578. (¬5) في (ف): (نواره).

عن ابن القاسم، ومنعه أصبغ (¬1)، قال: لأنه وإن كان له أصل (¬2) فالمأخوذ منه ورقه، وهو بمنزلة ما يجز ويخلف، وهو موجود أبدًا ومتتابع لا ينقطع، وهو في وقت مساقاته يجوز بيعه وبيع خلفته، وإذا جاز البيع لم تجز المساقاة، وإذا جازت المساقاة على أحد قولي مالك جاز أن يشترط الخلفة على القول بإجازة بيعها مع الأصول. واختلف عن مالك في مساقاة المقاثي فأجازها في "المدونة" (¬3). وقال في "كتاب محمد": إنما ذلك في الزرع إذا عجز عنه (¬4). والأول أبين، والأمر فيهما سواء. وأما مساقاة القضب وقصب السكر وغيرهما مما يجز ويخلف، فإنه لا تخلو مساقاته من أن تكون في أول بطن قبل بروزه، أو بعد بروزه، وقبل صلاحه أو بعد صلاحه، أو بعد أن جز أول بطن ولم يبد الثاني. فإن كان في أول بطن ولم يبد صلاحه كان الجواب فيه على ما تقدم في الزرع، فيجوز على قول مالك إذا برز وعجز عنه؛ لأنه حينئذٍ لا يجوز بيعه. وعلى قول ابن نافع يجوز وإن لم يعجز، فإن بدا صلاحه امتنعت المساقاة، فلم يجز في الرأس ولا في الخلفة على الاجتماع ولا على الانفراد؛ لأنه قادر على البيع فيهما جميعًا، وعلى هذا الوجه تكلم في "المدونة"، وعلى قوله في "كتاب محمد" يجوز في الرأس وحده، وتكون إجارة باع نصفها بعمله، ولا يجوز أن يجمع ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 300. (¬2) قوله: (له أصل) يقابله في (ف): (شجرًا). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 579. (¬4) انظر: المدونة: 3/ 587.

الخلفة في العقد مع الرأس؛ لأنه لا تجوز مساقاة ما بدا صلاحه مع ما لم يبد صلاحه، وقياد (¬1) قوله أنها إجارة يجوّز ذلك. وقال مالك: لا بأس بمساقاة شجر البعل، وقال ابن القاسم: تجوز مساقاة زرع البعل مثل زرع مصر وافريقية، إذا كان يحتاج إلى ما يحتاج إليه شجر البعل من المؤنة، فإن ترك خيف عليه الضيعة، وإن كان لا مؤنة فيه ولا عمل لم تجز المساقاة، وإنما يقول له: احفظه واحصده وادرسه ولك نصفه، فهذا لا يجوز (¬2). ¬

_ (¬1) هكذا في (ت) وهو غير مقروء في (ف)، ولعل الصواب (ومفاد) والله أعلم. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 575.

باب في مساقاة الحائطين صفقة واحدة إذا كانا جنسا واحدا، أو مختلفي الجنس كالنخل والعنب والتفاح والرمان

باب في مساقاة الحائطين صفقة واحدة إذا كانا جنسًا واحدًا، أو مختلفي الجنس كالنخل والعنب والتفاح والرمان ولا بأس بمساقاة الحائط الواحد يكون مختلف الثمرة فيه الجيد والرديء (¬1) على جزء واحد، ولا بأس بمساقاة الحائطين في صفقة واحدة على جزء واحد إذا كانت ثمرتهما سواء في الجنس والجودة والقيام بهما أو متقاربًا. واختلف إذا كان أحدهما جيدًا والآخر رديئًا، أو أحدهما سيحًا والآخر بعلًا، أو الآخر يسقى بالغرب، فأجاز مالك أن يدفعا في عقد واحد على جزء واحد (¬2)، ولم يُجِزهما على جزء مختلف، ولو أراد على قوله أن يساقي كل واحد منهما على ما يساقي عليه الآخر (¬3) على الانفراد لم يجز (¬4). وقال ابن القاسم في "المستخرجة": لا بأس أن يساقي الرجل الحائطين مساقاة واحدة على النصف أو الثلث إذا كانا متساويين، فإن لم يكونا متساويين فلا خير فيه إذا كان لا يأخذ أحدهما إلا لمكان صاحبه (¬5). وقال الشيخ أبو الحسن - رضي الله عنه -: أما إجازة ذلك على سقاء واحد وإن اختلفا فاستنانًا بما فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خيبر؛ لأنه عاملهم في جميعها على النصف، ولا ¬

_ (¬1) قوله: (الرديء) يقابله في (ف): (والدني). (¬2) قوله: (على جزء واحد) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (الآخر) ساقط من (ف). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 309. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 12/ 175.

فصل [في من ساقى حائطا فيه أنواع من الثمار في عقد واحد]

شك أنها تختلف، وفيها الجيد والرديء، فإن أرادا أن يخالفا بين الأجزاء (¬1) على قدر ما يتكلف منه (¬2)، ويجعلا لكل واحد قسطه من الجزء- جاز ذلك، وليس في الحديث ما يمنع من ذلك. وإذا وردت الرخصة على صفة تتضمن الغرر أو الفساد من وجوه، فأراد قوم أن يسقطوا بعض تلك الوجوه التي توجب الفساد لم يمنعوا من ذلك؛ لأن مساقاتهما على جزء واحد يؤدي إلى مساقاة حائط بجزء من الآخر. وإذا ساقاهما على جزء واحد وأحدهما كثير الثمرة قليل المؤنة، والآخر كثير المؤنة قليل الثمرة، أو أحدهما سيحًا والآخر يسقى بالغرب فمعلوم أنه يأخذ العوض عما يكثر عمله مما تقل مؤنته. وأما قول ابن القاسم في المنع فإنه قدم القياس على الحديث، ولو قال: لك من الجيد -وهو القليل العمل- الثلثان، ومن الكثير المؤنة القليل الثمرة الثلث، لم يجز قولًا واحدًا. فصل [في من ساقى حائطًا فيه أنواع من الثمار في عقد واحد] مساقاة أنواع الثمار في عقد واحد على ثلاثة أوجه: فإن كان جميع ذلك في حائط واحد ومختلطًا كانت المساقاة على جميعه في عقد واحد جائزة. وقال مالك (¬3) في "كتاب محمد" فيمن ساقى حائطه وفيه أنواع مختلفة، نخل، ورمان، وتين، وعنب على سقاء واحد كان على الداخل سقي الحائط ¬

_ (¬1) في (ت): (الأجر). (¬2) في (ف): (فيهما). (¬3) قوله: (مالك) ساقط من (ت).

كله حتى يفرغ منه كله ومن جميع الثمرة (¬1). وإن كانت حوائط وكانت مساقاة كل واحد لو أُفرد مثل مساقاة الآخر جاز ذلك أيضًا. وإن كانت تختلف المساقاة فيها لو ساقاها على الانفراد، فساقاها على جزء واحد- جاز على قول مالك، ولم يجز على قول ابن القاسم، وقد تقدم ذلك. وإن كان يجمعها حائط واحد، وكل ثمرة ناحية غير مختلطة إلا أنها يسيرة لا يساقى الصنف منه على انفراده لقلته فيكون كالمختلط، وإن كانت كثيرة فكالحوائط. وقال مالك فيمن ساقى حائطًا وفيه رمان أو غيره قد أثمر وطاب، فإن كانت لصيقة النخل ومعها تشرب بماء النخل فذلك جائز، وهي لربِّ النخل، ولا يصلح أن يشترطها العامل (¬2). ومحمل جوابه على أن المساقاة سنة واحدة، فإن كانت سنين دخلت في المستقبل في المساقاة وكان للعامل جزؤه منها، إلى أن يأتي العام الذي يخرج فيه بجداد النخل، فإنه يخرج ولا يكون له فيما سوى النخل مما لم يأت إبانه شيء، ولو جعل له في سقي ذلك مقال وأن يتمادى في السقي والعمل حتى يطيب ما سوى النخل فيأخذ جزأه لأدى ذلك إلى ألا ينتزع الحائط؛ لأنه إذا مكن من السقي حتى يطيب بما سوى النخل فيأخذ جزأه منه- قال: لم أصل إلى (¬3) ذلك الذي أسقيت بالنخل فلا يذهب عملي فيه، والتمكين من ذلك تمكين من سقى ما سواه فيؤدي إلى ما لا غاية له. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 298. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 298. (¬3) قوله: (إلى) ساقط من (ف).

فصل [في مساقاة ذوات الأصول من النخل والعنب، وفيما ليس بأصل كالزرع والقطاني]

فصل [في مساقاة ذوات الأصول من النخل والعنب، وفيما ليس بأصل كالزرع والقطاني] مساقاة كل ذات أصل من النخل والعنب والزيتون مع ما ليس بأصل كالزرع والقطاني وما أشبه ذلك صفقة واحدة- جائزة إذا كان كل صنف ناحية عن الآخر، وكانت المساقاة على ما يجوز لو كانا عقدين، فيجوز في ذوات الأصول وإن لم يطلع فيها ثمرة ولم يعجز عنها، وفيما ليس بأصل إذا برز وعجز عنه. وعلى قول ابن نافع وإن لم يعجز، وعلى قول ابن القاسم في "المستخرجة" تجوز المساقاة إذا كانا متساويين في السقاء لو أفرد لكانا على جزء واحد (¬1)، وإن كانا مختلطين وكل واحد منهما مقصود في نفسه متناصفًا أو قريبًا من التناصف، أو كان الزرع هو الأكثر والنخل الأقل- كان الجواب كما تقدم لو كان منفردًا. وإن كان الزرع الأقل -الثلث فأدنى- جازت المساقاة فيه وإن لم يظهر من الأرض ولم يعجز عنه، لم يكن (¬2) داخلًا في المساقاة، وعلى مثل جزء النخل على قول مالك، ولا يجوز أن يلغى لأحدهما، ولا أن يكون فيه من الجزء على خلاف النخل. وروى ابن وهب عن مالك في "كتاب محمد" أن حكم القليل حكم الثمرة تكون في الدار فتكرى (¬3). وجعله للعامل خاصة ولم يجز أن يكون بينهما (¬4) بحال لا على مثل جزء الكثير ولا غيره، فإن كان النخل الأكثر كان ¬

_ (¬1) قوله: (واحد) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (لم يكن) يقابله في (ف): (ثم يكون). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 302. (¬4) في (ف): (سهمًا).

فصل [في مساقاة الحائط ما جد منه وما لم يجد]

الزرع للعامل، وإن كان الزرع الأكثر والنخل الثلث فأدنى كانت ثمرته للعامل، وهذا خلاف المشهور من المذهب (¬1) عنه. قال سحنون (¬2): ولم أعرف أحدًا استحسن هذا (¬3). فصل [في مساقاة الحائط ما جُد منه وما لم يجد] وقال مالك في "كتاب محمد" في الحائط يجد وتبقى منه نخلات أن على العامل أن يسقي الحائط كله (¬4) ما جُد منه وما لم يجد (¬5). ولو بقيت نخلات يسيرة وهي عدائم وهي (¬6) المتأخرة الطيب، لكان عليه أن يسقي الحائط كله حتى يجد، ولو كان فيه الألوان المختلفة من النخل والرمان والتين على سقاء واحد، كان على الداخل أن يسقي الحائط كله حتى يفرغ من ثمرته، ويرد إلى صاحبه (¬7). فسوى بين أن تكون الثمرة من جنس أو مختلفة الأجناس، متقاربة الطيب أو متباينة. وقال مطرف وابن الماجشون في "كتاب ابن حبيب": إذا بقي من العدائم النخلة والنخلات كان سقاء الحائط كله على صاحب الحائط، عدائمه وما جد ¬

_ (¬1) قوله: (من المذهب) ساقط من (ف). (¬2) في (ف): (محمد). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 302. (¬4) قوله: (كله) ساقط من (ت). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 315. (¬6) قوله "وهي" زيادة من: "ف". (¬7) انظر: البيان والتحصيل: 12/ 145.

منه، ويوفى المساقى نصيبه من العدائم. وإن كانت العدائم الأكثر؛ لأنه يقول كان (¬1) على العامل أن يسقي الحائط كله، وإن كان متناصفًا أو متشابهًا كان على العامل أن يسقي (¬2) العدائم، وعلى صاحب الحائط أن يسقي غيرها. وإن كان الحائط أصنافًا من الفواكه: تينًا وعنبًا ورمانًا وفرسكًا فطاب بعض ذلك وجني، فقال ابن الماجشون: سبيله سبيل العدائم، وقال مطرف: كلما قطعت ثمرة وانقضى جنيها من البستان فقد انقضى السقاء بها، وسقطت مؤنته قليلًا كان أو كثيرًا (¬3). قال الشيخ أبو الحسن - رضي الله عنه -: القياس أن يسقط عنه سقي ما جدت ثمرته، قليلًا كان أو كثيرًا، جنسًا واحدًا كان أو أجناسًا، ويسقي ما بقيت ثمرته خاصة قليلًا كان أو كثيرًا. ¬

_ (¬1) قوله: (لأنه يقول كان) يقابله في (ف): (فعلى). (¬2) قوله: (الحائط كله. . . على العامل أن يسقي) ساقط من (ف). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 306.

باب في مساقاة النخل يكون فيها البياض

باب في مساقاة النخل يكون فيها (¬1) البياض وإذا ساقى نخلًا يكون فيها (¬2) بياض فإنه لا يخلو البياض من أن يكون كثيرًا مقصودًا، أو تبعًا لجميع الثمرة، أو لنصيب العامل، أو يعقد المساقاة على النخل ولا يذكر البياض، أو يذكراه ويستثنيه صاحب الحائط ولا يدخله في السقاء، أو يدخلاه في السقاء على أن يكون ما خرج فيه للعامل أو لصاحبه، أو بينهما على أن البذر من عند العامل أو من عند صاحب الحائط أو من عندهما. فهذه أحد عشر وجهًا، فإن كان أكثر من الثلث لم يجز إدخاله في السقاء وجاز بقاؤه لربه، وإن عقدا المساقاة ولم يذكراه كان العقد صحيحًا، وكان باقيًا لربه، ولم يدخل في السقاء، وإن كان (¬3) الثلثَ فأدنى جاز إدخاله في المساقاة، وجاز إبقاؤه لربه. واختلف إذا عقدا المساقاة ولم يذكراه، فقال مالك في "كتاب ابن سحنون": هو لربه وإن زرعه العامل بغير علم صاحب الحائط كان عليه كراء المثل (¬4). وقال محمد: هو للعامل وحده، وهي سنة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قاله مالك. والأول أحسن؛ لأن مفهوم المساقاة أن يسقي ما يحتاج إلى السقي -وهي النخل- بجزء من الثمرة، والبياض خارج عن هذا، ولو كان داخلًا في ¬

_ (¬1) في (ف): (لها). (¬2) قوله: (يكون فيها) يقابله في (ف): (ولها). (¬3) قوله: (وإن كان) يقابله في (ف): (وإن كان السقاء). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 301.

المساقاة بمجرد العقد لوجب أن يكون لصاحب الحائط جزء منه مثل ما له في السواد؛ لأن العقد يتضمن أن يكون ما يكون فيه من عمله بينهما، لا يستبد بها أحدهما دون صاحبه (¬1). وإن شرطا إدخالهما (¬2) في المساقاة جاز إذا كان ما يخرج فيه بينهما أو للعامل (¬3) وحده. واستحب مالك أن يكون للعامل خاصة قال: وهو أحله، ولا يجوز أن يكون لصاحب الحائط (¬4). وأما البذر فيكون من عند العامل وحده، ولا يجوز أن يكون من عندهما، ولا من عند صاحب الحائط وسواء كان ما يخرجه بينهما أو للعامل، فإنه لا يجوز أن يكون البذر من (¬5) عند مالك الحائط بحال، قال (¬6): فإن نزل ذلك وكان البذر من عند صاحب الحائط ليكون الزرع له أو للعامل أو بينهما - كان الزرع في جميع هذه الوجوه (¬7) عند ابن حبيب لمخرج البذر كائنًا من كان، فإن كان العامل خرج البذر كان الزرع له وعليه كراء الأرض إذا زرعه لصاحب الحائط أو (¬8) ليكون بينهما، وإن أخرجه صاحب الحائط كان الزرع له وعليه للعامل أجرة المثل (¬9). وبناه على الشركة الفاسدة في ¬

_ (¬1) قوله: (ما يكون فيه من عمله بينهما، لا يستبد بها أحدهما دون صاحبه) يقابله في (ف): (فيه من عمليهما ما لا يستبد أحدهما به دون الآخر). (¬2) قوله: (شرطا إدخالهما) يقابله في (ف): (شرط إدخاله). (¬3) قوله: (أو للعامل) يقابله في (ت): (فللعامل). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 577. (¬5) قوله: (أن يكون البذر من) ساقط من (ت). (¬6) قوله: (قال) ساقط من (ت). (¬7) قوله: (الوجوه) ساقط من (ت). (¬8) في (ت): (و). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 361.

أحد القولين أن الزرع لمخرج البذر، وأرى أن يكون الزرع لمن زرع له إذا زرع على ألا يشركه فيه، فإن كان البذر من عند العامل وزرعه لرب الحائط كان له، وعليه للعامل مثل بذره وإجارة عمله؛ لأن صاحب الحائط اشترى من العامل بذرًا (¬1) شراءً فاسدًا، وأمره أن يجعله في أرضه ويسلمه فيها، فأشبه من استأجر على صبغ ثوب إجارة فاسدة، أو اشترى عصفرًا شَراءً فاسدًا ليصبغ له به البائع ثوبًا، فذلك فوت، وللبائع أن يرجع على صاحب الثوب بمثل ما اشترى به (¬2) من العصفر وإجارة المثل. وإن كان البذر من عند صاحب الحائط ليزرعه العامل لنفسه كان للعامل، وعليه مثل البذر وكراء الأرض؛ لأنه اشترى البذر شراءً فاسدًا، وقبضه وزرعه على ملكه، وذلك فوت. ولا خلاف فيمن اشترى من رجل بذرًا واكترى أرضًا، وكان ذلك صفقة واحدة وكان العقد فاسدًا، أن الزرع للمشتري وعليه مثل البذر وكراء الأرض، وإن شرطا أن يكون بينهما نصفين (¬3)، كان النصف لصاحب الحائط؛ لأنه بذره وزرعه على ملكه. ويختلف في الأجر (¬4) هل يكون للعامل؛ لأنه اشتراه شراءً فاسدًا وقبضه وأفاته بالزراعة، أو يكون لبائعه؛ لأنه بيع فيه تحجير وعدم التمكين، وهو بمنزلة من باع نصف (¬5) هذا القمح على أن يزرع جميعه بينهما، بخلاف من اشترى جميعه؛ لأنه لا تحجير فيه. ¬

_ (¬1) قوله: (بذرًا) ساقط من (ف). (¬2) في (ف): (منه). (¬3) قوله: (نصفين) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (الأجر) يقابله في (ف): (النصف الآخر). (¬5) قوله: (نصف) ساقط من (ف).

فصل [في اشتراط العامل ثلاتة أرباع البياض]

وإن شرطا أن يكون جميعه لصاحب الحائط لم يكن للعامل فيه شيء، ولا مقال (¬1) ولا معاوضة في ذلك، وإن كان البذر من عندهما بالسواء على أن يكون (¬2) الزرع بينهما كذلك كان بينهما على ما شرطا، ويتراجعان في الأجرة، فيكون للعامل أجرة المثل في عمله، وللآخر إجارة نصف أرضه. وإذا كان البذر (¬3) من عندهما وشرطا أن يكون لأحدهما كان بينهما على ما شرطا (¬4). قال ابن حبيب: وينبغي أن يكون جميعه للعامل إن شرطه لنفسه، وعليه مثل بذر صاحبه، وكراء جميع الأرض، وإن اشترطا لصاحب الحائط (¬5) كان له، وعليه للعامل مثل بذره وأجرة مثله (¬6). ويختلف فيما يكون للعامل من النخل إذا فسدت المساقاة لهذه الوجوه، فقال أصبغ: له مساقاة المثل. وقال محمد: إجارة المثل (¬7). وأرى أن يكون له الأكثر إذا كانت الزيادة من صاحب الحائط أو الأقل إن كانت الزيادة منه. فصل [في اشتراط العامل ثلاتة أرباع البياض] وقال ابن القاسم: إذا اشترط العامل ثلاثة أرباع البياض لم يجز إلا أن يلقى كله للعامل وإما أن يكون على سقاء واحد، وقال أصبغ: ذلك جائز؛ لأنه ¬

_ (¬1) قوله: (ولا مقال) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (على أن يكون) يقابله في (ف): (ليكون). (¬3) قوله: (البذر) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (شرطا) ساقط من (ف). (¬5) في (ف): (الأرض). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 396. (¬7) انظر النوادر والزيادات: 7/ 301.

إذا جاز أن يكون كله للعامل جاز أن يكون له ثلاثة أرباعه (¬1). وإنما يكره أن يكون لصاحب الأصل أكثر من النصف (¬2). واختلف إذا اشترطه العامل لنفسه وكان تبعًا، فظاهر قول مالك أنه يجوز إذا كان تبعًا لجميع الثمرة. وقال ابن عبدوس: لا يجوز إلا أن يكون تبعًا لنصيب العامل وحده. وهو أبين؛ لأنه إنما (¬3) يراعى ما يصير (¬4) للعامل. كَمُلَ كتابُ المساقاةِ والحمدُ للهِ (¬5) ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 302. (¬2) قوله: (أكثر من النصف) يقابله في (ف): (الأكثر). (¬3) قوله: (لأنه إنما) يقابله في (ف): (وإنما). (¬4) في (ف): (يكون). (¬5) قوله: (كمل كتاب المساقاة والحمد لله) يقابله في (ف): (وبالله التوفيق).

كتاب الجوائح

كتاب الجوائح النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ت) = نسخة تازة رقم (234 & 243) 3 - (ر) = نسخة الحمزوية رقم (110)

باب في جوائح الثمار والزرع وغيره، وما يكون جائحته متعلقة بالثلث، وما يوضع قليله وكثيره

كتاب الجوائح باب في جوائح الثمار والزرع وغيره، وما يكون جائحته متعلقة بالثلث، وما يوضع قليله وكثيره (¬1) الأصل في وضع الجوائح في الثمار حديث جابر قال: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِوَضْعِ الجْوَائِحِ (¬2). وقال في حديث آخر: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا وَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ، فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأَخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، بِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ بِغَيْرِ حَقٍّ؟ ". أخرج هذين الحديثين مسلم (¬3). ولا تخلو جائحة الثمار إذا بيعت بعد الطيب من خمسة أوجه: إما أن تكون الجائحة قبل أن ينقطع عنه السقي، أو بعد أن ينقطع عنه السقي (¬4)، أو قبل أن تنقطع (¬5) منفعة الأصول وتنقله (¬6) إلى الطيب أو نضج أو حلاوة وما أشبه ذلك، أو يكون بقاؤه لئلا يفسد إن أزيل الآن كالبقول وما أشبهها، أو تكون الجائحة بعد أن انقطعت منفعة الأصول وكانا شَرَطَا جداد ¬

_ (¬1) قوله: (باب: في جوائح. . . وكثيره) ساقط من (ت). (¬2) أخرجه مسلم: 3/ 1190، في باب وضع الجوائح، من كتاب المساقاة، برقم (17/ 1554). (¬3) أخرجه مسلم: 3/ 1190، في باب وضع الجوائح، من كتاب المساقاة، برقم (14/ 1554). (¬4) قوله: (عنه السقي) ساقط من (ت). (¬5) قوله: (أو بعد. . . أن تنقطع) يقابله في (ف): (أو بعد إن انقطعت). (¬6) ساقط من (ر)، وفي (ف): (ويبلغه).

الثمرة على البائع، أو كانت تلك العادة عندهم، أو كان الجداد على المشتري وهي محبوسة بالثمن وقد مكّن المشتري من قبضها إما لأنه دفع الثمن، أو لأن البائع رضي بتسليمها قبل القبض (¬1)، أو لأنه اشتراها بثمن إلى أجل. فإن بيعت الثمار بعد أن أزهت كانت فيها الجائحة، وسواء كانت في ذلك تحتاج إلى السقي (¬2) أو انقطع عنها أو كانت بعلًا؛ لأن تأخير جدادها لتنتقل من الزهو إلى الإثمار فيتم خلفها، والذي تنتقل إليه ويصير فيه من حلاوة أو ما أشبه ذلك شيء مبيع لم يوجد بعدة وإنما اشتراها ليقبضها على صفة، فمتى لم توجد تلك الصفة كانت المصيبة من البائع. ويختلف إذا لم تبق حالة ينتقل إليها وكان بقاؤه (¬3) ليستكمل جفافه أو لئلا يفسد إن جد؛ لأنه حينئذ كالبقل يؤخر (¬4) ليقبض شيئًا بعد شيء لئلا يفسد إن جد مرة واحدة وليس لينتقل في حاله، فقد اختلف في جائحته هل هي من البائع أو من المشتري؟ فإن تمّ جفافه ولم يبقَ إلا جذاذه، وقد تمكن المشتري منه؛ لأنه نقد الثمن أو كان الثمن إلى أجل وكان الجذاذ على المشتري كانت المصيبة من المشتري. واختلف إذا كان الجذاذ على المشتري وهي محبوسة بالثمن، هل المصيبة من البائع أو من المشتري؛ لأنها حينئذ كالثوب والعبد؟ واختلف أيضًا إذا لم تكن محبوسة بالثمن وكان الجذاذ على الجائح، هل المصيبة منه أو من المشتري؟ ¬

_ (¬1) في (ر): (القبل). (¬2) في (ر): (شيء). (¬3) في (ر): (بقاؤها). (¬4) قوله: (يؤخر) ساقط من (ر).

فصل [في قدر الجائحة التي توضع في الثمار]

وكذلك العنب إن أجيح قبل أن يستكمل عسليته (¬1) كان من البائع، وإن استكمل (¬2) كان (¬3) بقاؤه ليأخذه على قدر حاجته لئلا يفسد عليه إن قطعه معًا ثم استعمله على قدر حاجته إليه (¬4)، كان على الخلاف إذا كانت العادة بقاءه لمثل ذلك، وإن كانت العادة جداده (¬5) حينئذ معًا فأخَّره ليأخذه على قدر حاجته كان من المشتري، وكذلك الزيتون إن أصيب قبل أن يستكمل زيته كان من البائع؛ لأن الباقي مشترى وهو لم يوجد بعد؛ وإنما يدخل المشتري على قبضه بعد ما يكمل. فصل [في قدر الجائحة التي توضع في الثمار] وأما قدر الجائحة التي توضع في الثمار: فإذا بلغت الثلث فصاعدًا، فإن كانت دون ذلك لم توضع وهذا قول مالك (¬6). قال أبو محمد عبد الوهاب: لأن المشتري دخل على ذهاب اليسير من الثمرة (¬7) وأنها لا تسلم كلها (¬8). ومن قال: إن المشتري دخل على أن يسلم (¬9) الثمرة من ذهاب رطبه أو ¬

_ (¬1) في (ت): (عسيلته). (¬2) قوله: (من البائع وإن استكمل) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (كان) ساقط من (ر) و (ف). (¬4) قوله: (إليه) ساقط من (ت) و (ف). (¬5) في (ف): (جذه). (¬6) انظر: المدونة: 3/ 581. (¬7) قوله: (الثمرة) ساقط من (ر). وفي (ف): (الثمر). (¬8) انظر: المعونة: 1/ 47. (¬9) قوله: (أن يسلم) في (ر): (تسليم).

بسره أو من احتياز (¬1) المعافين (¬2) أو أكل الطير اليسير (¬3) منها فقد خرج عن العادة. وليس كذلك البقول لأن العادة سلامة جميعها، فوجب أن يوضع قليلها وكثيرها. وتعليله بالتفرقة بين البقول والثمار حسن؛ لأن الشأن في البقول ألا يسقط منها شيء، والمعاوضة قائمة (¬4) في الثمار فينبغي، أن يسقط مقال المشتري في القدر الذي أنه (¬5) الغالب عليه (¬6) أنه يهلك وما يبلغ الربع ولا يقارب (¬7) الثلث. فإن كان الغالب عندهم سقوط الربع فما دون بخلاف الثلث لزم إذا بلغت الجائحة الثلث، أن يوضع نصف سدس المبيع؛ لأن الربع لم يدخل عنده في البيع، ولم يكن له فيه مقال إن أصيب، وإنما مقاله في الزائد عليه (¬8) وهو نصف السدس. ويلزم على قوله أن يفرق بين الثمار وبين كل ثمرة على عادتها. والزيتون شأنه السقوط كالثمر (¬9) فيلحق به. والعنب والرمان ليس ذلك شأنهما، والشأن ثبات جميعه كالبقول فينبغي أن يوضع قليلها وكثيرها. واختلف في جائحة البقول، فقال مالك في المدونة في السلق، ¬

_ (¬1) في (ت): (إجارة). في (ف): (اختيار). (¬2) في (ف): (المتعافين). (¬3) في (ف): البسر. (¬4) قوله: (قائمة) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (أنه) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (عليه) ساقط من (ر) و (ف). (¬7) في (ر): (قارب). (¬8) قوله: (عليه) ساقط من (ر). (¬9) قوله: (كالثمر) ساقط من (ت).

والكُرَّاث (¬1)، والجزر، والبصل، يوضع عن المشتري جائحته (¬2). وذكر ابن الجلاب عنه أنه قال: لا يوضع عنه شيء، كثيره وقليله من المشتري (¬3). وروى عنه ابن أشرس أن جائحته توضع إذا بلغت (¬4) الثلث، وإلا لم توضع (¬5). وقال محمد: إن كان شيء لا بال له لم توضع، وإن كان له قدر وضع (¬6). وقال ابن القاسم في العتبية: ما جازت مساقاته على الاضطرار وعلى (¬7) غير الاضطرار (¬8) فلا جائحة فيه حتى يبلغ الثلث (¬9) إلا الموز فإنه لا تجوز مساقاته ولا توضع جائحته حتى تبلغ الثلث (¬10). فرأى أن الجائحة في الجزر والبصل واللفت والفجل وغير ذلك (¬11) مما لا يجذ ولا يخلف (¬12) لا توضع إلا أن تبلغ الثلث، وما كان مما يجذ ويخلف فيوضع قليله وكثيره. ولا وجه لهذا، وليس أصل الجوائح أصل الساقاة، ولا وجه أيضًا لمراعاة الثلث؛ لأن الغالب السلامة وإن أصيب شيء فيسير. ¬

_ (¬1) في (ر): (الكراة). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 587. (¬3) في (ت): (المبتاع)، وانظر: التفريع: 2/ 99. (¬4) في (ت): (بلغ). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 587. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 203. (¬7) في (ف): (أو على). (¬8) قوله: (وعلى غير الاضطرار) ساقط من (ر). (¬9) انظر: البيان والتحصيل: 12/ 163. (¬10) قوله: (إلا الموز. . . حتى تبلغ الثلث) ساقط من (ر). (¬11) قوله: (وغير ذلك) ساقط من (ت). (¬12) في ت (ما لا يجذ ويخلف).

فأثبت مالك الجائحة مرة لمّا كان بقاؤها للسقي ولمنفعة الأرض لها؛ لأنها إن عجز جزازها فسدت، وأسقطها في القول الآخر بخلاف الثمار؛ لأن الثمار لا (¬1) تؤخر لينتقل حالها (¬2) إلى صفة ليست بموجودة وقت البيع، والبقل على حاله قبل وبعد سواء، وإنما يؤخر لئلا يفسد متى تعجل، فإذا كان البائع يسقيه في خلال ذلك حط عن المشتري (¬3) من الثمن بقدر ما يراد لسقيه، وإن كان لا يسقى -ولو جذ لبقيت الأرض- ذلك القدر بغير عمل لم يحط عنه (¬4) شيء، وإن كان صاحبها يتعجل الانتفاع بأرضه لحط عنه بقدر ذلك. وتوضع جائحة المقاثي قولًا واحدًا؛ لأنَّ في بقائه إلى أن يوجد زيادة ونمو، ففارق بهذا البقل. واختلف في قدر الجائحة، فقال ابن القاسم: توضع إن بلغت الثلث (¬5). وقال أشهب في "كتاب محمد": هي (¬6) مثل البقول (¬7). يريد أنه يوضع قليلها وكثيرها، وهو أقيس؛ لأنها وإن كانت كالثمار فليس الشأن سقوطها وإن كان باليسير (¬8). وقال ابن القاسم فيمن اشترى مقثاة وهي بطيخ وقثّاء فأجيح جميع ثمرها ¬

_ (¬1) قوله: (لا) ساقط من (ر) و (ف). (¬2) قوله: (حالها) ساقط من (ت). (¬3) في (ت): (المبتاع). (¬4) قوله: (عنه) ساقط من (ر). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 581. (¬6) قوله: (هي) ساقط من (ت). (¬7) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 44. (¬8) قوله: (باليسير) ساقط من (ت).

وهي تطعم في المستبقل ينظر كم كان نباتها من أول ما اشترى (¬1) إلى آخر ما تنقطع ثمرتها، فينظر كم قطف منها وكم أصابت الجائحة، فإن أصابت ثلث الثمرة نظر إلى (¬2) قيمة ما (¬3) قطف منها، فإن كانت قيمته النصف أو الثلث أو أقل من الثلث لم يكن له إلا ذلك؛ لأن حملها في المشهور ونفاقها يختلف، ويقوم ما بقي مما لم يأت بعد في كثرة نباته ونفاق أسواقه مما لم يعرف (¬4) صاحبه نباته به (¬5) فربما كان الأول أقل وأغلى (¬6). فالمراعى عنده ثلث النبات فإن بلغه وضع، وإن كان ثمنه أقل من الثلث لأنه آخر بطن، وإن كان أقل من ثلث النبات وثمنه أكثر من الثلث لأنه من أول بطن لم يوضع (¬7) -قال: وكل ما يحبس أوله على آخره كالنخل (¬8)، والقصيل وما أشبهه فأصيب ثلث النبات وضع ثلث الثمن من غير تقويم. وما كان لا يحبس أوله على آخره كالمقاثي وما أشبهها يراعى فيها القيم وثلث النبات جميعًا (¬9). ¬

_ (¬1) في (ر): (اشتراه). (¬2) قوله: (إلى) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (إلى قيمة ما) يقابله في (ف): (فيما). (¬4) قوله: (يعرف) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (نباته به) ساقط من (ر). وقوله: (به) ساقط من (ف). (¬6) انظر: المدونة: 3/ 581. (¬7) قوله: (لم يوضع) ساقط من (ر). (¬8) في (ت): (كالفجل). (¬9) انظر: المدونة: 3/ 583.

قال ابن القاسم: وكذلك الورد والياسمين وكل شيء (¬1) يُجنى بطنًا بعد بطن فهو كالمقثاة. قال: وكذلك التفاح والخوخ والتين والرمان وما أشبه ذلك من الفاكهة، وذلك أن الرمان والخوخ وما أشبههما مما لا يخرص، إنما يشترى إذا بدا أوله ويعجل بيعه فيكون له (¬2) في أول الزمان ثمن لا يكون في آخره. قال: والذي شبّه مالك من الفاكهة بالنخل مما يخرص وهو مما ييبس ويدخر مثل: الجوز والجلوز (¬3) واللوز (¬4). قال: والتين وهو (¬5) مما ييبس (¬6) ويطعم بعضه بعد بعض فيسأل عنه أهل المعرفة (¬7). والتين على وجهين: فما كان منه لا ييبس يكون كالمقثاة يقوّم أول الإبان من آخره، وما كان مما يدخر ويراد به الأسواق ليباع طريًا فكذلك، وما كان بعيدًا من المدن وشأن أهله تيبيسه ولا يجلب إلى الحاضرة فيباع رطبًا كان ثلث النبات بثلث الثمن (¬8) إلا أن يختلف الأول من الآخر بالجودة والرداءة (¬9)، فيقوّم كل بطن على حاله من الجودة والدناءة من غير مراعاة للأسواق، ويجمع الرمان إلى الخوخ وإن كان الرمان مخالفًا له؛ لأنه يحبس أوله على آخره ولا يكون فسادًا له. فأرى أن يراعى فيه أيضًا هل هو قريب من المصر ليتعجل بيع (¬10) أوله، ¬

_ (¬1) قوله: (شيء) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (له) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (والجلوز) ساقط من (ت). (¬4) انظر؛ المدونة: 3/ 582. (¬5) قوله: (وهو) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (ويدخر مثل. . . وهو مما ييبس) ساقط في (ف). (¬7) انظر: المدونة: 3/ 584. (¬8) في (ت): (القيمة). (¬9) قوله: (بالجودة والرداءة) ساقط من (ت) وفي (ف): (بالجودة). (¬10) في (ت): (ليعجل به).

أو بعيد فيحبس حتى يجلب (¬1) مرة واحدة؟ وأما النخل فإن كان صنفًا واحدًا أو بعيدًا من المصر كان ثلث النبات بثلث الثمن، وإن كان قريبًا من المصر يراد (¬2) تعجيل بيعه رطبًا ولا يشترى ليدخر نظر إلى اختلاف أسواقه وأوله من آخره. وإن اختلف ألوانه فكان صيحانيًا وبرنيًا وعجوة نظر إلى القيمة قولًا واحدًا. واختلف بعد ذلك في قدر الجائحة. فقال (¬3) ابن القاسم: إنه ينظر إلى النبات فإن لم يبلغ الثلث لم يرجع المشتري بشيء وإن كانت قيمته الثلث (¬4) فأكثر، وإن بلغ الثلث رجع وإن لم يبلغ في (¬5) القيمة الثلث (¬6). وقال أشهب في "كتاب محمد": يقوم كل صنف حتى يعرف قيمة الذي أصيب من قيمة غيره، فإن كان (¬7) ثلث القيمة وضع، ولا يوضع حتى يكون ثلث القيمة وليس ثلث الثمرة (¬8). قال أصبغ: وذلك يعجبني وهو القياس عندي، بمنزلة اختلاف الفاكهة في الحائط الواحد (¬9) يشترى جملة واحدة، وكذلك إذا كانت الثمار ¬

_ (¬1) في (ت): (يحلف). (¬2) في (ت): (يريد). (¬3) في (ت): (بقول). (¬4) قوله: (الثلث) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (يبلغ في) يقابله في (ر): (تبلغ). (¬6) انظر: المدونة: 3/ 583. (¬7) قوله: (كان) ساقط من (ر). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 206. (¬9) قوله: (الواحد) ساقط من (ر).

أصنافًا متفاوتة الأجناس وليست بمتقاربة. قال محمد: وذلك خلاف قول مالك وابن القاسم وابن عبد الحكم وعبد الملك (¬1). وقال ابن حبيب: ومن قول مالك في الرجل يبتاع البستان فيه أنواع الثمار من تين وعنب ورمان وما أشبهه، وكل نوع منها قد طاب أوله وحل بيعه وهي في موضع واحد مختلطة أو مواضع شتى إلا أن الصفقة جمعتها في البيع، فأصابت الجائحة نوعًا منها بعضه أو كله، فإن جائحة كل ثمرة منها على حدة في تقديرها لا يضم بعضه إلى بعض وإن جمعته الصفقة، فإن بلغت الجائحة (¬2) ثلث ذلك النوع (¬3) قوّم كل نوع منها على حدة (¬4) ثم تجمع القيم فيرجع بما ينوبه (¬5). وقال أصبغ في "كتاب محمد" في الحوائط تكون أصنافًا: حائط نخل، وآخر كرم وآخر رمان، أو تكون مختلطة في حائط واحد فإن الأصناف كلها تقوّم فإن كانت الجائحة ثلث جملة القيمة وضع عن المشتري، ولا ينظر إلى شيء من الثمرة، وقيل: ينظر إلى الصنف الذي أصابته الجائحة، فإن كان مبلغ (¬6) ذلك الصنف (¬7) دون ثلث الجميع لم توضع وإن أصيب جميعها، وإن كان ذلك الصنف الثلث فأكثر وضعت جائحته إن كانت (¬8) ثلثه خاصة (¬9). وهذا ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 205. (¬2) في (ر): (تلف بالجائحة). (¬3) قوله: (النوع) ساقط من (ت). (¬4) في (ف) و (ر): (حدته). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 582، والنوادر والزيادات: 6/ 207، والبيان والتحصيل: 12/ 144. (¬6) في (ف): (يبلغ). (¬7) في (ر): (النصف). (¬8) قوله: (إن كانت) في (ت): (وإن كان). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 205، 206.

ضعيف، وقد يكون الحائط ستة (¬1) أصناف متقاربة القدر فكان كل (¬2) واحد منها مقصود في نفسه وليس شيء (¬3) منها تبعًا ولا غير مقصود، وقول ابن حبيب أحسن (¬4). ¬

_ (¬1) قوله: (ستة) ساقط من (ر). (¬2) في (ت): (فكل). في ف: (لكل) (¬3) قوله: (وليس شيء منها) ساقط في ف، يقابله في (ر): (وليس منها تبعًا). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 205.

باب في جائحة الخضر وما بيع من الثمار قبل صلاحه، وفي جائحة القصب الحلو والعرايا، وفي جائحة ما تزوجت به المرأة من الثمار، ومن اشترى ثمرة على ألا جائحة فيها

باب في جائحة الخضر وما بيع من الثمار قبل صلاحه، وفي جائحة القصب الحلو والعرايا، وفي جائحة (¬1) ما تزوجت به المرأة من الثمار، ومن اشترى ثمرة على ألا جائحة فيها وقال مالك فيما اشتري من الفول الأخضر والقطنية ليؤكل أخضر جاز. قال ابن القاسم: فإن أصابته جائحة وضعت إذا بلغت الثلث لأنها (¬2) ثمرة (¬3). وقال ابن القاسم (¬4) فيمن اشترى ثمرة قبل بدو صلاحها على أن يجذها (¬5) من يومه أو من الغد فأصابتها جائحة: توضع إذا بلغت الثلث. قيل: أفلا ترى مثل البقول؟ قال: لا. وكذلك بلح الثمار: والتين والجوز، واللوز، والفستق، فيشتريه على أن يجذه (¬6) توضع جائحته إذا بلغت الثلث (¬7). وقال ابن عبدوس: قلت لسحنون: كيف جعل فيه الجائحة ولا سقي عليه؟ قال: معنى قوله أن المشتري يأخذ ذلك شيئًا بعد شيء، ولو دعاه البائع إلى أن يجذه مرة (¬8) واحدة لم يكن له ذلك، بل يمهل في ذلك وهو وجه الشان. قال: ألا ترى أن الذي يشتري العنب قد طاب كله فيه الجائحة وإن كان لا ¬

_ (¬1) قوله: (في جائحة) ساقط من (ر). (¬2) في (ر): (لا). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 587. (¬4) قوله: (ابن القاسم) ساقط من (ر) و (ف). (¬5) في (ر): (يجدها). (¬6) في (ر): (يجده). (¬7) انظر: المدونة: 3/ 390. (¬8) في (ت): (ثمرة).

ينتظر طيب شيء منه؟ لأنه إنما يجذه (¬1) شيئًا بعد شيء على قدر الجائحة، ولو جذه كله (¬2) لفسد (¬3). وكأنه حمل قوله في "المدونة": يجذه (¬4) من يومه أو من الغد، أن (¬5) يبتدئ ذلك، ليس له (¬6) أن يجذه (¬7) كله، وكل هذه تختلف هل تكون جائحته من البائع أو من المشتري (¬8) لأنه لم يبق لينتقل إلى حالة الطيب (¬9) أو حلاوة تصير فيه، وإنما بقاؤه لئلا يفسد إن عجل جذاذه، فأشبه البقل في (¬10) هذا الوجه؛ لأنه إنما يؤخر لئلا يفسد إذا عجل جذاذه مرة واحدة، وجعل الجائحة بعد إثباتها على الثلث. وأرى إن كان بقاؤه المدة اليسيرة والشأن فيما (¬11) يسقط منها يسيرًا أن يرجع بما جاوز المعتاد وإن لم يبلغ الثلث. وقال ابن القاسم في القصب الحلو: ليس فيه جائحة؛ لأن بيعه بعد أن يمكن قطعه، وليس مما يأتي بطنًا بعد بطن، وهو بمنزلة الزرع إذا يبس. وقال أيضًا: توضع فيه الجائحة. (¬12) ولم يذكر قدرها. وقال ابن حبيب: من (¬13) قول ¬

_ (¬1) في (ت): (يأخذه). (¬2) قوله: (جذه كله) في (ر): (جده) وفي ف (أخذه كله). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 583. (¬4) قوله: (يجذه) ساقط من (ر). (¬5) في (ت): (أو). (¬6) قوله: (له) ساقط من (ر) و (ف). (¬7) في (ر): (يجده). (¬8) في (ت): (المبتاع). (¬9) في (ف): (لينتقل لطيب أو حلاوة). (¬10) في (ر): (و). وفي (ف) (وفي). (¬11) في (ر): (فيها). (¬12) انظر: المدونة: 3/ 587. (¬13) قوله: (من) ساقط من (ر).

مالك أن فيه الجائحة كالثمار التي تدخر؛ لأن بيع ما يطيب منه يستأخر قطعه ليزداد حلاوة وإنضاجًا، فإذا بلغت جائحته الثلث وضع (¬1). وهذا صحيح فإن بيع وكان تأخر قطعه ليزداد حلاوة كانت فيه الجائحة. ويختلف إذا كان لا يزيده حلاوة، وإنما يؤخر ليقطع شيئًا بعد شيء ليباع في الأسواق؛ لأنه يصير في هذا الوجه كالبقول. وإن كان لا يراد للأسواق، وإنما يراد ليعمل سكرًا أو ما أشبهه وكان بقاؤه ليشغل المشتري عنه، كانت مصيبته من المشتري. وقال ابن القاسم فيمن أعرى حائطًا (¬2) رجلًا، ثم أخذ ثمره بخرصه ثم أصابته جائحة، قال: توضع عنه مثل ما توضع في الشراء. وقال أشهب: لا جائحة فيه (¬3). يريد: لأن السقي على المعرى (¬4)، وإنما اشترى ما لا سقي فيه على البائع. والأول أحسن؛ لأن المعرى (¬5) يسقي الآن لحق العرية المتقدمة، وذلك توفية للمعرى والجائحة للمعرى (¬6) بالعقد الثاني بمنزلة ما لو اشتراه أجنبي. واختلف فيمن تزوجت بثمرة بدا صلاحها ثم أجيحت، فقال ابن القاسم: المصيبة من الزوجة، وقال ابن الماجشون: من الزوج وترجع الزوجة عليه كالبيوع (¬7). وهذا أبين. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 208. (¬2) في (ر): (حائطه). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 208. (¬4) في (ر): (المعري). (¬5) في (ر): (المعري). (¬6) في (ر): (للمعري). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 208.

واختلف في من اشترى ثمرة على ألا جائحة فيها، أو على أن السقي على المشتري، فقال مالك في "كتاب محمد": إن اشترط البائع الجائحة على المشتري فشرطه باطل (¬1). وفي "السليمانية": البيع فاسد، وقال ابن شهاب: البيع جائز (¬2) والشرط جائز (¬3). وأرى أن يكون البائع بالخيار بين أن يسقط الشرط وتكون المصيبة منه، أو يرد البيع ويكون له بعد الفوت (¬4) الأكثر من القيمة أو الثمن، وإنما لم يصح الشرط لأن ما تنتقل إليه الثمرة من حلاوة وإنضاج مشترى، وإنما تشترى (¬5) الثمرة على أنها على تلك الصفة فاشتراطه (¬6) الجائحة بمنزلة من اشترط أن يأخذ ثمن ما لم يكن بعد. واختلف إذا اشترط البائع السقي على المشتري، هل تكون الجائحة منه أو من المشتري؟ لأنَّ السقي والماء هو السبب لانتقال حالها، فإذا زال عن البائع لم يكن عليه تعلق وكانت من المشتري. ووجه القول أنها من البائع أن للأصول تأثيرًا في انتقال حالها وطيبها وليس ذلك للماء خاصة بل عمدة خلفها وانتقال طعمها للأصول. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 194. (¬2) قوله: (جائز) ساقط من (ت). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 203. (¬4) قوله: (له بعد الفوت) ساقط من (ر). (¬5) في (ر): (اشترط). (¬6) في (ف): (فاشتراط).

باب في من باع مكيلة من حائط ومكيلة بعد مكيلة، أو باع ثمار حائطه واستثنى منها مكيلة فأجيح بعض الحائط أو جميعه

باب في من باع مكيلة من حائط ومكيلة بعد مكيلة، أو باع ثمار حائطه واستثنى منها مكيلة فأجيح بعض الحائط (¬1) أو جميعه ومن اشترى عشرة أوسق من حائط بعينه فأجيح بعض الحائط، بدّي المشتري بالباقي من المكيلة التي اشترى، وليس لصاحب الحائط أن يجعل شيئًا من الجائحة على المكيلة. ولو اشترى رجلان من حائط بعينه اشترى كل واحد منهما مكيلة في عقدين، فأصيب بعض الحائط بدّي المشتري الأول فإن فضل عنه شيء كان للثاني، فإن فضل عنه شيء كان لرب الحائط، وليس للثاني أن يحاص الأول؛ لأنه إنما يحل محل رب الحائط وقد كان حق رب الحائط قبل أن يبيع منه (¬2) فيما يكون بعد مكيلة الأول. واختلف في من باع ثمار حائط جزافًا واستثنى منه مكيلة الثلث فأقل فأجيح. منه شيء على ثلاثة أقوال: فقال مالك (¬3) مرة: يبدّى صاحب الحائط بالمكيلة التي استثنى لنفسه وتكون الجائحة فيما بعد وهو ما يصير للمشتري (¬4)، فإن كانت أقل من ثلث الباقي (¬5) لم يكن له شيء، وإن كانت الثلث فأكثر رجع بالجائحة، فإن استثنى عشرة أوسق، وكان جملة ثمرة الحائط ثلاثين وسقًا فأصيب منه تسعة، كانت التسعة تخص المبيع وهي أكثر من الثلث فهي جائحة ¬

_ (¬1) قوله: (الحائط) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (منه) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (مالك) ساقط من (ر). (¬4) في (ت): (للمبتاع). (¬5) قوله: (ثلث الباقي) يقابله في (ر): (الثلث).

يرجع به (¬1). وذكر أبو الفرج في "الحاوي" أن الجائحة تقسم على البائع والمشتري بحساب ما لكل واحد منهما (¬2). وهو أحسن؛ لأنه أبقى بعض ثمرته لنفسه فأشبه الشريك، ولم يخص بالجائحة أحدهما دون الآخر، فإذا فضت التسعة أوسق كان الذي ينوب المبيع ستة فلم يرجع بشيء؛ لأنها دون الثلث، وإن كانت الجائحة عشرة أوسق كان الذي ينوبه سبعة إلا ثلث وهي ثلث المبيع، ولا تبدأ المكيلة هي هنا بخلاف أن يبيع أوسقًا وهي بعض الحائط فيجاح بعض تلك الثمرة فإن المشتري يبدأ بالمكيلة قولًا واحدًا. وإن باع صبرة طعام جزافًا واستثنى منها عشرة أوسق وجميعها ثلاثون فأصيب جميعها كانت منهما، وكان على (¬3) المشتري أن يدفع جميع الثمن ولم يرجع أحدهما على الآخر بشيء. ويختلف إذا أصيب بعضها، هل يختص المشتري بالجائحة ويبدّى (¬4) البائع بالمكيلة، أو تكون مفضوضة عليهما حسبما تقدم؟ وقد قيل في هذا الأصل: إن المستثنى مشترى، وكأن البائع باع تلك المكيلة من المشتري ثم (¬5) اشتراها منه. وهذا وهمٌ ولا وجه له، ولم يبع البائع تلك المكيلة من المشتري قط بل أبقاها على ملكه الأول، ولو سلم أن المستثنى بيع من المشتري ثم اشتراه البائع منه لكان بيعًا حرامًا؛ لأنه يكون إذا ثمره ودنانيره بثمرة وذلك ربا. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 211، 212، والبيان والتحصيل: 12/ 154، 155. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 212. (¬3) قوله: (على) ساقط من (ر). (¬4) في (ت): (ويبدأ). (¬5) قوله: (ثم) ساقط من (ر).

باب في من اشترى نخلا بثمارها في عقد أو عقدين فأصيب الثمر

باب في من اشترى نخلًا بثمارها في عقد أو عقدين فأصيب الثمر ومن اشترى نخلًا بثمارها فلا جائحة في الثمار، وسواء أصيبت قبل صلاحها أو بعد (¬1). وقال أصبغ في "كتاب ابن حبيب": إن أصيبت بعد الطيب وكانت مما يطعم قدرها كانت فيه"لجائحة على سنتها، وإن كانت لا قدر لها فهي تبع لا جائحة فيها (¬2). والأول أحسن؛ لأن كل مبيع سُلم إلى مشتريه وقبضه على ما يقبض عليه أمثاله فأصيب لم يكن على البائع منه شيء، وقد سَلم البائع ها هنا الثمار مع الأصول وكان سقيها على المشتري وإن اشتراهما في عقدين، فإن اشترى الأصل ثم الثمرة بعد بدو صلاحها جاز الشراء فيها. واختلف في جائحتها، وإن لم تكن صلحت كان (¬3) الشراء مختلفًا فيه. ومن أجازه أسقط الجائحة، والخلاف إذا صلحت في الجائحة لا في البيع (¬4)، وإذا لم تصلح كان الخلاف في البيع لا في الجائحة، فقال ابن القاسم في "المدونة": إن اشتراها مشتري النخل بعد طيبها ثم أصيبت كانت من المشتري. وقال في "كتاب محمد": مصيبتها من البائع (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 588. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 12/ 179. (¬3) في (ت): (فإن). (¬4) في (ر): (المبيع). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 589، والنوادر والزيادات: 6/ 211.

واختلف في تعليل سقوط الجائحة عن البائع، فقيل: لأنها ألحقت بالعقد الأول فتصير بمنزلة ما لو اشتراهما في عقد، وهو ظاهر قوله في "المدونة". وقال سحنون: لأنه لا سقي (¬1). على البائع فيها (¬2). والقول أن مصيبتها من البائع أحسن؛ لأنهما عقدان وأن (¬3) سقيها على البائع، وهو (¬4) الذي يقتضيه مجرد العقد إلا أن يشترط سقوط السقي، أو يفهم ذلك بعضهم عن بعض. ولو قيل: إن السقي عليهما قبل أن يشتري المشتري الثمرة (¬5) لكان وجهًا؛ لأن منفعته لهما جميعًا للأصول وللثمرة إلا أن تكون الأصول لا تحتاج إلى سقي في تلك المدة أو لم تكن فيها ثمرة، فيكون السقي على البائع أبقاها لنفسه أو باعها بعد ذلك، إلا أن يشترط في حين بيعها ألا سقي (¬6) عليه. وأجاز مالك في المدونة إذا اشترى النخل ثم اشترى الثمار قبل زهوها. ورأى أنه يصير مستلحقًا لها بالعقد الأول (¬7). وقيل في هذا الأصل: إن قرب ما بين العقدين، جاز أن يلحق بالأول وإن بعد لم يجز. وقيل: لا يجوز قرب أو بعد. وهو أحسن؛ لأن البيع الأول قد انعقد وانبرم، وهذا في الحقيقة عقد ثان. وإذا كان الأول صحيحًا وغير مفتقر إلى لحوق الثمرة به ولا يتعلق جوازه وصحته بإلحاق الثمرة كان بيع الثمرة قائمًا بنفسه وهو فاسد لأنه ¬

_ (¬1) في (ف): (ألا سقي). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 589، والنوادر والزيادات: 6/ 211. (¬3) قوله: (أن) ساقط من (ر) و (ف). (¬4) في (ف): (وهذا). (¬5) في (ت): (بالثمرة). (¬6) في (ر): (شيء). (¬7) انظر: المدونة: 3/ 589.

بيع قبل بدو (¬1) صلاحه. وإن اشترى الثمرة ثم الأصل، نظرت: فإن كانت الثمار صلحت وقت البيع كانت من البائع والسقي باق عليه، وإن اشترط البائع ألا سقي عليه لم تسقط الجائحة عنه، وهو بمنزلة لو باع الأصول من غير مشتري الثمرة وشرط عليه سقي الثمرة، فالسقي الآن على المشتري بالشرط وانتقال الثمار إلى حلاوة أو نضج بقية البيع الأول وهو من توفيته. وإن باع الثمار قبل صلاحها على الجداد، ثم باع منه النخل جاز للمشتري أن يسقي (¬2) الثمار حتى تطيب ومصيبتها (¬3) منه. وإن قال المشتري: أنا أجذها حسبما كنت اشتريت عليه، كانت الجائحة من البائع إلا أن يتراخى بالجداد عن الوقت الذي كان (¬4) يجدها (¬5) فيه. وإن باع الثمار قبل صلاحها على البقاء كان فاسدًا، ولم ينظر في نقض البيع حتى انتقلت عن حالها الأول ثم أصيبت كانت مصيبتها من البائع ولا يكون انتقالها فوتًا؛ لأنها على ذلك بيعت لتبقى حتى يبدو صلاحها، وسقيها باق على البائع لها؛ لأن المشتري دخل فيها (¬6) على عقدين على أن الثمار تبقى لتنضج ثم باع الأصل بعد ذلك، فالسقي في الثمار على البائع دون المشتري؟ ¬

_ (¬1) قوله: (بدو) ساقط من (ر) و (ف). (¬2) في (ر) و (ف): (يبقي). (¬3) في (ف): (ومصبتها). (¬4) قوله: (كان) ساقط من (ر). (¬5) في (ف): (يجذها). (¬6) قوله: (فيها) ساقط من (ر).

فصل [في جائحة الطير والجراد، وما يصيب الثمار من البرد والجليد وما أشبه]

فصل (¬1) [في جائحة الطير والجراد، وما يصيب الثمار من البرد والجليد وما أشبه] والطير والجراد والدود جائحة، وكذلك البرد والجليد والمطر والغرق (¬2) والريح يسقط الثمار، والسموم والغبار جائحة. وقال ابن شعبان: قلة الريح ليست بجائحة، وأرى أنه إذا عابها ذلك أن يرد بالعيب أو يتمسك ولا شيء له. والعطش يصيب الثمرة من انقطاع الماء أو سماء احتبست جائحة. قال مالك في ماء العيون وغيرها: إذا انقطعت وضع (¬3) قليله وكثيره. والعفن من نقصها العطش أقل من الثلث وكان ذلك يعيبها كان له أن يرد بالعيب وإن نقصها الثلث فأكثر، فإن أحب رجع بالجائحة ورجع بقدر ما نقص منها العطش، وإن أحب رد بالعيب (¬4). وكذلك السموم إن لم يسقط (¬5) ينقص (¬6) منها شيء وإذا أعابها كان له أن يرد بالعيب أو يتمسك ولا شيء له وإن أسقط الثلث ولم يعب الباقي رجع بالجائحة، وإن عاب الباقي رجع بما ينوب الساقط وكان بالخيار في الباقي هل (¬7) يتمسك به بجميع ما ينوبه من الثمن أو يرد بالعيب. ¬

_ (¬1) يقابله بياض في (ف). (¬2) في (ر): (الغريق). (¬3) قوله: (وضع) ساقط من (ر). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 590. (¬5) قوله: (لم يسقط) ساقط من (ر) في (ف): (لم تسقط). (¬6) قوله: (ينقص) ساقط من (ف). (¬7) في (ر): (بين أن).

وكذلك الغبار إن أعابها ولم يسقط (¬1) منها شيئًا كان له أن يرد بالعيب أو يتمسك ولا شيء له. واختلف إذا أسقطها الريح ولم تتلف، فقال ابن شعبان: هي جائحة. وقال عبد الملك ليست بجائحة. وأرى إن كان ذلك يعيبها (¬2) أن يكون بالخيار بين أن يتمسك ولا شيء له أو يرد بالعيب وإن أسقط الثلث لم يرجع بشيء على قول عبد الملك، وعلى القول الآخر يكون بالخيار بين أن يقبله بعيبه بجميع الثمن أو يرده ويسقط عنه ثلث الثمن (¬3). وكذلك الجراد (¬4) والدود إن أسقط الثلث فأكثر كان جائحة يرد ذلك الساقط أو يمسكه ولا يحط عنه شيء، وإن أسقطها الدود وأذهب منها الثلث فأكثر، كان بالخيار بين أن يمسك ويحط عنه بقدر ما أكل الدود منها، أو يرد الباقي بالعيب ويسقط عنه جميع الثمن. (¬5) واختلف فيما أكله الجيش أو السلطان أو السارق، فقال مالك فيما أخذه الجيش: هو جائحة. وقال ابن القاسم في السارق: هو جائحة. وقال مطرف وابن الماجشون في جميع ذلك: ليس بجائحة (¬6)، وإنما الجائحة ما كان من آفات الثمرة وفسادها الغالب من غير فعل الناس. ¬

_ (¬1) في (ت): (ينتقص). (¬2) في (ر): (بعينها) وفي (ف): (لعيبها). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 591. (¬4) قوله: (الجراد) ساقط من (ر) و (ف). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 591، والنوادر والزيادات: 6/ 213. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 212.

فصل [في جائحة من اشترط ثمرة في دار مكتراة]

وقال ابن نافع: ليس السارق جائحة (¬1). والقول الأول أحسن؛ لأن الثمرة في ضمان بائعها وقد بقيت فيها توفية فكل ما أصابها من الله تعالى أو من آدمي حط عن المشتري. واختلف في الماء يباع ليسقى به شهرًا أو شهرين أو ما أشبهه فنقض بعضه. فقيل: إن ذلك من البائع قليله وكثيره (¬2). وقيل: إن كان (¬3) أقل من الثلث لم يحط عنه شيء. والأول أحسن، وليس الماء في هذا كالثمار يدخل المشتري على سقوط بعضها. فصل [في جائحة من اشترط ثمرة في دار مكتراة] ومن اكترى دارًا وفيها ثمرة فاشترطها، فإن كانت لم تطب وهي الثلث فأقل فلا جائحة فيها إن سقطت، وإن سلمت فأكلها ثم انهدمت الدار غرم ما ينوبها، وإن كانت الثمرة قد طابت في وقت العقد فاستثناها وهي الثلث فأكثر كانت فيها الجائحة، فإن أصيب ثلثها رجع بما ينوبه (¬4). واختلف إذا كان جميع الثمرة أقل من الثلث فأصيب جميعها أو الثلث فأكثر، فقيل: فيها الجائحة كالأول بمنزلة لو كانت الثلث فأكثر. وقيل: لا جائحة فيها لأنها تبع. والأول أحسن؛ لأنها مشتراة وليست بملغاة والمشتري قصد إلى اشترائها اختيارا ليس لدفع مضرة به (¬5) ففارقت ما ¬

_ (¬1) انظر: والمدونة: 3/ 590، والنوادر والزيادات: 6/ 212. (¬2) قوله: (قليله وكثيره) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (كان) ساقط من (ر). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 9/ 39، والنوادر والزيادات: 7/ 140. (¬5) قوله: (به) ساقط من (ر) و (ف).

اشترى قبل صلاحه؛ لأن تلك إنما أجيزت لدفع المضرة في الدخول والخروج، ولو كان لا يكره (¬1) التصرف إليها، وإنما قصد الشراء لغرض فيها لم يجز البيع (¬2). ¬

_ (¬1) في (ر): (يقصد). (¬2) في (ب): (تم كتاب الجوائح والحمد لله رب العالمين) وفي (ت): (تم كتاب الجوائح بحمد الله وحسن عونه، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما).

كتاب الشركة

كتاب الشركة النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ت) = نسخة تازة رقم (234 & 243) 3 - (ر) = نسخة الحمزوية رقم (110)

باب جواز الشركة ومن تجوز مشاركته بالدنانير والدراهم

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليمًا كتاب الشركة باب جواز الشركة ومن تجوز مشاركته (¬1) بالدنانير والدراهم (¬2) الأصل في الشركة قول الله -عز وجل- في ولي اليتيم: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} [البقرة: 220]، وقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} الآية [النساء: 3]. قالت عائشة - رضي الله عنها -: "هي اليتيمة تشاركه في ماله". الحديث (¬3). وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الشفعة في كل ما لم يقسم". أخرجه (¬4) البخاري ومسلم (¬5). وقال -عليه السلام-: "من أعتق شركًا له في عبد. . .". الحديث (¬6). ¬

_ (¬1) بعدها في (ر): (وفي الشركة). (¬2) قوله: (باب: جواز الشركة ومن تجوز مشاركته بالدنانير والدراهم) ساقط من (ت). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري: 3/ 183، في باب شركة اليتيم وأهل الميراث، من كتاب الشركة، برقم (2494)، ومسلم: 8/ 239، من كتاب التفسير، برقم (7713). (¬4) في (ت): (أخرج هذين الحديثين). (¬5) متفق عليه أخرجه البخاري: 3/ 114، في باب الشفعة ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة، من كتاب الشفعة، برقم (2257)، ومسلم: 5/ 57، في باب الشفعة، من كتاب المساقاة، برقم (4213). (¬6) متفق عليه، أخرجه البخاري: 3/ 189، في باب إذا أعتق عبدًا بين اثنين أو أمةً بين الشركاء، من كتاب بدء الوحي، برقم (2522)، ومسلم: 4/ 212، في باب من أعتق شركا له فى عبد، من كتاب العتق، برقم (3843).

فصل [في أنواع الشركة]

قال مالك في كتاب ابن حبيب: لا ينبغي للحافظ لدينه أن يشارك إلا أهل الدين والأمانة والتوقي للخيانة، والربا والتخليط في التجارة، ولا يشارك يهوديًا ولا نصرانيًا ولا مسلمًا فاجرًا، إلا أن يكون هو الذي يلي البيع والشراء والمال، ولا يلي الآخر فيه إلا البسط والعمل (¬1). فصل [في أنواع الشركة] الشركة ثلاثة: شركة أموال، وأبدان، وعلى الذمم. وشركة الأموال (¬2) ثلاثة أصناف: العين، والطعام، والعروض وما أشبهها. فأما الشركة بالعين: الدنانير والدراهم، فتجوز بخمسة شروط (¬3): أن تكون العين المشترك فيها في الصفة (¬4) سواء، والعمل والربح والخسارة على قدر أموالهما (¬5)، والمال بينهما على الأمانة. واختلف هل مِنْ شرطها أن يخلطا المالين؟ فأجاز مالك وابن القاسم الشركة وإن لم يخلطا واشتريا قبل الخلط. وقال غيره: لا يجوز إلا أن يخلطا المالين حتى يصيرا شيئًا واحدًا لا يتميز، ورأى أن ذلك مبايعة نصف دينار أحدهما بنصف دينار الآخر، فغاية المناجزة الخلط (¬6). والقول الأول أحسن، ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 349. (¬2) قوله: (ثلاثة:. . . وشركة الأموال) في (ت): (على). (¬3) قوله: (بخمسة شروط) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (فيها في الصفة) في (ر): (فيه القيمة). (¬5) قوله: (أموالهما) في (ت): (رأس المال بينهما). (¬6) انظر: المعونة: 2/ 141.

والمعلوم أنه ليس القصد المبايعة فيها، وإنما القصد المبايعة بها والتجر فيها. وإن اختلفت السكة والقيمة لم يجز أن يشتركا على قدر قيمتها؛ لأن ذلك ربا، ولا على المساواة بالفضل على العفو (¬1) إذا كان ذلك كثيرًا؛ لأن ذلك زيادة في الشركة من أحدهما. فأجاز ابن القاسم ذلك إذا كان يسيرًا (¬2). والقياس ألا يجوز؛ لأن ذلك الترك لمكان الشركة (¬3) فأشبه من بادل دنانير بمثلها على أن يبيعه الآخر السلعة. وقال محمد: إن أخرج أحدهما عشرة (¬4) دنانير قائمة والآخر ناقصة (¬5) حبتين (¬6) واشتركا على ترك الفضل لم يجز. يريد: لأن الترك لمكان الشركة، ولم يفعله الآخر معروفًا منه لصاحبه، ولولا مقارنة الشركة (¬7) لكان جائزًا؛ لأن نصف كل عشرة على ملك صاحبها، وإنما (¬8) صارت المبادلة في خمسة (¬9) قائمة بخمسة ناقصة، وذلك جائز إذا كان الفضل من أحد الجنسين (¬10). وقد أجاز ابن القاسم الشركة إذا أخرج أحدهما مائة هاشمية، والآخر ¬

_ (¬1) قوله: (على العفو) ساقط من (ت). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 611. (¬3) قوله: (ذلك الترك لمكان الشركة) في (ر): (الشركة لذلك بموضع الشركة). (¬4) قوله: (عشرة) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (ناقصة) قوله: (ناقصة) في (ت): (عشرة). (¬6) في (ت): (بحبتين حبتين). (¬7) في (ر): (الشركاء). (¬8) في (ر): (وإن). (¬9) في (ر): (في خدمته). (¬10) في (ت): (الحبتين).

فصل [في شركة النقد]

مائة دمشقية إذا كان الفضل يسيرًا (¬1). والقياس أيضًا ألا يجوز؛ لأن الترك لموضع الشركة كما قالوا في الإقالة والشركة في الجملة (¬2) أنها جائزة على وجه المعروف. ولو قال: لا أقيلك إلا أن تقيلني، أو لا أشركك إلا أن تشركني، لم يجز؛ لأنهما خرجا بذلك عن وجه المعروف (¬3)، إلا أن يكونا عقدا الشركة على سكة واحدة ووزن واحد (¬4)، ثم أحضر أحدهما ماله وفيه فضل في الجودة أو الوزن، أو كان بينهما قبل ذلك من (¬5) المكارمة ما يفعل له ذلك من غير شركة فيجوز. فصل [في شركة النقد] كان أخرج أحدهما مائة مسكوكة والآخر مائة تبرًا وتساوى الذهبان، نظرت إلى فضل السكة، فإن كان كثيرًا لم تجز الشركة، وإن كان يسيرًا جازت إذا ألغيا ذلك الفضل على قول ابن القاسم (¬6)، ولم تجز الشركة (¬7) على القيمة، وإن اعتدلا في القيمة فكانت جودة التبر مكافئة للسكة جرت على قولين؛ ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 611. (¬2) في (ت): (الطعام). (¬3) قوله: (ولو قال: لا أقيلك إلا أن تقيلني، أو لا أشركك إلا أن تشركني، لم يجز؛ لأنهما خرجا بذلك عن وجه المعروف) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (وأحد) ساقط من (ت). (¬5) في (ر): (على). (¬6) انظر: المدونة: 3/ 611. (¬7) قوله: (وإن كان يسيرًا جازت. . . الشركة) ساقط من (ر).

فصل [في اختلاف المالين في القدر]

بمنزلة ما لو أخرج أحدهما دنانير (¬1) والآخر دراهم؛ لأنها حينئذ مبايعة (¬2) فيجوز إذا قبض هذا دنانير صاحبه والآخر تبر صاحبه. فصل [في اختلاف المالين في القدر] وإن اختلف المالان في القدر، فأخرج أحدهما مائتي دينار والآخر مائة على أن العمل (¬3) والربح والخسارة أثلاثًا، جاز ذلك، وإن شرطا العمل نصفين والربح والخسارة أثلاثًا (¬4)، لم يجز، ورجع صاحب المائة على صاحبه بإجارة عمله في خمسين، وكان الربح والخسارة بينهما أثلاثًا، وإن اشترطا العمل والربح بينهما نصفين، كانت المسألة على ثلاثة أوجه كلها فاسدة، فإن كان العمل بينهما نصفين والربح بينهما نصفين (¬5) والخسارة أثلاثًا أو الربح (¬6)، لتكون الخمسون عند صاحب المائة على وجه الهبة، أو على وجه السلف (¬7)، فإن كان له ربحها وخسارتها على صاحبها، كان ربحها لربها قولًا واحدً؛ لأنه عمل فيها على أنها باقية على ملك صاحبها لما كانت خسارتها ومصيبتها منه (¬8)، وإن جعل خسارتها ¬

_ (¬1) قوله: (دنانير) ساقط من (ر). (¬2) في (ر): (شائعة). (¬3) قوله: (على أن العمل) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (جاز ذلك، وإن شرطا العمل نصفين والربح والخسارة أثلاثًا) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (كانت المسألة على ثلاثة أوجه كلها فاسدة، فإن كان العمل بينهما نصفين والربح بينهما نصفين) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (أو الربح) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (أو على وجه السلف) ساقط من (ر). (¬8) في (ر): (معه).

من (¬1) الآخر لتكون سلفًا أو هبة لا يرجع بها بعد اليوم، كان فيها قولان: أحدهما: أن يكون ضمانها من المتسلف والموهوب وربحها له. والثاني: أن مصيبتها من صاحبها وربحها له؛ لأن الآخر لم يمكّن منها تمكينًا صحيحًا لما كان الشرط أن يتجر بها في جملة المال، ولا يبني بها؛ لأن التحجير يمنع انتقال ضمانها، وعلى هذا يخرج قول مالك في "المدونة" لأنه قال: إنما (¬2) أسلفه الخمسين على إن أعانه (¬3) بالعمل، فأراه مفسوخًا (¬4) ولا ضمان عليه، وضمانها من صاحبها وربحها له ووضيعتها عليه (¬5). يريد: وإن قصد أن تكون سلفًا فلا تكون كذلك؛ لأن مضمون سلفه (¬6) أن يتجر بها في المال؛ لأن يد صاحب المائتين مطلقة في جميع المال تتصرف فيه بالبيع والشراء. ثم يختلف في رجوع العامل بإجارة المثل في الخمسين الزائدة، فقال في المدونة (¬7): يرجع فيها بإجارة المثل فيها (¬8) وإن كان في المال وضيعة (¬9). ¬

_ (¬1) في (ر): (مع). (¬2) قوله: (إنما) في (ر): (إن). (¬3) في (ر): (أعاده). (¬4) قوله: (مفسوخًا) في (ر): (يقتسما). (¬5) انظر المدونة: 3/ 605. (¬6) في (ر): (سلعة). (¬7) قوله: (في المدونة) ساقط من (ر). (¬8) قوله: (فيها) ساقط من (ر). (¬9) انظر: المدونة: 3/ 597.

فصل [فيما إذا كان جميع العمل على صاحب المائة]

وقال في (¬1) "مختصر ما ليس في المختصر": لا أجرة له (¬2). وهو أحسن. ولا أرى له أجرة في الخسارة، وله إن كان ربح الأقل من إجارة المثل، أن ربحه عليها (¬3)؛ لأن صاحب المال لم (¬4) يستأجره عليها، وإنما جعله أن يعمل فيها لنفسه، فإذا لم يكن فيها فضل لم يكن على صاحبها عنها (¬5) أجرة. وقد قال ابن حبيب في القراض الفاسد: إذا كان حكمه أن يرد إلى الإجارة، أن الإجارة معلقة بالربح، فإن لم يربح لم يكن له شيء (¬6). وإذا لم يستحق الأجرة (¬7) من الذمة في القراض (¬8) مع كونه أجيرًا على العمل فيها (¬9) كان ذلك أبين فيما لم يكن منه (¬10) استئجار ألا شيء عليه (¬11). فصل [فيما إذا كان جميع العمل على صاحب المائة] وإن كان جميع العمل على صاحب المائة على أن الربح والخسارة نصفان، كان الجواب على ما تقدم. ويختلف في ضمانه خمسين، فمن ضمنه جعل له ¬

_ (¬1) في (ر): (وقال محمد). (¬2) انظر النوادر والزيادات: 7/ 319. (¬3) في (ت): (فيها). (¬4) قوله: (لم) ساقط من (ر). (¬5) في (ر): (منها). (¬6) انظر النوادر والزيادات: 7/ 273. (¬7) قوله: (الأجرة) زيادة من (ت). (¬8) قوله: (من الذمة في القراض) في (ر): (أن الذمة). (¬9) قوله: (العمل فيها) في (ر): (العامل). (¬10) في (ر): (فيه). (¬11) قوله: (ألا شيء عليه) في (ر): (فلا شيء له).

ربحها، ومن لم يضمِّنه جعل ربحها لربها، ويرجع العامل بإجارة المثل في مائة وخمسين؛ لأنه عملها لربها. ويختلف في الإجارة عن خمسين. وإن شرطا أن الربح نصفين والخسارة أثلاثًا جاز ذلك، وكانت المائتان (¬1) قراضًا على الربع (¬2)، ولم يضره شرط خلط المالين على أحد قولي مالك، ولم يتكلم مالك على هذا الوجه وإنما جاوب (¬3) إذا شرطا (¬4) الربح والخسارة نصفين، وهذا لم يجرها مجرى القراض. ولو علم من صاحب المائتين أنه قصد المعروف والمكارمة في سلفه (¬5) الخمسين لصداقة بينهما ومؤاخاة، كان السلف صحيحًا مضمونًا، والهبة ماضية متنقلة الملك عن معطيها (¬6)، ويكون المال بينهما نصفين ربحه وخسارته، وهو قول مالك في "كتاب محمد" (¬7). وعلى هذا يجري الجواب إذا أخرج أحدهما مائتين ولم يخرج الآخر شيئًا على أن تكون مائة منها سلفًا أو هبة، فإن كان لصداقة بينهما أو مؤاخاة وما يرى أنه كان يفعل ذلك لو لم يشاركه، جاز، وإلا لم يجز. ثم يختلف هل يضمن ذلك السلف أو الهبة، أو لا يضمن لأجل التحجير؟ ويسقط الضمان عنه على ¬

_ (¬1) في (ر): (المالان). (¬2) قوله: (الربع) في (ر): (أن الربح). (¬3) في (ف): (جواب). (¬4) في (ر): (اشترط). (¬5) في (ر): (سلعة). (¬6) قوله: (متنقلة الملك عن معطيها) في (ر): (منتقلة عن عطيها). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 319.

فصل [في مشاركة من له مائتان من له مائة]

أحد القولين وإن انفرد بالعمل. فصل [في مشاركة من له مائتان من له مائة] وقال مالك في رجل أخرج مائتي دينار شارك بها رجلًا له مائة، وكان صاحب المائتين (¬1) ضم غلامين يعملان معه (¬2) فدخل عليهما نقصان: إن النقص على قدر المالين ولا تكون للشريك في ذلك أجرة (¬3). قال: لأنهم اعتدلوا في الأبدان وقد أقام صاحب المائتين رجلين مقامه (¬4)، قال: وقد قال قبل (¬5) ذلك: له أجرة مثله (¬6). والأول أحسن إذا كان الغلامان يحسنان التجارة، وإن كانا يخدمان، كان للعامل إجارة مثله (¬7) في المائتين، وعليه إجارة الغلامين فيما ينوبه من خدمتهما. فصل [فيما إذا لم يخلط الشريكان المالين] قد تقدم القول: إنهما متى خلطا المالين (¬8) صحت الشركة، وهما إذا لم يخلطا ¬

_ (¬1) قوله: (المائتين) في (ر): (المائة). (¬2) معه، أي: مع صاحب المائة. (¬3) انظر: انظر النوادر والزيادات: 7/ 319، ونص المسألة في النوادر: "قال مالك في الشريكين بمائة ومائتين، والربح بينهما نصفين: إن جعل صاحب المائتين عبدين يعملان مع صاحب المائة، فلا أجر لصاحب المائة والربح بقدر المالين". (¬4) انظر: انظر النوادر والزيادات: 7/ 319. (¬5) في (ف): (قيل). (¬6) انظر: انظر النوادر والزيادات: 7/ 319. (¬7) قوله: (والأول أحسن. . . كان للعامل إجارة مثله) ساقط من (ف). (¬8) قوله: (قد تقدم القول: إنهما متى خلطا المالين) في (ر): (تقدم القول أنه من خلط المالان).

على ثلاثة أوجه: فإما أن يجمعا المالين في موضع ثم يشتريان بهما (¬1)، أو يشتريان قبل الجمع وكل واحد ممكّن من الاشتراء بمال صاحبه، أو يشترطا ألا يجمعا وأن يكون الشراء بهما (¬2) على الانفراد، فالشركة في القسمين الأولين إذا اشتريا بعد الجمع وقل [الخلط أو قبل الجمع، جائزة، وكل شيء اشتري بمال أحدهما شركة بينهما. قال مالك: إذا اشترى أحدهما بماله جارية قبل الجمع فهلكت، مصيبتها منهما (¬3)؛ لأن هذا فعل ما أمره به صاحبه. وقال فيما ضاع قبل الشراء وقبل الجمع: مصيبته من صاحبه دون شريكه (¬4). ومحمل ذلك على أنه بقي فيها وجه من التوفية: وزن أو انتقاد (¬5)، ولو كانا قد وفّيا ووزنت وقلبت وبقيت عند صاحبها على وجه الشركة وضاعت (¬6)، لكانت مصيبتها منهما؛ لأن الخلط عنده ليس بشرط في الصحة، ولو كان ذلك لكانت مصيبة الجارية التي اشتريت بمال أحدهما قبل الجمع من صاحبها دون شريكه. وذهب سحنون إلى أن الشركة لا تنعقد إلا بخلط المالين (¬7)، وحمل أمرهما فيما أخرجا من الدنانير على المبايعة، وأن كل واحد منهما باع نصف ملكه بنصف ملك صاحبه، وأنها مصارفة، فإذا خلطا كان ذلك قبضًا و (¬8) فوتًا، ¬

_ (¬1) في (ر): (به). (¬2) في (ف): (بينهما). (¬3) في (ف): (بينهما). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 614. (¬5) في (ر): (إنقاد). (¬6) قوله: (وضاعت) ساقط من (ف). (¬7) انظر: المدونة: 3/ 615. (¬8) قوله: (قبضًا و) زيادة من (ت).

وقياد قوله: إذا قبض كل واحد منهما جميع (¬1) دنانير صاحبه، كان قبضًا ومناجزة وإن لم يخلطا؛ لأن المقبوض (¬2) نصفه صرف ونصفه وديعة. ولو صرف رجل من رجل خمسين دينارًا ودفع إليه مائة؛ ليكون له نصفها، ونصفها وديعة لجاز ذلك. ولو قبض أحد الشريكين دنانير صاحبه ولم يقبض الآخر شيئًا، لم تصح الشركة على أصله. وقول مالك في هذا أحسن، وإنما القصد في الدنانير التجر بها ليس المبايعة الآن بعضها ببعض. وقد تكلم مالك على هلاك الجارية أنها من جميعهما (¬3)، ولو لم تهلك وكان فيها فضل، كان الربح بينهما إذا أخرج الآخر مثل دنانير صاحبه، وإن عجز عن الخلف لم يكن له من ربحها شيء؛ لأنه يقول: لم أرض أن يكون لك في مالي ربح إلا أن يكون لي في مالك ربح. وهذا الجواب على أصل مالك وابن القاسم في المال الغائب: أن الربح بينهما على ما لكل واحد منهما من المال. وعلى قول محمد (¬4) يكون الربح بينهما نصفين في هذا (¬5). وإن اشترطا (¬6) أن يشتري كل واحد بماله بانفراده من غير خلط، كانت الشركة فاسدة، وما اشتراه أحدهما فله ربحه وعليه وضعيته، وإن جالت أيديهما في المال واشترى كل واحد منهما بمال الآخر، كان فيها قولان: هل ¬

_ (¬1) في (ر): (فيهما). (¬2) بعدها في (ر): (من). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 614. (¬4) في (ر): (مالك). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 610، والنوادر والزيادات: 7/ 318، 319. (¬6) في (ت): (اشترط).

فصل [في الشركة بمالين حاضر وغائب]

تكون شركة، أو لمن اشترى بماله دون صاحبه؟ فصل [في الشركة بمالين حاضر وغائب] اختلف في الشركة بمالين، حاضر وغائب، فأجازه مالك وابن القاسم، ومنعه سحنون (¬1)، ومر في ذلك على أصله أنها مبايعة. والأول أحسن، ولو كانت مبايعة لم يجز أن يخرج أحدهما مائة دينار وألف درهم والآخر مثلها (¬2)، ولا أن يخرجا في شركة الحرث الزريعة جميعًا وأحدهما العمل والآخر الأداة والبقر؛ لأنه لا خلاف في منع مكيلة من الطعام بمثلها، ومع أحدهما عمل بقر والآخر عمل يد (¬3). وقال مالك: إذا أخرج أحدهما ألفًا وخمسمائة، والآخر خمسمائة وله ألف غائبة (¬4)، فخرج بالمالين واشتريا (¬5) بالألفين وباعا وربحا، أن الربح بينهما أرباعًا (¬6). وقال محمد: إن كان كَذَبَهُ وخَدعه (¬7)، اقتسما الربح أرباعًا، وإن كان أمره ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 319. (¬2) في (ر): (مثله). (¬3) في (ر): (يده). (¬4) في (ف): (عليه). (¬5) قوله: (اشتريا) في (ت): (اشترى). (¬6) انظر: المدونة: 3/ 610، 611. (¬7) في (ت): (كذبًا وخدعة).

على الصحة، كان بينهما نصفين (¬1). وأرى أن يسأل العامل عن الوجه الذي اشترى عليه، فإن قال: ليكون بيننا أرباعًا على قدر أموالنا، قبل قوله وكان له ربع الربح قولًا واحدًا. وإن هلك المال قبل وصوله أو خسر فيه بعد بيعه، لم يضمن العامل بالمال (¬2) للمقيم شيئًا. وإن قال: اشتريت ليكون بيننا نصفين حسب ما اشتركنا عليه، قُبِل قوله. فإن هلك قبل بلوغه أو خسر، ضمن للمقيم خمسمائة إن هلك المال وما ينوبها من الخسارة إن خسرا، وإن ربحا كان الربح أرباعًا. والحكم في الخسارة والربح مختلف، فإن خسر قال المقيم: أنا أمضي ذلك المشتري حسب ما ألزمت نفسك واشتريت عليه (¬3). وإن ربح قال: لم أرض أن يكون لك في مالي نصيب إلا أن يكون لي في مالك مثله. وإلى هذا ذهب غير ابن القاسم في "المدونة": إذا اشترى أحدهما بماله جارية، فكان فيها ربح وهلك مال الآخر. [قال: لأن (¬4) صاحب الجارية يقول: لم أرض أن يكون له معي نصيب إلا أن يكون لي معه نصيب] (¬5). وهذا إذا أقر العامل أنه تَجر ليكون ضامنًا للخمسمائة، وإن كان ضامنًا (¬6) لتكون الخسارة على قدر المالين أرباعًا، كان الربح كذلك. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 319. (¬2) قوله: (بالمال) زيادة من (ف). (¬3) قوله: (واشتريت عليه) في (ف): (واشترينا). (¬4) قوله: (وإلى هذا ذهب غير ابن القاسم في "المدونة": إذا اشترى أحدهما بماله جارية، فكان فيها ربح وهلك مال الآخر. [قال: لأن) في (ف): (فإن). (¬5) زيادة من (ت). انظر: المدونة: 3/ 615. (¬6) قوله: (ضامنًا) زيادة من (ف).

فتكلم ابن القاسم على هلاك الجارية، وجاوب غيره على ربحها، إلا أن يرضى الآخر أن يأتي بألف أخرى مكان التي هلكت فيشتريان بها، فيكون ربح الجارية بينهما، أو يرضى (¬1) الآخر أن يخلف ألفًا (¬2) ويرجع وحده فيشتري بها، وهو (¬3) استحسان؛ لأن من حجة الأول أن يقول: عليَّ مضرة في انتظار سفرك ورجوعك، إلا أن يكون الذي بينهما قريبًا. ومحمل جواب محمد في كون الربح بينهما نصفين، على أن الآخر يخلف مكان (¬4) التي عدمت. واختلف بعد القول أن الربح أرباع في الأجرة، فقال ابن القاسم: لا شيء للذي سافر من الإجارة وهو متطوع. وقال سحنون: له أجرته. وهو أحسن، والقول قوله أنه لم يعمل على وجه التطوع ويكون له الأقل من إجارة مثله أو الربح. وفي قول مالك: "الربح بينهما أرباع"، دليل على أنه يرى أن عدم الألف لا يمنع الغائب من التمادي في الاشتراء بالمالين، ولو كان عنده أن للمقيم منعه (¬5) لموضع قلة مال الآخر، لقال: الربح بينهما نصفان، ويكون له جميع الربح إذا اشترى به لنفسه؛ لأنه إذا كان الحكم عند عدم الألف أن يوقف مال المقيم ولا يتجر فيه له فتعدى وتجر، كان له جميع الربح. وهذا هو الحكم في كل ما (¬6) حكمه لا يحرك لتجارة. ¬

_ (¬1) قوله: (أو يرضى) في (ر): (ويرضى). (¬2) قوله: (ألفًا) ساقط من (ف). (¬3) في (ت): (وهذا). (¬4) قوله: (مكان) زيادة من (ت). (¬5) في (ر): (منفعة). (¬6) في (ر): (لا).

فصل [في الشريكين يخرج أحدهما دنانير والآخر دراهم]

فصل [في الشريكين يخرج أحدهما دنانير والآخر دراهم] اختلف عن مالك في الشريكين يخرج أحدهما دنانير والآخر دراهم، فمنعه في "المدونة" (¬1) وأجازه في "كتاب محمد" (¬2). يريد: إذا تناجزا بالحضرة وأخذ مخرج الدنانير الدراهم وأخذ الآخر الدنانير؛ لأن هذه مصارفة وليس بمنزلتهما إذا أخرجا صنفًا واحدًا، وإنما منع ذلك في القول الأول؛ لأن لكل واحد منهما بعد تسليمه أن يشتري بما سلمه ويتصرف فيه وإن كان عند الآخر، وذلك وصم في المناجزة. فإن اشترى على هذا القول بالمالين تجارة صفقة واحدة، كان ذلك المشترَى بينهما على قدر ما أخرجاه يوم الشراء، ليس يوم المفاضلة. فإن أخرج أحدهما ألف درهم والآخر مائة دينار (¬3) والصرف وقت الشراء (¬4) عشرون درهمًا بدينار، كان المشتري بينهما أثلاثًا، وسواء تغير (¬5) الصرف بعد ذلك أم لا؛ فإنهما يقتسمان ما يكون في أيديهما من ربح أو خسارة أثلاثًا. وإن اشتريا (¬6) بكل مال على حدة، ثم اختلط عليهما ولم يعلما ما اشتري بكل مال، كان ذلك المشتري بينهما على قدر الصرف يوم اشتريا كالأول، فإن ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 612. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 317. (¬3) قوله: (ألف درهم والآخر مائة دينار) في (ر): (ماله دينار والآخر الدرهم). (¬4) في (ت)، (ر): (الاشتراك). (¬5) في (ر): (تأخر). (¬6) في (ر): (اشترى).

علم ما اشتري بكل مال، لم تكن (¬1) بينهما شركة وكان لكل واحد ما اشترى بماله، له ربحه وعليه خسارته. ومحمل قول ابن القاسم في المدونة على أنهما (¬2) اشتريا (¬3) بالمالين (¬4) جملة أو اختلط عليهما (¬5). وقد كان بعض أهل العلم يحمل قوله: "إذا كان قائمًا بعينه" (¬6)، أن ذلك ليس له (¬7) وإن عرف ما اشتري بكل مال (¬8). وهذا غير صحيح، ولو كان ذلك لوجب أن يكون المشتري بينهما نصفين؛ لأن كل واحد منهما اشترى نصف (¬9) ملك صاحبه من دنانير أو دراهم، وأن يكون اشتراؤه به فوتًا كالبيع الفاسد يفوت ويكون قد انشغلت (¬10) ذمة كل واحد منهما بنصف ما أخرجه الآخر. ¬

_ (¬1) في (ف): (يجز). (¬2) في (ت): (إنما). (¬3) في (ت): (اشترى). (¬4) في (ف): (المال). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 614. (¬6) انظر: المدونة: 3/ 612 ونصه في المدونة: "بلغني عن مالك في الدنانير والدراهم، إذا اشتركا: أنه لا خير فيه، فإن فات، كان لكل واحد منهما رأس ماله، ويضرب له الربح على رأس ماله. قلت: فإن كان المتاع قائما بعينه؟ قال: ذلك سواء كان قائما بعينه أو لم يكن قائما بعينه، يباع ويقتسمانه، فيأخذ هذا منه بقدر ألف درهم، وهذا بقدر مائة دينار". (¬7) قوله: (ليس له) ساقط من (ت). (¬8) انظر المدونة: 3/ 612، ونصه في المدونة: "قال سحنون: وقد قال غيره: إن عرف ما اشترى بالدنانير، وعرف ما اشترى بالدراهم، فليس لواحد منهما شركة في سلعة صاحبه، إلا أن تكون رءوس أموالهما لا تعتدل، فيكون لصاحب القليل الرأس المال على صاحب الكثير الرأس المال أجرة مثله فيما أعانه به". (¬9) قوله: (نصف) زيادة من (ف). (¬10) في (ت): (اشتغلت).

وقول ابن القاسم: إن هذا يأخذ بقدر مائته وهذا بقدر ألفه، ثم الربح بينهما (¬1) على ذلك (¬2) - دليل على أنه رأى أن مال كل واحد على ملكه لم تعمر ذمة الآخر منه بشيء، ولا مطالبة لأحدهما على الآخر. وأيضًا فلو كان عنده أن التمكين في هذه الشركة (¬3) يصح، لأجازها إذا تقابضا. ومحمل قوله: يعطى هذا بقدر دنانيره والآخر بقدر دراهمه (¬4)، أن ذلك إذا لم يتغيّر الصرف برخص ولا بغلاء، ولو تغيّر لاقتسما أثلاثًا حسب ما كان وقت الشراء؛ لأن التجارة والسلع التي اشتريا كانت بينهما كذلك، فلو غلت الدراهم حتى صارت الألف تعدل المائة، لم يكن الثمن الذي يبيعاها (¬5) به أنصافًا؛ لأن السلع كانت أثلاثًا، ولو فعل ذلك لكان صاحب الدراهم قد أخذ بعض مال صاحبه. ¬

_ (¬1) قوله: (بينهما) ساقط من (ف). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 612. (¬3) في (ر): (المسألة). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 612. (¬5) في (ر): (يبيعهما).

باب في الشركة على الذمم

باب في الشركة على الذمم (¬1) الشركة على الذمم جائزة في الشيء المعين: عبد، أو دار، أو ثوب. ولا تجوز في غير معين، وسواء عينا الصنف الذي اشتركا فيه، أو لم يعيناه وأجملوا ذلك في جميع الممتلكات. قال مالك: يكره ذلك؛ لأن هذا يقول: تحمَّل عني بنصف ما اشتريت على أن أتحمَّل عنك بنصف ما اشتريت (¬2). يقول: لأن الحمالة تتضمن سلف الحميل عند عدم المتحمل عنه أو غيبته. والسلف الجائز ما أريد به المعروف من المتسلف. فإذا تحمَّل هذا بشرط أن يتحمَّل الآخر، خرجت عن المعروف وصارت مُعاوضة وغَررًا. وهذا الوجه الذي منع به يدخل في الشريكين في الشيء المعين، وإنما أمضاه في المعين لما مضى عليه العمل، ومنعه فيما لم يرد به عمل مما كان الأصل عنده المنع. فإن اشتركا على الذمم (¬3) واشتريا سلعًا صفقة واحدة، كان شركة بينهما على الجزء الذي اشتركا فيه. واختلف إذا اشترى كل واحد منهما منفردًا عن صاحبه، فقال ابن القاسم: ذلك شركة بينهما؛ لأنه اشتراه بأمر (¬4) صاحبه. وقال سحنون: لكل واحد منهما ما اشتراه. والأول أحسن؛ لأن كل واحد منهما وكيل لصاحبه على شراء نصف ما اشتراه بجعل فاسد، وهي الحمالة والوكالة بجعل فاسد لا ¬

_ (¬1) قوله: (على الذمم) في (ت): (بالذمم). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 593، 594. (¬3) في (ر): (المقيم). (¬4) في (ف): (بمال).

توجب أن يكون المشترى للوكيل من غير خلاف، ولا يعارض هذا بالشركة الفاسدة في العروض (¬1)؛ لأن لكل واحد منهما ما يبيع به عرضه لا يشركه الآخر فيه؛ لأن هذه سلع بيعت بيعًا فاسدًا ولم يمكَّن المشتري منها فكانت أثمانها لأربابها، ففارق الشركة على الذمم، ويكون للبائع منهما أن يبيع كل واحد منهما بنصف الثمن إذا (¬2) كانا حاضرين موسرين. فإن افتقر أحدهما أو غاب، كان الجواب في مطالبة الحاضر عن (¬3) الغائب، والموسر عن الفقير على ثلاثة أقسام: فقسم يكون له ذلك، وقسم يختلف فيه هل ذلك له أم لا؟ وقسم يكون له أن يأخذ بذلك المتولي للشراء (¬4) إذا كان حاضرًا موسرًا، فإن غاب المتولي للشراء أو افتقر لم يأخذ الآخر إلا بنصف الثمن فقط، فإن كان البائع عالمًا بالشركة ولم يعلم بفساد ما عقداه، كان له أن يأخذ الموسر الحاضر بجميع الثمن، وإن لم يكن هو المتولي للشراء، وإن كان عالمًا بفسادها لم يكن له ذلك، فأخذ هذا بنصف الثمن ولم يطالبه بالحمالة عن الآخر، وإن لم يكن علم بالشركة وكان الحاضر (¬5) الموسر هو المتولي للشراء، كان للبائع أن يأخذه بجميع الثمن؛ لأنه دخل على أن (¬6) المبايعة منه ولم يدخل معه على أنه وكيل لغيره في النصف الآخر، وإن كان الحاضر (¬7) الموسر الذي لم ¬

_ (¬1) قوله: (في العروض) ساقط من (ف). (¬2) في (ر): (وإن). (¬3) في (ر): (من). (¬4) في (ت): الشراء. (¬5) زاد بعده في (ر)، (ف): (أو). (¬6) قوله: (أن) زيادة من (ت). (¬7) زاد بعده في (ر)، (ف): (أو).

فصل [فيمن شارك رجلا على أن يعمل والحاصل بينهما]

يتول الشراء أخذه بنصف الثمن لا أكثر من ذلك؛ لأن البائع لمّا لم (¬1) يعلم بالشركة لم يدخل على حمالة هذا فكان له أن يأخذه بنصف الثمن لا أكثر من ذلك (¬2) لأنه ملك نصف سلعته. فصل [فيمن شارك رجلًا على أن يعمل والحاصل بينهما] وقال ابن القاسم في العتبية: فيمن شارك رجلًا وقال: أتقبل عليك المتاع وتعمل أنت فما رزق الله بيننا نصفين، لم يجز ذلك (¬3). قال الشيخ - رضي الله عنه -: فإن تقبل وعمل الآخر، كان ما تقبل به للعامل ولصاحب الحانوت إجارة المثل فيما كان يتولى من العقد مع الناس وإجارة حانوته، وسواء علم من تقبل منه أن العمل على (¬4) هذا العامل بعينه، أو دخل على أن العمل مضمون؛ لأن المعاقدة كانت بين صاحب الحانوت وبين العامل على أن منافعه المبيعة ومنافعه كسلعة (¬5) عنده بيعت، والثمن (¬6) لمن بيعت منافعه. قال ابن القاسم: وإن اشترك رجلان فقال أحدهما: أنا آخذ المتاع بوجهي والضمان علينا (¬7) ففعلا، كان الربح بينهما على قدر ما تعاملا. قال، ولو قال: أنا آخذ لك متاعًا تبيعه ولك نصف ما ربحت، لم يصلح والربح لمن أجلسه ¬

_ (¬1) قوله: (لم) زيادة من (ت). (¬2) قوله: (لا أكثر من ذلك) ساقط من (ف). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 594. (¬4) قوله: (العمل على) في (ف): (العامل). (¬5) قوله: (كسلعة) في (ر). (كسبة). (¬6) في (ف): (بالثمن). (¬7) في (ر): (عليك).

وللآخر إجارة مثله (¬1). يريد: فيما تولى من البيع (¬2). وفرق بين السؤالين؛ لأنه قال في الأول: الضمان علينا، وذلك يقتضي أن الشراء (¬3) على ذمتهما. وقال في الثاني: لك نصف ما ربحت، ولم يجعل عليه من الخسارة شيئًا، وذلك يقتضي كون المشتري على ذمة المشتري وحده. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 12/ 34. (¬2) في (ت): (المبيع). (¬3) في (ف): (الشريكان).

باب في شركة الأبدان كالصناع، والأطباء، والمعلمين، والحمالين، واللذين يحشان أو يحتطبان أو يصيدان

باب في شركة الأبدان كالصناع، والأطباء، والمعلمين، والحمالين، واللذين يحشان أو يحتطبان أو يصيدان (¬1) الشركة بالأبدان: إذا كانا صاحبي صنعة (¬2)، تجوز (¬3) بخمسة شروط، وهي (¬4): أن تكون الصناعة واحدة، ويكونان في السرعة والإبطاء، والجودة والدناءة واحدًا أو متقاربًا (¬5)، ويعملان في موضع واحد، وتكون الأداة والآلة التي يعملان بها بينهما. وهذه جملة متفق (¬6) عليها، فإن انخرم شرط (¬7) من ذلك فسدت تارة، وتارة تصح على اختلاف فيها. وإن اختلفت الصناعة فكان أحدهما صواغًا أو خياطًا، والآخر طرازًا أو حائكًا، لم تجز الشركة؛ لأنه لا تصح منهما معاونة (¬8). ¬

_ (¬1) قوله: (يحشان أو يحتطبان أو يصيدان) في (ف): (يحتشا أو يحتطبا أو يصيدا)، وفي (ر): (يصطيدا ويحتطبا). (¬2) قوله: (صاحبي صنعة) في (ف): (صنعا). (¬3) قوله: (تجوز) زيادة من (ت). (¬4) قوله: (وهي) ساقط من (ت). (¬5) في (ت): (متقاربين). (¬6) في (ر): (ما اتفق). (¬7) في (ت): (شيء). (¬8) في (ف): (معادلة).

والتقدير عند مالك أن كل واحد باع نصف كسبه بنصف كسب صاحبه (¬1). وكذلك إذا كانت الصنعة واحدة وكانا يعملان في موضعن مفترقين ولم يتعاونا، وإن اختلطا كان بيع منافع بمنافع وذلك جائز، وإن كان جنسًا واحدًا وكان أحدهما أسرع بالأمر البّين، جازت الشركة على قدر أعمالهما ولم تجز على المساواة. وإن تباينت صناعتهما بالجودة والدناءة وكان أكثر ما يصنعانه ويستعملان فيه الأدنى، جازت الشركة؛ لأن الأعلى يعمله الأدنى، ولا حكم للقليل. وإن كان أكثر ما يدخل إليهما ما يعمله الأعلى أو كان كل واحد منهما كثيرًا، لم تجز الشركة للغرر (¬2) والتفاضل؛ لأن أحدهما يصنع دون الآخر. واختلف إذا كانت الصنعة (¬3) جنسًا واحدًا، وكانا يعملان منفردين كل واحد في موضع على حدة، فمنعه في "المدونة" (¬4) وأجازه في "العتبية" (¬5). وقد اختلف في هذا الأصل فيمن استأجر أجيرًا على أن يأتيه (¬6) بالغلة فأجيز ومنع (¬7)، فعلى القول بإجازته تجوز الشركة إذا كانا يعملان في موضعين ¬

_ (¬1) قوله: (والتقدير عند مالك أن كل واحد باع نصف كسبه بنصف كسب صاحبه) في (ف): (الآخر). (¬2) في (ف): (للغرور). (¬3) في (ر): (الشركة). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 595. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 333. (¬6) في (ف): (يجيئه). (¬7) انظر المدونة: 3/ 442.

فصل [في اشتراك حائكين بأموالهما على أن يتولى أحدهما العمل والآخر الخدمة]

والصناعة متفقة أو مختلفة؛ لأن كل واحد منهما باع نصف منافعه على أن يبيعها لمشتريها منه، ولا فرق بيئ أن يستأجره على أن يجيئه بالغلة بدراهم أو بنصف منافعه، فإن قدره منافع بمنافع جاز الجميع في الشريكن، وفي الإجارة على أن يأتيه بالغلة وإن قدَّره كسبًا بكسب (¬1)، لم يجز الجميع. فصل [في اشتراك حائكين بأموالهما على أن يتولى أحدهما العمل والآخر الخدمة] ولو (¬2) اشترك حائكان بأموالهما وكان (¬3) أحدهما يتولى العمل والآخر الخدمة والشراء والبيع، ولا يحسن النسج وكانت قيمة العمل والخدمة سواء، جازت الشركة. وكذلك إذا لم يكن لهما رأس مال، وكانا يتقبلان العمل ليعمل أحدهما ويخدم الآخر ويتولى ما سوى النسج وتساوت القيمة، جاز ذلك، وهما بخلاف المختلفي الصنعة؛ لأن المختلفي الصنعة يصح أن يعمل أحدهما ولا يدخل على الآخر عمل. والشركة على الخياطة على ما وصفنا جائزة؛ لأنه إن دخل عَمَلٌ عملا جميعًا وإلا يعطلا جميعًا فلم يكن في ذلك غرر (¬4)، وعلى مثل هذا أجيزت الشركة في طلب اللؤلؤ، أحدهما يتكلف الغوص عليه (¬5) والآخر يقذف (¬6) أو ¬

_ (¬1) قوله: (قدَّره كسبًا بكسب) في (ر): (قدرت كسب يكسب). (¬2) في (ت): (وإن). (¬3) قوله: (وكان) ساقط من (ت). (¬4) قوله: (غرر) ساقط من (ت). (¬5) قوله: (عليه) ساقط من (ت). (¬6) في (ر): (يقذفه).

فصل [فيما إذا كان الشريكان صباغين]

يمسك عليه، فإذا كانت الإجارة سواء؛ جازت الشركة على التساوي فيما يخرج من اللؤلؤ، وإن كانت أجرة من يخرجه أكثر، لم يجز إلا على (¬1) قدر أجرة كل واحد من الآخر (¬2). فصل [فيما إذا كان الشريكان صباغين] وإن كانا صباغين وكان رأس المال فيما يصبغان به من عُصفر (¬3) أو نيل (¬4)، والعمل على جزء واحد نصفين أو ثلث أو ثلثين، جاز، وإن خالفا (¬5) الأجزاء وجعلا (¬6) العمل نصفين وما يصبغان (¬7) به ثلثا (¬8) وثلثين، كان نصف ما أصابا لصاحب الثلثين وثلثه لصاحب الثلث، ويبقى سدس لواحد فيه رأس المال وللآخر العمل، وفضل ما أصابا فيه على قدر ما لهما فيه من رأس المال (¬9) وعمل؛ لأن ذلك الجزء الفاضل هبة أو سلف بشرط (¬10) الشركة. ¬

_ (¬1) قوله: (على) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (الآخر) في (ر)، و (ف): (الأجرة). (¬3) العصفر: هو نبات صيفي من الفصيلة المركبة أنبوبية الزهر يستعمل زهره تابلا ويستخرج منه صبغ أحمر يصبغ به الحرير ونحوه. انظر المعجم الوسيط: 2/ 605 (¬4) النيل: هو جنس نباتات محولة أو معمرة من الفصيلة القرنية تزرع لاستخراج مادة زرقاء للصباغ من ورقها. انظر المعجم الوسيط: 2/ 967. (¬5) قوله: (وإن خالفا) في (ت): (فإن خالف). (¬6) في (ت): (وجعل). (¬7) في (ت): (يعملان). (¬8) في (ر): (ثلث). (¬9) قوله: (المال وللآخر. . . رأس المال) ساقط من (ت). (¬10) في (ت): (يشترط).

فصل [في الأداة التي يستعملها الشريكان]

ومذهب مالك وابن القاسم أن الواهب والمسلف لم يمكن من ذلك لما كان (¬1) يشترط أن يعمله الآخر معه، وإذا لم يكن فيه (¬2) تمكين كانت مصيبته من صاحبه وكان ما بيع به (¬3) له ويشارك الآخر بقدر عمله فيه. وقد قيل: إن ذلك قبض فيكون ما أصابا (¬4) بينهما بالسواء، ويرجع صاحب الكثير على صاحبه بمثل ما أسلفه أو وهبه، ولو كان ذلك الزائد ليس على وجه (¬5) الهبة (¬6) ولا السلف، وإنما وهبه الربح خاصة، فقال: إن خسرنا اقتسمنا رأس المال أثلاثًا، وإن ربحنا كان الربح بيننا نصفين، لكانت هبة الربح للواهب خاصة؛ لأن مصيبة ذلك الزائد من صاحبه قولًا واحدًا؛ لأن العامل عمل فيه على ملك صاحب الأكثر وللآخر الربح وهي هبة فاسدة ومردودة إلى الواهب، وبعض (¬7) ما بيع به (¬8) ذلك الزائد على قدره من قدر (¬9) العمل. فصل [في الأداة التي يستعملها الشريكان] لا تخلو الأداة التي يستعملانها من ثلاثة أوجه: إما أن تكون شركة بينهما، أو ملكًا لأحدهما وتطوع باستعمالها على صاحبه، أو بإجارة. ¬

_ (¬1) قوله: (لما كان) زيادة من (ت). (¬2) بعدها في (ر): (إلا). (¬3) قوله: (به) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (ما أصابا) في (ت): (أصاب). (¬5) في (ر): (وجهة). (¬6) في (ت): (البسط). (¬7) قوله: (وبعض) في (ت): (ويفض). (¬8) قوله: (به) ساقط من (ت). (¬9) قوله: (قدر) ساقط من (ف).

فصل [في الشركة بالبيت والرحى والدابة]

فإن كانا شريكين فيها على قدر أعمالهما، كانت الشركة جائزة. وكذلك إن كانت لأحدهما (¬1) إذا كان الفضل فيها يسيرًا. وإن كانت لأحدهما وتطوع بعملها من غير إجارة ولم يكن لها قدر ولا بال؛ جاز ذلك. وإن كان لها قدر، لم يجز. وإن استأجره القدر الذي ينوبه من الشركة بإجارة مثلها، أو كان التغابن يسيرًا، كانت الشركة جائزة (¬2) على مذهب ابن القاسم (¬3)، وفاسدة على قول غيره، إلا أن تكون ملكًا لهما، وإن استأجراها جميعًا لتكون أجرتها (¬4) على قدر شركتهما، جاز، فإن كانت على غير ذلك، لم تجز (¬5). فصل [في الشركة بالبيت والرحى والدابة] وقال ابن القاسم في ثلاثة نفر اشتركوا في الطحين لأحدهم البيت، وللآخر الرحى، وللآخر الدابة، قال: يقتسمون ما أصابوا أثلاثًا؛ لأن رؤوس أموالهم عمل أيديهم (¬6)، فإن كانت أجرة البيت والرحى والدابة معتدلًا، لم يكن بينهما تراجع، وإن كان (¬7) مختلفًا، رجع من له الفضل على صاحبه. قال: ولو لم يصيبوا شيئًا لترادّوا فضل الكراء (¬8). ¬

_ (¬1) قوله: (وكذلك إن كانت لأحدهما) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (كانت الشركة جائزة) في (ف): (جازت الشركة). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 596. (¬4) قوله: (أجرتها) في (ف): (أجرتهما). (¬5) قوله: (كانت على غير ذلك، لم تجز) في (ت): (كان على غير ذلك لم يجز). (¬6) المثبت من (ت)، وفي باقي النسخ: (أبدانهم). (¬7) في (ت): (كانا). (¬8) انظر: المدونة: 3/ 596، 597.

وقال محمد: يقتسمون على (¬1) ما أصابوا على قدر كراء (¬2) ما لكل واحد منهم (¬3)، فإن فضل بعد ذلك فضل (¬4) قسم على أجرة كل واحد منهم، فإن فضل بعد ذلك نظر إلى جملة ما اجتمع لكل واحد فيقسم الفضل على قدر ذلك. قال: فإن لم يصيبوا إلا مثل ما يعلفون وينفقون رجع بعضهم على بعض ويخرجون ذلك من أموالهم. وليس هذا بحسن. وأرى أن يكون رأس الال الرحى والدابة؛ لأن الإجارة والثمن المأخوذ إنما هو عنهما وليس عن البيت ولا عن عمل اليد، وليس للشركاء في ذلك سوى رباط الدابة والمعونة اللطيفة، ومعلوم أن الأجرة للرحى والدابة والبيت بمنزلة الحانوت، ولا تراجع بينهم في عمل أيديهم لأنهم قد تساووا فيه. قال ابن القاسم: وإن كان العامل صاحب الدابة وحده كان له ما أصاب وعليه إجارة البيت والرحى وإن لم يصب شيئًا. قال: وهو بمنزلة من دفع دابته أو سفينته على أن له نصف ما يكسب عليها (¬5). وليس هذا بالبيّن، وأرى أن يكون ما أصاب مفضوضًا على قدر إجارة الرحى والدابة، فما ناب الرحى من العمل رجع عليه العامل فيه بإجارة المثل؛ لأن صاحب الرحى لم يبع من العامل منافعها؛ وإنما قال له: واجرها ولك بعض ما (¬6) تؤاجرها به، فإنما يؤاجرها على ملك صاحبها ثم يغرمان جميعًا إجارة البيت. ¬

_ (¬1) قوله: (على) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (كراء) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (منهم) ساقط من (ت). (¬4) في (ت): (شيء). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 597. (¬6) قوله: (ما) زيادة من (ت).

فصل [في شركة الأطباء]

وكذلك إذا كان العامل صاحب الرحى، فعلى قول ابن القاسم يكون له ما أصاب وعليه إجارة المثل للآخرين. والقياس أن يكون مفضوضًا حسب ما تقدم، إلا أن يكون الذي يطحن عليها طعام نفسه وليس يؤاجرها من الناس، فيكون بمنزلة من قال: لك نصف (¬1) ما تكسب عليها. وكذلك الدابة, فإن قال: وأجرها، وكان يعقد منافعها من الناس، كانت الإجارة التي بيعت به (¬2) منافعها لصاحبها وللآخر إجارة المثل. وإن قال: اعمل عليها، فكان يحمل (¬3) عليها تجارته أو ما يحتطبه أو الكلأ أو الماء، كان ما باع به تلك الأشياء للعامل وللآخر إجارة المثل (¬4). وكذلك الرحى والدابة إن دخل على أن يؤاجرها من الناس، كان ما أخذ عنهم لأصحابه وللعامل إجارة مثله، وإن دخل على أن يعمل فيها طعامه، كان ربح ماله له وعليه إجارة المثل. فصل [في شركة الأطباء] شركة الأطباء جائزة إذا كان طبهما (¬5) واحدًا، فإن اختلفا (¬6) فكان طبائعي وأعيني، أو طبائعي وجرائحي، أو أعيني وجرائحي، لم تجز الشركة ويصير كسبًا بكسب. ولو كان أحدهما طبائعي أعيني والآخر أعيني خاصة، فاشتركا ¬

_ (¬1) قوله: (فيكون بمنزلة من قال: لك نصف) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (به) في (ف): (بها). (¬3) في (ر): (يعمل). (¬4) قوله: (وإن قال:. . . إجارة المثل) ساقط من (ت). (¬5) في (ت): (طبها). (¬6) في (ت): (اختلف).

فصل [في شركة المعلمين]

فيما يدخل عليهما عن طب الأعين وما دخل عن النظر فيما ينفرد به الآخر عن صاحبه (¬1) خاصة، كانت الشركة جائزة. وإن اشتركا على أن ما دخل عليهما من جميع ذلك شركة بينهما، لم يجز (¬2). وإن كان طبهما واحدًا، وشرطا الكسب على أجزاء مختلفة، لم يجز. وكذلك ما يخرجان من رأس المال فيكون بينهما بالسواء. فصل [في شركة المعلمين] شركة المعلمين جائزة إذا كان تعليمهما صنفًا واحدًا: القرآن، أو الكتابة، أو النحو، أو اللغة، أو الحساب، فإن اختلفت فكان تعليم أحدهما القرآن والآخر النحو أو غير ذلك، لم يجز، وإن كانا يعلمان القرآن ويزيد أحدهما تعليم النحو أو الخط أو الحساب، فإن كان تعليم ذلك الزائد بالموضع تبعًا لا يزاد له في الأجرة شيء، أو كان الزائد بذلك يسيرًا؛ جازت الشركة، وإن كان شيء له قدر وبال، لم تجز الشركة إلا أن يكون لذلك قسط من الإجارة يختص به من يعلمه. فصل [في الشركة في الحِمْل] الشركة في الحمل على وجهين: بأبدانهما، أو على دوابهما، فإن كانت بأبدانهما، لم تجز إلا في شيء بعينه؛ لأن التعاون يحصل في مثل ذلك، ولا تجوز في ¬

_ (¬1) قوله: (عن صاحبه) ساقط من (ف). (¬2) في (ف): (تجز).

غير معين للغرر، فقد يتيسر الحمل لأحدهما دون الآخر فيكون أخذ من لم يحمل من أكل المال بالباطل. وهي على الدواب على أربعة أوجه: إما أن يكون ملكًا لهما من غير شركة، أو ملكًا وشركة، أو ملكًا لأحدهما واستأجر الآخر نصف منافعها ليعملا عليها أو يحملا، أو ملكًا لغيرهما واستأجراها، فإن كانت ملكًا لهما من غير شركة، لم يجز الاشتراك ليحمل عليها، كما لم يجز إذا كانت الشركة ليحملا على أنفسهما (¬1)، لإمكان أن يتيسر الحمل لبعض الدواب، فكل واحد منهما يريد أن يحمل على دابة غيره لتكون دابته مستريحة (¬2) وهذا غرر. وإن كانت الدواب شركة (¬3) بينهما، جاز ذلك، اتفق الحمل لأحدهما (¬4) أم لا؛ لأن صحبة (¬5) أحدهما للذي يحمل، وجلوس الآخر في حيز التبع. قال ابن حبيب: لا بأس بذلك وإن افترقا في البلدان والمواضع (¬6). يريد: وإن قرب أحد الموضعين وبعد الآخر. وإن كانت الدواب لأحدهما واستأجر الآخر نصفها ليحمل عليها بالإجارة (¬7)؛ جاز؛ لأنه يجوز أن يستأجر دابة ليؤاجرها مع إمكان أن تتيسر إجارتها أو تتعذر ولا تفسد الإجارة لأجل ذلك (¬8). ¬

_ (¬1) في (ت): (على أبدانهما). (¬2) في (ر): (مسرحة). (¬3) في (ف): (مشتركة). (¬4) قوله: (لأحدهما) ساقط من (ف). (¬5) في (ف): (حصة). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 334. (¬7) في (ت): (بإجارة منكرة). (¬8) قوله: (لأجل ذلك) في (ر): (لذلك).

فصل [في الشركة على الاصطياد]

فإن استأجراها جميعًا من أجنبي ليكونا شركاء في منافعها ويؤاجراها، جاز ذلك إذا عقدا الإجارة عقدًا واحدًا، وإن استأجر كل واحد دابة لنفسه، لم تجز الشركة, كما لم تجز إذا كانت الرقاب ملكًا من غير شركة إلا أن يجتمعا على حمل شيء بعينه. فصل [في الشركة على الاصطياد] الشركة على الاصطياد على خمسة أوجه، تجوز في وجهين: فإن كانت (¬1) البزاة والكلاب (¬2) شركة جاز، وإن افترقا في الاصطياد بذلك (¬3)؛ لأن الذي يصاد به بمنزلة رأس المال وعمل الشريك تبع، فأشبه الاشتراك بالأموال، أنها تجوز وإن افترقا في البلدان. وإن لم يكونا شركاء في البزاة والكلاب (¬4)، جازت الشركة إذا كان الصيد بهما معًا، يتعاونان ولا يفترقان، فيكون مضمون الشركة عملًا بعمل (¬5). ولا يجوز إذا افترقا؛ لأنه يصير كسبًا بكسب. وإن كان صيدهما بالنبل، لم يجز إلا أن يجتمعا ويرسلا سهميهما معًا. وقال ابن القاسم في "العتبية": في النهر تكون فيه الحجارة تكون (¬6) فيه الحيتان، وقد أظله الطرفاء، ولها أصول تحت الماء فيضيق عن جر الشباك إن ¬

_ (¬1) في (ر): (كان). (¬2) في (ر): (أو الكلاب). (¬3) قوله: (بذلك) ساقط من (ت). (¬4) في (ر): (أو الكلاب). (¬5) في (ت): (يعمل). (¬6) قوله: (تكون) ساقط من (ت).

فصل [في الاشتراك على الاحتطاب والحش]

اجتمعت وتنفر (¬1) الحيتان، فيقول صاحب شبكة منهم (¬2): دعوني فما أصبت كان بيني وبينكم، وربما انقطعت شبكته فيقولون هم (¬3): لا شركة بيننا. قال: الشركة بينهم كما شرطوا، ولولا الشركة لأفسد بعضهم على بعض. يريد: لأنهما لم يدخلا على ضمان الشبكة، ولو دخلا على ضمانها لجاز، وهو أبين، وهذا إذا كانا يطرحانها مرة واحدة، وأما إذا تكرر ذلك فأرى أن ينصب هذا مرة وهذا مرة وكل هذا للضرورة، فإن لم تكن ضرورة فأجَّر رجل شبكته أو قاربه على أن له جزءًا مما يصيد الآخر، لم يجز؛ لأنه لا يدري ما يصيد، فقد يقل أو يكثر. فصل [في الاشتراك على الاحتطاب والحش] الاشتراك على الاحتطاب والحش يجوز على مثل (¬4) ما تقدم، فإن اجتمعا في الاحتطاب والحش جاز وان افترقا في مواضع البيع (¬5)، وسواء كان الحمل على أنفسهما أو على دوابهما، فإن افترقا في الأصل، لم تجز الشركة وإن اجتمعا في حمل ذلك أو بيعه؛ لأنه في الأول عمل بعمل (¬6) وفي الثاني كسب بكسب (¬7)، ¬

_ (¬1) في (ر): (وتبقى). (¬2) قوله: (شبكة منهم) في (ت): (الشبكة). (¬3) قوله: (شبكته فيقولون هم) في (ر): (شبكة فيقولان). (¬4) قوله: (مثل) ساقط من (ت). (¬5) قوله: (البيع) ساقط من (ف). (¬6) في (ت): (يعمل). (¬7) في (ت): (يكسب).

إلا أن يكون الكسب والاحتطاب في موضع، ويشترط أحدهما على الآخر أنك تبيع في موضع كذا على بعد والآخر على قرب، فلا يجوز، فما وجدا كان ثمنه بينهما على السواء، ويرجع من أبعد في البيع على صاحبه بإجارة المثل فيما يفضله به.

باب في مرض أحد الشريكين أو غيبته

باب في مرض أحد الشريكين أو غيبته (¬1) وإذا عقد الشريكان (¬2) الإجارة على عمل ثم مرض أحدهما أو مات أو غاب (¬3)، كان على الآخر أن يوفي بجميع ذلك العمل (¬4)، وسواء كانت الشركة على أن العمل مضمون في الذمة أو على أعيانهما؛ لأنهما (¬5) على ذلك يشتركان، وعليه يدخل الذي يستأجرهما أخهما ربما جالت أيدجهما في عمل الشيء الواحد، وربما انفرد بعمله أحدهما، وليس كذلك إذا لم يكونا شريكين، وكانت الإجارة على عمل رجل، لم يجز أن يضمن عنه ذلك الآخر أجرة ذلك العمل (¬6) إن مرض أو مات أو غاب. ولو آجر رجلان أنفسهما في عمل شيء بعينه (¬7)، أو كانت الإجارة في الذمة، لم يكن على أحدهما أن يوفي عن الآخر، وليس كالأول؛ لأن أولئك متفاوضان فلزم أحدهما ما لزم الآخر. وإذا كانت الإجارة (¬8) في الصحة ثم حدث مرض خفيف أو طويل أو غاب أحدهما إلى وضع قريب أو بعيد، كان على الصحيح والحاضر (¬9) القيام بجميع العمل. ¬

_ (¬1) في (ر): (وغيبته). (¬2) في (ف): (أحد الشريكين). (¬3) قوله: (أو غاب) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (العمل) زيادة من (ت). (¬5) قوله: (لأنهما) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (أجرة ذلك العمل) ساقط من (ت). (¬7) قوله: (بعينه) زيادة من (ت). (¬8) بعدها في (ر): (صحيحة). (¬9) في (ت): (أو الحاضر).

وكذلك إذا عقدا الإجارة على شيء في أول المرض ثم برئ عن قرب أو بعد أو في سفر أحدهما على (¬1) قرب من المكان، ثم رجع عن قرب أو بعد (¬2)، فكل (¬3) ذلك سواء، فإن على الصحيح والحاضر القيام بجميع العمل، هذا في حق الذي له (¬4) العمل، وكذلك في المسمى (¬5) الذي عقدا عليه، هو بينهما (¬6) نصفين في الوجهين جميعًا. ويفترق الجواب في رجوع الذي عمل على صاحبه، فإن كان المرض الخفيف والسفر القريب لم يرجع؛ لأن العادة العفو عن مثل ذلك ولولا (¬7) العادة لرجع. وإن طال المرض أو بعُد السفر رجع على صاحبه بإجارة المثل، ولو اشتركا على العفو عن مثل ذلك كانت الشركة فاسدة، ولو فسدت الشركة من غير هذا الوجه لكان التراجع بينهما في قريب ذلك وبعيده. ولو عقد أحدهما إجارة بعد طول المرض أو بُعْد (¬8) السفر كان ذلك له وحده؛ لأن الشركة حينئذ قد انقطعت، وكذلك ضمان ما هلك إذا كان العقد عليه في موضع لم تنقطع الشركة كانت القيمة عليهما، وإذا كانت بعد أن انقطعت كانت عليه وحده. ¬

_ (¬1) في (ت): (عن). (¬2) بعدها في (ف): (إن بعد). (¬3) في (ت): (فعل ذلك). (¬4) في (ف): (عليه). (¬5) في (ف): (الشيء). (¬6) قوله: (الذي عقدا عليه، هو بينهما) في (ر): (الذي عليه هو عليه بينهما). (¬7) في (ر): (ولو). (¬8) في (ت): (وبعد).

باب في الشركة في الحرث

باب في الشركة في الحرث قال محمد بن المواز: إذا سلم المتزارعان (¬1) في قول مالك من أن تكون الأرض لواحد والبذر من عند الآخر، جازت الشركة إذا تساويا ولم يفضل أحدهما الآخر بشرط (¬2) في عمل ولا نفقة ولا منفعة (¬3). قال الشيخ -رحمه الله-: فتجوز الشركة إذا كانا شريكين في الأرض والبذر، أو في الأرض دون البذر، أو في البذر دون الأرض وتساويا فيما بعد ذلك؛ لأنه لا (¬4) يدخلهما حينئذ كراء الأرض بالطعام. واختلف إذا كانت الأرض لأحدهما والبذر للآخر، أو كانت الأرض والبذر لأحدهما والعمل من عند الآخر، فمنع مالك وابن القاسم إذا كانت الأرض لأحدهما والبذر للآخر. قال ابن القاسم: لأنه أكرى الأرض بنصف البذر، فإن نزل ذلك وفات بالعمل كان الزرع لصاحب الأرض وعليه مثل جميع البذر. وروى ابن غانم عن مالك أن الربح لصاحب الزريعة وعليه قيمة كراء الأرض والعمل (¬5). قال ابن حبيب: وبه قال من المدنيين، مطرف، وابن الماجشون، وابن نافع. ومن المصريين، ابن وهب، وابن عبد الحكم، وأصبغ (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (المتزارعان) في (ر)، (ت): (المتزارعين). (¬2) في (ف): (بشيء). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 353. (¬4) قوله: (لا) ساقط من (ت). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 603، 604. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 354.

قال الشيخ أبو الحسن - رضي الله عنه -: أما القول: إن جميع ذلك لصاحب الأرض، فلا وجه له؛ لأن المنع إذا كان لأن صاحب الأرض أكرى نصف أرضه بنصف البذر (¬1) وهو بيع فاسد، فنصف البذر باق على ملك صاحبه ولم يكن فيه بيع، وهو بمنزلة من أكرى أرضه بثمن فاسد على أن العمل على مكتري الأرض، فإنه لا خلاف أن الزرع لصاحبه وللآخر إجارة مثل (¬2) أرضه وعمله، ثم يختلف في النصف الآخر هل يكون لمن زرعه؛ لأنه بِيعَ بيعا فاسدًا (¬3) وقبضه مشتريه فأفاته بعمله في أرضه، أو يكون لبائعه لأنه بيع فيه (¬4) تحجير أن يزرعه معه ولا يبين به عنه فيزرعه في أرض أخرى؟ والأول أحسن، فيكون الزرع بينهما نصفين ويتراجعان؛ هذا بمثل نصف البذر والآخر بكراء نصف (¬5) الأرض (¬6) والعمل إن عملا جميعًا كان النصف لصاحب البذر؛ لأنه بذره وعمله بيده. ويختلف في النصف الآخر، فعلى رواية ابن القاسم يكون للعامل، وعلى رواية ابن غانم يكون لصاحب البذر. والأول أحسن؛ لأنه بيع فاسد فات بعمل (¬7) مشتريه. ولو كان صاحب البذر العامل وحده كان جميع الزرع له؛ لأن النصف عمله على ملكه، والنصف الآخر باعه بيعًا فاسدًا، وأفاته بنفسه ولم يفته ¬

_ (¬1) قوله: (أكرى نصف أرضه بنصف البذر) في (ر): (أكر له في أرضه نصف البدر). (¬2) قوله: (على أن العمل. . . إجارة مثل) ساقط من (ف). (¬3) قوله (مثل أرضه. . . بيعا فاسدًا) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (فيه) ساقط من (ر). (¬5) في (ت): (بنصف كراء). (¬6) في (ف): (الآخر). (¬7) في (ر): (بالعمل).

مشتريه. وقال أحمد بن نصر الداودي: إذا أخرج أحدهما الأرض والآخر البذر والعمل، أو أخرج الأرض والبقر والعمل، أو الأرض والعمل، أو الأرض والبقر، والآخر البذر وما يحتاج إليه، فذلك جائز؛ لأنه إنما اشترى كل واحد منهما نصف ما أخرج صاحبه بنصف ما أخرجه الآخر (¬1). والفرق عنده بي الشركة وكراء الأرض بنصف ما يخرجه ليس على وجه الشركة؛ لأنه في الكراء أكرى جميع الأرض ليزرعها المكتري على ملكه بنصف ما يخرج وهو لا يدري ما يخرج، فعاد الأمر إلى الغرر، وفي الشركة أكراه بنصف الزريعة يقبضها الآن ثم يزرعها لنفسه على ملكه فهو معلوم. ومر في ذلك على أصله فيمن اكترى أرضًا بطعام فذلك عنده جائز. قال: ويلزم من رأى أنها (¬2) إذا أكريت بطعام ليزرعها بطعام (¬3)، أنه الطعام بالطعام (¬4) أن يدخل ذلك إذا اكتريت بالفضة والذهب فهو من اشتراء المجهول؛ لأنه يقل ويكثر. يريد: أنه إذا قدر أن الذي تخرجه الأرض كان صاحب الأرض بائعه، أن يدخله (¬5) في الوجه الآخر المجهول، وبيع الزرع قبل أن يبدو صلاحه. ¬

_ (¬1) قوله: (الآخر) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (أنها) زيادة من (ت). (¬3) قوله: (ليزرعها بطعام) في (ف): (ليزرع فيها طعام). (¬4) قوله: (بالطعام) ساقط من (ف). (¬5) في (ر): (يرجعه).

فصل [في ما إذا كان البذر من عند صاحب الارض والعمل والبقر من عند الآخر]

فصل [في ما إذا كان البذر من عند صاحب الارض والعمل والبقر من عند الآخر] واختلف إذا كان البذر من عند صاحب الأرض والعمل والبقر من عند الآخر، فأجازه سحنون، ومنعه محمد وابن حبيب. فقال سحنون: إذا اشتركا على ذلك على أن ما أخرجه الله -عز وجل- من شيء فلصاحب الأرض والبذر (¬1) ثلثه، ولصاحب العمل ثلثه (¬2)، وحق البقر الثلث، وكانت القيم (¬3) كذلك، جاز (¬4). ومثله إذا كانت البقر من عند صاحب الأرض والبذر، ومن عند الآخر العمل (¬5) على أن له الثلث والقيم (¬6) في ذلك أثلاثًا، فهو جائز. وقال محمد في مثل هذا: هو فاسد، وقد كان يكون على أصله جائزًا؛ لأنه قال: إذا سلم المتزارعان من أن تكون الأرض لواحد والبذر لواحد جازت الشركة إذا تساويا (¬7). قال ابن حبيب: فإن نزل ذلك كان الزرع لصاحب الأرض والبذر، وللآخر إجارة عمله، إلا أن يقول له (¬8): تعال نتزارع على أن يكون نصف ¬

_ (¬1) في (ر): (والبلد). (¬2) في (ت): (ثلثيه). (¬3) في (ر): (القيام). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 355، 356. (¬5) قوله: (العمل) زيادة من (ت). (¬6) في (ر): (القيام). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 353. (¬8) قوله: (له) ساقط من (ف).

أرضي ونصف بذري ونصف بقري كراء لنصف عملك، فيكون الزرع بينهما؛ لأن (¬1) هذا قبض نصف البذر في أجرته وضمنه (¬2). والصواب في جميع هذا الجواز، كما قال سحنون، إذا دخل على وجه الشركة، وأن يعمل البذر على أملاكهما، وإن كان على أنه يعمل على ملك صاحب البذر وللآخر ثلث ما يخرج، كان فاسدًا قولًا واحدًا؛ لأنه آجر نفسه بمجهول ما يكون بعد الخروج. وإن اكتريا الأرض ثم تعادلا فيما سواها (¬3) جاز، بمنزلة ما لو كانت لهما، وإن اكتراها أحدهما، كان بمنزلة ما لو كانت له. وأجاز (¬4) محمد بن المواز وسحنون إذا كانت ملكًا لأحدهما فاستأجر الآخر نصيبه منه بدنانير أو بدراهم أو بعروض (¬5). قال سحنون: فإن أخرج أحدهما البذر والآخر كراء الأرض وتكافآ في العمل، لم يجز، ويدخله كراء الأرض بالطعام (¬6). يريد: إذا اكتراها لنفسه، وإن اكتراها لهما وقال: أشاركك بالذي تكتري به (¬7)، جاز، ولا يدخله كراء الأرض بالطعام. وذكر سحنون عن ابن دينار أنه قال: إذا كانت الأرض ملكًا بينهما أو ¬

_ (¬1) في (ف): (الآن). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 356. (¬3) قوله: (سواها) في (ف): (سواه). (¬4) في (ت): (أجازه). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 357. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 358. (¬7) قوله: (أشاركك بالذي تكتري به) في (ر): (أشاركه بالذي يكتري به).

باكتراء ومن عند الآخر البذر ومن عند الآخر العمل أن ذلك لا يجوز. قال: وجعله مثل ذهب بذهب وعرض (¬1). وبنى ذلك على قول مالك: فيمن اكترى أرضه ممن يزرعها طعامًا بعسل أو سمن، فمنع ذلك؛ لأنه يدخله عنده الطعام بالطعام (¬2). فإذا جعل ما أخرجت الأرض (¬3) كان صاحب الأرض (¬4) بائعه، وإن كانت الزريعة من المكتري. فكذلك تصير الشركة بما أخرجته الأرض يكون طعامًا بطعام وعرض، أخرج أحدهما بذرًا وما أخرجته أرضه, والآخر العمل وما أخرجته أرضه، وعلى هذا لا تجوز الشركة إذا كان البذر بينهما والأرض لأحدهما؛ لأنه طعام وأرض بطعام وعمل، وإن كانت الأرض والبذر من عند أحدهما والعمل من عند الآخر جاز. وإن كانت الأرض لا خطب لها، جاز أن تلغى ويتساويا فيما سواها، وهو قول مالك وابن القاسم وسحنون ومنعه ابن عبدوس (¬5). وإن كانت لا خطب لها إذا كانت ممن له العمل والبذر من عند الآخر، قال: ويدخله كراء الأرض بالطعام. وهو أقيس إذا كانوا يكرونها وإن قل، وإن كانت العادة أنها تمنح جاز. ¬

_ (¬1) قوله: (وعرض) ساقط من (ت). وانظر: النوادر والزيادات: 7/ 358. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 547. (¬3) قوله: (ممن يزرعها. . . الأرض) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (الأرض) في (ف): (المال). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 357.

فصل [في ما إذا كان البذر من عند الشريكين]

فصل [في ما إذا كان البذر من عند الشريكين] واختلف إذا كان البذر من عندهما، هل من شرط الصحة أن يخلطاه قبل الحرث؟ وهل يجوز أن يخرج أحدهما القمح والآخر الشعير؟ وإن كان أحدهما يحرث (¬1) في بلد والآخر في غيره؟ وإذا أسلف أحدهما الآخر (¬2) نصيبه من الزريعة؟ فأجاز مالك وابن القاسم الشركة إذا أخرجا قمحًا أو شعيرًا وإن لم يخلطاه، وهو أيضًا أصلهما في الشركة في العين: الدنانير (¬3) والدراهم أنها جائزة (¬4) وإن لم يخلطا (¬5). واختلف عن سحنون، فقال مرة بمثل قول مالك، وقال مرة: إنما تصح الشركة إذا خلطا الزريعة أو جمعاها في بيت، أو حملاها إلى فدان وبذر كل واحد في طرفه، وزرع واحد ثم زرع الآخر (¬6)، فهو كما لو جمعاها في بيت، وإلا لم تصح ويكون لكل واحد ما أنبت حبه (¬7). ورأى (¬8) أن ذلك مبايعة تحتاج إلى مناجزة وتقابض، والخلط كالقبض، وهو أصله في الشركة بالدنانير والدراهم ألا تصح إلا بالخلط. ¬

_ (¬1) قوله: (يحرث) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (الآخر) ساقط من (ف). (¬3) في (ر): (بالدنانير). (¬4) قوله: (أنها جائزة) ساقط من (ف). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 318. (¬6) قوله: (وزرع واحد ثم زرع الآخر) في (ف): (فزرعا واحدة ثم زرعا الأخرى). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 369. (¬8) في (ف): (وأرى).

وقد اختلف قول مالك في الشركة بالطعامين إذا كان صفة (¬1) واحدة، فمنع ذلك مرة ورأى أنها مبايعة (¬2). فعلى هذا لا تجوز الشركة في الحرث إلا أن يكون جميعه من عند صاحب الأرض. ويجوز على قوله أن الشركة جائزة إذا كان البذر من عندهما (¬3) وتساويا فيما بعد ذلك. وتجوز الشركة إذا أخرج كل واحد منهما مائة دينار وعروضًا والآخر مثله. واختلف عن سحنون إذا أخرج أحدهما قمحًا والآخر شعيرًا، فمنع ذلك مرة، وإن فعلا كان لكل واحد ما أنبتت زريعته، ثم رجع فأجاز ذلك إذا اعتدلت القيمة (¬4). يريد: والمكيلة. ويجوز على هذا أن يخرج أحدهما قمحًا والآخر قطنية ويجمعاهما في بيت؛ لأنه كالقبض. قال سحنون: وإن أخرج أحدهما الأرض ومُدَّي قمح ونصف مُدَّي شعير، والآخر مُدَّي قمح والعمل على أن جميع الزرع بينهما، جاز إذا كان العمل مكافئًا لكراء الأرض ولما أخرج ربها من الشعير. قال ابن حبيب: لأن الشعير ثمن لبعض العمل (¬5). قال ابن سحنون: ولو أخرج صاحب القمح (¬6) أكثر مما أخرجه صاحبه، لم يجز، ودخله قمح بشعير ليس يدًا بيد، وكراء الأرض ببعض ما يخرج منها، ¬

_ (¬1) في (ر): (صفقة). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 317. (¬3) في (ت): (عند أحدهما). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 368. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 368. (¬6) قوله: (القمح) زيادة من (ت).

فصل [في ما إذا أخرح أحد الشريكين الأرض والآخر البذر]

ولو كان الشعير من عند صاحب العمل واعتدلا في القمح، لم يجز (¬1). قال ابن حبيب: لا بأس أن يشتركا بصنفين من الطعام إذا اشتركا في كل صنف (¬2). يريد: أن يخرج هذا قفيز قمح وقفيز فول أو حمص، ويخرج الآخر مثله. وهذا مثل قول مالك: إذا أخرج أحد الشريكين مائة دينار وألف درهم والآخر مثله (¬3). قال محمد بن سحنون: لو اشتركا على أن يزرعا بالريف ثم ذهبا إلى الشام فزرعا؛ جاز ذلك في قياس قول سحنون. ولو كان هذا يزرع بالفيوم ويخرج الآخر بذره فيزرعه (¬4) بالشام، لم يجز (¬5). فصل [في ما إذا أخرح أحد الشريكين الأرض والآخر البذر] وقال ابن حبيب: إذا أخرج أحدهما الأرض والآخر البذر على أن نصفه سلف من عند صاحبه، لم يجز، والزرع بينهما نصفين؛ لأنهما ضمنا الزريعة وتكافآ في العمل وكراء الأرض (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 368، 369، ونص المسألة في النوادر: "ولو أخرج صاحب العمل من القمح أكثر مما أخرج رب لأرض منه لم يجز ويدخله قمح بشعير غير يد بيد وكراء الأرض ببعض ما يخرج منها، فإن وقع وأخرج الشعير فربه وما أخرج القمح بينهما بقدر البذر ويتراجعان في تفاضل الأكرية". (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 369. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 612. (¬4) قوله: (فيزرعه) في (ر): (فيذره). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 369. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 364.

وقال سحنون في "كتاب ابنه (¬1) ": الزرع لمسلفه وعليه كراء الأرض؛ قبض صاحب الأرض حصته من الزريعة أو لم يقبضها، إلا أن يكون السلف بعد (¬2) صحة الشركة على غير شرط (¬3). قال الشيخ أبو الحسن -رحمه الله-: إذا كان المتولي للعمل المسلف، كان الزرع له؛ لأن المسلف لم يقبضه ولا أفاته، وإن كان العامل المسلف (¬4)، كان له منه (¬5) بقدر ما أسلفه؛ لأنه قبضه وأفاته بعمله. ولو كانت الشركة على أن يسلف أحدهما الآخر الثمن ليشتري به نصيبه من الزريعة، كان الزرع بينهما نصفين قولًا واحدًا، بخلاف سلف الزريعة. واتفق ابن القاسم وسحنون، إذا كان السلف بغير شرط في أصل العقد، أن الشركة صحيحة والسلف صحيح (¬6). قال ابن القاسم: ولو دفع أحد الشريكين لصاحبه دنانير ليشتري له نصيبه من الزريعة، فزرع ثم قال: لم أشتر شيئًا وإنما زرعت من عندي، لم يصدق والزرع بينهما، فإن صدقه كان بالخيار بين أن يعطيه المكيلة ويكون الزرع بينهما، وإن شاء أخذ دنانيره، وكان الزرع لزارعه (¬7). ¬

_ (¬1) في (ر): (كتاب محمد). (¬2) في (ف): (على). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 346. (¬4) قوله: (كان الزرع. . . المسلف) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (منه) ساقط من (ف). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 364. (¬7) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 389.

قال يحيى بن عمر: إن صدقه أو قامت (¬1) البينة أنه من عنده، كان (¬2) الزرع لزارعه (¬3)، ولا يجوز للآخر الرضا بأخذ نصفه ويدفع الزريعة. يريد: لإمكان أن يكون اختار الترك ثم انتقل إلى الرضا فيدخله بيع الزرع قبل بدو (¬4) صلاحه. قال ابن القاسم في كتاب محمد (¬5): إذا غاب أحد الشريكين بعد أن قلَّبا الأرض ثم زرع الآخر له ولصاحبه ثم قدم الغائب، فإن رضي جاز، وإن لم يرض لم يلزمه. قال: وأحب إليّ إذا رضي أن يؤخر ذلك حتى يحصد فيأخذ الزارع منه بذره، ويكون ما بقي بينهما. وإن زرعها (¬6) لنفسه، لم يكن للغائب في الزرع شيء، وله قيمة كراء نصيبه محروثًا. وإن حرث نصفها، كان للغائب قيمة كراء نصف ذلك النصف. وإن أحضر شهودًا لقسمة ذلك، لم ينفعه إلا بقسم السلطان (¬7). قال الشيخ أبو الحسن -رحمه الله- وقد قال في كتاب الرواحل: إذا أشهد جماعة، كان كحكم السلطان إذا لم يكن سلطان. ¬

_ (¬1) في (ر): (كانت). (¬2) في (ر): (وكان). (¬3) قوله: (قال يحيى بن عمر. . . الزرع لزارعه) ساقط من (ف). وانظر: النوادر والزيادات: 7/ 367. (¬4) في (ت): (أن يبدو). (¬5) قوله: (كتاب محمد) ساقط من (ت). (¬6) في (ر): (زرعه). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 365، 366.

باب في الشركة بالعروض والطعام

باب في الشركة (¬1) بالعروض والطعام الشركة بالعروض على وجهين: فإن كان القصد بيع بعض أحدهما ببعض آخر وعلى أنهما لا يتجران في أثمانها إذا بيعا (¬2)، كانت جائزة، وإن كان فيها تغابن أو تفضل (¬3) من أحدهما على الآخر. وإن كانت الشركة ليتجرا بأثمانها، جازت الشركة (¬4) إذا كانت على أن لكل واحد منهما في الشركة مبلغَ قيمة سلعته، فإن اشتركا على المساواة والقيم مختلفة، لم يجز. ثم هما فيها على ثلاثة أوجه: فإما أن يبيع كل واحد سلعة نفسه قبل قبضها منه أو بعد (¬5)، أو (¬6) باع كل واحد سلعة الآخر، أو باع أحدهما سلعته وسلعة صاحبه. واختلف إذا نزل وفات بالقبض أو البيع، هل تكون بينهما شركة في القيم، أو في الأثمان؟ فقال في "المدونة": لكل واحد منهما ما بيعت به سلعته (¬7). ولم ير بينهما شركة ولا قبض؛ لأن لكل واحد من الشريكين (¬8) أن يتصرف فيما باعه بالبيع بعد قبضه منه، فكان قبض المشتري كلا قبض. والقبض الصحيح ما لا ¬

_ (¬1) قوله: (الشركة) ساقط من (ف). (¬2) في (ف): (بيعت). (¬3) في (ت): (تفاضل). (¬4) قوله: (الشركة) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (أو بعد) زيادة من (ت). (¬6) في (ف): (أن). (¬7) انظر: المدونة: 3/ 607. (¬8) قوله: (من الشريكين) زيادة من (ت).

يتسلط (¬1) لبيعه فيه، فوجب لهذا أن تكون المصيبة بعد القبض من البائع والثمن له، كان الثمن أكثر من القيمة أو أقل، وسواء كان بائع ذلك العرض مشتريَه أو بائعه. والقول الآخر إن ذلك قبض، وهو قول مالك في الشريكين يُخرج أحدهما ذهبًا والآخر فضة، أن الشركة صحيحة والقبض صحيح تصح به المناجزة في الصرف (¬2). وإذا كان ذلك فقبض كل واحد من الشريكين سلعة صاحبه، ضمن نصف قيمتها يوم قبضها وعمرت ذمته بذلك وصار جميع ما تجرا فيه بينهما نصفين إذا باع كل واحد منهما (¬3) سلعة صاحبه بعد قبضها منه؛ لأن الثمن بينهما. وإن كان بيعه لها قبل قبضها، كان في المسألة قولان: أحدهما (¬4): أن بيع المشتري كالقبض يوجب (¬5) عليه نصف القيمة ويكون له نصف الثمن. والثاني: أن ذلك ليس بقبض والثمن لمن كانت له تلك السلعة، وإن باع كل واحد منهما (¬6) سلعة نفسه قبل قبضها منه، أو بعد قبضها وقبل أن يفوت عند القابض بحوالة سوق أو جسم، كان الثمن له دون الشريك. وإن كان بيعه لها بعد القبض والفوت بتغير سوق أو جسم، كان الثمن ¬

_ (¬1) في (ر): (تسلط). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 608. (¬3) قوله: (منهما) زيادة من (ت). (¬4) في (ت): (إحداهما). (¬5) في (ت): (فوجب). (¬6) قوله: (منهما) ساقط من (ف).

فصل [في الشركة بالطعامين]

بينهما وعلى كل واحد نصف قيمة سلعة (¬1) صاحبه. وإن قبض أحدهما سلعة صاحبه ثم باعهما (¬2) جميعًا، كان (¬3) ثمن سلعته له (¬4)، وثمن سلعة صاحبه بينهما وعليه لصاحبه نصف قيمتها (¬5). وإن اتجرا بعد ذلك كان المشترى بينهما على قدر ذلك، لأحدهما بقدر (¬6) ثمن جميع سلعته ونصف ثمن سلعة صاحبه، وللآخر قدر نصف ثمن سلعة صاحبه خاصة (¬7). وإن أخرج أحدهما عروضًا والآخر عبيدًا أو حيوانًا أو طعامًا، كانت (¬8) الشركة إذا اعتدلت القيم جائزة، ولم تجز إذا اختلفت القيم واشتركا (¬9) على المساواة في القيم. والجواب إن نزل ذلك (¬10) على ما تقدم في العرضين (¬11). فصل [في الشركة بالطعامين] لا تخلو الشركة بالطعامين من (¬12) أربعة أوجه: إما أن يكونا صنفًا واحدًا ¬

_ (¬1) قوله: (سلعة) ساقط من (ت). (¬2) في (ف): (باعاها) (¬3) بعدها في (ح، ف): (له). (¬4) بعدها في (ح، ف): (نصف). (¬5) في (ر): (قيمته). (¬6) قوله: (بقدر) زيادة من (ت). (¬7) قوله: (خاصة) ساقط من (ف). (¬8) في (ت): (جازت). (¬9) في (ت): (ويشتركان). (¬10) في (ف): (ترك). (¬11) قوله: (في العرضين) زيادة من (ت). (¬12) في (ر): (بين).

وهما في الجودة سواء، أو بعضهما أفضل من بعض، أو جنسين قمحًا وشعيرًا، أو صنفين قمحًا وتمرًا (¬1). وقد اختلف في الشركة في جميع هذه الأوجه. فأجاز مالك (¬2) في "المدونة" الشركة إذا كان الجنس واحدًا والجودة سواء، بمنزلة لو كانت دنانير كلها أو دراهم كلها (¬3)، ولم يرها مبايعة، ويجوز على هذا وإن لم يخلطاها، ثم رجع عن ذلك ورأى أن الطعام مما تختلف فيه الأغراض بخلاف الدنانير فيدخلها (¬4) المبايعة من بعضها ببعض (¬5)، وإذا دخلت المبايعة منع لأجل عدم المناجزة. وقد أجاز مرة أن يخرج أحدهما دنانير والآخر دراهم وهي مبايعة، وإذا كان ذلك جازت الشركة بالطعامين مع تسليم القول: إنها مبايعة إذا قبض كل واحد منهما طعام الآخر. وأجاز ذلك محمد إذا خلطا الطعامين (¬6). وإن اختلفت الجودة لم تجز الشركة على قيم الطعامين؛ لأنه ربًا، وسواء كان الفضل يسيرًا أو كثيرًا، ولا على الكيل إذا كان الفضل كثيرًا؛ لأن ذلك الفضل في الشركة لا يجوز في عرض ولا في طعام، وإن كان الفضل يسيرًا واشتركا على الكيل جاز على قوله في "المدونة" (¬7)، والقياس المنع؛ لأن من له الفضل إنما (¬8) تركه لمكان الشركة ¬

_ (¬1) في (ت): (وثمرًا). (¬2) زاد بعده في (ف): (وابن القاسم). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 607. (¬4) في (ت) و (ر): (فيدخله). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 607. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 318. (¬7) انظر: المدونة: 3/ 607. (¬8) في (ر): (إذا).

والتجر في المستقبل، وإن لم يقصد التجر بأثمانهما جاز، وهذا إذا كانت سمراء كلها أو محمولة كلها. وإن كان من عند أحدهما سمراء والآخر محمولة، لم تجز الشركة أيضًا على القيم، ولا على الكيل إذا كان الفضل كثيرًا، وإن كان يسيرًا، جاز على القول: إنها لا تختلف فيها الأغراض فإن المحمولة أدنى، وعلى القول: إنها لا تختلف فيها الأغراض (¬1) وتراد (¬2) في بعض الأوقات للزريعة، فلا يجوز لأنها تدخلها (¬3) المبايعة، إلا على القول بإجازة الصرف في الشركة ويقبض كل واحد طعام صاحبه. واختلف إذا أخرج أحدهما قمحًا والآخر شعيرًا، فمنعه ابن القاسم في "المدونة" (¬4). واختلف فيه عن سحنون، فمنعه مرة وأجازه أخرى إذا اعتدلت القيم (¬5). يريد: والكيل وقبض كل واحد منهما طعام الآخر. وإن أخرج أحدهما قمحًا والآخر تمرًا (¬6) كانت مبايعة، ويختلف في جواز الشركة, فعلى القول بإجازتها يأخذ كل واحد منهما طعام الآخر أو يجمعانه. وقال ابن القاسم: إذا اشتركا في قمح شركة فاسدة ثم خلطاه كان لكل واحد منهما قيمة طعامه يوم خلطاه (¬7). وقال محمد: يقتسمان الثمن والربح ¬

_ (¬1) قوله: (فإن المحمولة. . . الأغراض) ساقط من (ف). (¬2) في (ت): (ويزاد). (¬3) قوله: (لأنها تدخلها) في (ر): (لأنه يدخله). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 608. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 368. (¬6) في (ت): (ثمرًا). (¬7) انظر: المدونة: 3/ 608.

نصفين (¬1). ورأى (¬2) أن ذلك قبض، فتعمر ذمة كل واحد منهما بمثل نصف (¬3) طعام صاحبه، ويكون الموجود بينهما نصفين. ولم يره ابن القاسم قبضًا، ولا يكون نصفين، ولا (¬4) يضمن أحدهما لصاحبه شيئًا (¬5)؛ لأن خلطهما بإذن منهما وليس بتعد، وإذا ارتفع العداء (¬6) كان كالذي اختلط بأمر من الله وتكون الشركة فيه على القيم (¬7). وإذا اشترك رجلان على أن يخرج أحدهما ألفًا والآخر ألفين والربح بينهما على رأس الأموال، وكذلك إن لحقهما دين بعد أن خسر المال وذهب فيه، فعلى صاحب الألف ثلث الدين، وعلى صاحب الألفين ثلثا الدين. وقيل: على كل واحد ما تداين به بعد تلف رأس المال (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 318. (¬2) في (ف): (وأرى). (¬3) قوله: (بمثل نصف) في (ف): (بنصف). (¬4) قوله: (لا) ساقط من (ت). (¬5) قوله: (شيئًا) ساقط من (ت). (¬6) قوله: (العداء) ساقط من (ت). (¬7) قوله: (القيم) ساقط من (ف). (¬8) قوله: (وإذا اشترك رجلان. . . رأس المال) ساقط من (ت).

باب في عقد الشركة هل يلزم الوفاء به؟

باب في عقد الشركة هل (¬1) يلزم الوفاء به؟ وإذا كانت الشركة بأن أخرجا دنانير ودراهم ليشتريا بها (¬2) سلعة بعينها لا يقدر أحدهما على شرائها بماله بانفراده، لم يكن لأحدهما الرجوع عن ذلك؛ لأنهما أوجبا أمرًا جائزًا يتعلق به حق لمن طلب الوفاء به، وإن كان يقدر كل واحد بانفراده على شرائها (¬3) وكان شراء الجملة أرخص فكذلك. وإن كان الشراء في الجملة وعلى الانفراد سواء، جرت على القولين فيمن اشترط شرطًا جائزًا لا يفيد، فاختلف هل يلزم الوفاء به أم لا؟. وإن كانت الشركة ليتجرا في شيء بعينه وما لا أمد لانقضائه، كان لكل واحد منهما الرجوع عن ذلك، وتكون له دنانيره وإن كان لها فضل؛ لأنه إنما رضي أن تكون بينهما لمكان التجر في المستقبل، فإذا لم يصح له (¬4) كان له دنانيره. وكذلك (¬5) إذا أخرج أحدهما دنانير والآخر دراهم -على قول من أجاز ذلك- ثم بدا لأحدهما، فيكون له ما كان أخرجه؛ لأنه لم يكن له غرض في الصرف إلا (¬6) لمكان الشركة والتجر في المستقبل. ويجري فيها قول آخر: أنه تلزم الشركة لأول نضّة، قياسًا على أحد قولي مالك فيمن عقد الكراء مشاهرة؛ ¬

_ (¬1) في (ت): (وهل). (¬2) قوله: (ليشتريا بها) في (ت): (يشتريان). (¬3) قوله: (بماله بانفراده. . . على شرائها) زيادة من (ت). (¬4) قوله: (له) ساقط من (ف) وفي (ر): (به). (¬5) قوله: (وكذلك) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (إلا) ساقط من (ف).

أنه يلزم (¬1) أول الشهر (¬2). وإن كانت الشركة في سلع أخرج كل واحد منهما سلعة، كانت الشركة على ثلاثة أوجه: فإن كان القصد بيع نصف إحداهما (¬3) بنصف الأخرى لا أكثر من ذلك، كانت لازمة لا رجوع لأحدهما (¬4) عنها، ومن دعا منهما إلى المفاصلة والبيع كان ذلك له. وإن كان قصدهما التربص بها لما يرجى من حوالة الأسواق لموسم يرجى وما أشبه ذلك -وذلك القصد لو لم تكن شركة- كان القول قول من دعا إلى تأخير المفاصلة إلى الوقت المعتاد ويصير حكمهما فيها (¬5) حكم القراض، أنه لا يمكَّن أحدهما من بيعه قبل الأوان الذي يؤخر إليه، إلا أن يكون مما ينقسم (¬6) من غير نقص ولا مضرة فيقسم بينهما، وهذا في الشريكين. وإن كان القصد تمادي التجر بأثمانها (¬7) كان القول قول من دعا إلى ترك التجر بأثمانها (¬8) في المستقبل على أحد قولي مالك في الكراء، ويكون لمن أحب التماديَ الخيارُ في نقض الشركة في العرضين (¬9) دون من أحب ألا يتمادى فيها؛ لأن مقال من أحب التماديَ أن يقول: لم أقصد باخراج عرضي (¬10) والشركة فيه إلا لمكان ما ¬

_ (¬1) قوله: (يلزم) في (ت): (يلزمه). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 518. (¬3) في (ت): (أحدهما). (¬4) قوله: (لأحدهما) زيادة من (ت). (¬5) في (ت): (فيه). (¬6) قوله: (مما ينقسم) في (ر): (الذي لا ينقسم). (¬7) في (ف): (بأثمانهما). (¬8) قوله: (بأثمانها) ساقط من (ف). (¬9) في (ت): (القرضين). (¬10) في (ر): (عرض).

نرجو من التجر في المستقبل، ولولا ذلك لم أشاركك (¬1) فيه (¬2)، فإذا لم تمكني من الوجه الذي (¬3) شاركتك له عدت في عرضي، ولا مقال في ذلك لمن كره التمادي؛ لأن الآخر يقول: قد ملكت عليك نصف عرضك ومكّنتك من الوجه الذي قصدت الشركة لأجله. ولو أخرجا دنانير ثم سافر أحدهما بالمال، لزمت الشركة، وليس للحاضر أن يوكل من يأخذ ذلك منه بعد أن خرج الآخر لأجله، وليس للذي سافر بالمال أن يترك الشركة ويوقف له ماله هناك، ولو سافرا جميعًا وكان السفر لأجل التعاون بالمالين وإنما يتجران فيما لا يقدر أحدهما أن يتجر فيه على الانفراد، لكان القول قول من دعا إلى التمادي لأول نضة. واختلف في الشركة في الحرث إذا أراد (¬4) أحدهما النزوع (¬5) قبل الحرث. قال ابن القاسم في كتاب محمد: ذلك له. وقال سحنون: ليس ذلك له. وإن كانا قد بذرا، لم يكن لواحد منهما النزوع قولًا واحدًا؛ لأنه لا (¬6) تجوز قسمته، بذر من الأرض أو لم يبذر. وقال ابن حبيب: إن ذهب السيل بذلك الزرع لم يجبر أحدهما على أن يعيد بذرًا آخر. وإن هلك ثور أحدهما أو غلامه أو بعض الأداة جبر الآبي منهما، وإن ذهب البذر قبل أن يزرعا أو بذر أحدهما، لم يجبر الآبي منهما (¬7). وقول سحنون أبين، وهو الأصل في الشركة في المعينات، هذا إذا اشتركا ليعملا بطنًا واحدًا، وإن كان ليعملا في المستقبل ولم يسمّيا، لزم أول بطن على أحد القولين. ¬

_ (¬1) في (ر): (نشاركك). (¬2) قوله: (فيه) ساقط من (ت). (¬3) بعدها في (ت): (إذا). (¬4) في (ت): (كان). (¬5) في (ر): (النزع). (¬6) قوله: (لا) ساقط من (ت). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 372.

باب في نفقة أحد الشريكين [ونفقة العيال]

باب في نفقة أحد الشريكين [ونفقة العيال] وإذا كان الشريكان (¬1) لا عيال لهما، أو لهما عيال سواء، أو بينهما الشيء اليسير كانت النفقة والكسوة ملغاة، وسواء كانا في بلدين أو في بلد واحد (¬2) اتفق سعرهما أو اختلف، هذا هو الظاهر من المذهب. والقياس: إذا كان البلدان قرارًا لهما أيحاسب من كان في البلد الغالي بما بين السعرين؟ فإن لم يكن واحد منهما في قراره لم يحسبا ما بين السعرين، وإن كان أحدهما في قراره وهو أغلاهما سعرًا حوسب بما بين السعرين (¬3)، وإن كان الآخر أغلاهما لم يحاسب بذلك الفضل؛ لأنه خرج من سبب المال ولتنميته، وقد كان في مندوحة عن الإنفاق من ذلك الغلاء، فإذا كان كل واحد في قراره، أو كان أغلاهما من هو في قراره دون من خرج لسبب المال، كان من حق أقلهما سعرًا أن يحسب (¬4)؛ لأن الأصل أن نفقة كل واحد من الشريكين على نفسه وعياله مما (¬5) يخصه، وما سواه (¬6) فهو للعادة، فإن كانت العادة الإنفاق من الأوسط (¬7)، جاز ذلك على أصل ما تجوز عليه الشركة، وهي المساواة في الانتفاع، وأن يكون الربح على قدر رؤوس الأموال، فإذا تراضيا على أن يأخذ أحدهما من الربح أكثر من الآخر لم يجز، وكل ¬

_ (¬1) زاد بعدها في (ف): (أحد الشريكين). (¬2) قوله: (واحد) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (وإن كان. . . بين السعرين) ساقط من (ت). (¬4) في (ر): (يحتسب). (¬5) في (ر): (ما). (¬6) في (ف): (سوى ذلك). (¬7) في (ف): (الوسط).

موضع تلغى فيه النفقة فإنه تلغى فيه الكسوة إذا كانت مما تبتذل. وإن تساوى العيال في العدد وتباينوا في السن تحاسبوا (¬1) بفضل ذلك كتباين اختلاف العدد. وإن كانت مما لا تبتذل واشتريت من مال الشركة، كان ربحها داخلًا في المال وخسارتها على مشتريها ويحاسب بما (¬2) وزن فيها، وإن علم لذلك قبل دفع الثمن، كان (¬3) الشريك الآخر بالخيار بين أن يردها للشركة أو يمضيها (¬4) له خاصة ويمنعه من وزن ثمنها من مال الشركة، إلا أن يسقط من نصيبه من المال قدرها. وإن غاب المشتري وطلب البائع الشريك الآخر بالثمن، لم يكن ذلك له. وإن قال مشتريها: اشتريتها (¬5) على غير مال الشركة لاستقراض الثمن أو لأخذه من الشركة وتسقط الشركة فيما ينوب ثمنها، كان ذلك له ولم يكن للآخر من ربحها شيء. وإن اختلف رأس المال فكان لأحدهما الثلثان وللآخر الثلث وتساوى العيال، لم ينفق صاحب الثلث من المال إلا بقدر جزئه، ولم يجز أن ينفق بقدر عياله ليحاسب بذلك في المستقبل؛ لأنه لا (¬6) يأخذ من المال أكثر مما أخذ صاحبه. ¬

_ (¬1) في (ف): (تحاسبا). (¬2) في (ت): (على ما). (¬3) قوله: (الثمن، كان) في (ف): (الشريكان). (¬4) في (ت): (يضمنها). (¬5) في (ت): (اشتريته). (¬6) قوله: (لا) ساقط من (ف).

باب في اختلاف المتفاوضين والشريكين والشهادة في ذلكـ

باب في اختلاف المتفاوضين والشريكين والشهادة في ذلكـ ومن "المدونة" قال ابن القاسم فيمن أقام (¬1) البينة على رجل أنه مفاوضه (¬2): كان جميع ما في يدي (¬3) الذي قامت عليه البينة بينهما، إلا ما أقام البينة عليه أنه ورثه أو وهب له أو كان له قبل المفاوضة، وأنه لم يفاوض عليه (¬4). وهذا إذا أنكر الآخر المفاوضة (¬5). ولو أقر واختلفا في الأجزاء، فقال أحدهما: نصفين. وقال الآخر: لك الثلث ولي الثلثان؛ لاقتسما السدس على أصله نصفين؛ لأن المفاوضة تقتضي كون أيديهما على جميع أملاكهما وتصرف كل واحد منهما فيه مع إمكان أن يكون ذلك نصفين أو الثلث أو (¬6) الثلثين، ولأنهما لو تفاوضا في جميع أملاكهما (¬7) على مثل ذلك من اختلاف الجزء، لقيل: هما متفاوضان، إلا أن يكون قوم لا يوقعان (¬8) المفاوضة إلا على ما استوت أجزاؤه. ¬

_ (¬1) في (ر): (أقال). (¬2) قوله: (أنه مفاوضه) في (ت): (بنية أنه مفاوض). (¬3) في (ح، ت): (يد). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 616. (¬5) قوله: (وأنه لم يفاوض عليه وهذا إذا أنكر الآخر المفاوضة) ساقط من (ت). (¬6) في (ر): (و). (¬7) في (ت): (أموالهما). (¬8) في (ف): (يوافقان).

ولو أقام رجل البينة على رجل أنه شريكه، لم يقض بالشركة في جميع أملاكهما (¬1)؛ لأن ذلك يقع على بعض المال وعلى جميعه. ومن كتاب ابن (¬2) سحنون: ومن أقر أنه شريك فلان في القليل والكثير، كانا كالمتفاوضين في كل ما في أيديهما، إلا أنه لا يجوز إقرار أحدهما على الآخر بالدين ولا بالوديعة ولم يتقاررا أنهما شريكان في التجارة، كان ما بأيديهما من التجارات بينهما، ولا يدخل في ذلك مسكن ولا خادم ولا طعام. وإن قال أحدهما: هذا الذي في يدي ليس من الشركة إنما أصبته من ميراث أو جائزة أو هو بضاعة لرجل أو وديعة، صدق مع يمينه، إلا أن يقيم الآخر بينة أنه من الشركة، أو أنه كان في يديه يوم أقر، فإن أقر أنه كان في يديه يوم أقر بالشركة، كان بينهما؛ لأن (¬3) العين من التجارة، ولو كان بيده متاع من متاع التجارة، وقال: ليس هو منها ولم يزل في يدي قبل الشركة، كان بينهما ولم يصدق (¬4). قال: وإن قال: فلان شريكي ولم يزد، ثم قال: إنما عنيت في هذه الدار أو الخادم، صدق مع يمينه. وإن قال: شريكي في متاع كذا، صدق. وإن قال: في كل (¬5) تجارة، وقال الآخر: فيما بين يديك (¬6) ولست شريكي فيما في يدي صدق مع يمينه. وإن قال في حانوت في يديه: فلان شريكي فيما فيه (¬7)، ثم أدخل فيه ¬

_ (¬1) في (ت): (أموالهما). (¬2) قوله: (ابن) ساقط من (ف). (¬3) في (ر): (إلا أن). (¬4) انظر النودار والزيادات: 9/ 311. (¬5) قوله: (كل) ساقط من (ت). (¬6) في (ر): (يديه). (¬7) في (ر): (في يديه).

عدلين رضيا (¬1)، فقال: ليس هو من الشركة، وقال الآخر: قد كان في الحانوت يوم إقراره، كان القول قول من قال (¬2) إنه كان فيه، إلا أن يقيم الآخر البينة أنه لم يكن فيه يومئذ (¬3). قال: وقال سحنون أيضًا وأشهب: لا يكون بينهما ويصدق من قال أنه قال (¬4) أدخله بعد الإقرار؛ لأن ما في الحانوت غيرُ معلوم (¬5). ¬

_ (¬1) قوله: (عدلين رضيا) في (ف): (عدلا رطبًا). (¬2) في (ت): (قوله). (¬3) قوله: (يومئذ) ساقط من (ت)، وانظر: النوادر والزيادات: 9/ 312. (¬4) قوله: (أنه قال) ساقط من (ف). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 312.

باب في مقاسمة أحد الشريكين مال الشركة بغير رضا شريكه

باب في مقاسمة أحد الشريكين مال الشركة بغير رضا شريكه وإذا سافر أحد الشريكين بمال من شركتهما فلما بلغ البلد قسم ذلك الربح (¬1) واشترى لنفسه ولشريكه على الانفراد، فهلك أحد المالين أو سلما واختلف الربح، كان للمقيم أحسن ذلك وأفضله، فإن كانت الخسارة أو الضياع فيما جعله لنفسه (¬2)، كان منه خاصة وكان للآخر (¬3) السالم بربحه؛ لأنه لا يختار إلا إجازة القسمة. وإن كانت الخسارة أو الضياع في نصيب المقيم كان النصيب السالم بربحه بينهما وتلف الآخر وخسارته منهما (¬4) ولا يضمن للمقيم من ذلك شيئًا (¬5)؛ لأنه لم يتعد (¬6) إلا في النية خاصة في قوله: هذا لي وهذا لصاحبي، والنية في هذا لا توجب ضمانًا، وإنما يضمن لو رفع يده عن نصيب صاحبه وجعل يد غيره عليه. ولو كان الشركاء ثلاثة لكل واحد مائة دينار، فسافر اثنان منهم بجميع المال، ثم اقتسماه في سفرهما نصفين، ثم تجرا وربح أحدهما وخسر الآخر، كان الجواب على ما تقدم: له ثلث ما في يد هذا على خسارته وثلث ما في يد الآخر بربحه، ولا يرجع من خسر على من ربح بشيء؛ لأن مقاسمتها على أنفسهما ¬

_ (¬1) قوله: (الربح) ساقط من (ت). (¬2) في (ف): (لخاصته). (¬3) في (ر): (الآخر). (¬4) في (ت): (بينهما). (¬5) قوله: (شيئًا) ساقط من (ف). (¬6) في (ف): (ينعقد).

جائزة وعلى الغائب غير جائزة، وحكمها (¬1) على الغائب بمنزلتهما لو تجر كل واحد منهما بنصف المال على أن الشركة قائمة بين جميعهم، ويكون كل واحد (¬2) منهما بنصف المال على الشركة، فإنه بين جميعهم، ولا يكون واحد منهما (¬3) متعديًا برفع يده عن الذي بيد صاحبه بخلاف الوصيين؛ لأن لأحد الشريكين أن يشتري بانفراده من غير مطالعة صاحبه، وإذا كان ذلك كان التعدي في النية ويكون معهما بمنزلة من لم يقسم فله (¬4) ثلثا (¬5) الجميع على الشياع (¬6) وذلك يؤدي إلى أن يأخذ ثلث ما في يد كل واحد، إلا أن يكون قدم إليهما المقيم ألا يقسما فيضمن التلف دون الخسارة؛ لأنهما يبقيان في الاشتراء على الأصل أن كل واحد منهما يشتري بغير محضر الآخر ما رآه صوابا، ويكون ذلك تحت أيديهما، إلا أن يكون الاشتراط ألا يشتري أحدهما بغير اجتماع من رأي صاحبه فيضمن الخسارة، وله أن يأخذ بما يجب له عن (¬7) الضياع أو الخسارة أيُّهما أحب، فيضمن من لم يضع ذلك عنده ومن لم يتول الشراء خسارة ما اشتراه (¬8) صاحبه؛ لأنه متعد (¬9) في رفع يده عنه، ويضمن ذلك من كان عنده؛ لأنه متعد في انفراده في النظر فيه. ¬

_ (¬1) في (ح، ت): (حكمهما). (¬2) قوله: (كل واحد) في (ف): (واحدًا). (¬3) قوله: (منهما بنصف المال. . . واحدة منهما) ساقط من (ت). (¬4) في (ت): (فيكون له). (¬5) في (ف): (ثلث). (¬6) في (ر): (المشاع). (¬7) قوله: (يأخذ بما يجب له عن) في (ت): (يأخذه بما أحب له من). (¬8) في (ت): (اشترى). (¬9) قوله: (لأنه متعد) في (ت): (لا متعدي).

واختلف فيما يكون له من الربح في يد الآخر، فقيل: يكون (¬1) له ثلث ذلك. وقيل: نصفه. والأول أحسن، وإنما له ما (¬2) في يد كل واحد منهما نصفها. وقال ابن القاسم في أحد المتفاوضين يشتري شراء فاسدًا، قال: ذلك لازم لشريكه، وليس كل الناس فقهاء يعرفون ما يشترون وما يبيعون، وإذا فات (¬3) كانت القيمة على الشريكين جميعًا (¬4). ¬

_ (¬1) قوله: (يكون) ساقط من (ف). (¬2) في (ف): (مائة). (¬3) في (ر): (فاتت). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 616.

باب في مشاركة الحر العبد والمسلم النصراني والرجل المرأة

باب في مشاركة الحر العبد والمسلم النصراني والرجل المرأة قال ابن القاسم: ولا بأس بمفاوضة الحر العبد ومشاركته إذا كان مأذونًا له في التجارة (¬1). قال الشيخ -رحمه الله-: فإن لم يكن مأذونًا له في التجارة (¬2) وكان العبد المتوليَ للبيع (¬3) والشراء، لم يكن على الحر في ذلك مطالبته إن هلك المال أو خسر فيه، وكذلك إن توليا جميعًا الشراء ووزن كل واحد منهما ما ينوبه وأغلقا عليها (¬4) ولم ينفرد الحر بها، وإن كان الحر هو المتولي لذلك ضمن رأس المال إن هلك أو خسر. ولا ينبغي مشاركة النصراني لعمله بالربا واستحلاله ما حرم علينا، إلا ألا (¬5) يغيب النصراني على شيء من (¬6) ذلك، فإن فعل استحب للمسلم أن يتصدق بنصيبه من الربح، لإمكان أن يكون عمل بالربا، وإن شك هل تجر به في الخمر؟ استحب له أن يتصدق بالجميع، وإن علم أنه سلم من ذلك، لم يكن عليه شيء. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 660. (¬2) قوله: (قال الشيخ. . . في التجارة) ساقط من (ت). (¬3) في (ر): (البيع). (¬4) قوله: (وأغلقا عليها) في (ف): (واختلفا)، وفي (ر): (وأغلقا عليه). (¬5) قوله: (لا) ساقط من (ر). (¬6) في (ف): (عن).

قال ابن القاسم: ولا بأس بشركة الرجل المرأة (¬1). يريد (¬2) إذا كانت متجالة أو شابة ولا تباشره في تلك المتاجر (¬3)؛ لأن كثرة محادثة الشابة للرجل تبقي فيه الفتنة، فإن كان بينها وبينه واسطة فلا بأس في ذلك (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 617. (¬2) في (ف): (بذلك). (¬3) في (ت): (التجارة). (¬4) قوله: (في ذلك) ساقط من (ت).

باب في وطء أحد الشريكين جارية من الشركة وإذا اشترى من المال جارية لنفسه

باب في وطء أحد الشريكين جارية من الشركة وإذا اشترى من المال جارية لنفسه ولا يجوز لأحد الشريكين أن يطأ جارية من الشركة، ولا أن يشتري جارية (¬1) من المال ليطأها (¬2)، أذن الشريك له في ذلك أم لم يأذن (¬3)، فإن فعل ووطئ جارية من الشركة بغير إذن شريكه، كان الذي لم يطأ بالخيار بين أن يضمّنه قيمتها أو يقاوله فيها. واختلف هل يردها في الشركة؟ وإن اشتراها لنفسه فأدرك قبل أن يمسها، كان بالخيار بين أن يمضيها (¬4) له بالثمن الذي اشتراها به، أو يردها في الشركة. وإن لم يعلم حتى أصابها، كان بالخيار (¬5) بين أن يمضيها له بالثمن، أو يضمنها (¬6) له بالقيمة، أو يقاويه فيها. واختلف هل يردها في الشركة؟ فمنع ذلك ابن القاسم في "المدونة" وأجازه غيره (¬7). وأرى إن كان فعل الشريك ذلك جهلًا يظن أن ذلك يجوز له ¬

_ (¬1) قوله: (جارية) ساقط من (ت). (¬2) في (ت): (ليطأ). (¬3) قوله: (لم يأذن) في (ت): (لا). (¬4) في (ت): (يضمنها). (¬5) قوله: (كان بالخيار) ساقط من (ف). (¬6) في (ف): (يمضيها). (¬7) انظر: المدونة: 3/ 618، ونص كلامه في المدونة: "قلت: فإن قال: الشريك لا أقاومه ولا أنفذها له، ولكني أرد الجارية في الشركة؟ قال: ليس ذلك له؛ لأن مالكا قال يتقاومانها. قال سحنون: وقد قال غيره: ذلك له".

لمكان الشركة ولو علم بتحريم ذلك لم يفعل، جاز بقاؤها تحمت أيديهما، فإن أتى ذلك عالمًا، لم يجز بقاؤها تحت أيديهما وحازها عنه الشريك الآخر إذا كان مأمونًا وله أهل، وإلا جعلت على يد عدل حتى تباع. وقد قال ابن القاسم في "كتاب المدنيين" فيمن وطئ أخته من الرضاعة بملك اليمين: أنها تباع عليه إذا كان عالمًا، وإن كان جاهلًا يظن أن ذلك يجوز له ولا يتهم في حاله إلى العودة لمثل ذلك، لم تبع عليه (¬1). وأجاز في كتاب محمد (¬2) الاستبراء فيمن جمع بين (¬3) أختين في الوطء بملك اليمين (¬4)، ثم عادت إليه إحداهما بعد البيع قبل أن يطأ الباقية عنده، أن يجتمعا في ملكه (¬5). ومحمل هذا على أن فعله الأول كان على وجه الجهل. وكذلك الذي يصيب زوجته بعد الإحرام وهو عالم بتحريم ذلك، فرق بينهما عند الإحرام الثاني، وإن كان جاهلًا ولو علم بتحريم ذلك لم يصب، لم (¬6) يفرق بينهما. ولو اشترى أحد الشريكين جارية للتجارة وليصِيبَها وكان اشتراءُ (¬7) مثلها للتجارة (¬8) حسنَ نظر وعلم بذلك قبل أن يصيبها -لم يضمن الثمن الذي ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 203. (¬2) قوله: (محمد) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (بين) ساقط من (ت). (¬4) قوله: (بملك اليمين) زيادة من (ت). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 513. (¬6) في (ت): (ولم). (¬7) في (ت): (اشترى). (¬8) قوله: (للتجارة) زيادة من (ت).

اشتُرَيتْ (¬1) به وكانت شركة بينهما، وإذا كانت إصابة أحد الشريكين بإذن شريكه، لزمته القيمة (¬2)، حملت أو لم تحمل (¬3)؛ لأنه تحليل. وإن اشتراها بإذن شريكه، ردت إلى الشركة وحيل بين مشتريها وبين إصابتها ولم يلزمه غرم ما اشتراها به (¬4)؛ لأن مقتضى الإذن أن تكون على ملكهما، وإن بيدت بربح أو خسارة، كان ذلك لهما وعليهما، وإن لم يعلم حتى وطئ، كانت عليه بالقيمة من غير خيار لواحد منهما، وعلى هذا يجري الجواب إذا فعلا ذلك جميعًا، فإن كان فعله بغير علم من شريكه، خوطب كل واحد منهما بمثل ما تقدم إذا كان الفعل من واحد، وإن كان بعلم صاحبه وبإذنه بمثل ما تقدم (¬5) إذا كان الإذن من واحد والفعل من الآخر وحده. ¬

_ (¬1) في (ت): (اشتراها). (¬2) في (ف): (بالقيمة). (¬3) قوله: (أو لم تحمل) في (ت): (أم لا). (¬4) قوله: (به) ساقط من (ت). (¬5) قوله: (إذا كان الفعل من واحد. . . بمثل ما تقدم) ساقط من (ر).

باب في أحد الشريكين يستدين أو يبيع بالدين أو يؤخر به أو يضع منه أو يهب أو يعير أو يستعير أو يودع أو يودع أو يؤاجر نفسه أو يعمل بقراض أو يتحمل أو يبضع وكيف إن مات المبضع قبل أن يشتري المبعوث معه المال

باب في أحد الشريكين يستدين أو يبيع بالدين (¬1) أو يؤخر به (¬2) أو يضع منه أو يهب أو يعير أو يستعير أو يودِع أو يودَع (¬3) أو يؤاجر نفسه أو يعمل بقراض أو يتحمل (¬4) أو يبضع وكيف إن مات المبضع قبل أن يشتري المبعوث معه المال (¬5) ويجوز (¬6) لأحد الشريكين أن يشتري بما (¬7) لم ينضّ معه ثمنه إذا كان الشراء على النقد لينقد بعد اليومين والثلاثة، وهذا مما لابد للناس منه، ولا يشتري بثمن مؤجل، فإن فعل وكان ذلك بغير إذن شريكه، كان الشريك بالخيار بين القبول أو الرد، ويكون الثمن عليه خاصة، وإن كان ذلك بإذن شريكه في سلعة بعينها، جاز الشراء على مثل (¬8) ذلك. وإن كان شيئًا بغير عينه، لم يجز ذلك ابتداء، فإن فعل كان المشترى شركة بينهما على المستحسن من القولين في الشركة على الذمم، ولا يجوز أن يعقدا (¬9) الشركة على ما بأيديهما وعلى (¬10) أن ¬

_ (¬1) زاد بعده في (ر): (أو يشارك). (¬2) قوله: (به) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (إذا كان الفعل. . . أو يودَع) ساقط من (ت). (¬4) قوله: (يتحمل) في (ر): (يتحل). (¬5) قوله: (أو يبضع. . . المبعوث معه المال) ساقط من (ف)، (ت). (¬6) في (ت): (ولا يجوز). (¬7) في (ت): (بمال). (¬8) قوله: (على مثل) زيادة من (ت). (¬9) في (ت): (يعقد). (¬10) في (ت): (ولا).

فصل [في تأخير أحد الشريكين على وجه المعروف]

يشتريا بأكثر منه، فإن فعلا كان ما اشتريا شركة بينهما. واختلف في بيع أحدهما بالدين، فأجازه ابن القاسم في "المدونة" (¬1)، وروى عنه أصبغ أنه قال: لا يجوز (¬2). والأول أحسن؛ لأن كل ذلك من نحو ما دخلا عليه من التجارة وتنمية المال. فصل [في تأخير أحد الشريكين على وجه المعروف] وتأخير أحد الشريكين على وجه المعروف لا يجوز، ولشريكه (¬3) أن يرد التأخير في نصيبه من ذلك الدين، وأما نصيب صاحبه، فإن كان لا ضرر عليهما في قسمة الدين حينئذ؛ مضى التأخير في نصيب من أخّر، وإن كان عليهما في ذلك ضرر وقال من أخر: لم أظن أن ذلك يفسد (¬4) عليّ شيئًا من الشركة، رد جميع ذلك، فإن لم يعلم بتأخيره حتى حل الأجل، لم يكن على من أخر في ذلك مقال. فإن أعسر الغريم بعد التأخير (¬5)، ضمن الشريك لشريكه نصيبه منه, وإن كان تأخيره إرادة الاستيلاف، جاز ذلك على شريكه، ولا ضمان على من أخّر إن أعسر الغريم بعد ذلك، إلا أن يكون الغريم ممن يخشى عُدْمُه والعجز عن الأداء، فيرد في التأخير ويعجل جميع الحق، وإن لم يردّ حتى أعسر، ضمن الشريك إذا كان عالمًا بذلك. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 617. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 12/ 39. (¬3) في (ف): (لشريكه). (¬4) قوله: (لم أظن أن ذلك يفسد) في (ر): (أظن أن ذلك لم يفسد). (¬5) قوله: (بعد التأخير) زيادة من (ت).

فصل [في ما تجوز إعارته من الشريكين]

وقد قيل: لا يجوز التأخير إرادة الاستيلاف؛ لأنه من باب سلف بزيادة (¬1). والأول أحسن، وليس هذا داخلا في معنى الحديث في النهي؛ لأن هذا إنما يرجو حسن المعاملة من سائر الناس وقد يعامله هذا الغريم أو لا يعامله. وإن وضع أحد الشريكين، كان الجواب على ما تقدم في التأخير، فلا يجوز على وجه التأخير (¬2) المعروف، ثم ينظر هل يمضي نصيب الذي وضع من ذلك؟ ويجوز إن أراد الاستيلاف، إلا أن يكثر فيما حط فيرد الزائد على ما يراد به الاستيلاف. فصل [في ما تجوز إعارته من الشريكين] ويجوز لأحد الشريكين أن يعير الشيء الخفيف (¬3) كالماعون وما أشبهه مما العادة أن الشريك يفعله بغير إذن شريكه (¬4)، وكالدابة لمن يقضي عليها حاجة ليس ليسافر (¬5) بها، ولا يجوز فيما كثر إلا أن يكون ذلك لمن عادته مبايعته (¬6) فيرجع إلى الاستيلاف أو لمن يخشى (¬7) رده. وأما استعارته، فهي على ثلاثة أوجه: تجوز فيما لا يغاب عليه؛ لأنه غير ¬

_ (¬1) زاد بعدها في (ف): (أراد به). (¬2) قوله: (التأخير) ساقط من (ف). (¬3) في (ت): (اليسير). (¬4) قوله: (شريكه) ساقط من (ت). (¬5) في (ت): (يسافر). (¬6) في (ت): (مبايعة). (¬7) في (ر): (إن لم يخش).

مضمون. وفيما (¬1) يغاب عليه إذا كان لا خطب له. ويمنع مما (¬2) يغاب عليه وله خطب (¬3). قال ابن القاسم: فإن استعار كان ضمان ذلك على (¬4) المستعير دون شريكه؛ لأن شريكه يقول: أنا لم (¬5) آمرك بالعارية ولو (¬6) استأجرت لم أضمن، وقد يستعير الدابة والسفينة قيمتها مائة دينار وكراؤها دينار وهذا يدخل على صاحبه الضرر (¬7). ومحمل قول ابن القاسم في ذكر الدابة والسفينة قدر القيم (¬8)، ليس لأنها مضمونة أو يكون مذهب الحاكم بالموضع تضمينَ العواري. وإن كانت مما لا يغاب عليها، فإن كان الحاكم ممن لا يرى التضمن فعزل قبل النظر في ذلك وولي غيره فضمنه، لكان الضمان عليهما. وإن كان مذهب الحاكم الأولِ التضمينَ والمستعير يجهل ذلك، لكان الضمان عليهما على اختلاف فيه (¬9). قال ابن القاسم: وليس (¬10) كل الناس فقهاء (¬11). ¬

_ (¬1) بعدها في (ر): (لا). (¬2) زاد بعدها في (ف): (كان). (¬3) قوله: (خطبه) زيادة من (ت). (¬4) في (ف): (من). (¬5) قوله: (لم) زيادة من (ت). (¬6) في (ت): (ولم). (¬7) انظر: المدونة: 3/ 623. (¬8) انظر: المدونة: (3/ 623). ونص كلامه في المدونة: "قال ابن القاسم: لأن الرجل يستعير الدابة قيمتها مائة دينار، والسفينة قيمتها أيضًا كذلك، وهو لو تكاراها، كان كراؤها دينارا فهذا يدخل على صاحبه الضرر، فلا يجوز ذلك على صاحبه". (¬9) قوله: (اختلاف فيه) في (ف): (الاختلاف). (¬10) قوله: (وليس) زيادة من (ت). (¬11) انظر: المدونة: 3/ 616.

وقد اختلف في تضمين من وكَّل على شيء فاجتهد فأخطأ هل يضمن؟ فهو في هذا أعذر، والغالب اليوم أن الناس يرغبون في العارية لئلا يؤدوا أجرة، ويحملون الأمر في الضياع على السلامة وأنه من النادر. وأرى أن يكون الضمان عليه وعلى شريكه وإن كانت مما يعاب عليه، وإذا استعار أحد الشريكين دابة فحمل عليها الشريك الآخر (¬1). ¬

_ (¬1) هكذا في النسخ، والكلام لم يكتمل معنى. والله أعلم.

باب في أحد الشريكين يودع أو يودع أو يشارك أو يعطي قراضا أو يأخذه أو يبضع وكيف إن مات المبضع قبل أن يشتري المبعوث معه بالمال

باب في أحد الشريكين يودِع أو يودَع أو يشارك أو يعطي قراضًا أو يأخذه أو يبضع وكيف إن مات المبضع قبل أن يشتري المبعوث معه بالمال (¬1) ولا يجوز لأحد الشريكين أن يستودع شيئًا من مال الشركة إلا لعذر (¬2)، وكذلك أحد المتفاوضين، وله أن يقبل الوديعة اختيارًا من غير عذر، فإن مات المودع ولم توجد الوديعة، كانت في ذمته وحده شريكًا كان أو مفاوضًا، فأما الشريك فلإمكان أن يكون فيما يخصه من المال الذي لم يشارك فيه، ولأن أمره فيها متردد بين ثلاثة أو جه: الضياع، أو إدخالها فيما يختص به، أو فيما يشتركانه. فكان إدخالها (¬3) فيما يخصه أو لى، ولا يغرم الآخر بالشك، ولا يحمل على التلف؛ لأن الغالب التصرف فيها إذا كانت عينا، ذهبًا (¬4) أو فضة. وقال ابن القاسم في المتفاوضين مثل ذلك أن الوديعة في نصيب المستودع خاصة (¬5). ولو قيل في المتفاوضين: إنها في نصيبهما جميعًا لكان مذهبًا؛ لأنه على أحد أمرين: إما أن يكون أدخلها في المفاوضة، أو أنفقها (¬6)، وأي ذلك كان فإن له أن يرجع بها في جميع المال؛ لأن الإنفاق يجب من جميع المال، فإذا أنفق من ¬

_ (¬1) قوله: (باب: في أحد. . . بالمال) في (ف) (فصل). (¬2) في (ت): (بعذر). (¬3) قوله: (فيما يختص. . . إدخالها) ساقط من (ت). (¬4) زاد بعدها في (ف): (كانت). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 622. (¬6) في (ر): (أبقاها).

فصل [في ما إذا تجر المودع في وديعة لنفسه]

غيره كان العوض عنها من جميع المال، وقد يحمل قوله على أن لأحدهما مالًا لم يتفاوضا فيه. فصل [في ما إذا تجر المودع في وديعة لنفسه] وإن تجر المودع في وديعة لنفسه، لم يدخل شريكه في ربحها، وإن نوى أن يكون تجره فيها لهما، كان لشريكه نصيبه من الربح؛ لأنه لا يختار إلا الإجازة، ولا شيء عليه من الوضيعة؛ لأنه لا يرضى بإجازة تجره لهما. وإن تجر فيها برضا شريكه، كان فيها قولان: فقال ابن القاسم: الربح بينهما والوضيعة عليهما وإن لم يعمل معه. وقال غيره: إن عمل كان ضامنًا ولا شيء له من الربح وله على شريكه الأجرة، وإن رضي ولم يعمل لم يضمن وله الربح يأخذه ما لم يفت العامل بالوديعة أو يفلس، قال: بمنزلة من قال لرجل لك نصف ما أربح في هذه السلعة (¬1). فجعله ابن القاسم سلفًا صحيحًا لما تقدمت الشركة وانعقدت (¬2) بوجه صحيح استخف أن يسلف أحدهما الآخر ليتجرا (¬3) جميعًا. وقد أجاز مالك أن يخرج أحد (¬4) الشريكين مائتي دينار والآخر مائة ليتجرا فيها نصفين إذا كان ذلك من صاحب المائتين لصداقة بينهما أو (¬5) معروف. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 622، 623. (¬2) في (ر): (والعقد). (¬3) في (ت): (فيتجرا). (¬4) قوله: (أحد) زيادة من (ت). (¬5) في (ر): (و).

وكذلك إذا تقدم الشركة استخف مثل ذلك، وأجرى غيره الجواب فيها (¬1) بمنزلتهما لو لم يشتركا أنه لا يجوز لأحدهما أن يخرج مالًا فيسلف نصفه ليكونا شريكين فيه؛ لأن السلف في الوديعة والمنع بيد (¬2) المودع فهو المسلف (¬3) لصاحبه، فإن كان ربح، كان للموح وعليه الأجرة كما تقدم في أو ل الكتاب إذا أخرج أحدهما مائتين والآخر مائة، وإن كان فيها خسارة، كان الضمان على المودع إن كان موسرًا، وإن كان معسرًا ضمن الثاني نصفها؛ لأن السلف (¬4) الأو ل كان لوجه جائز، فمع اليسر لا يضمن الشريك لشريكه شيئًا؛ لأنه أذن له, ومع العسر مقال العامل مع المستحق؛ لأنه لم يأذن له أن يدخل يده فيها، وإذا لم يعمل فيها لم يضمن؛ لأنه كان قراضًا فاسدًا ولم يعمل به، فينبغي ألا يكون له شيء من الربح؛ لأن المودع لم يرض أن يكون له شيء من الربح إلا ليكون الأصل سلفًا عنده ويكون ضامنًا (¬5)، وإذا لم يصح الضمان لم يكن له الربح. وإذا استودع أحد الشريكين فردها المودع على الشريك الآخر برئ إذا صدقه. ويختلف فيه إذا كذبه، فقال ابن القاسم: يضمن (¬6). وعلى قول عبد الملك القول قول الودع أنه ردها إلى شريكه مع يمينه ويبرأ. وإن استودع رجل أحد المتفاوضين أو الشريكين وديعة، لم يكن له أن ¬

_ (¬1) قوله: (وأجرى غيره الجواب فيها) في (ر): (وأبدى غير الجواب فيها بمنزلتهما). (¬2) في (ت): (من قبل). (¬3) في (ت): (السلف). (¬4) قوله: (السلف) في (ر): (سلف). (¬5) قوله: (ولم يعمل. . . ضامنًا) زيادة من (ت). (¬6) انظر: المدونة: 3/ 622.

فصل [في مشاركة أحد الشريكين ثالثا]

يجعلها عند صاحبه، فإن فعل ضمن؛ لأن صاحبها إنما (¬1) رضي أمانة من دفع إليه. فصل [في مشاركة أحد الشريكين ثالثًا] مشاركة أحد الشريكين ثالثًا (¬2)؛ على ثلاثة أو جه: فإن شارك في شيء بعينه، سلعة أو عبدًا أو بدنانير يخرجها من مال الشركة (¬3) فشارك فيها (¬4) آخر ليتجرا في ذلك، جاز. فإن جعله ثالثًا معهما لم يجز، فإن فعل فربح أو خسر أو ضاع المال وكان المتولي للشراء (¬5) أو كان تحت يديه، لم يضمن لشريكه شيئًا (¬6)، وإذا كان الآخر هو المتولي للشراء أو الدفع، ضمن الخسارة والضياع. وكذلك إذا تولى الآخر الشراء وجعله تحت يدي (¬7) الأول؛ لأنها سلعة متعدى (¬8) في شرائها. وإن تولى الأول الشراء وجعل عند الآخرة لم يضمن الأول خسارة ولا ¬

_ (¬1) قوله: (إنما) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (ثالثا) ساقط من (ت). (¬3) في (ر): (الشريك). (¬4) في (ت): (بها). (¬5) في (ر): (الشراء). (¬6) قوله: (شيئًا) زيادة من (ت). (¬7) في (ت): (يد). (¬8) في (ر): (متعد).

فصل [في ما إذا أخذ قراضا فربح]

وضيعة (¬1)؛ لأنه بمنزلة من أودع لعذر. ويجوز لأحد المتفاوضين أن يقارض وأن يبضع من غير مطالعة لصاحبه إذا كان المال واسعًا يحتاج (¬2) فيه إلى مثل ذلك، فإن لم يكن فيه فضل عنهما لم يخرجه عن (¬3) نظره إلا برضا شريكه، أو يكون ذلك في شيء بار عليهما وبلغه عن بلد نفاق ولا يجد إلى (¬4) السفر به سبيلا (¬5) أو يبلغه عن سلع صلاح ببلد فيبعث ما يشبه أن يبعث به من مثل ما بأيديهما، ومثل هذا يعرف عند النزول. فصل [في ما إذا أخذ قراضًا فربح] واختلف إذا أخذ قراضًا فربح، فقال ابن القاسم: الربح له وحده. وقال أشهب: بينهما، قال: وإن أجر نفسه أو تسلف مالًا فربح كان بينهما (¬6). قال ابن حبيب: لأنهما إنما سميا متفاوضين لتفويض كل واحد منهما في النظر والطلب فيما يجرُّ إليهما من منفعة (¬7). وقال أصبغ: الربح له خاصة وللآخر أجرة ما عمل في غيبته إذا حلف أنه لم يعمل على التطوع (¬8). ¬

_ (¬1) في (ف): (ضيعة). (¬2) في (ر): (محتاجا). (¬3) قوله: (عن) في (ر): (من). (¬4) قوله: (إلى) في (ر): (عن). (¬5) قوله: (سبيلا) ساقط من (ت). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 326. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 327. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 326.

وقول ابن القاسم أبين، وإنما تفاوضا في مال وفيما جره ذلك المال ليس في عمل الأيدي ولا الأبدان، وإذا كان ذلك فإنه لا يخلو أن يكون اشتغاله بالعمل في القراض أو الإجارة في وقت لم يتوجه عليه فيه عمل في مال المفاوضة، أو توجه (¬1) فيعمل صاحبه مكانه، أو استأجر مكانه، أو لم يعلم (¬2) الشريك بتركه العمل حتى فسد ما كان حق صاحبه أن يعمله أو نقص سوقه ولم يفسد، فإن لم يتوجه عليه عمل في تلك المدة لم يكن لشريكه فيه مطالبته في ربح ولا أجر، وإن احتيج إلى قيامه بشيء من ذلك فعمله صاحبه كان لصاحبه الأكثر من إجارته فيما عمل أو نصف ما أخذ في القراض، وإن استأجر مكانه رجع عليه بتلك الإجارة (¬3)، وإن لم يعلم الشريك الآخر؛ لأنه كان غائبًا حتى فسد رجع عليه بما ينوبه من قيمة ما فسد، وإن لم يفسد، ولكن (¬4) نزل سوقه، كان عليه ما ينوبه من ذلك النقص. وقد اختلف في هذا الأصل، وأن يضمّن أحسن. وقال ابن القاسم في أحد المتفاوضين أبضع بضاعة ثم مات أحد المتفاوضين (¬5)، قال: وإن علم أن المال الذي أبضع معه من الشركة، لم يشتر به ورده على الباقي وعلى الورثة (¬6). وسواء كان الدافع للبضاعة الحي أو الميت. قال: لأن الشركة انقطعت بالموت. قال: وإن لم يمت ولكن افترقا، كان له أن يشتري، بخلاف الموت. ¬

_ (¬1) في (ف): (يؤجر). (¬2) في (ت): (يعمل). (¬3) في (ف): (الأجرة). (¬4) في (ر): (ولكنه). (¬5) قوله: (أحد المتفاوضين) ساقط من (ف). (¬6) انظر: المدونة: 3/ 620.

قال الشيخ -رحمه الله-: وإن علم في الموت أن المال من غير المفاوضة لم يكن له أن يشتري به إذا مات المبضع معه، وإن مات من لم يبضع معه (¬1) كان له أن يشتري (¬2)، وإن لم يعلم هل (¬3) ذلك المال من المفاوضة أو مما يخصه لم يشتر؛ لأن أمره موقوف على الكشف بعد الوصول، فقد يكون من مال المفاوضة. ¬

_ (¬1) قوله: (به إذا مات. . . يبضع معه) زيادة من (ت). (¬2) قوله (كان له أن يشتري) ساقط من (ت). (¬3) قوله: (هل) زيادة من (ت).

باب في أحد الشريكين يبيع أو يشتري ثم يوجد بذلك المبيع عيب أو يقتضي بعد الافتراق

باب في أحد الشريكين يبيع أو (¬1) يشتري ثم يوجد بذلك المبيع عيب أو يقتضي بعد الافتراق وإذا باع أحد الشريكين عبدًا ثم وجد المشتري به عيبًا، فإن كان الذي باعه حاضرًا، كانت الخصومة معه وبه يبدأ؛ لأنه أعلم بصفة ما عقد (¬2) عليه، وهل بيّن ذلك العيب إلا أن يعجز البائع عن ذلك فيكون الحكم يمين البائع، فيكون للمشتري أن يحلف الشريكين جميعًا إذا أشبه أن يكون عند الآخر علم، وإن كان البائع غائبًا كان (¬3) مع الشريك، فإن أقام البينة أنه اشترى على العهدة وكان العيب قديمًا، رد به وأخذ الثمن من الحاضر، فإن لم يقم البينة، وكانت العادة البيع على البراءة لم يرد به، وإن اختلفت العادة حلف أنه اشترى على العهدة ورد، وإن كان العيب مشكوكًا في قدمه وكان اشتراء البائع لذلك العبد وبيعه في غيبة الحاضر الآن أو في حضوره وباعه بالحضرة قبل علم الآخر، لم يكن على الحاضر يمين، وإن كان اشتراؤه بحضرته، وغاب عليه أو كان هذا هو المتولي للشراء، أحلف على ذلك العيب، فإن حلف ثم قدم الغائب، حلف أيضًا، فإن نكل حلف المشتري ورد جميعه؛ لأنه لو كان حاضرًا لحلفهما جميعًا، فإن حلف أحدهما ونكل الآخر، حلف المشتري ورد جميعه (¬4)؛ لأنه لو أقر أحدهما وأنكر الآخر رد جميعه بإقرار المقر منهما، وإن نكل الحاضر حلف ¬

_ (¬1) في (ر): (و). (¬2) في (ت): (عقدا). (¬3) قوله: (كان) ساقط من (ت). (¬4) قوله: (لأنه لو كان. . . ورد جميعه) ساقط من (ر).

فصل [في ما إذا وجد أحد الشريكين عيبا فقبله أو رد به وخالفه الآخر]

المشتري، ثم لا يكون للغائب في ذلك مقال إذا قدم إلا أن يثبت أنه كان بيّن ذلك للمشتري، فإن نكل المشتري عن اليمين، سقط مقاله في الرد الآن وبعد أن يقدم الغائب؛ لأنه لو كان حاضرًا ونكلا عن اليمين ثم نكل المشتري بعد نكولهما لم يكن له شيء، واليمين في ذلك العيب على العلم إن كان مما يخفى، وعلى البت إن كان مما لا يخفى، وعلى قول أشهب يحلف على العلم في الوجهين جميعًا. فصل (¬1) [في ما إذا وجد أحد الشريكين عيبًا فقبله أو رد به وخالفه الآخر] وإذا وجد أحد الشريكين عيبًا فقبله (¬2) أو رد به وخالفه الآخر، كان الأمر على ما سبق به أحدهما والبائع بالخيار فيما أراده الآخر، فإن سبق أحدهما لقبوله ثم رد الآخر، كان القيام بالعيب ساقطًا، وكان البائع بالخيار في الرد، فإن اختار ردها لم ينظر إلى امتناع الآخر، وإن سبق أحدهما بالرد، كانت مردودة وكان البائع بالخيار في الرد (¬3)، فإن اختار قبولها لم يكن للآخر أن يردها منه، وإن اختار ردها لم يكن لمن سبق بالرد أن يمتنع من ذلك إلا أن يعلم أن الذي فعله أحدهما فيه ضرر فيمضي ذلك في نصيب من رضي دون من كره. ¬

_ (¬1) هذا الفصل ساقط من (ر). (¬2) في (ف): (فقبلها). (¬3) قوله: (في الرد) ساقط من (ف).

فصل [في المتفاوضين يبيع أحدهما سلعة من تجارتهما بدين إلى أجل]

فصل [في المتفاوضين يبيع أحدهما سلعة من تجارتهما بدين إلى أجل] وقال ابن القاسم في المتفاوضين باع أحدهما سلعة من تجارتهما بدين إلى أجل ثم افترقا ثم قضى المشتري من باعه: فإن لم يعلم بافتراقهما لم يكن عليه شيء، وإن علم ضمن. وقال في وكيل مفوض إليه في التجارة وأشهد عليه بذلك الموكل ثم حجر عليه وأخرجه من الوكالة فاقتضى الوكيل بعد ذلك، لم يبرأ الغريم، وإن لم يعلم بعزل الوكيل. وقال غيره: إن علم الوكيل والغريم أو علم أحدهما، الوكيل أو الغريم، لم يبرأ الغريم، (¬1) وإن لم يعلما برئ. وقال سحنون: بيعه جائز إذا لم يعلم بفسخ الوكالة (¬2). فكيف لا يجوز اقتضاؤه؟ قال: (¬3) ومسألة الوليين يزوجان (¬4) شاهد لهذا. وقال الدباغ عن يحيى بن عمر (¬5): إذا لم يعلم الغريم برئ وإن علم الوكيل. وفي كتاب محمد: إن الغريم يبرأ وإن علم بعزلة الوكيل إذا كان دفعه بحكم. وأرى أن يبرأ إذا لم يعلما أو علم الوكيل وحده، وكذلك إذا علم الوكيل (¬6) بعزلته وحكم عليه بالقضاء؛ لأن الموكل فرّط إذا لم يعلم الغريم بعزلة (¬7) وكيله أو أعلمه ولم يشهد له بعزلته وقد سلّطه على القبض. ¬

_ (¬1) قوله: (بعزل الوكيل. . . يبرأ الغريم،) ساقط من (ف). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 626. (¬3) قوله: (قال) ساقط من (ت). (¬4) في (ر): (قال: ومثله الوليان يزوجان). وانظر: النوادر والزيادات: 4/ 437. (¬5) قوله: (بن عمر) زيادة من (ت). (¬6) في (ت): (الغريم). (¬7) في (ف): (إقرار).

باب في إقرار أحد الشريكين في حال الشركة أو بعد الافتراق أو موت أحدهما

باب في إقرار أحد الشريكين في حال الشركة أو بعد الافتراق أو موت أحدهما إقرار أحد الشريكين المتفاوضين لمن لا يتهم عليه جائز وإن أنكر شريكه. ويختلف إذا أقر لمن يتهم عليه، كالأب والابن والزوجة والصديق الملاطف، فقال مالك في "المدونة": لا يجوز إقراره (¬1). ويجري فيها (¬2) قول آخر (¬3): أن إقراره جائز قياسًا على إقرار من تبيّن فلسه لمن يتهم عليه. وقد اختلف فيه والأمر فيهما سواء، بل الذي يفلس أبين في التهمة؛ لأنه ينتزع منه جميع ماله ويبقى محتاجًا لا شيء له (¬4) فيولج من ماله لمثل (¬5) هؤلاء ليعيده (¬6) إليه فيعيش (¬7) به وليس التفرقة؛ لأن (¬8) هذا يبقى في ذمته دين وجه، وإقرار أحدهما عندما أراد الآخر (¬9) الافتراق والمفاصلة جائز (¬10). وإن افترقا ثم أقر أحدهما بدين أو ما أشبه ذلك، لم يقبل إقراره إذا طال الافتراق. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 627. (¬2) في (ف): (في هذا). (¬3) زاد بعدها في (ف): (وهو). (¬4) قوله: (له) زيادة من (ت). (¬5) في (ف): (لأجل). (¬6) في (ر): (ليعيره). (¬7) قوله: (ليعيده إليه فيعيش) في (ف): (ليعيش). (¬8) قوله: (للتفرقة؛ لأن) في (ف): (التفرقة بأن). (¬9) قوله: (الآخر) ساقط من (ف). (¬10) في (ف): (جائزة).

ويختلف إذا أقر بقرب ذلك فادعى أنه نسي. وقد اختلف في العامل في القراض (¬1) يدعي بعد المقاسمة أنه أنفق من مال القراض ونسي الحاسبة بها (¬2)، فقال ابن القاسم في "المدونة": لا يقبل قوله (¬3). وقال مالك في "كتاب محمد": يحلف ويكون ذلك له والشريك مثله (¬4). واختلف إذا أقر أحدهما بعد موت صاحبه. فجعله ابن القاسم في "المدونة" شاهدًا ولم يقبل قوله، فقال: إذا قال الحي منهما رهنا هذا عند فلان، وقال ورثة الميت: بل (¬5) أعطيته له بعد موت صاحبنا، قال: هو شاهد يحلف مع شهادته ويستحق (¬6). وقال سحنون: القول قول الشريك ويلزم الورثة ما أقر به. وقال عنه ابن عبدوس: أرأيت لو كانا حيين (¬7) فقال أحدهما قبل المفاصلة: علينا من الدين كذا وكذا، فليس (¬8) يلزمهما جميعًا، ثم قال: ألا ترى أن ابن القاسم يقول في العبد يحجر عليه سيده وقد كان مأذونًا له فأقر بدين بعد ذلك أنه يلزمه، ثم ذكر المكاتب يقر بدين بعد العجز، وقال: والحاكم (¬9) يقر بأنه حكم بعد ما عزل، فلا يجوز إقراره ورآه مخالفًا للأول. ¬

_ (¬1) في (ت): (بالقراض). (¬2) قوله: (بها) زيادة من (ف). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 662. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 291. (¬5) في (ر): (بلى). (¬6) انظر: المدونة: 3/ 628. (¬7) قوله: (كانا حيين) في (ر): (كان أجنبيًا). (¬8) في (ت): (أفليس). (¬9) في (ر): (الحاكم).

وفي المفلس يقر بدين بعدما فلس. وقول سحنون في هذا أصوب، وليس الموت كالافتراق؛ لأن الافتراق يكون عن محاسبة ومفاصلة، وقطع الدعاوي والموت أمر طرأ (¬1) قبل ذلك، وقد ولي كل واحد منهما أمرًا ولا يُعْلَم إلا من قِبَله (¬2)، فلو لم يصدق لتلفت أموال الناس. واختلف في العبد يحجر عليه بعد الإذن، والمكاتب يعجز، وأن يقبل قولهما أبين؛ لأن الإذن قد تقدم في التجر ولا يعلم ما كانا تصرفا فيه إلا منهما، وليس الشأن الإشهاد، فلو منعنا (¬3) الإقرار لذهبت أموال الناس. واختلف بعد القول ألا يجوز إقرار الحي، هل تجوز شهادته؟ وإذا لم تجز هل يغرم جميع ما أقر به أو ما ينوبه؟ فقال ابن القاسم في "المدونة": هو شاهد، فإن نكل المقر له كان له من هذا ما يخصه من الدين (¬4). وقال محمد: إن لم يحلف كانت حصة الحي رهنًا بجميع الحق. وهذا أصوب؛ لأن كل واحد من المتفاوضين ملزوم بجميع الحق، وإنما أجاز ابن القاسم ها هنا شهادته؛ لأنه لم ير عليه بعد النكول إلا نصف الحق فلم تجرّ شهادته نفعًا (¬5) [ولا دفع بها ظلمًا] (¬6). ويختلف في جواز شهادته بعد تسليم القول: إنه يغرم جميع ذلك الحق، وأن تجوز أصوب؛ لأنه في أداء شهادته من الأول غير متهم ولا ترد، وإذا أدت ¬

_ (¬1) في (ف): (جاري). (¬2) في (ر): (قوله). (¬3) في (ف): (منع). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 628. (¬5) قوله: (فلم تجرّ شهادته نفعًا) في (ر): (فلم يجز بشهادته بعقد). (¬6) في (ف): (ولا دفعًا ولا دفع فيهما ظلمًا).

فصل [في ما إذا كانا شريكين في شيء بعينه]

إلى غرمه. وكذلك الحميل يشهد على من تحمل عنه إذا أنكر اختلف في جوازها، وأن تجوز أصوب؛ لأنه غير متهم. فصل [في ما إذا كانا شريكين في شيء بعينه] وإذا كانا شريكين في شيء بعينه، لم يجز إقرار أحدهما على صاحبه. وقال ابن القاسم في "المدونة" في شريكين في دار أقر أحدهما لأجنبي بنصفها، قال: يحلف المقر له مع إقراره ويستحق حقه لأنها شهادة (¬1). قال الشيخ أبو الحسن -رحمه الله-: وإذا كانت بيد رجلين دار فأقر أحدهما لثالث بنصفها وأنكره الآخر، وقال: لا شيء له معنا، والدار بيننا نصفين (¬2)، أو قال: أرباعًا، لي (¬3) ثلاثة أرباعها ولك (¬4) ربعها كما زعمت، أو قال (¬5): جميعها لي دونك ودون من أقررت له والمقر غير عدل. فإن قال: الدار بيننا نصفين، حلف على ذلك وكان نصفها له ونصفها بين المقر والمقر له. وإن قال: لك ربعها كما ذكرت وثلاثة أرباعها (¬6) لي، حلف المقر له وكان له ما حلف عليه ولا شيء للمقر؛ لأن كل ما اعترف به المقر ألا شيء له فيه ولا يد له عليه كان شريكه أحق به إذا ادعاه؛ لأن يده عليه، وإن قال: جميعها لي دونكما، كان ¬

_ (¬1) في (ت): (شهادته). انظر: المدونة: 3/ 627. (¬2) قوله: (نصفين) في (ف)، (ر): (نصفان). (¬3) في (ر): (هي). (¬4) قوله: (أرباعها ولك) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (قال) زيادة من (ت). (¬6) في (ف): (أرباع).

فصل [في ما إذا اختلف الشريكان في الدار]

للمنكر حظ (¬1) المقر له وهو النصف، ثم يقسم (¬2) الشريكان النصف الآخر (¬3) بعد أيمانهما. ويختلف في الصفة التي يقسمانها عليه على ثلاثة أقوال: فعلى قول مالك: يقسمانها على قدر الدعوى فأحدهما يقول: لي جميعها، والآخر يقول: لي نصفها، فيقسمانها أثلاثًا. وعلى قول ابن القاسم: يقسمانها أرباعًا فيكون للمنكر نصف النصف بإقرار شريكه له به (¬4)، ثم يقسمان النصف الآخر بينهما بالتساوي لتساوي دعواهما فيه، فيكون للمقر ثمن جميع الدار وللمنكر سبعة أثمانها. وعلى قول أشهب: يكون النصف بينهما نصفين؛ لأن يد كل واحد منهما على ما يدعيه وحائز (¬5) له. فصل [في ما إذا اختلف الشريكان في الدار] فإن قال أحدهما: النصف لي والنصف لفلان ويدك معي عارية منه (¬6) أو بإجارة. وقال الآخر: لا شيء لفلان والدار بيننا نصفين، أو قال: لي ثلاثة أرباعها والربع لك، أو قال: هي لي دونكما، كان القول قول المنكر مع يمينه ولا يكون للمقر له في جميع هذه الأسئلة شيء؛ لأن المقر له لم يقر له بشيء مما في ¬

_ (¬1) قوله: (حظ) زيادة من (ت). (¬2) قوله: (ثم يقسم) في (ت): (ولا يقسم)، وفي (ر): (ثم لا يقسم). (¬3) بعدها في (ح، ت): (إلا). (¬4) قوله: (به) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (حائز) في (ف): (حائزًا). (¬6) قوله: (منه) زيادة من (ت).

يده، وإنما أقر له (¬1) بما في يد غيره، وإقراره على غيره غير مقبول، ثم يعود المقال فيما بين الشريكين، فإن قال المنكر: بل (¬2) الدار بيننا نصفين، حلف المنكر للمقر له وكانت بينه وبين المقر نصفين. وإن قال: إنما لك (¬3) ربعها، حلف يمينين، يمينًا للمقر له ألا شيء له فيها ويكون له نصف المقر له، ويكون ربعها للآخر لاتفاقهما أنها له ويبقى ربع يتحالفان ويقتسمانه. وإن قال المنكر: بل جميعها لي، حلف أيضا يمينين، يمينًا (¬4) للمقر له (¬5)، ويكون له (¬6) نصفها ثم يتحالفان في نصف، وتكون بينهما نصفين، وإذا كان المقر عدلًا جازت شهادته في كل موضع لا يدفع بها عن نفسه، وإنما ينتفع المشهود له وحده، وكل موضع يدفع به عن نفسه لا تجوز شهادته فيه (¬7). تم كتاب الشركة والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وسلم (¬8) ¬

_ (¬1) قوله: (له) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (بل) ساقط من (ت). (¬3) قوله: (لك) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (يمينًا) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (له) ساقط من (ت). (¬6) قوله: (له) ساقط من (ت). (¬7) قوله: (فيه) ساقط من (ت). (¬8) قوله: (تم كتاب الشركة والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وسلم) ساقط من (ت).

كتاب تضمين الصناع

كتاب تضمين الصناع النسخ المقابل عليها 1 - (ت) = نسخة تازة رقم (243 , 234) 2 - (ر) = نسخة الحمزوية رقم (110)

باب في الصانع يصنع خلاف ما استؤجر عليه من نسج أو بناء أو غيره

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلي الله علي سيدنا محمد وآله وسلم تسليمًا كتاب تضمين الصناع باب في الصانع يصنع خلاف ما استؤجر عليه من نسج أو بناء أو غيره وقال ابن القاسم فيمن استأجر حائكًا لينسج له غزلًا سبعة في ثمانية فنسجه سبعة في ستة: كان صاحبُ الغزل بالخيار بين أن يأخذ ذلك الثوبَ ويدفع إليه أجره كله، أو يسلمه ويضمّنه قيمةَ الغزل (¬1). واختلف في هذه المسألة في ثلاثة (¬2) مواضع: أحدها: إذا أخذ الثوب، فقال ابن القاسم: للصانع الأجر كله. وقال غيره: له بحساب ما عمل (¬3). والثاني: إذا ضمن، فقال ابن القاسم: له قيمة الغزل. وقال غيره: له أجر (¬4) مثله (¬5)، وقال ابن القاسم في كتاب ابن حبيب: إذا كان يوجد مثله (¬6) غرم المثل، وإن لم يوجد فقيمته. والثالث: الإجارة في المستقبل، فقال ابن القاسم: تنفسخ الإجارةُ، وقال أصبغ: الإجارة ثابتة (¬7). وقيل: إن كان ذلك ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 399. (¬2) في (ر): (ثلاث). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 399. (¬4) قوله: (أجر) ساقط من (ر). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 399. (¬6) في (ر): (إن كان يوجد المثل). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 70.

للفاسد فالإجارة منفسخة، وإن كان تاجرًا وذلك شأنه لم تنفسخ، وهذا إذا كانت الإجارة على غزل بعينه (¬1) وقُضي فيه بالقيمة، فأما إذا كان الغزل موصوفًا، أو كان معينًا وقُضي فيه بالمثل- فإن الإجارة ثابتة، وعلى الحائك أن يعمل مثل الغزل ثانيةً، ولا أرى عليه إذا أخذ ذلك الثوبَ من الأجر (¬2) إلا بحساب ما عمل. ولا يصح أن يستأجر على قيسٍ فيعمل دونه ويستحق عنه جميع الأجرة، وقد قيل: إنه يحتمل أن يكون ذلك (¬3)؛ لأنه أدخل جميعَ الغزل في ذلك المصنوع (¬4)، وهذا غير مستقيم؛ لأن مَن اسْتُؤجر على صفة فعمل أحسنَ وأقلَّ - لم يستحق بذلك المسمَّى، وقد قيل: المعنى أن له الأجر كله؛ أي ما ينوب ذلك من المسمى، وليس أن يُردّ إلى إجارة المثل. وأرى إذا كان الحكمُ القضاءَ بالقيمة في الغزل وهو ثوب لابس (¬5) - أن يكون المستأجر بالخيار: فإن شاء فسخ عن (¬6) نفسه الأجرة، وإن شاء أن يتكلّف المثل ويعمل له؛ لأن التعيين من حقه ليس من حق الصانع. وإن كانت الإجارة على أن يعمل له رداءً فعمل له عمامةً، فأحب أن يأخذ العمامة، كان فيها إجارة المثل، كان أكثر من المسمى أو أقل، إلا أن يقر الصانعُ أنه عمله على المسمّى، فيكون على المستأجر الأقلُّ من المسمّى أو إجارة المثل، فإن دفع المسمَّى لم يبقَ بينهما إجارةٌ، وإن دفع إجارة المثل عاد الجواب في بقاء العقد وفسخه على ما تقدم في أول المسألة. ¬

_ (¬1) قوله: (غزل بعينه) يقابله في (ر): (تعينه). (¬2) في (ر): (الأجل). (¬3) في (ر): (ذلك أن يكون). (¬4) في (ر): (الصبوغ). (¬5) قوله: (لابس) ساقط من (ت). (¬6) قوله: (عن) ساقط من (ر).

فصل [في خيار المستأجر إذا خالف الصانع صفة في المصنوع]

فصل [في خيار المستأجر إذا خالف الصانع صفة في المصنوع] ولو استأجر رجل (¬1) صائغًا ليصوغ له ذهبًا أو فضة على صفةٍ فصاغه على خلافها- كان الصانع بالخيار (¬2) بين: أن يعيد صنعته على ما اسْتُؤجر عليه بعد أن يُصفيه من اللحام (¬3) الذي خالطه، أو يغرم مثل الذهب أو الفضة، ثم يصوغه ثانية (¬4)، إلا أن يكون الصانع فاسدَ الذمة، فيكون لصاحب الذهب أن يجبره (¬5) على كسره و (¬6) إعادته، ولا يلزمه أن يأخذ المثل من ذمته ولا تنفسخ الإجارة. ولو كان ثوبًا فصبغه على غير الصفة، فإن قال له: أكحل، فصبغه أزرق (¬7)، أعاده للصبغ حتى يعمله على ما وصف (¬8)، وكذلك أخضر (¬9) شديد الخضرة فصبغه خفيف الخضرة, فإن قال له: أزرق، فصبغه أكحل، أو قال: خفيف الخضرة، فصبغه فوق ذلك، فإن كان ذلك (¬10) الصبغ ينقصه عن قيمته أبيض كان له قيمة ذلك النقص ولا يكون له أن يضمّنه قيمة ذلك الثوب إذا كان النقص يسيرًا، وإن كان لا يزيد في قيمته ولا ينقصه أخذه ولا شيء عليه، وإن كان يزيد في قيمته كان عليه الأقل مما زادت قيمته أو المسمّى من الإجارة. وإن استأجره على أن يصبغه أحمر، فصبغه أخضر أو أزرق، كان له أن يضمّنه ¬

_ (¬1) في (ر): (رجلا). (¬2) قوله: (الصانع بالخيار) يقابله في (ر): (الخلاف). (¬3) في (ر): (اللجام). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 405. (¬5) في (ر): (يجيزه). (¬6) في (ر): (كسر أو). (¬7) في (ر): (أزرقا). (¬8) في (ر): (واصف). (¬9) في (ر): (أخذ). (¬10) قوله: (ذلك) ساقط من (ر).

قيمة الثوب أو يأخذه ويدفع قيمة الصبغ؛ لأنه قد (¬1) ملك التضمين، ويصح أن يجري الجوابُ فيه على ما تقدَّم: أنه يعتبر في ذلك الصبغ: هل نقصه أو زاده أو لم يزد ولم ينقص؟ لأن صاحب الثوب يقول: أنا لا أحب أن أضمن ولا أزيل ملكي عن ثوبي وأنت قد أفسدته، فيجري علي حكم من أفسد مِلْكَ الغير, قال عبد الملك بن حبيب: إلا أن يقول المالك: أنا أضمن ويأبي الصانعُ, فلا يكون له من زيادة الصنعة شيءٌ؛ لأنه قد أمكن من أخذ (¬2) صنعته. وإن كانت الإجارة على قصارة فأخرجه أسودَ، فإن كان يقدر على إعادته- من غير فساد أعاده، والقول قول من دعا إلى ذلك منهما، فإن دعا صاحب الثوب إلى أنه (¬3) يغرمه قيمته، أو قيمة ما نقص، كان للصانع أن يأبى من ذلك، وكذلك إذا دعا إلى ذلك الصانع كان للآخر أن يجبره (¬4) على العمل، وإن كان لا يقدر على إعادته غرم قيمته أسمر (¬5)، قال سحنون في كتاب ابنه: إلا أن يكون الفسادُ يسيرًا فيغرم قيمة ذلك العمل على حاله (¬6). قال الشيخ -رحمه الله-: إنما تقوّم الصفة التي شُورِطَ عليها والصفة (¬7) التي عمل، فيحط من المسمّى بقدر ذلك، إلا أن تكون زيادة الصنعة على قيمته أسمر أقلَّ، فلا يكون عليه سوى ما زادت القيمة، أو تكون قيمته مصبوغًا أقلَّ من قيمته أسمر، فيكون له أن يرجع على الصانع بما نقصت قيمته ولا يغرم له شيئًا؛ لأنه أفسده. ¬

_ (¬1) قوله: (قد) ساقط من (ر). (¬2) في (ت): (إحراز). (¬3) قوله: (إلى أنه) يقابله في (ر): (أن). (¬4) في (ر): (يجبر). (¬5) قوله: (أسمر) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (حاله) في (ت): (رداءته) وانظر: النوادر والزيادات: 7/ 70. (¬7) في (ر): (أو الصفة).

وإن كانت الإجارة على خياطة الثوب، فخاطه مقلوبًا وذلك مما يحط من ثمنه، ومتى فُتق وأُعيد زال ذلك النقصُ، أو كان ذلك أقلَّ لعيبه، كان القولُ قولَ من دعا إلى فتقه وإعادته، وإن تساوى النقص فكأن النقص (¬1) الآن لأجل كونه مقلوبًا، وإذا أعيد وفتق (¬2) نقص لما يلحقه من التمريث، سواء كان القول قول صاحبه، فإن شاء أقرّه، وإن شاء أمره بفتقه وخياطته, وإن كان فتقه أشد لعيبه كان القولُ قولَ (¬3) الصانع، إلا أن يفتق ويغرم ما حط من ثمنه الآن، وليس عليه أن يدخل نفسه في أكثر من عيبه هذا، إلا أن يحب صاحبه ألا يغرمه أكثر من عيبه قبل فتقه، فيجبر الأجير (¬4) على إعادته. وإن كان الفساد لرداءة الخياطة، كان له أن يأمره بفتقه وإعادته على ما يخاط مثله، ويكون على الصانع الأقل من نقصه الآن، أو مما ينقص بعد (¬5) فتقه ولا أجرة له في الخياطة إذا دخلت الخياطة في القيمة وجبر بها النقص، وإن قال الصانع: إذا أنا (¬6) قلبته أنا أغرم ما ينقصه الفتق قبل إعادة خياطته ويكون لي (¬7) المسمى في الخياطة، كان ذلك له، وإن حدث به عيبٌ من غير الخياطة، حرقُ نارٍ، أو وقع عليه ما شانه، أو قطع منه شيء من غير موضعه- كان عليه قيمة عيبه ذلك قبل أن يخاط وله المسمَّى من الأجرة؛ لأن العيب ليس في الخياطة. وإن كانت الإجارة على بناء دار فأخطأ في البناء كان عليه أن يهدمه ¬

_ (¬1) في (ت): (ينقصه). (¬2) قوله: (وإذا أعيد وفتق) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (صاحبه, فإن. . . كان القولُ قولَ) ساقط من (ر). (¬4) في (ر): (الآخر). (¬5) قوله: (بعد) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (أنا) ساقط من (ر). (¬7) في (ر): (له).

ويعيد (¬1) البناء على صفة ما شُورِط عليه، ويغرم قيمة ما أتلف من جير أو غيره، ويغرم ما نقصت القيمة من الآجُر والحجارة الآن (¬2) عن قيمته قبل بنائه، وإن أحب صاحبُ الأرض أن يقر ذلك البناء ولا (¬3) أجرة للعامل فيه؛ لأنه قد ملك نقضه ولا قيمة له فيما إذا نقض- لم يكن له ثمن ولا قيمة عليه فيما ينقض (¬4) من قيمة الأحجار و (¬5) الآجر لو نقض (¬6)؛ لأنه لم ينقض بعدُ. ¬

_ (¬1) في (ر): (ويعيده). (¬2) قوله: (الآن) ساقط من (ت). (¬3) في (ر): (فلا). (¬4) في (ر): (ينقص). (¬5) في (ر): (أو). (¬6) في (ر): (نقص).

باب في تضمين الصناع

باب في تضمين الصناع الصُنّاعُ على ضربين: مُنْتَصِب لتلك الصناعة، وغَيْر مُنْتَصِبٍ. فالمنتصب: من أقام نفسَه لعمل تلك الصناعة التي اسْتُعْمل (¬1) فيها، كان يعملها في سوقها أو في داره. وغير المنتصب: من لم يُقِمْ نفسَه لها (¬2)، ولا منها معاشُهُ. وفائدة الفرق بينهما: دعوى التلف، ودعوى الرد، وما يطرأ من الفساد في ذلك المستصنع. فالمنتصب على الضمان فيما يقبضه ويغيب عليه، لا (¬3) يصدق في دعوى الضياع، واخْتُلِفَ في دعواه (¬4) الرد: هل يصدق أو يكون على الضمان حتى يثبت الرد؟ وهو فيما يكون فيه من فساد من سبب الصنعة على حكم المتعدي ضامنٌ، إلا فيما الغالب فيه حدوث مثل ذلك. وغير المنتصب على الأمانة فيما يقبضه، فإن ادَّعى تلفًا أو ردًا قُبِلَ قولُه وحلف وبرئ، وسواء غاب عليه أو عمله في دار صاحبه، وإن أتى به وبه عيبٌ، خَرْقٌ أو حَرقُ نار كان القول قوله أنه من غير سببه ولا تفريطَ ويُسْتَظْهَرُ عليه في ذلك باليمين، إلا أن يكون مبرزًا في حاله وعدالته. وإن كان العيب من شما الصنعة كان فيه (¬5) قولان: هل يضمن أم لا؟ ¬

_ (¬1) قوله: (اسْتُعْمل) ساقط من (ر). (¬2) في (ر): (فيها). (¬3) في (ر): (فلا). (¬4) في (ر): (دعوى). (¬5) في (ر): (فيها).

وهذا الأصل في كل من أخطأ فيما أُذِنَ له فيه، والصوابُ أن لا ضمانَ عليه، إلا أن يعلم أنه غُرَّ من نفسه: بأنه لا يحسن تلك الصنعة، أو يقال: إن ذلك لا يكون إلا عن (¬1) تفريط- فيضمن. ويتفق (¬2) المنتصب وغره إذا اختلفا فقال: أمرتك بغير تلك الصنعة، وقال الآخر: بل بما عملته، فإن ادَّعى المنتصب التلف فإنه لا يخلو من ثلاثة أحوال: إما أن يغيب على ما يعمله فيعمله في حانوت نفسه أو في بيته، أو يعمل (¬3) بحضرة صاحبه، أو يدعوه صاحبه إلى داره فيعمله عنده، فإن غاب عليه كان ضامنًا له (¬4) ولم يصدق في تلفه؛ لأن الغالبَ من الصناع عدمُ الأمانة، فلو صُدِّقُوا لاجْتَرَؤوا (¬5) على أموال الناس، وإذا علموا أنهم لم يُصدَّقُوا لم يَجْتَرِئوا عليها، قال مالك: يضمنون (¬6)؛ لأن ذلك على وجه الحاجة إلى عملهم وليس على وجه الاختيار لهم والأمانة، ولو كان ذلك إلى أمانتهم لاجترؤوا عليها، ولم يجد الناس مستعملًا (¬7) لتلك الأعمال فيضمنوا لمصلحة تلك الناس. قال: ومما يشبه ذلك من منفعة العامة قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ" (¬8)، ¬

_ (¬1) في (ر): (من). (¬2) في (ر): (وينفق). (¬3) قوله: (فيعمله. . يعمل) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (له) ساقط من (ر). (¬5) في (ر): (اجترؤوا). (¬6) انظر: المدونة: 3/ 405، وانظر النوادر والزيادات: 7/ 67. (¬7) في (ت): (مستفتيًا). (¬8) متفق عليه, أخرجه البخاري: 2/ 757، في باب هل يبيع حاضر لبادٍ بغير أجر، وهل يعينه أو ينصحه، من كتاب البيوع، برقم (2050)، ومسلم: 3/ 1157، في باب تحريم بيع الحاضر للبادي، من كتاب البيوع، برقم (1521).

"وَلاَ تَلَقَّوُا السِّلَعَ حَتَّى يُهْبَطَ بِهَا إِلى الأَسْوَاقِ" (¬1) (¬2). وإن دعاه لعمل ذلك عنده (¬3)، كان القولُ قولَ الصانع في تلفه, وسواء حضر صاحب المتاع في حين عمله، أو غاب عنه فهو المصدق، ويختلف إذا عمله الصانع في حانوتِ نفسِهِ بحضرة صاحبه، فقال محمد: القول قول الصانع في تلفه، وفي كتاب ابن حبيب في مثل ذلك: أنه ضامن (¬4)، وليس بحسن. واختُلِف في سقوط الضمان في موضعين: أحدهما: إذا قامت البينة على الضياع، والآخر: إذا اشْتَرَطَ الصانعُ أنه مصدَّقٌ في ضياعه- هل يكون له شرطه؟ فأما إذا قامت البينة على الضياع لم يكن عليه ضمانٌ عند مالك وابن القاسم (¬5)، وعلى أصل أشهب يكون ضامنًا قياسًا على (¬6) قوله في الرِّهان والعَواري: أنه ضامن مع قيام البينة، وعلى قوله في الورثة يقتسمون العين ثم يثبت على الميت دين، فإن ذلك مضمون مع قيام البينة (¬7) على الضياع (¬8)، والأول أحسن؛ لأن أخذَ الصانعِ والمرتهنِ (¬9) والمستعيرِ لذلك- لم يَنْقِلْ ملك صاحبه عنه، ومصيبة كل ملك من مالكه ما لم يكن من الأجير (¬10) تعدٍّ, ولأن علةَ الضمان خوف الجحودِ، وإذا لم يكن جحود بَقِيَ على الأصل: أنه من مالكه. ¬

_ (¬1) في (ر): (حتى تهبط بها الأسواق). (¬2) متفق عليه, أخرجه البخاري: 2/ 759، في باب النهي عن تلقي الركبان من كتاب البيوع، برقم (2057)، ومسلم: 3/ 1156، في باب تحريم تلقي الجلب, من كتاب البيوع، برقم (1517). (¬3) قوله: (وإن دعاه لعمل ذلك عنده) يقابله في (ر): (وإذا كانت عادة يعمل ذلك عنده). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 67. (¬5) انظر: المدونة: 3/ 403. (¬6) قوله: (قياسًا على) يقابله في (ر): (على أصل). (¬7) قوله: (وعلى قوله. . . مع قيام البينة) ساقط من (ر). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 250. (¬9) في (ر): (والمترهن). (¬10) في (ر): (الآخر).

وقال مالك وابن القاسم في كتاب محمد: إذا اشترط الصانع أن لا ضمان عليه فشرطه ساقط (¬1)، قال مالك: ولو مكِّن من ذلك ما عمل منهم أحد حتى يشترط ذلك ولا بدَّ للناس من عمل ثيابهم (¬2). وذكر الشيخ أبو محمد بن أبي زيد عن أشهب (¬3) أن لهم شرطَهم، يريد: ما لم يكثر ذلك منهم، فإن كَثُرَ اشتراطُهُم سقط ولم يوفَّ لهم بذلك. واختلف بعد القول أنه شرط لا يوفى به، فقيل: الإجارة لازمة والشرط باطل، وقيل: إن أسقط الصانعُ الشرطَ (¬4) صَحَّت الإجارةُ، وإن تمسَّك به (¬5) فسخت إن لم يعمل، فإن عمل كان له الأكثر من المسمَّى أو إجارة المثل، ويجري فيها قول ثالث: أنَّ الإجارة فاسدة تفسخ مع القيام وإن أسقط الشرطَ، وتكون له مع الفوات إجارةُ المثلِ قلَّتْ أو كَثُرَتْ، قياسًا على قول مالك: إذا استؤجر على رعي الغنم، وعلى أنه غير مصدق فيما هلك، فقال مالك: الإجارة فاسدة وله إجارة المثل (¬6). فهذا شرط أن لا ضمان عليه (¬7) فيما عليه ضمانه، والآخر شرط ضمان ما لا ضمان عليه فيه، ولأن الصانع يحط من أجرته ليتمكن له ما (¬8) يجب من الخيانة وأن يذهب بما يعمله. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 68، وقد نقله في النوادر من الموازية عن أشهب، ونص النوادر: (ومن العتبية وكتاب ابن المواز: قال أشهب: إذا شرط الصناع ألا ضمان عليهم، لم ينفعهم). (¬2) في (ر): (نياتهم). وانظر: البيان والتحصيل: 4/ 226. (¬3) قوله: (وذكر الشيخ أبو محمد بن أبي زيد عن أشهب) يقابله في (ت): (وقال الشيخ -رحمه الله- أبو محمد بن أبي زيد وذكر عن أشهب). (¬4) قوله: (الشرطَ) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (به) ساقط من (ر). (¬6) انظر: المدونة: 3/ 450. (¬7) قوله: (عليه) ساقط من (ر). (¬8) قوله: (له ما) يقابله في (ر): (فيه مما).

والفرّان ضامن لما يأخذه من قمحٍ ليطحنه، أو عجينٍ ليخبزه، وهو في ذلك على حكم الصنَّاعِ. ويختلف في القمح: هل يضمنه قمحًا أو دقيقًا؟ وفي العجين: هل يضمن مثله أو قيمته؟ وحاملُ ذلك إلى الفرّان ضامنٌ، لا يُصَدَّقُ إن ادَّعى التلفَ وإن لم يكن صانعًا؛ لأن حاملَ الطعامِ لما (¬1) يضمن، لما كانت أيديهم تُسْرِع إليه وإلى الخيانة فيه، والجواب إذا اختلف (¬2) حامله مع الفرّان في تسليمه إليه أو (¬3) في قبضه منه بعدما سلمه إليه مذكور فيما بعد هذا. ¬

_ (¬1) قوله: (لما) زيادة من (ر). (¬2) في (ر): (اختلفا). (¬3) في (ر): (و).

باب في الوقت الذي يضمن فيه الصانع إذا ادعى الضياع، أو تعدى على ما استصنع فيه قبل العمل أو بعده أو فلس أو وهب أو باع

باب في الوقت الذي يضمن (¬1) فيه الصانع إذا ادعى الضياع، أو تعدى على ما استصنع فيه قبل العمل أو بعده أو (¬2) فلس أو وهب أو باع وإذا ادَّعى الصانعُ تلفَ الثوب قبْل أن يصنعه، واختلفت قيمته يومَ قبضِهِ عن قيمته يومَ قُيِّم عليه، فإن قال: هلك يوم قبضته- غَرِمَ قيمته يومئذٍ، وإن قال: هلك الآن، وكانت قيمتُهُ اليومَ أقلَّ ضَمِنَ قيمتَه يومَ قبضه؛ لأن الدافعَ يكذبه، ويختلف إذا صدَّقه أو قامت البينةُ أنَّه رُئِيَ عنده بالأمس وقال: ضاعَ اليومَ، فقول ابن القاسم: الجواب كالأول، والقيمة يوم القبض (¬3). وقيل في (¬4) الرهن: القيمة فيه لآخر يوم رُئي عنده. فعلى هذا يكون (¬5) في الصانع القيمة لآخر يوم (¬6) رئي عنده. واختلف في الخياط يقطع الثوب، ثم يغيب عليه بعد قطعه، فقال في كتاب محمد: عليه قيمته صحيحًا قبل قطعه، ولو كانت شقة فقطع منها ثوبين، ثم ادعى ضياع أحدهما كان عليه قيمة (¬7) نصف الشقة صحيحة (¬8) لا قيمة نصف صحيح (¬9). وقال ابن القاسم في مختصر ما ليس في المختصر: يغرم قيمته ¬

_ (¬1) قوله: (يضمن) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (أو) ساقط من (ت). (¬3) انظر: المد ونة: 3/ 399. (¬4) قوله: (في) ساقط من (ت). (¬5) في (ر): (تكون). (¬6) في (ت): (وقت). (¬7) قوله: (قيمة) ساقط من (ر). (¬8) في (ر): (صحيحا). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 70.

فصل [في قيمة المضمون تكوق يوم قبضه غير معمول]

مقطوعًا، وهذا أحسن؛ لأنه إنما غاب عليه مقطوعًا، فإن كان تعدَّى (¬1) فإنما تعدى على مقطوع. ويختلف على هذا إذا أفسده الخياطُ بالخياطة أو بالقطع، فعلى قوله في الموازية (¬2): يغرم قيمته صحيحًا في الوجهين جميعًا (¬3)، وقال ابن شعبان: إذا (¬4) كان الفساد في القطع غرم قيمته صحيحًا، وإن كان في الخياطة غرم قيمته مقطوعًا. وهذا فقه حسن، وهو بناء على قول ابن القاسم إذا غاب عليه أنه يغرم قيمته مقطوعًا، وإن كان (¬5) قيمته على حال ما غاب عليه، وإن كان الفساد في القطع كان الخطأ عليه وهو صحيح. فصل [في قيمة المضمون تكوق يوم قبضه غير معمول] ومن "المدونة" قال ابن القاسم: فيمن دفع إلى قصّار ثوبًا ليغسله، أو إلى خياط ليخيطه ففعل، ثم ضاع بعد الفراغ، قال: عليه قيمته يوم قبضه غير معمول، قال: وإن أراد صاحب الثوب أن يؤدِّيَ الكراء ويُضَمِّنَه قيمته مقصورًا لم يكن ذلك له، قال: وإذا فرغ الخياط أو (¬6) الصانع من عمل ما في يديه، ثم دعا صاحب المتاع فقال: خذ متاعك فلم يأت حتى ضاع المتاع عند الصانع، قال: هو ضامن على حاله (¬7). يريد أنه لم يحضره، ولو كان قد أحضره ورآه صاحبه مصنوعًا (¬8) على صفة ما شرطه (¬9) عليه، ¬

_ (¬1) قوله: (فإن كان تعدَّى) ساقط من (ت). (¬2) في (ت): (المدونة). (¬3) قوله: (جميعًا) ساقط من (ر). (¬4) في (ر): (إن). (¬5) في (ر): (فإذا كانت). (¬6) في (ر): (و). (¬7) انظر: المدونة: 3/ 399. (¬8) في (ت): (مصبوغًا). (¬9) في (ر): (شارطه).

وكان قد دفع الأجرة إليه (¬1) ثم تركها عنده فادعي ضياعها- لصدق (¬2)؛ لأنه خرج عن حكم الإجارة فصار إلي الإيداع. وكل هذا علي أصله أن الضمان وقت وضع يده عليه. وعلى القول أنه يغرم لآخر وقت رئي عنده يكون لصاحب الثوب ألا يدفع الأجرة ويغرمه قيمته (¬3) غير مقصور. وعلى أصل (¬4) قول محمد: إذا ضاع بعد الفراغ ببينة أن للصانع الأجرة (¬5)؛ لأنه قد أسلم الصنعة ووضعها في الثوب، يكون لصاحب الثوب أن يغرم الأجرة ويغرمه قيمته مصنوعًا. وإن باعه جرى الجواب على الخلاف المتقدم، فعلى قول ابن القاسم في "المدونة" يكون صاحب الثوب بالخيار: بين أن يغرمه قيمته يوم قبضه، أو يجيز البيع ويكون له (¬6) من الثمن ما ينوب الثوب دون الصنعة، وعلى القول أن له أن يأخذه بأعلى القيم يكون صاحب الثوب بالخيار: بين أن يأخذه بقيمته يوم البيع لو كان غير مصنوع، أو بما ينوبه من الثمن، وعلى القول أن الصنعة قد سلمت إلى الثوب يكون له أن يغرم الأجرة ويأخذ الثمن الذي يبيع (¬7) به، والذي آخذ به أن يكون بالخيار: بين أن يأخذ الامصر من قيمتها يومَ باعها، أو (¬8) ما ينوبها من الثمن من (¬9) غير معمولة (¬10)، أو يأخذ جملة الثمن الذي يبيع (¬11) به ويدفع الأجرة. ¬

_ (¬1) قوله: (إليه) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (لصدق) ساقط من (ت). (¬3) في (ر): (قيمة). (¬4) قوله: (أصل) ساقط من (ر). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 70. (¬6) قوله: (له) ساقط من (ر). (¬7) في (ر): (بيع). (¬8) في (ر): (و). (¬9) قوله: (من) زيادة من (ر). (¬10) في (ر): (معموله). (¬11) في (ر): (بيع).

باب في ضمان أجير الصانع

باب في ضمان أجير الصانع وإذا دفع القصّار أو الخياط شيئًا مما استصنعه لأجير (¬1)، فقال الأجير: ضاع ذلك، فإن لم يكن بان به ولا غاب عليه كان القولُ قولَه مع يمينه، وبرئ ويبقى الضمانُ على الأول، وإن بان به عن حانوت الصانع ضمن كما يضمِّنون الصناع (¬2). وقال أشهب في "كتاب محمد": إذا ذهب أجير الغسال بالثياب إلى البحر فزعم أنها ضاعت (¬3): ضمن (¬4)، وقال في الخياط يدفع إلى أجرائه الثياب فينقلبون بها فيزعمون أنها ضاعت: يضمنون (¬5). ورأى أن الضرورة تدعو الصناع إلى تسليمهم ذلك إلى أجرائهم وإن كانوا غير مأمونين، كما دعت إليهم في أنفسهم، ولصاحب المتاع أن يغرم الأجير إن شاء، فإن كانت القيمة يومَ قبض الأجير أكثرَ من القيمة يوم قبض الصانع كان ذلك له، وإن كانت القيمة أقلَّ رجع بتمام القيمة على الصانع؛ لأن الأجير صار غريمَ غريمِهِ، وعلى القول الآخر لا شيء على الصانع إذا ثبت أنه سلَّمه لأجيره. وإن فسد شيء من سبب الصنعة لم يكن على الأجير شيء، والغرم على الصانع، إلا أن يكون الأجير قد فرَّط أو ضيع فيكون لصاحبِ الثوبِ أن يطلب الأجيرَ إن أحبَّ، وإن أحبَّ أغرم (¬6) الصانعَ ورجع الصانع (¬7) على الأجير. ¬

_ (¬1) في (ر): (للأجير). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 401. (¬3) في (ر): (أنه ضاع). (¬4) قوله: (ضمن) ساقط من (ر). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 68. (¬6) في (ر): (غرم). (¬7) قوله: (الصانع) ساقط من (ر).

باب في ضمان الصانع ما لاصنعة له فيه إذا كان المستصنع لا يستغني عنه

باب في ضمان الصانع ما لاصنعة له فيه إذا (¬1) كان المستصنع لا يستغني عنه وذلك كالكتابِ المستنسخ منه، والثوبِ يُطرز على مثله، أو ما يُصاغ عليه، وجَفْنِ السيف إذا كان متى أُسْلِمَ إلى الصانع بغير جفن فسد، وظرفِ القمحِ والعجينِ. واختلف في ضمان الكتابِ الذي يُنتسخ (¬2) منه، والدملجِ الذي يُصاغ عليه، والمثالِ يطرز عليه (¬3)، فقال محمد بن المواز: الصانع ضامن لذلك. وقال سحنون: لا ضمان عليه (¬4). والأول أحسن؛ لأن تسليم ذلك إليهم لم يكن (¬5) على اختيار ولا رضًا بأمانتهم، وإنما كان ذلك ضرورة، كما اضطر إلى تسليم ما يصنع له، ولو كان ذلك لا يضمن لم يضمن الصانع إلا لما له صنعة في جميعه: كالنسج، والصبغ، والخياطة إذا كان بقيمته من الأصل، ولا يضمن الشقة إذا أخذها ليطرزها؛ لأن صناعته في طرف و (¬6) في جزء منها يسير، وما سوى ذلك الطرف لا صنعة (¬7) له فيه، وكذلك الثوب يأخذه ليصلح طوقه أو أسفله، فلما سلموا أنه ضامن لجميع ذلك الثوب لما كانت الضرورة تدعو إليه، وأنه لا يقدر على تسليم الذي يضع الصنعة (¬8) فيه إلا بتسليم جميعه، وكذلك يضمن (¬9) ما لا صنعة له فيه من هذه الأشياء للضرورة إلى ذلك. ¬

_ (¬1) في (ت): (أو). (¬2) في (ر): (ينسخ). (¬3) في (ح) و (ر): (مثله). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 75، 76. (¬5) في (ر): (لا يكون). (¬6) قوله: (و) ساقط من (ر). (¬7) في (ر): (للصناعة). (¬8) في (ر): (الصناعة). (¬9) قوله: (يضمن) ساقط من (ر).

وقال محمد بن المواز: يضمن الصيقل السيف دون الجَفْن إذا لم يستأجر على شيء من إصلاحه، ولا يضمن الظرف الذي يكون فيه القمح والعجين (¬1). وهذا خلاف لقوله الأول أنه يضمن المثال، وأن يضمن ذلك أحسن؛ لأن تسليم ذلك عليه (¬2) لم يكن على وجه الاختيار. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 75. (¬2) قوله: (عليه) ساقط من (ر).

باب في الصانع يدعي الرد، وكيف إن جعل له أن يسلم ذلكـ إلي غيره فقال: قد فعلت, وخالفه الآخر

باب في الصانع يدعي الرد، وكيف إن جعل له أن (¬1) يسلم ذلكـ إلي غيره فقال: قد فعلت, وخالفه الآخر واختلف في الصانع يدعي الرد وينكره الدافع، فقال مالك وابن القاسم: هو ضامن إلا أن يقيم البينة على الرد (¬2). وقال عبد الملك بن الماجشون في "كتاب ابن حبيب": إذا أخذ ذلك من غير بينة كان القول قوله في الرد مع يمينه، وإن أخذه ببينة لم يقبل قوله إلا ببينة (¬3). والأول أحسن. وكل ما كان مضمونًا كان حكمه في ذلك حكم الدين، من ذلك: الرهن، والعواري، وما بيع على خيار (¬4)، وكل ذلك مضمون إن ادعى التلف، ولا يقبل قوله في الرد وكذلك الصناع (¬5) لا يقبل قولهم في الرد كما لا يقبل قولهم في التلف؛ لأنهم لم ينزلوا في ذلك منزلة الأمن، ولأنَ الوجهَ الذي يترقب من الصانع في دعوى التلف يُتخوف مثلُه في دعوى الرد، إلا أن يكون الرهن والعارية والمبيع على خيار- حيوانًا، فيكون القولُ قوله في التلف وفي (¬6) الردِّ، ولو كان شيئًا مما يغاب عليه في إجارةٍ أو قراضٍ أو وديعةٍ - لكان القولُ قوله في الرد كما يقبل قوله في التلف. واخْتُلف إذا جعل له أن يسلمه بعد الفراغ لغسَّالٍ أو طرَّازٍ فقال: قد فعلتُ، وأنكره الآخر أو صدقه وقال: ضاع عندي، فقال ابن الماجشون في ¬

_ (¬1) قوله: (أن) ساقط من (ر). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 461. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 83. (¬4) قوله: (على الخيار) يقابله في (ت): (بالخيار). (¬5) قوله: (لا يقبل. . . الصناع) ساقط من (ر). (¬6) قوله (في) ساقط من (ر).

"كتاب ابن حبيب": القول قول الصانع أنه دفعه، كما يقبل قوله في رده (¬1). وقال أصبغ في "ثمانية أبي زيد": لا يقبل قولُه. وهو أصل ابن القاسم إذا كذبه الغسال أو الطراز، لوجهين: أحدهما: أنه لا يقبل قوله في الردِّ فكيف لا يقبل قوله في تسليمه في آخر، والوجه الثاني: أنه يقول لا يقبل قول المودع في تسليم الوديعة إلى يد آخر، وهو (¬2) في هذا أبين ألا يقبل قوله. وأرى أن لا يُقبل قولُهُ في التسليم، كما لا يُقبل قولُه في الردِّ (¬3)، ويختلف إذا صدقه وقال: ضاع مني، وأن يُقبل قوله أحسنُ فيحلفان جميعًا: يحلف الصانعُ لقد سلَّمه إليه، ويحلف الآخرُ: لقد ضاع مني (¬4)، وتكون مصيبتُه من صاحبه، إلا أن يكون الثاني منتصبًا، فيضمن، إلا أن تقوم له بينة. وعلى هذا يجري الجواب في حامل القمح والعجين، فإن قال: سلمتُ ذلك إلى الفرّان، وكذَّبه، حلف الفرانُ وضمن الحاملُ. واختلف بعد تسليمه في رده إلى الذي يحمله، فقال الفرّان: وديعة رددتُه إليه، وكذَّبه الحاملُ، حلف الحاملُ أنه لم يأخذ منه وغرم الفرانُ، وإن قال أحدهما: صَدَقَ وصل إليَّ وضاع عندي، برئ من ادَّعى تسليمَه؛ لأنَّ الشأنَ تسليمُ ذلك بغير بينة، وضمن الآخرُ. وقال ابن القاسم في "كتاب محمد" في الطَّحَّان يدَّعِي تلفَ القمحِ: أنه يَغْرَمُ مثلَه دقيقًا على ما عرف النَّاسُ. قال محمد: بل يغرم مثلَه قمحا (¬5). فرأى ابنُ القاسم أن يُغَرِّمَهُ دقيقًا؛ لأن الشأنَّ بِمِصْرَ أنَّ القمحَ يُدْفَعُ إلى ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 68. (¬2) في (ر): (هو). (¬3) قوله: (وأرى ألا. . . قولُه في الردِّ) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (مني) ساقط من (ت). (¬5) قوله: (قمحا) ساقط من (ر). وانظر: النوادر والزيادات: 7/ 69.

الطحانِ بوزنٍ ويسلمه الآخرُ دقيقًا بوزنٍ، فهو إن أخذه بالوزن قمحًا كان عليه طحنه ويسلمه دقيقًا بوزن، فلم يكن في (¬1) إغرامه إياه قمحًا فائدةٌ لما كان عليه طحنه. ¬

_ (¬1) قوله (في) ساقط من (ر).

باب في الثوب وغيره يفسد عند الصانع وما يضمن من ذلكـ

باب في الثوب وغيره يفسد عند الصانع وما يضمن من ذلكـ لا يخلو إفسادُ الثوبِ عند الصانع من ثلاثةِ أحوالٍ: إما أن يكون ذلك (¬1) من سبب الصانع، أو من سبب غيره من الآدميين، أو من (¬2) غير هما: كالفأرِ، والسوسِ، والنارِ. فإن كان الفسادُ من قِبَلِ الصانعِ في القِصارةِ أو الطِّرازِ أو الخياطةِ، وكان يستطاع أن يعادَ القِصارةُ، أو يُفْتَقُ الطَّرْزُ والخياطةُ ويعمله على ما شرطه عليه- لزمه ذلك، وإن كان لا يستطاع ذلك، وكان الفساد يسيرًا غَرِمَ النقصَ ولم يضمن جميعَه، وإن كان كثيرًا ضَمِنَ جميعَه وقد تقدَّم ذلك. وإن كان ذلك من فعلِ غير (¬3) الصانعِ وعَلِمَ ذلك ولم يكن في ذلك (¬4) من الصانع تفريطٌ - كان الغُرْم على الأجنبيِّ دون الصانعِ، وإن كذبه الدَّعَى عليه حلف وبَرِئَ، وكان الغُرْمُ على الصَّانعِ، وإن صدَّقَهُ برئ الصانعُ وغرم (¬5) الأجنبيُّ؛ لأنَّه لا يُتَّهَمُ أنْ يُواطِئَهُ على الإقرار في مثل ذلك. وإن كان هلاكُهُ منهما جميعًا، فكان من الصانع تفريطٌ ومن الآخر إفسادٌ (¬6) - كان لصاحب الثوب أن يُطالبَ بقيمة ثوبِه أيهما أحبَّ، فإن أخذ بذلك الصانع رجع الصانعُ على الأجنبيِّ، وإن أخذ بذلك الأجنبيَّ لم يَرجع الأجنبيُّ على الصانع بشيء، وإن كان من الصانع تسليطٌ بغلط أو عَمْدٍ كان ¬

_ (¬1) قوله (ذلك) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (من) زيادة من (ر). (¬3) في (ر): (من غير فعل). (¬4) قوله: (في ذلك) ساقط من (ر). (¬5) في (ر): (وبرئ). (¬6) في (ت): (فساد).

فصل [في تضمين الصانع إذا تعمد التفريط في المضمون]

لصاحب الثوب أن يبتدئ بالصانع. واختُلف: هل له أن يبتدئ بالأجنبيِّ؟ فإن ابتدأ بالأجنبي (¬1) لم يرجع الأجنبيُّ على الصانع، وإن ابتدأ بالصانع، نظرتَ: فإن كان ذلك التسليط بعمد لم يرجع على الأجنبي بشيء، واختلف إذا كان تسليطه (¬2) بغلط. فصل (¬3) [في تضمين الصانع إذا تعمد التفريط في المضمون] ومن "المدونة" قال ابن القاسم في القَصَّار ينشر الثوبَ على حَبْلٍ، فيمرّ إنسانٌ بحملٍ فيخرقه: إن الغُرْمَ على الذي خرقه ولا شيءَ على القصار وإن كان الذي خرقه عديمًا (¬4). قال الشيخ -رحمه الله-: وإن كان من القصار في ذلك مشاركة؛ لأنه لم يُعَلِّه (¬5) عن المارة، أو ينشره (¬6) في موضع يخاف عليه فيه لكان لصاحب الثوب أن يُغَرِّم أيهما أحب، فإن غَرَّم (¬7) الأجنبيَّ لم يرجع بذلك على القصّار، وإن غَرَّم (¬8) القصارَ رجع به (¬9) على الأجنبيِّ، هذا ظاهر المذهب، واستحسن أن لا يكون عليه شيء إذا لم يتعمد ولم يرد ذلك؛ لأن القصار عرض به لما خرج بفعله عن المعتاد. وقال ابن القاسم فيمن وضع قلالًا في طريق الناس، فعثر عليها إنسانٌ فكسرها: إنه ضامن (¬10). قال محمد: وإن انكسرت رِجْلُ الذي عَثَرَ عليها فلا شيء عليه، كان وضعها في غير موضع عمدًا أو ليرفعها مكانه وليس ليعثر ¬

_ (¬1) قوله: (فإن ابتدأ بالأجنبي) ساقط من (ر). (¬2) في (ر): (تسليط). (¬3) قوله (فصل) ساقط من (ر). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 403. (¬5) في (ر): (يعلمه). (¬6) في (ر): (نشره). (¬7) في (ت): (أغرم). (¬8) في (ت): (أغرم). (¬9) قوله (به) ساقط من (ر). (¬10) انظر: المدونة: 3/ 404.

فصل [في تضمين الصناع ما يتلف في أيديهم إلا إذا أقاموا بينة على عدم التفريط]

عليها أحد (¬1). قال الشيخ -رحمه الله-: وأرى إذا وضعها استراحةً ثم يرفعها أو ما أشبه ذلك- أن يضمن له ولا يضمن هو ما حدث عنها، وإن جعل ذلك موضعًا لها وهو موضع المارة ضمن ما حدث عنها ولم تضمن له، إلا أن يتعمد الآخرُ كسرَها، ولو مرَّ بها إنسان في ليل فكسرها لم يضمنها له، إلا أن يتعمد الآخرُ (¬2)، وسواء كان الآخر جعل ذلك موضعًا لها أو استراحةً ليرفعها؛ لأنه غرّر بها وكان عليه أن يقف عندها ليصرف المارة عنها. فصل [في تضمين الصناع ما يتلف في أيديهم إلا إذا أقاموا بينة على عدم التفريط] وقال مالك (¬3) في "المدونة" في القَصّار يأتي بالثوب وفيه أثر يزعم أنه قرضُ فأرٍ، قال: هو ضامن إلا أن تقوم له بينة أنه قرضُ فأرٍ وأنه (¬4) لم يفرط (¬5). وقال ابن حبيب: إذا ثبت أنه قرضُ فأرٍ أو أنه لَحْسُ سُوْسٍ لم يضمن القصارُ ولا المرتهنُ. وإن ادّعى المالك أنهما ضيعا حلفا (¬6)؛ لأن الفأر والسوس غالبٌ، وقولُ مالك في القَصّار أنه ضامن حتى يثبت أنه لم يفرط- حسنٌ؛ لأنه قد علم منهم استعمالَ المتاعِ، ويحملون فيه (¬7) اللحم والسمك وغيره من الطعام مما هو السبب في قرض الفأر. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 75. (¬2) قوله: (له، إلا أن يتعمد الآخرُ) ساقط من (ت) و (ر). (¬3) قوله: (مالك) ساقط من (ر). (¬4) زاد في (ت): (قال: هو ضامن إلا أن تقوم له بينة) هنا، وهو تكرار. (¬5) انظر: المدونة: 3/ 404. (¬6) قوله: (حلفا) ساقط من (ت). (¬7) في (ت): (فيه على).

وأما الخياط (¬1) وما أشبهه (¬2)، فمحمول على أنه لا سبب له في ذلك الفساد، وأيضًا فإنه ليس كل مصنوع يتحفظ به أو يجعل في تابوت أو صندوق، ولا كل مصنوع يخشى عليه من الفأر، فما كان الشأن أنه لا يجعل في غلق ولا (¬3) يخشى ذلك عليه- فلا شيء على الصانع فيه، ولا يكلف البينة أنه لم يفرط. وأما السُّوْسُ فإن كان السببُ في ذلك طولَ (¬4) مَطْلِ الصانعِ ولم يتفقده بالنَّفض والنَّشر- كان مفرطًا وضمن، وهو في الرهان أشكل؛ لأن صاحبه دخل على بقائه إلى مدة يتسوس فيها (¬5) ولم يُلْزِم المرتهنَ تفقُّدَه. وقد قال ابن وهب في "الدمياطية" في المرتهن: يضمن الرهن إذا اسْتاسَ عنده (¬6). ولم ير ابن القاسم في "المدونة" على الصانع في الحريق شيئًا إذا ثبت احتراقُه أو ثبتتْ سرقتُه (¬7)، وسوّى بين الحرق والسرقة (¬8). وقال مالك (¬9) في "كتاب محمد" في الحريق: يضمن وإن رُئي ذلك في النار، وكذلك الرهن. قال محمد: ذلك صواب حتى يعلم أن النار ليست من سبب الصانع (¬10). فرأى ابن القاسم أن النار فاعلة بنفسها فأشبهتْ الفأرَ والسوسَ، ورأى مالك أن الإنسان سببها وهو موقدها وأن إحراقها لمجتمل أن يكون؛ لأنه تصرف بها فيسقط منها ما، أو لأنه جعلها مجاورة لما أحرقت فترامى إلى غيره، أو لأنه لم يحسن حفظها، وكذلك هو السبب فيه، وهو أشبه من القول الأول. ¬

_ (¬1) في (ر): (الخياط). (¬2) في (ت): (وما أشبه ذلك). (¬3) في (ر): (لا). (¬4) قوله: (طول) ساقط من (ر) (¬5) في (ت): (فيه). (¬6) قوله (عنده) زيادة من (ر). (¬7) قوله (أو ثبتت سرقته) ساقط من (ر). (¬8) انظر: المدونة: 3/ 404. (¬9) قوله (مالك) ساقط من (ر). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 75.

باب في سقوط الضمان عن الصانع فيما حدث عن صنعته إذا كان الغالب حدوث ذلكـ من غير تفريط

باب في سقوط الضمان عن الصانع فيما حدث عن صنعته إذا كان الغالب حدوث ذلكـ من غير تفريط و (¬1) قال مالك وابن القاسم وأشهب في "كتاب محمد" في الصانع يدفع إليه القوس يغمزه، والرمح يقومه، والفص (¬2) ينقشه فينكسر ذلك: لا ضمان عليه إلا أن يغر أو يفرط. وقال محمد: و (¬3) لا يضمن من دفعت إليه لؤلؤة ليثقبها فتنكسر (¬4)، قال أصبغ في "العتبية": إذا انخرم الثقب فلا (¬5) يضمن (¬6)، ولو نفد الثقب لضمن (¬7) (¬8). يريد: إذا وضع الثقب في غير موضعه. واختُلف إذا احترق الخبزُ عند الفران، والغزلُ عند المبيض، فقيل: لا ضمان عليه؛ لأن النار تغلب، وقال محمد بن عبد الحكم: هو ضامن (¬9). وأرى أن يرجع في ذلك إلى الثقات من أهل المعرفة بتلك الصنعة، فإن قالوا: إن مثل ذلك يكون من غير تفريط لم يضمن، وإن قالوا: إن ذلك عن تفريط لأنه زاد في الوقيد أو أفرط (¬10) في التأخير ضمن، وليس كل الاحتراق سواء، وكذلك إذا أخرجه عجينًا فينظر: هل ذلك لتقصير في الوقيد أو لتعجيل في الإخراج؟ ¬

_ (¬1) قوله: (و) زيادة من (ر). (¬2) في (ر): (والعصا). (¬3) قوله (و) ساقط من (ر). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 74. (¬5) قوله: (فلا) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (فلا يضمن) ساقط من (ت). (¬7) قوله: (ولو نفد الثقب لضمن) ساقط من (ر). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 73. (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 71. (¬10) في (ر): (فرط).

وكذلك الغزل يحترق، فإن قيل: إن ذلك من سبب قلة الماء أو فساد في القدر ضمن. وإن قيل: إن ذلك يكون من غير تفريط لم يضمن، وهذا إذا أحضر الغزل أو الخبز محترقًا وعرف أنه الذي استؤجر عليه أو صدقه فيه، فإن لم يأت بشيء وقال: فسد فطرحته، لم يصدق وكان ضامنًا إذا لم يحضره (¬1)، وإن أتى بالخبز (¬2) ولم يعلم أنه الذي استؤجر عليه ولم يصدقه صاحبه فيه ضمن إذا كان يعمل مثل ذلك لنفسه؛ لأنه لا يدري هل الذي أفسده متاعه أو متاع الناس؟ ويتهم أن يكون ذلك متاعه، وإن كان عمله للناس (¬3) خاصة صدق؛ لأن تمييز ذلك إليه ولا يعلم إلا منه، ولا يتهم أن يفر من أحدهما إلى الآخر، وكذلك إذا كان يخبز لنفسه وكان ذلك مما لا يختلط؛ لأن أحدهما نقي والآخر ليس كذلك، أو كان أحدهما كبيرًا والآخر لطيفًا، فإذا تبين أنه ليس من الصنف الذي يخصه قُبِلَ قولُه وبَرِئَ (¬4). ¬

_ (¬1) قوله: (إذا لم يحضره) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (أتى بالخبز) يقابله في (ت): (حضر الخبز). (¬3) قوله: (للناس) ساقط من (ر). (¬4) في (ر): (ويبرأ).

باب في الخياط والصيرفي والدليل يخطئ فيما استؤجر عليه

باب في الخياط والصيرفي والدليل يخطئ فيما استؤجر عليه وإذا استُؤجر خياطٌ على قَيْس ثوبٍ، فقال له: إن كان يقطع ثوبًا اشتريته. فقال له: إنه يقطع ثوبًا فاشتراه على قوله، ثم وجده دون ذلك، فإن لم يكن غَرَّ من نفسه لم يضمن، واختلف في الأجرة، وإن غَرَّ من نفسه لم تكن له أجرة واختلف في ضمانه. وإن استُؤجر صيرفيٌّ ينتقد دراهمَ، ثم وجد فيها بعد ذلك (¬1) زيوفًا، فإن لم يكن غَرَّ من نفسه (¬2) لم يضمن. ويختلف في الأجرة حسب ما تقدم، وإن غَرَّ ضمن وله أجره، وهذا بخلاف الأول؛ لأن هذا يأخذ منه جيادًا، فصار إلي غرضه فيما بدل (¬3) له (¬4) العوض، والآخر لم ينتفع بما بدل (¬5) له العوض وإن ضمنت له القيمة. ولو قال للخياط: إن كان يُقْطَعُ قميصًا فاقطعه وإن كان لا يكسو قميصًا فلا تقطعه، فقطعه، ثم تبين له أنه عاجز، فإن غَرَّ من نفسه ضمن قولًا واحدًا؛ لأن هذا غرور بفعل، والأول غرورٌ بقول؛ لأنَّه قاس ولم يقطع، وألزم مالك في المسألة الأولى الثوب للمشتري (¬6). والأحسن (¬7) أن له أن يرده عليه لأنه قد علم أنه لو علم أنه (¬8) لا يكسو لم يشتره. وإن كان البائع عالمًا أنه لا يقطع قميصًا كان ذلك أبين في رده عليه، إلا أن يكون قيس الخياط وكلام المشتري ¬

_ (¬1) قوله: (ذلك) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (نفسه) ساقط من (ت). (¬3) في (ر): (يدل). (¬4) قوله: (له) ساقط من (ت). (¬5) في (ر): (يدل). (¬6) انظر: المدونة: 3/ 403. (¬7) قوله: (والأحسن) يقابله في (ر): (والأول أحسن). (¬8) قوله: (قد علم أنه لو علم أنه) ساقط من (ر).

معه (¬1) على قياسه في غيبة صاحبه. وإن قال: دلّني على جاريةِ فلانٍ أشتريها لصفة (¬2) بلغتْهُ عنها فَدَلَّهُ على غيرها فاشتراها، فإن لم يَغرَّ لم يضمن، واختلف في الجعل، وإن غَرَّهُ لم يكن له جعل، واختلف في ضمانه، وإن كان البائع عالمًا قبل البيع أن المشتري إنما اشتراها لأنه يراها أنها أمةُ فلانٍ - كان له أن يردها عليه. وكذلك إذا قال له: دلّني على ابنة فلان لأتزوجها، فَدَلَّه على غَيْرِها، فالجواب (¬3) على ما تقدم، وقد قيل: لا شيء له من الأجرة في الدلالة على النكاح وإن لم يخطئ بخلاف الدلالة على البيع، وأراه جائزًا ولا فرق بينهما؛ لأن ذلك يأخذه لمكان عنائه معه. وإن استُؤجر لِيَدُلَّ على طريقٍ فأوصله إلى غيره ولم يَغرَّ من نفسه، فقال في "كتاب محمد": له الأجرة. وقال أشهب في "كتاب ابن القرطي": لا أجرة له (¬4). وهو أحسن؛ لأن الطريق التي (¬5) استؤجر عليها لم يمر عليها، ولو أخطأ من بعض الطريق لكان له من الأجرة بقدر ما يصل منه (¬6)، وإن كان على البلاغ لم يكن له شيء، وإن غَرَّ من نفسه لم يكن له أجرة. ويختلف: هل يضمن ما (¬7) هلك لأجل خطئه من بهيمة أو لصوص أكلوهم في تلك الطريق؟ وإن كان عالمًا بمن كان في تلك الطريق من اللصوص كان أبين؛ لأنه غرور بفعل. ¬

_ (¬1) قوله: (معه) ساقط من (ر). (¬2) في (ر): (لصنعة). (¬3) في (ر): (الجواب). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 88. (¬5) في (ر): (الذي). (¬6) في (ت): (ما لم يطل منه). (¬7) في (ر): (من).

باب في اختلاف الصانع ومن استأجره في الصفة التي استأجره عليها، وكيف إن قال: ليس هدا الثوب الذي كنت استأجرتك عليه

باب في اختلاف الصانع ومن استأجره في الصفة التي استأجره عليها، وكيف إن قال: ليس (¬1) هدا الثوب الذي كنتُ (¬2) استأجرتُك عليه وإذا نسج الحائك الغزل سبعًا في ست، وقال: بذلك أمرتني، وقال الآخر: بل بثمان في سبع (¬3)، أو كان اختلافهما في خياطة، فقال أحدهما: عربية، وقال الآخر: رومية، وأتيا جميعًا بما يشبه النسج (¬4) والخياطة، أو اختلفا في صبغ فقال أحدهما: أحمر، وقال الآخر: أخضر، أو ما أشبه ذلك وأشبه ما قالا؛ لأن الصباغ (¬5) يصبغ الصبغتين (¬6) والثوب مما يحسن أن يصبغ بهما- كان في المسألة قولان: فأصل مالك وابن القاسم أن (¬7) القول قول الصانع أنه لم يتعدَّ، وأن الإجارة كانت على ما صنعه، ويسقط عنه حكم التعدي (¬8)، ويستحق المسمى من الإجارة (¬9) (¬10)، وهو قول مالك في العتبية أن القول قول الحائك (¬11). وفي "المدونة": أن القول قول الصباغ (¬12). وقال سحنون: القول قول الصانع في طرح التعدي، والقول قول صاحب الثوب في الأجرة، ويكون عليه الأقل من المسمى أو إجارة المثل (¬13). يريد: مع ¬

_ (¬1) قوله: (ليس) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (كنتُ) ساقط من (ر). (¬3) في (ت): (تسع). (¬4) في (ر): (في المنسج). (¬5) قوله: (الصباغ) في (ر): (الصانع). (¬6) قوله: (الصبغتين) في (ر): (الصنفين). (¬7) قوله: (أن) ساقط من (ر). (¬8) في (ت): (المتعدي). (¬9) في (ر): (الأجرة). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 88. (¬11) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 244. (¬12) في (ر): (الصانع). وانظر: المدونة: 3/ 405. (¬13) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 80.

يمينه، إلا أن يكون المسمّى أقلَّ فلا يمين عليه، وإن أحبَّ أن يبقى الصانع معه شريكًا بالصنعة كان ذلك له، ويجري فيها قول آخر: أن يكون القولُ قولَ صاحب الثوب مع يمينه: أنه لم يستأجره على ذلك، ويضمنه قيمة الثوب إن أحبَّ قياسًا على أحد القولين في الوكيل يشتري ثمرًا، ويقول بذلك أمرتني، ويقول الآمر: أمرتك بقمح، فقال ابن القاسم مرة: إن (¬1) القول قول الآمر ولا يلزمه الثمن لأنهما أمينان، فهذا أمن على ما يشتريه (¬2)، وهذا أمن على ما يصنعه (¬3). وهذا في الصانع أبين (¬4) أن لا يقبل قوله لأنه بائع لسلعته أو منافعه فكان (¬5) القول قول المشتري أنه لم يشتر منه هذا وإن أتى الصانع بما يشبه دون الآخر؛ لأن عادته أن يصنع جنسًا واحدًا وهو الذي صنع، أو كانت عادته الصنفين (¬6)، ولا يصنع في مثل ذلك الثوب (¬7) إلا الصنف الذي عمله الصانع - كان القول قوله مع يمينه: أنه لم يتعدَّ، ويستحق المسمَّى قولًا واحدًا، فإن أتى صاحب الثوب بما يشبه دون الآخر حلَف، وكان القول قوله لأنه الغارم، فيحلف (¬8) أنه لم يشتر منه (¬9) هذا الصبغ. ومثله لو اختلفا في صنفين، فقال أحدهما: أزرق، وقال الآخر: أحمر، وقال صاحب الثوب: أنا أسقط مقالتي في التضمين، وأحلف أني لم أستأجره على هذا فأدفع عن نفسي غرم الإجارة في هذه الصنعة ويكونان شريكين- ¬

_ (¬1) قوله: (إن) ساقط من (ر). (¬2) في (ر): (مشتريه). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 273، 274. (¬4) في (ر): (أمين). (¬5) في (ر): (فكذلك). (¬6) في (ت): (الصنعتين). (¬7) قوله: (الثوب) ساقط من (ت). (¬8) في (ر): (ويحلف). (¬9) في (ت): (من).

كان ذلك له. ولو صبغه أزرق فقال (¬1) الآخر: كانت الإجارة على أكحل- لكان القول قول صاحب الثوب على القولين جميعًا؛ لأن ذلك الصبغ ليس بفوت وهذا قادر على أن يعيده على صفة ما حلف عليه الآخر، فإن رضي بذلك الصانع أن يصبغه أكحل، وإلا حلف ولم يستحق من المسمى إلا بقدر ما حلف عليه (¬2) صاحب الثوب؛ لأن القول قول الصانع: أنه لم يبع الزائد على الصفة التي صبغ. وقال مالك في "المدونة" في الصواغ تدفع إليه فضة فيصوغها سوارين، فقال الآخر: استعملتك لتعملها خلخالين- فالقول قول الصواغ (¬3). يريد فيدفع عن نفسه العداء؛ لأنها لو كسرت وأعيدت نقصت، وعلى قول سحنون يكون القول قول صاحب الفضة أنه لم يستأجره ليعملها (¬4) سوارين، والقول قول الصانع أنه لم يتعدَّ ويكونان شريكين، هذا له قدر الفضة والآخر قدر الصنعة، إلا أن يحب صاحب الفضة أن يعطيه إجارة المثل إذا كانت أقل والله أعلم. ¬

_ (¬1) في (ر): (وقال). (¬2) في (ر): (فيه). (¬3) في (ر): (الصانع). وانظر: المدونة: 3/ 405. (¬4) في (ر): (يستأجر ليعمله).

باب في القصار يخطئ فيدفع الثوب إلى غير صاحبه، فيقطعه الآخر أو يخيطه أو يلبسه

باب في القصار (¬1) يخطئ فيدفع الثوب إلى غير صاحبه، فيقطعه الآخر أو يخيطه أو يلبسه ومن "المدونة" قال ابن القاسم في القصار يخطئ فيدفع الثوب إلى غير صاحبه فيقطعه الآخر أو يخيطه، ثم يأتي صاحبه: إن له أن يأخذه ويدفع إلى الخياط أجر الخياطة، فإن أبى أن يدفع أجر الخياطة كان الذي خاطه بالخيار بين أن يعطيه قيمته صحيحًا أو يسلمه بخياطته، فإن أسلمه كان صاحبه بالخيار بين أن يمسكه أو يسلمه للقصار ويغرمه قيمته (¬2). وقال سحنون: إذا أبى صاحب الثوب أن يعطي أجر الخياطة، لم يكن له إلا أن يضمن القصار ثم يقال للقصار: أعطه أجر خياطته، فإن أبى أعطاه الآخر قيمته غير مخيط، يريد مقطوعًا، قال: فإن أبى كانا شريكين، هذا بقيمة ثوبه وهذا بخياطته (¬3). قال الشيخ -رحمه الله-: لا خلاف أن لرَبِّ الثوبِ أن يُغرم القصارَ قيمة ثوبه صحيحًا، وإنما الخلاف في حكم القصار ورب الثوب مع القاطع، فاختلف في أربعة مواضع: أحدها: هل يغرم القصار ما نقصه القطع؟ والثاني: هل لصاحبه أن يأخذه ولا شيء عليه في الخياطة؟ والثالث: إذا لم يكن على القاطع أن يغرم عن القطع شيئًا وتمسك به لمكان خياطته: هل يغرم قيمته صحيحًا أو مقطوعًا؟ والرابع: إذا لم يختر أن يمسكه لموضع خياطته وسلمه: هل يسقط ¬

_ (¬1) في (ت): (الصانع). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 401. (¬3) انظر: النوادر والزيادات 7/ 86.

مقاله في الخياطة أو يكون شريكًا بها؟ فأما الغرم عن القطع ففيه ثلاثة أقوال: فرأى ابن القاسم (¬1) شيء لصاحبه على القاطع بما (¬2) كان قادرًا على أن يأخذ قيمته من القصار صحيحًا ولا يكون للقصار على القاطع شيء (¬3)؛ لأنه سلَّطه على القطع، إلا أن يكون القصار عديمًا فيرجع على القاطع بما نقصه القطع؛ لأنه مستحقٌّ لثوبه في يد من قطعه. و (¬4) القول الثاني: أن (¬5) للقصار أن يغرمه قيمة القطع قياسًا على قول مالك في "كتاب محمد" فيمن اشترى ثوبًا فأعطاه البائع غيره فقطعه المشتري: إن عليه قيمة القطع (¬6)، يريد: لأن البائع سلمه، وهو يرى أنه مجبور على تسليمه، وكذلك القصار القول قوله (¬7). والقول الثالث (¬8): أن لا شيء على القاطع وإن كان القصار عديمًا قياسًا على أحد القولين فيمن اشترى عبدًا فقتله خطأ فقد قيل: لا شيء على القاتل، فكذلك (¬9) القاطع، إلا أن يقوم دليل أنه عالم أنه (¬10) غير ثوبه؛ لأنه أجود بالشيء البين، أو أطول بالشيء الكثير - فلا يصدق أنه لم يعلم. وأما الخياطة، فقال ابن القاسم: لا يأخذه صاحبه إلا أن يدفع أجرة الخياطة (¬11). وقيل: إن نقصت الخياطة من قيمته كان لصاحبه أن يأخذه بلا ¬

_ (¬1) في (ر): (لا). (¬2) في (ر): (لما). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 84. (¬4) قوله: (و) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (إن) ساقط من (ر). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 84. (¬7) قوله: (القول قوله) ساقط من (ت). (¬8) في (ر): (والثالث). (¬9) قوله: (القاتل، فكذلك) ساقط من (ر). (¬10) قوله: (عالم أنه) ساقط من (ت). (¬11) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 84.

غُرمٍ إن أحب، وإلا ضمن القصار. وهذا راجع إلى الخلاف: هل تكون الشركة بقيمة الخياطة أو بما زادت؟ والصواب أن تكون الشركة بما زادت الصنعة فإن لم تزد لم يكن له شيء، ويجري فيها قول ثالث: أن لا شيء له وإن زادت، قياسًا على أحد القولين فيمن استحق قمحه وقد طحن: أن لا شيء على المستحق؛ لأن الطحن (¬1) والخياطة ليست بسلعة أضيفت إليها كالصبغ. وقال ابن القاسم: إذا أبى المستحق أن يدفع أجرة الخياطة وأمسكه القاطع لموضع خياطته: أنه يغرم قيمته صحيحًا (¬2). وقيل: يغرم قيمته مقطوعًا. وهو (¬3) أحسن؛ لأن ابن القاسم لم يجعل عليه للقطع شيئًا إذا أسلمه، وكذلك (¬4) ينبغي إذا أمسكه أن لا يكون عليه في القطع شيء. وقال ابن القاسم فيمن اشترى ثوبًا فأعطاه البائع غيره فقطعه: إن لصاحبه أن يأخذه مقطوعًا ولا شيء على القاطع، وإن خاطه لم يكن له أن يأخذه، إلا أن يدفع أجر الخياطة، فإن أبى قيل للآخر: أعطه قيمته صحيحًا، فإن أبى أسلمه بخياطته. وقال سحنون: إذا أبى هذا أن يعطي أجر الخياطة وأبى الآخر أن يعطيه قيمة الثوب كانا شريكين (¬5). وقال مالك في "كتاب محمد": إذا قطع المشتري الثوب، فإن أدركه البائع أخذه، وإن لم يدركه لم يكن عليه فيه شيء وكان للمشتري ثوبه (¬6)؛ لأنه يقول: لا أريد ثوبين وإنما اشتريت ثوبًا بدينارين ولم أرد ثوبًا بعشرين (¬7). وإن كان الثاني ¬

_ (¬1) في (ر): (الطحين). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 86. (¬3) في (ر): (وهذا). (¬4) في (ر): (وهذا). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 86. (¬6) قوله: (ثوبه) ساقط من (ر). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 86.

دون ثوبه لكان له أن يرده وما نقصه القطع ويأخذ ثوبه، وله أن يدفع قيمته يوم قبضه، ثم يكون بالخيار في ثوبه: فإن أحبَّ أخذه، وإن أحب لم يأخذه؛ لأنه يقول: لم أرد إلا ثوبًا ولم أرد ثوبين، فيلزمه ما نقصه (¬1) القطع. وقول ابن القاسم أبين (¬2)؛ لأن البائع أخطأ على ماله وسلطه على قطعه, ولو باعه لمن أسلمه (¬3) إليه لم يكن عليه سوى الثمن الذي باعه به، وإن ضاع وثبت ضياعه ببينة كانت مصيبته من البائع، ويأخذ المشتري ثوبه في جميع ذلك. ومحمل قول مالك أن الثاني يمضي في الأول وإن كان الثاني أثمن - على أنه تلف ببينة؛ لأن البائع طالب الفضل فإذا ضاع قال: أنا (¬4) أسقط مقالتي في ذلك الفضل وأمضيه له بثوبه. وكذلك إذا فات بلباس ولم يُصَوِّن به مالَهُ؛ لأن الأول كان يغني عن الثاني، وإن فات ببيعٍ كان للبائع أن يأخذ ما بيع به ويسلم الثوب الذي بقي عنده، ويتفق في هذا الموضع مالك وابن القاسم، إلا أن يُرَى أن فضل ما بين الثوبين لا يخفى على مثل ذلك المشتري، فيحمل على أنه قطعه بعد معرفته أنه غير ثوبه، ويلزمه غرم قيمته ويأخذ ثوبه. وقال مالك: إذا أمر البزاز بعض قومه أن يدفع الثوب إلى مبتاعه، ثم قال بعد ذلك: إن الثوب المقبوض غير المبيع، أحلف بالله ورد عليه الثوب، ولو كان هو دافعه لم يصدق إلا أن يأتي بأمر يعرف فيه صدقه من رقم الثوب أنه أكثر مما باعه به أو شهادة (¬5). ¬

_ (¬1) في (ر): (نقص). (¬2) قوله: (أبين) ساقط من (ر). (¬3) في (ر): (من سلم). (¬4) قوله: (أنا) ساقط من (ر). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 7/ 255.

فصل [في ضمان اللابس للثوب ما نقصه]

فصل [في ضمان اللابس للثوب ما نقصه] وإن لبس الثوب الذي سلمه إليه القصار فلم ينقصه اللباس - لم يكن عليه للمستحق شيء، وإن نقصه شيئًا (¬1) نظر إلى قيمة ذلك النقص، فإن كان نصف دينار ولو لبس ثوبه لنقص نصف دينار- كان عليه أن يغرم لصاحبه قيمة ذلك النقص، وسواء ها هنا كان القصار موسرًا أو معسرًا؛ لأنه صَوَّن ماله بخلاف القطع، ومثله إذا كانت قيمة نقصه نصف دينار ولو لبس ثوبه لنقصه دينارًا (¬2). ولو (¬3) كان نقص هذا الملبوس دينارًا، ولو لبس ثوبه لنقصه نصف دينار - لغرم اللابس نصف دينار وغرم القصار نصفًا إن كان موسرًا؛ لأن اللابس لم يُصَوِّن مالَهُ وصار في هذا الوجه كالقطع، وإن كان معسرًا غرم اللابس على أصل ابن القاسم جميع الدينار (¬4). وقال أشهب: إذا لبس كل واحد منهما (¬5) ثوب صاحبه (¬6) ضمن كل واحد منهما (¬7) ما نقص ثوب الآخر، فإن (¬8) أخلقاهما ضمن كل واحد قيمة ثوب الآخر ولا شيء على الغسَّال (¬9). وعلى أصل ابن القاسم يتبع الغسال بفضل ما بين القيمتين، فإن لم يجد (¬10) ¬

_ (¬1) قوله: (شيئًا) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (دينار) في ر: (نصف دينار). (¬3) قوله: (و) ساقط من (ت). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 84. (¬5) في (ت): (منهم). (¬6) في (ر): (ثوبا لصاحبه). (¬7) قوله: (منهما) ساقط من (ت). (¬8) في (ر): (وإن). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 85. (¬10) في (ر): (يوجد).

له شيئًا فحينئذٍ يغرم اللابس، وإن كان (¬1) اللابس عالمًا كان عليه أن يغرم ما نقصه اللباس، وسواء كان القصار موسرًا أو معسرًا، فإن كان اللابس معسرًا رجع على القصار ثم يتبع القصار اللابس، وإن لبس كل واحد منهما ثوب صاحبه وهو عالم رجع من له الفضل على صاحبه، فإن كان معسرًا غرم القصار ذلك الفضل ثم أتبع به اللابس (¬2). ¬

_ (¬1) في (ر): (فإن). (¬2) قوله: (ثم أتبع به اللابس) ساقط من (ر).

باب في من اشترى سلعة ثم مات هو والمشتري وجهل ورثتهما معرفة الثمن

باب في من اشترى سلعة ثم مات هو والمشتري (¬1) وجهل ورثتهما معرفة الثمن وقال ابن القاسم في "المدونة" فيمن اشترى سلعةً ثم مات هو والبائعُ قبلَ دفع الثمن، وجهل ورثتُهما الثمنَ قال: يحلف ورثة المشتري أنهم لا يعلمون بما (¬2) اشتراها به أبوهم، ويحلف ورثة البائع على مثل ذلك، ثم تُرَدُّ السلعُ (¬3) إن كانت قائمة، أو قيمتها إن كانت فائتة، قال: وإن ادَّعى أحدُهما معرفةَ الثمن وادَّعى الآخرون (¬4) الجهلَ - كان القولُ قولَ من ادَّعى المعرفةَ منهما إذا أتى بأمر سداد يشبه (¬5)، فيفسخ (¬6) البيع إذا كانت قائمة (¬7) بعد أيمانهما على جهل الثمن بمنزلة إذا ادعيا التحقيق فإنهما يتحالفان ويتفاسخان. وأرى ألا يُفسخ البيعُ ويغرموا (¬8) الأوسط من القيمة؛ لأنهما متفقان أن في الذمة دينًا (¬9) لا يدريان (¬10) كم هو، فوجب أن يغرم الأوسط (¬11) مما شك فيه. ولو كان ورثةُ الميتين عصبةً وممن يُرَى ألا (¬12) علم عندهم - لم يكن بينهم يمين ورُدَّتْ على أصله مع القيام، وغرم الأوسط من القيمة مع الفوت من غير ¬

_ (¬1) قوله: (والمشتري) كذا في المخطوطات، وفيها تحريف والصواب: (والبائع). (¬2) في (ر): (ما). (¬3) في (ر): (السلعة). (¬4) في (ر): (الآخر). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 406. (¬6) في (ر): (ففسخ). (¬7) جاء قوله: (قال: وإن ادَّعى أحدُهما. . . قائمة) في نسخة (ر) بعد قوله: (يغرم الأوسط مما شك فيه) الآتي ذكره. (¬8) في (ر): (ويغرم). (¬9) في (ر): (شيئًا). (¬10) في (ر): (لا يعرفان). (¬11) في (ر): (فيجب أن يغرم الوسط). (¬12) في (ر): (لا).

يمين على أحد من (¬1) الفريقين. وإن كان يُرَى أنَّ عند أحد الفريقين علمًا دون الآخر - كانت اليمين في جنبة من يرى أن عنده علمًا (¬2) خاصة. وإذا كانت اليمين على الفريقين؛ لأنهما ممن يظن بهم العلم فحلف أحد الفريقين ونكل الآخر - نَظرْتَ: فإن حلف ورثةُ المشتري غرموا الأقلَّ مما يشبه، وإن حلف ورثةُ البائع كان لهم الأكثرُ (¬3) مما يشبه، وقيام السلعة ها هنا وفوتها سواءٌ، بمنزلة لو ادعيا التحقيق فحلف أحدهما ونكل الآخر: أن السلعة لا ترد مع القيام، ويكون القولُ قولَ من حلف منهما من بائعٍ أو مشترٍ. فإن ادَّعى أحدُ الفريقين العلمَ بالثمن وأتى بما يشبه، ثم نكل عن اليمين وأشبه أن يكون عند الفريق الآخر من ذلك علم - حلفوا أنه لا علم عندهم، ثم ينظر إلى من نكل: فإن كان ورثة البائع كان لهم أقل مما (¬4) يشبه أن تباع به, وإن كان ورثة المشتري كان عليهم أكثر ما يشبه أن تباع به، وإن نكل من ادَّعى الجهلَ وصار النكولُ من الفريقين جميعًا رُدَّتْ على قول ابن القاسم إن كانت قائمةً، أو قيمتَها على أوسط ما تباع به إن كانت فائتة، وإن نكل من ادَّعى العلمَ وكان الفريق الآخر ممن لا يُظن به علمٌ - لم يكن عليهم يمين، وعاد الجواب فيمن لا يمين عليه إلى ما تَقدَّم لو حلفوا مع كونهم ممن يظن بهم العلم، ومثله إذا أتى من ادَّعى العلم بما لا يشبه، وحلف (¬5) الآخرون أنهم لا علم عندهم، أو لم يحلفوا؛ لأنه لا يظن بهم علم - فإن لمن أتى بما لا يشبه الأقلَّ إن كانوا (¬6) ورثة البائع (¬7)، وعليهم الأكثر إن كانوا ورثة المشتري. ¬

_ (¬1) قوله: (من) ساقط من (ر). (¬2) في (ر): (أنه عنده علم). (¬3) في (ت): (الأقل). (¬4) في (ر): (ما). (¬5) في (ر): (حلف). (¬6) في (ر): (كان). (¬7) قوله: (البائع) ساقط من (ر).

باب في النفقة على اللقيط، وكيف إن اعترفه أبوه بعد الإنفاق عليه

باب في النفقة على اللقيط، وكيف إن اعترفه أبوه بعد الإنفاق عليه وقال مالك في كتاب الإجارة: النفقة على اللقيط من بيت المال (¬1)، وقال محمد: نفقته على ملتقطه (¬2). وقول مالك أصوب؛ لأن نفس أخذه لا يوجب عليه شيئًا، والملتقط بالخيار: بين أن يمسكه وينفق عليه، أو يمسكه ويطلب النفقة له (¬3) من بيت المال إن كان بيت مال (¬4) أو من الناس، أو يرفعه إلى السلطان يرى فيه رأيه ويكون هو المتولي لحفظه، وقد يقول: أخذته لأختبر: هل يعرفه (¬5) أحد؟ وإلا أرسلتُه. وقوله في جميع ذلك مقبول. واختلف فيمن أنفق على صغير على أن يتبعه عندما لم يوجد من ينفق عليه، فقال ابن القاسم: لا يتبعه بشيء (¬6). وقال أشهب: يتبعه (¬7). فوجه الأول أن النفقة على الصغير واجبة وعلى الناس مواساته (¬8)، ثم لا رجوع عليه (¬9) إذا كبر، وإذا كان ذلك كان رجوع هذا على من كانت تجب عليه نفقته متى قدر عليهم؛ لأنه حق كان عليهم. ووجه القول الآخر أن ذلك يؤدي إلى ضياعه وهلاكه؛ لأنه متى علم هذا أن لا رجوع له - تركه فضاع أو هلك، فكان من حسن النظر أن يجعل له ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 456. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 185. (¬3) في (ر): (عليه النفقة). (¬4) في (ر): (إن كانت). (¬5) في (ر): (يطلبه). (¬6) انظر: المدونة: 3/ 408. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 482. (¬8) في (ر): (مواساة). (¬9) قوله: (عليه) ساقط من (ر).

الرجوع عليه إذا أنفق. واختلف فيمن أنفق على صغير وكان قد طرحه أبوه متعمدًا وهو موسر، فقال ابن القاسم: له أن يرجع على الأب بتلك النفقة، وقال أشهب: لا شيء له (¬1)، يريد: لأنه أنفق على وجه الاحتساب والأجر، وذلك محسوب له لا يزول باعتراف أبيه له، والأول أبين؛ لأنه يقول: لو علمت أن له من تلزمه نفقته لم أنفق إلا على اتباع (¬2) بها. وأرى أن يرجع على الأب وإن (¬3) لم يكن طرحه كالأول؛ لأنه لو علم أن له أبًا وقال: أنا أنفق على أن أرجع على الأب - كان ذلك له، وإذا كان له أن يرجع مع العلم بالأب كان له أن يرجع إذا لم يعلم به؛ لأنه يقول: لو علمت أن له من تلزمه نفقته إذًا أنفقت على الإتباع لم أنفق على وجه الحسبة، ولو تبيّن أن للصبي مالًا كان له أن يرجع في عين ذلك المال، فإن تلف لم يتبعه، وعلى أصل أشهب لا يرجع في ذلك المال بشيء؛ لأنه أنفق على وجه الحسبة، والأول أبين. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 481. (¬2) في (ر): (الإتباع). وهو الصواب إن شاء الله تعالى. (¬3) في (ر): (فإن).

باب في من سقط له دينار في دنانير لغيره, وفي التداعي في الثواب على أجزاء مختلفة

باب في من سقط له دينار في دنانير لغيره, وفي التداعي في الثواب على أجزاء مختلفة وإذا سقط دينار في مائة دينار لآخر فاختبراه فلم يعرف، ثم ضاع منها دينار - كان الذاهب بينهما (¬1) على قدر جملة الدنانير؛ لأنه لما اختبر قبل الضياع فلم يعرف ثبتتْ (¬2) الشركةُ به في الجميع، فكان الضياع بعد ثبوت الشركة. واختلف إذا لم يُنظر في ذلك حتى ضاع دينارٌ، فقال مالك: الضائع بينهما (¬3) على قدر جملة الدنانير كالأول، وقال ابن القاسم: لصاحب المائة تسعة وتسعون ويقتسمان دينارًا بينهما نصفين؛ لأنه لا يشك أن تسعة وتسعين لصاحب المائة، فكيف يدخل الآخر (¬4) فيما يستيقن أنه لا شيء له فيه (¬5). وقول مالك أبين؛ لأن الشركة وجبت قبل الضياع؛ لأنه لو اختبر قبل ذلك لم يعرف إذا كانت السكة واحدة. ولو كانت ستة دنانير لثلاثة نفر: لواحد ثلاثة، ولآخر ديناران، ولآخر دينار، فاختلطت، ثم ضاع منها دينار: فإن كان الضياع بعد أن اختبرت فلم يدرِ كلُّ واحد منهم (¬6) دنانيره، وثبتت الشركة، كان الذاهب من جميعهم والباقي بينهم أسداسًا (¬7)، وإن كان الضياع قبل الاختبار جرتْ على الخلاف ¬

_ (¬1) في (ر): (منهما) والصواب ما في المتن. (¬2) قوله: (فلم يعرف ثبتتْ) يقابله في (ر): (فلم تثبت). (¬3) في (ر): (منهما). (¬4) قوله: (الآخر) ساقط من (ت). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 411. (¬6) في (ت): (منهما). (¬7) في (ر): (أسداس).

المتقدم، فعلى قول مالك يقتسمون (¬1) الخمسة أسداسًا، وعلى قول ابن القاسم يبدأ صاحب الثلاثة بدينارين وصاحب الاثنين بدينار؛ لأنه لا منازعة لأحد منهم على الآخر في ذلك، ويبقى ديناران (¬2) لا منازعة لصاحب الدينار الواحد عليهما في واحد منهما ويسلمه، ثم يقتسمانه بينهما نصفين لتساويهما في العاجز عنهما؛ لأن الباقي لهما بعد الثلاثة التي أخذاها ديناران لكل واحد دينار، فكل واحد يجوز أن يكون له جميعه، ثم يعودان إلى الدينار الخامس فيقتسمونه أرباعًا: لصاحب الدينار الواحد نصفه، ولكل واحد من الآخرين ربعه؛ لأن العاجز عنهما دينار واحد، لكل واحد نصفه، جميع العاجز عنهما دينار وللآخرين دينار (¬3)، فكان مجموع دعواهما مثل دعوى الآخر وحده. ولو تنازع رجلان ثوبًا، فقال أحدهما: لي جميعه، وقال الآخر: لي نصفه فاقتسماه على قول مالك أثلاثًا، وعلى قول ابن القاسم أرباعًا - فلمدعي جميعه ثلاثة أرباعه: نصف بتسليم صاحبه له، ونصف النصف لتساوي دعواهما فيه، وقال أشهب: يقتسمانه نصفين؛ لأن يد كل واحد منهما على نصفه (¬4). ولو تنازعه ثلاثة: فادَّعى أحدُهم جميعه، وآخرُ (¬5) ثُلُثيه، والآخر ثُلُثَهُ، فإن تصادق مُدَّعِي ثلثَيْه ومُدَّعِي ثلثِهِ على ما يدعيه كلُّ واحد منهما وأنكر مدعي جميعه - كان الثوبُ بينهم أسداسًا: لمدعي ثلثِهِ سدسُهُ (¬6)، ولمدعي ثلثَيْه ثلثُهُ، ولمُدَّعِي جميعِهِ نصفُهُ؛ لأنَّ دعوى الاثنين مقابلةٌ لدعوى من قال: لي جميعه. ¬

_ (¬1) في (ر): (يقتسمان). (¬2) في (ر): (دينار). (¬3) قوله: (وللآخرين دينار) ساقط من (ر)، وفي كلمة (للآخرين) تحريف واضح، والصواب: (للآخر). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 46. (¬5) في (ر): (والآخر). (¬6) في (ر): (سدس).

وإن كذَّب كلُّ واحد من مُدَّعِي الثلثين والثلث الآخرَ، عاد الجوابُ فيها إلى مسألة الدنانير، فيقول (¬1) مُدعِي الجميع للآخرين: أنتما مُقِرَّان لي بالثلث، وإنه لا شيءَ لكما فيه، فيختصُّ به دونهما، ثم يقول لمُدَّعِي الثلث: أنت مُقِرٌّ أن لا حق لك بعد ثلثه فارْفعْ يدَكَ عنه، ثم يرجع مقاله فيه مع مُدَّعِي ثلثيه، فيقتسمان ذلك الثلث بينهما نصفين؛ لتساوي دعواهما فيه, فإنّ كل واحد منهما يقول: لي جميعه، ثم يعود مقالهم (¬2) في الثلث (¬3) الباقي وهو ثلثه، وكل واحد منهم يقول: لي جميع ذلك الثلث، فيقتسمونه أثلاثًا، فيكون الثوبُ (¬4) بينهم على ثمانية عشر جزءًا: لمدعي (¬5) جميعه أحد عشر جزءًا، ولمدعي ثلثيه خمسةُ أجزاء، ولمدعي الثلث جزءان. وعلى قول أشهب يكون بينهم أثلاثًا (¬6). ¬

_ (¬1) في (ر): (ويقول). (¬2) في (ر): (مقال جميعهم). (¬3) قوله: (الثلث) زيادة من (ر). (¬4) قوله: (الثوبُ) ساقط من (ر). (¬5) في (ر): (فلمدعي). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 46.

باب في من سقط له زيت في زنبق لغيره أو شعير بقمح

باب في من سقط له زيت في زنبق لغيره أو شعير بقمح ومن "المدونة" قال ابن القاسم فيمن سقط له رطل زيت في زنبق لآخر: إن صاحب الزنبق بالخيار بين أن يغرم مثل ذلك الزيت، أو يسلم رطلًا من الذي وقع فيه (¬1). وقال سحنون: ليس على صاحب الزنبق أن يشتري مثله (¬2)، ولا أن يعطي مثل (¬3) تلك المكيلة من ذلك الزنبق، ولكن يباع بمنزلة القمح والشعير يختلطان، فإن الشعير يعيب القمح والقمح لا يعيب الشعير (¬4)، وهذا أحسن أن يباع فيقسمان الثمن على قيمة الزنبق معيبًا والزيت غير معيب، ويجوز أن يقتسماه على مثل الأجزاء التي يقتسمان الثمن لو بيع عليها (¬5)؛ لأن التفاضل فيه جائز، فيأخذ كل واحد منهما ما ينوبه من ذلك. وإن صار لكل واحد منهما بعض ملك الآخر، مثل (¬6) الأرض تبنى بوجه شبهة ثم تستحق، ويأبى المستحق من دفع قيمة البناء، والآخر من دفع قيمة الأرض فيكونان شريكين - فمن دعا منهما بعد ذلك إلى القسم قُبِلَ قولُه، وإن صار لصاحب الأرض بعضُ بناءِ صاحبه، ولصاحب البناء بعضُ أرضِ الآخر، ولو كان المختلط قمحًا وشعيرًا كانا شريكين فيه على القيم: على قيمة القمح معيبًا والشعير غير معيب يباع ويقتسمان الثمن على مثل ذلك، ويتفق في هذا ابن القاسم وأشهب (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 412. (¬2) قوله: (مثله) يقابله في (ت): (من ثمنه). (¬3) قوله: (مثل) ساقط من (ر). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 159. (¬5) قوله: (عليها) ساقط من (ر). (¬6) في (ت): (بمنزلة). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 323، وانظر البيان والتحصيل: 11/ 244.

ولو تراضيا على قسمته على القيم لم يجز إلا نصفين على قوليهما جميعًا، وهما ها هنا بخلاف أن يتعدّى فيه متعدٍّ؛ لأن لهما في التعدي ذمةً تطلب، فإذا أخذاه كان أخذه عمَّا وجب في الذمة على أحد القولين فيمن خُيِّرَ بين شيئين، فإذا اختلط من غير فعل آدمي ولم تكن هناك ذمة تتبع - كانت الشركةُ على القيم قولًا واحدًا، وإذا صحت الشركةُ على القيم اقتسما الثمن، فيكون كل واحد منهما قد أخذ ثمن شيئه، وإذا اقتسماه على القيم كان أخذ كل واحد منهما بعض متاعه وبعض متاع صاحبه وذلك ربا. ولو سقط من يده زيتٌ على زنبقٍ وشعيرٌ على قمحٍ كان ضامنًا: لهذا مثل زنبقه (¬1)، ولهذا مثل قمحه. ولو طرحت الريحُ ثوبًا في خابية (¬2) الصبَّاغ لم يضمن صاحبُ الثوبِ للصباغ (¬3) شيئًا، ولا الصباغُ لصاحبِ الثوبِ شيئًا (¬4)، وكانا شريكين فيه: هذا بقيمة ثوبه، وهذا بما زاد الصبغ، إلا أن يحب صاحب الثوب أن يعطيه قيمة تلك الزيادة وإن لم يزد لم يكن له شيء، ولو سقط من يده ضمن للصباغ قيمة ذلك الصبغ، ليس ما زادت قيمته في الثوب (¬5). ¬

_ (¬1) في (ر): (شعيره). (¬2) في (ت): (صباغ). (¬3) قوله: (للصباغ) ساقط من (ت). (¬4) قوله: (شيئًا) ساقط من (ت). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 71. وقد زاد بعده في (ر): (تم كتاب تضمين الصناع وبالله التوفيق وحده لا شريك له).

كتاب الجعل والإجارة

كتاب الجعل والإجارة النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ت) = نسخة تازة رقم (234 & 243) 3 - (ر) = نسخة الحمزوية رقم (110)

باب في الإجارة والجعالة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليمًا كتاب الجعل والإجارة باب في الإجارة والجعالة (¬1) الأصل في الإجارة قول الله -عز وجل-: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [سورة الطلاق آية: 6]، وقوله -عز وجل- في آية (¬2) الصدقات: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [سورة التوبة آية: 60]، والعامل أجير (¬3) يعطى منها إجارة مثله على قدر شخوصه وتعبه، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قَالَ -عز وجل- (¬4): ثَلَاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ (¬5) يَوْمَ الْقِيَامَةِ، رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ" الحديث (¬6)، وقال: "مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي (¬7) عَمَلًا (¬8) مِنْ غُدْوَةَ إِلَى نِصْفِ النَّهَاَرِ عَلَى قَيراطٍ. . ." الحديث (¬9)، وقال: أبو مسعود: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ، انْطَلَقَ أَحَدُنَا فَيُحَامِلُ (¬10) نَفْسَهُ فَيُصِيبُ الْمُدَّ فَيَتَصَدَقُ بِهِ (¬11). ¬

_ (¬1) قوله: (باب في الإجارة والجعالة) زيادة من (ف). (¬2) قوله: (آية) ساقط من (ف). (¬3) في (ت) و (ر): (الأجير). (¬4) قوله: (قال -عز وجل-) ساقط من (ت). (¬5) في (ت): (خصيمهم). (¬6) أخرجه البخاري: 2/ 776، في باب إِثْمِ مَنْ بَاعَ حُرًّا، من كتاب البيوع، برقم (2114). (¬7) قوله: (لي) ساقط من (ر). (¬8) قوله: (عَمَلًا) زيادة من (ف). (¬9) أخرجه البخاري: 2/ 791، في باب الْإِجَارَةِ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ، من كتاب الْإِجَارَةِ، برقم (2148). (¬10) في (ف): (فيململ). (¬11) أخرجه البخاري: 2/ 514، في باب اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ وَالْقَلِيلِ مِن الصَّدَقَةِ، من كتاب الزَّكَاةِ، برقم (1350).

فصل [حكم الإجارة والجعالة]

وأما الجعالة فالأصل فيها مساقاة النبي - صلى الله عليه وسلم - خيبر (¬1). قال سحنون (¬2): المساقاة كالجعالة؛ لأنه يعمل (¬3) فإن عجز سلم الثمرة ولا يكون (¬4) له في العمل شيء (¬5). والقراض جعالة يعمل فإن لم يربح ذهب عمله باطلًا، وحديث "الرقية" أصل في ذلك (¬6). فصل [حكم الإجارة والجعالة] الإجارة منعقدة (¬7) كالبياعات. واختلف في الجعالة على ثلاثة أقوال: فقيل: هي غير لازمة (¬8) وكل واحد منهما بالخيار ما لم يعمل (¬9) المجعول له فيسقط خيار الجاعل ويبقى الآخر على خياره، وقيل: تنعقد بالقول على الجاعل خاصة دون المجعول له، وقيل: هي كالإجارة تلزمهما جميعًا بالقول (¬10). ولم يختلفوا في البلاع أنها تلزم بالقول كالإجارة وهي جعالة؛ لأنه يعمل في سفينته أو على دابته أو على ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 820، في باب المزارعة بالشطر ونحوه من كتاب المزارعة برقم (2203)، ومسلم: 3/ 1186، في باب المساقاة والمعاملة بجزء من الثمر من كتاب المساقاة برقم (1551). (¬2) قوله (سحنون) ساقط من (ت)، وفي (ت): (قال: قال سحنون). (¬3) في (ر): (لأنها تعمل). (¬4) في (ت): (لم يكن). (¬5) انظر: المدونة: 12/ 13. (¬6) أخرجه البخاري: 18/ 15، في باب الشرط في الرقية بقطيع من الغنم، من كتاب الطب، برقم (5296) بلفظ: "إِنَّ أَحَقَ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ الله". ومسلم: 11/ 204، في باب جواز أخذ الأجرة على الرقية بالقرآن والأذكار، من كتاب السلام، برقم (4080) بلفظ: "خُذُوا مِنْهُمْ وَاضْرِبُوا لِى بِسَهْمٍ مَعَكُمْ". (¬7) في (ف): (تنعقد). (¬8) في (ر): (فقيل لازمة). (¬9) في (ت): (يجعل). (¬10) قوله: (على الجاعل خاصة. . . تلزمهما جميعًا بالقول) ساقط من (ف).

فصل [في اجتماع الإجارة والبيع في عقد]

نفسه، فإن (¬1) بلغ استحق، وإن هلك ما (¬2) حمل عليه أو تعذر (¬3) بلوغه لم يستحق (¬4) شيئًا. واختلف في المساقاة هل تلزم بالعقد؟ فذكر أشهب في "العتبية" في ذلك قولين (¬5). وقد تحمل الجعالة على ثلالة أقسام: فإن كان الثمن والعمل مجهولين كالقراض كانا بالخيار، فإن دخلا على الإلزام فسد. وإن كان الثمن معلومًا والعمل مجهولًا كالجعالة على طلب الآبق وبيع الثوب والعبد كان لازمًا للجاعل؛ لأن الثمن الذي يبذله معلوم وغير لازم للعامل لأن عمله مجهول، وإن كانا معلومين الثمن والعمل كحفر البئر وما أشبهه كان لازمًا لهما. والقياس أن يلزم بالعقد في جميع هذه الأسئلة لأنها معاوضة ثابتة (¬6) فأشبهت سائر المعاوضات، وقياسًا على المساقاة لأنه وإن كانا معلومن فإن الغرر يدخله. ووجه آخر (¬7) وهو أن يحمل سائر الطريق فإن هلك قبل ذلك بشيء ذهب عمله باطلًا. والمساقاة العمل فيها معلوم والثمن مجهول (¬8)، وقد أجيز التزام العقد فيها. فصل [في اجتماع الإجارة والبيع في عقد] واختلف في جواز الإجارة والبيع في عقد، والمشهور جوازه، وحكى أبو محمد عبد الوهاب فيها (¬9) قولًا آخر بالمنع. فوجه الأول أنها بياعات كلها فأشبه ¬

_ (¬1) في (ت): (فإذا). (¬2) في (ر): (من). (¬3) في (ر): (بعد). (¬4) في (ر): (تستحق). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 12/ 159. (¬6) في (ت): (جائزة). (¬7) قوله: (آخر) ساقط من (ر). (¬8) زاد في (ت) و (ر): (تارة). (¬9) قوله: (فيها) ساقط من (ر).

فصل [في اجتماع البيع والجعل في عقد واحد]

لو كانا بيعتين (¬1) أو إجارتين. ووجه المنع أن كثيرًا من الإجارات لا ينفك من الغرر، فمن استأجر عبدًا للخدمة (¬2) أو صانعًا ليبني له (¬3) اليوم بكذا وكذا، تختلف (¬4) خدمة هذا وعمل هذا، فيقل ويكثر (¬5). وليس كذلك اشتراء الأشياء المعينات من الرقاب، فإذا كان ذلك وكانت الإجارة مما تدعو إليها (¬6) الضرورة لم تضم إلى البيع كما قال مالك: لا يضم بيع الصبرة إلى غيرها من الثياب والعبيد وغير ذلك؛ لأن بيع الصبرة فيه غرر (¬7)، وليس بيع الجزاف في السلامة من الغرر كالكيل. وفي جميع (¬8) الصبرة (¬9) إلى البيع اختلاف. فصل (¬10) [في اجتماع البيع والجعل في عقد واحد] واختلف في البيع والجعل في عقد واحد (¬11)، وذلك راجع إلى بيع السلعتين إحداهما على بت والأخرى على خيار. ووجه المنع أن المشتري قد أطمع البائع بشراء ما هو فيه على الخيار ويظهر له (¬12) الرغبة فيه، فإذا انعقد البيع رد ما كان فيه (¬13) على خيار، فلو علم البائع ذلك لأمكن ألا يبيعه الآخر إلا أن يزيد عليه (¬14) في الثمن فوق ما باعه به، وكذلك الجعل قد يترك العمل ¬

_ (¬1) في (ت): (بيعين)، وفي (ف): (مبيعين). (¬2) في (ت): (ليخدمه). (¬3) قوله: (له) ساقط من (ر). (¬4) في (ت): (فحملت). (¬5) في (ف): (فتقل وتكثر). (¬6) قوله: (وكانت الإجارة مما تدعو إليها) يقابله في (ت) و (ر): (وكانت الإجازة لما تدعو إليه). (¬7) انظر: المدونة: 4/ 204. (¬8) قوله: (جميع) ساقط من (ف). (¬9) قوله: (إلى غيرها. . . جميع الصبرة) ساقط من (ر). (¬10) قوله: (فصل) ساقط من (ف). (¬11) قوله: (واحد) ساقط من (ت). (¬12) قوله: (له) ساقط من (ر). (¬13) قوله: (فيه) ساقط من (ر). (¬14) قوله: (يزيد عليه) يقابله في (ف): (يزيده).

فصل [في من باع سلعة بمائة دينار على أن يتجر بثمنها سنة]

بعد العقد ولو علم الآخر أنه يترك (¬1) لم يبعه أو يزيد عليه في الثمن. ومن أجاز الجعل (¬2) والبيع فإن ذلك إذا كانت تبعًا للبيع. فصل (¬3) [في من باع سلعة بمائة دينار على أن يتجر بثمنها سنة] من المدونة قال مالك في من باع سلعة بمائة دينار وعلى أن يتجر بثمنها سنة كان ذلك جائزًا إذا (¬4) كان اشترط (¬5) إن تلف المال أخلفه له (¬6) البائع (¬7). قال: كالذي يستأجر (¬8) رجلًا يرعى له غنمًا بأعيانها فإن لم يشترط خلفها فلا خير فيه (¬9). وقال سحنون في الدنانير (¬10): ذلك جائز وإن لم يشترط خلفها (¬11). قال الشيخ أبو الحسن - رضي الله عنه - (¬12): الكلام على (¬13) هذه المسألة من خمسة أوجه: أحدها: خلف المال وإخراجه من الذمة. والثاني: معرفة الصنف الذي يتجر فيه وكونه موجودًا في الشتاء والصيف. والثالث: الحكم في الربح والخسارة. ¬

_ (¬1) قوله: (يترك) ساقط من (ر). (¬2) في (ت) و (ف): (الجعالة). (¬3) قوله: (للبيع. فصل) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (للبيع. . . جائزًا إذا) يقابله في (ر): (و). (¬5) قوله: (اشترط) ساقط من (ف). (¬6) في (ر): (خلفه). (¬7) قوله: (البائع) ساقط من (ف). (¬8) في (ر): (وإن كان الذي استأجر). (¬9) انظر: المدونة: 3/ 414. (¬10) في (ر): (بالدنانير). (¬11) انظر: المدونة: 3/ 414. (¬12) قوله: (أبو الحسن - رضي الله عنه -) زيادة من (ف). (¬13) في (ت): (في).

والرابع: إذا استحقت السلعة (¬1) المبيعة (¬2) أو ظهر منها عيب. والخامس: موت العامل أو (¬3) مرضه. وقد تقدم ذكر الاختلاف في خلف الدنانير، وقول سحنون أبين، فإن ضاعت الدنانير كان للبائع أن يخلفها (¬4) لأنه لم يشترط ألا يخلفها (¬5)، وإنما قال: أتجر (¬6) بثمنها. ومحمل الأمر عندهم (¬7) على السلامة فإن ضاعت كان الحكم الخلف إلا أن يعلم أن البائع لا يقدر على الخلف فتقع المحاسبة، بمنزلة ثوب اللابس يستأجر على خياطته وصناعته (¬8) فيضيع فإنه لا خلف عليه، وإن شرط ألا يخلف الدنانير إن ضاعت وأن يحاسب بقدر ما عمل جاز ذلك (¬9) إذا كان ممن يتعذر عليه الخلف، أو (¬10) كان ممن لا يتعذر عليه (¬11) وكانت الإجارة كثيرة النصف فأكثر، فإن كانت يسيرة جاز عند ابن القاسم على قوله في من باع نصف ثوب على أن يبيع له النصف الآخر (¬12)، ويؤمر المشتري أن يشهد على إخراج الثمن من ذمته، فإن لم يشهد وكان قد جلس في دكان ليبيع ويشتري النصف (¬13) الآخر (¬14) الذي دخل عليه، قام ذلك مقام الإشهاد، فإن ادعى خسارة قبل قوله، وإن أتى بربح أخذ منه، وإن كان تجره مما يخفى هل هو لنفسه ¬

_ (¬1) في (ر): (البيعة). (¬2) قوله: (المبيعة) زيادة من (ف). (¬3) في (ر): (و). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 414. (¬5) في (ت) و (ف): (يخلف). (¬6) في (ت): (يتجر). (¬7) في (ت) و (ر): (عندهما). (¬8) قوله: (وصناعته) يقابله في (ف): (أو لباسه). (¬9) قوله: (ذلك) ساقط من (ت). (¬10) في (ت) و (ر): (ولو). (¬11) قوله: (ولو كان ممن لا يتعذر عليه) ساقط من (ر). (¬12) انظر: المدونة: 3/ 415. (¬13) في (ت): (الصنف). (¬14) قوله: (الآخر) ساقط من (ف).

أو لرب المال؛ لأن تلك كانت تجارته كان ذلك أشكل؛ يقبل قوله أيضًا، وقد قال ابن القاسم في "العتبية" في من أمر غريمه أن يشتري له بما له عليه من الدين سلعة فقال المشتري: اشتريتها فضاعت، أنه يقبل قوله (¬1). يريد: لأنه (¬2) مؤتمن على الشراء فكان القول قوله أنه فعل ما اؤتمن عليه وهو الشراء، ومن اشترى لم يتهم أن يقر للبائع بالثمن. وهو في هذه المسألة أبين لطول الأمد وجلوسه في البيع والشراء أن لا أن يقول: أخرجته فضاع قبل أن يشتري فلا يقبل قوله، وإن أتى (¬3) بربح كان للبائع أن ياخذه وهو ها هنا بخلاف دين تقرر في الذمة على أن لا يتجر به ثم تجر فيه؛ لأن التجر ها هنا كان شرطًا في أصل البيع قبل أن يتقرر الدين في الذمة فلم يكن ها هنا للتهمة (¬4) مدخل؛ لأنهما لو شاءا أن يعقدا البيع على ما أتى به (¬5) الآن من الثمن وربحه لجاز (¬6). وأمَّا ما يتجر فيه فمن شرطه (¬7) ثلاثة: أحدها: أن يسمي (¬8) صنفه. والثاني: أن يكون موجودًا في الشتاء والصيف. والثالث: أن يكون ممن يريد متصل التجر. فإن اشترط أن يشتري شيئًا فيرفعه حتى يتغير (¬9) سوقه فيبيعه لم يجز؛ لأنه غرر لا يدري هل يتغير سوقه في السنة مرتين أو أكثر أو يكسد فتخرج السنة ولم يبع فلا يدري (¬10) ما باع من ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 14/ 145. (¬2) قوله: (يريد: لأنه) يقابله في (ف): (لا). (¬3) في (ت): (أتاه). (¬4) في (ر): (الذمة). (¬5) قوله: (به) ساقط من (ف). (¬6) في (ت): (لم أمنعهما). (¬7) في (ف): (شروطه). (¬8) في (ر): (يسميا)، وفي (ف): (يبين). (¬9) في (ر): (ليرفعه ليتغير سوقه). (¬10) قوله: (هل يتغير. . . فلا يدري) ساقط من (ر).

منافعه. ولو شرط أنه يتجر فيه (¬1) في تلك السنة مرتن لم يجز؛ لأنه نقد بعض السلعة في منافع رجل بعينه ليقبضها إلى أجل. ولو استأجر رجلًا بدنانير (¬2) نقدًا ليعمل له عملًا بعضه الآن وبعضه بعد (¬3) ستة أشهر (¬4) لم يجز، وهو في هذا بخلاف أن يكون العمل متصلًا. وأما الربح فإن كان قدره في مثل ما جلس فيه للإجارة متقاربًا جاز أن يشترط دخوله في التجر، وإن كان متباينًا لم يجز. وكذلك الخسارة إن شرط أنها لا تجبر وكان ذلك (¬5) مما يكون نادرًا أو (¬6) يسيرًا جاز، وإن كانت كثيرًا مما ينزل ويتباين (¬7) قدرها لم يجز. وأما الاستحقاق، فإن كان بعد أن يعمل نصف السنة كان للمشتري أن يسلم (¬8) للبائع ما في يديه (¬9) على هيئته وقت الاستحقاق وإن كان عروضًا ويرجع بالمائة دينار وبأجرة (¬10) المثل على الشهور الماضية. وكذلك الجواب إذا ظهر على عيب ولم تفت السلعة فإنه يردها ويرجع بالمائة وبالإجارة، فإن فاتت بهبة أو تلف (¬11) أو صدقة ورجع بقيمة العيب، فإن كانت قيمته العشر رجع بعشرة دنانير وبعشر قيمة المنافع عن الشهور الماضية، ويسقط عنه العمل في المستقبل في عشر المائة ويكون له أن يتجر لنفسه ¬

_ (¬1) قوله: (فيه) ساقط من (ر). (¬2) في (ت): (بدينار). (¬3) في (ر): (إلى). (¬4) قوله: (أشهر) ساقط من (ر). (¬5) في (ر): (كذلك). (¬6) في (ف): (و). (¬7) في (ف): (ويتميز). (¬8) في (ر): (يعمل). (¬9) في (ف): (يده). (¬10) في (ت): (بإجارة). (¬11) في (ف): (تلفت).

فصل [في موت العامل قبل العمل]

في قدرها، وإن كان لا يقدر أن (¬1) يتجر فيها ناحية كان له أن يتجر في جميع المائة، ويغرم البائع قيمة عشر المنافع في المستقبل ويصير بمنزلة ما لا ينقسم، وإن فاتت بعيب فأحب أن يتمسك رجع بقيمة العيب (¬2) حسب ما تقدم لو هلكت أو خرجت من يده، فإن أحب أن يردّ ردّ (¬3) وما ينوب العيب من الثمن. فإن قيل: إنه ينقص (¬4) العشر من أصل الثمن وهو التسع بعد طرح العيب رجع المشتري في تسعين دينارًا وقيمة تسعة أعشار المنافع على الماضي، ويسقط العمل في المستقبل؛ لأنه أقل المنافع فإن كانت قيمة الإجارة مائة كان الباقي عند المشتري قيمة ربع العيب وهو الذي يغرم للبائع (¬5). فصل [في موت العامل قبل العمل] وإن مات العامل قبل العمل نظر إلى قيمة الإجارة، فإن كانت مائة فأكثر والسلعة قائمة رجع شريكًا فيها بقدر الإجارة وينقلب الخيار للمشتري، فإن رضي بعيب الشركة وإلا رد، وإن كانت الإجارة الثلث فأقل رجع بذلك قيمة عند ابن القاسم، وشريكًا عند أشهب، وقال ابن القاسم أيضًا: وتكون (¬6) الورثة بالخيار لدخول الشركة، وإن كانت السلعة قد فاتت استوى القليل والكثير ورجع عليهم في قيمة ما ينوب الإجارة. وإن مات بعد أن عمل نصف السنة كان قد صار إلى البائع جلّ الثمن وهو المائة ونصف العمل فيختلف هل ¬

_ (¬1) قوله: (وإن كان لا يقدر أن) يقابله في (ف): (وإن كان يقدر على أن). (¬2) في (ر): (بقيمته). (¬3) قوله: (رد) ساقط من (ت). (¬4) في (ف): (ينقصها). (¬5) في (ر): (البائع). (¬6) في (ف): (ويكون).

فصل [في من باع نصف ثوب على أن يبيع له المشتري النصف الآخر بغير البلد]

يرجع في الباقي شريكًا أو في (¬1) قيمته (¬2) حسب ما تقدم؟ وتختلف قيمة (¬3) الشهور؛ لأنها أكريت بالنقد الذي ينوب الأول أرخص و (¬4) الذي ينوب الآخر أغلى لأنه بمنزلة سلعة أسلم فيها. وعلى هذا يجري الجواب إذا مرض (¬5) قبل العمل أو بعد أن عمل بعض السنة. وإن قال البائع: أنا آخذ مالي إذا مضى (¬6) بعض السنة ولا أعطله كان ذلك له إذا كان لا يرجى برؤه إلا بعد طول وما يلحق في مثله الضرر، فإن برأ بعد رجوع المال عن قرب وكان البائع عن قرب (¬7) وكان البائع موسرًا أتى بمائة أخرى، فإن كان لا يقدر على خلفها فسخت الإجارة. فصل [في من باع نصف ثوب على أن يبيع له المشتري النصف الآخر بغير البلد] ومن "المدونة" قال مالك في من باع نصف ثوب على أن يبيع له المشتري النصف الآخر بغير البلد لم يجز، وإن كان بيعه بالبلد جاز إذا ضرب (¬8) أجلًا، فإن باع في بعض الأجل كان له من الإجارة (¬9) بحسابه، وإن لم يضربا أجلًا لم يجز لأنه جعل، ولا يجتمع في صفقة واحدة جعل وبيع، وإن كان طعامًا لم يجز وإن ضربا الأجل, وإن شرطا أن يبيع النصف بغير البلد لم يجز في طعام ولا في (¬10) ¬

_ (¬1) قوله: (في) ساقط من (ر) و (ف). (¬2) في (ف): (قيمة). (¬3) في (ر): (وتختلف فيه). (¬4) في (ت): (في). (¬5) في (ر): (رضي). (¬6) قوله: (إذا مضى) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (وكان البائع عن قرب) ساقط من (ت). (¬8) في (ر): (ضربا). (¬9) في (ت): (الأجر). (¬10) قوله: (في) ساقط من (ر) و (ف).

عبد (¬1). وقال أيضًا في العبد يباع في البلد نفسه يبيعه نصفًا على أن يبيعه (¬2) النصف الآخر: لا خير فيه إن لم يضربا أجلًا، وإن ضربا الأجل فهو أحرم (¬3). وقال في "مختصر ما ليس في المختصر": إن ضربا أجلًا فذلك مكروه، وإن لم يضربا أجلًا فلا بأس به (¬4)؛ لأنَّ البيع ثابت فيه (¬5). فأمَّا إذا ضربا أجلًا فالخلاف فيه يرجع إلى من باع سلعة (¬6) بدراهم وبعرض يسير، فاختلف فيه إذا استحق ذلك (¬7) العرض، هل يرجع بما ينوبه قيمة من سلعته أو في عين سلعته؟ فمن قال: يرجع به قيمة أجاز (¬8) البيع ها هنا وينتقد المشتري جميع النصف فإن باع في بعض الشهور رجع بما ينوب الإجارة (¬9) قيمة ولم يرجع في عين النصف (¬10) بما ينوب الباقي من الإجارة؛ لأن الإجارة يسيرة. ومن (¬11) قال: الحكم الرجوع في عين السلعة لم يجز البيع على أن ينقد (¬12) ما ينوب الإجارة، كما لو استأجره على أن يبيع له ثوبًا شهرًا بثوب آخر (¬13) فإن النقد في ذلك لا يجوز، وإن باع على أن لا ينقد (¬14) ما ينوب الإجارة جاز فكل ما مضى منه يوم استحق منه بقدر ما ينوب الإجارة، وإن لم يضربا أجلًا كان جعلًا. ¬

_ (¬1) زاد في (ت) و (ر): (غيره). (¬2) قوله: (على أن يبيعه) يقابله في (ر): (على أن يبيع له). (¬3) قوله: (وإن ضربا الأجل فهو أحرم) يقابله في (ت) و (ر): (وإن ضربا أجلًا فهذا حرام). (¬4) قوله: (به) ساقط من (ر). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 12. (¬6) قوله: (سلعة) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (ذلك) ساقط من (ت). (¬8) في (ر): (جاز). (¬9) في (ر): (الآخر). (¬10) قوله: (بما ينوب الإجارة قيمة ولم يرجع في عين النصف) ساقط من (ف). (¬11) قوله: (من) ساقط من (ر). (¬12) في (ف): (ينتقد). (¬13) قوله: (آخر) ساقط من (ر). (¬14) في (ف): (ينتقد).

وقد اختلف في بيع وجعل في عقد، وفي إجارة وجعل في عقد (¬1)، وبيع بت وخيار إذا كان الجعل والخيار في اليسير، فإن باع استحق ما ينوب الجعل، وإن اختار ألا يبيعه رده وغرم ما ينوبه قيمة إلا أن يدخل (¬2) على التزام البيع فيجوز كما قال مالك إذا كان البيع ثابتًا. ولم يجز ذلك في الطعام وإن ضربا (¬3) أجلًا؛ لأنه يتبعض فإذا فى خل على أن يقدم جميع ذلك كان ما ينوب الإجارة تارة سلفًا إن باع في بعض (¬4) الشهر، وتارة بيعًا إن تمَّ الشهر ولم يبع، وأجاز ذلك ابن القاسم في "كتاب محمد" في كل ما يكال أو يوزن، وينتقد الجميع لما كان الذي ينوب الإجارة يسيرًا، فإن باع في بعض الشهر رجع بمثل ما ينوب الإجارة، ورأى (¬5) أن مثل ذلك ليسارته لا يقصدان فيه إلى بيع وسلف (¬6) (¬7). وإن قال: أبيعك نصف هذا العبد (¬8) على أن تبيع جميعه لم يجز، وإن ضربا (¬9) أجلًا بمنزلة من باع عبدًا على أن يبيعه مشتريه فهو تحجير وغير ممكن من المبيع وما باعه به مشتريه لبائعه الأول. وقال ابن حبيب: إن قال ذلك فيما لا ينقسم فلا (¬10) بأس به وإن ضرب أجلًا، ولا خير فيه (¬11) فيما ينقسم وإن ضرب الأجل (¬12)؛ لأنه إنما اشترى ¬

_ (¬1) قوله: (في عقد) ساقط من (ر) و (ف). (¬2) قوله: (فإن باع استحق ما ينوب. . . إلا أن يدخل) ساقط من (ف). (¬3) في (ت): (ضرب). (¬4) في (ت) و (ر): (نصف). (¬5) في (ف): (أرى). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 338. (¬7) قوله: (إلى بيع وسلف) يقابله في (ت) و (ر): (بيعا وسلفا). (¬8) قوله: (العبد) ساقط من (ف). (¬9) في (ت) و (ف): (ضرب). (¬10) في (ف): (لا). (¬11) في (ف): (في). (¬12) قوله: (وقال ابن حبيب: إن قال. . . . وإن ضرب الأجل) ساقط من (ر).

منه (¬1) نصف ذلك حين اشترط بيع جميعه (¬2). ورأى أن السلعة مخالفة لذلك (¬3) لما كان للبائع أن يدعو لبيع جميعها، والأول أبين؛ لأن ذلك شرط في أصل البيع. وقد (¬4) قال ابن القاسم في من قال: أبيع لك هذه السلعة وهي (¬5) كثيرة الثمن إلى أجل بكذا (¬6) على أني متى شئت تركت: فلا بأس به إذا لم ينقد؛ لأن النقد لا يصلح (¬7) في الخيار وهي إجارة لازمة فيها خيار، ولا يصلح فيها الجعل لأنها كثيرة (¬8). يريد: لأنها (¬9) لازمة لصاحب الثياب والخيار للعامل، وهي إجارة لأن له كل ما مضى يوم بحسابه، والجعل لا شيء له في الماضي. قال: وإن استأجره (¬10) على أن يبيعها (¬11) شهرًا ولم يشترط أنه متى شاء ترك لم يجز النقد؛ لأنه إن باع في نصف (¬12) الشهر رد بقدر ما بقي من الشهر فيدخله بيع وسلف (¬13). وإذا بلغت (¬14) تلك السلعة (¬15) ما يباع به مثلها كان القول قول من دعا إلى ترك النداء عليها؛ لأن العامل يقول: هذا القدر الذي بعت من منافعي والزائد على ذلك لم أبعه إلا (¬16) إذا لم تبلغ ما تباع به، ولا وجه للقول أنه يلزمه التمادي إذا أحب ذلك المبيع له. ¬

_ (¬1) زاد في (ت) و (ر): (ثمن). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 349. (¬3) قوله: (لذلك) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (قد) زيادة من (ف). (¬5) قوله: (أن يدعو لبيع جميعها. . . هذه السلعة وهي) ساقط من (ر). (¬6) في (ت): (كذا). (¬7) في (ر): (لا يصح). (¬8) انظر: المدونة: 3/ 416. (¬9) في (ت) و (ر): (أنها). (¬10) في (ف): (استأجرها). (¬11) في (ف): (يبيع لها). (¬12) في (ت): (بعض). (¬13) انظر: المدونة: 3/ 417. (¬14) في (ف): (تلفت). (¬15) في (ت): (السلع). (¬16) قوله: (إلا) زيادة من (ف).

باب ما يجوز من الجعل ويفسد

باب ما (¬1) يجوز من الجعل ويفسد (¬2) الجعل يصح بثلاثة شروط: - أن يكون فيما يقل الاشتغال به وإن ترك قبل التمام لم ينتفع المجعول له بشيء (¬3). - وأن يكون الجعل معلومًا. فإن كانت ثيابًا كثيرة في بيت صاحبها ويأتي السمسار بمن يشتريها أو يأخذ منها ثوبًا عوضًا (¬4) يبيع به جملتها (¬5)، أو تنقل (¬6) إلى دكان سمسار فيبيعها فيه (¬7) و (¬8) يستأجر صاحبها من يحملها له وقت المشي بها للمشترين، أو يقول له: بع أيها شئت جاز، وإن كان السمسار يتكلف السعي بها ويبيعها صفقة واحدة لم يجز. وقد اختلف في ذلك، فأجاز مالك أن يعطي (¬9) الأرض لمن يغرسها فإذا بلغت كذا وكذا سنة (¬10) كانت الأرض والشجر بينهما وهو أمر (¬11) يطول، وإن ترك بعد أن طلعت ولم يوفه بما (¬12) شرط انتفع الجاعل لأنه قد يخدمها فتنمو (¬13). وأجاز الجعل على الآبق وهو مما يطول الشغل فيه (¬14) والبحث عليه، وقد ¬

_ (¬1) في (ت): (فيما). (¬2) قوله: (ويفسد) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (بشيء) ساقط من (ف). (¬4) في (ت) و (ر): (عرضا). (¬5) في (ت) و (ف): (جميعها). (¬6) في (ف): (ينقل). (¬7) قوله: (فيه) ساقط من (ر). (¬8) في (ف): (أو). (¬9) في (ف): (تعطى). (¬10) في (ت): (سعفة). (¬11) في (ف): (أمد). (¬12) قوله: (يوفه بما) يقابله في (ف): (تبلغ ما). (¬13) في (ف): (فتتم). وانظر: المدونة: 3/ 539. (¬14) في (ت) و (ر): (به).

ينتفع الجاعل إن ترك قبل أخذه وبعد أن كشف عن (¬1) خبره ومواضعه (¬2). ويلزم من قال: لا يجوز إلا فيما قلَّ ولم يشغل أن يمنع الغراسة والجعل على الآبق. وأجاز أن يحمل الأحمال على إبله أو في سفينته من المشرق إلى المغرب على البلاع، فإن وصل أخذ وإلا فلا شيء له، وهو جعل إلا أنه واجب عليهما (¬3)، والجعل المجعول (¬4) له فيه بالخيار (¬5). وقال محمد: لا بأس عند مالك وأصحابه بالشراء على الجعل حاضرًا، وعلى السفر قليلًا كان (¬6) أو كثيرًا وليس بمنزلة البيع (¬7). وقال عبد الملك بن حبيب في من (¬8) قال لرجلٍ حضره خروج إلى بلد تاجرًا: هاك (¬9) مائة دينار فإن ابتعت لي بها ثيابًا (¬10) كذا وكذا فلك عشرة دنانير وإلا فلا شيء لك: فإن كان الرجل لم يخرج لسبب هذه المائة، وإنما خرج لحاجته (¬11) فلا بأس به (¬12)، وإن كان خروجه لهذه (¬13) المعاملة فلا خير فيه إلا بأجل مؤقت وإجارة معلومة (¬14). وهذا أحسن، ولا فرق بين الجعل على البيع ¬

_ (¬1) في (ف): (على). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 468. (¬3) قوله (جعل إلا أنه واجب عليهما) يقابله في (ر): (فعل واجب عليهما). (¬4) في (ف): (المجهول). (¬5) في (ف): (الخيار). (¬6) قوله: (كان) ساقط من (ف). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 10. (¬8) في (ت) و (ف): (ومن). (¬9) في (ت) و (ر): (لك). (¬10) في (ر): (ثياب). (¬11) في (ر): (لسبب حاجته). (¬12) قوله: (به) ساقط من (ف). (¬13) قوله: (لهذه) ساقط من (ر). (¬14) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 10.

فصل [ما يجوز من الجعل]

أو على الشراء. ويجوز الجعل على بيع الدار وإن عظم الثمن لأنه شيء لا يتكلف له الجعل (¬1) ومقامها في هذا والثوب سواء. فصل (¬2) [ما يجوز من الجعل] وقال ابن القاسم في من قال: بع دابتي بمائة دينار فما زاد فلك، أو ما بعتها به من شيء فهو بيننا نصفان، فهو (¬3) فاسد (¬4). والجعالة الجائزة على ثلاثة أوجه وهي: أن يسمي الثمن والجعل، أو يسمي الجعل (¬5) ويفوّض إليه في الثمن، أو يسمي (¬6) الثمن أو لا يسمي الجعل إلا أن العادة جرت في ذلك المبيع على جعل (¬7) معلوم. ويجوز أيضًا أن يفوّض إليه في الثمن ولا يسمي الجعل إذا كانت للناس عادة في مثل ذلك المبيع (¬8) على جعل معلوم. وإن قال: إن بلغت مائة فبع ولك دينار، وإن بلغت دون ذلك فلا تبع ولا شيء لك جاز، وإن لم يبلغ الثوب الثمن الذي سمّى له رده ولا شيء له. وإن سمى الجعل وفوض إليه (¬9) في الثمن جاز، فإن بلغ ما يباع به مثله استحق ¬

_ (¬1) قوله: (الجعل) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (فصل ما يجوز من الجعل) ساقط من (ر) و (ف). (¬3) في (ف): (فذلك). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 421. (¬5) قوله: (يسمي الجعل) ساقط من (ف). (¬6) في (ت): (أو لا يسمي). (¬7) قوله: (على جعل) يقابله في (ف): (بجعل). (¬8) قوله: (المبيع) ساقط من (ر). (¬9) قوله: (إليه) ساقط من (ف).

الجعل، باع صاحبه أو لم يبع، فإن لم يبلغ ما يباع به (¬1) رد ولا شيء للعامل. وإن سمّى ما يباع به وسكت عن الجعل وكانت له عادة فيه كالمتاع اليوم جعل الشقة شيء معلوم ولا (¬2) يزاد فيه لغلاء ولا يحط فيه لنقص جاز، وإن بلغت السلعة تلك التسمية لزم الجعل وكان صاحبها بالخيار بين أن يمضي البيع أو يرد، وإن لم تبلغ التسمية لم يكن له شيء. والفاسد (¬3) على أوجه: فإن قال: إن بلغت مائة فبع ولك دينار، وإن بلغت أقل فبع ولا شيء لك، كان فاسدًا. وإن (¬4) قال: إن بعتها بمائة فلك دينار وإن كان أكثر فلك أو بيني وبينك أو لك منه دينار (¬5)، وإن سويت دون ذلك فلا تبع، أو ما بعتها (¬6) به من شيء فلك نصفه أو ثلثه أو عشره، فأي ذلك كان فهو فاسد؛ لأن الجعل فيه غرر لا يدري ما هو، فإن أدرك (¬7) قبل العمل منع، وإن شرع فيه أمكن (¬8) من التمادي على القول أن الجعالة الفاسدة ترد إلى الجعالة الصحيحة؛ لأنه إن فسخ قبل ذلك ذهب عمله باطلًا، وعلى القول أنه يرد إلى الإجارة بمنع التمادي وله على الماضي من الإجارة بقدر ما عمل، والأول أحسن، ويرد فاسد كل شيء إلى صحيحه فلا يمنع من التمادي، فإن (¬9) بلغ ¬

_ (¬1) قوله: (مثله استحق. . . ما يباع به) ساقط من (ف). (¬2) في (ف): (ألا). (¬3) في (ف): (الفساد). (¬4) في (ف): (أو). (¬5) قوله: (وإن بلغت. . . أو لك منه دينار) يقابله في (ر): (وإن كان أكثر فلك أو بيني وبينك أو لك منه دينار، وان بلغت أقل فبع ولا شيء لك وإن بعت بمائة فلا شيء لك). (¬6) في (ر): (تبيع). (¬7) في (ر): (درى). (¬8) في (ت): (مكن). (¬9) في (ف): (فإذا).

آخر العمل نظر، فإن لم يأت من الثمن (¬1) ما تباع (¬2) به فلا شيء له، وإن أتى بما تباع به (¬3) كان له (¬4) جعل المثل، باعها صاحبها أو لم يبع، وهذا الجواب في كل موضع جعل له فيه تنفيذ البيع. فأما إن سمى له ثمنًا (¬5) فقال: إن بلغت مائة فبع، وإن لم تبلغ ذلك فلا تبع، فلا تستحق من الجعل شيئًا إن لم تبلغ مائة، وإن قَرَنه (¬6) بعد ذلك بفساد لقوله: فما زاد فلك أو ما أشبه ذلك لأنه لم يوجب تنفيذ البيع إلا (¬7) على صفةٍ لم تكن بعد. ¬

_ (¬1) في (ت) و (ر): (بثمن). (¬2) في (ف): (يباع). (¬3) قوله: (فلا شيء. . . تباع به) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (له) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (ثمنًا) ساقط من (ر). (¬6) في (ف): (قربه). (¬7) قوله: (إلا) ساقط من (ف).

باب في الإجارة والسلف، وفي من استأجر على طحين قمح وثمنه منه أو على ذبح شاة برطل من لحمها

باب (¬1) في الإجارة والسلف، وفي من استأجر على طحين قمح وثمنه (¬2) منه أو على ذبح شاة برطل من لحمها وقال ابن القاسم في من استأجر حائكًا يصنع له ثوبًا بعشرة دراهم (¬3) على أن يقرضه رطلًا (¬4) غزلًا ويزيد فيه: لم يجز وهي إجارة وسلف (¬5). ويختلف إذا عمل، هل يكون الثوب بينهما شركة على قدر ما لكل واحد منهما (¬6) فيه (¬7)؛ لأن المستقرض لم يقبضه، أو يكون جميعه للمستأجر؟ وعليه مثل الغزل وإجارة المثل على قول سحنون؛ لأن الربا قد تمَّ بينهما (¬8). وعلى القول إنه شركة بينهما يكون عليه الأقل من المسمى فيما ينوب غزل (¬9) الأول أو إجارة المثل. وقال محمد في من دفع إلى صائغ (¬10) خمسين درهمًا ليصوغ له (¬11) خلخالين بمائة درهم ففعل: فلا خير فيه، والخلخالان بينهما نصفان، وعليه نصف أجرة مثله ليس نصف ما سمى (¬12). قال مالك (¬13): ولو دفع إليه (¬14) فصًّا وقال: اجعل فيه من الفضة كذا وكذا حتى أعطيكها مع أجرة سماها فلا خير فيه. ¬

_ (¬1) قوله: (باب) ساقط من (ت). (¬2) في (ت): (بثمنه). (¬3) قوله: (دراهم) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (رطلًا) ساقط من (ر). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 417. (¬6) قوله: (منهما) ساقط من (ف). (¬7) قوله: (فيه) ساقط من (ر). (¬8) انظر: المدونة: 3/ 417. (¬9) في (ر) و (ف): (عن). (¬10) فى (ت): (صانع) وفي (ف) (صياغ). (¬11) زاد في (ت): (منها). (¬12) انظر النوادر والزيادات: 5/ 358. (¬13) في (ر): (قال محمد). (¬14) قوله: (إليه) ساقط من (ف).

فصل [في الرجل يشتري القمح على أن عليه طحنه]

قال محمد: فإن صاغه رد الفصّ وحبس فضته. وإن قال: موِّه هذا الخاتم (¬1) بعشرين درهمًا وأجرتك (¬2) عشرة دراهم، كان عليه العشرون درهمًا وأجرة (¬3) المثل ولا يكون شريكًا، فرآه في الخلخالين شريكًا؛ لأنه لا مزية لإحدى الفضتين على الأخرى. ولا يكون شريكًا في الفصّ (¬4) لأن التمويه كالهالك، ولأنه (¬5) سلم ذلك إلى ما أمر به بمنزلة من استأجر رجلًا يصبغ له ثوبا إجارة فاسدة، فلم يختلف أن ذلك فوت وعلى صاحب الثوب إجارة المثل ولا يكون شريكًا بما وضع فيه من الصبغ. فصل [في الرجل يشتري القمح على أن عليه طحنه] ومن استأجر رجلًا يطحن له قمحًا بدرهم وبثمنه منه جاز (¬6). ومنعه محمد، ولا وجه للمنع، فإن ضاع قبل أن يطحن ببيّنة (¬7) وكان الدرهم كافيًا لثمنه (¬8) أو أكثر انفسخت الإجارة فيما ينوب الثمنة لأنه عرض بعرض، ولم ينفسخ ما ينوب الدرهم وعلى المستأجر أن يأتي بمثل ذلك ويطحنه له. واختلف (¬9) إذا (¬10) لم يعلم الضياع إلا من قبل الأجير، فرأى ابن القاسم مرة في هذا الأصل على أنه عيّبه فيغرمه (¬11) ويطحن جميعه ويأخذ الثمنة منه، ¬

_ (¬1) في (ت): (اللجام) وفي (ف): (الجام). (¬2) في (ر): (وأجرة). (¬3) في (ت): (إجارة). (¬4) في (ت): (السيف) وفي (ف): (الجام). (¬5) في (ف): (كأنه). (¬6) انظر: المدونة: 3/ 320. (¬7) في (ف): (ثلثيه). (¬8) في (ت) و (ر): (للثمنة). (¬9) في (ت) و (ف): (ويختلف). (¬10) في (ف): (إن). (¬11) في (ت): (فيلزم بغرمه) وفي (ف) (فيلزم يغرم).

ومرة لم يبلغ به من عينه (¬1) حقيقة فيحلف على ضياعه ويغرمه ولا يطحن إلا ما قابل الدرهم، فإن طحنه ثم ادّعى ضياعه لم يصدق وغرمه مطحونًا واستوفى الثمنة منه (¬2). واختلف إذا شهدت البينة على ضياعه، فقال ابن القاسم: لا ضمان (¬3) عليه ولا أجرة (¬4)، فعلى هذا يأتي ربه بطعام ويطحن الآخر ما ينوب الدرهم فإن طحنه فادعى ضياعه (¬5) بمنزلة لو لم يطحنه. وقيل: له الأجرة فيأخذ الدرهم وإجارة المثل فيما ينوب الثمنة. وإن استأجره على ذبح شاة برطل من لحمها، أو كانت مذبوحة فاستأجره على سلخها برطل من لحمها لم يجز على قول مالك (¬6)؛ لأنه بيع لحم مغيّب، ويجوز على قول أشهب؛ لأنه أجاز في "كتاب محمد" بيع أرطال من لحم شاة قبل ذبحها إذا جسّها وعرف نحرها (¬7). ¬

_ (¬1) في (ف): (عيبه). (¬2) قوله: (منه) ساقط من (ر). (¬3) في (ر): (الضياع). (¬4) في (ت): (أجر). (¬5) قوله: (فإن طحنه فادعى ضياعه) ساقط من (ت) و (ف). (¬6) انظر: المدونة: 3/ 418. (¬7) في (ف): (نحوها). وانظر: النوادر والزيادات: 6/ 336.

باب في الإجارة على الخياطة، ومن استأجر من يدبغ له جلودا أو ينسج له غزلا بنصفه، أو أعطى دابته أو سفينته أو حماما أو فرنا لمن يؤاجره أو يعمل عليه على نصف ما يؤاجره به أو ما يكسب عليه

باب في الإجارة على الخياطة، ومن استأجر من يدبغ له جلودًا أو ينسج له غزلًا بنصفه، أو أعطى دابته أو سفينته أو حمامًا أو فرنًا لمن يؤاجره أو يعمل عليه على نصف ما يؤاجره به (¬1) أو ما (¬2) يكسب عليه الإجارة على الخياطة تجوز إذا (¬3) وصف العمل وسمى الثمن، ولا تجوز إن لم يصف العمل ولم يسم الثمن، فإن كانت خياطة مثل ذلك الثوب معلومة وجرى الناس في ثمن مثلها على شيء معلوم جاز، وإن لم يوصف (¬4) ولم يسم الثمن لم يجز (¬5). والأجل في الإجارة على الخياطة على ثلاثة أوجه: فإن كانت الإجارة على ثوب أو أثواب معدودة جاز ذلك (¬6) إذا لم يضرب (¬7) أجلًا، وإن ضرب (¬8) أجلًا، فقال: تخيط لي يومًا أو يومين جاز إذا لم يسم عددًا لما (¬9) يخيطه في تلك الأيام. ولا يجوز أن يجمع بين الأجل وعدد ما يخيطه، فإن فعل وكان لا يدري هل يفرغ (¬10) تلك العدة في ذلك الأجل - لم يجز. ¬

_ (¬1) في (ر): (له). (¬2) قوله: (ما) ساقط من (ف). (¬3) في (ف): (إن). (¬4) قوله: (لم يوصف) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (لم يجز) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (ذلك) ساقط من (ر) و (ف). (¬7) في (ر): (يضربا). (¬8) في (ر): (ضربا). (¬9) في (ر): (عدد ما). (¬10) في (ر): (متى يبلغ).

واختلف إذا كان الغالب أنه يخيطها فيه، فقيل: ذلك (¬1): جائز. وقيل: لا يجوز؛ لأنه إن فرغ في بعض الأجل سقط حقه في بقيته وهو قد اشترط العمل فيه. وأرى (¬2) أن يمضي؛ لأن الغرض أن يشرع (¬3) بالعمل في تلك الأيام، فإن تأخر وخاطه بعد الأجل نظر إلى خياطته على أن يشرع (¬4) في ذلك الأجل وعلى أن يخيطه في الوقت الذي خاطه فيه فيحط من المسمى بقدره. وقال ابن الماجشون في "كتاب ابن حبيب": له إجارة المثل، ولا ينظر إلى المسمى (¬5). وجعله فاسدًا. واختلف إذا لم يضرب أجلًا في أصل العقد ثم قال بعد ذلك: عجل لي اليوم وأزيدك نصف درهم، فقال ابن القاسم: لا بأس به. ولم يره مثل الرسول يزاد لسرعة السير بعد إيجاب أجرته (¬6). وقال سحنون (¬7): لا بأس به أيضا (¬8) في الرسول (¬9). فإن قال: إن خطته اليوم فبدرهمين، وإن خطته غدًا فبدرهم كان فاسدًا، وهو من شرطين في بيع، فإن عمل كان له إجارته ما بلغت. وقال غيره: له إجارة مثله ما لم ينقص عن (¬10) درهم أو يزيد (¬11) على درهمين. ¬

_ (¬1) في (ر): (فذلك). (¬2) في (ر): (رأى). (¬3) في (ر): (يسرع). (¬4) في (ف) و (ر): (يسرع). (¬5) انظر النوادر والزيادات: 10/ 324. (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 438. (¬7) زاد في (ت): (أيضا). (¬8) قوله: (أيضا) زيادة من (ف). (¬9) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 439. (¬10) قوله: (عن) ساقط من (ف). (¬11) في (ت) و (ر): (تزاد).

فصل [في من استأجر من يدبغ له جلودا]

فصل [في من استأجر من يدبغ له جلودًا] وإن قال في جلود: ادبغ هذه الخمسين بهذه الخمسين جاز إذا اشترط نقد الخمسين التي هي أجره (¬1)، وإن اشترط (¬2) وقفها حتى تفرغ الأخرى من الدباغ لم يجز (¬3). ويختلف إذا لم يشترط نقدها ولا وقفها (¬4)، فعند ابن القاسم الإجارة فاسدة (¬5)؛ لأن ثمن الإجارة لا يستحق إلا بعد الفراغ، فإذا كانت موقوفة إلى ذلك الوقت كان بيعها فاسدًا، ويجوز على قول ابن حبيب ويتعجل الأجير (¬6) قبضها، وقد مضى ذلك في كتاب كراء (¬7) الرواحل إذا استأجر راحلة بثوب بعينه. وإن قال: ادبغ نصف (¬8) هذه المائة بنصفها أو شرط (¬9) نقد النصف جاز ذلك (¬10) إذا كانت تعتدل في القسم والعدد أو تتقارب، وإن تباين اختلافها لم يجز من أجل الجهل بما يدفع؛ لأنه لا يدري هل يدفع ستين أو أربعين؟ وليس يفسد من أجل الجهل لما يصير للعامل في أجرته؛ لأن شراء بعضها (¬11) على الشياع جائز وإن لم تعتدل في القسم، فإن لم تفسخ حتى قاسمه ودبغ جميعها كان له النصف الذي أخذه أجرة (¬12) بقيمته يوم قبضه بعد المقاسمة (¬13) وله أجرة (¬14) المثل في ¬

_ (¬1) في (ر): (أجرة). (¬2) في (ت): (شرط). (¬3) قوله: (لم يجز) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (ولا وقفها) ساقط من (ر). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 420. (¬6) في (ر): (ويعجل الآخر). (¬7) قوله: (كراء) ساقط من (ر) و (ف). (¬8) قوله: (نصف) ساقط من (ر) و (ف). (¬9) في (ت): (شرطا). (¬10) قوله: (ذلك) ساقط من (ف). (¬11) في (ت): (نصفها). (¬12) قوله: (أجرة) ساقط من (ر). (¬13) قوله: (بعد المقاسمة) ساقط من (ف). (¬14) في (ت): (إجارة).

النصف الآخر. وإن قال: ادبغ المائة بنصفها لم يجز قولًا واحدًا بخلاف الأول؛ لأن قوله: ادبغها ولك النصف يقتضي دباغ الجميع على ملك صاحبها وله النصف بعد الفراغ، فإن فعل وفاتت بالدباغ كان له إجارة المثل في جميعها، وإن ضاعت قبل ذلك ببينة كانت مصيبتها من بائعها، وإن لم يعلم ضياعها إلا من قوله ضمن جميعها على أحكام الضياع، وإن شرع في العمل مكّن من التمادي حتى يفرغ، وكذلك النسج إن (¬1) شرط أن ينسج له غزلًا بنصفه، فأخذ في النسج مكّن من التمادي حتى يفرغ (¬2)؛ لأن في نزعها (¬3) عليه حينئذ مضرةً. وإن فاتت من يده (¬4) بعد الدباغ وقد بقيت على أنه شريك فيها، ففاتت بحوالة الأسواق فما فوق ضمن نصف قيمتها يوم الفراغ. واختلف إن قال له: لك نصفها من اليوم على أن يدبغ جميعها فشرع في الدباغ، هل يكون ذلك فوتًا ويضمن نصف قيمتها، أو ليس بفوت؛ لأنه غير ممكّن من ذلك النصف لما حجر عليه أن يدبغه ولا يبين به؟ والأول أبين أن (¬5) يكون ضامنًا لنصفها. ¬

_ (¬1) في (ف): (إذا). (¬2) قوله: (حتى يفرغ) ساقط من (ف). (¬3) في (ر): (لأن دبغها). (¬4) في (ت): (يديه). (¬5) في (ت): (أن لا).

فصل [في من أعطى دابته لمن يؤاجره أو يعمل عليه على نصف ما يؤاجره به أو ما يكسب عليه]

فصل [في من أعطى دابته لمن يؤاجره أو يعمل عليه على نصف ما يؤاجره به أو ما يكسب عليه] ومن أعطى دابة لرجلٍ وقال: أكرها ولك نصف ما تكريها به، كان الكراء لصاحبها وللآخر إجارة المثل. ولو قال: اعمل عليها ولك نصف ما تكسب عليها كان كسبه له ولصاحبها إجارة المثل. واختلف إذا قال: اعمل لي عليها، فقال ابن القاسم في "المدونة" في رواية الدباغ: ما كسب عليها للعامل وعليه إجارتها كالأول (¬1). وقال ابن الجلاب: ما كسب عليها لصاحبها لقوله: اعمل لي عليها (¬2)، وللعامل إجارة المثل (¬3). وإن قال: أكرها، فعمل عليها كان ما عمل عليها له ولصاحبها إجارة المثل. واختلف إذا قال: اعمل عليها، فأكراها، فقال ابن القاسم: ما أكريت به للمستأجر ولصاحبها إجارة المثل (¬4). وقال في كتاب الشفعة: ما أكريت به لصاحبها؛ لأن ضمان المنافع من صاحبها بخلاف البيع الفاسد. وإن قال: أكرها ولك نصف ما تكريها به، فأكراها ممن يسافر بها (¬5) على أن يخرج معها ويسوق به ويقوم بها، نظر إلى كرائها على أن لا أحد معها: فإن كان دينارًا وعلى أن معها سائقًا دينار وربع، كان الكراء بينهما أخماسًا، ثم ينظر إلى إجارة المثل في تولي العقد، فإن كان ثمن دينار رجع الأجير على صاحب الدابة ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 422. (¬2) قوله: (عليها) ساقط من (ت) و (ف). (¬3) انظر: التفريع: 2/ 142. (¬4) انظر: المدونة: 3/ 421. (¬5) قوله: (بها) ساقط من (ف).

بأربعة أخماس ثمن (¬1) دينار؛ لأنه إجارة لمبيع بعضه لصاحب الدابة وبعضه له وهو ما ينوب سوقه، فإن كان يتولى حفظها بعد انقضاء الكراء وردها (¬2) كان له في ذلك إجارة أخرى. وما تقدم ذكره في الكسب فهو في مثل الماء والكلأ والحطب، فإن قال: اعمل عليها ولي نصف ما تكسب عليها كان ثمنه للعامل وللآخر إجارة دابته؛ لأن تلك الأشياء ملك للعامل بنفس أخذه لها. فإن قال: اعمل لي عليها ولك كل يوم درهم جاز. ويكون ثمن ما باع به (¬3) مما عمل عليها لصاحب الدابة؛ لأن الملك يتعيّن (¬4) في تلك الأشياء بالنية، فإن أخذه على ملكه كان له، وإن أخذه على أنه أجير فيه كان ملكًا لمن استأجره. وإن قال: اعمل لي، ولك نصف ثمنه كان فاسدًا؛ لأن الثمن يختلف (¬5) يقل ويكثر. وإن قال: لك نصف (¬6) كل نقلة جاز. قال محمد: وكذلك إن قال: لك نقلة ولي نقلة (¬7)؛ لأنَّ النقلة معلومة بخلاف ثمنها. وإن قال: ما تعمل (¬8) عليها اليوم لي وغدًا لك جاز. وإن قال: تعمل عليها ¬

_ (¬1) في (ر): (من). (¬2) في (ف): (يردها). (¬3) قوله: (به) ساقط من (ر). (¬4) في (ف): (يتغير). (¬5) قوله: (يختلف) ساقط من (ر). (¬6) في (ر): (بنصف). (¬7) انظر النوادر والزيادات: 7/ 34. (¬8) في (ت) و (ف): (ماتنقل).؟

اليوم لي وتبيعه لي وتعمل عليها غدًا لك (¬1) فإن شئت بعته لنفسك جاز، وإنما يفسد إذا قال: تعمله على ملكك كذا (¬2) والثمن لي؛ لأن الثمن مجهول، وإن أصيب (¬3) قبل البيع كان من العامل، و (¬4) إذا كان ذلك كان (¬5) العمل للعامل (¬6) وللآخر إجارة دابته. وإن قال: تعمل على ملكي (¬7) كانت الإجارة على غير ذلك فلا تبال بعد ذلك بيع أو ترك (¬8). وإن قال صاحب الدابة: اعمل عليها اليوم لي وغدًا لك فعمل عليها اليوم ثم تلفت الدابة، كان للعامل على صاحب الدابة إجارة المثل وليس (¬9) له أن يكلفه أن يأتي بدابة أخرى لأنه إنما باع غدًا (¬10) منافع دابة (¬11) بعينها والمعيّن (¬12) لا يخلْف. واختلف إذا قال: اعمل على أن اليوم لك وغدًا لي، فعمل اليوم الأول ثم تلفت هل يكون لرب الدابة كراء دابته، أو يأتي بدابة أخرى فيعمل عليها لأن المعمول عليه لا يتعّين؟ والأول أبين؛ لأن الخلف في ذلك يتعذر، مثل القول في ثوب اللابس يستأجر على (¬13) خياطته فيضيع ببيّنة (¬14) فليس عليه خلفه. ¬

_ (¬1) قوله: (لك) ساقط من (ر) و (ف). (¬2) قوله: (كذا) ساقط من (ت) و (ف). (¬3) في (ر): (أصيبت). (¬4) قوله: (و) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (وإذا كان ذلك كان) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (للعامل) ساقط من (ف). (¬7) في (ف): (ملكه). (¬8) في (ف): (بع أو اترك). (¬9) قوله: (لك فعمل عليها. . . إجارة المثل وليس) ساقط من (ف). (¬10) قوله: (غدًا) ساقط من (ر). (¬11) قوله: (دابة) زيادة من (ف). (¬12) في (ف): (المعنى). (¬13) قوله: (على) ساقط من (ف).؟ (¬14) قوله: (فيضيع ببينة) ساقط من (ر).

وقوله في السفينة: اكرها أو (¬1) اعمل عليها سواء إذا كان فيها (¬2) قومة صاحبها؛ لأنه إنما يتولى العقد من الناس فما أكريت به لصاحبها وله إجارة المثل، وإن لم تكن فيها قومة صاحبها (¬3) ولو (¬4) كان يسافر فيها بمتاعه كان الربح له ولصاحب السفينة الإجارة. وأما الحمام والفرن فإن لم يكن فيها دواب ولا آلات (¬5) بما يطحن (¬6) كان ما يؤاجران (¬7) به العامل وعليه لصاحبها إجارة المثل. وإن كان بدوابهما ويشتري الحطب من عند صاحبهما أو من (¬8) غلتهما (¬9) كان ما أصاب فيما (¬10) لصاحبهما وللعامل إجارة المثل إنما هو قيم فيهما. وكذلك الفندق فما أكرى به مساكنه لصاحبه (¬11) والآخر قيم وله إجارة مثله (¬12) (¬13). وقوله: أكره واعمل عليه سواء. وإن قال: أكر دابتي ولك نصف ما تكريها به فمضى بها (¬14) ثم ردها لم يكرها (¬15) وقد تيسر (¬16) كراؤها لم يكن عليه شيء؛ لأن ذلك الرضى (¬17) فاسد والحكم: أن يردها ولا يتم ذلك الفاسد (¬18). ¬

_ (¬1) في (ر): (و). (¬2) قوله: (فيها) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (لأنه إنما يتولى العقد. . . فيها قومة صاحبها) ساقط من (ت). (¬4) قوله: (لو) ساقط من (ف). (¬5) في (ت): (آلة الطحن). (¬6) قوله: (بما يطحن) زيادة من (ف). (¬7) في (ر): (يؤاجر) وفي (ف) تؤاجر. (¬8) في (ر): (ومن). (¬9) في (ف): (عليهما). (¬10) قوله: (فيما) ساقط من (ف). (¬11) في (ت): (لمالكه) وفي (ف) (المالكة). (¬12) قوله: (والأخر قيم وله إجارة المثل) يقابله في (ف): (والآخر فله إجارته). (¬13) في (ت): (إجارته). (¬14) قوله: (فمضى بها) ساقط من (ر). (¬15) قوله: (لم يكرها) ساقط من (ف). (¬16) في (ف): (تعسر). (¬17) قوله: (الرضى) ساقط من (ر). (¬18) في (ف): (الفساد).

فصل [في شريكين في طعام يؤاجر أحدهما صاحبه في حمله وما يجوز من ذلك]

فصل [في شريكين في طعام يؤاجر أحدهما صاحبه في حمله وما يجوز من ذلك] وقد (¬1) قال ابن القاسم في شريكين في طعام بلغهما (¬2) نفاقه في بلد، فقال أحدهما لصاحبه: احمله لذلك البلد على أن عليَّ كراء نصفه: فلا بأس بذلك (¬3) إذا كان للآخر أن يقاسمه أو (¬4) يبيع حصته متى أحب. وإن كان لا يقاسمه حتى يبلغا فلا خير فيه (¬5). وكذلك إن شرط أن يطحنه فلا بأس به (¬6) إذا كان (¬7) له (¬8) إن شاء طحن معه، وإن شرط أن يطحن جميعا (¬9) فلا خير فيه. وكذلك الشريكان في الغنم إذا قال أحدهما لصاحبه: ارعها سنة وعليَّ في نصيبي كذا وكذا، فلا بأس به إذا كان له أن (¬10) يقاسمه متى أحب (¬11)، وتكون الإجارة في نصيب الآخر إذا كان إن (¬12) ماتت الغنم أو نقصت أخلفها. وقال غيره: إن اعتدلت في القسم (¬13). وإن كانا شريكين في غزل لم يجز أن يستأجره على أن ينسجه على أن على صاحبه إجارة نصيبه؛ لأنه لا يقدر على (¬14) أن يقاسمه ولا يبيع نصيبه قبل ¬

_ (¬1) قوله: (قد) ساقط من (ر) و (ف). (¬2) في (ف): (يطعمهما). (¬3) في (ف): (به). (¬4) في (ر): (و). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 421. (¬6) قوله: (به) ساقط من (ف). (¬7) قوله: (إذا كان) ساقط من (ر). (¬8) قوله: (له) زيادة من (ف). (¬9) قوله: (وإن شرط أن يطحن جميعا) يقابله في (ح) و (ت): (أن يطحن). (¬10) قوله: (له أن) ساقط من (ف). (¬11) في (ف): (شاء). (¬12) قوله: (كان إن) ساقط من (ر). (¬13) انظر: المدونة: 3/ 423. (¬14) قوله: (على) ساقط من (ر).

النسج فحمل (¬1) الغزل على الفساد؛ لأنه لا يقدر على أن يقاسمه (¬2) قبل ذلك؛ لأنه التزم نسجه (¬3). وأرى أن يحمل الطعام (¬4) في حمله (¬5) لبلد (¬6) آخر، وفي طحنه إذا لم يشترطا (¬7) قسمته ولإبقاء الشركة (¬8) على الجواز؛ لأنَّ غرض الشريك في ذلك حمل نصيبه للبلد الذي هو (¬9) به غالٍ، وطحن نصيبه ولا غرض له في غيره، وإنما يريد بقوله: احمله ليباع بذلك البلد؛ لأنه إذا كان غاليًا (¬10) رغب في الخروج لنفسه وأرخص للآخر في الإجارة. وقوله في الغنم: أن ذلك جائز إذا كان إن ماتت أو نقصت أخلف غيرها. فهو أحد قوليه أن المستأجر له يتعيّن، وقوله الآخر أنه لا يتعين (¬11) وأن الحكم الخلف وإن لم يشترط. وقول غيره: إذا اعتدلت، خيفة أن يخرج في النصف شيء (¬12). ¬

_ (¬1) في (ر): (فجعل). (¬2) في (ت): (قسمته) وفي (ف) (قسمه). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 423. (¬4) زاد في (ت): (في حمله). (¬5) قوله: (في حمله) زيادة من (ف). (¬6) في (ف): (إلى بلد). (¬7) في (ر): (يشترط). (¬8) في (ف): (الشرك). (¬9) في (ف): (هما). (¬10) في (ت) و (ر): (غالبا). (¬11) في (ت): (أنها لا تتعين). (¬12) في (ر) و (ف): (شيئين).

باب في من استأجر رجلا يبني له دارا على أن المرمة من عند الأجير

باب في من استأجر رجلًا يبني له دارًا على أن المرمة من عند الأجير ومن استأجر رجلًا يبني له دارًا على أن الجص والآجر وغيره من آلات البناء من عند الأجير (¬1) وكل ذلك معين الصانع والذي يصنع منه جاز إذا كان يشرع في العمل أو بعد الأيام اليسيرة. ويجوز أن يكون الثمن نقدًا أو إلى أجل. وإن لم يشترط شيئًا نقد ما ينوب الآجر والجص وكان (¬2) ما ينوب عمل اليد (¬3) ينتقد منه كل ما مضى يوم (¬4) بقدر عمله. وإن كان في جميع ذلك مضمونًا الصانع والذي يصنع منه - جاز على أحكام السلم أو يكون إلى أجل معلوم ويقدّم (¬5) رأس المال. وإن كان للبناء عندهم زمن (¬6) معلوم حملا عليه وإن لم يضربا أجلًا، وإن شرطا الابتداء إلى يوم أو يومن جاز على أحد قولي مالك في جواز السلم إلى مثل ذلك الأجل. وإن كان الفراغ من العمل في اليومين والثلاثة جاز تأخير رأس مال السلم الأجل (¬7) البعيد ويصير البناء رأس مال في المؤجل. وإن كان البناء المدة الكثيرة جاز بشرط (¬8) تقديم رأس المال. وإن كان أحدهما معينًا والآخر مضمونًا ¬

_ (¬1) في (ر): (عنده). (¬2) في (ت) و (ر): (وكل). (¬3) قوله: (ويجوز أن يكون الثمن. . . عمل اليد) ساقط من (ر). (¬4) زاد في (ت): (يوم). (¬5) قوله: (ويقدم) ساقط من (ر). (¬6) في (ر): (ثمن). (¬7) في (ف): (الأمد). (¬8) في (ف): (شرط).

جاز إذا كان يشرع في العمل للأجل (¬1) المعين أو يبتدئ العمل ليومين أو ثلاثة ويقدم رأس المال لأجل المضمون؛ لأن الغالب أنه يتراخى الفراغ إلى أجل السلم، وسواء كان المعيّن عمل اليد أو الآجر والجص وهذا إذا كان المعيّن والمضمون سواء أو كان المضمون الأكثر، وإن كان المضمون يسيرًا والمعيّن الأكثر جاز أن يكون جميع الثمن مؤجلًا عند أشهب. واختلف إذا كانا متساويين وشرط أن ينقد ما ينوب المضمون ويتأخر ما ينوب المعيّن هل يجوز ويكون كما اشترط أو يكون مفضوضًا فيفسد؛ لأنه لم ينقد (¬2) جميع ما ينوب المؤجل، وكل هذا إنما يجوز إذا وصف البناء ووصف عدد المساكن وسعة كل مسكن وعرض الحائط وارتفاعه. وإن كان المصنوع (¬3) منه غير معيّن وصف (¬4) الخشب التي يبني بها والأبواب وما أشبه ذلك. ¬

_ (¬1) في (ت) و (ر): (لأجل). (¬2) في (ف): (ينتقد). (¬3) في (ر) و (ف): (المضمون). (¬4) في ر: (ووصف).

باب في من استأجر مسيل ماء أو اشتراه أو أستأجر رحى ماء فانقطع الماء أو قل العمل لشدة أو لقطع طريق، وكيف إن اختلفا في مدة انقطاعه؟

باب في من استأجر مسيل (¬1) ماء أو اشتراه أو أستأجر رحى ماء فانقطع الماء أو قلَّ العمل لشدة أو لقطع طريق، وكيف (¬2) إن اختلفا في مدة انقطاعه؟ (¬3) ولا بأس أن يستأجر الرجل مسيلًا لجري (¬4) الماء إلى داره السنة والسنين الكثيرة أو للأبد. وإن أراد الآخر أن يشتري ماء دار (¬5) جاره السنة والسنتين (¬6) لم يجز؛ لأنه لا يدري أيقل أو يكثر. وإن كان السنين الكثيرة أو للأبد جاز؛ لأن الكثير (¬7) يحمل بعضه بعضًا. وقال مالك: لا بأس بإجارة رحى الماء إذا كانت لرجل قد نصبها أو استأجر أرضًا على نهر لينصب هو عليها رحى فإن انقطع الماء ولم ترج (¬8) عودته، أو كان يرجى بعد بُعد كان له أن يفاسخه الإجارة، وإن كان يرجى عودته عن قرب لم (¬9) يفسخ (¬10). واختلف إذا فاسخه وهو يرى (¬11) أنه لا يعود عن قرب فعاد (¬12)، هل يمضي الفسخ كحكم مضى، أو ترجع الإجارة على حالها؟ وأن (¬13) تعود ¬

_ (¬1) قوله: (مسيل) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (وكيف) ساقط من (ت). (¬3) قوله: (وكيف إن اختلفا في مدة انقطاعه) يقابله في (ف): (وإن انقطع في مدة القطاعة). (¬4) في (ت) و (ر): (يجري). (¬5) قوله: (دار) زيادة من (ف). (¬6) في (ت) و (ر): (والسنين). (¬7) قوله: (أو للأبد جاو؛ لأن الكثير) ساقط من (ف). (¬8) في (ت) و (ر): (يرج). (¬9) قوله: (لم) ساقط من (ف). (¬10) انظر: المدونة: 3/ 425. (¬11) في (ف): (وهو لا يدري). (¬12) في (ف): (فعاود). (¬13) في (ف): (أو).

أحسن؛ لأن الأول خطأ في التقدير إلا أن يكون المكتري بعد الفسخ عقد موضعًا غيره وجيبة أو غير ذلك من القدر (¬1) فيمضي الفسخ، فإن لم يتفاسخا حتى عاد الماء عن قرب كان الكراء على حاله. وإن عاد عن بعد جرى (¬2) على قولين: هل ذلك فسخ، أو حتى يفسخ كالذي يكتري السفينة في الصيف فدخل الشتاء، وكان الحكم الفسخ ولم يتفاسخا حتى صار إلى الصيف؟ فقيل: العقد منفسخ (¬3). وقيل: هو على حاله. وقال ابن حبيب: وكذلك إن أصاب أهل ذلك المكان فتنة فجلوا (¬4) عن منازلهم وجلا هذا المكتري أو بقي (¬5) آمنًا إلا أنه لا (¬6) يغشاه الطعام، فذلك بطلان (¬7) كبطلان الرحى من نقصان الماء يوضع عنه الكراء (¬8). قال: والفنادق التي تكرى (¬9) في أيام من (¬10) السنة مثل أيام الحج مثل ذلك (¬11). وهو على ما وصفنا (¬12) في الرحى، وأرى ورق التوت يشترى لدود الحرير فيموت دود الناس ذلك العام فيكون له رد البيع. والطريق يشتريها ليتوصل (¬13) بها إلى دار أو أرض فتستحق تلك الدار أو الأرض فله أن يرد البيع. ¬

_ (¬1) في (ف): (العذر). (¬2) في (ف): (جرت). (¬3) في (ف): (ينفسخ). (¬4) في (ر): (فرحلوا). (¬5) في (ت) و (ف): (أقام). (¬6) قوله: (لا) ساقط من (ف). (¬7) قوله: (بطلان) زيادة من (ف). (¬8) انظر النوادر والزيادات: 7/ 143. (¬9) في (ف): (تتكارى). (¬10) قوله: (من) زيادة من (ف). (¬11) انظر النوادر والزيادات: 7/ 143. (¬12) في (ر): (وصفها). (¬13) في (ف): (فيتوصل).

فصل [في الاختلاف في مدة انقطاع الماء]

فصل [في الاختلاف في مدة انقطاع الماء] فإن عاد الماء فعاد إلى العمل فلما انقضت السنة اختلفا في مدة انقطاع الماء: فإن اتفقا على أول انقطاعه واختلفا في وقت رجوعه (¬1) كان القول قول المكري (¬2). واختلف إذا اختلفا في مبتدأ انقطاعه واتفقا في وقت رجوعه (¬3)، فقال ابن القاسم: القول قول المكري؛ لأن المتكاري يريد أن يحط عن نفسه (¬4). وهو قول من راعى استصحاب الحال، وأنكر ذلك سحنون وقال هذه عراقي، يريد أن القول قول المكتري؛ لأن الأمر مشكل، والأصل براءة الذمة من الدين فلا يثبت بشك. ويختلف (¬5) إذا لم يعد حتى انقضت السنة (¬6)، ثم اختلفا في وقت (¬7) انقطاعه: فعلى قول ابن القاسم يكون القول قول المكري (¬8)، وعلى قول سحنون يكون (¬9) القول قول المكتري (¬10). ولو كانت دارًا فاتفقا (¬11) في وقت انهدامها، واختلفا في وقت إعادتها صدق المكتري (¬12)، وإن اختلفا في مبتدأ انهدامها واتفقا في إعادتها صدق المكري عند ابن القاسم، ولم يصدق على قول سحنون، وكذلك إن لم يعد البناء فعلى مثل ذلك الاختلاف. وقال ابن المواز: قال أشهب في الأجير إذا قال: عملت السنة كلها، وقال الآخر: قد بطلت ولم تأت، فالقول قول المستأجر ¬

_ (¬1) في (ف): (وجوده). (¬2) في (ر): (المكتري). (¬3) في (ف): (وجوده). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 425. (¬5) في (ر): (واختلف). (¬6) قوله: (السنة) ساقط من (ف). (¬7) في (ر): (أول). (¬8) انظر: المدونة: 3/ 425. (¬9) قوله: (يكون) ساقط من (ف). (¬10) انظر: المدونة: 3/ 425. (¬11) في (ر): (واختلفا). (¬12) في (ر) و (ف): (المكري).

قال محمد: وسواء كان انقطاعه إليه أو كان يغدو إليه (¬1). وقال ابن القاسم وأصبغ في "الواضحة": القول قول المستأجر إذا لم يكن مأواه (¬2) إليه، فإن لم يكن مأواه إليه (¬3) كان القول قول الأجير، وسواء كان الأجير حرًّا أو عبدًا (¬4). وقال ابن الماجشون: إن كان عبدًا وكان (¬5) مأواه إليه كان القول قول المستأجر نقد أو لم ينقد (¬6). وكذلك إن ادّعى إباقًا؛ لأنه كان أمينًا على ذلك حين أسلم إليه، وإن كان يختلف إليه (¬7) كان القول قول السيد (¬8). وهذا عكس ما ذهب إليه ابن القاسم قال: وإن كان حرًّا كان القول قول الأجير، كان يختلف أو كان مأواه إليه (¬9)، قبض (¬10) الأجرة (¬11) أو لا، وذكره عن مالك (¬12). وقول أشهب في هذا أحسن والأجير بخلاف الدار والماء؛ لأن الماء والدار يسلّمان تسليمًا واحدًا، وعلى (¬13) هذا يجري على ما أجراه الله تعالى، والدار على ما هي عليه حتى يعلم انقطاع ذلك، ومنافع الأجير بيده, وكل يوم يصبح يبتدئ (¬14) تسليمها فكان القول قول المستأجر أنه لم يسلم إلا ما أقرّ (¬15) به، إلا أن يأتي من ذلك بما لا يشبه وما يعلم أنه لو عطله لم يسكت عن ذلك وكان منه (¬16) الشكية وما أشبه ذلك. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 48. (¬2) في (ف): (ماؤه). (¬3) قوله: (فإن لم يكن مأواه إليه) ساقط من (ر). وفي (ف): وإن كان ماؤه إليه (¬4) انظر النوادر والزيادات 7/ 137. (¬5) قوله: (عبدا وكان) ساقط من (ف). (¬6) انظر النوادر والزيادات 7/ 49. (¬7) قوله: (إليه) ساقط من (ت). (¬8) انظر النوادر والزيادات 7/ 49. (¬9) في (ف): (عنده). (¬10) في (ت) و (ف): (قبضت). (¬11) في (ف): (الإجارة). (¬12) انظر النوادر والزيادات 7/ 49. (¬13) قوله: (على) زيادة من (ف). (¬14) في (ت) و (ر): (ليبتدئ). (¬15) في (ف): (أقرا). (¬16) في (ف): (فيه).

باب في إجارة الثياب والحلي، وفي ضمان المستأجر وهل يؤاجر؟

باب في إجارة الثياب والحلي، وفي ضمان المستأجر وهل يؤاجر؟ اختلف في إجارة الثياب والحلي والماعون في أربعة مواضع: أحدها: في جواز إجارتها. والثاني: هل يصدق المستأجر في ضياعها؟ والثالث: هل يصدق (¬1) في سقوط (¬2) الأجرة إذا ادعى بعد انقضاء الأمد أنه ضاع قبل ذلك؟ والرابع: هل للمستأجر أن يؤاجره من غيره؟ فأما جواز الإجارة فهو على ثلاثة أوجه: فمن كان شأنه أن يشتري هذه الأشياء ويوقفها للكراء جاز، وكذلك من لم يكن (¬3) شأنه ويكريه لمن يطيل استخدامه حتى ينقصه. واختلف إذا كان الاستعمال الأمد الخفيف مما لا ينقص فيه فأجيز وكُرِه؛ فقال مالك في إجارة الحلي: لا بأس به (¬4). وقال مرة: ليس هو من الحلال (¬5) البيّن وليس من أخلاق الناس (¬6). يريد أنه ليس من مكارم الأخلاق أخذ الأجرة في مثل ذلك. وكذلك إذا كان الذي يستأجر قليل الثمن، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَأَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكمْ أَخَاهُ أَرْضَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا خَرْجًا مَعْلُومًا" أخرجه الصحيحان (¬7). وقيل في قول الله -عز وجل-: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [سورة الماعون آية: 7] ذلك في مثل الدلو والفأس وما أشبه ذلك (¬8). وقيل: الزكاة (¬9). وإن ادعى المستأجر ¬

_ (¬1) في (ر): (هل يسقط). (¬2) في (ف): (ثبوت). (¬3) زاد في (ف): (ذلك). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 428. (¬5) في (ر): (الحرام) وفي (ف): (ليس بالحلال). (¬6) انظر: المدونة: 3/ 428. (¬7) أخرجه البخاري: 8/ 135، في باب إذا لم يشترط السنين في المزارعة، من كتاب المزارعة, برقم (2162). ومسلم: 8/ 165، في باب الأرض تمنح، من كتاب البيوع، برقم (2892). (¬8) في (ف): (أشبههما). (¬9) انظر: تفسير الطبري: 24/ 636.

ضياع ذلك صدّق، وذكر سحنون قولًا آخر: أنه لا يصدّق (¬1). وقال أشهب في الجفنة يدعي ضياعها: أنه (¬2) ضامن (¬3). والأول (¬4) أبين، وليس الإجارة كالرهن؛ لأن حق المرتهن في الرقاب تباع له إن لم يوفها (¬5) المطلوب، وحق المستأجر في المنافع والرقاب في يديه (¬6) أمانة لا حق له فيها، ولهذا قيل في من وهب ما هو في الإجارة أن حوز المستأجر للموهوب (¬7) ليس بحوز؛ لأنه أمن لربها بخلاف المخدم أنه حائز لنفسه ولم يحزها لربها (¬8). وإن قال المستأجر في الجفنة: انكسرت (¬9)، ولم يأت بفلقتيها، لم يصدق؛ لأن عدمهما دليل على كذبه إلا أن يكون في سفر فيقول: طرحتهما ولم أتكلف حملهما. ولو استأجر ثوبًا فقال: احترق، ولم يأت منه بشيء لم يصدق. واختلف إذا قال بعد الأجل: كان ضاع مني (¬10) قبل ذلك، فقال ابن القاسم: لا يصدق وعليه الإجارة كلها إلا أن تكون له بينة أو يعلم أنه كان ذكر ذلك قبل، فيحلف ويكون عليه من الأجر إلى الوقت الذي سمع منه ذلك (¬11). وقال أشهب: القول قوله ولا يكون عليه من الأجر (¬12) إلا بقدر (¬13) ما أقرَّ أنه انتفع به، والأول أحسن إذا كان في حضر، وإن كان في سفر كان القول قوله مع يمينه وبرئ. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 426. (¬2) في (ف): (هو). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 427. (¬4) في (ف): (وهو). (¬5) في (ف): (يوفه). (¬6) في (ف): (يده). (¬7) قوله: (المستأجر للموهوب) يقابله في (ف): (الموهوب له). (¬8) في (ر): (يحزه لربه). (¬9) في (ف): (إذا كسرت). (¬10) قوله: (مني) ساقط من (ر) و (ف). (¬11) انظر: البيان والتحصيل: 9/ 113. (¬12) قوله: (من الأجر) ساقط من (ر) و (ف). (¬13) في (ت): (بحساب).

باب في الإجارة على الأذان والصلاة, وعلى كتابة المصحف والقراءة فيه وبيعه, وعلى كتابة العلم وتعليمه وبيع كتبه

باب في الإجارة على الأذان والصلاة, وعلى كتابة المصحف والقراءة (¬1) فيه وبيعه, وعلى كتابة العلم وتعليمه وبيع كتبه واختلف في الإجارة على الأذان وصلاة النفل والفرض، فأجازها مالك على الأذان (¬2) وكرهها على (¬3) صلاة النفل والفرض (¬4). ومنعها ابن حبيب على الأذان (¬5) وقال: إنما يجوز له ذلك من بيت المال، وقد كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يجري على القضاة أرزاقًا من بيت المال (¬6)، ولا يجوز أن يأخذ من المحكوم له شيئًا (¬7). وذكر ابن الماجشون عن مالك في "ثمانية أبي زيد" أنه أجاز أن يؤم في رمضان بإجارة. قال: وهو مثل المؤذن ومعلم الصبيان. وأجازه محمد بن عبد الحكم في الفرض. وأجاز مالك في "المدونة" الإجارة على الأذان وصلاة الفرض إذا جمعهما (¬8) في عقد واحد. قال ابن القاسم: وإنما جوّز مالك هذه الإجارة لأنه إنما (¬9) أوقع الإجارة ¬

_ (¬1) في (ر): (والعودة). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 160. (¬3) في (ت) و (ر): (في). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 431. (¬5) انظر النوادر والزيادات: 7/ 61. (¬6) قوله: (وقد كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. . . من بيت المال) ساقط من (ر). (¬7) في (ر) و (ف): (ثمنًا). (¬8) في (ف): (جمعا). (¬9) قوله: (إنما) ساقط من (ف).

على الأذان والإقامة ولم يقع من الإجارة على الصلاة بهم قليل ولا كثير (¬1). وقول مالك في الأذان أصوب وليس كالقضاء والفتيا؛ لأن الأذان دعاء إلى الصلاة بقوله: "حي على الصلاة (¬2) حي على الفلاح (¬3) " وذلك ما (¬4) تجوز الأجرة عليه. والأجرة على القضاء والفتيا رشوة، وكذلك كل ما هو بين رجلين؛ لأنه إن أخذها (¬5) من أحدهما اتهم بالميل إليه (¬6). وإن اتفق الخصمان على أجرة لم يجز؛ لأنه باب فاسد، وذلك يؤدي إلى أن يعطي أحدهما (¬7) أكثر من الآخر، وليس كذلك تعليم القرآن والعلم؛ لأنه لا مدخل له في شيء من هذا المعنى. والقول إذا اجتمعت (¬8) الإجارة على الأذان والصلاة ولم يقع من الإجارة للصلاة شيء فغير مسلَّم (¬9)؛ لأن الذي يستأجر به للأذان بانفراده دون ما يستأجر به للجميع، فإن غلب على الأذان دون الصلاة لم (¬10) يرد جميع الأجرة، وإن غلب على الصلاة لم يستوجب جميعها. وقوله في منع الأجرة على الصلاة أحسن (¬11)؛ لأنه قد (¬12) أشرك في عمله إلا أن تكون الأجرة قدر ما يرى أنه (¬13) لعنائه (¬14) لبعد داره أو لما يعطل من ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 432. (¬2) في (ت): (الفلاح). (¬3) قوله: (حي على الفلاح) ساقط من (ف). (¬4) في (ف): (مما). (¬5) في (ت) و (ر): (أخذ). (¬6) في (ت) و (ر): (معه). (¬7) قوله: (وإن اتفق الخصمان. . . يعطي أحدهما) ساقط من (ف). (¬8) في (ت): (اجتمع). (¬9) قوله: (والقول إذا. . . مسلم) ساقط من (ف). (¬10) قوله: (لم) ساقط من (ر). (¬11) في (ر) و (ف): (الأذان حسن). (¬12) قوله: (قد) ساقط من (ف). (¬13) في (ف): (أنها). (¬14) في (ر): (يعنى به).

فصل [في إجارة المصحف]

أشغاله (¬1) فيستخف (¬2) ذلك. فصل [في إجارة المصحف] الإجارة على كتابة المصحف وبيعه جائزة، واختلف في الإجارة على القراءة فيه: فأجازها ابن القاسم في "المدونة" (¬3)، ومنعها محمد وابن حبيب وقال: قد اختلف الناس في جواز بيع المصحف، فكيف تجوز إجارته؟ وإنما أجاز من أجاز بيعها؛ لأن الذي يؤخذ ثمن للرَّق والخط وليس للقرآن (¬4). وقول ابن القاسم أحسن، والثمن الذي يؤخذ للإجارة هو لما (¬5) يلحق من بخس ثمنه لتغيّره عند القراءة فيه (¬6). فصل في الإجارة على تعليم القرآن الإجارة على تعليم القرآن جائزة، لقول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ الله". أخرجه البخاري ومسلم (¬7). والإجارة الجائزة على وجهين: مشاهرة ومسانهة (¬8) إذا لم يذكر القدر الذي ¬

_ (¬1) قوله: (أو لما يعطل من أشغاله) يقابله في (ف): (أو تعطيل من شغله). (¬2) في (ف): (فيستحق). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 429. (¬4) انظر النوادر والزيادات: 7/ 61. (¬5) في (ت) و (ر): (لمن). (¬6) قوله: (فيه) ساقط من (ر) و (ف). (¬7) أخرجه البخاري: 18/ 15، في باب الشرط في الرقية بقطيع من الغنم، من كتاب الطب، برقم (5296) بلفظ: "إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله". ومسلم: 11/ 204، في باب جواز أخذ الأجرة على الرقية بالقرآن والأذكار، من كتاب السلام، برقم (4080) بلفظ: "خذوا منهم واضربوا لي بسهم معكم". (¬8) في (ر) و (ف): (مساناة).

فصل في الإجارة على تعليم العلم وتعليمه وبيع كتبه

يعلمه في تلك المدة وعلى حذقه شيء معلوم ربع أو نصف أو الجميع إذا لم يذكر المدة التي يعلمه (¬1) ذلك فيها. ولا يجمع بين الوجهين الأجل والجزء الذي يعلمه (¬2) في الأجل، فإن فعل وكان لا يدري هل يتعلم ذلك الجزء في تلك المدة أم لا؟ كانت الإجارة فاسدة. واختلف إذا كان الغالب أنه يتعلمه في تلك المدة (¬3) فأجيز ومُنع: فإن انقضى الأجل ولم يتعلم فيه ذلك الجزء كان له إجارة (¬4) مثله ما لم تكن أكثر من المسمى وقال أبو القاسم ابن الجلاب: وقد قيل: إنه لا تجوز الإجارة على التعليم إلا مدة معلومة مشاهرة أو غيرها (¬5)؛ يريد لأن (¬6) أفهام الصبيان تختلف فقد يكون بعيد الفهم فلا يتعلم ذلك الجزء إلا في مدة بعيدة، أو يكون حسن الفهم فيتعلمه (¬7) عن قرب، فالمشاهرة أقل غررًا، وأما الختمة فالأصل أن لا يستحق إلا ما كان عليه. فصل في الإجارة على تعليم العلم وتعليمه وبيع كتبه ويختلف في الإجارة على تعليم العلم وكتبه وبيع كتبه. فقال مالك (¬8) في "المدونة": أكره (¬9) بيع كتب الفقه، قال: ولا يعجبني الإجارة على تعليمه (¬10). ¬

_ (¬1) في (ر): (يعمل). (¬2) في (ر): (يعمله). (¬3) قوله: (أم لا؟. . . تلك المدة) ساقط من (ف). (¬4) في (ف): (أجرة). (¬5) انظر: التفريع: 2/ 143. (¬6) في (ت) و (ر): (أن). (¬7) قوله: (ذلك الجزء إلا. . . فيتعلمه) ساقط من (ر). (¬8) قوله: (مالك) ساقط من (ف). (¬9) في (ف): (كره مالك). (¬10) انظر: المدونة: 3/ 430.

وعلى قوله تكره الإجارة على كتابته، ومنع مالك في "كتاب محمد" بيعها في الدين (¬1). وقال في غير "كتاب محمد": الوارث وغيره فيها سواء إذا كان ممن هو أهل لها. واليه ذهب سحنون (¬2). وعلى هذا لا تجوز الإجارة على تعليمه ولا على كتابته. وقيل: ذلك جائز وتباع في الدين وغيره (¬3). وقال محمد بن عبد الحكم: بيعت كتب ابن وهب بثلاث مائة دينار وأصحابنا متوافرون فلم ينكروا ذلك (¬4). وقال في موضع آخر: وكان أبي وصيَّه. فعلى هذا تجوز الإجارة على تعليمه وكتابته، وهو أحسن ولا أرى أن يختلف اليوم في ذلك أنه جائز (¬5)؛ لأن حفظ الناس وأفهامهم نقصت، وقد كان كثير ممن تقدم ليس لهم كتب. قال مالك: ولم يكن للقاسم ولا لسعيد كتب، وما كنت أقرأ العلم على أحد ولا نكتب (¬6) في (¬7) هذه الألواح، وقد قلت لابن شهاب (¬8): أكنت تكتب (¬9) العلم؟ فقال: لا. فقلت: أكنت تسألهم أن يعيدوا عليك الحديث؟ فقال: لا. فهذا كان شأن القوم، فلو سار الناس في ذلك اليوم بسيرهم (¬10) لضاع العلم وأمكن أن لا يبقى منه رسمه والناس (¬11) اليوم يقرأون كتبهم ثم هم في التقصير على ما هم عليه! وأيضًا فإنه لا خلاف عندنا في مسائل الفروع أن القول فيها بالاجتهاد والقياس واجب، فإذا كان ¬

_ (¬1) انظر النوادر والزيادات: 10/ 9. (¬2) انظر النوادر والزيادات: 3/ 212. (¬3) انظر النوادر والزيادات: 10/ 9. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 10. (¬5) قوله: (أنه جائز) ساقط من (ف). (¬6) في (ر): (إلا ويكتب). (¬7) قوله: (في) ساقط من (ف). (¬8) في (ف): (لابن القاسم). (¬9) في (ت) و (ر): (تقرأ). (¬10) في (ف): (بسيرتهم). (¬11) في (ف): (وهذا الناس).

ذلك وكان (¬1) إهمال كتبهم (¬2) كتبها وبيعها يؤدي إلى التقصير في الاجتهاد (¬3) وأن لا يوضع مواضعه؛ لأن معرفة أقوال المتقدمن والترجيح بين أقاويلهم قوة وزيادة في وضع الاجتهاد مواضعه. ويجوز للمفتي أن يكون له أجر (¬4) من بيت المال فلا (¬5) يأخذ أجرًا عن فتيا (¬6) وقد تقدم ذلك. واختلف في الإجارة على تعليم الشعر والرسائل (¬7) والنحو، فكرهه ابن القاسم (¬8). وقال ابن حبيب: لا بأس بالإجارة على تعليم الشعر والرسائل وأيام العرب (¬9)، ويكره من الشعر ما فيه الخمر والخنا والهجاء (¬10). ويلزم على قوله أن يجيز الإجارة على كتابته ويجيز (¬11) بيع كتبه. وأما الغناء والنوح فممنوع على كل حال. واختلف في إجارة الدفاف في العرس، فكرهه مالك (¬12). وقال (¬13) ابن القاسم في "العتبية" في أجر المعازف واللهو في العرس (¬14) أيقضى به؟ فقال: أما اللهو الذي يرخص فيه (¬15) وهو الدف فيقضى به. وأما المزمار والعود فلا يقضى به (¬16). وقد تقدم ذكر الجارية المغنية في كتاب العيوب. ¬

_ (¬1) زيادة في (ت). (¬2) في (ت) و (ر): (كتبة). (¬3) في (ف): (الإجهاد). (¬4) في (ف): (جاز). (¬5) في (ف): (وأن لا). (¬6) في (ت) و (ر): (ممن يفتيه). (¬7) قوله: (والرسائل) ساقط من (ت) و (ف). (¬8) انظر: المدونة: 3/ 431. (¬9) قوله: (وأيام العرب) ساقط من (ف). (¬10) انظر النوادر والزيادات: 7/ 59. (¬11) في (ف): (ويجوز). (¬12) انظر: المدونة: 3/ 432. (¬13) قوله: (قال) ساقط من (ف). (¬14) قوله: (في العرس) ساقط من (ر). (¬15) قوله: (فيه) زيادة من (ف). (¬16) انظر: البيان والتحصيل: 9/ 219 - 220.

باب في الإجارة على القتل والجراح، وفي إجارة الطبيب وأجر القاسم

باب في الإجارة على القتل والجراح، وفي إجارة الطبيب وأجر القاسم (¬1) الإجارة على القتل والجراح جائزة إذا كانت على (¬2) قصاص ولحق الله تعالى، ولا يستأجر لذلك إلا من يرى أنه يأتي بالأمر على وجهه ولا يعبث في القتل ولا يجاوز القدر (¬3) في الجراح. فإن كان ظلمًا لم تجز الإجارة، فإن فعل اقتص من الأجير ولا إجارة (¬4) له، ويعاقب المستأجر، ولو أجبر على ذلك اقتص من القاتل. واختلف في المجبر هل يقتص منه أو يعاقب؟ وكذلك السيد يجبر عبده أو يأمره، وإن لم يجبره يقتص من للعبد. ويختلف في السيد لأنه كالمجبر وإن لم يجبر. وروى ابن وهب عن ما وأنه قال: إن كان العبد أعجميًّا قتل السيد دون العبد، وإن كان فصيحًا قتل العبد وحده (¬5). وقال أيضًا: يقتلان جميعًا (¬6). وبه أخذ ابن القاسم (¬7). فصل [في إجارة الطبيب] عمل الطبيب على الإجارة جائز إذا ضرب أجلًا، فإن برئ قبل تمامه كان له من الأجر بحسابه، وإن تمّ الأجل استحق الأجر، برئ عند انقضاء ¬

_ (¬1) في (ت) و (ر): (القسام). (¬2) في (ف): (عن). (¬3) في (ر): (ولا يجوز القتل). (¬4) في (ف): (أجر). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 16/ 306. (¬6) انظر النوادر والزيادات: 14/ 85. (¬7) انظر النوادر والزيادات: 14/ 362.

الأجل (¬1) أو لم يبرأ. ولا يشترط النقد لإمكان أن يبرأ في بعض الأجل، ولا بأس أن يشترط (¬2) من النقد ما الغالب أنه لا يبرأ قبله. واختلف في عمله على الجعالة. فقيل: جائز (¬3). وقال أبو القاسم ابن الجلاب: قد قيل إنه لا يجوز (¬4) إلا إلى أجل (¬5). والمعروف في غير المسألة الجواز. والمعروف (¬6) في الأصل المنع؛ لأن فيه ثلاثة أوجه تمنع الجواز للجعل: أحدها: أن يكون مما (¬7) يطول ويشغل، فقد يكون (¬8) عليلًا الأشهر. والثاني: أنه فيما يملك، وقد قالوا في الجعل في حفر البئر (¬9) لا يجوز في أرض يملكها الجاعل. والثالث: أن المجعول له وهو الطبيب بالخيار بعد العمل بين التمادي أو الترك، فقد يترك في نصف البرء أو بعد أن (¬10) أشرف على البرء، فيكون قد انتفع العليل بذلك القدر من ذهاب علته ولا يدفع شيئًا. ويختلف بعد القول بالجواز، إذا ترك قبل البرء فجعل لآخر جعلًا فبرئ، هل يكون للأول بقدر ما انتفع من عمله أو لا شيء له؟ وهذا قياس على المساقاة إذا عجز قبل تمام العمل. فقال مالك (¬11): لا شيء له (¬12) فإذا لم يكن له ¬

_ (¬1) قوله: (عند انقضاء الأجل) يقابله في (ف): (عنده). (¬2) قوله: (أن يشترط) يقابله في (ف): (إن اشترط). (¬3) في (ت) و (ر): (جائزة). (¬4) في (ت) و (ر): (تجوز). (¬5) انظر: التفريع: 2/ 143. (¬6) قوله: (وقال أبو القاسم بن الجلاب. . . والمعروف) ساقط من (ت). (¬7) في (ف): (ممن). (¬8) في (ت): (يقيم). (¬9) قوله: (فقد يكون. . . . حفر البئر) ساقط من (ف). (¬10) قوله: (أو بعد أن) يقابله في (ف): (أو قد). (¬11) قوله: (مالك) ساقط من (ف). (¬12) انظر: المدونة: 3/ 433.

شيء مع العجز كان من ترك التمام اختيارًا أولى أن لا شيء له. ولا يجوز اشتراط النقد (¬1) إذا دخل على وجه الجعل. ويختلف إذا تطوّع بذلك، فقال أشهب في "كتاب محمد": لا خير فيه (¬2). ومنع النقد لما كان (¬3) العامل بالخيار فيصير بمنزلة من ابتدأ أخذ منافع من دين. وقيل: لا يكون كمبتدئ (¬4) الأخذ (¬5) إلا أن يختار الترك ثم يعود إلى العمل. ويجوز أن يكون الدواء من عند الطبيب، فقال مالك في "شرح ابن مزين" في الطبيب يؤاجر على العلاج، فيقول: إن برئت فلك عشرة دراهم وإن لم أبر (¬6) فلك ثمن أدويتك. قال: إن (¬7) هذا من شرطين في بيع. قال: وإنما تجوز المجاعلة (¬8) على أنه (¬9) إن برئ فله، وإن لم يبرأ فلا شيء له (¬10). فأجاز الجعل وإن كان الدواء من عند الطبيب، وكذلك الجعل على الآبق إن وجد العبد أنفق عليه وكان له الجعل دون النفقة وقد تكثر النفقة أو يأبق العبد قرب المدينة فلا يكون له شيء. ¬

_ (¬1) قوله: (النقد) ساقط من (ف). (¬2) انظر النوادر والزيادات: 7/ 30. (¬3) في (ر): (لمكان). (¬4) في (ر): (كمبتدئه). (¬5) قوله: (الأخذ) ساقط من (ف). (¬6) في (ت): (يبر). (¬7) قوله: (إن) زيادة من (ف). (¬8) في (ف): (الجعالة). (¬9) قوله: (على أنه) ساقط من (ف). (¬10) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 473.

فصل [في أجر القاسم]

فصل [في أجر القاسم] وأجر القاسم (¬1) على ثلاثة أوجه: جائز وهو أن يكون لهم جار (¬2) من بيت المال إذا كان نصبا نفسه (¬3) لذلك. ولا يجوز أن يكون لهم جارٍ (¬4) من أموال الناس (¬5). ويجوز أن يأخذوا (¬6) الأجرة ممن يقسمون له (¬7) من غنائم أو يتامى أو رشداء أو غيرهم. واختلف كيف يقتضون (¬8) الشركاء تلك الأجرة بينهم؟ فقيل: على قدر الأنصباء، وقيل: على قدر العدد، وأرى أن يكون أجر القاسم والكاتب والسمسار في ما (¬9) بيع شركة على قدر الأنصباء؛ لأن العادة اليوم أن الجعل على المبيع على قدر ثمنه ليس على قدر (¬10) التعب فما كثر ثمنه كثر جعله وإن قل تعبه، وما قلَّ ثمنه قلَّ جعله وإن كثر تعبه. ¬

_ (¬1) في (ت) و (ر): (القسام). (¬2) في (ت) و (ر): (لهم جار). (¬3) قوله: (كان نصب نفسه) يقابله في (ت) و (ر): (كانوا نصبوا أنفسهم). (¬4) قوله: (لهم جار) يقابله في (ت) و (ر): (له أجر). (¬5) في (ت) و (ر): (اليتامى). (¬6) في (ف): (يأخذ). (¬7) قوله: (يقسمون له) يقابله في (ف): (يقتسمون). (¬8) في (ر): (ويقتضون) وفي (ف): (يقضون). ولعل الصواب: (يفض). (¬9) قوله: (ما) زيادة من (ف). (¬10) قوله: (قدر) ساقط من (ف).

باب في إجارة المسجد والدار والارض لتتخذ مسجدا والبيت ليصلى فيه

باب في إجارة المسجد والدار والارض لتتخذ مسجدًا والبيت ليصلى فيه ومن بنى مسجدًا وحيز عنه وصلى الناس فيه سقط ملكه عنه، وإن بناه ليكريه جاز ولم يسقط ملكه عنه بصلاة الناس فيه (¬1)، وله بيعه ويورث عنه. وإن بناه ليصلي فيه فلم يحز عنه ولا صلي فيه وامتنع من (¬2) أن يخرجه من (¬3) يده لم يجبر (¬4). قال في كتاب الصلاة من "المدونة": لا يورث المسجد إذا كان صاحبه قد أباحه للناس (¬5). يريد: إن (¬6) لم يبحه ورث. وهذا الأصل في كل ما أوجبه الإنسان لله تعالى ولم يعينه (¬7) أن لا يجبر على إنفاذه. وقال ابن القاسم مرة فيما جعل لمساكين في غير يمين: يجبر على إنفاذه (¬8). فعلى (¬9) هذا يجبر باني المسجد على إنفاذه، وإن مات قبل إجباره (¬10) أو كان على (¬11) إنفاذه فمات قبل حوزه كان على قولين: هل يمضي ذلك (¬12) حبسًا أو ميراثًا قياسًا على الصدقات إذا لم يفرط في حوزها حتى مات؟ وعلى هذا يجري الجواب إذا أحب أن يبني فوقه، فإن بناه لله وأحيز عنه لم يكن له ذلك، وإن بناه ¬

_ (¬1) قوله: (فيه) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (من) زيادة من (ف). (¬3) في (ف): (عن). (¬4) في (ف): (يجز). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 197. (¬6) في (ر): (وإن كان). (¬7) في (ف): (يعلنه). (¬8) انظر النوادر والزيادات: 4/ 17. (¬9) قوله: (وقال ابن القاسم مرة. . . يجبر على إنفاذه فعلى) ساقط من (ر). (¬10) في (ر): (احتيازه). (¬11) قوله: (على) زيادة من (ف). (¬12) قوله: (ذلك) ساقط من (ف).

ليكريه وعلم ذلك كان له أن يبني فوقه ولا يمنع من ذلك صلاة الناس فيه. وإن بناه لله (¬1) ولم يحز عنه كان على الخلاف المتقدم. فمن لم يجبره على إنفاذه لم يمنعه من البناء فوقه، ومن أجبره منعه. وإن قال: أنا أبنيه لله تعالى وأبني فوقه مسكنًا وعلى هذا أبني جاز. وكذلك إن (¬2) كانت دارا علوًا وسفلًا وأراد أن يحبس السفل مسجدًا ويبقي (¬3) العلو (¬4) على ملكه جاز. ومن أكرى (¬5) بيته أو داره ممن يصلى فيه, فإن كان الكراء على أوقات الصلاة (¬6) خاصة، وهو باق على منافعه فيما سوى تلك الأوقات كره له ذلك، وليس من مكارم الأخلاق أن يأخذ على ذلك أجرًا ولا يفسخ إن فعل ولا تسقط الأجرة (¬7)، وإن أخلى (¬8) ذلك البيت وسلمه إليهم جاز. وإن أكرى أرضًا ممن يتخذها مسجدًا وضرب أجلًا جاز، فإن انقضى الأجل كان للمكتري أن ينقض من ذلك ما لا يصح (¬9) بقاؤه للسكنى ولا يوافق بناء الدار. ويفترق الجواب فيما يصح بقاؤه مسكنًا (¬10)، فإن لم يجعله حبسًا كان لصاحب الأرض أن يأخذه بقيمته منقوضًا. واختلف إذا كان حبسًا هل يأخذه بقيمته؟ وأن ذلك له أحسن. ¬

_ (¬1) قوله: (ليكريه وعلم ذلك كان له. . . وإن بناه لله) ساقط من (ف). (¬2) في (ف): (لو). (¬3) في (ف): (ويبني). (¬4) زاد في (ف): (مسجدا). (¬5) في (ت) و (ف): (اكترى). (¬6) في (ت): (الصلوات). (¬7) قوله: (ولا تسقط الأجرة) ساقط من (ر). (¬8) في (ر): (أخذ). (¬9) في (ر): (ما لا ويصلح). (¬10) في (ف): (للسكنى).

باب في من آجر داره ممن يتخذها كنيسة أو دابته ممن يمضي بها إلى الكنيسة أو يحمل عليها خمرا، أو يبيع عنبه ممن يعصره خمرا، أو شاته من نصراني يذبحها لعيده, وهل تجوز الكنائس في بلاد المسلمين؟

باب في من آجر داره ممن يتخذها كنيسة أو دابته ممن يمضي بها إلى الكنيسة أو يحمل عليها خمرًا، أو يبيع عنبه ممن يعصره خمرًا، أو شاته من نصرانيٍّ يذبحها لعيده, وهل تجوز (¬1) الكنائس في بلاد المسلمين (¬2)؟ ومن "المدونة" قال مالك: لا يعجبني أن يكري الرجل داره ممن يتخذها كنيسة ولا يبيعها ممن يتخذها كنيسة (¬3)، ولا يبيع شاته من مشرك يذبحها لعيده (¬4)، ولا يكري حانوته لمن يبيع فيها خمرًا، ولا يؤاجر نفسه ولا دابته في حمل خمر، فإن فعل فلا أجر له، ويفعل فيه إن قبض أو لم يقبض بمنزلة ما وصفت لك (¬5) في (¬6) ثمن الخمر (¬7)، فجعله بمنزلة من باع خمرًا. وجحل ابن القاسم الصدقة بالثمن أدبًا له (¬8)، وقال أيضًا: لا يحل له ذلك (¬9). وقال في "العتبية": إن أكرى دابته لمن يصل عليها (¬10) إلى الكنيسة، أو باع شاته من نصراني ليذبحها لعيده مضى، ولم يرد (¬11) وإن أكرى حانوته ممن يبيع فيه خمرًا ¬

_ (¬1) في (ف): (تتخذ). (¬2) في (ف): (الإسلام). (¬3) قوله: (ولا يبيعها ممن يتخذها كنيسة) ساقط من (ر). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 435. (¬5) في (ف): (له). (¬6) في (ر): (من). (¬7) انظر: المدونة: 3/ 436. (¬8) قوله: (له) ساقط من (ف). وانظر: البيان والتحصيل: 10/ 31. (¬9) قوله: (ذلك) ساقط من (ر) و (ف). وانظر: البيان والتحصيل: 18/ 563. (¬10) في (ت): (أيها). (¬11) في (ف): (ترد).

أو عنبه ممن يعصره خمرًا (¬1) فسخ، فإن فات مضى ولم يرد (¬2). فأباح له أخذ (¬3) الثمن، وقال أشهب: إن باع عنبه ممن يعصره خمرًا بيع عليه بمنزلة النصراني يشتري من (¬4) المسلم (¬5). قال الشيخ أبو الحسن (¬6): أخف هذه الأشياء كراء الدابة لمن يصل عليها (¬7) إلى الكنيسة، وبيع الشاة لعيده، ثم بيع العنب ممن يعصره خمرًا، وبيع الدار ممن يتخذها كنيسة، ثم كراء الحانوت ممن يبيع فيها خمرًا (¬8)، وكذلك (¬9) الدار ممن يتخذها كنيسة، ثم إجارة الإنسان نفسه ممن يحمل له خمرًا (¬10) أو يرعى له خنازير، وهذا أشدها (¬11). فكان كراء الدابة ممن يصل عليها إلى الكنيسة أخفها؛ لأن المنافع تنقضي (¬12) قبل أن يصل بها (¬13) إلى الحرام، فأشبه من أكرى دابته من مسلم ليصل عليها (¬14) إلى من يعامل (¬15) بالربا، أو يشتري منه خمرًا فالإجارة ثابتة إذا فاتت. وكذلك الشاة يذبحها (¬16) لعيده؛ لأنها بعد الذبح ذكية يجوز للمسلم أن يأكلها، وكان بيع العنب ممن يعصره خمرًا وبيع الدار ممن ¬

_ (¬1) قوله: (أو عنبه ممن يعصره خمرًا) ساقط من (ر). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 9/ 394. (¬3) قوله: (أخذ) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (من) ساقط من (ف). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 9/ 395. (¬6) قوله: (أبو الحسن) زيادة من (ف). (¬7) في (ت) و (ف): (بها). (¬8) في (ف): (الخمر). (¬9) في (ف): (وكري). (¬10) في (ت) و (ر): (الخمر). (¬11) قوله: (وهذا أشدها) يقابله في (ت) و (ر): (وهذان أشدهما). (¬12) قوله: (المنافع تنقضي) يقابله في (ف): (البيع ينقضي). (¬13) قوله: (بها) ساقط من (ف). (¬14) في (ر): (بها). (¬15) في (ر): (يعمل) وفي (ف): (يعامله). (¬16) قوله: (يذبحها) ساقط من (ف).

يتخذها كنيسة أشد؛ لأن عين المبيع يصرف (¬1) فيما لا يحل، وهما (¬2) أخف من كرائهما في ذلك؛ لأنه في البيع يفعل بعد انتقال الملك، وإنما باع دارًا أو عنبًا بدنانير وبعد انتقال ملكه يفعل (¬3) ذلك المشتري وفي الإجارة يفعل المنافع (¬4) وهي (¬5) في ضمان (¬6) بائعها حين (¬7) يعمل ذلك فيها. وإجارة المسلم نفسه أشد؛ لأن فيه زيادة إذلال نفسه في مثل ذلك. ولا أرى أن يحرم عليه ثمن العنب ولا ثمن الدار، وهو في الدار كنيسة أخف؛ لأن إباحة عمل الكنيسة ليس إلى البائع؛ لأنهم إن كانوا أعطوا ذلك وعوهدوا عليه فعلوها وإن لم يشترط له (¬8) ذلك البائع، وإن لم يكونوا عوهدوا على ذلك منعوا. وقول أشهب في العنب يباع على النصراني، (¬9) ليس بحسن؛ لأن النصراني يقول: هو كافر ممن لا يدين بتحريمه (¬10)، بخلاف شراء (¬11) المسلم فإن البيع عليه لحرمة المسلم. ولو كان المشتري للعنب مسلمًا وعلم أنه يريد (¬12) للخمر، بيع عليه، ويتصدق بالإجارة عن (¬13) حامل الخمر وراعي الخنازير (¬14). ¬

_ (¬1) في (ف): (تصرف). (¬2) في (ر): (وهذا). (¬3) في (ف): (ففعل). (¬4) قوله: (يفعل المنافع) يقابله في (ف): (بفعل والمنافع). (¬5) قوله: (وهي) ساقط من (ف). (¬6) في (ر): (وضمانها). (¬7) في (ر): (حتى). (¬8) قوله: (ذلك) ساقط من (ف). (¬9) انظر: البيان والتحصيل: 9/ 395. (¬10) في (ف): (يتجر فيه). (¬11) في (ر) و (ف): (شرائه). (¬12) في (ت): (يريده). (¬13) في (ر): (على). (¬14) قوله: (وراعي الخنازير) ساقط من (ر).

فصل [في من قال: هذا الزق زيت فاحمله بعشرة, فحمله ثم علم أنه زق خمر]

فصل [في من قال: هذا الزق زيت فاحمله بعشرة, فحمله ثم علم أنه زق خمر] وإن قال: هذا الزق زيت فاحمله بعشرة دراهم (¬1)، فحمله (¬2) ثم علم أنه زق (¬3) خمر كانت العشرة للذي حمله، ثم ينظر إلى ما تزيد (¬4) الإجارة لكونه خمرًا فيتصدق به. وإن كانت الإجارة على زق زيت غير معين فأحضره (¬5) زقًا فحمله، ثم علم أنه خمر كانت له فيه (¬6) إجارة المثل لو كان زيتًا (¬7) وما يزاد له في كراء (¬8) الخمر يتصدق به، وتبقى الإجارة بينهما منعقدة على (¬9) زق زيت يأتيه به (¬10) يحمله بالمسمى الأول. وإن كانت الإجارة على زق بعينه على أنه خمر، ثم علم أنه زيت كان له (¬11) في إجارة المثل، والإجارة الأولى ساقطة. وكذلك إن كان زقًا غير معين فأتاه بزق زيت كان فيه إجارة المثل، والعقد الأول ساقط. فصل [هل تجوز الكنائس في بلاد المسلمين؟] واختلف في الكنائس في بلاد المسلمين في العنوة إذا أقروا (¬12) فيها أهلها، ¬

_ (¬1) قوله: (دراهم) زيادة من (ف). (¬2) قوله: (فحمله) ساقط من (ر) و (ف). (¬3) ساقط من (ت) و (ف). (¬4) في (ت): (يزيد). (¬5) في (ف): (فأحضره).؟ (¬6) قوله: (فيه) ساقط من (ف). (¬7) في (ر): (قربيا). (¬8) في (ر): (لذلك)، وفي (ف): (وما يرى ذلك كراء). (¬9) في (ت) و (ف): (في). (¬10) في (ر): (ثانية). (¬11) قوله: (له) ساقط من (ر). (¬12) في (ف): (أقر).؟

وفيما اختطه المسلمون فسكنه أهل الذمة على ثلاثة أقوال: فقال ابن القاسم: ليس لهم أن يحدثوا كنيسة في (¬1) بلاد المسلمين كانت (¬2) عنوة، فأقروا (¬3) فيها، أو اختط ذلك المسلمون فسكنها أهل الذمة معهم إلا أن يكونوا أعطوا ذلك فيوفَّى لهم (¬4). وقال غيره: لهم أن يحدثوا ذلك في أرض العنوة إذا أقروا فيها (¬5). وظاهر قوليهما (¬6) أن القديم منها (¬7) يترك. وقال ابن القاسم: وأما أهل الصلح فلا يمنعوا من أن يحدثوا الكنائس؛ لأنها بلادهم (¬8). وقال ابن الماجشون في "كتاب ابن حبيب": أما أهل العنوة فلا يترك لهم عند ضرب الجزية كنيسة إلا هدمت ثم لا يحدثوا (¬9) كنيسة وإن كانوا معتزلين عن بلاد الإسلام (¬10) (¬11). قال: وأما أهل الصلح، فلا يحدثوا كنيسة في بلاد المسلمين، وإن شرط لهم ذلك لم يجز (¬12)، ويمنعوا من رمّ (¬13) كنائسهم القديمة إذا رثت إلا أن يكون شرط لهم ذلك فيوفى (¬14) لهم، ويمنعوا من الزيادة الظاهرة والباطنة (¬15). وإن كانوا منقطعين عن بلاد المسلمين وليس بينهم مسلمون كان لهم أن يحدثوا الكنائس. ¬

_ (¬1) زاد في (ف): (شيء). (¬2) في (ر) و (ف): (كانوا). (¬3) في (ر): (أو أقروا). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 435. (¬5) انظر: المدونة: 3/ 436. (¬6) في (ف): (قولهما). (¬7) قوله: (منها) ساقط من (ر)، وفي (ف): (فيها). (¬8) انظر: المدونة: 3/ 435. (¬9) في (ف): (لا يحدصون). (¬10) في (ف): (المسلمين). (¬11) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 376. (¬12) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 376. (¬13) في (ر): (جبر). (¬14) في (ت) و (ر): (فيوف). (¬15) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 376.

باب في إجارة الفحل للإنزاء

باب في إجارة الفحل للإنزاء وقال مالك في من اسْتأجرَ فرسًا أو تيسًا أو بعيرًا للإنزاء أعوامًا معلومة (¬1) أو شهرًا: فلا بأس به، ولا يستأجر حتى تعق (¬2) الرمكة (¬3) والناقة (¬4). وقال ابن حبيب: إن سمى يومًا أو شهرًا لم يجز إن لم يسم (¬5) نزوات. وهذا فاسد. ولا يجوز إلا أن (¬6) يسمي نزوات معلومة (¬7)؛ لأن الإجارة تختلف بقلة ذلك وكثرته. وقال مالك في "كتاب ابن حبيب": يكره بيع عسيب الفرس (¬8) والحمار، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - النهي عن بيع عسيب (¬9) الفحل (¬10). ومحمل (¬11) الحديث على الندب، وليس من مكارم الأخلاق أن يؤخذ على ذلك أجر، فإن فعل لم تفسخ الإجارة، وإن أخذها لم ترد منه. وقال سحنون في من استأجر فحلًا ينزيه مرتين فعقت الدابة بعد مرة لم تلزمه الثانية، وانفسخت (¬12) الإجارة بمنزلة الصبي في الرضاع (¬13). ¬

_ (¬1) في (ف): (معروفة). (¬2) نقل القرافي في الذخيرة عن ابن حبيب أن: تعيق بضم التاء وكسر العين أي تحمل. اهـ. وفي اللسان عقت الناقة والفرس أي حملت. انظر: الذخيرة, للقرافي: 5/ 414، ولسان العرب، لابن منظور: 10/ 255، مادة (عقق). (¬3) الرَّمَكة: الأُنثى من البراذين، والِبرْذَوْن الهجين من الخيل الذي ولدته بِرْذَوْنة من حِصَانٍ عربي وخيل هُجْنٌ، والجمع رماك ورَمَكات وأَرْماك بتصرف. انظر: لسان العرب: 10/ 432. (¬4) انظر: المدونة: 3/ 438. (¬5) في (ت) و (ر): (أن يسمى). (¬6) في (ت): (أن). (¬7) في (ف): (معلومات). (¬8) في (ت) و (ر): (الفحل). (¬9) في (ت) و (ر): (عسب). (¬10) أخرجه البخاري: 8/ 61، في باب عسب الفحل، من كتاب الإجارة، برقم (2123). (¬11) في (ت) و (ف): (وقد يحمل). (¬12) زاد في (ف): (فيها). (¬13) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 503، والنوادر والزيادات: 7/ 58.

باب في الإجارة بين الأب وولده وبين الوصي ويتيمه

باب في الإجارة بين الأب وولده وبين (¬1) الوصي ويتيمه يكره للوصي (¬2) أن يؤاجر نفسه من يتيمه، فإن فعل نظر السلطان في ذلك، فإن كان خيرًا لليتيم أمضاه وإلا ردّه، فإن فات بالعمل كان له الأقل من المسمى وإجارة المثل. وإن آجر يتيمه من نفسه وكان خيرًا له أمضى (¬3) وإلا رد (¬4)، فإن فات بالعمل كان لليتيم الأكثر من المسمى أو إجارة المثل (¬5). وكذلك الأب يؤاجر نفسه من ابنه (¬6)، فإن كان خيرًا مضى (¬7) وإلا رد، فإن فات كان له الأقل من المسمى أو إجارة المثل (¬8) إلا أن يكون الأب فقيرًا ممن تلزم الابن (¬9) نفقته فيكون له (¬10) المسمى، وإن كان أكثر من إجارة المثل إذا كان للمسمى مثل (¬11) ما يقضى له به (¬12) من النفقة، وإن كان أكثر سقط الزائد (¬13). وإن آجر الأب ولده من نفسه، فإن كان مثله لا يؤاجر فسخت الإجارة (¬14)، وإن كان فقيرًا أنفق الأب عليه، وإن كان موسرًا أنفق عليه من ماله، فإن كان في سن من يؤاجر وآجره فيما لا معرة عليه (¬15) فيه والولد موسر، فإن كان خيرًا له أمضيت (¬16) الإجارة، وإن فاتت كان له الأكثر. ¬

_ (¬1) قوله: (بين) زيادة من (ف). (¬2) في (ف): (للرجل). (¬3) في (ت) و (ر): (أمضاه). (¬4) في (ت) و (ر): (رده). (¬5) قوله: (كان لليتيم. . . إجارة المثل) يقابله في (ف): (كان له الأقل من المسمى أو أجر المثل). (¬6) في (ف): (ولده). (¬7) في (ف): (للصبي). (¬8) قوله: (وكذلك الأب. . . أو إجارة المثل) ساقط من (ت) وفي (ف): (أجر المثل). (¬9) قوله: (تلزم الابن) يقابله في (ف): (على الابن). (¬10) قوله: (له) ساقط من (ر). (¬11) قوله: (للمسمى مثل) يقابله في (ف): (المسمى). (¬12) في (ف): (به). (¬13) قوله: (وإن كان أكثر من إجارة المثل. . . سقط الزائد) في (ر): (فيكون المسمى مثل ما يقضى له من النفقة وإن كان أكثر من إجارة المثل سقط الزائد). (¬14) في (ف): (إجارته). (¬15) في (ر): (له). (¬16) في (ف): (مضت).

باب في من استأجر صغيرا بغير إذن وليه, أو استأجر عبدا بغير إذن سيده, أو استأجر حرا في مخوف فهلك فيه

باب في من استأجر صغيرًا بغير إذن وليه, أو استأجر (¬1) عبدًا بغير إذن سيده, أو استأجر حرًّا في مخوف فهلك فيه ومن استأجر صبيًا صغيرًا (¬2) بغير إذن وليه نظر فيه وليه (¬3): فإن كان حسن نظر أمضاه وإلا رده، فإن فات بالعمل كان له الأكثر من المسمى أو إجارة المثل، وإن أصابه في حين العمل عيب أو هلك لم يكن العمل سبب ذلك لم يضمن من استأجره. وكذلك إن (¬4) نقله من بلد إلى آخر (¬5)؛ لأن الحر لا تضمن (¬6) رقبته بنقله بخلاف العبد. وإن أصابه ذلك من سبب العمل كان له الأكثر من المسمى أو إجارة المثل إلى وقت نزل به ذلك ثم له قيمة ذلك (¬7) الشين (¬8)، وإن هلك ضمن الدية. وأمَّا العبد يستعمله بغير إذن سيده فإنه لا يخلو من ثلاثة (¬9) أوجه: إما أن يكون استعانه ولم يستأجره (¬10)، أو استأجره ولم يأذن له السيد في الإجارة، أو أذن له فاستعمله في غير الصنف الذي أذن له فيه، فإن استعانه كان لسيده إجارة المثل، فإن أصابه عيب من سبب العمل كان له الأكثر من إجارة المثل أو (¬11) ما نقصه العيب. وإن استأجره كان له الأكثر من المسمى أو إجارة ¬

_ (¬1) قوله: (استأجر) ساقط من (ر) و (ف). (¬2) قوله: (صغيرًا) ساقط من (ت) و (ف). (¬3) قوله: (نظر فيه وليه) ساقط من (ر). (¬4) في (ت): (لو). (¬5) قوله: (آخر) ساقط من (ف). (¬6) في (ف): (لا يضمن). (¬7) قوله: (ثم له قيمة ذلك) ساقط من (ف). (¬8) في (ف): (الشيء). (¬9) في (ر) و (ف): (أربعة) (¬10) قوله: (ولم يستأجره) ساقط من (ت) و (ف). (¬11) في (ر): (و).

المثل أو ما نقصه العيب. وكذلك إن أذن له في الإجارة فاستأجر نفسه في غير ما أذن له في (¬1)، وإن أصابه في جميع هذه الوجوه عيب من غير العمل، لم يكن عليه شيء عند ابن القاسم إذا لم تنقل (¬2) رقبته عن بلده. وقال سحنون: يضمنه. والأول أحسن ولا تضمن الرقاب إلا أن تنقل. وأما الحر يستعمل في نحوف من العمل فإن غرّه ولم يكن صاحب العمل الذي أدلاه في ذلك العمل (¬3) فهلك أو نزل به شين كان كالغرور (¬4) بالقول. واختلف في ضمانه لذلك، وأن يضمن أحسن، وإن كان هو الذي أدلاه ضمنه قولًا واحدًا لأنه غرور بالفعل. وإن أدلاه آخر معه والآخر غير عالم ضمن العالم نصف الدية بمباشرته. ويختلف هل يضمن النصف الآخر لأنه من باب الغرور (¬5) بالقول (¬6)؟ وإن لم يغره وأعلمه بما يخاف منه لم يضمنه؛ لأنه أهلك نفسه. وهو في هذا بخلاف من أذن لرجل في قتله؛ لأن المقتول في ذلك ترك القصاص قبل وجوبه، وهذا قادر على أن يأمره فيطلعه، فإذا رضي بالتمادي كان قد أهلك نفسه. ¬

_ (¬1) في (ر): (سيده). (¬2) في (ف): (ينقل). (¬3) قوله: (العمل) زيادة من (ف). (¬4) في (ف): (الغرر). (¬5) في (ت) و (ر): (الغرر). (¬6) قوله: (بالقول) ساقط من (ف).

باب في من استأجر حرا او عبدا على أن يعمل ويأتيه بخراجه أو بما يكسب فيطلقه, في إجارة الرجل المرأة للخدمة

باب في من استأجر حرًّا او عبدًا على أن يعمل ويأتيه بخراجه أو بما يكسب فيطلقه, في إجارة الرجل المرأة للخدمة (¬1) ومن "المدونة" قال ابن القاسم في من استأجر عبدًا على أن يجيئه (¬2) بالغلة أو حجّامًا على أن يجيئه (¬3) بالغلة (¬4) فلا بأس إذا لم يستأجره على أن يضمنه خراجًا معلومًا (¬5). وذكر الشيخ أبو محمد بن أبي زيد في "المختصر" (¬6) عن مالك أنه قال: لا خير في أن يستاجر العبد على أن يجيئه (¬7) بالخراج (¬8). وهذا القول هو (¬9) أصل مالك في كل من اشترى (¬10) شيئًا على أن يعمله بائعه أنه ينظر إلى ما يصير إليه ذلك المشترى، فإن كان مجهولًا لم يجز، كالزرع على أن على البائع حصاده ودراسه، والثوب على أن يصبغه، والزيتون على أن يعصره، فكل هذا ممنوع؛ لأنه (¬11) لا يدري كيف يخرج هذا ولا كم يخرج الآخر. وكذلك هذا يدفع دنانير أو دراهم ليأتيه بثمن منافعه شهرًا فهو لا (¬12) يدري بكم يبيعها. وقد ¬

_ (¬1) قوله: (فيطلقه وفي إجارة الرجل المرأة للخدمة) ساقط من (ت) و (ف). (¬2) في (ف): (يأتيه). (¬3) في (ف): (يأتيه). (¬4) قوله: (أو حجامًا على أن يحجبه بالغلة) ساقط من (ر). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 442. (¬6) قوله: (المختصر) ساقط من (ر). (¬7) في (ر): (يأتيه). (¬8) انظر: النوادر: 7/ 36، ولم يذكر فيه المختصر وإنما نقله عن ابن ميسر. (¬9) قوله: (هو) ساقط من (ف). (¬10) في (ف): (استأجر). (¬11) قوله: (لأنه) ساقط من (ف). (¬12) في (ر): (إلا أن).

فصل في إجارة الرجل المرأة للخدمة

قالوا في من اشترى سلعة على أن يبيعها بائعها: أن البيع فاسد؛ لأنه لا يدري كم الثمن الذي بيع به. وكذلك هذا إذا (¬1) اشترى منه منافعه على أن يبيعها، وإن جعل عليه خراجًا مضمونًا جاز ذلك (¬2) إذا كان الثمن عرضًا أو يأتيه بدنانير أو دراهم معلومة، أو الثمن عينًا والمضمون غير عين (¬3). فصل (¬4) في إجارة الرجل المرأة للخدمة (¬5) إجارة الرجل المرأة للخدمة (¬6) على خمسة أوجه: فإن كان عزبًا لم يجز، مأمونًا كان أو غير مأمون؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَخْلُون رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مَحْرَمٌ" (¬7). وإن كان له أهل وهو مأمون جاز، وإن كان غير مأمون في هذا الوجه لم يجز وإن كان له أهل. وإن كانت متجالة (¬8) لا أرب للرجال فيها (¬9) جاز، وكذلك إن كانت شابة وهو شيخ فان. ¬

_ (¬1) قوله: (إذا) زيادة من (ف). (¬2) قوله: (ذلك) زيادة من (ف). (¬3) في (ر) و (ف): (معين). (¬4) في (ف): (باب). (¬5) قوله: (إجارة الرجل المرأة للخدمة) ساقط من (ر) وقد سقط من (ف) قوله: (لخدمة). (¬6) قوله: (للخدمة) ساقط من (ر). (¬7) أخرجه البخاري: 10/ 192، في باب من اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجة أو كان له عذر هل يؤذن له، من كتاب الجهاد والسير، برقم (2784) بلفظ: "لا يخلون رجل بامرأة ولا تسافرن امرأة إلا ومعها محرم". ومسلم: 7/ 54، في باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره، من كتاب الحج، برقم (2391) بلفظ "لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم". (¬8) تجالت أي: أسنت وكبرت. انظر: لسان العرب 11/ 116. (¬9) قوله: (للرجال فيها) يقابله في (ف): (لها في الرجال).

ولا يعادل الرجل المرأة في المحمل وإن كان مأمونًا لما روي عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أنه قال (¬1): "بَاعِدُوا بينَ أَنْفَاسِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ" (¬2) لأن ذلك لا يدعو إلى خير، وقد يقذف الشيطان (¬3) في قلبه شرًّا (¬4)، وسواء كان معها زوج (¬5) أم لا (¬6). وإن كان (¬7) المحمل مغطى (¬8) دخل في (¬9) النهي عن الخلوة، وإن كانت عجوزًا متجالة كان أخف. ¬

_ (¬1) قوله: (أنه قال) زيادة من (ف). (¬2) قال القاري في الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة: 1/ 146 غير ثابت وإنما ذكره ابن الحاج في المدخل في صلاة العيدين، وذكره ابن جماعة في منسكه في طواف النساء من غير سند ولفظه: (ويروى عن النبي عليه الصلاة والسلام) اهـ. وقد أشار إليه عياض. (¬3) قوله: (وقد يقذف الشيطان) يقابله في (ف): (وقد روى أن الشيطان). (¬4) في (ر): (في نفسه سوء). (¬5) في (ف): (زوجها). (¬6) قوله: (أم لا يكن) ساقط من (ر). (¬7) ساقط من (ر). (¬8) في (ف): (موطأ). (¬9) في (ر): (داخل).

باب في أمد الإجارات

باب في أمد الإجارات (¬1) الأمد في المستأجر يختلف باختلاف الأمن والخوف في تلك المدة، فأوسعها في الأجل الأرضون، ثم الديار، ثم العبيد، ثم الدواب (¬2) ثم الثياب (¬3)، فيجوز كراء الأرض ثلاثين سنة وأربعين سنة (¬4) بغير نقد إلا أن تكون مأمونة الشرب فيجوز بالنقد، ويجوز مثل ذلك في الديار (¬5) إذا كانت جديدة مأمونة البناء، وإن كانت قديمة فدون ذلك بقدر ما يرى أنه تؤمن (¬6) سلامتها في الغالب. واختلف في العبيد فأجيز في كتاب محمد النقد العشرين سنة (¬7) (¬8)، وفي "المدونة" خمس عشرة سنة (¬9)، ومنعه غير ابن القاسم في العشر (¬10). وأرى أن ينظر في ذلك إلى سن (¬11) العبد، فإن كان شابًّا مثل ابن عشرين سنة أو ما قارب ذلك لم تمنع إجارته عشرين سنة على استثقال فيه، وإن كان صغيرًا أو كبيرًا أو كهلًا لم يجز من ذلك إلا ما قارب، فيمنع الصغير لأنه لا يدرى كيف يتغير عند البلوغ من نشاطٍ وقوةٍ أو غير ذلك، ويمنع الكبير لأنه دخل في سن من يتوقع انتقاله وذهابه، ولا يدرى (¬12) إن حيي السنين الكثيرة ¬

_ (¬1) في (ت) و (ر): (الإجارة). (¬2) قوله: (ثم الدواب) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (ثم الثياب) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (وأربعين سنة) ساقط من (ر). (¬5) في (ف): (الدار). (¬6) في (ت) و (ر): (يؤمن). (¬7) قوله: (النقد العشرين سنة) يقابله في (ف): (العشرين سنة بالنقد). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 45. (¬9) انظر: المدونة: 3/ 443. (¬10) انظر: المدونة: 3/ 444، والنوادر والزيادات: 7/ 45، والبيان والتحصيل: 8/ 450. (¬11) في (ت) و (ر): (سيد). (¬12) قوله: (يدرى) ساقط من (ف).

كيف يهجم عليه الكبر، فقد يبقى على قوة أو يصير إلى ضعف، والخمس سنين ونحوها في ذلك حسن. وكذلك الحيوان يختلف الأجل (¬1) في إجارتها باختلاف العادة في أعمارها. فالبغال أوسعها أجلًا لأنها أطول أعمارًا، والحمير دون ذلك والإبل دونها، والملابس في الأجل مثل ذلك يفترق الأجل في الحرير والكتان والصوف، والجديد والقديم فيضرب من الأجل (¬2) لكل واحد بقدره. ¬

_ (¬1) في (ف): (في الآجال). (¬2) في (ف): (في الأجل).

باب في من استأجر عبدا ليعمل له عملا هل يستعمله في غيره أو يسافر به أو يستعمل بالليل؟

باب في من استأجر عبدًا ليعمل له (¬1) عملًا هل يستعمله في غيره أو يسافر به أو يستعمل (¬2) بالليل؟ ومن "المدونة" قال (¬3): ومن استأجر أجيرًا لعمل (¬4) فأراد أن يستعمله في غيره من جنس الأول وفي مثل مشتقة جاز وإن لم يرض الأجير (¬5). وإن لم يكن من جنسه لم يجز. واختلف إذا رضي, فأجازه ابن القاسم إذا كان يسيرًا (¬6) , وأجازه ابن حبيب في الكثير، ومنعه سحنون وإن قلَّ (¬7). وأرى أن يجوز وإن كثر؛ لأن منافع المعيّن كالسلعة المعينة، ولو (¬8) كانت كالشيء المضمون لم يجز أن يستأجر (¬9) بدين؛ لأنه يكون دينًا بدين. واختلف إذا أراد أن يجعل غيره يعمل (¬10) مكانه. فقال ابن القاسم في من استأجر أجيرًا يرعى له غنمًا فأتى الراعي بمن يرعى مكانه لم يجز؛ لأن صاحب الغنم إنما رضي أمانة الأول وجزاءه (¬11) وكفايته (¬12). فجعل المنع من مقال صاحب الغنم، قال ابن حبيب: فإن رضي جاز، وقال سحنون: لا يجوز وإن رضي. وهذا من الأصل الأول، والجواز أصوب؛ لأن المنافع ليست كالدين، وقال ابن القاسم: إن حول العبد في عمل آخر بغير رضى سيده فعطب لم يضمنه إلا أن يكون ذلك العمل مما يعطب في مثله (¬13)، وقال سحنون: يضمنه (¬14). والأول أحسن إذا لم يكن ذلك من سبب العمل؛ لأنه لم ينقل الرقبة فيضمنها بالنقل ولا أتى من سبب العمل. ¬

_ (¬1) قوله: (له) زيادة من (ف). (¬2) في (ف): (يستعمله). (¬3) قوله: (ومن "المدونة" قال) ساقط من (ر) و (ف). (¬4) في (ت) و (ر): (يعمل). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 444. (¬6) في (ف): (قليلا). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 44. (¬8) في (ف): (وإن). (¬9) في (ف): (إن استأجر). (¬10) قوله: (يعمل) زيادة من (ف). (¬11) في (ف): (وإجارته). (¬12) انظر: المدونة: 3/ 448. (¬13) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 63، والبيان والتحصيل: 8/ 483. (¬14) انظر: المدونة: 4/ 167.

فصل [في من استأجر عبدا ليعمل عملا هل يسافر به؟]

فصل [في من استأجر عبدًا ليعمل عملًا هل يسافر به؟] وإن كانت الإجارة ليخدمه في الحضر فأحب أن يسافر به (¬1) ليخدمه في السفر لم يكن ذلك (¬2) له بغير رضاه. واختلف إذا رضي، فعلى قول ابن القاسم: يجوز في ما قلَّ من السفر (¬3). وعلى قول سحنون: لا يجوز وإن قرُب. وقول ابن حبيب يجوز وإن بعُد. وإن استأجره ليخدمه شهرًا إن شاء في السفر وإن شاء في الحضر لم يجز لأنه غرر. وإن شرط شهرًا في الحضر وشهرًا في السفر جاز إذا لم ينقد (¬4) شيئًا؛ لأن الشهر الثاني (¬5) إذا كان من غير جنس الأول لم يجز النقد فيه، فإذا لم يجز ذلك (¬6) لم يجز أن يقدم شيئًا؛ لأن الذي يقدم مفضوض (¬7) على الشهرين بعضه عن (¬8) المؤخر فلا يجوز النقد فيه. وإن استأجره شهرًا في الحضر ثم استأجره بعد ذلك شهرًا في السفر جاز بغير نقد، وهو ها هنا بخلاف من اكترى راحلة يركبها بعد شهر. فقال غير ابن القاسم: لا يجوز لأجل التحجير، وهو لا يدري هل يسلم أم لا؟ (¬9) وهذا ممنوع بعقد الشهر الأول قد حجر عليه البيع فلم يدخل بالعقد الثاني تحجير. ومن استأجر عبدًا ليخدمه نهارًا ثم يأوي إلى مواليه، أو كان حرًا (¬10) ينصرف (¬11) إلى أهله لم يكن له أن يستخدمه ليلًا، وإن كان منقطعًا إليه ومبيته عنده يستخدمه بالليل فيما خف على حسب العادة في أمثاله. ¬

_ (¬1) قوله: (به) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (ذلك) ساقط من (ف). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 445. (¬4) في (ر): (لم ينتقد) وفي (ف): (بغير نقد). (¬5) قوله: (الثاني) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (ذلك) زيادة من (ف). (¬7) في (ف). (مفضوضا). (¬8) في (ت) و (ر): (على). (¬9) انظر: المدونة: 3/ 473، والبيان والتحصيل: 8/ 411. (¬10) قوله: (حرا) ساقط من (ف). (¬11) في (ت): (يتصرف).

باب في الإجارة على رعاية الغنم، والحكم في ألبانها وأولادها وما ضاع منها أو ذبح

باب في الإجارة على رعاية الغنم، والحكم في ألبانها وأولادها وما ضاع منها أو ذبح الإجارة على الرعاية جائزة، وهي على أربعة أوجه: أحدها: أن يقول له (¬1): أستأجرك على (¬2) أن (¬3) ترعى لي غنمًا ولا يسمي عدة. والثاني: أن يسمي عدة ويعيّنها فيقول: ترعى لي هذه الغنم وهي (¬4) مائة. والثالث: أن يشترط عدة (¬5) ولا يعينها. والرابع: أن يسمي عدة معيّنة أو غير معينة ويشترط ألا يرعى معها غيرها، فإن قال: أستأجرك ترعى لي غنمًا ولم يسم عدة جاز، وحملا في ذلك على جميع منافعه، ولربِّ الغنم أن يأتيه من ذلك بما يقدر على رعايته، وهذا إذا كان المستأجر يعلم قدر رعاية مثله، ثم لا يكون للراعي أن يرعى معها غيرها، فإن فعل كان ما آجر به نفسه في الثانية للأول (¬6). فإن قال: ترعى مائة معينة أو غير معينة (¬7) كان للراعي أن يؤاجر نفسه في غيرها إذا كان لا يضر بالأول (¬8)، وإن شرط عليه الأول أن لا يرعى معها غيرها كان شرطًا جائزًا وعليه أن يفي بذلك الشرط، فإن رعى معها (¬9) غيرها كان في الإجارة الثانية قولان، فقال ابن ¬

_ (¬1) قوله: (له) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (على) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (على أن) ساقط من (ت). (¬4) قوله: (الغنم وهي) ساقط من (ر) وسقط من. (ف): (لي هذه الغنم وهي). (¬5) في (ت): (عدد). (¬6) في (ف): (للأولى). (¬7) قوله: (أو غير معينة) ساقط من (ر). (¬8) في (ف): (بالأولى). (¬9) قوله: (معها) زيادة من (ف).

القاسم: هي للأول (¬1). ورأى أن الأول قد استحق جميع منافعه. وقال غيره: الإجارة للراعي إذا لم يدخل على الغنم مضرة (¬2). وفي كلا القولين نظر فلا يصح أن يقال: هي للراعي (¬3)؛ لأن الأول قد (¬4) زاد في الأجرة احتياطًا لغنمه فلا يبطل مقاله في تلك الزيادة. ولا يصح أن يقال: جميعها لصاحب الغنم؛ لأنَّ الأجير يحط من الأجرة (¬5) لمكان راحته ورعيه القليل (¬6)، فلكل واحد منهما مقال. وأرى أن يكون صاحب الغنم بالخيار بين ثلاثة أوجه (¬7): فإن أحب فسخ عن نفسه ما زاد لمكان الشرط، وإن أحب أخذ قيمة تلك الزيادة، وإن أحب أخذ (¬8) ما باعها به. فإن قيل: إجارته على الأولى (¬9) بانفرادها عشرة وعلى (¬10) أن يرعى الثانية معها ثمانية وكان المسمى اثني عشر فسخ عن نفسه خُمس المسمى لأنه أكثر، وإن كان المسمى أقل من عشرة أخذه بدينارين لأنه أكثر من خمس المسمى، وإن أحب أن يأخذ ما (¬11) باعها به قيل: كم إجارة مثله في الثانية؟ فإن قيل: أربعة دنانير، كانت أجرة الثانية بينهما نصفين؛ لأن للأولى (¬12) فيها ما قيمته ديناران. فإن آجر نفسه في الثانية بأكثر من أربعة أخذ نصفه وإن نقصت الأولى لمكان رعي الثانية معها، وإن (¬13) أحب أن يأخذ نصف ما آجر به نفسه في الثانية (¬14) لم يكن له أن يأخذ مع ذلك (¬15) ما نقصها؛ ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 448. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 54. (¬3) قوله: (إذا لم يدخل. . . هي للراعي) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (قد) زيادة من (ف). (¬5) في (ف): (الإجارة). (¬6) في (ف): (للعامل). (¬7) قوله: (أوجه) ساقط من (ف). (¬8) قوله: (أخذ) ساقط من (ف). (¬9) في (ف): (الأول). (¬10) قوله: (على) ساقط من (ر). (¬11) في (ت): (يأخذها بما). (¬12) في (ت) و (ف): (الأول). (¬13) قوله: (إن) ساقط من (ف). (¬14) قوله: (بأكثر من أربعة أخذ نصفه. . . به نفسه في الثانية) ساقط من (ر). (¬15) قوله: (مع ذلك) ساقط من (ر).

فصل [إذا قال: أستأجرك على أن ترعى هذه الغنم]

لأنه إذا أخذ ما آجر به (¬1) نفسه كان قد أجاز فعله وسقط حكم التعدي، وإن أحب فسخ عن نفسه ما ينوب ذلك الشرط، أو يأخذ قيمة تلك الزيادة كان ذلك مع قيمة (¬2) النقص. وهذا ظاهر المذهب وليس بالقياس؛ لأنه إذا أخذ معها قيمة النقص صار كأنه أخذها سالمة وهو لم يكن يقدر أن يأخذها بعد شهر أو سنة سالمة إذا كان ذلك أمد الإجارة إلا بأن يرعى فلا يصح أن يأخذها سالمة من العيب بغير أجر. وإن كان النقص كثيرًا ضمن قيمتها (¬3) يوم أخذ الأخرى معها، ويصح ها هنا أن يسترجع الأجرة أو يأخذ قيمتها بخلاف أن يكون النقص يسيرًا فلا يغرم قيمتها، وكذلك إن ترك الأجير الأولى (¬4) فلم يرعها ورعى غيرها كان ربها بالخيار بين ثلاثة أوجه (¬5): بين أن يفسخ الإجارة عن نفسه، أو يأخذ قيمتها، أو ما آجر به نفسه، فإن أخذ ما آجر به نفسه (¬6) وقد نقصت الأولى لم يضمّنه النقص لأنه إذا أخذ ما آجر به نفسه صار (¬7) مجيزًا لفعله فسقط حكم التعدي. فصل [إذا قال: أستأجرك على أن ترعى هذه الغنم] واختلف إذا قال: أستأجرك على أن ترعى هذه الغنم. فقيل: الإجارة جائزة، وقوله: هذه، كالصفة، فيخلف (¬8) غيرها إن أصيبت ولا تتعيّن. وقيل: تتعيّن والإجارة فاسدة؛ لأن فيه تحجيرًا على صاحب الغنم فلا يقدر على بيعها. وقيل: جائزة وتتعيّن؛ لأن رب الغنم يشترط ذلك لئلا يتكلف ذلك (¬9) الخلف. ¬

_ (¬1) قوله: (به) ساقط من (ف). (¬2) في (ف): (سنة). (¬3) قوله: (قيمتها) ساقط من (ف). (¬4) في (ف): (الأول). (¬5) قوله: (بين ثلاثة أوجه) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (فإن أخذ ما آجر به نفسه) ساقط من (ف). (¬7) قوله: (صار) ساقط من (ف). (¬8) في (ت): (فيختلف). (¬9) قوله: (ذلك) ساقط من (ت).

فصل [في الحكم في ألبان الغنم المرعية]

وقيل: إن قرُب أمد الإجارة جاز، وإن بعُد لم يجز. وكذلك الأحمال إذا قال: تحمل هذه الأحمال إلى بلد كذا، فقال في "كتاب الرواحل": لا تتعيّن (¬1). وعلى قوله ها هنا في الغنم تتعيّن. ثم يختلف هل تكون إجارة جائزة أو فاسدة؟ وعلى القول الآخر: يجوز فيما قرب دون ما بعُد. قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه (¬2): وأرى أن يجوز فيما قرب؛ لأنه (¬3) ليس فيها (¬4) بتحجير وكذلك لما بعد إذا كان الشرط من رب الغنم؛ لأنه يكره أن يتكلف الخلف، فإن كان الشرط من الراعي كان فاسدًا. فصل [في الحكم في ألبان الغنم المرعية] وكره مالك لمن مر بالراعي (¬5) أن يستسقيه من لبنها (¬6). يريد: إذا كان الغالب إباحة ذلك فيكره (¬7) لإمكان أن يكون صاحبها ممن يمنع ولا يحرم؛ لأن الغالب الإباحة، وإن كانوا يمنعونه أو أكثرهم (¬8) لم يجز. وإن كانوا يبيحونه ولا يمنعونه لم يكره. وعلى الراعي إذا ولدت الغنم أن يرعاها مع الأمهات؛ لأن هذه العادة، ومن لم تكن لهم عادة لم يكن عليه رعيها. وإن ادعى الراعي الضياع وأن الوحش ذهب بشيء منها صدق ما لم يأت بأمر يتبّين فيه كذبه أو يكون منه تفريط. وإن نام عنها فذهب منها شيء ضمن إذا خرج عن المعتاد في النوم، فإن نام ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 474، و 475. (¬2) قوله: (أبو الحسن - رضي الله عنه -) زيادة من (ف). (¬3) في (ف): (لأنها). (¬4) قوله: (فيها) زيادة من (ف). (¬5) في (ف): (راع). (¬6) انظر: المدونة: 3/ 449. (¬7) في (ف): (فكره). (¬8) في (ف): (أكثر).

فصل [في اشتراط ضمان الراعي]

في الشتاء ضمن، وفي الصيف في أول النهار أو في (¬1) آخره ضمن (¬2). وإن نام وقت (¬3) القائلة عند الرعاة لم يضمن إلا أن يطول فيضمن، أو كان في موضع يخاف عليها لكثرة الوحش العادي (¬4) أو ترجع إلى منزلها ويدعها (¬5). فصل [في اشتراط ضمان الراعي] وإذا شرط (¬6) على الراعي ضمان ما هلك أو أنه (¬7) مصدق فيما ادعى ضياعه كان الشرط باطلًا ولا ضمان عليه فيما علم هلاكه وهو مصدق فيما يقول أنه ضاع. وكذلك الجواب عند مالك إذا اشترط عليه أن يأتي بسمة ما مات منها (¬8) وإلا كان ضامنًا فالشرط باطل (¬9). وقال ابن القاسم (¬10): وله الأكثر إن عمل من المسمى أو إجارة المثل (¬11). وقيل: له إجارة المثل قلَّت أو كثُرت؛ لأنه شرط فيه غرر. ويجري فيها قول آخر أن الشرط جائز ويضمن إن لم يأت بالسمة؛ لأنه قادر على ذلك كما قال في الجفنة (¬12) إذا قال فيها المستأجر: انكسرت، ولم يأت بفلقتها (¬13) (¬14)، بخلاف أن يقول: ذهبت الشاة وهي حية أو ضاعت الجفنة. وإن ذبح الراعي شاة وقال: خفت عليها، أو أتى بها مذبوحة، أو قال: سرقت بعد الذبح صدق عند ¬

_ (¬1) قوله: (في) ساقط من (ف). (¬2) في (ت) و (ر): (يضمن). (¬3) في (ف): (قبل). (¬4) في (ت) و (ر): (العادية). (¬5) في (ر): (وحدها). (¬6) في (ف): (اشترط). (¬7) في (ر): (وأنه). (¬8) في (ف): (فيها). (¬9) انظر: المدونة: 3/ 450. (¬10) في (ر): (غير ابن القاسم). (¬11) انظر: المدونة: 3/ 450. (¬12) قوله: (قال في الجفنة) ساقط من (ف). (¬13) في (ف): (فلقتيها). (¬14) انظر: المدونة: 3/ 427.

ابن القاسم (¬1). وقال غيره: لا يصدق وهو ضامن (¬2) بالذبح. وقال ابن حبيب في من استعار ثورًا ليحرث عليه فأتى به مذبوحًا وقال: خفت عليه الموت، فهو ضامن (¬3)، إلا أن يأتي بسبب ذلك ولطخ ظاهر قال (¬4) بخلاف الراعي؛ لأن الراعي مؤتمن على ما استرعي فيفوض إليه النظر فيه (¬5) مما يحضر فيه ويغيب عليه من أمرها. فإن ذبح الراعي شاة كانت مريضة صدق قولًا واحدًا، وإن كانت صحيحة رأيت أن يصدق؛ لأنه لا يتهم في ذلك إذ لا فائدة له في ذلك (¬6) إلا أن يكون قد (¬7) جرى بينه وبين صاحب الغنم شنآن فيتهم أن يقصد ضرر (¬8) صاحب الغنم بذلك، وقد ذكر أن العادة عند قوم فيما سقط وذبح أن الراعي يأخذ سواقطه، فمن تلك عادته كان الأمر فيه (¬9) أشكل: هل فعل ذلك تعديًا لمنفعة نفسه أو لأنه خاف عليها؟ ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 451. (¬2) قوله: (ابن القاسم، وقال غيره. . . وهو ضامن) ساقط من (ف). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 216. (¬4) قوله: (قال) زيادة من (ف). (¬5) قوله: (فيه) زيادة من (ف). (¬6) قوله: (في ذلك) يقابله في (ف): (فيه). (¬7) قوله: (قد) ساقط من (ف). (¬8) في (ت) و (ف): (ضرره). (¬9) قوله: (فيه) ساقط من (ف).

باب في اجارة الظئر, وإذا ماتت أو مات الصبي أو الأب، أو استاجر ظئرين فماتت إحداهما، أو صبيين فمات أحدهما

باب في اجارة الظئر, وإذا ماتت (¬1) أو مات الصبي أو الأب، أو استاجر ظئرين فماتت إحداهما، أو صبيين فمات أحدهما الإجارة على الرضاع جائزة لقول الله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [سورة الطلاق آية: 6]؛ لأن ذلك مما تدعو إليه الضرورة وبه تقوم حياة أمثاله، ولا خلاف في ذلك. وتجوز الإجارة بالدنانير، والدراهم (¬2)، والعروض، والطعام ولا يدخل ذلك في النهي عن الطعام بالطعام (¬3)؛ لأنه طعام مخصوص لأعيان، ومعلوم أن المراد بالنهي (¬4) غير هذا، فتجوز الإجارة إذا كان الصبي حاضرًا ليرى نحو سنه، وإن كان غائبًا لم يجز إلا أن يذكر سنه؛ لأن الرضاعة تختلف، فليس رضاع من له شهر كرضاع من له سنة. وإن جرب رضاعه (¬5) لتعلم (¬6) قوة رضاعه من ضعفه كان أحسن، فإن لم يفعلا جاز لأن الرضاع يتقارب, ولا يجوز على قول سحنون إلا بعد معرفة رضاعه؛ لأنه قال في الظئر تستأجر لرضاع صبيين فمات أحدهما: تنفسخ الإجارة لاختلاف الرضاع، قال: لأنها إن آجرت نفسها لترضع آخر مكان الميت لم تدر (¬7) هل رضاعه مثل (¬8) الميت أم لا؟ وليس لذات الزوج أن تؤاجر نفسها في الرضاع إلا بإذن زوجها، فإن ¬

_ (¬1) قوله: (ماتت) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (الدراهم) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (بالطعام) ساقط من (ف). (¬4) في (ف): (باللبن). (¬5) قوله: (جرب رضاعه) يقابله في (ت) و (ر): (جربت رضاعة). (¬6) في (ف): (ليعلم). (¬7) في (ف): (يدر). (¬8) زاد في (ف): (الأول).

فعلت فسخه الزوج إن أحب؛ لأن عليه في ذلك معرةً أو مضرة لاشتغالها عنه به إن كان رضاعه عند أبويه، وإن كان عندها أفسد عليه (¬1) كثيرًا من حاله، وإن كان له ولد أضر (¬2) ذلك برضاع ولده. واختلف إذا كانت الإجارة بإذنه هل للزوج أن يصيبها؟ فمنع ذلك ابن القاسم في "المدونة" وحمل استئذانه أن ذلك لأجل حقه في الإصابة (¬3). وأجازه أصبغ في "كتاب ابن حبيب" (¬4)، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ الْوَلَدَ" (¬5)، (¬6)، وحمل استئذان الزوج لأن له المنع مع بقائه على الإصابة لما يلحقه من المعرة أو (¬7) المضرة. وإذا انعقدت الإجارة بإذنه منع أن يحدث (¬8) أمرًا يوجب في ذلك فسخًا أو عيبًا. وإن آجرت ذات شرف نفسها في الرضاع لزمها ذلك (¬9) عند مالك (¬10). وأرى إن كان لها من يدركه من (¬11) ذلك معرة من أب أو ولد أو أخ أن تنفسخ (¬12) الإجارة. وعلى الأب ما يحتاج إليه الولد من ريحان أو زيت أو عسل، وهو (¬13) غير داخل في الإجارة إلا أن تكون العادة أن تتولى ذلك من مالها، ورضاع الولد في ¬

_ (¬1) قوله: (عليه) ساقط من (ف). (¬2) في (ف): (ضر). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 451. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 56. (¬5) في (ف): (بالولد). (¬6) أخرجه مسلم: 7/ 323، في باب جواز الغيلة وهي وطء المرضع. وكراهة العزل، من كتاب النكاح، برقم (2612) بلفظ "لقد هممت أن أنهى عن الغيلة حتى ذكرت أن الروم وفارس يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم". (¬7) في (ت) و (ر): (و). (¬8) في (ر): (إلا أن يحدث). (¬9) قوله: (ذلك) ساقط من (ف). (¬10) انظر: المدونة: 3/ 451. (¬11) في (ف): (في). (¬12) في (ت) و (ر): (تفسخ). (¬13) في (ف): (وهذا).

فصل [في من استأجر ظئرا فماتت أو حملت]

بيتها إلا أن تكون العادة إرضاعه (¬1) عند أبويه؛ لأن من باع سلعة معيّنة لم يكن عليه نقلها إلى دار مشتريها. فصل [في من استأجر ظئرا فماتت أو حملت] تنفسخ الإجارة بموت الظئر وبحملها؛ لأن رضاع الحامل مضر بالولد أو مهلك (¬2)، أو بمرضها إن لم يرج برؤها عن قريب، فإن كان يرى أنه لا يذهب (¬3) عن قرب، ثم تبين (¬4) خلاف ذلك وذهب قريبًا لم تنقض الإجارة إن لم يكونا تفاسخا، ويختلف إن (¬5) كانا (¬6) تفاسخا، هل ذلك حكم مضى، أو يرد لأنهما أخطئا فيما ظنا من تأخر (¬7) البرء وقد اختلف في هذا الأصل إذا أخذ دية العين بنزول الماء ثم ذهب، وإذا أخطأ الخارص - ولم تُنقض الإجارة؛ لأن المرض قريب الذهاب، فإن لم (¬8) يوجد من يرضع إلا بعقد بقية رضاعه أجبرت على (¬9) أن تبيع القدر الذي اضطرت (¬10) إليه من رضاعها. وإن تكفلت بكفالة قبل الإجارة و (¬11) وجب سجنها سجنت، ثم ينظر في الفسخ حسب ما تقدم، هل يطول سجنها أو يقرب؟ وإن تكفلت بعد الإجارة لم تسجن؛ لأن ذلك تطوع (¬12)، وليس لها أن تتطوع بما يمنع من قبض ما باعته. ¬

_ (¬1) في (ف): (رضاعه). (¬2) قوله: (مضر بالولد أو مهلك) يقابله في (ت) و (ر): (يضر بالصبي أو يهلك). (¬3) قوله: (عن قريب فإن كان يرى أنه لا يذهب) ساقط من (ف). (¬4) في (ت): (لم يتبين). (¬5) في (ف): (إذا). (¬6) قوله: (كانا) ساقط من (ر). (¬7) في (ف): (تأخير). (¬8) في (ر): (فلم). (¬9) قوله: (على) ساقط من (ر). (¬10) في (ر): (اضطر). (¬11) قوله: (و) ساقط من (ف). (¬12) في (ر): (طوع).

واختلف في فسخ الإجارة بموت الصبي، فقال ابن القاسم: يفسخ؛ لأن الخلف يتعذر (¬1). وفي "كتاب ابن سحنون": الإجارة لازمة وعليه أن يأتي بخلفه، وجعله على الأصل أن المستأجر لا يتعّين، وكذلك الإجارة له على تعليمه وعلى رياضة الفرس فيموتان فليس عليه خلفهما (¬2) عند ابن القاسم وهو أحسن؛ لأن الخلف يتعذر (¬3)، وإن رضي الأب بخلفه لم يكن ذلك له وهو قول ابن القاسم، ويجري فيها قول آخر (¬4): أن ذلك له؛ لأن الفسخ من حق الأب لا من حق (¬5) الظئر، فإذا تكلف ذلك ووجده (¬6) لزمها، وإن مات الأب قبل أن تنقد الإجارة انفسخ العقد عنه، وسواء مات موسرًا أو معسرًا. واختلف إذا نقد، فقال مالك في "المدونة": يكون ما بقي من الرضاع بين الورثة (¬7)، وقال أيضًا: ما بقي مما (¬8) قدم الأب بين الورثة (¬9). وكذلك في "كتاب محمد" قال: وليس بمنزلة العطايا والهبات (¬10) ولكنه بمنزلة النفقة يقدمها وهو يظن أنه سيبلغها (¬11). وروى عنه أشهب أنه قال: ذلك للصبي دون الورثة (¬12). قال أشهب: وكذلك معلم الكتابة (¬13) يستأجره ليعلم ولده بعشرة دنانير يقدمها ثم يموت الأب قبل ذلك فهي للصبي دون الورثة، وإن مات الصبي ¬

_ (¬1) قوله: (واختلف في فسخ الإجارة. . . لأن الخلف يتعذر) ساقط من (ر)، وانظر: المدونة: 4/ 452. (¬2) في (ت) و (ر): (خلفها). (¬3) في (ر): (لا يتقدر). (¬4) قوله: (آخر) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (من حق) يقابله في (ف): الحق). (¬6) في (ف): (أو وجده). (¬7) في (ر): (للوارثة). انظر: المدونة: 3/ 455. (¬8) في (ر): (وما). (¬9) انظر: المدونة: 3/ 455. (¬10) قوله: (والهبات) ساقط من (ر). (¬11) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 171. (¬12) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 56. (¬13) في (ف): (الكتاب).؟

قبل الأب رجع ذلك إلى الأب إن كان حيًا و (¬1) إلى ورثته إن كان ميتًا يوم مات الصبي (¬2). قال أشهب: وذلك بمنزلة الذي يخدم الرجل عبده حياته، فإن مات المخدم والعبد في يديه رجع العبد إلى سيده، وإن مات السيد قبل لم يخرج من يد المخدم حتى يستكمل ما جعل له، فإن مات رجع العبد إلى ورثة سيده إن كان ميتًا أو إليه إن كان حيًّا (¬3). قال محمد (¬4): وأبى ذلك ابن القاسم في الظئر والمعلم وقال: إنما ذلك بمنزلة النفقة قدمها الأب (¬5) ثم مات قبل أن تستحق (¬6)، وكلا الروايتين عن مالك وفي "كتاب محمد" إذا كانت الإجارة في الرضاع إلى (¬7) أربع سنين (¬8). وأرى إن مات الأب بعد مضي سنتين أن يكون للابن ما بقي لأنها هبة. وإن مات الأب (¬9) في أول العقد كانت السنتان الأوليان ميراثًا؛ لأنَّ الأب كان يرى أنها واجبة عليه وله ما بعد ذلك لأنها هبة. واختلف بعد القول أن ذلك ليس للصبي، هل يورث اللبن أو الأجرة (¬10) التي تقدمت (¬11)؟ والأجرة أحسن؛ لأن سقوط ذلك عن الأب كموته ويبقى اللبن، وإذا لم يلزم الأب اللبن إذا مات الصبي لم يلزم الورثة اللبن. وقوله: يكون ما بقي من الرضاع ¬

_ (¬1) في (ت) و (ف): (أو). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 56. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 56، و 57. (¬4) قوله: (محمد) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (الأب) ساقط من (ر). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 56. (¬7) قوله: (إلى) ساقط من (ف). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 171، و 5/ 56. (¬9) في (ف): (العبد). (¬10) في (ر): (الإجارة). (¬11) في (ف): (قدمت).

فصل [في من استأجر ظئرين فماتت إحداهما]

ميراثًا، يحتمل أن يكون ذلك لما كان الصبي حيًّا وأن الوصي يأخذه له بالثمن بلا (¬1) مضرة على الورثة، أو يكون قال مرة كقول سحنون: إن الصبي يخلف فيكون (¬2) من حق الظئر، أن الإجارة منعقدة وللوصي أن يأخذ ذلك من نصيبه بالثمن أو يبيعوه منه (¬3) بما أحبوا. والقياس إذا كانت الإجارة ميراثًا أن يكون للظئر أن تذهب بنفسها ولا يلزمها العقد المتقدم، وكذلك إن رضيت بالبقاء وكره الوصي وأتى بغيرها. وإذا قيل: إن الخلف إذا مات الصبي من حقِّ الأب، فإن أخلفه لزم الظئر كان الخيار ها هنا للوصي دونها (¬4). وكذلك إذا استأجر الأب ظئرًا من ماله ثم ماتت الأم وصار للصبي مال، فالقياس أن الأب يستأنف له عقدًا منها أو من غيرها؛ لأنَّ يُسْره يسقط (¬5) عن الأب رضاعه، ويستأجر له من ماله. والاستحسان أن يمضي ذلك ويأخذ الأب ما كان قدمه من مال الصبي إلا أن يكون في الأجرة محاباة فيسقط التغابن عن الابن. فصل [في من استأجر ظئرين فماتت إحداهما] وإن استأجر ظئرين لرضاع (¬6) صبي فماتت إحداهما انفسخت الإجارة عن الميتة ولم يستأجر من مالها من يرضع مكانها، وعلى الأب أن يأتي بمن ¬

_ (¬1) في (ر): (فلا) وفي (ف) (ولا). (¬2) في (ر): (يختلف أن يكون). (¬3) قوله: (منه) ساقط من (ف). (¬4) في (ت) و (ر): (دونه). (¬5) في (ف): (سقط). (¬6) في (ت): (ليرضعا) وفي (ف) (لترضعا صبيا).

يرضع مكانها، وذلك من حق الحية؛ لأنه لم يكن عليها إلا نصف رضاعه، فإن عدم (¬1) من يستأجره مكان الميتة كان لهذه أن تفسخ الإجارة إلا أن يتراضيا في رضاعه على شيء معلوم. وإن قالت: أنا أرضعه بالأجرة (¬2) التي كنت أرضعته (¬3) مع الميتة لكان (¬4) ذلك لها. وإن استأجرهما في عقدين فماتت الأولى أخلف مكانها، وإن ماتت الآخرة لم يخلف مكانها (¬5). وإن استأجر ظئرًا لترضع صبيين فمات أحدهما انفسخ ما ينوبه، وإن كان موته بعد سنة قوّم ما ينوب السنة الماضية من الباقية؛ لأن رضاع الكبير أكثر (¬6). ويختلف هل يكون (¬7) لها أن تؤاجر نفسها في رضاع آخر مكان الميت؟ فأجازه ابن القاسم (¬8). ومنعه سحنون وقد تقدَّم ذلك. ¬

_ (¬1) زاد بعده في (ت): (عرض). (¬2) في (ت): (النوبة). (¬3) في (ت): (أرضع) وفي (ف) (أرضعه). (¬4) في (ت): (الأخرى كان). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 454. (¬6) انظر المدونة: 3/ 454. (¬7) قوله: (يكون) ساقط من (ر). (¬8) انظر المدونة: 3/ 454.

باب في تضمين صاحب الحمام والحارس فيه, وفي حامل الطعام والأجير يدعي الضياع أو يهلك ذلك من سببه

باب في تضمين صاحب الحمام والحارس فيه, وفي حامل (¬1) الطعام والأجير يدعي الضياع أو يهلك ذلك (¬2) من سببه اختلف في تضمين صاحب الحمام في (¬3) ما ذهب من الثياب، فقال مالك في "المدونة": لا ضمان عليه (¬4). وقال في "كتاب محمد": يضمن إلا أن يأتي بحارس (¬5). وإذا أتى بحارس سقط الضمان عنه، وعاد الخلاف في الحارس. فقال في "المدونة" وفي "كتاب محمد": لا ضمان (¬6) عليه (¬7). وقال ابن حبيب: يضمن لأنه أجير مشترك (¬8). وأن لا ضمان عليهما أحسن؛ لأن صاحب الثياب إنما اشترى منافع هو يتولى قبضها بنفسه، وهو الانتفاع بالحمام والثياب خارج وديعة لا صنعة فيها ولا إجارة عليها. وإذا (¬9) دفع صاحب الثياب أجرة الحارس (¬10) كانت الأجرة (¬11) للأمانة، وهو بمنزلة من أودع وديعة بإجارة فليس أخذ الأجرة (¬12) عليها مما (¬13) يخرجه عن أن يكون أمينًا إلا أن يظهر على الحارس الخيانة فينتقل الحكم فيه ويضمن. ¬

_ (¬1) في (ت) و (ف): (حارس). (¬2) قوله: (ذلك) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (في) ساقط من (ف). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 457. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 87. (¬6) في (ت) و (ف): (شيء). (¬7) انظر: المدونة: 3/ 457، والنوادر والزيادات: 7/ 87. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 87. (¬9) في (ف): (وإن). (¬10) في (ت): (الخارص). (¬11) في (ت): (الإجارة). (¬12) في (ت): (الإجارة). (¬13) في (ف): (من أن).

وقال ابن القاسم في "العتبية": إذا قال الحارس: جاءني إنسان فشبهته بك ودفعت إليه الثياب ضمن (¬1). وكذلك أرى إذا أتى إنسان فأخذ (¬2) ثيابًا فتركه (¬3) ظانًّا منه (¬4) أنه صاحبها فإنه يضمن، وإن سرقت من الحارس لم يضمن، ولا يضمن حارس الطعام لأنه أمين. قال محمد في من استؤجر يحرس بيتًا (¬5) فنام فسُرق البيت فلا ضمان عليه، وسواء كان مما يغاب عليه أم لا وله أجره كله (¬6)، قال: وكذلك جميع الحراس لا ضمان عليهم طعامًا كان أو غيره (¬7). وهذا في سقوط الضمان أبين من حارس الحمام؛ لأن هذا أقامه المالك واختاره لنفسه، وحارس الحمام مُقام من صاحب الحمام ولم يختاروه لأنفسهم. وكذلك حارس (¬8) الأندر (¬9) لا ضمان عليه إلا أن تلجئ (¬10) قومًا ضرورة إلى من يخاف من (¬11) الطعام منه فيستأجر تقاية لشره (¬12) وليدفع شر قوم آخرين فيضمن، أو تعلم منه الخيانة فيضمن. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 237. (¬2) في (ف): (يأخذ). (¬3) قوله: (فتركه) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (منه) ساقط من (ر). (¬5) في (ف): (شيئا). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 87. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 87. (¬8) في (ف): (صاحب). (¬9) الأندر عند أهل الشام: هو الموضع الذي يجفف فيه التمر لينشف. انظر: لسان العرب: 3/ 170. (¬10) في (ر): (تلحق). (¬11) في (ر) و (ف): (على). (¬12) في (ف): (شره).

وإذا هلك المستأجر عليه؛ لأنه سقط عن حامله أو من يده أو عثر به كان من صاحبه دون الحامل إلا أن يكون حمل فوق طاقته أو على صفةٍ لا يحمل عليها أو كان شأنه العثار فيضمن. واختلف إذا مشى على شيءٍ فأفسده، فقال ابن القاسم: لا شيء عليه، وقال غيره: هو ضامن (¬1). وهو أحسن؛ لأنها جناية على ملك الغير (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 457. (¬2) في (ر): (لغيره).

باب في الإجارة على البنيان والحفر وكيف إن انهدم شيء من ذلك؟ وإن مرض الأجير أو مات

باب في الإجارة على البنيان (¬1) والحفر وكيف إن انهدم شيء من ذلك؟ وإن (¬2) مرض الأجير أو مات وقال ابن القاسم في من استأجر رجلًا يبني له حائطًا فانهدم فله من الأجرة (¬3) بقدر (¬4) ما عمل وليس عليه أن يبنيه ثانية، وقال غيره: إن كان مضمونًا كان عليه أن يتم العمل (¬5). والعمل على البناء على وجهين: إجارة، ومقاطعة، فإن عمل على الإجارة كان له كل ما بنى شيئًا بقدره من الأجر (¬6)، وليس عليه أن يؤخر (¬7) قبض ذلك حتى يتم العمل. وإن انهدم ما بنى قبل تمامه كان له من الأجر بقدر ما عمل (¬8) وينفسخ الباقي إذا كان يتعذر (¬9) على صاحب العمل موضع يتم فيه مثل ذلك، وإن لم يتعذر أتمه، فإن أراد (¬10) صاحب العمل أن يعيد له ذلك النصف الذي انهدم ¬

_ (¬1) في (ر) و (ف): (البناء). (¬2) في (ف): (وإذا). (¬3) في (ف): (الأجر). (¬4) في (ت): (الأجر بحساب). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 459. (¬6) في (ت) و (ف): (الأجرة). (¬7) في (ر): (أن يفوض). (¬8) في (ر): (بقدره). (¬9) في (ت): (لا يتعذر). (¬10) في (ت): (رضي).

فصل [في حفر الآبار وما يجوز فيه]

عوضًا من الباقي لزم ذلك (¬1) الأجير؛ لأن بناء الأسفل أهون من بناء النصف الأعلى. وإن كان مقاطعة فقال: إن بنيته كاملًا كان لك أجر وإلا فلا شيء لك جاز كالمقاطعة على الخياطة، فإن بنى بعضًا (¬2) لم يستحق شيئًا إلا بتمامه، وإن انهدم لزمه أن يبنيه من أوله. والدلو والفأس والقفاف إن كانت إجارة على صاحب الدار، وإن كانت مقاطعة فعلى العامل إلا أن تكون العادة على صاحب الدار. فصل [في حفر الآبار وما يجوز فيه] حفر (¬3) الآبار يجوز (¬4) على ثلاثة أوجه: إجارة، ومقاطعة، وجعالة، فالإجارة والمقاطعة يلزمان بالعقد ويَجوزان فيما يملك من الأرض وفيما لا يملك، والجعالة لا تلزم بالعقد، والمجعول له بالخيار بعد العمل على المشهور من المذهب، ويجوز (¬5) فيما لا يملك من الأرض. واختلف هل يجوز (¬6) فيما يملك؟ وأجاز ابن القاسم الجعالة على الغراسة فيما يملك والحفر مثله يجوز على هذا (¬7). والإجارة على حفر الآبار (¬8) تختلف باختلاف الأرض من الشدة واللين ¬

_ (¬1) قوله: (ذلك) ساقط من (ف). (¬2) في (ف): (بعضها). (¬3) في (ف): (حفير). (¬4) قوله: (يجوز) ساقط من (ت). (¬5) في (ف): (وتجوز). (¬6) في (ف): (تجوز). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 87. (¬8) في (ر): (البئر).

وبُعد الماء (¬1) والمعرفة بذلك والجهل به، فإن كان المستأجر والأجير عالم بصفة الأرض وبُعد الماء (¬2) جازت الإجارة على الإطلاق من غير شرط، فإن قال: أستأجرك على أن تحفر لي بئرًا في هذه الأرض ولم يزد على ذلك جاز، إلا أن تختلف العادة في سعته فيذكر (¬3) السعة. وإن كانا عالمين بصفة الأرض ويختلف بُعْد الماء لم يجز إلا مزارعة. وإن اختلفت صفة الأرض دون (¬4) بُعْد الماء جاز إذا سموا للشديدة (¬5) أجرة وللرخوة أجرة، فما حفر من كل صنف كان له بحسابه. وكذلك إن اختلف الوجهان: صفة الأرض، وبعد الماء (¬6)، كانت الإجارة مزارعة حسب ما تقدم. وإن حفر على الجعل فلما تمَّ انهار كل ما حفر (¬7) كان للحافر جعله، وإن انهار قبل تمامه لم يكن له شيء. وإن حفر البعض ثم ترك لم يكن له شيء، فإن جعل فيه الجاعل (¬8) لآخر جعلًا فأتمه كان للأول أن يرجع (¬9) على من جعله بقيمة (¬10) عمله يوم أتمه الثاني، وسواء كانت القيمة الآن مثل جميع المسمى أو أقل أو أكثر. وهو (¬11) ¬

_ (¬1) في (ف): (المياه). (¬2) (في): (المياه). (¬3) (ف): (فتذكر). (¬4) في (ر): (و). (¬5) في (ف): اللشديد). (¬6) قوله: (جاز إذا سموا. . . وبعد الماء) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (كل ما حفر) زيادة من (ف). (¬8) قوله: (الجاعل) ساقط من (ر). (¬9) قوله: (أن يرجع) ساقط من (ر). (¬10) في (ر): (أجر قيمة). (¬11) في (ف): (. . .).؟

فصل [في من استأجر أجيرين فمرض أحدهما]

قول مالك وابن كنانة (¬1). فإن حفر نصف البئر ثم ترك وكان الجعل الأول (¬2) عشرة دنانير وقيمته يوم تمّ ديناران (¬3) لم يكن له (¬4) إلا ذلك؛ لأن الجعل لم يكن في ذمة الجاعل، ولو هلك الحفار لم يكن له شيء. وإن غلت أجرته فصارت أجرة ذلك النصف يوم تم عشرة؛ أخذها لأن مصيبته منه فله نماؤه، وقد كان قول ابن (¬5) القاسم أن له قيمته يوم عمله فسألا مالكًا فقضى لابن كنانة (¬6). فصل (¬7) [في من استأجر أجيرين فمرض أحدهما] ومن استأجر رجلين يحفران له بئرًا فمرض أحدهما وحفر الآخر، كان للصحيح نصف الإجارة (¬8)، واختلف في نصف الإجارة (¬9)، فقال ابن القاسم: هو للمريض ويقال له: أرضِ صاحبك، فإن أبى لم يقض له بشيء (¬10). ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 437. (¬2) قوله: (الأول) ساقط من (ف). (¬3) في (ر): (دينار). (¬4) قوله: (له) ساقط من (ف). (¬5) في (ف): (القول لابن). (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 437. ولفظه: (وسألت ابن القاسم عن الرجل يجعل للرجل على حفر بئر، فيحفر فيها أذرعا، ثم يعجز عنها، ثم يحفرها آخر بعد ذلك حتى يخرج الماء، قال مالك: يكون للآخر جعله كله، ويكون للأول الجعل بقدر ما انتفع بحفره في البئر، ولقد كنت قلت أنا: يكون له قيمة ما عمل يوم عمل. وقال ابن كنانة: بل قيمة ما عمل اليوم، فدخلنا على مالك فقال: بل يعطى على قدر ما انتفع بحفره). (¬7) قوله: (فصل) يقابله في (ف): (بياض). (¬8) في (ف): (الأجرة). (¬9) في (ت) و (ر): (الآخر). (¬10) قوله: (ويقال له: أرض صاحبك، فإن أبى لم يقض له بشيء) ساقط من (ت) و (ف). وانظر المدونة: 3/ 460.

وقال سحنون: هو لصاحب البئر. فمحمل قول ابن القاسم على أن الإجارة كانت على الذمة، ومحمل قول سحنون على أنها على أعيانها، فإذا كانت على الذمة وحفر الصحيح في أول مرض صاحبه (¬1) صحَّ قول ابن القاسم أنه في حكم المتطوع؛ لأن المريض يقول: من الحق فيما بيني وبينك أن تصبر لأحفر معك (¬2)، فإن حفر بعد أن طال المرض كان له أن يرجع على صاحبه بالأقل من إجارة مثله أو إجارة غيره ممن كان يعمل معه، فإن كانت إجارته أقل لم يكن له غير ذلك، وإن كانت إجارة غيره أقل لجودة صنعة الصحيح قال المريض: قد كان لي أن آتي بما (¬3) هو دون صنعتك ولم يكن لرب البئر علي مقال إذا كان لا عيب على (¬4) فيها، ولا مقال لرب البئر عليهما في ذلك قرب المرض أو طال؛ لأن عمله مضمون، وإنما عمله فيما بين الأجيرين. وإن كانت الإجارة على أعيانهما لم يستحق المريض على صاحب البئر عن حفر صاحبه أجرة، وسواء حفره (¬5) في أول المرض أو آخره، ثم يختلف فيما بين صاحب البئر وبن الصحيح هل يستحق قبله أجرة (¬6) على (¬7) ذلك العمل؟ وفيما بينه وبين المريض هل ينفسخ العقد أو يستعمله في موضع آخر؟ وفيما بين الأجيرين هل يغرم الصحيح للمريض أجرته؟ فأما فيما بي رب البئر ¬

_ (¬1) في (ر): (مرضه). (¬2) في (ر): (لنحفره معك). (¬3) في (ت) و (ر): (بمن). (¬4) في (ت) و (ر): (عليه). (¬5) في (ف): (حفر). (¬6) في (ر): (أجره). (¬7) في (ت) و (ر): (عن).

والصحيح، فقال سحنون: لا شيء له (¬1) عليه. وقال أصبغ في "كتاب ابن حبيب" في من خاط ثوب رجل أو حصد زرعه أو سقى شجره ولم يستأجره، ثم طلب أجره، فإن كان الذي عمل له لابد له من الاستئجار عليه كان له أجره فقد كان هذا محتاجًا إلى ذلك (¬2) ومستأجرًا (¬3) عليه (¬4) فيكون له على قوله إجارته (¬5). وأما فيما بين رب البئر والمريض فإن كان خلف ذلك لا يتعذر أخلف له موضعًا يحفر له مثله؛ لأن المستأجر له لا يتعّين، وإن كان يتعذر خلفه انفسخ العقد فيما بينهما، ثم يعود المقال فيما بين الأجيرين: فإن حفر الصحيح بعد طول المرض لم يكن للمريض على صاحبه مقال؛ لأنه لم يكن عليه الصبر (¬6) ليصح، وإن كان حفره في أول المرض كان للمريض أن يغرمه المسمى، وللصحيح أن يؤاجره أو (¬7) يستعمله في مثل ذلك العمل (¬8)، وهو بمنزلة من باع سلعة فحال رجل بين البائع وبين دفعها وقبض الثمن حتى (¬9) غاب المشتري أو افتقر أو أشهد أنه أقاله منها ثم رجع عن الشهادة فإن للبائع في جميع ذلك أن يرجع بالثمن على من أبطله عليه ويسلم إليه المبيع، وإن ¬

_ (¬1) قوله: (له) ساقط من (ر) و (ف). (¬2) في (ر): (إليه). (¬3) في (ت): (واستأجره). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 51. (¬5) قوله: (فقد كان هذا. . . إجارته) ساقط من (ف). (¬6) في (ت) و (ف): (أن يصبر). (¬7) في (ت): (أن). (¬8) قوله: (العمل) زيادة من (ف). (¬9) في (ف): (حين).

فصل [في القضاء في تقديم الإجارة وتأخيرها]

أحب ترك القيام وبقيت منافعه له (¬1). فصل [في القضاء في تقديم الإجارة وتأخيرها] وقال ابن القاسم في الخياط وغيره من العمال: يستأجره ولا يشترط نقدًا ولا تأخيرًا (¬2)، يحملون على سنتهم فإن لم تكن لهم (¬3) سنة فلا شيء له حتى يفرغ من العمل (¬4). وإن خاط نصف الثوب لم يكن له شيء حتى يفرغ منه (¬5). وقال مالك في "العتبية": كل شيء اشترط عمله (¬6) بيده فطلب تقديم أجره (¬7) فليس ذلك له (¬8) حتى يبدأ في عمله فيقدم له أجره حينئذ (¬9). واختلف إذا ضاع الثوب بعد أن (¬10) تمَّ العمل، فقال ابن القاسم: لا أجر له إن ضاع (¬11). فعلى قول (¬12) هذا لا يستحق بخياطة بعضه شيئًا. وقال محمد: له الأجر إن ضاع (¬13). فعلى قوله يكون له من الأجر بقدر ما عمل إلا أن يكون مقاطعة فلا شيء له حتى يفرغ؛ لأنه لو (¬14) هلك بعد أن عمل بعضه لم يكن له شيء. ¬

_ (¬1) قوله: (له) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (ولا تأخيرًا) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (لهم) ساقط من (ر). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 458. (¬5) قوله: (منه) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (عمله) ساقط من (ر). (¬7) في (ت): (أجرته). (¬8) قوله: (له) ساقط من (ر). (¬9) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 409. (¬10) قوله: (بعد أن) يقابله في (ف): (ثم إن). (¬11) قوله: (إن ضاع) ساقط من (ر). انظر: النوادر والزيادات: 7/ 70. (¬12) قوله: (قول) ساقط من (ر) و (ف). (¬13) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 70. (¬14) قوله: (لو) ساقط من (ت).

باب في الدعوى في الإجارة

باب في (¬1) الدعوى في الإجارة وقد تضمن هذا الرسم من الكتاب خمسة أسئلة: أحدها: أن يقر صاحب الثوب للصانع أنه سلطه على العمل ويقول: عملته باطلًا. والثاني: أن يقر له (¬2) بوضع يده عليه (¬3) دون العمل فيقول: استودعتك، ويقول الآخر: استعملتني (¬4). والثالث: أن يقول: لم أضع يدك عليه وقد سرق مني. ويقول الآخر: استصنعتني. والرابع: أن يقر له (¬5) بوضع اليد وبالعمل (¬6) ويخالفه في الشيء الذي يعمل (¬7). والخامس: أن يتفقا في العمل ويختلفا (¬8) في قدر الأجرة. فإن اتفقا على (¬9) الإذن في العمل وقال: عملته لي باطلًا كان القول قول ¬

_ (¬1) قوله: (في) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (له) ساقط من (ر) (ف). (¬3) قوله: (عليه) ساقط من (ر) (ف). (¬4) في (ف): (استعملني). (¬5) قوله: (له) ساقط من (ر). (¬6) في (ر): (العمل). (¬7) في (ف): (يعمله). (¬8) قوله: (ويختلفا) ساقط من (ر). (¬9) في (ر): (في).

الصانع أنه لم يهبه. قال ابن القاسم: يحلف (¬1) ويأخذ المسمى (¬2). وقال غيره: له الأقل من المسمى أو إجارة المثل، فإن كان المسمى أقل حلف الصانع وحده واستحق المسمى، وإذا كانت إجارة المثل أقل حلف (¬3) الصانع أنه لم يعمله (¬4) باطلًا، وحلف الاخر أنه لم يستأجره بتلك التسمية وغرم إجارة المثل (¬5). وهذا إذا كان بينهما ما يشبه أن يعمل له باطلًا، فإن لم يكن أخذ المسمى إن كان أقل بغير يمين، وإن كانت إجارة المثل أقل حلف صاحب الثوب (¬6) وحده ودفع إجارة المثل، فإن نكل حلف الصانع وأخذ المسمى. وهذا إذا اختلفا بعد أن سلمه، فإن لم (¬7) يسلمه حلف الصانع وحده على التسمية وأخذها (¬8) قولًا واحدًا إذا أتى بما يشبه؛ لأنه لو أقرَّ أنه استأجره بثمانية. وقال الآخر: بعشرة، كان القول قول الصناع إذا كان الثوب في يده فهو إذا قال: باطل، أبين (¬9) أن يكون القول قول الصانع (¬10). واختلف إذا قال: أودعتك، وقال الآخر: استعملتني (¬11). فقال مالك: القول قول الصانع، قال: ولو أجاز (¬12) هذا الناس لذهب ما يعملون باطلًا، ¬

_ (¬1) قوله: (يحلف) ساقط من (ر). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 461. (¬3) قوله (الصانع وحده. . . المثل أقل حلف) ساقط من (ت). (¬4) في (ت) و (ر): (يعمل). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 461. (¬6) قوله: (صاحب الثوب) ساقط من (ف). (¬7) في (ر): (وأما قبل أن). (¬8) في (ت) و (ر): (فيأخذها). (¬9) قوله: (أبين) ساقط من (ر). (¬10) قوله: (قول الصانع) يقابله في (ف): (للصانع). (¬11) في (ف): (استعملني). (¬12) في (ف): (جاز).

وقال غيره: العامل مدع (¬1). يريد (¬2) أنه يكون على حكم المتعدي؛ لأنه لم يفرط، وأصل سحنون أن القول قول الصانع (¬3) في طرح العداء، والقول قول الآخر في طرح التسمية ويكونان شريكين. والأول أحسن؛ لأن الغالب فيما يدفع إليهم أنه للاستصناع، والإيدل نادر، والنادر لا حكم له. وهذا الاختلاف إذا أراد التضمين. فأما إذا أخذ ثوبه وكانت (¬4) إجارة المثل مثل المسمى فأكثر أخذه ودفع المسمى ولا أيمان بينهما، وإن كانت إجارة المثل أقل من المسمى كان فيها قولان: فقول (¬5) مالك: يحلف الصانع ويأخذ المسمى (¬6). وعلى قول غيره يحلف صاحب الثوب ويدفع (¬7) إجارة المثل (¬8). واختلف إذا قال: سرق مني، وقال الآخر: استعملتني، فقال ابن القاسم: يتحالفان ثم يقال لصاحب الثوب: إن أحببت (¬9) فادفع (¬10) الأجرة وخذ متاعًا، فإن أبى قيل للعامل: ادفع قيمته غير معمول، فإن أبى كانا شريكين (¬11). وقال غيره: العامل مدع (¬12)، ويضمن قيمة الثوب؛ لأن القول قول صاحب الثوب أنه لم يستعمله والصانع مقرّ أنه عمله وهو عالم أنه له، ففارق من عمل ما (¬13) اشتراه و (¬14) استحق لأنه غير عالم. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 461. (¬2) قوله: (يريد) ساقط من (ر). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 12/ 389. (¬4) في (ر): (كانت). (¬5) في (ف): (فقال). (¬6) انظر: المدونة: 3/ 461. (¬7) في (ف): (يكلف). (¬8) انظر: المدونة: 3/ 461. (¬9) في (ر): (شئت). (¬10) في (ف): (ادفع). (¬11) نظر: المدونة: 3/ 462. (¬12) انظر: المدونة: 3/ 462. (¬13) في (ت): (و). (¬14) في (ر): (ثم).

فصل [فى من استاجر حجاما يقلع له ضرسا]

وأرى أن يبدأ بصاحب الثوب قبل الأيمان فيقال (¬1) له: أتحب أن تأخذ متاعك أو تضمن؟ فإن قال: أنا (¬2) آخذ، نظر إلى قيمة الصنعة، فإن كانت مثل المسمى الذي ادعى الصانع فأكثر قيل له: لا فائدة في مناكرتك فادفع المسمى وخذ مشاعك من غير يمين على (¬3) واحد منكما، وإن كانت إجارة المثل أقل حلف صاحب المتاع وحده فدفع إجارة المثل وأخذ متاعه، فإن نكل حلف الصانع وأخذ المسمى. وإن قال صاحب المتاع (¬4) (¬5): أنا أضمنه (¬6)، دخل الخلاف المتقدم. وقول ابن القاسم أحسن؛ لأن اختلافهما شبهة. وإن قال: سرقته (¬7) مني، وقال الآخر: استعملتني (¬8) فيه (¬9)، فإن كان ممن تشبهه (¬10) السرقة وهو صانع منتصب كان الجواب كالأول، الشبهة قائمة ويجري الخلاف المتقدم، وإن كان مثله لا يشبه ذلك (¬11) كان القول قول الصانع، وعوقب صاحب المتاع. فصل [فى من استاجر حجامًا يقلع له ضرسًا] واختلف الناس (¬12) في من استأجر حجامًا يقلع له ضرسًا فلما قلعه قال: لم آمرك بهذا (¬13)، وإنما أمرتك بالذي يليه، فقال ابن القاسم: القول قول ¬

_ (¬1) في (ف): (يقال). (¬2) قوله: (أنا) ساقط من (ر). (¬3) زاد في (. . . .): (كل). (¬4) في (ف): (الثوب). (¬5) قوله: (صاحب المتاع) ساقط من (ر). (¬6) في (ر): (أضمن). (¬7) في (ف): (سرقه). (¬8) في (ف): (استعملني). (¬9) قوله: (فيه) ساقط من (ف). (¬10) في (ت) و (ف): (تشبه). (¬11) في (ت): (السرقة). (¬12) قوله: (الناس) ساقط من (ت). (¬13) قوله: (بهذا) ساقط من (ف).

فصل [في رجل لت سويقا بسمن]

الحجام وله المسمى؛ لأن الآخر يعلم ما يقلع منه (¬1). وقال غيره: الحجام مدع (¬2). ومحمل الاختلاف إذا كانت المقلوعة والتي بقيت معتلتين فيكون كل واحد منهما قد أتى بما يشبه. فأمَّا إذا (¬3) كانت الباقية (¬4) سالمة فإن القول قول الحجام؛ لأن الآخر أتى بما لا يشبه وإنما أراد إسقاط الأجرة، فإن كانت المقلوعة سالمة يتبين ذلك فيها وفي موضعها، والباقية معتلة، كان القول قول المقلوعة ضرسه؛ لأن الآخر (¬5) أتى بما لا يشبه، فيحلف المقلوع ضرسه (¬6) لإمكان أن يكون غلط فيما (¬7) أراه لمقاربة الألم ويستحق دية (¬8) ضرسه ويقلع الأخرى (¬9) إلا أن يكون في الباقية دليل لفسادها (¬10) واسودادها وصفاء المقلوعة فلا يكون على صاحب الضرس يمين. فصل [في رجل لتَّ سويقًا بسمن] وقال ابن القاسم في رجل لتّ سويقًا بسمن وقال لصاحبه: أمرتني أن ألته بسمن (¬11) بعشرة دراهم وقال الآخر: لم آمرك بشيء (¬12)، يقال لصاحب السويق: إن شئت فاغرم عشرة دراهم وخذه، فإن أبى قيل للآخر: اغرم له مثل سويقه غير ملتوت وخذ هذا الملتوت، فإن أبى سلمه ولم يكن له شيء؛ ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 463. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 463. (¬3) في (ت) و (ف): (إن). (¬4) في (ر): (الثانية). (¬5) في (ت): (الأجير). (¬6) قوله: (فيحلف المقلوع ضرسه) ساقط من (ف). (¬7) في (ف): (فيها). (¬8) في (ر) و (ف): (دواء). (¬9) في (ت) و (ر): (الآخر). (¬10) في (ر): (بفسادها). (¬11) قوله: (بسمن) ساقط من (ر) و (ف) (¬12) قوله: (بشيء) ساقط من (ف).

لأن الطعام يوجد مثله فلا تكون (¬1) فيه شركة (¬2). وقال غيره: إن أبى صاحب السويق أن يعطيه ما لتّ (¬3) به كان على اللاتّ (¬4) أن يغرم له مثل سويقه غير ملتوت (¬5). ومحمل المسألة على أن ربه قال: سرق مني (¬6). فرأى ابن القاسم الاختلاف شبهة (¬7) فلا يكون على حكم المتعدي. وجعله غيره متعديًا فيحلف صاحبه ويغرم مثله جبرًا (¬8). والأول أحسن أن ذلك أشبه (¬9) مع أنه من أهل الصنعة (¬10). وأرى إن أخذه صاحبه ودفع الأجرة أن يباع ويشترى من ثمنه مثل سويقه فإن بقي مثل الأجرة فأقل أمسكه، فإن فضل أكثر وقف الفضل للآخر (¬11)، ولا يجوز أن يمسك السويق فيكون على قوله قد سلم سويقًا غير ملتوت ودراهم والأجرة بسويق ملتوت (¬12). وكذلك إذا حلف صاحبه فنكل اللتات (¬13) يباع هذا ويشترى من ثمنه سويقًا غير ملتوت (¬14)، فإن فضل منه مثل أجرته كان له، وإن فضل أكثر من ¬

_ (¬1) في (ت) و (ر): (يكون). (¬2) في (ر): (فلا يكون شريكه). وانظر: المدونة: 3/ 463. (¬3) في (ف): (لته). (¬4) في (ت): (اللتات). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 463. (¬6) في (ت) و (ر): (منه). (¬7) في (ت) و (ر): (بشبهة). (¬8) قوله: (جبرًا) ساقط من (ر) و (ف). (¬9) في (ت) و (ر): (شبهة). (¬10) في (ر): (التهمة). (¬11) في (ت): (الأجير)، وفي (ف): (للأجير). (¬12) قوله: (ودراهم وهي الأجرة بسويق ملتوت) ساقط من (ر). (¬13) في (ر): (اللات). (¬14) قوله: (وكذلك إذا حلف. . . غير ملتوت) ساقط من (ف).

الأجرة وقف الزائد إلا أن يقول (¬1) اللتات (¬2): هذا السويق (¬3) صنعته (¬4) كالأبزار في اللحم، والزيت في الإسفنجة فيجوز لمن صار إليه منهما (¬5) أن يحبسه ولا يبيعه. وإن قال: استأجرتك على (¬6) لتاته (¬7) بخمسة، وقال الآخر: بعشرة ولم تعمل فيه إلا ما شارطتك عليه. أو (¬8) قال: عملت فيه بعشرة ولم آمرك إلا بخمسة (¬9)، كان القول قول اللاتّ مع يمينه أنه أمره بعشرة وأنه (¬10) فعل ما أمره به. فإن نكل حلف الآخر أنه لم يأمره إلا بخمسة ودفع خمسة وأخذه، فإن صدقه أنه عمل فيه بعشرة كان بالخيار بين أن يغرم عشرة ويأخذ، أو يحلف أنه لم يأمره إلا بخمسة ويغرمه مثله إلا أن يرضى الصانع أن يسلمه ويأخذ خمسة. وإن قال صاحبه: قد كان لي فيه سمن بخمسة وأنكره الآخر، فإن كان سلمه إليه ولته في غيبته حلف اللات أنه لم يكن فيه شيء وأخذ عشرة، وإن لم يسلمه أو أسلمه (¬11) ولم يغب عليه حلف صاحبه أنه كان له فيه سمن مثل ما يقول وأنه لم يستأجره إلا بخمسة وأخذه. وكذلك إن استأجره على صباغ ثوب، فقال: استأجرتك بخمسة. وقال الآخر. بعشرة، وأتى بما يشبه. وقال صاحبه (¬12): هذه الصفة التي وافقتك (¬13) عليها (¬14) بخمسة، أو قال: بعشرة (¬15) دون ذلك الصبغ وأنت صبغت ما يساوي (¬16) عشرة، فحلف الصباغ أو نكل أو قال صاحبه: كان لي فيه صبغ بخمسة وقد غاب عليه الصباغ أو لم يغب؛ ¬

_ (¬1) في (ت) و (ف): (يقول إن). (¬2) في (ر): (اللات). (¬3) قوله: (هذا السويق) يقابله في (ف): (وهو السمن)، وفي (ت): (هذا السمن). (¬4) في (ت) و (ف): (صنعة). (¬5) قوله: (إليه منهما) ساقط من (ر). (¬6) في (ت) و (ر): (على أن). (¬7) في (ت): (تلته). (¬8) في (ت): (و). (¬9) قوله: (وقال الآخر. . . إلا بخمسة) ساقط من (ف). (¬10) في (ف): (إن). (¬11) في (ف): (سلمه). (¬12) في (ف): (صاحب). (¬13) في (ر) و (ف): (وافقته). (¬14) قوله: (عليها) ساقط من (ف). (¬15) قوله: (بعشرة) ساقط من (ف). (¬16) في (ت) و (ر): (يسوي).

فصل [في اليتيم يؤاجر سنين، ثم يحتلم قبل ذلك]

فالجواب على (¬1) جميع ذلك على ما تقدم في اللتات (¬2). فإن قال: الثوب الذي دفعته إليك (¬3) غير هذا وهذا دون متاعي حلف الصباغ أن هذا هو (¬4) الذي قبض منه وأنه استأجره صاحب الثوب (¬5) عليه (¬6) بعشرة إذا أتى بما يشبه في الصبغ وأخذ عشرة ولا ضمان عليه. وإن نكل حلف صاحب الثوب أن صفة الثوب الذي كنت دفعت إليك كان على ما حلف عليه ويغرمه قيمته وتنفسخ الأجرة فيه إذا كان يتعذر خلفه. فصل [في اليتيم يؤاجر سنين، ثم يحتلم قبل ذلك] وقال ابن القاسم: إذا آجر (¬7) الوصي يتيمه ثلاث سنين وهو يرى أنه لا يحتلم دون ذلك فاحتلم ورشد، كان له أن يفسخ الإجارة عن نفسه (¬8) إلا أن يكون الباقي (¬9) يسيرا الأيام أو الأشهر. وإن آجر عبده أو أرضه أو دابته ثلاث سنين وهو يرى أنه لا يحتلم دون ذلك فاحتلم ورشد لزمه ذلك (¬10). وقال غيره: لا يلزم اليتيم من ذلك إلا ما قلّ (¬11). وهو أبين إلا أن يكون فعل الوصي ذلك لأنه احتاج إلى الإنفاق عليه في زمن إن لم يفعل باع تلك الأرض أو الدار فيلزم وإن كثر قال ابن القاسم: وكذلك الأب في ولده لا (¬12) يؤاجر أرضه أو ماله السنين الكثيرة الذي يعلم أن المولود يحتلم قبل انقضائها. ¬

_ (¬1) في (ف): (عن). (¬2) في (ف): (الثياب). (¬3) قوله: (إليك) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (هو) ساقط من (ر) و (ف). (¬5) قوله: (صاحب الثوب) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (صاحب الثوب عليه) ساقط من (ر). (¬7) في (ف): (واجر). (¬8) قوله: (عن نفسه) ساقط من (ف). (¬9) قوله: (الباقي) ساقط من (ف). (¬10) انظر: المدونة: 3/ 465. (¬11) انظر: المدونة: 3/ 465. (¬12) قوله: (لا) ساقط من (ف).

باب الجعل على الآبق أو جماعة العبيد، وفي الحكم في الجعل إذا كان معينا أو مضمونا

باب الجعل (¬1) على الآبق أو (¬2) جماعة العبيد، وفي الحكم في الجعل إذا كان معينًا أو مضمونًا الجعل على الآبق جائز، علم المجعول له بموضعه (¬3) أو جهله، كان ممن يعرفه قبل ذلك أم لا، ويجوز أيضًا مع جهل السيد بمن يطلبه. فقال ابن القاسم في "العتبية": إذا قال: من جاءني بعبدي الآبق (¬4) فله عشرة دنانير. فجاءه به من سمعه فله عشرة دنانير، وسواء كان ذلك (¬5) من شأنه أم لا، وإن جاء به (¬6) من لم يسمعه لم يكن له شيء، إلا أن يكون ذلك شأنه فله جعل مثله (¬7). وقال ابن حبيب: من طلبه بعد قول سيده فالجعل له ثابت وإن لم يعلم بالجعل ولا كان ذلك شأنه. وهو أحسن إذا قال: عملت (¬8) على الجعل ولم أتطوع، ويكون له الأقل من جعل مثله أو ما جعل فيه سيده. وإن جاء به من ذلك شأنه وقد علم بقول (¬9) سيده. وقال: لم أعمل على تلك التسمية - لأن لي طلب مثل ذلك من غير قول سيده، وإنما أفادني قول سيده المعرفة أن قد ذهب له عبد- حلف على ذلك وكان له جعل مثله (¬10) إذا كان أكثر من ذلك (¬11) المسمى. ¬

_ (¬1) في (ت) و (ف): (الجعالة). (¬2) في (ت): (و). (¬3) قوله: (علم المجعول له بموضعه) يقابله في (ف): (على المجعول له علم بموضعه). (¬4) قوله: (بعبدي الآبق) يقابله في (ف): (بعبد آبق). (¬5) قوله: (ذلك) ساقط من (ف). (¬6) في (ت) و (ر): (جاءه). (¬7) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 462. (¬8) في (ت): (علمت). (¬9) قوله: (بقول) ساقط من (ت). (¬10) في (ر): (جعله). (¬11) قوله: (ذلك) زيادة من (ف).

فصل [في الغرر في ثمن الجعل]

واختلف إذا طلبه من علم موضعه ثم أتى سيده. فقال: اجعل لي جعلًا (¬1) هل يكون له شيء؟ فقال ابن حبيب: إنما يكون له (¬2) الجعل على الجهل من المجعول له بموضعه، فأما من علم موضعه ثم أتى سيده فقال: اجعل لي في عبدك الآبق أو متاعك الذاهب، وأنا آتيك به أو أدلك عليه فجعل له فلا شيء له (¬3)؛ لأنه واجب عليه أن يدل صاحبه عليه أو يرده إن وجده. وقال ابن القاسم في "العتبية" يعطى قدر عنائه فيه (¬4) إلى ذلك الموضع (¬5). وهذا أحسن (¬6) إذا كان صاحبه لا يخرج ليأتي به، وإن كان لو علم موضعه لخرج بنفسه أو ولده أو خديمه (¬7) فلا شيء له. فصل [في الغرر في ثمن الجعل] ولا يجوز الغرر في ثمن الجعل وإن (¬8) كان العمل مجهولًا؛ لأن الغرر في العمل مما تدعو إليه الضرورة، ولا ضرورة في الغرر في الثمن. والجعل على وجهين: مضمون، ومعّين، فإن كان مضموثًا موصوفًا (¬9) عينًا أو عرضًا أو ¬

_ (¬1) قوله: (ثم أتى سيده. فقال: اجعل لي جعلًا) ساقط من (ر) و (ف). (¬2) قوله: (له) زيادة من (ف). (¬3) وجدت القول منسوبًا لابن القاسم، انظر: البيان والتحصيل: 8/ 470، بلفظ "سئل ابن القاسم عن الرجل يعلم موضع دابة رجل ضالة، فيقول: اجعل لي فيها كذا وكذا وآتيك بها، ولم يخبره علمه بمكانها، فجعل له جعلا فأخبره قال: لا ينبغي ذلك، وإنما ذلك في المجهول، ولا أراه يثبت له هذا الجعل، ولا ينبغي له أن يكتمه موضعها، وأرى أن يعطى قيمة عنائه إلى ذلك الموضع إن جاء بها، ولا جعل له". (¬4) قوله: (فيه) ساقط من (ف). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 470. (¬6) في (ف): (حسن). (¬7) قوله: (أو خديمه) ساقط من (ف). (¬8) في (ف): (وإذا). (¬9) قوله: (موصوفا) ساقط من (ف).

مكيلًا أو موزونًا، جاز وإن لم يضربا أجلًا، والأجل وصوله بالآبق (¬1) فيستحق الجعل ولا يجوز ضرب الأجل؛ لأنه لا يدري هل يحل الأجل قبل وجوده فلا يجوز له قبضه. وإن جعلا مبتدأ الأجل بعد (¬2) وجوده فقال: إن أتيت به فلك بعد ذلك دينار تقبضه إلى شهر أو شهرين جاز. وإن كان الجعل معينًا وهو عين لم يجز، و (¬3) للجاعل أن ينتفع به ويغرم المثل إذا أتى بالعبد، وإن كان ثوبًا أو مكيلًا أو موزونًا لا يخشى تغيّره فيما بينه وبين وجود الآبق جاز ويوقف (¬4)، وإن كان يخشى تغيره كالدابة وغيرها من الحيوان لم يجز. والنفقة على الآبق داخلة في الجعل، قال مالك في "العتبية": وإن جاء به وقد أنفق عليه فالنفقة من (¬5) الذي جاء به وله الجعل فقط (¬6). وإن قال: إن جئتني به فلك نصفه لم يجز. وقال ابن القاسم: لأنه لا يدري كيف يجده أقطع أو أعور أو غير ذلك فإن عمل على ذلك (¬7) وجاء به كان له إجارة مثله، فإن لم يأت به فلا جعل له (¬8). وقال في "كتاب محمد" في من جعل في آبق أو اقتضاء (¬9) دين جعلا فإن لم يجده أو لم يقبض الدين (¬10) فله نفقته كان فاسدًا، فإن وجده أو اقتضى (¬11) فله جعل مثله وإلا فلا شيء له (¬12). وقال في "العتبية": إن لم يجده فله أجر مثله (¬13). فرده (¬14) إلى الإجارة الفاسدة لما ¬

_ (¬1) في (ر): (بالأجل). (¬2) في (ت) و (ر): (قبل). (¬3) قوله: (و) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (ويوقف) ساقط من (ف). (¬5) في (ر): (على). (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 417. (¬7) قوله: (فإن عمل على ذلك) زيادة من (ف). (¬8) انظر: المدونة: 3/ 468. (¬9) في (ت): (اقتضى). (¬10) في (ر): (يقبضه). (¬11) قوله: (أو اقتضى) ساقط من (ر)، وفي (ف): (أو اقتضاه). (¬12) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 25. (¬13) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 427. (¬14) في (ف): (فرد).

فصل [في من أبق له عبد فجعل فيه جعلين لرجلين]

جعل له شيئًا ثابتًا على كل حال، وجده أو لم يجده. ورده في القول الآخر إلى الجعل الفاسد (¬1) وأن لا شيء له إن لم يجده. يريد إذا كانت النفقة يسيرة في جنب الجعل فجعل الحكم للغالب. فصل [في من أبق له عبد فجعل فيه جعلين لرجلين] وقال ابن القاسم في من أبق له عبد فجعل فيه (¬2) (¬3) جعلين لرجلين، لواحد عشرة ولآخر خمسة فأتيا به: فالعشرة بينهما أثلاثًا (¬4). وقال ابن نافع: لكل واحد منهما (¬5) نصف ما جعل له؛ لأن كل واحد منهما أتى بنصفه (¬6). وهو أحسن ولا وجه للأول. واختلف إذا جعل لرجل في عبدين أبقا له عشرة دنانير فأتى بأحدهما. فقال ابن القاسم: الجعل فاسد وله فيه بقدر عنائه وطلبه (¬7). وقال ابن نافع: له نصف العشرة (¬8). وقال أشهب في "كتاب محمد": تقسم العشرة على قدر ¬

_ (¬1) قوله: (لما جعل له. . . الجعل الفاسد) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (عبد فجعل فيه) ساقط من (ف). (¬3) في (ت): (جعل في آبق). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 469. (¬5) قوله: (منهما) ساقط من (ف). (¬6) انظر: المدونة: 3/ 469. (¬7) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 462، بلفظ "وسألت ابن القاسم عن الرجل يقول: من جاءني بعبديَّ الآبقين، فله عشرة دنانير، فيؤتى بأحدهما. قال ابن القاسم: لا أحب هذا الجعل حتى يجعل في كل واحد منهما جعلا معروفا. قلت: فإذا وقع؟ قال: إذا وقع وكانت أثمانهما سواء رأيت له نصف العشرف وإن اختلفت أثمانهما كان له من العشرة بقدر ثمن الذي جاء به من ثمن صاحبه؛ لأنه إذا جاء بأدناهما ثمنا، قال صاحبه: لم أكن أرضى أن أجعل في هذا خمسة دنانير، وإنما ثمنه عشرة". (¬8) انظر. المدونة: 3/ 468.

قيمتهما فيعطى منها بقدر قيمته من قيمة صاحبه (¬1). يريد: يوم أبق؛ لأن الجعل إنما (¬2) يلزم (¬3) على ما يعرف منه يوم أبق ليس يوم يوجد؛ لأنه لا يعرف على أي صفة يجده. وقول ابن القاسم أبين؛ لأنههما لم يدخلا على أن الجعل على العدد ولا على القيم، ولو جعلاه على العدد جاز وكان له خمسة كما قال ابن نافع، أو على القيم يفض (¬4) على قيمته كما قال أشهب، وهو ها هنا أخف من جمع السلعتين إلا أن يقول على القيم يوم الوجود فيفسد قولًا واحدًا. وإن سمى لكل عبد (¬5) جعلًا مختلفًا على قدر قيمته من قيمة صاحبه والمجعول له يعرفه جاز. واختلف إذا كان الجعل مختلفًا وهو لا يعرفهما (¬6) أو (¬7) سواء وهو يعرفهم أو يجهلهم (¬8) فأجاز في "كتاب محمد" أن يجعل في ناصح دينارًا وفي مرزوق نصف دينار أو ما أشبه ذلك وإن كان الطالب لا يعرفهم، ثم قال: لا (¬9) يجوز. وهو أحسن؛ لأن من شرط الجعل أن يكون معروفًا (¬10) فقد يقصد إلى طلب عبد في بلد ولا يدري هل هو (¬11) ناصح أو مرزوق؟ واستخف ذلك مرة؛ لأنه يدخل مثل ذلك بعد معرفته بهم فقد يدل على عبدٍ له في بلد أو يسمع به ولا يعرف أيهم هو فيجوز له أن يمضي لطلبه (¬12) قبل معرفته هل هو ناصح أو مرزوق؛ لأن هذه ضرورة، ولهذا أجاز في "كتاب محمد" أن يكون الجعل مختلفًا ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 19. (¬2) قوله: (إنما) ساقط من (ف). (¬3) في (ت) وفي (ف): (يبدل). (¬4) في (ف): (تفض). (¬5) في (ر): (واحد). (¬6) في (ف): (يعرفهم). (¬7) في (ر): (و). (¬8) قوله: (أو يجهلهم) ساقط من (ر). (¬9) في (ر): (فلا). (¬10) في (ت): (معلوما). (¬11) قوله: (أن يكون معروفا. . . ولا يدري هل هو) ساقط من (ف). (¬12) في (ف): (في طلبه).

فصل [فيما إذا هرب العبد من المجعول له أو استحق قبل أن يقبض الجعل]

من غير مراعاة (¬1) لقيمتهم هل هي سواء أو مختلفة (¬2)؟ واختلف إذا كان الجعل سواء وقيمتهم مختلفة (¬3)، فأجازه في "كتاب محمد" ومنعه في "العتبية" (¬4). فصل [فيما إذا هرب العبد من المجعول له أو استحق قبل أن يقبض الجعل] وإن (¬5) أتى المجعول له بالعبد ثم ذهب في بعض الطريق أو ليلة قدومه به (¬6) على سيده أيكن له شيء من الجعل ولا من نفقته عليه، فإن ترك العمل ثم جعل فيه سيده لآخر بعد أن عاد إلى موضعه الذي أخذ منه أو قريب منه لم يكن للأول شيء، فإن أخذه في الموضع الذي أوصله (¬7) الأول (¬8) إليه أو قريبًا منه وقد جعل الثاني (¬9) في طلبه من مثل ذلك الموضع الذي هرب منه للثاني، كان للأول بقدر ما انتفع به (¬10) سيده فإن جعل للآخر طلبه حيث وجده (¬11) قرب أو بعد وكان الجعل فيه الآن مثل الأول لم يكن للأول فيه شيء، وإن كان الثاني أقل لأنه لا يطلبه إلا في المواضع القريبة كان للأول (¬12) بقدر ما انتفع بطلبه (¬13). ¬

_ (¬1) في (ر): (مواعدة). (¬2) قوله: (هل هي سواء أو مختلفة) يقابله في (ف): (هل هم سواء أم يختلفوا). (¬3) في (ر): (مختلفًا من غير مواعدة). (¬4) في (ر): (في غيره) وفي (ف) (الواضحة). (¬5) في (ف): (وإذا). (¬6) قوله: (به) ساقط من (ف). (¬7) في (ت): (وصله). (¬8) قوله: (الأول) ساقط من (ف). (¬9) في (ف): (للثاني). (¬10) قوله: (به) ساقط من (ف). (¬11) في (ت) و (ف): (يجده). (¬12) قوله: (مثل الأول لم يكن للأول. . . المواضع القريبة كان للأول) ساقط من (ر). (¬13) في (ر): (من طلبه).

وقال ابن القاسم في "العتبية" وذكره محمد عنه في من جعل في عبد آبق له جعلًا فأتى به فاستحق قبل أن يقبض الجعل وقبل أن يقبضه ربه: فالجعل على الجاعل ولا شيء على المستحق (¬1). وقال محمد: يرجع الجاعل على مستحقه بجُعل مثله إلا أن يكون الذي جعل فيه أقل (¬2). وهو أبين إلا أن يكون المستحق ممن يطلبه بنفسه أو بغير ذلك بغير أجرة (¬3). وإن استحق بحرية كان الجعل على الجاعل ولا يرجع به (¬4) عليه ولا على أحد. ¬

_ (¬1) قوله: (شيء على المستحق) ساقط من (ر). والكلام وجدته منسوبا لأشهب، انظر: البيان والتحصيل: 8/ 514. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 514. (¬3) في (ت) و (ر): (أجره). (¬4) قوله: (به) زيادة من (ف).

باب في من استأجر أجيرا ليجذ نخله أو يحصد زرعه أو يحرك زيتونه بجزء منه

باب في من استأجر أجيرًا ليجذ نخله (¬1) أو يحصد زرعه أو يحرك (¬2) زيتونه بجزء منه (¬3) ومن "المدونه" قال ابن القاسم: و (¬4) إن قال: جذ نخلي أو احصد زرعي أو القط زيتوني ولك نصفه جاز (¬5). وإن قال: فما جذذت من شيء أو حصدت أو التقطت فلك نصفه جاز عند مالك (¬6). وقال غيره: لا يجوز (¬7). وإن قال: جذ اليوم أو احصد اليوم (¬8) أو القط فما جذذت أو حصدت أو لقطت (¬9) فلك نصفه لم يجز. قال مالك: لأنه لو قال: أبيعك ما ألقط اليوم بكذا (¬10) لم يكن له (¬11) فيه خير (¬12)، فإذا لم يجز أن يبيعه لم يجز أن يستأجر به ولا يجعله جعلًا؛ لأن الجعل لا يجوز في وقت إلا أن يقول متى شئت تركت فيجوز. فأجاز (¬13) الإجارة على نصف (¬14) جميعه بنصفه؛ لأن نصفه معلوم يجوز بيعه بالعين (¬15) وغيره فجاز أن يكون ثمنًا لحصاد نصفه، جازت الإجارة على البعض وإن كان لا يدري هل يحصد قليلًا أو كثيرًا؛ لأن الأجير عالم بما يبيع (¬16) به منافعه؛ لأنه كلما أراد أن يقطع عرجونًا أو يحصد موضعًا فإذا وضع يده عليه ليجذه علمه ¬

_ (¬1) في (ت): (نخلة). (¬2) في (ف): (يحوط). (¬3) قوله: (أو يحرك زيتونه بجزء منه) ساقط من (ت). (¬4) قوله: (قال ابن القاسم: و) ساقط من (ت) و (ف). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 469. (¬6) انظر: المدونة: 3/ 469. (¬7) انظر: المدونة: 3/ 469. (¬8) قوله: (اليوم) ساقط من (ت) و (ف). (¬9) قوله: (أو ألقطت) ساقط من (ر). (¬10) قوله: (بكذا) ساقط من (ف). (¬11) قوله: (له) ساقط من (ت) و (ف). (¬12) انظر: المدونة: 3/ 469. (¬13) (في (ر): (فإجازة). (¬14) في (ف): (نقص). (¬15) في (ف): (كالعين). (¬16) في (ر): (يبلغ).

حينئذ قبل أن (¬1) يجذه إذ يجذ (¬2) على علم أن له نصفه، وإن قال: احصد اليوم وأوجب عمل (¬3) جميع ذلك اليوم، كان الأجير كما قال غير عالم بما ينال (¬4) ذلك اليوم، فلم يجز أن يكون نصفه (¬5) ثمنًا لمنافعه. فإن قال: متى شئت تركت، عاد الجواب إلى ما تقدم إذا قال: فما حصدت من شيء فلك (¬6)، فأجازه مالك ومنعه غيره (¬7)؛ لأنه يختلف عنده إن جذ أو حصد كان جزؤه (¬8) نخلا (¬9) بخلاف من يستأجر على من يعمل يسيرًا وهو لا يدري هل يترك بعد عمل (¬10) يسير أو كثير (¬11)؟ وإن قال: احصده وادرسه ولك نصف ما يخرج لم يجز. وقال في "العتبية": إن قال: احصده وادرسه على النصف جاز (¬12). ففرق بين السؤالين؛ لأن قوله على نصف ما يخرج منه (¬13) يقتضي أن يحصد جميعه ويدرسه على ملك صاحبه ليكون له نصف ما يخرج وذلك مجهول. وإن قال: على النصف ولم يقل على (¬14) نصف ما يخرج منه (¬15) كان له النصف على هيئته الآن، وهو شريك يحصد النصف ويدرسه على ملكه وفارق من اشترى ثوبًا على أن يصبغه بائعه؛ لأن المشتري ها هنا هو المتولي لعمل ما اشتراه، وهو بمنزلة إذا كان المشتري (¬16) ¬

_ (¬1) قوله: (أن) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (إذ يجذ) يقابله في (ف): (أو يجذ). (¬3) في (ف): (علي). (¬4) في (ف): (قال). (¬5) قوله: (وإن قال: احصد اليوم. . . فلم يجز أن يكون نصفه) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (لك) ساقط من (ف). (¬7) انظر: المدونة: 3/ 469. (¬8) في (ر): (جدوده). (¬9) قوله: (نخلا) ساقط من (ف). (¬10) قوله: (يسيرًا وهو لا يدري هل يترك بعد عمل) ساقط من (ر). (¬11) قوله: (عمل يسير أو كثير) يقابله في (ف): (يعمل يسيرا أو كثيرا). (¬12) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 449. (¬13) قوله: (منه) ساقط من (ر) و (ف). (¬14) (قوله: (على) ساقط من (ت) و (ف). (¬15) قوله: (منه) ساقط من (ر). (¬16) قوله: (ها هنا هو المتولي لعمل. . . إذا كان المشتري) ساقط من (ف).

للثوب هو الذي يصبغه. وقال ابن القاسم في من قال: احصد زرعي على أن لك نصفه فحصده (¬1) أو بعضه، ثم أصابته جائحة (¬2) أو بعض ما يتلفه (¬3)، قال (¬4): ضمانه منهما جميعًا وعلى الأجير (¬5) إن لم يكن حصده كله أن يحصد مثل (¬6) ما بقي. وقال سحنون: عليه قيمة نصف الزرع وليس له (¬7) أن يحصد مثله (¬8). يريد: إذا كان تلفه قبل الحصاد وتعذر الخلف عنه. وإن قال: حرّك شجري فما سقط فلك نصفه لم يجز. ¬

_ (¬1) قوله: (فحصده) ساقط من (ر). (¬2) في (ت) و (ف): (نار فأحرقته). (¬3) في (ر): (يفعله) وفي (ف): (يبلغه). (¬4) في (ت) و (ف): (قيل). (¬5) في (ف): (الآخر). (¬6) قوله: (أن يحصد مثل) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (له) ساقط من (ت) ويقابله في (ف): (عليه). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 16.

باب في الجعل على الخصومة وعلى اقتضاء الديون

باب في الجعل (¬1) على الخصومة وعلى اقتضاء الديون اختلف عن مالك في الجعل على الخصومة، فروى ابن القاسم عنه أنه كرهه (¬2). وقال سحنون: وقد روي عنه أنه أجازه (¬3). والمعروف من قولهم في هذا الأصل المنع، وأن الجعل إنما يجوز فيما قلَّ ولم يشغل (¬4) العامل، وإن ترك قبل التمام لم ينتفع الجاعل. وفي الجعل على الخصومة وجهان: أحدهما: أنه يطول ويشغل العامل (¬5) ولا يدري متى تنقضي الخصومة، وإن ترك قبل التمام وبعد إقامة البينات أو إنفاد (¬6) الحجج انتفع الموكل. ويختلف إذا وكل آخر فأتم الخصومة هل يكون للأول بقدر ما انتفع الطالب من عمله؟ وقال مالك في "كتاب محمد": إذا كان (¬7) الجعل ثلث ما يقتضي من الدين ثم صالح بعد ذلك الطالب المطلوب (¬8) على أن أخذ (¬9) ثلثي الحق وأخَّرَ ثلثه (¬10)، وأراد الأجير (¬11) أن يأخذ ثلث ما أخذ ويكون على شرطه في الباقي (¬12). فقال ¬

_ (¬1) في (ر) و (ف): (الجعالة). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 27. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 471. (¬4) في (ف): (ولن ينتقل). (¬5) قوله: (العامل) ساقط من (ر) وفي (ف): (الخصومة). (¬6) في (ر): (ونفاد). (¬7) في (ف): (جعل). (¬8) في (ت) و (ر): (والمطلوب). (¬9) قوله: (إن أخذ) ساقط من (ر) وفي (ف): (أخذ). (¬10) قوله: (وأخر ثلثي) يقابله في (ف): (فأخذ ثلثا). (¬11) في (ر): (للأجير). (¬12) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 6، ولفظه: "ومن جعل لرجل في تقاضي دين ثلث ما يقتضى، ثم أخر الطالب غريمه بالثلث، وعجله الثلثين، فإن كان الآخر تقاضاه حتى فعل =

مالك: هو الذي اقتضى حين (¬1) جاءك به فصالحته؟ قال: نعم. قال مالك: أرى ذلك له (¬2) كما قال الأجير (¬3). قال محمد (¬4): ولو قال الأجير: لا أجيز تأخير (¬5) الحق كان (¬6) ذلك له أن يقتضيه (¬7) جميع ما بقي، حتى (¬8) يأخذ ثلثه إلا أن يرضى منه، وهو مثل ما لو أسقط صاحب الحق حقه كله (¬9). وأرى أن يكون الجواب مثل ذلك إذا كان الصلح بعد أن خاصم وإن لم يكن ذلك الطلب سببا للصلح (¬10)؛ لأنه بعد أن شرع في الخصومة ليس له أن يعزله عنها، فإن رضي الطالب بأن يدخل معه الوكيل بجزء له (¬11) فيما تعجل ويكون على حقه في المتأخر (¬12) وإلا رد الصلح وكان للوكيل أن يخاصم حتى يثبت الحق أو يسقط الأول (¬13) إلا أن يرى أنه لا يقدر على إثباته فلا يرد؛ لأن نقض (¬14) ذلك لصلح (¬15) ضرر على الطالب من غير منفعة للمجعول له. تمَّ كتابُ الجعلِ والإجارةِ بحمدِ اللهِ وعونه (¬16) ¬

_ = ذلك، فله ثلث ما قبض، وهو على شرطه ما لم يقبض". (¬1) في (ت) و (ر): (حتى). (¬2) قوله: (له) زيادة من (ف). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 227. (¬4) في (ف): (مالك). (¬5) في (ر): (تأخر) وفي (ف): (ما أجيز رب). (¬6) في (ف): (وبأن). (¬7) في (ف): (يقبضه). (¬8) في (ف): (حين). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 6. (¬10) قوله: (سببا للصلح) يقابله في (ت) و (ر): (سبب الصلح). (¬11) قوله: (له) ساقط من (ر) و (ف). (¬12) في (ف): (المستأجر). (¬13) قوله: (الأول) ساقط من (ت) و (ف). (¬14) في (ت): (بعض). (¬15) قوله: (نقض ذلك لصلح) يقابله في (ف): (بعض الصلح). وصوابه: (الصلح). (¬16) قوله: (كتاب الجعل والإجارة بحمد الله) يقابله في (ف): (كتاب الجعالة بحمد الله).

كتاب كراء الدور والأرضين

كتاب كراء الدور والأرضين النسخ المقابل عليها 1 - (ت) = نسخه تازه رقم (234 & 243) 2 - (ر) = نسخه الحمزاويه رقم (110)

باب فيمن اكترى دارا وفيها شجر واشترط ثمرتها

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليمًا كتاب كراء الدور والأرضين باب فيمن اكترى دارًا وفيها شجر واشترط ثمرتها (¬1) ومن "المدونه" قال مالك (¬2): ومن اكترى دارًا وفيها شجر فاشترط ثمرتها، فإن كانت طابت جاز ذلك قليلة كانت أو كثيرة (¬3)، وإن لم تطب جاز ذلك بأربعة شروط، وهي: أن تكون تبعًا للسكنى في القيمة، ويشترط جملتها، ويكون طيبها قبل انقضاء أمد الكراء، وكان قصده باشتراطها دفع المضرة في التصرف إليها جاز. وإن قال: أردت بذلك الرغبة فيها خاصة لم يجز. فمتى انخرم أحد هذه الشروط لم يجز. فمنع إذا لم تكن تبعًا؛ لأنها مقصودة في نفسها، ويمنع إذا استثنى البعض إذا لم تكن تبعًا (¬4)؛ لأن مضرة الدخول والتصرف باقية (¬5)، ويمنع إذا كان طيبها بعد انقضاء الوجيبة؛ لأن الثمرة (¬6) تأتي ولا كراء ¬

_ (¬1) من قوله: (باب فيمن. . . ثمرتها) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (ومن المدونة قال مالك) ساقط من (ر). (¬3) انظر المدونة: 3/ 511. (¬4) قوله: (إذا لم تكن تبعًا) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (والتصرف باقية) يقابله في (ر): (في التصرف إليها قائمة). (¬6) قوله: (لأن الثمرة) في (ر): (لأن المضرة).

له. فأما كونها تبعًا، بأن تكون قيمتها دون الثلث، ولا يجوز إذا كانت أكثر من الثلث. واختلف إذا كانت الثلث ولم تزد، فروى ابن القاسم عن مالك المنع (¬1)، وبلغه عنه الجواز. وقد أجيز الثلث، ولم يجعل في حيز الكثير مساقاة البياض مع الأصول (¬2)، وفي حلية السيف والمصحف أن يباع ما فيه من ذهب أو فضة، ولم ير أن ذلك من الربا لما يدخله من التفاضل. (¬3) وقياس قوله في الدار أن يمنع ذلك فيها ولا يبلغ به الثلث، ومما جعل الثلث فيه من حيز القليل، هبة ذات الزوج، ووصية المريض، فإنه لا مقال في ذلك للورثة، وإنما مقالهم فيما زاد على الثلث. ومما جعل الثلث فيه من حيز الكثير: الجوائح، وجناية الخطأ إذا بلغت الثلث حملتها العاقلة. وقال ابن شهاب: لا تحملها إلا أن يزيد على الثلث. فأما الثمار فيفضل منها؛ لأن الغالب في السقوط أنه لا يبلغ الثلث، فإذا بلغ ما الغالب فيه السلامة، حط عن المشتري. وقال ابن القاسم في اعتبار قيمة الثمرة في الدار: إن ذلك (¬4) على ما عرف من عادتها في كل عام بعد مؤنتها، وقيمة كراء الدار بغير ثمرة، مثل المساقاة إذا كان فيها بياض، يقال: ما قيمة الثمرة فيما عرف من بيعها في مضي أعوامه؟ ثم ينظر إلى قيمة السقي والعلاج فيحط من ذلك، ثم ينظر إلى ما بقي من ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 5/ 557. (¬2) انظر: المدونة: 5/ 557. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 23. (¬4) قوله: (إن ذلك) ساقط من (ت).

النفقة (¬1)، فقد يكون ثمنها ثلاث مائة وتكون مؤنتها في عملها مائة وكراء الأرض خمسين ومائة، فلو لم تحسب المؤنة جازت المساقاة (¬2). وفي كلا الجوابين نظر؛ لأنه جعل القيمة في مسألة الدار على السلامة ثم حط ما ينوب السقي وقيمتها على هذه الصفة أعلى من الصفة التي دخل عليها مشتريها. والصواب أن يقال: كم قيمتها على أن سقيها على مشتريها، وعلى أن المصيبة إن كانت من المكتري، وعلى أنه إن جاءت على خلاف المعتاد لم يكن له مقال؟ لأن ابن القاسم لا يرى له مقالًا متى (¬3) أجيحت، فينبغي أن تُقوَّم على ما (¬4) اشتري عليه، فإن كان الكراء بالنقد قُومت الثمرة بالنقد؛ لأنه أبخس لقيمتها، وإن كان الكراء على أنه يقبض مشاهرة قومت الثمرة على ما ينوبها يقبض مشاهرة. وقوله في مسألة المساقاة: يحط من قيمة الثمرة قدر السقي والعلاج (¬5) غلط؛ لأن السقي والعلاج ثمن الثمرة فكيف (¬6) يصح أن يحط أحدهما الآخر، وإنما باع العامل منافعه، وهو ما يتولى من عمل وسقي بالجزء الذي يأخذه بعد الطيب، وإنما يطيب ذلك الجزء على ملك صاحب الحائط، ولهذا قيل: تجب فيه الزكاة إذا كان في جميعها (¬7) خمسة أوسق وإن كان العامل عبدًا أو نصرانيًّا، فإذا ¬

_ (¬1) قوله: (من النفقة) يقابله في (ت): (بعد القيمة). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 512. (¬3) قوله: (مقالًا متى) في (ر): (مقالًا حتى لو). (¬4) في (ر): (من). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 140. (¬6) قوله: (ثمن الثمرة فكيف) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (جميعها) في (ت): (جميع ثمنها).

فصل [في الثمار إذا دخلت في العقد ثم انهدمت الدار بعد سكنى ستة أشهر]

كانت قيمتها سالمة ثلاث مائة وقيمة البياض مائة وخمسين، جازت المساقاة ولا يصح أن يحط العمل. وقد ذكر عن أشهب أنه أجاز اشتراط بعض الثمرة. والذي رأيت لأشهب أنه إنما أجاز ذلك إذا بيعت الأصول (¬1)، فاستثنى المبتاع بعض الثمرة أو بيع العبد واستثنى المشتري بعض ماله. وقوله في هذين حسن؛ لأن ذلك الاشتراط لم يكن لأجل مضرة تدخل على المشتري، واشتراط جميع ذلك جائز مع الاختيار، وكذلك البعض، ولا يجوز ذلك في مسألة الدار؛ لأنها إنما أجيزت للضرورة. وقد تتوزع في هذا الأصل (¬2) إذا كانت الثمرة تختلف في سنة أقل من الثلث وفي سنة أكثر وإذا جمع جميعها كان الثلث فأقل، وفي إذا كانت ديارًا ثمرة بعضها أقل من الثلث، وثمرة بعضها أكثر وجميعها الثلث فأقل، هل يجوز ذلك أم لا؟ وأرى أن يجوز ذلك في الدار الواحدة؛ لأنها منافع واحدة والقصد رفع الضرر منها، ولا يجوز في الديار ولا في السيوف إذا كانت جملة حلية (¬3) بعضها أقل من الثلث والآخر أكثر، وهو بمنزلة صفقة جمعت حلالًا وحرامًا. فصل [في الثمار إذا دخلت في العقد ثم انهدمت الدار بعد سكنى ستة أشهر] وإذا دخلت الثمار في العقد لأنها تبع (¬4) ثم انهدمت الدار بعد سكنى ستة أشهر، فإن كانت الثمرة لم تطب انفسخ البيع فيها ورجعت إلى البائع وحط عن ¬

_ (¬1) قوله: (اشتراط بعض الثمرة. . . الأصول) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (هذا الأصل) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (حلية) ساقط من (ر). (¬4) في (ر): (بيع).

المكتري (¬1) ما ينوبها (¬2). وهذا بخلاف الجائحة؛ لأنها صارت إلى صاحبها فلم يصح أن يأخذها وثمنها. وإن كانت الثمار قد طابت وهي تبع للماضي، مضى فيها البيع للمكتري، وإن لم تكن تبعًا لماضي السكنى، كان فيها قولان، فقال محمد: يفسخ فيها البيع. وقال ابن حبيب: لا يفسخ وهي للمكتري (¬3). وكذلك في الزرع (¬4) يشترط مع الأرض ثم تستحق الأرض دون الزرع وقد بدا صلاحه، ففي "المدونة": يفسخ البيع فيه (¬5). وفي "كتاب محمد": يمضي البيع فيه. وعلى هذا يجري الجواب إذا اشترى (¬6) الثمار مع الأصول وهي مأمورة فرد الأصول بعيب بعد طيب الثمرة، فقال في كتاب العيوب: ترد الثمرة. وعلى القول الآخر: يمضي البيع فيها. وأن يمضي كل ذلك أحسن؛ لأن العقد فيها كان صحيحًا وعلى وجه جائز لا يتهمان فيه أن يكون عملًا على فسادٍ (¬7)، ولأن منع البيع في الثمار قبل بدو صلاحها لموضع الغرر، وهذا لم يدخلا على غرر وقد اشترى (¬8) بوجه صحيح وانتقلت وتغير حالها وهي في ضمان المشتري (¬9). وقال ابن حبيب: لو استحقت الدار إلا مواضع الشجر وقد سكن ¬

_ (¬1) في (ر): (المشتري). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 142. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 140. (¬4) قوله: (في الزرع) ساقط من (ر). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 559. (¬6) قوله: (اشترى) في (ت): (استثنى). (¬7) قوله: (فسادٍ) في (ر): (فساده). (¬8) قوله: (اشترى) في (ت): (اشتريت). (¬9) انظر المدونه: 3/ 360

أشهرًا، رجعت الثمرة إلى المكتري طابت أو لم تطب، جذت أو لم تجذ، وهو بمنزلة من باع ثمرة قبل أن تطيب حين ضمها إلى ما ليس له (¬1). قال الشيخ -رحمه الله-: يفترق الجواب بافتراق الوجه الذي كانت به (¬2) في يديه، فإن كانت بشراء كان الجواب فيها على ما تقدم في الانهدام؛ لأن الغلة للمشتري إلى يوم الاستحقاق، وإذا كانت الغلة له كانت الثمرة مضافة إلى سلعة يملكها، وإن كانت الدار بيده بغصب كان الجواب (¬3) في الثمرة على الخلاف (¬4) في الغلة، فعلى أحد قولي مالك أن الغلة للغاصب يمضي البيع في الثمرة بمنزلة المشتري. وعلى قوله: لا غلة للغاصب (¬5)، تكون قد أضيفت إلى غير ملكه، وإن كانت في يده بميراث وطرأ عليه وارث أقعد منه، كان بمنزلة من أضاف إلى غير ملكه (¬6). وعلى هذين الموضعين يصح (¬7) قول ابن الحبيب إلا أن يكون المكتري غير عالم فيختلف فيها؛ لأن العقد يسلم من الفساد ويكون بمنزلة استحقاق الأرض دون الزرع. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 142. (¬2) قوله: (به) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (الجواب) في (ت): (الواجب). (¬4) قوله: (الخلاف) في (ر): (الجواب). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 468. (¬6) من قوله: (وان كانت في يده. . . ملكه) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (يصح) ساقط من (ر).

فصل [في الدار إذا لم تستحق وتقايلا بعد سكنى ستة أشهر]

فصل [في الدار إذا لم تستحق وتقايلا بعد سكنى ستة أشهر] ولو لم تستحق الدار ولكن تقايلا بعد أن سكن ستة أشهر، فإن طابت الثمرة وكانت الإقالة على أن تبقى (¬1) الثمرة للمكتري وهي تبع للماضي جاز، وإن لم تكن تبعًا لم يجز؛ لأنهما يتهمان أن يعملا على ذلك. وإن كانت الإقالة على أن يرد (¬2) الثمرة مع الأصل بما ينوبها، جاز كانت تبعًا للماضي أو أكثر، وإن لم تطب لم تصح (¬3) الإقالة على أن تبقى للمكتري، وجازت على أن تبقى للمكري (¬4) إذا كانت تبعًا للباقي، وإن لم تكن تبعًا امتنعت الإقالة، فيمنعان من بقائها؛ لأنهما يتهمان أن يكونا عملا على ذلك ومن تسليمها؛ لأن الإقالة كابتداء بيع. ¬

_ (¬1) في (ر): (يتولى). (¬2) قوله: (أن يرد) ساقط من (ر). (¬3) في (ر): (تنفسخ). (¬4) من قوله: (وجازت على. . . للمكري) ساقط من (ت).

باب في كنس مراحيض الديار وفيمن اكترى دارا على أن عليه إصلاح ما فسد منها

باب في كنس مراحيض الديار وفيمن اكترى دارًا على أن عليه إصلاح ما فسد منها ومن اكترى دارًا كان كنس مرحاضها مما هو متقدم قبل العقد على المكتري (¬1)، فإن كان لا يصح السكنى إلا بإزالته، جبر صاحب الدار على إزالته. واختلف فيما حدث بعد العقد، فقال ابن القاسم في "المدونة": كنس الكنيف وإصلاح ما وَهَي من الجدران على صاحب الدار (¬2). وقال في المجالس: كنس ذلك على الساكن، وفي الفنادق على صاحبه دون المكتري، وأما ما لم يحتج إلى زواله في حال السكنى، فالشأن ألا يطلب (¬3) الساكن عند خروجه بزوال ذلك، وكذلك الفنادق الشأن أنه ليس على الساكن شيء. ويختلف في متقبله من صاحبه على ما تقدم في الديار. وكذلك الحمَّام إذا تَقبَّله رجل من صاحبه يختلف هل ذلك على متقبله أو على صاحبه؟ والجواب القنوات كالجواب في المراحض، فإن سكن المكتري دارًا بحدثان ما كنست (¬4) تلك القناة وطال (¬5) سكناه حتى احتاجت إلى كنس، كان على ¬

_ (¬1) قوله: (على المكتري) ساقط من (ت). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 514. (¬3) قوله: (فالشأن ألا يطلب) يقابله في (ر): (فيلزم). (¬4) في (ر): (سكنت). (¬5) في (ر): (وكان).

الاختلاف المتقدم، هل ذلك على صاحب الدار، أو على الساكن، وسواء كانت تجري بالأثفال (¬1) أو بالغسالة؟ وإن كانت غير مكنوسة أو كان سكناه الأمد اليسير، لم يكن عليه شيء وكان ذلك كساكن الفنادق. وقال مالك فيمن اكترى دارًا سنة بعشرين دينارًا على إن احتاجت الدار إلى مرمة رمها المكتري من العشرين دينارًا: لا بأس به (¬2). يريد: أن الكراء وإن كان مؤجلًا فإن هذا الشرط لا يفسد العقد؛ لأن القصد في ذلك ما يحتاج في الغالب إلى إصلاحه مثل خشبة تنكسر، أو ترقيع حائط، أو ما أشبه ذلك مما يقل خطبه ولا يؤدي تعجيله إلى غرر، فإن طرأ ما تعظم نفقته، مثل سقوط بيت، لم يلزمه الإنفاق فيه، وإن شرط الإنفاق من غير العشرين الدينار كان فاسدًا. ويختلف إذا نزل وعمل وأصلح، فقال أصبغ في "كتاب محمد": له (¬3) قيمة ذلك صحيحًا يوم عمله (¬4). يريد: أن تكون عليه قيمة السكنى من وقت أصلح على أنها مصلحة. وقد قيل في هذا الأصل: ليس له (¬5) قيمته يوم أصلح؛ لأنه بنى ذلك وأصلحه وعمله على أنه باق تحت يديه ينتفع به إلى يوم خروجه، فكان بمنزلة من لم يمكن من المبيع. ثم يختلف هل تكون له قيمته يوم يخرج صحيحًا، أو منقوضًا؟ وقيمة ذلك صحيحًا أحسن؛ لأنه وضعه بإذن المالك ولم يكن ¬

_ (¬1) الثُّفْل: هو ما سَفَل من كلِّ شيء، وهو هنا الرجيع. انظر: لسان العرب: 11/ 84 (¬2) انظر: المدونة: 3/ 514. (¬3) قوله: (له) ساقط من (ت). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 133. (¬5) قوله: (له) ساقط من (ر).

متعديًا فيعطى قيمته منقوضًا (¬1). فإن اكترى كراءً فاسدًا فأصلح وبنى بإذن صاحب الدار كانت عليه قيمة ما ارتفق به، يقال: بكم تكرى الدار على أنها على هيئة ما كانت وقت العقد على أن المكتري ينتفع بموضع كذا فيبنيه بيتًا كراء (¬2) ثم يكون له قيمة ذلك البناء منقوضًا يوم يخرج؛ لأنه فعله بغير إذن، وإلى هذا رجع مالك في "كتاب محمد" (¬3). وقال ابن القاسم في "العتبية" فيمن اكترى دارًا سنة فسكن شهرًا، ثم انهدمت فبناها بما عليه من الكراء، ثم قدم صاحبها بعد تمام السنة: فله كراء ما سكن قبل الهدم، وكراء العرصة بعد الهدم، وليس للمكتري إلا نقض بنائه، إلا أن يعطيه قيمته منقوضًا (¬4). يريد: إذا بنى بنقض من عنده على ملكه. ولو بنى ذلك على ملك ربها لكان صاحب الدار بالخيار بين أن يرضى بذلك ويعطيه ما أنفق ويكون له قيمة الكراء على أنها مبنية، أو يعطيه قيمته منقوضًا بعد انقضاء الكراء ويكون له قيمة القاعة على أنها تكرى ممن يبنيها من عنده. وإن بناها بنقضها، كان لربها أن يأخذ قيمة كرائها قائمة ولا شيء عليه للثاني؛ لأنه إنما أخرج البناء وهو التلفيق (¬5) ولا شيء له، ويصح أن يقال: لما كان ذلك التلفيق (¬6) لا يقدر صاحب الدار أن يأخذ كراءها مبنية إلا بذلك كان كالسقي والعلاج. ¬

_ (¬1) من قوله: (وقيمة ذلك صحيحًا. . . منقوضًا) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (كراء) ساقط من (ر). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 135. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 9/ 27. من (¬5) قوله: (أخرج البناء وهو التلفيق) يقابله في (ر): (خرج البناء وهو التلقين). (¬6) قوله: (ولا شيء له. . . التلفيق) ساقط من (ر).

وقد اختلف فيه إذا سقى الغاصب، فقيل: له قيمته؛ لأنه لم يكن يقدر على الغلة إلا بتلك النفقة. ولو اكترى رجل دارًا كراء صحيحًا ثم بنى فيها وزاد بغير إذن ربها، لم يكن عليه (¬1) كراء ما زاد من البناء؛ لأنه قد اكترى الانتفاع بجميعها، فقد كان له الانتفاع بتلك القاعة التي بناها بيتًا (¬2)، وإذا انقضى الأجل كان صاحب الدار بالخيار بين أن يعطيه قيمة ذلك منقوضًا أو يأمره بقلعه. واختلف إذا بنى بإذنه، فقال ابن القاسم: له أن يعطيه قيمته منقوضًا كالأول. وقال مطرف وابن الماجشون في "كتاب ابن حبيب" عن مالك: ليس له أن يأخذه إلا بقيمته قائمًا (¬3)، ولم يذكر الحكم إذا أَبَى. وقال محمد بن مسلمة: إذا أَذِنَ للمكتري أن يبني بعشرين دينارًا ففعل ثم انقضت (¬4) الوجيبة وقال للمكتري: لا حاجة لي بالبناء واخرج، قال: إن أحبَّ المكتري أن يقيم في المنزل حتى يعطيه عمارته بالكراء. ¬

_ (¬1) قوله: (عليه) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (بيتًا) ساقط من (ر). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 135. (¬4) في (ر): (انتقضت).

باب في إجارة الحمامات وغيرها من العقار

باب في إجارة الحمَّامات وغيرها من العقار إجارة الحمَّام للرجال جائزة إذا كانوا يدخلونه مستترين، وإجارته للنساء على ثلاثة أوجه: جائزة إذا كانت عادتهن ستر جميع الجسد، وغير جائزة إذا كانت العادة ترك الستر جملةً، واختلف إذا كانت العادة الدخول بالمئازر، فقيل لسحنون (¬1) في جامع "المستخرجة" في المرأة تدخل الحمَّام ما حد ما تستتر؟ قال: تدخل في ثوب يستر جميع جسدها. وقال القاضي أبو محمد عبد الوهاب: اختلف في (¬2) دخول النساء الحمام في هذا الوقت، فقيل (¬3): يمنعن، إلا لعلة من مرض لا يصلحه إلا الحمام (¬4)، أو حاجة إلى الغسل (¬5) من حيض أو نفاس أو شدة برد (¬6). وقيل: إنما يمنعن لما لم تكن لهن حمامات بانفرادهن. وقال مالك في "مختصر ما ليس في المختصر": يحرم دخول المرأة الحمام وإن كانت مريضة أو نفساء، إلا ألا يكون معها فيه (¬7) أحد. فأجيز في القول الأول أن تنظر المرأة من المرأة ما فوق المئزر ولم يره عورة. ومنعه في القول الآخر ورأى أن جميع جسد المرأة مع المرأة عورة ولا يجوز أن ينظر فيه بعضهن ¬

_ (¬1) قوله: (فقيل لسحنون) يقابله في (ر): (فقال ابن سحنون). (¬2) قوله: (اختلف في) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (في هذا الوقت، فقيل) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (لا يصلحه إلا الحمام) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (إلى الغسل) ساقط من (ر). (¬6) انظر: المعونة: 2/ 593 (¬7) قوله: (فيه) ساقط من (ر).

إلى بعض، وهو أشبه (¬1)؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كَانَ يُؤْمنُ بِاللهِّ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يَدْخُلِ الحُمَّامَ إِلَّا بِمِئْزَرٍ ومَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ الحمَّامَ" (¬2). ففرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهما، فأجازه للرجال إذا كانوا بمآزر، ومنعه للنساء جملة من غير تفصيل، وهو حديث حسن السند أخرجه الترمذي في مسنده. وفي هذا الحديث دليل على نبوته - صلى الله عليه وسلم - لأنه لم يكن لهم يومئذ حمامات، وإنما أعلمه الله -عز وجل- أنها ستكون لأمته فكانت، وأقام لهم الشرع فيها بما يجوز وما لا يجوز. ويعتبر مثل ذلك في إجارة الدور والحوانيت وغيرها، فلا تؤاجر الديار ممن يعلم أنه يأوي إليها بما لا يحل من شرب خمر أو غيره، ولا الحوانيت ممن يبيع فيها الغصوبات (¬3)؛ لأنها معونة على ما لا يحل ويأخذ الأجرة مما لا يحل لفساد ذمته، ولا ممن يبيع فيها السيوف والرماح وغير ذلك من آلات الحرب؛ لأن المعهود اليوم ممن يشتريها أنه يريدها لإيذاء المسلمين أو لحربهم، ويتصدق بالكراء إذا لم يعلم بذلك حتى انقضت المدة، كالذي يكري حانوته ممن يبيع فيها الخمر، إلا أن يكون ذلك مما يراد به الغزو (¬4) وقتال من على غير الإسلام (¬5). وكذلك الفنادق لا يؤاجر منها شيء لمن يأوي إليها الفساد، أو لمن يبيع ¬

_ (¬1) في (ر): (الستر). (¬2) أخرجه الترمذي: 5/ 113، في باب ما جاء في دخول الحمام، من كتاب الأدب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، برقم (2801). (¬3) في (ت): (القصريات). (¬4) قوله: (الغزو) في (ر): (العدة). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 152

فيها ما لا يحل. وإذا أكرى حانوته من يهودي أو نصراني وهو يعلم أنه يعمل بالربا، لم يعرض له؛ لأن ذلك من دينهم إذا كانوا يعملون بذلك مع أهل دينهم، وإن كانوا يعملون بذلك مع المسلمين، لم يؤاجر منهم، ولا يؤاجر ممن يعلم أنه يبيع الخمر فيه؛ لأنهم لم يعطوا العهد على أن يعلنوها (¬1)، ولا داره ممن يتخذها كنيسة. (¬2) واختلف في ذلك إذا نزل على ثلاثة أقوال، فقيل: يفسخ ذلك مع القيام وتؤخذ الأجرة في الفوت ويتصدق بها، قال في كتاب الجعل: يفعل بها إذا قبض أو لم يقبض مثل ما وصفنا لك في ثمن الخمر. وقال أيضًا: يتصدق بالأجرة أدبًا لهذا المسلم (¬3)، ولم ينزله منزلة الخمر (¬4). وقال في "المستخرجة": إذا أجر حانوته ممن يبيع فيه الخمر، فأرى أن يفسخ الكراء إذا لم يفت، فإن فات تم ولم أفسخه. وإن أكرى دابته ممن يمضي (¬5) بها إلى الكنيسة، فإنه يمضي ولا يرد (¬6). وقد اختلف قول مالك في كراء الدابة، فأمضى إجارة الحانوت مع الفوت ولم يره بمنزلة من باع من الذمي خمرًا؛ لأن هذا باع منافع يجوز ملكها وبيعها بما يجوز قبضه وهي الدنانير والدراهم والمكتري يصرف تلك المنافع في ذلك الوجه، وهذا الوجه (¬7) يرجع إلى قوله أنه ¬

_ (¬1) في (ر): (يعملوها). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 435. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 437. (¬4) من قوله: (وقال أيضًا. . . الخمر) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (يمضى) في (ر): (يصير). (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 9/ 394. (¬7) في (ر): (القول).

يتصدق به أدبًا له؛ لأنه يؤدبه مرة في ماله إذا رأى ذلك، أو في بدنه دون المال، وأمضى الإجارة إلى الكنيسة؛ لأنهم أعطوا العهد على إظهار ذلك. وأما إجارة الدار ممن يتخذها كنيسة، فإن كانوا قد أعطوا العهد على (¬1) ذلك وأباح لهم الإمام عملها، كان أخذ الإجارة على ذلك أخف. وإن لم يعطوا ذلك وكانوا متعدين في عملها كان أشد ويتصدق بالإجارة على أحد القولين. وإن أجّر داره من ذمي على أن (¬2) يبيع فيها زيتًا أو خلاًّ فجعل يبيع فيها الخمر فلم ينكر عليه ذلك رب الدار، كان له أخذ الأجرة؛ لأن المضرة فيما اكتريت له وفي الخمر سواء، وإذا لم يكن لرب الدار مقال من ناحية المضرة، كان المنع من وجه النهي عن المنكر، وكان رب الدار وغيره في ذلك سواءة غير أنه يؤخذ من الساكن فضل ما بين (¬3) الكراءين فيتصدق به؛ لأن الكراء لمكان ذكر (¬4) الخمر أكثر، ولا مقال فيه لرب الدار؛ لأنه لم يضر به. ولو كان الكراء ليسكن فجعل يبيع الخمر، فإن لم يعلم بذلك المكري، قوم كراء تلك الدار ثلاث قيم، يقال بكم تكرى لتسكن؟ فإن قيل: بعشرة دنانير، قيل: بكم تكرى ليباع فيها ما يكون مضرًّا بها (¬5) كمضرة الخمر مثل الزيت والخل؟ فإن قيل: باثني عشرة كان للمكري المسمى وديناران، وهو فضل ما بين الكراءين، ثم يقال: بكم تكرى على أن يباع فيها الخمر؟ فإن قيل: أربعة عشر دينارًا، كان على المكري ما زاد على الاثني عشر فيتصدق به، وإن كان المكري عالمًا فتركه ¬

_ (¬1) قوله: (العهد على) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (على أن) ساقط من (ت). (¬3) قوله: (ما بين) ساقط من (ر). (¬4) في (ر): (كراء). (¬5) قوله: (ما يكون مضرًّا بها) يقابله في (ت): (ما يضر به).

ولم ينكر عليه، تصدق بجميع ذلك، هذا قول ابن حبيب؛ لأنه إذا أكراه للسكنى كان من حقه أن يمنعه من بيع الخمر للفساد الذي يدخل عليه من تلويث الدار والجدر، وإذا تركه ولم يمنعه كان قد فسخ الأول في الثاني لأنهما جنسان. وعلى قوله في "العتبية" يترك له ولا يتصدق به عليه (¬1)، بل هو في هذا أخف؛ لأن هذا أكرى (¬2) كراء صحيحًا فأدخل عليه المكتري (¬3) عيبًا فترك مقاله في العيب. قال ابن حبيب: ولو أكراها ممن يبيع فيها الخمر فصرف ذلك إلى السكنى، كان الكراء سائغا للمكري (¬4). يريد: لأن الأول كان غير منعقد بانتقالهما إلى الآخر كابتداء عقد، إلا أن تكون قيمة الثاني أقل، ويقول المكتري: لم أرض فيه المسمى، فيحط عنه ما بين الكراءين؛ لأن الزائد كان ثمن ما لا يحل. وإن تعدى رجل على دار رجل أو حانوته فباع فيها خمرًا، فإن كان المعتدي نصرانيًّا أخذ منه كراءها. واختلف إذا كان مسلمًا، فلم ير ابن القاسم له شيئًا؛ لأنه مستغرق الذمة يبيع الخمر. وقال ابن حبيب: له الكراء، إلا ألا يكون له كسب إلا من ثمن الخمر. والأول أحسن، ولا شك أن من هذا شأنه تستغرق ذمته. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 3/ 389. (¬2) في (ر): (الكراء). (¬3) في (ت): (للمكتري). (¬4) في (ر): (المكري). انظر: النوادر والزيادات: 7/ 152.

باب القول فيمن اكترى من رجل نصف عبده أو دابته أو داره

باب القول فيمن اكترى من رجل نصف عبده أو دابته أو داره (¬1) قال: وإذا اكترى (¬2) رجل من رجل نصف عبده أو دابته أو داره، جاز ذلك (¬3)، ثم هما في العبد والدابة بالخيار (¬4) بين أن يقتسما المنافع يومًا بيوم أو يومين بيومين، فيستعمله المستأجر في الأيام التي يصير إليه، يستخدم العبد ويركب الدابة، وإن شاء أجره من غيره، وإن شاء أن يؤاجر ذلك من أجنبي ويقتسمان الأجرة، وإن لم يكن العبد من عبيد الخدمة وكانت له صنعة لا يمكن الآن تبعيضها (¬5)، ترك لصنعته واقتسما خراجه. وأما الدار، فإن كانت تنقسم قسمت منافعها وسكن المكتري فيما يصير إليه أو أكراه، وإن كانت لا تحمل القسم أكريت وقسم كراؤها، إلا أن يحب أحدهما أن يأخذها بما يقف عليه كراؤها. وإن كان العبد أو الدابة أو الدار شركة فأكرى أحدهما نصيبه بإذن شريكه (¬6)، جاز وعاد الجواب في قسمة منافعها إلى ما تقدم إذا كان جميعها ¬

_ (¬1) من قوله: (باب. . . داره) يقابله في (ر): (باب فيمن أكرى نصف عبد أو نصف دار أو دابة). (¬2) فى (ر): (أكرى). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 515. (¬4) قوله: (بالخيار) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (لا يمكن الآن تبعيضها) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (فأكرى أحدهما نصيبه بإذن شريكه) ساقط من (ر).

لواحد منهما، فإن أكرى ذلك بغير إذن شريكه فلم يجز ودعا إلى البيع، كان ذلك له في العبد والدابة والدار إذا كانت لا تنقسم، وإن لم يدع إلى البيع ورضي ببقاء الشركة، لم يكن له رد الكراء، فإن كانت الدار تنقسم ودعا الشريك إلى قسمة المنافع، كان ذلك له (¬1) وقسمت بالقرعة، فما صار للمكري أخذه المكتري. وإن أراد المكري أن يقسم بالمراضاة، كان للمكتري منعه من ذلك، وإن دعا الشريك إلى قسم الرقاب، كان ذلك له. ومن حق المكتري أن يقسم بالقرعة، فما صار للمكري كان حق المكتري فيه (¬2)، فإن اعتدلت قسمة المنافع مع قسم الرقاب، كان ذلك للمكتري (¬3)، وإن كان ذلك صار للمكري أقل من النصف بما لا ضرر على المكتري فيه، حط من الكراء بقدره، فإن صار له أكثر وأمكن أن يصير (¬4) ذلك القدر الزائد مسكنًا (¬5)، فعل وانتفع به المكري (¬6)، وإن كان لا يتميز ولا يصير فيه مسكن بانفراده، بقي للمكتري ولا شيء عليه فيه؛ لأنه يقول: كنت في مندوحة عنه ولا حاجة لي فيه. ¬

_ (¬1) قوله: (كان ذلك له) ساقط من (ر). (¬2) من قوله: (وإن أراد المكري. . . المكترى فيه) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (للمكتري) في (ر): (المكري). (¬4) في (ت): (يميز). (¬5) قوله: (مسكنا) ساقط من (ت). (¬6) في (ر): (المكتري).

فصل [في كراء نصف معين]

فصل [في كراء نصف معين] وإن أكرى منه نصفًا معينِّا، كان الشريك بالخيار بين أن يجيز ويكون له النصف الآخر، أو يقاسمه المنافع، فإن صار النصيب المكرَى (¬1) للمكتري أخذه، وإن صار للآخر، كان بالخيار بين أن يجيز ويكون له الكراء أو يرد. وإن صار بينهما وأجاز الشريك الذي لم يكن له الكراء في نصيبه، لزم ذلك المكتري. وإن رد الكراء في نصيبه، كان المكتري بالخيار في قبول نصيب الذي أكرى أو رده. وإن قال الشريك الذي لم يكر: أنا أقاسمه الرقاب، كان له ذلك، ثم ينظر حيث يقع نصيب المكري حسب ما تقدم، فإن صار في نصيب المكري مضى عقده فيه، وإن صار للآخر كان فيه بالخيار. وإن لم يدع الشريك إلى قسمة الرقاب وقال: أنا آخذ بالشفعة، لم يكن ذلك له؛ لأن الكراء وقع على نصيب معين، فإذا أجاز ذلك كانت مقاسمة ولا شفعة فيما قسم. واختلف إذا كان الكراء في نصيب (¬2) شائع، فقال مالك مرة: لا شفعة فيه. وقال مرة: فيه الشفعة. وهذا إذا كانت الدار تحمل القسمة وأراد، الشريك أن يأخذ بالشفعة ليسكن، وإن أراد ذلك ليكريه، لم يكن له ذلك، وهو بمنزلة من يأخذ بالشفعة ليبيع. وكذلك الحانوت يكون بين الشريكين فيكري أحدهما نصيبه شائعًا، فلا شفعة فيه للآخر إذا كان لا يحمل القسم، أو كان يأخذ بالشفعة ليكري. وإن كان يحمل القسمة وأراد أن يأخذ بالشفعة ليجلس فيه للبيع، جاز، فإن كان يكريه ممن يجلس معه لم يكن ذلك له. ¬

_ (¬1) قوله: (النصيب المكرَى) يقابله في (ر): (نصيب المكري). (¬2) في (ت): (نصف).

باب فيمن أكرى دارا بثوب فهلك قبل أن يقبضه أو وجد به عيبا

باب فيمن أكرى دارًا بثوب فهلك قبل أن يقبضه أو وجد به عيبًا وقال ابن القاسم فيمن كرى داره بثوب بعينه على صفة فضاع قبل قبضه وبعد ما سكن المكتري أو استحق: إن المكري يرجع بقيمة السكنى (¬1). وساوى بين استحقاقه ودعواه الضياع، وعلى قول محمد يكون المكري بالخيار (¬2) إذا ادعى ضياعه بين أن يفسخ الكراء ويرجع بقيمة ما سكن، أو يلزمه قيمته ويتمادى المكتري. على سكن بقية السنة، وإن قامت بينة على ضياعه أو كان المكري صدقه على ضياعه (¬3)، كان الجواب فيه كالمحبوس بالثمن، وإن لم يصدقه على ضياعه (¬4) ولا شهدت بذلك بينة، كانت مصيبته من بائعه وهو المكتري. وإن قبضه المكري ثم وجد به عيبًا بعد أن سكن المكتري ستة أشهر، كان بالخيار بين أن يتمسك ولا شيء له، أو يرده ويرجع بقيمة السكن عن الماضي (¬5) وينفسخ الباقي. وإن حدث عنده عيب واختار التمسك وكانت قيمة العيب العشر، كان لصاحب الدار أن يرجع على الساكن بقيمة عشر الماضي، ويرجع في عين عشر المستقبل إذا كان السكنى ينقسم على تلك الأجزاء، وإلا رجع به قيمة. وهذا قول ابن القاسم (¬6). وقال مرة: يرجع بذلك الجزء شريكًا، وهو قول أشهب. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 151. (¬2) قوله: (بالخيار) ساقط من (ر). (¬3) في (ر): (صفته). (¬4) في (ر): (صفته). (¬5) قوله: (عن الماضي) يقابله في (ر): (على الحاضر). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 151.

يريد: وينقلب الخيار للمكتري بين أن يرضى بالشركة أو يرد، ولم يمنع أشهب إذا رجع معه شريكًا أن يكون بالخيار، فإن أحب صاحب الدار أن يرد الثوب (¬1) رده وحده (¬2) وحوسب بما نقصه العيب الحادث عنده، فإن كانت قيمة العشر من الأصل (¬3)، رجع في قيمة تسعة أعشار ما سكن ويبقى عشر عن العيب ورجع في تسعة أعشار المنافع في المستقبل ويبقى عشر عن العيب (¬4)، فإن كان ينقسم ورضي المكتري أن يتمسك به، كان ذلك له وله أن يرده؛ لأنه اشترى الجميع (¬5) ويرجع بما ينوبه من العيب وهو نصف قيمة العيب إذا كانت الشهور متساوية، وإن كان لا ينقسم رده ورجع بنصف قيمة العيب. ¬

_ (¬1) في (ر): (العبد). (¬2) قوله: (وحده) ساقط من (ت). (¬3) قوله: (من الأصل) ساقط من (ت). (¬4) من قوله: (ورجع في تسعة أعشار. . . عن العيب) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (اشترى الجميع) يقابله في (ت): (أيسر المبيع).

باب في كراء الدار مشاهره أو مساناة

باب في كراء الدار مشاهره أو مساناة قال الشيخ -رحمه الله- (¬1): يجوز العقد في الرباع على ثلاثة أوجه، مدة معينة، فيقول: أكريك هذا الشهر أو هذه السنة؛ فهذا عقد جائز لازم للفريقين وليس لواحد منهما رجوع عنه. والثاني: أن يذكر المدة ولا يعينها، فيقول: أكريك شهرًا أو سنة، فهو جائز أيضًا لازم لهما ويحملان في الابتداء بالسكن على الفور، وهو قول مالك (¬2) وابن القاسم (¬3)؛ لأن هذا هو القصد بالابتداء، وإن لم يقع سكنى عقيب العقد وتراخيا عن ذلك المدة اليسيرة، كان له أن يسكن جملة المدة التي سمَّيَا (¬4) ولم يحط من تلك المدة (¬5) بقدر ما مضى من بعد العقد إلى حين قيامه، وهو في هذا الوجه بخلاف من عين المدة. والثالث: أن يعقدا عقدًا لا يتضمن غاية ولا يفهم منتهاه، فيقول: أكريك كل شهر أوكل سنة بدينار، أو في كل شهر أو في كل سنة أو الشهر أو السنة بكذا وكذا ويذكر الابتداء، ويقول: أبتدئ بالسكنى من هذا الشهر أو لا يذكره، فاختلف عن مالك في ذلك، فروى ابن القاسم عنه أن العقد غير لازم لما كان لا غاية له ويكون المكري بالخيار، فإن أحب منعه من السكنى جملة، وإن أمكنه من السكنى كان له أن يخرجه متى أحب وللمكتري أن يمتنع من ¬

_ (¬1) قوله: (قال الشيخ -رحمه الله-) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (مالك) ساقط من (ر). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 131. (¬4) في (ر): (سما). (¬5) قوله: (المدة) ساقط من (ر).

السكنى، وإن سكن كان له أن يخرج بقرب ذلك إن شاء. وروى عنه (¬1) مطرف وابن الماجشون في "كتاب ابن حبيب" أنه يلزمهما أقل ما تقتضيه تلك التسمية فإن قال: كل شهر لزمه شهر واحد، وإن قال: كل سنة لزمه سنة واحدة (¬2)، وهو أحسن؛ لأنهما أوجبا بينهما عقدًا ولم يجعلا فيه خيارًا فوجب أن يحملا على أقل ما تقتضيه تلك التسمية. وان عقدا على أن ينقده كذا وكذا، لزمهما من العقد بقدر ما نقد قولًا واحدًا. وإن قال: أكريك كل شهر بكذا (¬3) ونقد كراء شهرين، لزمه شهران. وإن نقد كراء نصف شهر لم يلزمه على قول ابن القاسم سوى ما نقد، وعلى رواية مطرف وابن الماجشون يلزمه تمام الشهر (¬4). وإن قال: أكريك كل سنة ونقد كراء سنتين لزمتا، وإن نقد كراء نصف سنة جرى على الخلاف المتقدم، ومثله إذا لم يشترطا نقدًا ثم تطوع به بعد العقد، فإنه يلزمه قدر ما نقد ما لم يكن ذلك النقد (¬5) دون ما يوجبه العقد على قول مطرف، وقد يلزم المكتري الصبر إلى مدة وإن لم يسمياها في العقد للعادة في ذلك، كالذي يكتري المطمر (¬6) يمطمر فيه قمحًا أو شعيرًا أو ما أشبه ذلك ¬

_ (¬1) قوله: (وروى عنه) يقابله في (ر): (وقال). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 131، 132. (¬3) قوله: (بكذا) ساقط من (ت). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 131، 132. (¬5) قوله: (النقد) ساقط من (ر). (¬6) المطَامِيرُ: هي حُفَر تُحْفر في الأَرض تُوسّع أَسافِلُها تُخْبأُ فيها الحبوبُ. انظر: لسان العرب: 4/ 502.

فصل [في كراء البيت شهرا بعشرة درهم]

كل شهر أو كل سنة بكذا وكذا، فليس للمكري (¬1) أن يخرجه، ولا يجبر الآخر على إخراج ذلك إلا أن تتغير الأسواق إلى ما العادة أن يباع في مثله، فإن لم يبع كان للآخر أن يخرجه، وهذه كانت العادة عندنا في كراء المطامر. وإن أراد المكتري إخراج ذلك قبل غلائه، لم يكن للآخر منعه؛ لأن البقاء من حق المكتري، ويعفى عما يكون في ذلك من غرر في المدة؛ لأنه مما تدعو الضرورة إليه. وينظر إلى العادة فى خزن الزيت فيحملان عليها. وكذلك العادة اليوم فيمن يكري (¬2) المخزن للطعام في الصيف فيعلم المكتري أن قصده أن يشتي (¬3) عليه، فليس للآخر أن يخرجه قبل ذلك. فصل [في كراء البيت شهرًا بعشرة درهم] وقال ابن القاسم فيمن أكرى (¬4) بيتًا شهرًا بعشرة دراهم على أن له أن يسكن يومًا واحدًا (¬5) فكراء الشهر لازم وله أن يكريه ممن أحبَّ: فذلك جائز. وإن كان على أنه لا يكريه، لم يكن فيه خير والكراء له لازم (¬6). يريد: والشرط باطل. وإن كان على أنه إن خرج رجع البيع إلى صاحبه ولم يحط عنه من الكراء شيء، كان كراء فاسدًا وعليه قيمة ما سكن ويفسخ متى أدركه وإن لم يتم الشهر، وليس للمدة التي يعقد كراء الديار إليها أمد ¬

_ (¬1) من قوله: (يمطمر فيه قمحًا. . . فليس للمكري) ساقط من (ر). (¬2) قو له: (يكري) في (ر): (يختزن). (¬3) قوله: (يشتي) في (ر): (يستثني). (¬4) في (ر): (اكترى). (¬5) قوله: (واحدًا) ساقط من (ر). (¬6) انظر: المدونة: 3/ 518.

يقتصر عليه، وذلك راجع إلى صفة المكرى والأمن عليه فليس الجديد كالقديم، فإن أكراه إلى مدة الغالب بقاء تلك الدار إليها وسلامتها فيه، جاز العقد والنقد، وإن كانت تلك المدة يتخوف ألا تبلغه، جاز العقد دون النقد.

باب فيمن اكترى دارا شهورا فسكن للأهلة أو لغير الأهلة أو اكتراها سنين فمنعه المكري بعضها أو سكن معه طائفة منها وغير ذلك

باب فيمن اكترى دارًا (¬1) شهورًا فسكن للأهلة أو لغير الأهلة أو اكتراها سنين فمنعه المكري بعضها أو سكن معه طائفة منها وغير ذلك ومن اكترى دارًا شهرًا فابتدأه بالهلال، فإن كان تسعة وعشرين يومًا، لم يكن له سوى ذلك، وإن ابتدأ السكنى لغير الهلال فكان الشهر الذي ابتدأ فيه تسعة وعشرين يومًا، أتم من الثاني تمام ثلاثين يومًا، وهذا قول مالك (¬2)، فألزمه أتم الشهور، وإن كانت شهور (¬3) السنة في التمام (¬4) والنقصان سواءة ستة أشهر تامة، وستة أشهر ناقصة، فلم يكن أحدهما أولى بالنقصان من الآخر. وقد قال محمد بن عبد الحكم فيمن قال: لله عليَّ صوم شهر، أنه يجزئه من ذلك تسعة وعشرين (¬5) يومًا، وقد تقدم ذكر ذلك في كتاب الصيام، وقول عبد الملك بن الماجشون فيه (¬6)، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - آلى من نسائه شهرًا فاكتفى من ذلك بتسعة وعشرين يومًا، فقيل له في ذلك، فقال: "إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعَةٌ وَعِشرُونَ يَوْمًا" (¬7). واستحسن إن تشاحا أن يسكن تسعة وعشرين يومًا ويزيد ليلة إن كان ابتدأ السكنى بالليل، وإن ابتدأ بالنهار زاد يومًا دون ليلة فيكون ذلك ¬

_ (¬1) قوله: (دارًا) ساقط من (ت). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 518. (¬3) قوله: (شهور) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (التمام) في (ر): (النماء). (¬5) هكذا في الأصل، والصواب: (عشرون). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 64، 65. (¬7) سبق تخريجه في كتاب النذور، ص: 806.

عدلًا بينهما، ولو كان سكناه بعدما مضى من ذلك الشهر الشيء اليسير كاليوم واليومين ثم كان ناقصًا، رأيت أن يكون له عدد ما مضى منه خاصة؛ لأنه في معنى من ابتدأه من أوله. وقال ابن القاسم فيمن اكترى دارًا ثلاث سنين فمنعه الكري سنة منها: إنه يسقط عنه كراء تلك السنة (¬1)، إذا كان الكراء لا يتغابن فيه، فإن كان فيه غبن على المكتري، كان للمكري (¬2) أن يأخذ منه ذلك الزائد، وهذا إذا أسكنها الكري، ولو أكراها (¬3) كان المكتري مخيرًا بين أن يفسخ عن نفسه كراء تلك السنة أو يأخذ قيمة كرائها إن كانت القيمة أكثر من المسمى، أو يأخذ ما أكراها به ويحاسبه من ذلك بالمسمى الذي كان أكرى به. وإن أمكن صاحب الدار المكتري من السكنى وأخلى الدار له وكان الامتناع من المكتري، كان عليه كراء (¬4) تلك السنين كلها إن أبقاها صاحبها خالية تلك السنين. وإن أكراها بأقل من المسمى، حلف أنه لم يفعل ذلك رضّا بالإقالة وأن ذلك نظر له ليكون أخف فيما يغرمه. وإن أكراها بأكثر وقال: أكريتها لنفسي، كان له ذلك الزائد. وإن قال للمكتري: سلم ذلك الزائد وإن أشهد عندما أمكنه منها ولم يسكنها أن ترك خصومته ليس رضًا بالإقالة، كان ذلك له قولًا واحدًا. وقال ابن القاسم: إذا سكن صاحب الدار طائفة منها، فقال المكتري: أنا ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 520. (¬2) قوله: (المكتري، كان للمكري) يقابله في (ت): (المكري كان للمكتري). (¬3) قوله: (أكراها) في (ر): (اكتراها). (¬4) قوله: (كراء) ساقط من (ر).

أعطيك حصة ما سكنت، إن ذلك له (¬1) وإن كان سكناه لأنه لم يمكنه من ذلك المسكن، كان بالخيار بين أن يفسخ عن نفسه ما ينوبه من ذلك المسكن، أو يأخذه بقيمة ذلك المسكن إن كانت قيمته أكثر من المسمى. وإن كان قصد الإقالة فيه، سقط ما ينوبه من الثمن. وإن قال المكتري: ما تركته إلا لأطلبه بقيمة كرائه، حلف على ذلك وكان (¬2) له فضل كرائه على المسمى. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 520. (¬2) قوله: (وكان) في (ر): (وإن كان).

باب فيمن اكترى دارا فأوقد فيها نارا فاحترقت أو هدمها أو أكراها من غيره فهدمها

باب فيمن اكترى دارًا فأوقد فيها نارًا فاحترقت أو هدمها أو أكراها من غيره فهدمها وقال ابن القاسم فيمن اكترى دارِّا وشرط عليه ألا يوقد فيها نارِّا فأوقد نارًا (¬1) لخبزه أو لطبخه فاحترقت: فهو ضامن (¬2). وإن لم يشترط ذلك واتخذ تنورًا فاحترقت الدار ودور (¬3) الجيران، قال (¬4): إن فعل من ذلك ما يجوز أن يفعله، فلا ضمان عليه. يريد: إن كانت العادة نصب التنور في مثل تلك الدار وأوقد على وجه المعتاد، لم يضمن. وإن كان لا ينصب فيها مثل ذلك، أو زاد في الوقيد؛ ضمن. وإن لم يعلم هل زاد على المعتاد، أم لا؟ كان فيها قولان؛ أحدهما (¬5): أنه لا ضمان عليه، ومحمله على أنه فعل ذلك على الوجه الجائز حتى يثبت غيره؛ لأنه لا يتهم أن يتعمد إلى إحراق بيته. والثاني: أنه ضامن حتى يثبت أنه فعل ذلك (¬6) على الوجه الجائز وأنه لم يفرط؛ لأنه الغالب أن ذلك لا يكون إلا عن زيادة في الوقيد وعن إهمال في التحفظ، قياسًا على الصانع والمرتهن يحترق بيته، وقد اختلف فيهما. ¬

_ (¬1) قوله: (فأوقد نارًا) ساقط من (ر). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 521. (¬3) في (ر): (دون). (¬4) قوله: (قال) ساقط من (ت). (¬5) قوله: (أحدهما) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (ذلك) ساقط من (ر).

فصل [فيمن اكترى دارا ثم أكراها لثان فهدمها]

وإن اشترط عليه ألا يوقد نارًا فأوقدها فاحترقت الدار (¬1) وغيرها، ضمن الدار المكتراة خاصة إذا كان الوقيد على صفة لو أذن صاحب الدار المكتراة فيه لم يكن لمن يليه في ذلك مقال؛ لأن التعدي عليه هو من حقه، وإن كان على صفة يكون لجاره منعه، ضمن جميع ما احترق. فصل [فيمن اكترى دارًا ثم أكراها لثانٍ فهدمها] وقال ابن القاسم فيمن اكترى دارًا ثم أكراها فهدمها الثاني: فضمان ذلك على مكتريها الثاني دون الأول (¬2). ولم يذكر صفة الضمان ولا الحكم في الكراء. وكذلك إذا اكترى (¬3) دارًا فهدمها ولم يكرها، فيختلف في صفة الضمان وسقوط الكراء. وإن هدمها المكتري، كان صاحب الدار بالخيار بين أن يضمنه قيمتها على أنه لا كراء فيها ويفسخ الكراء، أو يغرمه قيمتها على أنها مستثناة المنافع سنة إذا كان الكراء سنة ويكون له الكراء. وإن هدمها صاحبها، كان المكتري بالخيار بين أن يفسخ عن نفسه الكراء (¬4)، أو يأخذ فضل قيمة الكراء إن كان أكثر من المسمى. وإن هدمها أجنبي؛ سقط مقال المكتري في ذلك الكراء؛ لأن المنافع في ضمان بائعها -وهو (¬5) المكري- حتى يقبضها المكتري، ويكون صاحب الدار بالخيار بين أن ¬

_ (¬1) قوله: (الدار) يقابله في (ر): (هي). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 521. (¬3) في (ر): (أكرى). (¬4) قوله: (الكراء) ساقط من (ت). (¬5) قوله: (بائعها وهو) ساقط من (ر).

يغرم الهادم قيمتها على ألا كراء فيها، أو يغرمه قيمتها مستثناة المنافع سنة ويأخذه بالمسمى الذي أكرى به؛ لأنه دين كان له على المكتري أبطله بهدمه لتلك الدار (¬1). فأما إن أكراها المكتري ثم هدمت، فإنه لا يخلو هدمها من أربعة أوجه: إما أن يكون ذلك من صاحبها، أو من المكتري الأول، أو الثاني، أو أجنبي. فإن هدمها صاحبها بدئ بالمكتري الآخر، فإن رضي بفسخ الكراء عن نفسه (¬2)، كان المقال بين المكتري الأول (¬3) وصاحب الدار، وهو بالخيار في ثلاثة أوجه: بين أن يفسخ عن نفسه الكراء، أو يأخذ منه فضل قيمة الكراء على المسمى إن كانت القيمة أكثر، أو يأخذ منه فضل ما أكرى به من الآخر على المسمى إن كان هو أكثرهما؛ لأنه أبطله عليهم بهدم الدار. وإن هدمها المكتري الأول، كان ربها بالخيار، إن شاء أغرمه قيمتها الآن على أنه لا كراء فيها وينفسخ الكراء، وإن شاء أغرمه قيمتها على أنها لا تقبض وعلى أنها تقبض إلى سنة ويأخذ منه الكراء، ثم يعود المقال بين المكتريين فيكون للمكتري الآخر أن يرجع على من أكرى منه بفضل قيمة الكراء إن كانت القيمة أكثر من المسمى، أو يفسخ عن نفسه الكراء إن كان المسمى أكثر. وإن هدمها المكتري الآخر، كان لربها أن يغرمه قيمتها بتلًا على ألا كراء فيها، وإن شاء قيمتها على أنها تقبض إلى سنة ويغرمه مع ذلك ما اكترى به من المكتري الأول؛ لأنه دين له أبطله بهدمه الدار، وللمكتري الأول أن يرجع على ¬

_ (¬1) في (ر): (المنافع). (¬2) قوله: (عن نفسه) في (ت): (عنه). (¬3) قوله: (الأول) ساقط من (ر).

الثاني بقيمة (¬1) فضل الكراء إن كان فيه فضل. وإن هدمها أجنبي، كان المقال بين صاحب الدار والهادم، وهو بالخيار بين أن يغرمه قيمتها بتلًا، أو على أنها لا تقبض إلا إلى سنة ويأخذ منه ما كان أكريت به حسبما تقدم وينفسخ الكراء ولا مقال لواحد من المكترين على صاحبه. ¬

_ (¬1) في (ر): (بفضلة).

باب فيمن اكترى دارا ولم يسم عياله ولا ما يعمل فيها

باب فيمن اكترى دارًا ولم يسم عياله ولا ما يعمل فيها قال (¬1): ويستحب لمن اكترى دارًا أن يسمي عياله وما يعمل فيها؛ لأنه أسلم للغرر، فإن لم يفعل جاز. وله أن يسكن بما أحب من العيال ما لم يتفاحش ذلك ويرى أن ذلك يؤدي إلى تغير الدار وتلويثها فيمنع من ذلك، فإن قدر على أن يحط من ذلك ما يضر، وإلا أكراها ولم يفسخ الكراء. وإن ذكر عدد عياله ثم أحب أن يتزيد من الملك أو ممن يسكن معه، لم يمنع ما لم يأت ضررا. ويختلف إذا اشترط عليه صاحب الدار ألا يسكن معه آخر فتزوج أو اشترى رقيقًا، فقال ابن القاسم: ذلك له، إلا أن يكون في ذلك ضرر فيمنع (¬2). وقد اختلف في هذا الأصل فيمن اشترط شرطًا ليس بفاسد ولا ينتفع به مشترطه هل يوفي به؟ والقياس في هذه المسألة أن يوفي له بشرطه؛ لأن الشرط ها هنا حماية لما يخاف أن يدخل من الضرر، فأشبه من استأجر أجيرًا ليرعى له مائة شاة وشرط عليه ألا يرعى معها غيرها، وهو لو رعى معها خمسين لم يكن في ذلك ضرر بالمائة، فقال ابن القاسم: يوفي له بشرطه (¬3). فألزم الشرط وإن كان لا يضر؛ لأن لصاحب الغنم أن يزيد على نفسه في الإجارة ويفعل ذلك حماية لئلا تؤدي الزيادة إلى مضرته. ¬

_ (¬1) قوله: (قال) ساقط من (ر). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 522. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 448.

فصل [فيما يجوز للمكري عمله في الدار التي اكتراها]

وكذلك رب الدار يحط من الأجرة لمكان الشرط حماية لئلا تؤدي الزيادة إلى مضره، وهو أحسن لوجهين؛ أحدهما: أن معلومِّا أن المسكن الذي يسكنه الواحد أنظف وأسلم منه إذا سكنه أكثر من ذلك، مثل: الزوجة، والولد، والعيال. والوجه (¬1) الثاني: أن الشرط في هذا ليس لغير معنى، وأن القصد حماية كما تقدم، لئلا يؤدي ذلك إلى الضرر، فإن فعل قوم كراءها على ألا يسكن معه أحد، وعلى من أسكن معه فيكون له المسمى وفضل ما بين الكراءين. فصل [فيما يجوز للمكري عمله في الدار التي اكتراها] وأما ما يعمله فيها، فقال ابن القاسم: له أن يعمل فيها ما شاء من الأمتعة والدواب والأرحية والحدادين والقصارين ما لم يكن ضررا (¬2)، وهذا إذا عمل واحد منهم رحاء (¬3) وجعل يعمل فيها القصار والماشية والنفر عند أهل الرباع ضرر ولا شك فيه، إلا أن تكون من ديار البادية فلا يمنع من الماشية. وأما الدابة الواحدة للركوب، فإن كان (¬4) المكري يعلم أنه ممن يركب، وكانت العادة أن دابة الراكب تكون في داره لم يمنع، وإن لم يعلم أنه ممن يركب أو علم ذلك وكانت العادة أن الدابة تكون خارجة عن مسكنه؛ لأن الدابة تلوث الموضع (¬5) الذي تكون فيه، مُنِع. ¬

_ (¬1) قوله: (الوجه) ساقط من (ر). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 522. (¬3) قوله: (رحاء) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (كان) ساقط من (ر). (¬5) في (ر): (المسكن).

وكذلك إذا أراد أن يعمل فيها ظروفًا للخل، أو اللبن، أو للدباغ، فإنه يمنع من ذلك. وكذلك لو أراد أن يجلس فيها ليبيع الزيت أو ما أشبه ذلك، فإنه يمنع من ذلك، إلا أن يكون ذلك الشأن فيما يعمل في ذلك الحانوت أو في ذلك السوق فلا يمنع (¬1). ¬

_ (¬1) قوله: (فلا يمنع) ساقط من (ر).

باب فيمن سكن بزوجته في مسكن تملكه أو اكترته أو عند أصهاره أو أبويه

باب فيمن سكن بزوجته في مسكن تملكه أو اكترته (¬1) أو عند أصهاره أو أبويه وقال ابن القاسم فيمن بنى بزوجته في دارها ثم طلبته بالكراء عن (¬2) سكناه: لا شيء لها (¬3). يريد: لأن العادة أن ذلك على وجه المكارمة. واختلف إذا كانت فيه بكراء وهو وجيبة، فقال ابن القاسم: لا شيء لها وهو بمنزلة منزلها. وقال غيره: ذلك لها وعليه الأقل مما اكترت به أو كراء مثل ذلك المسكن (¬4). والأول أبين إذا كانت نقدت، فإن لم تكن نقدت، كان الأمر مشكلًا هل أسكنته ليكون هو الذي يدفع أو هي؟، وأرى أن تحلف أنها لم تسكنه إلا ليدفع هو ذلك الكراء، ثم يكون عليه الأقل من ثلاثة أوجه: من (¬5) المسمى، أو كراء المثل في ذلك المسكن، أو كراء المثل فيما كان يحكم به عليه أن يسكنها إياه إذا كان ذلك المسكن فوق ما يحكم به عليه، إلا أن تكون قد أدت الكراء في تلك الشهور ثم كلمته بعد ذلك فيضعف كلامها عند (¬6) قيامها، وإن كان قيامها (¬7) عند شر حدث، كان ذلك أبين ألا شيء لها. ¬

_ (¬1) في (ر): (تكريه). (¬2) في (ر): (عند). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 523. (¬4) انظر: المدونة: 3/ 523. (¬5) قوله: (أوجه من) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (كلامها عند) ساقط من (ت). (¬7) في (ت): (كلامها).

وإن كان الكراء مشاهرة ولم تنقد، كان القول قولها. وكل هذا إذا كانت العصمة باقية، فإن طلقها زال موضع المكارمة وكان لها أن تطلبه بكراء العدة، وسواء كانت في منزل تملكه أو بكراء وجيبة أو مشاهرة، نقدت أو لم تنقد، إلا أن له مقالًا إذا كانت في مسكن فيه فضل عما كان يحكم به عليه؛ لأنه يقول: إنما أغرم عما كان يلزمني أن أسكنها فيه ولو كنت ألزم بالكراء لم أسكن في هذا المسكن. وإن كان يسكن بها في مسكن لأبيها أو لأمها، كان كمسكنها لا شىء لها عن مدة كانت في العصمة؛ لأن العادة جارية أن ذلك على وجه المكارمة ولا يطلب أحد ذلك إلا عند ما يكون من الاختلاف والمقابحة. فأما الأخ والعم فالأمر فيهما مشكل، فيحلف ويستحق، إلا أن تطول المدة والسنون وهو لا يتكلم على ذلك فلا شيء له. ومثله إذا سكن بزوجته عند أبويه ثم طلبا الكراء، فلا شيء لهما وذلك لأخيه وعمه، إلا أن يقوم دليل أن ذلك على وجه المكارمة.

باب فيمن أكرى دارا ثم مات أو مات المكتري أو تبين أنه ممن يشرب الخمر أو يأوي إلى الدار بفساد

باب فيمن أكرى دارًا (¬1) ثم مات أو مات المكتري أو تبين أنه ممن يشرب الخمر أو يأوي إلى الدار بفساد ومن أكرى داره ثم مات أو مات المكتري، لم ينفسخ الكراء بموت واحد منهما، وإنما يفترق الجواب في تعجيل الكراء، فإن مات المكري لم يعجل، وإن مات المكتري تعجل وإن لم ينقض السكنى؛ لأنه دين ثابت، ولا يصح أن يرثه ورثته قبل قضاء ما عليه من الدين، لقول الله سبحانه في الميراث: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11]. وقد نزلت هذه المسألة في رجل اكترى حمامًا سنة ثم مات قبل انقضائها فتنوزع فيها هل يعجل، أو لا يعجل الدين لأن العوض وهو السكنى لم يقبض؟ والظاهر من قول مالك وابن القاسم أن يعجل؛ لأنه قال فيمن أكرى أرضه من رجل فزرعها ثم مات أو أفلس: إن المكري يحاص (¬2) الغرماء (¬3). فجعل له قبض الثمن قبل استيفاء المنافع. وقال فيمن أكرى إبله إلى مكة لتحمل بزًّا ففلس المكتري ببعض الطريق: إنه أحق بالبز يباع له وتكرى الإبل للغرماء (¬4). ولا يصح أن يكري منافعه التي بالنقد ويتعجل الغرماء ما يباع به، ولا يقبض هو ثمن المنافع (¬5)، ولا أن ¬

_ (¬1) قوله: (دارًا) ساقط من (ت). (¬2) في (ر): (يخاصم). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 561. (¬4) انظر: المدونة: 3/ 561. (¬5) في (ت): (المتاع).

فصل [فيمن أكرى داره لآخر فأظهر فيها الفسق وغيره]

توقف عليه. فإن قيل: إن الميت في تلك المسألة لم يفلس وأن الورثة يضمنون ذلك أو يأتوا بضمين إن لم يكونوا مأمونين، فقيل: ذلك أداء (¬1). وقد ذهب إلى هذا أبو الحسن ابن القصار، فقال: إذا مات الغريم قبل الأجل إنما يسقط الأجل بموته؛ لأن الدين كان معلقًا بذمته فلما سقط الأصل المعلق بها انتقل الدين إلى تركته، فإن ضمنه الورثة تعلق بذمتهم، وإن لم يضمنوه قضي من تركته؛ لأن التركة لا يؤمن عليها البقاء. قال ذلك في تضاعيف كلام وقع له في مسائل اللعان. فصل [فيمن أكرى داره لآخر فأظهر فيها الفسق وغيره] وقال ابن القاسم فيمن أكرى داره من رجل فظهرت منه دعارة، أو فسق، أو شرب خمر: فليس لرب الدار أن ينقض الإجارة، والسلطان يكف عنه أذاه وعن الجيران، وإن رأى أن يخرجه ويكريها عليه فعل (¬2). وأرى أن يخرجه وإن لم يتيسر كراؤها من يومه وما قارب ذلك وتخلى حتى يأتي من يكتريها، فإن لم يأت مكترٍ حتى خرج الشهر الذي اكتراه، لم يسقط عنه الكراء. وكذلك لو تبين أنه سارق يخشى على أبوابها وغير ذلك منه، لم يفسخ الكراء وأخليت عليه من يومه وأكريت متى أتاها مكترٍ. وقال مالك (¬3) في "كتاب ابن حبيب" في الفاسق يكون بين أظهر القوم في ¬

_ (¬1) قوله: (فقيل: ذلك أداء) يقابله في (ر): (وأتوا بضمين ألا يعجل دين). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 525. (¬3) قوله: (مالك) ساقط من (ر).

دار نفسه: إن السلطان يعاقبه على ذلك ويمنعه منه، فإن لم ينته أخرجه عنهم وبيعت عليه (¬1). وأرى أن يبتدئ بعقوبته لجرمه ثم يخرجه، فإن انزجر وإلا أكريت عليه، وإن لم ينته وكان يأتي لإيذاء الجيران ويقول: أنا آتي لداري أو ما أشبه ذلك بيعت عليه. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 153.

باب في الرجلين يكتريان حانوتا ثم يختلفان في صفة الجلوس في ذلك

باب في الرجلين يكتريان حانوتًا ثم يختلفان في صفة الجلوس في ذلك (¬1) وقال ابن القاسم في قصار وحداد اكتريا حانوتًا ثم تنازعا، فقال كل واحد منهما: أنا أكون في المقدم، ولم يكن بينهما شرط: فإن حمل القسم وإلا أكري عليهما (¬2). وأرى إن كان حائكًا وخياطًا والعادة كون الحائك داخلًا والخياط خارجًا، أن يحملا على ذلك ولا يؤدي ذلك إلى فساد، وإن كان فيه شبهة من جمع السلعتين؛ لأن المكري أكرى صفقة واحدة ولم يعين شيئًا لأحدهما، فهو جائز من قبله ولا شركة لأحدهما قبل الآخرة لأن كل واحد يقول: إنما عقدنا على أن لكل واحد منا موضعًا بعينه وليس لك أن تعطيني ما لم أشتره، بمنزلة ما لو اشتريا عبدًا وثوبًا صفقة واحدة (¬3) من رجل وعقدا بينهما أن العبد لأحدهما والثوب للآخرة فإنهما يقومانهما ويكون لكل واحد ما اشتراه. ولو كان الحانوت (¬4) يحمل القسم داخله وخارجه، لقسم على ذلك. ولو كانا بزازين اكتريا حانوتًا يحتمل القسم لجلوسهما واختلفا في الجانبين لأن أحدهما أفضل لعلاء (¬5) في القيمة واقترعا عليهما. ¬

_ (¬1) قوله: (في ذلك) ساقط من (ر). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 525. (¬3) قوله: (واحدة) ساقط من (ر). (¬4) في (ر): (الحائط). (¬5) في (ت): (لعدلا).

باب فيما يحدث بالمكترى من قطر أو هدم

باب فيما يحدث بالمكترى من قطر أو هدم قال (¬1): ومن اكترى بيتًا فقطر، فإن أصلحه المكري لزم المكتري، وإن لم يصلحه لم يجبر عند ابن القاسم وكان للمكتري أن يخرج. وقال غيره: يجبر على الإصلاح. وأرى أن يجبر في ثلاثة مواضع: إذا كان الإصلاح يسيرًا، وإذا كان كثيرًا ويعلم أن صاحبه لا يدع إصلاحه في تلك المده، وإذا كان يعلم أنه لا يستغنى عن الإصلاح في تلك المدة التي أكرى فيها. وإن كان على غير ذلك لم يجبر (¬2). وإن انهدم شرافات الدار، لم يفسخ الكراء ولم يحط من الكراء لأجلها إلا أن يكون قد زيد في الكراء لأجلها، فإن زال الجص من داخلها وأذهب جمالها، حط من الكراء ولم يكن له أن يخرج، إلا أن يصلحه فلا يحط له شيء (¬3). وإن انهدم حائط من داخلها لا منفعة فيه ولا جمال، لم يحط له شيء، وإن كان على غير ذلك حط، وإن كان الحائط مما يلي خارجها وانكشفت لأجله، فإن كانت النفقة فيه يسيرة جبر على إصلاحه، وإلا لم يجبر وكان للمكتري أن يخرج، إلا أن يتطوع المكري بإصلاحه ولا تلحق المكتري مضرة، إلا أن يصلح فلا يكون له أن يخرج. وقال أصبغ في "كتاب محمد": إن خرج ثم أصلح، فإن تطاول ذلك في البنيان، لم يكن عليه أن يرجع. وأما الأيام وفوق ذلك قليلًا لا كثير ضرر عليه ¬

_ (¬1) قوله: (قال) ساقط من (ر). (¬2) في (ر): (يجز). (¬3) قوله: (فلا يحط له شيء) يقابله في (ر): (فلا يخرج). انظر: المدونة: 3/ 527.

فصل [فيمن اكترى أرضا فانهار بئرها أو غار ماؤها وأبى المالك أن يصلحها]

فإن الباقي لازم له (¬1). يريد: إذا لم يجر بينهما قول بعد الخروج. وأما إن كان خروجه على وجه الفسخ وتراضيا بذلك، لم يكن هناك رجوع، وإن كان ليرجع إذا أصلح، جبر على الرجوع. وإن انهدم بيت من داخلها ولم ينكشف من خارجها وكان البيت أقل المكترى، حط ما ينوبه، وإن كان الجل كان له أن يخرج. وقال ابن حبيب: إن قال المكتري أنا أصلح ما انهدم من مالي، لم يكن لصاحب الدار أن يمنعه (¬2)؛ لأنه في منعه مضار لمنعه ما ينفعه ولا مضرة عليه، فإن انقضت الوجيبة أخذه بقيمته منقوضًا، إلا أن يكون بإذنه فيأخذه بقيمته قائمًا. فصل [فيمن اكترى أرضًا فانهار بئرها أو غار ماؤها وأبى المالك أن يصلحها] وقال مالك فيمن اكترى أرضًا (¬3) ثلاث سنين فلما زرع انهارت البئر أو تغور ماؤها (¬4) وأبى ربها أن يصلح: إن للمكتري أن يصلح بكراء سنة لا أكثر منه، فإن زاد فهو متطوع (¬5). وقال في المساقي سنين فيغور ماء البئر: إن للمساقي أن ينفق (¬6) بقدر ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 139. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 138. (¬3) قوله: (أرضِّا) ساقط من (ر). (¬4) في (ر): (أنهارها). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 526، 527. (¬6) في (ر): (يصلح).

نصيب صاحب الحائط سنة لا أكثر (¬1). يريد: أن يسلف ذلك من عنده حتى يصلح الثمار للبيع. وقال في الذي يرتهن الزرع أو النخل ولها بئر فتهور ويأبى المالك من إصلاحه: إن للمرتهن أن ينفق من ماله وتكون نفقته في الزرع وفي رقاب النخل لئلا يهلك رهنه ويبدأ من الرهن بما أنفق، وإن بقي شيء كان لربه، وإن لم يوف لم يكن له على أصله على المالك للزرع والنخل شيء (¬2). ولم يجبر صاحب النخل (¬3) والحائط على الإصلاح كما لم يجبر صاحب الدار في الكراء، وجعل للمكتري أن يصلح البئر من كراء تلك السنة ومن نصيبه في المساقاة، لئلا يهلك زرعه وعمله في الحائط. ولا يخلو فساد البئر وغور الماء إذا أكريت الأرض من أن يكون قبل حرث الأرض، أو بعد أن قلبت ولم تزرع، أو بعد أن زرعت، أو بعد أن رفع زرعه وحدث ذلك في سنة أخرى، فإن لم يكن عمل شيئًا؛ خُيِّر صاحب الأرض بين أن يصلح أو يأذن له في الإصلاح، فإن أبى رد إلا أن يرضى أن يصلح على ألا يحط عنه من الكراء شيء. وكذلك لو قلبت الأرض ولم تبذر فلا يجبر صاحب الأرض على أن يعمل من كراء تلك السنة؛ لأنه متى ردت الأرض كان كراؤها بينهما هذا بقيمة الكراء غير محروثة، وهذا بقيمة حرثه، فإن لم يوجد من يكتريها عاد الجواب إلى ما تقدم وزرعت (¬4) لئلا تهلك خدمته فيها. وأما إن أنفق فكانت النفقة أكثر من سنة (¬5)، فإن كانت الزيادة مما لا يقدر ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 527. (¬2) قوله: (شيء) ساقط من (ر). (¬3) في (ر): (الأرض). (¬4) في (ر): (لوزعت). (¬5) قوله: (سنة) في (ر): (نفقته).

على أخذه في مثل استغزار الماء، أو بناء والأحجار لرب البئر، فلا شىء له وإن أتى بما أتم به من الأنقاض (¬1) من عنده، كان له أن يأخذ تلك الأنقاض، إلا أن يشاء صاحب البئر أن يعطيه (¬2) قيمتها منقوضة. وكذلك المساقاة إذا فضل له شيء بعد بيع (¬3) نصيب صاحب الحائط من الثمرة، فالجواب على ما تقدم. وعلى قول غيره في الديار: إن صاحبها يجبر على إصلاحها، يجبر هذا على إصلاح البئر وكنسها. وأرى أن يجبر إذا كانت نفقة الإصلاح يسيرة أو كثيرة وكان متى عادت إليه بادر إلى إصلاحها، أو كان يعلم أنها تحتاج إلى مثل هذا الإصلاح في هذه السنة، وإلا لم يجبر. وقال ابن القاسم في "العتبية": يجبر الراهن على إصلاح البئر حتى يتم الزرع والثمرة إن كان له مال، وإن لم يكن له مال نظر، فإن كان بيع بعض الأصل خيرًا بيع منه (¬4) ما يصلح به، فإن تطوع المرتهن بالإصلاح ورأى أن ذلك خير لرب الأصل (¬5)؛ جاز وكان الأصل في يديه رهنًا بما أنفق (¬6)، فيجبر الراهن على الإصلاح بخلاف المكري؛ لأنه في الرهن الثمار للراهن وعين متاعه الذي يهلك، وفي الكراء إنما يهلك زرع المكتري. ¬

_ (¬1) في (ر): (الإنفاق). (¬2) قوله: (أن يعطيه) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (بيع) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (منه) ساقط من (ت). (¬5) في (ت): (الأرض). (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 10/ 242.

وقال ابن الماجشون في "كتاب ابن حبيب" في المساقي يتوخى فيه (¬1) قدر فصيب الحائط من الثمرة بعد طرح مؤنته فيها: فيكلف أن يخرج قيمة (¬2) ذلك معجلًا فينفقه إن كان كافيًا، فإن أعدم، قيل للعامل: أخرج مثله من عندك ويكون نصيبه من الثمرة رهنًا بذلك، وإلا فسلم الحائط إلى ربه ولا شيء لك عليه (¬3). ¬

_ (¬1) قوله: (فيه) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (قيمة) ساقط من (ر). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 156، 157.

باب في الدعوى في الكراء وإذا اختلفا في قدر الكراء أو في جنسه أو ادعى الساكن أنه سكن باطلا

باب في الدعوى في الكراء وإذا اختلفا في قدر الكراء (¬1) أو في جنسه أو ادعى الساكن أنه سكن باطلًا (¬2) قال (¬3): وإذا قال المكتري اكتريت بهذا العبد. وقال الآخر: بهذا الثوب، تحالفا وتفاسخا، وعلى المكتري إن كان سكن شيئًا كراء المثل والعبد والثوب للمكتري (¬4). وكذلك إذا قال صاحب الدار: أكريتك بمائة دينار. وقال المكتري: بمائة إردب قمحًا، أنهما (¬5) يتحالفان ويتفاسخان وعليه فيما سكن كراء المثل. وإلى هذا يرجع قول ابن القاسم في الكتاب؛ لأنه قال: وهو بمنزلة ما لو قال هذا بمائة وهذا (¬6) بعشرة وأتيا بما لا يشبه، أنهما يتحالفان ويتفاسخان وعليه من الكراء قيمة ما سكن. قال: وهو بمنزلة الاختلاف في السلعتين (¬7). يريد: ما (¬8) لو قال: هذا بعبد وهذا بثوب، فقال: هو بمنزلة إذا أتيا بما لا يشبه، وهذا عمدته في الجواب، وإذا أتيا بما لا يشبه، رجع إلى كراء المثل فلم ¬

_ (¬1) قوله: (في قدر الكراء) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (سكن باطلًا) يقابله في (ت): (باطل). (¬3) قوله: (قال) ساقط من (ر). (¬4) في (ر): (للمكري). (¬5) قوله: (قمحًا أنهما) ساقط من (ر). (¬6) في (ت): (وقال هذا). (¬7) انظر: المدونة: 3/ 528. (¬8) قوله: (ما) يقابله في (ت): (بمنزلة).

يقبل قول الساكن لأن الشأن العين. فقوله: (بقمح) قد أتى فيه بما لم يشبه (¬1)، ولم يقبل قول صاحب الدار في المسمى؛ لأن الساكن أتى بما لا يشبه بالقدر من العين، وإنما كتم (¬2) أن يكون الكراء بالعين. ولو قال الساكن: بمائة دينار. وقال صاحب الدار: بمائة إردب قمحًا، كان القول قول الساكن مع يمينه إذا أتى بما يشبه في القدر، بخلاف المسألة الأولى؛ لأنه الغارم وقد أتى بما يشبه (¬3) في الجنس والقدر، وفي المسألة الأولى أتى بما لا يشبه في الجنس وكتم القدر. ولو اتفقا أن الكراء بعين واختلفا في قدره فقال الساكن (¬4): خمسون. وقال الآخر: مائة، فإن اختلفا قبل السكنى تحالفا وتفاسخا، وإن كان بعد مضي السنة، كان القول قول الساكن مع يمينه إذا أتى بما يشبمع وإن اختلفا بعد مضي ستة أشهر، كان القول قول الساكن في الماضي وتحالفا وتفاسخا في الباقي، وهذا إذا لم يكن نقد، فإن نقد خمسين دينارًا واختلفا قبل (¬5) السكنى، تحالفا وتفاسخا على قول ابن القاسم. وإن كان قد نقد خمسين واختلفا وقد (¬6) مضت السنة، كان القول قول الساكن مع يمينه أنه لم يبق عنده شيء وأن كراه كان بخمسين، وإن مضت سته أشهر كان القول قول الساكن مع يمينه في الماضي، ويختلف في الباقي، فقيل (¬7) تلك المدة التي مضت طول في النقد فالقول قول صاحب ¬

_ (¬1) من قوله: (وهذا عمدته. . . بما لم يشبه) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (كتم) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (بما يشبه) في (ر): (بما لا يشبه). (¬4) قوله: (الساكن) ساقط من (ر). (¬5) في (ر): (في). (¬6) قوله: (كان قد نقد خمسين واختلفا وقد) ساقط من (ت). (¬7) في (ر): (هل).

فصل [فيما إذا اختلف المتكاريان في التسمية]

الدار (¬1) مع يمينه ويسكن الآخر نصف المسكن، إلا أن يقوم بعيب الشركة فيرد. وقيل: الطول ليس بفوت، فيتحالفان في الباقي ويتفاسخان. وقد مضى وجه ذلك في كتاب السلم الثاني. وإن اتفقا في الكراء بقمح أو غيره مما يكال أو يوزن واختلفا في قدره، كان بمنزلة اتفاقهما في العين واختلافهما في قدره (¬2). وإن اختلفا في المدة، فقال أحدهما: مشاهرة. وقال الآخر: بالسنة. كان القول قول من ادعى المشاهرة إذا كانت تلك العادة أو كانت العادة مختلفة، وإن كانت العادة السنة خاصة، كان القول قول من ادعاها من مُكرٍ أو مُكترٍ، والديار والفنادق والحوانيت في ذلك سواء. فصل [فيما إذا اختلف المتكاريان في التسمية] وإن اختلفا، فقال الساكن: أسكنتني باطلًا. وقال الآخر: أسكنتك بكذا وكذا وأتى في التسمية بما يشبه، كان القول قول صاحب الدار مع يمينه ويأخذ التسمية، وهو قول ابن القاسم. وقال غيره: عليه الأقل من قيمة ما سكن أو ما ادعاه صاحب الدار بعد أيمانهما (¬3). ومدعي الهبة على ثلاثة أوجه: فإن لم يكن لدعواه شبهة تكون الهبة لأجلها، كان القول قول المالك بغير يمين. وإن كانت شبهة ودلائل على الهبة، كان القول قول مدعيها بيمين، وقد تكون تارة بغير يمين. وإن أشكل الأمر؛ ¬

_ (¬1) قوله: (صاحب الدار) يقابله في (ر): (الساكن). (¬2) قوله: (واختلافهما في قدره) ساقط من (ر). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 528.

كان القول قول المالك. واختلف في اليمين، فإن كانا أجنبيين لا قرابة بينهما ولا صداقة ولا فقر تكون الهبة لأجله، كان القول قول المالك بغير يمين إذا كان ما ادعاه من المسمى (¬1)، مثل: كراء المثل فأقل، فإن كان أكثر من كراء المثل إلا أنه يشبه أن يكريه به، حلف المالك (¬2) وحده عند ابن القاسم؛ لأن الساكن بمنزلة من اعترف بالكراء وكتم التسمية. وعلى قول غيره: يحلف الساكن وحده أنه لم يكتر منه بما قال ويغرم كراء المثل ولا يمين على الآخر. وإن كان الذي ادعاه المالك لا يشبه أن يُكترى به على حال، حلف الساكن وحده على القولين جميعًا وغرم كراء المثل. وإن كانت هناك شبهة لسكناه باطلًا وكان الذي ادعاه المالك مثل كراء المثل فأقل، حلف وحده وأخذ ما ادعاه. وصفة يمينه أن يحلف أنه لم يسكنه باطلًا لا غير. وإن كان ما ادعاه فوق كراء المثل إلا أنه يشبه أن يكترى به، حلفا جميعًا، يحلف المالك أنه لم يسكنه باطلًا، ويحلف الآخر أنه لم يكتر بتلك التسمية وغرم كراء المثل. وإن قام للساكن دليل على أن سكناه كان باطلًا لقرابة أو صداقة لا يشبه أن يسكنه معها بكراء وأن الذي أوجب ذلك اختلاف حدث أو كان، مثل: الأبوين، والابن، أو الزوجة تسكن زوجها، كان القول قول الساكن مع يمينه أنه لم يشترط عليه كراء، فإن لم يدع المالك أنه اشترط عليه كراءة لم يكن عليه يمين. وإن طالت السنون وهو لا يؤدي كراء وخرج من المسكن وطالت ¬

_ (¬1) قوله: (من المسمى) ساقط من (ر). (¬2) في (ر): (الساكن).

السنون (¬1) وهو لا يطلب كراء، كان أبين في سقوط دعواه، ويشترك الأجنبي مع القريب والصديق في هذا الوجه إذا طالت المدة بعد خروجه ولم يطلبه بشيء في (¬2) ألا قيام له. ¬

_ (¬1) من قوله: (وهو لا يؤدي كراء. . . السنون) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (في) ساقط من (ر).

باب في اختلاف رب الدار والساكن في بعض بنائها وبعض أنقاضها

باب في اختلاف رب الدار والساكن في بعض بنائها وبعض أنقاضها وإن اختلفا في فرش الدار أو في شيء من أبوابها، كان القول قول صاحب الدار مع يمينه، إلا أن يقوم للآخر دليل على صدقه من جدة البناء أو باب وضعه، ويقول صاحب الدار: كنت وضعته في وقت كذا، لوقت لا يشبه أن يكون كما قال ألا يتغير، فيكون القول قول المكتري. وإن اختلفا في شيء مقلوع، كان القول قول المكتري، إلا أن يقوم للآخر دليل على قوله، مثل: أن يكون للبيت فرد باب، ويقول: لم يكن له غيره. ويقول أهل المعرفة: إن هذا المقلوع صاحبه. أو يختلفان في خشبة وقد زال موضعها من السقف، وهي مثله في النقش والصنعة فيصدق صاحب الدار، وقد (¬1) يقوم دليل على صدق الساكن؛ لأن هذه جديدة وغيرها قديمة، أو هذه قديمة والسقف جديد. وإن اختلفا في بيت، فقال المكري: كان فيها. وقال الآخر: لم يكن فيها (¬2) أنا بنيته. فإن كان لا يشبه أن يكون إلا قديمًا؛ صدق صاحب الدار بغير يمين. وإن كان لا يشبه أن يكون إلا محدثًا؛ قُبِلَ قول المكتري بغير يمين. وإن أَشْكَل الأمر، كان القول قول صاحب الدار مع يمينه. وإن أقرَّ أنه أَذِن له في بناء بيت وأَشكَل الأمر فيه هل كان قبل أو بعد؟ قيل لصاحب الدار: فأين الموضع الذي أذنت له يبني فيه؟ فإن ذكر موضعًا لا يشبه أن يعمل فيه بيتًا؛ قُبِلَ قول ¬

_ (¬1) في (ر): (أو). (¬2) قوله: (لم يكن فيها) ساقط من (ر).

المكتري مع يمينه، وقد يكون هذا البيت هو تمام الدار ولا يعمل في غير ذلك الموضع. وإن ذكر موضعًا يشبه أن يعمل فيه بيت، كان قد أتى كل واحد منهما بما يشبه، فقال ابن القاسم: القول قول المكتري لأنه عنده مؤتمن (¬1). فكان القول قوله فيما اؤتمن عليه أن يفعله وهو البناء، وإن كان ذلك يؤدي إلى إبراء ذمته، كما قال في "المستخرجة" (¬2) إذا أذِنَ لغريمه أن يشتري بالدَّين الذي في ذمته، فقال: اشتريت وضاع (¬3)؛ أنه يقبل قوله. وقال غيره: لا يقبل قوله؛ لأن الكراء في ذمته فلا يخرجه من الدَّين إلا البينة. وإن تصادقا أنه بناه وخالفه فيما أنفق فيه، فإن لم يكن حاضرًا في حين الإنفاق صدق المكتري، وإن كان حاضرًا ولم يكن أذِنَ له أن يدفع إلا ما يأمره بدفعه كان القول قول المُكري (¬4) مع يمينه. وقوله: ابن لي بيتًا. بخلاف قوله: كِل لي الطعام الذي عندك ويكون وديعة عندك؛ لأنه في ذمة فلا تصح الأمانة إلا بعد إخراج ما في الذمة. وكذلك قوله: ادفع لفلان؛ لأن فلانًا إنما يصح كونه أمينًا على ما يصير إليه بعد ثبات البراءة للأول. وقوله: ابن بالكراء. كقوله: اشتر بالدَّين سلعة. فالشراء يصح قبل إخراج ما في الذمة؛ لأنه إذا اشترى وزن وهو أمين على الشراء، وكذلك البناء يصح أن يشتري الآجر ويستأجر ثم يزن وهو أمين على الشراء والإجارة؛ لأن ذلك ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 530. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 14/ 423. (¬3) قوله: (وضاع) ساقط من (ر). (¬4) في (ر): (المكتري).

فصل [فيمن وكل رجلا ليكري له داره]

ليس من حق المداينة ولا تعلق للمداينة الأولى به، وكان القول قوله أنه فعل ما اؤتمن عليه، وإذا كان كذلك لم يحمل عليه أنه غصب من اشترى منه ومن استأجره حقوقهم. فصل [فيمن وكل رجلًا ليكري له داره] وقال ابن القاسم فيمن وَكَّل رجلًا على أن يكري له دارًا، فأكراها بمحاباة أو وهب سكناها أو تصدق به: فإن فات بالسكنى والوكيل ملي، غرم كراء الدار ولم يرجع به على الساكن، وإن كان فقيرًا، غرم الساكن ولم يرجع الساكن على الوكيل (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 531.

باب في تفليس المكتري

باب في تفليس المكتري ومن "المدونة" (¬1) قال ابن القاسم فيمن تكارى منزلًا سنة ثم فلس بعد أن سكن ستة أشهر: كان صاحب الدار بالخيار بين أن يسلم باقي السكنى ويضرب مع الغرماء فيه وفي غيره من مال المفلس، إلا أن يدفع إليه الغرماء ما ينوب الباقي (¬2). وقد قيل: ليس ذلك للغرماء إلا أن يدفعوا له جميع الكراء إذا لم يكن نقد شيئًا. والأول أحسن، وإنما يعيدون (¬3) منه ما له أخذه، ولا أرى أن يخرج الغريم بالحضرة ولا تباع لهم (¬4) جميع المدة الباقية؛ لأن عليه في ذلك حرجًا أن يخرج لغير إيواء كما لا يترك بغير نفقة، والحاجة إلى المسكن كالحاجة إلى النفقة، فيترك له من تلك المدة ما يرى أنه يَتحيَّل لنفسه في شيء ليكتري به عند انقضائها. وإن كان كراء السنة باثني عشر دينارًا فقدم من ذلك ستة دنانير ثم فلس المكتري بعد ستة أشهر، كان المكري بالخيار بين أن يسلم باقي السكنى ويضرب بالستة الدنانير، أو يأخذ باقي السكنى، أو يرد ما ينوب ويضرب بالباقي مما ينوب الماضي في جميع مال المفلس وفي الذي يرد. واختلف إذا دفع أحد الغرماء ذلك من مال نفسه هل يكون أحق بما يباع ¬

_ (¬1) قوله: (ومن المدونة) ساقط من (ر). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 531. (¬3) في (ت): (يفتدون). (¬4) قوله: (لهم) ساقط من (ر).

به ذلك السكنى حتى يستوفي منه ما دفع إلى صاحب المسكن، وأن يكون أحق أصوب، وسواء كان المفلس في الحياة أو بعد الموت، وهو في ذلك السكنى أقوى سببًا ممن أحيا شيئًا (¬1)، ثمرة، أو زرعًا لعمله (¬2). والقياس: أن يكون أحق بربح ذلك السكنى من سائر غرمائه؛ لأن ماله سببه وإنما دفع ماله لمكان ذلك الربح، فيكون أحق به كما تقدم في الأجير أنه أحق لما كان عمله سبب نمائه. تم كراء الدور بحمد الله وحسن عونه ¬

_ (¬1) قوله: (شيئًا) ساقط من (ت). (¬2) في (ر): (بعلمه).

أكريه الأرضين

أكريه الأرضين (¬1) باب في إجارة الأرضين وما يكره من ذلك إجارة الأرضين جائزة، وقد يندب إلى ترك أخذ العوض عنها تارة، فإن اشتريت للكراء أو كانت فاضلة عن حراثته ولكرائها قدر أو لا قدر له (¬2) وهو فقير، جازت إجارتها، وإن كان موسرًا ولا خطب لكرائها، كانت منحتها أحسن (¬3)؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لأَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكلمْ أَخَاهُ أَرْضَهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا خَرَاجًا مَعْلُومًا". أخرجه البخاري ومسلم (¬4). فندب إلى ترك المشاححة (¬5) في مثل هذا وإلى المكارمة لما يؤدي إليه ذلك من التواصل والتوادد، وأن يستنوا بمكارم الأخلاق، وهو في القريب والجار والصديق آكد. ومن شحَّ على حقه وأكرى لم يمنع، وقد يستخف ذلك في الطارئ، ولا يدخل في الحديث إذا كان الطالب لها يهوديًّا أو نصرانيًّا؛ لقوله -عليه السلام-: "لأَنْ ¬

_ (¬1) قوله: (أكرية الأرضين) ساقط من (ر). (¬2) في (ر): (لها). (¬3) قوله: (أحسن) ساقط من (ر). (¬4) أخرجه البخاري: 8/ 135، في باب إذا لم يشترط السنين في المزارعة، من كتاب المزارعة، برقم (2162) ومسلم: 8/ 167، في باب الأرض تمنح، من كتاب البيوع، برقم (2894). (¬5) قوله: (المشاححة) في (ر): (المشاحنة). اْي: المنازعة وهي إِذا تنازع شخصان على شيء لا يريد كل واحد منهما أَن يفوته، وتَشاحَّ الخصْمانِ في الجدَلِ كذلك بتصرف. انظر: لسان العرب: 2/ 495.

فصل [كراء الأرض]

يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ. . .". يريد: المسلم. فصل [كراء الأرض] كراء الأرض جائز للمالك وللمستأجر لها، وكذلك إن كانت عارية وقصد المعير ليتمول المعار تلك المنافع، وإن كان قصده عينه بالانتفاع (¬1) لم يكن له أن يكريها، فقد يعير الرجلُ الرجلَ (¬2) ثوبه أو دابته لينتفع بذلك ويكره أن يراه على غيره، وأن يسلم (¬3) الدابة لمن يركبها والدار لمن يسكنها ولو علم ذلك ما أعاره، فمثل هذا يمنع من إجارته، إما أن ينتفع بنفسه أو يرده. وكذلك الحبس إذا كان القصد أن يملكه تلك المنافع ليتمولها، كان له أن يبيعها، وإن كان القصد انتفاعه بنفسه، لم يكن ذلك له، فقد يعلم المحبس من المحبس عليه الإتلاف فيريد بالسكنى أو الحراثة استئثاره بذلك فيمنع من بيعها؛ لأنه ضد ما قصده المحبس. وكذلك الزوجة تُسْكِن الزوج دارها سنين، فليس له أن يخرجها ويكريها تلك السنين، ولو طلقها قبل انقضاء تلك المدة، سقط مقاله في بقية الأجل، ولو مات لم يكن لورثته في بقية الأجل مقال. وكذلك الصهر يسكن صهره مسكنًا ويضرب أجلًا فيُطلِّق أو يموت الزوج أو الزوجة، فكل هذا إنما يراد به عين المعار. ¬

_ (¬1) قوله: (بالانتفاع) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (الرجلُ الرجلَ) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (وأن يسلم) يقابله في (ر): (أو يعير).

فصل [في كراء دور مكة وبيعها]

فصل [في كراء دور مكة وبيعها] واختلف في كراء دور مكة وفي بيعها، فمنع ذلك مالك مرة. وذكر أبو جعفر الأبهري أنه كره بيعها وكراءها، فإن بيعت أو أكريت لم يفسخ. والظاهر من قول ابن القاسم في "المدونة" الجواز؛ لأنه قال في فض الكراء في الأرض: إنها إذا انهارت البئر، أنه يفض، قال: في مثل ذلك دور مكة في إنفاقها في أيام الموسم. ولم يختلف قول مالك ولا أصحابه أنها فتحت عنوة وأنها لم تقسم على السهمان. واختلف هل منَّ بها على أهلها، أو أقرت للمسلمين؟ وذكر ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "مَكَّةُ كلهَا مُبَاح (¬1) لاَ تباعُ رِبَاعُهَا وَلاَ تُؤَاجَرُ بُيُوتُهَا" (¬2). فصل [في كراء أرض العنوة] ولا بأس بكراء أرض العنوة؛ لأنها على ثلاثة أوجه: إما أن يكون قد أقطعها الإمام لمن هي في يديه، فله أن يبيع الرقاب والمنافع أو يكون أقطع المنافع خاصة وقتًا ما فيجوز له بيعها. أو يكون أبقاها لنوائب المسلمين، فيجوز له أن يكريها ويصرف إجارتها في منافع المسلمين، إلا أن يعلم المتولي لكرائها أنه يأكله ولا يصرفه في وجوه الحق فلا تكرى منه. ¬

_ (¬1) في (ر): (مباحة). (¬2) أخرجه البيهقي: 6/ 35، في باب ما جاء في بيع دور مكة وكرائها وجريان الإرث فيها، من كتاب البيوع، برقم (10965) عن عبد الله بن عمرو.

وأما أرض الصلح، فيجوز أن تكرى إذا أسلم المصالح عليها أو لم يسلم ولم تكن عليها جزية، فإن كانت عليها جزية؛ كره للمسلم أن يكتريها منه خيفة أن يؤخذ بجزيتها ففيه إذلال له. ولا بأس أن يكري المسلم أرضه من الذمي. قال مالك: إذا كان لا يغرس فيها شجرًا فيعصره خمرًا (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 560.

باب في الوقت الذي يجوز كراء الأرض فية وما يجوز من اشتراط النقد ومتى يجب النقد إن لم يشرط

باب في الوقت الذي يجوز كراء الأرض فية وما يجوز من اشتراط النقد ومتى يجب النقد إن لم يشرط اختلف في الوقت الذي يجوز فيه عقد كراء الأرض، هل تُكرى سنين؟ فأجاز مالك وابن القاسم أن تكرى قبل (¬1) أوان الحرث وإن بعد السنة والسنتين، فإن كانت غير مأمونة جاز العقد وحده (¬2)، وإن كانت مأمونة جاز العقد والنقد. وذكر سحنون قولًا آخر: أنها لا يمرى إلا سنة واحدة، مأمونة كانت أو غير مأمونة قرب الحرث (¬3)، ولا يجوز كراؤها بالنقد إلا أن تروى ريًّا مبلغًا له كله أو لأكثره مع رجاء وقوع غيره إلا أن تكون مأمونة كأمن النيل (¬4). وقول مالك أحسن، فيجوز أن تُكرى وإن لم يقرب حرثها سنة وسنتين؛ لأن المالك يوقف ماله لما يرى فيه صلاحًا وتنمية، وهو في كرائها سنة أبْيَن؛ لأنه لم يحجر على نفسه الآن انتفاعًا لأنه ليس بوقت انتفاع بها، وإن أحبَّ البيع باع على أنها مستثناة المنافع سنة. وإن كان أوان حرثها وهي أرض سقي تعمل عملًا متواليًا، جاز أن يكرى سنين؛ لأنها حينئذٍ كالديار منافعها متوالية، فإن أكراها هذه السنة والثالثة دون الثانية، جاز على قول مالك ولم يجز على قول غيره. ¬

_ (¬1) قوله: (قبل) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (وحده) ساقط من (ت). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 535. (¬4) انظر: المدونة: 3/ 534، 535.

فصل [في اشتراط النقد في كراء الأرض]

فصل [في اشتراط النقد في كراء الأرض] وأما اشتراط النقد فراجع إلى صفة الأرض في الأمن. والأرض أربعة: أرض النيل، وأرض مطر، وذات نهر، وذات بئر. وأرض النيل ثلاثة: فإن كانت منخفضة تروى وإن نقص النيل، جاز اشتراط النقد. وإن كانت بعيدة أو مرتفعة يبلغها الماء مرة بعد الوفاء ومرة لا يبلغها، أو لا يطول مقامه عليها، لم يجز شرط النقد وكانت كأرض المطر. وإن كانت مبسوطة (¬1) لا يخطئها الماء إذا وفَّى ويقيم على المعتاد، جاز اشتراط النقد، ومنعه عمر بن عبد العزيز حتى يجري (¬2) عليها الماء (¬3)، فراعى النادر. وكذلك أرض المطر إذا كانت مأمونة وإنما تخطئ في نادر السنين، جاز اشتراط النقد على قول مالك ولم يجز على قول عمر بن عبد العزيز حتى يجري عليها الماء (¬4)، وإن كانت كثيرًا ما تخطئ لم يجز شرط النقد. وقد تكون الأرض ذات نشوع يكفيها قليل الماء فإن كثر فسد الزرع، فإن كان الغالب السلامة جاز شرط النقد، وإن كان كثيرًا ما تفسد لم يجز. وكذلك أرض النهر إن كان كثيرًا مأمونًا بتلك الأرض جاز شرط النقد، وهي حينئذٍ آمن من النيل قبل إتيانه؛ لأن هذا موجود وذلك حين العقد معدوم، وقد لا يأتي وهي بمنزلة أرض النيل بعد وفائه، وإن كان غير مأمون لم ¬

_ (¬1) في (ر): (متوسطة). (¬2) في (ر): (يخرج). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 535. (¬4) قوله: (حتى يجري عليها الماء) ساقط من (ر). انظر: المدونة: 3/ 534، 535.

فصل [فيما إذا لم يشترط النقد حين العقد]

يجز النقد. وإن كانت ذات بئر، وكان مأمونًا أو غير مأمون (¬1)، فإن أصلح وفاء بشرط الإصلاح (¬2) جاز النقد. وإن كانت غير مأمونة بعد الإصلاح، أو قال (¬3) المكري: لا أُصلح، لم يجز العقد، بخلاف أرض المطر؛ لأن أرض المطر يرجى أن يأتي منه ما فيه وفاء. وإن كانت الأرض غرقة وكان انكشافه مأمونًا لأن له موضعًا يسيل منه فإذا خرج عنها كان فيه غنى عن سواه، جاز شرط النقد كأرض النيل إذا رويت. وكذلك إن كانت لا يكفيها والغالب أن قليل المطر بعد هذا يكفيها. وإن كان انكشافه غير مأمون، جاز العقد، فإن انكشف عنها وجب النقد على قول مالك (¬4) إذا كان الذي أقام عليها كافئا، كأرض النيل إذا لم يشترط النقد حين العقد ثم رويت. فصل [فيما إذا لم يشترط النقد حين العقد] وإذا لم يشترط النقد حين العقد افترق الجواب في وقت (¬5) وجوبه في الأرض المأمونة، فلا يلزم ذلك في أرض النيل قبل أن تروى. قال ابن القاسم: فإن رويت لزم النقد (¬6). يريد: إذا انكشف الماء عنها وأمكن قبض المنافع. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 154. (¬2) في (ر): (الصلاح). (¬3) قوله: (أو قال) في (ت): (وقال). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 155. (¬5) قوله: (وقت) ساقط من (ر). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 155.

فصل [فيمن اكترى أرضا فزرعها سنة ثم انهارت البئر]

واختلف في ذات السقي إذا كان النهر أو البئر، فقال ابن القاسم: لا يجب (¬1) النقد حتى يتم الزرع (¬2). يريد: إذا استغنى عن الماء، فإن كانت بطونًا فإذا أتم بطنًا دفع ما ينوبه. وقال غيره: إذا اكترى بطنًا لزمه النقد، وإن كانت بطونًا (¬3) لزمه ما ينوب كل بطن الآن نقدًا (¬4). وقول ابن القاسم أحسن؛ لأن ذلك السقي لم يوجد بعد، وإنما هو شيء تمده الأرض شيئًا بعد شيء، ولو لزم الكراء في ذلك الآن للزم النقد في أرض النيل إذا بدأ الزيادة وإن لم ترو (¬5). والقياس: ألا يلزم النقد في أرض النيل وإن رويت؛ لأن المكتري اكترى شيئين، الماء، ومنافع الأرض، فلا يلزمه النقد بقبض أحدهما. وقد يحمل القول في لزوم النقد على قول مالك في "العتبية" في الصانع يطلب تقديم أجره، قال: ليس ذلك له حتى يبدأ في العمل فيقدم حينئذٍ إليه (¬6) أجره. فصل [فيمن اكترى أرضًا فزرعها سنة ثم انهارت البئر] وقال مالك فيمن تكارى أرضًا ثلاث سنين فزرعها سنة ثم انهارت البئر ¬

_ (¬1) قوله: (يجب) في (ر): (يتم). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 545. (¬3) من قوله: (فإذا أتم بطنًا. . . كانت بطونًا) ساقط من (ر). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 545، 546. (¬5) قوله: (وإن لم ترو) ساقط من (ت). (¬6) قوله: (إليه) ساقط من (ر). انظر: البيان والتحصيل: 8/ 409.

أو انقطعت العين: فإنه يحسب كل سنة على قدرها وتشاحح الناس فيها، وليس كراء الشتاء والصيف سواء، ولا ما ينقد فيه كالذي يستأخر نقده (¬1). ويريد: بكراء الشتاء والصيف فيما كان يعمل السنة كلها. والنقد على أربعة أوجه: فإن شرط ما ينوب كل سنة عند الابتداء فيها أو عند رفع زرعه منها (¬2)، كان الفض على السواء، وهي في ذلك بمنزلة اكتراء (¬3) الديار والحوانيت مشاهرة أو مساناة فهي على التساوي. وإن شرط تعجيل جميعه أو تأخيره، فض على القيم، والسنة الأول أرفع قيمة من الثانية ثم الثالثة أقلهن قيمة، وسواء شرط (¬4) تعجيل جميعه أو تأخيره. وإن اشترطا تعجيله كان بمنزلة رجل جمع في عقد شراء سلعة نقدًا، وأسلم في أخرى إلى سنة وأخرى إلى سنتين وكلهم في الصفة سواء، ومعلوم أن ما يتعجل قبضه يشترى بأكثر مما يقبض إلى سنة (¬5)، وما يقبض إلى سنة يسلم فيه أكثر مما يقبض إلى سنتين. وكذلك إن شرطا تأخير الجميع فالأول بمنزلة من أشترى سلعة حاضرة لينقد ثمنها بعد ثلاث سنين، والثانية بمنزلة من شرط أن يدفع الثمن إلى سنتين؛ لأنه إذا قبض المنافع تاخر الثمن ذلك القدر، وفي الثالثة إلى سنة، ومعلوم أن من اشترى ثلاث سلع صفقة واحدة على أن يدفع الثمن مختلفًا إلى ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 533. (¬2) قوله: (منها) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (اكتراء) ساقط من (ر). (¬4) في (ر): (شرطا). (¬5) قوله: (مما يقبض إلى سنة) ساقط من (ت).

ثلاث سنين وإلى سنتين وإلى سنة، إن كان ما بعد الأجل زيد في الثمن، وقد تقدم في الكتاب الأول هل يصلح (¬1) من الكراء إذا انهارت البئر قبل أن تقلب الأرض أو بعد؟ ¬

_ (¬1) في (ت): (تصح).

باب [فيمن اكترى أرضا ولم يزرعها]

باب [فيمن اكترى أرضًا ولم يزرعها] ومن اكترى أرضًا فلم يتم زرعها، كان في الكراء على ثلاثة أوجه؛ أحدها: ألا كراء عليه، كان امتناع تمامه في إبان (¬1) الزرع أو بعده. والثاني: عليه الكراء، كان امتناعه في الإبان أو بعده. والثالث: لا كراء عليه إذا كان امتناعه في الإبان وذلك عليه بعده. فإذا كان السبب في ذلك الأرض أو الماء (¬2)، قحط المطر، أو انهارت البئر، أو انقطعت العين، أو كانت الأرض كثيرة النشوع أو الدود أو الفأر، لم يكن عليه كراء، وسواء هلكت في الإبان أو بعده. وإن كان سبب ذلك طيرًا، أو جرادًا، أو جليدًا (¬3)، أو بردًا، أو جيشا اجتاحه، أو لأن الزَّرِيعَة لم تثبت؛ لزم الكراء، هلك في الإبان أو بعده. وإن غرقت الأرض افترق الجواب، فإن غرقت في الإبان في وقت لو زال عنها أعاد زراعتها سقط الكراء، وإن غرقت بعد الإبان لزم الكراء. وإنما سقط الكراء (¬4) إذا كان امتناع تمامه من قبل الماء؛ لأن الماء مشترى، فإن لم يحصل المبيع لم يستحق العوض، وسقط إذا كان ذلك من سبب الأرض؛ لأن مصيبة المنافع من بائعها حتى تقبض على وجه السلامة بخلاف بيع الرقاب، ولم يسقط إذا كان هلاكه من برد أو مما ذكر معه؛ لأن جميع ذلك عاهات تخص ¬

_ (¬1) في (ر): (أوان). (¬2) في (ر): (إنما). (¬3) قوله: (أو جليدًا) ساقط من (ت). (¬4) قوله: (وإنما سقط الكراء) ساقط من (ر).

الزرع لا سبب للمكري فيها من قِبَل مائه ولا من أرضه، وهو كغاصب غصب الزرع خاصة، ويسقط إذا كان بغرق في الإبان؛ لأن مقام الماء عليها في الإبان كغاصب حال بين المكتري وبين منافع الأرض لو رفع يده لقدر على إعادة زرعه، وهو بعد خروج الإبان كغاصب أفسد الزرع، وبمنزلة البرد والجليد، وإن كان يقدر على إعادة بعضها لو زال؛ سقط عنه كراء ما كان يقدر على حرثه. وأرى إن غرقت بعد خروج الإبان، ثم ذهب عن قرب بعدما أفسد الزرع ثم لم تمطر بقية السنة وعلم أنه لو لم يفسد لم يتم الزرع، أن يسقط عنه الكراء. واختلف إذا أذهبه السيل، فقال مالك في "كتاب محمد": عليه الكراء (¬1). يريد: إذا جاءه السيل بعد ذهاب الإبان. وأرى إن أذهب السيل وجه الأرض قبل الإبان أو بعده لا كراء عليه. وقد قيل: إن السيل إذا أذهب وجه الأرض نقص لمنفعتها، وأنه هو المكترى والذي طاب للحرث، هذا إذا كان المرغوب فيه والمقصود وجه الأرض فزال سقط الكراء. واختلف إذا نبت في أرض الذي جره السيل إليه لمن يكون، فقال في "المدونة": هو للآخر (¬2). وقال سحنون في "كتاب ابنه": إن جره السيل قبل أن ينبت كان للثاني، وإن جره بعد أن نبت كان لزارعه. وقال أيضًا: هو للآخر وعليه للأول قيمته مقلوعًا. وقيل: هو للأول وإن جره السيل وهو بذر وعليه ¬

_ (¬1) بعدها في (ت): (قال محمد). وانظر: النوادر والزيادات: 7/ 161. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 559.

فصل [فيمن اكترى أرضا كراء فاسدا ولم يزرعها]

كراء الأرض (¬1). وهو أحسن؛ لأن ذلك ملكه نبت في ملك غيره بوجه شبهة بغير تعدٍّ (¬2) فوجب أن يكون لمالكه. وقال ابن القاسم فيمن حصد زرعه في أرض غيره فانتثر منه حب فنبت قابلًا: فلا شيء له فيه وهو لصاحب الأرض (¬3). فهذه بخلاف الأولى؛ لأن هذا هو الشأن الذي يتبين منه (¬4) ويرفع الأول على ألا حق له فيه ولو لم يحصده، ولكن أتى عليه برد بعد تمامه فانتثر ونبت قابلًا، كان على الخلاف المتقدم هل يكون للأول أو للثاني. فصل [فيمن اكترى أرضًا كراء فاسدًا ولم يزرعها] وقال ابن القاسم فيمن اكترى أرضًا كراء فاسدًا فلم يزرعها: إن عليه كراءها (¬5). وكذلك إذا كان الكراء صحيحًا وحبسه السلطان عن زراعتها، أو لم يجد البذر، وليُكْرِها إذا لم يقدر على زراعتها. وقوله ها هنا في الكراء الفاسد هو المعروف من قوله. وقال في كتاب الشفعة فيمن أَعْمَرَ عُمْرَى على عوض فاغتلها المعمر: إن ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 161. (¬2) قوله: (بغير تعدٍّ) ساقط من (ر). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 559. (¬4) قوله: (الذي يتبين منه) يقابله في (ت): (أن ينتثر منه). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 546.

فصل [في قحط المطر قبل الزراعه]

الغلة للمعمر؛ لأن الضمان من صاحبها. وعلى هذا لا يكون على المكتري كراء فاسدًا شيء؛ لأنه تمكين فاسد (¬1)، وقد كان الواجب ألا يحرثها وصاحبها عالم أنها لم (¬2) تحرث. ومحمل قوله في البذر على أن المكتري وحده عجز عنها؛ لأنه قادر على أن يكريها. ولو كانت شدة فلم يجد أهل الموضع البذر، سقط عنه الكراء. وكذلك إذا قصد السلطان بحبسه (¬3) أن يحول بينه وبين زراعتها وكرائها، فلا شيء له عليه، وإذا لم يقصد بذلك وإنما طلبه بأمر ظلمًا فكان ذلك سببًا لامتناع حرثها، لم يكن عليه كراء (¬4). فصل [في قحط المطر قبل الزراعه] وإن قحط المطر قبل الزراعة عن بعض الأرض، لزمه ما سلم، إلا أن يكون السالم الأقل فيكون له رده. وإن زرع جميعها ثم هلك وسلم الأقل، كان عليه كراء ما سلم، قال مالك: إذا كان له قدر وفيه منفعة، وإن لم يكن له قدر ولا له فيه منفعة، لم يكن عليه فيه كراء (¬5). قال ابن القاسم في "كتاب محمد": إذا كان السالم مثل الخمسة فدادين والستة من المائة وشبهها، فلا كراء عليه. قال الشيخ (¬6): يريد إذا كان ذلك ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 451. (¬2) قوله: (لم) ساقط من (ر). (¬3) في (ت): (بجيشه). (¬4) قوله: (لم يكن عليه كراء) يقابله في (ت): (كان عليه كراؤها). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 535. (¬6) قوله: (قال الشيخ) ساقط من (ر).

مفترقًا في جملة الفدادين المكتراة؛ لأن ذلك كالهالك وكثير من الناس لا يتكلف جمع مثله إذا كان ذلك مفترقًا (¬1)، فأما لو سلمت الخمسة فدادين أو الستة على المعتاد من سلامتها لزم كراؤها. ¬

_ (¬1) قوله: (إذا كان ذلك مفترقًا) ساقط من (ت).

باب فيمن استاجرأ رضا ليزرعها فأحب أن يغرسها أو يزرعها في غير ما أكتريت له وإذا انقضت السنون التي اكتراها وفيها غرس أو زرع

باب فيمن استاجرأ رضًا ليزرعها فأحبَّ أن يغرسها أو يزرعها في غير ما أكتريت له وإذا انقضت السنون التي اكتراها وفيها غرس أو زرع وقال ابن القاسم فيمن استأجر أرضًا عشر سنين يزرعها فأحبَّ أن يغرسها: فذلك له إذا لم يضر بالأرض (¬1). وكذلك إذا استأجرها ليزرعها شعيرًا فأحبَّ أن يزرعها حنطة، لم يمنع إذا لم يضر. ويختلف إذا استأجرها على أن لا يزرع فيها إلا الشعير فأراد (¬2) أن يزرعها حنطة أو غيرها مما مضرته مثل مضرة الشعير، هل يمكن من ذَلك لأنه شرط جائز لا منفعة فيه؟ فقيل: يوفي به لأنه شرط جائز. وقيل: لا يوفي به لأنه لا يتضمن منفعة. ويختلف إذا شرط ألا يزرع فيها إلا هذا الشعير، فقيل: الشرط فاسد لأنه حجر عليه أن يتصرف فيه إلا للزراعة. وقيل: جائز. فصل [فيمن اكترى أرضًا سنين ليغرسها شجرًا] فإن اكتراها سنين ليغرسها شجرًا فانقضت المدة المكتراة، كان المكري بالخيار بين أن يأمره بقلعها أو يأخذها بقيمتها مقلوعة. وإن أحب المكتري أن ¬

_ (¬1) قوله: (بالأرض) ساقط من (ر). انظر: المدونة: 3/ 538. (¬2) في (ر): (فله).

فصل [فيمن اكترى أرضا عشر سنين فانقضت وفي الأرض زرع]

يكتريها عشر سنين أخرى، جاز ونقد تلك الشجر، فإذا انقضت هذه السنون كان بالخيار حسبما تقدم في الأول لو لم يكرها منه المدة الثانية، وإن أحبَّ بعد انقضاء العقد الأول أن يكريها من غير المكتري الأول جاز، ويقال للمكتري الأول: أرضِ المكتري الآخر أو اقلع شجرك. وقال غيره: ليس بمستقيم حتى يتعامل صاحب الأرض والغارس على ما يجوز ثم يكري أرضه، إلا أن يكريه على أن يقلع الشجر (¬1). فرأى الكراء فاسدًا لما كان صاحب الأرض بالخيار في أخذ الغرس أو تركه، وحمل الكراء على أنه لم يسقط حقه في الغرس، وأن المكتري دخل على إن أخذ صاحب الأرض الغرس بقيمته كان له ما سوى مواضع الشجر، وإن لم يأخذها كان له جميع الأرض، وهذا غرر، إلا أن يبتدئ صاحب الأرض مع الأول فيأخذها بقيمتها ويكريه ما سوى مواضعها وفنائها، أو يترك حقه فيها ويكريه جميع الأرض، وحمل ابن القاسم الكراء على جميع الأرض وأنه أسقط حقه في الغرس. ويختلف إذا أسقط حقه في الغرس وأراد المكتري الثاني أن يأخذه بقيمته مقلوعًا، هل له ذلك، أم لا لأن الحق كان في ذلك لصاحب الأرض، فأسقط حقه فيها ومكن الغارس من قلعها؟ وبيان ذلك في كتاب الشفعة. فصل [فيمن اكترى أرضًا عشر سنين فانقضت وفي الأرض زرع] وإن انقضت العشر سنين وفي الأرض زرع، لم يكن للمكتري الأول ولا ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 539.

لغيره أن يكتري إلا ما بعد هذا الزرع، بخلاف الغرس. واختلف في حكم هذا الزرع فيما بين المكري والمكتري على ثلاثة أقوال، فقال ابن القاسم: يترك حتى يتم ولصاحب الأرض كراء المثل (¬1). وفي بحض الروايات: كراء المثل على حسب ما أكراه. وقال غيره: لم يكن للمكتري إذا لم يبق من شهوره ما يتم زرعه فيه أن يزرع، فإن تعدى وزرع كان عليه فيما بقي لمدة الزرع (¬2) بعد تمام أجله الأكثر من كراء المثل أو حساب ما أكري (¬3). وقال: ليس للمكتري أن يزرع ذلك البطن إذا كان لا يتم في أجله، فإن فعل وهو عالم، كان متعديًا ورب الأرض بالخيار إن شاء حرث أرضه وأفسد زرع هذا، وإن شاء أقره وكان له الأكثر من المسمى أو كراء المثل (¬4). وإن زرع وهو يرى أنه يبلغ عند انقضاء الوجيبة فجاوز ذلك بالأيام والشهور، لم يكن له أن يفسده وعليه أن يقره على مثل وجيبته الأولى. وقول ابن القاسم أحسن؛ لأن الشهر الباقي داخل في الكراء، ولو كان يتم فيه البطن لعمله (¬5)، فكان من حقه إذا كان لا يتم أن يحط عنه ويرد ما ينوبه من المسمى، إلا أن يتراضيا أن يكريا ذلك البطن ويقتسما ما يكرى به على قدر ما لكل واحد منهما فيه (¬6)، فيجوز إذا عرف ما ينوب كل واحد منهما (¬7) قبل العقد، فإن بادر ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 539. (¬2) قوله: (لمدة الزرع) ساقط من (ت). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 159. (¬4) انظر: المدونة: 4/ 192. (¬5) في (ر): (لعلمه). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 159. (¬7) من قوله: (فيه فيجوز إذا عرف. . . واحد منهما) ساقط من (ر).

فصل [فيمن اكترى أرضا سنين فانقضت وفي الأرض غرس]

إلى عمله لم يكن على حكم المتعدي فيقلع عليه؛ لأن له فيه شركًا وهو الشهر الأول، وعليه في الشهر الثاني إجارة المثل؛ لأنه لم يقر أنه رضي بها على المسمى. ويختلف إذا رضي فيه بالمسمى هل يلزمهما ذلك، أو يرد فيه إلى إجارة المثل لأنه وقت الالتزام لا يدري ما ينوبه من جملة السنة فهو بمنزلة جمع سلعتين. فصل [فيمن اكترى أرضًا سنين فانقضت وفي الأرض غرس] وإن انقضت السنون وفي الأرض غرس فاكتراه المكتري الأول عشر سنين أخرى على أن تكون الشجر بعد هذه العشر سنين لصاحب الأرض، لم يجز، وإن نزل ذلك ولم ينظر فيه إلا بعد السنة والسنتين وقد تغيرت الشجر، لم يكن فوتًا، ونقض الأمد (¬1) فيها؛ لأنه أبقاها على ملكه ما بينه وبين الأجل، ولم يمكن من التمادي إلى بقية الأجل؛ لأنه كراء فاسد. وإن أحبَّ صاحب الأرض أن يأخذها الآن بقيمتها مقلوعة، كان ذلك له لأنه غرسها لتقلع بعد الأجل، بخلاف الغراسة الفاسدة إذا غرس على أنها لصاحب الأرض بعد الأجل فتؤخذ الآن بقيمتها قائمة؛ لأنه لم يدخل على أن يقلع، وهذا غرس على أن يقلع إذا انقضى الأجل، فإذا أعطى قيمتها مقلوعة لم يظلم بشيء، وكذلك لو قال: أكريك عشر سنين على أن نصف الشجر لي ونصفها لك بعد العشر سنين. فإن قال: على أن لك نصفها من الآن، جاز عند ابن القاسم. وقال غيره: لا يجوز وهو فسخ الدين في الدين (¬2). ¬

_ (¬1) في (ت): (الأمر). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 540.

يريد: أنه يمكن أن يكون قد اختار أن يأخذها بقيمتها (¬1) مقلوعة ثم انتقل إلى أن يدفع عن القيمة منافع الأرض. وأرى أن يوكل ذلك إلى أمانته ويعلم أنه متى اختار أن يأخذها بالقيمة لم يجز أن يدفع عن ذلك منافع الأرض. ويجوز على قول أشهب أن ينتقل إلى دفع المنافع؛ لأنه يجيز أن تؤخذ منافع من دين. والجواب على تسليم القول بفساده، أن يفسخ البيع في ذلك النصف إذا كان معينًا ما لم يتغير، فيمضي بالقيمة يوم تراضيا بالعقد الثاني؛ لأنه مقبوض في أرضه. ولو قال: على أن لك نصفه من الآن شائعًا ولا تقاسمني حتى ينقضي الأجل فتغير بعد ذلك، لم يكن فوتًا لأنه غير ممكن منه. وقيل: ذلك فوت وإن كان فيه تحجير، وأما النصف الآخر فهو باقٍ على ملك صاحبه. ¬

_ (¬1) في (ر): (بعينها).

باب فيمن اكترى أرضا على أن يغرسها فإذا انقضى الأجل كانت الشجر لصاحب الأرض

باب فيمن اكترى أرضًا على أن يغرسها فإذا انقضى الأجل كانت الشجر لصاحب الأرض وقال ابن القاسم فيمن اكترى أرضًا عشر سنين على أن يغرسها شجرًا وسَمَّيْنا الشجر على أن الثمرة للغارس، فإذا انقضى الأجل كانت الشجر لصاحب الأرض: لم يجز لأنه لا يدري بم أكرى أرضه ولا ما يسلم منها (¬1). وقال غيره: يدخل في بيع الثمر قبل بدو صلاحه وكراء الأرض بالثمرة (¬2). ولا يخلو من ثلاثة أوجه: إما أن يدخلا على أن يغرس الشجر على ملك الغارس، أو على ملك صاحب الأرض، أو بينهما الأمد فيقولا: إذا خرج كانت الشجر لصاحب الأرض. فإن شرطا أن يغرس على ملك صاحب الأرض، كان غرسها فوتًا، وهي لصاحب الأرض وعليه قيمتها يوم غرست وقيمة سقيه وخدمته إلى يوم المحاكمة، ولصاحب الأرض على الغارس قيمة (¬3) ما انتفع به من الثمر. وقيل: ليس بفوت والغرس على ملك الغارس؛ لأن شرطه أن ينتفع بثمراته تحجير، ولصاحب الأرض على الغارس قيمة ما نفعت الأرض الغرس وثمنه، وللغارس ثمرته إن كان أثمر، ثم اختلف هل تكون له قيمته قائمًا أو مقلوعًا؟ وقائمًا أحسن؛ لأنه غرسه بإذن المالك، ولو كان الحكم أن يعطي قيمته مقلوعًا، لم أر أن يخرج إلا بعد تمام السنن المكتراة؛ لأن عليه في ¬

_ (¬1) قوله: (يسلم منها) يقابله في (ر): (سلم فيها). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 540. (¬3) من قوله: (سقيه وخدمته. . . قيمة) ساقط من (ت).

إخراجه ضررًا، كما قال في المساقاة سنين يعمل سنة: لا يخرج للمضرة في فسخ ذلك الآن. فكذلك هذا عليه مضرة في إخراجه، وأن يعطي قيمته مقلوعًا مضرة لعظم نفقته ثم يبطل عليه عمله. وإن غرسه على مِلْكِ نفسه، لم تتعلق قيمته بذمة صاحب الأرض بنفس الغرس، وعلى المكتري قيمة ما انتفع بالأرض والغرس إلى يوم يحكم به لصاحب الأرض، ثم يختلف هل تكون قيمته قائمًا أو مقلوعًا؟ وقائمًا أحسن، وقد تقدم وجه ذلك؛ لأنه غرس بإذن المالك ليتبقى ذلك. وإن قال: اغرسها فإذا انقضى الأجل كانت لك ولم يزد على ذلك؛ كان محمله على أنها من الأول على مِلْكِ الغارس، لقوله: فإذا انقضت السنون كانت لك، فهي قبل الانقضاء له، فالجواب فيها على ما تقدم إذا قال: أنا أغرسها على مِلْكي، ويدخله على ما قال غير ابن القاسم بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه إذا انقضى الأجل وفيها ثمر لم يبد صلاحه، وكراء الأرض بالطعام إذا كانت الثمرة حينئذ تراد للأكل (¬1)؛ لأن المفهوم من ذلك تسليم الشجر على ما هي عليه وليس أن يبقى له في الشجر حق. ولو قال: أكريك عشر سنين على أن تبني فإذا انقضى الأجل كان البناء لك، جاز إذا وصف ذلك البناء؛ لأن الصفة تحصره ويقدر على أن يأتي به على تلك الصفة، ومأمون سلامته من الغرر بتغير حدثه (¬2) في مثل تلك المدة، وسواء قال: ابْنِهِ على مِلْكك أو على مِلْكي، ذلك جائز. ولم يجز ذلك في الغرس؛ لأنه إن وصف صفة لم يدر هل تأتي في ذلك الأجل على تلك الصفة أم لا. ولو قال: على أن الأرض والبناء بيننا نصفين، جاز. ولا يجوز أن يقول: على ¬

_ (¬1) قوله: (للأكل) في (ر): (إلى الأجل). (¬2) قوله: (من الغرر بتغير حدثه) ساقط من (ر).

أن الأرض والغرس بيننا للجهل بما يأتي عليه الشجر. ولو لم يضرب في الغرس أجلًا وقال: إذا بلغت كذا وكذا سعفة (¬1) كانت الأرض والشجر بيننا، جاز ذلك. وأجاز ذلك أشهب وإن ضربا الأجل. ومنعه محمد بن عبد الحكم وإن لم يضربا أجلًا، ورأى (¬2) أن الغرر على حاله بمنزلة لو ضربا أجلًا (¬3)؛ لأنه لا يدري كيف يأتي، ولأن المعروف في الجعالة فيما يطول ويشغل عامله (¬4)، أو كان فيما يملك من الأرضين وإن ترك العامل انتفع الجاعل (¬5)، خلاف من اكترى أرضًا عشر سنين فغرسها ثم استحقت فإنه [. . .] (¬6) من إليه سقى يسقيه (¬7) العشر سنين ثم يهدم لأنه على ذلك بنى. ¬

_ (¬1) السَّعْفُ: هو أَغصانُ النخلة. وقيل: هو النخلة نفسها. انظر: لسان العرب: 9/ 151. (¬2) قوله: (ورأى) في (ر): (وأرى). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 388. (¬4) قوله: (عامله) في (ر): (على أصله). (¬5) قوله: (الجاعل) بعدها في (ت): (المنع). (¬6) ما بين المعكوفتين بياض في (ت) و (ر). (¬7) قوله: (من إليه سقى يسقيه) ساقط من (ر).

باب فيمن اكترى أرضا متى ينقضي أمدها وهي أرض بعل أو سقي، أو اكترى سنين غير معينة، وإذا أراد المكري أن يشتري ذلك، ومن اشترى زرعا ليقلعه ثم اشترى الأرض، أو اشترى الأرض ثم اشترى الزرع

باب فيمن اكترى أرضا متى ينقضي أمدها (¬1) وهي أرض بعل (¬2) أو سقي، أو اكترى سنين غير معينة، وإذا أراد المكري أن يشتري ذلك، ومن اشترى زرعًا ليقلعه ثم اشترى الأرض، أو اشترى الأرض ثم اشترى الزرع (¬3) ومن اكترى أرضًا سنة يزرعها قمحًا أو شعيرًا، كان محمله على بطن واحد، فإذا رفع زرعه انقضت سنة، وسواء كانت عنده بعلًا أو سقيًا، إلا أن تكون عادتهم يزرعونها مرتين بها السنة فيحملون على عادتهم. وإن لم يسم ما يعمل فيها ولا عادة عندهم، أو كانت العادة مختلفة ولا (¬4) يختلف كراؤه، كان فاسدًا عند غير ابن القاسم ويعمل إن تعاملا بمال على الطريق، وإن كانت بالسقي استعملها جميع السنة اثني عشر شهرًا. ولو كانت العادة فيما يعمل فيها مختلفة، كان فاسدًا، مثل القول في كراء الدابة ولا يسمى الصنف الذي يحمل عليها، فأجازه ابن القاسم (¬5)، ويحمل عليها ما لا يضر بها. ومنعه غيره حتى يسمي ذلك الصنف. ¬

_ (¬1) قوله: (أمدها) ساقط من (ر). (¬2) البَعْل: هو ما شرب بعروقه من الأَرض بغير سَقْي من سماء ولا غيرها. انظر: لسان العرب: 11/ 57. (¬3) قوله: (الزرع) بعدها في (ت): (في المدونة). (¬4) في (ر): (بما). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 480.

فصل فيما إذا أكترى كل سنة بدينار ولم يسم عدد السنين

وكذلك الأرض تختلف مضرة ما يعمل فيها من الأشياء، إذا عمل فيها هذه السنة لا يمنع أن يستعمل السنة الأخرى، ومنها ما يذهب بقوتها ويضعفها فلا ينتفع بعملها (¬1) في السنة الثانية، ومنها ما لا ينتفع بها الثانية ولا الثالثة إلا على ضعف، وما لا يفيد كبير فائدة. ومضرة الشعير أقل من مضرة القمح، ومضرة القمح أقل من مضرة العلس (¬2). فصل (¬3) فيما إذا أكترى كل سنة بدينار ولم يسم عدد السنين وإن اكترى كل سنة بدينار ولم يسم عدد السنين؛ كان كل واحد منهما بالخيار ما لم يحرث أو يقلبها في السنة (¬4)، فيلزمه في تلك السنة، ثم هما بالخيار في الثانية (¬5) ما لم يشرع في العمل، وإن زرعها المكتري، لم يجز لصاحب الأرض أن يشتري ذلك الزرع على البقاء وإن كان في أرضه، ويدخله بيع الزرع قبل بدو صلاحه. وكذلك إن باع المكري الأرض لم يجز للمشتري أن يشتري ذلك الزرع، وليس بمنزلة الأرض والزرع لمالك واحد فيبيع الأرض ثم يبيع الزرع من مشتري الأرض. فقيل: يجوز لأنه يلحقه بالعقد الأول ويصير كأنه بيع واحد. ¬

_ (¬1) قوله: (فلا ينتفع بعملها) ساقط من (ر). (¬2) العَلَسُ: هو ضرْب من البُرِّ جيّد غير أَنه عَسِرُ الاستِنْقاء. انظر: لسان العرب: 6/ 146. (¬3) قوله: (فصل) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (في السنة) ساقط من (ت). (¬5) قوله: (الثانية) بعدها في (ت): (ما لم يشرع في عملها وعلى أحد قولي مالك في أول سنة وإن لم يكمل فهو بالخيار في الثانية).

فصل [فيما إذا اشتري زرع لم يبد صلاحه على القلع]

وقيل: لا يجوز لأن العقد الأول قد انبرم ولا يصح إلحاقه. وقيل: يجوز إن قَرُبَ ولا يجوز إن بَعُد. وقيل: لا يجوز وإن قَرُبَ. وهو أحسن، فإن بَعدَ ما بينهما لم يجز، والقول بالمنع وإن قَرُبَ أصوب؛ لأن البيع الأول (¬1) قد انعقد حقيقة والعقد الثاني (¬2) منفرد لا يصلح دخول فيه. ولو وهب الأرض، لم يجز لمن وهبت له أن يشتري ذلك الزرع ولا يلحق البيع بالهبة فيصير كأنه وهب الجميع .. وإن جهل مُكري الأرض فاشترى ما فيها من الزرع فلم ينظر في ذلك حتى تغير بنماء أو أصابته عاهة، لكان نماؤه وهلاكه من زارعه وإن كان سقيه على مشتريه؛ لأن سقيه عليه بالحق المتقدم بعقد الكراء، وشراء صاحب الأرض فيه بمنزلة شراء (¬3) الأجنبي. وكذلك قول ابن القاسم في الْعَرِيَّة يشتريها المعرِي: إن الجائحة من المعرَى (¬4) وإن كان السقي على صاحب النخل؛ لأنه يقول: أنا أسقي بالحق الأول الذي تَقدَّم وجوبه علي بالْعَرِيَّة، وشرائي فيها بمنزلة لو اشتراها أجنبي. فصل [فيما إذا اشتري زرع لم يبد صلاحه على القلع] وكان اشترى زرعًا لم يبد صلاحه على القلع، ثم استأذن صاحب الأرض في بقائه حتى يبدو صلاحه، أو اكترى الأرض ليقره حتى يبدو صلاحه، لم يجز، ¬

_ (¬1) قوله: (الأول) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (الثاني) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (شراء) ساقط من (ت). (¬4) في (ر): (المعري).

لأنهما يتهمان أن يكونا عملا على ذلك، ولا شيء عليه (¬1) فيما بينه وبين الله عز وجل؛ لأن الزرع إذًا بيع على البقاء، ويزيد في الثمن لذلك ولا يدري هل يسلم أم لا، ولو اكترى الأرض ليقره (¬2) ولا يقلعه، لم يجز ذلك (¬3). ¬

_ (¬1) في (ت): (له). (¬2) في (ر): (ليغره). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 126.

باب في اختلاف المتكارين

باب في اختلاف المتكارين قال (¬1): وإن اختلفا هل حرث متعديًا أو بكراء؟ فإن كان حرثه بعلم صاحب الأرض، كان القول قول الزارع أنه لم يتعد، ولا خلاف في ذلك، وإنما الخلاف في المستحق (¬2) من الكراء هل المسمى أو المثل إن كان كثيرًا؟ فإن كان المسمى الذي يقول المكتري أنه اكترى به مثل كراء المثل فأكثر، غرم ذلك المسمى من غير يمين على واحد منهما. وإن كان المثل أكثر كان القول عند ابن القاسم قول الزارع مع يمينه إذا كان أتى بما يشبه (¬3). وقال غيره: القول قول صاحب الأرض مع يمينه ويأخذ كراء المثل. وإن كان حرثه بغير علم صاحب الأرض كان فيه قولان، هل اختلافهما شبهة يسقط عنه حكم التعدي، أو ليس بشبهة ويكون القول قول صاحب الأرض وهو قول ابن القاسم؟ وجعل غيره ذلك شبهة يسقط عنهه حكم التعدي. فعلى قول ابن القاسم يحلف صاحب الأرض أنه لم يُكْرِه ويكون معه على حكم التعدي (¬4)، فإن كان في الإبان ولم يبرز الزرع أو برز ولم يكن في قلعه منفعة، كان له أن يأخذ الأرض بزرعها ولا شيء للزارع، وإن كان في قلعه منفعة، كان له أن يأمره بقلعه ولربه أن يقلعه. واختلف إذا أحب صاحب الأرض أن يأخذه بقيمته مقلوعًا فأجيز ¬

_ (¬1) قوله: (قال) ساقط من (ر). (¬2) في (ر): (المستقبل). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 377. (¬4) من قوله: (فعلى قول ابن القاسم. . . التعدي) ساقط من (ر).

ومنع، والإجازة أحسن، وليس يدخل هذا في النهي عن بيع الزرع قبل بدو صلاحه؛ لأن ذلك في بيعه على البقاء فيزيد في الثمن لمكان البقاء (¬1) ولا يدري هل يسلم أم لا؟ وهذا يأخذه بقيمته مطروحًا ولم يزد البقاء شيئًا، فإن سلم فهو له، وإن لم يسلم لم يكن له على البائع شيء، وإن أحبَّ أن يقره بالكراء وكان ذلك قبل بروز الزرع أو بعد بروزه وقبل أن يكون في قلعه منفعة، لم يجز ذلك، ويدخله بيع الزرع قبل بدو صلاحه على البقاء؛ لأنه صار لرب الأرض بتنمية (¬2) أرضه، إلا أن يكون قصده إثبات التعدي. ويرى رأيه هل يأخذه بالتعدي أو يمضيه له ويطلبه (¬3) بالكراء؟ فيجري على قولين فيمن خير بين شيئين، وإن كان في قلعه منفعة فأقره لربه بالكراء (¬4)، جاز ذلك على قول من منع أن يأخذه بقيمته مقلوعًا، ويختلف فيه على من أجاز له أخذه بالقيمة، فإذا قدر أنه لم يختر الأخذ (¬5) جاز، وإذا قدر أنه لما ملك (¬6) أخذه (¬7) ثم انتقل إلى تسليمه، لم يجز. والأول أحسن، ومحمله فيه على أنه لم يأخذه حتى يعترف بأنه أخذه ثم انتقل إلى هذا، وعلى قول غير ابن القاسم: لا يكون له إخراجه، وإنما مقاله في الكراء، فإن كان المسمى الذي ادعى أنه اكتراها به مثل كراء المثل فأكثر، حلف الزارع وحده أنه لم يتعد ولم ¬

_ (¬1) من قوله: (فيزيد في الثمن. . . البقاء) ساقط من (ر). (¬2) في (ر): (بقيمته). (¬3) قوله: (له ويطلبه) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (بالكراء) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (لم يختر الأخذ) في (ت): (لم يجز الآخر). (¬6) في (ت): (هلك). (¬7) قوله: (أخذه) بعدها في (ت): (كأنه أخذه).

يحرث إلا على تراض منه، وليس عليه أن يحلف على التسمية أن العقد كان به؛ لأن الذي ادعاه (¬1) يجب إذا كان بوجه شبهة أن ذلك للذي اعترف به، وإن كان كراء المثل أكثر حلف الحارث. ¬

_ (¬1) قوله: (ادعاه) ساقط من (ر).

باب في كراء الأرض بما يخرح منها

باب في كراء الأرض بما يخرح منها الأرض فيما تكرى به على ثلاثة أوجه: جائز، وممنوع، ومختلف فيه. فيجوز بما ليس بطعام (¬1) وذلك في ست مسائل: أحدها: أن يكون مما لا تنبته الأرض، كالحيوان إذا كان مما لا يؤكل لحمه، أو مما يؤكل لحمه ويراد للقنية والصوف والحرير والمسك والعنبر واللؤلؤ. والثاني: أن يكون مما تنبته الأرض ولا ينبته الناس، كالذهب، والفضة، والنحاس، والرصاص، والكبريت، والزرنيخ، والنيل (¬2)، والحشيش، والحلفاء، والسمار (¬3). والثالث: ما ينبته الناس وغَيَّرته الصنعة كثيرًا وذلك كالنِّيلُ و (¬4) كثياب الكتان والقطن. والرابع: أن يكون مما ينبته الناس (¬5) ولكنه مما تطول المدة بنباته، كالشجر والخشب (¬6) والصندل (¬7) والعود. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة 3/ 556. (¬2) قوله: (والزرنيخ والنيل) ساقط من (ر). والنِّيلُ: هو نبات الْعِظْلِم بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَاللَّامِ شَيْءُ يُصْبَغُ بِهِ، قِيلَ هُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ نِيل وَيُقَالُ لَهُ الْوَسْمَةُ وَقِيلَ هُوَ الْبَقَّمُ. انظر: المصباح المنير في غريب الشرح الكبير: ج 10/ 64 و 6/ 235). (¬3) السَّمُرُ: ضَرْبٌ من الشَّجَرِ صغار الورق قِصار الشوك وله بَرَمَةٌ صَفْرَاءُ يأْكلها الناس. انظر: لسان العرب: 4/ 376. (¬4) قوله: (كثيرًا وذلك كالنيل و) ساقط من (ت). (¬5) قوله: (ينبته الناس) يقابله في (ت): (تغيره). (¬6) قوله: (والخشب) ساقط من (ت). (¬7) الصَّنْدَل: هو خَشَبٌ أَحمر ومنه الأَصفر. انظر: لسان العرب: 11/ 386.

فصل [في كراء الأرض بما يزرع في أخرى]

والخامس: ما يكون من الثمر عن الشجر إذا لم تكن تلك الثمرة طعامًا؛ لأنه إذا جاز أن تكرى بذلك الأصل لبُعد نباته، كان بما يكون عنه أولى، وذلك كالورد، والياسمين، والأصماغ التي تكون عنه كالكافور، واللوبان. والسادس: أن تكرى بأرض بملكها أو بأبعاضها كالياقوت والزمرد والعقيق (¬1). فصل [في كراء الأرض بما يزرع في أخرى] ولا تجوز أن تكرى (¬2) الأرض بما يزرع في أخرى لا بجملته ولا بجزء منه، ولا تكرى طائفة بما تخرجه طائفة أخرى، ولا تكرى بمكيلة مما تخرجه الأرض المكتراة يكون لأحدهما المكري أو المكتري وللآخر ما بقي، ولا على مكيلة لأحدهما وما بقي بينهما، ولا على جزء ثلث أو ربع وزيادة دنانير أو دراهم أو عروض. فصل [في كراء الأرض بجزء مما يزرع فيها] واختلف في اكترائه بجزء بانفراده من غير زيادة أو بمكيلة مضمونة من جنس ما يزرع فيها على ثلاثة أقوال: فمنعه مالك في الوجهين جميعًا. واختلف فيه عن الليث فأجازه مرة بالمكيلة ومنعه بالجزء، ومنعه مرة بالمكيلة وأجازه بالجزء. وهذا القسم (¬3) يستوي فيه الطعام الذي تخرجه تلك الأرض؛ ¬

_ (¬1) العَقِيقُ: هو خرز أَحمر يتخذ منه الفُصوص. انظر: لسان العرب: 10/ 255. (¬2) من قوله: (بأرض يملكها أو بأبعاضها. . . تكرى) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (القسم) ساقط من (ر).

كالقمح، والشعير، والقطاني، وما ليس بطعام، كالقطن، والكتان، والحناء، وذكر ابن شعبان قال: واستئجار الأرض بالعروض التي تتولد عنها، مثل: الكتان، والعصفر، والخضر وما أشبه ذلك، ففيه قولان لأصحابنا، أحدهما: أنه لا يجوز. والآخر: أنه يجوز. أو بالحنطة، والشعير، والحبوب، وبالأول أقول وهو قول مالك. وأما اكتراؤها بما تخرجه إذا اختلف الجنسان وكان ما تكرى به خلاف ما يزرع فيها، فعلى ثلاثة أقسام: إما أن يكونا طعامًا جميعًا، أو غير طعام، أو أحدهما طعام والآخر غير طعام. فإن كانا غير طعام (¬1) جاز، مثل: أن يكريها بفطن ليعمل فيها كتانًا. ويجوز أن تكرى بغير طعام ليعملى فيها طعامًا، كمن (¬2) اكترى بقطن أو كتان ليعمل فيها حنطة أو شعيرًا. واختلف إذا اكتريت بطعام ليعمل فيها طعام أو غير طعام، واكتراؤها بطعام مخالف للطعام الذي يعمل فيها. والطعام أربعة أصناف (¬3)، أحدها: ما لا يحرج منها كاللحم والعسل والسمن والملح. والثاني: ما يخرج منها ويبعد أَصل نباته، كالجوز، واللوز، والتين، والرمان، وما أشبه ذلك مما يكون على الشجر (¬4). والثالث: ما لا يبعد، وهو حبوب تصح إعادته، كالقمح، والشعير، ¬

_ (¬1) قوله: (فإن كانا غير طعام) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (كمن) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (أصناف) ساقط من (ر). (¬4) في (ر): (البحر).

والقطاني وغيرها. (¬1) والرابع: ما لا يصح إعادته ونباته، كبعض البقول والقصيل (¬2). فمنع في "المدونة" اكتراءها بطعام لا يخرج منها كاللحم، والعسل إذا كان يعمل فيها طعامًا وكان عنده بمنزلة من باع طعامًا بطعام مستأخر (¬3) ورأى أن ما أخرجت الأرض من الطعام كان صاحب الأرض بائعه. وأنكر هذا التعليل بعض أهل العلم، قال: ولو كان ذلك لا جاز أن تكرى بالذهب والفضة (¬4) ويدخله بيع الزرع قبل أن يخرج من الأرض، وبيع المجهول. وهذا إلزام صحيح، وليس هو (¬5) ببائع لا تنبته الأرض. ولو اكتراها بما لا تنبته من الطعام جاز، وقد روي ذلك عن مالك وقاله غير واحد من أصحابه (¬6). وحكم ما تخرجه الأرض من ثمار ذوات الأصول حكم ما لا تخرجه؛ لأنه مما يبعد نباته وهو على حكم الأصل الذي ينبت فيه وهي الشجر، فإذا جاز كراؤها بالشجر جاز كراؤها بثمارها. وقال ابن كنانة في "كتاب ابن حبيب": لا تُكرى بشيء إن أعيد (¬7) فيها ¬

_ (¬1) انظر: المعونة: 1/ 134. (¬2) قوله: (والقصيل) في (ت): (والقصير). والقَصِيلُ ما اقتُصِل من الزرع أَخْضَرَ والجمع قُصلان انظر: لسان العرب: 11/ 557. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 547. (¬4) انظر: المدونة: 3/ 550. (¬5) في (ر): (هذا). (¬6) انظر: المدونة: 3/ 550. (¬7) زاد بعدها في (ت): (إليه).

نبت، ولا بأس أن تُكرى بغير ذلك من جميع الأشياء كلها، أُكِل أو لم يؤكل، خرج أو لم يخرج. قال، وقال ابن نافع: تُكرى بجميع الأشياء كلها بما يؤكل منها وما لم يؤكل، خرج منها أو لم يخرج (¬1)، إذا كان ما تكرى به خلاف ما يزرع فيها ما عدا الحنطة وأخواتها (¬2). قال الشيخ أَبو الحسن (¬3) - رضي الله عنه -: يختلف على هذا في كرائها بزريعة الكتان وبزيته (¬4)، وبالكتان وبما يسقط منه كالأصطبة (¬5) إذا كان كراؤها ليعمل فيها، فمنع ذلك ابن القاسم بجميع ما ذكر (¬6)، وأجازه ابن الماجشون بما ليس عمدة فيما تُكرى به كالأصطبة، وقد تلحق بذلك الزريعة وزيتها؛ لأنها حقيرة في جنب ما يعمل فيها وهو الكتان، ويجوز على قول ابن كنانة بالكتان وبزيته مما لا يعاد فيها، ولا يجوز بزريعته. ¬

_ (¬1) من قوله: (قال، وقال ابن نافع. . . يخرج) ساقط من (ر). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 153. (¬3) قوله: (أبو الحسن) ساقط من (ت). (¬4) قوله: (وبزيته) ساقط من (ر). (¬5) الأُصْطُبَّة: هي مُشاقةُ الكَتَّانِ. انظر: لسان العرب: 1/ 215. (¬6) انظر: المدونة: 3/ 547.

باب في كراء الأرض بالأرض

باب في كراء الأرض بالأرض كراء الأرض بالأرض جائز إذا كانتا مأمونتين، كانا يعملان في عام واحد أو في عامين. وإن كانت إحداهما مأمونة والأخرى غير مأمونة، لم يجز أن يكتريا ليعملا في عام ولا في عامين إذا قدمت المأمونة؛ لأنه نقد في غير مأمون، ولا باس به إذا قدمت التي غير مأمونة فإن سلم زرعها حرثت الأخرى، وإن لم يسلم بقيت لربها. ولا يجوز إذا كانتا غير مأمونتين، وإن عملتا في عام فقد تسلم إحداهما دون الأخرى، إلا أن تكونا من أرض المطر وهما متقاربتان ويعملا في عام؛ لأن حالهما في المصابة (¬1) والعدم واحد، الغالب فيهما إما أن يصيبا جميعًا أو يعدما جميعًا. ¬

_ (¬1) هكذا في (ر) و (ت).

باب إذا اكترى أرضا ليزرعها فاشترط ثمرتها أو كان فيها زرع فاشترطه

باب إذا اكترى أرضًا ليزرعها فاشترط ثمرتها أو كان فيها زرع فاشترطه (¬1) قال ابن القاسم فيمن اكترى أرضًا ليزرعها وفيها نبذ من نخل فاشترط ثمرتها: إن ذلك جائز إذا كان الثلث فأدنى، وإن كان أكثر من الثلث لم يجز. قال: فإن اشترطها وهي أكثر من الثلث كانت الثمرة لصاحب الأرض وعليه قيمة العمل والسقي، وله في الأرض كراء المثل بغير ثمرة (¬2). وقد قيل في هذا الأصل: إن له قيمة العمل ما لم يجاوز قيمة الثمرة، فيكون ربها بالخيار بين أن يأخذها ويدفع أجرة العمل، أو يتبرأ منها. وهو أحسن؛ لأنه لم يستأجره عليها، فيكون له في ذمته الإجارة وإن كثرت وإنما عملها لنفسه، وإن لم يكن فيها فضل لم يكن عليه شيء. وإن كانت الثلث فأدنى؛ جاز اشتراطها إن كان طيبها قبل أن يرفع الزرع وكانت معه في الأرض أو في موضع واحد والأرض عليها غلق، فإن كانت في طائفة من الأرض ولا غلق عليها، لم يجز ذلك لأنه لا ضرر عليه في تصرف صاحب الأرض إليها. وكذلك عند ابن القاسم إذا اكترى أرضًا وفيها زرع فاشترطه، فإن كان الثلث فأدنى وكان طيب ذلك الزرع قبل انقضاء مدة الكراء وهو في (¬3) وسط تلك الأرض ومعه فيها (¬4) أو في ناحية وعليها غلق، جاز ذلك، وإلا لم يجز (¬5). ¬

_ (¬1) من قوله: (باب إذا اكترى. . . زرع فاشترطه) ساقط من (ت). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 557. (¬3) قوله: (في) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (ومعه فيها) يقابله في (ر): (أو معه). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 557.

وإن اشترط نصف ثمر النخل أو نصف الزرع، لم يجز ذلك؛ لأن مضرة التصرف والدخول والخروج قائم، وإنما يجوز ذلك لرفع الضرر في مثل ذلك. والقياس ألا يجوز اشتراط الزرع وإن كان تبعًا، بخلاف ثمرة النخل؛ لأن النخل يسقط بلحًا وزهوًا ورطبًا وتمرًا (¬1)، ذلك الشأن فيه فيتكرر لذلك دخوله وخروجه. وكذلك إذا كان فيها بقول، فإنه يأخذه على قدر حاجته إليه، والزرع لا يسقط منه شيء وإنما يجز مرة واحدة، ولا ضرر في المرة الواحدة إلا أن تكون عادتهم افتقاده للتنقية والإصلاح. وإذا اكترى أرضًا وشرط عليه رب الأرض أن يكريها ثلاث مرات ففعل وكانت ذات بئر فانهارت، كان للمكتري أن يرجع على رب الأرض بقدر ما ينتفع به لقابل من كرائها (¬2)؛ لأن حرثة واحدة لم يكن بد منها فلا يرجع على صاحب الأرض منها بشيء، وحرثتين هما اللتان حرثهما لأجل الشرط ومنفعتهما لهما جميعًا؛ لأن الزرع عن ثلاث أفضل منه عن حرثة، فإن قيل: إنه يبقى منه نصف منفعته رجع بقيمة حرثة واحدة وكان للمكتري حرثتان، واحدة كان يحرثها من غير شرط، وواحدة من اللتن بالشرط. فإن اكتريت الأرض في هذا العام من آخر، كان الكراء شركة بينهما، لصاحب الأرض كراء أرضه على أن له فيها حرثة واحدة وللآخر قيمة حرثتين، وإن لم تكن في هذا العام وأكريت في العام (¬3) الثاني وقد ذهب بعض منفعة ذلك الحرث، كان ¬

_ (¬1) قوله: (ورطبًا وتمرًا) ساقط من (ر). (¬2) في (ت): (كراءين). (¬3) قوله: (وأكريت في العام) ساقط من (ر).

الذاهب (¬1) عليهما أثلاثًا، يقال: بكم تكرى هذه الأرض على أنها غير محروثة؟ فإن قيل: بدينارين. قيل: فبكم تكرى على ما فيها الآن من الحرث؟ فإن قيل: بثلاثة دنانير، كان لصاحب الأرض ثلثه وللآخر ثلثاه مما ينوبه من المسمى، وهو تسعا (¬2) المسمى. وإن بيعت وكان ذلك الحرث لا يزيد في الثمن، لم يكن للمكتري في ذلك الثمن شيء، وإن كان يزيد في الثمن، كان للمكتري من ذلك الزائد ثلثه (¬3). وإن حرثها المكتري مرة واحدة بالزريعة، كان لصاحب الأرض أن يرجع على المكتري بقدر ذلك من كراء المثل، يقال: بكم تكرى على أن تحرث مرة؟ فإن قيل: ثلاثة دنانير؛ قيل: فبكم تكرى على أن المكتري يحرثها ثلاثًا؟ فإن قيل: بدينارين، كان لصاحب الأرض المسمى ودينار. ¬

_ (¬1) هكذا في (ت) و (ر). (¬2) قوله: (تسعا) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (الزائد ثلثه) يقابله في (ر): (الثمن ثلثاه).

باب فيمن اكترى أرضا أو إبلا ثم فلس المكتري أو مات

باب فيمن اكترى أرضًا أو إبلًا ثم فلس المكتري (¬1) أو مات اختلف فيمن اكترى أرضًا فزرعها ثم فلس أو مات على ثلاثة أقوال: فقال مالك في "المدونة": صاحب الأرض أحق في الفلس من الغرماء؛ لأن الزرع في أرضه، ولو مات كان أسوة الغرماء (¬2). وفي "كتاب محمد" فهو أحق في الفلس والموت (¬3). وعند ابن شعبان أنه أسوة في الفلس والموت. وقال فيمن اكترى إبلًا ليحمل عليها بزًّا ثم فلس الجمَّال: فالبزاز أحق بالإبل التي في يديه حتى يستوفي كراءه، إلا أن يضمن له الغرماء حملانه ويكترون (¬4) له من أملياء ثم يأخذون الإبل فيبيعونها. وقال غيره: لا يجوز أن يضمنوا له حملانه. وقال سحنون: معنى المسألة إذا كان الكراء مضمونًا (¬5). قال مالك: وإن فلس البزاز كان الجمَّال (¬6) أحق بذلك البَزِّ يباع له حتى يقبض كراءه (¬7) وتكرى الإبل للغرماء (¬8). ¬

_ (¬1) قوله: (المكتري) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (الغرماء) ساقط من (ت). انظر: المدونة: 3/ 561. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 55. (¬4) في (ت): (يكون). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 561. (¬6) في (ر): (الحمال). (¬7) قوله: (حتى يقبض كراءه) ساقط من (ت). (¬8) انظر: المدونة: 3/ 561.

قال الشيخ -رحمه الله-: إذا فلس الجمَّال (¬1) وكان الكراء على إبل بعينها كان المكتري أحق بها قولًا واحدًا؛ لأن المنافع المعينة كالسلعة المعينة، وليس للغرماء أن ينتزعوها بمثلها، وإذا لم يكن لهم أن ينتزعوها منه جاز أن يراضيهم على تسليمها بمثل رأس المال أو أكثر ومثل تلك المنافع. واختلف إذا كان الكراء مضمونًا، فقال مالك في كتاب الرواحل: المكتري أحق بما قدم إليه فيه (¬2) من الغرماء، وليس للجمَّال أن ينتزعه منه (¬3). يريد: وإن لم يفلس، وكذلك الغرماء. وقال في "كتاب محمد": المكتري أحق ولو كان الجمال يريد الإبل تحته (¬4). وقال غير ابن القاسم في "المدونة": ليس الراحلة بعينها كالمضمون (¬5). ولم يجعله أحق في الفلس. واختلف بعد القول أنه أحق إذا ضمن ذلك الغرماء هل يجوز ذلك؟ وأما إذا كان الكراء معينًا، لم يكن لهم ذلك قولًا واحدًا، ويختلف إذا تراضوا (¬6) بذلك. تم كتاب كراء الدور والأرضين والحمد لله رب العالمين ¬

_ (¬1) في (ر): (الحمال). (¬2) قوله: (فيه) في (ر): (إليه بركبه). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 494. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 122. (¬5) انظر: المدونة: 3/ 494. (¬6) قوله: (تراضوا) في (ت): (رضوا).

كتاب الرواحل

كتاب الرواحل النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ت) = نسخة تازة رقم (234 & 343) 3 - (ر) = نسخة الحمزوية رقم (110)

باب في من باع عبدا وأكرى راحلة في عقد واحد

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليمًا كتاب الرواحل والدواب (¬1) باب (¬2) في من باع عبدًا وأكرى راحلة في عقد واحد ومن باع راحلة واستثنى منها ركوبًا (¬3)، أو اكترى راحلة يركبها بعد شهر أو شرط الخيار (¬4)، والبيع (¬5) والإجارة في عقد جائز، فإن بيعَ عبدٍ (¬6) وركوبَ راحلة (¬7) بعينها أو بغير عينها صفقة واحدة (¬8) - جاز، ثم هما في الثمن على أربعة أوجه: إما أن يشترطا نقده، أو تأخيره، أو نقد بعضه وتأخير بعضه، أو لا يشترطا شيئًا. ¬

_ (¬1) قد رقمنا الكتاب على نسختي فرنسا، وتازة، ورقمناه كذلك لوجود سقط في نسخة فرنسا مستدرك في تازة والحمزاوية، ولم نشأ أن نترك ترقيم نسخة فرنسا، لما أنها مكملة لبرلين وينتظمان معا ديوان التبصرة كاملا، على ما أشرنا له في مقدمة التحقيق. (¬2) قوله: (باب) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (منها ركوبًا) في (ف): (ركوبها). (¬4) قوله: (باب: فيمن. . . أو شرط الخيار) ساقط من (ت). (¬5) قوله: (والبيع) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (بيع عبد) في (ف): (يبع عبدًا). (¬7) في (ر): (دابة). (¬8) قوله: (واحدة) ساقط من (ر)، و (ف).

فإن اشترطا نقده جاز، وسواء كان الركوب مضمونًا أو معينًا. وإن اشترطا تأخيره جاز في المعيّن، واختلف في المضمون، فقال مالك مرة: لا يجوز، ورآه من الدَّيْن بالدَّيْن (¬1). وقال مرة: لا بأس أن ينقد الثلثين (¬2). وقاله أشهب في السَّلَم، وقال أيضًا (¬3): قد (¬4) اقتطع الأكرياء أموال الناس، فلا إذا نقد (¬5) الدينار ونحوه (¬6). ورأى ذلك ضرورة تنقل الحكم، وإن كان دَيْنًا بِدَيْن (¬7). واختلف إذا شرط أن ينقد ما ينوب الركوب إذا كان مضمونًا ويتأخر ما ينوب العبد، وهما عارفان بما ينوبه، هل يجوز أو يكون فاسدًا؛ لأن المنقود مفضوض على الجميع؟ وقولهما: إن هذا للركوب، ساقط فعلى هذا القول (¬8)، لا يجوز إلا (¬9) أن ينقد الجميع. وإن لم يشترطا نقدًا ولا تأخيرًا، وكان الركوب مضمونًا جاز، ويجب نقد الجميع؛ لأن كل واحد بانفراده يستحق تعجيل (¬10) الثمن وكذلك الاجتماع. وإن كان الركوب لراحلة بعينها كان الحكم أن ينقد ما ينوب العبد، وينقد ¬

_ (¬1) انظر النوادر والزيادات: 7/ 91. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 92. (¬3) في (ر): (أصبغ). (¬4) قوله: (قد) ساقط من (ر) و (ف). (¬5) قوله: (إذا نقد) في (ف): (إن ينقد). (¬6) انظر: المدونة: 3/ 472، 473، والنوادر والزيادات: 7/ 92. (¬7) انظر: المدونة: 3/ 473، والتفريع: 2/ 113. (¬8) قوله: (القول) ساقط من (ف). (¬9) قوله: (إلا) ساقط من (ف). (¬10) في (ف): (جميع).

فصل [في الشرط في كراء الراحلة إن ماتت أخلف مكانها]

ما ينوب الراحلة بقدر ما يسير كل يوم. وقد عورض هذا بأن قيل: العقد فاسد؛ لأنه لا يدرى ما يتعجل مما يتأخر. وقول ابن القاسم أصوب؛ لأن الشأن من التجار أنهم يقدِّرون ما ينوب كل واحد ليعلما غالي ذلك من رخيصه، ولا يكاد يختلف ذلك إلا يسيرًا. وهو في هذا أخف من جمع سلعتين (¬1)؛ لأن تلك يستبد كل واحد من البائعين بالثمن فيها. وفي هذه جميع الثمن لواحد واليسير الذي بينهما هو الذي (¬2) يتعجله الآن أو يأخذه مفترقًا مع سائر المسافة. وقد أجاز مالك وابن القاسم أن يعقد الكراء بالعين، ولا يشترطا نقدًا ولا تأخيرًا (¬3)، ويكون مفضوضًا على ما ينوب كل يوم (¬4)، وقد تختلف الطريق (¬5) في الصعوبة. فصل [في الشرط في كراء الراحلة إن ماتت أخلف مكانها] وإن استحقت الراحلة أو ماتت والكراء مضمون أخلفها. وإن كانت بعينها انفسخ الكراء فيما (¬6) ينوبها ولزم العبد إن كانت أقل (¬7) الصفقة، وكذلك إن كانت الأكثر وقد ركب بعض الطريق، وكان ما ركب إن أضيف إلى العبد كان النصف فأكثر. ¬

_ (¬1) في (ف): (السلعة). (¬2) قوله: (هو الذي) في (ر)، و (ت): (له). (¬3) انظر: المصدر السابق: الموضع نفسه. (¬4) في (ت) (واحد يومًا). (¬5) في (ت): (طرق). (¬6) قوله: (الكراء فيما) في (ر)، و (ف): (ما). (¬7) قوله: (من) ساقط من (ح)، و (ت).

واختلف إذا استحق العبد وهو الأكثر وفات الركوب، هل يمضي بالثمن أو بالأقل من القيمة أو الثمن؟ وإن استحق العبد، وقد ركب بعض الطريق ردَّ الباقي من الركوب ومضى ما ركب بالأقل من القيمة أو الثمن (¬1). ومن باع راحلة واستثنى ركوبها يومًا أو يومين وهو (¬2) في الحضر أو في (¬3) السفر- جاز، ويكره ما زاد على ذلك، ويمنع ما كثير كالجمعة والشهر، وهو إذا كان في السفر أبين في الغرر؛ لأنه لا يدري كيف ترجع، ولا هل تسلم. وإن اشترط يومًا أو يومين بعد قبض المشتري ومقامها (¬4) - جاز، وإن كان بعد مقام جمعة أو شهر لم يجز، والمصيبة فيه إذا كان (¬5) البيع صحيحًا من المشتري، وسواء اشترط اليوم أو اليومين ابتداء أو بعد قبض المشتري، ووافق ابن حبيب إذا قبضها (¬6) المشتري، وكان يعيدها (¬7) إلى البائع بعد يوم أو الشيء القريب. وخالف إذا كان ركوب البائع (¬8) ابتداء قبل وصولها إلى المشتري، وقال: المصيبة من البائع (¬9). وقول مالك وابن القاسم أحسن (¬10)؛ لأنه ممكَّن من الرقبة يتصرف فيها بالبيع وغيره. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 472. (¬2) (ت) و (ف): (وهي). (¬3) قولة (في) ساقط من (ر). (¬4) في (ت) (ف) (له ومقامه). (¬5) زاد بعده في (ر): (بعد). (¬6) في (ت) و (ف): (قبضه). (¬7) في (ت) و (ف): (يعيده). (¬8) زاد بعده في (ر): (هو). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 332. (¬10) قوله: (مالك وابن القاسم أحسن) في (ت): (ابن القاسم أبين)، وفي (ف): (مالك أبين).

فصل [في من أكرى راحلة واشترط تأخير ركوبها]

وإذا كان البيع فاسدًا -لأن البائع استثنى أيامًا كثيرة- فهلكت في يديه، كانت مصيبتها منه. واختلف إذا كان الاستثناء بعد قبض المشتري لها فهلكت عنده، فقال ابن القاسم: المصيبة من البائع، وسواء هلكت في يد المشتري أو في (¬1) يد البائع بعد أن رجعت إليه (¬2). وفي "كتاب ابن سحنون": إن هلكت في يد المشتري أو تغّير سوقها كانت فوتًا ومصيبتها منه، وإن هلكت بيد البائع قبل أن يتغير سوقها عند المشتري كانت من البائع، وإن عادت إلى يد البائع بعد أن تغيرت سوقها، كانت من المشتري وعليه الأقل من القيمة أو من (¬3) الثمن (¬4). فصل [في من أكرى راحلة واشترط تأخير ركوبها] وإن عقد الكراء الآن ليكون الركوب بعد شهر جاز (¬5) في المضمون ويقدم الكراء. وإن كانت راحلة (¬6) بعينها لم يجز شرط النقد (¬7). واختلف إذا شرطا (¬8) أن لا ينقد إلا عند الركوب هل يجوز العقد؟ ¬

_ (¬1) قوله: (في) ساقط من (ت) و (ف). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 332. (¬3) قوله: (من) ساقط من (ف). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 334. (¬5) زاد بعده في (ت) (الكراء). (¬6) في (ر): (الراحلة). (¬7) قوله: (شرط النقد) في (ف): (الشرط). (¬8) في (ر): (شرطوا).

فأجازه مالك (¬1)، ومنعه غيره؛ لأن فيه تحجيرًا على المالك (¬2)؛ لأنه لا يقدر على التصرف فيها بالبيع أو السفر الآن، وقد تهلك فيكون قد حجر على نفسه ملكه لغير منفعة يرجوها (¬3). والأول أبين لأنه لم يمنع نفسه عنها (¬4) لغير منفعة يرجوها، فأجاز ابن القاسم إجارة الراحلة بعينها لتقبض منافعها بعد شهر (¬5) بخلاف بيع العبد ليقبض بعد شهر؛ لأن أغراض الناس إذا بيعت الرقاب (¬6) تعجيل قبضها، فاشتراط الناس (¬7) التأخير قصدًا لبقائها في ضمان البائع، والمنافع ضمانها قبل القبض وبعد القبض من بائعها فلم تكن هناك تهمة، وقد يشترط التأخير؛ لأنه لم يأت وقت حاجته إلى الركوب. وإن اشترط الخيار في المعيّن والمضمون جاز الأمد القريب كاليومين والثلاثة، ويجوز في المعيّن على قول ابن القاسم (¬8) أن يكون الخيار الشهر ونحوه، ويجوز على قول غيره إذا كان الخيار لصاحب الراحلة، ولا يجوز إذا كان للمكتري؛ لأنه حجر (¬9) عليه ملكه وقد لا يختار بعد انقضاء الأجل. ويختلف في المضمون: فعلى القول في بيع الخيار أنه (¬10) إذا أجيز كأنه لم ¬

_ (¬1) في (ر) و (ت): (ابن القاسم). وانظر: المدونة: 3/ 473. (¬2) انظر: المقدمات الممهدات: 1/ 450. (¬3) قوله: (يرجوها) ساقط من (ت) و (ر). (¬4) في (ت): (عبثا). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 473. (¬6) قوله: (بيعت الرقاب) في (ر): (بلغت). (¬7) قوله: (الناس) ساقط من (ت) و (ر). (¬8) انظر: المصدر السابق: الموضع نفسه. (¬9) في (ت) و (ف): (يحجر). (¬10) قوله: (أنه) ساقط من (ت) و (ر).

يزل منعقدًا، يمنعه، وهو أصل ابن القاسم في السَّلَم على خيار (¬1). وعلى القول: إنه إنما ينعقد (¬2) بيعًا يوم يختار، يجوز هذا، وإليه ذهب ابن القاسم في كتاب الشفعة (¬3) إذا بيع نصيب (¬4) على خيار، ثم بيع الآخر على البت، فجعل الشفعة لمشتري الأول الذي كان له الخياران قبل البيع (¬5) وجميع ذلك على غير نقد، فإن شرط النقد كان البيع (¬6) فاسدًا في المعين والمضمون، وإن تطوع بالنقد جاز إذا لم يكن خيار؛ لأن المكتري عند انقضاء الشهر (¬7) يأخذ المنافع بالعقد المتقدم ولم يأخذها عن دَيْنٍ. وقد تتوزع إذا كان الكراء على خيار ونقد من غير شرط، فقيل: يمنع لأنه يأخذ منافع عن (¬8) دَيْنٍ، وقد (¬9) قيل: يجوز، وهو أحسن؛ لأن الدفع إنما كان ليأخذ هذه المنافع، فلم (¬10) يدخله تقضي أو تربي وهذا في المضمون وهو في المعين أخف للاختلاف: هل يأخذ منافع من (¬11) دَيْنٍ تقدَّم (¬12)؟ وهو قول أشهب (¬13). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 223. (¬2) في (ت) و (ر): (يعد). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 247. (¬4) في (ف): (نصف). (¬5) قوله: (لمشتري الأول الذي كان له الخيار قبل البيع) ساقط من (ر)، وفي (ف): (للمبتاع على الخيار وأبى ذلك غيره). (¬6) قوله: (البيع) ساقط من (ر) و (ف). (¬7) قوله: (الشهر) ساقط من (ر). (¬8) في (ر): (عن). (¬9) قوله: (قد) ساقط من (ت) و (ف). (¬10) في (ف): (ولم). (¬11) في (ت) و (ر): (من). (¬12) قوله: (تقدم) زيادة من (ر). (¬13) انظر المقدمات الممهدات: 1/ 463، 464.

باب في من اكترى راحلة ثم باعها، أو باعها ثم اكتراها، أو اكترى ثم أكرى أو وهب

باب (¬1) في من اكترى (¬2) راحلة ثم باعها، أو باعها (¬3) ثم اكتراها (¬4)، أو اكترى (¬5) ثم أكرى أو وهب ومن (¬6) أكرى راحلة (¬7) ثم باعها كان الكراء أولى، ثم (¬8) المشتري بالخيار بين القبول أو الترك إذا كان الكراء اليومين والثلاثة. وإن كان بعيدًا كان فاسدًا على القول: إن عَلِمَ أحد المتبايعين بالفساد؛ يوجب الفساد (¬9). وقيل: البيع جائز؛ لأن المشتري لم يعقد على فساد ولا يكون كمبتدئ شراء لأنه قَبِلَ (¬10) بالعيب قبل أن يرد. واختلف إذا كان الكراء اليومين والثلاثة فلم يعلمه (¬11) المشتري حتى انقضت مدة الكراء، فقيل: لا ردَّ للمشتري وهو كعيب ذهب، وقيل: له أن يرد كالعيب القائم، والجواب على وجهين: ¬

_ (¬1) قوله: (باب) ساقط من (ت). (¬2) في (ت)، و (ر): (أكرى). (¬3) قوله: (أو باعها) ساقط من (ر). (¬4) في (ت)، و (ر): (أكراها). (¬5) في (ت)، و (ر): (أكرى). (¬6) في (ت): (قال ومن) (¬7) في (ف): (راحلته). (¬8) في (ر) و (ف): (و). (¬9) قوله: (يوجب الفساد) ساقط من (ف). (¬10) في (ر): (علم). (¬11) في (ف) و (ر): (يعلم).

فعلى القول إن غلات المبيع للبائع والمصيبة منه، حتى يقبضه (¬1) المشتري، وكانت قد بقيت في يد البائع تلك المدة ليقبض الثمن، يكون كعيب ذهب؛ لأن مقال المشتري لمكان الحبس، حبس الرقاب، وقد كان بوجه جائز ولم يكن له حق في المنافع. وعلى القول: إن المصيبة من المشتري يكون مقاله قائمًا؛ لأنه يقول: اشتريت وأنا أرى (¬2) أن المنافع في بالعقد، فتبيّن أن البائع باعها. وإن دفع إليه البائع قيمة تلك المنافع لزمه (¬3) البيع؛ لأن مقاله بعد تمام مدة الكراء لمكان الكراء ليس لأجل الحبس، ولا مقال له في المسمى إن كان أكثر من القيمة؛ لأن البائع باعها بوجه جائز. وإن شهدت البينة بالبيع واعترف البائع أن الكراء كان قبل، كان للمكتري أن يفسخ الكراء عن نفسه إن كان المسمى أكثر من القيمة، أو يأخذ فضل القيمة إن كانت (¬4) أكثر من المسمى؛ لأنه يقول: بعتني منافع ثم (¬5) أحدثت ما حال بيني وبين قبضها. وهذا إذا بقيت الراحلة تلك المدة ولم يغب بها مشتريها. ويختلف إذا غاب بها هل يحمل على الحياة ويكون كالحاضر، أو على الموت فلا يكون له (¬6) إلا فسخ الكراء؟ وإن باع ثم أكرى كان المشتري في الكراء (¬7) ¬

_ (¬1) في (ر): (يقبض). (¬2) قوله: (أنا أرى) في (ر) و (ف): (إنا نرى). (¬3) في (ر): (لزم). (¬4) في (ت) و (ف): (كان). (¬5) في (ر): (ممن). (¬6) قوله: (له) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (في الكراء) ساقط من (ر) و (ف).

بالخيار بين أن يفسخه أو يمضيه ويأخذ ما أكريت به. وإن ثبتت البينة للمكتري واعترف البائع أن البيع كان قبل، وقام المشتري بفور ذلك كان بالخيار بين أربع: بين أن يفسخ البيع عن نفسه إن كان الثمن أكثر من القيمة، أو يأخذ فضل القيمة إن كانت أكثر؛ لأنه حال بينه وبين قبض المبيع، أو يجعل مقاله في الكراء فيأخذ ما أكريت به، أو قيمة الركوب إن كانت القيمة أكثر من المسمَّى. وإن لم ينظر في ذلك حتى ذهبت (¬1) مدة الكراء لم يكن للمشتري مقال في رد البيع؛ لأن الحبس ذهب، وكان له في الكراء الأكثر من المسمى أو كراء المثل، ويستوي حينئذ ثبات تقدم البيع والجهل به. وإن أكرى ثم أكرى وعلمت التواريخ، كان الأول أولى وله أن يفسخ الثاني أو يجيزه ويأخذ ما أكريت به. وإن لم يعلم تقدم عقد الأول كان (¬2) الآخر أحق، وكان الأول بالخيار بين ثلاثة أوجه (¬3): بين أن يفسخ العقد عن نفسه، أو يأخذ فضل ما أكريت به، أو يأخذ من المكري قيمة تلك المنافع. وإن أكرى ثم وهب، أو وهب ثم أكرى، كان المكتري أحق فإن سبق (¬4) الكراء كان المكتري أحق لتقدم عقده، وإن تأخر كان أحق لعدم الحوز في الهبة، وهو بمنزلة من وهب ثم باع، فإن المشتري أحق ويكون للموهوب له الثمن. وله ها هنا ما أكريت به، فإذا انقضت الإجارة أخذها الموهوب له (¬5)، ويختلف في حوز المكتري للموهوب له (¬6)، وذلك مذكور في كتاب الصدقة. ¬

_ (¬1) في (ف): (ذهب). (¬2) في (ف): (وكان). (¬3) قوله: (أوجه) ساقط من (ر). (¬4) في (ت): (تقدم). (¬5) زاد بعده في (ت): (الثمن). (¬6) قوله: (ويختلف في حق المكتري للموهوب له) ساقط من (ر).

باب في من أكرى بمعين من الثياب أو الطعام أو العين، وكيف إن اشترط حبس ذلك المعين الأيام القريبة أو البعيدة؟

باب (¬1) في من أكرى بمعين من الثياب أو الطعام أو العين، وكيف إن اشترط حبس (¬2) ذلك المعين الأيام القريبة أو (¬3) البعيدة؟ ومن (¬4) أكرى عبدًا أو دابة بثوب أو طعام بعينه أو دنانير بعينها. فإن كان العبد أو الدابة مضمونان (¬5) لزم نقد الثوب أو الطعام بمجرد العقد. وإن كان العبد أو الدابة معيّنين وكانت العادة النقد- انتقد الكري (¬6) الثوب أو الطعام بمجرد العقد (¬7). وإن كانت العادة التأخير في الكراء أو لم تكن لهم عادة في النقد، لم يجز (¬8) نقدها (¬9) وكان فاسدًا. وقال ابن حبيب: الكراء جائز (¬10) وهو على تعجيل القبض (¬11) حتى يشترط التأخير ولا يلتفت إلى سُنة البلد في تأخير الكراء، وكذلك قال لي من أرضى من أصحاب مالك. ¬

_ (¬1) قوله: (باب) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (حبس) ساقط من (ت). (¬3) في (ر): (و). (¬4) في (ر) و (ف): (قال: ومن). (¬5) كذا بالنسخ الثلاثة والصواب: (مضمونين) (¬6) في (ر) و (ف): (الكراء). (¬7) قوله: (بمجرد العقد) ساقط من (ت) و (ف). (¬8) في (ت)، و (ر): (يجب). (¬9) في (ت): (تقدمها). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 133. (¬11) في (ف): (النقد).

يريد: أن العادة في العين التأخير (¬1)، ولو كانت تلك (¬2) العادة، إذا كان الكراء بمعين ثوبٍ أو ما أشبهه كان فاسدًا. ومن (¬3) باع سلعة بثمن إلى أجل كان محملهما (¬4) على أنهما تبايعا على الوجه الجائز وينقد الحاضرة حتى يشترط أن لا ينتقد (¬5) إلا بعد حلول الأجل وقبض الثمن. وإن باع سلعة حاضرة بغائبة بعيدة الغيبة حملا على الجواز، وأن لا ينقد الحاضرة حتى تقبض (¬6) الغائبة حتى يشترط نقد الحاضرة (¬7) فيفسد، وكذلك الكراء بالثوب يحملان على الجواز وعلى نقده حتى يشترطا أن لا ينقده (¬8) فيفسد. وإن كانت الإجارة بما لا يصلح تأخيره كالرطب والمقثاة (¬9) واللحم حملا على الجواز وعلى النقد؛ لأن مثل هذا لا يقصد تأخير قبضه. وقال ابن القاسم فيمن اكترى (¬10) راحلة بعينها بدنانير بأعيانها: فإن كان الكراء عندهم بالنقد جاز، وإن كان بغير النقد لم يجز (¬11)، إلا أن يشترط إن ¬

_ (¬1) قوله: (العين التأخير) في (ر): (التأخير العين) وفي (ف): (التأخير المعين). (¬2) قوله: (تلك) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (ومن) في (ف): (يريد فمن) وفي (ر): (كمن). (¬4) في (ت) و (ف): (محملهما). (¬5) في (ف): (ينقد). (¬6) في (ر): (يقبض). (¬7) في (ف): (الغائبة). (¬8) في (ف): (ينقد). (¬9) في (ت): (في المقتات). (¬10) في (ر): (أكرى). (¬11) قوله: (يجز) ساقط من (ر).

ضاعت أخلفها أو (¬1) توضع على يد غيره ويجعلها رهنًا. وقال غيره: ذلك جائز وإن تلفت كان عليه خلفها (¬2)، فاتفقا على أنها تتعين، وإنما اختلفا (¬3) هل الحكم الخلف من غير شرط أو حتى يشترط؟ وعلى القول: إنها لا تتعيّن لا يمنع صاحبها (¬4) من التصرف فيها، وعلى قول ابن حبيب تتعيّن، ويجوز النقد (¬5)، ويجبر على أن يعجلها إلا أن يشترط وقفها، وإذا وقفت على ما في "المدونة" كان للمكري (¬6) كلما مضى يوم أن يُنْتَقَد منها (¬7) بقدره، إلا أن يشترط أن لا يَنْتقِد منها شيئًا حتى يبلغ غاية سفره ويكون فاسدًا بخلاف الأول؛ لأن الأول يشترط ذلك لمنفعة (¬8) إما لخلف (¬9) أو لأنه يخشى (¬10) أن يلدَّ عليه كلما مضى يوم أو ليلة (¬11)، لئلا (¬12) يجد شيئًا فاسدًا أو يشترط المكتري ألا يعجلها لئلا (¬13) تهلك في الطريق فيكون ماله بيده قال ¬

_ (¬1) في (ر): (و). (¬2) قوله: (أو توضع على يد غيره ويجعلها رهنًا. وقال غيره: ذلك جائز وإن تلفت كان عليه خلفها) ساقط من (ف). وانظر: النوادر والزيادات: 7/ 38. (¬3) في (ت): (اختلف). (¬4) زاد بعده في (ت): (منها). (¬5) في (ت): (العقد). (¬6) في (ف): (المكتري). (¬7) قوله: (منها) ساقط من (ر). (¬8) قوله: (ذلك لمنفعة) في (ر): (ذلك منفعة)، وفي (ف): (تلك المنفعة). (¬9) في (ت): (أن يحملها) وفي (ر): (لحلها). (¬10) في (ت): (لا يخشى). (¬11) في (ر): (ليل). (¬12) قوله: (لئلا) ساقط من (ف) و (ر). (¬13) في (ت): (ليلًا).

فصل [في حبس المكرى المعين الأيام القريبة أو البعيدة]

ابن القاسم: وإن اكترى بطعام بعينه وشرط إن ضاع أخلفه لم يجز، بخلاف الدنانير (¬1): وهذا على القول إنه مما تختلف فيه الأغراض، وأرى أن يجوز بعد تسليم هذا القول؛ لأن الاختلاف في هذا يسير، ولهذا قضى فيه بالمثل بخلاف العروض. فصل [في حبس المكرى المعيّن الأيام القريبة أو البعيدة] قال ابن القاسم: فإن حبس الثوب للوثيقة كان الضمان من البائع، إلا أن تشهد بينة على تلفه (¬2). وقال غيره: إن اشترط البائع الدفع بعد يوم أو يومين للباس الثوب (¬3) أو ركوب الدابة فتلف؛ كان للمشتري (¬4) لأنه (¬5) كأنه (¬6) قبضه وحازه (¬7). فتكلم ابن القاسم إذا حبس للوثيقة وجعله كالمحبوس بالثمن، فلا يصدق في ضياعه. ويختلف إذا شهد على ضياعه، هل تكون مصيبته من البائع أو من المشتري؟ وتكلم غيره على ما (¬8) استثنيت منافعه خاصة ومُكِّن المشتري من ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 476. (¬2) في (ت) و (ر): (إتلافه). (¬3) قوله: (الثوب) ساقط من (ر). (¬4) في (ت)، و (ر): (من المشتري). (¬5) قوله: (لأنه) ساقط من (ت). (¬6) في (ف): (كأن). (¬7) انظر: المدونة: 3/ 477. (¬8) في (ر): (ما إذا).

الرقاب، فكان القول (¬1) قوله في ضياعه؛ لأن حكم البيع سقط ويبقي (¬2) على حكم الأمانة. وإن حبس للوثيقة (¬3) ولمنافع استثنيت منه (¬4)، لم يصدق في دعوى الضياع؛ لأن حق البائع بقي في الرقاب؛ لأنه حبسها للوثيقة، وإن حبس مع ذلك للمنافع (¬5). ويختلف إذا شهدت البينة على الضياع وحكمه حكم من كان محبوسًا للوثيقة (¬6) خاصة؛ لأنه وإن كان محبوسًا للمنافع، وأنها باقية على ملك البائع، فإن الرقاب غير ممكَّن منها لمَّا حبسها للوثيقة. ويختلف إذا شرط حبسه (¬7) إلى يوم أو يومين لغير وثيقة ولا لمنفعة استثناها، هل يوفَّى بالشرط؟ فقال ابن القاسم: لا يعجبني ذلك، ولا أفسد به البيع (¬8). ولم يتكلم على الوفاء بالشرط وقال فيمن أكرى بيته وشرط على المكتري ألا يُسْكِن معه غيره فتزوج أو اشترى رقيقًا: لم يمنع إذا كان ذلك لا يضر بالمسكن (¬9). فلم ير أن يُوفَّى بذلك الشرط إذا كان لا ينتفع به (¬10). فعلى هذا ¬

_ (¬1) قوله: (القول) ساقط من (ف). (¬2) في (ت): (وبقي)، وفي (ف): (وهي). (¬3) زاد بعده في (ر): (معًا). (¬4) في (ر): (منها). (¬5) في (ف): (المنافع). (¬6) قوله: (إن حبس مع ذلك المنافع. . . كان محبوسًا للوثيقة) ساقط من (ر). (¬7) في (ف): (حبسها). (¬8) انظر: المدونة: 3/ 477. (¬9) انظر: المدونة: 3/ 522. (¬10) قوله: (به) ساقط من (ت).

يكون (¬1) للمشتري قبض المبيع، ولا يُوفَّى ببقائه حتى تُوفَّى تلك (¬2) الأيام. واختلف فيمن صرف دينارًا من رجل، وكان لمشتري الدينار على بائعه دراهم (¬3) مثلها وشرط ألا يحبسها (¬4) منها، هل يوفى له بشرطه؟ وأرى أن يوفى للبائع بشرطه؛ لأنه شرط (¬5) ليس بفاسد، والبائع أعلم بالوجه الذي لأجله (¬6) شرط ذلك. وإن أكرى (¬7) إلى مكة بطعام معيّن، ولم يشترط نقده ولا تأخيره، كان الكراء فاسدًا على قول ابن القاسم (¬8)، وعلى قول ابن حبيب يكون جائزًا، وينتقده المكتري (¬9). وإن كان الكراء بطعام مضمون وضربا أجلا، جاز. فإن كان محل الأجل قبل الوصول، وكَّل المكتري من يقضي عنه إذا حل الأجل، وإن كان حلوله قبل وصوله، وكذلك إذا كان الأجل عند الوصول أو بعده وقبل أمد رجوعه، فعلى المكتري أن يوكل من يدفع عنه إذا حلَّ الأجل، وإن لم يعلم هل سلمت ووصلت (¬10) أم لا؟ ¬

_ (¬1) في (ت): (لا يكون). (¬2) قوله: (توفى تلك) في (ف): (يوفي بتلك). (¬3) في (ف): (درهم أو دراهم). (¬4) في (ف): (يحاصصه). (¬5) في (ر): (شرط شرطًا). (¬6) قوله: (لأجله) ساقط من (ر). (¬7) في (ت): (كرى). (¬8) انظر: المدونة: 3/ 476. (¬9) في (ت): (الكري). (¬10) في (ف): (أو ضلت).

باب في من أكرى دابة بعلفها أو بطعام الجمال أو كسوته

باب في من أكرى دابة بعلفها أو بطعام الجمَّال (¬1) أو كسوته قال ابن القاسم: ولا بأس أن يكري الرجل راحلته على أن على المكتري (¬2) علفها، قال: وأجاز مالك أن يشترط على المكتري (¬3) طعام الجمَّال (¬4) وكسوته (¬5). وكل هذا يجوز إذا سمى (¬6) ما يعلف أو يطعم أو يكسو، أو كانت عادة معلومة لا تختلف أو تختلف اختلافًا يسيرًا لا يؤدي إلى غرر (¬7)، وإن تبين (¬8) اختلافه لم يجز. ولا يجوز في هذا ما يجوز في النكاح، ويجوز في النكاح من (¬9) الغرر ما لا يجوز في البيع. وإن استأجرها (¬10) ستة مناهل ليعلفها كل ليلة ثمنة (¬11) فماتت بعد ثلاثة (¬12) مناهل وكان يعلفها في (¬13) كل ليلة ثمنة (¬14) - فض ما ¬

_ (¬1) في (ف): (الحمال). (¬2) في (ر): (المتكاري). (¬3) في (ر): (المتكاري). (¬4) في (ف): (الحمال). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 478. (¬6) في (ف): (سئل). (¬7) في (ف): (غرور). (¬8) في (ر): (تباين). (¬9) قوله: (ويجوز في النكاح من) ساقط من (ر). (¬10) في (ت): (استأجره). (¬11) في (ح): (ثمنه). (¬12) في (ر) و (ت): (ثلاث). (¬13) قوله: (في) ساقط من (ف). (¬14) في (ر): (ثمنه).

علفه (¬1) على جميع المناهل الماضي والباقي، فما ناب الباقي غرمه صاحب الدابة في المواضع الماضية (¬2) التي كان (¬3) قبضه فيها، وما ناب الماضي غرم الراكب الفاضل عما (¬4) قبضه عنها ويستقبل المناهل، وهو بمنزلة من باع سلعة (¬5) بطعام يقبض في مواضع مختلفة فجميع الطعام مفضوض على جميع المواضع (¬6). وهذا الذي يقتضيه مجرد العقد بالكراء إلا أن يكون قصدهما أن الذي يعلفه (¬7) كل ليلة عن ذلك اليوم، ويكون هو الذي ينوبه بالفض (¬8)، فلا يرجع أحدهما (¬9) على الآخر (¬10) بشيء، وإن فضل من (¬11) الذي علف (¬12) شيءٌ كان مفضوضًا على باقي المناهل كلها (¬13). ¬

_ (¬1) في (ت): (علف). (¬2) في (ر): (الباقية). (¬3) قوله: (كان) ساقط من (ف). (¬4) في (ف): (عما كان). (¬5) في (ت): (سلعا). (¬6) في (ت): (المناهل)، وفي (ف): (المنافع). (¬7) في (ر): (يعلفها). (¬8) في (ر): (بالقبض). (¬9) في (ر): (أحد). (¬10) قوله: (على الآخر) في (ر): (صاحبه). (¬11) في (ت): (عن). (¬12) في (ت): (علفه). (¬13) قوله: (على باقي المناهل كلها) ساقط من (ف).

باب فيما يصح من الكراء ويفسد

باب (¬1) فيما يصح (¬2) من الكراء ويفسد (¬3) وقال ابن القاسم فيمن اكترى دابة ليُشَيِّعَ عليها رجلًا ولم يسم الموضع، فالكراء فاسد (¬4). يريد (¬5): إذا لم تكن لهم (¬6) في ذلك عادة، فإن كانت عادة (¬7) كان الكراء جائزًا، وحمل على العادة في الموضع الذي يشيع إليه الناس (¬8). والعادة في تشييع الحاج بمصر إلى الجب، وبالمدينة إلى الشجرة، وكل من له في ذلك (¬9) عادة حمل (¬10) عليها. وقال ابن القاسم: إن اكترى دابة إلى موضع (¬11) ولم يسم ما يحمل عليها كان الكراء فاسدًا إلا أن يكون قومًا قد (¬12) عرفوا ما يحملون بينهم (¬13). وقال غيره: يجوز إذا سمى طعامًا أو بزًا أو عطرًا ويحمل عليها حمل ¬

_ (¬1) قوله: (باب) ساقط من (ت). (¬2) في (ف): (يصلح). (¬3) في (ر): (أو يفسد). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 480. (¬5) قوله: (يريد) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (لهم) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (فإن كانت عادة) ساقط من (ت). (¬8) قوله: (الناس) ساقط من (ف). (¬9) في (ف): (هذا). (¬10) في (ت): (عمل). (¬11) قوله: (إلى موضع) في (ف): (بموضع). (¬12) قوله: (قد) ساقط من (ر). (¬13) في (ف): (عندهم).

مثلها (¬1). وإن قال: أحمل عليها حمل مثلها مما شئت لم يجز؛ لأن الحمل يختلف فمنه ما هو (¬2) أعطب لظهورها (¬3). قال: وكذلك إذا تكاراها إلى بلد، أيَّ البلدان (¬4) شاء يركبها شهرًا؛ لأن منها الوعر الشديد (¬5)، والسهل، وكذلك الحوانيت والدور، وكل ما اختلف حتى يتباعد (¬6) فلا خير فيه (¬7). قال الشيخ أَبو الحسن - رضي الله عنه - (¬8): الكراء بيع من البيوع يمنع (¬9) فيه الغرر كما يمنع في البيوع، فعلى من اكترى دابة أن يسمي جنس ما يستعملها (¬10) فيه، وقدره، والبلد الذي (¬11) يسافر بها إليه وإلا كان فاسدًا. فإن سمى قدر ما يستعملها (¬12) فيه دون جنسه لم يجز، فقد يتفق الوزن، ويختلف الكراء لاختلاف المضرة، وكراء الكَتَّان والرصاص مختلف، وإن استوى الوزن، وإختلف إذا سمى الجنس دون القدر، فمنعه ابن القاسم (¬13)، وأجازه غيره ¬

_ (¬1) في (ف): (أمثالها). (¬2) في (ر): (يكون). (¬3) في (ف): (لظهرها). (¬4) في (ر): (البلاد)، وفي (ف): (البلد). (¬5) قوله: (الشديد) ساقط من (ر). (¬6) في (ر): (يبتاعه). (¬7) انظر: المدونة: 3/ 480. (¬8) قوله: (أبو الحسن - رضي الله عنه -) ساقط من (ت) و (ر). (¬9) في (ر): (يمتنع). (¬10) في (ت) و (ر): (يستعمل). (¬11) قوله: (الذي) ساقط من (ر). (¬12) في (ت) و (ر): (يستعمل). (¬13) انظر: المدونة: 3/ 480.

ويحمل عليها حمل مثلها، والأول أحسن، وليس كل أحد من المتكاريين (¬1) يعرف قدر حمل (¬2) دابته غيره. وإن استأجرها ليسافر عليها ولم يذكر المدة ولا الناحية كان فاسدًا، وكذلك إذا ذكر المدة دون الناحية إلا أن تكون (¬3) تلك النواحي متساوية أو متقاربة في السهولة والأمن. وإن سمى البلد ولم يضرب أجلًا جاز، وإن جمع بين تسمية البلد، وأن يكون الوصول في مدة مسماة، ولا يدري هل يصل فيها أم لا؟ كان فاسدًا، ويختلف إذا كان الغالب الوصول فيها. وإن استأجرها ليطحن عليها وله عادة في صنف معروف جاز، وإن كانت العادة عندهم مرة شعيرًا ومرة قمحًا ومرة أرزًا، وكانت الإجارة على ذلك عن (¬4) كل واحد بانفراده سواء أو متقاربًا- جاز، وإن تباين لم يجز إلا أن يسمي الصنف. وأجاز ابن القاسم في "المدونة" أن يستأجر الدابة ليطحن عليها باليوم وإن لم يسم ما يطحن عليها في ذلك اليوم (¬5)؛ لأن نحو (¬6) ذلك عندهم معروف. ولو (¬7) كان قوم لم تتقدم لهم بذلك عادة لم يجز. وإن استأجرها ليطحن عليها أرادب مُسَمَّاة ولم يذكر الأيام التي يطحن فيها- جاز. ¬

_ (¬1) في (ر): (المكتريين). (¬2) في (ف): (ما تحمل). (¬3) قوله: (تكون) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (عن) ساقط من (ر)، في (ت): (على). (¬5) قوله: (اليوم) ساقط من (ر)، وانظر: المدونة: 3/ 479. (¬6) قوله: (نحو) ساقط من (ر). (¬7) في (ف): (وإن).

واختلف إذا سمى الأيام والمَكِيلة التي يطحن (¬1) في تلك (¬2) الأيام، فقال ابن القاسم فيمن استأجر دابة ليطحن عليها (¬3) كل يوم إردبَّين بدرهم فوجدها تطحن إردبًا- كان له (¬4) أن يردها وعليه في الإردبِّ الذي طحنت (¬5) نصف درهم (¬6). فأمضاه بالمسمى، وقيل: لا يجوز أن يجمع بين (¬7) تسمية الأيام وتسمية الأرادب (¬8) التي يطحن فيها (¬9)، وإنما يجوز على تسمية أرادب ولا (¬10) يذكر الأيام التي يطحنها فيها أو على تسمية أيام، ولا يذكر ما يطحن فيها. وأجاز ابن القاسم في "المدونة" أن يستأجر الدابة شهرًا على أن يركبها في حوائجه متى شاء من ليل أو نهار (¬11)، وإن كانت الحوائج تكثر مرة وتقل أخرى؛ لأنَّ ذلك ضرورة ولا يقدر على تعين ما يحتاجها فيه (¬12)، وأجاز كراء الحوانيت والدور (¬13) على الإطلاق من غير مراعاة لصنعة مكتري (¬14) ¬

_ (¬1) في (ر): (يطحن عليها). (¬2) في (ت): (تلك كل). (¬3) في (ت): (عليها في). (¬4) في (ت): (عليه). (¬5) في (ت): (طحنها). (¬6) انظر: المدونة: 3/ 483. (¬7) قوله: (بين) ساقط من (ف). (¬8) في (ف): (الأردب). (¬9) في (ت): (عليها). (¬10) في (ت): (ولم). (¬11) انظر: المدونة: 3/ 479. (¬12) في (ف): (منه). (¬13) في (ف): (والديار). (¬14) في (ف): (من يكتري).

الحانوت ولا لعيال من يسكن الدار (¬1). وعلى (¬2) قول غيره (¬3) لا يجوز إلا بعد المعرفة بذلك؛ لأنه سوَّى بينهما وبين الطرق في الشدة والسهولة، وأرى إذا كان الحانوت في سوق لصناعة معروفة أن يجوز؛ لأنَّ المقصود (¬4) تلك الصناعة (¬5) حتى يذكر غيرها، فإن لم يكن في سوق معروف بصناعة (¬6) وأمكن أن تكرى لما (¬7) يغير الحيطان ويفسدها لم يجز، إلا أن يبيّن (¬8) لماذا يكتريها. وأما الديار فالأمر فيها أخف، ومحمل الناس على الوسط من (¬9) العيال، فإن تبيّن أن هذا المكتري كثير العيال والغاشية، كان للمكري في ذلك مُتكلَّم. وقال ابن القاسم في مشاة اكتروا إبلًا على حمل أزوادهم وشرطوا أن من مرض منهم حُمِل على تلك الإبل: لم يجز (¬10). وإن شرطوا (¬11) عُقْبَة أحدهم جاز. يريد؛ لأنَّ العقبة أمر ثابت يركبها كل يوم ولها قدر يقصده الناس، ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 528. وزاد بعده في (ف): (فصل). (¬2) قوله: (وعلى) ساقطة من (ف). (¬3) قوله: (قول غيره) في (ح): (قوله). (¬4) في (ر): (القصد). (¬5) في (ت): (الصنعة). (¬6) قوله: (بصناعة) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (تكرى لما) في (ر): (تكون بما). (¬8) في (ت): (يتبين). (¬9) في (ف): (في). (¬10) انظر: المدونة: 3/ 481. (¬11) في (ر): (اشترطوا).

فصل [في من عقد على بت وخيار في عقد فأكرى إلى بلد]

بخلاف شرط من مرض؛ لأنه أمر لا يدرى هل يحتاج إليه أم لا؟ وإن احتاج إليه هل يقل أو يكثر؟ فصل [في من عقد على بت وخيار في عقد فأكرى إلى بلد] وإذا عقد على بت وخيار في عقد فأكرى (¬1) إلى بلد معين على أنَّه بالخيار في التمادي إلى موضع آخر، فإن كان الثاني الذي يتمادى (¬2) إليه مثل الأوّل في السهولة والحمل (¬3) لا يتغير هو مثل الأوّل في الوزن والمضرة؛ على سعر (¬4) واحد، ولم ينقد في الزائد، وهو أقل من الأوّل جاز، وإن كان أكثر لم يجز. واختلف إذا كان الطريق الثاني مساويًا للأول، فمنعه عبد الملك، وظاهر قول ابن القاسم الجواز، وإن كان مخالفًا للأول في السهولة أو الأمن (¬5) أو (¬6) اختلف الحمل فكان الثاني أكثر أو أقل، أو الثمن وانتقد في (¬7) الزائد- لم يجز؛ لأنه غرر في النقد تارة سلفًا وتارة بيعًا، وإن جعل له (¬8) الخيار في الرجوع إن أحب رجع بتلك الدابة (¬9)، فإن اختلف الحمل أو ¬

_ (¬1) في (ر): (فاكترى). (¬2) في (ر): (تمادى). (¬3) في (ر): (لحمل). (¬4) في (ر): (سفر). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 94، 95، والمدونة: 3/ 385. (¬6) في (ف): (وإذا). (¬7) قوله: (في) ساقط من (ف). (¬8) في (ر): (لها). (¬9) في (ر): (الزيادة).

الثمن أو نقد فيه لم يجز (¬1)، فإن لم يتغير شيء من ذلك ولم ينقد جاز عند ابن القاسم، ولم يجز على قول (¬2) عبد الملك؛ لأنَّ الثاني مساوٍ للأول ليس أقل منه (¬3). وقال مالك في من اكترى إلى موضع سماه بكراء مسمى (¬4)، واشترط إن بدا له أن يرجع من بعض الطريق أو قدر على حاجته رجع، وكان عليه ما بلغ (¬5) بحساب ما اكترى: فلا بأس به (¬6). قال (¬7): وهذا كثير في الأُبَّاق وغيرهم، ولا يجب النقد (¬8) في غير (¬9) ذلك (¬10). وقال في الذي قال: أكتري منك إلى الشجرة (¬11) أتلقى الأمير فما قدمت فبحسابه، أو أبق عبدي، وهو بذي المروة، فأكتري إليها بدينار فما تقدمت فبحسابه: فلا بأس به (¬12)؛ لأنه أمر عرف وجهه فهو (¬13) وتسمية الموضع الذي تقدم (¬14) إليه، سواء (¬15). ¬

_ (¬1) قوله: (لأنه غرر في النقد. . . فيه لم يجز) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (قول) ساقط من (ر). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 95. (¬4) في (ت)، و (ف): (سماه). (¬5) قوله: (ما بلغ) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (به) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (قال) ساقط من (ر). (¬8) قوله: (النقد) ساقط من (ف). (¬9) قوله: (غير) ساقط من (ت). (¬10) انظر: البيان والتحصيل: 9/ 63. (¬11) في (ف): (السحرة). (¬12) قوله: (به) ساقط من (ف). (¬13) قوله: (فهو) ساقط من (ف). (¬14) قوله: (تقدم) ساقط من (ر). (¬15) انظر: البيان والتحصيل: 9/ 105.

باب في من اكترى راحلة لشيء بعينه، أو مدة معينة فلم يستعملها فيها، أو اكترى لبلد فتبين أن فيه فتنة أو غلاء أو ربا أو في الطريق لصوص، وإذا مات المكتري أو فلس

باب في من اكترى راحلة لشيء (¬1) بعينه، أو مدة معيَّنة فلم يستعملها فيها (¬2)، أو اكترى لبلد (¬3) فتبيّن أن فيه (¬4) فتنة أو غلاء أو ربًا (¬5) أو في الطريق لصوص، وإذا مات المكتري أو فلس ومن اكترى راحلة ليزفَّ عليها عروسًا ليلة بعينها، فلم يزفَّ تلك الليلة لأمر أوجب ذلك من (¬6) مرض الزوج أو الزوجة أو لغير ذلك من العذر- لم يكن عليه كراء، وفسخ؛ لأنَّ ذلك مما يتعذر خلفه في تلك الليلة، مثل الصبي يستأجر لرضاعه أو تعليمه، والفرس لرياضة (¬7) فيموتان. وإن أخر زفافها اختيارًا لزمه الكراء، وله أن يؤاجرها في مثل ذلك إن أحب وتيسر له ذلك، فإن لم يجد لم يسقط عنه الكراء؛ لأنه ترك ذلك اختيارًا. وإن كان المنع من صاحب الراحلة و (¬8) أكراها من غيره (¬9)، فاكترى المكتري غيرها (¬10) وزفَّ ¬

_ (¬1) في (ت): بشيء. (¬2) قوله: (فيها) ساقط من (ر)، ويقابله في (ف): (فيه). (¬3) في (ف):) (إلى بلد). (¬4) في (ت): (به). (¬5) قوله: (أو ربا) ساقط من (ح) و (ف). (¬6) قوله: (من) ساقط من (ف). (¬7) في (ت) و (ف): (ليراض). (¬8) في (ف): (أو). (¬9) قوله: (من غيره) ساقط من (ر). (¬10) قوله: (غيرها) ساقط من (ر).

عليها- كان المكتري (¬1) بالخيار بين أربعة أوجه: بين أن يفسخ العقد عن نفسه، أو يأخذ فضل ما أكراها به من غيره، أو (¬2) يأخذ فضل قيمته على المسمى الذي كان عقده هو به، أو يغرمه فضل ما اكترى به هو (¬3) الثانية على (¬4) الأولى؛ لأنَّ الزوج كان في مندوحة عن ذلك، والمكري (¬5) أدخله في ذلك الزائد، فإن قبضها الزوج فأوقفها وهو قادر على أن يزفَّ عليها كان عليه المسمى. وإن استعملها في صنف آخر كان ربها بالخيار، بين أن يمضي له ذلك بالمسمى، وإن أحب أخذ فضل قيمة الثاني عن الأوّل: فإن كان قيمة الأوّل دينارًا وقيمة الثاني دينارًا ونصفًا والمسمى ديناران، أخذ المسمى وهو ديناران (¬6) ونصف دينار وهو فضل ما بين القيمتين. وإن لم يعيِّن ليلة الزفاف فأخذها وحمل عليها أو أوقفها (¬7) كان الكراء منعقدًا على حاله وله أن يزفَّ عليها ليلة أخرى، وعليه في هذه الليلة كراء المثل فيما حمل عليها أو كراؤها على أنَّه (¬8) لم يحمل عليها إذا أوقفها (¬9) إلا أن تكون لو كانت عند صاحبها تلك الليلة لأكراها، فيختلف، هل يكون عليه أن يغرم ما حرمه (¬10)؟ وقال مالك في ¬

_ (¬1) في (ت): (الزوج). (¬2) قوله: (غيره، أو) في (ر): (غير أن). (¬3) قوله: (هو) ساقط من (ر). (¬4) في (ف): (عن). (¬5) في (ت): (والكري). (¬6) في (ر): (دينار). (¬7) في (ت): (وقفها). (¬8) في (ر) و (ف): (أنها). (¬9) في: (ت): (وقفها). (¬10) في (ر): (أحرمه)، وفي (ت): (أخدمه).

"المدونة" فيمن اكترى (¬1) دابة يومًا إلى الليل فقال صاحب الدابة هذه الدابة فاقبضها إليك (¬2). فلم يقبضها: فقد (¬3) لزمه الكراء (¬4). وقال محمَّد: وقد قيل: يفسخ الكراء بينهما ورأى ذلك إقالة. والأول أحسن ولم يكن على صاحبها أكثر مما فعل، وله أن يمضي بها ليحفظ ماله وليس له (¬5) أن يتركها على (¬6) بابه فتضيع. قال محمَّد: وإن لم تكن أيامًا بأعيانها، وقد (¬7) كان ضرب لوقت مجيئه بها أجلًا، فقال (¬8): آتيك بها غدًا أو إلى شهر، فأتى بها فلم يقبلها منه (¬9)، فالكراء بينهما ثابت إلا أن يرفع (¬10) ذلك إلى السلطان فيكريها عليه (¬11). قال: وهذا أحب إليَّ (¬12). يريد أنَّه مختلف فيه، هل تكون فيه (¬13) إقالة كالأول ويفسخ الكراء. قال ¬

_ (¬1) في (ر) و (ف): (أكرى). (¬2) قوله: (إليك) ساقط من (ر) و (ف). (¬3) قوله: (فقد) ساقط من (ت). (¬4) انظر المدونة: 3/ 482. (¬5) في (ت) و (ف): (عليه). (¬6) في (ر): (عند). (¬7) قوله: (قد) ساقط من (ر) و (ت). (¬8) زاد بعده في (ف): (أنا). (¬9) قوله: (يقبلها منه) في (ف): (يقبضها). (¬10) في (ت): (يدفع). (¬11) انظر النوادر والزيادات: 7/ 97. (¬12) قوله: (إليّ) ساقط من (ر). وانظر النوادر والزيادات: 7/ 96، 97. (¬13) قوله: (فيه) ساقط من (ت) و (ر).

مالك في "كتاب محمد (¬1) " فيمن اكترى ظهرًا إلى أجل على (¬2) حمولة فلما حلَّ الأجل دعاه صاحب الظهر أن يحضر حمولته فأبى، فرفع (¬3) ذلك إلى السلطان فلم يفصل بينهما فأكرى (¬4) صاحب الظهر ظهره. فقال مالك (¬5) مرة: إن كان ذلك (¬6) أقل مما كان لزم المكتري من الكراء الأول كان على المكتري بقية ذلك، وإن كان أكثر فذلك للمكتري. وقال ابن القاسم: وقال أيضًا فيما بلغني: الكراء الأول ثابت، ويكون هذا الكراء للمكري (¬7)، وعليه أن يرجع مرة أخرى. وقوله: يرجع ليس بالبيّن؛ لأنَّ عليه في ذلك ضررًا، أرى أن يسأل، فإن قال: أكريتها لنفسي صدق وكان له ما أكراها به قل أو كثر ورجع مرة أخرى. وإن قال (¬8): اكتريتها للمكتري. صدق، فإن كان أكراها بأقل رجع عليه بالباقي. وإن كان أكراها بأكثر ولم يكن انتقد، كان الفاضل للمكتري، وكذلك إذا انتقد وكان الكراء راحلة بعينها، وإن كان مضمونًا، لم يقبل قوله وتصدق بالفاضل (¬9). ¬

_ (¬1) قوله: (محمَّد) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (اكترى ظهرًا إلى أجل على) في (ر): (ظهرًا على). (¬3) في (ر): (فدفع). (¬4) في (ر): (فأكراها). (¬5) قوله (مالك) ساقط من (ت) و (ف). (¬6) قوله: (ذلك) ساقط من (ر). (¬7) في (ف): (للمكتري). (¬8) قوله: (أكريتها لنفسي صدق وكان له ما. . . وإن قال) ساقط من (ر). (¬9) في (ت) (الفضل).

فصل [في من تكارى على حمل متاع كراء معينا أو مضمونا، فلما سار بعض الطريق بلغهم فساد الطريق أو غلاء]

فصل [في من تكارى على حمل متاع كراء معينًا أو مضمونًا، فلما سار بعض الطريق بلغهم فساد الطريق أو غلاء] وقال ابن حبيب في من تكارى على حمل متاع كراء معينًا أو مضمونًا، فلما سار بعض الطريق بلغهم فساد الطريق أو غلاء، يريد بالموضع الذي يريدونه- قال: فإن كان لا يرجى كشفه إلى أيام قلائل كان لمن شاء منهما فسخ الكراء، وإن كان في غير مستعتب كان على المكري أن يؤديه إلى (¬1) المستعتب المأمون (¬2)، فإن كان بين يديه فبحساب المسمى، وإن كان خلفه فبكراء المثل (¬3). وأرى إذا بلغهم عن البلد الذي أكري (¬4) إليه فتنة أو وباء مثل ذلك يفاسخه ولا يُلزم واحد منهما التمادي. وإن مات المكتري ببعض (¬5) الطريق أو في البلد وقبل الخروج إلى السفر، أكرى الورثة أو من يقام لهم في الطريق من مثله، ولم يفسخ الكراء، وهذا قول ابن القاسم، وهذا هو (¬6) أحد القولين أن المكترى له لا يتعين، وقال فيمن باع سلعة بمائة دينار على أن يتجر بثمنها، أو استأجره على أن يرعى له هذه المائة ¬

_ (¬1) قوله: (يؤديه إلى) في (ف): (يرجع به). (¬2) في (ف): (إلى المأمون). (¬3) انظر النوادر والزيادات: 7/ 100. (¬4) قوله: (الذي أكري) في (ف): (التي اكتروا)، وقوله: (أكري) في ت (أكتري). (¬5) في (ف): (في بعض). (¬6) قوله: (وهذا هو) في (ر): (وهو).

شاة: إنه فاسد إلا أن يشترط الخلف. وجعل مطلق (¬1) العقد على التعيين، وقيل: ولا (¬2) يفسد (¬3). وهو في هذه المسألة أبين، وهو بمنزلة من استأجر على ثوب للباسه (¬4) لا لتجارة فقيل: يجوز ويتعين وتفسخ الإجارة باستحقاقه أو تلفه ولا يلزمه خلف. وإن كان خلف آخر مكانه يتعذر كان أبين، ويصير كالصبي يستأجر (¬5) لرضاعه، فإن الإجارة تنفسخ (¬6) بموته، مع أن الغالب أن خلف غيره يتعذر عليها، ولا يجد (¬7) من يستأجر مكانه ولو كان ذلك موجودًا لم تنفسخ (¬8) الإجارة بموته. وإن ماتت الدابة ببعض الطريق وكانت معينة انفسخ الكراء في الباقي، وإن كان مضمونًا أخلف غيرها (¬9) مكانها، إلا أن يتعذر ذلك على المكري (¬10) فلا يجده (¬11) بشراء ولا كراء فيفسخ الباقي، فهذه ضرورة؛ لأنه (¬12) لا يمكنها البقاء هناك، وفي الرجوع بعد الانصراف إلى ذلك الموضع مشقة، فأرى أن تجب ¬

_ (¬1) في (ر): (ملقا). (¬2) في (ت) و (ف) و (ر): (يتعين ولا). (¬3) انظر المدونة: 3/ 414. (¬4) في (ف): (للمماسة). (¬5) في (ت): (يستأجر له). (¬6) في (ف) و (ت): (تفسخ). (¬7) في (ف): (تجد). (¬8) في (ر): (تفسخ). (¬9) قوله: (غيرها) ساقط من (ر) و (ف). (¬10) في (ف): (المكتري)، وفي (ت): (الكري). (¬11) في (ر): (يجد). (¬12) في (ر): (له).

المفاسخة (¬1) بعد وإن كان (¬2) قد نقد (¬3) ولا يتهمان على كراء وسلف. وإن تبين أن بالدابة عيبًا أو أنها جموح أو عَثُور أو (¬4) دَبِرَةٌ يؤذيه ريحها، كان له أن يفسخ الكراء إن كان في مستعتب، فإن لم يكن المستعتب (¬5) إلا البلد الذي اكترى فيه (¬6)، كان للمكتري أن يتمادى بها، ويصير الباقي كالشيء الفائت، ويحط عن المكتري قيمة ذلك العيب من جملة المسمى، ينظر ما تكرى بها على أن لا عيب بها (¬7) وعلى أن بها ذلك العيب، فيحط ما بينهما، وكذلك إذا لم يعلم بذلك العيب حتى بلع البلد الذي أكرى (¬8) إليه وحط (¬9) عنه قيمة العيب، فقد يظن أن تلك الرائحة من دابة أخرى معه في السفر. وكذلك إذا كانت (¬10) عَثُورًا وقدر أنها لم تعثر حتى وصل (¬11)، فإن من حق المكتري أن يحط عنه عيب العثار، فإن كان الكري (¬12) غير عالم أنها عَثُور لأنه حديث عهد بكسبها (¬13) قال (¬14) المكتري: قد كنت أرى إن كنت راكبًا أو حملني على غرر ¬

_ (¬1) في (ر) و (ت): (المحاسبة). (¬2) قوله: (كان) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (قد) ساقطة من (ر) و (ت). (¬4) زاد بعده في (ت): (بها). (¬5) في (ر): (مستعتبًا). (¬6) في (ت) و (ف): (إليه). (¬7) في (ر): (لها). (¬8) في (ف): (اكترى). (¬9) في (ف): (وقد حط). (¬10) قوله: (إذا كانت) في (ر): (إن كان). (¬11) في (ت) و (ف): (وصلا). (¬12) في (ر): (المكتري). (¬13) قوله: (عهد بكسبها) في (ر): (بكسب) (¬14) في (ر): (ما قال).

فقد يفسد (¬1) إن عثرت ولا تضمنه لي، وإن كان الحمل لا يخشى فساده فعليه كلفة في رفعه (¬2)، وقد يتخلف عن الناس لرده عليها، وإن كان عالمًا وغرَّه، فإنَّه لا يختار أن يضمن له ولا يطالب بضمانه. وقوله: إن (¬3) كان لا يبصر بالليل، أنه (¬4) عيب على أنه يحتاج (¬5) إليه بالليل. ¬

_ (¬1) قوله: (فقد يفسد) ساقط من (ر). (¬2) في (ر): (رفقة). (¬3) في (ت): (إذا). (¬4) في (ت): (فهو). (¬5) في (ر): (محتاج).

باب في من اكترى دابة إلى بلد فأراد أن يصرفها إلى غيره، أو أكراها من غيره أو حبسها بعد انقضاء ما أكراها له

باب في من اكترى (¬1) دابة إلى بلد فأراد أن يصرفها إلى غيره، أو أكراها من غيره أو (¬2) حبسها بعد انقضاء ما أكراها له اختلف فيمن اكترى دابة إلى بلد فأحب أن يذهب بها إلى غيره مما لا ضرر عليها فيه، هل يجوز وإن كره صاحبها، أو إنما يجوز إذا رضي، أو لا يجوز وإن رضي؟ فيصح الجبر إذا كان الطريق الثاني كالأول في البعد والسهولة والأمن، وكان المكتري يمضي بها وحده ويعيدها، أو كان صاحبها يمضي معه ليس لحاجة له في البلد الأوّل. وإن كان الثاني أبعد، أو أوعر (¬3)، أو أخوف، أو كان الكراء ليترك الدابة في ذلك (¬4) البلد ولا تعاد (¬5) أو لتعاد (¬6)، وكان صاحبها يخرج معها لأهل له بذلك البلد أو لتجارة- لم يجبر على سيرها إلى غيره. واختلف بعد هذا إذا رضي فأجازه ابن القاسم؛ لأنه عنده كالصنف الواحد (¬7)، وإنما مقال صاحبها في ذلك من ناحية العيوب. ومنعه غيره لأنه صار لأجل حق المكتري في (¬8) المنع كالصنفين، ويدخله الدَّيْن بالدَّيْن. ¬

_ (¬1) في (ر) (أكرى). (¬2) في (ر): (و). (¬3) في (ر): (أغر). (¬4) قوله: (في ذلك) في (ر) و (ف): (بذلك). (¬5) قوله: (ولا تعاد) ساقط من (ت). (¬6) قوله: (ولا تعاد أو لتعاد) في (ر): (ولا يعاد أو ليعاد). (¬7) قوله: (الواحد) ساقط من (ت). (¬8) في (ت): (من).

وإن استأجرها ليركبها في الحضر فأراد أن يحمل عليها أو يسافر بها، لم يجز عند ابن القاسم بخلاف الأوّل لأنَّ هذين صنفان، ويجوز عند أشهب، ومنعه سحنون فيما أكثر، وأجازه (¬1) فيما قل كاليوم وما أشبهه. ويفترق الجواب إذا اكتراها (¬2) ليطحن عليها حنطة و (¬3) لا يطحن عليها إلا الحنطة (¬4) أو لا يطحن إلا هذه الحنطة. فإن استأجرها (¬5) ليطحن عليها حنطة (¬6)، جاز أن يطحن غير (¬7) الحنطة مما لا يضر بها. وإن شرط (¬8) أن لا يطحن إلا الحنطة جاز أيضًا؛ لأنَّ ذلك مما لا يتعذر وجوده. ويختلف هل له أن يطحن غيرها مما لا يضر بها لأنه شرط شرطًا لا ينفع الوفاء به؟ فإن شرط أن لا يطحن إلا هذه الحنطة كان العقد مختلفًا فيه (¬9)، هل يجوز أو يفسد لأجل التحجير؟ وكذلك إذا اكتراها ليحمل عليها صنفًا وأحب أن يحمل غيره، فهو ينقسم على هذه الأوجه الثلاثة (¬10). ¬

_ (¬1) زاد بعده في (ت): (ومنعه). (¬2) في (ت): (أكراها). (¬3) في (ف): (أو). (¬4) قوله: (و (4) لا يطحن عليها إلا الحنطة) ساقط من (ت). (¬5) في (ر): (استأجر). (¬6) قوله: (ولا يطحن عليها إلا الحنطة أو لا يطحن. . . عليها حنطة) ساقط من (ت). (¬7) في (ف): (عليها غير). (¬8) في (ت): (اشترط). (¬9) قوله: (فيه) ساقط من (ر). (¬10) انظر المدونة: 3/ 481.

فصل [يجوز للمكري في كراء المنافع كراء المنافع]

فصل [يجوز للمكري في كراء المنافع كراء المنافع] ومن (¬1) اكترى منافع فله (¬2) أن يبيعها من غيره، والمنافع والرقاب في ذلك سواء، إلا ما كان يتعذر أن يكون (¬3) مثل الأوّل، أو يشك فيه هل هو مثله في المضرة فيمنع، والأمر في ذلك في الدواب والديار وفي الثياب مختلف. واختلف عن مالك في ذلك في الدواب بالجواز والكراهية، وأجازه في الديار، واضطرب القول في الثياب، فقال مرة: لا يفعل؛ لأنه إنما (¬4) رضي أمانتك واللباس يختلف، ولأنه إن ضاع منك لم تَضْمَن (¬5)، وإن دفعته إلى غيرك فضاع ضَمِنتَه (¬6). وقال أيضًا: إن مات المكتري أكرى من غيره وقال (¬7) في من اكترى فُسْطاطًا فأكراه من غيره: إذا كان مثل الأوّل في الأمانة وحاجته إليه (¬8) كحاجتك، فلا بأس به (¬9). وكراء الدابة على وجهين: فإن كان يحمل عليها وصاحبها يصحبها في ¬

_ (¬1) في (ت): (ولمن). (¬2) قوله: (فله) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (أن يكون) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (إنما) ساقط من (ت). (¬5) في (ف): (يضمن). (¬6) في (ت): (ضمنه). وانظر المدونة: 3/ 428. (¬7) في (ف): (قال أيضًا). (¬8) قوله: (إليه) ساقطة من (ر). (¬9) انظر المدونة: 3/ 428.

السفر، جاز، وإن كره صاحبها، وإن كان المكتري يحمل عليها ويسافر بها وحده، أو (¬1) كان الكراء ليركب عليها- لم يكن له ذلك إلا بمطالعة صاحبها وأن يعلم (¬2)، فإن سلم أن الثاني كالأول في الأمانة وفي مضرة الركوب أكراها وإن كره صاحبها (¬3). وإن خالفه وقال: أخاف على دابتي منه لقلة أمانته، و (¬4) ليس هو مثلك في الركوب، رفع الأمر إلى الحاكم وكان هو الذي يكشف عن ذلك، فإن كان الأمر على ما قاله صاحب الدابة منعه، وإن كان لا مضرة عليه أمضى كراءها ومكَّن الثاني من السفر بها. فإن لم يعلم صاحبها حتى سافر الثاني بها أو علم وغلب (¬5) عليها نظر في ذلك: فإن كان الحكم (¬6) لو رفع إلى الحاكم (¬7) أن يمكنه من السفر (¬8) بها- لم يكن عليه شيء، وإن كان يمنعه كان على حكم المتعدي، فإن سلمت (¬9) أخذه بفضل (¬10) الكراء الثاني (¬11) عن الأوّل (¬12)، وإن حدث عيب ضمنه، إذا كان العيب لأجل ركوب (¬13) الثاني. ¬

_ (¬1) في (ر): (و) وفي (ف): (وإن). (¬2) قوله: (وأن يعلم) زيادة من (ر). (¬3) قوله: (وإن كره صاحبها) ساقط من (ر). (¬4) في (ف): (أو). (¬5) قوله: (وغلب) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (الحكم) ساقط من (ف). (¬7) قوله: (الحاكم) ساقطة من (ف). (¬8) في (ت): (البيع). (¬9) في (ر): أسلمت. (¬10) في (ف): (وبفضل). (¬11) في (ت): (كراء الثاني). (¬12) قوله: (عن الأول) في (ت): (على كراء الأول). (¬13) قوله: (لأجل ركوب) في (ر): (لركوب).

والحكم في الضياع والعيب يختلف (¬1) إذا كان المكتري متعديًا في كرائها (¬2) من الثاني، فإن كان الثاني غير مأمون فادَّعى ضياعها ضمن الأوّل؛ لأنه المتعدي ولم يرجع الأول على الثاني؛ لأنه أذن له، وإن كان الأول عديمًا، والثاني غير عالم أنها في يد الأول بغير كراء (¬3) لم يضمن لصاحبها شيئًا؛ لأنَّ حكمه معه حكم المستحق، وإن (¬4) كان عالمًا ضمن؛ لأنه متعدٍّ (¬5). واختلف إذا حدث عيب من غير سبب الثاني: هل يضمنه الأوّل؛ لأنه متعدٍّ في خروجها عن (¬6) يده أو لا يضمنه؛ لأنه لم يكن من سبب المتعدي (¬7)؟ وعكسه أن يكون الثاني مثل الأوّل في الأمانة وأضر في الركوب، فيختلف (¬8) إذا ادعى الضياع أو علم أنها ضاعت، هل يكون كمن لم يتعدَّ؛ لأنَّ التعدي لم يكن من هذا الوجه فيصدق الثاني (¬9) ولا يكون على الأوّل شيء، أو يكون على حكم التعدي فيضمن، وإن ثبت الضياع ببيِّنة؛ لأنه متعد في تسليمها لركوب الثاني؟ وأرى ألا يضمن إلا أن يؤتى من سبب الوجه الذي تعدى به. والأمر في الديار يكريها من غيره خفيف، يتحسس (¬10) أرباب (¬11) الدِّيار فيما بين ¬

_ (¬1) في (ر): (مختلف). (¬2) في (ف): (إكرائها). (¬3) قوله: (بغير كراء) في (ر): (بكراء). (¬4) في (ر): (إن). (¬5) في (ف): (متعدد) (¬6) في (ر): (من). (¬7) في (ف): (التعدي). (¬8) زاد بعده في (ر): (فيه). (¬9) قوله: (فيصدق الثاني) ساقط من (ر). (¬10) في (ر): (وليس يتحسس). (¬11) في (ر): (أصحاب).

فصل [في حبس المكتري الدابة بعد انقضاء المدة]

الرجلين والزوجين (¬1). وأما (¬2) الثياب فالمنع فيها أحسن؛ لأنَّ اللباس يختلف وأن (¬3) اليسير من ذلك يؤثر وصاحب الثوب يكره ذلك، ويختار من الأوّل لمن يكري منه، ويحتاط لثوبه، ولو علم أنه يكريه من غيره لم يكره منه، والأمر في (¬4) الخباء والفسطاط أخف، وليس يتقى فيه ما يتقى (¬5) في الثوب. فصل [في حبس المكتري الدابة بعد انقضاء المدة] ومن اكترى (¬6) دابة مرة فحبسها بعد انقضاء تلك المدة تعمدًا من غير عذر منعه من الرد، فإن كان في سفر، كان على حكم المتعدي (¬7) يضمن ما نزل بها من عيب أو هلاك من سببه أو من غير سببه، وله أن يغرمه عند ابن القاسم كراء المثل، كان أكثر من المسمى أو أقل (¬8). وقال غيره: عليه الأكثر من المسمى أو كراء المثل. فألزمه (¬9) المسمى إن (¬10) كان أكثر وجعله كالراضي به. ¬

_ (¬1) في (ت): (الزوجتين). (¬2) في (ر): (فأما). (¬3) قوله: (وأن) ساقط من (ت). (¬4) في (ر): (من). (¬5) قوله: (يتقي فيه ما يتقي) في (ف): (فيه سعد). (¬6) في (ت): (أكرى). (¬7) في (ف): (التعدي). (¬8) انظر النوادر والزيادات: 10/ 316. (¬9) في (ف): (وألزمه). (¬10) في (ر): (وإن).

والأول أحسن؛ لأنها مدة متعدى فيها لم يقم (¬1) فيها عقد، فوجب أن يغرم كراء المثل إلا أن يعترف بالرضا بالمسمى. وإن كان الكراء لتستعمل (¬2) بالمدينة فانقضت مدة الكراء: فإن كانت العادة أن ربها يأتي ليقبضها فلم يأت (¬3) لم يكن على المكتري في تلك الزيادة شيء إذا لم يستعملها، وإن كانت العادة أن (¬4) المكتري يأتي بها إلى ربها، فلم يفعل- كان عليه الكراء، وإن عدمت العادة وكان الكَرِيُّ أتى بها إلى المكتري كان عليه أن يأتي ليقبضها، وإن كان المكتري أتى (¬5) بها لصاحبها وقبضها منه، كان عليه أن يردها إلى حيث قبضها، فإن لم يفعل كان عليه الكراء (¬6) عن المدة التي حبسها فيها. واختلف هل يغرم المسمى أو إجارة المثل؟ فقال ابن القاسم: إجارة المثل (¬7) على ما استعملها فيه أو حبسه أيامًا (¬8) بغير عمل. وقال غيره: عليه المسمى. وحمل حبس المكتري وترك المطالبة من الكراء بردها (¬9) رضًا منهما (¬10) بالتمادي على مثل العقد الأوّل، وقول ابن القاسم أبين، وقد تقدم وجه ذلك إلا أن يشهد على أحدهما (¬11) بالرضا، فإن كانت الشهادة على المكتري كان ¬

_ (¬1) في (ر) (يكن). (¬2) في (ف) و (ت): (المستعمل). (¬3) قوله: (فإن كانت العادة أن ربها يأتي ليقبضها فلم يأت) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (أن) ساقط من (ت). (¬5) قوله: (أتى) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (وإن عدمت العادة. . . فإن لم يفعل كان عليه الكراء) ساقط من (ت). (¬7) قوله: (فقال ابن القاسم: إجارة المثل) ساقط من (ر). (¬8) في (ر) و (ف): (إياها). (¬9) في (ر) و (ت): (يردها). (¬10) في (ف): (منه). (¬11) قوله: (على أحدهما) ساقط من (ر).

للآخر (¬1) الأكثر. وإن كانت على الكري كان على الآخر (¬2) الأقل، أو تكون العادة أن التمادي بحساب الأوّل. وإن حدث عيب أو تلفت (¬3) لم يضمن على قول ابن القاسم أن لصاحب الدابة المسمى؛ لأنه يرى ذلك رضًا منهما (¬4)، وعلى قول ابن القاسم يضمن ما حدث من عيب فيما قارب العقد. وخرج عن المعتاد في التراخي (¬5) بالرد؛ لأنه على حكم المتعدي (¬6)، وإن طالت الأيام لم يضمن لأنَّ فيه شبهة للرضا (¬7) إذا لم (¬8) يطلبها، وفيما قرب يقول: كنت أنتظر ردّها. وقد تتوزع في صفة ما يغرمه من الكراء إذا لم يستعملها على قول ابن القاسم. وأرى أن يقال: بكم تكري هذه الدابة على أن يغيب عليها المكتري؟ ويمنع صاحبها من الانتفاع بها ومن كرائها، ممن ينتفع بها ثمَّ يوقفها ولا يستعملها، فقد يكون كراؤها على هذه الصفة قريبًا من كرائها لتستعمل (¬9)؛ لأنَّ غرض صاحبها كراؤها حسب ما تقدم وما يعود (¬10) من منفعة، ولا يحط لراحتها شيء (¬11)؛ لأنَّ ذلك لا ينفعه كبير منفعة؛ لأنه لا ¬

_ (¬1) في (ت): (الآخر). (¬2) قوله: (الآخر) ساقط من (ت). (¬3) في (ف): (تلف). (¬4) في (ف): (منه). (¬5) في (ت): (التراضي). (¬6) في (ف): (التعدي). (¬7) في (ف): (الرضا). (¬8) زاد بعد قوله: (لم) في (ف): (يرضَ). (¬9) في (ت): (المستعمل). (¬10) في (ر): (تعود). (¬11) في (ف): (شيئا).

يكريها (¬1) في مخوف وحالها أمس وهي تستعمل واليوم وهي (¬2) لا تستعمل سواء، وقد يكون كراؤها كذلك مثل كرائها لتستعمل؛ لأنَّ صاحبها يقول: لا يفيدني وقوفها ولا تعطيلها شيئًا (¬3). ¬

_ (¬1) في (ف): (يكتريها). (¬2) قوله: (وهي) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (ولا تعطيلها شيئًا) في (ر): (ولا نعطي لها شيئًا)، وفي (ت): (وتعظيلها شيئًا)، وهي عبارة مبهمة.

باب في من اكترى دابة ثم زاد عليها صاحبها أو المكتري أو أردف عليها

باب (¬1) في من اكترى دابة ثم زاد عليها صاحبها أو المكتري أو أردف عليها وقال ابن القاسم في من اكترى دابة ليحمل عليها متاعًا فحمل صاحبها متاعًا مع متاع الأوّل: كان للأول كراء ذلك المتاع الذي حمل مع متاعه، وإن كان إنما أكراه على مسمى من الوزن لم يكن له في الزيادة (¬2) كراء. وقال غيره: إن كان (¬3) أكراه ليحمله ببدنه أو ليحمله ويحمل له متاعًا (¬4) ففعل، ثمَّ أدخل الكري (¬5) متاعًا بكراء أو بغير كراء- فهو لرب الدابة؛ لأنه وفاه بشرطه، وقد كان للمكتري أن يمنع رب الدابة من الزيادة (¬6). قال الشيخ أبو الحسن اللخمي - رضي الله عنه - (¬7): كراء الدابة على ثلاثة أوجه: فإما أن يكتري (¬8) جملتها ولا يسمي قدر ما يحمل عليها، أو يكتري على حمل قناطير، أو يكتري جملتها ليحمل (¬9) قناطير مسماة. فإن اكترى جملتها ولم يسَمِّ ما يحمل عليها جاز، فإن كان حمل مثلها أربعة ¬

_ (¬1) قوله: (باب) ساقط من (ت). (¬2) في (ت): (الزائد). (¬3) قوله: (كان) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (له متاعًا) يقابله في (ر): (به متاعه). (¬5) في (ر) و (ت): (الكرى). (¬6) انظر المدونة: 3/ 484. (¬7) قوله: (أبو الحسن اللخمي - رضي الله عنه -) ساقط من (ر) و (ت). (¬8) في (ت): (يكري). (¬9) في (ف) و (ر): (بحمل).

قناطير فحمل عليها ثلاثة وحمل عليها ربها (¬1) قنطارًا: فإن أتى به من عنده فحمله عليها والمكتري لم (¬2) يعلم، أو علم ولم يقدر على منعه- كان المكتري بالخيار بين: أن يفسخ عن نفسه ما ينوبه، أو يأخذ فيه كراء المثل. وإن علم ولم يمنعه كانت إقالة في ذلك القنطار، وكذلك إن كان ذلك القنطار بكراء ولم يكتر على أن يحمل على (¬3) غير (¬4) هذه الدابة. فإن (¬5) أكراه ليحمله عليها فحمل والمكتري (¬6) لم يعلم أو علم (¬7) ولم يقدر على منعه - كان بالخيار بين: أن يفسخ عن نفسه ما ينوب (¬8) ذلك القنطار، أو يأخذ فيه (¬9) كراء المثل أو المسمى (¬10) الذي أكراه (¬11) به، وإن علم بالكراء فرضي بحمله كان له الذي أكرى به، ولا مقال له فيما سوى ذلك. وإن حمل عليها المكتري أربعة قناطير وزاد المكتري (¬12) نصف قنطار، فإن كانت مضرة ذلك الزائد على رب الدابة وحده، وكانت تسير بسيْر الدواب، ¬

_ (¬1) قوله: (على ربها) ساقط من (ت) و (ر). (¬2) في (ت): (لا). (¬3) قوله: (على) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (غير) زيادة من (ت). (¬5) في (ف): (وإن). (¬6) في (ر): (المتكاري). (¬7) قوله: (علم) ساقط من (ر)، وقوله: (أو علم) زيادة من (ت). (¬8) في (ر): (ينوبه). (¬9) في (ر): (قيمة). (¬10) في (ف): (يسمى). (¬11) في (ر): (أكرى). (¬12) في (ف): (المكري) وفي (ت): (الكري).

ولا يخشى أن تقف بحملها في الطريق لم يكن للمكتري (¬1) في ذلك مقال، وإن كان فيه مضرة على المكتري؛ لأنها أبطأت عن سير الدواب (¬2)، أو كان يخشى أن تقف بحملها كان للمكتري وللمكري (¬3) في ذلك مقال: فمقال المكتري ما كان عليه متاعه من الغرر إن وقفت في قفر فهو كالعيب (¬4) حدث (¬5) في المكترى، ومقال المكري (¬6) تعب (¬7) دابته، فيقسم كراء ذلك الزائد بينهما على قدر شركتهما فيه (¬8)، فإن حمله بغير رضاه كان بالخيار بين ثلاثة أوجه: بين أن يحط عن نفسه ما ينوبه من المسمَّى، أو يأخذ قيمة ذلك العيب، أو ما أكراه به فيقال: بكم تكرى هذه الدابة لحمل (¬9) أربعة قناطير بانفرادها؟ فإن قيل: بعشرة، قيل (¬10): فبكم تكرى على أن معها نصف قنطار؟ فإن قيل: تسعة (¬11)، حط عشر المسمى إلا أن تكون القيمة أكثر من المسمى فيحاسبه بدينار، وإن (¬12) أحب أن يأخذ ما ينوبه من الكراء الثاني ¬

_ (¬1) في (ر): (للمشتري). (¬2) في (ر) و (ف): (الناس). (¬3) في (ت): (للكرى). (¬4) في (ف) و (ت): (كعيب). (¬5) في (ر): (يحدث). (¬6) في (ف): (الكري). (¬7) في (ر): (لعيب)، وقوله: (المكري تعب) يقابله في (ت): (الكرى تعب). (¬8) في (ت): (في ذلك). (¬9) في (ت): (تحمل). (¬10) في (ف): (قال). (¬11) في (ح): (بتسعة). (¬12) في (ت): (فإن).

قيل: بكم يكرى هذا النصف قنطار على دابة عليها أربعة قناطير؟ فإن قيل: بدينارين؛ لأنَّ الدابة يخشى عليها منه (¬1) فلا تكرى إلا بأكثر من غيره، كان المسمَّى الذي أكرى به (¬2) بينهما نصفين (¬3)؛ لأنَّ قيمته ديناران وللأول (¬4) فيه ما قيمته (¬5) دينار. وإن اكترى (¬6) جملتها ليحمل عليها ثلاثة قناطير، وحمل مثلها أربعة، فحمل عليها ثلاثة وحمل ربها قنطارًا كانا شريكين في ذلك القنطار؛ لأنَّ صاحب الدابة يحط عما يكري به على أربعة قناطير (¬7) لمكان راحتها، والمكتري يزيد على ما يكري (¬8) به على الثلاثة، لو كان عليها أربع (¬9) ليكون مستظهرًا لحمل متاعه، وقد تقدم ذكر ذلك في "كتاب (¬10) الجُعْل" في مسألة الراعي (¬11) يزيد على ما شورط على رعيه. ¬

_ (¬1) قوله: (منه) ساقط من (ت) و (ف). (¬2) قوله: (به) ساقط من (ت). (¬3) قوله: (نصفين) ساقط من (ر). (¬4) في (ت): (الأول). (¬5) قوله: (فيه ما قيمته) يقابله في (ف): (ما فيه). (¬6) في (ر) (ف): (أكرى). (¬7) قوله: (قناطير) ساقط من (ر). (¬8) في (ر): (تكرى). (¬9) في (ت) و (ف): (رابع). (¬10) في (ر): (كتب). (¬11) قوله: (الراعي) ساقط من (ر).

فصل [فيما إذا أردف المكتري على الدابة]

فصل [فيما إذا أردف المكتري على الدابة] وإن كان المكتري هو الذي (¬1) أردف (¬2) معه رديفًا، فإنَّه لا تخلو الدابة من أربعة أوجه: إما أن تسلم، أو يحدث بها عيب يسير، أو كثير، أو تهلك. فإن سلمت كان (¬3) لصاحبها المسمى وكراء المثل في الرديف. وإن حدث عيب يسير كان له المسمى، وفي الرديف الأكثر من كراء المثل أو قيمة العيب إذا كان العيب لا يفيت (¬4) الركوب؛ لأنَّ المسمى استحق عن الأوّل (¬5)، ولو لم يردف لم يحدث العيب، فزيادة الرديف سبب العيب وفيه وقع التعدي (¬6). وإن كان العيب كثيرًا كان الخيار بين أن يأخذ قيمة الرقبة، ولا شيء له (¬7) من الكراء أو المسمى والأكثر (¬8) من كراء الرديف، أو قيمة (¬9) العيب. وكذلك إن هلكت هو بالخيار، فإن أحب قيمة الرقبة أو المسمى ¬

_ (¬1) قوله: (الذي) ساقط من (ر). (¬2) زاد بعده في (ر): (عليها). (¬3) في (ت): (لكان). (¬4) في (ت) و (ف): (يعيب). (¬5) قوله: (عن الأول) ساقط من (ر). (¬6) انظر النوادر والزيادات: 10/ 459. (¬7) قوله: (له) ساقط من (ر). (¬8) في (ر): (أو الأكثر). (¬9) قوله: (أو قيمة) في (ف): (ومن قيمة).

والأكثر (¬1) من كراء الرديف أو من (¬2) قيمة العيب الذي هلكت عنه، إذا كان العيب عن تمادي الثقل فأنهكها، وإن كان عِثارًا عرض لها (¬3) لشدة (¬4) الثقل في الآخر- كان له المسمَّى وكراء المثل عن الأيام الفارطة (¬5) وقيمتها لآخر يوم. وإذا وجبت القيمة وكان المكتري عديمًا والرديف موسرًا، فإن كان عالمًا أنها في يد الأوّل بكراء ولا يخفى أن ركوبه (¬6) عليها مع الأوّل يخشى عليها منه- ضمن جميع (¬7) قيمتها، وإن لم يعلم أنها بكراء كان عليه نصف قيمتها؛ لأنه يقول: جميعنا أهلكها ولم أتعمد عداء (¬8). ويختلف إذا كان الغالب السلامة فقدر إن هلكت من ركوبهما (¬9) هل يضمن؛ لأنَّ هلاكها من باب الخطأ بمنزلة من اشترى عبدًا فقتله خطأ، ثمَّ استحق فقد اختلف في ضمانه؟ والجواب: إذا اكترى للحمل فزاد على ما تقدم في الرديف ينظر هل سلمت أو حدث عيب يسير أو كثير أو (¬10) هلكت؟ وصفة قيمة الزيادة أن ¬

_ (¬1) في (ت) و (ر): (أو الأكثر). (¬2) قوله: (من) ساقط من (ر). (¬3) في (ت): (عليها) وهي ساقطة من (ف). (¬4) في (ر): (عن شدة). (¬5) في (ت): (الماضية). (¬6) في (ت) و (ر): (كونه). (¬7) قوله: (ضمن جميع) في (ر): (صون). (¬8) في (ف): (عمدًا). (¬9) في (ت): (ركوبها). (¬10) في (ر): (أو قد).

يقال: بكم يكرى (¬1) هذا الزائد على هذه الدابة، وهي مثقلة بذلك الحمل المكترى عليه. وإن حمل مثل وزن الأول وهو أضر مثل: أن تكرى (¬2) على أربعة قناطير كتان، فيحمل عليها أربعة رصاص (¬3) كان لقيمة ذلك طريقان: أحدهما أن يقال: بكم تكرى (¬4) على أربعة قناطير (¬5) كتان؟ فإن قيل: بدينارين وعلى (¬6) أربعة (¬7) الرصاص، ثلاثة (¬8) أخذ المسمى ودينارًا، فإن كان المسمى ثلاثة أخذ أربعة. والثاني: أن يقال: بكم تكرى (¬9) على أربعة كتان؟ فإن قيل: بثلاث دنانير. قيل: بكم تكرى (¬10) من الرصاص بثلاثة دنانير؟ فإن قيل: ثلاثة قناطير. قيل له: هذا الوزن لَحِقَكَ (¬11) في العقد الأوّل، ثمَّ يكون عليه كراء القنطار الباقي على أنَّه على (¬12) دابة (¬13) مثقلة بثلاثة ¬

_ (¬1) في (ف): (تكرى). (¬2) في (ت): (يكتري) وفي (ف): (يكرى). (¬3) في (ت): (رصاصًا) (¬4) في (ت) و (ف): (يكرى). (¬5) قوله: (قناطير) ساقط من (ر). (¬6) في (ت): (على). (¬7) في (ف): (أربعة). (¬8) في (ر): (وعلى الأربعة رصاص بثلاثة). (¬9) في (ت) و (ف): (يكرى). (¬10) في (ت) و (ف): (يكرى). (¬11) في (ت) و (ف): (لحقك). (¬12) قوله: (أنه على) ساقط من (ر). (¬13) في (ر): (دابته).

رصاص (¬1)، فما (¬2) قيل إنه يكري به أخذه مع المسمى. وقال مالك في الحاج يكتري على خمس مائة رطل، فيكون في زاملته أكثر مما تعطب (¬3) فيه قال: لم يزل الحاج تكون له (¬4) الزيادات من السفر والأطعمة لا ينظر في ذلك، ولا يعرف المكري (¬5) ما حمل، ولا يكون عليهم في ذلك ضمان إذا كان المكري هو الذي حمله (¬6) ورآه. فجاوب إذا كان هو الذي حمله، ولم يجاوب إذا لم يحمله. والأمر فيه مشكل، فيصح أن يقال: يضمن إذا جاوز المعتاد من الزيادة، وأن لا يضمن؛ لأنَّ المكري فرط إذ (¬7) لم يختبر مع إمكان أن يكون زاد مثل (¬8) ذلك، وأما إن زاد المعتاد فلا ضمان عليه (¬9). وقال ابن القاسم فيمن اكترى دابة يحمل (¬10) عليها عشرة أقفزة، فزاد قفيزًا فعطبت: لم يضمن إذا لم تعطب منه (¬11). يريد: إذا كان حملها في البلد لم يخرج عنه فلا يضمن سواء هلكت في حال الحمل أو بعد انقضائه، إذا لم تكن الزيادة سبب هلاكها، وإن (¬12) شك هل ¬

_ (¬1) في (ر): (من رصاص). (¬2) في (ف): (مما). (¬3) في (ر): (يعطب). (¬4) في (ت) و (ر): (لهم). (¬5) في (ت) و (ر): (المكتري). (¬6) في (ت): (يحمله). (¬7) في (ف) و (ت): (إذ). (¬8) في (ر): (على). (¬9) انظر المدونة: 3/ 488. (¬10) في (ر): (فحمل). (¬11) انظر المدونة: 3/ 488. (¬12) في (ف): (فإن).

هلكت من ذلك أم لا؟ وكان هلاكها في حال الحمل أو بفور (¬1) انقضائه ضمن على قول ابن مسلمة، بخلاف التعدي على العبد؛ لأنَّ العبد يذكر ما نزل به من الضمان (¬2) فسكوته دليل على السلامة، والدابة ينزل بها ما يهلكها فلا يعلم حتى تهلك، وقد يقال (¬3): لا شيء عليه حتى يُعلم أنها هلكت منه. وأرى أن يغرم نصف قيمتها ولا يلزم الجميع لإمكان سلامتها ولا (¬4) يسقط الجميع، لإمكان أن يكون هلاكها من سبب التعدي، وإن علم أن هلاكها من التعدي وكان حمل (¬5) الحادي عشر بعد انقضاء العشرة- كان له (¬6) المسمى في العشرة وقيمتها، وإن كان قسم الحادي عشر على العشرة بعضه (¬7) في كل نقلة- كان لصاحبها أن يغرمه قيمتها (¬8) في أول نقله ولا كراء له (¬9)، أو (¬10) يأخذ المسمى وكراء الزائد، ولا قيمة له، ولو قيل إن لصاحبها أن يأخذ قيمتها من الوقت الذي صار يخشى التمادي عليها، وله فيما تقدم من النقلات ما ينوبه من المسمى وكراء (¬11) الزائد لكان (¬12) وجهًا. ¬

_ (¬1) في (ف): (بعد). (¬2) في ف (الممات). (¬3) في (ر): (قيل). (¬4) قوله: (لا شيء عليه حتى. . . فلا يلزم الجميع لإمكان سلامتها ولا) ساقط من (ر). (¬5) زاد بعده في (ر) (على). (¬6) في (ر): (لها). (¬7) في (ت) و (ف): (نقصه). (¬8) قوله: (قيمتها) ساقط من (ر). (¬9) في (ف): (لها). (¬10) في (ف): (و). (¬11) في (ف): (كذلك). (¬12) في (ر): (كان).

باب في اختلاف المتكاريين وكيف إذا اكترى رجلان دابة ثم اختلفا في الموضع الذي اكتريا إليه؟

باب في اختلاف المتكاريين وكيف (¬1) إذا اكترى رجلان (¬2) دابة ثم اختلفا في الموضع الذي اكتريا (¬3) إليه؟ لا يخلو اختلاف المتكاريين من أربعة أوجه: إما أن يكون في المسافة، أو في الثمن، أو في المسافة والثمن، أو في دفع الثمن. فإن اختلفا في المسافة فقال المكري (¬4) إلى برقة (¬5)، وقال المكتري إلى إفريقية، واتفقا أن الثمن مائة وأتيا بما يشبه، كان فيها قولان: فقال ابن القاسم: يتحالفان ويتفاسخان إذا كان قبل الركوب، أو كان ركوبًا قريبًا لا ضرر (¬6) عليهما في رجوعهما (¬7). وقال غيره: القبض فوت، والقول قول المكري (¬8)، قال: ألا ترى أنه (¬9) لو قال: بعتك بهذه المائة التي قبضت منك مائة إردب إلى سنة، وقال المبتاع ¬

_ (¬1) في (ف): (كذلك). (¬2) في (ر): (رجل). (¬3) في (ر): (اكترى). (¬4) في (ف): (المكتري)، وفي (ت): (الكري) (¬5) في (ر): (عرفة). (¬6) في (ر): (حذر). (¬7) في (ر): (رجوعه). وانظر: المدونة: 3/ 491. (¬8) في (ف): (المكتري)، وفي (ت): (الكري). (¬9) له: (أنه) ساقط من (ف) و (ت).

بل اشتريت بها منك مائتي أردب إلى سنة (¬1) - أن القول قوله؟ فجعل القول قول المكري (¬2) بنفس القبض، وإن لم يبن بها، وهذا الذي يقتضيه قوله: بهذه (¬3) المائة (¬4). وعلى أحد قولي مالك لا يقبل قوله فيها (¬5) حتى يَبِينَ (¬6) بها كما (¬7) قال: إذا اختلفا (¬8) في ثمن السلعة فالقول قول المشتري في العوض إذا بان (¬9) بها، وكذلك هذا، أن القول قول المكري (¬10) في العوض عما قبضه من الثمن؛ لأنهما متفقان أنه استحق جميع الثمن (¬11) واختلفا في العوض عنهما (¬12). وإن اختلفا بعد أن بلغا إلى برقة وأتيا بما يشبه ولم ينقد، تحالفا وتفاسخا ويسقط عن المكري (¬13) الدعوى في بقية المسافة، ويغرم المكتري ما (¬14) ينوب ¬

_ (¬1) قوله: (وقال المبتاع بل اشتريت بها منك مائتي أردب إلى سنة) زيادة من (ف). (¬2) في (ف): (المكتري). (¬3) في (ر): (هذه). (¬4) انظر المدونة: 3/ 491. (¬5) قوله: (فيها) ساقط من (ر). (¬6) في (ر): (يبن). (¬7) قوله: (كما) ساقط من (ف). (¬8) في (ت): (اختلفوا). (¬9) في (ر): (أبان). (¬10) في (ت): (الكري). (¬11) في (ر): (المائة). (¬12) في (ر): (عليهما). (¬13) في (ت): (الكري). (¬14) في (ر): (فيما).

برقة على أن الكراء إلى إفريقية، وعلى المكري (¬1) أن يحلف (¬2) أن الكراء لم يكن إلا (¬3) إلى برقة، ويحلف الآخر أنَّه اكترى (¬4) إلى إفريقية، وليس عليهما أن يذكرا الثمن لاتفاقهما عليه. وإن كان نقد المائة كان القول قول المكري (¬5) مع يمينه أنَّه لم يكر (¬6) إلا إلى برقة، ويستحق المائة، ويسقط عنه بقية المسافة. فإن نكل المكري (¬7) وحلف المكتري، كان له أن يتمادى إلى إفريقية. وإن حلف المكري (¬8) ونكل المكتري كان له أن يقبض المائة، ويسقط عنه (¬9) بقية المسافة. ويستوي الجواب إذا حلف أحدهما ونكل الآخر، إذا اختلفا قبل الركوب أو بعد الوصول إلى برقة نَقَد أو لم ينقد، وإنما يفترق الجواب إذا أتى أحدهما بما يشبه والآخر (¬10) بما لا يشبه. فإن كان المكري أتى بما يشبه دون الآخر، حلف واستحق (¬11) المائة وتسقط عنه بقية المسافة كالنكول، وإن كان المكتري هو الذي أتى بما يشبه دون ¬

_ (¬1) قوله: (على المكري) يقابله في (ف): (للمكري). (¬2) قوله: (وعلى المكري أن يحلف) يقابله في (ت): (ويحلف الكري). (¬3) قوله: (إلا) ساقط من (ر). (¬4) في (ر): (أكرى). (¬5) في (ت): (الكري). (¬6) قوله: (لم يكر) في (ف): (لم يكن)، وفي (ت): (أكرى). (¬7) في (ت): (الكري). (¬8) في (ت): (الكري). (¬9) قوله: (عنه) زيادة من (ف). (¬10) زاد بعده في (ت): لا. (¬11) في (ر): (أخذ).

الآخر تحالفا وتفاسخا وفضت المائة، على أن الكراء كان (¬1) إلى إفريقية، بخلاف النكول؛ لأنَّ كثرة الثمن دليل على أن هناك مبيعًا (¬2) آخر غير الوصول إلى برقة، وليس فيه دليل على أن الزائد بقية طريق إفريقية، وهو (¬3) بمنزلة قوله: بعتك هذا العبد بمائة وأتى بما لا يشبه. وقال الآخر: اشتريت هذا العبد وهذا الآخر بمائة، وإن (¬4) أتى بما يشبه (¬5) أن تكون المائة ثمن العبدين، وقد فات الذي تقاررا على بيعه- فإنهما يتحالفان ويتفاسخان وتفض المائة على قدر العبدين. وفرق بين هذه وبين المختلفين في السَّلَم إذا قال المُسْلَم إليه: في خمسة أرادب وأتى بما لا يشبه. وقال الآخر: في عشرة وأتى بما يشبه (¬6)، أنَّه يحلف ويأخذ العشرة لأنَّ الطعام صفة واحدة في الذمة فأشبه من قال: بعت (¬7) بمائة دينار وأتى بما يشبه. وقال الآخر بخمسين، وأتى بما لا يشبه والطريق كالسلع المعينات (¬8)، فالقول قول صاحب الدابة أنَّه لم يبع منافعها إلى تلك الطريق. وكذلك السَّلَم لو (¬9) قال: أسلمت إليَّ (¬10) في خمسة أرادب قمحًا وخمسة ¬

_ (¬1) قوله: (كان) ساقط من (ر). (¬2) في (ر): (ممنعًا). (¬3) قوله: (هو) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (إن) ساقط من (ف) و (ت). (¬5) قوله: (بما يشبه) في (ر): (بما لا يشبه). (¬6) قوله: (يشبه) في (ر): (لا يشبه). وقوله: (وقال الآخر: في عشرة أرادب وأتى بما يشبه) ساقط من (ف). (¬7) في (ت): (بعتك). (¬8) قوله: (كالسلع المعينات) في (ر): (كالسلعة المبيعات). (¬9) في (ف): (ولو). (¬10) قوله: (إلي) ساقط من (ت).

تمرًا (¬1)، وأتى بما لا يشبه. وقال الآخر: في خمسة قمحًا وخمسة تمرًا وأتى بما يشبه أن يكون رأس المال ثمنًا لتلك العشرة وقد حلَّ الأجل- فإنهما يتحالفان ويتفاسخان (¬2)، ويكون للمُسْلِم القمح بما ينوبه من الثمن ويرتجع بقية رأس المال، وهذا وجه تفرقة (¬3) ابن القاسم بين السؤالين. ولو قيل (¬4): إن القول قول المكتري أن الكراء إلى إفريقية ويبلغ (¬5) بها إلى إفريقية. وقول المسلم: إنه أسلم في القمح والتمر ويأخذهما لكان وجهًا؛ لأنَّ كثرة الثمن دليل على أن الكراء والبيع انعقد على شيء آخر غير ما تقاررا عليه، وقد كتمه الكري والبائع (¬6)، فكان القول قول المكتري والمشتري في تعيينه (¬7). قال محمَّد: وقال مالك: إلا أن يكون ذلك في زمن الحج، فإن الحاج إنما يكري إلى مكة فعليه أن يبلغه إلى مكة (¬8). قال محمَّد (¬9): بما انتقد وإن لم ينتقد فبالكراء الذي يقر به المكتري (¬10). وهذا أحسن بخلاف المسألة الأولى؛ لأنَّ العادة أن الكراء حينئذ إلى مكة، وليس العادة أن يكتري (¬11) إلى المدينة (¬12)، ثمَّ يستأنف ¬

_ (¬1) قوله: (وخمسة تمرًا) زيادة من (ت). (¬2) قوله: (ويتفاسخان) زيادة من (ر). (¬3) زاد بعده في (ت): (قول). (¬4) في (ف): (قال). (¬5) في (ت): (بلغ). (¬6) قوله: (الكري والبائع) في (ف) و (ت): (الكراء والبيع). (¬7) في (ف): (تعيينها). (¬8) انظر: المدونة: 3/ 493 (¬9) في (ر): (مالك). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 126. (¬11) في (ف): (يكتروا). (¬12) في (ر): (مكة).

كراء آخر إلى مكة، فكان في ذلك دليلٌ للمكتري على عين (¬1) المبيع، وهو كشاهد على غير (¬2) المبيع (¬3)، والأول كشاهد أن هناك مبيعًا (¬4) لا يدرى ما هو. وإن نقد خمسين، ثمَّ اختلفا بعد أن بلغا برقة، كان القول قول المكري (¬5) أنَّه استحقها على (¬6) نصف الحمل إلى برقة، والقول قول المكتري (¬7) في الخمسين التي لم ينقد؛ أن المائة كانت عن جميع الطريق إلى إفريقية ويغرم (¬8) خمسة وعشرين إذا كانت برقة (¬9) نصف طريق إفريقية. وإن اختلفا في نصف طريق برقة، وكان الكراء على الأحمال- تحالفا، وكان للمكري (¬10) من الخمسن خمسة وعشرين (¬11) عن نصف الماضي، ويحمل له نصف الأحمال في المستقبل. ولو كان الكراء على ركوبه لفسخ (¬12) الباقي؛ لأنه لا يتبعض ويغرم المكتري عن نصف الماضي اثني عشر ونصفًا؛ لأنَّ القول ¬

_ (¬1) في (ر): (غير). (¬2) في (ف): (عين). (¬3) في (ر): (البيع). (¬4) في (ر): (ممنعًا). (¬5) قوله: (الكري) ساقط من (ر). (¬6) في (ف): (عن). (¬7) في (ر): (المكري). (¬8) في (ر): (ويقدم). (¬9) في (ر): (بقرب). (¬10) في (ت): (للمكتري). (¬11) قوله: (إذا كانت برقة. . . من الخمسين خمسة وعشرين) ساقط من (ف). (¬12) في (ف): (يفسخ).

فصل [فيما إذا اختلفا في المسافة والكراء]

قوله فيما لم ينقد أنَّه من حساب مائة إلى إفريقية. فصل [فيما إذا اختلفا في المسافة والكراء] وإن اختلفا في المسافة والكراء فقال المكري: أكريتك إلى المدينة بمائتين. وقال الآخر: بمائة إلى مكة، وبلغ إلى (¬1) المدينة وكان نقد مائة وأتيا بما يشبه كان القول قول المكري في المائة التي قبض وفي إسقاط بقية المسافة، والقول قول المكتري في المائة التي لم (¬2) ينقد، والمكري بالخيار بين: أن يحلف على تكذيب صاحبه فيحلف أنَّه لم يكر إلى مكة بمائة، أو على إثبات دعواه فيحلف لقد أكرى إلى المدينة بمائتين. وكذلك المكتري له أن يحلف على تكذيب صاحبه أنَّه لم يكر إلى المدينة بمائتين، أو على إثبات دعواه فيحلف لقد أكرى إلى مكة بمائة. فمن حلف على (¬3) إثبات دعوى نفسه ثمَّ نكل الآخر، كان الحكم على (¬4) ما حلف عليه الحالف. وإن كانت يمينه على تكذيب صاحبه ثمَّ نكل الآخر، حلف يمينًا آخر (¬5) على إثبات دعواه. وإن اختلفا في من يبدأ باليمين اقترعا؛ لأنه لا مزية لأحدهما في التبدية على الآخر، فالمكتري (¬6) يكره أن يبتدئ باليمين؛ لأنه يقول: إن بديت فحلفت على ¬

_ (¬1) قوله: (إلى) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (لم) ساقط من (ر). (¬3) في (ت): (إلي). (¬4) قوله: (على) ساقط من (ر). (¬5) في (ت): (أخرى). (¬6) في (ف): (فالمكري).

تكذيب دعوى صاحبي (¬1)، ثمَّ نكل صاحبي (¬2) حلفت (¬3) يمينًا أخرى على إثبات دعواي، وإن بديت فحلفت على إثبات دعواي ثمَّ حلف المكري، لم تفدني (¬4) يميني (¬5) على إثبات دعواي. وكذلك المكري (¬6) يكره أن يبتدأ باليمين؛ لأنه يقول: إن حلفت على تكذيب (¬7) صاحبي ثمَّ نكل حلفت (¬8) يمينًا أخرى، وإن حلفت على إثبات دعواي فحلف (¬9) لم تفدني يميني إلا في إسقاط دعواه، وإن هو بدأ فحلف حلفت على تكذيبه خاصة، وإن نكل حلفت على إثبات دعواي، فأفدت (¬10) الوجهين جميعًا. وإن نقد الخمسين (¬11) كان القول قول المكري (¬12) أنَّه استحقها عن (¬13) الوصول إلى المدينة، ثمَّ هما مختلفان بعد ذلك عن ما (¬14) استحقت؟ فالمكري يقول: عن ريع الماضي. والمكتري (¬15) يقول: عن نصفه وأن الباقي في ذمتي ¬

_ (¬1) في (ف): (صاحبيه). (¬2) في (ف): (صاحبيه). (¬3) في (ف): (حلف). (¬4) قوله: (لم تفدني) في (ر) (لم يفدني). (¬5) قوله: (يميني) ساقط من (ر). (¬6) في (ف): (المكتري) وفي (ت) (الكري). (¬7) زاد بعده في (ر): (دعوتي). (¬8) في (ر): (حلف)، وفي (لألفت). (¬9) قوله: (فحلف) ساقط من (ف)، وفي (ت): (فحلف للمكتري). (¬10) في (ت) و (ر): (فأفادت). (¬11) في (ف): (خمسين). (¬12) في (ر): (المكري). (¬13) في (ر): (على). (¬14) قوله: (عن ما) في (ف): (على ما)، وفي (ر) (عن من). (¬15) قوله: (يقول: عن ريع الماضي. والمكتري) ساقط من (ف). وقوله: (استحقت فالمكري =

خمسون (¬1) على أن الكراء مائة إلى مكة، ويغرم خمسة وعشرين إذا كانت المدينة نصف طريق مكة، والمكتري يقول عن نصفه (¬2). وإن اختلفا في نصف طريق المدينة في غير (¬3) مستعتب وكان نقَد مائة، فالقول (¬4) قول المكري أنَّه استحق منهما خمسين، ثمَّ هما أيضًا مختلفان عمَّ استحقت؟ فالمكري يقول: عن نصف الماضي لأنَّ الكراء مائتان وقد مضى نصف المسافة ويحمل (¬5) في المستقبل نصف الأحمال. والقول قول المكتري أنَّه لم يبق في ذمته عن الماضي شيء؛ لأنه يقول: الكراء مائة وقد دفعت جميعها. وإن كان نقده (¬6) خمسين كان القول قول المكري أنه استحق منها خمسة وعشرين. والقول قول المكتري أن الباقي في ذمته اثنا عشر (¬7) ونصف، وهذا الجواب عن الماضي. وأما في (¬8) المستقبل فالقول قول المكري مع يمينه أنَّه (¬9) ليس عليه أن يحمل مع (¬10) المنقود إلا على حساب ما أقر به وهو ربع (¬11) الأحمال ¬

_ يقول: عن ريع الماضي. والمكتري) ساقط من (ر). (¬1) قوله: (خمسون) زيادة من (ت). (¬2) قوله: (والمكتري يقول عن نصفه) زيادة من (ف). (¬3) قوله: (غير) زيادة من (ف). (¬4) في (ف): (كان القول). (¬5) في (ر): (ويحصل). (¬6) في (ر): (نقد). (¬7) زاد بعده في (ف): (دينارا). (¬8) قوله: (أما في) ساقط (ر). (¬9) في (ف): (لأنه). (¬10) في (ف): (غير) وفي (ت) (على). (¬11) في (ف): (رفع).

فصل [في حكم ما إذا اختلفا في الثمن وتصادقا في المسافة]

ويتحالفان ويتفاسخان فيما لم ينقد (¬1). وإن كان الكراء على ركوبه تحالفا وتفاسخا في جميع الباقي، ويرد المكري (¬2) خمسة وعشرين؛ لأنَّ الركوب لا يتبعض فيرد بعيب (¬3) الشركة فيه. فصل [في حكم ما إذا اختلفا في الثمن وتصادقا في المسافة] واختلف إذا اختلفا في الثمن وتصادقا في المسافة فقال ابن القاسم: إذا قال أكريتك بمائة وقال (¬4) الآخر بخمسين، وكان الكراء من مصر إلى مكة واختلفا بأيلة- فالقول قول (¬5) المكتري (¬6) مع يمينه، وسواء كان الكراء في راحلة بعينها أو مضمونًا، قال: لأنَّ مالكًا قال: إذا حمله على بعير من أيلة فليس له أن ينتزعه منه إلا أن يشاء المكتري، وإن فلس الجمال كان (¬7) كل واحد أحق بما تحته (¬8). قال محمَّد وهو أحق وإن كان يدير الإبل تحته (¬9). وقال غيره: ليس الراحلة بعينها كالمضمون. ¬

_ (¬1) في (ر): (ينقدوا). (¬2) في (ر): (الكراء). (¬3) في (ف): (بقية). (¬4) قوله: (وقال) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (قول) ساقط من (ر). (¬6) في (ت): (المكري). (¬7) في (ف): (لكان). (¬8) انظر المدونة: 3/ 492، 493. (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 122.

قال الشيخ أبو الحسن -رحمه الله- (¬1): أما الماضي فالقول قول المكتري فيه (¬2) مع يمينه، وكذلك المستقبل إذا كان في غير مستعتب، أو في مستعتب والكراء به (¬3) غير موجود. ويختلف إذا كان موجودًا هل يتحالفان ويتفاسخان؛ لأنَّ الباقي كالشيء القائم، أو يكون القول قول المكتري؛ لأنَّ تسليم الراحلة (¬4) إليه كتسليم السلعة إذا بيعت وبان بها المشتري؟ واختلف أيضًا إذا كان الركوب مضمونًا فقول (¬5) ابن القاسم (¬6): إنه كالمعين. وقال غيره: ليس كالمعين (¬7). وهو أبين إذا كان يدير الإبل تحتهم؛ لأنَّ ذلك كلا تسليم، فلا يقبل قوله إن اختلفا في الكراء، ولا يكون أحق في الفلس، وإن كان تسليم ذلك ليستوفي (¬8) ركوبه منه ولا يبدل (¬9) ذلك، إلا أن تموت الدابة أو يحدث ما يمنع ركوبها- كان أحق في الفلس والقول قوله (¬10) في الاختلاف. ¬

_ (¬1) قوله: (أبو الحسن) زيادة من (ف). (¬2) قوله: (فيه) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (به) ساقط من (ف). (¬4) في (ر): (السلعة). (¬5) في (ر): (فقال). (¬6) في (ت): (مالك). (¬7) قوله: (وقال غيره: ليس كالمعين) ساقط من (ر). (¬8) في (ت): (يستوفي). (¬9) في (ر): (يبد). (¬10) في (ر): (قول).

فصل [في حكم ما إذا اختلفا في دفع الثمن قبل الركوب]

فصل [في حكم ما إذا اختلفا في دفع الثمن قبل الركوب] فإن اختلفا في دفع الثمن (¬1) قبْل الركوب كان القول (¬2) قول المكري (¬3)، وكذلك إذا اختلفا بفور (¬4) الوصول وإن مضى بعد ذلك ما الغالب أنَّه لا (¬5) يتأخر الدفع إليه- كان القول قول المكتري، وهذا في الركوب، وكذلك الأحمال إذا كانت العادة تسليمها ثمَّ يطلب الكراء. وإن كانت العادة أن لا يُسَلِّم (¬6) حتى يقبض الكراء فسلمت، كان القول قول المكتري إلا أن تكون لقوم عادة فيحملوا عليها، والعادة في كراء البحر (¬7) إلى الإسكندرية أن يقدم (¬8) النصف، فالقول قول المكتري أنَّه قدمه إذا اختلفا بعد الوصول أو ليلة المبيت. وكذلك كراء البر إن كانت لهم عادة لا يبرزون إلا بعد دفع الكراء، كان القول قول المكتري أنَّه لم يخرج إلا بعد دفعه. وقال في الخياط والصباغ (¬9) يُسَلِّم ما صنعه (¬10)، ثمَّ يختلفان في دفع الأجرة، فالقول قول الصانع فيما قرب، والعادة اليوم أنهم لا يسلمون حتى ¬

_ (¬1) قوله: (الثمن) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (كان القول) يقابله في (ر): (فالقول). (¬3) في (ر): (المكتري). (¬4) في (ر): (في فور). (¬5) قوله: (أنَّه لا) في (ف) و (ر): (ألا). (¬6) في (ت): (تسليم). (¬7) قوله: (كراء البحر) يقابله في (ت): (الكراء في البحر). (¬8) في (ر): (يغرم). (¬9) قوله: (والصباغ) ساقط من (ف). (¬10) في (ت) و (ف): (صبغه).

فصل [في حكم اختلاف رجلين تكاريا دابة يتعاقبان عليها]

يقبضوا، فمن ادعى اليوم أنَّه سَلَّم قبل أن يقبض لم يصدق إلا لخواص (¬1) من العارف. فصل [في حكم اختلاف رجلين تكاريا دابة يتعاقبان عليها] وقال محمَّد بن سحنون: قال بعض أصحابنا في رجلين تكاريا دابة يتعاقبان عليها في ذهابهما ومجيئهما (¬2)، فلما بلغا قابس قال أحدهما: كان الكراء إلى قابس (¬3). وقال الآخر: إلى طرابلس: فالقول قول من قال إلى قابس، ويرجع راكبًا، فإن رجع معه صاحبه وإلا أكرى الذي قال إلى قابس مكان صاحبه (¬4). فإن قال صاحب الدابة (¬5): كان الكراء إلى طرابلس ذاهبين وراجعين وصدقه الذي قال إلى قابس وقال: كنت (¬6) كذبت أو نسيت- أعطى (¬7) صاحبه المدعي (¬8) إلى طرابلس قيمة الكراء من قابس إلى طرابلس (¬9). ¬

_ (¬1) في (ف): (الخواص). (¬2) في (ر): (ورجوعهما). (¬3) قابس: مدينة بين طرابلس وسفاقس ثم المهدية على ساحل البحر، فيها نخل وبساتين غربي طرابلس، الغرب بينها وبين طرابلس ثمانية منازل. انظر: معجم البلدان للحموي: 4/ 289. (¬4) قوله: (وإلا أكرى الذي قال إلى قابس مكان صاحبه) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (صاحب الدابة) في (ر): (صاحبه). (¬6) قوله: (كنت) ساقط من (ف). (¬7) زاد بعده في (ر): (هو) وزاد بعده في (ف): (وهو). (¬8) في (ت): (المدعى). (¬9) انظر النوادر والزيادات: 7/ 127 ونصه فيه: "قال ابن سحنون في رجلين اكتريا دابة من رجل يتعاقبان عليها، فلما وصلا إلى قابس قال أحدهما: كراؤنا إلى أطرابلس ذاهبًا وجائيًا. وقال صاحبه: بل كراؤنا إلى قابس ذاهبًا وجايئًا. ورب الدابة غائب- أنَّه يقال لمدعي =

وإن قال: لم أكر إلا إلى قابس أعطى صاحبه قيمة كراء من قابس إلى طرابلس (¬1)، ولم يكن للآخر شيء. وأرى إذا قال المكتري (¬2): إن الكراء كان (¬3) إلى طرابلس، أن يسقط عن الذي قال إلى طرابلس من المسمى قدر (¬4) ما ينوب ما بعد قابس إلى طرابلس، وكان للمكري أن يرجع بذلك على من قال إلى قابس ثمَّ رجع عن قوله؛ لأنه بتعديه في ردِّها من قابس أتلف عليه باقي الكراء إلى طرابلس (¬5)، ويرجع عليه بتمام المسمى الذي عقد عليه (¬6) به منه؛ لأنه كان مكنه منها فردَّها اختيارًا وأقر أنَّه كذب في قوله إلى قابس، ولا يصدق في قوله: نسيت. فإن قدر على أن يستعملها في البلد أو في (¬7) مواضع مأمونة، مثل القدر الذي كان يسافر (¬8) بها من قابس إلى ¬

_ = أطرابلس: أقم البينة وتركب إلى أطرابلس، وإن لم نجد البينة حلف مدعي الكراء إلى قابس أنه إليها كان كراؤهما وقيل لصاحبك: أكرِ نصفها الذي لك في الركوب إلى القيروان، أو اركب إن شئت، فإذا لقيت رب الدابة فأقر بما تدعي- رجع عليه بما يصير له من القصاص في الكراء من قابس إلى أطرابلس ذاهبًا وجائيًا إليها، وإن قال رب الدابة: الكراء إلى قابس فهو مصدق مع يمينه إذا انتقد، وإن أراد مدعي قابس أن يأخذ مثل ما أصاب صاحبه قصاص الكراء، الذي أقر لهما به فيما بين البلدين، فذلك له إن شاء إلا أن يثبت على قوله الأول فلا يأخذ شيئًا". (¬1) قوله: (قيمة الكراء من. . . إلى طرابلس) ساقط من (ر). (¬2) في (ر): (المكري). (¬3) في (ف): (إنما كان). (¬4) قوله: (قدر) زيادة من (ف). (¬5) قوله: (طرابلس) في (ت): (كراء أطرابلس). (¬6) قوله: (عليه) زيادة من (ر). (¬7) قوله: (في) زيادة من (ف). (¬8) في (ف): (يسافره).

طرابلس- كان ذلك له، وإلا فلا شيء له. وإن قال صاحبها: بل كان (¬1) الكراء إلى قابس؛ أخذ من الذي كان قال مثل ذلك جميع المسمى، وسواء بقي على قوله أو رجع عنه، ثمَّ ينظر فيما بينه وبن الآخر: فإن كان لم ينتقد منه الكراء، كان القول قول المكتري: إن الكراء كان (¬2) إلى طرابلس، ويسقط عنه من (¬3) المسمى ما بعد قابس إلى طرابلس، وإن كان نقد كان القول قول المكتري (¬4) أن الكراء كان إلى قابس. ومحمل القول في أول المسألة أن القول قول من قال إلى قابس ويرجع (¬5) بها، فإن كان (¬6) ذلك بعد يمينه، فإن نكل حلف الآخر ومضى بها إلى طرابلس. فإذا قدم فقال صاحبها: كان الكراء إلى طرابلس، ورجع الآخر إلى قوله، لم يسقط عن الذي قال إلى قابس ما بعد قابس إلى طرابلس؛ لأنه كان ممكنًا منها فتركها اختيارًا، وإن قال صاحبها: كان الكراء إلى قابس. وقال ابن القاسم في من دفع كتابًا (¬7) لمن يبلغه من مصر إلى إفريقية بكذا وكذا ثمَّ أتى بعد ذلك، وقال: بلَّغته، وكذَّبه الآخر. قال: قد ائتمنه على أداء الكتاب. فإذا قال: قد أديته فيما يعلم أنَّه يصل ويرجع- كان له (¬8) الكراء. ¬

_ (¬1) قوله: (كان) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (إن الكراء كان) ساقط من (ف) وفي (ر): (وإن أكرى). (¬3) قوله: (من) زيادة من (ت). (¬4) في (ر): (المكري). (¬5) في (ف): (يرتجع). (¬6) قوله: (كان) زيادة من (ف). (¬7) قوله: (كتابًا) ساقط من (ر). (¬8) قوله: (له) ساقط من (ر).

قال (¬1): وكذلك الكراء على الطعام والبَزِّ. وقال غيره: عليه البينة أنَّه بلغه (¬2). والأول أحسن، إذا كان على الإجارة؛ لأنه (¬3) كلما مضى يوم استحق أجره (¬4)، ومعلوم أنَّه لا يكلف بينة تصحبه كل يوم أنَّه مشاه. وإن كان على البلاغ حسن (¬5) أن يكلف البينة؛ لأنَّ الأجرة إنما تستحق عن وقت تسليمه إلا أن العادة اليوم أن لا بينة في ذلك. ¬

_ (¬1) قوله: (قال) ساقط من (ر). (¬2) انظر المدونة: 3/ 494. (¬3) في (ف): (أنه). (¬4) قوله: (أجره) ساقط من (ر). (¬5) في (ف): (فحسن).

باب القضاء في النقد، وفي صفته، وفي الموضع الذي يقبض فيه

باب (¬1) القضاء في النقد، و (¬2) في صفته، وفي (¬3) الموضع الذي يقبض فيه ومن (¬4) اكترى لينقد في موضع عقد، كان عليه سكة الموضع الذي عقد (¬5) فيه الكراء (¬6)، وإن تراخى النقد إلى الموضع الذي اكترى إليه، إلا أن تكون العادة النقد من سكة البلد الآخر، والعادة اليوم في من يكتري (¬7) إلى الإسكندرية على الأحمال أن يعجل (¬8) النصف من سكة موضع العقد، ويؤخر النصف فيدفعه من سكة ما يتبايع (¬9) به أهل (¬10) الإسكندرية. وقال ابن المواز فيمن استأجر صانعًا (¬11) إجارة فاسدة: له نقد يوم (¬12) الحكم، وهذا غير صحيح، وإنما له على أصل (¬13) قول ابن القاسم نقد يوم قبض ¬

_ (¬1) قوله: (باب) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (و) زيادة من (ر). (¬3) قوله: (في) زيادة من (ف). (¬4) في (ت): (قال من). (¬5) في (ف): (انعقد). (¬6) قوله: (الكراء) ساقط من (ت). (¬7) في (ر): (يكري). (¬8) في (ف): (يجعل). (¬9) في (ر): (يبتاع). (¬10) في (ر): (الى). (¬11) في (ت) و (ف): (صائغًا). (¬12) في (ف): (موضع). (¬13) قوله: (أصل) زيادة من (ر).

فصل [في من اكترى من جمال إلى مكة وقال: اخرج بي الآن، وقال الجمال: في الزمان بقية]

الشيء المصنوع. وهو الأصل في كل من اشترى سلعة شراء فاسدًا، فإن القيمة يوم القبض، وعلى أصل محمَّد بن المواز (¬1) له نقد يوم وضع الصنعة؛ لأنه قال: إذا ضاع بعد الصنعة ببينة كان له الأجر، وإن كان الكراء إلى البلد الآخر على وجه الجعالة، كان له سكة البلد الذي وصل إليه؛ لأنه لا يستحق شيئًا إلا بعد الوصول إليه (¬2). فصل [في من اكترى من جمَّال إلى مكَّة وقال: اخرج بي الآن، وقال الجمال: في الزمان بقية] وقال ابن القاسم في من اكترى (¬3) من جمَّال إلى مكَّة وقال: اخرج بي الآن، وقال الجمال: في الزمان بقية. فللجمَّال أن يتأخر إلى خروج الناس. وهذا يحسن إذا كان الكراء من المدينة؛ لأنَّ السير يتيسر كل وقت. والعادة أن الجمَّال يقف بالمكتري ولو كان الكراء في غير إبان الحج، أو في إبان الحج؛ وليس العادةَ أن يقف به (¬4)، وكان سير (¬5) الناس من ذلك الموضع متيسرًا متى أحبوا كان عليه أن يخرج به (¬6) الآن. وإن دعا إلى ذلك الجمال أو المكتري، كان القول قوله إلا أن تكون عادة فيحملا (¬7) عليها. ¬

_ (¬1) قوله: (بن المواز) زيادة من (ر). (¬2) قوله: (إليه) زيادة من (ف). (¬3) في (ر): (اشترى)، وفي (ت): (تكارى). (¬4) في (ت): (له). (¬5) في (ر): (سفر). (¬6) قوله: (به) ساقط من (ف). (¬7) في (ر): (فيحملوا)، وفي (ت): (فيحملان).

وقال ابن القاسم في من تكارى إلى الفسطاط، فليس عليه أن ينزل إذا بلغ أوله، وعليه أن يوصله إلى منزله (¬1) وإن كان منزله (¬2) أقصى الفسطاط، وهذا وجه ما يعرف (¬3) من الذي يتكارى عليه الناس: يجوز الكراء على ذلك وإن لم يعلم الجمّال هل منزله في أول الفسطاط أو وسطه (¬4) أو آخره؟ وليس بغرر؛ لأنه يسير في جنب المسافة (¬5). ولو استأجر من يحمل له شيئًا من المدينة لم يجز إلا أن يسمى موضع داره منها؛ لأنه غرر بخلاف الأوّل. وقال محمَّد بن عبد الحكم فيمن اكترى من جمَّال على حمل بَزٍّ إلى بلد وبينهما أودية، فربما تخاض، وربما لا يستطاع خوضها، وهناك قوارب تحمل الإبل والمتاع حتى يجاز، فلما أتوا الوادي، قال صاحب الإبل: حمله عليك. قال: إن لم تكن لهم (¬6) عادة كان حمل البَزِّ على صاحبه، وحمل الإبل على صاحبها. ¬

_ (¬1) في (ت): (داره). (¬2) قوله: (كان منزله) في (ت): (كانت). (¬3) في (ر): (يتعارف). (¬4) قوله: (أو وسطه) ساقط من (ف). (¬5) انظر المدونة: 3/ 496. (¬6) قوله: (لهم) ساقط من (ر).

باب في تضمين الأكرياء ما هلك من سببهم

باب (¬1) في تضمين الأكرياء ما هلك من سببهم وقال مالك في من اكترى على حمل دُهن أو متاع فعثرت الدابة (¬2) فانكسرت القوارير أو انقطعت الحبال (¬3) ففسد المتاع، قال مالك: لا شيء على المكري (¬4) إن لم يغر من عثار أو ضعف حبل (¬5). ولا يخلو هلاك المكترى عليه من أن يكون من غير سبب المكري. أو (¬6) من سببه عمدًا أو خطأ من الوجه المأذون له (¬7) فيه أو من غيره (¬8)، أو لأنه غُرَّ بفعل أو قول، فإن لم يكن من سببه لم يضمن، وإن كان من سببه عمدًا ضمن، وكذلك إذا (¬9) كان خطأ من غير الوجه المأذون فيه، وإن كان من (¬10) الوجه المأذون فيه، كان فيه قولان: هل يضمن أم لا؟ وإن كان من غرور بفعل ضمن. وإن كان غرورًا بقول كان فيه قولان: هل يضمن أم لا؟ (¬11) وهذا عقد هذا الأصل. ¬

_ (¬1) قوله: (باب) ساقط من (ر). (¬2) في (ت) و (ف): (الدواب). (¬3) قوله: (الحبال) ساقط من (ر). (¬4) في (ت) و (و): المكتري. (¬5) قوله: (ضعف حبل) في (ت) و (ف): (من الحبال). وانظر المدونة: 3/ 496. (¬6) قوله: (أو) ساقط من (ف). (¬7) قوله: (له) ساقطة من (ر) و (ت). (¬8) قوله: (من غيره) في (ر): (غيره). (¬9) في (ر): (إن). (¬10) قوله: (من) ساقط من (ر). (¬11) قوله: (وإن كان من غرور بفعل. . . هل يضمن أم لا؟) ساقط من (ت) و (ف).

فإن لم يغر من عثار لم يضمن للحديث: "جَرْح العَجْماءِ جُبارٌ" (¬1). وكذلك ما أتى من ضعف الحبال (¬2)، أو خفي ذلك على الجمال كالعفن بحدث، فإن علم وربط بها وسيرها (¬3) ضمن؛ لأنه وإن كان ربها حاضرًا معاينًا فهو غرور بفعل (¬4). وإن سلَّم الحِبال للمكتري فربط بها (¬5)، وكان المكتري هو الذي شدها (¬6) - كان غرورًا بقول، وإن سيرها الكري (¬7) بعد ربط المكتري كان تعديًا، وإن ربطها الكري (¬8) وسيَّرها (¬9) المكتري، كان الأصل فيه (¬10) تعديًا بفعل، والهلاك فيه (¬11) غرور بقول. وأرى أن يضمن في جميع هذه الوجوه، وإن كان بعضها أقوى وأبين من بعض، ولصاحب الأحمال أن يغرمه ذلك بالموضع الذي حمل منه، أو ¬

_ (¬1) متفق عليه, البخاري: 2/ 545، في باب في الركاز الخمس، من كتاب الزكاة، برقم (1428)، ومسلم: 3/ 1334، في باب جرح العجماء والمعدن والبئر جبار، من كتاب الحدود، برقم (1710)، ومالك في الموطأ: 2/ 868، في باب جامع العقل، من كتاب العقول، برقم (1560). (¬2) في (ف): (الجمال). (¬3) في (ف): (وشد بها). (¬4) قوله: (غرور بفعل) في (ر): (غرر). (¬5) قوله: (فربط بها) في (ر): (فربط فيها)، وفي (ف): (فربط). (¬6) في (ر): (يسير بها). (¬7) قوله: (سيرها الكري) في (ف): (شهد المكري). (¬8) في (ر): (الكراء). (¬9) في (ف): (شهدها). (¬10) قوله: (فيه) زيادة من (ر). (¬11) قوله: (فيه) زيادة من (ر).

بالموضع (¬1) الذي هلك فيه فيأخذه بأول تعديه أو بآخره. وقال ابن القاسم فيمن حمل دهنًا من مصر إلى فلسطين فانكسر بالعريش، وكان قد غرَّ من الدواب (¬2) وقيمته بالعريش ضعف قيمته بالفسطاط: فله أن يضمنه قيمته بالعريش. وقال غيره: قيمته بالفسطاط إن أراد (¬3). والجوابان يرجعان إلى أنه بالخيار. فقوله: (إن أراد) تخيير منه، وقول ابن القاسم بالعريش؛ لأنه قال: قيمته هناك ضعف قيمته بالفسطاط. والشأن أن الإنسان يختار الأكثر ليس أنه يمنع من قيمته (¬4) بالفسطاط، ثمَّ لا يخلو أن يكونا دخلا على البلاغ أو على الإجارة، فإن كان على البلاغ كان له أن يغرمه بالفسطاط؛ لأن جميع المسافة الماضية فيه (¬5) والمستقبل كشيء واحد، لا يستحق شيئًا إلا بالوصول إلى فلسطين، فكأنه لم يسلم شيئًا مما كوري عليه، وله أن يغرمه قيمته بالعريش. بخلاف من غصب شيئًا ونقله؛ لأنَّ الغاصب نقله لنفسه، وهذا نقله لصاحبه (¬6)، وهو يسقط التعدي إلى آخر وقت هلك فيه. وإن كان على الإجارة كان له أن يغرمه بالعريش؛ لأنه يقول: أنا أرضى أن يكون كل يوم مضى كالتسليم الصحيح (¬7) فيدفع عنه الأجرة، ويأخذه بآخر ¬

_ (¬1) قوله: (حمل منه أو بالموضع) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (من الدواب) في (ر): (من الربط)، وفي (ت): (بالعثار). (¬3) انظر المدونة (صادر): 1/ 133. (¬4) قوله: (ليس أنه يمنع من قيمته) في (ف): (فليس أنه يمنع). (¬5) قوله: (الماضية فيه) في (ف): (الماضي). (¬6) في (ت): (لربه). (¬7) قوله: (الصحيح) ساقط من (ر).

فصل [فى ادعاء المكري ضياع ما حمله]

التعدي، وله أن يقول: لا يستحق عن (¬1) تلك الأيام أجرة؛ لأنه ليس بتسليم صحيح؛ لأنَّ كل يوم مضى يدك باقية بالتعدي ليتمادى (¬2) به إلى منهل آخر، فله أن يغرمه قيمته بالفسطاط، فإن كانت قيمته بالموضعين سواء غرمه قيمته بالفسطاط ليسقط عنه الكراء. فصل [فى ادعاء المكري ضياع ما حمله] وإن ادَّعى (¬3) المكري ضياع ما حمله بنفسه أو على دابته أو في سفينته قبل قوله فيما (¬4) سوى الطعام من المتاع وغيره (¬5)، إلا أن يتبين كذبه أو يذكر أن ذهابه كان على صفة أتى فيها بما لا يشبه، وهذا إذا (¬6) ادَّعى ضياعه في الطريق، أو بعد الوصول، أو قبل أن يغيب عليه ويحوزه عن صاحبه؛ لأنه إذا ادَّعى ضياعه قبل أن يحوزه عن صاحبه (¬7) بعد وصوله على حكم الإجارة، فإذا حازه (¬8) عنه وغاب عليه كان على حكم الرهن، وهو في الطعام على خمسة أوجه:- يصدق في وجه، ولا يصدق في آخر، واختلف في ثلاثة: فإن كان صاحبه معه والحمل في المدينة أو في السفر في البَرِّ- صُدِّق. وقال أصبغ في كتاب محمَّد: ولو فارقه في بعض الطريق لم يضمن. قال محمَّد: لأن ¬

_ (¬1) في (ر): (على). (¬2) في (ف): (لتمادى). (¬3) في (ر): (أعاد). (¬4) قوله: (فيما) ساقط من (ت). (¬5) في (ف): (أو غيره). (¬6) قوله: (وهذا إذا) في (ف): (لأنه إن). (¬7) قوله: (لأنه إذا ادعى ضياعه قبل أن يحوزه عن صاحبه) ساقط من (ف). (¬8) في (ر): (جازه).

أصل حمله على غير التسليم لمن حمله (¬1). وإن لم يكن صاحبه معه وحمله في غير البلد الذي يسافر له في (¬2) بَرٍّ أو بحر، والطعام مما تدعو الضرورة إليه في الغالب (¬3) - لم يصدق. واختلف إذا حمله بالمدينة ولم يصحبه صاحبه، أو في السفر في البحر وصاحبه معه، أو لم يكن معه صاحبه، وليس الطعام مما تدعو إليه الضرورة (¬4) في الغالب، والمعروف من المذهب أنه غير مصدق إذا غاب عليه وإن حمله في المدينة (¬5). وقال ابن كنانة في كتاب المدنيين: لا ضمان عليه. يريد: لأنه في المدينة قادر على أن يصحبه من غير ضرر (¬6) عليه، فإن لم يفعل كان قاصدًا إلى الائتمان. وأرى أن يضمن الذي يحمل القمح والشعير والقطاني وما أشبه ذلك وإن صحبه صاحبه إذا نقص؛ لأنه قد علم منهم السرقة فأخفى ذلك عنهم مع كون صاحبه معه، وإن ادَّعى ذهاب جميع ما حمله وصاحبه معه صدق وليس العادة جحود جميعه ولا الهروب (¬7) إذا كان الجمّال واحدًا، وإن كانوا عددًا فتأخر بعضهم لم يقبل قوله إنه (¬8) غصب عليه وقد عهد من الجماعة أن يتأخر أحدهم تعمدًا ليذهب به، وإن صحبه صاحبه في البحر ثمَّ نقص أو ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 108. (¬2) قوله؛ (الذي يسافر له في) في (ف): (ليسافر). (¬3) قوله: (لم يكن صاحبه معه. . . إليه في الغالب) ساقط من (ر). (¬4) في (ت) و (ف): (الحاجة). (¬5) في (ت): (المدينة). (¬6) في (ر): (ضرورة). (¬7) قوله: (ولا الهروب) في (ر): (والهروب)، وفي (ف): (ولا هروبا). (¬8) في (ف): (أن).

ذهب (¬1) بعضه- صُدِّق عند مالك. وفي كتاب كرية السفن أنه (¬2) غير مصدق. وقال: لأنه حازه وإنما يدخل التأخير (¬3) وقت إقلاعه. وهو أحسن؛ لأنَّ الطعام والزيت وما أشبه ذلك يوسق ويغيب عنه صاحبه إلى ليلة المبيت، ولا يدرى ما حدث فيه، وقد عُهِد (¬4) منهم الخيانة فيه. وكذلك لو لم يفارقه صاحبه من حين أوسقه (¬5)، فإنهم يخونون فيه بالليل وبعد (¬6) الوصول وقبل (¬7) التفريغ؛ لأنَّ صاحبه ينزل عنه (¬8). وأما الجنس الذي يضمن فقال مالك وابن القاسم: يضمن الطعام (¬9) جملة -ولم يفرقا- وقال ابن حبيب: يضمن ما يتقوّته الناس: القمح والشعير والسُّلْت والدقيق والعلس والذرة والدخن (¬10) دون الأرز لأنه يفكه (¬11)، ويضمن القطاني إلا الترمس (¬12). ومن الإدام أربعة: الزيت، والخل، والعسل، والسمن دون الرُبِّ (¬13) ¬

_ (¬1) قوله: (نقص أو ذهب) في (ت): (ذهب أو نقص). (¬2) قوله: (أنه) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (وإنما يدخل التأخير) في (ر): (ولا يدخل)، وفي (ت): (وإنما يدخل التاجر). (¬4) في (ت): (عوهدت)، وفي (ف): (عوهد). (¬5) في (ر) و (ت): (وسقه). (¬6) في (ر): (وقبل). (¬7) في (ر): (وبعد). (¬8) في (ت): (عليه). (¬9) زاد بعده في (ف): (كله). (¬10) في (ر): (والذخن). (¬11) في (ف): (يتمكنه). (¬12) انظر: المدونة: 3/ 488. (¬13) الرُّب دبْسُ كل ثَمَرَة وهو سُلافةُ خُثارَتِها بعد الاعتصار والطبْخِ. وانظر: لسان العرب: 1/ 403.

فصل [فى حكم ادعاء المكري ضياع المحمول بعد الوصول]

والمرَيِّ (¬1) والجبن واللبن والشِّيراز (¬2). ولا يضمن رطب الفواكه ولا يابسها إلا ثلاثة: التمر، والزبيب، والزيتون؛ لأنها (¬3) لاحقة بالأقوات. ولا يضمن اللحمان والحيتان، ولا الفلفل، ولا الخضر، ولا الإبزار، ولا البيض، ويضمن الملح؛ لأنه لا غنى عنه. والقول الأول أحسن، وقد علم من حامل الطعام الخيانة وسرعة اليد (¬4) على اختلاف أنواعه، ولا يقفون (¬5) عن هذه التي قال دون غيرها. فصل [فى حكم ادعاء المكري ضياع المحمول بعد الوصول] وإن ادَّعى ضياع ذلك بعد الوصول أغرمه في الموضع الذي وصل إليه، وحمل على أنَّه وصل به (¬6) ثمَّ غيبه. ويختلف إذا ادَّعى ضياعه في بعض الطريق وعلم كيله، هل يغرم (¬7) مثل تلك المكيلة الآن أو في الموضع الذي اكترى إليه؟ لأنه إن كلِّف غرمه الآن كان في ضمانه، ولم يصدق في تلفه، فلا فائدة في أن يغرمه الآن. ¬

_ (¬1) الذي وقفت عليه في كتب اللغة: المُرِّيُّ الذي يُؤْتَدَمُ به كأَنَّه منسوب إِلى المَرارَةِ والعامة تخففه. وانظر لسان العرب: 5/ 165، والصحاح: 2/ 814 , النهاية في غريب الأثر: 4/ 669. (¬2) الشِّيراز، بالكسر: الذي يُؤكَل، وهو اللّبَن الرّائبُ المَسْتَخرَجُ ماؤُه انظر تاج العروس: 15/ 177. (¬3) في (ت) و (ف): (فإنها). (¬4) زاد بعده في (ت): (إليه). (¬5) في (ر) و (ف): (يعفوا). (¬6) في (ر): (إليه). (¬7) في (ر): (يخسر).

وقال ابن حبيب: لا يضمنه إلا بالموضع الذي اكترى إليه، وسواء كان تلفه بذلك الموضع مجهولًا أو معلومًا بسبب (¬1) عثار دوابه، أو (¬2) ضعف حباله، أو كان هو مستهلكه (¬3). وقال الشيخ (¬4): وأرى إذا كانت المنازعة فيه في الموضع الذي هلك فيه أو أهلكه- أن يغرم المثل الآن؛ لأنه (¬5) يقول: هناك (¬6) أهلكته وهنا أغرمه. والأصل أن الغُرم في موضع الذي يهلك (¬7) فيه الشيء، فقد يكون ها هنا أرخص ولا يضمن (¬8) إذا وجد (¬9) بينة على ضياعه. وإن لم يحاكم فيه، حتى (¬10) وصل و (¬11) لم يكن صاحبه معه، فلما وصل حاكمه وعلم أنَّه أهلكه ببعض الطريق أو ادَّعى ضياعه، حسن أن يغرمه في الموضع الذي اكترى إليه، بخلاف لو كان المتعدي غير المكري (¬12)؛ لأنَّ هذا دخل على أن يوصله فألزم ذلك، ولأن في الصبر حتى يعود إلى الموضع الذي تعدى فيه (¬13) ضررًا، والظالم أحق ¬

_ (¬1) في (ر): (لسبب). (¬2) في (ف): (و). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 106 (¬4) قوله: (وقال الشيخ) زيادة من (ت). (¬5) قوله: (لأنه) ساقط من (ر). (¬6) في (ر) و (ف): (هنا). (¬7) قوله: (الذي يهلك) في (ف): (يتلف). (¬8) في (ف): (يضيع) و (ت): يصنع. (¬9) في (ت) و (ف): (أجرى). (¬10) في (ف): (حين). (¬11) في (ت) و (ف): (أو). (¬12) في (ف): (المكتري). (¬13) قوله: (الذي تعدى فيه) زيادة من (ت).

فصل [فى ذهاب الأحمال بسرقة أو غصب]

من أن يحمل عليه، وهذا إذا أتى من عثار الدابة وكان الكراء مضمونًا وهو في مستعتب يقدر على خلف دابة أخرى. فأما إن كانت معينة لم يلزم أن يغرم المثل في الموضع الذي أكري إليه؛ لأنه إذا تبين أنها عثور كان الحكم الفسخ، ولم يلزم المكري (¬1) أن يحمله على غيرها ولا عليها، فقد تهلكه مرة أخرى. وكذلك إذا عثرت (¬2) به ولم يكن ذلك شأنها , فليس على المكري خلف مثل ذلك الطعام؛ لأنه عيب يتقى (¬3) مثله (¬4) إن أعيد عليها. وكذلك إن كان الكراء (¬5) مضمونًا فهلك في غير (¬6) مستعتب من سبب الدابة وهي عثور- لم يلزم صاحب الدابة أن يخلف أخرى وليس عليه إلا مثل الطعام. فصل [فى ذهاب الأحمال بسرقة أو غصب] فإذا ذهبت الأحمال بسرقة أو غصب كان على المكتري خلفها ولم يتعيّن. وقد تقدم ذكر الاختلاف في ذلك. واختلف إذا هلكت (¬7) من قبل الدابة فقال ابن القاسم: ليس عليه ¬

_ (¬1) في (ت): (الكراء). (¬2) في (ت): (اعترف). (¬3) في (ر): (يبقى). (¬4) زاد بعده في (ر): (إلى). (¬5) قوله: (الكراء) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (غير) ساقط من (ت). (¬7) في (ر): (هلك).

خلفها (¬1). قال ابن حبيب: وكذلك إن دعا (¬2) إلى ذلك صاحب المتاع وأبى المكتري (¬3) لم يلزمه حمله. وقال غيره: على صاحب الحمل أن يخلفه وليس مثل السفن فلا ضمان (¬4) على أصحاب الدواب فيما كان من سبب عثار، ولهم على أصحاب المتاع أن يحملوهم حتى يبلغوا الغاية (¬5). يريد: إذا كان الكراء مضمونًا فيأتي المكري بدابة غير عثور ويخلف الآخر الحِمْل. وإن كانت الدابة معينة لم يكن على صاحب المتاع أن يخلفه على عثور. واختلف بعد القول أن لا خلف، هل يغرم كراء الماضي؟ فقال مالك: لا كراء له قال (¬6) والذي يحمل من السوق على عنقه (¬7)، أو دابته فينكسر ما عليه أو يحمله إلى بلد (¬8) فيعثر البعير أو الدابة، سبيله سبيل السفن لا كراء له؛ لأنه حمل على البلاغ (¬9). وقال ابن نافع في السفن: له بحساب ما بلغت (¬10). فأجاز مالك البلاغ في البرِّ عن نفسه أو على (¬11) دابته (¬12) في المدينة أو في (¬13) السفر، وهي جعالة ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 496 (¬2) في (ر): (إذا ادعا). (¬3) في (ت): (الكري). (¬4) في (ف): (يضمن). (¬5) انظر النوادر والزيادات: 7/ 106، 107. (¬6) قوله: (قال) ساقطة (ت). (¬7) في (ت): (عناقه). (¬8) في (ر): (إلى موضع إلى بلد)، وفي (ف): (موضع). (¬9) انظر المدونة (دار صادر): 1/ 130. (¬10) انظر النوادر والزيادات: 7/ 111. (¬11) في (ر): (محل). (¬12) في (ت): (دوابه). (¬13) في (ت) و (ر): (وفي).

فيها على الوجوب، وإن أتى من سبب الحمال أو كانت من عند المكتري، كان عليه أن يخلف (¬1) ما أفسد (¬2). ويختلف إذا كانت من عند المكري كالدابة يؤتى من سببها. وقال ابن القاسم فيمن استأجر على حمل صبي وهو عبد، وأسلمه إلى المكري فساق به فعثرت الدابة فسقط فمات: فلا شيء عليه إلا أن يعنف في السّوْق. وكذلك البيطار يطرح الدابة فتعطب (¬3)، فلا شيء عليه إذا فعل كما يفعل البياطرة. ويختلف إذا خرج عن ذلك قليلًا، هل يضمن؛ لأنه أخطا فيما أذن له فيه؟ وإن كان يرى أنَّه عمد أو عن تفريط ضمن (¬4). وكذلك الصبي إذا زاد في السّوْق قليلًا كان خطأ. ¬

_ (¬1) في (ف): (خلف). (¬2) في (ر): (فسد). وانظر المدونة (دار صادر): 1/ 138. (¬3) في (ف): (فتهلك). (¬4) في (ف): (يضمن).

باب فى تضمين المكتري والراعي وغيرهما

باب فى (¬1) تضمين المكتري والراعي وغيرهما (¬2) قال ابن القاسم في من اكترى دابة فضربها ففقأ عينها بضربة (¬3)، أو كبحها فكسر لحييها: فهو متعدٍّ إلا أن يضرب، كما يضرب الناس. قال: وقال مالك في الرائض يروض (¬4) الدابة فيفقأ عينها (¬5) أو يكسر رجلها: فهو ضامن. وقال في الراعي يضرب الشاة برمية أو يفقأ عينها: هو ضامن. قال: وكذلك كل شيء لا يجوز له أن يفعله هو ضامن (¬6). يريد بقوله: لا يجوز له أن يفعله (¬7): هو أن يرمي الشاة نفسها بعَصًا (¬8). ويختلف إذا رمى قدامها أو جانبها لترجع إلى موضع فوقعت عليها (¬9)؛ لأنه خطأ فيما أذن له (¬10) فيه (¬11)، ولو كانت هي التي نفرت (¬12) إلى ناحية الرمية، فوقعت عليها لم يضمن. ¬

_ (¬1) قوله: (في) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (وغيرهما) ساقط من (ت). (¬3) قوله: (ففقأ عينها بضربة) في (ر): (فأعنتها ضربه)، وفي (ف): (فأعمتها ضربته). (¬4) في (ت): (يريض). (¬5) في (ر): (عينيها). (¬6) انظر المدونة: 3/ 504. (¬7) قوله: (هو ضامن يريد بقوله: لا يجوز له أن يفعله) ساقط من (ر). (¬8) قوله: (نفسها بعصا) في (ر): (بنفسها)، وفي (ت): (نفسها). (¬9) قوله: (لترجع إلى موضع فوقعت عليها) ساقط من (ف). (¬10) قوله: (له) ساقطة من ت (ت): (فيه). (¬11) قوله: (فيه) ساقط من (ر). (¬12) في (ف): (تفوت)، وفي (ر) (تقربت).

وقال ابن حبيب: إذا رمى كما يرمي الراعي فأصابها خطأ ولم تكن الشاة هي التي حادت إليها ضمن (¬1). قال: وقد أجاز الله عز وجل للرجال ضرب (¬2) النساء عند النشوز، ولو أصاب إحداهن شجة، أو فقأ عين أو كسر يد ضمن وإن كان خطأ (¬3). وليس السؤالان سواء؛ لأنَّ الزوج يفعل ذلك لحق نفسه وهي مجبورة على ذلك، والراعي وكيل لصاحب الغنم ففعل ذلك لحق صاحبها وما يراه حسن، نظر، وكما لو كان ربها هو المتولي لفعل (¬4) ذلك فلا ضمان عليه. ¬

_ (¬1) في (ف): (لم يضمن). (¬2) قوله: (للرجال ضرب) في (ر): (للرجل). (¬3) انظر النوادر والزيادات: 3/ 54. (¬4) قوله: (ذلك لحق صاحبها وما يراه حسن. . . لفعل) ساقط من (ف).

باب فى الجمال أو المكتري يهرب

باب فى الجمال أو المكتري يهرب ومن (¬1) أكرى (¬2) إبلًا بعينها ثم تركها وغاب (¬3)، كان للمكتري أن يستعملها فيما اكتراها له (¬4) في حضر أو سفر من غير حاكم. وأما النفقة عليها, فإنه يرجع (¬5) إلى الحاكم ليحكم بالواجب في ذلك من مال المكري إن خلَّف مالًا، وإن كانت تحتاج (¬6) إلى سائق ومن يحفظها استؤجر لها. فإن لم يخلف مالًا كان المكتري بالخيار بين: أن ينفق ويرجع على ذمة المكري لأنه موسر بالإبل، أو يباع لذلك أحدها ويسقط كراؤها. وإن كان الكراء على راحلة واحدة كان بالخيار بين: أن يسلفه وتباع له إذا بلغ، أو يفسخ عنه الكراء. فإن غاب بالإبل كان مقال المكتري في الفسخ لا في الخلف لأنها معينة. والفسخ على ثلاثة أوجه: فقسم ينفسخ من غير حكم (¬7)، وقسم (¬8) يفتقر إلى حكم، وقسم (¬9) يختلف فيه. فإن كان الكراء شهرًا بعينه انفسخ بمضيه من غير حاكم، وإن كانت (¬10) ¬

_ (¬1) في (ر) و (ف): (قال: ومن). (¬2) في (ف): (اكترى). (¬3) في (ف): (وغاب عنها). (¬4) قوله: (له) ساقط من (ر). (¬5) في (ت): (يرفع). (¬6) قوله: (كانت تحتاج) في (ف): (كان يحتاج). (¬7) في (ت): (حاكم). (¬8) في (ر): (ووجه). (¬9) في (ر): (ووجه). (¬10) قوله: (كانت) ساقط من (ر).

مدة غير معيّنة، ولم يفت ما أكريت له- لم ينفسخ (¬1) إلا بحكم. وإن رفع إلى الحاكم نظر فيه: فإن كان لا ضرر على المكتري في الصبر لم يعجل بالفسخ، وإن كان في الصبر مضرة فسخ مثل أن يكون الكراء للحج أو إلى بلد بعينه (¬2)، إن فاته الخروج مع هذه الرفقة فاته (¬3) ما اكترى له أو غير ذلك من العذر كان فيها قولان: هل يفتقر الفسخ إلى حاكم (¬4)، أو ينفسخ عنه العقد بفوت ذلك؟ واختلف قول مالك إذا أتى بالإبل بعد فوت الحج أو فوت الرفقة فقال في المدونة ينفسخ عنه في الحج وحده (¬5). وقال في كتاب محمَّد: لا ينفسخ (¬6). وقال غيره: في غير الحج ينفسخ. والفسخ في كلا الموضعين أحسن؛ لأنه لا يختلف أنَّه لو رفع إلى حاكم لفسخ عنه لما عليه (¬7) من الضرر في الصبي (¬8)، وإن كان ذلك لم يسقط (¬9) حقه في ذلك بترك الرفع. ¬

_ (¬1) في (ف): (يفسخ). (¬2) قوله: (بعينه) ساقط من (ر) و (ف). (¬3) في (ر): (فإنه). (¬4) في (ت)، و (ف): (حكم). (¬5) انظر المدونة: 3/ 507. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 98. وقال الباجي في المنتقى: "وروى ابن المواز عن مالك رواية أخرى أنَّه إن نقد الكراء في الحج فأحب إلى أن يتأخر الكراء إلى عام قابل، ولا يؤمر بالرد" انظر المنتقى: 4/ 464. (¬7) في (ت): (يرى). (¬8) في (ف): (ذلك). (¬9) قوله: (لم يسقط) في (ر): (ليسقط).

فصل [فيما إذا كان الكراء مضمونا فغاب وخلف إبلا ولم يكن سلمها إليه]

فصل [فيما إذا كان الكراء مضمونًا فغاب وخلَّف إبلًا ولم يكن سلَّمها إليه] وإن كان الكراء مضمونًا (¬1) فغاب وخلَّف إبلًا ولم يكن سلمها إليه, لم يكن له أن يستعملها إلا بعد حكومة , وإن لم يخلِّف إبلًا (¬2) وخلَّف مالًا , أكرى له الحاكم منه، وإن لم يخلف مالًا وأحب المكتري أن يسلفه ويكري عليه، جاز إذا علم أن له مالًا وإن لم يحضر ماله. ويختلف إذا لم يكن له مال، فقال ابن القاسم: له أن يكتري (¬3) عليه ويرجع (¬4). ولم يراع هل له مال أم لا؟، وقال محمَّد: إنما يكتري (¬5) عليه إذا كان له مال معروف. والأول أحسن، وهذه ضرورة. ولا يمكَّنُ الاكرياء من اقتطاع أموال الناس ثمَّ يهربون بها ثمَّ يقول: لا أغرم فاقضِ (¬6) عني وقد كان مجبورًا لو لم يهرب على الكراء له، وأيضًا فإن محمله (¬7) على اليسر بما قبضه حتى يعلم غيره. وقد قيل في من اشترى سلعة ثمَّ فلس فوجدها البائع فرضي المشتري ¬

_ (¬1) في (ر): (مضمونًا عليه). (¬2) قوله: (إبلًا ولم يكن سلمها إليه،. . . إبلًا) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (أن يكتري) في (ت): (يكري). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 508. (¬5) قوله: (أن يكتري) في (ت): (يكري). (¬6) قوله: (لا أغرم فاقضِ) في (ت): (يقولون: لا أقضي ما غرم)، وفي (ر): (لا أغرم ما قضى). (¬7) قوله: (وأيضًا فإن محمله) في (ف): (وإنها محمولة).

فصل [فى غياب المكتري عما اكتراه]

بتسليمها للبائع فيريد الغرماء أخذها، و (¬1) دفع الثمن ليكون لهم الفضل: إن ذلك لهم، وإن كره المشتري، ومصيبتها منه (¬2). ففي هذا أحرى، فإن لم يرض المكتري أن يكري من عنده عاد النظر في الفسخ حسب ما تقدم في المعين، والمضمون، والحاج وغيرهم. فصل [فى غياب المكتري عما اكتراه] وأما إن غاب المكتري، فإن لرب (¬3) الإبل أن يرفع إلى الحاكم فيكريها في مثل ما أكريت له، ثمَّ لا يخلو أن يكون العقد على مدة معينة أو غير معينة، في الحضر أو في السفر. فإن كانت مدة معينة أكريت (¬4) في مثل ما اكتريت له، فإن لم يجد ففيما دونها، فإن لم يجد حتى ذهبت تلك المدة قضي للمكري بالكراء ولم يكن عليه شيء. وإن لم تكن مدة معينة أكريت أيضًا في مثل ما أكريت له، فإن لم يجد تربَّص رجاء أن يجد، فإن لم يجد تربَّص إلى المدة التي كانت تستعمل فيها لو وجد، فإن لم يكن خلي عنه وقضي (¬5) له بالكراء. وإن لم تنقض تلك المدة حتى أمكن كراؤها، نظر في ذلك: فإن كانت معقولة موقوفة لم يكن له إلا بقية تلك المدة، وإن لم يكن حيل بين صاحبها وبينها وكان ينتفع بها في التصرف أوفي غيره مما لو كانت في منافع المكتري لم ¬

_ (¬1) قوله: (أخذها و) ساقط من (ت) و (ر). (¬2) انظر النوادر والزيادات: 10/ 69 , 70. (¬3) قوله: (فإن لرب) في (ر): (فلرب). (¬4) قوله: (أكريت) ساقط من (ر). (¬5) في (ف): (قضى).

تكن (¬1) عليه- رأيت أن يستأنف (¬2) إجارتها كلها (¬3). وهذا استحسان لتغليب أحد الضررين. وإن كان الكراء ليسافر بها (¬4) أكريت ممن يسافر بها (¬5) في مثل ذلك، فإن لم يجد ففي دونه، فإن لم يجد وكان يرجى ذلك في بعض الطريق ألزم بالخروج بها، وأقام الحاكم من يكري (¬6) عليه وإن كان معلومًا أنَّه لا يرجى ذلك، أو كان سفرهم إلى موضع يعلم أنَّه لا يحتاج مثل ذلك فيه- لم يكن عليه خروج، ثمَّ ينظر، فإن لم يجد (¬7) من يكريها (¬8) في الحضر في مثل ذلك، أو يتردد بها في السفر في المواضع القريبة وهو مثل الأوّل في الأمن والسهولة- أكراها فيه (¬9)، وإلا خلى عنه يصنع بها ما أحب وقضى له بالأجرة (¬10). وإن كان المكري (¬11) من أهل مكة وأكراها إلى مكة أو من غيرها، والمكري من البلد الذي أكرى إليه، ومعلوم أن المكتري لو أراد إصرافها إلى غير ذلك البلد لم يمكّن منه (¬12) - فلا يلزم بالتخلف، ويقضى له بالكراء، ¬

_ (¬1) في (ف): (يكتر). (¬2) في (ت): (تستأنف). (¬3) قوله: (كلها) ساقط من (ر). (¬4) في (ر): (عليها). (¬5) قوله: (أكريت ممن يسافر بها) ساقط من (ر)، وفي (ف): (أكريت ممن يسافر عليها). (¬6) قوله: في (ت) و (ف): (يكتري). (¬7) قوله: (فإن لم يجد) في (ف): (فإذا وجد)، وفي (ت): (فإن وجد). (¬8) في (ف): (يكتريها). (¬9) في (ف): (منه). (¬10) في (ت): (بالإجارة). (¬11) في (ف): (المكتري). (¬12) قوله: (يمكن منه) في (ف): (تكرى إليه).

فصل [فيمن اكترى إبلا ليبعثها ثانية بشيء من بلد آخر]

ويوكل من يقوم بالكراء لعل ذلك يتفق (¬1) في المستقبل. فصل [فيمن اكترى إبلًا ليبعثها ثانية بشيء من بلد آخر] ومن اكترى إبلًا ليبعثها ثانية بشيء من بلد آخر (¬2) فمضى الجمّال بالإبل، فلم يجد ذلك الشيء لأنه بعث إلى صاحبه إن بيع أو تلف- أكريت في مثله، والمتولي لذلك وكيل الغائب أو السلطان أو الجماعة عند عدم السلطان. وقال ابن القاسم: فإن لم يكن سلطان طلب المكري وتلوم وأشهد، فإذا فعل ذلك، ولم يأت الوكيل، ولم يجد كراء ورجع- كان له الكراء كاملًا، ورأى (¬3) أن الإشهاد يجري وإن لم تنظر الجماعة في ذلك (¬4). وإن كان سلطان لا يقدر على الوصول إليه كان كالعدم. وإن كان قادرًا على الدخول إليه (¬5)، ورجع ولم يفعل وعلم (¬6) أن الكراء على مثل الأوّل معدوم بأمر لا شك (¬7) فيه- كان له كراؤه ولم يلزم الرجوع. واختلف إذا كان موجودًا، فروى ابن وهب عن مالك أنه قال: لا شيء له (¬8). وقال ابن القاسم: عليه أن يرجع ثانية. وهو أحسن؛ لأنه باع منافعه ¬

_ (¬1) في (ف): (ينفق). (¬2) قوله: (آخر) ساقط من (ر). (¬3) في (ف): (وأرى). (¬4) انظر المدونة: 3/ 509. (¬5) في (ت): (عليه). (¬6) قوله: (وعلم) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (لا شك) في (ر): (لا يشك). (¬8) في (ف): (عليه).

فصل [فيمن اكترى من جمال على حمل بعينه إلى بلد فأخطأ الجمال فحمل غيره]

فمنعه (¬1) من الوفاء بها. ومحمل قول مالك ألا شيء له في الماضي، ولم يكلم على الرجوع به. وقال ابن حبيب: إن أكرى لنفسه عند القدرة (¬2) على السلطان، كان المكتري بالخيار، بين أن يسلم ذلك له ويرجع ثانية، وبن أن يأخذ ما أكري به (¬3). وإن كان نقصان فعلى المكتري إن أجاز، وإن كان فضل كان للمكري، وسواء أكرى لنفسه أو للمكتري. وكل موضع يكري فيه على الغالب، فإن لم يكن انتقد وكان الكراء الأول بالنقد أكريت الآن بالنقد ليقضي الأول دينه وإن كان الأول مؤجلًا أكريت الآن إلى مثل ذلك الأجل؛ لأنه أثمن وفيه حسن نظر للغائب، وإن كان الأول انتقد, أكريت (¬4) الآن على ما يرى أنه حسن نظر للغائب بالنقد أو ليقبض عند آخر المنافع. فصل [فيمن اكترى من جمَّال على حمل بعينه إلى بلد فأخطأ الجمال فحمل غيره] ومن المجموعة قال ابن القاسم وأشهب في من (¬5) اكترى من جمَّال على حمل بعينه إلى بلد، فأخطأ الجمَّال (¬6) فحمل غيره حتى بلَّغَه (¬7) البلد -أن ¬

_ (¬1) قوله: (منافعه فمنعه) في (ف): (منافعها فمنع). (¬2) في (ر): (عدم القدرة). (¬3) انظر النوادر والزيادات: 7/ 98. (¬4) قوله: (أكريت) ساقط من (ف). (¬5) في (ت): (ومن). (¬6) في (ر): (الحمل)، وفي (ف): (الحمال). (¬7) في (ت): (بلغ به).

صاحبه مخير, فإن أحب ضمّنه قيمته بالبلد الذي حمل منه يأخذها حيث (¬1) هو، وإن أحب أخذ الحمل ويغرم الكراء (¬2). وقال أشهب: لا كراء له، وليس للجمَّال أن يقول: أنا أردُّه، ولا لصاحبه أن يلزمه بردِّه، وعلى الجمَّال أن يرجع فيحمل الأحمال التي اكترى عليها (¬3). وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب فيمن اكترى من جمَّال على حمل (¬4) خمسة أحمال بَزٍّ، وأراه إياها في بيت، وفي البيت أفرية، وخرج المكتري إلى ذلك البيت (¬5)، فغلط الجمّال (¬6) وأتى بالأفرية: فعلى الجمّال أن يردَّها؛ لأنه متعد في نقلها، وإن شاء صاحب الحمل (¬7) أن يحبسها ولا كراء عليه إلا أن تكون (¬8) بقيته وحاجته (¬9) أن ينقلها (¬10) إلى ذلك المكان عازمًا على ذلك- يكون عليه (¬11) الكراء إذا حبسها، وعلى الجمَّال أن يرجع يحمل الذي استكرى عليه (¬12). ¬

_ (¬1) زاد بعده في (ر): (وجده). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 121، 122. (¬3) انظر النوادر والزيادات: 7/ 121. (¬4) قوله: (جمال على حمل) في (ر): (حمال على). (¬5) في (ف): (البلد). (¬6) في (ر): (الحمال). (¬7) قوله: (صاحب الحمل) في (ر): (صاحبه). (¬8) قوله: (تكون) ساقط من (ف). (¬9) زاد بعده في (ر): (إلى). (¬10) قوله: (أن ينقلها) في (ف): (ت). (¬11) قوله: (عليه) ساقط من (ر). (¬12) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 122.

باب في الإقالة في الكراء

باب في الإقالة في الكراء قال الشيخ (¬1): الإقالة في الكراء إذا لم تكن من المكري أو الجمال زيادة جائزة بعد النقد، وتجوز قبل النقد على القول إن الإقالة حلُّ (¬2) بيع أو ابتداء بيع، وأن الذمم تبرأ، ومن لم يقل ببراءة الذمم يمنع ذلك في المضمون وهو عنده فسخ دَيْنٍ في دَيْنٍ، أخذ (¬3) الدَّيْن الذي في ذمته وهو الركوب عن الدَّيْن الذي يستحقه عنه (¬4)، وإن كان الركوب معينًا جاز؛ لأنَّ المكري يتصرف فيها الآن بالبيع وغيره ففارق أخذ الأجنبي منافع (¬5) من دَيْنٍ (¬6). فصل [فيما تجوز به الإقالة وما لا تجوز] وتجوز الإقالة إذا كانت من المكتري (¬7) زيادة قبل النقد أو بعده، وقبل أن ¬

_ (¬1) قوله: (قال الشيخ) زيادة من (ت). (¬2) قوله: (فى الكراء إذا لم. . . إن الإقالة حل) ساقط من (ت). (¬3) في (ر): (أخر). (¬4) في (ت): (عنده). (¬5) قوله: (عنه، وإن كان الركوب. . . الأجنبي منافع) ساقط من (ر). (¬6) إلى هنا تتفق نسخة (ف) مع النسختين الأخريين ثم اختلط الأمر على الناسخ فيما بعد ذلك وأدخل جزءا من نهاية كتاب إرخاء الستور أكمل به كتاب الرواحل فقال عقب الكلام السابق مباشرة (وكذلك لو حكم السلطان رجلًا أجنبيًا. . .) إلى أن وصل إلى قوله: (وإن أشكل الأمر لم يمض) ومن الغريب أنه أعقب هذا الكلام بقوله: (تم كتاب الرواحل والدواب من كتاب التبصرة لأبي الحسن اللخمي. . . إلخ)، وهذا يدلّ على أن مصدر نسخة (ف) و (ب) واحد. (¬7) في (ت) و (ف): (المكري).

يبين بالنقد، وسواء كانت الزيادة دنانير أو دراهم أو عروضا نقدًا (¬1)، ولا يجوز إلى أجل؛ لأنه فسخ دَيْنٍ في دَيْنٍ، وهذا إذا كان الركوب مضمونًا؛ لأنه فسخ ركوبًا في ذمته في دَيْنٍ إلى أجل. وإن كان (¬2) بان بالنقد , لم تجز الإقالة من أي صنف كانت الزيادة؛ لأنهما يتهمان أن يكونا عملا على ذلك فيدخله سلف بزيادة. واختلف إذا كانت الإقالة بعد أن سار من الطريق ما له قدر وبال، فأجاز ذلك مالك وابن القاسم ولم يحملاه (¬3) على التهمهَ؛ لأنَّ كثيرًا ما (¬4) يجري الاختلاف والمضايقة بين الجمّال والراكب فيفترقان لذلك. وقال غيرهما: لا يجوز, وذلك حماية (¬5). والأول أحسن، وبه قال محمَّد بن مسلمة في بياعات الآجال في من باع سلعة (¬6) بثمن إلى أجل، ثمَّ اشتراها بأقل منه (¬7) نقدًا، إذا فات مضى، فكيف بهذا؟ واختلف إذا كانت راحلة (¬8) بعينها، هل تمنع الزيادة كالمضمون؟ والجواز أبين؛ لأنَّ المعيّن في معنى بياعات النقود، وإن كانت الزيادة من الجمَّال وكان قصده أن يتحلل راحلته ليتصرف فيها بالبيع وغيره- جاز. ¬

_ (¬1) قوله: (نقدًا) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (كان) ساقط من (ت). (¬3) في (ف): (يحملا). (¬4) في (ف) و (ر): (مما). (¬5) انظر المدونة: 3/ 509. (¬6) قوله: (سلعة) ساقط من (ف). (¬7) قوله: (منه) ساقط من (ف). (¬8) قوله: (راحلة) ساقط من (ف).

فصل [فى حكم الزيادة من المكتري قبل النقد في الإقالة]

ويختلف إذا كان ليركبها كما (¬1) يركبها غيره وليكون بينهما التراجع إن هلكت قبل مضي مدة (¬2) الإجارة: فأصل ابن القاسم المنع؛ لأنَّ أخذه منافع من دَيْنٍ، ويجوز على قول أشهب. فصل [فى حكم الزيادة من المكتري قبل النقد في الإقالة] وإن كانت الزيادة من المكتري قبل النقد (¬3) والكراء معين أو مضمون- جاز أن تكون الزيادة دنانير، أو دراهم، أو عروضًا، وإن كان الأول دنانير جاز أن يزيده دراهم، إذا كانت دون صرف دينار أو صرف (¬4) دينارة على أحد قولي مالك بجواز الصرف والبيع، وكل ذلك نقدًا ولا يجوز شيء من ذلك إلى أجل، فإن زاده دينارًا نقدًا (¬5) كان كأنه أخذه من دينه واشترى الركوب بالتسعة الباقية، وإن زاده عرضًا كانت المبايعة عرضًا وركوبًا بدنانير، فإن زاده دراهم كان ركوبًا ودراهم بدنانير، وكل ذلك جائز، ولو لم يحل الأجل لم يجز، ويدخله إن (¬6) زاده دينارًا إلى أجل (¬7) بيع وسلف، اشترى منه الركوب بتسعة على إن آخره بدينار فالتأخير سلف، ويدخله إن زاده دراهم فسخ الدَّيْن في الدَّيْن، والصرف (¬8) المستأخر، وفي العروض فسخ الدَّيْن في الدَّيْن. وإن كانت الزيادة ¬

_ (¬1) قوله: (ليركبها كما) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (مدة) ساقط من (ت). (¬3) قوله: (قبل النقد) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (أو صرف) في (ت): (وصرف). (¬5) قوله: (دينارًا نقدًا) في (ف): (دينار). (¬6) قوله: (ولو لم يحل الأجل لم يجز ويدخله إن) في (ت): (ولم يجز الأجل وإن). (¬7) قوله: (إلى أجل) ساقط من (ت). (¬8) في (ف): (وفي الصرف).

بعد أن نقد (¬1) العشرة فأقاله على أن يرده تسعة وأن يحبس دينارًا. وإن كانت الإقالة على أن يرد المكري العشرة ويزيده المكتري عرضًا نقدًا أو إلى أجل- جاز، فيكون المكري قد اشترى دَيْنًا في ذمته، ودَيْنًا يكون له في ذمة المكتري بعشرة، وذلك جائز. تم كتاب الرَّواحل والدَّواب, والحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله على سيدنا محمَّد خاتم المرسلين (¬2) ¬

_ (¬1) في (ت): (نقده). (¬2) قوله: (تم كتاب الرواحل. . . خاتم المرسلين) ساقط من (ت).

كتاب القراض

كتاب القراض النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ت) = نسخة تازة رقم (234 & 243) 3 - (ر) = نسخة الحمزاوية رقم (110)

باب القراض بالعين ونقر الذهب والحلي والفضة والفلوس

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصل الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليمًا كتاب القراض باب (¬1) القراض بالعين ونقر الذهب والحلي والفضة والفلوس القراض بالدنانير والدراهم جائز، قال الليث: وقد عمل به في الجاهلية والإِسلام (¬2). واختلف في جوازه بنقر الذهب والفضة، وبالحلي والفلوس، فأمَّا النقر فيجوز القراض بها في البلد الذي يتبايعون بها فيه ولا خلاف في ذلك. قال مالك في "كتاب محمَّد": وقد عمل الناس بالقراض قبل أن تضرب (¬3) الدنانير والدراهم، ويرد العامل إذا نض المال مثل ما أخذ. واختلف في القراض بها في البلد الذي لا يتصرف بها فيه على ثلاثة أقوال: بالجواز، والكراهية، والمنع، فروى ابن وهب عن مالك أنه أجاز ذلك وبه آخذ، وروى عنه ابن القاسم أنه قال: لا يجوز، وهو قول الليث، ولابن القاسم ¬

_ (¬1) في (ت): (حبس في). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 630، ولفظها: (وكان الليث يقول: لا يجوز القراض بها وكان يكرهه كراهية شديدة ويقول: لا يجوز القراض إلا بالدنانير والدراهم، فسألت مالكا عن ذلك، فقال لي مالك: لا يجوز القراض بنقر الذهب والفضة). (¬3) قوله: (قبل أن تضرب) يقابله في (ر): (ضرب).

في "المستخرجة" الكراهية، فإن نزل مضى، وقال أصبغ في "كتاب محمَّد": إن وقع لم أفسخه عمل به أو لم يعمل (¬1). واختلف فيما يكون رأس المال، فقال ابن القاسم: إن ضربها فنقصت فإنَّه يرد مثل ما أخذ في وزنه وطيبه، وقاله ابن حبيب إذا عرف وزنها قال: وإن لم يعرف وزنها كان رأس المال العدد الذي خرج فيها أو الثمن الذي بيعت به، إلا أن يكون قال له: بعها أو استضربها فرأس ماله ما باعها به أو ما خرج في الصرف عرفا الوزن أو لم يعرفاه، وللعامل أجرته في الصرف أو الضرب إن كان لذلك مؤنة ثمَّ هو فيما حصل (¬2) على قراض مثله (¬3). واختلف قول مالك في القراض بالحلي، فكرهه في "كتاب محمَّد" وقال: ليس هذا بقراض الناس بل يبيع ذلك الحلي (¬4) ويعطيه دنانير أو دراهم، قيل له: ذلك أحب إليك؟ قال: بل هو الشأن (¬5)، فمن أين يأتي هذا بمثل هذا (¬6) الخلخال حتى يرد مثله؛ (¬7) وذكر ابن الجلاب عنه القولين: الجواز، والمنع (¬8). والقراض بالمصوغ على ثلاثة أوجه: جائز إذا كانوا يتبايعون به مثل ما ¬

_ (¬1) قوله: (أو لم يعمل) يقابله في (ت): (أم (لا)، وانظر: النوادر والزيادات: 7/ 243. (¬2) في (ت): (فضل). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 243. (¬4) قوله: (الحلي) زيادة من (ت). (¬5) قوله: (بل هو الشأن) يقابله في (ت): (ذلك الشأن). (¬6) قوله: (هذا) ساقط من (ر). (¬7) انظر: البيان والتحصيل: 12/ 350. (¬8) انظر: التفريع لابن الجلاب: 2/ 157.

بالمغرب بأرض المصامدة- ومكروه إذا كانوا لا يتبايعون به (¬1) وكان لا يتعذر عندهم المثل- وممنوع إذا كان المثل يتعذر كما قال مالك: فمن أين يأتي هذا (¬2) بمثل الخلخال؟ واختلف في القراض بالفلوس: بالجواز، والكراهية، والمنع. وأجرى القراض بها على حكمها في الصرف، وأجاز ذلك أشهب وقال: لأنه لا يجوز شراؤها بالدنانير والدراهم نظرة. ومنعه ابن القاسم قال: لأنَّ مالكًا كان يجيز شراءها بالدنانير والدراهم نظرة، ولأنها تحول إلى الكساد والفساد (¬3). وقيل له في "كتاب محمَّد": فإن وقع ذلك؟ فسكت. قال أصبغ: هي عندي كالنقرة (¬4) وتجري مجرى العين (¬5). قال الشيخ - رضي الله عنه -: ولا وجه لاعتبار الجواز في القراض بها باعتبارها في الصرف والمعتبر فيها وجهان: التصرف بها، وتغير صرفها، فإن كان قوم يتبايعون بها ولا يتغير سوقها (¬6) في الغالب كان القراض بها جائزًا مع القول أنها في الصرف كالعروض، وإن كان الغالب أن سوقها لا يثبت وينتقل إلى الرخص والغلاء بالأمر البين لم يجز القراض بها مع القول أنها في الصرف (¬7) كالعين؛ لأنه متى تغير صرفها بغلاء كان العامل قد خسر عمله أو بعضه، وإن ¬

_ (¬1) قوله: (مثل ما. . . يتبايعون به) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (هذا) ساقط من (ر). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 12/ 341. (¬4) في (ر): (كالنقود). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 244. (¬6) في (ت): (سعرها). (¬7) قوله: (كالعروض وإن كان الغالب. . . مع القول أنها في الصرف) ساقط من (ر).

فصل [فيما إذا دفع إليه دنانير ليبيعها بدراهم ثم يشتري بالدراهم]

تغير برخص كان ذلك الذي يأخذ من رأس المال من غير عمل فعلة القراض غير علة الصرف. فصل [فيما إذا دفع إليه دنانير ليبيعها بدراهم ثم يشتري بالدراهم] وإن دفع إليه دنانير ليبيعها بدراهم ثمَّ يشتري بالدراهم ويكون رأس مال القراض الدنانير؛ لأن بيعها بالدراهم والشراء بها من حسن النظر جاز، وإن كان ليكون رأس المال (¬1) الدراهم لم يجز عند ابن القاسم، وأجازه أشهب. يريد: إذا كان أجرة البيع بها الشيء اليسير، فإن كان له قدر لم يجز إلا أن يكون المقارض لا يتولى بيعها، وإنما يجلس (¬2) عند من يتولى بيعها (¬3) فيجوز. ¬

_ (¬1) قوله: (الدنانير؛ لأن بيعها. . . كان ليكون رأس المال) ساقط من (ف)، وفي (ت) مطموس. (¬2) في (ر): (يحبس). (¬3) قوله: (يتولى بيعها) يقابله في (ر): (تولى له ذلك).

باب فيمن قارض رجلا بدين له عليه أو على غيره أو وديعة

باب فيمن قارض رجلًا بدين له عليه (¬1) أو على غيره أو وديعة القراض بالدين جائزٌ إذا كان على حاضر موسر غير ملد (¬2) وليس إلا اجتماع العامل بمن عليه ذلك الدين فيقبضه, ولا فرق إذا كان الغريم على هذه الصفة بين أن يقبض المال من ربِّ القراض، أو (¬3) من غريمه, فإن كان على غائب يخرج لطلبه أو حاضر ملد لم يجز ذلك، فإن نزل كان أجيرًا في تقاضيه وعلى قراض مثله فيما بعد. وإن كان الدين على العامل بالقراض لم يجز ابتداء خيفة أن يكونا أظهرا ذلك وأبطنا أن يأتيه بربح من ذمته فيكون فسخ دين في دين، فإن نزل ذلك وأحضر العامل المال (¬4) وأشهد على وزنه وزال عن ضمانه وقبض منه ثمَّ عمل فيه، كان الربح بينهما على ما دخلا عليه والخسارة من رب المال. واختلف إذا عمل قبل أن يشهد على براءة ذمته فأتى بربحٍ أو كانت فيه خسارة، فقال في كتاب محمَّد: الربح للعامل والخسارة عليه. وقال أشهب: الربح بينهما. فعلى هذا تكون الخسارة من صاحب المال. قال ابن القاسم في العتبية فيمن كان له على رجل دين فأمره أن يشتري له به سلعة، فقال: اشتريتها فضاعت، فالقول قوله (¬5). ¬

_ (¬1) قوله: (له عليه) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (غير ملد) يقابله في (ر): (عند مالك). (¬3) (في (ت): (ولا). (¬4) قوله: (المال) ساقط من (ر). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 220، والبيان والتحصيل: 8/ 181

وهذا أحسن؛ لأنه مؤتمن على الشراء ومصدق فيه، ويصح امتثال الأمانة وهو الشراء قبل إخراج ما في الذمة، وإذا صدق في الشراء كان عليه أن يزن الثمن ولم يحمل عليه أن حبس الأثمان على البائعين، وإذا كان ذلك كان القول قوله فيما حدث بعد ذلك من خسارة أو ضياع، وأما الربح إذا كان ربُّ الدين والعامل أو أحدهما من أهل الدين والفضل كان بينهما على ما شرطاه، وإن لم يكونا على ذلك لم يعط رب المال الربح لإمكان أن يكونا عملا على فسخ دين في دين، ولم يترك للعامل لأنه مقر ألا شيء له فيه، ويتصدق به على الفقراء والمساكين، وإن شهدت البينة على إخراجه من الذمة كان فيما بعد ذلك على سنة القراض في الربح والخسارة، إلا أن يتبين أنه لم يعمله مثل أن يقول: كنت أتجر بالمال في القيسارية الفلانية أوفي موضع (¬1) كذا وشهد من يعرفه بخلاف ذلك فلا يصدق في الخسارة ولا يمكن الآخر (¬2) من ذلك. وإن قال له: اعمل بالوديعة التي عندك قراضًا، وكان المودع ممن لا يتصرف (¬3) في الوديعة جاز ذلك ابتداء. وكذلك إذا كانت الوديعة مما لا يتصرف فيها في الغالب كالعروض مما لا تسرع إليه اليد (¬4) جاز إذا قال له: كلّف من يبيعها ويكون الثمن في يديك قراضًا. وإن كانت الوديعة عينًا والمودع ممن يشبه أن يكون يتسلفها لم يمكن من العمل إلا بعد إحضارها، فإن عمل فيها قبل ذلك ثمَّ ادعى خسارة أو ضياعًا، ¬

_ (¬1) في (ت): (نوع). (¬2) في (ر): (الآخذ). (¬3) قوله: (لا) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (اليد) ساقط من (ر).

كان القول قوله؛ لأنه لا يختلف لو لم يدفع له قراضًا أن القول قوله أنه لم يدخل يده فيها وأنها ضاعت قبل ذلك، وإن ربح كان بينهما بخلاف الدين إلا أن يكون هناك دليل تهمة أو يكون رب المال علم بسلفها وهو ممن يتهم أن يعامله على مثل ذلك فلا يمكن من الربح ويتصدق به. وإن كانت العادة من (¬1) مثله التصرف (¬2) في الوديعة كالصيارفة اليوم، وسماسرة الطعام وما أشبههم أنهم كانوا (¬3) يخلطون ما يقتضون (¬4) من الأموال، ويدفعون متاع أحدهما للآخر فيكون حكمه حكم الدين، ولو ادعى أحدهم الضياع قبل ذلك والرد لم يقبل كالدين. ¬

_ (¬1) في (ت): (في). (¬2) في (ت): (الصرف). (¬3) قوله: (كانوا) ساقط من (ر). (¬4) في (ت): (يقبضون).

باب القراض بالمكيل والموزون والمعروض

باب القراض بالمكيل والموزون والمعروض قال الشيخ -رحمه الله- (¬1): والقراض بما سوى الأثمان التي يتبايع الناس بها من مكيل أو موزون أو عروض أو عبيد غير جائز؛ لأنه لا يخلو من ثلاثة أوجه: أن يكون رأس المال المدفوع الآن ليرد (¬2) مثله -أو قيمته يوم أخذه- أو الثمن الذي باع به. فإن كان ليرد مثله كان غررًا، فإن زاد سوقه وكانت قيمته يوم أخذه مائة ويوم يرده مائتين وكان ربحه مائة كان قد جبر بربحه وذهب عمله باطلًا، وإن حط سوقه فكانت قيمته الآن خمسين كان قد ربح فيما لم يعمل. وإن جعلا رأس المال قيمته ذلك اليوم، دخله الفساد من هذين الوجهين فقد يزيد سوقه قبل البيع أو يرخص. وإن جعلا رأس المال الثمن الذي بيع به كان ذلك زيادة للعامل وهو ثمن (¬3) أجرة البيع إلا أن تكون الأجرة لا خطب لها أو يعلم أنه كان يتكلف له (¬4) ذلك لو لم يعطه إياه قراضًا أو يقول: كلف من يبيع ويأتيك بالثمن فيكون قراضًا جائزًا. فإن دخلا (¬5) على أن يرد مثل رأس المال وقيمته، ثمَّ باع بعين، ثمَّ عمل بالثمن فربح أو خسر كان له أجر مثله في بيع الأول. واختلف فيما يكون له فيما عمل بعد ذلك على ثلاثة أقوال: فقيل: له أجر مثله. وقيل: قراض مثله. وقيل: إن جعلا رأس المال المأخوذ أولًا ليرد مثله أو ¬

_ (¬1) قوله: (قال الشيخ -رحمه الله-) ساقط من (ر). (¬2) في (ر): (ليؤدى). (¬3) قوله: (ثمن) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (له) ساقط من (ت). (¬5) قوله: (لو لم يعطه إياه قراضًا. . . فإن دخلا) ساقط من (ر).

قيمته كان أجيرًا لأنه غرر، وإن جعلا رأس المال الثمن الذي يباع به كان على قراض مثله (¬1) لأنها زيادة لم تصحب العمل في المستقبل. قال الشيخ - رضي الله عنه -: والذي أرى في هذه الأسئلة الثلاثة: أن يكون له في الأول جعل مثله وفيما تجر بعد ذلك قراض مثله؛ لأنَّ كل ما دخلا فيه على وجه القراض، وإنما دخلا على وجه الجعالة، فإذا كانت فاسدة ردت إلى الجعالة الصحيحة، وإنما يرد فاسد كل شيء إلى صحيحه, فالمأخوذ أولًا وهو الطعام أو العروض لا يصح فيه قراض صحيح، ويصح فيه البيع على الجعل، وإذا صار عينًا رد فيه إلى قراض المثل كالجعالة، فإن خسر لم يكن له أجر؛ لأن في ذلك مظلمة على صاحب المال؛ لأنه لم يستأجره فيعطى أجره من الذمة (¬2)، وإنما دخلا على أن العوض معلق بالربح. وإن باع العرض الأول بعرض ثمَّ باع الثاني بعين كان أجيرًا في العرضين، ثمَّ يكون على قراض المثل من الوقت الذي صار عينًا، وهذا هو أصل قول ابن القاسم. وإن قال له في الأول: بعه بعين، فتعدى وباعه بعرض كان صاحبه بالخيار بين أن يجيز فعله ويكون الجواب كالأول أو يضمنه قيمة الأول ويكون ربح الثاني وخسارته للعامل، وفيما تجر فيه بعد بيع الثاني على قراض المثل إلا أن يكون الثمن الذي بيع به الثاني أكثر من قيمة الأول فيكون ربح الزائد وخسارته للعامل وعليه. وقال ابن حبيب: إذا لم يأمره في الأول أن يبيعه بعين فباعه بعرض كان رأس المال من القراض قيمة الأول وله أجر مثله في بيع الأول، وإن قال له: بعه بالعين (¬3)، كان رأس المال الأكثر من قيمة الأول أو ثمن الثاني ويعطى ¬

_ (¬1) قوله: (مثله) ساقط من (ر). (¬2) في (ر): (العروض). (¬3) قوله: (كان رأس. . . بالعين) ساقط من (ر).

أجرته في بيع الأول ولا أجرة له في بيع الثاني لأنه متعد. قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما قوله في السؤال الأول: إن له الأجرة فيه بعد تسليمه أن رأس المال قيمته، فلا وجه له؛ لأنَّ القيمة قبل البيع، والبيع داخل في القراض، وكذلك قوله في السؤال الثاني: إن كانت قيمة الأول أكثر ولم يجز فعله أن له أن يغرمه قيمته ولا أجر له فيه؛ لأنه أخذه بالتعدي وإن كان الثمن أكثر، وأجاز فعله إن كان الثاني من القراض وكان رأس المال قيمة الأول ولا أجر له فيه؛ لأنَّ البيع داخل في القراض، وهذا الجواب (¬1) على أصله أنه يصح أن يكون في العرض على قراض المثل قبل أن يصير عينًا، وقول ابن القاسم أحسن؛ لأنَّ العروض لا يصح فيها قراض صحيح بحال فوجب أن يكون له جعل المثل حتى يصير عينًا. ¬

_ (¬1) في (ر): (الصواب).

باب فى المقارض يشترط عليه أن يشتري جلودا ليعملها خفافا

باب فى المقارض يشترط عليه أن يشتري (¬1) جلودًا ليعملها خفافًا (¬2) اختلف في ذلك إذا نزل وعمل به (¬3) على أربعة أقوال: فقال مالك: الربح والوضيعة لرب المال وعليه للعامل أجر مثله (¬4). وقال أشهب: له أجر مثله (¬5) فيما عمل وهو فيما سوى ذلك على قراض مثله. وقال مالك وابن نافع في مثل هذا: له فيما سوى عمل يده الأقل من المسمى أو قراض المثل. وقال ابن وهب في "كتاب محمَّد": هما على قراضهما (¬6). ولا يرد إلى أجرة عمل يده، وأرى (¬7) أن صنعته بمنزلة تجره وبيعه وشرائه وسفره (¬8)، ولمحمد نحو ذلك، قال في مقارض بار عليه المتاع فقطعه وخاطه وأخذ أجرة عمله، قال: يرد ذلك ولا أجرة في عمله، قال: ولو كنت أجعل له في ذلك شيئًا لجعلته له في سفره وبطشه. وفي مختصر الوقار فيمن أعطى صائغًا مالًا قراضًا على أن يعمله حليا (¬9) ¬

_ (¬1) قوله: (أن يشتري) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (خفافًا) ساقط من (ت). (¬3) قوله: (إذا نزل وعمل به) ساقط من (ر). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 631. (¬5) قوله: (له أجر مثله) ساقط من (ر). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 252. (¬7) في (ت): (ورأى). (¬8) قوله: (وسفره) ساقط من (ر). (¬9) قوله: (حليًا) ساقط من (ر).

ويبيعه والفضل بينهما: فذلك جائز إذا أخذ الصائغ أجرة صياغته (¬1) ويقتسمان الربح بعد ذلك (¬2). وقول ابن وهب ومحمد أن الصنعة تلغى بمنزلة تجره وسفره ليس بحسن؛ لأنَّ ذلك ليس بسلعة ولا له عين قائمة فيباع، والنسج والصبغ والخياطة عين قائمة كالسلعة الموجودة، وأرى الإجارة على رب المال في تلك الصنعة؛ لأنه لم يشترها منه فيعمر ذمته بالعوض عنها, وإنما قال له: مالي وعملك فما رزق الله من فضل فبيننا، ولا من ابتاع سلعة على أنه يبيعها كان بيعًا فسادًا وما بيعت به لبائعها فكذلك هذين. وأرى أن يكون شريكًا بقدر صنعته ويفض ذلك بعد البيع فما قابل الصناعة كان له وما قابل المصنوع كان على القراض وللعامل فيه الأقل من المسمى أو قراض المثل، فإن اشترى العامل بعد ذلك كان شركة بينهما على قدر ما كانت الشركة في الثمن الذي بيع به (¬3). ¬

_ (¬1) في (ر): (صناعته). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 631. (¬3) قوله: (به) ساقط من (ر).

باب فى القراض على جزء غير معلوم, وهل يجوز أن يجتمع في القراض جزء غيره وإذا أخذه على جزء ثم انتقل إلى غيره القراض؟

باب فى القراض على جزء غير معلوم, وهل يجوز أن يجتمع في القراض جزء غيره وإذا أخذه على جزء (¬1) ثمَّ انتقل إلى غيره القراض (¬2)؟ القراض يجوز على جزء معلوم، نصف أو ثلث أو ربع أو أقل من ذلك أو أكثر. وإن قال: خذه قراضًا، ولم يزد على ذلك، أو على أن لك جزءًا من الربح ولم يسمياه كان فاسدًا. واختلف إذا قال: على أن لك شريكًا فيه، فقال ابن القاسم: القراض فاسد. وقال غيره: جائز وله النصف (¬3). والأول أحسن؛ لأنَّ الشرك يطلق (¬4) على من له النصف أو أقل أو أكثر (¬5). ولو كان قراضًا بأيدي ثلاثة (¬6) رجال: أحدهم على النصف، والآخر على الربع، والآخر على الخمس لقيل في كل واحد بانفراده: له في الربح شرك إلا أن تكون لقوم عادة أنهم يريدون بذلك النصف. وإن قال: لك من (¬7) الربح ¬

_ (¬1) قوله: (أخذه على جزء) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (القراض) زيادة من (ت). (¬3) انظر: الإشراف على نكت مسائل الخلاف: 2/ 642. والمسألة التي وقفت عليها فيها: (إذا قال قارضتك على أن لك شركًا في الربح أو شركة, جاز وكان عليه قراض المثل، وقيل له النصف، وفرق محمَّد بن الحسن بين أن يقول: لك شرك أو شركة، فأجازه في قول شركة، وقال يكون له النصف، ومنعه في قوله شركًا وقال يكون القراض فاسدًا). (¬4) في (ر): (الشرط مطلق). (¬5) قوله: (من له النصف أو أقل أو أكثر (5)) يقايله في (ت): من له نصف وأكثر. (¬6) قوله: (ثلاثة) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (لك من) يقابله في (ر): (فى).

دينار، لم يجز فقد يكون الربح دينارًا ولا يكون له غيره، وإن قال: لك دينار من جميع المال إن سلم وعاد إليه وإلا فلا شيء لك كان خفيفًا بمنزلة من باع ثوبًا على وجه الجعالة بشيء معلوم، فإن ضاع الثوب قبل البيع أو الثمن قبل وصوله إلى يد صاحبه لم يكن له شيء، وإن قال: لك دينار من عشرة من الربح جاز؛ لأن ذلك يرجع إلى الجزء, وإنما له عشر الربح. وإن قال: والباقي بيننا (¬1) نصفين جاز أيضًا، فيكون الربح بينهما على أربعة ونصف، وخمسة ونصف. وإن قال: لك دينار، ولم يقل: من عشرة والباقي بيننا نصفين لم يجز؛ لأنه إن (¬2) كان الربح دينارًا استبد به مشترطه دون الآخر وهذا غرر. واختلف فيما يكون للعامل فقيل: أجر مثله. وقيل: قراض المثل والشرط في التبدئة باطل. وقيل: إن كان الزائد لرب المال كان للعامل الأقل من المسمى أو قراض المثل، وإن كان للعامل كان له (¬3) الأكثر ويجوز أن يجعل جميع الربح للعامل، ويفترق الحكم في ضمان المال فإن قال: آخذه قراضًا ولك جميع الربح كان الضمان من دافعه. وإن قال: اعمل به ولك ربحه ولم يسمه قراضًا كان الضمان من العامل، إلا أن يقول: ولا ضمان عليك، ويكون الضمان من دافعه، ولفظ القراض يغني (¬4) عن شرط سقوط (¬5) الضمان. وقال سحنون: هو ضامن، وهو سلف عليه كالحبس، وهو ضامن وله ¬

_ (¬1) في (ر): (بينهما). (¬2) قوله: (إن) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (له) ساقط من (ر). (¬4) في (ت): (بقي). (¬5) قوله: (سقوط) ساقط من (ر).

فصل فيما إذا كان القراض على النصف، ثم تراضيا على أن يكون القراض على الثلثين لرب المال أو للعامل

نماؤه. والأول أصوب لأن كل (¬1) ذلك معروف أعطاه الربح (¬2) وأسقط عنه الخسارة، وهذا بخلاف ما خرج على وجه المبايعة والمكايسة كالرهن والضياع. فصل (¬3) فيما إذا كان القراض على النصف، ثمَّ تراضيا على أن يكون القراض على الثلثين لرب المال أو للعامل وإذا كان القراض على النصف ثمَّ تراضيا على (¬4) أن يكون على الثلثين لرب المال أو للعامل جاز ذلك (¬5) إذا لم يعمل بالمال. واختلف إذا عمل ولم ينض فقال: ابن القاسم في المدونة: لا بأس به (¬6). وقال ابن حبيب: لا يجوز ذلك (¬7)، واتهم من كان منه الزائد أن ذلك ليس على وجه المعروف، وأن ذلك إن كان من رب المال ليجبر (¬8) به الخسارة إن كانت، وألا يفاصله في الربح إن كان فيه ربح، وإن كان من العامل أن ذلك ليقره في يده ولا ينتزعه منه، وإن عمل ونض المال ولم يكن فيه ربح ولا خسارة جاز على القولين جميعًا، وإن كان فيه ربح (¬9) لم يجز، فإن كانت الزيادة من ¬

_ (¬1) قوله: (كل) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (الربح) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (فصل) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (على) قوله: (فيما إذا كان القراض على النصف) ساقط من (ر). (¬5) قوله (ذلك) ساقط من (ت). (¬6) انظر المدونة: 3/ 632. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 253. (¬8) فى (ر): (ليجر)، وفي (ت): (يجبر). (¬9) قوله: (ربح) ساقط من (ر).

العامل اتهم أن يكون ذلك ليقر المال في يديه، وإن كان من صاحب المال اتهم أن يكون ذلك ليتجر له في المستقبل ولا يفاصله في الربح إلا أن يتفاصلا عند ذلك فيجوز قولًا واحدًا، وإن كان في المال خسارة لم يجز أن تكون الزيادة في الجزء من صاحب المال؛ لأنَّ القصد في ذلك أن يتجر له ليجبر به (¬1) الخسارة، وإن كانت الزيادة من العامل كان أخف؛ لأنَّ صاحب المال لو لم يزده (¬2) لا (¬3) يرغب في رجوعه إليه بخسارته والقصد من العامل المعروف مع صاحب المال يجبر له (¬4) الخسارة ويزيده في الجزء إن كان فيه ربح، فإن نزل ذلك كان في جميع هذه الوجوه المتقدم ذكرها أنها مجموعة في الربح والخسارة على ما كان عليه قبل ذلك: لا يتغير (¬5) الجزء إن كان ربح ولا يضمن أحدهما للآخر خسارة إن كانت، وإذا كانت الزيادة جائزة على قول ابن القاسم وكانت من صاحب المال كان حوزًا من العامل إن فلس صاحب المال أو مات. ويختلف إن كانت من العامل ففلس أو مات، فقيل: يبطل لعدم الحوز. وتصح على القول أن الهبات لا تبطل إذا لم تكن تهمة؛ لأنَّ التراخي كان لأنه لم يأت وقت المفاصلة، وهو أحسن. ¬

_ (¬1) في (ت): (فيجبر له). (¬2) في (ر): (يرده). (¬3) في (ت): (لم). (¬4) في (ت): (به). (¬5) قوله: (قبل ذلك: لا يتغير) يقابله في (ر): (قبل تغير الجزء).

باب في المقارضين يعملان لرجل بمال على أجزاء مختلفة

باب في المقارضين يعملان لرجل بمال (¬1) على أجزاء مختلفة قال (¬2): وإذا دفع رجل لرجلين مائتي دينار قراضًا فعملا فيها على أن لربِّ المال النصف ولأحدهما الثلث وللآخر السدس، فإنَّه لا يخلو اختلاف جزء (¬3) العاملين من أربعة أوجه: إمَّا أن يكون ذلك اشتراطًا (¬4) من ربِّ (¬5) المال أعطى كل واحد مائة بانفراده على أن لأحدهما ثلثي الربح وللاخر ثلثه فاشتركا في العمل من غير علم صاحب المال أو كان ذلك برضاه من غير يشترط كان في أصل القراض فذلك جائز وليس لواحد منهما سوى ما راضاه عليه صاحب المال (¬6) وإن كان ذلك بشرط من صاحب المال كان فاسدًا على قول ابن القاسم، قال (¬7): وكأن (¬8) صاحب المال قال: اعمل مع هذا على أن لك بعض ربح ما يعمل (¬9). والقياس أن يكون جائزًا، والمعارضة التي عارض بها سحنون صحيحة لأنَّ رب المال هو المستأجر لهما، وله أن يكارم أحدهما أو يوافقه بأكثر من الجزء الذي يعمل به أمثاله ويكايس الآخر وينازله إلى دون ¬

_ (¬1) قوله: (لرجل بمال) ساقط من (ر). (¬2) زيادة من (ت). (¬3) في (ر): (أجرة). (¬4) في (ت): (باشتراط). (¬5) في (ت): (صاحب). (¬6) قوله: (أو كان ذلك برضاه. . . ما راضاه عليه صاحب المال) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (قال) ساقط من (ت). (¬8) في (ت): (وإن كان). (¬9) قوله: (ما يعمل) يقابله ف (ر): (بالعمل)، وانظر: المدونة: 3/ 632.

أجر مثله، وصاحب المال المستأجر لهما بالجزء ومشاركتهما إنما هو عمل يعمل وقد تساويا فيه فلم يكن لأحدهما على صاحبه رجوع والأعواض التي هي العين إنما تستحق على آخر وهو صاحب المال وقد قال هذا: لا أبيع منافعي منك إلا بكذا وحط الآخر رب المال من ذلك (¬1)، وإن قال: رب المال اعملا على أن لي نصف الربح ولكل واحد منكما ربع الربح ولم يشترط عليهما أن يعملا معًا، فعملا على أن فضل أحدهما الآخر ليكون لأحدهما ثلثا النصف وللآخر ثلثه، كانت الشركة فاسدة، وكان لكل واحد (¬2) نصف ذلك ولا تراجع بينهما إذا كانا قد تساويا في العمل، وإن فضل أحدهما صاحبه بذلك الجزء بعد العمل على المساواة جاز وكانت هبة. وإن قال صاحب المال: لي نصف الربح ولكما النصف ثمَّ اختلفا في قسمة ذلك الربح (¬3) بينهما وكان الذي يقارض به (¬4) كل واحد منهما على الانفراد مختلفًا لما يعلم من نفاذ أحدهما في التجارة وبصيرته وعجز الآخر، كان ذلك بينهما مفضوضًا على ما يرى أنه يقارض به كل واحد بانفراده. ¬

_ (¬1) قوله: (وقد قال هذا: لا أبيع. . . رب المال من ذلك) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (واحد) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (الربح) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (به) ساقط من (ر).

باب في القراض هل ينعقد بالقول؟ وإذا اختلف رب المال مع العامل في الجزء أو ادعى أحدهما الصحة والآخر الفساد، وإذا اشترطا جزءا للمساكين

باب في القراض هل ينعقد بالقول؟ وإذا اختلف رب المال مع العامل في الجزء (¬1) أو ادعى أحدهما الصحة والآخر الفساد، وإذا اشترطا جزءًا للمساكين قال: الشيخ -رحمه الله- (¬2): القراض جعالة فلا يلزم بالعقد (¬3) وكل واحد منهما قبل العمل بالخيار، فإذا عمل أو اشتغل المال ارتفع الخيار (¬4) ولم يكن لصاحب المال أن يأخذه، ولا للعامل أن يرده حتى ينض المال (¬5)، وكذلك إذا اشتغل بعض المال كان للعامل أن يتمادى في (¬6) التجر بجميعه، ولم يكن لصاحب (¬7) المال أن ينتزع منه ما لم يشغله، وإن أراد ذلك العامل لم يكن لصاحب المال في ذلك مقال إذا كان القراض على أن يعمل به في البلد، فإن كان أخذه ليسافر به - لم يكن ذلك له أن يسافر بالمال، فإن سافر بالمال (¬8) انعقد القراض ولم يكن لهذا أن ينتزعه منه بعد شخوصه به (¬9) ولا للآخر أن يتركه بغير البلد الذي أخذ ¬

_ (¬1) قوله: (في الجزء) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (قال الشيخ -رحمه الله-) زيادة من (ت). (¬3) في (ر): (بالقبض). (¬4) قوله: (اشتغل المال ارتفع الخيار) يقابله في (ف): (اشتغل بعض العمل كان للعامل الخيار). (¬5) قوله: (المال) ما بين معكوفين زيادة من (ر). (¬6) فى (ر): (على). (¬7) فى (ر): (لرب). (¬8) قوله: (فإن سافر بالمال) ساقط من (ر). (¬9) قوله: (به) زيادة من (ر).

به. ويجري في القراض قول آخر أنه يلزم بالقول، وإن لم (¬1) يشغله ولم يسافر به، قياسًا على أحد القولين في الجعالة، وتلزم أول نضة (¬2) قياسًا على أحد قولي مالك (¬3) في الكراء مشاهرة أنه يلزم أول شهر، وهو أقل ما تتضمنه التسمية. وهذا الجواب في كل ما لا غاية له. وإذا اختلفا في الجزء فقال العامل: أخذته على النصف. وقال الآخر: على الثلث، فإن لم يعمل كان العامل بالخيار بين (¬4) أن يعمله على الثلث أو يرده، ولا يمين على رب المال على القول أنه لم ينعقد، وعلى القول الآخر يحلف أنه كان على الثلث، ثمَّ يكون الآخر بالخيار بين أن يعمله على ذلك أو يحلف ويرده. وإن اختلفا بعد العمل وفي المال ربح- كان القول قول العامل إذا كان المال (¬5) في يديه أو أسلمه (¬6) على وجه الإيداع (¬7) حتى ينفصلا (¬8) فيه؛ لأنَّ تسليمه على هذه الصفة ليس بتسليم، وإن أسلمه ليتصرف فيه رب المال ويكون جزء العامل سلفًا عنده- كان القول قول رب المال أنه على الثلث. وقال ابن القاسم في "المدونة" فيمن دفع مالًا قراضًا على الثلثين ولم يبينا لمن الثلثان، لرب المال أو للعامل- كان القول قول العامل أن الثلثين ¬

_ (¬1) قوله: (لم) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (نضة) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (قولي مالك) يقابله في (ر): (القولين). (¬4) في (ر): (على). (¬5) في (ر): (العامل). (¬6) في (ت): (سلمه). (¬7) في (ر): (الانزاع). (¬8) في (ت): (يفصلا).

له (¬1). يريد: إذا ادَّعى كل واحد الثلثين لنفسه، وادَّعى أن ذلك لقرائن كانت حينئذ، يقول كل واحد منهما (¬2): فهمت (¬3) ذلك عنك، وإن لم يكن إلا مجرد العقد ولم يدَّعِ أحدهما على الآخر شيئًا- كان القراض فاسدًا، ورد إلى قراض المثل، إلا أن تكون العادة في الثلثين أنه يكون لصاحب المال أو للعامل فيكون له (¬4). وقال ابن القاسم: إذا قال صاحب المال: دفعته إليك على أن لي مائة درهم وعلى أن ثلث الربح للعامل، وقال العامل: على أن لي نصف الربح، كان القول قول العامل إذا أتى بما يشبه. قال الشيخ - رضي الله عنه -: فإن أتى بما لا يشبه كان القول قول صاحب المال ليعطيه إجارة المثل؛ لأنَّ العامل أتى بما لا يشبه (¬5) في كثرة الجزء ليس (¬6) في أنه لم يكن حلالًا وأتى الآخر بما لا يشبه في أنه فاسد، وإذا كان ذلك حلف صاحب المال أنه لم يكن على النصف، ورد إلى قراض مثله، ولا يمين على العامل إذا كان قراض المثل وإجارة المثل سواء، وإن كانت الإجارة أقل حلف العامل على نفي دعوى صاحبه، وكان له قراض مثله (¬7)، وكل واحد منهما بالخيار بين أن يحلف على إثبات دعواه أو على نفي دعوى صاحبه، فإن حلفا (¬8) على إثبات الدعوى ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 632. (¬2) قوله: (منهما) زيادة من (ت). (¬3) في (ر): (قيمت). (¬4) قوله: (إلا أن تكون. . . أو للعامل فيكون له) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (كان القول. . . أتى بما لا يشبه) ساقط من (ر). (¬6) في (ر): (وليس المال). (¬7) قوله: (مثله) ساقط من (ر). (¬8) في (ت): (حلف).

فصل في المقارضين يشترطان عند معاملتهما ثلث الربح للمساكين

حلف العامل لقد عامله على النصف، وحلف الآخر أنه عامله على ما قال، وإن نكل العامل وحلف صاحب المال, دفع أجر المثل , وإن نكل وحلف العامل كان له النصف. وإن حلفا على نفى الدعوى حلف العامل (¬1) أنه لم يعامله على ما قال، وحلف الآخر أنه لم يعامله على النصف، ويكون للعامل قراض المثل، فإن حلف صاحب المال ثمَّ نكل العامل، كان صاحب المال بالخيار بين أن يدفع قراض المثل باليمين المتقدمة، أو يحلف يمينًا ثانية على إثبات دعواه، ويدفع أجر المثل، فإن حلف العامل أولًا ثم نكل صاحب المال (¬2) كان العامل بالخيار بين أن يأخذ قراض المثل باليمين الأولى، أو يحلف يمينًا أخرى على إثبات دعواه ويستحق النصف، وإن قال العامل: عملته (¬3) على أن أبدأ بمائة درهم ثم يكون في النصف وحده, كان القول قول مدعي الصحة. فصل في المقارضين يشترطان عند معاملتهما ثلث الربح للمساكين قال الشيخ -رحمه الله- (¬4) وإن شرط ثلث الربح للمساكين، والثلثين بينهما نصفين جاز ذلك، فإن رجعا لم يجز، أو كان ذلك الثلث بينهما نصفين، فإن رجع أحدهما كان له النصف، وللآخر الثلث، ويمضى للمساكين السدس. ¬

_ (¬1) قوله: (لقد عامله على النصف. . . الدعوى حلف العامل) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (ثم نكل العامل. . . نكل صاحب المال) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (عملته) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (قال الشيخ -رحمه الله-) زيادة من (ت).

باب فى نفقة العامل وكسوته من مال القراض

باب فى نفقة العامل (¬1) وكسوته من مال القراض قال الشيخ -رحمه الله- (¬2): نفقة العامل وكسوته (¬3) من مال (¬4) القراض ساقطة بشرطين: إذا لم يسافر به، وكان العامل به من أهل البلد أو من غير أهله ولم تكن إقامته لأجله، فإن كانت إقامته من أجل المال كان في النفقة والكسوة على حكم المسافر، ولو كان عقد نكاحًا قبل أخذ المال وعلم أن نيته الابتناء في غير البلد، أو يبتني ثمَّ يخرج بها، فأقام لأجل المال، كانت له النفقة كالمسافر به، فإن كانت نيته الابتناء بعد أن يخرج لأمر يتوجه إليه، ثمَّ يقيم إذا أتى لم تكن له نفقف وإن تزوج بعد أخذه المال كان تزويجه لأجل مقامه للعمل بالقراض، ولولا ذلك لم يقم ولم يتزوج لم تسقط نفقته، وإن كان ذلك لأنه نوى (¬5) المقام وإن أخذ المال منه سقطت النفقة، ومحمل قول مالك في سقوط النفقة مع الإقامة (¬6) على أن ذلك العمل لم يقطعه عن الوجوه التي كانت تقوم منها نفقته، فقد يكون الرجل قبل أخذه القراض متعطلًا عن العمل، وإن كانت له صناعة يقوم منها عيشه أو تجره فعطل ما كان فيه لأجل العمل بالقراض، كانت له (¬7) النفقة كالذي يسافر به. ¬

_ (¬1) قوله: (العامل) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (قال الشيخ -رحمه الله-) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (وكسوته) زيادة من (ر). (¬4) قوله: (مال) زيادة من (ر). (¬5) في (ر): (يرى). (¬6) قوله: (مع الإقامة) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (له) زيادة من (ت).

فصل [في التاجر الحاج يأخذ مالا قراضا]

فصل [في التاجر الحاج يأخذ مالًا قراضًا] وإن سافر بالمال كان في (¬1) النفقة والكسوة على ثلاثة أوجه: فإن كان المال كثيرًا والسفر بعيدًا، كانت له النفقة والكسوة، وإن كان المال متوسطًا يحجب به اجتماع النفقة والكسوة ولا يضر به انفراد النفقة، كانت له دون الكسوة، وإن كان قليلًا لم تكن له شيء، وإن كان السفر قريبًا والمال كثيرًا، كانت له النفقة دون الكسوة، وإن كان قليلًا لم تكن له كسوة ولا (¬2) نفقة، والنفقة والكسوة أو النفقة بانفراد (¬3) تجب للعامل إذا كان السفر والخروج والرجوع لأجل المال، أو الخروج دون الرجوع. وإن كان خروجه لغير سبب المال كانت له (¬4) في الرجوع دون الخروج، وإن كان جميع سفره ابتداؤه وانتهاؤه لغير سبب المال، لم يكن له في جميع (¬5) سفره ذلك شيء، فإن خرج بالمال من بلده إلى غير بلده كان ذلك له في سفره (¬6) ورجوعه؛ لأن المال سبب تكلفه بجميع ذلك، فإن خرج من غير بلده إلى بلده (¬7) كان له (¬8) ذلك في الرجوع دون الخروج. وإن كان له أهل بالبلدين لم يكن له في جميع سفره شيء؛ لأنه كان يتكلف ذلك قبل أخذ المال، وروي عن أشهب: أن له ذلك في ذهابه ورجوعه، دون مقامه في ¬

_ (¬1) قوله: (كان في) قوله: في (ر): (كانت). (¬2) قوله: (كسوة ولا) ساقط من (ر). (¬3) في (ت): (وحدها). (¬4) قوله: (له) زيادة من (ر). (¬5) في (ف): محل الإشكال هنا مبيض له. (¬6) في (ر): (سيره). (¬7) قوله: (إلى بلده) ساقط من (ر). (¬8) قوله: (له) زيادة من (ر).

أهله (¬1). ومحمل قوله على أن للعامل عادة في الوقت الذي يخرج فيه إلى أهله، ثم خرج الآن قبل ذلك لأجل المال خاصة. وقال أبو محمد عبد الوهاب فيمن سافر لأجل المال: له النفقة والكسوة التي لولا الخروج بالمال لم يحتج إليها في الحضر (¬2). ومحمل هذا فيمن كانت مؤنته في المقام من غلات أو متاجر يرجو حوالة أسواقها، وأما من (¬3) كان مديرًا أو ذا صنعة عطلها لأجل السفر- فله جميع النفقة والكسوة مثل قول مالك. وقال مالك (¬4) فيمن أخذ قراضًا في أيام الموسم، وخرج حاجًّا، ولولا المال ما خرج فيما يظن به: ألا نفقة له، وكذلك الغازي (¬5). فلم يصدقهم أن أصل خروجهم المال، ورأى أن الغالب في السفر لأجل الحج، وأن غيره من باب الظن، ولو قام له دليل على صحة ذلك: كالفقير الذي لا يقدر على السفر ولا يخرج للغزو وغير ذلك من الدلائل (¬6) لكانت له نفقته كلها أو بعض النفقة على قدر نفقته، وقدر مال القراض على القول الآخر. واختلف فيمن كان خارجًا لحاجته ثم أخذ قراضًا، فالمعروف من المذهب: لا شيء له، وهو كالذي خرج إلى أهله. وقال أيضًا: ينظر (¬7) قدر ما ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 261. (¬2) انظر: المعونة على مذهب عالم المدينة: 2/ 125. (¬3) في (ر): (ولمن). (¬4) قوله: (وقال مالك) ساقط من (ر). (¬5) انظر: المدونة: 3/ 635. (¬6) في (ر): (الدليل). (¬7) قوله: (ينظر) ساقط من (ر).

فصل فيما إذا كان في يد العامل قراضان وفي كل واحد ما يحمل النفقة على الانفراد

كان ينفقه في سفره، فيجعل كأنه من رأس المال، ثم تفض النفقة على قدره من القراض، ويلزم على هذا فيمن خرج لحج أو لغزو أن تفض النفقة. فصل فيما إذا كان في يد العامل قراضان وفي كل واحد ما يحمل (¬1) النفقة على الانفراد وإذا كان في يد العامل قراضان، وفي كل واحد ما يحمل (¬2) النفقة على الانفراد، كانت النفقة على المالين، وسواء كان أخذهما معًا أو مفترقين. قال مالك: وكذلك لو أخذ الثاني ليلة سفره وبعد أن اشترى بالأول، وهذا هو أحد قوليه فيمن خرج لحاجته أن النفقة تفض، وعلى قوله ألا شيء على الثاني إذا خرج إلى أهله أو لحج أو لغزو، ولا يكون على القراض الثاني شيء؛ لأنه كان يتكلف (¬3) تلك النفقة والكراء قبل أخذ الثاني، ولا سبب للمال الثاني في ذلك، ولا فرق بين (¬4) أن يكون عازمًا على السفر لأهله أو لحج أو لقراض. وقال: إذا كان المالان لا يحملان النفقة على الانفراد ويحملانها على الجمع أن له النفقة على المالين. والقياس ألا شيء له؛ لأن كل واحد يقول: مالي قليل، وقد دفعت إليك ما حكمه أن يكون له (¬5) فيه الجزء بانفراده؛ فليس أمرك أن تأخذ (¬6) مالًا آخر من غيري يوجب عليَّ غير ما دخلت معك عليه، ¬

_ (¬1) في (ر): (يعمل). (¬2) قوله: (فيما إذا كان في يد العامل. . . النفقة على الانفراد) يقابله في (ر): (يعمل). (¬3) في (ت): (متكلفًا). (¬4) قوله: (بين) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (له) زيادة من (ر). (¬6) قوله: (أمرك أن تأخذ) يقا بله في (ت): (أخذك).

ولو علمتُ ذلك ما أعطيت لك أو أوافقك على جزء دون الآخر. وكذلك إذا كان أحدهما كثيرًا والآخر قليلًا- لم أر على القليل من ذلك شيئًا، وسواء أخذهما معًا أو مفترقين، وإذا كانا كثيرين وأخذهما معًا، كانت النفقة على قدر المالين، هذا قوله في "المدونة". ويجري فيها قول آخر أنها تكون بالسواء، قياسًا على نفقة الأولاد على أحد الوالدين، فقد اختلف في ذلك هل تكون سواء (¬1) أو على قدر اليسر؟ وأرى أن يكون ما يتكلفه العامل في الطريق من كراء الركوب ونفقته وكسوته بالسواء؛ لأن ذلك له يتكلفه لكل مال بانفراده، ولا مزيد عليه لزيادة المال، وكذلك نفقته بعد وصوله في حين اشتغاله (¬2) بالمالين، فإذا انقضى شغله (¬3) بأقلهما وكان مقامه لأجل الأجر (¬4) كان ذلك الزائد عليه وحده، إلا أن يكون سفره ورجوعه في رفقة، ولا يقدر على الرجوع عند انقضاء أقلهما، ولا يزاد على الآخر شيء؛ لأن تأخره لم يكن لأجل المال. وقال مالك في "كتاب محمد" فيمن كانت بيده بضاعة: له أن ينفق منها إذا كانت كثيرة كالقراض، قيل له: أينفق منها إذا كانت خمسين دينارًا؟ (¬5) قال: من حد خمسين إلى (¬6) أربعين، وروي عنه أنه ينفق منها (¬7) إذا كانت خمسين ¬

_ (¬1) في (ت): (بالسواء). (¬2) في (ر): (استعماله). (¬3) في (ر): (سلعة). (¬4) في (ت): (المال كثير). (¬5) قوله: (أينفق منها إذا كانت خمسين دينارًا؟) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (إلى) يقابله في (ت): (أو). وفي النوادر مثل ما في (ت). (¬7) قوله: (منها) يقابله في (ت): (منه).

فصل فيما إذا اشترى العامل بجميع مال القراض، ثم اكترى لنفسه وأنفق واكتسى من ماله

دينارًا (¬1). قال محمد: والبضاعة كالقراض في الكسوة (¬2). قال الشيخ - رضي الله عنه -: العادة اليوم أنه لا ينفق ولا يكتسي من البضاعة وأنه فيها على أحد أمرين: إما أن يكون يعمل بها على وجه المكارمة، فلا نفقة له، أو على إجارة معلومة، فلا يكون له غيرها. فصل فيما إذا اشترى العامل بجميع مال القراض، ثم اكترى لنفسه وأنفق واكتسى من ماله وإذا اشترى العامل بجميع مال (¬3) القراض، ثم اكترى لنفسه وأنفق واكتسى من ماله، كان له ذلك من مال القراض. وإن هلك لم يكن له على رب المال شيء، وإن سلمه أخذه من مال (¬4) القراض، ولم يكن شريكًا به (¬5)، إلا أن تكون تلك نيته قبل أن يشتري أن يكون شريكًا بذلك القدر، ثم أرى (¬6) إن قدم القراض بالشراء وجعل ماله في تلك المؤن، فيكون شريكًا في الربح والخسارة بذلك القدر. وإن اشترى متاعًا ثم قصره أو صبغه (¬7) كان في ذلك على ثلاثة أوجه: إما أن يشتريه ليعمل فيه مثل ذلك وليكون شريكًا به، أو ليدفع ذلك رب المال من عنده، أو فعل ذلك لما بارت (¬8) عليه. فإن كانت تلك نيته قبل الشراء كان شريكًا بقدر ما ¬

_ (¬1) قوله: (دينارًا) ساقط من (ت). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 263. (¬3) قوله: (مال) قوله: (فيما إذا اشترى. . . واكتسى من ماله) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (مال) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (به) ساقط من (ر). (¬6) في (ر): (رأى). (¬7) في (ر): (صنعه). (¬8) في (ت): (بار).

أنفق في القصارة أو الطراز وغيره ويفض الربح والخسارة على مثل ذلك، وإن اشترى ليكون ذلك على القراض ليدفعه صاحب المال من عنده جاز ذلك، وكان صاحب المال بالخيار بين: أن يدفع ذلك ويكون على مثل القراض الأول، أو يبرأ منه ويدفع ذلك العامل من عنده (¬1) ويكون شريكًا به، وإن كانت نيته أن يبيعه من غير قصارة فلما بار عليه قصره- كان متعديًا، وكان صاحب المال عند ابن القاسم بالخيار بين: أن يدفع إلى العامل (¬2) قيمة ذلك العمل إلا أن يكون الثمن الذي استأجر به أقل، فيدفع الثمن، ويكون صاحب المال شريكًا بقيمة ذلك العمل، ولا يكون العمل على القراض؛ لأنه شغل الأول، وتولى رب المال من البيع والاقتضاء بقدر ما شارك به من الصنعة، فإذا نض أخذ ذلك، ولا يتمادى في العمل بالقراض ما شارك به من الصنعة ويتمادى العامل وحده برأس المال الأول، وإن كره صاحب المال أن يدفع ذلك من عنده وأراد أن يضمن الصانع قيمة ذلك القراض (¬3) يوم عمله، كان ذلك له. وقال غيره: هو بالخيار بين أن يدفع ذلك إلى العامل (¬4)، ويكون شريكًا به (¬5) أو يضمن العامل أو يكون العامل (¬6) شريكًا في المال بقدر ذلك، وهو أقيس (¬7)؛ لأنه يقول: لا أشتري تلك الصنعة ولا أبيع، وإنما لك شيء تكون به شريكًا. ¬

_ (¬1) قوله: (جاز ذلك. . . ذلك العامل من عنده) ساقط من (ر). (¬2) في (ر): (للعامل). (¬3) قوله: (لأنه شغل الأول. . . الصانع قيمة ذلك القراض) ساقط من (ر). (¬4) في (ت): (للعامل). (¬5) قوله: (به) زيادة من (ت). (¬6) قوله: (العامل) زيادة من (ت). (¬7) قوله: (في المال بقدر ذلك. وهو أقيس) يقابله في (ف): (بقدر ذلك وهو أبين).

باب في مال القراض يضيع قبل العمل أو بعده، وإذا تعدى العامل على بعض القراض فأكله أو تجر فيه لنفسه

باب في مال القراض يضيع قبل العمل أو بعده، وإذا تعدى العامل على بعض القراض فأكله أو تجر فيه لنفسه قال (¬1): وإذا اشترى العامل (¬2) متاعًا على القراض بمائة، فضاع المال قبل دفعه، كان رب (¬3) المال بالخيار بين: أن يخلفه ويكون المتاع على القراض، ويكون قراض هذه المائة، أو لا يخلف ويكون المتاع للعامل، له ربحه وعليه خسارته. وقال المغيرة: يجبر رب المال على أن يخلفه. وقد مضى ذلك في "كتاب الوكالات"، فإن ضاعت خمسون كان صاحب المال بالخيار بين: أن يخلفها ويكون رأس مال القراض مائة وخمسين، أو لا يخلفها ويغرم ذلك العامل ويكون شريكًا فيها بالنصف. وإذا أخلفها صاحب المال ثم بيع المتاع بمائة وخمسين، وكان قراضهما على النصف، كان للعامل اثني عشر ونصف؛ لأن نصف السلعة على القراض الأول، ورأس ماله مائة، فلا شيء للعامل (¬4) فيه، ونصف على القراض الثاني ورأس ماله خمسون، وله نصف ربحها، ولا يجبر الأول بربح الثاني، ولهذا جاز أن يدفع الخمسين وهي قراض ثان بعد أن شغل الأول؛ لأن الأول معلوم، ولا ¬

_ (¬1) قوله: (قال) زيادة من (ت). (¬2) قوله: (العامل) ساقط من (ر). (¬3) في (ر): (صاحب). (¬4) في (ر): (على العامل).

فصل [فيما اذا أكل العامل خمسين وتجر في خمسين فصارت مائة وخمسين]

تجبر خسارته بالثاني، فإن لم يكن (¬1) يخلفها (¬2) رب المال، كان العامل شريكًا بالنصف، فما بيعت به من شيء كان له صفه، ولا ربح له (¬3) فيما ينوب القراض، إلا أن يبيع بأكثر من المائتين، ولصاحب المال أن يخلف خمسة وعشرين ويكون المتاع بينهما على أربعة أجزاء: ربع للعامل، وربع لصاحب المال على القراض الثاني (¬4) رأس ماله خمسة وعشرون ونصف على القراض الأول، فإن بيع المتاع بمائتين كان للعامل اثنان وستون ونصف؛ خمسون عن نصيبه منها وهو الربع، واثنا عشر ونصف نصيبه من الربح عن الربع (¬5) الآخر، ولا شيء له في النصف؛ لأن ربحه جبر الوضيعة التي كانت، فإن قدر بعد ذلك على الغاصب للخمسين كانت هي (¬6) الربح، واقتسماها نصفين. فصل [فيما اذا أكل العامل خمسين وتجر في خمسين فصارت مائة وخمسين] وإن أكل العامل خمسين، وتجر في خمسين، فصارت مائة وخمسين، كان لرب المال رأس ماله -مائة- وكان ربح ماله (¬7) مائة: هذه الخمسون الحاضرة والخمسون التي أكل، فللعامل (¬8) من هذه نصفها، وفي ذمته لصاحب المال ¬

_ (¬1) قوله: (يكن) زيادة من (ت). (¬2) في (ر): (يحملها). (¬3) قوله: (له) زيادة من (ت). (¬4) قوله: (الثاني) زيادة من (ت). (¬5) قوله: (عن الربع) ساقط من (ر). (¬6) في (ر): (في). (¬7) قوله: (ماله) زيادة من (ر). (¬8) قوله: (فللعامل) يقابله في (ر): (العامل).

مثلها، فإن لم يكن على العامل غرماء (¬1) كان لصاحب المال أن يأخذ هذه الخمسين، وإن كان عليه غرماء كان له نصيبه منها، وهي خمسة وعشرون، (¬2) وكان نصيب العامل -وهو خمسة وعشرون- بين جميع غرمائه، ويضرب رب (¬3) المال معهم بالخمسة والعشرين التي له في ذمته. وقد قال بعض أهل العلم: يكون رأس المال الخمسين، ونصيب العامل منها خمسون، يضرب فيها غرماؤه ويضرب صاحب المال فيها بالخمسين التي في ذمة العامل، قال: مثل قول غير ابن القاسم إن أكل العامل بعض رأس المال ثم دفعه إلى عامل آخر فلا يكون رأس المال على الثاني إلا ما قبض ويتبع رب المال العامل الأول بما أكل، وليس كذلك؛ لأنه لا خلاف أنه لو غصب من المال خمسين وتجر العامل في خمسين (¬4) فصارت مائة أن لصاحب المال أن يأخذها ولا ربح للعامل؛ لأن من شرط القراض ألا شيء للعامل إلا بعد حصول رأس المال، فكيف يكون لغرمائه حق في موضع لو لم يكن لهم دين- لم يكن للعامل فيه ربح، وليس كذلك إذا دفع المال لغيره فلا يحسب من (¬5) رأس المال على الثاني إلا ما أخذ؛ لأن الثاني لو غصب ذلك المال مع علمه أنه في يد الأول قراض وتجر فيه لنفسه، لكان ما ربح (¬6) له دون رب المال ودون العامل الأول؛ لأن الأول عقد على نفسه لصاحب المال (¬7) ليتجر فيه له وجب ¬

_ (¬1) في (ر): (غيرها). (¬2) قوله: (كان لصاحب المال. . . وهي خمسة وعشرون،) ساقط من (ر). (¬3) في (ر): (صاحب). (¬4) قوله: (في خمسين) يقابله في (ر): (وربح خمسين). (¬5) قوله: (رأس المال، فكيف. . . لغيره فلا يحسب من) ساقط من (ر). (¬6) في (ت): (الربح). (¬7) قوله: (المال) ساقط من (ر).

أن يجري على أحكام القراض، وألا ربح له إلا بعد حصول رأس المال، والآخر لم يعاقد ربه فيه على شيء، فإذا صحَّ أن يكون له جميع الربح ولو (¬1) تجر فيه لنفسه لم يكن عليه من رأس المال إلا ما أخذه. وقال ابن القاسم: ولا ربح للخمسين التي أكل. وقد قيل في مثل هذا: إن لها ربحًا، وقد تقدم ذلك في "كتاب الغصب" إلا أن يكون لم يربح في الخمسين التي عمل فيها فلا يكون عليه شيء، وإن ربح في التي عمل بها (¬2) كان عليه في التي أكل مثل ما ربح في هذه، وإن لم يكن أكل تلك الخمسين وتجر فيها (¬3)، كان عليه على قول ابن القاسم ما ربح فيها؛ قل أو كثر، وعلى القول الآخر (¬4) يكون عليه الأكثر مما ربح فيها أو ما ربح في التي عمل فيها لرب المال، فإن كان ربحه فيها أكثر- كان لرب المال؛ لأنه مال أخذه على تنميته (¬5) لربه وربحه لصاحبه. فإن كان ربحه (¬6) في التي تجر فيها على القراض أكثر كان له أن يأخذه بمثله؛ لأنه أخدمه ذلك. وقال ابن القاسم: إذا كان القراض ألفًا فاشترى عبدًا قيمته ألفان، فجنى عليه رب المال جناية نقصته (¬7) ألفًا وخمس مائة، ثم تجر في الخمس مائة، فربح أو خسر أن ذلك على القراض، ولا يكون ما فعله السيد اقتضاءً ولا مفاصلة، ¬

_ (¬1) في (ر): (ثم) (¬2) قوله: (بها) زيادة من (ر). (¬3) قوله: (فيها) ساقط من (ر). (¬4) في (ر): (قول الآخر). (¬5) في (ر): (قيمته). (¬6) في (ر): (يجد). (¬7) في (ر): (نفسه).

فصل [في القراض يتلف ثم يعمل بما بقي فيربح فيه]

فإن كان على رب المال غرم حمل رأس المال على ما هو موجود وعلى ما في الذمة، ثم يكون للعامل ما ينوبه من الربح الحاضر، ويضرب مع الغرماء بما ينوبه (¬1) من ربح ما في الذمة في الباقي من الحاضر وغيره (¬2). فصل [في القراض يتلف ثم يعمل بما بقي فيربح فيه] وإن خسر العامل أو ربح ثم تراضيا أن يعمل على أن يكون الباقي بعد الخسارة رأس المال، أو يكون الباقي إن كان ربح بعد نصيب العامل هو رأس المال، أو يأخذ العامل نصيبه ويكون شريكًا به، لم يجز ذلك عند ابن القاسم، قال: (¬3) ولو أحضره وحاسبه ولم يدفعه، فهو على القراض الأول (¬4). وقال ابن حبيب: قال ربيعة ومالك والليث ومطرف وابن الماجشون: لا بأس بذلك. قال: فإن أعلمه بالنقصان، ولم يحضره، وسأله أن يسقط عنه الخسارة أو ربحا، فاقتسما ثم قال: اعمل بها في يديك، فهو قراض مؤتنف، وهو قول من لقيته من أصحاب مالك (¬5). ¬

_ (¬1) قوله: (الربح الحاضر، ويضرب مع الغرماء بما ينوبه) ساقط من (ر). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 640. (¬3) قوله: (قال) ساقط من (ر). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 639. (¬5) انظر: المدونة: 7/ 272.

باب في العامل بالقراض يخلط مال القراض بماله أو بمال غيره

باب في العامل بالقراض يخلط مال القراض بماله أو بمال غيره قال (¬1): ولا بأس أن يخلط العامل القراض بماله أو بقراض في يديه إذا لم يكن ذلك (¬2) بشرط. واختلف إذا شرط صاحب المال على العامل أن يخلطه، فقال في المدونة: لا خير فيه (¬3). وقال في كتاب محمد: لا بأس به. واختلف بعد القول بمنعه إذا فات بالعمل، فقيل: له أجر مثله؛ لأن القصد أن يجر (¬4) بذلك منفعة مال العامل ويكثر الربح، ويقوي بعضه بعضًا، وهي زيادة صحبت المال، وقيل: له قراض مثله؛ لأنها زيادة لم تخرج عن المال، بخلاف السلف، فالمالان ينفع بعضهما بعضًا، وأن يجوز أحسن؛ لأن القصد من ربِّ المال أن يجتهد له حسب اجتهاده لنفسه؛ لأن الغالب أن العامل يؤثر نفسه بالأصلح، فإذا خلط المالين أمن مما يتخوفه من ذلك، وليس للعامل أن يخلط المال بما يشتريه على ذمته. واختلف إذا فعل في صفة ما يشارك به، فقال ابن القاسم في المدونة في العامل يكون بيده مائة دينار قراضًا، فاشترى سلعة بمائة دينار قراضًا (¬5) ومائة ¬

_ (¬1) قوله: (قال) زيادة من (ت). (¬2) قوله: (ذلك) ساقط من (ر). (¬3) في (ر): (في ذلك). وانظر: المدونة: 3/ 650. (¬4) في (ر): (يجبر). (¬5) في (ت): (نقدًا).

إلى سنة، قال: تقوم المائة المؤجلة بالنقد، فإن كانت قيمتها خمسين كان شريكًا بالثلث. وقال أيضًا: تقوم السلعة بالنقد، فإن كانت قيمتها (¬1) مائة وخمسين كان شريكًا بالثلث (¬2). وليس هذا بالبين؛ لأنه يؤدي إلى أن يكون جميع الرخص إن كان في السلعة للعامل، فإن كان غلاء كان عليه وحده، والقول الأول أحسن أن تقوم المائة ثم تفض السلعة على ذلك إلا أن يقال: إنه ليس الغالب بيع الديون، وليس لها سوق معروف فيتحقق ما تساوى (¬3)، فكان الرجوع إلى قيمة السلعة أحسن؛ لأن الغالب في البياعات البيع على القيم، وليس الغالب التغابن، ولا تخليط البضائع إذا كانت مما يرجع إلى القيم، ولا بأس إذا كانت مما يكال أو يوزن أو يكون أربابها قد جعلوا النية البيع بعد الشراء، فيجوز له خلطها، وإن كان المشتري عروضًا كالقراضين. وقال ابن كنانة وابن القاسم في "كتاب المدنيين" في رجل سأل رجلًا أن يبتاع له ثوبًا، فاشترك مع البزازين في ثياب على الصفة التي وصف الآمر (¬4)، فاقتسموها، فخرج للمأمور في القسم ثوبًا على تلك الصفة- لزم الآمر. فأجاز أن يخلط البضائع فيما يعود إلى القيم (¬5) إذا كان يخرجه في القسم وإن لم يكن جعل للمأمور البيع. ¬

_ (¬1) قوله: (خمسين كان شريكًا. . . فإن كانت قيمتها) ساقط من (ر). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 656. (¬3) في (ر): (يساوي). (¬4) في (ر): (الآخر). (¬5) في (ر): (القسم).

فصل [في العامل المقارض يخلط ماله بالقراض]

فصل [في العامل المقارض يخلط ماله بالقراض] وللعامل أن يخلط القراض بماله إذا كان قادرًا على التجر بهما، وإن كان (¬1) لا يقدر على التجر بأكثر من مال القراض لم يكن ذلك له، فإن فعل وتجر في الثاني فعطل (¬2) الأول لم يكن عليه في الأول سوى رأس المال على المشهور من المذهب. وعلى القول الآخر (¬3) يكون عليه (¬4) قدر ما أحرمه (¬5) من الربح. وكذلك إذا تجر في الأول ثم اشتغل بالثاني عن بيع الأول حتى نزل سوقه، فيختلف هل يضمن العامل ما حط السوق لأنه أحرمه ذلك؟ وإن فسد لأجل شغله عنه ضمنه. وكذلك إذا أخذ قراضًا بعد قراض فلا يمنع من الثاني إذا كان يقدر على التجر فيهما، فإن كان لا يقدر إلا على التجر في أحدهما منع من التجر في الثاني، فإن فعل ضمن ما كان في الأول من وضيعة (¬6) أو نزول أسواق أو فساد نحو ما تقدم. وإن اشتغل بالأول وعطل الثاني ضمن قدر ما أحرمه من ربحه على أحد القولين، فإن ضاع ضمنه لأنه متعد في أخذه، وهذا إذا لم يعلمه أن في يديه قراض لغيره، أو أعلمه ولم يعلمه أنه عاجز عن القيام بالمالين. وإذا عمل العامل بمائتي دينار لرجلين ثم اختلط عليه وكان ربحه في أحدهما خمسين ولم يربح في الآخر كان فيهما قولان، فقال ابن القاسم في "العتبية": لا ¬

_ (¬1) قوله: (كان) ساقط من (ر). (¬2) في (ر): (فيعطل). (¬3) قوله: (الآخر) ساقط من (ر). (¬4) في (ر): (له). (¬5) في (ر): (يخرجه). (¬6) في (ر): (صنعة).

شيء للعامل من الربح ويكون بين صاحبي المالكين (¬1). ولم يعذره بالنسيان. وقال سحنون (¬2): هو بمنزلة من استودعه رجلان أحدهما مائة والآخر خمسين فنسي صاحب المائة وادعاها الرجلان (¬3). فذكر القولين، وألا يضمن أبين ويعذر بالنسيان فيكون له ربحه كاملًا والباقي (¬4) يقتسمانه صاحبا (¬5) المالكان، ولو ربح في أحدهما وخسر في الآخر لكان ضامنًا للخسارة على أحد القولين ولا شيء له من الربح، وعلى القول الآخر يكون له نصيبه من الربح كاملًا ويقسم صاحبا (¬6) المالين النصف بينهما نصفين. ¬

_ (¬1) في (ر): (المال). (¬2) في (ر): (ابن سحنون). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 274، 275. (¬4) في (ر): (والثاني). (¬5) في (ر): (صاحب). (¬6) في (ر): (صاحب).

باب في العامل يشارك بمال القراض أو بنصفه أو يقارض به

باب في العامل يشارك بمال القراض أو بنصفه (¬1) أو يقارض به (¬2) قال الشيخ -رحمه الله- (¬3): شركة العامل بمال القراض (¬4) على ثلاثة أوجه: تجوز إذا كانت في شراء شيء بعينه ينفرد باشترائه ويكون عنده أو يليان الشراء جميعًا ويكون تحت أيديهما، ويمنع إذا كان الآخر هو المتولي الشراء أو يكون تحت يديه، ويجوز في غير المعين على مثل ذلك إذا كان ينفرد المقارض بالشراء ويليان ذلك جميعًا ويكون تحت يديه أو (¬5) تحت أيديهما جميعًا، ويمنع إذا كان الآخر المتولي للشراء أو الدفع. ويختلف في صفة الضمان: فإن انفرد الأجنبي بالشراء والدفع ضمن الخسارة والضياع، وكذلك إذا ولي الأجنبي الشراء ثم كان تحت يدي العامل، فإن (¬6) العامل يضمن الخسارة والضياع، وإن ولي (¬7) العامل الشراء ثم جعل تحت يدي الأجنبي ضمن الضياع لأجل تسليمه ولم يضمن الخسارة إن بيع بالأقل؛ لأن الشراء كان يحسن نظره، وإن كان العامل فقيرًا والأجنبي غير عالم أن ذلك المال قراض، لم يضمن خسارة ولا ضياعًا، وهو في ذلك (¬8) بمنزلة من ¬

_ (¬1) في (ت): (ببعضه). (¬2) قوله: (به) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (قال الشيخ -رحمه الله-) زيادة من (ت). (¬4) قوله: (بمال القراض) يقابله في (ر): (بالقراض). (¬5) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (فإن) ساقط من (ر). (¬7) في (ر): (تولى). (¬8) قوله: (في ذلك) ساقط من (ر).

فصل في المقارض يبضع من القراض

اشترى من غاصب ثم باع أو وهب ثم استحق أنه لا ضمان على المشتري وفيه اختلاف، وإن كان عالمًا ضمن. فصل في المقارض يبضع من القراض ولا يبضع العامل من مال (¬1) القراض؛ لأن العمل (¬2) معلق بعين المقارض وليس في الذمة، بخلاف المساقاة، فإن فعل فأبضع فخسر أو ضاع المال ضمن، وإن ربح وكانت البضاعة بأجرة كان للمبضع معه أجرته من ذمة العامل، ثم ينظر، فإن كانت الأجرة أكثر من الجزء كانت خسارة ما بين ذلك على العامل، وإن كانت الأجرة أقل من الجزء كان الفضل لربِّ المال ولا لشيء للعامل فيه؛ لأنَّ صاحب المال جعل (¬3) ذلك له (¬4) على أن يعمل لنفسه (¬5) فلم يعمل. وإن كانت البضاعة على وجه المعونة والمكارمة للعامل بغير عوض كان للعامل أيضًا الأقل من جزئه من الربح أو إجارة مثل الذي عمل؛ لأن العامل الثاني لم يتطوع بهبة عمله إلا (¬6) للمقارض، ورب المال رضي أن يعمل له فيه بغير عوض (¬7). ¬

_ (¬1) قوله: (من مال) ساقط من (ر). (¬2) في (ر): (العامل). (¬3) في (ر): (فعل). (¬4) في (ر): (به). (¬5) في (ر): (بنفسه). (¬6) في (ر): (إلى). (¬7) قوله: (بغير عوض) يقابله في (ر): (بعوض).

فصل [في المقارض يستودع غيره من مال القرض]

فصل [في المقارض يستودع غيره من مال القرض] ولا يقارض العامل غيره كما لا يبضع، فإن فعل كان متعديًا ويضمن الخسارة والضياع، وإن ربح الثاني واختلف الجزءان (¬1) فكان الأول النصف، والثاني الثلث، كان السدس الفاضل لربِّ المال ولا شيء للعامل؛ لأنه إنما يستحق الجزء بالعمل وهذا لم يستحق الجزء بالعمل وهذا لم يعمل (¬2)، وإن كان للثاني (¬3) الثلثان كان في المسألة قولان (¬4)، قول ابن القاسم: إن لربِّ المال نصف الربح ويتبع العامل الآخر الأول بالسدس. وقال غيره: للآخر الثلثان ويتبع رب المال العامل الأول بالسدس (¬5)، وكذلك إذا ذهب بعض المال عند الأول أخذ ثمانين دينارًا فذهب منها أربعون ثم دفع الباقي لمن عمل فيه فصارت مائة، فيبدأ (¬6) رب المال عند ابن القاسم بتسعين رأس ماله ونصيبه من الربح. وخالف غيره في الوجهين جميعًا وجعل رأس المال الأربعين وثلثي الربح. فوجه الأول أن العامل عمل على أن المال على ملك غيره وربح مال القراض كالولادة تزكى عن (¬7) ملك رب المال، فإن استحق المال كان بمنزلة لو لم يسلمه إلى يد غيره. ووجه الثاني أن يقول: إنما ¬

_ (¬1) في (ر): (الجزء). (¬2) في (ر): (يكن). (¬3) قوله: (للثاني) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (قولان) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (وقال غيره. . . الأول بالسدس) ساقط من (ر). (¬6) في (ر): (فرأى). (¬7) في (ر): (على).

يلزم جبر الخسارة وأن يكون الربح على المسمى الأول من عاقد رب المال عليه، ولا يلزمه مثل ذلك الثاني والفرق بينهما أن الأول لو تجر فيه لنفسه لكان الربح بينهما على المسمى، ولو غصبه الثاني من الأول وهو عالم أنه قراض فتجر فيه لنفسه لكان ربحه كله له، ولو أخذ حائطًا مساقاة على النصف ثم دفعه إلى غيره على الثلث كان السدس الفاضل للمساقى الأول. وإن أخذه الثاني على أن الثلثن له لم يجز (¬1)، فإن فات بالعمل كان لصاحب المال النصف، والمساقاة في هذين الوجهين بخلاف القراض؛ لأن العمل بالقراض على عين المقارض (¬2) والمساقاة في الذمة فجاز أن يعطيه لغيره ويكون له الربح، وفارق القراض أيضًا إذا دفع الحائط على أن الثلثين للثاني لأن الثمرة لرب النخل وإنما باع من المساقى نصفها بعمله (¬3)، فإذا باع الثاني منها] (¬4) ما لم يبعه منه (¬5) ربها، رد ربها (¬6) بيعه فيها؛ لأن الثمار كالسلع لرب النخل، وإنما باع من المساقاة (¬7) بخلاف العين الدنانير والدراهم. ثم يختلف بماذا يرجع العامل الآخر؟ فظاهر "المدونة" أنه يرجع على من دفعه إليه بسدس الثمرة، وهذا لما في المساقاة من التوسعة من الغرر بخلاف البيع فأشبه كونها صداقًا أو كتابة، وقياس البياعات أن يرجع بربع (¬8) الإجارة، ¬

_ (¬1) في (ر): (على الثلثين له لم يجبر). (¬2) في (ت): (العامل). (¬3) في (ر): (وإنما باع من المساقاة ونصفها يعمله). (¬4) في (ر): (منهما). (¬5) في (ر): (منها). (¬6) قوله: (ربها) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (لرب النخل، وإنما باع من المساقاة) زيادة من (ر). (¬8) ساقط من (ر).

بمنزلة من اشترى ثمرة بعمل (¬1) فاستحق بعضها، فإنه يرجع بقيمة ما ينوبها وهو ربع الإجارة، فإن كان جميع الثمرة ستة أوسق، كان للعامل أربعة (¬2) واستحق عليه منها وسق: وهو ربع ما في يديه فيقابله ربع (¬3) المنافع، ولو كانت المساقاة على عين العامل (¬4) وأخذه على النصف ودفعه للثاني (¬5) على الثلث، كان لصاحب الحائط الثلثان ولا شيء للعامل كالقراض. وقال ابن القاسم في المقارض: ليس له أن يودع القراض، ولا أن يرسله مع غيره، ولا يبيع بالدين. ¬

_ (¬1) في (ر): (يعمل). (¬2) قوله: (يرجع بقيمة ما ينوبها ... كان للعامل أربعة) يقابله في (ر): (الربع). (¬3) قوله: (فيقابله ربع) يقابله في (ر): (مقابله رب). (¬4) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (للثاني) ساقط من (ت).

باب في العبد والمكاتب يقارض أو يقارض أحدهما، وهل يقارض من يعمل بالحرام؟ والقراض والمساقاة بين المسلم والنصراني

باب في العبد والمكاتب يقارض أو يقارض أحدهما (¬1)، وهل يقارض من يعمل بالحرام؟ والقراض (¬2) والمساقاة بين المسلم والنصراني واختلف في العبد المأذون له في التجارة والمكاتب يعطي الدنانير (¬3) قراضًا أو يأخذه، فأجاز ذلك ابن القاسم (¬4)، ومنعه أشهب قال: لأنه إذا دفع ذلك كان (¬5) قد ائتمن غيره ماله (¬6)، وإن أخذ كان قد (¬7) آجر نفسه، وقوله إذا أعطيا وألا يجوز أحسن؛ لأنَّ الإذن يتضمن أن يتجر بنفسه (¬8)، وأما أخذهما فجائز لأنها تجارة بالمال، فإن كان العبد غير مأذون له فأخذ قراضًا، كان لسيده الأكثر من المسمى أو قراض المثل أو إجارة المثل، وإن أعطى كان عليه الأقل من المسمى أو قراض المثل أو إجارة المثل. فصل في مقارضلة من لا يعرف الحلال والحرام ولا يقارض من لا يعرف الحلال والحرام، ولا من يعرف ذلك ويعمل ¬

_ (¬1) قوله: (أو يقارض أحدهما) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (والقراض) ساقط من (ر). (¬3) في (ت): (المال). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 644. (¬5) قوله: (كان) زيادة من (ر). (¬6) قوله: (ماله) زيادة من (ت). (¬7) قوله: (قد) سقط من (ر). (¬8) في (ر): (لنفسه).

بالحرام، ولا من يعلم أنه إن تيسر له عمل به، وتفترق منزلة ذلك إذا فعل. فأما من كان يجهل ويتجر فيما يدخل فيه الربى كالصرف وبيع الطعام فينبغي أن يتصدق بالفضل من غير جبير، إلا أن يعلم أنه عمل بذلك فيجبر على الصدقة بالفضل، وإن كان تجره بيع البر وما أشبهه وبياعاته على النقد ساغ له الربح، وإن خشي أن يكون تجره فيما لا يجوز بيعه (¬1) ولا أخذ (¬2) العوض عنه (¬3) استحب الصدقة بجميع رأس المال والربح، وإن علم أن تجره كان (¬4) فيه أجبر على الصدقة بجمع ذلك. ولا يأخذ المسلم من النصراني قراضًا؛ لأنَّ فيه إذلالًا له، فإن فعل وفات بالعمل (¬5) مضى ولا يعطيه إياه، قال (¬6) في "كتاب محمد": هذا متعرض لأكل الحرام ولا خير فيه وينقض (¬7). ولا يساقي المسلم نفسه من نصراني لأن فيه إذلالًا، وهو في هذا الوجه أشد من القراض. وأرى أن يفسخ إن أدرك قبل العمل، فإن شرع في العمل لم يفسخ. ولو قيل: إنه يخرج قبل تمام العمل ويعطى أجره عن الماضي لكان وجها، وهذه ضرورة وفسخه عقوبة عليهما إلا أن يأتي بنصراني أو يهودي يعمل مكانه فلا يفسخ؛ لأن المساقاة على الذمة. ولو ساقى المسلم حائطه من نصراني لجاز إذا كان النصراني لا يعصر نصيبه منه (¬8) ¬

_ (¬1) ساقط من (ر). (¬2) في (ر): (يجد). (¬3) قوله: (عنه) ساقط من (ر). (¬4) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (بالعمل) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (قال) ساقط من (ر). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 294. (¬8) قوله: (منه) ساقط من (ر).

خمرًا، ويختلف إذا كان يعصره خمرًا هل يفسخه أو يمضي؟ ويباع نصيب النصراني عليه إذا أتمَّ العمل ولو لم ينظر في ذلك حتى أتم العمل لكان له المسمى؛ لأن الفساد في العقد ثم يباع ذلك المسمى.

باب في ما لا يجوز من القراض

باب في ما لا يجوز من القراض وإذا أخذ مائتي دينار (¬1) ليعمل في كل مائة بانفرادها ويكون ربح أحدهما للعامل والآخر لصاحب المال، لم يجز (¬2)، فإن نزل كان أجيرًا فيها والربح لصاحب المال، ويجري في التي عمل فيها لنفسه قول آخر: لا أجر له إن خسر، وإن ربح كان له الأقل مما ربح فيها أو إجارة المثل، وهو أحسن؛ لأنَّ صاحب المال لم يستأجره عليها بشيء، وقد تقدم ذلك في "كتاب الشركة" فإن عمل في المائتين على أن ربح المائة بينهما والأخرى لأحدهما لم يجز، وكان الجواب في التي ينفرد أحدهما بربحها على ما تقدم: فإن شرطا ربحها لصاحب المال، كان للعامل أجره وإن لم يربح فيها (¬3)، وإن شرطا ربحها للعامل كانت له إجارة المثل ما لم يجاوز ربحها، وإن خسر لم يكن له شيء، وهذا إذا جعل له ربحها وألا شيء عليه من خسارتها، وإن كان عليه خسارتها كان سلفًا فاسدًا فله الربح وعليه الخسارة. ويختلف في التي شرطا ربحها بينهما على ثلاثة أقوال: هل يكون فيها أجيرًا (¬4)، أو على قراض المثل، أو يكون للعامل الأقل من المسمى، أو قراض المثل إن شرطا ربح المنفردة لرب المال، أو يكون له (¬5) الأكثر إن شرطا ربحها للعامل؟ ¬

_ (¬1) في (ر): (درهم). (¬2) قوله: (لم يجز) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (فإن شرطا. . . وإن لم يربح فيها) ساقط من (ر). (¬4) في (ر): (أجرة المثل). (¬5) قوله: (له) ساقط من (ر).

وقال ابن نافع في "شرح ابن مزين": إن شرط أحدهما زيادة فعمل العامل وربح فإن مشترط الزيادة بالخيارة إن شاء أبطلها وكانا على قراضهما الأول، فإن أبى إبطالها (¬1)، كان للعامل إجارة المثل والربح لصاحب المال والضمان عليه. ويختلف إذا كانت واحدة قراضًا والأخرى سلفًا، فقيل: يكون في التي على القراض أجيرًا. وقيل: قراض المثل. وقيل: الأكثر. وعلى قول سحنون يكون له الأكثر ما لم يقبض (¬2) السلف ويتم له (¬3) الربى بينهما (¬4). وعلى قول ابن نافع يكون في القراض على المسمى إن أسقط السلف وإلا كان أجيرًا، وأمَّا السلف فربحه للعامل إلا أن يشترط عليه ألا يبين به (¬5) وأن يعمل به في جملة القراض، فيختلف هل يكون الربح للعامل والضمان عليه، أو لرب المال والضمان منه لأجل التحجير؟ وإن دفع إليه مائتين على جزء متفق كل واحدة (¬6) على النصف، أو مختلف، إحداهما على النصف، والأخرى على الثلث، فإن كان على تخليطهما جاز، وإن كان على أن يعمل في كل واحدة بانفرادها والجزء مختلف لم يجز. واختلف إذا كان الجزء متفقًا، فأجازه محمد ومنعه ابن حبيب قال: فإن نزل كان أجيرًا (¬7). والقياس أن يكون الجواب فيهما واحدًا استوى الجزء أو ¬

_ (¬1) في (ت): (أبطلناها). (¬2) في (ر): (يقض). (¬3) قوله: (له) زيادة من (ت). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 124. (¬5) في (ر): (شيء له). (¬6) ساقط من (ر). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 250.

فصل [فيما إذا أخذ مائة على النصف وأشغل الأول]

اختلف؛ لأن المنع (¬1) خيفة أن يخسر في إحداهما ولا يجبر من الأخرى، فإن الحكم فيما دفع في مرة أن يجبر خسارته ولا يكون الربح إلا بعد جبر رأس المال. وهذا التعليل يستوي فيه استواء الجزء واختلافه، ومحمله إذا قال: هذه على النصف، وهذه على الثلث على ألا خلط حتى يبيح له خلطهما. وإن أخذ مائة على النصف فلم يشغلها حتى أخذ مائة على النصف أو الثلث جاز، وله أن يخلطهما إلا أن يشترط عليه ألا يخلطهما، فيعود الجواب إلى ما تقدم؛ لأنه كان قادرًا على أن يأخذ منه الأول ما لم (¬2) يخلطه فصار في المالين بمنزلة من أخذهما معًا. فصل [فيما إذا أخذ مائة على النصف وأشغل الأول] وإن أشغل الأول جاز إذا كان الثاني على جزء موافق للأول. واختلف إذا كان مختلفًا فأجازه ابن القاسم في المدونة، وقال مالك في كتاب محمد: لا يعجبني ذلك (¬3). والأول أبين، ولا يجوز أن يأخذ الثاني على أن يخلطه بالأول (¬4) على جزء موافق ولا مخالف لأنه على وجهين، فإن كان الثاني على أن الشركة في الأول بحسب رأس ماله (¬5) وفيه الآن خسارة أو ربح، كانا قد دخلا على أن يجبر الخسارة من الربح (¬6) الثاني أو يكون للثاني بعض ربح ¬

_ (¬1) في (ر): (البيع). (¬2) قوله: (ما لم) يقابله في (ر): (مما كان). (¬3) قوله: (أربعة واستحق عليه منها وسق. . . لا يعجبني ذلك) ساقط من (ر). (¬4) في (ر): (كالأول). (¬5) قوله: (ماله) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (الربح) ساقط من (ت).

الأول وكل (¬1) ذلك فاسد. وإن أخذ الثاني على أن الشركة تكون على قيمة الأول، دخله مثل ذلك؛ لأن القيم وقت البيع تتغير عن وقت التقويم وتزيد وتنقص، وإن أعطاه الثاني فلم يشترط عليه خلطه كان محموله على الجواز وعلى ألا يخلط (¬2) حتى يشترط عليه خلطه، وإن نض الأول وفيه خسارة أو ربح لم يجز عند ابن القاسم أن يأخذ منه قراضًا آخر بحال: بجزء موافق أو مخالف كان محمله في الثاني على الخلط أو على الإنفراد. وأجازه غيره بثلاثة شروط: إذا كان في الأول ربح والجزء موافق على ألا يخلط. ووافق ابن القاسم إذا كان في الأول خسارة، وإذا كان فيه ربح والجزء (¬3) مختلف أو متفق بشرط الخلط (¬4). وهو أحسن وليس الخسارة كالربح؛ لأن الشأن عند الخسارة كراهية العامل في التمادي والقصد من صاحب المال أن يعطيه الثاني ليتمادى بالأول رجاء أن يجبر الخسارة، والشأن إذا كان فيه الربح أن العامل يرغب في التمادي وإن لم يدفع إليه شيئًا، ولو علم من العامل أن غرضه رد المال ليستعجل نصيبه من الربح لمنع، وينبغي إذا علم أن العامل على رغبته في التمادي بالأول أن يجوز الثاني وإن على جزء مخالف (¬5) للأول، وإن عملا على الوجه الفاسد بشرط الخلط فض الربح على قدر المالين يوم الخلط فما ناب الأول جبر به الخسارة، وما ناب الثاني كان فيه على قراض المثل ما لم يجاوز المسمى فلا يزاد؛ لأنه رضي بالمسمى على أن يجبر (¬6) خسارة الأول من جميع الربح، فإن أسقط ذلك عنه لم ¬

_ (¬1) في (ر): (كان). (¬2) في (ت): (يخلطه). (¬3) ساقط من (ر). (¬4) في (ر): (يشترط الخليط). (¬5) في (ر): (بخلاف). (¬6) قوله: (يجبر) يقابله في (ت): (لا يجبر).

فصل فيما إذا اشترط على العامل ضمان القراض إن هلك

يزد على المسمى، وعلى هذا يجري الجواب إذا كان الأول في عروض وخلطه بالثاني فض (¬1) ما نض الآن (¬2) على قدر ما يقع به (¬3) الأول ووزن (¬4) في الثاني، فيكون ما ناب الأول على الجبر في الخسارة وفي الربح على المسمى وما ناب الثاني على الأقل من المسمى أو قراض المثل إن كان في الأول ذلك اليوم (¬5) خسارة، وإن لم يدر ما بيع به الأول كان الفض على قيمة الأول يوم خلطه الثاني وهذه ضرورة لا يقدر على غير ذلك. فصل فيما إذا اشترط على العامل ضمان القراض إن هلك وإذا اشترط على العامل ضمان القراض إن هلك (¬6) أو أنه غير مصدق إن ادعى هلاكه أو ضياعه، كان الشرط باطلًا ولا ضمان عليه، وقوله مقبول (¬7) إن قال: هلك أو خسرته، قال ابن القاسم: ويكون فيه على قراض المثل (¬8). وقال مالك في "كتاب محمد" للعامل الأقل من المسمى أو قراض المثل (¬9)، فإن كان ¬

_ (¬1) في (ر): (فنض). (¬2) في (ر): (لأن). (¬3) في (ت): (فيه). (¬4) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (في الأول ذلك اليوم) يقابله في (ر): (في ذلك الأول ذلك). (¬6) في (ر): (أن خلطه). (¬7) قوله: (وقوله مقبول) ساقط من (ر). (¬8) انظر: المدونة: 3/ 647، والبيان والتحصيل: 12/ 354. (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 251.

فصل في المقارض يأخذ مالا قراضا ويشترط أن يعمل به معه رب المال

قراض المثل أكثر من المسمى وقال صاحب المال: أنا أسقط (¬1) الشرط فيمضي بالمسمى. وإذا ضرب للقراض أجلًا كان فاسدًا؛ لأنه على وجهين: إما أن يأتي الأجل والمال في سلع فيشترط أن يرده على حاله (¬2) ويكون المتولي للبيع والنضوض صاحب المال كان القراض على الشراء دون البيع، أو يأتي الأجل وقد باع أول بيعة (¬3) ثم صيره في سلع فشرط أن يرده على حاله ويكون له الربح من البيعة الأولى كان قد دخل على أن يشتري مرتين ويكون الربح من أول بيعة والشراء الثاني زيادة، أو يشترط أن يأخذ الربح من الأول والثاني فذلك فاسد؛ لأنه دخل على أن يشتري ويبيع ثم يشتري على أن يتولى غيره البيع ويأخذ الربح من البيعتين وذلك زيادة من صاحب المال فإذا نزل ذلك كان عند ابن القاسم على قراض مثله. والمعروف من قوله في هذا الأصل أنه أجير (¬4) لأنه يضمن الغرر (¬5) والزيادة. فصل في المقارض يأخذ مالًا قراضًا ويشترط أن يعمل به معه رب المال وقال مالك في صاحب المال يعمل مع العامل في القراض (¬6): لا خير فيه ¬

_ (¬1) قوله: (وقال صاحب المال: أنا أسقط) يقابله في (ر): (فإن صاحب المال إذا سقط). (¬2) قوله: (على حاله) زيادة من (ر). (¬3) قوله: (أول بيعة) يقابله في (ر): (أو لم بيعه). (¬4) في (ت): (أجيز). (¬5) في (ر): (العدد). (¬6) قوله: (في القراض) ساقط من (ر).

ويرد العامل إلى أجر مثله، قال ابن القاسم: إلا أن يكون العمل يسيرًا. قال الشيخ - رضي الله عنه -: وهذا إذا كان ذلك (¬1) بشرط أو تطوع بالعمل قبل أن يعمل الآخر (¬2)؛ لأنه كان له أن يأخذه منه ويصير بمنزلة من أعطاه على مثل ذلك، وإن تطوع بالعمل بعد أن طال عمل الأول فيه ضعفت التهمة وكان فيه (¬3) المسمى، وإن أعانه بغلام يعمل معه في غير ذلك المال (¬4) فلا بأس. ¬

_ (¬1) قوله: (ذلك) ساقط من (ر). (¬2) في (ر): (الأجير). (¬3) في (ر): (له). (¬4) قوله: (المال) ساقط من (ر).

باب في سفر العامل بالقراض

باب في سفر العامل بالقراض قال الشيخ -رحمه الله-: سفر العامل بالقراض ومنعه على ستة أوجه: فإما أن يسافر به ولم يكن من صاحب المال حجر ولا إباحة، أو أباح له السفر جملة، أو إلى موضع بعينه، أو قال: سافر به حيث شئت إلا موضعًا لعينه، أو حجر عليه الخروج به عن (¬1) البلد، أو أوجب عليه السفر به وحجر عليه أن يتجر به في البلد. فاختلف هل له أن يسافر به إذا لم يشترط عليه المقام ولا السفر به؟ فقال ابن القاسم: له عند مالك أن يسافر به إلا أن يكون نهاه عن ذلك (¬2). وقال مالك في "كتاب محمد (¬3) ": لا يصلح أن يشترط عليه ألا يسافر به (¬4)، وقال ابن حبيب: السنة ألا يخرج به إلا أن يأذن صاحب المال (¬5). قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما إذا كان العامل شأنه السفر كان له أن يسافر به إلا أن يشترط ألا يسافر به، وإن كان بزازًا أو ذا صنعة شأنه الإدارة فليس (¬6) له أن يسافر به إلا أن يشترط ذلك، وإن حجر عليه السفر به جاز ذلك إلا ما ذكره محمد عنه. والأول أحسن إذا كان الموضع واسعًا لمثل تلك التجارة، وإذا كان على غير ذلك لم يصلح القراض، فإن فعل وخرج به كان متعديًا وضامنًا إن هلك المال، وإن أباح له السفر جملة أو أباح له موضعًا بعينه، أو أباح له جميع ¬

_ (¬1) قوله: (به عن) يقابله في (ر): (من). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 654. (¬3) قوله: (محمد) ساقط من (ر). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 248. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 260. (¬6) قوله: (له أن يسافر. . . صنعة شأنه الإدارة فليس) ساقط من (ر).

المواضع إلا موضعًا لعينه جاز، وإن شرط عليه السفر وحجر عليه أن يتجر به في الموضع الذي أخذه فيه لم يجز عند ابن القاسم، وأجازه أصبغ في "العتبية" وقال فيمن أخذ قراضًا على أن يخرج به من مصر (¬1) إلى البحيرة أو الفيوم (¬2) يشتري الطعام: لا بأس به. قيل له: فالموضع البعيد يخرج إليه مثل إفريقية يشتري بها؟ قال: لا بأس به، وقال ابن حبيب: يجوز أن يشترط عليه أن يخرج بالمال ولا يسمى بلدًا بعينه، وإن سمى بلدًا بعينه إذا كان (¬3) واسع المتجر ما لم يشترط عليه جلب ما اشترى هنالك، أو يسمي سلعًا يشتريها ويأتي بها، أو يحمل من هنا إلى هناك سلعًا يبيعها، فذلك مكروه وهو فيه أجير (¬4). قال الشيخ - رضي الله عنه -: ويجوز على أصل أصبغ أن يقارضه على أن يتجر فيما يدخر كما جاز (¬5) أن يخرج ولا يشتري إلا من بلد كذا؛ لأن كل ذلك تحجير بل هو فيما هو حاضر أخف. وقول ابن حبيب أن ذلك يجوز إذا كان لا يشتري من ها هنا ولا يشترط عليه القدوم بما يشتري هناك ليس بالبين بل إذا ابتدأ الشراء والتجر من ها هنا أخف، وهذه العادة مع عدم الشرط ولو فسد ذلك بالشرط لفسد مع عدمه لأنها العادة، والعادة كالشرط، ولو أخذ القراض من عادته السفر وليس شأنه التجر في المقام فاشترى ما يجلس به للتجارة لكان متعديًا. وكذلك إذا أخذ المال بزاز (¬6) صاحب دكان فاشترى غير صنعته وما يدار ولا يخزن ولا يدخر كان متعديًا. ¬

_ (¬1) في (ر): (حصن). (¬2) في (ر): (القلزم). (¬3) قوله: (كان) ساقط من (ر). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 249. (¬5) في (ف): (يذكره كما أجاز). (¬6) في (ر): (رأي).

باب في العامل يشترط عليه أن يتجر في صنف بعينه أو يجلس في موضع بعينه

باب في العامل يشترط عليه أن يتجر في صنف بعينه أو يجلس في موضع بعينه قال (¬1): ويجوز لصاحب المال أن يشترط على العامل أن يتجر في صنف بعينه إذا كان لا يتعذر التجر فيه، وقال مالك في "المدونة": إذا اشترط عليه أن يتجر في البز، جاز (¬2) إذا كان موجودًا في الشتاء والصيف (¬3). ولا أدري كيف هذا والقراض ليس يحتاج أن يعمل فيه سنة، فإن كان غير مدير جاز على نضة واحدة، وإن كان مديرًا لم يحمل على أول ما بيع من ذلك، وليس ذلك القصد والشأن أن يبيع له ويشتري وأن يكرر ذلك (¬4) حتى ينهاه، ولو نهاه بعدما شغل جميع المال أول مرة كان ذلك على أحد القولين فيما لا غاية له كالكراء مشاهرة. وعلى القول الآخر لا (¬5) ينتزعه حينئذ (¬6)؛ لأنَّ عليه فيه ضررًا. وإن سافر بالقراض، ثم قدم فنض المال لم يشغله في شيء يرجع به إلا بإذن صاحب المال وهذا الشأن. واختلف إذا اشترط أن يشتري شيئًا فيكري أو يزرع به، فمنع ذلك مالك في "المدونة" وقال: إن عمل رد إلى إجارة مثله (¬7). وقال ابن شعبان: اختلف ¬

_ (¬1) قوله: (قال) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (جاز) ساقط من (ت). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 652. (¬4) قوله: (ذلك) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (لا) ساقط من (ر). (¬6) ساقط من (ر). (¬7) انظر: المدونة: 3/ 568.

إذا اشترط أن يزرع به فأجيز وكره. قال الشيخ - رضي الله عنه -: وأرى أن يمضي إذا عمل به ولا يجري على أحكام الفاسد، فإن زرع به من غير شرط جاز، وإن خسر (¬1) لأنه لم يتم أو لأن سعره صلح لم يكن عليه شيء (¬2)، وإن كان ذلك لظلم أحدثه أحد ولم يتقدم له عادة لم يكن عليه شيء، وإن كان متقدمًا (¬3) وهو عالم به ضمن، وسواء كانت الخسارة من سبب الزرع أو من سبب الظلم لأنه متعد في أصل فعله والثمن في ذمته في أول ما زرع به، وإن عمل به مساقاة بشرط، كان على الخلاف، وإن علم به بغير شرط جاز حسبما تقدم في الزرع. وإن أخذه على ألا يتجر إلا في البز فتجر في غيره، فإن خسر ضمن، وإن ربح كان على القراض، والقياس أن يكون له الأقل من ثلث المسمى أو قراض المثل أو إجارة المثل (¬4)، وقد تقدم ذلك. وقال مالك (¬5): لا يجوز أن يشترط على العامل أن يجلس في حانوت بعينه، فإن فعل كان أجيرًا، وكذلك إذا شرط قيسارية بعينها إلا أن تكون كبيرة لا (¬6) يتعذر جلوسه فيها (¬7). ¬

_ (¬1) قوله: (خسر) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (شيء) ساقط من (ر). (¬3) في (ر): (معتديًا). (¬4) قوله: (أو إجارة المثل) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (مالك) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (كبيرة لا) يقابله في (ر): (كثيرًا). (¬7) انظر: المدونة: 3/ 654.

باب في العامل يستدين على القراض

باب في العامل يستدين على القراض وإذا اشترى العامل بمال القراض، ثم استدان واشترى متاعًا آخر على ذلك القراض فإن كان غير مدير لم يجز وكان المشتري للعامل، له ربحه وعليه وضعيته، ولو رضي له صاحب المال أن يشتريه (¬1) على القراض ما جاز والربح للعامل، إلا أن يقول صاحب المال: إن ضاع القراض دفعت من ذمتي، فيكون له الربح والعامل أجير (¬2). وإن قال: اشتر علي القراض فإن ضاع لم يكن علي شيء، كان الربح والخسارة للعامل وعليه، فإن كان مديرًا فاشترى بما ليس معه على النقد ليدفع من القراض جاز، وهذا مما لا يستغني عنه العامل يشتري أول النهار ويقضي آخره أو للغد مما يبيعه أو يقبضه (¬3) من ديونه، وقال محمد: إذا اشترى على القراض فلم ينقد حتى باع ذلك المشتري بربح، فالربح للمال بمنزلة لو لم يبع حتى نقد؛ لأنها وجبت للقراض بوجه جائز وإن لم ينقد ثمن الأولى (¬4) حتى اشترى أخرى ونقد فيها مال القراض، كان ربحها للعامل وخسارتها عليه؛ لأن الشراء فيها على القراض غير جائز. ولو اشترى على القراض والمال عنده في البيت فاستسلف الثمن من صاحب القراض أو من غيره فدفعه في ثمن السلعة، ثم باعها بربح، ثم اشترى بمال القراض سلعة أخرى فربح فيها أو خسر (¬5) كانت السلعتان جميعًا على القراض، ويجبر من ¬

_ (¬1) في (ر): (يشترط). (¬2) قوله: (والعامل أجير) ساقط من (ر). (¬3) في (ت): (يقتضيه). (¬4) في (ر): (الأول). (¬5) في (ر): (فخسر فيها).

الأولى خسارة الثانية إن كان فيها خسارة، ولو اشترى الثانية قبل بيع الأولى لم تكن الثانية على القراض؛ لأن العمل في القراض قد تعين في تلك السلعة ومن حق صاحب المال ألا يقصي تلك المائة الثانية في مائته (¬1). ولو باع الأولى ولم يقض ثمنها في السلف حتى اشترى الثانية، كانت الثانية على القراض؛ لأن في يديه حينئذ مائتين، مائة القراض، والمائة الثانية. واختلف فيمن أخذ مائة دينار قراضًا فاشترى سلعة بمائة نقدًا وبمائة إلى سنة بماذا يكون العامل شريكًا؟ فروى ابن القاسم عن مالك أنه يكون شريكًا بما زادت قيمة السلعة على المائة النقد، وروى عنه أشهب أنه يكون شريكًا (¬2) بقيمة المائة المؤجلة على النقد (¬3). واختلف عن ابن القاسم هل يكون شريكًا بما زادت قيمة السلعة على المائة (¬4) أو بقيمة المائة؟ وقيمة المائة أحسن وهو الأصل أن السلعة تفض على الثمنين اللذين اشتريا بهما إلا أن تكون الديون لا تعرف لها قيمة (¬5). ¬

_ (¬1) في (ر): (تلك الثانية في الثانية). (¬2) قوله: (بما زادت قيمة السلعة على المائة النقد. . . يكون شريكًا) ساقط من (ر). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 258. (¬4) قوله: (المائة) يقابله في (ر): (الثانية). (¬5) في (ت): (لهم قيم).

باب في العامل يتعدى في القراض الفاسد

باب في العامل يتعدى في القراض الفاسد (¬1) وإذا تجر العامل في القراض لنفسه ضمن الخسارة (والتلف)، ويفترق الجواب في الربح، فإن كان تجره في الوقت الذي أذن له في حركة المال كان الربح على القراض، وإن كان في وقت لم يؤذن له في حركته، كان الربح للعامل هذا عقد هذا الباب. فإن أخذه ليعمل به في البلد في صنف بعينه فتمكن له العمل فيه فاشترى غيره كان الربح على القراض، والقياس أن يكون له الأقل من (¬2) المسمى أو قراض المثل، فإن كان المسمى أقل لم يكن له سواء للعقد الذي كانا عقداه، وإن كان قراض المثل أقل لم يعط المسمى؛ لأن رب المال إنما استأجره بذلك الجزء ليعمل في صنف بعينه فلم يعمل فيه، وإن تجر لنفسه في حين لا يتمكن فيه التجر في ذلك الصنف كان الربح للعامل، وكذلك إن تجر في الصنف المأذون فيه، ثم باعه، ثم اشترى غيره وربح وكان أخذ المال (¬3) على نضة واحدة كان الربح الثاني للعامل، إلا أن يحبسه عن ربه فيكون له على حكم الغاصب يتجر في مال الغصب، وإن أخذ القراض ليتجر به في بلد آخر ويبتدئ الشراء من موضعه الآن إن (¬4) كان الربح للقراض، وإن كان يشتري به من البلد الذي يخرج إليه فاشترى به قبل خروجه ما باعه هناك كان الربح له والوضيعة عليه، وإن كان تجر بعد وصوله وبعد أن تيسر له التجر في ¬

_ (¬1) ساقط من (ر). (¬2) ساقط من (ر). (¬3) في (ر): (وكان أخذه العامل). (¬4) قوله: (إن) زيادة من (ت).

الصنف (¬1) الذي سمى له كان الربح للقراض، ويتغير الجزء الذي عقداه حسبما تقدم، وإن تجر في الصنف الذي أذن (¬2) له فيه لم يتغير الجزء (¬3)؛ لأنه إنما خالف في النية إلا أن يعدم ذلك الصنف في البلد الذي قدمه، أو وجد سوقه قد تغيرت وصار إلى ألا (¬4) فائدة في شرائه، وما يعلم أن صاحب المال لا يشتريه بذلك السعر فيكون الربح للعامل. وإن كان ذلك الصنف موجودًا وغلا السعر الذي يشتري به فكتب إليه صاحب المال بأن لا يشتريه، فاشتراه بعد ذلك لنفسه كان الربح للعامل وعليه خسارته. وإن اشتراه لصاحب المال كان الربح للقراض والخسارة على صاحب المال لأنه لم يكن له عزله بعد سفره ووصوله. ¬

_ (¬1) في (ر): (الشيء). (¬2) قوله: (أذن) زيادة من (ت). (¬3) قوله: (لم يتغير الجزء) ساقط من (ت). (¬4) ساقط من (ر).

باب في العامل يتعدى في القراض الفاسد

باب في العامل يتعدى في القراض الفاسد قال الشيخ -رحمه الله- (¬1): قد تقدم القول إذا قارض بعرض وأمره أن يبيع بعين فتعدى العامل فباعها بعروض وقول ابن حبيب في ذلك (¬2). وأمَّا إن كان القراض بعين وأمره أن يشتري به عبد فلان فالقراض فاسد، فإن خالف فاشترى غيره لنفسه بعد أن امتنع سيد العبد من بيعه منه، كان الربح للعامل. وإن كان تجره لنفسه قبل طلبه ومعلوم أنه كان (¬3) يبيعه منه أو بعد أن طلبه أو أمكنه من شرائه، كان الربح للقراض. وإن أطلق له الشراء في جميع الأصناف على أن يبيع بالنسيئة فخالف وباع بالنقد كان على قولين: على قول أنه يكون في المشتري (¬4) لو لم يبعه على قراض المثل يمضي بيعه ولا يرد وإن لم يفت ولا يكون عليه ضمان إن ضاع الثمن؛ لأن الحكم على القول أنه يرد إلى قراض المثل أن يباع بالنقد ولا يوفي بذلك الشرط. وإن كان في الثمن ربح كان فيه على قراض مثله (¬5) وإن لم يكن فضل لم يكن له شيء، وعلى القول أنه يكون في المشتري أجيرًا يكون في بيعه متعديًا؛ لأنه لو علم به قبل البيع لأعطاه إجارة المثل في الشراء ولم يمكن من البيع، وإذا كان الحكم ألا يمكن من البيع كان متعديًا في البيع وكان صاحب المال بالخيار بين أن يجيز البيع ويأخذ الثمن ويعطي إجارة المثل عن الشراء والبيع، أو يضمنه ويعطي الإجارة عن الشراء ¬

_ (¬1) زيادة من (ت). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 244. (¬3) قوله: (كان) ساقط من (ر). (¬4) في (ر): (الشراء). (¬5) ساقط من (ر).

دون البيع. وهذا الجواب على أصل مالك وابن القاسم وقال غير ابن القاسم في "المدونة": هو متعد، وهو بمنزلة رجل أخذ مالًا على أن يشتري صنفًا غير موجود فذلك قراض لا يجوز، فإن اشترى غير ما أمر به كان متعديًا، ويكون الفضل فيه إن كان لربِّ المال، وإن كانت وضيعة فعليه، ويعطى من الفضل على قراض المثل؛ لأني إن ذهبت أعطيه أجر مثله وقد تعدى فلعل أجر مثله يذهب بالفضل وببعض وبنصف رأس المال، فيكون قد نال بتعديه وجه ما طلب (¬1). ولا وجه لهذا القول لأنه إن كان الحكم عنده أن يكون (¬2) الذي اشتراه قبل البيع على قراض المثل فالبيع جائز ولا يكون فيه متعديًا. وإن كان الحكم أن يكون أجيرًا كان له أجر المثل في الشراء وهو متعد في البيع، وصاحب المال بالخيار بكان أن يجيز تعديه ويعطيه الأجر في البيع أو يضمنه القيمة ولا أجر له في البيع، ولا يكون تعديه (¬3) فيما أصله الإجارة مما يرده في أصل الشراء إلى قراض المثل؛ لأنه لم يكن يستحقه في ذلك المشترى، وهذا الجواب فيما (¬4) إذا أمره ألا يبيع إلا بالنسيئة. وأما إن أخذ المال ليشتري شيئًا غير موجود فاشترى غيره لنفسه لأنه لم يجد ذلك الصنف، كان الربح له، وإن اشتراه على القراض كان صاحب المال بالخيار بين أن يجيز شراءه، أو يكون فيه على قراض المثل، أو يضمنه رأس المال وتكون السلع للعامل. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 652. (¬2) قوله: (أن يكون) يقابله في (ر): (في). (¬3) في (ر): (بعده). (¬4) قوله: (فيما) زيادة من (ر).

باب في العامل يشتري بمال القراض من نفسه، وكيف إن كان ذلك برضا صاحب المال قبل العمل أو بعده؟ أو يشتري به من صاحب المال أو يبيع رب المال القراض من العامل

باب في العامل يشتري بمال القراض من نفسه (¬1)، وكيف إن كان ذلك برضا صاحب المال قبل العمل أو بعده؟ أو يشتري به من صاحب المال أو يبيع رب المال القراض من العامل ومن "المدونة" قال مالك فيمن ابتاع سلعة فقصر ماله عنها، فأخذ قراضًا وهو يريد أن يدفعه في بقية ثمن السلعة، قال: لا أحب ذلك؛ لأني أخافُ أن يكون قد استغلاها فيدخل مال الرجل فيها (¬2). قال ابن حبيب: فإن انكشف أنه استغلاها قومه (¬3) حينئذ (¬4) ورد الزيادة ولا ألتفت إلى ثمنها وإن ارتفع وصار فيها ربح كبير (¬5). وهو موافق لقول مالك؛ لأنه أسقط المحاباة وأمضى البيع فيما بعد، ولم يجعله بمنزلة من اشترى بغير وكالة فيفيتها حوالة الأسواق على قوله وتكون القيمة كالثمن الصحيح ثم يكون على القراض نقصها وضياعها، وقد اختلف في هذا الأصل إذا وكل على الشراء فاشترى من نفسه، فقيل: ذلك جائز. وقيل: يمنع ويفسخ مع القيام، فإن فات بتغير أسواق (¬6) مضى وهذا ¬

_ (¬1) في (ر): (لنفسه). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 656. (¬3) في (ت): (قومت). (¬4) في (ت): (يومئذ). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 254. (¬6) في (ت): (سوق).

فصل في المقارض يشتري من رب المال سلعة

حماية (¬1)، قاله ابن القاسم في العتبية (¬2). وقيل: البيع غير منعقد (¬3). ولو كانت الوكالة على بيع عبد فباعه من نفسه فأعتقه (¬4) لرد عتقه؛ لأنه عنده (¬5) بيع بغير وكالة، وقد مضى هذا الأصل في كتاب الوكالات. وقال مالك في رجل ابتاع سلعة ثم أتى (¬6) إلى رجل فقال له: ادفع إليَّ مالًا أدفعه في ثمنها ويكون قراضًا: لا خير فيه، وأراه بمنزلة من أسلف مائة دينار رجلًا فنقدها في سلعة اشتراها ليكون له نصف ربحها، فإن دفع رد المال إلى صاحبه وكان ربحها وضيعتها لمشتريها (¬7). وقوله سلف ليس بالبين؛ لأن السلف دخلا (¬8) فيه على أن الربح لهما والخسارة من المشتري، وهذان داخلان على أنها (¬9) تكون للقراض ربحها وخسارتها، وهو بيع فاسد يمضي للقراض بالقيمة. فصل في المقارض يشتري من رب المال سلعة قال مالك: ولا يعجبني أن يشتري العامل من مال القراض سلعة من رب المال؛ لأنها إن صحت من هذين لا تصح من غيرهما (¬10). ¬

_ (¬1) في (ر): (جناية). (¬2) قوله: (ابن القاسم في العتبية) ساقط من (ر). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 414. (¬4) في (ر): (فباعه وأعتقه عن نفسه). (¬5) في (ر): (عبد). (¬6) قوله: (أتى) ساقط من (ر). (¬7) انظر: المدونة: 3/ 656. (¬8) في (ت): (ما دخلا). (¬9) في (ر): (أنهما). (¬10) انظر: المدونة: 3/ 658.

وقال ابن القاسم في "كتاب محمد": اختلف فيه قول مالك فوجدت في "كتاب عبد الرحيم" أنه قال: لا بأس به إن صح بينهما خففه (¬1). وأرى إن اشترى منه من مال القراض بالشيء اليسير أن يمضي وإن اشترى بجميع الثمن (¬2) أن يفسخ لأنهما يتهمان أن يكونا عقدا على القراض بالعرض (¬3) وأظهرا العين، ثم أعاداه إلا أن يقوم دليل على براءتهما. ويجوز لصاحب (¬4) المال أن يبيع من العامل عروض القراض أو بعضها بالنقد. واختلف إذا باعها بالنسيئة وكانت حاضرة فكرهه مالك، قال ابن القاسم: وهو رأي وينقض، فإن فاتت كانت فيها القيمة معجلة، وقال محمد: لا أبلغ به الفسخ، وأجازه يحيى بن سعيد والليث (¬5). وإن لم يحضر لم يجز قولًا واحدًا ويفسخ إن كانت قائمة، فإن فاتت مضت بالقيمة؛ لأن أكثر ما يعمل ذلك عندما يخسر العامل في إلمال فيجعلاه إصلاحًا (¬6) لترك الخصومة فيكون قد اشترى منه الوجود ليؤخره بما يتهمه أنه أكله فيكون بيعًا وسلفًا، واتقى مالك مثل ذلك في الحاضر أن يكون الذي أحضر ليس من القراض، أو يكون من القراض (¬7) ولا يوفي فيزيده لمكان ترك الخصومة، ولو علم أنها عروض القراض فاشتراها بمثل ما يشتريها به غيره إلى ذلك الأجل لكان جائزًا. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 256. (¬2) في (ر): (المال). (¬3) في (ر): (بالعروض). (¬4) في (ر): (لرب). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 256. (¬6) في (ت): (اصطلاحًا). (¬7) قوله: (أو يكون من القراض) ساقط من (ر).

باب في المقارض يشتري أو يبيع فيجحده البيع أو الثمن، وإذا ضاع المال قبل أن ينقده هل يغرمه صاحب المال؟

باب في المقارض يشتري أو يبيع فيجحده (¬1) البيع أو الثمن، وإذا ضاع المال قبل أن ينقده هل يغرمه صاحب المال؟ وقال ابن القاسم في العامل يشتري سلعة وينقد ثمنها، ثم يجحد البائع الثمن: هو ضامن من حين لم يشهد (¬2). يريد فيما كانت العادة فيه الإشهاد على العقد أو على الدفع، وما كانت العادة فيه ترك الإشهاد على الدفع لم يضمن- قال ابن القاسم: ولو علم صاحب المال أنه دفع الثمن بإقرار من البائع أو غير ذلك، ثم جحد لم يسقط الضمان عن العامل إلا أن يكون دفعه بحضرة رب المال (¬3). وإن جحد البائع البيع وقال: لم أبع ولم أقبض وكانت العادة الإشهاد على دفع الثمن دون العقد، غرم على قول ابن القاسم الأقل من الثمن أو القيمة، فإن كان الثمن أقل قال: ليس عليه غيره (¬4)؛ لأنه لو جحد في البيع ولم يدفع إليه الثمن لم يكن عليه شيء، وإن كانت قيمة السلعة أقل لم يغرم غيرها لأنه يقول: لو سلم إلى السلعة لم يكن لك غيرها، وفي "كتاب الوكالات" إذا باع الوكيل (¬5) فجحد المشتري الشراء، وإذا اشترى على القراض فضاع المال قبل دفعه غرمه العامل وكانت السلعة للعامل، وقال المغيرة: على الآمر دفع الثمن ثانية (¬6). وقال ها هنا فيمن وكل رجلًا يشتري له سلعة فاشتراها ثم أخذ ¬

_ (¬1) في (ف): (فيحجد البيع أو الثمن). (¬2) انظر: المدونة: 3/ 657. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 658. (¬4) قوله: (غيره) ساقط من (ر). (¬5) في (ت): (وفي كتاب الوكالة إذا بيع الوكيل عليه شيء). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 221.

المال من الآمر فضاع أن على الآمر أن يدفع المال مرة أخرى. وقال بعض المدنيين: لا يغرم الآمر وإنما هو بمنزلة الاقتضاء. وأرى إن كانت الوكالة على أن يكون الوزن من عند الآمر أن يغرمه ثانية. وكذلك إن كان ليكون الثمن سلفًا من عند المأمور ثم أتى قبل الوزن فدفع إليه الثمن ليدفعه إلى البائع؛ لأن الآمر حينئذ رجع عن أن يكون الثمن سلفًا، وإن أعطاه ذلك قضاء عن السلف الذي رضي به المأمور برئ الآمر وكان الضمان من المأمور، ولو علم البائع أن هذا وكيل وباع على أن يكون الوزن من عند الآمر وجعل المأمور وكيلًا له على قبض الثمن من الآمر (¬1) لبرئ (¬2) الآمر بالدفع إلى وكيل المأمور والمصيبة من البائع إذا ثبت الدفع أو صدقه البائع أو كانت العادة ترك الإشهاد. ¬

_ (¬1) في (ر): (الآخر). (¬2) في (ر): (ليوفي).

باب في العامل أو صاحب المال يبيع من مال القراض أو قبل أوان البيع أو يحابي في ذلك

باب في العامل أو صاحب المال يبيع من مال القراض أو قبل أوان البيع أو يحابي في ذلك (¬1) قال (¬2): وإذا أراد صاحب المال أو العامل أن يبيع شيئًا من عروض القراض قبل أوان بيعها والأسواق التي ترجى لها لم يجز، فإن فعل وباع رد بيعه، وإن فات بها المشتري مضت بالثمن الذي بيعت به إذا كان وهو ثمنها (¬3) يوم البيع. والقياس أن يكون لكل واحد منهما في ذلك مقال: فإن تعدى صاحب المال في البيع كان للعامل أن يغرمه الجزء الذي كان يرجو (¬4) أن يربحه فيها؛ لأنه يقول: هو ثمن لمنافعي فليس له أن يتعجل البيع ليعطي دون ما كنت أستحقه فيها (¬5). وإن تعدى العامل فباع قبل أوان البيع ضمن ما كان من خسارة. وإذا دفع العامل سلعة بغير بينة فجحدت فالعامل ضامن، وكذلك الوكيل لرب المال أن يغرمه (¬6). فصل في المقارض يبتاع العبد من مال القراض فيقتل العبد عبد رجل عمدًا وإذا اشترى العامل عبدًا فقتله عبد عمدًا، فإن اجتمع رب المال والعامل ¬

_ (¬1) قوله: (في ذلك) ساقط من (ر). (¬2) زيادة من (ت). (¬3) في (ر): (كان موضعها). (¬4) قوله: (منهما في ذلك مقال. . . كان يرجو) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (فيها) ساقط من (ر). (¬6) يقابله بياض في (ت).

على القصاص (جاز ولم يحط قدره من رأس المال وكان بمنزلة ما هلك من المال. وإن اختلفا فدعا أحدهما إلى القصاص) ودعا (¬1) الآخر إلى العفو، فإن كان الذي دعا إلى العفو رب المال كان القول قوله، وإن دعا إلى القتل، وكان العبد المقتول هو جميع مال (¬2) القراض ولا فضل فيه وقد قال رب القاتل (¬3): أنا (¬4) أفتدي، أو قال (¬5): أنا أسلم، ولا فضل في القاتل (¬6) كان القول قول السيد، وإن كان في المقتول فضل وقال سيد القاتل: أنا أفتدي، أو في القاتل فضل (¬7) وقال: أنا أسلمه كان القول قول العامل وكذلك إن كانت في المال بقية سوى العبد المقتول فالقول قول العامل (¬8)، إلا أن يكون في الباقي ربح إن أضيف إلى قيمة المقتول عند الافتداء أو قيمة القاتل عند إسلامه فيكون القول قول رب المال، وإن دعا العامل إلى القصاص لم يقبل قوله كان في المال فضل أو لم يكن. ¬

_ (¬1) قوله: (ودعا) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (مال) ساقط من (ر). (¬3) في (ت) و (ح): (رب المال). (¬4) قوله: (أنا) يقابله في (ر): (إذا). (¬5) قوله: (قال) ساقط من (ت). (¬6) في (ر): (القتل). (¬7) في (ر): (وأبى العامل). (¬8) ساقط من (ر).

باب في العامل يشتري بالقراض من يعتق عليه أو على صاحب المال أو يولد ما اشترى بالقراض أو يعتق

باب في العامل يشتري بالقراض من يعتق عليه أو على صاحب (¬1) المال أو يولد ما اشترى بالقراض أو يعتق قال (¬2): وإذا اشترى العامل من القراض ولده وهو موسر وفي المال فضل عتق عليه عالمًا كان أو غير عالم، (وإنما) يفترق الحكم في العلم وعدمه هل يعتق بالقيمة أو بالثمن؟ وإن كان لا فضل فيه وهو معسر لم يعتق عليه (¬3) عالمًا كان أو غير عالم، وإن كان موسرًا وهو عالم أعتق عليه. هذا ظاهر قوله في "المدونة"، وحمله على الرضا بالتزام العتق (¬4)، وإن كان غير عالم لم يعتق عليه. وقال أشهب: يعتق. وأن لا شيء عليه (¬5) إذا لم يكن فيه فضل علم أو لم يعلم أحسن؛ لأنه وكيل في ذلك المال لغيره، وفعله ذلك محتمل، هل قصد العتق أم لا؟ فأرى أن يحلف أنه لم يرض بعتقه ويكون رقيقًا، وعليه (¬6) إذا كان فيه فضل وهو موسر وغير عالم أنه ابنه القيمة (¬7) وسواء كانت القيمة أكثر من الثمن أو أقل؛ لأن مصيبته كانت من صاحب المال فله ربحه وعليه وضعيته (¬8) والقيمة ¬

_ (¬1) في (ت): (رب). (¬2) قوله: (قال) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (عليه) ساقط من (ر). (¬4) في (ت): (العقد). (¬5) في (ر): (وإلا فلا شيء عليه). (¬6) في (ت): (وعتقه). (¬7) في (ر): (بالقيمة). (¬8) في (ت): (في وضيعته).

في جميعه يوم الحكم ولا يعتبر فيه نصيب الولد (¬1) من الربح يوم اشتراه ويكون الاستكمال لصاحب المال يوم الحكم؛ لأن ذلك يؤدي إلى تبدية العامل على صاحب المال (¬2) قبل وصول رأس ماله إليه. وقد يهلك العبد قبل التقويم، فلو اعتبرت القيمة في نصيب العامل لكان قد أخذ ربحًا ولم يصل إلى صاحب المال شيء من رأس ماله، (¬3) وكذلك إن لم يهلك وتغير سوقه بنقص (¬4)، لم يصلح (¬5) أن يعطي (¬6) العامل على جزء (¬7) من الربح يوم اشتراه فقد يكون الباقي (¬8) كفافًا لرأس المال، فيكون العامل قد أخذ ربحًا دون صاحب المال. وإن اشتراه وهو عالم وكان عليه الأكثر من الثمن أو القيمة يوم يقام عليه، فإن كان الثمن (¬9) أكثر أخذ به لأنه متعد في اشترائه إياه، وإن كانت القيمة أكثر غرمها لأنه مال أخذه لينميه لصاحبه فليس له أن يختص بربحه. وإن كان عالمًا أنه ولده وجاهلًا بالحكم يظن أنه يجوز له ملكه أعتق بالقيمة وهلاكه قبل النظر فيه من صاحب المال إلا قدر ما ينوب العامل من الربح، (وإن كان معسرًا وفي المال ¬

_ (¬1) في (ر): (وتعتبر قيمة نصيب الولد). (¬2) قوله: (المال) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (وقد يهلك العبد قبل. . . شيء من رأس ماله،) ساقط من (ر). (¬4) في (ر): (ببعض). (¬5) في (ت): (لم يصح). (¬6) في (ت): (يعطى). (¬7) في (ر): (حدة). (¬8) في (ر): (الثاني). (¬9) قوله: (الثمن) ساقط من (ر).

فصل في المقارض يشتري ولد رب المال أو والده أو ولد نفسه أو والده

فضل بيع منه بقدر رأس المال ونصيبه من الربح) ويعتق الفاضل (¬1) على العامل. وإن كان رأس ماله مائة والربح (¬2) مائة وخمسون كان من حق صاحب المال أن يباع من العبد بمائة وخمسة وعشرين على أن الباقي عتيق؛ لأن من حق رب المال أن يبدأ برأس ماله وبربحه ولا يستحق العامل ربحًا إلا بعد نضوض المال. ولو نض المال لأخذ رب المال مائة وخمسة وعشرين: فإن كان العتيق يعيب العبد ولا يبقى بعدما يشتري منه بمائة وخمسة وعشرين (¬3) إلا عشرة أو أقل لم يعتق منه غير ذلك، ولا يصح أن يعتق منه (¬4) سدسه، فقد يكون الباقي لا يوفى برأس المال أو يوفى برأس المال لا أكثر فيكون قد فضل (¬5) للعامل ربح دون رب المال، وقد كان يقال: يباع منه بمائة على أن نصف الباقي حر. وهذا غير صحيح ويدخله من الفساد ما دخل الأول؛ لأنه إذا بيع بمائة على أن نصف الباقي حر، لم يحصل له من الربح خمسة وعشرون دينارًا، وقد كان جبر له (¬6) رأس ماله ببعض ربحه. فصل في المقارض يشتري ولد رب المال أو والده أو ولد نفسه أو والده وإذا اشترى ولد رب المال وهو غير عالم أعتق على رب المال، وإن كان ¬

_ (¬1) قوله: (الفاضل) ساقط من (ر). (¬2) في (ت): (وقيمته). (¬3) قوله: (فإن كان العتيق يعيب العبد. . . وعشرين) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (منه) ساقط من (ر). (¬5) في (ت): (وصل). (¬6) في (ر): (به).

فصل في المقارض يعتق من مال القراض عبدا

عالمًا لم يعتق عليه. وقال ابن القاسم: ويعتق على العامل، وحمله على أنه رضي بعتقه من ماله عن رب المال، وقال سحنون: لا يعتق على العامل، وقال أشهب: إن كان فيه ربح عتق منه قدر ذلك الربح وبيع الباقي (¬1). وهو أحسن ولا يعتق عليه لأنه وكيل لسيده، ويعتق الفضل لأن العامل مقر أنه لم يشتره لنفسه فيعتق ذلك القدر من باب: "لا ضرر ولا ضرار". واختلف بعد القول أنه يعتق على العامل، هل يعتق على العامل إذا كان معسرًا؟ فقال ابن القاسم في "كتاب محمد" يعتق ويتبعه رب المال في ذمته (¬2). وقيل: يكون رقيقًا. والأول أحسن ولا يمكن الآمر من رده في الرق لدينه. وكذلك لو كان والده ملكًا (لرجل) فأعتقه وهو معسر وعليه دين لابن المعتق لم يمكن من رد أبيه (¬3) في الرق لدينه وهو من العقوق. وكذلك لو كان الدين للأب والابن هو المعتق، وإذا كان الدين للابن (¬4) أبين والعتق على صاحب المال إذا كان العامل غير عالم بالقيمة، وإن كان في القيمة فضل أخذ نصيبه منه، وإذا كان العامل عالما (¬5) أعتق بالثمن وليس بالقيمة، فإن كانت القيمة أكثر فليس لرب المال أن يأخذ ربحه من القيمة لأن ذلك يعد (¬6) بمنه بالشراء ويعتق عليه. فصل في المقارض يعتق من مال القراض عبدًا فإن أعتق العامل عبدًا من القراض وهو موسر مضى عتقه بالقيمة إن ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 280. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 280. (¬3) في (ر): (لم يكن مردود فيه). (¬4) قوله: (للابن) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (عالمًا) ساقط من (ر). (¬6) في (ف): (يعد)، ولعله هو الصواب.

اشتراه للقراض، وإن اشتراه لنفسه غرم الأكثر من الثمن أو القيمة يوم أعتق، وإن كان معسرًا رد عتقه إلا أن يكون فيه فضل فيعتق الفضل. وقال غيره: صاحب المال بالخيار في إمضاء عتقه أو رد جميعه وإن كان موسرًا إلا أن يكون في العبد فضل فينفذ عتقه للشرك (¬1) الذي له فيه. وهذا راجع إلى من وكل على أن يبيع فباع من نفسه وأعتق، هل يمضي عتقه أو يرد لأنه بيع بغير وكالة؟ وإن وطئ أمة من القراض فحملت وهو موسر كانت أم ولد وعليه قيمتها إن اشتراها للقراض، وإن اشتراها لنفسه كان عليه الأكثر من الثمن أو القيمة يوم أصاب، فإن كان الثمن أكثر من غرمه لأنه عليه تعدى لما (¬2) اشترى لنفسه، وإن كانت القيمة أكثر غرمها لأنه لو أدركها قبل أن يصيب وقبل أن تحمل ردت إلى القراض. واختلف إذا كان معسرًا ولا فضل فيها ولا في القراض. ¬

_ (¬1) في (ر): (للشريك). (¬2) قوله: (تعدى لما) يقابله في (ر): (بقدر ما اشترى).

باب في الاختلاف في القراض

باب في الاختلاف في القراض (¬1) قال الشيخ -رحمه الله- (¬2): الاختلاف في القراض في تسعة مواضع: في ضياعه، وفي رده، وفي الجزء الذي يأخذه من ربحه، وفي القدر الذي ربحه، وفي قدر رأس المال، وهل هو بضاعة أو قراض (أو اختلفا هل هو قرض أو قراض)؟ وفي الصحة والفساد. فإن اختلفا في تلفه (¬3) فقال العامل: ضاع أو سقط مني، أو نزل على فسرق، أو لقيني اللصوص فانتزعوه مني، أو غرق أو ما أشبه ذلك، كان القول قول العامل (¬4) في جميع ذلك؛ لأنه أمين والأمين مصدق في أمانته مأمونًا كان أو غير مأمون؛ لأن رب المال رضيه أمينًا. واختلف في يمينه، وأرى أن يحلف إن كان غير مأمون، فإن كان ثقة لم يحلف إلا أن يكون هناك دلائل التهم (¬5)، فإن قام دليل على كذبه لم يصدق وأغرم وإن كان عدلًا. وإن اختلفا في رده وكان أخذه بغير بينة كان القول قوله مع يمينه وإن كان ثقة؛ لأنَّ رب المال يدعي عليه التحقيق أنه لم يرد بخلاف دعوى التلف؛ لأنه لا يقطعَّ بكذبه في التلف وهي أقوى (¬6) تهمة، وإن أخذه ببينة لم يقبل قوله في رده. وهذا قول ابن القاسم في المدونة (¬7)، وقال في كتاب ¬

_ (¬1) قوله: (في الاختلاف في القراض) ساقط من (ر). (¬2) زيادة من (ت). (¬3) في (ت): (ضياعه). (¬4) في (ر): (قوله). (¬5) في (ت): (دليل للتهم). (¬6) في (ر): (دعوى). (¬7) انظر: المدونة: 4/ 15.

محمد فيمن اكترى ما يغاب عليه، ثم ادعى رده كان القول قوله بيمينه أخذه ببينة (¬1) أو بغير بينة (¬2). قال محمد: وهو الصواب؛ لأنه لو كان يلزمه الضمان إذا كانت البينة على أخذه (¬3) ما جاز (¬4) الكراء؛ لأنه لا يحل الكراء بالضمان، وعلى هذا يكون القول قول العامل في رده وإن كان أخذه ببينة، وهو في القراض أولى (¬5) لأنه على الأمانة بغير خلاف. ولو دخل على غير ذلك لكان فاسدًا ويجوز ذلك في الوديعة؛ لأنه معروف صنعه مع ربها في حفظها، ويكون ضامنًا إن لم يشهد على الرد، والقراض مبايعة في المنافع (¬6) ومعاوضة. والأول أحسن لأنه قادر على أن يشهد على الرد ولا ضرر (¬7) عليه في ذلك بخلاف التلف، ولو (¬8) شرط أنه غير مصدق فيه لكان فاسدًا؛ لأنه أمر لا يقدر على الاحتياط فيه بالبينات. وقال ابن القاسم: إذا قال العامل: رددت رأس المال والذي معي ربح، وكذبه الآخر، لم يصدق. وينبغي أن يقبل قوله، وكذلك إذا قال: هذا ربحي، وكما لو قال (¬9): رددت بعض رأس المال، ولا فرق بين قوله: رددت بعض ¬

_ (¬1) في (ت): (ببينة كان أخذه). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 82. (¬3) ساقط من (ر). (¬4) في (ت): (حل). (¬5) في (ر): (أبين). (¬6) في (ر): (المتاع). (¬7) في (ت): (ضرورة). (¬8) في (ر): (وأو). (¬9) قوله: (رددت رأس المال والذي معي ربح. . . وكما لو قال) ساقط من (ر).

رأس المال (¬1) أو جميعه دون الربح، أو لم أربح شيئًا، أو ربحت وسلمت إليك رأس المال ونصيبك من الربح. وقد قال مالك في "كتاب محمد" في المساقي يقول بعد جذاذ الثمرة لصاحب الحائط: قد دفعت إليك نصيب الحائط (¬2)، فالقول قول العامل وإن كان يقول: هذا الذي في يدي نصيبي، فكذلك القراض. وإن اختلفا في الجزء، فقال العامل: أخذته على النصف. وقال الآخر: على الثلث، فإن كان لم يعمل، كان القول قول صاحب المال؛ لأن له أن ينتزعه منه، فإن أحب الآخر أن يعمل على الثلث أو يرده. فإن اختلفا بعد العمل، كان القول قول العامل إذا أتى بما يشبه إذا كان المال في يديه، وإن سلمه لربِّ المال ليستوفي رأس المال ونصيبه من الربح كان القول قول صاحب المال، وإن سلمه ليبقى موقوفًا حتى يسلم رأس المال ثم يقتسمان الربح، كان القول قول العام (¬3). وإن اختلفا في الصفة التي دفع عليها (¬4)، فقال رب المال: بضاعة، وقال العامل: قراضًا على النصف، فإن قال رب المال: بضاعة بأجرة كذا وكان نصف الربح والأجرة التي قال الآخر سواء، لم تكن هناك يمين لأن اختلافهما غير مفيد. وإن كانت الأجرة أقل من نصف الربح حلف العامل وحده وكان له النصف إذا كان يشبه أن يقارض النصف، فإن نكل حلف الآخر ودفع الإجارة. وإن قال صاحب الال: بضاعة بغير أجرة، كان القول قول صاحب المال إذا كان (مثل) المبضع معه لا يستعمل نفسه في القراض، أو كان مثل تلك ¬

_ (¬1) قوله: (بعض رأس المال) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (نصيب الحائط) يقابله في (ر): (نصيبه). (¬3) في (ف): (العامل). (¬4) في (ر): (في الذي دفع إليه).

البضاعة لا تدفع قراضًا ليسارتها. واختلف إذا أشبه أن يستعمل في القراض وكانت الإجارة أقل من نصف الربح، فقال ابن القاسم: القول قول صاحب المال مع يمينه (¬1). وقال محمد: يحلفان جميعًا ويعطى العامل إجارة المثل. وإن قال العامل: بضاعة بأجرة، وقال صاحب المال: قراضًا، كان القول قول العامل مع يمينه. قاله ابن حبيب؛ لأن العامل يقول: عملت على الإجارة في الذمة، والآخر يقول: على الجعالة. وإن قال صاحب المال: وديعة، وقال الآخر: (¬2) قراضًا وقد ضاع المال، فإن ادعى ضياعه قبل أن يحركه لتجارة كانت مصيبته من صاحبه لأنهما متفقان أنه كان أمانة فلا يفيد خلافهما حينئذ. وإن تجر فيه، كان القول قول صاحبه أنه لم يأذن له في التجر به ويضمنه. واختلف إذا قال صاحب المال: قرضًا، وقال الآخر (¬3): قراضًا، فقال مالك مرة: القول قول صاحب المال، وقال مرة: القول قول العامل وبالأول قال ابن القاسم (¬4). وقال أشهب (¬5): القول قول القابض إذا ضاع قبل أن يحركه والقول قول صاحبه إن ضاع بعد أن تجر فيه. فجعل مالك مرة (¬6) القول قول العامل، وإن حركه لاتفاقهما على أنه مأذون له في حركته، فرب المال يقول: حركته لنفسك، والآخر يقول حركته على أنه باق على ملكك ولم ينتقل؛ ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 661. (¬2) قوله: (قراضًا كان القول قول العامل. . . وديعة وقال الآخر) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (الآخر) ساقط من (ر). (¬4) انظر: المدونة: 3/ 661. (¬5) قوله: (القول قول صاحب المال. . . وقال أشهب) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (مرة) ساقط من (ر).

فصل فيما إذا ادعى العامل خسارة لأجل نزول الأسواق

بخلاف إذا قال صاحب المال: وديعة وقال الآخر: قراضًا؛ لأنه لم يقر له بحركته على حال فأشبه من قال: أودعتك هذه السلعة، (وقال الآخر: أذنت لي في بيعها. وإن قال صاحب المال: قراضًا)، وقال الآخر: وديعة أو قرضًا وفي المال ربح (¬1) كان القول قول العامل؛ لأن الآخر يقول: بعتني منافعك، فكان القول قول العامل أنه لم يبعها. وتقدم في أول الكتاب إذا ادعى أحدهما الصحة والآخر الفساد، وفي "كتاب الوديعة" إذا قال صاحب المال: قراضًا، وقال الآخر: وديعة. فصل فيما إذا ادعى العامل خسارة لأجل نزول الأسواق وإذا ادعى خسارة لأجل نزول الأسواق سُئل أهل تلك الصنعة: هل أتى بما يشبه أن يخسره في مثل (¬2) ذلك المال في المدة التي يقول أنه خسر ذلك فيها؟ فقد لعمل المدة الطويلة وهو على الاستظهار فيما في يديه، ثم يدعي الخسارة في مدة بعد ذلك. وكذلك إن سافر به، سئل أهل الثقة ممن سافر معه عن السفر الذي كانت عليه البياعات في مثل ما مضى له، فإن أتى بما يشبه وإلا لم يصدق ورد إلى ما يشبه. وإن اختلفا في الربح، سئل أهل تلك الصنعة إن لم يكن سافر به والمسافرون إن كان طعن (¬3) به، فإن أتى بما لا يشبه رد إلى ما يشبه. وإن اختلفا ¬

_ (¬1) قوله: (ربح) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (في مثل) زيادة من (ت). (¬3) في (ت): (ظعن).

فصل الدعوى في القراض

في ثمن الشراء الذي قدم به، كان الجواب على مثل ذلك أنه يسأل عن أثمانه بذلك الموضع الذي اشترى منه، فإن عدمت البينة في جميع ذلك وأشكل الأمر، كان القول قول العامل ولا يمين عليه إن كان ثقة إلا أن يقوم (¬1) دليل تهمة، وإن شهدت بينة بخلاف قوله وهو من أهل الستر ولم يبلغ العدالة (¬2) حلف. فصل الدعوى في القراض وإن اختلفا في رأس المال فأتى العامل يدعي بمائتي دينار، وقال: رأس المال مائة والربح مائة (¬3)، وقال رب المال: مائتان ولم تربح شيئًا، كان القول قول العامل مع يمينه وله نصيبه من الربح على أنه مائة، إلا أن يقوم دليل على كذبه مثل: أن يقول أهل سوقه: لم يكن في الأشياء التي كان يتجر فيها في تلك المدة ربح، أو يكون سافر به ويعترف بالأشياء التي اشتراها برأس المال (¬4)، ويقول أهل المعرفة: إن ثمنها يكون مائتين، فيكون القول قول صاحب المال. وإن عمل رجلان بمال ثم أتيا بمائتين، فقال أحدهما: هو رأس المال ولم نربح شيئًا، وقال الآخر: رأس المال مائة وربحنا مائة، كان القول قول من قال مائة؛ لأن يده على مائة والربح فيها خمسون فله نصفها إذا كان قراضهما على النصف. وإن كان العامل الآخر عدلًا جازت شهادته لرب المال؛ لأنه لا يجر بها منفعة. ¬

_ (¬1) في (ر): (نقد إلا أن يكون). (¬2) في (ر): (ولم يبلغوا القرابة). (¬3) قوله: (والربح مائة) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (المال) ساقط من (ر).

وإن قال أحد العاملين: رأس المال مائة، وقال الآخر: مائة وخمسون، وقال رب المال: مائتان، أخذ الأول خمسة وعشرين حسب ما تقدم، واختلف في الثاني ورب المال على ثلاثة أقوال: فقيل: له ثمانية وثلث؛ لأن الربح بعدما أخذ الأول خمسة وعشرين يقسم بينه و (¬1) بين صاحب المال على قدر أجزائهما في الربح وقد كان لصاحب المال جزءان وللعامل جزء، وقيل: له اثني عشر ونصف؛ لأن يده على مائة ويد صاحبه على مائة فيكون له من المائة التي تحت يده على قدر ما يقر به (¬2)، والعامل الأول غصب رب المال خاصة، وقيل: لا شيء للعامل لأن صاحب المال يبدأ برأس ماله وربحه على العاملين ثم يقسم العاملان بما يرفع صاحب المال يده عنه، وإذا كان ذلك فإن أحد (¬3) العاملين غصب صاحبه، وإلى هذا ذهب سحنون في "العتبية" وقال: ألا ترى أن الزوج يقر بأخ مع الإخوة. وهم معروفون (¬4) أنه لا يدخل عليه الزوج بشيء؟ (¬5) يقول (¬6): كذلك صاحب المال لا يدخل عليه العامل، وإنما يدخل على الذي عمل معه فلا تصح (¬7) شهادة العامل (¬8) الذي أقر أن رأس المال مائة وخمسون على هذا القول، ولا على القول أن الغصب عليهما؛ لأنه يجر شهادته لنفسه (¬9)، وتصح على ¬

_ (¬1) قوله: (بينه و) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (يقر به) يقابله في (ر): (يقول له). (¬3) قوله: (وإذا كان ذلك فإن أحد) يقابله في (ر): (فإنه كان ذلك فإلى جزء). (¬4) في (ر): (يعرفون). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 12/ 393. (¬6) في (ر): (لقوله). (¬7) في (ت): (يجوز). (¬8) ساقط من (ر). (¬9) ساقط من (ر).

القول أن للثاني اثني عشر ونصف؛ لأنه استوفى جميع نصيبه، وإنما شهادته لصاحب المال. ولو كانوا ثلاثة فقال أحدهم: رأس المال خمسون، وقال الثاني: مائة، وقال الثالث: مائة وخمسون وأتوا بثلاث مائة، فعلى قول أشهب يد كل واحد منهم على مائة له من الربح على ما يقر به: فالأول (¬1) يقول: في يدي مائة رأس المال فيها ثلث الخمسين وهو سبعة عشر إلا ثلث (¬2) والربح ثلاثة وثمانون وثلث، فله نصفها (¬3) والثاني (¬4) يقول: رأس المال المائة التي في يدي ثلث المائة وهو ثلاثة وثلاثون وثلث والربح سبعة وستون إلا ثلث، فله نصفها. والثالث يقول: في يدي مائة رأس المال فيها خمسون والربح خمسون فله نصفها. قال محمد: بناء على القول (¬5) أن المغصوب على الجميع قال: إذا أخذ الأول اثنين وأربعين إلا ثلث، يكون للثاني (¬6) خمسا الربح على ما يقول وهو اثنان وثلاثون إلا ثلث (¬7)؛ لأنَّ الباقي من الربح بعدما أخذ الأول على قول الثاني مائة وثمانية وخمسون وثلاثة أخماس (¬8)، له خمسها، ولصاحبه الثالث خمسها، ولصاحب المال ثلاثة أخماس، والباقي بعدما أخذ الأول، والثاني ¬

_ (¬1) قوله: (خمسون وقال الثاني: مائة. . . على ما يقر به فالأول) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (يقول في يدي مائة. . . وهو سبعة عشر إلا ثلث) يقابله في (ر): (المائة التي سدسها وهو ستة عشر وثلثان). (¬3) زاد في (ر): قوله: (والثاني يقول رأس المائة التي بيدي ثلث مائة وهو ثلاثة وثمانون وثلث وله نصفها). (¬4) في (ت): (والآخر). (¬5) قوله: (القول) ساقط من (ر). (¬6) في (ر): (الباقي). (¬7) قوله: (إلا ثلث) ساقط من (ر). (¬8) في (ر): (أخماسها).

مائتان وسبعة وعشرون إلا ثلث، ورأس المال على ما يقوله الثالث مائة وخمسون والربح سبعة وسبعون إلا ثلث هي بين رب المال والعامل أرباعًا (¬1) للعامل منها سبعة عشر وثلثان والباقي (¬2) لرب المال. وعلى قول سحنون إذا أخذ الأول اثنين وأربعين إلا ثلث وعاد المقال بين الثاني ورب المال، يكون لرب المال مائتان لأنه مقر أن رأس المال مائة والربح مائتان لرب المال نصفها، وهو مائة والأول غصبه صاحبه فله نصف الثمانية وخمسين إلا (¬3) ثلث وهو تسعة وعشرون إلا سدس (¬4)، ثم يرجع إلى من قال: رأس المال مائة وخمسون، والربح مائة وخمسون، فهو مقرٌّ أن رب المال يبدأ عليهم بمائتين وخمسة وعشرين، وقد كان الباقي بعدما أخذ الأول مائتين وتسعة وعشرين ونصف لربِّ المال، منها مائتان وخمسة وعشرون (¬5)، وللثالث أربعة وسدس (¬6). وقال محمد: إذا أتيا ومعهما مائتا دينار فقال أحدهما: مائة لك رأس المال والأخرى ربح. وقال الآخر: بل المائة لك (¬7) رأس المال والأخرى لي رأس المال، قال: (¬8) قال أشهب: القول قول مدعي المائة أنها لنفسه ولا شيء للعامل المقر بالمائة أنها ربح، ولا لصاحب رأس المال؛ لأن كل واحد من العاملين حائز لمائة، فهو ¬

_ (¬1) قوله: (أرباعًا) يقابله في (ر): (إن باع). (¬2) قوله: (سبعة عشر وثلثان والباقي) يقابله في (ر): (تسعة عشر وسدس والثاني). (¬3) في (ر): (و). (¬4) قوله: (إلا سدس) يقابله في (ر): (وثلث). (¬5) قوله: (وقد كان الباقي بعدما أخذ. . . وعشرون) ساقط من (ر). (¬6) في (ر): (ونصف). (¬7) قوله: (لك) ساقط من (ر). (¬8) قوله: (قال:) ساقط من (ر).

فصل في العامل هل يبقى على الخيار أو يلزم في الجعالة

مدعي عليه أن ما بيده من ذلك ليس له كله، وهو منكر (¬1)، فعليه اليمين فيما كان من ذلك، وعلى المدعي البينة قال: وقال ابن القاسم: إن للعامل المقر بالقراض أربعة دنانير وسدس (¬2) ولرب المال مائة وثمانية وثلث؛ لأن مدعي المائة أنها له مقر أن ليس، له في المائة الأخرى حق فيدفع تلك إلى صاحبها، ثم العامل الآخر مدعي أن له في الائة الأخرى ربعها ولصاحبه ربعها ولصاحب المال (¬3) نصفها، فيقال له: أنت لا تدعي لنفسك إلا ربعها فسلم إلى العامل معك ثلاثة أرباعها لأنك مقر أن لا حق لك فيها، ولا ينظر لدعواك لغيرك، وهذه الخمسة والعشرون أنت تدعيها وصاحبك يدعيها، فلك نصفها وأنت مقر أن لصاحبه خمسين ولك خمسة وعشرون (¬4) ولم يسلم من الربح إلا هذه الإثنى عشر ونصف فهي بينكما على قدر مالكها (¬5) وصاحبك ظلمكما جميعًا بما حبسه عنكما (¬6). فصل في العامل هل يبقى على الخيار أو يلزم في الجعالة (قد) تقدم القول أن كل واحد من رب المال والعامل بالخيار ما لم يعمل وأنه إن شرط نضة واحدة لزم ذلك لرب المال على المستحسن من القول. ويختلف في العامل، هل يبقى على الخيار أو يلزمه على أحد القولين في ¬

_ (¬1) في (ت): (ينكر). (¬2) قوله: (وسدس) ساقط من (ت). (¬3) في (ر): (المائة). (¬4) ساقط من (ر). (¬5) في (ر): (حالكما). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 287، 288.

الجعالة؟ فإن أشغل جميع المال ارتفع الخيار ولم يكن لرب المال أخذه ولا للعامل رده إلا بعد النضوض، وإن أشغل بعضه في تجارة امتنع رب المال من أخذه لأنه فيما أشغل على ثلاثة أوجه: إما أن يكون الأقل، أو النصف، أو الأكثر، فإن أشغل الأقل لم يكن له أخذ الباقي (¬1)؛ لأن على العامل في التمادي باليسير مضرة ولو علم بذلك ما عمل به وكذلك النصف، وإن أشغل الأكثر كان القليل تبعًا للكثير، وإن أشغل جميعه فلما نض أشغل بعضه كان لصاحب المال أن يأخذ ماله (¬2) ما لم يشغل منه. ويصح امتناع انتزاعه وإن لم يشغله العامل كأن يسافر (¬3) به إلى بلد، فإن ذلك يقوم مقام اشتغاله لتعبه وخروجه لأجله فيمتنع رب المال حينئذ من أخذه، وإن تجهز بشيء مما يصلح للسفر من لباسه وطعامه ومؤن سفره فقام صاحب المال لأخذه قبل خروجه، كان ذلك له وأخذ ما اشتراه على حاله، فإن تجهز بتجارة مما يصلح للسفر لم يكن له أن يمنعه من السفر والخروج إذا أذن له في حين إعطاء المال في السفر، أو لم يأذن (¬4) له على القول أن له أن يسافر به. وإن لم يكن أذن له ((¬5) فيه إلا أن ينفق سوقها قبل سفره وبلغت ما كان يرجى فيها في الموضع الذي يبلغها (¬6) إليه، فيكون لرب المال أن يأخذه ببيعها ها هنا ويمنعه السفر. وإن اشترى تجارة ليبيعها في البلد وهي مما يدخر لما يرجى من ارتفاع سوقها بعد اليوم، لم يكن له أن يأخذه ببيعها قبل الوقت المعتاد في بيعها. وإن ¬

_ (¬1) في (ر): (الثاني). (¬2) قوله: (ماله) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (كأن يسافر) يقابله في (ت): (إذا سافر). (¬4) في (ت): (لو لم يأذن له). (¬5) قوله: (أو لم يأذن. . . . وإن لم يكن أذن له) ساقط من (ر). (¬6) في (ت): (بلغها).

باع العامل بثمن إلى أجل وقد كان أذن له رب المال في ذلك ثم أراد أن يباع الدين بالنقد لم يكن ذلك له، وكل موضع مما ذكر لا يكون لربِّ المال أن يأخذه منه لا يمكن العامل من رده إلا برضا الآخر، وإن قال: لا أسافر بما اشتريته للسفر أو أبيع الآن ما حقه أن يؤخر، أو أبيع الدين الآن، أو أسلم المال ولا أتولى نضوضه ولا بيعه ولا اقتضاء الدين، لم يكن ذلك له إلا برضا صاحب المال، فإن رضي والمال في عروض أو دين على الناس جاز؛ لأنه إن كان المال لا فضل فيه أو فيه وضيعة، كان قبوله تفضلًا من رب المال؛ لأنه تطوع أن حمل عنه ما كان عليه أن يعمله، وإن كان فيه فضل فرضي أن يتكلف له ذلك وجزؤه (¬1) قائم جاز أيضًا لأنه تطوع (¬2) منه، وإن كان على أن يسقط حقه في (¬3) الربح، كانت إجارة بجزئه من الربح إذا علم قدره ونحوه، وكذلك إن تراضيا على ذلك على أن يكون لرب المال بعض المال (¬4) نصفه أو ربعه، جاز إذا عرف قدره ونحوه (¬5). ¬

_ (¬1) في (ر): (وحده). (¬2) في (ت): (تطول). (¬3) قوله: (حقه في) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (المال) يقابله في (ت): (جزء العامل). (¬5) قوله: (المال نصفه أو ربعه جاز إذا عرف قدره ونحوه) ساقط من (ر).

باب في موت رب المال أو العامل

باب في موت رب المال أو العامل قال: (¬1) وإن مات رب المال قبل العمل كان لورثته انتزاع المال، وليس للعامل إن علم بموته أن يتجر فيه إلا (¬2) بإذنهم، فإن فعل (قبل) فخسر، ضمن وسواء كان تجره لنفسه أو لهم، وإن ربح وكان تجره لهم كان الربح بينهم، وإن تجر لنفسه كان الربح له لأنه محجور عليه بالموت. ويختلف إذا اتجر بعد الموت وقبل العلم فخسر، هل يضمن لأنه أخطأ على مال غيره وهو للورثة (¬3)، أو لا يضمن لأن له شبهة الإذن؟ وهو بمنزلة من اشترى سلعة فتصرف فيها بالبيع وغيره ثم استحقت، فلا شيء عليه على المشهور من المذهب. وإن ربح كان الربح على القراض لأنه تجر لهم والورثة لا يختارون إذا كان فضل إلا الإجارة. وقال ابن القاسم في "المدونة": إذا اشترى بعد الموت وقبل العلم فهو على القراض. يريد في الربح والخسارة، إلا أن يعلم من العامل قلة الأمانة، فلا يصدق في التلف ولا في الخسارة إلا أن يأتي في ذلك بشبهة. وإن مات رب المال (¬4) بعد العمل كان على أحد القولين في البيع (¬5)، ويكون للورثة في ذلك مقال؛ لأن المال انتقل إليهم فلهم ألا يرضوا بمن كان رضي به الميت إذا كان غير مرضي (¬6). وإذا انتزع منه، كان كموته فإن أتى بأمين يتولى ذلك حتى ينض وإلا أسلم إلى ورثته. وفي "كتاب التفليس" ذكر غرماء رب المال وغرماء العامل إذا كان ببلد آخر إذا أرادوا المفاصلة في المال. وإن قال العامل للغرماء: أنا أضمن لكم مالكم وأقروه في ¬

_ (¬1) قوله: (قال:) زيادة من (ت). (¬2) قوله (إلا) يقابله في (ت): (إلا بعد). (¬3) في (ت): (وهم للورثة). (¬4) قوله: (المال) ساقط من (ر). (¬5) في (ت): (على الإذن الأولى في البيع). (¬6) في (ر): (مريضًا).

فصل في المقارض يموت

يدي، فإن كان المال في عروض أو دين على الناس وكان ذلك لينض (¬1) ويقضيهم وإن عجز أتم لهم جاز؛ لأنه لم يكن له أخذه من يديه (¬2) وضمانه تفضل منه. وكذلك إن ضمن المال الذي في يديه خاصة، وإن كان ضمانه ليتجر فيه (¬3) في المستقبل وينميه لم يجز وكان ضمانه باطلًا، وسواء ضمن الدين أو المال الذي في يديه لأنه ضمان لمنفعة والمنفعة بقاء المال لما يرجو من ربحه إلا أن يعلم أن غرضه التخفيف عن الميت وأن يبرئ ذمته فيجوز أن يقر في يديه ويلزمه الضمان. فصل في المقارض يموت (¬4) وإن مات العامل بعد أن عمل كان ورثته مكانه إن كانوا أمناء وممن يقدر على العمل، فإن لم يكونوا أمناء ولا يقدرون على العمل وأتوا بأمين، كان ذلك لهم وإلا أسلم المال إلى ربه، ولا يلزم الورثة أن يستأجروا من مال القراض عن (¬5) الميت من يتم العمل؛ لأن القراض العمل فيه معلق بعين العامل وليس في الذمة. وإن كان فيه ربح حين أسلمه جرى على قولين، فقال مالك وابن القاسم: لا شيء للورثة فيه. وكذلك قال في المساقي (¬6) يعجز فيسلم الحائط: لا شيء له. وقال فيمن جعل (¬7) على حفر بئر فحفر بعضه، ثم تركه اختيارًا فاستأجر صاحب الأرض من أتمه، قال: يكون للأول بقدر ما انتفع من عمله، وهذا اختلاف قول مالك. وإذا صح أن يكون للحافر مع تركه التمام اختيارًا كان أبين أن يكون لورثة الحافر ولورثة العامل بالقراض؛ لأن الكل جعلة ومن ¬

_ (¬1) في (ر): (ليقبض). (¬2) قوله: (من يديه) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (خاصة، وإن كان ضمانه ليتجر فيه) يقابله في (ر): (لأنه ضمان يمنعه والمنفعة نماء المال لما يرجو من ربحه). (¬4) قوله: (في المقارض يموت) ساقط من (ت). (¬5) قوله: (القراض عن) ساقط من (ت). (¬6) في (ر): (المساقاة). (¬7) في (ف): (جوعل).

فصل [في المقارض يموت وعنده وفى ودائع وعليه فى ديون]

حيل بينه وبين التمام أعذر في ألا يبطل العمل. وأجاز في القراض إن كان العمل معلقًا بعين الأول أن يعمل غيره مكانه: وارث أو غيره ممن يأتون به، بخلاف الإجارة إذا استؤجر رجل بعينه فمات بعد أن عمل البعض فليس لورثته أن يقوموا مقامه في الباقي، والفرق بينهما أن لورثة الأجير من الإجارة بقدر ما مضى من العمل، والقراض جعل لا يستحق منه شيء عن الماضي إلا بتمامه فأجاز مالك -رحمه الله- أن يتم العمل غير الأول وإن كان معينًا لأنها ضرورة وإن لم يمكنوامن ذلك بطل عمل وليهم، وإن كان الوارث مولى عليه نظر الوصي، فإن لم يكن في المال فضل أو كانت الإجارة عليه دون الربح أو مثله أسلم المال إلى صاحبه، وإن كان فيه فضل (¬1) استؤجر عليه. وقال ابن القاسم في العتبية في رجلين أخذا قراضًا معًا صفقة واحدة فمات أحدهما واشترى الآخر بجميع المال: كان صاحب المال بالخيار إن شاء كان على قراضه وإن شاء ضمنه؛ لأنه لم يكن له أن يشتري إلا بإذن صاحب المال حين مات شريكه في العمل، قال: وإن كان اشترى قبل أن يموت ببعض المال كان ورثة الميت شركاء فيما اشترى قبل موته ويقومون فيه معه، وما اشترى بعد موته (¬2) كان صاحب المال فيه بالخيار حسبما تقدم (¬3). فصل [في المقارض يموت وعنده وفى ودائع وعليه فى ديون] وإذا مات العامل ولم يوجد المال كان في ذمته. هذا قول مالك وابن القاسم. واختلف في الوديعة هل تكون في ذمة المودع أم لا؟ فعلى القول ألا تكون في ذمته إن لم توجد بعد الموت لا يكون القراض (¬4) في الذمة، والقراض أبين في هذا الوجه من الوديعة؛ لأن الوديعة إن لم توجر حمل على أنه تسلفها ¬

_ (¬1) قوله: (أو كانت الإجارة. . . وإن كان فيه فضل) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (موته) يقابله في (ر): (موت صاحبه). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 12/ 366. (¬4) قوله: (القراض) ساقط من (ر).

وذلك الغالب بخلاف القراض لأنه مأذون له في التجربه، فكان محمله على أنه كان يتجر فيه لربه حتى يثبت تعديه فيه بأنه كان يتجر فيه لنفسه أو أهلكه (¬1). ولا يحسن أن يمضي رجل بقراض فيموت بالعراق أو بخراسان ولا يدري ما حدث عليه فيه فيباع عقاره في المغرب مع أن الغالب أن الغريب عند الموت يفرق أمواله لمن يرى أنه يوصلها خوف أن يأخذها أصحاب المواريث في الموضع الذي هو فيه، ولا يقدر على الإشهاد عليهم خوف الظهور عليها، ولا يفعله (¬2) حينئذ أحد ببينة خوف أن يظهر عليه فيطلب بأكثر منه، وأمره عند الموت فيه متردد بين أن يكون هلك أو أعطاه لمن يوصله فلم يفعل، أو هلك من قبضه، وإذا كان كذلك لم يغرم بالشك، وإن خلف مالًا ولم يكن معه مال لنفسه كان محمله على أنه من القراض قليلًا كان أو كثيرًا إلا أن يكون من الكثرة ما لا يشبه أن يكون على القراض بحال، فيكون لصاحب القراض ما يشبه أن يكون من ماله الزائد ميراث عنه، وإن كان معا لعامل مال يخصه وعلم قدره، ثم وجد المالين مختلطين وكان فيه ربح، فض (¬3) الربح على قدر المالين على قدر ما يقول من سافر معه أنه يربح في كل صنف كان معه، وإن جهل معرفة البيع فض على قدر المالين وكذلك الخسارة إذا لم يكن في المال الموجود وفاء بالتجارتين وعلم أنه خسر في أحدهما حملت الخسارة عليه، وإن لم يعلم فضت على قدر المالين (¬4)، وإن لم يعلم حقيقة الال الذي بخاصته وعلم قدره ونحوه كان شريكًا في الربح والخسارة بما لا يشك أنه كان له، وإن لم يعلم قدره وكان في سلع القراض ربح بدئ بمال القراض ومما يرى أنه ربح فيه والباقي ميراث عن العامل (¬5). ¬

_ (¬1) في (ر): (ملكه). (¬2) في (ر): (يقبلها). (¬3) في (ر): (قبض). (¬4) قوله: (وكذلك الخسارة. . . فضت على قدر المالين) ساقط من (ر). (¬5) زاد بعده في (ر): (تَمَّ كتاب القراض، والحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليمًا).

كتاب الأقضية

كتاب الأقضية النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ت) = نسخة تازة رقم (234 & 243) 3 - (ر) = نسخة الحمزوية رقم (110)

باب في القضاء ومنزلة من يعدل، وما يجوز من القضاء ويخشى من عاقبته؟ وهل يجب أن يقام للناس قاض؟ ومن يولى القضاء ومن يمنعه؟

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما كتاب الأقضية باب في القضاء ومنزلة من يعدل، وما يجوز من القضاء ويخشى من عاقبته؟ وهل يجب أن يقام للناس قاض؟ ومن يولى القضاء ومن (¬1) يمنعه؟ الأصل في القضاء قول الله -عز وجلّ-: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} [ص: 26]، وفي شرعنا قوله سبحانه: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105]، وقوله تعالى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: 135]، وقوله تعالى {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65]، وأعظم الله تعالى قدر من قام فيه بالحق وبشر به وأدنى منزلته، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ المُقْسِطِينَ عِنْدَ الله يوم القيامة عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا" أخرجه مسلم (¬2). وقال: "سبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ¬

_ (¬1) قوله: (من) زيادة من (ر). (¬2) أخرجه مسلم: 3/ 1457، في باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية، من كتاب الإمارة، برقم (1827).

ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ إِمَامٌ عَادِلٌ. . ." (¬1) فبدأ به وحض على القيام فيه بالحق، النبيين والمؤمنين فقال: {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص: 26]، وفي شرعنا {وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [النساء: 105]. وإن كانوا معصومين (¬2) من ذلك. وقال تعالى: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} [النساء: 58]، وقال سبحانه: {فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} [البقرة: 150]. وعظم أمر القضاء فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ وَلِيَ لقَضَاءَ فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ" (¬3)، وهذا تنبيه منه على (¬4) جسيم ما يدخل (¬5) فيه؛ لأن الغالب عدم السلامة، وإنه بلية إلا من عصم الله. وقال - عليه السلام -: "إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الإِمَارَةِ، وَإِنَّهَا سَتكُونُ حَسْرَةً وَنَدَامَةً يَوْمَ القِيَامَةِ، فَنِعْمَ المُرْضِعَةُ وَبِئْسَتِ الفَاطِمَةُ" (¬6). وقال: "يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، لاَ تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلاَ تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ". أخرج هذين الحديثين البخاري ومسلم (¬7). ¬

_ (¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 234، في باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد، من كتاب الجماعة والإمامة، برقم (629)، ومسلم: 2/ 715، في باب فضل إخفاء الصدقة، من كتاب الزكاة، برقم (1031). ومالك: 2/ 952، في باب ما جاء في المتحابين في الله، من كتاب الشعر، برقم (1709). (¬2) قوله: (كانوا معصومين) يقابله في (ف): (كان). (¬3) حسن: أخرجه أبو داود: 2/ 322، في باب في طلب القضاء، من كتاب الأقضية، برقم (3571)، والترمذي: 3/ 614، في باب القاضي، من كتاب الأحكام، برقم (1325). (¬4) قوله: (منه على) يقابله في (ف): (منه). (¬5) في (ف): (حلّ). (¬6) أخرجه البخاري: 6/ 2613، في باب ما يكره من الحرص على الإمارة، من كتاب الأحكام، برقم (6729). (¬7) أخرجه مسلم: 3/ 1457، في باب كراهة الإمارة بغير ضرورة، من كتاب الإمارة، برقم (1826).

فصل [في وجوب القضاء وصفة القاضي]

ولا يولى القضاء من علم منه الرغبة فيه، والحرص عليه؛ لأنه غير مؤيد ولا مُعان لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّا لاَ نَسْتَعْمِلُ عَلَى عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَهُ، وَلاَ مَنْ حَرَصَ عَلَيْهِ (¬1). يريد أنه لم يجعل الله عز وجل له (¬2) أن يوليه من حرص عليه. وقال لعبد الرحمن بن سمرة: "لاَ تَسْأَلِ الإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْألةٍ وُكلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْألةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا". أخرجهما الصحيحان (¬3). وقال: "مَنِ ابْتَغَى القَضَاءَ وَسَأَلَ فِيهِ شُفَعَاءَ وُكِلَ إِلَى نَفْسِهِ، وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ أنزَلَ اللهُ عَلَيْهِ مَلكًا يُسَدِّدُهُ". ذكره الترمذي (¬4). فصل [في وجوب القضاء وصفة القاضي] إقامة الحكم للناس واجب؛ لأنه من مصالح الناس، وفيه رفع التهارج وردّ المظالم، ونصر المظلوم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعلى من كان واليًا على بلد أن ينظر في أحكامهم (¬5) إن كان (¬6) لذلك أهلا، فإن لم يفعل أو لم يجد إلى ذلك سبيلا (¬7)، أو لم يكن أهلا له، كان عليه أن يقيم للناس من ينظر في ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري بنحوه: 6/ 2614، في باب ما يكره من الحرص على الإمارة، من كتاب الأحكام، برقم (6730). (¬2) قوله: (له) ساقط من (ر). (¬3) أخرجه البخاري: 6/ 2443، من كتاب الأيمان والنذور، برقم (6248)، ومسلم: 3/ 1273، في باب نذر من حلف يمينا فرأى غيرها خيرًا منها، من كتاب الأيمان، برقم (1652). (¬4) حسن: أخرجه الترمذي: 3/ 614، في باب القاضي، من كتاب الأحكام، برقم (1324)، وقال: حسن غريب. (¬5) في (ف): (أحكامه). (¬6) قوله: (كان) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (سبيلا) ساقط من (ت).

ذلك، فإن لم يكن في الموضع والٍ، كان ذلك إلى ذوي الرأي والثقة، فمن (¬1) اجتمع رأيهم عليه أنه يصلح لذلك أقاموه، والقضاء من فروض الكفاية، إذا كان بذلك البلد عدد يصلحون لذلك (¬2)، فإن ولي أحدهم (¬3) سقط عن الباقين، وإن لم يكن من يصلح لذلك إلا واحد تعين عليه، وأجبر على الدخول فيه. ويولى القضاء من اجتمع فيه الدين والعلم، بما يحتاج إليه في (¬4) ذلك من الكتاب والسنة والفروع، قوي البدن (¬5) قوي الدين (¬6) مطلعا على أقضية من مضى، غير مستكبر عن مطالعة من معه من أهل العلم، ورعا نزها عن ما في أيدي الناس، مستخفا بالأئمة غير هيوب، ذاغنى وأناة حليما على (¬7) الخصم، فإن نقص عن (¬8) شيء من ذلك كان وصمًا فيه. قال مالك -في كتاب ابن حبيب-: ولا أرى خصال القضاء (¬9) تجتمع اليوم في واحد، فإن اجتمع منها خصلتان ولي: العلم والورع، قال ابن حبيب: فإن لم يكن، فالعقل والورع، فإنه بالعقل يسأل وبالورع يعف (¬10)، قال سحنون: فإن كان فقيرا أغني (¬11). ¬

_ (¬1) في (ر): (فمن). (¬2) قوله: (لذلك) ساقط من (ر). (¬3) في (ر): (بعضهم). (¬4) قوله: (في) يقابله في (ر): (فيه من). (¬5) في (ف): (فقيه). (¬6) قوله: (قوي الدين) زيادة من (ر). (¬7) في (ف) و (ت): (عن). (¬8) قوله: (عن) ساقط من (ر). (¬9) في (ت): (العلماء). (¬10) في (ف): (يكفّ)، وانظر: (النوادر والزيادات: 8/ 11). (¬11) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 11.

قال الشيخ: ولا يولى غير عدل؛ لأن من لا تجوز شهادته لا يجوز قضاؤه. قال أصبغ -في كتاب ابن حبيب، في رجلين أحدهما عدل لا علم عنده، والآخر (¬1) عالم ليس مثل الآخر (¬2) في العدالة-: فليولًّ العالم إذا كان لا بأس بحاله، وإن كان غير مرضي ولي العدل وأمر أن يجتهد ويستشير (¬3). يريد أنه يستشير أهل العلم (¬4) وإن كان عدلا. ¬

_ (¬1) قوله: (الآخر) ساقط من (ف). (¬2) في (ر): (الأول). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 11. (¬4) قوله: (أهل العلم) ساقط من (ف).

باب في منزل القاضي من المصر والموضع الذي يجلس فيه للقضاء، وهل يختص بوقت أو يجالسه أهل العلم وذوو العدل

باب في منزل القاضي من المصر والموضع الذي يجلس فيه للقضاء، وهل يختص بوقت أو يجالسه (¬1) أهل العلم وذوو العدل (¬2) قال ابن شعبان: من العدل أن يكون منزل القاضي متوسط المصر (¬3)، ويستحب أن يستقبل القبلة وهذا في المصر الكبير؛ لأنه إذا كان في طرف المصر أضر بالناس، لتجشم الترداد إليه، وإن كان صغيرًا فذلك أخف. واختلف في الموضع الذي يجلس فيه للقضاء على ثلاثة أقوال: فقال مالك في المدونة: القضاء في المسجد من الأمر القديم (¬4). وقال في كتاب ابن حبيب: كان من مضى من القضاة لا يجلسون إلا في رحاب المسجد خارجًا، إما عند موضع الجنائز، وإما في رحبة دار مروان، وما كانت تسمى إلا رحبة القضاء (¬5). قال مالك: وإني لأستحب ذلك في الأمصار من غير تضييق، ليصل إليه اليهودي والنصراني، والحائض والضعيف، وهو (¬6) أقرب إلى التواضع إلى الله سبحانه، وحيثما جلس القاضي المأمون فهو (¬7) جائز (¬8). وقال أشهب: لا ¬

_ (¬1) في (ف): (مجالسة). (¬2) في (ف): (الرأي). (¬3) في (ر): (المدينة). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 13. (¬5) في (ر): (القضاة)، وانظر: النوادر والزيادات: 8/ 20. (¬6) قوله: (هو) ساقط من (ر). (¬7) في (ر): (فذلك). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 21.

فصل [في تعيين وقت للقضاء يعلمة أهل الخصومات]

بأس أن يقضي في منزله وحيث أحب (¬1). قال الشيخ: قوله أنه يقضي في الرحاب خارجًا عن (¬2) المسجد أحسن، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ رَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ وَخُصُومَاتِكُمْ" (¬3). ولا يعترض هذا باللعان؛ لأنها أيمان، ويراد بها الترهيب؛ ليرتجع المبطل عن الباطل. فصل [في تعيين وقت للقضاء يَعْلَمَة أهل الخصومات] ويلتزم (¬4) وقتًا من النهار يجلس فيه للناس (¬5)، ليَعْلَمَهُ أهل الخصومات فيأتون حينئذ؛ لأنه إذا كان مختلفًا تارة أوله وتارة وسطه وتارة آخره- أضر بالناس في تعطيل ما يحتاجون إليه من معايشهم (¬6). ولا يجلس إليهم (¬7) في الخصومة بين العشاءين ولا بالأسحار (¬8)، إلا في مثل ما يخاف (¬9) فواته ودخول المضرة إن أخر لوقت الخصومات، أو يمين ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 21. (¬2) في (ب) و (ح): (من). (¬3) ضعيف: أخرجه ابن ماجه: 1/ 247 في باب ما يكره في المساجد، من كتاب المساجد والجماعات، برقم (750). قال البوصيرى (1/ 95): هذا إسناد ضعيف. (¬4) في (ر): (ويلزم). (¬5) ساقط من (ت). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 22. (¬7) قوله: (يجلس إليهم) يقابله في (ح، ف): (يُجْلَبُ إليه). (¬8) في (ف): (ولا بأس بالأسحار). (¬9) في (ر): (يخافون).

فصل [شروط الجلوس للقضاء وما يتحلى القاضي من الآداب]

يخاف حنث صاحبها، ولا يجلس للقضاء في أيام الأعياد. قال محمد بن عبد الحكم: ولا قبل ذلك مثل يوم التروية ويوم عرفة يريد: وإن لم يكونوا في حج- ولا يوم خروج الحاج بمصر لكثرة من يشتغل يومئذ (¬1) بمن يسافر، وكذلك إذا كان الطين (¬2) والوحل (¬3). وكل هذا ما لم تكن ضرورة بمن ينزل به الأمر، فإن على القاضي أن يبعث وراء الخصم، وينظر في المسألة (¬4). فصل [شروط الجلوس للقضاء وما يتحلى القاضي من الآداب] ولا يجلس القاضي (¬5) للقضاء (¬6) وهو على صفة يخاف ألا يأتي بالقضية على وجهها، وكذلك إذا حدث بعد أخذه في القضاء مثل ذلك، فإنه يقوم ويدع القضاء (¬7)، وذلك كالغضب والضجر والهم والجوع والعطش والحقن، وإن أخذ (¬8) من الطعام فوق ما يكفيه لم يجلس، والأصل في هذه الجملة قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَحْكُمْ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ" أخرجه البخاري (¬9). ¬

_ (¬1) في (ح، ت): (حينئذٍ). (¬2) قوله: (الطين) ساقط من (ف). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 25. (¬4) في (ف): (مسألته). (¬5) قوله: (القاضي) زيادة من (ر). (¬6) في (ر): (للفصل). (¬7) في (ف): (الفصل). (¬8) قوله: (أخذ) ساقط من (ر). (¬9) متفق عليه، أخرجه البخاري: 6/ 2616، في باب هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان، =

واختلف إذا دخله ضجر، فقال محمد بن عبد الحكم: لا بأس أن يحدث جلساءه إذا ملَّ، يروِّح قلبه، ثم يعود إلى الحكم (¬1). وقال ابن حبيب: يقوم (¬2). والأول أحسن، وهو أخف من (¬3) قيامه وصرف الناس. ولا يحكم متكئًا؛ لأن فيه استخفافًا بالحاضرين، وللعلم حرمة. ولا بأس أن يحكم وهو ماش، في مسألة نص أو ما خف من مسائل الاجتهاد، ولا يجوز له ذلك فيما غمض وكان يحتاج إلى روية (¬4). واختلف في جلوس أهل العلم معه، فقال محمد بن المواز: لا أحب له أن يقضي إلا بحضرة أهل العلم معه (¬5) ومشاورتهم، وهو قول أشهب قال: (¬6) وكان عثمان - رضي الله عنه - إذا جلس للقضاء أحضر أربعة من الصحابة ثم استشارهم، فإذا رأوا ما رآه أمضاه. ومنع ذلك مطرف وابن الماجشون، قالا: ولكن إذا ارتفع عن مجلس القضاء شاور (¬7). قال الشيخ -رحمه الله-: ذلك على قدر حالة القاضي، فإن كان لا يدركه انحصار لحضورهم كان حضورهم أحسن، ولا يزيده ذلك إلا خيرًا وبصيرة، ¬

_ = من كتاب الأحكام، برقم (6739)، ومسلم: 3/ 1342، في باب كراهة قضاء القاضي وهو غضبان، من كتاب الأقضية، برقم (1717). (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 22. (¬2) قوله: (يقوم) ساقط من (ف)، وانظر: النوادر والزيادات: 8/ 25. (¬3) قوله: (من) ساقط من (ت). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 22، 23. (¬5) قوله: (معه) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (قال:) ساقط من (ت). (¬7) في (ر): (شاورهم)، وانظر: النوادر والزيادات: 8/ 18.

وإن كان يدركه انحصار (¬1) لذلك لم يحضرهم، إلا أن يكون القاضي مقلدًا فلا يسعه القضاء إلا بحضورهم. قال محمد: ولا يدع مشاورة أهل الفقه عندما يتوجه الحكم، ولا يجلس للقضاء إلا بمحضر عدول، ليحفظوا إقرار الخصوم، خوف رجوع بعضهم عما يقر به (¬2). وإن كان ممن يقضي بعلمه، فإن أخذه بما لا خلف فيه أحسن. ويقدم (¬3) الخصوم (¬4) الأول فالأول، إلا أن يكون مثل المسافر أو ما يخشى فواته، وإن تعذر معرفة الأول- كتب أسماءهم في بطائق وخلطت، فمن خرج سهمه بدئ به، وذلك كالقرعة بينهم (¬5). ويفرد النساء عن الرجال بالخصومة إذا كانت الخصومة بينهن، ويجعل لهن وقتًا لا يخالطهن فيه الرجال (¬6). وإن اختلفت خصوماتهن، فكان بعضها بينهن وبعضها مع الرجال- جحل الخصومات ثلاث مراتب: للرجال فيما بينهم وقت، ولمن كانت خصومتهم مع النساء وقت (¬7)، وللنساء فيما بينهن وقت. وإن تعذر ذلك عليه أو عجز عنه (¬8)، عزل النساء وأبعد مجلسهن عن الرجال (¬9)، وتمنع المرأة ذات ¬

_ (¬1) قوله: (كان حضورهم أحسن، ولا يزيده. . . يدركه انحصار) ساقط من (ف). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 18. (¬3) في (ر): (يقام). (¬4) في (ف): (الخصومة). (¬5) من هنا يبدأ فصل جديد في (ر). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 35. (¬7) قوله: (وقت) ساقط من (ت). (¬8) قوله: (أو عجز عنه) ساقط من (ف). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 35، 36.

الجمال أو المنطق (¬1) الرخيم أن تباشر الخصومة، وكره مالك الخصومة (¬2) لذوي الهيئات من الرجال. وإذا جلس الخصمان سوى بينهما في المجلس والنظر والكلام، ولا يقرب أحدهما إليه، ولا يقبل عليه دون خصمه؛ لأن ذلك يوهن الآخر ويوقع الظنة (¬3). وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: يسوي بينهما (¬4) وإن كان أحدهما ذميًا. (¬5) وقيل: لا يسوي بينهما لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُسَاوُوهُمْ فِي المَجْلِسِ" (¬6). وأرى أن يجلسا جميعًا بين يديه مجلس الحكومة، ويتقدمه المسلم بالشيء اليسير. ومن المجموعة: وإذا جلس الخصمان بين يدي الحاكم فلا بأس أن يقول لهما مالكما، أو ما خصومتكما، أو يتركهما حتى يبتدئانه، فإذا تكلم المدعي أسكت (¬7) المدعى عليه، واستمع من (¬8) المدعي، ثم يأمره بالسكوت ويستنطق الآخر، ولا يفرد أحدهما بالسؤال، فيقول: مالك؟ أو تكلم، إلا أن يكون علم (¬9) أنه المدعي، ولا بأس إذا لم يعلم أن يقول (¬10): أيكما المدعي؟ فإن قال ¬

_ (¬1) في (ر): (المنظر). (¬2) قوله: (وكره مالك الخصومة) ساقط من (ف). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 40 - 44، والتلقين: 2/ 209، والمعونة: 2/ 410. (¬4) قوله: (يسوي بينهما) ساقط من (ف). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 44. (¬6) أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (4/ 139)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 871) برقم (1460)، وقال: هذا حديث لا يصح. (¬7) في (ر): (تكلم). (¬8) قوله: (من) ساقط من (ت). (¬9) قوله: (يكون علم) يقابله في (ف): (يعلم). (¬10) قوله: (أن يقول) ساقط من (ر).

أحدهما: أنا، وسكت الآخر ولم ينكر، فلا بأس أن يسأله، وأحب إلي (¬1) ألا يسأله حتى يقر له الآخر بدعواه، وإن قال أحدهما: هذا المدعي، فلا بأس أن يسأله، فإن قال له: تكلم، فقال له (¬2): لست بمدعٍ (¬3)، فأقام على ذلك كل واحد منهما (¬4)، يقول لصاحبه (¬5): هذا المدعي. فللقاضي أن يقيمهما عنه حتى يأتي أحدهما (¬6) إلى الخصومة (¬7). قال الشيخ: فإن اختلفا فقال كل واحد منهما (¬8) أنا الطالب، وقال: إنما أحدث الآخر الدعوى عندما طلبته، فإن علم أن أحدهما أشخص (¬9) الآخر، وأنه كان يطالبه بدأ به وإلا صرفهما، فإن أبى (¬10) أحدهما إلا (¬11) الخصومة بدأ به، وإن بقي كل واحد منهما متعلقا بالآخر أقرع بينهما، وإن كان لكل واحد منهما طلب على الآخر، وتشاحا فيمن يبتدأ به (¬12) أقرع بينهما. وقيل: الحاكم بالخيار. واستحب محمد بن عبد الحكم أن يبتدئ بالنظر لأضعفهما (¬13). ¬

_ (¬1) قوله: (إلي) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (له) زيادة من (ف). (¬3) في (ر): (المدعي). (¬4) قوله: (فأقام على ذلك كل واحد منهما) يقابله في (ف): (وأقام على ذلك كل واحد). (¬5) قوله: (لصاحبه) ساقطة من (ف). (¬6) قوله: (حتى يأتي أحدهما) ساقط من (ف). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 45. (¬8) قوله: (منهما) ساقط من (ر). (¬9) في (ر): (استحضر). (¬10) في (ر): (إلى). (¬11) في (ر): (إلى). (¬12) قوله: (به) زيادة من (ر). (¬13) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 45، 46.

واختلف إذا ادعى أحدهما على الآخر دعوى، فلم يقر المدعى عليه (¬1) ولم ينكر، فقال محمد (¬2): قال مالك -فيمن كانت بيده دار ادعى رجل أنها لأبيه أو لجده، فسئل من هي بيده فلم يقر ولم ينكر-: أنه يجبر على أن يقر أو ينكر، قال محمد: فإن لم يرجع فيقر أو ينكر حكمت عليه للمدعي بلا يمين (¬3). وقال أصبغ -في كتاب ابن حبيب-: أن القاضي يقول له: إما أن تخاصم وإما أحلفت (¬4) هذا المدعي وحكمت له عليك، إن كانت الدعوى يستحق بها مع نكول المطلوب عن اليمين، إذا أثبت لطخا لأن نكوله عن الكلام نكول عن اليمين وإن كان مما لا يثبت إلا بالبينة دعاهم بها ولا يسجنه (¬5) حتى يتكلم (¬6). قال الشيخ: المدعي بالخيار بين ثلاث، بين أن يأخذ ذلك بغير يمين، على أنه متى عاد الدعى عليه إلى الإنكار والخصومة، كان ذلك له، وبين أن يحلفه الآن ويحكم له به ملكا، بعد أن يعلم المدعى عليه، أنه إن لم يقر أو ينكر حكم عليه، كما يحكم على الناكل، ولا ينقض له الحكم بعد ذلك إن أتى بحجة، ولكن إن أتى ببينة لم يكن علم بها، كما لا ينقض حكم (¬7) من خاصم (¬8) بالاحتجاج وينقض بالبينات، وإن أحب سجن له حتى يقر أو ينكر؛ لأنه ¬

_ (¬1) قوله: (المدعى عليه) يقابله في (ر): (الآخر). (¬2) قوله: (فقال محمد) ساقط من (ف). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 174، 175. (¬4) قوله (تخاصم وإما أحلفت) في (ر): (تخصم أو تحلفت). (¬5) قوله: (ولا يسجنه) يقابله في (ر): (وإلا سجن). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 46. (¬7) قوله: (حكم) ساقط من (ر). (¬8) زاد بعده في (ر): (إلا).

فصل [التنازع في الدعوى وحال القاضي مع الخصمين]

يقول: هو يعلم أن حقي حق، وقد يقر إذا سجن فلا أحلف (¬1). وهذا كما قالوا في الشفيع يكتمه المشتري الثمن، فقد اختلف فيه هل يسجن له الآن حتى يقر أو ينكر؟ (¬2) أو يقال له خذ الآن (¬3) ولا وزن عليك حتى يثبت الثمن؟ وهذا إذا كانت الدعوى في معين، دار أو عبد. وإن كانت في شيء (¬4) في الذمة فأقام لطخا، فكذلك وإن لم يقم لطخا لم تسمع دعواه، وإن ادعت الزوجة الطلاق فلم يقر الزوج ولم ينكر، سجن حتى يقر أو ينكر، ويحال بينه وبينها، وتطلق عليه إذا طال الأمر لحقها في الوطء، وإن ادعت عليه النكاح سجن حتى يقر أو ينكر، ولو ادعى هو (¬5) عليها نكاحا فلم تقر ولم تنكر، حيل بينها وبين الأزواج حتى تقر أو تنكر، وكذلك السيد (¬6) يدعي عليه عبده (¬7) العتق فإنه يسجن حتى يقر أو ينكر. فصل [التنازع في الدعوى وحال القاضي مع الخصمين] وإذا أنكر المدعى عليه ثم تنازعا الكلام، فكان من لفظ أحدهما ما تتعلق به منفعة للآخر وأغفل منفعته فيه، فإن على القاضي أن يبين ذلك ويقول للآخر: يلزمك (¬8) على قوله كذا وكذا، ولا يقول لمن له فيه منفعة قل له كذا ¬

_ (¬1) في (ت): (يحلف). (¬2) قوله: (أو ينكر) زيادة من (ر). (¬3) قوله: (الآن) زيادة من (ت). (¬4) قوله: (في شيء) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (هو) زيادة من (ر). (¬6) زاد بعده في (ر): (في عبده). (¬7) قوله: (عبده) ساقط من (ر). (¬8) في (ت): (يلزمه).

وكذا؛ لأن تقويل أحد الخصمين يوهن الآخر، وليس كقوله قد قلت كذا فيلزمك عليه كذا، ولا حجة لك في قولك كذا لوجه كذا وكذا. وقال أشهب: للقاضي أن يشد على عضد أحدهما، إذا رأى منه ضعفا عن صاحبه وخوفا منه، ليسقط له أمله في الإنصاف ورجاؤه في العدل، ويلقنه حجة عمي عنها، وإنما يمنع تلقين أحدهما الفجور (¬1). وإذا تقررت الدعاوى وتوجه الحكم ولم يبق للآخر حجة أنفده (¬2)، وإن قال بقيت في حجة لم يعجل بالقضاء، قال محمد: فإن كان في طريق اللدد (¬3) ضرب له أجلا ليس بالبعيد ثم يحكم عليه، وقال -فيمن قامت عليه بينة في دار في يديه (¬4)، فسئل عن حجته فذكر حجة قوية-: فإنه يضرب له أجل، الشهران والثلاثة، ومن حق الطالب إذا توجه له الحق، أن يكتب له قضيته بما ثبت له، ويذكر الوجه الذي كان عنه (¬5) الثبت، من بينات أو نكول أو يمين، أو سقوط بينات إن جرحت (¬6)؛ لأنه يخشى أن يقوم عليه بعد ذلك (¬7) بها (¬8). واختلف في المدعى عليه إذا لم يثبت عليه بتلك الدعوى شيء، هل يكتب له بذلك حكم؟ فقال عبد الملك -فيمن ادعى دارا أو عبدا، وأقام ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 41. (¬2) في (ف): (أنفذه). (¬3) في (ف): (الرد). (¬4) قوله: (في يديه) يقابله في (ر): (أو في دين). (¬5) قوله: (كان عنه) يقابله في (ف): (به كان عليه). (¬6) في (ر): (خرجت). (¬7) قوله: (ذلك) ساقط من (ف). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 222.

بينة وعجز عن تزكيتها، فقال المطلوب للإمام (¬1): احكم لي بعجزه عن ذلك، لئلا يقوم عليَّ بهم (¬2) ثانية-: قال: ليس ذلك على القاضي (¬3)، وقال مطرف: على القاضي أن يكتب له ويشهد له (¬4) بذلك، ليكون براءة من تردد الخصوم في ذلك (¬5). واختلف أيضا إذا أتى بعد ذلك بمن يزكيها، أو أتى بشاهدين عدلين يشهدان في ذلك (¬6) الحق، فأصل مالك وابن القاسم أنه يقبل. وقال مطرف: لا يقبل إلا في ثلاث، العتق والطلاق والنسب (¬7). يريد لأن هذه الأشياء يتعلق بها حق لغير من انحصر عنها، فالطلاق والعتق يتعلق بهما حق لله -سبحانه-، وفي العتق حق لولاة (¬8) المعتق ولولاء المعتق، وكذلك النسب يتعلق به حق لمن يلحق (¬9) نسبه منهم أو قطع، فلم يكن عجز (¬10) هذا يقطع (¬11) حق هؤلاء، فمتى وجد أحد منهم (¬12) حقًّا (¬13) جاز القيام به لكل أحد. ¬

_ (¬1) قوله: (للإمام) ساقط من (ر). (¬2) في (ف): (بها). (¬3) قوله: (قال: ليس ذلك على القاضي) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (له) ساقط من (ف). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 228، 229. (¬6) في (ف): (بذلك). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 229. (¬8) في (ف): (لولاته). (¬9) في (ر): (ممن يلحق)، وفي (ت): (لمن يحق). (¬10) في (ر): (عجزه عن). (¬11) في (ر): (قطع). (¬12) في (ر): (من هؤلاء). (¬13) في (ت): (حجة).

باب هل يوقف القاضي الحكم فيما أشكل الأمر فيه، أو يدعو إلى الصلح؟ وفي الحكم بين الأقارب

باب هل يوقف القاضي الحكم فيما أشكل الأمر فيه، أو يدعو إلى الصلح؟ وفي الحكم بين الأقارب ويبتدئ القاضي في النازلة بما ورد فيها، من نص القرآن أو السنة أو الإجماع (¬1)، فإن لم يجد (¬2) اجتهد رأيه على ما يرى أنه أصل لتلك النازلة، من القرآن أو السنة أو الإجماع، فإنه لم يتبين له (¬3) ذلك وأشكل عليه الحكم، وقف ولم يحكم بإسقاط ولا وجوب، وحسن أن يدعوهما إلى الصلح. قال سحنون -في كتاب ابنه إذا كانت شبهة وأشكل الأمر-: فلا بأس أن يأمرهما بالصلح (¬4). وقال مالك -في كتاب محمد في بعض المسائل-: لو اصطلحا. واختلف إذا كان القاضي من أهل الاجتهاد؟ وأشكل عليه الحكم في نازلة، هل يقلد غيره ممن هو من أهل الاجتهاد؟ وأن يقلده أحسن؛ لأنه يصير فيها كالعامي (¬5) المقلد (¬6)، بعد أن يسأل الآخر عن الأدلة التي تبين له بها ذلك القول، فإن أشكل عنده الأمر بعد ذلك جاز له أن يقلده، وإن تبين له أن (¬7) ذلك لا يوجب ترجيحا لم يقلده، والإشكال يتصور من ثلاثة أوجه: ¬

_ (¬1) في (ف): (إجماع الأمة). (¬2) في (ف): (فإن لم يكن)، وفي (ر): (فإن يجد). (¬3) قوله: (له) ساقط من (ف). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 42. (¬5) في (ف): (كالقاضي). (¬6) قوله: (المقلد) زيادة من (ف). (¬7) قوله: (أن) ساقط من (ر).

أحدها: ألا يعلم لتلك النازلة أصلا في كتاب ولا سنة ولا غير ذلك. والثاني: أن يشك هل هي من أصل كذا أم لا؟ والثالث: أن يجد لها أصلين ولا يترجح أحدهما. ويختلف في هذا القسم هل يكون حكمه حكم (¬1) الوقف أو يكون بالخيار فيحكم بأيهما شاء (¬2)، قياسا على الحديثين يتعارضان ويعدم التواريخ (¬3)؟ فقيل: الحكم الوقف. وقيل: المفتي بالخيار يفتي (¬4) بأيهما شاء، وقيل: غير ذلك، والوقف في جميع ذلك أحسن، ولا يدعو إلى الصلح إن تبين الحق لأحدهما، إلا أن يرى لذلك وجها، وأنه متى ما (¬5) أوقع الحكم، تفاقم ما بين المتنازعين، وعظم الأمر وخشيت الفتنة، ويندب أهل الفضل والصلاح إلى ترك الخصومات. وتخاصم إلى سحنون رجلان من أصحابه صالحان فأقامهما، وقال: استرا على أنفسكما ولا تطلعاني على أمركما (¬6). وروي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: "رُدُّوا الحُكْمَ بينَ ذَوِي الأرْحَامِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، فَإِنَّ فَصْلَ القَضَاءِ يُورِثُ الضَّغَائِنَ" (¬7). وهذا بين الأقارب حسن وإن تبين الحق لأحدهما أو لهما. ¬

_ (¬1) قوله: (حكم) زيادة من (ت). (¬2) في (ر): (حاز). (¬3) قوله: (ويعدم التواريخ) يقابله في (ت): (ويقدم التاريخ). (¬4) وفي (ف): (في أن يحكم). (¬5) قوله: (ما) ساقط من (ت). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 42. (¬7) أخرجه عبد الرزاق، في باب هل يرد القاضي الخصوم حتى يصطلحوا، من كتاب البيوع: 8/ 303، برقم (15304)، والبيهقي في سننه الكبرى 6/ 66، برقم (11144).

باب في الخصمين يحكمان رجلا، أو يحكم أحدهما الآخر، وفي تحكيم المرأة والعبد والمسخوط والصبي والنصراني

باب في الخصمين يحكمان رجلا، أو يحكم أحدهما الآخر (¬1)، وفي تحكيم المرأة والعبد والمسخوط والصبي والنصراني وقال مالك -في رجلين حكما رجلًا-: حكمه ماض، وإن رفع إلى قاض أمضاه، إلا أن يقول جورا بينا. وقال سحنون: يمضيه القاضي إذا وافق الحق عنده، وإن كان مما اختلف فيه الفقهاء، وليس من رأي القاضي لم يعرض له، إلا أن يكون خطأ بينا فيرده (¬2). قال الشيخ: إنما يجوز التحكيم إذا كان المحكم عدلا من أهل الاجتهاد، أو عاميا واسترشد العلماء فإن حكم ولم يسترشد لم يجز ورد، وإن وافق قول قائل؛ لأن ذلك التحكيم تخاطر (¬3) منهما وغرر، ولا فرق بين التخاطر في البيع والحكم، بل هو في الحكم أشد؛ لأن التخاطر في البيع قد يكون في بعض صفاته، والبيع (¬4) ثابت للمشتري على كل حال، والتخاطر في الحكم في جميع الحق يثبته أو يسقطه، وإذا كان المحكم من أهل الاجتهاد ومالكيا، ولم يخرج باجتهاده عن مذهب مالك لزمه حكمه، وإن خرج عن ذلك لم يلزم إذا كان الخصمان مالكيين؛ لأنهما لم يحكماه على أن يخرج عن قول مالك وأصحابه، وكذلك إذا كانا شافعيين أو حنفيين، وحكماه على مثل ذلك، لم يلزم إن حكم بغير ذلك. ¬

_ (¬1) قوله: (الآخر) ساقط من (ر). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 83، 84. (¬3) في (ف): (مخاطرة). (¬4) في (ر): (والمبيع).

فصل [فيما يصح فيه التحكيم]

فصل [فيما يصح فيه التحكيم] والتحكيم يصح في الأموال وما في معناها، قال سحنون: ولا ينبغي التحكيم في لعان ولا في إقامة حد، وإنما ذلك لقضاة الأمصار العظام (¬1). وقال أصبغ -في كتابه-: ولا يحكم في قصاص ولا قذف ولا طلاق، ولا عتاق ولا نسب ولا ولاء؛ لأن هذه الأشياء إلى الإمام، ولو مكن من نفسه فقال اضربني حدك، أو خذ (¬2) قوَدك لم يصلح إلا بالإمام وكذلك النفس، وأما الجراح فلا بأس أن يستقيد منه (¬3)، إذا أقاد الآخر من نفسه وكان بائنا (¬4) عن السلطان، قال: فإن حكماه فيما ذكرنا أنه لا يحكم فيه بحكم، فإنه ينفذ له (¬5) حكمه، ويأخذ له السلطان بقوله، أو يقيم حدا وينهاه عن العودة لمثل هذا، فإن أقام ذلك بنفسه، فقتل أو اقتص أو ضرب الحدود، ثم رفع إلى السلطان أو (¬6) الحاكم، أمضى ما كان صوابا، وكان المحدود بالقذف محدودا والتلاعن ماضيا (¬7). قال الشيخ: منع التحكيم في هذه الأشياء ابتداءً أحسن (¬8) لأن منها ما ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 84. (¬2) قوله: (خذ) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (منه) زيادة من (ر). (¬4) في (ف): (نائبا). (¬5) قوله: (له) زيادة من (ر). (¬6) قوله: (أو) ساقط من (ر) وفي (ف): (أو إلى). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 84، 85. (¬8) قوله: (أحسن) زيادة من (ت).

يتعلق فيه (¬1) حق لغير الخصمين (¬2) إما حق لله عز وجل وهو الطلاق والعتق، أو (¬3) لآدمي وهو الولد، إذا كان التلاعن بنفي الحمل، والولاء والنسب لأن فيه حقا لمن يأتي بعد، فإن حكما في طلاق أو عتق، منع من الحكم لإمكان أن يحكم ببقاء الزوجية أو العبدية، ولو رفع ذلك إلى من أقيم للناس فرأى الطلاق والعتق، ورفع يد الزوج والسيد لأنه (¬4) حق من حقوق الله -تعالى-، ولا يجوز رضى الزوجة بالبقاء معه ولا (¬5) العبد بالرق، أو يكون (¬6) الأمر من (¬7) عند الأول الفراق والعتق، والأمر من (¬8) عند الآخر البقاء، فلا يجوز إباحة الزوجة لغير ذلك الزوج، ولا يجري (¬9) العبد على أحكام الحرية من الموارثة والشهادات، وذلك حق لله -تعالى-، وإن شركه حق لآدمي، وكذلك اللعان لنفي الحمل للولد (¬10)، حق في الكشف عفا يوجب إسقاط نسبه، والنسب والولاء فيه حق لمن يصير ذلك إليه، من غير أن يحكم إن قطع، وحق لهم (¬11) إن لحق بهم من ليس منهم. ¬

_ (¬1) في (ف): (به). (¬2) في (ر): (الحكمين). (¬3) قوله: (أو) يقابله في (ر): (وحق). (¬4) قوله: (لأنه) زيادة من (ف). (¬5) قوله: (لا) ساقط من (ت). (¬6) قوله: (يكون) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (من) زيادة من (ر). (¬8) قوله: (من) زيادة من (ر). (¬9) (ر): (يرى). (¬10) قوله: (لنفي الحمل للولد) يقابله في (ت): (بنفي الولد). (¬11) قوله: (لهم) زيادة من (ف).

فصل [في التقاضي أو التحاكم إلى العبد والمرأة والصبي والمسخوط وغير العدل]

وأرى إذا فات ذلك بالقضية (¬1) ممن حكم، أن يرفع الأمر إلى من أقيم للناس إذا كان عدلا. فإن كان فعل الأول حقا أمضاه وإلا رده، ولا يكون تراضي هذين فيما يترامى (¬2) إلى غيرهما، أو يتعلق به حق لغيرهما على المضي من غير كشف. وإن حكم أحد الخصمين الآخر (¬3)، جاز أيضا إذا كان المحكم عدلا ومن أهل الاجتهاد، أو عاميا واسترشد العلماء، وهو ها هنا أشد تخاطرا، إذا دخلا على الحكم بالجهل بموجب العلم، أو كان غير عدل منه (¬4) إذا كان المحكم أجنبيا. فصل [في التقاضي أو التحاكم إلى العبد والمرأة والصبي والمسخوط وغير العدل] ولا يستقضى عبد ولا امرأة ولا مسخوط، ولا صبي (¬5) ولا غير عدل ولا يتحاكم إليه (¬6). واختلف إذا حكم أحد هؤلاء الخصمان (¬7) على أربعة أقوال: فقال مطرف في كتاب ابن حبيب: لا يجوز حكم أحد من هؤلاء ولا يجوز إلا العدل في حالة ¬

_ (¬1) في (ر): (بالعصمة). (¬2) في (ق): (يتراقى) وفي (ر): (يتراضى). (¬3) قوله: (الآخر) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (منه) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (ولا صبي) زيادة من (ت). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 85، وما بعدها. (¬7) قوله: (الخصمان) ساقط من (ت).

العارف بوجه الحكم، وإن حكم (¬1) أحدهم (¬2) بصواب لم يلزم (¬3). قال: ونرى التحكيم في مثل هؤلاء كالمتخاطرين حين حكما من لا علم عنده ولا يؤمن حيفه، ووافقه عبد الملك بن الماجشون في المسخوط (¬4) والصبي وخالفه في المرأة والعبد وقال: إذا كانا بصيرين عارفين مأمونين جاز تحكيمهما (¬5). وقال ابن حبيب: وقاله أصبغ وأجازه أشهب في كتاب ابن سحنون في جميعهم إلا الصبي وأجازه أصبغ في كتابه في جميعهم إلا (¬6) المرأة والعبد والمسخوط والصبي إذا كان يعقل قال: فرب غلام لم يبلغ (¬7) له علم بالقضاء والسنة (¬8). وقوله في الصبي إذا كان له علم بالقضاء، يبين أنه إنما يجوز من ذكر معه من امرأة أو عبد أو مسخوط، إذا كان عالما بالقضاء أيضا (¬9). وقد اتفقت هذه الأقاويل على أنه (¬10) لا يحكم من (¬11) يكون جاهلا بالحكم، وإن ذلك تخاطر وتخمين وحدس، وأرى أن تمضي أقضيتهم إذا كانوا عالمين بوجه الحكم في تلك النازلة، ولا يجوز تحكيم النصراني ولا المجنون ولا الموسوس. ¬

_ (¬1) قوله (حكم) يقابله بياض في (ف). (¬2) في (ت): (أحدهما). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 86. (¬4) في (ر): (المبسوط). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 86. (¬6) قوله: (إلا) ساقط من (ف). (¬7) في (ت): (يبلغ). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 86. (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 85، 86. (¬10) قوله: (على أنه) ساقط من (ف). (¬11) قوله: (يحكم من) زيادة من (ف).

باب في حكم القاضي لنفسه ولزوجته ولولده، ولغيرهم من الأقارب وهل يقضي بعلمه؟

باب في حكم القاضي لنفسه ولزوجته ولولده، ولغيرهم من الأقارب وهل يقضي بعلمه؟ قال محمد: كل من لا تجوز الشهادة له، لا يجوز (¬1) أن يحكم له، وقاله مطرف في كتاب ابن حبيب (¬2). وقال ابن الماجشون: لا يجوز لثلاث، الزوجة وابنه الصغير ويتيمه، ويجوز للآباء والأبناء الكبار (¬3). وقال أصبغ مثل (¬4) قول مطرف. قال أصبغ: وأما من سواهم، فإن حضر الشهود وكانت الشهادة الظاهرة بحق ظاهر جاز، ما عدا زوجته وولده الصغير وبتيمه الذي يلي ماله؛ لأن هؤلاء كنفسه (¬5)، وإن لم يكن إلا قوله: ثبت عندي وشبهه- (¬6) لم يجز. وقال أصبغ أيضا -في كتابه-: يجوز حكمه لكل من ذكر من زوجة أو ولد أو أخ أو مدبر أو مكاتب، ولمن يلي عليه، وهذا إذا صح الحكم وكان من أهل القيام بالحق وليس من أهل التهم، وقد يحكم للخليفة وهو فوقه وهو يتهم فيه لتوليته إياه (¬7). ¬

_ (¬1) زاد بعده في (ف): (له). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 74. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 75. (¬4) في (ر): (هذا). (¬5) قوله: (ما عدا زوجته. . . كنفسه) ساقط من (ت). (¬6) في (ر): (وشهد). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 75.

والقول الأول أحسن، أن لا يجوز حكمه لأحد من هؤلاء؛ لأن الظنة تلحق في ذلك (¬1)، ولا فرق بين الشهادة والحكم. وإن كانت القضية بغير مال، وكانت مما يتضمن أن تدرك فيه الحمية، أو ترفع به (¬2) المعرة لم يجز بحال. وإذا لم يجز أن (¬3) يحكم لأحد ممن ذكرنا، لم يجز أن تدفع الشهادة بما اعترف عنده لمن هو فوقه. وإن كان مما تجوز فيه شهادته رفع إلى من هو فوقه، فالناظر يرفع إلى القاضي، والقاضي يرفع إلى الأمير إذا كان عدلا. واختلف هل يرفع ذلك لمن هو (¬4) دونه في ولايته، كالقاضي يرفع إلى ناظره، والأمير يرفع إلى قاضيه (¬5). فقيل: لا يجوز (¬6). وهو أصل (¬7) قول مالك في المدونة. وقيل: يجوز (¬8). وقال أصبغ: لا ينبغي أن يحكم إن طلب بحق، أو طلب هو حقا أو أحد من عشيرته، أن يحكم من دونه وإن رضي (¬9) الخصم، بخلاف رجلين رضيا بحكم أجنبي (¬10). واستشهد من أجاز ذلك بحكم عمر أنه حكم في خصومة كانت له، ولا أرى أن يقتدي بهذا، وليس حال الناس اليوم في الصلابة في الحق، والغضب لله والرضى له كحال من (¬11) تقدم. ¬

_ (¬1) في (ر): (هؤلاء). (¬2) في (ر): (فيه). (¬3) قوله: (يجز أن) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (هو) زيادة من (ت). (¬5) في (ر): (ناظر). (¬6) قوله: (لا يجوز) يقابله في (ر): (يجوز). (¬7) قوله: (أصل) ساقط من (ر). (¬8) في (ر): (لا يجوز)، وانظر: (المدونة: 4/ 16). (¬9) قوله: (دونه وإن رضي) بياض في (ف). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 75. (¬11) قوله: (كحال من) يقابله في (ر): (كمن).

فصل [فيما إذا اجتمع في القضية حق للقاضي وحق لله سبحانه]

وقد قال مالك: تحدث للناس أقضية، بقدر ما أحدثوا من الفجور (¬1). وأيضا فليس تحكيمه لمن ولاه النظر بين الناس، كتحكيمه لمن لم يوله؛ لأن الأول يتقي أن يعزله. فصل [فيما إذا اجتمع في القضية حق للقاضي وحق لله سبحانه] وإن اجتمع في القضية حق للقاضي وحق لله سبحانه لم يجز أن يقضي بما تضمنته من حق نفسه. واختلف هل يقضي بما تضمنته من حق الله سبحانه؟ فقال محمد: إذا شهد عنده عدلان أنه سرق للقاضي قطعه (¬2)، ورفع الشهادة إلى غيره في حقه. وقال محمد بن عبد الحكم: لا يقطعه وليرفعه (¬3) إلى من فوقه (¬4). وإن شهد القاضي وآخر معه على أنه سرق القاضي، رفعه إلى من فوقه فقطعه بشهادتهما، وأغرمه بشهادة الأجنبي مع يمين القاضي. وقيل في هذا الأصل: لا يقطع بشهادتهما؛ لأن شهادة القاضي ترد عنه من باب التهمة، وأنه يجر إلى نفسه، فلا (¬5) تتبعض الشهادة (¬6) في مثل هذا، وإنما تتبعض (¬7) إذا كانت ترد من جهة الشرع لا من جهة التهمة. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 203. (¬2) في (ت): (حقه). (¬3) في (ر): (ولا يرفعه). (¬4) قوله: (إلى من فوقه) ساقط من (ر)، وانظر: (النوادر والزيادات: 8/ 75). (¬5) في (ف): (بتلا). (¬6) قوله: (تتبعض الشهادة) يقابله في (ر): (تنتقض). (¬7) في (ر): (تنتقض).

فصل [هل يحكم القاضي بعلمه؟]

فصل [هل يحكم القاضي بعلمه؟] ولا يقضي القاضي بما كان (¬1) عنده من العلم، قبل أن يلي القضاء أو بعد أن ولي ولم يكن في مجلس القضاء، أو كان في مجلس القضاء، وقبل أن يتحاكما إليه (¬2) ويجلسا للحكومة، مثل أن يسمعهما أو أحدهما يقر للآخر، فلما تقدما للحكومة أنكر وهو في ذلك شاهد. وقد اختلف إذا أقر بعد أن جلسا للخصومة ثم أنكر، فقال مالك وابن القاسم: لا يحكم بعلمه (¬3). وقال عبد الملك وسحنون: يحكم (¬4). ورأيا أنهما إذا جلسا للمحاكمة (¬5) فقد رضيا أن يحكم بينهما بما يقولانه ولذلك قصداه (¬6). فإن لم ينكر حتى حكم ثم أنكر بعد الحكم، وقال: ما كنت أقررت بشيء، لم ينظر إلى إنكاره، وهذا هو المشهور من المذهب. وقال الشيخ أبو القاسم (¬7) ابن الجلاب: إذا ذكر الحاكم أنه حكم في أمر من الأمور، وأنكر المحكوم عليه لم يقبل قول الحاكم إلا ببينة (¬8)، وهو أشبه في قضاة اليوم لضعف عدالتهم. وإذا لم يكن له أن يحكم بعلمه، كان في قبول ¬

_ (¬1) قوله: (كان) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (إليه) ساقط من (ر). (¬3) في (ت): (عليهما)، وانظر: المدونة: 4/ 61. (¬4) قوله: (يحكم) ساقط من (ف)، وانظر: النوادر والزيادات: 8/ 68. (¬5) في (ت): (للخصومة) وفي (ر): (للحكومة). (¬6) في (ف): (قصدا). (¬7) قوله: (الشيخ أبو القاسم) زيادة من (ف). (¬8) انظر: التفريع: 2/ 255.

شهادته عند غيره على وجهين: فأما ما كان عنده من العلم، قبل أن يجلسا للحكومة، جاز أن يرفع شهادته فيه. واختلف في قبول شهادته فيما أقر به عنده في حين (¬1) المحاكمة، فقال محمد: تقبل شهادته فيه، وقال أيضا: لا تقبل لما لم يمض حكمه فيه (¬2). وأرى أن تقبل (¬3) إذا لم يكن حكم، كما قيل في العبد يشهد بشهادة فلم ترد حتى عتق، أنه يعيدها وتقبل منه. فإن حكم بعلمه ثم رد حكمه، حسن ألا تقبل وإذا صح قبولها رفعها إلى من فوقه. واختلف هل يرفعها (¬4) لمن تحته وقد تقدم ذلك. وأرى أن تقبل إذا كان طارئا، وكان (¬5) القاضي عدلا مبرزا في العدالة، ممن لا يمكن التجريح في مثله، وإن كان القاضي غير عدل (¬6)، لم يقبل قوله وسواء رفعها لمن دونه أو فوقه؛ لأن تجريحه يتعذر، ولا يقدم أحد على تجريح القاضى وإسقاط عدالته، وكذلك إذا كان الشاهد ممن يتقى، ولا يستطاع سماع الشافع (¬7) فيه، فلا تقبل شهادته إذا لم يكن مبرزا. ¬

_ (¬1) في (ف): (حال). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 65، 66. (¬3) في (ر): (تمضي). (¬4) قوله: (يرفعها) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (طارئا، وكان) زيادة من (ر). (¬6) قوله: (القاضي غير عدل) يقابله في (ت) و (ر): (غير ذلك). (¬7) في (ف) و (ر): (المنافع).

باب في كتاب القاضي ومكشفه ووكلائه ورسله وجلسائه

باب في كتاب القاضي ومكشفه ووكلائه (¬1) ورسله وجلسائه ولا يستكتب القاضي إلا حرا مسلما عدلا (¬2)، قال محمد: ويكتب بين يديه وينظر فيما يكتب (¬3). ولا يكون ذميا؛ لأن الله -عز وجل- قد أغنى بالمسلمين عنهم، ولا عبدا ولا غير عدل؛ لأنه قد يحتاج إلى شهادته، ولأنه يأمن (¬4) إذا كان عدلا، أن لا يُدْخِل على المسلمين في محضرهم وأحكامهم، وإن اضطر إلى غير عدل كتب بين يديه وينظر فيما يكتب، ولم يجز أن يكل ذلك إليه. ولا يبعد أن يحمل (¬5) قول محمد أن القاضي ينظر فيما كتب على الوجوب، وإن كان الكاتب عدلا، فيكون قد حمل الخصمين على المكتوب من باب القطع، وإذا لم ينظر فيما كتب كان قد حمل الخصم على أمانة الكاتب، وحكم بغلبة الظن من غير ضرورة إلى ذلك، وليس كالمكشف لأنه مضطر إلى ائتمانهم، في مضيه إلى محلات الشهود وللكشف عنهم سرا. وقال محمد: إذا وجد القاضي في قمطره (¬6) من كتب فيه شهادة لرجل، أو أقضية ولا يذكر ذلك، قال: أما إن عرف أن خطه بيده، أو خط كاتبه وعرف ¬

_ (¬1) قوله: (ووكلائه) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (عدلا) ساقط من (ف). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 30. (¬4) في (ر): (يؤمن). (¬5) قوله: (أن يحمل) ساقط من (ف). (¬6) في (ر): (كلمة غير مقروؤة) قال زروق: القمطر بكسر القاف وفتح الميم وسكون الطاء المهملة والراء الزمام الذي يكتب فيه التذكار ويسمى زمام القاضي.

خاتمة، وعرف الرجل نفسه وصفته حتى لا يشك، وكانت من قبله ليس من قاض غيره، فينبغي أن يجيزها، هذا قول محمد (¬1). ولا بأس أن يكون للقاضي مكشفا عن البينات، ويقبل القاضي قوله وحده فيما يأتيه به (¬2)؛ لأنه وكيل له، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وَاغْدُ يَا أُنيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا" (¬3). فاعترفت فرجمها (¬4)، وينبغي أن يكون المكشف فهما فطنا غير مغفل، وينبغي أن لا يعرف مكشف القاضي؛ لأن في ذلك فسادا على الخصمين، ويكشف عنهم (¬5) سرا وإن كشف علانية قبل الجرح. واختلف في قبول التعديل علانية (¬6)، وأن لا يقبل أحسن؛ لأن الإنسان يذكر في العلانية غير ما (¬7) يعلمه، وإذا سئل سرا (¬8) أخبر بغير ذلك، ولا يكون وكلاؤه وحجابه إلا عدولا، ذوو رفق وأناة، والعدالة فيهم أحوج منها في غيرهم، لتؤمن ناحيتهم، وأن لا يتجاعلوا في الخصومات، وفيما يكون من خصومة النساء؛ لأنهم أمناء على محادثتهن (¬9)، ¬

_ (¬1) قوله: (من كتب فيه شهادة. . هذا قول محمد) يقابلها في (ت) بياض. وانظر: النوادر والزيادات: 8/ 111. (¬2) قوله: (به) ساقط من (ر). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري، في باب الوكالة في الحدود، من كتاب الوكالة: 2/ 813، برقم (2190)، ومسلم، في باب من اعترف على نفسه بالزنى من كتاب الحدود: 3/ 1324، برقم (1697). (¬4) قوله: (فاعترفت فرجمها) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (عنهم) زيادة من (ف). (¬6) قوله: (علانية) زيادة من (ف). (¬7) في (ت) و (ف): (خير ما). (¬8) قوله: (سرا) ساقط من (ر). (¬9) في (ف): (محادثتهم).

وقد يطلعون على أسرار القاضي فيما يريد من حكومة، فيؤمن أن لا ينقلوا لأحد الخصمين، وكذلك جلساؤه ينبغي أن يكونوا أهل دين وأمانة ونصيحة، ويجتنب مجالسة من كان على غير ذلك.

باب في نقض القاضي أقضيته وأقضية غيره من القضاة

باب في نقض القاضي أقضيته وأقضية غيره من القضاة وإذا قضى القاضي بقضية، ثم تعرض المقضي عليه لنقضها، فذلك على خمسة أوجه: أحدهما: أن يأتي بحجج يقول كنت أغفلتها. والثاني: أن يأتي ببينة ولم يكن أحضرها ولا شهدت له. والثالث: أن يجرح البينة التي شهدت عليه، أو يأتي فيها بمنفعة من عبودية أو غيرها، أو تعديل من كان وقف عليه تعديله. والرابع: أن ينكر الحكم ويقول لم أكن خاصمت عندك. والخامس: أن يقر بالخصومة وينكر أن تكون شهدت عليه بينة. فإن تعرض نقضه بحجة يأتي بها، ويقول كنت أنسيت ذكرها، أو يقول استنطق خصمي عن كذا، لم يقبل قوله ولا يمكن أحد من هذا، عند ذلك القاضي ولا غيره، ولو مكن الناس من ذلك لم تنقطع مشاغبة ولا منازعة. وإن تعرض نقضه ببينة أحضرها، لم تكن شهدت ولا علمها، كان فيها ثلاثة أقوال؛ فقال ابن القاسم في المدونة (¬1): تسمع بينته فإن شهدت بما يوجب نقض الحكم نقضه (¬2). وقال سحنون: ليس له نقضه ولا تسمع بينته. وقال محمد بن المواز: إن كان هو القاضي نقضه، وإن ولي غيره لم ينقضه (¬3). ¬

_ (¬1) قوله: (في المدونة) زبادة من (ت). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 3. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 221

والأول أحسن إذا تصادق الخصمان أن هذه البينة لم تكن شهدت أو (¬1) علم ذلك (¬2)، ويرجع إلى ما شهدت به البينة، والقاضي الأول وغيره (¬3) في ذلك سواء. وإن اختلفا فقال القائم بها لم تكن شهدت، وقال الآخر شهدت ولم تقدح شهادتهما، أو جرحتهما أو كنت أنت أسقطتها، حلف القائم بها أنها لم تكن شهدت، وقام بموجبها لأن محملها على أنها لم تشهد، حتى يعلم أنها شهدت، فإن نكل حلف الآخر ومضى الحكم. وإن كان في الحكم ما يدل على أنها لم تكن شهدت، سمعت الآن من غير يمين، مثل أن يذكر في الحكم صفة خصومتهما، وهو ما أدلى به كل واحد من حجته، وما يرى (¬4) أنها كانت دعوى بانفرادها، أو يقول دعوته ببينته فلم يأت بها، وكذلك إذا أحضر بينة كانت له (¬5) غائبة، وقد كان القاضي ذكر في حكمه أنه حكم لبعد البينة، ووقفه على حقه فيها سمعت منه، ونقضه القاضي الأول وغيره، وكذلك إذا ثبت أن البينة كانت غائبة في حين الحكم، فإنها تسمع الآن وإن لم يكن شرط غيبة البينة. ¬

_ (¬1) في (ر): (إن). (¬2) قوله: (ذلك) ساقطة من (ف). (¬3) في (ف): (الأخيرة). (¬4) في (ر): (بدأ). (¬5) قوله: (له) زيادة من (ف).

فصل [في تجريح البينة وما يوجب سقوطها]

فصل [في تجريح البينة وما يوجب سقوطها] وإن كان الحكم انعقد ببينة شهدت عنده، فأراد المحكوم عليه تجريحها، أو ما يوجب سقوطها كان ذلك له (¬1)، وذلك على ستة أوجه: إما أن يجرحها (¬2)، أو (¬3) يثبت أن بينها وبين المشهود له قرابة أو زوجية أو مصاهرة، أو بينها وبين المشهود عليه مصارمة (¬4) أو عداوة، أو أن أحد البينة عبد أو نصراني أو مولى عليه، فإن أثبت تقدم جرحتهما (¬5) كان فيها قولان: فقال مالك -في كتاب الشهادات: أن ينقض الحكم. وقال -في كتاب الحدود-: يمضي، وبه أخذ سحنون (¬6). وعلى هذا يجري الجواب إذا أثبت أن بينه وبينها عداوة، أو بينها وبين المشهود له، قرابة مما ترد الشهادة فيه من أجل التهمة، فإن أثبت أنهما أو أحدهما عبد نقض الحكم، وهذا قول مالك وأصحابه (¬7)، ولو قيل أنه يمضي لكان له وجه، بل هو أولى من إمضائه إذا أثبت الجرحة؛ لأن شهادة الفاسق غير جائزة باتفاق، وشهادة العبد مختلف فيها. وحكي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - إجازتها، وأجازها أنس وشريح ¬

_ (¬1) قوله: (له) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (إما أن يجرحها) ساقط من (ر). (¬3) في (ر): (أن). (¬4) (ر): (مضاربة). (¬5) في (ف): (جرحتهما). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 225. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 225

وزرارة بن أبي (¬1) أوفى وابن سيرين، وأجازها الحسن وإبراهيم في الشيء اليسير. وحكى القاضي أبو الحسن علي (¬2) بن القصار، عن أحمد وإسحاق وأبي ثور وداود: أنها تقبل (¬3) في جميع الأشياء كالحر (¬4). وإمضاء (¬5) الحكم بشهادة العبد العدل، للاختلاف في جوازها ابتداء أولى من إمضائها (¬6) بالمسخوط، مع ورود القرآن والإجماع بمنع قبولها ابتداء. وقد قال مالك في مسائل من النكاح والبيوع ينزل الأمر فيها على خلف رأيه وموافقا لقول غيره أنه يمضي ولا يرد. ويختلف إذا ثبت أنهما أو أحدهما مولى عليه، هل ينقض الحكم؟ ففي كتاب ابن سحنون أنه ينقض، والنقض في هذا أبعد منه في العبد (¬7)، وقد (¬8) قال مالك وغيره من أصحابه: أن شهادة المولى عليه تجوز ابتداء (¬9) وهو أحسن؛ لأنه حر مسلم عدل، فوجب أن تمضي شهادته ولا ترد، لجهله بتدبير ماله، وإن أثبت أنه نصراني رد الحكم، وقال عبد الملك -في المجموعة في رجل قذف رجلا، فحد القاذف بعد الإعذار، ثم أتى بأربعة عدول يشهدون على المقذوف، أنهم رأوه يزني قبل القذف-: قال يحد الزاني ويسقط الحكم عن ¬

_ (¬1) قوله: (أبي) ساقطة من (ر) و (ت). (¬2) قوله: (القاضي أبو الحسن علي) زيادة من (ف). (¬3) في (ف): (تعمل). (¬4) انظر: عيون المجالس: 4/ 1549. (¬5) في (ر): (وأمضى). (¬6) في (ر): (إمضائة). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 533. (¬8) قوله: (وقد) ساقطة من (ف). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 285، و 296.

القاذف. يعني تسقط جرحته، قال: ولو كان حقا غير الزنا وقام به المقضى عليه، لم يقبل منه بعد الحكم؛ لأن الزنا حق لله -تعالى- لابد أن يقام به على المشهود عليه، فإذا حد سقط عن القاذف حكم القذف، ولو كانت الشهادة أن حاكما جلده مائة جلدة (¬1)، لم تسمع (¬2) منه (¬3) بينته؛ لأنها لا توجب الآن على المشهود عليه حدا (¬4). يريد أنه لا يتعلق بشهادتهما بعد الحكم (¬5) الأول عليه شيء (¬6)، ومثله لو شهدت بينة أن البينة المحكوم بها سرقت فلم تقطع، أو شربت ولم تحد، أو حاربت ولم تنف، أو ما أشبه ذلك مما يتعلق به الآن حق لله -سبحانه- نقض الحكم قولا واحدا. وإن كان قد أقيم عليه الحد لم ينقض على أحد القولين. واختلف أيضا (¬7) إذا كانت القضية على غائب، ثم قدم فطلب أن يجرح تلك (¬8) البينة بالإسفاه، أو شرب خمر أو غيره، فقيل: ذلك له، وقال ابن الماجشون: ليس له ذلك إلا أن يثبت أنهم على غير الإسلام، أو أنهم عبيد أو مولى عليهم (¬9). والأول أحسن، والغائب موقوف على حجته، في كل ما لو كان ¬

_ (¬1) قوله: (جلدة) زيادة من (ر). (¬2) في (ف): (تقبل منه تسمع). (¬3) قوله: (منه) زيادة من (ف). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 226. (¬5) قوله: (الحكم) ساقط من (ف). (¬6) في (ف): (حكم). (¬7) قوله: (أيضا) زيادة من (ر). (¬8) قوله: (تلك) قوله (تلك) يقابله في (ر): (منه وقاسمه عليه وأما إذا كان للأول وجه وللذي تبين له الآن أشبه لم ينقضه)، والكلام في (ر) بعد هذه الزيادة مأخوذ من فصل بعد فصلين آتيين ساقطين بعد هذا الفصل. (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 226، 227.

فصل [في إنكار المحكوم عليه أنه خاصم عند ذلك القاضي]

حاضرا فأثبته لم يحكم عليه فيه. وقد اختلف عن مالك في الحكم على الحاضر، وإن كان بعد الإعذار إليه فكيف بالغائب؟ فصل (¬1) [في إنكار المحكوم عليه أنه خاصم عند ذلك القاضي] وإن أنكر المحكوم عليه أن يكون قد خاصم عند ذلك القاضي، وقال القاضي: كنت خاصمت وأعذرت إليك، ولم تأت بحجة فحكمت عليك، كان فيها قولان: فقال أصبغ -في كتاب ابن حبيب-: القول قول القاضي (¬2). وفي مختصر ابن الجلاب أنه (¬3): لا يقبل قول الحاكم إلا ببينة (¬4). قال الشيخ (¬5): وهذا أشبه في قضاة الوقت، وإن كان مضمون الحكم وقفا على رجل، وأنكر المحكوم عليه لم يقبل قول القاضي، إلا ببينة على اعتراف المحكوم عليه؛ لأن القاضي في هذا دافع عن نفسه، وهو قول أصبغ في كتاب ابن حبيب، وفرق بين هذا وبين الأول، إذا كان مضمون القضية حكومة بين المتنازعين. فصل (¬6) [فيما اذا أنكرت البينةُ الشهادة] وإن أنكرت البينة أن تكون شهدت بتلك الشهادة، كان فيها قولان: هل ¬

_ (¬1) هذا الفصل ساقط من (ف). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 108. (¬3) قوله: (أنه) ساقط من (ر). (¬4) انظر: التفريع: 2/ 255. (¬5) قوله: (قال الشيخ) ساقط من (ر). (¬6) وهذا الفصل ساقط من (ف) أيضا.

يقبل قولها وينقض الحكم، أو يمضي ويعد ذلك منها رجوعا بعد الحكم؟ (¬1) فقال ابن القاسم -في المجموعة-: يرفع الأمر إلى السلطان، فإن كان القاضي عدلا لم ينقض قضاؤه، وقال سحنون: لا يرجع على الشهود بشيء (¬2). وقال محمد -في كتاب الرجوع عن الشهادة-: قال (¬3): إذا حكم القاضي بشهادة رجلين، على رجل بمائة دينار، ثم أنكر الشاهدان وقالا: إنما شهدنا بالمائة للآخر المحكوم عليه، والقاضي على يقين أن الشهادة كانت على ما حكم به (¬4)، قال: فعلى القاضي أن يغرم المائة للمحكوم عليه؛ لأن الشهود شهدوا عليه بخلاف قوله، ولا يجوز للقاضي أن يرجع على المحكوم (¬5) له؛ لأنه يقول حكمت بحق (¬6). وهذا خلاف قول ابن القاسم؛ لأنه نقض الحكم فيما بين الحاكم والمحكوم عليه، وأغرمه المال برجوع البينة، وينبغي على أصله إذا كان الحاكم فقيرا، أن ينتزع المال من المحكوم له ويرده إلى المحكوم عليه، إذا رفع ذلك إلى حاكم غير الأول. وقال محمد: وإن قال القاضي أنا أشك أو وهمت، نقض الحكم فيما بين المحكوم له والمحكوم عليه، ويرجع الأمر إلى ما تقوله البينة التي شهدت (¬7) ¬

_ (¬1) قوله: (بعد الحكم) قوله: (فيما إذا أنكرت البينةُ الشهادةَ) ساقط من (ت). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 108. (¬3) قوله: (قال) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (به) ساقط من (ر). (¬5) في (ر): (المشهود). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 453 (¬7) قوله: (التي شهدت) ساقط من (ر).

فصل [فيما إذا تبين أنه حكم بخلاف النص أو الإجماع]

الآن، ويكون على المحكوم له أن يغرم مائتين (¬1)، المائة التي قبض والمائة (¬2) التي شهدت بها الآن البينة (¬3). وإن أنكر الحاكم والمحكوم عليه الحكم (¬4) وقال: ما حكمت بهذا فشهدت البينة للمحكوم له أنه كان حكم له به، فإن الحكم يمضي، وعلى الحاكم أن ينفذ ما تضمنه الحكم ولا يرده بقوله. فصل (¬5) [فيما إذا تبين أنه حكم بخلاف النص أو الإجماع] وإذا حكم القاضي في نازلة باجتهاده، ثم تبين أنها مسألة نص بالقرآن أو السنة، أو أنها مسألة إجماع، وأنه حكم بخلاف ذلك نقض الحكم (¬6)، وهو وغيره من القضاة في تلك النازلة (¬7) في نقض الحكم سواء. واختلف إذا أراد ذلك القاضي، أن ينتقل عن ذلك الاجتهاد إلى اجتهاد آخر، على أربعة أقوال: فقال مطرف وابن الماجشون -في كتاب ابن حبيب-: له نقضه (¬8). وهو ظاهر قول مالك في المدونة (¬9). وقال ابن عبد الحكم: لا ¬

_ (¬1) قوله: (مائتين) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (التي قبض والمائة) ساقط من (ر). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 453. (¬4) قوله: (الحكم) ساقط من (ر). (¬5) جزء من هذا الفصل موجود في (ف). (¬6) قوله: (الحكم) قوله: (فيما إذا تبين أنه حكم بخلاف النص أو الإجماع) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (في تلك النازلة) ساقط من (ت). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 97. (¬9) انظر: المدونة: 4/ 13.

ينقضه كان القضاء بمال أو غيره. وقال أشهب -في كتاب محمد-: إن كان القضاء بمال نقضه، وإن كان بإثبات نكاح أو فسخه لم ينقضه (¬1). وعلى هذا لا ينقضه إذا كان بإنفاذ (¬2) حكم (¬3) عتق أو ردة أو بحد أو قتل أثبته أو أبطله. وقيل: أما ما كان من باب المتروكات فليس بحكم بخلاف غيره، من أن يحكم للإنسان بمال أو ما أشبه ذلك، فإن حكم بإثبات نكاح أو إثبات عتق، ثم تبين له غير ذلك، كان له أن ينقضه، ورأى أن الأول ليس بحكم؛ لأنه إنما وجدهما على شيء فتركهما عليه. والقول الأول أحسن، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا اجْتَهَدَ الحَاكِمُ فَأَصَابَ كَانَ له أَجْرَانِ، وإنِ اجْتَهَدَ فَأَخْطأَ كَانَ لَهُ أَجْرٌ" أخرجه البخاري ومسلم (¬4). فأطلق عليه مع وجود الاجتهاد الخطأ، وإذا كان ذلك لم يجز البقاء عليه. وبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - سرية وقال لأميرها: "وإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلهُمْ عَلَى حُكْمِ الله، فَلاَ تُنْزِلُهمْ عَلَى حُكْمِ الله، وَأَنْزِلُهمْ عَلَى حُكْمِكَ، فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِي أتصِيبُ حُكمَ الله فِيهِمْ أَمْ لاَ؟ " (¬5). وهَذا إذا تبين أن الاجتهاد الأول وهم، وأنه خارج عن الأصل الذي كان ظنه منه وقاسه عليه. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 98. (¬2) في (ر): (بإنفاذ). (¬3) قوله: (حكم) زيادة من (ت). (¬4) أخرجه البخاري: 6/ 2676، في باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ من كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة: برقم (6919)، ومسلم: 3/ 1342 في باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ من كتاب الأقضية برقم (1716). (¬5) أخرجه مسلم: 3/ 1356، في باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث من كتاب الجهاد والسير، برقم (1731).

وأما إذا كان للأول وجه، والذي تبين له الآن أشبه، لم ينقضه (¬1). وقال سحنون: إذا كان ذلك رأيه يوم حكم لم ينقضه، وإن لم (¬2) يكن ذلك رأيه وإنما وهم أو نسي ورأيه خلف نقضه. (¬3) وهذا راجع إلى قول ابن عبد الحكم، وقال مطرف -في كتاب ابن حبيب-: إذا شهد الحاكم على فسخ حكمه الأول، ولم يذكر أنه رجع عن الأول إلى ما رآه أحسن، ولا فسر أمرا فسخه به، قال: فلا أراه فسخا يفسخ به الأول إذا كان صوابا غير نحتلف فيه، حتى يخلص (¬4) ما يوجب فسخ الأول، أو يرجع إلى ما هو أحسن، إلا أن يقول تبين في أن الشهود شهدوا بزور (¬5). وقال ابن الماجشون: إشهادهم (¬6) على الفسخ يكفيه (¬7)، إذا كان مأمونا ولم يقل إلا أني رجعت عن الأول، ثم هما على رأس أمرهما، ولو قال مع الفسخ وقضيت للآخر، لم يجز قضاؤه ومضى الفسخ؛ لأنه لا يقضي حتى يضرب (¬8) المقضي عليه الآجال والحجج (¬9). ¬

_ (¬1) من هنا تبدأ (ف). (¬2) قوله: (لم) ساقط من (ف). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 98. (¬4) قوله (أراه فسخا يفسخ به الأول إذا كان صوابا غير مختلف فيه، حتى يخلص): يقابله في (ر): (أرى فسخًا حتى يحقق). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 99. (¬6) في (ر): (شهادته). (¬7) في (ر): (تجزئه). (¬8) في (ف): (يطرد). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 99.

فصل [في الحكم بشهادة البينة على شهادة غيرها]

فصل [في الحكم بشهادة البينة على شهادة غيرها] واختلف إذا حكم القاضي بشهادة بينة، شهدت على شهادة غيرها، ثم أتى المنقول عنهم ذلك فأنكروا وقالوا: ما أشهدناهم بشيء. هل يكون ذلك رجوعا منهم وينقض الحكم، ويكونون أحق بشهادتهم أو لا يكونون ولا (¬1) يعد رجوعا، ولا ينقض الحكم؟ قال محمد -في رجلين نقلا عن أربعة أنهم أشهدوهم (¬2) على فلان بالزنا فلم يحد الناقلان (¬3)، حتى قدم (¬4) الأربعة فأنكروا أن يكونوا أشهدوهم- قال: يحد الأربعة القادمون حد القذف، ويسلم الاثنان؛ لأنهما صارا شاهدين على الأربعة بالقذف (¬5). فأثبت النقل وجعل إنكار الأربعة رجوعا. وقال مالك -في كتاب ابن حبيب، في رجلين نقلا عن غائب، فحكم بشهادتهما مع يمين صاحب الحق، ثم قدم الغائب فأنكر الشهادة-: فإن الحكم ينقض ويرد (¬6)، ورآه أحق بشهادته من اللذين نقلا عنه ونقض الحكم، وقال مطرف وابن القاسم: الحكم ماض ولا غرم عليه ولا على الناقين، قال: ولو قدم قبل الحكم بها، كان أحق بشهادته (¬7). فرأيا أن الأمر فيه بعد الحكم ¬

_ (¬1) قوله: (يكونون ولا) ساقط من (ر). (¬2) في (ت، ف): (أشهدونا). (¬3) في (ف): (فلان). (¬4) في (ف): (قذف). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 387. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 386. (¬7) انظر: البيان والتحصيل: 4/ 104، والنوادر والزيادات: 8/ 386.

مشكل، هل يرجعا أو كان الوهم من قبل الناقلن فلم ينقض الحكم، ولا (¬1) أغرم الناقلين (¬2)، فعلى قولهما وقول مالك لا يحد الأربعة، ولا يعد قولهما (¬3) الآن رجوعا، وعلى قول محمد يغرم المنقول عنه الشهادة المال. وأرى أن يرد الحكم؛ لأنه أولى بشهادته، ولا يغرم الناقلان؛ لأن الأمر مشكل، هل صدق أو كذب؟ فلا يغرمان بالشك، والأمر في المنقول عنهم (¬4) في الزنا، أبين أن لا حد عليهم؛ لأن قولهم وقول الناقلن في معنى التكاذب، فقول الأربعة أقوى (¬5) من قول الاثنين. ¬

_ (¬1) قوله (لا) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (فلم ينقض. . . الناقلين) ساقط من (ف). (¬3) في (ر): (قولهم). (¬4) في (ف): (عنهما). (¬5) في (ر): (أولى).

باب في القاضي يقضي بقضية ثم يقرأنه تعمد فيها جورا أو أنه أخطأ

باب في القاضي يقضي بقضية ثم يقرأنه تعمد فيها جورًا أو أنه أخطأ وقيل لابن القاسم -في القاضي يقول بعد الحكم بالرجم والقطع والضرب-: حكمت بجور. قال: قال مالك: ما تعمد الإمام من جور على الناس، فإنه يقاد منه (¬1). يريد لأنه كالجائر لمن أمره، وإن لم يباشر ذلك بنفسه، ويقتص من المأمور أيضا (¬2)، إذا علم أنه حكم بجور، أو كان معروفا بذلك ولم يكشف عن صحة حكمه. وقال أصبغ: إن كانت القضية بمال، غرم الحاكم للمحكوم عليه (¬3) ما أهْلَكَ، وهو (¬4) كإقرار الشاهد بعد الحكم بالزور، ويعاقب فيما أقر به من جور، ويعزل ولا يولى أبدًا، ولا تقبل شهادته أبدًا، وإن أحدث توبة كشاهد الزور (¬5). وأرى إن كان الحاكم معدما، أن لا شيء للمحكوم عليه على المحكوم له؛ لأنه لا يصدق الحاكم أنه تعمد الجور، إلا أن يكون معروفا بذلك. ويختلف إذا أقر بالعمد بعد الحكم وقبل القصاص، أو قبل أن يؤخذ المال، إن كانت القضية بمال. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 519، والنوادر والزيادات: 8/ 104. (¬2) قوله: (أيضا) ساقط من (ر). (¬3) في (ف): (له). (¬4) قوله: (وهو) زيادة من (ت). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 104، 105.

فصل [في القاضي يقرأنه أخطأ]

فقال ابن الماجشون -في المجموعة-: إن أقر بجور وهو حاكم فله (¬1) أن يرجع ما لم يفت (¬2). يريد ما لم يفت القصاص ولا أخذ المال. وقد اختلف في هذا الأصل فقال ابن القاسم وأشهب -في البينة ترجع بعد الحكم وقبل القصاص، وقبل إقامة الحد-: ترد (¬3) ولا يقتص لحرمة القتل والقطع، وسواء كان القطع في سرقة أو قصاص (¬4). قال محمد: وإن كان بكرا أقيم عليه حد الزنا بخلاف الرجم (¬5)، وعلى هذا يجري الجواب إذا رجع الحاكم. واختلف هل من حق المحكوم له أن يتم له الحكم بذلك؟ يريد (¬6) فإن كان القضاء بمال أمضى ولم يرد، بخلاف القتل والقطع، وهذا إذا كان ظاهره العدالة، وإن كان غير عدل لم يمض (¬7) شيء من ذلك. فصل [في القاضي يقرأنه أخطأ] واختلف إذا قال بعد القصاص: أخطأت، فقال ابن القاسم وأشهب: ذلك على عاقلة الإمام، إذا كان الثلث فصاعدا (¬8). وقال سحنون: ذلك في ماله ¬

_ (¬1) في (ف): (فإما). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 104. (¬3) في (ف): (يريد). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 438، 519 (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 520. (¬6) قوله: (يريد) زيادة من (ر). (¬7) في (ف): (ينقض). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 106.

ولا تحمل العاقلة الإقرار، قال: وقد قيل: لا شيء عليه (¬1). يريد أنه هدر، وقد تقدم ذلك في كتاب الرجم. ويختلف إذا أقر بالخطأ بعد القضاء، وقبل أخذ المال، هل يمضي الحكم ويغرم هو أو عاقلته أو لا يمضيه وكذلك إن كانت قضية بمال وأقر بالخطأ بعد أن قبض المقضي له بالمال. يختلف هل يغرم الحاكم؟ وإن أقر بعد الحكم وقبل أخذ المال يختلف هل يأخذ المحكوم له بالمال أم لا؟ ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 104.

باب في نظر القاضي في أقضية من كان قبله ونقضها

باب في نظر القاضي في أقضية من كان قبله ونقضها القضاة ثلاثة: عدل عالم، وعدل مقلد، وغير عدل. فإن كان عدلًا عالمًا، كانت أحكامه على المضي. قال ابن حبيب: ولا يعترض فيها إلا على وجه التجوز، كان عرض عارض فيها بخصومة، وأما على وجه الكشف والتعقب فلا، وإن مسألة الخصم ذلك، إلا أن يظهر له خطأ بين لم يختلف فيه، فقد يذكر الوجه الذي بنى عليه الحكم، فيوجد قد خالف نصًا، من آية أو سنة أو إجماع، قال: وإن كان عدلا جاهلا فإن أقضيته تكشف، فما كان صوابا أمضى، وما كان خطأ لم يختلف فيه (¬1). يريد أنه تتعقب من وجه الفقه، إلا أن يعلم أنه لا يحكم، إلا بعد مشاورة أهل العلم. وأرى إذا كان يحكم برأيه، من غير مطالعة لأهل العلم، أن يرد من أحكامه ما كان مختلفا فيه؛ لأن ذلك كان منه تخمين وحدس، والقضاء بمثل ذلك كله (¬2) باطل. قال: وإن كان جائرًا في أحكامه- لم تجز أقضيته كلها، وعلى من ولي بعده أن يردها كلها (¬3) صوابًا كانت أو خطئًا؛ لأنه لا يؤمن أن يُظْهِرَ العَدلَ والصَّوابَ، وباطن أمره الجور، إلا ما عرف أن باطن أمره كان صحيحًا (¬4). ¬

_ (¬1) زاد بعده في (ف): (فقد يذكر الوجه الذي يبنى عليه الحكم رد)، وانظر: النوادر والزيادات: 8/ 93. (¬2) قوله: (كله) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (كلها) زيادة من (ر). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 93.

وقال أصبغ: إذا كان ممزوجًا فيه هذا وهذا فأرى أن يجوز من أقضيته (¬1) ما عدل فيه ولم يسترب، وينقض منها ما تبين فيه جور أو استريب، ويعمل فيها بالكشف كما يصنع (¬2) بأقضية الجاهل، وإلا لم تنفذ الأحكام اليوم. (¬3) وقال مالك: إذا قضى القاضي بما اختلف الناس فيه، ثم تبين له أن الحق في خلافه - كان له أن ينقضه، وليس لمن ولي بعده نقضه (¬4). قال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: ليس ذلك في كل ما اختلف فيه من الآثار والرأي، فإن كان في ذلك في سنة (¬5) قائمة- كان للثاني نقضه، وإن كان الحديث مختلفًا فيه و (¬6) في معناه مثل حديث العُمْرَى، فحكم بحديث ابن شهاب لا ترجع للذي أعطاها، فإنه يمضي، ولا أرى أن يحكم به ابتداء، لحديث القاسم: ما أدركت الناس يقضون (¬7)، إلا وهم (¬8) على شروطهم. قال: وما كان من باب الترك لما فعل الفاعل، أو إمساك عن الحكم لغيره (¬9)، مثل ما جاء من الحنث بالطلاق (¬10) قبل النكاح، والعتق قبل الملك، ونكاح المحرم، والحكم بالقسامة، فحكم حاكم بإمضاء النكاح والعتق (¬11)، وأقر ¬

_ (¬1) زاد في (ر): (مثل هذا ما عرف أنه عدل). (¬2) في (ت): (يفعل). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 93. (¬4) انظر: المدونة: 4/ 13، والنوادر والزيادات: 8/ 97، 440. (¬5) في (ف): (شبهة). (¬6) قوله: (فيه و) زيادة من (ر). (¬7) قوله: (يقضون) زيادة من (ر). (¬8) قوله: (وهم) زيادة من (ر). (¬9) قوله (ت): (بعده). (¬10) في (ف): (من لا يرى الحنث بالطلاق) وفي (ر): (مثل ما جاء من الحكم بالطلاق). (¬11) قوله: (والعتق) زيادة من (ر).

العبد (¬1) وأقر نكاح المحرم، ثم رفع إلى من يرى خلف ذلك، فإنه يحكم به، ولا يمنعه من ذلك ترك الأول، ورأى أن الترك ليس بحكم (¬2). وقول ابن القاسم في كتاب النكاح: أن ذلك حكم، قال: ولو فسخه (¬3) الثاني لكان خطئًا (¬4) في قضائه. وهو أحسن؛ لأن الأول حكم على الزوجة أنها في عصمة الأول، وأنها حلال له، وأثبت ملك السيد للعبد، وأسقط مقال العبد، وأباح له إن كانت أمة أن يصيبها. وقال محمد: إذا حكم القاضي بالشاهد مع اليمين في حق (¬5)، ثم ولي بعده قاض، ففسخه -كان للثالث أن ينقض فسخ (¬6) الثاني. قال: وهذا عظيم أن يرد ما حكم به (¬7) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعلي ومن مضى من التابعين والأخيار، قال: وإن قال الأول: لا أحكم بشاهد ويمين، ثم ولي آخر ممن يرى الحكم (¬8) بالشاهد واليمين- كان ذلك له. قال: وليس حكم الثاني يفسخ كحكم الأول (¬9). يريد: أن الأول من باب الترك، وقد تقدم قول ابن القاسم أن الترك حكم، إلا أن الأول ها هنا حكم بخلاف النص، قياسًا على من تبين يقين ¬

_ (¬1) قوله: (وأقر العبد) ساقط من (ر). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 95، 96. (¬3) في (ر): (فسخ ذلك). (¬4) في (ف): (حكمًا). (¬5) قوله: (ق حق) ساقط من (ت). (¬6) في (ر): (حكم). (¬7) قوله: (ما حكم به) ساقط من (ر). (¬8) قوله: (الحكم) زيادة من (ت). (¬9) في (ف): (بحكم)، وفي (ت): (لحكم)، وانظر: النوادر والزيادات: 8/ 96، 98، 99.

الخطأ، وكذلك إذا صلى قبل الوقت، أو توضأ بماء نجس (¬1)، ثم علم بعد ذلك، تلزمه الإعادة، وقياسًا أيضًا على القبلة إذا أخطأها (¬2). وإن كان حلف المدعى عليه على تكذيب الشاهد -كان حكمًا لا شك فيه، إلا أنه حكم بخلاف النص، فللثاني أن ينقضه. قال ابن القاسم: وإن وجد الطالب شاهدًا آخر- ضم إلى الأول وحكم (¬3) بهما (¬4). وهذا أحسن، وسواء كان الأول حلف المطلوب على تكذيب الشاهد أو لا؛ لأن المشهود له لم يمكن من اليمين مع الأول، ويصير الآن بمنزلة شاهد على طلاق أو عتق، فحلف الزوج أو السيد ثم وجد شاهدًا آخر، فلم يختلف أنه يضم إلى الأول، ويحكم بالطلاق والعتق؛ لأن الزوجة والعبد لم ينكلا عن اليمين مع الأول إن حكم القاضي بما عنده من العلم، قبل أن يلي أو بعد أن ولي، ولم يكن في مجلس الحكومة، أو كان (¬5) في مجلس الحكومة (¬6) فأقر أحدهما بشيء (¬7) قبل أن يتقدما إلى الحكومة، كان للثاني أن ينقضه. واختلف إذا أقر بعد أن جلسا للحكومة ثم أنكر، فقال مالك وابن القاسم: لا يحكم به (¬8). وقال ابن الماجشون وسحنون: يحكم به (¬9)، ورأيا أنهما ¬

_ (¬1) قوله: (أو توضأ بماء نجس) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (قياسًا على. . . إذا أخطأها) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (وحكم) ساقط من (ف). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 3، والنوادر والزيادات: 8/ 417، 224. (¬5) قوله: (كان) زيادة من (ر). (¬6) في (ر): (الخصومة). (¬7) قوله: (بشيء) ساقط من (ر). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 65، والمدونة: 4/ 16. (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 65.

حكماه فيما يكون من إقرار أو جحود، فلو جحد أحدهما ثم أقر في موضع، لا يقبل ما رجع إليه من حجة أو غيرها بعد الجحود، لم يحكم عليه بما يوجب الجحود عند مالك، وله ذلك على قول ابن الماجشون وسحنون، والأول أحسن، ولا أرى أن يباح هذا اليوم لأحد من القضاة. واختلف إذا حكم فقال محمد: أرى أن ينقض حكمه بذلك (¬1). يريد (¬2) ما كان هو قاضيا لم يعزل، فأما غيره من القضاة فلا أحب له نقضه (¬3). ومعنى قوله ينقضه هو إذا تبين له خلاف رأيه الأول (¬4). وقيل: لا ينقضه ولا ينتقل من رأي إلى رأي، ولو كان ليس من أهل الاجتهاد، ولم يكن حكمة الأول شيئا، وينظر إلى من يقلده الآن، فإن كان ممن يرى الحكم بمثل الأول لم ينضه، وإن كان ممن لا يرى ذلك نقضه. وأما إن كان من أهل الاجتهاد، ولم يتبين له رأي غير الأول لم ينقضه (¬5)، إلا أن يتبين له أن ذلك يؤدي مع فساد قضاة اليوم، إلى القضاء بالباطل؛ لأن كلهم يدعي العدالة. ويقول: اعترف عندي بكذا، فيجب عليه أن يرجع في قضائه، لما في ذلك من الذريعة إلى تلف أموال الناس والقضاء بالباطل، فيكون هذا ضربا من اجتهاد ثان غير التي حكم بها، وقال سحنون: إذا أتى القاضي كتاب قاض بما اختلف فيه الفقهاء، ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 66. (¬2) قوله: (يريد) زيادة من (ت). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 66. (¬4) قوله: (الأول) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (وإن كان. . . لم ينقضه) ساقط من (ر).

وليس من رأي الذي أتاه الكتاب من عنده (¬1) - لم ينبغ له (¬2) أن يجيزه ولا ينفذه (¬3)؛ لأن الأول لم ينفذ شيئًا، فلا ينفذ ما ليس (¬4) هو عنده بمعتدل. وقال أشهب في المجموعة: إن كان (¬5) كتب للأول أنه حكم بما في كتابه- جاز لهذا أن ينفذه، وإن كتب بما ثبت عنده- لم يعمل هذا برأي الذي كتبه (¬6). ولا يختلف فيما ذكره إذا لم ينفذ الأول الحكم (¬7)، وإنما الاختلاف إذا حكم الأول، وكتب إلى هذا أن يستخرج له (¬8) المال ممن حكم عليه، أو يمكن الزوجة من القادم بكتابه، فلم ير ذلك سحنون؛ لأنه يجبرهما على ما لا يراه (¬9) صوابًا. ورأى أشهب أنه لما حكم الأول بذلك، ولم يجز لهذا أن ينقضه، ووجب للمحكوم له قبض المال، وأن يمكن الزوجة ولا يقدر على ذلك إلا بقاض، وفي وقوف هذا بطلان لحقه وجب عليه أن يقضي له (¬10). ¬

_ (¬1) قوله: (من عنده) زيادة من (ت). (¬2) قوله: (له) زيادة من (ر). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 129. (¬4) قوله: (ليس) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (كان) زيادة من (ت). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 129. (¬7) قوله: (الحكم) زيادة من (ف). (¬8) قوله: (له) زيادة من (ر). (¬9) قوله: (ما لا يراه) يقابله في (ف): (ما يراه). (¬10) هنا انتهى كتاب الأقضية من (ف) وذلك في نهاية لوحة (273 أ)، وبقي معنا (ت) و (ر).

باب في الشهادة على الخط

باب (¬1) في الشهادة على الخط الشهادة على الخط على أربعة أوجه: شهادة الرجل على خط نفسه. وشهادته على خط غيره (¬2)، عند غيبته أو بعد موته، أو كتاب (¬3) قاض وشهادته على خط غيره، بما تضمن إقراره واعترافه على نفسه بدين أو طلاق. فأما شهادته على خط نفسه، إذا تضمنت شهادته على رجل بدين أو طلاق، فلمالك فيها ثلاثة أقوال: فقال -في المدونة-: إذا ذكر أنه خطه ولم يذكر الموطن (¬4)، يؤديها كما علم ولا تنفع المشهود له (¬5). وقال -في كتاب محمد-: لا يؤديها، وروى عنه مطرف -في كتاب ابن حبيب أنه قال (¬6): إذا كان الرق نقيا لا محو فيه ولا تهمة ولا خيفة شيء فليؤدها (¬7) وبه أخذ مطرف قال: وعليه جماعة الناس قديما. قال: ولو ترك الناس الشهادة على خطهم، إذا لم يستنكروا شيئا من الكتاب، ما قام لأحد حق (¬8). قال ابن الماجشون: وهو الذي عليه أصحابنا كلهم، المغيرة وابن أبي حازم وابن دينار، قال: ولا يعلم السلطان أنه لم يعلم غير خطه، ويشهد بها تامة أن ما فيها حق (¬9)، فمنع من أدائها خيفة أن ¬

_ (¬1) في (ت): (فصل). (¬2) في (ر): (نفسه). (¬3) قوله: (أو كتاب) يقابله في (ر): (وكتابة). (¬4) قوله: (يذكر الموطن) يقابله في (ت): (يذكرها حتى). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 14. (¬6) قوله: (أنه قال) زيادة من (ر). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 265. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 110، و 267. (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 267.

يقضى بها، فيكون قد أعان على ما لا يراه صوابا. وقال مرة: يوقفها (¬1)، للاختلاف فيها (¬2)؛ ولأنه لا يجوز أن يحكم بذلك، على من لم يحكمه وهو المشهود له؛ لأن المسألة تتضمن ثلاثة: شاهد ومشهود له ومشهود عليه، وإن أتاه الشاهد أو المشهود له (¬3) والمشهود عليه، فسألاه عن أدائها فقال: لا أؤديها، لكان حكما على المشهود له (¬4)، وهو لم يستفته ولا حكمه، ومثله الرجل يحلف بالطلاق، ثم يكون (¬5) حنثه مختلفا فيه، فسأل الزوج المفتي (¬6) فكان الجواب عند المفتي: أن لا حنث عليه، جاز له على القول الأول، أن يفتيه بالبقاء وجواز الإصابة، وعلى القول الآخر لا يجوز له ذلك، إلا أن يجتمع الزوجان على تقليده وإلا كان حكمًا على الزوجة وهي لم تقلده، وكذلك لو استفتت الزوجة من يرى أنه حانث، فعلى القول الأول يجوز له أن يفتيها بالهروب والامتناع منه، ولا يجوز له (¬7) ذلك على القول الآخر، إلا بالاجتماع (¬8) من الزوجين، إلا أن يكون الاختلاف في ذلك، شاذا منافيا للأصول، فيجوز له (¬9) ذلك من غير رضى الآخر. ورواية مطرف وابن الماجشون، في الشهادة على معرفة خطه أحسن، ومحمل قول مالك على ما كانوا عليه من الحفظ، وقد كان (¬10) كثير ¬

_ (¬1) في (ت): (يرفعها). (¬2) قوله: (فيها) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (المشهود له) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (له) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (يكون) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (المفتي) زيادة من (ر). (¬7) قوله: (له) ساقط من (ر). (¬8) في (ر): (بالامتناع). (¬9) قوله: (له) ساقط من (ر). (¬10) قوله: (كان) ساقط من (ر).

منهم لا كتاب (¬1) له، وقد (¬2) قال مالك: حدثني ابن شهاب بأربعين حديثًا حفظتها، إلا ثلاثة أحاديث، فسألته أن يعيدها عليَّ فأبى، فقلت له: أما كان يعاد عليك الحديث؟ فقال: لا (¬3). ولو وكل الناس اليوم على (¬4) حفظ الشهادة، لم يؤد أحد شهادة، ولتعطلت حقوق الناس، ومع أن الضرب على المخطوط نادر وخاصة في المغرب، فإن كانت الشهادة على الخط في غيبة الشاهد أو موته، أن هذا خطه وشهادته صحت الشهادة على الصحيح من القولين؛ لأنها ضرورة. واختلف أيضا (¬5) إذا كانت على خط المطلوب، أو اعترافه (¬6) على نفسه. فقال ابن المواز (¬7): ذلك جائز بمنزلة الإقرار، وأن الشاهد الواحد فيه، يجري مع يمين الطالب؛ لأنه بمنزلة اعترافه على نفسه، وذكر أنه مذهب مالك، وأنه لم يختلف فيه قوله (¬8). ¬

_ (¬1) في (ر): (كتب). (¬2) قوله: (وقد) ساقط من (ت). (¬3) ذكر القصة بنحوها أبو عمر ابن عبد البر في التمهيد: 6/ 107. (¬4) في (ت): (إلي). (¬5) قوله: (أيضا) ساقط من (ر). (¬6) في (ر): (وأنه اعترف بها). (¬7) قوله: (فقال ابن المواز) ساقط من (ر). (¬8) في (ر): (مكانه بياض) وهو ساقط في (ت)، وانظر: النوادر والزيادات: 8/ 261، 11/ 592.

باب في العدالة

باب في العدالة العدالة شرط في قبول الشهادة، لقول الله -عز وجل-: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]، ولقوله سبحانه: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]، ومحمل الشاهد الآن على غير العدالة، حتى يثبت أنه عدل، لقوله سبحانه {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} (¬1)، ومثله (¬2) أن الناس صنفان: رضًى، وغير رضًى، فوجب على القائم بشهادته، أن يثبت أنه من الصنف الذي هو رضى، ولأن الغالب اليوم من الناس (¬3) عدم الرضى والعدالة، فوجب حمل الناس على الغالب والأكثر، حتى يعلم غير ذلك، وأعلى منازل الشاهد، أن الأمر فيه مشكل ومتردد، بين العدالة وسقوطها وقد شرطت العدالة، فلا تجوز الشهادة مع الشك بوجود ذلك الشرط، إلا من اشتهر اسمه بالصلاح والخير فلا تطلب تزكيته، ويحمل على ما عرف به حتى يثبت غير ذلك، وقد شهد ابن أبي حازم عند قاضي مكة، فقال: أما الاسم فاسم عدل، ولكن أثبت أنك صاحب هذا الاسم (¬4). يريد أنه لا يحتاج إلى تزكية (¬5). والعدالة تثبت بشهادة رجلين، إذا كان التعديل من القائم بالشهادة. واختلف إذا كان ذلك بمسألة من القاضي، سأل من حضره بمسألة من ¬

_ (¬1) قوله: (ومحمل الشاهد الآن على غير العدالة، حتى يثبت أنه عدل، لقوله سبحانه {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} ساقط من (ر). (¬2) في (ر): (ودليله). (¬3) قوله: (من الناس) ساقط من (ر). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 59 (¬5) في (ر): (عدالة أحد).

فصل [في التجريح والتزكية سرا]

مكشفه، سأل من حضره أو مضى إلى من مسألة. فقيل: لا يقبل أقل من رجلين، لأنها شهادة (¬1). وقيل: يقبل واحد؛ لأنه من باب قبول (¬2) الخبر. والأول أحسن؛ لأن الناس قد دخلوا فيحتاط للشهادة، واستحسن إذا ثبتت العدالة من اثنين، أن يزيد البحث والكشف فلا يزيده ذلك إلا خيرا وإن ارتاب بأمر توقف وكشف. فصل [في التجريح والتزكية سرًّا] التزكية تقبل في السر، واختلف في قبولها علانية، فأجاز ذلك في الكتاب (¬3). ومنعه عبد الملك بن الماجشون (¬4). وهو أحسن؛ لأن الناس يتقون أن يذكروا في العلانية، شيئا مما يعلمون خيفة العداوة، فإذا سئل سرا أخبر بغير ذلك. وأما الجرح (¬5) فيقبل سرًا وعلانية، ولا يقبل التعديل بيسير المعاملة (¬6) والمخالطة، ويقبل ذلك في الجرح من غير مخالطة، فقد يصر به فيطلع منه أو يسمع ما يسقط عدالته، ويحتاج التعديل إلى ثلاثة أوجه: أحدها موضع المعدل من العدالة والمعرفة والبلد، والثاني: المخالطة التي بينه وبين المعدل. والثالث: صفة الشاهد في التفقه والصدق. ¬

_ (¬1) قوله: (لأنها شهادة) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (قبول) ساقط من (ت). (¬3) في (ت): (المدونة)، وانظر: المدونة: 4/ 57. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 273. (¬5) في (ر): (التجريح). (¬6) قوله: (المعاملة) ساقط من (ت).

فأما المعدل فقال سحنون (¬1): لا يجوز التعديل إلا من المبرز الناقد الفطن، الذي لا يخدع في عقله، ولا يستزل في رأيه (¬2). وقال ابن كنانة: لا تقبل تزكية (¬3) الأبله، ولا من يرى تعديل كل مسلم يلزمه (¬4). فأما المخالطة فإنه لا يقبل التعديل بيسير المخالطة؛ لأنه محتاج إلى معرفة ظاهره وباطنه، ولا يدرك ذلك إلا بعد طول المخالطة (¬5)؛ لأن شأن الناس تزيين الظاهر (¬6) وكتمان عيوبه. قال محمد بن المواز: لا يقبل (¬7) ذلك حتى تطول المخالطة، ويعلم باطنه كما يعلم ظاهره. يريد يعلم (¬8) باطنه في غالب الأمر، ليس على أنه يقطع بذلك. وقال سحنون: لا يزكي إلا من خالطه في الأخذ والإعطاء، فطالت صحبته إياه في السفر والحضر (¬9). قال الشيخ: إذا علم منه بعد المخالطة اجتناب الكذب، واجتناب الكبائر والوفاء بالأمانة، جاز أن يعدله (¬10)، وإذا قال المعدل هو عدل رضى صحت ¬

_ (¬1) قوله: (سحنون) ساقط من (ر). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 273. (¬3) في (ر): (تعديل). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 273. (¬5) قوله: (لأنه محتاج إلى معرفة ظاهره وباطنه،. . . المخالطة) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (شأن الناس تزيين الظاهر) يقابله في (ر): (الشأن تزيين الإنسان ظاهره). (¬7) قوله: (لا يقبل) ساقط من (ر). (¬8) قوله: (يعلم) ساقط من (ر). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 277. (¬10) قوله (جاز أن يعدله) يقابله في (ت): (فليزكه منه)، وقوله: (قال الشيخ: إذا علم منه بعد المخالطة اجتناب. . . أن يعدله) ساقط من (ر).

العدالة. واختلف إذا اقتصر على إحدى الكلمتين، فقال: عدل. أو قال: رضى. هل يكون ذلك تعديلا أم لا؟ والمسألة على وجهين: فإن قال إحدى الكلمتين ولم يسأل عن الأخرى، فهو تعديل؛ لأن العدل ممن يرضى للشهادة، والرضى عدل، وقد ورد القرآن بقبول شهادة من وصف بإحدى الكلمتين، وإن وصفه المعدل بإحدى الكلمتين فسئل عن الأخرى فوقف، كان ذلك ريبة في تعديله، ويسأل عن السبب في وقوفه، فقد يذكر وجها لا يقدح في العدالة ويذكر وجهًا يريب فتوقف عنه. وقال في كتاب محمد: إذا قال اختبرته وعاملته فما علمت (¬1) إلا خيرًا، أو قال: إنه لرجل صالح فاضل، وهو ثقة لا يكون ذلك تزكية، حتى يقول: هو عدل، أو أراه عدلا (¬2). قال الشيخ: إذا كان المسئول يعلم الوجوه التي تصح بها العدالة وعلم أن السؤال عن هذا الرجل، لتمضى شهادته، فقال ذلك فهي عدالة، وقد أخرج (¬3) البخاري ذلك (¬4) في باب العدالة في قول بريرة: (لا أعلم إلا خيرًا) (¬5). غير أن ضرب المسئول عن قوله عدل، أو رضى إلى هذا اللفظ اليوم ريبة وقد قال كذا (¬6). ¬

_ (¬1) في (ر): (رأيت). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 277. (¬3) في (ر): (أدخل). (¬4) قوله: (ذلك) ساقط من (ت). (¬5) أخرجه البخاري: 2/ 932، في باب إذا عدل رجل أحدا فقال لا نعلم إلا خيرا أو قال ما علمت إلا خيرا، من كتاب الشهادات برقم (2494) (¬6) قوله: (وقد قال كذا) ساقط من (ر).

فصل [في من يعدل الشاهد]

فصل [في من يعدل الشاهد] التعديل يقبل من جيران الشاهد (¬1)، وأهل سوقه وأهل محلته، ولا يقبل من غيرهم؛ لأن وقوفهم عن تعديله، مع كونهم أقعد به وأعلم بحاله ريبة في عدالته، فإن لم يكن فيهم عدل قبل من (¬2) غيرهم من سائر بلده، وإذا ثبتت عدالة (¬3) الشاهد، ثم شهد بشهادة أخرى، فإن أتى القاضي العلم بفضله وبروزه (¬4)، لم يكلفه التعديل ثانية، إلا أن يطول ما بين الشهادتين، فيسأل عنه، لإمكان أن يكون حدث منه شيء، كان لم يأته الخبر ببروزه كلف التعديل، وهو قول ابن كنانة وسحنون، وقال سحنون: يكلفه التعديل كما شهد، حتى يكثر تعديله وتشتهر تزكيته، فإذا أكثر ذلك وتأكد لم يسأله التزكية في المستقبل (¬5). وقال مطرف وابن الماجشون: إذا عدل ثم شهد بعد ستة أشهر، فليس عليه استئناف التعديل، إلا أن يغمز فيه بشيء، أو يستراب (¬6) في أمره (¬7). فصل [في شهادة الطارئ مجهول الحال] العدالة تطلب من الشاهد مع القدرة عليها، فإن كان طارئا وتعذرت ¬

_ (¬1) قوله: (هل يحتاج الشاهد إلى تعديل كما شهد) يقابله في (ر): (الرجل). (¬2) في (ت): (في تعديله). (¬3) في (ت): (شهادة). (¬4) قوله: (وبروزه) ساقط من (ر). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 276. (¬6) في (ت): (يتريب). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 276.

معرفة حاله وموضعه، من العدالة أو الجرح، وكانت شهادته في مداينة أو مبايعة، جرت (¬1) في الموضع الذي قدم (¬2) إليه لم تجز شهادته، وإن كانت مع عدم معرفة العدالة، بأمر جرى بين المتنازعين في السفر. ¬

_ (¬1) قوله: (جرت) ساقط من (ر). (¬2) في (ر): (تقدم).

[باب في التحريح]

[باب في التحريح] (¬1) الجرح يسمع في الرجل المتوسط العدالة، ويسمع في الرجل المبرز في العدالة (¬2)، المعروف بالصلاح والفضل، من باب العداوة أو الهجرة أو القرابة، أو ما أشبه ذلك. واختلف هل يقبل فيها لجرح من وجه الإسفاه؟ فمنعه أصبغ في كتاب ابن حبيب. وأجازه سحنون في العتبية، وقال: يمكن الخصم من تجريح الرجل البائن الفضل. ولم يفرق بين جرحه بالإسفاه ولا غيرها (¬3). واختلف بعد القول بقبول تجريحه، ممن يقبل ذلك على أربعة أقوال: فقال سحنون: لا يقبل ذلك إلا من الرجل المبرز في العدالة. وقال عبد الملك بن الماجشون: يجرح الشاهد ممن هو مثله وفوقه، ولا يجرح بمن هو دونه، إلا بالعداوة والهجرة، وأما بالإسفاه فلا (¬4). قال محمد بن عبد الحكم: إذا كان الشاهد بين العدالة، لم يقبل جرحه إلا أن يكونوا معروفن بالعدالة وأعدل منه، ويذكرون ما جرحوه به، فأما ما يثبت بالكشف عنه، فلا يقبل تجريحه لأهل العدالة البينة (¬5). وقال مطرف: يجرح الشاهد بمن هو مثله وفوقه ودونه، بالإسفاه والعداوة (¬6). ¬

_ (¬1) في (ت): (فصل). (¬2) قوله: (العدالة) ساقط من (ت). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 9/ 457، 458، والنوادر والزيادات: 8/ 287. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 286. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 287. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 286.

فصل [هل يشترط أن يعلم الشاهد أو المشهود له بالمجرح]

قال الشيخ (¬1): وهذا أحسن؛ لأن الجرح مما يكتمه الإنسان من نفسه، فيطلع عليه بعض الناس، وهي شهادة وعلم عنده يؤديه، مثل سائر الشهادات، والاستحسان أنه (¬2) إذا كان الشاهد ليس بالمبرز، قبل جرحه من عدل من غير مراعاة له (¬3)، هل هو (¬4) مثله أو دونه؟ وإذا كان مبرزا قبل من مبرز كان أيضا مثله أو دونه. ويسأل المجرح بماذا جرحه؟ فإذا ذكر وجها لا يمكن أن يخفى مثله عن الناس، ولا يشبه أن ينفرد ذلك بمعرفته، لم يقبل ذلك منه، وإن كان مما يخفى مثله، قبل من مجرحه وقلد ذلك. فصل [هل يشترط أن يعلم الشاهد أو المشهود له بالمجرح] ويستحب أن يكون التجريح سًرا ولا يعلن به؛ لأن في ذلك أذى للشاهد، ومن حق الشاهد والمشهود عليه أن يعلما بالمجرح، فقد يكون بينه وبين أحدهما عداوة، أو بينه وبين المشهود عليه قرابة، أو غير ذلك مما يمنع التجريح. ويختلف إذا كان أحدهما الشاهد أو المشهود له، مما يخاف ويتقى شره، هل يسمى المجرح أم لا؟ فقال سحنون: يعلم بالمجرح، ثم قال: دعني حتى أنظر (¬5). وقيل لابن القاسم: أيجرح الشاهد سًرا، وقد يقول المجرح أكره عداوة الناس، قال: نعم إذا كانوا عدولا (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (قال الشيخ) زيادة من (ت). (¬2) قوله: (أنه) زيادة من (ت). (¬3) قوله: (له) ساقط من (ت). (¬4) قوله: (هو) ساقط من (ر). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 196. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 289.

فصل [هل يشترط تفسير الجرح وبيان أسبابه]

قال الشيخ: قول سحنون أحسن، لفساد قضاة اليوم، ولو كان القاضي العدل المبرز واجتهد في وجوب الكشف، وهل بين الشاهد والمشهود له والمجرح عداوة، أو بين المشهود عليه قرابة، والمجرح (¬1) مبرز في عدالة، واجتهد في وجوب الكشف (¬2)، والآخر ممن يخاف متى أعلم، لرأيت ألا يعلم، وهذا (¬3) من تغليب أحد الضررين، وإذا علم الجرح أنه يعلم به مثل هذا الذي يخاف، لم يجرحه، وقد رأيت من تقبل شهادته، وليس من أهل الشهادة، ولا يجرحون خوفا منهم. فصل [هل يشترط تفسير الجرح وبيان أسبابه] اختلف في قبول (¬4) الجرح جملة، من غير ذكر الوجوه التي يقع بها الجرح، على أربعة أقوال: فقيل: يقبل. وقيل: لا يقبل (¬5). قال مطرف وابن الماجشون: إذا كانا ممن يعرف وجوه التجريح لم يكشفا عن غير ذلك، كان الجرح ممن هو ظاهر العدالة، أو ممن حاز بالتعديل (¬6). وقال أشهب -في المجموعة-: إذا كان الشاهد مشهورا بالعدالة، لم يقبل ذلك حتى يبينوا (¬7) جرحته ما هي؟ وإن لم يكن مشهورا بالعدالة، وإنما قبل بمن عدله قبل ذلك (¬8). وقال ابن كنانة: إذا ¬

_ (¬1) في (ت): (المجروح). (¬2) قوله: (واجتهد في وجوب الكشف) ساقط من (ت). (¬3) قوله: (ألا يعلم، وهذا) يقابله في (ت): (الآن يعلم). (¬4) قوله: (قبول) ساقط من (ر). (¬5) انظر: التلقين: 2/ 210. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 288. (¬7) في (ر): (يثبتوا). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 288.

كان (¬1) المجرحان مشهورين بالعدالة، لم يسألا، وإن كانا غير مبرزين فليسألا (¬2). قال الشيخ: إن فهم عنهما الوجه الذي جرحا به، وإنه مما (¬3) لا يختلف فيه (¬4) أنها جرحة اجتزئ بذلك. قال ابن شعبان: إذا قال إن ذكرت ذلك خفت أن أؤخذ به، قبل ذلك، أو أنه ساقط الحال مرة قبل. قال سحنون (¬5): إذا قال هو رجل سوء غير مقبول الشهادة، هي جرحة ولا يكشفوا عن أكثر من ذلك (¬6). قال الشيخ (¬7) وإن لم يقم (¬8) أمر بين، كان عليهما أن يذكرا تلك الجرحة، لوجوه: أحدها: أن كثيرا من الجرح يختلف فيه، فذهب بعض أهل العلم إلى أن ذلك جرحة، وبعضهم إلى أنه (¬9) ليس بجرحة. والثاني: أن يكون عند الشاهد من ذلك مخرج، فقد يسمع منه كلمة أو يرى فعلا له فيه تأويل، لا تسقط شهادته معه. ¬

_ (¬1) في (ر): (المشهدان). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 287. (¬3) قوله: (مما) ساقط من (ت). (¬4) في (ر): (ق مثله). (¬5) في (ت): (ابن سحنون). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 287، 288. (¬7) قوله: (قال الشيخ) زيادة من (ت). (¬8) في (ر): (يفهم). (¬9) قوله: (إلى أنه) ساقط من (ر).

فصل [في اختلاف الشهادة]

والثالث: أن في ذلك حقا للشاهد، لانتهاك عرضه، وللمشهود له في إسقاط حقه، فكان من حقهما الإعذار إليهما فيما يسقط حرمة هذا (¬1) وحق هذا وبيان كل وجه يمكن أن يكون لهما فيه منفعة. فصل [في اختلاف الشهادة] واختلف إذا اختلفت الشهادة، فعدله رجلان وجرحه رجلان، فقيل: يقضي بأعدلهما. وقيل: يقضي ببينة التجريح. قال الشيخ: الحكم في اختلافهما على ثلاثة أوجه (¬2): يقضي بأعدلهما تارة (¬3)، وتارة بشهادة التجريح، وتارة بآخرهما تاريخا، تجريحا كان أو تعديلا، فإن كان اختلافهما عن مجلس واحد فقالت إحداهما: قال: كذا أو فعله. وقالت الأخرى: لم يفعله (¬4) ولم يكن ذلك، أو قالت: كان في المسجد. وقالت الأخرى: في غير ذلك، مما تسقط به شهادته. قضي بأعدل البينتن؛ لأنه تكاذب، كل واحدة منهما تكذب الأخرى وإن كانت الشهادتان عن مجلسين مفترقين (¬5) متقاربين، قضي بشهادة الجرح؛ لأنه مما يخفيه صاحبه، فمتى اطلع من العدل على جرحة، أسقط ما كان عليه من الظاهر أنه عدل، وإن تباعد ما بين المجلسين، قضي بالآخر منهما، فإن تقدمت العدالة قضي بالجرح، وإن تقدم ¬

_ (¬1) قوله: (الإعذار إليهما فيما يسقط حرمة هذا) يقابله في (ر): (الاعتذار عن جرحة هذا). (¬2) قوله: (أوجه) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (تارة) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (لم يفعله) ساقط من (ت). (¬5) قوله: (مفترقين) زيادة من (ت).

الجرح (¬1) قضي بالعدالة، وأنه انتقل عما كان علمته عليه (¬2) الأولى، إلا أن يعلم أنه كان في وقت علم منه (¬3) الجرح، حسن الظاهر حسبما هو عليه الآن، فيقضى بالجرح وإن كان متقدما. فاعلم ذلك وبالله التوفيق (¬4). تم كتاب الأقضية والحمد لله رب العالمين (¬5) بحمد الله تعالى وحسن عونه وتأييده ويمنه ¬

_ (¬1) قوله: (الجرح) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (عليه) زيادة من (ت). (¬3) في (ت): (فيه). (¬4) قوله: (فاعلم ذلك وبالله التوفيق) زيادة من (ت). (¬5) قوله: (والحمد لله رب العالمين) زيادة من (ر).

كتاب الشهادات

كتاب الشهادات النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ت) = نسخة تازة رقم (234 & 243) 3 - (ر) = نسخة الحمزوية رقم (110)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا كتاب الشهادات ذكر الله -عز وجل- الشهادة في كتابه في ستة مواضع: في الدَّيْن، وفي الوصية، والطلاق، والرجعة، والزنا، وفيما يدفع الحد عن القاذف. فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282]. فأمر في بيوع الآجال بالكتابة والإشهاد، وفي بيوع النقد بالإشهاد دون الكتابة، فقال -عز وجل- في بيوع الآجال: {فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ} [البقرة: 282]. أي: فلا يدع منه حقًّا ولا يزيد فيه باطلًا، وفيه دليل أن المكتوب بينهم أميون، وأن ذلك موكل إلى أمانة الكاتب، فأمَرَه أن يكتب بالعدل لئلا يكتب غير ما أمليا عليه، وألا يميل مع أحدهما. وقال الله تعالى: {وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ} [البقرة: 282]. فقيل: كما علمه الله من الكتابة بالعدل (¬1). وقيل: كما فضله بعلم الكتابة بالعدل (¬2). وهو أحسن؛ لأن الأمر بالكتابة بالعدل قد تقدم، فكان حمله (¬3) على ¬

_ (¬1) قوله: (بالعدل) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (بالعدل) ساقط من (ت). (¬3) قوله: (حمله) ساقط من (ت).

فائدتين أولى، فالكتابةُ على من (¬1) تعلمها إذا لم يكن بالموضع سواه فرضٌ، وإن كانوا جماعة كان من فروض الكفاية، فإن أطاع أحدهم سقط عن الباقين، وإن امتنع جميعهم اقترعوا، فأيهم خرج سهمه كتب. وقال تبارك وتعالى: {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} [البقرة: 282]. فأمر الذي عليه الحق (¬2) بالإملاء دون الطالب؛ لأنه مقر على نفسه (¬3)، والآخر في معنى المدعي، ولأنه مطلوب فكان القول قوله، ولأن ذلك (¬4) يدفع الشبهة، فقد يقول إذا أملى الذي له (¬5) الحق بعد اليوم خفي عليَّ بعض (¬6) الذي أملى. وفي وعظه أنه (¬7) لا يبخس منه شيئًا (¬8)، دليلٌ على جواز العقد بغير بينة، ثم يشهدان بعد ذلك. وقال سبحانه: {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} [البقرة: 282]. فقيل: الهاء من {وَلِيُّهُ} (¬9) عائدة على الذي له الحق، إذا كانت أحد هذه الأعذار الثلاثة. وقيل: إنه (¬10) ¬

_ (¬1) قوله: (من) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (فأمر الذي عليه الحق) ساقط من (ت). (¬3) قوله: (لأنه مقر على نفسه) في (ر): (وليتق الله ربه). (¬4) قوله: (ذلك) ساقط من (ف). (¬5) في ف: (عليه). (¬6) في (ف): (قوله). (¬7) قوله: (أنه) ساقط من (ف). (¬8) زاد في (ر) قوله: (فأمر الذي عليه الحق بالإملاء). (¬9) زاد في (ر) قوله: (بالعدل). (¬10) قوله: (إنه) زيادة من (ر).

يملل (¬1) ولي (¬2) المطلوب. واختلف في السفيه والضعيف، فقيل: السفيه: الجاهل بالإملاء من قوله -عز وجل-: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ} [البقرة: 142] وهم الذين سفهوا الحق وجهلوه. وقيل: سفيه في المال من صغير أو كبير: لا يحسن الإمساك، لقول الله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5]. وقيل في الضعيف: هو العاجز عن الإملاء، لعيٍّ بلسانه أو خرس. وقيل: هو الأحمق، أي: ضعيف العقل. وقيل في (¬3) الذي لا يستطيع أن يمل: أن ذلك لغيبة أو عذر. فأما قوله سبحانه: {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا} [البقرة: 282]، فيحتمل أن يكون وجب عليه ذلك الحق؛ لأنه باشر العقد، أو لأنه في ولاء تقدم عليه لم يؤنس منه رشد (¬4)، فعقد عليه وليه ما يحق (¬5) عليه، والولي هو الذي يملل، وإذا احتمل ذلك كان حمله على ما لا خلاف فيه، أن المداينة كانت صحيحة، وهو حال كونه في الولاء (¬6) أولى. وإن كان رشيدًا ضعيفًا عن الإملاء لا يستطيع ذلك، فالولي من وكله المطلوب لذلك. وقال -عز وجل-: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]. فأمر بتبدية الرجال، وأن (¬7) لا ¬

_ (¬1) قوله: (يملل) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (ولي) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (ق) ساقط من (ت). (¬4) قوله: (لم يؤنس منه رشد) ساقط من (ت). (¬5) في (ر، ت): (بالحق). (¬6) في (ف): (الولي). (¬7) قوله: (فأمر بتبدية الرجال، وأن) بياض في (ف).

يستشهد بالنساء (¬1) إلا عند عدم الرجال؛ لأن التوثق بهم أحوط والجرحة منهم أبعد، ولأن النساء يحتاج متى أريد منهن تبليغ الشهادة مَن يشهد على وجوههن ويعرفهن، والرجال أقرب وأسرع (¬2) إلى أداء الشهادة والقراءة. {فَتُذَكِّرَ} مخففة ساكنة (¬3) الذال ومشددة (¬4) بمعنى واحد، يقال: أَذْكَرَني وذَكَّرَني. وفي الصحيحين قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَقَدْ أَذْكرَني كَذَا وَكَذَا آيَةً كُنْتُ أُنْسِيتُهَا" (¬5) ولا وجه للقول أن المعنى أن تُصَيِّر إحداهما الأخرى ذَكَرًا؛ لأن في ذلك إبطال فائدة قوله سبحانه: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا} وهو أن تنسى. وقد احتج بهذا أنه لا يقتصر على معرفة الخط دون أمر (¬6) يذكر الشهادة؛ لأنه إنما يستشهد منهن من تكتب، ولو كانتا ممن لا يحسن الكتابة لم يفد هذا (¬7) فائدة (¬8)؛ لأن الصحيفة تبقى بشاهد واحد. واختلف في معنى قوله سبحانه: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282]. فقيل: ذلك حين تكتب الشهادة. وقيل: إذا دعوا لأدائها عند ¬

_ (¬1) قوله: (بالنساء) ساقط من (ف). (¬2) في (ر) (أبين). (¬3) قوله: (ساكنة) ساقط من (ت). (¬4) قوله: (ومشددة) ساقط من (ر). (¬5) متفق عليه، البخاري: 4/ 1922، في باب نسيان القرآن وهل يقول نسيت آية كذا وكذا؟ من كتاب فضائل القرآن في صحيحه، برقم (4751)، ومسلم: 1/ 543، في باب الأمر بتعهد القرآن وكراهة قول نسيت آية كذا، من كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم (788). (¬6) في (ف): (أن). (¬7) قوله: (هذا) ساقط من (ر). (¬8) قوله: (فائدة) ساقط من (ت).

الحاكم (¬1). وقيل: المراد الأمرين. والأول أصوب؛ لأن الآية إنما وردت فيما يفعله المتبايعان من التوثق وقت البيع بالكتابة والإشهاد، ومَن يشهد فيه، لئلا تضيع الأموال، ولدفع الأيمان، والذي يدل على ذلك قوله سبحانه فيما بعد: {وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا} [البقرة: 282] أي: إذا كتب (¬2) ذكر الحق وكتبت الشهادة، كان أقرب لرفع الشك (¬3) في الشهادة، والتلاوة وردت في ذكر ما يفعل (¬4) عند كتبه الكتاب لم تنقض بعد. وقال -عز وجل-: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] فأسقط الكتابة في بيع النقد، وأثبت الإشهاد في بيع النقد (¬5)؛ لأنهما يتناجزان في قبض الثمن والمثمون، فلم يحتاجا إلى كتبه؛ لأن الغالب أن لا يضر (¬6) (¬7) النسيان في مثل ذلك لقربه. واختلف في معنى قوله: {وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} [البقرة: 282]. فقيل: المعنى (لا يُضَارِر) على ما سمى فاعله. وقيل: (لا يُضَارَر) على ما لم يسم فاعله، فيكلفا الكتابة والشهادة في وقت يشق عليهما. وهو أحسن؛ لأن أول (¬8) ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 17/ 77. (¬2) قوله: (كتب) ساقط من (ر). (¬3) في (ر) (الشغب). (¬4) في (ف): (يعرف). (¬5) قوله: (في بيع النقد) ساقط من (ت). (¬6) في (ف): (يظهر). (¬7) في (ف): (يظهر). (¬8) قوله: (أول) ساقط من (ف).

التلاوة قد تضمن وعظ الكاتب والشاهد، لقوله: {وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ} [البقرة: 282] {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282]، وهذا في الحق الذي عليهما، ثم كان في هذا وعظ من له قبلهما ذلك الحق أن لا يضارر بهما، فكان حمله على زيادة فائدة أولى من حمله على التكرار. وقال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283]. يريد: إذا كان البيع بثمن مؤُجل، وفيه دليل على أن القول قول المرتهن في قدر الدَّيْن، فيما بينه وبين قيمة الرهن. واختلف في الأمر المتقدم بالكتابة والإشهاد، {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] هل ذلك على الوجوب أو الندب؟ واختلف هل نسخ بقوله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [البقرة: 283]؟ والقول أن الآية ثابتة أحسن، لإمكان أن يريد الودائع وشبهها (¬1)، فلا تنسخ آية ثابتة (¬2) بمحتمل، وقد جعل الله -عز وجل- الكتابة والإشهاد حكمة منه، لما علم سبحانه مما يقع بين المتبايين عند حلول الدين (¬3) من اللَّدَد (¬4) أي (¬5) والجحود، وإن ترك الإشهاد والكتابة يؤدي إلى الفجور والأيمان الكاذبة (¬6)، والكتابة والإشهاد حفظ لدينهم وأموالهم. وقال الطبري: أولى ذلك بالصواب، أن ذلك حق واجب على كل بائع ومشترٍ. وقال -عز وجل-: {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ ¬

_ (¬1) في (ر): (وغيرها). (¬2) في (ر) (بآية). (¬3) في (ف): الأجل. (¬4) في (ف): (اللوذ). قلت: اللدد: شدة الخصومة. انظر: المصباح المنير: 2/ 551، مادة (لَدَّ). (¬5) قوله: (أي) ساقط من (ت). (¬6) في (ر): (الفاجرة).

مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] واختلف في معنى قوله: {مِنْكُمْ} وهو {مِنْ غَيْرِكُمْ} فقيل: منكم: مسلم. ومن غيركم: غير مسلم (¬1). وقيل: من غير قبيلتكم؛ لأنه شرط العدالة في المسلم، فإذا كان ذلك لم تجز شهادة الكافر. وقيل: إنما شرطت العدالة إذا كانت الشهادة في الحضر. والوقف في قوله: {مِنْكُمْ} والابتداء من (¬2) {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} [المائدة: 106] فتجوز للضرورة، وعلى هذا تجوز شهادة المسلم في السفر، وإن لم يكن عدلًا. وقال: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]، فأمر بالإشهاد على الرجعة أو الفرقة (¬3) أيهما اختار، فتضمنت الإشهاد على الطلاق، ولأن الرجعة لا تكون إلا عن طلاق، فالإشهاد على الرجعة إشهاد على تقدم الطلاق. وكذلك الإشهاد على الفراق هو إشهاد على الطلاق؛ لأن العدة والفراق لا يكونان إلا عن طلاق. وقال تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15]. وقال: فيما ينفى به الحد عن القاذف: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4]. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 425. (¬2) قوله: (من) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (أو الفرقة) ساقط من (ف).

باب في شهادة الأجير لمن استأجره، والغريم لمن له عليه دين والخصم والعدو على عدوه أو ولده

باب في شهادة الأجير لمن استأجره، والغريم لمن له عليه دين والخصم والعدو على عدوه أو ولده (¬1) ومن المدونة قال ابن القاسم: لا تجوز شهادة الأجير لمن استأجره، إلا أن يكون مبرزًا، وإن كان في عياله لم تجز (¬2). وقال سحنون: من ليس في عياله هم الصناع (¬3). وأما الذي يصير عمله للذي استأجره، فلا تجوز شهادته له وإن لم يكن في عياله، وإن دفع إليه أجرته. وظاهر قول ابن القاسم: إن المنع إذا كان في نفقته، كانت النفقة بالطوع (¬4) أو من الإجارة، والظنة تتعلق بالوجهين جميعًا، إذا كان في نفقته أو (¬5) منقطعًا إليه؛ لأنه يخشى إن لم يشهد له أن يصرفه (¬6)، وكذلك الأجير المشترك: القَصَّار والطَّرَّاز، يشهد لمن شأنه التجر بذلك؛ لأنه يتهم في شهادته له أن يخصه بأعماله. وتجوز شهادة المستأجر للأجير؛ لأنه هو المتفضل عليه، إلا أن يكون أجيرًا مرغوبًا في عمله ومن يتشاح فيه، وتجوز شهادة الغريم للطالب، والطالب ¬

_ (¬1) قوله: (أو ولده) ساقط من (ف) ولعلها (أو لَدِّه). (¬2) انظر المدونة: 4/ 18، والنوادر والزيادات: 8/ 315. (¬3) انظر النوادر والزيادات: 8/ 315. ونصه في النوادر والزيادات: "قال ابن القاسم: ولا تجوز شهادة الأجير لمن استأجره إذا كان في عياله، كان لم يكن في عياله جاز إن كان مبرزًا، قال سحنون في كتاب ابنه: معنى الذي ليس في عياله هو الأجير المشترك من الصناع وغيرهم، فأما الأجير الذي يصير جميع عمله لمن استأجره وهو في عياله أو ليس في عياله، فلا يجوز أن يشهد له وإن كان معزولًا عنه". (¬4) قوله: (بالطوع) في (ف) (التطوع). (¬5) في (ف): (و). (¬6) قوله: (والظنة تتعلق. . . يشهد له أن يصرفه) ساقط من (ر).

للغريم إذا كان الغريم موسرًا، وسواء شهد بمال أو عرض (¬1)، ولا تجوز شهادة الغريم إذا كان معسرًا، للطالب بمال ولا بعرض ولا غيره (¬2)؛ لأنه يتهم أن يشهد لينظره أو يرفق به. وقال ابن حبيب: لأنه صار كأسيره، ولا تجوز شهادة الطالب له بمال، وتجوز بغير مال بعرض أو غيره. وإن كان الغريم موسرًا، إلا أنه ملد مطول، لم تجز شهادة الطالب له بمال ولا غيره، إلا أن يكون الدين يسيرًا، وكل هؤلاء فلقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلاَ ظنينٍ، وَلاَ جَار لِنفْسِهِ، وَلا دَافِعٍ عَنْهَا" (¬3). فشهادة الخصم والعدو غير جائزة فكذلك المتاجران. واختلف إذا اصطلحا فقال محمد (¬4): الشهادة (¬5) جائزة (¬6). وقال مطرف وابن الماجشون -في كتاب ابن حبيب-: إن كانت الشهادة بحدثان الصلح لم تجز، وإن طال وامتحن صلحهما، وظهرت براءتههما من دخل العداوة والخصومة، جازت الشهادة (¬7). وقال ابن كنانة: في الهجرة إن كانت خفيفة (¬8) عن أمر خفيف جازت (¬9). وهذا يحسن في المبرز. ¬

_ (¬1) قوله: (وتجوز شهادة الغريم للطالب، والطالب للغريم إذا كان الغريم موسرًا، وسواء شهد بمال أو عرض) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (غيره): في (ر): (للطالب ولا الطالب للغريم إذا كان الغريم معسرا بمال ولا بعرض ولا غيره) بدلا من المثبت أعلاه وهو: (إذا كان معسرا للطالب بمال ولا بعرض ولا غيره). (¬3) قوله: (وَلا دَافِعٍ عَنْهَا) زيادة من (ر). (¬4) في (ف): (مالك). (¬5) قوله: (الشهادة) ساقط من (ت). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 311. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 310. (¬8) قوله: (خفيفة) ساقط من (ت). (¬9) انظر النوادر والزيادات: 8/ 309.

وقال ابن الماجشون: إن سلم عليه ولم يكلمه لم تجز الشهادة (¬1). وقال سحنون -في كتاب ابنه-: إن كانت العداوة غضبًا لله لجرمه وفسقه فالشهادة جائزة (¬2)، وذلك أنّا نشهد على أهل البدع والملل. وهذا أحسن إذا لم يعلم من الآخر منهما (¬3)، عند مهاجرته مقابحة بقول أو فعل. وقال ابن القاسم -في أربعة أتوا متعلقين برجل، فشهدوا عليه بالزنا-: لم تجز شهادتهم عليه (¬4) لأنهم خضماؤه (¬5)، وفي كتاب ابن حبيب: الشهادة جائزة (¬6). وهو أحسن لأن أصل (¬7) المنازعة من سبب الدين. وقال ابن سحنون عن أبيه -فيمن شهد على رجل، ثم شهد المشهود عليه على الشاهد بعد ذلك بشهرين-: ترد شهادته (¬8). وقال أصبغ فيمن شهد على رجل حاضر، فلما أتم الشهادة قال للمشهود عليه (¬9) والقاضي يسمع: إنك تشتمني وتشبهني بالمجانين-: لا تطرح شهادته إلا أن تتبين العداوة من قبل (¬10). وطرحها أحسن؛ لأن الشاهد مقر بتقدم ما يوجب العداوة والشحناء، إلا أن يكون ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 309، والذي وقفت عليه في النوادر من قول ابن الماجشون جواز الشهادة من كتاب ابن حبيب. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 309. (¬3) قوله: (منهما) زيادة من (ر). (¬4) قوله: (عليه) ساقط من (ف). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 312. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 312 من رواية ابن حبيب عن مطرف. (¬7) في (ت): (سبب). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 310. (¬9) قوله: (للمشهود عليه) في (ف): (المشهود عليه). (¬10) قوله: (إلا أن تتبين العداوة من قبل) ساقط من (ت)، (ف). انظر: النوادر والزيادات: 8/ 311.

مبرزا في حاله، بعيد التغير عند الأداء (¬1)، فذلك أخف. واختلف فيمن كانت عنده شهادة، وكان يذكرها ثم عاداه، واحتيج إلى القيام بها وقبولها، ها هنا أخف إذا كانت قد قيدت. واختلف في شهادة الرجل على ابن عدوه (¬2) بمال أو بما لا يلحق الأب منه معرة، فأجازها محمد وإن كان الأب حيًا والابن في ولاء أبيه (¬3). وقال ابن الماجشون: لا ترد إذا لم يكن في ولائه، وقال أيضًا: لا تجوز بمال إذا كان الأب حيا (¬4). وبمال إذا لم يكن الأب حيًا (¬5) يريد وإن كان رشيدًا قال: فإن شهد بعد موته بمال على الصبي جازت، وإن شهد بمال على الأب لم تجز، وإن كان المال صار للولد. وقال ابن القاسم: لا تجوز إذا كان عدو الأب على (¬6) الصبي، ويشهد بعد موته ولو كان مثل ابن (¬7) أبي شريح وسليمان بن القاسم (¬8). واختلف أيضًا إذا شهد على صبي في ولاء عدو الشاهد. فأجازه ابن القاسم (¬9). ومنعه مطرف وابن الماجشون؛ لأنه يخرج ما في يدي ولي (¬10) الصبي (¬11). ¬

_ (¬1) في (ف): (الأذى). (¬2) قوله: (ابن عدوه) في (ف): (ابنه). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 312. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 313. (¬5) قوله: (وبمال إذا لم يكن الأب حيًا) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (على) زيادة من (ر). (¬7) قوله: (ابن) ساقط من (ت). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 312. (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 312. (¬10) قوله: (ولي) زيادة من (ف). (¬11) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 313.

باب في شهادة الفقير والسائل

باب في شهادة الفقير والسائل الفقير أربعة: من لا يقبل الصدقة وفقير (¬1)، وسائل متكفف، وسائل غير متكفف، وغير سائل فإن أعطي أخذ، فإن كان لا يقبل الصدقة جازت شهادته في القليل، واختلف في الكثير فقيل: تجوز. وقال ابن كنانة: لا تقبل فيما يكثر كالخمسمائة (¬2) دينار (¬3). يريد إذا كانت بوثيقة؛ لأن العادة (¬4) أن يقصد بالوثائق طبقة غير هؤلاء (¬5). وأما إن قال سمعته أقر بذلك، فأرى أن تقبل وإن كثر، وكذلك إذا كان منقطعًا في الصلاح، أو ممن اشتهر في الشهادة ويقصده الناس بالكتابة بوثائقهم، فالريبة عنه منتفية وإن كثر المال. واختلف إذا كان متكففًا، فقيل: تجوز في اليسير. وقال ابن وهب -في العتبية: الحسن الحال (¬6)، الظاهر الصلاح، يسأل الصدقة مما يتصدق به على أهل الحاجة، أو يسأل الرجل الشريف أن يتصدق عليه، وهو معروف بالمسألة ولا يتكفف الناس-: لم تجز شهادته، إلا أن يكون ممن يطلب الصدقة عند الإمام، أو إذا فرقت وصية رجل، وكذلك المعترض (¬7) لإخوانه تجوز شهادته (¬8). ¬

_ (¬1) قوله: (وفقير) زيادة من (ر). (¬2) في (ر): (كالخمس دينار)، ويبدو أنه تصحيف بدليل إفراد التمييز. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 297. (¬4) قوله: (العادة) في في (ت): (الغالب). (¬5) في (ر): (هذا). (¬6) قوله: (الحال) ساقط من (ر). (¬7) في (ف): (المتعرض). (¬8) انظر: البيان والتحصيل: 10/ 97، والنوادر والزيادات: 8/ 297.

وقال ابن كنانة: إن كان يسأل الناس في (¬1) مصيبة في مسألة (¬2) نزلت به، أو دية وقعت عليه لم ترد (¬3) شهادته (¬4). وأرى إذا كان ممن لا يسأل وان كان أعطي أخذ أن تجوز شهادته (¬5) ولا تجوز شهادة أحد من (¬6) هؤلاء لمن عادته رفقه أو يرجو ذلك منه. ¬

_ (¬1) قوله: (الناس في) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (في مسألة) زيادة من (ف). (¬3) قوله: (لم ترد) في (ف): (لم تجز). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 297، والذي وقفت عليه في النوادر: لم يجرح ذلك شهادته. (¬5) قوله: (وأرى إذا. . . أن تجوز شهادته) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (أحد من) ساقط من (ف).

باب في شهادة الزوج لامرأته بالعتق والسيد لعبده بالطلاق والمعتق لمن أعتقه

باب في شهادة الزوج لامرأته بالعتق والسيد لعبده بالطلاق والمعتق لمن أعتقه ولا تجوز شهادة الزوج (¬1) لزوجته بالعتق، وإن كان معه غيره. وإن كان الزوج عبدًا فاختارت نفسها كانت طالقا؛ لأن الزوج مقر أن اختيارها صحيح ولم يجز له إصابتها. واختلف إذا اختارت البقاء على الزوجية، هل يمنع منها، لئلا يرق ولده، أو لا يمنع لأن له حقًا في الإصابة؟ والتعدي من السيد في (¬2) حال ثان. وأرى أن يمنع؛ لأن ذلك معونة منه على إرقاقه، وهو المسبب لذلك الباطل، إلا ألا ينزل، أو يعزل العزل البين، وكذلك إذا كان الزوج حرًا فردت شهادته؛ لأنه زوج يختلف في إصابته إياها. وإن شهد السيد لأمته أن زوجها طلقها، أو على عبده أنه طلق زوجته، لم تجز الشهادة؛ لأنه يتهم أن يفرغ أمته وعبده، فإن صدقت الأمة السيد، لم يجز لها أن تمكن الزوج منها (¬3)، ولا يأتيها إلا وهي كارهة. وتجوز شهادة المعتق لمن أعتقه، ولا تجوز شهادة الرجل لسيد أبيه، ولا تجوز (¬4) لسيد ولده، وشهادته لسيد ولده أبين في المنع؛ لأنه يتهم أن يجر بذلك ¬

_ (¬1) قوله: (الزوج) ساقط من (ف). (¬2) قوله: في) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (منها) زيادة من (ر). (¬4) قوله: (تجوز) ساقط من (ف).

إلى ولده، ورفقًا به (¬1) فيما للسيد (¬2) عليهما من خدمة وغيرها وقال سحنون: لا تجوز شهادة الرجل على سيد ولده أنه باعه أو وهبه. يريد إذا علم ممن هو عنده الإساءة إليه أو يصير إلى من هو أرفق به وإلا فهي جائزة. ¬

_ (¬1) قوله: (به) زيادة من (ر). (¬2) في (ر): (للسيدة).

باب في الشهادة بين الأقارب والزوجين والأصهار والصديق

باب في الشهادة بين الأقارب والزوجين والأصهار والصديق ولا تجوز شهادة الوالدين للولد، ولا شهادته لهما، ولا شهادة الأجداد ولا الجدات لولد الولد، ولا شهادته لهم. واختلف في شهادة الأب لأحد ولديه على الآخر، إذا لم يعلم (¬1) كيف منزلتهما عنده، فأجيز ومنع، لإمكان أن تكون شهادته لأقربهما منه رأفة، ولا تجوز شهادته لصغير على كبير، ولا لسفيه في ولائه على رشيد بمال؛ لأنه يتهم في بقائه تحت يده، ولا لبار على عاق، وتجوز للكبير على الصغير، وللعاق على البار، وهو قول ابن القاسم، إلا أن يتهم في المشهود له، بانقطاع ومحبة وإيثار، وجفوة للآخر (¬2)، منع (¬3). يريد إن كانا كبيرين وليس من أحدهما عقوق. ومنع سحنون ذلك جملة قال: لما جاء من السنة في منع شهادة الأب (¬4). والأول أحسن. ولا ترد شهادة العدل، إلا أن تعتريها تهمة، ولا تهمة في الصفة التي أجازها ابن القاسم. ويختلف إذا كانا صغيرين أو سفيهين، أو صغير وسفيه كبير، هل تجوز شهادته لأحدهما على الآخر، إذا لم يعلم كيف منزلتهما من نفسه؟ واختلف في شهادة الابن (¬5) لأحد أبويه على الآخر، فقال مالك -في ¬

_ (¬1) في (ر): (يعرف). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 302. (¬3) قوله: (منع) ساقط من (ف). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 302. (¬5) قوله: (الابن) ساقط من (ت).

المجموعة، وهو في كتاب محمد-: لا تجوز إلا أن يكون مبرزا في حالة (¬1)، ويكون ما شهد فيه يسيرًا. قال: والابن يهاب أباه وربما ضربه (¬2)، فمنع شهادته للأب لهذا الوجه، وللأم (¬3) لإمكان أن يكون ميله إليها (¬4) أكثر. وقال ابن نافع: شهادته لأحدهما على الآخر (¬5) جائزة، إلا أن يكون الابن في ولاء الأب، أو تزوج على أمه فأغارها، فيتهم أن يغضب لأمه (¬6). والأول أبين؛ لأن كثيرًا من الولد يميل إلى أحد الأبوين (¬7) أكثر من الآخر، لحنانه ورفقه (¬8) به أكثر من الآخر، فلا تحمل شهادته على المضي، لإمكان أن تكون الشهادة لمن هو إليه أميل إلا أن يثبتا أن شهاداته على من هو إليه أميل (¬9)، فتجوز كشهادة الأب للكبير على الصغير، ويلزم على قول ابن نافع أن تجوز شهادة الأب، بين الكبيرين أو الصغيرين أو السفيهين، وإن لم تعلم منزلتهما منه، وتجوز شهادة الابن على أبيه بطلاق أمه، إذا كانت منكرة لذلك (¬10). واختلف إذا كانت هي القائمة بالشهادة (¬11)، فمنعها أشهب (¬12)، وأجازها ¬

_ (¬1) في (ر): (العدالة). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 9/ 447، والنوادر والزيادات: 8/ 299. (¬3) قوله: (وللأم) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (ميله إليها) في (ر): (ميلها إليه). (¬5) قوله: (على الآخر) ساقط من (ر). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 299. (¬7) في (ر): (لأحدهما). (¬8) في (ت): (ورأفته). (¬9) قوله: (إلا أن يثبتا أن شهاداته على من هو إليه أميل) ساقط من (ف). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 300، والتفريع في فقه الإمام مالك بن أنس: 2/ 237. (¬11) قوله: (بالشهادة) ساقط من (ف). (¬12) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 301.

ابن القاسم جملة من غير تفصيل، لإنكار أو غيره، وهو أبين إذا كان مبرزًا في حالة، وإن شهد بطلاق غير أمه لم تجز، إذا كانت أمه (¬1) في عصمة أبيه، وأجيزت إذا كانت أمه (¬2) ميتة (¬3). واختلف إذا كانت حية (¬4) مطلقة، فمنعها ابن القاسم، وأجازها أصبغ (¬5)، وكل هذا إذا كانت الأجنبية منكرة. واختلف إذا كانت هي القائمة بشهادة الوالدين (¬6)، والأم في عصمة الأب، فأجازها أصبغ. ومنعها سحنون بعد أن قال: هي جائزة (¬7)، والقياس أن تمنع سواء كانت الأم في عصمة الأب، أو مفارقة أو ميتة، كانت الأجنبية منكرة أو قائمة بالشهادة؛ لأن العادة جارية بين زوجة الأب وربيبها بالعداوة والبغضاء، وإن كانت شابة كان أبين؛ لأنه يخشى ما يكون من ولد فيشاركه في الميراث، ويميل بماله إليها، ويرضي أمه بفراقها إن كانت حية، وإن كانت الأم مفارقة. ¬

_ (¬1) قوله: (لم تجز، إذا كانت أمه) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (أمه) ساقط من (ت). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 10/ 17، والنوادر والزيادات: 8/ 300. (¬4) قوله: (حية) ساقط من (ف). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 301. (¬6) في (ف): (الولدين). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 301.

فصل [في شهادة الأخ لأخيه]

فصل [في شهادة الأخ لأخيه] شهادة الأخ لأخيه على سبعة أوجه: في الأموال وفيما ليس بمال، وهو مما يدرك (¬1) في مثله في الحمية والغضب (¬2)، أو ما يدفع بها عن نفسه معرة، أو يكسب بها جاهًا ومنزلة (¬3)، أو تعديله إياه وتعديله من شهد له، وتجريحه من جرحه (¬4)، وتجريحه من شهد عليه، وتجريحه من جرح من شهد له، فلا تجوز شهادته له (¬5) في ثلاث: فيما يدرك في مثله الحمية والغضب له (¬6)، ولا فيما يكسب بها حظوة ومنزلة، ولا فيما يدفع بها معرة. واختلف في شهادته له في الأموال (¬7) على أربعة أقوال: فقيل جائزة، وقيل: لا تجوز. وقيل: إن كان حوزًا (¬8) جازت وإلا لم تجز. وقيل: تجوز في اليسير دون الكثير. وأرى أن ترد في الكثير الذي يؤدي إلى شرفه، ولا ترد في الوسط إذا كان مبرزا، ولا في اليسير مع عدم البروز، إلا أن يكون قد جرى (¬9) بين الأخ المشهود له والمشهود عليه، شنآن ومقابحة وما تدرك في مثله الحمية ¬

_ (¬1) قوله: (مما يدرك) في (ر): (في ما يدرك). (¬2) قوله: (والغضب) في (ر): (والعصبية). (¬3) قوله: (ومنزلة) ساقط من (ت). (¬4) قوله: (وتجريحه من جرحه) من (ر)، (ت). (¬5) قوله: (له) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (له) ساقط من (ت). (¬7) قوله: (في الأموال) ساقط من (ر). (¬8) في (ف): (مبرزًا). (¬9) قوله: (قد جرى) ساقط من (ر).

والغضب (¬1)، فلا تجوز بحال. وإن كان أحد الأخوين في نفقة الآخر، لم تجز شهادة المنفق عليه للمنفق. ويختلف في شهادة المنفق على المنفق عليه حسبما تقدم، إلا أن تكون نفقته عليه لفقره (¬2)، ولئلا تدركه في ذلك ضيعة أو معرة، فلا تجوز؛ لأنه يدفع عن نفسه (¬3) بشهادته مؤنة الإنفاق أو معرة الترك، وإن شهد له بتزويج امرأة وأنكرت، فإن كان يشرف بمثلها (¬4)، أو علم تعلق نفسه بها، أو لها يسار والمشهود له فقير، لم تجز، وإن عريت عن هذه الوجوه التي يتهم في مثلها، جرت على الخلاف المتقدم في الشهادة بالمال فتجوز وتمنع، وتجوز بشرط البروز وتمنع (¬5) مع عدمه، ولا تجوز شهادته أن فلانًا قذفه؛ لأنه يدفع بها معرة. ويختلف في شهادته في جراح الخطأ؛ لأنها مال حسبما تقدم في الشهادة بالمال. واختلف في شهادته في جراح العمد، فالمعروف من المذهب المنع؛ لأنه مما يدرك في مثله الحمية. وأجازها أشهب في العتبية (¬6). والأول أحسن. وقال -في كتاب محمد-: تجوز شهادته أن فلانًا قتل أخاه، إذا كان الولي والوارث غيره (¬7). قال أصبغ: وفيه اختلاف (¬8)، قال (¬9) وهذا أحب إلينا. وأجاز الشهادة ¬

_ (¬1) في (ر): (والعصبية). (¬2) قوله: (لفقره) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (عن نفسه) زيادة من (ر). (¬4) في (ر): (لشرف مثلها). (¬5) قوله: (وتجوز بشرط البروز وتمنع) ساقط من (ت). (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 10/ 213. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 305. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 305. (¬9) قوله: (قال) ساقط من (ت).

في مثل (¬1) العمد، وإن كان مما تدرك فيه (¬2) مثله الحمية؛ لأن المثل (¬3) موجود، ولابد أن يكون هناك قاتل، إلا أن يكون قوم يلطخون بالقتل غير القاتل، لئلا يبطل دمه فلا تجوز الشهادة، وكل موضع تمنع (¬4) فيه شهادة الأخ لأخيه (¬5)، فلا يجوز تعديله من (¬6) شهد له بذلك، ولا تجريحه من جرح شاهده به، ولا تجريح من شهد عليه، بما إذا (¬7) ثبتت الشهادة أدى إلى عقوبة الأخ أو حده أو قتله (¬8) أو قطعه. واختلف إذا كان الأخ هو الشاهد، هل يجوز تعديل أخيه له؟ وأن لا يجوز أصوب؛ لأن ذلك مما يزيده شرفًا ويدفع عن نفسه (¬9) معرة، وهذا إذا شهد بمال أو بما لا (¬10) يؤدي إلى عقوبة الأخ إذا لم تثبت شهادته، وإن شهد في زنا أو غيره، مما يلزمه إذا لم تثبت شهادته حد أو عقوبة لم تجز. ولا يجرح من جرح أخاه في زنا أو غيره (¬11)؛ لأنه يدفع به معرة وهو في هذا بخلاف التعديل. قال محمد: وإن جرحه بهجرة أو عداوة جاز (¬12)، يريد بخلاف الجرحة بالإسفاه. قال ¬

_ (¬1) في (ف): (قتل). (¬2) قوله: (مما تدرك فيه) في (ر): (ما فيه). (¬3) في (ف): (القتل). (¬4) في (ر): (تسمع). (¬5) قوله: (لأخيه) ساقط من (ت). (¬6) قوله: (تعديله من) في (ر): (تعديل من). (¬7) قؤله: (إذا) ساقط من (ر). (¬8) قوله: (أو قتله) ساقط من (ف). (¬9) قوله: (عن نفسه) زيادة من (ر). (¬10) قوله: (لا) ساقط من (ر). (¬11) قوله: (في زنا أو غيره) زيادة من (ف). (¬12) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 308.

فصل [في شهادة الأقارب والأصهار والأصدقاء]

محمد (¬1): ولا يجرح من جرح عمه (¬2)؛ لأنه يدفع عن نفسه عيب من هو وجهه ولسانه، وأجاز ذلك في ابن الأخ وابن العم (¬3). وأرى أن لا يجوز تجريحه لأحد هؤلاء، الأخ وابن الأخ والعم وابن العم، وإن كانت الجرحة بالعداوة والهجران؛ لأن رد الشهادة وصمٌ على الشاهد في الجملة، وهو مما تدرك به الحمية، ولأن مضمون رد الشهادة، وإن كانت من ناحية العداوة، أنه يتهم أن يكون شهد بزور وباطل لأجل ما بينهما. فصل [في شهادة الأقارب والأصهار والأصدقاء] وشهادة الرجل (¬4) لابن أخيه ولعمه وابن عمه بالمال جائزة، ما لم يكن الشاهد في نفقة المشهود له، ولا تجوز فيما تجمعهم فيه الحمية والغضب (¬5)، ولا فيما يدفع معرة أو يجتلب فيه شرفًا، وهم في هذا الوجه كالأخ. وقال ابن القاسم -في كتاب الديات-: إذا أقر أنه قتل فلانًا خطأً، قال: إن كان الذي أقر له (¬6) ممن يتهم أن يكون أراد غنى ولده، مثل الأخ والصديق لم يقبل قوله. ورأى أنه مال كثير يشرف به، فلم تجز الشهادة لولد الأخ ولا لولد الصديق، فآباؤهم أحرى أن لا تجوز. ¬

_ (¬1) في (ر): (ابن القاسم). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 308. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 308. (¬4) قوله: (وشهادة الرجل) في (ر): أضمر الرجل فقال: وشهادته. (¬5) في (ر): (والعصبية). (¬6) قوله: (أقر له) ساقط من (ف).

وقال ابن كنانة -في كتاب ابن سحنون-: تجوز شهادة الرجل لأخيه وابن أخيه ولعمه، في الأمر اليسير من الدراهم والثوب، وكذلك الرجل المنقطع إلى الرجل (¬1)، ولا تجوز شهادة أحد الزوجين للآخر بمال ولا غيره، مما يدفع به معرة أو يجتلب به شرفًا. واختلف في شهادة الأصهار، فقال ابن القاسم -في العتبية (¬2) -: لا تجوز شهادة الرجل لزوج ابنته، ولا لزوجة ولده (¬3). وقال ابن كنانة -في كتاب ابن سحنون-: ولا تجوز لابن امرأته، ولا لزوجة ولده إلا أن يكون الشيء اليسير (¬4). وقال سحنون: تجوز شهادة الرجل لزوج ابنته، ولأبويه ولابن امرأته (¬5) ولأبويها، إلا أن تكون الزوجة ممن ألزم السلطان ولدها (¬6) النفقة عليها، لفقر الزوج (¬7). ووقف الشهادة في جميع هؤلاء أحسن، إلا أن يكون المبرز في العدالة، المنقطع في الصلاح والخير. فيستخف في أبوي امرأته، وأبوي زوجة ابنه (¬8)، وكل من لا تجوز الشهادة له، فلا تجوز الشهادة لعبده (¬9) بمال. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 304. (¬2) قوله: (في العتبية) ساقط من (ت). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 302. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 304. (¬5) قوله: (ولا لزوجة ولده. . . ولابن امرأته) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (ألزم السلطان ولدها) في (ف): (التزم). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 302. (¬8) قوله: (زوجة ابنه) في (ف): (زوج ابنته). (¬9) في (ر): (لعمه).

ويختلف في شهادة الصديق الملاطف (¬1)، فقال مالك (¬2): الشهادة (¬3) جائزة إذا كان لا يناله معروفه ولا صلته (¬4). وقال ابن كنانة: تجوز في اليسير (¬5)، ولا تجوز شهادة الملاطف للملاطف في المال ولا غيره، وتجوز شهادة (¬6) غير (¬7) الملاطف على الملاطف في المال وغيره. ¬

_ (¬1) قوله: (الملاطف) زيادة من (ف). (¬2) قوله: (مالك) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (الشهادة) ساقط من (ر). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 21. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 304. (¬6) زاد بعده في (ر): (غيره). (¬7) قوله: (غير) ساقط من (ف).

باب في شهادة البدوي على الحضري

باب في شهادة البدوي على الحضري شهادة البدوي بين الحضريين، جائزة في القذف والجراح والقتل، وما أشبه ذلك مما لا يقصد في مثله الإشهاد، وتجوز في الأموال والنكاح وغيرهما، إذا لم يستشهد وقال مررت بهما، أو كنت جالسًا في موضع فسمعته أقر له بكذا، أو باع منه سلعة، أو جرت منازعة في نكاح فاعترف أحدهما بالعقد، ولا تجوز في الوثائق ولا في الصدقات، ولا فيما يقصد فيه (¬1) الاستعداد بالشهادة لما بعد اليوم؛ لأن ذلك ريبة أن يعدل عن أخذ حظوظ أهل الموضع، والاستعداد بشهادتهم إلى مثله (¬2)، إلا أن يعلم أنه مخالط لهما (¬3)، أو يكون جميعهم سفرًا، وكذلك شهادته بين حضري وبدوي لا تجوز، إلا حسب ما تقدم ذكره (¬4) بين الحضريين، إلا أن يكون البدوي من قرية (¬5) الشاهد، فيشهد بمداينة كانت في قريته، أو في الحاضرة إذا كان معروفًا بالعدالة، وممن يعدل في المداينة على مثله. ¬

_ (¬1) قوله: (فيما يقصد فيه) في (ر): (يقصد في مثله). (¬2) قوله: (إلى مثله) ساقط من (ر). (¬3) في (ر): (لهم). (¬4) قوله: (ذكره) ساقط من (ر). (¬5) في (ف): (من قرابة)، وفي (ر): (بقربة).

باب في شهادة النساء في الولادة والاستهلال، وما يقتصر فيه على الرجال أو على النساء، أو تجوز فيه شهادة الجميع

باب في شهادة النساء في الولادة والاستهلال، وما يقتصر فيه على الرجال أو على النساء، أو تجوز فيه شهادة الجميع وقال مالك -في شهادة امرأتين في الاستهلال-: جائزة (¬1). قال محمد: بغير يمين (¬2). فيورث ويرث، فأجاز في هذا شهادة امرأتين بانفرادهما، وأقامهما مقام رجلين لما كان ذلك مما لا يحضره الرجال، والشهادة تختلف في العدد (¬3)، واختصاصهما (¬4) بالرجال ودخول النساء فيها، والأيمان، واختلاف المشهود فيه، وموضعه من الحرمة، لقول الله -عز وجل- في آية الدين: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282]، فأجاز شهادة النساء في الأموال، وقال -عز وجل- في الطلاق والرجعة: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]، ولم يجعل (¬5) للنساء في ذلك مدخلًا. وقال في الزنا: {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15]، وقال في الآية الأخرى: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4]، ففاضل بين الشهادات لاختلاف حرمة المشهود فيه، والمشهود فيه على ستة عشر قسما: فالأول: الشهادة على الأموال في (¬6) البيع (¬7) والقرض (¬8) والقراض، والوديعة والإجارة والكفالة بالمال، ودية الخطأ والعمد ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 22. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 421. (¬3) في (ر): (العدالة)، وغير مقروءة في (ف). (¬4) في (ف): (اختصاصها). (¬5) قوله: (يجعل) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (في) زيادة من (ر). (¬7) قوله: (البيع) ساقط من (ت). (¬8) قوله: (والقرض) ساقط من (ف).

إذا كان لا قود فيه. والثاني: الشهادة على النكاح والطلاق والرجعة والإحلال والإحصان، والعتق والولاء والنسب، والسرقة والفرية. والثالث: الشهادة على مال وهي تؤول إلى ما ليس بمال، مما يتعلق بالأبدان من عتق أو طلاق، كالشهادة للمكاتب أنه دفع كتابته، وأن فلانًا باع عبدًا من أب العبد، أو ابنه أو أنه باع أمة من زوجها. والرابع: الشهادة على ما ليس بمال ولا يتعلق بمال (¬1)، والمستحق به مال كالشهادة على الوكالة بمال، والنقل عمن شهد بمال، والشهادة على كتاب القاضي، إذا كان متضمنه مالًا، وعلى النكاح بعد موت الزوج أو الزوجة، أو على ميت أن فلانًا أعتقه، أو على نسبه أنه ابن فلان أو أخوه، إذا لم يكن هناك أحد ثابت النسب. والخامس: الشهادة على التاريخ بما يتضمن مالًا، وهي تؤول إلى ما يتعلق بالأبدان، كالشهادة (¬2) على التاريخ لمن حلف بطلاق زوجته، أو بعتق عبده ليقضين فلانًا حقه رأس الشهر، فشهد بعد الأجل أنه قضى قبله، وعلى من أعتق عبده أن عليه لفلان دينًا قبل العتق، ولمن وطء أمة أنه ابتاعها من سيدها قبل ذلك. والسادس: الشهادة على قتل (¬3) العمد. والسابع: الشهادة (¬4) على جراح العمد. والثامن: الشهادة على الزنا. والتاسع: الشهادة على الإقرار بالزنا (¬5)، وعلى كتاب القاضي بالزنا وأن القاضي حد فلانًا في الزنا، أو على معتق أن سيده كان (¬6) تبرأ من زناه في حين بيعه (¬7). ¬

_ (¬1) قوله: (ولا يتعلق بمال) زيادة من (ف). (¬2) في (ر): (كالشاهد). (¬3) قوله: (قتل) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (الشهادة) ساقط من (ت). (¬5) في (ر): (بالدين). (¬6) قوله: (كان) ساقط من (ف). (¬7) قوله: (زناه في حين بيعه) في (ر): (زناه حين باعه).

والعاشر: شهادة النساء على ما لا يحضره غيرهن، كالولادة والاستهلال والحيض وعيوب الفرج والرضاع. والحادي عشر: شهادتهن على من شهد منهن بمثل ذلك. والثاني عشر: شهادتهن فيما يقع بينهن في الصنيع والمأتم والحمام من الجراح والقتل. والثالث عشر (¬1): ما يقع بين الصبيان والصبيات من الجراح والقتل. والرابع عشر: الترجمان والقائف والطبيب، ومقوم العيب والقاضي ومكشفه، يسأل الرجل عن التعديل أو التجريح، إذا لم يأت على وجه الشهادة. والخامس عشر: الشهادة على الاستفاضة. والسادس عشر: الشهادة (¬2) على السماع، وكل هذه مختلفة الأحكام. فأما الشهادة على الأموال فتستحق بأربعة أوجه: بشهادة رجلين وبرجل وامرأتين وبرجل ويمين وبامرأتين ويمين (¬3). وأما النكاح وما ذكر معه فيستحق بوجه واحد، بشهادة رجلين ولا مدخل فيه (¬4) للنساء، ولا يستحق بشاهد (¬5) ويمين، إلا السرقة فيصح أن يستحق بما يستحق به المال؛ لأنها تتضمن حقين، حقا لآدمي وهو المال المسروق، وحقا لله -تعالى- وهو القطع، فلا يستحق القطع إلا برجلين، فإن شهد رجل وامرأتان استحق المال ولم يستحق القطع (¬6)، وإن شهد رجل وامرأتان حلف واستحق المال ولم يقطع (¬7). ¬

_ (¬1) قوله: (فيما يقع بينهن. . . والثالث عشر) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (الشهادة) ساقط من (ت). (¬3) قوله: (وبامرأتين ويمين) ساقط من (ف). (¬4) في (ر): (فيها). (¬5) في (ر): (بشاهدة واحد). (¬6) قوله: (فلا يستحق. . . ولم يستحق القطع) ساقط من (ف). (¬7) قوله: (وإن شهد رجل وامرأتان حلف واستحق المال ولم يقطع) من (ر) و (ت) والأولى حذف الزيادة.

وأما الشهادة على مال، إذا كانت تؤول إلى غير مال، فإنما تجري على الأصل في الشهادة على المال، ولا يغير ذلك ما يؤول إليه، فإن شهد رجل وامرأتان لمكاتب أنه دفع كتابته لسيده، أو لرجل أنه باع أمته من أبيها أو من زوجها، جازت الشهادة وأعتق المكاتب والأمة على أبيها، ووقع الفراق بين الزوجين. واختلف إذا شهد رجل وامرأتان على رجل، أنه أوصى بخمسين دينارًا يشتري بها رقبة فتعتق. فقال محمد: لا تجوز الشهادة؛ لأنها إن اشتريت لم أقدر على (¬1) أن أنفذ عتقها إلا بشهادة رجلين، وإن شهدوا بذلك لعبد (¬2) رجل بعينه، أجزت الشهادة وزدت لصاحبه مثل ثلث ثمنه، إن لم يشهدوا على ثمن مسمى (¬3). وقال مالك -في النوادر فيمن أوصى بشراء رقبة بعينها، أو بغير عينها وشهد على ذلك رجل وامرأتان-: أن الشهادة جائزة، كما لو شهدوا أنه قال بيعوا عبدي فلانًا رقبة، أي (¬4): للعتق (¬5). وأما الشهادة على ما ليس بمال، والمستحق بها مال، كالوكالة وما ذكر معها فاختلف فيها، فأجراها ابن القاسم على حكم الشهادة على المال، لما كان المستحق بها مالًا، وأبقاها أشهب وعبد الملك على الأصل؛ لأنها ليست على ¬

_ (¬1) قوله: (على) زيادة من (ف). (¬2) في (ف): (في عبد). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 400. (¬4) في (ر): (في). (¬5) انظر: المدونة: 1/ 351، والنوادر والزيادات: 8/ 400.

فصل [في الشهادة على التاريخ]

مال، كالنكاح وما أشبهه (¬1). فإن شهد رجل وامرأتان على نكاح (¬2)، بعد موت الزوج أو الزوجة، أو على ميت أن فلانًا أعتقه، أو على نسب أن هذا ابنه أو أخوه، ولم يكن له وارث ثابت النسب، صحت الشهادة على قول ابن القاسم، وكان له الميراث، ولم تجز على قول أشهب؛ لأنه قال: لا يستحق الميراث إلا بعد ثبات الأصل بشهادة رجلين، فإن ثبت ذلك ثم شهد واحد، أنه لا يعلم له وارثًا سوى هذا، جازت واستحق المال. وأجاز ابن القاسم شهادة رجل وامرأتين على الوكالة، وعلى النقل عن شهادة رجلين، ومنع ذلك عبد الملك وسحنون وقالا (¬3): كل موضع لا يجوز فيه شاهد ويمن، فلا تجوز فيه شهادة النساء، داذا لم يكن للنساء في ذلك مدخل لم تجز إلا بشهادة رجلين (¬4). فصل (¬5) [في الشهادة على التاريخ] وأما الشهادة على التاريخ، فاختلف فيها على (¬6) نحو الاختلاف على (¬7) ما ليس بمال والمستحق بها مال، فمن ذلك الرجل يحلف بالطلاق ليقضين فلانًا حقه لأجل سماه (¬8)، مضى الأجل ثم ادعى أنه قضاه قبل الأجل، فرأى (¬9) مالك ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 399. (¬2) في (ر): (الكتاب). (¬3) في (ف) و (ر): (قال). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 397 - 398. (¬5) زيادة من (ر) ووضعه مناسب نظرا لطول الباب ولم تجر عادة المؤلف بذلك. (¬6) قوله: (على) زيادة من (ر). (¬7) في (ر): (فيها). (¬8) قوله: (سماه) في (ر): (مسمى). (¬9) في (ر): (فذكر).

أن الطلاق قد وقع بمضي الأجل (¬1)، فلا يرتفع حكمه إلا بما يقع به (¬2)، وهو شهادة رجلين، ورأى مرة أنه يسقط بسقوط الدين، إما بإقرار الطالب بالقبض، أو يمين المطلوب عند نكول الطالب، أو بشاهد ويمين، وكذلك إذا شهد أربعة على رجل، أنه وطئ أمة فلان، فزعم الواطئ أنه اشتراها من سيدها، فلم ير ابن القاسم عليه حدًا متى ثبت الملك، إما بإقرار السيد بتقدم الشراء، أو بشاهد ويمين، أو بيمين الواطئ عند نكول السيد. وقال أشهب: يحد ولا يسقط الحد إلا بشهادة رجلين (¬3)، ولا يسقط بإقرار السيد ولا بشاهد ويمين، واستحسن إذا شهد رجل وامرأتان بتقدم الشراء، أن يدرأ الحد، وكذلك إذا أعتق رجل (¬4) عبده، ثم أقام رجل شاهدًا بدين قبل العتق، و (¬5) أنه كان ابتاعه منه، فاختلف هل يرد العتق إذا حلف المشهود له؟ فهذا كله أصل واحد. فقيل: الشهادة على تقدم ذلك شهادة (¬6) على مال فتمضي كالأول. وقيل: هي شهادة على وقت والوقت ليس بمال، والطلاق والعتق والوطء ليس بمال. وأرى أن لا يطلق على الزوج؛ لأن القيام بالطلاق والطلاق (¬7) ها هنا من باب النهي عن المنكر، والشبهة التي تقدمت في القضاء (¬8) تمنع من أن يقطع أنه ¬

_ (¬1) قوله: (ثم ادعى أنه. . . بمضي الأجل) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (يقع به) في (ف): (وقع عليه). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 478. (¬4) في (ر): (على). (¬5) في (ف): (أو). (¬6) في (ر): (كشهادة). (¬7) قوله: (والطلاق) ساقط من (ف). (¬8) قوله: (القضاء) ساقط من (ر).

على منكر، ولا يحد الآخر؛ لأن ذلك شبهة يدرأ بها الحد. وقال مالك -في الموطأ-: لو ادعى رجل على رجل (¬1) أنه أعتق عبده بدين، وبينهما مخالطة فنكل المدعى عليه، وحلف الآخر فثبت حقه (¬2) لرد عتق (¬3) العبد (¬4). وقال ابن القاسم لا (¬5) يرد العتق (¬6). وهو أبين وليس بمنزلة من أقام شاهدا بدين على من أعتق عبده (¬7). وأما العبد (¬8) فإنه يستحق بشهادة رجلين، ولا يستحق بشهادة رجل وامرأتين، ويستحق بشاهد واحد والقسامة (¬9)، إذا كان عدلًا والشاهد ها هنا لوث. واختلف عن مالك إذا لم يكن عدلًا، فقال -في المدونة-: لا يقسم معه (¬10). وقال -في كتاب محمد-: يقسم معه (¬11). والأول أحسن، ولا يراق دم مسلم بغير عدل. ¬

_ (¬1) قوله: (على رجل) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (فثبت حقه) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (عتق) ساقط من (ر). (¬4) انظر: الموطأ: 2/ 722، والنوادر والزيادات: 14/ 254. (¬5) قوله: (لا) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (العتق) ساقط من (ف). انظر: النوادر والزيادات: 12/ 471. (¬7) في (ف): (عنده). (¬8) في (ر): (قتل العمد). (¬9) قوله: (رجلين، ولا يستحق. . . واحد والقسامه) في (ر): (رجل في القسامة). (¬10) انظر: المدونة: 4/ 4. (¬11) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 138.

واختلف في (¬1) شهادة النساء بانفرادهن، هل تكون لوثا؟ فقال مرة: ليست بلوث، وقال مرة: يقسم مع امرأتين. وروى أشهب عن مالك (¬2) في كتاب محمد أنه قال (¬3): يقسم مع المرأة (¬4) الواحدة (¬5). وقال أبو مصعب: يقسم مع جماعة النساء والصبيان، والقوم ليسوا بعدول. وأرى أن يقسم مع شهادة امرأتين عدلتين؛ لأنهما يوجبان من اللطخ ما يوجبه الشاهد العدل، ويقسم مع الجماعة كما قال أبو مصعب، وإن لم تكن عدالة (¬6)، إلا أن تكون هناك تهمة في شهادتهم (¬7) على مواطأة (¬8) في ذلك، وهذا مما (¬9) يعرف عند النزول. وأجاز ربيعة في المجموعة القسامة مع شهادة الصبي والذمي (¬10). وليس بحسن. وأجيز في كتاب محمد القسامة (¬11) مع شهادة (¬12) السماع المستفيض، وإن لم تكن الشهادة على المعاينة، قال: مثل ما لو عدا رجل على رجل، علانية في مثل سوق الأحد (¬13)، وما أشبهه من كثرة الناس والغاشية، فقطع من حضر عليه ¬

_ (¬1) في (ر): (عن [بياض] في). (¬2) قوله: (عن مالك) ساقط من (ر) وفي (ت): (عنه). (¬3) قوله: (قال) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (المرأة) ساقط من (ر). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 138. (¬6) في (ر): (عادلة). (¬7) قوله: (في شهادتهم) زيادة من (ر). (¬8) في (ر)، (ف): (مواطآت). (¬9) قوله: (مما) زيادة من (ر). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 139. (¬11) قوله: (مع شهادة الصبي. . . محمد القسامة) زيادة من (ت). (¬12) قوله: (شهادة) زيادة من (ر). (¬13) في (ف): (ألا) وهو غير واضح.

الشهادة. فرأى بعض أهل العلم إذا كثر هكذا (¬1) وتظاهر أنه (¬2) لوث يوجب القسامة، وبقية هذا القسم في كتاب الديات. وأما جراح العمد فاختلف فيها على ثلاثة أقوال: فأجاز في كتاب الأقضية قطع اليد بشاهد ويمين، وهذا قياس منه على القتل (¬3). وقال -في كتاب الشهادات-: كل جرح لا قصاص فيه كالجائفة والمأمومة، فإنما هو (¬4) مال فلهذا جاز فيه شاهد ويمين. وهذا اختلاف قول منه؛ لأنه لم ير اليمين مع الشاهد إلا عند عدم القصاص. وقال سحنون: كل جرح فيه قصاص، فشهادة رجل ويمين الطالب يقتص به (¬5). وقيل: يجوز بشاهد ويمين فيما صغر من الجراح، ولا يجوز فيما كثر (¬6). ووجه هذا القول أن الشهادة مبنية على الجرح، فما كان له قدر وبال ألحق بالحدود. وقد اختلف في مثل هذا فقيل: فيما كان من الشتم دون القذف، يجوز فيه شاهد ويمين ويعاقب المشهود عليه لما كان في الحرمة دون القذف. وقيل: لا يجوز إلا (¬7) بشهادة رجلين؛ لأنه مما يتعلق بالبدن. فعلى القول أنه يقتص بشاهد ويمين، يقتص بشهادة رجل وامرأتين. ¬

_ (¬1) في (ر): (ذلك). (¬2) قوله: (أنه) ساقط من (ف). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 4. (¬4) قوله: (هو) ساقط من (ت). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 29. (¬6) في (ف): (كبر). (¬7) قوله: (إلا) ساقط من (ف).

فصل [في الشهادة على الزنا ووجه ثبوتها]

فصل [في الشهادة على الزنا ووجه ثبوتها] وأما الشهادة على الزنا (¬1)، فإن كانت على المعاينة (¬2) لم تقبل أقل من أربعة، إذا أتوا معًا وأخبروا عن موطن واحد ووطء واحد (¬3)، وكانت الإصابة على الطوع. وإن كانت الشهادة أنهما أكرها، كانت الشهادة (¬4) على قولين: فعلى القول أن الرجل يحد مع الإكراه، لم يجز أقل من أربعة، ومن قال لا حد عليه يجزئ في ذلك شهادة رجلين. وفائدة الشهادة ما تستحقه المرأة من الصداق على الرجل، أو على المكره. وفي كتاب الرجم ذكر البينة تأتي مفترقة فتخبر عن موطن واحد، أو مجتمعة وتخبر عن موطنين، والاختلاف في ذلك، أو تختلف فيقول بعضهم أصابها طائعة، ويقول (¬5) بعضهم: أصابها مكرهة. فصل (¬6) [الشهادة على الإقرار بالزنا إذا رجع المقر] وأما الشهادة على الإقرار (¬7) بالزنا (¬8)، إذا رجع ولم يأت بعذر، على القول ¬

_ (¬1) في (ر): (بالزنا). (¬2) في (ر): (بالمعاينة). (¬3) قوله: (ووطء واحد) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (كانت الشهادة) ساقط من (ت)، وفي (ف): (كانت). (¬5) قوله: (ويقول) ساقط من (ر)، (ت). (¬6) زيادة من (ر). (¬7) قوله: (على الإقرار) في (ر): (بالإقرار). (¬8) في (ر): (على الزنا).

بحده وما ذكر معه فقيل: يقبل في ذلك شهادة رجلين، ويحد المقر المشهود عليه (¬1). وقيل: لا يقبل في ذلك إلا أربعة. قال محمد: إن شهد شاهدان على كتاب القاضي (¬2) بالزنا، يقام الحد على المشهود عليه (¬3)، إذا ثبت عند الأول بأربعة (¬4). وفي كتاب ابن سحنون: لا يقام الحد إلا أن يشهد أربعة على كتاب القاضي (¬5). وقال محمد -فيمن قذف رجلًا وأقام شاهدين، أن فلانًا الوالي ضربه الحد (¬6) بشهادة أربعة- قال: يحد القاذف والشاهدان، إلا أن يقيم أربعة على فعل القاضي، قال: وهو قول مالك، قال مالك: قال الله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] (¬7) يريد أنه يشهد بحده أربعة، فلا يسقط عن القاذف الحد إلا بأربعة على حد القاضي. وقال في كتاب ابن حبيب: يحد القاذف ولا يحد الشاهدان، قال: لأنهما لم يشهدا على رؤية (¬8)، وإنما شهدا على فعل غيرهما (¬9). وقال أبو مصعب: لا حد على القاذف؛ لأنه خرج مما قال: فلا يحد القاذف (¬10) ولا الشاهدان. قال عبد الملك: وكذلك لو أقام القاذف أربعة، ¬

_ (¬1) قوله: (ويحد المقر المشهود عليه) ساقط من (ف). (¬2) في (ف)، (قاض). (¬3) قوله: (عليه) ساقط من (ف). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 245. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 388. (¬6) قوله: (الحد) ساقط من (ر). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 374. (¬8) في (ف): (رأية). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 245. (¬10) قوله: (فلا يحد القاذف) ساقط من (ر).

شهدوا (¬1) أن سيده إذ باعه تبرأ من زناه (¬2)، قال: ولو شهد أقل من أربعة، لم أر على الشهود (¬3) حد الفرية؛ لأنهم لم يشهدوا على رؤية (¬4)، وإنما مخرج شهادتهم على وجه الشهادة. يريد أن الحد على القاذف دون البينة، إذا كانوا أقل من أربعة، وأرى أن يقام الحد بشاهدين في الإقرار وفي كتاب: محمد (¬5) القاضي، وإنما يكون الأربعة في المعاينة حسبما ورد القرآن، فإن لم (¬6) تكن معاينة جرت الشهادة على الأصل في (¬7) الإقرار، فيحد المقر إذا لم يأت بعذر (¬8)، ولا يحد القاذف إذا أتى بشاهدين على الإقرار أو على حد القاضي. واختلف إذا شهد شاهدان على الزوج بطلاق الثلاث، وأنكر الزوج الطلاق واعترف بالوطء، أو شهد على السيد بعتق أمته، فأنكر واعترف بالوطء (¬9)، هل يحد؟ أو شهد شاهدان بالغصب لهذه الأمة، فاعترف بالوطء وأنكر الغصب، هل يحد الواطئ؟ لأن الشهادة ليست على معاينة الوطء فأشبهت الإقرار، فعلى القول أن الحد يقام على المقر بشاهدين يحد هؤلاء، ¬

_ (¬1) قوله: (شهدوا) ساقط من (ف)، (ر). (¬2) قوله: (إذ باعه تبرأ من زناه) في (ر): (تبرأ إذا باعه من زنائه). انظر: النوادر والزيادات: 14/ 374. (¬3) في (ر)، (ف): (المشهود). (¬4) في (ف): (رأية). (¬5) قوله: (محمد) ساقط من (ف)، (ر). (¬6) قوله: (لم) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (الأصل في) ساقط من (ر). (¬8) في (ر): (يعذر) بدلًا من (يأت بعذر). (¬9) قوله: (أو شهد على السيد بعتق أمته، فأنكر واعترف بالوطء) ساقط من (ف).

وعلى القول الآخر (¬1) لا يحدون إلا أن يشهد أربعة على الأصل. وقال أشهب -في كتاب محمد-: لا يقام الحد على السيد، لإمكان أن يكون نسي العتق، وإن شهد أربعة بالطلاق وهو مقر بالوطء حد. وروى علي بن زياد عن مالك، فيمن شهد عليه أربعة بطلاق البتة، وأنهم رأوه يزني بها بعد ذلك (¬2)، أو كان مقرًا بالمسيس-: يفرق بينهما ولا حد عليه (¬3). قال سحنون: وأصحابنا يأبون هذه الرواية، ويرون عليه الحد (¬4). ومحمل (¬5) قول مالك على مثل ما في كتاب محمد، أنه يحتمل أن يكون نسي، والنسيان يحسن إذا كان الطلاق والعتق بيمين فيحنث. وأما إذا كان ابتداء بغير يمين فليس يحمل فيه (¬6) أحد على النسيان. واختلف إذا أنكر العتق والطلاق والإصابة، فشهد عليه شاهدان بجميع ذلك. فقال عبد الملك -في كتاب محمد فيمن شهد عليه شاهدان، بطلاق امرأته البتة وأنه زنى (¬7) بها بعد ذلك، أو أنه أعتق أمته ثم زنى بها-: لم تجز الشهادة، قال: لأني إن أجزتها أوجبت عليه (¬8) الحد، وشهادة المحدود لا تجوز في طلاق ولا عتق، فصارت المرأة زوجة على حالها والأمة رقيقًا، ولأن من ¬

_ (¬1) قوله: (الآخر) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (بعد ذلك) ساقط من (ف). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 345. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 345. (¬5) في (ف): (ويحمل). (¬6) في (ر): (عليه). (¬7) في (ف): (بنى). (¬8) قوله: (أجزتها أوجبت عليه) في (ف).

فصل [في انفراد النساء بالشهادة]

قذف رجلًا بامرأته أو (¬1) أمته، فقال: زنيت (¬2) كان كاذبًا ولم يكن قاذفًا، قال محمد: وفيه اختلاف؛ لأن من قول ابن القاسم إن شهادة القاذف جائزة حتى يقام عليه الحد (¬3). يريد أنه يقضى عليه بالطلاق والعتق، ثم يكون النظر في القذف، فقد يوجب عليهما الحد أو يسقط (¬4)، لإقرار الآخرين أن الزوجة والملك باق على حالة. وقال أصبغ -في العتبية-: لا تجوز شهادتهما ويحدان (¬5). قال محمد: ولو قال الزوج طلقت وما أصبت، وقال السيد أعتقت وما أصبت، حد الشاهدان (¬6). فصل [في انفراد النساء بالشهادة] فأما شهادة النساء بانفرادهن، فتجوز فيما لا يطلع عليه الرجال، قال محمد (¬7): تجوز شهادة (¬8) امرأتين بغير يمين، إذا كانتا عدلتين فيما لا يطلع عليه الرجال (¬9)، كالولادة والاستهلال والسقط، وعيوب الفرج في الإماء ¬

_ (¬1) في (ف): (و). (¬2) قوله: (فقال: زنيت) ساقط من (ف). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 344. (¬4) في (ر): (يسقطه). (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 10/ 207، والنوادر والزيادات: 8/ 344. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 345. (¬7) قوله: (محمد) ساقط من (ر). (¬8) قوله: (شهادة) ساقط من (ر). (¬9) قوله: (عليه الرجال) ساقط من (ر).

والحمل (¬1) والحيض والرضاع (¬2). قال أصبغ: وما تحت الثياب والشهادة في الولد على ثلاثة أوجه: على نفس (¬3) الولادة، وعلى الاستهلال، وعلى أنه ذكر، فتجوز شهادتهما على الولادة مع وجود الولد، أن هذه ولدته. واختلف إذا لم يكن الولد موجودًا، فأجازها ابن القاسم (¬4). ومنعها ربيعة وسحنون (¬5). وأرى إن كانت المناكرة بقرب الولادة أن لا تقبل الشهادة؛ لأنه يقدر على إظهاره وإن كان مقبورًا، وإن كانت الشهادة بعد طول الأمد، وإنما احتيج إليها الآن عند قدوم من أنكر الولادة، أو قالت الأم كنت مقرًا به وجحدت الآن، كانت الشهادة (¬6) جائزة، وإن شهدتا (¬7) على الاستهلال، جازت الشهادة إذا كان البدن حاضرًا (¬8)، إلا أن يقال إن مثل ذلك لا يستهل؛ لأنه لم يتم خلقه، وإن لم يوجد البدن (¬9) عاد الخلاف المتقدم، إلا أن يكونا متفقين على الولادة، وإنما الخلاف في الاستهلال فتقبل الشهادة وإن عدم الولد. واختلف إذا شهدتا على (¬10) أنه ذكر على ثلاثة أقوال: فقال ابن القاسم: ¬

_ (¬1) في (ت): (والحبل). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 422. (¬3) في (ر): (يقين). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 422. (¬5) انظر: المدونة: 4/ 22. (¬6) في (ر): (الولادة). (¬7) في (ر): (كانت). (¬8) في (ف)، (ر): (موجودًا). (¬9) في (ف)، (ر): (الولد). (¬10) قوله: (على) زيادة من (ر).

يحلف المشهود له مع شهادتهما ويستحق (¬1). فأقامهما (¬2) ها هنا (¬3) مقام شهادة رجل (¬4)؛ لأن كونه ذكرًا مما يطلع عليه الرجال والنساء، وهي شهادة على ما ليس بمال يستحق بها مال. وقال أشهب: لا تجوز شهادتهن (¬5). ومر في ذلك على أصله في الشهادة على ما ليس بما يستحق بها مال (¬6)، وقد تقدم. وقال أصبغ: إن فات أمره بالدفن وطال مكثه، حتى لا يمكن إخراجه، لتغيره، نظرت فإن كانت فضل (¬7) ذلك المال ترجع إلى بيت المال، أو إلى العشير (¬8) البعيد أجزت الشهادة (¬9)، وإن كان يرجع إلى بعض الورثة دون بعض، أخذت بقول أشهب، قال محمد: وذلك (¬10) سواء (¬11)؛ لأن حق بيت المال كحق أقرب الورثة، ولو (¬12) عدمت البينة ومات رجل عن زوجة حامل وبنت وعاصب، فوضعت الزوجة وقالت البنت (¬13) والزوجة كان غلامًا، وقال العاصب كانت ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 423، والبيان والتحصيل: 10/ 24. (¬2) في (ف): (فأقامها). (¬3) في (ف): (هنا). (¬4) قوله: (رجل) ساقط من (ر). (¬5) في (ف)، (ر): (شهادتهما). انظر: النوادر والزيادات: 8/ 422. (¬6) قوله: (مال) ساقط من (ف). (¬7) في (ف)، (ر): (فضلة). (¬8) قوله: (المال ترجع إلى بيت المال، أو إلى العشير) في (ف): (ترجع إلى بيت أو إلى العشير)، وفي ر: (إلى بيت المال أو العشير). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 422. (¬10) قوله: (وذلك) ساقط من (ف). (¬11) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 422 - 423. (¬12) في (ر): (لو). (¬13) في (ر): (البينة)

فصل [في شهادة النساء على عيوب الفرح]

أنثى، فعلى قول الزوجة والابنة تكون الفريضة من أربعة وعشرين، للابنة من ذلك أربعة عشر سهمًا، منها (¬1) سبعة عن الأب وسبعة عن الأخ، وللزوجة الثمن عن الزوج وهو ثلاثة، والثلث عن الولد وهو خمسة إلا ثلث، والباقي على قوليهما للعاصب وهو سهمان وثلث. وعلى قول العاصب إنها أنثى يكون للزوجة الثمن وهو ثلاثة (¬2)، وللابنتين الثلثان فذلك تسعة عشر، والفاضل على قوله عن الزوج (¬3) خمسة، وعن الابنة سهم وثلث، الجملة ستة وثلث (¬4)، وقد قبض بتسليم الورثة الأم والبنت سهمين وثلثًا، فالمتنازع فيه على قولهم أربعة إلا ثلثًا (¬5)، يتحالفون فيها تقسم بينهم (¬6) على قدر دعواهم، فالعاصب يقول جميعها إلي، والزوجة والابنة يقولان جميعها لنا، فيأخذ العاصب نصفها، ثم تقسم الزوجة (¬7) والبنت النصف الآخر نصفين. فصل [في شهادة النساء على عيوب الفرح] وشهادتهن على عيوب الفرج على وجهين: فأما الحرة يدعي الزوج أن بفرجها عيبًا يوجب الرد، فينظر إليها النساء. وقال سحنون وأصحابنا يرون (¬8) ¬

_ (¬1) قوله: (منها) ساقط من (ف)، (ر). (¬2) قوله: (وهو ثلاثة) ساقط من (ت)، وفي (ر): (ثلاثة). (¬3) في (ف): (الزوجة). (¬4) قوله: (الجملة ستة وثلث) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (إلا ثلثًا) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (بينهم) ساقط من (ف). (¬7) في (ف): (الورثة). (¬8) في (ر): (يقولون).

أنها مصدقة، وأنا أرى أن ينظر إليها النساء (¬1). وهو أحسن لأنها تتهم في أن تدفع عن نفسها فلا تصدق (¬2)، والنظر والشهادة في ذلك ضرورة (¬3). واختلف إذا كان العيب بغير الفرج، هل يبقر الثوب عن ذلك الموضع ليراه الرجال أو يرجع فيه إلى شهادة النساء؟ وقد تقدم قول أصبغ، أن شهادتهن (¬4) تجوز فيما تحت الثياب فلا يحتاج إلى أن يبقر عن الثوب. وأما الإماء فإن كان العيب بالفرج، وهو مما لا يعلمه الرجال، وإنما يعلمه النساء ولا يدري الرجل، هل ذلك صفة خلق كثير منهن أم لا؟ فإن كانت الشهادة عن فائتة؛ لأن الأمة ماتت أو غابت، أو كان القائم بالعيب هو الذي أتى (¬5) بهن، ليشهدن له، لم يقبل في ذلك أقل من امرأتين ولا يمين عليه، وإن كان الحاكم الباعث في الكشف عن ذلك، كان فيه قولان: هل يقبل قول امرأة واحدة؛ لأنه من باب الخبر أو امرأتين؟ ولا أرى أن يقبل اليوم أقل من امرأتين؛ لأن العدالة ضعفت. وإن كان العيب مما يعلمه الرجل كالبكارة، يقول وجدتها ثيبا وكذبه البائع، ولم يبعث الحاكم في ذلك أقل من امرأتين (¬6)، لم يقبل في ذلك أقل من امرأتين، واختلف في اليمين (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: المنقى: 5/ 33، والنوادر والزيادات: 8/ 399. (¬2) قوله: (فلا تصدق) زيادة من (ر). (¬3) في (ر): (من باب الضرورة). (¬4) في (ر): (شهادة النساء). (¬5) قوله: (أتى) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (أقل من امرأتين) ساقط من (ت) و (ر). (¬7) قوله: (واختلف في اليمين) ساقط من (ف).

فصل [في انفراد النساء بالشهادة فيما يقع بينهن مما لا يجوز الانفراد به]

فصل [في انفراد النساء بالشهادة فيما يقع بينهن مما لا يجوز الانفراد به] اختلف في شهادة النساء بانفرادهن، فيما يقع بينهن في العرس والمأتم والحمام، من الجراح والقتل. فذكر ابن الجلاب في ذلك قولن: الجواز والمنع (¬1). فالجواز (¬2) قياسًا على شهادة الصبيان؛ لأنه مما تدعو إليه الضرورة، فيجوزان (¬3) وإن لم (¬4) تكونا عدلتين؛ لأنه موضع لا يحضره العدول. وأرى أن يقسم معهما في القتل والمنع أولى؛ لأن النساء يتهمن أن يرمين بذلك من لم يجز، وليس قول المرأة من أولى (¬5) على الصدق فإذا لم تحمل على الصدق فإنه يختلف هل يقسم معهن في القتل؟ (¬6) وتحلف إن جرحت وتقتص، وإن عدل منهما اثنتان (¬7) اقتص له (¬8) في القتل بغير قسامة، واقتصت في الجراح بغير يمين؛ لأن شهادة اثنتين فيما لا يحضره غيرهن، كالرجلين فيما يحضره الرجال. وأجاز محمد في المرأة تدعي علي زوجها، أنه بنى بها وأرخى الستر ¬

_ (¬1) انظر: التفريع: 2/ 243. (¬2) قوله: (فالجواز) ساقط من (ر). (¬3) في (ف) و (ر): (فتجوز). (¬4) قوله: (لم) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (بذلك من لم يجز، وليس قول المرأة من أولى) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (والمنع أولى. . . يقسم معهن في القتل) زيادة من (ر). (¬7) قوله: (منهما اثنتان) في (ر): (منهن اثنان). (¬8) في (ف)، (ر): (لهما).

عليها (¬1)، شهادة امرأتين (¬2) ويمين (¬3)، لما كان ذلك مما لا يطلع عليه إلا النساء (¬4)، والزوج يدعي المعرفة، وقد قيل في هذا الأصل: لا يمين عليها والمرأتان كالرجلين، ولا يقضى بشهادة امرأة واحدة في الأموال؛ لأنها ربع شهادة. ويختلف فيما لا يطلع عليه إلا النساء فقال محمد: لا يلطخ (¬5) بشهادة امرأة واحدة شيئًا، لا في قتل ولا رضاع ولا استهلال، ولا حيض ولا حمل، ولا في عيب ولا في غير ذلك (¬6) من جميع الأشياء، أقل من امرأتين (¬7). وقد اختلف في جميع ذلك، فأجاز أشهب (¬8) القسامة مع المرأة الواحدة في العمد والخطأ (¬9)، ورآها لطخًا وليس بالبين. ولا أرى أن يراق دم امرئ مسلم بقول امرأة، وهو في الخطأ (¬10) أبين أن لا تجوز لأنها شهادة على مال. وأجاز ابن القاسم في كتاب النكاح الثاني، بشهادة امرأة واحدة على الرضاع. وأجازها مالك في كتاب محمد إذا فشا عند المعارف والأهلين (¬11). ¬

_ (¬1) قوله: (عليها) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (امرأتين) ساقط من (ر). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 421. (¬4) قوله: (عليه إلا النساء) ساقط من (ر). (¬5) في (ر): (يقطع). (¬6) قوله: (في غير ذلك) في (ر): (غيره). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 401. (¬8) قوله: (أشهب) ساقط من (ر). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 395. (¬10) قوله: (ورآها لطخا. . . وهو في الخطأ) ساقط من (ف). (¬11) انظر: المدونة: 2/ 171، 2/ 300، والتهذب: 2/ 207.

وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالفراق بقول امرأة أنها أرضعت (¬1)، وإن لم يعرف ذلك من قولها قبل، فهو في هذا أبين. وحلف ابن القاسم السيد بشهادة امرأة واحدة (¬2)، على أمته (¬3) أنها ولدت منه (¬4)، إذا شهد شاهدان على الوطء، قال: لأنها لو أقامت امرأتين، ثبتت الشهادة على الولادة، فإذا قامت امرأة حلف (¬5). يريد أن شهادة امرأتين (¬6) في هذا الموضع، بمنزلة شهادة (¬7) رجلين في غيره، وعلى هذا أن (¬8) شهادة امرأة واحدة نصف شهادة، يحلف بها السيد كما يحلف على شهادة رجل في (¬9) غيره. وعلى هذا إن شهدت امرأة واحدة (¬10) على الاستهلال، حلف من قام بشهادتها واستحق، وأدنى منازل شهادتها أن يحلف المنكر للشهادة، إذا قالت الأمة إنه علم، وإن شهدت امرأة على الحبل (¬11)، حلف المشتري ورد، وإن شهدت على الحيض، وكانت الشهادة بعد أن انتقلت إلى الطهر، حلف البائع وسلمها واستحق الثمن، ولا يصيبها المشتري، ويحال بينه وبينها إذا كان قد ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري: 1/ 45، في باب الرحلة في المسألة النازلة وتعليم أهله، من كتاب العلم، برقم (88). (¬2) قوله: (واحدة) زيادة من (ر). (¬3) قوله: (على أمته) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (منه) زيادة من (ر). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 401. (¬6) قوله: (شهادة امرأتين) في (ر): (شهادتين). (¬7) قوله: (شهادة) ساقط من (ر). (¬8) قوله: (وعلى هذا أن) ساقط من (ف). (¬9) قوله: (في) ساقط من (ت). (¬10) قوله: (واحدة) زيادة من (ر). (¬11) في (ر)، (ف): (الحمل).

فصل [في شهادة الصبيان]

كذب الشهادة حتى تحيض، وكذلك العيب إن شهدت امرأة أن بها عيبا، في موضع لا يطلع عليه الرجال حلف ورد. فصل [في شهادة الصبيان] فأما شهادة الصبيان فيما يقع بينهم من الجراح والقتل، فاختلف فيها على ثلاثة أقوال: فقال مالك: تجوز في الجراح والقتل (¬1). وقيل: تجوز في الجراح خاصة (¬2). وقال محمد بن عبد الحكم: لا تجوز في جراح ولا قتل؛ لأن الله إنما أجاز (¬3) شهادة العدل و (¬4) الرضي. والأول أحسن؛ لأن القتل والجرح (¬5) موجود، والشأن صدقهم عند أول قولهم، والضرورة تدعو إلى معرفة ذلك منهم. وقال القاضي (¬6) أبو محمد عبد الوهاب: تقبل شهادتهم بتسعة شروط. أحدها: أن يكونا (¬7) ممن يعقل الشهادة، أحرارًا ذكورًا محكومًا لهم بالإسلام، والمشهود به جرح أو قتل، ويكون ذلك فيما بينهم، لا لكبير على صغير ولا لصغير على كبير، ويكونا ائنين فصاعدًا، وتكون الشهادة قبل تفرقهم ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 26، وفي الاستذكار: 7/ 124، والتهذب: 3/ 588، والنوادر والزيادات: 8/ 426، قال مالك: (تجوز شهادة الصبيان بعضهم على البعض لم يتفرقوا، أو يدخل بينهم كبير أو يخببوا في أي شيء كان ذلك؟). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 26، وروي عن سحنون في البيان والتحصيل: 10/ 180، الخلاف عن أصحاب مالك. (¬3) قوله: (إنما أجاز) في (ر): (ما أجاز إلا). (¬4) قوله: (و) ساقط من (ف)، (ر). (¬5) في (ف)، (ر): (والجراح). (¬6) قوله: (القاضي) زيادة من (ف). (¬7) في (ف): (يكونوا).

وتخبيبهم (¬1)، وتكون متفقة غير مختلفة (¬2). وقد اختلف في هذه الجملة في سبعة مواضع أحدها: هل تجوز شهادتهم فيما بينهم في المعارك (¬3)، أو شهادة من لم يحضر معهم في ذلك؟ والثاني: شهادة الإناث مع الذكور. والثالث: شهادتهم لكبير أو عليه. والرابع: القسامة إذا يمت بالحضرة. وهل يقسم مع شهادة واحد. والخامس: إذا اختلفت الشهادة ولم يخرجوا بالقتيل عن جملتهم. والسادس: هل يراعى ما كان بينهم من عداوة أو قرابة (¬4). فأما الوضع الذي تجوز فيه فقال مالك: تجوز فيما بينهم (¬5). وقال -في كتاب ابن سحنون-: تجوز (¬6) في المعارك. يريد القتال الذي يكون بينهم، وقال ابن مزين: إذا شهد صبيان على صبي، فلا أبالي كان الشهود مع الجارح، أو مع المجروح في جماعة، أو كانوا في جماعة (¬7) ليسوا منهم بسبيل (¬8). والأول أشبه، وإنما يجوز (¬9) فيما تدعو الضرورة إليه، وهو ما يجري بينهم، فإذا لم يكونوا منهم، ¬

_ (¬1) في (ف): (وتخببهم). (¬2) انظر: المعونة: 4/ 425. (¬3) في (ف): (المعترك). (¬4) انظر: التفريع: 2/ 242، قال فيه: (وتجوز شهادة الصبيان بعضهم على بعض في القتل والجراحات خاصة إذا شهدوا قبل أن يفترقوا ويخّببوا، فإ، افترقوا وأمكن تخبيبهم لم تقبل شهادتهم إلا أن يكون الكبار قد شهدوا على شهادتهم قبل افتراقهم فلا يضر رجوعهم ولا يعتبر الآخر من قولهم. ولا تجوز شهادة الصبيان على كبير أنه قتل صغيرًا ولا صغير أنه قتل كبيرًا). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 26، والنوادر والزيادات: 8/ 426. (¬6) قوله: (تجوز) زيادة من (ر). (¬7) قوله: (أو كانوا في جماعة) ساقط من (ت). (¬8) انظر: المدونة: 4/ 26. (¬9) في (ت): (يحكم).

وإنما مروا بهم كانوا كغيرهم ممن مر بهم، فلا تجوز إلا بشرط البلوغ والعدالة. وأما الإناث يشهدن مع الصبي، أو يشهد بعضهن على بعض، فقال محمد: لا تجوز شهادة الإناث وإن كان ذلك فيما بينهن (¬1). وأجازها عبد الملك (¬2) في المجموعة (¬3). وقال محمد (¬4): أقل ما تجوز شهادة غلامين، أو غلام وجاريتين، ولا تجوز شهادة غلام وجارية، ولا شهادة الإناث وإن كثرن؛ لأنهن مقام اثنتين، واثنتان مقام واحد (¬5). وهو أحسن إذا كان يجتمع جميعهن للعب، الذكران والإناث، وإن لم يجتمعوا (¬6) وإنما مر صبي وصبيتان على صبيان يلعبون بانفرادهم (¬7)، أو إناث يلعبن بانفرادهن، لم تجز الشهادة على قول مالك، وجازت على قول ابن مزين. وإن شهد صبيان على ما كان بين الإناث بانفرادهن، جرى على الخلاف فيما يكون بين النساء في المأتم والعرس. وقد قال -غير ابن القاسم في المدونة-: أن الإناث يجزن (¬8)، ولم يبين هل ذلك فيما يكون بينهن بانفرادهن، وفيما. يكون منهن مع الذكران؟ وكل ذلك يجري على الخلاف المتقدم. ولا تجوز شهادة الصبيان لكبير (¬9)، ولا على كبير، وهذا قوله في المدونة (¬10). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 427. (¬2) قوله: (عبد الملك) في (ف): (عند مالك). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 427. (¬4) قوله: (محمد) زيادة من (ر). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 427 من قول عبد الملك. (¬6) في (ف): (يجتمعن). (¬7) قوله: (صبيان يلعبون بانفرادهم) في (ف): (صبين يلعبان بانفرادهما). (¬8) في (ف): (تجوز شهادتهن). انظر: المدونة: 4/ 26. (¬9) قوله: (لكبير) بياض في (ف). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 428.

وأجاز محمد شهادتهم للكبير في القتل، ولم يجزها في الجراح؛ لأنه يتهم أن يكون خببهم، ولم يجزها على كبير في جرح ولا قتل؛ لأنهم متهمون أن يدفعوا (¬1) عن أنفسهم (¬2). وأجازها ابن حبيب للكبير وعليه. والأول أحسن وأصوب (¬3). ولا تجوز إلا فيما تدعو إليه الضرورة، في المجامع التي تكون بينهم، ويلزم من أجازها للكبير أو عليه، أن يجيز شهادة الصغار (¬4)، على من لم يكن معهم في المعارك. قال مالك: وليس في الصبيان قسامة (¬5)، والقسامة على أربعة أوجه: تسقط في وجهين، إذا قال المقتول: قتلني فلان. وإذا أقر القاتل (¬6) أنه قتل. واختلف إذا ثبت الضرب بشهادة صبيين، ثم نزي في ذلك الجرح فمات، أو شهد صبي واحد على القتل المجهز. فعلى قول مالك لا يقسم في ذلك. وقال ابن نافع -في المدونة-: إذا ثبت الضرب بشهادة صبيين، ثم نزي فيه (¬7) فمات، يقسم أولياؤه لمن ضربه، مات ويستحق (¬8) الدية (¬9). وقال أيضًا -في كتاب ابن مزين-: يقسم مع شهادة الصبي الواحد في العمد والخطأ. ¬

_ (¬1) في (ر): (ينكبا). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 428. (¬3) قوله: (أحسن وأصوب) في (ف): (أصوب). (¬4) في (ر): (الصبيان). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 6، 26. (¬6) قوله: (القاتل) ساقطة من (ر). (¬7) قوله: (ثم نزي فيه) في (ر): (ثم نزى في ذلك). (¬8) في (ر): (ويستحقون). (¬9) انظر: المدونة: 4/ 26، والنوادر والزيادات: 8/ 426.

وقوله إذا ثبت الضرب بشهادة الصبيين (¬1)، ثم نزي فيه فمات (¬2) أشبه؛ لأنهما في ذلك مقام الرجلين في ثبات الضرب، فكانت القسامة في ذلك جائزة، بمنزلة لو شهد على الضرب رجلان. واختلف إذا خالطهم رجل، هل تسقط الشهادة لإمكان أن يكون خببهم ووقف الشهادة أولى؟ وإن كان عدلًا وإن (¬3) وقال لا أدري (¬4) من رماه، ثبتت شهادة الصبيان. واختلف إذا شهد صبيان أن هذا الصبي قتله، وشهد رجلان عدلان أنه لم يقتله ولم يدمه، هل يؤخذ بقول الصبيين؛ لأنهما أثبتا حكمًا، أو بقول الرجلين؟ والأخذ بقول الرجلين أحسن، ولا تسقط شهادة العدول، بشهادة من ليس بعدل. وكذلك إذا قال الرجلان بل قتله هذا، أخذ بقولهما وكانت الدية على عاقلة من شهدا عليه، إلا أن يقوم أولياء القتيل (¬5) بشهادة الصبيين، فتسقط الدية؛ لأنهم كذبوا الرجلين، وشهادة الصبيين ساقطة بشهادة الرجلين. وإن شهد رجل عدل أن هذا قتله، لغير من شهد عليه الصبيان، أقسموا (¬6) معه وكانت الدية على عاقلته، وكذلك إن اتفقت شهادة الرجل العدل (¬7) و (¬8) الصبيين، فإنه يقسم مع شهادته؛ لأن شهادة الصبيين سقطت بحضور ¬

_ (¬1) قوله: (بشهادة الصبيين) ساقطة من (ر) وفي (ف): (بشهادة صبيين). (¬2) قوله: (فمات) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (وإن) ساقط من (ر). (¬4) في (ف): (أرى). (¬5) في (ر): (المقتول). (¬6) في (ت): (اقتسموا). (¬7) قوله: (العدل) زيادة من (ر). (¬8) في (ر): (مع).

الرجل، وهذا هو الصحيح من المذهب. وقال عبد الملك: تسقط شهادة الصغار إذا شهد كبار عدول بمعاينتهم، بخلاف ما شهدوا به (¬1). وإن اتفقت شهادة الرجل العدل مع الصبيين، فهو تقوية للرجل كشاهدين عدلين (¬2)، أو يشهدون (¬3) باختلاف قولهم، أو أنهم تفرقوا قبل أن يشهدوا. واختلف إذا اختلفت شهادة الصبيان، ولم يخرجوا القتل عنهم (¬4)، فشهد اثنان أن هذين قتلاه. وقال (¬5) المشهود عليه (¬6): بل أنتما قتلتماه. فقيل: تسقط الشهادتان (¬7) لأنها اختلفت وقيل (¬8): تكون الدية على عاقلة الأربعة، لاتفاقهم أن القتل لم يخرج عنهم. وقد اختلف في هذا الأصل في الرجال (¬9)، إذا كان ثلاثة نفر فمات أحدهم، فقال الأول للثاني: أنت القاتل. وقال الثاني للأول: أنت القاتل. وذلك كله في موضع واحد. وكذلك إذا كانتا قبيلتين، إحداهما مظلومة والأخرى ظالمة، واختلط القتيلان، أو لم يعرف القتيلان لمن هو منهما، قياسًا على من قتل رجلًا ثم اختلط بآخر، فقال كل وأحد منهما لصاحبه: أنت القاتل. فقيل: لا شيء عليهما وقيل: الدية حكما وقال ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 429. (¬2) قوله: (وإن اتفقت شهادة. . . كشاهدين عدلين) ساقط من (ف). (¬3) في (ر): (وشهدوا). (¬4) قوله: (عنهم) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (قتلاه. وقال) بياض في (ف). (¬6) في (ر)، (ت): (عليهما). (¬7) في (ر): (الشهادة). (¬8) قوله: (وقيل) ساقط من (ف). (¬9) في (ر): (الرجل).

أشهب: الدم هدر (¬1) فقيل: فيمن قتل رجلا ثم اختلط بآخر، فقال كل واحد منهما لصاحبه أنت القاتل. فقيل (¬2): لا شيء عليهما. وقيل: الدية على عاقلتهما. والأول أحسن؛ لأن عاقلة أحدهما بريئة. فإذا جعلت الدية على العاقلتين كانت إحداهما مظلومة قطعا (¬3). وقال عبد الملك: إن شهد صبيان أن صبيا قتله، وشهد آخران أن (¬4) دابة أصابته، قضى بشهادة الصبيين على القتل (¬5). ورأى أن من أثبت حكما أولى. والصحيح أنها قد اختلفت فيسقط جميعها. وإن قيدت شهادتهم ثم اختلفوا أخذ بأول قولهم، وكذلك إذا بلغوا وعدلوا وشكوا (¬6) أخذ بقولهم الأول، وإن قالوا لم تكن الشهادة كما شهدنا، ولم يكن حكم بها لم يقض بها الآن، ولا يراعى في الصبيان جرح ولا تعديل. ويختلف في العداوة والقرابة. وقال ابن القاسم: لا تجوز شهادة القريب لقريبه (¬7) وقال المغيرة: تجوز عليه ولا تجوز له (¬8). وقال محمد: ومذهب (¬9) ابن القاسم، لا ينبغي (¬10) أن يجيزها في العداوة (¬11). وأجازها عبد الملك في العداوة ¬

_ (¬1) قوله: (إذا كان ثلاثة. . . وقال أشهب: الدم هدر) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (فقيل) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (فقيل: فيمن قتل. . . مظلومة قطعا) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (أن) ساقط من (ف). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 431. (¬6) قوله: (وشكوا) في (ر): (وزكوا). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 429. (¬8) قوله: (وقال المغيرة: تجوز عليه ولا تجوز له) ساقط من (ف). (¬9) قوله: (مذهب) في (ر): (وعلى قول). (¬10) قوله: (لا ينبغي) ساقط من (ر). (¬11) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 429.

فصل [في شهادة الترجمان والقائف وما يشبهما]

وقال لأن العداوة بينهم ليس لها (¬1) غِمْرٌ (¬2). فعلى قوله تجوز في القريب، وأرى أن تجوز في القريب (¬3) لأنه لابد أن يكون له قاتل من تلك الجماعة، ولا يتهمون أن يرموا به غير الفاعل (¬4)؛ لأن الآخرين (¬5) أجنبيون وهم في المنزلة عند البينة سواء، ولا تجوز إن رموا به عدوًا لهم؛ لأنهم يتهمون أن يبرؤوا (¬6) من ليس بعدو لهم (¬7)، ويطرحون على عدو. فصل [في شهادة الترجمان والقائف وما يشبهما] واختلف في الترجمان والقائف، والطبيب والمقوم للعيب، يكون في العبد والأمة والقاضي ومكشفه، يسأل عن التعديل والتجريح إذا لم يأت على وجه الشهادة، هل يقبل في ذلك واحد؛ لأنه من باب الخبر أو اثنان. فأما الترجمان فقال مالك -في العتبية-: إذا اختصم إلى القاضي خصمان ¬

_ (¬1) زاد في هامش (تازة) زيادة غير واضحة ونصها: (وقول ابن القاسم أحسن. . . النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين. . . .). (¬2) في (ف): (غمز). انظر: النوادر والزيادات: 8/ 429. وقوله (غِمْر) أَي ضِغْنٍ وحقد. انظر لسان العرب (5/ 29، مادة: غمر). (¬3) قوله: (وأرى أن تجوز في القريب) ساقط من (ر). (¬4) في (ف) و (ت): (القاتل). (¬5) قوله: (لأن الأخرين) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (يبرؤوا) في (ر): (يرموا). (¬7) قوله: (لهم) ساقط من (ر).

يتكلمان بغير العربية، فإنه يترجم عنهما رجل مسلم ثقة واثنان أحب إلينا (¬1)، ولا نقبل ترجمة مسخوط ولا عبد ولا كافر، وتترجم امرأة إذا كانت عدلة، وألحق مما تقبل (¬2) فيه شهادة النساء، وامرأتان ورجل أحب إليّ؛ لأنه موضع شهادة، فأجراها مجرى الخبر فيجزئ (¬3) فيها واحد (¬4)، واستحب أن يكون اثنين. وقال القاضي أبو محمد عبد الوهاب: لا أحفظ فيه عن متقدمي أصحابنا (¬5) شيئًا (¬6). وقال متأخرو شيوخنا: إن كان الإقرار يتضمن مالًا، أو ما يتعلق بالمال قبل فيه رجل وامرأتان، وإن كان لا يتضمن مالًا، لم يقبل فيه إلا رجلان، فأجروه مجرى الشهادة. واختلف عن مالك في القائف، فقال يجزئ واحد عدل (¬7)؛ لأن ذلك لم يؤخذ على وجه الشهادة، وقال أيضًا: يجوز واحد إذا لم يوجد (¬8) غيره (¬9)، وقد أجازه عمر بن الخطاب، وروى عنه أشهب أنه قال: لا يجزئ إلا اثنان؛ لأن ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 9/ 205، 206. (¬2) في (ر): (تجوز). (¬3) في (ف): (فيجوز). (¬4) في (ف): (واحدة). (¬5) قوله: (عن متقدمي أصحابنا) زيادة من (ر). (¬6) انظر: المعونة: 2/ 415. (¬7) انظر: النوادر والزيادات 13/ 163، وفي البيان والتحصيل: 10/ 126، 14/ 236: (لا يجوز من القافة إلا اثنان)، ونحوه في النوادر والزيادات: 2/ 62. (¬8) قوله: (وجه الشهادة، وقال أيضًا: يجوز واحد إذا لم يوجد) ساقط من (ف). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 62 والذي فيه من قول أشهب: وتجوز شهادة القائف الواحد إن لم يجد غيره فإن وجد غيره، لم يجز إلا شهادة اثنين.

الناس قد دخلوا (¬1). وهو أصوب ولو استظهر في ذلك بالعدد حتى ينظر (¬2) هل يتفق قولهم لكان أحسن فإن لم يوجد إلا واحد أجزأ (¬3) إذا كان عدلًا بصيرًا. واختلف في قبول الجرح والتعديل بواحد، إذا كان ذلك سؤال (¬4) من القاضي أو من من مكشفه، ولم يكن أحد الخصمين هو الذي أتى به إلى القاضي أو مكشفه، ولا أرى اليوم أن يجتزئ بأقل من اثنين، وإن كان المشهود له أتى بهم إلى القاضي أو مكشفه، لم (¬5) يقبل في ذلك أقل من اثنين قولًا واحدًا. وقال محمد: لا يرد من العيوب إلا ما اجتمع عليه عدلان من أهل المعرفة والبصر. وقال ابن الماجشون -في كتاب ابن حبيب-: للحاكم قبول (¬6) شهادة الواحد فيما اختصم إليه من عيوب العبيد (¬7) والإماء، إذا كانا قائمين، وإن (¬8) كان الحاكم (¬9) متولي الكشف، فيرسل العبد أو الأمة إلى من يرتضيه، لمعرفة ذلك (¬10)؛ لأن ذلك ليس بشهادة، وإنما هو علم يأخذه عمن يبصره، مرضيًا كان أو مسخوطًا. فإن كان العبد غائبًا أو ميتًا كانت الشهادة على وجهها، وعلى ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 14/ 236. (¬2) في (ف): (يظهر). (¬3) قوله: (أجزأ) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (ذلك سؤال) في (ف): (بسؤال). (¬5) قوله: (لم) ساقط من (ف). (¬6) في (ر): (أن يقبل). (¬7) في (ر): (النساء). (¬8) قوله: (وإن) زيادة من (ر). (¬9) في (ف)، (ت): (الحكم). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 61 - 62.

ما جيء به (¬1) في (¬2) الشهادة، قال: وكذلك عيوب الإماء التي لا ينظر إليها إلا النساء، فإن كانت الأمة قائمة اكتفي فيها بقول امرأة. وقال مالك -في الأمة توقف للاستبراء-: يجزئ فيها قول (¬3) امرأة. فعلى قوله تجزئ الواحدة في العيوب، وعلى أحد قوليه في القائف (¬4) أن لا يجزئ واحد، فلا يجزي في العيوب إلا رجلان، وفي الإماء إلا امرأتان، وذكر شهادة السماع والاستفاضة يأتي فيما بعد إن شاء الله. ¬

_ (¬1) قوله: (ماجيء به) في (ف): (ما في جريه). (¬2) في (ر): (من). (¬3) قوله: (يجزئ فيها قول) في (ر): (يجتزئ فيها بقول). (¬4) في (ت): (الغائب).

باب في شهادة القاذف قبل حده وبعده

باب في شهادة القاذف قبل حده وبعده وقال ابن القاسم (¬1): تجوز شهادة القاذف و (¬2) المحدود في القذف، إذا تاب وحسنت حالته (¬3). قال مالك: وإن كان صالحًا ازداد درجة (¬4) جازت شهادته (¬5). وقد اختلف في القاذف في أربعة مواضع: أحدها: هل تسقط شهادته (¬6) بنفس القذف، أو حتى يعجز عما رمى به؟ والثاني: إذا عجز وحُدَّ، هل توبته أن ينتقل حالة (¬7) إلى خير وصلاح، أو أن يرجع عن قوله؟ والثالث: إذا صحت توبته هل يقبل في القذف؟ والرابع: إذا كان متماديًا على قوله هل يعد قذفًا (¬8) ثانيًا فيحد؟ فقال ابن القاسم: شهادته جائزة حتى يحد (¬9). وقال عبد الملك: تسقط بنفس القذف، إلا أن يثبت قول (¬10). وأرى شهادته على الوقف فلا تمضي ولا ترد، فإن أثبت ما رمى به مضت، وإن عجزردت. وإن قذف من هو مشهور بالفساد لم يحد له (¬11)، وإن عجز عن ¬

_ (¬1) قوله: (ابن القاسم) في (ت): (مالك). (¬2) قوله: (القاذف و) زيادة من (ر). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 23، والنوادر والزيادات: 8/ 337. (¬4) في (ر): (صلاحًا). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 23، والنوادر والزيادات: 8/ 340. (¬6) قوله: (شهادته) ساقط من (ت). (¬7) قوله: (حالة) ساقط من (ف). (¬8) في (ت): (قاذفًا). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 338. (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 338. (¬11) قوله: (له) ساقط من (ر).

إثبات (¬1) ذلك. وفي البخاري ومسلم عن ابن عباس: أن امرأة كانت تظهر السوء في الإسلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ كُنْتُ رَاجِمًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتُهَا" (¬2). فإذا كان الحد لصيانة الأعراض، وبلغ هذا من انتهاك حرمته، إلى هذا القدر من الإعلان بحاله، لم يحد قاذفه (¬3). واختلف إذا حد القاذف، وسقطت شهادته في الوجه الذي يوجب قبولها. فقال مالك: إذا ظهرت توبته وازداد درجة (¬4). قال: ولا يقال له تب وليس نزوعه عن قوله (¬5) بنافع حتى تظهر توبته (¬6). ولا مقامه عليه بضائر في شهادته، إذا ظهرت توبته، ولا يسأل أمقيم هو أم لا؟ فمنع شهادته وإن رجع عن القول الأول، إذا لم ينتقل حالة. وأجازها وإن كان مقيمًا عليه، إذا انتقل حالة (¬7) إلى خير وصلاح. وقيل: لا تقبل شهادته إلا أن يرجع عن قوله، فيقبل وإن لم تنتقل حالة. وذكر البخاري عن عمر بن الخطاب: أنه جلد أبا بكرة وشبل ابن معبد (¬8) ونافعًا، لقذف المغيرة. وقال من تاب قبل شهادته، فلم يرجع أبو بكرة فلم تقبل شهادته، وذكر عن أبي الزناد أنه قال: الأمر عندنا ¬

_ (¬1) قوله: (إثبات) ساقط من (ر). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 6/ 2513، في باب من أظهر الفاحشة واللطخ والتهمة بغير بينة، من كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة في صحيحه، برقم (6463)، ومسلم: 2/ 1134، في كتاب اللعان، برقم (1497). (¬3) قوله: (قاذفه) ساقط من (ر). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 23. (¬5) قوله: (عن قوله) ساقط من (ر). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 337. (¬7) قوله: (حالة) ساقط من (ف)، (ت). (¬8) في (ف): (سعيد) وفي (ر): (عبد).

بالمدينة، إذا رجع القاذف (¬1) عن قوله واستغفر قبلت شهادته (¬2). وعن الشعبي وقتادة مثل ذلك (¬3). وأرى أن يجمع بين التوبة من القول (¬4)، وصلاح الحال، لقول الله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا} [آل عمران: 89] فشرط الفصلين جميعًا، والتوبة في الحقيقة النزوع عن القول الأول، أو الفعل إن كان فعلًا، وأن لا يعود إليه (¬5)، فمن كان باقيًا على الذنب الذي أسقط (¬6) الشهادة، لم يتب وإن تبين منه الصلاح، في وجه آخر وهو بمنزلة من علم منه، أنه لا يستنكف عن صنف من المعاصي، وهو في غيره على الخير والصلاح. ويستحيل أن يكون ذلك دليلًا على انتقاله (¬7)، وهو مقر أنه مقيم عليه، يقول الذي كنت قلت حق، ثم لا يكتفي منه بالرجوع عن القول دون أن يتبين انتقال حالة؛ لأن من علمت منه معصية، لا تكون توبته فيما يتعلق بحق الناس من الشهادة، بأن يقول تبت دون أن يتبين حالة (¬8). وقال ابن القاسم: إذا قبلت شهادته لم ترد في شيء من الأشياء (¬9). وقال مطرف وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: تجوز في كل شيء ¬

_ (¬1) في (ت): (الشاهد). (¬2) أخرجه البخاري معلقًا: 2/ 936، في باب شهادة القاذف والسارق والزاني، من كتاب الشهادات في صحيحه، قبل حديث رقم (2505). (¬3) ينظر التخريج السابق. (¬4) قوله: (من القول) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (إليه) ساقط من (ر). (¬6) في (ر): (أسقطت به). (¬7) في (ت)، (ف): (انتصاله). (¬8) قوله: (لأن من علمت. . . أن يتبين حالة) ساقط من (ر). (¬9) انظر: الاستذكار: 7/ 106.

إلا في القذف وحده (¬1)، وكذلك الزاني البكر إذا حد ثم تاب، تجوز شهادته إلا في الزنا، وتجوز في القذف واللعان وكذلك المنبوذ، لا تجوز شهادته في شيء من وجوه (¬2) الزنا، لا في قذف ولا في رؤية (¬3)، وكذلك قال مالك (¬4). وتجوز شهادة السارق في كل شيء، إلا في السرقة، وكذلك قاتل العمد يعفى عنه ثم يحسن حالة، وكذلك الشارب يحد في سكره. واختلف إذا تمادى على قوله، هل يكون كمبتدئ قذف فيعاد حده؟ وقد مضى ذلك في كتاب اللعان. ¬

_ (¬1) انظر: الاستذكار: 7/ 106، والمنقى: 7/ 178 عن ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون عن مالك. (¬2) قوله: (وجوه) ساقط من (ر). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 339، والذي في النوادر: قال ابن حبيب: قال مطرف وابن الماجشون في القاذف إذا تاب فإن شهادته تجوز في كل شيء إلا في الزنا والقذف واللعان، وكذلك المنبوذ لا تجوز شهادته في شيء من وجوه الزنا، لا في قذف ولا غيره وإن كان عدلًا. (¬4) انظر: النوادر والزيادات في الموضع السابق.

باب في الشهادة على الشهادة

باب في الشهادة على الشهادة الشهادة على الشهادة (¬1) جائزة، إذا كان المنقول عنه مريضًا أو غائبًا أو ميتًا، وإن كان حاضرًا قادرًا على أدائها بنفسه (¬2)، لم تنقل عنه لإمكان أن يكون تأخره لريبة، لو حضر ثبتت (¬3) عليه (¬4)، فيؤدي ذلك إلى البحث والكشف، ولأن قبول الشهادة من شهود الأصل أسلم وأحوط؛ لأن شهود الأصل يمكن منهم، السهو والغلط وتعمد الكذب، ويمكن مثل ذلك من الناقلين، فكان من حق المشهود عليه، أن يؤدي الشاهد الشهادة بنفسه؛ لأن تخوف ذلك منهم أخف من تخوفه من الفريقين. وقال ابن الماجشون -في كتاب ابن حبيب-: ينقل عن النساء وإن كن حضورًا وذلك الشأن (¬5). واختلف في حد الغيبة وفي عدد الناقلين عنهم (¬6)، وهل يدخل النساء في النقل؟ فقال ابن القاسم -في كتاب محمد-: إن كانت الشهادة في الحدود لم تنقل عنهم، إلا في الغيبة البعيدة، وأما اليومان والثلاثة فلا، ويجوز ذلك في غير الحدود (¬7). وقال سحنون: إن كانت المسافة تقصر في مثلها الصلاة، أو الستين ميلًا كتب القاضي إلى رجل تشهد عنده البينة، ولم يفرق بين أن تكون ¬

_ (¬1) قوله: (الشهادة على الشهادة) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (بنفسه) ساقط من (ر). (¬3) في (ت): (تبينت). (¬4) قوله: (عليه) ساقط من (ر). (¬5) انظر: المنتقى: 7/ 165، والذي فيه من رواية ابن حبيب عن مطرف. (¬6) قوله: (عنهم) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (فلا، ويجوز ذلك في غير الحدود) في (ر): (فلا يجوز ذلك إلا في غير الحدود).

الشهادة (¬1) في مال أو حد (¬2). وقال ابن القاسم -في المدونة فيمن أراد أن يحلف خصمه، لغيبة بينته ثم يقوم بها- قال: إن كانت الغيبة قريبة اليوم واليومين والثلاثة، قيل له قرب بينتك، وإلا فاستحلفه على تركها (¬3). والأول أحسن. والاحتياط للحدود أولى. وأما العدد فذهب (¬4) ابن القاسم، إلى أنه كالشهادة على ذلك (¬5) الأصل الذي يشهد فيه المنقول عنهم، فإن كان مالًا جاز أن ينقل رجلان أو رجل وامرأتان (¬6)، وإن كان نكاحًا أو طلاقًا أو حدًا غير الزنا، جاز نقل رجلين ولم يجز نقل النساء (¬7). وإن كانت عن معاينة الزنا، جاز أن ينقل أربعة عن كل واحد من الأربعة، أو اثنان عن كل (¬8) اثنين، أو اثنان عن ثلاثة، أو اثنان عن واحد، ولا ينقل واحد عن واحد (¬9). كذلك المال والنكاح، ينقل الاثنان عن كل واحد من شهود الأصل، ولا ينقل واحد عن واحد، وواحد عن واحد (¬10)، وإن كان النقل عن حكم قاض ¬

_ (¬1) قوله: (كتب القاضي إلى رجل تشهد عنده البينة، ولم يفرق بين أن تكون الشهادة) ساقط من (ت). وقوله: (الشهادة) ساقط من (ف). (¬2) انظر: المنتقى: 7/ 166. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 7. (¬4) في (ت): (فقال). (¬5) قوله: (ذلك) ساقط من (ر). (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 10/ 53. (¬7) قوله: (وإن كان نكاحا أو طلاقًا أو حدًا غير الزنا، جاز نقل رجلين ولم يجز نقل النساء) ساقط من (ر). (¬8) قوله: (كل) زيادة من (ف)، (ر). (¬9) انظر: المدونة: 4/ 510. (¬10) قوله: (وواحد عن واحد) ساقط من (ف).

بمال، جاز على قوله شهادة رجل وامرأتين. وقال ابن الماجشون -في المبسوط في الشهادة على السماع-: أقل ما يجزئ في ذلك شهادة أربعة (¬1). قال (¬2): وذلك أنه شبيه بالشهادة على الشهادة (¬3)، فلا يجزئ على قوله في المال والحدود، وما سوى الزنا أقل من أربعة، وإن نقل عن حكم قاض، فإن كانت الشهادة على القاضي، بحكم تضمن مالًا أجزأ اثنان، وإن كانت الشهادة (¬4) على بينة في الحكم، لم يجز أقل من أربعة. وقال -في النقل عن شهود الزنا-: ينقل أربعة عن كل واحد ولا يتكرروا (¬5). والأول أبين والحكم في النقل كالمنقول عنهم (¬6). وأجاز أشهب نقل اثنين في الأموال، ولم يجز نقل النساء فيه؛ لأن النقل ليس بمال وإن كان المستحق به (¬7) مالًا. وقال عبد الملك -في كتاب محمد-: إن شهد رجلان على شهادة واحد، ثم شهد أحدهما وآخر معه، على شهادة رجل آخر على ذلك الحق، لم تجز. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 511، والبيان والتحصيل: 10/ 26، قال: في الشهادة على الشهادة في الزنى لا تجوز حتى يشهد أربعة على أربعة في موضع واحد ويوم واحد وساعة واحدة في موقف واحد على صفة واحدة. (¬2) قوله: (قال) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (على الشهادة) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (الشهادة) زيادة من (ر). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 386. (¬6) قوله: (والحكم في النقل كالمنقول عنهم) في (ر): (والحكم في النقل عنهم كالحكم في المنقول عنه). (¬7) في (ف): (له).

قال: وإنما حيي (¬1) ذلك الحق بواحد (¬2)، ألا ترى أنه إنما (¬3) شهد رجلان على شهادة رجل، وشهد آخر على شهادة رجل آخر (¬4)، فلم يجز ولم يقطع بها، حتى رجع أحدهما فشهد مع الآخر، حتى أنفذ ما وقف من شهادتهما. وقال محمد: ذلك جائز (¬5)، وإنما هو رجل شهد على شهادة رجلين، فلو جاء آخر فشهد عليها (¬6) ثبت الشهادة. وهذا الذي قاله محمد لا تهمة فيه، وإنما جاوب عبد الملك إذا تقدم نقلها (¬7) عن واحد، ثم نقل أحدهما مع آخر، فاتهمه لما تقدم وقوف شهادته، أن يشهد مع هذا، لتمضي شهادته (¬8)، وعلى أن قوله لو أتى الثلاثة معًا لم يقض بشهادتهم، إلا أن يكونوا أربعة. قال محمد: وإن شهد رجلان على شهادة رجل في ذكر حق، وعدلا آخر شهد فيه جاز، وإن شهد شاهدان في ذكر حق، لم يجز أن يعدل أحدهما الآخر. قال: وإن شهد العدول على شهادة رجل، ثم شك المنقول عنه (¬9) بعد طول زمان، أو أنكرهما (¬10) لم تجز شهادته، إلا أن يكون قد ¬

_ (¬1) في (ت)، (ر): (جيء). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 385. (¬3) قوله: (إنما) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (آخر) ساقط من (ر). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 385. (¬6) في (ف)، (ر): (عليهما). (¬7) في (ف): (نقلهما). (¬8) قوله: (لتمضي شهادته) في (ر): (يقضي بشهادته). (¬9) في (ر): (عنهم). (¬10) في (ر)، (ت): (أنكرها).

صار ذلك (¬1) إقرارًا على نفسه، أو آل (¬2) إلى أن (¬3) يجر إلى نفسه (¬4) بجحوده منفعة (¬5). وقد اختلف في هذا الأصل، فقيل فيمن حدث بحديث ثم نسيه، يجوز أن يسمع ممن كان سمعه، وإن كان (¬6) يرويه الأول عمن كان سمعه منه، وليس النقل بتعديل للمنقول عنهم؛ لأنهم إنا نقلوا (¬7) لفظًا سمعوه، ومجرد النقل (¬8) لا يقتضي تعديلًا، ولا ينبغي أن ينقل عن مجرح، خوف أن يخطئ الحاكم، أو يدلس عليه فيحكم به، ولا بأس (¬9) بالنقل عمن لا يعلمه بجرح ولا تعديل، وبقية ما يتعلق بهذا الفصل مذكور في كتاب الرجم. واختلف في نقل النساء، فقال ابن القاسم: يجوز نقلهن فيما تجوز فيه شهادتهن، فينقل رجل وامرأتان عن رجلين شهدا بال، فتكون الشهادة قد تمت، وعن رجل وامرأتين، فيحلف المشهود له على شهادة المنقول عن (¬10) وعن امرأة فتكون ربع شهادة، وعن رجل أو امرأتين شهدتا على طلاق أو عتق أو قتل، فيحلف الزوج أو السيد ويقسم الأولياء، ولا يصح نقل امرأتين ¬

_ (¬1) قوله: (ذلك) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (آل) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (أن) ساقط من (ف) و (ر). (¬4) قوله: (إلى نفسه) ساقط من (ر). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 385. (¬6) قوله: (كان) زيادة من (ف). (¬7) قوله: (نقلوا) ساقط من (ر). (¬8) في (ر): (القول). (¬9) قوله: (بأس) ساقط من (ر). (¬10) في (ت): (له).

شهدتا (¬1) بانفرادهما (¬2) في شيء من ذلك، كما لا يجوز نقل رجل عن رجل (¬3) ولا عن امرأتين (¬4). واختلف في نقل امرأتين عن امرأتين، شهدتا على ولادة أو استهلال. فقال أصبغ: يجوز نقلهما بانفرادهما قياسًا على الشهادة في ذلك الأصل (¬5). وقال ابن القاسم: لا يجوز في ذلك إلا رجل وامرأتان (¬6)، ولا يجوز نقل أربع نسوة، وهو أصوب؛ لأن الأول أجيز للضرورة، لما كان لا يحضره غيرهن، ولا ضرورة في النقل ولا في الاقتصار عليهن. وقال أشهب وعبد الملك: لا يجوز (¬7) نقلهن للشهادة بحال، لا في مال ولا في غيره، ولا تجوز إلا حيث تجوز شاهد (¬8) ويمين، والنقل لا يجوز ذلك فيه (¬9). ¬

_ (¬1) قوله: (شهدتا) زيادة من (ر). (¬2) قوله: (بانفرادهما) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (رجل) ساقط من (ف)، (ت). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 24. (¬5) في (ت): (الأجل). (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 10/ 53. (¬7) قوله: (لا يجوز) ساقط من (ر). (¬8) في (ف): (شهادة). (¬9) انظر: المنتقى: 7/ 194.

باب في اختلاف الشهادة في المال والطلاق والعتق والقتل

باب في اختلاف الشهادة في المال والطلاق والعتق والقتل وقال مالك -فيمن أقام شاهدًا بمائة دينار (¬1)، وشاهدًا بخمسين، فإن شاء أخذ مائة بيمين، وإن شاء أخذ (¬2) خمسين بغير يمين (¬3)، ولم يبين الشهادة عن مجلس أو مجلسين. وقد اختلف إذا كانتا عن مجلس (¬4) بلفظ واحد، وقام المشهود له بالشهادتين (¬5)، والمدعى عليه منكر لهما. فقيل: الشهادة ماضية حسبما تقدم، وكان شاهد المائة شهد بخمسين مرتين (¬6). وقيل: الشهادتان ساقطتان. وهو أحسن، وقد كذب كل واحد منهما صاحبه، واللفظ بمائة غير اللفظ بخمسين. وإن قام (¬7) الطالب (¬8) بشاهد المائة، حلف معه واستحق، وإن كان الآخر أعدل. وقد (¬9) سقط شاهد الخمسين، لاتفاق الطالب والمطلوب على كذبه. وإن قام المطلوب بشاهد الخمسن، نظر إلى أعدل الشاهدين، فان كان شاهد المائة أعدل، حلف معه الطالب واستحق، وإن كان الآخر أعدل، حلف معه المطلوب وبرئ. وقيل: يحكم بشاهد الطالب وإن كان الآخر أعدل، وليس ¬

_ (¬1) قوله: (دينار) ساقط من (ف)، (ر). (¬2) قوله: (وإن شاء أخذ) في (ف): (أو). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 29. (¬4) قوله: (أو مجلسين. . . عن مجلس) ساقط من (ف)، (ر). (¬5) في (ر): (بالشاهدين). (¬6) قوله: (مرتين) ساقط من (ر). (¬7) في (ت): (قال). (¬8) قوله: (الطالب) ساقط من (ر). (¬9) قوله: (وقد) ساقط من (ف).

بالبين (¬1) والأول أحسن؛ لأن المطلوب يقول هذا شاهدي أعدل من شاهدك، يشهد أني لم أقر إلا بخمسين. واختلف إذا كانت الشهادة عن مجلسين، وقال المشهود له هو مال واحد، والمدعى عليه ينكر الجميع. فقال ابن القاسم: لا يستحق من ذلك شيئًا إلا بيمين، وقال محمد: له أن يأخذ أقلهما بغير يمين، ويحلف المطلوب على الزائد (¬2). والأول أصوب؛ لأن المطلوب يقول ليس لك أن تضم الشهادتين، وتأخذ خمسين ثم أحلف على تكذيب شاهد المائة، وإذا حلفت على تكذيبه بطل جميع شهادته، فإن أحب حلف (¬3) مع شاهد المائة وأخذها (¬4)، ويستغني عن شاهد الخمسين، وإن أحب أن يحلف مع شاهد الخمسين ويرد اليمين في شاهد المائة، فإن حلف برئ وإن نكل غرم خمسين؛ لأن الطالب لم يدع إلا مائة وقد أخذ خمسين، فإن أحب أخذ خمسين بغير يمين مائة (¬5)، ثم لا يكون له على الطالب شي، وإن زعم الطالب أنهما مالان، حلف مع كل شاهد (¬6) واستحق مائة وخمسين، إلا أن يقول الطالب (¬7) بالشهادتين، ويقول الخمسون من المائة ويعدم التواريخ، أو يعلم أنه أقر بخمسين قبل المائة، ويكون القول قوله مع يمينه، إذا قال (¬8) استدنت منه خمسين فأشهدت له بها، ثم خمسين فأشهدت ¬

_ (¬1) قوله: (وليس بالبين) زيادة من (ر)، (ت). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 82. (¬3) قوله: (حلف) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (وأخذها) ساقط من (ف). (¬5) ما بين المعكوفتين ساقط من (ف). (¬6) قوله: (فإن أحب. . . مع كل شاهد) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (يقول الطالب) في (ف)، (ر): (يقر المطلوب). (¬8) قوله: (قال) ساقط من (ر).

بمائة، فإن علم أن الإشهاد بمائة متقدم لم يقبل قوله، وكان القول قول الطالب أنهما مالان، وإن شهد كل واحد بمائة عن مجلسين، وقال الطالب هما مائتان، وقال المطلوب هي (¬1) مائة، فظاهر قول ابن القاسم أن القول قول الطالب. وقال أصبغ: إن كانتا بكتابين فالقول قول الطالب. وكذلك إن كان إقرارا بغير كتاب، وتقارب ما بينهما (¬2). واختلف (¬3) إذا شهد ستة (¬4) عن مجالس، كل اثنين (¬5) بطلقة، وقال الزوج هي واحدة كنت أشهدت بها. فقال ابن القاسم: هي ثلاث ولا ينفعه ذلك، وقاسه بالسلف (¬6) أنه يغرم ثلاث مائة (¬7). قال أصبغ: يعني إذا شهد له بمائة، ثم بمائة (¬8)، ثم بمائة في مجالس (¬9). وقال أصبغ: إن كان يقول اشهدوا أني طلقتها، دين، وإن كان يقول اشهدوا أنها طالق لم تنفعه نيت (¬10). وقال مالك -في "مختصر ما ليس في (¬11) المختصر"، فيمن لقي رجلًا فقال (¬12) أشهد أن امرأتي طالق، ثم لقي آخر فقال: أشهد أن امرأتي طالق، ثم ¬

_ (¬1) قوله: (هي) زيادة من (ر). (¬2) هنا يبدأ فصل جديد في (ر) فقط، وتلتقي النسخ جميعها في الابتداء في الفصل القادم. (¬3) في (ر): (فصل). (¬4) قوله: (شهد ستة) في (ر): (شهدت بينة). (¬5) قوله: (كل اثنين) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (بالسلف) ساقط من (ر). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 176. (¬8) قوله: (ثم بمائة) ساقط من (ت). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 176. (¬10) قوله: (نيته) ساقط من (ر). انظر: النوادر والزيادات: 5/ 176. (¬11) قوله: (مختصر ما ليس في) ساقط من (ت). (¬12) قوله: (فقال) ساقط من (ر).

فصل [فيمن شهد عليه بالطلاق والعتق في كلمة واحدة هل تمضي الشهادتان أو لا]

لقي ثالثًا (¬1) فقال له مثل ذلك، وقال أردت واحدة، أحلف ودين. وهو أصوب؛ لأن معنى قوله (¬2) طالق أنها صارت (¬3) ذات طلاق، فهو لفظ يراد به الإخبار عن الماضي والإيقاع الآن، إلا أن يتباعد ما بين تلك الشهادات. فصل [فيمن شُهد عليه بالطلاق والعتق في كلمة واحدة هل تمضي الشهادتان أو لا] واختلف فيمن شهد عليه شاهدان، أنه قال امرأتي (¬4) طالق، وشاهدان أنه قال عبدي حر، وكان ذلك عن كلمة واحدة، والزوج منكر للجميع، هل تسقط الشهادتان أو (¬5) يقضى بهما بالعتق والطلاق؛ لأن الشهادتين تتضمن الحق لاثنين الزوجة والعبد؟ وكل واحد يقوم بما شهد له به، بخلاف أن تكون الشهادة لواحد، فلا يصح أن يقوم بجميعها؛ لأن بعضها يكذب بعضًا، والزوجة ها هنا تقوم بالطلاق، وتقول لا تضرني الشهادة بالعتق؛ لأني والزوج متفقان على تكذيبهما (¬6)، والعبد يقوم بالعتق ويقول لا تضرني الشهادة بالطلاق لأني والسيد متفقان على تكذيبهما (¬7)، فيصح أن يقوم كل واحد ببينته، وإن كذبت الزوجة من شهد بالطلاق، وكذب العبد من شهد بالعتق، لم يحكم ¬

_ (¬1) في (ت): (آخر). (¬2) قوله: (قوله) ساقط من (ف)، (ر). (¬3) قوله: (صارت) ساقط من (ر). (¬4) في (ت، ح): (امرأته). (¬5) قوله: (تسقط الشهادتان أو) ساقط من (ر). (¬6) في (ت): (تكذيبها). (¬7) في (ت): (تكذيبها).

فصل [في شاهدين شهد أحدهما بالقتل والثاني بالذبح هل تمضي شهادتهما أو لا؟]

بطلاق ولا بعتق؛ لأن القيام على المشهود عليه (¬1)، يصير حينئذ حق (¬2) لله خاصة، وإذا عاد الحق لواحد لم يصح أن يقوم بهما، مع كون بعضهما يكذب بعضًا، وهذا مع تساوي العدالة، وإن كان بعضها أعدل قيم لله سبحانه بالأعدل، فإن صح (¬3) صدق الزوج الأعدل، والزوجة والعبد يقولان لا علم عندنا، ولم يقوما بشيء قضي بالتي صدق (¬4)، وإن صدق الأخرى قضي بالشهادتين، فيقضى بالأعدل لحق الله تعالى والأخرى بإقراره، وإن صدق الأعدل وهي التي شهدت بالطلاق، وقام العبد بشاهدي العتق، قضي بالعتق على القول أن بينة المدعي لا تكذب. فصل [في شاهدين شهد أحدهما بالقتل والثاني بالذبح هل تمضي شهادتهما أو لا؟] وإن شهد شاهد أن فلانًا ذبح فلانًا، وشهد (¬5) آخر أنه أحرقه بالنار (¬6)، والمشهود عليه منكر للشهادتين، فإن قام الأولياء بالشهادتين بطل الدم، وإن قاموا بإحداهما أقسموا معه واقتضوا (¬7)، وسقطت شهادة الآخر، لاجتماع ¬

_ (¬1) قوله: (عليه) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (حق) زيادة من (ف). (¬3) قوله: (صح) ساقط من (ف)، (ر). (¬4) قوله: (صدق) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (شهد) زيادة من (ف). (¬6) قوله: (بالنار) زيادة من (ر). (¬7) في (ف): (واقتصوا).

الأولياء والقاتل على تكذيبه، فإن اعترف القاتل بالذبح، وقام (¬1) الأولياء بشاهد (¬2) الحرق، فإن كان هو الأعدل، أقسموا معه (¬3) وأحرقوا، وإن كان الآخر أعدل، حلف معه القاتل وقتل ذبحا بغير حرق. ¬

_ (¬1) في (ت): (وقال). (¬2) في (ر): (بشهادة). (¬3) قوله: (معه) ساقط من (ر).

باب فيمن شهد بحق لنفسه ولغيره، والشهود يشهد بعضهم لبعض، ومن شهد على رجل في مال في يديه أنه أقر أنه لفلان

باب فيمن شهد بحق لنفسه ولغيره، والشهود يشهد بعضهم لبعض، ومن شهد على رجل في مال في يديه أنه أقر أنه لفلان اختلف فيمن شهد في وصية لنفسه ولغيره، فقيل: يبطل جميعها؛ لأنه إذا اتهم في بعضها رد جميعها. وقيل: يسقط ما يخصه منها، ويمضي ما يخص غيره. وقيل: إن كان الذي يخصه يسيرًا مضت له و (¬1) لغيره، وإن كان له قدر وبال (¬2) رد جميعها. وقال مالك -في المبسوط-: إذا شهد الموصى له جازت شهادته لغيره، يحلفون معه ويستحقون، وإن شهد معه آخر جازت شهادتهما لأهل الوصايا، وحلف هو (¬3) مع الشاهد الآخر واستحق، ولم يفرق بين يسير (¬4) ولا كثير. وذكر الشيخ أبو القاسم (¬5) ابن الجلاب عن مالك في ذلك قولين (¬6). وقال مطرف وابن الماجشون -في كتاب ابن حبيب-: إن لم يشهد في (¬7) الوصية، إلا رجلان أوصى لهما فيها بشيء وفيها عتق وديون، فإن كان أشهدهما لفظًا نسقًا أو مفترقًا، فشهدا بذلك عند الإمام، أو وضعاها في كتاب ولم يعلم الميت، طرح ما شهدا به لأنفسهما بالغًا ما بلغ، وأمضى ما شهدا به لغيرهما، وإن ¬

_ (¬1) قوله: (له و) ساقط من (ف)، (ت). (¬2) قوله: (وبال) زيادة من (ر). (¬3) قوله: (هو) ساقطة من (ر). (¬4) في (ر): (قليل). (¬5) قوله: (الشيخ أبو القاسم) زيادة من (ف). (¬6) انظر: المعونة: 2/ 424. (¬7) قوله: (في) ساقط من (ت).

أشهدهما في كتاب أوقعا فيه شهادتهما، فشهدا بعد موته، لم تجز إذا كان ما أوصى به لهما، له بال (¬1). واختلف إذا شهدا بدين ولهما فيه يسير، هل تبطل جميع الشهادة، أو تمضي للأجنبي. فقال -في (¬2) كتاب محمد-: تمضي (¬3). وقال مالك (¬4) -في المدونة فيمن شهد في ذكر حق (¬5) له فيه شيء-: لم تجز له ولا لغيره (¬6). قال في المجموعة: لأن أحدهما لا يأخذ منه شيئًا، إلا دخل عليه صاحبه. قال: ولو اقتسما قبل الشهادة جازت شهادته. فعلى هذا تجوز شهادته (¬7) في الوصية لغيره، وإن كثر ما يخصه منها إذا كانت الوصية بمعين (¬8)، مثل أن يوصي له بعبد ولآخر بثوب أو بدار؛ لأنه لا يدخل أحدهما على الآخر، وهي كشهادتين فلا ترد شهادته للأجنبي، وإن قال أنا أعلم أن شهادتي فيما تتضمنه لي لا تجوز، وإنما أقصد بأداء الشهادة الأجنبي (¬9)، وذكرت ما أوصى لي (¬10) به، لأؤدي ¬

_ (¬1) قوله: (بال) في (ر) (قدر وبال). انظر: النوادر والزيادات: 8/ 329 - 330. (¬2) في (ر): (ففي). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 327. (¬4) قوله: (مالك) ساقط من (ت). (¬5) قوله: (حق) ساقط من (ر). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 328: وفيه قال مالك: وإذا شهد في وصية له فيها شيء ولغيره، ومعه من ليس له فيها شيء فشهد، فإن كان ما للشاهد فيها يسيرًا لا يتهم فيه. جازت له ولغيره ولا يمين عليه مع الشاهد الآخر، وإن كان شيئًا له بال لغيره، وقد كنت أرى ألا تجوز في قليل ولا كثير، ثم رأيت هذا. (¬7) قوله: (فعلى هذا تجوز شهادته) ساقط من (ت). (¬8) في (ر)،: (باليسير)، وفي (ت): (بالشيئين). (¬9) في (ر)، (ت): (للأجنبي). (¬10) في (ف): (له).

المجلس حسبما كان، ليس لأنهما (¬1) تنفعني (¬2)، كان ذلك أبين أن لا ترد للأجنبي. وقول مطرف وابن الماجشون أنها تجوز فيما لا يخصه، وإن كثر ما وصى له به منها أحسن (¬3)، إلا أنه لا فرق بين أن يكون ذلك في كتاب، أو لفظ من غير كتاب، وإن كان جميع الوصية بعبد أو دار، رد جميعها لأنه لا يخص (¬4) الأجنبي شيء إلا دخل عليه الشاهد فيه. وقال يحيى بن سعيد إذا شهد لنفسه ولغيره، ومعه شاهد آخر جازت شهادته له ولغيره (¬5). قال سحنون: يريد أنه يأخذ ذلك لنفسه بغير يمين، وهذا قول مخالف للأصول، وليس يأخذ أحد لنفسه بشهادته (¬6). وقال أصبغ -في العتبية في رجلين شهدا على وصية، شهد كل واحد لصاحبه-: فإن كانت على كتاب واحد بطلت الشهادة، وإن كانت بغير كتاب جازت، وحلف كل واحد مع شهادة الآخر (¬7). وقال مطرف وابن الماجشون -في كتاب ابن حبيب، في الشهود يشهد بعضهم لبعض-: إن كان ذلك كله على رجل واحد، وفي مجلس واحد (¬8)، لم تجز الشهادة (¬9)، وان كانت شيئًا بعد ¬

_ (¬1) في (ف): (ليس لا أنها)، وفي (ر): (ليس لأنها). (¬2) في (ت): (تعطي). (¬3) في (ف): (حسن). (¬4) في (ت): (يخلص)، وفي (ر): (تحاص). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 30، والنوادر والزيادات: 8/ 329. (¬6) قوله: (بغير يمين. . . لنفسه بشهادته) ساقط من (ر). وانظر: النوادر والزيادات: 8/ 329. (¬7) انظر: البيان والتحصيل: 10/ 194، والنوادر والزيادات: 8/ 323. (¬8) قوله: (واحد) زيادة من (ر). (¬9) قوله: (الشهادة) زيادة من (ر).

فصل [فيمن شهد على رجل، في مال في يد الشاهد، أنه تصدق به على فلان]

شيء جاز جميعها، وإن تقارب ما بين الشهادتين، وإن كان على رجلين مفترقين جاز، كان (¬1) ذلك في مجلس أو مجلسين (¬2). وأرى أن يرد جميعها، وسواء كانت على رجل أو رجلين، في مجلس أو مجلسين (¬3)، لفظًا أو بكتاب؛ لأنهما يتهمان على أن تشهد لي وأشهد لك، إلا أن يطول ما بينهما. فصل [فيمن شهد على رجل، في مال في يد الشاهد، أنه تصدق به على فلان] وقال مالك (¬4) -فيمن شهد على رجل، في مال في يد الشاهد، أنه تصدق به على فلان- قال: إن كان فلان حاضرًا، جازت شهادته، وإن كان غائبًا لم تجز؛ لأنه يتهم أن يقر المال في يده (¬5). قال محمد في كتاب الإقرار: يسلم ذلك ولا يشهد، ولا ضمان عليه، فإن قدم الغائب شهد له (¬6)؛ لأنه إن شهد الآن فردت شهادته للتهمة لم تقبل بعد، فكان دفعه الآن أحسن للغائب. وأرى إن أتى الشاهد بالمال إلى الحاكم، فقال أوقفه حيث ترى (¬7) وأنا ¬

_ (¬1) قوله: (كان) ساقط من (ر). (¬2) في (ت): (مجالس شتى أو شيئًا بعد شيء). انظر: النوادر والزيادات: 8/ 322. (¬3) قوله: (وأرى أن يرد جميعها، وسواء كانت على رجل أو رجلين، في مجلس أو مجلسين) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (مالك) ساقط من (ر). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 31. (¬6) قوله: (له) ساقط من (ف) وفي (ر): (به). (¬7) قوله: (حيث ترى) في (ر): (حتى ترى).

أشهد، أن تقبل شهادته ويكاتب المشهود له، إلا أن تبعد الغيبة فيحلف صاحبه للغائب ويأخذه، فإن قدم الغائب حلف واسترجعه، ولو كانت الشهادة بما لا يتهم المودع في الانتفاع ببقائه في يديه، كالثوب وما أشبهه، لقبلت شهادته وكوتب الغائب؛ لأن العدل لا يتهم في مثل هذا، وقد يتسلف الدنانير والدراهم.

باب في الشهادة على السماع

باب في الشهادة على السماع الشهادة على السماع ثلاثة (¬1): على حاضر، أو غائب، أو ما (¬2) قدم زمانه. فإن شهد على حاضر فقال مررت به فسمعته أقر بكذا، أو طلق زوجته، أو افترى على فلان، قبلت شهادته إذا استوعب ذلك الكلام أوله وآخره. وقال ابن القاسم: لأن الذي سمع لعله كان (¬3) قبله أو بعده كلام يبطله، قال: وقول مالك (¬4) الأول، فيمن مر برجلين يتكلمان في الشيء ولم يشهداه (¬5)، فيدعوه أحدهما إلى الشهادة قال: (¬6) فلا (¬7) يشهد (¬8)، وليس العمل على هذا. وقال مالك -في كتاب محمد-: إذا شهدا على رجل من وراء حجاب أقعدا له، فإن كان ضعيفًا أو مختدعًا أو خائفًا، لم يثبت ذلك عليه، ويحلف أنه ما أقر إلا (¬9) بالذي يذكر وإلا لزمه، ولعله يقر خاليًا ولا يقر عند من يشهد عليه (¬10). واختلف إذا جلس رجلان للمحاسبة، وأجلسا رجلًا معهما على أن لا ¬

_ (¬1) قوله: (الشهادة على السماع ثلاثة) في (ت): (الشهادة على ثلاثة أوجه). (¬2) قوله: (ما) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (كان) زيادة من (ر). (¬4) قوله: (مالك) ساقط من (ر). (¬5) في (ف)، (ر): (يستشهداه). (¬6) قوله: (قال:) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (فلا) ساقط من (ف). (¬8) انظر: المدونة: 4/ 3 - 4. (¬9) في (ر): (به). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 258.

يشهد (¬1) بينهما هل يشهد؟ وتجوز شهادته (¬2) وأن تجوز الشهادة في كل هذا أصوب، وليست هذه شهادة سماع، ولا يحتاج في هذا إلى إذن، وإن سمع رجلان رجلا يقول، أنا أشهد على فلان بكذا، لم تقع (¬3)، لإمكان أن يكون لو علم أنها تنقل عنه، لقيدها (¬4) وزاد فيها (¬5) أو نقص، إلا أن يقول انقلا عني. وقال ابن القاسم -فيمن أثبت شاهدين عند قاض، ثم عزل فأنكر المشهود عليه أن يكونا شهدا عند القاضي، فشهد شاهدان أنهما شهدا به عند المعزول- قال: فهي شهادة ينتفع بها (¬6). ولأشهب في كتاب محمد: أنها ليست بشهادة ورآها شهادة سماع. وقال محمد -فيمن جلس إلى قوم، أو مر بهم فسمع رجلًا يقول لقوم، اشهدوا على شهادتي أني أشهد أن لفلان على فلان كذا وكذا-: فلا يشهد بها (¬7). وليس قوله هذا بالبين ولا فرق بين أن ينقل تلك الشهادة المأمورون (¬8) بها أو هذا. ¬

_ (¬1) قوله: (أن لا يشهد) في (ف): (الإشهاد). (¬2) قوله: (وتجوز شهادته) ساقط من (ت)، (ر). (¬3) في (ف)، (ر): (تنفع). (¬4) في (ت)، (ر): (لغيرها). (¬5) قوله: (فيها) ساقط من (ف). (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 10/ 94. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 384، 9/ 203. (¬8) في (ف)، (ر): (المأمور).

فصل [في الشهادة على السماع في الغائب أنه مات أو في الزواج]

فصل [في الشهادة على السماع في الغائب أنه مات أو في الزواج] وإن كان السماع عن (¬1) غائب، سمعوا ها هنا أن فلانًا مات ببلد كذا، أو قتل، أو أخذه العدو. فإن كان سماعًا مستفيضًا، ووقع به العلم، لكثرة عدد الطارئين، حكم بها ولا يقتصر في ذلك على شاهدين، دون أن يكشف ذلك من غيرهما، فإن لم يوجد علم ذلك، لم تقبل شهادتهما؛ لأن الأمر المستفيض المنتشر، لا يصح ألا يوجد (¬2) علمه في البلد الذي استفاض فيه إلا عند اثنين، وإن كانا طارئين شهدا على استفاضة بالبلد الذي (¬3) قدما منه قبلت شهادتهما (¬4) إلا أن يقدم (¬5) عدول غيرهما فيسألوا، و (¬6) لا يقتصر على اثنين، إلا أن يختلف مقامهم بذلك البلد، أو يكون الموت قبل حضور هؤلاء الآخرين الذين لا علم عندهم، قيل لسحنون: أيشهد على النكاح على السماع فقال: جل أصحابنا يقولون في النكاح، إذا انتشر خبره في الجيران، أن فلانًا تزوج فلانة ويسمع الزفاف، فله أن يشهد أنها زوجة. وكذلك في الوت يسمع النياحة، ويشهد الجنازة أو لا يشهدها، إلا أن القول كثر من الناس أنا شهدنا جنازة فلان، فليشهد أن فلانًا قد مات وإن لم يشهد الموت. ¬

_ (¬1) في (ر): (على). (¬2) في (ر): (بوجود). (¬3) قوله: (استفاض فيه إلا عند اثنين، وإن كانا طارئين شهدا على استفاضة بالبلد الذي) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (شهادتهما) زيادة من (ف). (¬5) في (ر): (يكون تقدم). (¬6) قوله: (و) ساقط من (ر).

فصل [في الشهادة على السماع في الرباع والنسب والولاء شروط جواز الشهادة على السماع المعتبر]

وكذلك القاضي يولى ولا يحضر ولايته، إلا بما سمع من الناس، فكل هذا تجوز الشهادة فيه على السماع، إذا وقع العلم وإن لم يطل العلم. قال محمد بن عبد الحكم: ويجوز أن يشهد على امرأة أنها زوجة فلان، إذا كان يحوزها بالنكاح، وإن كان تزويجه إياها قبل أن يولد، كما يشهد أن هذا ابن لها (¬1). فصل [في الشهادة على السماع في الرباع والنسب والولاء شروط جواز الشهادة على السماع المعتبر] وتجوز شهادة السماع في الرباع، سمعوا فيما قدم وإن لم يقع بها (¬2) العلم، وهي على ثلاثة أوجه: يبقى بها ما (¬3) في اليد. ولا ينتزع بها ما عليه يد (¬4). واختلف هل يؤخذ بها ما ليس عليه يد. قال محمد: ولا تجوز في ذكر (¬5) الحقوق ولا في الودائع (¬6). قال الشيخ - رضي الله عنه -: وتجوز في الديار والأرضين لمن هي في يديه، إذا قالوا لم نزل نسمع أن هذا أو أباه أو جده، اشتراها من أب هذا القادم (¬7)، أو من جده. فيسقط قيام (¬8) هذا فيها وإن كان حوزها في غيبته. وإن كان خرابا لا يد عليه، ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 379. (¬2) في (ف): (فيها). (¬3) قوله: (ما) زيادة من (ف). (¬4) قوله: (يد) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (ذكر) ساقط من (ر). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 377. (¬7) في (ف): (القائم). (¬8) قوله: (قيام) ساقط من (ر).

أو شيئًا من عفو من الأرض (¬1)، قضي به (¬2) لمن شهد له به على السماع بعد يمينه على قول ابن القاسم، وبغير يمين (¬3) على قول أشهب كالشهادة على السماع في الولاء والنسب. وكذلك الشهادة على الحبس تصح لمن ذلك الربع (¬4) في يديه. ولا ينتزع بها (¬5) من يد ويؤخذ بها ما ليس عليه يد. واختلف في الولاء والنسب، إذا شهدوا أن هذا الميت مولى هذا أو ابنه، لا يعلمون له وارثًا غيره (¬6)، أو شهد شاهد واحد بمثل (¬7) ذلك. فقال مالك: لا أرى للإمام أن يعجل في ذلك، فإن لم يأت أحد يستحق ذلك، وإلا (¬8) قضي به لهذا مع اليمين (¬9). وقال ابن القاسم: يقضي له بذلك المال دون الولاء، ولا يقضى له به في (¬10) مال آخر، إلا بعد يمينه (¬11). وقال أشهب: يقضي بشهادة السماع، في المال والولاء والنسب، ولا يقضى بشهادة (¬12) الشاهد الواحد في مال ولا ولاء، إلا أن يكون سماعًا منتشرًا يقع به العلم (¬13). ¬

_ (¬1) قوله: (من الأرض) في (ف): (الأرضين). (¬2) في (ر): (له بها). (¬3) في (ر): (مال). (¬4) قوله: (الربع) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (بها) ساقط من (ر). (¬6) في (ف): (سواه). (¬7) قوله: (واحد بمثل) ساقط من (ف). (¬8) قوله: (يستحق ذلك، وإلا) ساقط من (ت). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 380. (¬10) قوله: (به في) في (ر): في ذلك في). (¬11) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 380. (¬12) قوله: (بشهادة) زيادة من (ر). (¬13) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 380.

قال ابن القاسم: مثل قول (¬1) نافع مولى ابن عمر، فيجر المال والولاء، قيل له فنشهد أنك ابن القاسم ولا نعلم ذلك إلا بالسماع. قال: نعم (¬2) يقطع بهذه الشهادة ويقطع بالنسب (¬3). قال ابن القاسم في هذا الأصل إذا شهد رجلان (¬4)، شيخان قديمان قد أدركا الناس، وباد ذلك القرن أنهما سمعا أن هذه الدار حبس، جازت شهادتهما. قيل له: فالرجلان يشهدان وفي القبيل رجال من أسنانهما لا يعرفون شيئًا من ذلك. قال: فلا تقبل شهادتهما إلا بأمر يفشو، ويكون عليه شهود أكثر من اثنين (¬5). واختلف هل من شرط جواز (¬6) شهادة السماع أن يسمعا من عدول. فقال ابن القاسم -في المدونة-: إذا شهدوا على السماع أنها حبس، ولم يشهدوا على قوم أنهم (¬7) أشهدوهم على السماع (¬8)، ولا على قوم بأعيانهم، إلا أنهم قالوا بلغنا أنها حبس فذلك جائز. قال: وإنما سألنا مالكًا عن السماع، ولم نسأله عن شهادة قوم عدول أشهدوهم، ولو أشهدوهم (¬9) لم يكن سماعًا وكانت شهادة (¬10). قال: وسئل مالك عن دار لم يزالوا يسمعون أنها حبس، ولم يزل الناس يعرفون ¬

_ (¬1) قوله: (قول) ساقط من (ف)، (ر). (¬2) في (ر): (نعلم). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 379. (¬4) قوله: (رجلان) ساقط من (ر). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 378. (¬6) قوله: (جواز) ساقط من (ف)، (ر). (¬7) قوله: (أنهم) ساقط من (ر). (¬8) قوله: (على السماع) ساقط من (ت)، (ر). (¬9) قوله: (ولو أشهدوهم) ساقط من (ت). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 33.

الرجل من ولده يهلك، ولا ترث امرأته من الدار شيئًا، وتهلك ابنته ولها زوج وولدها (¬1)، فلا يرث زوجها ولا وولدها من الدار شيئًا (¬2)، ولا يشهدون على أصل الحبس بعينه (¬3). قال مالك: أراها حبسا ثابتًا (¬4). قال محمد: قلت: فإن قالت البينة في شهادة السماع، أن قالوا (¬5) لم نزل نسمع ولا نعرف ممن سمعنا. قال: قد قيل لا ينتفع بذلك، حتى يعرفوا أن الذين كانوا يسمعون منهم عدولًا. قال عبد الملك: ولا تجوز شهادة السماع (¬6) من غير أهل العدل، من سامعين أو مسموعين أن دار فلان لفلان الغائب. قال الشيخ - رضي الله عنه -: وهذا انتزل بالسماع فاحتيج إلى العدالة؛ لأن الشهادة للغائب بالدار لينتزعها (¬7)، وللحاضر بالحوز لتبقى في يديه، فإذا كانت لينتزع بها طلب بالعدالة قولًا واحدًا، وإنما الاختلاف إذا كانت ليقر بها في اليد. وكذلك إذا كانت ليأخذ بها ما ليس عليه يد. وقال مالك (¬8) -فيمن أقر لقوم أن أباهم كان أسلفه مالًا وقضاه والدهم (¬9) -: القول قوله فيما طال زمانه، وإن ¬

_ (¬1) قوله: (وولدها) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (وتهلك ابنته ولها زوج وولدها، فلا يرث زوجها ولا وولدها من الدار شيئًا) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (بعينه) ساقط من (ف). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 33. (¬5) قوله: (أن قالوا) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (شهادة السماع) زيادة من (ر). (¬7) في (ر): (ينتزعها). (¬8) في (ر): (محمد). (¬9) قوله: (والدهم) ساقط من (ت).

قرب لم يقبل قوله. يريد فيما بعد وادعى بعد القضاء، ولو ادعى (¬1) أن القضاء تراخى إلى قرب موته لم يقبل قوله. والإقرار على أربعة أوجه: في مخاصمة، وفي غير مخاصمة على (¬2) الحديث، أو الشكر، أو الذم. فإن كان في مخاصمة لم يقبل قوله (¬3) فيما قرب، ويقبل قوله (¬4) فيما بعد إذا كان الأشبه (¬5)، أنه لا يتراخى القضاء إلى ذلك الوقت، إلا أن يقر أن القضاء تراخى، وأنه قضاه (¬6) قرب مخاصمتهما، فلا يقبل قوله. وإن اختلفا فقال المطلوب كانت المداينة من (¬7) مدة (¬8) كذا لمدة بعيدة. وقال الطالب: غيره كان القول قول الطالب، على قول ابن القاسم؛ لأنه مقر بالدين مدعٍ لمدة تسقطه (¬9) عنه (¬10). وعلى قول أشهب القول قول المطلوب في المدة، ولا يؤخذ بغير ما أقر به. وكذلك إن كان إقراره على وجه الحديث، كان القول قول المطلوب فيما بعد، وقول الطالب فيما قرب. واختلف إذا كان على وجه الشكر، أو الذم في غير مخاصمة. فقال ¬

_ (¬1) قوله: (ولو ادعى) في (ت): (ولو أقر). (¬2) في (ف): (وعلى). (¬3) قوله: (قوله) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (قوله) زيادة من (ت). (¬5) في (ت): (لا يشبه). (¬6) في (ر): (قضى عن). (¬7) قوله: (من) ساقط من (ف)، وفي (ر): (في). (¬8) قوله: (مدة) ساقط من (ت). (¬9) في (ر): (سقوطه)، وفي (ت): (تسقط). (¬10) في (ت): (عينه).

مالك (¬1): إذا كان على وجه الشكر أو الذم (¬2)، فالقول قول المقر في {القضاء وإن قرب. وقال ابن الماجشون -في كتاب ابن حبيب، فيمن قال لقوم أسلفني فلان مائة دينار (¬3) وقضيته إياها-: فهو مصدق، ولو قال ذلك عند السلطان لم يصدق. قال (¬4): والفرق بينهما أن ما جره الحديث، على وجه الشكر أو الذم لا يؤخذ به. قاله مطرف: وذكر أصبغ عن ابن القاسم: إذا كان على وجه الشكر، وأقر لحي صدق وإن قرب، وإن أقر لميت كان القول قوله فيما طال، وإن قرب لم يصدق؛ لأن الميت لعل عنده وثيقة بحقه. ولم يصدقه سحنون فيما كان على وجه الذم بخلاف الشكر. واتفق مالك وابن القاسم (¬5) ومطرف وابن الماجشون وأصبغ: أنه مصدق فيما كان على وجه الشكر وإن قرب، وكذلك ما كان على وجه الذم، ولا فرق بينهما؛ لأن كل ذلك ليس على وجه الإقرار بشيء في الذمة. وقال ابن القاسم -في العتبية فيمن قال لرجل، قضيتني مائة دينار من مائتين لي عندك (¬6)، وقال الآخر: المائة (¬7) سلف أو وديعة-: كان القول قول الدافع مع يمينه. وقال -فيمن قال لرجل أشهد أني قبضت من فلان مائة دينار، كانت لي ¬

_ (¬1) قوله: (إذا كان على وجه الشكر، أو الذم في غير مخاصمة. فقال مالك) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (أو الذم) زيادة من (ر). (¬3) قوله: (دينًار) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (لم يصدق. قال) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (وابن القاسم) ساقط من (ر). (¬6) في (ت): (عليك). (¬7) قوله: (المائة) ساقط من (ت).

عليه فأحسن قضائي جزاه الله خيرًا. وقال الآخر: أسلفتها لك ومالك عندي شيء-: فالقول قول الذي قال أسلفتك، إلا أن يأتي الآخر ببينة أنه كان يتقاضاه في دين. وعلى أصل قول (¬1) ابن القاسم المتقدم، يجب أن يقبل (¬2) قول القابض؛ لأنه على وجه الشكر. وقال ابن سحنون -فيمن قال قبضت هذه الألف درهم من فلان، كانت لي عليه دينًا أو وديعة، وقال الآخر دفعتها إليك سلفًا ولا شيء لك عندي- فقال (¬3): قد قيل إن القول قول الدافع، ويحلف ويأخذها. وقيل: القول قول القابض إذا أشبه ما قال في مداينة مثله، وقاله أكثر أصحابنا. وقاله سحنون. وأرى إن كان ذلك في مخاصمة، أن يكون القول قول القابض، إذا كان هو الذي أتى بالآخر ليطلب ما بقي له عنده، وإن كان الدافع هو الذي (¬4) أتى بالقابض (¬5) وادعى أنه سلف، كان القول قوله مع يمينه أنها سلف. ¬

_ (¬1) قوله: (قول) زيادة من (ر). (¬2) في (ت): (القول). (¬3) قوله: (فقال) ساقط من (ت). (¬4) قوله: (بالآخر ليطلب ما بقي له عنده، وان كان الدافع هو الذي) ساقط من (ر). (¬5) في (ر): (بها للقابض).

كتاب الشهادات الثاني

كتاب الشهادات الثاني (¬1) باب في الدعاوى والأيمان ومن ادعى قبل رجل دعوى فأنكره، لم يحلفه لمجرد الدعوى، إلا بما ينضاف إليها من خلطة (¬2) أو شبهة (¬3) أو دليل، وذلك يختلف باختلاف المدعى فيه. فأما الدين فاختلف فيه (¬4)، هل المدعى (¬5) فيما (¬6) يوجب اليمين الخلطة، أو دعوى الشبهة؟ وأما بياعات النقود والدعوى (¬7) في المعاملات (¬8)، والصناعات (¬9) والودائع والغصب والتعدي والجراح، فالمراعى (¬10) فيها دعوى الشبهة. واختلف في دعوى القتل، هل يقسم مع الإتيان (¬11) بما لا يشبه؟ مثل ¬

_ (¬1) في (ت) كتاب الدعوى، وقد بدأ الناسخ بها على هيئة ما يبدأ بالكتب الفقهية المتضمنة في السفر، ويبدو أنها من تصرف الناسخ، فقد جاء بآخره: (تم كتاب الشهادة. . .). (¬2) في (ر): (مخالطة). (¬3) في (ر): (شبهها). (¬4) قوله: (فيه) زيادة من (ر). (¬5) في (ر): (المراعى). (¬6) في (ت): (فيها). (¬7) في (ف): (والدعاوى). (¬8) في (ر)، (ت): (المعينات). (¬9) في (ت) و (ف): (والصناع). (¬10) في (ف): (فالمدعي). (¬11) في (ت): (الاثنين).

أن يرمي به رجلًا صالحًا، أو ادعى القتل على من لا يشبه (¬1). واختلف في الدين على أربعة أقوال: فقال ابن القاسم -في العتبية-: لا يحلف إلا أن يكون قد بايعه (¬2) بالنقد مرارًا، أو بالدين ولو مرة. يريد أن من داين رجلًا مرة، أشبه أن يداينه أخرى، ومن بايع رجلًا مرة أشبه أن يداينه أخرى ومن بايع رجلًا (¬3) بالنقد مرارًا، أشبه أن يأمنه ويبايعه إلى أجل. وقال ابن حبيب: الخلطة أن تكون بينهما مخالطة (¬4)، في حق لا يعرفون له انقضاء (¬5)، فإن انقضى ثم أتى بعد (¬6) يوم أو يومين يدعي عليه حقًا، لم يحلفه بالخلطة التي كانت. وقال القاضي (¬7) أبو محمد عبد الوهاب: من أصحابنا من قال: إنه (¬8) ينظر إلى الدعوى، فإن كانت مما يجوز أن يدعي مثلها على مثل (¬9) المدعى عليه أحلف. ومنهم من قال إذا كان المدعى عليه، يشبه أن يعامله هذا المدعي، فيما ادعى عليه أحلفه وإلا فلا. ومنع ابن القاسم اليمين، إلا بعد ثبات المعاملة (¬10) حماية؛ لأن الدعوى تسرع من كثير من الناس، والناس يهابون الأيمان مع صدقهم. وأجيز (¬11) في ¬

_ (¬1) في (ف)، (ر): (يشبه). (¬2) في (ف): (باعه). (¬3) قوله: (مرة أشبه أن يداينه أخرى ومن بايع رجلًا) ساقط من (ف)، (ر). (¬4) في (ر): (معاملة). (¬5) في (ف). (انقطاع). (¬6) في هذا الموضع في (ف) زيادة: (ذلك اليوم). (¬7) قوله: (القاضي) زيادة من (ف). (¬8) قوله: (إنه) زيادة من (ت). (¬9) قوله: (مثل) زيادة من (ر). (¬10) في (ر): (المعاوضة). (¬11) في (ر): (وأبين).

القول الآخر إذا ثبتت الشبهة؛ لأن كثيرًا يداين بغير بينة. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ أُعْطِيَ النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالهَمْ، وَلَكِنِ الْيَمِينُ عَلَى المُدَّعَى عَلَيْهِ" (¬1) أخرجه مسلم. فأثبت اليمين من غير مراعاة خلطة. وأرى إن كانت الدعوى من الرجل (¬2) الصالح، أو ممن يرى أنه لا يدعي باطلًا في الغالب، أن تراعى الشبهة. وإن كان ممن يظن به الدعاوى أن يثبت الخلطة. وتراعى الشبهة من ثلاثة أوجه: من جهة (¬3) المدعي، والمدعى عليه، والمدعى فيه. فإن أشبه أن يداين هذا المدعي (¬4) المدعى عليه بمثل، المدعى فيه قدره وجنسه أحلفه، وإن ادعى ما لا يشبه كسبه، أو يشبه كسبه (¬5) ولا يداين به مثل هذا، أو يداين به مثله في كثرته، ولا يشبه أن يتعامل المدعى عليه إلى أجل لم يحلف، وقد تكون مداينته مثل المدعى عليه، إلى الأيام التي يتقاضى التجار إلى مثلها، فيقول المدعي أخذت مني معاملة إلى سنة، فهذا لا يفعله في الغالب إلا الرجل المحتاج، فإن لم يكن كذلك كان المدعى قد أتى بما لا يشبه. واختلف بماذا تثبت الخلطة، فقال ابن كنانة -في المجموعة-: بشاهد واحد وامرأة (¬6) وقال محمد: إن أقام شاهدا واحدة أحلف (¬7) معه المدعي وتثبت ¬

_ (¬1) متفق عليه أخرجه البخاري: 4/ 1656، في باب تفسير سورة آل عمران، من كتاب التفسير، برقم (4277)، ومسلم: 3/ 1336، في باب اليمين على المدعى عليه من كتاب الأقضية، برقم (1711). (¬2) قوله: (الرجل) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (أوجه: من جهة) فلادة من (ف). (¬4) قوله: (المدعي) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (كسبه) ساقط من (ت). (¬6) قوله: (واختلف بماذا تثبت. . . بشاهد واحد وامرأة) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (واحدة أحلف) في (ف): (حلف).

الخلطة (¬1)، ثم يحلف المدعى عليه. والأول أحسن (¬2)؛ لأن المراد إثبات لطخ الدعوى، وذلك يوجد بالمرأة (¬3) إذا كانت عدلة، وإذا ثبتت المبايعة (¬4) ثم انقضت فتجاحدا أو أيمان، لم يقبل دعوى أحدهما على الآخر في مداينة محدثة، إلا ببينة أو إثبات خلطة محدثة؛ لأن مدعي المداينة بعد المجاحدة أتى بما لا يشبه، فإن ادعى ذلك المجحود أولًا قيل له: لا يشبه أن يجحدك فتحلفه أو يحلفك ثم (¬5) تعامله، وإن كانت الدعوى من الجاحد أولًا، قيل له: لا يشبه ذلك لأنك تخشى أن يجحدك، ويتأول إمساك ذلك من حقه. وقال مالك -في المجموعة فيمن أوصى عند موته، أن له عند فلان كذا-: أحلف المدعى عليه، فإن نكل غرم قال: وليس في مثل هذا خلطة. يريد ما لم يدع ما لا يشبه كسبه، أو فوق ما يداين به مثله مثل هذا (¬6)، أو تكون بينهما عداوة ومباعدة، فلا يحلف؛ لأنه أتى بما لا يشبه. وقال سحنون -في العتبية، في أهل السوق يدعي بعضهم على بعض، لم تكن خلطة حتى يقع البيع بينهما، وكذلك القوم يجتمعون في المسجد للصلاة والأنس، فليس بخلطة توجب اليمين. وقوله في أهل المسجد حسن، إلا على (¬7) من راعى الشبهة بانفرادها. ¬

_ (¬1) قوله: (وتثبت الخلطة) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (أحسن) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (بالمرأة) ساقط من (ف). (¬4) في (ر): (المعاملة). (¬5) قوله: (ثم) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (مثل هذا) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (على) ساقط من (ف).

وأما أهل السوق فهم على ضربين: فمنهم (¬1) من ليس الشأن أن يستقرض منهم، كالعطارين والخياطين فلا أيمان لهم إلا أن تثبت الخلطة، والشأن في البزازين أن يستقرض بعضهم من بعض فالأيمان بينهم. وأما السماسرة فلهم أن يحلفوا أهل صناعتهم (¬2)، أنهم لم يبيعوا ذلك منهم، ويحلفوا (¬3) من شأنه التجر بمثل ذلك (¬4)، أو يشبه أن يأتيه به ليبيعه له. وقال ابن القاسم -فيمن ادعى قبل رجل كفالة-: لا يمين له إن لم تكن له (¬5) خلطة. يريد خلطة (¬6) صحبة ومؤاخاة ليس مداينة؛ لأن مجرى الكفالة مجرى الهبة، يسلفه إن أعسر ويقضيه فيقضى عنه، فقد يعامل الإنسان من لا يسلفه، ويسلف من لا يعامله. وقد اختلف في دعوى الهبة، فقيل: يحلف المدعى عليه إذا أشبه ذلك، لمؤاخاة بينهما. وقيل: لا يمين عليه (¬7). وهذا راجع إلى ما تقدم في المداينة، فمن ألزم اليمين فيها بدعوى الشبهة (¬8)، ألزم اليمين ها هنا بمثل ذلك، ومن منع هناك حماية إلا بعد ثبات المعاملة منه ها هنا، وإن أتى بما يشبه. وهو في الهبة أولى بالمنع؛ لأن المداينة تجري بين الناس ما لا تجري الهبات، فإن كان بين ¬

_ (¬1) قوله: (فمنهم) ساقط من (ف). (¬2) في (ر): (صنائعهم). (¬3) في (ت): (ويحلفهم). (¬4) قوله: (بمثل ذلك) في (ر): (بذلك). (¬5) قوله: (له) زيادة من (ر). (¬6) قوله: (خلطة) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (عليه) زيادة من (ت). (¬8) قوله: (فمن ألزم اليمين فيها بدعوى الشبهة) في (ر): فيمن ألزم اليمين فيها يدعي للشبهة).

فصل [في الدعوى على الصناع، وما يراعى في الوديعة]

الغريم والمدعى عليه (¬1)، الكفالة من المؤاخاة ما يشبه أن يتكفل عنه (¬2) بمثل ذلك (¬3) المال، والمدعى عليه الكفالة ممن يخشى منه، ويتوثق منه بالحيل في حين المداينة حلفه، وإن كان موسرًا لا يتكفل بمثله، ثم ذهب ماله لم يقبل قول هذا: إني عاملته بكفالة. فصل [في الدعوى على الصناع، وما يراعى في الوديعة] وإن ادعى على صانع فأنكر، كان له أن يحلفه فيما يكون من صنعته، إذا ادعى ما يشبه أن يتجر به، أو لباسه أو لباس أهله وإلا لم يحلفه، ويراعى في الوديعة ثلاثة: أن يكون المدعي يملك مثل ذلك، في جنسه وقدره ويكون حكمه (¬4) هناك ما يوجب الإيداع، والمدعى عليه ممن يودع عنده (¬5) مثل ذلك، فليس الغالب من المقيم في بلده، أن يخرج ماله من داره فيودعه (¬6)، إلا لسبب خوف طلب سلطان أو عند سفر، أو يكون ذاهبًا إلى موضع، فيقول تركت كيسي عندك. وأما الطارئ فيشبه أن يكون (¬7) يودع مع الإقامة؛ لأنه ينزل في المواضع ¬

_ (¬1) قوله: (عليه) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (المؤاخاة ما يشبه أن يتكفل عنه) في (ر): (المؤاخي مما يشبه أن يتكفل عنه أن يتكفل عنه). (¬3) قوله: (ذلك) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (حكمه) زيادة من (ت). (¬5) قوله: (عنده) زيا دة من (ف). (¬6) قوله: (فيودعه) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (يكون) زيادة من (ر).

التي يخشى على ماله إذا انصرف عنه، وإن ادعى غصبًا أو تعديًا لم يحلفه، إلا أن يكون المدعى عليه ممن يشبه ذلك، والمدعى فيه مما يشبه كسب المدعي، وإن ادعى استهلاك شيء خطأً أو غلطًا حلفه، من غير مراعاة لحال المدعى عليه (¬1)، وإن ادعى رسالة أرسلت إليه لم يحلفه، إلا أن يثبت أن الغائب (¬2) ادعى الإرسال معه، بشاهدين أو بشاهد أو بكتاب، يثبت أنه من قبله أو بسماع بين، ويكون ذلك الشيء مما يشبه أن (¬3) يرسله الغائب مع هذا، والرسالة ملكًا للمرسل إليه (¬4)، أو يكون وكيلًا مفوضًا إليه، وإلا لم يحلفه؛ لأنه لم يوكل على الخصومة ولا على اليمين. وقال مالك -في المدونة في رجلين اشتريا سلعة، فقال أحدهما للبائع دفعت نصيبي من الثمن، لشريكي ثم غاب وأنكر الشريك-: قال: لا أرى هذا خلطة ولا يمين عليه. فراعى في هذه الدعوى الخلطة وهي دعوى أمانة، والأصل في مثل هذا مراعاة الشبه. وقال -في امرأة ادعت أن رجلًا استكرهها-: تجلد الحد إن كان ممن لا يشار إليه بالفسق، وإن كان ممن يشار إليه بالفسق (¬5) نظر السلطان في ذلك. وقد مضى ذكر ذلك في كتاب إرخاء الستور. وإن ادعت امرأة على زوجها أنه طلقها، أو عبد على سيده أنه أعتقه، لم يحلف إلا أن يشهد بذلك شاهد. وقال ¬

_ (¬1) قوله: (استهلاك شيء خطأً أو غلطًا حلفه، من غير مراعاة لحال المدعى عليه) ساقط من (ر). (¬2) في (ت): (الغالب). (¬3) قوله: (يشبه أن) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (إليه) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (بالفسق) زيادة من (ت).

فصل [فيما يراعى في بيوع النقود]

أشهب -في مدونته-: لا يحلف الزوج إلا أن يكون لدعواها وجه تهمة فيحلف. يريد مثل حدوث شراء والرجل يسرع إلى (¬1) الأيمان بالطلاق، أو يعلم منه كراهة لها، وقد مضى في كتاب أمهات الأولاد، ذكر الأمة تدعي أنها ولدت من سيدها. فصل [فيما يراعى في بيوع النقود] والمراعى في بيوع النقود (¬2) الشبهة (¬3) دون الخلطة، فإن ادعى على رجل أنه باعه ثوبًا، أو عبدًا أو دارًا، وعلم من المالك أنه عرضها للبيع أو أراد ذلك، حلفه وإن لم يعلم ذلك، وكانت دار سكناه أو ثوبًا عليه هو لابسه وما أشبه ذلك (¬4)، ولا سبب هناك يوجب البيع لم (¬5) يحلفه؛ لأنه أتى بما لا يشبه، وكذلك إن كان المدعى عليه، ممن لا يشبه أن (¬6) يبايع المدعي؛ لأنه مستغرق الذمة بالغصوب، أو خبيث الكسب أو شريرًا ملدًا أو فقيرًا، أو قال بعتني بعشرة ما ثمنه مائة فلا يحلف، وعكسه أن يدعي المالك على رجل (¬7)، أنه (¬8) اشترى منه وينكره الآخر فيراعى فيه مثل ذلك، فإن قال جئتني إلى دكاني فبعت منك (¬9)، ¬

_ (¬1) قوله: (إلى) زيادة من (ر). (¬2) في (ر): (النقد). (¬3) في (ف): (الشبه). (¬4) قوله: (هو لابسه وما أشبه ذلك) في (ت): (وهو لا يشبه أو ما أشبه ذلك). (¬5) قوله: (لم) ساقط من (ت). (¬6) قوله: (يشبه أن) زيادة من (ر). (¬7) قوله: (على رجل) زيادة من (ف). (¬8) قوله: (أنه) ساقط من (ف). (¬9) قوله: (وينكره الآخر فيراعى. . . إلى دكاني فبعت منك) ساقط من (ر).

فصل [في دعوى عبد في يدي رجل]

ومعلوم من المدعى عليه، أنه لا يتصرف إلى الأسواق أو لا يعامل مثله، أو قال اشتريته مني (¬1) بمائة وثمن مثله (¬2) عشرة أو عشرون، أو قال اشتريت مني هذه الدار أو هذا (¬3) الحمام (¬4)، وليس ذلك من كسب المدعى عليه، ولم يبلغه كسبه لم يحلف. فصل [في دعوى عبد في يدي رجل] وإن ادعى عبدًا في يدي رجل، وقال أبق مني، فإن كانا من بلد واحد كلف أن يأتي بلطخ أنه ملكه؛ لأن ملك (¬5) ذلك لا يخفى على جيرانه وأهل سوقه، وإن كان أحدهما طارئًا لم يحلف أحدهما للآخر؛ لأنه إن ادعى الطارئ على المقيم، قال المقيم المدعى (¬6) عليه، أنت لا تدعي علي معرفة ذلك لأني لست من بلدك، ويجوز أن تكون صادقًا، وكذلك إن ادعى المقيم عبدًا، أتى به طارئ لم يحلفه؛ لأنه لا علم عنده هل هو ملكه أم لا؟ فإن أقام شاهدا أنه عبده حلف معه، فإن نكل لم يرد اليمين؛ لأن الآخر لا علم عنده، فلا يحلف على تكذيب الشاهد، وإن أراد المدعي وقف العبد ليثبت ملكه فيما قرب، كاليوم وشبهه وقف له، فإن أتى بلطخ بسماع أو شاهد عدل، على (¬7) أنه له أو أنه أبق له عبد، ¬

_ (¬1) قوله: (مني) ساقط من (ت). (¬2) في (ف): (سلعته)، وهي ساقطة في (ت). (¬3) قوله: (هذا) زيادة من (ر). (¬4) في (ت): (الخادم). (¬5) في (ر): (مثل). (¬6) قوله: (المقيم المدعى) في (ف): (المقام عليه). (¬7) قوله: (على) زيادة من (ر).

كان الواقف (¬1) أوسع من ذلك الشهر ونحوه. وقال غيره يوقف الخمسة أيام والجمعة، فإذا مضى الأجل ولم يأت تلوم له، فإن لم يأت سلم العبد إلى من كان بيده، بعد يمينه إذا أشبه أن يكون عنده من ذلك علم، وإن لم يكونا من بلد واحد (¬2)، أسلم إليه من غير يمين، فإن أتى بعد ذلك بشاهد وكان أوقف بسماع، أحلف مع هذا واستحق، فإن نكل لم يكن له أن يرد اليمين؛ لأن المدعى عليه لا علم عنده من ذلك (¬3)، من صدق الشاهد ولا من كذبه، وإن كان الوقف بشاهد ولم يأت بشيء، فإن كان قدم له عند الوقف، إن قال إن لم آت بشيء حلفت، كان له أن يحلف مع الشاهد، فإن قال إن لم أجد شاهدًا آخر حلفتك أجزأ (¬4) يمين السلطان (¬5). فإن أتى بشاهد ضمه إلى الأول. واختلف إذا أراد أن يوقف القيمة ليمضي به إلى بلده فيثبت ملكه فيه (¬6). فقال ابن القاسم: ذلك له. وقال سحنون: لا يدفع إليه العبد، وإن أقام شاهدا ثم (¬7) قال وعلى من يقيم البينة، والمدعى عليه مقيم. وإن رفعًا جميعًا إلى ذلك البلد كان خطأ. والمسألة يحسن فيها الخلاف، ويتخرج (¬8) فيها القولان؛ لأن من حق (¬9) المدعى عليه أن يعلم البينة، وينظر في تجريحها (¬10) وهذا لا يقدر عليه إلا ¬

_ (¬1) في (ف): (الوقف). (¬2) قوله: (واحد) زيادة من (ت). (¬3) قوله: (ذلك) زيادة من (ر). (¬4) في (ف): (أجرى). (¬5) هكذا في (ف). (¬6) قوله: (فيه) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (ثم) زيادة من (ر). (¬8) في (ت): (ويترجح). (¬9) قوله: (لأن من حق) في (ر): (من قول). (¬10) في (ر): (تخريجها).

أن يخرج، ومن حق المدعي أن لا يبطل حقه، وهو يقول عندي بينة تشهد به، وإشخاصها يتعذر فكان وضع قيمته (¬1) لتغليب أحد الضررين أقرب. واختلف في النفقة على العبد في حال الوقف، ولمن غلته إن ثبت الاستحقاق، وفي مصيبته إن هلك. فقال مالك -في المدونة-: نفقته على من يقضى له به، وغلته لمن هو في يديه؛ لأنه إن هلك كان في ضمانه. وقال ابن القاسم -في العتبية-: نفقته الآن عليهما، فمن قضي له به، رجع على صاحبه بتمام النفقة. وقال مالك -في العتبية-: إن هلك في الوقف ثم ثبت (¬2) للمستحق كانت مصيبته منه، وقاله ابن القاسم (¬3) قال: إلا أن تكون جارية والمشتري مقر بالوطء، وأنه لم يستبرئ فتكون المصيبة من المشتري، ولا يرجع بالثمن. وعلى قول مالك هذا أن المصيبة من المستحق، إن ثبت له تكون الغلة له. وقال سحنون: المصيبة من المشتري حتى يحكم به للمستحق. وأرى أن المصميبة من المستحق؛ لأن المشتري يقول، أخرجته من يدي وحلت بيني وبينه، فإذا ثبت لك (¬4) كانت المصيبة منك، وإذا كانت المصيبة منه، كانت الغلة له بالضمان (¬5)، وقد قال بعض أهل العلم، في الغلة التي كانت قبل الاستحقاق، أنها للمستحق وهو ها هنا أبين. ¬

_ (¬1) قوله: (تشهد به، وإشخاصها يتعذر فكان وضع قيمته) في (ر): (تشهد به في إشخاصها يندى فكان له وضع القيمة). (¬2) قوله: (ثم ثبت) في (ت): (لم يثبت). (¬3) قوله: (وقاله ابن القاسم) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (ثبت لك) في (ف)، (ت): (هلك). (¬5) قوله: (بالضمان) زيادة من (ت).

فصل [فيمن ادعى عبدا فزعم الذي في يديه أنه لغائب]

فصل [فيمن ادعى عبدًا فزعم الذي في يديه أنه لِغائب] وقال سحنون -فيمن ادعى عبدًا وأقام لطخا- فقال الذي هو في يديه: هو لفلان الغائب، فإن أثبت ذلك كانت الخصومة بين المدعي والغائب، وإن لم يثبت ذلك لم يصدق، وحلف فإن نكل دفعه إلى المدعي بغير يمين، فإن جاء المقر له فصدق المقر أخذ العبد؛ لأن من هو في يديه يتهم، أن يكون أراد إبطال الخصومة عن نفسه. وأرى إذا كان مدعي العبد، لا يقول لمن هو (¬1) في يديه إني أودعتك إياه ولا رهنتك، فإن صفة يمين من هو في يديه، أن فلانًا أودعه إياه، فإن حلف بقي في يديه حتى يقدم الغائب، وإن نكل سلمة ولا شيء عليه (¬2) للغائب، ولم يكن عليه أن يحلف ليبقى في يديه، وكذلك إن قال المدعي إنك تعلم أنه لي، ولم يدع أنه أودعه عنده (¬3) ولا رهنه؛ لأنه يقول للغائب أنا شاهد لك (¬4)، فإن صحت شهادتي حلفت وأخذته، وإن لم يشهد كان بمنزلة من كتم شهادته، وإن قال أنا دفعته إليك، كان له أن يحلفه، وإن كان المقر له به (¬5) حاضرا؛ لأن المدعي (¬6) يقول أنت أتلفته علي، بإقرارك أنه لفلان، فإن نكل حلف المدعي أنه ¬

_ (¬1) قوله: (هو) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (عليه) ساقط من (ت). (¬3) في (ر): (إياه). (¬4) قوله: (شاهد لك) في (ف): (شاهده). (¬5) قوله: (به) ساقط من (ت). (¬6) في (ف): (المدعي أنه دفعه إليه).

فصل [العبد أو الجارية يدعيان الحرية]

دفعه إليه وأغرمه قيمته، وله أن يحلف المقر له به (¬1) أنه لا يعلم أنه له، فإن نكل حلف المدعي وأخذ عبده، ولا يكون له على من كان في يديه شيء. فصل [العبد أو الجارية يدعيان الحرية] وقال مالك -في كتاب محمد في العبد أو الجارية، يدعيان الحرية ويذكران أن لهما بينة غائبة، ويريدان أن يمكنا من طلبهما-: فلا أرى ذلك لهما، إلا أن يأتيا بأمر فيه شبهة الحق ويأتيا بحميل، وإن ثبت أحدهما وادعى آخر بعيد الغيبة، لم يقبل منه ومكن سيده منه، إلا أن يأتي بشاهد آخر. وقال أيضًا: يحبس ولا يخلى يذهب، ويوكل من يطلب شهوده، وإن كانت جارية وأثبتت شاهدا (¬2)، وقف السيد عنها فإن كان مأمونًا أمر بالكف عنها، وإن كان غير مأمون رأيت أن توقف، ويضرب له أجل الشهرين ونحوهما. وقال أصبغ: إن كانت من الوخش، رأيتها مثل العبد يخلى سبيلها تطلب منافعها (¬3) إذا جاءت بحميل، وإن كانت رائعة فلا، وتؤمر أن (¬4) توكل أو يجعل لها السلطان محتسبًا. ومن ادعى عقارًا أو أتى بلطخ، منع المدعى عليه من أن يحدث فيها هدما أو بناءا. قال -في المدونة-: ولا يؤخذ منه الحميل. وقال سحنون: يؤخذ منه حميل لأن مالكًا لا يرى القضاء على الغائب في الرباع، حتى يعذر إليه ويكاتب، إذا كان قريب الغيبة، ويضرب له الأجل، ¬

_ (¬1) قوله: (له به) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (شاهدا) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (منافعها) ساقط من (ف). (¬4) في (ر): (أو).

وإن كان قريبًا انتظر (¬1). قال محمد: إن هرب بعد أن ذكر حجته واستقصى التلوم (¬2) حكم عليه. وأرى أن يؤخذ منه حميل (¬3)، إن طلب ذلك المدعي في أول الخصومة، وليس ذلك له إن استقصى حجته؛ لأنه إن هرب حكم عليه على قطع دعواه، ولم يوقف على حجته (¬4). ومن المدونة فيمن ادعى ما لا يبقى، وشرع إليه الفساد كاللحم ورطب الفواكه، وأتى (¬5) بلطخ أو بينة لا يعرفها القاضي، وقال الجاحد وهو البائع، أو المدعي وهو المشتري، يخاف فساده أولم يقولاه، فإن أثبت لطخًا وقال لي بينة حاضرة، أو أقام شاهدًا وقال عندي (¬6) شاهد آخر ولا أحلف، فإن أيحضر ما ينتفع به وخشي عليه الفساد، خلي بين البائع وبين مبتاعه، وأما الشاهدان ينظر في عدالتهما، فإن خشي الفساد (¬7) بيع ووقف الثمن، فإن زكيت (¬8) قضي به للمشتري، إن كان هو المدعي ويدفع الثمن الذي اشترى به، كان أقل أو أكثر، ويقال للبائع أنت أعلم بما زاد ثمن المشتري عندك، وإن لم تزك البينة دفع الموقوف للبائع، وإن ضاع الثمن قبل ذلك، كان ممن يقضى له به. فأجاز (¬9) الشهادة على ما لا يعرف عينه، بعد ¬

_ (¬1) قوله: (حتى يعذر إليه ويكاتب، إذا كان قريب الغيبة، ويضرب له الأجل، وإن كان قريبًا انتظر) زيادة من (ر). (¬2) قوله: (التلوم) زيادة من (ر). (¬3) قوله: (حميل) في (ف): (كفيل) وهما مزادفتان. (¬4) قوله: (لأنه إن هرب حكم عليه على قطع دعواه، ولم يوقف على حجته) زيادة من (ت). (¬5) زاد بعده في (ر): بينة. (¬6) قوله: (شاهدًا وقال عندي) ساقط من (ف). (¬7) قوله: (خلي بين البائع وبين مبتاعه، وأما الشاهدان ينظر في عدالتهما، فإن خشي الفساد) ساقط من (ر). (¬8) في (ت): (ركبت البينة). (¬9) في (ر): (فإن جازت).

المفارقة إذا أثبت لطخًا، أو أقام شاهدًا وقال آتي بآخر، ولم ير أن يباع إذا أثبت لطخًا؛ لأنه لا يباع على إنسان ملكه باللطخ، وكذلك الشاهد إذا قال لا أحلف معه، ولو قال إن لم أجد آخر حلفت معه لبيع. وأرى إذا بيع لينظر في البينة ثم عدلت، أن يكون المشتري بالخيار بين ثلاثة أوجه (¬1): بين أن يفسخ عن نفسه؛ لأن البائع لم يمكنه منه (¬2)، ويغرمه مثله أو يأخذ ما بيع به، إذا كان الأول جزافًا، ويغرم الثمن الذي اشترى به، وإن لم تزك البينة كان الموقوف للبائع، ولا شيء له على المشتري إن بيع بأقل، والفرق بين الموضعين، أنه في الأول إذا أثبت البينة بالبيع، كانت شهادته على البائع بالتعدي فأجري على حكم المتعدي، وإن لم تعدل كان الأمر محتملًا، هل تعدى المشتري في دعواه؟ والاختلاف شبهة، وأرى (¬3) إن أتى بلطخ فسلم إلى البائع، لما خشي عليه ثم ثبتت البينة بالبيع، كان المشتري بالخيار بين أن يفسخ عن نفسه البيع أو يغرمه المثل، ولا تقبل الشهادة فيه على الصفة بعد تسليمه، وإن كان البائع المدعي للبيع، وأنكر الآخر الشراء، وبيع لتعديل البينة، فإن عدلت كان ما بيع به للمشتري وغرم الثمن، وإن لم تعدل كان ما بيع به لصاحبه. ¬

_ (¬1) قوله: (أوجه) زيادة من (ر). (¬2) في (ر): (منها). (¬3) قوله: (أرى) زيادة من (ر).

فصل [فيمن ادعى على رجل أنه قذفه]

فصل [فيمن ادعى على رجل أنه قذفه] ومن ادعى على رجل أنه قذفه لم يحبس (¬1) له، قال ابن القاسم: فإن قال بينتي قريبة، أجيئك بها العشية أو غدًا، وقف ولم يحبس. قال: وكذلك القصاص في الجراح وما يكون في الأبدان، فلا يأخذ به كفيلًا. يريد أنه يجعل معه من يلازمه ليلًا، يغيب ولا يحبس؛ لأن في الحبس معرة (¬2)، فإن أثبت لطخًا بينًا أو بينة يحتاج إلى تعديلها حبس، فإن ثبت حد، وإن لم يثبت كان فيما تقدم من الحبس عقوبة. وأما الجراح فإن أتى بأثر الجرح، وهو متعلي به كان لطخًا ويسجن، وإن ادعى ذلك عن يوم فرط (¬3) لم يسجن، إلا أن يأتي بلطخ. ¬

_ (¬1) في (ت): (يحد). (¬2) في (ر): (مضرة). (¬3) في (ف): (فارط).

باب في الشاهد يشهد بمال، أو نكاح، أو طلاق، أو تمليك، أو عتق أو نسب، أو ولاء، أو سرقة، أو قذف، أو شرب خمر، أو زنا، أو قتل، أو جرح، أو وكالة، أو يشهد لصبي، أو لسفيه، أو غائب أو مديان، أو لعبد، أو ذمي، أو على حبس، أو صدقة

باب في الشاهد يشهد بمال، أو نكاح، أو طلاق، أو تمليك، أو عتق أو نسب، أو ولاء، أو سرقة، أو قذف، أو شرب خمر، أو زنا، أو قتل، أو جرح (¬1)، أو وكالة، أو يشهد لصبي، أو لسفيه، أو غائب أو مديان، أو لعبد، أو ذمي، أو على حبس، أو صدقة ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه: قضى بشاهد ويمين. وقد اختلفت ألفاظ هذا الحديث، فقال ابن عباس -في كتاب مسلم-: "قَضَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ" (¬2). وقال أبو هريرة -في الترمذي-: "قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ" (¬3). وعن سعد بن عبادة [قال] (¬4): "قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ" (¬5). فأتى في الحديث الأول بلفظ النكرة، فعلم أنه لم يرد الجنس. وفي حديث أبي هريرة قال بالشاهد الواحد، وهو نص منه (¬6) على جواز الاقتصار عليه مع اليمين. وكذلك حديث سعد، ولا يعترض هذا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: ¬

_ (¬1) قوله: (جرح) ساقط من (ف). (¬2) أخرجه مسلم: 3/ 1337، في باب القضاء باليمين والشاهد، من كتاب الأقضية، برقم (1712). (¬3) أخرجه الترمذي: 3/ 627، في باب ما جاء في اليمين مع الشاهد، من كتاب الأحكام، برقم (1343)، وقال: حديث حسن غريب. (¬4) ما بين معكوفتين ساقط من (ت). (¬5) صحيح، أخرجه أحمد في مسند برقم (22513)، والطبراني في المعجم الكبير: 6/ 16، برقم (5362). (¬6) قوله: (منه) زيادة من (ر).

{فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282]؛ لأن المراد بالآية الاستعداد بالشهادة وقت المداينة، أن تكون على صفة ترفع الاختلاف والأيمان والجحود والشنآن لئلا يتلف مال الطالب، أو يتكلف اليمين أو يحلف الآخر إنما ورد الحديث فيمن لم يفعل ذلك، إما لأن الطالب فرط فأشهد واحدًا، أو لأنه عدم تمام الشهادة، أو لأن ذلك كان باعتراف المدعى عليه، أو جرح أحد شهوده أو غاب أو مات، ولم يجد من يشهد على خطه (¬1)، والشاهد مع اليمين يصح في الأموال، ولا يصح في النكاح والطلاق (¬2) والتمليك والعتق والولاء والنسب، فإن شهد على نكاح لم يحلف المشهود له مع شهادته، ليثبت النكاح. واختلف في يمين المشهود عليه، فقال ابن القاسم: إن أقام رجل شاهدًا بنكاح، وأنكرت (¬3) المرأة لم يحلف. وقال -في كتاب محمد-: إن ادعت امرأة على رجل، أو رجل على امرأة النكاح، فلا يمين بينهما ما لم يكن شاهدا. يريد فيحلف المشهود عليه من رجل أو امرأة. وقال -فيمن زوج رجلًا أو امرأة، وزعم أنه وكيل على ذلك، فأنكر المدعى عليه الوكالة بعد أن قدم-: أنه يحلف الرجل أو المرأة، أنه لم يوكله. فإذا حلف بدعوى الوكالة، مع كون الوكيل غير عدل، وهو يدفع عن نفسه التعدي، كان أحرى أن يحلف المدعى عليه مع الشاهد العدل. وقال ابن حبيب: يحلف الرجل أنه ما وكل، ولا تحلف المرأة أنها ما وكلت؛ لأنها إن نكلت لم تكن زوجة. وهذا أحسن؛ لأن المطلوب منها لا يصح تسليمه مع النكول. ¬

_ (¬1) قوله: (أو جرح أحد شهوده أو غاب أو مات ولم يجد من يشهد على خطه) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (والطلاق) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (وأنكرت) ساقط من (ت).

وأرى أن تطلب باليمين رجاء أن تقر (¬1)، ويحلف هو إن ادعت عليه الوكالة؛ لأن المطلوب منه مال، فإن نكل حلفت وغرم نصف الصداق على قول ابن القاسم، إلا أن يحب هو البقاء على النكاح، فيحضر الولي ويجدد العقد، وتجبر هي (¬2) على ذلك. واختلف إذا شهد شاهد (¬3) بعد موت الزوج، أو الزوجة فقال ابن القاسم: لمجلف المشهود له ويستحق الميراث والصداق، و (¬4) إن كان الشاهد لها. وقال أشهب: لا يستحق ذلك (¬5) إلا بشاهدين، وقد تقدم ذلك، وإن شهد بطلاق أحلف الزوج. واختلف إذا نكل فقال مالك: تطلق، وبه أخذ أشهب. وقال أيضًا: يسجن أبدًا حتى يحلف. وقال: إن طال سجنه خلي. وبه أخذ ابن القاسم، قال: والطول سنة. فرأى أشهب أنه لما اجتمع قول العدل والنكول، قويت الظنة ففرق بالشك ولم يثق به (¬6) واستحسن محمد قول ابن القاسم وقال: لأني لو حكمت عليه بالطلاق لكنت حكمت (¬7) عليه (¬8) بشاهد بلا يمين، وذلك في الحكم أدنى من الحكم في دينار أو (¬9) درهم. ¬

_ (¬1) في (ر): (يقر). (¬2) قوله: (هي) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (شاهد) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (و) زيادة من (ر). (¬5) قوله: (لا يستحق ذلك) ساقط من (ر). (¬6) في (ف): (ينوه). (¬7) قوله: (حكمت) ساقط من (ر). (¬8) قوله: (عليه) زيادة من (ر). (¬9) في (ر): (و).

وأرى أن يخرج بعد السنة ولا يمكن منها؛ لأن الشهادة تتضمن حقًا للمرأة وحقا لله -سبحانه-، والأصل فيمن تعلق له حق قبل آدمي، فنكل عن اليمين أن لا يسقط ذلك الحق بالنكول، وهو مطالب به أبدًا، فمن حقها أن لا تمكنه حتى يحلف، فإن أسقطت حقها ووضعته (¬1) منع لحق الله -تعالى- قياسًا على حق الآدمي، وكذلك إن شهد شاهد بعتق فنكل السيد، أعتق عليه على أحد القولين، وإن شهد بتمليك كان كشاهد على طلاق، ويحلف الزوج ويبرأ (¬2). ويختلف إذا نكل الزوج (¬3) واختارت الزوجة الطلاق، هل تطلق عليه؟ فإن شهد بخلع فإن كان هو القائم بالشاهد، كان كشاهد على مال؛ لأن الطلاق بيده، وهو مقر بالطلاق فيحلف ويأخذ المال، وإن كانت المرأة هي القائمة به كان كشاهد على طلاق، فيختلف إذا نكل الزوج هل تطلق عليه؟ (¬4)، وأرى أن يمنع منها (¬5) حسب ما تقدم. وإن شهد على نسب أو ولاء، لم يحلف مع الشاهد، إن كانت الشهادة على حي، وإن كانت على ميت ليرث منه، وكان للميت ولد ثابت النسب، أو مولى (¬6) معروف وأثبت هذا أنه ولد الميت، أو مولى مع الأول حلف من ثبت نسبه، أو ولاؤه وكان أحق بالميراث، واليمين إن ادعى الطارئ المعرفة (¬7). ¬

_ (¬1) في (ف): (ومتعته). (¬2) في (ف) الكلمة غير مقروءة. (¬3) قوله: (الزوج) زيادة من (ر). (¬4) قوله: (به كان كشاهد على طلاق، فيختلف إذا نكل الزوج هل تطلق عليه؟) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (يمنع منها) في (ر): (تمنع منه). (¬6) قوله: (مولى) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (حلف من ثبت نسبه. . . إن ادعى الطارئ المعرفة) ساقط من (ر).

فصل [في الشهادة بحد والإشهاد عليه]

واختلف إذا لم يكن هناك نسب ثابت سوى الطارئ، هل يحلف ويرث أو يكون الميراث لبيت المال. وأرى أن من أقام شاهدًا أولى، وقال ابن القاسم -فيمن ادعى على رجل أنه عبده فأنكر وقال أنا حر-: فليس له أن يحلفه إلا أن يقيم شاهدًا فيحلف ويستحق. وقال سحنون: ليس ذلك له إذا كان معروفًا بالحرية. وأرى إن لم يكن معروفًا بالحرية، ولا عبودية أن يحلف ويستحق، وإن كان مشهورًا بحرية وأنه ابن فلان الحر، لم يستحق بشاهد ويمين ولا بشاهدين، إلا أن يثبت استحقاق أمه، أو ما أشبه ذلك مما يخفى، ويبطل ما كان به معروفًا. فصل [في الشهادة بحد والإشهاد عليه] ويفترق الجواب إذا شهد بحد، فإن شهد بزنا على المعاينة أو الإقرار حد. واختلف إذا نقل ذلك عن غيره. فقال ابن القاسم: يحد (¬1). وقال محمد: لا يحد إذا قال أشهدني فلان، إلا أن يقول هو زان (¬2) أشهدني فلان. وهو أحسن؛ لأنه إذا قال أشهدني فلان ولم يقل هو زان (¬3) ليس بقاذف؛ لأنه يقول لا نعلم المنقول عنه صدق أو كذب، وإنما أنقل كلامًا والله حسيبه إن كذب. وإن قال هو زان (¬4) أشهدني فلان بذلك، كان قد صدق المنقول عنه (¬5). ¬

_ (¬1) قوله: (أو الإقرار حد. واختلف إذا نقل ذلك عن غيره. فقال ابن القاسم: يحد) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (هو زان) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (أشهدني فلان. وهو أحسن؛ لأنه إذا قال أشهدني فلان ولم يقل هو زان) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (ليس بقاذف؛ لأنه يقول. . . وإن قال هو زان) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (ليس بقاذف؛ لأنه يقول. . . قد صدق المنقول عنه) في (ر): (أشهدني فلان بذلك كان مصدق المنقول عنه).

واختلف إذا قال رأيت فلانا مع فلانة، أو بين فخذيها، فقال ابن القاسم: يعاقب الشاهد. وقال غيره: لا يعاقب. ويجري فيها قول ثالث: أنه إن كان الشاهد عدلًا لم يعاقب. ورابع: إن كان المشهود عليه ممن لا يظن به ذلك، عوقب الشاهد. وإن كان ممن يظن به لم يعاقب. واختلف إذا شهد على رجل أنه شرب خمرًا، فقال -في المدونة -: ينكل الشاهد. وقال -فيمن شهد على رجل بالسرقة-: إن كان لها من يطلبها (¬1) لم يعاقب. يريد عدلًا كان أو غير عدل. قال: وإن لم يكن لها (¬2) من يطلبها والشاهد عدل لم يعاقب (¬3). وإن لم يكن (¬4) عدلًا عوقب. وعلى قوله في عقوبة (¬5) الذي قال رأيته بين فخذيها، يعاقب الشاهد ها هنا وإن كان عدلًا. وقال مالك -في المبسوط فيمن شهد (¬6) بالسرقة، أو بشرب الخمر-: لا عقوبة عليه. وقال ابن نافع -في كتاب المدنيين -: إن شهد بذلك على من له هيئة نكل، وإن كان ممن يتهم (¬7) بذلك فلا شيء عليه. فأوجب (¬8) العقوبة في القول الأول، قياسًا على شاهد الزنا، ولم يجعل عليه عقوبة في القول الآخر؛ لأن الأصل في البينات إذا لم تثبت شهادتها أن لا عقوبة، فكان الحد على من ¬

_ (¬1) هنا في هذا الموضع من (ر) زيادة (والشاهد عدل). (¬2) قوله: (لها) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (يعاقب) ساقط من (ر). (¬4) هنا في هذا الموضع من (ر) زيادة (من يطلبها). (¬5) قوله: (عقوبة) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (شهد) ساقط من (ر). (¬7) في (ف): (شهر). (¬8) قوله: (فأوجب) ساقط من (ر).

شهد بالزنا، تسليما لقول عمر - رضي الله عنه -، وما سواه باق على الأصل (¬1)، وفرق في القول الآخر بين العدل وغيره؛ لأن العدل لا يتهم، إلا (¬2) أن يكون قصد أذى المشهود عليه، ويتهم بذلك من ليس (¬3) بعدل. وأرى أن يعاقب إذا كان غير عدل، والمشهود عليه ممن لا يظن به ذلك، ولا يعاقب العدل، وإن شهد على من لا يظن به (¬4)، ولا غير العدل إن شهد على من يظن به ذلك (¬5)، وإن شهد بقذف أحلف المقذوف عليه وبرئ. ويختلف إذا نكل، هل يحد أو يسجن أبدًا حتى يحلف، أو يخرج بعد سنة قياسا على الطلاق والجراح؟ هل يطلق عليه ويقتص منه عند النكول؟ واختلف إذا شهد بما دون القذف من الشتم، فقال مالك -في العتبية-: لا يقضى في هذا بشاهد ويمين، ولكن إذا كان الشاتم من أهل السفه والفحش عزر. قيل له: أفعلى الشاتم يمين. قال: نعم. وقال -في كتاب ابن حبيب-: يحلف (¬6) مع الشاهد فيما عدا الفرية. وقال أبو مصعب: إن شهد بحد أو شتم (¬7) حبس، فإن لم يثبت غير شاهد، أحلف وخلي عنه، وإن لم يحلف ألزم السجن أبدًا، حتى يحلف أو يقر. يريد (¬8) ¬

_ (¬1) قوله: (على الأصل) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (إلا) زيادة من (ر). (¬3) قوله: (ليس) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (ولا يعاقب العدل، وإن شهد على من لا يظن به) ساقط من (ر). (¬5) في (ر): (فصل). (¬6) قوله: (يحلف) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (أو شتم) ساقط من (ر). (¬8) قوله: (يريد) ساقط من (ف).

فيؤخذ بإقراره، وكذلك إن شهد بالطلاق، أو العتق فأقر بعد طول السجن، أخذ بإقراره (¬1) لأن السجن إكراه بحق، بخلاف الإكراه ظلمًا، وإن شهد بقتل خطأ أو عمد أقسم مع شهادته (¬2)، وكان العقل على العاقلة في الخطأ، والقصاص في العمد، فإن نكل الأولياء ردت القسامة في الخطأ على العاقلة، فإن نكلوا غرم (¬3) الدية مؤجلة (¬4)، وردت القسامة في العمد على القاتل. واختلف إذا نكل، فقال مالك: يسجن أبدًا حتى يحلف. وقال أشهب: إذا طال سجنه وأيس أن يقر أو يحلف (¬5)، ألزم (¬6) الدية في ماله (¬7). واختلف إذا شهد بجرح، هل يحلف معه المجروح أو لا يحلف، أو يفرق بين ما صغر أو عظم؟ وإذا ثبتت اليمين على المشهود عليه، لنكول المشهود له، أو لأنه لا يمكن من اليمين، على القول الآخر، فنكل المشهود عليه سجن أبدًا حتى يقر أو يحلف (¬8). وعلى القول (¬9) الآخر يخرج بعد سنة. وقال أشهب -في مدونته-: يقطع وذكر ذلك عن ابن القاسم، في كتاب الأقضية من المدونة (¬10). ¬

_ (¬1) قوله: (وكذلك إن شهد بالطلاق أو العتق فأقر بعد طول السجن، أخذ بإقرارها ساقط من (ر). (¬2) في (ر): (شاهده). (¬3) في (ف)، (ر): (غرموا). (¬4) قوله: (مؤجلة) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (وأيس أن يقر أو يحلف) في (ف): (وأيس منه). (¬6) في (ف): (كانت عليه). (¬7) قوله: (واختلف إذا نكل. . . الدية في ماله) ساقط من (ر). (¬8) قوله: (يقر أو يحلف) في (ت): (يحلف أو يغرم). (¬9) قوله: (القول) ساقط من (ر). (¬10) قوله: (يقطع وذكر ذلك عن ابن القاسم، في كتاب الأقضية من المدونة) ساقط من (ف).

فصل [في الشهادة بصدقة لمعين]

في بعض الروايات أنه يقطع (¬1). وأرى أن يسجن أبدا حتى يقر أو يحلف، إلا أن يكون الشاهد مبرزًا في العدالة، والمشهود عليه ممن يظن (¬2) به فيقتص منه. فصل [في الشهادة بصدقة لمعين] وإن شهد بصدقة لمعين، حلف المشهود له واستحق، وإن كانت على الفقراء والمساكين، حلف المشهود عليه وبرئ، وإن كانت الشهادة على ميت، أنه أوصى بذلك والورثة ممن لا يظن بهم العلم، بطلت الشهادة؛ لأن الفقراء والمساكين (¬3) لا يحلفون في مثل هذا (¬4)، والورثة لا علم عندهم. وإن كانت الوصية لمعين حلف واستحق، فإن نكل لم يكن له شيء، ولم ترد اليمين على من لا علم عنده، وإن شهد بحبس على معينين حلفوا واستحقوا، ومن نكل سقط حظه (¬5) وحده وردت اليمين على المحبس، وإن كانت على غير معينين، كالسبيل والفقراء والمساكين، حلف المشهود عليه وبرئ، فإن نكل ألزم الحبس. واختلف إذا كان على بني فلان أو عقبه، فقال محمد: الذي يقول به أصحابنا أنه لا يصلح (¬6) فيه اليمين، وأخبرني ابن الماجشون عن مالك أنه قال: ¬

_ (¬1) قوله: (أنه يقطع) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (يظن) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (والمساكين) زيادة من (ت). (¬4) قوله: (في مثل هذا) ساقط من (ر). (¬5) في (ر): (حقه). (¬6) في (ف): (يصح).

إذا حلف الجل (¬1)، نفذ لهم ولغيرهم من غائب، ومن يولد وللسبيل بعدهم. وقال مالك -في كتاب ابن حبيب-: إن حلف رجل واحد، استحقها حبسا لنفسه ولجميع أهلها (¬2)، ولمن يأتي ممن شرطت عليه من صغير أو كبير (¬3) أو غائب، قال: وإذا باد شهودها فلم يثبت إلا بسماع، حلف أيضًا واحد من أهلها، مع الذين شهدوا على السماع، أنهم لم يزالوا يسمعون من (¬4) أهل العدل، أنها حبس على بني فلان ثم يستحقها حبسا. وكان بعض شيوخنا يقول: إذا شهد شاهد بالحبس على العقب، فمن حلف منهم ممن حضر ثبت نصيبه وحده، ومن نكل سقط حظه وحده (¬5)، وردت اليمين على المشهود عليه، وهو أقيس وهو بمنزلة من شهد لورثة، منهم الحاضر والغائب وحمل لم يولد، فإن لمن كان حاضرًا بالغًا أن يحلف ويستحق نصيبه، ومن نكل ردت له (¬6) اليمين على المشهود عليه، ومن كان غائبًا أو صغيرًا كان على حقه فيما بعد ولا يستحق يمين غيره (¬7) ولا يسقط حقه بنكول غيره. ¬

_ (¬1) قوله: (الجل) ساقط من (ر). (¬2) في (ف): (أهله). (¬3) قوله: (أو كبير) زيادة من (ر). (¬4) قوله: (من) زيادة من (ر). (¬5) قوله: (وحده) زيادة من (ر). (¬6) قوله: (له) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (غيره) ساقط من (ت).

فصل [فيمن شهد على وكالة من غائب]

فصل (¬1) [فيمن شهد على وكالة من غائب] واختلف إذا شهد على وكالة من غائب، هل يحلف الوكيل؟ والمشهور أنه لا يحلف. وهو أحسن إذا كانت الوكالة لحق الغائب خاصة، فإن كانت مما يتعلق فيها حق الوكيل؛ لأن له على الغائب دينًا، أو ليكون ذلك المال في يديه قراضًا، أو تصدق به عليه حلف (¬2) واستحق، إذا كان الموكل عليه (¬3) مقرًا بالمال للغائب. وإن كان (¬4) وكل على قضاء دين، فقضاه بشاهد فجحد القابض، حلف الوكيل وبرئ الغريم، فإن نكل حلف الطالب وغرم الوكيل، إن كان موسرًا، وإن كان معسرًا حلف المطلوب وبرئ، وكانت تباعة الطالب على الوكيل متى أيسر. وإن شهد لعبد (¬5) مأذون له بمال، كان كالحر يحلف ويستحق، فإن نكل حلف المدعى عليه وبرئ ولا مقال لسيده، وإن كان غير مأذون له حلف واستحق، فإن نكل حلف سيده واستحق. وإن دفع السيد إلى عبده مالاً، ليقضيه عنه لغريم فقضاه بشاهد، حلف العبد وبرئ السيد، فإن نكل حلف المشهود عليه (¬6) وغرم العبد، إذا كان مأذونا له موسرًا، فإن كان معسرًا أو (¬7) ¬

_ (¬1) قوله: (فصل) زيادة من (ر). (¬2) قوله: (حلف) ساقط من (ت). (¬3) قوله: (عليه) زيادة من (ت). (¬4) قوله: (كان) زيادة من (ف). (¬5) قوله: (لعبد) ساقط من (ر). (¬6) في (ت): (له). (¬7) قوله: (أو) ساقط من (ر).

فصل [في الشاهد الواحد يشهد لصغير بمال]

غير مأذون له، حلف السيد وبرئ، وإن وكله غير سيده فقضاه (¬1) بشاهد ونكل عن اليمين، حلف الطالب وغرم العبد إذا كان مأذونا له. قال محمد: مثل الحر يوكله رجل (¬2). قال الشيخ: وإن كان فقيرًا أحلف الموكل وبرئ، وكذلك إذا كان غير مأذون له وهو موسر (¬3) يحلف الموكل. فصل [في الشاهد الواحد يشهد لصغير بمال] واختلف إذا شهد شاهد (¬4) واحد (¬5) لصغير بمال. فقال محمد: يحلف المشهود عليه، ويترك حتى يحتلم الصبي فيحلف مع شاهده ويستحق، قال: ويكتب له (¬6) القاضي قضيته بما يصح عنده، لينفذه له (¬7) من بعده من القضاة، مات شاهده بعد ذلك أو فسق، فإن نكل الغريم غرم مكانه، ولم يحلف الصغير متى كبر. وقال مطرف -في كتاب ابن حبيب-: إن حلف (¬8) المطلوب أخر حتى يبلغ الصبي، فإن نكل (¬9) أخذ منه الحق إلى بلوغ الصبي (¬10). وهذا أصوب؛ لأن المطلوب يقول، إنما أحلف يمينًا واحدة (¬11) تبرئني، وإذا كانت ¬

_ (¬1) في (ف): (فقضى). (¬2) قوله: (يوكله رجل) في (ر): (يوكل رجلا). (¬3) قوله: (موسر) في (ر): (غير موسر). (¬4) قوله: (شاهد) ساقط من (ت). (¬5) قوله: (واحد) زيادة من (ر). (¬6) قوله: (له) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (له) ساقط من (ر). (¬8) في (ف): (لم يحلف). (¬9) في (ف): (حلف). (¬10) قوله: (إلى بلوغ الصبي) ساقط من (ف). (¬11) قوله: (واحدة) زيادة من (ر).

يميني الآن لا تبرئني لم أحلف، ويوقف ذلك الحق، فإن نكل الصبي (¬1) بعد بلوغه، حلف المطلوب وبرئ. واختلف إذا كان له أب، فصار له مال من أمه، فأراد الأب أن يحلف، لأجل نفقته على الابن. فقال مالك -في كتاب محمد-: لا أظن ذلك له. يريد لأن اليمين للصبي، فقد نزع عنها (¬2) ولا يحلف. وفي كتاب المدنيين: ذلك للأب. وإن شهد شاهد لسفيه، حلف معه الآن واستحق؛ لأنه مخاطب بالشرع، وهو كالرشيد في اليمين. واختلف إذا نكل فقال ابن القاسم -في كتاب ابن سحنون-: يحلف المطلوب ويبرأ ولا يحلف (¬3) السفيه إن رشد. قال: وكذلك البكر المولى عليها، تنكل عن اليمين مع شاهدها، فلا يمين لها إذا رضي حالها. وقال ابن كنانة: لهما أن يرجعا إلى اليمين إذا رضي حالهما، وإن كان قد حلف المطلوب (¬4). وقال مطرف -في كتاب ابن حبيب-: إن حلف المطلوب ثم رشد السفيه، حلف وقضي له بالمال، وإن نكل المطلوب أولًا أخذ منه المال، فإن حلف السفيه بعد رشده مضى له، وإن نكل رد المال إلى المطلوب. يريد بعد يمينه، ولم يجعل ما تقدم له (¬5) من نكول المدعى عليه، يسقط قيامه إذا رشد السفيه. وهو أحسن (¬6)؛ لأنه يقول إنما أحلف (¬7) في موضع تسقط عني الدعوى. ¬

_ (¬1) في (ر): (الصغير). (¬2) في (ر): (منه). (¬3) قوله: (ولا يحلف) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (المطلوب) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (له) زيادة من (ف). (¬6) في (ر): (أبين). (¬7) في (ر): (أحلفت).

وأما إذا كان الطالب باقيًا على حاله، فلا تعجل اليمين في موضع لا تنفعني. واختلف إذا شهد شاهد لصبي، وحلف المشهود عليه وأخر الأمر إلى أن يبلغ الصبي، هل يوقف الدعى فيه (¬1) إذا كان معينًا؟ عبدًا أو دارًا أو كان عينًا، والمدعى عليه يخشى فقره أو لا يوقف؟ ويمكن من المدعى فيه حتى يرشد الصبي، وكذلك إذا كان الشاهد لسفيه فنكل على قول ابن كنانة، يختلف (¬2) هل يوقف له (¬3) ذلك؟ وإن ثبت على الميت دين بشاهدين (¬4)، وشهد شاهد بالقضاء والوارث صغير، حلف الطالب وأخذ ذلك، فإن بلغ الصغير حلف (¬5) واسترجع المال، وإن نكل الطالب لم يكن له شيء، وهذا على (¬6) القول بالوقف (¬7)، إذا كان الشاهد للصبي بدين، أن لا يوقف له من ذمة الغريم. وعلى القول بالوقف لا يقضى به للطلب ها هنا، وتوقف على يدي عدل، وإن ثبت للميت دين بشاهدين، وثبت للمطلوب شاهد بالقضاء، حلف المطلوب معه وبرئ، فإن نكل أغرم إذا كان الوارث صغيرا، ممن لا يدعى على مثله (¬8) العلم، فإن كان كبيرا وكان ممن يظن به العلم لمخالطته للميت كالولد وما أشبهه حلف (¬9). ¬

_ (¬1) في في (ت): (عليه). (¬2) قوله: (يختلف) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (له) ساقط من (ف). (¬4) في (ر): (بشاهد). (¬5) قوله: (حلف) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (على) ساقط من (ت). (¬7) قوله: (بالوقف) زيادة من (ر). (¬8) في (ر): (عليه). (¬9) قوله: (حلف) زيادة من (ر).

ويختلف هل يوقف المال من ذمة المطلوب؟ (¬1) وقال ابن (¬2) سحنون -فيمن شهد لميت بدين ووارثه أخرس، لا يفهم ولا يفهم عنه-: يحلف المدعى عليه، فإن حلف برئ، وإن نكل غرم. قال: وكذلك المعتوه يحلف المدعى عليه، فإن نكل غرم، وإن حلف ثم عقل المعتوه حلف واستحق. وإن شهد شاهد لغائب بدين (¬3)، لم يطلب الغريم من غير وكالة، وإن شهد أن هذا (¬4) غصب له شيئا في غيبته (¬5)، كان للحاكم أن يحلف المشهود عليه، فإن نكل وقف الشيء المغصوب حتى يغرم، وفي كتاب القذف ذكر من قذف غائبا، وهل يقام له به (¬6) من غير وكالة؟ وقال مطرف وابن الماجشون -في كتاب ابن حبيب فيمن عليه دين-: وشهد له شاهد بدين ونكل المشهود له فإن لم يكن ضرب على يديه لم يكن لغرمائه أن يحلفوا مع الشاهد ويستحقوا، ونكوله كإقراره، وإن ضرب على يديه كان لهم أن يحلفوا مع الشاهد ويستحقوا، ويحلف كل واحد منهم، أن الذي شهد به شاهده حق (¬7)، فيحلف على جميع الحق، وليس على ما ينوبه، ومن نكل لم يكن له أن يحاص من حلف. قال مطرف ومن رجع من الغرماء (¬8) ¬

_ (¬1) قوله: (من ذمة المطلوب؟) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (ابن) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (بدين) ساقط من (ر). (¬4) في (ر): (رجلا). (¬5) في (ت): (عيشه). (¬6) قوله: (له به) ساقط من (ر). (¬7) قوله: (حق) ساقط من (ر). (¬8) قوله: (من الغرماء) زيادة من (ر).

بعد نكوله لم يقبل. وقال ابن الماجشون: يقبل (¬1) وليس كنكوله عن حق نفسه ما لم يحكم، فلا يكون له أن يحلف. واختلف فيمن حلف فقال ابن الماجشون: يكون له بقدر نصيبه (¬2). وقال محمد بن عبد الحكم: له (¬3) جميع حقه من ذلك الدين. وقال أصبغ: إن شهد شاهد أنه قضى دينًا عليه ثم نكل، لم يكن لغرمائه ولا لورثته أن يحلفوا مع الشاهد، بخلاف أن يشهد بحق لغريم، قال: لأنهم ها هنا يحلفون لقد دفع، وهذا من الغيب فلا يحل، إلا فيما جاء من القسامة. يريد إذا كان عندهم علم (¬4) أن للغريم الدين (¬5) الذي شهد به الشاهد، ولا علم عندهم مما شهد به في القضاء، وإن كان عندهم علم حلفوا، وإن كان لا علم عندهم بما شهد به الشاهد، من الدين لم يحلفوا. وقد اختلف عن مالك في هذا الأصل: فأجاز مرة أن يحلف مع الشاهد، وإن لم يكن عند الحالف علم، كالشهادة للصغير إذا كبر (¬6). وقال أيضًا: لا يحلف إلا أن يستيقن صحة الشهادة. ¬

_ (¬1) في (ت): (يقال). (¬2) في (ر): (حقه). (¬3) في (ت): (يأخذ). (¬4) قوله: (علم) زيادة من (ر). (¬5) قوله: (الدين) ساقط من (ت). (¬6) في (ت): (بلغ).

فصل [في الشهادة بمال ونكول المشهود له عن اليمين]

فصل [في الشهادة بمال ونكول المشهود له عن اليمين] واختلف إذا شهد شاهد بمال، فنكل المشهود له عن اليمين، وحلف المطلوب، ثم وجد الطالب شاهدًا آخر بمثل ذلك الحق. فقال محمد: يستأنف الحكم ويحلف مع هذا الثاني، وإلا رد اليمين فيحلف المدعى عليه ثانية. قال: لأن يمين المدعي لو حلف مع شاهده الأول، يحلف أن له هذا الحق عليه، وأن الذي شهد له به شاهده حق، فإن نكل حلف المطلوب ما له عليه ما ادعاه (¬1)، وأن الذي شهد به شاهده (¬2) لباطل. وقال ابن الماجشون -في كتاب ابن حبيب عن مالك (¬3) عن هذا (¬4) -: أن الشهادتين تضمان ويقضى بهما وتبطل يمين المطلوب. وذكر ابن كنانة عن مالك: أنه قال: لا يضم الثاني إلى الأول، ولا يحلف مع الثاني؛ قال (¬5) لأن يمينه كانت قائمة (¬6) مقام الشاهد، فلما أبى أن يحلف لم يكن له أن يرجع فيحلف ويأخذ بها. فرأى محمد أن المدعي يحلف لقد صدق الشاهد، وإذا رد اليمين حلف الآخر لقد كذب الشاهد، وإذا حلف على تكذيبه لم يصح أن يرجع فيأخذ به. ¬

_ (¬1) قوله: (وأن الذي شهد. . . ما له عليه ما ادعاه) ساقط من (ر). (¬2) في (ف): (له به هذا). (¬3) قوله: (عن مالك) ساقط من (ف)، (ر). (¬4) قوله: (عن هذا) زيادة من (ف). (¬5) قوله: (قال) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (قائمة) زيادة من (ف).

ورأى (¬1) ابن كنانة أن يمين الدعي (¬2) كانت على الوجهين، لقد صدق الشاهد وأن الذي أدعيه (¬3) حق، فلما نكل حلف المدعى عليه، على تكذيبه في الوجهين جميعا (¬4)، أن الشاهد شهد بباطل وأن دعواك باطلة، فلم يصح أن يحلف مع الثاني؛ لأنه إن حلف يحلف أن الشاهد شهد بحق وأن دعواي حق، والمطلوب يقول قد تقدمت يميني، أن دعواك كانت باطلًا، فلا يصح أن ترجع وتحلف، أنها حق بعد ما حلفتني أنها كذب، فلا يأخذ هذا (¬5) الحق إلا بشاهدين غير الأول. ويختلف إذا كان لطخ من غير شاهد، فحلف المدعى عليه، ثم وجد المدعي شاهدًا، فقول ابن القاسم وغيره: أنه يحلف مع الشاهد ويستحق. وقول ابن كنانة في كتاب ابن حبيب: ليس ذلك له. قال: لأنه لا يسقط يمينًا قد درأ بها حقًا بيمينه مع شاهده، ولكن إن أتى بشاهدين. قال الشيخ (¬6): وقوله في هذا ضعيف وليس كالأول؛ لأن الأول كان له أن يحلف فنكل، والمدعي ها هنا غير قادر على اليمن ولم ينكل، فأشبه الشاهد على الطلاق، فحلف الزوج ثم وجد شاهدًا (¬7) آخر، فإنه يضم إلى الأول قولًا واحدًا؛ لأن المرأة لم تنكل، والصواب في الجميع أن تضم الشهادتان، والبينة العادلة أولى من اليمين الفاجرة. ¬

_ (¬1) في (ف): (وروى). (¬2) في (ر): (المدعى عليه). (¬3) في (ر): (ادعاه). (¬4) قوله: (جميعا) زيادة من (ر). (¬5) في (ر): (الأول هذا). (¬6) قوله: (قال الشيخ) زيادة من (ف). (¬7) قوله: (شاهدًا) زيادة من (ت).

فصل [في حلف المدعى عليه باللطخ]

وكذلك إن شهد شاهد بعتق، فحلف السيد ثم وجد آخر ضم إلى الأول، وقضى بالعتق كالطلاق، وكذلك إن شهد شاهد بصدقة، أو حبس على الفقراء، أو شهد لصغير، فحلف المشهود عليه في جميع ذلك، ثم شهد آخر بمثل ذلك، تضمان ويقضى بهما، وكذلك كل موضع لم (¬1) ينكل المشهود له عن الأول، إلا أن يفسد الشاهد الأول، فلا يقضى به الآن، إلا أن يكون قد حكم القاضي للصغير، وأوقف الأمر ليكبر ويحلف، فلا تسقط شهادته بجرحة حدثت، بخلاف الشاهد على الطلاق. فصل [في حلف المدعى عليه باللطخ] وإذا حلف المدعى عليه باللطخ، ثم أثبت المدعي شاهدين على ذلك الحق، ولم يعلم بهما أو علم وكانا بعيدي الغيبة أخذ بهما. واختلف إذا كان عالما (¬2) وهما حاضران، فقيل: لا يغرم (¬3) بهما ويحمل تحليفه على الترك للبينة. وقال مالك وابن وهب -في كتاب محمد-: يقوم بهما. وقال أبو الحسن ابن القصار: ووافق مالكًا على هذا القول الشافعي وأبو حنيفة. وأرى أن يسأل لم حلفه مع علمه بالبينة؟ فإن قال رجاء أن ينكل ولا أتكلف بينة، أو لأن ذلك أقرب لأخذ حقي من ضرب الآجال، إن ادعى منفعة في البينة، أو خوف أن يجرحها، أو ليتبين أنه ممن يحلف كاذبًا، أو لأن السعي في التعديل يشق علي، إذا كانا لا يعرفان بعدالة، قبل قوله ويستظهر ¬

_ (¬1) قوله: (لم) ساقط من (ر). (¬2) في (ر): (كانا عالمين). (¬3) في (ف)، (ر): (يقوم).

بيمينه (¬1) في مكانه، أنه لم يكن تاركا لها، وإن أشهد أنه يحلفه ليقوم بالبينة، كان ذلك قولًا واحدًا ولم تسقط البينة (¬2)، ومن حق المطلوب إذا قال الطالب لي بينة، أن يقول له أقمها وإلا (¬3) أحلف، إلا أن يسقطها، إلا أن يعلم من المطلوب (¬4) الشرور (¬5) والأذى للبينة إن شهدت، فله أن يبتدئ بيمينه، فإن نكل كان الطالب بالخيار بين أن يحلف أو يقيم البينة. ¬

_ (¬1) في (ف): (ببينة). (¬2) قوله: (كان ذلك قولًا واحدًا ولم تسقط البينة) ساقط من (ف). (¬3) في (ت): (ولا). (¬4) في (ر): (الطالب). (¬5) في (ف): (النشوز).

باب [في اختلاف البينات]

باب [في اختلاف البينات] وإن ادعى رجلان دارًا أو عبدا، فأقاما البينة اعتبر أربعة أوجه: هل هو في يد أحدهما؟ أو في أيديهما جميعًا (¬1)؟ أو تحت يد ثالث؟ أو لا يد عليه (¬2)؟ والبينة مختلفة العدالة والعدد (¬3) أو متساوية؟ فإن كان بعضها أعدل قضي بها، من غير مراعاة للمدعى فيه حيث هو، ولا يد من هو (¬4) عليه؟ وإن تكافأتا في العدالة افترق الجواب. فإن كان بيد أحدهما كان له بعد يمينه وإن كان بأيديهما حلفا وكان بينهما، وإن كان تحت يد ثالث يدعيه لنفسه، كان فيها (¬5) قولان: فقيل: ينتزع من يده ويكون بينهما؛ لأن البينتين اتفقتا على انتزاعه من يده. وقيل: يبقى لمن هو تحت يده؛ لأنه يقول البينتان جرح بعضها بعضا، أو أوقف بعضها بعضًا، وأي ذلك كان فلا ينتزع شيء (¬6) من يدي. وإن اعترف به لأحدهما كان على القولين، فمن قال أنه إذا (¬7) ادعاه لنفسه يقر في يديه، يجعله الآن لمن أقر له به, ومن قال أنه ينتزع منه ويقتسمانه بمنزلة ما لو لم يقر؛ لأن البينتين اتفقتا أنه لا حق له فيه، ¬

_ (¬1) قوله: (جميعًا) زيادة من (ر). (¬2) في (ر): (عليها). (¬3) قوله: (والعدد) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (هو) ساقط من (ر). (¬5) في (ر): (فيه). (¬6) قوله: (شيء) زيادة من (ر). (¬7) قوله: (إذا) ساقط من (ت).

وإن لم تكن عليه يد لأحد (¬1) وقف خيفة (¬2) أن يأتي من هو أحق به منهما، وبأثبت مما أتيا به وإلا كان بينهما. واختلف إذا تنازعا عفوا من الأرض، فقيل: هو بينهما (¬3) بمنزلة ما لا يد عليه فيقتسمانه. وقال -في المدونة-: تبقى كغيرها من عفو بلاد المسلمين. يريد لأن العبد والدار لابد أن يكون لهما مالك، وعفو الأرض يصح أن يكون لا مالك لها، فيكون خراجها لبيت المال، وعلى قوله في الأرض أنها تبقى، يكون العبد والدار لمن هما في يديه. واختلف في الترجيح (¬4) بالأكثر والأعدل إذا تكافئا، على ثلاثة أقوال: فرجح في المدونة بالأعدل ولم يرجح بالأكثر. قال ابن القاسم: وكذلك لو شهد لهذا شاهدان، ولهذا مائة وتكافؤوا في العدالة. ومحمل قوله على (¬5) الغايات (¬6) ولو كثروا، حتى يقع العلم بصدقهم لقضي بهم؛ لأن القضاء بالاثنين، لغلبة الظن. وذكر ابن حبيب عن مالك أنه قال: إذا تساووا في العدالة قضي بالأكثر، فإن كان كلاهما كثيرا (¬7)، يكتفي بهم الحاكم فيما يلتمسه من الاستظهار بالاستكثار، لم ينظر إلى الأكثر. قال (¬8): وسمعت غير واحد (¬9) من علمائنا ¬

_ (¬1) قوله: (يد لأحد) ساقط من (ر)، وفي (ف): (يد). (¬2) في (ف): (مخافة). (¬3) قوله: (بينهما) زيادة من (ر). (¬4) قوله: (الترجيح) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (على) ساقط من (ر). (¬6) في (ف): (المغايات)، وفي (ت) لعلها: (العادات). (¬7) قوله: (كثيرا) ساقط من (ر). (¬8) قوله: (قال) ساقط من (ر). (¬9) قوله: (واحد) ساقط من (ر).

يقول (¬1): إذا شهد عدلان ومن هو أعدل منهما، أو أكثر عددًا سواء. ويختلف إذا أقام أحدهما شاهدين، والآخر رجلًا وامرأتين، أو شاهدًا واحدًا وقال أحلف معه، فأوقف ابن القاسم شهادة رجلين، بشهادة (¬2) رجل وامرأتين، إذا تكافؤوا في العدالة، وبداهم على الرجلين إذا كانوا أعدل، وإن تضمنت تجريح الآخرين؛ لأن كل فريق يقول إن الآخرين كذبة مجرحون، لا تجوز في هذا ولا في غيره. وقيل: في هذا الأصل إنه تجريح، فينبغي أن تقدم شهادة الرجلين. واختلف إذا شهد لأحدهما شاهدان، وللآخر شاهد. فأجرى ابن القاسم شهادة الواحد مع اليمين مجرى الشاهدين فإن كان أعدل قضى به مع اليمين القائم به وإن كان مكافئا للآخرين، ولا يد على المدعى فيه، حلفا وكان بينهما، وإن كان بيد من أقام الشاهد حلف وكان له. وقاله أشهب مرة، وقال أيضًا: الدار لصاحب الشاهدين. قال محمد: مذهب أشهب أن لا ترد شهادة الرجلين بواحد؛ لأنها جرحة. فعلى قوله أنها جرحة، يقضى بشهادة الرجلين دون الرجل والمرأتين؛ لأن النساء لا يجرحن الرجال. وإن أرختا قضى بالأقدم، وإن كانت الأخرى أعدل (¬3)، وسواء كانت الدار (¬4) تحت يد أحدهما، أو تحت أيديهما، أو تحت يد ثالث، أو لا يد عليها. واختلف إذا أرخت إحداهما، هل تكون لمن أرخت، أو بمنزلة ما لم يؤرخ؟ وقد ذكرت الروايات على (¬5) ما وردت. ¬

_ (¬1) قوله: (يقول) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (رجلين، بشهادة) ساقط من (ت). (¬3) في (ر): (أقدم). (¬4) قوله: (الدار) زيادة من (ر). (¬5) في (ف): (كما).

وأرى إذا كان العبد في يد أحدهما، أن تسأل البينتان (¬1) عن تقدم التاريخ، وإن لم يعلموا حقيقته؛ لأنه لا يصح أن يجهلا (¬2)، هل ذلك خمس سنين، أو عشرة؟ فإن قالا جميعا هو نحو عشرة سنين (¬3) تزيد سنة أو تنقص سنة، وإن يد كل واحد عليه إلى الآن كان تكاذبا فيقضى بالأعدل، فإن تكافئتا بقيت اليد واقتسماه إن كان في أيديهما، وإن كان بيد ثالث بقي له، وكذلك إذا قدرا ذلك، وقالت إحداهما لم تزل يده عليه (¬4). وقالت الأخرى خفي عنا (¬5) تمادي يده، وقال القائم بها لم تزل يدي عليه (¬6)، فهو تكاذب من إقرار القائم بها، وإن قالتا كان ذلك من (¬7) ذلك الوقت جميعه يملكه أحدهما (¬8)، ثم أبق منه أو غصب (¬9) صح، أن لا يراعى الأعدل كما ذكر ابن حبيب، لإمكان صدق جميعهما، وأن يكون قد ملكه أحدهما (¬10)، ثم أبق منه ثم ملكه الآخر فأبق منه، فلا يرجح باليد لأنه إن (¬11) قال لم يزل يدي عليه إلى الآن، كان قد كذب بينته؛ لأنها قالت أبق منه وزالت يده عنه، ولا نعلم متى رجع، وإن كان بأيديهما الآن بعد ¬

_ (¬1) في (ت): (البينة). (¬2) في (ت): (يحملوا). (¬3) قوله: (سنين) ساقط من (ف). (¬4) في (ت): (عنه). (¬5) قوله: (خفي عنا) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (وقالت الأخرى. . . تزل يدي عليه) ساقط من (ف). (¬7) قوله: (ذلك من) ساقط من (ر). (¬8) قوله: (جميعه يملكه أحدهما) ساقط من (ر). (¬9) في (ف): (غضب). (¬10) قوله: (أو غصب صح. . . قد ملكه أحدهما) ساقط من (ر). (¬11) قوله: (إن) ساقط من (ف).

فصل [في الشهادة لكل واحد بدابة أنها نتجت عنده]

إباقه (¬1)، لم يكن أحدهما أحق به، وإن كان بيد ثالث انتزع منه لأن البينتين لم يتحقق كذبهما، وإن قالت إحداهما ملكه منذ خمس عشرة سنة وقالت الأخرى منذ عشر، وكلاهما يقول لم تزل يده عليه، أو قالت لا أدري هل تمادت أيديهما؟ وكل واحد يقول لم تزل يدي عليه فهو تكاذب (¬2)؛ لأنهما اتفقا على تكاذب البينتين فلم يكن لقدم التاريخ فائدة وكذلك إذا قالت إحداهما لم تزل يده عليه (¬3)، وقالت الأخرى لا أدري، وقال من أقامها لم تزل يدي عليه فهو تكاذب أيضًا، وإن قالت إحداهما كان يملكه منذ نحو خمس عشرة سنة (¬4)، ولا أدري هل تمادت يده عليه (¬5)؟ وقال القائم بها أبق مني أو غصب بعد ذلك، من إحدى عشرة سنة. وقالت الأخرى كان يملكه منذ عشر سنين، كان للأول وليس بتكاذب. فصل [في الشهادة لكل واحد بدابة أنها نتجت عنده] وإن شهد لكل واحد بدابة، أنها نتجت عنده كان تكاذبا، وكذلك إن أرختا فقالت كل واحدة: نتجت (¬6) في وقت كذا، لوقتن متفقين أو مختلفين، فهو تكاذب ويقضى بالأعدل، إلا أن يتبين كذب أحدهما؛ لأنهما مما يتوالد دون ذلك الوقت أو قبله، فتكون لمن أشبه، وإن أتيا بما لا يشبه؛ لأن سنها فوق ما ¬

_ (¬1) قوله: (الآن بعد إباقه) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (فهو تكاذب) زيادة من (ف). (¬3) قوله: (فهو تكاذب. . . لم تزل يده عليه) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (خمس عشرة سنة) في (ر): (عشر سنين). (¬5) قوله: (عليه) ساقط من (ف)، (ر). (¬6) قوله: (نتجت) ساقط من (ر).

شهدا به أو دونه، أو فوق ما شهدت به إحداهما، ودون ما شهدت به الأخرى، لم يقض بشيء من البينات، فإن كانت في يد أحدهما أقرت في يده، لعدم صحة دعوى الآخر، وليس لأجل شهوده. وإن كانت بأيديهما لم تنزع منهما، وإن لم تكن في يد أحدهما، لم يقض بها لواحد منهما ووقفت، وإن كانت في يد ثالث لم يعرض (¬1) له، وإن أرخت إحداهما وقالت نتجت عنده في وقت كذا، وقالت الأخرى نتجت عنده (¬2) ولم تؤرخ بينته (¬3) كان تكاذبا ويقضى بالأعدل، إلا أن يتبين كذب التي أرخت؛ لأنها دون ذلك في السن، أو فوقه فيقضى بها للذي لم تؤرخ بينته. وإن قالت إحداهما نتجت في (¬4) وقت كذا، وقالت الأخرى كان يملكها هذا، من وقت كذا ولم تذكر نتاجًا، فإن أشبه ما قالت قضي بالنتاج. وإن كان تاريخ الملك بانفراده أبعد، فقالت كان يملكها منذ ثلاث سنين، وقالت الأخرى نتجت (¬5) منذ سنتين كان تكاذبا وقضي بالأعدل، إلا أن يتبين صدق إحداهما وكذب الأخرى، فيقال (¬6) لا يشبه أن تكون ولادتها (¬7)، في الوقت الذي قال من شهد بالنتاج، وأتت الأخرى بما يشبه قضي بها للآخر، إلا أن يتبين أيضًا كذبها، مثل أن تقول كانت في ملكه منذ ثلاث سنين وسنها كذا (¬8)، مما يعلم أنها إذا اجتمعت هذه الثلاث السنين، إلى السن المتقدمة على ما ¬

_ (¬1) قوله: (يعرض) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (عنده) زيادة من (ت). (¬3) قوله: (بينته) ساقط من (ت)، (ف). (¬4) قوله: (في) زيادة من (ر). (¬5) قوله: (الأخرى نتجت) ساقط من (ر). (¬6) في (ت): (فيقول). (¬7) قوله: (ولادتها) ساقط من (ر). (¬8) قوله: (كذا) ساقط من (ر).

قالت، لم يبلغها سنها الآن، فلا يقضى بها لواحد منهما. وقال أشهب -فيمن أقام بينة في أمة بيد رجل، أنها ولدت عنده-: فلا يقضى له (¬1) بها حتى يقولوا أنه كان يملكها، لا يعلم لغيره فيها حقًا، وقد يولد في يديه ما هو لغيره، قال (¬2): ولو شهدت أنها بنت أمته، فليس كالأول إذا كان في شهادتهم، أنها ولدتها عنده (¬3)، وهي في ملكه لأنه قد تكون ولدتها (¬4) قبل أن يملكها، إلا أن يقولوا أنها ولدت (¬5) عنده، من أمة له جدة الصبية، فيقضى له بها. وقول ابن القاسم: أنها لمن ولدت عنده أصوب. ومحمل الأم على أنها كانت له، حتى يثبت (¬6) أنها وديعة أو غصب. وقال سحنون -فيمن حضر رجلًا اشترى سلعة من السوق-: فلا يشهد أنها ملكه، ولو أقام رجل بينة أنها ملكه، وأقام هذا بينة أنه اشتراها من السوق، كانت لصاحب الملك، وقد يبيعها من لا يملكها، والشهادة بالملك أن تطول الحيازة، وهو يفعل ما يفعل (¬7) المالك لا منازع له، وسواء حضر بدء (¬8) دخولها في يده أم لا فليشهد بالملك، وإن لم تطل الحيازة لم يثبت الملك، إلا أن يشهد البينة (¬9) أنه غنمها (¬10) من دار الحرب وشبهه، انتهى قوله. وإلى هذا ذهب ¬

_ (¬1) قوله: (له) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (قال) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (عنده) ساقط من (ف)، (ت). (¬4) قوله: (لأنه قد تكون ولدتها) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (لأنه قد تكون. . . يقولوا أنها ولدت) ساقط من (ر). (¬6) في (ف): (يتبين). (¬7) قوله: (ما يفعل) ساقط من (ر). (¬8) قوله: (بدء) ساقط من (ر). (¬9) في (ف)، (ت): (يشهدوا). (¬10) قوله: (غنمها) في (ر): (غصبها).

فصل [في اختلاف البينات على نسيج الثياب]

أشهب، إلا أن يثبت الملك (¬1) بمجرد ولادة الأم، إلا أن تطول الحيازة؛ لأنها لو كانت المنازعة في الأم، فشهدت لهذا بينة أنها ملكه، ولهذا بينة أنها كانت (¬2) في يديه، يومًا أو يومين لرجح الملك، وهذا يحسن في عدم التواريخ، فإن علم أن يد هذا تقدمت، ثم ملكها الآخر ردت إلى من تقدمت يده وإن لم يطل. قال ابن القاسم: إذا شهد لهذا في مسكن أنه يملكه، ولهذا أنه حازه فملكه وحيزه سواء، وقد يختلف اللفظ والمعنى واحد. يريد أنه حيزه فيما طال وعرف. فصل [في اختلاف البينات على نسيج الثياب] ونسيج الثوب عند ابن القاسم كالنتاج سواء (¬3)، وفي كتاب ابن سحنون أنه إنما يستحق النسج وحده، يقضى له بقيمته (¬4) بعد أن يحلف أنه لم ينسجه باطلا. وقول ابن القاسم أبين أن (¬5) جملته لمن نسجه، وإن كان ممن ينسج للبيع، لم يكن له شيء (¬6) نسج ولا غيره؛ لأن كل ما يعمله سائر السنين، في أيدي الناس بالبيع، ولو مكن من ذلك، لارتجع جميع ما يجده من عمله، إلا أن تقوم (¬7) بينة على شيء بعينه، يعرف بعلامة أو غير ها، أنه كان فقده أو غصب منه، وكذلك ¬

_ (¬1) قوله: (الملك) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (كانت) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (سواء) زيادة من (ر). (¬4) في (ر): (ببينة). (¬5) في (ر): (لأن). (¬6) قوله: (شيء) ساقط من (ر). (¬7) في (ر): (يقيم).

فصل [في اختلاف البينات بين الرهن والشراء]

ناسخ الكتاب ينسخ للبيع، أو بأجرة للناس لا شيء له، وإن كان نسخه للقنية استحق جميعه. وإن تنازع رجلان ثوبًا، وشهدت لكل واحد بينة أنه نسجه كان تكاذبا، فإن كان بيد أحدهما بقي له، وإن كان بأيديهما تحالفا وكان لهما. وقيل: إن كان مما ينسج مرتين كالخز (¬1)، فقالت كل بينة أن هذا نسجه، وعرف الأول كان له، وللثاني قيمة عمله. وهذا فاسد وليس هذا مما يعمل، ولو علم أن أحدًا نقض ثوب خز جديد ثم أعاده، وإنما ذكر الله تعالى ذلك في خرقاء كانت تنقض غزلها. وأيضا فلا يعرف لو نقض، أن الحرير (¬2) أو الصوف الذي في هذا هو عين الأول. وإنما يعلم ما دام ثوبًا، ويستحيل أن يشهد على حرير أو صوف بعد أن يصنع، أنه ذلك المتقدم قبل العمل، وإن كان الأول قديمًا والثاني جديدًا، فذلك أبين أن لا يعرف. فصل [في اختلاف البينات بين الرهن والشراء] واختلف فيمن أقام بينة، على ثوب في يد رجل، أنه رهنه عنده، وأقام الآخر بينة أنه اشتراه منه. فقال ابن القاسم -في كتاب ابن سحنون-: هو لمن أقام البينة بالشراء، إلا أن يقيم الآخر البينة أن الرهن كان بعد الشراء. قال سحنون: وقال بعض أصحابنا يقضى بأعدلهما. قال: وكذلك لو لم تكن بينة، فالراهن مصدق مع يمينه؛ لأن المرتهن أقر له بالملك وادعى الشراء. ¬

_ (¬1) قوله: (كالخز) ساقط من (ر). (¬2) في (ف): (الخز).

وقوله مع عدم البينة صحيح، وأما إذا شهد لكل واحد (¬1) منهما، فقول ابن القاسم أحسن؛ لأنا لا نحمل البينتين على التكاذب، مع إمكان حملهما على الصدق، وقد اتفقا على ملك القائم، وقد كان بيده الوجهان جميعا الرهن والبيع، ويصح أن يكون أرهن ثم باع فتصح الشهادتان، عن مجلس واحد ولفظ واحد، فيقضى بالأعدل، فإن تكافأت العدالة قضي بالرهن؛ لأن البينتين تسقطان ويبقى إقراره. قال مطرف -في كتاب ابن حبيب-: إن (¬2) شهدت للقائم على الحائز أنه غصبه، وشهد للحائز بالشراء منه, قضي ببينة الشراء تقدمت أو تأخرت؛ لأنه إن تقدم الغصب بطل حكمه بما وقع بعده من شراء، وإن تقدم الشراء كان قد غصب ملكه. ¬

_ (¬1) قوله: (واحد) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (إن) ساقط من (ر).

باب في الحيازات

باب في الحيازات الحوز مع حضور المالك يسقط ملكه، إذا كان الحوز (¬1) على صفة ما، يتصرف بها المالك في ملكه وذلك على وجوه: فأما الديار، فقيل: إن حيزت عشر سنين بحضرته سقط قيامه. قال ابن القاسم: وأرى (¬2) الثماني والتسع قريبًا من العشر. وقيل: الأمر يختلف باختلاف صفة الحوز، وهو على ثلاثة أوجه: السكنى والأكرياء والهدم والبناء. قال مطرف: في الدار تسكن (¬3) والأرض تزرع، أو تغرس عشر سنين (¬4)، والهدم البين والبناء (¬5) الذي لا يشبه الرم (¬6) أقصر من السكنى، ومن اغتل أقوى ممن لم يغتل، والحيوان والعروض أقصر. وقال أصبغ: إذا سكن أو هدم أو بنى، أو زرع أو غرس عشر سنين وما قاربها، والثياب السنة والسنتين إذا لبست، والدابة السنتان والثلاث إذا ركبها واغتلها على وجه الملك، والأمة تشبه ذلك إلا أن يطأ بعلمه, فلم ينكر فلا شيء له, وإن لم يطل قبل الوطء، والعبيد والعروض فوق ذلك شيئًا. وقال ابن كنانة -في المجموعة في السكنى بانفراده-: لا يستحق به شيئًا وإن أقام فيها حتى مات. قال: وكذلك الثوب يقيم الزمان الطويل لا يلبس. ¬

_ (¬1) قوله: (إذا كان الحوز) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (وأرى) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (الدار تسكن) بياض في (ف). (¬4) قوله: (أو تغرس عشر سنين) بياض في (ف). (¬5) قوله: (والبناء) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (الرم) ساقط من (ر).

ولا أرى أن يستحق بالسكنى بانفراده شيئًا، وإن طالت المدة إذا كان شأن الساكن (¬1) السكنى بالكراء، وإن كان مثله لا يسكن بالكراء فذلك حوز، وإن كان المالك للدار لا شيء له سواها، وعاد يسكن الكراء ولم يطلب هذا بكراء فذلك أبين، وإن كان من في يده الدار الآن (¬2) يكريها، فهو أبين من السكنى، وليس الشأن فيمن اكترى أن يكري، إلا أن يقول تركت له الكراء، ليرتفق به فيقبل قوله إذا كان بينهما مؤاخاة، وكان الآخر ممن يحتاج إلى الرفق، وقد يكون صاحبها يحتاج إلى الرفق فلا يصدق، والهدم لما يخشى سقوطه لا ينقل الملك، وإن هدم صحيحًا وله قدر ليتوسع به أو ليبني غيره مكانه، نفعه الحوز (¬3). وكذلك إذا كان البناء زيادة مسكن أو مساكن، وكذلك العبد (¬4) والدابة يسأل لم ترك ذلك في يديه تلك المدة؟ فإن قال عارية نظر، هل بينهما ما يعيره من أجله تلك المدة؟ وإن قال إجارة نظر هل مثله يؤاجر دابته؟ وهل كان يقتضيه في الكراء؟ وهل يشبه الآخر (¬5) أن يستخدم أو يركب بكراء وكذلك الأمة يسأل على أي وجه، تركها طول (¬6) تلك المدة وديعة، أو عارية، أو بإجارة؟ وهل يودع مثله (¬7) مثلها؟ أو هو ممن يؤاجر جواريه وخدمه، والآخر ممن يستأجر؟ فمتى أتى الأول بما لا يشبه لم يصدق. ومتى أشكل الأمر حلف، وكان على ¬

_ (¬1) في (ر): (الناس). (¬2) في (ف): (التي). (¬3) في (ت): (نفقة). (¬4) قوله: (وكذلك إذا كان البناء زيادة مسكن أو مساكن، وكذلك العبد) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (الآخر) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (طول) زيادة من (ر). (¬7) قوله: (مثله) ساقط من (ت).

فصل [في الحوز بين الأقارب والأصهار والموالي]

ملكه، وقد يتبين عند النازلة من القرائن، ما لا يسقط ملك الأول، فيما قيل أنه يسقط، أو يسقط فيما قيل أنه لا يسقط، فيعمل على ما يتبين أنه من (¬1) القرائن (¬2) لا تنحصر (¬3)، والوطء والعتق والكتابة والتدبير، والبيع والهبة والصدقة والتزويج، فذلك (¬4) يسقط قيام الأول وإن قرب إذا كان حاضرا عالما. فصل [في الحوز بين الأقارب والأصهار والموالي] وأما الحوز بين الأقارب والأصهار والموالي، فمن علم منه المشاحة وقلة المسامحة كانوا كالأجنبيين، ومن علم منه المسامحة في مثل ذلك إلى تلك المدة، أو أشكل أمره (¬5)، كان على حقه وإن طالت السنون، والورثة والشركاء بخلاف من لا شرك له في ذلك ولا وارث (¬6)، فيراعى في الحوز ثلاثة حسبما تقدم أحدها: السكنى والزراعة. والثاني: البناء والغرس. والثالث: الوطء والعتق وما أشبهه. فإن كانوا ورثة أو شركاء، لم يستحق بالسكنى والحرث (¬7) شيئًا، وإن طالت السنون. قال مطرف: إلا أن يكون مثل الخمسين سنة. قال: وكذلك إذا كان أحدهم يغتل الثمار فهو كالسكنى، فإن زعم شركاؤه أنه قبض ذلك لهم، بتوكيله أو التقديم له في ذلك، حلفوا وكانوا على حقهم من الأصل والغلة الماضية، وإن قالوا تجافينا عن ذلك كانوا على حقهم من الأصل. ¬

_ (¬1) قوله: (أنه من) زيادة من (ر). (¬2) في (ف): (والقرائن). (¬3) قوله: (لا تنحصر) ساقط من (ر). (¬4) في (ر): (كل ذلك). (¬5) قوله: (أمره) ساقط من (ف). (¬6) في (ف)، (ت): (إرث). (¬7) قوله: (والحرث) ساقط من (ف).

واختلف قول ابن القاسم فيما حازه أحدهم، ببناء أو هدم أو غرس أو كراء باسمه. فقال مرة: هو في هذا كالأجنبيين، إذا حازه عشر سنين فهو له، ثم رجع فقال: هذا لا يقطع حق الوارث الآخر (¬1). وقال مطرف: هو أحق به إذا كان مثل سهمه فأكثر، فإن ادعى أن الذي عمر له، وأن حقه فيما بقي لم يقبل قوله، وإن كان الذي عمر دون حقه، أتم له بقية سهمه مما بقي، وإن حازه بالوطء والتدبير والكتابة، والإصداق والبيع كان له قولًا واحدًا، إذا لم ينكر بالحضرة ثم ينظر، فإن كان دون نصيبه رجع بتمامه، وإن كان أكثر لم يرجع عليه على قول مطرف، وما حازه بعضهم من العبيد والإماء والدواب (¬2) وجميع العروض، يختدم ويركب ويحلب (¬3) ويمتهن العروض، فلا يقطع ذلك حق الباقن ما لم يطل، والطول في هذا (¬4) دون الطول في الحيازة بالسكنى والحرث، وفوق حيازة الأجنبيين. ¬

_ (¬1) قوله: (الآخر) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (والدواب) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (ويحلب) ساقط من (برلين). (¬4) في (ر): (ذلك).

فصل [في حوز الولد على أبيه]

فصل [في حوز الولد على أبيه] ولا يحوز الولد على أبيه (¬1) بالحرث والسكنى، واختلف إذا بنى أو غرس. فقال ابن القاسم: لا شيء له بذلك وإن طالت عمارته. قال: وهو كالحوز لآبائهم إلا ما نسبوه لأنفسهم، بشراء أو هبة أو صدقة أو صداق، وكذلك الجد وولد الولد. وقال محمد بن دينار: فيما بنى الابن إذا لم ينقله الأب منه (¬2)، حتى طال زمانه أو مات وهو في يديه فهو له، وإن كان أبوه ينقله من موضع إلى موضع، وهو يعمل في كل موضع لم يكن له، وإن مات أبوه وهو في يديه. وهذا أحسن ولا يحمل على أنه حائز لأبيه إذا كان منقطعًا عنه، وليس ممن يقوم بأمر أبيه، وكذلك الأب في مال ابنه لا يستحقه بالسكنى والحرث، ويستحقه بالبناء والغرس، وهو في هذا أبين من فعل الابن في مال الأب. واختلف في القرابة والموالي والأصهار، إذا لم تكن بينهم شركة. فقال مطرف: جميع (¬3) القرابات: الأخوة وبنوهم، والأعمام وبنوهم (¬4)، والأخوال والأصهار والموالي، كالأجنبين فيما حازوه إذا لم يكن بينهم شركة، ولم يفرق بين الحوز بسكنى أو بناء. وقال ابن القاسم -في المجموعة في حيازة الإخوة والموالي، بعضهم على (¬5) بعض، بالبناء والغرس وحفر الآبار-: كالأجنبيين، [وقال -في العتبية-: ¬

_ (¬1) قوله: (الولد على أبيه) في (ر): (الوالد على ابنه). (¬2) قوله: (منه) ساقط من (ر). (¬3) قوله: (جميع) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (وبنوهم) ساقط من (ف). وقوله: (والأعمام وبنوهم) ساقط من (ر). (¬5) في (ر): (عن).

الأصهار والموالي لا ينفعهم الحوز بالسكنى والحرث، بخلاف الهدم والبناء. وقال أصبغ: هم كالأجنبيين (¬1)، إلا من كان مديرًا لماله والقيام (¬2) بأمره، والخول أو الوكلاء (¬3) أو مختلطين به جدًا. وهو مثل قول مطرف، ولا يخالف فيمن كانت تلك منزلته من صاحب المال، أنه لا يكون فيما حازه كالأجنبي (¬4). ولا أرى أن يستحق أحد منهم بالسكنى وبالزراعة؛ لأنه مما يتسامح فيه مثل هؤلاء، إلا أن تطول المدة ولا أبلغ به الخمسين، إلا أن يثبت أن بينهم من المشاحنة (¬5) ما لا يتركه، إلا لأنه ملكه، وأن يملك بالبناء والغرس، إلا أن يثبت أنهم يتسامحون بذلك مع بقاء الملك، أو يكون الباني والغارس من قومة المالك، أو من خدمته (¬6) أو وكلائه، فلا يستحق به ويستحق بمثله، الذي يقام له على قومته، والوطء والعتق والتدبير والكتابة والبيع، في كل هؤلاء الأقارب والموالي والأصهار، يستحق به إذا لم يغير (¬7) عليه بالحضرة. ¬

_ (¬1) قوله: (وقال -في العتبية-:. . . هم كالأجنبيين) ساقط من (ر). (¬2) في (ر) و (ت): (والقوام). (¬3) في (ف): (أو كلا). (¬4) قوله: (كالأجنبي) ساقط من (ف). (¬5) في (ف): (المسامحة). (¬6) قوله: (خدمته) ساقط من (ر). (¬7) في (ف): (يعثر).

باب جامع

باب جامع وقال مالك -فيمن ادعى على رجل، أنه اشترى منه سلعة فجحده، وقال احلف أن لا حق لك قبلي-: فقال مالك: يحلف أنه لم يشتر منه سلعة كذا؛ لأن هذا يريد أن يورك (¬1). وقيل: ذلك له. والأول أحسن لأن في تمكينه من ذلك، نقل الأحكام عن مواضعها؛ لأنه إنما يبدأ باليمين إذا أنكر الشراء، وإن أقر وادعى القضاء بدأ البائع، وكذلك إن قال استقرضت مني، فإنه يحلف أنه لم يستقرض منه، إلا أن تطول المدة مما أن (¬2) اعترف المطلوب بالشراء أو القرض، صدق في القضاء فيمكن من اليمين أن لا حق لك، إلا أن يذكر الطالب (¬3) وجهًا، إن اعترف بالأصل لم يصدق الآخر في القضاء. وقال ابن القاسم -في متفاوضين ادعى أحدهما على رجل دينا من شركتهما، فجحد المطلوب وقال احلف على حصتك-: فقال يحلف على حصته وحصة صاحبه؛ لأنه في حصة صاحبه وكيل مفوض إليه (¬4). وهذا إنما يفيد إذا كان يرى أنه يحلف يمينين؛ لأن الحق لرجلين، فهذا الطالب يطلب لنفسه وبالوكالة لغيره، وإن كانت الدعوى نصف دينار، حلف في الجامع يمينين، فإن نكل حلفا واستحقا، وإن حلف أحدهما كان له نصيبه منه، ولا شركة فيه لصاحبه؛ لأنه أخذه بيمينه وذلك كالمقاسمة. وإن حلف لأحدهما سقط نصيبه، واستحق الآخر بيمينه. وإن كانت الدعوى في أقل من نصف دينار، حلف لهما مكانه، وإن ادعى عليهما ربع دينار، كان له أن يحلف ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 158. التوريك: نية ينويها الحالف غير ما نواه مستحلفه. (¬2) هكذا في (ف). (¬3) قوله: (الطالب) ساقط من (ر). (¬4) قوله: (إليه) ساقط من (ف). انظر: المدونة: 4/ 54.

كل واحد منهما (¬1) في الجامع؛ لأنه يقول لي قبلك ثمن دينار وثمن بالحمالة، فإن نكلا كان بالخيار بين أن يحلف مكانه يمينين ويأخذ من كل واحد منهما نصف حقه، أو يحلف يمينًا واحدة في الجامع، ويستحق من أحدهما إن غاب الآخر أو أعدم. وإن ادعى ورثة رجل، أن لأبيهما قبل رجل ربع دينار، كان بالخيار بين أن يحلف في الجامع يمينًا واحدة، أن لا شيء للميت عنده، أو يحلف مكانه (¬2) لكل واحد منهم يمينًا، أنه لا يستحق قبله من سبب (¬3) أبيه من ذلك شيئا، وإن حلف لأحدهما ورد اليمين على الآخر فحلف (¬4)، استحق من حلف نصيبه، وإن نكل لجميعهم كان كل واحد بالخيار، بين أن يحلف أن لأبيه (¬5) عنده تلك الجملة، أو أنه يستحق قبله (¬6) في نصيبه كذا وكذا. ومن وكل على قبض دين فأنكره المطلوب، لم يحلفه الوكيل إلا أن يوكله على تحليفه، أو يكون وكيلًا مفوضًا إليه. قال ابن القاسم -في العتبية-: إن أقر المطلوب وادعى القضاء أغرم الآن. وقيل: يؤخر لأن له رد اليمين، فلا يستحق عليه شيئًا إلا بعد يمين الطالب (¬7)، وهذا هو الأصل. وَرَأْيُ ابن ¬

_ (¬1) قوله: (منهما) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (مكانه) ساقط من (ر). (¬3) في (ف): (قبل). (¬4) قوله: (فحلف) ساقط من (ر). (¬5) في (ر): (لوالده). (¬6) قوله: (قبله) ساقط من (ر). (¬7) في (ر): (الكاتب).

القاسم حمل عليه اللدد؛ لأن كثيرًا ممن يفعل ذلك لوذانا (¬1)، فإذا اجتمع (¬2) مع الموكل (¬3) لم يتماد على ذلك، وتحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور. وقال -في كتاب محمد فيمن أقر لرجل بدين، وأشهد على نفسه به ثم أنكر، فطلب يمين المقر له-: لم يكن ذلك له. وقال محمد: إن أنكر وقال نسيت، أو غلطت فلا يمين عليه، وإن قال أشهدت قبل قبض ذلك، أو تركته عندك وديعة، أو رددته إليك فعليه اليمين. يريد إذا أشهد على نفسه بالثمن ويقبض السلعة لم يحلفه، وإن شهد بالثمن ولم يذكر قبض السلعة، حلفه وقال محمد بن عبد الحكم: لا يحلفه. ¬

_ (¬1) في (ف): (لودانا). (¬2) قوله: (اجتمع) ساقط من (ف). (¬3) في (ت): (الوكيل).

باب في صفة الأيمان ومواضعها

باب في صفة الأيمان ومواضعها للأيمان صفة يحلف بها (¬1)، ومواضع يحلف فيها، ووقت يختص ببعضها، فالأيمان في الأموال وما أشبهها بالله الذي لا إله إلا هو. واختلف إذا قال: والله ولم يزد، أو قال: والذي لا إله إلا هو، فالذي يقتضيه قول مالك أنه يمين جائزة. وقال أشهب في كتاب محمد: لا تجزيه اليمن في الوجهين جميعًا (¬2). وأرى أنها تجزيه؛ لأنه لا خلاف فيمن حلف وقال: والله ولم يزد، أو قال: والذي لا إله إلا هو إن فعلت كذا، ففعله أنه حانث، وأنها يمين منعقدة تلزم بها الكفارة. واختلف في اللعان فقال مالك (¬3) في المدونة: يحلف بالله (¬4). وقال في كتاب محمد: أشهد بعلم الله (¬5). يريد أنه جائز؛ لا أنه لا يجوز غيره. وقال محمد: يحلف بالله (¬6) الذي لا إله إلا هو، في اللعان والقسامة (¬7). وقاله مالك في القسامة مرة (¬8). وقال في كتاب محمد: يحلف بالله الذي أحيا وأمات (¬9). وقال ابن الماجشون: يحلف (¬10) بالله الذي لا إله إلا هو، عالم الغيب والشهادة الرحمن ¬

_ (¬1) في (ر): (يحلفها). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 153. (¬3) قوله: (مالك) زيادة من (ر). (¬4) انظر: المدونة: 1/ 580. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 332. (¬6) قوله: (وقال في كتاب محمد:. . .: يحلف بالله) ساقط من (ر). (¬7) انظر: النوادر والزيادات 8/ 152. (¬8) انظر: المصدر السابق الموضع نفسه. (¬9) انظر: المصدر السابق الموضع نفسه. (¬10) قوله: (يحلف) ساقط من (ت).

الرحيم (¬1). وكل هذا استحسان ليس بقياس (¬2) أن لا يجزي غيره. واختلف في مواضع اليمين، فقال مالك وابن القاسم: أنه يحلف في مكانه في أقل من ربع دينار، وفي ربع دينار (¬3) فأكثر في المسجد الجامع حيث يعظم منه، فإن كانت اليمين في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - فعند المنبر. وقال محمد: على المنبر. وقال مالك: ويحلف بمكة عند الركن. وقال الشيخ أبو القاسم بن الجلاب: يستحلف الناس في أقل من ربع دينار في سائر المساجد، ولا يحلف عند منبر من المنابر، إلا عند منبر النبي - صلى الله عليه وسلم - في ربع دينار فصاعدًا. وفي كتاب محمد: تحلف المرأة في بيتها في أقل من ربع دينار، وفي ربع دينار فأكثر في الجامع، فإن كانت ممن تتصرف أحلفت نهارًا، وإن كانت ممن لا تتصرف، أحلفت ليلًا (¬4). وأجاز سحنون في كتاب ابنه في امرأتين ادعي عليهما في دور وأرض، وليستا ممن يخرج أن يحلفا في أقرب المساجد إليهما (¬5). وقال القاضي أبو محمد عبد الوهاب: إذا كانت المرأة من أهل الشرف والأقدار (¬6) جاز أن يبعث الحاكم إليها من يحلفها؛ لأن في ذلك صيانة لها، ولا مقال للخصم فيه؛ لأن الذي يجب (¬7) له إحلافها دون تبديتها (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 153. (¬2) قوله: (بقياس) زيادة من (ر). (¬3) قوله: (ربع دينار) ساقط من (ت). (¬4) قوله: (ليلًا) ساقط من (ف). انظر: النوادر والزيادات: 8/ 157. (¬5) انظر: النوادر والزيادات 8/ 157. (¬6) في (ر): (والمقدار). (¬7) قوله: (يجب) زيادة من (ر). (¬8) في (ت): (تبدلها). انظر: المعونة: 2/ 482.

واختلف هل يقام الحالف؟ وهل يستقبل به القبلة؟ فقال ابن القاسم في المدونة: ليس عليه أن يستقبل به القبلة (¬1). وقال مالك في كتاب ابن سحنون: يحلف جالسًا. وقال في كتاب محمد: يحلف (¬2) قائمًا (¬3). وقال مطرف وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: يحلف قائمًا ويستقبل به القبلة، إلا أن يكون أقل من ربع دينار فيحلف في مكانه جالسًا، والمرأة في بيتها جالسة (¬4). وقال مالك في كتاب آخر: ليس على من حلف في غير المسجد أن يقوم. يريد أنه يقوم إذا كانت اليمين في الجامع. وأرى أن يستقبل به القبلة في قليل ذلك وكثيره ولا يقام، وإن كانت اليمين في الجامع. وقد يستحسن (¬5) ذلك في القليل (¬6). ولم يقم النبي - صلى الله عليه وسلم - في اللعان إلا في الخامسة، أقام المرأة في موضع الغضب (¬7). وقيل: إنه أقام الرجل في الخامسة, وليس في الصحيح إقامة الرجل، ومن حلف في جميع ذلك جالسًا أجزأه. ولا يحلف في الأيمان إلى غير موضعه إلا في القسامة. قال مالك: يحلف إلى مكة والمدينة وبيت المقدس. وأما غير هذا (¬8) فيستحلفون في مواضعهم، إلا أن ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 6. (¬2) قوله: (يحلف) ساقط من (ف). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 9/ 184. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 156. (¬5) في (ر): (يستحب)، وفي (ف): (يستحق). (¬6) في (ت)، و (ف): (في القتل). (¬7) سبق تخريجه في كتاب اللعان، ص: 2426. (¬8) في (ت): (غير هؤلاء)، وفي (ف): (غيرها).

يكون قريبًا من المصر العشرة الأميال ونحوها (¬1)، وقال أبو مصعب: يحلف إلى الأمصار من كان على ثلاثة أميال (¬2) وهو أحسن وأحوط، ولا يمكن من كان في البوادي من الدماء فتضيع. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 6. (¬2) في (ف): (أيام).

فصل [في صفة يمين الكتابي وأين يوقع]

فصل [في صفة يمين الكتابي وأين يُوقع] قال ابن القاسم: ويحلف (¬1) اليهودي والنصراني بالله في كنائسهم حيث يعظمون منها (¬2)، ولا يحلف اليهودي بالله (¬3) الذي أنزل التوراة على موسى، ولا النصراني بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى. ويحلف بالله فقط. قيل: له أيحلف المجوسي في بيت ناره؟ قال: يحلف حيث يعظم (¬4). يريد بيت ناره وغيره. وقال أبو إسحاق بن شعبان: وروى الواقدي عن مالك أنه قال: يحلف اليهودي بالله الذي أنزل التوراة على موسى، والنصراني بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى. قال: ومن الكفار من لا يحلف بما يحلف به المسلم؛ لأنه ينكر ما يقر به أهل التوحيد، ويحتج بأن ليس عليه الخروج عن دينه ليمين وجبت عليه، قال: فيحتاط حتى يقول ما لا يخرج به عن الشهادة بالحق، ولا يحلف بكفره. وقال محمد: في مجوسية أسلم زوجها فلاعنت، فقالت: أقول والنار ولا أحلف بالله، فقال: لا تحلف إلا بالله. وأرى يمين اليهودي والنصراني على ما روى الواقدي عن مالك حسن؛ لأنه إذا حلف بذلك حلف بحق وفيه تغليظ، ويزاد في يمين اليهودي: الذي لا إله إلا هو؛ لأنهم يوحدون، وفي يمين المجوسي بالله إن طاع بذلك حسن، من باب اليمين بالحق، ولا يؤدي ذلك (¬5) إلى استخراج الحق منه، ويرهب (¬6) اليمين بغير ذلك مما ¬

_ (¬1) في (ف): (ولا يحلف). (¬2) في (ت): (بالله). (¬3) قوله: (في كنائسهم حيث يعظمون منها، ولا يحلف اليهودي بالله) ساقط من (ف). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 56. (¬5) قوله: (ذلك) ساقط من (ر). (¬6) في (ت): (وتذهب).

يعظم من دينه، وذلك يؤدي إلى استخراج ما طلب منه، ولا فرق بين أن يرهب (¬1) عليه بالموضع، فيحلف في بيت ناره، ويحلف الآخرون في كنائسهم ولا بين اليمين بما يعظمون. ¬

_ (¬1) في (ت): (يذهب).

باب في عقوبة شاهد الزور, وهل تجوز شهادته إذا حسن حاله

باب في عقوبة شاهد الزور, وهل تجوز شهادته إذا حسن حاله ويعاقب شاهد الزور إذا ظهر عليه، ويطاف به ولا يسود وجهه، وقال محمد بن عبد الحكم: ويكتب القاضي بذلك كتابًا، ويُشهِد فيه ويجعله نسخًا يستودعها عند من يثق به (¬1). واختلف في عقوبته إذا أتى تائبًا ولم يظهر عليه، فقال ابن القاسم فيمن رجع عن شهادته ولم يأت بعذر، لو أدب لكان لذلك أهلًا. وقال سحنون في العتبية: لا يعاقب ولو عوقب لم يرجع أحد عن شهادته خوف العقوبة، وقياسًا على المرتد (¬2). يريد أنه لا يعاقب إذا رجع إلى الإسلام. وقال مالك -في المبسوط فيمن أصاب أهله في رمضان، ثم أتى يسأل عن ذلك-: فلا عقوبة عليه. قال: ولو عوقب خشيت أن لا يأتي أحد يستفتي في ذلك (¬3). واحتج بالحديث الذي قال: "احْتَرَقْتُ احْتَرَقْتُ فَلَمْ يُعَاقِبْهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -" (¬4). فأما قبول (¬5) شهادته في المستقبل، فإن أتى تائبًا ثم انتقل حاله (¬6) ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 390. (¬2) في (ت): (المحارب). انظر: البيان والتحصيل: 16/ 378 - 379. (¬3) قوله: (في ذلك) ساقط من (ر). (¬4) متفق عليه: أخرجه البخاري: 6/ 2501، في باب من أصاب ذنبا دون الحد فأخبر الإمام فلا عقوبة عليه بعد التوبة إذا جاء مستفتيا، من كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة، برقم (6436)، ومسلم واللفظ له: 2/ 783، في باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم ووجوب الكفارة الكبرى فيه، من كتاب الصيام، برقم (1112). (¬5) قوله: (قبول) ساقط من (ر). (¬6) في (ر): (ذلك).

إلى خير وصلاح قبلت إلا أن يكون قبل ذلك، عرف بالخير والصلاح فلا تقبل. وقد تقدم قول أصبغ في كتاب الأقضية، أن لا تقبل شهادته أبدًا (¬1) إذا أقر بشهادة الزور (¬2). والأول أحسن. واختلف إذا ظهر عليه ثم تاب وانتقل إلى خير وصلاح، فقال محمد: قول ابن القاسم الآخر ألا تقبل شهادته إذا (¬3) اطلع (¬4) عليه، قال: وقد روي لنا فيه عن ابن القاسم قولان، والمنع ها هنا (¬5) أحسن، ولم يختلف المذهب في الزنديق يظهر عليه (¬6)، أن توبته غير مقبولة، وهما يتفقان في أن لا تقبل توبتهما بالحضرة، فماذا لم تقبل سقطت شهادة هذا وقتل (¬7) هذا. ويفترقان ويختلفان (¬8) في أن شاهد الزور، له حياة بعد ذلك يظهر فيها صلاحه، وانتقال (¬9) حاله فقبلت شهادته، لذلك ليس بمجرد قوله الأول إني تائب، ولو غفل عن رفع الشهادة عن الزنديق، حتى ظهر صلاحه ودينه وانتقال حاله لم يكن كذلك. قيل: لا شبه أن يقال (¬10) تقبل توبته مثل الشاهد، ¬

_ (¬1) قوله: (أبدًا) ساقط من (ر). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 105. (¬3) قوله: (أقر بشهادة الزور. . . تقبل شهادته إذا) ساقط من (ر). (¬4) في (ف): (ظهر). (¬5) قوله: (ها هنا) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (عليه) ساقط من (ف). (¬7) في (ر): (وقبل). (¬8) قوله: (ويختلفان) زيادة من (ت). (¬9) في (ر): (بانتقال). (¬10) قوله: (يقال) ساقط من (ف).

ولأنها شبهة (¬1) يدرأ بها القتل، وأن يقال لا تقبل توبته أحسن (¬2)؛ لأنه يفعل ذلك ضرورة لما تقدم من الظهور عليه، ليدفع عن دمه، ولا ضرورة بالشاهد. وكمل كتاب الشهادة والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد خاتم النبيين وسيد المرسلين وآله وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين (¬3) ¬

_ (¬1) في (ر): (شهادة). (¬2) قوله: (أحسن) ساقط زيادة من (ف). (¬3) النهاية من (ر).

كتاب المديان

كتاب المديان النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ت) = نسخة تازة رقم (234 & 243) 3 - (ر) = نسخة الحمزوية رقم (110)

باب في حبس المديان وهل يقبل منه حميل ومن يحمل على الفقير وهل يقام بعد الفلس من السوق ويمنع من البيع والشراء

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم كتاب المديان باب في حبس المديان وهل يقبل منه حميل ومن يحمل على الفقير وهل يقام بعد الفلس من السوق ويمنع من البيع والشراء ومن المدونة قال ابن القاسم: قال مالك: لا يحبس الحر ولا العبد في الدين ولكن يستبرأ أمره فإن اتهم بأنه قد خبأ مالًا أو غيبه حبسه، وإلا خُلِّي سبيله إلا أن يحبسه قدر ما يتلوم له من اختباره، وعليه أن يأخذ عليه حميلًا، وإن عرفت له أموال غيبها حبسه أبدًا حتى يأتي بماله ذلك، قال مثل هؤلاء التجار الذين يقعدون على أموال الناس ويقولون ذهبت منا وهو في موضعه لم يسرق ماله ولم يحترق بيته (¬1). وقال في كتاب محمد: إذا زعم أنه أصيب ماله، وشهد له أنه ما عنده شيء (¬2). قال: وكيف يعلم أنه ما عنده شيء، وأرى أن يسجن ولا يعجل بسراحه (¬3)، وقد اختلف في هذه المسألة في ستة مواضع: ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 59. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 15. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 16.

أحدها: هل يحمل الغريم على اليسير. والثاني: هل يقبل منه حميل حتى يثبت فقره. والثالث: في سجنه وفي صفة السجن. والرابع: في صفة الشهادة على فقره. والخامس: هل يحلف وكيف صفة اليمين. والسادس: هل يقام للناس ويقام من السوق ويتوزع متاعه (¬1). ويفترق الجواب (¬2) في سابع: هل يؤاجر (¬3) في الدين إذا كان ذا صنعة فالمعروف من المذهب أن يحمل الغريم على اليسر من غير اعتبار بحاله ولا السبب الموجب للدين، وقال مالك في المبسوط في كتاب البيوع: لا يفلس إلا الرجل التاجر المعروف بالتجارة والغنى، وأما الرجل ليس يتهم أن له مالًا كتمه، وليس بتاجر فلا يفلس ولا يستحلف؛ يريد: من كان مثله معروفًا بقلة ذات اليد. والديون ثلاثة: أحدهما: ما أخذ له عوض يتمول دار أو عبد (¬4). والثماني: أن يكون العوض ما لا يتمول كالصداق والخلع والكتابة؛ لأن العوض نفس المكاتب، وكالثوب يشتريه للباس والطعام يأكله. والثالث: ما لم يقبض منه عوض كالحمالة والجناية ونفقة الولد والوالدين ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 10/ 382. (¬2) قوله: (متاعه ويفترق الجواب) ساقط من (ت) و (ف). (¬3) قوله: (يؤاجر) يقابله في (ح): (يسوى شيء). (¬4) قوله: (أو عبد) يقابله في (ت): (أو غيره).

والاستكمال على من أعتق بعض عبده، فإن كان الغريم (¬1) معروفًا باليسار واللدد، وقلة الإنصاف في القضاء لم يقبل قوله، وسجن وضيق عليه، ولم يقبل منه حميل، وإن أشكل أمره هل يصدق (¬2) في دعواه الفقر وفي ذهاب ماله، وإن كان ظاهره الملاء، لم يصدق وحبس حتى يثبت فقره، ولم يضيق عليه في السجن، وإن أتى بحميل لئلا يسجن، وليسعى في منافعه قبل منه، وإن كان ظاهره الفقر لبذاذة حاله وصناعته كالبقال والخياط (¬3) وغيرهما من الصنائع مما شأن أهلها العدم قبل قوله، ولم يحبس وعلى مثل هؤلاء يحمل قول مالك في المبسوط إلا أن تكون الدعوى في يسير مما عومل عليه في صنعته فلا يحمل على الصدق حتى يثبت ذلك، وهذا الجواب في كل ما أخذ له أعواضًا يتمول وفي الحمالة بالمال (¬4)، وإن لم يكن أخذ عنها عوضًا؛ لأن المفهوم أني أقوم عليه فهو إقرار باليسر، وليس كذلك الحمالة بالطلب إذا فرط حتى لزمه المال فإنه ينظر إلى الغالب من حال مثله، وإن كان حميل وجهٍ, وقال: إن لم أحضره غرمت عنه فذلك إقرار منه باليسر بما تحمل به، وأما الصداق فيحمل أيضًا على الغالب من حال مثله، فقد علم من كثير من الناس أنهم يتزوجون بما ليس معهم، ثم يسعى ويجمع للنقد ولا يقدر على المهر وبخاصة أهل البوادي وكذلك جناية الخطأ لو جنى جناية تبلغ ربع الدية لم يحمل الجاني على اليسار بذلك دون أن يعتبر حال أمثاله، أو كانت الجناية مأمومة أو جائفة عمدًا على القول إنها في مال الجاني. ¬

_ (¬1) في (ف): (صاحب الدار). (¬2) قوله: (هل يصدق) يقابله في (ف): (صدق). (¬3) قوله: (والخياط) يقابله في (ت): (والحناط). (¬4) قوله: (وفي الحالة بالمال) ساقط من (ت).

فصل [في حبس الغريم إلى أن يثبت فقره, ثم يأتي بحميل ليسعى في منافعه]

قال عبد الملك بن الماجشون في المبسوط: فيمن أعتق بعض عبد (¬1) وقال: ما عندي ما أعطي منه قيمة الباقي. قال: إن لم يكن له مال ظاهر سُئل جيرانُه، ومن يعرفه، فإن قالوا: لا نعلم له مالًا حلفَ، وتركَ (¬2). قال سحنون: جميع أصحابنا على ذلك في العتق إلا في اليمين فإنه لا يستحلف عندهم (¬3). فهذه المسألة أصل في كل ما لا يؤخذ عنه عوض أنه لا يحمل فيه على اللدد ولا على الملاء ومثله نفقة الوالدين، فأما نفقة الولد فإن محمل الأب فيها على الملاء؛ لأن الغالب من الناس القيام بالولد والتحيل (¬4) له من صناعة أو غيرها. فصل [في حبس الغريم إلى أن يثبت فقره, ثم يأتي بحميل ليسعى في منافعه] وإذا حبس الغريم في دين حتى يثبت فقره ثم أتى بحميل ليسعى في منافعه كان ذلك له عند ابن القاسم ولم يسجن (¬5). ومنعه سحنون (¬6)، والأول أحسن، إلا أن يكون معروفًا باللدد فلا يقبل منه حميل؛ لأن السجن أقرب لاستخراج الحق من أمثاله، فإن قبل الحميل وغاب المتحمل له فأثبت الحميل فقر الغريم برئ من الحمالة؛ لأنَّ اليمن بعد ثبات الفقر أنه لم يكتم شيئًا استحسان واستظهار، إلا أن يكون ممن يظن به أنه كتم وممن (¬7) لو لم يغب ¬

_ (¬1) في (ت): (عبده). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 286. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 286. (¬4) في (ف): (والتحمل). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 59. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 17. (¬7) قوله: (ممن) ساقط من (ف).

ونكل عن اليمين لم يصرح (¬1). واختلف في صفة السجن فقال سحنون إذا سجن في دين زوجته أو غيرها فأرادت زوجته أن تدخل إليه لتبيت معه لم تمكن من ذلك؛ لأن المراد من سجنه التضييق عليه (¬2). وقال محمد بن عبد الحكم: إذا أراد الطالب أن يفرق بين الغريم وزوجته وطلب الزوجان أن يجتمعا فذلك لهما إذا كان السجن خاليًا (¬3). وهذا أحسن فيمن أشكل أمره هل هو في معنى اللدد أم لا؟ فأما من علم منه اللدد، فالقول الأول أحسن، وكذلك من ثبت فقره، وعرف بأكل أموال الناس فإنه يسجن، ويضيق عليه أدبًا له ويمنع منه ولده، ومن يعز عليه. وقال محمد بن عبد الحكم: ولا يخرج المحبوس للجمعة ولا للعيدين واستحسن (¬4) إذا اشتد مرض أبويه أن يخرج يسلم عليهما، ويؤخذ كفيل بوجهه، ولا يفعل ذلك في غيرهما من القرابات، ولا يخرج لحجة الإسلام، وإن كان أحرم بحجة الإسلام (¬5) أو بعمرة أو بنذر أو حنث ثم قيم عليه بالدين حبس، وبقي على إحرامه، قال: وإن وجب عليه الدين يوم (¬6) نزوله بمكة أو بمنى أو بعرفة، استحب (¬7) أن يؤخذ منه كفيل حتى يفرغ من الحج، ثم يحبس بعد النفر الأول، ولا يخرج ليغير على عدو ولا لمرض إلا أن يذهب عقله فإن ¬

_ (¬1) في (ف): (يبدد). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 17. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 18. (¬4) في (ت): (واستحب). (¬5) قوله: (الإسلام) ساقط من (ت). (¬6) في (ف): (بعد). (¬7) في (ف): (استحسنت).

فصل [فيما إذا عجز الغريم عن إثبات فقره, ثم شهدت بينة بالفقر]

عاد عقله رد، وإن اشتد مرضه، واحتاج إلى أمة تباشر ذلك منه، فلا بأس أن تجعل معه حيث يجوز (¬1). وقوله: في الجمعة يصح على القول أنها على الكفاية، وأما الأمة فإنها تباع للغرماء، إلا أن ينزل به ذلك قبل البيع فتكون ضرورةً لحاجته لمن يقوم به ممن يتكشف إليها فلا تباع. فصل [فيما إذا عجز الغريم عن إثبات فقره, ثم شهدت بينة بالفقر] وإذا عجز الغريم عن إثبات فقره لم يخرج من السجن، فإن شهدت له بينة بالفقر سئلت، كيف علمت ذلك فإن كان من قول الغريم وشكواه - ذهب ما في يدي وخسرت وما أشبه ذلك، لم تكن شهادة، وإن قالوا: كنا نرى تصرفه في بيعه وشرائه، وقدر أرباحه أو نزول الأسواق عليه ونفقته على عياله ونقص رأس ماله شيئًا بعد شيء، وإن ذلك يؤدي إلى ما ادعاه كانت شهادة، وقد تنزل مسائل لا يقبل فيها العجز عما طولب به، وإن كان المطلوب فقيرًا فمن ذلك الرجل يطلب بدين عليه مناجمة، ويدعي العجز بعد قضاء بعضها، ويأتي لمن يشهد بفقره وحالته لم تتغير الآن عن وقت الأداء والرجل يطلب برزق ولده بعد طلاق الأم فلا تسمع بينته بالفقر ولا بالعجز؛ لأنه بالأمس قبل الطلاق كان ينفق عليهم، فهو اليوم أقدر لزوال نفقة الزوجة عنه إلا أن تشهد بينة أنه نزل به ما نقله عما كان يقدر على الإنفاق من أجله. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 18.

فصل [فيما إذا ثبت فقره]

فصل [فيما إذا ثبت فقره] وإذا ثبت الفقر أحلف أنه لم يكتم شيئًا، وأنه لا دين له ولا وديعةً ولا رهن ولا شيء يقدر على القضاء منه، وكان الخليفتان (¬1) يزيدان في يمينه، ولئن وجدت له قضاء حيث لا يعلم لأقضينه، وهذا التغليب أحد الضررين؛ لأنَّ الغالب من الغريم كتمان ما يفيده، والنادر من يأتي للقضاء إذا أفاد شيئًا، فكان في اليمين الآن حسن نظر للطالب والمطلوب، لئلا يقوم به بعد ذلك، وتطلب يمينه إذا مرت به مدة يمكن أن يفيد فيها، واليمين على من عرف بالملاء في الجامع؛ لأن من يعلم أنه ينتزع من ماله يستعد ويدخر ويتحيل لما يجده (¬2) بعد. فصل [في إقامته من السوق أو للناس] واختلف هل يقام من السوق ويختلف هل يقام للناس لئلا يغتروا بالبيع منه، فقال مالك في كتاب محمد فيمن تعمد إتلاف أموال الناس: يقام من السوق فعلى هذا يقام للناس كما قال في السفيه إذا حجر عليه، وقال مطرف وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب في المفلس لا يقام للناس (¬3)، وهذا حسن فيمن لم يتعمد تلف ذلك فلا يقام للناس ولا يقام من السوق. ¬

_ (¬1) هكذا في جميع النسخ. (¬2) في (ت): (يجد). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 17.

فصل [في إجارة الحر في الدين]

فصل [في إجارة الحر في الدين] قال مالك: ولا يؤاجر الحر في الدين (¬1)، قال الشيخ - رضي الله عنه -: المفلس ثلاثة تاجر وصانع عامل الناس على صناعته، وصانع باع صنعته فإن كان تاجرًا لم يؤاجر فيما عليه؛ لأنه لم يعامل على ذلك، وعلى ذلك تكلم مالك، وإن كان صانعًا يداين ليعمل ويقضي من عمله، ثم عطل جبر على العمل فإن أبى استؤجر في صناعته تلك، وإن باع منافعه لينسج لرجل ثيابًا أو يخيط متاعًا مدة معلومةً جبر على أن يعمل تلك المدة، ويفترق الجواب إذا كان محتاجًا إلى ما ينفق، فأما من يداين ليعمل ويقضي فإنه يبتدئ بنفقته (¬2) ونفقة عياله، ثم يقضي دينه (¬3) من الفاضل، وإن باع منافعه مدة معلومة بدي الذي استأجره، وإن أدى ذلك إلى أن يتكفف؛ لأن منافعه صارت ملكًا لمن اشتراها فأشبه من باع سلعةً، فلم يسلمها حتى افتقر فإنه يسلمها، وإن تكفف الناس إلا أن يخاف عليه الموت فيخير الذي استأجره بين أن يسلفه ما يعيش به دون عياله حتى يتم عمله أو يتركه يعمل عند غيره بمثل ذلك لأنه إن منع هلك ولم ينتفع المستأجر بشيء. فصل [في حبس من عليه دين] ويحبس النساء في الدين وغيره بموضع لا يكون فيه رجلٌ (¬4)، والأمين ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 81. (¬2) قوله: (يبتدئ بنفقته) يقابله في (ف): (يترك له نفقته). (¬3) قوله: (دينه) ساقط من (ف). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 18.

عليهن امرأةٌ مأمونةٌ لا زوجَ لها أو لها زوجٌ مأمونٌ معروفٌ بالخيرِ، ويحبس الولد في دين الأبوين، ويفترق الجواب في حبس الأب. فقال ابن القاسم: لا يحبس الأب في دين الولد (¬1)، وقال محمد بن عبد الحكم: يحبس إذا امتنع من النفقة على ولده الصغير؛ لأنَّ ذلك يضر بهم، وليس كدين الولد (¬2) على أبويه (¬3)، وقال أيضًا: يحبس الأب إذا كان في يده مال للولد، يريد: إذا لد عن (¬4) تسليمه إلا أن يكون المال عينًا، وله مال ظاهر يقدر على الأخذ منه، فيؤخذ ولا يحبس، وإذا ادعى الفقر كلف إثبات ذلك من غير حبس بخلاف الأجنبي، ويسأل عنه فإن علم أنه على اللدد، والمال له قدر، ولم يوجد له مال ظاهر يقضي به دينه (¬5) حبس حتى يقضي وإن أشكل أمر يسره أو كان الذي يطلب يسيرًا وله قدر وهو حقير في كسب هذا الابن لم يحبس، وهذا الجواب في حبسه. واختلف في تحليفه له وفي حده إذا قذفه وفي القصاص منه إن قطعه أو قتله فقال مالك في المدونة: لا يحلف الابن الأب (¬6)، وفي كتاب محمد يحلفه وهو بذلك عاق وترد شهادته (¬7). وقال ابن الماجشون في ثمانية أبي زيد: ليس بعقوق ولا ترد شهادته. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 60. (¬2) قوله: (الولد) ساقط من (ف). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 18. (¬4) قوله: (لد عن) يقابله في (ف): (ادعى). (¬5) قوله: (دينه) ساقط من (ت). (¬6) انظر: المدونة: 4/ 60. (¬7) انظر: البيان والتحصيل: 10/ 221.

وأرى (¬1) إذا كانت الدعوى من ناحية التهمة، أتهمه أن يكون أخذ له شيئًا، أو كتمه بعض ما ورثه عن أمه ألا يحلف إلا أن تكون التهمة قوية ظاهرة في شيء له قدر وبال يضر بالولد إمساكه عنده فيحلف، وإن ادعى أنه جحده ما داينه له وله قدر أحلفه، وإن كان يسيرًا لم يحلفه فإن اجترأ وحلفه كان بذلك عاقًّا ساقط الشهادة؛ لأنّ تحامله على تحليف أبيه في مثل ذلك القدر دليل على سقوط مروءته إلا أن يكون الأب من أهل الدين والفضل، ويتهم الابن أن يكون أراد أذاه لشنآن وقع بينهما أو لأنّ الأب امتنع من أن يعطيه أو يهبه فلا يحلف، وقال ابن القاسم: إذا قذف الأب ولده حد له وعفوه عنه جائز، وإن بلغ الإمام (¬2) ويقتص منه إن قطعه أو قتله (¬3)، وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: يحد إن قذفه (¬4)، ويقتص منه إن جرحه أو قتله، ولا يقتل بمن قتل إذا كان ولي الدم ابنه وهو أبين، وأراه عظيمًا أن يحده أو يقطع منه عضوًا أو يقتله، وقتل من قتله من ثلاثة أوجه: أحدها: أن يقتل الأب ولده، والقائم بالدم أخو المقتول. والثاني: أن يكون القائم بالدم (¬5) عم المقتول، أو ابن عمه. والثالث: أن يكون المقتول ليس بولد القاتل، والقائم بالدم ابن القاتل، وكل هذا فلا أرى أن يكون على الأب فيه قصاص، وأشدها في المنع أن يقوم ¬

_ (¬1) قوله: (وأرى) يقابله في (ف): (وأراد). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 372. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 498. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 372. (¬5) قوله: (بالدم) ساقط من (ف).

فصل [في حبس الجد لولد الولد]

الابن على أبيه بقتل عمه، أو ابن عمه، ثم قيامه ليقتله (¬1) في أخيه، وأقربها في القصاص أن يقتل الأب ولده، ويقوم بالقصاص العم أو ابن العم؛ لأنَّ القائم بالدم يقول: ليس بيني وبن القاتل حرمة تمنع القصاص، والأب يقول: أنت تقوم بالقصاص عمن بيني وبينه حرمة، وأشكل من ذلك أن يقوم بالقصاص ابن أخي القاتل، فيريد: أن يقتص من عمه وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "العَمُّ صِنْوُ الأَبِّ" (¬2)، فالحرمة بين القاتل والمقتول؛ لأنه ولده، وبينه وبين القائم بالدم؛ لأنه معه كالأب. وقال ابن القاسم في كتاب الديات: إذا قال المقتول دمي عند أبي يقسم مع قوله ويستحق الدية في الخطأ على العاقلة وفي العمد من ماله (¬3) ولم يجعل فيه قصاصًا من غير مراعاة للقائم بالدم، هل هو ولد أو عم أو ابن عم، وقال أيضًا: إذا قتل ولده وكان ولي الدم الولد لم يقتص منه (¬4). فصل [في حبس الجد لولد الولد] وأجاز في المدونة أن يحبس الجد لولد الولد وعلى هذا يحلف وألا يحلفه أحسن؛ لأن له حرمة الأب (¬5). ¬

_ (¬1) في (ف): (ليقتل). (¬2) أخرجه مسلم: 2/ 676، في باب في تقديم الزكاة ومنعها، من كتاب الزكاة، برقم: (983)، بلفظ: (أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 650. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 125. (¬5) انظر: المدونة: 4/ 60.

فصل [فيما إذا أقر الغريم بالملاء, ولد عن القضاء]

واختلف في القصاص منه، ويحبس السيد في دين مكاتبه (¬1) إلا أن يكون قد حل من نجومه ما يوفي بدينه أو يكون في قيمة المكاتب إن بيع ما يوفي بدينه (¬2)، ويحبس المكاتب في دين السيد إن كان الدين من غير الكتابة، ولا يحبس (¬3) في الكتابة (¬4) إلا على القول أنه لا يعجزه إلا السلطان فإن له أن يسجنه إذا كان يرى أنه كتم ماله رغبة في العجز (¬5). فصل [فيما إذا أقر الغريم بالملاء, ولدّ عن القضاء] وإذا أقر الغريم بالملاء (¬6) ولدّ عن القضاء (¬7)، فإن وجد له مال ظاهر قضى منه، وإلا سجن، فإن قضى وإلا ضرب حتى يقضي ما عليه، وإن سأل الصبر لإحضار ما عليه، وقال: ليس لي ناض (¬8) كان ذلك له (¬9). واختلف في حدّ التأخير، وهل يؤخذ منه حميل، وهل يحلف أنه عاجزٌ عن إحضاره الآن. فقال سحنون: يؤخر اليوم وشبهه ويعطي حميلا فإن لم يعط حميلًا سجن (¬10). وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: ذلك على حالات ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 17. (¬2) قوله: (ما يوفي بدينه أو يكون في قيمة المكاتب إن بيع ما يوفي بدينه) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (ولا يحبس) يقابله في (ف): (ويحبس). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 17. (¬5) قوله: (رغبة في العجز) يقابله في (ف): (عنه). (¬6) في (ف): (بالمال). (¬7) قوله: (بالملاء ولدّ عن) يقابله في (ح): (بمال وادعى القضاء). (¬8) في (ت): (قاض). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 17. (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 17، 1/ 175.

المطلوب والشيء الذي يطلب به ففرق بين أجل التأخير ولم يحده بوقت (¬1). وقال مالك في المبسوط: ذلك فيختلف (¬2) في الملي والمعدم، وقلة المال وكثرته فرجل عليه مائة دينار وآخر عليه ثلاثمائة. وأرى أن يؤخر الملي ثلاثًا أو أربعًا أو خمسًا وما له حد معلوم، ولم يجعل عليه في ذلك حميلًا، وهذا حسن أن يعتبر (¬3) حال الرجل، وقدر المال فيؤخر بقدر جمعه لذلك، ومتى أشكل الأمر لم يحمل على اللدد إلا أن يكون مثل ذلك الدين ما يتعذر على مثله ليسره وقلة الدين، فيلزم بالقضاء بالحضرة، وإذا كان الحكم التأخير لم يلزم حميلًا؛ لأن المداينة لم تكن بحميل، ولا ظهر منه ما يوجب نقله عن ذلك؛ لأنه مقر باليسر وليس بمنزلة من ادعى الفقرة لأنه عند دعوى الفقر يخشى منه الفرار والتغيب إلا أن يكون هناك ريب نزل على تغيبه أو أنه يريد سفرًا أو يكون ملدًا، وإلزامه بالحميل أقرب لاستخراج الحق منه فيلزم بالحميل، وإن كان مقرًا باليسر وكان (¬4) يقدر على القضاء من يومه ببيع ما يشق عليه بيعه وخروجه من ملكه مثل جاريته وعبده التاجر ومركوبه وما يدركه من بيعه مضرة أو معرة لم يؤخذ ببيعه؛ لأنَّ الشأن القضاء من غير ذلك وإلى هذا ذهب مالك -رحمه الله- في المبسوط. فقال قد يكون للرجل العروض (¬5) التي يحتاج إليها، وإن باعها أضر به فلا بأس أن ينظر الإمام في مثل هذا، ويضرب أجلًا لا يشق على الطالب والمطلوب. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 14. (¬2) في (ف): (يختلف). (¬3) في (ت): (يتغير). (¬4) قوله: (وكان) يقابله في (ت): (وإن كان). (¬5) قوله: (وإلى هذا ذهب مالك -رحمه الله- في المبسوط. . . العروض) ساقط من (ت).

باب في الوصي أو الوارث يقضي بعض غرماء الميت

باب في الوصي أو الوارث يقضي بعض غرماء الميت وإذا كان على الميت مائتا (¬1) دينار لغريمين فقضى الوصي أو الورثة أحدهما ثم طرأ الآخر فإنه لا يخلو أن تكون تركته مائة دينار أو مائتين أو مائة وخمسين، فإن كانت مائة فقضاها الوصي أو الورثة، وهم غير عالمين بالآخر ولم يكن الميت موصوفًا بالدين، كان مقال الغريم الطارئ مع صاحبه دون الوصي أو (¬2) الورثة فيأخذ منه نصف ما أخذ، وإن كانوا عالمين بدين الطارئ أو كان موصوفًا بالدين وقضوا مبادرة من غير استيناء كان للطارئ أن يرجع على صاحبه، وأن يبتدئ به؛ لأن عين حقه في يديه (¬3). واختلف إذا أراد أن يبتدئ بمن كان قضاه دون القابض، وهو قادر على أخذ ذلك من صاحبه؛ لأنه حاضر موسر غير ملد فجعل له (¬4) مدة البداية بالغريم؛ لأن البداية بالوصي أو الورثة ضررٌ عليه من غير فائدة للقادم وجعل مدة له (¬5) أن يبتدئ بمن كان قضى؛ لأنه المتعدي، والأول أحسن إذا تساوى قبضه من القابض أو المتولي الدفع، أو كان تناول الحق من الغريم أقرب، وإنما كان له أن يبتدئ بالقابض خلاف الغاصب؛ لأنَّ الغاصب واهب ومتى غرم (¬6) لم يكن له على الموهوب له شيء، والوارث غير واهب؛ لأنه دفع على ¬

_ (¬1) في (ت): (مائة). (¬2) في (ف): (و). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 62. (¬4) قوله: (له) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (له) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (ومتى غرم) يقابله في (ت): (وما عدم).

وجه القضاء فإن غرم رجع فكأن (¬1) البداية بغرم من لا رجوع له أولى من غرم من يرجع من غير فائدة للقابض الآن إلا أن يكون (¬2) تناول ذلك (¬3) من الوصي أو الوارث أقرب بالأمر البين؛ لأنَّ معه ناضًا، والذي عند الآخر مما يطول بيعه أو كان ملدًا أو غاب فيبتدأ بالوارث أو الوصي قولًا واحدًا، وإن خلف الميت مائتين دينار فقبض الحاضر مائة وفضلت (¬4) بأيدي الورثة مائة (¬5) كان مقال الطالب مع الورثة؛ لأنه قد بقي من تركة الميت ما يوفي بحقه، ثم لا تخلو المائة التي أخذ الورثة من ثلاثة أوجه: إما أن تكون قائمةً بأيديهم، أو أكلوها، أو ضاعت ببينة أو بغير بينة، فإن كانت قائمة العين أخذها، وإن أكلوها ضمنوها، وإن ضاعت كان الجواب في ضياعها على ثلاثة أقسام: فإن أمسكوها لأنفسهم، وهم عالمون بدين الطارئ، ضمنوها كانت لهم بينة على ضياعها أم لا، وإن لم يعملوا بدينه، ولم يعلم ضياعها إلا من قولهم لم يصدقوا وضمنوها، وإن كانت لهم بينة لم يضمنوها، وكانت مصيبتها من الميت. وقال أشهب: يضمنوها مع قيام البينة، والأول أصوب؛ لأن كل مستحق منه (¬6) لا يضمن ما كان في يده إلا أن يكون تلفه من سببه عمدًا. ¬

_ (¬1) قوله: (رجع فكأن) يقابله في (ت): (كان). (¬2) قوله: (الآن إلا أن يكون) ساقط من (ت). (¬3) قوله: (ذلك) ساقط من (ت). (¬4) في (ت): (ونصف). (¬5) قوله: (مائة) ساقط من (ت). (¬6) قوله: (منه) ساقط من (ت).

فصل [فيما إذا كانت التركة عروضا فباعها الورثة]

واختلف إذا كان خطأ فإن لم يكن له في ذلك سبب عمدًا ولا خطأ لم يضمنه إلا أن يكون متعديًا في وضع يده عليه، وإن وقفوها (¬1) للغريم لم يضمنوها. واختلف هل تكون مصيبتها ممن وقفت له، فقال مالك وابن القاسم: المصيبة من الميت، ولأشهب في كتاب محمد: المصيبة ممن وقفت له، وذكْر ذلك يأتي في كتاب القسم (¬2)، وإن مات الميت عن مائة وخمسين، فأخذ الحاضر مائة كان للطارئ أن يرجع على الورثة بخمسين، ويرجع على صاحبه بخمسة وعشرين، ثم يراعى فيها ما تقدم، ذكره هل كان القضاء من الورثة، وهم عالمون أو غير عالمين، وهل الغريم حاضر أو غائب موسر أو معسر، ويراعى في الخمسين، هل هي قائمة أو فاتت أكلوها أو ضاعت؟. فصل [فيما إذا كانت التركة عروضًا فباعها الورثة] وإن كانت (¬3) التركة عروضًا فباعها الورثة فإنه لا يخلو بيعهم من ثلاثة أوجه: أما أن تكون للقضاء، أو لأنفسهم، فإن كان للقضاء مضى (¬4) البيع وكان مقال الطارئ إذا أتى أن يتبع بماله مع صاحبه إلا أن يكون الوارث عالمًا بدينه، أو يكون الميت موصوفًا بالدين، فيعود الجواب إلى ما تقدم هل يبتدئ الطالب بالغريم أو بهم، وإن باعوا لأنفسهم، وهم عالمون بدين الطارئ أو غير عالمين، وهو موصوف بالدين وباعوا مبادرة كان له رد البيع. قال محمد: إلا أن يحب ¬

_ (¬1) في (ف): (دفعوها). (¬2) انظر: (باب في قسمة الوصي على من يلي عليه من صغير). (¬3) قوله: (كانت) زيادة من (ف). (¬4) قوله: (مضى) ساقط من (ف).

المشتري أن يدفع قيمة ما نمى عنده، أو نقص قيمته يوم قبضه بذلك له، ويتبع المشتري الورثة بما دفع إليهم. قال الشيخ - رضي الله عنه -: أو يكون الورثة مياسر، ولا بخس في الثمن أو يكون فيه بعد البخس ما يوفي بالدين فلا يرده. واختلف إذا لم يعلموا بدين الطارئ، ولا كان موصوفًا بالدين، فقال مالك: البيع ماضٍ، ولا شيء للغريم على المشتري لا في أعيان السلع ولا في قيمتها إن كانت فائتة، وإنما مقاله مع الورثة. وفي كتب الجنايات لغير ابن القاسم إذا خلف الميت جارية فباعها الورثة ولا علم عندهم بدين أبيهم، قال: إن فاتت عند المشتري بعتق أو باتخاذها أم ولد لم يكن لهم إلى رد العتق سبيل، وإنما لهم الثمن إن وجدوه، وإلا أتبعوا به من أخذه (¬1)، وظاهر قوله أن لهم رد المبيع إذا كان قائمًا لم يفت بعتق، وإن فات بحوالة الأسواق، وقال عبد الملك في كتاب محمد: إذا باعوا للقضاء ولأنفسهم فالبيع ماضٍ، والقضاء فاسد، ويرجع الطارئ على الغريم بما ينوبه في جميع ما قبضه ولا يحسب عليه ما في يدي الورثة (¬2)، وقول مالك وابن القاسم في هذا أن القضاء فيما ينوب الحاضر صحيح، وقد اختلف في المفلس أحد غرمائه غائب إذا قضى القاضي للحاضر بحقه، وبقي نصيب الغائب في الذمة، هل يمضي للحاضر نصيبه أو يكون جميع القضاء فاسدًا؟. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 605. (¬2) انظر النوادر والزيادات: 10/ 32.

باب في قضاء المريض والمفلس ورهنه

باب في قضاء المريض والمفلس ورهنه وقال مالك وابن القاسم في المريض يقضي بعض غرمائه: ليس ذلك له؛ لأن قضاءه الساعة على وجه التوليج (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: قضاؤه على ستة أوجه يصح في خمسة، ويختلف في واحد، فيصح إذا قضى ثمن سلعته بيد بائعها لم يسلمها بعد أو يسلمها وهي قائمة العين لأنه (¬2) لو لم يقضه لكان أحق بها أو مستهلكة, والغرماء عالمون بفلسه، وتركوه للبيع والشراء، ولم يقوموا عليه, أو كانوا على شك من اختلال (¬3) حاله لأمور حدثت أو كان ظاهر اليسر ومعلوم من غرمائه أنهم لو علموا بفلسه لم يقوموا بما يرجون من معاملته لغيرهم، ويقضي مما يدخل عليه أو ليجبر الخسارة، ويختلف إذا كانوا لا يتركون الضرب عليه (¬4) لو علموا. وقد قال ابن القاسم في العتبية: إذا اجتمع رأي (¬5) غرمائه على فلسه، فبادر أحدهم إليه واقتضى منه أن للغرماء أن يدخلوا عليه (¬6). وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: هو أحق ولا يدخلون عليه (¬7). وقول ابن القاسم أحسن. ¬

_ (¬1) انظر المدونة: 4/ 63. (¬2) قوله: (لأنه) ساقط من (ت). (¬3) في (ت): (الحال). (¬4) قوله: (عليه) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (رأي) ساقط من (ت). (¬6) انظر: البيان والتحصيل: 10/ 436. (¬7) النوادر والزيادات: 10/ 43.

باب في المريض يؤخر غريمه بدينه

باب في المريض يؤخر غريمه بدينه (¬1) وإذا أوصى المريض لرجل بدين له عليه وهو مائة دينار أن يؤخر عنه سنة، ولم يحمل ثلثُهُ ذلك خُيِّرَ الورثةُ بين أن يجيزوا الوصية أو يقطعوا له بثلث الميت بتلا فيسقط عنه ثلث ما عليه ويأخذ الثلث مما سواه (¬2) وإن أوصى مع ذلك بوصايا وصاروا إلى الحصاص ضرب الموصى له بالمائة بقدر ربحه فيها فإن كان تاجرًا أو بزازًا أو ما أشبه ذلك ممن يدير نُظر إلى قدر ربحه فيها سنة على المعتاد عندهم فإن قيل: خمسون دينارًا فضت تلك الخمسين على أيام السنة ثم ينظر إلى ما ينوب كل يوم من تلك الدنانير، فإذا علم ذلك قومت تلك الخمسون كم تساوي لو بيعت بالنقد على أنها تقبض مؤجلة كل يوم كذا وكذا، وإن لم يكن الموصى له ممن يدير قيل في كم تسلم هذه المائة على المعتاد مما يسلم فيه بذلك البلد على أنه يقبض إلى السنة، فإذا عرف ذلك قيل: بكم يرى أنه (¬3) يباع ذلك عند حلول السنة، فإن قيل: بمائة وخمسين علم أن الربح خمسون فتقوم تلك الخمسون بما تباع به بالنقد على أنها تقبض إلى سنة، ثم يحاص أهل الوصايا بذلك. ¬

_ (¬1) قوله: (باب في المريض يؤخر غريمه بدينه) ساقط من (ت). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 61. (¬3) قوله: (أنه) ساقط من (ت).

باب في إقرار المريض

باب في إقرار المريض إقرار المريض على ستة أوجه: لأجنبي، أو لصديق ملاطف، أو لوارث، أو لأجنبي وصديق، أو لأجنبي ووارث، أو لأجنبي وصديق ووارث. فإن أقر لأجنبي، جاز، وإن أقر لصديق ملاطف، جاز إقراره بشرطين ألا يكون عليه دين لأجنبي، وأن يكون ورثته أولادًا ذكورًا أو ذكورًا وإناثًا. فإن كان عليه دين لأجنبي أو كان ورثته عصبة، لم يجز إقراره. واختلف إذا كان وارثه إناثًا أو عصبة أو أبويه فقيل: إقراره ساقطٌ، وقيل: جائز، وهو أحسن؛ لأن إقراره على العصبة إقرار على البنت، والفرار عنهم فرار عنها إلا أن تكون هناك تهمة في الصديق أن يرده للبنت. وقال ابن القاسم في كتاب الوصايا الأول: الأبوان كالعصبة يتهم في الفرار عنهم (¬1). وأجاز ذلك في كتاب محمد (¬2) وهو أبين، ولا يتهم أن يفر عن أبويه إلى صديقه (¬3). واختلف إذا لم يجز إقراره مع العصبة هل يجوز إذا حمل ذلك الثلث، أو يرد إلى الثلث قياسًا على قوله في السيد يقر في مرضه أنه قبض كتابة مكاتبه. فقال: إن حمله الثلث؛ جاز؛ لأنه لو شاء أعتقه، وإن لم يحمله، لم يجز قوله؛ يريد: حمله الثلث، ولم يشغل الثلث بوصية فتضعف التهمة لما كان قادرًا على أن ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 348. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 584. نص النوادر: (قال ابن المواز: والأبوان عندنا كالولد في رفع التهمة بهما). (¬3) في (ت): (صديق ملاطف).

فصل [فيما إذا أقر للزوجة والوارث ولد]

يجعلها وصيةً في الثلثِ فعلى هذا يجوز إقراره للصديق إذا حمله الثلث فيخرج من رأس المال، فإن احتيج شيء من المال بعد موته، وقبل النظر في التركة حتى صار لا يحمله الثلث أخذ ذلك من رأس المال؛ لأن محمل إقراره كان على الصحة، ويجري فيها قول آخر: أنه إذا كان قوله في الأصل لا يحمله الثلث أنه يرد إلى الثلث، ويسقط الزائد قياسًا على قوله في كتاب العتق: أنه يجعل الفضل الذي اتهمه فيه في الثلث. فصل [فيما إذا أقر للزوجة والوارث ولد] فإن أقر للزوجة وورثته ولد جاز إلا أن يقوم دليل تهمة فيها، إما لأنه معروف بالميل إليها، أو تعلق النفس بها (¬1) أو تكون شابة وهو شيخ وله ولد من غيرها (¬2) فالشأن أنها تستميله، وتصده عن ولده، وكذلك إذا كان جميع ولده منها وبعضهم صغير قال في كتاب محمد: إن أقر لها وهي مطلقة وله ولد منها فإنه يتهم (¬3) فاتهمها في الولد الصغير، وإن كانت الزوجة في غير العصمة. قال ابن القاسم: أو يعلم منه البغضة لولده فكل هذا قرائن تدل على التهمة (¬4)، وهذا إذا كان إقراره بدين من غير الصداق، ولا يقبل إقراره بمقدم صداقها قبل الدخول، ويقبل إقراره بالمهرة لأنَّ الشأن بقاؤه في الذمة وكأنه لو ادعى دفعه لكان القول قولها، وإن أقر لها بدين وورثته عصبة لم يصدق فإن ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 10/ 517. (¬2) قوله: (من غيرها) ساقط من (ف). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 585. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 585.

فصل [فيما إذا أقر للولد مع الزوجة]

كانت بنتًا وعصبة جرى على الخلاف المتقدم. فصل [فيما إذا أقر للولد مع الزوجة] وإن أقر للولد مع الزوجة لم يصدق إلا أن يعلم منها (¬1) البغضة له (¬2)، وإن أقر لأحد ولديه ولا زوجة له (¬3)، ولا يعلم منزلتهم منه في الحب والبغض، لم يصدق، وإن كانا صغيرًا وكبيرًا، لم يصدق في إقراره للصغير (¬4). واختلف في إقراره للكبير وأن يجوز أحسن؛ لأنه لا تهمة هناك، وكذلك إن كانا كبيرين بارًّا وعاقًّا، لم يجز إقراره للبار. واختلف في إقراره للعاق فأجاز ابن القاسم في الرابع من الوصايا من كتاب محمد (¬5)، وإن كانا صغيرًا وكبيرًا بارًّا وعاقًّا، لم يجز إقراره للصغير ولا للبار ويجوز للعاق على المستحسن من القول، وإن كانا ابنًا وبنتًا فأقر للابن جاز إن كانت الابنة بكرًا، ولم يجز إن كانت الابنة (¬6) ثيبًا ذات زوج؛ لأن المعروف ميل الأب حينئذٍ للابن، وإن أقر للبنت بعكس هذا فيجوز إن كانت ذات زوج، ولا يجوز إن كانت بكرًا؛ لأنها في معنى الصغير، وإنما تتزوج ¬

_ (¬1) في (ف): (منه). (¬2) قوله: (له) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (له) ساقط من (ت). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 583. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 585، البيان والتحصيل: 10/ 517. ونص العتبية: (وقال: إن كان بعضهم بارًا حسن الحال، وآخر عاق خبيث فأوصى لهذا العاق الخبيث بدين له عليه, ذكره من قبل أمه أو بشيء فهو جائز، وإن كان أوصى بذلك للبار لم يجز). (¬6) قوله: (الابنة) ساقط من (ف).

ويرغب فيها لمكان مالها ولشورتها، وهذا مع الزوجة فإن كانت للميت زوجة جرى الجواب على قولين؛ لأنه لا تنال الزوجة مضرة إلا نال الولد أخرى (¬1)، ولا أرى أن يجوز إقرار الأم لأحد الولدين ويرد إقرارها للابنة، وإن كانت مدخولًا لما علم من ميلها إليها وإيثارها على الذكور، ويرد إقرارها للابن؛ لأنه يتهم أن يكون استمالها حتى أقرت له، والنساء يضعفن عند الاستمالة. وإن كان وارث المريض بنات أو عصبة, فأقر للبنات أو لإحداهن، لم يجز إقراره، وإن أقر للعاصب أو للعصبة إقرار سواء، وإن أقر لأحدهما فعلى الخلاف المتقدم (¬2)، إذا أقر للصديق ووارثه ابنة وعصبة، وكل من تقدم القول فيه أنه لا يقبل الإقرار له. فإنه إن كان هناك دليل على ما أقر به قبل قوله. قال مالك: إذا كان المقر له أو وكيله يقتضي من المقر في صحته قُبِل إقراره، يريد: ما لم يقر له بأكثر مما يشبه أن يكون له عنده، فكل من لا يصح له الإقرار بالدين فلا تصح البراءة له مما له عنده من دين. (¬3) محمد: وإن أقر المريض أنه قبض دينًا كان له على بعض ورثته، ثم مات الذي له عليه الدين قبل، لزم الباقي إقراره وسقط دينه ما لم يكن ورثة أخيه ورثة الباقي (¬4) المقر أنه قبض دينه (¬5). ¬

_ (¬1) في (ف): (الآخر). (¬2) قوله: (المتقدم) ساقط من (ف). (¬3) زاد في (ف): (أبو). (¬4) قوله: (إقراره وسقط دينه ما لم يكن ورثة أخيه ورثة الباقي) ساقط من (ف). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 276.

قال: فإن أقر المريض أنه اشترى بهذه السلعة من ابنه بعشرين دينارًا، ودفع إليه الثمن، والسلعة قائمة بيد الأب، وأقر الابن بمثل ذلك غرم العشرين الدينار، ولم يأخذ السلعة (¬1)، وإن أقرّ الأب أنه قبض وديعته التي عند ابنه جاز إقراره إذا لم يودعها ببينة. قال: وقد قيل لو كان أصلها ببينة كان إقرار الأب بالقبض جائزًا؛ لأن الابن لو قال: ضاعت مني جاز قوله. وفي كتاب التفليس: إذا أقر لأجنبي ولصديق ملاطف أو لأجنبي ولصديق ملاطف ووارث، وسيأتي مستوعبًا إن شاء الله. ¬

_ (¬1) زاد في (ح) قوله: (إن كانت قائمة).

باب في إقرار الوارث والوصي

باب في إقرار الوارث والوصي إقرار الوارث على أربعة أوجه: فإن كان عدلًا رشيدًا، جاز إقراره في نفسه وجازت شهادته على غيره فيحلف المقر له مع شهادته ويأخذ جميع حقه، وإن كان رشيدًا غير عدلٍ حلف المنكر من الورثة وبرئ. ثم يختلف في القدر الذي يغرمه المقر من الورثة (¬1) فقال مالك مرة (¬2): يغرم قدر (¬3) ما ينوبه، وبه أخذ ابن القاسم (¬4)، وروى عنه أشهب أنه قال: يغرم جميع الدين إذا كان في نصيبه وفاء به (¬5)، وروى عنه أيضًا أنه قال: يغرم قدر ما ينوبه مثل رواية ابن القاسم، وقال: أخاف إن أخذ بجميع الدين ألا يقر أحد، وهذا مثل ما قيل فيمن أقر بشهادة الزور أنه لا يعاقب خوف أن لا يقر أحد فأسقط ها هنا حق الله تعالى، وهناك (¬6) حق لآدمي، وإن كان سعيها غير عدل سقط إقراره وشهادته. واختلف عن مالك في قبول شهادته إذا كان سفيهًا عدلًا (¬7)، وأرى أن تجوز ويحلف المشهود له، ويأخذ جميع دينه من الرشيد؛ لأنه إنما أخذ ذلك بشاهدة (¬8) ويمين، ويكون الشاهد حينئذٍ بمنزلة أن لو كان غير وارث، وهذا ¬

_ (¬1) قوله: (من الورثة) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (مرة) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (قدر) ساقط من (ف). (¬4) انظر المدونة: 4/ 67. (¬5) النوادر والزيادات: 11/ 594. (¬6) قوله: (وهناك) ساقط من (ف). (¬7) انظر المدونة: 4/ 27. (¬8) في (ف): (بشاهد).

فصل [في إقرار الوصي على من يلي]

إذا أقر بدين، وإن أقر له بمعين بعبد أو ثوب كان له نصيب المقر وحده إذا نكل عن اليمين، أو كان المقر غير عدل، وهذا إذا لم يخلف الميت إلا عبدًا أو أكثر ولا يحمل القسم. واختلف إذا حمله القسم (¬1) فقيل: له نصيب المقر كالأول، وهو أيضًا ظاهر قول ابن القاسم في كتاب الوصايا من المدونة؛ لأنه قال: إذا ترك الميت رقيقًا كثيرًا كان له من ذلك العبد قدر مورثه (¬2)، وقيل: إن لم يرض المنكر بتسليم نصيب المقر قسموا، فإن صار ذلك العبد للمنكر كان للمقر له أن يأخذ من المقر قدر ما زاده القسم لدخول ذلك العبد في المقاسمة، وإن صار ذلك العبد للمقر أخذه المقر له بغير شيء، وليس هو بمنزلة من افتدى عبدًا من اللصوص؛ لأنّ الافتداء بالطوع وهذا أجبر على دخوله في المقاسمة، فأشبه ما لو سلمه إليه الغاصب بالجبر وأخذ منه آخر على وجه المعاوضة. فصل [في إقرار الوصي على من يلي] إقرار الوصي على من يلي عليه جائز بشرطين: أحدهما: أن يقر بما تولاه لنفسه فيقول: بعت هذا العبد أو اشتريته أو قبضت من هذا الدين. والثاني: أن يقر وهم في ولاية ما لم يرشدوا بعد فإن قال: باعه الميت أو اشتراه أو اقتضى ما على فلان لم يقبل قوله، وكان شاهدًا للمقر له فإن حلف ¬

_ (¬1) قوله: (القسم) ساقط من (ت). (¬2) انظر المدونة: 4/ 340.

مع بشاهده (¬1)، وإلا رجع إلى ما كان يوجبه الحكم لو لم يشهد له، وإن خالفه الغريم وقال: بل قضيتك ولم أقض الميت، كان القول قول الوصي مع يمينه، وتسقط شهادته (¬2) للغريم، ويكون على الغريم أن يغرم ذلك للمولى عليه. واختلف هل يلزم الوصي النظر فيه فقيل: ليس ذلك له (¬3) عليه؛ لأنه يقول: أخذ بغير حق (¬4)، ولا شيء عليه ولا يجوز لي أن أتصرف فيما ظلم فيه. واختلف إذا نكل الوصي (¬5) عن اليمين، فقال مالك: إن كان ذلك يسيرًا غرمه الوصي، ووقف إذا كان كثيرًا وقال: لا أدري. وقال ابن هرمز وابن القاسم: يضمن، وإن كان كثيرًا (¬6) (¬7)، وهذا يحسن، إذا كان الوصي ممن يظن به، وإن كان مبرزًا في الدين والفضل لم أر عليه شيئًا؛ لأنَّ مثل ذلك ينكل عن حق نفسه، وليس يمين الآخر دليلًا على أنه قبض ذلك، وإن كان على الميت دين فقضاه بغير بينة، وأنكره الغرماء حلفوا وغرم الوصي؛ لأنه فرط إذا قضى بغير بينة. وقال أشهب في كتاب محمد: ولو قال: أشهدت وماتوا أو غابوا لضمن إذا حلف (¬8) الغرماء (¬9). ¬

_ (¬1) في (ف): (مع شاهده). (¬2) في (ت): (شهادة). (¬3) قوله: (له) ساقط من (ت). (¬4) في (ت): (حقي). (¬5) في (ت): (الموصى). (¬6) قوله: (وقال: لا أدري. وقال ابن هرمز. . . كان كثيرًا) ساقط من (ت). (¬7) انظر المدونة: 4/ 71. (¬8) في (ف): (غاب). (¬9) انظر النوادر والزيادات: 11/ 325.

فصل [فيما إذا اعترف الوصي بدين على الميت وخفي له أن يوصله إلى مستحقه]

وقال سحنون في المجموعة: إذا طال الزمان حتى يرى أنهم نسوا أو ماتوا فعسى أن يقبل منه (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما إذا طال الزمان لم يقبل قول الغرماء في تأخير الدين. فصل [فيما إذا اعترف الوصي بدين على الميت وخفي له أن يوصله إلى مستحقه] وإذا اعترف الوصي بدين على الميت، وخفي له أن يوصله إلى مستحقه فعل وإلا رفع (¬2) إلى الحاكم، وكان شاهدًا. وقال أشهب في المجموعة: للوصي أن يقضي دين الميت بغير أمر القاضي إذا كان فيه شهود عدول، قال: والثقة أن يرفع إلى القاضي؛ لأنه لو بلغ اليتيم فجرح الشهود ضمن، وأخذ ذلك ممن قبضه، وإن كان بأمر القاضي لم تقبل جرحتهم (¬3)، وأرى ألا ضمان عليه، وإن لم يرفع إلى القاضي؛ لأنه كالحاكم عليهم وهو وكيل فعوض إليه، ولو رفع فإنما يعذر فيهم إليه فإذا كان يعلم منهم (¬4) العادلة لو أعذر إليهم القاضي فيهم لسلم لم يكن عليه شيء، وإن جرحوا بما كان متقدمًا رجع على الغريم، ولا يرد ما أخذ (¬5) بما أحدثوا من الجرحة بعد. ¬

_ (¬1) انظر النوادر والزيادات: 11/ 326. (¬2) في (ت): (دفع). (¬3) النوادر والزيادات: 11/ 324. (¬4) في (ت): (فيها). (¬5) قوله: (ما أخذ) ساقط من (ت).

فصل [فيما إذا رشد اليتامى، وقال الوصي: كنت قبضت ما على الغرماء]

فصل [فيما إذا رشد اليتامى، وقال الوصي: كنت قبضت ما على الغرماء] واختلف إذا رشد اليتامى فقال: كنت قبضت ما على الغرماء، فقال محمد: هو شاهد يحلفون ويبرؤون، وإن لم يكن عدلًا غرم الغريم ورجع على الوصي إذا لم يثق (¬1). وقال سحنون: قوله مقبول. قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما إذا كان قوله ذلك عندما أراد أن يسلم إليهم أموالهم وعند المحاسبة فقوله: مقبول، كأنه كان وكيلًا على القبض، ولم يسئل عنه إلا الآن، فإن حاسبهم، ثم قال: قبضت من فلان وأنسيت ذكره، فإن لم يكن تقدم له ذكر بقبض ولا بغيره، فكذلك يقبل قوله إذا طالت مدة المداينة؛ لأنَّ القول قول الغريم أنه دفع إذا طالت المدة، وإن كانت المداينة قريبة فهو أشكل. وقد اختلف في العامل بالقراض يسلم المال، ثم يأتي بعد المحاسبة بالقرب فيقول: أنسيت النفقة، هل يقبل قوله. ¬

_ (¬1) انظر النوادر والزيادات: 9/ 303.

باب فيمن أقر ببضع وما يلزم في ذلك

باب فيمن أقر ببضع وما يلزم في ذلك ومن المدونة قال مالك: فيمن أقر لرجل ببضعة عشر درهمًا، قال: البضع ما بين الثلاث إلى التسع، فإن اختلفوا لم يعط إلا ثلاثة (¬1) إذا زعم ذلك (¬2) المقر (¬3). قال الشيخ - رضي الله عنه -: إن شكَّا جميعًا كان للمقر له (¬4) ما تيقناه من ذلك. واختلف هل يقسم الزائد إذا شكَّا فيه، وإن تيقنا أو اختلفا كان القول قول المقر مع يمينه ما لم يدع أنه أقل من الثلاث فلا يصدق. وإن أيقن أحدهما وشك الآخر كان القول قول من أيقن. واختلف في يمينه إلا أن يقول الغارم إن دينه لا يبلغ التسعة، وقد ادعاها الطالب فيحلف المطلوب على ما يرى أنها لا يجاوزه، ويكون الآخر بالخيار بين أن يأخذ ما أيقن به المقر بغير يمين، أو يحلف ويأخذ جملة ما شك فيه، وإن مات المقر قبل أن يسأل أخذ من ذمته أقل البضع وهو ثلاثة، وقيل: يقسم الزائد ولا ينظر ها هنا إلى يقين يمين الطالب بعد موت المقر؛ لأنه يمكن أن يكون لو سئل لذكر معرفته إلا أن يكون قد سئل فأخبر أنه شاك فيأخذ الحي ما ادعاه. قال محمد في مريض قال لفلان عندي مائة ثم مات قبل أن يسئل: كان له ¬

_ (¬1) في (ف): (لم يقض إلا بثلاثة). (¬2) قوله: (ذلك) ساقط من (ف). (¬3) انظر المدونة: 4/ 67. (¬4) قوله: (له) ساقط من (ت).

النصف دراهم والنصف دنانير (¬1). وعلى القول أنه يعطى أقل ما يتضمنه الإقرار يعطى مائة درهم، ومن رجع ممن كان على شك، وادعى أنه تذكر وعرف حقيقة ذلك قُبل قوله أنه تذكر وارتفع حكم الشك. وقد اختلف أهل اللغة في البضع فقال ابن فارس (¬2) وابن قتيبة: هو ما بين الواحد إلى التسع (¬3). وقال أبو عبيدة (¬4): هو ما لم يبلغ العقد ولا نصفه. يريد من الواحد إلى الأربع (¬5)، وليس بالبين، وقد ذكر الطبري عن غير واحد أن لُبْث يوسف في السجن كان سبع سنين، وهذا يرد قوله، وقد ذكر عن مجاهد وقتادة: أن البضع ما بين الثلاث إلى التسع (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (يمين) انظر النوادر والزيادات: 9/ 150. (¬2) انظر معجم مقاييس اللغة لابن فارس: 1/ 257. وذكر أنه من الثلاث إلى العشرة. (¬3) انظر أدب الكاتب لابن قتيبة 1/ 13. (¬4) قوله: (وقال أبو عبيدة) ساقط من (ت). (¬5) انظر أدب الكاتب لابن قتيبة 1/ 13. (¬6) في (ح) و (ت): (السبع) وما في (ف) موافق لما في تفسير الطبري: 16/ 115.

باب فيمن وصل بمال ثم وصل به آخر ثم مات أحدهما قبل القبض

باب فيمن وُصِل بمال ثم وصل به آخر ثم مات أحدهما قبل القبض ومن المدونة قال ابن القاسم فيمن استقرض دراهم ثم وهبها لآخر قبل القبض فمات الواهب قبل أن يقبضها الموهوب له: أنها ماضية (¬1)، وقال غيره: لا شيء له فيها (¬2)، وعلى هذا يجري الجواب إذا مات الأول] (¬3)، وهو مقرض فيثبت القرض والصلة على قول ابن القاسم؛ لأنه في معنى المقبوض لما زالت يد المستقرض عنه (¬4)، وصارت يد غيره عليها، وتسقط على قول غيره، ولا تخلو العطيتان من أن تكونا جميعًا صلة أو قرضًا أو أحدهما صلة والآخر قرضًا فإن كانتا صلة (¬5) ثبتتا على قول ابن القاسم، وسواء مات الواصل الأول أو الثاني. وإن كانتا قرضًا فمات (¬6) الأول (¬7) أخذها الآخر من تركته وقضاها كل واحد منهما عند الأجل الذي اقترض إليه، وإن مات الأوسط قبضها الآخر (¬8) ¬

_ (¬1) انظر المدونة: 4/ 428. قول أشهب (¬2) انظر المدونة: 4/ 428. (¬3) زاد في (ح): (أو الثاني وإن كانتا). (¬4) قوله: (عنه) ساقط من (ت). (¬5) قوله: (أو قرضًا أو أحدهما صلة والآخر قرضًا فإن كانتا صلة) ساقط من (ف). (¬6) في (ت): (فات). (¬7) في (ف): (الأوسط). (¬8) قوله: (من تركته وقضاها كل واحد منهما عند الأجل الذي اقترض إليه، وإن مات الأوسط قبضها الآخر) ساقط من (ف).

وقضاها ورثة الأوسط الآن؛ لأنها حلت عليه بموته, وإن مات الآخر سقط حقه فيها؛ لأنها حلت عليه بموته فلا فائدة في قبض ورثته لها؛ لأنه يحكم عليه بردها إلى الأوسط بالحضرة، ويقبضها الأوسط من الأول، ثم يقبضها عند حلول الأجل الذي اقترض إليه. وإن كانت الأولى صلة والثانية قرضًا أو الأولى قرضًا، والثانية صلة فمات الأول أو الأوسط كان للآخر قبضها، ويفترق الجواب في موت الأوسط فإن كانت الأولى قرضًا والثانية صلة (¬1) قضاها ورثته الآن بحلولها على ميتهم، ولا شيء على الآخر لأنها له صلة. وإن كانت الأولى صلة, والثانية قرضًا كان للآخر أن يقبضها، ثم يقبضها عند حلول أجلها، ولا شيء على ورثة الأوسط لأنها لميتهم صلة، وإن مات الآخر وكانت له صلة قبضها ورثته، وقضاها الأوسط (¬2) إذا حل أجلها؛ لأنها كانت عليه قرضًا، وإن كانت الأخيرة قرضًا قبضها الأوسط؛ لأنها من الأول صلة، ولم يكن لورثة الآخر قبضها؛ لأنها قرض، وقد حلت عليه بالموت، وعلى أصل غيره إن مات الأول سقطت، ولم يتعلق على ورثته فيها شيء للأوسط ولا للآخر على أي حال كانت من صلة أو قرض. وإن مات الأوسط سقط حق الآخر سواء كانت له قرضًا أو صلة، ثم ينظر في حق الميت فيها، فإن كانت الأولى صلة قبضها ورثته من الأول، وإن كانت قرضًا لم يقبضوها؛ لأنها حلت على ميتهم بموته، وإن مات الآخر ¬

_ (¬1) قوله: (والثانية صلة) ساقط من (ت). (¬2) قوله: (لأنها لميتهم صلة، وإن مات الآخر وكانت له صلة قبضها ورثته, وقضاها الأوسط) ساقط من (ف).

وكانت صلة أو (¬1) الأولى قرضًا والثانية صلة قبضها ورثة الآخر وقضاها الأوسط إن كانت قرضًا عند حلول أجلها. وإن كانت الآخرة قرضًا سقط حق ورثته فيها لحلولها وكان حق الأوسط قائمًا فيها، وسواء كانت الأولى صلة أو قرضًا، والقياس إذا مات الأول وكانت منه للأوسط على وجه القرض أن يقوم الآخر على الأوسط إذا حل أجل القرض فيغرمه مثل ما كان وصله به؛ لأنه يقول له: أنت رضيت أن تكون قبلك قرضًا ولي صلة، ويغرمها للأول إذا حل الأجل، فأنا آخذك بغرم ما كنت رضيت أن تغرمه. وقال مطرف وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب فيمن تصدق عليه بصدقة، ثم باعها المتصدق عليه قبل أن يقبضها، فلم يقبضها المشتري حتى مات المتصدق بها: أن ذلك جائز؛ لأن ملكه قد زال عنها إلى ملك من لا حوز عليه. وقال أصبغ: لا أرى البيع جائزً، يريد لما كانت يد المتصدق باقيةً على صدقته، والأول أبينُ. ¬

_ (¬1) قوله: (صلة أو) ساقط من (ف).

باب فيمن استقرض رجلا دراهم فأمره أن يقبضها من غريمه فصارفه فيها أو قاصه بها من دين له عليه أو أمر رجلا يقضي عنه دراهم فقبض عنها الغريم دنانير أو عروضا

باب فيمن استقرض رجلًا دراهمَ فأمره أن يقبضها من غريمه فصارفه فيها أو قاصَّه (¬1) بها من دين له عليه أو أمر رجلًا يقضي (¬2) عنه دراهم فقبض عنها الغريم دنانير أو عروضًا ومن استقرض رجلًا دراهم فأمر غريمه أن يدفعها إليه فصارفه المستقرض فيها، جاز، ولا خلاف في ذلك. واختلف بم يرجع به المقرض؟ فقال ابن القاسم: يرجع بما أمر، قال: وقد اختلف قول مالك فيها (¬3)، وقال في كتاب محمد: اختلف قول مالك فيها ثلاث مرات (¬4) فقال مرة: يرجع بالدراهم (¬5)، وقال مرة: بالدنانير، وقال مرة: هو بالخيار. قال الشيخ - رضي الله عنه -: وأما قوله: أنه يرجع بالذهب، فهو راجع إلى قوله هو بالخيار؛ لأنه لا يصلح أن يأمره بقبض دراهم فيصرفها (¬6) من غير وكالة من الآمر ويلزم الآمر فعله، والقول الأول أنه يرجع بالدراهم أحسن؛ لأن المصارفة كانت برضًا من المستقرض. ¬

_ (¬1) في (ت): (قارضه). (¬2) في (ح): (يقبض). (¬3) انظر المدونة: 4/ 69. (¬4) انظر النوادر والزيادات: 5/ 397. نص النوادر: (واختلف قول مالك فيه ثلاث مرات). (¬5) انظر المدونة: 4/ 68. (¬6) قوله: (فيصرفها) ساقط من (ت).

قال ابن القاسم: ولو أراد المقرض أن يمنعه من بيعها لم يكن ذلك له (¬1)؛ لأنه بيع حادث. ويختلف لو أخذ عنها عرضًا أو شيئًا مما يكال أو يوزن حسب ما تقدم، والصواب أنه بيع حادث، ولا يرجع إلا بما أمر به. وقال ابن القاسم فيمن استقرض رجلًا خمسة دنانير، فأمر غريمًا له عليه خمسة دنانير أن يعطيه إياها، فقاصه بها الغريم من دين له عليه جاز (¬2)، ولا يختلف في ذلك؛ لأنها دنانير كلها وسكة واحدة، ولو قاص بها من دراهم كانت له عليه أو عرض لرجل لدخل الخلاف المتقدم، وقال ابن القاسم: لو أمرت رجلًا ينقد عني رجلًا ألف درهم فباعه بها جارية أو عرضًا أو شيئًا مما يكال أو يوزن من غير العين؛ جاز، ويرجع بالألف الدرهم (¬3). قال سحنون: وقد ذكر عن مالك فيها اختلاف أنه لا يربح في السلف (¬4)، والأول أبين؛ لأنها مبايعة حادثة من المستقرض، وإنما يدخله السلف بزيادة إذا دفع ألفًا ورجع بأكثر، وأما إذا دفع من غير الجنس فلا يدخله ذلك. واختلف إذا أمره أن يدفع عنه نصف دينار فدفع دينارًا أو دراهمَ أو عروضًا فقال مالك في كتاب محمد: فيمن قال لرجل: اقض عني نصف دينار فدفع دينارًا (¬5) أنه إذا دفع عنه غير الدراهم ما كان من طعام أو غيره فله بذلك ¬

_ (¬1) انظر المدونة: 4/ 68. (¬2) انظر المدونة: 4/ 68. (¬3) انظر المدونة: 4/ 69. (¬4) انظر المدونة: 4/ 69. (¬5) قوله: (فدفع دينارًا) ساقط من (ف).

نصف دينار على الآمر ما بلغ، وإن دفع دراهم كان الآمر بالخيار إن شاء أعطاه دراهمَ و (¬1) إن شاء أعطاه نصف دينار (¬2). وقال أيضًا: إن دفع طعامًا أو ثوبًا فإنه يكون له على الآمر ثمن ذلك دراهم، وإن دفع دراهم (¬3) كان بالخيار إن شاء دفع مثل عدد ما دفعه عنه، وإن شاء دفع نصف دينار صرف اليوم يوم دفع (¬4). قال ابن القاسم: ثم رجع عن قوله بالخيار قال: بل يدفع إليه مثل وزن ما دفع (¬5). وقال مالك: ولو دفع (¬6) الأمور دينارًا فأخذ الغريم نصفه ورد على المأمور نصفه كان للمأمور على الآمر نصف دينار ما بلغ (¬7)، وقال ابن القاسم: إذا أمره أن يدفع عنه نصف دينار فليس يقع إلا على الدراهم، ولا يكون للمأمور على الآمر إلا عدد ما دفع عنه من الدراهم إن دفع عنه الدراهم (¬8). ويلزم على قوله إن دفع دينارًا فأخذ الغريم نصفه ورد نصفه أن يكون الآمر بالخيار بين أن يدفع إليه نصف دينار دراهم بصرف يوم القضاء ولهذا قال ابن القاسم: ليس يقع إلا على الدراهم (¬9)؛ لأن الغريم وهو الآمر لم يكن ¬

_ (¬1) قوله: (إن شاء أعطاه دراهمَ و) ساقط من (ف). (¬2) انظر النوادر والزيادات: 5/ 396. ولفظ النوادر والزيادات: قال أصبغ: وقد اختلف قول ابن القاسم في الدينار يأمره بدفعه عنه فقضى، فقال: الأمر مخير. ثم قال: ليس له ولا عليه إلا الدينار؛ لأن ما فعل المأمور مع الآخر لم يكن له أن يمنعه منه من مصارفته ومبايعته. (¬3) قوله: (وإن دفع دراهم) ساقط من (ف). (¬4) هكذا في جميع النسخ. (¬5) انظر النوادر والزيادات: 5/ 397. (¬6) قوله: (وقال مالك: ولو دفع) ساقط من (ف). (¬7) انظر: النوادر والزيادات.: 10/ 141. (¬8) انظر النوادر والزيادات: 10/ 140. (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 140.

فصل [فيمن قال لرجل انقد عني فلانا ألف درهم فأنعم له بذلك]

يجير على أن يقضي يوم حل عليه الدين إلا دراهم يصرف (¬1) يوم القضاء، وإما إن دفع عرضًا أو طعامًا، فإنه بيع حادث ويرجع بدراهم على صرفها من نصف دينار من (¬2) يوم كان القضاء. فصل [فيمن قال لرجل انقد عني فلانا ألف درهم فأنعم له بذلك] وقال ابن القاسم فيمن قال لرجل انقد عني فلانا ألف درهم فأنعم له بذلك، قال: هذه حمالة فإن مات القائل لم تسقط (¬3)، يريد: أنها حمالة اشترط فيها تبدية الحميل، وأن يكون منه ذلك على وجه السلف. واختلف إذا مات (¬4) الحميل قبل القبض هل تلزم لأنها حمالة بعد عقد البيع؟ وقال مالك في من قال لرجل: ادفع عني لفلان مائة درهم فقال: نعم، قال: إن كان الغريم اقتعد على موعد وانصرف على ذلك لزمه (¬5). فكأنه رأى أن مجرد قوله: نعم محتمل أن يريد بذلك التحمل بقوله ولا يريد ألا يجاب فيكون له الرجوع عنه. ¬

_ (¬1) قوله: (يصرف) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (من) ساقط من (ت). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 69، ولفظها: (قال سحنون: وهذه حمالة). (¬4) قوله: (القائل لم تسقط (4)؛ يريد: أنها حمالة اشترط فيها تبدية الحميل، وأن يكون منه ذلك على وجه السلف. واختلف إذا مات) ساقط من (ح). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 69.

باب فيمن التزم أن يقضي دين ميت, ثم رجع عن ذلك أو قضاه, ثم أراد أن يرجع به في تركة الميت أو قضاء دين عن حي فكره الغريم مطالبته من قضاء ذلك الدين

باب فيمن التزم أن يقضي دين ميت, ثم رجع عن ذلك أو قضاه, ثم أراد أن يرجع به في تركة الميت أو قضاء دين عن حي فكره الغريم مطالبته من قضاء ذلك الدين قال ابن القاسم فيمن قال: أنا ضامن لقضاء دين ميت، ثم رجع عن ذلك لزمه ما ضمن قال: وإن قضاه ولا مال للميت وهو عالم بذلك، ثم طرأ للميت مال لم يرجع فيه بشيء؛ لأن فعله كان على وجه الحسبة (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: والقياس أن يرجع إذا تبين أنه كان له مال؛ لأن القصد في مثل هذا التخفيف عن الميت وليس أن يرث الورثة ماله ويغرم هو عنه ولو وهب للميت مال فقبله ورثته لم يرجع فيه بشيء لأن هذا مال حادث وكذلك أرى إذا ضمن القضاء عن الميت، وكان ظاهر اليسر ثم تبين أنه معسر ألا يكون عليه شيء؛ لأنه يقول إنما تحملت لأرجع ولو علمت أنه معسرٌ ولا أجد ما أرجع به لم أضمن. فصل [فيما إذا قال أنا أقضيك الدين الذي لك على فلان] ومن قال لرجل: أنا أقضيك الدين الذي لك على فلان جاز، وإن كره الغريم ولا يرد قضاؤه إلا أن تكون بينهما عداوة، ولا يمكن من طلبه ويرد قضاؤه إلا أن يغيب الطالب بالمال فيقيم القاضي وكيلًا ليقبض ذلك ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 70.

من الغريم (¬1). واختلف إذا اشترى رجل دينًا على غريم هل يكون المطلوب أحق به في مثل ذلك الثمن، فإن اشترى رجل دينًا، فإن كره أخذه بالثمن مضى البيع لمشتريه به (¬2) إلا أن تكون بينهما عداوة فيرد شراؤه، وهو قول مالك (¬3)، وأرى أن يكون المشتري بالخيار بين أن يبيع ذلك الدين، ويسقط مقال الغريم؛ لأن المنع كان بحق آدمي ألا يمكن من أداه بالاقتضاء، وقد زال ذلك بالبيع الثاني أو يرد البيع الأول؛ لأنه يقول: اشتريته، وأنا أرى أني أمكن من قبضه والمنع من ذلك عيب فيرد بالعيب، وإن اشترى نصراني مسلمًا أو مصحفًا كان البيع فاسدًا، وليس كالأول؛ لأن منع الأول لحق آدمي، وهذا لحق الله سبحانه. واختلف فيه إذا نزل لأن الفساد فيه من قبل العقد ليس في الثمن ولا في المثمون، فقيل: يمضي بالعقد، وقيل: يفسخ فإن فات مضى بالثمن، وقيل: يمضي بعد الفوت بالقيمة، وهذا إذا كانا يجهلان حكم ذلك البيع فإن كانا يعملان كان بمنزلة ما فساده في ثمنه فيفسخ ويمضي بعد الفوت بالقيمة؛ لأن المشتري دخل على ما لا يعلم ما يحكم عليه به إما أن يجبر على الفسخ ولا يمكن منه أويمكن ويجبر على بيعه فيعود إليه كر من ثمنه أو أقل من ذلك وذلك غرر. تم كتاب المديان والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 70. (¬2) قوله: (به) ساقط من (ت). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 70.

كتاب الحجر

كتاب الحجر النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ت) = نسخة تازة رقم (234 & 243) 3 - (ر) = نسخة الحمزوية رقم (110)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كتاب الحجر الحجر يستحق على ستة. يتيم لم يبلغ (¬1)، وبالغ فقيد العقل، وعاقل أبله ضعيف التميز والأخذ والإعطاء (¬2) لا يعرف الإمساك وإن كان لا يقصد الإتلاف، وعاقل مميز يتلف ماله في الشهوات واللذات (¬3) سفهًا إلا أن يكون ممن يتكلف التجر والكسب، ولا تؤدي أفعاله مع تجره إلى ما يتلف ماله والذي يخدع في البيوع على اختلاف فيه والمفلس والحجر على جميع من ذكر لحقهم ونظرائهم إلا لمفلس (¬4) فإنه لحق الغرماء. والأصل في اليتيم قول الله سبحانه: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6]، وفي المجنون والضعيف التمييز والسفيه. قوله تبارك وتعالى: {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} [البقرة: 282]، ولو كان رجلًا عاقلًا مثمرًا (¬5) لماله يستعين بذلك على الفسوق وشرب الخمر رأيت أن يحجر عليه، وإن كان (¬6) ينميه بمثل ذلك وذلك لحق الله سبحانه؛ لأن تغيير المنكر فرض، فإذا كان لا ينزجر هذا مع بقاء المال في يده إلا بالحجر، حجر عليه، ¬

_ (¬1) قوله: (لم يبلغ) ساقط من (ر). (¬2) في (ر): (العطاء). (¬3) في (ف): (والهبات). (¬4) في (ف): (ونظرا لهم إلا المفلس)، وفي (ر): (ونظر لهم إلا لمفلس). (¬5) في (ر): (مبذرًا). (¬6) قوله: (كان) ساقط من (ر).

فصل [فيمن هو السفيه المحجور عليه]

وقال مالك في المدونة في الذين تحجر عليهم أموالهم: هم الذين يبذرونه (¬1) في الفسوق والشراب (¬2). فصل (¬3) [فيمن هو السفيه المحجور عليه] واختلف في السفيه الذي يحجر عليه. فقال ابن القاسم: إذا كان ممن لو كان في ولاء لم يعط ماله. وقال أشهب لا يحجر إلا على البين أمره المبذر لماله ولا يحكم إمساكه (¬4). واختلف في أفعال من (¬5) يستحق الحجر إذا تصرف في ماله قبل الحجر فقيل: أفعاله على الجواز، بيعه وشراؤه (¬6) وهباته وقبضه (¬7) حتى يحجر عليه، وهو قول ابن كنانة وابن نافع، وقيل: ذلك (¬8) على الرد كالمحجور (¬9) عليه، وهو قول ابن القاسم (¬10). وقال مطرف وابن الماجشون: إذا كان سفيهًا قبل البلوغ ثم لم يأتِ عليه حال (¬11) رشد كانت أفعاله مردودة؛ لأنه لم يزل في ولاء، وإن كان رشيدًا، ثم أحدث سفهًا كان فعله الآن (¬12) نافذًا إلا أن يكون في بيعه خديعة فباع ما يساوي ألفا بمائة فيرد (¬13) ويكون الزائد كالهبة (¬14) وفرقا (¬15) بين هبته وبيعه. ¬

_ (¬1) في (ر): (يبذرونها). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 74. (¬3) قوله: (فصل) يقابله بياض في (ف). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 97. (¬5) قوله: (أفعال من) يقابله في (ر): (أفعال السفيه الذي). (¬6) قوله: (وشراؤه) زيادة من (ر). (¬7) قوله: (وقبضه) ساقط من (ت). (¬8) قوله: (ذلك) زيادة من (ر). (¬9) في (ت): (كالحجر). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 92. (¬11) قوله: (حال) ساقط من (ف). (¬12) قوله: (الآن) ساقط من (ت). (¬13) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 92. (¬14) قوله: (ويكون الزائد كالهبة) ساقط من (ف) و (ر). (¬15) في (ف): (وفرق).

فصل [فيمن يلي الحجر]

قال الشيخ - رضي الله عنه -: والصواب في هباته أنها مردودة ويضمنها الموهوب له إن كان صون بها ماله. واختلف فيمن يخدع في البيوع فقيل: لا يحجر عليه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن يخدع في البيوع: "إذا بايعت فقل لا خلابة"، وقال أبو إسحاق (¬1) ابن شعبان: يضرب على يديه، وأرى إن كان يخدع بالشيء اليسير أو الشيء الذي له بال أنه لا يخفى عليه ذلك بعد، وتبين له ذلك الغبن فلا يحجر عليه، ويؤمر بالاشتراط حسب ما في الحديث (¬2)، ويشهد حين البيع ويستغني بذلك على (¬3) الحجر، وإن كان لا يتبين له ذلك، ويكثر نزول ذلك به أمر بالإمساك عن التجر، ولم يحجر عليه، ولم ينتزع المال من يده؛ لأنَّ السلطان لا يفعل بعد الحجر أكثر من إمساكه والإنفاق (¬4) عليه منه، وهو أولى بإمساك ماله (¬5)، وإن كان لا ينزجر عن التجر انتزع ذلك منه. فصل [فيمن يلي الحجر] الحجر إلى الآباء (¬6) والسلطان والسيد فذلك (¬7) إلى الأب في صغار بنيه في الحياة وعند الوفاة يقيم لهم وصيًّا وفي الإناث وإن كن كبارًا ما لم يتزوجن، ويدخل بهن أزواجهن (¬8) والسلطان في الصغار عند عدم الأب أو وصيه في (¬9) ¬

_ (¬1) قوله: (أبو إسحاق) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (ما في الحديث) يقابله في (ر): (ما تقدم). (¬3) في (ر): (عن). (¬4) قوله: (والإنفاق) ساقط من (ر). (¬5) في (ر): (بالإمساك بما له). (¬6) قوله: (الآباء) يقابله في (ف): (الأب). (¬7) في (ت): (بذلك). (¬8) قوله: (أزواجهن) ساقط من (ر). (¬9) في (ف): (وفي)، وفي (ر): (ومن).

الكبار مع وجود الأب إذا أحدث (¬1) بعد البلوغ ما يوجب الحجر فإن ذلك إلى السلطان دون الأب يوقفه (¬2) للناس ويبيع (¬3) لذلك (¬4). قال في المدونة في مجلسه: ويشهد على ذلك السيد في عبده (¬5)، وقد مضى ذلك في كتاب المأذون وزوال (¬6) الحجر إلى السلطان إذا كان المحجور عليه في ولاية. واختلف إذا كان في ولاية وصي الأب أو من أقامه السلطان فقال ابن القاسم في العتبية في الوصي (¬7): إذا تبين له الرشد من يتيمه دفع إليه ما له، وإن شك في أمره لم يدفعه إلا بأمر السلطان (¬8). وقال مالك في كتاب محمد: من دفع إليه الإمام مال غلام مولى عليه فحسن حاله دفع إليه ماله وهو فيه كالوصي يتبين له حسن حال وليه (¬9). وقال القاضي أبو محمد عبد الوهاب: لا ينفك الحجر بحكم أو بغير حكم إلا بحكم الحاكم وسواء في ذلك الصبي والمجنون والبالغ والمفلس (¬10). قال الشيخ -رحمه الله-: قول مالك وابن القاسم هو الأصل في ذلك أن النظر في ذلك لمن هو في ولايته (¬11)، فإذا علم حسن حاله دفع إليه ماله وهو مقتضى ¬

_ (¬1) في (ت): (حدث). (¬2) في (ر): (يقفه). (¬3) في (ف) و (ر): (ويسمع). (¬4) في (ر): (بذلك). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 94. (¬6) انظر: كتاب المأذون في: (باب في حجر السيد والغرماء). (¬7) قوله: (في الوصي) ساقط من (ر). (¬8) في (ف): (الإمام). وانظر: البيان والتحصيل: 11/ 311، 13/ 302. (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 312. (¬10) انظر: المعونة على مذهب عالم المدينة: 2/ 161. (¬11) قوله: (ولايته) يقابله في (ف): (ولاية).

فصل [في زوال الحجر]

الآية، في قوله سبحانه: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} الآية [النساء: 6]، فجعل الدفع لمن إليه الابتلاء وهو الذي إليه أمره والقول الآخر اليوم أحسن لفساد حال (¬1) الناس وكثيرًا ما يقام غير المأمون بينهم أن يقول رشيد لمن ليس برشيد ليصانعه (¬2) ويشهد له المولى عليه بالبراءة فلا يمكن من ذلك أحد اليوم، وإن أراد الولي (¬3) حكمًا من القاضي لم يحكم له بالرشد بمجرد قوله بالرشد (¬4) إلا أن يثبت ذلك عنده. وقال سحنون في العتبية: إذا لم يثبت رشده كتب له أن فلانًا أتاني (¬5) بفتى صفته (¬6) كذا وزعم أن اسمه فلان، وذكر أن أباه أوصى به إليه، وذكر أنه بلغ مبلغ الأخذ لنفسه والإعطاء منها (¬7) ويزيد في المرأة أنه (¬8) قد ابتني بها وسألني أن آمره أن يدفع إليه ماله ويكتب له براعة فأمرته بالدفع وحكمت له بالبراءة، فحكم له بالبراءة (¬9) ولم يحكم له بالرشد (¬10)؛ لأنه لم يثبت عنده, ومحمل قوله: إنه حكم له بالقدر (¬11) الذي دفع وليس أنه دفعه بوجه (¬12) جائز؛ لأن ذلك لا يكون إلا بإثبات الرشد. فصل [في زوال الحجر] الحجر يزول بزوال الوجه الذي لأجله كان ذلك الحجر فيزول عن اليتيم بالبلوغ والرشد وعن المجنون بنفس إفاقته، إذا كان الجنون طارئًا بعد البلوغ؛ ¬

_ (¬1) قوله: (حال) ساقط من (ت) و (ر). (¬2) في (ر): (لمضايقة). (¬3) في (ر): (المولى). (¬4) قوله: (بالرشد) زيادة من (ر). (¬5) قوله: (أتاني) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (أتاني بفتى صفته) يقابله في (ت): (أتاهما صفته). (¬7) قوله: (منها) ساقط من (ر). (¬8) قوله: (أنه) ساقط من (ر). (¬9) قوله: (فحكم له بالبراءة) ساقط من (ر). (¬10) انظر البيان والتحصيل 10/ 468. (¬11) قوله: (بالقدر) يقابله في (ف): (بالعدد). (¬12) قوله: (بوجه) يقابله في (ف): (بحق).

فصل [في وقت الابتلاء]

لأنه كان على الرشد، وإن كان الجنون (¬1) قبل البلوغ لم يدفع إليه ماله (¬2) إلا بعد ثبات الرشد، وإن كان أبله ضعيفَ التمييزِ، وممن يخدع في ماله، دفع إليه إذا علم منه التدرب على البيع والشراء، وعرف الوجوه التي يؤتى عليه منها، وإن كان فيها (¬3) سفيهًا أو فاسقًا فإذا علم منه النزوع عن ذلك دفع إليه ماله (¬4)، وإن كان مفلسًا فإذا كشف عن ماله وقسم ما وجد له، وحلف على أنه (¬5) ما كتم، ولا أعلم (¬6) لما ذكره أبو محمد عبد الوهاب أنه يحتاج إلى حكم (¬7) وجهًا. فصل [في وقت الابتلاء] واختلف في وقت الابتلاء لمن كان في ولاءٍ فقال مالك (¬8) في كتاب محمد (¬9): لا تجوز أفعاله حتى يكشف بعد البلوغ عن أمره (¬10). وقال أبو جعفر الأبهري وغيره من البغداديين: هو ما (¬11) كان قبل البلوغ لا يحتاج إلى غيره وهو أبين لقول الله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} الآية، فجعل الابتلاء قبل البلوغ، وقوله: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} يريد بذلك: الابتلاء لا بغيره (¬12) والفاء في قوله: {فَإِنْ آنَسْتُمْ} للشرط لا للتعقيب. واختلف هل يبتلى بشيء من ماله يدفع إليه ليختبر به. فالظاهر من قول مالك: المنع؛ لأنه قال إذا فعل ذلك الولي فلحقه دين لم يلحق ذلك الدين في (¬13) المال الذي ¬

_ (¬1) قوله: (الجنون) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (ماله) زيادة من (ر). (¬3) قوله: (فيها) زيادة من (ر). (¬4) قوله: (دفع إليه ماله) ساقط من (ف) و (ت). (¬5) قوله: (أنه) ساقط من (ر). (¬6) في (ر): (ولا أعرف). (¬7) في (ر): (حاكم). (¬8) قوله: (مالك) ساقط من (ت) و (ر). (¬9) قوله: (في كتب محمد) يقابله في (ر): (في الكتاب). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 216. (¬11) قوله: (هو ما) يقابله في (ر): (الابتداء ما). (¬12) في (ر): (لا لغيره). (¬13) قوله: (في) زيادة من (ر).

فصل [في المراد بالرشد]

في يديه، ولا في يد وصيه (¬1)، وأجاز ذلك غيره، وقال: يلحقه الدين في المال الذي في يديه (¬2)، وقال القاضي (¬3) أبو محمد عبد الوهاب لولي المحجور عليه بالسفه أو الصغير أن يأذن له في قدر (¬4) من ماله بعينه يختبر به (¬5)، يريد: الصغير (¬6) الذي قارب البلوغ إذا رأى منه دليل الرشد، فمن جعل إخراجه إلى الولي اكتفى بعلمه في ذلك، وإن دفعه (¬7) إلى الحاكم لم يكتفِ بقول وليه دون أن يشهد عنده البينة بذلك. واختلف في الشهادة فقال (¬8): إذا شهد عنده شاهدان أجزأه (¬9). وقال أصبغ: لا يكتفى بذلك (¬10) بشهادة شاهدين (¬11) فيه ولا في البكر إلا أن يكون مع ذلك أمر فاشٍ (¬12)، وقوله في الذكران صواب (¬13) لأن حالهم لا يخفى (¬14)، وليس مما يطلع عليه سوى اثنين فوقوف (¬15) من سواهما عن ذلك ريبة، وأما الإناث فحالهن غير مشهور، ولا يكاد يعرفه غير الأقارب، وبعض الجيران، فلا يطلب منهن ما يطلب من الذكران. فصل [في المراد بالرشد] واختلف في الرشد المراد في القرآن فقال في المدونة: هو الذي يحرز ماله وقال محمد: الرشد هو الصلاح في دينه وماله وقال أيضًا: الذي يصلح ماله ¬

_ (¬1) انظر المدونة: 4/ 73، 74. (¬2) انظر المدونة: 4/ 73، 74. (¬3) قوله: (القاضي) ساقط من (ر). (¬4) في (ف): (بيع). (¬5) قوله: (يختبر به) يقابله في (ر): (يختبره). وانظر: التلقين: 2/ 169. (¬6) في (ر): (للصغير). (¬7) في (ر): (رفعه). (¬8) في (ف): (فقيل). (¬9) انظر: المدونة: 4/ 13. (¬10) قوله: (بذلك) ساقط من (ر). (¬11) في (ر): (الشاهدين). (¬12) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 389. (¬13) في (ف): (أصوب). (¬14) قوله: (فيه ولا في البكر إلا أن يكون. . . لأن حالهم لا يخفى) ساقط من (ر). (¬15) في (ر): (فوقف).

فصل [في أحوال الأطفال إذا بلغوا من حيث اليتم والحجر]

ويثمره ويحجره عن معاصي الله (¬1) (¬2). وقال أشهب: لا ينظر إلى سفيه في دينه إذا كان ممسكًا لماله، ولا يخدع فيه كما يخدع الصبي، ولا يخاف عليه الضعف في تدبيره، ولا تبديده (¬3). قال الشيخ -رحمه الله-: إذا اجتمع فيه أن يكون محرزًا لماله وينميه فذلك وإن كان يحرزه ولا يحسن التجر ولا الثمنية ولا يمسك عنه لأن وليه لا يفعل فيه غير ذلك يمسكه وينفق عليه فهو أولى بفعل ذلك في ماله ولأنه لا خلاف فيمن كان لا يحسن التجر (¬4) ويحسن الإمساك أنه لا يضرب على يديه، وهذا إذا كان ماله عينًا أو مالا يخشى فساده، وإن كان رباعًا وما يخشى تبديده أو خرابه، وهو لا يحسن القيام بما يحتاج إليه فلا يدفع إليه لأن ذلك يرجع إلى أنه لا يحسن أن يحوز ماله والولي يلي ذلك منها. ومراعاة الدين على وجهين: فإن كان غير عدل؛ لأنه ممن يكذب أو غير ذلك مما لا تأثير له في المال دفع إليه ماله (¬5)؛ لأنه لا خلاف أنه إذا كان على تلك الحالة لا يحجر عليه, وإن كان فاسقًا أو يشرب الخمر لم يدفع إليه؛ لأنه يستعين به فيما يريده من ذلك، وإن كان قادرًا على التنمية. فصل [في أحوال الأطفال إذا بلغوا من حيث اليُتْم والحجر] الأطفال إذا بلغوا، ثلاثة: من له أب، ويتيم محجور عليه، ويتيم لا حجر ¬

_ (¬1) قوله: (وماله وقال أيضًا: الذي يصلح. . . عن معاصي الله) ساقط من (ر). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 96. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 97. (¬4) قوله: (ولا الثمنية ولا يمسك عنه. . . لا يحسن التجر) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (ماله) ساقط من (ف).

عليه. فأما من تقدم عليه حجر فهو بعد البلوغ على السفه حتى يختبر حسب ما في القرآن. واختلف فيمن له أب أو كان يتيمًا لم (¬1) يحجر عليه, فقال في كتاب النكاح الأول (¬2) من المدونة: إذا احتلم الغلام فله أن يذهب حيث شاء، وليس للوالد أن يمنعه وحمله على الرشد (¬3)، وقال ابن حبيب في الصغير تجب له الشفعة: إن أجل الشفعة سنة من يوم يبلغ، وهذا يتيم له مال حمله على الرشد بالبلوغ، وقيل: هما على السفه قياسًا على المحجور عليه؛ لأنَّ الحجر لا يغير العقل بنقص وذلك فيمن حجر عليه (¬4) وغيره سواء وفرق في القول الآخر بينهما؛ لأن الغالب من بني آدم الحرص على الدنيا والإمساك وشدة الطلب والتقاطع لأجلها فالسفيه قليل في جنب غيره، ويكون في البلد ألوف وهم على حسن النظر والسفيه فيهم العدد (¬5) القليل فوجب حمل الناس على الغالب (¬6)، وألا (¬7) يحملوا على حكم (¬8) القليل النادر، واختلف في الإناث فقيل: لا يحكم لهن بالرشد مع وجود البكارة حتى يدخل بهن وجعل (¬9) الدخول فيهن (¬10) كالبلوغ في الذكران، وقال أيضا في كتاب الحبس في المدونة في قول الله سبحانه: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] قيل: بلوغ النكاح: الاحتلام والحيض (¬11) فسوى بين الذكران ¬

_ (¬1) في (ر): (لا). (¬2) قوله: (الأول) ساقط من (ت). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 101. (¬4) قوله: (عليه) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (العدد) ساقط من (ر). (¬6) قوله: (على الغالب) ساقط من (ر). (¬7) في (ر): (ولا). (¬8) قوله: (حكم) ساقط من (ر). (¬9) في (ر): (وبعد). (¬10) قوله: (فيهن) ساقط من (ر). (¬11) انظر: المدونة: 4/ 407، ونص المدونة: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} وبلوغ النكاح بالاحتلام والحيض) من كتاب الهبة.

فصل [في إقرار المحجور عليه]

والإناث وأن يدفع إليها مالها (¬1) إذا حاضت وأنس منها الرشد وإن لم تتزوج، واختلف في البكر التي لا أب لها فقيل: هي على السفه حتى يثبت رشدها وذكر سحنون في كتاب النكاح الثاني أنها إن تزوجت بدون صداق مثلها أو وضعت عن الزوج بعد الطلاق صداقها أن ذلك جائز، وحمل أمرها على الجواز كالصبي وقد يقال إن الاختلاف فيها هو كالاختلاف في السفيه الذي لا حجر عليه أنه في أفعاله في أحد القولين على الجواز حتى يحجر عليه. واختلف بعد القول أنها على السفه هل تجوز أفعالها بالدخول أو حتى ترشد؟ المشهور من المذهب أن الثيب إذا لم يتقدم عليها حجر أنها في أفعاطا على الجواز. واختلف فيمن لم يتقدم عليها حجر وعلم منها الرشد وأخر أمرها حتى يدخل بها هل ترشد بنفس الدخول أو حتى يختبر أمرها بعد الدخول فقال في المدونة في المدخول بها (¬2) إذا دخل بها زوجها جاز فعلها إذا علم منها صلاح الحال، وقال مطرف في كتاب (¬3) ابن حبيب: إذا علم منها صلاح الحال قبل الدخول جاز أمرها إذا دخل بها (¬4)، وذكر عن مالك أنه استحب أن يتربص بها (¬5) سنةً بعد الدخول. فصل [في إقرار المحجور عليه] إقرار المحجور عليه على وجهين فإقراره بالمال وبما يتعلق بالذمة كالمداينة والغصب والتعدي والودائع وجراح الخطأ ساقط وإقراره بما يتعلق بالبدن من ¬

_ (¬1) قوله. (قيل: بلوغ النكاح: الاحتلام. . . وأن يدفع إليها مالها) ساقط من (ر). (¬2) قوله: (في المدخول بها) زيادة من (ر). (¬3) قوله: (في كتاب) يقابله في (ت): (عند). (¬4) قوله: (إذا دخل بها) ساقط من (ر). (¬5) قوله: (بها) ساقط من (ر).

ضرب أو قطع أو حد كالقذف (¬1) والزنا والسرقة والحرابة وجراح العمد (¬2) وقتل العمد والحرابة (¬3) لازم، وهو في ذلك كالرشيد وكالعبد يصح إقراره بما يتعلق بجسده دون المال؛ لأنه قد يتهم في إقراره بالمال لمن ليس (¬4) له عليه شيء ولا يتهم في إباحة ظهره أو دمه أو عضو من أعضائه وهو بريء وهبته لماله ساقطة. واختلف في عفوه عن عرضه وجراحاته إذا كانت عمدًا فأجازه ابن القاسم وقال مطرف وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب (¬5) في المولى عليه من سفيه أو صغير أو بكر لا يجوز عفوهم عما نيل (¬6) منهم من الحدود والشتم وجراح العمد إلا في النفس فإنهم عند الموت في العمد والخطأ كالكبير (¬7). قال الشيخ -رحمه الله-: أما في النفس فإنه يجري على أحكام الوصايا فيجوز عفوه عن العمد، وتجعل عفوه عن الدية في الخطأ في ثلث ماله (¬8)، وأما بيعه (¬9) فعلى الوقف والاختبار فمان كان في غنى عن البيع أو محتاجًا إليه، وباع ببخس رد بيعه، وإن كان محتاجًا إلى البيع ولا بخس في الثمن مضى البيع، وقبض الولي الثمن، وإن كان قد أسلم الثمن (¬10) إلى المولى عليه فضاع من يده أو تلفه من غير منفعة لم يضمنه، وإن صرفه فيما لا غنى له عنه حوسب به، وإن لم ينظر في ذلك حتى فاتت السلعة عند المشتري بتلف مضى البيع؛ لأنها كالمستحقة ¬

_ (¬1) في (ف): (أو قتل كالقذف)، وفي (ر): (أو قتل في كالقذف). (¬2) قوله: (وجراح العمد) يقابله في (ر): (والجرح في العمد). (¬3) قوله: (والحرابة) زيادة من (ر). (¬4) في (ر): (لا). (¬5) قوله: (وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب) يقابله في (ت): (وعبد الملك). (¬6) قوله: (نيل) يقابله في (ت): (قبل). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 98. (¬8) قوله: (وتجعل عفوه عن الدية في الخطأ في ثلث ماله) يقابله في (ت): (ويجعل الدية في ثلثه). (¬9) قوله: (بيعه) يقابله في (ت): (عفوه فعلى الثلث). (¬10) قوله: (أسلم الثمن) يقابله في (ت): (سلم).

فصل [عتق المحجور عليه]

إذا (¬1) فاتت من غير سبب المشتري، وإن فاتت بلباس كان عليه الأكثر من القيمة أو الثمن، وإن كان السفيه هو المشتري رد شراؤه إذا كان في غنى عن ذلك المشترى، وإن اشترى بغبن عليه فإن كان محتاجًا إليه للبس، وليس في الثمن غبن مضى البيع، واستحسن أن يمضي البيع إذا لم يعلم بذلك حتى أتلفه السفيه؛ لأن الولي كان سلم ذلك إليه، ووضع يده عليه. واختلف إذا اشترى أمة فحملت منه فقال في العتبية (¬2): ترد إلى بائعها ويرد البائع على اليتيم (¬3) الثمن، ولا شيء عليه من قيمة الولد، وقال في مثلها تمضي له أم ولد بغير عوض (¬4) والأول أبين، ومحمل قوله إذا كان في غنى عن مثل ذلك، وإن باع أمة فحملت من المشتري جرت على الخلاف في المستحقة إذا ولدت من المشتري إلا أن يكون المشتري معسرًا وهو عالم أن البائع محجور عليه فينزع منه بكل (¬5) حال. فصل [عتق المحجور عليه] عتق المحجور عليه ساقط؛ لأن ذلك كالهبة منه. واختلف في عتقه أم ولده فأمضاه ابن القاسم في المدونة (¬6)، وقال المغيرة في كتاب ابن سحنون: عتقه مردود وليس بمنزلة طلاقه لزوجته، وأم ولده بمنزلة رقيقه ويدخل فيها من الرفق والتوقي لماله ما يدخل عليه في عبده إذا أعتقه، وإن أجزت عتقه التمس أن يتزوج أو يشتري له جارية أو لعلها تخدمه، ¬

_ (¬1) قوله: (إذا) ساقط من (ف) و (ر). (¬2) في (ر): (المدونة). (¬3) قوله: (على اليتيم) ساقط من (ر). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 10/ 487 و 488. نسبه إلى أصبغ. (¬5) في (ر): (بغير). (¬6) انظر: المدونة: 4/ 72.

فصل [فيما إذا قال لرجل: ادفع عني لفلان ألف درهم]

وليس له مال يحمل لشراء خادم. انتهى قوله. واختلف بعد القول بجواز عتقها في مالها فقال مالك في كتاب محمد: يتبعها مالها، وقال ابن القاسم: لا يتبعها إلا أن يكون يسيرًا (¬1) وهو أشبه. فصل [فيما إذا قال لرجل: ادفع عني لفلان ألف درهم] وقال ابن القاسم فيمن قال لرجل: ادفع عني لفلان ألف درهم فدفعها ثم أراد الرجوع بها على الآمر فقال له: كانت لي عليك دينًا لم يقبل قوله (¬2)، وقال سحنون: إن كانت بينهما مخالطة ومعاملة، وطال ذلك فالقول قول الآمر، يريد: أن ذلك دليل للآمر؛ لأنه لو لم يكن دينًا لطلبه بها قبل ذلك، ولم يقبل قول الآمر في القرب؛ لأن الأصل براءة الذمة للدافع من الدين إلا أن يعلم أن مثله لا يسلف هذا القدر أو يكون هو المتصرف للآمر في أموره فلا يقبل قوله أنه دفعها من خاصته (¬3). تم كتاب الحجر (¬4) والحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليمًا ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 400. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 75. (¬3) في (ر): (حصته). (¬4) في (ت) و (ف): (المديان).

كتاب الحمالة

كتاب الحمالة النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ت) = نسخة تازة رقم (234 & 243)

باب في الحمالة ولزومها وصفاتها، وبماذا تسقط؟

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كتاب الحمالة (¬1) باب في الحمالة ولزومها وصفاتها، وبماذا تسقط؟ الحمالة لازمة لما يتعلق بها من حقِّ المتحمل له والمتحمل به، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الزَّعِيمُ غَارِمٌ" (¬2)، وقوله لقبيصة: "لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ إِلَّا لِثَلاثٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ بِحَمَالَةٍ فَحَلَّتْ لَهُ المَسْألةُ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا" الحديث أخرجه مسلم (¬3)، تضمن هذا الحديث جواز الحمالة ولزومها وأنها كالديون ويدخل بها في جملة الغارمين ويجوز له أخذ الزكاة لقضائها، والحميل والضمين والكفيل والزعيم والقبيل واحد. والحمالة على أربعة أوجه: بالوجه وبالمال وبالطلب وحوالة بمنفعة، وأيُّ ذلك كان فإن الحمالة لازمة. ¬

_ (¬1) في (ف): (كتاب الحمالة والحوالة). (¬2) حسن غريب، أخرجه أبو داود في سننه: 2/ 319، في باب: في تضمين العارية من كتاب الإجارة، برقم (3565)، والترمذي في سننه: 3/ 565، في باب: ما جاء في أن العارية مؤداة، من كتاب البيوع، برقم (1265)، وابن ماجه في سننه: 2/ 804 في باب: الكفالة، من كتاب الصدقات، برقم (2405)، وقال الترمذي: حديث حسن غريب. (¬3) أخرجه مسلم: 2/ 722 في باب: من تحل له المسألة، من كتاب الزكاة برقم (1044).

فصل [فيما يجوز الكفالة فيه]

والحمالة (¬1) بالوجه: أن يقول: أتحمل به أو بوجهه أو بعينه أو أضمن إحضاره والإتيان به، فهذا يبرأ بإحضاره موسرًا كان أو معسرًا. والحمالة بالمال يقول: أنا حميل بما عليه أو بما ثبت عليه ببينة أو بإقراره أو بما يعامله به، وإذا كان ذلك لم يبرأ بإحضاره إلا أن يكون موسرًا. والحمالة بالطلب: أن يقول: أنا حميل بطلبه، أو عليَّ أن أطلبه، فليس عليه سوى ذلك، فإن أعجزه (¬2) أو غاب عنه إلى موضع بعيد وليس من شأنه السفر إلى مثله- لم يكن عليه شيء. وإن قال: أنا حميل لك، ولم يذكر وجهًا ولا مالًا جاز، فإن قال بعد ذلك: إنما أردت الكفالة له بالوجه كان القول قوله. فصل [فيما يجوز الكفالة فيه] المطلوب من المتحمل به ثلاثة: مال، وما ليس بمال: وهو حق لآدمي: عرض أو جرح أو قطع عضو أو قتل، أو حق لله تعالى: حد من حدود الله تعالى: سرقة أو زنا أو شرب خمر أو حرابة. فإن كانت المطالبة بمال جازت الكفالة على الوجوه الثلاثة التقدم ذكرها، وإن كانت المطالبة بعرض أو جرح أو قطع أو قتل لم تجز الكفالة له بما يجب على المطلوب، ولا أن يتكفل بوجهه (¬3) على أنه متى عجز عن إحضاره أخذ ذلك منه، وجازت الكفالة بطلبه خاصة؛ لأن ذلك من حق الطالب فلو رضي ¬

_ (¬1) قوله: (بالوجه. . . والحمالة) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (فإن أعجزه) زيادة من (ف). (¬3) قوله: (بوجهه) في (ف): (بوجه).

بإسقاط حقه جملة لجاز، فإذا رضي أن يترك المطلوب على هذا الوجه جاز. وقال إسماعيل القاضي: إن شرط أنه كفيل طلب خاصة جاز، وإن كان مطلوبًا بحق الله سبحانه، لم يجز أن يترك بحميل، والحكم أن يستحق حتى يقام عليه ما يثبت من ذلك، وإن كانت امرأة حامل من زنى سجنت حتى تضع، فترجم إن كانت ثيبًا أو تجلد إن كانت بكرًا بعد أن تتعالى من نفاسها، وإن كان ذلك بإقرار منها كان الأمر أوسع؛ لأن لها أن ترجع. وقد اختلفت الأحاديث في الغامدية، وقد كانت اعترفت بالزنا، ففي بعضها أنه أمرها بالانصراف حتى تضع، وفي بعضها أنه كفلها (¬1). واختلف هل بعد الهروب رجوع؟ وهل يقبل الرجوع من غير عذر؟ فمن أجاز ذلك أجاز أن يترك بغير حميل. ¬

_ (¬1) حديث الغامدية رواه مسلم وفيه: (. . . ثم جاءته امرأة من غامد من الأزد فقالت يا رسول الله: طهرني فقال: "ويحك ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه" فقالت: أراك تريد أن ترددني كما رددت ماعز بن مالك قال: "وما ذاك"؟ قالت: إنها حبلى من الزنى فقال "آنت؟ " قالت: نعم. فقال "لها"حتى تضعي ما في بطنك" قال: فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت. قال: فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: قد وضعت الغامدية فقال: "إذا لا نرجمها وندع لها ولدها صغيرا ليس له من يرضعه" فقام رجل من الأنصار فقال: إليَّ رضاعه يا نبي الله. قال: فرجمها. وفي حديث النسائي: عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: كنت جالسا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءته الغامدية من الأزد فقالت: يا رسول الله إني زنيت فردها. فقالت: يا رسول الله، أتريد أن تردني كما رددت ماعزا، فوالله إني الآن لحبلى. قال: "انطلقي حتى تضعيه" ثم جاءت فقالت: قد وضعت يا رسول الله. قال: "انطلقي حتى تفطميه" ففطمته ثم جاءت به وفي يده كسرة يأكلها، فقالت: قد فطمته، وهو ذا يأكل، فدفعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل من المسلمين ثم أمرهم فحفروا لها حفرة إلى صدرها، ثم أمر القوم به فرجموها أخرجه النسائي في الكبرى: 4/ 304، في تأخير الحد عن المرأة الحامل إذا هي زنت حتى تفطم ولدها، من كتاب الرجم، برقم (7271).

فصل [في سقوط الحمالة بالوجه]

وإن تحمل رجل بطلب مَن ثَبَتَ عليه حدٌّ بعد هروبه، فإن كان ثبات ذلك ببينة ألزم الوفاء بالحمالة، وإن كان بإقرار على الخلاف هل يلزمه طلبه أم لا؟ فصل [في سقوط الحمالة بالوجه] الحمالة بالوجه تسقط عن الحميل بإحضاره، وإن كان معدمًا، وكذلك إذا كان حاضرًا بالبلد مسجونًا كان سجنه ذلك في حق أو تعديًا عليه، ولأن ذلك كموته إذا تعدى عليه بالسجن. ولو امتنع هو برجل لكان كتغيبه، وإن أسلمه الحميل للطالب في مفاز، أو في بلد لا سلطان فيه، أو يقدر على الامتناع بسلطانه أو غيره لم تسقط الحمالة، وإن كان به سلطان وتناله الأحكام برئ الحميل. قال محمد: يبرأ وإن كان لا بينة للطالب فيه، وقال محمد بن عبد الحكم: لا يبرأ إلا في موضع لا يقدر على الامتناع فيه إلا كما يمتنع في الموضع الذي ضمنه فيه. قال الشيخ - رضي الله عنه -: إذا كان المطلوب مقرًا في حين أخذ منه الحميل جاز أن يقال أن الحميل يبرأ الآن مقرًا كان أو منكرًا، كان للطالب في ذلك الموضع الآخر بينة أم لا؛ لأن القصد في وقت أخذ الحميل منه خوف تغيبه، ولم يكن خوف جحوده، والجحود أمر حدث بعد ذلك، وإن كان جاحدًا وأخذ الحميل حتى تقام البينة عليه أو حتى يزكى من شهد عليه لم يبرأ الحميل بدفعه في غير بلده؛ لأنه لا ينتفع بتسليمه ذلك، ولو كانت البينة قد زكيت، وكان التأخير ليجرحها المطلوب، واعترف المطلوب الآن أن الأمر كان على ذلك لبرئ الحميل؛ لأنه مأخوذ بالحق الآن.

فصل [في حكم الكفالة إذا ثبت فقر الحميل]

فصل [في حكم الكفالة إذا ثبت فقر الحميل] وإذا كانت الحمالة بالوجه ثم عجز الحميل عن إحضار المتحمل به غرم المال إلا أن يثبت فقره بأمر بَيِّن، وما يكون عنه لو كان حاضرًا أنه لم يثبت (¬1) شيئًا على الاستحسان فتسقط الكفالة، وهذا هو الصواب من القول. واختلف في الموضعين جميعًا: هل يغرم المال إذا لم يحضره؟ وهل تسقط الكفالة إذا ثبت فقره؟ فقال مالك، وابن القاسم: إذا لم يحضره غرم المال (¬2). وقال محمد بن عبد الحكم: لا شيء عليه (¬3)، ورأى أن الحمالة بعين فغلب عليها ولم تكن له قدرة على إحضارها فلم يكن عليه غرم، وكان قول الحميل لا بد أن أحضره في معنى المستحيل لما كان غير قادر على إحضار تلك العين، والقول الأول أحسن؛ لأن البائع وثق به، وقد كان على الحميل أن يتحفظ منه حتى يوفي به، وتغيب الغريم تلف لحق الطالب، فكان على الحميل أن يغرم ما كان يستفاد بإحضاره. وقال أبو الجهم عن مالك: لا يبرأ إلا بوصول الحق إلى صاحبه، قال: لأنه تحمل به في وقت يساره فيأتي به في وقت إعساره، فقد أتلف عليه المال، والأول أبين إذا كان معسرًا عند حلول الأجل، فإن حل الأجل وهو موسر ثم أتى به بعد أن أعسر لزمه المال، إلا أن يريد أن الحمالة كانت بمال حالٍّ ولم يتحمل ليؤخر. واختلف إذا حكم عليه بالمال لما لم يحضره ولم يثبت فقره ثم لم يغرم المال ¬

_ (¬1) قوله: (يثبت) في (ف): (يغب). (¬2) انظر: المدونة 4/ 96. (¬3) انظر: النوادر والزيادات 10/ 109

فصل [في ما إذا حل الأجل وطلب الحميل التأخير إلى أن يحضر الغريم]

حتى قدم الغريم، فقال عبد الملك بن الماجشون: قد مضى الحكم. وقال سحنون: لا غرم عليه، والمسألة على ثلاثة أوجه: فإن قدم معسرًا وكان عند حلول الأجل موسرًا كان الحكم ماضيًا. وإن كان معسرًا (¬1) عند حلول الأجل، والحكم فإن غرم الحميل المال استرجعه؛ لأن غيبة الغريم لم تضر الطالب شيئًا، وإن كان حاضرًا لم يأخذ منه شيئًا. وإن كان موسرًا يوم حلَّ الأجل ويوم قدم كان الحكم قد وقع موقعه، وكان الآن بمنزلة حميل المال، فاختلف هل يبتدأ بالحميل أم لا؟ فصل [في ما إذا حلَّ الأجل وطلب الحميل التأخير إلى أن يحضر الغريم] واختلف إذا حل الأجل وسأل الحميل أن يؤخره رجاء أن يحضر الغريم، فقال مالك وابن القاسم: ذلك له (¬2)، وقال ابن وهب: يغرم المال، ولم يجعل فيه تلومًا. والأول أبين يتلوم له إذا لم يدر هل هو بالبلد أو غائبًا عنه، وإذا علمت غيبته ولم يعلم حيث هو، أو علم الموضع وكان قريبًا- تلوم له (¬3)، وإن كان بعيدًا لم يتلوم له، والتلوم إذا لم تعلم غيبته أو علمت ولم يعلم موضعه اليوم واليومين. واختلف إذا علم موضعه، فقال في المدونة: إذا كان سفرًا قريبًا اليوم وما أشبهه تلوم له (¬4). وقال في العتبية: إذا كانت الغيبة اليومين والثلاثة وما لا يضر ¬

_ (¬1) قوله: (معسرًا) في (ف): (موسرًا). (¬2) انظر: المدونة 4/ 96، وانظر: البيان والتحصيل 11/ 375. (¬3) قوله: (تلوم له) زيادة من (ف). (¬4) انظر: المدونة 4/ 96.

بالمتحمل له أُخِّر على قدر ما يرى الإمام (¬1). وظاهر هذا يقتضي أن يؤخر سبعة أيام سيرًا ورجوعًا وطلبًا وهذا كثير. وقولُهُ: "ما لا (¬2) يضر" حسنٌ فليس الطالب المقيم كالمسافر. وإذا أمكن من الخروج لطلبه، وقال الطالب: أخاف ألا يرجع إذا سافر، كان له أن يأخذ عليه حميلًا، فإن لم يرجع أغرم الحميل الثاني إلا أن يرى أن مثله لا يخشى منه ذلك. واختلف إذا قال الكفيل في حين (¬3) الحمالة: أنا كفيل به إلى غد أو إلى أجل فإن لم أوف به فأنا ضمين بالمال، فقال في المدونة: إن أتى به بعد ذلك قبل أن يحكم السلطان برئ (¬4)، فعلى هذا يتلوم له إذا طلب ذلك الحميل. وقال في كتاب محمد: إذا لم يأت به في اليوم بعينه (¬5) غرم ولم يجعل له زيادة (¬6). وهو أبين؛ لأن الحمالة تطوع حمالة بالوجه في اليوم الأول وحمالة بالمال في اليوم الثاني، فوجب أن يلزم ذلك حسب ما ألزم نفسه، وهو خلاف بيع الخيار، إذا شرط التزام البيع بغروب شمس آخر أيام الخيار؛ لأنها مبايعة فرأى أن (¬7) ذلك غرر. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل 11/ 375. (¬2) قوله: (لا) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (حين) في (ف): (حال). (¬4) انظر: المدونة 4/ 96. (¬5) قوله: (نفسه) في (ف): (بعينه). (¬6) انظر: النوادر والزيادات 10/ 112. (¬7) قوله: (أن) ساقط من (ف).

فصل [في حكم الكفالة إذا المطلوب منكرا]

فصل [في حكم الكفالة إذا المطلوب منكرًا] وإذا كان المطلوب منكرًا فتحمل به على أنه إن لم يأتِ به ضمن المال لم يلزمه ما ألزم نفسه؛ لأن ذلك غرر وتخاطر منهما إلا أن يثبت حقه ببينة، ومثله إذا قال المطلوب: دعني فإن لم أُوَفِّكَ لوقت كذا فالحق قبلي، فلا شيء عليه إلا أن يثبت ذلك ببينة. واختلف إذا دفع الغريم نفسه من الحمالة، فقال في المدونة: لا تسقط الحمالة إلا أن يسلمه الحميل، أو وكيله، أو يكونا شرطا ذلك أنه إذا دفع نفسه فهي براءة للحميل (¬1). وقال محمد بن عبد الحكم: إذا قال المتحمل به: جئتك عن حمالة فلان سقطت الحمالة وليس له أن يقول: لا أقبله إلا من الحميل. وهو أحسن، ولو قيل: إذا كان حاضرًا بعد محل الأجل، وهو يراه، ويتمكن منه فتركه أن الحمالة ساقطة لكان صوابًا؛ لأن الحمالة في الأصل إنما هي لما يتخوف من تغيبه عند الأجل فيقول له: إن غاب أحضرته، وهذا لم يغب، ولو قال: إن غاب فأنا أطلبه، كان أبين من حميل الوجه إذا قال: أنا آتي به. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة 4/ 98.

باب في من تحمل بطلب رجل ولم يضمن وجهه

باب في من تحمل بطلب رجل ولم يضمن وجهه وإذا تحمل بطلبه كان عليه أن يطلبه ويبحث عنه في البلد وفيما قرب من خارجه إذا لم يعلم حيث توجه وجهل موضعه. واختلف إذا عرف موضعه (¬1)، فقال أصبغ: يطلبه على مسيرة اليوم واليومين وحيث لا مضرة فيه، وقال عبد الملك بن الماجشون: يخرج لطلبه قَرُبَ موضعُهُ أو بَعُدَ ما لم يتفاحش، فأما ما يكون من أسفار الناس فليخرج، أو يرسل، أو يؤدي عنه (¬2). فرأى أصبغ أن الطلب معلق بعين الحميل لا في الذمة فإن كان تدركه فيه مضرة سقط عنه، وروى عبد الملك أن ذلك في الذمة ولهذا قال: يرسل رسولًا. وأرى إذا كان خروجه إلى المعتاد من سفره، أو يخشى تغيبه إليه أن يلزم بطلبه فيه (¬3) بنفسه، أو بوكيل، فإن خرج لطلبه ثم قدم، وقال: لم أجده، وقال الطالب: من يعلم أنك بلغت الموضع، كان القول قول الحميل إذا مضت مدة يذهب فيها ويرجع، وهو قول ابن القاسم في العتبية (¬4)، وهذا مثل قوله في الأجير على تبليغ الكتاب، وخالفه غيره في الأجير، ويلزم على قوله أن يكلف الحميل إثبات وصوله. وقال عبد الملك بن الماجشون: إذا كان قادرًا على إحضاره فتركه حتى ¬

_ (¬1) قوله: (واختلف إذا عرف موضعه) ساقط من (ف). (¬2) انظر: النوادر والزيادات 10/ 114. (¬3) قوله: (فيه) ساقط من (ف). (¬4) انظر: البيان والتحصيل 11/ 373.

غاب فقد غرّ. وقال في المبسوط: هو ضامن، وقال ابن القاسم في كتاب محمد: إذا لم يعرف موضعه لم يسجن فيه إلا أن يتهم أن يكون عارفًا بمكانه فيسجن على قدر ما يرى السلطان وما يرجو به الرد على صاحبه (¬1). قال الشيخ -رحمه الله-: ولو قويت الدلائل في تهمته بمعرفة مكانه، وأن ذلك لدد عن طلبه وإظهاره فأغرم المال لكان وجهًا. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات 10/ 109.

باب في الحميل بالمال

باب في الحميل بالمال الحمالة بالمال على وجهين: مطلقة، ومقيدة، فالأولى: أن يقول: أنا حميل بما عليه، لا يزيد على ذلك، والثانية: أن يقيدها بشرط، فيقول: إن افتقر أو غاب أو مات أو لدَّ، فإن أطلق كان في تبرئة الحميل مع قدرة الطالب على أخذ حقه من الغريم قولان: الإجازة، والمنع. واختلف عن مالك أيضًا -إذا اشترط- أن يبتدئ بأيهما أحب فأجاز مالك (¬1) ذلك ومنع منه، وقال: يعمد إلى (¬2) هذا فيبيع مسكنه وخادمه وصاحبه حاضر مقيم، ولم يرَ أن يوفي بالشرط (¬3)، وبه أخذ أشهب، وابن كنانة، وابن الماجشون (¬4)، وبالأول أخذ ابن القاسم. وللناس اليوم عادة في الحميل أنه إنما يراد به التوثق، وليس يراد أن يكون غريمًا مع الأول، دانما يطلب عند عوائق تعوق عن أخذه المال من الغريم فقرًا ولددًا وغيبة فلا يبدأ اليوم الحميل مع عدم الشرط، فإن بدأ بحميل فقال: أنا حميل إن افتقر أو جحد أو غاب أو لد أو مات لم يكن قبل (¬5) حميل طلب إلا بوجود أحد تلك الشروط (¬6)، فإن شرط إن أعسر لم يطلب الحميل إلا بعد ثبات فقر الغريم، فإن كان موسرًا فلَدَّ أو جحد أو غاب أو مات لم يكن عليه ¬

_ (¬1) قوله: (مالك) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (يعمد إلى) في (ف): (يمنع). (¬3) انظر: المدونة 4/ 99. (¬4) قوله: (وابن الماجشون) زيادة من (ف). (¬5) قوله: (الحميل مع عدم الشرط،. . . مات لم يكن قبل) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (أحد تلك الشروط) في (ت): (ذلك الشرط).

فصل [في أوجه تبدية الحميل]

شيء؛ لأنه علق القضاء بشرط الفقر، وهذا موسر إلا أن يثبت أنه افتقر في مغيبه. وإن قال: أنا كفيل إن جحد، فافتقر أو لَدَّ ولم يجحد أو تغيب لم يكن عليه شيء (¬1)، ومثله إن قال: إن غاب، فجحد أو افتقر ولم يغب فلا شيء عليه، ولو كان الغريم حاضرًا بعد محل الأجل، وأقام الإقامة (¬2) البينة وهو قادر على أخذ حقه منه ففرط (¬3) حتى غاب لسقطت الحمالة؛ لأنه علق الحمالة إن غاب عند محل الأجل، وفي الوقت الذي يتوجه عليه الطلب فلم يغب، وليس بمنزلة من قال: أنا آتي به عند الأجل، وشرط أن يسلمه للطالب؛ لأن هذا لم يشترط (¬4) إحضاره، وإنما قال: إن غاب، فلم يغب. وإن علق الكفالة بشرطين فقال: إن جحد أو افتقر، لم يلزم إن ألد أو غاب، وإن اشترى رجلان سلعة على أن أحدهما حميل بالآخر الموسر عن المعسر، والحاضر عن الغائب، والحي عن الميت لم يلزمه القضاء عنه إن ألد أو جحد وهو موسر؛ لأنه يقول: هو ذا حي (¬5) حاضر موسر. فصل [في أوجه تبدية الحميل] وشرط تبدية الحميل على ثلاثة أوجه: فإمَّا أن يكون في ذلك للطالب (¬6) منفعة أو لا منفعة له أو لا مضرة على ¬

_ (¬1) قوله: (أو لَدَّ. . . عليه شيء) زيادة من (ف). (¬2) قوله: (الإقامة) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (ففرط) في (ف): (فعرض). (¬4) قوله: (من قال: أنا آتي به عند. . . يشترط) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (حي) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (للطالب) زيادة من (ف).

الحميل أو عليه في ذلك مضرة، فإن كانت له في ذلك منفعة (¬1) -لأن الغريم لا يقدر على الوفاء إلا من رباع وما يطول بيعه، والحميل موسر بالعين أو بما يقرب بيعه- كان له أن يبتدئ بالحميل، وإن كان لا منفعة له في ذلك الشرط ولا مضرة على الحميل؛ لأنه والغريم موسران بالعين، أو كان الغريم موسرًا بما يقرب بيعه، والحميل موسرًا بالعين كان فيها قولان هل يوفى له بشرطه؟ واستحسن أن يبتدئ بغريمه. وإن كان لا منفعة له في ذلك، وعلى الحميل مضرة -لأن الغريم موسر بالعين، والحميل موسر بالعرض أو بالعقار- لم يمكن من بيع عرض الحميل مع قدرته على أن يأخذ العن الذي في يد غريمه، ومثله إذا كان في أيديهما عرضان هما في القرب في البيع سواء أو كان بيع عرض الغريم أبعد بالأمد اليسير، وإن (¬2) كان عند الغريم عرض وعند الحميل عقار أو عندهما عقار وهما في أمد البيع سواء، أو ما بيد الغريم أبعد بالأمد القريب لم يبدأ بالحميل، وعلى هذا محمل قول مالك: ألا يعمد فيبيع مسكن الحميل وخادمه وصاحبه حاضر مقيم فيضر بحميله من غير منفعة، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ" (¬3)، وإن كان ذلك الشرط من الغريم أن يبدأ بالحميل، وكان متى غرم الحميل رجع على الغريم بالحضرة عاد الجواب إلى ما تقدم، وإن كان القصد أن ¬

_ (¬1) قوله: (أو لا منفعة له. . . ذلك منفعة) ساقط من (ف). (¬2) قو له: (وإن) في (ت): (أو). (¬3) صحيح، أخرجه ابن ماجه في سننه: 2/ 784 في باب: من بنى في حقه ما يضر بجاره، من كتاب الأحكام، برقم (2340)، والبيهقي في السنن الكبرى: 6/ 156، في باب: من قضى فيما بين الناس بما فيه صلاحهم ودفع الضرر عنهم على الاجتهاد، من كتاب إحياء الموات، برقم (11657).

يسلفه ليرجع به في وقتٍ آخر كان من حق الغريم أن يوفي له بشرطه ويبدأ بالحميل. وقد قال ابن القاسم فيمن اكترى دارًا على أن يحيله بالكراء على رجل ليس له عليه دين قال: هذه حمالة ورأى (¬1) أن يبدأ بالغريم (¬2). ومحمل قوله على أن الحميل يرجع بالحضرة. واختلف إذا أطلقت الحمالة ولم تقيد بشرط تبديته، فقال الطالب للحميل: اغرم لي؛ لأن الغريم معسر، وقال (¬3) الحميل: بل هو موسر، فقال ابن القاسم في كتاب ابن حبيب: ليس على الحميل شيء (¬4) حتى يبدأ المطلوب. وقال مالك في كتاب محمد: يكشف مال الغريم قبل، وقال سحنون في العتبية: إن لم يعلم للغريم مال ظاهر غرم الحميل إلا أن يكشف لمن تحمل له مال الغريم (¬5). والأول أبين. ومحمل الغريم على ما كان عليه وهو اليسر حتى يثبت الآخر فقره، قال محمد: إذا قضى الحميل في غيبة الغريم، ثم قدم الغريم فأثبت أنه كان قضى ذلك الدين قبل دفع الحميل رجع الحميل على من دفع إليه، وإن كان دفع الحميل أولًا رجع على الغريم، وإن جهل أيهما دفع أولًا رجع الحميل على من دفع إليه إلا أن يكون ذلك بقضاء من السلطان (¬6). ¬

_ (¬1) قو له: (ورأى) في (ت): (وأرى). (¬2) انظر: المدونة 4/ 128. (¬3) قوله: (وقال) في (ت): (أو قال). (¬4) قوله: (شيء) في (ت): (سبيل). (¬5) انظر: البيان والتحصيل 11/ 348. (¬6) انظر: النوادر والزيادات 10/ 146.

باب فيمن ادعى قبل رجل مالا فقال آخر: أنا كفيل به أو بما يقر لك به أو بما يثبت لك عليه

باب فيمن ادعى قِبَلَ رجلٍ مالًا فقال آخر: أنا كفيل به أو بما يقر لك به أو بما يثبت لك عليه ومن المدونة قال ابن القاسم فيمن قال لي: على فلان ألف درهم، فقال آخر: أنا كفيل بها، ثم أنكر المدعى عليه: لا شيء على الكفيل إلا أن يقيم بينة على حقه؛ لأن الذي عليه الحق جحد (¬1). قال ابن المواز: سواء أقر أو أنكر (¬2) إلا أن يكون إقراره قبل الحمالة (¬3). قال الشيخ: أما إذا أنكر فالأمر بين ألا شيء على الحميل؛ لأنه لم يقصد بالحمالة إلا ليكون له مرجع على الغريم، فإذا جحد لم يكن له مرجع، وأمَّا إن أقرَّ فإن الحمالة تلزم، وهو ظاهر قول ابن القاسم في المدونة؛ لأنه رضي بالحمالة بمجرد قول الطالب: لي عند فلان كذا، والتزم الكفالة من الآن قبل قدوم فلان، فإذا أقر فلان لزمته، وكذلك ينبغي أن يكون الجواب إذا جحد ونكل عن اليمين وحلف الطالب أن تثبت الكفالة؛ لأن له المرجع ولم يلزمه إذا جحد، ونكل ولو أقرَّ ثم جحد لزمته الكفالة (¬4)، وإن قال: أنا كفيل بما يثبت لك (¬5) عليه، فإن أراد ما تثبته البينة لم تلزم الحمالة بإقراره، وإن أراد ما يثبت بذمته لزمته الكفالة بثبات ذلك بالبينة أو بإقراره ما لم يقر بأكثر مما يشبه أن يداينه به. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة 4/ 99. (¬2) قوله: (أقر أو أنكر) في (ف): (أنكر أو جحد). (¬3) انظر: النوادر والزيادات 10/ 112. (¬4) قوله: (ولم يلزمه. . . لزمته الكفالة) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (لك) زيادة من (ف).

باب في الكفالة عن المولى عليه والصبي

باب في الكفالة عن المولى عليه والصبي الكفالة عن المولى عليه على ستة أوجه، فتلزم في ثلاثة، وتسقط في اثنين، ويختلف في السادس: فإن كانت الكفالة في أصل العقد، والحميل والمتحمل له عالمان بأنه مولى عليه أو كان الحميل وحده عالمًا كانت الحمالة لازمة، وإن كان المتحمل له عالمًا دون الحميل كانت الحمالة ساقطة؛ لأنه أتلف ماله وغر الحميل، وإن كانا يجهلان والكفالة بعد العقد كانت ساقطة أيضًا؛ لأن العامل (¬1) أتلف ماله أولًا، والحميل لم يضره (¬2) الآن بشيء وتحمل، وهو يرى أنه رشيد ممن يرجع عليه، وإن كانت الكفالة في أصل العقد وهما لا يعلمان أنه مولى عليه جرت على قولين، فقال عبد الملك في كتاب محمد: الكفالة لازمة (¬3)، وعلى قول مالك -فيمن اشترى ثوبًا فأعطاه البائع غيره فقطعه ألا شيء على القاطع؛ لأنَّ المالك أخطأ على ماله وسلطه عليه (¬4) - لا يكون على الحميل ها هنا شيء؛ لأن البائع أخطأ على ماله وسلط (¬5) المولى عليه على هلاكه، فإن كان موسرًا قال الحميل: إنما كانت الحمالة خوف أن يفتقر أو يجحد وهذا موسر مقر، وإن كان معسرًا قال: (¬6) أنا تحملت وأنا أرى أن لي مرجعًا متى غرمت ¬

_ (¬1) في (ف): (الحامل). (¬2) في (ف): (يغره). (¬3) انظر: النوادر والزيادات 10/ 99. (¬4) قوله: (عليه) زيادة من (ف). وانظر: المدونة 3/ 401. (¬5) قو له: (وسلط) في (ف): (وسلطه). (¬6) قوله: (إنما كانت الحمالة خوف أن يفتقر أو يجحد وهذا موسر مقر، وإن كان معسرًا قال) زيادة من (ف).

ومعلوم أني لو علمت ألا مرجع لي لم أتحمل، وعلى هذا يجري الجواب في الحمالة بالصبي ينظر هل كانت في أصل العقد أو بعده؟ وهل يجهلان أن مبايعة الصبي ساقطة أم لا، أو كان أحدهما يعلم والآخر يجهل؟ وإن كانت تلك المداينة أو المطالبة مما يلزم السفيه أو الصبي؛ لأنها كانت بغير معاينة وصرفاها فيما لا بد لهما منه من نفقة أو كسوة أو إصلاح متاع أو عقار جريًا على حكم البائع الرشيد.

باب في الكفيل والمتكفل له يختلفان في القضاء عن الكفالة

باب في الكفيل والمتكفل له يختلفان في القضاء عن الكفالة ومن المدونة قال ابن القاسم: قال مالك: فيمن له على رجل ألف درهم من كفالة وألف من قرض، ثم قبض ألفًا وقال: هي من الكفالة، وقال الآخر: هي من القرض، قال: تقسم بينهما فيكون نصفها على الكفالة ونصفها على القرض (¬1)، وقال أشهب وعبد الملك: القول قول القابض (¬2). واختلفا في تعليل ذلك فقال عبد الملك: القول قول القابض؛ لأنه أمنه حين دفع إليه وقد كان قادرًا على أن يتوثق. يريد: بالبينة. وقال أشهب: لأنه (¬3) لا يؤخذ بغير ما أقرَّ به. قال الشيخ: إنما يستقيم الجواب بعد معرفة حال المتحمل به يوم القضاء ويوم اختلفا، هل هو في اليومين معسر أو موسر، أو معسر في أحدهما وموسر في الآخر؟ وإن كان معسرًا في اليومين جميعًا لم يكن لاختلافهما فائدة؛ لأن الطالب يقول: عليك أن تدفع ألفًا أخرى (¬4) كانت الأولى عن الحمالة أو الدين، وكذلك إذا كان موسرًا في اليومين جميعًا: يوم الدفع واليوم على أحد قولي مالك أن له أن يأخذ أيهما أحب، وعلى قوله ألا يأخذه إلا بعد عسر الغريم لم ¬

_ (¬1) قوله: (نصفها على الكفالة ونصفها على القرض) في (ت): (بعضها عن الكفالة وبعضها عن القرض)، وانظر: المدونة 4/ 99. (¬2) انظر: النوادر والزيادات 10/ 138. (¬3) قوله: (لأنه) زيادة من (ف). (¬4) قوله: (أخرى) ساقط من (ف).

يكن (¬1) القول قول الدافع أنه دفع عن الدين؛ لأنه يقول: دفعت عن شيء وجب علي ولم أتطوع بما لم يجب، فإن كان موسرًا في اليوم الأول واليوم معسرًا لم يفد اختلافهما أيضًا؛ لأن عليه أن يغرم عنه إلا أن يقول الكفيل: كنت جمعت بينك وبينه وهو موسر، فيحلف المكفول (¬2) له ويبرأ، وإن كان معسرًا في اليوم الأول واليوم موسرًا صحَّ أن يكون لاختلافهما وجه؛ لأن الطالب يقول: كنت قبضت الكفالة بوجه جائز وأحب ولا أحب اليوم مطالبة الغريم، والكفيل يقول: أغرم (¬3) حتى أيسر صاحبك فخذ منه، وبه يبتدأ على الصحيح من القول فيجب أن يقسم بينهما؛ لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر، وإن حلَّ الدين أولًا كان القول قول الدافع (¬4) قولًا واحدًا، وإن حلت الكفالة أولًا كان القول قول المكفول له عند محمد، وهذا (¬5) إنما يصح على القول أن له أن يبتدئ بالحميل، وعلى القول أنه لا يبتدئ به فيكون القول قول الغريم؛ لأنه يقول: تطوعت بتعجيل ديني ولم أتطوع بما لم يجب عليَّ تعجيل دين (¬6) غيري. ويختلف إذا حلَّ الدينان ولم يبين وقت الدفع، فعلى القول أنهما غريمان يقسم، وعلى القول الآخر يحمل على أنها من الدين. ¬

_ (¬1) قوله: (لم يكن) في (ت): (ثم يكون). (¬2) في (ف): (المقول). (¬3) في (ت): (لم أغرم). (¬4) في (ت): (البائع). (¬5) في (ت): (ويبدأ). (¬6) قوله: (ديني ولم أتطوع بما لم يجب عليَّ تعجيل دين) في (ف): (دين).

باب في موت الحميل أو المتحمل به

باب في موت الحميل أو المتحمل به الحمالة بالوجه تسقط بموت الغريم، واختلف في سقوطها بموت الحميل، فقال مالك وابن القاسم: لا تسقط (¬1)، وقال عبد الملك في كتاب محمد: تسقط (¬2)، ورأى أن طلبه معلق بعين الحميل، وعلى القول الأول ذلك في ذمته إن شاء طلبه بنفسه أو بوكيل يوكله عليه (¬3). وكذلك الحمالة بالطلب تسقط بموت الغريم، واختلف في سقوطها بموت الحميل، وإن كان حميلًا بالمال لم تسقط بموت واحد منهما، وإذا كانت الحمالة بالوجه سقطت بموت الغريم إذا كان موته بالبلد قبل الأجل أو بعده. واختلف إذا مات بغير البلد، فقال ابن القاسم في كتاب محمد: إذا بقي من الأجل ما لو تكلف الحميل طلبه لخرج، ورجع قبل حلول الأجل، سقطت عنه الكفالة، وإن كان لو طولب يخرج فلم يأت إلا بعد الأجل فهو ضامن. قال ابن القاسم: (¬4) وإن كنت قلت لكم غير هذا فاطرحوه وخذوا بهذا (¬5). وقال في كتاب عبد الملك (¬6) بن حبيب: إذا بقي ما لو أقبل الغريم أتى عند محل الأجل فلا شيء عليه، وحمله على الوفاء وعلى أنه يأتي بنفسه من غير رسول، وفي القول الأول على اللدد وأنه لا يقدم إلا أن يخرج إليه من يحضره به (¬7)، وهذا أحسن ¬

_ (¬1) انظر: المدونة 4/ 100. (¬2) انظر: النوادر والزيادات 10/ 112. (¬3) قوله: (عليه) زيادة من (ف). (¬4) قوله: (وإن كان لو طولب يخرج. . . قال ابن القاسم) يقابله في (ت): (قال). (¬5) انظر: النوادر والزيادات 10/ 111، وانظر: البيان والتحصيل 11/ 320. (¬6) قوله: (عبد الملك) زيادة من (ف). (¬7) قوله: (به) زيادة من (ف).

فصل [في موت حميل الوجه]

فيمن يعرف باللدد، وأما من كان يعرف بالوفاء فتراعى مسافة قدومه. وقال أشهب في كتاب محمد: وتسقط الحمالة إذا مات قبل الأجل (¬1)، وهو ظاهر المدونة؛ لأنه قد تبين أن الغيبة لم تضره وأنه لو كان حاضرًا لأتى الأجل وهو ميت وسقطت الحمالة. فصل [في موت حميل الوجه] وإذا مات حميل الوجه بعد الأجل قيل لورثته: إن أحضرتم الغريم موسرًا أو معسرًا برئتم، وإن لم تحضروه أخذ من تركة ميتكم ما على الغريم إلا أن تثبتوا فقره. وقال محمد (¬2): إن مات قبل الأجل فأحضر الغريم أحد ورثته برئ الميت، وإلا لزمه ما يلزم من ضمان المال، والصواب ألا يبرأ الميت بإحضار الغريم قبل الأجل؛ لأن الطالب لم يتسلط له عليه حينئذٍ حق ولا ينتفع بإحضاره، ومن حقه أن يحضر له (¬3) في الوقت الذي شرط، ويوقف من تركة الميت الآن بقدر الدين إلا أن يكون الورثة مأمونين فيوقف في ذمتهم، وأما إذا كانت الحمالة بالمال فمات الغريم قبل الأجل حل الدين وأخذ من تركته، وإن لم يوجد له شيء لم يغرم الحميل إلا بعد محل الأجل. واختلف في حميل المال يموت قبل الأجل على ثلاثة أقسام، فقال مالك في المدونة: لصاحب الحق أن يأخذ ذلك من تركته الآن (¬4). قال في المبسوط: ولو خلف رباعًا وقال ورثته: هذا دينك في رباع الميت، لم ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات 10/ 111. (¬2) قوله: (محمد) ساقط من (ف). (¬3) في (ت): (به). (¬4) انظر: المدونة 4/ 100.

يكن ذلك لهم، وقال أيضًا: يوقف ذلك من ماله إلى الأجل فإن كان من ماله عند الغريم وفاء وإلا دفع ذلك إلى صاحب الحق. وقال ابن نافع: إن كان ماله مأمونًا واسعًا لم يكن على الورثة شيء حتى يحل الأجل، وإن لم يكن مأمونًا وخيف عليه التلف قبل الأجل أخذ من ماله ودفع إلى صاحب الحق. وقال عبد الملك بن الماجشون في كتاب محمد: يوقف من تركة الميت إلى محل الأجل (¬1)، مثل أحد أقوال مالك، وهذا الاختلاف راجع إلى الاختلاف المتقدم هل يبدأ بالحميل مع يسر الغريم؟ فعلى قولهم: إن ذلك له، يصح أن يؤخذ الدين من تركته معجلًا وهو كغريم ثانٍ (¬2)، وعلى قوله: ألا طلب عليه إلا عند عدم الغريم أو تعذر الأخذ منمع لا يتعجل ذلك من تركته؛ لأنه أيثبت عليه دين فيحل بموته وإنما عليه حمالة أمرها مترقب هل يلزمه غرم أم لا؟ فإن كان المتحمل به موسرًا كان المطلوب غيره وإن كان فقيرًا فحينئذٍ يتوجه عليه الطلب، فإن كانت التركة مأمونة والورثة مأمونين سلّم ذلك إليهم، وإلا لم يسلّم ثم يرجع القول إذا لم يسلّم إلى الورثة هل تعجيله أفضل؛ لأن وقفه يترقب فيه الضياع أو وقفه والوقف أحسن؛ لأن الورثة يقولون التلف نادر ولم يتوجه القبض. وإن كان الدين عرضًا أو شيئًا مما يكال أو يوزن ويرجى صلاحه عند الأجل لم يتعجل، دن مات الغريم والطالبُ وارثُهُ وخَلَّف وفاءً سقطت الحمالة دالا غرم الحميل، وإن كانت حوالة بدين كانت للميت عليه (¬3) لم تسقط، مات الحميل موسرًا أو معسرًا. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات 10/ 116. (¬2) في (ت): (يأتي). (¬3) قوله: (عليه) زيادة من (ف).

باب فيمن تحمل لرجلين فقضى الحميل أحدهما أو تحمل رجلان لرجل فقضى أحد الكفيلين

باب فيمن تحمل لرجلين فقضى الحميل أحدهما أو تحمل رجلان لرجل فقضى أحد الكفيلين وإذا تحمل رجل لرجلين بدين وهما شريكان فيه، فقضى الكفيل أحدهما في غيبة الآخر، ثم قدم الغائب كان له أن يأخذ من الحميل نصيبه من الدين. واختلف هل له أن يأخذ من شريكه نصف ما قبض؟ وقد تقدم ذلك في كتاب (¬1) الصلح. وإن رفع الحاضر من الشريكين أمره إلى السلطان فكان الغريم معسرًا والحميل موسرًا لجميع الدين قضى للحاضر بنصيبه وترك نصيب الغائب بذمة الحميل، وإن كان الحميل موسرًا بنصف دينهما أخذه السلطان فقضى لهذا بنصيبه ووقف نصيب الغائب على يد ثقة. واختلف إذا لم يخرج نصيب الغائب ولم يوقفه، فأجاز ذلك ابن القاسم، وقال غيره: للغائب إذا قدم أن يدخل على شريكه. وأرى إذا كان حال الحميل قبل سفر الغائب ويوم قدم (¬2) شريكه في الملاء سواء ولا يخشى تلف ما بقي في يده أن يبقى نصيب الغائب في ذمة الحميل حسب ما رضي به، وإن كان موسرًا ثم انتقل حاله وخيف ذهاب ما في يده وقفه، ثم يختلف إذا لم يفعل هل يمضي للحاضر نصيبه؛ لأنه لم يقضه (¬3) أكثر من حقه وإنما أخطأ على الغائب أو يكون جميع القضاء فاسدًا، وقد تقدم القول في مثل ذلك في كتاب المديان في قضاء ¬

_ (¬1) قوله: (كتاب) زيادة من (ف). (¬2) في (ت): (قام). (¬3) في (ت): (يعطى).

فصل [في تحمل رجلين لرجل]

الورثة بعض الغرماء وأكلوا الباقي هل يفسد جميع القضاء أم لا؟ فإن قضى السلطان الحاضر جميع ما في يد الحميل كان القضاء فاسدًا قولًا واحدًا؛ لأنهما شريكان، وقد كان من حقه أن يقسمه بينهما فلم يفعل. فصل [في تحمل رجلين لرجل] وإن تحمل رجلان لرجل بدين فغاب الغريم وأخذ الحميلين فغرم الحاضر جميع الدين، ثم قدم الغريم والحميل موسرين (¬1) كان للحميل الحاضر أن يرجع على الغريم بنصف الحق؛ لأنه قضاه عنه وهو بالخيار في النصف الآخر بين أن يرجع على الحميل (¬2) به؛ لأنه غريم غريمه أو يرجع على الحميل؛ لأن الحميل قضاه نصفًا عن نفسه ونصفًا عن صاحبه. ¬

_ (¬1) في (ف): (موسرًا). (¬2) قوله: (على الحميل) في (ت): (عليه).

باب فيمن قضى لرجل ما يدعيه والمدعي عليه ينكر أو قال: أنا كفيل بما يثبت لك على فلان أو قال: داين فلانا وأنا كفيل بما تداينه به

باب فيمن قضى لرجل ما يدعيه والمدعي عليه ينكر أو قال: أنا كفيل بما يثبت لك على فلان أو قال: داين فلانًا وأنا كفيل بما تداينه به قال مالك فيمن ادعى قبل رجل مالًا فأنكره فقال أخو المدعى عليه: ما تصنع بأخي؟ أحلف أن حقك لحق وأنا ضامن له ثم بدا له، قال: يحلف ويضمنه. قال الشيخ -رحمه الله-: ولا أرى لهذا الغارم على أخيه شيئًا؛ لأن بساط الأمر تبدية أخيه عن مخاصمته وألا يحلف له والقول أن له أن يحلفه، وهل يغرم إذا نكل؟ فليس بموضع لهذا، ومن قال لرجل: ما دأب لك قبل فلان فأنا كفيل به، لزمه ذلك في الحياة. واختلف إذا مات القائل ثم أثبت المدعي حقه، فقال ابن القاسم: ذلك في ماله، وله أن يرجع (¬1) عليه، وقيل: الحمالة ساقطة؛ لأنها بعد العقد تجري على أحكام الهبات إذا مات الواهب قبل القبض؛ لأن الحميل سلف الغريم عند عسره وسلفه هبة منافع، وسواء كانت الحمالة بسؤال من الغريم أو من الطالب، فإن كانت في أصل العقد تسقط بموت الحميل، وإن كانت بعد العقد فأعسر الغريم بعد الحمالة كانت كالحمالة في أصل العقد. ¬

_ (¬1) قوله: (وله أن يرجع) زيادة من (ف).

فصل [فيمن قال: داين فلانا وأنا كفيل بما تداينه به]

فصل [فيمن قال: داينْ فلانًا وأنا كفيل بما تداينه به] ومن قال: داينْ فلانًا وأنا كفيل بما تداينه به، ثم رجع عن ذلك قبل المداينة - لم يكن ذلك له إذا سمى القدر الذي يداينه به. ويختلف إذا أطلق ذلك ولم يسمه، فقال ابنُ القاسم في المدونة: له أن يرجع (¬1). وقد اختلف قول مالك في هذا الأصل إذا أكرى مشاهرة فقال مرة: لا يلزم ذلك؛ لأنه لا غاية له، وقال مرة: يلزمه كل (¬2) شهر. واختلف فيمن أعار أرضًا ولم يضرب أجلًا، هل تلزم العارية إلى مدة يرى أنه يعير إلى مثلها أو تكون غيى لازمة؟ فعلى أحد القولين يلزمه من ذلك ما يرى أنه يقصده ويتداين لمثله هذان، فإن لم يرجع حتى داينه لزمه الضمان، فإن داينه أكثر من مداينة مثله (¬3) وكانت مدة بعد مدة لزمه أولها وسقط ما هو فوق ما يداين به، وإن عامله بأكثر تعلق وأخذ فوق ما يعامل به مثله- سقط عن الكفيل المطالبة بجميع ذلك، فإن ثبتت المطالبة بالمداينة (¬4) كان الجواب على ما تقدَّم. واختلف إذا لم يعلم إلا بإقرار منه، فقال ابن القاسم في المدونة: إذا ثبت ما داينه به لزم (¬5)، وقال في الدمياطية: إن أقر عند شهود ولم يروا المتاع جاز إلا أن ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 103. (¬2) في (ت): (كراء). (¬3) قوله: (هذان س. . . مداينة مثله) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (فإن ثبتت المطالبة بالمداينة) في (ف): (ثبت المداينة). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 102.

يكون إقراره بعد أن أقيم عليه. يريد: بعد أن قام عليه الكفيل وقال: لا تداينه، وهذا أحسن إذا (¬1) قعد بزازًا وما العادة المداينة فيه بغير بينة. ويختلف أيضًا إذا قال له: لا تداينه، فقال: قد كنت داينته، وقد مضت مدة يداينه في مثلها؛ لأن ذلك لا يعلم إلا من قوله، إلا أن يقوم دليل على كذبه. ¬

_ (¬1) قوله: (إذا) ساقط من (ف).

باب في حمالة الجماعة

باب في حمالة الجماعة وإذا اشترى ستة نفر سلعة بستمائة درهم على أن بعضهم حميل عن بعض، فلقي البائع أحد الستة فأخذ منه جميع المال، ثم لقي الغارم أحد الخمسة أخذه بمائة وهي نصيبه من الدين وبقي أربعمائة على أربعة، فيقول: أنا وأنت حميلان بها فيأخذ منه نصفها، وإن لقي الثاني ثالثًا أخذه بخمسين وهي التي تنوبه عن نفسه وتبقى له مائة وخمسون عن ثلاثة نفر فيقول له: ساوني فيها فيأخذها بنصفها، فإن لقي الثالث رابعًا أخذه بخمسة وعشرين وهي التي تنوبه عن نفسه وتبقى له خمسون عن اثنين فيساويه فيها فيأخذ منه خمسة وعشرين، فإن لقي الرابع خامسًا أخذه باثني عشر ونصف وهي التي تنوبه عن نفسه وتبقى اثنا عشر ونصف عن السادس فيأخذ منه ستة وربعًا، فإن لقي الخامس السادس أخذه بستة وربع التي أدى عنه، فالسادس ها هنا يؤدي بالدين خاصة دون الحمالة، فإن لقي الأول هذا السادس أخذه بخمسين وهي التي تنوبه؛ لأن الباقي له (¬1) مائتان عن أربعة، وهذا أحدهم، ويبقى له مائة وخمسون عن ثلاثة يأخذه بنصفها، فإن لقي الأول الثاني لقيه (¬2) مرة أخرى بعد أن لقي السادس لم يأخذ أحدهما من صاحبه شيئًا؛ لأن الثاني أخذ من الثالث مثل ما أخذه الأول من السادس لا فضل بينهما، ولو لقيه قبل أن يلقى السادس لأخذ منه نصف ما أخذ من الثالث وهو اثنان وستون ونصف؛ لأن الثاني أخذ من الثالث مائة ¬

_ (¬1) قوله: (له) زيادة من (ف). (¬2) قوله: (لقيه) ساقط من (ف).

وخمسة وعشرين، وهذا (¬1) كلما لقي أحدهم (¬2) الآخر فإنه (¬3) يأخذه بما أدى عنه في خاصته من أصل الدين وبما ينوبه من الحمالة إن كانوا حملاء ولم يشتروا، ثم ينظر إلى ما كان من الأداء بالحمالة عن أصحابهم فيرجع بعضهم على بعض بالفضل حتى يستووا. وإن قال على أن كل اثنين حميلان بجميع المال، فلقي واحدًا أخذه بمائة عن نفسه من الدين وبنصف الباقي. وإن قال على أن كل ثلاثة أخذه بمائة وبثلثي (¬4) الباقي فإن قال على أن كل أربعة أخذه بمائة وبربع الباقي ثم التراجع بين من غرم وبين من لم يغرم على حسب ما تقدم إذا كان أحدهم حميلًا عن الجماعة. ولو كان الستة حملاء ولم يشتروا فقال على أن كل اثنين فلقي واحدًا أخذه بثلاثمائة، فان قال على أن كل ثلاثة أخذه بمائتين. ويفترق الجواب أيضًا إذا قال على أن أحدهم حميل لجميع المال ولم يقل عن أصحابه، فإن كانوا مشترين كان قوله عن أصحابه وسكوته عن ذلك سواء؛ لأن الحمالة عن أصحابه، فإن لقي واحدًا أخذه بجميع المال ثم إن لقي هذا الغارم أحد الخمسة أخذه بمائة ولم يأخذه عن أصحابه بشيء، وإن لم يكونوا مشترين فقال على أن أحدهم حميل بجميع المال كانت حمالة الواحد عن المشتري، فإن غرم جميع الستمائة لم يرجع عن أصحابه إلا أن يقول عن أصحابه. ¬

_ (¬1) في (ت): (وهكذا). (¬2) في (ت): (أحدهما). (¬3) قوله: (فإنه) زيادة من (ف). (¬4) في (ت): (وبثلث).

وكذلك إذا قال: أنتم حملاء بهذا المال، فإن كانوا مشترين كان بعضهم حميلًا عن بعض وإن لم يكونوا مشترين كان كل واحد منهم حميلًا بماله (¬1) على المشتري حتى يقول وبعضهم حميل عن بعض. وإن قال: أنتم حملاء بهذا المال أخذ به من شئت كان له أن يأخذ أحدهم بجميعه ثم لا رجوع له على أصحابه. قال مالك: لأن الشرط لصاحب الدين. وقال محمد: له أن يرجع على أصحابه إذا كانوا أربعة كل واحد منهم (¬2) بربع الحق (¬3). والقول الأول أبين، ومحمل قوله أنه يأخذ من شاء منهم عن الغريم حتى يتبين أنه يأخذه بذلك عن أصحابه وإن قال وبعضهم حميل عن بعض كل لمن غرم أن يرجع على أصحابه قولًا واحدًا، ويعود الجواب في صفة الرجوع إلى ما تقدم إلا أن يكونوا مشترين، فإن قوله عن أصحابه وسكوته عنهم سواء، فإن لقي الذي أخذ منه جميع المال أحد الخمسة الباقين أخذ منه مائة إلا أن يقول وبعضهم حميل عن بعض، ثم قوله أيكم شئت أخذت بحقي محتمل هل له الخيار مع وجود غريمه ويسره أو إذا توجه الطلب بالحمالة وحمله على توجه الطلب بالكفالة أحسن، وإن تحمل ثلاثة بوجه رجل فأتى به أحدهم برئ وحده، وإن كان بعضهم حميلًا عن بعض فأتى به أحدهم برئ جميعهم، وللطالب أن يأخذ بإحضاره أيهم شاء. قال محمد بن عبد الحكم: فإن دفع للمطلوب نفسه برئوا جميعًا، وإن قال: أنا أدفع نفسي عن واحد منهم وسماه برئوا جميعًا؛ لأنهم أشراك في الحمالة. ¬

_ (¬1) في (ت): (بمائة). (¬2) قوله: (منهم) ساقط من (ف). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 120.

باب في الحمالة بالحميل

باب في الحمالة بالحميل الحمالة بالحميل على ثلاثة أوجه، فإما أن يكونا حميلين بالمال أو بالوجه، أو أحدهما بالمال والآخر بالوجه، فإن كانا بالمال (¬1) فغاب الغريم أخذ الحميل الأول بالأداء عنه بعد محل الأجل، فإن وجد عديمًا أخذ الثاني وإن غاب الحميل الأول كلف الثاني أن يحضر الغريم أو الحميل فأيهما أحضر موسرًا برئ وإلا غرم، وإن غاب جميعهم ابتدئ بالقضاء من مال الغريم فإن لم يوجد له مال فالحميل الأول، فإن لم يوجد له مال فالحميل الآخر، وإن كانا حميلي وجه فغاب الغريم كلف الحميل الأول أن يحضره فإن أحضره برئ، وإن كان معسرًا فإن عجز أغرم المال، فإن كان معسرًا لم يغرم الحميل الثاني؛ لأنه حميل بوجه والذي تحمل به حاضر، وإن غاب الغريم والحميل الأول كلف الحميل الآخر أن يحضر أحدهما الغريم أو الحميل فأيهما أحضر برئ، وإن كان الذي أحضر معسرًا وإلا غرم المال، فإن غاب جميعهم ووجد مال (¬2) الآخر أخذ إلا أن يثبت فقر الغريم أو الحميل فلا يؤخذ من مال الآخر شيء، وإن كان الأول حميل مال والثاني حميل وجه فغاب المديان غرم الحميل الأول ولا شيء على الثاني، وإن كان الحميل الأول فقيرًا؛ لأن الاخر حميل وجه، وإن غاب الغريم والحميل فأحضر الحميل الآخر الغريم موسرًا أو الحميل وإن كان معسرًا وإلا غرم المال، وإن غاب جميعهم ووجد للآخر مال أخذ منه إلا أن يثبت عسر ¬

_ (¬1) قوله (بالمال) غير واضحة في (ت). (¬2) قوله: (مال) زيادة من (ف).

فصل [من صور الحمالة بالحميل]

الحميل الأول، وإن كان الأول حميل وجه والثاني حميل مال فغاب الغريم كلف الحميل الأول أن يحضره، فإن عجز غرم، فإن كان فقيرًا غرم الحميل الآخر وإن غاب الغريم والحميل الأول فأحضر الحميل الآخر الغريم أو (¬1) الحميل برئ إلا أنه لا يبرأ بإحضاره الحميل (¬2) إلا أن يكون موسرًا ويبرأ بإحضار الغريم وإن كان موسرًا. فصل [من صور الحمالة بالحميل] وإن كانت الحمالتان بالمال فمات الغريم أخذ من ماله، فإن لم يخلف شيئًا غرم الحميل الأول بعد محل الأجل، فإن لم يوجد له شيء غرم الحميل الثاني وإن مات الحميل الأول لم يؤخذ الآن من تركته شيء حتى يحل الأجل على الصحيح من المذهب ويبدأ بمال الغريم، وإن لم يوجد له شيء أخذ من تركة الحميل الأول، فإن لم يوجد له شيء غرم الحميل الآخر، وإن كانا حميلي وجه فمات الغريم سقطت الحمالتان، وإن مات الحميل الأول سقطت الحمالة عن الثاني. واختلف في سقوطها عن الميت وإن كانت الأولى بالمال والثانية بالوجه فمات الغريم ولم يخلف شيئًا غرم الأول، وإن لم يوجد له شيء لم يغرم الآخر لأنه حميل وجه، وإن مات الحميل الأول سقطت الحمالة عن الآخر وطولبت ذمة الميت إلا أن يكون الغريم موسرًا، وإن مات الأخير لم تسقط الحمالة عنه على قول مالك وسقطت على قول عبد الملك، وإن كان الأول حميل وجه والثاني حميل مال ¬

_ (¬1) في (ت): (و). (¬2) في (ت): (المال).

فمات الغريم سقطت الحمالة (¬1)، وإن مات الحميل الأول ثبتت الحمالتان على حالهما على قول مالك وابن القاسم وسقطتا على قول عبد الملك، وإن مات الآخر لم تسقط الحمالة عن واحد منهما. ¬

_ (¬1) في (ت): (الحمالتان).

باب في تأخير الحميل أو الغريم

باب في تأخير الحميل أو الغريم وإذا حلَّ الدَّين فأخر الطالب الغريم شهرًا، كان تأخيرًا للحميل عند ابن القاسم وليس بإسقاط للكفالة، ولم ير للكفيل عليه في ذلك يمينًا. وقال محمد: يحلف أنه لم يرد إسقاط الكفالة، وقال غيرهما: إذا أخر الغريم وهو موسر تأخيرًا بينًا سقطت الكفالة، وإن كان معسرًا لم تسقط الكفالة ولا حجة للكفيل في التأخير. والأول أصوب؛ لأن للطالب حقين على رجلين فلا يكون إسقاطه حقه عن أحدهما إسقاطًا للآخر، ويخير الكفيل (¬1) بين أن يمضي ذلك التأخير أو يرده؛ لأنه يقول: أخاف أن يفلس الغريم فيذهب ماله، فإن لم يقم حتى حلَّ الأجل كانت الكفالة على حالها، وإن لم يعلم الحميل بالتأخير حتى حل الأجل حلف الطالب أنه لم يؤخره لتسقط الحمالة ويكون على حقه فيها، وهذا هو قول ابن القاسم ويحمل قوله على أن ذمة الغريم يوم حل الأجل الأول والثاني سواء، ولو كان موسرًا يوم حل الأجل الأول ثم أعسر الآن لم يكن له على الحميل شيء؛ لأنه فرط في حقه حتى تلف مال غريمه ولم يعلم الكفيل فيعد راضيًا، قال ابن القاسم: وتأخير الكفيل تأخير للغريم إلا أن يحلف أنه لم يرد تأخيره، فإن نكل كان تأخيرًا له (¬2). وأرى يمين الطالب ها هنا ضعيفة؛ لأن حقه الآن توجه على الغريم فهو يطلبه به وبه يبتدأ، فإن وجده عديمًا وعاد الطالب على الحميل لزمه التأخير وقد يكون بينه وبين الحميل ما يوجب مراعاته والتأخير بما يجب له عليه أو يريد الرفق به لما كان يؤدي ذلك إلى خسارة أو شبيهًا بالخسارة، وقد ييسر غريمه أو يتمادى عدمه. ¬

_ (¬1) قوله: (ويخير الكفيل) يقابله في (ت): (والكفيل بالخيار). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 108.

باب في الحميل يقضي دون الحق الذي تحمل به أو صنفا غيره

باب في الحميل يقضي دون الحق الذي تحمل به أو صنفًا غيره وإذا تحمل بمائة دينار فدفع خمسين وأسقط الطالب خمسين لم يجز ذلك قبل الأجل؛ لأنه على أحد وجهين، إما أن يدفع خمسين ليرجع بمائة فهو سلف بزيادة أو ليرجع بالخمسين فهو من الطالب وضع على تعجيل، وإن كان ذلك بعد محل الأجل ليرجع (¬1) بالخمسن جاز، وإن كان ليرجع بالمائة لم يجز وهو سلف بزيادة إلا أن يكون الغريم معسرًا أو يجبر الكفيل (¬2) على القضاء وقصد بذلك مكارمة الحميل؛ لأنها هبة من الطالب له وإن دفع دراهم قبل محل الأجل لم يجز إن دفعها عن نفسه فتكون له الدنانير وهو صرف مستأخر، وإن دفعها عن الغريم برضاه جاز على أحد القولين في براءة الذمم. واختلف عن مالك إذا حلَّ الأجل فدفع دراهم عن الغريم، فمنع ذلك مرة ورآه صرفًا مستأخرأ وغررًا وأجازه مرة؛ لأن المناجزة قد تمت فيما بينه وبين الطالب ولم يفسده خيار المطلوب؛ لأن القصد من الحميل بذلك مكارمة من تحمل عنه فأشبه القرض أنه يدفع مائة دينار ليعود إليه مثلها إلى سنة فجاز؛ لأنه معروف ولو لم يكن قصده المعروف لم يجز، وإن دفع الدراهم لتكون له الدنانير لم يجز؛ لأنه إذا لم يجبر على القضاء، وجاز إذا كان الغريم معسرًا وجبر على القضاء عنه، ثم يختلف هل يرجع بالدنانير أو يكون الغريم بالخيار؟ وقد اختلف في مسألة المأمور، وقد تقدم ذلك في كتاب المديان، وأرى أن ¬

_ (¬1) قوله: (ليرجع) يقابله في (ت): (ثم رجع). (¬2) في (ف): (الغريم).

له أن يرجع بالدنانير؛ لأن الصرف إنما كان عما وجب في الذمة وإن دفع طعامًا أو شيئًا مما يكال أو يوزن قبل الأجل وبعده فذلك سواء، وإن دفع ذلك عن الغريم لم يجز؛ لأنه تارة بيع وتارة سلف وأجازه مرة؛ لأن القصد المعروف وإن دفع ذلك ليكون له الدين جاز إذا كان الذي عليه الدين حاضرًا مقرًا يعرف ملاؤه من عدمه، وقد تقدم ذلك في كتاب السلم الثاني، وإن دفع عرضًا ليكون له الدين جاز على مثل ذلك إذا كان حاضرًا مقرًا يعلم ملاؤه من عدمه، فإن دفعه عن الذي عليه الدين جاز؛ لأنه معروف من الحميل وإن كان قيمة عرضه أقل من الدين. ومن المدونة (¬1): إذا تكفل رجلان عن رجل بألف درهم، ثم قال أحد الكفيلين لصاحبه: ادفع إليَّ مائة وأنا أدفع الألف كلها جاز إذا كان قد حلَّ الدين وصاحب الحق حاضر، فإن صالح بعد ذلك هذا الكفيل الذي له الدين على خمسين رد إلى صاحبه خمسة وسبعين، وإن صالحه على مائتين لم يرد على صاحبه شيئًا، وأرى أن الذي أخذ المائة أخذها يرجو مصالحة الغريم ولو كان قصده السلف حقيقة لفض نصف الحطيطة على جميع الخمسمائة فيرد ثمانين ويصير بها إلى الوقت لأنه رضي (¬2) بأن يصير إليه لو لم يحط عنه شيء، وبقية هذا الباب مذكور في كتاب السلم الثاني. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 103. (¬2) قوله: (الوقت لأنه رضي) في (ف): (وقت رضي).

باب في الحمالة الفاسدة

باب في الحمالة الفاسدة اختلف فيمن ابتاع سلعة على إن استحقت كان فلان كفيلًا بخلاصها، فقال مالك وابن القاسم: الكفالة ساقطة، وقال غيرهما (¬1): هي لازمة (¬2)؛ لأنه هو الذي أدخل المشتري في دفع ماله للثقة به فعليه الأقل من قيمة السلعة يوم تستحق أو (¬3) الثمن الذي أعطاه إذا كان البائع معسرًا والأول أقيس؛ لأن تخليص السلعة ليس إليه وقد تحمل بما لا يقدر على الوفاء به والثمن أو القيمة لم تقع عليه حمالة والاستحسان قول الغير (¬4) لتغليب أحد الضررين فتلزمه القيمة يوم الاستحقاق؛ لأنه القدر الذي كان يبذل فيها لو رضي المستحق بأخذ العوض أو الثمن إن كان أقل؛ لأنه هو الذي أتلف عليه بالحمالة، وهذا إذا كان المشتري والحميل يجهلان فساد ذلك. فإن كانا يعلمان أو يعلم المشتري وحده لم يلزمه شيء؛ لأنه لم يغره، فإن علم ذلك الحميل وحده وجهل المشتري لزمه ذلك؛ لأنه غيره، وهذا الجواب في لزوم الحمالة وسقوطها. وأمَّا صحة البيع وفساده فإن لم يكن من البائع في ذلك شرط وإنما كان الشرط بين المشتري والحميل كان البيع جائزًا وإن كان الشرط من البائع قال له: إن استحقت خلصتها لك، فهذا كفيل بتخليصها كان البيع مختلفًا فيه هل ¬

_ (¬1) في (ت): (غيره). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 11/ 303. (¬3) في (ت): (و). (¬4) في (ت): (المغيرة).

هو فاسد أو يصح بإسقاط الشرط ويفسد بتمسك المشتري به؟ وإذا كان البيع فاسدًا وفسخ فوجد البائع فقيرًا لم يكن على الحميل مطالبته؛ لأنه شرط إتباعه إن استحقت السلعة وهي لم تستحق بعد. وإن كانت تلك عادة من الموثقين أو كانت العادة أنهم لا يطلبون بمثل ذلك الشرط لم ينقض (¬1). وإن أخذ البائع من المشتري كفيلًا بالثمن ليس بتخليص السلعة فوجد البيع فاسدًا كان على الكفيل الأقل من القيمة أو الثمن، وهذه المسألة بخلاف الأولى؛ لأن الكفالة ها هنا وقعت بالثمن، فإن كان الثمن أقل غرمه؛ لأن الذي تحمله به (¬2)، وإن كانت القيمة أقل لم يغرم سواها. ولابن القاسم في كتاب محمد أن الحمالة ساقطة والأول أحسن إلا أن يكون الثمن عرضًا فرد القيمة عينًا فيكون بخلاف الجنس الذي تحمل به، ولو كان المبيع بيعًا فاسدًا مما يرجع فيه إلى المثل وتحمل الحميل بالثمن وهو عين لجرت على ما تقدم في المسألة الأصلى هل تسقط الحمالة أو تلزم على قول الغير؛ لأن مطالبته البائع بمثل المبيع ولم يتحمل به الحميل فسقطت على قول مالك وعلى قول غيره (¬3) يكون على الحميل الأقل من الثمن أو المثل، وإن كان الثمن مؤجلًا لم يغرم حتى يحل الأجل. وقال عبد الملك بن الماجشون في المبسوط فيمن باع زيتًا بمائة دينار مؤجلة وأخذ بها حميلًا فوجد البيع فاسدًا، فليس له على الحميل شيء (¬4) حتى يحل الأجل فيغرم الثمن ويبتاع به زيتًا، فإن لم يوف أتبع المشتري بما بقي. ¬

_ (¬1) في (ت): (يقض البيع). (¬2) في (ف): (لأنه الذي تحمل به). (¬3) في (ت): (الغير). (¬4) في (ت): (سبيل).

فصل [في الحمالة بجعل]

وقال أشهب في كتاب محمد فيمن أعطى دينارًا في دراهم إلى أجل وأخذ بها حميلًا، الحمالة ساقطة (¬1). يريد: لأن الدراهم لا يصح الوفاء بها والدينار لم يتحمل به. وعلى قول عبد الملك: يلزمه الأقل من الدينار أو الدراهم. فصل [في الحمالة بجعل] الحمالة بجعل فاسدة؛ لأنه يأخذ الجعل فإن كان المتحمل موسرًا كان من أكل المال بالباطل، وإن كان معسرًا فغرم الحميل كان ربًا سلفًا بزيادة فقضاؤه عنه سلف والزيادة الجعل المتقدم، وهذا إذا كان الجعل يأخذه الحميل أو غيره. واختلف إذا كان يصل الجعل أو منفعته إلى الغريم (¬2) وكانت الحمالة بما يحل يؤخره به إلى أجلٍ وبما لا يحل ليأخذه إذا حلَّ الأجل المتحمل به، ولا يصل إلى الحميل منها شيء، فأجاز ذلك أشهب ومنعه ابن القاسم. فإن كان الجعل تصل منفعته إلى الحميل رد الجعل قولًا واحدًا، ويفترق الجواب في ثبوت الحمالة أو (¬3) سقوطها، وفي صحة البيع وفساده وذلك على ثلاثة أوجه، فتارة تسقط الحمالة ويثبت البيع، وتارة تثبت الحمالة والبيع، والثالث مختلف فيه في الحمالة والبيع جميعًا، فإن كان الجعل من البائع جعل لرجل دينارًا ليتحمل له بما يبيع به سلعة من فلان كانت الحمالة ساقطة؛ لأن محملها معه محمل البيع لأنها حمالة بعوض، وإذا لم يصح للحميل العوض لم تلزمه الحمالة والبيع صحيح؛ لأن المشتري لا مدخل له فيما فعله البائع مع الحميل. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 126. (¬2) في (ت) إحالة في هامش المخطوط غير مقروءة. (¬3) في (ف): (و).

وإن كان الجعل من المشتري قال له: تحمل عني بما أشتري به هذه السلعة ولك دينار، والبائع غير عالم بما فعلاه كان البيع جائزًا والحمالة لازمة؛ لأنه غيره حتى أخرج سلعته. ويختلف إذا علم البائع، فقال ابن القاسم في كتاب محمد: إذا كان ذلك بعلم صاحب الحق سقطت الحمالة (¬1). يريد: ويكون بالخيار في سلعته بين أن يجيز البيع فيها بغير حميل أو يردها. وقال محمد: الحمالة لازمة وإن علم، إذا لم يكن لصاحب الحق في ذلك سبب، ويختلف إذا جهلا تحريم ذلك فقال أصبغ في كتاب محمد: لا شيء على الحميل، وعلى قول محمد تلزم الحمالة إلا أن يكون له في ذلك سبب (¬2). ويختلف على هذا إذا باع سلعته من رجل على أن يزن عنه فلان الثمن بجعل جعله له المشتري، فعلى قول ابن القاسم: لا يجوز للبائع أن يطلب فلانًا بالثمن إذا كان عالمًا؛ لأنه سلف بزيادة، وله أن يرجع في سلعته إذا لم يكن عند المشتري ما يزن عنه، وعلى قول محمد: يمضي البيع ويلزم فلانًا الثمن. والأول أحسن. واختلف عن مالك فيمن كان له دين حال فأخره به إلى أجلٍ على أن يتحمل له رجل ويسقط الطالب بعض دينه، فقال مالك وابن القاسم وأشهب وغيرهم في كتاب محمد فيمن كان له دين على رجل فقال له رجل: ضع له من بعض دينك الذي لك (¬3) عليه وأنا أتحمل لك بما بقي إلى أجل آخر: لا بأس به؛ ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 126. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 126. (¬3) قوله: (الذي لك) زيادة من (ف).

لأنه قد كان له أن يأخذه بحقه حالًا فتأخيره إياه بحميل سلف منه بحميل، قال: واختلفت فيه رواية أشهب عنه في الجواز والكراهية (¬1). وقال مالك في العتبية: لا يصلح ذلك قال: وهو بمنزلة لو قال: أعطني عشرة دراهم من دينك وأنا حميل لك فتكون الحمالة على هذا القول حرامًا. والأول أبين. وقال ابن القاسم في العتبية: إذا قال خذ هذه العشرة دنانير وأعطني بما لي عليك حميلًا أو رهنًا فلا بأس به، وعلى أحد قولي (¬2) مالك: لا يجوز، وإن قال: أنا أتحمل لك على أن تعطي فلانًا، لغير الحميل لم يجز، وقال أشهب في كتاب محمد فيمن له على رجل عشرة دنانير (¬3) إلى أجل فقال له قبل الأجل: هل لك أن أحط عنك دينارين وتعطيني الثمانية (¬4) رهنًا أو حميلًا: فلا بأس به، وقال ابن القاسم: لا يجوز (¬5). قال الشيخ: وإنما منعه ابن القاسم؛ لأن الطالب إنما أخذ الحميل الآن خوف أن يعسر الغريم عند الأجل فيصير إلى أن ييسر فإذا أعطاه حميلًا إلى الأجل كان قد تعجل دينه قبل الوقت الذي كان يصير إليه لو لم يعطه حميلًا فيصير بمنزلة من وضع بعض دينه ليتعجله قبل الأجل. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 127. (¬2) في (ت): (أقوال). (¬3) قوله: (الحميل لم يجز. . . رجل عشرة دنانير) في (ف): (الغريم دينارًا). (¬4) في (ت): (بالمائة). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 129.

فصل [في أن يستدين شخص دينا إلى أجل ويعطي به حميلا]

فصل [في أن يستدين شخص دينًا إلى أجل ويعطي به حميلًا] ومن كان عليه دين إلى أجلٍ فأعطى به حميلًا إلى ذلك الأجل جاز كان الدين عينًا أو عرضًا، ويفترق الجواب إذا أعطاه حميلًا ليتعجله قبل الأجل، فإن كان الدين عينًا أو عرضًا من قرض جاز، وإن كان من بيع (¬1) وكان قصد الغريم بتعجيله منفعة الطالب جاز، وإن أراد إسقاط الضمان عن نفسه لم يجز، وإن حلَّ الدين فأعطاه حميلًا على أن يؤخره نظر هل الغريم موسرًا أو معسرًا، أو موسرًا (¬2) ببعض ذلك الحق؟ فإن كان موسرًا لجميع (¬3) الحق كان التأخير والحمالة جائزة، وإن كان معسرًا فأخَّره لأجل يرى أنه يوسر إليه ولا يوسر دونه أنه جائز. واختلف إذا كان ييسر قبله فمنعها ابن القاسم وأجازها (¬4) أشهب، وإن كان موسرًا بالبعض فأعطاه حميلًا بالقدر الذي هو به موسر ليؤخره به جاز، وإن كان بما هو به معسر ويقبض الآن ما هو به موسر جاز. وإن كان (¬5) ليؤخره بالجميع لم يجز؛ لأنه لم يوثقه بما هو به معسر لإمكان تأخيره بما هو به معسر، وذلك سلف جر منفعة. وإن كانت الحمالة قبل الأجل ليؤخره بعد الأجل لم يجز؛ لأن الغريم لم ¬

_ (¬1) قوله: (وإن كان من بيع) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (أو معسرًا، أو موسرًا) في (ت): (وهو). (¬3) في (ف): (بجميع). (¬4) قوله: (قبله فمنعها ابن القاسم وأجازها) في (ت): (إلى مثله فمنعه ابن القاسم وأجازه). (¬5) قوله: (وإن كان) زيادة من (ف).

فصل [فيما إذا شرط الحميل شرطا]

يوثقه من الدين قبل الأجل إلا بأن أسلفه وهو التأخير بعد الأجل، فإن نزل ذلك كانت الحمالة ساقطة إن أفلس الغريم في الأجل الأول. واختلف إذا دخل في الأجل الثاني هل تلزمه الحمالة؟ ولا أرى أن تلزم إذا لم تتغير ذمة الغريم الآن عن الحال التي كانت عليه عند محل الأجل، وإن تغيرت بنقص كان على الحميل القدر الذي دخل على الطالب من النقص لمكان التأخير، وإن شرط أنه لا يكون حميلًا إن وقع فلس أو غيبة في الأجل الأول، وإنما يكون حميلًا إذا دخل في الأجل الثاني جرى على ما تقدم إذا كانت الحمالة بعد محل الأجل ليؤخره فينظر هل هو موسر أو معسر بجميع الحق أو ببعضه؟ وإن كان مكان الحميل رهنًا جرى في الصحة والفساد على ما تقدم في الحميل إذا كان الرهن لغير الغريم كالذي يستعيره ليرهنه، فإن كان ملكًا له وأعطاه بعد الأجل ليؤخره به جاز؛ لأنه موسر به. فصل [فيما إذا شرط الحميل شرطًا] وإن شرط الحميل أنه لا يؤدي إلا أن يموت هو أو يموت المكفول به جاز ولم يؤخذ بغير ما شرط، وعكسه إن قال: إن لم يحل الأجل ولم يتوجه قبلي طلب بالحمالة، أو إن لم أؤد حتى أموت فلا شيء عليَّ لأني أكره أن تطلب ورثتي بذلك أو حتى يموت المكفول به فلا أؤدي عنه، كان له شرطه، فإن كانت الحمالة عن قرض أو بعد عقد البيع كانت جائزة. واختلف إذا كانت في أصل العقد هل يفسد البيع؟ قال ابن القاسم: إذا شرط إن مات منهما البائع أو الحميل كانت الحمالة ساقطة عني (¬1) كان بيعًا ¬

_ (¬1) قوله: (عني) ساقط من (ف).

حرامًا فإن فاتت السلعة ردت إلى القيمة والحمالة ساقطة مات منهما أحد أو لم يمت، وقال أصبغ: البيع جائز والشرط لا بأس به لأن الشرط ليس فيما بين البائع والمشتري، وقال محمد (¬1): وأرى قول ابن القاسم إن كان وقع البيع بشريطة على ما قال فالبيع فاسد (¬2). يريد: إذا لم يكن للمشتري في ذلك مدخل وإنما كان ذلك بين البائع والحميل فلا يفسد البيع، وأرى إن كان المشتري فقيرًا أو يخشى عجزه عن الأداء أن يكون البيع فاسدًا، وإن كان موسرًا وكان الكفيل على معنى الاحتياط أن يكون جائزًا، فإن علق الحميل الأداء بموته وكانت الحمالة في أصل عقد البيع أو القرض كانت من رأس المال وإن كانت بعد العقد كانت من الثلث والكفالة إلى خروج العطاء، كذلك تجوز إذا كانت عن قرض أو بعد عقد البيع. ويختلف إذا كانت في أصل عقد البيع والثمن إلى أجل معلوم، وإن كان أجل البيع والحمالة إلى خروج العطاء كان البيع فاسدًا إذا لم يكن المشتري من أهل الديوان. واختلف إذا كان من أهل الديوان أو ممن له عطاء فكرهه مالك مرة ثم قال فيه: مرفق (¬3) للناس (¬4). يريد: لأن الغالب من الجند الحاجة ولهم ضرورة إلى الغيبة، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه في سبي هوازن "وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَقِّهِ حَتَّى أُعْطِيَهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللهُ عَلَيْنَا" (¬5). ¬

_ (¬1) في (ف): (أبو محمد). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 130، 131. (¬3) في (ت): (وفق). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 121. (¬5) أخرجه البخاري: 2/ 810 في باب: إذا وهب شيئا لوكيل أو شفيع قوم جاز، من كتاب الوكالة في صحيحه، برقم (2184).

باب في الدعوى في الكفالة

باب في الدعوى في الكفالة وقال ابن القاسم في ثلاثة نفر (¬1) اشتروا سلعة على أن للبائع يأخذ من شاء منهم بحقه، فمات أحد الثلاثة وأقام ورثته شاهدًا أن الميت دفع الثمن كله: فإنهم يحلفون ويبرؤون ويرجعون على الشريكين الباقين بما أدي عنهما، فإن نكل الورثة لم يحلف الشريكان؛ لأنهما يغرمان إلا أن يقولا: نحن أمرناه ووكلناه بالدفع عنا وعنه ودفعنا ذلك إليه؛ وإنما هو حق علينا والشاهد لنا فيحلفان ويبرآن (¬2). واعتبار المسألة من أربعة أوجه: أحدها: هل مات الأول موسرًا أو معسرًا؟ والثاني: هل يشهد أن الدفع كان من مال الميت أو منه ومن شركائه؟ والثالث: إذا شهد أن الدفع كان من جميعهم هل صدقه الورثة؟ والرابع: هل حلف الورثة أو نكلوا؟ فإن كانت الشهادة أن القضاء من مال الميت وحلف الورثة سقط الدين وغرم الشريكان ما ينوبهما، ولا يمين على الورثة إن ادعى الشريكان أنهما دفعا ما ينوبهما إلا أن يرى أن عندهما (¬3) من ذلك علمًا، فإن نكل الورثة حلف البائع واستحق جميع الثمن، فإن كان الميت موسرًا والدين ثلاثون دينارًا أخذ من تركته عشرة ومن شريكه (¬4) عشرون، ¬

_ (¬1) قوله: (ثلاثة نفر) في (ت): (ثلاث). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 115. (¬3) في (ت): (عندهم). (¬4) في (ت): (شريكيه).

وإن كان الميت معسرًا حلف البائع واستحق عشرين وحلف له الشريكان وسقط عنهما غرم العشرة التي تنوبهما بالحمالة ويبدأ بيمين البائع، فإن نكل سقط حقه واستغنى عن يمين الشريكين؛ لأن اليمين كانت في جنبة الورثة مع الشاهد، فلما نكلوا ونكل البائع لم ترجع اليمين، وإن حلف ونكل الشريكان غرما جميع الحق الثلث بالحمالة والثلثن من أصل الدين، فإن طرأ للميت مال وكان قد (¬1) حلف البائع والشريكان أخذت منه العشرة التي تنوبه لتقدم نكول الورثة عنها. وإن قال الشاهد: كان الأداء من جميعهم، وصدقه الورثة وحلفوا سقط جميع الدين ولم يكن هناك تراجع، فإن نكل الورثة حلف البائع وأخذ جميع الثلاثين دينارًا من تركته على مذهب ابن القاسم؛ لأنه فرط إذا لم يدفع بشهادة شاهدين، وعلى مذهب عبد الملك يكون للشريكن أن يحلفا عند نكول الورثة وتسقط عنهما العشرون إن كان الميت موسرًا أو الثلاثون إن كان معسرًا؛ لأن نكول الورثة نكول عليهما. فإن قال الورثة: لم يكن الدفع إلا من ماله، كان فيها قولان، فقيل: الشهادة ساقطة للورثة خاصة؛ لأنهم كذبوا شاهدهم وقيل: الشهادة صحيحة في الوجهين جميعًا لهم وعليهم، فعلى القول الأول يصير حكمهم حكم من نكل فيحلف البائع ويستحق الجميع من تركته إن كان موسرًا، ويحلف الشريكان مع الشاهد أنهما دفعا إليه ويبرآن، وهذا على قول (¬2) ابن القاسم أنه فرط إذ لم يدفع بشاهدين، وعلى أصل عبد الملك يحلف الشريكان يمينين: يمينًا ¬

_ (¬1) قوله: (قد) زيادة من (ف). (¬2) في (ت): (أصل).

فصل [في دعوى الغريمين أيهما الدافع]

لقد دفعا ذلك إلى الميت، ويمينًا لقد دفع الميت ذلك إلى البائع ويسقط عنهما جميع الثمن كان الميت موسرًا أو معسرًا، وعلى القول بصحة الشهادة للفريقين يكون للورثة أن يحلفوا مع شهادته، ويثبت القضاء ثم يرجع المقال فيما بينهم وبين الشريكين فيحلف الشريكان ويسقط ما ينوبهما، فإن نكلا حلف الورثة لقد وهم في شهادته لكما ورجعوا عليهما، ويصح إذا نكل الورثة عن اليمين للبائع (¬1) أن يحلفوا للشريكين وليس نكولهم عن اليمين للبائع نكولًا للشريكين؛ لأنهم لو حلفوا للبائع ثم نكل الشريكان كانت عليهم يمين أخرى لهما (¬2). فصل [في دعوى الغريمين أيهما الدافع] وقال ابن القاسم في كتاب محمد فيمن له على رجلن حق وفيه أيهما شاء أخذه بحقه، فقال الطالب بعد ذلك ما بقي لي (¬3) عليهما شيء وقال كل واحد ممن كان الحق عليه: أنا كنت الدافع وقال القابض قبضته من أحدهما- قال: صاحب الحق شاهد يحلف مع شهادته. وقال محمد: إن كان قوله قبضته نسقًا بقوله ما بقي عليهما شيء قبل قوله وإن كان غير عدل. يريد: إذا تصادقا أنه لم يصل إلى الطالب إلا مائة واحدة؛ لأنهما كانا حاضرين للدفع أو لوجه غير ذلك، فإن كان قوله نسقًا صدق وإن كان غير عدل، ويحلف المقر له للمدعي ذلك (¬4) أنه كان الدافع ويرجع على صاحبه بما ينوبه، فإن نكل عن اليمين ¬

_ (¬1) قوله: (للبائع) زيادة من (ف). (¬2) في (ت): (لهم). (¬3) قوله: (لي) زيادة من (ف). (¬4) قوله: (ذلك) زيادة من (ف).

حلف الآخر أنه كان الدافع ورجع على المقر له بنصف ذلك الحق. ويختلف إذا لم يكن نسقًا، فقال ابن القاسم: هو شاهد، وحمل قوله أن القضاء منهما جميعًا عند عدم استفهامه فيحلف المقر له مع شهادته إذا كان عدلًا ويرجع، فإن نكل حلف الآخر وكان هو الراجع على المقر له وإن لم يعدل حلف كل واحد منهما لصاحبه ولم يكن بينهما تراجع، وقد قيل في هذا الأصل أنه يقبل قوله؛ لأن قوله أولا ما بقي عليهما شيء محتمل أن يكون لأن القضاء كان من أحدهما أو منهما وهو كلام يحتاج إلى استفهام وأن يسأل ممن كان قبضه فإذا كان (¬1) ذلك لم يكن فرق بين أن يذكر ذلك نسقًا أو متراخيًا. وإن ادعى كل واحد منهما أنه دفع مائة بغير محضر صاحبه ولا علم عنده بما قبض من الآخر لم يكن شاهدًا؛ لأنه مدعى عليه فمن أقر له أنه قبض منه برئ، ومن أنكر وحلف له ورجع من أقر له على من أنكره بما ينوبه، فإن نكل البائع حلف الآخر واسترجع منه المائة فكان نصفها له ونصفها لصاحبه، فمتى حلف البائع غرم المشتري خمسين وأخذها صاحبه، ومتى نكل وحلف المشتري غرم البائع مائة تكون بين المشترين نصفين، وهذا إذا كان قوله قبضت من هذا نسقًا، وإن لم يكن نسقًا. فعلى قول ابن القاسم: يبرأ (¬2) كل واحد منهما مما (¬3) ينوبه وهو نصف الحق؛ لأنه الذي يوجب قوله أولا قبل قوله قبضت من هذا ثم يقال له احلف لمن أنكرته أنك لم تقبض منه شيئًا ويحلف لك أنه دفع إليك، ويسقط عنه ما ¬

_ (¬1) قوله: (قبضه فإذا كان) زيادة من (ف). (¬2) في (ت): (يترك). (¬3) في (ت): (ما).

ينوبه ولا رجوع لمن أقر له على أحد وتكون مصيبة منه، وإن نكل البائع وحلف الآخر أنه دفع إليه غرم البائع مائة، وإن نكل وحلف المشتري غرم الناكل خمسين وقبضها المقر له.

باب في كفالة المريض

باب في كفالة المريض وإذا تكفل المريض بمال في عقد البيع بغير أمر المشتري جاز، ولا يجوز بأمره على القول أنها تحل على الحميل بموته؛ لأنه لا يدري على أي ذلك باع على النقد أو إلى أجل، وإن كانت بعد العقد أو في قرض قبل العقد أو بعده جازت من ثلثه، فإن تداين بعد (¬1) ذلك بما يستغرق ذمته برئ بالدين وسقطت الحمالة، قال محمد: فإن صح لزمته من رأس المال (¬2). يريد: إن مات بعد ذلك وقبل الأداء ويحاص بها الغرماء. محمد: قال عبد الملك: وإن تحمل المريض عن وارثه لأجنبي أو عن أجنبي لوارثه فهو باطل كان المحمول له موسرًا أو معسرًا (¬3). ومن تكفل في المرض ثم صح ورجع عنها وقال: كنت أردت بها الوصية لم يقبل قوله إذا كانت في (¬4) عقد البيع أو القرض. ويختلف إذا كانت بعده ومن أقر في المرض أنه تحمل في الصحة لم يقبل قوله إذا كانت بعد عقد البيع أو القرض؛ لأنها معروف لصاحب الحق وتدخل فيها الوصايا؛ لأن الحمالة لها مرجع فأشبهت مرجع العمرى، وإن أقر أن ذلك كان في (¬5) عقد البيع أو القرض جاز؛ لأن المعروف في ذلك للمشتري وللمستقرض وليس بمعروف للبائع ولا للمقرض، كان إقراره كسائر الديون؛ لأنه أقرَّ بما أخرج به ملكًا عن ماله. ¬

_ (¬1) قوله: (بعد) زيادة من (ف). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 149. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 149. (¬4) في (ت): (بعد). (¬5) في (ت): (بعد).

باب في كفالة العبد والمكاتب والكفالة بالكتابة والكفالة عن العبد

باب في كفالة العبد والمكاتب والكفالة بالكتابة والكفالة عن العبد اختلف في كفالة العبد المأذون له والمكاتب (¬1) فمنعها ابن القاسم وأجازها عبد الملك في كتاب محمد (¬2)، وقال في المبسوط: هي من التجارة ومما يصلح وجهه ويفعله ليفعل معه مثله، وهذا أحسن فيما يرى أنه يراد به الاستيلاف، فإن كان المتكفل به موسرًا جاز، وإن كثر وإن كان فقيرًا لم يجز إلا فيما قلَّ، وإن أذن السيد جاز في العبد إذا لم يكن عليه دين، وإن كان على العبد دين بدي غرماؤه، ويجوز إذنه للمكاتب إذا كان لا يخشى عليه العجز لأجل الكفالة ليسارتها أو يسر المتحمل عنه، وإن كان يخشى عليه العجز (¬3) جرت على القولين هل له أن يعجز نفسه إذا كان له مال ظاهر؟ فصل [في الكفالة بالكتابة] ولا تجوز الكفالة بالكتابة (¬4) عند مالك (¬5)؛ لأن القصد من الكفيل ما يناله من العتق وقد يعجز أو يموت قبل ذلك، ويجوز على أصل أشهب؛ لأنه أجاز أن يعطي رجل لسيده مالًا على أن يكاتبه وهو لا يدري هل يناله العتق أم لا؟ ¬

_ (¬1) قوله: (والمكاتب) ساقط من (ف)، وانظر: المدونة: 4/ 111. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 150. (¬3) قوله: (العجز) زيادة من (ف). (¬4) في (ت): (بالكفالة). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 111.

فصل [في إجبار السيد عبده على الكفالة]

وكذلك إذا لم يكاتبه السيد إلا بالحمالة ولو كانت الكفالة (¬1) نجمًا واحدًا وقال الحميل: لك عليَّ أنه إن جئتني لانقضاء الأجل وعجز أديت عنه، لكان جائزًا قولًا واحدًا. وكذلك إذا قال السيد: أنا أقف عليه كل نجم يعجز عنه إلى آخر النجوم، فإن حمى إلى آخرها غرم جميع ما عجز عنه وكان حرًا، وإن مات قبل ذلك لم أتبعه بشيءٍ. فصل [في إجبار السيد عبده على الكفالة] للسيد أن يجبر عبده على الكفالة إذا كان في يده مال بقدرها، واختلف إذا كان فقيرًا وليس في يده مال يفي بها، فقال ابن القاسم: أنه لا يجبر (¬2). وفي كتاب محمد: يجبر. وقال محمد بن عبد الحكم: لا يجبر؛ لأنه يقول أخاف أن (¬3) أحبس في ذلك، وليس هذا من حقوق السيد عليَّ (¬4). قال الشيخ -رحمه الله-: وإن أسقط المتكفل له مقاله في حبسه لم يكن للعبد أن يأبى؛ لأنه يقول: إن وجدت له شيئًا أخذته وإلا تركت، فإن أعتق العبد أتبع كالذي يقول: أنت حر على أن عليك مائة دينار وليس كالذي يقول: أنت حر وعليك مائة (¬5)؛ لأنه في الحمالة أوجب عليه المال قبل العتق، وإذا قال: أنت حر وعليك أوجب عليه (¬6) المال بعد العتق. ¬

_ (¬1) في (ت): (الكتابة). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 120. (¬3) قوله: (أخاف أن) زيادة من (ف). (¬4) قوله: (عليَّ) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (مائة) زيادة من (ف). (¬6) قوله: (عليه) زيادة من (ف).

واختلف إذا فلس السيد هل يبتدئ الطالب بمال السيد ويباع له العبد؟ أو هل له أن يبتدئ بمال العبد؟ وهذا راجع إلى الاختلاف المتقدم هل للطالب أن يبتدئ بمال الحميل مع يسر الغريم؟ وإذا تكفل السيد عن عبده بدين إلى أجل ثم باعه قبل الأجل كان منتزع المال ولم يكن للسيد أن يقضي عنه حتى يحل الأجل.

باب في كفالة المرأة الأيم البكر والثيب وذات الزوج

باب في كفالة المرأة الأيم البكر والثيب وذات الزوج ويختلف في كفالة البكر التي لا أبي لها ولم يتقدم عليها ولاء ولم تبلغ التعنيس على الاختلاف في أفعالها، فإن عنست جازت كفالتها وهباتها، وكفالة البكر وهباتها التي لها أبي ولم تعنس على الرد. واختلف عن مالك إذا عنست، فقال مرة: تجوز، ومرة لا تجوز (¬1)، وقال: إذا أجاز الأب جاز وإلا لم يجز. يريد: أن الأب أعلم بحالها فإن علم رشدًا أجازه وإلا لم يجزه، وهذا كما قيل أن للوصي إذا علم من يتيمه رشدًا أن يدفع إليه ماله من غير حاكم. وقال ابن القاسم في حمالة الثيب: إنها جائزة وجعل محمل الثيب على الجواز. يريد: إذا طال أمرها بعد الابتناء وإن كانت اليوم لا زوج لها. وكذلك الثيب ذات الزوج إذا تكفلت بقدر ثلثها يجوز إذا طال أمرها ولم تقصد الضرر. واختلف في خمسة مواضع: إذا قصدت الضرر وإن (¬2) تجاوز الثلث. والثاني: إذا كان أكثر من الثلث هل يمضي قدر الثلث أو يرد الجميع. والثالث: إذا كان المتحمل به موسرًا هل يمضي جميعها وإن كانت أكثر من الثلث؟ والرابع: إذا تكفلت بكفالة بعد كفالة على قرب من الأولى. والخامس: إذا كانت على بعد من الأولى فتكفلت ووهبت من بقية المال ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 122. (¬2) في (ت): (ولم).

الأول أو من فائدة. والاختلاف في هذه الوجوه مذكور في كتاب الصدقة. فأمَّا كفالتها بموسر إذا كانت بأكثر من الثلث فمنعه ابن القاسم (¬1) وأجازه ابن الماجشون وهو أثبت (¬2)؛ لأن الغالب المسالمة وبقاء الأولى على اليسر وإن احتيج فإلى البعض مع أن لها مرجعًا، وإذا تكفلت بزوجها أو له ثم قالت: كرهني، لم يقبل قولها. قال أشهب: فإن ثبت ذلك وتكفلت بزوجها لأجنبي (¬3) لزمها إلا أن يعلم صاحب الحق وإن لم تقم بينة وقال: لم أعلم حلف إن كان متهمًا بالعلم على ذلك مثل القريب الجوار وشبهه، فإن نكل حلفت أنه علم وبرئت، فإن كان ممن لا يمكنه علم ذلك لم يكن له (¬4) عليه يمين، قال: وأمَّا كفالتها بغير زوجها لزوجها (¬5) فإنه ينظر في ذلك، فإن كان ظاهر الإساءة إليها بالبينة العادلة وقلة ورعه فيها وقهره لها وتحامله عليها بما لا يحل، حلفت وكانت الحمالة موضوعة عنها فألزمها الكفالة للأجنبي، وإن ثبت الإكراه إذا لم يعلم ذلك المكفول له؛ لأنها غرته فقد كان عليها أن تعلمه إلا أن تكون كفالتها بعد عقد البيع ولم ينقص ماله عن يوم الحمالة لم تلزمها الكفالة له؛ لأنه المكره وهو عالم. وقال محمد بن عبد الحكم: إذا تكفلت ذات الزوج بوجه رجل على أن لا مال عليها كان لزوجها رد ذلك؛ لأنه يقول: تحبس وأمنع منها وأخرج إلى الخصومة وليس ذلك عليَّ (¬6) وليس كالكفالة بالمال. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 124. (¬2) في (ف): (أشبه). (¬3) في (ت): (الأجنبي). (¬4) قوله: (له) زيادة من (ف). (¬5) قوله: (لزوجها) زيادة من (ف). (¬6) قوله: (وليس ذلك عليَّ) زيادة من (ف).

باب في الحمالة بالإجارة المعيبة والمضمونة، ومن قضى عرضا أو مكيلا بماذا يرجع

باب في الحمالة بالإجارة المعيبة والمضمونة، ومن قضى عرضًا أو مكيلًا بماذا يرجع الحمالةُ بالإجارة أو بثمنها على وجهين: فإن كانت الإجارة على عمل رجل بعينه خياطة أو حياكة أو على حمل بغير عينه، جازت الحمالة بالثمن إن مات هذا أو استحق الآخر ولم تجز بالعمل ولا بالحمل، وإن كانت الإجارة مضمونة جازت بالعمل ولم تجز بالثمن أن يرد إلى دافعه، وإن كان يستأجر به جاز، وإن فضل شيءٌ رد إلى الحميل، وإن عجز لم يكن عليه شيء، وإذا غرم الحميل وأراد الرجوع بالإجارة أو غيرها فإن اشترى ذلك لغريمه رجع بالثمن، وسواء كان المتحمل به عرضًا أو مكيلًا أو موزونًا (¬1)، وإن غرم ذلك من ذمته وكان مما يكال أو يوزن رجع بمثله. واختلف إذا كان مما يقضى فيه بالقيمة، فقال ابن القاسم في كتاب محمد: يرجع بمثله كالأول، وقال في كتاب ابن حبيب: يرجع بقيمته (¬2). ¬

_ (¬1) قوله: (أو موزونًا) ساقط من (ف). (¬2) زاد في (ت): (تَمَّ كتابُ الحمالةِ بحمدِ اللهِ وعونِهِ).

كتاب الحوالة

كتاب الحوالة النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ت) = نسخة تازة رقم (234 & 243) 3 - (ق 9) = نسخة القرويين رقم (369)

باب في جواز الحوالة وما يمنع منها، وما لا يمنع منها وما يبرئ الغريم

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كتاب الحوالة باب في جواز الحوالة وما يمنع منها، وما لا (¬1) يمنع منها وما يبرئ الغريم (¬2) الأصل في الحوالة قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ وَإِذَا أُتْبعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَليٍّ فَلْيَتْبَعْ" (¬3)، وهذا على وجه الندب، إذ (¬4) لا مضرة فيه على الطالب، وفيه منفعة للمطلوب، ولم يمنع وإن كان دينًا بدين؛ لأنه معروف ومكارمة من الطالب وقياس (¬5) على العرايا؛ لأنها إنما (¬6) أجيزت على وجه المعروف وفيها ثلاثة أوجه محرمة: الرطب باليابس، والجزاف بالمكيل، وطعام حاضر بغائب؛ ¬

_ (¬1) قوله: (لا) ساقط من (ق 9). (¬2) قوله: (في جواز الحوالة. . . وما يبرئ الغريم) ساقط من (ت). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 799، في باب في الحوالة وهل يرجع في الحوالة، من كتاب الحوالات، برقم (2166)، ومسلم: 2/ 1197، في باب تحريم مطل الغني وصحة الحوالة واستحباب قبولها إذا أحيل على ملي، من كتاب المساقاة، برقم (1564)، ومالك: 2/ 674، في باب جامع الدين والحول، من كتاب البيوع، برقم (1354). (¬4) قوله: (إذ) يقابله في (ف): (أنه). (¬5) في (ت): (قياسا). (¬6) قوله: (لأنها إنما) ساقط من (ت) و (ق 9).

ولهذا (¬1) أجيز دينار بأوزن منه لما كان على وجه المعروف. والحوالة تجوز بثلاثة شروط: تجوز بما حلَّ على ما حلَّ وما لم يحلّ، ولا تجوز بما لم يحلّ على ما حلَّ، وما لم يحل (¬2). والثاني: أن يكون الدينان من جنس واحد، وسواء كانت دنانير أو دراهم أو مكيلًا أو موزونًا أو عروضًا، فإن اختلفا فكان أحدهما دنانير والآخر دراهم أو مكيلًا وعروضًا (¬3) لم يجز ودخله المبايعة والدين بالدين. والثالث: أن يكونا في الجودة والدناءة والقدر سواء، أو يكون المحال عليه أدنى أو أقل، فإن كان أجود أو أكثر لم يجز، فتضمن الحديث الجواز إذا حل الدينان؛ إذ لا مضرة على الطالب حينئذٍ، وأجاز ذلك مالك إذا حل المحال به وإن لم يحل المحال عليه؛ لأنه أبين في كونه معروفًا من الطالب ومنعه إذا لم يحل دين الطالب (¬4)؛ لأنها معاوضة لم يرضَ بالتحول (¬5) إلا لمكان التعجيل، وكذلك إذا لم يحلا وكان دين المطلوب أولهما حلولًا، فان تساويا في الأجل، أو كان دين الطالب أولهما حلولًا منع، حماية أن يكون الرضا من الطالب لما (¬6) يتخوف من غريمه وألا (¬7) يجد عنده عند أجله شيئًا، ويكون هذا أسرع في ¬

_ (¬1) قوله: (لهذا) ساقط من (ق 9). (¬2) انظر: التفريع: 2/ 318، والنوادر والزيادات: 10/ 156. (¬3) قوله: (عروضًا) ساقط من (ت). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 156. (¬5) في (ف): (بالتحويل). (¬6) في (ف): (لم). (¬7) في (ت): (إلا لم).

فصل [في إجازة الحوالة مع الجهل بذمة المحال عليه]

القضاء ويمنع إذا اختلف؛ لأنها مبايعة فدخلت في النهي عن الدَّين بالدَّين، فإن كانا جنسًا واحدًا، ودَيْن المطلوب أجود أو أكثر دخله الربا ودفع الشيء في أجود منه أو أكثر. فصل [في إجازة الحوالة مع الجهل بذمة المحال عليه] وأجاز مالك الحوالة مع الجهل بذمة المحال عليه، وإن كان لا يدري أموسر هو أو معسر، وإذا كان المحال عليه موسرًا ثم حدث عسر لم يرجع، فكذلك إذا كان متقدم العسر وهو عالم بعسره أو كان مشكوكًا عنده فيه، وإن كان ظاهرُه اليسرَ والمحيل عَالمٌ بفقره كان للطالب أن يرجع على مَنْ أحاله (¬1). قال مالك: لأنه غرّه، ولم يجعل له رجوعًا إذا لم يغره (¬2). وأرى أن له أن يرجع؛ لأن ذلك عيب في الذمة، ومعلوم أن الطالب لو علم بعسره لم يقبل الحوالة، فالحوالة براءة للمحيل بشرطين أن يقول: أحيلك أو تحول بديْنك، وأن تكون الحوالة على ديْن فإن فلس المحال عليه بعد ذلك أو مات أو غاب لم يرجع المحال إلا أن يشترط المحال أنه يرجع فإن فلس أو مات فله شرطه، وهو قول المغيرة في العتبية (¬3)، وإن قال: "المطلوب اقبض ديْنك من غريمي (¬4) هذا" كانت وكالة وإن لم يقبض رجع. قال ابن القاسم في العتبية: لأنه يقول: لم أحتل بشيء، وإنما أردت أن ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادت: 10/ 156، وانظر: المعونة على مذهب عالم المدينة 2/ 199. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 126. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 160. (¬4) في (ف): (غريمه).

أكفيك مؤنة التقاضي (¬1). وقال في كتاب المكاتب في الشريكين في الدين فيحل نجم فيقول أحدهما: "بَدِّنِي (¬2) بهذا النجم وخذ أنت النجم الآخر" ثم يفلس الذي كان عليه الديْن - أن له أن يرجع على صاحبه؛ لأنه سلف ولم يجعله حولًا (¬3)؛ لأن قوله: "وخذ أنت (¬4) النجم الآخر" وكالة على القبض، ولو قال: "بَدِّني (¬5) بهذا النجم وأحيلك على النجم" لم يرجع الآخر (¬6). وإن كانت الحوالة على غير دين افترق الجواب إذا كان ذلك من المحال عليه على وجه الهبة والحمل والسلف، ثم فلس المحال عليه أو مات، ولا يختلف أنه يبدأ بالمحال عليه كان ذلك على وجه الهبة أو السلف أنه يرجع به بعد الأجل إذا كان موسرًا، فإن فلس وكان ذلك على وجه الهبة كان فيها قولان، فقيل: هي بالحوالة عليها كالمقبوضة فيضرب مع الغرماء، وما عجز لم يرجع به، وقيل: ليست كالمقبوضة فلا يضرب مع الغرماء، ويرجع على من أحاله وهذا مع علم المحال أنه أحيل على غير ديْن، فإن لم يعلم (¬7) كان له أن يرجع الآن ولا يطالبه؛ لأن ذلك عيبٌ في الحوالة للاختلاف في سقوطها عند الفلس إلا أن يعلم أن الواهب وهو المحال عليه مأمون الذمة (¬8) لا يخشى ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 11/ 338. (¬2) في (ف): (بدأني). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 463. (¬4) قوله: (أنت) ساقط من (ت). (¬5) في (ف): (بدأني). (¬6) قوله: (الآخر) ساقط من (ف). (¬7) في (ت): (يرجع). (¬8) قوله: (الذمة) ساقط من (ت).

فلسه، أو يرفع إلى حاكم فيحكم بالقول بوجوبها عند الفلس فيسقط العيب، وإن كان ذلك على وجه السلف، فلم يجد عنده شيئًا رجع قولًا واحدًا. قال مالك: إذا قال الرجل للطالب: حرِّق صحيفتك واطلبني، ففعل، ثم فلس القائل لذلك أو مات أن للطالب أن يرجع على غريمه، إنما هو رجل وعد رجلًا أن يسلفه ويقضي عنه، فلا يثبت له على صاحبه شيء (¬1) حتى يقضي عنه (¬2). فإن كان المحيل موسرًا كان لمن له عليه الدَّين أن يرجع عليه ولا يدخل فيه (¬3) معه غرماء المحال عليه؛ لأن صاحبَهم لم يصح منه سلف، وإن كان الأول معسرًا، وأحب هذا أن يضرب مع غرماء الحال عليه، كان ذلك له على القول فيمن أحال على هبة؛ لأن هذا وهب منافع، وأحيل عليه فيها فإذا ضرب معهم ثم أيسر غريمه ببعض حقه رجعا جميعًا، فيرجع غريمه بما بقي له ويضرب غرماء المحال عليه بما قضى عنه من مال غريمه. فإن كان دين المحال مائة وصار له بالحصاص من المحال (¬4) عليه خمسون، وطرأ للمحيل خمسون ضربا فيها بالسواء؛ لأن الذي قضى خمسون والباقي له خمسون، فيأخذ الغريم الأول منها خمسة وعشرين ويأخذ غرماء الذي أقرض خمسة وعشرين، ثم ينظر إلى ما كان يضرب به المحال فيجده خمسة وسبعين، فينوبه من الضرب الأول ثلاثة وأربعون إلا سبعًا، والفاضل عنده سبعة وسبع ¬

_ (¬1) قوله: (شيء) ساقط من (ت) و (ق 9). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 127. (¬3) قوله: (فيه) ساقط من (ت) و (ق 9). (¬4) قوله: (مائة وصار له بالحصاص من المحال) ساقط من (ف).

فصل [في اختلاف المحال والمحيل بعد موت المحال عليه في الإحالة على مال أو غيره]

فتضاف إلى الخمسة وعشرين التي صارت لغريم المقرض، فجميع ذلك اثنان وثلاثون وسبع يقسمانها أسباعًا (¬1). فصل [في اختلاف المحال والمحيل بعد موت المحال عليه في الإحالة على مال أو غيره] وقال محمد: إذا قال المحال بعد موت المحال عليه "أحلتني على غير مال" وقال المحيل: "على مال" (¬2) فهو حول ثابت حتى يثبت أنها على غير مال (¬3). وقال ابن الماجشون في المبسوط: إذا قال المحال للمحيل: "كانت لي دينًا عليك"، وقال الآخر: "إنما أحلتك لتقبضها لي" فإن كان القابض ممن يشبه أن يكون له قبل المحيل حق حلف وسقط قول المحيل، وإن لم يشبه فإنما هو وكيل ويحلف ما أدخله إلا وكيلًا (¬4). وأرى أنه حول حتى يقوم دليل على الوكالة، مثل أن يكون هذا ممن بتصرف لصاحب الدَّين أو يكون عادته التوكيل (¬5) على التقاضي، وهذا ممن يتوكل في مثل ذلك أو يكون المحال ممن لا يشبه أن يملك مثل ذلك المال. وقال ابن القاسم في العتبية: إذا قال المحيل (¬6): "أقرضتكها فاقضني" ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 156، 157. (¬2) قوله: (وقال المحيل على مال) ساقط من (ق 9). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 135. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 136، وعزاه للواضحة. (¬5) قوله: (مثل أن يكون هذا ممن. . . يكون عادته التوكيل) يقابله في (ت): (الوكيل). (¬6) في (ت): (المحال).

فصل [فيمن اكترى دارا على أن يحيله بثمنها على رجل لا دين له عليه]

وقال الآخر: "كانت لي دينًا عليك وإحالتي إقرار منك بحقي" قال: فالمتقاضي غارم وهي سلف (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: المسألتان سواء بل هذه أحرى أن يقبل قول القابض؛ لأنه مقر أنه أحاله ليقبضها لنفسه وفي الأولى لم يقر أنه جعل له قبضها لنفسه. وأرى أن ينظر هل بينهما ما يشبه أن يسلفه، أو ليس ذلك بينهما أو هل بينهما معاملة؟ فصل [فيمن اكترى دارًا على أن يحيله بثمنها على رجل لا دين له عليه] قال ابن القاسم فيمن اكترى دارًا بعشرة دنانير على أن يحيله بها (¬2) على رجل لا ديْن له عليه، قال: هي حمالة ولا يرجع إلا أن يفلس المكتري أو يموت ولا يترك شيئًا (¬3). قال الشيخ -رحمه الله-: إنما تصح التبدية بالمكتري إذا كان ذلك (¬4) الشرط في الحوالة من المكري وقصد أن يتحمل له، فأما إن كان ذلك الشرط من المكتري (¬5) ليقضي عنه على وجه الهبة أو على وجه السلف ليرجع في زمن آخر لم يكن للمكري أن يبتدئ بالمكتري، وقد تقدم الجواب عن هذا، ولا يكون له ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 11/ 341. (¬2) قوله: (على أن يحيله بها) ساقط من (ف). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 128. (¬4) قوله: (ذلك) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (وقصد أن يتحمل له، فأما إن كان ذلك الشرط من المكتري) ساقط من (ت).

فصل [فيمن باع عبدا بمائة دينار، وأحال بالثمن ثم استحق العبد]

مقال إذا لم يعلم أنه لا ديْن له (¬1) عليه؛ لأن هذه هبة قارنت العقد فلا يسقطها (¬2) فلس ولا موت، وهبة الرقاب والمنافع والسلف في ذلك سواء، ولو كانت الحوالة بعد عقد الكراء بالنقد جازت، وإن كانت إلى أجل لم تجز الحوالة بما لم يحل. واختلف فيمن اكترى دارًا بديْن له على رجل آخر، فأجاز ذلك مالك إذا شرع في السكنى (¬3)، وأجازه في كتاب الآجال وإن لم يشرع (¬4). ومنعه في كتاب محمد وإن شرع في السكنى (¬5)، فقال ابن القاسم: قال مالك فيمن استأجر أجيرًا سنة بدين له على آخر لا خير فيه، وأخبرني بعض أصحابنا (¬6) أن مالكًا أجازه فسألته عن ذلك فقال: لا خير فيه وقد مضى ذلك في كتاب الآجال (¬7). فصل [فيمن باع عبدًا بمائة دينار، وأحال بالثمن ثم استحق العبد] وقال ابن القاسم فيمن باع عبدًا بمائة دينار وأحال بالثمن ثم استحق العبد قال: فالمشتري يغرم ذلك الثمن للمحال عليه ويرجع به على البائع (¬8). ¬

_ (¬1) قوله: (له) ساقط من (ق 9). (¬2) قوله: (العقد فلا يسقطها) ساقط من (ف). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 128. (¬4) انظر: المدونة: 3/ 170. (¬5) قوله: (السكنى) ساقط من (ف). (¬6) في (ن): (أصحابه). (¬7) انظر: المدونة: 4/ 128. (¬8) انظر: المدونة: 4/ 128.

وقال أشهب في كتاب محمد: لا شيء على المشتري ولو كان قبض الثمن منه لاسترجعه (¬1)، فأجاب ابن القاسم على أصله أن الحوالة بيع وأجاب أشهب (¬2) على أصله أنها ليست ببيع، وإنما هو على وجه المعروف، ولو لم يحل بالثمن، ولكن باع ذلك الديْن أو كان ثمن العبد ثوبًا، فباع ذلك الثوب، ثم استحق العبد قبل (¬3) قبض الثوب من مشتري العبد (¬4)، لكان مشتري الديْن أو الثوب أحق على القولين جميعًا، ولو أحال على ذلك الثوب رجلًا له عليه مثله ثم استحق العبد، لكان المحال (¬5) أحق بالثوب على مذهب ابن القاسم، ويرجع مشتري العبد على بائعه منه بقيمة الثوب، وليس ذلك له على قول أشهب. والجواب إذا وجد المشتري بالعبد عيبًا، فرده قبل دفع الثمن للمحال عليه على ما تقدم إذا استحق العبد، وكذلك إذا وجد البيع فاسدًا فإن المشتري يغرم على قول ابن القاسم المائة، ولا يغرم على قول أشهب إلا القيمة إن كانت أقل، وإن كان قائمًا وفسخ لم يغرم على قوله شيئًا، وإن كان الثمن شيئًا مما يكال أو يوزن، أو يعود إلى القيمة غرم ذلك للمحال على قول ابن القاسم، ويرجع على البائع منه بالمثل فيما يكال أو بالقيمة إن كان مما لا يكال، وعلى قول أشهب يرجع بذلك على من قبض منه. ولو تصدق بائع العبد بالثمن، ثم استحق العبد قبل دفع الثمن لم يكن ¬

_ (¬1) قوله: (لاسترجعه) يقابله في (ت): (لا استرجعه). (¬2) قوله: (أشهب) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (قبل) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (مشتري العبد) في (ف): (المشتري). (¬5) قوله: (المحال) ساقط من (ق 9).

فصل [في المكاتب يحيل سيده بالكتابة على مكاتبه]

للمتصدق عليه قبض الثمن، واتفق على هذا ابن القاسم وأشهب؛ لأن الحوالة بالصدقة ليست ببيع (¬1)، وإن قبض ذلك المتصدق عليه وأفاته رجع المشتري على البائع منه. واختلف إذا كان قائمًا بيد المتصدق عليه، فقال ابن القاسم في كتاب محمد: لمشتري العبد أن يأخذه. وقال في العتبية: لا شيء فيه ويتبع البائع قال: وإنما دفعه إياه بمنزلة ما لو قبضه البائع ثم دفعه (¬2). وأرى إن كان (¬3) البائع يوم وهب موسرًا (¬4) أن يكون له قبض الثمن، وإن كان الآن معسرًا؛ لأن البائع تصرف في ذلك الثمن بوجه جائز، وإن كان يوم وهب معسرًا لم يقبض منه وإن قبض منه استرده؛ لأنها هبة مِدْيَان، وقد كان المشتري حين الدفع غير (¬5) قادر على الامتناع من القضاء بل هو مجبور على ذلك. فصل [في المكاتب يحيل سيده بالكتابة على مكاتبه] وقال ابن القاسم في المكاتب يحيل سيده بالكتابة على مكاتبه: فإن أَبَتَّ عتق مكاتبه جاز ويكون له كتابة الأسفل إن أدى، أو رقبته إن عجز، وإن لم يبِتّ عتقه فالحوالة باطلة (¬6). ¬

_ (¬1) في (ت): (بتبع). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 11/ 357. (¬3) قوله: (إن كان) ساقط من (ف). (¬4) نهاية (ق 9). (¬5) قوله: (غير) ساقط من (ف). (¬6) انظر: المدونة: 4/ 129.

قال الشيخ -رحمه الله-: الحوالة جائزة والمكاتب حر؛ لأن هذه مبايعة اشترى كتابته من سيده بالمكاتب الآخر يقبضه السيد الأعلى من الآن، وإن قال له: "إنما يقضي ما عليه فإن عجز كانت الرقبة لي وأفيك الباقي علي من الكتابة" لم يكن حرًّا بنفس الحوالة؛ لأن له تعلقًا في الرجوع متى عجز الآخر. ويختلف حينئذٍ هل صحيحة أو فاسدة؟ فعلى القول أنه يجوز للسيد أن يفسخ الكتابة في غير جنسها إلى ذلك الأجل أو أقرب أو أبعد، وإن لم يبت العتق يجوز ها هنا ما فعله المكاتب من إعطائه الكتابة الأخرى؛ لأن كل ذلك مال للمكاتب، ومَنْ منع تلك المسألة إلا بشرط العتق منع ها هنا إذا لم يبت العتق. وإن أحال سيده على ديْن له على غريم كانت الحوالة على ثلاثة أوجه: فإن أحال بنجم حل، جاز وسقط ذلك النجم إن كان من أوسطها ويكون حرًّا إن كان أخذها بنفس الحوالة، وإن كانت الحوالة بما لم يحلَّ وذلك بجميع الكتابة، أو بأخذ نجم ولم يحل كانت فاسدة عند ابن القاسم والعبد في كتابته على حاله. قال: لأن مالكًا كره للسيد أن يبيع الكتابة من أجنبي بعرض أو بغيره إلى أجل، وإنما وسع هذا فيما بين السيد ومكاتبه، وأجاز ذلك غيره ويكون حرًّا مكانه، قال: لأن الكتابة ليست بدين ثابت، وهو بمنزلة من كان له على مكاتبه دنانير مؤجلة فعجل عتقه على دراهم مؤجلة أو حالّة فكأنه لم يكن له على مكاتبه شيء، وإنما صار عتيقًا بالذي أخذ منه (¬1). وهذا أحسن؛ لأن الذي على الأجنبي مال لعبده، وهي معاملة فيما بينه وبين عبده، وليست كالتي استشهد بها ابن القاسم؛ لأنها معاملة بين الأجنبي والسيد إذا كانت الحوالة جائزة على ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 129.

ما قال غيره كان حرًّا بنفس الحوالة؛ لأنه أحال على ديْن ثابت، وإن أحاله بنجم من أوسطها ولم يحلَّ جرت على القولين المتقدمين إذا فسخ الكتابة في غيرها، ولم يعجل العتق. كمُل كتاب الحوالة بحمد الله

كتاب الرهن

كتاب الرهن النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ت) = نسخة تازة رقم (234 & 243)

باب في الرهن في السفر والحضر وفي حوزه وصفة الحوز وعلى يد من يكون

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كتاب الرهن باب في الرهن في السفر والحضر وفي حوزه وصفة الحوز وعلى يد من يكون الرهن في السفر جائز، لقول الله -عز وجل-: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283]، وفي الحضر حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "اشْتَرَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - طَعَامًا بِثَمَنٍ إِلَى أَجَلٍ فَرَهَنَ فِيهِ دِرْعَهُ وَهُوَ بِالمدينةِ". أخرجه البخاري ومسلم (¬1). وأجمع أهل العلم على جوازه في السفر والحضر، إلا مجاهد فإنه منعه في الحضر (¬2)، وإذا ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جوازه لم ينظر إلى من خالفه فيه. والرهن جائز في (¬3) أصل عقد البيع والقرض، وبعد ثبوت الدين وتقرره في الذمة. ¬

_ (¬1) أخرجه بنحوه البخاري: 7/ 230، في بَاب شِرَاءِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِالنَّسِيئَةِ، من كتاب البيوع، برقم (1926)، ومسلم: 8/ 305، في بَاب الرَّهْنِ وَجَوَازهِ فِي الْحضَرِ كَالسَّفَرِ، من كتاب المساقاة، برقم (3007). (¬2) انظر: عيون المجالس: 4/ 1605، الإشراف: 2/ 576. (¬3) قوله: (في) زيادة من (ف).

فصل [الشرط في صحة الرهن]

فصل [الشرط في صحة الرهن] الرهن يصح إذا رفع الراهن يده عنه وحازه المرتهن، أو جعل على يد عدل، وإن بقيت يد الراهن عليه مع القدرة على الحوز (¬1) حتى فلس الراهن أو مات، بطل الرهن. واختلف إن لم (¬2) يفرط المرتهن في القبض حتى فلس الراهن أو مات، فقيل: يبطل لعدم الحوز. وقيل: يصح ولا يبطل، إلا (¬3) أن يكونا قصدا إلى بقائه، وهو أحسن، وإن كان الرهن شرطًا في أصل البيع أو القرض، كان أبين (¬4) لأنه يجري في الجبر (¬5) على تسليمه (¬6) مجرى البياعات، وإذا كان بعد العقد كان في الجبر على حكم الهبات، وإن اختلفا فادعى أحدهما إلى كونه عند المرتهن، والآخر إلى أن يكون بيد عدل، كان القول قول من دعا (¬7) إلى العدل وهو قول ابن القاسم في العتبية (¬8). لأن المراد من الرهن التوثق به، وهذا يحصل بكونه على يد عدل، إلا أن تكون العادة تسليمه إلى المرتهن، وإن لم تكن ¬

_ (¬1) في (ت): (حوزه). (¬2) قوله: (لم) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (ولا يبطل، إلا) يقابله في (ت): (وإنما تبطله التهمة). (¬4) قوله: (كان أبين) ساقط من (ف). (¬5) في (ت): (الخير). (¬6) في (ت): (تسلمه). (¬7) في (ف): (ادعى). (¬8) انظر: البيان والتحصيل: 11/ 53.

عادة، كان للراهن ألا (¬1) يسلمه إليه؛ لأنه يقول: لا آمنك عليه، وللمرتهن ألا يقبضه؛ لأنه يقول: عليَّ في قبضه مضرة، أضمنه إن كان ما يغاب عليه، أو أتكلف حفظه إن كان حيوانًا. وقال محمد بن عبد الحكم: إن اختلفا في العدل الذي يكون (¬2) على يديه، جعله القاضي على يد عدل. وليس بالبَيِّنِ، وأرى أن يقدم قول الراهن إذا دعا (¬3) إلى ثقة؛ لأنه ماله وهو أنظر لنفسه في حفظه ومن يثق به. وإذا خالفه المرتهن في ثقة أو في القيام بمثله- دفع (¬4) إلى الحاكم، فإن كان على صفة من يوثق به (¬5)، وإلا أوقفه الحاكم حيث يرى. وإن كان المرتهن رجلين، قال ابن القاسم: يجعلانه حيث شاءا وأحدهما ضامن له. يريد: ويبقى تحت نظرهما ولا يخرجانه إلى يد ثالث، فإن فَعَلا ضَمِنَا، وإن جعلاه عند أحدهما والآخر ينظر فيه ويتفقده ولم يرفع (¬6) يده عنه، جاز، فإن ضاع وكان مما يغاب عليه، ضمناه للراهن وكان من هو على يده نصيب شريكه مؤتمنًا. وإن اختلف المرتهنان وربه، فقال ربه: يكون على يد هذا، وقال الآخران: بل (¬7) تحت أيدينا، فإن كانت العادة كون الرهن عند المرتهن، كان القول قول ¬

_ (¬1) قوله: (ألا) يقابله في (ف): (إلا أن). (¬2) في (ت): (يوضع). (¬3) في (ف): (ادعى). (¬4) في (ت): (رفع). (¬5) قوله: (به) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (ولم يرفع) يقابله في (ت): (ولم ينظر برفع). (¬7) قوله: (الآخران: بل) يقابله في (ف): (الآخر).

من قال: تحت أيدينا، فإن لم تكن له عادة، جعله القاضي حيث يرى على قول ابن عبد الحكم. وأرى أن يكون القول (¬1) قول المالك إذا ادعى إلى ما لا ضرر فيه على الآخر. ¬

_ (¬1) قوله: (القول) ساقط من (ف).

باب في رهن المشاع

باب في رهن المشاع وقال ابن القاسم فيمن ارتهن سدس دار أو حمَّام، أو نصف ثوب، أو نصف سيف: ذلك جائز، وحوزه أن يحوزه عن صاحبه (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: رهن المشاع على ضربين (¬2)، فإن كان الرهن شركة بين الراهن وغيره، صح حوزه إذا رفع الراهن يده عن نصيبه، ثم هما بالخيار بين ثلاثة: بين أن يكون ذلك النصيب على يد المرتهن، أو الشريك، أو على يد ثالث غيرهما، وسواء كان الرهن دارًا أو عبدًا أو دابة أو ثوبًا، وهذا قول ابن القاسم، ووافقه أشهب فيما لا بيان به كالدار والحمام أنه يكون محوزًا وإن كان تحت يد المرتهن والشريك (¬3). واختلف فيما يبان به كالعبد والدابة والثوب، فرأى ابن القاسم أنه حوز وإن كان تحت أيديهما، ومنعه أشهب؛ وقال: لا يكون حوزًا إلا أن يكون على يد المرتهن أو على يد الشريك أو على يد غيرهما (¬4). والأول أحسن، ولو كان ذلك الثوب أو العبد عند الشريك ولم يجعل المرتهن يده معه عليه، ولا رضي الشريك أن يكون حائزًا للمرتهن، لم يكن محوزًا، وإن كان جميع الثوب أو الدار أو العبد للراهن، رهن نصف ذلك فرفع يده عن جميع الرهن، كان محوزًا. واختلف إذا كانت يدهما عليه، هل يكون محوزًا؟ وكذلك إذا تصدق ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 131. (¬2) في (ت): (وجهين). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 169، 170. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 170.

بنصيب من دار أو عبد أو ثوب وكانت أيديهما على تلك الصدقة. وقال ابن القاسم فيمن ارتهن نصيبه من دار واكترى نصيب شريكه أو أرهنه (¬1): أرى رهنه فاسدًا حين سكن إذا لم يقم المرتهن فيقاسمه هذا (¬2)؛ لأنه صار ساكنًا في نصف الدار، والدار غير مقسومة (¬3). قال الشيخ -رحمه الله-: لو حاز المرتهن ما لم يسكنه الراهن بغلق أو غيره، صح ارتهانه لنصف ما حاز؛ لأنه بقيمة ذلك المحوز على المشاع، وكذلك لو قاسم المرتهن الشريك البائع، لم يكن له مما صار إليه إلا نصفه. وللمرتهن أن يمنع الراهن من السكنى حتى يقاسمه الرقاب، فما صار للراهن حازه المرتهن، وما صار للشريك سكنه الراهن، فإن كانت الدار لا تنقسم، منعه من السكنى، ويكرى جميعها ويكون الكراء للراهن، فيكون له نصفه باكترائه من الشريك ونصفه عن نصيبه؛ لأن الكراء غير داخل في الرهن. وقال ابن القاسم في العتبية فيمن ارتهن دارًا في دين له إلى أجل، ثم اكتراها المرتهن من رجل، ثم اكترى المكتري من الراهن، قال: إن كان من سبب صاحب الدار فالكراء لازم، وذلك فاسد لرهنه ما دامت في يده، وإن كان أجنبيًا وصح ذلك، فذلك جائز (¬4). ومن ارتهن نصف ثوب فادعى ضياعه، ضمن نصفه وكان في نصفه مؤتمنًا، بخلاف المثال في الصانع أنه يضمن في أحد القولين؛ لأنَّ الغالب في ¬

_ (¬1) قوله: (أو أرهنه) زيادة من (ف). (¬2) قوله: (هذا) زيادة من (ف). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 131. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 11/ 126.

فصل [في حوز الرهن]

الصانع عدم الأمانة والناس مضطرون إليهم، والمداينات على غير ذلك، وليس بالعامل ضرورة إلى غير أمين، وإن عامل غير مأمون فقد كان في مندوحة عنه إلى غيره. فصل [في حوز الرهن] وإن كان الرهن يبان به كالثوب والعبد، لم يصح الحوز إلا بمعاينة البينة لقبض المرتهن أو العدل، وأما الأعدال والسفن والبوار إذا دخل على أن تبقى موضعها، يجزئ من ذلك الإقرار والتسليم، ويكون للمرتهن دوابًا ورقيقًا أن يضع المرتهن يده عليهما، وكذلك الأرضون والشجر والبساتين فالإقرار بالتسليم من ذلك جائز، والمرتهن يمنع الراهن في المستقبل من التصرف فيه، وإن كان فيها للراهن عبيد أو دواب؛ كان المرتهن أو وكيله -برضا الراهن- الناظر في ذلك، وسواء ارتهن الأصل أو الثمرة. وإن ارتهن رجل الأصل وآخر الثمرة، كان لمرتهن الثمرة أن يمنع الراهن من التصرف فيها، ولا يضره إن تصرف ببيع أو هبة. ولمرتهن الأصل أن يمنع الراهن من التصرف في الثمار والرقاب، فأما مسكن الدار فلا يصح حوزه إلا بخروجه عنه وأن يخليه من شواغله، وإن لم يخله وحال المرتهن بينه وبين ما فيه، جاز، وكذلك إذا ارتهن تابوتًا دون ما فيه فحازه (¬1) عنه، جاز، وكذلك الحائط دون ثمرته وفيه رقيقه ودوابه، وإنما يفسد الرهن بتصرف الراهن فيه، وكما لو ارتهن نصف ثوب وحاز جميعه، لم يُفْسِد الرهن كون بعضه غير داخل في الرهن. وكذلك كل ما كان مختزنًا في بيت أو غيره، فإذا حال بينه وبين الرقاب وما ¬

_ (¬1) في (ت): (فحاز).

فصل [في صحة رهن الوديعة]

فيها، صح، كان المرتهن الأصل وما (¬1) فيه، وإن كان الرهن حانوتًا أو ما له غلة ولم يكن ساكنًا فيه في حال الرهن، أجزأ الإشهاد على القبول، وإن كان في كراء بغير وجيبة، فحوزه أن يجمع بينه وبين المكري ويقدم إليه أن يكون قبض الكراء إلى المرتهن أو من يرضيان بإقامته لذلك. واختلف إذا كان الكراء وجيبة وقد قبض المكتري الكراء أو لم يقبضه، هل يصح فيه حوز الكراء؟ وذكر ذلك في كتاب الصدقة، وإن كان طعامًا مخزونًا (¬2) فسلم مفتاحه إليه أو إلى أمين، جاز. فصل [في صحة رهن الوديعة] رهن الوديعة يصح بشرطين: أن يرهن جميعها، ويعلم بذلك المودع فيحوزها المرتهن. وإن لم يعلم أو علم وقال: لا أحوز مَالَكَ، لم يصح الرهن، إلا أن يكون المودع غائبًا، أو يفلس الراهن قبل قدوم الغائب فيختلف فيه؛ لأنه لم يفرط. واختلف إذا رهن بعض الوديعة ورضي المودع أن تكون يده لها جميعًا، فقيل: ذلك جائز. وقال عبد الملك في المبسوط: لا (¬3) يجوز. واختلف في حوز الأب لولده (¬4) الصغير إذا تصدق عليه ببعض دار فكانت يده عليه ولولده. ¬

_ (¬1) في (ت): (أو ما). (¬2) في (ت): (مختزنا). (¬3) في (ف): (ليس). (¬4) في (ت): (لابنه).

باب في الرهن يستحق

باب في الرهن يستحق قال: ومن ارتهن ثيابًا فاستحق نصفها، كان الباقي رهنًا بجميع الحق، فإن ضاع وهو في يد المرتهن، ضمن نصفه للراهن، فإن وضعه على يد المستحق أو غيره لم يضمن (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: ولو كان الراهن غائبًا، وقال المستحق: يكون على يدي أو على يد فلان، لم يكن للمرتهن ذلك دون نظر الحاكم، فإن وقفه على يد المستحق أو غيره فضاع، لم يضمن المرتهن، وإن ادعى المرتهن ضياعه قبل الاستحقاق وضمن نصيب الراهن. واختلف في نصيب المستحق، فقال ابن القاسم: يضمنه (¬2). وقيل: يحلف لقد ضاع ولا شيء عليه. وقال مالك، وإن قال المستحق: وأنا أبيع نصيبي (¬3)، قيل للراهن والمرتهن: بِيعَا معه، وقيل للمرتهن: لا تسلم رهنك، فإذا بيع كان ثمنه رهنًا في يده بجميع حقه (¬4). وقال أشهب في كتاب محمد: إن بيع بمثل الدين يعجل ذلك المرتهن في دينه (¬5). إذ لا منفعة للراهن في وقفه إلا أن يأتي الراهن (¬6) برهن ثان (¬7)، أو يقول: ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 132. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 132. (¬3) في (ت): (حصتي). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 132. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 170. (¬6) قوله: (الراهن) زيادة من (ف). (¬7) قوله: (ثان) زيادة من (ف).

فصل [في استحقاق الرهن]

أنا آتي (¬1) به في المستقبل، أو يكون الدين مخالفًا لما بيع به فلا يعجل. فصل [في استحقاق الرهن] يراعى في استحقاق الرهن ثلاثٌ: هل هو مضمون أو معين؟ وهل استحق قبل القبض أو بعده؟ وهل غرمه الراهن أو لا؟ فإن كان غير معين فأتى الراهن برهن ورضي المرتهن ولم يقبضه حتى استحق، خُيِّرَ الراهن على أن يأتي بغيره. واختلف إذا استحق قبل القبض، فقال سحنون: عليه أن يخلفه، وهو كموته. وقيل: لا يخلفه. والأول أصوب؛ لأن المرتهن رهن في الذمة, فإذا أعطاها لغيره بقي الرهن في الذمة على حاله، والغرور في المضمون وغيره سواء, فإن كان الرهن معينًا واستحق قبل القبض، كان فيه قولان، فقال ابن القاسم: البائع بالخيار في سلعته بين أن يضمنها بغير رهن، أو يردها إن كانت قائمة، أو يأخذ قيمتها إن كانت فائتة، سواء أطاع الراهن برهن آخر أم لا (¬2). وقال عبد الملك بن الماجشون: وإن أطاع برهن آخر خُيِّرَ على قبوله، وإن لم يطع كان بالخيار في سلعته. وعلى قول مالك لا يكون له مقال في سلعته، ولا في قيمتها إن فاتت، ولا في رهن ولا في غيره؛ لأنه قال: إن تعدى الراهن على الرهن فباعه قبل القبض لم يكن للمرتهن مقال في رد (¬3) بيع الرهن ولا في أخذ ثمنه ولا في سلعته ولا في ¬

_ (¬1) قوله: (أنا آتي) يقابله في (ف): (آتني). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 199. (¬3) قوله: (رد) ساقط من (ف).

ثمنها (¬1). وإذا لم يكن له مقال إذا تعدى عليه بالبيع كان إذا استحق أبين، وإن استحق بعد القبض، لم يكن له مقال في ذلك إذا لم يغره، وإن غره كان الاستحقاق قبل القبض وبعده سواء. واختلف في ذلك، فقال ابن القاسم: لا يجبر الراهن على خلفه ويكون مقال المرتهن في سلعته إما (¬2) أن يضمنها أو يردها (¬3). وقال عبد الملك: يجبر على خلفه (¬4). قال محمد: لا يخير فإن أخلفه أجبر الآخر على قبوله، وإن لم يخلفه عاد مقاله في سلعته (¬5). وقال سحنون: يجبر على تعجيل الحق (¬6). وأرى أن استحقاقه قبل القبض وبعده سواء وإن لم يغره، فإن أخلفه أجبر (¬7) البائع على قبوله؛ لأن الغرض من الرهن ثمنه، ولا فرق بين (¬8) أن يأخذ ذلك من الأول أو من الثاني، وإن لم يرض بخلفه، كان البائع (¬9) بالخيار في سلعته بين أن يمضيها (¬10) بالثمن إلى أجل، أو يأخذها إن كانت قائمة، أو ¬

_ (¬1) قوله: (ولا في ثمنها) ساقط من (ف). وانظر: النوادر والزيادات: 10/ 203. (¬2) في (ت): (بين). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 211. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 211. (¬5) من قوله: (قال محمد لا يخير. . .) ساقط من (ف). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 212. (¬7) قوله: (أخلفه أجبر) يقابله في (ف): (اختلفا خير). (¬8) قوله: (بين) ساقط من (ف). (¬9) قوله: (البائع) زيادة من (ف). (¬10) في (ت): (يضمنها).

قيمتها إن كانت فائتة (¬1)، والاستحقاق قبل (¬2) القبض بخلاف الموت؛ لأن الموت أمر طرأ بعد صحته والاستحقاق نقض له من أصله، وإن غيره كان بالخيار بين أن يجبر على مثله أو لا يجبره ويعود مقاله في سلعته حسب ما تقدم. واختلف فيما يفيت السلعة، فقيل: حوالة الأسواق، وهو المشهور من المذهب. وقال محمد: لا يفيتها إلا العيوب المفسدة (¬3). ويلزم على هذا فيمن باع سلعته بسلعة ثم استحقت إحداهما لا يفيت الأخرى إلا العيوب، ولا يكون مقال المرتهن في الرهن (¬4) أعلى رتبة ممن اشترى سلعة فاستحقت من يده. ¬

_ (¬1) قوله: (كانت فائتة) يقابله في (ت): (فاتت). (¬2) في (ت): (بعد). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 210. (¬4) قوله: (في الرهن) ساقط من (ف).

باب في ضمان الرهن

باب في ضمان الرهن الرهن على ضربين: مضمون، وغير مضمون. فالمضمون: كل ما يغاب عليه وهو غير مستقل بنفسه، كالبسط والثياب والسلاح وما أشبه ذلك. وغير المضمون أربعة: أحدها: أن يكون مما لا يغاب عليه ودخل على ألا يغيب عليه، وعلى أن يبقى في موضعه، كالثمار في رؤوس النخل والشجر والزرع القائم، أو ما كان في الجرين والأندر؛ لأن المرتهن يغيب عنه في الليل والنهار وهو موكل إلى أمانات الناس. والثاني: ما يغاب عليه وهو مستقل بنفسه، وهو الحيوان على اختلاف أجناسه من: عبد وفرس وشاة وطير، فقوله مقبول أنه ذهب بنفسه مع إمكان أن يكون باع هذا أو ذبح الآخر (¬1) وأكله، ويلزم على القول في عارية الحيوان أنه يضمن الرهن إذا كان حيوانًا. وأرى: أن يضمن كل ما استخف ذبحه وأكله. والثالث: ما يبان به ولا يغاب عليه، كالسفن ترتهن وهي على ساحل (¬2) البحر، وكبيرها وصغيرها سواء، وكذلك ما كان من آلاتها من صَارٍ (¬3) أو ¬

_ (¬1) قوله: (أو ذبح الآخر) يقابله في (ف): (وذبح هذا). (¬2) قوله: (ساحل) ساقط من (ف). (¬3) الصَّارِي مفرد جمعه صواري، وهو دَقَل السَّفِينة الذي يُنْصب في وسطها قائها ويكون عليه الشّرَاع، وفي حديث ابن الزُّبير وبناء البيت [فأَمر بصَوارٍ فنُصِبَت حَولَ الكعبة]. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري: 3/ 48، حرف =

فصل [في المسائل المختلف فيها]

رجل (¬1) أو مرسى إذا دخل على أن يبقى في موضعه على الساحل أو غيره، كما يصدق في الطعام في الجرين، وكذلك أعدال الكتان في قاعات الفنادق. وإن كان طعامًا وزيتًا مختزنا (¬2) في دار للراهن (¬3)، وكان مفتاحه بيده أو طبع عليه، كان في ضمان الراهن، وكذلك إن كان في دار غيره أو في مخزن في مثل هذه الفنادق، لم يضمنه وإن كان مفتاحه بيده، إلا أن يعلم أنه كان يتصرف إليه ويفتحه (¬4)، فإنه ينظر هل يشبه أن يكون أخذ مثل ذلك في تكرره إليه، وإن كان في مخزن المرتهن، لم يصدق في ضياعه. والرابع: ما لا يبان به، وهو العقار على اختلاف أنواعه من: دار وحانوت وفندق وفرن وحمَّام وأرض عامرة أو غير عامرة، فهو مصدق إن نزل بشيء من ذلك فساد أنه من غير فعله، وإن تلف شيء من أبوابها أو أغلاقها وآلاتها، كان القول قوله أنه لم يجر في شيء من ذلك ويحلف (¬5) إن كان ممن يتهم بمثل ذلك. فصل [في المسائل المختلف فيها] واختلف في خمس مسائل: - في سقوط الضمان إذا قامت البينة على تلف الثياب وإذا اشترط المرتهن أنه مصدق في تلفها، أو اشترط الراهن أنه غير مصدق في تلف الحيوان. ¬

_ = الصاد، باب: الصاد مع الراء. (¬1) في (ت): (رحل). (¬2) في (ف): (مختومًا). (¬3) في (ت): (الرهن). (¬4) قوله: (ويفتحه) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (يحلف) ساقط من (ف).

- وفي ضمان ما أصاب الرهن من سوس أو قرض فأرٍ أو حرق نار. فقال مالك وابن القاسم: لا ضمان على المرتهن إذا قامت البينة على تلف الثياب (¬1). وإن اشترط أنه مصدق من غير بينة لم ينفعه شرطه. وخالف أشهب في الوجهين جميعًا (¬2)، وأرى (¬3) أن الضمان باق مع وجود البينة على التلف، ورواه عن مالك، وساقط بالشرط مع عدمها. وأرى أن يسقط مع قيام البينة؛ لأن الرهن لم ينقل الملك، وهلاك كل ملك من مالكه إذا (¬4) كان في يد الآخر بإذن مالكه، وليس بتعدٍ وإن سقط الضمان مع الشرط؛ لأنه شرط صحيح لا فساد فيه فوجب الوفاء به، ولهذا إذا كان الرهن شرطًا في عقد البيع والقرض وإن كان بعد تقرر (¬5) الدين في الذمة، كان له شرط على كل حال؛ لأن تطوعه بالرهن معروف منه (¬6)، وإسقاط الضمان معروف ثان، فأشبه العارية إذا شرط ألا ضمان على المستعير، فاتفق ابن القاسم وأشهب ألا ضمان عليه؛ لأن العارية معروف وإسقاط الضمان معروف ثان. وقال ابن القاسم: إذا شرط ضمان الحيوان، شرطه باطل (¬7). ويجري فيها قول آخر أنه ضامن؛ لأن الحيوان يختلف في ضمانه من غير شرط، فالشرط ها هنا أخذ بأحد القولين. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 133. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 186. (¬3) في (ت): (ورأى). (¬4) في (ف): (وإذا). (¬5) في (ت): (بقدر). (¬6) في (ف): (عنه). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 187.

وقال مالك في كتاب محمد في الساج (¬1) يرهن فيتآكل من السوس: لا ضمان عليه ويحلف ما أضعت ولا أردت فسادًا، قال: وإن أضاعه (¬2) ولم ينظر في شيء من أمره فيشبه أن يكون فيه شيء (¬3). وقال ابن وهب (¬4) في الدمياطية: المرتهن ضامن، ورأى أن عليه أن ينفضه ويتفقده، وأن السوس لا يكون إلا مع الغفلة. والقياس: أن لا شيء عليه؛ لأن مقتضى الارتهان حوزه عن صاحبه وثيقة في الدين، والنفض أمر زائد على وضع اليد، إلا أن تكون في ذلك عادة. وأما الخشب وما أشبهها، فإن الضمان من الراهن؛ لأن سوسه ليس من عدم التفقد. وفي كتاب تضمين الصناع الكلام على قرض الفأر وحرق النار والحكم في ضمان الصانع والمرتهن في ذلك سواء (¬5). ¬

_ (¬1) في (ف): (السلاح). (¬2) في (ت): (أطاعه). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 189. (¬4) قوله: (ابن وهب) ساقط من (ف). (¬5) انظر: كتاب تضمين الصناع.

باب في الراهن أو المرتهن يتعدى على الرهن فيبيعه قبل الأجل أو بعده

باب في الراهن أو المرتهن يتعدى على الرهن فيبيعه قبل الأجل أو بعده قال مالك فيمن ارتهن رهنًا فباعه الراهن بعد حوزه بغير إذن (¬1) المرتهن، لم يجز بيعه، فإن أجازه المرتهن، جاز وعجل له حقه ولم يكن للراهن أن يأبى (¬2) من ذلك، وإن باعه بغير أمر (¬3) المرتهن وقال: لم آذن في البيع ليأخذ الراهن الثمن، حلف على ذلك، فإن أتى الراهن برهن ثقة يشبه المبيع، أخذ الثمن، وإن لم يقدر على ذلك، وقف هذا الثمن إلى محل الأجل (¬4). قال الشيخ - رضي الله عنه -: وإن بيع بغير أمره بمثل الثمن والدين عين، لم يرد البيع وعجل الدين، وكذلك إذا كان الدين عرضًا من قرض فرضي الراهن أن يشتري بثمنه ويعجله وفيه وفاء، وإن لم يوف بالدين وهو عين، أو كان فيه وفاء بالقرض ولم يرض الراهن بتعجيل الدين، أو كان الدين عرضًا من قرض ولم يجتمعا على تعجيل الدين، لم يجز البيع، وإن كان ذلك وقت نفاق ذلك الرهن أو موسم بيعه، لم يرد البيع وإن (¬5) لم يوف بالدين؛ لأن المنع ضرر على الراهن من غير منفعة المرتهن، وإن بيع بأمره وكان ذلك وقت بقائه، وقال: آذنت له، فإنه يصدق. وإن لم يكن وقت بيعه، وقال الراهن: أردت أن أتصرف في ثمنه، فإن كان سلمه إليه، كان رضًا بإسقاط رهنه، وإن بيع وهو في يده لم ¬

_ (¬1) في (ت): (أمر). (¬2) في (ت): (يأتي). (¬3) قوله: (بغير أمر) يقابله في (ت): (بأمر). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 133. (¬5) قوله: (إن) ساقط من (ف).

يخرجه، صُدِّقَ المرتهن أنه لم يأذن في بيعه ليسلم الثمن إليه (¬1)، وهذا إذا بيع بعد الحوز. واختلف إذا باعه قبل الحوز، فقال مالك: البيع ماض (¬2). وقال ابن القاسم: وليس عليه أن يعطيه رهنًا غيره؛ لأنه إذا (¬3) تركه حتى باعه فكأنه ترك الرهن (¬4). وقال مالك في كتاب محمد: يمضي البيع والثمن للراهن، ولا يعجل المرتهن منه حقه ولا يوضع له رهن مكانه، ولا ينقض ما بينهما من بيع أو سلف، وقد كان للمرتهن لو لم يبعه أن يقوم فيأخذه رهنًا، وقاله ابن القاسم وأشهب (¬5). وفي كل هذا اختلاف: في نقض (¬6) البيع، وفي تعجيل الدين، وفي إلزامه رهنًا مكانه، وفي أخذ سلعته إن لم يصح الرهن. فقال ابن القاسم في العتبية: إن كان الراهن موسرًا أخذ منهما عليه من ¬

_ (¬1) قوله: (إليه) زيادة من (ف). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 133. (¬3) في (ف): (أراد). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 133. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 203. ونصه: (من كتاب ابن المواز: قال: وإذا تعدى الراهن فباع الرهن قبل أن يقبضه المرتهن أو بعد فمختلف فأما بيعه قبل أن يحاز عنه فالبيع نافذ وإن قرب فات أو لم يفت، وإن لم يحل الحق فالتمر للراهن يأخذه ولا يعجل للمرتهن حقه ويوضع له رهن مكانه ولا ينفض ما بينهما من بيع أو سلف وقد كان للمرتهن لو لم يبع أن يقوم فيحوزه وهذا كله قول مالك وابن القاسم وأشهب وابن عبد الحكم عن مالك). (¬6) في (ت): (فص).

الدين وعجل للطالب حقه، وإن كان معسرا (¬1) لم ينقض البيع للراهن (¬2). وأرى أن يرد بيعه إذا كان الرهن شرطًا في أصل العقد (¬3) أو القرض إن باعه مبادرة أو التراخي اليسير (¬4) مما يرى أن المرتهن لم يسقط مقاله فيه، وإن فات مشتريه كان الثمن رهنًا، وقد قال ابن القاسم فيمن وهب هبة ثم باعها وقد فرط الموهوب له في القبض: إن البيع ماض ويكون الثمن للموهوب له (¬5). فهو في هذا أبين، وإن أحب ألزمه رهنًا آخر مكان الأول (¬6). وقد قال عبد الملك بن الماجشون فيمن غير (¬7) من الراهن: أن يجبر على رهن آخرة فهو في التعدي على الرهن بعد صحته أبين، فإن لم يجد (¬8) له شيئًا، كان بالخيار في سلعته إن كانت قائمة بين أن يمضيها إلى الأجل أو يأخذها، وهو قول ابن القاسم وغيره في الاستحقاق، إذا استحق قبل الحوز فهو في التعدي على الرهن أحرى ألا يسقط حقه (¬9) في سلعته، وإن تطوع بالرهن بعد العقد ثم باعه قبل القبض، لم يكن له مقال في نقض البيع في سلعته ولا في ثمنها، ويجري الجواب في نقض البيع في الرهن، وفي تعجيل ثمنه أو إلزامه رهنًا آخر على ما تقدم، وهو بمنزلة من وهب هبة ثم باعها مبادرة بعد التراخي. ¬

_ (¬1) من قوله: (أخذ منهما. . . معسرًا) ساقط من (ف). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 11/ 79. (¬3) قوله: (أصل العقد) يقابله في (ت): (عقد البيع). (¬4) قوله: (اليسير) ساقط من (ف). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 389. (¬6) قوله: (الأول) ساقط من (ف). (¬7) في (ت): (عجز). (¬8) في (ت): (يحد). (¬9) في (ت): (قوله).

والجواب عن هبة الراهن وعتقه وتدبيره وكتابته وإيلاده يأتي فيما بعد إن شاء الله، وهذا الجواب إذا تعدَّى الراهن في البيع، وأما إن تعدى المرتهن وباع الرهن قبل الأجل، نقض بيعه ووقف على يد عدل غيره، لئلا يتعدى فيه مرة أخرى، فإن فات به مشتريه وقفت قيمته. وقال مالك في المرتهن يوم التعدي (¬1) عليه: إلا أن يكون الثمن الذي باعه به أكثر فيوقف الثمن. وقال مالك في المرتهن يبيع الرهن أو يهبه: إن للراهن أن يأخذه حيث وجده ويدفع ما عليه فيه، ويتبع الذي اشتراه الذي غيره (¬2) منه بحقه (¬3). يريد: إذا بيع بعد الأجل فيدفع الراهن للمرتهن ما عليه، ويأخذ رهنه ويتبع المشتري المرتهن بالثمن. وإن كان وهبه، دفع الدين للمرتهن وأخذه من الموهوب له، ولا شيء للموهوب له (¬4) على الواهب، وإن غاب المرتهن واختلف الدين والثمن، فإن كان الدين أكثر، دفع إلى المشتري ثمنه ووقف السلطان الفضل، وإن كان الثمن أكثر، أخذ الدين وأتبع البيع بالفضل (¬5)، وإن باعه بعرض أو مكيل أو موزون ثم غاب، فإن السلطان يقبض الدين من الراهن ويدفع إليه الرهن ويشتري من الدين مثل ما قبضه المشتري من المرتهن (¬6)، فإن ¬

_ (¬1) قوله: (وقال مالك في المرتهن يوم التعدي) يقابله في (ت): (يوم تعدى). (¬2) قوله: (اشتراه الذي غيره) يقابله في (ت): (باعه وغر). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 149. (¬4) قوله: (له) زيادة من (ف). (¬5) من قوله: (وإن كان الثمن. . . البيع بالفضل) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (المشتري من المرتهن) يقابله في (ت): (المرتهن من المشتري).

فضل للغائب شيء وقفه له، وإن فضل عنده شيء أتبعه به، وإن كان (¬1) باعه بعرض دفع إليه قيمته. وقال ابن القاسم في العتبية في المرتهن يبيع الرهن ولا يعلم له المرتهن ولا الراهن صفة ولا قيمة: إن المرتهن يحلف على ما باعه به ويجعل ما بيع به ثمنه (¬2). وقال عبد الملك بن الماجشون (¬3) إذا فات كان عن المرتهن الأكثر من قيمته أو الثمن. وقاله أصبغ إذا كانت للمرتهن بينة على صفته يوم باعه، فإن لم تكن له (¬4) بينة، كانت عليه قيمته يوم باعه على صفته التي كان عليها يوم ارتهنه (¬5)، إلا أن تكون (¬6) صفته يوم باعه كانت أفضل من صفته يوم ارتهنه، فيكون عليه قيمة صفته يوم باعه، إلا أن يكون الثمن أكثر، وهذا إذا كان الرهن مما يغاب عليه، وإن كان مما لا يغاب عليه، كان عليه الأكثر من قيمة صفته يوم باعه أو الثمن الذي باعه به (¬7). يريد: لأن الثياب مضمونة بنفس القبض فلا يُصَدَّقُ في نقص القيمة، كما لا يصدق في ذهاب بعضه، والحيوان غير مضمون فكان (¬8) القول قوله إذا تعدى عليه هو على الصفة التي اعترف بها. ¬

_ (¬1) قوله: (كان) ساقط من (ف). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 11/ 81 , والنوادر والزيادات: 10/ 188. (¬3) قوله: (ابن الماجشون) يقابله في (ت): (ابن حبيب). (¬4) في (ت): (عليه). (¬5) في (ت): (ارتهانه). (¬6) قوله: (تكون) زيادة من (ف). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 190. (¬8) في (ف): (وكذلك).

باب في غلات الرهن

باب في غلات الرهن غلات الرهن على وجهين، فغلات الديار والعبيد والحيوان غير داخلة في الرهن، وكذلك الثمار حدثت بعد العقد أو كانت مأبورة، وما كان منها يتضمنه مطلق البيع يتضمنه مطلق الرهن، وكذلك الزرع إذا زرع بعد العقد فهو غلة، وإن كان بعد العقد وبرز لم يدخل في الرهن إلا بشرط، وإن كان فيه ولم يبرز دخل في الرهن إذا أقام بالبيع قبل بروزه. ويختلف إذا برز قبل البيع هل يدخل في الرهن ويباع للمرتهن، أو يدخل الغرماء معه فيه؟ وقد (¬1) اختلف فيمن ارتهن (¬2) أرضًا وفيها زرع لم يبرز ثم برز وحده ثم ظهر على عيب هل يكون غلة إذا تم، أو حتى يتعسل (¬3)؟ والصوف الحادث بعد الرهن غلة إذا جز قبل بيع الرهن. ويختلف إذا قام المرتهن بالبيع قبل جزازه هل تكون غلة إذا تم، أو حتى يتعسل، أو حتى يجز؟ ويختلف إذا كان الصوف قد تم بعد الرهن ثم جز، فقال ابن القاسم: هو داخل في الرهن (¬4)، وعلى قول أشهب هو غلة. وولادة الأمة وغيرها من الحيوان إذا كان حملًا يوم الرهن فولد قبل البيع أو حملت به بعد الرهن، داخل في الرهن، وكذلك ولادة الشجرة. ¬

_ (¬1) قوله: (قد) ساقط من (ف). (¬2) في (ت): (اشترى). (¬3) قوله: (حتى يتعسل) زيادة من (ف). وتعسل أي: يَبُسَ. انظر: منح الجليل: 5/ 212. (¬4) انظر: المدونة: 4/ 138.

باب فيمن تكفل بكفالة وأعطى رهنا أو استعار ثوبا فرهنه أو ادعى دينا فأخذ به رهنا

باب فيمن تكفل بكفالة وأعطى رهنًا أو استعار ثوبًا فرهنه أو ادعى دينًا فأخذ به رهنًا ومن تكفل بمال وأعطى به ثوبًا رهنًا فضاع عند المرتهن ضمنه، فإن كانت قيمته والدين سواء، كان قصاصًا بالدين ويرجع الكفيل بذلك على الغريم، وإن كان فيه فضل عن الدين وكان رهنه بغير أمر الغريم، أتبع بذلك الفضل المرتهن، وإن كان بأمره، كان بالخيار بين أن يتبع به الغريم (¬1)، وإذا كان بأمره صار الأمر كأنه للراهن وضمنه المرتهن للآمر، وإن كان مضمونًا للآمر ضمنه الآمر لصاحبه؛ لأنه لا يصح أن يكون مضمونًا له ولا يضمنه هو. ومن استعار ثوبًا ليرهنه فضاع عند المرتهن، وكانت قيمته يوم استعاره خمسة عشر ويوم سلمه للمرتهن عشرة، فإن تعدى في حقه ثم سلمه ضمن هو خمسة عشر (¬2)، لم يكن له على المرتهن إلا عشرة، وإن كان نزل السوق (¬3) بقدر قبضه لم يكن عليه (¬4) سوى عشرة، ولم يضمن للمستعير إلا ما ضمن له المرتهن، وإن كانت قيمته يوم قبضه عشرة فتعدى (¬5) المرتهن عليه وقيمته خمسة عشرة ضمن المستعير عشرة، وأتبع المعير المرتهن بخمسة (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (يتبع به الغريم) يقابله في (ت): (يبيع به المرتهن والغريم). (¬2) من قوله: (ويوم سلمه. . .) ساقط من (ف). (¬3) في (ت): (سوقه). (¬4) قوله: (عليه) زيادة من (ف). (¬5) في (ف): (فتعرف). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 190، ونص النوادر: (ومن استعار ثوبا ليرهنه بعشرة دنانير فرهنه بها فضاع فليضمنه المرتهن للراهن ويضمنه الراهن لصاحبه).

وقال ابن القاسم فيمن ادعى على رجل بألف درهم فأنكره وأخذ بها رهنًا فضاع عنده ثم قال كنت أقتضيه ولم أعلم: إنه ضامن لقيمة الرهن (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما (¬2) إن لم يعلم الضياع إلا من قوله، فهو ضامن، وإن قامت له بينة على هلاكه من غير سبب له فيه، أو كان حيوانًا فمات، لم يكن عليه شيء، وكذلك كل ما كان يصيبه لو كان يصيبه بيد صاحبه، وأما كل (¬3) ما أصابه بسبب انتقاله إلى يده فهو ضامن؛ لأن الخطأ والعمد في أموال الناس سواء، وإن اعترف أنه كان عالمًا بقضاء دينه أو شهدت عليه بينة لذلك، كان (¬4) غاصبًا وأجرى فيه أحكام الغاصب. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 137. (¬2) قوله: (أما) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (كل) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (كان) ساقط من (ف).

باب الحكم فيمن إليه بيع الرهن وإذا باعه المرتهن أو العدل بغير أمر السلطان

باب الحكم فيمن إليه بيع الرهن وإذا باعه المرتهن أو العدل بغير أمر السلطان وإذا حل أجل الدين لم يكن للمرتهن أن يبيع بغير إذن الراهن، فإن لدَّ عن البيع أو كان غائبًا فالسلطان (¬1)، فإن لم يكن سلطان أو كان تناوله (¬2) شاقًا فأرى بيعه جائزًا إذا كان بيعًا صحيحًا، وبعد أجل فيهما هو (¬3) بينه وبين الراهن، قال: فإن كان الرهن مما يسرع إليه الفساد مقثأة (¬4) أو قضبًا (¬5)، باعها من غير سلطان ولا يطالع ربها؛ لأن حبسها فساد. فصل [في المرتهن يشترط أن يبيع الرهن من غير مؤامرة صاحبه أو العدل] وإن شرط إليه (¬6) المرتهن أن له أن يبيع الرهن من غير مؤامرة صاحبه، أو ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 133 و 134. (¬2) بعدها في (ت): (بعيدا لجماعة. . . بحضرتهم ولا شهادة ولما بلغ ثمنه ويبعد بيعه. وقال أشهب في كتاب محمد:. . . السلطان أو كان تناوله). (¬3) قوله: (فيهما هو) ساقط من (ف). (¬4) القثاء: هو الخيار. انظر: لسان العرب: 1/ 128. (¬5) القَضْبُ: هو الرَّطْبةُ, وهو ما أُكِلَ من النبات المُقْتَضَبِ غَضًّا أو طريا، وأَهل مكة يُسَمون القَتَّ قَضْبا، انظر: لسان العرب: 1/ 678. وفي الحديث أَنَّ امرَأَة قالت: يا رسولَ الله إِنَّا كَلٌّ على آبائِنَا وأَبْنائِنَا فما يَحِلُّ لَنا منْ أَمْوالهِمْ؟ فقال: "الرَّطْبُ تَأْكُلْنَه وتُهْدِينَه"، أَراد مَا لا يُدَّخَر ولا يَبْقَى كالفواكهِ والبُقول وإِنما خَصَّ الرَّطْبَ لأَنَ خَطْبَه أَيْسَر والفسادَ إِليه أَسرَعُ فإِذا تُرِكَ ولم يُؤْكَلْ هَلَك ورُمِيَ بخلافِ اليابس انظر: لسان العرب: 1/ 419. (¬6) قوله: (إليه) ساقط من (ف).

العدل إذا كان على يد عدل، جاز إذا كان الرهن بعد عقد البيع؛ لأن كل ذلك معروف من الراهن والإذن في بيعه. واختلف إذا كان ذلك شرطًا في أهل العقد، فقال مالك: لا يباع إلا بإذن السلطان، كان الرهن على يد المرتهن أو على يد عدل (¬1)، فإن بيع بعد البيع لم يرد ولم يفرق بين عظيم البيع في ذلك ولا حقيره. وقال في كتاب محمد: إن كان من الأشياء التي لها بال مثل الدور والأرضين والحيوان، فإنه يرد ما لم يفت، فإن فات مضى (¬2). وقال ابن القاسم في العتبية: أحب قوله أن يمضي إذا أصاب وجه البيع وإن كان له بال؛ لأنه بيع بإذن صاحبه وضمنه مشتريه (¬3)، ويلزمه على قولهما أن يكون للراهن أن يغر لهما المرتهن والعدل. وقال إسماعيل القاضي، وأبو الحسن بن القصار، وأبو محمد عبد الوهاب: يجوز للراهن أن يجعل للمرتهن أن يبيع الرهن، وليس له أن يفسخ وكالته ولا يعزله (¬4) من بيعه (¬5) وهو أقيس؛ لأن في ذلك حقًا للطالب جعل إن كان حاضرًا فله أن لا يتكلف مطالعة السلطان، وإن غاب ألا يتكلف إثباتًا، وقول مالك ألا يفعل، فإن فعل مضى، وهذا دليل على ذلك عنده على وجه الاستحسان. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 11/ 16. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 217. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 11/ 16. والنوادر والزيادات: 10/ 217. (¬4) في (ف): (يغر له). (¬5) انظر: عيون المجالس: 4/ 1816 - 1820.

فصل [في الرهن يوقف على يد عدل]

فصل [في الرهن يوقف على يد عدل] وقال ابن القاسم في الرهن يوقف على يد عدل: فإن تعدى العدل بدفعه إلى الراهن فضاع ضمنه للمرتهن، فإن دفعه للمرتهن ضمنه للراهن، وإن كان كفافًا بالدين سقط عن (¬1) المرتههن، وإن كان في الرهن فضل غرمه العدل (¬2)؛ لأن الراهن لم يرض أن يكون رهنه عند المرتهن، وهذا إذا سلمه المرتهن (¬3) بعد الأجل أو قبله ولم يعلم بذلك حتى حل الأجل، فأما إن علم بذلك قبل الأجل، كان له أن يغرم قيمة أيهما شاء؛ لأنهما متعديان عليه، هذا متعد في دفعه، وهذا متعد في أخذه، وتوقف (¬4) القيمة على يد عدل غير الأول خيفة أن يتعدى عليه ثانية، وللراهن أن يأتي برهن مكان الأول ليأخذ (¬5) القيمة، وإن ابتدأ بالعدل لم يكن للعدل أن يرجع على المرتهن بشيء (¬6)؛ لأنه سلطه عليه، وهذا إذا قامت على ضياعه بينة. ويختلف إذا لم تكن بينة هل للعدل أن يغرم قيمته للمرتهن (¬7) إلا أن يكون قصاصًا؛ لأنَّ العدل يغرم بالتعدي حقيقة والمرتهن يغرم له من باب التهمة ويمكن أن يكون صدق، ولا خلاف في المرتهن إذا غرم بالتعدي أنه تؤخذ منه ¬

_ (¬1) في (ت): (حق). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 139. (¬3) قوله: (سلمه المرتهن) يقابله في (ت): (أسلمه إلى المرتهن). (¬4) في (ت): (ويوقف). (¬5) في (ت): (ويأخذ). (¬6) قوله: (بشيء) زيادة من (ف). (¬7) قوله: (قيمته للمرتهن) يقابله في (ت): (المرتهن قيمته).

القيمة الآن قبل الأجل. واختلف إذا غرم بالتهمة هل تؤخذ منه القيمة، أو يكون قصاصًا بالدين؟ فإن أسلمه العدل إلى الراهن، كان للمرتهن أن ينتزعه ويكون على يد عدل. واختلف إذا لم ينزعه حتى فلس الراهن، فقال ابن القاسم في العتبية: هو أحق به (¬1)، وقال محمد: يكون أسوة (¬2)، ثم لا يخلو الرهن من أن يكون قائم العين، أو غير موجود وقد صون الراهن به ماله أو لم يصنه، فإن كان موجودًا وقيمته عشرة وفي يده خمسة وعليه عشرون، للمرتهن عشرة ولآخر عشرة، اقتسما جميع ذلك، فيأخذ المرتهن سبعة ونصف ويرجع على العدل بتمام دينه، وإن كانت قيمة الرهن خمسة وفي يده عشرة، أخذ نصف جميع ذلك سبعة ونصف، يرجع على العدل بخمسة أسداس دينار؛ لأنه لو لم يسلم الرهن لأخذ المرتهن خمسة وهي قيمة الرهن وتبقى له خمسة وللآخر عشرة وفي يد الغريم عشرة فيقتسمانها أثلاثًا، فينوب المرتهن منها ثلاثًا وثلثا وفي يده من الرهن خمسة فجميع ذلك ثمانية وثلث، وقد صار له بالمحاصة سبعة ونصف، فالذي أضر به تسليم الرهن خمسة أسداس دينار. وإن هلك الرهن ووجد بيد الغريم عشرة، كان له نصفها بالمحاصة ثم يرجع على العدل بثلاثة وثلث، وإن صون به الراهن ماله كان طعامًا فأكله، أو ثوبًا فلبسه أو باعه فاشترى بقيمته (¬3) ما أكله؟ رجع على العدل بدينارين إلا ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 11/ 58. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 176. (¬3) في (ت): (بثمنه).

فصل [في الرهن يوقف على يد عدل فيبيعه ويدفع ثمنه للمرتهن]

ثلث؛ لأنه لو لم يسلم لأنفق الغريم من العشرة التي وجدت في يديه خمسة ولم يجد المرتهن إلا خمسة. . . . يريد بأنها ثلث ديناران إلا ثلث وخمسة من الرهن فجميع ما كان يصير إليه بالمحاصة سبعة إلا ثلثا بالذي أضر به وتسليم الرهن ديناران إلا ثلث (¬1) فصل [في الرهن يوقف على يد عدل فيبيعه ويدفع ثمنه للمرتهن] وإذا قال العدل: بعت الرهن بمائة ودفعتها إليك، وقال المرتهن: بخمسين وهي التي دفعتها إلي، كان القول قول المرتهن مع يمينه أنه لم يقبض منه إلا خمسين وكان على العدل غرم خمسين، ثم ينظر في ذلك، فإن قال المرتهن: لا أدري ما بعت به إلا من قولك أنه خمسون، ثم أقررت الآن أنه مائة، أخذت (¬2) تلك الخمسين الأخرى إذا كان دينه مائة. واختلف إذا قال المرتهن: كنت حاضرًا ولم يبع إلا بخمسين، هل يكون له أن يأخذه، أو تكون للغرماء دونه؟ ولا شيء له فيها أصوب؛ لأنه مقر أنها أخذت من العدل ظلمًا، فإن قال العدل: بعت بخمسين، وقال المرتهن: بمائة، كان القول قول العدل مع يمينه، إلا أن يأتي بما لا يشبه وأن يكون ثمنه مائة، فيكون القول قول المرتهن، ولأنه لو شهدت له بينة أنه باعه بخمسين كان متعديًا وعليه تمام القيمة، وإن باعه العدل بحنطة أو شعير أو عرض، رد بيعه، ¬

_ (¬1) قوله: (لأنه لو لم. . . ديناران إلا ثلث) زيادة من (ت) وهي زيادة استبان لنا قراءتها بصعوبة نظرا لما يلف المخطوط من اهتراء وتآكل. ا. هـ المحقق. (¬2) في (ت): (أخذ).

فصل [في أن الرهن مضمون]

وإن فات بيد مشتريه (¬1) أسلم ذلك وأغرم القيمة، إلا أن يكون فيه فضل على القيمة فيباع ذلك (¬2) للراهن. وقال أشهب في كتاب محمد (¬3): فإن باعه بمثل ما على الغريم ولم يكن به فضل، جاز، وإن كان فيه فضل، رد ذلك الفضل وكان المشتري بالخيار في الباقي كله (¬4) إن شاء رده كله لما دخل عليه من الشركة (¬5). فصل [في أن الرهن مضمون] الرهن مضمون وإن قضى ما هو فيه إذا كان غائبًا عنهما، إلا أن يقول الراهن: أتركه عندك وديعة، فيكون ذلك له تصديقًا أنه كان وقت القضاء موجودًا، وإن كان موجودًا (¬6) بين أيديهما فقضى ما رهن فيه ثم قام الراهن وتركه، كان وديعة، ويصدق المرتهن إن قال: ضاع بعد ذلك. وقال ابن القاسم: إذا قضى الغريم الدين، وقال المرتهن: تعال خذ رهنك، فقال الراهن: دعه عندك حتى أجيئك غدًا فآخذه، فلما جاء من الغد قال: قد ضاع عندي بعدما قضيتني ودعوتك له (¬7)، قال: أرى أن يحلف لقد ضاع ويبرأ وأراه أمينًا (¬8). ¬

_ (¬1) قوله: (فات بيد مشتريه) يقابله في (ت): (فاته المشتري). (¬2) قوله: (وأغرم القيمة. . . ذلك) زيادة من (ف). (¬3) قوله: (محمد) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (كله) ساقط من (ف). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 218. (¬6) في (ت): (حاضر). (¬7) في (ف): (لك). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 189.

وقال في المدونة فيمن ارتهن ثوبًا بألف درهم وقيمته ألف فوهب (¬1) الطالب دينه للغريم ثم رجع ليدفع الثوب فضاع، قال: هو ضامن (¬2). وقال أشهب في كتاب محمد: هو ضامن ويرجع على الراهن فيما وضع من حقه؛ لأنه لو لم يضع لينتفع (¬3) بقيمة الثوب فيقاصه بقيمته، فإن كان الثوب أكثرة غرم ذلك، وإن كان الدين أكثر، لم يكن على الراهن شيء (¬4). يريد: بعد أن يحلف. ¬

_ (¬1) في (ف): (فذهب). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 142. (¬3) في (ف): (ليتبع). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 188، 189

باب فيمن ارتهن رهنا بدين فقضى بعضه أو بدينين فقضى أحدهما هل يرجع في الرهن بقدر ما سقط من الدين؟

باب فيمن ارتهن رهنًا بدين فقضى بعضه أو بدينين فقضى أحدهما هل يرجع في الرهن بقدر ما سقط من الدين؟ وإذا أرهن رهنًا بمائة فقضى خمسين، لم يكن له أن يأخذ من الرهن بقدر ما قضى؛ لأن العادة جارية ألا يسترجع منه شيئًا حتى يقضي آخر الدين. واختلف إذا كان الرهن بدينين فقضى أحدهما، أو بعبدين فاستحق أحدهما أو رده بعيب، أو كان عبدًا واحدًا بيع بمائة بيعًا فاسدًا فكانت قيمته خمسين، فقيل في جميع ذلك: يكون جميع الرهن رهنًا بالباقي. وحكى ابن شعبان إذا كان الرهن في حقوق ثلاثة فقضى أحدها (¬1) أنه يخرج من الرهن بقدره. وفي كتاب محمد فيمن له على رجل مائة دينار، ثم أقرضه مائة على أن يرهنه رهنًا بالأول والثاني قولان، فقيل: يفض الرهن ويسقط نصفه وهو ما قابل الدين الأول. واختار محمد أنه يكون جميعه رهنًا بالثاني مثل ما في المدونة (¬2)، وعلى هذا يفض الرهن في الاستحقاق إذا استحق أحد العبدين أو رده بعيب. وفي الطلاق إذا أرهن بالصداق ثم طلق قبل الدخول، والفض أحسن إلا أن تكون هناك عادة أنه يبقى رهنًا في الباقي. ومن أسلم دينارًا في ثلاثين درهمًا إلى أجل وأخذ عنها رهنًا ثم فسخ ذلك، فإن كان قدر الدينار والدراهم سواء، كان أحق به حتى يعود إليه ديناره، وإن ¬

_ (¬1) في (ت): (أحدهن). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 164.

كان قيمة الدينار أربعين، كان أحق بثلاثة أرباع الدرهم والباقي هو فيه أسوة؛ لأنه إنما دخل على أنه يكون رهنًا في ذلك القدر ثم يسلمه. واختلف إذا كانت قيمته عشرين، هل يكون أحق لجميعه، أو بثلثيه يسقط من الرهن ما ينوب العشرة الزائدة فالمستحقة؟

باب في اختلاف الراهن والمرتهن

باب في اختلاف الراهن والمرتهن وذلك في ثلاثة: في الدين، أو في الرهن، أو فيهما جميعًا. الدين والرهن وجهان من غير اختلاف، وهو أن يتفقا على الرهن ويذهب عنهما ما رهن فيه، أو يتفقا على الدين ويهلك الرهن ويذهب عنهما صفته. فإن اختلفا في الرهن، فقال المرتهن: هو في عشرة. وقال الراهن: هو في خمسة، وقيمة الرهن عشرة، كان القول قول المرتهن مع يمينه أنه في عشرة. قال مالك: ويكون أحق به ليقبضه وحوزه إياه، فإن كانت قيمته خمسة، كان القول قول الراهن مع يمينه، وإن كانت قيمته فوق خمسة ودون عشرة، حلفا جميعًا وكان رهنًا في قدر قيمته (¬1). واختلف في أربعة مواضع: أحدها: إذا كانت قيمته عشرة وحلف المرتهن، هل يكون شاهدًا على نفسه فيحبسه لا غير ذلك، أو يكون شاهدًا على الذمة ويأخذ العشرة من المطلوب؟ والثاني: إذا كان شاهدًا على نفسه وحلف المرتهن هل له أن يحلف الراهن؟ والثالث: إذا كان الرهن على يد عدل، هل يكون القول قول المرتهن إذا ادعى مثل قيمته أو قول الراهن. والرابع: إذا كانت قيمته خمسة، هل يكون القول قول المرتهن أو الراهن؟ فقال محمد: إذا كانت قيمته عشرة، حلف المرتهن وحده وكان الرهن على يده أو على يد غيره ويكون له، ولا يجعله شاهدًا على الذمة فيستحق منها ما حلف ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 282.

عليه، فإن استحق الرهن أو ضاع ببينة أو ادعى هلاكه وهو حيوان، كان القول قول الراهن أنه لم يكن له (¬1) إلا في خمسة؛ لأن حكم الرهن قد يسقط فيرجعان إلى ما يغرمه الراهن من ذمته، بمنزلة ما لم يكن فيه رهن؛ لأنه يشبه أن يرهن الرهن في مثل قيمته أو أقل أو أكثر، فجعل القول قول المرتهن لأجل الحوز، فإذا سقط الرهن رجع إلى قول الغريم. وقال أبو محمد عبد الوهاب: العادة جارية أن الناس يرهنون ما يساوي ديونهم أو يقاربها لا ما لا يفي بها (¬2). فعلى قوله يكون شاهدًا على (¬3) الذمة وإن هلك الرهن أو استحق. وقول محمد: يحلف المرتهن (¬4) وحده استحسانٌ؛ لأنه قادر على أن يبيع ذلك الرهن (¬5) فيأخذ العشرة. وقيل: إذا حلف المرتهن أنه في عشرة، حلف الراهن أنه لم يرهنه في عشرة، ثم يسلم الرهن؛ لأن المرتهن يقول: لا أتكلف بيعه؛ لأنه يمكن أن يستحق أو يوجد به عيب، والقول الأول أحسن؛ لأن الاستحقاق نادر وليس عليه في تكليف البيع كبير مئونة، فكان ذلك أخف من أن يحمله على اليمين كاذبًا على قول المرتهن. قال أبو محمد عبد الوهاب: إذا كان على يد عدل، كان القول قول الراهن (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (له) زيادة من (ف). (¬2) انظر: المعونة: 2/ 150. (¬3) في (ت): (في). (¬4) في (ت): (الراهن). (¬5) قوله: (الرهن) زيادة من (ف). (¬6) انظر: الإشراف: 2/ 580.

فصل [فيما إذا هلك الرهن وتصادقا على قيمة الدين ثم اختلفا في قيمة الرهن]

وقول محمد: إنَّ القولَ قول المرتهن وإن كان على يد غيره أصوبُ؛ لأنه إنما أخذ توثقة للدين، فلا فرق بين أن يكون على يده أو على يد غيره. وإن كانت قيمته خمسة، كان القول قول الراهن. وفي العتبية: القول قول المرتهن (¬1)، وهذا من نحو ما تقدم أن الرهن لم يكن شاهدًا على الذمة؛ لأنه يرهن في أقل من الدين وأكثر، ولا يسقط حق (¬2) بشك، والمرتهن يقول: رضيت إن أخذه في عشرة، فإن كرهت أن تفتديه فدعه. فصل [فيما إذا هلك الرهن وتصادقا على قيمة الدين ثم اختلفا في قيمة الرهن] واختلف إذا هلك الرهن وتصادقا على أن الدين عشرة، وقال الراهن: قيمته عشرة، وقال المرتهن: قيمته خمسة، فقال مالك: القول قول المرتهن (¬3)، وهذا يؤيد ما تقدم أن الرهن يرهن في أقل من الدين وأكثر وإذا كان القول قوله لموضع الحوز. وقال ابن عبد الحكم في كتاب ابن حبيب: القول قول المرتهن وإن أتى بما لا يشبه؛ لأن الرهن قد يؤخذ لليمين، وقال أصبغ: القول قول الراهن (¬4). وهذا يصح على القول أنه شاهد على الذمة، فإن قال المرتهن: هو في عشرة، وقال الراهن: هو في خمسة وقيمته سبعة، تحالفا وكان في سبعة، فإن ابتدأ ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 11/ 5. (¬2) في (ت): (حوزه). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 232. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 233.

بالمرتهن، كان بالخيار بين أن يحلف أنه في عشرة، فإن نكل بعد ذلك الراهن، أخذ المرتهن عشرة بتلك اليمين، أو يحلف (¬1) المرتهن أنه لم يرهن في دون سبعة، فإن نكل الراهن حلف المرتهن يمينًا ثانية أنه في عشرة وأخذها، فإن ابتدأ الراهن باليمين، كان بالخيار بين أن يحلفه أنه لم يرهنه إلا في خمسة، وإن نكل بعد ذلك المرتهن دفع الراهن خمسة وأخذه، وإن شاء حلف أنه لم يرهنه في عشرة وبرئ منه، فإن نكل بعد ذلك المرتهن حلف يمينًا ثانية أنه لم يرهنه إلا في خمسة وأخذه. وإن اختلفا فيمن يبتدئ باليمين اقترعا؛ لأن المرتهن يجب أن يبتدئ الراهن باليمين، فإن نكل حلف هو يمينًا واحدة وأخذ بها (¬2) عشرة، والراهن يجب أن يبتدئ المرتهن باليمين، فإن نكل حلف هو يمينًا واحدة وأخذ الرهن (¬3) وغرم خمسة، ونكولهما كيمينهما. وإن اختلفا في الدين وفي قيمة (¬4) الرهن وقد ضاع، فقال الراهن: الدين خمسة وقيمة الرهن عشرة، وقال المرتهن: الدين عشرة وقيمة الرهن خمسة، كان القول قول الراهن ويحلف أن الدين خمسة، والقول قول المرتهن ويحلف أن قيمة الرهن خمسة، ثم لا تباعة بينهما. وإن قال الراهن: إنه في ثلاثة، حلف ولم يكن علي الراهن إلا خمسة التي حلف أنها صفة الرهن ولم يكن للراهن فيها شيء؛ لأنه لا يقبل قوله أن الدين ¬

_ (¬1) قوله: (أو يحلف) يقابله في (ت): (ويحلف). (¬2) قوله: (بها) زيادة من (ف). (¬3) قوله: (وأخذ الرهن) زيادة من (ف). (¬4) في (ت): (صفة).

أقل منها (¬1). وإن قال الراهن: هو (¬2) في سبعة، حلفا وكان للمرتهن أن يأخذ منه دينارين بإقراره، وعلى القول الآخر لا يكون له شيء؛ لأن المرتهن لا يصدق أن الرهن أقل من الدين. وقال ابن القاسم: ومن مات عن رهن قيمته أقل من (¬3) عشرة، فقال الراهن: هو في خمسة، وقال ورثته: لا علم لنا فيما رهن فيه، كان القول قول الراهن، وهذا راجع إلى الأصل الأول أن الرهن لا (¬4) يرهن في أقل من الدين (¬5) وإنما يكون في قيمته إذا ادعى ذلك المرتهن، فإن لم يدع لم يغرم الآخر (¬6) إلا ما أقر به؛ لأنه إنما أقر (¬7) بما يشبه. وعلى ما قال أبو محمد عبد الوهاب: لا يقبل قوله، قال محمد، قال أشهب: فإن كان الورثة صغارًا حلف الراهن ودفع ما أقر به، ولم يكن له إلى الرهن سبيل حتى يكبر الصغار فيحلفوا (¬8). يريد (¬9): إذا ادعوا علمًا وأمكن أن يكون عندهم علم، وإلا فيمين هذا الآن تجزئ ويحلف ويأخذ رهنه. ¬

_ (¬1) قوله: (وإن قال الراهن: إنه في ثلاثة. . . أن الدين أقل منها) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (هو) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (أقل من) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (لا) ساقط من (ف). (¬5) بعدها في (ف): (وأكثر). (¬6) قوله: (الآخر) زيادة من (ف). (¬7) قوله: (إنما أقر) يقابله في (ت): (أتى). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 235. (¬9) قوله: (يريد) ساقط من (ف).

فصل [فيما إذا اختلف قول الراهن والمرتهن]

وإن هلك الرهن وجهلت صفته، كان رهنًا (¬1) بما رهن فيه ولم يرجع منهم أحد على صاحبه؛ لأنَّ كل واحد منهما لا يدري هل يفضل له عند صاحبه شيء أم لا؟. وقال أشهب: القياس أن يجعل من أدنى الرهون (¬2). يريد: أدنى ما يرهن في مثل ذلك الدين. واختلف في الوقت الذي يعتبر فيه قيمة الرهن (¬3)، فقال ابن القاسم: إنما ينظر في (¬4) قيمته يوم الحكم (¬5)، فإن كانت قيمته يوم قبض عشرة ويوم الحكم عشرين، كان القول قول الراهن أنه في عشرة، وهذا صحيح على أصل مالك؛ لأنَّ المرتهن قدم لأجل الحوز وإن كان يشبه أن يرهن في أقل. وقال غيره: إنما ينظر إلى القيمة يوم القبض، قال: وكذلك لو نتجت الدابة في يده. يريد: إنما تقوم الأم بانفرادها، وهذا موافق لما قال أبو محمد عبد الوهاب أن الرهن يرهن في مثل الدين، وعلى قول ابن القاسم يراعى قيمة الأم والولد. فصل [فيما إذا اختلف قول الراهن والمرتهن] وقال ابن القاسم: وإن كان للرجل دين بذكر (¬6) حق بمائة وفي يده رهن قيمته مائة، وقال: هو رهن في مائة أخرى، وقال الراهن: بل تلك المائة التي ¬

_ (¬1) قوله: (رهنا) ساقط من (ف). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 187. (¬3) قوله: (قيمة الرهن) يقابله في (ت): (قيمته). (¬4) في (ت): (إلى). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 154. (¬6) في (ت): (يذكر).

بذكر (¬1) الحق، كان القول قول الراهن (¬2). يريد: أن الأمر محتمل هل هو بتلك المائة أو بغيرها ولا يغرم بالشك. وقال مرة: القول قول المرتهن (¬3)؛ لأن الشأن إذا كان فيما كان فيه ذكر الحق أن يكتب في ذلك الصك، وإن اعترف الراهن بالمائتين، وقال المرتهن (¬4): في مائة منهما، وقيمة الرهن مائتان، كان القول قول الراهن (¬5). واختلف إذا كان قيمته مائة، فقال ابن القاسم: القول قول الراهن (¬6) فيدفع مائة ويأخذه. وقال أشهب: القول قول المرتهن، والأول أبين. وإن قال في عبدين: رهنتك هذا والآخر وديعة، وقال المرتهن: بل أرهنتي العبدين، كان القول قول الراهن، وإن قال: أرهنتك هذا العبد بعينه والآخر وديعة، وقال المرتهن: بل (¬7) هو وديعة والآخر رهن، كان القول قول المالك، ولا يكون للمرتهن إلا ما أقر له (¬8) أنه رهن. وقال ابن القاسم فيمن دفع إلى رجل نمطًا وجبة فضاع النَّمَط ثم اختلفا، فقال الراهن: كان النمط رهنًا والجبة وديعة، وقال القابض (¬9): الجبة رهن ¬

_ (¬1) في (ت): (يذكر). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 235، 236. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 235، 236. (¬4) في (ت): (الراهن). (¬5) في (ت): (المرتهن). (¬6) من قوله: (واختلف إذا كان. . .) ساقط من (ف). (¬7) قوله: (بل) زيادة من (ف). (¬8) في (ت): (به). (¬9) في (ت): (الراهن).

والنمط وديعة، كان القول قول الراهن مع يمينه أنها وديعة ويأخذها، والقول قول المرتهن مع يمينه أن النمط (¬1) وديعة ولا شيء عليه (¬2). وإن قال: بعتك هذا العبد بمائة وقد قبضتها، وقال الآخر: بل (¬3) أرهنته لي في مائة، كان القول قول المرتهن مع يمينه أنه لم يشتره ويقبض المائة ويسلمه. وإن قال: بعتك هذا العبد ولم أقبض المائة، كان القول قول المالك أنه لم يقبض، والقول قول الآخر أنه لم يشتره، ولا تباعة بينهما. وإن قال: أرهنتك في مائة وقبضتها (¬4). وقال الآخر: بل (¬5) اشتريته بتلك المائة، كان القول قول المالك أنه رهن ويدفع المائة ويأخذ عبده، وإن قال: لم أقبضها، حلف ورد العبد. وإن فات بحوالة سوق أو بتغير بدن، لم يكن فوتًا، ولو كان ثوبًا فلبسه فأبلاه، مضى بالأكثر من قيمته يوم لبسه أو الثمن، فإن هلك ببينة أو كان عبدًا فمات وثبت كل واحد منهما على قوله، لم يقض بالثمن لواحد منهما؛ لأن كل واحد منهما ينفي أن يكون له فيه حق، فإن رجع أحدهما عن قوله كان له، وإن رجعا جميعًا كان لأولهما رجوعًا. وإن قال المالك: أودعتك. وقال الآخر: أرهنتني، كان القول قول المالك أنه وديعة، وإن لم يقبض ما ادعاه الآخر أنه رهنه فيه، إلا أن تكون العادة في مثل ذلك أنه رهن. والشأن في مثل البياع يبيع الخبز (¬6) وما أشبهه يدفع إليه ¬

_ (¬1) قوله: (أن النمط) يقابله في (ت): (أنه). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 156. (¬3) قوله: (بل) زيادة من (ف) (¬4) قوله: (وقبضتها) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (بل) ساقط من (ف). (¬6) قوله (يبيع الخبز) يقابله في (ف): (ببيع الجبن).

فصل [في الدعوى في الرهن]

الخاتم ونحوه أنه رهن ولا يقبل قول صاحبه أنه وديعة. فصل [في الدعوى في الرهن] وإن تصادقا أنه رهن واختلفا في القضاء، كان القول قول المرتهن إذا لم يسلم الرهن، والقول قول الراهن إذا قبضه وطال. واختلف إذا قرب فلسه (¬1)، هل يكون القول قول المرتهن، أو الراهن؟ وأن يقبل قول الراهن أصوب؛ لأن الشأن أن المرتهن لا يسلم الرهن إلا بعد القبض، إلا أن تكون لقوم عادة في كثير منهم أنهم يسلمون الرهن ثم يطلبون الدين. وإن كان عليه مائتان مائة برهن ومائة بغير رهن فقضى مائة ثم اختلفا، فقال الغريم: قضيت عن الرهن فادفعه إلي، وقال الآخر: عن التي بغير رهن، تحالفا وقسمت بينهما. فإن حلف أحدهما ونكل الآخر، كان القول قول الحالف. وهذا إذا حل الدينان، فإن حل أحدهما، كان القول قول من ادعى عن الحال، وإن لم يحلا وكان أجلهما سواء أو متقاربا، حلفا وقسمت بينهما، هذا ظاهر المذهب. والقياس: أن يكون القول قول الدافع؛ لأنه متطوع، فكان القول قوله فيما يقرب أنه تطوع به، وإن تباين ما بينهما، كان القول قول من ادعى أقربهما أجلًا مع يمينه. ¬

_ (¬1) قوله: (فلسه) ساقط من (ف).

باب في العبد يرهن ثم يجني جناية

باب في العبد يُرهن ثم يجني جناية وإذا جنى العبد المرتهن جناية ففداه سيده، بقي في الرهن على حاله (¬1). قال محمد: فإن أسلمه خير المرتهن بين ثلاث، بين أن يسلمه، أو يفتديه فيكون رهنًا إلى أجله، أو يفتكه بزيادة ولو بدرهم ويكون له العبد بتلًا ويتبع سيده بحقه إلا ذلك الدرهم (¬2). قال الشيخ - رضي الله عنه -: ويفترق الجواب إذا افتداه بإذن سيده أو بغير إذنه في تعلق الفداء بذمة السيد وفي بيعه قبل الأجل، وفي مال العبد هل يكون معه فيما فدي به، فإن افتداه بإذنه كان سلفًا في ذمة السيد ولا يباع قبل الأجل. واختلف هل يكون رهنًا بما فدى به، فقال مالك وابن القاسم: يكون رهنًا، وقال محمد: لا يكون رهنًا. واختلف فيه قول أشهب (¬3). وقد اختلف في هذا الأصل فيمن أمر أن يشتري لولد أو يسلف ثمنه هل يحبسه حتى يقبض (¬4) سلفه، وأرى أن يحلف أنه افتداه ليكون رهنًا في يديه ويكون أحق به، وإن افتداه بغير إذن سيده لم يكن سلفًا في ذمة السيد إن هلك وكان معلقًا بعين العبد. وقال في المدونة: لا يباع حتى يحل الأجل (¬5). وقال سحنون: يباع قبل ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 165. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 223، 224. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 225. (¬4) في (ت): (يقتضى). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 145.

الأجل؛ لأن الراهن أسلمه، وهو أحسن، ولا مقال للراهن في تأخير البيع (¬1)؛ لأنه رضي بإسلامه. واختلف في ماله، فقال مالك: لا يتبعه. وقال مرة: يتبعه ويكون رهنًا فيما فدى به (¬2)، وهو أبين؛ لأنه افتدى ما كانت الجناية أحق به فيباع بماله، فإن كانت قيمته بغير مال خمسين وبماله مائة والجناية خمسون، كان للمرتهن نصف الثمن وهو خمسون عن الجناية ويبقى خمسون، ينوب نصف العبد منها بغير مال خمسة وعشرون، ويأخذها المرتهن، ويضرب في خمسة وعشرين، وعلى القول الآخر: يباع بغير مال ويبدأ من ثمنه بما فداه به، فإن لم يوف لم يتبع السيد بشيء، فإن وفَّى وفضل شيء (¬3) قضى عن دين المرتهن، وإن فضل شيء كان للغرماء، وإن لم يوف بما بعد الجناية بدين المرتهن دخل مع غيره من الغرماء في مال العبد. ¬

_ (¬1) قوله: (في تأخير البيع) زيادة من (ف) (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 224. (¬3) قوله: (شيء) ساقط من (ف).

باب في ارتهان فضلة الرهن

باب في ارتهان فضلة الرهن ومن ارتهن رجلًا رهنًا في مائة دينار ثم استقرض منه مائة وأرهنه فضلة ذلك الرهن، جاز إذا كان الرهن على يده أو على يد عدل ورضي العدل أن يحوز ذلك الفضل للمرتهن، ويختلف إذا لم يرض وقد علم برهن ذلك الفضل أو لم يعلم، واختلف إذا ارتهن الفضل غير الأول، فقال مالك في المدونة: إن رضي الأول جاز، وإن لم يرض لم يجز (¬1). وقال في كتاب محمد: لا يجوز؛ لأن الأول إنما حاز لنفسه، ويجري فيهما (¬2) قول آخر أنه (¬3) يجوز وإن لم يرض الأول قياسًا على المخدم يهب صاحبه رقبته لغير المخدم، فقال: يجوز وإن لم يرض المخدم ولم يعلم. واختلف إذا كان الرهن على يد عدل فأرهن الفضل غير الأول، فقال مالك في كتاب محمد: يجوز إن رضي الأول. وقال أصبغ: ذلك جائز وإن لم يرض إذا رضي العدل (¬4). قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما إذا كان أجل الدينين سواء، أو كان الآخر أبعد حلولًا، جاز وإن لم يرض الأول، فإن كان الثاني أقرب حلولًا ودين الأول عرض من بيع دخل الثاني على أن يقبض دينه إذا حل أجله، لم يجز إلا برضى الأول؛ لأن الأول يتعجل حقه قبل أجله، إلا أن يرهنه على أن لا يقوم ببيع ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 146. (¬2) في (ت): (فيه). (¬3) قوله: (أنه) ساقط من (ف). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 179.

ذلك الرهن حتى يحل الأجل الأول وفيه معمر من الغرر، وإن كان دين الأول عينًا أو عرضًا من قرض، جاز إذا دخل على أن يعجل حقه إذا حل الأول وإن لم يرض الأول، وهذا إذا علم العدل ورضي أن يحوز ذلك الفضل إذا بيع الأول فيحول بين الرهن وبين ذلك الفضل. ويختلف إذا لم يرض قياسًا على المخدم وقد تقدم. واختلف في ضمان فضل الرهن إذا كان على يد المرتهن الأول أو على يد عدل، فقال ابن القاسم: إذا كان على يد الأول (¬1) سقط عنه ضمان (¬2) الفضل، وقال أشهب: ضمانه كله من الأول، قال: ولو كان على يد الثاني المرتهن للفضلة فضاع، لم يكن عليه ضمان (¬3)، وعلى أصل ابن القاسم يضمن الثاني الفضل. وقول محمد أبين؛ لأن الفضل مترقب فقد ينزل سوقه أو ينزل به عيب فلا يكون فضل، وإن كان لا يعلم كم هو يوم البيع ومن باع على أن (¬4) يأخذ رهنًا ويجعله على يد عدل ثم قبضه، وقال: دفعته إليه، وقال العدل: لم يدفعه إلي، كان القول قول العدل على مذهب ابن القاسم ويغرم البائع. وعلى قول عبد الملك يكون القول قول المرتهن أنه سلمه والقول قول العدل أنه لم يقبضه وتكون مصيبته من صاحبه، والقول وإن قال العدل: قبضته وضاع مني (¬5)، قبل قوله في دفعه بخلاف الأول، وقيل: لا يقبل ¬

_ (¬1) في (ت): (عدل). (¬2) قوله: (ضمان) زيادة من (ف) (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 192. (¬4) في (ت): (ألا). (¬5) قوله: (مني) زيادة من (ف)

فصل [فيما إذا رهن الوصى شيئا من مال اليتيم]

قوله إلا ببينة. فصل [فيما إذا رهن الوصى شيئا من مال اليتيم] وإذا استقرض الوصي ليتيمه فأرهن فيه شيئًا من مال اليتيم وجعله على يد عدل، جاز (¬1)، وسواء كان القرض من عنده أو من عند أجنبي. واختلف إذا بقي الرهن في يده، إذا كان القرض من عنده وحاز الرهن لنفسه، والقول أنه يجوز أصح، ولو كان (¬2) بيد رجل وديعة فاستدان صاحبها من المودع دينارًا رهنه تلك الوديعة وحازها لنفسه، كان حوزًا وإن لم يخرجها إلى يد غيره، وقياسًا إذا كان الدين من غير الوصي وبقي الرهن في يده يحوزه الأجنبي (¬3)، فإنه حوز وإن بقيت يده عليه. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 147. (¬2) قوله: (ولو كان) يقابله في (ت): (لو كانت). (¬3) قوله: (يحوزه الأجنبي) يقابله في (ت): (ويحوزه للأجنبي).

باب في النفقة على العبد الرهن والبعير الضال

باب في النفقة على العبد الرهن والبعير الضال قال مالك في المدونة (¬1) في العبد أو الدابة ترهن: النفقة على الراهن، فإن أنفق المرتهن كانت النفقة في ذمة الراهن، وسواء أنفق بأمره أو بغير أمره، بخلاف الضالة (¬2). قال ابن القاسم: ونفقته على الراهن سلف ولا أراها في الرهن إلا أن يقول أنفق علي أن نفقتك في الرهن، فيكون له حبسه بنفقته وبما رهنه فيه، إلا أن يكون عليه غرمًا فلا يكون أحق بالفضل عن دينه أذن أو لم يأذن، إلا أن يشترط أن الرهن يكون رهنًا بالنفقة (¬3). ومعنى قوله أنفق علي أن نفقتك في الرهن، أي: أنفق لتبيع وتأخذ نفقتك، وهو بمنزلة من يعطي رجلًا سلعة، فقال: بع واستوف دينك، ففلس الدافع قبل البيع أو بعد البيع وقبل القبض للثمن، فإنه أسوة الغرماء، إلا أن يقول: وهي في يدك رهن ما بينك وبين البيع، ولو قال: على أن نفقتك في الرهن لا في ذمتي، ابتدئ بالنفقة قبل الدين ولكان أحق من الغرماء، فإن هلك قبل البيع لم يتبع الراهن. وقال أشهب: إذا كانت النفقة بغير أمر الراهن كانت في الرهن كالضالة وليست على الراهن (¬4). ¬

_ (¬1) قوله: (في المدونة) زيادة من (ف) (¬2) انظر: المدونة: 4/ 146. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 146. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 185.

وقال محمد بن مسلمة: النفقة مبدَّاة على الرهن، وجعله بمنزلة الرهن يحتاج إلى السقي فاستأجر ربه على سقيه أن الأجير مبدَّى، وهو أقيس، فله أن يتبع هذا الراهن بخلاف الضالة؛ لأنه إذا رضي أن يوقف رهنًا إلى الأجل فقد رضي بالإنفاق عليه ويجبر ربه على ذلك، فإذا رضي ربه بالإنفاق، كان للمرتهن أن يأخذها من الرهن ويبدأ بالنفقة لأنه أحياه، وسواء كانت النفقة بأمر الراهن أو بغير أمره، كما قال: الأجير يستأجره رب الزرع، فإنه أحق به وإن كانت أجرته في ذمة صاحب الزرع، كما أن نفقة هذا في ذمة الراهن.

باب فيمن رهن رهنا ثم رجع إليه بإيداع أو إجارة أو عارية

باب فيمن رهن رهنًا ثم رجع إليه بإيداع أو إجارة أو عارية وقال ابن القاسم فيمن قبض رهنه ثم جعله على يد صاحبه وديعة أو إجارة: فقد خرج من الرهن، إلا أن يقوم فيطلبه فيكون له ذلك ما يحل بينه وبين غرمائه (¬1). يريد: يقوم بعد انقضاء الإجارة، فإن قام قبل ذلك وقال (¬2): جهلت أن ذلك ينقض الرهن وأشبه ما قال، حلف ورده ما لم يقم الغرماء. واختلف إذا رجع إليه بعارية، فقال مالك: ليس له أن يسترده إلا أن يكون أعاره على ذلك، فإن كان أعاره على ذلك فاستحدث دينًا قبل أن يقوم عليه، فهو أسوة (¬3). وقال أشهب: العارية والإجارة سواء ترد (¬4) إليه ما لم يقم الغرماء أو يحدث فيه بيعًا أو تدبيرًا أو تحبيسًا (¬5)، وهو أبين. فإن كانت العارية إلى أجل يرتجعها (¬6) إذا انقضى ذلك الأجل. ويختلف إذا لم يضرب أجلًا هل يرتجعها (¬7) الآن؛ لأن العارية لا أمد لها؟ وقد قيل في هذا ¬

_ (¬1) قوله: (وبين غرمائه) يقابله في (ف): (وبينه غرماء). انظر: المدونة: 4/ 142، والنوادر والزيادات: 10/ 162. (¬2) قوله: (وقال) في (ف): (وقد). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 162. (¬4) في (ف): يرد. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 162. (¬6) قوله (يرتجعها) ساقط من (ف). (¬7) في (ف): يرتجعا.

الأصل: إنها تبقى إلى مدة يرى أن يعير إلى مثلها، ولو كانت أرضًا أذن له في حرثها، يحمل (¬1) على أول بطن، فإن رفع (¬2) زرعه قبضها وليس له أن يستردها قبل ذلك، وقد يحمل قول مالك أنه لا يستردها قبل أن تمضي مدة يرى أنها تعار إلى مثلها. وأما قوله: إن أحدث (¬3) دينًا قبل أن يقوم (¬4) الغرماء فهو أسوة (¬5)، فهو أحد قوليه في رهن من تبين فلسه. وإن آجره (¬6) صاحبه من أجنبي لإذن المرتهن، فسد الرهن، وإذا آجره المرتهن بإذن الراهن، لم يفسد، وإن استأجره المرتهن (¬7) من الراهن، فسد الرهن (¬8) إذا ولي الراهن العقد، وإن وليه وكيلًا (¬9) جاز. وإن ارتهن عبدًا فأبق ثم وجد في يد راهنه، لم يفسد الرهن إذا لم يعلم المرتهن، وإن لم يعلم الإباق، وقال المرتهن: أبق ثم عاد إليه ولم أعلم، لم يصدق. ¬

_ (¬1) في (ت): (لحمل). (¬2) في (ت): (رجع). (¬3) في (ت): (استحدث). (¬4) قوله: (أن يقوم) ساقط من (ت). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 148. (¬6) في (ت): (أخذه). (¬7) من قوله: (فسد الرهن. . .) ساقط من (ت). (¬8) ما قوله: (الرهن) ساقط من (ف) (¬9) في (ت): (وكيله).

باب فيمن ارتهن رهنا واشترط منافعه

باب فيمن ارتهن رهنًا واشترط منافعه وإذا اشترط المرتهن مدة معلومة في عقد البيع، جاز في الدور والأرضين، ومنعه مالك في الحيوان والثياب. قال ابن القاسم: لأنه (¬1) لا يدري كيف يكون الرهن إذا رجع. قال: وأنا لا أرى به بأسًا (¬2). فإن شرط ذلك في أصل العقد (¬3) فهو سلف بزيادة، ويكره أن يأذن له في الانتفاع به بعد عقد القرض والبيع؛ لأنه هدية مديان. ويختلف إذا كان ذلك بإجارة، كمن بايع من النقد من دين له، لإمكان أن يبيع منه بأقل ويشتري منه بأكثر. فصل [فيمن استأجر عبدًا ثم وهبه لربه] واختلف هل يكون الرهن محوزًا إذا كانت الإجارة والرهن معًا، أو كانت الإجارة قبل أو بعد. فقال ابن القاسم: إن ذلك حوز. وقال فيمن استأجر عبدًا ثم وهبه لربه: إن ذلك حوزه وإن لم تنقض الإجارة، بخلاف أن يهبه لغير من استأجره، فعلى هذا يكون الرهن محوزًا وإن تقدمت الإجارة. وقال عبد الملك بن الماجشون في المبسوط، وهو في كتاب محمد: إذا آجر عبده أو داره، أو ساقى نخله رجلًا (¬4) ثم رهنه إياه بعد ذلك، ثم فلس الراهن ¬

_ (¬1) قوله: (لأنه) ساقط من (ف) (¬2) انظر: المدونة: 4/ 149. (¬3) في (ف): (القرض). (¬4) قوله: (رجلًا) ساقط من (ت).

وهو في يد المرتهن، فلا يكون أحق؛ لأنه بالأجرة والكراء قبضه وكان بيده، كما يكون بيد غيره ممن لم (¬1) يرهنه ويستأجره. وقال أحمد بن المعذل: وكذلك إذا رهنه إن كان رهنه إياه أولًا ثم أكراه بعد ذلك متى جاء فيه أمر صار ملكه، وجواز أمره فيه خلف على من قبض الذي هو في يده صار كأنه استأجره منه بعد أن كان في يده رهنًا فسخًا لرهنه. واختلف إذا ارتهنه من غير من هو في يده بالإجارة، فقال مالك في كتاب محمد فيمن أكرى دارًا أو أعطى حائطًا مساقاة ثم أرهنه: فليس بحوز (¬2). وقال أيضًا: إن جعل المرتهن مع المساقي رجلًا كان حوزًا (¬3). قال محمد: الفرق بين ارتهان فضلة الرهن ورهن ما كان في إجارة، أن هذا محاز لربه والرهن محاز عنه (¬4). وقال ابن نافع في المبسوط: ذلك جائز والرهن مقبوض في المساقاة والكراء. وقال ابن القاسم في الدمياطية فيمن ارتهن بعيرًا وهو في الكراء: إذا كان المرتهن يعلفه ويقوم به فهو حوز. قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما إذا لم يرض المستأجر أن يحوز الرقاب للمرتهن ولم تكن يد المرتهن معه، فليس بحوز، فإن رضي أن يحوز له أو يجعل المرتهن يده معه وكان العبد يأوي إليه ويبعثه مع المستأجر بالنهار، أو يقوم بالدابة ويحفظها ويقوم بعلفها، فهو حوز، ولا يضمن الرهن على قول عبد الملك إذا كان ¬

_ (¬1) قوله: (لم) ساقط من (ف) (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 168. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 168. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 165.

المستأجر هو المرتهن؛ لأنه عنده (¬1) ليس برهن. وأما على قول ابن القاسم ففيه نظر. وقد قيل: ينظر إلى القدر الذي يذهب منه في اللباس فلا يضمن، والقدر الذي يبقى مضمونًا على حكم الراهن (¬2). والذي أرى: ألا شيء على المستأجر؛ لأنه الآن في الإجارة أقوى (¬3) سببًا منه في الرهن. وكذلك قال ابن القاسم فيمن استؤجر على أن يحمل أحمالًا ففلس صاحبها قبل أن يحملها وقد أبرزت وقبضها: إنه أحق بها (¬4)، ولو ادعى ضياعها في الطريق لكان القول قوله، فإن انقضت الإجارة وغاب عليها لم يقبل قوله؛ لأنها رهن محض. ¬

_ (¬1) في (ت): (عبد). (¬2) في (ت): (الرهان). (¬3) في (ت): (أقوم). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 10/ 547، ونصه: (وقال في الجمال يتكارى على حمل متاع فيحمل ثم يفلس صاحب المتاع والمتاع على الإبل أنه أولى به).

باب فيمن ارتهن خلخالين وادعى ضياعهما أو أفسدهما

باب فيمن ارتهن خلخَالين وادعى ضياعهما أو أفسدهما ومن ارتهن خلخالين ثم ادعى ضياعهما ضمنهما، والقول قوله فيما زعم أنه كان فيها، وإن كانا ذهبًا غرم قيمتهما فضة، أو فضة غرم قيمتهما ذهبًا، وعلى القول أن الصناعة إذا فسدت يقضى فيها بالمثل، يكون ها هنا عليه مثلهما مصوغتين؛ لأن الذهب والفضة مما (¬1) يقضي فيها بالمثل، والصياغة على هذا القول بالمثل فتوجه المثل من الوجهين جميعًا، وإن قال المرتهن: لا علم لي بما كان فيهما، وقال الراهن: كان فيها كذا وكذا وأنه أحلف واستحق، وإن كان مما يخشى، حلف أنه دفع إلى صائغه حين عمله له كذا وكذا وأنه أخذه على ذلك ولم يسترجع مما كان دفع إليه شيئًا واستحق (¬2)، وإلى هذا ذهب مالك في المبسوط. وقال ابن القاسم في كتاب محمد في امرأة ارتهنت حليًا فتعدى عليه المرتهن فرهنه عند غيره فكسره الثاني وباعه، وادعى صاحبه فيه ما لا يشبه ولا بينة له؛ حلف الذي كسره على ما وجد فيه. قال محمد: ويحلف المرتهن الأول أيضًا لها (¬3). يريد: إذا ادعى الأول معرفة ما فيه، وإن قال: لا أدري ما كان فيه، حلفت المرأة على ما قالت واستحقت، وحلف الثاني للأول على ما قال أنه وجد فيه وغرمه. ¬

_ (¬1) من قوله: (يقضى فيها. . . الذهب والفضة مما) ساقط من (ف). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 150 و 151. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 233.

واختلفا إذا كسرهما المرتهن الأول، فقال ابن القاسم: عليه ما نقص، ثم رجع فقال: عليه قيمتهما، وقال في كتاب الغصب: عليه قيمة الصياغة (¬1)، وروى أشهب عن مالك: عليه أن (¬2) يصوغهما، وإن هدم جدارًا كان عليه أن يبنيه (¬3). فأما القول الأول أن عليه نقصان الصياغة أو قيمتهما، فعلى الاختلاف فيمن أفسد ثوبًا فسادًا كثيرًا، فقال: عليه قيمة العيب، وقال مرة أخرى: قيمته كله. وأما قوله: إن عليه قيمة الصياغة، فلأن المصوغ والنحاس والحديد وكل ما إذا فسد يعاد إلى هيئته، فإنها (¬4) صنعة أضيفت إليه أفسدت وبقي الأصل على حاله فصار كسلعتين أتلف إحداهما. وأما قوله: يصوغهما، فهو راجع إلى ما في كتاب الغصب أنه يرفو ما أفسد؛ لأنه مما لا يستغني اللابس عنه والمتعدي أدخله في ذلك، وكذلك الحائط يهدم، وذكر ذلك مشروح في كتاب الغصب، وأرى إن كانا لتجارة أن يكون عليه الأكثر من قيمة الصنعة أو ما نقصته القيمة، وإن كانا (¬5) للباس أن يصوغهما. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 186، والنوادر والزيادات: 10/ 336. (¬2) قوله: (عليه أن) ساقط من (ف). (¬3) في (ف): (ينبيه)، انظر: النوادر والزيادات: 10/ 336. (¬4) قوله: (هيئته فإنها) ساقط من (ف). (¬5) في (ف): (كان).

باب فيمن باع الى أجل أو أقرض على رهن فإن لم يوف كان له ذلك الرهن بالدين أو باع بيعا إلى أجل على أن يبقى ذلك المبيع في يده رهنا

باب فيمن باع الى أجل أو أقرض على رهن فإن لم يوف كان له ذلك الرهن بالدين أو باع بيعًا إلى أجل على أن يبقى ذلك المبيع في يده رهنًا ومن باع سلعة إلى أجل أو أقرض وأخذ بذلك رهنًا على إن لم يوف كان له الرهن بالدين، كان البيع والقرض فاسدًا، ويرد المبيع إن كان قائمًا، وقيمته إن كان فائتًا، ويفسخ القرض ولا يؤخر إلى أجله، وإن كان القرض عرضًا جرى على حكم البيع، يرد مع القيام أو قيمته مع الفوت، وللمرتهن أن يحبس الرهن حتى يعطى القيمة الآن، والرهن قبل حلول الأجل إن هلك على حكم الرهان في الضمان. واختلف إذا فات بعد حلول الأجل (¬1) وكان على يد عدل أهل تكون مصيبة من المرتهن لأن العدل قابض له، أو من الراهن لأنَّ الحكم أن يرد ذلك الرضا وأن يبقى بيد العدل على حاله حتى يقضي الدين ولا يضمنه إلا أن يقبضه من العدل؟ واختلف أيضًا إذا كان على يد البائع أو المقرض، فقال مالك وابن القاسم: إذا حل سوقه أو تغير في نفسه بعد الأجل فهو فوت. وقال عبد الملك في المبسوط: إن فات ذلك بعتق أو بنيان بعقد، كان عليه قيمته يوم أحدث العتق والبناء. وفرق بين أن يصاب ذلك بغير فعل المرتهن أو بفعله، فكان أصيب بغير ¬

_ (¬1) إلى هنا انتهى ما وقفنا عليه من نسخة تازة، والتكملة على نسخة واحدة دون مقابلة على أخرى وهي نسخة فرنسا، المرموز لها بـ (ف).

فصل [فيمن باع عبدا إلى أجل على أن يبقى رهنا بيد البائع]

فعله لم يضمنه؛ لأن يده كانت عليه بالارتهان والرضا، والذي تراضيا أن يأخذه من حقه فاسدًا يفسخ، ويقر تحت يد المرتهن حسب ما كان حتى يقبض، ففارق بهذا البيع الفاسد إذا قبض ولم يكن رهنًا، إلا أن يكون المرتهن هو الذي أحدث فيه حدثًا بناء أو عتقًا أو بيعًا، فتكون القيمة يوم أحدث ذلك؛ لأنه لم يكن في ضمانه قبل ذلك. وقال محمد: قد قيل قيمته يوم فات (¬1)، ولم يبين الوجه الذي به فات. فصل [فيمن باع عبدًا إلى أجل على أن يبقى رهنًا بيد البائع] وقال مالك في كتاب محمد فيمن باع عبدًا أَو دارًا أو ثوبًا إلى أجل على أن يبقى ذلك رهنًا بيد البائع: لم يجز، وإن جعله بيد أجنبي جاز. قال محمد: ولا يجب ذلك (¬2). يريد: وإن طال بيد أجنبي. قال: وكل من اشترى شيئًا لا يدري متى يقبضه لم يجز (¬3)؛ لأنه لعل ذلك يطول الأشهر الكثيرة. وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: أما الدور والأرضون فيجوز وإن بقيت بيد البائع، وإن كان عبدًا لم يجز أن يبقى بيد البائع، ويجوز إذا وضع على يد غيره (¬4). وأجازه ابن الجلاب في الدور والأرضين والسلع ومنعه في الحيوان من غير مراعاة، حيث كان بيد البائع أو غيره (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 240. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 194. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 194. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 194. (¬5) انظر: التفريع: 2/ 273، 274.

وأجازه ابن القصار في جميع الأشياء، وقال: إن شرط البائع أن يكون المبيع نفسه رهنًا جاز ولم يفسخ (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: لأنه إن جعل وجه المبيع أنه يقع فيه تحجير، ولا فرق بين الدور والحيوان والعروض، وإن كان الوجه للضمان لم يمنع إلا الثياب إذا كانت على يد البائع، وأجيز وإن كان بيعًا فيه تحجير لأجل ذلك التحجير بيد المشتري، وإن دفع عجل الثمن وقبض المبيع. ¬

_ (¬1) انظر: عيون المجالس: 4/ 1635.

باب فيمن ارتهن رهنا فضاع عنده أو فلس ولا مال له إلا على الراهن

باب فيمن ارتهن رهنًا فضاع عنده أو فلس ولا مال له إلا على الراهن اختلف في ذلك، فقال ابن القاسم: أسوة الغرماء، وليس الدين يرهن في الرهن، وقال أشهب: الراهن أحق بما عليه (¬1)، والأول أبين؛ لأنه إن كان الراهن لم يسلم الرهن إلا لمكان ما عنده من الدين فلم يدخل على أن يكون رهنًا في يده ولا أن يحوزه على ربه، ألا ترى لو حل الأجل وهو موسر لكان عليه أن يبتدئ بدفع ما عليه ثم يقبض رهنه، ولم يكن له أن يقول: أنا أمسك ما علي من الدين حتى أقبض رهني، ولأن المرتهن لو أراد بيع ذلك الدين لم يكن للغريم -وهو الراهن- أن يأبى من ذلك وكان مجبورًا على تسليم ما عليه ويبقى الرهن قبل الأجل على يد العدل رهنًا لمشتري الدين. وقال ابن دينار: إذا ابتاع الطالب من غريمه سلعة لم يحاب فيها، جاز البيع وكان أسوة الغرماء، فإن قال: إنما ابتعت ليكون قصاصًا، أحلف بالله على ذلك وفسخ البيع؛ لأن الإنسان ربما زاد في الثمن من أجل المقاصة والاقتضاء فليس عليه إذا لم يتم له ذلك أن يؤخذ بالثمن. قال الشيخ - رضي الله عنه -: وهذا صحيح فيمن يجهل ويظن أنه إذا اشترى يكون أحق، أو اشتراها حقيقة ثم ظهر عليه. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 191، 192.

باب فيمن باع على رهن غير معين وما يجوز رهنه وما يمنع

باب فيمن باع على رهن غير معين وما يجوز رهنه وما يمنع إن البيع على رهن غير معين جائز وعلى الغريم أن يعطي النصف المعتاد، والعادة في الحواضر أن يرهنوا ما يغاب عليه، مثل الثياب والحلي، أو ما لا يغاب عليه، مثل الديار وما أشبهها، وليس العادة العبيد ولا الدواب، ولكن على المرتهن قبول ذلك، وإن كان أحق عليه في أنه مصدق في تلفه؛ لأن في حفظه كلفة ومشقة، وإن أحب أن يعطي ثيابًا وامتنع المرتهن؛ لأنه مما عليه فيه ضمان، أو أحب الراهن أن يعطي دارًا وامتنع المرتهن وأحب ما يبين به ويكون تحت غلقه (¬1)، كان القول قول الراهن؛ لأن كل ذلك يرهن، وإنما له فيه وثيقة من حقه إلا أن يشترط صنفًا فيوفى له به، ولو كان الدين عينًا مؤجلًا كان عليه أن يعطيه ما يرى أنه يشتري به مثل ذلك السلم إذا حل في الغالب، وليس للمسلم إليه أن يعطي بقدر ما يسوي المسلم فيه على غلائه قبل الإبان. ¬

_ (¬1) الغَلَقُ في الرهن ضد الفك فإذا فَكَّ الراهنُ الرهنَ فقد أَطلقه من وثاقه عند مُرْتَهنه وقد أَغْلَقْتُ الرهن فَغَلِقَ أي أوجبته فوجب للمرتهن ومنه الحديث: "ورجل ارتبط فرسًا ليُغالِقَ عليها". أي ليراهن، وكأنه كره الرِّهان في الخيل إذ كان على رسم الجاهلية قال سيبويه وغَلِقَ الرَّهْنُ في يد المرتهن يَغْلق غَلَقًا وغُلُوقًا فهو غَلِقٌ استحقه المرتهن وذلك إذا لم يُفْتَكّ في الوقت المشروط وفي الحديث: "لا يغْلَق الرهن بما فيه". . . ويقال: غَلِقَ الرهنُّ يَغْلَقُ غُلُوقًا إذا لم يوجد له تخلص وبقي في يد المرتهن لا يقدر راهنه على تخليصه والمعنى أنه لا يستحقه المرتهن إذا لم يَسْتَفِكَّه صاحبُه وكان هذا من فعل الجاهلية أن الراهن إذا لم يُؤدِّ ما عليه في الوقت المعين مَلَكَ المرتهنُ الرَّهْنَ فأَبطله الإسلام. انظر: لسان العرب: 10/ 291.

فصل [في أصناف الرهن]

فصل [في أصناف الرهن] الرهن خمسة أصناف: فالأول: ما يجوز بيعه وملكه، فرهنه جائز على الإطلاق، كان شرطًا في أصل العقد أو بعده. والثاني: ما يجوز ملكه ولا يجوز بيعه في بعض الأحوال لمكان الغرر، كالثمر قبل بدو صلاحه، والآبق، والبعير الشارد، والجنين في بطن أمه، وهذا يجوز رهنه في أصل القرض وبعد تقرره في الذمة ويجوز في البيع بعد العقد، واختلف في جوازه في أصل العقد. والثالث: ما يجوز ملكه ولا يجوز بيعه وليس لمكان الغرر، كأم الولد، وجلود الميتة قبل دباغها، وعظام الفيل. والرابع: ما لا يجوز ملكه، كالخمر، والسم وما أشبه ذلك، فهذان الصنفان لا يجوز رهنهما؛ لأن فائدة الرهن بيعه عند العجز عن الوفاء وهذه لا يجوز بيعها. والخامس: ما اختلف في جواز بيعه، كجلود الميتة بعد الدباغ، وكجلود السباع قبل الدباغ وبعده، وكلب الماشية والصيد والزرع، فمن أجاز بيعها أجاز رهنها، ومَن منع البيع منع الرهن. ورهن منافع المدبر ورقبته مفترقة، فإن أرهن خدمته مدة معلومة يجوز بيعها ليؤاجر المرتهن تلك المدة، جاز في عقد البيع وبعده، وإن رهن جميع خدمته، جاز بعد العقد، ويختلف فيه إذا كان في العقد. وإن رهن رقبته على أنه إن مات الراهن ولا مال بيع له المدبر وكان في أصل العقد، كان على الخلاف

في رهن الغرر؛ لأنه لا يباع له الآن ولا يدري متى يموت السيد، ولا هل يحيى المدبر إلى موت السيد. وإن رهن رقبته الآن ليباع الآن، لم يجز. ويختلف هل يعاد حقه في الخدمة ويباع له وقتا بعد وقت حسبما يجوز من بيعها؟. وقد اختلف فيمن ارتهن دارًا ثم ثبت أنها حبس، فقيل: لا شيء له من غلتها؛ لأنه إنما أرهنه الرقية (¬1). وقيل: يكون له ما يصح للراهن ملكه منها، وهي المنافع التي حبست عليه، وكذلك المدبر. واختلف في رهن الجنين، فمنعه في كتاب الصلح (¬2)، وأجازه ابن ميسرة، وهذا إذا كان في أصل عقد البيع. واختلف إذا اشترط منفعة الرهن وكان مما يسرع إليه التغير، كالثياب والحيوان وقد تقدم. وقال ابن القاسم في كتاب محمد فيمن باع سلعة بحميل على أنه إن مات المشتري أو الحميل فالحمالة ساقطة: فأجازه أصبغ (¬3). وفي المدونة: إذا كانت الحمالة إلى خروج العطاء، لا بأس، وإن لم يكن المعطي معروفًا إذا لم يكن في أصل البيع إنما هو سلف أو دين، أنظر به (¬4). وإذا فسد البيع للغرر في الحمالة فسد لمثل ذلك في الرهن، فأجازه لأن الرهن والحمالة خارجان من الثمن والثمن معلوم، ووجه المنع؛ لأن البائع حط ¬

_ (¬1) هكذا بالمخطوط: (ف)، ولعل الصواب: رقبة. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 184. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 130. (¬4) انظر: المدونة: 4/ 121.

فصل [فيمن ارتهن ثمرة لم يبد صلاحها]

من الثمن لأجلها. ويجري فيه قول آخر: أنه إن رضي البائع بإسقاط الحمالة والرهن، جاز. فصل [فيمن ارْتَهَنَ ثَمرةً لَمْ يبد صلاحها] يجوز رهن الثمرة إذا كان طيبها عند محل الأجل، أو إيقاف ثمنها إن بيعت، جاز، وإن اشترطا بيعها إذا طابت وأن ينقد ثمنها، وكان ارتهنها في أصل عقد البيع، لم يجز؛ لأن البائع دخل على أن الثمن مترقب لا يدري متى يتعجله إن هلكت الثمرة تأخر جميع الثمن، وإن سلمت لم يبلغ ما تباع به. وإن كان رهنًا بعد العقد، جاز أن يشترط يعجل (¬1) ثمنها، إلا أن يشترط أنما (¬2) عجز من ثمرة هذا العام قبضه من ثمرة قابل، فلا يجوز؛ لأن الراهن لم يرض بتعجيل ثمن هذا إلا لما يرجى بالباقي بعد محل أجله، وإن رهنت بعد عقد البيع وكان طيبها بعد محل الأجل، فإن رهنه على أنه مأخوذ بالقضاء عند محل الأجل فما عجز أخذ من الثمرة إذا طابت، جاز. وإن شرط أن يؤخر عند الأجل ليقبض من الثمرة لم يجز؛ لأنه لم يرض بتأخيره إلا لمكان ما وثقه من ذمته. فصل [فيمن ارتهن عصيرًا فصارت خمرًا] وإن ارتهن عصيرًا فصارت خمرًا، أهريقت، فإن غفل عنها حتى عادت ¬

_ (¬1) هكذا بالمخطوط ولعل الصواب: أن يعجل. (¬2) هكذا بالمخطوط ولعل الصواب: (أن ما)؛ لأن (ما) هنا اسم موصول ولا يصح وصله في الكتابة بـ (ما) النافية.

خلًّا بقيت في الرهن. وإن كان الراهن نصرانيًا رهن عصيرًا فصار خمرًا، أسلم إليه ولم يهرق، وإن عاد خلًّا أو خلله، انتزعت عنه وردت في الرهن. وقال ابن القاسم: إذا كان العصير ليتيم فصارت خمرًا، يرفعها إلى السلطان فيأمر بها فتهراق، خوف أن يتعقب فيطلب بها (¬1). يريد: إذا كان حاكم الموضع يحكم ببقائها أو يخللها، وإلا فليس ذلك عليه. وفي كتاب مسلم: "سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الخمر تتخذ خلًا؟ فقال: لا" (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 161. (¬2) أخرجه مسلم: 10/ 189، في باب تحريم تخليل الخمر، من كتاب الأشربة برقم (3669).

باب في الراهن يتعدى في الرهن بالبيع أو العتق أو غيره أو يقر أن الرهن لغيره أو أنه جنى جناية

باب في الراهن يتعدى في الرهن بالبيع أو العتق أو غيره أو يقر أن الرهن لغيره أو أنه جنى جناية ومن أرهن رهنًا لم يكن له أن يتصرف فيه بالبيع، أو العتق، أو التدبير، أو الكتابة، أو الإيلاد إن كانت أمة، أو الهبة قبل الحوز ولا بعده، إلا أن يعجل ذلك الدين. واختلف إذا فعل ذلك بعد القبض وهو موسر، هل يحمل فعله على الوجه الجائز والرضا بتعجيل الدين، أو على التعدي؟ فقيل: ذلك رضا بتعجيل الدين، فإن باع بأقل من الدين، كان عليه أن يعجل جميع ذلك الدين. وإن أعتق، أو دبر، أو كاتب، أو أولد، أو وهب وقيمة العيب أقل من الدين، كان عليه أن يعجل جميع ذلك الدين ويمضي فعله في ذلك كله. وقيل: لا يحمل للرضا بالتعجيل. وإن باع بأقل من الدين، خُير المرتهن بين أن يجبر البيع ويأخذ ما بيع به، أو يرد، فإن أعتق وكانت أقل من الدين، كان عليه قيمة العيب. قال ابن القاسم: إذا أعار عبدًا ثم أعتقه ولا فرق بين العارية وغيرها؛ لأنه لا خلاف أن ليس له أن يفيته إلا أن يتعجل الثمن (¬1). وقال ابن القاسم في كتاب محمد: تعديه في العتق كتعديه في البيع (¬2). وقال أبو محمد عبد الوهاب عن الأبهري: إذا أعتق فأراد الراهن أن يعطيه ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 206. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 203.

رهنًا آخر إلى الأجل، جاز (¬1)، وكذلك ينبغي إذ [. . .] (¬2) الولد ألا يكون عليه إلا قيمة الأمة إن كانت أقل من الدين، وإن دبر أو كاتب بقي في الرهن على حاله. وقيل: الكتابة كالعتق، بخلاف التدبير (¬3)، وعلى هذا إن وهب قيل للمرتهن: إما أن تمضي الهبة، ويبقى دينك إلى أجله، أو ترد الهبة ويبقى في الرهن، مثل قولي أشهب في البيع أنه يخير المرتهن بين أن يمضي البيع ولا شيء له من ثمنه، أو يرد ويبقى في الرهن، ويحلف الراهن في جميع ذلك أنه لم يفعل ذلك على وجه الرضا بتعجيل الدين. وإن حل الأجل وهو موسر، قضى ما عليه ومضى فعله على صفة ما عقد، وإن كان معسرًا بيع في الدين. وقد اختلف فيمن اشترى على صفة الخيار ثم باع أو أجبر، وقال: فعلت ذلك على التعدي ولم أرض بالبيع، هل يحمل على الرضا ويلزم الثمن، أو يحلف ويرد ويعجل الدين، وإنفاذ العتق يصح إذا كان للدين عينًا. وقال سحنون: إذا كان عرضًا، المرتهن بالخيار إن شاء تعجل دينه وسلم، وإن شاء حبسها رهنًا إلى الأجل (¬4). وأرى أن الحكم بتغليب أحد الضررين أن لا يتعجل مكانها رهنًا وينفذ العتق وحكم الإيلاد إن كانت ولدت. ¬

_ (¬1) انظر: المعونة: 2/ 155. (¬2) في (ف) مكانها بياض. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 205. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 205.

فصل [فيمن أعار عبدا ليرهنه ثم أعتقه بعد الحوز وهو موسر]

فصل [فيمن أعار عبدًا ليرهنه ثم أعتقه بعد الحوز وهو موسر] واختلف إذا فعل ذلك قبل الحوز كالاختلاف الأول، فقال ابن القاسم في العتبية: إن باع قبل الحوز أو أعتق أو وطئ أو وهب أو تصدق وكل ما صنع فيه من شيء وهو موسر، جائز ويؤخذ ما عليه من الدين ويقضى صاحبه، وإن لم يكن موسرًا لم يجز منه شيء إلا أن يولد أو يبيع (¬1)، وحمل أنه فعل ذلك على ما يجوز. وقيل: كل ذلك ليس برضا ولا يعجل الدين. ويختلف بعد القول أن ذلك ليس رضا في البيع، هل يتعجل الثمن الذي بيع به، أو يوقف، أو يأخذه الراهن ولا شيء للمرتهن فيه؟. وقال أشهب في كتاب محمد: أما الكتابة والتدبير فللمرتهن أن يقبض رهنه بحوز وهو مكاتب ومدبر، وتكون الكتابة رهنًا ولا تكون خدمة المدبر رهنًا. قال محمد: والكتابة قبل الخدمة (¬2). يريد: فيأخذ السيد كلما حل نجم، فإن أدى كان حرًا ولا شيء للمرتهن فيه، وإن عجز كان رهنًا، وعلى القول الأول يكون للمرتهن أن يأخذ كلما حل نجم من دينه لا فائدة في وقفه، فإن وفَّى أو عجل الكتابة كان حرًّا وإن كان الدين أكثر من الكتابة، وإن عجز كان رهنًا في الباقي. وأما المدبر فكان حل الأجل وهو معسر، لم يبع له ويكون موقوفًا في الرهن حتى يموت الراهن فيباع له إن لم يخلف شيئًا، وليس كذلك إذا كانت الكتابة ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 11/ 77. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 204.

والتدبير بعد الحوز على القول أنه ليس بوصي فإنه لا يمضى جزيتها إلا بعد قضاء الدين. وإن حل الأجل والسيد معسر بيع المدبر ولا حجة له؛ لأن السيد إنما التزم التدبير على هذا الوجه، وأما المكاتب فيكون للمرتهن على قول أشهب أن يقبض كل ما حل من نجومه، فإن وفَّى الكتابة ولم يوف الدين، لم ينفذ له حريته على الأجل فيقبض الراهن تمام دينه، فإن لم يوجد له شيء بيع من المكاتب على أنه مكاتب بقدر ما بقي، فإن لم يوف وإلا عجزه، بيعت رقبته على قول محمد أن الكتابة غلة يقبض السيد كل ما يحل من نجومه ولا ينفذ له حرية، فإن أدى السيد الدين بعد محل الأجل، وإلا بيع والعبد في كلا القولين في الخيار بين أن يمضي على الكتابة على مثل ذلك أو يرد؛ لأن عليه في ذلك ضررًا، إلا أن تكون الكتابة على مثل الخراج، فإن أولد تعديا وهو معسر وفيها فضل، بيع منها الآن بقدر الدين ويعتق الباقي، وقال أشهب: يؤخر إلى محل الأجل فإن لم يكن له مال بيع جميعًا؛ لأنه لا تكون بعض أم ولد، وهذا إذا أصابها وهي في حوز المرتهن ولا يتصرف (¬1). واختلف إذا كانت تتصرف في حوائج المرتهن، فقال مالك: هي أم الولد للراهن وقد خرجت من الرهن (¬2). وقال في كتاب محمد: إن لقيها الراهن فوطئها فحملت فأرى أن تباع وليس على الولد سبيل؛ لأنه لم يدخل في رهنه (¬3)، فهذا أحسن. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 205. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 205. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 11/ 57، والنوادر والزيادات: 10/ 205.

واختلف إذا كانت على يد عدل فسلمها العبد فحملت منه وهو فقير، فقال ابن القاسم في العتبية: الأمين ضامن لقيمتها يوم حملت وليس لجميع الدين، ويتبع الأمين السيد، إلا أن يكون الأمن فقيرًا فيكون المرتهن أحق بالجارية إذا لم يعلم (¬1)، وعلى قول محمد لا يكون للمرتهن عليها سبيل، وإن كانا فقيرين الراهن والعدل؛ لأنه قال: إذا كانت قائمة العين بيد الراهن ضرب المرتهن فيها مع الغرماء ولم يكن أحق بها، وإن وطئها المرتهن حُدَّ وعليه ما نقصها إن كانت بكرًا، طاوعته أو أكرهها، وقيل: لا شيء عليه إذا طاوعته، والأول أحسن؛ لأن طوعها يتعلق به حق الله وحق للسيد وهو ما نقصها، وطوعها على سيدها لا يسقط حقه. وقال أشهب في كتاب محمد: إذا وهب الراهن قبل الحوز وهو موسر كان المرتهن أحق به (¬2). وقال أشهب: إن كان حاز ما يعجل الدين؛ لأنه فرط، وإن كان معسرًا كان المرتهن أحق به، وإن لم يجزه الموهوب له حتى قاما جميعًا (¬3). قال محمد: فذلك عند أشهب مثل إذا حازه، فيكون للمرتهن أن يتعجل حقه وتمضي الهبة، وأجرى الجواب على أصله إذا وهب ثم وهب فجاز الثاني إلا أن يعجل له الدين. وقال مالك فيمن أعار عبدًا ليرهنه ثم أعتقه بعد الحوز وهو موسر: كان عليه أن يعجل الأقل من قيمته والدين، على القول الآخر يعجل الدين وإن كان أكثر من قيمته، والأول أصوب. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 11/ 131. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 203. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 204.

فصل [فيمن رهن عبدا فأعتقه وهو في الرهن]

فصل [فِيمنْ رَهنَ عَبْدًا فَأَعْتقهُ وهو فِي الرَّهْنِ] وإذا أعتق الراهن بعد حوز الرهن وهو معسر، فقال العبد أو أجنبي من الناس: خذوا دينكم ولا يرد في الرق، كان ذلك له ولا مقال للمرتهن، وإن قال الأجنبي أو العبد: إنما قضيت لأرجع على السيد، كان ذلك له؛ لأن السيد رضي أن يعتق ويبقى الدين في ذمته يتبع له، فهم يتبعونه بما رضي أن يتبع به. وقال أبو الزناد في العبد: ليس له ذلك ولا يجيء قوله على أصل المذهب (¬1). واختلف فيمن رهن رهنًا، فقال: إن مضت هذه السنة ولم أقض فقد خرج من الرهن. فقال ابن القاسم: ليس برهن في السنة ولا بعدها (¬2). وأرى أن يكون رهنًا إن قيم عليه في السنة ولا يكون بعدها، وإن قال: هو رهن في السنة الثانية دون الأولى كان كما شرط، فإن فلس في السنة الأولى دخل عليه فيه الغرماء، وإن فلس في السنة الثانية كان أحق به. وقال محمد: إذا قال له الراهن أنا مبدى منه بمائة دينار، كان كما شرط ويكون المرتهن أحق بما زاد على المائة، فإن لم يوف بدينه ضرب بالباقي مع الغرماء في تلك المائة، وإذا أقر الراهن بعد الحوز وهو موسر أن الرهن لفلان، كان للمقر له أن يأخذه ويتعجل الراهن الدين، وإن كان معسرًا لم يجز إقراره وكان المقر له بالخيار بين أن يضمن للراهن قيمته أو يؤخر ذلك إلى الأجل، ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 205. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 160.

فإن كان معدمًا بيع للمرتهن وكان المقر له بالخيار بين أن يتبع الراهن بقيمته يوم تعدى أو بما بيع، ولو لم يتعد وقال: عملت بذلك بعد الرهن، لم يكن عليه أن يتعجل الدين، ولم يكن للمقر له على الرهن سبيل حتى يحل الأجل فيقضي الدين؛ لأن المقر يقول: لم أتعد في الرهن فيلزمني تعجيل الدين، والمرتهن يقول: لا يجوز إقراره علي بما يخرج الرهن ولم أقبض الدين، فإن حل الأجل والغريم معسر، بيع ولم يتبع الراهن بما بيع به، ولا ينظر إلى قيمته يوم كان وضع الراهن يده عليه. وإن أقر أنه جنى عند المرتهن، لم يجبر على أن يفتديه، ولم يجز إقراره على المرتهن إن قال: أنا أسلمه ولا أفتديه ويبقى في الرهن، فإن حل الأجل وهو موسر قضى الدين وأخذه المقر له بالجناية، وإن كان معسرًا بيع في الدين وأتبعه المجنى عنه بقدر ما قضى عنه من الدين، وإن اعترف أنه جنى قبل الرهن ولم يعلم حتى خفى رهنه، فكذلك إن كان عالمًا وقال: أفتديه، كان كإقراره أنه لفلان. قال ابن القاسم: يجبر على أن يعجل الدين ويأخذ المقر، وإن كانت الجناية أكثر من قيمته كان للمجني عليه أن يحلفه أنه لم يرهنه رضًا بتحمل الجناية، وإن كان معسرًا بيع في الدين واتبعه المقر له بالأكثر من قيمته يوم رهنه أو بما بيع به. وقال ابن القاسم فيمن غصب عبدًا ثم جنى عنده ثم رده إلى سيده: فإن سيده بالخيار بين أن يضمن الغاصب ثم يكون الغاصب بالخيار بين أن يفتديه أو يسلمه، وإن أحب سيده أن يفتديه من المجني عليه ولا يتبع الغاصب بشيء (¬1). وأرى أن الجناية لما لم تكن من الغاصب كانت كعيب نزل به لا سبب ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 363.

فصل [في رهن المشاع]

للغاصب فيه فكان المغصوب منه بالخيار بين أن يأخذه بعيبه ولا شيء له أو يضمن. وقال أشهب: المغصوب منه بالخيار بين أن يسلمه في الجناية أو يفتديه ويرجع في كلا الأمرين على الغاصب بالأقل من قيمة العبد أو قيمة الجناية؛ لأن الغاصب لا ينفك من ذلك فإما أن يفتديه أو يسلمه لسيده فهو يغرم الجناية أو يسلمه في الجناية فهي قيمة. فصل [في رهن المشاع] وإذا ارتهن رجلان من رجل دارًا ثم قضى الراهن أحدهما كان له أن يغرم في حصته من الرهن ثم يختلف هل يكون يد الراهن مع الباقي منهما أو يجعل وكيلًا مقامه، وقد تقدم ذلك في أول الكتاب في رهن المشاع فإن أرهن رجل من رجلين ثم قضاه أحدهما جاز أن تكون يده معه في نصيبه من الرهن.

باب فيمن تصدق أو حبس على بنيه وهم صغار أو كبار فيحوز بعض ذلك

باب فيمن تصدق أو حبس على بنيه وهم صغار أو كبار فيحوز بعض ذلك وإذا تصدق أو حبس على صغار بنيه بدار أو دور ثم سكن بعض ذلك فإن سكن النصف وحاز النصف، بطل ما سكن وصح ما لم يسكن، وإن سكن اليسير صح الجميع، وإن سكن الكثير بطل الجميع وهذا مذهب ابن القاسم وأشهب فأما الأكثر فلا خلاف فيه فإنه يمضي إن حيز ويبطل إن لم يحز (¬1). واختلف في القليل في أربعة مواضع: إذا سكن الكثير من الصدقة أو الحبس وكان الأقل محوزًا بيد غيره، أو سكن القليل من الصدقة والأكثر بيده، أو كانوا كبارًا فسكن القليل وحازوا الكثير وهل الدور كالدار في مراعاة القليل والكثير، أو تراعى كل دار في نفسها. فقال محمد: قال ابن القاسم وأشهب في الحبس إن سكن القليل جاز جميعه فإن سكن الأكثر بطل جميعه قال وسواء عندهما حاز ما بقي هو بنفسه أو حازه غيره (¬2). وقال عبد الملك: إن حاز البعض صح ذلك البعض، وإن قل وإن سكن القليل والباقي محوز بيد غيره بطل ما سكن، قال: وإنما يترك سكنى العامل في الحبس لأجل حيازة ما لم يسكن بحسن نظره وتعاهده وإصلاحه وحفظه وذلك إنما إذا كانوا صغارًا كلهم (¬3)، وأما الصدقة فإن سكن البعض ليحوز ما ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 166، والنوادر والزيادات: 12/ 115، 116. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 117. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 117، 118.

بقي بطل ما سكن وإن قل فجعل الأتباع مراعاة في نفسها فتصح إن حيزت وتبطل إن لم تحز إلا في القليل من الحبس فإنه في معنى الأكثر لقيامه (¬1). وقال سحنون: إذا كانوا كبارًا فقبضوا لأنفسهم وسكن البعض بطل ما سكن (¬2)، يريد: وإن قل وهذا مثل قول عبد الملك إنه إنما يعفى عن سكناه القليل لأجل قيامه بالكثير والكبار بها هنا حازوا لأنفسهم ولم أر خلافًا في الكبار إذا حازوا القليل أنه يصح ويلزم على قول ابن القاسم وأشهب إذا حاز القليل الصغار أو حوزوه أجنبيًا أن يبطل ما حازه الكبار إذا كان قليلًا. وقال أصبغ: إذا كانت دورًا فسكن دارًا منها كبرت أو صغرت أو استغلها أو جلها فهي باطلة ويصح غيرها قل أو أكثر مما حازه للصغار أو حازه الكبار؛ لأن كل دار تصير كحبس على حدة وأما دار واحدة ذات منازل فإذا سكن منها يسيرًا جازت كلها وإن سكن أكثرها أو استغلها جاز باقيها إذا حازه أو حوزه (¬3). قال: ويتفق هذا في الصغار والكبار (¬4) وإن كانوا صغارًا أو كبارًا فإن حاز الكبار الأكثر صح الجميع على مذهب ابن القاسم ولا يصح على قول عبد الملك ما لم يحز وإن حازوا القليل صح نصيبهم منه وبطل نصيب الصغار وعلى قول عبد الملك يصح نصيب الصغار؛ لأنه محوز عن الأب بطل ما سكنه الأب في جميع هذه الوجوه؛ لأنه الأكثر وإن سكن الأب بعضًا وحاز بعضًا وحاز ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 116. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 159. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 159. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 160.

الكبار بعضًا وكل ذلك قريب من السواء صح نصيب الصغار من جميع الصدقة على قول ابن القاسم؛ لأنه سكن أقل عطيتهم والأكثر محوز لهم بيده وبيد الكبار لم يصح من نصيب الكبار إلا ما حازوه لأنفسهم وبطل ما في يد الأب؛ لأنه الأكثر من صدقتهم وهو لا يصح أن يحوز لهم بخلاف الصغار.

باب فيمن رهن عبدا وله زوجة أو أمة هل يمنع منها ومن أرهن أمة هل يزوجها

باب فيمن رهن عبدًا وله زوجة أو أمة هل يمنع منها ومن أرهن أمة هل يزوجها ومن رهن عبده لم يمنع من زوجته وإن كانت الزوجة ملكًا لسيده وأرهنهما جميعًا لم يمنع منها. . . (¬1) في (¬2) المدونة إذا أرهن جارية عبده أو أرهن العبد وأمته لم يكن له أن يصيبها فإن افتكها أو افتكهما حلت له (¬3)، وأرى الرهن تعريض للانتزاع. واختلف إذا رهن العبد دون أمته فقال محمد: له أن يصيبها (¬4)، وقال محمد بن مسلمة: ذلك انتزل فيمنع منها وإن افتكه فلا ترد إليه إلا برد جديد وشبهه بالبيع. فصل [في منع تزويج الأمة المرهونة] ولا يجوز لمن أرهن أمة أن يزوجها، قال ابن القاسم: لأن ذلك عيب (¬5). واختلف إذا فعل فرضي المرتهن أو لم يرض فأجازه ابن القاسم في المدونة إذا رضي (¬6). ¬

_ (¬1) بياض في (ف). (¬2) كذا في المخطوط ولعل الصواب: (وفي). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 167. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 180. (¬5) انظر: المدونة: 4/ 167. (¬6) انظر: المدونة: 4/ 167.

وقال ابن يحيى: يفسخ وإن أجازه، يريد: إذا أجازه على أن يمنع منها حتى يفتك. وقال ابن القاسم في الدمياطية: السيد ضامن لقيمتها، وقال أشهب: يفسخ ما لم يدخل فإن دخل بعلم المرتهن فسد الرهن وإن كان بغير علمه فالرهن بحاله ويحال بين الزوج وبينها ولا يفسخ ولها صداق مثلها إن كان أكثر مما أصدقها (¬1). وقال محمد بن عبد الحكم: يفسخ وإن دخل لتأخير الوطء؛ لأن ذلك نقص في الرهن وقد يساوي مائة وبعد التزويج خمسين، فإن فسخ كان صداقها رهنًا معها، وإن نقص الاقتضاض أكثر مما أخذ في الصداق غرم ذلك السيد ووقف مع الصداق (¬2). انتهى قوله. قال الشيخ - رضي الله عنه -: الإجارة على أن يمكن الزوج منها جائزة، وعلى أن يمنع منها حتى يفتك لا تجوز، وأما الصداق، فالسيد على القول أنه كمالها؛ لأن مالها لا يدخل في الرهن إلا باشتراط، وإن كانت بكرًا كان للمرتهن منه قدر ما نقصها والفاضل للسيد، وإن كان أقل أتم السيد، وقول ابن عبد الحكم أنه يوقف معها، فعلى القول أنه ثمن لبضعها. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 207. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 207.

باب فيمن أرهن جارية بمائة ثم أقرضه مائة على أن يرهنه رهنا بالدينين جميعا

باب فيمن أرهن جارية بمائة ثم أقرضه مائة على أن يرهنه رهنًا بالدينين جميعًا وقال مالك فيمن له على رجل خمسمائة وبها رهن جارية قيمتها خمسمائة ثم أقرضه خمسمائة على إن أرهنه رهنًا بألف قيمته ألف قال لا خير فيه (¬1)، وأجازه محمد فيمن له دين رهن، فقال الغريم قبل الأجل زدني في الأجل وأزيدك رهنًا فإن كان الرهن الأول فيه وفاء لا شك فيه جاز (¬2). والأول أحسن إذا لم يحل الأجل؛ لأن الطالب لا يريد قرضًا ليزيده رهنًا إلا لأمر يتخوفه من الأول، ولو حل الأجل وهو موسر أو معسر وفي الرهن وفاء جاز أن يقرضه برهن يرهنه بالدينين جميعًا؛ لأن التخوف حينئذ إنما هو فيما يكون في المستقبل وقد كان له أن ياخذ حقه حالًا. وقال مالك في كتاب محمد في رجلين ارتهنا رهنًا من رجل ثم أنظره أحدهما سنة وقام الآخر ببيع الرهن فإن كان ينقسم ولا ينقص حق الذي قام بحقه بيع له نصف الرهن وإن خيف أن ينقص بيع كله وأعطي حقه من ذلك فإن كاتب نفس الذي أنظره دفع بقية الثمن للراهن وإلا حلف أنه لم ينظره إلا ليوقف رهنه على حاله وأعطي حقه (¬3). وقال مالك في المستخرجة: إلا أن يأتي الراهن برهن فيه وفاء بحق الذي أنظره فيكون له أخذ ثمن الرهن إلى الأجل (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 82، 167. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 193، 194. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 219. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 11/ 69، والنوادر والزيادات: 10/ 219.

باب في رهن الدين

باب في رهن الدين رهن الدين جائز، وحيازته أن يأخذ المرتهن ذكر الحق ويجمع بينه وبين الغريم، فإن لم يكن ذكر حق فيجمع بينه وبين الغريم ويقدم إليه بحضرة البينة، ألا يقبضه إياه حتى يصل إلى حقه، فإن فعل كان متعديًا وغرم ذلك الدين ثانيًا، فإنه أتلفه على المرتهن إلا أن يكون حقه أقل، وإن كان الغريم غائبًا ولا كتاب عليه فالإشهاد يجزئ وفيه اختلاف. وإن أرهنت امرأة صداقها دفعت الصداق للمرتهن وجمعت بينه وبين الزوج، ويصح أن يرتهن الرجل دينًا في ذمته ويحوزه من نفسه لنفسه وليس على الطالب أن يدفع إليه ذكر الحق؛ لأنه يخشى أن يجحده، فيتلف حقه ولأن قبض المرتهن للكتاب إنما هو ليقبض به، وهذا مستغني فيه في هذه المسألة، فإن باعه سلعة بثمن إلى أجل على إن ارتهن ذلك الدين فكان أجل الدينين سواء- جاز البيع. وكذلك إذا كان حلول الدين الآخر قبل، فإن وفى الراهن وإلا بيع ذلك الدين وقضى المرتهن، إلا أن يكون ذلك الدين طعامًا من سلم فيؤخر إلى محل الأجل، وإن كان محل الأجل قبل وشرطا بقاءه في الذمة حتى يحل الأجل الآخر لم يجز ويدخله بيع وسلف، وإن شرطا أن يخرج إذا حل ويوقف عند عدل جاز، وإن لم يشترطا بقاعه ولا إخراجه جاز ويخرج من الذمة إذا حل فيوقف. تم كتاب الرهن بحمد الله وحسن عونه وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليمًا

كتاب الغصب

كتاب الغصب النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ق 9) = نسخة القرويين رقم (369)

باب في تحريم الغصب والتحذير منه

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كتاب الغصب باب في تحريم الغصب والتحذير منه أخذ الأموال من غير رضا أربابها من غصب أو تعدٍ (¬1)، أو خيانة، أو اختلاس، أو انتهاب، أو سرقة، محُرَّم بالقرآن والسُّنة والإجماع. فأمَّا الكتاب فقوله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]. وأكل المال بالباطل على وجهين، أحدهما: أخذ المال بغير رضا المالك كالغصب والتعدي وغير ذلك مما تقدم ذكره. والآخر: أخذه برضا على وجه محظور (¬2) كالقمار وأجرة الملاهي والغناء والنياحة وثمن الخمر والخنزير وما أشبه ذلك، وقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة: 38]. ¬

_ (¬1) قوله: (من غصب أو تعدٍ) ساقط من (ف). (¬2) في (ف): (محضور).

فصل [في جزاء الغصب]

وقوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: 10]. وأمَّا السُّنة فقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ وَعِرْضُهُ وَمَالُهُ" أخرجه مسلم (¬1)، وقوله في حجة الوداع: "فإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا" أخرجه البخاري ومسلم (¬2). فصل [في جزاء الغصب] ومن غصب شيئًا أتى به يوم القيامة ثم عُذِّب به، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 161] وقال في مانع الزكاة: {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ} [التوبة: 35]، ومانع الزكاة غاصب للمساكين القدر الذي أمر أن يعطيهم (¬3) إياه، وقال الله سبحانه: {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 180] وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنْ الأَرْضِ طُوِّقَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَاضِين" أخرجه البخاري ومسلم (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم: 4/ 1986، في باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله، من كتاب البر والصلة والآداب، برقم (2564). (¬2) متفق عليه، البخاري: 1/ 37، في باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "رب مبلغ أوعى من سامع"، من كتاب العلم طي برقم (67)، ومسلم: 3/ 1305، في باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال، من كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، برقم (1679). (¬3) قوله: (يعطيهم) في (ف): (يطيبهم). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 866، في باب إثم من ظلم شيئا من الأرض، من كتاب =

وقال أبو هريرة: قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1) يذكر الغلول وعظم أمره فقال: "لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لهَا ثُغَاءٌ، وَعَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لهَا حَمْحَمَةٌ يَقُوُل: يَا رَسُولَ اللهِ، أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ، وَعَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لهَا رُغَاءٌ يَقُولُ: يَا رَسُولَ الله، أَغِثْنِي فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ، وَعَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ فَيَقُوُل: يَا رَسُولَ الله، أَغِثْنى فَأَقُوُل: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ" (¬2) أخرجه البخاري ومسلم (¬3)، في بعض طرقه: "عَلَى رَأْسِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ". وقال في مِدْعَم: "إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَصَابَ يَوْمَ خَيْبَرَ لَمْ تُصِبْهَا المَقَاسِمُ لَتشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا" (¬4)، وقال: "دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا وَلَمْ تُطْعِمْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوْعًا" (¬5)، وقال: "إِنَّ الْهِرَّةَ تَخْدِشُهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ" (¬6). ¬

_ = المظالم، برقم (2321)، ومسلم: 3/ 1231، في باب تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها، من كتاب المساقاة، برقم (1612). (¬1) قوله: (من ظلم قيد شبر. . . - صلى الله عليه وسلم -) ساقط من (ف). (¬2) قوله: ("لا ألفين أحدكم يوم القيامة. . . لا أملك لك شيئا قد أبلغتك") في (ف): (لايأتين أحدكم فيقول يا رسول الله غثني، فيقول لا أملك لك شيئًا قد أبلغتك). (¬3) متفق عليه، البخاري: 3/ 1118 في باب الغلول، من كتاب الجهاد والسير، برقم (2908)، ومسلم: 3/ 1461 في باب غلظ تحريم الغلول، من كتاب الإمارة، برقم (1831). (¬4) متفق عليه، البخاري: 4/ 1547 في باب غزوة خيبر من كتاب المغازي، برقم (3993)، ومسلم: 1/ 108، في باب غلظ تحريم الغلول وأنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون، من كتاب الإيمان، برقم (115). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري: 3/ 1205، في باب خمس من الدواب فواسق يقتلن في الحرم من كتاب بدء الخلق، برقم (3140)، ومسلم: 4/ 2109، في باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه، من كتاب التوبة، برقم (2619). (¬6) أخرجه البخاري: 2/ 833، في باب فضل سقي الماء، من كتاب المساقاة، برقم (2235).

باب الحكم في التعدي

باب الحكم في التعدي ومن المدونة قيل لابن القاسم: لو كسرت صحفة لرجل فصيرتها فلقتين، أو كسرتها كسرًا غير فاسد، أو شققت ثوبًا فأفسدت الثوب، شققته نصفين أو شقًا قليلًا، قال (¬1): قال مالك في رجلٍ أفسد لرجل ثوبًا: إن كان الفساد يسيرًا رأيت أن يرفوه ثم يغرم ما نقصه بعد الرفو، وإن كان الفساد كثيرًا أغرمه قيمته يوم أفسده، قال ابن القاسم: فإن قال رب الثوب لا أسلِّمه -وقد كان الفساد كثيرًا- ولكن أتبعه بما أفسد، قال ذلك له، ولقد كان مالك -دهره- يقول لنا في الفساد: يغرم ما نقصه، ولا يقول قليلًا ولا كثيرًا حتى وقف بعد، فقال هذا القول في الفساد الكثير (¬2). قال الشيخ: التعدي على أربعة أوجه: يسيرًا لم يبطل الغرض المقصود (¬3) منه، ويسيرًا بطل ذلك منه، وكثيرًا لم يبطل الغرض منه (¬4)، وكثيرًا بطل ذلك منه. فإن كان التعدي يسيرًا أو لم يبطل الغرض منه لم يضمنه (¬5) بذلك، قال مالك: فإن كان ثوبًا رفاه أو قصعة أصلحها وغرم ما نقصها بعد الإصلاح (¬6) فألزمه إصلاحه؛ لأن صاحبه لا يقدر على استعماله إلا بعد ¬

_ (¬1) قوله: (قال:) زيادة من (ق 9). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 169. (¬3) قوله: (المقصود) ساقط من (ق 9). (¬4) قوله: (ويسيرًا. . . الغرض منه،) ساقط من (ق 9). (¬5) في (ف): (يبطل). (¬6) انظر: النوادر والزياد ات: 10/ 336.

إصلاحه وقد كان في مندوحة عن ذلك وليس ذلك من باب القضاء بالمثل في ما قلَّ قدره ولو كان ذلك ما غرم والنقص بعد الإصلاح؛ لأن من غرم مثل ما تعدى عليه لم يكن عليه غرم آخر وقد يكون قيمة الثوب سالمًا مائة (¬1) ومعيبًا تسعين ويغرم في رفوه عشرة، ثم تكون قيمته بعد ذلك خمسة وتسعون، فيغرم المتعدي خمسة، وقد لا يزيد الإصلاح في قيمته معيبًا شيئًا، ومثل ذلك إذا حلق رأس محرم مكرهًا أنه يطعم عنه أو ينسك؛ لأنه أدخله في ذلك، فإن كان الحالق فقيرًا افتدى المحرم ورجع عليه متى أيسر. وقد اختلف في هذا الأصل هل يغرم الجارح أجر الطبيب؟ فقيل ذلك عليه فإن برئ على شين غرمه أيضًا، وهذا موافق لما تقدم في الرفو أنه على المتعدي، وقيل ذلك على المجروح، ويلزم على هذا إذا كانت الجناية على عبدٍ لا توجب غرم قيمته أن يكون علاجه على سيده، فإن برئ من غير شين لم يكن على الجارح شيء. والأول أحسن أن على الجاني الرفو وأجرة الطبيب إلا أن يحب صاحب الثوب أن يغرمه قيمة العيب قبل الإصلاح فذلك له؛ لأن إصلاحه من مقال ربه لا عليه، فإن كانت الجناية كثيرة (¬2) لم تبطل الغرض المقصود منه، كان حكمها حكم اليسير. واختلف إذا كانت يسيرة (¬3) وأفسدته وقد تقدم قول مالك في ذلك. واختلف بعد القول إن له أن يُضمنه إذا أحب أن يأخذه هل له ما نقص ¬

_ (¬1) قوله: (مائة) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (كثيرة) زيادة من (ق 9). (¬3) في (ق 9): (كثيرة).

العيب؟ فقال مالك وابن القاسم: ذلك له، وقال أشهب ومحمد: لا شيء له (¬1)؛ لأنه ملك أن يضمن فرضي به (¬2) ناقصًا، وقاله ابن القاسم في كتاب الحد في القذف (¬3). والأول أصوب؛ لأنه يقول: آخذ ما وجدت من ملكي وأضمن ما لم أجد (¬4) ولي غرض في الباقي أن لا أخرجه عن ملكي. ويختلف إذا بطل باليسير الغرض المقصود منه والذي يكتسب لأجله هل يضمن جميعه قياسًا على أحد قولي (¬5) مالك في الكثير؟ فقال أبو الحسن بن القصار: إذا أبطلت الجناية الغرض المقصود منه ضمن جميعه، قال: فإن قطع ذنب حمار القاضي أو أذنه أو رماه بشيء حتى عرج (¬6) ضمنه، قال: ومركوب القاضي والشاهد والكاتب وكل ما يعلم أن مثله لا يركب مثل ذلك فذلك سواء، وسواء كان حمارًا أو بغلًا أو غيره ولا فرق بين المركوب والملبوس كقلنسوة القاضي وطيلسانه وعمامته وكذلك نظير القاضي ممن لا يعلم أنه لا يلبس ذلك المجني عليه ولا يستعمله فيما قصد إليه قال: هذه الرواية المشهورة عن مالك (¬7). يريد: أن ليس له أن يضمنه على أحد قولي مالك في التعدي أنه لا يضمن في الكثير. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 334، 336. (¬2) في (ق 9): (فرضيه). (¬3) انظر المدونة: 4/ 479، فيمن له شقص في جارية فوطئها. (¬4) في (ق 9): (آخذ). (¬5) قوله: (أحد قولي) في (ق 9): (قول). (¬6) في (ف): (خرج). (¬7) انظر: عيون المجالس: 4/ 1732 و 1733.

وفي كتاب ابن حبيب: لا يضمن إذا أفسد الأذن بخلاف الذنب (¬1). والأول أصوب، وشين (¬2) ذهاب الأذنين كثير لا يركبهما أحد ممن تقدم ذكره. وقال ابن الماجشون في ثمانية أبي زيد في الفرس تفقأ عينه: عليه ما نقصه فإن فقأ عينه ضمنه (¬3)، وإن ضرب ضرع شاة أو بقرة فانقطع لبنها ضمنها إذا كان شأنها اللبن، وهو عظيم ما يراد منها، وتقتنى له. ولو كانت رمكة (¬4) أو ناقة أو حمارة فقطع ذنبها كان عليه ما نقصها؛ لأن هذه للركوب والحمولة أكثر ما يراد منها (¬5). وقال في كتاب ابن حبيب: ما نقصها (¬6) لأن فيها منافع غير ذلك. وإن جنى على عبدٍ ففقأ عينه أو قطع يده أو رجله ضمنه. واختلف إذا فقأ عينًا أو قطع يدًا، فقال مالك في المجموعة: يضمنه. وقال ابن القاسم في كتاب الديات في العين الواحدة والأصبع: لا يضمنه وعليه ما نقص (¬7). وقال مطرف وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب في اليد إن كان صانعًا: إنما معظم خراجه ونفعه في صنعة يده ضمنه، وإن لم يكن صانعًا كان عليه ما ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 337 و 338. (¬2) في (ف): (وتبين). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 119. (¬4) الرَّمَكة: الفرس والأُنثى من البراذين التي تتخذ للنسل والجمع رَمَكٌ ورماك ورَمَكات وأَرْماك جمع الجمع. انظر: لسان العرب: 10/ 432. بتصرف (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 337. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 338. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 337.

نقص وإن كان تاجرًا نبيلًا، وإن فقأ عينه سواء كان تاجرًا أو وغدًا فإنما فيه ما نقص (¬1). قال الشيخ: ولو كان صانعًا فقطع إصبعًا أو أنملة فعطل ذلك صناعته وخراجه ضمنه، وأمَّا جميع اليد فأرى أن يضمنه وإن كان من عبيد الخدمة، وكذلك إن قطع رجله؛ لأنه يذهب معظم تصرفه وقلَّ ما يستحب أن يتصرف عليه بمثل ذلك ويبقيه في ملكه. وأمَّا العرج فإن كان خفيفًا ضمن ما نقص، وإن كان كثيرًا فاحشًا ضمن جميعه، وإن أخصاه ضمن ما نقصه فإن لم ينقصه أو زاد في قيمته، لم يكن عليه شيء وعوقب على فعله ذلك، وقد قيل: إنه ينظر إلى تلك الزيادة، فإن كانت ثلث قيمته أو ربعها قدر ذلك، كأنه نقص من قيمته فغرمها؛ وليس بالبين (¬2). وإن تعدى على جارية وكانت من الوخش، كان الجواب فيها مثل ما تقدم في العبد، ينظر هل تعطلت منافعها؟ وإن كانت من العلي، فأفسد شيئًا من محاسن وجهها أو ثدييها أو غيره، حتى صارت لا تراد لما كانت تراد له ضَمِنَها. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 337. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 311، قد وجدنا هذا الرأي معزوا بالعتبية لابن القاسم، قال: من عدا على غلام فخصاه فزاد في ثمنه، يقوم على قدر ما نقص منه الخصاء، وقد فهمه ابن رشد على غير ما فهم اللخمي منه، فقال: ومعنى قوله: على قدر ما نقص منه الخصاء، أي ما نقص منه عند غير أهل الطول من الأعراب وشبههم الذين لا رغبة لهم في الخصيان، وقد فهمه خليل كا فهمه اللخمي وعزاه في التوضيح لهذا الموضع.

باب الحكم فى الغصب

باب الحكم فى الغصب وإذا كان المغصوب عبدًا أو كان (¬1) قائم العين أو نقص سوقه أو في نفسه أو حدث به عيب بجناية أو غيرها أو مات أو قتل. ومن غُصب عبدًا ثم وجده قائم العين لم يتغير في سوقه ولا في نفسه ولم يطل مكثه في يد غاصبه لم يكن له إلا أخذه (¬2). واختلف إذا نقص سوقه أو طال مكثه ولم يتغير سوقه فلم ير ابن القاسم ومالك عليه في ذلك سوى تسليمه، فإن كانت قيمته يوم الغصب ألفًا، ثم عادت إلى خمسمائة لم يكن له إلا أخذه (¬3). وذكر ابن شعبان عن ابن وهب وأشهب وعبد الملك أن للغاصب أن يأخذه بأرفع القيم إذا هلك قال: لأن عليه أن يرده كل وقت ومتى لم يرده كان كغصبه (¬4) حينئذ قال: وكذلك إذا كانت قيمته خمسين ثم بلغت ألفًا ثم عادت إلى خمسين (¬5) وهلك فالقيمة عندهم على أرفع القيم، فجعل له أرفع القيمة مع وجود عينه وعدمها. وأرى إن كان عبد قنية أن لا شيء له (¬6) سوى عبده، وإن كان للتجارة أغرمه ربع ذلك؛ لأنه حرمه البيع بذلك بحبسه إياه. ¬

_ (¬1) قوله: (أو كان) زيادة من (ق 9). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 316. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 173. (¬4) في (ق 9): (كمعتدٍ). (¬5) قوله: (ثم بلغت ألفًا ثم عادت إلى خمسين) ساقط من (ف). (¬6) في (ق 9): (عليه).

وقال مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ فيمن غصب دارًا فأغلقها أو أرضًا فبورها أو دابة فأوقفها- عليه الإجارة؛ لأنه منعه ذلك فعلى هذا يكون على الغاصب أرفع القيم إذا كان للتجارة؛ لأنه حرمه ذلك كما ألزم هذا الإجارة؛ لأنه حرمه إياها (¬1). وقال مالك في الغاصب والسارق إذا حبسه عن أسواقه ومنافعه، ثم رده بحاله لم يكن لربه أن يضمِّنَه وإن كان مستعيرًا أو متكاريًا ضمن قيمته (¬2). وقال ابن القاسم: لولا ما قاله مالك لجعلت على السارق مثل ما أجعله على المتكاري وأضمنه القيمة إذا حبسها عن أسواقها (¬3). وقال ابن الماجشون في ثمانية أبي زيد: إذا غصب دابة من المدينة فركبها إلى مكة أو إلى سفر بعيد ثم ردها بحالها أو أفضل له أن يغرمه قيمتها أو يأخذها وكراء المثل، قال: وهو بمنزلة المكتري (¬4) فحيث يلزم المكتري (¬5) القيمة يلزم الغاصب، أمرهما واحد، قال: ولو حبسها في داره قدر ما لو سافر بها لزمته، لم تلزمه قيمة، ففرق بين أن يحبسها في البلد أو يخرجها عنه وأرى له القيمة إذا قام عليها وهي غائبة (¬6) وإن لم يتكلم على ذلك حتى عادت ألا قيمة له إلا أن ينزل سوقها أو تكون للتجارة فيكون قد حبسها عن أسواقها كما قال فيغرمه قيمتها في ذلك السوق. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 345. (¬2) انظر: المدونة: 3/ 489، 4/ 181. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 182. (¬4) في (ف): (المشتري). (¬5) في (ف): (المشتري). (¬6) في (ف): (غايته).

فصل [في ضمان الغاصب العيب اليسير]

فصل [في ضمان الغاصب العيب اليسير] واختلف هل يضمن الغاصب العيب اليسير؟ قال ابن القاسم: يضمن (¬1)، وقال في كتاب محمد فيمن غصب دارًا فانهدم بعضها كان المغصوب منه بالخيار بين أن يسلم ما خرب ويأخذ قيمته أو يأخذه بلا نقصان، وإن انهدم أكثرها كان عليه أن يسلم العرصة ويأخذ قيمتها مبنية، وإن شاء حبسها كلها بلا نقصان له (¬2). ففرق بين القليل والكثير، وعند ابن الجلاب مثل ذلك أنه لا يضمن باليسير (¬3)، وهذا بين ولا فرق في هذا بين الغصب والتعدي. والقول إن الغاصب يضمن باليسير؛ لأنه كان ضامنًا للرقبة بالغيبة عليها غير صحيح؛ لأنه لا (¬4) يضمن بالغيبة في الحقيقة (¬5) وإنما هو مترقب، فإن سلم لم يكن للمغصوب منه سوى عين شيئه. وقد قال ابن القاسم فيمن تعدى على عبدٍ وخرج به إلى بلدٍ ضمن إن هلك، فإن حدث به عيب يسير ضمن ما نقص فلم يُضمنه باليسير وإن كان ضامنًا للرقبة. وقال ابن القاسم: فيمن غصب جارية وقيمتها ألف فزادت عنده حتى صارت قيمتها ألفين ثم ماتت أو قتلها، لم يكن له إلا قيمتها يوم الغصب وهي ¬

_ (¬1) قوله: (يضمن) ساقط من (ف). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 350. (¬3) انظر: التفريع: 2/ 139. (¬4) قوله (لا) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (الحقيقة) ساقط من (ف).

ألف، فإن قطع الغاصب يدها ولم يحب المستحق أن يضمن كان له قيمة اليد يوم القطع، وإن ذهبت اليد بأمرٍ من السماء ولم يضمن لم يكن له في اليد شيء (¬1). واختلف في جميع ذلك، فأما الموت فقد تقدَّم ذكر الاختلاف فيه، وقول أشهب وغيره أن له أن يأخذ بأعلى القيم، وأمَّا القتل فقال ابن القاسم في الدمياطية: له أن يأخذ بالقيمة يوم القتل (¬2). واختلف فيها قول سحنون في المجموعة فقال مرة: القيمة يوم الغصب، وقال مرة: يوم القتل (¬3) قال: لأن القتل فعل حادث غير الأول (¬4). وهو أحسن. وقال سحنون: إذا قطع يده عليه ما نقصه يوم الغصب. وعلى قول أشهب ومحمد: لا شيء عليه؛ لأنه قد ملك أن يضمن (¬5). وأرى عليه الأكثر من قيمة ذلك النقص يوم الغصب أو يوم القطع، فإن كان يوم الغصب أكثر قال: أنا آخذه بحكم الغصب، وإن كان يوم القطع أكثر قال: أنا آخذه بالتعدي؛ لأنه اجتمع فيه إذن وتعدي فيه (¬6) فيأخذه بأيهما شاء. وإن حدث عيب من غير سبب الغاصب كان له على قول سحنون أن يأخذه بقيمة يوم غصب؛ لأنه قال القيمة إذا قطع يد العبد يوم الغصب وإن لم يأخذه بالتعدي وهو يوم جنى وكان الحكم عنده يوم الغصب تساوى في ذلك ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 169. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 334. (¬3) قوله: (واختلف فيها. . . وقال مرة: يوم القتل) ساقط من (ق 9). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 326. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 333. (¬6) في (ف) كلمة غير مقروءة.

فصل [فيمن غصب عبدا فقتله غير الغاصب]

ما كان من سبب الغاصب وغيره وهو أقيس؛ لأنه ضامن إن هلك من غير فعله (¬1). وكذلك إن هلك بعضه وقياسًا إذا تعدى عليه ليحبسه وقتًا ويرده على صاحبه أو يسافر به، فإنه ضامن لما أصابه من السماء فكذلك الغصب. فصل [فيمن غصب عبدًا فقتله غير الغاصب] ولو قتله غير الغاصب واختلفت القيم وكانت قيمته يوم الغصب مائة وقيمته يوم القتل ثمانون كان له أن يغرم الغاصب مائة ويرجع الغاصب على القاتل بثمانين وله أن يأخذ من القاتل ثمانين؛ لأنه غريم (¬2) غريمه في ذلك الشيء ويرجع على الغاصب بعشرين إلا أن يريد بقبضه من القاتل رفع حكم الغاصب فلا يرجع عليه بشيء، وإن كانت القيمة يوم القتل مائة وعشرين كان له أن يطالب القاتل بذلك (¬3). واختلف إذا ابتدأ بالغاصب فأخذ منه مائة هل له أن يتبع القاتل بعشرين؟ فقال ابن القاسم: ليس ذلك له؛ لأنه إذا ضمن الغاصب كان التعدي بالقتل على الغاصب، وقيل ذلك له ولا ربح للغاصب (¬4). وقاله ابن القاسم أيضًا في كتاب السلم الثاني في تعدي الوكيل (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 333. (¬2) قوله: (غريم) ساقط من (ف). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 327. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 334. (¬5) انظر: المدونة: 3/ 99.

وكذلك إذا قطع أجنبي يده وكانت الجناية تنقصه يوم الغصب خمسة، ويوم الجناية عشرة، فيختلف إذا ضمن الغاصب وأخذ قيمة العبد يوم الغصب هل يأخذ الخمسة الفاضلة من القاطع؟ ويختلف إذا أخذ العبد مجنيًا عليه (¬1)، فعلى قول ابن القاسم: يتبع بالجناية الجاني ولا شيء له على الغاصب؛ لأنه فيما بينه وبين الغاصب بمنزلة ما حدث بأمرٍ من السماء؛ لأنه ليس من سببه (¬2). وعلى قول سحنون يكون له أن يأخذ الغاصب ما نقصته الجناية يوم الغصب، فإن كانت الجناية يوم الغصب عشرة ويوم الجناية خمسة أخذ من الغاصب عشرة واتبع الغاصب الجاني بخمسة، وإن كان يوم الجناية خمسة عشر كان له أن يأخذ ذلك من الجاني. ويختلف إذا أخذ من الغاصب عشرة هل تكون له الخمسة الفاضلة عند الجاني ولا يربح الغاصب؟ ¬

_ (¬1) قوله: (إذا أخذ العبد مجنيًا عليه) في (ف): (في العبد يجنى عليه). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 334.

باب فيمن غصب عبدا فباعه

باب فيمن غصب عبدًا فباعه وإذا باع الغاصب العبد ثم أتى صاحبه ولم يتغير سوقه (¬1) ولا تغير في نفسه كان بالخيار بين أن يجيز البيع أو يأخذه ويرجع على المشتري بالثمن. وإن قتله المشتري عمدًا أو خطأ أو قطع يده أو فعل ذلك به غير المشتري كان صاحبه بالخيار بين أن يبتدئ بالغاصب فيأخذ القيمة (¬2) يوم الغصب أو الثمن أو القيمة يوم البيع على أحد قولي ابن القاسم (¬3)؛ لأنه تعد ثان غير الغصب ويمضي البيع وتكون المطالبة للمشتري على من جنى عليه إن كانت الجناية من أجنبيٍّ، وإن أحبَّ المستحقُ أن يبتدئ بالمشتري فيأخذه بقيمةِ يوم قتله إن كان عمدًا. واختلف فيه إذا كان خطأ فعلى القولِ أن له أن يأخذَه بالخطأ يرجعُ المشتري على البائع، وعلى القولِ ألا شيءَ عليه تكونُ مطالبتُه على البائع. وكذلك إذا قطعَ يده عمدًا كان للمستحق أن يأخذَ العبد وما نقصته الجنايةُ ويرجعُ المشتري على البائعِ بالثمنِ. ويختلفُ إذا كان القطعُ خطأً، وإن كانت الجنايةُ من أجنبي تساوي العمد والخطأ، فإن قتله أخذ منه قيمته، وإن قطع يده أخذ العبد والجناية من الجاني ويرجع المشتري على الغاصب بالثمن، فإذا كان العبد قائم العين وأجاز المغصوب منه لزم المشتري إلا أن يكون المغصوب منه فاسد الذمة لحرام أو غيره. ¬

_ (¬1) قوله: (ولم يتغير سوقه) ساقط من (ق 9). (¬2) في (ق 9): (ألفين). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 333.

واختلف إذا كان المشتري قد دفع الثمن إلى الغاصب، والغاصب فقير وقد أجاز المستحق الثمن فقيل: لا شيء له على المشتري، وقيل: يأخذ منه الثمن ثانية، وهذا يصح على القول إن العقد بيع، فيكون قد أجاز البيع دون القبض، وعلى القول إن البيع التقابض لا يكون له على المشتري شيء، فإن علم المشتري أن البائع منه غاصب وأحب رد البيع قبل قدوم المغصوب منه (¬1) لم يكن ذلك له إذا كان قريب الغيبة وذلك له إذا كانت الغيبة بعيدة؛ لأن عليه في وقفه في ضمانه حتى يقدم ضرر. وإن اشتراه الغاصب من المغصوب منه بعد أن كان باعه لم يكن له أن يرد بيع نفسه. وقال ابن القاسم: لأنه إنما يحلل صنيعه (¬2). قال الشيخ: ولو كان قد قدم قبل أن يشتريه من المغصوب منه أنه يريد بذلك ملكه لا يتحلل صنيعه لكان له أن يأخذه، ولو كان باعه الغاصب بعشرة ثم اشتراه من المغصوب منه بثمانية كان للمغصوب منه أن يرجع عليه بدينارين؛ لأنه يقول لي في يده ثمن عبدي وهو عشرة كثمانية، ولو أعلمني لم أقبض ثمانية، وكذلك لو باعه هو بثوب لكان المغصوب منه بالخيار بين أن يجيز البيع بالثمانية دنانير أو يردها ويأخذ الثوب، وإن تغير الثوب بنقص كان له أن يأخذ ذلك النقص؛ لأنه غصب ثان الثوب ولو باعه المغصوب منه من الذى اشتراه من الغاصب بثمن مخالف للأول في القدر أو الجنس جاز، ويرجع المشتري على الغاصب بما كان دفع إليه. ¬

_ (¬1) قوله: (منه) ساقط من (ف). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 386.

فصل [إذا باع الغاصب العبد ثم اشتراه المغصوب منه]

وإن كان الثمن الأول عرضًا ما لم يتغير سوقه برجوع المغصوب- بثمن ذلك العرض، ورجوع المشتري مختلف فيه فتفيته حوالة الأسواق وفي رجوع الغاصب؛ لأن المشتري سلطه عليه فإن باعه المغصوب منه (¬1) من ثالث ليس من الغاصب ولا من مشتريه من الغاصب جاز إذا كان لا يحتاج إلى خصومة، إما لأن الغاصب ذهبت قدرته أو أناب وسلم وكان من هو في يده معترفًا به وممكنًا منه، وإن كان غير ذلك لم يجز، وإن اعترف البائع بعد البيع بالغصب ولم يثبت ذلك من غير قوله لم يصدق على المشتري، وكان مقال المغصوب منه مع الغاصب فإن أحب أخذه بالقيمة، ثم يقال: إنه غصبه أو يجيز البيع ويأخذ الثمن. ويختلف إذا كانت القيمة يوم البيع أكثر من الثمن (¬2) هل يكون للمغصوب منه أن يأخذه بالقيمة يوم البيع؛ لأنه تعد ثان؟ فصل [إذا باع الغاصب العبد ثم اشتراه المغصوب منه] وإذا باع الغاصب العبد بعشرة ثم اشتراه المغصوب منه بخمسة، كان سيده بالخيار بين أن يجيز البيع الأول ويأخذ عشرة، أو يجيز الشراء الثاني ويأخذ العبد وخمسة (¬3). واختلف إذا اشتراه بخمسة، ولم يقل اشتريته لصاحبه، فقال ابن القاسم: ¬

_ (¬1) قوله: (ضمن ذلك. . . . . باعه المغصوب منه) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (من الثمن) ساقط من (ف). (¬3) كذا في الأصلين الخطيين على أن في العبارة اضطراب وانظر: البيان والتحصيل: 15/ 325، والنوادر والزيادات: 10/ 459.

الخمسة للمغصوب منه. وقال أشهب: لا شيء لصاحبه في الفضلة. يريد: ويبقى للغاصب. وفي النوادر قول ثالث: إنها ترد إلى من كان اشتراه بعشرة. وقال محمد: إن اشتراه لنفسه أو لمن أمره بشرائه كانت الفضلة للغاصب، وإن اشتراه ليرده على صاحبه كانت الفضلة لسيده (¬1). فأما ابن القاسم فبنى جوابه على أحد القولين؛ لأن الغاصب لا يربح فيكون لسيده أن يأخذ الفضل وإن لم يشتره له، وأمَّا أشهب ومحمد فرأيا أن للغاصب عين عبده وقد أخذه ولا مقال له فيما بين ذلك، كما قيل في البيع الفاسد فباع بعد ذلك بيعًا صحيحًا ثم يعود إلى يد مشتريه الأول أنه يرد إلى بائعه ولا مقال له ولا للمشتري فيما بين ذلك من ربح أو خسارة، والقول: إن الخمسة لمن اشتراه بعشرة أحسن؛ لأن سيده يأخذ بالاستحقاق والاستحقاق بملك متقدم يوجب نقض ما وقع من البياعات بعد الغصب. ¬

_ (¬1) النوادر والزيادات: 10/ 459.

باب فيمن غصب عبدا ثم وهبه أو أعتقه المشتري أو الموهوب له

باب فيمن غصب عبدًا ثم وهبه أو أعتقه المشتري أو الموهوب له ومن غصب عبدًا ثم وهبه فوجده المغصوب منه وهو قائم العين لم يكن له إلا أخذه ويرد الهبة، وإن نقص سوقه عند الغاصب كان له أن يأخذه بأعلى القيم إذا كان عبدًا للتجارة وتمضي الهبة (¬1). ويختلف إذا ارتفع سوقه عند الموهوب له ثم نقص هل يغرم ذلك الغاصب؟ وقد قال ابن الماجشون: يغرم الغاصب ما اغتله المشتري (¬2). يريد: لأنه حرمه ذلك. ولو غصب رجل عبدًا وقيمته مائة ثم ارتفعت قيمته فبلغت مائة وثلاثين، ثم حطت إلى مائة وعشرين فباعه بمائة وعشرة ثم مات وقيمته مائة وأربعون، كان للمغصوب منه على قول ابن القاسم في المدونة: الثمن وهو مائة وعشرة لا غير ذلك (¬3)؛ لأنه أكثر من القيمة يوم الغصب. وعلى قوله في الدمياطية: له أن يأخذ منه مائة وعشرين وهو قيمته يوم البيع؛ لأن البيع تعد ثان غير الأول كما قال إذا قتله، وعلى ما ذكر (¬4) ابن شعبان عن أشهب وغيره: يأخذه بمائة وثلاثين؛ لأنها أعلى القيم في حين كونه في يد الغاصب. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 400، وما بعدها. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 345. (¬3) انظر: المدونة: 170/ 4، 178. (¬4) قوله: (ما ذكر) في (ف): (قول).

وعلى قول ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: له أن يأخذ منه مائة وأربعين؛ لأنه حرمه إياها بما فعل من ذلك (¬1). وإن حدث به عيب عند الغاصب أو عند الموهوب له كان المغصوب منه بالخيار بين أن يضمنه قيمته يوم الغصب، وتمضي الهبة أو يأخذه ثم ينظر في ذلك العيب، فإن حدث عند الغاصب خطأ أو عمدًا أو عند الموهوب له خطأ كان مقاله في العيب مع الغاصب، وإن كان ذلك من الموهوب له عمدًا كان له أن يأخذ قيمة العيب من الموهوب له وبه يبتدئ؛ لأن الغاصب لم يسلطه على قطع اليد عمدًا بخلاف اللباس والأكل فإن وجده معسرًا فحينئذ يرجع بذلك على الغاصب، وكذلك إذا قتله عمدًا كان بالخيار بين أن يضمن الغاصب القيمة يوم الغصب، وتمضي الهبة أو يضمن الموهوب له القيمة يوم القتل (¬2). وإن جنى عليه أجنبي خطأ أو عمدًا أو قتله كان المغصوب منه بالخيار بين أن يضمن الغاصب وتمضي الهبة وتكون المطالبة للموهوب له على الجاني أو يضمن الجاني ويكون ذلك ردًا للهبة، والخطأ والعمد في ذلك سواء إذا كانت الجناية من أجنبي بخلاف أن تكون من الموهوب له أو المشتري خطأ؛ لأنه وضع يده بوجه شبهة وفيه اختلاف إذا كان الخطأ من الموهوب له أو المشتري، وله إذا حدث العيب عند الغاصب، ثم فات عند الموهوب له أن يأخذ من الغاصب قيمة ما نقصه العيب يوم الغصب، وقيمته معيبًا يوم الهبة إذا كانت القيمة يوم الهبة أكثر منها يوم الغصب؛ لأن الهبة تعد ثان (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 345. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 380. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 327.

وإن أعتقه الغاصب والعبد قائم العين لم يتغير بشيء لم يكن له إلا نقص العتق ويأخذه، وإن تغير بشيءٍ كان له أن يأخذه بالقيمة يوم الغصب ويمضي العتق أو يرد العتق ويأخذه معيبًا ويرجع عليه بقيمة العيب (¬1). وإن أعتقه المشتري ثم أدركه صاحبه ولم يتغير كان بالخيار بين أن يجيز البيع ويمضي العتق أو يرد العتق ويأخذ عين عبده، وليس له أن يضمن الغاصب ولا المشتري؛ لأنه قادر على رد العتق ويأخذ عبده سليمًا، فإن دخله عيب عند المشتري كان له أن يضمن الغاصب القيمة يوم الغصب، ويمضي البيع والعتق، أو يجيز البيع ويأخذ الثمن، أو يرد العتق ويأخذه معيبًا ويرجع على الغاصب بقيمة العيب على المستحق من القول (¬2). وإن حدث العيب عند الغاصب كان له أن يأخذه بقيمة العيب يوم الغصب ثم يكون بالخيار بين أن يجيز البيع ويأخذ الثمن أو ينقض البيع ويرد العتق أو يضمنه قيمته جميعًا إذا كان العيب كثيرا ويمضي البيع والعتق. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 381. (¬2) في (ف) كلمة غير مقروءة.

باب فيمن غصب أمة فغاب عليها أو ولدت من الغاصب أو غيره بزنا أو ملك يمين أو نكاح

باب فيمن غصب أمة فغاب عليها أو ولدت من الغاصب أو غيره بزنا أو ملك يمين أو نكاح ومن غصب جارية رائعة ضمنها بالغيبة عليها، قال مطرف وابن الماجشون: علم أنه كشفها أو لم يعلم فعليه قيمتها (¬1). يريد: إذا خفي الأمر هل أصابها أم لا؟ وظاهر قوليهما أن عليه القيمة بتلًا. وأرى أن توقف القيمة إذا كان السيد مقرًا بالإصابة، لإمكان أن تكون حاملًا منه فتكون أم ولد، وأم الولد لا تضمن بالغيبة عليها، فإن تبين أنها حامل ردت إلى سيدها، وإن حاضت أخذ القيمة، وإن ماتت قبل أن يتبين أنها حامل أم لا أخذ القيمة المغصوب منه والظالم أحق أن يحمل عليه. وإن أنكر سيدها الوطء عجلت له القيمة إلا قدر عيب الحمل، فإن تبين أنها غير حامل أخذه، وإن تبين أنها حامل ردت إلى الغاصب. وقال عبد الملك بن الماجشون فيمن اغتصب وطء أمة ولم يغتصب الرقبة عليه ما نقصها بكرًا كانت أو ثيبًا (¬2). يريد: إذا لم ينظر في ذلك حتى تبين أنها غير حامل؛ لأن الغالب من النقص عن ذلك أنه يكون يسيرًا، ولو قام عليه قبل أن تحيض لضمَّنه جميع الرقبة؛ لأنه بفعله حال بينه وبينها إلا أن تكون في آخر الطهر، فلا يضمن القيمة ويتربص حتى ينظر هل تحيض أم لا؟. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 316. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 260، وعزاه في النوادر لكتاب ابن المواز.

فصل [فيمن غصب أمة فولدت ثم مات الولد]

فصل [فيمن غصب أمة فولدت ثم مات الولد] وقال ابن القاسم فيمن غصب أمةً فولدت ثم مات الولد: لا ضمان على الغاصب فيه، وإن قتله ضمنه (¬1). قال الشيخ: لا يخلو الولد من ثلاثة أوجه: إمَّا أن يكون من زنا، أو بملك يمين، أو بنكاح، والزوج عالم أنها أمة وتزوجها على أنها حرة. فإن ولدت عند الغاصب منه أو بزنا من غيره، كان الجواب فيهما سواء للمغصوب منه أن يأخذ الأمة والولد. واختلف إذا مات الولد، فقال ابن القاسم: لا يضمنه، وقال أشهب في كتاب محمد: هو ضامن عليه بالقيمة يوم ولد (¬2). وهو أحسن؛ لأنه مغصوب، وقد كان رده واجبًا عليه، ومن قال في الغرم بأعلى القيم يغرم هو قيمته يوم مات إذا كانت أعلى من قيمته يوم وُلِد. وكذلك إذا ماتت الأم فعلى قول ابن القاسم: يغرم قيمة الأم وحدها يوم غصبها، وعلى قول أشهب يغرم قيمة الأم (¬3) يوم الغصب وقيمة الولد يوم ولد (¬4). وقول ابن القاسم في هذا أحسن على تسليم القول أن القيمة في الأم يوم الغصب؛ لأن ما حدث من نماء بعد ذلك للغاصب، والقياس أن للمغصوب منه أن يأخذ قيمة الأم يوم ماتت إن أحب؛ لأنه كان يوم ماتت ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 343. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 343. (¬3) قوله: (وحدها يوم. . . يغرم قيمة الأم) ساقط من (ف). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 343.

فصل [فيمن غصب أمة فولدت وقتل الولد أو قتلا جميعا]

غاصبًا، ويأخذ قيمة الولد على أغلى قيمة مرت (¬1) به إلى يوم مات؛ لأنه إذا أخذ قيمة الأم يوم ماتت كان الولد حادثًا قبل وقت القيمة فصح أن يأخذ قيمتها، فإن ماتت الأم وحدها كان عند ابن القاسم بالخيار بين أن يأخذ قيمة الأم يوم الغصب ولا شيء له في الولد أو يأخذ الولد ولا شيء له من قيمة الأم؛ لأن الولد عضو من أعضائها فذهابها دون ولدها كذهاب بعضها كان بالخيار بين أن يأخذ القيمة يوم الغصب، ولا شيء له في الباقي أو يأخذ الموجود، ولا شيء له في الهالك. وعلى قول أشهب: له أن يأخذ الولد وقيمة الأم يوم الغصب (¬2). والقياس أن له أن يأخذ قيمتها يوم ماتت ويأخذ الولد. وكذلك إذا مرَّت به (¬3) حالة (¬4) بعد الولادة هي أرفع قيمة كان له أن يأخذ تلك القيمة وعين الولد. فصل [فيمن غصب أمة فولدت وقتل الولد أو قتلا جميعًا] ويختلف على هذا إذا قتل الولد أو قتلا جميعًا، فقال ابن القاسم: إذا قتل الولد وحده كان للمغصوب منه أن يأخذ الأم وقيمة الولد يوم قتله، وكذلك إذا قتلت الأم فله أن يأخذ الولد وقيمة الأم يوم قتلت بخلاف أن يقتلا جميعًا، فإنه ليس له على قوله في المدونة إلا قيمة الأم وحدها يوم غصبها، وعلى قوله في الدمياطية: له أن يأخذ قيمتها يوم قتلها. ¬

_ (¬1) قوله: (مرت) في (ف): (موت). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 343. (¬3) قوله: (إذا مرت به) بياض في النسخة (ف). (¬4) قوله: (حالة) في (ف): (حاله).

فصل [فيمن غصب أمة فولدت وقتل أحدهما ومات الآخر]

وعلى قول أشهب: إما قتل الأم أو الولد أو قتلا جميعًا فذلك سواء فالقيمة يوم الغصب. وإن قتل الولد أخذ الأم وقيمته يوم ولد، وإن قتل الأم أخذ الولد وقيمتها يوم غصبها، وإن قتلهما أخذ قيمة الأم يوم غصبها وقيمة الولد يوم ولد (¬1). وعلى ما حكاه عنه ابن شعبان يكون له أن يأخذه بالقيمة يوم القتل إن كانت أرفع. فصل [فيمن غصب أمة فولدت وقتل أحدهما ومات الآخر] وإن قتل أحدهما ومات الآخر كانت القيمة عند ابن القاسم في الأم يوم غصبت سواء ماتت أو قتلت، ولا شيء في الولد مات أو قتل، وهو على أصله في المدونة (¬2). وعلى قوله الآخر يكون له أن يأخذ قيمة الأم يوم قتلها ولا شيء له في الولد؛ لأنه مات، وإن ماتت الأم والقيمة عنده فيها يوم الغصب ولا شيء له في الولد؛ لأنه متى كانت القيمة عنده يوم الغصب لم يكن له فيما حدث من الولد بعد ذلك شيء (¬3) وهذا على أصله في المدونة. وأمَّا قوله في الدمياطية: فله أن يأخذ قيمة الولد يوم قتل (¬4). وفيما مضى ما ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 387. (¬2) انظر المدونة: 4/ 170 وما بعدها. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 328. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 390.

يستدل به على الجواب إذا ولدت من زنا عند المشتري أو عند الموهوب له فوجدهما قائمين أو ماتا أو أحدهما أو قتلا أو أحدهما (¬1) أو قتل أحدهما ومات الآخر كان القتلُ من المشتري أو الموهوب له أو من غيرهما، أو كانت جناية دون قتل، أو دخل الأم نقص من الولادة أو من غيرها. ¬

_ (¬1) قوله: (أو قتلا أو أحدهما) ساقط من (ق 9).

باب إذا شهد شاهد بالغصب وآخر بالملك

باب إذا شهد شاهد بالغصب وآخر بالملك وإذا شهد شاهد بالغصب وآخر بالملك كانا قد اجتمعا على تقدم يد المشهود له ولم يجتمعا على صفة زوال اليد هل كان بغصب أم لا؟ فإن أحب المشهود له أن يأخذ ذلك (¬1) كان بالخيار بين أن يحلف ما بعت ولا وهبت، وليس عليه أن يحلف على تصديق شاهد الملك أو يحلف: لقد غصبني ولا يحلف على تصديق شاهد الغصب؛ لأنهما اتفقا على تقدم اليد وإنما اختلفا في صفة خروجه عن اليد. فإن حدث به عيبٌ وأحب أن يضمن لم يكن ذلك إلا أن يحلف مع شاهد الغصب فيضمنه، وسواء كان العيب من سببه أم لا، إذا كان العيب كثيرًا أو يسيرًا على (¬2) أحد القولين. وإن أحب أن يحلف مع شاهد الملك لم يضمنه إلا أن يكون العيب من سببه ويكون كثيرًا، وإن أحب أن يأخذ العبد، فإن كان العيب من سببه أخذ ما نقصه وسواء حلف أنه ما باع ولا وهب ولقد كان غصبني، وإن كان العيب من غير سببه فحلف أنه ما باع ولا وهب لم يكن له عن العيب شيء. وإن حلف: لقد غصبني أخذ قيمة ذلك العيب على الأصوب من القولين. ¬

_ (¬1) قوله: (ذلك) في (ق 9): (العبد). (¬2) قوله: (يسيرا على) في (ف): (يدعي).

باب فيمن غصب متاعا فأهلكه وتعذر وجود مثله وكيف إن غاب الغاصب ثم لقيه المغصوب منه بغير ذلك البلد وقد نقل ذلك الطعام إلى الموضع الذي لقيه فيه أو لم ينقله

باب فيمن غصب متاعًا (¬1) فأهلكه وتعذر وجود مثله وكيف إن غاب الغاصب ثم لقيه المغصوب منه بغير ذلك البلد وقد نقل ذلك الطعام إلى الموضع الذي لقيه فيه أو لم ينقله (¬2) ومن غصب طعامًا فأهلكه غرم مثله في كيله وصفته إذا لم يتغير سوقه. ويختلف إذا غصبه في شدة وصار إلى رخاء هل يغرم مثله أو قيمته على القول: إنه يغرم أعلى (¬3) القيم؛ لأنه قد حرمه ذلك السوق، وإن كان جزافًا ولم يعلم كيله غرم قيمته يوم غصبه. واختلف إذا قال المغصوب منه: أنا أغرمه من المكيلة ما لا يشك أنه كان فيه، فالقول: إن ذلك له أحسن؛ لأنه لم يغرمه إلا مثل ما أخذ وخلف عنده فضلًا. واختلف إذا عرفت المكيلة، ولم يوجد مثله الآن، فقال ابن القاسم: ليس عليه إلا مثله. يريد: أنه يصبر حتى يوجد مثله (¬4). وقال أشهب: المغصوب منه بالخيار بين أن يصبر أو يأخذه منه بالقيمة الآن. وقال ابن عبدوس: قد اختلف في ذلك كالاختلاف في السلم في الفاكهة بعد خروج الإبان، والقول إنه مخير بين أن يصبر أو يأخذ القيمة الآن أحسن؛ ¬

_ (¬1) في (ق 9): (طعامًا). (¬2) هكذا في (ف). (¬3) قوله: (أعلى) في (ف): (أغلى). (¬4) قوله: (مثله) زيادة من (ق 9).

فصل [إذا لقي الغاصب المغصوب بغير البلد الذي كان به الغصب]

لأن عليه في الصبر ضرر، وذلك حق له لا عليه، فإن أحب أسقط ما قاله في ضرر الصبر وأخر حتى يوجد المثل (¬1)، وإن أحب قام بحقه الآن إلا أن يرجى قدوم مثل ذلك إلى الأمد القريب (¬2). فصل [إذا لقي الغاصب المغصوب بغير البلد الذي كان به الغصب] وإن لقي الغاصب المغصوب بغير البلد الذي كان به الغصب فإن أراد أن يغرمه المثل أو قيمته بالبلد الذي غصبه به لم يكن ذلك له عند ابن القاسم، وعليه أن يصبر حتى يقدم البلد الأول فيأخذ المثل، وذلك له عند أشهب في الوجهين جميعًا فيغرمه المثلين إذا كان سعر البلدين سواء، أو كان بالبلد الذي لقيه أرخص وله أن يغرمه (¬3) الآن (¬4) قيمته بالبلد الذي غصبه فيه، إذا بعد ما بين البلدين قياسًا على قوله إذا كان معه في البلد الذي غصبه به وتعذر وجود المثل، ويرجى وجوده بعد، وأن يكون ذلك في المسألتين جميعًا أحسن؛ لأن الذي دعا (¬5) إليه المغصوب منه لا ضرر على الغاصب فيه، وله مقال في استعجال حقه. واختلف إذا لقيه ومعه طعام المغصوب، فقال ابن القاسم في كتاب محمد: ليس له أن يأخذه ولا قيمته وإنما له المثل في البلد الذي كان به الغصب. ¬

_ (¬1) قوله: (وأخر حتى يوجد المثل) بياض في (ف). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 331، والمنتقى: 7/ 312. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 318، 319. (¬4) قوله: (الآن) في (ف): (لأن). (¬5) قوله: (دعا) في (ف): (ادعى).

وقال أشهب: له أن يأخذه أو يؤخره ليأخذه بالمثل في البلد الذي كان به المغصب (¬1). وقال أصبغ: له أن يأخذه إذا قرب ما بين البلدين، وإن بعد ما بينهما لم يأخذه، وله أن يتوثق من حقه ويخلى بينه وبين الطعام (¬2). وأرى أن لصاحبه أن يأخذه في ثلاثة مواضع، إذا كان الغاصب مستغرق الذمة؛ لأنه يقول: لا أدع حلالًا وآخذ حرامًا. والثاني: إذا كان سعره بالبلدين سواء، أو كان بالموضع الذي لقيه به أرخص؛ لأن له أن يأخذه بالمثل إذا لم يكن عين طعامه إن تساوى السعر أو كان هذا أرخص. والثالث: إذا قال: أنا أدفع الكراء أو ما زاد سوقه الأقل منهما. واختلف إذا كان المغصوب عرضًا أو حيوانًا ووجدها معه، فقال ابن القاسم في كتاب محمد: يأخذ القيمة إلا أن يزيد، ولا يريد أن يأخذ عين المغصوب، وقال أشهب: هو بالخيار بين أن يأخذ متاعه بلا غرم عليه فيما أنفق ولا فيما حمل أو يغرمه قيمته الآن قيمته بالموضع الذي غصبه به، وبه (¬3) قال محمد: قال (¬4): وتفرقة البلدان إذا كانت بعيدة كتغير البلدان. يريد: أن له أن يضمن القيمة وإن كان له أن يأخذ العين. وقال سحنون في المجموعة: أمَّا البر (¬5) والدقيق ليس له أن يأخذ عينه إذا لم يتغير في يده. وقال مالك في المجموعة: أما العبيد والدواب فله أخذهم بأعيانهم ليس له إلا ذلك، وأما ¬

_ (¬1) قوله: (وقال أشهب:. . . الذي كان به المغصب) ساقط من (ف). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 319. (¬3) قوله: (وبه) زيادة من (ق 9). (¬4) قوله: (قال:) زيادة من (ق 9). (¬5) قوله: (البر) في (ق 9): (البز).

العروض فهو بالخيار بين أن يأخذ العين أو القيمة (¬1). قال الشيخ: أمَّا العبد والدابة وما الشأن أن يصل بنفسه ولا يتكلف له حمولة لخفته (¬2) كالثوب وما أشبهه فإن للمغصوب منه أن يأخذه، وإن كره ذلك الغاصب أن يجبره على قبوله، وإن كره المغصوب إذا كان الطريق الذي نقل منه مأمونًا؛ لأنه قادر على رده من غير مضرة، فإن كان مخوفًا أو غير موجود لم يجبر على قبوله وكان له أن يضمنه القيمة، وإن كان لك مما له حمل، ويغرم لنقله كراء، وأحب الغاصب أن يسلمه كان للمغصوب منه ألا يقبله؛ لأنه يقول: لي غرض في مالي أن يكون ببلده. إلا أن يقول الغاصب: أنا أتكلف رده، والطريق مأمون. وإن أحب ربه أن يأخذه وامتنع من ذلك الغاصب لأجل ما كان تكلف من الأجرة على حمله كان ذلك له على قول ابن القاسم، وإن دفع المغصوب منه الأجرة سقط مقاله، وليس عليه -على قول أشهب- للحمل شيء، وإن كان قد زاد في الثمن كالسقي والعلاج على أحد القولين أنه لا يغرم له شيئًا، وإن كان قد زاد في الثمن كالجص والتزويق، فاختلف (¬3) هل (¬4) على الغاصب أن (¬5) يرده إلى حيث غصبه منه إذا أحب ذلك المغصوب منه فالمعروف من المذهب أن ليس ذلك عليه. وقال المغيرة فيمن عدا على خشبة من عدن إلى جدة وأنفق في حملها مائة دينار: ربها مخير إن شاء أخذها وإن شاء كلف ردها إلى البلد الذي أخذها ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 320. (¬2) قوله: (لخفته) في (ف): (لحقه). (¬3) قوله: (فاختلف) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (هل) في (ف): (هل هو). (¬5) قوله: (أن) في (ف): (أو).

منه (¬1). وقال ابن القاسم وأشهب في المجموعة في رجل اكترى من جمال على أن يحمل له حملًا بعينه إلى بلد فأخطأ الجمال فحمل غيره فبلغه البلد، أن صاحبه مخير إن أحب ضمنه قيمته بالبلد الذي حمله منه ويأخذ القيمة حيث شاء، وإن أحب أخذه وغرم الكراء (¬2). وقال أشهب: لا كراء عليه وليس للجمال قول إن (¬3) قال: أنا أرده إلى حيث نقلته ولا لصاحب الحمل أن يلزم الجمال أن يرده، وعلى الجمال أن يرجع فيحمل الحمل الذي استؤجر عليه. وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب في هذا: إن صاحب الأحمال مخير بين أن يلزمه ردها أو يأخذها ولا كراء عليه إلا أن يعلم أن صاحبها كان راغبًا في وصولها، فيكون عليه كراء المثل ويرجع ليأتي بما أكرى عليه (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 320. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 320. (¬3) قوله: (إن) ساقط من (ف). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 320.

باب هل يغرم الغاصب الغلات إذا اغتل هو أو غيره وإذا منع الغاصب الانتفاع به ولم يغتل والحكم في نفقته عليه وسقيه وعلاجه والحكم في الولد؟

باب هل يغرم الغاصب الغلات إذا اغتل هو أو غيره وإذا منع الغاصب الانتفاع به ولم يغتل والحكم في نفقته عليه وسقيه وعلاجه والحكم في الولد؟ واختلف في غرم الغاصب على المغصوب على خمسة أقوال، فروى أشهب وعلي بن زياد عن مالك أنه يغرم الغلة؛ أيّ صنف كان المغصوب دارًا أو أرضًا أو نخلًا أو شاة أو عبدًا أو دابة أو غير ذلك وسواء استعمل ذلك أو آجره (¬1). وذكر أبو الحسن ابن القصار عن مالك أنه قال: لا شيء عليه؛ أيّ شيء كان المغصوب ديارًا أو عقارًا أو غيرها (¬2). وقال ابن القاسم عنه: يغرم غلة الرباع والغنم والإبل ولا يغرم غلة العبيد والدواب (¬3). وقال أيضًا: يغرم غلة ما استغل ولا يغرم ما استعمل (¬4). وقال ابن المعذل: يغرم غلة ما لا يسرع إليه التغيير كالديار والأرضين والنخيل، ولا يغرم غلة (¬5) ما يسرع إليه التغيير كالعبيد والحيوان؛ لأن الديار مأمونة فكأنه لم يضمن شيئًا والعبيد والحيوان الخوف فيها قائم فسقط الكراء ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 180. (¬2) انظر: عيون المجالس: 4/ 1743. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 344. (¬4) انظر: المدونة: 4/ 172. (¬5) قوله: (غلة) ساقط من (ف).

من أجل ضمانه، واحتج من منع رد الغلة جملة بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الخَرَاجُ بِالضَّمَانِ" (¬1) فحمل الحديث على عمومه في الغصب (¬2) وغيره، وحمل الحديث من خالف ذلك على من وضع يده بوجه شبهة دون من كان متعديًا. قال أشهب في كتاب محمد: ولو حكم بذلك للغاصب لم يكن في ذلك أدب، وإنما هم مغتصبون (¬3) والغاصب للرقاب وللغلات؛ لأن الغصب لا ينقل الملك، وهو كل يوم غاصب، ولهذا حد (¬4) إذا أصاب الجارية وإن كانت في ضمانه، وإذا كان ذلك وكان طلوع الغلة وهي على ملك المغصوب منه كانت الغلة للمالك، واحتج من نصر هذا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ لِعِرقٍ ظَالِمٍ حَقٌ" (¬5). يريد: أن الظالم هو الغاصب، ولا حق له في المغصوب في غلة ولا غيرها (¬6). وقيل: لعرق على الإضافة ليس لعرقِ ظالم حق، والعروق ما أحدثه الغاصب من بناء أو غرس أو حفر لا ما أخذه منه، وهذا أشبه بالحديث ولا وجه لما قال ابن المعذل لاتفاق المذهب على أن مشتري الدار والأرض لا يرد ¬

_ (¬1) حسن، أخرجه أبو داود: 2/ 307، في باب فيمن اشترى عبدا فاستعمله، من كتاب الإجارة، برقم (3510) والترمذي: 3/ 581، في باب فيمن يشتري عبدا ويستغله ثم يجد به عيبا، من كتاب البيوع، برقم (1285)، والنسائي: 7/ 254، في باب الخراج بالضمان، من كتاب البيوع، برقم (4490)، وابن ماجه: 2/ 754، في باب الخراج بالضمان، من كتاب التجارات، برقم (2243). (¬2) قوله: (الغصب) ف (ق 9): (الغاصب). (¬3) في (ف): (لتلك الغلات وذلك الانتفاع وهذا الجواب). (¬4) في (ف): (أدب). (¬5) أخرجه البخاري معلقًا: 2/ 822، في باب من أحيا أرضا مواتا، من كتاب المزارعة، ومالك في الموطأ: 2/ 743، في باب القضاء في عمارة الأموات، من كتاب الأقضية، برقم (1424). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 53.

فصل [إذا باع الغاصب المغصوب أو وهبه فاغتله المشتري أو الموهوب له]

غلتها إذا رد بعيب أو استحق، وكذلك تفرقة ابن القاسم بين ما استغل أو آجر القياس أن جميع ذلك سواء؛ لأن جميع ذلك خراج وداخل في الحديث في المشتري دون الغاصب، وأما تفرقته بين الإبل والغنم والبقر والعبيد والرقاب فذلك راجع إلى التفرقة بين ما استعمل أو استغل؛ لأن غلة الإبل والبقر والدواب والغنم يطلع فيها ثم يأخذه فأشبه إذا اغتل العبد ولم يستعمله. فصل [إذا باع الغاصب المغصوب أو وهبه فاغتله المشتري أو الموهوب له] واختلف إذا لم يغتل الغاصب وأغلق الدار وبور الأرض ووقف الدابة ولم يستعمل الغلام أو باع ذلك المغصوب أو وهبه فاغتله المشتري أو الموهوب له هل يغرم الغاصب غلة ذلك؟ فقال ابن القاسم: لا شيء عليه في جميع ذلك (¬1). وقال مطرف وابن الماجشون وأشهب وابن عبد الحكم وأصبغ في كتاب ابن حبيب: عليه الكراء إذا أغلق الدار وبور الأرض ولم يستخدم العبد ووقف الدابة (¬2). قال ابن حبيب: إذا باع الغاصب أو وهب غرم الغلة التي اغتل المشتري والموهوب له، فإن كان الغاصب معسرًا رجع المغصوب منه على الوهوب له إن كان حيًا وعلى وارثه إن كان ميتًا ولم يرجع على المشتري (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 179. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 345. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 143.

فصل [فيمن غصب عبدا أو دابة ثم ردها]

وهذا مثل القول الذي يغرم غلة الدار وإن أغلقها؛ لأن كليهما إنما يغرم ما أحرم ربها من تلك المنافع (¬1) بغصبه؛ لأنه المسلط للمشتري والموهوب له. فصل [فيمن غصب عبدًا أو دابة ثم ردها] ويختلف في الغاصب إذا رد الغلات هل يرجع بما أنفق على العبد والدابة وبالسقي والعلاج على ثلاثة أقوال، فقال ابن القاسم في كتاب محمد: يرجع في ذلك -يريد: ما لم يجاوز الغلة- ثم رجع وقال: لا شيء له (¬2). والأول أحسن لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ" (¬3) فهو إن ظلم فلا يظلم هذا في كل ما ليس للمغصوب منه مندوحة مثل طعام العبد وكسوته وعلف الدابة، وأمَّا الرعي (¬4) وسقي الحائط، فإن كان لو كان ذلك في يده لاستأجر له رجع به مثل طعام العبد، وإن كان لا يستأجر لذلك؛ لأن له عبيدًا ودواب في الحائط يقومون به، ثم لم يستعملهم بعد غصب الحائط لم يكن عليه شيء، وإن كان في الحائط دوابه دون عبيده، أو عبيده دون دوابه- رجع بأجرة ما كان عجز عنه دون ما كان فيه، إلا أن يستعملهم صاحبهم بعد غصب الحائط، فإن كان آجر (¬5) كان عليه إجارة من عمل في الحائط ما لم يجاوز تلك الإجارة التي أخذها فيهم. وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب فيمن تعدى على رجل فسقى له شجرة، ¬

_ (¬1) في (ق 9): (الغلات). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 345. (¬3) سبق تخريجه، ص: 1370. (¬4) قوله: (الرعي) في (ف): (الراعي). (¬5) قوله: (آجر) في (ف): (أجرة).

فصل [إذا أنفق الغاصب على ما لا غلة له]

أو حرث أرضه، أو حصد زرعه، ثم سأل الأجرة في ذلك، فقال: إن كان صاحب هذه الأشياء مما لا يستبد أن يستأجر عليها كانت عليه الأجرة، فإن كان يلي ذلك بنفسه أو له من يلي ذلك لم يكن عليه شيء (¬1). وأرى أن يكون على المغصوب من أقل من ثلاثة أوجه (¬2): إجارة المثل فيما تولاه الغاصب، أو ما آجر به هو وعبيده أو دوابه، أو تسليم الغلة التي اغتلها الغاصب. فصل [إذا أنفق الغاصب على ما لا غلة له] وإن كانت النفقة على ما لا غلة له كعبد (¬3) لم يبلغ الخدمة أو دابة لم تبلغ أن تركب، فأنفق عليه الغاصب حتى كبر لم يرجع الغاصب على صاحبه بشيء من تلك النفقة، وهذا قول ابن القاسم، وعلى قول أصبغ تكون له النفقة؛ لأن ذلك مما لم يكن للمغصوب منه بد؛ ولأن القصد بالإنفاق على ما له غلة ما ينال من غلته، كان مقال الغاصب في ما نقلته نفقته من الصغر إلى الكبر أقوى منه في ما نما من الغلة. وقال محمد بن مسلمة (¬4) فيمن ابتاع صغيرًا فكبر أو دابة عجفاء فسمنت أو ودية (¬5) فغرسها، قال: المستحق بالخيار بين أن يجيز البيع أو يأخذ القيمة من المشتري (¬6). لأن الكبر قوة فمنع المستحق من أخذ الأصول لما نمت بنفقة ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 51. (¬2) قوله: (أوجه) ساقط من (ق 9). (¬3) قوله: (كعبد) في (ق 9): (كصغير). (¬4) قوله: (مسلمة) بياض من (ف). (¬5) وَدِيَّةٌ: فسيل النخل وصغاره. انظر: لسان العرب: 15/ 383. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 345.

فصل [فيمن غصب خرابا فأصلحه واغتله]

المشتري، وإذا كان ذلك كان مقال الغاصب في النفقة في هذا الوجه أقوى منه في الغلة. وقال مالك فيمن ابتاع جملًا فعلفه حتى سمن ثم استُحق، فربه مخير في دفع ما أنفق أو يأخذ قيمة جمله يوم قبضه المشتري (¬1). فصل [فيمن غصب خرابًا فأصلحه واغتله] واختلف فيمن غصب خرابًا فأصلحه واغتله هل للمغصوب منه جميع الغلة أو قدر ما ينوب الأصل قبل الإصلاح؟ فقال ابن القاسم: إذا غصب خرابًا لا يسكن إلا بإصلاحه فأصلح وسقف ورم ثم استغل قال: للمستحق جميع الغلة وكراء ما سكن، وللغاصب قيمة ما لو نزع كان له ثمنًا (¬2). وإن غصب مركبًا خربًا لا يقدر على استعماله إلا بإصلاحه فعمَّره وربحه بحوائجه وأطرافه ثم استغل غلة كان (¬3) جميع الغلة لمستحقه ولا غرم عليه في شيء مما أنفقه إلا مثل صارٍ (¬4) ورجل (¬5) أو حبل (¬6). قال: وأصبغ ذهب في ذلك كله إلى قول أشهب ولم يعجبني، وقول أشهب أبين فيقوم الأصل قبل إصلاحه فينظر بما كان يؤاجر به ممن يصلحه، ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 411. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 342. (¬3) زاد بعده في (ف): (له). (¬4) قوله: (صار) في (ف): (كصاري). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 341، 342. (¬6) قوله: (أو حبل) ساقط من (ف).

فصل [في غصب الثوب]

فيغرمه وما زاد على ذلك فللغاصب (¬1). ولا أعلمهم اختلفوا فيمن غصب أرضًا فبناها ثم سكن أو استغل أنه لا يغرم سوى غلة القاعة، وقد مضى في كتاب كراء الدور إذا اكترى دارًا فانهدمت ثم أعادها المكتري بغير إذن المكري أو اكترى دارًا كراء فاسدًا فبناها (¬2) بإذن المكري أو بغير إذنه. فصل [في غصب الثوب] وإذا غصب ثوبًا فاستعمله الغاصب أو مشتريه منه أو من استأجره من الغاصب أو من المشتري اليوم واليومين، ولم يتغير لذلك اللباس كان حكم ذلك اللباس حكم الغلة، فلا يكون للمغصوب من (¬3) مطالبة على المشتري لبس أو أجر. ويختلف في رجوعه على الغاصب حسب ما تقدم في الغلات، وإن استعمل المدة الطويلة حتى تغير أو نقص عن حكم (¬4) الغلة وكان للمغصوب منه أن يأخذ المشتري بقيمة ما نقص لباسه إن كان لبسه وإن كان آجره أخذ ما أجره به، فإن كان المشتري فقيرًا أخذ الملابس بالأكثر من قيمة النقص أو إجارة المثل ورجع المستأجر على المشتري بما قبض منه، وإن كان الغاصب لبسه أخذ بما نقص منه اللباس يوم لبسه (¬5)، وعلى مذهب سحنون يوم الغصب وإن أجره ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 345 و 346. (¬2) قوله: (فبناها) في (ق 9): (فبنى فيها). (¬3) في (ف): (منه). (¬4) هكذا في (ف). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 177.

فصل [فيمن غصب حمامة فأفرخت بيضا]

أخذ منه الأكثر مما نقص اللباس يوم أجره أو ما أجره به؛ لأنه المسلط على ما استهلك منه ففارق ما أصيب بأمر سماوي، وإن كان الغاصب فقيرًا أخذ اللابس بالأكثر من قيمة النقص أو إجارة المثل يوم رجع اللابس على الغاصب بما دفع إليه. وإن غصب دابة أو عبدًا أو حدث بها عيب من سبب الغاصب ثم اغتله أو استعمله، كان للمغصوب منه أن يأخذه بالوجهين جميعًا بما نقصه العيب وبالغلة، وكذلك إذا حدث العيب من سببه بعد أن استعمله وإن حدث العيب من الاستعمال كان بالخيار فإن أحب أخذه بما نقص العيب ولا شيء له من الغلة أو الغلة ولا شيء له من النقص، ولو كان حمل عليها، فلما كان آخر حمله عثرت من الثقل الذي عليها فحدث بها عيب كان له أن يأخذ أجرة (¬1) المثل فيما تقدم هذه الغلة وبقيمة العيب وقت حدث. فصل [فيمن غصب حمامة فأفرخت بيضًا] الولد (¬2) في بنات آدم وفي سائر الحيوان الإبل والبقر والغنم وغيرها ليس بغلة، وهو بمنزلة الأم وبعض من أبعاضها، والذي يدل على أن حكم الولد حكم الأم الإجماع على أن ولد الحرة من زوجها العبد حر، وأن ولد الحر من زوجته الأمة عبد لسيدها، وعلى أن ولد المدبرة مدبر، وولد المعتق بعضها معتق بعضه، وولد المعتق إلى أجل معتق إلى أجل، وولد المكاتبة مكاتب، فلو كان غلة لم يجر في هذه الوجوه مثل حكم أمه (¬3) ولو كان حكم الأم في ذلك ¬

_ (¬1) قوله: (أجرة) ف (ق 9): (إجارة). (¬2) قوله: (الولد) زيادة من (ق 9). (¬3) قوله: (مثل حكم أمه) في (ف): (مجرى الحرة).

كوعاء أودع وديعة وأن الحكم للنطفة كان ولد الحرة من زوجها العبد رقيقًا، وولد الحر من الأمة حر، ولم يجر ولد من تقدم ذكره ممن فيه بعض حرية على حكم أمه، ويجري على حكم أبيه من الحرية والعبودية، وقد مضى في كتاب العيوب ذكر جبر العيب بالولد الحادث وأنه لو كان غلة وكانت الأمة ولدت ولدين وفي أحدهما ما يجبر به العيب يجبر به (¬1) وأمسك الآخر وفي إجماع المذهب على أن يسلم جميعها دليل على فساد ذلك القول. وإن غصب حمامة فأفرخت بيضًا كان الفراخ للمغصوب منه كالولد هو لمستحق الأم. قال محمد: ولا شيء له فيما أعان الذكر وإن أفرخت بيض غيرها لم يكن للمغصوب منه الأم فيهم شيء، وكان له أجر الحضانة (¬2). واختلف إذا أفرخ غيرها بيضًا، فقال محمد: لا شيء له فيهم وله مثل البيض إلا أن يكون عليه في ذلك ضرر لتكلف حمام يحضنهم. وقال سحنون: الفراخ لصاحب البيض وللغاصب أجر الحضانة (¬3). فوجه القول الأول أنه غصب ما له مثل فكان القضاء فيه بمثله، ووجه القول الثاني (¬4) أن حكم البيض حكم الجنين واستحسن أن يقضى بالمثل إذا كان لا يتعذر عليه حضانة المثل، وإن كان يتعذر كان الفراخ له؛ لأنه يقول: قد حرمتني بفعلك والمثل في بها بيض الدجاج أحسن؛ لأنه لا يتعذر حضانتها. ¬

_ (¬1) قوله: (يجبر به) ساقط من (ق 9). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 349. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 348. (¬4) قوله: (الثاني) في (ق 9): (الآخر).

فصل [في تضمين المنافع إذا ردت الرقاب]

وقال سحنون فيمن غصب بيضة من دجاجة ميتة: الفرخ لرب البيضة (¬1). يريد: أنه غصبها بعد أن خرجت فتكون بمنزلة من غصب خمرًا فخللها فهي لربها. وقال محمد فيمن غصب دجاجة فحضنت بيض غيرها: له أجر مثلها وما نقصها ذلك إلا أن يكون نقصانًا بيّنًا فيكون له قيمة الدجاجة يوم غصبها، ولا شيء له من نقصها ولا من فراخها ولا من كراء حضانتها إذا أخذ قيمتها يوم غصبت منه (¬2). فلم يضمّنه قيمتها بالنقص اليسير في الغصب. فصل [في تضمين المنافع إذا ردت الرقاب] حكم التعدي على الرقاب على وجه الغصب بالسرقة والانتهاب والاختلاس في رد الغلات سواء يختلف فيها حسب ما تقدم في غصب الرقاب، فإن غصب المنافع أو اكترى أو استعار إلى مدة فأمسك ذلك بعد انقضاء المدة غرم الغلات قولًا واحدًا، استعمل ذلك في تعديه أو لم يستعمله. واختلف في الصفة التي عليها إذا لم يستعملها، فقال مالك وابن القاسم: تقوم على أنها مستغلة. وعلى قول مطرف وغيره: أنه يغرم غلة الدور، وإذا أغلقها يكون على هذا كراء ما تكرى به للاستعمال؛ لأنه حرمه ذلك بإمساكها إلا أن يكون المعير ممن يكري (¬3). وفرق مالك بين غصب الرقاب وغصب المنافع؛ لأن على كل غاصب ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 348. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 349. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 345.

غرم ما غصب إذا أتلفه فمن غصب منافع فأفاتها غرمها (¬1). واختلف في إغرامه الرقاب إذا هلكت في يده من غير سببه ومن غصب الرقاب ضمنها. واختلف في تضمينه المنافع إذا ردت الرقاب، وقد رجح محمد بن المواز إذا أكراه أو أعاره إلى موضع فتعدى عليها تعديًا يوجب لربها أن يضمنه الرقاب (¬2)؛ هل يغرم قيمة المنافع وقال: لا أدري. وأمكن أن يكون عنده داخلًا (¬3) في قوله -عليه السلام-: "الخَرَاجُ بِالضَّمَانِ" (¬4). ¬

_ (¬1) المدونة: 4/ 181. (¬2) انظر. النوادر والزيادات: 10/ 350. (¬3) قوله: (داخلًا) في (ف): (دخلًا). (¬4) سبق تخريجه، ص: 4334.

باب فيمن غصب دنانير أو دراهم هل يغرم ما يربح فيها أو ما كان يربح فيها صاحبها؟

باب فيمن غصب دنانير أو دراهم هل يغرم ما يربح فيها أو ما كان يربح فيها صاحبها؟ اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال، فقيل: لا شيء للمغصوب منه إلا رأس ماله (¬1) وسواء استنفقها الغاصب أو تجر فيها وهو موسر كان له الربح، وإن كان معسرًا كان الربح لصاحبها، وهو قول ابن مسلمة وابن حبيب في الوصي يتجر في مال يتيمه لنفسه فجعل له الربح إن كان موسرًا ولليتيم إن كان معسرًا (¬2). وقيل: إن للمغصوب قدر ما كان يربح فيها لو كانت في يده ذكرها ابن سحنون، فيمن شهد بدين حال أن صاحبه أخر الغريم به سنة، ثم رجع عن الشهادة بعد محل الأجل والدين عين أو شيء مما يكال أو يوزن (¬3). واستحسن أن تكون المسألة على أربعة أقسام: فقسم لا يكون له إلا رأس ماله، وقسم يكون له ما يربح فيها، وقسم يكون له ما ربح الغاصب، وقسم يكون له الأكثر مما كان يربح هو فيها أو ما ربحه فيها، وإن كان صاحبها لا يتجر فيها لو كانت فيها، ولم يتجر فيها الغاصب، وإنما قضاها في دين لو أنفقها غرم رأس المال؛ لأن الغاصب لم يدخل عليه مضرة أكثر من حبسها، وان كان صاحبها ممن يتجر فيها ولم يتجر فيها الغاصب كان عليه ما كان يربح فيها تلك المدة؛ لأنه حرمه ذلك مثل إذا أغلق الدار إلا أن يعلم أن تجارته في تلك المدة كانت غير ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 618. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 140، 10/ 438. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 471.

مربحة، وإن كان صاحبها ممن لا يتجر فيها، وتجر فيها الغاصب وهو موسر بغيرها ولم يعامل لأجلها كان له الربح، وإن كان فقيرًا فعومل من أجلها كان ربحها لصاحبها، وإن لم تكن ذمة الغاصب سببًا للربح كان ربح المال منه بمنزلته في الزكاة، وإن كان صاحبها ممن يتجر فيها والغاصب فقير كان عليه الأكثر مما ربح فيها أو كان يولجه صاحبها يتبع بالفضل متى أيسر.

باب فيمن غصب ثوبا أو طعاما ثم وهبه

باب فيمن غصب ثوبًا أو طعامًا ثم وهبه ومن غصب ثوبًا فوهبه فلبسه الموهوب له فأبلاه، فإن اختلفت قيمته في هذه الحالات يوم الغصب والهبة واللباس، وكانت قيمته يوم الغصب عشرة، وهي أعلى القيم غرم الغاصب تلك القيمة وصحت الهبة، ولا تباعة (¬1) له على الموهوب له. وإن كانت القيمة يوم الهبة اثني عشر وأراد صاحبه أن يأخذ الغاصب بقيمته يوم الهبة لم يكن له ذلك على قول ابن القاسم في المدونة (¬2). وذلك له على قوله في الدمياطية: إذا قتل العبد وكانت قيمته يوم القتل أكثر (¬3)؛ لأن القتل تعد ثان، فله أن يأخذ بتلك القيمة وتمضي الهبة. وإن كانت قيمته يوم اللباس خمسة عشر كان لصاحبها أن يأخذ تلك القيمة قولًا واحدًا، وهذا هو الأصل في كل من غصب سلعة فاستحقت وقد استهلكها غير الغاصب من مشتر أو موهوب له أن للمغصوب منه أن يأخذ قيمة ذلك ممن استهلكه، وإن كان الغاصب الواهب معسرًا كان للمستحق أن يأخذ اللابس بقيمة الثوب يوم لبسه (¬4). واختلف إذا كان الواهب موسرًا على ثلاثة أقوال: فقال ابن القاسم: يبدأ بالمسلط؛ لأنه غره، وقول غيره في كتاب ¬

_ (¬1) قوله: (ولا تباعة) في (ق 9): (ولاتباعه). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 721، 173. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 326. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 412.

الاستحقاق يبدأ بالمنتفع (¬1). وقول أشهب ومحمد: إنه بالخيار يبتدئ بأيهما أحب، وإن تساوت القيم كان له أن يبتدئ بالغاصب قولًا واحدًا؛ لأن هبة الغاصب الشيء المغصوب لا تسقط عنه المطالبة بحكم الغصب، وإن كان ذلك كان من حقه أن يقول: اغرم لي قيمة ما غصبتني يوم الغصب، وإن أحب أن يترك الغاصب، ويقوّم على الموهوب له دخل الخلاف المتقدم، وإن كان المغصوب طعامًا فأكله الموهوب له كان لصاحبه أن يغرم الغاصب قولًا واحدًا؛ لأن هبة الغاصب لا تسقط المطالبة بحكم الغصب. وإن أحب أن يبتدئ بالموهوب له عاد إلى الخلاف، وإن كان الغاصب معسرًا كان له أن يأخذ المستهلك قولًا واحدًا. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 197.

باب في دعوى الغاصب

باب في دعوى الغاصب ومن ادُّعي عليه غصبٌ كان الحكم في تعلق اليمين والعقوبة راجعًا (¬1) إلى حالة المدعى عليه فإن كان معروفًا بالخير والصلاح عوقب المدعي عليه وإن لم يكن معروفًا بذلك وأشكل حاله لم يعاقب المدعي ولم يحلف المدعى عليه، وإن كان ممن يشبه ذلك وليس بمعروف حلف ولم يعاقب المدعي، فإن نكل حلف المدعي واستحق. وإن كان معروفًا بالتعدي والغصب حلف وضرب وسجن، فإن تمادى على الجحود ترك. واختلف إذا اعترف بعد التهديد على ثلاثة أقوال: فقيل: لا يؤخذ بإقراره غير المدعي فيه أو لم يعينه؛ لأنه مكره. وقيل: إن عين أخذ به وإن لم يعين لم يؤخذ بإقراره. وقال سحنون: يؤخذ بإقراره ولم يفرق بين التعيين وغيره، قال: ولا يعرف ذلك إلا من ابتلي به. يريد: القضاة ومن شابههم. يقول: إن ذلك لإكراه كان بوجه جائز، وإذا كان من الحق عقوبته وسجنه، لما عرف من حاله أخذ بإقراره، وإنا الإقرار الذي لا يؤخذ به ما كان ظلمًا أن يضرب أو يهدد من لا يجوز فعل ذلك به، وقد أجمع الناس على أن من أسلم بعد القتال والسيف أنه مسلم كالطائع بغير إكراه؛ لأنه إكراه بحق، ولو أكره ذمي على الإسلام لم يكن إسلامه إسلامًا إن رجع عنه، وادعى أن ذلك ¬

_ (¬1) قوله: (راجعًا) في (ف): (راجعة).

فصل [فيمن ادعى عبدا في يد من هو معروف بالغصب]

للإكراه؛ لأن الذمة التي عقدت لهم تمنع (¬1) من إكراههم على ذلك الظلم. فصل [فيمن ادعى عبدًا في يد من هو معروف بالغصب] ومن ادعى عبدًا في يد من هو معروف بالغصب، وقال: غصبنيه. لم يصدق وحلف الآخر، وبرئ فإن أثبت المدعي أنه ملكه وقال المدعى عليه: باعه مني. كان القول قول المالك مع يمينه وينتزعه ولا يضره الحوز ولا الاستعمال بحضرته، وإن اعترف المدعي بالبيع وقال: أكرهتني على البيع وكان ممن يكره، أو قال: بعته خوفًا منه وهو ممن يخاف وله قهر قُبل قول البائع مع يمينه، وإن غابت البينة قبض الثمن، وقال البائع: استرجعه أو قال: كنت دفعته إليه سرًا ثم دفعه إليَّ علانية وأشهدت له، لم يقبل قوله، وجل هذا قول ابن القاسم في العتبية (¬2). وقال سحنون: فإن بنى هذا المشتري أو غرس أو اغتل كانت الغلة له وقيمة ما بنى وما غرس قائمًا (¬3)؛ لأن اختلافهما شبهة بخلاف من شهد عليه بالغصب ولإمكان أن يكون البائع كان راغبًا في البيع، ولو شهدت البينة أنه أكرهه على البيع لأعطي قيمته منقوضًا وأغرم الغلة، وإن أقام المدعي شاهدين بالملك ولم يشهد بالغصب لم يكن للمالك إلى أخذه سبيل إلا أن يحلف أنه ما باع ولا وهب، وإن حدث بالعبد عيب من غير سبب المدعى عليه الغصب - حلف أنه ما غصب وبرئ، فإن نكل حلف الآخر وضمنه، وسواء كان ¬

_ (¬1) قوله: (تمنع) في (ف): (تمنعهم). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 11/ 264 و 265. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 407.

العيب -على قول ابن القاسم- قليلًا أو كثيرًا إلا أن يكون له، ويمين المالك يثبت عليه حكم الغصب، وإن كان العيب من سبب المدعى عليه والعيب كثير كان للمالك أن يضمنه إياه بعد يمينه أنه ما باع ولا وهب؛ لأن هذا الوجه يستوي فيه الغاصب وغيره. وإن كان العيب يسيرًا أحلف المدعى عليه ما غصب، وحلف الآخر أنه ما باع، وأخذ العبد وقيمة العيب، فإن نكل حلف المدعي أنه غصبه وضمّنه على قول ابن القاسم.

باب في اختلاف الغاصب والمغصوب منه

باب في اختلاف الغاصب والمغصوب منه الاختلاف في هذا في أربعة أوجه: أحدها: في القدر، يقول: غصبني مائة، ويقول الآخر: خمسين. والثاني: في الجنس، يقول: غصبني هذا العبد، ويقول الغاصب: هذا الثوب. والثالث: أن يتفقا في الجنس أنه عبد أو أنه ثوب، فيقول هذا: جيد والآخر: رديء، أو يأتي الغاصب بعبدٍ فيقول: هذا الذي غصبتك، ويقول الآخر: عبدي أفضل. والرابع: أن يتفقا أنه العبد أو الثوب المغصوب ويأتي به معيبًا أو خلقًا، ويقول: هكذا غصبته، ويقول الآخر: بل كان سليمًا أو جديدًا. فاختلف إذا قال: الغاصب خمسين، وقال المغصوب منه: مائة، فقال مالك: القول قول الغاصب (¬1). وقال في العتبية فيمن انتهب صرةً والناس ينظرون فطرحها مطرحًا لم توجد وادعى ربها عدة، وكذبه الآخر أو أعجزه بها ولم يطرحها، ثم يختلفان في العدد: فالقول قول المنتهب، وقال العتبي ومطرف وابن كنانة وأشهب يقولون في هذا وشبهه: القول قول المنتهب منه (¬2). فجعلوا القول قول المنتهب منه بعد غيبة الغاصب عليه إذا أعجزه بها، ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 176، 185. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 357.

وادعى معرفة ما وجد فيها؛ لأن من غصب وفعل مثل ذلك لا يقر بالحق ولا يعترف بجميع ما أخذ إذا كان كذلك كان كمن كتم ولم يقر بشيءٍ، فإن القول قول المغصوب منه ما لم يأت بما لم يشبه إلا أن يأتي الغاصب تائبًا فيكون القول قوله، والقول قول المنتهب منه إذا طرحها قبل معرفة ما فيها كان القول قول ربها؛ لأن ربها يدعي التحقيق والآخر يقول عن تخمين هذا إذا تقاربا في الدعوى، فإن تباين ذلك فقال هذا: كان قدر مائة، وقال الآخر: كان فيه قدر ثلاثمائة، كان القول قول المنتهب. وعلى قول مطرف وابن كنانة: القول قول المنتهب منه. وإن قال: غصبني هذا العبد، وقال الآخر: بل هذا، أو قال: بل هذا الثوب، كان القول قول الغاصب. وإن اتفقا على أنه غصب عبدًا، واختلفا في صفته وقد هلك كان القول قول الغاصب إذا أتى بما يشبه. واختلف إذا أتى بما لا يشبه، فقال ابن القاسم: لا يقبل قوله (¬1). وقال أشهب فيمن غصب جارية وقال: كانت صماء بكمماء عمياء، قُبل قوله (¬2). والأول أحسن فلا يكاد يوجد اجتماع هذه العيوب ويرغب (¬3) الآخر في غصبها، وإذا غرم الغاصب على الصفة التي حلف عليها، ثم ظهرت عند الغاصب، فقال ابن القاسم: إن ظهرت مخالفة للصفة خلافًا بيّنًا رجع عليه بتمام القيمة؛ لأنه إنما جحده بعض القيمة وليس له أن يأخذها إلا أن يعلم أنه أخفاها (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 357. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 358. (¬3) في (ق 9): (ولا يرغب). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 358.

فصل [في إنكار الغصب]

وقال في المبسوط: يرجع في الجارية ويرد القيمة التي أخذ، وأرى إذا وجد الجارية عند الغاصب أن لصاحبها أن يأخذها كانت موافقة للصفة التي حلف عليها أو مخالفة، ويحمل على أنه أخفاها؛ لأنه قد علم رغبته فيها وتحامله عليها بالغصب ومن غصب يخفي فيحمل أن يده عليها حسب ما كانت حتى يعلم أنها خرجت من يده ثم عادت. فصل [في إنكار الغصب] وإن أنكر الغاصب الغصب وشهدت البينة باعترافه أو أنه غصب عبدًا أو دابة ولم يثبت صفة، كان القول قول المغصوب منه مع يمينه ويستحق، وقيل: ليس له بعد يمينه إلا الوسط والأول أصوب؛ لأنَّ على الغاصب أن يقرَّ بصفة ويحلف عليها أو ينكل فيحلف الآخر ويستحق، فإذا جحد ولم يذكر صفة كان القول قول الآخر أنه كان على ما قال، ولا يحط عن ذلك الغاصب من غير يمين ولا من غير مناكرة أنه كان دون ذلك. وإن غصب ثوبًا فأتى به خلقًا، وقال الآخر: كان جديدًا، كان القول قول الغاصب مع يمينه ويسلمه، فإن وجد المغصوب منه بعد ذلك البينة أنه غصبه جديدًا والثوب قائم بيده أو هلك أو باعه أو رهنه أو كان عبدًا فأعتقه فإنه ينظر فإن كان اختلافهما ليغرمه ما بين القيمتين رجع عليه بما بين قيمته خلقًا وجديدًا من غير مراعاة لحال الثوب من وجود أو هلاك. وإن كان اختلافهما ليضمنه فقال الغاصب: لا أضمن؛ لأنه كان خلقًا كان للمغصوب منه أن يرجع على الغاصب بقيمته يوم غصبه جديدًا ثم ينظر في الثوب فإن كان قائمًا رده، وإن هلك كانت مصيبته من الغاصب؛ لأنه أكرهه

على رده إليه، والقول قول ربه مع يمينه أنه هلك ويرجع بالقيمة، وإن باعه سلم الثمن الذي باعه به، وإن لبسه فأبلاه غرم القيمة. ويختلف إذا وهبه، فقال أشهب في المجموعة: لا شيء عليه؛ لأن الغاصب أباح ذلك له ظلمًا وعدوانًا وجحودًا ولكن يتبع الموهوب له فيأخذ منه إن وجد عنده أو قيمته يوم لبسه فأبلاه، فأما إن كان تلف عنده فلا شيء عليه أيضًا (¬1)؛ لأنه لم يكن ضامنًا له، وإن كان عبدًا وأتى به معيبًا وقال: هكذا غصبته فحلف ورده ثم ثبت أنه كان سالمًا رجع بقيمة العيب إذا كان اختلافهما ليأخذ قيمة العيب، وإن كان ليضمنه رجع بقيمته يوم الغصب وكانت مصيبته من الغاصب، فإن أعتقه لم يكن عليه -على قول أشهب- شيء. وقال محمد في شاهدين شهدا على رجلٍ أنه اشترى هذا العبد وهو ينكر فحكم بشهادتهما، فأعتقه أو باعه أو مات أو أبق ثم رجعا وأقرا بشهادة الزور: أنه يرجع عليهما بالثمن إذا مات أو أبق، ويغرم قيمته في العتق إن كانت القيمة أقل من الثمن، ويغرم الشاهدان ما زاد الثمن على القيمة (¬2). فأغرمه القيمة في العتق وهو خلاف لقول أشهب، وإن أخذ المغصوب منه العبد وهو لا يعلم بالعيب، ثم أعلم به بعد موت العبد أو إباقه أو بيعه أو عتقه كان له أن يرجع بقيمة العيب، وإن قال: إذا رجع بجميع القيمة؛ لأني لو علمت بالعيب لضمنته (¬3) ولم آخذه نظر إلى العيب، فإن كان يرى أنه لا يضمن لأجله لخفته لم يصدق، وإن كان مثل ذلك العيب لا يقبله صدق به ورجع بالقيمة، وإن ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 328. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 456. (¬3) قوله: (لضمنته) في (ق 9): (لضمنت).

أشكل الأمر حلف، ثم عاد الجواب إلى ما تقدم إذا ثبت أنه غصبه جديد (¬1). وفي كتاب محمد فيمن اكترى بعيرًا وزاد عليه زيادة تعطبه فردَّه وقد أنقصه فنحره صاحبه ثم علم، كان بالخيار بين أن يرجع بما بين قيمته يوم تعدى ويوم أتى به (¬2) أو بكراء الزيادة (¬3). قال الشيخ - رضي الله عنه -: ولو علم بذلك حين نحره لسلمه منحورًا ويرجع بالقيمة إن أحب، وإن باعه حاسبه بالثمن الذي باعه به ورجع بفضل القيمة. ¬

_ (¬1) في (ف): (جديدا). (¬2) قوله: (أتى به) في (ق 7): (أتاها). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 118.

باب فيمن غصب شيئا فغيره عن حاله بصناعه أو صنع أو بناء أو ما أشبه ذلك

باب فيمن غصب شيئًا فغيره عن حاله بصناعه أو صنع (¬1) أو بناء أو ما أشبه ذلك وقال ابن القاسم فيمن غصب ذهبًا أو فضة أو نحاسًا أو حديدًا فصنعه أو حنطة فطحنها، ليس لصاحبها (¬2) إلا مثلها (¬3)، وليس له أن يأخذه، وإن غصبه ثوبًا فصبغه أو خاطه كان صاحبه بالخيار بين أن يأخذه ويدفع قيمة الصنعة أو يسلمه ويغرمه قيمته (¬4). وفرق بين ما يقضى فيه بالمثل والقيمة (¬5)؛ لأن المثل مقام الأول وكأنه (¬6) لم يخرج من يده شيء (¬7) فلم يدخل عليه ضرر والآخر يعطي عينًا فعليه فيه إن ألزم أخذ القيمة مضرة. وقد اختلف في الموزون والمكيل إذا كان (¬8) يحرم فيه التفاضل كالذهب والفضة والقمح والشعير وما لا يحرم (¬9) كالنحاس والحديد والقطن وما أشبه ذلك إذا صنع في أربعة مواضع: ¬

_ (¬1) قوله: (أو صبغ) زيادة من (ق 9) (¬2) قوله: (لصاحبها) في (ق 9): (لصاحبه). (¬3) قوله: (مثلها) في (ق 9): (مثله). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 185. (¬5) قوله: (والقيمة) في (ف): (فالقيمة). (¬6) قوله: (وكأنه) في (ق 9): (فكأنه). (¬7) قوله: (لم يخرج من يده شيء) في (ف): (لم يخرج الذي من يده شيء). (¬8) قوله: (إذا كان) ساقط من (ف). (¬9) قوله: (وما لا يحرم) في (ق 9): (أو لا يحرم).

أحدها: هل ذلك فوت يمنع من أخذه؟ والثاني: إذا كان له أخذه (¬1) هل يغرم للصنعة شيئًا؟ والثالث: إذا كان ذلك عليه هل يغرم قيمة الصنعة أو ما زادت؟ والرابع: إذا لم يرض أن يغرم عن الصنعة ولم يضمن هل يكونان شريكين؟ فقال ابن القاسم: ليس له إلا ما غصب (¬2). وقيل: له أن يأخذ ذلك ولا شيء عليه؛ لأن هذه الأشياء ليست كالأعيان القائمة كما لو جصص أو زوق لم يحق (¬3) له في ذلك شيء، وإن (¬4) زاد في الثمن وإن بنى (¬5) لا يعطى (¬6) إلا (¬7) قيمة الأنقاض دون التلفيق (¬8) وما لا يقدر ولم يمكن (¬9) أن يبين به، وقيل: إن كانت قيمة الصنعة يسيرة أخذه ولا شيء عليه، وإن كان لها قدر وزادت في القيمة لم يأخذه إلا أن يدفع قيمة الصنعة أو يكونا شريكين، وهو قول عبد الملك في المبسوط (¬10)، وقيل: إن كان يجوز التفاضل فيه كان له أن يأخذه ويدفع الأجرة، وإن كان يحرم التفاضل فيه رجع بالمثل ولم يأخذه. قال ابن القاسم: لأني لو أجزت له أخذ الفضة بلا شيء ظلمت السارق، ¬

_ (¬1) قوله: (أخذه) في (ق 9): (أن يأخذه). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 141. (¬3) قوله: (يحق) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (وإن) في (ق 9): (فإن). (¬5) قوله: (وإن بنى) في (ق 9): (ولو بنى). (¬6) في (ق 9): (على). (¬7) قوله: (إلا) ساقط من (ق 9). (¬8) في (ق 9): (المتلفين). (¬9) قوله (ولم يمكن) في (ق 9): (على). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 407.

وإن قلت للآخر: أعطه قيمة عمله فضة وزيادة فهو ربا (¬1) (¬2). واختلف إذا كان له أن يأخذه ويدفع العوض هل يدفع قيمة الصنعة أو ما زادت؟ وأرى إن كانت قيمة الصنعة يسيرة أن يأخذه ولا شيء عليه، وإن كان لها (¬3) قدر وبال أن يكون بالخيار بين أن يغرمه المثل أو يأخذه ويكون عليه الأقل من قيمة (¬4) الصنعة أو ما زادت وإن كانت قيمتها أقل لم يظلم بشيء إذا أعطي قيمة صنعته وإن كانت (¬5) الزيادة أقل قال المغصوب: قد كان لي أصل قيمته عشرة دناني وهو الذي كنت أبيعه به الآن فليس لك معي إلا ما زادت صنعتك، فإن كره أن يأخذ (¬6) أو يغرم المثل كانا شريكين، هذا بقيمة المثل، والآخر بقيمة الأقل (¬7)، وما يحرم فيه التفاضل وغيره سواء، ويقال للمغصوب: لا يجوز لك إذا اخترت في نفسك أحد الأمرين الأخذ أو تضمين المثل أن (¬8) تنتقل إلى الآخر؛ لأنه ربا ويوكل في ذلك إلى أمانته، وإن لم تزد الصنعة أخذه ولا شيء عليه. وقال أشهب في المجموعة: لو طحنت الحنطة سويقًا ثم لتَّها جاز أن ¬

_ (¬1) قوله: (فهو ربا) ساقط من (ف. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 543. (¬3) قوله: (لها) في (ف): (له). (¬4) قوله: (قيمة) ساقط من (ف). (¬5) قوله (قيمتها أقل لم يظلم بشيء إذا أعطي قيمة صنعته وإن كانت) ساقط من (ف). (¬6) في (ق 9): (يأخذه). (¬7) في (ق 9): (بالأقل). (¬8) في (ف): (أو).

يأخذها فإن الحنطة بالسويق تجوز متفاضلًا (¬1). وأرى إذا طحنت (¬2) ولم تلت فرضي الغاصب أن يسلمها على ألا يأخذ عن الطحن (¬3) شيئًا أن يجبر ربها على قبولها إذا كانت يسيرة يريدها لذلك لو لم تغصب، وإن كانت كثيرة ويريدها للتجارة أو ليدخرها لم يجبر على قبولها. وفي كتاب محمد فيمن غصب قمحًا فباعه فطحنه المشتري، قال: قد قيل: إن (¬4) لصاحبه أن يأخذه إن شاء ولا غرم عليه للطحين، وإن شاء تركه وأخذ من الغاصب مثل قمحه أو الثمن، قال محمد: الصواب ألا شيء له إلا الثمن من الغاصب أوالقمح ممن شاء منهما. وإن كان الغاصب عديمًا ورجع (¬5) على المشتري كان المشتري بالخيار إن شاء أعطاه مثل قمحه وإن شاء سلمه إليه دقيقًا، ولو كان الغاصب الذي طحنه (¬6) كان بالخيار إن شاء أخذ الدقيق أو مثل قمحه، قال (¬7) وإن طحنه المشتري لم يأخذه إلا أن يدفع الأجرة (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 324. (¬2) في (ف): (صحنت). (¬3) قوله: (الطحن) في (ق 9): (الطحين). (¬4) قوله: (إن) ساقط من (ق 9). (¬5) قوله: (ورجع) في (ف): (رجع). (¬6) في (ف): (صحنه). (¬7) قوله: (قال) ساقط من (ف). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 410.

فصل [فيمن غصب حليا فكسره ثم أعاده على حاله لصاحبه]

فصل [فيمن غصب حليًا فكسره ثم أعاده على حاله لصاحبه] وفي كتاب محمد فيمن غصب حليًا فكسره ثم أعاده على حاله لصاحبه أن يأخذه ولا غرم عليه، وإن صاغه على غير (¬1) صياغته لم يأخذه، ولم تكن له (¬2) إلا قيمته يوم غصبه قال: وهذا قولهما، قال محمد: لا شيء له إلا قيمتها وإن أعادها إلى حالها (¬3). لأن الغاصب ضمن قيمته وليس له مثله ولو (¬4) لم يكن (¬5) غاصبًا إلا متعديًا لكان له أخذه إذا صاغه على حاله بلا غرم ولو اشتراه رجل من الغاصب، فكسره ثم أعاده إلى حاله (¬6) لم يكن لصاحبه أخذه إلا أن يدفع للمشتري قيمة صياغته؛ لأنه لم يتغير (¬7) في الكسر. قال الشيخ - رضي الله عنه - في الغاصب إذا أعادها إلى (¬8) هيئتها: ألا شيء عليه أبين؛ لأن الصياغة مما يقضى فيها بالمثل على أحد القولين، وقد (¬9) قال ابن القاسم فيمن غصب سوارين (¬10) فكسرهما: عليه قيمة الصياغة (¬11). فإذا كان عليه (¬12) ¬

_ (¬1) قوله: (غير) غير واضح في (ق 9). (¬2) (قوله: (له) ساقط من (ق 9). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 334، والمنتقى: 7/ 311. (¬4) قوله: (ولو) في (ف): (لو). (¬5) قوله: (يكن) ساقط من (ف). (¬6) في (ق 9): (حالته). (¬7) في (ق 9): (يتعد). (¬8) في (ق 9): (على). (¬9) قوله: (وقد) ساقط من (ق 9). (¬10) في (ف): (صوارين). (¬11) انظر: المدونة: 4/ 186. (¬12) قوله: (عليه) ساقط من (ف).

قيمتهما دون الأصل وكان في القول الآخر أنهما (¬1) مما يقضى فيهما (¬2) بالمثل، فإذا فعل فيهما الحكم المأمور به على أحد الأقوال مضى ولم يلزم غيره، وقد (¬3) قال ابن القاسم فيمن غصب خشبة فعملها مصر اعين عليه قيمتها ولا يذهب عمله باطلًا، فمنع من أخذ عينها لئلًا يذهب عمله باطلًا، فإن رضي صاحبها أن يدفع الأجرة كان له أخذها (¬4). وقال عبد الملك في المبسوط: إذا عمل فيها عملًا له بال من صنعة أو نقش زاد (¬5) في ثمنها كان صاحبها بالخيار بين أن يعطيه قيمة عمله ويأخذها أو يسلمها ويأخذ قيمتها يوم الغصب، ويكونا (¬6) شريكين فيها. قال: وكذلك من غصب ذهبًا فضربها دنانير إذا كان لصنعته بال، وإن كان عملًا يسيرًا في جميع ذلك كان للمغصوب منه، ولا شيء عليه في العمل وهذا أعدلهما. وقال مالك فيمن غصب خشبة وأدخلها في بنيانه: لصاحبها أن يأخذها ويهدم ذلك البناء (¬7). وقال ابن القاسم في كتاب محمد: ذلك له وإن بنى (¬8) عليها القصور، ¬

_ (¬1) في (ف): (أنها). (¬2) في (ف): (فيها). (¬3) قوله: (قد) ساقط من (ق 9). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 187. (¬5) قوله: (زاد) في (ف): (وزاد). (¬6) قوله: (ويكونا) في (ق 9): (أو يكونا). (¬7) انظر: المدونة: 4/ 186. (¬8) كلمة (بنى) غير واضحة في (ق 9).

واستحسن أشهب إذا كان مثل هذا البناء ألا (¬1) يكون له إلا قيمتها يوم غصبت (¬2)، ويلزم على ما قال ابن القاسم في المصراعين أنه لا (¬3) يأخذها لئلًا يذهب (¬4) عمله باطلًا (¬5) ألا يكون له أن يأخذ الخشبة إذا عظم البناء، وإن رضي صاحبها بأخذ القيمة لم يكن للغاصب أن يهدم بنيانه ليعطيها (¬6) إياه؛ لأنه من باب الفساد وإضاعة المال. وقال ابن القاسم فيمن غصب ثوبًا فصبغه: صاحبه بالخيار، فإن أحب أخذه ودفع قيمة الصبغ، وإن أحب ضمنه قيمته يوم غصبه (¬7). قال الشيخ: وأرى أن يكون صاحبه بالخيار بين أن يضمنه قيمته يوم غصبه أو يوم صبغه إن كانت قيمته ذلك اليوم أكثر، وهو أحد قولي ابن القاسم (¬8). واختلف إذا أحب أن يأخذه، فقال ابن القاسم: للغاصب قيمة الثوب (¬9) يوم ياخذه، وقال: ما زاد الصبغ فإن لم يزد فلا شيء له (¬10). وهذا قياس على قوله في العيب يجده المشتري في الثوب بعد أن صبغه، فإن نقصه الصبغ غرم ما نقص. ¬

_ (¬1) في (ف): (لا). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 325. (¬3) قوله: (أنه لا) في (ق 9): (أن لا). (¬4) في (ق 9): (يظلم). (¬5) قوله: (باطلًا) ساقط من (ق 9). (¬6) في (ق 9): (ليعطيه). (¬7) انظر: المدونة: 4/ 185. (¬8) انظر: المدونة 3/ 401، 4/ 185، ولم أقف له على التضمين يوم الصبغ. (¬9) في (ق 9): (الصبغ). (¬10) انظر: المدونة: 4/ 191.

وقال أشهب في كتاب القطع من كتاب محمد: لا شيء عليه في الصبغ وجعله كالتزويق (¬1). وقال محمد بن مسلمة: إن نقصه الصبغ غرم النقص، فإن زاد لم يكن له فيه شيء إلا أن يكون (¬2) إن غسل خرج منه شيء له قيمة، فيكون صاحبه بالخيار إن شاء أعطاه الثوب فغسله وإن شاء أعطاه قيمة ما يخرج منه، قال: لأنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَيْسَ لِعِرقِ ظَالمٍ حَقٌ" (¬3). قال مالك: والعرق الظالم كل ما احتفر أو غرس (¬4). يريد: أن لا حق للغاصب في بقاء ما فعله في المغصوب وأنه ينقض فيطرح، وكذلك الصبغ إن كان له (¬5) في زواله منفعة أعطاه وإلا فلا شيء عليه. وعلى قول عبد الملك يكون له أن يأخذه بغير شيء إذا كانت النفقة في الصبغ يسيرة، وإن كان لها قدر أعطاه قيمة ذلك أو ضمنه أو كانا شريكين. وقول أشهب وابن مسلمة أصوب؛ لأنهما اتفقا في الجص والتزويق وهو شيء قائم العين كالصبغ ألا شيء له فيه، وإن عظمت زيادته في ثمن الدار؛ لأنه إن نقض (¬6) لم ينتفع به فكذلك الصبغ، وإن باعه الغاصب فصبغه المشتري كان صاحبه بالخيار بين أن يكون مقاله مع الغاصب فيغرمه قيمته يوم الغصب أو يوم البيع أو يجيز البيع ويأخذ الثمن، وإن أحب كان مقاله مع المشتري فله ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 481. (¬2) قوله: (أن يكون) غير واضحة في (ق 9). (¬3) سبق تخريجه، ص: 3288. (¬4) انظر: المنتقى: 7/ 377. (¬5) قوله: (له) ساقط من (ق 9). (¬6) قوله: (إن نقض) في (ف): (أنقص).

فصل [فيمن غصب دارا فهدمها]

أن يأخذه إن أحب ويدفع قيمة الصبغ، وإن أبى كانا شريكين وعلى القول (¬1) الاَخر ما زاد الصبغ، وهو أحسن وبه يشارك، وإن لم يزد لم يكن له شيء. واختلف إذا نقصه الصبغ هل له أن يضمنه قيمة الثوب إذا نقله عن الغرض الذي يراد له؟ وقد اختلف في مشتري العبد يقتله خطأ؛ لأنه في الصبغ والقتل لم يصون ماله بخلاف اللباس والأكل والتضمين في كلا الوجهين (¬2) أحسن. فصل [فيمن غصب دارًا فهدمها] ومن غصب دارًا فهدمها كان صاحبها بالخيار بين أن يأخذه بالغصب ويغرمه قيمتها قائمة (¬3) يوم الغصب، أو يأخذه بالعداء فيغرمه قيمتها قائمة يوم الهدم، أو يأخذ العرصة وحدها ويغرمه ما نقص الهدم على أن الأنقاض لصاحبها (¬4)، أو يأخذ العرصة والأنقاض ويغرمه ما نقص الهدم على أن الأنقاض لصاحبها (¬5) يقال ما قيمتها قائمة وما قيمتها مهدومة على هيئتها فما بينهما غرمه (¬6) ثم يختلف متى تكون قيمة النقص؟ فعلى قول ابن القاسم: يوم الهدم، وعلى قول سحنون: يوم الغصب، وأرى أن يكون عليه الأكثر من قيمته في هذين الوقتين. ¬

_ (¬1) قوله: (القول) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (كلا الوجهين) في (ق 9): (كلتا الروايتين). (¬3) في (ق 9): (قيمة). (¬4) في (ق 9): (للغاصب). (¬5) قوله: (أو يأخذ العرصة. . . . . على أن الأنقاض لصاحبها) ساقط من (ف). (¬6) في (ف): (غرم).

وقال محمد: صاحبها بالخيار فإن أحب أخذ قيمتها يوم الغصب وإن شاء أخذ العرصة والنقض ولا شيء له (¬1). فلم ير له في النقص شيئًا وهذا بناء على أصله وهو قول أشهب في كل من ملك أن يضمن ألا يأخذه وما نقص والأول أحسن. وقال ابن القاسم: إذا هدمها المشتري لا شيء عليه إذا أراد أن يتوسع (¬2). وقال محمد: لا شيء في الهدم بخلاف الثوب يشتريه فيقطعه فإنه ضامن. قال محمد: والفرق بينهما أن هدم الدار ليس بمتلف؛ لأنه يقدر على أن ترد إلى (¬3) حالها وأفضل (¬4). وكذلك الحلي يشتريه فيكسره ثم يستحق فلا شيء على كاسره؛ لأن فعله ليس بمتلف، وإذا قطع الثوب لم يرجع على حاله، وكذلك إذا (¬5) ذبح الشاة وكسر العصا، وليس هذا الفرق بالبين؛ لأن إعادة الدار لا تصح إلا بمال ينفق فيها وهو لا يرى على الهادم أن يبنيها، وإذا كان ذلك لم يفد كونها مما تعاد إلى هيئتها بل المضرة في هدم الدار أعظم من المضرة في قطع الثوب. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 350. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 244. (¬3) قوله: (ترد إلى) في (ق 9): (يردها على). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 350. (¬5) قوله: (إذا) ساقط من (ق 9).

فصل [فيمن غصب دارا فهدمها ثم بناها بنقضها]

فصل [فيمن غصب دارًا فهدمها ثم بناها بنقضها] فإن بناها الغاصب بنقضها كان صاحبها بالخيار بين أن يضمنه قيمتها يوم الغصب أو يوم الهدم وتمضي للغاصب قائمة، وإن أحب أخذها وأغرم للغاصب قيمة ما هدم قائمًا يوم هدم على أن النقض يبقى (¬1) للغاصب ويعطيه قيمة الهدم مهدومًا (¬2)، وإن أحب أغرمه قيمة التلفيق وحده على أن النقض يبقى لربها ويكون له (¬3) البناء مبنياً اليوم (¬4) ولا شيء له على الغاصب؛ لأن نقضه عاد إليه ولا شيء للغاصب؛ لأن التلفيق بانفراده لا شيء له فيه. وقال ابن القاسم في كتاب محمد: على الغاصب قيمة ما هدم قائمًا وله قيمة ما بنى مهدومًا (¬5). وهذا داخل في القسم الأول، وقال محمد: يحسب على الغاصب قيمة ما بنى له (¬6) منقوضًا ويحسب له قيمته منقوضًا أيضًا (¬7). يريد: أن للغاصب قيمته منقوضًا اليوم، وهذا أيضًا على أصله ألا شيء له على الغاصب في الهدم إذا أخذ الأصل؛ لأنه يقول: لو وجده منقوضًا ولم يبن به فأخذ الدار لم يكن له في الهدم شيء، فإذا بنى به كان له قيمته يوم بنائه (¬8). ¬

_ (¬1) قوله: (يبقى) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (قيمة الهدم مهدومًا) في (ق 9): (قيمته اليوم مهدوما). (¬3) قوله: (له) ساقط من (ق 9). (¬4) قوله: (اليوم) ساقط من (ف). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 339. (¬6) في (ق 9): (به). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 339. (¬8) قوله: (بنائه) في (ق 9): (بنى به).

قال محمد: فإن هدمها المشتري ثم بناها بنقضها لم يكن لصاحبها أخذها إلا أن يدفع إليه القيمة (¬1)، قيمة بنائها (¬2) قائمًا، ويكون بمنزلة من اشترى عرصة فبناها بغير نقضها، وللمستحق على المشتري قيمة نقضه الذي بنى به منقوضًا يوم بنائه، وإن شاء أخذ من المشتري قيمة عرصته وقيمة نقضه فقط (¬3). قال: وقيل: فإن أبى (¬4) كانا شريكين المشتري بقيمة عمارته قائمة والمستحق بقيمة عرصته لا بناء فيها وقوله على المشتري (¬5) قيمته يوم بنائه فهو على القول في ولد المستحقة أن القيمة فيه يوم ولد؛ لأنه من ذلك اليوم تأتى (¬6). وإن تعدى رجل عليها فهدمها لم تسقط القيمة عن المشتري ويكون هو (¬7) الذي يتبع الذي هدمها، وأمَّا على القول أن القيمة في الولد يوم الحكم لا يكون على المشتري من قيمة النقض شيء ويكون النقض للمستحق، وعليه للمشتري قيمة البناء وحده، وإن هدمها إنسان وغصبها لم يكن على المشتري شيء وكان المستحق هو الذي يتبع الغاصب له بعد بنائها (¬8) بمنزلة ما (¬9) لو غصب قبل ¬

_ (¬1) قوله: (القيمة) ساقط من (ق 9). (¬2) قوله: (بنائها) في (ف): (بنائه). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 339. (¬4) في (ف): (أبيا). (¬5) قوله: (بقيمة عمارته قائمة والمستحق بقيمة عرصته لا بناء فيها وقوله على المشتري) ساقط من (ف). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 407. (¬7) في (ق 9): (من). (¬8) قوله: (بنائها) في (ق 9): (بنائه). (¬9) قوله: (ما) ساقط من (ق 9).

فصل [فيمن غصب أرضا فغرسها]

البناء وإنما للمشتري فيها بناء، فإن وجدها المستحق قائمة أخذ قيمة البناء وحده، وبه يشارك إن كانت شريكة، فإن انهدم زال الحق الذي كان فيه (¬1) للمشتري، وكذلك لو اشترى خشبة فأدخلها في بنائه ثم استحقت كان عليه قيمتها يوم بنى عليها، وإن سرقت من هناك بعد ذلك لم تسقط عنه القيمة، وعلى القول الآخر عليه (¬2) قيمتها يوم الحكم لصاحبها، وإن سرقت قبل ذلك لم يكن عليه شيء. فصل [فيمن غصب أرضًا فغرسها] ومن غصب أرضًا فغرسها كان لصاحبها أن يأخذها وللغاصب أن يأخذ غرسه إذا كان ينبت، فإن لم ينبت كان صاحب الأرض بالخيار بين أن يأمره بقلعه أو يأخذ قيمته (¬3) مقلوعًا. ومن غصب وديًا فغرسه كان للمغصوب منه أن يأخذه إذا كان ينبت عنده متى قلعه، وإن كان لا ينبت عنده لم يكن له قلعه وكان له الأكثر من قيمته يوم غصبه أو قيمته اليوم مقلوعًا فقد يكون (¬4) سوقه قبل اليوم أبخس وهو اليوم أنفق وأكثر. ومن غصب نخلةً قائمةً فقلعها كان عليه قيمتها قائمة تقوم بأرضها ثم تقوم الأرض فيسقط عن الغاصب ما ينوب الأرض؛ لأنَّ أرضها تبقى (¬5) ¬

_ (¬1) قوله: (فيه) في (ف): (فيها). (¬2) قوله: (عليه) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (يأخذ قيمته) في (ق 9): (يأخذه بقيمته). (¬4) في (ق 9): (تكون). (¬5) قوله: (أرضها تبقى) في (ق 9): (أرضا بقيت).

لصاحبها. وكذلك لو غصب وديًا فأتلفه ولم يغرسه، وقال: يغرم قيمته للغراسة، لكان (¬1) وإن باعه فغرسه المشتري ثم استحق بقرب ذلك -كان للمستحق أن يأخذه (¬2) وعليه قيمة خدمته إن كانت نفقته ونقلته، وإن كبر وشب وكان إن قلع نبت- كان للمستحق أن يأخذه (¬3). وعلى قول محمد بن مسلمة يكون ذلك فوتًا وله قيمته يوم غرسه ولا يأخذه، وإن كان إن قلع لم ينبت لم يأخذه. ويختلف متى تكون فيه القيمة يوم غرسه أو اليوم حسب ما تقدم في الأنقاض إذا بنى بها. ومن غصب أرضًا فحفرها كان عليه ما نقصها (¬4) الحفر إلا أن يعيدها على هيئتها، وإن كانت محفورة فردمها كان عليه أن يزيل ذلك الردم منها. ¬

_ (¬1) قوله: (لكان) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (أن يأخذه) في (ق 9): (أخذه). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 189، والنوادر والزيادات: 10/ 325. (¬4) قوله: (نقصها) في (ف): (نقص).

باب فيمن غصب ما لا يجوز بيعه

باب فيمن غصب ما لا يجوز بيعه قال مالك في كتاب ابن حبيب فيمن غصب حرًا فباعه ثم تاب: يطلبه (¬1) فإن أيس منه ودى ديته إلى أهله (¬2). وقال ابن القاسم في العتبية فيمن غصب أم ولد فماتت عنده: يغرم لسيدها قيمتها (¬3) قيمة أمة (¬4) لا عتق فيها (¬5). وقال سحنون في المجموعة: لا ضمان عليه بمنزلة الحرة يغتصبها فتموت عنده من غير فعله (¬6). والأول أحسن وليست كالحرة (¬7)؛ لأن هذا على أحكام العبودية حتى يموت السيد ولو نقل الرقبة غاصبها ضمنها ولو نقل حرًا لم يضمنه؛ لأنه غصب منافعه بخلاف غصب (¬8) الرقبة وبيعها. واختلف فيمن غصب جلد ميتة، فقال ابن القاسم في المدونة: عليه قيمته دبغ أو لم يدبغ (¬9). ¬

_ (¬1) في (ق 9): (فطلبه). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 11/ 242. (¬3) قوله: (قيمتها) ساقط من (ف). (¬4) في (ق 9): (أم ولد). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 315. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 315. (¬7) في (ف): (حرة). (¬8) قوله: (غصب) ساقط من (ق 9). (¬9) انظر: المدونة: 4/ 187، والبيان والتحصيل: 11/ 243.

وقال في المبسوط: وإن لم يدبغ فلاشيء عليه وإن دبغ فعليه (¬1) قيمة ما فيه من الدباغ. وقال مالك في كتاب أبي الفرج: لاشيء عليه وإن لم يدبغ والأول أحسن؛ لأنه منعه (¬2) الانتفاع وليس ما توجبه الأحكام في الاستهلاك والتعدي كالذي يبتدئ البيع وكذلك إن دبغ كان عليه قيمة جميعها وقد قال مالك مرة: يجوز بيعه (¬3). ويختلف فيمن غصب سمارًا (¬4) ممن (¬5) كان ينتفع به لبستانه كان له (¬6) أن يغرم (¬7) له قيمته قياسًا على جلد الميتة قبل الدباغ. ويختلف في جلود السباع قبل الدباغ وبعده إذا كانت مذكاة، فقال مالك وابن القاسم: هو ذكي ويجوز بيعه (¬8). فعلى هذا يغرم غاصبه قيمته، وعلى قول ابن حبيب: يجري على أحكام جلد الميتة (¬9). وإن سرقه من (¬10) صاحبه حيا (¬11) كان عليه قيمة جلده على قول مالك؛ لأنه كان قادرًا على ذكاته، وعلى قول ابن ¬

_ (¬1) قوله: (فعليه) في (ق 9): (كان عليه). (¬2) في (ق 9): (حرمه). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 355، والبيان والتحصيل: 11/ 243. (¬4) في (ف): (صمارا). (¬5) قوله: (ممن) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (كان له) ساقط من (ق 9). (¬7) قوله: (يغرم) في (ق 9): (يقوم). (¬8) انظر: المدونة: 1/ 183. (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 377. (¬10) قوله: (من) ساقط من (ف). (¬11) قوله: (حيا) ساقط من (ف).

حبيب: لا شيء له؛ لأن حكم جلده عنده (¬1) حكم جلد الميتة. وإن غصب كلب ماشية أو صيد أو زرع فعليه قيمته، ويختلف في صفة القيمة فمن أجاز بيعه قوم على ذلك، ومن منع رده إلى أحكام جلد الميتة يقوم للانتفاع لا للبيع، وإن كان كلب دار لم يغرم شيئًا (¬2) (¬3)؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتلها (¬4). وإن غصب تمرًا أو زرعًا لم يبد صلاحه غرم قيمته على الرجاء والخوف، فإن عاد لهيئته وحاله بعد الحكم لم ينقض. واختلف إذا عاد قبل الحكم، فقال مالك في كتاب ابن حبيب: تسقط القيمة إن لم تكن فيه منفعة، وإن كانت فيه منفعة قوم على غير الرجاء والخوف (¬5). وقال أصبغ: يقوم على الرجاء والخوف (¬6). والأول أحسن، وأرى أن يرجع إلى ما (¬7) تبين حكم أو لم يحكم، وإن تراخى الحكم ثم سلمت زروع أهل ذلك الموضع ولم يكن عاد إلى هيئته كان عليه قيمته على السلامة إذا كان بعلًا، وإذا كان يتكلف أجرة في سقيه حط عنه ما ينوب الأجرة، وإن هلكت زروع أهل ذلك الموضع أو ثمارهم كانت عليه القيمة على غير الرجاء إلا أن يكون ¬

_ (¬1) في (ف): (ضده). (¬2) في (ق 9): (قيمته). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 355. (¬4) قوله: (أمر بقتلها) في (ف): (أمرها بقتله). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 66. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 67. (¬7) قوله: (ما) ساقط من (ف).

فصل [فيمن غصب عصيرا فصار خمرا]

هلاك غيره بعد ما انتقل وزاد فتكون القيمة على ما انتقل إليه، فإن قيل: قد يكون (¬1) حال المتعدى عليه خلاف ذلك فيهلك وإن سلم غيره (¬2) أو يسلم وإن هلك غيره، قيل: هذا من النادر والنادر لا حكم له؛ لأنه إن كان الهلاك من قحط السماء أو سموم فهو عام، وإن أتت الأمطار وتمت فلجميعها (¬3). وقال أشهب في المجموعة فيمن غصب بئر الماشية الذي (¬4) لا يجوز بيعه فسقى به أرضه: فعليه قيمته إذا كان لا يفضل منه شيء (¬5). فصل [فيمن غصب عصيرًا فصار خمرًا] ومن غصب عصيرًا فصار (¬6) خمرًا كسرت عليه وغرم قيمة (¬7) العصير، وإن غصب خمرًا فصارت خلًا كان لصاحبها أن يأخذها (¬8)، وإن غصب عصيىرًا فصارت (¬9) خلًا كان المغصوب منه بالخيار بين أن يأخذه أو يغرمه مثله عصيرًا (¬10). ¬

_ (¬1) في (ق 9): (كان يكون). (¬2) قوله: (غيره) ساقط من (ف). (¬3) في (ق 9): (فلجميعه). (¬4) قوله: (الذي) ساقط من (ق 9). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 355. (¬6) في (ف): (فصارت). (¬7) قوله: (وغرم قيمة) في (ق 9): (غرم مثل). (¬8) قوله: (لصاحبها أن يأخذها) في (ق 9): (لصاحبه أن يأخذه). (¬9) في (ق 9): (فصار). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 326.

وفي ثمانية أبي زيد فيمن تعدى على جرة عصير فكسرها، فإن دخله عرق خل ولم يتخلل: غرم قيمته على الرجاء والخوف بمنزلة الثمرة، وإن ظهر أنه خمر ولم يدخله عرق خل فلا شيء عليه؛ لأنه كسرها في حين لو علم به صاحبه لم يحل إمساكه. وقال ابن القاسم فيمن غصب خمرًا لنصراني (¬1) قال: (¬2) عليه قيمتها، وقال عبد الملك بن الماجشون: لا قيمة له ولا قيمة لما حرم الله (¬3). واختلف بعد القول أن عليه قيمتها (¬4) فيمن يقومها (¬5)، فقال ابن القاسم: يقومها من يعرف القيمة من المسلمين، وقال أيضًا: يقومها أهل دينه، وبالأول أخذ سحنون (¬6). (¬7). ¬

_ (¬1) قوله: (خمرًا لنصراني) في (ق 9): (نصرانيًا خمرًا). (¬2) قوله: (قال:) ساقط من (ق 9). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 356. (¬4) في (ق 9): (قيمته). (¬5) في (ق 9): (يقومه). (¬6) انظر: المدونة: 4/ 189. (¬7) قال في (ف): (تمَّ كتابُ الغصبِ، والحمدُ لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا دائمًا إلى يوم الدين)، وفي (ق 9) ألحق بنهاية الكتاب الباب الأول من الاستحقاق، وقال في نهاية الباب: (تم كتاب الغصب والحمد لله تعالى) وهو وهم من الناسخ لا شك وقد نبهنا في بداية الاستحقاق على ما هنا أيضا.

كتاب الاستحقاق

كتاب الاستحقاق النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ف 2) = نسخة القرويين رقم (370) 3 - (ق 9) = نسخة القرويين رقم (369)

باب فيمن اشترى أرضا فبناها ثم استحقت

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلي الله علي سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا دائمًا إلى يوم الدين كتاب الاستحقاق باب فيمن اشترى أرضًا فبناها ثم استحقت وقال مالك فيمن اشترى أرضًا فبناها، ثم استحقت كان المستحق بالخيار، فإن أحب أخذها وأعطى المشتري قيمة بنائه، وإن أبى قيل للباني: أعطه قيمة أرضه براحًا، فإن أبى كانا شريكين، هذا بقيمة بنائه وهذا بقيمة أرضه (¬1). وقد اختلف في هذه الوجوه الثلاثة، هل يكون على المستحق قيمة البناء، أو ما زادت قيمته؟ وإذا لم يرض بأخذ البناء وسلم الأرض، هل يكون على الباني قيمتها يوم الحكم أو يوم كان بنى؟ وإذا لم يرض أن يسلم الأرض، ولا أن يعطيه قيمة البناء، هل يجبر على أن يأخذ قيمته أو يكونا شريكين؟ فقال مالك: له عليه قيمة البناء (¬2)، وقال في العتبية: عليه قيمة ما أنفق (¬3). قيل: له قيمة البناء أو نفقته؟ فقال: بل نفقته (¬4). وقال محمد بن مسلمة: عليه ما زاد ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 192. والقول منسوب لابن القاسم. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 11/ 159. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 11/ 159. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 11/ 158.

البناء، وإن لم يزد، فلا شيء له. وأرى أن يكون عليه الأقل من قيمة البناء وما زاد، فإن كانت قيمتها أقل أخذها فكان قد أخذ قيمة سلعته، فإن كانت الزيادة أقل لم يكن له غيرها؛ لأن الأرض أصل وصاحبها يقول: قيمة أرضي اليوم براحًا مائة، وهي قائمة العين لم يذهب منها شيء، وقد كنت قادرًا على أن آخذ فيها ذلك الآن فليس لك إلا ما زاد على المائة، وإن لم يزد فليس لك شيء، فإن رضي أن يسلمها ولا يدفع قيمة البناء كان له قيمة الأرض الآن. وقال أشهب في المجموعة: له قيمتها يوم كان بناها (¬1) والأول أبين؛ لأن البناء يفيتها على صاحبها وقد كان له أن يأخذها. قال مالك: فإن امتنع المستحق من دفع قيمته أخذ قيمة الأرض، وقال أيضًا: ليس ذلك للباني ويكونا شريكين (¬2). وهذا أصوب؛ لأن المستحق يقول: أنت وان كنت بنيت بشبهة، فليس ذلك مما يوجب عليَّ أن أشتريه منك، أو أخرج لك من ملكي؛ ولأنه لا يخالف أنه لو وقع ثوب في صبغ لرجل، ولم يرض صاحب الثوب أن يدفع قيمة الصبغ، أنه ليس لصاحب الصبغ أن يدفع قيمة الثوب جبرًا، وإذا لم يكن ذلك له، مع كون ذلك من غير سببه كان إذًا من سببه، وهو مخطئ على ملك غيره أبين، ثم يكون شريكًا بالأقل من قيمة البناء أو ما زادت القيمة. وإن استحق نصف الأرض ودفع العِوض عن البناء، كان له الشفعة في النصف الآخر. واختلف إذا لم يضمن وكانا شريكين، هذا بقيمة الأرض وهذا بقيمة ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 406، 11/ 137. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 190، 192.

البناء، هل يسقط من الشفعة بقدر ما سلم من الأرض عوضًا عن البناء لأنه بائع له؟ وأرى ألا شفعة له إذا سلم الأرض وأخذ القيمة؛ لأنه قد باع ما يستشفع به ولم يبق له في الأرض شيءٌ وألا يسقط من شفعته شيءٌ إذا لم يضمن وكانا شريكين؛ لأنَّ الشفعة تجب في الشيء الكثير بالجزء اليسير. وقال عبد الملك بن الماجشون في ثمانية أبي زيد في أرض بين شريكين بنى أحدهما بعضها قبل القسم: فإنها تقسم (¬1). يريد: على أن لا بناء فيها. قال: فإن وقع البناء في نصيب الآخر أعطى قيمته مقلوعًا. قال الشيخ - رضي الله عنه -: ولو كان البناء فيما لا يحمل القسم لكان شريكًا بقيمته قائمًا، ومن دعا إلى البيع بيع جميعها على حالها من البناء والإصلاح، فيكون الزائد لمكان البناء للباني وما سواه بينهما، كما قيل في المركب يكون للشريكين فيصلحه أحدهما أن له ما زاد الإصلاح (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 247، ونصه: (وقال يحيى بن يحيى: أخبرني من أرضى أن ابن الماجشون قال: إن اقتسموا دورًا وأرضًا -يريد بالسهم- ثم استحق بعضُ ما في أيديهم أو وجدوا ببعضه عيبًا فإن القسم يُعادُ بينهم). (¬2) في (ق 9) هذا الباب ضمن كتاب الغصب وهو الكتاب السابق لهذا الكتاب في نسخة (ق 9) وفي آخره كتب الناسخ: (تم كتاب الغصب والحمد لله) وبدأ بـ (كتاب الاستحقاق).

باب فيمن استاجر أرضا فزرعها أو غرس فيها أو بنى ثم استحقت

باب فيمن استاجر أرضًا فزرعها أو غرس فيها (¬1) أو بنى ثم استحقت (¬2) وقال ابن القاسم فيمن استأجر أرضًا سنين على أن يسكن، أو يزرع، أو يغرس، أو يبني، ففعل، ثم استُحقت الأرض قبل انقضاء أجل (¬3) الإجارة والمكري مشتر: إن الكراء له بالضمان إلى يوم الاستحقاق إن كانت للسكنى، وإن كانت للزرع وفات الإبان، فالكراء للمكري، وإن لم يفت فهو للمستحق، وإن كانت تعمل السنة كلها فهي مثل السكنى، فالماضي للأول والمستحق بالخيار في الباقي بين أن يجيز الكراء إلى تلك المدة أو يفسخ، فإن بنى أو غرس كان بالخيار بين أن يجيز الكراء إلى تلك المدة ثم يأخذه بعد الأجل بقيمته مقلوعًا أو يأمره بقلعه، وإن لم يجز كان بالخيار بين أن يعطيه قيمته قائمًا، فإن أبى أعطاه الباني والغارس قيمة الأرض، فإن أبيا كانا شريكين (¬4). قال الشيخ -رحمه الله-: الماضي للمكري في جميع هذه الوجوه كما قال وإنما مقال المستحق في الباقي، فإن كان سكنى كان بالخيار بين الفسخ والإجارة بالمسمى، وإن كانت أرضًا للزراعة فإنه لا يخلو أن يستحقها قبل أن يحرث أو بعد (¬5) أن قلبت أو بعد أن زرعت قبل خروج الإبان أو بعده (¬6)، فإن لم تحرث كانت ¬

_ (¬1) قوله: (فيها) ساقط من (ق 9). (¬2) قوله: (ثم استحقت) ساقط من (ق 9). (¬3) قوله: (أجل) ساقط من (ق 9). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 192. (¬5) في (ف) و (ق 2): (بعده). (¬6) في (ق 9): (بعد).

كالسكنى يمضيه بالمسمى أو يخرجه، وإن قلبها أقره بالمسمى أو يخرجه. واختلف في حكم الحرث، فقيل: لا شيء على (¬1) المستحق فيه، وقال ابن القاسم في المستخرجة: المستحق بالخيار بين أن يعطيه قيمة حرثه فإن أبى أعطاه الآخر قيمة كرائها، وإن أبى أسلمها ولا شيء له (¬2). فهذا مثل قوله في تضمين الصناع إذا لم يدفع القاطع: قيمة الثوب أسلمه بخياطته (¬3). وقال سحنون: يشارك بالخياطة (¬4)، فعلى قوله هذا يشارك هذا في كراء هذه السنة بقيمة الحرث إن اكتريت، فيكون له قيمة الأرض قبل أن تحرث، ولهذا قيمة الحرث مما (¬5) اكتريت به اقتسماه على ذلك، وإن لم يجد من يكري منه واكتريت في العام الثاني، فعلى مثل ذلك إلا أن تذهب منفعة ذلك فلا يكون للأول شيءٌ. فإن باعها المستحق لم يكن للأول شيء، إلا أن يزيد الحرث في الثمن فيكون له ذلك الزائد. وإن زرعها ولم يخرج الإبان لم تنزع منه، وكان للمستحق الأكثر من المسمى أو كراء المثل، فإن كان المسمى أكثر قال: أنا أجيز العقد وأخذه، وإن كان كراء المثل أكثر أخذه؛ لأن له ألا يجيز ذلك العقد ولم يكن له أن يخرجه؛ لأنه زرع بوجه شبهة. ¬

_ (¬1) قوله: (على) ساقط من (ق 2). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 11/ 190. (¬3) انظر: المدونة: 3/ 400. (¬4) انظر النوادر والزيادات: 6/ 280، 7/ 86. (¬5) في (ق 2): (بما).

وقال ابن الماجشون: إذا ذهب أول الإبان كان للمكري الأول بقدر فضل الكراء أول الإبان، وللمستحق بقدر ما ينوب الوقت الذي استحق فيه (¬1). فعلى هذا إذا كان كراء المثل في أول الإبان دينارين، وفي آخره دينارًا ونصفًا كان للأول ربع المسمى، وللمستحق الأكثر من ثلاثة أرباع المسمى أو كراء المثل وقت المستحق (¬2). واختُلف إذا قدم المستحق في الإبان وخاصم فحكم له بعد ذهابه، هل يكون الكراء للأول أو للمستحق؟ فإن كانت تزرع بطونًا فرفع بطنًا واستحق في الثاني كان الأول للمشتري، ويجري الجواب في الثاني على ما تقدم إن كان زرع أو لم يزرع، إلا أنه ها هنا يفض ما ينوب البطن الثاني (¬3) الذي هو (*) فيه إذا مضى بعضه؛ لأنها تعمل في كل وقت. وصفة القيمة إذا بنى أو غرس واستحق قبل انقضاء أمد الكراء أن يقال: بكم يباع هذا البناء أو الغرس ليضعه مشتريه في هذه الأرض لو كانت له، على أن لا يقلع بقية هذه المدة، فإذا ذهب هدم على مشتريه ولا يقوم على أنه قائم للأبد؛ لأن الباني والغارس لا يستحق بقاعه إلا بقيمة تلك المدة، وإذا قوم على هذه الصفة سقط الاعتراض بأن الباني أخذ جزءًا من الأرض؛ لأنه لم يقوّم على أن للباني (¬4) حقًا في تلك الأرض؛ وإنما قوم على أن مشتريه يضعه هناك، ولا ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 11/ 213. (¬2) قوله: (وقت المستحق) ساقط من (ق 2). (¬3) قوله: (الثاني) ساقط من (ق 9). (*) من هنا يبدأ سقط من نسخة: (ق 9) وينتهي بعد قوله: (باب: فيمن أكرى أرضه بعبد فاستحق، وإذا أجاز المستحق وأراد المكتري الرد). (¬4) في (ق 2): (الثاني).

فصل [في الرجل يكتري الأرض فيزرعها ثم يستحقها رجل في أيام الحرث وغير أيام الحرث]

يقوم على أن مشتريه يضعه حيث أحب؛ لأنه إن كان الآن في طرف كانت قيمته أبخس، فلا يصح أن يقوَّم في غير ذلك مما هو أثمن (¬1)؛ لأن فيه ضررًا على المستحق وكما يقوم الصبغ في الثوب المستحق، فإن كان في رديء لم يقوَّم كما (¬2) لو كان في جيد، وإن كان في جيد لم يقوَّم على أنه كان في دونه، وقد قيل على المستحق، ما زاد البناء في الأرض فيقال: كم قيمة الأرض براحًا وقيمتها مبنية على أن يهدم إذا انقضت مدة الكراء، ويبقى لمشتريه منقوضًا وهو أحسن. وإذا أبى المستحق من دفع قيمة البناء وأبى الآخر من أن يعطي قيمة الأرض كانا شريكين للأبد، هذا بقيمة الأرض وهذا بقيمة البناء. فصل [في الرجل يكتري الأرض فيزرعها ثم يستحقها رجل في أيام الحرث وغير أيام الحرث] وإن كان المكري غاصبًا كان للمستحق أن يأخذ كراء الماضي على الصحيح من القول، ثم يكون أمر المكتري مع المستحق في المستقبل على ما مضى إذا كان المكتري مشتريًا؛ لأن المكتري دخل بوجه شبهة. وإن كان الغاصب هو الزارع كان للمستحق أن يأخذ الأرض قبل الحرث وبعده ولا عوض عليه عن الحرث بانفراده، ولا عن الزرع إذا لم يبذر أو بذر ولم يبلغ أن ينتفع به إذا قلع، وإن كانت فيه منفعة كان للغاصب (¬3). ¬

_ (¬1) في (ق 2) و (ق 9): (أبين). (¬2) قوله: (كما) ساقط من (ق 2). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 194.

واختلف إذا أحب المغصوب أن يدفع قيمته مقلوعًا ويقره، هل ذلك له؟ وأن يكون ذلك له أصوب؛ لأن النهي من النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها (¬1) على البقاء فيزيد للبقاء ثمنًا ولا يدري هل تسلم وهذا يدفع قيمته مطروحًا؟ واختلف إذا خرج الإبان، فقال مالك: الزرع للغاصب وهو المعروف من قوله، فذكر أبو محمد عبد الوهاب رواية أخرى أنه إذا خرج الإبان للمستحق أن يقلعه، ويأخذ أرضه؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ لعرض ظَالمٍ حَقٌّ" (¬2). وروي عن مالك أيضًا أن الزرع للمغصوب منه الأرض وإن خرج الإبان أو طاب أو حصل (¬3). وفي الترمذي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "امَنْ زَرَعَ أَرْضَ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ مِنَ الزَّرْعِ شَىْءٌ وَلَهُ نَفَقَتُهُ" (¬4) ولم يفرق بين القيام في الإبان ولا بعده. ¬

_ (¬1) سبق تخريجه في كتاب السلم الأول، ص: 2894. (¬2) أخرجه البخاري معلقا بصيغة: وقال عمر من أحيا أرضا ميتة فهي له ويروى عن عمر وابن عوف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال (في غير حق مسلم وليس لعرق ظالم فيه حق): 2/ 822، في باب من أحيا أرضا مواتا، من كتاب المزارعة، وأخرجه مالك: 2/ 743، في باب القضاء في عمارة الموات، من كتاب الأقضية، برقم (1424). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 194. (¬4) أخرجه الترمذي بلفظ: (من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء وله نفقته): 3/ 648، في باب ما جاء فيمن زرع أرض قوم بغير إذنهم، من كتاب الأحكام، برقم (1366)، وأخرجه أحمد في مسنده، برقم (15859)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث أبي إسحق إلا من هذا الوجه من حديث شريك بن عبد الله والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم وهو قول أحمد وإسحق وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال هو حديث حسن وقال لا أعرفه من حديث أبي إسحق إلا =

فصل [فيمن كانت بيده أرض بميراث فأكراها]

وقال ابن القاسم في العتبية في رجلين تداعيا أرضًا فبذرها أحدهما فولًا، ثم عقب الآخر فبذرها قمحًا فاستهلك بذلك الفول، ثم ثبتت لمن بذرها فولًا فقال: إن استحقها في أوان العمل كان زرعها لمن بذرها قمحًا وعليه كراء المثل وقيمة الفول على الرجاء والخوف، قال: ولو كان غاصبًا لكان لمستحقها أن يطرح ما فيها إن شاء أو يقره ويأخذ كراءها (¬1). فجعل الاختلاف شبهة، وعلى القول: إن الاختلاف ليس بشبهة يكون حكم الذي حرثها آخرًا (¬2) حكم الغاصب، ولو ثبت أن الأرض لمن حرثها قمحًا كان عليه للأول على قول ابن القاسم (¬3) قيمة الفول على الرجاء والخوف ويخفف عليه من القيمة؛ لأن قيمتها على رجاء السلامة إنما يغرم لو بقي في تلك الأرض وهو لا يصل إلى ذلك إلا بعد أن يدفع قيمة كراء الأرض، وعلى القول: إن الاختلاف ليس بشبهة لا يكون عليه للأول شيء وإن هلك. فصل [فيمن كانت بيده أرض بميراث فأكراها] وقال ابن القاسم: فيمن كانت بيده أرض بميراث فأكراها، ثم أتى رجل فأثبت أنه أخوه، فله أن يرجع عليه بحصته من الكراء وإن لم يعلم؛ لأنه لم يكن ضامنًا، وإن حابى رجع عليه بتمام الكراء، إلا أن يكون معسرًا فيرجع على ¬

_ = من رواية شريك قال محمد حدثنا معقل بن مالك البصري حدثنا عقبة بن الأصم عن عطاء عن رافع بن خديج عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه. (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 362، والبيان والتحصيل: 11/ 211. (¬2) في (ق 2): (أجيرا). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 362، والبيان والتحصيل: 11/ 211.

المكتري (¬1). وقال غيره: يبدأ بالمكتري وإن كان الآخر موسرًا فإن كان المكتري معسرًا لم يرجع على الأخ إلا أن يكون عالمًا (¬2). قال الشيخ - رضي الله عنه -: قول ابن القاسم يبدأ بالأخ وإن لم يعلم ليس هو المعروف من المذهب، والذي يعرف من قوله ومن قول مالك ألا شيء عليه إذا لم يعلم، وسواء كان الموهوب له وهو المحابى موسرًا أو معسرًا، وأمَّا إذا كان عالمًا، فقال ابن القاسم: يبدأ بالواهب، وقال غيره: يبدأ بالموهوب له. وقال أشهب: المستحق بالخيار يبتدئ بأيهما أحب، وأرى أن يبتدئ بالموهوب له إذا كان محتاجًا إلى ذلك، وإن كان في غنى عنه ابتدئ بالمسلط، فإن كان المسلط عديمًا أغرم المنتفع. واختلف هل يرجع على المسلط متى أيسر؟ وأن يرجع أحسن؛ لأنه أدخله في ذلك وقد كان في مندوحة عنه. قال ابن القاسم: فإن سكن الأخ الحاضر ولم يعلم لم يكن عليه لأخيه شيء استحسانًا، وعسى أنه لو علم لم يسكن نصيب أخيه، وكان في نصيبه ما يكفيه (¬3) لم يصون ماله فأشبه من أخطأ فأغلق أو صون. وروى عليُّ بن زياد ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 193. ونصُّه فيها: "مثل الأخ يرث الأرض فيكريها، فيأتي أخ له لم يكن عالمًا به، أو علم به، فيرجع على أخيه بحصته من الكراء إن لم يكن حابى في الكراء، فإن حابى رجع بتمام الكراء على أخيه إن كان له مالٌ، فمان لم يكن له مال رجع على المكتري". (¬2) انظر: المدونة: 4/ 193. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 193. ونصّها: "وقد قال عبد الرحمن بن القاسم: وأما الكراء عندي فهو مخالف للسكنى، له أن ياخذ منه نصف ما أكراها به -علم أو لم يعلم- لأنه لم يكن ضامنًا لنصيب أخيه، ونصيب أخيه في ضمان أخيه ليس في ضمانه، وإنما أجيز له السكنى إذا لم يعلم على وجه الاستحسان؛ لأنه لم ياخذ لأخيه مالًا، وعسى أنه لو علم لم يسكن نصيب الأخ، ولكان في نصيبه من الدار ما يكفيه".

عن مالك أن عليه كراء نصيب أخيه (¬1). وروى ابنُ القاسم أنه لو كان في نصيبه ما يكفيه: ألا شيء عليه (¬2)؛ لأنه لم يصون به ماله فأشبه مَنْ أخطأ فأغلق أو بَوَّر (¬3) ولم يسكن، فإن كان لا يكفيه إلا جميع تلك الدار كان عليه كراء نصيب أخيه، ولو كانت له دار أخرى فعطلها ولو (¬4) علم لسكنها لم يكن عليه شيء، وإن أكراها نظرت إلى الكراءين، فإن كَانَ سواء أكرى داره بعشرين وقيمة نصيب أخيه عشرون لم يغرم لأخيه شيئًا؛ لأنه لو سكن داره أكرى نصيبه من الأخرى بعشرين ولم يربح شيئًا، وإن أكرى داره بثلاثين غرم لأخيه عشرة؛ لأنه لو سكن داره أكرى نصيبه بعشرين فكان في يده الآن عشرة فضل يسلمها لأخيه. وإن كانت أرضًا فزرعها ولا يكفيه إلا جميعها، غرم لأخيه كراء نصيبه، وإن كان في نصيبه على الاتساع ما يكفيه لم يكن عليه شيء، وإن كان يكفيه إذا زرعه صفيقا فلما زرع ذلك القدر في جميعها على الاتساع جاءت بأكثر، كان عليه كراء ما زاد على ما كانت تخرج لو زرع جميعه في نصيبه. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 193. ونصها: "وقد روى عليُّ بن زيادٍ عن مالك: أن له عليه نصف كراء ما سكن". (¬2) انظر: المدونة: 4/ 193. (¬3) قوله: (وروى عليُّ بن زياد. . . . . فأغلق أو بَوَّر) ساقط من (ق 2). (¬4) في (ق 2): (لم).

باب فيمن أكرى أرضه بعبد فاستحق، وإذا أجاز المستحق وأراد المكتري الرد (*)

باب فيمن أكرى أرضه بعبد فاستحق، وإذا أجاز المستحق وأراد المكتري الرد (*) ومن أكرى أرضه بثوب فاستحق ذلك الثوب قبل الحرث كان له أن يرجع فيها، وإن قلبت (¬1) أو زرعت رجع بقيمة كرائها، وإن أجاز مستحق الثوب الكراء كان أحق بتلك الأرض إن لم تقلب، فإن زرعت أخذ كراء المثل. واختُلف إذا قلبت ولم تحرث، فقيل: ذلك فوتٌ، وإنما له الكراءُ، وقيل: ليس بفوتٍ، وله أن يأخذها ويدفع قيمة ذلك الحرث بخلاف الأول وهو أحسن؛ لأن هذا مستحق ولم يسلطه ولا وضع يده، وإذا لم يجز الكراء كان فوتًا فيما بين المكتري والمكري؛ لأنه هو الذي سلطه على حرثها، ومثله: لو اشترى عبدًا بثوب فأعتق العبد ثم استحق الثوب فإن أخذه مستحقه رجع بائع العبد بقيمته؛ لأنه هو الذي وضع يده عليه، وإن أجاز المستحق البيع كان له أن يرد العتق في أحد القولين؛ لأنه مستحق ولم يضع يده. وإن كان الكراء بشيءٍ مما يكال أو يوزن فاستحق انفسخ الكراء ولم يكن للمكري أن يلزمه بغيره، ولو أطاع بخلفه لم يلزم المكري قبوله؛ لأنه إنما اشترى شيئًا بعينه. ¬

_ (*) هنا ينتهى السقط في (ق 9). (¬1) في (ق 2): (فاتت).

فصل [في الرجل يكري داره سنة يسكنها المكتري ستة أشهر ولم يقتض منه الكراء، ثم يستحقها رجل]

فصل [في الرجل يكري داره سنةً يسكنها المكتري ستة أشهر ولم يقتض منه الكراء، ثم يستحقها رجل] ومن اكترى دارًا سنة بمائة دينار فاستحقها رجل فأجاز الكراء كان ذلك له، وإن كره المكتري إذا كان الكراء مؤجلًا أو بالنقد والمستحق مأمونًا. قال ابن القاسم: وإن كان مخوفًا كثير الدين كان له أن يرد النقد وينقلب الخيار للمستحق بين أن يتمادى على الإجازة (¬1) أو يرد النقد؛ لأن العقد بشرط النقد أرخص فليس تلزمه الإجارة ويمنع النقد (¬2). وأرى للمكتري أن يتعجل ذلك النقد وإن كان عليه دين؛ لأن المكتري أحق بالدار عند قيام الغرماء، فكان هو ومن لا دَين عليه في هذا الوجه سواء، ولا يقال في هذا: لو كانت الدار مخوفة؛ لأنها لو كانت مخوفة لم يجز كراؤها بالنقد، وإن كان النقد طوعًا (¬3) بعد العقد، كان للمستحق قبضه إذا كان قصد الأول بالتعجيل إبراء ذمته. وإن كان قصده رفق المكري أو مكارمته لأمرٍ بينهما، كان للمكتري أن يرتجعه ولا مقال للمستحق وإن كان مأمونًا (¬4). وإن كان قصد المكتري بالتعجيل إبراء ذمته والدار مخوفة، والمستحق غير مأمون إلا أنه لا دين عليه، فإن كان في قيمتها مهدومة ما يوفي بالدين، كان له أن يقبض الكراء وإن كان عليه غرمًا كان للمكتري أن يرتجعها. ¬

_ (¬1) في (ف) و (ق 9): (الإجارة). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 195، 196. (¬3) قوله: (طوعًا) ساقط من (ق 9). (¬4) قوله: (وإن كان قصده رفق. . . وإن كان مأمونًا.) ساقط من (ق 2).

باب فيمن اكترى دارا فهدمها، ثم استحقت أو استحق بعضها ولم يهدم

باب (¬1) فيمن اكترى دارًا فهدمها، ثم استحقت أو استحق بعضها ولم يهدم وقال ابن القاسم فيمن اكترى دارًا فهدمها وأخذ نقضها، ثم استحقت: كان للمستحق أن يأخذ من المكتري قيمة ما هدم، وإن ترك له المكري قيمة الهدم قبل أن يستحق رجع المستحق على الهادم، وإن كان معدمًا لم يرجع على المكري، وهذا بخلاف ما لو وهبه البناء قائمًا وأباح له الهدم؛ لأنَّ هذا استهلك قبل ذلك متعديًا، فوجبت عليه القيمة، فترك المكري طلبه بالقيمة، وهو لو علم قبل الهبة أنها للمستحق لم يكن عليه أن يطلبه له (¬2). فصل [في الرجل يكري الدار فيستحق الرجل بعضها أو بيتًا منها] ومن اكترى دارًا فاستحق منها بيت، فإن كان أيسرها وما (¬3) لا مضرة على المكتري فيه لزمه الباقي، وإن استحق جلها أو ما فيه ضرر لموضع الشركة رد ما لم يستحق، وإن أحب التمسك بما لم يستحق مُنع من ذلك حتى يعلم ما ينوبه من الثمن (¬4). واختُلف إذا التزم ذلك قبل المعرفة، فقيل: ذلك فاسدٌ؛ لأنه لما ملك الرد ¬

_ (¬1) قوله: (باب) ساقط من (ق 2). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 196. (¬3) قوله: (ما) ساقط من (ق 2). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 196.

فصار بمنزلة من ابتدأ شراء بثمنٍ مجهولٍ، فلا يجوز إلا على القول بجمع السلعتين. وقيل: ذلك جائزٌ وهو أصوب؛ لأن العقد الأول منعقد لا يفسخ إلا برد المكتري ولو كنتُ أقول أن ذلك الالتزام فاسدٌ لنقضته، ويبقى كأنه لم يختر قبولًا ولاردًّا، فينظر ما ينوبه من الثمن، ثم إن شاء أخذ وإن شاء ترك. وإن استحق جزءًا (¬1) من الدار وهي لا تنقسم كان المكتري بالخيار بين الرد بعيب الشركة أو القبول؛ لأنَّ ثمن الباقي إذا كان الاستحقاق على الأجزاء معلومًا، وهذا إذا كان الاستحقاق قبل السكنى أو بعد والشهور متساوية لا تختلف في الكراء، فإن كان الكراء الماضي مخالفًا لكراء الباقي عاد الجواب إلى ما تقدم أنه يمنع من الرضا بالباقي قبل المعرفة بما ينوبه. ويختلف (¬2) إذا فعل فالتزمه قبل المعرفة، وإن كانت الدار تحمل القسمة وليس الجزء المستحق جلها قسمت ولزمه ما لم يستحق، وإن كان المستحق أكثرها كان بالخيار بين القبول أو الرد، إلا أن تختلف الشهور في الكراء، والاختلاف يدخل في ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون الكراءُ له موسم كما قال مالك: في دور مكة (¬3). والثاني: أن يكون الكراء بالنقد في جميع السنة. والثالث: أن يكون جميعه مؤجلًا حتى تنقضي السنة. وكل هذا يؤدي إلى تقويم، وقد مضي ذكر ذلك في كتاب أكرية (¬4) الدور. ¬

_ (¬1) في (ق 9): (جزء). (¬2) في (ف): (اختلف). (¬3) انظر: المدونة: 3/ 533. (¬4) في (ق 9): (كراء).

باب فيمن اشترى دارا أو ورثها فاستغلها ثم استحقت

باب فيمن اشترى دارًا أو ورثها فاستغلها ثم استحقت وقال ابن القاسم فيمن ابتاع دارًا أو ورثها فاستغلها ثم استحقت: أن الغلة للذي كانت في يديه، قال: وهذا وارث لا يدري بما كانت لأبيه (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: الغلة للمشتري في خمسة مواضع، إذا وجد عيبًا فيرد، أو وجد شراؤه فاسدًا فينقض، أو رد لفلس، أو أخذ (¬2) بالشفعة أو استحق، وكذلك من صارت إليه عن المشتري من وارث أو موهوب له أو وارث عمن هو (¬3) موهوب له فالغلة له؛ لأنه يحل فيها محل المشتري، ولا غلة لوارث إذا طرأ عليه وارث مثله في المنزلة أو أقرب منه، فإن كان الوارث ولدًا ثم طرأ عليه ولد آخر انتزع منه نصيبه من الغلة، وإن كان الوارث أخًا ثم طرأ عليه ولد فإنه انتزع منه جميع ما كان اغتل؛ لأنه غير ضامن لما استغل. واختلف في الغاصب في أربعة مواضع: أحدها: هل يغرم ما استغله بنفسه؟ والثاني: هل يغرم ما استغله المشتري منه؟ والثالث: هل يغرم ما لم يغتله؟ مثل أن يغلق الدار، أو يبور الأرض، أو يوقف الدابة. وقد تقدَّم ذلك في كتاب الغصب. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 197. ونصه فيها "الغلة للذي كانت الدار في يديه، وليس للمستحق من الغلة شيء. قلت: لم؟ قال: لأن الكراء بالضمان وإنما هذا ورث دارًا أو غلمانًا، لا يدري بما كانوا لأبيه، ولعله ابتاعهم فكان كراؤهم له بالضمان". (¬2) قوله: (أخذ) ساقط من (ق 9). (¬3) قوله: (عمن هو) ساقط من (ق 2).

فصل [في غصب المنافع واستحقاقها]

والرابع: إذا وهب ما اغتصبه فاغتله الموهوب له، فقال أشهب في كتاب محمد: الموهوب له بمنزلة من اشترى إذا استغل أو سكن، فلا شيء عليه ولا على الغاصب (¬1). وقال ابن القاسم: ليس بمنزلة من اشترى، وعلى الغاصب قيمة ما سكن أو استغل، فإن كان معدمًا أو غائبًا أغرم الموهوب له؛ لأن المشتري أخرج في ذلك ثمنًا فكان عليه ضمان ما اشترى إن تلف يلزم ذلك الثمن الذي أخرج فيه وهو أبين، ولا فرق بين الموهوب له وبين وارث الغاصب إذا كان غير عالم بالغصب، ولم يختلفوا في الوارث أنه يلزمه ما يلزم الغاصب فكذلك الموهوب له (¬2). فصل (¬3) [في غصب المنافع واستحقاقها] وإذا تعدى على منافع عبدٍ أو دابة فخرج بها إلى بلد ثم أعادها كان عليه كراء تلك المنافع وإن كان ضامنًا للرقاب ولم يره بمنزلة غاصب الرقاب. ووقف محمد في ذلك وقال: لا أدري، وكانه رأى أن القياس فيهما واحدٌ، غاصب الرقاب والمنافع. واختلف فيمن اغتل عبدًا ثم ثبت أنه حر، والصواب أنه يغرم غلته؛ لأنه كان غير مضمون، وكل من اغتل شيئًا ثم استحق منه ولا يدرى هل كان في يديه بشراء أو غصب فقال: كان في يدي بشراء (¬4) أو غير ذلك مما لا يوجب رد ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 401. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 401. (¬3) قوله: (فصل) ساقط من (ف). (¬4) زاد في (ق 2): (أو غصب).

فصل [فى دعوى فوات المستحق]

الغلة، كان القول قوله إلا أن يثبت أنه كان بغصب أو تعد. وقال سحنون فيمن باع دارًا تُعرف لرجل، وزعم أنه وكله على البيع، ولا يعرف ذلك إلا من قوله فاشتراها منه رجل، وهو يعلم أن الدار للغائب، فاغتلها، ثم قدم الغائب فأنكر، قال: إن كان الوكيل يقوم في الدار ويعمل وينظر حتى ثبتت له شبهة الوكالة كانت الغلة للمشتري، وإن لم يقدم على شبهة كما ذكرت كان المشتري كالغاصب (¬1). فصل [فى دعوى فوات المستحَق] وإذا ثبت الاستحقاق فقال المشتري: أبق مني (¬2) العبد، أو ذهبت الدابة، أو ماتا، أو سُرقت السلعة أو الطعام، كان القول قوله في الحيوان أنها (¬3) ذهبت منه بتلف أو غيره. وفي المدونة (¬4) إذا سافر بذلك وليس معه جماعة، ولا يصدق إذا ادعى موته وهو في الحضر أو في جماعة في السفر. واختلف في السلع والطعام إذا قال: سرق أو ما أشبه ذلك، فقال ابنُ القاسم في العتبية: لا يقبل قوله، وهو ظاهر قوله (¬5) في المدونة (¬6) ويحلف بالله الذي لا إله إلا هو (¬7) لقد هلك، ويغرم قيمته اليوم، ليس يوم كان وضع يده ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 363. (¬2) قوله: (مني) ساقط من (ق 2). (¬3) في (ق 9): (إن). (¬4) في (ق 9): (الموت). (¬5) في (ف): (ما). (¬6) انظر: المدونة: 3/ 280. (¬7) قوله: (الذي لا إله إلا هو) ساقط من (ق 2).

عليه؛ لأنه ليس بغاصب ولا متعد. ولمالك في مثل هذا الأصل: أنه لا يحلف، قال: ولو أحلفتُه ما ضمَّنتُه. وقال أصبغ: القول قول المشتري مع يمينه في ضياعه ولا ضمان عليه. والأول أحسن؛ لأن المشتري يتهم عند الاستحقاق على تغييب المستحق منه إلا أن يكون ممن يعرف بالدين والصلاح والخير فيصدق ولا يرجع بالثمن على من باعه منه؛ لأنَّ مقال المستحق مع الغاصب يغرمه الأكثر من القيمة أو الثمن، ولو باع المشتري ذلك لم يكن عليه شيء سوى الثمن الذي باعه به إذا لم يجز المستحق الشراء الأول، وإن علم أن المشتري باع ذلك المغصوب ولم يعلم بما باع به إلا من قول المشتري صدق إذا أتى بما يشبه أن تكون ثمنه يوم البيع، وإن أتى بما لا يشبه لم يصدق ورد إلى ما يشبه، وإن قال: إن ذلك كان لأجل عيب نزل به صدق في الحيوان؛ لأنه مصدق في ذهاب جميعه، ولم يصدق في العروض على قول ابن القاسم. ويختلف إذا لم يعلم البيع إلا من قوله وقال: بعته من وقت كذا، فعلى قول ابن القاسم: لا يصدق إذا كان سوقه اليوم أغلى ويؤخذ بقيمته اليوم. وقال ابن القاسم في عبد نزل بلدًا فادعى الحرية فاستعانه رجل فبنى له دارًا أو بيتًا ثم استحقه سيده: أنه يأخذ قيمة عمله ذلك (¬1). قال محمد: إلا أن يتلف ما بنى. يريد: فلا شيء عليه؛ لأن الموهوب ما يكون عن يده من عمل، وكذلك لو خاط أو نسج، فإن الهبة الموجودة، في الثوب من الخياطة وفي الغزل من النسج، وكذلك لو استؤجر عليه فإن الإجارة عن الموجود. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 198.

واختلف إذا ضاع ذلك قبل التسليم هل يستحق أجره، وقال ابن القاسم في كتاب محمد: إذا أفاد العبد عند المشتري مالًا كان المال للمغصوب منه إلا أن يكون المال هبةً من السيد الذي هو في يديه أو دفع إليه مالًا يتجر به فربح أو من إجارة نفسه، فإن ذلك لمن استحق من يديه وليس للمستحق فيه شيء.

باب فيمن اشترى جارية فأصابها ثم استحقت بملك يمين أو بحرية، أو اشترى عبدا فاغتله ثم ثبت أنه حر

باب فيمن اشترى جارية فأصابها ثم استحقت بملك يمين أو بحرية، أو اشترى عبدًا فاغتله ثم ثبت أنه حر ومن اشترى جارية فأصابها ثم استحقها رجل، فإن كانت ثَيِّبًا لم يكن عليه شيء؛ لأنَّ ذلك لا ينقصها. واختلف إذا كانت بكرًا، فقال مالك وابن القاسم: لا شيء عليه (¬1). وقال سحنون: عليه ما نقصها؛ لأن الافتضاض شيء قبضه بمنزلة من اشترى ثيابًا فأبلاها أو طعامًا فأكله. واختلف إذا استحقت بحرية فقال مالك وابن القاسم: لا شيء عليه بكرًا كانت أو ثيبًا (¬2). وقال المغيرة: عليه صداق المثل والبكر والثيب فيما (¬3) إذا استحقت بحرية سواء (¬4). فجعل مالك ذلك بمنزلة التفكه أو (¬5) بمنزلة ما لم يصن به ماله. والقول الآخر أبين؛ لأنَّ ذلك (¬6) مما تدعو الضرورة إليه ويبذل له المال بالشراء أو التزويج. واختلف لو كان عبدًا فاغتله ثم ثبت أنه حرٌّ، فقال ابن القاسم: إذا استخدمه المشتري لم يغرم إجارته، وإن كاتبه فأخذ كتابته لم يردها، وإن وهب ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 200. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 200. (¬3) قوله: (فيما) زيادة من (ف). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 379. (¬5) قوله: (أو) ساقط من (ق 9). (¬6) قوله: (ذلك) ساقط من (ق 2).

له جاريةً أو مالًا كان له أن ينتزعه، وإن دفع إليه مالًا يتجر فيه كان له أن يأخذه بربحه إذا قال له: اتجر لي فيه، وإن قال: اتجر فيه لنفسك، كان له رأس المال بغير ربحٍ. وإن كان في يديه مال اشتراه به أو وهب له أو تصدق عليه أو أفاده من فضل خراجه أو عمله أو عقل جرح -كان ذلك للحر، وليس لسيده أن ينتزعه منه، وإن كان انتزعه منه رده، وقال المغيرة: عليه أن يغرم (¬1) إجارة المثل إن استخدمه ويرد الغلة إن كان اغتله (¬2). وهو أصوب؛ لأنَّ الخراج إنما يكون مع العبودية، لقول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "الخَرَاجُ بِالضَّمَانِ" (¬3) والحرُّ لا يضمن، وإذا رجع الحرُّ بالغلة رجع المشتري بالنفقة، وليس كذلك الحرة، فإن لها الصداق ولا تحاسب بالنفقة؛ لأن الصداق تستحقه بأول الإصابة والنفقة فيما بعد مقابلة الاستمتاع، ولو كانت الأمة للخراج والسيد يصيب، ثم ثبت أنها حرة كان لها الصداق والخراج ولا تحاسب بالنفقة. ¬

_ (¬1) قوله: (أن يغرم) ساقط من (ق 9). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 403. (¬3) سبق تخريجه في كتاب الأطعمة، ص: 4334.

باب في الأمة تستحق بعد أن ولدت

باب في الأَمَة تستحق بعد أن ولدت ومن استحق أمةً قد ولدتْ فإنه الولد لا يخلو من أربعة أوجه: إمَّا أن يكون من زنى أو نكاحٍ والزوج يعلم أنها أمة أو لا يعلم، وتزوج على أنها حرة أو أصابها بملك يمين، فإن كان من زنى أو نكاحٍ وهو يعلم (¬1) أنها أمة، فإنَّ الولد رقيق، وللمستحق أن يأخذ الأمة والولد، ولا فرق في ذلك في استرقاقهما، وإنما يفترقان في ثبات النسب فيسقط نسب من كان من زنى ويثبت نسبُ من كان من نكاح، فإن كان من نكاح وهو لا يعلم أو أصاب بملك يمين كان الولد حرًا وليس للمستحق أن يأخذه. واختلف في أخذه الأم، فقال مالك وابن القاسم: يأخذها إذا كانت بنكاح (¬2). وفي مختصر ابن الجلاب: ليس له إلا قيمتها (¬3). واختلف إذا أصابها بالملك، فقال مالك مرة يأخذ الأمة وقيمة الولد يوم الحكم (¬4). وقال أيضًا: يأخذ قيمتهما جميعًا يوم الحكم (¬5)، ثم رجع إلى أن يأخذ قيمتها وحدها يوم حملت (¬6)، وهو آخر قوله وبه أفتى لما استحقت أم ولده إبراهيم، وبه أخذ ابن كنانة وابن أبي حازم وابن دينار وابن الماجشون والمغيرة، ¬

_ (¬1) في (ق 9): (عالم). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 201. (¬3) انظر: التفريع: 2/ 310. (¬4) انظر: المدونة: 4/ 303. (¬5) انظر: المدونة: 4/ 303. (¬6) انظر: المدونة: 4/ 303.

وأخذ ابن القاسم بقوله الأول (¬1). وقال المغيرة: يأخذ الأم وقيمة الولد يوم ولد (¬2). فأجاز في القول الأول أخذها قياسًا على رد عتقها لو أعتقها المشتري، ومنع في القول الآخر قياسًا على ولدها. وأرى إذا كان الأب ممن له قدر أن تقبل منه القيمة، وإن كان على غير ذلك كان لسيدها أن يأخذها، إلا أن يكون لسيدها تعلق بها فيكون له أخذها في الوجهين جميعًا، فرفع الضرر عنه أولى من رفع الضرر عمن لا ملك له. واختلف إذا رضي المستحق أن يأخذ القيمة وأحب الواطئ تسليمها، فقال ابن القاسم في كتاب القسم: ذلك له على وجه المستحق على القولين جميعًا. وقال أشهب: ذلك للواطئ ولا يجبر على دفع القيمة. وأرى إذا كان الولد حيًّا وعليه في تسليمها معرة أن يجبر على دفع القيمة، وإن كان الولد ميتًا أو كان ممن لا قدر له لم يجبر. وإن استحقت الأمة وهي حامل جرت على الأقوال الثلاثة، فعلى قوله الأول: إن للمستحق أن يأخذها تؤخر حتى تضع فيأخذها وقيمة الولد، فإن أسقطته قبل ذلك أو ماتت لم يكن له على الأب شيء. وعلى قوله: إنه يأخذ قيمتها وقيمة الولد يأخذ قيمتها الآن على ما هي عليه ولا ينتظر الوضع. وعلى قوله الآخر: ليس له إلا أن يأخذ قيمتها يوم حملت، وإن ماتت قبل المحاكمة لم تسقط عنه القيمة. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 303. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 303.

ويختلف متى تكون على أحكام أم الولد، فعلى قوله، القيمة فيها يوم حملت تكون على حكم أم (¬1) الولد من أول الحمل. وعلى قوله: القيمة فيها يوم الحكم يختلف فيها، فعلى قول أشهب: لا تكون أم ولد إلا أن تأتي بولد بعد الافتداء؛ لأنه أجاز له أن يسلمها (¬2) إن أحب. وأمَّا على قول ابن القاسم أنه مجبور على دفع القيمة فيترجح القول فيها فيصح أن يقال أنها لا تكون أم ولد له؛ لأن الافتداء فيها الآن، ويصح أن تكون أم ولد قياسًا على الولد أنه يدفع قيمته يوم الحكم وهو على أحكام الأحوار وهو في البطن إلى الآن وأن فيه الغرة إن طرح قبل الولادة والدية إن استهل صارخًا، ويقتل قاتله عمدًا إذا قتله (¬3) بعد الولادة، وإذا كان كذلك فقد كان نماؤه وارتفاع قيمته من (¬4) يوم ولد إلى يوم الحكم وهو حر، وقد يكون اليوم رجلًا وله أولاد فإن مات الولد قبل الاستحقاق لم تسقط القيمة؛ لأنه مات وهو حر وورث (¬5) بالحرية. وعلى قول مالك أن القيمة يوم الحكم؛ لأنَّ الأب لم يكن متعديًا بالإصابة فتعلق القيمة بذمته إن هلك قبل الاستحقاق؛ لأنه يقول: لو زوجتها وأتت بهذا الولد فمات قبل الاستحقاق لم أضمنه، فإذا كان مني لم أضمنه أيضًا، فإذا لم أضمنه كانت القيمة يوم تعديه (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (أم) ساقط من (ق 9). (¬2) قوله: (أن يسلمها) في (ق 9): (تسليمها). (¬3) في (ق 9): (قتل). (¬4) قوله: (من) ساقط من (ق 9). (¬5) في (ق 2): (ويوارث)، وفي (ق 9): (وتوارثت). (¬6) في (ق 9) و (ف): (يفتديه).

فصل [في استحقاق الغرة بقتل جنين أم الولد]

فصل [في استحقاق الغرة بقتل جنين أم الولد] وقال ابن القاسم: إن ضرب رجل بطنها فألقت جنينًا ميتًا، كان على الضارب الغرة (¬1) للأب، وعلى الأب عشر قيمة الأم ما لم تكن أكثر من الغرة فلا يغرم غير ما أخذ، وإن ولدته حيًا لم يكن على الأب شيء، وإن قتل خطأ كان على عاقلة القاتل الدية منجمة في ثلاث سنين، وعلى الأب قيمته يوم قتل ما لم تكن قيمته أكثر من الدية (¬2). وعلى أصله إن استحق قبل أن يقبض الأب شيئًا لم يغرم حتى يقبض فيقضي من أول نجم، فإن لم يوف منه فمن الثاني ثم من الثالث. وإن استحق بعد أن قبض الأب الدية وأنفقها لم يكن للمستحق على العاقلة مقال؛ لأنهم غرموا بالحرية والمقال فيها للأب والسيد يستحق بالرق والمقال له على الأب، وإن قتل الولد عمدًا كان للأب أن يقتص أو يعفو ولا مقال للمستحق على الأب ولا على القاتل، وإن صالح على أقل من الدية كان للمستحق قيمة الولد يوم قتل (¬3) ما لم تكن أكثر مما صالح عليه وكل هذا، فعلى قوله: بأن القيمة يوم الحكم، وعلى القول: بأن القيمة يوم ولد فإنه لا ينظر إلى موته ولا إلى قتله خطأ أو عمدًا ولا إلى ما أخذ فيه قليلًا كان أو كثيرًا؛ لأن القيمة ثابتة عليه وإن لم يأخذ شيئًا. وقال أشهب: إذا قتل خطأ فالدية للأب ولا شيء عليه للمستحق وهو ¬

_ (¬1) الغرة: العبد والأمة، وفي الحديث قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجنين بغرة (من مختار الصحاح). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 200، والنوادر والزيادات: 13/ 176. (¬3) قوله: (يوم قتل) ساقط من (ق 9).

فصل [في استحقاق الجناية على ولد الأمة]

كالموت، قال: ولو ضرب رجل بطن هذه الأمة فألقت جنينًا كانت الغرة للأب ولا شيء عليه للمستحق (¬1). وقول مالك أحسن؛ لأن الدية ثمن (¬2) للرقبة وليس له أن يأخذها ولا يغرم شيئًا. فصل [في استحقاق الجناية على ولد الأَمَة] وإذا قطعت يد الولد خطأ كان للمستحق عند مالك قيمة الولد يوم الحكم أقطع اليد (¬3). واختلف (¬4) في اليد، فقال ابن القاسم: يقوم صحيحًا يوم جنى عليه وقيمته أقطع، فيأخذ المستحق ما بينهما من دية اليد، ويكون الفضل للأب (¬5). وقال سحنون مرة: دية اليد (¬6) للابن والأب وهو الغارم من ماله ديتها ما لم تجاوز ما أخذ فيها. وقال مرة: يغرم للمستحق من ديتها، والفاضل للابن ثم قال أوقف القولين حتى أنظر. وقال أشهب: دية اليد للابن ولا شيء للمستحق على الأب ولا على الابن، ومضى على أصله في ذلك إذا قتل خطأ ألا شيء للمستحق من الدية على الأب ولا غيره (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 139. (¬2) في (ق 2): (عن). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 200. (¬4) زاد في (ف): (إذا قطعت يد الولد). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 200. (¬6) قوله: (ويكون الفضل للأب، وقال سحنون مرة: دية اليد) ساقط من (ق 9). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 396.

فصل [فيمن يطالبه مستحق قيمة ولد الأمة]

ورأى سحنون أن دية اليد بمنزلة ما لم يقطع من اليد أنه لما كان على الأب أن يغرم قيمة الولد وليس على الولد أن يغرم قيمة نفسه ولا أن يفتديها وأن الغرم على الأب؛ لأنه السبب في الإيلاد فكذلك إذا قطع، فإن من (¬1) مقال الابن أن يقول: على الأب أن يغرم عني وأنا أحق بيدي (¬2). والقول أن الغرم من الدية أحسن قياسًا على قتله أنه ليس على الأب أن يغرم إلا ما يصل إليه من ديته فإن لم تكن للقاتل عاقلة ولم يأخذ الأب شيئًا لم يغرم شيئًا وكان كموته، ولو قتل الولد خطأً وخلَّف ولدًا من امرأة حرة بدئ المستحق من ديته بالقيمة وكان الباقي موروثًا على فرائض الله سبحانه. فصل [فيمن يطالبه مستحق قيمة ولد الأمة] واختلف هل يقوم الولد بماله؟ وإذا كان الأب (¬3) فقيرًا يرجع المستحق على الولد؟ وإذا مات الأب قبل أن يستحق الولد هل تؤخذ القيمة من تركته؟ فقال ابن القاسم في العتبية: يقوم الولد بغير مال (¬4)، وقال المخزومي: يقوم بماله (¬5) والقياس على القول (¬6) أن القيمة يوم الحكم أن يكون للمستحق مقال في المال، وإذا كان له فيه مقال كان من مقال الأب أن يقول: لا يقوم عليَّ؛ لأنه يقدر على انتزاعه ولا يقوم عليه إلا ما يصح تسليمه كالولد نفسه إذا كان قائم ¬

_ (¬1) قوله: (من) ساقط من (ق 2). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 396. (¬3) قوله: (الأب) ساقط من (ق 2). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 5/ 73. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 340. (¬6) في (ق 9): (قوله).

العين افتداه؛ لأنه لا يقدر على تسليمه، فإذا قتل وصار مالًا سقط عنه الغرم وأخذت القيمة من الدية، وقد تقدَّم القول في القيمة أنها يوم ولد أحسن ولا ينظر إلى ما في يده الآن. وقال ابن القاسم: إذا كان الأب فقيرًا والابن موسرًا، غرم الابنُ قيمةَ نفسه ولم يرجع بها على الأب متى أيسر (¬1)، وقال غيره: لا شيء على الابن. والأول أصوب؛ لأن الولد هو المتعدي (¬2)، فإذا كان الأب فقيرًا لم يبطل حق المستحق، ولو قيل: إن ذلك على الابن ابتداء في يسر الأب لكان وجهًا. وقال ابن القاسم: إذا مات الأب ولم يدع مالًا اتبع المستحق الولد بالقيمة (¬3). وعلى قول غيره لا يكون على الابن شيء، والقياس ألا شيء على الأب ولو مات موسرًا؛ لأن الافتداء إنما يجب على الأب إذا قيم عليه فيغرم قيمة الولد يوم الحكم، ولا يصح أن يموت الأب ثم يستحق الولد بعد عشر سنين ويقوّم على حاله يوم استحق فتؤخذ تلك القيمة من تركته. وقد اختلف في أمِّ الولد تجني ثم يموت السيد قبل أن يقام عليه، فقال ابن القاسم: لاشيء عليه إذا مات فقيرًا ولا عليها، وقال غيره: إنما يكون ذلك عليه مع اليسر إذا قيم عليه قبل أن يموت وإلا فذلك عليها ولا شيء على السيد (¬4). وهذا هو الصحيح فيها وفي الأب. ¬

_ (¬1) انظر: التفريع: 2/ 310. (¬2) في (ف) و (ق 2): (المفتدي). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 139. (¬4) انظر: المدونة: 4/ 600.

باب فيمن بنى مسجدا ثم استحقت الأرض أو بنى دارا ثم ثبت أنها مسجد أو حبس على معين أو مجهول

باب فيمن بنى مسجدًا ثم استحقت الأرض أو بنى دارًا ثم ثبت أنها مسجدٌ أو حبس على معين أو مجهول (¬1) وقال ابن القاسم فيمن بنى دارًا مسجدًا ثم استحقت الأرض: أن للمستحق أن يهدم ذلك، كمن أعتق عبدًا ثم استحق أن العتق يرد، فكذلك المسجد (¬2). وقال ابن عبدوس (¬3): قال سحنون: هذا إذا كان الباني غاصبًا للقاعة، فأمَّا إن بنى بوجه شبهة فإنه يقال للمستحق: أعطه قيمة البناء قائمًا، قال: قلت: كيف يعطيه قيمة البناء قائمًا والنقض لا يجوز بيعه لأنه حبس؟ فقال: تجعل القيمة في مثله ويجعل في مسجدٍ (¬4). قال: وقال (¬5) سحنون بعد ذلك فيمن اشترى قاعة فبناها ثم ثبت أنها حبس قال (¬6): يقلع النقض، وهو قول ابن القاسم، ذكره في النوادر (¬7). قال قلت: وكيف يقلع النقض (¬8) وقد بنى بوجه شبهة؟ قال: فمن يعطيه قيمة بنيانه؟ ¬

_ (¬1) قوله: (أو حبس على معين أو مجهول) ساقط من (ق 2). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 203. (¬3) زاد في (ف): (يهدم ولو كان بوجه شبهة، و). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 381. ولكن لم ينسبه لابن عبدوس!!. (¬5) قوله: (وقال) ساقط من (ق 2). (¬6) قوله: (قال) ساقط من (ق 9). (¬7) قوله: (وهو قول ابن القاسم، ذكره في النوادر) ساقط من (ق 9) و (ق 2). وانظر: النوادر والزيادات: 10/ 411. (¬8) قوله: (النقض) ساقط من (ق 2).

قلت، فيكونان شريكين فأنكر ذلك (¬1). وقال بعض أصحابنا (¬2): إذًا يكون هذا بيعًا للحبس وهو يسمع فسكت، فقيل له: يعطيه مستحق (¬3) الحبس قيمة بنيانه، فلم ير ذلك (¬4). وقال الشيخ -رحمه الله- (¬5): وقول ابن عبدوس في المسألة الأولى: أن يهدم البناء وإن كان بوجه شبهة هو الظاهر من قول ابن القاسم، ولو جاز أن يدفع قيمته لقال: إن كان البناء بوجه شبهة لم يهدم عليه، وقيل للمستحق: أعطه قيمته قائمًا أو يعطيك قيمة أرضك، وإن كان على وجه التعدي أعطاه قيمته مهدومًا وبقي له قائمًا. وقول سحنون في هذا أحسن؛ لأن المستحق ياخذ بحق تقدم الحبس ويرده من (¬6) أصله، فيكون له إذا تعدى أن ياخذ ما لا بد من نقضه وهدمه؛ لأن بناء المسجد لا يوافق بناء الديار، فما كان من ذلك لا يُستغنى عن هدمه هدم وجعل في غيره، وما كان منه يُستغنى عن هدمه أخذ قيمته وإن كان بوجه شبهة وأبى المستحق من دفع قيمة البناء، والآخر (¬7) من دفع قيمة الأرض كانا شريكين، فإن حمل القسم وكان فيما ينوب الحبس ما يكون مسجدًا قسم، وإن لم يحمل القسم ولم يكن فيه ما يكون مسجدًا بيع وجعل في مثله وأمَّا إذا تقدم الحبس فبنى أرضًا دارًا ثم ثبت أنها مسجد لم يكن للباني قيمته قائمًا؛ لأن ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 411. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 411. (¬3) قوله: (يعطيه مستحق) في (ق 9): (فيعطيه فيستحق). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 411. (¬5) قوله: (وقال الشيخ -رحمه الله-) ساقط من (ق 2). (¬6) في (ف): (على). (¬7) في (ف): (وأبى الآخر).

الحبس تقدم بوجه صحيح، وإن ثبت أن القاعة حبس على معينين قيل للمحبس عليهم أعطوه قيمته قائمًا، ويكون لكم الانتفاع به إلى وقت يسقط حقكم في الحبس بالموت أو بانقضاء الأجل إن كان مؤجلًا، فإن رجعت الأرض إلى من حبسها كان لورثة المحبس عليهم أن يأخذوا قيمة ذلك قائمًا كما كان لوليهم؛ لأنهم يحلون محله، فإن أبى كانوا شركاء معه بقدر ذلك، وإن أبى المحبس عليهم أن يعطوه قيمة البناء قائمًا قيل لمالك الأرض: أعطه قيمة ذلك قائمًا ويكون شريكًا مع المحبس عليهم بقدره، فإن أبى كان الباني شريكًا بقدر قيمة البناء قائمًا فما نابه سكنه أو باعه وما ناب المحبس عليهم سكنوه، فإذا انقضى حقهم في الحبس عاد ذلك القدر إلى المحبس، وهذا على أحد قولي مالك أن الحبس على المعين يعود ملكًا، وأما على القول أن مرجعه مراجع الأحباس، فإنما يعطيه قيمته قائمًا على أنه يبقى إلى انقضاء حق من حبس عليهم ثم يهدم، كما تقدَّم في أول الكتاب في الإجارة. وأمَّا على قول سحنون: أن (¬1) الحبس وغيره سواء فيجوز للباني أن يعطي قيمة الأرض إذا لم يعطه قيمة البناء وتجعل القيمة في مثله. ¬

_ (¬1) قوله: (أن) ساقط من (ق 9).

باب في الاستحقاق بعد الصلح

باب في الاستحقاق بعد الصلح اختلف إذا كان الصلح على الإنكار، كالذي يدعي دارًا فيصالح على عبدٍ ثم يستحق أحدهما الدار أو العبد، فقال ابنُ القاسم: أيهما استحق انتقض الصلح، فإن استحقت الدار رجع في العبد، وإن استحق العبد رجع في دعواه في الدار (¬1). وقال سحنون: إن استحقت الدار لم يرجع في العبد؛ لأنه إنما (¬2) دفع بما كان دفع من (¬3) خصومة وإن استحق العبد رجع بقيمته (¬4). وفي المجموعة: إن استحقت الدار بقرب ذلك (¬5) رجع في العبد، وإن تطاول الأمر مما تهلك فيه البينات لم يرجع بشيء؛ لأنه يقول: قد كانت لي بينة فمنعتني بما أعطيتني القيام فلما هلكت بينتي قمت علي فليس ذلك لك (¬6). وقال ابن القاسم فيمن ادعى سدس دار فصالحه بعد الإنكار على شقص ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 179. (¬2) زاد في (ق 9): (كان). (¬3) قوله: (من) ساقط من (ق 2). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 180. (¬5) قوله: (ذلك) ساقط من (ق 2). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 180. ونصه: "إن كان الصلح على الإنكار، ثم استحقت السلعة بحضرة الصلح، رجع الذي استحقت من يديه على الذي كان صالحه، فأخذ منه ما دفع إليه، وإن كان قد تطاول في مثل ما تهلك فيه البينات، وينقطع فيه العلم، فإن الذي استحقت من يديه، لا يرجع على الذي صالح بشيء؛ لأن الذي صالح يقول كانت لي بينة عادلة، فمنعتني أن أثبت حقي، دفعتني بما أعطيتني، فلما ذهبت بينتي، وأخذت من يديك بالجور، تريد أن ترجع علي. فلا أرى له عليه شيئا".

أن الشقص (¬1) يستشفع بقيمة السدس، فعلى هذا يرجع عند الاستحقاق في الدعوى كالبياعات (¬2). وعلى قول سحنون يستشفع في الشقص بقيمته لا بقيمة السدس. وقال أصبغ: لا يستشفع بشيء، وقول ابن القاسم: إذا استحقت الدار أنه يرجع في العبد أحسن؛ لأن المستحق من يديه يقول للمدعي: إن كنت محقًّا فهو شراء مني فعليك أن ترد العوض، وإن كنت مبطلًا وتقول الآن: إنها داري لم يحل لك أن تتمسك بما تقر أنك أخذته بالباطل ولا وجه للقول أنه دفع خصومة؛ لأن المستحق من يده، يقول: أنت مقر أنك بائع (¬3) مني وأنك أخذت ذلك على وجه المعاوضة فيكون له الرجوع وإن طال الأمر؛ لأنه يقول: إن كنت محقًّا فلا أكلفك أن تثبت ملكك وقد اشتريت منك. وقول سحنون: إذا استحق العبد أحسن؛ لأن الصلح يكون في الغالب ببعض قيمة المدعى فيه فلم يجب أن يرجع بقيمة الدار ولا في الدعوى وهو بمنزلة الصداق والخلع والصلح عن الدم العمد؛ لأن ذلك لا يقصد فيه أن يستوفي قيمة الدار (¬4). وإن استحق نصف العبد كان للمدعي على أصل ابن القاسم أن يرد الباقي ويرجع في طلبه أو يمسك ورجع في المطالبة بنصف الدار ثم ينقلب الخيار للمدعى عليه، فإن أحب أمضى الصلح في نصف الدار ويقول للمدعي: ¬

_ (¬1) في (ق 9): (الشفيع). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 180. (¬3) في (ق 9): (لم تبع). (¬4) في (ق 2): (الأول).

فصل [حكم من تزوجت بحر أو عبد مغتصب]

إن شئت تمسكت بنصف العبد على أن لا شيء لك أو ترده وترجع في الخصومة؛ لأني إنما قصدت بالصلح رفع الخصومة وإذا كنت تعود إلى أن تخاصمني كان عليَّ في ذلك ضرر. وعلى قول سحنون: له أن يرجع بنصف قيمة العبد أو يرد الباقي لعيب الشركة ويرجع بجميع قيمته، وهو أقيس. فصل [حكم من تزوجت بحُرٍّ أو عبد مغتصب] واختلف فيمن تتزوج بحُرٍّ أو عبد اغتصبه ثم ثبتت الحرية والغصب، فقال ابن كنانة وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: يفسخ قبل ويثبت بعد، ولها صداق المثل (¬1). وقال ابن القاسم في العتبية: لا يفسخ، تعمد الزوج ذلك أو لم يتعمده (¬2). يريد: وترجع بقيمته. قال أصبغ: وكذلك لو علمت هي بحريته ولا يعلم هو، إلا أن يعلما جميعًا فيفسخ قبل ويثبت بعد، ويكون لها صداق المثل (¬3). وفرَّق سحنون بين الحر والعبد يغتصب، فقال إذا تزوج بعبد اغتصبه: فعليه قيمته والنكاح ثابت بخلاف الحر، إذ لا ضمان عليه في الحر ويضمن العبد، ولو كانت عالمة فسخ قبل ويثبت بعد وكان لها صداق المثل، وقول ابن القاسم في هذا أحسن إذا لم يعلما (¬4) أو يعلم أحدهما أن يكون حكمه حكم الاستحقاق، فيثبت قبل وبعد وترجع بقيمة ذلك العبد. ¬

_ (¬1) انظر: التلقين: 1/ 115، والنوادر والزيادات: 4/ 475، والبيان والتحصيل: 4/ 275. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 475، والبيان والتحصيل: 4/ 275. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 474. (¬4) في (ق 9): (تعلم).

باب فيمن اشترى عبدا ثم ظهر على عيب فصالح منه على عبد آخر أو باع جارية بعبد فاستحق أحدهما أو بعضه

باب فيمن اشترى عبدًا ثم ظهر على عيب فصالح منه على عبدٍ آخر (¬1) أو باع جارية بعبدٍ فاستحق أحدهما أو بعضه وقال ابن القاسم فيمن اشترى عبدًا فوجد به عيبًا فصالح منه على عبد آخر ثم استحق أحدهما: فسبيله سبيل ما اشتري (¬2) صفقة واحدة (¬3). يريد: إذا كانا متكافئين أو استحق الأدنى رجع بما ينوب المستحق ولزم الآخر، وسواء كان المستحق الأول أو الآخر (¬4) وإن استحق الأجود رد الآخر. وقول أشهب في هذا إن أخذه الثاني شراء فرجع الأول وكأنه قال: خذ هذا ولا تقم عليَّ في الأول فإن استحق الثاني كان له أن يرد الأول إلا أن يتراضيا على شيء، وإن استحق الأول انفسخ البيع ورد الثاني إن كان قائمًا أو قيمته إن كان فائتًا، ورجع بجميع الثمن ومثله إذا وجد عيبًا بالآخر أو بالأول أو (¬5) وجد به عيبًا غير الذي صالح عنه، فعلى قول ابن القاسم يكونان بمنزلة من اشتراهما صفقة واحدة، وقول أشهب بأيهما وجد العيب كان له أن يردهما فإن وجد عيبًا بالآخر رده ثم رد الأول بمنزلة من لم يصالح، وإن وجده بالأول ورده رد الآخر؛ لأن البيع انتقض من أوله برد الأول وإن فات الأول ثم وجد به عيبًا فصالح منه بعد المعرفة بقيمته على عبد ثم استحق الأول لم ¬

_ (¬1) قوله: (آخر) ساقط من (ق 2). (¬2) في (ف) و (ق 2): (من اشترى). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 206. (¬4) قوله: (وسواء كان المستحق الأول أو الآخر) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (أو) ساقط من (ق 9).

فصل [فيمن باع جارية بعبد فاستحق العبد]

ينتقض البيع في الثاني؛ لأنهما عقدان لا يفسخ أحدهما لاستحقاق الآخر، فإن كان ثمن الأول مائة وقيمة العيب عشرة وهي التي تستحق بعد فوت الأول وهي دين للمشتري أخذ عنها عبدًا وإن استحق الأول رجع مشتريه بتسعين عن الأول وتبقى عشرة عن الثاني وإن استحق الثاني رجع بعشرة. فصل [فيمن باع جاريةً بعبد فاستحق العبد] وقال ابن القاسم فيمن باع جاريةً بعبد فاستحق العبد وقد حالت أسواق الجارية: رجع في قيمتها (¬1). واختلف عن (¬2) سحنون في ذلك فقال: لا ينتقض البيع فيها وإن لم يحل سوقها (¬3) وقال: ينتقض مثل قول ابن القاسم. وأرى: أن ترد إن كانت من الوخش، وإن كانت من العليِّ وقال المشتري: لم أصبها وصدقه البائع ردت ولم تحل للبائع حتى يستبرئها، وإن لم يصدقه البائع أو قال المشتري: أصبتها -لم ترد؛ لأنه إذا غاب عليها بعد المواضعة يستأنف فيها الاستبراء، وعلى البائع في الصبر حتى تستبرأ مضرة لما قيل إذا عقد فيه إجارة أنه فوت؛ لأن عليه في الصبر مضرة (¬4)، ولو تراضيا بردها لم يجز؛ لأنه يأخذ عن دين ما تجب فيه المواضعة إلا أن يستحق العبد أو الجارية في أول دمها فلا تكون الغيبة ولا الإصابة فوتًا، وإن استحق نصف الجارية بعد ¬

_ (¬1) انظر: المدونة 4/ 206. (¬2) في (ق 2): (قول). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 244. (¬4) قوله: (لما قيل إذا عقد فيه إجارة أنه فوت؛ لأن عليه في الصبر مضرة) ساقط من (ق 2).

عتق العبد كان مشتري الجارية بالخيار بين أن يمسك الباقي ويرجع في نصف قيمة العبد أو يرد الباقي ويرجع في قيمة العبد ولا يفيت النصف الباقي حوالة الأسواق (¬1)؛ لأنه يرده من عيب الشرك والعيب لا يفيته حوالة الأسواق ولو لم يعتق العبد كان مشتري الجارية بالخيار بين أن يرد الباقي ويرجع في عين العبد أو يمسك، ثم يختلف هل يرجع في نصف قيمة العبد أو يرجع شريكًا، ثم يكون الخيار لمشتري العبد بين أن يمسك الباقي أو يرده بعيب الشركة ثم لا تكون حوالة الأسواق في العبد فوتًا. ¬

_ (¬1) انظر في هذا: النوادر والزيادات: 11/ 245.

باب فيمن أوصى عند موته فأنفذت وصيته ثم ثبت أنه عبد، وفيمن شهد عليه بالموت فتزوجت زوجته وقسمت تركته ثم ثبت أنه حي

باب فيمن أوصى عند موته فأنفذت وصيته ثم ثبت أنه عبد، وفيمن شهد عليه (¬1) بالموت فتزوجت زوجته وقسمت تركته ثم ثبت أنه حيٌّ وقال ابن القاسم فيمن أوصى عند موته أن يحج عنه فبيع ماله وأنفذت وصيته ثم ثبت أنه عبد، قال: إن كان الميت حرًّا عند الناس فلا ضمان على الوصيِّ ولا على الذي حج وما بيع من ماله وكان قائمًا أخذه بعد دفع الثمن (¬2). قال (¬3): وقال مالك في رجلٍ شهدت بينة بموته فتزوجت زوجته وبيعت تركته ثم أتى الرجل المشهود عليه، قال: ترد إليه زوجته وسواء تعمدت البينة الزور أو شبه عليها (¬4). وأمَّا ما بيع من ماله، فإن تعمدت الزور أخذه بغير ثمن، وسواء كان قائمًا أو فائتًا تغير في نفسه (¬5)، أو كان عبدًا فأعتق أو دبر أو كوتب، أو أمة اتخذها المشتري أم ولد أو صغيرًا فكبر. وإن شبه عليها كان للمستحق أن يرجع فيما كان قائمًا بعد أن يدفع الثمن، وإن فات شيءٌ مما تقدَّم ذكره لم يكن له أن يأخذه ويتبع بالثمن الذي باعه، وإن ¬

_ (¬1) قوله: (عليه) ساقط من (ق 9). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 208. (¬3) قوله: (قال) ساقط من (ق 9). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 208. (¬5) زاد في (ف): (أو لم يتغير).

حضروا معركة فصرع فنظروا إليه في القتلى أو (¬1) طعن فظنوا أنه مات فخرجوا على ذلك وأشهدهم قوم على موته فشهدوا بذلك عند القاضي فهؤلاء يعلم أنهم لم يتعمدوا زورًا، قال: وأما الزور فإذا لم يأتوا بأمر يشبه وعرف كذبهم (¬2). قال الشيخ - رضي الله عنه -: محملهم إذا أتى المشهود عليه على الكذب حتى يثبت الشبهة. وقال إسماعيل القاضي: إذا كانت الشهادة عند القاضي فذلك سواء شهدوا بزور أو شبه عليهم. قال: وأحسب أن مالكًا إنما فرق إذا كانت الشهادة عند الورثة وفي المدونة خلاف ما تأوله إسماعيل عن مالك؛ لأنه قال: أو أشهدوهم فشهدوا عند القاضي والأصل في هذين السؤالين إذا استحق الميت أنه عبد أو شهد بموت الآخر ثم أتى مفترق؛ لأن الذي ثبت أنه عبد لم يتقدم على سيده حكم وإنما حكم بوصية آخر وهو العبد، والأصل إذا كان الحكم على رجل ثم تبين أن ذلك الحكم على الآخر أن يكون الثاني على حقه ولا يفيت ماله بيع ولا عتق ولا غيره، وله أن يأخذه بغير ثمن، وسواء كان الأول بتعدٍ أو بوجه شبهة فلو غصب لرجل عبد فباعه الغاصب من رجل وهو لا يعلم فأعتقه المشتري أو باعه وتداولته الأملاك أو باعه عليه حاكم في دين أو مات فورث عنه كان لمستحقه أن يرد جميع ذلك ويأخذه بغير ثمن. ولو مات رجل فشهد لولده شهود أنهم لا يعلمون له وارثًا سواه فحكم ¬

_ (¬1) في (ق 2): (قد). (¬2) انظر: المدونة: 1/ 487.

له وباع تركة أبيه وتداولته الأملاك أو أعتق أو اتخذ أم ولد ثم قدم من أثبت (¬1) أنه ولد للميت كان له أن يقوم في نصيبه من ذلك على أحكام الاستحقاق ويأخذه بغير ثمن ولا يفيته شيء مما تقدم، وهذا أصل المذهب وما وجد على غير ذلك فهو خارج عن الأصل فسيد العبد ها هنا كالأخ الطارئ يرد العتق والبياعات وإن كان الأول بوجه شبهة؛ لأن الحكم لم يكن عليه وقيل فيما بيع من المغانم لا يأخذه صاحبه إلا أن يدفع الثمن وإن لم يكن الحكم بالبيع على صاحبه للاختلاف في الأصل؛ لأنَّ غير واحد من أهل العلم رأى أن لا شىء لصاحبه فيه وإن أدركه قبل القسم. وإذا شهد بموت رجل ثم أتى وقد كان الحكم عليه (¬2) فإن وجد ماله قائمًا أخذه بعد دفع الثمن. واختلف إذا تغير بزيادة أو نقصان أو بعتق أو بإيلاد، فقال مالك: ذلك فوت (¬3)، وقال أشهب فيما بيع في المقاسم: لا يفيته العتق ولا الإيلاد وله أن يأخذ ذلك ويرد جميع ما أخذه المشتري، وإن كان لا يأخذه إلا أن يدفع الثمن (¬4). وعلى هذا يكون للمشهود عليه بالموت أن يأخذه ولا يفيته عتق ولا نماء ولا نقص وإن كان لا يأخذه إلا بعد دفع الثمن؛ لأن حقه في عين ماله فيمكن من أخذه وحق المشتري في الثمن الذي وزن، ومقاله في هذه (¬5) في الرد أقوى منه فيما بيع في المقاسم وإن كان القياس أن يأخذه بغير ثمن؛ لأن الشبهة التي وقعت للبينة لا تدفع عنهم أنهم أخطأوا أو غلطوا عليه والخطأ عليه لا ¬

_ (¬1) قوله: (من أثبت) في (ق 9): (آخر فأثبت). (¬2) قوله: (عليه) ساقط من (ق 9). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 251. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 251. (¬5) في (ف) و (ق 9): (وهذه).

يسقط ملكه. واختلف إذا تعمدوا الزور، فقال مالك: يرد إليه ماله بغير ثمن وإن كان الأول يحكم عليه. وقال إسماعيل القاضي: لا يرد إليه بخلاف أن يكون بغير حكم. وقال محمد فيمن قام على غائب بدين وأثبته وبيع له بماله (¬1) ثم أثبت الغائب أنه كان قضى له ذلك الدين، قال: ليس له أن يأخذه إلا بالثمن (¬2). وعلى أصل مالك له أن يأخذه بغير ثمن؛ لأن القائم بالدين متعمد بالباطل فأشبه من شهد بالزور. وقال فيمن باع ورثته تركته وعليه دين: فإن علموا رد الغرماء بيعهم بغير ثمن مثل ما تقدم في الذين شهدوا بزور، واختلف إذا لم يعلموا فقال مالك: البيع ماض ولا رد للغرماء (¬3). وفرقوا بينه وبين الذين شهدوا بموته؛ لأن ذلك مستحق لأعيان سلعته والغرماء حقهم في ذمة الميت فليس كالمستحق لأعيان السلع. وقال غيره في كتاب الجنايات: للغرماء رد ذلك ما لم يفت بعتق أو اتخاذ أم ولد، وإنما لهم الثمن إن وجدوه، وإلا اتبعوا به من أخذه (¬4). وأمَّا الزوجة فسوى مالك بين الذين شهدوا بزور أو شبه عليهم بخلاف المال؛ لأنه يصح زوال الملك إذا بيع بوجه شبهة ولا يصح أن تمضي زوجة رجل لآخر إذا تزوجها بشبهة من غير طلاق من الأول وليست كزوجة المفقود؛ لأن الحكم كان لها لأجل قيامها بالضرر مع إمكان أن يكون حيًّا ولهذا ¬

_ (¬1) قوله: (بماله) ساقط من (ق 9). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 605. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 605، وانظر: النوادر والزيادات: 11/ 251. (¬4) انظر: المدونة: 4/ 605، وانظر: النوادر والزيادات: 11/ 251.

فصل [في استحقاق المسلم فيه أو الثمن ووقت الاستحقاق]

طلق عليه ولم يقسم ماله والآخر قيم بموته ليقسم ماله وليس القصد الطلاق وإنما الحكم بالموت يوجب لها أن تتزوج وليس لأنه تترقب حياته. وفي المجموعة: في امرأة جعل لها زوجها إن غاب سنة فأمرها بيدها، فغاب عنها سنة، فاختارت نفسها وتزوجت، ثم قدم زوجها (¬1) فأثبت البينة أنه قدم قبل السنة، قال: ترد إلى زوجها (¬2) وتنزع من الزوج الآخر وإن دخل بها، فلم يجعل التزويج والدخول فوتًا؛ لأن التعدي منها وهي بمنزلة من باع سلعة ثم تعدى فباعها من آخر أنها ترد إلى الأول. فصل [في استحقاق الْمُسْلَم فيه أو الثمن ووقت الاستحقاق] ومن أسلم ثوبين في فرس فاستحق الوجه منهما رد الباقي (¬3). واختلف إذا استحق الأدنى أو كانا متكافئين، فقال ابن القاسم: يرجع المسلم إليه بقيمة المستحق ويثبت السلم (¬4). وقال سحنون: يحط من السلم بقدر المستحق، إن كان المستحق الربع أو الخمس سقط من الفرس ربعه أو خمسه (¬5). قال الشيخ -رحمه الله-: المعروف من قول مالك وابن القاسم ألا يرجع بقيمة المستحق وإنما يرجع في قيمة ما أسلم (¬6) عليه ويرجع (¬7) شريكًا وإذا كان الحكم ¬

_ (¬1) قوله: (إن غاب سنة. . . ثم قدم زوجها) ساقط من (ق 9). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 191. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 211. (¬4) انظر: المدونة: 4/ 211. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 314، والبيان والتحصيل: 11/ 168. (¬6) في (ف) و (ق 2): (سلم). (¬7) في (ق 2): (ويكون).

الرجوع في قيمة ما ينوبه من الفرس وكان الأجل قد حل (¬1) أخذ الفرس ودفع قيمة ربعه يوم يأخذه، وإن استحق قبل محل الأجل كان بالخيار، فإن أحب دفع قيمة ربعه (¬2) الآن على أنه يقبض إلى ما بقي من الأجل وإن أحب أمهل حتى يحل الأجل ويقع التقابض فيدفع إليه قيمة ذلك الربع على الحلول، وإن كان الاستحقاق بعد حلول الأجل وبعد قبض الفرس لم يكن عليه القيمة إلا يوم قبض؛ لأنه ذلك اليوم ضمنه وعمرت ذمته به، وقد تقدَّم ذكرُ هذا الأصل في كتاب العيوب بأبسط من هذا، والله الموفق للصواب. تَمَّ كتابُ الاستحقاقِ بحمدِ اللهِ تعالى وحُسْن عَوْنِهِ، وصلَّى الله على سيدنا ومولانا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلَّم ¬

_ (¬1) قوله: (قد حل) ساقط من (ق 9). (¬2) قوله: (يوم يأخذه. . . دفع قيمة ربعه) ساقط من (ق 2).

كتاب القسم

كتاب القسم النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ق 6) = نسخة القرويين رقم (368) 3 - (ق 7) = نسخة القرويين رقم (367)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلي الله علي سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كتاب القسم الأصل في القسمة قول الله -عز وجل-: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ} [النساء: 8]. وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الشُّفْعَةُ فِى كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ فَإِذَا وَقَعَتِ الحُدُودُ وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ فَلاَ شُفْعَةَ". وفي القسم بالقرعة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَثَلُ الْقَائِمِ فِي حُدُودِ اللهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا سَفِينَهً فَأَصَابَ قَوْمٌ أَعْلاَهَا وقَوْمٌ أَسْفَلَهَا" الحديث أخرجه البخاري ومسلم. وحديث عمران بن حصين قال: أَعْتَقَ رَجُلٌ سِتَّةَ أَعْبُدٍ عِنْدَ وَفَاتِهِ فَجَزَّأَهُمْ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - أَثلاَثًا وأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً. أخرجه مسلم. وفي شرع من قبلنا قوله سبحانه: {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} [آل عمران: 44] وقوله: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141)} [الصافات: 141].

باب في قسمة الدور والأرضين

باب في قسمة الدور والأرضين ومن المدونة قال ابن القاسم في رجلين اقتسما دارًا على أن أخذ أحدهما العلو والآخر السفل: ذلك جائز، وهو بالتراضي (¬1). واختلف في القرعة بالمنع والإجازة، وقال ابن الماجشون في كتابه: إذا كان ذلك بغير سهم جاز، وإن كان على جهة الاستهام وما يجري من التعديل لم يجز إلا أن يكون ذلك هو التعديل، والتعديل إنما يحتاج إليه بالقرعة وَأَمَّا بالتراضي فيجوز، هذا أحسن، وتباين الأغراض فيما بين العلو والسفل أخف من تباينهما في جمع الجديد إلى القديم، وقد أجازه ابن القاسم (¬2). ويراعى في قسمة الديار وجهان: موضعها وصفتها، فأما موضعها فإن كانتا في محل واحد أو محلتين متقاربتين -جُمِعَا بالقرعة، وسواء كانتا في وسط البلد أو طرفه، وإن كانت إحداهما في وسطه والأخرى في طرفه أو في طرفين- لم يجمعا، وإن كانتا في وسط وتباين ما بين الموضعين -أحدهما في محلة شرقية، والأخرى مرغوب عنها- لم يجمعا، وقد استخف ذلك في البلد الصغير. وإن اختلف الورثة في دار سكنى الميت هل تجمع مع غيرها؟ فإن كان جميعها في محلة واحدة -جمعت في القسم، وإن افترقت المحلات- لم تجمع، وقسمت بانفرادها إن حملها القسم، وإلا تبايعوها، إلا أن يكون الورثة عصبة ولم يتقدم لهم سكنى لذلك الموضع، ولم يكن الميت ممن يشرف بسكنى داره، ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 265. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 538، 11/ 211.

فتكون تلك الدار وغيرها سواء. وأما صفتها فإن اختلفت فكان منها الجديد والقديم والرث وهي ذوات عدد -قسم الجديد بانفراده والقديم بانفراده، وإن كانت دارين: جديدة، وقديمة- جمعا جميعًا (¬1) في القرعة وهذه ضرورة وليس كالأول؛ لأن له مندوحة عنه، وإنما يبتدأ بما هو أقل غررًا (¬2) كما قال في الأرضين: يقسم الكريم بانفراده، والدني بانفراده، فإن كانت أرضًا واحدة بعضها جيد وبعضها رديء - قسمت قسمًا واحدًا (¬3). قال في كتاب الوصايا: فإن صار لهذا مبذر خمسة أمداء لكرم الأرض، والآخر مبذر أربعين مديا لرداءة الأرض- قسمت بالقرعة، وكذلك الدور (¬4). وإن اختلفت قيمة الدارين فكان بينهما يسير، مثل أن يكون قيمة إحداهما مائة والأخرى تسعون-فلا بأس أن يقترعا بينهما على من صارت إليه التي قيمتها مائة أعطى صاحبه خمسة دنانير؛ لأن هذا مما لابد منه، ولا يتفق في الغالب أن يكون قيمة الدارين سواء. وتجمع الحوانيت إذا كانت في سوق واحد أو في سوقين تتقارب فيها الأغراض، وإن تباينت مما يرى أنه لو علم أحدهما أنه يصير إليه ذلك لم يرض بالقرعة- لم تجمع، ولا تجمع الديار إلى الحوانيت ولا إلى الفنادق ولا إلى الحمَّامات. وأما جمع فندق إلى حمام فيسأل عنه أهل المعرفة باكتساب الرباع، فإن قالوا ¬

_ (¬1) قوله: (جميعًا) ساقط من (ق 6). (¬2) في (ق 6): (عددًا). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 267. (¬4) انظر: المدونة: 4/ 373.

فصل [في قسم الأرضين إذا تقاربت واختلفت في الكرم]

أنهما مما يتقارب فيهما الأغراض؛ لأنها مستغلات كلها جمعت، وإلا لم تجمع. ولا تجمع (¬1) الحوانيت إلى الفنادق، وقد يستخف جمع الحوانيت إلى ديار الغلة إذا قيل أن الغرر في ذلك يسير. فصل [في قسم الأرضين إذا تقاربت واختلفت في الكرم] واختلف في قسم الأرضين إذا تقاربت واختلفت في الكرم، فقال ابن القاسم: لا تجمع في القسم (¬2)، وكذلك إن كانت متقاربة في الكرم، وتباعد ما بينهما كاليوم واليومين لم تجمع (¬3). وقال أشهب في مدونته: إن كانت متقاربة في نمط واحد ومكان واحد وبعضها أكرم من بعض وبعض الدور أعمر من بعض، فإنها تجمع لمن طلب جمع حصته في مكان واحد (¬4)، إلا أن يكبر (¬5) حظه عن دار أو أرض، فتجمع له في دار أو أرض أخر، ثم يقسم الذين أرادوا التفرقة على ما يتراضون عليه. وإن كانت الدور والأرضون متباعدة ليست في نمط واحد قسم الذين أرادوا التفرقة حظوظهم من كل دار أو كل أرض، ثم يقال للذين أرادوا الجمع: اقتسموا كيف شئتم تتراضوا عليه (¬6) وإنما أراد به أنه إذا كانت متقاربة ¬

_ (¬1) قوله: (ولا تجمع) ساقط من (ق 7). (¬2) في (ق 6): (في ذلك). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 266. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 210. (¬5) قوله: (يكبر) في (ق 6): (يكثر) وفي (ق 2): (يكون). (¬6) قوله: (تتراضوا عليه) ساقط من (ق 6) و (ق 7).

يبدأ بالقسم لمن أراد الجمع؛ لأن ذلك الحكم، ويوقف الآخرون عن القسم ويسقطون (¬1) مقالهم في أنفسهم. فإن كان الذي أراد الجمع واحدًا -كان الضرب على الديار، فيكتب أسماء الديار ويخلط، فأيها خرج أولا- كان له، ثم يرجع الآخرون فيقتسمون كل دار وكل أرض بانفرادها، وإن كانت متباعدة ابتدئ بالذين أرادوا التفرقة، وتقسم كل دار وكل أرض على سهامهم بالقرعة. فإذا أخذوا ذلك بقي بقية تلك الدار والأرضين (¬2) على ما كانت عليه الشركة قبل أن يأخذها أولًا الباقون أنصباؤهم (¬3) ثم يجمع الباقون بالتراضي؛ لأن من أصله أنه يجوز في مثل هذا التراضي لا (¬4) القرعة. وقد فسر ابن عبدوس قوله على غير هذا، وأخذ سحنون بقول أشهب في الأرضين وخالفه في الديار قال: لأن الديار تكون في نمط واحد وهي مختلفة النَّفَاقِ (¬5) قال: ومن داري إلى الجامع نمط واحد وهو شديد الاختلاف (¬6). وإن كانت أرضًا واحدة لا يتسع قسم جيدها ورديئها بانفراده، قسمت قسمًا واحدًا وإن صار جيدها ناحية ورديئها ناحية. وهو قول مالك في كتاب الوصايا وقد تقدم. ¬

_ (¬1) في (ق 6): (وأسقط). (¬2) في (ق 7): (الأرض). (¬3) في (ق 7): (ولا أنصبائهم). (¬4) قوله: (لا) ساقط من (ق 7). (¬5) أَيْ: الرَّوَاجِ فمنها الأعلى والمتوسط والأدنى. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 210.

باب في قسمة الشجر ومن ادعى دارا في يد رجل أو أنه وارث معه

باب في قسمة الشجر ومن ادعى دارًا في يد رجل أو أنه وارث معه قد تقدم القول أن ما تقاربت الأغراض فيه يجمع، وما تباعدت لم يجمع، فالنخيل والأعناب والزيتون والفواكه هذه الأربعة كل واحد منها صنف لا يجمع إلى الآخر بالقرعة والجبر (¬1). واختلف إذا تراضوا على قسمته (¬2) بالقرعة فأصل ابن القاسم في هذا المنع، وأشهب الإجازة. (¬3) وأجازه ابن القاسم مرة فيما قلَّ فقال في رجلين بينهما نخلة وزيتونة: لا بأس أن يقتسماها بالتراضي إذا اعتدلتا في القسم وإن كرها لم يجبرا، وإن كانتا لا تعتدلان تَقَاوَمَاهُمَا أو بَاعَاهُمَا (¬4). فقوله: إذا اعتدلتا دليل على إجازة ذلك بالقرعة؛ لأن التراضي لا يراعى فيه الاعتدال، وهذا للضرورة فيما قل كما أجاز في الأرض الواحدة، بخلاف أن يكثر النخل والشجر فإنه يقسم كل صنف بانفراده. والنخيل على اختلاف أجناسها صنف يجمع في القسم، وإن صار لأحدهم برني وللآخر عجوة، ويستحسن إذا كان الجيد ناحية والرديء ناحية، وكل واحد يحمل القسم بانفراده أن يقسم على الانفراد. والزيتون كله صنف ¬

_ (¬1) قوله: (والجبر) ساقط من (ق 6). (¬2) قوله: (على قسمته) ساقط من (ق 6، ق 7). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 220. (¬4) انظر: المدونة: 4/ 307.

وإن اختلفت أجناسه. والعنب صنف، وإن كان منه الأبيض والأسود والصيفي والشتوي، ويستحسن إذا كان كل نوع ناحية ويحمل القسم بانفراده أن يقسم على الانفراد، فإن لم يفعلوا لم يفسخ وجعل (¬1) ابن عبدوس تباينها في الفضل، كتباين الأرضين في الكَرَمِ (¬2) وقد يحمل قوله على الاستحسان. واختلف في الفواكه كَالتُّفَّاحِ والرُّمَّانِ والخَوْخ (¬3) وغيرها. فذهب ابن القاسم في المدونة إلى أنها صنف، فقال: إذا كان جِنَانٌ فيه تُفَّاح ورُمَّان وخَوْخ وأُتْرُج (¬4) وأنواع (¬5) الفواكه وهي مختلطة، جُمِعَ لكل واحد نصيبه في موضع كما قال مالك في الحائط فيه الْبَرْنِيُّ وَالصَّيْحَانِيُّ واللوز وَالجُعْرُورُ أنه يقسم على القيمة ولا ينظر (¬6) إلى ما يصير في حظ هذا من ألوان التمر، وإن كانت جنات، جنان تفاح على حدة وكل نوع على حدة، وكل واحد يحمل القسم، قسم كل جنان على حدته (¬7)، يريد: وإن لم يحمل القسم جمعت فشبه اختلاف الفواكه باختلاف النخيل. ¬

_ (¬1) قوله: (يفسخ وجعل) في (ق 6): (يقسم وأجاز). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 213. قال ابن عبدوس: قال سحنون: والشجر وإن كان بعضها أفضل من بعض أو الأرض بعضها أكرم من بعض فلتُجمع في القسم إلا أن يأتي من ذلك أمر متباين فإذا تقارب ذلك جُمع. (¬3) قوله: (والخوخ) ساقط من (ق 6). (¬4) قوله: (وخوخ وأترج) ساقط من (ق 6). (¬5) في (ق 6) (وأصناف). (¬6) في (ق 6، ق 7): (يلتفت). (¬7) انظر: المدونة: 4/ 267 و 268.

فصل [في حكم اختلاف السقي]

وقال عبد الملك في كتابه (¬1): إذا كانت الثمار مختلطة في الجنان، وكانت شبيهة بالتناصف في اختلاطها جاز جمعها، وإن كان أكثرها صنفًا قسم ذلك الصنف بالسهم، وقسم ما سواه مختلطًا إذا أشبهه وحكاه عن مالك، وإن كان كل صنف على حدته (¬2) فالقسم في جميعه ممتنع إلا أن يقسم كل صنف على حدته، ويلزم على قول ابن القاسم مثل ذلك في النخيل إذا كان متباين الاختلاف، والجيد يحمل القسم بانفراده والرديء يحمل القسم أن يقسم كل شيء منه على الانفراد؛ لأنه يشبه اختلاف الفواكه باختلاف النخيل. وقال (¬3) في الفواكه إذا كان كل صنف يحمل القسم لم يجمع (¬4)، وهذا قول ابن عبدوس. فصل [في حكم اختلاف السقي] ويراعى اختلاف السقي، فقال في المدونة: إن استوت العيون في سقيها الأرض جمعت وإن اختلفت في سقيها الأرض وغورها (¬5) قسمت كل أرض وعيونها على حدة (¬6). وعلى قوله لا يجمع البَعْلُ مع ذات العين ولا مع ذات البئر، ولا ذات عين مع ذات بئر، ولا يخلو الأرضان من ستة أوجه: إما أن يكونا بعلًا لا سقي لهما، ¬

_ (¬1) قوله: (كتابه) ساقط من (ق 6). (¬2) في (ق 6): (جهة). (¬3) قوله: (قال) ساقط من (ق 6). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 267. (¬5) في (ق 6): عددها. (¬6) انظر: المدونة: 4/ 273 و 274.

فصل [في صفة القسم]

أو تسقيهما العيون، أو يسقيان بالغرب (¬1)، أو إحداهما بعلا والأخرى ذات عين، أو بعلا وذات بئر، أو ذات عين وذات بئر. فعلى قول ابن القاسم لا يجمعان إلا أن يكونا بعلًا، أو لكل واحدة عين متساوية في السقي أو متقاربة، أو كل واحدة ذات بئر متقاربة في الغرز فإن برا كانتا على غير ذلك لم تجمعا. وقال أشهب في مدونته: لا يجمع البعل (¬2) مع السقي (¬3)، وهذا مثل قول ابن القاسم. وروى ابن وهب عن مالك أنه يقسم البعل مع العيون إذا كان شبيها في الفضل، (¬4) وهذا خلاف ما ذهب إليه ابن القاسم وأشهب. وقال محمد بن مسلمة: يقسم البعل مع العيون، ولا يقسم البعل مع النَّضح إلا برضا أهله، ولا وجه لهذا بل البَعْلُ مع النَّضْحِ أقرب من البعل مع العين. فصل [في صفة القسم] في صفة القسم، قال ابن عبدوس: يُقَوِّم القاسمُ النخل نخلة نخلة، إذا كان من أهل المعرفة بقيمة ذلك الموضع، ويسأل أهل الخبرة بما عرف من حمل ¬

_ (¬1) الغَرْبُ: هو الدلو الكبير الذي يُسْتَقَى به على السانية. انظر لسان العرب: 1/ 642. (¬2) قال ابن حبيبٍ: البَعْلُ: ما يشرب بعروقه من غير سقيِ سماءٍ ولا غيرها، والسَّيحُ ما يشرب بالعيون. والعِدِّيُّ والعَثَرِيُّ: ما تسقيه السماء. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 211. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 212. وانظر الموطأ: 2/ 747.

فصل [في حكم القضاء في الديار وأهلها غائبون]

كل نخلة، فقد تكون الشجرة لها منظرة قليلة الثمر، وأخرى لا منظرة لها كثيرة الثمرة فإذا فرغ (¬1) من ذلك جمعها كلها وقسمها على قدر السهام، ثم يضرب بالسهم على أي الطرفين يبدأ، ثم تجمع أسماء الأشراك ثم يخلطها في كمه، ثم يخرج أول سهم ثم الثاني ثم الثالث، فإذا عرف ذلك بدأ بالأول فأعطاه من الناحية التي وقع عليها السهم شجرة شجرة، فإن بقي لأحدهم كسر من القيمة كانا شريكين بما بقي له في شجره. وأجاز ابن القاسم أن يقسم الدار الغائبة على الصفة (¬2)، وقال سحنون: لا يجوز. والأول أحسن إذا كان الباب لا يتغير أو يحدث الثاني في تلك المحلة، وإن كان يفتح إلى محلة أخرى لم يجز إلا أن يكون القاسم عالمًا بفتح الديار بالمحلة الأخرى؛ لأن قيم الدار تختلف مع تساوي البناء لاختلاف المحلات. فصل [في حكم القضاء في الديار وأهلها غائبون] ومن المدونة قال مالك في الدار: لا يقضى على أهلها فيها وهم غيب إلا أن تطول الغيبة فيها (¬3)، مثل الأندلس وطنجة فينظر السلطان في ذلك (¬4)، يريد: الأندلس من المدينة. وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: أما علماؤنا بالمدينة وحكامنا ¬

_ (¬1) في (ق 6): (فرغا). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 317. (¬3) قوله: (فيها) ساقط من (ق 6). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 317.

فقولهم والعمل عندهم أن يحكم على الغائب في جميع الأشياء (¬1) بعد ضرب الأجل على قدر مسافة البلد الذي هو به، والآجال في الديون أطول منها في الرباع. قال: ويحضر وكيله، فإن لم يكن فالمعني بأمره من أهله والصديق والصاحب، ومن يستضيف إليه ويعلم من أمره، وأنكر قول ابن القاسم (¬2). وإنما رأى أن الآجال في الدين أوسع من القضاء في الديار؛ لأنه إذا ادعيت وحكم جها للمدعي، ثم قدم الغائب فأثبت ما يسقط الدعوى انتزعها، وإن تداولها رجال بالبيع، وإن بيعت لقضاء دين، فأثبت الغائب أنه قد قضاه بعد أن تداولتها بياعات لم يرد، وإنما يأخذها إذا وجد في يد المشتري من القاضي بعد دفع الثمن. واختلف إذا ادعى ميراثًا، فرأى ابن القاسم الجواب فيها كالأول لا يقضى بها إلا في ما يقضى به لو ادعيت بغير ميراث. وقال أشهب في مدونته: إذا ادعيت بغير ميراث سمعت بينة المدعي، وأخر القاضي حتى يقدم أو يكتب إليه، إلا أن يكون كونه في يده قريبًا مثل أن يموت أبوه من سنة أو سنتين، أو يعلم أنها في يد الغائب بميراث وأقام هذا البينة أنه ابن الميت، فيقضى له بنصيبه فيها ولا ينتظر (¬3) قدوم الغائب؛ إلا أن يطول كون الدار في يد الغائب السنين الكثيرة (¬4)، وينقطع الخبر بما صارت (¬5) إليه، فيلحق نسب هذا ولا يقضى له بالدار حتى يَقْدَمَ الغائب. ¬

_ (¬1) قوله: (الأشياء) زاد بعدها في (ف): (ولا يحكم على غائب إلا). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 202. (¬3) في (ق 6): (ينظر). (¬4) قوله: (السنين الكثيرة) ساقط من (ق 6). (¬5) في (ق 6): (دارت).

قال الشيخ - رضي الله عنه -: (¬1) يريد: إذا كان أمر الدار مشهورًا أنها دار الميت قضي له بنصيبه منها (¬2) الآن، فإن اندرس خبرها وصارت عملها أنها له بالبحث والشهادة، كانت الدعوى فيها بالميراث وغيره سواء. واختلف بعد القول ألا يحكم على الغائب في الرِّبَاعِ، هل تكون المحاكمة في موضع الدار أو في (¬3) موضع المحكوم عليه؟ فقال ابن القاسم: إذا كان المدعى (¬4) عليه غائبًا كتب إليه ليقدم ليخاصم أو يُوَكِّل، وقيل: المحاكمة في موضع المطلوب، والأول أحسن. ومن حق الطالب أن يسمع بينته ويستقصي منافعه، ثم يكتب إلى الغائب بما ثبت عنده (¬5) بالخيار بين أن يَقْدمَ فَيَدْفَعَ عن نفسه، أو يكتب إلى القاضي بما عنده ولا يؤخر القضاء بعد ذلك ولا يكلف الطالب أن يخرج فيخاصم؛ لأن ثبات البينات بغير موضع الدار يتعذر ولا يستطاع نقل البينات. وإن اجتمع المدعي والمدعى عليه في بلد والدار في بلد آخر، فإن (¬6) كان كل واحد منهما يدعيها لنفسه لم يحكم بينهما؛ لأن البينات ومعرفة الحائز لها يتعذر هناك، وإن كان يدعي أنه باعها منه وأنكر الآخر البيع، كان للمدعي أن يحاكمه ها هنا إن وجد بينة وإلا حلفه، ثم هو على حجته إذا قدم البلد الذي به الدار. واختلف إذا بعدت الغيبة، هل يقيم القاضي للغائب وكيلا؟ ¬

_ (¬1) قوله: (الغائب. قال الشيخ - رضي الله عنه -:) ساقط من (ق 6). (¬2) قوله: (منها) ساقط من (ق 6). (¬3) قوله: (موضع الدار أو في) ساقط من (ق 6). (¬4) في (ف) و (ق 7): (المحكوم). (¬5) قوله: (بما ثبت عنده) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (آخر فإن) ساقط من (ق 6).

فقال ابن القاسم في الغائب والصغير ينظر لهما القاضي ولا يقيم لهما وكيلًا (¬1). وقال أصبغ: يقام لهما (¬2) وكيل مأمون وهو أبين؛ لأن الوكيل يبلغ من الكشف والبحث ما لا يبلغه القاضي لسبب اشتغاله، ولو وجد القاضي إلى البحث والكشف سبيلًا لاستغنى عن الوكيل، وهذا في الدعوى على الغائب. وأما الدعوى له فلا تصح إلا بوكالة من الغائب، إلا أن يغصب له شيء في غيبته أو يأبق له عبد، وما أشبه ذلك من الأمور التي يعلم أنه تُعُدِّي عليه فيها، فينظر له في غير وكالة. وإن كان له دين على من يخشى فقره، أو على من أراد السفر إلى موضع بعيد، أو كان له طعام يخشى فساده ينظر له في ذلك كله (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 317. (¬2) قوله: (لهما) ساقط من (ق 6). (¬3) من قوله: (فقال ابن القاسم. . . في ذلك كله) سقط من (ق 7).

باب في قسم الثمار والزرع والبقل واللبن

باب في قسم الثمار والزرع والبقل واللبن قال مالك: لا يقسم الثمر حتى يحل بيعه، فيقسم كيلًا ولا يقسم الزرع فدادين ولا مزارعة ولا قَتًّا ولا يُقَسَّمُ إلا كَيلًا، وإن طاب التمر والعنب ولم تختلف حاجتهم، وكان جميعهم يريد الجذاذ يابسًا أو الأكل رطبًا أو البيع لم يقسم في رؤوس النخل، وإن اختلفت حاجتهم فأراد أحدهم أن يأكل رطبًا والآخر أن يثمر جاز القسم بالخَرْصِ إذا وجد من يعرف ذلك (¬1). قال الشيخ: (¬2) وأرى إن أراد أحدهم أن يبقى (¬3) نصيبه لييبس والآخر البيع لم يقسم؛ لأن المشتري يبقي نصيبه لمثل ذلك، وإطلاق البيع يقتضي البقاء حتى ييبس، وإن أراد أحدهما أن يبقى (¬4) نصيبه والآخر الجُذاذ للأكل قسما ما يقابل ما يراد جِذاذه، وإن أراد أحدهما أن يبيع نصيبه والآخر الجِذاذ فكذلك يقسمان ما يراد جذاذه، وكان من أراد الجِذاذ بالخيار بين أن يقاسم شريكه الآن أو يؤخر ذلك فيقاسم المشتري، وإن جذ (¬5) البُسْر وهو عَرَاجِين وكان إن نشر لم يَفْسد لم يقسم بالخرص، وإن كان يَفْسد قُسم إن اختلفت الحاجة، وإن كان البيع على الجِذاذ أو كان غرض المشتري أن يجذه لم يقسم قبل، إلا أن تختلف الحاجة لكثرة عيال أحدهما وقلة عيال الآخر. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 269. (¬2) قوله: (قال الشيخ:) ساقط من (ق 6) و (ق 7). (¬3) في (ق 6): (يبيع). (¬4) في (ق 6): (يبيع). (¬5) في (ق 6): (وجد).

والقسم يجوز على التعديل، وعلى أن يفضل أحدهما الآخر على وجه المكارمة، فيأخذ مما خرصه عشرة أوسق (¬1) والآخر ما خرصه خمسة؛ لأن ذلك معروف. كما جاز أن يأخذ أحدهما من صُبْرة؛ (¬2) بينهما ستين والآخر أربعين، إلا أن يكون فضل الكيل لمكان الدناءة (¬3)، ولا يقسم البلح الكبير متفاضلًا. واختلف هل يقسم على الاعتدال بالخرص إذا اختلفت الحاجة؟ فأجازه ابن القاسم، قال: والخرص بمنزلة الكيل، وقد قبض كل واحد ما صار له فلا بأس بهذا القسم وإن لم يجذ الذي حاجته للأكل إلا بعد يومين أو ثلاثة إذا لم يتركه حتى يزهي (¬4)، أنكر ذلك سحنون، وقال: المشتري يجذ (¬5)، فقد اجتمعا على الجذاذ، والأول أصوب؛ لأن المشتري يجذ نصيبه مرة أو مرتين ليدرك به (¬6) الأسواق، والآخر يجذ شيئًا بعد شيء على قدر حاجته وعياله وكذلك إن لم يبع واحد منهما، واختلفت حاجتهما لفضل عيال أحدهما على الآخر جاز أن يقتسما بالخرص القدر الذي يحتاج إليه (¬7) أكثرهما عيالًا لأنا إن قصرنا أكثرهما عيالًا على ما يحتاجه الآخر أضَرَّ به وإن كلف الاَخر أن يجذ كثيرًا على قدر ما يحتاج إليه صاحبه فسد عليه وإن جذ أحدهما وأبقى الآخر نصيبه حتى أزهى انتقض القسم، وكان الذي أزهى وقيمة الذي لم يزه شركة بينهما والقيمة يوم كان جذ ¬

_ (¬1) قوله: (أوسق) ساقط من (ق 6). (¬2) الصُّبْرَةُ بالضم: ما جُمِعَ من الطعامِ بِلا كَيْلٍ ووزنٍ. انظر: القاموس المحيط: ج 1/ 541. (¬3) في (ف) و (ق 6): (الزيادة). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 271. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 232. (¬6) في (ق 6): (بها). (¬7) قوله: (إليه) ساقط من (ق 6).

على أنه مجذوذ وليس على الرجاء والخوف؛ لأنه جذه بإذن شريكه فأجاز قسمة البلح الصغير متفاضلًا؛ لأنه لا يدخر. واختلف هل له حكم الطعام؟ فقال مالك: هو علف (¬1). وقال ابن القاسم هو بمنزلة البَقْل (¬2)، وأرى أن ينظر إلى العادة فيه (¬3) في ذلك الموضع، فإن كانوا يريدونه للعلف واستعماله للأكل قليل ونادر كان له حكم العروض، وإن كانوا يريدونه للأكل وغيره نادر وكان استعماله في كليهما كثيرًا كان له حكم الطعام، وإذا كان على حكم العلف جازت (¬4) المقاسمة، وإن لم تختلف الحاجة وإن جذ أحدهما وأبقى الآخر إلى الإتمام (¬5)، وإذا كان ذلك على حكم الطعام لم تجز المقاسمة إلا أن يجذا معًا، ويجوز متساويًا ومتفاضلًا إلا أن تختلف الحاجة فلا بأس أن يجذ أحدهما دون (¬6) الآخر. قال ابن القاسم: فإن اقتسماه ولم يجذا حتى صار بلحًا كبيرًا لم ينتقض القسم إذا كانا اقتسماه على التعديل وكان لا يختلف الآن، وإن كانت القسمة على التفاضل وكان إذا كبر تفاضل، نقضت القسمة إلا أن يُزْهِيَ فتنقض إن لم يكن يتفاضل، وإن جذ أحدهما نصيبه حين المقاسمة وترك الآخر حتى كبر ولم يزه لم ينتقض (¬7) القسم (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 272. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 272. (¬3) قوله: (فيه) ساقط من (ق 6). (¬4) قوله: (للأكل وغيره نادر. العلف جازت) ساقط من (ق 7). (¬5) في (ق 7): (الأيام). (¬6) في (ق 6): (بإذن). (¬7) في (ق 6): (انتقض). (¬8) انظر: المدونة: 4/ 272.

فصل [في قسمة الفواكه والسمن والزيت والعسل وغيرها بالخرص]

فصل [في قسمة الفواكه والسمن والزيت والعسل وغيرها بالخرص] واختلف عن مالك في قسم الفواكه بالخرص إذا اختلفت الحاجة، فمنعه في المدونة وقال: إنما مضى الخرص في النخل والعنب، وليس الخرص في هذا من عمل الناس. (¬1) وذكر ابن القاسم عنه أنه أرخص (¬2) فيه، وروى عنه أشهب في المجموعة الإجازة (¬3). وقال: في الزرع إن كان يستطاع أن يعدل بينهما فيه بالتحري جاز (¬4). واختلف عنه في العرايا فيما سوى النخل والعنب هل تشترى بخرصها؟ فأجازه في المدونة (¬5)، ومنعه في كتاب محمد (¬6)، وكل هذا الاختلاف فليس في فقه، فإن كان لقوم (¬7) عادة في خرص ذلك الصنف ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 269. (¬2) في (ق 6): (لم يرخص). وانظر: المدونة: 4/ 269. ولفظه فيها: (قلت لمالك: فالفاكهة والرمان والفرسك وما أشبهه؟ قال: لا يقسم بالخرص وإن احتاج أهله إليه؛ لأن هذا مما ليس فيه الخرص من عمل الناس، وإنما مضى الخرص في النخل والعنب. قال ابن القاسم: وذلك أنه ذكر بعض أصحابنا أن مالكا رخص في قسم الفواكه بالخرص، فسألته عنه فقال: لا أرى ذلك. قال: ولقد سألته عنه غير مرة فأبى أن يرخص فيه). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 232. (¬4) انظر: المدونة: 4/ 270. (¬5) انظر: المدونة: 3/ 284. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 199. (¬7) قوله: (لقوم) ساقط من (ق 7).

جازت المقاسمة وإلا لم تحبز. واختلف في قسمة البقل إذا اختلفت الحاجة فيه، فقال ابن القاسم: لا يعجبني؛ لأن مالكًا لم يجز الخرص فيما يجوز فيه التفاضل مثل التفاح وغيره (¬1). وقال أشهب في مدونته: يقسم إذا بدا صلاحه وجاز بيعه وليس مثل الزرع؛ لأن الزرع يدخله التفاضل ولا يحاط به كما يحاط بخرص الثمار ويجوز البقل اثنان بواحد، فجعل ابن القاسم المنع لعدم من يعرف الخرص. وأجازه أشهب إذا تبين (¬2) الفضل وخرجا عن حد الخطأ، وهو قول ابن القاسم في قسمة اللبن قال: إذا اقتسما الغنم للحلب، يحلب كل واحد غنمًا ناحية لم يجز للمخاطرة، وإن فضل أحدهما الآخر على وجه المعروف، على إن هلك ما في يد أحدهما رجع على صاحبه جاز (¬3). وقال سحنون: لا يجوز؛ لأنه طعام بطعام ليس يدًا بيد ولو حلباه قبل التفرق (¬4) جاز (¬5) والأول أحسن؛ لأنه على وجه المعروف وليس مما تختلف فيه الأغراض فتدخله المبايعة، والتفاضل يجوز في (¬6) المقاسمة بخلاف البيع فلو كانا شريكين في قفيز طعام فاقتسماه الثلث والثلثين لجاز والتراخي جائز أيضًا ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 269. (¬2) في (ف) و (ق 6): (تباين). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 233. (¬4) في (ف): (التفريق). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 234. (¬6) في (ف): (فيه).

كما جاز في القرض في أخذ (¬1) مائة دينار ليردها (¬2) بعد سنة فلو كان ممنوعًا من أجل التراخي على ما ذهب إليه سحنون لم يمنع لأجل (¬3) التفاضل وإنما تدخله المبايعة إذا كان متى هلكت إحداهما لم يرجع على الآخر. وقال ابن القاسم: لا يقتسمان الخس والسريس والسلق فدادين إلا أن يجذا قبل أن يفترقا. (¬4) وعلى قول أشهب يجوز إذا اختلفت الحاجة وإذا صار مجذوذًا أو محصودًا لم يجز إلا كيلًا أو وزنًا إن كان مما يوزن ولم يجز تحريًا بالخرص بخلافه قبل الجذاذ؛ لأنه إنما أجيز قبل الجذاذ عند اختلاف الحاجة للضرورة، وقد زالت الضرورة لما زال عن الشجر فلا يجوز ذلك، وسواء كان مما يحرم فيه التفاضل أو يجوز، كان مما يكال أو يوزن، طعامًا كان أو غيره؛ لأنه غرر ومخاطرة ويدخله التفاضل إذا كان طعامًا مدخرًا، فإن فضل أحدهما الآخر بالشيء البين حتى خرجا من حد الخطار إلى وجه المكارمة جاز، وإن كان مدخرًا وإن لم يكن على وجه المكارمة، لم يجز إلا أن يكون مما لا يحرم فيه التفاضل. وقد اختلف فيه قول مالك فقال في كتاب ابن حبيب: كل ما يحرم فيه التفاضل من الطعام فلا يقسم بالتحري وسواء كان رطبًا أو يابسًا. وكذلك السمن والزيت والعسل فلا يقسم إلا كيلًا أو وزنًا قال: وكل ما يجوز فيه التفاضل فلا بأس بقسمته في شجره على التحري رطبًا أو يابسًا أو ¬

_ (¬1) في (ق 6) و (ق 7): (يأخذ). (¬2) في (ق 6): (ليؤديها). (¬3) في (ق 6): (من أجل). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 269.

بالأرض مصبرًا مثل الفواكه الرطبة وثمر البحاير ومثل ذلك الكتان والخبط والنوى والتين تحريًا وإن كان الكتان والحناء قائمًا لم يجمع أو جمع ولم يقسم ما يجوز فيه التفاضل تحريًا إلا ما أرخص فيه من قليل اللحم والجبن والبيض؛ لأن التحري يحيط بقليله وكثيره (¬1). وفرق محمد بين ما يكال أو يوزن وأجازه فيما يوزن ومنعه فيما يكال، وقال أشهب في المجموعة: إن كان مما يجوز فيه التفاضل جاز قسمه بالتحري طعامًا كان أو غيره ويجوز ذلك فيما يوزن فيقسم تحريًا ويباع بعضه ببعض تحريًا كالخبز واللحم. (¬2) وقال ابن القاسم في العتبية: يجوز (¬3) في اليسير وقد (¬4) قيل: إنه (¬5) فرق بين ما يُكال أو يُوزن؛ لأن الكيل لا يفقد ولو بالأكف وليس بصحيح؛ (¬6) لأن الأكف يختلف ملؤها (¬7) ولو قال: أبيعك هذا الطعام كل عشر حفنات بكذا ما جاز، وقسمه جزافًا أقل غررًا من قسمه حفنات (¬8). وقد قال أبو الحسن ابن القصار: اختلفت الرواية عن مالك في بيع اللحم باللحم والخبز بالخبز على التحري بغير وزن فأجازه في البوادي والقوافل ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 20. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 234. (¬3) قوله: (يجوز) زادت في (ف): (ذلك). (¬4) قوله: (وقد) ساقط من (ق 6). (¬5) قوله: (إنه) ساقط من (ق 7). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 234. (¬7) قوله: (لأن الأكف يختلف ملؤها) زيادة من (ف). (¬8) في (ق 7): (غرفات) وفي فرنسا (مقتات).

وحيث تتعذر الموازين استحسانًا وروي عنه المنع وهو أحسن ألا يجوز بحال (¬1). وقال ابن القاسم: لا يجوز بيع جزاف بجزاف من صنف واحد وإن كان ترابًا، ورآه من المزابنة والغرر فكذلك المقاسمة (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: عيون المجالس: 3/ 1434. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 58.

باب فى قسمة الأصول بالثمار الأرض بما فيها من الزرع

باب فى قسمة الأصول بالثمار الأرض بما فيها من الزرع ومن المدونة قال مالك: لا يقسم التمر مع النخل ولا الزرع مع الأرض، ولكن يقسم النخل والأرض (¬1) ويترك التمر والزرع حتى يقسم بانفراده (¬2). قال الشيخ - رضي الله عنه -: (¬3) واقتسام التمر والنخل على خمسة أوجه، فإما أن تكون الثمار غير مأبورة، أو مأبورة، أو بلحًا صغيرًا، أو كبيرًا، أو زهوًا. فإن كانت غير مأبورة (¬4) لم يجز القسم بحال عند ابن القاسم (¬5)؛ لأن إطلاق المقاسمة يتضمن دخولها في القسم وهي تئول إلى أن تصير طعامًا ولا يجوز استثناؤها لتبقى لأربابها؛ لأن استثناء ما لم يؤبر في البيع لا يجوز. وإن كانت الثمرة مأبورة أو بلحًا صغارًا أو كبارًا أو زهوًا كان إطلاق المقاسمة على الجواز؛ لأن الثمار في جميع ذلك غير (¬6) داخلة في المقاسمة، وباقية على الشركة فإن اشترطا دخولها في المقاسمة لم يجز؛ لأنها إن لم تكن الآن طعامًا فهي تئول إلى أن تصير طعامًا، فيدخله الطعام بالطعام ليس يدًا بيد. ¬

_ (¬1) قوله: (ولكن يقسم النخل والأرض) ساقط من (ق 7). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 266، 267. (¬3) قوله: (قال الشيخ - رضي الله عنه -:) زيادة من (ف). (¬4) في (ق 6): (لم تؤبر). (¬5) قوله: (عند ابن القاسم) ساقط من (ق 6). (¬6) قوله: (غير) ساقط من (ف).

قال ابن القاسم: لأن مالكًا قال فيمن يبيع الحائط وفيه ثمر لم يؤبر بقمح نقدًا أو إلى أجل: لا خير فيه (¬1)، فراعى ما يئول إليه وإن كان بلحًا كبيرًا أو زهوًا دخله التفاضل والتأخير، وإن استثنى أحدهما لنفسه ثمرة ما يصير في نصيبه، ويبقى ما (¬2) في نصيب الآخر على الشركة جاز. وإن كانت إحدى الثمرتين مأبورة، والأخرى بلحًا صغارًا أو كبارًا أو زهوًا أو كانت إحداهما بلحًا كبارًا والأخرى زهوًا- كان إطلاق المقاسمة على الجواز والثمار غير داخلة في المقاسمة، فإن اشترطا دخولها في القسمة لم يجز، وإن اشترطت إحداهما وبقيت الأخرى على الشركة جاز، وإن كانت إحداهما غير مأبورة والأخرى مأبورة كان إطلاق المقاسمة على الجواز، والتي لم تؤبر داخلة في القسم لمن هي في نخله والمأبورة باقية على الشركة، وإن استثنيا (¬3) ما لم تؤبر ولم يدخلاها في القسم لم يجز، وإن اشترطت التي أبرت وأدخلت في المقاسمة لم يجز، وهذا كله مذهب ابن القاسم، وقد قيل في جميع هذه المقاسمات: إنها جائزة وهو أحسن إذا كانت الثمار لم تبلغ إلى أن يحرم فيها التفاضل كالزهو والبلح الكبير. واختلف في استثناء ما لم يؤبر في البيع، فقيل: جائز وهو باق على ملك صاحبه لم يبعه قط، وهو الصحيح من المذهب، وقد تقدم بيان ذلك في كتاب البيوع. وقال محمد بن مسلمة فيمن باع نخلًا وفيها تمر لم يبد صلاحه أبر أو لم ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 275. (¬2) قوله: (ما) ساقط من (ق 7). (¬3) في (ف) و (ق 6): (استثنى).

يؤبر: فلا بأس أن يبيعها بالطعام والشراب من قِبَل أن المقصود بالبيع والشراء الأصل، فإن كان التمر قد بدا صلاحه لم يجز إلا أن يباع بالدنانير والدراهم والعروض ولا يباع بشيء من التمر؛ لأنه بيع التمر بالتمر متفاضلًا ولا بأس أن يباع بالحنطة إذا جدّ التمر (¬1) مكانه وتوضع فيه الجائحة (¬2) انتهى قوله. وقال سحنون في السليمانية فيمن اشترى نخلًا فيه تمر قد طاب أو لم يطب بطعام نقدًا أو إلى أجل: لا بأس به؛ لأن التمر تبع للنخل قال: وذلك بمنزلة العبد يباع ويستثنى ماله فلا بأس به نقدًا أو إلى أجل؛ لأن ماله ملغى. قال: وكذلك يقول بعض أصحابنا، قال: وكذلك السيف تكون فيه الفضة تبعًا، والنقد فيه أحَبُّ إليَّ، وإذا كان الخلاف حسب ما تقدم جاز قسمة الحائط إذا كانت الثمار لم تؤبر، على أن تبقى الثمار لأربابها وعلى أن تدخل في المقاسمة، وكذلك إذا كانت مأبورة أو بلحًا صغيرًا جاز أن تدخل في المقاسمة على قول ابن مسلمة، ويجوز على قول سحنون إذا كانت بلحًا كبيرًا أو زهوًا أن تدخل في المقاسمة بمنزلة السيفين وحليتهما، وقول ابن مسلمة في هذا كله أحسن؛ لأن التقابض والمناجزة قد وقعت فيما بينهما، فإن كانت في حين المقاسمة طعامًا فقد حصل التناجز، وإن كانت غير طعام فإنما تفسير طعامًا بعد انتقال الملك عند المشتري لها، ولا يجوز إذا كانت مزهية؛ لأنها مقصودة حينئذ في نفسها (¬3) فيدخلها التفاضل. ¬

_ (¬1) في (ق 6): (الثمرة). (¬2) قوله: (وتوضع فيه الجائحة) في (ق 6): (لأنه توضع عند الجائحة). (¬3) قوله: (في نفسها) زيادة من (ف).

فصل [في حكم قسمة الأرض بما فيها من بذر أو زرع]

فصل [في حكم قسمة الأرض بما فيها من بذر أو زرع] ويختلف في قسمة الأرض بما فيها من بذر أو زرع، فعلى قول مالك وابن القاسم لا يجوز (¬1)، وسواء كان وقت المقاسمة لم يخرج من الأرض، أو خرج ولم يسبل أو أسبل ولم يبلغ أن يكون طعامًا؛ لأنه يئول إلى أن يكون طعامًا، ويجوز على قول ابن مسلمة وهو أبن وقد تقدم وجه ذلك (¬2). ويختلف إذا اقتسما على أن استثنى ما فيها ولم يدخلاه في القسم، فجعله ابن القاسم كالذي لم يؤبر (¬3) إن لم يرز من الأرض وكالمؤبر إذا خرج، وقال محمد (¬4): هو كالذي لم يؤبر وإن برز ما لم يسبل، وقال القاضي أبو محمد عبد الوهاب: هو كالمؤبر وإن لم يبرز (¬5)، فعلى قول ابن القاسم لا تجوز المقاسمة قبل أن يخرج بحال؛ لأنه لا يجوز أن يستئنى ولا أن يدخل في المقاسمة، وإن خرج جاز أن يستثنى ولم يجز أن يدخل في المقاسمة (7) وعلى قول محمد تجوز (¬6) المقاسمة إن لم يسبل وسواء استثنى أو أدخل في المقاسمة (¬7) وإن أسبل جاز أن يستثنى ولم يجز أن يدخل في القسم وعلى قول (¬8) القاضي أبي محمد عبد الوهاب: ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 7/ 507، 508. (¬2) قوله: (وجه ذلك) ساقط من (ف). (¬3) في (ق 7): (يبرز). (¬4) قوله: (محمد) ساقط من (ق 6). (¬5) في (ف): (يبرز). (¬6) في (ق 7): (لا تجوز). (¬7) في (ق 6): (القسمة). (¬8) قوله: (محمد تجوز. القسم وعلى قول) ساقط من (ف).

فصل [في السقي إذا اقتسما الأصول ثم اقتسما الثمار لاختلاف الحاجة]

يجوز أن يستثنى وإن لم يبرز (¬1) من الأرض. ويختلف أيضًا إذا اقتسما ولم يشترطا البذر ولا الزرع. فعلى هذا القول يكون محمل القسمة على الجواز، وعلى أن البذر باق على الشركة وإن لم يبرز. وعلى قول ابن القاسم محملها (¬2) قبل البروز على الفساد، وبعد بروزه على الجواز وعلى أنه باق على الشركة. وعلى قول محمد يكون (¬3) محمل القسم على الفساد وإن برز ما لم يسبل والأول أحسن؛ لأن البذر كسلعة أودعت الأرض فوجب حمل المقاسمة على الأرض دون ما فيها، وإن كانت أرضين فيبرز زرع إحدى الأرضين دون الأخرى كان مطلق المقاسمة على قول ابن القاسم على الجواز، ويكون ما لم يبرز لمن صارت له تلك الأرض وما برز على الشركة، فإن استثنى من برز ما في أرضه ذلك الزرع، أو استثنى نصيبه مما لم يبرز لم تجز القسمة على مذهب (¬4) ابن القاسم. فصل [في السقي إذا اقتسما الأصول ثم اقتسما الثمار لاختلاف الحاجة] واختلف في السقي إذا اقتسما الأصول ثم اقتسما الثمار لاختلاف الحاجة، فقال ابن القاسم: على كل واحد منهما أن يسقي نخله وإن كان ثمرها لغيره ¬

_ (¬1) في (ق 6): (يخرج). (¬2) في (ق 6): (يحمله). (¬3) في (ف) و (ق 7): (يكون محملها). (¬4) في (ف): (قول).

قال: لأن من باع ثمرة كان سقيها على صاحب النخل. (¬1) وقال ابن عبدوس: أنكر سحنون ذلك ورأى أن القسمة ليست ببيع (¬2)، وكأن ما صار له من الثمرة عين (¬3) ميراثه وليس على أحد أن يسقيه له، وإنما السقي على من له الثمرة وليس على من له الأصل، قال: ولو كان حكمه حكم البيع ما كان عليه أن يسقي من الثمرة (¬4) إلا نصف ما في نخله ونصف ما في نخل صاحبه، وعلى صاحبه أن يسقي النصف (¬5) من النصيبين جميعًا، والذي يبين الفرق بينهما أن البيع فيه الجوائح؛ لأن السقي على البائع، والمقتسمان ليس بينهما جائحة، ولو كان السقي عليه لكانت عليه الجائحة (¬6). وقال عبد الملك بن الماجشون: لو أن رجلين اشتريا ثمرة حائط ثم اقتسماها في رؤوس النخل، ثم أصيبت إحداهما لم يكن على شريكه (¬7) شيء وإنما يرجع على البائع (¬8). قال الشيخ -رحمه الله-: (¬9) ولم يختلف أن القسمة بالتراضي بيع. واختلف إذا كانت بالقرعة فقيل: هي (¬10) تمييز حق وقيل بيع وهو ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 276. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 236. (¬3) في (ق 6): (هو). (¬4) قوله: (من الثمرة) ساقط من (ف). (¬5) في (ف): (بالنصف). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 236. (¬7) (ق 6): (عليه لشريكه). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 235. (¬9) قوله: (قال الشيخ - رضي الله عنه -:) ساقط من (ق 6). (¬10) في (ق 6): (هو).

أصوب؛ لأنه لا يختلف أن كل نخلة قبل القسم مشتركة وإذا كان ذلك كانت المقاسمة بيعًا؛ لأن الذي صار إليه كان له نصفه، ونصفه (¬1) لصاحبه، وإذا كان ذلك واقتسما الثمرة كان ما صار لكل واحد منهما من الثمرة نصفه له من أصل الميراث، ونصفه لصاحبه فسقيهما عليهما جميعًا النصف بالملك والنصف بالشراء، وسواء صار لكل واحد ما (¬2) في نخله أو ما في نخل صاحبه. وقول ابن القاسم ها هنا راجع إلى قول المخزومي فيمن باع نخلًا دون ثمره: أن السقي على المشتري، قال: لأنه يسقي نخله وتشرب ثمرة هذا (¬3). ¬

_ (¬1) قوله: (ونصفه) ساقط من (ق 6). (¬2) قوله: (من الثمرة نصفه. لكل واحد ما) ساقط من (ق 6). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 197.

باب في قسمة الرباع على الغائب

باب في قسمة الرباع على الغائب وقال ابن القاسم في شريكين في قرية (¬1) غاب أحدهما وهلك الآخر فأراد ورثته القسم فذلك لهم (¬2) قال: وإنما الذي قال مالك في الدور والأرضين تدعى أنه لا يقضى فيها على الغائب قال: وكذلك إذا حضر شريك الأب وبعض الورثة فإنه يقسم ويعزل؛ لأنه على منكر واختلف (¬3) نصيب الغائب (¬4)، فأجاز القسمة في الرباع على الغائب؛ لأنه مقر ومنع القضاء؛ لأنه على منكر. واختلف فيمن يقسم على الغائب فقال مالك: يقسم القاضي ولا يقسم صاحب الشرطة (¬5)، وقال أشهب: إن كان صاحب الشرطة (¬6) غير مغموز عليه وأصاب وجه الحكم جاز؛ لأنه يحكم كما يحكم القاضي ويحد (¬7)، وقد سمعت مالكًا يقول في بعض ولاة المياه (¬8) ضرب لامرأة المفقود أجلًا ثلاث سنين (¬9) ثم أمرها بالنكاح ثم جاءت إلى والي المدينة فقال مالك: يضرب لها أجل سنة تمام ¬

_ (¬1) في (ف): (قرعة). (¬2) قوله: (فذلك لهم) في (ت): (قال: كان ذلك لهم). (¬3) قوله: (لأنه على منكر واختلف) زيادة من (ف). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 286. (¬5) انظر: المدونة: 4/ 286. (¬6) في (ق 6): (الشرط). (¬7) في (ق 6): (ويجوز). (¬8) والي الماء: أي الذي يأخذ الزكاف وسموا "ولاة المياه" لأنهم يخرجون عند اجتماع الناس على المياه. انظر: حاشية العدوي: 2/ 121. (¬9) قوله: (ضرب لامرأة المفقود أجلًا ثلاث سنين) في (ق 6): (يضرب للمفقود أجل سنة تمام أربع سنين).

أربع سنين على ما ضرب الأول ورآه جائزًا، وقول مالك الأول أبين؛ لأن الأصل في القضاء إلى أمير المؤمنين وهم الذين كانوا يقضون، ثم أقاموا مكانهم في ذلك لكثرة اشتغالهم (¬1) وأقاموا قومًا للشرط ولم يقيموهم للنظر في أموال الناس (¬2) فإذا نظر فيما لم يجعل له فيه نظر كان كالأجنبي، إلا أن يريد أن أمر الأمراء قد فسد، فإذا أقيم لهذا الوجه وكان أهلًا لأن يقام للوجه الآخر مضى فعله. ¬

_ (¬1) قوله: (لكثرة اشتغالهم) في (ف): (لاشتغالهم). (¬2) في (ق 7): (المسلمين).

باب في قسمة الثياب والعبيد والدواب والحلي والطعام

باب في قسمة الثياب والعبيد والدواب والحلي والطعام قسمة الديار والأرضين بالقرعة جائزة. واختلف في قسمة العروض (¬1) والعبيد وغيرهم من الحيوان وغيره، فأجازها مالك وابن القاسم وغير واحد من أصحاب مالك (¬2)، واختلف فيه عن عبد الملك بن الماجشون فأجاز ومنع وقال: لا يقسم بالقرعة ما سوى الدور والأرضين ولكن يباع ويقسم ثمنه (¬3)، يريد: أن الأصل منع القرعة؛ لأنها تتضمن وجهين؛ أحدهما: بيع ملك الإنسان بغير رضاه، والثاني الغرر (¬4) فإن كان بين رجلين عبدان وهما متكافئان كان لكل واحد من الشريكين نصف كل عبد، فإذا أجبر من كره القسم على القرعة كان قد أجبر على أن يبيع نصف ما يصير لصاحبه بنصف ما يصير له في القسم (¬5)، وأما الغرر فقد يكون غرض كل واحد منهما في أحد العبدين ويرجو أن يصير له في القسم، ولو علم أنه لا يصير إليه لم يرض بالقسم، واستخف مثل ذلك في الديار والأرضين لعظم الضرر في خروج الملك إن لم يمكنا من القسمة، كما أجبر المشتري على أن يخرج من ملكه مما اشتراه فيؤخذ منه بالشفعة بخلاف العبيد والثياب، ولأنه يرضى بالقسم وإن صار ما كان يرجوه من تلك الديار والأرضين لشريكه، ولا يرضى بالبيع وخروج ملكه عن الجميع ولو علم أنه يصير إليه. ¬

_ (¬1) في (ق 6): (الأرض). (¬2) قوله: (وغير واحد من أصحاب مالك) زيادة من (ف). وانظر: النوادر والزيادات: 11/ 230. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 230. (¬4) في (ق 6) و (ق 7): (والغرر). (¬5) قوله: (في القسم) ساقط من (ق 7).

فصل [فيما يجمع في القسم من الثياب]

فصل [فيما يجمع في القسم من الثياب] واختلف بعد القول بجواز القسم بالقرعة في الثياب في الصنف الذي يجمع في القسم على ثلاثة أقوال، فقال ابن القاسم فيمن هلك وترك بَزًّا فيه الخَز والحَرير والكَتَّان والقطن والجِبَابُ والأفرية أنه يجمع في القسم، ولا يقسم كل نوع على حدته فتجعل الجباب قسمًا على حدة والسراويل قسمًا على حدة، ولكن يجمع ذلك كله في القسم وقال أيضًا: يجمع في القسم إذا كان كل نوع لا يحمل القسم بانفراده. (¬1) وقال أشهب في مدونته: كل ما كان من هذا يصلح أن يباع منه اثنان بواحد إلى أجل لم يجمع في القسم؛ لأنه ليس منه ولو كان منه ما جاز أن يسلم واحد منه في اثنين إلى أجل وليس الخز مثل الكتان والصوف، ولا الصوف مثل الكتان وما كان لا يسلم بعضه في بعض فهو صنف يجمع في القسم. (¬2) فعلى قوله تكون العمائم والأردية والقُمُص والسَّراويلات أصنافًا لا تجمع في القسم وإن كانت كتانًا كلها أو قطنًا؛ لأن منافعها مختلفة ويجوز سلم بعضها في بعض. وهو أحسن (¬3) واعتبار ذلك فيما تتقارب الأغراض فيه وتتباين بالسلم صحيح. وقول ابن القاسم في البُسُط والوسائد لا تجمع مع الثياب، وإذا لم تجمع ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 286، والنوادر والزيادات: 11/ 228، 229. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 229. (¬3) في (ف): (وقول أشهب أحسن).

فصل [فيما يجمع في القسم من العبيد والخيل والبغال والحمير]

مع الثياب فإنه يجمع ذلك كله في القسم على أصله إذا لم يكن كل صنف يحمل القسم. ويختلف على قوله إذا كانت البسط تحمل (¬1) القسم بانفرادها والوسائد، وأما على قول أشهب فلا يجبر من أبى من جمعها في القسم إذا كانت بُسطًا ووسائد؛ لأنها مما يسلم بعضها في بعض. فصل [فيما يجمع في القسم من العبيد والخيل والبغال والحمير] واختلف في العبيد فقال ابن القاسم: يجمعون في القسم وإن كان فيهم الصغير والكبير والهرم والجارية الفارهة، (¬2) وقال محمد في غنيمة الرقيق: يقسم النساء المشبهات بعضهن ببعض بانفرادهن والوصفاء كذلك، وأما إذا كان كل صنف لا يحمل القسم الجواري والرجال والصبيان فإنهم يجمعون في القسم على قول ابن القاسم. ويختلف فيهم على أصله إذا كان كل صنف يحمل القسم على الانفراد هل يجمعون أم لا (¬3) قياسًا على قوله في المتاع وعلى قول أشهب: يجمع ما تقارب (¬4) ولم يجز أن يسلم بعضه في بعض ولا يجمع ما تباعدت الأغراض فيه إلا بالتراضي. وقال ابن القاسم: الخيل والبراذين صنف يجمع في القسم ولا يجمع ¬

_ (¬1) في (ق 6): (لا تحمل). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 286، والنوادر والزيادات: 11/ 230. (¬3) قوله: (أم لا) زيادة من (ف). (¬4) في (ق 6): (يقاربه).

البغال إلى الحمير (¬1). قال الشيخ (¬2) ويختلف في المسألتين جميعًا، فلا تجمع الخيل والبراذين (¬3) على قول أشهب (¬4)؛ لأنها صنفان في السلم فإن لم يكن في كل صنف ما يحمل القسم بيعا إلا أن يتراضوا بالقسم، فيجوز إن كان بالقرعة وكذلك الخيل إذا كان فيها سابق (¬5) فلا يجمع مع غيره على قوله (¬6) بالقرعة بالجبر. وقال ابن القاسم: البغال والحمير في السلم صنف واحد (¬7) وإذا منع سلم بعضها في بعض كان القسم أولى بالمنع؛ لأنه أجاز أن يجمع الصنف في القسم وإن تباين تباينًا ويجوز أن يسلم بعضه في بعض ويجمع الإبل في القسم إذا تقاربت صفاتها ولم يجز أن يسلم بعضها في بعض. ويختلف إذا تباينت وجاز سلم أحدها في الآخر (¬8) فعلى أحد قولي ابن القاسم: يجوز ذلك اختيارًا وإن كان الجيد يحمل القسم بانفراده وكذلك إذا كانوا صغارًا وكبارا وعلى قوله الآخر: لا يجوز إلا أن لا يحمل كل صنف القسم بانفراده، وعلى قول أشهب: لا يجوز بالجبر وإن لم يحمل القسم على الانفراد. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 230. (¬2) قوله: (قال الشيخ) ساقط من (ق 6). (¬3) قوله: (فلا تجمع الخيل والبراذين) في (ف): (وأما الخيل والبراذين فلا تجمع). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 229. (¬5) قوله: (سابق) ساقط من (ق 6). (¬6) في (ف): (قولهم). (¬7) انظر: البيان والتحصيل: 7/ 187. (¬8) قوله: (أحدها في الآخر) في (ق 7): (بعضها في بعض).

[باب في قسم الحلي والطعام]

[باب في قسم الحلي والطعام] وقال ابن القاسم في امرأة ماتت وخلفت زوجًا وأخًا وحليًا (¬1) أنه يقسم وزنًا (¬2)، يريد: ثم يتراضيان فيأخذ هذا هذا ويأخذ (¬3) الآخر هذا، وبالقرعة إذا استوى الوزن والقيمة، فإن اختلفت لم يجز بالقرعة، ولو تراضيا على أن يأخذه أحدهما ويدفع إلى الآخر مثل وزن نصيبه ذهبًا جاز وإن اختلفت الجودة مع الذهب (¬4)؛ لأن الوزن سواء وإن اختلف الوزن فكان أقلهما وزنًا أجود لم يجز، وإن كان أدنى أو مثله في الجودة جاز، قال: وإن كان في الحلي لؤلؤ وجوهر قيمته الثلثان، والذهب والفضة الثلث فأدنى جاز أن يقسم بالقيمة، وكذلك لو ورثوا سيوفًا حليتها الثلث والنصول الثلثان فلا بأس أن تقسم بالقيمة، ولا بأس إذا كان ما فيه من الفضة الثلث فأدنى أن يباع بالفضة، ولا بأس بهذا السيف بالفضة والعروض والسيفان تكون فضتهما أقل من الثلث، أو فضة أحدهما أقل والآخر (¬5) أكثر فتبايعاهما يدًا بيد فلا بأس. (¬6) فأجاز قسمة الحلي والسيوف إذا كانت الفضة الثلث فأقل، كان كان ذلك الثلث كثيرًا في نفسه فلو كان ما فيه من الفضة خمسمائة درهم (¬7) وقيمة ما سواه ألف لجاز على قوله ¬

_ (¬1) قوله: (زوجا وأخا وحليًا) في (فمه: (زوجها وأختاها وتركت حليًا). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 287. (¬3) قوله: (يأخذ) ساقط من (ق 6). (¬4) قوله: (مع الذهب) ساقط من (ق 7). (¬5) قوله: (أحدهما أقل والآخر) في (ق 7): (إحداهما أقل من الأخرى والأخرى). (¬6) انظر: المدونة: 4/ 287. (¬7) قوله: (درهم) ساقط من (ق 7).

فصل [في اقتسام الطعام بين الشريكين]

إذا كان يدًا بيد ويجوز (¬1) على القول الآخر، وان كان أحدهما نقدًا والآخر مضمونًا إلي أجل. واختلف إذا كان كل واحد من العلي ذهبًا وفضة بغير جوهر، والذهب أو الفضة الثلث فأقل فقال عبد الملك (¬2): هل يباع أحدهما بالآخر وكذلك إذا كانت فضة أحدهما أقل من الثلث وذهب الآخر أقل من الثلث، وأن يجوز جميع ذلك على القول أن الأتباع غير مراعاة في نفسها أحسن، ولا فرق بين أن يكون الثلث فضة والثلثان ذهبًا، أو يكون الثلثان جوهرًا أو نصول سيوف، فإما أن يقال أن الأتباع غير مراعاة فيجوز جميع ذلك أو مراعاة فيمنع الجميع. فصل [في اقتسام الطعام بين الشريكين] وإن كانا شريكين في طعام غلث (¬3) أو عفن وهو صُبرة واحدة جاز أن يقسماها وأجازه ابن القاسم في الصُّبرتين إذا كان الغلث أو العفن يشبه بعضه بعضًا قال: وإن تباين لم يجز (¬4). وأرى إذا تباين وكان أقلهما غلثًا أو عفنًا وهو أجود (¬5) أو كانا سواء أن يجوز؛ لأنه تفضل من أحدهما على الآخر وإن كان أدنى جودة لم يجز. ¬

_ (¬1) قوله: (ويجوز) ساقط من (ق 6). (¬2) قوله: (فقال عبد الملك) ساقط من (ق 7). (¬3) غلث: الغَلْثُ الخَلْطُ، وفي المحكم: الغَلْثُ خَلطُ البُرِّ بالشعير أَو الذُّرة. لسان العرب: 2/ 172. (¬4) انظر: المدونة: 4/ 296. (¬5) في (ف): (أفضل في الجودة).

وإن كانت إحدى الصُّبرتين نقية والأخرى غلثة وهما في الكيل سواء (¬1) جاز أن يأخذ أحدهما النقية والآخر الغلثة؛ لأن ذلك تَفَضُّل من أحدهما على الآخر ما لم تكن الغلثة أطيب قمحًا (¬2) فلا تجوز، وإن كانت إحداهما صحيحة والأخرى عفنة جاز أيضًا إذا استوى الكيل، إلا أن يكون قمح العفنة أطيب ويرغب فيه أكثر من الصحيحة فلا يجوز للتفاضل (¬3)؛ لأن العفن والسوس أذهب بعضه، وإن كان أحدهما غلثًا والاخر عفنًا أو مسوسًا لم يجز، إلا أن يكون الغلث إذا أزيل كان الباقي مثل ما يصح من السوس بعد ذهاب تلك الأجزاء التي أذهبها (¬4) السوس والعفن مساويًا للآخر في الجودة أو هو أجود فيجوز (¬5)، وكل هذا يجوز في القسم ولا يجوز إذا لم تكن شركة، وكان إنما (¬6) أتى كل واحد منهما بطعام فباعه من الآخر بطعام إلا أن يتساوى الكيل، فقد يستخف ذلك فيما قل إذا أراد أحدهما مُكارمة الآخر ولم يقصد المبايعة، كما أجيز بدل الدينارين والثلاثة على وجه المعروف. وقال أشهب في مدونته: إذا كان العفن مختلفًا فلا بأس إذا كان الطعام يسيرًا مثل الدنانير اليسيرة بالدنانير، وإن كان الطعام كثيرًا والعفن مختلفا أو كان في أحدهما لم يصلح مثل الدنانير الكثيرة بالدنانير الكثيرة النقص بأوزن (¬7) منها، ¬

_ (¬1) قوله: (وهما في الكيل سواء) في (ق 6): (والكيل فيهما سواء). (¬2) قوله: (قمحًا) ساقط من (ق 7). (¬3) في (ق 7): (التفاضل). (¬4) قوله: (تلك الأجزاء التي أذهبها) في (ق 7): (ذلك الذي أذهب). (¬5) قوله: (أو هو أجود فيجوز) في (ق 7): (أو هي أجود). (¬6) قوله: (كان إنما) زيادة من (ف). (¬7) في (ق 6): (بالوازن).

وكذلك القمحان أحدهما كثير التراب فلا يصلح ذلك (¬1) إلا في اليسير. وقال ابن القاسم في أخوين ورثا ثلاثين إردَبًّا من قمح (¬2) وثلاثين درهمًا، فأخذ أحدهما عشرة أرادب وعشرين درهمًا، والآخر عشرة دراهم وعشرين إردبًّا، فلا بأس إذا كان القمح صبرة واحدة، ولا يجوز إذا كانا صبرتين؛ لأنه تدخله المبايعة. ولو ورثا مائة إردب قمح ومائة إردب شعير، فأخذ أحدهما ستين قمحًا وأربعين شعيرًا جاز (¬3) ولا يجوز مثل ذلك في البيع (¬4). وقال أشهب في خلي عنب وتمر (¬5): يقسم كل واحد منهما بانفراده؛ لأنه لا يصح (¬6) متفاضلًا (¬7) وخل العنب أجود فإن رضيا أن يقسماه مثلًا بالمثل بالقرعة لم يجز؛ لأنه مخاطرة وإن عدلاه بالقيمة لم يجز؛ لأنه تفاضل. ¬

_ (¬1) قوله: (ذلك) زيادة من (ف). (¬2) قوله: (من قمح) ساقط من (ق 6). (¬3) قوله: (جاز) ساقط من (ق 7). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 300. (¬5) قوله: (خلي عنب وتمر) في (ق 6): (خلين تمرًا وعنبًا). (¬6) في (ق 6، ق 7): (يصلح). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 229.

باب في قسمة الجذع والثوب واللؤلؤة والمصراعين والنعلين وما أشبه ذلكـ

باب في قسمة الجذع والثوب واللؤلؤة والمصراعين والنعلين وما أشبه ذلكـ وقال ابن القاسم في الجذع والثوب بين الشريكين: ليس لأحدهما أن يدعو إلى قسمه وكذلك الثوب الملفق مثل العدني (¬1) وكذلك المصراعان والنعلان والخفان والخُرْجُ والحبل (¬2)، وقال في المحمل: ينظر فيه إلى المضرة ونقصان الثمن فإن كان فيه (¬3) مضرة أو نقصان من الثمن لم يقسم وكذلك الغِرَارَتان ينظر هل في قسمة ذلك فساد أو نقصان من الثمن (¬4). وقال في الفص واللؤلؤة والياقوتة (¬5) والخاتم: لا يقسم، وإن اجتمع من كل صنف شيء كثير، قسم ذلك الصنف بانفراده ولم يجمع بعضه إلى بعض (¬6). ومحمل قوله في منع قسم الجذع والثوب والمصراعين والنعلين على أحد قوليه في منع قسم الحمَّام (¬7)، وأما على قوله أن الحمَّام يقسم فإنها تقسم جميع هذه الأشياء، ولا يراعى فساد ولا نقص في الثمن ولا تعطيل استعماله. وفساد ما يدخل الحمَّام ونقصان الثمن وتعطيله وانتقال ما يراد له أشد. ¬

_ (¬1) الصفحة (ب) وما يتلوها من اللوحات من المخطوط بياض كامل والترقيم الداخلي للمخطوط متتابع إلى اللوحة رقم (335 / أ). (¬2) انظر: المدونة: 14/ 474 (دار صادر). (¬3) قوله: (كان فيه) في (ق 7): (كانت). (¬4) انظر: المدونة: 14/ 474 (دار صادر). (¬5) قوله: (والياقوتة) ساقط من (ف). (¬6) انظر: المدونة 14/ 474 (دار صادر). (¬7) انظر: المدونة: 4/ 307.

والقول بمنع القسم في جميع هذه الأشياء أحسن. وأما الفص واللؤلؤة والياقوتة فلا تقسم وإن تراضيا على قسمته؛ لأنه من الفساد وإضاعة المال، والقسم يمنع لحق الله تعالى ولحق آدمي وهو الشريك فحق الله تعالى ما يكون من الغرر مثل أن يكون من أحد الجانبين ديار، والآخر (¬1) أرضون أو متاع أو عبيد فتمنع القسمة بالقرعة وتجوز بالتراضي. والثاني: أن يكون صنفًا واحدًا وتباين بالجودة والدناءة فاختلف هل تجوز قسمته بالقرعة؟ والثالث: ما يدخله من الربا إما تفاضلًا وإما نسيئة، كاقتسام الثمار بعد الزهو أو قبل (¬2) إذا قاربت أن تصير زهوًا، أو كالطعامين إذا اختلفت الصفة والكيل والحلي وما أشبه ذلك، فتمتنع (¬3) القسمة بالقرعة والتراضي إلا أن يسلما من الربا. والرابع: ما يدخل القسم من الفساد وإضاعة المال، كقسم اللؤلؤة والياقوتة والفص لحق آدمي لمكان نقص المقتسم في نفسه، أو نقصان ثمنه كقسم الدار اللطيفة (¬4) والحمَّام والخشبة والثوب والمصراعين، وما أشبه ذلك على اختلاف فيه إلا أن يتراضيا فيجوز بالقرعة وغيرها، ولو قيل في الحمَّام يمنع ولو تراضيا كما يمنع من قسم اللؤلؤة والياقوتة لكان وجهًا، وفيما ذكرنا ما يدل على ما سواه من هذا النوع. ¬

_ (¬1) قوله: (أحد الجانبين ديار والآخر) في (ق 6): (إحدى الجهتين ديار والأخرى). (¬2) في (ق 6): (وقيل). (¬3) قوله: (فتمتنع) ساقط من (ق 6). (¬4) في (ق 6): (الضيقة).

باب في التداعي في القسم والبيع

باب في التداعي في القسم والبيع قال ابن القاسم: (¬1) إذا اقتسم أهل الميراث وادعى أحدهم الغلط، لم يقبل قوله إلا بأمر يستدل به ببينة (¬2) أو تفاحش ذلك أنه غلط لا شك فيه، فيكون القول قوله مع يمينه كبيع المرابحة يدعي البائع وهمًا فلا يقبل قوله إلا ببينة أو يأتي من رقم الثوب ما يستدل به أنه غلط. (¬3) قال الشيخ - رضي الله عنه -: دعوى الغلط بعد القسمة على أربعة أوجه: أحدها: أن يعدلا ذلك بالقيمة ثم يقترعا أو يأخذا ذلك بغير قرعة، ثم يدعي أحدهما غلطًا فهذا ينظر إليه أهل المعرفة فإن كانا سواء أو قريبا من السواء وإلا نقض القسم، وكان القول قول من ادعى الوهم والغلط. والثاني: أن يقولا هذه الدار تكافئ هذه وهذا العبد يكافئ هذا من غير ذكر القيمة، ثم يقترعان أو يأخذان (¬4) ذلك بغير قرعة فالجواب فيه كالأول؛ لأن مفهوم ذلك القصد إلى التعديل والمساواة في القيم، وكذلك إذا قالا هذه الدار تكافئ هذا المتاع أو هؤلاء (¬5) العبيد، ثم أخذ كل واحد منهما أحد الصنفين بالتراضي بغير قرعة، ثم يتبين أن القيم مختلفة. ¬

_ (¬1) قوله: (قال ابن القاسم:) ساقط من (ق 6). (¬2) قوله: (ببينة) ساقط من (ق 7). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 277. (¬4) في (ف): (يأخذ). (¬5) في (ق 6): (هذه).

والثالث: أن يقول أحدهما خذ (¬1) أنت هذه الدار أو (¬2) هذا العبد وآخذ أنا هذه الدار أو (¬3) هذا العبد من غير تقويم ولا ذكر مكافأة، فإن كانت القسمة بالتراضي مضت المغابنة على من كانت في نصيبه كما تمضي في البيع، إلا على قول من لم يمض المغابنة في البيع وإن كانت القسمة بالقرعة وهما عالمان بما بينهما من المغابنة (¬4) كانت فاسدة فتفسخ بالجبر وإن لم (¬5) يدع واحد منهما إليه؛ لأن القرعة على ذلك غرر، وإن كانا يظنان أنهما سواء (¬6) كانت جائزة والقيام في ذلك كالعيب، فإن قام بذلك من عنده ذلك العيب فسخت وإن رضي به مضت. والرابع: أن يختلفا في الصفة التي وقعت عليها القسمة (¬7) مثل أن يتقاسما عشرة أثواب فكان في يد أحدهما ستة أثواب وقعت عليها القسمة (¬8) وقال: هي نصيبي وعلى هذا اقتسمنا وقال الآخر: هذا الواحد منها لي وقد كانت قسمتنا خمسة وخمسة (¬9) دانما سلمته غلطًا فاختلف فيه على ثلاثة أقوال: فقال ابن القاسم: القول قول الحائز له مع يمينه إذا أتى بما يشبه أن يتقاسم الناس عليه؛ لأن الآخر أقر بالقسم وادعى ما في يد صاحبه (¬10). ¬

_ (¬1) في (ف): (أخذت). (¬2) في (ق 7): (و). (¬3) في (ق 7): (و). (¬4) قوله: (من المغابنة) ساقط من (ق 7). (¬5) قوله: (لم) ساقط من (ف). (¬6) في (ق 6): (أنها ثبتت). (¬7) في (ق 6): (مقاسمة). (¬8) قوله: (وقعت عليها القسمة) ساقط من (ق 7). (¬9) في (ق 6): (خمسة خمسة). (¬10) انظر: المدونة: 4/ 277.

وقال أشهب في مدونته: القول قول الحائز له إذا أقر (¬1) الآخر أنه سلمه إليه عطاء (¬2) ولا يمن عليه، كان قال: سلمته على وجه الإيداع، كان القول قوله مع يمينه إن قاسمه خمسة وخمسة (¬3)، ثم يكون الآخر بالخيار بين أن يسلمه أو يحلف أنه قاسمه ستة وأربعة ويتفاسخان القسمة كلها. وقال محمد بن عبدوس: يتحالفان ويتفاسخان ذلك الثوب وحده (¬4)، وقال ابن حبيب: إن كانت القسمة بالتراضي لم ينظر إلى الدعوى كان بأن الغلط؛ لأنه كبيع المساومة فيلزمه التغابن وإن كانت بالقرعة على تعديل القيم (¬5) لم يقبل قوله إلا أن يتفاحش الغلط فترد القسمة (¬6)، وأرى إن كانت القسمة بالقرعة أن ينظر إلى القيم فإن كانت (¬7) متساوية على ستة وأربعة مضت ولا يمين لمدعي السادس، وإن كان التعديل فيها خمسة وخمسة كان القول قول مدعي الخامس؛ لأن الآخر ادعى أن القسمة فاسدة وأنها كانت بالقرعة على تفاضل، وإن كانت القسمة بالتراضي بغير قرعة نظر إلى الستة، فإن كانت تقابل الأربعة في القيمة أو تقارب ذلك، فإن أضيف السادس المتنازع (¬8) فيه إلى الأربعة تباينت القيم لم يقبل قول مدعي الخامس؛ لأنه أتى بما لا يشبه فإن كان الاعتدال فيها خمسة ¬

_ (¬1) من هنا يبدأ بياض في نسخة فرنسا بمقدار لوحتين ونصف. (¬2) في (ق 6): (غلط). (¬3) في (ق 6): (خمسة خمسة). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 240. ونصه: قال ابن عبدوس: يقتسمان هذا الثوب المختلف فيه بينهما نصفين بعد أيمانهما. (¬5) في (ق 6): (القسمة). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 241. (¬7) في (ق 7): (وجدت). (¬8) قوله: (المتنازع) ساقط من (ف).

وخمسة لم يقبل قول من السادس في يديه؛ لأنه إذا كان الاعتدال خمسة وخمسة وعادت ستة وأربعة، تباين الفضل وصار من في يديه ستة قد أتى بما لا يشبه، والأصل إذا اختلف المتبايعان وأتى أحدهما بما لا يشبه، لم يقبل قوله كانت السلعة قائمة أو فائتة، وكان ها هنا من في يديه السادس بالخيار بين أن يسلمه بعد (¬1) يمين مدعيه أو يتحالفا ويتفاسخا جميع القيمة (¬2)؛ لأن جملة ذلك بعضه ثمن لبعض، فإن أشكل الأمر مع بقاء القسمة ستة وأربعة كان القول قول من هو في يديه إذا أقر الآخر أنه سلمه على وجه الغلط؛ لأنه أقر أنه سلمه على وجه الملك فلا يقبل قوله في غير ذلك، وإن قال على وجه الإيداع تحالفا وتفاسخا قال ابن القاسم: كان اختلفا في بيت من الدار وليس البيت في يد واحد منهما تحالفا وتفاسخا (¬3) القسمة كلها، وإن كان حازه (¬4) أحدهما كان القول قول الحائز مع يمينه فإن نكل حلف الآخر وأخذه، قال: كان اختلفا في حد الدار فقال أحدهما: الحد من ها هنا ودفع عن جانبه، وقال الآخر: الحد من ها هنا ودفع إلى جانب صاحبه، نظر فإن كان قسمة الساحة والبيوت معًا فسخ جميع القسم وإن قسمت الساحة ناحية تحالفا وتفاسخا في الساحة وإن ادعى أحدهما معرفة الحد وشك الآخر، كان القول قول من ادعى التحقيق واختلف في يمينه، وإن شكَّا قسما ما شكَّا فيه (¬5). ¬

_ (¬1) في (ق 6): (بغير). (¬2) في (ق 6): (القسمة). (¬3) قوله: (قال ابن القاسم:. وتفاسخا) ساقط من (ف). (¬4) في (ق 6): (أحازه). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 278.

فصل [في الاختلاف في البيع]

فصل [في الاختلاف في البيع] وإن كان الاختلاف في بيع وليس (¬1) مقاسمة فقال: بعتك هذه التسعة الأثواب بعشرة دنانير والعاشر وديعة، وقال الآخر: العشرة بعشرة فإن أتيا بما يشبه ولم تفت الأتْواب تحالفا وتفاسخا، وإن فاتت بحوالة أسواق فما فوق كان فوتًا في التسعة دون العاشر؛ لأنه لم يفت ببيعه، فيحلف المشتري أنه اشترى العشرة بعشرة، ويغرم ما ينوب التسعة على أن ذلك العاشر داخل في البيع ويرد العاشر على ما هو به من عيب، ولا شيء على المشتري إذا لم يكن العيب من سببه، فإن كان من سببه وكان العيب يسيرًا أخذه صاحبه وما نقصه العيب، وإن كان كثيرًا غرم جميع قيمته إلا أن يكون الثمن أكثر فيمضيه له بالثمن؛ لأنه قد أقر أنه اشتراه بذلك الثمن، وإن باعه المشتري كان لصاحبه الأكثر من ثلاثة من قيمته يوم باعه المشتري، أو الثمن الذي باعه به، أو ما ينوبه من الثمن في العقد الأول وإذا كان الثمن الأول أكثر فحلف المشتري استغنى عن يمين البائع وإن كان عبدًا أعتقه رد العتق؛ لأنه لم يقر ببيعه وإن هلك من غير سبب المشتري قبل التنازع أو بعده وقبل أن يوقف سقطت الآن (¬2) الأيمان عنهما جميعا وغرم المشتري عشرة دنانير؛ لأن التنازع حينئذ لا يفيد واحدًا منهما؛ لأن المشتري يقول: إن كان الأمر كما قلت فمصيبته منك والبائع يقول: أنت مقر أن العشرة دنانير لازمة لك لأن مصيبته منك، ولو أوقفه الحاكم فهلك في الوقف ثم ثبت أنه دخل في البيع، كان المشتري بالخيار ¬

_ (¬1) في (ق 6): (ولم يكن). (¬2) قوله: (الآن) ساقط من (ق 7).

فصل [في القاسم والقاضي إذا غلطا]

بين أن يحط عن نفسه ما ينوبه من ثمنه أو يغرمه قيمته؛ لأن البينة شهدت أنه كان متعديًا في منعه، وإن ثبت أن البيع في تسعة أغرم المشتري عشرة دنانير وقيمة العاشر. فصل [في القاسم والقاضي إذا غلطا] وإن لم يلوا القسم بأنفسهم ووكلوا من قسم بينهم ثم قال بعضهم: غلط القاسم أو جار (¬1) رفع الأمر إلى السلطان فإن وجد على التعديل مضى فإن رضي جميعهم بنقضه ليستأنفوا القرعة أو التراضي بقسمته لم يجز؛ لأنهم ينتقلون من معلوم ما صار إلى مجهول ما يكون في المستقبل، ولو تراضوا بنقضه بشرط أن يأخذ كل واحد شيئًا معلومًا معينًا جاز، كان وجد على غير تعديل نقض وسواء كان القسم برضا الورثة أو ببعثة من السلطان. وقال ابن القاسم: ولم ير مالك قسم القاسم بمنزلة حكم الحاكم (¬2)، يريد: أن القاضي والقاسم اجتمعا في أن كل واحد عمل باجتهاده، ثم الجواب مفترق فإن حكم حاكم باجتهاده لم ينقض اجتهاد غيره، واختلف هل ينقضه هو إذا تبين أنه خطأ؟ ويجوز ذلك في القسم أن ينقضه هو وغيره إذا تبين فيه خطأ بَيِّنٌ؛ لأنه كمخالفة النص لأنه إنما وكَّل على التعديل، والغلط تدرك معرفته قطعًا؛ فينقضه (¬3) هو وغيره والاجتهاد في القسم بخلاف ذلك. وقال أشهب: القاضي والقاسم في هذا سواء إذا أخطأ أو غلط غلطًا بينًا ¬

_ (¬1) في (ق 6): (حاب). (¬2) انظر: المدونة: 14/ 491 (دار صادر). (¬3) قوله: (هو وغيره إذا تبين فيه. . . قطعا، فينقضه) ساقط من (ق 2).

ردّ، وإن كان ذلك مما يكون من القاسم جاز على من أسهم له، ونظر في الحصص التي بقيت فإن كان إن أعيدت قسمته خرج على (¬1) ما هو أحسن نقض الأول، وكذلك قال في القاضي إذا حكم بشاذ مباين للحق نقضه غيره، وإن لم يتباين لم يكن لغير القاسم أن ينقضه ولا ينقض اجتهاده لاجتهاد غيره، ويختلف هل ينقضه القاسم نفسه إذا تبين له أن غير الأول أصوب؟ ولو كانت دارًا أجراها على السهام فأعفى (¬2) بعضهم، ثم تبين أن غير ذلك أحسن أعاد القسم مما لم يقرع عليه. ويختلف فيما مضى هل ينقض فإن لم يتبين الغلط حتى وقع هدم لم يكن على من يرجع عليه في الهدم شيء، ويختلف هل يفيته البناء لأنه بنى بإذن من الورثة (¬3). ¬

_ (¬1) قوله: (على) ساقط من (ق 7). (¬2) في (ق 6): (فأعطى). (¬3) قوله: (لأنه بنى لإذن من الورثة.) نهاية البياض من نسخة فرنسا.

باب في قسمة الوصي على من يلي عليه من صغير أو سفيه أو على الغائب الكبير

باب في قسمة الوصي على من يلي عليه من صغير أو سفيه أو على الغائب الكبير قسمة الوصي على من يلي من صغير أو سفيه على ثلاثة أوجه: فإن كان المولى عليه واحدًا جاز أن يقسم له من هو رشيد من غير مطالعة حاكم؛ لأنه لا يتهم أن يميل عمن هو في ولاية إلى الرشيد. واختلف إذا كانا صغيرين ورشيدًا، هل يجوز كالأول أو يكره لإمكان أن يكون ميله لأحد الصغيرين أكثر (¬1) فيأخذ له ما هو أفضل إلا أن يكون الذي يأخذ له شائعًا. والثالث: أن يكونوا صغارًا لا كبير معهم. فاختلف في قسمته بالمنع والجواز والكراهية، فقال في المدونة: لا يقسم بينهم إلا السلطان (¬2). وقال أيضًا: يكره فإن نزل مضى، وقال سحنون: ذلك جائز (¬3). وقال ابن القاسم في كتاب الرهن: يجوز للأب أن يشتري لابنه الصغير من ابن له صغير (¬4) فعلى هذا يجوز أن يقسم بينهم. واستحسن أن يرفع الأمر إلى القاضي ليجعل معه غيره، أو يحضره عدلين ليجتهدا معه خيفة أن يكون له ميل مع أحدهما، وذلك أسلم وأحوط وإن لم ¬

_ (¬1) قوله: (أكثر) ساقط من (ق 6). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 279. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 239. (¬4) انظر: المدونة: 4/ 149.

يفعل مضت قسمته؛ لأن محمله على الاجتهاد لجميعهم حتى يعلم غير ذلك. وإن كان الكبار غيبًا كان نظره في المقاسمة أو البيع من غير مقاسمة على خمسة أوجه: فالأول: المقاسمة بين الصغار والكبار. والثاني: المقاسمة لوصية الميت إن أوصى بالثلث. والثالث: البيع للوصية إذا لم يوص بجزء. والرابع: البيع لقضاء ما على الميت من دين. والخامس: البيع من غير وصية ولا دين. فأما المقاسمة بين من يلي عليه وبين الغيب الكبار فيجوز في العين. قال محمد: له أن يقاسم للصغار (¬1) العين ثم لا يقسم أيضًا ما صار للصغار بينهم، ولا يقسم ما صار للكبار، ولو فعل ما جاز وإن تلف ما أوقف (¬2) له رجع على من سلم (¬3) له وكان التلف من جميعهم (¬4)، وجعله بمنزلة ما لم يقسم ولا يضمن ما تلف لأنه إنما زاد فيه. واختلف في قسمة المكيل والموزون فمنع ذلك محمد وقال إنما ذلك في العين خاصة (¬5)، وأجازه أشهب في (¬6) مدونته إذا كان الطعام صنفًا واحدًا قال: ¬

_ (¬1) في (ق 6): (الكبار والصغار). (¬2) في (ق 6): (وقف). (¬3) في (ق 7): (أسلم). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 302. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 303. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 302.

وقسمة ذلك بينهم بمنزلة أخذه النفقة منه (¬1) للأصاغر، وإقراره حظ الغائب حتى يقدم بمنزلة نفقته عليهم وعلى الميت دين وأنفق من الفضل على الدين فيجوز ذلك، فإن تلف مصابة الغائب أو دين الغريم لم يرجع على الوصي، ولا على الورثة بما أنفق عليهم بعد حبس ما عليه من الدين. وأرى (¬2) إن كان الطعام صُبرة واحدة أو صبرًا وكان يقسم كل صبرة أن يجوز وإن كان يأخذ لمن يليه صبرة ويوقف (¬3) للغائب الآخر فليس بحسن؛ لأنه مما تختلف فيه الأغراض فقد يكون الذي أوقف لهم أدنى عند غيره ممن هو أبصر منه، ولا يجوز ذلك في العروض والعبيد. قال محمد: فإن فعل فهلك ما أوقف للغائب كانت (¬4) مصيبته من جميعهم، وكان الغائب على حظه في الذي صار للصغير، وإن هلك ما صار للصغير كانت مصيبته منه، وأجاز إذا أوصى بالثلث أن يقسم ذلك على الغيب (¬5)، ويأخذ الثلث للموصى لهم ويوقف الثلثين (¬6). واختلف هل يبيع جميع التركة ثم يقسم العن أثلاثًا أو يبيع الثلث خاصة؟ وأجاز أن يبيع الدور والحيوان لقضاء دين الميت. ويجوز على هذا أن يبيع للوصية إذا لم تكن الوصية بجزء وكانت بدنانير أو غيرها. ¬

_ (¬1) في (ق 6): (للنفقة). (¬2) قوله: (وأرى) في (ف): (قال الشيخ -رحمه الله-: أما). (¬3) في (ق 7): (توقف). (¬4) في (ق 6): (فإن). (¬5) في (ق 6): (الغائب). (¬6) في (ق 6): (الثلثان) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 300.

قال محمد: وليس قسمة الدور وغير العين (¬1) بين الصغار والكبار كقسمة الوصي الثلث بين الموصى لهم إن كانوا كبارًا فذلك جائز عليهم؛ لأن الذي أوصى (¬2) بالثلث ولاه رجلًا وذلك جائز. (¬3) وقال أشهب: وإن لم يكن على الميت دين ولا وصى بشيء والورثة بعيدو الغيبة، فله أن يبيع الحيوان والعروض. يريد: يبيع الحيوان لما يتكلف من حفظه والإنفاق عليه وقد تستغرقه النفقة، ويبيع العروض إذا كان يخاف عليها الفساد (¬4). وقال ابن القاسم: يرفع ذلك إلى الإمام حتى يأمر ببيعه (¬5) وهو أحسن، وهو أصل المذهب أن لا يبيع على الغائب إلا الإمام. وأجاز في أحد القولين إذا أوصى بالثلث أن يبيع جميع التركة، خيفة أن تختلف القيم فيما يأخذ الورثة، فقد تكون القيمة عند بعض أهل العرفة أقل، فكان بيع الجميع لرفع التنازع في ذلك والقياس ألا يباع ثلثاهم. وأصل المذهب والمعروف منه أن لا يقسم الوصي على الغيب الكبار، ولا يبيع لدين ولا لغيره، ولوجاز أن يقسم الثلث من الثلثين، لجاز أن يقسم بين الصغار والكبار. ¬

_ (¬1) في (ف): (المعين). (¬2) في (ق 6): (وصى). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 303. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 300. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 301.

فصل [فيما إذا دعا الكبار من الورثة إلى المقاسمة]

فصل [فيما إذا دعا الكبار من الورثة إلى المقاسمة] وإذا دعا الكبار من الورثة إلى المقاسمة كان الوصي في جميع نصيب الأصاغر، وتفرقته على ما يراه من حسن النظر، فإن رأى التفرقة أحسن فرق وإن كان الجمع أفضل جمع. ويجوز أن يجمع نصيبان في القسم بالتراضي. واختلف هل يجوز ذلك بالقرعة فمنعه ابن القاسم (¬1) وأجازه أشهب (¬2)، قال: وليس في تفرقة ذلك وجه يرتفق به لهم، وإنما ينبغي أن يقسم للكبار (¬3) الذين طلبوا القسم، وإن هو قسم ذلك متفرقًا لم يجمع ذلك بعد، فعلى قوله إن كان كبيرًا واحدًا وصغارًا كتب رقعتين وسمى فيهما كل طرف، فأي الطرفين خرج له أخذه وبقي ما سواه على الشركة، وإن كانا كبيرين أو أكابر وصغارًا كتب أسماء الكبار خاصة، وخلطها وأقرع على أي الطرفين يكون لمن خرج سهمه أولًا، فإذا لم يبق إلا كبير واحدٌ كتب رقعتين يذكر الطرفين فأيهما خرج له (¬4) أخذه وكان الباقي على الشركة بين الأصاغر. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 279. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 220. (¬3) في (ق 7): (للأكابر). (¬4) قوله: (له) ساقط من (ق 6).

باب فيمن له نخلة في أرض غيره فسقطت هل يجعل غيرها مكانها أو خرج في أرضه عرق من شجرة غيره أو عين لغيره

باب فيمن له نخلة في أرض غيره فسقطت هل يجعل غيرها مكانها أو خرج في أرضه عرق من شجرة غيره أو عين لغيره وقال مالك فيمن له نخلة في أرض غيره فقلبتها الريح له أن يغرس مكانها أخرى (¬1). قال ابن القاسم: وله أن يغرس غير النخل، إذا كان لا يضر بالأرض ولا يكون أكثر انتشارًا (¬2)، يريد: أن يعمل مكان الأولى ما لا يضر بباطن الأرض مما يكون عروقه أكثر انتشارا أو أقوى من الأولى، فيهلك ما يجاوره ولا يضر في أعلاها مما تكون فروعها أكثر فيستر المشمس من الأرض فتضعف منفعتها. وقال ابن القاسم في العتبية في رجل تفقأت الأرض من جنانه عن عروق من شجر في جنان غيره. (¬3) قال: إن كانت فيه منفعة إن قلع كان لمن هو من شجرته أن يقلعه ويغرسه في مكان آخر، وإن لم تكن له فيه منفعة ولا عليه فيه مضرة بقي لصاحب الأرض إلا أن يكون لو قلع له ثمن الخشبة أو الحطب فيأخذ قيمته مقلوعًا (¬4). وقال عيسى: وإن كان إقراره بحاله مضرًّا بأصل الشجر التي هو منها لم يكن له أن يضره إلا برضا صاحب الشجرة (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 280. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 280. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 10/ 263. وردت بلفظ: (تفقعت الأرض في جنانه) (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 61. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 61.

قال الشيخ - رضي الله عنه -: فإن لم يرض وكان إن قطع في الأرض ما بين الفرع والشجرة التي هو منها، ثبت قطع ما بينهما وأعطى قدر قيمته مقلوعًا، وإن كانت لا تثبت قطع وأخذه صاحبه. وقال ابن القاسم فيمن له نهر يصر في أرض غيره، قال: لصاحب الأرض أن يغرس في (¬1) حافتي النهر شجرًا وليس للآخر منعه من ذلك، فإن غرس فاحتاج النهر إلى الكنس طرح الطين على حافتي النهر فإن لم يقدر إلا على طرحه على الشجر لكثرة الشجر، طرحه عليها إذا كانت العادة أنه يطرح على حافتي النهر (¬2)، فجعل حق صاحب النهر في موضع جريان الماء خاصة، والحافتان ملك لصاحب الأرض يغرسها إن أحبَّ، ولا يطرح الآخر عليها إلا لعادة، ولصاحب النهر أن يمنع صاحب الأرض من غراسة حافتي النهر، إذا كان يضر بالماء لما يشرب منه في أصول (¬3) الشجر، ولأن عروق الغرس تعترض في النهر فتضر بجريانه. ¬

_ (¬1) قوله: (ق) ساقط من (ق 6). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 25. (¬3) قوله: (يشرب منه في أصول) في (ق 6): (تشرب منه أصول).

باب في الورثة يقسمون تركة ميتهم ثم يطرأ غريم أو وارث أو موصى له

باب في الورثة يقسمون تركة ميتهم ثم يطرأ غريم أو وارث أو موصى له وقال ابن القاسم فيمن مات وعليه دين وترك دورًا فاقتسمها الورثة وجهلوا أن على الميت دينًا أو جهلوا أن الدين يخرج قبل الميراث قال: ترد القسمة حتى يخرجوا الدين إن أدرك مال الميت بعينه وإن أتلف بعضهم ما صار إليه كان للغريم أن يأخذ جميع ما أدرك في يد الآخر إلا أن يكون حقه أقل فيأخذ مقدار دينه، ويطرح هذا الدين فلا يحسب وينظر إلى ما بقي في يده وما أتلف الآخر، فيكون ذلك كله مالًا للميت، وينظر إلى ما بقي في يد هذا (¬1) فيكون له ويتبع جميع الورثة بما بقأنه من ميراثه، ويضمن له الورثة ما أكلوه واستهلكوه، وما مات في أيديهم من الحيوان والرقيق، وما (¬2) تلف من الأمتعة بأمر من السماء ولهم على ذلك بينة فلا ضمان عليهم فيه. وإن جني على شيء من ذلك قبل لحوق الدين اتبع جميعهم الذي جنى، وإن بيع شيء من ذلك بغير محاباة مضى البيع واقتسموا الثمن (¬3). قال: وإن طرأ وارث على ورثة أخذ من كل واحد قدر ما يصير عليه (¬4) من ميراثه، وليس له على هذا الذي بقي في يده مال الميت إلا ما يصيبه، لو لم يتلف ما أخذه أصحابه (¬5). ¬

_ (¬1) في (ق 7): (يديه). (¬2) في (ق 6): (أو). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 248، 252. (¬4) قوله: (عليه) ساقط من (ق 6). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 253.

وجعل الجواب في غريم طرأ (¬1) على غرماء مثل ذلك، ليس له على الموسر إلا ما ينوبه لو كان بقية الغرماء مياسير. والطارئون (¬2) ثلاثة: غريم، ووارث، وموصى له. فالغريم: يصح رجوعه على كل من وضع يده على تركة الميت من غريم ووارث وموصى له. والوارث: يصح رجوعه على الورثة وعلى الموصى لهم، وكذلك الموصى له: يصح رجوعه على الورثة وعلى الموصى لهم. فأما الغريم فإنه لا يخلو أن يطرأ على الغرماء بانفرادهم؛ لأنه قد تقدم قبله غرماء ولم يفصّل عنهم شيء أو على الورثة؛ لأنه لم يتقدم قبله غرماء أو تقدم وفضل عنهم بأيدي الورثة ما يوفي بدينه. أو على الورثة والغرماء، إلا أن الباقي لا يوفي بدينه، فإن كان ما خلفه الميت أخذه الغرماء قبله كان رجوعه على أولئك الغرماء، ولا رجوع له على الورثة إذا لم يعلموا بدين الطارئ، ولا كان موصوفًا بالدين، فإن أعسر بعضهم أو غاب لم يرجع على الموسر الحاضر إلا بما ينوبه لو كان بقية الغرماء حضورًا مياسير. وإن طرأ غريم (¬3) على ورثة فإنه لا تخلو التركة من أن تكون عينًا أو عروضًا أو ديارًا، والدَّيْنُ يغترق جميع التركة أو بعضها فإن كان يغترق، والتركة عين وذلك قائم بأيدي الورثة أخذ جميع ذلك من أيديهم، فإن أكلوه ¬

_ (¬1) قوله: (طرأ) ساقط من (ق 7). (¬2) في (ف) و (ق 7): (والطارئ). (¬3) في (ق 6): (كان).

ضمنوا، وإن ادعوا الضياع لم يصدقوا. واختلف إذا قامت لهم البينة على الضياع فقال ابن القاسم: لا شيء عليهم. وقال أشهب: يضمنون وهو أصله في العواري أنها مضمونة مع قيام البينة على الضياع (¬1)، والأول أحسن؛ لأن هذا استحقاق لا يضمن مع قيام البينة على التلف، إلا أن يحبسوا ذلك لأنفسهم مع علمهم بالدين، أو كان الميت موصوفًا بالدين (¬2) لم يضمنوا، وإن لم تشهد بينة بالضياع إذا وقفوا ذلك عند أمن أو عند أحد الورثة وهو مأمون. وإن كان الدَّيْنُ يغترق بعض تركة الميت وكلهم حاضر موسر غير مُلِدٍّ أخذ من يد كل واحد ما ينوبه، ولم يأخذ جميع حقه من أحدهم، فإن أعسر بعضهم أو غاب أو كان مُلدًا، أخذ جميع حقه من الحاضر الموسر وممن هو غير مُلدٍّ واتبع المأخوذ منه أصحابه. واختلف إذا كانت تركة الميت ديارًا، وكانت القسمة وهم عالمون بالدَّيْنِ فقال مالك في كتاب محمد: القسمة فاسدة منتقضة وسواء رضي الورثة بقضاء الدَّيْنِ أم لا (¬3). واحتج يقول الله -عز وجل-: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11]. وأرى أن القسمة لم يتعلق بها حق لله سبحانه، وإنما يتعلق بها حق لآدمي فإن رضوا بقضاء الدَّين لم تنقض، وإن يرضوا واختلفوا فرضي أحدهم ببقاء ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 251. (¬2) في (ف) و (ق 6): (بالدين للغرماء لم يضمنوا). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 33.

القسم، وأن يقضي ما ينوبه ولم يرض الآخرون نقضت، وقضي الدَّين، واستؤنف القسم في الباقي، وإن كان لا يبقى بعد قضاء الدَّين شيء كان القول قول من دعا إلى قضاء ما ينوبه ولا ينتزع ما في يده. وقال أشهب وسحنون: القسمة جائزة إذا كان جميع المقتسم موجودًا ويفض الدَّين على ما في أيديهم بالحصص، فإن كان الدَّين يغترق نصف التركة وفي أيديهم ثلث التركة، وفي أيدي الآخرين الثلثان، بيع نصف ما في يد كل واحد إلا أن يكون على الغريم في ذلك ضرر فيما يباع له من حصة كل واحد لافتراقه، وقلة الرغبة في شراء البعض أو يكون ما صار لأحدهم أدنى ثمنًا فينقض القسم (¬1). قال الشيخ -رحمه الله-: وعلى قوله لو بنى أحدهما في نصيبه وقيمته مائة، فصارت قيمته مائتين لبيع منه للغريم ربعه؛ لأنه هو نصفه قبل البناء إلا أن يشاء أن يدفع قيمة نصف ذلك يوم قاسم قيل يوم بنى؛ لأن البناء فَوت. وإذا انهدم ما في يد أحدهما ولم يبن الآخر نقض القسم وليس الانهدام فوتًا. وإن قال أحد الورثة لا تردوا القسم وأنا أقضي جميع الدَّين من مالي كان القول قوله ولم ينقض القسم، وهو في ذلك بمنزلة أجنبي قال للغريم: أنا أقضيك دينك، فإن القسم يمضي على كل حال وإن كان الدَّين يغترق جميع التركة، وقد هلك في يد أحدهما لم يضمنه وسواء كانت القسمة بالقرعة أو بالتراضي؛ لأن مقال الغريم معه من باب نقض القسم وهو كالاستحقاق فلا يضمن له شيئًا ولا يضمن الأخ لأخيه شيئأ؛ لأنه لا يستحق ميراثًا إلا بعد قضاء الدَّين. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 248.

فلو رجع الأخ على أخيه بقيمة نصف ما قبضه إذا كانت القسمة بالتراضي رجع عليه الغريم فأخذه منه؛ لأن الدَّين مبدأ على الميراث، وكذلك إذا كان الدَّين يغترق جميع الحاضر وبعض الهالك، لم يضمن من هلك بيده شيئًا. واختلف إذا كان يغترق بعض الحاضر والقسمة بالقرعة، فقيل لا يرجع من استحق ذلك من يده ولا يرجع عليه، وأرى أن القسمة تمييز حق ويكون بمنزلة ما لو قضى ذلك الدين أجنبي وهو أحسن، وقيل يرجع عليه ولا يرجع، وقيل هي بيع فيرجع ولا يرجع عليه، وإن كانت القسمة بالتراضي رجع ولم يرجع عليه. وبيان ذلك يأتي فيما بعد إن شاء الله. فإن كانت التركة عينًا وديارًا، وكان في العين وفاء بدين الطارئ قضي الدَّين من العن ومضى القسم في الديار، ولا قول لمن أراد نقض قسمة الديار. وإن كانت التركة عينًا وعروضًا وديارًا، وقد قسم جميع ذلك قضي الدين من العين، وإن كانت التركة دورًا وعروضًا قضي من العروض؛ لأنها أقرب بيعًا ومن حق الغريم أن يبدأ بما هو أسرع بيعًا، ويمضي القسم في الديار وإن اقتسما ديارًا وعبيدًا فانهدم أحدهما أو حدث بالعبد عيب فبيع جميع السالم؛ لأنه أقرب بيعًا رجع على أخيه فقاسمه تلك الديار وذلك العبد على ما هما عليه من الانهدام والعيب قولًا واحدًا، وإن بيع نصف السالم فكان رد النصف الباقي وانتقاض القسم أفضل له، أو أراد ردَّ ذلك لغرض له في الرد، وإن كان أبخس عليه كان ذلك له بغير خلف أيضًا. وإن اختار التمسك؛ لأن ذلك أفضل له كان ذلك له على أحد القولين، وقيل لأخيه أن يرجع عليه فمتى كان له (¬1) رجوع من بيع ذلك من يده لم يراع ¬

_ (¬1) قوله: (له) ساقط من (ق 7).

فصل [إذا أقر أحد الورثة بعد المقاسمة بدين]

فضل ولا خسارة؛ لأن رجوعه نقض للقسم، فإن انتقض القسم ارتفع مراعاة ذلك، ومتى لم يرجع من بيع ذلك من يديه لم ينتقض القسم، وبقي كل واحد منهما على ما في يده من ربح أو خسارة، ومعلوم أنه متى علم أن الرد أضر به لم يرجع، ولا يختار أبدًا إلا ما هو أفضل له ولا فرق بين أن يقول أجنبي: "أنا أقضي هذا الغريم دَينه ليمضي القسم"، أو يقول ذلك صاحب الدَّين "أنا أرضى أن أسقط دَيني ليمضي القسم"، أو يقول ذلك أحد الورثة "أنا أقضي جميع الدَّين أو أبيع بعض ما صار في في الميراث وأقضي جميع الدين" فالأمر في جميع ذلك سواء في أن القسم الأول باق على هيئته وهذا أحسن لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ" (¬1) فإذا لم يرجع من رجع عليه الغريم، لم يكن لمن نقض ذلك من يديه مقال. فصل [إذا أقر أحد الورثة بعد المقاسمة بدَين] واختلف إذا أقر أحد الورثة بعد المقاسمة بدَين، فقال مالك: للمقر له أن يحلف ويأخذ حقه (¬2)، يريد: إذا كان عدلًا، قيل لابن القاسم: أو لا ترى أن هذا يريد أن ينقض القسم بإقراره؛ لأنه إذا ندم أقر بعشرة دراهم ليبطل القسم ليجد منفعة كثيرة، قال: أرى أن يقال للورثة إذا حلف المقر له (¬3) إن شئتم ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في الموطأ: 2/ 745، في باب القضاء في المرفق، من كتاب الأقضية، برقم (1429)، والبيهقي في الكبرى: 6/ 69، في باب لا ضرر ولا ضرار، من كتاب الصلح، برقم (11166). قال الإمام النووى فى "الأذكار": 1/ 351: رويناه فى الموطأ مرسلًا، وفي سنن الدارقطنى وغيره من طرق متصلًا، وهو حسن، انظر: روضة المحدثين: 3/ 123، برقم (4874). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 284. (¬3) قوله: (له) ساقط من (ق 6).

فصل [في طرو وارث على الورثة بعد القسم]

فادفعوا إليه ما استحق بإقرار هذا أنتم والمقر وينفذ قسمكم، وإلا أبطلنا القسم وأُعطي هذا دَينه ثم قسم ما بقي (¬1). وقال أشهب في مدونته: إن كان اقتسموا ثلاثة أعبد بِيع من كل عبد بقدر ما يصيبه من الدَّين ثم يكون ما بقي على ما اقتسموا عليه ولا ينقض القسم وإن كان من سوى الشاهد غيبًا بما صار لهم في القسم والشاهد حاضر بالعبد، وكان أن بيع عبده في الدَّين ورجع على أخويه (¬2) فيما صار لهما بالثلث بما (¬3) هو زيادة له في ميراثه على ما كان قاسم إما بغبن وإما بما أنماه الله لهما زيادة لها بال يرغب في مثلها، فإن الشهادة باطل ولا يمين لصاحب الدين وليأخذ من الذي شهد له ما كان نصيبه من الدَّين لو جازت شهادته، ولا أرى هذا بمنزلة ما لو ثبت الدَّين بشاهدين قال: وهذا استحسان؛ لأنه لو قضي عليه بمثل ما قضي إذا ثبت الدَّين بشاهدين ولم يشهد الوارث فكان في ذلك منع الشهادة (¬4). قال الشيخ -رحمه الله-: قول ابن القاسم بجواز الشهادة مخالف للمعروف من المذهب والأصل أنه إذا اتهم أن تسقط الشهادة. وقول أشهب: إذا كان موجب الشهادة انتقاض القسم حسن وهو الأصل. فصل [في طُرُوِّ وارثٍ على الورثة بعد القسم] وإن طرأ وارث على ورثة وهم أملياء والتركة عين أخذ من كل واحد ما ينوبه واختلف إذا وجد أحدهم معسرًا فقال ابن القاسم: ليس له أن يأخذ ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 284. (¬2) في (ق 7): (إخوته). (¬3) قوله: (بما) ساقط من (ق 6). (¬4) قوله: (منع الشهادة) في (ق 7): (معنى لشهادة).

الموسر إلا بالنقد الذي كان يأخذه منه لو كان الجميع موسرًا (¬1). وقال أشهب وابن عبد الحكم: له أن يقاسم الموسر فيما صار له كأن لم يترك الميت غيرهما ويتبعان المعسر متى أيسر ورأيا أن القسمة فاسدة وإن لم يعلموا بالطارئ (¬2). والظاهر من مذهب عبد الملك أنها جائزة إلا أن يكونا عالمين بالطارئ فتكون فاسدة وأصل ابن القاسم أن ليس لأحد الشريكين أن يقسم العين دون شريكه وأمضى القسمة ها هنا لما كان غير عالم ولو كان عالمًا لم يجز، وأصل أشهب ألا يجوز (¬3). وقد اختلفا إذا بيعت دار الميت وكان الثمن على يد الوصي فحل الأجل، فقال ابن القاسم: لا يزكى نصيب الصغار حتى يحول الحول من يوم المقاسمة (¬4)، وقال أشهب: إذا حل (¬5) الحول من يوم (¬6) قبض الثمن زكى نصيب الصغار (¬7)، وهذا إنما يصح على القول: له أن يقاسم الصغار من غير رضا بقية الورثة، وهذا رجوع من قول كل واحد منهما إلى قول الآخر، فإن أجاز القسم كانت الزكاة من يوم قبض ولا يدخل الطارئ على الموسر إلا بالزائد على نصيبه، وإن كان لا تجوز المقاسمة إلا برضا جميع الشركاء لم تجب ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 34. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 34، 11/ 255. (¬3) في (ق 6): (الجواز). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 124. (¬5) في (ق 7): (كان). (¬6) قوله: (يوم) ساقط من (ق 6). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 2/ 124.

فصل

الزكاة إلا بعد حول من يوم المقاسمة ويكون للطارئ أن يقاسم أخاه بالسواء ثم يتبعان المعسر متى أيسر، وهذا بخلاف أن يطرأ غريم على غرماء، فإنه لا يتبع الموسر إلا بما ينوبه لو كان جميعهم موسرًا؛ لأن الورثة في القضاء مقام السلطان وقضاؤهم ومقاسمتهم صحيحة، وليس كذلك مقاسمة الورثة فيما بينهم؛ لأخهم يقسمون لأنفسهم، وفي الغرماء إنما قسموا لغيرهم فقاموا مقام الحاكم. وإن كانت التركة شيئًا مما يكال أو يوزن فاختلف فيه فقيل لهم المقاسمة فيه كالعين وقيل ليس لهم مقاسمة بخلاف العين. فصل وإن كانت التركة عقارًا فإنه لا يخلو من ثلاثة أوجه: إما أن تكون دارًا واحدة، أو دارين، أو جماعة ديار، فإن كانت دارًا واحدة فاقتسماها نصفين، كان الطارئ بالخيار بين أن يجيز القسم، ويكون شريكًا لكل واحد من إخوته بثلث ما في يديه، أو يرد فيجمع نصيبه. وإن كانت دارين فأخذ كل منهما دارًا لم يكن للطارئ أن يرد القسم، وإنما له أن يرجع على كل واحد من أخويه في ثلث الدار التي في يديه؛ لأنه لو أدركهما ولم يقسما لم يكن له سوى ثلث كل دار فلم يدخلا عليه بقسمتهما مضرة، (¬1) فإن كانتا مما تحملان (¬2) القسم قسمتا وأخذ ثلث كل دار وإلا بيعتا إن دعا إلى البيع. ¬

_ (¬1) في (ق 6): (ضررا). (¬2) في (ق 6): (تحتملان).

وإن أراد الأخذ بالشفعة فإن كان قسمتهما بالقرعة لم يكن ذلك له، على القول أن القرعة تمييز حق، وإن كانت بالتراضي جرت على اختلاف قول مالك في المناقلة هل فيها شفعة؟ (¬1) وإن كانت ثلاثًا اقتسما دارين فأخذ كل واحد منهما دارًا (¬2) واحدة وبقيت الثالثة، وكانت لا تشبه أن تدخل في القسم مع الدارين اللتن اقتسما؛ لأنها أشرف أو أدنى كان الجواب في الدارين اللتين اقتسما على ما تقدم ويكون شريكًا في ثلث كل دار. وإن كانت الثالثة مشابهة للدارين أو مقاربة لهما أقرع على الديار الثلاث، ويكون للمقتسمين أن يكتبا ثلاث رقاع بأسماء الديار على أيهما خرج كان للطارئ، فإن خرجت رقعة الدار الموقوفة للغائب مضت القسمة في الدارين على حال ما كانت، وإن وقعت على إحدى الدارين اللتن اقتسما انتقض القسم الأول فيما بين الحاضرين، وإن كان الحاضران اقتسما الديار أثلاثا أخذ هذا دارًا وهذا دارًا واقتسما الثالثة بينهما نصفين، فإن كانت الدار المقتسمة مباينة للاثنتين كان الجواب على ما تقدم، يمضي قسم الآخرين في الدارين ويكون للغائب ثلث كل واحدة وينتقض القسم في الثالثة، فإن كانت تحمل القسم على ثلاثة سهام قسمت وإلا بيعت إن دعا أحدهم إلى البيع، وإن كانت الثالثة مشابهة أو مقاربة للاثنتين ضرب بالقرعة على الثلاث فإن وقعت قرعة الغائب على التي اقتسماها نصفين مضى القسم في الدارين، فإن وقعت على إحدى الدارين التي صارت لأحدهما كان الأخوان بالخيار في الدارين الباقيتين، فإن شاءا أن يمضيا قسمهما في الدار المقسومة على الحالة الأولى، وتكون (¬3) الدار التي صارت لأحدهما بينهما ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 117. (¬2) قوله: (دارًا) ساقط من (ق 6). (¬3) في (ق 7): (تكون).

فصل [في طرو موصى له على الورقة بعد القسم]

نصفين، وإن شاءا نقض القسم الأول ويقترعان عليها (¬1)، والجواب إذا كانت التركة (¬2) عروضًا على هذا إن كانت تنقسم أو لا تنقسم. فصل [في طرُوِّ موصى له على الورقة بعد القسم] وإن طرأ موصى له فإنه لا تخلو وصيته من ستة أوجه: إما أن تكون بمعين: عبد أو دار أو بعبد مبهم، أو يقول: "له دار من دوري" ولم يعين، أو بجزء من عبيده أو دياره، أو بتسمية من العين أو بجزء من العين أو بجزء من ماله ولم يخص، فإن كانت بعبد بعينه أو دار بعينها والثلث يحملها، كان له أن يأخذ ذلك من الوارث كالاستحقاق ويرجع الوارث المأخوذ منه على الورثة، كأن الميت لم يخلف ذلك، وإن باع ذلك الوارث كان الموصى له بالخيار بين أن يجيز البيع ويأخذ الثمن أو يرد البيع ويأخذ عينه، وإن بأن به مشتربه كان له الثمن وإن هلك بيد الوارث بأمر من السماء، فإن كان صار إلى يد الوارث بمقاسمة بالقرعة لم يرجع الموصى له بشيء، وإن صار إليه بالتراضي بغير قرعة أو صار إليه (¬3) بوجه المبايعة كان له أن يجيز البيع فيه ويأخذ ثمنه من يد البائعن ويسقط من الثمن نصيب الوارث الذي اشتراه؛ لأنه لم يشتر نصيب نفسه وإنما اشترى نصيب الورثة، فإن لم يحمله الثلث كان الموصى له في الاتباع (¬4) فيما يحمل الثلث منه على نحو ما مضى ¬

_ (¬1) في (ق 7) و (ق 2): (عليهما). (¬2) قوله: (التركة) ساقط من (ق 7). (¬3) قوله: (صار إليه) ساقط من (ق 6). (¬4) في (ق 6): (الانتفاع).

إذا حمله الثلث. وإن كانت الوصية بعبد أو دار غير معين كان شريكًا للورثة في تلك التسمية وهو في ذلك بمنزلة وارث طرأ على ورثة، فإن خلف الميت ثلاثة أعبد أو ثلاث ديار كان شريكًا بالثلث، كان كانوا أربعة فالربع، فإن كان العبيد والديار تعتدل في القسم حتى يخرج له عبد أو دار- كان له أن ينقض قسمة الورثة ثم يقرع بينهم فيأخذ ما يخرج من القسم، وإن كانوا لا يعتدلون في القسم لم ينقض القسم الأول، وكان شريكًا في كل عبد وفي كل دار بقدر وصيته. وكذلك إذا كانت الوصية بجزء فقال له: ثلث عبيدي (¬1) أو ثلث دياري، فالجواب على ما تقدم إذا أوصى له بعبد مبهم. وإن كانت الوصية بجزء من العين والتركة عين كان فيها قولان، فقيل يكون كوارث طرأ على ورثة، فإن وجد أحدهم موسرًا كان له أن يأخذ منه ما ينوبه في المحاصة لو كان البقية مياسير وهو قول مالك (¬2). وعلى قول أشهب وابن عبد الحكم يقاسم الموسر جميع ما في يديه، ثم يرجعان جميعًا على الوارث (¬3). وفي كتاب محمد قول ثالث: أنه بمنزلة غريم طرأ على ورثة يستوفي من الموسر جميع وصيته ثم يرجع على أخيه، فقال: إذا أخذ أهل الوصايا وصاياهم ثم فضلت فضلة أخذها الورثة فإن كان فيها وفاء ¬

_ (¬1) في (ق 6): (عبد). (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 13/ 207، والنوادر والزيادات: 10/ 33. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 34.

بوصية الطارئ فإنها تحسب عليه ولا يتبع (¬1) بها إلا الورثة (¬2)، قال: ولو أوصي لثلاثة بمائة دينار والثلث مائتان وخمسون فأخذ الحاضران مائتين والورثة خمسين ثم قدم الثالث بعدُ (¬3) - كان يجب له ثلاثة وثمانون وثلث، على كل واحد من الموصى لهما سبعة عشر إلا ثلثا لا يأخذ الملي منهما عن المعدم وله أن يأخذ الوارث بجميع ما صار إليه من الخمسين، ثم يتبعان جميعًا باقي الورثة. قال: وكذلك كل من يرجع على وارث من غريم أو موصى له فليستوعب (¬4) من الملي منهم جميع ما صار إليه من ذلك فأما غريم على غرماء (¬5) أو موصى له على موصى لهم فلا يتبع الملي إلا كما يتبع المعدم (¬6)، وأظنه (¬7) ذهب في تبدية الموصى له وأنه كالغريم لقول الله -عز وجل-: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11]، وقال ابن حبيب: لحوق الوصية للرجل بالثلث أو للمساكين أو بعدة دنانير بمنزلة لحوق الدين في انتقاض القسم، وفي ضمان الورثة فيما يضمنونه في جميع ذلك (¬8)، وهذا مثل قول محمد. وقال ابن القاسم (¬9): إذا اقتسم الورثة مال الميت والمال عين أو عرض، ثم ¬

_ (¬1) في (ق 6): (ينتفع). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 34. (¬3) في (ق 7): (فقد). (¬4) في (ق 6): (فاستوعب). (¬5) في (ق 7): (غريم). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 34. (¬7) في (ق 6):) (وأنه). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 252. (¬9) في (ق 7): (ميسر).

فصل [فيمن أثبت الوصية بعبد بعينه فأخده ثم طرأ آخر فأثبت الوصية بعبد آخر صار إلى أحد الورثة]

طرأ وارث أو موصى له بالثلث، فإنما يتبع كل وارث بما صار إليه من حقه، ولا يتبع الملي بما على المعدم (¬1)، فساوى بين الموصى له والوارث؛ لأن الميت شريك للورثة بالثلث، فكان كمشاركة أحد الورثة. وإن كانت الوصية بتسمية من العين مثل أن يوصى بمائة دينار، والثلث محمل الوصية، والتركة عروض أو عقار كان بمنزلة غريم طرأ على ورثة، وإن كانت الوصية بجزء بثلث ماله أو بربعه كان كوارث طرأ على ورثة؛ لأن الميت شرّكه معهم. فصل [فيمن أثبت الوصية بعبد بعينه فأخده ثم طرأ آخر فأثبت الوصية بعبد آخر صار إلى أحد الورثة] وإن أثبت رجل الوصية بعبد بعينه فأخذه، ثم طرأ آخر فأثبت الوصية بعبد آخر صار إلى أحد الورثة كان رجوعه على من هو في يديه (¬2)، فإن كان الثلث يحملهما أخذ جميعه وإن كان لا يحملهما الثلث أخذ منه ما كان ينوبه في المحاصة ثم يرجع الورثة على الموصى له الأول بما فضل عنده فيما ينوبه في الحصاص، وإن أثبت الثاني الوصية بعبد أو دار غير معينة (¬3) والثلث لا يحملهما أعني العبد الأول، والتسمية الثانية كان الطارئ شريكًا للورثة بتلك التسمية. وكذلك إن أثبت الثاني الوصية بعين والثلث (¬4) يحمل الوصيتين جميعًا (¬5) ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 252. (¬2) في (ق 6): (يده). (¬3) قوله: (أو دار غير معينة) ساقط من (ق 7). (¬4) قوله: (لا يحملهما أعني. . . بعين والثلث) زيادة من (ف). (¬5) قوله: (جميعًا) ساقط من (ق 6).

كان مقاله مع الورثة دون الموصى له الأول. وإن كان الثلث لا يحمل الوصيتين كان له أن يرجع على الفريقين، فيرجع على الموصى له بما فضل عنده لو كان حاصه بمنزلة غريم طرأ على غرماء، ويرجع على الورثة بما فضل عندهم من ثلث الميت، ثم يختلف هل يكون بمنزلة وارث طرأ على ورثة، فيتبع الموسر بما كان يتبعه لو كان جميعهم موسرًا؟ أو بمنزلة غريم طرأ على ورثة، فيبدأ بوصيته من جميع ما يبدأ الموسر؟ والقول أنه كالشريك إذا كانت الوصية بجزء أحسن، وأما إن أوصى بعدة دنانير وهي أقل من الثلث فأرى أن يُخير هذا الوارث الموسر بين أن يدفع إلى هذا ما أوصى له به ويتبع الورثة بما ينوبهم من ذلك، أو يخرج من ثلث ما في يديه ويكون لهذا الموصى له إذا لم يجز أن يتبع بثلث الميت، وإن طرأ وارث على ورثة وموصى له فإن أوصى له بثلث ماله والتركة عين أو بدنانير مسماة من الثلث فأقل كان رجوعه على الوارث (¬1) على الورثة، وكذلك إن أوصى له بعبد بعينه أو بدار بعينها وهي الثلث فأقل برجوعه- على الورثة، وإن أوصى له بثلث ماله والتركة عروض أو عقار فقاسمه الورثة كان للغائب أن يرد القسمة كلها لأن قسمتهم عليه لا تجوز، وإن ملك ما وهب للغائب كان من جميعهم الورثة والموصى له، وكذلك إن أوصى له بعبد من عبيده أو بدار من دوره ولم يعينها له (¬2) لم يقاسمه الورثة لم تجز القسمة (¬3) وكان للغائب أن يرد ما في يد الموصى له ويستأنف القسم وإن أوصى له بالعين وترك للورثة ما يتعذر بيعه أو أوصى ¬

_ (¬1) في (ف) و (ق 7): (كان رجوع الوارث). (¬2) قوله: (له) ساقط من (ق 6). (¬3) في (ق 6): (المقاسمة).

بالحاضر وترك لهم الغائب أو أوصى بالخدمة وترك لهم المرجع أو أوصى بالمرجع وترك لهم الخدمة والرقبة أكثر من الثلث فأجاز الورثة في جميع ذلك، ثم قدم الغائب فلم يجز كان له أن يرجع على الموصى له في نصيبه منه.

باب في الشريكين أو الورثة يجد أحدهما بعد القسمة عيبا أو يستحق ما في يديه

باب في الشريكين أو الورثة يجد أحدهما بعد القسمة عيبًا أو يستحق ما في يديه وقال ابن القاسم في شريكين اقتسما دورًا أو رقيقًا أو عروضًا ثم أصاب أحدهما عيبًا، قال: أرى ذلك مثل البيوع، فإن وجد العيب بوجه ما أخذ أو أكثره رد جميع ذلك، ويكون ما رد وما أخذ صاحبه بينهما نصفين، إلا أن يفوت ما في يد صاحبه ببيع أو هبة أو صدقة أو حبس أو هدم فيأخذ نصف قيمة ذلك يوم قبض، وإن وجد العيب بالنصف رده وحده ورجع شريكًا فيما ينوبه، وإن وجد العيب بأقل ما في يديه رده، فإن كان السبع أو الثمن رجع في نصف قيمة سبع ما في يدي صاحبه، أي نصف ثمنه فيأخذ ذلك ذهبًا أو ورقًا ولا يرجع شريكًا مما يأخذه صاحبه، قال: وكذلك إن أخذ أحدهما نخلًا أو دورًا وأخذ الآخر حريرا أو عطرًا أو جوهرًا وتراضيا بذلك فأصاب أحدهما ببعض ذلك عيبًا، فإنه ينظر إلى الذي أصاب به العيب فإن كان وجه ما صار له رد جميعه، فإن لم يكن وجه (¬1) ذلك رده وحده بحال ما وصفته لك (¬2)، فساوى (¬3) في العيب إذا كان المقتسم صنفًا واحدًا أو أصنافًا فأخذ أحدهما صنفًا والآخر صنفًا آخر، وقد اختلف في هذه الوجوه (¬4) الثلاثة: فاختلف إذا كان العيب في النصف هل له أن يرد السالم فلم ير له (¬5) ذلك ابن القاسم في مسألة الجاريتين ¬

_ (¬1) قوله: (وجه) ساقط من (ق 6). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 294، 295. (¬3) في (ق 6): (فسوى). (¬4) قوله: (الوجوه) ساقط من (ق 7). (¬5) قوله: (له) ساقط من (ق 7).

يستحق نصف ما في يد أحدهما. وقال أشهب في مدونته: هو بالخيار بين أن يتمسك بالباقي أو يرد الجميع (¬1). واختلف إذا كان المعيب أيسر ما في يديه فقال ابن القاسم: يرده ويرجع بما ينوبه قيمة (¬2) دنانير أو دراهم، وقال أشهب في مدونته: يرجع شريكًا (¬3)، وقال محمد: إذا استحق مما في يد أحدهما شيء انتقض (¬4) القسم ولم يفرق بين قليل ولا غيره، وأرى إذا كانت القسمة بالتراضي أن يجري الجواب في جميع وجوه هذه المسألة على ما قاله ابن القاسم، فإن كانت بالقرعة كان القول قول من دعا إلى نقض القسمة، وإن كان العيب (¬5) يسيرًا لأن في (¬6) زوال ذلك من يد أحدهما بالرد بالعيب أو بالاستحقاق يبين أن القرعة وقعت في غير موضعها وأنها لا تعتدل، ولا فرق بين الاستحقاق والعيب إلا أن المعيب إذا رد عاد إلى أصل الشركة فيكون بينهما على أجزاء الشركة التي تقدمت. وإذا كان الحكم الرجوع في عين ما سلم فوجده قد مات، فإن كانت القسمة بالتراضي كان الجواب على ما قاله ابن القاسم تفيته حوالة الأسواق فما فوق من نقص أو زيادة، إلا الديار فلا تفيتها حوالة الأسواق ويفيتها الهدم والبناء، ويفيت الجميع البيع والصدقة والحبس والهبة والقيمة في ذلك يوم قاسم. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 422. (¬2) في (ق 6): (قيمته). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 423. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 424. (¬5) في (ق 6): (المعيب). (¬6) قوله: (ق) ساقط من (ق 6).

واختلف إذا كانت القسمة بالقرعة على ثلاثة أقوال: فقيل هي بيع والجواب كالأول. وقال أشهب في مدونته: ليست القسمة بالقرعة بيعًا وليس حوالة الأسواق ولا النماء والنقصان فوتًا ولكن إن باع أو دبر أو حبس فهو فوت يرجع بالقيمة (¬1) يوم قاسم بخلاف البيع وذلك أن البيع؛ المشتري فيه ضامن والمقاسم غير ضامن لما قاسم. قال ابن عبدوس: ويدخل على أشهب ما ذكر في الموت يقال له فلو ذهبت يده بعد القسم ثم أعتقه فأوجبت عليه قيمته صحيحًا يوم قاسم وهي مائة وقيمته يوم العتق خمسون فأغرمته مائة فقد ضمنته ما لم يكن في ضمانه وقد كان التسليط موجودا والضمان مرتفعًا. قال: فأما سحنون: فإنما ضمنه القيمة يوم العتق، قال سحنون: فإن باع أحدهما واستحق عبد الآخر كان الثمن بينهما وإن كانت أمة فحملت منه ضمن قيمتها يوم حملت وعند أشهب يوم قاسم وإن وهب أو حبس فعلى أصل سحنون، تجوز الهبة في نصيبه ويأخذ شريكه نصيبه من الموهوب له وإن كان مما ينقسم قاسمه وإن أعتق ضمن قيمة نصيب أخيه يوم قاسم. قال: وعلى أصل سحنون (¬2) يعتق نصيبه، ويُقَوَّم عليه شريكه نصيبه يوم التَّقويم إن كان مليًّا انتهى قوله. فاتفق أشهب وسحنون إذا لم يخرج من اليد أن النماء والنقصان بينهما وليس بفوت. واختلف إذا خرج من اليد ببيع أو هبة أو صدقة أو حبس أو عتق فجعله ¬

_ (¬1) في (ق 6): (بقيمته). (¬2) في (ق 7): (أشهب).

أشهب فوتًا والقيمة يوم قاسم؛ لأنه كان بتسليط من الشريك. واختلف فيه قول سحنون فرآه مرة فوتًا والقيمة يوم فات (¬1)؛ لأنه كان بتسليط من الشريك وجعله مرة كالمستحق فيرجع في عينه إن وهب أو تصدق وإن أعتق كان الاستكمال في العتق يوم الرجوع؛ لأن ذلك التسليط كان بالجبر إذا دعا إليه صاحبه ففارق التسليط اختيارًا، وإذا كان التقويم الآن كان الذي يرجع بالخيار بين أن يعتق أو يقوم على شريكه، ففارق مسألة الأمة بين الشريكين يعتقها أحدهما فإنه يمضي عتق جميعها؛ لأن الشريك عالم بالتزام القيمة وهذا غير عالم أن معه شريكًا، فإن مات العبد بعد العتق وقبل رجوع الشريك (¬2) لم يضمن نصيب صاحبه على أحد قولي سحنون وتكون الدار بينهما؛ لأن ابن القاسم وأشهب يقولان إذا صبغ الثوب، ثم اطلع على عيب أن الصبغ ليس بفوت وله أن يرد ويكون شريكًا بالصبِغ، وهذا محمل البيوع والقسمة ليس فيها فوت. قال الشيخ - رضي الله عنه -: قول ابن القاسم أحسن وليس الهدم والبناء كالصبغ، والهدم فوت كما قال فيمن اشترى ثوبًا فقطعه تبابين (¬3) أو بنيانًا فهدم (¬4) أنه يرجع بالعيب ولا يرد والبناء فوت كالصغير يكبر وهذا إذا كانت قاعة فبناها، أو كانت مما تعظم فيها النفقة فإن لم تكن قاعة وكان البناء يسيرًا أو الهدم يسيرًا كان كالصبغ. ¬

_ (¬1) في (ف) و (ق 7): (أفات). (¬2) في (ق 6): (الرجوع). (¬3) التبابين: جمع تبان، وهي السراويل الصغيرة. انظر: لسان العرب: 13/ 71، بتصرف. (¬4) في (ق 7): (شابا فهرم).

واختلف بعد القول أن لا تكون القيمة يوم القسم، فقيل القيمة في الأرض يوم بنى كما قيل في الاستكمال في العتق يوم أعتق؛ لأنه كان بتسليط من المالك. وقال ابن عبدوس عن سحنون أنه قال: يشاركه في قاعته بما بنى ثم يعملان في البناء على حديث حميد (¬1) بن قيس (¬2). واحتج في الهدم فعلى قوله هذا إن أعاد فيها نقضها كان شريكًا بالتلفيق وحده، وإن زاد فيها كان شريكًا بالزائد والتلفيق. وإن انهدم ذلك وغصب جميع النقض قبل الأخذ بالعيب لم يضمن أحدهما للآخر شيئًا وكانت الشركة في القاعة كالاستحقاق. وعلى القول الأول تكون مصيبته من الباني وعليه قيمة نصيب شريكه من القاعة والأنقاض. فإن هدم الشريك ولم يبنه حتى قام شريكه رجع فيه مهدومًا والهدم بخلاف البناء لأنه على أحد أمرين، إما أن يقال أن ذلك بتسليط من الشريك فلا شيء عليه والبناء إذا كان بتسليط فوت أو يقال: إنه كالمستحق فلا شيء على من هدم ثم استحق، كما لا يضمن لو تلف من يديه وإنما يضمن بالهدم على القول أن القسمة بيع وتكون القيمة يوم قاسم. ¬

_ (¬1) في (ق 7): (حمديس). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 245، ولم أقف على الأثر، وإنما قال في النوادر: 10/ 507: من كتاب ابن حبيب وغيره: ذكر حديث حميد بن قيس فيمن أحيا أرضا مواتا لا يظنها لأحد، ثم أتى من يستحقها بالبينة، فقضى عمر أن لرب الأرض إن شاء أعطى الذي عمر قيمة ما أحدث فيها، وإلا أعطاه الآخر قيمة أرضه).

باب فيمن اشترى عبدا فباع نصفه ثم استحق ربعه وإذا اقتسما عبدين فاستحق أحدهما أو نصفه وكيف إن طرأ أخ بعد القسمة وقد هلك ما أخذ

باب فيمن اشترى (¬1) عبدًا فباع نصفه ثم استحق ربعه وإذا اقتسما عبدين فاستحق أحدهما أو نصفه وكيف إن طرأ أخ بعد القسمة وقد هلك ما أخذ قال ابن القاسم فيمن اشترى عبدًا فباع نصفه ثم استحق ربعه قال: فيأخذ المستحق ربعه من المشتري الأول والآخر، ويكون المشتري الآخر بالخيار بين أن يتمسك بالباقي أو يرده ويرجع بالثمن، ويكون للمشتري الأول على بائعه مثل ذلك يكون بالخيار (¬2). وقال أشهب: يأخذ المستحق ربعه من البائع الأول خاصة ولا رد له (¬3)؛ لأن الجزء الذي اشترى له بحاله، ولا رد للمشتري الأول على بائعه؛ لأنه باعه إياه كله فليس له أن يرد بعضه فجعل الاستحقاق في نصيب البائع وحده، وقول ابن القاسم أبين، وإنما يجعل البيع في نصيبه إذا كان عالمًا بالشريك، وأما مع (¬4) عدم العلم فإنما باع نصفا من جملة يرى أنها له، فلا يحمل على المبيع (¬5) أنه من أحد النصفين دون الآخر، وللمشتري الآخر أن يرد بعيب الشركة في الاستحقاق؛ لأنه اشترى نصفًا ليختدم يومًا والبائع يومًا وإذا استحق ربعه استخدمه المستحق يومًا من أربعة وذلك عيب عليه؛ لأنه يغيب عنه يومين، وعيب آخر أنه إذا اختدمه المستحق يومًا استخدمه المشتري يومًا والبائع يومًا، ¬

_ (¬1) في (ق 6): (ابتاع). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 296. (¬3) انظر. النوادر والزيادات: 10/ 425. (¬4) قوله: (مع) ساقط من (ق 7). (¬5) في (ق 6): (البيع).

فصل [إذا اقتسم الشريكان عبدين ثم استحق نصف عبد أحدهما]

وبقي يومًا شركة لا يقدران على قسمة خدمة (¬1) ذلك اليوم، وهذا خلاف أن يكون العبد بين شريكين فيبيع أحدهما نصفه من ثالث (¬2) فلا مقال لصاحب النصف الذي لم يبع؛ لأن القسمة الأولى لا تتغير وهو على حقه؛ لأنه يختدمه يومًا والذين (¬3) اشتروا يومًا على الأصل الذي كان قبل البيع؛ لأن من حق الأول مع البائع أن يختدمه يومًا بيوم والذين اشتروا يحلون محل البائع في ذلك، وكذلك لو كان عبد بين رجلين فباع أحدهما نصف نصيبه لم يتغير القسم الأول فيختدمه من لم يبع يومًا والبائع والمشتري منه يومًا، وإن قال المشتري الثاني: (¬4) أنا أتمسك ولا أرد وقال المشتري الأول: أنا أرد الربع والثمن الباقي في يدي- كان البائع الأول بالخيار بين أن يقبل ذلك أو يمنعه الرد ويعطيه قيمة عيب الشركة بالربع؛ لأنه يقول: إن رددت عليَّ كان عليَّ في مقاسمة المشتري الخدمة منك عيب؛ لأن للأول يومًا من أربعة وتبقى ثلاثة أيام يختدمه البائع الأول يومًا والمشتري الآخر يومًا، ويبقى يوم لا يقدران على قسمته إلا على حرج أو يكون بعض يوم وبعض يوم. فصل [إذا اقتسم الشريكان عبدين ثم استحق نصف عبد أحدهما] واختلف إذا اقتسم الشريكان عبدين ثم استحق نصف عبد أحدهما، فقال ابن القاسم: يرجع المستحق من يده في ربع العبد الذي في يد صاحبه؛ لأنه ثمن الذي استحق من نصيبه إن كان قائمًا وإن كان فائتًا فقيمته يوم قبضه ولا يكون ¬

_ (¬1) قوله: (خدمة) ساقط من (ق 6). (¬2) في (ق 6): (ثلاثة). (¬3) في (ق 7، في 2): (والذي). (¬4) قوله: (الثاني) ساقط من (ق 6).

الذي يرجع بالخيار في رد الباقي وأجرى القول على أن القسمة بيع (¬1). وقال أشهب المستحق من يده (¬2) بالخيار فإن أحب أمسك الباقي في يده ورجع في ربع العبد وإن أحب رد ويكون النصف الباقي والعبد الآخر بينهما نصفين (¬3) قال: لأن القسمة ليست ببيع. وأرى أن يكون له الرد وإن كانت القسمة بالتراضي، إذا قال المستحق من يده إنما أردت دفع ضرر الشركة. وإن استحق جميع العبد رجع في نصف العبد الذي بيد صاحبه إن كان قائمًا، وإن تغيرت سوقه أو تغير في نفسه أو خرج من يده (¬4) ببيع أو هبة أو صدقة أو عتق، وكانت القسمة بالتراضي- كان فوتًا ورجع بالقيمة يوم قاسم، وإن كانت بالقرعة عاد الخلاف المتقدم فمن قال: إن القسمة بالقرعة بيع رجع على شريكه بالقيمة يوم قاسم، وعلى قول سحنون وابن عبدوس يكون له في البيع نصف الثمن (¬5). واختلف قوله في الهبة والصدقة والعتق، هل يمضي بالقيمة يوم وهب أو تصدق أو لا يضمن ذلك ويتبع الشريك الموهوب له أو المتصدق عليه، ويكون في العتق بالخيار بين أن يعتق نصيبه أو يقومه الآن على المعتق؟ وإذا كان العبد الذي يرجع فيه قائمًا وقد اغتل كل واحد منهما عبده، فإن كانت القسمة بالتراضي لم يرجع أحدهما على الآخر في شيء من الغلة وكان ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 297. (¬2) في (ق 6): (يديه). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 425. (¬4) قوله: (من يده) ساقط من (ق 7). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 244.

فصل [فيمن ورثوا عبيدا واقتسموهم ثم مات أحد العبيد واستحق آخر]

لكل واحد منهما ما اغتله، وكذلك إذا كانت القرعة على القول أنها بيع، وعلى القول أنها تمييز حق يكون المستحق من يده بالخيار بين أن يمسك غلة العبد المستحق من يده ولا يرجع على أخيه بشيء ولا يرجع أخوه عليه بشيء، وإن شاء رد الغلة فكانت مع العبد الذي لم يستحق وغلته (¬1) بينهما نصفين وهذا قول ابن عبدوس (¬2). فصل [فيمن ورثوا عبيدًا واقتسموهم ثم مات أحد العبيد واستحق آخر] وقال أشهب: قال مالك في ثلاثة إخوة ورثوا ثلاثة أعبد فاقتسموهم، وصار لكل واحد منهم عبد ثم استحق أحدهم ومات آخر قال: يرجع الذي استحق من يديه فيأخذ ثلث الحي ويبقى ثلثاه لمن هو في يديه ولا يرجع الذي مات العبد في يديه بشيء (¬3)، يريد: ولا يرجع عليه. وقال أشهب: فلو كانت المقاسمة بيعًا رجع من استحق عبده على الذي مات في يده بثلث قيمته يوم دفعه (¬4)، وقد قيل أيضًا: إنه وإن كانت القسمة تمييز حق فإن لمن مات عبده أن يرجع في ثلث الحي؛ لأنه كشف الغيب أن الشركة كانت في عبدين بين ثلاثة فلا يصح فيها قرعة (¬5). قال أشهب: فإن رجع الورثة بثمن العبد المستحق كان ثلثا ذلك الثمن وثلث العبد الباقي للمستحق منه، وثلث الثمن وثلثا العبد الباقي للذي العبد ¬

_ (¬1) في (ق 6): (وعليه). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 246. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 12/ 125. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 243. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 11/ 216.

[فصل: في أخوين ورثا عبدين واقتسماهما ثم مات أحد العبدين وطرأ أخ]

في يديه، فإن كان الثمن أكثر فالزائد بين الإخوة الثلاثة أثلاثًا، وعلى القول الآخر يكون العبد الباقي والثمن المرجوع به بين الإخوة الثلاثة أثلاثًا (¬1). وإن كانت القسمة بالتراضي كان الجواب في نصفي (¬2) العبدين الحي والميت على ما تقدم؛ لأنه لم يقع فيهما بيع وإنما تبايعا نصف أحدهما بنصف الآخر، فإذا استحق أحدهما كشف الغيب أن ما وقع عليه البيع من نصفيهما بينهما أثلاثًا، فيقول الذي في يديه الحي: اشتريت نصفًا وأنا أرى أنه للبائع مني فتبين أن ثلثه لي وثلثه للغائب وليس لبائعه إلا ثلثه وفيه يصح البيع، ويقول الذي مات في يديه العبد: اشتريت نصفًا وأنا أرى أنه للبائع مني، فتبين أن الذي للبائع ثلثه وثلثه للغائب وثلثه لي وإنما يصح البيع في ثلثيه ولم يسلم عن هذين الثلثين إلا ثلثا وبقي عنده ثلثا لم يسلم عنه شيء، فيكون ذلك الثلث وثمن (¬3) الحي الذي صح فيه البيع بين الأخوين نصفين، فيرجع الحاضر على من مات عنده بقيمة نصف الثلث بمنزلة من باع عرضًا بعرض، ولا شيء للغائب على من مات في يديه لأنه مستحق. [فصل: في أخوين ورثا عبدين واقتسماهما ثم مات أحد العبدين وطرأ أخ] وقال محمد في ميت ترك ولدين وعبدين فاقتسماهما قسمة، ثم مات أحد العبدين وطرأ أخ قال: القسمة باطل ويكون العبد الباقي بين ثلاثتهم كأن الميت لم يترك سواه، قال: ولو صار لكل واحد منهما عبد بشراء اشتراه من أخيه بثمن معلوم، أو من وصي أبيهما لكانت مصيبة نصف العبد الميت بين الإخوة الثلاثة؛ لأنه لم يشتره والنصف الذي اشترى منه وحده، ثم يكون نصف العبد ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 11/ 216، 217. (¬2) في (ق 7): (نصف). (¬3) قوله: (وثمن) ساقط من (ق 7).

الحي الذي لم يقع عليه شراء، والنصف الذي وقع عليه الشراء يكون الأخوان بالخيار في إنفاذ بيعهما منه. قال محمد: بل الطارئ وحده بالخيار في إنفاذ بيعه منه وهو السدس، فإن أنفذه رجع بثمنه على من قبضه (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: قوله إذا كانت قسمة يكون العبد الباقي أثلاثًا هو أحد قولي مالك. وعلى القول الآخر لا يكون لمن مات عبده (¬2) فيه شيء ويكون ثلثاه لمن هو في يديه وثلثه للطارئ. وإذا تبايعاهما فإنما وقع البيع في نصفيهما، فإن أخذ أحد الأخوين نصف العبد الذي في يديه بثلاثين وهو الحي منهما، وأخذ الآخر نصف العبد بخمسة عشر، كان نصف الحي شركة بين ثلاثتهم ومصيبة نصف الميت أيضًا من جميعهم، ويرجعان إلى ما وقعت فيه البياعات فيقول الذي في يديه الحي لأخيه الذي مات العبد في يديه بعتني نصفًا بثلاثين كشف الغيب أن الذي يملك منه الثلث وثلثاه لي وللغائب فَردَّ علي عشرة التي (¬3) ينوب نصيبي وعشرة عن نصيب الطارئ فإن أجاز البيع كان في نصيبه وأخذها وإن لم يجز كان نصيبه له وأخذتها (¬4) ثم يرجعان إلى المقال في نصف الميت، فيقول الذي مات في يديه للذي باع منه بعتني نصفًا كشف الغيب أن ثلثه لي، فرد علي ثمنه وهو خمسة ويبقى ثلثاه يمضي فيهما البيع. ثلث هو نصيب من كان ولي البيع وثلث ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 35، 11/ 254. (¬2) في (ق 7): (عنده). (¬3) في (ق 6، ق 2): (الذي). (¬4) في (ق 6): (وأخذ بها).

فصل [في الجاريتين تستحق إحداهما بعد القسم]

للطارئ وهو لا يختار إلا إجازة البيع؛ لأنه مات فالذي يصير لمن مات عبده سدس الحي وهو خمسة دنانير وللطارئ سدس العبد وخمسة دنانير ولمن في يديه العبد ثلث جميعه بميراثه عن أبيه وسدسه بشرائه من أخيه الذي مات العبد في يديه ويبقى سدس وهو نصيب الطارئ الذي بيع بعشرة دنانير وإن أجاز الطارئ البيع فيه أخذ العشرة وكان ذلك السدس لمن هو في يديه فيستكمل به ثلثي (¬1) العبد وإن لم يجز البيع كانت العشرة للذي في يديه العبد ويصير للطارئ ثلث العبد. فصل [في الجاريتين تستحق إحداهما بعد القسم] ولو اقتسما جاريتين فأولداهما ثم استحقت إحداهما كان الجواب في المستحقة على ما تقدم في كتاب الاستحقاق. ويختلف هل يعطي المستحق قيمتها يوم حملت، أو قيمة الأم والولد يوم الحكم، أو يأخذ الأم وقيمة الولد؟ وقال ابن القاسم: يأخذ قيمتها إلا أن يكون عليه في ذلك ضرر (¬2)، يريد: أن يكون علقها فهو أحق بماله، ويعود المقال بين الأخوين في الجارية التي لم تستحق، فإن كانت القسمة بالتراضي أو بالقرعة على القول أنها بيع يكون على من هي في يديه نصف قيمتها يوم قاسم. واختلف بعد القول أنها تمييز حق، فقال ابن القاسم: يوم قاسم، وقال ¬

_ (¬1) في (ق 6): (ثلث). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 303.

سحنون: يوم حملت (¬1)، يريد: إذا كان موسرًا ويختلف إذا كان معسرًا فعلى قول (¬2) ابن عبدوس في العبد يعتق أنه يكون على الأخ نصف قيمته يوم التقويم (¬3)، ويكون للشريك أن يأخذ نصف الأمة ويتبع بنصف قيمة الولد؛ لأنه أنزله في العتق بمنزلة المستحق ويكون له نصفه في العتق (¬4) على أصله إذا كان معسرًا وكذلك الأمة، وهو قياد قوله في الدار يقتسمانها ثم يستحق ما بيد أحدهما وقد بنى الآخر، أنه يرجع على أخيه كما يرجع المستحق ويأخذ نصفه من القاعة، ويدفع قيمة البناء ولم يراع ما كان من تسليط المقاسمة. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 245. (¬2) في (ق 7): (فقال). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 244. (¬4) في (ق 6): (المعتق).

باب في قسمة الطريق والجدار والبئر والمأجل والحمام والدار الصغيرة

باب في قسمة الطريق والجدار والبئر والمأْجَل (¬1) والحمَّام والدار الصغيرة وإذا اقتسم الشريكان دارًا وأبقيا الطريق شركة بينهما، ثم دعا أحدهما إلى القسمة أو مقاواته لم يكن ذلك؛ لأن قسمته فساد وقد رضيا ببقائه بينهما، إلا أن يكون واسعًا إن قسم صار لكل واحد منهما طريق على المعتاد لمثل الدار فيقسم. واختلف في قسمة الجدار يكون بين الدارين، فقال ابن القاسم: يقسم إذا لم يكن في ذلك ضرر (¬2). وقال أشهب في مدونته: لا يقسم؛ لأن في قسمته ضررًا على من أبى وليس منه شيء إلا وله فيه مرفق (¬3) يضع فيه خشبة ويضرب فيه وتده ويربط إليه دابته (¬4). قال ابن القاسم: وإن كان لكل واحد منهما عليه جذوع (¬5) تقاوياه ولم يقسم (¬6)، وليس هذا بالبين؛ لأن الحمل الذي عليه لا يمنع القسم كما لا يمنع ¬

_ (¬1) المَأْجَلُ: بفتح الجيم مُسْتنقَع الماء، والجمع المآجل، والمأْجَل شبه حوض واسع يُؤَجَّل: أَي يجمع فيه الماء إِذا كان قليلًا، ثم يُفَجَّر إلى المَشارات والمَزْرَعة والآبار. انظر: لسان العرب: ج 11/ 11. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 97. (¬3) في (ق 6): (حق). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 225. (¬5) في (ق 6، ف): (جذع). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 225، ولفظه فيها: (وإن كان لهذا عليه جُذُوعٌ ولهذا عليه جُذوعٌ لم يُقسم. قال ابن القاسم: وليتقاوياه).

قسمة العلو والسفل وحمل العلو على السفل. وأرى أن يقسم طائفتين على أن من صارت إليه طائفة كانت له وللآخر عليه الحمل. وقد أجاز ابن القاسم المقاواة، وإنما تصح المقاواة على أن من صار إليه الحائط كان ملكه له وللآخر عليه الحمل، وإذا جازت المقاواة على هذه الصفة كانت القسمة (¬1) أولى، وصفة القسمة فيه إذا كان جاريًا من المشرق إلى المغرب أن يأخذ أحدهما طائفة تلي المشرق، والآخر طائفة تلي المغرب وليست القسمة أن يأخذ أحدهما مما يلي (¬2) القبلة والآخر مما يلي الجوف؛ لأن ذلك ليس بقسمة؛ لأن كل ما يضعه أحدهما عليه من خشب فثقله ومضرته على جميع الحائط، وليس يختص الثقل والضرر بما يليه، إلا أن يريد أن يقتسما الأعلى مثل أن يكون أرضه شبرين فيبني كل واحد منهما على أعلاه (¬3) شبرًا مما يليه لنفسه، ويكون ذلك قسمة للأعلى وجملة الحائط على الشركة الأولى، أو يكونا أرادا قسمته بعد انهدامه فيقسمان أرضه ويأخذ كل واحد منهما نصفه مما يليه. وأما البئر فلا يصح قسمتها ولا مقاواتها؛ لأنها مرتفق لهما ولكل واحد إليها ضرورة ولا يستغني الساكن عنها، وكذلك المأجل لا يقسم ولا يتقاوياه إلا أن يكون واسعًا فإن ضرب بينهما حائط صار (¬4) لكل واحد منهما ما ينتفع به، قال أشهب: إن قسمت الدار وترك المأْجَل فلا يقسم وإن لم تقسم الدار ¬

_ (¬1) في (ق 7): (المقاسمة). (¬2) في (ق 7): (طائفة). (¬3) في (ق 6): (علاه). (¬4) قوله: (صار) ساقط من (ق 6).

قسم مع قسم الدار (¬1)، يريد: وإن كان يصير المأجل في إحدى الطائفتين ويسقط حظ الآخر منه ولم ير في ذلك ضررًا إذا اعتدلت القيمة. واختلف قول مالك في قسمة الحمَّام، وأن لا يقسم أحسن ولو رضي الشريكان لمنعهما السلطان لحق الله تعالى ونهيه عن إضاعة المال. وكذلك اختلف قوله (¬2) في الدار الصغيرة فقال مالك وابن القاسم: تقسم وإن صار لكل واحد ما لا ينتفع به لقول الله -عز وجل-: {مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7] (¬3)، ثم قال سبحانه: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى} [النساء: 8]، وقال أيضًا ابن القاسم (¬4): لا تقسم لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ" (¬5)، ولهذا يرجع قوله في الساحة أنها لا تقسم إلا أن يصير لكل واحد ما ينتفع به؛ لأن الفساد الذي يلحق من خراب البناء أشد من ضيق الساحة (¬6)، وقال مطرف في كتاب ابن حبيب إذا كان لا يصير لكل واحد منهما (¬7) ما ينتفع به لم يقسم وإن كان يصير لكل واحد منهما ما ينتفع به دون الآخرين قسمت (¬8). قال الشيخ - رضي الله عنه - (¬9): إذا كان يريد بالقسم أن بعضهم ينتفع بنصيبه فيعطاه ويبقى الآخرون على الشركة -فحسن يجمع نصيبهم ويصير الآخرون كأهل ¬

_ (¬1) انظر النوادر والزيادات: 11/ 225. (¬2) قوله: (قوله) ساقط من (ق 6). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 309، والنوادر والزيادات: 11/ 225. (¬4) قوله: (ابن القاسم) ساقط من (ق 7). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 224. والحديث سبق تخريجه، ص: 1370. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 221، 222. (¬7) قوله: (منهما) ساقط من (ق 6). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 222. (¬9) قوله: (قال الشيخ - رضي الله عنه -) في (ق 6): (قلت).

سهم، وإن كان يريد أنه يقسم عليهم فيعطون ما لا ينتفعون به فليس بحسن، وهذا الاختلاف إذا كانت الدار ميراثًا أو للقنية، وإن كانت للتجارة لم تقسم قولًا واحدًا؛ لأن فيه نقصًا للثمن وهو خلف ما دخلا عليه، وتقسم الساحة مع البيوت إذا كان يصير لكل واحد من الساحة ما ينتفع به لحوائجه ومدخله ومخرجه، وإن كان يصير له ما لا ينتفع به عاد الخلاف المتقدم في قسمة الدار إذا كان متى قسمت لم يصر له ما ينتفع به، وكذلك إذا قسمت البيوت دون الساحة، ثم دعا أحدهم إلى قسمتها فيختلف في ذلك حسب ما تقدم. وقال مالك: الارتفاق بالساحة سواء فإن كان يصير لأحدهم طريقه فقط، وللآخرين ما ينتفعون (¬1) به لم يقسم (¬2). وقال محمد: الانتفاع على قدر عدد البيوت ولم يراع إن كان أحدهم كبيرًا والآخر صغيرًا (¬3)، وكل هذا إنما يصح إذا كانت القيم في حين القسمة على ذلك يحط القليل النصيب من البناء بقدر ما يزاد من الساحة؛ لأن الأصل في الساحة أن الشركة فيها قبل القسم على مثل الأجزاء في البيوت، فلو كانت دار بين ثلاثة: لواحد النصف ولآخر الثلث وللآخر السدس وقيمتها مائة وعشرون لأعطي صاحب النصف من البيوت والساحة ما قيمته ستون، والآخر ما قيمته أربعون والثالث ما قيمته عشرون، ولو أعطي هذا نصف المساكن والآخر ثلثها والآخر سدسها وجعلت الساحة بينهم أثلاثًا، لكان في ذلك ظلم على صاحب النصف، وتصير قيمة النصف دون الستين والسدس ¬

_ (¬1) في (ق 6): (ينتفع). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 312. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 222.

من فوق العشرين، وإذا قسمت البيوت ثم قسمت الساحة، فإنها تقسم بالتراضي ويعطى كل واحد نصيبه أمام بيته ولا تقسم بالقرعة؛ لأنه قد يقع نصيب أحدهم عند الآخر، وقال مالك: إذا كانت الساحة واسعة ولم يكن للبيوت حجر قسمت ويحجر (¬1) كل واحد على نصيبه وإن لم يكن حجرًا لم تقسم وبقيت مناخًا (¬2) لإبلهم ومرفقًا لهم. وقال مطرف في كتاب ابن حبيب: لا تقسم مع البيوت وإن لم يكن لها حجر (¬3)، والأول أحسن، ولا وجه لهذا أن يكون ملكًا بين شركاء يمنعون من قسمته، وإنما قال ذلك مالك فيما وقف بعد التحجير. وقال: إن (¬4) الشركاء يقصدون وقفه كالحبس، وما لم يتقدم فيه قسم فلا يقال ذلك فيه، ولو قال ذلك فيما قسمت بموته لو (¬5) لم يحجر عليه لكان له وجه أن يكونوا وقفوه عن قسمتهم ليبقى مرفقها مشاعًا، فأما إن لم تقسم البيوت فلا يمنعون من قسمتها مع قسمة البيوت، والصواب أن يقسم ويجعل كل واحد تحجيرًا يستر (¬6) به عن صاحبه ولا يجوز الرضا بغير تحجير؛ لأن فيه كشفة لحريمهم في تصرفهم ودخول بعضهم على بعض. وإذا سكن أحدهم خارجًا عن الدار كان له أن ينتفع بالساحة إذا لم يسكن نصيبه غيره. ¬

_ (¬1) في (ق 7): (وبحجر). (¬2) في (ق 6): (مبادلة). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 222. (¬4) قوله: (وقال: إن) في (ق 6): (إن كان). (¬5) في (ق 7): (و). (¬6) قوله: (كل واحد تحجيرًا يستر) في (ق 6): (لكل واحد حجر يستتر).

فصل [في الانتفاع بمرافق ما يقسم من الدور]

فصل [في الانتفاع بمرافق ما يقسم من الدور] وقال ابن القاسم: إذا قسمت الدار فأخذ أحدهم العلو والآخر السفل، كان لصاحب العلو أن ينتفع بساحة السفل (¬1)، وهذه العادة عندهم، والعادة اليوم (¬2) أن صاحب السفل لا يختص بالساحة، وعلى مثل ذلك تكون القيم، ويقوم سقف السفل مع السفل (¬3)، وإن فسد منه شيء كان إصلاحه على صاحب السفل، فأما ما فسد من أجل تصرف صاحب العلو فإن إصلاحه عليه دون صاحب السفل. وأما خشب الأجنحة فلصاحب العلو إلا أن تكون ممدودة إلى سقف صاحب السفل ينتفع (¬4) بها كإحدى خشبه (¬5)، فيكون ما كان خارجًا منها لصاحب العلو وما كان داخلًا لصاحب السفل، وهذا إذا كان الملك لواحد فباع أحدهما دون الآخر، وأما إن كان مشتري العلو أحدث تلك الخشب فإن جميعها له. وإن كان لصاحب العلو خشب يصعد عليها إلى علوه ويبني عليها درجًا أو كانت سطحًا له- كان خشبها له، وإن كانت مجنبة للسفل كان خشبها لصاحب السفل. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 312. (¬2) قوله: (اليوم) ساقط من (ق 6). (¬3) قوله: (مع السفل) ساقط من (ق 7). (¬4) قوله: (إلا أن تكون ممدودة إلى سقف صاحب السفل ينتفع) في (ق 7): (وما كان داخلا لصاحب السفل فينتفع). (¬5) قوله: (كإحدى خشبه) في (ق 6): (كأخذ خشبة).

فصل [فيما يلزم صاحب السفل عند انهدام البيت]

فصل [فيما يلزم صاحب السفل عند انهدام البيت] واختلف إذا انهدمت الدار وكان سفلها لرجل وعلوها لآخر فقال ابن القاسم: يخير صاحب السفل بين أن يبنيه أو يبيعه ممن يبنيه (¬1). وقال سحنون: إنما يجوز البيع على هذا للضرر إذا كان البائع لا مال له ولو كان له مال لم يجز البيع بشرط البناء (¬2)، يريد: ويجبر على أن يبني، وقال القاضي أبو الحسن علي بن القصار: يجبر صاحب السفل على البناء إلا أن يختار صاحب العلو أن يبنيه من ماله، ويمنع صاحب السفل من الانتفاع به حتى يعطيه ما أنفق. وأرى أن يخير صاحب السفل بين أن يبني أو يبيع ممن يبني (¬3) أو يمكن صاحب العلو من البناء إذا رضي له بذلك، ثم يكونان شريكين في السفل هذا بقيمة كراء القاعة، والآخر بقيمة كراء البناء إلا أن يعطيه بعد ذلك قيمة البناء قائمًا يوم أخذه. وإن كان سبب الانهدام وهاء العلو، وكان صاحب السفل حاضرًا عالمًا ولم يتكلم على ذلك لم يضمنه. واختلف إذا كان صاحب السفل غائبًا وكان وهاء العلو مما لا يخفى سقوطه هل يضمن أم لا يضمن؛ لأنه لم يقدم إليه والأول أحسن، وإن قدم إليه فلم يفعل ضمن قولًا واحدًا وكذلك إذا كان سبب الانهدام وهاء السفل ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 312. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 106. (¬3) قوله: (ممن يبني) ساقط من (ق 7).

وصاحب العلو حاضر ولم يقدم أو كان غائبًا. واختلف إذا وهى السفل على من تعليق العلو حتى يصلح السفل، هل ذلك على صاحب العلو أو على صاحب السفل؛ والذي أستحسن أن يكون على صاحب العلو؛ لأن البيع (¬1) فيهما كان على السلامة وعلى أن حمل العلو على بناء بعينه، والمالكان لا يعلمان ما توجبه الأحكام عند فساد ذلك البناء، فإذا رث ذلك المعين لم يكن عليه أن يحمله على خشب وإنما عليه أن يخلفه جديدًا حتى يحمل عليه وما كان بين ذلك فلم يدخلا عليه. ¬

_ (¬1) في (ق 6): (التبايع).

باب في الحكم في الطريق وفي صفة القرعة

باب في الحكم في (¬1) الطريق وفي صفة القرعة وإذا اقتسما دارًا على أن يبقى الطريق شركة بينهما، أو يكون ملكًا لأحدهما وللآخر الطريق أو يفتح الآخر في نصيبه بابًا جاز، وسواء كانت القسمة بالتراضي أو بالقرعة؛ لأن الأغراض في ذلك لا تتباين، ولا أرى أن يجبر على أن يبقى الطريق عند أحدهما؛ لأن ذلك ضرر (¬2) عليه وهو مما تعظم مضرته، وإذا كان لأحدهما التطرق إلى الآخر حط من نصيبه لمكان (¬3) تطرقه ذلك؛ لأن فيه عيبًا على من عنده التطرق (¬4) فإن كان يفتح بابًا في نصيبه زيد له في نصيبه ذلك لمكان رفع عيب التطرق (¬5) عن صاحبه ولما يتكلف من الإنفاق في الفتح وفي شراء الباب حتى يعتدلا في القيمة (¬6)، وإن كان الباب الذي يفتح أحدهما يصير إلى محلة أخرى هي أدنى أو أشرف، قُوِّم ذلك النصيب على ما يكون من قيمة الديار بتلك المحلة التي يفتح إليها، فإن كانت أبخس زِيدَ في نصيبه بقدر ذلك البخس، وإن لم يكن لأحدهما مكان يفتح فيه لم يجز القسم بالقرعة ولا بالتراضي إلا على بقاء الطريق، وإن اقتسما ولم يذكرا رفع الطريق ولا بقاءه فإن كان بين النصيبين كان باقيًا على الشركة. ¬

_ (¬1) قوله: (ق) زيادة من (ف). (¬2) في (ق 7) و (ف): (عيب). (¬3) في (ق 6): (ما كان). (¬4) في (ق 6): (الطريق). (¬5) في (ق 7، ق 2): (التطريق). (¬6) في (ق 6): (القسمة).

فصل [في قسمة السهام]

واختلف إذا صار (¬1) الباب في حظ أحدهما، فقال ابن القاسم: الطريق (¬2) شركة على حاله حتى يشترط رفعه (¬3)، وقال مطرف في كتاب ابن حبيب: تنقض القسمة وتعاد على معرفة وكذلك مجرى الماء إذا صار في نصيب أحدهما، وهذا أبين إذا لم يفهم أحدهما عن الآخر رفعه ولا بقاءه، إلا أن يكون لأحدهما دليل رفعه أو بقائه، فإن لم يكن لمن ليس عنده الباب موضع يفتح فيه كان دليلًا على بقائه، وإن شرطا أن يضربا حائطًا بين النصيبين مادًّا (¬4) إلى خارج كان دليلًا على رفعه، فإن كان له موضع يفتح فيه وإلا كانت القسمة فاسدة. فصل [في قسمة السهام] وإن خلف الميت زوجة وابنًا ودارًا وكانت تحمل القسم قسمت أثمانًا وكتبت رقعتان بأسمائهما، واستحب أن يختم عليها بطين ثم يرميا على الطرفين، فإن رميت إحداهما على طرف أغنى عن رمي الأخرى، فإن كانت التي خرجت اسم الزوجة أخذت ذلك الثمن وكان البقية للابن، وإن كانت باسم الابن أخذت الزوجة الثمن من الطرف الآخر وكانت البقية للابن. واختلف إذا كان الولد عددًا، فقال مالك مرة: هم كأهل سهم واحد فيكون القسم كالأول، يقسم أثمانًا فيا صار للزوجة أخذته وما صار للأولاد استأنفوا قسمه إن كان ينقسم أو باعوه إن لم يحمل القسم. ¬

_ (¬1) في (ق 6): (كان). (¬2) في (ق 6): (الطريق). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 318. (¬4) في (ق 6): (هذا).

وقال أيضًا: كل واحد صاحب سهم فيقسم على أقلهم، ورأى ابن القاسم أنهم ليسوا كأهل سهم وأجاز أن يتراضوا على أن يجتمعوا، ويضرب لهم سهم واحد للاختلاف في ذلك (¬1). وإن كانت زوجة وأخ أو (¬2) ابن عم كان كالولد الواحد. ويختلف إذا كانوا عددًا هل هم كأهل سهم واحد فيقسم أرباعًا أو على أقلهم سهمًا، والصواب في الولد والإخوة والأعمام أنهم كأهل سهم؛ لأن الذي (¬3) لهم الباقي بعد السهمين (¬4). وإن كن أربع زوجات ضرب لهن بسهم واحد قولًا واحدًا، وإن كان الذأنه ولد فبالثمن وإن لم يكن فبالربع، وإن كن زوجات وجدات وعصبة كتب ثلاث رقاع إحداهن باسم الزوجات، والأخرى باسم الجدات والأخرى باسم العصبة وختم عليها وخلطت، فإن اتفقوا على أن يبدأ بالضرب على أحد الطرفين، وإلا أقرعوا على الطرف الذي يبدأ به، فإن خرج قسم الزوجات أخذنه ثم قسمنه بينهن إن كان ينقسم، فإن خرج كان سهم الجدات أولًا أكمل لهن مما يليهن سدسًا، وإن خرج (¬5) سهم البنين أو العصبة أكمل لهم عليه سبعة عشر سهمًا. وإن كن زوجات وجدات وبنات وعاصبًا فأقلهم سهمًا العاصب؛ لأن له ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 217. (¬2) قوله: (أخ أو) ساقط من (ق 6). (¬3) في (ق 6): (الذين). (¬4) في (ق 6): (السهمان). (¬5) في (ق 7): (جمع).

سهما من أربعة وعشرين، فيقسم على أربعة وعشرين إن كانت تنقسم وإلا لم يقسم، واستحسن إذا كان ينقسم أثلاثًا ولا ينقسم ذلك الثلث على البقية أن يقسم، فيأخذ البنات أنصباءهن وتبقى الشركة فيما لا يحمل القسم، والجواب في هذا بخلافه إذا كان القسم على جميعهم إلا العاصب؛ لأن كل واحد من الورثة يقول: أنا آخذ نصيبي بانفراده ويبقى العاصب معك، فإذا دفع كل واحد عن نفسه ولم يكن أحق بانفراده من الآخر بقيت الشركة على حالها، وإن رضي أحدهم ببقائه معهم جاز وقسمت الدار، واستحسن إذا لم يرض أحدهم أن يقترعوا على من يبقى شريكًا له، فمن وقع سهمه معه قسم وضرب لهما بسهم. وإن اجتمع لأحدهم أسهم من وجوه شتى: من ميراث بعد ميراث، أو ميراث وشراء من بعض الورثة، أو من ملك تقدم قبل الميراث أو ميراث وهبة - أن (¬1) من حقه أن يجمع له كل ذلك في موضع واحد ويضرب له عليه بسهم، فإن أكثر السهام وتشاحوا في أي الطرفين يبتدأ به أقرع على أيهما يبتدأ به، فإن أوقع على طرف ابتدئ بالقسم عليه (¬2)، فإن أخذه أحد الورثة زال سهمه وعاد ما يليه كأنه طرف، فإن اختلفوا أيضًا أقرع عليه وعلى الطرف الآخر هكذا حتى لا يبقى إلا سهمان فيقسمان من غير قرعة؛ لأن الضرب على أحدهما ضرب على الآخر (¬3). ¬

_ (¬1) في (ق 7): (كان). (¬2) قوله: (عليه) ساقط من (ق 7). (¬3) انتهى كتاب القسم في (ق 6) و (ق 7).

باب في الشريكـ أو الجار يحدث بابا أو يحدث حانوتا أو يجعل الجار داره مسجدا أو حماما أو فندقا أو فرنا

باب (¬1) في الشريكـ أو الجار يحدث بابًا أو يحدث حانوتًا أو يجعل الجار داره مسجدًا أو حمامًا أو فندقًا أو فرنًا وقال ابن القاسم في الشريكين في دار يريد أحدهما أن يفتح بابًا لدار له أخرى: فإن كان الحائط الذي فيه شركة منع. قال: وإن كان له خاصة لم يمنع وينتفع له بالتطرق إلى دار الشريك، فإن أراد الشريك القسمة؛ قسم على أنه إن صار الباب الآخر سد وإن أراد البيع سد ثم بيع؛ لأنه كونه عيب في ثمن الدار (¬2). واختلف في هذا الأصل، هل يباع ذلك في حين لا يضر، فإذا أضر منع ولم يمنع الآن خيفة أن يطول الأمر وينسى كيف كان فيدعى بعد ذلك أنه حق له؟ والذي يقتضيه حال الناس اليوم المنع، وقد يكون شريرًا أو ملكًا فلذلك أبعد في الشر عليه وهو في الرجل الصالح أخف، والمنع أحسن؛ لأن الأمر يطول والموت يحدث ولا يدرى كيف الحال مع ورثته، واختلف في الذي يحدث طاقًا يسترها، فقيل: لا يمنع، وقيل: يمنع؛ لأنها تتعين ويحتاج إلى منازعة في إعادة السترة وهذا أحسن. وإن أراد المقاسمة وقال: صاحب المنفردة أعطني ما يقابل داري لم يكن ذلك له، وإنما يقرع بينهما فإن صار ذلك له وإلا لم يكن له، فقال: فإن كان زقاق غير نافذ ولرجل هناك باب فأراد أن يحوله، فقال ابن القاسم: ليس له أن يحدث ذلك حذاء باب جاره أو قربه؛ لأنه يقول: كنت في سترة وأقرب ¬

_ (¬1) هذا الباب مثبت من نسخة (ف) (¬2) انظر: المدونة: 4/ 316، والبيان والتحصيل: 9/ 403، والنوادر والزيادات: 11/ 44.

لحمولتي إلى جاري (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: وذلك إذا كانت ضيقة، وإن كانت واسعة لم يكن عليه أن يبعد عنه وإنما عليه أن ينكب عنه لئلا يكشف، وله أن يجعل ظلة إذا كانت لا تضر بالضوء متى أحدث من يقابله ظلة مثل ذلك، ويبقى ما لا يضر وليس لمن ليس له في تلك الرائغة (¬2) باب أن يحدث عندهم بابًا، ولا يحدث عندهم ظلمة إذا كان له عندهم حائط، وأهل الرائغة أحق بقاعتها وسمائها ولو أرادوا أن يضيفوها إلى ديارهم لم يمنعوا من ذلك، وإذا كانت سكة نافذة لم يمنع من إحداث باب. واختلف هل عليه أن ينكب، فقال ابن القاسم: ليس ذلك عليه، وقال سحنون: عليه أن ينكب من ذراع أو ذراعين (¬3)، وأن ينكب أحسن، وليس ضرر الباب كضرر المارة؛ لأن المار لا يواجه الباب، وإنما يكون في الغالب جنب الباب والذي يقابل يواجه الموضع من يخرج من عنده ويجزئه من ذلك ما يرفع الكشفة وإن قل، والمعتبر من الكشفة القدر الذي يفتح من البابين؛ لأن فتح المصراعين لا يحتاج إليه إلا في النادر. واختلف في إحداث الحانوت هل يكون بخلاف الدار فيمنع في مثل لو كان باب دار؟ لم يمنع (¬4) والمنع أحسن؛ لأنه مجلس ثابت وربما جلس عنده غيره، ويشق على مَنْ في الدار خروجهم ودخولهم، وكذلك الرجل يراعون جميع حاله وتجره وعيشه إلا أن يحدث في موضع فيه حوانيت، فلا يمنع إذا لم يقابل الباب حتى ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 315، 316، والبيان والتحصيل: 9/ 403، والنوادر والزيادات: 11/ 44. (¬2) رائِغةٍ: أَي طريقٍ يَعْدِلُ وَيمِيلُ عن الطريقِ الأَعْظَمِ. انظر: لسان العرب: 8/ 430. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 45. (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 9/ 403، والنوادر والزيادات: 11/ 45.

يكشف مَنْ في الدار أو سقيفته إن فتح الباب ويمنع من إحداث فندق؛ لأن الناس يجلسون على بابه، ومن إحداث فرن لمضرة الدواب التي توقف ببابه وقربه، والعمال الذين يقعدون ويبيتون في الصيف هناك. والحَمّام في هذا خفيف، هذا إذا كان الموضع متسعًا ولا يصل منه الدخان وإلا منع. وإذا كان بالموضع حمَّام فأراد صاحبه أن يجعل مكانه فرنًا مُنع لمضرة الدواب والخدمة، وإن كان فرنًا كان له أن يجعله حمامًا بندى في حق من يقابله إلا مقال من أجل الكشفة فإن كان الدخان الأول يصل إلى ما يقابل، سئل أهل المعرفة هل المضرتان سواء أو الثاني أضر؟ وأما في حق من يجانبه فإن له أن يمنع أن يجعل أحدهما مكان الآخر؛ لأن المضرة مختلفة فالحمَّام يضر بالبناء الذي يلاصقه بالبخار (¬1) والندى، والغالب أن يفسده ويشق، والفرن يضر هذا الرحاء إلا أن يجعله لحريق الخبز دون الطحين، وكذلك لو كان يخبز الخبز وحده لم يجعل رحى وإن كان الطحين لم يجعله لحريق الخبز وإن كان رحى بلدية لم يجعله رحى فارسية، وإن كانت فارسية لم يجعل مكانها بلدية والفارسية أضر من البلدية في حين الطحين؛ لأنها تهز الحيطان والبلدية أضر في حين طرحها للإصلاح أو غيره؛ لأن لها حدة ووجْبة وهدة. وإن أحدث مسجدًا لم يكن مقال لمن عن يمينه وشماله وأما الديار التي تقابله فلها مقال؛ لأن الناس يجلسون على دكاكينه وصحنه ولا يمنع إذا كان المقابل له فندقًا أو حمَّامًا. تم كتاب القسم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا ¬

_ (¬1) في (ف): (بالفخار).

كتاب الوديعة

كتاب الوديعة النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ق 6) = نسخة القرويين رقم (368)

باب في الإيداع وهل يضمن إذا ضاعت الوديعة؟ وما يعد به مفرطا، ومن أودع فأودع غيره

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلى الله علي سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم (¬1) كتاب الوديعة باب في الإيداع وهل يضمن إذا ضاعت الوديعة (¬2)؟ وما يعد به مفرطًا، ومن أودع فأودع غيره الإيدل جائزٌ لقول الله -عز وجل-: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [سورة النساءآية: 58]، وقوله: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [سورة البقرة: 283]، ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ" (¬3). ولا يؤتمن غير مأمون؛ لأن ذلك من إضاعة المال، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "إِنَّ اللهَ نَهَى عَنْ إِضَاعَةِ المَالِ". أخرجه البخاري ومسلم (¬4)، ولأن ذلك يؤدي إلى ¬

_ (¬1) قوله: (بسم الله. . . وآله وصحبه وسلم) ساقط من (ق 6). (¬2) قوله: (الوديعة) ساقط من (ق 6). (¬3) حسن: أخرجه أبو داود: 3/ 312، في باب في الرجل يأخذ حقه من تحت يده، برقم (3534)، والترمذي: 3/ 564، في كتاب البيوع، برقم (1264). (¬4) متفق عليهـ، أخرجه البخاري: 2/ 848، في باب من رد أمر السفيه والضعيف العقل وإن لم يكن حجر عليه الإمام، من كتاب الخصومات، برقم (2277)، ومسلم: 3/ 1340، في باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة والنهي عن منع وهات وهو الامتناع من أداء =

فصل [في ضمان الوديعة]

الاختلاف والجحود والشنآن واليمين الكاذبة، ولا تودع الحرم لغير ذي محرم إلا أن يكون مأمونًا له أهل، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَخْلُوَنَّ رَجَل بِامْرَأَةٍ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنهُ مَحْرَمٌ" (¬1). وأجاز مالك لمن ادعى أمةً إذا أقام شاهدًا أو أقام لطخًا ووضع القيمة أن يسافر بها إذا كان مأمونًا، ومنعه أصبغ، والمنع أصوب للحديث: "لا يخلُوَنَّ" ولأن الخوف عليها من المدعي أشد؛ لأنه يقول: هي أَمَتي وحلال لي، فهو يستبيحها إذا غاب عليها. فصل [في ضمان الوديعة] ومن المدونة قال ابن القاسم فيمن أودع وديعة فجعلها في بيته أو في صندوقه فضاعت: فلا ضمان عليه، وإن دفعها إلى زوجته أو خادمه لترفعها في بيته فلا ضمان، وهذا مما لا بد للناس منه، وقال أيضًا: إذا كانتا اللتين ترفعان له فلا ضمان عليه (¬2). وقال أشهب: إن استودعها عبده أو خادمه أو أجيره ممن هو في عياله أو غير عياله ضمن، وإن وضعها في بيته أو صندوقه أو غير ذلك من بيته أو بيت غيره ولم يأمنه عليها وَيُخَلى بينه وبينها لم يضمن (¬3). ¬

_ = حق لزمه أو طلب ما لا يستحقه، من كتاب الأقضية برقم (1715)، ولفظ البخاري: "إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنع وهات. وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال". (¬1) سبق تخريجه ص: 823. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 433. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 430.

قال الشيخ - رضي الله عنه -: إن وضعها في بيته أو جعلها في صندوقه ولم يقفل عليها، وكان لا يتصرف له (¬1) أحد، أو له أهل لا يخافهم عليها لم يضمن، وإن كان يخافهم ضمن إلا أن يقفل عليها، وإن كان عَهِدَ منهم الخيانة بعد القفل ضمن، وإن قفل، وإن شرط صاحبها أن يقفل عليها فلم يفعل ضمن، وإن لم يكن له أهل أو كانوا مأمونين. وقال محمد بن عبد الحكم: إذا قال: اجعلها في تابوتك ولا تقفل عليها، ففعل فسرقت ضمن؛ لأن السارق إذا رأى التابوت مقفلًا كان أطمع، ولو قال له (¬2): اقفل عليها قفلًا واحدًا، فقفل عليها قفلين لم يضمن (¬3). قال الشيخ - رضي الله عنه -: السارق يقصد التابوت وإن لم يكن عليه قفل؛ لأنه يعلم أنه (¬4) مما يرفع فيه فلم يكن لزيادة الأطماع وجه كما لم يكن إذا (¬5) قفل بقفلين. قال: ولو قال له: اجعلها في قدر فخار، فجعلها في سطل ضمن، ولو قال له: اجعلها في سطل، فجعلها في قدر فخار لم يضمن (¬6). يريد: لأنه خالف إلى ما لا يقصد سرقته، والأول خالف إلى ما يقصد سرقته في نفسه وهو السطل، ولو قال له: اجعلها في هذا السطل، فجعلها في مثله لم يضمن، ولو لقيه في غير بيته فقال له: اجعلها في وسطك فجعلها في كمه أو جيبه ضمن. ولو قال له: اجعلها في كمك فجعلها في وسطه أو في عمامته لم يضمن. ولو قال: اجعلها في ¬

_ (¬1) في (ق 6): (إليه). (¬2) قوله: (له) ساقط من (ق 6). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 431. (¬4) قوله: (يعلم أنه) زيادة من (ق 6). (¬5) قوله: (لم يكن إذا) يقابله في (ق 6): (لو). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 431.

عمامتك فجعلها في وسطه لم يضمن. ولو لم يشترط حيث يجعلها فجعلها في كمه أو في عمامته لم يضمن. وفي جعلها في الجيب نظر. وقال ابن وهب في العتبية: إن دفعت إليه وهو في المسجد أو في مجلس فجعلها على نعله فذهبت (¬1) لم يضمن (¬2). يريد: إذا جعلها هناك بحضرته أو بعد أن غاب وكانت الوديعة ثيابًا أو دراهم كثيرة مما الشأن ألا يجعل في كمه إلا عند القيام، كان كانت صرة دنانير ضمن؛ لأنه فرط، ولو أخذ نعله فنثرها ناسيًا ضمن. ويختلف إذا قام ونسيها، فقال ابن حبيب: يضمن (¬3)، ويجري فيها قول آخر ألا ضمان عليه (¬4) قياسًا على المودع مائة دينار فيدعيها رجلان وينسى أيهما أودعه، أو اشترى ثوبين من رجلين بالخيار فاختلطا ولم يدر لمن الجيد منهما، فاختلف هل يضمن لهما أو لا يكون عليه شيء؟ وأن يعذر بالنسيان أبين؛ لأنه لا يعد بالنسيان مفرطًا. وقال ابن الماجشون فيمن أودع وديعة فأراد أن يأخذ ماله فأخطأ فأخذ الوديعة: هو ضامن، وهذا أصوب؛ لأن هذا أخطأ بفعل والأول بنسيان بغير فعل، وكذلك الذي نسي فنثرها من نعله ضمن بالفعل ليس بمجرد النسيان. ¬

_ (¬1) قوله: (فذهبت) زيادة من (ق 6). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 429. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 430. (¬4) قوله: (عليه) زيادة من (ق 6).

فصل

فصل ومن أودع وديعة فقد جعل النظر فيها إليه، فإن أخرجها عن نظره إلى نظر غيره ضمن إلا أن تكون هناك عادة أو عذر خوف عورة بيته أو سفر، فأما الزوجة فلا بأس أن يدفعها إليها لترفعها أو لتكون وديعة عندها، وهذا الشأن ألا يصون الرجل (¬1) ماله عن زوجته إلا أن يعلم منها خيانة إلا أنه لا يرفع نظره وتفقده، وكذلك أم ولده إذا علم منها الأمانة. وقال ابن القاسم: إذا دفعها إلى خادمه لترفعها له لم يضمن (¬2). وقال أشهب: إن أودعها خادمه ضمن وليس دفع ذلك إلى خادمه أو أجيره الذي علم منه الأمانة والخير ليبلغاها البيت أو تكون في البيت فيقول لهما اجعلاها: في المخزن أو في التابوت مما يضمن به. وإذا خاف المودع عورة منزله أو جار سوء، وكان ذلك أمرًا حدث بعد الإيدل جاز له أن يودعها ولا ضمان عليه، وإن كان ذلك الخوف متقدمًا قبل الإيدل والمودع عالمًا لم يكن له أن يودعها، فإن فعل ضمن وإن كان صاحبها غير عالم ضمنها، وسواء ضاعت عنده أو عند غيره إلا أن يكون ضياعها عنده لم يكن من السبب الذي يخاف منه، وقد يحمل قول ابن القاسم في قوله "يودعها إذا خاف عورة بيته" أن الوديعة ثياب أو عروض، ولو كانت دنانير وما أشبه ذلك مما يكنز (¬3) في الأرض، ولا يخاف ممن يخاف منه أن يضطره ¬

_ (¬1) في (ق 6): (الإنسان). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 433. (¬3) في (ق 6): (يكتم).

لإخراجها لم يكن له أن يودعها، وإن حدث له سفر جاز أن يودعها، فإذا ثبت الإيداع والوجه الذي أوجب ذلك وهو خوف موضعه أو السفر برئ المودع. قال ابن القاسم: ويصدق أنه أودعها زوجته وأنه أودعها (¬1) لهذه الوجوه وإن لم تقم بينة، ولا يصدق أنه خاف موضعه أو أراد سفرًا فأودعها لذلك. وقال مالك فيمن اكترى دابة فلما قدم قال: أودعتها لأنها وقفت عليَّ- فإنه يصدق. وعلى هذا يصدق في الوديعة أنه أودعها لخوف موضعه أو لأنه سافر إذا خفي أمره ولم يعلم هل سافر أم لا، وهو في الوديعة أبين؛ لأنه لا يتهم أحد أن يخرج الوديعة لنفسه (¬2) عن يده لغير عذر. ومحمل قول ابن القاسم أنه يصدق إذا ثبت الخوف والسفر في الإيداع على أن المودع يصدقه في قبضها، ويقول: إنها ضاعت، فأما إن كذبه وقال: لم يدفع إلي شيئًا، لم يصدق على أصله في كل من أمر أن يدفع إلى غير اليد التي دفعت إليه إلا ببينة. وقول عبد الملك: يصدق. وبه أرى أن يقضى اليوم؛ لأن الشأن دفع الودائع من غير بينة. ولو أراد من كان بيده وديعة أو بضاعة أو قراض أن يدفعه إلى من يبلغه لصاحبه ويُشهد عليه لم يقبل منه أحد. وأما الزوجة فلا خلف أنه ليس عليه أن يُشهد عليها. ¬

_ (¬1) قوله: (زوجته وأنه أودعها) ساقط من (ق 6). (¬2) في (ف): (يخرج الوديعة لنفسه).

ومن أودع وديعة وهو في سفر لم يجز له أن يودعها. وقال ابن القاسم وأشهب: إلا أن يضطره لصوص فيسلمها لمن يرجو نجاته بها فلا يضمن (¬1). ومجمل ذلك على أن الذي تسلم إليه لا يخشى خيانته فيها ولو طرحها عنه عندما غشيه لصوص، ثم لم يجدها لم يضمن، فإذا كان الإيداع في الإقامة فأودعها عند حدوث السفر ثم عاد من سفره، فإن كان سفره ليعود كان عليه أن يأخذها ويحفظها؛ لأنه التزم حفظها حتى يأتي صاحبها فلا يسقط عنه إلا القدر الذي سافره. وإن كان سفره على وجه الانتقال، ثم عاد كان له أن يأخذها وليس ذلك بواجب عليه. وقال في المودع ينتقل بالوديعة: إنه ضامن (¬2)، ولو كان في قرية ولم يجد ثقة يضعها (¬3) عنده أو خشي عليها إن تركها فخرج بها لم يضمن. وقال فيمن حضرته الوفاة فأودع ماله فخرج به المودع ليدفعه لورثته فضاع: إنه ضامن (¬4). وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: للقاضي أن يدفعه لورثته إن كان بلدهم بعيدًا ولا يبعثها إن كان قريبًا، فإن فعل لم يضمن، قال (¬5): بخلاف الوصي عليها يبعث بها فتضيع فإنه ضامن، وأجاز ذلك للقاضي؛ لأن الغالب من الورثة الرغبة في وصول المال إليهم. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 430. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 430. (¬3) في (ق 6): (يودعها). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 434. (¬5) قوله: (قال) زيادة من (ق 6).

وقال مالك في كتاب الوصايا الأول من كتاب محمد فيمن مات في السفر وترك دنانير أو متاعًا، فيريد أو صياؤه أن يتسلفوا الدنانير حتى يردوها (¬1) إلى الورثة: فأما البز والمتاع فيباع؛ لأن له مؤنة وحمله من هناك يشق. يريد: إن مات في غير بلده فكان حمله ونقله ضرورة، وقال في المبضع معه (¬2) يمر بالبلدة فتحدث له الإقامة: لا بأس أن يبعث بها إلى من بعثه إليه ولم يلزمه التمادي بها (¬3)؛ لأنه لم يكن القصد من حاملها التمادي بها خاصة، وأجاز له أن يبعثها؛ لأن ذلك كان غرض صاحبها، وقد كان الصواب أن يرفع الأمر إلى قاضي الموضع كما قال أصبغ فيكون هو الناظر فيمن يبعث بها معه، وكذلك المودعَ يحدث له سفر ويخاف عورة منزله، والوصي يحدث له سفر- أجيز لهم أن يقيموا لها من رأوه من غير مطالعة حاكم. والصواب أن يكون الحاكم الناظر لأربابها، وقد يكون استخف ذلك لفساد القضاة. قال محمد في العبد يكون وصيًّا على أيتام فيبيعه سيده، أو يريد السفر: أن الأمر فيمن يكون مقامه للسلطان، وهذا القول يمضي (¬4) على الخلاف المتقدم في جميع هذه المسائل؛ لأن بيع العبد والسفر به بمنزلة سفر الوصي الحر لا فرق بينهما. وعلى قول مالك يكون للعبد أن يقيم من رآه مكانه من غير مطالعة حاكم. ¬

_ (¬1) في (ق 6): (يدفعوها). (¬2) في (ف): (منه). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 8/ 124. (¬4) في (ق 6): (القيد يقضي).

باب في المودع يخلط الوديعة بغيرها أو يخلطها غيره وهل يتسلفها أو يخرجها من ذمته بعد أن يتسلفها؟

باب في المودَع يخلط الوديعة بغيرها أو يخلطها غيره وهل يتسلفها أو يخرجها من ذمته بعد أن يتسلفها؟ وإن خلط الوديعة وهي دنانير أو دراهم بمثلها أو بغيرها مما يتميز منها لم يكن متعديًا ولا ضمان عليه إن ضاعت (¬1). وقال ابن الماجشون في المبسوط: إذا كانت الأولى كثيرة فخلطها بدراهم قليلة لم يضمن، وإن خلطها بمال عظيم (¬2) حتى أشهرها ضمن، وهذا يحسن إذا كانت في موضع لا يظن ذلك فيه، فأمَّا إذا كانت في تابوت أو صندوق لم يضمن؛ لأن السارق يقصد التماس الدنانير والدراهم من مثل ذلك لما كانت العادة أن يرفع فيها. وإن أودع قمحًا أو شعيرًا فخلطه بدونه ضمن. ويختلف إذا خلطه بمثله فأجاز ذلك في المدونة ولم يره متعديا (¬3). وقال عبد الملك في ثمانية أبي زيد: هو ضامن ورأى أنه مما تختلف فيه الأغراض، فقد يكون عند الموح أنهما سواء ويرى غيره أن الوديعة أفضل، فليس للمودعَ أن يحكم لنفسه أنه مثله. وقد منع ابن القاسم في كتاب الرهن الشريك من مقاسمة المرتهن في الطعام حتى يكون السلطان هو الذي يقاسمه (¬4)، وقسمة الصبرة الواحدة ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 434. (¬2) قوله: (بمال عظيم) يقابله في (ق 6): (بدراهم كثيرة). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 434. (¬4) انظر: المدونة: 4/ 134.

فصل [فيمن استودع قمحا وشعيرا فخلطهما]

أخف في اختلاف الأغراض فيما يقع في القسمة من الاختلاف من خلط الطعامين ومعلوم من الناس كراهية ذلك أن يخلط قمحه أو شعيره أو زيته وغيره. وإذا كان المودعَ غير مأمون كان أبين أن يكون ضامنًا له؛ لأنه يتهم أن يجد لنفسه ويخلطه بدونه. وإذا خلط الدراهم أو الطعام بمثله ثم ضاع بعض (¬1) ذلك كانا شريكين في الباقي على قدر ما لكل واحد منهما، ويتفق في هذا مالك وابن القاسم (¬2)؛ لأنهما كانا شريكين قبل الضياع بوجه جائز، وإذا صحت الشركة كان الضياع بمنزلة لو كان صاحب الوديعة هو المشارك له فيها، وقد تقدم في كتاب تضمين الصناع ذكر الدينار يختلط في غيره أنه لو نظر إلى ذلك الذي اختلط فيها قبل الضياع فلم يوجد، ثم ضاع منها شيء كانا شريكين في جميعها على قدر ما لكل واحد منهما على القولين جميعًا. فصل [فيمن استودع قمحًا وشعيرًا فخلطهما] وإن كان عند رجل وديعتان: قمح وشعير، فخلطهما- ضمن لكل واحدٍ منهما ما خلط له، فإن اختارا رفع العدِّ أو أن يأخذاه مخلوطًا ويكونان شريكين فيه- جاز ذلك عند ابن القاسم وأشهب ومنعه سحنون (¬3). ¬

_ (¬1) في (ف): (بعد). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 435. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 320.

واختلف بعد القول بجواز ذلك في صفة الشركة، فقال ابن القاسم: على القيمة. يريد: قيمة القمح معيبًا والشعير غير معيب، ولم يجز أن يقتسماه على ذلك. وروى عنه أبو زيد أنه قال: وإنما يقتسمان الثمن (¬1). قال في المدونة: ولو قال لصاحبه: أنا أغرم لك مثل حنطتك أو شعيرك وأخذه كله لم يجز (¬2). وقال أشهب في مدونته: يكونان شريكين على السواء لا على القيم، إذًا يكون القمح بالشعير (¬3) متفاضلًا، ألا ترى لو أن رجلين قالا: اخلط شعيري بقمحك لتكون شركة على القيم لم يجز، كان قال أحدهما لصاحبه: أنا أغرم لك مثل قمحك أو شعيرك واخذ هذا كله، جاز ذلك على وجه التراضي، وليس ذلك كله (¬4) له في وجه القضاء، وهذا نص قوله: ولو ضمن أحدهما التعدي، وقال أحدهما (¬5): أنا أبقى على الشركة، جاز ذلك على قول أشهب إذا كان الذي ضمن هو صاحب الشعير (¬6)؛ لأن صاحب القمح يكون شريكًا بقفيز قمح معيب، سواء (¬7) كان الذي ضمن صاحب القمح- لم يكن لصاحب الشعير أن يشارك بالنصف؛ لأنه ياخذ أفضل (¬8) من حقه إلا أن يرضى بذلك التعدي. ¬

_ (¬1) انظر: النوادروالزيادات: 10/ 322. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 435. (¬3) في (ف): (بالشعير بالطعام). (¬4) قوله: (كله) ساقط من (ق 6). (¬5) في (ق 6): (الآخر). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 321. (¬7) في (ق 6): (ولو). (¬8) في (ف): (أكثر).

وعلى قول ابن القاسم: يجوز أيهما ضمن؛ لأن الشركة على القيم وعليه (¬1) يقتسمان الثمن، فجعله ابن القاسم إذا رفعا العد بمنزلة ما لو اختلطا بأمر من الله تعالى، وكأنهما لم يختارا تضمينه قط ويصير بمنزلة ما لو خلطهما ريح أو دابة مشت عليه، فخلطته فالشركة على القيم يباع ويقتسمان الثمن على القيم القمح معيب والشعير غير معيب، ولا تجوز قسمته على القيم؛ لأنه ربا فلو كان لكل واحد منهما قفيز وقيمة القمح معيبًا ديناران وقيمة الشعير دينار غير معيب، فلو اقتسماه على القيم أخذ صاحب القمح قفيزًا وثلثًا والآخر ثلثي قفيز، وإذا كان كذلك كان نصف ما في يد صاحب القمح شعيرًا، وهو ثلثا قفيز أخذه عن ثلث قفيز قمح، وذلك ربا، وإنما يجوز أن يبقى بينهما على أن لهذا فيه (¬2) قمحه ولهذا شعيره، ثم يباع فيأخذ كل واحد منهما ثمن شيئه. ولو سقط ثوب في صبغ صباغ وقيمة الثوب ديناران والصبغ دينار كان بالخيار بين أن يكون بينهما شركة على ذلك الثلث والثلثين، أو يبقى على أن يكون كل واحد منهما باقٍ على ملكه (¬3)، فإذا باعاه قسما الثمن (¬4) على قدر قيمته يوم البيع، وإن نقص الصبغ يوم بيع أو نزل سوق الثوب كانا شريكين على قدر قيمتهما يوم البيع. وذهب أشهب في الطعامين أنهما لما ملكا التضمين إنما يأخذان ذلك عن الواجب في ذمة المتعدي، فلا يجوز إلا على التساوي بمنزلة ما لو كان لهما ذلك في ذمته من غير تعدٍّ فأخذاه عن الواجب في الذمة، فلا يجوز إلا على التساوي، ¬

_ (¬1) قوله: (القيم وعليه) يقابله في (ف): (القمح وعليهما). (¬2) قوله: (فيه) زيادة من (ق 6). (¬3) في (ف): (ذلك). (¬4) قوله: (الثمن) ساقط من (ف).

فصل [في تسلف المودع الوديعة فقيرا كان أو موسرا]

وإن أرادا قسمته جاز؛ لأن بيع نصف قفيز قمح بنصف قفيز شعير جائز، ولم يجبر أحدهما على أن يسلم جميعه ويأخذ مثل نصيبه فيكون قد بيع عليه ملكه بمثله جبرًا. وأمَّا سحنون فله في منع رفع العداء ثلاثة أوجه، أحدها: أن يكون ذلك صار كالفائت وأن ما لهما سالم في الذمة فليس لهما أن يجبراه على أخذ هذا كما قال ابن القاسم في كتاب محمد فيمن صبغ ثوبًا متعديًا أن ليس لصاحبه أن يأخذه، وليس له إلا القيمة أو يكونا رفعا الضمان للشركة ليتجرا بثمنه في المستقبل، فمنع ذلك، وإن كانت الشركة في هذا على المساواة؛ لأنه يؤدي إلى التفاضل ويكونان بمنزلة من أخرج قفيز قمح وقفيز شعير ليتجر بثمنهما في المستقبل فيفسد، وإن دخلا على المساواة لموضع التمادي أو يكونان رفعا العداء ليقتسماه على القيمة. فصل [في تسلف المودع الوديعة فقيرًا كان أو موسرًا] وليس للمودع أن يتسلف الوديعة إذا كان فقيرًا. ويختلف إذا كان موسرًا والوديعة دنانير أو دراهم، وليس له ذلك إذا كانت عروضًا أو مما يقضى فيه بالقيمة، ولا مما يكال أو يوزن إذا كان مما (¬1) يكثر اختلافه، ولا كان يتحصل أمثاله كالكتان. واختلف في القمح والشعير وما أشبهه هل يلحق في الجواز بالدنانير والدراهم؟ فأمَّا الدنانير والدراهم فاختلف فيها على ثلاثة أقوال: فمنع ذلك ¬

_ (¬1) قوله: (مما) زيادة من (ق 6).

مالك في كتاب اللقطة، وكره ذلك في العتبية، ثم أجازه إذا أشهد على سلفها وقال: وقد أجازه بعض الناس. وقال عبد الملك: إن كانت مربوطة أو مختومة لم يجز، وإن كانت بغير رباط ولا ختم جاز. وأرى أن ينظر إلى المودع، فإن كان يعلم منه أنه لا يكره ذلك فيما بينه وبين المودع لأمانته أو لكرم طبعه جاز، وإن كان يعلم منه الكراهية لم يجز؛ لأنه لو جحد ذلك عليه حين الدفع أو قال: أُحرم (¬1) عليك أن تتسلفها، لم يختلف أنه ممنوع من الانتفاع بها، وإذا أشكل أمره كره ذلك. وأمَّا القمح والشعير والزيت وأشباه ذلك فظاهر قول ابن القاسم في المدونة: إنه إن تسلفها مضت على وجه السلف؛ لأنه أجاز إذا تسلفها أن يخرج المثل من ذمته كالدراهم، فلو كانت عنده مما تختلف فيه الأغراض كالعروض لم يصح إخراج المثل من الذمة ولم يجز السلف، وهو قول عبد الملك أنه ضامن إذا خلطها كالعروض، فلا يجوز على هذا تسلفها. وقال محمد فيمن استودع حنطة فباعها لنفسه: كان لصاحبها أن يأخذ الثمن إن شاء، فلم يجز السلف، وهو أحسن. ولا أرى لأحد اليوم أن يتسلف شيئًا من ذلك؛ لأن المعهود من الناس أنهم لا يرضون ذلك ولا يحل التصرف في ملك إنسان بغير إذنه (¬2). ¬

_ (¬1) في (ق 6): (أحرج). (¬2) في (ق 6): (رضاه).

فصل [في المودع يتسلف الوديعة ثم يخرجها من ذمته إلى أمانته]

فصل [في المودع يتسلف الوديعة ثم يخرجها من ذمته إلى أمانته] اختلف في المودع يتسلف الوديعة وهي دنانير أو دراهم ثم يخرجها من ذمته إلى أمانته. فرأى مالك وابن القاسم في المدونة: أن ذلك له، قال محمد: فإن ضاعت بعد ذلك فلا شيء عليه. وقال يحيى بن عمر: قال مالك قد صارت دينًا في ذمته ولا يبرأ إلا بردها إلى ربها، قال: وهو قول أهل المدينة (¬1)، وقال ابن الماجشون: إن كانت مربوطة أو مختومة لم يبرأ إلا بردها إلى ربها، كان تسلف بعضها ضمن جميعها؛ لأنه متعد في حلها، ولو أشهد على إخراجها من ذمته لم يبرأ إلا بردها إلى ربها. وأرى أن يبرأ بردها، ويصدق أنه ردها إذا لم يكن أشهد على تسليفه إياها، وإن كان أشهد برئ إذا ردها ببينة، إلا أن يكون قصد بالإشهاد خوف الموت لحق المودع فيبرأ وإن لم يشهد على ردها. وقال أبو إسحاق بن شعبان: إذا أذن له صاحبها أن يتسلفها لم يبرأ إلا بردها إليه (¬2)، ولا يختلف في هذا؛ لأن السلف من المالك وصارت كسائر الديون، فلا تخرج من الذمة إلا بالأداء للمسلف (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 433. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 434. (¬3) قوله: (بالأداء للمسلف) يقابله في (ق 6): (بإذن).

فصل [هل للمودع أن يخرج الوديعة من ذمته إذا تسلفها وكانت عينا؟]

وقال ابن القاسم: إذا أخذها المودع على غير وجه السلف ثم ردها برئ، ومحمل قوله على أن ذلك لم يعلم أنه قصد أكلها وأنه ردها إلا من قوله، فلا يؤخذ بغير ما أقر به، ولو علم تعديه عليها قبل ردها لم يبرأ إلا بردها إلى صاحبها، وسواء أشهد على ردها أم لا؛ لأنه أخرج نفسه من الأمانة فأخذها على غير وجه السلف. وقال محمد فيمن استودع دابة فركبها، أو ثوبًا فلبسه، ثم ادعى أن ذلك هلك بعد نزوله ونزعه (¬1): فإن شهدت بينة بركوبه ولباسه لم يصدق، وإن لم يعلم ذلك إلا من إقراره صدق، وفي كتاب ابن سحنون: أنه لا يصدق، ورأى أنه مقر بالعداء مدع لدفع العداء (¬2). والأول أبين، إلا أن يرى أنه قال ذلك لما يخاف أن يكون تشهد عليه بينة؛ لأنها عاينت ذلك. فصل [هل للمودع أن يخرج الوديعة من ذمته إذا تسلفها وكانت عينًا؟] للمودع أن يخرج الوديعة (¬3) من ذمته إذا تسلفها (¬4) وكانت عينًا، وليس له ذلك إذا كانت عرضًا، وسواء وقف القيمة أو المثل، فإن وقف القيمة قال: المودع لم آمنك على قيمة، وإن وقف المثل قال: قد كان لي ألا أجيز سلفا وآخذك بالقيمة. ¬

_ (¬1) في (ف): (ونزوعه). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 435. (¬3) في (ف): (الأمانة). (¬4) في (ف): (تسلمها).

وأجاز ذلك له في المدونة إذا كانت الوديعة مما يقضى فيها بالمثل كالقمح والشعير وما أشبه ذلك، وليس بالبن؛ لأن الدنانير لا تختلف فيها الأغراض وهذه تختلف فيها الأغراض، وليس له أن يحكم لنفسه أنه مثل الأول، إلا أن تشهد بينة على صفة الأول وعلى رده وأنه مثل الأول، فقد يستخف مثل هذا.

باب فيمن بعث معه بمال فقال: أوصلته ولم أجد المبعوث إليه فرددته، فكذبه المبعوث إليه أو ربه

باب فيمن بعث معه بمال فقال: أوصلته ولم أجد المبعوث إليه فرددته، فكذبه المبعوث إليه أو ربه وإن قال: ادفع هذا المال لفلان من دين له عليَّ أو هبة أو صدقة أو ليصرفه (¬1) عني، فقال بعد ذلك: قد فعلت، وقال الآخر: لم تدفع إليَّ شيئًا، فإن كان المبعوث معه أخذه على أن لا يشهد على الدفع- كان القول قوله مع يمينه، وإن كان المال من دين (¬2) حلفا جميعًا -الرسول والمبعوث إليه- ورجع بالدين، وإن كان هبة أو صدقة حلف الرسول وسقطت الهبة والصدقة. واختلف إذا أخذ المال ولم يشترط ذلك على ثلاثة أقوال: فقال ابن القاسم: إن لم يقم الرسول بينة بالدفع غرم (¬3). وقال ابن كنانة في كتاب المدنيين: إذا كان الدين يسيرًا مثل الثوب والطعام وما لا يؤخذ بمثله براءة- كان القول قول المبعوث معه مع يمينه، وإن كان كثيرًا مما يؤخذ بمثله البراءة ضمن إذا لم يشهد. وقال ابن الماجشون: القول قول الرسول مع يمينه ولم يفرق بين قليل ولا كثير. وقال في الدين: إن قال: ادفعه لفلان من دين له عليَّ قبل قوله. وإن قال: اقض عني الدين لم يبرأ إلا ببينة، وهذا أحسن مع عدم العادة؛ لأنه لا يختلف أنه أمين في حين كونه في يده، وفي حين التسليم القول قوله أنه فعل ما ائتمن عليه، وقد قيل في قول الله -عز وجل-: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} ¬

_ (¬1) في (ف): (ليصدقه). (¬2) قوله: (المال من دين) يقابله في (ف): (الدين من مال). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 44.

[سورة النساء آية: 6] أن ذلك لرفع التنازع، وليس لأنه لا يقبل قوله كما قال: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [سورة البقرة آية: 282] إلا أن تكون العادة الإشهاد فلا يبرأ إلا بذلك (¬1). وقال ابن القاسم: إذا قال: ادفعه ليكون وديعة عنده أو ليفرقه على المساكين، فقال: قد فعلت، وقال الآخر: لم يوصل إليَّ شيء -حلف وغرم الرسول، وإن قال: أوصله وفرقته على المساكين- صدق وبرئ الرسول. واختلف إذا قال: أوصله وضاع قبل أن أفرقه، هل يصدق ويبرأ الرسول أم لا؟ وقوله أنه مصدق أحسن؛ لأن الإشهاد خوف جحود المبعوث إليه، فإذا لم يجحده لم يضره ترك الإشهاد، فكذلك ينبغي أن يكون الجواب في الوكيل على قبض الدين إذا صدقه أن يبرأ، وإن كان اختلاف الرسول مع (¬2) الباعث، فقال: لم أجد المبعوث إليه فرددت المال إليك وأنكره الباعث- كان القول قول الرسول إذا أقبضه بغير بينة، والقول قول الباعث إذا أسلمه ببينة وكان الإشهاد خوف جحوده، وإن كان القصد بالإشهاد أنه صدقة أو هبة لفلان أو ليفرقه على المساكين- كان القول قول الرسول في رده؛ لأن هذه شهادة على الباعث أنه بتل ذلك لفلان أو للمساكين. ومن بعث بنفقة إلى زوجته فقال الرسول: دفعتها إليها وكذبته (¬3) لم يقبل قوله عند ابن القاسم إذا حلفت وضمن إلا أن يقيم بينة بالدفع، وقال ابن الماجشون في المبسوط: القول قول الرسول مع يمينه ويبرأ، وقال ابن القاسم في ¬

_ (¬1) في (ق 6): (بمثل ذلك). (¬2) في (ف): (و). (¬3) قوله: (وكذبته) ساقط من (ق 6).

المدونة فيمن كانت عنده وديعة، فقدم الموح فطلبها منه، فقال: أنفقتها على أهلك وولدك وصدقه أهله وولده: إنه ضامن ولا ينفعه إقرارهم، إلا أن يقيم بينة على ذلك فيبرأ إذا كان يشبه ما أنفق ولم يكن صاحب الوديعة يبعث بالنفقة (¬1). ومحمل قوله على أن الزوج ادعى أنه خلف النفقة أو بعث بها ولم تستعد (¬2) الزوجة في غيبته، فكان القول قوله مع يمينه أنه خلف أو بعث، ثم يكون له الرجوع على زوجته إن أحب أن يرجع عليها، ثم لا رجوع لها على المودع، أو يرجع على المودع، ولا رجوع للمودع عليها إذا قال نعلم أنه كاذب لم يبعث ولم يحلف. واختلف إذا كان لا علم عنده هل صدقته (¬3) أم لا؟ هل يرجع عليها؟ فروى ابن وهب عن مالك: أن القول قول الزوجة أنها أنفقت من عندها إذا كانت ذكرت ذلك وشكت في مغيبه، وإن لم تستعد فعلى هذا يكون القول قولها مع يمينها أنه لم يخلف ولا بعث وتحاسب بما أخذت من الوديعة، إلا أن يثبت الزوج أنه خلف أو بعث فيكون له أن يرجع على المودع إن أحب؛ لأنه لم يدفع بقضية من سلطان وقد كان الوجه ألا يدفع بقولها (¬4) حتى يكشف السلطان ويحلفها. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 443. (¬2) في (ف): (تسترع). (¬3) في (ق 6): (صدقت). (¬4) في (ق 6): (بقولهم).

فصل [فيمن أودع مالا وجارية وادعى إنفاق الوديعة عليها]

فصل [فيمن أودع مالا وجارية وادعى إنفاق الوديعة عليها] ومن أُودع مالًا وجارية، فقال: أنفقت الوديعة على الجارية، فقال المودِع: كنت خلفت عندك النفقة لها- كان القول قول الودعَ مع يمينه أنه لم يقبض إلا الجارية بلا نفقة. وقال في المدونة فيمن رفع إلى السلطان في دابة في يده أنها وديعة من سنة وأنه أنفق عليها من عنده وأراد أن تباع له في النفقة: أن ذلك له إن ثبت تاريخ الإيداع. يريد بعد أن يحلف أنه لم يخلف لها نفقة، وعلى هذا الوجه (¬1) لو خالفه (¬2) ربها وقال: خلفت النفقة- لكان القول قول المودع، ولو قال في الجارية: خلفت النفقة عندها و (¬3) قالت: كنت أنفق على نفسي من عندي- لكان القول قولها، وإن قال في الدابة: إنها وديعة من سنة ولم يثبت ذلك لم يقبل قوله، لإمكان أن تكون من شهر، وكثير ما ينزل مثل (¬4) هذا في الفنادق؛ يغيب المكتري، فيقول المكري: عنده كراء- سنة أو أكثر. يريد: أن يباع له (¬5) من مال الغائب بقدر ذلك، فليس ذلك له إلا أن يثبت مدة الغيبة. ¬

_ (¬1) قوله: (الوديعة) ساقط من (ق 6). (¬2) في (ف): (خالف). (¬3) في (ف): (عنده أو). (¬4) قوله: (مثل) ساقط من (ق 6). (¬5) قوله: (له) زيادة من (ق 6).

باب فيمن بعث بمال ثم مات المبعوث إليه أو الباعث أو الرسول

باب فيمن بعث بمالٍ ثم مات المبعوث إليه أو الباعث أو الرسول وإذا قدم الرسول فوجد المبعوث إليه قد مات، فإن علم الرسول أنه من دين دفعه إلى ورثته، وكذلك إذا مات الباعث دفعها إلى المبعوث، وإن كان هبة أو صدقة لم يدفعه، وسواء مات الباعث أو المبعوث إليه. قال ابن نافع: لأنه قد كان لصاحبها أن يرجع فيها. وإن كان أشهد بذلك المال كان الإشهاد على ثلاثة أوجه: - فإن أشهد أنه بتله لفلان وجعل هذا الحائز له صحت العطية، وسواء مات الباعث أو المبعوث إليه، فمان مات الباعث دفعها إلى المبعوث إليه، وإن مات المبعوث إليه دفعها إلى ورثته. - وإن أشهد أنه بتلها لفلان ولم يجعل الرسول حائزًا له فمات المبعوث إليه أخذها ورثته. واختلف إذا مات الباعث، فقال في كتاب الصدقة من المدونة: تمضى للمعطى له (¬1). وهذا إنما يصح على القول أنها لا تفتقر إلى قبض وإنما تسقطها التهم. وقال ابن الماجشون في ثمانية أبي زيد: هي ميراث إلا أن يقول: حزها له. - وإن كان الإشهاد على الرسول والتحفظ منه ليس على تبتيلها للمبعوث إليه كان بمنزلة من لم يشهد فأيهما مات رجعت إلى ربها؛ لأن الإشهاد على التبتيل شهادة على المتصدق للمتصدق عليه، وبالتحفظ شهادة على الرسول، ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 68.

فصل [فيمن بعث بمال ثم مات الرسول في الطريق أو بعد الوصول وفقدت الوديعة]

قال مالك في العتبية: وإن لم يدر الرسول لم بعثت ردها، فأجاز له ردها؛ لأن ذلك غرض الباعث، رد ماله إذا لم ينفذ فيما أراده، وإن بعث بالمال ليتصدق به المبعوث إليه على الباعث أو يكون عنده وديعة رد المال على أصل مالك، وسواء أشهد أو لم يشهد (¬1). فصل [فيمن بعث بمالٍ ثم مات الرسول في الطريق أو بعد الوصول وفقدت الوديعة] واختلف إذا مات الرسول في الطريق أو بعد الوصول فلم توجد الوديعة، وقال المبعوث إليه: لم يصل إليَّ شيء، فقال مالك في المدونة: إن مات بعد أن وصل فلا ضمان عليه، وإن مات في الطريق فما أحرى أن تكون في ماله (¬2). وفي كتاب محمد عكس هذا، قال: إن مات قبل الوصول لم يضمن، وإن مات بعد الوصول ضمن. وقال أشهب: يضمن مات قبل أو بعد. قال في مدونته (¬3): لأنه لو كان حيًّا فقال: دفعتها لم يقبل قوله إلا ببينة، فوجه القول الأول؛ لأنه في الطريق مودع، وهو يقول في الوديعة إذا مات المودع ولم توجد الوديعة أنها في ماله وبعد الوصول وكيل على الدفع، ومحصوله أنه امتثل ما وكل عليه، وقد يخفى على ورثته من كان أشهد على دفعها فلا يضمن بالشك وليس كالحي يطلب بذلك فيعجز. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 197. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 437. (¬3) في (ف): (المدونة).

فأما تضمينه إذا مات في الطريق، فيحسن إذا كانت له إقامة بعد قبضها وكانت عينًا وكان مثله يتصرف في الوديعة، ولا يحسن إذا كان قبضه لها عند خروجه، أو ليلة مبيته أو كانت عروضًا وكانت له إقامة، وسواء مات في الطريق أو بعد الوصول، وليس الشأن أن يتسلف فوجب أن يبقى فيها على الأصل في الأمانات أنها ليست في الذمة. ومن كانت قبله وديعة فذكر عند موته أنها في موضع كذا فلم توجد هناك كانت مصيبتها من صاحبها لقول الميت: لم أتسلفها. واختلف إذا لم يذكر شيئًا حتى مات هل يكون ذلك في ذمته والوديعة ثلاثة: عرض, وعين, ومكيل وموزون، فيحمل العين بعد موت المودع على السلف، وفي العروض على التلف، وفي المكيل والموزون في الحاضرة على التلف، وفي البادية على السلف. والودائع أمانات ومصيبتها من أربابها، إلا ما قام الدليل على تصرف المودع فيها، فالشأن في العين أنها مما تسرع يد المودع إليها في السلف ويرى مضرة على صاحبه فيه وأن مثله يقوم مقامه فحملوه على الغالب، وهو السلف دون النادر وهو الضياع، إلا من علم منه أنه لا يتسلف فيحمل على عادته إلا أن يعلم أنه نزل به ما يضطره إلى السلف. وأما العرض فليس العادة تسليفه فيحمل عند عدمه على أنه تلف، إلا أن يعلم من مثل ذلك المودع الاستخفاف وقلة الأمانة فيكون في ذمته، وكذلك المخازن تودع بالحاضرة بالمكيل والموزون، فليس الشأن الافتيات عليها. وأما أهل القرى فالشأن أن تسرع أيديهم إليه كالعين في الحاضرة، وإذا كان الحكم أن تكون الوديعة في الذمة فإنه يضرب بها مع الغرماء، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يضرب بها لما كان الضمان مختلفًا فيه وأنه إنما يضمن

بغلبة الظن من غير قطع، ولابن القاسم في كتاب الشركة نحو هذا، فقال في متفاوضين أودع أحدهما وديعة ثم مات قال: تكون في نصيبه دون شريكه لما كان أمره فيها مشكلًا، هل ضاعت أم لا،؟ (¬1) ولو حمله على التصرف فيها لكانت في جميع المال؛ لأنه على أحد الأمرين، إما أن يكون تجر فيها فهي في جميع المال أو أنفقها فقد ترك عوضها في المال؛ لأنه لو لم ينفقها لأنفق من المال. وقال ابن القاسم في العتبية فيمن مات فوجد في تابوته كيس فيه مال مكتوب عليه لفلان ابن فلان، فإن كانت بخط الميت دفعت إلى من ذكر فيه وإلا لم تدفع إليه (¬2). وقال أصبغ: إن خط صاحب المال على الكيس ووجد في حرز مستودع قضي له به (¬3). وأرى أن يلزمه بتعريف ما فيه. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 622. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 453. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 453.

باب في التداعي في الوديعة، وإذا ادعى المودع ردها أو تلفها أو أنكر الإيداع أو أقر وادعى التلف أو الرد وتصادقا على الرد واختلفا هل ذلك عين الوديعة أو غيرها؟

باب في التداعي في الوديعة، وإذا ادعى المودع ردها أو تلفها أو أنكر الإيداع أو أقر وادعى التلف أو الرد و (¬1) تصادقا على الرد واختلفا هل ذلك عين (¬2) الوديعة أو غيرها؟ وإذا ادعى المودع تلف الوديعة كان القول قوله، وسواء أخذها ببينة أو بغير بينة. واختلف في يمينه، فقيل: لا يمين عليه لأنها تهمة وهو أشبه، وقيل: يحلف إلا أن يكون عدلًا. وقال في المبسوط: يحلف متهمًا كان أو غير متهم (¬3)، ورأى أن الناس قد استحقوا التهم وتغير حالهم فجعل اليمين حماية إلا أن يتبين رجل بالصلاح والخير. وإذا ادعى الرد وكان قبضه بغير بينة كان القول قوله في الرد ويحلف مأمونًا كان أو غير مأمون (¬4)؛ لأن هذا يدعي عليه التحقيق أنه لم يرد، والأول يتهمه أن تكون ضاعت، إلا أن تطول المدة مما يعلم أن مثل المودع لا يستغني عنها فيه لما يعلم من قلة ذات يده، أو يمر (¬5) عليه عشر فتضعف اليمين إذا كان ¬

_ (¬1) في (ق 6): (أو). (¬2) في (ق 6): (عن). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 442. (¬4) انظر: التفريع: 2/ 290، النوادر والزيادات: 10/ 442. (¬5) قوله: (أو يمر) يقابله في (ق 6): (أوتي).

المودع عدلًا، وإن كان القبض ببينة ليكون الرد ببينة لم يقبل قوله إلا ببينة، وإن كان الإشهاد خوف الموت ليأخذها من تركته، أو قال المودع: أخاف أن تقول هي (¬1) سلف فأشهد لي أنها وديعة أو ما أشبه ذلك مما يعلم أنه لم يقصد التوثق من القابض فيكون القول قوله في ردها بغير بينة. وإن أنكر الإيداع، فلما شهدت البينة باعترافه ادعى التلف أو الرد لم يصدق (¬2). قال أشهب في مدونته: لا يصدق؛ لأنه خرج من حال الأمانة بالجحود (¬3). واختلف إذا أنكر الإيداع، فلما شهدت عليه البينة أقام البينة بالرد، فقيل: لا تقبل بينته (¬4)؛ لأنه كذبها بقوله: ما أودعتني؛ لأن مضمون قوله لم تودعني أنه لم يكن رد؛ لأن من لم يودع لا يرد. وكذلك إذا قال: ما اشتريت منك، فلما أقام عليه (¬5) البينة بالشراء أقام هو عليه بينة بالدفع. وقد قيل: يقبل قوله في الموضعين جميعًا وهو أحسن؛ لأنه يقول: أردت أن أحلف ولا أتكلف بينة، وقد سقط قولي إني لم أودع ولم أشتر، وثبت أنه قد كان إيداع وبيع، ومن أودع أو اشترى يصح منه الرد والقضاء، وهذه البينة تشهد بذلك. وإن قال: أودعتني ألف درهم ثم قال: لم أقبضها منك لم يصدق. ¬

_ (¬1) في (ق 6): (تحسب على). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 98. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 98. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 98. (¬5) قوله: (عليه) زيادة من (ق 6).

ولو قال: اشتريت منك ثوبًا، ثم قال: لم أقبضه منك كان القول قوله مع يمينه؛ لأن الشراء يقع على العقد. وقوله أودعتني يتضمن القبض، وإذا لم يقبض فلم يودع، ولو قال: أعرتني ثوبًا ألبسه أو دابة أركبها، ثم قال: لم أقبض ذلك كان القول قوله مع يمينه؛ لأن قوله ذلك محتمل أن يكون قبض أو لم يقبض فلا يرد قوله بالشك، ولو قال: فلبسته أو ركبتها، ثم قال: لم أقبض ذلك لم يقبل قوله (¬1). ولو قال: آجرتني (¬2) ثوبك أو دابتك، ثم قال: لم أقبض ذلك كان القول قوله مع يمينه. ولو قال: بعثت معي بمائة دينار أو أبضعت ذلك معي، ثم قال: لم أقبض ذلك لم يقبل قوله، وإن قال: أقرضتني أو قارضتني لم يقبل قوله. واختلف إذا قال: أقرضتك وقال الآخر: أودعتني وقد ضاعت، وقال ابن القاسم: القول قول الدافع (¬3)، وقال أشهب: القول قول القابض، وهذا هو الأصل؛ لأنه يقول: قبضت المال على أنه باق على ملكك، فكان أولى من قول من ادعى انتقال الملك. وقول ابن القاسم أحسن؛ لأن الإنسان لا يودع دنانيره ويخرجها عن بيته إلا لضرورة خوف مكان أو سلطان، فإن كان القابض ممن لا يودع في الغالب ويحتاج مثله إلى السلف كان أبين في قبول قول الدافع، وإن كان مثله يودع ونزل بالدافع بعض الأسباب التي توجب الإيداع كان القول قول القابض. ¬

_ (¬1) قوله: (لم يقبل قوله) يقابله في (ف): (كان القول قوله مع يمينه). (¬2) في (ف): (أعرتني). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 439.

فصل [في تسليم الوديعة بأمارة المودع أو بكتابه وهل تلزم بهما؟]

فإن قال: غصبتني، وقال الآخر: أودعتني كان القول قول القابض إلا أن يكون مثله لا يودع ويشبهه الغصب أو معروفًا به، فيكون القول قول المدعي للغصب ويغرمه المال، وإن كان مثله لا يودع ولا يغصب كان القول قول المدعى عليه؛ لأنه بريء الذمة فلا يغرم بالشك، وإن قال: أودعتني وقال الآخر: دفعتها إليك من القرض أو القراض الذي لك قبلي - كان القول قول الدافع. وقال أشهب: إن كان القرض أو القراض بغير بينة كان القول قول الدافع، وإن كان الأصل ببينة كان القول قول القابض إلا أن يكون الرد ببينة. قال ابن القاسم: فإن كان قبل الدافع ألفان أحدهما قرض والآخر وديعة، فقال القابض: قبضت التي هي وديعة فادفع إليَّ القرض، وقال الآخر: دفعت القرض وقد ضاعت الوديعة - كان القول قول الدافع (¬1)؛ لأنه مصدق في ذهاب الوديعة وتصير هذه المدفوعة هي الدين. وقال أشهب: إذا كان الدفع الآن ببينة كان القول قول الدافع، وإن كان بغير بينة كان القول قول القابض، والأول أحسن؛ لأنه يصح أن يتداين ببينة ثم يقضي بغير بينة ليشهد بعد ذلك. فصل [في تسليم الوديعة بأمارة المودع أو بكتابه وهل تلزم بهما؟] وليس على المودع أن يسلم الوديعة بأمارة المودع ولا بكتابه، وإن اعترف المودع أنه خطه إلا أن يثبت الرسول عند الحاكم أنه خط المودع، قال في كتاب ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 439.

محمد: لأن صاحب الحق لو كان حاضرًا لم يجز له أخذها حتى يشهد له بما يبرأ به. يريد: لأن من حقه الإبراء، والإشهاد عند القبض لا يبرئه، إلا أن يعرف المودع أنه رضي لصاحبها تسليمها بذلك أو رضي الآن بتسليمها فيلزم ما رضي به، وإن رضي أن يدفعها إلى الرسول بغير أمارة ولا كتاب والوديعة عين والمودع موسر جاز رضاه وألزم ما ألزم نفسه من ذلك، فإن أنكره المودع أن يكون أرسله قام المودع بالمثل فلم يكن على صاحبها في ذلك ضرر إن قال: لم أبعث، وإن كانت عرضًا أو غير ذلك مما لا يُقضى على متلفه بالمثل أو عينًا والمودع معسرًا لم يجز ورد رضاه؛ لأن في ذلك ضررًا على صاحبها إن قال: لم أبعث، إلا أن يكون الرسول ثقة مأمونًا ممن يغلب على الظن صدقه، فيمكن من قبضها ويلزم الآخر ما رضي به. وإن وقع الدفع بأمارة أو كتاب من غير ثبت أو بقول الرسول خاصة، ثم قدم المودع فأنكر أن يكون بعثه كان القول قوله مع يمينه أنه لم يبعثه ولا كتب، ثم يكون بالخيار بين أن يغرم الرسول أو المودع، فإن غرم الرسول لم يرجع بها على المودع (¬1). واختلف إذا أغرمها المودع هل يرجع بها على الرسول، قال ابن القاسم في المدونة: إذا صدق الرسول ودفع إليه ثم قدم الغائب وأنكر وأغرم المودع - كان له أن يرجع بها على الرسول. وقال أشهب في مدونته: لا يرجع بها، وقال محمد بن المواز: إذا دفع بالكتاب أو بأمارة ثم أنكر المودع وحلف ثم أغرم المودع كان له أن يرجع على القابض وعلى قول أشهب لا يرجع (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 449. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 449.

وإن قال المودع أمرتني أن أدفعها إلى فلان صدقة عليه وأنكر ذلك صاحبها وأن يكون أذن له في خروجها عن يده كان القول قوله مع يمينه ثم يغرمها أيهما أحب، وإن صدقه أنه أذن له أن يدفعها إليه وقال: لتكون عنده وديعة وقال الرسول: أذنت لي أن أدفعها إليه على وجه الصدقة عليه - كان القول قول ربها إذا كان الرسول غير عدل. واختلف في جواز شهادته إذا كان عدلًا فأجازها ابن القاسم. وقال أشهب في مدونته وعبد الملك في المبسوط: لا تجوز شهادته وأرى أن تجوز إذا كانت قائمة أو فائتة وهي عين والمبعوث إليه موسر؛ لأنه قد كان له أن يتصرف فيها من غير إذن صاحبها، ولا تجوز الشهادة (¬1) إذا كان فقيرًا لو كانت عروضًا؛ لأن المبعوث إليه (¬2) ضامن لها؛ لأنه أتلفها بقوله ذلك، فإن رجع صاحبها على متلفها لم يرجع بها الغارم على الرسول. واختلف إذا رجع بها صاحبها على الرسول، هل يرجع الرسول على من قبضها منه، فعلى قول أشهب لايرجع عليه (¬3)، وقال عبد الملك: يرجع (¬4). وأرى الرجوع في هذه الأسئلة الأربعة مفترقًا: - فيسقط رجوعه في كل موضع يعترف المودع أن القابض قبض بوجه ¬

_ (¬1) قوله: (وأرى أن تجوز. . . ولا تجوز الشهادة) ساقط من (ق 6). (¬2) في (ف): (معه). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 449. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 449، قال فيه: (قال ابن المواز في كتاب الإقرار: ولو جاءه بكتابه بأمارة يدفعها إليه وهو يعرف خطه ويعرف أمارته فدفع إليه وصدق كتابه فأنكر ربها فليحلف: أنه ما أمره ولا كتب بذلك إليه وأنه لا حق له عليه ثم يغرم له الدافع، ثم يرجع بذلك على القابض فيه أولا).

فصل [فيمن أودع أمة فزوجها فحملت وولدت]

صحيح، وأن المودع ظالم في إغرامه. - ويرجع في كل موضع يكون من القابض على شك هل قبض بوجه صحيح أم لا؟ - فإذا كان دفعه بخط المودع أو بأمارة أو بقوله: ادفعها صدقة عليه لم يرجع. - وإن كان دفعه بقول القابض أرسلني إليك رجع؛ لأنه يقول: حملت قولك على أنه يصدقك ولو علمت أن المودع يخالفك لم أدفع إليك. فصل [فيمن أُودع أمة فزوجها فحملت وولدت] ومن أُودع أمة فزوجها فحملت وولدت ثم استبرأها، فإن أجاز النكاح سقط عنه حكم التعدي، وسواء فسخ النكاح لحقِّ الله -عز وجل- أو ثبت على أحد القولين، فإن لم يجزه فسخ قولًا واحدًا، وكان للسيد المطالبة بالعيبين، عيب عادة الزوجية، وعيب الولادة، وإن تعالت من نفاسها سقط عيب الولادة، إلا أن تكون من العلي وينقصها عند المشترين عيب الولادة، وإن تعالت من النفاس فتكون له المطالبة بذلك، وقد سقط عيب عادة الزوج إذا كانت من العلي؛ لأن الشأن أنها تكتسب للوطء وليست كالوخش، ثم ينظر في العيب فإن كان يسيرًا أو في الولد جبر للعيب لم يكن للسيد سوى أمته، وإن كان العيب كثيرًا وفي الولد جبر له كان السيد بالخيار بين أن يأخذ أمته وولدها ولا شيء له من قيمة العيب أو يضمن المودع قيمتها، وليس كذلك إذا اُشتريت فَزَوَّجَها فولدت، وكان في الولد جبر للعيب، فإنه يردها، رضي البائع أو سخط؛ لأنه زوَّج بوجه صحيح، ومن حقه إذا وجد عيبًا أن يرد ويجبر البائع على قبولها وإن حدث بها عيب، ويغرم العيب أو يجبر بالولد إن كان هناك ولد

فصل [فيمن أودع وديعة وقد جحده المودع مثلها، هل يجحده؟]

على قول مالك، والمودع متعد فلم يكن له أن يردها معيبة إذا كان العيب كثيرًا إلا برضى المودع، وجعل له منها أن يجبر البيع بزيادة الجسم إذا حسن حالها وزادت؛ لأنها زادت بماله، ولا فرق بين زيادة الجسم وزيادة الولد، وإنما يراعى ألا يكون على الأول ضرر، فإذا عاد إلى يده مثل ما خرج منها ارتفع الضرر، وإن أتى المودع وهي حامل وكان عيب الحمل يسيرًا أخذها وقيمة العيب، وإن كان كثيرًا كان بالخيار بين أن يضمنه قيمتها أو يأخذها وما نقص العيب. واختلف إذا ماتت من الولادة، فقال مالك: لا ضمان عليه، وقال ابن القاسم: هو ضامن (¬1) وهو أصوب؛ لأن التسليط على الوطء تسليط على الولادة، ويلزم على قول مالك إذا لم تمت ووجدها حاملًا أن يجبره على قبولها حاملًا ولا شيء له سواها وإن كانت وضعت. وأمَّا ما قيل فيمن غر من أمة فزوجها وهو عالم فاستحقت بعد ما ولدت أن الزوج يرجع بالصداق ولا يرجع بما غرم في الولد، فإن ذلك حسن؛ لأن الولد بقي للأب ولم يؤخذ منه كما أخذت منه الزوجة. فصل [فيمن أودع وديعة وقد جحده المودع مثلها، هل يجحده؟] واختلف فيمن أودع وديعة وقد جحده المودع مثلها، هل يجحده؟ فمنع ذلك مالك في المدونة، وقال ابن القاسم: ظننته أنه قال ذلك للحديث: "أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك" (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: التهذيب في اختصار المدونة: 4/ 301، 302. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 445.

وروى عنه ابن وهب أنه قال: إذا علم أن على الجاحد دينا (¬1) إن قيم عليه لم يكن ذلك له (¬2) في المحاصة، فلا يأخذه، وإن علم أنه لا دين عليه فلا بأس، ورواه ابن نافع وزاد: إذا أمن أن يحلف كاذبًا فليأخذ قدر حقه. وقال محمد بن عبد الحكم: لا بأس أن يأخذ ذلك وإن كان عليه دين ما لم يفلس، وقال محمد بن المواز في كتاب الإقرار الأول: ومن غصب مني شيئًا ثم خفي لي أخذه بعينه أكنت آخذه؟ قال: ذلك جائز، قلت: فإن لم أجد الشيء بعينه وظفرت له بغيره من ماله، قال: لو أعلم أنه لا دين عليه يحيط بماله لم أر عليه شيئًا (¬3). والصواب أن له أن يجحده ما أودعه مكان حقه عليه؛ لقول الله -عز وجل-: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126]؛ ولقول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لهند بنت عتبة، وقالت: إنه رجل مسيك، فهل عليَّ جناح أن آخذ من ماله؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: "خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالمَعْرُوفِ"، وقد قيل في معنى الحديث: ولا تخن من خانك فتأخذ فوق حقك، وإن كان عليه غرماء جاز أن يحبس (¬4) جميعها إذا كانوا عالمين بفلسه وتركوه يبيع ويشتري ويقضي، أو شكوا في حاله فتركوه، وإن كان ظاهره عندهم اليسر ولو علموا ضربوا على يده - جاز لهذا أن يحبس ما لا يشك أنه يصير له في المحاصة. وإن كانت الوديعة عرضًا جاز له (¬5) أن يبيعها ويحبس الثمن مما له عليه. ¬

_ (¬1) قوله: (إذا علم أن على الجاحد دينا) يقابله في (ف): (إذا لم يكن على الجاحد دين). (¬2) قوله: (له) زيادة من (ق 6). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 454، 455. (¬4) في (ف): (يأخذ). (¬5) قوله: (له) ساقط من (ق 6).

فصل [في الإيداع إلى الصبي والسفيه]

واختلف هل يجحدها إذا كان يحلفه وفي صفة اليمين؟ فقال مالك: إنما يجوز له أن يجحده إذا أمن من أن يحلفه كاذبًا. يريد أن المودع يقول له: احلف أني ما أودعتك، وقيل: يحلف ما أودعتني شيئًا، ينوي: يلزمني رده، وقيل: ينوي: إلا وَلِي مثله، أو يحرك به لسانه، وكلُّ ذلك واسع. فصل [في الإيداع إلى الصبي والسفيه] ولا ينبغي أن يودع صبي ولا سفيه؛ لأن ذلك تعريض لإضاعة المال، فإن أودعهما فأتلفاها بإنفاق أو غيره لم يكن عليهما ضمان ولا تباعة، إلا أن يثبت أنهما أنفقا ذلك فيما لا غنى لهما عنه ولهما مال فيكون له أن يتبعهما في ذلك المال؛ لأنهما صونا به مالهما، فإن ذهب ذلك المال ثم أفادا غيره لم يتبعا فيه، وإيداع العبد مذكور في كتاب المأذون له. تمَّ كتاب الوديعة, والحمد لله وحده, يتلوه إن شاء الله تعالى كتاب العارية (¬1) ¬

_ (¬1) قوله: (تم كتاب الوديعة. . . كتاب العارية) زيادة من (ق 8).

كتاب العارية

كتاب العارية النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ق 6) = نسخة القرويين رقم (368) 3 - (ق 8) = نسخة القرويين رقم (369)

باب في العواري وما يندب إليه منها وما يمنع

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلى اللهم على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا كتاب العارية باب في العواري وما يندب إليه منها وما يمنع الأصل في العواري قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ وَالْمِنْحَةُ مَردُودَةٌ" (¬1) واستعار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من صفوان بن أمية أدراعًا (¬2). والمنحة أيضا في معنى العارية لأن العارية هبة المنافع دون الرقاب والمنحة هبة اللبن دون الرقاب وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "مُؤَدَّاةٌ وَمَرْدُودَةٌ" واحد؛ لأن من أدى فقد رد، ومن رد فقد أدى، واللفظ مختلف والمعنى واحد (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي في سننه: 7/ 491، في باب ما جاء لا وصية لوارث، من كتاب الوصايا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برقم (2046). وقال: هو حديث حسن صحيح، وأبو داود: 3/ 321، في باب فى تضمين العارية, من كتاب الإجارة, برقم (3567) وابن ماجه في سننه: 7/ 229، في باب العارية، من كتاب الأحكام، برقم (2389). ولفظ الحديث "العارية مؤداة والمنحة مردودة والدين مقضِيٌّ والزعيم غارم". (¬2) في (ف): (أدرعًا)، وفي (ق 6): (دراعا). والحديث أخرجه أبو داود في سننه: 9/ 448، في باب في تضمين العارية، من كتاب البيوع، برقم (3092). والنسائي في سننه: 3/ 410، في باب تضمين العارية، من كتاب العارية، برقم (5779)، ولفظ الحديث "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعار منه يوم حنين أدراعا قال غصب يا محمد قال بل عارية مضمونة. . ."، والحديث صحيح. (¬3) قوله: (لأن من أدى. . . مختلف والمعنى واحد) ساقط من (ق 8).

فصل فيما يجوز من العارية

والعواري بين الأقارب والجيران والإخوان مندوب إليها لقوله تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77]، ولأنها داعية إلى التودد والتواصل وداخلة في قوله عليه السلام: "تَهَادَوْا تَحَابُّوا" (¬1) وهي فيما قل قدره آكد لقول الله سبحانه في ذم قوم: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 7] وممنوعة ممن يعلم أنه يستعملها فيما لا يجوز، لقوله سبحانه (¬2): {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] فلا تعار السلاح لمن يقاتل بها من لا يجوز قتاله ولا شيء من الأواني لمن يستعملها فيما لا يجوز استعماله ولا دابة لمن يركبها لأذى مسلم. فصل فيما يجوز من العارية العواري جائزة في كل الأشياء إلا في الإماء فإنه لا يجوز هبة (¬3) وطئهن وتجوز هبة خدمتهن لمن يؤمن منه إصابتهن عند الغيبة عليهن فيجوز هبتهن (¬4) للنساء ولمن لم يبلغ الإصابة من الصبيان ولمن بينه وبينهن محرم كالابن والأب والأخ وابن الأخ والجد والعم ثم هم (¬5) في الانتفاع بالخدمة على ضربين: فمن كان منهم يصح منه ملك رقبة المخدم جاز له أن يستخدمه ومن لم يجز له ملك الرقبة لم يجز له أن يستخدمه تلك المدة، وتكون منافع ذلك العبد ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في الموطأ: 2/ 908، في باب ما جاء في المهاجرة, من كتاب حسن الخلق، ولفظ الحديث "تصافحوا يذهب الغل وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء"، وهو حديث حسن. (¬2) قوله: (في ذم قوم. . . لقول سبحانه) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (يجوز هبة) في (ق 8): (يحل). (¬4) قوله: (لمن يؤمن منه. . . فيجوز هبتهن) ساقط من (ق 6). (¬5) في (ق 8): (هي).

أو الأمة لهما دون من وهبت له وقد قال مالك فيمن عجل عتق عبده على أن يخدمه شهرا أن الخدمة ساقطة (¬1) لأنها بقية رق بخلاف أن يجعل عليه دراهم وتجوز هبة منافعها (¬2) لمن لا يحل له إصابتها من أقارب الواهب إذا كان الواهب قد أصابها مثل ولده وولد ولده وأبيه وجده لأنها صارت من ذوات محارمه، ويجوز هبة خدمتها لأجنبي إذا كان مأمونًا له أهل فإن كان غير مأمون أو مأمونًا ولا أهل له لم يجز لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَخْلُوَنَّ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مَحْرَمٌ" (¬3) فإن نزل ذلك ووهب السيد الخدمة لمن لا أهل له أو لغير مأمون مضت وبيعت الخدمة لمن له امرأة أو من مأمون له أهل (¬4) إلا أن يكون قصد المعير عين العارية (¬5) ولو علم أن أمته تسلم لغيره لم يعرها فيكون له الرجوع في عاريته وترد الأمة إليه. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 459. (¬2) في (ف): (منافعه). (¬3) أخرج البخاري نحوه: 10/ 192، في باب من اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجة أو كان له عذر هل يؤذن له، من كتاب الجهاد والسير، برقم (2784) بلفظ "لا يخلون رجل بامرأة ولا تسافرن امرأة إلا ومعها محرم". ومسلم: 7/ 54، في باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره، من كتاب الحج، برقم (2391) بلفظ "لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم". والطبراني في معجمه الكبير: 11/ 191، في باب، من كتاب، برقم (11486) بلفظ "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس بينه وبينها محرم"، وهو حديث حسن. (¬4) قوله: (لمن له. . . له أهل) في (ف): (لمن له أهل مأمون أو امرأة). (¬5) في (ق 6): (المعار).

باب فيمن أعار دابة ولم يسم الموضع الذي أعار إليه أو سماه وخالفه المستعير

باب فيمن أعار دابة ولم يسم الموضع الذي أعار إليه أو سماه وخالفه المستعير ومن المدونة: قال ابن القاسم فيمن استعار دابة ليركبها حيث شاء ويحمل (¬1) عليها ما شاء وهو بالفسطاط فركبها إلى الشام، قال: ينظر في ذلك فإن كان وجه عاريته إلى الموضع القريب مثل الذي يقول: أسرج لي دابتك لأركبها في حاجة فيقول له (¬2) اركبها حيث شئت فمضى بها إلى الشام فهو ضامن (¬3). وقال أشهب في مدونته: إذا قال: اركبها حيث شئت فمضى بها إلى الشام قال: إن كان ذلك من أسفاره فلا شيء عليه، وإن كانت أسفاره معروفة القرب فإنما أعاره على ما يعرف من أسفاره (¬4). قال الشيخ -رحمه الله-: أما إذا (¬5) كان شأن الناس التصرف في ذلك البلد ركبانًا كان محمل عاريته على التصرف بها فيه حتى يقول: أسافر عليها وإن لم يكن ذلك شأنهم كان محمله على الخروج بها ولا يبعد إلا أن يكون ذلك عادة المستعير. ومن استعار دابة إلى بلد ثم اختلفا فقال صاحبها إلى بلد كذا، وقال المستعير إلى غيره وذلك قبل الركوب كان القول قول المعير مع يمينه إذا كان ¬

_ (¬1) في (ف): (ويجعل). (¬2) قوله: (له) ساقط (ف). (¬3) انظر: المدونة 4/ 447. (¬4) في (ق 8): (سفره). (¬5) في (ق 8): (إن).

قد أوجب له تلك العارية وسواء كان اختلافهما في ناحيتين أو اتفقا على الناحية وادعى المستعير زيادة مسافة ثم يكون المستعير بالخيار بين أن يركبها إلى ذلك الموضع الذي حلف عليه أو يترك، إلا أن يخشى منه أن يتعدى ويمضي بها حيث قال: فلا تسلم إليه إلا أن يتوثق منه لئلا يتعدى. واختلف إذا كان اختلافهما بعد ركوبه (¬1) فقال مالك القول قول المستعير مع يمينه إذا أتى بما يشبه (¬2). قال ابن القاسم في العتبية: وإن عثرت الدابة أو اعتلت، فالقول قوله (¬3). يريد في طرح الكراء إن سلمت وفي طرح قيمتها أو قيمة العيب إن هلكت أو حدث بها عيب. وقال أشهب في مدونته: القول قول المستعير في طرح الضمان، والقول قول المعير في فضل الكراء إن كان فيه فضل عن الذي يقر به المعير (¬4). ويجري فيها قول ثالث أن القول قول المعير في الضمان وغيره قياسًا على أحد القولين فيمن دفع دنانير ليشتري بها طعامًا فاشترى له بها تمرًا وقال الآمر (¬5) قمحًا أن القول قول الآمر ويغرمه تلك الدنانير فإذا لم يصدقه مع كونه أمينًا لصاحب الدنانير وأنه لا يتهم فيخالف أن يشتري غير ما أمر به كان أحرى ألا يقبل قول المستعير مع كونه يجر إلى نفسه (¬6) ووجه الأول أن المستعير مؤتمن لما ¬

_ (¬1) في (ق 6): (الركوب) (¬2) انظر: المدونة: 4/ 450. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 315. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 461. (¬5) في (ف): (الآخر). (¬6) قوله: (يجر إلى نفسه) في (ف): (أنه يحر لنفسه).

أسلمت (¬1) إليه ليقبض منافعها فكان القول قوله مع يمينه أنه لم يخالف ما اؤتمن عليه وسواء كان الاختلاف في زيادة مسافة أو صعوبة طريق وهي سالمة أو هالكة، ووجه القول الآخر (¬2) أن المعير واهب فلا يؤخذ بغير ما أقر به أنه وهبه فكان القول قول المعير مع يمينه ثم ينظر فإن كان اختلافهما في زيادة مسافة أخذ كراء تلك الزيادة وإن كان في صعوبة طريق أخذ كراء جميع (¬3) تلك الطريق وكان للمستعير أن يذهب بها إلى الطريق التي اعترف بها المعير وإن هلكت من تلك الزيادة أو الصعوبة كان عليه (¬4) قيمتها يوم خرج بها ويحط من القيمة قيمة المنافع التي اعترف بها المعير (¬5) أنه أعارها وإن حدث عيب كان له الأكثر من قيمة العيب أو كراء تعدى عليه فيه ويذهب بها إلى الطريق الأخرى فإن لم يكن فيها محمل إلى الطريق الأخرى حط العيب خاصة ولا يتبعه بفضل الكراء. واختلف إذا كان بينهما واسطة فقال: فلان بعثني إليك لتعيره دابتك ذهب بها إلى برقة فعطبت في الطريق فقال صاحبها أعرتها إلى فلسطين وصدقه الرسول فقال ابن القاسم: المستعير (¬6) ضامن ولا يكون الرسول شاهدًا (¬7). وقال أشهب ¬

_ (¬1) في (ف): (سلمه). (¬2) في (ف): (الثاني). (¬3) قوله: (جميع) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (كان عليه) في (ف): (فعليه). (¬5) قوله: (بها المعير) ساقط من (ف) و (ق 8). (¬6) في (ق 8): (الرسول). (¬7) في (ف): (قاصدا). وانظر: المدونة: 4/ 454. قال فيها: (قلت: أرأيت إن بعثت رسولًا إلى رجل ليعيرني دابته إلى برقة, فجاءه الرسول فقال: يقول لك فلان: أعرني دابتك إلى فلسطين. وأعطاه الدابة فجاءني بها فركبتها فعطبت أو ماتت تحتي، فقال الرسول: قد كذبت فيما بينهما؟ قال: الرسول ضامن، ولا ضمان على الذي استعارها لأنه لم يعلم ما تعدى به الرسول).

في مدونته: القول قول المستعير مع يمينه وعليه الكراء ولا ضمان عليه (¬1). وهو أصوب؛ لأن صاحب الدابة لم يباشره بالقول فيكون قد ادعى عليه التحقيق بالتعدي وإن كان لا يقطع بكذبه لم يغرمه الرقبة بالشك، وكان القول قول المستعير مع يمينه أنه لم يقل له إلا (¬2) إلى برقة وتسقط عنه قيمة الرقبة والقول قول صاحب الدابة مع يمينه أنه لم يعرها إلا إلى فلسطين ويأخذ كراء برقة وعلى الرسول أن يحلف لهما أن الباعث أمره إلى فلسطين فيبرأ فإن نكل غرم قيمة الدابة لربها لأنه يتهمه أن يكون إنما أمره إلى برقة فتعدى وقال: إلى فلسطين ويرد صاحبها للراكب ما أخذ منه؛ لأنه لا يجتمع أخذ القيمة والكراء، ولأن نكوله لصاحب (¬3) الدابة نكول عن دعوى الآمر أنه لم يأمره إلا إلى برقة لأن الراكب يقول للرسول لو اعترفت لي بالتعدي لغرمت القيمة ولا يكون لك علي شيء؛ لأنك مقر لي أني لم أتعد وإن صدق الرسول الآمر حلف لرب الدابة أنه لم يقل للرسول (¬4) إلا إلى برقة فإن نكل حلف صاحب الدابة أنه لم يقل له: إلا إلى فلسطين وأغرمه قيمة الدابة ورد الكراء إلى الراكب ويصح أن تكون المخالفة ولا يجب على المستعير شيء من الكراء ولا من العيب ولا من قيمة الرقبة إن هلكت وذلك أن يكون الموضعان سواء في البعد والصعوبة والأمن وكانت العارية على أن يمضي بها المستعير وحده ويردها أو يمضي صاحبها معها يحفظ دابته لا لحاجة له في البلد الذي أعار إليه وهذا لا يكون عليه مطالبة متى خالف وللمستعير أن يمضي الدابة إلى الموضع الآخر ابتداء وإن سخط المعير (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 461. (¬2) قوله: (إلا) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (لأن نكوله لصاحب) في (ف): (ولأن نكل صاحب الدابة). (¬4) في (ق 6): (له). (¬5) قوله: (وهذا لا يكون عليه. . . وإن سخط المعير) ساقط من (ف).

وقال ابن القاسم في العتبية في الخادم أو الحر يأتي القوم فيستعيرهم حليًا فيزعم أن أهله بعثوه أو تزعم أن أهلها بعثوها فيعيرونهما، فيهلك الحلي، ويجحد أهلهما أن يكونوا بعثوهما، وقد هلك المتاع قبل أن يخلص إليهم، قال: إن صدقهم الذين بعثوه فهم ضامنون، ولا شيء على الرسول، وإن جحدوا حلفوا ما بعثوه وحلف الرسول إذا كان حرًّا لقد بعثوه ولا شيء على واحد منهما لأن الرسول صدقه الذين أعطوه، وإن أقر الرسول أنه تعدى وكان حرا ضمن، وإن كان عبدا كان في ذمته متى عتق وأفاد مالا ولم يكن في رقبته. ولو زعم الرسول أنه أوصل ذلك إلى الذين بعثوه لم يكن عليه شيء، ولا عليهم إلا اليمين (¬1). وقال أشهب في العبد يأتي القوم فيقول: سيدي أرسلني إليكم في كذا، فيعطاه، ثم يزعم العبد أنه دفع ذلك إلى سيده وينكر السيد، قال: أراه فاجرًا حلافًا وذلك جناية في رقبته، قال ابن القاسم: إن أقر السيد غرم، وإن أنكر كان في رقبة العبد لأنه خدع القوم (¬2). وقاله مالك في المبسوط: إذا كان الرسول حرا أنه ضامن وأرى إن كان الرسول معروفا بالصلاح والخير وسداد الحال أنه يحلف ويبرأ، وإن كان على غير ذلك والذين ادعى عليهم معروفون بالخير والصيانة أن يحلفوا ويغرم الرسول إذا كان الرسول من سببهم (¬3) أو متصرفًا لهم، وإن لم يكن كذلك، وإلا فلا يمين عليهم. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 328. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 334. (¬3) في هامش (ق 6): (نسبهم).

فصل فيمن بعث رجلا يستعير له دابة إلى موضع فاستعارها إلى غير ذلك

فصل فيمن بعث رجلًا يستعير له دابة إلى موضع فاستعارها إلى غير ذلك ومن المدونة قال ابن القاسم: لو أن رجلًا ركب دابتي إلى فلسطين، فقلت: أكريتها منك، فقال: أعرتنيها - كان القول قول صاحب الدابة إلا أن يكون مثله لا يكري كالرجل الشريف المنزلة والقدر والغنى (¬1). وقال ابن كنانة في كتاب المدنيين: إن كان صاحب الدابة ممن يعرف بكراء الدواب ولذلك حبسها وهي بضاعته حلف وأخذ الكراء إذا ادعى ما يشبه أن (¬2) يستأجر به وإن كان ممن لا يعرف بكراء الدواب ولا ذلك من (¬3) عمله حلف الآخر أنها عارية ولا شيء عليه. وقال ابن القاسم: فيمن استعار دابة ليحمل عليها وزنًا مسمًى فحمل عليه أكثر فعطبت أو حدث بها عيب فإن كانت (¬4) الزيادة اليسيرة التي لا يعطب في (¬5) مثلها غرم الكراء، وإن كانت مما يعطب في مثلها ضمن قيمتها إن شاء أو كراء الزائد (¬6)، وكذلك إذا أردف رديفا ينظر (¬7) هل سلمت أو حدث ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 454. (¬2) في (ف): (أنه). (¬3) قوله: (ذلك من) في (ف): (لذلك). (¬4) قوله: (فإن كانت) في (ف): (فكانت). (¬5) قوله: (في) ساقط من (ف). (¬6) انظر: المدونة: 4/ 448. (¬7) في (ق 6) و (ق 8): (فنظر).

بها عيب من سبب الرديف أو من غيره. ومخالفة المستعير ثلاثة (¬1) في زيادة الحمل وفي زيادة المسافة، وفي تصرفها لغير الطريق الذي استعار إليه، فإن زاد في الحمل وسلمت غرم كراء الزائد خاصة، وكذلك إذا حدث عيب من غير سبب الزيادة أو هلكت من غير سببه فلا شيء عليه سوى كراء الزائد وإن كانت الزيادة سبب العيب كان عليه الأكثر من كراء الزائد أو قيمة العيب وإن هلكت منه كان (¬2) عليه قيمتها ويحط من القيمة قيمة المنافع إذا كان يرى أنها تنقص من ذلك السفر وإلا لم يحط شيء (¬3) وكذلك إن زاد رديفًا لا شيء عليه سوى كراء الرديف إن سلمت أو حدث عيب من غير الرديف وإن كان الرديف سبب العيب كان على المستعير الأكثر من كراء الرديف أو قيمة العيب وإن هلكت منه كان عليه قيمتها. وقال أشهب في مدونته: إن سلمت كان كراء الرديف على المستعير ولا شيء على الرديف وسواء كان المستعير موسرًا أو معسرًا، قال: وقد أخطأ من قال: يضمن الرديف إذا كان المستعير معسرًا لأنهما جميعا أتلفا الدابة قال وإنما يكون ضمان الدابة على من تعدى وهذا لم يَتعَدَّ (¬4). يريد أن الرديف لم يعلم فيكون بمنزلة من قتل خطأ وقد اختلف فيه وهذا إذا كان يرى أنها لا تهلك من الرديف فهلكت منه وإن كان يرى أنها تهلك إذا ركباها جميعًا وكان المستعير ¬

_ (¬1) في (ف): (بينة). (¬2) قوله: (منه كان) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (شيء) ساقط من (ق 6). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 458.

معسرًا ضمن الرديف بمنزلة من قتل عمدًا ثم يختلف هل تفض القيمة على قدر ثقلهما أو على نصفين لأن قتلها كان من اجتماعهما ولو انفرد أحدهما لم تهلك وأرى أن يضمن الرديف في الخطأ لأن الخطأ والعمد في أموال الناس سواء وأن تفض القيمة على قدرهما يريد ثقلهما (¬1). ¬

_ (¬1) قوله: (يريد ثقلهما) ساقط من (ق 6).

باب فيما يضمن من العواري

باب فيما يضمن من العواري ومن المدونة قال مالك: ومن استعار ثوبا فضاع وادعى أنه سُرق منه أو أحرقه أو احترق أو غير ذلك من العروض فكسره فهو ضامن، وإن أصابه أمر من الله، وله عليه بينة ولم يفرط لم يضمن (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: العواري خمسة: أحدها: لا يبان به كالديار، والثاني: ما يبان به ولا يغاب عليه (¬2) كالسفن فهذان غير مضمونين، والثالث: ما يبان به، ويغاب (¬3) عليه، وهو مستقل بنفسه (¬4) كالعبيد والدواب، واختلف هل هو مضمون أم لا، والرابع: ما يغاب عليه، وليس مستقلا بنفسه كالثياب والحلي، والخامس: العين والدنانير والدارهم والمكيل والموزون فهذان مضمونان، فإن استعار دارا فسقطت أو سقط منها بيت أو حائط لم يضمنه، والقول قوله أن ذلك لم يكن من فعله، وإن ادعى ذهاب شيء (¬5) من ذلك النقض بعد سقوطه صدق لأنه لم يدخل على ضمان، وإذا تبين (¬6) أن ذلك الهدم لم ينهدم بنفسه لجدته ولا مطر ولا غيره مما يخشى أن يكون سببًا لانهدامه لم يصدق أنه انهدم بنفسه، ولو لم تنهدم، وادعى تلف أبواب بيوتها أو أغلاقها لم يصدق، ويصدق في باب الدار وحلقه لأنه ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 448. (¬2) قوله: (ولا يغاب عليه) ساقط من (ف). (¬3) في (ف): (ولا يغاب). (¬4) في (ف): (به). (¬5) قوله: (ذهاب شيء) في (ف): (شيئًا). (¬6) في (ف) و (ق 8): (إنما يبين).

ينام عنه ولا يدري ما حدث، وإن استعار سفينة فقال: غرقت أو أخذها اللصوص أو العدو - صدق فيما دون آلتها المراسي والقلوع، وما أشبه ذلك إلا أن يتبين صدقه في ذلك فلا يكون عليه شيء أو بتبين كذبه بأن تشهد بينة كانت معه في الوقت الذي يقول: إنها هلكت فيه أو ذهبت فيضمن. واختلف في عارية الحيوان والعبيد والدواب وغيرها، فقال مالك: لا ضمان عليه لأنها مستقلة بنفسها إلا أن يعلم أنه هو الذي أتلفها (¬1). وهذا هو المشهور من قوله وأصحابه، وذكر عنه الشيخ أبو إسحاق بن شعبان أنه لا يصدق في ذهابه، ورأى أن الأصل تصرف الإنسان بها، وهو الغالب حتى يعلم أنها ذهبت بنفسها، وهو قول ابن القاسم في كتاب الشركة، وقد كان بعض أهل العلم يتأول قوله ذلك، ولا حاجة إلى تأويله إذا كان أحد قولي مالك، وقيل: لا يصدق فيما صغر خاصة؛ لأنه يخفى إذا غيب عليه، وقد يرجح (¬2) هذا القول فيما يراد منه الأكل دون غيره، فعلى القول الأول لا يضمن الدابة، ويضمن سرجها ولجامها، ولا يضمن العبد ولا ما عليه من كسوة؛ لأن العبد حائز لما عليه، وإن ادعى موته صدق فيه، وفي كفنه فيما عليه، ولا يصدق إن ادعى زيادة ليرجع بها، وإن ادعى أن موت العبد أو الدابة في مدينة ولم يعلم الأجير أنه ولا غيره. . . . (¬3) وكان في سفر في جماعة ولم يعلموا ذلك لم يصدق (¬4) وإن ادعى إباق العبد وذهاب الدابة صدق بخلاف الموت، وإن ادعى إباق العبد وذهاب الدابة (¬5) كان بحضرة بينة، فإن صدقته برئ من الضمان واليمين، ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 448. (¬2) في (ف): (ترجح). (¬3) قوله: (صدق بخلاف الموت. . . وذهاب الدابة) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (وإن ادعى أن موت. . . يعلموا ذلك لم يصدق) ساقط من (ف). (¬5) في الأصل كلمة غير مقروءة.

فصل فيمن استعار ثوبا فضاع يضمنه أم لا؟

وإن كذبته وكانوا عدولا ضمن؛ لأنه قد تبين كذبه, وإن لم يكونوا عدولا لم يضمن ويحلف وإن شهد شاهد عدل حلف معه المعير أنه شهد بحق وأنه لم يذهب ذلك بحضرته وغرم، وعلى أحد قولي مالك أنه لا يحلف مع الشاهد إذا شهد فيما كان غائبا عنه يحلف (¬1) المستعير ويبرأ؛ لأنه لا علم عنده في صحة (¬2) الشهادة. فصل فيمن استعار ثوبا فضاع يضمنه أم لا؟ وهو في الثياب على سبعة أوجه: إما أن يدعي ضياعها أو يأتي بها وقد أبليت أو فيها خرق أو حرق نار أو سوس أو قرض فأر أو يدعي الرد فإن ادعى الضياع لم يصدق. واختلف إذا شهدت (¬3) بذلك بينة فقال ابن القاسم عن مالك: ألا (¬4) ضمان عليه (¬5) وبه أخذ ابن القاسم وعبد الملك وأصبغ، وروى عنه أشهب أنه ضامن وبه أخذ واحتج بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث صفوان: "بَلْ عَارِيَةٌ مُؤَدَّاة (¬6) " (¬7). والأول أحسن؛ لأن العارية لم تنقل الملك، ومصيبة كل ملك (¬8) من مالكه، وقياسا على المخدم إلا أن يكون يد الثاني بغير إذن من المالك بالغصب والتعدي، وأما الحديث فإن في بعض طرقه: فإن صفوان قال: أغصبا يا محمد: ¬

_ (¬1) في (ف): (بخلاف). (¬2) قوله: (في صحة) غير مقروءة في (ف). (¬3) في (ف): (قامت). (¬4) في (ف): (لا). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 448. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 186. (¬7) تقدم تخريجه، ص: 6015. (¬8) في (ف): (ما هلك).

فقال - صلى الله عليه وسلم -: "بَلْ عَارِيَةٌ مُؤَدَّاة" (¬1)، وقال أيضا: "مَرْدُودَة" (¬2)، أي: ليس أخذها على الغصب، وليس يتضمن الحديث ضمانا ولا رد العوض، وإنما يتضمن رد العارية بنفسها، ومن استعار شيئا فرده بعينه فقد أداه، ومن أدى فقد رد، قال الله -عز وجل-: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] وقال -عزَّ وجلَّ-: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: 75] ومعلوم أنه لم يرد بهاتين الآيتين أن يؤدوا الأعواض عنها، وإذا كان الأداء يقع على رد الأعيان لم يكن في الحديث حجة أنه يضمن (¬3) العوض إذا قامت البينة، فإن قيل: في بعض طرقه أنه (¬4) قال: عارية مضمونة، قيل: يعارضه قوله عليه السلام: بل عارية (¬5) مؤداة، وأيضا فقد روي أن صفوان قال: أعارية مضمونة أو عارية مؤداة فقال - صلى الله عليه وسلم -: "بَلْ عَارِيَةٌ مُؤَدَّاة" (¬6)، فلو كان إطلاق العارية يقتضي الضمان لم يفرق بين الموضعين وأيضا فإنه لو اتفقت الأحاديث على أنه قال مضمونة لكن ذلك لأجل الشرط الذي اشترط صفون ليس لأجل موجب الحكم عند عدم الشرط وقد يشترط ¬

_ (¬1) اللفظ للنسائي في سننه: 3/ 410، في باب تضمين العارية, من كتاب العارية، برقم (5779)، ولفظ الحديث "إذا أتتك رسلي فأعطهم ثلاثين درعا وثلاثين بعيرا فقلت يا رسول الله أعارية مضمونة أو عارية مؤداة قال بل عارية مؤداة". (¬2) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه: 8/ 181، في باب العارية، من كتاب البيوع، برقم (14797). (¬3) في (ف): (يتضمن). (¬4) قوله: (العوض إذا قامت البينة، فإن قيل: في بعض طرقه أنه) ساقط من (ق 8). (¬5) قوله: (عليه السلام: بل عارية) ساقط من (ق 8). (¬6) اللفظ لأبي داود في سننه: 2/ 320، في باب في تضمين العارية, من كتاب البيوع، برقم (3566). وللنسائي في سننه: 3/ 409، في باب تضمين العارية، من كتاب العارية، برقم (5776).

فصل إذا اشترط المستعير أنه مصدق في تلف الثياب وما أشبهها أو أنه غير مصدق في تلف الحيوان

النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك نظرا للمسلمين للضرورة التي كانت بالناس للأدراع والسلاح لحرب حنين. فصل إذا اشترط المستعير أنه مصدق في تلف الثياب وما أشبهها أو أنه غير مصدق في تلف الحيوان واختلف إذا اشترط المستعير أنه مصدق في تلف الثياب وما أشبهها أو أنه غير مصدق في تلف الحيوان وقال ابن القاسم وأشهب إذا شرط أنه مصدق في تلف الثياب، وما أشبهها: له شرطه ولا شيء عليه. وقال سحنون: فيمن أعطى لرجل مالًا ليكون له ربحه ولا ضمان عليه، أنه ضامن (¬1). فعلى هذا يسقط شرطه في الثياب والأول أحسن لأن العارية معروف وإسقاط الضمان معروف ثان وليس بمنزلة ما كان أصله المكاتبة أو عن معاوضة كالرهان والصناع. وقال ابن القاسم في كتاب الرهن: فيما استعار دابة على أنه غير (¬2) مصدق في تلفها شرطه باطل (¬3). يريد: أنها تمضي على أحكام العارية، ولا ضمان عليه، ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 374. (¬2) قوله: (دابة على أنه غير) مطموس في (ف). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 136. نص المدونة: (قلت: أرأيت إن استعرت دابة فرهنته بها رهنا، أيجوز ذلك أم لا؟ قال: قال مالك: من استعار دابة فمصيبتها من ربها، فأرى الرهن فيها لا يجوز. قلت: أفيجوز أن يستعير الرجل الدابة على أنها مضمونة عليه, أيجوز في قول مالك أم لا؟ قال: أرى أنه لا يضمن؛ لأن مالكًا قال في الرجل يرتهن من رجل رهنا مما يغيب عليه, فيشترط عليه أنه مصدق فيه ولا ضمان عليه فيه، فيقول بعد ذلك: قد ضاع مني، قال مالك: شرطه باطل وهو ضامن).

ولا أجر. وقال أشهب: عليه إجارة المثل فيما استعملها فيه وأراها إجارة فاسدة فعلى قوله ترد قبل الاستعمال أو يجري فيها قول ثالث أن المعير قبل الاستعمال بالخيار فإن أسقط الشرط وإلا ردت، فإن فاتت بالاستعمال لم يغرم شيئا؛ لأنه لم يدخل على إجارة، وإنما هو واهب منافع، والضياع كأن يكون أو لا يكون، والسلامة أغلب، فكان حمله على المعروف أولى، كما قال فيمن حبس دارًا على رجلٍ وشرط عليه ما احتاجت إليه من مرمة فكره ذلك، وقال: هي إجارة فاسدة ثم أمضاها (¬1) بعد الفوت على وجه المعروف ولم يجعل عليه في السكنى شيئًا (¬2)، وقول رابع أنها مضمونة كما شرط لأنه واجب في أحد قولي مالك من غير شرط، فقد دخلا على التزام أحد القولين. واختلف بعد القول أن الشرط باطل إذا كان الشرط لأمر خافه، وقال مطرف في كتاب ابن حبيب فيمن استعار دابة أو اكتراها على أنه ضامن لها وقال: إن كان ذلك خوفا من فتنة، أو لصوص أو نهر مخوف فهو ضامن لها وإن هلكت من غير ذلك السبب فلا ضمان عليه، وقال أصبغ: لا ضمان عليه بحال (¬3)، والقول (¬4) الأول أصوب؛ لأن المعير قصده مكارمته إن سلمت ورفع المضرة عن نفسه فيما له مندوحة عنه. ¬

_ (¬1) في (ف): (أمضى). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 422. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 458. (¬4) قوله: (والقول) ساقط من (ق 8).

فصل فيمن أحضر الثوب وقد بلي من اللباس

فصل فيمن أحضر الثوب وقد بلي من اللباس وإن أحضر الثوب وقد بلي من اللباس، فلا شيء عليه إلا أن يقال: إن مثل ذلك لا يحدث في مثل تلك المدة إلا عن خرق في اللباس، وعن قلة الصيانة فيغرم الزائد على ما ينهكه اللباس إلا أن يعلم أن ذلك شأن هذا المستعير في لباسه وإن أتى به وبه خرق أو حرق نار ضمنه؛ لأن ذلك لا يحدث في الغالب إلا من فعله إلا أن يثبت أن ذلك كان من غير فعله، وكذلك السوس والفأر هو ضامن لهما؛ لأن السوس لا يحدث إلا عن الغفلة عن اللباس والمعير يقول: لو لبسته لم يتسوس، وكذلك قرض الفأر لا يحدث إلا لأمر كان من اللابس يعمل فيه طعاما أو غيره. واختلف فيمن استعار سيفًا ليقاتل به فأتى به وقد انقطع، فقال ابن القاسم في المدونة يضمن إلا أن تكون له بينة أو يعرف أنه كان معه في اللقاء (¬1) وقال سحنون: يضمن (¬2) إلا أن تشهد البينة أنه ضرب به ضربًا يجوز له (¬3)، وقال مطرف في كتاب ابن حبيب إذا زعم أنه أصابه (¬4) ذلك فيما استعاره له (¬5) صدق وكذلك الفأس والعجلة إذا أتى بما يشبه (¬6)، ويرى أنه ينكسر في ذلك العمل، غير أن مكارم الأخلاق أن يصلحه، فعلى الجواب فيمن استعار رمحًا ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 454. (¬2) قوله: (إلا أن تكون له. . . يضمن) ساقط من (ق 8). (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 330. (¬4) في (ق 8): (أصاب). (¬5) قوله: (له) ساقط من (ف). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 458.

فصل فيما لو اختلفا في رد العارية

ليقاتل به أو قوسًا ليرمي به، وأمَّا الرحى يستعيرها ليطحن عليها فيأتي بها وقد حفت فلا شيء عليه قولًا واحدًا. فصل فيما لو اختلفا في رد العارية وإن اختلفا في الرد كان القول قول المعير مع يمينه عند ابن القاسم في كل ما لا يصدق في ضياعه، قال في كتاب محمد: وسواء أخذ ذلك ببينة أو بغير بينة، فلا يقبل قوله في الرد إلا ببينة (¬1)، قال محمد: وكل من يقبل قوله في التلف يقبل قوله (¬2) في الرد (¬3). يريد أن ما لا يصدق في تلفه يصير بمنزلة ما في الذمة من الديون، وقال عبد الملك في الصانع: القول قوله في الرد إذا كان أخذ ذلك بغير بينة بخلاف التلف (¬4). فعلى هذا يقبل (¬5) قوله في ردِّ العارية، وإن اختلف في صفة العارية وقد ضاعت (¬6) كان القول قول المستعير مع يمينه ما لم يأت بما لا يشبه، وقال مالك في امرأة أعارت حليا فضاع (¬7)، فسئلت عما فيه لتحلف عليه، فقالت: استعملته منذ زمان طويل، وقد نقص لطول الزمان، قال: تحلف أن أصل ما دفعت إلي من عمله كذا وكذا وأنها أخذته على ذلك. يريد: ويحط ما يرى أنه قد نقص في تلك المدة. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 9/ 113. (¬2) قوله: (في التلف يقبل قوله) ساقط من (ف). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 290. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 83، بلفظ: "الصناع مصدقون في رد المتاع إلى أهله مع أيمانهم إلا أن يأخذوه ببينة". (¬5) في (ف): (القول). (¬6) قوله: (وقد ضاعت) ساقط من (ق 6). (¬7) قوله: (فضاع) ساقط من (ف).

باب في الوقت الذي تضمن فيه العارية والقدر الذي يضمن منهما وفي عارية الدنانير

باب في الوقت الذي تضمن فيه العارية والقدر الذي يضمن منهما وفي عارية الدنانير ويختلف في الوقت الذي تضمن فيه العارية، هل ذلك يوم استعارها أو يوم ضاعت قياسًا على الخلاف في الرهن؟ فقال ابن القاسم: يوم رهن (¬1) وقيل: يوم ضاع (¬2). وهو أحسن في العارية والرهن، فإن استعاره من شهر ورأته البينة عنده بالأمس كانت قيمته لآخر يوم رئي عنده فيه قليلًا كان أو كثيرا وإن لم ير عنده كانت قيمته لآخر يوم رئي (¬3) من يوم استعاره وإن (¬4) كانت قيمته يوم استعاره عشرة ويوم ضاع ثمانية غرم عشرة لأن المعير لا يصدقه أنه كان قائم العين إلى يوم يقول: إنه ضاع وإن كانت قيمته يوم الأول ثمانية واليوم عشرة كان لصاحبه أن يأخذه بعشرة لأنه يصدقه أنه كان موجودًا إلى اليوم الآخر وأما القدر الذي يضمن فعلى ضربين: فما كان لا ينقصها استعمال أو ينقصها إلا أن العارية إلى مدة قريبة لا ينقص فيها ضمن جميع القيمة وكل ما ينقصه الاستعمال في تلك المدة فلا يضمن إلا القدر الذي يبقى (¬5) بعد انقضاء المدة ولو ثبت أن المستعير أهلك ذلك الثوب قبل أن يلبسه لم يغرم إلا القدر الذي كان (¬6) يبقى منه لو لبسه؛ لأنه صار فيه بذلك كالشريك ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 11/ 86. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 11/ 70. (¬3) قوله: (كانت قيمته لآخر يوم رئي) ساقط من (ق 6). (¬4) قوله: (إن) ساقط من (ق 6). (¬5) قوله: (يبقى) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (كان) ساقط من (ف).

ولو باعه كان الثمن بينهما على ذلك. ويختلف إذا أهلكه المعير بعد قبضه منه هل يغرم قيمته ويستأجر للمستعير من القيمة مثل الأول أو يشتري له من القيمة مثل الأول أو يغرم قيمة تلك المنافع قياسًا على من أخدم أمة ثم أولدها وقيمة المنافع أحسنها. ويختلف إذا أهلكه قبل القبض فعلى قول ابن القاسم يكون بمنزلة لو قبض، وعلى قول أشهب لا يغرم له شيئًا قياسًا على من وهب ثوبًا ثم باعه قبل أن يقبض منه قال لا شيء للموهوب له من الثمن ولا من قيمته، وإن أهلك الثوب أجنبي كانا في القيمة كالشريكين لأنه مما ينقصه الاستعمال فلهذا بقدر ما ينقصه الاستعمال ولهذا بقدر ما يبقى. ويختلف إذا كانت العارية لا ينقصها الاستعمال كالعبد يقتل، فقال ابن القاسم: للسيد جميع القيمة ولا شيء للمخدم (¬1). وقال أشهب فيمن أوصى لرجل بخدمة عبده ولآخر برقبته، فقال: قيمته مثل رقبته تجعل القيمة في مثله فيخدم بقيمة خدمة الأول ثم يعود إلى الآخر (¬2). يريد إذ كانت الخدمة إلى أجل فيخدم بقية الأجل ولو كانت حياة المخدم خدم العبد الثاني حتى يموت المخدم وإن كانت حياة العبد خدم قدر حياة العبد الأول فقد يكون الأول شيخًا والثاني شابًا. وقال محمد فيمن أوصى له بغلة دار أو سكناها فهدمها رجل بعد موت الموصي -قال: على الهادم ما بين قيمتها قائمة ومهدومة فبنى بها تلك الدار وإن أتى من بنيانها على مثل الأول أو أقل ثم يكون ذلك (¬3) للموصى له ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 16/ 114. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 429. (¬3) قوله: (يكون ذلك) في (ف): (تكون).

فصل في عارية الدنانير والدراهم

على حاله (¬1). وفي كتاب الصدقة من كتاب محمد قولان هل يسقط حق المعطى في البناء ويكون على حقه في القاعة أو تبنى له من القيمة التي تؤخذ من المتعدي؟ (¬2) فصل في عارية الدنانير والدراهم وعارية الدنانير والدراهم على وجهين: فإن كانت لتبقى أعيانها كالصيرفي يجعلها بين يديه ليرى. . . (¬3) ومال فيقصده البائع والمشتري أو الرجل يكون عليه دين فيقل ما في يديه فيستعيرها لذلك فهذه تضمن مع عدم البينة ولا تضمن مع الشهادة على ذهابها وإن كانت ليتصرف فيها بالشراء والإنفاق كانت قرضًا وضمانها من قابضها وسواء ضاعت ببينة قبل التصرف بها أو ضاع المشترى بها إلا أن يقول: اتجر بها ولك الربح ولا خسارة عليك فيكون كما قال له الربح ولا خسارة عليه إذا أتى في الخسارة بما يشبه ولا يصدق في الضياع إلا أن يقول وأنت مصدق في الضياع أو يقول: هذه على حكم القراض إذا لم يكن ربح وهو قول ابن القاسم وأشهب، وقال سحنون: هو ضامن للخسارة (¬4). وعلى هذا يجري الجواب في عارية المكيل والموزون من الطعام وغيره. ومن المدونة: قال مالك في امرأة أوصت لبنت بنتها بدنانير أن تحبس عليها فينفق منها في حج أو في نفاس، فأرادت الجارية أن تأخذها لتصرفها فيما تنتفع به ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 83. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 134. (¬3) كلمة غير مقروءة في الأصول. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 235.

وقالت: اشترطوا عليَّ أني ضامنة لها حتى أنفقها فيما قالت جدتي، قال: لا تحرك الدنانير حتى تنفق فيما أوصت به جدتها (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: ولو نزلت شدة حتى خيف عليها لأنفق عليها (¬2) منها حتى تؤمَن عليها الحياة؛ لأنه قد جاء أمر يعلم أن الجدة أرغب فيه من الأول ولأنه إن لم ينفق عليها حتى ماتت صارت لغيرها بالميراث فكان انتفاعها بها أحسن، ولو ماتت الصبية قبل الحاجة إليها ولم ترد حجًّا ولا حدث نفاس عادت ميراثًا عن الجدة. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 452، 453. (¬2) قوله: (لأنفق عليها) ساقط من (ف).

باب في العواري المعلومة والمجهولة وهل تلزم المعير أو يكون بالخيار

باب في العواري المعلومة والمجهولة وهل تلزم المعير أو يكون بالخيار العواري هبات تجوز معلومة ومجهولة وعلى غرر وهي في لزومها المعير وفي رجوعها إليه على ثلاثة أقسام: فقسم يلزم الوفاء به بالعقد ثم يعود إليه، وقسم مختلف فيه هل يلزم أم لا، وقسم مختلف فيه هل تلزم للأبد ولا يرجع إليه إلا عند الحاجة أو يكون بالخيار فإن ضرب أجلًا وقال أعيرك هذه الدار لتسكنها أو هذه الأرض (¬1) لتبني فيها أو تغرس أو هذا الحائط لتبني عليه أو لتحمل عليه خشبًا أو هذا العبد أو هذه الدابة أو هذا الثوب شهرًا أو سنة لزمه ذلك. وكذلك إذا لم يضرب أجلًا وكان له قدر معلوم وقال: أعيرك هذه الدابة لتبلغ عليها بلدًا سماه أو لتحمل عليها حملًا أو هذا العبد ليبني له بيتًا أو ليخيط له ثوبًا فهي تلزم كالأول وهبة الرقاب والمنافع في باب الإلزام سواء. واختلف إذا لم يضرب أجلًا ولا تعلم مدة انقضاء ما استعار له فقال أعيرك هذه الأرض أو هذه الدار أو هذا العبد أو الدابة أو الثوب ولم يزد على ذلك فقيل المعير بالخيار في تسليم ذلك وإمساكه وإن سلمه كان له أن يسترده وإن قرب وقيل ذلك لازم للمعير حتى يستوفي المعار القدر الذي يرى أنه أعار إلى مثله. وقال ابن القاسم في المدونة فيمن أعار رجلًا أرضًا على أن يبني (¬2) أو ¬

_ (¬1) زاد في (ق 6): (لتحرثه). (¬2) في (ق 6): (يبتني).

يغرس ففعل، قال: للمعير أن يخرجه وإن كان بحدثان ذلك ويعطيه قيمة بنائه قائمًا (¬1). وقال أشهب: له أن يخرجه ويعطيه قيمته منقوضًا (¬2)، وقال ابن القاسم في الدمياطية: إن كانت العارية ليبني ويسكن لم يخرجه حتى يمر من الزمان قدر ما يرى (¬3). يريد (¬4) أنه أعاره إليه قال: لأنه بنى (¬5) وهو يراه، وإن لم تكن العارية ليبني فإن له أن يخرجه الآن. وظاهر قوله أنه لو أعاره ليبني ثم أدركه قبل البناء أن له أن يخرجه. وقال القاضي أبو الحسن علي بن القصار: إذا أعار ليبني أو يغرس لزمه ذلك بالقول والقبول وليس له أن يرجع في ذلك ويكون للمستعير مدة ينتفع فيها بمثل ما استعار له (¬6). ولم يذكر إذا كانت العارية مبهمة ولم يذكر بناء ولا غرسا وأرى إن بنى أو غرس بعلمه فلم ينكر عليه أنه يترك لمدة يرى أنه يترك ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 449. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 138. (¬3) أصل المسألة في المدونة: 4/ 449، ولفظه فيها: "قلت: أرأيت إن أذنت لرجل أن يبني في أرضي أو يغرس، فبنى وغرس، فلما بنى وغرس أردت إخراجه مكاني أو بعد ذلك بأيام أو بزمان، أيكون ذلك لي فيما قرب من ذلك أو بعد في قول مالك أم لا؟ قال: بلغني عن مالك أنه قال: أما ما قرب من ذلك الذي يرى أن مثله لم يكن ليبني على أن يخرج في قرب ذلك وهو يراه حين بنى فلا أرى له أن يخرجه إلا أن يدفع إليه ما أنفق قائما حيا، وإلا لم يكن له ذلك حتى يستكمل ما يرى الناس أنه يسكن مثله في قدر ما عمل". (¬4) قوله: (يريد) ساقط من (ق 6). (¬5) قوله: (إليه قال لأنه بنى) ساقط من (ق 8). (¬6) وجدت أصل المسألة في الإشراف: 2/ 623، بلفظ "إذا أعاره بقعة ليبني فيها أو يغرس فقد لزمه بقبول المعار، وليس له الرجوع فيه قبل انتفاع المستعير، فإن وقت له مدة لزمه تركه إلى انقضائها، وإن لم يؤقت وأطلق له لزمه ترك مدة ينتفع في مثلها".

لمثلها من أحدث مثل ذلك وإن لم يعلم وكان هناك دليل لما فعله كالذي يعير أرضًا بين ديار فيبنيها دارا فمعلوم أن المراد أن يجعلها دارًا ولا يلزمه ذلك إن كانت بين (¬1) حوانيت فبناها (¬2) حانوتًا لأنه يصح أن يبيع فيها وهي قاعة أو كانت بين بساتين فغرسها؛ لأنه يصح أن يزرعها. ومن أعار أرضًا لتزرع لزمه وكان محمولا (¬3) على مرة واحدة. وقال مطرف وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب فيمن أعار رجلا (¬4) جدارًا ليحمل عليه خشبة (¬5) ففعل فليس له نزعها (¬6) وإن طال الزمان واحتاج إلى جداره عاش أو مات أو باع إلا أن ينهدم الجدار ثم يعيده صاحبه فليس له أن يعيد خشبه (¬7) وذكراه عن مالك قالا (¬8) وقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (¬9): "لَا يَمْنَعُه" فإذا أذن له فلا رجوع له (¬10). فأمضيا ذلك للأبد وإن كانت العارية تتضمن الرجوع مراعاة للحديث. وقال في العتبية: له أن يزيلها إذا احتاج إلى حائطه (¬11). وقال محمد بن عبد الحكم: له أن يرجع في ذلك ويرمي بها. فإن قال أذنت لك أن ¬

_ (¬1) في (ف): (من). (¬2) في (ف): (فيبني). (¬3) في (ف): (محصوله). (¬4) قوله: (رجلا) ساقط من (ق 8). (¬5) في (ف): (خشبه). (¬6) في (ق 8): (يزيلها). (¬7) قوله: (يعيد خشبه) في (ف): (يغرز). (¬8) في (ف): (قال). (¬9) قوله: (قال) ساقط من (ف) و (ق 8). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 94. (¬11) انظر: البيان والتحصيل: 9/ 175، بلفظ: "فإن كان احتاج إلى حائطه ليهدمه أو لينتفع به فهو أولى به".

تسكن داري أو تزرع أرضي أو تركب دابتي أو تلبس ثوبي كان عارية ويجري على ما تقدم من العارية إذا ضرب لها أجلًا أو لم يضرب وإن قال أذنت لك أن تجري نهرًا أو قناة أو تبني أو تغرس وضرب أجلًا كانت عارية. واختلف إذا لم يضرب أجلًا، فقال مطرف وابن الماجشون: ما كان من ذلك (¬1) يتكلف فيه الإنفاق والمؤنة من بناء أساس في حق الإذن وحفر الآبار لمن ينشئ عليها غرسًا أو يبتدئ عملًا فما قلعه ورده كما كان فسادًا أو ضررا (¬2) لم يكن له ذلك صغرت المؤنة أو عظمت ولا رجوع له عاش أو مات وهو كالعطية (¬3). ولو شرط أن يرجع متى شاء فإن شرطه باطل؛ لأن ذلك من شرط الضرر والتغرير بالعامل. وما كان لا يتكلف فيه كبير عمل ولا إنفاق من فتح باب أو طريق إلى فناء (¬4) الآذن أو إرفاق بماء لشقة أو ليسقيه شجرًا قد أنشئت قبل ذلك ثم نضب ماؤها وغارت كان له (¬5) الرجوع إلا أن يكون المأذون له في الطريق و (¬6) المدخل والمخرج باع داره وشرط للمشتري ما أذن له فيه بعلم الآذن فيكون ذلك لازمًا للآذن أبدًا، وإن لم يبن شيئًا له فيه منفعة وقاله أشهب وابن نافع وقال أصبغ ذلك كله واحد ما تكلف فيه عمل وإنفاق وما لم يتكلف فإذا مر من الزمان ما يعار (¬7) مثله لمثل هذا فله منعه إلا في الغرس فإنه لا يمنعه ¬

_ (¬1) قوله: (كان من ذلك) ساقط من (ق 8). (¬2) قوله: (فسادًا أو ضررًا) في (ق 6): (فساد وضرر). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 94. (¬4) في (ق 8): (قبل). (¬5) قوله: (له) ساقط من (ق 6). (¬6) في (ق 8): (في). (¬7) في (ف): (يقدر).

بعد ذلك (¬1). وقال مطرف وابن الماجشون: إذا بنى المعطى فإن كان سماها صاحب الأرض عارية كان له أن يرجع فيها إذا مضى قدر ما تكون العارية إلى مثله في مثل ذلك الشيء، وإن ضرب أجلًا أخذها إذا مضى ذلك الأجل (¬2). واختلف إذا أذن له أن يغرس على مائه (¬3) ففعل ثم أراد أن يقطع ذلك الماء، فقيل: ليس ذلك له وهي كالعطية والهبة ما لم يوقت أو يسميها عارية. وقال أصبغ: له الرجوع في ذلك (¬4). ومن أذن لرجل أن يجري خلف حائطه نهرًا أو قناة أو على حائط ميزابًا فأضر ما يصل من ذلك بحائطه كان له أن يقطع ما أذن له فيه، ويزيله عنه، وإن احتاج الحائط إلى إصلاح كان إصلاحه على من كان ذلك بسببه وإن انهدم وعلم صاحب الحائط بما دخله من الفساد فلم ينكر لم يكن له عليه شيء، وإن لم يعلم وعلم (¬5) بذلك الآخر كان بناؤه عليه، فإن جهلا جميعا جرت على قولين، وهو كالذي أخطأ فيما أذن له فيه، وأن يضمن (¬6) أصوب. ¬

_ (¬1) انظر: المنتقى: 7/ 411. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 90. (¬3) في (ف): (مائعة). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 91، بلفظ "قال أصبغ في عين لرجل في جنانه في سفح جبل لرجل تحته دار قد بناها وأسال ساقيتها حتى أدخلها داره أو جنانه فكان يشرب منها ويسقي زمانًا ثم أراد صاحب العين أن يحولها ويقطعها عنه من غير حاجة إليها. قال ذلك له". (¬5) قوله: (وعلم) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (وأن يضمن) في (ق 8): (وهو).

فصل في الهبات متقاربة اللفظ مختلفة الأحكام

فصل (¬1) في الهبات متقاربة اللفظ مختلفة الأحكام وقد أتت هبات متقاربة اللفظ مختلفة الأحكام حمل بعضها على هبة الرقاب، وبعضها على هبة المنافع، وهو أن يقول كسوتك هذا الثوب وأخدمتك هذا العبد وحملتك على هذا البعير أو الفرس وأسكنتك هذه الدار أو أعمرتك، فحمل قوله أخدمتك أو أسكنتك وأعمرتك على أنها هبة منافع حياة المخدم والمسكن والمعمر. وقوله كسوتك هذا الثوب وحملتك على هذا البعير أو الفرس على هبة الرقاب، وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "حملت على فرس في سبيل الله فأضاعه الذي هو عنده فوجدته يباع فأردت أن أبتاعه. . ." الحديث (¬2). ومحمل العمرى على هبة المنافع عمر المعطى، وقال ابن القاسم في المدونة في من أعمر عبدا أو دابة أو ثوبا أو شيئا من العروض، قال: أما الدواب والحيوان والرقيق فتلك التي سمعنا فيها العمرى، وأما الثياب فهي عندي على ما أعاره عليه (¬3). يريد أنه: إن مات المعطي وقد بقي منها شيء رجع إلى المعطى، وإلا فلا ¬

_ (¬1) قوله: (فصل) ساقط من (ق 8). (¬2) أخرجه البخاري: 2/ 542، في باب هل يشتري الرجل صدقته، من كتاب الزكاة، برقم (1419). ومسلم: 3/ 1239، في باب كراهة شراء الإنسان ما تصدق به ممن تصدق عليه, من كتاب الهبات، برقم (1620)، ومالك في الموطأ: 1/ 282، في باب، من كتاب، برقم (623). ولفظ الحديث أن عمر - رضي الله عنه - يقول: حملت على فرس في سبيل الله فأضاعه الذي كان عنده فأردت أن أشتريه وظننت أنه يبيعه برخص فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لا تشتره ولا تعد في صدقتك وإن أعطاكه بدرهم فإن العائد في صدقته كالعائد في قيئه". (¬3) انظر: المدونة: 4/ 451.

شيء له، وقد اختلف الناس في قوله: أعمرتك، فحمله مالك -رحمه الله- على عمر المعطى ويكون ملكًا للمعطي (¬1)، وقال ابن فارس في مجمل اللغة: العمرى أن يقول: أعطيتك هذه الدار عمرك أو عمري (¬2)، والعمرى ثلاثة مقيدة بأجل أو حياة المعمر، ومطلقة ومعقبة (¬3)، فإن كانت مقيدة بأجل فقال: أعمرتك هذه الدار سنة أو عشرا أو حياتك أو حياتي كانت على ما أعطى، فإذا انقضى ذلك الأمد رجعت إلى المعطي؛ لأن هذه هبة منافع، ولا يلزم الواهب أكثر مما أعطى، فمن أعطى منفعة دار لم يلزمه أن يعطي رقبتها، وإن أطلق ولم يقيد كان محمله على عمر المعطى حتى يقول عمري أو حياتي، وإن أعقبها فقال: أعمرتكها أنت وعقبك لم ترجع إليه إلا أن ينقرض العقب، ومحمل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - من أعمر عمرى له ولعقبه، فإنها للذي يعطاها لا ترجع للذي أعطاها؛ لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث (¬4). أنه لا يرجع فيه الآن، ولا إن مات لأن (¬5) الذي باشره بالعطية لحق من بقي من العقب؛ لأنهم يرثون منافعها إلى آخر العقب قرنا بعد قرن (¬6)، فإذا انقرضوا رجعت، ويحتمل أن يكون أراد ألا ترجع بحال؛ لأن الغالب من العقب أنهم لا ينقرضون، فجوابه على الغالب، فإن قدّر (¬7): أن (¬8) انقرضوا، رجعت. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 14/ 70. (¬2) انظر: لسان العرب: 4/ 601. (¬3) قوله: (ومعقبة) ساقط من (8). (¬4) أخرجه البخاري: 2/ 925، في باب ما قيل في العمرى والرقبى، من كتاب الهبة وفضلها، برقم (2482). ومسلم: 3/ 1245، في باب العمرى، من كتاب الهبات، برقم (1625)، واللفظ لمسلم. (¬5) قوله: (لأن) ساقط من (ق 6). (¬6) قوله: (بعد قرن) ساقط من (ف). (¬7) في (ف): (قيد). (¬8) قوله: (قدّر: إن) ساقط من (ق 8).

باب في العواري على عوض

باب في العواري على عوض حكم العواري إذا كانت على عوض حكم الإجارات يجوز منها (¬1) ما يجوز في الإجارات ويفسد منها ما يفسد فيها، وقال ابن القاسم فيمن استعار أرضًا عشر سنين على أن يبنيها ويسكنها، فإذا خرج كان البناء لربِّ الأرض، قال: إن بيَّن البناء جاز، وإن ضرب أجلًا ولم يصف البناء أو وصف البناء ولم يضرب أجلًا لم يجز، فإن بنى على ذلك كان النقض للباني وعليه كراء الأرض (¬2)، قال: ولو استعار أرضا عشر سنين على أن يغرسها ثم يسلمها بغرسها لم يجز لأنه ليس للشجر حد يعرف (¬3)، ولا يدرى ما يثبت، وما (¬4) يذهب فهو غرر، ولأنه لو استأجره يبني له بنيانا معلوما يوفيه إياه إلى أجل جاز، وإن اشترط أن يغرس له كذا وكذا شجرة مضمونة (¬5) يوفيه إياها إلى أجل لم يجز، وليس ذلك مما (¬6) يضمنه (¬7)، وقال أشهب في مدونته: لا بأس به إذا سمى مقدار الشجر؛ لأنه حد يعرف، وقد سمعت مالكًا يقول في الرجل يعطى الأرض يغرسها، فإذا بلغت كذا وكذا كانت بينهما شطرين: لا بأس به. وقال محمد بن عبد الحكم: لا يجوز هذا، ولا تحل المغارسة كلها، والقول ¬

_ (¬1) في (ف): (فيها). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 450. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 451. (¬4) في (ق 6): (ولا ما). (¬5) في (ق 8): (معلومة). (¬6) في (ف): (ما). (¬7) انظر: المدونة: 4/ 451.

الأول أصوب. وليس الغراسة (¬1) بجزء من الأرض كالكراء؛ لأن الكراء أمد (¬2) معلوم، ولا يدرى ما يصح في ذلك الأمد من الشجر، فانتفاع المكتري بالأرض معلوم، وما يسلمه من الشجر مجهول، والغراسة جعالة (¬3)، فإن سلمت أخذ نصف الأرض، وإن سلم البعض أخذ من الأرض بقدره، فإن لم تسلم لم يكن له منها شيء، وأجاز ابن القاسم البناء إذا وصفه أن يكون البناء عشر سنين؛ لأنه مأمون، ويعلم كيف يكون في الغالب بعد الأجل (¬4)، ويجوز على هذا أن يبيع الدار الجديدة ويستثني منافعها عشر سنين. واختلف إذا كان فاسدا لأنه ضرب الأجل (¬5) ولم يصف البناء إذا قال له ابنها على ملكي هل يكون البناء لصاحب الأرض بقيمته يوم البناء، وله إجارة الأرض مبنية أو يكون على ملك الباني لما كان فيه تحجير؛ لأنه يبقى تحت يديه (¬6) ينتفع به. واختلف بعد القول: إنه على ملك الباني هل تكون له قيمته قائما أو منقوضا، ويخرج الآن قبل تمام الأجل، والقول: إن له قيمته قائما (¬7) أحسن؛ لأن القائل: إن له قيمته منقوضا يقول فيمن (¬8) بنى بوجه شبهة، ثم استحقت الأرض أن له قيمته قائما فمن بنى بإذن المالك أحرى، ثم ينظر إلى ما أنفق فيه ¬

_ (¬1) في (ف) و (ق 8): (المغارسة). (¬2) قوله: (أمد) ساقط من (ف). (¬3) في (ق 8): (حق له). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 451، والبيان والتحصيل: 7/ 202. (¬5) في (ق 6): (أجلا). (¬6) في (ف): (يده). (¬7) قوله: (قائمًا) ساقط من (ف). (¬8) في (ف): (فيما).

مع القيمة قائما، فإن كان سواء أو كانت القيمة أكثر أو أقل بالشيء اليسير أخرج متى قدر عليه، وأعطي القيمة، وإن كانت القيمة أقل بالشيء الكثير، رأيت أن يترك إلى آخر الأجل؛ لأن عليه في خسارة نفقته مضرة، وقد كانت للانتفاع بالسكنى، وذلك فوت، وإن قال له: ابْنِها على ملكك كان عليه قيمة كراء الأرض براحًا قولا واحدا وله قيمة البناء قائما على المستحسن من الأقوال، وقد تقدم في كتاب كراء الأرضين ذكر المغارسة الفاسدة والخلاف فيها.

باب الرقبى

باب الرُّقْبَى وقال ابن القاسم في رجلين حبسا دارًا بينهما على أيهما مات قبل صاحبه فنصيبه حبس على الحي حياته (¬1): لا خير فيه (¬2). يريد: لأنه غرر، ولأنهما خرجا عن وجه المعروف إلى المخاطرة، وكل واحد منهما يقول: لعلي أنا (¬3) المتأخر حياته، فآخذ تلك المنفعة، ويختلف في ذلك إذا نزل، فعلى القول أن مرجع الحبس إذا كان على معينين يعود ملكا يبطل هذا الحبس ويصنعان بالدار ما أحبا، وعلى القول إنه يرجع حبسا يبطل السكنى خاصة، ويكون ملكا لهما حتى يموت أحدهما فيكون على مراجع الأحباس، ولو أعتقا عبدا بينهما على أنه حر لآخرهما موتا، فإن مات أحدهما خدم الآخر حياته كان فاسدًا وكان نصيب كل واحد منهما معتقا (¬4) من ثلثه، فمن مات منهما أولا فنصيبه في العبد يخدم ورثته، فإذا مات الآخر خرج جميع العبد حرا وخدمة نصيب الميت أولا لورثته حتى يموت الآخر وقد مضى بيان ذلك في كتاب المدبر (¬5) إذا قالا هو حر لآخرنا موتا أو لأولنا موتا. فصل فيمن أمر رجلًا يضرب عبدًا له فضربه فمات وقال مالك فيمن أمر رجلًا أن يضرب عبدًا عشرة أسواط فمات: لا ¬

_ (¬1) في (ف): (حياة). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 467. (¬3) قوله: (لعلي أنا) في (ف): (لعل). (¬4) في (ف): (معتق). (¬5) في (ق 8): (الأحباس).

ضمان على الضارب، ويستحب أن يكفر كفارة الخطأ، فإن ضربه أحد عشر سوطًا أو أكثر فمات وخيف أن تكون تلك الزيادة أعانت على قتله كان ضامنًا (¬1). فجعل الكفارة استحبابا لأن القرآن ورد بوجوبها في الحر المسلم، فلم يلحق العبد به لأنه أضعف حرمة، ولم ير على السيد كفارة، وخالف أشهب في الوجهين جميعا، فقال في كتاب محمد: الكفارة في العبد أوجب من الذمي؛ لأنَّ الله عزَّ وجلَّ ذكر الكفارة والدية في نفس مؤمنة، والعبد مؤمن وديته قيمته (¬2). وقال: يكفر كل واحد منهما كفارة الخطأ: السيد والضارب، ورأى أنهما شريكان في قتله، ومحمل قول ابن القاسم في ضمان الضارب إذا كان يخاف أن تكون إعانة على قتله بأن ذلك إذا كان يعلم أنه لو اقتصر على عشرة لم يمت، فإذا مات بالفور حمل على أن الزائد هو القاتل، وهذا كما (¬3) قيل فيمن استعار دابة إلى موضع فتعدى وزاد، ثم ردها فماتت بفور ردها أن ضمانها على المتعدي؛ لأن ذلك دليل على أنها لم تكن سالمة، ولو كان يشك في سلامته من العشرة لم يضمن الضارب جميعه، وكانا شريكن في قتله لأن زيادة السوط والسوطين ليس مما يقطع أن الموت كان عنها، ولو ضربه عشرة أسواط فأعنف في ضربه فمات فإن كان ذلك بحضرة سيده لم يضمنه، وإن كان غائبا عنه ضمنه. تمَّ كتاب العارية بحمد الله وحسن عونه وتسديده, وصلى الله على سيدنا ورسولنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 449. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 503. (¬3) في (ف) و (ق 8): (وكما).

كتاب القطع في السرقة

كتاب القطع في السرقة النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ق 6) = نسخة القرويين رقم (368) 3 - (ق 7) = نسخة القريين رقم (367)

كتاب القطع في السرقة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على محمد آله وسلم تسليمًا كتاب القطع في السرقة الأصل في قطع السارق قوله الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]، وأبان النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لا قطع فيما يقتضيه ظاهر الآية، إلا أن (¬1) يسرق نصابًا من حرزه، فأما النصاب فالأصل فيه حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يُقْطَعُ السَّارِقُ إِلَّا فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا" (¬2). وفي بعض طرقه: (¬3) "لاَ تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إِلَّا فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا". أخرجه البخاري ومسلم (¬4). وفي الحرز قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ قَطْعَ فِي ثَمَرٍ مُعَلَّقٍ وَلاَ فِي حَرِيسَةِ جَبَلٍ، فَإِذَا آوَاهُ المُرَاحُ أَوِ الجَرِينُ فَالقَطْعُ فِيمَا بَلَغَ ثَمَنَ المِجَنِّ" (¬5). وهذا الحديث وإن لم يكن من طريق صحيح، فقد صحبه العمل، ¬

_ (¬1) في (ق 6): (من). (¬2) أخرجه مسلم: 3/ 1311، في باب حد السرقة ونصابها، من كتاب الحدود، برقم (1684)، والنسائي: 8/ 69، في ذكر اختلاف أبي بكر بن محمد وعبد الله بن أبي بكر عن عمرة في هذا الحديث، من كتاب قطع السارق، برقم (4928)، واللفظ للنسائي. (¬3) قوله: ("لاَ يُقْطَعُ السَّارِقُ إِلَّا فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا". وفي بعض طرقه) ساقط من (ق 6). (¬4) أخرجه البخاري: 6/ 2492، في باب قول الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]، من كتاب الحدود، برقم (6407)، ومسلم: 3/ 1311، في باب حد السرقة ونصابها، من كتاب الحدود, برقم (1684)، ومالك في الموطأ: 2/ 832 , في باب ما يجب فيه القطع، من كتاب الحدود، برقم (1520). (¬5) أخرجه مالك في الموطأ: 2/ 831، في باب ما يجب فيه القطع، من كتاب الحدود، برقم =

أعني في مراعاة الحرز. ولا يقطع السارق إلا بعد اعتبار خمسة أشياء: أحدها: قدر السرقة وهو أن يكون نصابًا. والثاني: معرفة صفة السرقة وهي أن تكون مما يجوز ملكها وبيعها. والثالث: أن تؤخذ من حرز. والرابع: صفة السارق أن يكون بالغًا عاقلًا. والخامس: أن يسرق ممن لا شبهة له في ماله ليس ابنه ولا عبده. ومن المدونة: وإذا شهد شاهدان على رجل بالسرقة سألهما الإمام عن السرقة ما هي؟ وكيف هي؟ ومن أين أخذها؟ وإلى أين أخرجها؟ وإن شهد أربعة بالزنا سألهم كيف رأوه؟ وكيف صنع؟ فإن وجد ما يدرأ به الحدّ درأه (¬1). قال الشيخ -رحمه الله-: فقد يظنون أن الوطء بين الفخذين (¬2) أو إذا رأوه عليها يحكم عليه بحكم الزنا فيكشفون هل رأوا الفرج في الفرج؟ وهل كان ذلك بآدمية؟ ويكشفون في السرقة عن الوجوه التي تقدم ذكرها من قدر السرقة، وهل هي مما يجوز بيعها، وعن الحرز وممن سرق؟ فإن غابوا قبل أن يسألوا، ولم يقولوا أنه سرق سرقة توجب القطع (¬3) لم يقطع لإمكان أن يكون دون نصاب، أو من غير حرز، أو غير ذلك. وإن قالوا: إنها مما يجب فيها القطع كشفوا أيضًا؛ ¬

_ = (1518)، من حديث عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، وقال الحافظ ابن حجر: معضل، انظر: تلخيص الحبير في أحاديث الرافعي الكبير: 4/ 65. (¬1) انظر: المدونة: 4/ 526. (¬2) في (ق 6): (فخذيها). (¬3) قوله: (ولم يقولوا أنه سرق سرقة توجب القطع) ساقط من (ق 7).

فصل [نصاب السرقة]

لأنه يمكن أن يذهب (¬1) عنهم بعض (¬2) ما يوجب القطع فإن لم يسألوا حتى غابوا لم يقطع إلا أن يكونوا من أهل العلم، ومذهبهم مذهب الحاكم، وكذلك في الزنا إن غابوا قبل أن يسألوا لم يحد إلا أن يكونوا من أهل العلم بما يوجب الحد. وإن غاب ثلاثة من شهود الزنا أو واحد من شاهدي السرقة، سئل الباقي. قال محمد: وإن كانوا في الشهادة على الزنا أكثر من أربعة فغاب أربعة، لم يسأل الباقي (¬3). وليس هذا بالبين، بل يسأل فإن ذكر وجهًا لا يوجب الحد لم يحد، وشهادته شبهة فيما (¬4) لم يسألوا عنه، وكذلك السرقة إذا شهد ثلاثة، فغاب اثنان وذكر الثالث وجهًا لا يوجب القطع، فإنه لا يقطع؛ لأن الحاكم ليس على يقين من الغيب أنهم يخالفون الحاضر (¬5). فصل [نصاب السرقة] وللسرقة نصابان: فإن كانت من الذهب فربع دينار، وإن كانت من الورق فثلاثة دراهم، وإن كانت عرضًا كان فيها (¬6) قولان: فقيل: تقوم بالفضة (¬7)، وقيل: تقوم بما العادة أنها تباع به من ذهب أو فضة (¬8) وإن كانت ¬

_ (¬1) في (ق 6): (يذهب). (¬2) قوله: (بعض) ساقط من (ق 6). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 241. (¬4) في (ق 7): (فما). (¬5) قوله: (يخالفون الحاضر) يقابله في (ق 6): (مخالفون للحاضر). (¬6) في (ق 6): (فيه). (¬7) انظر: المدونة: 4/ 526، النوادر والزيادات: 14/ 386. (¬8) لفظة (فضة) مطموسة في (ق 7).

تباع بهما جميعًا قطع إذا بلغت قيمتها نصابًا من أحدهما إلا أن يكون بيعها بأحدهما قليلًا فلا يقوم به (¬1). وعلى هذا حمل الشيخ أبو بكر الأبهري مسألة الكتاب في قوله: إنها تقوم بالدراهم (¬2)؛ أن ذلك إذا كان الغالب من نقدهم الفضة، ويؤيد ذلك قول مالك إذا سرق دهنًا فدهن به لحيته، فقال: يقطع إذا كان في قيمته إن سُلِت ربع دينار، وقال إن ذبح شاة وكانت قيمتها وقت خرج بها ربع دينار: قطع (¬3) وهذا تسليم أن القيمة تكون بالذهب، والأصل في الذهب حديث عائشة - رضي الله عنها - وقد تقدم، وفي الورق قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "وَالقَطْعُ فِيمَا بَلَغَ ثَمَنَ المِجَنِّ" (¬4) واختلف في قيمة المجن فقال ابن عمر: "قَطَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فِي مَجِنٍّ ثَمَنُهُ ثَلاَثَةُ دَرَاهِمَ" (¬5). وفي النسائي عن عائشة: "ثَمَنُه رُبُعُ دِينَارٍ" (¬6). وفيه عن أنس: "ثَمَنُهُ دِينَارٌ" (¬7). وفيه عن ابن عباس: "ثَمَنُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ" (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: المعونة: 2/ 338، والتلقين: 2/ 200، والتفريع: 2/ 222. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 527. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 539. (¬4) سبق تخريجه ص: 6053. (¬5) أخرجه البخاري: 6/ 2493، من باب قول الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}، من كتاب الحدود، برقم (6411)، ومسلم: 3/ 1311، في باب حد السرقة ونصابها، من كتاب الحدود، برقم (1686)، ومالك في الموطأ: 2/ 831 , في باب ما يجب فيه القطع، من كتاب الحدود، برقم (1517). (¬6) أخرجه النسائي: 8/ 80 , في ذكر اختلاف أبي بكر بن محمد وعبد الله بن أبي بكر عن عمرة في هذا الحديث، من كتاب قطع السارق، برقم (4931). (¬7) أخرجه النسائي: 8/ 82، في ذكر اختلاف أبي بكر بن محمد وعبد الله بن أبي بكر عن عمرة في هذا الحديث، من كتاب قطع السارق، برقم (4943). (¬8) أخرجه النسائي: 8/ 82، في ذكر اختلاف أبي بكر بن محمد وعبد الله بن أبي بكر عن عمرة في هذا الحديث، من كتاب قطع السارق، برقم (4950).

قال الشيخ -رحمه الله-: والقياس وإن كان خلاف المذهب أن يرجع في ذلك إلى نصاب الذهب؛ لأن الحديث في القطع فيما بلغ ثمن المجن ليس بصحيح. والثاني: ما ذكر من الاختلاف في قيمة المجن الذي علق الحكم به، فينبغي أن يوقف ويرجع إلى ما لا يختلف فيه. والثالث: أن حديث عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قطع في مجن، نازلة في عين، فلا يعارض به ما أقامه النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته ليُنتهى إليه (¬1) من قوله القطع في ربع دينار فصاعدًا، وفي كتاب محمد: إذا سرق ثلاثة دراهم ينقص كل درهم ثلاث حبات. وهي تجوز بجواز الوازنة لم يقطع، قال أصبغ: وأما حبتان من كل درهم فإنه يقطع (¬2). قال الشيخ: دراءة القطع أحسن. وقد اختلف في وجوب الزكاة في مثل هذا النقص، وإذا لم تجب الزكاة كان أبين ألا يجب قطع. واختلف أيضًا إذا اختلف في قيمة السرقة فقومت بثلاثة دراهم وقومت بدون ذلك، فقال في الكتاب: يقطع (¬3). وقال في مختصر الوقار: لا يقطع. وهو أبين، ولا يقطع إلا بأمر لا شك فيه للحديث: "ادْرَؤُوا الحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ". (¬4) والاختلاف شبهة. وقال مالك إذا سرق شيئًا قيمته دون (¬5) ثلاثة دراهم وفي ناحية منه ثلاثة ¬

_ (¬1) قوله: (ليُنتهى إليه) ساقط من (ق 6). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 387. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 545، والنوادر والزيادات: 14/ 388، والبيان والتحصيل: 16/ 234. (¬4) سبق تخريجه في النكاح الثالث، ص: 2091. (¬5) قوله: (دون) ساقط من (ق 6).

دراهم قال: وإن (¬1) كان ثوبًا وما أشبهه مما يعلم الناس أن في مثله يسترفع الذهب والورق قطع، وإن لم يعلم أن ذلك فيه حين سرقه (¬2)؛ لأنه بما لا يسترفع فيه مثل الخشبة والعصا لم يقطع (¬3)، وقوله في الثوب بما يعلم الناس أنه مما (¬4) يسترفع في مثله الذهب والفضة (¬5) إنما يكون في مثل المصر وما أشبهه، ولو كان قميصًا خلقًا، وقال: لم أعلم بما فيه لكانت شبهة يحلف ويدرأ عنه القطع ليلًا كان أخذه أو نهارًا، وأما العصا فإنما (¬6) يصدق إذا أخذها ليلًا، ولا يصدق إذا أخذها نهارًا؛ لأنه لا يخفى إلا أن يكون أخرجها من مكان مظلم، ولو كان الذهب قد نقر له في خشبة لصدق ليلًا أخرجها أو نهارًا، ولا قطع على من سرق ربع دينار من حرزين لرجل واحد إذا كانت الدار مشتركة. ولو كانت غير مشتركة لقطع إذا أخرجها من باب الدار؛ لأن الباب حرز (¬7)، وإن سرق ربع دينار لرجلين من حرز واحد قطع (¬8). واختلف إذا سرق ربع دينار من حرز واحد في دفعات، فقال مالك في العتبية في الذي يأتي البيت وفيه القمح فيسرق منه وينقل بعضه (¬9) قليلًا ¬

_ (¬1) قوله: (إن) ساقط من (ق 7). (¬2) في (ق 6): (سرقته). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 538. (¬4) قوله: (مما) ساقط من (ق 7). (¬5) قوله: (والفضة) ساقط من (ق 6). (¬6) في (ق 6): (فإنه). (¬7) قوله: (الباب حرز) يقابله في (ق 6): (الحرز باب الدار). (¬8) انظر: المدونة: 4/ 529، ونصها: (قلت: أرأيت الثوب إن كان بين رجلين سرقه رجل وقيمته ثلاثة دراهم، أيقطع أم لا في قول مالك؟ قال: نعم يقطع عند مالك). (¬9) قوله: (بعضه) ساقط من (ق 7).

قليلًا ما لا يجب القطع في كل نقلة إلى خارج، حتى يجتمع ما يجب فيه القطع في سرقة واحدة، فقال: أرى عليه القطع؛ لأنها سرقة واحدة، ولكن ثقل ذلك عليه (¬1). وقال ابن القاسم في السارق: يدخل البيت في ليلة عشر مرات فيخرج في كل مرة بقيمة درهم أو درهمين، لا يقطع حتى يخرج في مرة واحدة بقيمة ثلاثة دراهم. (¬2) ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 16/ 223. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 16/ 263.

باب في السارق يدعي أنه رسول، أو قال سرقت متاعي، أو اعترف لرجل بالسرقة وكذبه المسروق منه

باب في السارق يدعي أنه رسول، أو قال سرقت متاعي، أو اعترف لرجل بالسرقة وكذبه المسروق منه وإذا شهدت البينة على رجل بالسرقة، فقال: هو أرسلني. فإن قام دليل على كذبه؛ لأنه نقب البيت أو كسر الباب أو أتى ليلًا، قطع، صدقه صاحب البيت أو كذبه، كانت بينهما مخالطة أم لا؟ (¬1). وكذلك إذا كان مثله لا يرسل لذلك؛ لأنه معروف بالسرقة فإنه يقطع، ولا فرق بين أن يقوم دليل على كذبه لصفة الأخذ؛ لأنه نقب أو بصفة حالة الآخذ، فان قام دليل على صدقه لأنه أخذ ذلك نهارًا من مأخذه، فتح وأخذ، وكان القائم بأمر صاحب البيت المتصرف له أو كان معروفًا بالدين، لم يقطع، صدقه صاحب البيت أو كذبه. وإن أشكل الأمر؛ لأنه لا خلطة بينهما، وليس بمعروف بسرقة ولا بصلاح، فإن صدقه لم يقطع؛ لأن تصديقه مع إشكال الأمر (¬2) شبهة فيدرأ بها الحد للحديث، وإن كذبه قطع، وإن كان صاحب البيت غائبًا، وقام دليل على كذبه قطع ولم ينتظر قدومه؛ لأنه لو كان حاضرًا وصدقه لقطع، (¬3) وإن قام دليل على صدقه ترك لأنه لا يقطع لو كذبه، وإن أشكل الأمر سجن حتى يقدم فإن صدقه وإلا قطع. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 527، النوادر والزيادات: 14/ 403 و 404. (¬2) قوله: (لأنه لا خلطة بينهما وليس بمعروف بسرقة. . . إشكال الأمر) ساقط من (ق 7). (¬3) قوله: (ولم ينتظر قدومه؛ لأنه لو كان حاضرًا وصدقه لقطع) ساقط من (ق 6).

وقال في الذي لقي في جوف الليل ومعه المتاع، فقال: أرسلني صاحبه، فقال: إن كان يعرف له إليه انقطاع لم يقطع. (¬1) فدرأ عنه القطع (¬2)، وإن كان في وقت لا يشبه لما لم تشهد عليه البينة بالأخذ. وإن اعترف بالسرقة وقال: سرقت متاعي. كان القول قول المسروق منه أنه ليس بمتاعه. واختلف في ثلاثة مواضع: أحدها: هل يحلف إذا كذبه؟ والثاني: هل يسقط عنه القطع إذا وجبت عليه اليمين، فنكل وحلف السارق واستحق السرقة؟ والثالث: هل يسقط القطع إذا صدقه؟ فقال في المدونة: يحلف المسروق منه أنه (¬3) ليس بمتاعه ويقطع فإن نكل عن اليمين حلف السارق ودفع إليه المتاع ولم يقطع (¬4). وفي بعض روايات المدونة يقطع. وقال في العتبية: لا يمين على المسروق منه (¬5). وقال أشهب: يحلف، فإن نكل عن اليمين حلف الآخر واستحق المتاع ولا يسقط عنه القطع لأنه أخذ المتاع سرًّا وظهرت سرقته. وقال ابن القاسم في العتبية: إذا قال السارق كنت أودعته ذلك وصدقه ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 403. (¬2) في (ق 6): (الحد). (¬3) قوله: (أنه) ساقط من (ق 7). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 533. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 16/ 231 و 232.

المسروق منه لم يزل عنه القطع، وقال عيسى بن دينار أحب إليّ إذا صدقه ألا يقطع (¬1). وقول ابن القاسم أحسن، ولا يسقط حكم قد وجب لأمر لا يدرى أصدق فيه أم أراد سترًا إلا أن يعلم أن بينهما قبل ذلك منازعة في ذلك المسروق فكان يدعيه والآخر ينكره، فإذا انضاف تقدم الدعوى مع التصديق أو يمينه مع نكول المسروق منه كانت (¬2) شبهة يسقط معها القطع، وإن نقب أو كسر الباب إلا أن يكون ذلك مما لا يشبه أن يكون من أملاكه بحال فيقطع، وإن تقدمت فيه الدعوى وكذبه المسروق منه لم أحلفه إلا أن يأتي السارق في ذلك بما يشبه، وأرى أن يسأل بأي وجه صار ذلك إليه فإن قال: أودعته، نظر هل هناك سبب يوجب أن يخرج متاعه من بيته ويجعله عند غيره؟ وإن قال: غصبني، نظر هل هو ممن تعلق به متل ذلك؟ وإن قال: اشتراه ممن سرقه مني، وهو يعلم أنه متاعي، نظر هل يشبه أن يكون عنده من ملكه لذلك علم فقد يكون البائع لذلك ظن أنه من بلد آخر؟ وقد تقدم ذكر ذلك في كتاب الشهادات، فإن أتى بما يشبه حلفه، فإن نكل عن اليمين حلف واستحق، وكانت شبهة يدرأ بها القطع. واختلف في هذا الأصل إذا أصاب جارية وادعى أنه اشتراها من سيدها ونكل ربها عن اليمين وحلف الواطئ واستحق، فقال ابن القاسم: لا يحد. وقال أشهب: يحد (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 16/ 231 و 232. والنوادر والزيادات: 14/ 403. (¬2) قوله: (المسروق منه كانت) مطموس في (ق 7). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 478.

باب إذا شهدت البينة بحق لله تعالى أو لآدمي, وحدث ما يسقطها قبل أداء الشهادة أو قبل الحكم أو بعده

باب إذا شهدت البينة بحق لله تعالى أو لآدمي, وحدث (¬1) ما يسقطها قبل أداء الشهادة أو قبل الحكم أو بعده وإذا شهد شاهدان على رجل بالسرقة، فحبس المشهود عليه ثم فسدت حالتهم، فارتدوا بعد أداء الشهادة، أو أخذوا يشربون الخمر، أو على فاحشة، أو قذفوا رجلًا، أو قتلوا قتيلًا، كان في المسألة أربعة أقوال: فقال ابن القاسم: إن أحدثوا ذلك قبل الحكم لم يحكم بها، وإن أحدثوا ذلك بعد الحكم وقبل أن يقام، مضى، ويقطع إن كانت الشهادة في سرقة، وإن كانت بقتل اقتص منه أو بمال أخذ منه. وقال مطرف وأصبغ في كتاب ابن حبيب: مثل ذلك إذا كانت الشهادة بحق لآدمي (¬2) بمال أو قتل أو قذف، فإنه يمضى عليه ولا ترد وإن كانت بحق لله تعالى. يريد، سرقة أو زنا أو حرابة لم يمض عليه وردت (¬3). وقال محمد: إذا شهدت البينة وكتبها لتعدل أو تجرح فأحدثوا شيئًا مما يخفيه بعض (¬4) الناس مثل الزنا والشرب والسرقة، لم يحكم بها، وإن قذف إنسانًا فضرب قبل أن يقع الحكم بها أو قتل قتيلًا على (¬5) نائرة (¬6) أو اقتتل هو ¬

_ (¬1) في (ق 7): (ثم أحدثت). (¬2) قوله: (بحق لآدمي) ساقط من (ق 7). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 343. (¬4) قوله: (بعض) ساقط من (ق 7). (¬5) في (ق 6): (عن). (¬6) في (ق 7): (نأر)، قال ابن منظور: نأرَتْ نائِرَةٌ في الناس هاجَتْ هائجة قال ويقال نارت بغير =

ومن شهد عليه، لم تسقط وقضي بها؛ لأن ذلك مما لا يخفيه. (¬1) وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: لو كان قد أشهد قومًا على شهادته أو سمعوها منه قبل (¬2) ثم عاداه فشهد عليه بها بعد العداوة، كانت جائزة، وكذلك كل ما أحدثه مما لا يستتر به مما يجرحه مثل القذف وشبهه، فإن شهادته جائزة إذا كانت قد قيدت قبل ذلك. (¬3) فأجاز الشهادة وإن كان في حين الأداء لها مستجرحًا لما علمت منه قبل ذلك وهو في حال العداوة (¬4)، وهذا خلاف المعروف من المذهب. وأرى أن لا تمضي الشهادة إذا شهد عليهم بالزنا أو بشرب الخمر وإن كان قد حكم بها، وسواء كانت الشهادة بحق لله -عز وجل- أو بحق لآدمي؛ لأن ذلك مما يدل على تقدم مثل ذلك، ولو قيل: إنه ينقض الحكم، وإن كان قد أخذ الحق أو غيره بشهادتهم، لكان له وجه، بمنزلة ما لو علم ذلك منهم قبل الحكم، وأما الارتداد وما لا يخفيه في الغالب، فلا ترد الشهادة إذا كانت لآدمي، ولا تمضي إذا كانت حقًّ الله (¬5) -عز وجل-؛ لأن هناك شبهة هل ذلك لسوء اعتقاده أو لشك؟ فيدرأ الحد للشبهة. ¬

_ = همز. انظر: لسان العرب 5/ 188. وقال في موضع آخر: ويقال بينهم نائِرَةٌ أَي عداوة وشَحْناء وفي الحديث كانت بينهم نائرة أَي فتنة حادثة وعداوة ونارُ الحرب. انظر: لسان العرب 5/ 240. (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 342. (¬2) قوله: (قبل) ساقط من (ق 6). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 344. (¬4) في (ق 6): (العدالة). (¬5) قوله: (حق الله) يقابله في (ق 6): (حدا لله).

باب في الجماعة يدخلون البيت للسرقة

باب في الجماعة يدخلون البيت للسرقة وإذا دخل جماعة بيتًا للسرقة فإنهم لا يخلُون من سبعة (¬1) أوجه: إما أن يخرج كل واحد منهم بسرقة، أو يخرج أحدهم بسرقة والآخر بغير شيء، أو يخرجون بسرقة يحملونها بينهم، وهي ثقيلة لا يستطاع إخراجها إلا بجماعتهم، أو يستطيعها بعضهم ولا يستطيع إخراجها أحدهم، أو تكون خفيفة يخرج بها أحدهم لو شاء، أو تكون ثقيلة فحملوها على أحدهم فخرج بها، أو على دابة، أو على صبي، أو مجنون، أو خرج بها الصبي أو المجنون من غير أن يأمروه. فإن خرج كل واحد بسرقة، قطع من بلغت قيمة سرقته ربع دينار، ولم يقطع من لم تبلغ سرقته ذلك، ومن خرج بغير شيء، وإن كان نصيبه فيما خرج به صاحبه وهو شريكه، وإن خرج جميعهم بسرقة يحملونها بينهم ولا يستطاع إخراجها إلا بجماعتهم، قطع جميعهم إن كانت قيمة جميعها ربع دينار. واختلف إذا كان شيئًا خفيفًا فخرج بها جميعهم مع القدرة على أن يخرجها أحدهم، فقال مالك وابن القاسم: لا يقطعون إذا كانت قيمتها ثلاثة فى دراهم (¬2). وحكى ابن القصار قولًا آخر أن الخفيف بمنزلة الثقيل (¬3). قال الشيخ -رحمه الله-: ولو كان شيئًا لا يستطيع أن يخرج به أحدهم، ويستطيع أن يخرجه اثنان منهم فخرج به أربعة، جرت على الخلاف في الخفيفة. والقياس إذا كان لا يستطيع حمله إلا جميعهم، وكانوا أربعة أن لا يقطعوا ¬

_ (¬1) في (ف) و (ق 7): (تسعة). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 529، والنوادر والزيادات: 14/ 390. (¬3) انظر: عيون الأدلة: 5/ 2124.

إلا أن يكون قيمتها دينارًا فيكون في حظ كل واحد منهم ربع دينار؛ لأنه الذي ينوبه مما حمل منها؛ لأن القطع فرع عما يغرمه، وقول مالك أن على كل واحد ربع قيمة ذلك، وقياسًا على شهود الزنا والمشهود عليه محصن فرجع أحدهم أنه لا يغرم إلا ربع الدية، وهو لم يقدر على أن يريق دمه إلا بما انضاف إليه من شهادة أصحابه، فإن حملوها على أحدهم، وهي ثقيلة لا يستطيع أن يحملها إلا بأن (¬1) يحملها جميعهم عليه، قطع الخارج. ويختلف في الذين حملوها عليه، فقال ابن القاسم: يقطعون بمنزلة ما لو حملوها على دابة (¬2) قال أبو مصعب: لا يقطعون، ويقطع الذي خرج بها وحده. ووافق إذا حملوها على دابة أنهم يقطعون جميعًا. وقد اختلف في هذا الأصل إذا قربوا المتاع إلى النقب فأدخل الخارج يده وأخذ المتاع، أو ربطوه له فجره الآخر فأخرجه، فقيل: يقطعون؛ لأنهم السبب في خروجه ولولا فعلهم لم يخرجه الآخر، وقيل: لا يقطعون؛ لأنَّ معونتهم كانت في داخل الحرز، وقد انقضت وغيرهم المخرج، وهو أشبه. وإن حملوه على صبي أو مجنون كان بمنزلة حملهم إياه على دابة، وإن أخرجها من غير أن يأمروه، لم يقطع واحد منهم. وقال محمد: إذا سرق أحدهما دينارًا فقضاه للآخر (¬3) قبل أن يخرج أو أودعه إياه، كان القطع على من خرج به. قال: وكذلك لو باعه ثوبًا في الحرز (¬4). ¬

_ (¬1) قوله: (إلا بأن) يقابله في (ق 6): (حتى). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 529، والنوادر والزيادات: 14/ 390. (¬3) في (ف) و (ق 7): (لأحدهما). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 392.

فصل [حكم السارق إذا دخل الحرز]

قال الشيخ -رحمه الله-: ولو دخل رجل على السارق فباعه ثوبًا فخرج به المشتري ولم يعلم أنه سارق، لم يقطع واحد منهما. وقال ابن القاسم في العتبية: إذا أخذ السارق في البيت وقد اتزر بإزار، ثم انفلت به وهو عليه، فلا قطع عليه، علم به أهل البيت أو لم يعلموا. وقال محمد: إذا رأى رجل السارق يسرق متاعه فتركه، وأتى بشاهدين ليعايناه يسرق فنظرا (¬1) إليه ورب المتاع معهما حتى خرج به (¬2) ولو أراد منعه لمنعه، فلا قطع عليه. وقال أصبغ: يقطع. (¬3)، وقال ابن كنانة في جماعة دخلوا حرزًا فأخرجوا سرقة ثم وجدت فزعموا أن أحدهم أخرجها وأقر بذلك: قطع وحده، وإن اختلفوا وأنكر كل واحد منهم أن يكون هو الذي أخرجها، لم يقطع واحد منهم، ويستظهر في ذلك باليمين. يريد (¬4) رجاء أن يقروا (¬5) إلا أن يكون فيهم من يراد ستره فلا يحلف. فصل [حكم السارق إذا دخل الحرز] يقطع (¬6) السارق إذا دخل الحرز وخرج بالمتاع، واختلف في ثمان مسائل: إحداها: أن يقرب السرقة إلى النقب ويخرجها غيره ممن هو خارج عن ¬

_ (¬1) في (ق 6): (فنظر). (¬2) قوله: (حتى خرج به) ساقط من (ق 6). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 402. (¬4) قوله: (يريد) ساقط من (ق 6). (¬5) في (ق 6): (يقر). (¬6) في (ق 6): (تقطع يد).

النقب (¬1). والثانية: أن يربطه لمن هو خارج. والثالثة (¬2): أن يربطه لمن هو على سقف البيت. والرابعة: أن يرمي بالمتاع ثم يؤخذ قبل أن يخرج هو. والخامسة: أن يرمي بها فتنكسر خارجًا أو تقع في نار فلا يبقى منها ما تبلغ قيمته ربع دينار. والسادسة: أن يسرق وهو خارج من الحرز يدخل يده فيخرجها. والسابعة: أن يشير إلى طائر بشيء فيخرج إليه أو عبد أعجمي فيخرج لكلامه أو إشارته. والثامنة: أن يحمل المتاع وهو في الحرز على غيره فيخرج به، فقال ابن القاسم فيمن قرب المتاع إلى النقب، فأدخل الخارج يده فأخذه قال: يقطع الخارج وحده. وقال أشهب في كتاب محمد: يقطعان جميعًا. وقال ابن القاسم: إذا اجتمعت أيديهما في النقب يقطعان جميعًا. (¬3) وهذا راجع إلى قول أشهب، وقد كان الأصل على قول ابن القاسم ألا يقطع الداخل؛ لأن معونته في الحرز والنقب من الحرز إلا أن تتمادى معونته مع الخارج حتى يخرجاه من الحرز. واختلف قول مالك إذا ربطه الداخل وجره الخارج إلى الطريق (¬4)، والصواب في هذين السؤالين، وفي الذي حمل على ظهر غيره وما أشبه ذلك من ¬

_ (¬1) في (ق 7): (الثاني). (¬2) قوله: (أن يربطه لمن هو خارج. والثالثة) ساقط من (ق 7). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 391، 392. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: الموضع نفسه.

كل معونة كانت في داخل الحرز، أن لا قطع عليه، وأن القطع على الذي أخرجه وحده. واختلف أيضًا إذا ناول من هو في أسفل الدار من هو في أعلاها، هل يقطع الأسفل؟ وأن لا يقطع أحسن؛ لأن الأعلى في الحرز بعد لم يخرج منه. وقال محمد: سطح البيت مثل داخله وهو حرز واحد. يريد، أنه إن أخذ قبل أن يبين به عن السطح، لم يقطع؛ لأنه في الحرز. وقال مالك: إذا كانوا ثلاثة أحدهم في البيت، والآخر على ظهره، والآخر في الطريق فناول الذي في البيت من هو على ظهره والذي على ظهره من هو في الطريق قال: يقطع الذي يهيئ المتاع من (¬1) أسفل البيت والذي على ظهر البيت، ولا يقطع الخارج في الطريق، إلا أن يمد يده حتى يصيرها فوق ظهر البيت فيقطع الثلاثة (¬2). قال الشيخ -رحمه الله-: قطع الأسفل في البيت ليس بالبين، والقطع على من أخرج من الحرز فيقطع الأعلى وحده إذا مد يده به إلى من هو في الطريق، أو من في الطريق وحده إذا صير يده فوق السقف فأخذه وما سوى ذلك فهو معونة (¬3) في داخل الحرز، فلا قطع على فاعلها. وقال مالك: إذا رمى بالمتاع خارجًا، وأخذ هو قبل أن يخرج قطع، وقال: لا قطع عليه والأول أبين؛ لأنَّ القطع إنما يتعلق بالمال وبإخراجه، والقطع ذب عنه (¬4). ¬

_ (¬1) في (ق 6): (في). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 391. (¬3) قوله: (البيت ليس) يقابله في (ق 7): (مفعول). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 392.

واختلف إذا رمى بالسرقة من الحرز فوقعت في نار أو كان زجاجًا فهلك، هل يقطع أو يسقط عنه القطع ويكون بمنزلة ما لو هلك قبل خروجه؟ والقطع أحسن؛ لأنه خرج سالمًا والهلاك كان بعد ذلك. وقال مالك في المختصر: إذا قرب الداخل المتاع، وأدخل الخارج يده فأخرجه لا يقطع الخارج. ورأى أنه لا يقطع حتى يجتمع الدخول وإخراج المتاع، كما قال: إذا رمى بالمتاع وأخذ قبل أن يخرج (¬1). وقال في كتاب محمد في شاة في حرز فأشار إليها رجل بعلف فخرجت إليه فسرقها: لم يقطع وهو بمنزلة من أتى بإنسان فأرسله فأخرجها له لم يقطع المرسل أو باز (¬2) في حرزه أو صبي (¬3) أو أعجمي (¬4) حتى خرجا إليه لم يقطع. قال أشهب وقال ملك: في هذا كله يقطع (¬5). وهو أحسن؛ لأن فعله أخرج ذلك من حرزه. وقال يحيى بن يحيى: قال ابن نافع في الأعجمي إذا راطنه بلسانه حتى خرج إليه طوعًا: لم يقطع (¬6). يريد؛ إذا دعاه ليخرج إليه ويذهب به فأطاع له. ولو غره فقال: سيدك بعثني إليك لآتيه بك لقطع (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 531. (¬2) في (ق 6): (بازي). (¬3) في (ق 6): (صبيًا). (¬4) في (ق 6): (أعجميًا). (¬5) في (ق 6): (القطع). وانظر: النوادر والزيادات: 14/ 419، ونص النوادر: (ومن العتبية قال أشهب عن مالك). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 397، نص النوادر: (قال أشهب: وإن راطن أعجميا فأجابه لم يقطع. . .). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 419.

باب في الأحراز وصفاتها، والسرقة من الديار, والفنادق، والحمام, والضيع، والمسجد، والسفينة

باب في الأحراز وصفاتها، والسرقة من الديار, والفنادق، والحمام, والضيع، والمسجد، والسفينة الأحراز على ثلاثة أوجه: أحدها: ما تأخذه الأغلاق وما شابهها كالديار والبيوت والحوانيت والأخبية وما شابه ذلك، فمن سرق من ذلك ممن لم يؤذن له في دخولها قطع. والثاني: الإنسان، فمن سرق منه من شيء عليه أو معه وهو يقظان أو نائم أو من شيء يحرسه قطع، ولا خلاف في هذين الوجهين. والثالث: أن يسرق من شيء موضوع في موضع لا غلق (¬1) عليه، ولا حارس يحرسه كالذي يجعل في الأفنية أو على الحبل (¬2)، ففيه اضطراب. والديار ثلاثة: دار يختص بها صاحبها، ودار مشتركة مأذون فيها، ودار مشتركة غير مأذون فيها. فإن كانت تختص بصاحبها، لم يقطع سارقها إذا أخرج السرقة من البيت إلى قاعة الدار حتى يخرجها من الباب، أو من النقب أو عن سقف الدار، وما أدرك في النقب لم يبرزه عنه، أو على السقف، لم يقطع عند مالك، وهو في الحرز بعد (¬3). وقال محمد: ولو كانت الدار فيها منازل يسكن فيها أجنبيان أو أكثر أو ¬

_ (¬1) في (ق 7): (يعلق). (¬2) في (ق 6): (الخيل). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 391، 392.

قرابة، وكان كل واحد في منزل من الدار على حدة، لقطع من سرق من منزل أحدهما أو من بعض تلك البيوت، وإن أخذ في الدار قبل أن يخرج من الدار؛ لأنَّ الدار ليست بحرز للبيت الذي سرق منه. قال الشيخ -رحمه الله-: وكذلك إن كانت الدار (¬1) مشتركة مأذونًا فيها، وهي الفنادق (¬2) بالنهار فسرق إنسان من أحد مخازنه قطع إذا أخرجه عن باب المخزن، كان سارقه من أهل الفندق أو أجنبيًا والمخازن يجمعها الفندق كديار يجمعها درب لطيف، وهذا إذا سرق منها بالنهار فإن سرق منها ليلًا أو كانت دار غلة فسرق منها ليلًا أو نهارًا، فذلك سواء، فإن كان السارق أحد الساكنين، قطع إذا أبرزه عن باب المخزن أو البيت. ويختلف إذا كان أجنبيًا، فالجواب عند محمد كالأول يقطع إذا أخرجه عن باب البيت أو المخزن وعند سحنون: لا يقطع حتى يخرجه عن باب الفندق أو الدار. قال سحنون: لأن البيت حرز من أهل الدار والبيت، والدار حرز من غير أهل الدار. قال الشيخ: ولو كانت دارًا ذات سقائف وأغلاق، لم يقطع حتى يخرجها عن آخرها، وهو أبين من قول محمد؛ لأنَّ السكان يقصدون التحفظ ممن معهم في الدار بباب البيت، ومن الأجنبي بباب البيت وباب الدار، فلا يقطع حتى يخرج السرقة عن آخرها. وإن أخذ شيئًا من قاعة الفندق أو الدار المشتركة، فقال محمد: إن أخذ دابة قطع إذا خرج بها. قال: والقياس أن يقطع إذا نحاها عن مرودها بالأمر ¬

_ (¬1) قوله: (الدار) ساقط من (ق 6). (¬2) قوله: (وهي الفنادق) يقابله في (ق 6): (كالفنادق).

البين، وإن أخذ رزمة، وكان ذلك موضعها مثل الشيء الثقيل والأعكام، والمتاع الكثير الذي قد أنزله وجعله موضعه فهو مثل الدابة على مرودها إن كانت الدار مشتركة، فإذا أبرزه عن موضعه قطع، وإنما ذلك بمنزلة الخشب الملقى في وسط الدار والعمد وشبهه. قال الشيخ -رحمه الله-: فإن كان شيئًا خفيفًا، لم يقطع على قوله، وإن كان قد جعل ذلك موضعه، وكذلك التابوت يسرقه أو يسرق منه فإن كان كبيرًا قطع إذا أبرزه أو أبرز منه شيئًا عن مكانه إذا كان سارقه من أهل الدار، ويختلف فيه (¬1) إذا كان من غير أهل الدار، فعند محمد، الجواب سواء، وعلى قول سحنون لا يقطع حتى يبرزه عن باب الدار، فإن كان التابوت صغيرًا لم يقطع، وإن أخرجه من باب الدار إذا كان سارقه من أهل الدار، وإن لم يكن من أهلها، قطع إذا أخرجه من باب الدار. وقد اختلف في تابوت الصيرفي إذا كان صغيرًا فسرقه سارق لما قام عنه صاحبه فقال عبد الملك بن الماجشون في المبسوط: لا يقطع. وقال محمد: يقطع. وعلى هذا يقطع في كل ما جعل له موضع من الدار، وإن كان لطيفًا. ولم يختلفوا في الدابة يكون لها موضع من الدار المشتركة أنه يقطع سارقها، والدابة مما يخف نقلها والزوال بها، وذلك يقضي على كل ما يخف نقله أنه يختلف في قطع سارقه، ولا قطع في كل ما لم يكن ذلك موضعه صغر أو كبر؛ لأنه لم يجعل ذلك المكان حرزًا له. ¬

_ (¬1) قوله: (فيه) ساقط من (ق 7).

فصل [في السرقة من الحمام]

وقال مالك في المدونة في الدار (¬1) المشتركة فينشر الرجل ثيابه فوق بيته وبيته (¬2) محجور عن الناس: أنه يقطع (¬3). يريد: أن ظهر بيته عليه تحجير، ولو كانت سقوف تلك الدار واحدة ولا تحجير عليها وكلهم يتصرفون عليها لم يقطع سارقه إن كان من أهل الدار وهو في ذلك كالقاعة، وإن كان سارقه من غيرهم قطع إذا أخرجه من (¬4) سقف بيته بخلاف أن يأخذه من القاعة؛ لأن (¬5) المأذون فيها يتصرف الغريب على قاعتها ولا يتصرف على ظهرها. قال أبو محمد: والدار المباحة هي التي في طريق المارة المشتركة النافدة مثل القيساريات التي بمصر، فما أرى حرز ما فيها إلا كل من أحرز متاعه على حدة، وليس أبوابها حرزًا لها وأراها بمنزلة الدروب التي تعلق عليها بالليل وتباح بالنهار. قال الشيخ -رحمه الله-: والقياس إذا سرق منها ليلًا أن يكون الحرز باب القيسارية؛ لأن الإذن حينئذ ارتفع، والقصد بالإغلاق التحفظ من السارق. فصل [في السرقة من الحمام] وإذا سرق من الحمام من لم يدخله نقب ودخل (¬6) فأخذ؛ قطع إذا أخرجه من النقب. وإن دخل من مدخل الحمام فسرق متاعًا على الألواح، لم يقطع؛ ¬

_ (¬1) في (ق 6): (الديار). (¬2) قوله: (وبيته) ساقط من (ق 6). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 533. (¬4) في (ق 6): (عن). (¬5) زاد في (ق 6): (القاعة). (¬6) قوله: (ودخل) ساقط من (ق 7).

فصل [في سرقة الصنيع]

لأن ذلك الموضع (¬1) مشترك (¬2)، والعادة أن من أحب أن يتجرد (¬3) هناك فضاق عليه لكثرة الثياب وسع موضعًا لثيابه وقد يجعل رزمة ثيابه على ثياب غيره، فإذا كان له أن يمسها للتوسعة أو يجعل عليها صار بذلك كالمؤتمن وكان خائنًا، وكذلك إن سرق مما يجعل في الحصر؛ لأن له أن يجعل حصيره معها ويوسع موضعًا لثيابه (¬4)، وإن سرق مما يجعل في الطيقان قطع؛ لأنَّ ذلك للأول لا يشركه فيه أحد إلا أن تكون لقوم عادة في الاشتراك هناك، وإن سرق من الحارس من ليس عنده ثياب قطع إلا أن يوهمه أن له عنده ثيابًا فيأذن له في النظر في الثياب فلا يقطع، وإن كان له عنده ثياب فناوله إياها الحارس فمد يده إلى غيرها قطع، وإن أذن له في أخذها من جملة الثياب، كان خائنًا، ولم يقطع. فصل [في سرقة الصنيع] وقال ابن القاسم في الصنيع يحضره القوم فيسرق أحدهم مما في البيت فلا يقطع. (¬5) يريد؛ لأنه بعد الإذن خائن. وقال محمد: إن طر بعضهم من كم بعض أو سرق رداءه أو نعليه، لم يقطع (¬6)؛ لأن البيت هو الحرز ليس الكم، وليس بالبين إذا سرق من الكم وأن ¬

_ (¬1) قوله: (الموضع) ساقط من (ق 6). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 533. (¬3) قوله: (أن يتجرد) يقابله في (ق 6): (الرفع). (¬4) في (ق 6): (لما جعل فيه ثيابه). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 534. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 417.

فصل [الاختلاف في السرقة]

يقطع أحسن، ولأنَّ كل واحد حرز لما في كمه, ولأن كل واحد يأمن صاحبه على ما بين أيديهم ولا يأمنه على ما في كمه، ولا يدخل يده إلا بإذن، ومن هذا الأصل السرقة من السفينة؛ يسرق بعضهم من بعض والمسافرون ينزلون جميعًا ويتخالطون، وبيان ذلك مذكور فيما بعد إن شاء الله تعالى. فصل [الاختلاف في السرقة] واختلف إذا سرق من المسجد شيئًا فذكر محمد عن أشهب أنه لا يقطع إن سرق من بلاطه وحصره (¬1) وقناديله، وقال أصبغ: تقطع في ذلك كله. وقاسه بمن سرق بابه، ولمالك في كتاب ابن حبيب أنه يقطع في ذلك كله سرقه ليلًا أو نهارًا، كان على المسجد غلق أو لم يكن وإن لم يخرج به من المسجد قال: وحرزها مواضعها التي جعلت فيها، وروى عن ابن القاسم أنه قال: إن سرق من حصره نهارًا لم يقطع، وإن تسور على ذلك ليلًا قطع (¬2)، وذكر عن سحنون أنه قال: إن كان قد خيط بعضها إلى بعض قطع، وإلا لم يقطع (¬3). فأما أشهب فإنه أسقط القطع؛ لأنه موضع مأذون فيه فأشبه سرقة الضيف من موضع أذن فيه لدخوله، ورأى مالك أن الإذن في ذلك ليس من المالك، وإنما هو شيء أوجبه الحكم وقول ابن القاسم أعدلها أنه إن سرق في حين كونه مغلقًا قطع؛ لأنه لم يؤذن له في دخوله ذلك الوقت، وإنما يغلق ويصان تحفظًا من السارق. ¬

_ (¬1) في (ق 7): (حصوره). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 413. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 413.

فصل [فيمن أدخل رجلا حانوته]

وأما سحنون فذهب في ذلك إلى ما يخف نقله أو لا يخف لما قال: إذا سرق الضيف من تابوت في الدار. وعلى قوله لا يقطع في القناديل ويقطع في بلاطه. وقال مالك في كتاب محمد فيمن سرق من حلي الكعبة لا يقطع قال: لأن دخوله بإذن (¬1). يريد: أن شأنه أن يغلق (¬2) فمن سرق في وقت فتحه والإذن في دخوله لم يقطع. وقال محمد: وجعله مثل منازل الناس، ولم يجعله مثل المساجد لو سرق منه في وقت لم يؤذن ولم يفتح قطع (¬3). قال: وكذلك كل بيت لا يدخل إلا بإذن، وكذلك بيت القناديل ترفع فيه قناديله وحصره وزيته وزكاة الفطر، فمن دخله بإذن لم يقطع، وإن دخله بغير إذن قطع. (¬4) وقال ابن الماجشون عند ابن حبيب: من سرق باب الكعبة قطع (¬5). وإن سرق شيئًا من بعض المصلين، فإن سرق من كمه أو من شيء معه أو بين يديه، قطع بخلاف الصنيع؛ لأنه لم يأذن أحدهما للآخر في الكون هناك، والأحكام أوجبت لكل واحد منهم في ذلك حقًّا، وإن سرق نعلين من جملة النعال لم يقطع؛ لأنه موضع مأذون فيه وشركة ومؤتمن أن يجعل الآخر نعليه معه وأن يميزه من جملتها فيصير خائنًا. فصل [فيمن أدخل رجلًا حانوته] وقال في كتاب محمد فيمن أدخل رجلًا حانوته فعرض عليه متاعًا فسرق ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 16/ 205، والنوادر والزيادات: 14/ 411. (¬2) قوله: (شأنه أن يغلق) يقابله في (ف) و (ق 7): (بابه مغلق). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 411. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 411. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 414.

منه ثوبًا، لا قطع عليه (¬1)؛ لأنه قد ائتمنه على دخوله ولا يشبه هذا الأفنية. وقال عبد الملك بن الماجشون في المبسوط: إذا أدخل الرجل رجلًا داره (¬2) لعمله أو اشترائه فيعطيه ما يعمل أو يشتري، ثم يبسط يده سارقًا إلى غير ما أعطي أو استعمل فيه، أنه سارق (¬3) يقطع. قال الشيخ -رحمه الله-: السارق من البزّاز إذا أطلعه حانوته على ثلاثة أوجه، فإن كان دفع إليه شيئًا ليقلبه أو ليختار منه أو أباح له أن يقلب صنفًا فسرق منه، لم يقطع، وإن مدّ يده إلى غيره من المتاع مما هو إلى جنبه لم يقطع عند مالك، وقطع على قول عبد الملك، والأول أشبه؛ لأنه كالمؤتمن عليه (¬4). وإن سرق من تابوت المتاع لم يقطع على أحد القولين في الضيف (¬5) والقطع أبين، وإن سرق من الحانوت من لم يؤذن له في طلوعه ولا أن يتناول منه شيئًا قطع وإن أذن له أن يقلب منه شيئًا لم يقطع. وإن كان لم يطلعه, وإن غاب عن حانوته وترك متاعه (¬6) على حاله ولا أحد معه قطع سارقه، وقال ابن القاسم في تابوت الصيرفي يقوم عنه ويتركه فسرقه أحد ليلًا أو نهارًا قال: يقطع مبنيًّا كان أو غير مبني. قال: وإن كان ينقلب به كل ليلة فنسيه لم يقطع (¬7)، وقال في المدونة في المتاع يوضع في أفنية الحوانيت فيبيعونه هناك ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 407، 408 (¬2) قوله: (داره) مطموس في (ق 2)، وساقط من (ق 6) و (ق 7). (¬3) قوله: (سارق) ساقط من (ق 7). (¬4) قوله: (عليه) ساقط من (ق 6). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 532. (¬6) في (ق 7): (متاعًا). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 408

بالنهار فمن سرق منه: قطع (¬1). يريد، إذا كان معه صاحبه وسرق منه من لم يؤذن له في تقليبه. واختلف إذا غاب عنه وتركه أو بات عنه، فقال مالك في المدونة: يقطع. (¬2). قال مالك (¬3) في كتاب محمد: ومثل القطاني يبيعونها في القفاف، ولهم حصر يغطونها بالليل، وذلك بأفنية حوانيتهم فقام صاحبها لحاجته وتركها على حالها، فلا قطع على من سرق منها (¬4). ففرق ما بين ما خف نقله وينقل كما قيل (¬5) في التابوت يكون في قاعة الدار: فليس الصغير منه كالكبير، والقفاف وما فيها مما لا يخف نقله عندما يحتاج صاحبه إلى القيام عنه ولم يرَ مثل ذلك في تابوت الصيرفي وإن كان مبنيًّا؛ لأنَّ ما يجعل فيه مما يخف نقله، وأما إذا كان غير مبني فنسي أن ينصرف به، لم يقطع؛ لأنه لم يرض بذلك الموضع أن يكون حرزًا له في ذلك الوقت، وإنما بقي فيه على وجه النسيان. وقال في الأمتعة التي توضع في أفنية الحوانيت للبيع فيسرق منها رجل بالنهار، وفي الأمتعة التي توضع في الموقف للبيع ولا حوانيت هناك (¬6) فمن سرق من ذلك المتاع قطع، وإذا وقف غنمًا للبيع فسرق منها من أذن له في تقليبها، لم يقطع، وإن كان ممن لم يؤذن له في تقليبها قطع، وإن تعامل (¬7) عليه ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 533. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 534. (¬3) قوله: (مالك) زيادة من (ق 2). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 408 (¬5) قوله: (وينقل كما قيل) مطموس في (ق 7). (¬6) قوله: (ولا حوانيت هناك) ساقط من (ق 6). (¬7) في (ق 6): (تقاعد).

رجلان فكان أحدهما يسوم ويقلب، والآخر يسرق قطع الذي يسرق وحده، وقال مالك في الشاة يسرقها السارق من سوق الغنم يوقفها صاحبها للبيع: إنه يقطع سارقها مربوطة كانت أو غير مربوطة (¬1)، وقال أبو مصعب: من سرق شاة مربوطة من السوق فعليه القطع. قال الشيخ -رحمه الله-: والأول أحسن إذا لم يذهب صاحبها عنها؛ لأنه حرز لها، وإن لم يكن معها لم يقطع في الشاة الواحدة؛ لأن الغالب أنها لا تثبت في موضعها، ولأنها مما يخف نقلها. ولو كانت غنمًا كثيرة لقطع؛ لأنها لا يخف نقلها، ولأن الغالب في الكثيرة أنها يثبت بعضها مع بعض وإن كانت في الرعي، لم يقطع، وإن كان معها صاحبها وإن آواها المراح قطع وإن لم يكن معها أحد. واختلف فيما بين هذين إذا سرق منها وهي سائرة إلى الرعي أو راجعة منه ومعها من يسوقها، هل يقطع سارقها؟ فقيل: يقطع؛ لأنها ليست في الرعي وقيل: لا يقطع لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فَإِذَا آوَاهَا المُرَاحُ فَالقَطْعُ" (¬2). فلم يجعل فيها قطعًا حتى تصير إلى المراح، وإن سرق دابة قطع إذا كان معها صاحبها ومن يحرزها، أو كانت في موضع لها معروف على مزودها، أو كانت على باب دار صاحبها، وليست في داخلها، وإن كانت في داره أو في غلقه قطع مربوطة كانت أو لا (¬3)، وإن كانت في دار مشتركة، فقال محمد: يقطع إذا خرج بها. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 533. (¬2) أخرجه مالك في الموطأ: 2/ 831 , في باب ما يجب فيه القطع، من كتاب الحدود، برقم (1518)، والنسائي: 8/ 82، في باب الثمر المعلق يسرق، من كتاب قطع السارق، برقم (4957). (¬3) في (ق 6): (غير مربوطة).

قال: والقياس أن يقطع إذا نحاها عن مزودها بالأمر البين وإن لم يخرجها من باب الدار (¬1). وقال ابن القاسم في المدونة: إذا كانت الدار مشتركة وكان ذلك الموضع مربطًا للدابة معروفًا قطع (¬2). يريد: إذا أزالها عن ذلك الموضع، وكان سارقها من أهل الدار. ويختلف إذا لم يكن من أهلها هل يكون حرزها موضعها أو باب الدار، إذا كان سرقها ليلًا، وقال مالك في كتاب محمد في الدواب تكون في الربيع وقومها معها، مقيمون تسرق منها دابة، وهي على وتدها مربوطة، قال: هذا من ناحية الرعي وما يعجبني أن يقطع سارقها، وقال أيضًا فيمن ربط دابة في مرج فسرقت إن كان عندها أحد يحرسها: فعلى سارقها القطع (¬3) ليلًا كان أو نهارًا، وإن لم يكن عندها أحد يحرسها فلا قطع فيها لأنها في غير حرز. قال محمد: وذلك ما لم تكن مطلقة ترعى إنما هي في مرج ينقل إليها العلف وعندها من يتحفظ بها (¬4). فلم ير فيها قطعًا إذا لم يكن معها من يحرسها، وإن كانت على وتدها بخلاف أن تكون في الحاضرة على باب صاحبها؛ لأن تلك بعيدة من العمران، وهذه يد (¬5) صاحبها عليها؛ لأنه متصرف وداخل ومتفقد لها (¬6)، ويجري فيها قول آخر أنه يقطع وإن كانت ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 421. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 535 (¬3) قوله: (فعلى سارقها القطع) يقابله في (ق 6): (يقطع). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 421 (¬5) في (ق 7): (عين). (¬6) قوله: (لها) ساقط من (ق 6).

بعيدة من العمران، قياسًا على المطمورة إذا كانت في فلاة. وقال مالك في الغسال ينشر متاعًا على البحر فيسرق منه وهو يغسل آخر أنه لا قطع فيه، قال: وهو يشبه الغنم في الرعي (¬1). وأظن أن ذلك لما كانت العادة أن الناس يمشون ما بين ذلك المتاع فيصيرون بذلك كالأمناء على التصرف فيما بينها، فيرجع إلى الخيانة. واختلف عن مالك فيما ينشره الصباغ والقصار على الحبل فيسرق منه هل يقطع أم لا؟ فقال في ما ينشره الصباغ على حبل ممدود على قارعة الطريق يمر الناس من تحته: لا قطع فيه (¬2)، وروي عنه أن فيه القطع (¬3). واختلف فيمن سرق ثوبًا منشورًا على الجدار بعضه في الدار وبعضه على الطريق، فقال في المدونة: لا قطع عليه (¬4). وفي العتبية وغيرها: أنه يقطع (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 16/ 208 و 209. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 16/ 209. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 409. (¬4) انظر: المدونة: 14/ 533. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 16/ 257، ونص العتبية: (وسمعته يقول في الرجل يغتسل في عسكر له قصير فألقى ثوبه عليه وكان بعضه مدلي إلى خارج فجاء سارق فجبذه من الطريق فقال يقطع).

باب في سرقة الآباء، والأبناء، والأجداد، والعبد من سيده, وأحد الزوجين والضيف، وإذا سرق اثنان أحدهما لا قطع عليه

باب في سرقة الآباء، والأبناء، والأجداد، والعبد من سيده, وأحد الزوجين والضيف، وإذا سرق اثنان أحدهما لا قطع عليه (¬1) ولا قطع على الأبوين إذا سرقا من مال الابن للحديث: "أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ" (¬2). ولأن لهما في مال الابن شبهة متى احتاجا أنفق عليهما منه (¬3)، ولأن من البر أن لا يحرز ماله عنهما ولا يمنعهما ما أخذا منه ما لم يكن ضرر. واختلف في الابن إذا سرق من مال أبيه أو زنا بجاريته، فقال مالك وابن القاسم: يقطع ويحد. (¬4) وذكر ابن خويز منداد عن أشهب وابن وهب أنهما قالا: لا يقطع ولا يحد إذا سرق من مال أبيه أو زنا بجاريته. وقال أبو الحسن بن القصار: يقطع إذا كان بالغًا عاقلًا صحيحًا (¬5) وقد سقطت نفقته عن أبيه، يريد: إذا كان ممن لم تسقط نفقته كالبكر ومن بلغ زمنًا لم يقطع وهذا صحيح؛ لأنَّ الإنفاق من المال شبهة في المال قياسًا على الأبوين إذا سرقا من مال الابن والوجه في قول ابن وهب وأشهب أنه لما كان للأب شبهة في مال الابن متى احتاج إلى الإنفاق فكذلك الابن له شبهة في مال ¬

_ (¬1) قوله: (وإذا سرق اثنان أحدهما لا قطع عليه) ساقط من (ق 6). (¬2) أخرجه ابن ماجه: 2/ 769، في باب ما للرجل من مال ولده، من كتاب التجارات، برقم (2292) وأحمد في مسنده: 2/ 204، برقم (6902)، وصححه بدر الدين العيني في عمدة القاري: 13/ 142. (¬3) انظر: التلقين: 2/ 201. (¬4) انظر: المدونة: 4/ 535 المعونة: 2/ 322.الإشراف: 2/ 950. (¬5) قوله: (صحيحًا) ساقط من (ق 7).

الأب (¬1) متى احتاج إلى الإنفاق على قول بعض أهل العلم فيدرأ الحد للاختلاف وإن سرق من مال أبيه (¬2) أو زنا بجاريته (¬3) فإنه يحد؛ لأنه لا شبهة للابن في مالهما (¬4) متى احتاج إلى الإنفاق وإن سرق ولد الولد من أحد أجداده أو جداته قطع. واختلف إذا سرق أحد الأجداد من مال ولد ولده فقال ابن القاسم: أحب إليّ أن لا يقطع؛ لأنه أب ولأنه ممن تغلظ فيه الدية وقد قال عليه السلام: "ادْرَؤُوا الحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ" (¬5) وقال أشهب: يقطعون (¬6)؛ لأنه لا شبهة لهم في ماله ولا نفقة ولايقطع (¬7) السيد إذا سرق من مال (¬8) عبده. واختلف إذا سرق عبده (¬9) منه من موضع حجبه عنه، فقال مالك: لا يقطع (¬10). وقال أبو مصعب: يقطع (¬11). ¬

_ (¬1) قوله: (في مال الأب) ساقط من (ق 7). (¬2) في (ق 6): (أمه). (¬3) في (ق 6): (بجاريتها). (¬4) في (ق 6): (مالها). (¬5) سبق تخريجه، ص: 2091. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 425 (¬7) قوله: (ولا يقطع) مطموس في (ق 7). (¬8) قوله: (مال) ساقط من (ق 6). (¬9) قوله: (واختلف إذا سرق عبده) ساقط من (ق 7). (¬10) انظر: المدونة: 4/ 550، والمعونة: 2/ 351، والتلقين: 2/ 200، والنوادر والزيادات: 14/ 422. (¬11) انظر: عيون المجالس: 5/ 2136، نص عيون المجالس: (مسألة: إذا سرق العبد من مال سيده, لم يقطع. وبه قال كافة الفقهاء. وحكي عن داود -رحمه الله-: أنه يقطع).

وفي مختصر الوقار مثل ذلك والأول أشبه؛ لأن للعبد شبهة في المال بالإنفاق عليه (¬1) منه ولا يلزم على هذا الزوجة؛ لأن الإنفاق بحق (¬2) المعاوضة والمبايعة ولا يقطع السيد إذا سرق من مال (¬3) مدبره وأم ولده ومعتقه إلى أجل ومكاتبه (¬4). ويختلف إذا سرق أحدهم منه، وكذلك المعتق بعضه لا يقطع أحدهما للآخر، وإذا سرق أحد الزوجين من مال الآخر من موضع لم يحجر عليه، لم يقطع (¬5) وإن سرق من موضع محجور بائن عن مسكنهما قطع، وإن كان معهما في بيت واحد فسرق من تابوت معلق أو من بيت محجور والدار غير مشتركة بينهما (¬6) في الدار، كان في قطعه قولان: فقال ابن القاسم: يقطع. وقال في كتاب محمد: لا يقطع (¬7). ويختلف على قوله في الضيف وأن لا يقطع الزوج ولا الزوجة أحسن إذا كان القصد بالغلق التحفظ من أجنبي يطرق ذلك الموضع، وإن كان لأن كل واحد يخاف الآخر ويتحفظ منه قطع، وإذا سرق الزوج من شيء شوّرها به، ولم يبن بها فيقطع على القول أنه قد وجب جميعه لها، وعلى القول أنه مترقب لا يحد إذا كانت أمة فأصابها، فيجري على الجواب في الشريكين يسرق أحدهما ¬

_ (¬1) قوله: (عليه) ساقط من (ق 6). (¬2) في (ق 7): (حق). (¬3) قوله: (مال) ساقط من (ق 6). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 549 و 550. (¬5) قوله: (لم يقطع) ساقط من (ق 7). (¬6) في (ق 7): (معهما). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 416.

من مال (¬1) شركة بينهما، وقال مالك في المدونة في رجل أضاف رجلًا فأدخله داره وبيته فيها (¬2) فسرق لا يقطع (¬3)، وقال سحنون: يقطع إذا أخرجه إلى قاعة الدار (¬4)؛ لأن الدار عنده حرز. ¬

_ (¬1) قوله: (مال) ساقط من (ق 6). (¬2) قوله: (فيها) ساقط من (ق 6). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 531، والنوادر والزيادات: 14/ 416. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 416.

باب إذا اشترك في السرقة اثنان أحدهما ممن لا قطع عليه

باب إذا اشترك في السرقة اثنان أحدهما ممن لا قطع عليه وإذا اشترك في السرقة اثنان أحدهما ممن لا قطع عليه إذا انفرد بالسرقة، فإن المسألة على ثلاثة أوجه: فتارة يسقط القطع عن الآخر لسقوطه عَن مَّن معه. والثاني: يختلف فيه هل يسقط عنه القطع؟ والثالث: لا يسقط، وإن سقط عن الآخر. فإن كانت سرقته مع أحد الأبوين لم يقطع الأبوان، ولم يقطع الأجنبي؛ لأنه دخل بإذن من له في المال شبهة (¬1)، وإن كانت سرقته مع الابن سرق من والده أو مع أحد الأجداد إذا أدخله، كان قطع الأجنبي مبنيًّا على قطع من أدخله، فمن أسقط القطع عمن أدخله أسقطه عنه، ومن لم يسقطه عن الإذن لم يسقطه عنه، وعلى مثل هذا يجري (¬2) الجواب إذا سرق مع الزوجة أو مع الضيف، فإنه يختلف هل يقطعان جميعًا، الزوجة والضيف ومن سرق معهما، أو لا قطع. وإن سرق مع عبد السيد من موضع أذن للعبد في دخوله، لم يقطع الأجنبي، وإن كان من موضع لم يؤذن له فيه قطع. (¬3) قال محمد: يريد؛ لأن دراءة الحد عن العبد لم تكن لشبهة له في المال، وإنما ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 424. (¬2) قوله: (مثل هذا يجري) يقابله في (ق 6): (هذا). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 423

فصل [في سرقة أحد الشريكين]

درئ لأن القطع ذب عن الأموال، فإذا قطع عبده كانت مصيبته (¬1) زيادة عليه في مصيبته في ماله، وإن سرق مع أجير صاحب الدار من موضع أذن له فيه، لم يقطع، وإن كان من موضع لم يؤذن له فيه قطعا، وإن كان صبي وبالغ ومجنون وصحيح، قطع البالغ والصحيح (¬2)؛ لأن دراءة القطع عن الصبي والمجنون لم تكن لشبهة في المال، ولا لأن إذنه إذن، وإنما كانت لأنه غير مخاطب بالشرع، فكان حكم الآخر (¬3) حكم من سرق بانفراده، أو خرج بسرقة وحده، أو أمر الصبي أو المجنون بحملها، أو خرجا بها جميعًا وقيمتها ثلاثة دراهم؛ لأن الصبي والمجنون متصرف ولو خرج كل واحد بسرقة ولم يأمره الآخر لم يقطع البالغ الصحيح إلا أن يكون في قيمة (¬4) ما خرج به وحده ثلاثة دراهم، وإذا كان عبد (¬5) المسروق منه وأجنبي فيخرج كل واحد بسرقة، فإنه لا يقطع الأجنبي إلا أن يكون فيما خرج به ربع دينار، وكذلك إذا حملاها بينهما فلا يقطع إلا أن تكون قيمتها نصف دينار. فصل [في سرقة أحد الشريكين] وإذا استودع الشريكان مالًا ثم سرقه أحدهما، قطع إذا كان فيما سرق فضل عن حقه ثلاثة دراهم، قال مالك: إذا جاوز فوق حقه من جملة (¬6) المال ¬

_ (¬1) قوله: (مصيبته) ساقط من (ق 6). (¬2) في (ف) و (ق 7): (البالغ الصحيح). (¬3) قوله: (حكم الآخر) مطموس في (ق 6). (¬4) قوله: (قيمة) ساقط من (ق 6). (¬5) في (ق 7): (غير). (¬6) قوله: (جملة) ساقط من (ق 6).

بثلاثة دراهم، وقال عبد الملك بن الماجشون: إذا سرق من جملة المال ستة دراهم قطع، وقاله أشهب وأصبغ (¬1)، وهو أبين؛ لأنه إذا (¬2) أخذ ستة دراهم من اثني عشر درهمًا إنما يأخذها على أن نصيبه باق في الستة الباقية، ولم يأخذها على وجه المقاسمة، وإذا كان المسروق شيئًا مما يكال أو يوزن جرت على الخلاف المتقدم، وإن كانت سلعة أو ما يقضى فيه بالقيمة نظر إلى قدر نصيبه منها خاصة، وهذا الذي أخذ به في العرض؛ لأنه ليس له قيمة قولًا واحدًا. وإن أغلق الشريكان على مال من شركتهما وأودعا مفتاحه رجلًا ثم سرق منه أحدهما كان حكمه على ما تقدم إذا أودعا المتاع نفسه، وإن سرق منه من جعل المفتاح عنده لم يقطع فإن جعلا المفتاح عند أحدهما فسرق منه من المفتاح عنده، لم يقطع، وإن سرق منه الآخر نظرت فإن كان ذلك احترازًا من الآخر، قطع وإن كان (¬3) لا بدَّ أن يبين به أحدهما ليس لأن الآخر لو أراده حيل بينه وبينه، لم يقطع، ومثله لو كان المتاع في دار أحدهما فإنك تنظر مثل (¬4) ذلك؛ لأنه قال: أخاف منك ولا آمنك عليه (¬5)، فإنه يقطع، وإن كان ذلك على وجه المسامحة، لم يقطع. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 393 (¬2) في (ف) و (ق 7): (إنما). (¬3) زاد في (ق 7): (لأنه). (¬4) قوله: (فإنك تنظر مثل) يقابله في (ق 6): (فإنه ينظر هل). (¬5) قوله: (عليه) ساقط من (ق 7).

فصل [فيمن سرق من مجنون]

فصل [فيمن سرق من مجنون] ومن سرق من مجنون لم يقطع إلا أن يكون معه من العقل ما يحرز به ما معه، ويمنعه لو لم يأخذه منه سرًّا (¬1)، ومن سرق من نائم لم يقطع (¬2)؛ لأنه في حال من لا يحرز ما معه والمجنون أحرز منه حينئذ، وقد قال مالك في كتاب محمد فيمن ربط دابته بباب الحمام أو بباب المسجد ودخل يركع، لم يقطع سارقها إلا أن يكون معها أحد غير نائم (¬3)، وليس في حديث صفوان حين توسد رداءه فسرق أنه كان نائمًا (¬4)، وإذا سرق مسلم من ذمي أو ذمي من مسلم، قطع السارق منهما (¬5). واختلف في الحربي يدخل إلى بلاد المسلمين بأمان فيسرق أو يسرق منه، فقال ابن القاسم: يقطع السارق منهما (¬6)، وقال أشهب: لا قطع عليه إن سرق ولا على من سرق منه (¬7). وأن لا يقطع إذا هو سرق أبين، إلا أن يكون قد بين له في حين أعطي الأمان أنه إن سرق قطع، والقطع إن سرق منه أحسن. ¬

_ (¬1) قوله: (سرًّا) ساقط من (ق 7). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 418، ونص النوادر: (من كتاب ابن المواز قال مالك: من سرق من كم رجل في الطريق قطع إذا صار في يده وإن لم يبرح، وكذلك من كمه أو ثوبه أو خطفه من نائم أو مستيقظ، فإنه يقطع). (¬3) انظر: والنوادر والزيادات: 14/ 409، 410. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 419 (¬5) انظر: المدونة: 4/ 516، النوادر والزيادات: 14/ 460. (¬6) قوله: (واختلف في الحربي يدخل. . . السارق منهما) سقط من ق (ق 3 / أ). وانظر: المدونة: 4/ 546. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 460

باب فيمن سرق من السفينة أو من المسافرين

باب فيمن سرق من السفينة أو من المسافرين وإذا سرق من في السفينة بعضهم من بعض، لم يقطع (¬1)، وهم كأهل الصنيع، ولأنهم يتخالطون في الأماكن وفيما يكون لهم إلا أن يسرق من المواضع التي تغلق وتحاز كالسرير والحبير الخز وما أشبه ذلك فيقطع إذا أبرزه من حرزه، وإن لم يخرجه من السفينة ومن سرق منها من غيرهم قطع إذا أبرزه عن (¬2) السفينة. ويختلف إذا سرق من أحد المواضع التي تغلق، فعلى قول محمد يقطع إذا أبرزه من حرزه، وإن لم يخرجه من السفينة، وعلى قول سحنون لا يقطع حتى يخرجه عنها. وإن سرق السفينة نفسها وكانت مرساة في المرسى وحيث السفن قطع (¬3) وإن انقلبت من المرسى أو كانت مخلاة، لم يقطع (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 16/ 239، ونص العتبية: (قال ابن القاسم في السفينة يركب فيها الجماعة كل إنسان منهم على متاعه قد أحرزه كله تحته فيسرق بعضهم من بعض قال زعم مالك أنه إن سرق منه وهو عليه قطع، وإن قام فسرق منه وقد قام عنه فلا شيء عليه)، وانظر: النوادر والزيادات: 14/ 406، نص النوادر: (وقال يحيى بن سعيد قال محمد: وأما أهل السفينة يسرق بعضهم من بعض فلا قطع عليه, وهي كالحرز الواحد، إلا أن يسرق منهم أحدٌ من غيرهم مستترًا فليقطع إن أخرج ذلك من المركب). (¬2) قوله: (قطع إذا أبرزه عن) مطموس في (ق 7). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 546. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 406.

قال محمد: فإن كانت مرساة في غير المرسى إلا أنها قريبة حيث يصلح أن ترسى فيه، قطع (¬1). واختلف إذا أرسيت في غير قرية، فقال ابن القاسم: إذا نزلوا منزلًا فربطوها فيه وذهبوا لحاجتهم ولم يبق منهم أحد فسرقها سارق قطع، وقال أشهب في كتاب محمد: لا قطع عليه، وهي بمنزلة الدابة (¬2). يريد: إذا ربطت في موضع لم تعرف (¬3) به فإنه لا يقطع ولو كان معها من يحرسها في البر قطع سارقها، وإن كانت في غير مرسى معروف وإن كان صاحبها أو الناس فيها فأزالها في ليل قطع إذا كان مرسى معروفًا، ولا يقطع إذا لم يكن مرسى؛ لأن حرزها حينئذ الناس (¬4) الذين فيها ولم تزل أيديهم عنها فأشبه من سرق دابة وعليها صاحبها وقد نعس عليها فردها عن الطريق فإنه لا يقطع؛ لأن صاحبها حرزها ولم تزل يده عنها فإذا استيقظ عند إنزاله (¬5) عنها ثم أخذها بعد ذلك كان الحكم في صفة أخذها حينئذ، هل أخذها غصبًا أو على وجه الحرابة؟ وكذلك السفينة ينظر إلى الحال التي أخذها وقت علموا به، فإن أخذها غصبًا، عوقب ولم يقطع، وإن أخذها بحرابة، كان الأمر فيه إلى الإمام يقطعه أو يقتله. وإذا نزل المسافرون منزلًا فسرق بعضهم من بعض مع حضور المسروق ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 407. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 406، 407. (¬3) في (ق 7): (يعرف). (¬4) قوله: (الناس) ساقط من (ق 6). (¬5) في (ف) و (ق 7): (نزوله).

منه، ولم يكن غاب عن متاعه، قطع (¬1)، بخلاف السفينة؛ لأنَّ كلَّ واحد منهم حائز لماله، وإنما للآخر المجاورة من غير مخالطة، وأهل السفينة يخالط بعضهم بعضًا ولو لم تخالط بعض المسافرين في الطعام أو في المجالسة أو في المزاورة فسرق أحدهم (¬2) حينئذ، لم يقطع. واختلف إذا لم تكن مخالطة فسرق أحدهم عندما غاب الآخر عن متاعه، أو كان السارق أجنبيًّا ليس من أهل الرفقة، فقال مالك في المدونة: إذا وضع المسافر متاعه في خبائه أو خارجًا من خبائه وذهب لاستقاء ماء أو لحاجته وترك متاعه قطع سارقه (¬3). قال مالك والإبل تكون في مراعيها فلا يقطع سارقها، فإن آواها مراحها قطع سارقها (¬4). وقال سحنون: إنما الأمر في الخباء، فإن لم يكن خباء، فلا قطع. وقال أشهب في كتاب محمد: إن طرح متاعه قريبًا منه أو من خبائه أو من خباء أحد من أصحابه وكان سارقه من غير أهل الخباء، قطع سارقه، وإن طرحه بموضع ضيعه لم يقطع (¬5). وقال محمد بن عبد الحكم: ليس في هذا كله قطع، واتفقوا على أنه إذا لم يكن منزلًا نزله، لم يقطع مثل الذي ينزل لقضاء حاجته أو لأخذ ماء والمنهل ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 405 و 406. (¬2) قوله: (أحدهم) ساقط من (ق 6). (¬3) انظر: انظر: المدونة: 4/ 537، النوادر والزيادات: 14/ 406. (¬4) انظر: المدونة: 4/ 537. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 406.

الذي ينزل أمامه. فراعى مالك وابن القاسم الموضع وأن يتخذه منزلًا كالجرين، فإنه يقطع سارقه، وإن لم يكن عليه غلق ولا حارس فكذلك متاع المسافر يقطع سارقه، إن كان منزلًا نزله، وإن لم يكن معه صاحبه ولا كان في خباء، ورأى سحنون أنه لما كان موضعًا لا يستقر فيه وإنما يلبث (¬1) فيه ليلة أو بعض ليلة (¬2) ويرحل عنه كان (¬3) كالذي يجمع من الثمار ويجعل في موضع لينقل منه إلى الجرين، فلا قطع فيه إلا أن يكون خباء، فيكون كبيت الإنسان، ورأى (¬4) ابن عبد الحكم في جميع ذلك على (¬5) أنه ليس بحرز لما كان لا يستقر فيه (¬6) إلا أن يكون معه صاحبه، فإن الإنسان حرز لما كان معه، وإن كان في قفر ولهذا قال ابن القاسم: إنه إن لم يكن (¬7) منزلًا نزله، لم يقطع (¬8) لأن المنهل كالمراح والجرين (¬9). ¬

_ (¬1) في (ق 6): (يبيت). (¬2) في (ق 6): (يوم). (¬3) قوله: (كان) ساقط من (ق 7). (¬4) في (ق 6): (وقال). (¬5) قوله: (على) ساقط من (ق 6). (¬6) في (ق 6): (عليه). (¬7) زاد في (ق 6): (عليه). (¬8) انظر: المدونة: 4/ 537، ونص المدونة: (قلت: أرأيت لو أن رجلًا طرح ثوبًا له في الصحراء وذهب لحاجته وهو يريد الرجعة إليه ليأخذه فسرقه سارق مستَسِرًّا، أيقطع أم لا في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئًا إلا أنه إن كان منزلًا نزله في ذلك الموضع الذي وضع فيه ثوبه قطع في رأيي، وإن لم يكن منزلًا نزله لم يقطع سارقه). (¬9) انظر: البيان والتحصيل: 16/ 221.

ومن سرق من المحمل قطع كان (¬1) فيه صاحبه أو لم يكن وهو كالخباء (¬2) إلا على ما قال محمد بن عبد الحكم، فإنه لا يقطع إلا أن يكون معه صاحبه. قال مالك: ومن سرق من إبلهم المناخة، فعليه القطع، وإن كانت غير معقلة إذا كانت بقرب صاحبها وما كان منها في الرعي، فلا قطع فيه (¬3)، وعلى قول سحنون لا يقطع وإن كانت مناخة بقرب متاع صاحبها؛ لأنه لم يقطع فيما كان من المتاع خارجًا عن الخباء، وكذلك الإبل. ومن سرق ما على بعير وهو في القطار، قطع، وإن سرق البعير نفسه بما عليه أو كان لا شيء عليه، قطع إذا كان في قطار، فإذا حله وصار في يديه قطع، وإن أخرج ميتًا من قبر قطع إذا كان ما عليه قيمته ربع دينار فصاعدًا (¬4). ¬

_ (¬1) قوله: (كان) ساقط من (ق 7). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 537، البيان والتحصيل: 16/ 226، والنوادر والزيادات: 14/ 407 و 410 و 418. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 16/ 221. (¬4) انظر: المدونة: 4/ 537، 538.

باب ذكر ما لا قطع فيه من المسروقات

باب ذكر ما لا قطع فيه من المسروقات المسروقات (¬1) ثلاثة أصناف: أحدها: ما يجوز ملكه وبيعه، وهذا يجب القطع فيه (¬2). والثاني: ما لا يجوز ملكه ولا بيعه كالميتة والدم ولحم (¬3) الخنزير والخمر (¬4)، فهذا لا قطع فيه إلا الحر فإنه لا يجوز ملكه، واختلف في القطع فيه. والثالث: ما يجوز ملكه دون بيعه، واختلف في قطع سارقه، فقال ابن القاسم: لا يقطع. وقال أشهب: يقطع. (¬5) وأما الحر فقال مالك: يقطع سارقه إذا سرق من حرزه (¬6). وقال عبد الملك بن الماجشون: لا يقطع لأنه ليس بمال. وأرى ألا يقطع؛ لأن الدار لا تقصد أن تكون حرزًا للحر، وإنما هي حرز للأموال إلا أن يكون بلد تخشى فيه سرقة أطفالهم ويقصد (¬7) بكونه في الدار حفظه من ذلك فيقطع؛ لأنه إذا كان القطع ذبًّا عن الأموال كان الذب عن الأحرار أولى، وإن سرق شيئًا مما عليه أو قرطًا من أذنه، فإن كان الصبي كبيرًا ¬

_ (¬1) في (ف) و (ق 7): (المسروق). (¬2) انظر: التلقين: 2/ 201. (¬3) قوله: (لحم) ساقط من (ق 7). (¬4) قوله: (والخمر) ساقط من (ق 6). (¬5) انظر: والنوادر والزيادات: 14/ 395. (¬6) انظر: المدونة: 4/ 538. (¬7) في (ق 6): (ويقصدون).

يحرز ما عليه أو كان صغيرًا ومعه من يحفظه أو (¬1) كان في دار أهله أو أبويه قطع، وإن كان صغيرًا لا يحفظ ما عليه ولا حافظ معه وهو خارج عن دار أبويه أو في دارهما وكان سارقه ممن أذن له في الدخول لم يقطع (¬2). وقال ابن القاسم في كتاب محمد: وإن أخذ ذلك على وجه الخديعة بمعرفة الصبي أو كابره، كان فيه الأدب. (¬3) يريد، إذا كان كبيرًا قال: وأما الصغير فعلمه وغير علمه واحد، فلم يقطعه في الخديعة؛ لأنه أخذه بإذن ولا إذا كابره؛ لأنه غصب وليس مكابرة الصبي كالحرابة. ومن المدونة قال مالك: لا قطع في جلد الميتة قبل أن يدبغ (¬4) فإن دبغ وكانت قيمة صنعته ربع دينار قطع. (¬5) وأجاز في المختصر بيعه بعد الدباغ، وعلى هذا القول يقطع في جملته إلا أن (¬6) يترجح في القطع للاختلاف. وقال أشهب في كتاب محمد: لا قطع فيه إذا لم يدبغ فإن دبغ قطع (¬7). ولم يبين كيف يقوم على أنه يجوز بيعه أو على أنه يجوز ملكه دون البيع؛ لأن أشهب يوجب (¬8) القطع فيما كان يجوز ملكه دون بيعه. ¬

_ (¬1) في (ف) و (ق 7): (أو من). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 410. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 536، والنوادر والزيادات: 14/ 410، والتفريع: 2/ 231، والمعونة: 2/ 351. (¬4) في (ف) و (ق 7): (الدباغ). (¬5) المدونة: 4/ 536 والنوادر والزيادات: 14/ 394. (¬6) قوله: (جملته إلا أن) غير واضح في (ق 7). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 394. (¬8) قوله: (لأن أشهب يوجب) مطموس في (ق 7).

وقال ابن القاسم في جلود السباع إذا ذكيت: قطع سارقها (¬1)؛ لأن مالكًا أجاز بيعها. وقال ابن حبيب: بيع جلود السباع العادية والصلاة عليها حرام (¬2). وعلى هذا لا يقطع سارقها، وقد تقدم ذكر ذلك في كتاب الذبائح (¬3). ولا يقطع في الكلب غير المأذون في اتخاذه، واختلف في المأذون فيه، فقال مالك في المدونة: لا يقطع (¬4). وقال أشهب في كتاب محمد: يقطع، قال: وكذلك إن سرق سبعًا (¬5). وقوله في السبع ضعيف للحديث في تحريمها، وليس كذلك ما أذن له (¬6) في اتخاذه من الكلاب؛ لأن النهي عن ثمنه (¬7) على وجه الندب لمكارم الأخلاق ألا يؤخذ في مثل ذلك ثمن، وكذلك نهيه في كتاب مسلم عن ثمن السنور (¬8) وهو على وجه الندب. ¬

_ (¬1) قوله: (قطع سارقها) يقابله في (ق 6): (القطع). وانظر: المدونة: 4/ 536. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 377. (¬3) لم أقف عليه من كلام الشيخ في كتاب الذبائح. (¬4) انظر: المدونة: 4/ 537. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 395. (¬6) قوله: (له) ساقط من (ق 6). (¬7) وهو حديث النهي عن ثمن الكلب، أخرجه البخاري: 2/ 779، في باب ثمن الكلب، من كتاب البيوع، برقم (2122)، ومسلم: 3/ 1198، في باب تحريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي والنهي عن بيع السنور، من كتاب المساقاة،، برقم (1567)، ومالك في الموطأ: 2/ 656، في باب بيع اللحم باللحم قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا في لحم الإبل، من كتاب البيوع، برقم (1338). (¬8) أخرجه مسلم: 3/ 1199، في باب تحريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي والنهي عن بيع السنور، من كتاب المساقاة، برقم (1569).

ويقطع سارق الأضحية قبل الذبح، ويختلف إذا سرقت بعد أن ذبحت، فقال أشهب في كتاب محمد: يقطع فيها وفي القديد، وقال ابن حبيب: لا يقطع فيها (¬1)؛ لأنها لا تباع في فلس ولا تورث ولكن تورث لتؤكل، وإن سرقها (¬2) ممن تصدق عليه بها قطع؛ لأنها صارت مالًا للمعطى يجوز له بيعها (¬3). والقطع أحسن؛ لأن منع البيع لما تعلق بها من حق الله تعالى؛ لأنها قربة، فأشبه من سرق حجارة المسجد، أو ما أشبه ذلك وفارقت جلود الميتة؛ لأنها رجس. وإن سرق بازيًا أو صقرًا (¬4) قطع، واختلف إذا كان معلمًا، ففي كتاب محمد: يقوم على ما هو عليه من التعليم؛ لأن ذلك ليس من الباطل، وقال أشهب: يقوم على أنه غير معلم (¬5)، والأول أحسن؛ إلا أن يكون قوم يريدونه للهو. قال محمد: ولا ينظر في الحمام إلى سرعته ولا فيما (¬6) علم من غيرها فيجب؛ لأن ذلك من اللعب. قال الشيخ: ولو كان القصد في الحمام ليأتي بالأخبار لا للعب، لقوم على ما علم منه من الموضع الذي يبلغه وتبلغ المكاتبة إليه. وإن سرق صليبًا أو تمثالًا من كنيسة قوم حطبه (¬7) منقوضًا، فإن بلغ ربع ¬

_ (¬1) قوله: (فيها) ساقط من (ق 7). (¬2) في (ق 7): (سرق). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 395، 396. (¬4) في (ق 6): (صيدا). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 395. (¬6) في (ق 7): (إلى). (¬7) قوله: (حطبه) ساقط من (ق 6).

دينار قطع (¬1). وقال ابن القاسم في العتبية فيمن سرق مزمارًا أو عودًا أو مثل الدف والكبر وغيره من الملاهي، وكان في قيمته بعد كسره ربع دينار قطع، وقال أيضًا في الكبر والدف: يقطع في قيمته صحيحًا؛ لأنه رخص في اللعب بهما (¬2). (¬3) قال مالك: ومن سرق من ذمي خمرًا أو خنزيرًا، لم يقطع ويعاقب ويغرم قيمة ذلك (¬4). وقال عبد الملك: لا قيمة عليه. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 395. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 16/ 236. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 396. (¬4) انظر: المدونة: 4/ 536، والنوادر والزيادات: 14/ 394.

باب في السرقة من الحائط، فإذا سرق الثمار قبل الجداد أو بعده، وهي بموضع جدت، أو في حين نقلها، أو وهي في الجرين

باب في السرقة من الحائط، فإذا سرق الثمار قبل الجداد أو بعده، وهي بموضع جدت، أو في حين نقلها، أو وهي (¬1) في الجرين وقال مالك فيمن قطع نخلة وسرقها: لم يقطع، وإن كانت مقطوعة ووضعها صاحبها في حائطه وأحرزها فيه، قطع (¬2). وإن سرق ثمرة من رؤوس النخل من حائط لا غلق عليه، لم يقطع (¬3). واختلف إذا كان عليه غلق، فقال عبد الملك بن الماجشون في المبسوط: إذا كان الحائط محصنًا مغلقًا على ما (¬4) فيه، وفيه التمر والرديء واللقط والمربد، فقال: ما (¬5) سرق من ثمر (¬6) على النخل وودي أو لقط فلا قطع فيه، ويقطع فيما كان في المربد من قبل، أن اللقط بمنزلة ما في رؤوسها؛ لأنه لا يقر حيث هو، ولا يحرس، ولا يرضى له حرزًا، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلاَ كثَرٍ" (¬7). ¬

_ (¬1) قوله: (وهي) ساقط من (ق 6). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 537، النوادر والزيادات: 14/ 399 و 400. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 399. (¬4) قوله: (مغلقا على ما) مطموس في (ق 7). (¬5) قوله: (فقال: ما) يقابله في (ق 6): (فإن من). (¬6) في (ق 6): (تمر). (¬7) أخرجه مالك في الموطأ: 2/ 839، في باب ما لا قطع فيه، من كتاب الحدود، برقم (1528)، وأبو داود: 2/ 541، في باب ما لا قطع فيه، من كتاب الحدود، برقم (4388)، وابن حبان: 10/ 316، في باب حد السرقة، من كتاب الحدود، برقم (4466).

قال محمد بن المواز: إنما أريد بالحديث في الثمرة الحرز لا غير. قال: ولو دخل سارق دارًا فسرق من ثمرها المعلق في رؤوس النخل، أو كان مجدودًا في منزله لقطعت يده إذا بلغت قيمته على الرجاء والخوف ربع دينار (¬1)، ويلزم على هذا إذا كان النخل والكرم أو غيره من الثمار عليه غلق وعلم أنه احتيط عليه من السارق، أو كان لا غلق عليه، وعليه حارس أن يقطع؛ لأنه جعل الوجه في الحديث (¬2) وجود الحرز وعدمه. واختلف في الجذع يكون مغلقًا عليه (¬3) مقلوعًا في الحائط، فقال مالك: لا قطع فيه إذا كان قائمًا فذهب رأسه وإن كان في حرز وإن قطعه (¬4) صاحبه ووضعه في حائطه وأحرزه قطع سارقه. (¬5) وقال محمد: ولو كانت خشبة ملقاة في الحائط كان فيها القطع. وقال أشهب: إذا لم يزكها مطروحة فأحرزها في الجنان في موضع منه جرين (¬6) وكان الجنان (¬7) في حرز أوله حارس، فإنه يقطع (¬8). والجواب في الزرع كذلك لا قطع فيه إذا كان قائمًا (¬9)، وعلى قول عبد ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 399. (¬2) قوله: (في الحديث) ساقط من (ق 6). (¬3) قوله: (مغلقًا عليه) ساقط من (ق 7). (¬4) في (ق 6): (قلعه). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 531. (¬6) قوله: (في الحائط كان فيها القطع. . . موضع منه جرين) ساقط من (ق 7). (¬7) في (ق 6): (الجرين). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 399 و 400. (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 398.

الملك لا قطع فيه وإن كان في حرز وأغلاق. واختلف إذا سرق منه شيء (¬1) بعد حصاده وهو في موضعه لينقل منه إلى الجرين، أو سرق منه في حين نقله وقبل وصوله أو بعد وصوله (¬2) وكونه في الجرين إذا كان بعيدًا من العمران، فقال محمد في الزرع يحصد ويربط قتا، ويترك في الحائط ليحمل إلى الجرين (¬3) وقد جمع بعضه إلى بعض فلا يحمل حتى سرق منه أحد (¬4). اختلف فيه عن مالك، فقال: يقطع، كان عنده حارس أو لم يكن، قال: وليس بمنزلة الزرع القائم ولا بمنزلة الثمر في رؤوس النخل. وقال أيضًا في زرع مصر من القمح والقرط (¬5) يحصد ويوضع في موضعه أيامًا (¬6) لييبس فيسرق منه، فقال: ليس هذا بمراح ولا جرين وما هو عندي بالبين أن يكون فيه قطع. ثم قال: وأين يدرس؟ قيل: في الجرين، فقال: هو أبين. يريد، أن القطع في الجرين (¬7)، قال محمد: وهو أحب إلينا؛ لأنَّ كل ما له جرين، وموضع ينقل إليه فليس موضعه ذلك بموضع له، فلا قطع (¬8) فيه ولو حمل فسرق في الطريق قبل بلوغه (¬9) الجرين لقطع، وإنما يقطع لأجل من معه (¬10). ¬

_ (¬1) قوله: (شيء) ساقط من (ق 6). (¬2) قوله: (بعد وصوله) يقابله في (ق 6): (بعده). (¬3) قوله: (إذا كان بعيدًا من العمران. . . إلى الجرين) ساقط من (ق 6). (¬4) قوله: (أحد) ساقط من (ق 6). (¬5) قوله: (من القمح والقرط) ساقط من (ق 6). (¬6) قوله: (أيامًا) ساقط من (ق 6). (¬7) قوله: (فقال: هو أبين. يريد، أن القطع في الجرين) ساقط من (ق 6). (¬8) قوله: (فلا قطع) ساقط من (ق 6). (¬9) في (ق 6): (أن يبلغ). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 398، 399.

فصل [اختلاف الشهود في السرقة]

فصل (¬1) [اختلاف الشهود في السرقة] ومن المدونة قال: وإذا شهد شاهد أنه سرق كبشًا وآخر أنه سرق نعجة، لم يقطع. يريد، إذا اختلفا عن سرقة واحدة (¬2). واختلف إذا كانا عن سرقتين، فقال أحدهما: سرق أمس (¬3) كبشًا، وقال آخر: سرق اليوم نعجة، فقيل: لا يقطع لأنها أفعال فلا تجمع الشهادتان (¬4)، وقيل: تجمع ويقطع. وقال مالك وابن القاسم: إذا قال أحدهما: سرق يوم الخميس، وقال الآخر: يوم الجمعة، لا يقطع، وهو كفعلين (¬5). قال محمد: ولو شهد أحدهما أنه سرق بالمدينة، والآخر أنه سرق بمصر، لم يقطع، قال أصبغ: وهو قول مالك قال: وفيه بعض المغمز (¬6). ¬

_ (¬1) أورد هذا الفصل في (ق 6): قبل الباب السابق. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 538. (¬3) في قوله: (أمس) يقابله في (ق 7): (لي). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 97. المدونة: 4/ 538. (¬5) انظر: المدونة: 4/ 538، النوادر والزيادات: 14/ 456. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 456.

باب فيما يقطع من السارق من يد أو رجل

باب فيما يقطع من السارق من يد أو رجل ومن سرق قطعت يده اليمنى، ثم رجله اليسرى، ثم اليد اليسرى، ثم الرجل اليمنى (¬1). واختلف في خمسة مواضع: أحدها: إذا سرق ولا يمين له؛ لأنها ذهبت بأمر من الله تعالى، أو قطعت في قصاص. والثاني: إذا كانت شلاء. والثالث: إذا ذهب (¬2) منها أصبعان. والرابع: إذا قطعت الشمال مع وجود اليمين. والخامس: إذا سرق بعد قطع جميع أطرافه فقال ابن القاسم في كتاب محمد: إذا قطعت اليمنى في قصاص أو غيره تقطع اليد (¬3) اليسرى (¬4). وقال أشهب: تقطع الرجل اليسرى (¬5). والأول أبين؛ لأن القرآن إنما ورد بالبداية باليد، ولأنه القياس أيضا؛ لأن اليد هي الجانية فكانت عقوبتها قطعها، ولا تقطع الرجل إلا في الموضع الذي وردت فيه ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 539. (¬2) في (ق 7): (قطع). (¬3) قوله: (اليد) ساقط من (ق 6). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 539، ونص المدونة: (قلت: أرأيت إن سرق وليس له يمين؟ قال: قال مالك: تقطع رجله اليسرى ولم أسمعه أنا منه، ولكن بلغني ذلك عنه بعد ذلك ممن أثق به أنه قال: تقطع يده اليسرى). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 443، المعونة: 2/ 345.

السنة، وهو أن تكون اليمنى قطعت في سرقة، ولأنه لو كان الأعسر لقطعت اليسرى مع وجود اليمنى؛ لأنها التي سرقت. واختلف قول مالك إذا كانت اليمنى شلاء، فقال: تقطع اليد اليسرى (¬1). ووقف مرة، وقال ابن القاسم: تقطع الرجل اليسرى (¬2). وهذا اختلاف من قول ابن القاسم في المسألة الأولى إذا قطعت في قصاص (¬3)، وقال أبو مصعب: تقطع الشلاء. وقال ابن وهب في مختصر ما ليس في المختصر: تقطع إن كان ينتفع بها. ويجيء على هذا إذا كان أعسر أن تقطع اليد اليمنى؛ لأن الأشل انتفاعه باليسرى أكثر، وقول مالك تقطع اليسرى أحسن، وقد تقدم وجه ذلك، وإن ذهبت من يمينه أصبعٌ قطعت، وإن ذهبت ثلاث، لم تقطع (¬4). واختلف إذا ذهب أصبعان، فقال: لا تقطع، وتقطع رجله أو يده اليسرى، وقال في كتاب المدنيين: إن ذهب أكثرها لم تقطع، وإن بقي أكثرها قطعت (¬5). فعلى هذا القول (¬6) إذا بقيت ثلاث أصابع (¬7)، تقطع لأنه أكثرها وأن لا تقطع أحسن؛ لأنَّ اليسير وما يعفى عنه ما كان دون الثلث. واختلف في الثلث هل هو في حيز الكثير؟ ولا خلاف فيما جاوز الثلث أنه في حيز الكثير وأصبعان أكثر من الثلث. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 16/ 248. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 442 و 445. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 442، 443. (¬4) انظر: المدونة: 4/ 544، النوادر والزيادات: 14/ 445، المعونة: 2/ 345. (¬5) انظر: المعونة: 2/ 345. (¬6) قوله: (القول) ساقط من (ق 6). (¬7) قوله: (أصابع) ساقط من (ق 7).

وقال مالك: إذا أخطأ الإمام فقطع شماله مع وجود اليمين أجزأ ولم تقطع يمينه (¬1)، وقال ابن الماجشون: لا تجزئه (¬2)، وليس خطأ الإمام بالذي يزيل القطع عن العضو الذي أوجبه الله فيه، وتقطع اليمين ويكون عقل الشمال في مال السلطان يختص به (¬3) إن كان هو الذي أخطأ، أو في مال القاطع دون عاقلته إن كان هو الذي أخطأ. قال: وإليه رجع مالك (¬4) قال: وإذا قطعت اليسرى في سرقة ثم سرق ثانية، فعلى قول ابن القاسم، تقطع رجله اليمنى لتكون من خلاف. وقال ابن نافع: تقطع رجله اليسرى وقد كان قطع اليد اليسرى خطأ فلا تترك الرجل اليسرى (¬5) على العمد. وفي كتاب محمد: إذا دلس السارق باليسرى حتى قطعت أجزأه (¬6)، وعلى ما عند ابن حبيب لا يجزئه، فعلى القول أنه يجزئه تكون البداية باليمين مُسْتَحَبًّا، وعلى القول أنه لا تجزئه، هو مستحق وهو أحسن؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بدأ باليمنى ومحمل ذلك (¬7) على وجه البيان لما جاء في القرآن حتى يقوم دليل على خلافه، وقد قال مالك وغيره إذا ذهبت اليمين بعد السرقة بأمر من الله سبحانه (¬8) أو بعمد من ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 544. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 228. (¬3) قوله: (يختص به) ساقط من (ق 6). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 444. (¬5) قوله: (الرجل اليسرى) يقابله في (ق 6): (اليد اليمنى). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 444. (¬7) قوله: (النبي - صلى الله عليه وسلم - بدأ باليمنى ومحمل ذلك) يقابله في (ق 6): (فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -). (¬8) قوله: (الله سبحانه) يقابله في (ق 7): (السماء).

الإنسان أنه لا يقطع (¬1) منه شيء؛ لأن القطع كان وجب فيه وقياد قوله: إن الشمال تجزئه يجب ألا يسقط القطع عنه وتقطع شماله أو رجله وكما لو أخطأ الإمام بقطع رجله اليسرى مع وجود اليد اليمنى أنه لا يجزئه وتقطع اليد اليمنى وقال: إذا سرق وقطع يمين رجل أنه يقطع للسرقة ويسقط حق الآخر وإنما يصح هذا على القول أن القطع أولا في اليمن مستحق وعلى القول أنه مستحب تقطع يمينه قصاصًا وتقطع شماله أو رجله للسرقة. وقال مالك فيمن سرق بعد قطع يديه ورجليه يضرب ويحبس وقال أبو مصعب يقتل (¬2) كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعثمان بن عفان (¬3)، وعمر بن عبد العزيز (¬4)، وفي النسائي عن أبي بكر مثل ذلك أنه قتله (¬5). ¬

_ (¬1) قوله: (لأنه لا يقطع) يقابله في (ق 7): (أنه القطع). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 442. (¬3) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه: 5/ 478، في باب في الرجلِ يسرِق ويشرب الخمر ويقتل، من كتاب الحدود، برقم: 28129، ولفظه: "عن هشام بن عروة عن رجل من أهل الشفاء أن عثمان بن عفان ضرب عنق نباش بعد أن قطعت أربعة". (¬4) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه: 5/ 478، في باب في الرجلِ يسرِق ويشرب الخمر ويقتل، من كتاب الحدود، برقم: 28128، ولفظه: "عن حسين بن حازم، قال: رأيت عمر بن عبد العزيز ضرب عنق سارق بعد أن قطعت أربعه". (¬5) منكر، أخرجه النسائي: 8/ 89، في باب قطع الرجل من السارق بعد اليد، من كتاب قطع السارق، برقم: 4977، من حديث الحارث بن حاطب رضي الله عنه، ولفظه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتي بلص فقال: "اقتلوه"، فقالوا: يا رسول الله إنما سرق، فقال: "اقتلوه"، قالوا: يا رسول الله إنما سرق، قال: "اقطعوا يده"، قال: ثم سرق فقطعت رجله، ثم سرق على عهد أبي بكر رضي الله عنه حتى قطعت قوائمه كلها ثم سرق أيضًا الخامسة، فقال أبو بكر رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بهذا حين قال: =

فصل [قطع يد السارق إلى الإمام]

فصل [قطع يد السارق إلى الإمام] قطع يد السارق إلى الإمام، فإن قطعه غيره بعد أن ثبتت البينة عمدًا، لم يقتص منه وعوقب لافتياته على الإمام (¬1). واختلف إذا قطعه غيره خطأ (¬2) هل يكون له فيها دية؟ فقال مالك في كتاب محمد: لا دية لها (¬3). وقال ابن القاسم في موضع آخر: له ديتها. فعلى هذا يجب أن تقطع الأخرى. ¬

_ = "اقتلوه" ثم دفعه إلى فتية من قريش ليقتلوه منهم عبد الله بن الزبير وكان يحب الإمارة، فقال: أمروني عليكم فأمروه عليهم فكان إذا ضرب ضربوه حتى قتلوه". قال النسائي: وهذا حديث منكر، ومصعب بن ثابت ليس بالقوي في الحديث والله تعالى أعلم، ويحيى القطان لم يتركه، وهذا الحديث ليس بصحيح ولا أعلم في هذا الباب حديثًا صحيحًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. انظر: السنن الكبرى: 4/ 348. (¬1) قوله: (لافتياته على الإمام) ساقط من (ق 6). (¬2) قوله: (خطأ) ساقط من (ق 7). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 443.

باب في اتباع السارق بقيمة السرقة، ومن سرق من رجل ثم سرق من آخر كيف يدخل بعضهم على بعض؟ وهل يدخل المسروق منه على غرماء السارق؟

باب في اتباع السارق بقيمة السرقة، ومن سرق من رجل ثم سرق من آخر كيف يدخل بعضهم على بعض؟ وهل يدخل المسروق منه على غرماء السارق؟ وإذا لم يقطع السارق اتبع بما سرق في العسر واليسر، وإذا قطع والسرقة قائمة، كان لصاحبها أن يأخذها (¬1). واختلف إذا استهلكها أو تلفت من يديه، فقال مالك وابن القاسم: إذا كان موسرًا من يوم سرق إلى يوم قطع أغرم القيمة وإن أعسر بعد القطع (¬2) لم يسقط عنه الغرم، وإن كان موسرًا يوم سرق، ثم أعسر قبل القطع أو كان قبل القطع معسرًا فقطع وهو موسر، أو كان موسرًا يوم سرق ويوم قطع وأعسر فيما بين ذلك، لم يتبع بشيء (¬3). وقال أشهب: لا يتبع (¬4) بشيء إلا أن يتمادى يسره بعد القطع إلى يوم يحكم عليه بالقيمة. (¬5) وقال أبو محمد عبد الوهاب: قال بعض شيوخنا: القيمة مع القطع استحسان، والقياس أن لا يلزمه شيء؛ لأنه لو لزمه الغرم مع اليسر للزمه مع العسر، وإنما استحسن ذلك لجواز أن يكون قد قبض (¬6) لها ثمنًا ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 16/ 251، عيون المجالس: 5/ 2133، 2134. (¬2) زاد في (ف) و (ق 6): (أو كان موسرًا). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 539. (¬4) في (ق 6): (يغرم). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 427. (¬6) في (ق 6): (أخذ).

واختلط بماله (¬1). وحكى ابن شعبان قولًا رابعًا أنه يتبع مع القطع، وإن كان معسرًا قال: وهو قول غير واحد من أهل المدينة؛ لأنَّ القطع حق لله -عز وجل- لا يعفى عنه، وإن تاب السارق، وحسنت توبته والغرم حق لآدمي وحقوق (¬2) الله تعالى لا تسقط حق الآدمي، كما يجب على الزاني المحصن يريد: إذا اغتصب (¬3) امرأة، الصداق مع الرجم (¬4). قال الشيخ -رحمه الله-: في هذه (¬5) المسألة نص وقياس معارض للنص (¬6)، فالنص قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ غُرْمَ عَلَى صَاحِب السَّرِقَةِ إِذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الحَدُّ" ذكره النسائي (¬7). فعلى هذا لا يغرم موسرًا كان أو معسرًا لأَنَّ الحديث (¬8) لم يفرق، ولا نختلف (¬9) أن هذه التسمية في الغرم لا تختص بالمعسر وأنه متى أخذ العوض من الموسر سمي غارمًا، ولهذا قال من ذكر عنه أبو محمد عبد الوهاب: الغرم استحسان. وأما قولهم: إن ذلك لإمكان البيع وأنه خلط الثمن بماله، فصحيح ولا يعترض ذلك إذا وجد (¬10) السرقة بعينها؛ لأنه لا يقع عليه متى أخذ عين الشيء اسم غارم. ¬

_ (¬1) انظر: المعونة: 2/ 350. (¬2) في (ق 7): (حق). (¬3) قوله: (يريد إذا اغتصب) يقابله في (ق 6): (يريد إذا غصب). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 257. (¬5) قوله: (هذه) ساقط من (ق 6). (¬6) قوله: (معارض للنص) زيادة من في (ف) و (ق 7). (¬7) أخرجه النسائي: 8/ 92، في باب تعليق يد السارق في عنقه، من كتاب قطع السارق، برقم (4984)، وقال: وهذا مرسل ليس بثابت. (¬8) قوله: (لأن الحديث) غير واضح في (ق 7). (¬9) قوله: (لا نختلف) يقابله في (ق 6): (ولم يختلف). (¬10) قوله: (إذا وجد) يقابله في (ق 6): (بأخذ).

وأما القياس فإنه يغرم مع العسر (¬1) قياسًا على المحصن يغتصب المرأة، فإنه يغرم وإن مرت به حالة هو فيها معسر؛ لأنَّ حقوق الآدميين في المتلفات والغصوب لا تسقطها حقوق الله تعالى متى أقيم عليه عقوبة ذلك الفعل، فيقدم القياس مع كون الحديث مختلفًا في سنده (¬2). ويختلف في إغرامه مع العسر (¬3) وعدم القطع إذا كان المسروق منه مُقِرًّا أنه ممن وجب عليه القطع، وذلك في ثلاث مسائل: إحداها: إذا لم تثبت السرقة إلا بشاهد. والثانية: إذا لم تكن بينة وقال السارق: سرقت من غير حرز. وقال المسروق منه: من حرز. والثالثة: أن تذهب يمينه بأمر من الله سبحانه (¬4) فمذهب ابن القاسم في هذا الأصل أنه يتبع في الذمة وإن كان معسرًا يوم سرق أو يوم يقام عليه الحد (¬5). وقال أشهب: لا يتبع؛ لأن المسروق منه يقر أن حكمه القطع، وأنه ظلم في امتناعه من القطع (¬6)، واستشهد في ذلك أنه لو شهدت عليه بينة بالسرقة، ¬

_ (¬1) في (ق 6): (العدم). (¬2) أخرجه النسائي، وقال فيه: 8/ 92: (وهذا مرسل وليس بثابت). وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن -وذكر الحديث- قال: فقال أبي: هذا حديث منكر ومسور لم يلق عبد الرحمن. انتهى كلامه نقلًا عن نصب الراية، وعبد الرحمن هو عبد الرحمن بن عوف الصحابي، ومسور هو مسور بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف. (¬3) في (ق 7): (اليسر). (¬4) قوله: (الله سبحانه) يقابله في (ق 7): (السماء). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 539. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 427.

فصل [في السرقة تباع]

فلم يحكم عليه بالقطع حتَّى مات، أنه لا يتبع في يسر حدث (¬1)، والقول الأول أحسن وإنما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - ألا يجتمع عليه الأمران: مصيبة في عضوه، والغرم فإذا عدم القطع لأمر ما اتبع، وكذلك إذا مات فإنه يتبع على قول ابن القاسم، ولا يسقط عنه الغرم إلا مع وجود النكال بالقطع، ومثله إذا اعترف لرجل بسرقة قد أخذها من حرز ثم رجع وأتى بعذر يسقط القطع، ولا يسقط حقوق الآدمين، فإنه يتبع عند ابن القاسم، ولا يتبع عند أشهب، وأن يتبع أحسن، وإذا كانت السرقة مما لا قطع فيها؛ لأنها أقل من ربع دينار، أو ربع دينار وأخذت من غير حرز اتبع بها، وإن كان معسًرا قولًا واحدًا (¬2). فصل (¬3) [في السرقة تباع] وإذا باع السارق السرقة فأهلكها المشتري، فإن أجاز المسروق منه البيع، لم يتبع السارق بالثمن عند مالك (¬4)؛ إلا أن يكون متصل اليسر من يوم سرق إلى يوم قطع حسب ما تقدم، وإن لم يجز البيع، وأغرم المشتري القيمة، اتبع المشتري السارق في اليسر والعسر والمسروق منه يأخذ المشتري من وجه الاستحقاق، والمشتري يرجع على السارق على أحكام البياعات؛ لأنه لم يسرقه، وإنما بايعه، فإن كان المشتري عديمًا، رجع المسروق منه على السارق؛ لأنه غريم غريمه، فإن كانت القيمة التي لزمت المشتري أقل من الثمن الذي باع به السارق، أخذ منه المسروق منه القيمة، وكان الفاضل للمشتري ويتبعه ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 427. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 434. (¬3) قوله: (فصل) ساقط من (ق 6). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 542.

فصل [فيمن سرق من جماعة وفي يده مال]

هو به (¬1) وإن كانت القيمة أكثر من الثمن أخذ منه الثمن؛ لأنه الذي لغريمه عنده واتبع المشتري بفضل القيمة وإن كان المشتري باع السرقة أخذ المسروق منه الثمن الذي باعها به، فإن وجده عديمًا رجع على السارق بالأقل من الثمن الثاني أو الثمن الأول، ويتبع بفضل الثمن المشتري الأول. فصل [فيمن سرق من جماعة وفي يده مال] وقال ابن القاسم: وإذا سرق من جماعة وفي يده مال تحاص جميعهم فيه إذا كان لم يزل في يده منذ سرق من الأول (¬2)، وإن كان يسرًا محدثًا تحاص في ذلك المال كل سرقة كانت في ذلك اليسر دون من كان سرق منه قبل ذلك اليسر (¬3). قال الشيخ -رحمه الله-: فعلى هذا لو كان في يده عشرة ثم سرق من ثلاثة رجال من كل واحد عشرة تحاصوا في العشرة التي كانت في يديه أثلاثًا، وإن كان في يديه عشرة فسرق عشرة ثم أفاد عشرة، ثم سرق عشرين، كان الثاني أحق بالعشرة الثانية، وتبقى العشرة يحاص فيها الأول فيقسمان العشرة الأولى نصفين، وإن سرق عشرة ثالثة كانت العشرة المحدثة بين الأوسط والآخر نصفين ثم يرجعان جميعًا على الأول فيحاصانه في العشرة، فإن ذهبت العشرة الأولى لم يدخل الأول على من بعده، وإن ذهبت العشرة الآخرة دخل الآخران على الأول كأن لم يكن عنده غير الأولى؛ لأن جميع ذلك مال (¬4) تقدمته ¬

_ (¬1) قوله: (هو به) ساقط من (ق 6). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 428. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 545. (¬4) قوله: (مال) ساقط من (ق 6).

سرقاتهم، فإذا ذهب بعضه كان حقهم في الباقي، وكل هذا على قول ابن القاسم، وخلاف ما ذهب إليه القاضي أبو محمد عبد الوهاب في قوله: إنه إنما يأخذ من المال الذي في يديه لإمكان أن يكون باع السرقة واختلطت بماله، وهذا مال تقدم وسرقات طرأت على ذلك المال، ولم يختلط بشيء منه فلا يكون لمن سرق منه (¬1) أخيرًا أن يدخل على الأول؛ لأنَّ سرقته لم تدخل فيها يقينًا ولا شكًّا. وإذا سرق سلعة بين رجلين أحدهما غائب والآخر حاضر (¬2) فقام الحاضر على السارق (¬3) والسارق موسر بجميع قيمتها، كان على الحاكم أن يخرج من ذمته جميع القيمة فيعطي الحاضر نصيبه ويوقف نصيب الغائب؛ لأنَّ الغائب لم يرضَ أن يكون ماله في ذمة السارق، وكذلك الغصب، ولو كانا باعا منه تلك السلعة فقام الحاضر والغريم موسر لقضي للحاضر بنصيبه خاصة؛ لأنَّ الغائبَ رضي بمعاملته وأن يكون ماله في ذمته، فإن قضى السلطانُ في السرقة للحاضر خاصة (¬4) وأخطأ في الحكم، ثم قدم الغائبُ وقد أعدم السارق، رجع على صاحبه في نصف ما أخذ، ثم اتبعا السارق متى أيسر، وعلى ظاهر قول مالك في كتاب محمد (¬5)، يمضي لهذا ما قبض (¬6)؛ لأنَّ الخطأ إنما وقع في نصيب الغائب إذا أبقاه ولم يخطئ فيما قضى به للحاضر، فليس خطؤه على الغائب مما ¬

_ (¬1) قوله: (منه) ساقط من (ق 6). (¬2) قوله: (والآخر حاضر) ساقط من (ق 7). (¬3) قوله: (على السارق) ساقط من (ق 6). (¬4) قوله: (خاصة) ساقط من (ق 6). (¬5) قوله: (قول مالك في كتاب محمد) يقابله في (ق 6): (ما في الكتاب الحالة). (¬6) في (ق 6): (أخذ).

يرد به ما عدل فيه للآخر ولو علم أنه قضى لهذا بحقه لتوقف نصيب الآخر،- ثم لم يفعل لم يكن على الحاضر شيء وكل هذا ما لم يكن عليه دين من غير السرقة، فإن كان عليه دين بدأ به فإن فضل عنه شيء كان لمن سرق منه، وإلى هذا ذهب محمد: أن الدين أحق ممن سرق منه (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 428.

باب هل يقام الحد على السكران، والمجنون، والمرتد؟

باب هل يقام الحد على السكران، والمجنون، والمرتد؟ ولا يجلد (¬1) السكران في حال سكره عن حد، لا لزنا، ولا لشرب، ولا لفرية (¬2)، وإن أخطأ الإمام فضربه في حال سكره، وكان طافحًا، لم يجزئه، وإن كان سكره خفيفًا أجزأه، وإن كان طافحًا فأذهب ذلك عنه بعض الضرب احتسب بما ضرب من وقت ذهب عنه إلا أن يكون ضربه في الفرية برضا المفترى عليه فيجزئه، ولا يعادُ له ضربُه ولا يقطعه للسرقة في حال سكره، فإن فعل أجزأه، ولو قيل: إنه يقطعه (¬3) في حال سكره لكان له وجه، وليس القطع كالضرب؛ لأنَّ المراد من الضرب وجود الألم، وذلك ذاهب عن السكران. والمراد من القطع النكال به بزوال ذلك العضو وليس الألم عند قطعه، وهو بعد أن يصحو كأنه موجود وعظة لغيره (¬4)، فمنفعته لا (¬5) تعود وألمه مرد وحسرته باقية عند عدم ما يتناول ربه ففارق بذلك الضرب. ¬

_ (¬1) في (ف) و (ق 7): (يحد). (¬2) قوله: (حد، لا لزنا، ولا لشرب، ولا لفرية) يقابله في (ق 6): (عن الزنا ولا عن شرب الخمر ولا للفرية). (¬3) قوله: (يقطعه) في مطموس في (ق 7). (¬4) قوله: (كأنه موجود) يقابله في (ق 6): (يكون نكالا بينهم). (¬5) قوله: (لا) يقابله في (ق 6): (ألا).

باب في إقامة الحد بالبلوغ

باب في إقامة الحد بالبلوغ الحد يقام بالبلوغ وهو: الاحتلام في الذكران أو الإنبات البين، وفي النساء الاحتلام أو الحيض أو الحمل (¬1)، فإن اعترف الصبي بالاحتلام جرت عليه الحدود وإن أنكر (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 492. (¬2) بعد قوله: (أنكر) في نسخة (ق 7) بياض يشعر بعدم اكتمال الباب.

باب فيمن اعترف بالسرقة طوعا أو بعد التهديد

باب فيمن اعترف بالسرقة طوعًا أو بعد التهديد وإذا أقر الحر أنه سرق من حرز ربع دينار فصاعدًا قطع إذا تمادى على إقراره، فإن رجع وأتى بعذر لم يقطع (¬1). واختلف إذا لم يأت بعذر، هل يقال لحديث ماعز، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لماعز: "هَلَّا تركتُمُوهُ" (¬2). أو لا يقال؛ لأنَّ الأصل في الإقرارات ألا يقبل الرجوع عنها، ولأن قوله - صلى الله عليه وسلم - محتمل أن يريد بتركه ليسأله هل له عذر، والأول أبين؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَلا تَرَكتُمُوهُ". ولم يزد على ذلك، ولأنه وقت الحاجة إلى بيان الحكم، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه، وهذا إذا لم يعين السرقة ولا المسروق منه أو عينه ولم يعين السرقة. واختلف إذا عينها، فظاهر قوله في المدونة أنه يقال (¬3)؛ لأنه لم يفرق بين أن يكون عين أو لا، وقد قال ابن القاسم في العتبية: لا يقبل رجوعه إذا عين (¬4). (¬5) ولم يفرق بين عرض ولا عين، وروي عن ابن القاسم أنه قال: ليس في الدنانير تعيين. يريد، أن التعيين إنما يثبت القطع فيما تعرف عينه وهو المتاع ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 16/ 230، النوادر والزيادات: 14/ 447، المعونة: 2/ 349. (¬2) أخرجه أبو داود: 2/ 550، في باب رجم ماعز بن مالك، من كتاب الحدود، برقم (4419)، والترمذي: 4/ 36، في باب ما جاء في درء الحد عن المعترف إذا رجع، من كتاب الحدود عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برقم (1428)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 547، ونص المدونة: (قال: قال مالك: إن أتى بأمر يعذر به، مثل أن يقول أقررت بأمر كذا وكذا قبل منه ذلك. قلت: أرأيت إن جحد الإقرار أصلًا أيقال؟ قال: أرى أن يقال). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 16/ 230. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 447.

فصل [في حد العبد والمدبر وأم الولد والمكاتب إذا سرقوا]

وما أشبهه دون العين والمكيل والموزون، والقياس أن لا فرق بين أن يعين، أو يقول: استهلكت ذلك، إلا أن تشهد البينة على عين المتاع أنه للمسروق منه، فإن لم تشهد بذلك بينة كان الجواب عن الجميع واحدًا، فإن قيل: إنه إذا أقر أخذ المتاع بإقراره، ولم يصح رجوعه عنه، لم يصح أن يسقط القطع؛ لأنه حكم واحد فلا يتبعض، فيكون صادقًا في أخذ المتاع كاذبًا فلا يقطع (¬1). قيل: وكذلك إذا عين الدنانير وقال: استهلكت المتاع، تؤخذ منه الدنانير، ويغرم قيمة المتاع إذا كان موسًرا، ولا خلاف في ذلك؛ لأنه لا يصح رجوعه في حق المقر له فلا يتبعض إذًا الحكم، فيغرم ويسقط القطع. فصل [في حدّ العبد والمدبر وأم الولد والمكاتب إذا سرقوا] وقال مالك في العبد والمدبر وأم الولد والمكاتب يقرون بالسرقة: تقطع أيديهم إذا عينوا وإن كذبهم السيد، وقال: بل ذلك متاعي، كان القول قول السيد (¬2). يريد: في غير المكاتب. قال الشيخ -رحمه الله-: إقرار المكاتب ومن فيه بعض حرية على وجهين: فإن أقر أنه سرق من غير حرز أو كانت السرقة دون ربع دينار (¬3) - لم يقبل قوله (¬4)، عين أو لم يعين، وإن كانت مما يقطع فيها، ولم يرجع فالمعروف من المذهب أنه يقام عليه ذلك الحق لله في كل ما يكون في بدنه قطعًا كان أو قتلًا. ¬

_ (¬1) قوله: (فلا يقطع) يقابله في (ق 6): (في القطع). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 547. (¬3) قوله: (دينار) مطموس في (ق 7). (¬4) قوله: (لم يقبل قوله) يقابله في (ق 7): (قطع).

وقال أشهب في كتاب محمد: إذا أقر العبد بالقتل وعينه وقال: ها هو ذا وأنا قتلته، أنه لا يقبل قوله إلا أن يكون معه، أو يرى وهو يتبعه أو نحو ذلك (¬1). وهذا قول ثالث أنه لا يقبل قوله، وإن عين إلا أن يقوم لذلك دليل. يريد؛ لأن إقراره وإن كان مما يتضمن تلف نفسه فهو إقرار على سيده، واستحسن أن يصدق في السرقة وما أشبهها مما الحق فيه لله؛ لأن للعبد موليين ولكل واحد منهما عليه حق، فإذا أقر لله بحقه أخذ به ثم يعود المقال بين المقر له بالسرقة والسيد، فإن كان العبد مأذونًا له في التجارة (¬2) صدق وأغرم ما أقر به (¬3)، وإن كان غير مأذون له لم يصدق على السيد إلا أن يقول السيد: لا أعلم لي فيها حَقًّا، وكان مثل المقر به لا يشبه أن يكون من ملك عبده، وإن قطع وقد كان استهلكها لم يتبع مع العدم، وإن أقر العبد الحجور عليه بالسرقة لم تؤخذ منه السرقة، إلا أن يكون مما لا يشبه أن يكون من كسبه (¬4). واختلف فيمن أقر بعد التهديد على خمسة أقوال: فقال مالك: لا يؤاخذ بذلك. قال ابن القاسم: وإن أخرج المتاع أو القتيل فإنه يقال، إلا أن يقر بعد أمن من عقوبة، ويعرف (¬5) ذلك أو يقر ويخبر بأمر يعرف به وجه ما أقر به وعن الشيء (¬6). فكأنه يريد أن إخراج المتاع أو القتيل بانفراده لا يؤخذ به حتى (¬7) ينضاف إلى ذلك من إخباره ما يدل على صحة ذلك مثل أن يقول: ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 294، 295. (¬2) قوله: (في التجارة) ساقط من (ق 6). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 334. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 334. (¬5) في ق 6: (بقرب). (¬6) انظر: المدونة: 4/ 548، والنوادر والزيادات: 14/ 449، 10/ 299. (¬7) في (ق 6): (إلا).

اجترأت ففعلت كذا، أو على صفة كذا، فيذكر من بساط الأمر ومبتدئه ومنتهاه ما يعلم أنه خارج عن إقرار المكره وما يكون كذبًا، وإذا لم يكن ما يدل على ذلك كان له في التعيين مندوحة، وقال مالك في كتاب محمد: إذا عين السرقة، قطع إلا أن يقول: دفعها إليّ وإنما أقررت لما أصابني فلا يقطع، قال: ولو أخرج دنانير لم يقطع؛ لأنها لا تعرف، وقال أشهب: لا يقطع وإن ثبت على إقراره؛ لأن ثبوته خوف أن يعاد إليه بمثل الذي كان، إلا أن يعين السرقة، ويعرف أنها للمسروق منه (¬1). يريد، أنه يخرج متاع نفسه ويعترف به لينجو مما هو فيه فلا يقطع إلا أن يثبت أنه للمسروق منه (¬2). وقال جبلة: كان سحنون يذهب إلى أن الرجل إذا أقر في الحبس أو حبسه سلطان في حق، وكان يعدل أنه يلزمه إقراره. ويقول: ليس من حبس في حق وباطل سواء. ويقول: كيف ينبغي إذا حبس أهل الظنة ومن يستوجب (¬3) الحبس إذا أقر في حبسه ألا يلزمه. ويقول: إنما يعرف هذا من ابتلي بالقضاء (¬4)، فحمل ابن القاسم إقراره على أن ذلك لأجل الإكراه وإن عين، إلا أن ينضاف إلى الإقرار ما يدل على صحة قوله، وعلى صحة التعيين، وحمله مالك على الصحة إلا أن يدعي أن ذلك لأجل الإكراه، فيقول: دفع ذلك إليَّ فلان (¬5). وكذلك يقول في إذا عين القتيل ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 449. (¬2) قوله: (يريد، أنه يخرج متاع نفسه ويعترف به. . . منه) ساقط من (ق 7). (¬3) في (ق 7): (يسترحب). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 298، ونصه: (ولو رفع إلى القاضي رجل يعرف بالسرقة والدعارة مأبون بذلك فادعي ذلك عليه فحبسه لاختبار ذلك فأقر في السجن با ادعي عليه فهذا يلزمه وهذا الحبس خارج من الإكراه؛ لأن القاضي إنا فعل ما هو له لازم وقد تقدم الحبس على الجور يحبس رجلًا حتى يقر وليس من أهل الدعارة والتهم فإقراره باطل). (¬5) قوله: (فلان) ساقط من (ق 6).

محمله (¬1) على الصحة حتى (¬2) يدعي عذرًا، وحمله أشهب على أنه على الإكراه، إلا أن يثبت أن المقر به لمن أقر له بذلك، ولم يرَ ذلك ابن القاسم، وإن ثبت الملك؛ لأنه قال: إذا أخرج القتيل لا يؤخذ به والقتيل كثبوت (¬3) المتاع، وحمله سحنون على الصحة وإن لم يعين. ¬

_ (¬1) قوله: (عن القتيل محمله) يقابله في (ق 6): (أخرج القتيل فحمله). (¬2) في (ق 6): (إلا أن). (¬3) في (ق 6): (كالثياب).

باب في السارق والزاني البكر والقاذف يخاف عليه الموت إذا أقيم عليه الحد

باب (¬1) في السارق والزاني البكر والقاذف يخاف عليه الموت إذا أقيم عليه الحد وإذا وجب حد ما دون القتل لسرقة أو قصاص أو ضرب بكر في الزنى أو جلد لشرب الخمر أو قذف في شدة حر أو برد وخيف عليه الموت متى أقيم عليه ذلك أُخِّرَ لوقت آخر وإن كان من وجب عليه ذلك ضعيف الجسم يخاف عليه الموت في أي زمان أقيم عليه افترق الجواب فأما القطع عن السرقة فيسقط ويعاقب ولا يحد وإن كان القطع عن قصاص رجع إلى الدية فيه واختلف هل يكون في مال الجاني أو على العاقلة وإن كان ضرب بقذفٍ كان من حق المقذوف أن يفرق عليه الضرب وقتا بعد وقت حتى يستكمل حقه وكذلك حد الزنى والشرب يفرق حتى يستكمل ما وجب عليه منه وإن اجتمع على رجل حدان لله -عز وجل- جميعًا أو لآدمي أو أحدهما لله سبحانه والآخر لآدمي فإن كان فيه محمل لهما أقيما عليه وإن كان فيه محمل لأحدهما وهما جميعًا لله سبحانه بدئ بأكثرهما كالحد عن الزنى وشرب الخمر فيجلد في الزنى إلا أن يخاف عليه في المائة ولا يخاف عليه في الثمانين وإن كان الخوف لضعف بنية ابتدئ بالحد عن الزنى فأقيم عليه ما يؤمن عليه منه ثم يستكمل وقتا بعد وقت فإذا أكملت المائة ضرب لشرب الخمر وإن كان الحقان لآدمي لأنه قطع هذا وقذف هذا. اقترعا أجهما يبتدأ بإقامة حقه من غير مراعاة الأكثر وإن كان فيه محمل لأحدهما دون الآخر أقيم عليه الأول دون الآخر من غير قرعة وإن كان أحدهمالله تعالى والآخر لآدمي بدئ بما هو لله سبحانه إلا أن يكون فيه محمل ¬

_ (¬1) هذا الباب إلى نهايته ساقط من (ق 7).

فصل [في حكم المختلس]

لما هو لآدمي وحده فيقام عليه ويؤخر ما هو لله سبحانه لوقت لا يخاف عليه. وان كان الخوف في أي وقت وكان الحق لله سبحانه جلد ابتداء مفترقا ثم حق الآدمي (¬1). فصل (¬2) [في حكم المختلس] قال مالك: ولا يقطع المختلس. (¬3) قال الشيخ -رحمه الله-: أخذ الأموال بغير رضا أربابها على ثمانية أوجه: السرقة، والحرابة، والاختلاس، والغصب، والتعدي (¬4)، والغيلة والخديعة، والخيانة. والعقوبة فيها على ثلاثة أوجه: فعقوبة السارق القطع، وعقوبة (¬5) المحارب أحد الأربعة التي ذكر الله تعالى في كتابه، (¬6) وعقوبة من سواهما الضرب والسجن من غير قطع، وقد جعل القطع في غير سرقة، فقال مالك: قطع الذهب والفضة من الفساد في الأرض (¬7)، وأول من قطع قاطعهما (¬8) عبد الله بن الزبير، وعمر بن عبد العزيز. ¬

_ (¬1) قوله: (وإن كان الخوف. . . ثم حق الآدمي) ساقط من (ق 6). (¬2) في (ق 6): (باب). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 537، والنوادر والزيادات: 14/ 418. (¬4) في (ق 7): (التعدية). (¬5) قوله: (عقوبة) ساقط من (ق 6). (¬6) وهو قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} [المائدة: 33]. (¬7) انظر: الموطأ: 2/ 635، ونص الموطأ: (. . . حدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: قطع الذهب والورق من الفساد في الأرض). (¬8) في (ق 6): (كاسرها).

وقال ابن وهب: من قال يد الله أو عين الله وأشار إلى يد نفسه أو عين نفسه، قطع ذلك العضو منه. وقال أشهب في كتاب محمد في المصلوب: تقطع يده. قال مالك: ولقد كان مروان ينزع ثنيتي الرجل يقبل المرأة، ثم ينزع ثنيتيه لذلك. (¬1). والسرقة: ما أخذ من صاحبه سرًّا ولم يعلم، أو أخذه من موضع مغلق عليه أو ما أشبه ذلك. والاختلاس: ما أخذ علانية ثم فر به وصاحبه يراه. والحرابة: ما أخذ عن قتال بسلاح أو حجر أو عن خوف إن امتنع أن يفعل ذلك به. والغصب: ما أخذ بالقهر من غير حاجة لقتال ولا عن خوف، فقد يأخذه بفضل قوته على صاحبه، والمأخوذ منه لا يخاف منه إن امتنع يقاتله عليه. والتعدي بغير غصب: ما يؤخذ على وجه القهر، أخذه في غيبة صاحبه ليس على وجه الاستمرار أو بحضرته وهو يراه من غير إذنه فأفسده. والخديعة: أن يخدعه بكلام حتى يعطيه إياه. والخيانة: الأخذ عن أمانة كانت في ذلك المال يودعه إياه فيجحده. قال أشهب في كتاب محمد في السارق: هو المستسير المتخفي، والمختلس هو المعلن بغير سلاح، والمحارب هو المكابر بسلاح. قال الشيخ -رحمه الله-: المختلس يبتدئ (¬2) أمره عن غفلة بما يكسر ذلك (¬3) ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 339، والبيان والتحصيل: 17/ 530. (¬2) قوله: (بغير سلاح، والمحارب هو المكابر بسلاح. . . المختلس يبتدئ) ساقط من (ق 7). (¬3) قوله: (بما يكنس ذلك) يقابله في (ق 6): (ثم يبديه).

علانية، ولو اغتفله فأخذه سرًّا فلما صار بيده فر به علانية لقطع؛ لأن أصل مصيره إلى يده سرًّا، وهي السرقة فلا يراعى صفة مسيره بها. قال مالك: والغيلة: أن يخدع الصبي أو الرجل فيدخله بيته فيقتله على مال يأخذه منه (¬1). كمل كتاب القطع في السرقة والحمد لله ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 475.

كتاب المحاربين

كتاب المحاربين النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ق 6) = نسخة القرويين رقم (368)

باب المحاربين

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وسلم كتاب المحاربين باب المحاربين قال الله -عز وجل-: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} [المائدة: 33]. واختلف فيمن أنزلت هذه الآيقع فقيل: نزلت في قوم كفار. وقيل: في قوم من أهل الذمة نقضوا العهد. وقيل: في المرتدين. وقيل: في قُطَّاعِ (¬1) الطريق من المسلمين. وهو قول مالك وغيره من فقهاء الأمصار (¬2). قال مالك: الحرابة عصيان الله تعالى والسعي في الأرض فسادًا بإخافة السبيل، فإذا حمل السلاح وأخاف السبيل فقد لزمه حكم الآية (¬3). وهو أحسن، لاتفاق الجميع على أن حكم المرتد والكافر- القتل دون القطع والنفي، وعلى أن الناقض للعهد ليس حكمه القطع (¬4) ولا النفي. ¬

_ (¬1) في (ق 6): (قاطع). (¬2) انظر: عيون المجالس: 5/ 2142. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 553. (¬4) في (ف): (القتل).

فصل [في الصفة التي يؤخذ عليها المحارب]

فصل [في الصفة التي يؤخذ عليها المحارب] لا يخلو من نصب للمسلمين من ستة أوجه، إما أن يؤخذ: بحضرة ما خرج ونصب وقبل أن يخيف، أو بعد أن أخاف ولم يأخذ مالًا، أو بعد أن أخذ المال ولم يخف، أو جمع الأمرين: أخذ المال والخوف ولم يطل أذاه، أو بعد أن طال أذاه وعلا أمره، إلا أنه لم يقتل ولم يأخذ مالًا، أو أخذ المال ولم يقتل، أو بعد أن قتل. فإن أخذ بحضرة خروجه ولم يقع منه خوف، فإنه يعاقب ولا يجري عليه شيء من أحكام المحاربين؛ لأنه لم يحارب، ولا أخاف سبيلًا، ولا يقع عليه اسم (¬1) محارب ولا قاطع سبيل، وإنما حصلت منه نية، وهو بمنزلة من خرج ليسرق أو ليقتل أو أراد أن يشرب خمرًا، فأخذ قبل فعل ذلك، فإنه لا خلاف أنه لا يقام عليه حكم شيء مما أراد أن يفعله، ومثله لو حصل منه خوف وأخذ بالحضرة قبل أن ينقطع أحد عن تلك الطريق بسببه. وقال مالك في كتاب محمد في رجل خرج بسيفه في (¬2) بعض أعمال المدينة أراد رجلًا فأخذ: لا يقطع ولا يقتل. قال أصبغ: لأنه أراد أمرًا فلم يفعله (¬3). ولو قعد جماعة لصوص لقوم، فأعلم الإمام بهم فأخذهم قبل أن يَعلم بهم من قعدوا له، ولم يتقدم لهم تلصص، لم يحكم عليهم بحكم المحاربين؛ لأن ¬

_ (¬1) في (ق 6): (أنه). (¬2) في (ق 6): (من). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 479.

المحاربة في لسان العرب غير هذا، فإن علم بهم المسافرون فامتنعوا من تلك (¬1) الطريق خوفًا منهم. قال الشيخ -رحمه الله-: هم قطاع وإن لم (¬2) يقع عليهم اسم محاربين، إلا أنهم يجري عليهم حكمهم (¬3)؛ لأنَّ الآية جمعتهم بقوله تعالى: {أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ} [المائدة: 32]، فإن حاربوا حُكِمَ عليهم بمقتضى الآية، أخذوا مالًا أو لم يأخذوه ولم يقدروا عليه. وإن لم يكن معهم سلاح، وإنما أخذوا ذلك بالقوة والقهر، ولا يخشى منهم قتال لو منعوهم- كانوا غصابًا غير محاربين، إلا أن يكون تقدم منهم خوف، فيرتفع حكم الغصب. وإن أخذه (¬4) بالقهر، ثم قتله خوفًا أن يطلبه بما أخذ منه، فلم يكن محاربًا، وإنما هو مغتال. وقال مالك في كتاب محمد فيمن لقي رجلًا فسأله طعامًا فأبى، فكتفه ونزع منه الطعام وثوبه: إنه يشبه المحارب (¬5)، وهو ممن يضرب وينفى. وكذلك الذي توجد معه الدابة فيقر أنه وجد عليها رجلًا فأنزله وأخذها، فإنه يضرب وينفى (¬6). وقال في الذي يجد الرجل في السَّحر وعند العتمة فيبتز ثوبه في الخلوة: فلا قطع عليه إلا أن يكون لِصًّا أو محاربًا. فأما الذي يجد الرجل ¬

_ (¬1) قوله: (تلك) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (وإن لم) يقابله في (ف): (طريق ولم). (¬3) قوله: (يجري عليهم حكمهم) يقابله في (ف): (تجري عليهم أحكامهم). (¬4) قوله: (وإن أخذه) يقابله في (ف): (إن أخذوا). (¬5) قوله: في (وثوبه: إنه يشبه المحارب): (ف): (ويؤخذ أنه بسبب)، وانظر: النوادر والزيادات: 14/ 477. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 479.

في الليل فكابره (¬1) حتى نزع ثوبه عن ظهره، فلا قطع عليه (¬2). وقال: المحارب من حمل على قوم بالسلاح (¬3) على غير نائرة ولا عداوة، أو قطع طريقًا وأخاف المسلمين (¬4). والمغتال: رجل عرض لصبي أو لرجل فخدعه حتى أدخله بيتًا فقتله وأخذ متاعه، أو شد على قوم عرض لهم في طريق، فقتل وأخذ متاعًا فتلك غيلة أيضًا (¬5). وقيل: الغيلة تعد من المحاربة. وقال في الذي يخنق الرجل لأخذ متاعه: إنه محارب (¬6). وفي الذين يسقون الناس السيكران لأخذ أموالهم: إنهم محاربون (¬7). وليس بالبين، وليس هذا محاربة. فقال مالك في كتاب محمد فيمن أطعم قومًا سويقًا فمات بعضهم ونام (¬8) بعضهم، فلم يفيقوا إلى الغد، وأخذ أموالهم، فقال الفاعل: ما أردت قتلهم إنما أعطانيه رجل. وقال: يسكر، فأردت إخدارهم لأخذ أموالهم فلم يقبل قوله. وقال: يقتل. قال: ولو قال: ما أردت إخدارهم ولا أخذ أموالهم، وإنما هو سويق لا شيء فيه إلا أنه أخذ أموالهم حين ماتوا، فلا شيء عليه إلا الغرم (¬9). ¬

_ (¬1) في (ف): (فيكابره). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 479. (¬3) قوله: (من حمل على قوم بالسلاح) يقابله في (ف): (حمل). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 474، 475. (¬5) انظر: البيان والتحصيل: 16/ 373. (¬6) انظر: المدونة: 4/ 556. (¬7) انظر: المدونة: 4/ 556، 557. (¬8) في (ف): (وليط). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 476.

[فصل] [في حد الحرابة]

واختلف في المحارب (¬1) في المدينة، فقال ابن القاسم: هو محارب. وقال عبد الملك في كتاب ابن سحنون: لا يكونون محاربين في القرية، وهم معتدون سفهًا إذا كانوا في القرية مختفون لا يفسدون إلا الواحد والمستضعف، وليس في القرية محاربة إلا أن يكونوا جندًا أو جماعة يريدون القرية كلها عادين معلنين (¬2) -فهم كاللصوص الذين يقتحمون القرى والذين يبيتون القوم (¬3). وأما الذين ينزلون اليوم على الناس فيأخذون المال سرًّا، وينجو به سارق، وإن علم به بعد أن أخذ المتاع وخرج به، فقاتل حتى نجا به -سارق أيضًا؛ لأنَّ قتاله حينئذ ليدفع عن نفسه. وإن علم به قبل أن يأخذ المتاع فقاتل حتى أخذه- كان محاربًا عند مالك، وعند عبد الملك ليس بمحارب. [فصل] (¬4) [في حد الحرابة] وأحكام المحارب ثلاثة أصناف: القطع من خلاف، أو القتل بانفراده من غير صلب، أو يجمع عليه القتل والصلب، واختلف في رابع وهو النفي، فقال مالك مرة: النفي أن ينفى عن بلده ويسجن بالبلد الذي ينفى إليه حتى تعرف توبته (¬5). وقال مالك عند ابن حبيب: النفي أن يضربه ويطيل سجنه عنده ولا يخرجه عن بلده فذلك نفي وتغريب (¬6). فجعله صنفًا رابعًا. ¬

_ (¬1) في (ف): (المحاربين). (¬2) في (ق 6): (عاندون معلنون). (¬3) قوله: (والذين يبيتون القوم) ساقط من (ف). وانظر: النوادر والزيادات: 14/ 478. (¬4) ما بين معكوفتين ساقط من (ف). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 236. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 465.

واختلف كيف يغرب فقال ابن الماجشون: النفي لهم أن يطلبهم فيكون فرارهم واختفاؤهم ممن يطلبهم هو نفيهم خيفة أن يقدر (¬1) عليهم، فيقام عليهم القطع أو القتل أو الصلب. فلم يجعله حدًّا قائمًا بنفسه، وذكره عن مالك وعن أبيه (¬2) وعن المغيرة، وابن دينار، وابن شهاب (¬3)، وهذا في الرجال الأحرار البالغين العقلاء. فأما المرأة فحدها صنفان: القطع من خلاف، أو القتل، ويسقط عنها ثالث وهو الصلب. ويختلف في رابع وهو النفي، فعلى أحد قولي مالك أن النفي هو أن يسجن بالموضع الذي هو به، تسجن المرأة، تضرب ثم تسجن، وعلى قوله أنه يخرج عن بلده، يسقط عنها هذا الصنف (¬4)، وهو على قول (¬5) أشهب أبين؛ لأنه قال: في النفي مع الضرب استحسان (¬6). ورأى أنه النفي إلى بلد آخر. وأرى إن وجَدَتْ وليًّا أو جماعة لا بأس بحالهم، وقالتْ: أنا أخرج إلى بلد آخر وأُسْجَنُ فيه حتى تظهر توبتي- أن يكون (¬7) ذلك لها؛ لأنه أهون عليها من القطع من خلاف ومن القتل. وأما العبد فحده ثلاثة أصناف (¬8): القطع من خلاف، والقتل بانفراده، ¬

_ (¬1) قوله: (أن يطلبهم فيكون. . . أن يقدر) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (وذكره عن مالك وعن أبيه) ساقط من (ف). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 466. (¬4) قوله: (عنها هذا الصنف) يقابله في (ف): (هذا عنهن). (¬5) قوله: (وهو على قول) يقابله في (ف): (وقول). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 464. (¬7) قوله: (أن يكون) ساقط من (ف). (¬8) قوله: (أصناف) ساقط من (ف).

والصلب. ويختلف في النفي حسب ما تقدم في المرأة. وأرى إذا قال سيده: أنا أرضى أن ينفى ولا يقطع، وأن تُجْرُوهُ (¬1) على أحكام الحر أن يكون ذلك له. وأما الصبي يحارب، فإن لم يحتلم ولا أَنْبَتَ، عوقب ولم يُقَمْ عليه حد الحرابة. واختلف (¬2) فيه إذا أنبت الإنبات البَيِّنَ، وألا يقام ذلك عليه أحسن، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ادرؤوا الحدود بالشبهات" (¬3). وأما المجنون فيعاقب لينزجر عن مثل ذلك، إلا أن يكون الذي به الأمر الخفيف، فيقام عليه الحد، وإن كان يجن ويفيق فحارب في حال إفاقته ثم جن، فإنه يؤخر حتى يفيق، فيقام عليه الحد: أحد الأصناف الأربعة. واختلف في النصراني الذمي، هل يكون بالحرابة ناقضًا للعهد؟ فقال ابن القاسم: لا يكون ناقضًا (¬4). فعلى قوله؛ يقام عليه أحد الأصناف الأربعة، وأي ذلك أقيم عليه فإنه في عهده، ولا يستباح ماله ولا رقبته. وقيل: ذلك نقض للعهد. فعلى قوله هذا لا يقام عليه حد الحرابة؛ لأن العهد يتضمن أنك إن أتيت ذلك، فلا عهد لك ويكون ككافر لا ذمة له، فيستأنف فيه الإمام الرأي، فإن رأى أن يقتله، قتله، وإن رأى أن يسترقه، استرقه. وقال محمد بن مسلمة: المحارب من أهل الذمة يقتل ولا يؤخذ ¬

_ (¬1) قوله: (وأن تُجْرُوهُ) يقابله في (ف): (ولا يجرون في ذلك). (¬2) في (ق 6): (والمختلف). (¬3) سبق تخريجه في كتاب النكاح الثالث، ص: 2091. (¬4) انظر: المدونة: 1/ 509.

فصل [في حد الحرابة هل على التخيير للإمام في المحارب؟]

ولده؛ لأن لهم من العهد مثل الذي له، وإنما نقض وحده، وأما ماله فإذا نقض فهو للمسلمين؛ لأنه مال رجل لا عهد له فإن قطع لم يؤخذ ماله؛ لأنه في ذمته، فإذا بقي بين المسلمين، آمنًا، لم يؤخذ ماله. وليس هذا بالبين، والجواب إذا عد بذلك ناقضًا، أن يكون الإمام فيه بالخيار بين القتل والاسترقاق أو يضرب عليه (¬1) الجزية أو يبقيه بعقد يستأنفه (¬2) ويقره (¬3)، ويشرط عليه ما يرى أن فيه صلاحًا، وأن يأخذ ماله في جميع ذلك، وله أن يقطعه ويأخذ ماله ثم يسترقه، أو يضرب عليه الجزية. وأما ولده فأرى (¬4) إن كان العهد لجملة أهل الذمة، بقي في العهد، وإن كان للأب عقد بانفراده، لم يكن لولده عهد. فصل [في حد الحرابة هل على التخيير للإمام في المحارب؟] اختلف عن مالك في العقوبات الأربع التي ذكرها الله -عز وجل- في كتابه في المحارب، هل هي على التخيير في المحارب الواحد، ويوقع به الإمام أيها شاء، أو يكون ذلك على الترتيب دون التخيير؟ فجعل مالك (¬5) ذلك مرة على الترتيب، وعلى قدر جُرْمِ المحارب، فقال: إذا أخذ ولم يخف السبيل (¬6) ولم يأخذ ¬

_ (¬1) قوله: (عليه) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (أو يبقيه بعقد يستأنفه) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (ويقره) ساقط من (ق 6). (¬4) قوله: (فأرى) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (مالك) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (السبيل) ساقط من (ف).

مالًا ولا قتل، يؤخذ فيه بأيسره. قال ابن القاسم: وأيسره وأخفه أن يجلد وينفى ويسجن في الموضع الذي ينفى إليه. وإن كان قد أخاف ولم يأخذ مالًا، أو أخذ المال ولم يخف، أو جمع أخذ المال والخوف، كان فيه بالخيار بين القتل والقطع، ولم ير أن يؤخذ فيه بأيسره، وكذلك إذا طال أمره ونصب (¬1)؛ إلا أنه لم يأخذ مالًا، فهو فيه بالخيار بين القطع أو القتل، ولم ير أن يؤخذ في هؤلاء بأيسره. وإن كان قد طال زمانه، وعلا أمره، فأخذ المال؛ إلا أنه لم يقتل، فإنه يقتله ولا تخيير (¬2) له في ذلك (¬3). وروى عنه (¬4) ابن وهب أن ذلك ليس (¬5) على الترتيب. فقال في المحارب يقطع الطريق، وينفر الناس في كل مكان، ويعظم فساده في الأرض، وذهب بأموال الناس، ثم يظهر عليه: فإن السلطان يرى فيه رأيه في القتل، أو الصلب، أو القطع، أو النفي. قال: ويستشير في ذلك (¬6). وقال أشهب في الذي أخذ بحضرة ما خرج ولم يخف، ولم يأخذ مالًا: أن للإمام أن ينفيه أو يقطعه أو يقتله، وكذلك إذا عظم فساده وأخذ الأموال، إلا أنه لم يقتل، أنه بالخيار. وهذا نحو رواية ابن وهب أن القليل الجرم والكثير سواء (¬7). وكل هذا ما لم يقتل، فإذا قَتل، قُتِل وإن لم يكن أخذ مالًا، ولم (¬8) يخير فيه ¬

_ (¬1) قوله: (ونصب) ساقط من (ق 6). (¬2) قوله: (ولا تخيير) يقابله في (ف): (ولا يحبس). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 552. (¬4) قوله: (عنه) ساقط من (ق 6). (¬5) قوله: (ليس) ساقط من (ف). (¬6) انظر: المدونة: 4/ 553، 554، والنوادر والزيادات: 14/ 462، 463. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 463. (¬8) قوله: (ولم) ساقط من (ف).

الإمام، ولم يكن له أن يقيم (¬1) فيه غير القتل، ولم يختلف في ذلك قول مالك أنه استحق القتل بقوله -عز وجل-: {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45]. وزاد الفساد في الأرض بالحرابة، وقطع السبيل، وجعله أبو مصعب فيه بالخيار وإن قتل، فقال: إذا أخذ المحارب المخيف للسبيل، كان الإمام فيه مخيرًا في أي الحدود التي أمر الله سبحانه فيه، قتلَ المحارب أو لم يقتل، أَخَذَ مالًا أو لم يأخذ، فالإمام مخير في ذلك: إن شاء قتله وصلبه، وإن شاء قطعه، وإن شاء نفاه، ونفيه حبسه حتى تظهر توبته. والذي أختاره فيمن (¬2) أخذ بالحضرة قبل أن يظهر أمره، وقبل أن يأخذ مالًا- أن يعاقب بالضرب والسجن من غير نفي؛ لأنه لم يدخل بذلك من المحاربين بعد، وإن قَتَلَ، أن يقتل من غير خيار؛ لأن القتل بانفراده يبيح دمه، فالحرابة إن لم تزد حكما- لم تحط منه، فإن كان قد أخاف ولم يأخذ مالًا، أو أخذ المال ولم يخف، أو جمع الأمرين، أن يكون للإمام أن يقيم عليه أحد الأحكام الأربعة أيها شاء (¬3)، وإن كان تختلف أحوال الفاعلين (¬4) من الحرابة وغيرها، فإن إنزال كل واحد في منزلته على قدر حالة من باب أولى، وليس أنه متعد من خالف ذلك. ¬

_ (¬1) في (ق 6): (يعمل). (¬2) في (ق 6): (لمن). (¬3) قوله: (أحد الأحكام الأربعة أيها شاء) يقابله في (ف): (أي الأحكام شاء). (¬4) في (ف): (القائمين).

باب في صفة القطع، والقتل، والصلب، والنفي

باب في صفة القطع، والقتل، والصلب، والنفي يقتل المحارب على الوجه المعتاد والمعروف بالسيف أو بالرمح، وقد طعن عبد الملك بن مروان المحارب (¬1)، ولا يقتل على صفة يعذب بها، ولا (¬2) بحجارة، ولا برمي (¬3) بشيء من نبال (¬4)، ولا غير ذلك، وإن رأى صلْبه؛ صلَبه قائمًا، ولا يصلب منكوسًا، وينبغي أن تطلق يداه؛ لأن له في ذلك بعض الراحة إلى أن يموت، وإن لم تطلق فلا بأس. وظاهر القرآن أن الصلب حد قائم بنفسه كالنفي، والمذهب على أنه مضاف إلى القتل، وليس أن يصلب ولا يقتل. ووقع لمالك في بعض المواضع أنه قال: يقتل، أو يصلب، أو يقطع، أو ينفي مثل ظاهر القرآن. وقال ابن القاسم: يصلب، ثم يقتل مصلوبًا يطعن. وقال أشهب: يقتل ثم يصلب (¬5)، ولو صلبه ثم قتله مصلوبًا (¬6)، كان ذلك له إذا بلغ ذلك جرمه. قال محمد: ولو حبسه الإمام ليصلبه، ثم مات في الحبس، لم يصلبه، ولو قتله إنسان في الحبس، فإن الإمام يصلبه (¬7). واختلف في بقائه مصلوبًا، فقال عبد الملك بن الماجشون: لا يمكن أهله ¬

_ (¬1) في (ق 6): (الحارث)، وانظر: المدونة: 4/ 553. (¬2) قوله: (ولا) ساقط من (ف). (¬3) في (ف): (أو يرمى). (¬4) في (ف): (عال). (¬5) قوله: (ثم يقتل. . . ثم يصلب) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (مصلوبًا) ساقط من (ق 6). (¬7) انظر تفصيل هذا في: النوادر والزيادات: 14/ 465، 466.

من إنزاله، ويبقى حتى يفنى على الخشبة، أو تأكله الكلاب. وقال أصبغ: لا بأس أن يخلى لأهله ينزلونه، ويصلى عليه ويدفن (¬1). وقال سحنون في كتاب ابنه: إذا قتل وصلب، أنزل من ساعته فيدفع إلى أهله للصلاة عليه ولدفنه. وقال أيضًا: إن رأى الإمام أن يبقيه اليومين والثلاثة لما رأى من تشديد أهل الفسادة فذلك له، ولكن ينزله فيغسله أهله، ويكفن ويصلى عليه، ثم إن رأى الإمام إعادته إلى الخشبة أعاده (¬2). والقطع في عضوين يد ورجل من خلاف كما قال الله -عز وجل- في كتابه (¬3)، تقطع (¬4) اليد اليمنى والرجل اليسرى، وإن حارب بَعْدُ، فرأى الإمام أن يقطع ولا يقتل، قَطَعَ الباقي منه، وهو اليد اليسرى والرجل اليمنى. واختلف إذا كان أقطع اليد اليمنى أو الرجل اليسرى، فقال ابن القاسم في أقطع اليد اليمنى: تقطع يده اليسرى ورجله اليمنى، ليكون من خلاف، وكذلك إذا كان أقطع الرجل اليسرى وحدها (¬5)، لم تقطع اليد اليمنى، ولكن تقطع اليد اليسرى والرجل اليمنى، ليكون من خلاف (¬6). وخالف أشهب في السؤالين جميعًا، فقال في أقطع اليد اليمنى: تقطع الرِّجْلُ التي كان يبتدأ بقطعها معها (¬7)، وهي اليسرى، ثم يبدأ باليسرى (¬8)، وكذلك إذا كان قائم اليدين أقطع ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 466. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 467. (¬3) قوله: (في كتابه) ساقط من (ق 6). (¬4) في (ف): (قطع). (¬5) في (ف): (أو إحداها). (¬6) انظر: المدونة: 4/ 555، 556، والنوادر والزيادات: 14/ 468. (¬7) قوله: (معها) ساقط من (ق 6). (¬8) قوله: (يبدأ باليسرى) يقابله في (ق 6): (اليد). انظر: النوادر والزيادات: 14/ 468.

الرجل اليسرى، فإنه تقطع اليد اليمنى، والرجل اليمنى، فيصير في السؤالين جميعًا مقطوعًا منه شِقٌّ واحدٌ، وليس من خلاف. قال محمد: وإن لم يكن له إلا يد واحدة أو رجل واحدة، قطعت، وإن لم يكن له إلا يدان، قطعت اليد اليمنى وحدها (¬1). وعلى قوله إن لم يكن له إلا رِجلان، قطعت الرجل اليسرى وحدها (¬2)، وقد تقدم ذكر النفي والاختلاف فيه، وهل هو أن يخرج لغير بلده فيسجن فيه، أو يسجن في بلده ولا يخرج، أو أن ذلك أن يطلب ليقام عليه الحد بالقطع، أو القتل، أو الصلب؟ والقول الأول أبين، وهو المعروف والمعهود (¬3) من اللسان، أن النفي التغريب، ويراعى في ذلك الضرب وصفته، والنفي إلى غير بلده وسجنه، ومقامه في السجن، فأما ضربه قبل النفي فاستحسان كما قال أشهب؛ لأنه زيادة على النص، وليس لضربه حد، وذلك على ما يرى أن فيه عقوبةً لجرمه وزجرًا لغيره، وكذلك سجنه ليس هو محدودًا بوقت يخرج عنده، فيسجن وإن طالت سنونه (¬4) حتى تعرف توبته، وذلك لما يتقرر في النفس من غالب أمره أنه رجع عما كان، ولا يقبل ذلك بمجرد الظاهر؛ لأنه كالمكره في كونه في السجن، فهو يظهر التوبة والنسك والخير ليخلص من السجن (¬5)، فلا يعجل بإخراجه عندما يظهر ذلك، ولو علم من إنسان التوبة حقيقة قبل أن يطول سجنه (¬6) - لم ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 445. (¬2) في (ف): (منهما). (¬3) قوله: (والمعهود) ساقط من (ف). (¬4) في (ق 6): (مدته). (¬5) قوله: (فهو يظهر. . . من السجن) ساقط من (ف). (¬6) في (ف): (أمره).

يخرج؛ لأن طول سجنه أحد الحدود الأربعة، فإخراجه قبل ذلك بمنزلة من أقيم عليه بعض الحد. وأما بُعْد الموضع الذي يخرج إليه، فقال ابن القاسم: نفى عمر بن عبد العزيز من مصر إلى شغب (¬1). قال محمد: وأمر أن يعقد في أعناقهم الحديد، ثم ينفوا إلى شغب (¬2). قال ابن القاسم في كتاب محمد (¬3): وأسوان عندي منتفى ودونها أيضًا إذا حبس فيها. قال: وذكر أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - نفى إلى البصرة من المدينة، وإلى فدك وخيبر (¬4). وقال أصبغ: ليبعد عن موضعه الذي أصاب فيه ذلك الذفب ويقصى عن أهله. قال الشيخ -رحمه الله-: ويضيق عليه ألا يدخلوا إليه إلا في وقت ضرورة (¬5). وأرى إذا عوقب المحارب بالنفي ثم عادة أن يقام عليه الحد (¬6) بالقطع أو القتل، ولا يقام عليه (¬7) النفي. وإن عوقب في الأول بالقطع، ثم عاد إلى المحاربة، فإن كان بالأمر الضعيف ورجوا أن يكون في نفيه صلاحه، فُعِلَ ذلك به (¬8)، وإن كان متماديًا على حرابة، فالقطع من خلاف أو القتل، وإن قطع في ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 552. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 465، وشَغْبٌ موضِعٌ بينَ المدينة والشامِ وفي حديث الزهري أَنه كان له مالٌ بِشَغْبٍ وبَدا وهما مَوْضِعانِ بالشام وبه كان مُقام عليِّ بن عبدِ الله بنِ عباسٍ وأَولادِهِ إِلى أَن وَصَلَت إِليهم الخِلافة وهو بسكونِ الغين. انظر: لسان العرَب: 1/ 504. (¬3) قوله: (قال ابن القاسم في كتاب محمد) ساقط من (ف). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 236. (¬5) قوله: (يدخلوا إليه إلا في وقت ضرورة) يقابله في (ف): (يدخل إليه إلا في العيد). (¬6) قوله: (الحد) ساقط من (ف). (¬7) قوله: (عليه) ساقط من (ق 6). (¬8) قوله: (به) ساقط من (ق 6).

فصل [في إسقاط حكم الحرابة على من تاب منها]

الثانية ثم حارب، قَتَلَهُ أو نَفَاهُ، والنفي أولى مِن القتل إذا ضَعُفَ فساده وجرمه، لأجل قطع قوائمه الأربع، وكذلك في كل محارب يرجى صلاحه مع عقوبته بغير القتل، فإن عقوبته بغير القتل أحسن، رجاء (¬1) أن يتوب، فتكون الوفاة (¬2) على عمل صالح أفضل. فصل [في إسقاط حكم الحرابة على من تاب منها] توبة المحارب قبل القدرة عليه تسقط عنه حكم الحرابة، لقول الله -عز وجل-: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34]. فإذا ظهرت توبته بترك ما كان عليه قيل لمحمد (¬3): وكيف تعرف توبة المحارب المسلم؟ قال: الذي هو أحب إلى مالك قبل إتيانه إلى السلطان، وإن هو أظهر توبته عند جيرانه، واختلافه إلى المسجد حتى يعرف ذلك منه فذلك (¬4) جائز. وقال عبد الملك بن الماجشون: لو لم يكن إلا إتيانه إلى السلطان، فيقول: جئتك تائبًا لم ينفعه، لقوله سبحانه: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} (¬5). قال محمد (¬6): واختلف إذا امتنع بنفسه حتى أعطي الأمان، هل يتم له (¬7) ذلك؟ فقيل: ذلك له. وقيل: ليس ذلك لهم، ولا يعطون أمانًا على ذلك، ¬

_ (¬1) في (ف): (لأنه يرجى). (¬2) في (ف): (الموافاة). (¬3) في (ق 6): (قال محمد). (¬4) قوله: (فذلك) ساقط من (ف). (¬5) انظر تفصيل هذه الأقوال في: النوادر والزيادات: 14/ 484. (¬6) في (ف): (قيل لمحمد). (¬7) قوله: (له) ساقط من (ق 6).

ويؤخذ بحقوق الله -عز وجل-. وقال أصبغ في المحارب الساعي في الأرض فسادًا (¬1) يمتنع وهو يطلب مثل أن يكون في مركب في البحر، أو على فرس قد امتنع، أو في حصن، أو في موضع (¬2) لا يوصل إليه فيجيء على الأمان، أترى ذلك توبة؟ قال: لا، ولا أرى الأمان جائزًا، كان الإمام أو غيره، وإن قال الوالي لأحدهم: لك الأمان على أن تخبرني (¬3) بما قطعتم، وعلى من قطعتم، ومن كان معكم، لم يتم ذلك له، ولا يؤخذ بإقراره الذي أقر به على أن يؤمنه، لا يؤخذ به أصحابه (¬4). قال الشيخ -رحمه الله-: لا يكون ذلك توبة؛ لأنه لم يقل "إني تبت ورجعت"، وإنما سأل أمانًا لا غير ذلك، فأعطيه، وأما قوله لا يؤخذ بما أقر به على نفسه، فليس بالبين. وأرى أن يؤخذ به؛ لأنه وقت إقراره آمن غير مكره، وأما على (¬5) أصحابه فلا (¬6). وأما (¬7) الوفاء له (¬8) بالعهد، فلا يوفى له به، وقد أمر الله سبحانه في عهد الحديبية بما أمر، إلا أن يرى أن هذا أحسن للناس فيمن بعد هؤلاء، فيوفى لهم بذلك. ¬

_ (¬1) قوله: (فسادًا) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (أو في موضع) ساقط من (ق 6). (¬3) في (ف): (يجري). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 473. (¬5) قوله: (مكره، وأما على) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (فلا) ساقط من (ف). (¬7) في (ف): (قد أقاما). (¬8) قوله: (له) ساقط من (ق 6).

فصل [فيما إذا صحت التوبة سقط حق الله في العقوبات ولم يسقط حق الآدميين]

فصل [فيما إذا صحت التوبة سقط حق الله في العقوبات ولم يسقط حق الآدميين] وإذا صحت التوبة، سقط ما كان يجب (¬1) لله سبحانه من العقوبات الأربع، ولم تسقط حقوق الآدميين، فيغرمون ما أخذوه من مال، ويقتص منهم، ويعود القتل حقًّا لأولياء القتيل حسبما كان لو قتل في غير حرابة، فيكون بالخيار بين القتل، أو العفو وأخذ الدية، وإذا أحبوا القتل، قتلوا على صفة القِتْلَةِ (¬2) الأولى بسيف كان أو بخنق أو بحجر. وإن كان عبدًا وعفوا، كانت جنايته في رقبته، وإذا لم يتب وأقيم عليه الحدة فلا يتبع إذا كان معسرًا، كالسرقة إذا قطع وهو معسر. قال محمد: وإذا قطع أو نفي لم يتبع (¬3). وليس ذلك بالبين إذا نفي ولم يقطع. وأرى أن يتبع، قياسًا على الزاني إذا اغتصب امرأة، فإنه يضرب ويغرم الصداق، وإن جرحوا لم يقتص منهم، وإنما هو قطع أو قتل، وكذلك إذا قتلوا، الأمر إلى الإمام، وليس لولي القتيل عفو، ولا قود. وإن رأى الإمام ألا يقتلهم، ومَكَّنَ أولياء القتيل منهم فعفوا- لم يجز عفوهم، ونقض فعل الإمام واقتص منهم، وهذا إذا قتلوا على وجه الحرابة. واختلف إذا قتلوا على غيلة، ورأى الإمام أن يُمَكِّنَ أولياء القتيل منهم، ¬

_ (¬1) قوله: (يجب) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (القِتْلَةِ) ساقط من (ف). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 481، ونصه: وإذا تاب المحارب اتبع في عدمه بأموال الناس، وان أقيم عليه حد الحرابة فقتل أو نفي لم يتبع.

فعفوا على مال أو بغير مال (¬1)، فقال ابن القاسم: ذلك ماضٍ، فإن ولي قاض آخر لم ينقضه، وهو حكم مضى؛ لأنه مما اختلف الناس فيه (¬2). وذكر محمد عن ابن القاسم أنه أجاز فعل الحاكم إذا أسلم إلى أولياء القتيل في الحرابة، وعن أشهب: إن الحكم بذلك ينقض (¬3) كالذي قاله ابن القاسم في العتبية. واختلف إذا تابوا وكانوا أخذوا المال وقتلوا، هل يقتص ممن لم يقتل منهم (¬4) أو يؤخذ المال ممن لم يأخذه؟ فقال ابن القاسم في المدونة إذا قتل واحد إلا أنهم كانوا أعوانًا له في ذلك: يقتلون كلهم. قال: وقد ذكر عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: "لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به" (¬5). قال مالك: وإن أخذ المال من جميع القوم رجل واحد، والآخرون وقوف إلا أنه بهم قوي، ثم تابوا وقد أخذ أحدهم حصته من ذلك المال، غرم جميع المال (¬6). وقال أشهب في كتاب محمد: لا يقتل إلا القاتل وحده، أو معين، أو ممسك أمسكه له وهو يعلم أنه يريد قتله، وأما غيرهم فإنه يضرب كل واحد منهم مائة ويحبس (¬7) سنة، وأما قول عمر - رضي الله عنه - فإنهم كانوا قتلوه غيلة (¬8). وقال ¬

_ (¬1) قوله: (غيلة، ورأى الإمام أن. . . أو بغير مال) ساقط من (ف). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 557. (¬3) قوله: (أن الحكم بذلك ينقض) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (منهم) ساقط من (ف). (¬5) أخرجه البخاري: 6/ 2526، في باب إذا أصاب قوم من رجل هل يعاقب أو يقتص منهم كلهم، من كتاب الديات، في صحيحه معلقًا بصيغة الجزم، ومالك: 2/ 871، في باب ما جاء في الغيلة والسحر، من كتاب العقول، برقم (1561)، واللفظ لمالك. (¬6) انظر: المدونة: 4/ 554. (¬7) في (ف): (ويسحن). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 483.

عبد الملك بن الماجشون: إن كانوا لا يقدرون على ذلك إلا بالتعاون وبالكثرة فمن أخذ منهم، كان عليه جميع ما ذهب، وإن كان موضعًا يقوى عليه الواحد والاثنان، فيلزمه ما يلزمه مع جماعتهم (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 360.

باب الحكم فيما يوجد في أيدي المحاربين إذا أقروا بالحرابة أو أنكروا

باب الحكم فيما يوجد في أيدي المحاربين إذا أقروا بالحرابة أو أنكروا (¬1) ولا يخلو المحاربون من ثلاثة أوجه: إما أن يعترفوا بالحرابة وأن المتاع الذي في أيديهم من الحرابة، أو يعترفوا بالحرابة ويدَّعُوا أن المتاع لأنفسهم، أو ينكروا الحرابة جملة. فإن اعترفوا بالحرابة وأن المتاع الذي في أيديهم أخذوه من تلك الرفقة، انتزع من أيديهم وعاد المقال فيه (¬2) بين أهل الرفقة، فإن ادَّعى كل واحد منهم شيئًا وسلمه له الآخرون (¬3)، كان له، ويأخذ كل واحد ما سلم له أصحابه، وإن تنازع اثنان في شيء، تحالفا واقتسماه، وإن تناكلا، اقتسماه، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر، كان لمن حلف منهما، وإن بقي شيء لم يدَّعِهِ أحد، وُقِفَ حتى ينظر لمن هو، وإن تنازع ذلك رجلان أحدهما من أهل الرفقة والآخر من غيرها، كان لمن هو من أهل الرفقة دون الآخر. ويحلف إذا كان الآخر أتى لذلك بشبهة، فإن أقر المحاربون بالحرابة وادعوا المتاع، وقالوا: إنه كان معنا، ولم نأخذ لهم (¬4) شيئًا، أو ادعوا بعضه، جازت شهادة أهل الرفقة عليهم. قال مالك في المدونة: تجوز شهادتهم عليهم إذا كانوا عدولًا من قتل وأخذ مال أو غير ذلك، ولا تقبل شهادة أحدهم لنفسه في مال أخذ منه (¬5). قال: وتقبل ¬

_ (¬1) في (ف): (فصل). (¬2) قوله: (فيه) ساقط من (ف). (¬3) في (ف): (الآخر). (¬4) في (ف): (له). (¬5) قوله: (أخذ منه) ساقط من (ف).

شهادتهم؛ لأن ذلك حَدٌّ من حدود الله -عز وجل-، وتقبل شهادة بعضهم لبعض بما أخذوا من أموالهم، ولا تقبل شهادة أحد منهم لنفسه أن هذا متاعه، ولا شهادته لابنه، وتقبل شهادته إذا كان معه غيره، أنه قتل ابنه أو أباه؛ لأنه يقتل بالحرابة لا بالقصاص، ولا عفو فيه، ولو شهد بذلك بعد أن تاب- لم تجز شهادته؛ لأن الحق له، وله العفو والقصاص. وأما الأجنبيون فتجوز شهادتهم قبل التوبة وبعدها، لا يتهمون في شهادة بعضهم لبعض؛ لأن المحاربين إن قالوا: ما قطعنا عليكم فقد أزالوا الظنة، وإن أقروا فقد صدقوهم في قطع الطريق (¬1). قال الشيخ -رحمه الله-: إذا صدقوهم في قطع الطريق وادعوا بعض ذلك أنهم (¬2) لم يأخذوه منهم- لم تجز الشهادة؛ لأنها شهادة على العدو. وقال سحنون في كتاب ابنه (¬3): تقبل شهادة أهل (¬4) الرفقة بعضهم لبعض؛ لأنهم إنما يقطعون في المفاوز حيث لا شاهد إلا من قطعوا عليه، ولا تقبل شهادة أحدهم (¬5) لنفسه، ولو قالوا كلهم عند الحاكم: قتل منا كذا وكذا، وسلب منا كذا وكذا حملًا، ومن الجواري كذا، فأما الأحمال فلفلان، والثياب لفلان، والجواري لفلان، فذلك جائز، ويوجب ذلك المحاربة والقتل. وذكره عن مالك، وابن القاسم، وأشهب، قال: فإذا حبس الإمام المحاربين بشهادة واحد، وشهد عليهم قوم غير عدول ولم يأت غيرهم، ومنهم من اشتهر اسمه ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 556، والنوادر والزيادات: 14/ 486. (¬2) قوله: (بعض ذلك أنهم) يقابله في (ف): (بعد ذلك المتاع وأنهم). (¬3) قوله: (وقال سحنون في كتاب ابنه) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (أهل) ساقط من (ف). (¬5) في (ف): (أحد).

بالفساد ولا يعرف إلا بعينه، فإذا رآه من كان رآه عرفه، فليخرجه ويوقف ويشهر حيث يعلم أن الغرباء ينظرون إليه والمسافرون، فإذا بلغ من شهرة المحارب ما لا يكاد يخفى (¬1) مثل أبي الوليد، وسليمان، فأتى من يشهد أن هذا أبو الوليد، أو سليمان، وقالوا: لم نشهد قطعه للطريق وقتله للناس، ولا أخذ أموالهم، وقد استفاض عندنا واشتهر قطعه للطريق، وما شهر به من القتل وأخذ الأموال، (¬2) فإن الإمام يقتله بهذه الشهادة، وهذا أكثر من شهادة (¬3) شاهدين على العيان. وقال محمد: إن استفاض ذلك من الذكر فيهم وكثرته، أدبهم السلطان وحبسهم إذا نسبوا إلى ذلك وعرفوا به (¬4). فإن افترق الذين أخذ منهم المتاع، ثم أتى رجل فادعى منه شيئًا. قال مالك: أرى للإمام أن يقبل قوله، ولكن لا يعجل بدفع ذلك إليه، ولكن يستأنى قليلًا فإن لم يجئ له طالب سواه- دفعه إليه بعد أن يحلفه ويضمنه. يريد: أنه إن أتى آخر (¬5) فأثبت بينة أنه له ضمنه له وإنما يدفع إلى من ادعاه بغير بينة إذا وصفه كما توصف اللقطة. واختلف هل يدفع إليه بحميل أم لا؟ فقال مالك في المدونة: بغير حميل (¬6). وقال سحنون في كتاب ابنه: بحميل (¬7)، فإن أتى غيره بعد ذلك أخذ ¬

_ (¬1) قوله: (ما لا يكاد يخفى) يقابله في (ف): (ما يكاد إبرازه باسمه). (¬2) زاد في (ق 6): (وإنما نشهد أن هذا هو اسم المذكور عنه). (¬3) قوله: (شهادة) ساقط من (ف). (¬4) انظر تفصيل الأقوال في: النوادر والزيادات: 14/ 486، 487. (¬5) في (ف): (أحد). (¬6) انظر: المدونة: 4/ 556، والنوادر والزيادات: 14/ 488. (¬7) قوله: (أم لا؟ فقال مالك. . . بحميل) ساقط من (ف).

به الحميل، ويجتهد الإمام في برهان ذلك (¬1). وفي مختصر الوقار: إن كان من أهل البلد. قال الشيخ -رحمه الله-: وإن ادَّعى المال رجلان، تحالفا، وكان بينهما، ومن نكل، كان لمن حلف منهما. قال محمد: فإن نكلا لم يكن لهما فيه شيء (¬2). قال الشيخ -رحمه الله-: نكولهما في هذه المسألة بخلاف التي قبلها إذا لم يفترق أهل الرفقة؛ لأنهم إذا لم يفترقوا (¬3) لم يخرج المتاع عنهما، ولو ادعاه غيرهما لم يصدق، وكان الحكم أن يقسم بينهما، فإذا افترقوا (¬4) ولم يعلم من كان فيها، فنكل هذان- لم يدفع إليهما، لإمكان أن يكون لغيرهما. قال محمد: قال أشهب: وذلك أحب إليّ أن يأخذ به (¬5) حميلًا كان ذلك له وإن كان غريبًا ضمنه، وأشهد عليه، ولم يأخذ منه حميلًا وذلك إذا أقر اللصوص أن ذلك المتاع مما قطعوا عليه وأما إن قالوا إن ذلك من أموالنا كان ذلك لهم وإن كان متاعًا كثيرًا لا يملكون مثله إلا أن يأتي من ادعى ذلك من هؤلاء ببينة (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 489. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 488. (¬3) في (ف): (يفترقا). (¬4) في (ف): (افترقا). (¬5) قوله: (به) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (من هؤلاء ببينة) يقابله في (ف): (ثبتًا). انظر: النوادر والزيادات: 14/ 489، وعبارته: قال أشهب في كتاب ابن المواز: وهذا إن أقر اللصوص أنه ما قطعوا فيه الطريق، وإن قالوا بل هو من أموالنا كان له، وإن كان كثيرًا لا يملكون مثله حتى يقيم مدعوه البينة.

فصل [في عمل السحر والإجارة عليه، وفي عمل ما يبطله]

فصل [في عمل السحر والإجارة عليه، وفي عمل ما يبطله] عمل السحر والإجارة عليه مُحَرَّمٌ، وعمل ما يبطله والإجارة عليه جائزٌ. قال سعيد ابن المسيب في مسحور (¬1) يؤخذ عن امرأته، أيحل عنه أو ينشر؟ قال: لا بأس، إنما تريدون الإصلاح، فأما ما ينتفع به لم ينه عنه (¬2). وسحر النبي - صلى الله عليه وسلم "فرمي ذلك في بئر أريس، فقالت له عائشة - رضي الله عنها -: لو أخرجته! قال: لا، أما أنا فقد عافاني الله -عز وجل-، ولم أكن لأثير على الناس شرًّا" (¬3) ولم يرد قولها بأن ذلك لا يجوز، وإنما أخبر أن ذلك انحل عنه وعافاه الله سبحانه. والسحر حقيقة يصح تعلقه بذات الإنسان، ويؤثر في النفس بغضًا ومحبة، قال الله تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة: 102]. وفيما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يخيل إليه أنه فعل الشيء وما فعله، وأنه أتى أهله وما أتاهم، وهذا حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم (¬4)، ¬

_ (¬1) قوله: (في مسحور) ساقط من (ف). (¬2) أخرجه البخاري: 5/ 2175، في باب هل يستخرج السحر، من كتاب الطب، في صحيحه معلقًا بصيغة الجزم. (¬3) قوله: (ولم أكن لأثير على الناس شرًّا) ساقط من (ق 6). متفق عليه، البخاري: 5/ 2176، في باب السحر، من كتاب الطيب، برقم (5433)، ومسلم: 4/ 1719، في باب السحر، من كتاب السلام، برقم (2189). (¬4) متفق عليه، بدون زيادة (وأنه أتى أهله وما أتاهم)، البخاري: 3/ 1192، في باب صفة إبليس وجنوده، في كتاب بدء الخلق، برقم (3095)، ومسلم: 4/ 1719، في باب السحر، من كتاب السلام، برقم (2189)، وزيادة (وأنه أتى أهله وما أتاهم) أخرجها الشافعي في مسنده: 1/ 382، من كتاب الطعام والشراب وعمارة الأرضين مما لم يسمع الربيع من =

ومنه ما أخبر الله سبحانه في سحرة فرعون أنهم ألقوا حبالًا وعِصِيًّا فكانت في أعين الرائين (¬1) حيات تسعى، ومنه ما يمرض ويقتل. وفي مختصر الوقار يستتاب القدري فإن تاب وإلا قتل. ¬

_ = الشافعي، برقم (1760) (¬1) في (ق 6): (الناس).

كتاب الرجم

كتاب الرجم النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ق 6) = نسخة القرويين رقم (368) 3 - (ق 7) = نسخة القرويين رقم (367)

حرم الله عز وجل الزنى في غير موضع من كتابه

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كتاب الرجم حرم الله عز وجل الزنى في غير موضع من كتابه، وثبتت الأخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثل ذلك، وأجمعت الأمة على تحريمه، وأوجب الله سبحانه على الزاني الحد وهو (¬1) الجلد إن كان بكرًا، والرجم إن كان ثيبًا (¬2)، فقال سبحانه: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2]، ورجم النبي - صلى الله عليه وسلم - ماعزًا والغامدية (¬3). وقال في الحديث الآخر: "لأَقْضِيَنَّ بَيْنكُمَا بِكِتَابِ الله"، ثم قال: "اغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعترَفَتْ فَارْجُمْهَا، فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا" (¬4)، وقال: "لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بإحدى ثَلاَثٍ: كُفْرٍ بَعْدَ إِيَمانٍ، أَوْ زِنًا بَعْدَ إِحْصَانٍ، أَوْ ¬

_ (¬1) قوله: (وهو) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (الحد وهو الجلد، والرجم إن كان ثيبًا) يقابله في (ق 11): (بالجلد، وإن كان محصنًا فالرجم). (¬3) أخرجه مسلم: 3/ 1321، في باب من اعترف على نفسه بالزنى، من كتاب الحدود، برقم (1695). (¬4) متفق عليه أخرجه البخاري: 6/ 2502، في باب الاعتراف بالزنا، من كتاب الحدود، برقم (6440). ومسلم: 3/ 1324، في باب من اعترف على نفسه بالزنى، من كتاب الحدود، برقم (1697).

فصل [شروط وجوب الحد على الزاني]

قَتْلِ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ" (¬1)، ولا خلاف أن حد البكر الجلد دون الرجم، وأن حد الثيب الرجم (¬2). فصل [شروط وجوب الحد على الزاني] يجب الحد على الزاني (¬3) بثمانية شروط: أن يكون (¬4) بالغًا عاقلًا (¬5) مسلمًا، أصاب آدمية، حية، وهي في سن من تطيق الرجال، طائعًا عالمًا بتحريم ذلك، فهذه جملة متفق عليها. واختلف في حد من شارف البلوغ ولم يبلغ، وفي حد النصراني (¬6)، وفي حد من أصاب صغيرة وهي في سن من لا تطيق الرجال، أو كانت ميتة أو بهيمة، أو كان مكرهًا أو جاهلًا بتحريم الزنى، فقال مالك في المدونة (¬7) فيمن لم يحتلم: يحد إذا أنبت، واستحب ابن القاسم ألا يحد وإن أنبت حتى يحتلم (¬8)، وهذا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلاَثٍ: عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ. ." الحديث (¬9)، والأول ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود: 2/ 534، في باب باب الحكم فيمن سب النبي، من كتاب الحدود، برقم (4363). (¬2) زاد بعده في (ق 11): (دون الجلد)، وانظر: المدونة: 4/ 504. (¬3) قوله: (الحد على الزاني) يقابله في (ق 11، ق 7): (حد الزاني). (¬4) زاد في (ف): (حُرًّا). (¬5) قوله: (عاقلًا) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (وفي حد النصراني) ساقط من (ق 6). (¬7) قوله: (في المدونة) ساقط من (ق 11). (¬8) انظر: المدونة: 4/ 547. (¬9) أخرجه الترمذي بنحوه: 4/ 32، في باب فيمن لا يجب عليه الحد، من كتاب الحدود، برقم (1423). وأبو داود: 2/ 544، في باب باب في المجنون يسرق أو يصيب حدًّا، من كتاب =

لظاهر (¬1) حديث بني قريظة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل من ينظر إلى الذرية إلى مؤتزرهم (¬2)، فمن أنبت أجرى عليه حكم الرجال، والإنبات لا يقطع فيه بالاحتلام، فأمره متردد بين هل احتلم أم لا؟ وقال في حديث آخر ينظر إلى (¬3) من جرت عليه الواسي (¬4). وهذا لا يختلف فيه؛ لأن المواسي لا تكون إلا بعد طول، وقال في المدونة: إذا زنى الرجل (¬5) بصغيرة يحد إذا كان مثلها يوطأ (¬6)، يقول: إذا عنف على صغيرة لا يصاب مثلها لم يحد. وفي مدونة أشهب مثل ذلك، أنه لا يحد إذا زنى بصغيرة لا يجامع مثلها (¬7)، وقال (¬8) ابن عبد الحكم في الحاوي: لا يكون محصنًا حتى يتزوج من تطيق الوطء، فإن كان مثلها يطيق الوطء فعليه الرجم. وقال ابن القاسم: يحد وإن كانت بنت خمس سنين. ¬

_ = الحدود، برقم (4398)، والنسائي: 6/ 156، في باب من لا يقع طلاقه من الأزواج، من كتاب الطلاق، برقم (3432)، وابن ماجه: 1/ 658، في باب طلاق المعتوه والصغير والنائم، من كتاب الطلاق، برقم (2041)، والحديث صحيح. (¬1) في (ف): (هو الظاهر). (¬2) في (ف): (مؤتزره). والحديث أخرجه الطبراني في معجمه الكبير: 17/ 164، من حديث عطية القرظي برقم (14120)، بلفظ: كنت يوم حكم سعد بن معاذ في بني قريظة غلامًا فنظروا إلى مؤتزري فلم يجدوني أنبت فها أنا ذا بين أظهركم. (¬3) قوله: (آخر ينظر إلى) ساقط من (ف). (¬4) أخرجه النسائي في سننه الكبرى: 5/ 62، برقم (8223)، بلفظ: أن سعدًا حكم على بني قريظة أن يقتل منهم كل من جرت عليه المواسي وأن تسبى ذراريهم وأن تقسم أموالهم فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لقد حكم فيهم بحكم الله الذي حكم الله به فوق سبع سموات. (¬5) قوله: (الرجل) ساقط من (ف). (¬6) انظر: المدونة: 4/ 508. (¬7) قوله: (يقول: إذا عنف. . . بصغيرة لا يجامع مثلها) ساقط من (ف) و (ق 11). (¬8) في (ف): (قاله).

وقال في كتاب الرضاع: إذا زنى بميتة حدّ (¬1)، وقال ابن شعبان: لا يحد (¬2). والأول أحسن؛ لأنه زنا بآدمية محرمة الوطء (¬3) يجد منها اللذة، ولا خلاف أنه لا صداق لها (¬4)، وإن زنا بنائمة حُدَّ وكان (¬5) لها الصداق. وقال ابن القاسم لا حد على من أتى بهيمة (¬6)، وفي كتاب ابن شعبان: عليه الحد. والأول أحسن؛ لأن القرآن إنما نزل في الآدميات، ولا يقاس عليهن إلا ما كان في معناهن أو أعلى رتبة. وقال مالك وابن القاسم في النصراني يزني (¬7): لا حد عليه، وُيرَدُّ إلى أهل دينه (¬8). ويعاقب على ذلك إذا أعلنه. وقال المغيرة في المبسوط: يحد حد البكر بكرًا كان أو ثيبًا. وقول مالك (¬9) أحسن، وإنما تقام الحدود في فروع الإسلام لمن تقدم منه الإسلام، وإذا كان لم يقم عليه حكم الكفر (¬10) ولم يلزم بالإسلام- لم تقم (¬11) عليه فروعه، وإنما كان حكمه - صلى الله عليه وسلم - بين اليهوديين بما في التوراة ليس ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 300. (¬2) قوله: (لا يحد) يقابله في (ق 6) و (ق 7): (لا حد عليه). (¬3) قوله: (الوطء) ساقط من (ق 11). (¬4) في (ق 11): (عليه). (¬5) قوله: (كان) ساقط من (ق 6). (¬6) زاد في (ق 7): (وقال). وانظر: المدونة: 4/ 486. (¬7) قوله: (يزني) ساقط من (ف). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 146. (¬9) قوله: (وقول مالك) يقابله في (ق 11): (والأول). (¬10) قوله: (حكم الكفر) ساقط من (ق 11). وفي (ف): (حد الكفر). (¬11) في (ف): (يقم).

بكتابنا (¬1)؛ لأنهما رضيا بذلك وحكَّماه في أنفسهما (¬2)، إلا ما كان بابه الذب عن المسلمين كالحرابة والسرقة وما أشبه ذلك. فأما الزنى وشرب الخمر (¬3) فإنه يتعلق بحق الله سبحانه، فلم يؤاخذوا به، لقول الله -عز وجل-: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ. . .} ثم قال: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] فأباح أخذ الجزية، وأن يبقوا على ما هم عليه، أنهم لا يحرمون ما حرم الله ورسوله، والزنى منه، ولو ألزم الحد في الزنى لألزم الصلاة والزكاة، وفي الإجماع على سقوط ذلك عنهم دليل على فساد القول بحدهم. وإن استكرهت امرأة على الزنى لم تحد، وإن كانت هي التي (¬4) استكرهت رجلًا على نفسها (¬5) حدت، واختلف في حده (¬6). وإن استكرها جميعًا لم تحد هي، واختلف في حده (¬7) وقد احتج من أوجب حده بأن قال: إن الإكراه لا يصح؛ لأنه لا ينعظ ويصيب إلا (¬8) وهو مريد (¬9)، وهذا غير صحيح، وقد يريد ¬

_ (¬1) زاد في (ق 11): (هذا). (¬2) قوله: (اليهوديين. . . بذلك وحكَّماه في أنفسهما) يقابله في (ف) و (ق 6): (اليهود. . . لأنهم رضوا بذلك وحكّموه). (¬3) قوله: (وشرب الخمر) يقابله في (ق 11): (والخمر). (¬4) قوله: (دليل على فساد. . . وإن كانت هي التي) يقابله في (ق 11): (مَن). (¬5) قوله: (على نفسها) ساقط من (ق 11). (¬6) انظر: عيون المجالس: 5/ 2113. (¬7) قوله: (وإن استكرها جميعًا لم تحد هي، واختلف في حده) ساقط من (ق 11). (¬8) قوله: (لا يصح؛ لأنه لا ينعظ ويصيب) ساقط (ق 7). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 265.

الرجل شرب الخمر ويعف (¬1) عنها خوفًا من الله سبحانه، ولا يفعل ذلك (¬2)، فإذا أكره على (¬3) شربها متلذذًا بها فليس ذلك مما يرفع حكم الإكراه ويهوى المرأة وتمكنه المرأة منها ولا يفعل ذلك خشية من الله تعالى فإذا أكره فعل ذلك لأجل الإكراه، فإن كان في الإكراه لا يجوز له ذلك ابتداءً؛ لأن الإكراه يتعلق به حق الله سبحانه (¬4) وحق المرأة، فهو يمنع (¬5) من ذلك لحق المرأة، فإن قال المكره: إن لم تفعل وإلا (¬6) قتلتك رضي بقتله (¬7) ولم يفعل (¬8)، فإن هو فعل كان آثمًا في حقها، ولها الصداق، ولا يحد؛ لأنه في حق الله -عز وجل- مكره، ولو استكرهته هي فإن لم يفعل قتلته (¬9) جاز ذلك له (¬10)؛ لأنها إذا (¬11) أباحت نفسها وانفرد (¬12) الإكراه لحق الله سبحانه، فجاز له (¬13) فعل ذلك على الأصل في الإكراه على ما كان من حقوق (¬14) الله ¬

_ (¬1) في (ق 6) و (ق 7): (ويقف). وقوله: (الإكراه لا يصح؛. . . ويعف عنها) ساقط من (ق 11). (¬2) قوله: (ولا يفعل ذلك) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (على) ساقط من (ف). (¬4) زاد في (ف) و (ق 6): (فإذا أكره فعل ذلك لأجل الإكراه). (¬5) قوله: (فهو يمنع) في ف: (فيمنع). (¬6) قوله: (وإلا) ساقط من (ق 7). (¬7) قوله: (رضي بقتله) يقابله في (ف) و (ق 6) و (ق 11): (تركه وقتله). (¬8) قوله: (ولم يفعل) ساقط من (ف). (¬9) قوله: (استكرهته. . . قتلته) يقابله في (ف): (استكرهت. . . قتله). (¬10) قوله: (له) ساقط من (ق 6). (¬11) قوله: (وإذا) ساقط من (ق 7). (¬12) في (ق 11): (وانفراد). (¬13) قوله: (له) ساقط من (ق 6). (¬14) في (ق 11): (حق).

سبحانه (¬1)، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي خَطَؤهَا وَنِسْيَانُهَا وَمَا اسْتكْرِهُوا عَلَيْهِ" (¬2). واختلف إذا كان أعجميًّا أو حديث عهد بالإسلام (¬3) ولا يعرف تحريم الزنى، فقال في كتاب محمد (¬4): يحد. وقال أصبغ: لا حد عليه (¬5). والأول أشهر، والثاني أقيس؛ لأن الحدود إنما تقام على من قصد مخالفة النهي، وهي عقوبة للمخالفة (¬6). وقد اختلف فيمن أسلم بأرض الحرب، ثم خرج إلى أرض الإسلام، فقال سحنون: لا قضاء عليه فيما ترك من الصلاة قبل خروجه إذا كان غير عالم بفرض الصلاة (¬7). ¬

_ (¬1) زاد في (ق 6، ق 7، وف): (وفي الصحيحين). (¬2) أخرجه ابن ماجه: 1/ 659، في باب طلاق المكره والناسي، من كتاب الطلاق، برقم (2045). (¬3) قوله: (عهد بالإسلام) يقابله في (ق 11) و (ق 7): (الإسلام). (¬4) قوله: (فقال في كتاب محمد) يقابله في (ق 6) و (ق 7) و (ق 11): (فقال في الكتاب). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 280، ونصه: قال ابن حبيب: حدثنى الحميدى عن سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن المسيب قال: ذكر الزنى بالشام فقال رجل زنيت البارحة، فقيل لة ما تقول؟ قال ما علمت أن الله حرمه. فكتبت إلى عمر فيه، فكتب: إن علم أن الله حرمه فحدوه، وإن لم يكن علم فعلموه، وإن عاد فحدوه. ومن كتاب آخر ذكر حديث المرأة التى ذكرت أن راعيا أصابها بدرهمين، فقيل له لم تستحل به وهى تعلم تحريمه، فلم يحدها عمر. قال مالك: لا يعذر اليوم بمثل هذا. قال ابن حبيب: وذهب أصبغ في حديث مرغوس أن يأخذ به أن يدرا الحد عمن جهل الزنى ممن يرى أن مثله يجهله، مثل السبي وغيرهم ممن يشبههم. (¬6) في (ق 11): (في مخالفة). (¬7) في (ق 11): (الصلوات). لم أقف على قول سحنون هذا، والذي وقفت عليه من شرح التلقين قوله: وقد اختلف عندنا في الحرب إذا أسلم ببلد الحرب وترك الصلاة جهلًا بوجوبها هل تلزمه إذا علم بوجوب =

وإذا سقط عنه الخطاب بالصلاة (¬1) سقط عنه (¬2) الخطاب بموجب (¬3) الزنى. وإذا زنى صبي بامرأة بالغ لم يحدا (¬4) وعوقبا، فإن (¬5) زنا بالغ (¬6) بصبية لم تبلغ حد الرجل وعوقبت الصبية (¬7). وإن زنى مجنون بعاقلة أو عاقل بمجنونة، حد العاقل منهما، وعوقب المجنون إذا لم يكن مطبقًا، وكان في حالة يرده الزجر والأدب، وإن زنى مسلم بنصرانية أو نصراني بمسلمة حد المسلم منهما. واختلف في الرجل (¬8) النصراني على ثلاثة أقوال: فقيل: يعاقب. وقيل: يحد. وقال ربيعة: ذلك نقض للعهد (¬9). وقد مضى ذلك في كتاب النكاح الثالث (¬10). وإن زنى مسلم بحربية في أرض الإسلام، حد. ¬

_ = القضاء لأنه مخاطب ترك الصلاة عمدًا، أو لا يلزمه لأنه بموضع لا يمكنه تعلم الشريعة فيه فصار كالمغلوب على الترك بإغماء أو غيره؟ فقال سحنون: عليه القضاء. (¬1) في (ق 11): (بالصلوات). (¬2) قوله: (عنه) ساقط من (ف) و (ق 6). (¬3) في (ق 6): (بما يوجب). (¬4) في (ف) و (ق 7): (لم تحد). (¬5) في (ق 11): (واذا). (¬6) في (ق 11): (البالغ). (¬7) قوله: (الصبية) زيادة من (ق 7). (¬8) قوله: (الرجل) ساقط من (ق 6). (¬9) انظر: البيان والتحصيل: 16/ 96. (¬10) انظر: كتاب النكاح الثالث، ص: 2091.

فصل [في كشف الشهود عن الشهادة في الزنى]

واختلف إذا زنى بها في أرض الحرب، فقال ابن القاسم: يحد (¬1). وقال عبد الملك بن الماجشون في كتاب محمد: لا حد عليه. وهو أقيس؛ لأن له أن يأخذ الرقبة ويتملكها (¬2) وينتفع بذلك منها، فإن (¬3) لم يقدر إلا على أخذ تلك المنافع منها أخذها. واختلف إذا زنى بجارية من المغنم هل يحد أم لا؟ وذلك راجع إلى هل (¬4) هي مملوكة بنفس الغنيمة، فيكون له فيها شرك، أم لا؟ وقد تقدم ذكر ذلك في كتاب العتق الثاني (¬5). فصل [في كشف الشهود عن الشهادة في الزنى] ومن المدونة قال مالك في الشهود على الزنى: ينبغي للإمام أن يسألهم عن شهادتهم (¬6)، قال ابن القاسم: كيف رأوه، وكيف صنع؟ فإن كان في ذلك ما يدرأ (¬7) به الحد درأه (¬8). قال محمد: فإن غابوا قبل أن يسألهم غيبة بعيدة أو ماتوا بعد الشهادة أقام (¬9) الحد على المشهود عليه (¬10). يريدة إذا كانوا من أهل العلم بما يوجب ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 546. (¬2) في (ف): (ويملكها). (¬3) في (ق 6) و (ق 7): (فإذا). (¬4) قوله: (هل) ساقط من (ق 6). (¬5) انظر: كتاب العتق الأول، ص: 3837. (¬6) انظر: المدونة: 4/ 503. (¬7) في (ف): (يرى). (¬8) انظر: المدونة: 4/ 526. (¬9) في (ق 6) و (ق 7) و (ق 11): (وأقام). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 241.

الحد؛ لأنهم قد يرونه عليها فيشهدون بالزنى، وذلك لا يوجب الحد إلا بمعاينة الفرج في الفرج. وقيل لابن القاسم في كتاب القذف: إذا أقر على نفسه بالزنى هل يكشف كما (¬1) تكشف البينة؟ فقال: الذي جاء في الحديث أنه قال: "أَبِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةِ" ولم يسأله (¬2). قال الشيخ -رحمه الله-: أرى أن يكشف (¬3) كما تكشف البينة إذا أشكل أمره هل يجهل شيئًا من ذلك؟ وفي البخاري في حديث ماعز أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كشفه، وسأله بالنون والكاف لا يكني (¬4). وإذا شهدت البينة بالزنى ولا يعلم هل هو ثيب أم لا، فقال: أنا بكر- صُدِّق؛ لأن الأصل البكارة وعدم الزوجية حتى يعلم أنه تزوج. قال محمد: وقد قيل: لا يسأله الإمام حتى يسأل عنه فإن وجد علمًا وإلا سأله وإن لم يعلم هل هو حر أو عبد سأله. وقال محمد: إن زنى فقال: أنا عبد فإن كان محصنًا، لم يصدق ورجم؛ لأنه يتهم أن يؤثر الرق على القتل، وإن كان بكرًا لم يقم عليه إلا حد العبد، وكذلك لو افترى أو سرق (¬5) أو شرب خمرًا؛ لأنه لا يتهم أن يرق نفسه ليوضع عنه ما ¬

_ (¬1) في (ق 7): (عما). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 482. والحديث أخرجه النسائي في سننه الكبرى: 4/ 278، في باب المسألة عن عقل المعترف بالزنا، من كتاب الرجم، برقم (7167)، بلفظ "قال كيف عقله هل به جنون". (¬3) في (ق 7): (يكشفه). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري: 6/ 2502، في باب هل يقول الإمام للمقر لعلك لمست أو غمزت، من كتاب الحدود، برقم (6438). ومسلم: 3/ 1319، في باب من اعترف على نفسه بالزنى، من كتاب الحدود، برقم (1692). (¬5) قوله: (أو سرق) ساقط من (ف) و (ق 7).

فصل [فيمن شهدوا على رجل بالزنى فرجمه الإمام ثم رجعوا عن شهادتهم]

بين الحدين (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما إذا لم يكن طارئًا لم يعجل برجمه إن كان ثيبًا، ولم يصدق إن كان بكرًا، ويكلف بيان ذلك وأنه مملوك (¬2)، فإن تبين صدقه، حُمِلَ على أحكام العبد (¬3)، وإن تبين كذبه، حُمِلَ على أحكام الحر، وإن كان طارئًا، والبلد الذي قدم منه قريب فكذلك، وإن كان بعيدًا أو قام (¬4) له دليل من تغير لون أو عجمة لسان، لم تقم عليه أحكام الحر وإن لم يكن (¬5) دليل، فقال: يودع في السجن حتى يكتب ليأتي ببينة (¬6) فإن ثبت (¬7) أنه عبد لم يرجم. وعلى هذا يجري الجواب إذا شهد عليه بالزنى، فقال: هو يهودي أو نصراني، فإن كان مقيمًا كشف عن ذلك، وإن كان طارئًا بغير البلد، سُجِنَ وكتب في الكشف عنه، فإن لم يأت بشيء- أقيم عليه الحد؛ لأنه يتهم أن يظهر ذلك، وليس هو كذلك في الباطن، ليسقط عنه الحد، والتهمة فيه أبين منها في العبد. فصل [فيمن شهدوا على رجل بالزنى فرجمه الإمام ثم رجعوا عن شهادتهم] وإن شهد أربعة بالزنى، واثنان بالإحصان، فرجم، ثم رجع جميعهم عن ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 359. (¬2) قوله: (وأنه مملوك) يقابله في (ق 7): (ولمن هو مملوك). (¬3) في (ق 6): (العبيد). (¬4) قوله: (أو قام) يقابله في (ق 7): (فقام). (¬5) في (ق 7): (يقم). (¬6) قوله: (ليأتي ببينة) في (ق 6): (إلى بلد)، وفي (ق 7): (فيأتي ثبت). (¬7) قوله: (فإن ثبت) زيادة من (ق 6).

الشهادة- حُدَّ شهود الزنى دون شهود الإحصان. واختلف في الدية على ثلاثة أقوال: فقال ابن القاسم: الدية على شهود الزنى ولا شيء على شاهدي الإحصان رجعا بانفرادهما أو رجع معهما شهود الزنى (¬1). قال محمد: وقال أشهب وعبد الملك: الدية عليهم أسداسًا (¬2). قال محمد: وقد سمعت من يقول: نصف الدية على الأربعة، ونصفها على الذين شهدا بالإحصان (¬3) رجعوا جملة أو مفترقين ومن (¬4) رجع منهم كان على هذا الحساب. قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما إذا رجع جميعهم فالقول: إن الدية أسداس أحسن (¬5)؛ لأن جميعهم تمالأ على قتله وإن رجع إحدى الطائفتين- كان عليهم جميع الدية؛ لأنهم هم الذين قتلوه دون الآخرين، فإن رجع شهود الزنى قيل لهم: أنتم قتلتموه؛ لأن الآخرين إنما شهدوا بتزويج (¬6) فإن رجع شهود الإحصان أو رجع واحد منهم، قيل لهم: أنتم قتلتموه؛ لأنَّ الآخرين إنما شهدوا بما يوجب الجلد لولا شهادتكم. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 505. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 530. (¬3) قوله: (الذين شهدا) يقابله في (ف): (شاهدي). وانظر: النوادر والزيادات: 8/ 530. (¬4) في (ف) و (ق 6) و (ق 11): (أو من). (¬5) في (ف): (حسن). (¬6) قوله: (فإن رجع شهود الزنى. . . شهدوا بتزويج) ساقط من (ف) و (ق 6).

باب في الإحصان

باب في الإحصان وقال ابن القاسم في رجل (¬1) تزوج امرأة، وتقادم مكثه معها بعد الدخول، فيشهد عليه بالزنى، فقال: ما جامعتها: إنه إذا لم يعلم أنه جامعها بولد يظهر أو بإقرار أو بأمر يسمع- لم يرجم (¬2). وقوله في كتاب النكاح الثالث غير هذا (¬3). والإحصان يصح: بالتزويج الصحيح والإصابة وأن تكون الإصابة بوجه جائز، لا حائضًا ولا صائمةً ولا محرمةً وأن يكون في حين (¬4) الإصابة بالغًا عاقلًا حُرًّا مسلمًا فهذه جملة متفق عليها (¬5). واختلف في بعضها. ولا (¬6) يكون محصنًا بنفس العقد ولا بالدخول إذا كان العقد فاسدًا مما يفسخ بعد الدخول، وإن كان مما يثبت بعد الدخول- كان به محصنًا؛ لأنه يفوت بأول الملاقاة وما بعد ذلك يحصن به. واختلف إذا كان العقد صحيحًا والإصابة فاسدة حسب ما تقدم، فقال ابن القاسم: لا يحصن ولا يحل، وقال عبد الملك ابن الماجشون: يحصن ويحل، وقال المغيرة وابن دينار: يحصن ولا يحل (¬7). وهذا ضعيف، ولو قيل: إنه يحل ¬

_ (¬1) قوله: (في رجل) يقابله في (ف): (فيمن). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 503. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 205، ونصه (قلت: أرأيت الرجل يتزوج المرأة فيدخل بها ثم يطلقها فيقول ما جامعتُها وتقول المرأة قد جامعني؟ قال: القول قول المرأة في ذلك). (¬4) في (ق 6): (حال). (¬5) انظر: التلقين: 2/ 197، المعونة: 2/ 305. (¬6) في (ف): (فلا). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 584.

ولا يحصن، لكان أشبه (¬1) لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ادْرَؤُوا الحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ" (¬2). وهذا وطء فيه وصم، وينبغي ألا يحد به، وليس يحتاط لإقامة الحد فيرجم بما لا يحل به. ثم هما في الإصابة على خمسة أوجه: إما أن يتصادقا عليها، أو على نفيها، أو يختلفا فيدعي أحدهما ذلك وينكر الآخر أو يدعيها أحدهما أو ينكر عند غيبة الآخر أو موته أو يؤخذ أحدهما في زنى قبل أن يعلم منه إقرار بالإصابة أو إنكار. فإن تصادقا على الإصابة، ثم أخذ أحدهما في زنى- رُجِمَ، ولم يقبل منه بعد ذلك إنكار، وإن تصادقا على نفي الإصابة حُدَّ حَدَّ البكر، وإن اختلفا حُدَّ المنكر حَدَّ البكرِ. واختلف في مدعي الإصابة، فقيل: يحد حد البكر. وقيل: حد الثيب، إلا أن يرجع عما كان أقر به، فإن كان الزوج هو المدعي للإصابة، ثم قال الآن: كنت قلت ذلك لأملك الرجعة، أو كانت الزوجة المدعية للإصابة (¬3) وقالت: كنت قلت ذلك لأستكمل الصداق، أو غير ذلك من العذر، حلف وحُدَّ حَدَّ البكر. وهذا أحسن، أنه (¬4) يقام عليه حد الثيب حتى يرجع عن قوله، ولا يسقط عنه ذلك قبل رجوعه. ¬

_ (¬1) في (ف): (وجهًا). (¬2) سبق تخريجه ص: 2091. (¬3) قوله: (ثم قال الآن. . . المدعية للإصابة) ساقط من (ف). (¬4) زاد في (ف) و (ق 11): (لا).

واختلف أيضًا إذا أخذ أحدهما في زنى قبل أن يسمع منه إقرار أو إنكار على ثلاثة أقوال: فقال عبد الملك بن الماجشون في كتاب محمد: لا يقبل قول من أنكر منهما، والرجم قائم، ولو لم يقم معها إلا ليلة واحدة (¬1)، وقال محمد: هو قول أصحابنا وهو قول ابن القاسم (¬2)، وقد تقدم قول ابن القاسم: إن القول قول الزوج إن أخذ في زنى، وإن طال مكثه معها إلا أن يعلم غير ذلك، لظهور حمل أو بإقرار أو بسماع. وقال في كتاب النكاح الثالث: إذا أخذت المرأة في زنى، وكانت أقامت عشرين سنة، لم يقبل قولها (¬3)، وهذا خلاف (¬4) قوله الأول. وذهب بعض أهل العلم إلى التفرقة بين السؤالين، فقال: إنما صدق الزوج؛ لأنه يكتم ذلك من نفسه وهذا ضعيف لوجوه: أحدها: أنه قال: "حتى يعلم بولد يظهر" وهذا يتساويان فيه، فإذا لم يظهر منها قُبِلَ قولها كما قبل قوله (¬5). والثاني: أنه إذا كتم ذلك لم تكتمه الزوجة، وإذا كان عنده عدم ذكرها دليلًا على أنه كان يصيب فمثله إذا كان هو الزاني ولم يعلم منها (¬6) إنكار؛ لأن سكوتها دليل عليها وعليه، وإنكارها شاهد لهما. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 586. (¬2) قوله: (وهو قول ابن القاسم) ساقط من (ق 7). وانظر: النوادر والزيادات: 4/ 586. (¬3) انظر: المدونة: 2/ 206، وانظرها أيضًا: 2/ 101، 2/ 229. (¬4) قوله (وهذا خلاف) قابله في (ف): بخلاف. (¬5) قوله: (كما قبل قوله) ساقط من (ف). (¬6) في (ق 7): (منه).

والثالث قوله: "أو بأمر يسمع" والسماع عن (¬1) ذلك يعلم من الرجال والنساء والجيران والأقارب، وهما في ذلك سواء، وأرى إذا طال مكثه أن يحمل على الإصابة، إلا أن يكون هناك سماع بعجز أو اعتراض ولا يحملان على ذلك في مبيت ليلة، لإمكان (¬2) أن يكون كان أمر منع من الإصابة، وقد اتفقوا على أن من غصب امرأة فبات بها ليلة، ثم أصبح وقال: لم أصب- أنه لا (¬3) يقام عليه حد الزنى، ولم يحمل على أنه أصاب، ويلزم على القول الأول أن يقام عليه الحد؛ لأن كل ذلك من باب القضاء بالدليل، بل هو في الغاصب أولى، ولأن من بلغ من فضيحة نفسه وفضيحة المرأة وغلبة (¬4) الشهوة بمثل ذلك أقوى دليلًا ممن أتى ذلك على الوجه الآخر. وإذا غاب أحدهما أو مات قبل أن يسمع منه إقرار ولا إنكار، ثم أخذ الآخر يزني (¬5) كان الجواب فيه (¬6) على ما تقدم لو (¬7) كان حاضرًا، ولم يسمع منه شيء. وأما حالة الزوجين، فإن كان الزوج وحده (¬8) غير بالغ- لم يكن إحصانًا لواحد (¬9) منهما، فإن كانت هي غير بالغة وحدها كان إحصانًا له دونها، وإن ¬

_ (¬1) في (ق 6): (من). (¬2) (ق 6): (لاحتمال). (¬3) قوله: (لا) ساقط من (ق 7). (¬4) قوله: (المرأة وغلبة) ساقط من (ف). (¬5) في (ف) و (ق 7) و (ق 11): (بزنى). (¬6) قوله: (فيه) ساقط من (ق 6). (¬7) في (ف): (ولو). (¬8) قوله: (وحده) ساقط من (ف). (¬9) قوله: (غير بالغ. . . لواحد) من (ق 7).

كان أحدهما عبدًا- كان إحصانًا للحر منهما، الزوج كان أو الزوجة. وإن كان أحدهما مجنونًا- كان إحصانًا للعاقل منهما (¬1) خاصة، وهذا قول مالك وابن القاسم (¬2). وذهب أشهب إلى أن المراعى الزوج فإن كان عاقلًا كان إحصانًا له ولها إذا زنت هي في إفاقتها، وإن كان مجنونًا لم يكن إحصانًا له ولا لها (¬3). وقال عبد الملك: إذا صح العقد منهما أو ممن يلي عليهما (¬4) - كان إحصانًا لهما ولو كانا مجنونين في حال (¬5) البناء إذا كان الزنى في حال الصحة (¬6). والقول الأول أحسن أنه يراعى العاقل منهما في نفسه وألا يكون أحدهما محصنًا بما يكون من الإصابة في حال الجنون (¬7)؛ لأنه كالعدم. وإن كان الزوج مسلمًا وهي نصرانية- كان إحصانًا له دونها (¬8)، وإن كانت مسلمة وهو نصراني لم يكن إحصانًا لها؛ لأنه إن كان نكاحه وهي مسلمة، كان فاسدًا، وإن كان وهي نصرانية- لم تحتسب هي بذلك؛ لأنها حينئذ غير مخاطبة بفروع الإسلام (¬9). ¬

_ (¬1) قوله: (منهما) ساقط من (ف) و (ق 6). (¬2) انظر: المدونة: 2/ 203. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 583. (¬4) قوله: (ممن يلي عليهما) يقابله في (ف): (فمن يلي عنهما). (¬5) في (ق 7): حين. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 583. (¬7) في (ف) و (ق 6) و (ق 11): (المجنونة). (¬8) انظر: المدونة: 2/ 205. (¬9) قوله: (بفروع الإسلام) ساقط من (ف).

باب في حد البكر وصفته

باب في حد البكر وصفته حد الزاني البكر ثلاثة: فحد الرجل الحر جلد مائة وتغريب عام. وحد المرأة الحرة (¬1) جلد مائة بغير تغريب. وحد العبد خمسون جلدة بغير تغريب، وكذلك الأمة هما في ذلك سواء، وكذلك كل من فيه عقد حرية لم تتم، كالمدبر والمكاتب وأم الولد والمعتق بعضه والمعتق إلى أجل- حَدُّهُم حَدُّ من لا عقد له في الحرية. فأما الحران فالأصل فيهما قول الله -عز وجل-: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] وفي تغريب الرجل قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لأَقْضِيَنَّ بَيْنكُمَا بِكِتَابِ الله. ." فجَلَدَ الرجل مائة وغربه عامًا. . . الحديث (¬2). وفي هذا الحديث دليل عَلى أن التغريب فرض وأنه بعض الحد (¬3)، لقوله "لأَقْضَينَّ بَيْنكُمَا بِكِتَابِ الله" (¬4) أي بفرض الله سبحانه، قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] أي فرض عليكم (¬5)، وهذا يَرُدُّ على من قال: إن التغريب غير واجب، وأن بابه باب التعزير (¬6) فإن رأى ذلك الإمام فعله. ¬

_ (¬1) قوله: (الحرة) ساقط من (ق 6). (¬2) أخرجه البخاري: 6/ 2446، في باب كيف كانت يمين النبي - صلى الله عليه وسلم -، من كتاب الأيمان والنذور، برقم (6258). (¬3) في (ف): (الحق). (¬4) تقدم تخريجه، ص: 6159. (¬5) قوله: (أي فرض عليكم) ساقط من (ق 7). وقوله: (عليكم) ساقط من (ق 6). (¬6) في (ف): (التغريب) وفي (ق 6): (وأنه من باب التعزير).

وأما النساء فقال مالك في كتاب محمد: لا تغريب عليهن (¬1)، للحديث: "لاَ تُسَافِرُ المَرْأَةُ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ" (¬2)، والضيعة تصيبها. وقال القاضي أبو محمد عبد الوهاب: ولأن تغريب الرجل عقوبة له؛ لينقطع عن أهله وولده ومعاشه (¬3)، وتلحق الذلة بنفيه إلى غير بلده، والمرأة محتاجة إلى الحفظ والصيانة، فكان في تغريبها هتك لحرمتها (¬4). وفي كتاب محمد عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه غرب امرأة إلى مصر (¬5). وفي الموطأ: أنه غرب عبدًا (¬6). وفي كتاب مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "البِكْرُ بِالبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ" (¬7). فجعل على المرأة النفي ولا وجه للاعتراض بالولي فإن كانت العلة في ترك النفي عدم الولي فتنفى إذا كان لها ولي أو تسافر مع جماعة رجال ونساء كما تعمل (¬8) في خروجها إلى الحج، فإن عدم جميع ذلك سجنت في موضعها عامًا؛ لأن العقوبة بشيئين: تغريب وسجن، فإذا تعذر التغريب لم يسقط السجن، وقد يقال: في سقوط التغريب عن العبد إن ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 236. (¬2) أخرجه ابن حبان في صحيحه: 6/ 440، في باب المسافر، من كتاب الصلاة، برقم (2729). (¬3) في (ق 7): (ومعايشه). (¬4) انظر: المعونة: 2/ 312. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 236. (¬6) أخرجه مالك في الموطأ: 2/ 827، في باب جامع ما جاء في حد الزنى، من كتاب الحدود، برقم (1511)، بلفظ "أن عبدًا كان يقوم على رقيق الخمس وأنه استكره جارية من ذلك الرقيق فوقع بها فجلده عمر بن الخطاب ونفاه ولم يجلد الوليدة لأنه استكرهها". (¬7) أخرجه البخاري: 6/ 2502، في باب الاعتراف بالزنا، من كتاب الحدود، برقم (6440). ومسلم: 3/ 1324، في باب من اعترف على نفسه بالزنى، من كتاب الحدود، برقم (1697). (¬8) في (ق 7): (تفعل).

فصل [في هيئة ضرب الحدود]

التغريب (¬1) عقوبة على (¬2) الإنسان عن وطنه، والعبد لا وطن له، وشأنه البيع من بلد إلى بلد، ويسجن في موضعه. فصل [في هيئة ضرب الحدود] الجلد بالسوط لا بالدرة ويكون سوطًا بين السوطين لا جديدًا ولا باليًا. وفي الموطأ عن زيد بن أسلم "أَنَّ رَجُلًا اعْتَرَفَ بِالزِّنَى عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَدَعَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِسَوْطٍ فَأُتِيَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ، فَقَالَ: فَوْقَ هَذَا. فَأُتِيَ بِسَوْطٍ جَدِيدٍ لَمْ تُقْطَعْ ثمَرَتُهُ، فَقَالَ: دُونَ هَذَا، بينَ هَذَيْنِ، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ قَدْ رُكِبَ بِهِ وَلاَنَ، فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ" (¬3). ويتولى الضرب رجل بين الرجلين لا بالشديد ولا بالضعيف، ويضرب ضربًا بين الضربين لا بغاية قوة ولا بأقلها، ويخص بالضرب الظهر. وقال ابن القاسم: حد الزنى وشرب الخمر والفرية على الظهر ولا يعرف مالك الأعضاء (¬4). وقال ابن شعبان: لا يكون الجلد في الحدود إلا عدلًا. ولمالك في المبسوط مثله. ولا يضع سوطًا فوق سوط ويعطى كل عضو حقه من الجلد إلا الوجه والفرج. ¬

_ (¬1) قوله: (إن التغريب) ساقط من (ق 7). (¬2) قوله: في (ق 7): (عن خروج)، وفي (ق 6): في خروج). (¬3) أخرجه مالك في الموطأ: 2/ 825، في باب ما جاء فيمن اعترف على نفسه بالزنى، من كتاب الحدود، برقم (1508). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 504.

والأول أحسن، لحديث هلال بن أمية حين (¬1) قذف زوجته بشريك بن سحماء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَرْبَعَة وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ" أخرجه البخاري ومسلم (¬2). ويجرد ظهر الرجل ويقعد ولا يقام ولا يمد. والمرأة كذلك تقعد ولا تقام ولا تمد، ولا تجرد، ويترك عليها من الثياب ما يسترها ولا يقيها الضرب، وتقعد في قفة، ويجعل فيها تراب وماء فإن حدث منها ماءٌ، خفي أن يكون حدثًا (¬3). ويجرد الرجل في شرب الخمر، قال ابن القاسم في كتاب محمد: ويجرد في العقوبات إذا بلغت تلك (¬4) عقوبته، ومن العقوبات ما يكون ذنبه خفيفًا (¬5) فيعاقب على ثيابه، وفوق رأسه، وربما كان بالحبس (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (حين) زيادة من (ق 7). (¬2) أخرجه البخاري: 2/ 949، في باب إذا ادعى أو قذف فله أن يلتمس البينة وينطلق لطلب البينة، من كتاب الشهادات، برقم (2526). ومسلم: 2/ 1134، في كتاب اللعان، برقم (1496). (¬3) قوله: (حدثًا) يقابله في (ف): (محدثا)، وفي (ق 7): (خفي أن تكون محدثًا). (¬4) في (ق 6): (ذلك). (¬5) في (ف): (خَفِيًّا). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 315.

باب في صفة الرجم

باب في صفة الرجم ويرجم الثيب بالحجارة، قال محمد: ترجم بالحجارة التي ترمى بمثلها، وأما الصخور العظام فلا يستطاع الرمي بتلك (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: ولا يرمى بالصخور وإن كانت مما يستطاع الرمي بها؛ لأنها تشوه به (¬2)، وإنما الرمي بالحجارة، ولا تكون صغارًا مما تؤدي للعذاب ولا تجمر، ولا يختص الظَّهْرُ بالرجمِ، ويختص به (¬3) المواضع التي هي مقاتل (¬4): الظهر وغيره، ومن السرة إلى ما فوق، ويجتنب الوجه، ولا يضرب في رجليه إذا لم يحفر له ولا في ساقيه ولا يديه؛ لأن ذلك تعذيب، وليس ذلك (¬5) بمقتل، ويجرد أعلى الرجل، ولا تجرد المرأة. واختلف في الحفر، فقال مالك في المدونة: لا يحفر له، واستشهد بالحديث: فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة (¬6)، فلو كان في حفرة ما حنى عليها (¬7). قال: ولا يربط (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 235. (¬2) قوله: (تشوه به) يقابله في (ف): (تشق). (¬3) قوله: (الظهر بالرجم ويختص به) يقابله في (ق 6): (الرجل بالظهر ويخص بها). (¬4) في (ق 7): (مقابل). (¬5) قوله: (ذلك) زياد من (ق 6). (¬6) أخرجه البخاري: 3/ 1330، في باب قول الله تعالى {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}، من كتاب المناقب، برقم (3436). ومالك في الموطأ: 2/ 819، في باب ما جاء في الرجم، من كتاب الحدود، برقم (1497) واللفظ لمالك. (¬7) انظر: المدونة: 4/ 508. (¬8) انظر: المدونة: 4/ 508.

وقال مالك (¬1) في كتاب محمد: لا يحفر للمرجوم ولا للمرجومة (¬2). وقال أشهب: وإن حفر له فأحب إليَّ أن تُخَلَّى يداه، وإن لم يحفر له لم أر به بأسًا، قال: والأحسن عندي ألا يحفر له (¬3). فرأى ذلك واسعًا واستحب ألا يحفر. وقال ابن وهب: يفعل الإمام من ذلك ما أحب. وقال أصبغ في كتاب ابن مزين: أستحب الحفر وترسل (¬4) يداه يتقي (¬5) بهما عن وجهه. وكذلك اللص والمحارب إذا صلب (¬6) حيًا ليطعن ترسل يداه، وقال ابن شعبان قال بعض أصحابنا: لا يحفر للمقر؛ لأنه إن هرب ترك، ويحفر للمشهود عليه؛ لأنه إن هرب لم يترك. قال الشيخ - رضي الله عنه -: قول ابن وهب في ذلك حسن؛ أن للإمام أن يفعل من ذلك ما أحب، لما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رجم ماعزًا ولم يحفر له وحفر للغامدية وكانت اعترفت بالزنى، فأخرج مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بها فحفر لها إلى صدرها ثم رجمت (¬7). وفي حديث آخر أنه شكت عليها ثيابها (¬8). يريد: ستر ما ظهر عن الحفرة. وقيل لابن القاسم: هل يَبدَأُ الإمامُ بالرجمِ ¬

_ (¬1) قوله: (مالك) ساقط من (ق 6) و (ق 7). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 235. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 235. (¬4) في (ف): (وتترك). (¬5) في (ق 6): (يقي). (¬6) في (ق 6): (صلبه). (¬7) أخرجه مسلم: 3/ 1321، في باب من اعترف على نفسه بالزنى، من كتاب الحدود، برقم (1695). (¬8) أخرجه مسلم: 3/ 1324، في باب من اعترف على نفسه بالزنى، من كتاب الحدود، برقم (1696).

إذا كان إقرار أو حمل، أو إذا كانت بينة فبالشهود؟ فقال: الرجم حد مثل القتل والقطع- يأمر بذلك الإمام (¬1). قال الشيخ -رحمه الله-: لو فعل ذلك، وقدم إلى البينة أنهم يبتدئون بالرجم وبإراقة دمه لكان حسنًا؛ لأن ذلك يؤدي إلى التثبت في الشهادة، وأدائها على حقيقتها. وأما الإقرار فإنما يحتاج فيه إلى (¬2) أن يبدأ الإمام على مذهب عبد الملك وسحنون، أنه إذا اعترف عند الحاكم ثم رجع عن إقراره أنه يأخذه بعلمه. وأما على قول مالك وابن القاسم فلا؛ لأنه إن كان متماديًا على إقراره لم يحتج إلى بداءة (¬3) الإمام، فإن رجع لم يؤخذ إلا بالبينة أنه كان أقر بشهادة اثنين أو أربعة على الاختلاف في ذلك، وإذا عاد الأمر إلى الشهادة استحب بداءة البينة، وتصح بداءة الإمام في الحمل؛ لأنها مسألة اختلاف: إذا ادعت أن ذلك كان بوجه شبهة فلم تصدق، فيبتدئ الإمام الذي يقلد ألا تصدق (¬4)، ولم يخف في اجتهاده ذلك، وكل هذا استحباب. وقال ابن القاسم في الإمام يدعو إنسانًا إلى الرجم أو القطع: إنه (¬5) إذا كان الإمام عدلًا فليقطعه (¬6)، ولا يكشف عن صحة ذلك، قال: ألا ترى أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وعمر بن عبد العزيز لو قالا اقطع يد هذا فإنا قضينا عليه ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 507. (¬2) قوله: (إلى) ساقط من (ف). (¬3) في (ف): (تبدئة). (¬4) في (ق 6): (يصدق). (¬5) قوله: (إنه) ساقط من (ف). (¬6) في (ف): (فيقطعه).

بالسرقة لكان يسعه (¬1) أن يفعل، وإن كان الإمام غير عدل لم يقطعه إلا أن يتضح له أنه حكم بحق (¬2). ومن المدونة (¬3) قال ابن القاسم فيمن قذف رجلًا فأراد أن يقيم عليه البينة بذلك، فمات المقذوف قبل أن يقيم البينة: إن لورثته أن يقيموا عليه البينة، ويضرب الحد (¬4). قال الشيخ - رضي الله عنه -: إذا كان القيام على القاذف بقرب قذفه أقيم عليه الحد، سواء قام بذلك المقذوف أو ورثته ولا يمين على واحد منهم في ذلك، وكذلك إذا أشهد المقذوف أنه على حقه في ذلك ليقوم به متى أحب، كان (¬5) له ولورثته القيام في ذلك وإن طالت المدة، ولا يمين في ذلك على واحد منهم، فإن طالت المدة (¬6) ولم يتقدم إشهاد، افترق الجواب، فيكون للمقذوف نفسه القيام بعد يمينه أنه لم يسكت تلك المدة على الترك، وأن ذلك كان (¬7) منه على أن يقوم إن أحب، ولا قيام لورثته، وهم في ذلك بخلاف ديون ميتهم؛ لأن شأن الديون ألا تترك، والأعراض كثير من الناس لا يطلبها، ولا يستحسن ذكرها، ولا يحب أن يتحدث عنه أنه شُتِمَ، فإذا لم يذكر ذلك حتى مات حمل فيه على العادة الجارية من كثير من الناس. ¬

_ (¬1) في (ف): في سعة). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 509، 4/ 510. (¬3) في (ق 6): (الكتاب). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 505. (¬5) زاد في (ق 7): (كذلك). (¬6) قوله: (ولا يمين في ذلك على واحد منهم فإن طالت المدة) ساقط من (ف). (¬7) قوله: (كان) ساقط من (ف).

وقال أشهب: لورثته أن يقوموا وإن طالت المدة (¬1)، وهذا يصح على القول إن ذلك حق لله سبحانه فلا يسقط بطول المدة. وقال مالك فيمن قال لرجل: يا ابن الزانية، وفي أمهاته من جداته مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ امرأة زنت، وقال: إنما أردت جدتك التي زنت، قال: إن كان ذلك أمرًا معروفًا أُحلف ما أراد غيرها، ولا حد عليه، وعليه العقوبة (¬2). قال الشيخ - رضي الله عنه -: وكذلك لو كانت الجدة مِنْ قِبَلِ أبيه لَقُبِلَ قوله أنه أرادها. ومثله لو قال: يا ابن الزاني، وفي أجداده من غير أبيه أو أمه من قد زنى، وقال: ذلك أردت، أو قال: يا أبا الزاني، وفي ولد ولده أو ولد ابنته من قد زنى، وقال: ذلك أردت، لَقُبِلَ قوله في ذلك كله، إذا حلف أنه ما أراد إلا ذلك؛ لأن كل ذلك أمومة وأبوة وبنوة، وكُلٌّ مما يقع به التعيير. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 380. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 505.

باب في الرجوع عن الشهادة في الزنى والقتل والسرقة، وكيف إن وجد أحد البينة عبدا أو نصرانيا أو مولى عليه أو ولد زنا أو مسخوطا؟ وهل على الشاهد أن يخبر بجرحة من شهد معه أو أنه عبد وإن وجد المشهود عليه مجبوبا

باب في الرجوع عن الشهادة في الزنى والقتل والسرقة، وكيف إن وجد أحد البينة عبدًا أو نصرانيًا أو مولى عليه أو ولد زنا أو مسخوطًا؟ وهل على الشاهد أن يخبر بجرحة من شهد معه أو أنه عبد وإن وجد المشهود عليه مجبوبًا (¬1) وإذا شهد أربعة بالزنى ثم رجع جميعهم عن الشهادة (¬2)، فإنه لا يخلو رجوعهم أن يكون: قبل الحكم، أو بعد الحكم وقبل إقامة الحد، أو بعد الحد من رجم أو جلد أو قطع. فإن رجعوا قبل الحكم- لم يحكم. واختلف إذا رجعوا بعد الحكم وقبل إقامة الحد (¬3) على ثلاثة أقوال: فقال ابن القاسم في كتاب محمد: يقام الحد فيرجم إن كان محصنًا ويغرمون الدية في (¬4) أموالهم. وقال أيضًا: لا يرجم لحرمة القتل وكذلك في كل ما كان مثله من القطع وفيه العقل (¬5). واختلف فيه أيضًا قول أشهب (¬6) فقال: يرجم، وقال: لا يرجم، ويقام ¬

_ (¬1) في (ف): (مجنونًا). (¬2) قوله: (عن الشهادة) ساقط من (ق 7). (¬3) قوله: (إقامة الحد) يقابله في (ق 6): (إقامته). (¬4) في (ف): (من). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 519. (¬6) قوله: (قول أشهب) ساقط من (ف)، وفي (ق 7): (قولي أشهب).

عليه أدنى الحدين (¬1). يريد: أنه يضرب مائة، ويغرب عامًا، ولا يقطع في سرقة ولا في قصاص، ويغرم العقل في القصاص. وقال محمد: وإن كان غير محصن أقيم عليه الحد (¬2). قال الشيخ - رضي الله عنه -: والقول أنه لا يرجم أحسن؛ لأن رجوعهم شبهة ولا يدري (¬3) هل صدقوا فيما رجعوا عنه أم لا؟ وكذلك أرى إذا كان غير محصن أنه يعاقب، ولا يقام عليه الحد ويدرأ عنه اسم الحد. وإن رجعوا بعد الحد كان المقال مع البينة في الدية والقصاص، وإن أقروا بالعمد حدوا قولًا واحدًا، واختلف في الدية والقصاص. وإن أقروا بالخطأ كان الخلاف في الحد والدية، فقال ابن القاسم في المدونة: إذا رجعت البينة بعد الرجم يضمنون ديته (¬4). ولم يفرق بين عمد ولا خطأ. وقال في كتاب محمد: عليهم الدية في العمد، ولا شيء عليهم في الخطأ (¬5). وقال أشهب: عليهم الدية في أموالهم في الخطأ والعمد (¬6). وقال في مدونته: إذا أقروا بالعمد حدوا ثم قتلوا. وفي كتاب ابن سحنون مثل ذلك أنهم يحدون ثم يقتلون (¬7)، وأما حدهم وعقوبتهم فقال ابن القاسم: يحدون إذا رجعوا (¬8)، ولم ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 519. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 520. (¬3) في (ق 7): (يدري). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 505. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 437. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 437. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 519. (¬8) انظر: المدونة: 4/ 505.

يفرق بين عمد ولا خطأ. وقال سحنون: إذا رجعت البينة وقد شهدوا بحق أو حد لله تعالى من زنى أو سرقة أو شرب خمر أو في حق للعباد من (¬1) قصاص أو غيره- لا شيء عليهم ولا عقوبة، اتهموا في شهادتهم أو رجعوا عنها لشك خالطهم (¬2). لأنه يخاف إذا رجعوا وعوقبوا (¬3) ألا يرجع أحد عن شهادة شهد فيها بباطل أو بشك (¬4) إذا أراد (¬5) التوبة. وقال بعض أصحابنا: لو عوقب المتهم لكان لذلك أهلًا، وأما إذا أقروا بالزور فإنهم يحدون (¬6). وقول أشهب في إثبات الدية في الخطأ أحسن؛ لأن الله عز وجل إنما أوجب (¬7) الدية في الخطأ، ولا فرق في ذلك بين الشاهد وغيره، ولا تحملها العاقلة؛ لأنهم غير عدول، وإنما تحمل العاقلة (¬8) الاعتراف، إذا كان المعترف عدلًا ويقسم معه وقول سحنون في سقوط الحد صواب، وقد أبان الوجه في ذلك. وأما العمد فالقول إنهم (¬9) يقتلون به أشبه؛ لأنهم كالجابرين (¬10) للإمام ¬

_ (¬1) قوله: (من) ساقط من (ق 6). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 437. (¬3) قوله: (رجعوا وعوقبوا) يقابله في (ف): (إن عوقبوا). (¬4) في (ف): (شك). (¬5) في (ف): (أو أراد). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 438، ونصه: (وقال بعض أصحابنا: لو عوقب المتهم لكان لذلك أهلًا، وأرى ألا يعاقب). (¬7) قوله: (إنما أوجب) يقابله في (ق 6): (أوجب)، وفي (ف): (أثبت). (¬8) قوله: (العاقلة) زيادة من (ق 6). (¬9) قوله: (فالقول إنهم) يقابله في (ق 6): (فإنهم). (¬10) في (ف): (كالمخبرين).

فصل [فيما إذا رجع أحد الشهود عند شهادته]

بشهادتهم فلا فرق بين أن (¬1) يلوا ذلك بأيديهم وبين ذلك (¬2). ويختلف إذا كان بكرًا، فضرب مائة وغرب عامًا، ثم اعترفت البينة بالعمد، هل يقتص منهم، فيضرب كل واحد منهم (¬3) خمسة وعشرين سوطًا مكان الضرب، أم لا؟ فعلى القول أن في العمد القصاص -القتل- (¬4) يضرب هؤلاء، قياسًا على القول أن في السوط (¬5) القصاص، ويزاد في عقوبتهم لمكان التغريب، إلا أن يكون رجوعهم قبل أن يغرب، ويضرب كل واحد منهم للقذف ثمانين؛ لأن للمقذوف حقين: حق من ناحية القذف، وحق من ناحية الضرب والقصاص (¬6). فصل [فيما إذا رجع أحد الشهود عند شهادته] وإن رجع أحد منهم قبل الحكم- لم يحكم، وحد جميعهم، وإن رجع بعد الرجم كان المقال فيما يغرمه وفي حده، وإن رجع بعد الحكم وقبل إقامة الحد- كان على الاختلاف (¬7) المتقدم، هل ينفذ الحكم أو يسقط؟ وألا يحكم أحسن. وقال ابن القاسم في أربعة شهدوا على رجل بالزنى ثم رجع أحدهم بعد إقامة الحد: أرى أن يجلد الراجع وحده، ولا يجلد الثلاثة الذين بقوا (¬8). ¬

_ (¬1) قوله: (أن) ساقط من (ق 6). (¬2) قوله: (وبين ذلك) زيادة من (ق 6). (¬3) في (ف): (عنهم). (¬4) قوله: (القتل) ساقط من (ق 6). (¬5) في (ف): (السقوط). (¬6) زاد بعده في (ق 7): (به). (¬7) في (ف): (الخلاف). (¬8) انظر: المدونة: 4/ 506.

وقال في كتاب محمد: يجلد جميعهم، ثم رجع فقال: لا يجلد إلا الراجع وحده (¬1). وإن رجع بعد الحكم وقبل أن ينفذ- أقيم الحد على المشهود عليه وعلى الراجع، وعلى القول الآخر أنه لا ينفذ، وإن كانت شهادتهم بمال يحد ها هنا ويحد جميعهم. واختلف قوله أيضًا في كتاب محمد إذا شهد خمسة فرجع واحد منهم بعد رجم المشهود عليه، فقال مرة: يحد هذا الراجع. وقال مرة: لا يحد، ولم ير عليه غرم شيء من الدية (¬2). وأرى إذا قال: أخطأت أو تعمدت ولا علم عندي مما شهد به الآخرون؛ لأني لم أكن معهم- ألا شيء عليه من حد ولا دية. وإن قال: شهادتنا واحدة، وقد أخطأنا جميعًا لو تعمدنا- كان الجواب على ما تقدم لو كان أربعة فرجع أحدهم، فإنه يحد إذا قال: تعمدنا. واختلف في حَدِّهِ وفي عقوبته إذا قال: أخطأنا، ويغرم خمس الدية في الخطأ ويقتل (¬3) في العمد. وقال ابن القاسم وأشهب في كتاب محمد: إذا رجع واحد من الخمسة لم يكن عليه شيء فإن رجع آخر كان عليه ربع الدية، ويشركه فيه (¬4) الأول، وإن رجع ثالث كان عليهم نصف الدية، وإن رجع رابع كان عليهم (¬5) ثلاثة أرباع ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 535. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 245، 246. (¬3) في (ف): (ولا يقتل). (¬4) في (ف): (فيها). (¬5) قوله: (عليهم) ساقط من (ف).

فصل إذا شهد أربعة برجم المشهود عليه ثم علم أن أحدهم مسخوط

الدية (¬1)؛ لأنَّ الباقي يقابله ربع دمه (¬2). قال الشيخ - رضي الله عنه - (¬3): ولا أرى على الذي رجع أولًا شيئًا إذا لم تكن شهادتهم في مجلس واحد. وقال محمد: لو كانوا ستة فلما أخذ في رجمه رجع أحدهم بعد أن فقئت عينه وآخر بعد أن أوضح موضحة، ورجع الثالث بعد أن قتل كان على الأول سدس دية العين وعلى الثاني خمس دية الموضحة وسدس دية العين وعلى الثالث ربع دية النفس فقط؛ لأن القتل يأتي على ما قبل ذلك (¬4). ويلزم على قوله في الراجع أولًا أن عليه سدس دية العين أن يقول إذا رجع بعد القتل: عليه سدس دية النفس وإن لم يرجع أحد سواه. فصل إذا شهد أربعة برجم المشهود عليه ثم علم أن أحدهم مسخوط واختلف إذا شهد أربعة برجم المشهود عليه ثم علم أن أحدهم مسخوط هل يمضي الحكم أو ينقض؟ وتغرم البينة فقال أشهب وعبد الملك يمضي الحكم (¬5). وقال محمد: إذا كان القاضي غير الأول، وإن كان هو القاضي- نقضه ما لم يفت القطع والقتل والرجم (¬6)، وإن وجد أحدهم عبدًا أو نصرانيًّا ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 528. (¬2) في (ف): (ديته). (¬3) قوله: (قال الشيخ - رضي الله عنه -) يقابله في (ق 7): (قلت). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 529. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 535. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 535.

نقض الحكم (¬1). واختلف إذا كان مولى عليه أو ولد زنى فقال ابن القاسم (¬2) في المولى عليه: ينقض الحكم، وجَمَعَهُ مع العبد والذمي (¬3). وليس بالبين، وأن يمضي الحكم أحسن إذا كان عدلًا، للاختلاف في جواز شهادته، وقد أجازها مالك في كتاب محمد، قال: وإن كان أحدهم ولد زنى نقض الحكم (¬4)؛ لأن كونه ولد زنى من باب القطع، فأشبه لو تبين أن أحدهما عبد. وفي كتاب ابن حبيب أنه يمضى (¬5) ولا ينقض؛ لأنه عدل وإنما تعترض شهادتهم من باب التهمة فأشبه المسخوط. واختلف إذا تبين أن أحدهم عبد بعد ما رجم المشهود عليه، فقال ابن القاسم: إن لم يعلموا أنه عبد كان من خطأ الإمام، وهو على عاقلته (¬6)، وإن علموا (¬7) أن الذي شهد معهم عبد كانت الدية عليهم ولا شيء على العبد في الوجهين جميعًا (¬8). وقال محمد بن سحنون: وقد قيل: لا شيء على الحاكم ولا على الشهود إذا ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 226. (¬2) كذا في (ف) وفي بقية النسخ: (ابن سحنون). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 535. (¬4) قوله: (الحكم) زيادة من (ف). وانظر: النوادر والزيادات: 14/ 384. (¬5) في (ف): (يمضي). (¬6) في (ف): (قاتله). (¬7) في (ق 6): (علم). (¬8) انظر: المدونة: 4/ 506.

لم يعلموا أن معهم (¬1) عبدًا أو ذميًا أو علموا وكانوا يجهلون رد (¬2) شهادتهم مع العبد وإن تعمدوا وهم عالمون أن معهم عبدًا وأن شهادتهم معه لا تجوز كانت عليهم الدية (¬3). يريد: (¬4) لأن الكشف في ذلك والنظر فيمن تجوز شهادته أو لا تجوز إنما هو للحاكم (¬5)، فلا شيء عليهم إلا أن يعلموا بالوجهين جميعًا أنه عبد وأن شهادته (¬6) لا تجوز، فتكون الدية عليهم، وإن علم العبد وحده أن شهادته لا تجوز وجهل ذلك البينة، كانت الدية كلها (¬7) جناية في رقبته، وإن علم بذلك (¬8) جميعهم هو والبينة- كانت الدية عليهم أرباعًا، وهو قول أبي مصعب أن على العبد ربع الدية. واختلف أيضًا إذا كانت الشهادة بقطع أو قتل، ثم تبين أن أحدهم عبد، فقال ابن القاسم في المدونة: إذا شهد شاهدان على رجل بقطع يد رجل (¬9) عمدًا، فاقتص من المشهود عليه، ثم تبين أن أحدهم عبد أو ممن (¬10) لا تجوز ¬

_ (¬1) في (ق 6): (أحدهم). (¬2) قوله: (رد) ساقط من (ف). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 533، 534. (¬4) قوله: (يريد) ساقط من (ف). (¬5) في (ق 6): (الحكم). (¬6) قوله: (أو لا تجوز إنما هو. . . عبد وأن شهادتهم) ساقط من (ق 7). (¬7) في (ق 6): (كأنها). (¬8) قوله: (بذلك) ساقط من (ق 7)، وفي (ق 6): (ذلك). (¬9) قوله: (يد رجل) يقابله في (ف): (يد ورجل). (¬10) في (ق 6): (من).

شهادته- أرى (¬1) ألا شيء على المقتص له (¬2). يريد: إذا لم يعلم الحر أن الذي معه عبد. وقال محمد بن سحنون (¬3): إذا تبين أن أحدهم عبد أو ذمي أو مولى عليه فإنه إن حلف المحكوم له بالقصاص في اليد مع الشاهد الباقي أو حلف المقضي له بالقتل مع رجل من عصبته خمسين يمينًا -تم ما حكم به ونفذ، وإن نكل عن اليمين في اليد، ولم يعلم أن شاهده عبد، وكانت الحرية فيه الظاهرة، وحلف المقتص (¬4) منه في اليد أن ما شهد عليه (¬5) به الشاهد باطل ونكل المحكوم له بالقتل عن القسامة، فإن الأحكام تنقض حتى تصير كأنها لم تكن (¬6). وقال بعض أصحابنا: لا ضمان على الحاكم؛ لأنه لم يخطئ ولا ضمان على المحكوم له بالقصاص؛ لأنه أخذ ما أعطته البينة والحاكم (¬7) باجتهاده ولم يأخذ مالا يرده (¬8)، وغرم ذلك على الشاهدين إذا كانا جهلا رد (¬9) شهادة العبد أو الذمي (¬10). وقال بعض أصحابنا: ذلك على عاقلة الإمام، وقيل إنه هدر، ولا شيء ¬

_ (¬1) قوله: (أرى) زيادة من (ق 7) وهي موافقة لما في المدونة. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 507. (¬3) القول لسحنون، انظر: النوادر والزيادات: 8/ 533. (¬4) في (ف): (المقتصي). (¬5) قوله: (عليه) ساقط من (ف). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 533. (¬7) في (ف): (والحاكم عندي أنه حكم). (¬8) في (ق 6): فيرده). (¬9) قوله: (الشاهدين إذا كانا جهلا رد) يقابله في (ق 7): (الشاهد إذا كان جاهلًا برد). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 534.

فصل [فيمن شهدوا على رجل بالزنى، فرجمه الإمام ثم أصابوه مجبوبا هل يحدهم الإمام؟]

على الحاكم ولا على البينة ولا على المحكوم له، وإنما يلزم الإمام إذا أخطأ فقتل من لا يجوز قتله أو قطع من لا يجوز قطعه أو أجاز شهادة من لا تجوز شهادته مثل أن يجيز (¬1) شهادة العبد والذمي وهو يرى أن ذلك يجوز، فقال سحنون في الرجل يشهد عند القاضي وهو عدل ويشهد معه رجل غير عدل هل يجوز للشاهد العدل أن يخبر بجرحته (¬2)، وهو يعلم أنه شهد بحق؟ قال: لا يجوز له ذلك ولعله يرى حقًا وقف على الهلاك إن جرح (¬3). قال محمد: قال لي ذلك (¬4) غير مرة، ثم قال بعد ذلك: يخبر بجرحته (¬5). ألا ترى لو شهد معه عبد أو نصراني والقاضي به (¬6) جاهل أن على العدل أن يخبر به. فصل [فيمن شهدوا على رجل بالزنى، فرجمه الإمام ثم أصابوه مجبوبًا هل يحدهم الإمام؟] وقال ابن القاسم: إذا شهد أربعة على رجل بالزنى فرجم، ثم تبين أنه مجبوب كانت الدية عليهم في أموالهم مع الأدب الموجع والسجن الطويل ولا حد (¬7) عليهم؛ لأنه لا حد على من قال لمجبوب يا زاني (¬8). إلا أن يُجَبَّ بعد ¬

_ (¬1) في (ق 6): (يجوز). (¬2) في (ف): (جرحته). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 534. (¬4) في (ف): (في ذلك). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 255. ولم يعزه لمحمد. (¬6) قوله: (به) ساقط من (ف). (¬7) في (ق 7): (حق). (¬8) انظر: المدونة: 4/ 507.

بلوغه، فيكون على قاذفه الحد (¬1). وقال أشهب في كتاب محمد: الدية على عاقلة الإمام إلا أن يقولوا: رأيناه يزني قَبْلَ أَن يُجَبَّ، فتكون شهادتهم ماضية، ولا حدّ عليهم بحال؛ لأنهم إن قالوا: رأيناه قَبْلَ أَن يُجَبَّ كانت شهادتهم ماضية، وإن قالوا بعد جبابه- لم يكن عليهم حدّ (¬2). قال الشيخ - رضي الله عنه - (¬3): العقوبة والسجن في ذلك صوابًا، وأما الدية فلا أراها على الشهود، ولا على الإمام؛ لأنه قاصر (¬4) على أن يظهر ذلك من نفسه، وذلك له (¬5) كالبينة العادلة ترد بها شهادة من شهد عليه. وأما سقوط الحد إذا شهدوا عليه أنه زنى الآن وكان جبابه بعد البلوغ فصواب؛ لأنهم أتوا (¬6) على وجه الشهادة، ولا يحمل عليهم أنهم أرادوا غير ما شهدوا عليه به، ولو كان ذلك في القذف أو المشاتمة فقال للمجبوب: يا زاني- عليه الحد (¬7)؛ لأنه يحمل قوله أن ذلك قبل جبابه، وكذلك إن قال له: زنيت وأنت مجبوب فإنه يحد عند ابن القاسم (¬8)؛ لأنه يحمل عليه (¬9) أنه أراد ما كان ¬

_ (¬1) قوله: (إلا أن يجب. . . على قاذفه الحد) ساقط من (ف، ق 6). انظر: النوادر والزيادات: 14/ 340. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 248. (¬3) قوله: (قال الشيخ - رضي الله عنه -) يقابله في (ق 7): (قلت). (¬4) في (ق 6، ق 7): (قادر). (¬5) قوله: (له) ساقط من (ف). (¬6) في (ف): (أقروا). (¬7) قوله: (عليه الحد) يقابله في (ق 7): (كان على القاذف الحد). (¬8) الذي وقفت عليه من قول ابن القاسم في النوادر والزيادات: 14/ 340: قوله: ومن قال لمجبوب يازان لم يحد، إلا أن يقول زنيت قبل أن تجب، ولا يحد إلا أن يعلم أنه جب بعد الكبر فهو مسلم حر. وقد قال ابن القاسم: فإذا علم أنه جب في صغره لم يحد. ولعل هذا استنباط قول من الشيخ -رحمه الله-. (¬9) قوله: (لأنه يحمل عليه) يقابله في (ف): (ولا يحمل عليه).

فصل [في أربعة شهدوا على أربعة بالزنى، فقال لهم القاضي: صفوا لنا الزنى]

قبل واستتر (¬1) بقوله: وأنت مجبوب، كالذي قال لامرأته: (¬2) زنيت وأنت نصرانية أو (¬3) زنيت وأنت صبية، وقد كان ذلك منها في حال الصبا والكفر أنه يحد، وحمل عليه أنه أراد غير ذلك وكنى عنه بقوله: وأنت صبية أو نصرانية. فصل [في أربعة شهدوا على أربعة بالزنى، فقال لهم القاضي: صفوا لنا الزنى] ومن المدونة (¬4) قال ابن القاسم في أربعة شهدوا على أربعة بالزنى، فقال لهم القاضي: صفوا لنا (¬5) الزنى، فوصفه ثلاثة منهم، وقال الرابع: رأيته بين فخذيها، فقال: يحد الثلاثة، ويعاقب الرابع (¬6)، وقال غيره: لا عقوبة عليه. وقال أشهب في مدونته: يحدّ الرابع؛ لأنه قال قبل ذلك: زنَى. يريد: أنه كان لا (¬7) يجهل وجه الزنى، فيعد راجعًا، فإن كان ممن يجهل لم يحد. قال: وإن أبوا أن يكشفوا (¬8) عن شهادتهم لم يحد المشهود عليه وحدوا حد الفرية. وقال محمد: لو قال اثنان منهم رأيناه يطؤها، وشهد الآخران على الخلوة والملاصقة والنفس العالي -لَحُدَّ الشاهدان (¬9) وعوقب الرجل والمرأة، جلد ¬

_ (¬1) في (ف): (أشبه). (¬2) في (ق 6): (لامرأة). (¬3) في (ف): (و). (¬4) قوله: (ومن المدونة) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (لنا) ساقط من (ف) و (ق 6). (¬6) انظر: المدونة: 4/ 510. (¬7) قوله: (لا) ساقط من (ق 6). (¬8) في (ق 7): (يكلفوا). (¬9) قوله: (جلد مئة أو نحوها) ساقط من (ف، ق 6). انظر: النوادر والزيادات: 14/ 241.

مائة أو نحوها. وقال مالك في الرجل يوجد مع المرأة وبات معها في لحاف واحد (¬1) أنه يجلد نكالًا، قيل: له دون الحد؟ قال: على قدر ما يراه (¬2) الإمام وربما كان أكثر من الحد (¬3). وقال أصبغ في النصراني يزني بالمسلمة ينكل (¬4). والنكال في هذا يجاوز الحد ويضعف ضعفين أو أكثر في العدد. ¬

_ (¬1) قوله: (واحد) ساقط من (ف، ق 6). (¬2) في (ف) و (ق 6) و (ق 11): (آراه). (¬3) الذي وقفت عليه من قول مالك: وقال: إِذَا شهدَ رجلان أنَّهَما رَأَيَا رجلًا وامرأة تحت لحِافٍ أوْ شهدَ أنَّهَما رَأَيَا رِجْلَيها على عنقِهِ أو شيئًا هو أَدْنَى مِن أنْ يرياه مثلَ المرود في المكحلة عوقب الرجلُ والمرأةُ ولم يكن علَى الشهيدين شيء؛ لأنَّهما لَم يقذفَا، ولو قالا: رأيناه يزنِي بهَا مثل المرود في المكحلة ضربَ كل واحد منهمَا ثمانِينَ جلدة انظر: البيان والتحصيل: 16/ 323، 324. (¬4) في (ق 7): (وتنكل).

باب في إقامة الحد في الزنى بالشهادة والاعتراف والحمل في المرأة

باب في إقامة الحد في الزنى بالشهادة والاعتراف والحمل في المرأة وإذا شهد أربعة على الزنى وجاءوا معًا، وأخبروا عن فعل واحد، وأنهم عاينوا الفرج في الفرج- حُدَّ المشهود عليه. واختلف إذا أتوا مفترقين وأخبروا عن فعل واحد، أو أتوا معًا وأخبروا عن فعلين وموطنين، فقال ابن القاسم: لا تثبت الشهادة في المسألتين جميعًا، ويحد الشهود، ولا يحد المشهود عليه (¬1). وإن أتى شاهد واحد، وقال: أنا آتي بمن يشهد معي أنه إن كان أمرًا قريبًا، أُخِّرَ، (¬2) ويحبس هو والمشهود عليه، ويقال له: ابعث إلى من تزعم أنه يشهد معك (¬3)، ولا يخرجه من الحد إلا أن يأتي بأربعة شهداء (¬4) سواه (¬5)؛ لأنه صار خصمًا (¬6)، ويحد الثلاثة أيضًا. يريد: إذا لم يأت إلا بثلاثة. وقال أشهب (¬7) في كتاب محمد: تجمع شهادة الأربعة وإن أتوا مفترقين، ويحد المشهود عليه، إلا أنه قال: ولا ينبغي للإمام أن يؤخر حد من شهد قبل أن تتم الشهادة، فإن هو فعل، ولم يَحد الأولين حتى ثبتت الشهادة حد ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 512. (¬2) في (ف): (آخر). (¬3) قوله: (معك) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (شهداء) ساقط من (ف، ق 6). (¬5) قوله: (سواه) ساقط من (ق 6). انظر: المدونة: 4/ 489. (¬6) في (ق 7): (بما قال قاذفًا). (¬7) في (ق 6): (أصبغ).

المشهود عليه (¬1). وقال أبو الفرج: لو سأل الثلاثة أن ينظرهم حتى يأتوا برابع كان معهم لوجب عليه إنظارهم، وتجمع الشهادة، ويحد المشهود عليه. وهذا أحسنها (¬2)، ولا وجه للمبادرة بحدهم، وهذا من الظلم لهم، والأصل في ذلك (¬3) أن كُلَّ مَنِ ادَّعى منفعة قريبة يدرأ بها عن نفسه أو ماله، أن ذلك له، وتأخير ذلك على من (¬4) أتى على وجه الشهادة أبين. وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: إذا اتفقوا في صفة الرؤية، واختلفوا في الأيام والمواطن لم تبطل الشهادة (¬5). وروى ابن وهب عن مالك في كتاب محمد فيمن شهد عليه شاهد أنه رآه أمس سكران، وشهد آخر أنه رآه اليوم سكران أن شهادتهما جائزة (¬6)، وكذلك في شعبان ورمضان. وقال محمد: إذا شهد اثنان أنه زنى بها، وشهد اثنان أنه اغتصبها- حُدَّتِ البينة ولم يحد المشهود عليه (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 238، بلفظ: ومن كتاب ابن المواز عن أشهب فيمن قذف رجلًا بالزنى، وقال: أنا أقيم عليه أربعة، فأتى بواحد، وقال: وهذا آخر في المسجد، وآخر في القيسارية، وآخر في السوق، فذكر أمكنة قريبة، وأتي بهم من ساعته، فلا ينبغي للإمام أن ينتظر به حتى يحده هو ومن شهد معه إذا لم تكن شهادتهم متواترة. (¬2) في (ف): (أحسنهما). (¬3) قوله: (في ذلك) ساقط من (ف) و (ق 6). (¬4) قوله: (على من) يقابله في (ق 6): (عمن). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 238. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 97. (¬7) كذا في (ف) وفي بقية النسخ: (عليهما). انظر: النوادر والزيادات: 14/ 240.

فصل [لو شهد أربعة على شهادة أربعة بالزنى]

فصل [لو شهد أربعة على شهادة أربعة بالزنى] وقال ابن القاسم: لو شهد أربعة على شهادة أربعة بالزنى لحد المشهود عليه، وسواء شهد جميع هؤلاء على شهادة كل واحد من شهود الزنى، أو شهد اثنان على شهادة اثنين واثنان على شهادة اثنين، أو شهد اثنان على شهادة ثلاثة واثنان على شهادة واحد (¬1). وقد تقدم ذكر الاختلاف في ذلك في كتاب (¬2) الشهادات (¬3). وإن شهد اثنان بالمعاينة، ونقل اثنان عن اثنين، أو شهد واحد بالمعاينة، ونقل ثلاثة عن ثلاثة بالمعاينة، حد المشهود عليه (¬4)، وكل هذا إذا أتى جميعهم معًا: من شهد بالمعاينة (¬5) ومن نقل عن غيره. فإن أتوا مفترقين حدوا على قول ابن القاسم (¬6) ولم يحدوا على قول أشهب (¬7)، وحد المشهود عليهما، ولو شهد واحد بالمعاينة ونقل اثنان عن ثلاثة - لم يحد المشهود عليهما، وحد الشاهد بالمعاينة. واختلف في حد الاثنين الناقلين، فقال ابن القاسم: يحدان (¬8). وقال محمد: ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 510. (¬2) في (ق 7): (كتب). (¬3) انظر: كتاب الشهادات في باب في الشهادة على الشهادة، ص: 5452. (¬4) في (ق 6) و (ق 7) و (ق 11): (عليهما). (¬5) في (ف): (على المعاينة). (¬6) انظر: المدونة: 4/ 512. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 238. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 386.

إذا لم يكن في شهادتهما أنه زان، وإنما قالا (¬1) أشهدونا على فلان أنه زان رأيناه، وفلان معنا، يعنون: الذي شهد على رؤية نفسه- لم يكن على الناقلين حد، وإن قالا هو زان أشهدنا فلان وفلان، حدًّا (¬2). وهذا هو الصحيح ألا حد عليهما إذا نقلا ولم يقولا هو زان؛ لأنهما يقولان: نحن (¬3) لا نتقلد من أمره شيئًا، ولا نعلم هل صدق الذين نقلنا عنهم أم لا؟ فأما إن صدقا من نقلا عنهم (¬4) فقالا هو زان؛ لأن فلانًا وفلانًا وفلانًا (¬5) أشهدونا عليه بوجه كذا وكذا (¬6)، وقالا: أشهدنا فلان وفلان وفلان أنه زان، فهو زان، فيكونان (¬7) قد قذفاه، وسواء قدما قولهما: هو زان، أشهدونا، أو أخرا ذلك فقالا: أشهدونا، فهو زان. واختلف فيمن قال لرجل: سمعت فلانًا يشهد أنك زان، فقال ابن القاسم: يضرب الحد إلا أن يقيم البينة أن فلانًا قال ذلك (¬8). وقال أشهب في مدونته: لا حد عليه إلا أن يكون ذلك في مشاتمة. وإن شهد اثنان على شهادة أربعة فلم (¬9) يحدا على قول ابن القاسم حتى قدم الأربعة المنقول عنهم، فإن ثبتوا على شهادتهم- حُدَّ المشهود عليهما (¬10). ¬

_ (¬1) في (ق 7): (قالوا). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 387. (¬3) قوله: (نحن) ساقط من (ق 6). (¬4) في (ف): (عنه). (¬5) قوله: (وفلانًا) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (وكذا) ساقط من (ف). (¬7) في (ق 7): (فهو زان، فهو زان فيكونا). (¬8) انظر: المدونة: 4/ 511. (¬9) في (ق 7): (لم). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 244.

واختلف إن أنكروا أن يكونوا أمروهما بالنقل، فقال محمد: يحد القادمون؛ لأنهما صارا شاهدين عليهم بأنهم قذفوا هذا الرجل (¬1). وجعلهم كالراجعين عن شهادتهم. واختلف في حد البينة إذا لم يثبتوا، وإن نقل اثنان عن ثلاثة وواحد عن (¬2) المعاينة، فلم يحدا حتى قدم الثلاثة (¬3)، فإن ثبتوا على ما نقل عنهم حدوا هم والرابع الذي شهد على المعاينة (¬4) على قول ابن القاسم (¬5)، ولم يحدوا على قول أشهب وحد المشهود عليه (¬6)؛ لأنه يضم (¬7) الشهادتين، وإن أنكروا وقالوا: ما أشهدناهما بشيء- لم يحد المشهود عليه. ويختلف في حد المنقول عنهم فعلى قول محمد يحدون، ولا يحدون على قول مالك في كتاب ابن حبيب؛ لأنه قال في شاهدين شهدا على شهادة رجل بمال فقضي (¬8) بشهادتهما، ثم قدم المنقول عنه فأنكر الشهادة- قال (¬9): يرد الحكم ولا يمضي (¬10). وقال مطرف وابن القاسم وأصبغ: الحكم ماض ولا شيء على المنقول عنهم، ولا على الناقلين (¬11). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 387. (¬2) قوله: (وواحد عن) يقابله في (ق 6): (وآخر على). (¬3) في (ف): (الثالث). (¬4) في (ق 7): (بالمعاينة). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 243، 244. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 244. (¬7) قوله: (لأنه يضم) يقابله في (ف): (وضم). (¬8) قوله: (بمال فقضى) يقابله في (ف): (هل يقضي). (¬9) في (ف): (فلا). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 385، 386. (¬11) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 386.

فصل [في الإقرار بالزنى وكيف إن رجع]

فرد مالك الحكم، ولم يره كالراجع عن شهادته، وجعل للمحكوم عليه أن يسترجع المال، ويلزم على قوله هذا ألا يكون على القادمين حد، ورأى (¬1) مطرف وابن القاسم أن الأمر مشكل، أيهم صدق، فأمضيا الحكم ولم يجعلا على أحد غرمًا، وعلى هذا لا يحد المنقول عنهم، وتسقط دية المرجوم إذا نقل أربعة عن أربعة ورجم، ثم أنكر المنقول عنهم، وعلى قول محمد يغرم القادمون الدية والمال إذا كان الحكم بمال. وذكر ابن سحنون القولين جميعًا إذا أنكر المنقول عنهم بعد الحكم هل ينقض الحكم أم لا؟ (¬2). فصل [في الإقرار بالزنى وكيف إن رجع] حد الزنى يقام بأربعة: بالشهادة (¬3) وقد تقدم، وبإقرار الفاعل على نفسه، وبالحمل (¬4) في المرأة. فأما الاعتراف فيجزئ منه مرة واحدة إذا صرح بما أقر به ولم يرجع عنه، وقيل لمالك في كتاب محمد: أترى للإمام إذا اعترف عنده رجل بالزنى أن يعرض عنه (¬5) أربع مرات قبل أن يقيم عليه الحد؟ فقال: ما أعرف هذا، إذا (¬6) اعترف مرة ¬

_ (¬1) في (ف): (وروى). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 474، 475. (¬3) في (ق 6): (شهداء). (¬4) في (ق 6): (وبالحبل). (¬5) في (ق 7): (عليه). (¬6) قوله: (ما أعرف هذا إذا) يقابله في (ف): (متى).

واحدة وأقام على ذلك- أقيم عليه الحد (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه - (¬2): ولو أجرى الإقرار مجرى الشهادات (¬3) وألا يحد حتى يقر أربع مرات- لم يُقَمْ حد بإقرار (¬4) أبدًا؛ لأنه يحتاج أن يكون المقر عدلًا والزاني غير عدل، ومحمل إعراض النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المقر، أنه أراد سترًا؛ لأن إقراره كان محتملًا، فلما سأله في الرابعة عن تحقيق إقراره وسأله بالنون والكاف فقال: نعم (¬5) أقام عليه الحد ولم يلزمه بأن يقر أربع (¬6) مرات بعد تحقيق الإقرار، وقال "وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا" (¬7) ولم يقل: فإن اعترفت أربع مرات. وإن رجع المقر عن إقراره، وأتى بعذر تعرف به الشبهة التي دخلت عليه، فأقر لأجلها قبل رجوعه ولم يحد. واختلف إذا لم يأت بعذر أو لم يرجع وجحد الإقرار جملة فقال مالك (¬8) مرة يقبل رجوعه، وقال (¬9) مرة: لا يقبل (¬10). وقال في كتاب القطع في السرقة: إذا جحد الإقرار أصلًا يُقال، وجعله ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 250. (¬2) قوله: (قال الشيخ - رضي الله عنه -) يقابله في (ق 7): (قلت). (¬3) في (ق 6): (الشهادة). (¬4) في (ف): (بإقراره). (¬5) تقدم تخريجه، ص: 6168. (¬6) في (ف): (بأربع). (¬7) سبق تخريجه، ص: 4621. (¬8) قوله: (مالك) ساقط من (ف). (¬9) قوله: (قال). زيادة من (ق 7). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 248.

بمنزلة من رجع (¬1). وليس بالبين؛ لأن هذا لم يرجع عن أن يكون زنى وإنما رجع عن القول (¬2)، وليس الرجوع عن (¬3) القول رجوعًا عن الفعل، وعلى القول الآخر يحد إذا أنكر؛ لأنه لا يقبل رجوعه إلا أن يأتي بعذر. ومن أنكر الإقرار لم يأت بعذر، وكذلك كل من أقر بحق لله تعالى من سرقة أو شرب خمر أو حرابة أو ما أشبه ذلك، ثم رجع، فإنه يقبل رجوعه إذا أتى بعذر يعرف. واختلف فيه إذا لم يأت بعذر، وكذلك إذا اجتمع في الإقرار الواحد حق لله سبحانه وحق لآدمي، مثل أن يقر أنه سرق من فلان مائة درهم أو سلعة كذا أو اغتصبت فلانة أو حاربت فلانًا فأخذ ماله، ثم رجع عن ذلك، فإنه يؤخذ (¬4) بما يتعلق من إقراره (¬5) ذلك لآدمي، ثم ينظر فيما يكون من حق (¬6) الله سبحانه، فإن أتى بعذر -تُرِكَ، وإن لم يأت به- حُدَّ. وقيل في السرقة: إن لم يعينها قبل رجوعه، وإن عينها لم يُقْبَلْ. واختلف فيمن أقر بالزنى، ثم رجع عن ذلك، ثم قذفه رجل هل يحد قاذفه؟ وقال ابن القاسم فيمن قذف رجلًا ثم أقام عليه شاهدين أنه اعترف ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 547، بلفظ "قلت: أرأيت إن جحد الإقرار أصلا أيقال؟ قال: أرى أن يقال". (¬2) قوله: (عن القول) يقابله في (ف): (على القول الآخر). (¬3) في (ف): (على). (¬4) في (ف): (لا يؤخذ). (¬5) في (ف): (بإقراره). (¬6) قوله: (من حق) يقابله في (ق 7): (من ذلك حقا).

فصل [في ثبوت حد المرأة]

بالزنى: أن الحد سقط. وقال أشهب الحد ثابت عليه (¬1). والقول الأول أحسن، وإنما يسقط عنه إذا رجع فيما بينه وبين الله سبحانه ولا يسقط عنه (¬2) فيما كان يتضمن ذلك من حقوق العباد، وهو مأخوذ (¬3) بها على الأصل في الإقرارات. ولو أقر رجل باغتصاب امرأة، ثم رجع، لسقط عنه الحد، ولم يسقط عنه الصداق، ولم يحد لقذفها إن أنكرت؛ لأنه لم يقذفها، وأنه إن (¬4) قال: اغتصبت ولم تطع (¬5)، يكن لها صداق (¬6)، أو أقر بسرقة من رجل؛ لسقط عنه القطع، ولم يسقط عنه الغرم، وأيضًا فإن الحد في القذف حماية لعرض المؤمن. ومن اعترف بالزنى ثم رجع عنه مُنْتَهَكُ العرض عند الناس. فصل [في ثبوت حد المرأة] يقام الحد على المرأة بالحمل إذا لم يكن زوج ولا سيد ولا شبهة ولم تكن طارئة، فإن قالت: هو من زوج طلقني أو غاب عني، فإن كانت طارئة- صدقت، ولم تحد. وإن كانت مقيمة ولم يأت لذلك (¬7) شاهد ولا شبهة، حدت (¬8)، وإن ادَّعَتْ أنه من غصب وكان تقدم لها ذكر ذلك، وأتت متعلقة ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 376. (¬2) قوله: (عنه) زيادة من (ق 6). (¬3) في (ف): (مؤاخذ). (¬4) قوله: (إن) ساقط من (ق 6). (¬5) زاد بعده في (ق 6): (وقد أقرت لحدت). (¬6) قوله: (وأنه إن قال اغتصبت ولم تطع ولم يكن لها صداق) ساقط من (ف). (¬7) قوله: (لم يأت لذلك) يقابله في (ف) و (ق 7) و (ق 11): (ولم تأت في ذلك). (¬8) في (ف): (حد).

برجل أو كان سماعًا واشتكت ولم تأت متعلقة به لم تحد إذا ادعت ذلك على من يشبهه (¬1)، وإذا ادعت ذلك (¬2) على من لا يشبه، على رجل صالح حُدَّتْ، ولم تصدق، وهذا إذا تقدمت الدعوى أو الشكوى قبل ظهور الحمل، فإن لم تذكر ذلك إلا بعد ظهور الحمل-حدت، إلا أن تكون المرأة معروفة بالخير ولا يطعن (¬3) عليها بشيء، فقالت: كنت (¬4) كتمت ذلك، رجاء ألا يكون حمل، ولا أكشف نفسي، أو رجاء أن يسقط؛ فتعذر بذلك، ومثله لو لم تسم من استكرهها، وقالت: رجوت ستر ذلك، وهي معروفة بالخير، فلا أرى أن تحد، وهذا الذي آخذ به في ذلك، وقد روي مثل ذلك عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في امرأة ظهر بها حمل فادعت أنها استكرهت، وقالت: كنت نائمة فبها أيقظني إلا الرجل، وقد ركبني، فأمر أن ترفع إليه إلى الموسم هي وناس معها من قومها، فسألهم عنها فأثنوا عليها خيرًا، فلم ير عليها حدًّا، وكساها وأوصى بها أهلها (¬5). وقد اختلف في هذا فقال ابن وهب في كتاب محمد: إن ادَّعت ذلك على رجل صالح معروف بالخير- حدت للقذف، كانت تدمى أو لا تدمى، ولا ¬

_ (¬1) قوله: (إذا ادعت ذلك على من يشبهه) ساقط من ف. (¬2) قوله: (ذلك) ساقط من (ف). (¬3) في (ف): (يقطع). (¬4) قوله: (كنت) زيادة من (ق 6). (¬5) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه: 5/ 512، من رواية النزال بن سبرة بلفظ: قال: بينما نحن بمنى مع عمر إذا امرأة ضخمة على حمارة تبكي قد كاد الناس أن يقتلوها من الزحام، يقولون: زنيت، فلما انتهت إلى عمر قال: ما يبكيك؟ إن امرأة ربما استكرهت، فقالت: كنت امرأة ثقيلة الرأس، وكان الله يرزقني من صلاة الليل، فصليت ليلة ثم نمت، فوالله ما أيقظني إلا الرجل قد ركبني، فرأيته مقفيًا ما أدري من هو من خلق الله، فقال عمر: لو قتلت هذه خشيت على الأخشبين النار، ثم كتب إلى الأمصار: ألا تُقْتَلَ نَفْسٌ دُونَهُ.

تحد للزنى إلا أن يكون دعواها لذلك (¬1) بعد أن ظهر (¬2) الحمل، فلا تصدق، وتحد حد الزنى وحد القذف (¬3). وقال ربيعة: إذا جاءت تدعي ذلك على رجل بغير شبهة من خلوة ولا استغاثة عندما غُلِبَتْ، فإنها تحد للقذف، وإن استمرت حاملَّا حَدت للزنى (¬4). فجعل لها في القول الأول شبهة بالدعوى، وقد جاءت في هذا الأصل (¬5) مسائل متقاربة المعنى، حمل في بعضها على الوطء (¬6)، وفي بعضها على عدمه، فقالوا: إذا شهد أربعة على رجل أنهم رأوه على امرأة بين فخذيها، أنه لا يحمل على الوطء ولو وجد الماء لإمكان أن يكون أصابها بين فخذيها. وإن ظهر بها حمل، حمل على أنه (¬7) الوطء في الفرج، ويقام عليها الحد مع إمكان أن يكون ذلك خارج الفرج ثم وصل الماء، إلا أن يقال: إنما حدت لأنها سلمت أنه كان في الفرج، وادعت الاستكراه، وأنها لو (¬8) ادعت أن الإصابة كانت خارج الفرج فوصل الماء فحملت؛ لصدقت، كما يصدق من شهد عليه أنه كان بين فخذيها. وفي حديث عويمر أنه لاعن وادعى عليها الزنى، ولم يقل: رأيت فرجًا في ¬

_ (¬1) في (ق 6): (بذلك). (¬2) قوله: (أن ظهر) يقابله في (ف): (ظهور). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 260. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 262، 263. (¬5) قوله: (الأصل) ساقط من (ف). (¬6) في (ق 6): (الرضا). (¬7) قوله: (أنه) ساقط من (ف). (¬8) قوله: (وإنها لو) يقابله في (ف): (فإنها إن).

فرج فلاعن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1) بينهما على ذلك، ولا أمره أن يثبت ذلك في لعانه (¬2)، وقد أخذ مالك بهذا مرة في الزوج خاصة دون الشهادة، فقال: إذا قذف امرأته أو نفى حملًا لاعن ولم يسأل عن شيء (¬3)، اتباعًا للحديث. وكذلك (¬4) الرجل يغتصب المرأة ويحتملها، ويبيت معها ثم يصبح ويقول: لم أصبها، أنه يصدق ولا يحد. أو يتزوج المرأة فيبيت معها، ثم تشهد عليه البينة من الغد بالزنى، فإنه يرجم، ويحمل على أنه أصابها البارحة. والأمر فيهما سواء؛ لأن كل (¬5) ذلك من باب القضاء بالدليل وليس (¬6) بالبينة، فإذا حمل عليه في ليلة البناء أنه أصاب (¬7)، حمل مثل ذلك على من اغتصب امرأة وهو في الاغتصاب أولى؛ لأنه حملته الشهوة على أن أتى إلى مثل هذه الشهوة، ويثبت (¬8) الآن وقد أصاب. وإن ظهر بامرأة حمل (¬9) تجن وتفيق، فقالت: أصابني ذلك في حال أجن فيه، صدقت، ولم تحد. وإن ظهر حمل بامرأة، فإن كانت ملكًا لامرأة أو لصبي أو ما أشبه ذلك- ¬

_ (¬1) قوله: (فلاعن النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما) يقابله في (ف): (ولا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ينهى). (¬2) أخرجه مسلم: 2/ 1129، في كتاب اللعان، برقم (1492). (¬3) انظر: المدونة: 2/ 360، بلفظ "وقال ابن القاسم أيضا غير هذا إذا قذف أو نفى حملا لم يكن به مقرا لاعن ولم يسأل عن شيء، وقاله ابن نافع معه". (¬4) في (ف): (وكذا). (¬5) قوله: (كل) ساقط من (ق 6). (¬6) زاد بعده في (ف): (ذلك) (¬7) في (ف): (أصابها). (¬8) في (ق 7): (ويبيت) وهي مطموسة في (ق 6). (¬9) قوله: (حمل) ساقط من (ف، ق 7).

حدت، وإن كانت لرجل وأنكره ولم تدع أنه منه، حُدَّتْ، وإن ادَّعَتْ أنه منه، حلف أنه ما أصابها إن أنكر الإصابة أو لقد استبرأ، وإن اعترف بالإصابة وادعى الاستبراء، ثم (¬1) لا حد عليه (¬2)؛ لأن دعواها على السيد شبهة، ويمينه مظنونة ليس مما يقطع بصدقها، وله أن يعاقبها؛ لأنه أمين على عقوبتها، وذلك من صلاح (¬3) المال، وله أن يحدها على القول أن له أن يقيم عليها الحد (¬4) بعلمه، وليس ذلك للإمام إذا اختلفت مع السيد؛ لأن السيد يقول: أقطع أني (¬5) لم أصبها، والإمام لا يقطع بكذبها. ومن المبسوط في امرأة معها ولد، وقالت: لم ألده، وشهد عليها شاهدان أنها أقرت أنه ولدها، قال: لا تؤخذ بشهادتهما، وهي مثل ما لو شهد أنها أقرت بالزنى وحدت، لا تؤخذ في ذلك بأقل (¬6) من أربعة. ¬

_ (¬1) قوله: (وادعى الاستبراء ثم لا حد) يقابله في (ق 7): (ولا يلحق به ولا حد). (¬2) في (ف، ق 7): (عليها). (¬3) في (ق 6): (إصلاح). (¬4) قوله: (الحد) ساقط من (ق 6). (¬5) قوله: (يقول أقطع أني) يقابله في (ق 6): (يقطع أنها). (¬6) في (ف): (في أقل).

باب في القاذف يقذف وهو يحد

باب في القاذف يقذف وهو يحد وقال ابن القاسم فيمن قذف رجلًا، فلما ضرب أسواطًا قذف الذي يجلد له أو قذف غيره: إنه يبتدأ ضربه ثمانين، ولا يعتد بما مضى من الضرب (¬1). وقال مالك في كتاب محمد: إن لم يمض من الضرب إلا أيسره (¬2) أجزأه تمام هذا الحد للقذفين، ولا يستأنف الضرب (¬3)، وإن كان إنما بقي أيسر الحد السوطان والثلاثة، أتم هذا، واستؤنف للقذف الثاني حد آخر (¬4). وكذلك إذا مضى منه (¬5) مثل (¬6) ذلك، أعني: السوطين والثلاثة- أنه يكون في حَيِّز اللغو يبني عليه. وقال أشهب: العشرة أسواط قليل، وإذا ضرب الحد لقذفه رجلًا، ثم قذفه ثانية بغير الذي جلد له (¬7) حد له (¬8) ثانية (¬9). واختلف إذا قذفه بما حد فيه فقال محمد: إذا قال له بعد الضرب صدقت عليك أو ما كذبت عليك (¬10) يجلد ثمانين؛ لأنه قذف مؤتنف (¬11)، وقيل: لا ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 512. (¬2) في (ق 6): (اليسير). (¬3) قوله: (الضرب) زيادة من (ق 6) (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 382. (¬5) في (ف) و (ق 6) و (ق 11): (عنه). (¬6) قوله: (مثل) ساقط من (ق 6). (¬7) قوله: (رجلًا ثم قذفه ثانية بغير الذي جلد له) يقابله في (ق 7): (ثانية بغير الشتم الذي حد له). (¬8) قوله: (له) زيادة من (ف). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 382. (¬10) قوله: (عليك) زيادة من (ف). (¬11) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 343.

شيء عليه إلا العقوبة في تماديه على ذلك. وقد كان أبو بكرة بعد الجلد متماديًا على قوله (¬1)، فقال له (¬2) عمر: ارجع عن قولك وأقبل شهادتك، فلم يفعل (¬3). وهو أحسن (¬4)، وليس بقذف مؤتنف. وأما قوله: إذا قذف آخر وهو يضرب (¬5)، فإنه يستأنف ضربه فهو على أصله فيمن قذف جماعة أنه يحد حدًّا واحدًا، وأما على القول إنه يحد بعدد من قذف، فإنه يتم الحد لمن ضرب له، ثم يستأنف الحد للآخر (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (على قوله) ساقط من (ق 7). (¬2) قوله: (له) ساقط من (ق 6). (¬3) أخرجه البيهقي في سننه الكبرى: 10/ 152، في باب شهادة القاذف، من كتاب الشهادات، برقم (20334)، من رواية سعيد بن المسيب، بلفظ "أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لما جلد الثلاثة استتابهم فرجع اثنان فقبل شهادتهما وأبى أبو بكرة أن يرجع فرد شهادته". (¬4) قوله: (وهو أحسن) ساقط من (ق 6). (¬5) في (ق 7): (يحد). (¬6) قوله: (الحد للآخر). يقابله في (ف) و (ق 7) و (ق 11): (الضرب للآخر).

باب في اجتماع الحدود

باب في اجتماع الحدود وإذا شرب الخمر مرارًا حد لجميع ذلك حدًّا واحدًا، وكذلك إذا زنى، ثم زنى، فإنه يحدُّ حدًّا واحدًا كان ذلك بامرأة واحدة أو بجماعة نساء (¬1)، وكذلك إذا افترى ثم افترى، وكُلُّ (¬2) ذلك لرجلٍ واحدٍ، فحَدٌّ واحد يجزئه عن ذلك. واختلف إذا قذف جماعة هل يحد حدًّا واحدًا، أو لكل واحد منهم حد؟ ومثله إذا قذف وشرب خمرًا، فإنه يختلف فيه هل يحد حدًّا واحدًا، أو لكل صنف حَدٌّ؟ وقد تقدم ذكر (¬3) ذلك في كتاب القذف. واختلف إذا قذف وزنى، أو شرب وزنى، فقال مالك وابن القاسم: يحد حدين مائة للزنى، وثمانين للقذف (¬4). وقال عبد الملك بن الماجشون: يحد مائة للزنى (¬5)، والفرية والشرب يدخلان (¬6) في حد الزنى. والأول أحسن؛ لأنهما حَقَّانِ وجِنسانِ، فيجب أن يقاما جميعًا، وإن سرق وقطع يمين رجل- قطع للسرقة، تقدمت السرقة أو تأخرت؛ لأنه قد اجتمع في اليد القطع من وجهين، والقطع عن السرقة يسقط حق الآخر، وهو بمنزلة ¬

_ (¬1) في (ف): (شتى). (¬2) في (ق 7): (وكان). (¬3) قوله: (ذكر). زيادة من (ق 7). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 513. (¬5) قوله: (للزنى) زيادة من (ق 6). وانظر: النوادر والزيادات: 14/ 312. (¬6) في (ف) و (ق 6): (يدخل).

من قطع (¬1) ثم قتل، فإن القتل يجزئ عن جميع ذلك، ولا يكون لأحد الأولياء مقال (¬2) ولا دية، ولأنه لو (¬3) قطع يمين رجل ثم ذهبت يمين (¬4) القاطع بأمر من الله عز وجل -لم يكن للمقطوعة يده (¬5) شيء، وإن قطع يمين رجل من دون الرسغ، ثم سرق قطع للسرقة من الرسغ، وسقط مقال الآخر، وإن قطع حين رجل من (¬6) المرفق وسرق- قطع من الرفق، ودخل فيه القطع للسرقة؛ لأن المراد في القطع (¬7) للسرقة أن يكون بين الناس ممثلًا به، نكالًا، ذاهب العضو، وليس المراد أن يألم بالقطع، وإن سرق وحارب ورأى الإمام قطعه في الحرابة- دخل قطع السرقة في قطع الحرابة، وإن رأى نفيه- أقام عليه الحدين جميعًا، فقطعه للسرقة، وضربه ونفاه للحرابة، وإن رأى قتله- لم يقطع للسرقة، وإن سرق وقتل لعداوة أو لحرابة -قتل، ولم يقطع للسرقة (¬8). قال محمد: وإن اجتمع زنىً وحرابة، فإن كان ثيبًا رجم وكان ذلك للحدين جميعًا، وإن كان بكرًا قتل بالسيف (¬9). ¬

_ (¬1) في (ق 6) و (ف): (قتل). (¬2) قوله: (لأحد الأولياء مقال) يقابله في (ق 6): (للأولياء أخذ مال)، وفي (ق 7) (لأحد الأولياء مال). (¬3) قوله: (لأنه لو) ساقط من (ق 7). (¬4) في (ف): (يد). (¬5) في (ق 7): (للمقطوع يمينه)، وفي (ف): (للمقطوع يده). (¬6) قوله: (دون الرسغ. . . وإن قطع يمين رجل من) ساقط من (ق 7). (¬7) في (ف): (بالقطع). (¬8) قوله: (للسرقة) زيادة من (ق 6). (¬9) زاد بعده في (ق 7): (للحرابة).

يريد: إذا رأى الإمام قتله للحرابة، وإن رأى قطعه أو نفيه- أقام عليه الحدين (¬1) جميعًا، فيجلد مائة للزنى، ويقطع أو ينفى (¬2) للحرابة. قال الشيخ - رضي الله عنه - (¬3): ولو قتل رجلًا وزنى وهو محصن، رُجِمَ، ويسقط مقال أولياء المقتول، وإن كان غير محصن- قتل للقصاص، ولم يجلد (¬4) للزنى. ولو قتل رجلًا لعداوة وآخر في حرابة أو غيلة، قُتِلَ للحرابة وللغيلة، ولم يكن لأولياء المقتول مقالٌ في عفو ولا دية. وإن زنى وهو محصن أو قَتَلَ في حرابة وافترى على رجل، حُدَّ للفرية، ليدفع عنه معرة القذف، ثم قُتِلَ. وإن قطع يمين رجل، قُتِلَ للحرابة، ولم يقطع (¬5)، هذا قول ابن القاسم (¬6). وأرى أن يقطع ثم يقتل، ليشتفي بالقطع من قُطِعَتْ يمينه (¬7). وإن زنى وهو بكر، ثم زنى وهو محصن- رجم ولم يجلد، وهو قول ابن القاسم. والقياس أن يجلد ثم يرجم؛ لأن الغرض الأول أن (¬8) يؤلم بالضرب، وهو جنس غير الآخر، فيقام عليه ثم يرجم، وقال الشافعي وأبو حنيفة: إذا قطع يد رجل وقتل آخر أنه يقطع لصاحب اليد ثم يقتل بالنفس (¬9). ¬

_ (¬1) في (ف): (الحد). (¬2) في (ف): (وينفى). (¬3) قوله: (قال الشيخ - رضي الله عنه -) يقابله في (ق 6، ق 7): (قلت). (¬4) في (ق 7): (يحد). (¬5) قوله: (ولم يقطع) ساقط من (ف). (¬6) انظر: المدونة: 4/ 484. (¬7) قوله: (قطعت يمينه) يقابله في (ق 7): (قطع يده). (¬8) في (ق 6): (إن لم). (¬9) قوله: (بالنفس) ساقط من (ف).

باب في القاذف والسارق والزاني البكر يخاف عليه الموت إذا أقيم عليه الحد

باب في القاذف والسارق والزاني البكر يخاف عليه الموت إذا أقيم عليه الحد إذا وجب حد ما دون القتل كقطع لسرقة أو قصاص أو ضرب بِكْرٍ في الزنى أو جلد لشرب خمر أو قذف في شدة حر أو برد وخيف عليه الموت متى أقيم عليه ذلك (¬1) - أُخِّرَ لوقت آخر (¬2) يؤمن عليه فيه. وإن كان من وجب عليه ذلك ضعيف الجسم يخاف عليه الموت في أي زمان يقام عليه افترق الجواب: فأما القطع عن السرقة فيسقط، ويعاقب ويسجن وإن كان القطع عن قصاص رجع فيه إلى الدية. واختلف هل يكون في مال الجاني أو على العاقلة؟ وإن كان ضرب لقذف كان من حق المقذوف أن يفرق الضرب عليه وقتًا بعد وقت حتى يستكمل حقه في ذلك. وكذلك حد الزنى والشرب يفرق حتى يكمل ما وجب عليه فيه (¬3) وإن اجتمع على رجل حدان: جميعًا لله، أو لآدمي، أو أحدهما لله والآخر لآدمي، فإن كان فيه محمل لهما أقيما عليه، وإن كان فيه محمل لأحدهما، وهما جميعًا لله عز وجل -بدئ بآكدهما (¬4) كالجلد عن الزنى وشرب الخمر، فيجلد عن الزنى إلا أن يخاف عليه في المائة ولا يخاف عليه في الثمانين، وإن كان الخوف لشدة حر أو ¬

_ (¬1) في (ق 7): (الحد). (¬2) قوله: (آخر) زيادة من (ف). (¬3) في (ق 7): (منه). (¬4) في (ف): (بالآكد).

برد- أقيم عليه الثمانون وأُخِّرَ بالمائة، وإن كان الخوف لضعف بنية- ابتدئ بالجلد عن الزنى، وأقيم عليه منه ما يؤمن عليه معه (¬1)، ثم يستكمل وقتًا بعد وقت، فإذا أكملت المائة- ضرب للشرب. وإن كان الحقَّانِ لآدمي؛ لأنه قطع يد هذا وقذف هذا- اقترعا أيهما يبدأ بإقامة حقه من غير مراعاة للآكد، وإن كان فيه محمل لأحدهما دون الآخر أقيم عليه الأدنى من غير قرعة، وإن كان أحدهما لله سبحانه، والآخر للآدمي- بدئ بما هو لله، إلا أن لا (¬2) يكون فيه محمل، إلا (¬3) لما هو لآدمي، فيقام عليه، ويؤخر ما كان لله عز وجل لوقت لا يخاف عليه، وإن كان الخوف في أي وقت أقيم عليه، وكان الحق الذي هو لله سبحانه جَلْدٌ ابتدئ به متفرقًا يقام عليه (¬4) ما كان للآدمي. ¬

_ (¬1) في (ق 6): (منه). (¬2) في (ف) و (ق 7) و (ق 11): (إلا أن لا). (¬3) قوله: (إلا) ساقط من (ق 7). (¬4) قوله: (عليه) ساقط من (ق 7).

باب في الحامل يجب عليها الحد جلد أو رجم

باب في الحامل يجب عليها الحد جلد أو رجم ولا يقام على حامل حد ما كانت حاملًا (¬1) جلد (¬2) ولا رجم؛ لأن الرجم قتل لولدها، والجلد يخشى منه عليها وعلى ولدها أن تطرحه، فتؤخر حتى تضع، فإذا وضعت وكانت بكرًا أُخِّرَتْ حتى تتعالى من نفاسها؛ لأنها مريضة، وإن كانت ثيبًا رُجِمَتْ إلا ألا يوجد لولدها من يرضعه، فتؤخر حتى تفطمه. وفي كتاب مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك كفلها رجلًا، وأَخَّرَهَا حتى وضعت وفطمت ولدها (¬3). وأما الكفيل فيحتمل أن يكون ذلك لمكان الحمل؛ لأنه كالبينة (¬4) فلا يقبل رجوعها، وإذا شهد على امرأة بالزنى وقد مضى لها من حين زنت أربعون يومًا، أخرت ولم تضرب ولم ترجم حتى تتم (¬5) لها ثلاثة أشهر من حين زنت، فينظر أحامل هي أم لا؟ ولا يستعجل الآن لإمكان أن تكون قد حملت، وإن لم يمض لها أربعون يومًا جاز إقامة الحد عليها الجلد أو الرجم، إلا أن تكون ذات زوج، فإنه يسأل الزوج، فإن (¬6) قال: كنت استبرأتها (¬7) - أقيم عليها (¬8) الحد، ¬

_ (¬1) قوله: (ما كانت حاملًا) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (جلد) ساقط من (ق 6). (¬3) أخرجه مسلم: 3/ 1321، في باب من اعترف على نفسه بالزنى، من كتاب الحدود، برقم (1695). (¬4) في (ق 7): (كالميتة). (¬5) قوله: (تتم) ساقط من (ف). (¬6) زاد بعده في (ق 7): (كان). (¬7) في (ف): (استبرأت). (¬8) في (ق 7): (عليه).

ورجمت إن كانت ثيبًا، وإن قال: لم أستبرئها (¬1) - كان بالخيار بين أن يقوم بحقه في الماء الذي له فيها، فتؤخر حتى ينظر هل تحمل منه أم لا؟ أو يسقط حقه فتحد. وأجاز ابن القاسم في المدونة إذا مر لها منذ زنت شهران أن (¬2) ترجم إذا نظر إليها النساء فقلن (¬3) لا حمل بها (¬4). وليس بالبين؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أنه يكون أربعين يومًا (¬5) نطفة، وأربعين علقة، وأربعين مضغة، ثم ينفخ فيه الروح (¬6) في الشهر الخامس (¬7). وإذا كان ذلك فإنه يمكن أن يكون في الشهرين علقة فلا يجوز حينئذ أن يعمل عملًا يؤدي إلى إسقاطه ولا إلى إفساده كما لا يجوز للمرأة أن تشرب حينئذ (¬8) ما يطرح ذلك. ¬

_ (¬1) في (ق 6) و (ق 7): (أستبرئ). (¬2) قوله: (أن) ساقط من (ف). (¬3) زاد بعده في (ف): (إنه). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 514. (¬5) قوله: (يومًا) ساقط من (ق 6) (ق 7). (¬6) قوله: (الروح) ساقط من (ف). (¬7) متفق عليه، أخرجه البخاري: 3/ 1174، في باب ذكر الملائكة، من كتاب بدء الخلق، برقم (3036). ومسلم: 4/ 2036، في باب كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته، من كتاب القدر، برقم (2643). (¬8) قوله: (حينئذ) ساقط من (ف).

باب في المرأة يشهد عليها بالزنى فتقول: أنا عذراء، وفي المرأة تموت من جماعه أو افتضها أو جامعها في غير موضع

باب في المرأة يشهد عليها بالزنى فتقول: أنا عذراء، وفي المرأة تموت من جماعه أو افتضها أو جامعها في غير موضع (¬1) وقال ابن القاسم في المرأة يشهد عليها أربعة بالزنى، فتقول: أنا عذراء: إنه يقام (¬2) عليها الحد، ولو نظر إليها النساء فقلن: هي عذراء أو رتقاء، فإنها يقام عليها الحد (¬3). قال الشيخ - رضي الله عنه -: ولا أرى أن يقام عليها الحد لوجهين: أحدهما: أن شهادة النساء بذلك تثبت شبهة (¬4) لا شك في ذلك، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ادرَأُوا الحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ" (¬5). والثاني: أنه يصح أن توقف شهادة الرجال بشهادة النساء (¬6)؛ لأنه من باب اختلاف الشهادات وليس من باب التجريح، وقد قال ابن القاسم إذا شهد رجلان بحق وشهد رجل وامرأتان بخلافه وهم أعدل أنه يقضى بها (¬7)، ¬

_ (¬1) قوله: (وفي المرأة تموت من جماعه أو افتضها أو جامعها في غير موضع) يقابله في (ف): (أو تموت من جماعه أو يقضيها أو يأتيها في غير موضع)، وفي (ق 7): (أو يجامعها زوجها فتموت من جماعه يفيضها أو يأتيها في غير موضع). (¬2) قوله: (إنه يقام) يقابله في (ف): (فيقام). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 514. (¬4) قوله: (تثبت شبهة) في ف: (ثبتت بشبهة)، وفي (ق 7): (ثبت شبهة). (¬5) سبق تخريجه، ص: 5414. (¬6) قوله: (الرجال بشهادة النساء) يقابله في (ق 6): (الرجل شهادة). (¬7) في (ق 6): (بهم).

فصل [في المرأة تموت من جماع الرجل]

وتسقط شهادة الرجلين. وأيضًا فإنه لا وجه لإقامة الحد عليها مع القدرة على معرفة ما يقوله هل هو صحيح أم لا؟ فينبغي أن ينظر إليها من النساء جماعة يقع بقولهن العلم. ولو قالت: أنا أنكشف لأربعة رجال، فينظرون إليَّ ولا أجلد ولا أرجم؛ لأني قائمة البكارة، ولم يصل إلي زوجي، لكان ذلك لها؛ لأن هذه ضرورة، وإذا جاز نظر الرجال أولًا لإقامة الحد، كان جوازه الآن أولى لدرء الحد، ودفع القتل عنها. فصل [في المرأة تموت من جماع الرجل] وقال مالك في الرجل يأتي امرأته (¬1) فتموت من جماعه أنه إن علم ذلك كانت ديتها على العاقلة (¬2). وقال في المجموعة فيمن دخل على بكر صغيرة (¬3) فعنف في وطئها، فلم تقم إلا يسيرًا، فماتت: إنه إن عُلِمَ أنها ماتت من (¬4) ذلك فعليه الدية، وليجبر أهلها على أخذ الدية، ويُكَفِّرُ (¬5). وقال عبد الملك: إن كان فيها محمل للوطء فلا شيء عليه كالحجام والبيطار (¬6). قال الشيخ - رضي الله عنه -: إذا كانت كبيرة وجاء الأمر مِنْ قِبَلِهَا لضعف تركيبها أو ¬

_ (¬1) زاد في (ق 6): (فيفتضها). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 517. (¬3) في (ف): (دخل ببكر إلى الصغير)، وفي (ق 6): (دخل ببكر إلى الصغر). (¬4) في (ف): (في). (¬5) قوله: (وليجبر أهلها على أخذ الدية ويكفر) يقابله في (ق 7): (وليجبر أهله ويكفر). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 510.

لقلة خلقها (¬1) فلا شيء على الزوج، وإن جاء الأمر مِنْ قِبَلِهِ لا من قبلها، ولم تعلم هي حاله قبل (¬2) أن يصيبها، فذلك عليه، وإن كان يرى (¬3) أن ذلك مما يخاف عليها- كان كعمد لا قصاص فيه، فيختلف هل تكون الدية في ماله أو على العاقلة؟ وإلا كان خطأ تحمله العاقلة إذا علم أنها ماتت منه، ولا قسامة في ذلك إذا ماتت بفور ذلك، وإن كانا جميعًا يعلمان أنه يتوقع منه خوف أو يجهلان ذلك جميعًا- كانا شريكين في القتل، فينبغي أن يسقط عنه نصف الدية، وإن كانت صغيرة السن كانت عليه الدية؛ لأن رضاها كَلَا رضا. وقال ابن القاسم في الذي يأتي امرأته فيفضيها: عليه ما شانها، فإن بلغ ثلث الدية كان على العاقلة، وإن كان دون ذلك (¬4) كان في ماله، وقد جعل بعض الفقهاء في ذلك ثلث الدية على العاقلة (¬5) وجعلوا ذلك بمنزلة الجائفة (¬6). وقال سحنون: لا شيء عليه (¬7)، وقال ابن القاسم أيضًا: إذا بلغ بها الحدث حتى يفيض بمذهبها (¬8) وبولها حتى لا ينتفع بها فأرى عليه الدية ¬

_ (¬1) في (ق 6): (في خلقها). (¬2) في (ف): (من قبل). (¬3) في (ق 6): (مما يرى). (¬4) قوله: (عليه ما شانها. . . وإن كان دون ذلك) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (على العاقلة). زيادة من (ق 6). (¬6) انظر: المدونة: 4/ 517. (¬7) ما وقفت عليه من قول سحنون هو قوله: وأنا أرى في ذلك الاجتهاد. انظر: المدونة: 4/ 517. (¬8) قال الكسائي: يقالُ لَموضع الغائطِ: الخَلاءُ، والمَذْهَبُ، والمَرْفَقُ، والمِرْحاضُ. انظر: لسان العرب: 1/ 393.

كاملة (¬1). وقال مالك (¬2) في المدونة: إن زنى بامرأة فأفضاها (¬3) فلا شيء عليه، وإن اغتصبها فعليه صداقها وما شانها (¬4). قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما الغصب فالجواب فيه صحيح؛ لأنه متعد في الوجهين جميعًا في الإصابة بانفرادها فبمغيب (¬5) الحشفة يلزمه صداقها، وما كان بعد ذلك من الفساد فعليه قيمته، وأما ما كان (¬6) طوعا (¬7) به فبخلاف ذلك، ولا ينبغي (¬8) أن يرد الجواب فيها (¬9) إلى ما تقدم في الزوجة إذا ماتت من جماعه، فالموضع الذي تسقط عنه (¬10) الدية فيه (¬11) إذا ماتت يسقط عنه في هذا الوجه الآخر (¬12) ما شانها، والموضع الذي تكون عليه (¬13) الدية فيه يكون (¬14) في هذا ¬

_ (¬1) انظر: منتخب الأحكام، لابن أبي زمنين: 2/ 1003. (¬2) قوله: (مالك) ساقط من (ف). (¬3) في (ق 6، ق 7): (فأفاضها). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 517. (¬5) في (ق 6): (فمغيب). (¬6) قوله: (كان) ساقط من (ف). (¬7) في (ف): (تطوعًّا). (¬8) قوله: (به فبخلاف ذلك ولا ينبغي) يقابله في (ق 6، ق 7): (فينبغي). (¬9) في (ق 7): (فيه). (¬10) قوله: (تسقط عنه) يقابله في (ف): (سقطت عليه). (¬11) قوله: (فيه) ساقط من (ق 7). (¬12) قوله: (الآخر) ساقط من (ق 6). (¬13) قوله: (عليه) ساقط من (ق 6). (¬14) في (ق 6): (يكون عليه).

فصل [في الجماع في غير موضع الولد]

ما شانها (¬1)، والموضع الذي تكون عليه (¬2) الدية فيه بينهما- يكون ما شانها عليهما يسقط عنه نصفه (¬3). وقال أشهب في مدونته: إذا زنى بها فأفضاها عليه حكومة. وهو أحسن، ولا فرق في ذلك بين التزويح وغيره؛ لأن كل ذلك بطوعها (¬4). فصل [في الجماع في غير موضع الولد] ومن زنى بامرأة في غير ما خلق لذلك، كان عليهما الحد الجلد إن كان بكرًا (¬5)، والرجم إن كان محصنًا، والرجل والمرأة في ذلك سواء، ويغتسلان من جميع ذلك، وإن عمل ذلك رجل مع رجل- رُجِمَا جميعا، أحصنا أو لم يحصنا، إلا أن يكون المفعول به مكرهًا أو غير بالغ، فيرجم الفاعل، ولا شيء على المكره، ويعاقب الصغير، ويغتسلان، أنزلا أو لم ينزلا (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (والموضع الذي تكون عليه. . . ما شانها) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (تكون عليه) ساقط من (ف، ق 6). (¬3) في (ق 7): (نصفها). (¬4) في (ق 6): (بطوع). (¬5) قوله: (كان بكرًا. . . كان محصنًا) يقابله في (ق 7): (كانا بكرين. . . كانا محصنين). (¬6) قوله: (ويغتسلان أنزلا أو لم ينزلا) يقابله في (ق 6): (ولا فرق في ذلك بين التزويج وغيره؛ لأن كل ذلك بطوعهما).

باب في شهود الزنى هل يتعمدون النظر؟ ومن قذف رجلا ثم ادعى أن المقذوف عبد أو أمه أمة

باب في شهود الزنى هل يتعمدون النظر؟ ومن قذف رجلًا ثم ادعى أن المقذوف عبدٌ أو أمه أمة ومن المدونة قال ابن القاسم: وإذا شهد أربعة بالزنى، وقالوا: إنا (¬1) تعمدنا النظر، قال: (¬2) وكيف يشهد الشهود إلا هكذا (¬3). يريد: أن ليس محمل ما أجيز من الشهادة على أن ذلك كان عن غير عمد وإن تعمد (¬4) النظر لا تبطل الشهادة لما كان المراد إقامة حق (¬5). وهذا أحسن فيمن كان معروفًا بالفساد، وأما من لم يكن معروفًا بذلك ففيه نظرة فيصح أن يقال: لا يكشفون (¬6) عن ذلك ولا يطلبون تحقيق الشهادة لما ندبوا إليه من الستر، ولأنهم لو تبين ذلك لهم لاستحب لهم أن يبلغوا الشهادة، ويصح أن يقال: يكشفون عن تحقيق ذلك، فإن قذفه أحد بعد اليوم بلغوا الشهادة فلم يحد القاذف، والستر أولى؛ لأن مراعاة قذفه من النادر (¬7). ومن المدونة قال مالك فيمن قال لرجل: يا زاني، ثم قال: لا يحد ¬

_ (¬1) قوله: (أنا) ساقط من (ق 7، ق 6). (¬2) قوله: (قال) ساقط من (ق 7). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 518، 519. (¬4) في (ف): (تعمدوا). (¬5) في (ق 6): (حد). (¬6) في (ق 6): (يكشف). (¬7) قوله: (والستر أولى لأن مرعاة قذفه من النادر) ساقط من (ق 7).

نسأله (¬1) البينة على أنه حر أو (¬2) على أن أمه حرة أن القاذف يحد، ولا ينظر إلى قوله، قال مالك: ومن يعرف الشامي والبصري والإفريقي ها هنا (¬3) بالمدينة، والظالم أحق أن يحمل عليه (¬4). يريد: إذا كان المقذوف (¬5) طارئًا. ويختلف في ذلك إذا لم يكن طارئًا، فقال في مختصر ما ليس في المختصر فيمن قال لرجل يا ابن الزانية (¬6)، وقد هلكت أمه: إنه إن كان بقرية فيها اليهود والنصارى مثل مصر والشام أقام المقذوف البينة أن أمه لم تكن يهودية ولا نصرانية، فإن كان بقرية ليس فيها مثل ذلك (¬7) مثل مكة والمدينة- حُدَّ القاذف ولم يكن على الآخر أن يقيم البينة (¬8). قال الشيخ: (¬9) ويلزم على هذا إذا كان بمكة والمدينة أن يقيم البينة أنها حرة؛ لأن الإماء يولدن في كل بلدة. والمعروف من قوله في هذا الأصل أن الناس على الحرية والإسلام الآباء والأمهات والبينة في ذلك على القاذف وهو قول ابن القاسم وبالأول أخذ أشهب. ¬

_ (¬1) قوله: (لا يحد ونسأله) يقابله في غير (ق 7): (تحد ويسأل البينة)، وفي (ف):. (¬2) قوله: (أو) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (ها هنا) ساقط من (ق 6). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 519. (¬5) في (ق 7): (المعرف). (¬6) في (ف): (اليهودية). (¬7) قوله: (مثل ذلك) يقابله في (ق 7): (من ذلك أحد). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 376. (¬9) قوله: (قال الشيخ:) ساقط من (ف).

واختلف في هذا الأصل، فقيل في البينة تشهد على رجل بالزنى أو بمال، فيقول المشهود عليه: يثبتون أنهم أحرار، فقال ابن القاسم: ليس ذلك عليهم، وأصل الناس عند مالك في الشهادات كلها أنهم (¬1) أحرار (¬2) إلا أن يقيم المشهود عليه البينة أنهم عبيد (¬3). وقال أشهب: لا يقام بها (¬4) حق إلا أن يثبتوا أنهم أحرار، وهذا هو أحد قولي مالك في قوله: يثبت أن الأم مسلمة ليست يهودية ولا نصرانية (¬5)، وينبغي على هذا أن يسألهم هل هم مسلمون؟ واعترافهم بالإسلام يجزئ، وكل هذا راجع إلى النادر والقليل، هل يراعى أم لا؟ فراعاه مالك مرة ومرة رآه (¬6) في حكم العدم. وهو الصحيح من القول. واختلف فيمن قذف رجلًا فأقام القاذف شاهدين على المقذوف أن القاضي حده في الزنى فقال محمد: لا يخرج القاذف من الحد ويحد هو والشاهدان حد الفرية، إلا أن يقيم أربعة يشهدون أن الوالي حده في الزنى. قال وهو قول مالك وأصحابه (¬7). وقال مالك قال الله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] قال ابن القاسم: وكذلك الأمة تقذف بعد العتق، فيقيم القاذف البينة أن سيدها أقام عليها حد الزنى فيسقط الحد عن ¬

_ (¬1) قوله: (أنهم) ساقط من (ق 7). (¬2) قوله: (فقال ابن القاسم: ليس ذلك. . . كلها أنهم أحرار) ساقط من (ف). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 519. (¬4) قوله: (بها) ساقط من (ق 6). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 376. (¬6) في (ق 7): (جعله). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 374.

القاذف (¬1). قال عبد الملك بن الماجشون: وكذلك لو أقام القاذف أربعة أن سيده باعه إذ كان عبدًا، وتبرأ (¬2) من زناه وإن شهد في ذلك أقل من أربعة لم أر على الشهود حدًّا؛ لأنهم لم يشهدوا على رؤية (¬3). وفي كتاب ابن حبيب عن مالك مثل ذلك أنه (¬4) قال: لا يحدان؛ لأنهما لم يشهدا على رؤية (¬5). وقال أبو مصعب: إذا أتى القاذف بشاهدين أن السلطان ضرب المقذوف الحد في الزنى فلا حد على القاذف وقد خرج مما قال. والخلاف في موضعين: أحدهما: هل يسقط الحد عن القاذف بشاهدين أن القاضي حده في زنا؟ والثاني: إذا لم يسقط الحد عن القاذف (¬6) هل يحد الشاهدان؟ وفي القول الأول الحد على القاذف والشاهدين، وفي القول الثاني يحد القاذف وحده، وفي القول الآخر (¬7) لا حد على واحد منهما (¬8). وهو أبين ألا حد على الشاهدين؛ لأنهما لم يشهدا على زنى، وإنما شهدا على قضاء القاضي، ¬

_ (¬1) قوله: (فيسقط الحد عن القاذف) يقابله في (ق 7): (وسقط حد القاذف). وانظر: النوادر والزيادات: 14/ 374. (¬2) في (ف): (ويبرأ). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 374. (¬4) قوله: (إلا) زيادة من (ف). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 245. (¬6) قوله: (عن القاذف) ساقط من (ف). (¬7) قوله: (وفي القول الآخر) يقابله في (ق 7): (والقول الآخر أن). (¬8) في (ق 6): (منهم).

وهما يقولان: نحن لا ندري هل حكم بحق أم لا، ولا هل (¬1) شهدت البينة بحق أو بباطل؟ وأن لا حد على القاذف أبين (¬2)؛ لأنه موضع مختلف فيه هل يبرأ بتلك البينة؟ فيدرأ الحد للاختلاف، ومن هذا الأصل أن يشهد شاهدان على حكم قاض إلى قاض أنه قضى على فلان بشهادة أربع شهدوا عليه بالزنى. واختلف فيه هل يحد المشهود عليه أم لا؟ ويختلف بعد القول أنه لا يحد المشهود عليه أم لا هل يحد الشاهدان؟ ¬

_ (¬1) قوله: (ولا هل) يقابله في (ق 7): (وهل). (¬2) قوله: (أبين) ساقط من (ق 7) و (ف).

باب في إقامة السيد على عبده الحد وعقوبته إياه وشهادته عليه

باب في إقامة السيد على عبده الحد وعقوبته إياه وشهادته عليه للسيد أن يقيم على عبده حد الزنى والقذف وشرب الخمر وما أشبه ذلك مما هو جلد، وليس يقطع جارحة منه ولا يقطعه (¬1) في سرقة ولا حرابة، ولا يقتص منه إن قطع يد عبد له آخر أو يد عبد لغيره أو يد حر على قول (¬2) من أجاز القصاص في ذلك، ولا يقتله في حرابة (¬3) ولا في قصاص، والأصل في إقامة الحد عليه قول النبي في: "إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَتبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا الحَدَّ وَلاَ يُثَرِّبْ عَلَيْهَا. . . الحديث" أخرجه البخاري ومسلم (¬4)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَقِيمُوا الحُدُودَ عَلَى أَرِقَّائِكُمْ" (¬5) فله أن يقيم الحد على عبده أو أمته إذا زنت ولم يكن لها زوج أو كان زوجها عبده. وقال في مختصر ابن عبد الحكم: ولا يقيم ذلك عليها إذا كان زوجها حرًّا أو عبدًا لغيره لما تعلق بها حق لغيره وهو مما يدرك الزوج منه معرة (¬6)، وأيضًا فإنه يفسد جسمها، وإن كان ذلك مما يذهب بعد إلا أن يعترف الزوج بصحة ¬

_ (¬1) قوله: (جارحة منه ولا يقطعه) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (قول) ساقط من (ق 6). (¬3) قوله: (ولا يقتص منه إن قطع يد عبد له آخر. . . في حرابة) ساقط من (ق 7). (¬4) أخرجه البخاري: 2/ 777، في باب بيع المدبر، من كتاب البيوع، برقم (2119). ومسلم: 3/ 1328، في باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنى، من كتاب الحدود، برقم (1703). (¬5) أخرجه الترمذي: 4/ 47، في باب إقامة الحد على الإماء، من كتاب الحدود، برقم (1441)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 309.

الشهادة فيقيمه ولا يرفع ذلك إلى الحاكم (¬1). واختلف هل يقيم الحد على عبده بعلمه، فمنع ذلك في المدونة إلا أن يشهد عنده (¬2) أربعة سواه إذا كانت الشهادة على زنى (¬3) وإن كان هو تمام الأربعة فيرفعه إلى غيره (¬4). وحكي عنه في المبسوط أنه قال: مرة له أن يقضي بعلمه وإن لم يطلع على ذلك سواه. وكأنه رأى أن ذلك من باب التأديب لأمته وعبده، ولأن في ذلك صلاحهما، ولا خلاف أن له تأديبهما بعلمه في الجنايات وما يستحقان عليه العقوبة، فإذا كان ذلك وكان الغالب في مثل ما يفعله من هذه الأشياء عدم البينة، وأن السيد وأهله الذين يطلعون على ذلك- أدى إلى فسادهم وألا ينزجروا عن ذلك؛ لأن في إقامة الحدود زجرا عن العودة إلى مثل ذلك، وقد أباح مالك أن يبلغ في العقوبة من العدد ما يكون حدًّا، ولا يلزم على ذلك الزوجة الحرة وإن كان قد جعل له تأديبها؛ لأن لها حرمة وهي محصنة، فليس له أن يلزمها معرة ذلك إلا أن يثبت (¬5)، وإن كانت الزوجة أمة لغيره مُنِعَ من ذلك، لحق السيد، ليس لحرمتها. وقال عبد الملك بن الماجشون: إذا رأى أمته تزني فلا يجلدها؛ لأنه ليس للسلطان أن يجلد برؤيته وإن كان حمل أو ولد فللسيد أن يحد فيه ويحضر للحد أربعة فصاعدًا. ¬

_ (¬1) في (ف): (حاكم). (¬2) في (ف): (عليه). (¬3) قوله: (زنى) ساقط من (ف). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 519. (¬5) قوله: (أن يثبت) يقابله في (ف): (ببينة).

قال مالك: وقد تعتق فيفترى عليها فلا يوضع الحد عمن قال لها ذلك إلا بأربعة شهداء. وقال مالك فيمن وجد عبده سكرانًا فلا يجلده حتى يشهد على سكره ويحضر جلده رجلين فصاعدًا؛ لأن العبد عسى أن يعتق ثم يشهد فيجرحه (¬1) المشهود عليه فترد به (¬2) شهادته. ولا يختلف أنه لا يقطعه في سرقة أو قصاص فإن فعل ذلك وأقام البينة على ما يجب به قطعه لم يكن على السيد شيء، وإن لم تكن للسيد بينة أعتق عليه؛ لأنها مثلة، إلا أن يعترف العبد بالسرقة أو أنه قطع الذي اقتص منه مثله. وأرى إن أنكر العبد وشهد شاهد عدل بالوجه الذي قطعه السيد له- ألا يعتق عليه؛ لأنها شبهة تنفي عنه التعدي. ولو قيل: إنه لا يعتق عليه إذا قطعه قصاصًا مع عدم البينة وإنكار العبد لكان له وجه؛ لأن وجود قطع اليدين بالمقتص ودعواه عليه شبهة بينة للسيد. تم كتاب الرجم بحمد الله وحسن عونه ¬

_ (¬1) في (ق 6): (فيحد). (¬2) في (ق 6): (لا ترد به).

كتاب القذف

كتاب القذف النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ق 6) = نسخة القرويين رقم (368) 3 - (ق 7) = نسخة القرويين رقم (367)

باب في حماية عرض المؤمن، ومن قذف أو عرض بالقذف

باب (¬1) في حماية عِرضِ الُمؤمنِ، ومَنْ قَذفَ أو عَرَّضَ بالقذفِ (¬2) الأصل في حماية عرض المؤمن قول الله -عز وجل-: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [سورة النور آية: 23]، ولا خلاف أن ذلك ممنوع من الرجال كمنعه (¬3) من النساء، وأوجب الله تعالى على من قذف حرة مسلمة بالزنى، ولم يأت بالبراءة بأربعة شهداء- الجلد ثمانين جلدة (¬4)، فقال سبحانه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ} [سورة النور آية: 4]. وأجمع أهل العلم على أن حق الرجال والنساء في ذلك سواء، فقال: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [سورة الحجرات آية: 12]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كلُّ المسلمِ على المسلم حَرَام: دمُهُ وعِرْضُهُ، ومَالُهُ" أخرجه مسلم (¬5). وقال: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا. . ." (¬6) الحديث أخرجه البخاري ومسلم، ولا خلاف في ذلك. ¬

_ (¬1) قد اختلف ترتيب الفصول الداخلية والأبواب في هذا الكتاب وانفردت (ق 6) بترتيب الكتاب على هذا النحو، أما النسختان الأخرتان فقد قدم فيهما الفصل الخاص بالحدود في القذف، وقد آثرنا ترتيب (ق 6) لأن ترتيبها يتفق مع نسق الكتاب في أبوابه وفصوله السابقة من تقديم المصنف -رحمه الله- للتعريف وتقديم ذكر الأصلين في أول الكتاب. (¬2) قوله: (بالقذف) ساقط من (ق 6). (¬3) في (ق 7): (كما منع). (¬4) قوله: (الجلد ثمانين جلدة) يقابله في (ق 6): (جلد ثمانين). (¬5) سبق تخريجه في كتاب الغصب، ص: 5756. (¬6) متفق عليه، أخرجه البخاري: 5/ 2247 في باب ما ينهى من السباب واللعن من كتاب =

فصل [في شروط حد القاذف]

فصل [في شروط حد القاذف] ويقام الحد على القاذف بتسع خصال: وهو أن يكون بالغًا عاقلًا، والمقذوف: بالغًا، عاقلًا، حرًا، مسلمًا، عفيفًا عن الفاحشة التي قذف بها، رمي بزنا (¬1) أو لواط. واثنان لا حد عليهما إذا قَذَفَا: الصبي والمجنون في حال جنونه. وتِسْعٌ لا حد على قاذفهم: الصبيُّ والمجنونُ (¬2) والعبدُ والكافرُ والمرتدُ والزاني والحصورُ الذي ليس معه آلة النساء والمجبوبُ (¬3) والصَّبِيَّةُ إذا كانت في سِنِّ من لا تطيقُ الرجلَ. فأما الصبي فلا حد عليه إن قَذف، ولا له إن (¬4) قُذف، ويسقط عنه الحد، لقول النبي في: "رُفِعَ القَلمُ عَنْ ثَلاثٍ. . ." الحديث (¬5). وسقط عن قاذفه؛ لأن الحد يدفع المعرة التي تدرك المقذوف بما رمي به، ولا معرة على من كان غير بالغ في ذلك. والحُكْمُ في الصَّبِيَّةِ إذا قَذَفت- حُكْمَ الصبيِّ، ويفترق الجواب فيها إذا قُذِفَتْ، فإن كانت في سن من لا يجامع- لم يحد قاذفها؛ لأنه مما يُقطَعُ بكذبه، ¬

_ = الأدب 5/ 2247، برقم (5696) ومسلم: 2/ 886، في باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، من كتاب الحج، برقم (1218). (¬1) قوله: (التي قذف بها، رمي بزنى) يقابله في (ق 6): (التي بها رمي من زني). (¬2) قوله: (في حال جنونه. . . والمجنون) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (والمجبوبُ) ساقط من (ف). (¬4) في (ف): (وإن). (¬5) سبق تخريجه في كتاب الصيام، ص: 751.

فلم يلحق بقوله ذلك معرة. واختلف إذا كانت في سن من تجامع، فقال مالك وغيره من أصحابه: يحد لها (¬1). وقال محمد بن الجهم ومحمد بن عبد الحكم: لا حد عليه. قال الشيخ: (¬2) والقول الأول أحسن؛ لأن ذلك -لو ثبت أنها فعلته- مما يدركها منه (¬3) معرة، وليس يستخف وجود ذلك من الصَّبيَّةِ كوجوده من الصبيان وسقط الحد عمن قذف في حال جنونه، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "رفع القَلمُ عن ثَلاثٍ. . ." الحديث (¬4). ويفترق الجواب إذا قُذِف، فإن كان جنونه من حين بلوغه إلى حين قذفه، ولا يتخلل ذلك إفاقة- لم يحدَّ له؛ لأنه لا معرة عليه لو صَحَّ فِعْلُ ذلك منه (¬5). وإن بلغ صحيحًا، ثم جُنَّ أو كان جنونه مرة، ومرة يفيق (¬6) - حُدَّ قاذفه، وعلى هذا الوجه يحمل قوله في المدونة (¬7). وكذلك المجبوب إذا كان جبابه قبل بلوغه لم يحد؛ لأنه مما يعلم كذب قاذفه، فلم يتعلق به معرة، وإن كان جبابه بعد بلوغه حد. وسقط عن قاذف الحصور؛ لأنه مما لا معرة على المقذوف إذا كان مما يقطع بكذبه. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 2/ 356. (¬2) قوله: (قال الشيخ) ساقط من (ق 7). (¬3) في (ق 6): (فيه). (¬4) سبق تخريجه، ص: 751. (¬5) قوله: (منه) ساقط من (ق 6). (¬6) قوله: (يفيق) ساقط من (ق 6). (¬7) انظر المدونة: و 4/ 508.

ولا يسقط عن قاذف العِنِّينِ وإن كان ممن (¬1) لا ينتشر؛ لأن عجزه مما لا يقطع به، وقد يقع في النفوس صدق قاذفه ومثل هذا تلحق به المعرة. ويسقط عن قاذف العبد والنصراني والمرتد والزاني، لقوله سبحانه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ} الآية [سورة النور آية: 4]. وجميع هؤلاء غير محصن؛ لأن الإحصان عن (¬2) أربعة: الإسلام والحرية والعفاف والزوجية، فوجب حمل الآية على جميع أنواع الإحصان، إلا ما أجمع عليه أنه غير مرادٍ بالآية، وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ، وَهُوَ بَرِيءٌ مِمَّا قَالَ، جُلِدَ يَوْمَ القِيَامَةِ" (¬3). ولم يجعل عليه في الدنيا شيئًا، وقال عبادة بن الصامت: بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذه الآية: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} الآية [سورة الممتحنة آية: 12]، ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: "فَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ سَتَرَه اللهُ عَلَيْهِ، كانَ أَمْرُهُ إِلَى الله، إِنْ شَاءَ عَاقَبَه وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ" (¬4). فلو كان قاذف العبد يجلد في الدنيا لم يجلد في الآخرة. ¬

_ (¬1) قوله: (ممن) ساقط من (ق 7). (¬2) قوله: (عن) زيادة من (ق 7). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري: 6/ 2515، في كتاب باب قذف العبد، برقم (6466)، ومسلم: 3/ 1282، في باب التغليظ على من قذف مملوكه بالزنا من كتاب الإيمان برقم (1660). (¬4) أخرجه الشافعي في مسنده ص 363، من كتاب الجنائز والحدود برقم (1670)، وله شاهد في الصحيحين أخرجه البخاري: 1/ 15، في باب علامة الإيمان حب الأنصار، من كتاب الإيمان، برقم (18)، ومسلم: 3/ 1333، في باب الحدود كفارات لأهلها، من كتاب الحدود برقم (1709) بنحوه من حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -.

فصل [في قذف المسلم البالغ بما كان منه قبل البلوغ أو حال الكفر]

فصل [في قذف المسلم البالغ بما كان منه قبل البلوغ أو حال الكفر] واختلف فيمن قذف بالغة (¬1) بما كان منها قبل البلوغ، ومسلمة بما كان منها في حال الكفر -على ثلاثة أقوال- إذا قال: زنيت وأنت صبية، أو: وأنت نصرانية، أو قال: يا زانية، وقال: أردتُ أنها فعلت (¬2) ذلك قبل البلوغ والإسلام -فقال ابن القاسم في الكتاب: يحد قائل ذلك لهما، أثبت ما قاله أم لا (¬3). وقال عبد الملك في كتاب محمد: إن أثبت ذلك لم يحد، وإن لم يثبت حُدَّ (¬4). وقال أشهب مثل ذلك إذا قال لها: يا زانية، وإن قال لها: زنيت وأنت صبية أو نصرانية، فإن كان في غير مشاتمة فلا حد عليه، وإن كان ذلك في مشاتمة حُدَّ، إلا أن يأتي على ذلك ببينة (¬5). وعلى هذا يجري الجواب إذا قال ذلك لرجلٍ، وقال له: زنيتَ وأنت صبيٌّ، أو وأنت نصرانيٌّ، فحمل ابن القاسم قاذفهما على أنه أراد التعريض بزنىً كان منهما غير الذي سماه. وقول عبد الملك أحسن؛ لأنه أثبت ما رماها به- وَفِعْلُ ذلك وإن كان في حَالِ الصِّبا والكفر- لا يخرجهما عن أن يقع على ذلك الفعل اسم الزنى، وأيضًا ¬

_ (¬1) في (ق 6): (بالغًا). (¬2) قوله: (أنها فعلت) في (ق 6): (أنهما فعلا). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 490. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 352. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 352.

فإن ذلك مما يقع به التعيير، فلم يكن لحمل القاذف على غير ذلك وجه. وقد قال مالك فيمن قذف صبية قبل البلوغ: إنه يحد (¬1)، إلا أن يثبت ذلك، بخلاف الصبي، فإذا أوجب الحد على قاذفهما قبل البلوغ لأجل (¬2) أنه نسبها إلى ما تلحقها (¬3) به المعرة كالبالغ، وأسقط الحد عنه إذا أثبت أنها فعلت ذلك- لم يجب عليه حد إذا (¬4) قذفها به (¬5) بعد البلوغ، وأثبت ذلك. واختلف إذا قال: زنيت وأنت مستكرهة، فقال ابن القاسم: لا حد عليه إذا أثبت ذلك (¬6). وقال محمد وسحنون: يحد (¬7). وحملا عليه أنه أراد التعريض بما كان منها طوعًا؛ لأن المستكرهة لا ينسب الفعل إليها، فيقال لها: زنيت، وإنما يقال: ¬

_ (¬1) قوله: (إنه) زيادة من (ف) انظر: المدونة: 2/ 356. (¬2) قوله: (لأجل) ساقط من (ف). (¬3) في (ق 7): (يلحق). (¬4) قوله: (إذا) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (به) ساقط من (ق 6). (¬6) انظر: المدونة: 4/ 490. ولفظه: (والذي قال: زنيت وأنت مستكرهة. إن لم يقم البينة ضربته الحد وأن أقام البينة لم أضربه الحد). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 344. ولفظه: (ومن عرض لامرأته بما يحد فيه غيره، فقيل: يحد ولا لعان فيه إلا في صريح القذف، أو في تعريض يشبه القذف، فأما في قوله وجدتها مع رجل في لحاف عريانين، أو وجدتها تحته ونحوه، فلا يلاعن في هذا ويؤدب، ولو قاله لأجنبية لحد إلا في قوله رأيتها تقبل رجلا وقال ابن القاسم وأشهب يحد الزوج في التعريض ولا يلاعن، وقال فإن رجع لها قيم عليه فقال رأيتك تزني فليلاعن وقال عبد الملك: وإذا أسلم الزوجان ثم قال لها الزوج رأيتك تزني وأنت نصرانية فإنه يحد ولا يلاعن كمن قذف امرأته ثم وطئها. وكذلك قوله: زنيت وأنت مستكرهة، ولو وقف عنها منذ زعم أنه رآها، كان له اللعان).

زنى بها. والأول أبين؛ لأن ذلك مما لا تميزه العامة. وقال ابن القاسم فيمن قال لزوجته: زنيت وأنت صبية أو نصرانية أو مستكرهة: يلاعن؛ لأنه قاذف أو معرض (¬1). وعلى قول عبد الملك وأشهب لا لعان عليه (¬2) إذا أثبت ما رماها به (¬3)، فهو أحسن ولم يذكر ابن القاسم كيف صفة لعانه، ويشبه أن يكون لعانه: أن يشهد أربع شهادات بالله أنه لم يرد تعريضًا، وأنه لم يرد إلا ما أثبت أنه كان في الصبا أو الكفر؛ لأنه لا علم عنده من غير ذلك، ثم لا يكون عليها لعان؛ لأنه لم يثبت أنه كان منها وهي في العصمة، ولا ادعاه. ولو قال لمعتقة (¬4): زنيت وأنت أمة، أو لعبد: زنيت وأنت عبد، وقال: يا زان، ثم أثبت أنه قد كان ذلك قبل العتق- لم يحد القاذف، وحد المعتق، وهذا بخلاف قوله: زنيت وأنت نصرانية أو نصراني؛ لأن هذا زنى (¬5) يلزم فاعله الحد. ويختلف إذا قال لمن يعرض له جنون ثم يفيق: يا زان، أو: زنيت وأنت مجنون، فعلى قول ابن القاسم- يحد قاذفه أثبت ذلك أو لم يثبته. وعلى قول عبد الملك- لا حد عليه إذا أثبت ذلك، وعلى قول أشهب- لا حد عليه، إذا قال ¬

_ (¬1) المدونة: 4/ 490. (¬2) قوله: (لعان عليه) في (ق 6): (يلاعن). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 344. (¬4) في (ف): (لمعتقته). (¬5) قوله: (لأن هذا زنا) في (ق 7): (وهذان مما).

فصل [في العبد الموصى بعتقه إذا مات سيده إذا كان قاذفا أو مقذوفا]

ذلك في غير مشاتمة وإن لم يثبته وإن ان في مشاتمة، إلا أن يثبت ذلك. فصل [في العبد الموصى بعتقه إذا مات سيده إذا كان قاذفًا أو مقذوفًا] وإذا مات رجل عن عبد موصىً بعتقه، فقذف إنسانًا أو قذف قبل النظر فيه، وإن خلف السيد مالًا غير مأمون- لم يحدّ قاذفه، وحُدَّ العبد إن قذف أربعين، واختلف إذا خلف السيد (¬1) أموالًا مأمونة ولا دين عليه؛ فقال مالك في كتاب محمد مرة (¬2): لا حد على قاذفه حتى ينفذ في ثلثه، وقال مرة: يحد (¬3). وإن أوصى بأن يعتق فقال: أعتقوه بعد موتي- لا يحد قاذفه على حال؛ لأنه لا يكون حرًا إلا بعتق الورثة أو الوصي، وهو في هذا بخلاف قوله: إذا مت فهو حر. ويختلف أيضًا فيمن مات عن أمة حامل فقذفها رجل قبل أن تضع، فقال مالك: إذا تبين حملها حُد قاذفها، قال محمد: وقد قيل: إنه يؤخر حتى تضع حملها، ولعله (¬4) ينفش (¬5). فجعل الأمر فيها موقوفًا، فإن وضعت حُدَّت، وإن لم تضع لم تحد، وكانت رقيقًا. ¬

_ (¬1) قوله: (مالًا غير مأمون. . . إذا خلف السيد) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (مرة) ساقط من (ف). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 355. (¬4) قوله: (حملها ولعله) ساقط من (ق 7). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 357.

فصل [في حد القاذف إذا ان مسلما أو ذميا]

فصل [في حد القاذف إذا ان مسلمًا أو ذميًّا] يحد القاذف إذا كان حرًا مسلمًا-ثمانين جلدة بكتاب الله -عز وجل-، وكذلك إذا كان ذِميًّا -يهوديًا أو نصرانيًا- فإنه يحد ثمانين، قياسًا على المسلم إذا قذف، ولا يكون في انتِهَاكِهِ حُرْمَةَ المسلم أدنى رتبة فيما (¬1) يجب عليه له. واختلف في الحربي فقال ابن القاسم: يُحَدُّ إذا قذف مسلمًا، وقال أشهب: لا حَدَّ عليه (¬2). ويُحَدُّ العبدُ إذا قَذفَ، واختلف في عدد ذلك، فقال مالك وابن القاسم: يحد أربعين على النصف من حد الحر (¬3). وقال ابن شعبان (¬4): يحد ثمانين. وهو أبين؛ لأن الحد مبني على حرمة المقذوف وهو حق لآدمي فلا ينقص منه العبد إذا انتهك (¬5) حرمة الحر (¬6) المسلم (¬7). ولا حد على من قذف عبدًا، وإن قذف أحد أبويه (¬8) وكانا حرين، فقال ¬

_ (¬1) في (ق 7): (مما). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 3/ 145، 146. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 354، والاستذكار: 7/ 513. (¬4) في (ف): (أشهب). (¬5) قوله: (المقذوف. . . إذا انتهك) ساقط من (ف). (¬6) في (ف): (الحد). (¬7) قوله: (المسلم) ساقط من (ق 7). (¬8) قوله: (أحد أبويه) في (ف): (أحدًا بأبويه).

له: يا ابن الزاني أو يا ابن الزانية- كان له أن يقوم بحدهما. وقال ابن القاسم في المدونة: ولو قال ذلك السيد لعبده كان له أن يقوم بحدهما، ويحد السيد في ذلك (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 496.

باب في العفو عن القاذف، ومن قذف غائبا أو ميتا ومن يقوم بحق الميت في ذلك من الأولياء

باب في العفو عن القاذف، ومن قذف غائبًا أو ميتًا ومن يقوم بحق الميت في ذلك من الأولياء اختلف قول مالك في حد القذف هل هو حق لله، أو حق للمقذوف؟ فجعله مرة حقًّا للمقذوف (¬1)؛ فيجوز له أن يعفو عنه قبل بلوغ الإمام وبعده؟ ورآه مرة حقًا لله سبحانه، فلا يجوز له أن يعفو عنه لا قبل الإمام ولا بعده، إلا أن يعلم أنه أراد سترًا، وقال أيضًا: يجوز عفوه قبل ولا يجوز بعد إلا أن يعلم أنه أراد سترًا (¬2)، وهذا راجع إلى القول أنه حق لله سبحانه، فيحمل عليه إذا عفا قَبْلُ على (¬3) أنه أراد سترًا، ولا يجوز له ذلك بَعْدُ؛ لأن الغالب في من كان ذلك فيه أنه لا يرفع إلى الإمام، خوفَ أن يثبت عليه ما رمي به. ولم يختلف أن عفوه جائز إذا أراد سترًا، وهذا يحسن فيمن لم يعرف بذلك وكان ذلك منه فلتة، وإن كان المقذوف على غير ذلك- لم يؤمر بالستر عليه. ومن المدونة قال ابن القاسم في قوم شهدوا على رجل أنه قذف فلانًا، وفلان يكذبهم (¬4) ويقول: لم يقذفني، قال: لا يلتفت إلى شهادتهم، وإن قام بهم ثم كذبهم- لم ينظر إلى قوله (¬5)، وهذا راجع إلى القول أنه حق لله تعالى، فيحمل ¬

_ (¬1) قوله: (فجعله مرة حقًّا للمقذوف) ساقط من (ف)، وقوله: (للمقذوف) في (ق 6): (له). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 488. وانظر: تفصيل الأقوال في النوادر والزيادات: 14/ 368، والاستذكار: 7/ 515. (¬3) قوله: (على) ساقط من (ق 7). (¬4) في (ق 7): (يصدقهم). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 488.

عليه (¬1) إذا كذبهم أنه أراد سترًا، وإذا قام بهم لم يحمل على ذلك. وقال أشهب في مدونته فيمن عفا عن قاذفه، ثم أتى بعد زمان فأراد أن يحده أن ذلك ل، قال: لأن ذلك حد من حدود الله تعالى (¬2). قُلْتُ: وقول مالك -أن ذلك حق للمقذوف- أحسن، وليس تعدي القاذف في قذفه بأعظم من تعديه على قتله، ولا خلاف أن له أن يعفو عن قاتله، ولأن القذف مبني على حرمة المقذوف، ويفترق الجواب فيه إذا كان حرًا أو عبدًا، فدل ذلك على أنه حَقٌّ لآدمي، ولم يختلف المذهب أن عفو الابن عن أبيه جائز وإن بلغ الإمام، ولو كان حقًا لله تعالى لم يجز عفوه إذا كان الابن المقذوف. وقال ابن القاسم وأشهب: لو قذفه جده لأبيه لجاز عفوه وإن بلغ الإمام، وإن كان قذف (¬3) أمه لم يجز (¬4). وإن قام الأب بقذف ابنه بعد موته لم يجز عفوه، بخلاف حياته. وكل هذا اضطراب وترجح في الأصل؛ لأنه لم يجره (¬5) على أنه حق للمقذوف، فيجوز العفو في جميع ذلك، أو حق لله فيمنع العفو في الجميع. وأرى العفو عن من عَرَّضَ بالزنى جائزًا، للاختلاف في ذلك هل يقام به الحد قبل العفو أم لا؟ ¬

_ (¬1) قوله: (عليه) ساقط من (ق 7). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 380. (¬3) قوله: (كان قذف) في (ق 6): (قام بقذف). (¬4) في (ق 6): (يحد)، وانظر: النوادر والزيادات: 14/ 368. (¬5) في (ق 2): (يجزه).

فصل [في قذف قريب الغيبة أو بعيدها]

فصل [في قذف قريب الغيبة أو بعيدها] وإذا قذف غائبًا قريب الغيبة، لم يَقُمْ بِحَدِّهِ ولدٌ ولا غيره، وكوتب المقذوف في ذلك. واختلف إذا كان بعيد الغيبة، فقال ابن القاسم في كتاب محمد: لا يقوم بحده ولد ولا غيره، قال محمد: وقيل ذلك لولده (¬1). وقال ابن القاسم في كتاب ابن حبيب: ذلك للولد في أبيه وأمه، وليس ذلك لغيره من الأقارب (¬2). واختلف بعد القول أنه لا يحد، هل يسجن حتى يقدم الغائب، فقال ابن الماجشون في المبسوط: يسجن حتى يأتي (¬3) من له العفو أو القيام بالحد. وظاهر المدونة أنه لا يعرض له بشيء لا (¬4) من حد ولا من غيره (¬5)، فأجري في القول الأول على أحكام التعدي على الغائب والمغصوب أنه يقام لهم بحقهم إذا تعدى لهم على شيء وهو غائب، أو غصب وإن لم يوكل على ذلك. وألا يعرض له أحسن؛ لأن كثيرًا من الناس يعرض عن من أذاه بمثل ذلك (¬6)، ولا ينتصف، وإذا كان ذلك أُخِّرَ الأمر حتى يقوم المقذوف بنفسه. ¬

_ (¬1) قوله: (فقال ابن القاسم. . . وقيل: ذلك لولده) ساقط من (ف). وانظر: النوادر والزيادات: 14/ 380، 381. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 381. (¬3) في (ق 7): (يقدم). (¬4) قوله: (لا) ساقط من (ق 7). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 491. (¬6) قوله: (بمثل ذلك) يقابله في (ق 6): (بذلك).

فصل [في حق المقذوف إذا مات]

فصل [في حق المقذوف إذا مات] وإن مات المقذوف فإنه لا يخلو من ثلاثة أوجه (¬1): من (¬2) يكون عفا قبل موته، فلا يكون لورثته قيام. أو يوصي بالقيام لحقه، فيقام به، ولا يكون لورثته عفو. ولا يقول لورثته (¬3) شيئًا، فإن ذلك إلى أوليائه، وهم بالخيار بين القيام والعفو، وهم: الابن، وابن الابن، والأب، والأخ، وابن الأخ، والجد، والعم، وابن العم، من انفرد منهم بالميت كان له القيام. واختلف إذا اجتمعوا فعفا بعضهم، وفي دخول العصبة إذا لم يكن هناك من هو أقرب منهم، وفي الإناث كالبنات والأخوات إذا انفردن، فقال ابن القاسم في المدونة: القيام لولده، وولد ولده، وأبيه، وأجداده لأبيه، فمن قام منهم أخذ بحده (¬4) وإن كان ثم من هو أقرب منه؛ لأنه عيب يلزمهم، ولا يقوم عصبتهم مع هؤلاء، ولهم أن يقوموا إذا لم يكن أحد من هؤلاء وتقوم البنات والأخوات والجدات، ولا (¬5) يقوم الأخ وَثَمَّ ولدٌ ولدٍ (¬6). فأدخل النساء والعصبة فى القيام بذلك، وقال في كتاب محمد: إن ترك الميت: الولد أو ¬

_ (¬1) قوله: (ثلائة أوجه) يقابله في (ق 6): (ثلاث). (¬2) في (ف): (من أن). (¬3) قوله: (لورثته) ساقط من (ق 7). (¬4) في (ق 7): (بحده بحقه). (¬5) ولفظ المدونة 4/ 491: (قلت ويقوم الأخ والأخت بحده وثم ولده وولد ولده؟ قال: نعم). (¬6) انظر: المدونة: 4/ 491.

ولد ولد وأبًا وجدًا لأب فهم سواء، ومن قام منهم، فله أن يُحَدَّهُ وإن كان غيره أقرب منه، فأما الأخوة أو البنات أو الجدات أو غير من (¬1) سَمَّيْنَا، فلا قيام له بحد الميت إلا أن يوصي (¬2). فأسقط قيام الأخوة والعصبة وسائر النساء. وقال أشهب: ذلك للأقرب فالأقرب، ولا قيام لابن الابن مع الابن ولا عفو، ثم ابن الابن بعده، ثم الأب، ثم الأخ، ثم الجد، ثم العم، وكذلك قراباته من النساء: الأقرب فالأقرب، فأما بنت البنت والزوجة فلا (¬3). وقول ابن القاسم الأول أحسن؛ لأنه عيب يشملهم، إلا العصبة، فإن قيامهم ضعيف، فإن لم يخلف أحدًا من نسبه يقوم بذلك ولا وصَىَّ بالقيام، لم يُقم بذلك، وهذا على القول أنه حق للمقذوف، وعلى القول أنه حق لله تعالى- يقوم به الإمام. ¬

_ (¬1) وفي (ق 6): (غيرهن ممن). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 380. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 379.

باب في التعريض بالقذف والشتم، ومن شتم بلفظ متردد بين القدف وغيره

باب في التعريض بالقذف والشتم، ومن شتم بلفظ متردد بين القدف (¬1) وغيره ومن شتم رجلًا فإنه لا يخلو من خمسة أوجه: إما أن يقذف ويصرح بالقذف، أو يُعَرِّضْ به، أو يشتم بما لا يراد به قذف، أو يُعَرِّضْ به، أو بلفظ محتمل هل يراد به القذف أم لا؟ (¬2) فإن صرح بالقذف أو عَرَّضَ به، حُدَّ، وإن شتم بلفظ لا يراد به القذف أو عَرَّضَ به، عوقب ولم يحد. وإن أشكل الأمر هل يراد به القذف أم لا؟ أُحْلِفَ أنه لم يرد قذفًا، وعوقب. واختلف إذا نكل هل يحد أم لا؟ فأجراه (¬3) مرةً على النكول عن أيمان التُّهم: أنه يغرم ما نكل عنه، وكذلك هذا يحد فيما نكل عنه، ورأى (¬4) مرة أنه بخلاف المال، فلا يؤخذ منه الحد، ومثله إذا نكل عن الطلاق والعتق عندما شهد عليه بذلك شاهد، فاختلف هل يطلق عليه ويعتق أم لا؟ والتعريض يختلف، فإن كان من أجنبي حُدَّ، وإن كان من الأب لولده لم يُحدَّ إلا أن يصرح. واختلف إذا كان التعريض من الزوج لامرأته، هل يحمل على أنه أراد ¬

_ (¬1) في (ق 7): (الشتم والقذف). (¬2) قوله: (أو يعرض به أو بلفظ محتمل هل يراد به القذف أم لا) ساقط من (ف). (¬3) في (ف) و (ق 7): (فأُجري). (¬4) في (ق 7): (روى).

قذفًا أم لا؟ وقد مضى ذلك في كتاب اللعان. ومن التعريض أن يقول الرجل لمن شاتمه: ما أنا بزانٍ، واللفظ يقتضي مدح نفسه، ونفي الزنى عنها، والقصد إثباته على من يخاطبه، وكذلك قوله: ما يطعن في فرجي بشيء، وإني لعفيف الفرج، أو إنك لعفيف الفرج (¬1) - كل ذلك يحد فيه. وإن لم يذكر الفرج، وقال: إني لعفيفٌ، أو ما أنتَ بعفيفٍ أو عفيفةٍ - افترق الجواب، فإن قال ذلك لرجل- أُحْلِفَ أنه لم يرد قذفًا ولم يحد، وهو قول مالك وعبد الملك (¬2). واختلف إذا قال ذلك لامرأة، فقال: إني لعفيف، أو يا عفيفة، فقال مالك: يعاقب ولا يحد (¬3)، وقال عبد الملك في كتاب ابن حبيب: يحد (¬4). وإن قال ذلك لرجل حد، إلا أن يدعي أنه أراد عفيف المكسب والمطعم والحال، فيحلف ولا حد عليه، وينكل، قال: لأن المرأة لا يعرض لها بالعفاف إلا في الفرج، والرجل يعرض له بذلك في غير وجه؛ في المال واللسان والفرج (¬5). قُلْتُ (¬6): إن كان قِبَلَ الرجل ظِنَّةً في الفرج- لم يصدق أنه أراد غيره، وإن لم يكن قِبَلَ المرأة ظِنَّةً في الفرج، وعُلِمَ منها بذاءة اللسان وقِلَّة تصون في حالها، ¬

_ (¬1) قوله: (أو إنك لعفيف الفرج) ساقط من (ق 6). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 339. (¬3) الذي وقفت عليه في النوادر: 14/ 339، هو قوله: قال ابن وهب: بلغنى عن مالك فيمن قال لرجل: يا ابن العفيفة أنه يحلف ما أراد القذف ويعاقب. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 339. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 339، 340. (¬6) في (ق 6): (قال الشيخ).

أو تتهم بسرقة- صُدِّقَ أنه أراد ذلك. وقال ابن القاسم فيمن قال لرجل: "يا فاسق يا فاجر": يُنَكَّلُ، وإن قال: يا خبيث أحلف أنه لم يرد قذفًا، ثم يُنَكَّلُ، فإن نَكَلَ عن اليمين لم يحد وَنُكِّلَ (¬1). يريد: أنه يزاد في نكاله. وإن قال: يا ابن الفاسقة أو يا ابن الفاجرة، نُكِّل، وإن قال: يا ابن الخبيثة، أحلف أنه ما أراد قذفًا وَنُكِّلَ، فإن نَكَلَ عن اليمين، حُبِسَ حتى يحلف، وإن طال حبسه نُكِّلَ ولم يره من التعريض (¬2). وقال أشهب في كتاب محمد: إن قال: يا فاسق يا فاجر يا خبيث، أحلف (¬3)، فإن نكل حُدَّ، وكذلك إن قال: يا ابن الفاسقة، يا ابن الفاجرة، يا ابن الخبيثة: إن نكل عن اليمين حُدَّ (¬4). قال محمد: يحلف أنه لم يرد نفيه من أبيه ولا قذفه لأبيه، فإن نكل حد (¬5). وقال (¬6) عبد الملك بن الماجشون في كتاب ابن حبيب: إذا قال يا ابن الفاسقة، أو يا ابن الفاجرة، أو يا ابن الخبيثة، فإن نكل عن اليمين حد (¬7). ومضى في ذلك على أصله: أن قول ذلك للنساء أشد، إلا أنه عنده من الأمر المتردد هل يراد به القذف أم لا؟ ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 493. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 493. (¬3) قوله: (أحلف) ساقط من (ق 6). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 349. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 350. (¬6) في (ق 6): (وقاله). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 347.

ورأى ابن القاسم أن قوله: يا ابن الخبيثة أشد من قوله: يا ابن الفاسقة (¬1). ذلك (¬2) لأن الفسق: الخروج من الطاعة جملة، ولا يختص بالفاحشة، قال الله -عز وجل- {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [سورة الكهف آية: 50]. وإن الخبث يراد به الفاحشة، قال الله -عز وجل- قوم لوط: {الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ} سورة الأنبياء آية: 74]، وقال: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ} [سورة النور آية: 26]، ولم يحمل القائل على أنه أراد ذلك؛ لأن العامة لا تعرفه فتقصد إليه، وإنما اتَّقَى أن يكون يريد ذلك، فاستظهر باليمين، والقول اليوم على من قال: يا فاسق أشد؛ لأن العامة لا تعرف الفسق إلا الفاحشة. وإن قال: يا فاجر بفلانة، حُدَّ، إلا أن تكون له بينة على أمر صنعه بها من الفجور، مثل أن يكون خاصمها وادَّعى عليها مالًا، فيحلف أنه أراد ذلك، فإن نكل عن اليمين لم يحد؛ لأنها يمين استظهار. وكذلك إذا قال: جامعت فلانة حرامًا، أو باضعتها حرامًا، وقال: لم أرد بذلك أنك (¬3) زنيت بها - حُدَّ، ولم يصدق إلا أن يقيم بينة أنه تزوجها. ولو قال ذلك في نفسه- قال: جامعتها حرامًا- ثم قال: كنت تزوجتها، لم يصدق، وَحُدَّ حَدَّ القَذفِ، ولم يحد للزنى للشبهة في ذلك، إلا أن تكون له بينة على التزويج (¬4)، ولو قال: رأيت فلانًا يصيب أمك حلالًا فإن كان في مشاتمة حُد (¬5). وقال ابن القاسم فيمن قال لرجل: جامعت فلانة بين فخذيها أو في ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 493. (¬2) قوله: (ذلك) ساقط من (ق 6). (¬3) في (ف): (أني). (¬4) قوله: (إلا أن تكون له بينة على التزويج) ساقط من (ف)، وانظر: المدونة: 4/ 494. (¬5) قوله: (حد) ساقط من (ف)، وانظر: النوادر والزيادات: 14/ 343.

أعكانها أنه تعريض يوجب الحد. وقال أشهب: لا حد عليه؛ لأنه صرح بما رماها (¬1) (¬2) به، وقد ترك عمر زيادًا الذي قال: رأيته بين فخذيها (¬3). والقول الأول أحسن؛ لأنه قال ذلك على وجه المشاتمة، والآخر أتى على وجه الشهادة. وقد قال ابن القاسم في الأربعة (¬4) الذين شهدوا بالزنى، فلما كشفوا قال أحدهم: رأيته بين فخذيها أنه لا حد عليه؛ لأنه أتى على وجه الشهادة (¬5). وإن قال: رأيتك تطلب امرأة، أو في إثرها، أو تُقَبِّلْهَا، أو اقتحمت عليها، أو دخلت فلانة عليك- لم يحد، يريد: ويحلف أنه لم يرد قذفًا (¬6). واختلف إذا قال: زنى فوك، زنت يدك، زنت رجلك (¬7)، فقال ابن القاسم: يحد، ورآه من التعريض. وقال أشهب في كتاب محمد: لا حد عليه (¬8). ¬

_ (¬1) في (ق 6): (رمى)، وفي (ف): (رآها) انظر: المدونة: 4/ 501، والنوادر والزيادات: 14/ 342. (¬2) في (ق 7): (رماها). (¬3) إشارة إلى الأثر المروي عن قتادة أن أبا بكرة ونافع بن الحارث بن كلدة وشبل بن معبد شهدوا على المغيرة بن شعبة أنهم رأوه يولجه ويخرجه وكان زياد رابعهم وهو الذي أفسد عليهم فأما الثلاثة فشهدوا بذلك فقال أبو بكرة: والله لكأني بأثر جدري في فخذها، فقال عمر - رضي الله عنه - حين رأى زيادًا: إني لأرى غلامًا كيسًا لا يقول إلا حقًّا ولم يكن ليكتمني شيئًا، فقال زياد: لم أر ما قال هؤلاى ولكني قد رأيت ريبة وسمعت نَفَسًا عاليًا. قال فجلدهم عمر - رضي الله عنه -، وخَلَّى عن زياد. أخرجه البيهقي في سننه الكبرى (8/ 235) برقم (16820). (¬4) قوله: (الأربعة) ساقط من (ق 6). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 510. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 342. (¬7) قوله: (زنت رجلك) في (ق 7): (ورجلك). (¬8) انظر: المدونة: 4/ 494، والنوادر والزيادات: 14/ 340.

والأول أحسن، إلا أن يكون قوله ذلك بإثر ما تكلم الآخر بباطل بَطَشَ بذلك أو سعى (¬1) فيه، فادعى أنه إنما أراد ذلك، فإنه يحلف ولا يحد. وفي كتاب محمد: إذا قال: يا متسور الجدران، ثم قال: أردت النخل، أنه يحد ولا يقبل قوله (¬2). قُلْتُ: ولو كان المقول له ممن يتهم بالسرقة، وقال: ذلك أَرَدْتُ، لَقُبِلَ قوله إذا حلف أنه أراد ذلك. وقال مالك: جَلَدَ مروانُ رجلًا الحد قال لرجل: إِنَّ أُمَّكَ تحب الظُّلَمَ، وقال مالك: ولا أرى فيه حد، وفيه النكال (¬3). قُلْتُ (¬4): أما إن قال (¬5) الظلْم بإسكان اللام فالجواب كما قال مالك، ولا أرى فيه الحد (¬6)، وإن قال الظُّلَم بفتح اللام (¬7) فإنه يحد. وإن قال: يا محدودًا في الزنى، حد، وإن قال: يا محدودًا في شرب الخمر أو القذف (¬8)، عوقب ولم يحد، وإن قال: يا محدودًا، ولم يزد شيئًا (¬9) سئل ما أراد ¬

_ (¬1) في (ق 7): (مشى). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 339. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 17/ 526. (¬4) في (ق 6): (قال الشيخ). (¬5) قوله: (إن قال) في (ق 6): (قوله). (¬6) قوله: (ولا أرى فيه الحد) ساقط من (ق 7). (¬7) الظُّلَمُ: جمع الظُّلْمَة، وهي ذهاب النور، والمراد التعريض بالفاحشة. انظر لسان العرب: 12/ 273. (¬8) قوله: (أو القذف) ساقط من (ق 6). (¬9) قوله: (شيئًا) ساقك من (ق 6).

بذلك (¬1)؟ فإن قال: أَردتُ في شرب أو قذف- حلف على ذلك وعوقب ولم يحد، وَإِنْ نَكَلَ حُدَّ، وهو قول أصبغ: أنه يحد إذا نكل، وعلى القول الآخر: يزاد في عقوبته، ولا يحد (¬2). قال مالك: ومن وقع بينه وبين رجل منازعة، فقال له: لأجلدنك حدين، فإنه يحلف ما أراد الفرية، فإن حلف أُدِّبَ (¬3). واختلف فيمن قال لامرأةٍ (¬4): يا زانية، فقالت: زنيت بك، فقال مالك: تحد للرجل، وتحد للزنى، إلا أن تنزع عن قولها، فتضرب للرجل، ويدرأ عنها حد الزنى، ويدرأ حد القذف عن الرجل؛ لأنها صدقته (¬5). وقال أشهب في كتاب محمد: إلا أن تنزع هي وتقول: ما قلت ذلك إلا على وجه المجاوبة ولم أرد قذفًا ولا إقرارًا مني بالزنى فيكون الحد على الرجل كما هو ولا حد عليها في قذف ولا زنى (¬6). وقال فيها أصبغ: بل على كل واحد منهما الحد لصاحبه، وإن نزعت عن قولها؛ لأن كل واحد منهما قاذف لصاحبه؛ لأن قولها ليس بتصديق، ولكن ذلك منها رد عليه (¬7). وقال مالك في كتاب محمد: ومن قال لرجل: أراك زانيًا، فقال: أنت أزنى ¬

_ (¬1) قوله: (بذلك) ساقط من (ق 7). (¬2) البيان والتحصيل: 16/ 347. وانظر تفصيل ذلك في النوادر والزيادات: 14/ 377، 378. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 379. (¬4) في (ق 7): لامرأته. (¬5) انظر: المدونة: 4/ 493. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 335. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 336.

مني، قال: عليهما الحد. قال أصبغ: هما قاذفان، وليس قوله، أنت أزنى مني إقرارٌ منه بالزنا، ومحمله محمل الرد لما قال له. وروى عن ابن شهاب أن ذلك قذف له وإقرار على أنفسهما (¬1). وقول أشهب أحسن، وهذا مما تقول المرأة، أي: أنت تعلم أني لم أفعل ذلك كما لم أفعله معك، وأما قوله: أنت أزنى مني، فهو قذف على كل حال، وليس بإقرار. واختلف فيمن قال لرجل: يا ابن الزانية، وقال الآخر: أخزى الله ابن الزانية، فقال ابن القاسم: يحلف القائل "أخزى الله ابن الزانية" أنه ما أراد قذفًا، فإن أَبى أن يحلف، سُجِنَ حتى يحلف. ورآه أصبغ معرِّضًا، وقال يجلد ثمانين؛ لأنه جواب في مشاتمة، وتعريض له (¬2). وقول ابن القاسم أبين؛ لأنه نسبه إلى الشيء فبرأ نفسه منه بقوله ذلك. ومن حمل كتابًا فيه قذف (¬3) ودفعه لرجل فيه: "يا ابن الفاعلة" - حُدَّ إن كان يعرْف ما فيه. ومن قذف رجلًا بما عمل قوم لوط حُدَّ. واختلف إذا قال رجل (¬4) لرجلٍ: يا مخنث، فقال مالك في المدونة: يحلف أنه ما أراد قذفًا، وَيُنَكَّلُ، فإن نَكَلَ هو حُدَّ (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: تفصيل الأقوال في النوادر والزيادات: 14/ 335، 336. (¬2) انظر النوادر والزيادات: 14/ 336، 337. (¬3) قوله: (قذف) ساقط من (ق 6). (¬4) قوله: (رجل) ساقط من (ق 6). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 488، ولفظها: (وقال مالك في رجل قال لآخر: يا مخنث -إنه يجلد الحد إن رفعه إلى الإمام إلا أن يحلف القائل -يا مخنث- بالله أنه لم يرد بذلك قذفًا، فإن حلف عفا عنه بعد الأدب ولم يضرب حد الفرية).

وقال في كتاب محمد (¬1): إن كان في المقول له توضيع في بدنه (¬2) خلقة فيه، أو من عمل النساء شيء، أو لَيِّن الكلام، أحلف ما أراد غيره، وإن كان بريئًا من ذلك لا شيء فيه منه حد القائل (¬3). وقال محمد بن مسلمة في الرجل يأتي بالأمر ويسابب الرجل بما يشبه الفرية والشتم فيحلف إن قال: لم أُردِ الشتمَ، فإن حلف عوقب، وإن نَكَلَ حد. ومن قال لرجل: أنا أفتري عليك، وأنا أقذفك، لا حد عليه، ويحلف أنه ما أراد: أقذفك بالفاحشة. وقال مالك: فيمن قال لرجل: إن لم أكن أصح منك فأنت ابن زانية، يقول: لست أقارف ما تقارف: إنه إن أقام البينة على ذلك نُكِّلَ، وإن لم يأت بالبينة حُدَّ، وعلى هذا يجري الجواب إذا قال: إن لم أكن خيرًا منك (¬4). وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب في من قال لرجل: يا أحمق، فقال: أحمقنا (¬5) ابن زانية- فعليه الحد (¬6). وقال مالك في كتاب محمد فيمن قال: من رماني منكم، أو لبس ثوبي، أو ركب دابتي فهو ابن زانية، فإنه إن كان أراد من فعل ذلك، وقد كان فعل ذلك به أحد حُدَّ له، وإن أراد المُسْتَقْبلَ، من يرميه أو يلبس ثوبه أو يركب دابته، فرماه منهم رجل أو لبس ثوبه أو ركب دابته بعد قوله ذلك- فلا حد عليه. ¬

_ (¬1) قوله: (قال في كتاب محمد) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (توضيع في بدنه) في (ف): (يتصنع في يديه). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 347. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 364. (¬5) صوابه كما في النوادر: (أحمقنا). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 337.

قال: وكذلك كل ما لا يحل لأَحَدٍ أن يفعله به، ففعله بعد قوله- فلا حد عليه. قال: وأما إن كان قوله لمن لا يملك منعه فعليه الحد، ثم ينظر، فإن كان من الأمر العام مثل أن يقول: من دخل المسجد، أو من دخل الحمام فهو ابن زانية - فعليه الحد، وسواء أراد بذلك الماضي أو المستقبل، ويحد ساعتئذٍ وإن لم يدخل بعد قوله أَحَدٌ، وإن كان من الأمر الخاص مثل أن يقول: من رمى فلانًا، أو لبس ثوبه أو ركب دابته فهو ابن زانية- فإن فعل ذلك حد (¬1). وكذلك إذا جحد رجل حقه، فقيل له: فلان وفلان يشهدان عليك، فقال: من شهد عليَّ منهما فهو ابن زانية، فشهدا عليه فعليه الحد. وكذلك إذا قيل له: إنك قد فعلت كذا وكذا (¬2)، فقال: من قال إني فعلته فهو ابن زانية، فقال إنسان: أنا قلته، فإن أثبت بينة أنه قال ذلك- حد له، وإلا لم يحد. وإن قال: يا زوج الزانية، ولا زوجة له- لم يحد، وإن كانت له زوجة حد. وإن قال: يا قَرْنَان (¬3) -ولا زوجة له- لم يحد، فإن كانت له زوجة حد، وإن قال: يا قرنان، ولا زوجة (¬4) - عوقب للرجل، فإن كانت له زوجة عوقب له، وحد للمرأة. وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: إن قال لرجل: يا زوج الزانية، وله زوجتان، فعفت واحدة، وقامت الأخرى؛ فإن زعم أنه أراد بالقذف التي ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 367. (¬2) قوله: (كذا وكذا) في (ق 6): (ذلك). (¬3) القَرْنانُ الذي يُشَارك في امرأَته كأَنه يَقْرُن به غيرَه، وهو نعت سوء في الرجل الذي لا غَيْرَة له. انظر لسان العرب: 13/ 331. (¬4) قوله: (فإن كانت. . . ولا زوجة) زيادة من (ف).

عفت- حلف بالله على ذلك وبرئ من الحد، فإن نكل عن اليمين حد (¬1). وإن قال: يا كافر، يا يهودي، يا شارب الخمر، يا خنزير، يا آكل الربا، نُكِّلَ (¬2)، ولم يحلف أنه لم يرد قذفًا؛ لأن هذه الأشياء لا يراد بها التعريض للقذف، والعقوبة في جميع ما تقدم أنه يلزمه فيه النَّكَالَ على قدر القائل والمقول له والقول (¬3)، فإن كان القائل ممن لا قدر له أو عُرِفَ بالأذى والمقول له من أهل الخير والصيانة- كانت العقوبة أشد، وإن كان من أهل الخير والصيانة- كانت العقوبة أخف، إلا أن يكون مضمون القول الأمر الخفيف، فلا يعاقب، ويزجر بالقول، وإن كان القائل ممن له قدر ومعروف بالخير والمقول له على غير ذلك - زُجِرَ بالقول. قال مالك: فقد يتجافى السلطان عن الفلتة التي تكون من ذوي (¬4) المروءات (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 382. (¬2) قوله: (نكل) ساقط من (ق 7). (¬3) قوله: (والقول) ساقط من (ق 6). (¬4) في (ق 7): (أهل). (¬5) انظر: منتخب الأحكام: 2/ 1044.

باب فيمن قطع نسب رجل

باب فيمن قطع نسب رجل وقال مالك فيمن قطع نسب رجل حر مسلم، فقال له: لَستَ لأبيك: حُدَّ، وإن كان أبواه عبدين أو كافرين أو غير ذلك ممن لا حد على قاذفهما (¬1)، وقاسه على الحد في القذف؛ لأن كليهما لدفع المعرة (¬2)، ورأى أن المعرة التي تلحق في كون الرجل لا أب له مثل ما يلحق من حد في زنى. ويعتبر قطع النسب في الابن دون الأبوين، فإن كان الابن حرًا مسلما حد من قَطَعَ نسبه، وإن كان الأبوان -ممن تقدم ذكره- عبدين أو كافرين، وإن كان الابن عبدًا أو نصرانيًا لم يحد له وإن كان أبواه حرين مسلمين. والحق في ذلك للأم، ثم لا تخلو المسئلة من ثمانية أقسام: إما أن يكون جميعهم -الابن والأبوان- عبيدًا، أو أحرارًا، أو أحدهم حرًا -الابن، أو الأم، أو الأب- أو اثنان منهم حرين مسلمين -الابن والأم، أو الابن والأب، أو الأبوين- فإن كان جميعهم عبيدًا، لم يحد قاطع نسبه. وإن كان جميعهم أحرارًا، حد للولد، لقطع نسبه، وللأم؛ لأنه قذفها، وإن عفا أحدهما- قام الآخر بحقه، ويجزئ في ذلك حَدٌ واحد على قول مالك، وهو بمنزلة من قذف رجلًا وقطع نسب آخر، فإنه يحد لهما حدًا واحدًا. وإن كان الابن وحده حرًا، حد القائل، لقطع النسب خاصة، فإن عفا لم ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 492. (¬2) قوله: (لدفع المعرة) يقابله في (ق 7): (يرفع).

يكن لأحد أبويه قيام، وَنُكِّلَ لهما، وإن مات قبل أن يقوم، أو قيل ذلك له بعد موته- كان الحق لابنه، يقوم بحده. فإن كانت الأم وحدها حرة، كان الحق لها خاصة لقذفها. وإن كان الأب وحده حرًّا، لم يكن له ولا لولده ولا لزوجته في ذلك قيام؛ لأنه قطع نسب عبد، وقذف أمة. فإن كان الابن والأم حُرَّين- حُدَّ لهما جميعًا. وإن كان الابن والأب حُرَّين حد، لقطع النسب خاصة. وإن كان الأبوان حُرَّين، حد لقذف الأم خاصة، فإن عَفَتْ لم يكن للأب (¬1) في ذلك مقال، وهذا هو الصحيح من المذهب. وقد اختلف في الوجه الذي يقصده القاطع للنسب، ما هو؟ فقيل: ذلك لأن الأم زنت به وألحقته بهذا الأب. وقيل: لأن الأب زنى (¬2) مع غير هذه التي تقول أنها ولدته. وقيل: إن ذلك من غير زنى من هذين. ويحتمل أن تكون أتت به وزعمت أنها ولدته (¬3) ولم تلده، فقال مالك في المدونة فيمن قال لعبد: لَستَ لأبيكَ، وَأُمُّهُ أمة أو نصرانية والأب حر مسلم- يحد للأب؛ لأنه حمل الأب على غير أمه وصار قاذفًا للأب (¬4). وقال أشهب (¬5) في كتاب محمد: لا حد عليه، كأنه قال: وإنما: ركب أمك ¬

_ (¬1) في (ف): (للأم). (¬2) زاد في (ق 6): (به). (¬3) قوله: (وزعمت أنها ولدته) ساقط من (ق 7). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 492. (¬5) في (ف): (أصبغ)، وأشار في هامش (ق 6) إلى (ق 7) وقال في نسخة.

هذه غير أبيك (¬1). وجعل السبب في انقطاع النسب من قبل الأم، فذكر سحنون عن أشهب أنه قال: لا حد على من قطع نسب عبد وإن كان أبواه حُرَّينِ؛ لأنه يصح عنده أن يكون ذلك لأنها أتت به وزعمت أنها ولدته، فلا يكون قذفًا لواحد منهما. ويختلف على هذا إذا كانت الأم حرة مسلمة والأب عبدًا فقياد قول ابن القاسم لا حد عليه؛ لأنه قاذف للأب، وعلى القول الآخر يحد؛ لأنه قاذف لها، ومثله إذا كان الأبوين حرين. واختلف هل الحق في ذلك للأب أو للأم أو لاحق لواحد منهما لما ذكره سحنون عن أشهب؟ وقد كان يقال: إذا كانت الأم حرة مسلمة، فإنه يحد للأم بغير خلاف. وهذا غير صحيح، ولا فرق بين كون الأم حُرَّة مسلمة أو أمة أو نصرانية إذا كان القصد انقطاع النسب من قِبَلِ الأب، وأنه هو الزاني. وإن كان الأحسنُ من هذه الأقوال قول من قال: إن انقطاعه من قِبَلِ الأم؛ لأنه مقصد الناس أنهم يرون الفساد في ذلك من قِبَلِ الأم، ولو كان هناك سماع أن أمه كانت تعذرت عليها الولادة، وأنها جاءت به، وقال (¬2): ذلك أَردتُ- لم يحد إذا كان الولد عبدًا، وإن كان الأبوين حرين. وقال ابن القاسم فيمن قال لميتٍ: ليس فلان لأبيه، فقام أبوه بحده، وقال: قطع نسب ولدي مني، قال: عليه الحد (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 328. (¬2) في (ق 6): (فقالت). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 496.

فصل [فيمن قال لرجل: يا ابن اليهودي أو: يا ابن النصراني]

فجعل قيام الأب لقطع نسب ولده، وليس لأنه زناه، وإنما هو قاذف للأم، فإن عفا قامت الأم إن كانت حية، أو من يستحق القيام بذلك عنها إن كانت ميتة، وعلى القول الآخر يكون القيام للأب، يحد (¬1) لقذفه. وقال فيمن قال لولده: لستم بولدي، فقام إخوتهم لأمهم لقذف الأم أو قامت الأم، قال مالك: يحلف أنه لم يرد قذفًا، وإنما قال ذلك كما يقول الرجل: لو كنتم ولدي لأطعتموني، قال ابن القاسم: فإن نكل حد (¬2). ولم يحمل قوله في قطع نسب ولده؛ لأن ذلك أتى من قبله. وقال ابن القاسم في العتبية في امرأة قالت لابنها: لست بابن أبيك، قال: عليها الحد (¬3). ويختلف هل تعد بذلك مقرة بالزنى، أو قاذفة للأب، أو غير مقرة، ولا قاذفة على ما ذكره سحنون عن أشهب، لإمكان أن تريد: أنها التقطته ونسبته لأبيه؟ فصل [فيمن قال لرجل: يا ابن اليهودي أو: يا ابن النصراني] واختلف فيمن قال لرجل: يا ابن اليهودي يا ابن النصراني فقال ابن القاسم: يحد إلا أن يكون في آبائه أحدٌ كذلك. وقال أشهب: لا حد عليه إذا حلف إنه لم يرد نفيه. وحمل قوله أن أباك الذي تنسب إليه الآن يهودي أو نصراني (¬4). ¬

_ (¬1) قوله: (يحد) ساقط من (ق 7). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 498. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 16/ 344. (¬4) انظر: المدونة: 4/ 501، والنوادر والزيادات: 14/ 323، 324.

وكذلك إذا قال: يا ابن الأقطع، أو يا ابن الأعور، أو يا ابن الأحمر، أو يا ابن الأزرق، أو يا ابن الآدم (¬1)، وليس أبوه (¬2) كذلك، فقال ابن القاسم: يحد (¬3). وعلى قول أشهب لا يحد. وكذلك إذا قال: يا ابن الحجام، أو يا ابن الخياط، وليس في آبائه من عمل ذلك، فقال مالك: إن كان المقول له ذلك من العرب حُدَّ، وإن كان من الموالي، فلا حد عليه (¬4). وروى عنه ابن وهب أنه قال: ذلك سواء قاله لعربي أو مولى يحد، إلا أن يكون في آبائه من عمل ذلك، وقال أشهب: العربي والمولى سواء، لا حد عليه إذا حلف أنه لم يرد نفيه من آبائه، قال: وإنما قال ذلك كقوله: أبوك الذي ولدك حجام أو حائك (¬5). قال الشيخ - رضي الله عنه -: مجرد اللفظ يوجب حده؛ لأنه جعل له أبًا على الصفة التي نسبه إليها، وعلى مراعاة العادة في المتشاتمين أن القصد: البهت والكذب في الشيء المعين، وأن أباه المعروف كذلك حاله؛ لا يجب حده (¬6) إذا حلف أنه لم يرد نفيًا. ويختلف إذا قال: يا ابن اليهودية أو يا ابن النصرانية، فقال مالك في المبسوط: لا حد عليه. وهذا مثل قول أشهب أنه حمل قوله: إن أمك فلانة ¬

_ (¬1) في (ق 7): (الأبرص). (¬2) في (ق 7): (في آبائه). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 500. (¬4) انظر: المدونة: 4/ 500. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 324. (¬6) قوله: (لا يجب حده) في (ق 7): (لا يحد) وفي (ف): (لا يجب حدًا).

المعروفة هي النصرانية أو اليهودية؟ وعلى القول الآخر يحد؛ لأنه يحمل عليه أن أباه ولده مع يهودية أو نصرانية، فهو قطع نسب وقذف للأب، أو ولدتك يهودية أو نصرانية فأتت بك هذه فنسبتك إلى أبيك. وقال ابن القاسم، فيمن قال لرجل: يا ابن زينب، وقال: أَردتُ اسمًا أفضل من اسم أمك، وليس في أمهاته زينب، وقال المقذوف: حملت أبي على غير أمي، قال: لا شيء عليه (¬1). والمعروف من أصله الحد. وفي كتاب ابن حبيب فيمن كانت أُمُّهُ قرشية، فقال له رجل: يا ابن البربرية، أو يا ابن الأمة، قال: ليس في الأم نفي وكأنه قال لأمّهِ: أنت أمة، وقال مطرف: يحد؛ لأنه حمل أباه على غير أمه إلا أن يسميها وينسبها إلى غير جنسها فلا يحد (¬2). وقال محمد- وهو لمالك في المبسوط- فيمن قال لابن عربية: يا ابن البربرية، أو يا ابن الأمة- يحد؛ لأنه نفاها (¬3). ولم ير عليه (¬4) في القول الأول حَدٌّ، وكأنه عَيَّن الأم المعروف بها، ثم نسبها إلى ذلك، وجعله (¬5) في القول الثاني قاذفًا للأب وأن له أُمًّا على تلك الصفة غير هذه، وجعله في القول الثالث قاطعًا لنسب الأم، وهو أعدلها وأحسنها، فإن قال له: يا ابن الأسود، وأبوه أبيض، حد. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 330. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 329. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 329. (¬4) قوله: (عليه) ساقط من (ق 7). (¬5) في (ق 7): (وحمله).

فصل [فيمن قال لرجل: لا أبا لك]

قال محمد: فإن قال يا ابن الأبيض، وأبوه أسود، قال: لم أقل لك (¬1) في ذلك شيئًا، وأرى أن لا شيء عليه؛ لأن هذا مما يقوله الناس (¬2). يريد: التعيير أن أباك ليس بأبيض. وقال ابن الماجشون: وإن قال: يا ابن فلان الأسود، وسمى أباه- لم يحد، وهو كاذب، ويعاقب (¬3). واختلف إذا قال: يا ابن السوداء، وأُمُّهُ بيضاء، فقال مطرف في كتاب ابن حبيب: يحد؛ لأنه حمل أباه على غير أمه، وجعله لزنية (¬4). وقال ابن الماجشون: لا حد عليه (¬5). وقوله هذا محتمل وجهين: أحدهما: أن تكون أمك هذه سوداء فهو كذب. أو يريد: لأن هذه التقطتك ونسبتك إلى أبيك، وهذا يكون قطع لنسبٍ لا قذف. فصل [فيمن قال لرجل: لا أبا لك] وقال مالك فيمن قال لرجل: لا أبا لك- لا شيء عليه، إلا أن يريد به ¬

_ (¬1) في النوادر: مَا أقول. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 322. (¬3) الذي وقفت عليه في النوادر والزيادات: 14/ 323. من قول ابن الماجشون أنه يحد، قال ابن أبي زيد: قال مطرف وابن الماجشون: من قال العربى أو مولى: يا يهودى أو يا أسود- لم يحد، ولو قال: يا ابن الأسود يا ابن النصرانى أو اليهودى فإنه يحد. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 328. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 328، 329.

النفي، وهذا مما يقوله الناس في الرضا، فأما من قاله في مشاتمة وغضب، فذلك شديد، وليحلف أنه ما أراد نفيًا (¬1)، فإن قال: لا أم لك فلا شيء عليه. وقال ابن القاسم فيمن قال لرجل: لست ابن فلان، يعني: جده، وجده كافر- حد عند مالك؛ لأنه قطع نسبه. وإن قال لأبيه الكافر ليس أبوك لأبيه لم يحد (¬2). وقال ابن نافع في كتاب المدنيين: يحد وإن قال ذلك للكافر (¬3)؛ لأنه قطع نسب المسلم. وهذا أقيس (¬4)، إلا أن يريد ابن القاسم التفرقة: أنه إذا نفاه من جده أن سبب انقطاع النسب لأن أمك زنت بك، ولأن أباك ولدك في زنى، فهذا يَحْسُنُ إذا كان الأبوان أو أحدهما حرًا مسلمًا. ومن قال لرجل: لست لأمك- لم يحد، ومن قال لرجل: لست ابن فلان -ينسبه لغير أبيه- حُدَّ إلا أن يكون ذلك على وجه الاستفهام. ومن قال لرجل: أنت (¬5) ابن فلان -ينسبه لغير أبيه- حد إلا أن يكون ذلك على وجه الاستفهام. وإن قال: أنت ابن فلان -يريد: جده لأبيه أو لأمه- لم يحد، وقال ابن القاسم: وإن كان في مشاتمة؛ لأن الجد للأم أب، لقول الله سبحانه: {وَلَا ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 322، 327. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 326. (¬3) زاد في (ف): (لحد). (¬4) في (ق 6): (أبين). (¬5) في (ق 6): (لست).

تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ. . .} الآية [سورة النساء آية: 22]، فلا يجوز لابن الابنة أن ينكح ما نكح (¬1) جده لأمه (¬2). وإن قال: أنت ابن فلان -يريد: عمه أو خاله أو زوج أمه- حُدَّ. وقال أشهب: في جميع ذلك لا حد عليه إلا أن يكون في مشاتمة (¬3). قال محمد في الجد: قول ابن القاسم أحب إلينا، إلا أن يكون ثم من يعرف أنه أراد القذف، مثل أن يكون جده قد اتهم بأمه وإن كان ذلك خفيفًا، وإلا فلا حد عليه، فقد يكون الجد للأب (¬4) أو للأم شديدًا أو فيه بذاءة، فيقول: أنت ابن فلان -أي: خرجت مثله- قال: وقول أشهب أحب إلينا إذا لم يكن في مشاتمة، وقاله أصبغ، واحتج بقول الله سبحانه: {قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا} (¬5). ¬

_ (¬1) قوله: (ما نكح) يقابله في (ق 6): (زوجة). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 495. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 325. (¬4) في (ق 6): (أبو الأب). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 325.

كتاب الحدود في القذف

كتاب الحدود (¬1) في القذف (¬2) ومن المدونة: وإذا شهد على رجل أنه وطئ هذه المرأة، وقال الواطئ: هي امرأتي أو جاريتي، ولا يُعْلَمُ ذلك إلا من قوله، قال: يُحَدُّ، إلا أن يقيم البينة أنها امرأته أو جاريته، إلا أن يكون قدم بها من بلده (¬3)، فلا يحد (¬4) إذا قال: هي امرأتي أو جاريتي، وأقرت له بذلك، إلا أن تقوم البينة بخلاف ذلك (¬5). قال الشيخ - رضي الله عنه -: فأثبت الحد في المقيمين، ولم يحملهما (¬6) على التصديق؛ لأن النكاح والملك لا يخفى، فإن لم تكن شبهة من شاهد أو سماع حُدَّا (¬7)؛ لأنهما أتيا بما لا يشبه، وأسقط الحد باجتماع ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكونا طارئين، وقدم بها، وأقرت له، فيكونا قد تصادقا على الحلال، فإن كان أحدهما طارئًا والآخر مقيمًا- حُدَّا جميعًا كالمقيمين؛ لأنه لا يخفى النكاح والملك في الإقامة. وإن كانا طارئين (¬8) ولا يعلم هل قدم بها أم لا، أو قدما مفترقين في رفقتين (¬9)، وكان نزول أحدهما على الآخر -يريد: يدعيان الزوجية والملك- لم ¬

_ (¬1) في: (ق 7): (الحد). (¬2) من هنا يبدأ كتاب القذف في النسختين (ق 7) و (ف). (¬3) في (ق 6): بلد بعيد. (¬4) في: (ق 7): (يحدان). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 477. (¬6) في: (ف): (يحملها). (¬7) في: (ف): (حد). (¬8) قوله: (وقدم بها وأقرت. . . وإن كانا طارئين) ساقط من (ق 2). (¬9) قوله: (في رفقتين) ساقط من (ق 7).

يحدا، وإن كان قدومهما معًا أو مفترقًا إلا أن نزولهما مفترقًا -كُلُّ واحدٍ في محلة- ولا يدعيان زوجية ولا ملكًا حتى أخذا- حُدَّا ولم يُصدّقا، لما تقدم من الدليل قبل ذلك على كذبهما، وإذا لم تصدقه المرأة على الزوجية ولا على الملك- حُدَّا (¬1)؛ لأن الغالب صدقها وكذبه، ولأن حملهما (¬2) على الزوجية أو الملك إذا تصادقا عليه لم يكن؛ لأن ذلك ثبت حقيقة، وإنما ذلك دراءة (¬3) حد بالشبهة، لإشكال الأمر مع إمكان أن يكون زنى، فإذا كذبته ضُعِّفَ قوله؛ لأن الغالب صدقها، ولا تتهم أن يكون (¬4) ذلك حلالًا، وتقول: إنه زنىً، فتكشف (¬5) نفسها وتلحق (¬6) أهلها معرة وتجلد أو ترجم إذا اعترفت أنها ثيب. وعكسه أن تقول هي: هو زوجي، وكذبها وقال: زنيت بها- فإنهما يحدان جميعًا. وقال محمد: إذا كانا طارئين وادعت أنه زوجها، لم يقبل قولها إلا أن يقر لها أنها زوجته، فإن لم يقر لم يلحق به الولد وحدت. وهذا مثل (¬7) مذهب ابن القاسم أنه لا يسقط الحد إلا باجتماعهما على أنه حلال، فإن قال: زنيتُ بها، وأتت بهذا الولد- حُدَّا جميعًا؛ لأنه لا يتهم أن ينفي ولده، ويجلد أو يرجم مع كونه حلالًا. ¬

_ (¬1) قوله: (حدا) في: (ق 7): (حد). (¬2) في: (ق 6): (حملهم). (¬3) قوله: (دراءة) في: (ق 6): (درأة). (¬4) قوله: (زنا فإذا كذبته. . . ولا تتهم أن يكون) ساقط من (ق 7). (¬5) قوله: (فتكشف) في: (ق 7): (تكسب). (¬6) قوله: (تلحق) ساقط من (ق 7). (¬7) قوله: (مثل) ساقط من (ق 7).

فصل [فيمن وطئ امرأة فادعى أنها أمته وادعت أنه زوجها]

وقال محمد في كتاب الإقرار الأول: القول قول المرأة إن (¬1) كانا طارئين، ولا ينظر إلى قول الزوج أنه زنى بها؛ لأنها مدعية الصحة والحلال، وهو مدعي الفساد والحرام مع ما يجب عليه من الحد في (¬2) قذفه إياها (¬3). وعلى قوله هذا لا يحد إذا ادعى هو (¬4) الحلال، فقال: هي زوجتي أو أمتي (¬5)، فأنكرته وقالت: أنا حرة لست بأمة ولا زوجة. ولو قال: لم أتزوجها، ولا أصبتها بحلال ولا بحرام- لم تحد هي؛ لأن جحوده الإصابة جملة أضعف من إقراره على نفسه بالحد، وقد علم من غير واحد أنه جحد الزوجية عندما يطلب بصداق أو غيره لم تشهد عليه البينة بذلك. فصل [فيمن وطئ امرأة فادعى أنها أمته وادعت أنه زوجها] وأما حالهما في المستقبل فإذا سقط الحد لقدومه بها أو لغير ذلك من الوجوه المتقدم ذكرها وتصادقا على الزوجية أو ملك (¬6) اليمين -تركا على ذلك، ولم يعرض لهما، وجريا على ما توجبه الزوجية أو ملك اليمين من الموارثة أو البيع. ¬

_ (¬1) في (ف): (وإن). (¬2) قوله: (في) في: (ق 7): (و). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 406. (¬4) قوله: (هو) ساقط من (ق 6). (¬5) قوله: (هي زوجتي أو أمتي) في: (ق 6): (زوجة أو أمة). (¬6) في (ق 6): (وملك).

فصل [فيما لو كان الزوجان غير طارئين فشهدت البينة بالإصابة أو بالخلوة]

وإن اختلفا فقال: هي أمتي، وقالت: هو زوجي، أو قال: زوجتي، وقالت هي: أمته- جاز أيضًا بقاؤه عليها وإصابته لها؛ لأن اختلافهما يتضمن جواز ذلك، ولم يجز له بيعها، لاعترافه على نفسه أنها حرة. ويفترق الجواب في الميراث، فان قال: زوجتي، وقالت: أمته- لم ترثه إن مات، وورثها إن ماتت، وميراثه منها على حسب الزوجية، النصف أو الربع، ولا يرث الجميع؛ لأنه منكر للملك. وإن قال: أمتي، وقالت: زوجته- كان القول قولها أنها حرة، فإن ماتت، ورث النصف أو الربع حسب ما تقدم. وفي ميراثها منه نظر، فيصح أن يقال: ترثه للحكم لها أنها حرة، ولا يصح أن تكون حرة تحت رجل إلا بزوجية، وقد يقال: لا ترث؛ لأن الزوجية لم تثبت، ولأنه ممكن أن تكون أمته، وإنما قضي لها بالحرية بظواهر الأحكام، وإذا كان ذلك فلا ترث بالشك، ولأن ميراثه منها بإقرارها لا بدعواه، ولا نورثها منه بدعواها، وإن أقرت (¬1) أنها أمة ولم تقر (¬2) أنها لأحد- كان القول قوله. فصل [فيما لو كان الزوجان غير طارئين فشهدت البينة بالإصابة أو بالخلوة] واختلف إذا كانا غير طارئين، فشهدت البينة بالإصابة أو بالخلوة أو اعترفا (¬3) بالإصابة، وزعما أنهما زوجان، فذهب ابن القاسم أنه غير مُصَدَّقٌ، ¬

_ (¬1) في (ق 7): (أقر). (¬2) في (ق 7): (يقر). (¬3) في (ق 7): (واعترفا).

ويُحَدُّ في الوجهين جميعًا، إلا أن يثبت (¬1) ما قال أو يأتي بشبهة من (¬2) شاهد عدل أو سماع أنه تزوجها (¬3). قال ابن القاسم وعبد الملك بن الماجشون في كتاب ابن حبيب: الشاهد الواحد لهما بالنكاح أو معرفة ابتنائهما باسم النكاح، وذكره وإشهاره يسقط (¬4) الحد (¬5). وخالف أشهب في الوجهين جميعًا، فأوجب الحد إذا شهدت البينة بالإصابة، وإن أتيا على قولهما بشبهة أسقط إذا لم تشهد البينة بالإصابة، ولم يكن إلا قولهما: إِنَّا زوجان، وإن (¬6) لم يأتيا على ذلك بشبهة، وقال: ولا يؤخذان بغير ما أقرا به. واختلف أيضًا إذا اختلفا، فقال: تزوجتها، وقالت: زنى بي، والبينة على الخلوة دون الإصابة، فقال في المدونة: يحدان جميعًا (¬7). وقال أشهب في كتاب محمد: لا حد على الزوج، وتحد المرأة حد الزنى، ولا تحد حد القذف (¬8). ¬

_ (¬1) في (ق 7): (تثبت). (¬2) قوله: (من) ساقط من (ق 6). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 208. (¬4) في (ق 6): (واشتهاره) وفي (ف): (وإشهاره ويسقط). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 566، 567، وعزاه إلى الواضحة عن ابن الماجشون وأصبغ. ولفظ النوادر: (والشاهد الواحد لهما بالنكاح أو معرفة أبنائهما باسم النكاح وذكره وإشهاده، فهو كالأمر الفاشي من نكاحهما. قاله ابن الماجشون وأصبغ). (¬6) قوله: (إن) ساقط من (ق 7). (¬7) انظر: المدونة: 4/ 508. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 253.

وقال عبد الملك في المبسوط: إذا شهدت البينة بالإصابة ثم غابت المرأة فقال كانت زوجتي وقد طلقتها أو أمتي وقد بعتها وهو معروف أنه غير ذي زوجة ولا جارية فهو مصدق ولا يكلف بينة. وقال عبد الملك بن الماجشون: لو قال رجل وطئت البارحة فلانة بنكاح أو اشتريت أمة فلان (¬1) فوطئتها- لم يحد، ولم يكلف البينة، قال: وقد غلط فيه بعض من يشار إليه (¬2). وقول ابن القاسم في السؤالين جميعًا (¬3) المبتدأ (¬4) بهما أحسن، أنه يسقط الحد وإن عاينت البينة الإصابة إذا أتيا بشبهة أو سماع، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ادْرَؤوا الحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ" (¬5) وهذه شبهة ولا تسقط إذا لم تعاين البينة، واعترفا بالإصابة ولم يأتيا بشبهة؛ لأن الغالب من النكاح البينات أو السماع، وكذلك ينبغي أن يكون الجواب إذا أقرت وادعى أنها زوجته أو أمته (¬6) ولم تعلم له زوجة ولا أمة، إلا أن تكون (¬7) الشهادة عليه بعد إن طال الأمد، فيقبل قوله في الأمة إذا قال: بعتُها. ¬

_ (¬1) قوله: (فلان) ساقط من (ق 7). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 252. (¬3) قوله: (جميعا) ساقط من (ق 7). (¬4) في (ف): (المبدأ) وفي (ق 6): (المبدوء). (¬5) سبق تخريجه في كتاب الحج الثالث، ص: 2091. (¬6) قوله: (أقرت وادعى أنها زوجته أو أمته) يقابله في (ق 6): (قرب منه)، وأشار إلى ما أثبتناه في حاشية (ق 6). (¬7) قوله: (الجواب إذا. . . إلا أن تكون) ساقط من (ق 2).

فصل [فيمن وطأ جارية لرجل أو امرأة، وقال: قد اشتريتها أو تزوجتها]

فصل [فيمن وطأ جارية لرجل أو امرأة، وقال: قد اشتريتها أو تزوجتها] وإذا شهدت البينة على رجل أنه أصاب هذه الأمة، وقال: اشتريتها من سيدها، وكذبه السيد، وقال: لم أبعها منه- حد (¬1)، ولم يكن اختلافهما شبهة ترفع الحد، إلا أن يثبت ما قاله الواطئ أنه اشتراها بشاهدين أو بشاهد وامرأتين. واختلف إذا ثبت ملكها للواطئ باعتراف صاحبها أو بيمين الواطئ بعد نكول السيد أو بشاهد ويمين، فقال ابن القاسم: لا حد عليهما، وقال أشهب: يحدان إلا أن تشهد للواطئ بينة (¬2). واتفقا على أنه إذا تقدم حوز الواطئ لها قبل الرؤية أنه لا يحد وأن اختلافهما شبهة إذا قال: اشتريتها منه، وإن لم يكن حوز ينقل ملكًا مثل أن ترى عنده الشهر وشبهه (¬3) ولا يدرى هل ذلك بيع أو هبة أو إيداع، فإن لصاحبها أن يحلف ويأخذ أمته وقيمة ولدها إن كانت ولدت. وقال ابن القاسم في العتبية فيمن ادَّعى جاريةً بيد رجل، وقال الذي هي بيده: اشتريتها من سوق المسلمين، وهو مقر بوطئها وأثبت المدعي البينة أنها له - قال: يدرأ عنه الحد (¬4). ¬

_ (¬1) في (ف): (حدا). وانظر: النوادر والزيادات: 14/ 253. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 393. (¬3) في (ق 7): (ونحوه). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 9/ 218.

ولو قال اشتريتها منك ولا بينة له، لدرئ عنه الحد إذا كان ممن لا يتهم. وقال يحيى بن عمر: هذا خلاف ما في كتبهم ولا يعجبني (¬1). وقول ابن القاسم في العتبية أحسن؛ لأن محمل من استحق من يده شيء على أنه غير غاصب، وله الغلات حتى يعلم غير ذلك. وكذلك إذا قال: اشتريتها منك لم يحد؛ لأنه لم تشهد عليه بينة بالإصابة، وكان عنده أخف مع كونه (¬2) أنه ليس من أهل التهم، وكثير من الناس لا يشهدون على البيع، فكان أخف من النكاح الذي شأنه البينات والإشهاد (¬3)، ومحمل الجواب في هذه المسائل على أن الجارية وجدت عنده في داره أو بيته (¬4)، ولو وجد معها في خراب أو في غير دار مالكها لَحُدَّ، صدقه المالك على البيع أم لا، وهو في هذا بمنزلة من نقب أو كسر الباب وأخذ المتاع، ثم قال أرسلني المالك، فإنه يقطع، صدّقه المالك على ذلك أم كذبه، إلا أن يكون الواطئ ليس من أهل التهم ويأتي على ذلك بعذر، مثل أن تكون له زوجة فيقول: غارت عليَّ، فأردتُ كتمان ذلك عنها، فقد يعذر. والجواب إذا أصاب أمة زوجته، وادعى شراءها مثل ما تقدم: إن كذبته حد، وإن صدقته لم يحد، وإن كذبته ثم عادت فصدقته- لم يحد، وبهذا قضى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وهذا حجة لابن القاسم على أشهب في قوله: أن لا حد على الواطئ إذا لم تشهد البينة على الوطء (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 254. (¬2) في (ق 6): (كونها). (¬3) في (ف): (والاشتهار). (¬4) قوله: (أو بيته) ساقط من (ق 6). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 8/ 393.

فصل [فيمن قتل رجلا فادعى أنه وجده مع امرأته]

واختلف في حد المرأة إذا كذبته ثم صدقته، فقيل: تحد بقذفها إياه. وقيل: لا حد عليها. واختلف في الوجه المسقط لحدها، فقيل: لأنها بمنزلة من قذف رجلًا بزوجته. وقيل: لأنها غيرة (¬1)، والغيرة تذهب بالعقل، وعلى هذا التعليل يحد المالك إذا كان أجنبيًا، وقال: زنى بأمتي، ثم قال: بعتها منه. وقد يُفَرَّقُ بينهم وبين من قذف رجلًا بزوجته؛ لأن قذف الرجل بزوجته (¬2) لا تلحقه فيه معرة؛ لأنه مما يعلم كذبه، ومن قذف رجلًا بأمة لم يعلم شراءها تلحق به المعرة، وكذلك لو قالت امرأة: زنى بي هذا، وقال: تزوجتها- يُحَدُّ الرجل (¬3) عند ابن القاسم (¬4)؛ لأنه يرى الحد عليهما جميعًا، فأشبه من قذف محدودًا في الزنى، ولم يحد عند أشهب للقذف؛ لأنه يقول فيمن قذف وزنى؛ يحد حد الزنى، ويدخل حد القذف في حد الزنى. قال الشيخ -رحمه الله-: وسقوط الحد في جميع هذه المسائل كلها (¬5) أحسن، للشبهة في تصديقه بالبيع هل أراد شراء أم لا؟ فصل [فيمن قتل رجلًا فادعى أنه وجده مع امرأته] وإذا قتل رجل رجلًا، ثم قال: وجدته مع امرأتي، فإنه لا يخلو من ثلاثة أوجه: إما أن يكون لم يُعْلَمْ بذلك إلا من قوله، أو تكون له بينة على إصابته ¬

_ (¬1) في (ق 7): (غيرى). (¬2) قوله: (لأن قذف الرجل بزوجته) ساقط من (ق 7). (¬3) قوله: (يحد الرجل) يقابله في (ق 6): (تحد للرجل). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 508. (¬5) قوله: (كلها) زيادة من (ق 6).

لزوجته (¬1)، أو يأتي لذلك بلطخ أو دليل، وإن لم يكن إلا مجرد قوله- لم يقبل منه، وقتل به. وإن شهد أربعة له بما قال، وأنهم رأوا الفرج في الفرج- لم يقتل به، ثيبًا كان القتول أو بكرًا. واختلف في الدية إذا كان بكرًا، فقال ابن القاسم: الدية على عاقلته. وقال المغيرة: لا شيء عليهم إذا جاء بأربعة. وقد أهدر عمر دم غير واحد (¬2). وإن لم تشهد بينة وأتى على ذلك بلطخ لم يقبل منه. قال محمد: إن ظهر عذره، مثل أن يُرَى يَنقبُ البيت، فتَسورَ عليه فقتله، وقال: وجدته مع امرأتي- فلا قود عليه. قيل: فلو كان ذلك فاشيًا ظاهرًا قد كثير فيه الذكر، ولعله تقدم إليه واستأذن عليه، ثم وجده في بيته فقتله. قال: لا أظنه ينفعه ذلك لخوف أن يكون اختدعه حتى أدخله بيته (¬3). وقال سحنون: إذا نادى به وأشهد عليه بامرأته أو جاريته، ثم قتله بعد ذلك- لم يكن عليه شيء، قال: وكذلك لو أشهد عليه وهو غائب وعلم أن المشهود عليه علم بذلك، ثم وجد مقتولًا في بيته (¬4). وعن ابن القاسم نحوه إذا قتله وقتل امرأة نفسه، وذكر مثل ذلك عن سعيد بن المسيب وربيعة (¬5). ¬

_ (¬1) قوله: (لزوجته) ساقط من (ق 6). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 264. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 224. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 224، 225. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 300. وعزاه ليحيى بن سعيد.

قُلْتُ (¬1): وإذا صح أن يسقط القود بالشّكيِّةِ وإن كان بكرًا أو برؤيته يتسور الدار وبالإشهاد عليه لأجل الغيرة- صح أن يسقط القود إذا شهد عدلان أنه وجد معها في لحاف واحد (¬2)، وإن (¬3) لم يعاينا الفرج في الفرج. ¬

_ (¬1) في (ق 7): (قال الشيخ). (¬2) قوله: (واحد) ساقط من (ق 7). (¬3) قوله: (إن) ساقط من (ق 6).

باب في تزويج المحرمات هل يكون بذلك زانيا؟

باب في تزويج المحرمات هل يكون بذلك زانيًا؟ ومن المدونة (¬1) قال ابن القاسم فيمن تزوج خامسة أو امرأة طلقها البتة قبل أن تنكح زوجًا غيره أو أخته من النسب أو الرضاع أو شيئًا من ذوات المحارم عامدًا عارفًا بالتحريم- حد في قول مالك، ولا يلحق فيه النسب، وإن تزوج امرأة في عدتها أو امرأة على عمتها أو خالتها أو نكاح متعة، فإنه يعاقب ولا يحد (¬2). قال الشيخ -رحمه الله-: المحرمات من النساء ثلاث: مُحَرَّمَةٌ لعينها بكتاب الله -عز وجل-، كالأم والأخت والبنت وما أشبه ذلك، والناكح إذا كان عالمًا أنها أمه أو أخته وعالمًا بتحريم ذلك زان. ومُحَرَّمَةٌ بسبب تحل بزواله، كالخامسة- تحل إذا طلق إحدى الأربع، والمبتوتة تحل بعد زوج، والأخت على أخت- تحل إذا طلق الأولى، والمرأة في عدتها تحل بانقضاء العدة، فيتزوج إحداهن وهو عالم بتحريمها. واختلف هل يعد زانيًا، فقال مالك في الخامسة والمبتوتة: يحد، وفي المعتدة لا يحد (¬3). ولا فرق بينهن. وفي كتاب محمد في نكاح الأخت على الأخت يحد (¬4). ولأصبغ في كتاب ابن حبيب أنه يعاقب ولا يحد، قال: وإن نكح المبتوتة وهو عالم- لا يحد، للاختلاف ¬

_ (¬1) قوله: (ومن المدونة) ساقط من (ق 7). (¬2) انظر: المدونة: 40/ 477. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 477، 481، 485. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 270.

في ذلك، وأما التي يطلقها ثلاثًا فإنه يحد وقيل في المعتدة أنه يحد (¬1). واختلف في المُحَرَّمَةِ بالسُّنَّةِ، فقال ابن القاسم في المدونة: يعاقب ولا يحد (¬2). وقال ابن نافع وغيره في شرح ابن مزين في نكاح المتعة أنه يحد إذا كان عالمًا بتحريم ذلك. والأشبه فيما كان محرمًا الآن ويحل بعد ذلك، أن يجري على النكاحات الفاسدة، ولا يحمل على أنه زنىً. وإن تزوج ابنة زوجته ودخل بها، ولم يكن دخل بالأم- لم يحد؛ لأنها تحل له لو طَلَّقَ الأم. وإن كان دخل بالأم حد، وكذلك إن تزوج أم امرأته، فإن كان دخل بالابنة حُدَّ، وإن لم يدخل بها لم يحد، لاختلاف الناس في عقد الابنة هل يحرم الأم؟ وإن تزوج زوجة أبيه أو زوجة ولده- حُدَّ إذا كان عالمًا بتحريم ذلك. وفي الترمذي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رجلًا تزوج امرأة أبيه، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتله (¬3). ومحمل الحديث على أصل مالك أنه كان محصنًا، وأن القتل كان رجمًا بالحجارة. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 270، 271. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 477. (¬3) حسن غريب، أخرجه الترمذي: 3/ 643 في باب فيمن تزوج امرأة أبيه، من كتاب الأحكام، برقم (1362) من حديث أبو بردة بن نيار - رضي الله عنه -، وقال: حسن غريب.

فصل [فيمن وطأ من لا يحل له وطؤها بملك يمين أو بنكاح من قرابة أو غيرها]

فصل [فيمن وطأ من لا يحل له وطؤها بملك يمين أو بنكاح من قرابة أو غيرها] قال محمد: ومن اشترى شيئًا مما يجب عليه الحد فيه في النكاح، ولا يعتق عليه بحكم بوطئه بملك اليمين- لم يحد وإن كان عالمًا بتحريم ذلك، إن كانت أمه من الرضاعة أو أخته أو أخت امرأته من الرضاعة (¬1) أو عمته أو خالته (¬2) أو بنت الأخ من النسب أو الأمة (¬3) المجوسية (¬4). ولو نكح شيئًا من ذلك لوجب عليه الحد، ولو اشترى من يعتق عليه فلم يعتق حتى وطئها- رُجِمَ إن كان محصنًا، وأتى ذلك وهو عالم أنها محرمة -يريد: وهو من أهل الاجتهاد- ورأيه أنها حرة بنفس الشراء، وإن كان رأيه ألا عتق أو كان مقلدًا وهو يقلد من لا يرى العتق- لم يحد، ولو وطئ المرأة من تملكه حدت. وقال محمد فيمن تزوج مجوسية وهو عالم بتحريم ذلك - رُجِمَ (¬5). وقال ابن القاسم في كتاب النكاح الثالث في المسلمة تتزوج النصراني: لا أرى في ذلك حدًا وإن تعمداه، ولكني أرى العقوبة إن لم يجهلوا (¬6). وهذا أصل واحد فتحريم المسلمة على النصراني كتحريم المجوسية على ¬

_ (¬1) قوله: (من الرضاعة) ساقط من (ق 7). (¬2) في (ق 7): (أو عمتها أو خالتها). (¬3) في باريس (ولا). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 271. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 270. (¬6) انظر: المدونة: 2/ 212.

المسلم، فعلى قول محمد في المسلم يتزوج المجوسية: إنه يحد، تُحَدُّ المسلمة إذا تزوجت النصراني، وعلى قول ابن القاسم في المسلمة: لا تحد إذا تزوجت النصراني، سقط الحد عن المسلم إذا تزوج المجوسية، فأسقط الحد في أحد القولين لما كان يصح أن تحل يومًا ما بأن تسلم المجوسية أو يسلم النصراني، وكان بمنزلة المطلقة ثلاثًا والمتزوجة في العدة؛ لأنها تحل يومًا ما. وإذا تزوجت (¬1) امرأة وهي في عصمة آخر-حدت: فتجلد إن لم يكن دخل بها زوجها الأول، وترجم إن كان دخل بها (¬2)، وإن نعي زوجها فتزوجت ولم يثبت موته- لم تحد؛ لأن ذلك شبهة والنساء يجهلن ذلك. وإن باعت حرة نفسها فأصابها المشتري- حدت: فتجلد إن كانت بكرًا، وترجم إن كانت ثيبًا، ولا حد على المشتري إلا أن يعلم أنها حرة. ولو غصبها رجل فباعها- لم تحد إذا علمت أنها إذا ذكرت (¬3) أنها حرة ولم يقبل منها. وكذلك الأمة تأبق لسيدها، وتمكن رجلًا من بيعها- تحد، وكذلك لو غصبت فاشتراها رجل- حد (¬4) إذا كان عالًا أن البائع لها منه غاصب. وقال محمد: إذا زوجت الأمة نفسها، وقالت: أنا حرة أو وكلت مَن زوجها، والمتزوج عالم أنها كاذبة وأنها تعدت- لم يكن عليها حد، وعوقبا جميعًا، ويلحق الولد بأبيه غير أنه (¬5) رقيق لسيد الجارية مع أمهم، ولا قيمة على الأب فيهم، وذلك إذا علم أنه كان عالمًا أنها أمة قبل تزويجه أو قبل الوطء أو ¬

_ (¬1) في (ق 6): (تزوج). (¬2) قوله: (زوجها الأول، وترجم إن كان دخل بها) ساقط من (ق 7). (¬3) قوله: (أنها إذا ذكرت) ساقط من (ق 6). (¬4) قوله: (حد) ساقط من (ف). (¬5) في (ق 7): (أنهم).

فصل [في الرجل يعتق أم ولده ثم يطؤها]

قبل الحمل، وإلا لم أرق ولده ولم أقبل قوله، وأراهم أحرارًا، ويتبع أبوهم بالقيمة يوم تستحق أمهم (¬1). فصل [في الرجل يعتق أم ولده ثم يطؤها] واختلف فيمن أعتق أم ولده ثم أصابها في الاستبراء، وقال: ظننتُ أنها تحل لي، فقال ابن القاسم: لا حد عليه (¬2). وقال أشهب في كتاب محمد: يحد، ورأى أن ذلك مما لا يخفى تحريمه، فلا يصدق، بخلاف من طلق ثلاثًا، ثم أصاب في العدة، وقال: ظننت أنها تحل لي؛ لأن الطلاق منه (¬3) رجعي، فقد لا يميز بعض الناس ذلك، والعتق مما لا يجهل أحد أنه يحرم ويرفع الملك. وقال ابن القاسم فيمن ارتدت أم ولده، ثم أصابها وهو عالم أنها حرام عليه: لم يحد (¬4). فأسقط الحد؛ لأن ارتدادها لا يسقط ملكه عنها، ولا تعتق عليه بلا خلاف. ولا حد فيمن وطئ بملك اليمين. وإن كان هو الذي ارتد، ثم وطئها في حال كفره أو بعد أن رجع إلى الإسلام، وهي طائعة- لم تحد هي عند ابن القاسم (¬5)؛ لأن ارتداده لا يسقط ملكه عنها، وتحد على قول أشهب (¬6)؛ لأنه ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 272. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 481. (¬3) قوله: (منه) ساقط من (ق 6). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 481. (¬5) انظر: المدونة: 2/ 537 (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 137.

قال في كتاب محمد: هُنَّ أحرارٌ (¬1) بمنزلة امرأته. فإذا كانت عنده حرة بنفس ارتداده- وجب أن تحد إذا كانت ممن ترى ذلك، ولا حد عليه هو إذا أصابها في حال كفره؛ لأن الكافر لا يحد إذا زنى. ويختلف في حده إذا أصابها بعد أن رجع إلى الإسلام، فلا يحد على قول ابن القاسم، ويحد على قول أشهب. وأما ارتداد أحد الزوجين، فإن الجواب فيهما سواء إذا ارتد أحدهما، فإنه يختلف في حد الباقي على الإسلام منهما إذا أصاب في حال الارتداد، فالظاهر من المذهب أنه لا حد عليه. وقال محمد بن المواز إذا ارتدت الزوجة فأصابها وهو عالم بتحريمها: إنه يرجم، وكذلك عنده لو ارتد هو فأصابها طائعة لرجمت. يريد: لأن الارتداد طلقة بائنة (¬2). والصواب: ألا حد عليه؛ لأن الحكم في الزوجية عند الارتداد مما يجهله كثير من الناس، ولأن موجب ارتدادها مختلف فيه، فقال أشهب وعبد الملك: لا يقع عليه طلاق (¬3)، وأن أمره مترقب، فإن عادت إلى الإسلام- كانت على الزوجية من غير طلاق، ولا حد على المرتد منهما؛ لأنه كافر، ولا حد على الكافر إذا زنى. ¬

_ (¬1) قوله: (هُنَّ أحرارٌ) يقابله في (ق 7): (هي حرة). (¬2) في (ق 7): (ثانية). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 591.

فصل [في زنى المحارم]

فصل [في زنى المحارم] ومن زنى بامرأة من ذوات محارمه -أمه أو أخته- أو غيرهما لم يقتل، وحدُّه حد الزاني -الجلد (¬1) - إن لم يحصن، والرجم إن كان محصنًا (¬2)، وإن اغتصبها وكانت بكرًا جلد للزنى وعوقب، لاستكراهه إياها، ولأنه لو كشفها مكرهة، وهو لا يريد ذلك منها لعوقب، والعقوبة ها هنا إذا لم يصب حقا الله تعالى ولها، فإن عفت حَطَّ من العقوبة بقدر التي كان يعاقب بها لو لم تعف. فصل [في جارية بين رجلين فوطئها أحدهما] وإذا كانت جارية بين رجلين، فوطئها أحدهما وهو عالم بتحريم ذلك- لم يحد؛ لأن ملك اليمين يدفع عنه حكم الزنى، وإن أعتق أحدهما نصيبه وهو موسر، ثم وطئها المتمسك بالرق وهو عالم بالعتق، وبيسر المعتق، وبتحريم ذلك - لم يحد؛ لأن ملكه في نصيبه لم يرتفع بعتق الشريك لنصيبه، ولأنها لو ماتت قبل أن تقوم عليه- كانت مصيبة نصيبه منه، ولا رجوع له، (¬3) وإن كانت بكرًا فافتضها وكان العتق بغير إذن شريك- كان على المعتق نصف ما نقصها العتق يوم أعتق، وقيمة نصيب شريكه على أنها ثيب يوم يقام عليه (¬4). وأما فيما بين الأمة والسيد فقال ابن القاسم: إن طاوعته فلا شيء لها ¬

_ (¬1) قوله: (الجلد) ساقط من (ق 6). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 483. (¬3) قوله: (لنصيبه ولأنها. . . ولا رجوع له) ساقط من (ف). (¬4) المدونة: 2/ 554، 555.

عليه، لا من صداق ولا مما نقصها، وإن استكرهها، كان عليه نصف ما نقصها بمنزلة ما لو جرحت، فإن لها نصفه ولسيدها نصفه (¬1). قُلْتُ: (¬2) وقد اختلف في جرحها، فقيل: لها جميعه دون السيد، بمنزلة مالها. وقيل: جميعه للسيد، بمنزلة (¬3) لو قتلت. وعلى هذا يجري الجواب فيما يكون لها على الاستكراه يكون لها جميعه على أحد الأقوال، وعلى القول الآخر لا يكون لها على السيد شيء. والقول الأول أحسن أن يكون بينهما نصفين، ويلزم على القول بالسِّرَايَةِ أن يكون لها صداق المثل إذا أكرهها أو طاعت، وهي تظن أنه يلزمها أن تمكنه، لمكان ما له فيها من الرق، وهو لا يجهل ذلك، ويدرأ الحد للاختلاف. وإن أعتق أحدهما جميعها، ثم وطئها الآخر، فإن كان المعتق موسرًا والواطئ عالمًا بعتق شريكه ويسره، وهو ممن يرى أن عتق شريكه يلزمه، ولا خيار له فيه (¬4) - حد الواطئ، وإن كان المعتق معسرًا أو موسرًا ولا علم عند الشريك من عتقه أو علم بعتقه ولم يعلم بيسره أو علم ذلك وكان ممن يجهل ويظن أن عتق الشريك لا يلزمه أو كان من أهل الاجتهاد ومن مذهبه أن ذلك لا يلزمه وأن له أن يعتق نصيبه ويرد عتق شريكه فيه- لم يحد. وهذا أصل ابن القاسم، فقد قيل: أن للشريك أن يرد العتق في نصيبه على كل حال، وقد مضى ذلك في كتاب العتق الأول. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 480. (¬2) قوله: (قلت) ساقط من (ق 7). (¬3) في (ق 6): (بمنزلتها). (¬4) قوله: (له فيه) في (ف): (لها في).

وقال ابن القاسم: إذا كان المعتق موسرًا، ولم يقم عليه شريكه حتى أعسر، فإن علم الآخر بعتقه فتركه، ولو شاء قام عليه- كان العتق ماضيًا. وإن لم يعلم أو كان غائبًا- كان على حقه إذا أعسر (¬1). وقال سحنون: العتق ماض على كل حال، ولا يرد (¬2). وهو أبين؛ لأنه إذا كان عنده أن عتق الشريك لجميعها تكون به حرة إذا كان موسرًا أو لا خيار للشريك- لم يكن فرق بين أن يعلم أو لا يعلم، وإن وطئ مكاتبته أو مكاتبة بينه وبين آخر - لم يحد؛ لأن الكتابة لم ترفع ملكه فيها (¬3)، ويفترق الجواب فيما يكون للمكاتبة على الواطئ إذا أصابها طائعة أو مكرهة، وكان جميعها له أو كانت شركة بينه وبين آخر، وقد مضى ذكر ذلك في كتاب المكاتب. وقال ابن القاسم فيمن قال: زنيت بفلانة: يحد حدين، حد الزنى وحد القذف، إلا أن يرجع، فيسقط حد الزنى، ويحد (¬4) حد القذف (¬5). وقال أشهب: يحد مائة لا غير ذلك؛ لأنه عنده لا يخلو أن يكون صادقًا فهو زان غير قاذف، أو كاذبًا فهو قاذف غير زان، فإنما عليه حد واحد فيحد أكثرهما (¬6). وقول ابن القاسم أحسن؛ لأنه لا ترتفع المَعَرَّةُ عنها بضرب المائة، وإنما ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 480. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 12/ 288. (¬3) زاد في (ق 6): (عنها). (¬4) في (ف): (ويثبت). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 482. (¬6) انظر: المعونة: 2/ 334.

يقع عند الناس أنه ضرب مائة لزناه، وذلك آكد في إثبات ذلك عليها وزيادة المعرة، ولا ترتفع المعرة إلا أن يضرب حد القذف ثمانين. واختلف فيمن قذف رجلًا بالزنى، وهو يعلم من نفسه أنه زنى، فقال مالك وابن القاسم في المدونة: له أن يقوم بحده، وبحد قاذفه (¬1). وقال محمد بن عبد الحكم: لا يحل له أن يقوم بحده. وقال ابن القاسم في سماع أبي زيد: إذا كان المقذوف يعلم أن القاذف رآه، وهو يعلم ذلك منه- لم يحل له أن يقوم به. وقول ابن عبد الحكم أحسن، لقول الله -عز وجل-: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [سورة النور آية: 4] وهذا ليس بمحصن. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 486.

باب في اختلاف الشهادات في القذف والقتل

باب في اختلاف الشهادات في القذف والقتل ومن المدونة قال مالك: إذا شهد شاهد على رجل أنه قال لرجل يوم الخميس: يا زاني، وشهد آخر أنه قال له مثل ذلك يوم الجمعة- حد المشهود عليه، قال: لأن الشهادة شيء واحد؛ لأنه كلام. وإن شهد شاهد أنه حلف إن دخل دار فلان فامرأته طالق البتة، وشهد آخر أنه حلف إن ركب دابة فلان فامرأته طالق البتة، ثم شهد عليه شهود أنه دخل تلك الدار وركب تلك الدابة- لم تطلق عليه (¬1). قال الشيخ (¬2): القياس أن تطلَّق عليه؛ لأنهما اتفقا أنها قد حرمت عليه، ولم أره رواية. وقال: إذا اختلفت الشهادة فشهد شاهد أنه رآه (¬3) شَجَّهُ موضحةً وشهد آخر أنه أقر أنه شجه موضحة- ضمت (¬4) الشهادتان؛ لأن الإقرار والفعل شيء واحد. قال: ولو شهد أحدهما أنه ذبحه، وشهد الآخر أنه أقر أنه (¬5) أحرقه بالنار- لرأيت الشهادة باطلًا (¬6). قلت (¬7): لا يخلو الاختلاف في هذه الشهادات من ثلاثة أوجه: إما أن ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 487. (¬2) في (ق 7): (قلت). (¬3) قوله: (رآه) ساقط من (ق 7). (¬4) في (7) و (ف): (تمت). (¬5) قوله: (أقر أنه) ساقط من (ق 7). (¬6) انظر: المدونة: 4/ 487. (¬7) في (ق 6): (قال الشيخ).

يشهدا على المعاينة خاصة، أو على الإقرار، أو أحدهما (¬1) على المعاينة والآخر على الإقرار. فإن شهدا على المعاينة، فقال أحدهما: ذبحه، وقال الآخر: أحرقه، ولم يذبحه- كان تكاذبًا، فإن قام الولي بالشهادتين جميعًا بطلتا. وإن قام أحد منهما (¬2) وكذب الآخر وكان المدعى عليه القتل مُكَذِّبًا لجميعهما- كان للولي أن يقسم على أي الشهادتين أحب، ويقتل على الصفة التي حلف عليها، وله أن يقسم مع أدناهما في العدالة ويقتل؛ لأن الأعدل لم يَدَّعِه واحد منهما، واتفقا على تكذيبه. وإن اعترف القاتل بالقتل، وقام بشهادة من شهد أنه ذبحه، وقام الآخر بشهادة من شهد أنه أحرقه (¬3) بالنار- كانت القسامة (¬4) في جنبة من قام بالأعدل منهما (¬5)، فإن كان الأعدل من شهد بالذبح أقسم معه القاتل وقتل (¬6) بغير حرقٍ. وإن كانت الشهادتان على إقراره- كان للولي أن يقتل بغير قسامة، أو يقسم على أنه أحرقه؛ لأنه يقول: أنا مصدق هذا خاصة، وله أن يقتل بغير قسامة؛ لأن التكاذب لم يكن مِن قِبَلِ البينة. وإنما كان مِن قِبَلِ القاتل أنه اختلف لفظه فأقر عند هذا بشيءٍ، وعند ¬

_ (¬1) قوله: (قلت لا يخلو. . . أو أحدهما) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (أحد منهما) يقابله في (ق 6) و (ف): (بأحدهما). (¬3) قوله: (أنه أحرقه) يقابله في (ف): (بالحرق). (¬4) في (ق 6): (اليمين). (¬5) قوله: (منهما) ساقط من (ق 6). (¬6) قوله: (بالنار كانت. . . أقسم معه القاتل وقتل) يقابله في (ف): (لقسم معه وقيل).

الآخر بخلافه، وهو في ذلك بمنزلة من كان قِبَله لإنسان حق، فجحده، فأثبت عليه شاهدًا (¬1) أنه أقر أن له عنده (¬2) مائة دينار من ثمن سلعة كذا، وشهد (¬3) آخر أنه أقر أنه لم يشترها منه إلا بخمسين، فإن للمشهود له أن يأخذ الخمسين بغير يمين، ويحلف المطلوب على الزائد أو يأخذ المائة بيمين؛ لأن الاختلاف من سبب المقر، وليس من سبب (¬4) البينة. وإن شهد أحدهما بالمعاينة والآخر على إقراره- كان له أن يقوم بهما؛ لأن الاختلاف مِن قِبَلِه: فعل شيئًا وأقر بخلافه. فإن شهد أحدهما بمعاينة الحرق، وأقر عند الآخر بالذبح- كان الولي بالخيار بين أن يقسم مع شهادة (¬5) بالحرق (¬6) ويحرقه، أو يقتله ذبحًا بغير قسامة. وكذلك إذا شهد أحدهما بمعاينة الذبح، والآخر بإقراره بالحرق- كان له أن يقسم مع شاهد الإقرار أو يذبحه بغير قسامة؛ لأن الولي يقول: أنا أصدقك بالإقرار (¬7) لهذا بالقتل (¬8)، ولا أقوم بقولك: إنه كان بالنار. ¬

_ (¬1) في (ف): (شاهد). (¬2) في (ق 7): (عليه). (¬3) في (ق 7): (شاهدا). (¬4) قوله: (المقر له وليس من سبب) ساقط من (ف). (¬5) في (ف): (شاهده). (¬6) في (ق 6): (الحرق). (¬7) قوله: (أصدقك بالإقرار) يقابله في (ف): (أصدقه في الإقرار). (¬8) قوله: (لهذا بالقتل) يقابله في (ق 6): (بهذا القتل).

فصل [في الرجل قذف جماعة هل يحد لجميعهم حدا واحدا؟]

فصل [في الرجل قذف جماعة هل يحد لجميعهم حدًا واحدًا؟] واختلف فيمن قذف جماعة هل يحد لجميعهم حدًا واحدًا أو يحد بعدد من قذف؟ فقال مالك في المدونة: إذا قذف ناسًا شتى في مجالس، فضرب لأحدهم، ثم رفعه آخر بعد ذلك- كان ذلك الضرب لكل قذف كان قبله (¬1). وسواء كان (¬2) عنده علم بالآخرين في حين حده لهذا أو لم يعلم. وقال المغيرة وابن دينار: إن اجتمعوا فقاموا به حد لهم حدًا واحدًا، وإن افترقوا فلكل واحد منهم حد. وذكر ابن شعبان قولًا ثالثًا: أنه يحد بعدد من رمى، وسواء كان القذف مفترقًا أو في كلمة واحدة. واحتج من نصر القول الأول بحديث الإفك (¬3) في قذف عائشة - رضي الله عنها - وصفوان -وهم: حَسَّان وَمِسْطَح، والذي تولى كبره منهم وهو عبد الله بن أبي ابن سلول- أنهم حدوا حدًا واحدًا. وليس السؤالان واحدًا؛ لأن القذف في حديث الإفك شيء واحدٍ (¬4) والكذب على عائشة - رضي الله عنها - كذب على صفوان، والكذب على صفوان كذب على عائشة - رضي الله عنها -. ولو قذف رجل رجلًا بامرأة سماها، فطولب بالمخرج فعجز- لحد ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 487. (¬2) قوله: (كان) ساقط من (ق 7). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري: 4/ 1517، في باب حديث الإفك من كتاب المغازي، برقم (3910)، ومسلم: 4/ 2129، في باب حديث الإفك وقبول التوبة، من كتاب التوبة، برقم (2770). (¬4) قوله: (لأن القذف في حديث الإفك شيء واحد) ساقط من (ف).

حدًا واحدًا بغير خلاف؛ لأن عجزه عن الرجل عجز عن المرأة، فإذا حد لأحدهما ارتفعت المعرة عنه وعن الآخر. ولو اعترف بالكذب (¬1) لأحدهما، كان اعترافًا للآخر، وليس كذلك إذا قذف رجلًا ولم يسم المرأة، أو قذف امرأة ولم يسم الرجل الذي رماها به؛ لأن عجزه عن أحدهما ليس عجزًا عن الآخر، ولا حده له حدًا للآخر. وكذلك الجماعة إذا قذفهم، وحد لأحدهم، لا ترتفع المعرة عن الآخرين، ولا يقال: إنه حُدَّ بهم. وأرى: أن يحد لكل واحد منهم حَدًّا، وسواء كان قذفه إياهم معًا أو مفترقًا، وكان قيامهم معًا أو مفترقًا. وقال فيمن قذف رجلًا وشرب الخمر فجلد للخمر: إِنَّ ذلك لكل ما تقدم من قذف أو شرب خمر (¬2). وهذا أبعد من الأول؛ لأن حده للخمر لا يرفع المعرة عن المقذوف، ولا يقال: إنَّهُ قد ضرب للمقذوف. وقد يحمل هذا وما تقدم من قوله -إذا قذف جماعة أنه يحد حدًا واحدًا- على أحد قوليه: أن القذف حق لله عز وجل، فيكون بمنزلة من تكرر منه شرب الخمر (¬3) أو زنىً أن حدًا واحدًا يجزئ من ذلك، ولا يصح على القول أنه حق للمقذوف؛ لأنه لو قذف عشرة فحد ثمانين- كان الذي ضرب لكل واحد من العشرة ثمانية أسواط. ¬

_ (¬1) في (ف): (بالحد). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 414. (¬3) قوله: (الخمر) ساقط من (ق 7).

كتاب الجنايات

كتاب الجنايات النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ق 2) = نسخة القرويين رقم (370) 3 - (ق 6) = نسخة القرويين رقم (368) 4 - (ق 7) = نسخة القرويين رقم (367)

باب في العبد إذا قتل رجلا له وليان غائب وحاضر فسلمه السيد لأحدهما وقدم الغائب، وفي العبد يقتل حرا خطأ ثم يعتقه سيده أو يبيعه]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كتاب الجنايات (¬1) باب في العبد إذا قتل رجلًا له وليِّان (¬2) غائب وحاضر (¬3) فسلمه السيد (¬4) لأحدهما وقدم الغائب (¬5)، وفي العبد يقتل حرًّا خطأ ثم يعتقه سيده أو يبيعه (¬6)] وإذا قتل العبدُ حرًّا له وليِّان، حاضرٌ وغائبٌ، فصالح الحاضرُ سيدَ العبدِ على أن أخذ جميع (¬7) العبد عن نصيبه، ثم قدم الغائب فإن دفع إليه السيد نصف الدية أُجبر على قبولها، ولم يكن له إلى القتل سبيل، ولا دخول للأول ¬

_ (¬1) قلت: يقع هذا الكتاب كآخر كتاب في ديوان التبصرة في نسخة القرويين (ق 7)، وليس كذلك في نسخه الأخرى، فقد كان ترتيب الديوان في الكتب الفقهية المشتمل عليها مختلفا بين نسخه على ما أشرنا له في مقدمة الكتاب. (¬2) زاد بعده في (ق 7) و (ف): (أحدهما). (¬3) قوله: (وحاضر) ساقط من (ق 7). (¬4) قوله: (السيد) ساقط من (ق 6). (¬5) قوله: (الغائب) ساقط من (ق 6) و (ف). (¬6) قوله: (أو يبيعه) ساقط من (ف). (¬7) قوله: (جميع) ساقط من (ف).

على الآخر (¬1). واختلف في دخول الغائب على أخيه، فقال ابن القاسم مرة: ليس ذلك له. وقال (¬2) مرة: له أن يشاركه في نصف الدية والعبد فيكونان بينهما نصفين إن أحب (¬3). وهو أحسن، وقد تقدَّم القولُ في توجيه (¬4) ذلك في كتاب الصلح. وإن لم يدفع السيد للقادم نصيبه من الدية كان له أن يدخل على أخيه في العبد القاتل، فإن اجتمعا على عفوٍ أو قتل كان ذلك (¬5) لهما، وإن اختلفا كان القول قول مَن عفا بمنزلة من لم يتقدم لهما عفو ولا صلح، وإنما كان للأول أن يعود إلى القتل، وإن كان تقدم منه الصلح؛ لأنه إنما أسقط حقه في القتل ليكون له جميع العبد، فلما استحق من يده نصفه ولم يكن هناك ذمة يتبعها بالقدر (¬6) الذي (¬7) استحق كان له أن يعود إلى القتل، بخلاف أن يكون القاتل حرا لأن للولي ذمة يتبعها (¬8) إذا استحق (¬9) من يده بعض ما صالح عليه، وإن أسلم السيدُ (¬10) العبدَ على إن لم يُجِز الغائب دفع إلى الحاضر نصف قيمة العبد لم يكن ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 575. (¬2) قوله: (قال) ساقط من (ق 2). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 575. (¬4) قوله: (توجيه) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (ذلك) ساقط من (ق 6). (¬6) قوله: (بالقدر) ساقط من (ق 6) و (ف). (¬7) في (ق 6) و (ق 2): (إذا). (¬8) قوله: (الذي استحق. . . للولي ذمة يتبعها) ساقط من (ق 6). (¬9) قوله: (كان له أن يعود إلى. . . ذمة يتبعها إذا استحق) ساقط من (ف). (¬10) قوله: (السيدُ) ساقط من (ق 6).

فصل [في العبد يقتل حرا ثم يعتقه سيده]

للأخ الأول إلى القتل سبيل إن لم يُجز الغائب؛ لأن له ذمة تتبع بذلك. وإن صالح الأول على أن يأخذ العبد (¬1) القاتل وعبدًا آخر معه، ثم قدم الغائب فدفع إليه السيد نصف الدية- جاز ويسقط الدم، وكان الغائب بالخيار، إن أحب تمسك بنصف الدية ولم يدخل على أخيه، وإن أحب دخل عليه وكان العبدان ونصف الدية بينهما. وإن لم يدفع السيد للغائب (¬2) نصف الدية كان له أن يدخل على أخيه (¬3) في نصف العبدين على المستحسن من القولين، وعلى القول الآخر في نصف القاتل وحده، وهذا إذا اجتمعا على العفو أو دعا إليه أحدهما، وإن اتفقا (¬4) على القتل قتلا ورُدَّ الذي لم يقتل إلى سيده. فصل [في العبد يقتل حرًّا ثم يعتقه سيده] وإن قتل العبدُ حرًّا ثم أعتقه سيده فهو على ثلاثة أوجه: فإن لم يعلم سيده بالجناية كان له أن يسلمه رقيقًا للمجني عليه (¬5) أو يفتديه، وإن علم بالجناية وجهل أن ليس له أن يعتقه إلا بعد حملها (¬6) حلف على ذلك وكان له أن يسلمه رقيقًا أو يفتديه، وإن علم بالجناية وأن (¬7) ليس له ¬

_ (¬1) قوله: (العبد) زيادة من (ق 6) و (ق 7). (¬2) قوله: (السيد للغائب) يقابله في (ق 2): (إليه الغائب). (¬3) قوله: (وإن أحب. . . أخيه) ساقط من (ق 7). (¬4) قوله: (اتفقا) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (رقيقًا للمجني عليه) ساقط من (ق 2). (¬6) في (ف): (حمله). (¬7) قوله: (وأن) ساقط من (ق 2).

أن يعتقه إلا بعد (¬1) حملها كان فيها قولان، فقيل: عتقه رضًا بحمل الجناية، وقيل: ليس برضًا. ويحلف و (¬2) تختلف صفة أيمانهما فيحلف الأول لقد جهل ذلك، ويحلف هذا أنه لم يرضَ بحمل الجناية. ومثله إذا وطئ بعد الجناية فحملت، فإنه ينظر هل جهل جنايتها، أو علم، أو لم يعلم وجه الحكم، أو علم بالوجهين جميعًا بالجناية وبالحكم؟ فقال ابن القاسم في المدونة: ذلك رضًا منه بحمل الجناية (¬3). وقال محمد: إن كانت الجناية أكثر (¬4) حلف أنه لم يرضَ بحملها وكان عليه قيمتها، فإن نكل غرم الدية، وإذا حلف السيد بعد العتق في الوجهين جميعًا وافتداه كان رقيقًا (¬5)، وقيل: يكون حرًّا. والأول أحسن؛ لأن السيد يرد العتق من أصله بحقٍّ تقدم، وإذا جاز أن يسلمه رقيقًا جاز أن يفتديه لذلك (¬6)؛ لأن عتقه قد كان (¬7) سقط، فإن كان بيد العبد مال بقدر الجناية أُخذ منه وعتق، وكذلك إن وجد من يعينه ويقضي (¬8) الجناية عنه. ¬

_ (¬1) قوله: (حملها حلف. . . إلا بعد) ساقط من (ق 6). (¬2) قوله: (يحلف و) ساقط من (ف). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 604، 605. (¬4) في (ف) و (ق 6) و (ق 2): (أقل). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 371. (¬6) قوله: (يسلمه. . . لذلك) يقابله في (ف): (يفتديه كذلك). (¬7) قوله: (كان) زيادة من (ف). (¬8) في (ق 2): (يقتضي).

ويختلف هل يُبتدأ بأخذ ماله أو بتخيير السيد؟ فعلى القول إن السيد (¬1) يفتديه للرق (¬2)، يُبتدَأ بماله وبمن يعينه، فإن لم يوجد خُّيرَّ السيد واسترقه (¬3)، وعلى القول إنه يفتديه للعتق (¬4) يبتدأ بتخيير السيد. واختلف إذا لم يكن له مال ولا وجد من يعينه وكان في قيمته فضل على الجناية على ثلاثة أقوال: فقال في المدونة: يباع منه بقدر الجناية ويعتق الباقي (¬5). وفي كتاب محمد: يعتق جميعه على السيد؛ لأنه يستكمل عليه ما قابل الجناية (¬6). وقيل: يسلم جميعه لأهل الجناية ولا يعتق منه شيء؛ لأن الأصل (¬7) في الجناية ألا يباع إلا بعد حملها. واستخفَّ (¬8) ابن القاسم البيع وإن لم تحمل (¬9) الجناية (¬10) لحرمة العتق (¬11). وهو أحسن مثل المدبَّر يموت سيده وعليه دين وقد جنى المدبر جناية، ويفضل العتق بعد أداء الجناية أنه يباع للدَّيْن والجناية، ¬

_ (¬1) قوله: (إن السيد) يقابله في (ق 2): (أنه). (¬2) في (ق 2): (للعتق). (¬3) في (ق 7): (فإن افتداه استرقه). (¬4) قوله: (يُبتدَأ بماله وبمن. . . يفتديه للعتق) ساقط من (ق 2). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 576. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 301. (¬7) قوله: (لأن الأصل) في (ق 2): (والأصل في الجناية). (¬8) في (ف) و (ق 2): (واستحب). (¬9) في (ق 2): (يضمن). (¬10) قوله: (الجناية) زيادة من (ق 7). (¬11) انظر: المدونة: 4/ 576.

وإن لم يضمن (¬1) العتق (¬2) الباقي (¬3)، ولهذا جاز (¬4) أن ينتزع ماله ويعتق وإن لم يضمن الجناية؛ ولأنه إنما منع أن يباع قبل حمل (¬5) الجناية خيفة أن يموت قبل البيع ولا يخشى ذلك في انتزاع المال. وقوله: "يباع ما (¬6) قابل الجناية" دليل على أنه لم ير أن يستكمل على المعتق، ولو كان ذلك لاستكمل (¬7) من غير بيع، وإنما أعتق ذلك القدر من باب لا ضرر ولا ضرار؛ لأن (¬8) السيد برئ منه فكان البيع ليعتق الباقي أولى (¬9) من رقه، كما قيل في الوكيل يشتري من يعتق على الموكِّل وهو عالم وفيه فضل: أنه يباع منه بقدر الثمن ويعتق الباقي. واختلف في العبد يجني جناية وفي قيمته فضل عن الجناية، فيقول السيد: يباع للمجني عليه بقدر الجناية، ويكون الفضل لي، فقيل: ليس ذلك له (¬10) إلا أن يضمن الجناية، وقيل: ذلك له. وهو أحسن (¬11)؛ لأن الجناية معلقة برقبته فيأخذ منها قدر حقه ولا شيء له في الباقي. ¬

_ (¬1) في (ق 7): (يتضمن). (¬2) في (ف) و (ق 2): (ليعتق)، واللفظة غير واضحة في (ق 6). (¬3) في (ق 6) و (ف): (الثاني). (¬4) في (ق 6): (أجاز). (¬5) قوله: (حمل) ساقط من (ق 7). (¬6) في (ق 6): (بما). (¬7) في (ف) و (ق 2): (لايستكمل). (¬8) في (ق 2): (وأن). (¬9) في (ق 2): (في أول). (¬10) قوله: (له) ساقط من (ق 6). (¬11) قوله: (ذلك له. وهو أحسن) يقابله في (ق 2): (له، و).

وقد قال ابن القاسم في المدونة في العبد يبيعه سيده قبل أن يحمل الجناية، قال: أرى (¬1) إن أعطاه الجناية جاز بيعه، وإن باع ولم يعلم بجنايته كان بالخيار بين أن يدفع الجناية ويُمضي بيعه أو يُسلمه (¬2). فيكون لأولياء الجناية (¬3) أن يجيزوا البيع ويأخذوا الثمن أو يردوا البيع ويأخذوه. وكذلك إن علم السيد بالجناية وكان ممن يجهل ويظن أن له بيعه وتكون جنايته عليه، وحلف على ذلك. ويختلف إذا كان عالمًا هل يكون بيعه رضًا بحمل الجناية أم لا؟ قياسًا على (¬4) إذا أعتق وهو عالم بالجناية. وإذا افتدى العبد أو أسلمه فأمضى أولياء الجناية البيع لزم المشتري إن كانت الجناية خطأ، وإن كانت عمدًا كان له أن يرد وإن لم يعلم بجنايته إلا أن يكون العبد معاودًا لمثل ذلك فيكون له أن يرد (¬5). واختلف إذا أسلمه السيد و (¬6) أراد أولياء الجناية نقض البيع وقال المشتري: أنا أدفع لك جنايتك، فقيل: ليس ذلك له. وقيل: له ذلك ويرجع على البائع بالأقل من الثمن أو ما افتكَّه به (¬7). والأول أحسن؛ لأن البائع برئ منه وأسلمه إلى أولياء الجناية فصار ملكًا لهم فلا يباع عليهم إلا برضاهم ولا ¬

_ (¬1) قوله: (أرى) زيادة من (ف). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 582. (¬3) في (ق 7): (القتيل). (¬4) قوله: (على) زيادة من (ق 7). (¬5) قوله: (وإن لم. . . أن يرد) ساقط من (ق 6). (¬6) قوله: (أسلمه السيد و) ساقط من (ق 6). (¬7) انظر: المدونة: 4/ 576.

يلزمهم البيع الأول؛ لأنه تعدٍّ، وإذا أجيز ذلك على القول الآخر وكان في الثمن فضل عن (¬1) الجناية وقف، فإن رجع السيد أو المجني عليه إلى إجازة البيع أخذوه (¬2)؛ لأن المشتري لا حقَّ له فيه. ¬

_ (¬1) في (ق 6): (على). (¬2) قوله: (أخذوه) ساقط من (ق 6)، وفي (ق 2): (أجازه).

باب في العبد يجني وله مال، والأمة تجني وهي حامل، أو تحمل بعد، وفي العبد يجني ثم يؤسر فيباع في المغانم وهل تلزم السيد جناية عبده؟

باب في العبد يجني وله مال، والأمة تجني وهي حامل، أو تحمل بعد، وفي العبد يجني ثم يؤسر فيباع في المغانم وهل تلزم السيد (¬1) جناية عبده؟ (¬2) جناية العبد غير متعلقة بذمة السيد لقول الله -عز وجل-: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [سورة الأنعام آية: 164] إلا أن يكون السيد سبب تلك الجناية مثل أن يجيعه فيتعدى فيسرق، فيختلف هل تلزم السيد أو تبقى الجناية متعلقة (¬3) في رقبة العبد؟ وقد قضى عمرُ بن الخطاب - رضي الله عنه - على حاطب لما أجاع عبيده حتى سرقوا بعيرًا فنحروه بقيمة البعير وثَنَّى عليه قيمته عقوبة له (¬4). فإن أمره السيد بذلك كان للمجني عليه أن يتبع السيد بها قولًا واحدًا أو يتبع بها العبد فيفتدى منه أو يسلم إليه. واختلف إذا أسلم له (¬5) وله مال، فقال ابن القاسم: يسلم بماله (¬6). وقال في أمِّ الولد تجني جناية فقال مالك: تقوم بغير مالها. وقال سحنون: ¬

_ (¬1) في (ق 6): (العبد). (¬2) قوله: (وهل تلزم السيد جناية عبده) ساقط من (ق 2). (¬3) قوله: (متعلقة) ساقط من (ق 6) و (ق 7). (¬4) أخرجه مالك: 2/ 748، في باب القضاء في الضواري والحريسة، من كتاب الأقضية، برقم: (1436)، والشافعي في مسنده: 1/ 224، من كتاب اختلاف مالك والشافعي - رضي الله عنهما -، برقم (1099). (¬5) قوله: (له) ساقط من (ق 6) و (ق 7). (¬6) انظر: المدونة: 4/ 610.

من أصحابنا من يقول تقوم بمالها (¬1). فعلى قول مالك في أمِّ الولد يقوم العبد بغير ماله. وإن جنت الأمة وهي حامل أسلمت على هيئتها وكان الحمل للمجني عليه، فإن وضعت قبل أن تُسلم لم يُسلم الولدُ معها، وأن يُسلم أحسن (¬2). واختلف إذا حملت بعد الجناية ثم وضعت هل يسلم الولد معها؟ (¬3) وأن يسلم (¬4) أحسن. ويلزم على قوله إذا كانت حاملًا وقت الجناية ثم وضعت ألا يُسلم الولد معها إذا أُسلِمَت وهي حامل، وأن يكون الولد للسيد الأول والاستثناء (¬5) فيه ها هنا أخف من استثنائه في البيع. وإذا قَتَلَ العبد عمدًا فقُتِل (¬6) كان المالُ للسيد دون المجني عليهم (¬7) قولًا واحدًا؛ لأنَّ الذي كان لهم نفس القاتل فقد أخذوها. واختلف إذا عفوا عنه فأسلم إليهم (¬8)، فقال ابن القاسم في كتاب محمد: ليس عليه أن يسلم ماله؛ لأنه لم يستحق في القتل إلا رقبته، قال: وكذلك إذا جرح، ثم رجع فقال: يسلم بماله استحسانًا (¬9). وإن أسلمه السيد إليهم ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 600. (¬2) قوله: (وأن يُسلم أحسن) زيادة من (ف). (¬3) قوله: (وأن يُسلم. . . معها) ساقط من (ق 2). (¬4) في (ف) و (ق 2): (لا يسلم). (¬5) في (ف): (وألا يستثنى). (¬6) في (ف) و (ق 6) و (ق 2): (بقاتله). (¬7) في (ف): (عليه). (¬8) قوله: (فأسلم إليهم) ساقط من (ف). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 298.

فصل [في العبد يجني، ثم يؤسر، ثم يباع في المقاسم]

ليستحيوه فقتلوه استرجع المال منهم. فصل [في العبد يَجني، ثم يُؤسر، ثم يُباع في المقاسم] واختلف إذا جنى ثم أسره العدو، ثم بيع في المقاسم، فقيل: سيده بالخيار بين أن يفتديه بالجناية وبما بيع به في المقاسم أو يسلمه، فإن أسلمه كان المجني عليه بالخيار بين أن يفتديه بما بيع به أو يسلمه، فإن أسلمه كان لمشتريه من المقاسم. وقيل: إن أسلمه المجني عليه رجع سيده ففداه من المشتري بالثمن الذي اشتراه به؛ لأنه إنما أسلمه لما كان فيه جناية وثمن، فإذا سقطت الجناية افتداه بالثمن الذي اشتراه به (¬1). وقال سحنون: ليس عليه أن يفتديه إلا بالأكثر (¬2) من الثمن الذي بيع به أو (¬3) الجناية، فإن كان الثمن عشرة والجناية عشرين دفع للمشتري عشرة وللمجني عليه عشرة، وإن كان الثمن عشرين دفع للمشتري عشرين ولا شيء للمجني عليه (¬4). وذكر محمد قولًا آخر أنه إن أسلمه سيده كان على مشتريه من المقاسم أن يفتديه من المجني عليه أو يسلمه إليه (¬5). وهذا قول مفارق للأصل؛ لأن ¬

_ (¬1) قوله: (الذي اشتراه به) زيادة من (ف). (¬2) في (ق 2): (له أن يفتديه إلا بأكثر). (¬3) في (ق 2): (و). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 325. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 325، والذي وقفت عليه هو من قول ابن عبدوس لا ابن المواز.

المجني عليه لا يكون أعلى رتبة قبل تسليمه إليه منه لو (¬1) كان سُلِّمَ إليه ثم أسر من عنده فمشتريه من المقاسم (¬2) أولى منه، بخلاف ما يبيعه سيده، ولأنه متعدًّ في بيعه قبل أن يفتديه وهذا بيع صحيح وقدم مشتريه به (¬3) على مالكه قبل. ¬

_ (¬1) في (ف) و (ق 2): (أو). (¬2) في (ف): (المغانم). (¬3) قوله: (به) زيادة من (ف).

باب في العبد يجني جناية بعد جناية، أو يجني ثم يجني عليه

باب في العبد يجني جناية بعد جناية، أو يَجني ثم يُجني عليه (¬1) وقال مالك في العبد يجني جناية فلم يفدِهِ سيده حتى جنى قال: يخير السيد (¬2) بين أن يفتديه بالجنايتين (¬3) أو يسلمه فيتحاصَّا فيه بقدر الجنايتين (¬4). وعلى القول أنه بالجناية الأولى ملكٌ للمجني عليه حتى يفتدى (¬5) منه يخير الأول إذا أسلم إليه (¬6) بين أن يسلمه أو يفتديه من الثاني. واختلف إذا جَنى ثم جُنِي عليه، فقال ابن القاسم: يخير سيده بين أن يفتديه (¬7)، أو يسلمه وما أخذ من جنايته (¬8). وقد قيل في هذا الأصل: تقض الجناية على العبد وعلى (¬9) الجناية عليه، فإن كانت قيمته مائة وللمجني (¬10) عليه خمسون كان نصفها على العبد ونصفها على من جنى عليه، فيخير سيده (¬11) بين أن يفتديه بنصف الجناية أو يسلمه ويكون عليه الأقل مما أخذ في ¬

_ (¬1) قوله: (باب في العبد. . . ثم يُجنى عليه) يقابله في (ق 2): (فصل). (¬2) في (ق 7): (سيده)، وساقط من (ق 6) و (ق 2). (¬3) زاد بعده في (ف) (معًا). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 583. (¬5) في (ف) و (ق 2): (يفتديه). (¬6) قوله: (إليه) ساقط من (ف). (¬7) قوله: (من الثاني واختلف. . . بين أن يفتديه) ساقط من (ق 2). (¬8) انظر: المدونة: 4/ 580، والنوادر والزيادات: 13/ 334. (¬9) في (ق 2): (باقي). (¬10) في (ق 6) و (ق 7): (وجني). (¬11) قوله: (سيده) ساقط من (ف).

الجناية أو قيمة ما ذهب منه ويكون الفضل له (¬1). واختلف إذا جنى ثم (¬2) جُنِي عليه ثم جَنَى، فقال ابن القاسم: إن أسلمه سيده أسلم معه دية جرحه كلها فكانت للمجروح الأول وحده ويقتسمان العبد (¬3) بينهما على قدر جرحيهما لا يحسب على الأول مما أخذ شيء، ثم رجع فقال: إذا أسلمه سيده يحاص الأول والثاني جميعًا في رقبته وفي ثمن جرحه (¬4). وقال أشهب: إن أسلمه سيده (¬5) كان بينهما وكان للأول نصف دية الجرح التي كانت وجبت (¬6) للعبد وللسيد نصفه زعم (¬7) لأنه جرح الأول صحيحًا فله نصفه صحيحًا وجرح الثاني مقطوع اليد فله نصفه صحيحًا (¬8) على ما (¬9) جرحه عليه وبقي نصف الجرح لا أخذ له وقد استوفى كلُّ واحد حقه (¬10). وقال عبد الملك وأصبغ: تكون جميع دية الجرح للأول خالصًا وينظر كم هو من العبد، فإن كان ثلثه (¬11) فقد صار إلى المجروح الأول ثلث حقه ويبقى ثلثا جرحه فيضرب في العبد على حاله بثلثي جرحه والثاني بدية جرحه ¬

_ (¬1) قوله: (له) ساقط من (ق 7). (¬2) قوله: (جنى ثم) ساقط من (ف) و (ق 6) و (ق 2). (¬3) في (ف): (العين). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 334. (¬5) قوله: (إن أسلمه سيده) بياض في (ق 6). (¬6) في (ق 2): (الذي كان وجب). (¬7) قوله: (قال) ساقط من (ق 2) وفي (ق 6): (يزعم)، وفي (ف) و (ق 2) و (ق 6): (زعم). (¬8) قوله: (صحيحًا) زيادة من (ق 2). (¬9) قوله: (ما) ساقط من (ق 6) و (ف). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 334. (¬11) في (ق 2): (ثلاثة).

كله (¬1). قال أبو محمد: (¬2) والقياس أن يكون السيد في قيمة (¬3) جرحه بالخيار (¬4). وهذا أحسنها؛ لأن العضو الذي ذهب كان عليه قبل ذلك بعض الجناية، وقد أخذ العوض عنه فيجعل عليه ما ينوبه ويحط عن الباقي. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 335. (¬2) قوله: (قال أبو محمد) ساقط من (ف). (¬3) في (ق 7): (دية). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 335. وقد عزاه إلى محمد.

باب في العبد المعتق بعضه يجني أو يجنى عليه

باب في العبد (¬1) المعتق بعضه يَجني أو يُجنى عليه ومن أَعتَق نصف (¬2) عبده وهو موسر ولم يستكمل عليه حتى جنى كان على سيده الأقل من نصف قيمته أو نصف جنايته، فإن كانت الجناية أقل قال: أنا أفتدي، وإن كانت قيمته أقل قال: أنا أسلمه. فكان عليه نصف قيمته لحق العبد في الاستكمال. وإن كان العبد شركة بينه وبين آخر فأعتق (¬3) نصيبه وهو موسر فلم يقوم عليه حتى جنى كان المتمسك بالرق (¬4) بالخيار بين أن يفتدي أو يسلم، ثم يكون على المعتق قيمة النصف للسيد إن افتدى أو (¬5) للمجني عليه إن أسلم، وسواء كانت القيمة مثل الجناية أو أكثر (¬6). وتختلف (¬7) صفة التقويم فإن افتداه قوم قيمة واحدة، ويقال: كم قيمة جميعه قبل العتق؟ لأنه كان له أن يدعوه إلى بيع جميعه، فإن قيل: مائة كانت له خمسون، وإن أسلمه زيدت قيمة أخرى، فقيل: كم قيمة (¬8) نصفه يوم أعتق على أن نصفه عتيق؟ فإن قيل: ثلاثون كان له عشرون وهي فضل ما بين قيمة نصفه قبل العتق وبعده، وكان للمجني عليه قيمة نصفه اليوم (¬9) يوم يقوم على أن ¬

_ (¬1) قوله: (العبد) ساقط من (ف) و (ق 2). (¬2) في (ف): (بعض). (¬3) في (ق 6) و (ق 7): (فعتق). (¬4) قوله: (بالرق) زيادة من (ق 6) و (ق 7). (¬5) قوله: (أو) ساقط من (ف). (¬6) انظر: المدونة: 4/ 583 و 584. (¬7) في (ق 6) و (ق 7): (ويختلف في). (¬8) قوله: (قيمة) ساقط من (ف). (¬9) قوله: (اليوم) ساقط من (ق 7).

نصفه (¬1) عتيق، وعلى القول أنه حر بالسراية (¬2) يكون للشريك نصف القيمة يوم العتق وللمجني عليه قيمة جميع الجناية على العبد، وإن كان المعتق معسرًا بقي النصف رقيقًا وقسمت الجناية على العتيق والرقيق وخُير المتمسك بالرق بين أن يفتدي أو يسلم. قال ابن القاسم: ولا شيء في ماله (¬3) للسيد إن افتداه (¬4) ولا للمجني عليه إن أسلم إليه. وقال في كتاب الديات: ويؤخذ ماله كله عن العتيق إلا أن يكون فيه فضل، وإن قصر ماله عمَّا ينوبه أُخذ من كسبه ما (¬5) يفضل عن عيشه وكسوته وإن قصر ماله عن كسوته وعيشته (¬6). وقوله: يؤخذ ماله من (¬7) العتيق ليس بالبين (¬8)، وأحسن من ذلك أن يؤخذ من ذلك المال نصفه؛ لأنه الذي ينوب العبد ويأخذ الشريك النصف؛ لأنه إذا دفع النصف في الجناية كان ذلك مقاسمة وأخذ الشريك نصفه، وكذلك ما يكسبه في المستقبل إن فضل شيء عن عيشه وكسوته. واختلف إذا جني عليه، فقال مالك: نصف الجناية للسيد ونصفها ¬

_ (¬1) قوله: (قيمة نصفه. . . على أن نصفه) في (ق 2): (نصف قيمته يوم قوم على الصفة). (¬2) في (ف) و (ق 2): (باشترائه). (¬3) قوله: (في ماله) ساقط من (ق 7). (¬4) في (ف 6) و (ق 7): (افتدى). (¬5) قوله: (من كسبه ما) يقابله في (ف): (مما). (¬6) قوله: (وإن قصر ماله عن كسوته وعيشته) زيادة من (ف)، وانظر: المدونة: 4/ 670. (¬7) في (ق 6) و (ق 7): (عن). (¬8) في (ق 6) و (ق 7): (ببين).

للعبد تقر في يده (¬1)، وقال أيضًا: جميع الجناية للمتمسك بالرق (¬2). وتقاد الجناية على بعضه كقتله (¬3) أن قيمته للمتمسك بالرق (¬4). وقيل: جميع الجناية للعبد قياسًا على ماله أن جميعه يكون في يده (¬5)، والأول أحسن قياسًا على جنايته على غيره (¬6). وإذا أعتق الشريك وهو موسر ثم باع المتمسك بالرق نصيبه فإنه لا يخلو المشتري من أن يكون عالمًا بالعتق وأن الحكم التقويم أو يجهل (¬7) ويظن ألا تقويم أو لم يعلم بالعتق، فإن علم بالعتق وبالتقويم (¬8) وأن المعتق موسر كان البيع فاسدًا وينقض إذا كان قائمًا، وإن فات بحوالة الأسواق فما فوق (¬9) كانت فيه القيمة يقوم على أن نصفه عتيق وأنه (¬10) يقوم وأن التقويم (¬11) على أنه لو (¬12) كان جميعه رقيقًا فيقوم على البيع ¬

_ (¬1) في (ق 6) و (ق 7): (يديه)، وانظر: المدونة: 4/ 584. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 362. (¬3) قوله: (كقتله) ساقط من (ق 2). (¬4) قوله: (وتقاد الجناية. . . للمتمسك بالرق) ساقط من (ف). (¬5) في (ق 6) و (ق 7): (يديه). (¬6) زاد بعد في (ق 6): (فصل). (¬7) في (ف) و (ق 2): (يحمل). (¬8) قوله: (بالعتق وبالتقويم) يقابله في (ق 6): (بالعتق أو التقويم). (¬9) قوله: (بحوالة الأسواق فما فوق) غير واضح في (ق 6). (¬10) في (ق 7): (ولا). (¬11) قوله: (وأنه يقوم وأن التقويم) يقابله في (ق 6): (ويقوم). (¬12) قوله: (لو) زيادة من (ق 7)، وغير واضح في (ق 6).

الفاسد أن لو كان (¬1) يجوز؛ لأنه لا يقدر على غير ذلك بمنزلة بيع (¬2) الثمر قبل بدو صلاحه، وإن جهل الحكم بالتقويم أو لم يعلم بالعتق كان بيعًا صحيحًا (¬3) وتكون مسألة (¬4) عيب فلا تفيته حوالة أسواق وتفيته العيوب فيما فوق ذلك (¬5)، فإن أحب التمسك مع القيام ويكون هو المقوم (¬6) على المعتق (¬7) كان ذلك له على أحد القولين، وعلى القول الآخر (¬8) أنه لما ملك الرد كالمبتدئ شراء يفسخ ويمنع التمسك (¬9). والأول أحسن وأنه متمسك بالعقد الأول وليس كمبتدئ إلا أن يكون اختار الرد وإن فات بعيب كان له أن يتمسك (¬10) ويحط عنه قيمة العيبين، عيب العتق، وعيب التقويم، وإن علم بالعتق ولم يعلم بيسر المعتق حط عنه عيب التقويم (¬11) ووجب عليه أن يقوم على المعتق، وإن لم يقم (¬12) حتى أعسر المعتق سقط قيامه إذا ¬

_ (¬1) في (ف): (وكان)، وفي (ق 2): (أو لو كان). وقوله: (على البيع الفاسد و) غير واضح في (ق 6). (¬2) قوله: (بيع) ساقط من (ق 6) و (ق 7). (¬3) قوله: (أو لم يعلم بالعتق كان بيعًا صحيحًا) غير واضح في (ق 6). (¬4) في (ف): (مسلمة). (¬5) قوله: (ذلك) ساقط من (ق 6) و (ق 7). (¬6) قوله: (فيما فوق ذلك. . . هو المقوم) يقابله في (ق 2): (فما فوق كان أحب المتمسك القيام ويكون هو المقدم). (¬7) قوله: (ويكون هو المقوم على المعتق) غير واضح في (ق 6). (¬8) قوله: (الآخر) ساقط من (ق 6) و (ق 7). (¬9) في (ق 2): (المتمسك). (¬10) في (ف) و (ق 2) و (ق 7): (يمسك). (¬11) قوله: (وإن علم بالعتق. . . عيب التقويم) ساقط من (ق 2). (¬12) في (ف) و (ق 2) و (ق 7): (يقوم).

كان عالمًا بالعتق ولم يعلم بيسره، وإن لم يكن عالمًا (¬1) بالعتق وأعسر المعتق كان مقاله بعيب العتق خاصة فيرده مع القيام، وإن فات رجع بقيمة العيب، وإن مات العبد رجع بعيب العتق. ¬

_ (¬1) في (ق 6) و (ق 7): (علم).

باب في الموصى بعتقه يجني في حياة الموصي أو بعد موته

باب في الموصى بعتقه يجني في حياة الموصي أو بعد موته (¬1) ومن أوصى بعتق عبده ثم جنى في حياته خُيِّر سيده بين (¬2) أن يسلمه للمجني عليه وتسقط وصيته أو يفتديه ويبقي على وصيته (¬3). قال سحنون: وذلك إذا اعتدلت قيمته والجناية (¬4). يريدة إن كانت الجناية أكثر من قيمته كان له أن يسلمه، وإن افتداه كان في الثلث العبد وما (¬5) زادت الجناية على قيمته (¬6)، وإن كانت قيمته (¬7) أكثر، جاز أن يفتديه، وإن أسلمه كان في الثلث ما زادت قيمته على الجناية، وإن لم يفتده ولم يسلمه حتى مات السيد كان ورثته بالخيار بين أن يسلموه وتسقط وصيته أو يفتدوه ويعتق من ثلثه، وهو (¬8) قول ابن القاسم (¬9). وقال أشهب: إن افتكَّه الورثة كان رقيقًا ورأى أن الجناية ملكته والافتداء كشراء مبتدأ. والأول أحسن، فإذا افتدى كان على الملك الأول، وإذا كان على ¬

_ (¬1) قوله: (باب في الموصى. . . بعد موته) يقابله في (ق 2): (فصل في الموصى بعتقه يجني). (¬2) قوله: (سيده بين) في (ف): (في). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 585. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 361. (¬5) قوله: (كان في الثلث العبد وما) يقابله في (ق 2): (وكان في الجناية أكثر من قيمة العبد وبما). (¬6) قوله: (كان له أن يسلمه. . . الجناية على قيمته) ساقط من (ق 7). (¬7) قوله: (وإن كانت قيمته) ساقط من (ق 2). (¬8) في (ق 6) و (ق 7): (وهذا). (¬9) انظر: المدونة: 4/ 587.

الملك الأول وبقي (¬1) على ما كان عقده له الميت. وقول أشهب على أصله إذا أجاز الورثة فالعتق من الميت (¬2). وإن جنى بعد موت سيده وحمله الثلث كان حرًّا وكانت الجناية في ذمته (¬3)، وسواء كان المال مأمونًا أو غير مأمون إذا كانت الوصية أن قال: (¬4) أعتقوه، وإن قال: إن مت فهو حر وكان المال مأمونًا والجناية خطأ تبلغ ثلث الدية فأكثر حملتها عاقلته، وقيل: هي في ماله. والأول أبين. وإن لم يكن المال مأمونًا لم تحملها العاقلة، وإن لم يخلِّف سواه كان الورثة بالخيار بين ألا يجيزوا ويعتق ثلثه وتفض (¬5) الجناية فما (¬6) ناب العتيق (¬7) أُتْبعَ به، وما ناب الرقيق خُيِّر الورثة بين أن يفتدوه أو يسلموه. واختلف إذا أجازوا، فقيل: ليس لهم أن يجيزوا ذلك (¬8) إلا أن يتحملوا ثلثي الجناية وقول أشهب: أن (¬9) لهم أن يجيزوا وتكون الجناية في ذمة العبد. ورأى أشهب (¬10) أنه إن أجازوا كان العتق من الميت، والأول أحسن؛ لأنَّ ¬

_ (¬1) قوله: (وإذا كان على الملك الأول وبقي) يقابله في (ق 6) و (ق 7): (يعني). (¬2) في (ق 7): (الميت الثلث). (¬3) قوله: (وحمله الثلث. . . الجناية في ذمته) ساقط من (ق 2). (¬4) قوله: (إن قال) ساقط من (ق 2). (¬5) في (ف) و (ق 2): (وتقضي). (¬6) في (ق 6) و (ق 7): (مما). (¬7) في (ق 2) و (ف): (العتق). (¬8) قوله: (ذلك) ساقط من (ق 6). (¬9) قوله: (أن) ساقط من (ق 6). (¬10) قوله: (أشهب) زيادة من (ف).

الثلثين ملك لهم فإذا أجازوا كان العتق منهم (¬1). وإن قال: هو حرٌّ بعد موتي بشهر وحمله الثلث كان عتيقا إلى شهر وخُير الورثة في الخدمة كالمعتق إلى أجل. واختلف إذا لم يحمله الثلث، فقال ابن القاسم: يقال للورثة اختاروا فإما أعطيتم أرش الجناية كلها وكان لكم خدمة العبد فتكونوا قد أجزتم وصية صاحبكم، وإن أبيتم عتق ثلث العبد وقيل لكم (¬2): افتدوا الثلثين أو (¬3) أسلموه (¬4). وقال محمد: إن شاء الورثة أنفذوا الوصية، وكان للمجني عليه الخدمة إلى تمام ذلك الشهر فيعتق ويتبعه ما بقي إلا أن يشاء الورثة أن يفدوا (¬5) تلك الخدمة بالجناية على (¬6) ألا يتبع العبد بعد حريته بشيءٍ، وإن شاءوا ألا ينفذوا الوصية أعتقوا ثلث العبد مكانه وقسمت الجناية على العتيق والرقيق (¬7). وقول ابن القاسم أن ليس لهم أن يجيزوا على أن تكون الجناية في ذمة العبد أحسن، وأرى أن يكون الورثة بالخيار بين أن يعتقوا ثلثه وتفض (¬8) الجناية، أو يفتدوا بتسليم جميع الجناية للمجني عليه ثم يكونوا على رأيهم في عتق جميعه إلى ¬

_ (¬1) زاد في (ق 6): (فصل). (¬2) في (ف): (لهم). (¬3) في (ق 2): (و). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 584 و 585. (¬5) في (ق 6) و (ق 7): (يفتدوا). (¬6) قوله: (على) ساقط من (ف). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 360. (¬8) في (ف) و (ق 2): (وتقضى).

أجل وتكون لهم الخدمة، أو لا يجيزوا الوصية ويعتق منه ثلثه بتلًا ويكون لهم ثلثاه بتلًا (¬1)، وإن بتل عتقه في مرضه ثم جنى كان عتقه موقوفًا، وإن مات سيده من مرضه كان في ثلثه، فإن حمله الثلث كانت الجناية في ذمته دون عاقلته، وإن صحَّ مضى عتقه من رأس المال. قال ابن القاسم: والجناية في ذمته دون عاقلته (¬2). ويجري فيها قولٌ آخر أنها على العاقلة؛ لأنه قد تبين أنه كان (¬3) كالصحيح في حكمه لمَّا لم يمت عنه (¬4). واختلف في خدمته في حال مرض سيده، فقال ابن القاسم: لا خدمة فيه ولا رق خلاف المدبَّر أن (¬5) فيه الخدمة؛ لأن عتقه بعد موت السيد (¬6) فيخير الآن في خدمته بين أن يفتديها (¬7) أو يسلمها والآخر قد بتل عتقه فصحَّ (¬8) وكان موقوفًا فلا خدمة فيه، قال سحنون وكان (¬9) ابن القاسم ربما قال غير هذا وتبين له وثبت عليه ففارق المدبَّر؛ لأن (¬10) المدبَّر أُخِّرَ عتقه لبعد الموت وهذا عُجِّلَ ¬

_ (¬1) قوله: (بتلًا) زيادة من (ف). (¬2) قوله: (دون عاقلته) زيادة من (ق 7). وانطر: المدونة: 4/ 587. (¬3) قوله: (كان) زيادة من (ق 6) و (ق 7). (¬4) في (ق 6) و (ق 7): (منه). (¬5) قوله: (خلاف المدبَّر أن) يقابله في (ق 6): (بخلاف المدبر له). (¬6) في (ق 6): (سيده). (¬7) قوله: (فيخير الآن. . . أن يفتديها) بياض في (ق 2). (¬8) قوله: (فصح) ساقط من (ق 6) و (ق 7). (¬9) قوله (كان) يقابله في (ف): (قال). (¬10) في (ق 6): (لكون).

عتقه من الآن فكان موقوفًا لا يستخدم ولا يؤاجر، فإن هو آجر نفسه أو (¬1) كانت له صناعة فكان يعلمها (¬2) ويعيش منها (¬3) وقف معه ما اجتمع في يده (¬4) من ذلك، وقال ابن القاسم: وإن بتل عتقه في مرضه ولا مال له سواه وللعبد مال كثير وقف ماله معه (¬5) ولا يرجع إلى أولياء الجناية، وإن مات سيده عتق (¬6) ثلثه ورق ثلثاه، فإن افتدى الورثة ثلثيه لم يكن لهم في ماله شيء، وإن أسلموه لم يكن لأهل الجناية منه شيء وكان موقوفًا معه (¬7). وقال في كتاب الديات: للعبدِ أن يدفع من (¬8) ماله عن النصيب الذي عتق منه (¬9). وأرى أن يدفع ثلث ما في يده (¬10) عمَّا عتق منه؛ لأنَّ القدر الذي يستحق من ذلك المال وينتزع الورثة إن افتدوه والمجني عليه إن أسلم (¬11) إليه الثلثين؛ لأنَّ ما دفعه العبد عن نفسه كالمقاسمة. ¬

_ (¬1) في (ق 2): (و). (¬2) قوله: (فكان يعلمها) ساقط من (ق 2). (¬3) قوله: (ويعيش منها) ساقط من (ف) و (ق 6). (¬4) في (ق 7): (يديه). (¬5) في (ق 2): (أجمعه). (¬6) في (ف) و (ق 2) و (ق 6): (أعتق). (¬7) انظر: المدونة: 4/ 587. (¬8) قوله: (من) زيادة من (ق 6). (¬9) انظر: المدونة: 4/ 669. (¬10) في (ق 6): (يديه). (¬11) في (ق 2): (أسلمه).

وقال في عبد بين رجلين (¬1): ليس لأحدهما أن يأخذ نصيبه من ماله إلا برضا (¬2) شريكه، فإن أذن له ثم باعه واشترط المشتري (¬3) ماله كان الثمنُ بينهما نصفين؛ لأنَّ المالَ ملغى ولم تقع له حصة من الثمن (¬4). فلم يجعل المال للمشتري إلا بشرط لأنه لأحدهما وقد كان له أن ينتزعه فأشبه لو كان المالك واحدًا (¬5)، بخلاف إذا لم يأخذ أحدهما نصيبه من المال، فإن إطلاق البيع (¬6) يتضمن دخول المال إلا أن يشترطاه. وقوله: لا (¬7) حصة للمال (¬8) ليس بالبين، وأرى أن يرجع في (¬9) ذلك إلى ما يقوله التجار، فإن قالوا: يزاد بماله والذي يشترى به الآن أكثر مما يشترى به لو لم يكن معه مال- كان له من الثمن ما يرى أنه زيد لماله. ¬

_ (¬1) في (ق 2): (شريكين). (¬2) في (ق 7): (بإذن). (¬3) في (ق 6): (المكتري). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 588. (¬5) قوله: (المالك واحدًا) يقابله في (ق 7): (لمالك واحد). (¬6) في (ق 2): (العبد). (¬7) في (ف): (إلا). (¬8) في (ق 7): (له). (¬9) قوله: (في) ساقط من (ق 2).

فصل وإن قال: اشتروا عبد فلان فأعتقوه فاشتروه ثم جنى قبل أن يعتقوه فإنه يتبع بالجناية في الذمة

فصل (¬1) وإن قال: اشتروا عبد فلان فأعتقوه فاشتروه ثم جنى قبل أن يعتقوه فإنه (¬2) يتبع بالجناية في الذمة قال: (¬3) وإن قال (¬4): اشتروا عبدًا (¬5) فأعتقوه عني ولم يعينه (¬6) فاشتروا عبدًا فلم يعتق حتى جنى- لم يكن كالأول وأن (¬7) هذا لهم أن يستبدلوه (¬8) به. يريد: أن من حقِّ المجني عليه ألا ينفذ عتقه ويقال له: تتبع ذمته. وهذا يحسن (¬9) إذا اشتروه (¬10) للتركة أو للميت وفي الثلث فضلة، فأمَّا إذا (¬11) اشتري للميت وهو قدر الثلث فإن لهم عتقه ويتبع المجني عليه ذمته (¬12). ¬

_ (¬1) قوله: (فصل) ساقط من (ق 6). (¬2) قوله: (ثم جنى قبل أن يعتقوه فإنه) يقابله في (ق 6) و (ق 7): (فلم يعتق حتى جنى فإنه يعتق و). (¬3) قوله: (ثم جنى قبل. . . في الذمة قال) زيادة من (ق 2). (¬4) قوله: (قال: وإن قال) يقابله في (ق 7): (وإن قالوا). (¬5) في (ف): (عبد فلان). (¬6) في (ف): (يعينوه). (¬7) في (ق 7): (لأن). (¬8) في (ق 6) و (ق 7): (يستبدلوا). (¬9) في (ق 7): (أحسن). (¬10) في (ق 6): (اشتراه). (¬11) في (ق 6) و (ق 7): (إن). (¬12) بداية من كتاب الجنايات في لوحة (126 ب) إلى هنا اختلف ترتيب النسخة (ق 6) عند اللوحة (129 أ)، وأورد بعد ذلك فيها (كتاب الجراح. . .) ثم تم استكمال كتاب الجنايات من لوحة (124 أ).

باب في جناية أم الولد

(¬1) باب (¬2) في جناية أمِّ الولد اختلف في جناية أم الولد إذا قتلت خطأ، فقال مالك: يجبر سيدها (¬3) على أن يفتديها بالأقل من القيمة أو (¬4) من الدية (¬5) أو قيمتها يوم الحكم (¬6). وقال المغيرة بالأقل من الجناية أو قيمتها يوم جنت (¬7)، وقال ابن الجهم: (¬8) قال محمد بن عبد الحكم: لا شيء على سيدها وذلك في ذمتها وإذا جنت (¬9) قال ابن الجهم: السيد بالخيار إن شاء أسلم (¬10) الجناية، أو (¬11) يسلم ما بقي (¬12) له فيها من الخدمة فيستخدمها أو يؤاجرها، قال: ولا يلحقه من (¬13) جنايتها أكثر مما يملك منها وإن وفَّت رجعت إلى ¬

_ (¬1) زاد في (ق 6) قبل ذكره ذلك الباب: (كتاب جنايات العبيد). (¬2) قوله: (باب) ساقط من (ق 2). (¬3) قوله: (سيدها) زيادة من (ق 6) و (ق 7). (¬4) قوله: (من القيمة أو) زيادة من (ق 2). (¬5) في (ف): (الجناية). (¬6) انظر: المدونة: 4/ 670. (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 372. (¬8) قوله: (قال ابن الجهم) زيادة من (ق 2). (¬9) قوله: (إذا جنت) زيادة من (ف). (¬10) في (ق 6) و (ق 7): (سلم). (¬11) في (ف): (وإن شاء أن). (¬12) قوله: (بقي) ساقط من (ف). (¬13) في (ف): (في).

سيدها وإن لم توفِّ حتى مات أعتقت وأتبعت بالباقي في ذمتها (¬1). وهذا أبينها؛ لأن للسيد فيها شيئين: متعة (¬2) لا تتعلق بها جناية ولا يصح (¬3) إسلامه لها (¬4) وهي فيه كالزوجة، وخدمة تتعلق بها الجناية كالمدبَّرة فيها عتق، وخدمة، ووطء. وعقد الحرية في (¬5) أم الولد آكد، فإذا لم يكن عليه في المدبرة أن يسلم قيمة الرقبة لم يكن ذلك عليه في أمِّ الولد، فإذا (¬6) جنت فلم يفتدها حتى جنت ثم قام المجني عليهم جميعًا (¬7) كان عليه في أمِّ الولد (¬8) على قول مالك الأقل من قيمتها أو الجنايتين وإن أسلم القيمة؛ لأنها أقل تحاصَّا فيها على قدر الجنايتين. وكان بعض شيوخنا يقول: إذا كانت قيمتها مثل أقل الجنايتين أنها تكون بينهما بالسواء (¬9)؛ لأنه لو انفرد أحدهما لكان له جميعها فلا يتزيد الأكثر عليها (¬10) بخلاف المفلس. . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) قوله: (وإن وفَّت رجعت. . . بالباقي في ذمتها) ساقط من (ق 6). (¬2) قوله: (متعة) ساقط من (ق 2). (¬3) في (ف): (يصلح). (¬4) قوله: (إسلامه لها) يقابله في (ق 6) و (ق 7): (إسلامها). (¬5) قوله: (الحرية في) يقابله في (ف): (حرية). (¬6) في (ق 6): (واختلف إذا). (¬7) قوله: (قام المجني عليهم جميعًا) يقابله في (ف): (قاما المجني عليهما). (¬8) قوله: (في أم الولد) زيادة من (ف). (¬9) في (ق 6): (بالسوية). (¬10) قوله: (يتزيد الأكثر عليها) يقابله في (ق 6): (مزية لصاحب الأكثر عليه)، وفي (ق 2) =

يتحاصَّان (¬1) فيما وجد (¬2) له، وإن كان أقل الديتين يستغرق ما يوجد له وإنه (¬3) لو انفرد به أحدهما (¬4) كان له؛ لأن هذه معاملات تكثر ما في يده (¬5) وتقل لأجل ما كان سلمه (¬6) كل واحد ولأن للغريم ذمة تتبع بقدر (¬7) ذلك، وإن كان قيام المجني كما (¬8) مختلف أو (¬9) كانت الجنايتان سواء كان لمن قام أولًا الأقل من جنايته أو نصف قيمتها يوم الحكم (¬10)، ثم إذا قام الآخر كان له الأقل من جنايته أو نصف قيمتها يوم الحكم له (¬11) وإن قام الأول ولم يعلم بالثاني فافتدى منه السيد، ثم قام الثاني نظر إلى ما كان (¬12) ينوب الأول من (¬13) الحصاص لو علم بالثاني أو يذكر له (¬14) وانتزع منه السيد ¬

_ = (مزيد للأكثر عليه). (¬1) في (ق 6): (يتحاصون). (¬2) في (ق 6) و (ق 7): (يوجد). (¬3) قوله: (إنه) ساقط من (ف). (¬4) قوله: (به أحدهما) زيادة من (ق 2). (¬5) في (ق 6) و (ق 7): (يديه). (¬6) في (ف) و (ق 2): (سلعة). (¬7) في (ق 6) و (ق 7): (بعد). (¬8) في (ف): (عليه). (¬9) في (ق 6) و (ق 7): (و). (¬10) في (ق 6): (يحكم له). (¬11) قوله: (ثم إذا قام. . . يوم الحكم له) ساقط من (ق 2) .. (¬12) قوله: (كان) ساقط من (ف). (¬13) في (ق 6) و (ق 7): (في). (¬14) قوله: (أو يذكر له) يقابله في (ق 6) و (ق 7): (فترك له).

الفضل ثم دفع إلى الثاني الأقل من جنايته أو نصف قيمتها اليوم، وإن علم بالجنايتين وافتدى من الأول ولم يفتد من الثاني حتى جنت على ثالث- كانت الجناية الثالثة مفضوضة على نصف لا جناية فيه وعلى (¬1) نصف فيه جناية. وإذا جنت أمُّ الولد فلم يقم على سيدها حتى ماتت لم يكن عليه شيء؛ لأنه إنما يفتديها بقيمتها يوم يقوم عليه (¬2) المجني عليه (¬3)، فإذا لم تكن موجودة يوم تقوم عليه (¬4) لم يكن عليه شيء (¬5). واختلف إذا مات السيد قبل أن تقوم عليه والأمة حية (¬6) فقال مالك: لا شيء عليه إذا لم يكن له مال. وعلى قوله إذا خلف مالًا أخذ (¬7) من ذلك المال القيمة. وقال غيره: إنما ذلك إذا قاموا عليه وهو حي وإلا فلا شيء لهم؛ لأنه إنما يكون ذلك على السيد يوم يقام عليه وهي عنده، وإذا قاموا عليه وقد ماتت لم يكن ذلك عليه (¬8)، وذلك عليها هي إذا قاموا بعد (¬9) موته (¬10). ¬

_ (¬1) قوله: (على) زيادة من (ف). (¬2) قوله: (عليه) زيادة من (ق 6). (¬3) قوله: (يقوم عليه المجني عليه) يقابله في (ق 2): (تقوم عليه). (¬4) قوله: (عليه) زيادة من (ق 6). (¬5) قوله: (شيء) ساقط من (ق 2). (¬6) قوله: (حية) ساقط من (ق 2)، وفي (ف): (جنت). (¬7) في (ق 6): (أخذت). (¬8) قوله: (ذلك عليه) يقابله في (ق 6): (عليه شيء). (¬9) من هنا من نسختنا المصورة من (ق 7) وضعت لوحتان من كتاب الديات من قوله: (على ما يدعونه من أحد الصنفين) إلى قوله: (يقول لصاحبه أنت الذي). (¬10) قوله: (هي إذا قاموا بعد موته) ساقط من (ق 6). وانظر: المدونة: 4/ 600.

قال الشيخ - رضي الله عنه -: واختلف أيضًا في الأمة تستحق بعد أن (¬1) ولدت (¬2) من سيدها بعد موته فقيل: تؤخذ قيمة الولد (¬3) من تركته إن كان موسراَّ، وإن كان معسرًا غرم (¬4) ذلك الولد (¬5). وقيل: لا شيء على الولد إنْ كان معسرًا (¬6). ¬

_ (¬1) في (ق 6): (ما). (¬2) قوله: (تستحق بعد أن ولدت) يقابله في (ق 2): (يستحق ما ولدت). (¬3) في (ف): (القيمة). (¬4) في (ق 6) و (ق 7): (أغرم). (¬5) في (ق 6): (للولد). (¬6) قوله: (وقيل لا شيء على الولد إن كان معسرًا) زيادة من (ق 6).

باب في الأمة تجني ثم يصيبها سيدها فتحمل أو لا تحمل [وهو موسر أو معسر، وإذا خلف الرجل أمة فأصابها ولده فحملت وهو معسر أو موسر

باب في الأمة تجني ثم يصيبها سيدها (¬1) فتحمل أو لا تحمل [وهو موسر أو معسر، وإذا خلف (¬2) الرجل أمة فأصابها ولده فحملت وهو معسر أو موسر ومن المدونة (¬3) قال ابن القاسم في الأمة تجني ثم يصيبها سيدها فتحمل: إنه إن لم يكن له (¬4) علم بجنايتها أمضيت (¬5) له أم ولد وكان (¬6) عليه الأقل من قيمتها يوم حملت أو الجناية، وسواء كان موسرًا أو معسرًا. وإن كان (¬7) عالمًا (¬8) بالجناية كان ذلك رضًا منه بحمل الجناية، وإن كان موسرًا غرم (¬9) الجناية وإن كانت أكثر من قيمتها (¬10)، وإن كان معسرًا أسلمت إلى المجني عليه دون ولدها (¬11). ¬

_ (¬1) قوله: (سيدها) زيادة من (ق 6) و (ق 7). (¬2) قوله: (خلف) غير واضح في (ق 6) و (ق 7). (¬3) قوله: (وهو موسر أو معسر، وإذا. . . ومن المدونة) ساقط من (ق 2). (¬4) قوله: (له) ساقط من (ق 6) و (ق 7). (¬5) في (ق 6) و (ق 7): (مضت). (¬6) في (ف): (وكان له). (¬7) قوله: (كان) زيادة من (ق 2). (¬8) في (ق 6) و (ق 7): (علم). (¬9) في (ق 7): (أغرم). (¬10) قوله: (وإن كان موسرًا. . . أكثر من قيمتها) زيادة من (ق 2). (¬11) انظر: المدونة: 4/ 604.

ويختلف في هذه المسألة في أربعة مواضع: أحدها: أن يكون (¬1) غير عالم وهو موسر (¬2) هل تكون القيمة يوم الحكم أو يوم حملت؟ والثاني: إذا كان معسرًا وهو غير عالم هل تمضي أم ولد أو يكون للمجني عليه أن يأخذها؟ والثالث: إذا كان عالمًا وهو موسر هل تعد إصابتها رضًا بحمل الجناية (¬3) أم لا؟ والرابع: إذا كان معسرًا وكان له أن يأخذها هل يتبعه بقيمة الولد؟ فقال ابن القاسم: إذا وطئ وهو غير عالم فالقيمة يوم حملت (¬4). وعلى قوله في أم الولد إذا جنت القيمة يوم الحكم (¬5) تكون القيمة في هذه يوم الحكم. وهذا راجع إلى المستحقة إذا حملت، فقال مرة: القيمة فيها (¬6) يوم الحكم، وقال مرة (¬7): يوم حملت لأنها كانت (¬8) يوم جنت (¬9) أمة وللمجني عليه فيها حق ¬

_ (¬1) قوله: (أن يكون) يقابله في (ق 6): (إنه إذا كان)، وفي (ق 7): (إذا كان)، وفي (ق 2): (أنه إن كان). (¬2) قوله: (وهو موسر) زيادة من (ق 2). (¬3) قوله: (بحمل الجناية) يقابله في (ق 6): (بالجناية). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 605. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 364. (¬6) قوله: (القيمة فيها) يقابله في (ق 2) و (ف): (فيه القيمة). (¬7) قوله: (مرة) زيادة من (ق 7). (¬8) قوله: (كانت) زيادة من (ق 6) و (ق 7). (¬9) في (ق 2): (حملت).

فحملت بوجه شبهة وقام المجني عليه بحق له فيه بعد (¬1) الوطء. وأما إذا كان غير عالم وهو معسر، فقال ابن القاسم: تمضي له أم ولد بالأقل (¬2) من قيمتها وقيمة الجناية، وقال: بمنزلة من خلَّف أمةً وعليه دين فأصابها ولده فحملت وهو فقير أنها تمضي له أم ولد وعليه الأقل من قيمتها أو الدين (¬3). وقال غيره (¬4): للمجني عليه أن يأخذها بخلاف من هلك (¬5) وعليه دين، قال: لأن المجني عليه ملك رقبتها. وهو أحسن. والوجه فيه كما قال الغير أن (¬6) المجني عليه قد (¬7) ملك رقبتها إلا أن يفتدي منه فأشبه من استحق أمة وقد حملت من المشتري وهو معسر، فإن للمجني عليه أن يأخذها ولو سلم القول أنها تمضي أم ولد لوجب أن يتبع السيد بقيمتها. وإن كانت القيمة أكثر من الجناية؛ لأن السيد يقول: إنما يكون لك أن تغرم الجناية إن كانت أقل من الرقبة مع اليسر، فيقول: أنا أفتديها منك (¬8) وأغرم الجناية، وإذا كنت معسرًا وقلت: أنا أقبلها وألتزم الجناية وأتبع بها لم يكن لك ذلك، وإذا لم يكن ذلك له أتبع بالقيمة وإن كثرت؛ لأنه أفاتها بوجه شبهة. ¬

_ (¬1) قوله: (فيه بعد) يقابله في (ق 6) و (ق 7): (فيما تقدم). (¬2) في (ف): (وعليه بالأقل). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 605. (¬4) قوله: (غيره) ساقط من (ق 2). (¬5) في (ق 6): (مات). (¬6) في (ق 6): (لأن). (¬7) قوله: (قد) ساقط من (ق 6) و (ق 7). (¬8) في (ق 2): (منه).

وفي كتاب محمد: إذا كان عالمًا (¬1) موسرًا أنه لا (¬2) يكون ذلك رضًا بالتزام (¬3) الجناية إذا حلف أنه (¬4) لم يرض بحمل الجناية، وهو إذا كان عالمًا (¬5) بالجناية وبما يوجب الحكم أنه يمنع منها إلا أن يحمل الجناية، فإن كان ممن يجهل ذلك حلف أنه جهل (¬6) الحكم في ذلك وكان بمنزلة من لم يعلم (¬7). وفي كتاب محمد: إذا حملت الأمة بعد الجناية فولدت أن ولدها يُسَلم معها، فعلى هذا إذا كان عالمًا فقيرًا و (¬8) أُسلِمَت الأمة فولدت (¬9) أنه يتبع بقيمة الولد، فإذا خلَّف الميت (¬10) أمةً وولدًا، فحملت الأمة من الابن (¬11) كان عليه الأقل من قيمتها أو الدين عالمًا كان أو غير عالم إن كان موسرًا، وكذلك إن كان معسرًا ولم يعلم، وإذا كان عالمًا أخذت الأمة. ويختلف هل يتبع بقيمة الولد؟ قال غير (¬12) ابن القاسم: لو باعها الوارث ¬

_ (¬1) قوله: (عالمًا) ساقط من (ق 2). (¬2) قوله: (لا) ساقط من (ق 7) و (ف). (¬3) في (ف): (منه فأغرم). (¬4) قوله: (عليه أن يأخذها. . . الجناية إذا حلف أنه) غير واضح في (ق 7). (¬5) قوله: (عالمًا) ساقط من (ق 2). (¬6) قوله: (ذلك حلف أنه جهل) ساقط من (ق 2). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 371. (¬8) في (ف) و (ق 7): (أو). (¬9) قوله: (فولدت) زيادة من (ق 2). (¬10) قوله: (خلف الميت) يقابله في (ف): (كانت). (¬11) في (ق 6): (الولد). (¬12) قوله: (غير) ساقط من (ق 6).

ولا علم عنده في الدين ففاتته (¬1) عند المشتري بالعتق أو اتخاذها أم (¬2) ولد لم (¬3) تُرد الأمة وكان للغرماء أن يأخذوا الثمن إن وجدوه وإلا اتبعوا به من أخذه. قال الشيخ - رضي الله عنه -: ولو كان الوارث عالمًا بالدين فأعسر بالثمن لكان للغريم أن يتبع الواطئ بقيمتها على أصله. ¬

_ (¬1) قوله: (عنده في الدين ففاتته) يقابله في (ق 6): (لهم بالدين ففاتت)، وفي (ق 2): (عندهم بالدين ففاتت). (¬2) قوله: (اتخاذها أم) يقابله في (ف): (بإخدام) (¬3) قوله: (لم) ساقط من (ق 2).

باب في القضاء في جراح العبيد بعضهم بعضا

باب في القضاء في جراح العبيد بعضهم بعضًا وقال مالك: القضاء (¬1) عندنا في جراح العبيد (¬2) كهيئته بين الأحرار، نفس الأمة بنفس العبد وجرحها بجرحه، وإقادة العبيد بعضهم من بعض في الجراح (¬3) يخير السيد إن شاء استقاد وإن شاء أخذ العقل (¬4). قمال الشيخ - رضي الله عنه -: جرح العبد يجتمع فيه (¬5) حقان (¬6)، حق للسيد، وحق للعبد المجروح، والسيد المبدأ؛ لأن القصاص فيه تلف لماله فإن أحب العفو ويجريه (¬7) على أحكام الخطأ في أنه يعود (¬8) مالًا كان ذلك له، وإن أحب أسقط مقاله في تلف المال وأجراه على أحكام القصاص في قول الله تعالى في آية القصاص (¬9): {وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] وإن قال السيد: أنا أقتل، وقال العبد: أنا أعفو- كان القول قول السيد. وقال محمد: إن شج (¬10) عبدٌ عبدًا عمدًا (¬11) فنزى في (¬12) جرحه أن ذلك ¬

_ (¬1) في (ق 6) و (ق 7): (الأمر). (¬2) قوله: (جراح العبيد) يقابله في (ق 6) و (ق 7): (القصاص بين المماليك). (¬3) قوله: (في الجراح) زيادة من (ق 2). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 605. (¬5) قوله: (جرح العبد يجتمع فيه) يقابله في (ق 7): (جراح العبيد يجتمع فيها). (¬6) قوله: (حقان) ساقط من (ق 2). (¬7) قوله: (ويجريه) غير واضح في (ق 7). (¬8) في (ف): (يقود). (¬9) قوله: (في آية القصاص) زيادة من (ق 6) و (ق 7). (¬10) في (ق 6): (جرح). (¬11) قوله: (عمدًا) زيادة من (ق 2). (¬12) في (ق 2): (ما).

مثل الأحرار يستقاد من الجرح الأول، ثم ينظر فإن نزى من جرح الثاني مثل الأول، وإلا كان عقل ما بينهما في رقبته إن شاء (¬1) سيده فداه بدية (¬2) الزيادة أو أسلمه، فإن تنامت (¬3) بالثاني إلى (¬4) أكثر من الأول لم يكن للسيد على (¬5) الجارح الأول شيء، وكل هذا إذا ثبت الجرح بشاهدين، فإن كان بإقرار العبد سقط أن يكون الزائد في رقبة العبد، وإنما يؤخذ بإقراره القصاص دون الزائد، وإن كان الشاهد واحدًا (¬6) على الجرح حلف العبد (¬7) المجروح مع شاهده واقتص. قال عبد الملك: فإن نكل حلف سيده واقتص، وإن نكل حلف الجارح وبُرِّئ، فإن نكل حلف سيده واقتص (¬8)، فإن نكل ثبت عليه القصاص وكان لسيد العبد (¬9) المجروح أن يقتص، فإن قال: آخذ ما نقص عبدي (¬10) بنكول الجارح كانت اليمين على سيد الجارح أن الذي شهد به الشاهد باطل، فإن نكل غرم دية الجرح أو أسلم عبده، وإن كان قتيلًا (¬11) لم يكن بدٌّ من (¬12) أن يحلف ¬

_ (¬1) قوله: (شاء) زيادة من (ق 2). (¬2) في (ق 2): (بتلك). (¬3) في (ق 2): (ترامت). (¬4) قوله: (إلى) زيادة من (ق 2). (¬5) في (ق 2) و (ق 6) و (ق 7): (لسيد). (¬6) قوله: (الشاهد واحدًا) يقابله في (ق 2): (ذلك شاهدًا). (¬7) قوله: (العبد) زيادة من (ق 2). (¬8) قوله: (فإن نكل حلف سيده واقتص) زيادة من (ق 2). (¬9) قوله: (العبد) ساقط من (ق 2). (¬10) في (ف): (عبدك). (¬11) في (ق 6): (قتلا). (¬12) قوله: (من) ساقط من (ق 7).

العبد القاتل؛ لأنه لعله يقر فيقتل (¬1)، فإن أبى أن يحلف حلف سيده. قال محمد: وهذا خلاف لقول ابن القاسم؛ لأنهم لا يرون (¬2) بين العبيد قصاصا بشهادة رجل (¬3) واحد في جراح ولا قتل، ولكن يحلف سيده مع شاهده ويأخذ قيمة عبده أو ما نقص. وقال ربيعة في مائة عبد قتلوا رجلًا حرًّا فمنهم الباطش ومنهم (¬4) الآمر، وقد قامت بذلك بينة فدفعوهم (¬5) إلى الولي ليقتلهم فاستحياهم وأراد استرقاقهم، فليس له إلا الدية يستوفيها منهم فقط (¬6). قال الشيخ: وعلى أحد قولي مالك في عين الأعور أن للمفقوءة عينه إذا كان الأول صحيح العينين (¬7) والفاقئ أعور أن له دية عين (¬8) الأعور؛ لأنه ملك أخذها فيأخذ منه دية ما ملك أخذه، وإن كانت دية عينه خمسمائة دينار (¬9) فيكون لأولياء (¬10) القتيل (¬11) أن يأخذوا قيمة المائة عبد؛ لأن الولي ملك قتل (¬12) جميعهم فيأخذ قيمة ما ترك مما كان له أخذه (¬13). ¬

_ (¬1) قوله: (لعله يقر فيقتل) يقابله في (ف): (يقر بقتل). (¬2) قوله: (لأنهم لا يرون) يقابله في (ق 6): (لأنه لا يرى). (¬3) قوله: (بشهادة رجل) يقابله في (ق 6) و (ق 7): (بشاهد واحد). (¬4) قوله: (منهم) ساقط من (ق 7). (¬5) في (ف): (فدعا هذا). (¬6) انظر: المدونة: 4/ 605. (¬7) في (ف) و (ق 2) و (ق 7): (العين). (¬8) قوله: (عين) ساقط من (ق 2). (¬9) قوله: (دينار) ساقط من (ق 6). (¬10) قوله: (فيكون لأولياء) يقابله في (ق 2): (ولأولياء). (¬11) في (ق 6): (المقتول). (¬12) قوله: (قتل) زيادة من (ق 2). (¬13) في (ق 6): (أن يأخذه).

وقد تقدَّم ذكر (¬1) ذلك في كتاب (¬2) الديات في الرجل يقتل المرأة عمدًا أن لأوليائها إذا عفوا أن يأخذوا (¬3) دية الرجل على هذا القول لما ملكوا قتله. وقال مالك (¬4) في عبدين لرجلٍ يجرح أحدهما صاحبه: أن بينهما القصاص إن أحب ذلك السيد، ولكن لا يجوز (¬5) ذلك إلا عند سلطان (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (ذكر) زيادة من (ق 7). (¬2) ساقط من (ق 2)، وزاد قوله: (محمد) في (ق 6) بعد قوله: (كتاب). (¬3) زاد بعد ذلك قوله: (ديتها) من (ف). (¬4) قوله: (مالك) ساقط من (ق 2). (¬5) في (ق 6) و (ق 7): (يكون). (¬6) انظر: المدونة: 4/ 621، 622.

باب في العبد يجرح أو يجرح أو يقذف أو يقذف ثم يعترف سيده أنه أعتقه

باب في العبد يَجْرَح أو يُجْرَح أو يَقْذِف أو يُقْذَف ثم يعترف سيده أنه أعتقه (¬1) ومن المدونة قال ابن القاسم في العبد يجرحه رجل عمدًا أو يقذفه فيقرُّ سيده أنه كان أعتقه: أنه لا يصدق ولا يحد له القاذف ولا يقتص منه (¬2) وتكون دية الجرح للعبد؛ لأن السيد مقر أنه لا شيء له فيه (¬3). قال الشيخ - رضي الله عنه -: إن صدق الجارح السيد والعبد على أنه متقدم العتق اقتص منه فقد تقدم (¬4) دليل صدقهما، أو يستسلم لذلك لما يعلم من صدق السيد وعدالته أو يعلم مثل ذلك من العبد، وإن كان الجرح خطأ وهو دون الثلث كان على الجارح الأقل من قيمة ذلك الجرح على أنه حر أو عبد، وأي ذلك كان أقل غرمه للعبد، وإن كان الجرح الثلث فأكثر سقط أن يكون عن ذلك الجرح غرمٌ (¬5)؛ لأن الجارح (¬6) يصدقهما ويقول: إنهما يقران ألا شيء عليَّ من ذلك وأنه على العاقلة، والعاقلة (¬7) تقول: شيء علينا ولا يُحمل عقل باعتراف (¬8). ¬

_ (¬1) قوله: (باب في العبد. . . أنه أعتقه) يقابله في (ق 2): (فصل). (¬2) قوله: (ولا يقتص منه) يقابله في (ف): (ولا يقبض دية). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 484. (¬4) قوله: (فقد تقدم) يقابله في (ف): (لما تقدم من). (¬5) قوله: (غرم) زيادة من (ق 2). (¬6) في (ف): (ذلك الجرح). (¬7) قوله: (العاقلة) ساقط من (ق 2). (¬8) في (ف): (عليه ولا تحمل عقلًا بالاعتراف).

فصل [في جناية العبد عمدا]

فصل (¬1) [في جناية العبد عمدًا] وإن كانت الجناية عمدًا والعبد هو الجارح وكذبهما المجروح، وكان للعبد مال أخذ منه دية جرحه ذلك، فإن لم يكن له مال خُيِّر السيد بين أن يفتديه أو يسلمه، فإن افتداه أعتق عليه بإقراره، وإن لم يفتده أخذه المجروح رقيقًا، وإن صدقهما كان له أن يقتص وله أن يجبر على دية ذلك الجرح ويتبعه في الدية (¬2)، وإن صدق المجروح السيد أنه أعتقه وقال العبد: بل أنا عبد، لم يكن للمجروح أن يقتص من العبد بإقرار السيد، وله أخذ (¬3) دية ذلك الجرح يأخذها العبد (¬4) متى أيسر فيمتنع (¬5) القصاص؛ لأن العبد يقول: لا يجوز قطع يدي بإقرار سيدي عليَّ من غير بينة، فإن ذلك جناية في رقبتي، ويمنع المجروح من أخذ رقبته لإقراره على نفسه أنه حر، ولا يمنع من أخذ المال متى أيسر؛ لأنه إن كان عبدًا كان (¬6) كما قال فإن للمجروح أن ينتزع ماله، وإن قال العبد: أنا حر (¬7) أعتقني سيدي، وصدقه المجروح وكذبه سيده (¬8) - كان القول قول السيد وهو بالخيار بين أن يفتديه بدية الجرح ويبقى في يده عبدًا (¬9) أو يسلمه ويقتص ¬

_ (¬1) من بداية هذا الفصل في (ق 7) الكلام غير واضح حتى قوله: (يجبر على دية). (¬2) في (ق 6) و (ق 7): (الذمة). (¬3) قوله: (أخذ) زيادة من (ف). (¬4) في (ق 2): (السيد). (¬5) في (ق 2) و (ق 6): (فمنع من). (¬6) قوله: (كان) زيادة من (ف). (¬7) قوله: (أنا حر) ساقط من (ق 6). (¬8) في (ق 6) و (ق 7): (السيد). (¬9) قوله: (عبدًا) ساقط من (ق 2).

المجروح ويكون حرًّا، وكلُّ هذا فعلى القول أنه لا يقتص من العبد للحر (¬1) في الجراح، وإن كان الجرح خطأ وقال السيد: أعتقته وصدقه العبد وكذبهما المجروح كان السيد بالخيار بين أن يفتديه أو يسلمه، فإن افتداه عتق (¬2) عليه، وإن أسلمه أخذه المجروح رقيقًا، وسواء في هذا كانت دية الجرح دون الثلث أو الثلث فأكثر، فإن صدقهما وكانت دية الجرح (¬3) دون الثلث أتبع دية (¬4) الجارح، فإن كانت (¬5) ديته (¬6) الثلث فأكثر سقط حق المجروح في دية ذلك الجرح؛ لأنه أقر ألا حق له قِبَل الجارح وأن ذلك على العاقلة، والعاقلة لا تحمل اعترافا (¬7). ¬

_ (¬1) قوله: (من العبد للحر) يقابله في (ف): (منه الحر). (¬2) في (ق 6) و (ق 7): (أعتق). (¬3) قوله: (وكانت دية الجرح) يقابله في (ف): (وكان الجرح). (¬4) قوله: (أتبع دية) يقابله في (ق 6) و (ق 7): (أتبع به ذمة). (¬5) قوله: (دون الثلث. . . فإن كانت) زيادة من (ق 2). (¬6) قوله: (ديته) زيادة من (ق 6) و (ق 7). (¬7) في (ف): (اعترافهما).

باب القضاء في جناية المكاتب

باب (¬1) القضاء في جناية (¬2) المكاتب وقال مالك في المكاتب يجني جناية (¬3) أنه يخير بين أن يؤدي الجناية أو يعجز نفسه، فإن أدى الجناية مضى على كتابته (¬4)، وإن عجز نفسه خُيِّر سيده بين أن يفتديه به (¬5) أو يسلمه (¬6). قال الشيخ - رضي الله عنه -: أرى أن ينظر فيما (¬7) في يد العبد، فإن كان فيه ما تؤدى الجناية منه (¬8) ويبقى بعدها على ما يرجى أن يسعى فيه؛ حتى يؤدي ما عليه من الكتابة (¬9) - فعل ذلك به (¬10)، ولم يكن للمكاتب أن يعجز نفسه، ومثله أن يبقى (¬11) ما أن تلوم له ولم يعجل عليه بالتعجيز من رجائه (¬12) القوة على السعي، وإن لم يرج له ذلك عجز (¬13) ويخيَّر سيده، ولا أرى أن يمكن من (¬14) أن ¬

_ (¬1) قوله: (باب) ساقط من (ق 6). (¬2) قوله: (القضاء في جناية) يقابله في (ف): (الفصل في دية). (¬3) قوله: (المكاتب يجني جناية) يقابله في (ق 6): (جناية المكاتب). (¬4) قوله: (على كتابته) زيادة من (ق 2). (¬5) قوله: (به) زيادة من (ق 2). (¬6) انظر: المدونة: 4/ 613. (¬7) في (ق 6) و (ق 7): (إلى ما). (¬8) قوله: (منه) ساقط من (ق 2). (¬9) في (ف): (الجناية). (¬10) قوله: (به) زيادة من (ق 6). (¬11) قوله: (أن يبقى) يقابله في (ق 6) و (ق 7): (إذا بقي). (¬12) قوله: (من رجائه) يقابله في (ق 6) و (ق 7): (رجي له). (¬13) في (ف): (عجل له). (¬14) قوله: (من) زيادة من (ق 6) و (ق 7).

يعجز (¬1) نفسه إلا بعد كشف السلطان لما عنده؛ لأنه لا يمكن من التعجيز مع القدرة على الوفاء (¬2)، وإن لم ينظر في (¬3) قوته من ضعفه حتى أدى الجناية، ثم تبين أنه كان (¬4) غير قادر على الجميع- مضى فعله؛ لأن السيد لا يختار إلا بقاءه من غير غرم عليه فيه. وإن لم يقم المجني (¬5) عليه حتى أدى الكتابة ولم يبق في يده (¬6) ما يوفي بالجناية عجز أيضًا، ويخير سيده بين أن يفتديه أو يسلمه. قال ابن القاسم: ويسلم معه ما أخذ من النجوم (¬7) بعد الجناية (¬8). قال الشيخ (¬9): إذا كان الذي (¬10) أخذ منه من غير خراجه (¬11) أسلمه معه. واختلف (¬12) إذا كان من خراجه (¬13) هل يسلم معه أم لا؟ فمن قال إنه ¬

_ (¬1) قوله: (أن يعجز) يقابله في (ق 2): (من تعجيز). (¬2) في (ق 2): (السعي). (¬3) قوله: (في) زيادة من (ق 6). (¬4) قوله: (كان) ساقط من (ق 7). (¬5) قوله: (يقم المجني) يقابله في (ف): (تقم الجناية). (¬6) في (ق 6) و (ق 7): (يديه). (¬7) في (ف): (المال). (¬8) انظر: المدونة: 4/ 671. (¬9) في (ف): (قلت). (¬10) قوله: (الذي) زيادة من (ق 2). (¬11) في (ق 2): (جراحه). (¬12) في (ق 6) و (ق 2): (ويختلف). (¬13) في (ق 2): (جراحه).

فصل [في جرح المكاتب للحر]

مملوك للمجني عليه من يوم جنى أسلمه وخراجه (¬1). ومن قال: إنه غير مملوك إلى يوم يسلمه أسلمه بغير خراج (¬2). وقول ابن القاسم: يسلمه جملة. ولم يفرق يصح على أحد القولين. وإن لم يقم ولي (¬3) الجناية حتى مات المكاتب، فإن لم يخلف شيئًا سقطت الجناية، وإن كان خلف مالًا كان له (¬4) الأقل مما خلف أو الجناية، وإن كانت الجناية أقل كان الباقي للسيد، وكلُّ هذا على ألا (¬5) دين عليه، وإن كان عليه دَينٌ بُدِّي الغرماء بماله ولا محاصة لولي الجناية مع الغرماء، والموت والحياة (¬6) في ذلك سواء، وإن لم يفضل (¬7) بعد قضاء الدين شيء لم يكن للمجني عليه شيء في الموت، وإن كان حيًّا عاد المقال له (¬8) في الرقبة. فصل [في جرح المكاتب للحُرِّ] وقال مالك: إذا جرح المكاتب الحر أنه إن قوي على عقل ذلك الجرح مع الكتابة أدَّاه فكان (¬9) على كتابته ولا تنجم عليه كما تنجم. . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) في (ف): (من خراجه). (¬2) قوله: (ومن قال. . . بغير خراج) ساقط من (ف)، وزاد بعدها في (ق 2): (يرتد له أنه من عتق وغلة الرهن للراهن). (¬3) في (ق 2): (صاحب). (¬4) قوله: (له) ساقط من (ق 2). (¬5) قوله: (وإن كانت الجناية. . . وإلا) يقابله في (ف): (لأنه لا). (¬6) في (ف): (والجناية). (¬7) في (ف) و (ق 2): (يفصل). (¬8) قوله: (المقال له) يقابله في (ق 6) و (ق 7): (مقاله). (¬9) في (ق 6) و (ق 7): (وكان).

على الحر (¬1). يريد: إذا كانت الجناية قتل نفس فجعل الدية في هذا الموضع حالَّة. وقيل (¬2) في العبد يقتل رجلا خطأ فيفتديه سيده بالدية أنها تنجم عليه ولا تلزمه (¬3) حالَّة. وكذلك يجري الجواب إذا قال المكاتب: لا أقدر على أدائها حالَّة وعلى الكتابة فعجز، وقال أشهب إذا قال (¬4) السيد: أنا أفتديه- أنها تنجم على السيد، وإنما لم تنجم على المكاتب لأنه على وجهين (¬5)، إما أن يقف عن (¬6) أداء الكتابة ثلاث سنين حتى يؤدي الجناية، فيضر بالسيد، أو يكون في تلك السنين يؤدي للسيد في (¬7) كل نجم ما عليه فيه فيضر ذلك (¬8) بأولياء القتيل؛ لأن من حقهم ألا يؤدي الكتابة إلا بعد (¬9) أداء الجناية وقد تكون نجوم (¬10) الكتابة تنقضي (¬11) قبل ثلاث سنين فيصير إلى الحرية قبل أداء الجناية (¬12) والجناية في الرقبة. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 613. (¬2) في (ق 7): (وقال). (¬3) زاد قوله: (من) في (ف) بعد قوله: (ولا تلزمه). (¬4) قوله: (أشهب إذا قال) زيادة من (ق 2). (¬5) قوله: (على وجهين) زيادة من (ق 2). (¬6) في (ق 6) و (ف): (على). (¬7) في (ق 7) و (ق 2): (عند)، وفي (ق 6): (عن). (¬8) قوله: (ذلك) ساقط من (ق 6). (¬9) في (ف): (من بقية). (¬10) في (ق 7): (تنجيم). (¬11) في (ق 2): (تنقطع). (¬12) في (ف): (الكتابة).

باب في المكاتب يقر بقتل خطأ أو عمد ثم يصالح من ذلك على مال

باب في المكاتب يقر بقتل خطأ أو عمد ثم يصالح من ذلك على مالٍ وإذا أقرَّ المكاتبُ بقتل خطأ (¬1) ثم صالح من ذلك على مالٍ لم يجز إقراره ولا صلحه، وكذلك إذا أقرَّ بقتل عمد ثم صالح على مال، لم يجز الصلح (¬2) ولا يسقط القصاص إذا قال المقر له: لم أسقط القصاص إلا لمكان الصلح وحلف على ذلك. قال الشيخ (¬3): وإقرار المكاتب بالخطأ ساقط ما دام في كتابته، وكذلك إذا عجز وعاد إلى الرق في ملك سيده. واختلف إذا صار إلى العتق بأداء (¬4) الكتابة فأعتقه (¬5) سيده، فقال ابن القاسم: لا يلزمه من تلك (¬6) الجناية شيء (¬7). وقال عنه (¬8) أبو زيد: إذا أعتق لزمه ذلك. وهو أحسن؛ لأنه كان في حين الإقرار لو ثبت (¬9) ذلك ببينة على أحد أمرين، إما أن يقوى (¬10) على أداء الكتابة والجناية فيكون إقراره يتضمن ¬

_ (¬1) قوله: (خطأ) زيادة من (ق 2). (¬2) زاد في (ق 6) و (ق 7): (فيرد الصلح). (¬3) قوله: (قال الشيخ) زيادة من (ق 6) و (ق 7). (¬4) في (ف): (بعد أداء). (¬5) في (ق 6) و (ق 7): (أو أعتقه). (¬6) قوله: (تلك) زيادة من (ق 6) و (ق 7). (¬7) انظر: المدونة: 4/ 614. (¬8) قوله: (عنه) زيادة من (ق 2). (¬9) قوله: (لو ثبت) يقابله في (ق 2): (لم يثبت). (¬10) في (ف): (يقوم).

أن (¬1) قبله مال (¬2). وأداء (¬3) الكتابة لا يسقط ما يكون قبله من مال، أو يكون عاجزًا عن أداء الجميع فيكون للمقر له التسلط على رقبته إذا لم يفده السيد والسيد (¬4) يمنعه الآن من إرقاق نفسه لما لَهُ من الولاء، وإذا صار إلى العتق أخذه بإقراره. واختلف في المدبر يقر بالجناية خطأً ويرد السيد إقراره ثم يموت سيده ويعتق في ثلثه، فقيل: لا يتبع بشيء، وقيل: يسقط من جنايته بقدر ما اختدم (¬5) منه سيده والفاضل يتبع، به قال (¬6): لأنه يقول السيد: منعك خدمتي، فلا تلزمني حصة ما أسقط (¬7) عني منها، وإن أقرَّ المكاتب بجناية عمدًا وصالح لم يجز سيده الصلح ولم يقتصوا منه (¬8) عند رد الصلح- كان له أن يتبعه بذلك الصلح بعد أداء الكتابة على أحد القولين، وكذلك لو لم يصالح وعفا ليأخذ (¬9) دية الجرح فمنع من ذلك في حال الكتابة، فإن له أن يتبعه بذلك بعد أدائها، ولو (¬10) أراد القصاص فمنع منه على قول أشهب لكان له أن يقتص منه إذا صار إلى الحرية. ¬

_ (¬1) قوله: (يتضمن أن) يقابله في (ق 2): (لمن). (¬2) قوله: (مال) ساقط من (ق 2). (¬3) في (ق 6): (فإذا أدى). (¬4) قوله: (والسيد) زيادة من (ق 2). (¬5) في (ف): (استخدم). (¬6) قوله: (قال) ساقط من (ف). (¬7) في (ف): (يسقط). (¬8) قوله: (لم يجز سيده الصلح ولم يقتصوا منه) يقابله في (ق 2): (لم يعد إلى القصاص). (¬9) زاد في (ق 6) و (ق 7): (ذلك) (¬10) في (ف): (وإن).

باب في الجناية على المكاتب

باب (¬1) في الجناية على المكاتب وإذا جُنِي على المكاتب كان للسيد أن يأخذ قيمة الجناية (¬2)، وليس للمكاتب أن يأخذها ليتجر فيها؛ لأنها ثمن لرقبته، وإن كانت الجناية كفافًا للكتابة كان حرًّا، وإن كان فيها فضل أخذه المكاتب؛ لأنه لم يكن للسيد عليه سوى مال، فلا مقال له في أكثر منه. وإن كانت الجناية أقل حاسبه بها من آخر النجوم، فإن عجز عن أداء (¬3) أول نجم عجز ولم يكن له أن يؤدي ذلك له (¬4) من الجناية، وإن قتل أخذ القيمة (¬5) السيد إن لم يكن معه في الكتابة ولد، وإن كان معه ولد قضى من القيمة الكتابة، وكان الفاضل للولد، فإن لم يكن في القيمة وفاء بالكتابة (¬6) أخذها السيد وحاسبهم بها من آخر النجوم. ¬

_ (¬1) في (ق 2): (القضاء). (¬2) قوله: (قيمة الجناية) يقابله في (ف): (ثمن الكتابة). (¬3) قوله: (أداء) ساقط من (ق 2، ف). (¬4) زاد بعد في (ق 2): (له). (¬5) في (ف): (ذلك). (¬6) قوله: (بالكتابة) ساقط من (ق 2، ف).

فصل [في قيمة المكاتب إذا قتل أو جني عليه]

فصل (¬1) [في قيمة المكاتب إذا قُتِلَ أَوْ جُنِيَ عليه] والقيمة في المكاتب (¬2) إذا قتل أو إذا (¬3) جني عليه ولم يقتل (¬4) غير (¬5) مختلفة فإن قتل قومٌ عبدًا لا كتابة فيه؛ لأنَّ عقد العتق من كتابة أو تدبير أو عتق إلى أجل، أو معتق بعضه مع القتل- يسقط حكمه وعلى القاتل قيمة عبد، وإلى هذا ذهب ابن القاسم في المدونة في قوله: إذا كانا عبدين قوتهما على الأداء سواء وقيمة رقابهما سواء (¬6)، وقد أدى أحدهما جميع كتابته إلا درهمًا واحدًا والآخر لم يؤد شيئًا- أنه لا ينظر إلى ما أديا، وقيمة رقابهما على القاتل سواء في الجناية (¬7)، وإنما تعتبر القيمة في قدرته (¬8) على الأداء؛ لأن (¬9) هكذا يقوم لو كان عبدًا لا كتابة فيه وكان ذلك خراجه بغير كتابة، فكثرة الخراج وقلته تؤثر في القيمة (¬10)، وتزيد فيها أو تنقص منها (¬11) إذا كان قليلًا إلا أن تكون قيمته ¬

_ (¬1) قوله: (فصل) ساقط من (ف) و (ق 6). (¬2) قوله: (في المكاتب) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (إذا) زيادة من (ق 6) و (ف). (¬4) قوله: (ولم يقتل) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (غير) زيادة من (ف). (¬6) قوله: (وقيمة رقابهما سواء) ساقط من (ف). (¬7) قوله: (في الجناية) ساقط من (ق 2 ف)، انظر: المدونة: 4/ 618. (¬8) ق (ف): (القدرة). (¬9) قوله: (لأن) ساقط من (ق 6). (¬10) قوله: (وكان ذلك خراجه. . . في القيمة) ساقط من (ف). (¬11) قوله: (منها) ساقط من (ق 7).

فصل [في جناية السيد على مكاتبه]

مكاتبًا أكثر فتكون له قيمته مكاتبًا (¬1)؛ لأنه (¬2) كان قادرًا على بيعه مكاتبًا على حاله (¬3). قال ابن القاسم: وإن شَجَّه مُوضِحَةً كان على الجارح نصف عشر قيمته مكاتبًا على حاله (¬4)؛ لأن جرحه لم يخرجه عن كتابته، وإذا كان الجرح مما ليس فيه تسمية معلومة قوم ما نقصه لو بيع على أنه مكاتب. فصل [في جناية السيد على مكاتبه] وإن كان السيد هو الجاني على مكاتبه فإن قتله وليس في الكتابة معه أحد- سقطت المطالبة عن السيد، وسواء كان القتل خطأ أو عمدًا، وإن كان معه ولد وفي القيمة فضل أعتق الولد وكان الفاضل للولد، وسواء كان القتل عمدًا أو خطأ. وإن كانت ابنة كان لها النصف والباقي للسيد إذا كان القتل خطأ (¬5). واختلف في العمد، فقال ابن القاسم في المدونة: إذا كان معه في الكتابة أمةٌ أخذتْ قدر مورثها، فلم يجعل على السيد غير ذلك (¬6) ولم يفرق بين عمد ولا خطأ (¬7). وقال محمد: لها الثلث ويسقط عن السيد ثلثاه. ¬

_ (¬1) قوله: (أكثر فتكون له قيمته مكاتبا) زيادة من (ق 6) و (ق 7). (¬2) في (ف): (لو). (¬3) قوله: (على حاله) زيادة من (ق 2). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 617. (¬5) انظر: المدونة: 4/ 617. (¬6) قوله: (فلم يجعل على السيد غير ذلك) يقابله في (ق 6): (فكان الباقي للسيد). (¬7) انظر: المدونة: 4/ 617.

وقال أشهب: إنما ذلك في الخطأ وإذا كان ذلك (¬1) عمدًا كان الفاضل (¬2) لأولى الناس به بعد السيد (¬3). والقول الأول أبين؛ لأنَّ السيد يأخذه بالرق، ولو كان يأخذه على أحكام (¬4) الحر لم يكن له من الخطأ شيء؛ لأن الدية الخطأ والعمد فيها سواء (¬5) لا يرث القاتل منها (¬6) شيئًا، ويلزم على قول أشهب ألا يرث السيد في العمد مما خلفه المكاتب من جميع المال الذي كان في يده (¬7) شيئًا. ¬

_ (¬1) قوله: (ذلك) زيادة من (ق 7). (¬2) في (ف): (الفضل). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 388. (¬4) في (ف): (حكم). (¬5) قوله: (الخطأ والعمد فيها سواء) يقابله في (ف): (في العمد والخطأ). (¬6) قوله: (القاتل منها) في (ف): (معها القاتل). (¬7) قوله: (من جميع المال الذي كان في يده) زيادة من (ف).

باب في جناية السيد على مكاتب مكاتبه

باب في جناية السيد على مكاتب مكاتبه (¬1) وإذا جنى السيد على مكاتب مكاتبه كان للمكاتب أن يقوم على سيده فيأخذ منه قيمته قليلة كانت أو كثيرة، وليس للسيد أن يحسبها (¬2) من كتابة الأعلى؛ لأن المكاتب الأسفل كسلعة للمكاتب (¬3) الأعلى، وليس للسيد أن يأخذ سلعته (¬4) وليس لولد القتيل (¬5) إن كان له ولد أن يقبض (¬6) القيمة فيتجر بها كما لم يكن لأبيه إن قطعت يده أن يأخذ قيمتها فيتجر بها، وإذا صارت القيمة إلى سيد القتيل وهو المكاتب الأعلى أعتق فيها ولد المكاتب الأسفل (¬7) إن كانت كفافًا لكتابته، وإن كانت أقل سعى (¬8) الولد في (¬9) الباقي وحوسب من قيمة (¬10) أبيه من آخر التنجيم (¬11)، وإن كان فيها فضل قبضه الولد، وإن كان السيد معسرًا بيعت كتابة الأعلى إن كان فيها وفاء (¬12) بقيمة القتيل ¬

_ (¬1) قوله: (باب. . . مكاتب مكاتبه) يقابله في (ق 2): (فصل). (¬2) في (ق 6) و (ف): (يحبسها). (¬3) قوله: (للمكاتب) ساقط من (ق 6). (¬4) في (ق 6): (سلعة المكاتب)، وقوله: (وليس للسيد أن يأخذ سلعته) ساقط من (ق 2). (¬5) في (ف): (المقتول). (¬6) في (ق 6): (يأخذ). (¬7) قوله: (الأسفل) زيادة من (ق 2). (¬8) قوله: (لكتابته وإن كانت أقل سعى) زيادة من (ق 2). (¬9) قوله: (ق) زيادة من (ق 2). (¬10) قوله: (من قيمة) في (ف): (بقيمة). (¬11) في (ق 6) و (ق 7): (النجوم). (¬12) قوله: (فيها وفاء) يقابله في (ق 6): (كفافًا).

وسلم (¬1) الثمن للمكاتب ثم عتق (¬2) ولد الأسفل حسبما تقدم إلا أن يحب الأعلى أن يأخذ كتابته بما وقعت عليه من الثمن ويقاص سيده بذلك ويكون حرًّا مكانه (¬3) فذلك له (¬4). تمَّ كتابُ الجنايات بحمدِ اللهِ تعالى وحسن عونه، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحيه وسلم (¬5) ¬

_ (¬1) في (ف): (ويسلم). (¬2) في (ق 6) و (ق 2): (أعتق). (¬3) قوله: (مكانه) ساقط من (ق 2). (¬4) قوله: (فذلك له) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (تمَّ كتابُ. . . وعلى آله وصحبه وسلم) يقابله في (ق 7): (كمل كتاب الجنايات وبكماله تم السفر السابع وهو الآخر من كتاب التبصرة لأبي الحسن اللخمي -رحمه الله- فتم بذلك جميع الديوان والحمد لله تعالى، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا. وكان الفراغ منه في يوم السبت الثاني لشهر محرم. . . . عام أربعة وعشرين. . . مائة، على يدي العبد الفقير إلى رحمة ربه الراجي مغفرة ذنبه عند الله، عبد الله بن محمد سهيل النضال وفقه الله تعالى).

كتاب الجراح

كتاب الجراح النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (ق 6) = نسخة القرويين رقم (368) 3 - (ق 7) = نسخة القرويين رقم (367)

كتاب الجراح

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كتاب الجراح القتل ثلاثة: خطأ، وعمد، وشبه الخطأ والعمد، وهو ما أشكل أمره هل كان عن خطأ أو عمد. والحكم في الخطأ الدية، وفي العمد القِصاص، إلا أن يرضى الولي بالدية. واختلف عن مالك في شبه العمد، فقال في المدونة: لا أعرفه وإنما هو عمد أو خطأ (¬1). وقال مرة فيه: لا قصاص (¬2). وذكر عنه غير واحد من البغداديين أن فيه الدية (¬3). وهو أحسن لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ وإِنَّ قَتِيلَ الخَطأِ شبهِ العَمْدِ، قَتِيلَ السَّوْطِ وَالعَصَا فيه مائة مِنَ الإِبِلِ. . ." الحديث رواه عمرو بن العاص (¬4)، ولأن القِصاص إنما يجب في العمد، وإذا كان القتل مشكلًا هل هو ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 558. (¬2) قوله: (في المدونة:. . . فيه لا قصاص) يقابله في (ق 6): (فقال فيه القصاص). وانظر: المدونة: 4/ 560. (¬3) قوله: (واختلف عن مالك. . . . . . . . . أن فيه الدية) ساقط من (ف). (¬4) صحيح، أخرجه أبو داود: 2/ 593، في باب دية الخطأ شبه العمد، من كتاب الديات، برقم: 4547، والنسائي: 8/ 40، في باب من قتل بحجر أو سوط، من كتاب القسامة، برقم: 4791، وابن ماجه: 2/ 77 س في باب دية شبه العمد مغلظة، من كتاب الديات، برقم: 2627، وابن حبان: 13/ 364، من كتاب الديات، برقم: 6011، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -. قلت: ما وقفت عليه من روايات الحديث هو عن عبد =

عمد أو خطأ لم يقتل بشك، وقد وافق مالكًا على سقوط القِصاص الشافعيُّ وأبو حنيفة. وشبه العمد أربعة أقسام: أحدها: أن يكون القتل بغير آلة القتل وبما لا يُقْصَد إلى إتلاف النفس بمثله كالسوط والعصا والبندقة (¬1) واللَّطمة واللَّكزة، وفيه ورد الحديث، إلا أن يقوم دليل العمد لقوة الضربة من الرجل الشديد لمريض أو ضعيف. والثاني: أن يكون بآلة القتل ممن لا يُتَّهم أن يكون أراد القتل، وهو ما يكون من الأب والأم لولدهما يحذفه بسيف أو برمح، وفيه قضى عمر - رضي الله عنه - (¬2). والثالث: أن يكون ممن أبيح له فعل مثل ذلك ممن نزل به القتل كمعلم الثقاف (¬3) والطبيب والخاتن. ¬

_ = الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -، ولم أقف على رواية لأبيه عمرو بن العاص - رضي الله عنه -. قال ابن الملقن: قال عبد الحق: طريقة عبد الله بن عمرو هي الصحيحة. وقال ابن القطان في "علله": هو صحيح ولا يضره الاختلاف. انظر: البدر المنير: 8/ 359. (¬1) قوله: (والبندقة) ساقط من (ف). قلت: البندقة: هو الصيد بالرمي بالحجارة الصغيرة وشبهها، فإذا كان رميها بين إصبعين فهو الخذف بالخاء المعجمة، وحصاه حصا الخذف، وإن كان بالنفخ في عصا مجوفة فهو صيد البندقة، وحصاة الرمي بها البندق، وهي غالبًا تصنع من فخار مطبوخ. انظر: مشارق الأنوار، للقاضي عياض: 1/ 91. (¬2) صحيح، أخرجه مالك: 2/ 867 في باب: ما جاء في ميراث العقل والتغليظ فيه، من كتاب العقول، برقم: 1557، ومن طريقه الشافعي في مسنده، ص: 201، برقم: 975، ومن طريقه البيهقي: 8/ 38، في باب الرجل يقتل ابنه، من كتاب النفقات، برقم: 15742. وقال: إسناده صحيح. انظر: معرفة السنن والآثار: 12/ 40. (¬3) في (ف): (الكتاب). والمثبت موافق لما جاء في التوضيح نقلًا عنه: 8/ 56.

والرابع: أن يكون على صفة يراد بها القتل ويتقدمه بساط يعلم أنه لم يكن المراد القتل كالمتصارعين والمتلاعبين. وإذا حذف الأبُ أو الأمُّ الولدَ (¬1) بسكين أو سيف فأبان له عضوًا أو قتله لم يقتص منه من ذلك الجرح، ولم يُقْتَل به إن قُتِل، بخلاف الأجنبي؛ لأنه لا يتهم على أنه أراد قتله، ويحمل على أنه أراد تهديده وتخويفه لما علم من حنانهما والشفقة والذب عنه إلا أن يأتي بأمر لا شك فيه؛ مثل: أن يضجعه فيذبحه، أو يعلم أنه كان بينهما تهديد (¬2) ويخاف بعضهم من بعض القتل فيقتص حينئذٍ، وإلا كانت الدية مغلظة. وقال ابن القاسم: تغلظ في الجد أبي الأب، وفي الجدة أم الأم، ووقف في أبي الأم وأم الأب، وقال أشهب: لا تغلظ في أبي الأم وهو كالأجنبي، وتغلظ في أم الأب. وقال عبد الملك: تغلظ في جميعهم الأجداد والجدات، وقال سحنون في كتاب ابنه: اتفقوا على أنها تغلظ في الجد والجدة للأب، واختلف في الجد والجدة للأم (¬3). وقول عبد الملك أحسن؛ لأن لكل واحد من هؤلاء عطفًا وحنانًا لا يتهم معه أنه قصد القتل، فإن قيل: إنهم ليسوا في الحنان كالأبوين، قيل: ليس المراد المساواة، ولو كان ذلك لوجب القصاص من الجد للأب؛ لأنه غير مساوٍ للأب في الحنان. ¬

_ (¬1) قوله: (الولد) ساقط من (ف). (¬2) في (ق 6): (أمر). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 475.

وقال ابن القاسم: إذا تعمد ضرب بطن (¬1) امرأته فألقت جنينًا فاستهل صارخًا ثم مات لم يقتل به وغلظت فيه الدية، وإن كان ذلك مما لو كان من أجنبي لوجب فيه القصاص. ولا تغلظ فيه الدية عند أشهب؛ لأنه لا يرى فيه قصاصًا لو كان من أجنبي (¬2). ولا تغلظ الدية في الابن إذا حذف أباه بسيف أو غيره من آلة القتل. قال مالك: ولا تغلظ الدية في أخ ولا زوجة ولا زوج ولا في أحد من القرابات سوى من ذكرنا، ولا تغلظ في الشهر الحرام، ولا على قاتل الخطأ في الحرم (¬3). وقال (¬4) في المجموعة: في الأخ والعم والقرابات القصاص، إلا أن يكون ذلك جرى على وجه الأدب فيكون مثل المعلِّم وذي الصنعة ما لم يتعمد بسلاح (¬5). وقال بعض أهل العلم: إذا وقع القتل ممن له التأديب، مثل: الأب والزوج والمعلم والوصي والحاكم، فذلك على أربعة أوجه: فإن كان الضرب المباح بالآلة المباحة فلا ضمان عليهم، وإن كان التعدي يسيرًا كان خطأً، وإن كان التعدي مترددًا بين الخطأ والعمد، وسدد (¬6) المعلم في الميدان الرمح وطعن ¬

_ (¬1) قوله: (بطن) ساقط من (ف). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 466، 467. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 558. (¬4) في (ف): (وقال مالك). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 475. وعبارته: "قال ابن القاسم: وليس الأخ والعم وسائر القرابات مثل ذلك، إلا أن يكون جرى على وجه الأدب من القرابة، فيكون كالمعلم، وذي الصنعة، ما لم يتعمده بسلاح وشبهه" (¬6) في (ق 6): (وشدد).

فصل [في القتل شبه العمد]

به في شبه (¬1) ذلك كانت فيه الدية مغلظة، كان بأن عن ذلك بأمر لا شك فيه كان فيه القصاص. قال الشيخ -رحمه الله-: وينبغي أن يُنَزَّل أمرُ الطبيب على مثل ذلك، فإن قطع في الموضع المعتاد فمات لم يكن عليه فيه (¬2) شيء، كان زاد على ذلك يسيرًا أو وضع القطع فيما قارب ذلك كان خطأً، وإن زاد على ذلك إلى ما لا يُشَكُّ فيه أن ذلك تعمد كان فيه القِصاص، كان تردد بين الخطأ والعمد كانت مغلظة. فصل [في القتل شبه العمد] قال مالك: وقد تكون أشياء من العمد لا قود فيها (¬3)، مثل: المتصارعين يصرع أحدهما الآخر، أو يتراميان بالشيء، أو يأخذ برجله على وجه اللعب فيموت من ذلك كله، فإنما فيه الدية أخماسًا (¬4). وفي كتاب محمد في قوم تفرقوا عن قتيل، فقال أحدهم: كنا نصطرع لاعبين في موضع غليظ فصرعته ثم تغاضبنا وتحامينا، فلم أزل عليه ألصقه إلى الأرض حتى غشي عليه، فقمت عنه فوجدته قد مات، فلم ير فيه قصاصًا وجعل فيه الدية أخماسًا (¬5). وقال أشهب: إذا رماه أو وكزه أو ضربه بسوط على وجه اللعب فلا قود ¬

_ (¬1) قوله: (في شبه) يقابله في (ق 7): (وشبه). (¬2) قوله: (فيه) ساقط من (ق 6) و (ق 7). (¬3) قوله: (لا قول فيها) ساقط من (ف). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 560. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 27، 28.

فصل [في التغليظ في الجراح]

عليه، وقال ابن القاسم: إذا طرحه (¬1) في نهر وهو لا يحسن العوم ولا يدري أنه لا يحسن العوم على غير وجه القتال فإنما فيه الدية (¬2). واختلف في دية من مات عن لعب، فقيل: ديته دية الخطأ أخماسًا، وهو قول مالك وابن القاسم وأشهب. وقال ربيعة وابن شهاب وابن وهب في كتاب ابن حبيب: تكون مغلظة (¬3). وكونها أخماسًا إذا كان اللعب على الوجه المعتاد حسن، وان خرج (¬4) عن ذلك كانت مغلظة. فصل [في التغليظ في الجراح] الجراح في التغليظ على ثلاثة أوجه: تغلظ (¬5) في أحدها، واختلف فيما سواه، فإن كان ذلك يبلغ ثلث الدية ومما يكون فيه القصاص في عمده كاليد والعين وما أشبه ذلك غلظت فيه الدية. واختلف إذا كان يسيرًا كالموضحة وما لا يبلغ الثلث، فقال ابن القاسم: تغلظ فيه الدية. وقال في كتاب محمد: لا تغلظ فيه (¬6). واختلف في الجائفة والمأمومة، فقال مالك وسحنون: لا تغلظ (¬7)؛ لأنها لو ¬

_ (¬1) في (ق 7): (صبه). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 24، 25. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 27. (¬4) في (ق 6) و (ف): (خرجا). (¬5) في (ف): (تسقط). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 33، 35. (¬7) انظر: المدونة: 4/ 572، والنوادر والزيادات: 13/ 474.

كانت من أجنبي عمدًا لم تغلظ ولم يقتص منه فلا يكون الأب أدنى رتبة من الأجنبي، وقيل: تغلظ. فأما اليسير فالتغليظ فيه أحسن؛ لأن الجراح إنما تنسب إلى الدية، فإذا كانت الدية فيه مغلظة كان الجرح كذلك، ولا فرق بين القليل والكثير. وأما المأمومة والجائفة فألا تغلظ فيه أحسن، ولا تكون فيها أعلى رتبة من العمد من الأجنبي لأن (¬1) الدية فيها أرباعً على الأصل في العمد إذا لم يكن فيه قصاص. ¬

_ (¬1) قوله: (لأن) يقابله في (ق 6) و (ف): (إلا أن).

باب في الديات وما يكون منها حالا وما يكون منجما

باب في الديات وما يكون منها حالًّا وما يكون منجَّمًا الدية ثلاثة أصناف: إبل، ودنانير، ودراهم. وهي من الإبل مائة، ومن الدنانير ألف، ومن الدراهم اثنا عشر ألف درهم فضة خالصة، والمراعى فيها كسب الغارمين دون كسب أولياء القتيل، فإن كان الغارمون أهل إبل غرموا إبلًا وإن كان القتيل من أهل الذهب والورق. فالديةُ من الإبل إذا كان القتل خطأً- أخماسًا: عشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون ابن لبون، وعشرون حِقَّة، وعشرون جَذَعَة. وإن كان القتل عمدًا كانت أرباعًا: خمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون حِقَّة، وخمس وعشرون جَذَعة، يسقط منها عن الخطأ بنو اللبون. وإن كانت عن شبه العمد كانت أثلاثًا: ثلاثون حِقَّة، وثلاثون جَذَعة، وأربعون خَلِفَةً في بطونها أولادها، وهي المغلظة. واختلف في أسنانها، فقال ابن القاسم: لا أبالي أي الأسنان كانت (¬1). وقال أشهب وابن شهاب وعبد العزيز بن أبي سلمة في كتاب محمد: ما بين ثنية إلى بازل عامها (¬2). وذكر النسائي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مثل ذلك (¬3)، ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 558. (¬2) المدونة: انظر: النوادر والزيادات: 13/ 473. (¬3) أخرجه النسائي: 8/ 42، في باب ذكر الاختلاف على خالد الحذاء من كتاب القسامة، رقم (4801).

وجعل العمد مثل (¬1) المغلظة أثلاثًا، فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَتَلَ عَمْدًا دُفِعَ إِلَى أَوْليَاءِ المَقْتُولِ، فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا، وإنْ شَاءُوا أَخَذُوا الدِّيةَ وَهِيَ: ثَلاثونَ حِقَّةً، وَثَلاَثُونَ جَذَعةً وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً" (¬2)، وبهذا أخذ الشافعي. واختلف قول مالك في شبه العمد إذا وجب على أهل الذهب والورق على ثلاثة أقوال: فقال في كتاب محمد: لا تغلظ عليهم ولا يزاد عليهم على ألف دينار إن كانوا أهل ذهب (¬3). ثم رجع فقال مثل ما في الكتاب: تغلظ وينظر إلى قيمة الخطأ من الإبل وهي الأخماس وقيمة المغلظة فالجزء الذي تزيده المغلظة على الأخماس يزاد على أهل العين في ديتهم مثل ذلك الجزء (¬4). وذكر البغداديون عنه أنه قال: تلزمهم قيمة المغلظة من الإبل ما (¬5) بلغت ما لم تنقص عن ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم (¬6). وقوله في المدونة أحسن، وإذا اعتبرت (¬7) الدية في ذلك على أهل الإبل وزيد فيها وجعل لأولياء القتيل في ذلك حقٌّ لم يصح أن يسقط مقالهم فيه إذا كانوا أهل عين، وإذا صح ذلك كان الاعتبار بالجزء ما بين الديتين أحسن؛ لأن الاعتبار بقيمة المغلظة بانفراده يؤدي في بعض الأحوال إلى سقوط التغليظ إذا ¬

_ (¬1) قوله: (العمد مثل) ساقط من (ق 6). (¬2) حسن، أخرجه الترمذي: 4/ 11، في باب الدية كم هي من الإبل، من كتاب الديات، برقم: 1387، وقال: حديث عبد الله بن عمرو حديث حسن غريب، وابن ماجه: 2/ 877 في باب من قتل عمدًا فرضوا بالدية، من كتاب الديات برقم: 2626. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 471، 476. (¬4) انظر: المدونة: 4/ 558، 559. (¬5) في (ف) و (ق 7): (متى). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 476. (¬7) في (ق 7): (غيرت).

فصل [في الدية متى تؤخذ]

كانت قيمة الإبل ألف دينار. واختلف أيضًا في تغليظ العمد على أهل العين، فقال ابن القاسم في كتاب محمد (¬1): لا تغلظ ولا يزاد عليهم على ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم. وقال أشهب: تغلظ عليهم وينظر قيمة العمد من الإبل وهي الأرباع من قيمة الخطأ فيزاد ذلك الجزء على أهل الذهب والورق (¬2). وعلى رواية البغداديين يكون عليهم قيمة العمد ما أينقص ذلك من دية العين (¬3). وقول أشهب أحسن، والوجه فيه ما تقدم في شبه العمد، ومحمل قول ابن القاسم لا تغلظ على قول مالك في شبه العمد أنها لا تغلظ. فصل [في الدية متى تؤخذ] الديات في الوقت الذي تؤخذ فيه مختلف فيه، فدية الخطأ تؤجل على العاقلة إلى ثلاث سنين، والعمد إذا كان مما يجب فيه القصاص فعفا عن الدية على القول أنه يجبر على الدية حالة من مال الجاني وكذلك إذا كانت بالتراضي من غير جبر- فحالة (¬4) في مال الجاني إلا أن يشترطوا الأجل. وفي كتاب محمد: أنها منجمة في ثلاث سنين كالخطأ (¬5). واختلف في المغلظة في تنجيمها وفيمن يغرمها، فقال مالك: ذلك على الجاني، وقال مرة: على العاقلة، وقال: يبدأ بمال الجاني فإن لم يكن مال فعلى ¬

_ (¬1) قوله: (محمد) ساقط من (ق 7). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 476، 477. (¬3) قوله: (ما لم ينقص ذلك من دية العين) يقابله في (ق 6): (من الإبل). (¬4) قوله: (من مال الجاني وكذلك إذا كانت بالتراضي من غير جبر فحالة) ساقط من (ف). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 472.

العاقلة (¬1). وقال عبد الملك عند محمد: على العاقلة معجلة. وقال ابن القاسم عند ابن ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 572. قلت: يُتوهم من ذلك أن لمالك ثلاثة أقوال، ولكن قول مالك الثاني بأنها على العاقلة هو آخر أقواله، وقوله الثالث بأن يُبدأ بمال الجاني فإن لم يكن له مال فعلى العاقلة هو قوله الذي رجع عنه، وهذان القولان في مثل الجائفة والمأمومة إن كانتا عمدًا. أما قوله الأول بأنها على الجاني، فهذا في مثل الرجل يقطع يمين الرجل عمدا ولا يمين للقاطع ولا مال. ونص المدونة: يبين ذلك: "قلت: أرأيت المأمومة والجائفة إذا كانتا عمدا، أهما في مال الجاني أم على العاقلة؟ قال: كان مالك -مرة- يقول: هي في ماله إن كان له مال، فإن لم يكن له مال فعلى العاقلة. ثم رجع فرأى أنه على العاقلة، وإن كان له مال- وهو مما تحمله العاقلة. قال ابن القاسم: وكلمته فيه غير مرة فقال لي مثل ما أخبرتك، وثبت مالك على ذلك وهو رأيي أنه على العاقلة. قلت: فما قول مالك في الرجل يقطع يمين الرجل عمدا ولا يمين للقاطع ولا مال، أيكون ذلك على العاقلة أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يكون ذلك على العاقلة ولكن يكون في مال القاطع يتبع به دينا عليه. قلت: فما فرق بين اليد والمأمومة والجائفة وقد قال مالك في المأمومة والجائفة: إنهما على العاقلة، وإن كان للجاني مال؟ وقد قال في اليد: إن القاطع إذا قطع يمين الرجل ولا يمين له، إن ذلك في مال القاطع -كان القاطع غنيا أو عديما-؟ قال: قال مالك: كل شيء يجنيه الإنسان على عمد فلا يكون فيه القصاص، وفي جسد الجاني مثل الذي جنى عليه. فلا يكون للمجني عليه أن يقتص منه، فعقل ذلك على العاقلة، وعلى هذا الجاني الأدب. وتفسير هذا إنما هو في مثل الجائفة والمأمومة وما لا يستطاع منه القود، فينه يكون على العاقلة إذا بلغ من الحكم ما فيه ثلث الدية، ألا ترى أنه لا يقتص فيهما من الجاني وفي رأسه، وفي جسده موضع المأمومة والجائفة وغير ذلك مما لا يستطاع منه القود، وما جنى الرجل من جناية فيها القصاص أن لو كانت قائمة في الجاني إلا أنها قد ذهبت من الجاني ولا يجد المجني عليه ما يقتص منه؛ لأنه قد ذهب ذلك من الجاني. ولو كان ذلك فيه قائما لاقتص منه، وإنما منعه من القصاص أن ذلك الشيء ليس في الجاني، فهذا فيه العقل على الجاني في ماله ولا تحمله العاقلة".

فصل [فيمن أشار إلى رجل بالسيف فمات]

حبيب: على العاقلة منجمة، ثم رجع فقال: على الجاني معجلة في مِلائه وعدمه (¬1). وهو أحسن (¬2)؛ لأن العاقلة تحمل الخطأ دون العمد، وإذا أشكل الأمر هل كان ذلك خطأ أو عمدًا لم تحمل العاقلة بالشك. ويختلف إذا كان القتل عمدًا ولا قصاص فيه، مثل أن يقتل المسلمُ النصرانيَّ، فكانت على العاقلة على أحد القولين، هل تكون منجَّمة أو حالَّة قياسًا على المغلظة هل تنجم أم لا؟ ولا ميراث للأب ولا للأم من الدية المغلظة إذا وجبت على جنايتهما، وسواء كان الأب أو الأم الغارم لها أو العاقلة؛ لأن القاتل لا يرث من دية المقتول وإن كان خطأً، ولا يرث من ماله؛ لأن فيه شبها من العمد. فصل [فيمن أشار إلى رجل بالسيف فمات] قال محمد فيمن أشار إلى رجل بالسيف فمات مكانه: فإن لم يكرر ذلك عليه كان فيه الدية على العاقلة (¬3)، وإن كرر ذلك عليه وهو يهرب منه وهو يطلبه حتى مات كان فيه القصاص. وقال ابن القاسم فيمن طلب رجلًا بالسيف ليضربه فهرب فما زال يجري حتى سقط ميتًا: فليقسم ولاته لمَاتَ خوفًا منه ويقتلونه. قال: (¬4) وإن أشار عليه بالسيف فقط فمات وكانت بينهما عداوة فليقسم ولاته، وقال: هذا من الخطأ. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 478. (¬2) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 435. (¬3) قوله: (لأن القاتل لا يرث من دية المقتول. . . فيه الدية على العاقلة) ساقط من (ق 7). (¬4) قوله: (قال) ساقط من (ف).

فصل [في الدية في الأعضاء]

وقال ابن الماجشون فيمن طلب رجلًا بالسيف فعثر المطلوب قبل أن يدركه فمات: ففيه القصاص (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه - (¬2): القصاص في هذا ليس بحسن؛ لأنه لم يتعمد قتلَهُ وقبضَ نفسه (¬3)، وكذلك قول ابن القاسم في الذي كرر الإشارة بالسيف أو طلبه حتى مات؛ لأنه لا يدري هل مات من شدة الخوف أو من شدة الجري أو لاجتماع ذلك، ومحمل قولهما في ذلك على أحد قولي مالك في نفي شبه العمد وأن فيه القصاص، وأرى فيه الدية مغلظة؛ لأن أمره مشكل، إلا أن يرى أن مثل ذلك الفعل بمثل ذلك الرجل يقتله لا يشك في ذلك، فيكون فيه القصاص. وقال أحمد بن ميسر فيمن كرر الإشارة على رجل حتى مات: لا قصاص فيه. فصل [في الدية في الأعضاء] وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "فِي الأَنْفِ إِذَا أُوعِبَ جَدْعُهُ الدِّيَةُ، وَفِى اللِّسَانِ الدِّيَةُ، وَفى الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِى البَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِى الذَّكَرِ الدِّيَةُ، وَفى الصُّلْبِ الدِّيَةُ، وفي العَيْنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِى الرِّجْلِ الوَاحِدَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِى المَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِى الجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفى المنقِّلَةِ خَمْسَ عَشَرَةَ مِنَ الإبِلِ، وَفى كُلِّ أُصْبُعٍ مِنَ اليَدِ وَالرِّجْلِ عَشْرٌ مِنَ الإِبِلِ، وَفى السِّنِّ خَمسٌ مِنَ الإِبِلِ" (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 28. وعبارته: ". . . قال ابن القاسم: ولو أشار عليه بالسيف فقط فمات، وكانت بينهما عداوةٌ، قال: هذا من الخطأ. . .". ولم يذكر ابن القاسم القسم هنا. (¬2) قوله: (قال الشيخ - رضي الله عنه -) يقابله في (ق 6): (قلت). (¬3) قوله: (وقبض نفسه) ساقط من (ق 7). (¬4) أخرجه مالك مرسلًا: 2/ 849، في باب ذكر العقول، من كتاب العقول، برقم: 547، =

قال الشيخ -رحمه الله-: الدية تجب فيما هو واحد من الإنسان: في الشَّوَاة وهي جلدة الرأس، وفي العقل، والأنف، والشم، واللسان إذا امتنع الكلام، والصوت والذوق قياسًا على الشم، والصلب، والصدر إذا هدمه -وهو قول ابن الماجشون (¬1)، وقال ابن عبدوس: حكومة (¬2) -والذكر، والنسل، وإذا أفسد الإنعاظ، وفرج المرأة- قال ابن القاسم: إذا أفاضها (¬3) حتى لا يكون استمتاع (¬4) -، وإذا أجذمه، أو أبرصه، أو سقاه ما سوّد جسمه (¬5). فهذه ستة عشر تجب الدية في كل واحدة منها. ¬

_ = ومن طريقه الشافعي في مسنده، ص: 348، برقم: 1603، وأخرجه النسائي موصولًا: 8/ 57، في باب ذكر حديث عمرو بن حزم في العقول واختلاف الناقلين له، من كتاب القسامة، برقم: 4853، وقال: وهذا أشبه بالصواب والله أعلم، وسليمان بن أرقم متروك الحديث، وقد روى هذا الحديث يونس عن الزهريّ مرسلًا، وابن حبان: 14/ 501، في باب كتب النبي - صلى الله عليه وسلم -، من كتاب التاريخ، برقم: 6559، والحاكم: 1/ 552 برقم: 1447، وقال: هذا حديث كبير مفسر في هذا الباب يشهد له أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز وإمام العلماء في عصره محمد بن مسلم الزهريّ بالصحة، ثلاثتهم من رواية عمر بن حزم عن أبيه عن جده. قلت: قد اختلفوا في هذا الحديث بين مضعف له ومصحح، انظر تفصيل الكلام عليه في البدر المنير: 8/ 377 - 387. (¬1) قوله: (وهو قول ابن الماجشون) يقابله في (ق 7): (وهذا قول ابن القاسم). والمثبت موافق لما في النوادر والزيادات. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 399، 400. وعبارته: " قال ابن عبدوس: قال المغيرة: ليس في الصدر إذا أوهن إلا الاجتهاد". (¬3) قوله: (أفاضها) يقابله في (ف): (أفضاها). قال الزبيدي: "وأفاض المرأة وأفضاها عند الافتضاض بمعنى واحد". انظر: تاج العروس: 18/ 505. (¬4) ما وقفت عليه من قول ابن القاسم في الإفضاء هو قوله بالحكومة. انظر: المدونة: 4/ 517. (¬5) قوله: (ما سود جسمه) يقابله في (ق 6): (ما سود الوجه وجسمه).

وتجب الدية في اثنتين (¬1) من الإنسان وفي كل واحدة منهما نصف الدية، وذلك في عشر مواضع: في العينين، والسمع، وأشراف الأذنين- على أحد قولي مالك (¬2) - والشفتين، واليدين، والرجلين، والأنثيين، وثديَي المرأة، وشفريها وأليتيها على قول أشهب، وقال ابن القاسم: حكومة (¬3). واختلف في جفون العينين، فقال الشعبي والحسن البصري وقتادة وسفيان الثوري والشافعي وأصحاب الرأي: فيها الدية في كل جفن ربع الدية والأعلى والأسفل في ذلك سواء. وقال سعيد بن المسيب وشريح والحسن البصري وقتادة: في الحاجبين إذا لم ينبتا الدية. وقول مالك: في جميع ذلك الجفون والحاجبين حكومة (¬4)، وقياد قول مالك في السن تسود يكون في الجفون الدية؛ لأنه قال: (¬5) إذا اسودت كان فيها ديتها؛ لأنه أذهب جمالها وإن بقيت منفعتها، فإن أصابها آخر بعد ذلك كانت فيها ديتها (¬6). وذهاب جفون العينين أشين من سواد السن. ¬

_ (¬1) في (ق 7): (كل اثنين). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 402. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 415. (¬4) انظر: المدونة: 4/ 565. (¬5) قوله: (تسود يكون في الجفون الدية لأنه قال) ساقط من (ق 6). (¬6) انظر: المدونة: 4/ 570.

فصل [في دية العقل]

فصل [في دية العقل] الدية تجب في العقل إذا كان مطبقًا لا يفيق، وإن كان يذهب وقتًا دون وقت (¬1) كان له من الدية بقدر ما يجنُّ، فإن كان يجنُّ في الشهر مرة فيذهب عقله يومًا وليلة كان له من الدية جزءٌ من ثلاثين جزءًا، وإن كان يذهب عقله ليلة دون نهارٍ أو نهارًا دون ليلٍ كان له جزءٌ من ستين، وإن كان يذهب عقله يومًا بعد يوم كان له نصف الدية، وإن كان يعرض له في ذلك اليوم ليله دون نهاره أو (¬2) نهاره دون ليله كان له ربع الدية، وإن كان ملازمًا له إلا أنه لم يذهب جملة ومعه شيء من تمييز كان له بقدر ما ذهب يُقَوَّم عبدًا صحيحَ العقلِ، فإن قيل: قيمته مائة، قيل: فما قيمته إذا كان فقيد العقل لا تمييز عنده؟ فإن قيل: عشرون، كان الذي ينوب العقل ما بين ذلك (¬3)، قيل: فكم (¬4) قيمته على أنه على هذه الصفة من العقل؟ فإن قيل: أربعون، كان على الجاني ثلاثة أرباع الدية. فصل [في الدية في الأنف] الدية تجب عند مالك في الأنف إذا قطع من المارن وهو ما لانَ منه دون العظم، فإن قطع من الأرنبة شيء كان له بحسابه من المارن، فإن قطع من أصله شيء ولم يبلغ المارن كان فيه حكومة، وإن قطع جميعه من أصله كان فيه الدية، ¬

_ (¬1) قوله: (دون الوقت) زيادة من (ق 6). (¬2) قوله: (في ذلك اليوم ليله دون نهاره أو) يقابله في (ف): (ذلك). (¬3) قوله: (ما بين ذلك) يقابله في (ق 7): (ثمانين). (¬4) في (ق 6): (ما).

ولم يزد لقطعه من أصله شيء كالذكر يقطع من الحشفة أو من الأصل (¬1). وله في المبسوط: أن الدية تجب إذا قطع جميعه من أصله، وما نقص فيقاس بحسابه من الأصل (¬2). وهذا أشبه بالحديث في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أُوعِبَ جَدْعُه" (¬3)، وإن جدعه (¬4) ثم عاد كانت فيه حكومة، فإن لم يعد أو صار فيه ثقب (¬5) فبحسابه. وقال ابن القاسم: إذا ذهب الأنف والشم معًا كانت فيه دية واحدة. وقال ابن الجلاب: القياس أن فيه ديتين (¬6). وقول ابن القاسم أحسن قياسًا على اللسان والذكر، والأصل في ذلك النفس أنها تشتمل (¬7) على أبعاض فإن قطعت متفرقة كان فيها ديات، وإن قتل كانت فيه دية واحدة وإن كان القتل قد أتى على إتلاف جميع تلك الأبعاض. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 560، والنوادر والزيادات: 13/ 402. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 402. (¬3) سبق تخريجه، ص: 6369. (¬4) قوله: (جدعه) يقابله في (ق 6): (عاوده). وأشار في حاشيتها إلى نسخة أخرى: (وإن خرمه). وفي (ف): (برزه). (¬5) في (ق 6): (عَثَل). (¬6) انظر: التفريع، لابن الجلاب: 2/ 198. وعبارته: "وقال الشيخ الأبهري: والقياس عندي أن يكون فيهما ديتان". (¬7) قوله: (أنها تشتمل) يقابله في (ف): (إنما تجتمع).

باب في عقل اللسان

باب في عقل اللسان وفي اللسان إذا قطع الكلام الديةُ، وإن ذهب مع ذلك الصوت والذوق لم يزد شيئًا، وإن كان في كل واحد لو انفرد ديةٌ، وإن ذهب بعض الكلام كان فيه بقدره من الدية. واختلف في كيفية ذلك، فقال ابن القاسم: ليس ذلك على عدد (¬1) الحروف وإنما ينظر إلى ما نقص على الاجتهاد (¬2). وقال في العتبية: على قدر ما يتوهم عند الاختبار ويقع في النفس أنه ذهب نصفه أو ثلثه، قال: وقد قال بعض الناس: على الأحرف في الباء والتاء، وهو أحب ما سمعتُ إلي (¬3). وقاله أصبغ عند ابن حبيب قال: والحرف الخفيف والثقيل سواء (¬4). قال الشيخ -رحمه الله-: وهو أقرب إلى الحق من القول بالاجتهاد على ما يقع في النفس، وإن ذهب بعض كلامه وذهب صوته أخذت الدية كاملة، وإن ذهب نصف كلامه ونصف صوته أخذ ثلاثة أرباع الدية؛ لأنه يستحق نصف الدية عن ذهاب نصف الكلام ويسقط ما يقابله من الصوت وهو النصف -لأنه لو ذهب جميع الكلام وجميع الصوت لم يزد للصوت شيئًا- وبقي نصف الكلام ذهب منه نصف الصوت فيأخذ لما ذهب من صوته ربع الدية. ¬

_ (¬1) في (ق 7): (عدة). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 561، النوادر والزيادات: 13/ 404. (¬3) انظر: البيان والتحصيل: 16/ 150. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 404.

فصل [في الدية في الصلب]

فصل [في الدية في الصلب] وقال مالك: في الصلب الدية (¬1). واختلف في الوجه الذي تستحق به الدية على ثلاثة أقوال: فقال ابن القاسم (¬2): تجب الدية إذا أقعده فلم يقدر على القيام مثل اليد إذا شلَّت، وأما إذا مشى فأصابه في ذلك حَدَب أو عَثل فإنما فيه الاجتهاد (¬3). وقال مالك في المجموعة نحو ذلك، وروى عنه ابن وهب أنه قال: إن برئ على انحناء ففيه بقدره، وقال أشهب: فيه الدية إذا أقعده فلم يقدر على القيام وما نقص من قيامه فبحسابه (¬4)، وقيل: فيه الدية إذا انطوى يريد: إذا صار كالراكع- فما لم يبلغ ذلك فبحسابه. وقال عبد الملك في كتاب ابن حبيب: في الصلب الدية إذا انكسر فلم يقدر على الجلوس، فإن نقص عن جلوسه فبقدر ذلك من الدية (¬5). قال الشيخ -رحمه الله-: يصح أن تكون الدية في الصلب للفصلين (¬6) جميعًا إذا أبطأ جلوسه، كان كان يقدر على الممثي على انحناء، وإن لم يبلغ إلى أن يصير ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 563. (¬2) قوله: (فقال ابن القاسم) يقابله في (ف): (فقال مالك وابن القاسم). والمثبت موافق لما في المدونة. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 563. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 420، 421. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 421. (¬6) الفَصْل من الجسد: موضع المَفْصِل -وهو كل ملتقى عظمين من الجسد- وبين كل فَصْلين وَصْل. انظر: لسان العرب: 11/ 521.

كالراكع. ويصح أن تكون الدية إذا أفسد قيامه وصار كالراكع وإن كان يقدر على الجلوس، فإن لم يبلغ إلى أن يصير كالراكع فبحسابه، ويقاس ما بين قيامه معتدلًا وبينه راكعًا فإن وجد ما بينهما متساويًا كان له نصف الدية، وإن كان أقل أو أكثر فبقدر ذلك. وقال ابن الماجشون: في الصلب ثلاثة وثلاثون فقارة فإذا كان في الصلب الدية ففي كل فقارة ثلاث من الإبل (¬1). يريد: إذا أفسد شيئًا من فقاره، فراعى الصلب خاصة ولم يراع ما فسد من المشي. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 421.

باب في عقل الذكر

باب (¬1) في عقل الذكر الدية تجب في الذكر إذا قطع دون الأنثيين؛ لأنه أبطل الاستمتاع وهو ظاهر قوله في الكتاب (¬2)، وفي الأنثيين إذا قطعتا دون الذكر الدية كاملة؛ لأنه (¬3) أبطل النسل وبطلانهما يبطل النسل، قال ابن حبيب: وقيل: في اليسرى الدية كاملة (¬4)، يريد: لما قيل أن اليسرى يكون منها النسل خاصة. واختلف إذا قطع الذكر والأنثيين معًا أو مفترقين أحدهما بعد الآخر، فقال مالك في كتاب محمد: فيهما ديتان قطعا معًا أو مفترقين (¬5) أحدهما بعد الآخر (¬6). وقال في كتاب ابن حبيب: إذا كان القطع مفترقًا كان في الأول الدية وفي الثاني حكومة ولا تبال أيهما تقدم الذكر أم الأنثيين. وقال ابن حبيب: في الذكر الدية تقدم قطعه أو تأخر، وفي الأنثيين إن تقدمتا الدية كان تأخر قطعهما فلا دية فيهما (¬7). يريد: وتكون فيهما حكومة. وقال القاضي أبو محمد عبد الوهاب ¬

_ (¬1) قوله: (باب) ساقط من (ق 7). (¬2) قوله: (وهو ظاهر قوله في الكتاب) زيادة من (ق 7). وانظر: المدونة: 4/ 562، 564. ونصها: "قلت: فإن قطع الذكر من أصله ففيه الدية في قول مالك دية واحدة؟ قال: قال مالك: نعم" وقال: "قال مالك فيمن قطع ذكر رجل وأنثييه جميعا إن عليه ديتين فان كان قطع أنثييه ولم يقطع الذكر ففيه الدية كاملة وإن قطع ذكره بعد ذلك ففيه الدية كاملة كان قطع ذكره ثم قطع أنثييه بعد ذلك ففي الذكر الدية وفي الأنثيين أيضًا بعد ذلك الدية كاملة". (¬3) في (ف): (يريد أنه). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 414. (¬5) قوله: (مالك في كتاب محمد فيهما ديتان قطعا معًا أو مفترقين) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (أحدهما بعد الآخر) زيادة من (ق 6). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 413، 414. وفيها: "وذكر ابن حبيب عن مطرف، وابن =

عن مالك: إذا قُطِعَا معًا -رواية أخرى- أن فيهما دية واحدة (¬1). وقول ابن حبيب أحسن، فلا تسقط الدية في الذكر وإن تأخر قطعه؛ لأن الاستمتاع موجود، وأما الأنثيان فتجب فيهما الدية إذا تقدم قطعهما؛ لأنه أبطل النسل، ولا يصح النسل منهما إذا تقدم قطع الذكر. والذكر فيما يصاب به على ستة أوجه: تجب الدية في ثلاثة، وتسقط في وجه، ويختلف في وجهين (¬2). فتجب إذا قطع جملة، أو قطعت الحشفة وحدها، أو أبطل منه النسل بشيء سقاه أو أطعمه وإن لم يفسد الإنعاظ. وتسقط إذا قطع بعد قطع الحشفة وفيه حكومة وليس بحساب ما بقي. وقد اختلف عن مالك في الأنف هل تكون الدية من المارن أو إذا أصيب من أصله ولا يبعد أن يكون الذكر يجري على الخلاف بمثل ذلك إلا أن يكون هناك إجماع (¬3). ويختلف إذا قطع ذكر من لا يصح منه النسل وهو قادر على الاستمتاع أو عاجز عنه، فأما مع كونه قادرًا (¬4) غير عاجز فهو كقوله فيمن قطعت أنثياه ¬

_ = الماجشون: أنه إن قطع الذكر أولًا، أو آخرًا، ففي الذي قطع بعد، حكومة". وفيها أيضًا: "وأخذ ابن حبيب بأنهما إن قطعتا قبل الذكر، فلا دية فيهما". قلت: ونص المصنف في هذين الموضعين موافق لما أشار إليه في حاشية النوادر. (¬1) ما وقفت عليه من قول القاضي عبد الوهاب هو قوله: "فأما إن قطعهما في ضربة واحدة، فديتان بالإجماع، وكذلك قال الشافعي -رحمه الله- في قطع أحدهما بعد الآخر: في كل واحد منهما الدية كاملة. كما حكيناه عن مالك -رحمه الله-". انظر: عيون المجالس: 5/ 2033. (¬2) قوله: (في وجه، ويختلف) ساقط من (ف). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 560، 562. (¬4) قوله: (قادرًا) زيادة من (ق 7).

فصل [في الدية في العينين وفي الأذنين]

فأسقط الدية مرة لذهاب النسل- ويلزم على هذا من كان عقيمًا أو اعترف على نفسه أنه لا يولد له- وأثبت الدية مرة لبقاء الاستمتاع. وأما مع العجز عنه فذلك أحرى ألا تكون فيه دية لاجتماع فقد الشيئين، فقد الاستمتاع، وفقد النسل. وقال ابن حبيب: في ذَكَرِ الذي لا يأتي النساء الديةُ كاملةٌ. قال: وكذلك الشيخ الكبير (¬1). وفي مختصر الوقار: في ذَكَر العِنِّين حكومةٌ (¬2)، وعلى أحد قولي مالك الدية كاملة، وكذلك الحصور الذي لم يخلق له ما يأتي (¬3) به النساء يختلف فيه. وقد قال مالك في كتاب محمد في ذَكَر من قطعت أنثياه: الدية، فقيل له: إنه لا يحمل له؟! قال: ولكنه يُنزل، ومن الناس من لا يحمل له ولا يصيب (¬4) النساء، فعلى هذا يكون في ذكر الحصور الدية. فصل [في الدية في العينين وفي الأذنين] الدية تجب في العينين إذا ذهبتا معًا، وإن كان مفترقًا كان في الأولى نصف الدية وفي الثانية دية كاملة، والدية تجب في العينين إذا ذهب نورهما (¬5)، وسواء طمست أو برزت أو بقي جمالها فلا يعلم بذهاب نورها، وإن طمست بعد ذلك كان فيها حكومة، وفرق بينها وبين السن أن ديتها تجب إذا اسودت وإن ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 414. (¬2) قوله: (قال وكذلك الشيخ الكبير وفي مختصر الوقار في ذكر العنين حكومة) ساقط من (ف). (¬3) في (ق 7): (يصيب). (¬4) في (ق 6): (يأتي). (¬5) قوله: (العينن إذا ذهب نورهما) يقابله في (ق 7): (العين إذا ذهب نورها).

بقيت منفعتها. وفي كتاب الديات تمام القول فيها. وفي السمع الدية، في كل واحدة نصف الدية ذهب سمعهما معًا أو مفترقًا. قال أشهب: قال أهل العراق في عين الأعور نصف الدية كاليدين، قال: وهذا غير مشتبه (¬1)؛ لأنه يبصر (¬2) بالعين الواحدة ما يبصر بالاثنتين، وأما السمع فيسأل عنه، فإن كان يسمع بالواحدة ما يسمع بالاثنتين فهو كالبصر (¬3). واختلف في أشراف الأذنين إذا ذهبا بانفرادهما دون السمع، فقال مالك: إذا اصطلمتا فتشدختا (¬4) فيهما حكومة (¬5)، ومثله لو أبانهما. وقال القاضي أبو محمد عبد الوهاب: عن مالك روايتان: إحداهما الدية، والثاني (¬6) الحكومة (¬7). لأن الحمامة تسترهما، وهو أحسن وأمرهما أيسر من محاجر العينين. وقد قال مالك: فيهما حكومة. وقال محمد: وإن قطع من أشرافهما ما أذهب بعض السمع وإن قل فليس له إلا بقدر ما أذهب من السمع ولا شيء ¬

_ (¬1) في (ق 6): (مستقيم). (¬2) في (ق 7): (لا ينظر). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 451. (¬4) في (ق 7): (وتشنجتا)، وفي (ف): (فيستحب). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 563، والنوادر والزيادات: 13/ 402. وعبارته في المدونة: "ما يقول ما لك في الأذن إذا اصطلمت أو ضربت فشدخت؟ قال: قال مالك: ليس فيها إلا الاجتهاد". قلت: قوله في الأذنين اصطلمتا أي قطعتا من أصلهما. انظر: مشارق الأنوار، للقاضي عياض: 2/ 43. (¬6) قوله: (الثاني) ساقط من (ق 6) و (ق 7). (¬7) انظر: المعونة، للقاضي عبد الوهاب 2/ 270، 271.

له فيما اصطلم منهما. وقال مالك في العتبية: له بقدر ما ذهب من السمع، وفي عقل ما أصيب من الأذن اجتهاد. وقيل: إن ذهب جميع السمع واصطلمتا ففي ذلك دية واحدة (¬1). ولم أر في ذلك خلافًا. وقال الشيخ أبو القاسم ابن الجلاب: القياس أن يكون في السمع الدية وفي أشرافهما دية أو حكومة (¬2). يريد: أنه يكون فيهما ما كان يكون فيهما لو قطعتا دون السمع على الاختلاف فيهما هل تكون فيهما دية أو حكومة. وإن رَدَّ أذنيه بعد أن قطعتا فثبتتا أو قلعت سنه فردها فثبتت أو نبتت في (¬3) مكانها أخرى، فإن كان القطع والقلع عمدًا كان فيهما القصاص قولًا واحدًا. واختلف في الخطأ في السن وفيما أشبهه مما فيه دية مسماة، فقال ابن القاسم في المدونة في السن: له ديتها (¬4). قال محمد: وليس السن عند ابن القاسم كغيرها؛ لأنه يرى فيها ديتها وإن ثبتت قبل أن يأخذ عقلها إن كان خطأ، قال: وقال أشهب: ذلك مثل غيره من الجراح لا شيء له، قال: وكذلك لو ردها فثبتت لم يكن له شيء إلا أن يكون قد أخذ لذلك عقلًا فلا يرده إلا أن يكون عمدًا ففيه القصاص بكل حال (¬5). واتفقوا في الأربع -الموضحة والمنقلة والمأمومة والجائفة- في الخطأ أن فيها ديتها وإن عادت لهيئتها، وفرق بين العمد والخطأ؛ لأن القصاص من ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتحصيل: 16/ 156 و 157، والنوادر والزيادات: 13/ 403. (¬2) انظر: التفريع، لابن الجلاب 2/ 198، 199. (¬3) قوله: (فثبتت أو نبتت في) يقابله في (ف): (فنبتت). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 563. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 442.

العمد في الجراح إنما يعتبر ما هو عليه وهو هيئته (¬1) يوم الجرح وقياسه يومئذٍ، وفي الخطأ إنما يراعى ما يكون بعد البُرْء، فإن برئ على غير شين لم يكن له شيء ولا خلف في هذين القسمين. وإذا كان ذلك وجب القصاص في الأذن والسن وإن عادت لهيئتها؛ لأنه الحكم يوم كان الجرح، ويسقط حكم الخطأ عند أشهب كالذي برئ من الجرح على غير شين، ورأى (¬2) ابن القاسم أن في السن ديتها قياسًا على الأربع الجائفة وأخواتها وكذلك كل ما كان فيه دية مسماة (¬3). ويختلف على هذا في أشراف الأذنين إذا ردهما وكان القطع خطأً، فعلى القول أن فيهما حكومة لا يكون له فيه شيء، وعلى القول أن فيهما الدية تكون له الدية كالسن، ولو ضرب رجل الأذن أو العين فصم أو عمي ثم عاد إليه سمعه أو بصره لم يكن له أن يقتص في العمد ولا دية له في الخطأ، وإن كان فيهما دية مسماة بخلاف السن؛ لأنه لم يذهب سمعه ولا بصره في الحقيقة، ولو ذهب ما عاد، وإنما محمل ذلك على أنه عرض في الأذن سدد وما أشبه ذلك، وفي العين ماء حال بين نفوذ نور العين فلما ذهب العرض سمع هذا وأبصر هذا الآخر بما كان خلق به من أول، وكذلك العقل إذا ذهب ثم عاد لم يكن فيه قصاص في العمد (¬4) ولا دية في الخطأ. ¬

_ (¬1) قوله: (وهو هيئته) يقابله في (ق 7) و (ف): (وهيئته). (¬2) في (ف): (وروى). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 443. (¬4) قوله: (في العمد) ساقط من (ق 6).

واختلف إذا أخذ عقل (¬1) العين قبل أن يعود نورها ثم عاد، فقال ابن القاسم في المدونة: يرد ما أخذ (¬2)، وقال أشهب في كتاب محمد: لا يرد ذلك إذا كان أخذه بعد أن أبانها وتلفت في حقيقتها ولعل ذلك بقضاء إمام عدل ثم رد الله تعالى لعبده نعمة بصره، وقد سألت مالكًا عن رجل طرحت سنه فأخذ ديتها ثم ثبتت أيرد ما أخذ إلى طارحها، فقال: لا، قال محمد: وقاله ابن القاسم في السن وليست السن عنده كغيرها؛ لأنه يرى فيها ديتها وإن ثبتت قبل أن يأخذها (¬3). فساوى أشهب بين العين والسن في أنه لا يرد شيئًا، وفرق ابن القاسم بينهما ورأى أنه يرد في العين ولا يرد في السن، والوجه عنده ما تقدم، أن ذهاب البصر لم يكن حقيقة، ولو لم يأخذ ذلك حتى عاد نورها لم يأخذ شيئًا، وزوال السن قد كان متحققًا، ولو لم يأخذ ذلك حتى عادت لقضي له به. قال محمد: ولو رد ذلك المستقادُ منه في الأذن والسن فثبتت له ولم تثبت للأول رأيت لصاحب السن والأذن عقلهما (¬4)، ولم نر (¬5) له أن يقتص منه ثانية؛ لأن حق الأول كان بشيئين: وجود الألم وذهاب ذلك السن، وقد كان وجود الألم بالقطع، فلو قطع ثانية كان قد وجد الألم مرتين، فجاز له الدية دون معاودة القصاص. والقياس أن يكون له أن يقطعه ثانية؛ لأن وجود الألم تَبَعٌ والعمدة وجود الشين والمثلة بذهاب ذلك منه كالأول ولأن من حق الأول أن ¬

_ (¬1) في (ف): (دية). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 563. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 441، 442. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 427، 428. (¬5) في (ف) و (ق 7): (لم ير).

يمنعه من إعادة ذلك ليكون بين الناس ممثلًا به كالأول، وإذا كان له منعه وكان متعديًا في إعادة ذلك كان له إزالة (¬1) ما تعدى فيه. وقال مالك في المدونة فيمن كسر أنف رجل خطأً: فإن برئ على غير عَثَل (¬2) فلا شيء فيه، وإن برئ على عثل (¬3) كان فيه الاجتهاد، وإن كان عمدًا اقتص منه، فإن برئ المقتص منه على مثل جرح الأول أو أكثر فلا شيء على الأول، كان برئ الأول على عثل وبرئ المقتص منه على غير عثل أو على عثل (¬4) دون الأول كان للأول حكومة بقدر ما زاد شينه مثل اليد (¬5). قال في الموطأ (¬6): ولو مات الثاني لم يكن على المستقاد له شيء (¬7). يريد: إذا كان القود بمثل الأول، ولو غلظ على الثاني فمات منه لكانت الدية على الذي غلظ عليه. ¬

_ (¬1) في (ق 6) و (ف): (إعادة). والمعنى: وإذا كان للأول منعه وكان الآخر متعديًا في إعادة الأذن أو السن، كان للأول إزالة ما تعدى الآخر فيه. (¬2) في (ف): (عَثْم). قلت: (عَثَل) بفتح العين والثاءة أي: أثر وشين، وأصله الفساد، ويقال: (عَثْم) بالميم أيضا والثاء ساكنة، وهو في الأثر والشين بالميم أشهر. انظر: مشارق الأنوار: 2/ 67. (¬3) قوله: (فلا شيء فيه وإن برئ على عثل) ساقط من (ق 6). (¬4) قوله: (عثل أو على عثل) يقابله في (ف): (عثم أو على عثم). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 571. (¬6) في (ق 7): (المدونة). (¬7) انظر: الموطأ، 2/ 875، ونص الموطأ: وإن زاد جرح المستقاد منه أو مات فليس على المجروح الأول المستقيد شيء.

فصل [الدية في الشفتين]

فصل [الدية في الشفتين] الدية تجب في الشفتين إذا قطعتا، والعليا والسفلى في ذلك سواء في كل واحدة منهما نصف الدية، ولم يأخذ مالك يقول سعيد بن المسيب إن في السفلى ثلثي الدية؛ لأنه إن قال (¬1): لأن السفلى أحمل للطعام واللعاب. فإن في العليا الجمال، وقياسًا على اليدين اليمنى واليسرى (¬2). وإن قطع بعض ذلك فبحسابه من الدية بقدر ما بان، (¬3) وإن شق إحداهما ولم يذهب منها شيء وتباين ما بين الشفتين كان له بحسابه من الدية بقدر ما بان به كل واحد منهما عن صاحبه؛ لأنه يصير في معنى القطع، وإن لم تبن إحداهما عن الأخرى وكان مما شانهما كان فيه حكومة، وإن اجتمع في ذلك قطع وشق (¬4)، كان فيما قطع (¬5) منهما بحسابه من الدية، ويعود الجواب في الشق (¬6) إلى ما تقدم. وإن قطع من الشفة ما أفسد (¬7) بعض الكلام، عقل له على الأكثر مما ذهب منها أو ما ذهب من الكلام (¬8)، وقد قيل في هذا الأصل: يكون له الشيئان ¬

_ (¬1) قوله: (لأنه إن قال) يقابله في (ف): (قال لأنه قال). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 405. (¬3) قوله: (من الدية بقدر ما بأن) ساقط من (ق 7). (¬4) في (ق 6) و (ف): (شين). (¬5) قوله: (قطع) يقابله في (ق 6): (قطع وشق). (¬6) في (ق 6): (الشين). (¬7) في (ق 6): (أذهب). (¬8) قوله: (عقل له على الأكثر مما ذهب منها أو ما ذهب من الكلام) ساقط من (ف).

فصل [في الدية في اليدين والرجلين]

جميعًا، بقدر الجزء الذي ذهب منها، وبقدر ما ذهب من الكلام. فصل [في الدية في اليدين والرجلين] الدية تجب في اليَدَيْنِ في كل واحدة (¬1) منهما نصف الدية، وسواء قطعت من المنكب أو المرفق أو الزند أو الأصابع، وكذلك الرِّجْلان فيهما الدية في كل واحدة منهما (¬2) نصف الدية، وسواء قطعت من الورك أو الركبة أو الكعبين أو الأصابع. وإن لم يقطع شيئًا من ذلك ولا بان منه، ولكنه فعل ما أبطل منفعتهما حتى شلَّت اليَدُ أو الرِّجْلُ فلا ينتفع بهما أو بقي من منفعتهما ما لا قدر له، وكان ما تعطل من اليد من المنكب أو من المرفق أو الزند أو الأصابع، ومن الرجل من الورك فما بعد ذلك إلى الأصابع، فقد تم عقله بمنزلة أن لو قطع ذلك، ولا يحط من (¬3) دية ذلك لأجل ما بقي شيء. وإن ذهب بعض قوتها عُقِل له بقدر ما ذهب ثلث أو نصف أو ربع، واعتبار القوة أيضًا من الأصابع لا من جملة اليد إلا أن يكون ما ضعف من اليد أكثر مما ضعف من الأصابع. وإن أبان بعضها وضعف الباقي عقل له بقدر ما أبان، ثم يُنظر إلى الباقي فيعقل له منه أيضًا بقدر ما ذهب من قوته، فإن أبان نصف الأصابع وذهب نصف قوة الباقي استحق ثلاثة أرباع الدية، وسواء كان ما بقي بعد ذلك إلى ¬

_ (¬1) قوله: (واحدة) ساقط من (ف). (¬2) قوله: (منهما) ساقط من (ق 6). (¬3) قوله: (من) ساقط من (ق 6).

فصل [في الدية في أصابع اليدين]

العضد على قوته أو ضَعُفَ، وإن أذهب الأصابع وبقي ما بعد ذلك على قوته لم يحطَّ من الدية شيءٌ كان ضَعُفَ وتعطل لم يزد شيئًا. وقال مالك في المجموعة في اليد تصاب فيدخلها بعض (¬1) نقص: فلينظر كَمْ ذهب منها ومن جمالها فيعطى بقدر ذلك من العقل (¬2). قال الشيخ -رحمه الله-: فإن ضعفت وقصرت (¬3) فإن ذهب نصف قوتها كان له نصف ديتها، ويكون له بعد ذلك بقدر ما ذهب (¬4) من جمالها. فصل [في الدية في أصابع اليدين] في أصابع اليدين الدية في كل إصبع عشر من الإبل، وفي كل أنملة من الثلاث ثلاثة أبعرة وثلث. واختلف في الإبهام، فقال مالك: فيها مفصلان في كل واحد نصف عقل الأصبع (¬5). وقال محمد: ذكر عنه أنه رجع عن ذلك وقال فيها ثلاث أنامل (¬6). والمسأله تحتمل القولين جميعًا: أن يقال فيها أنملتان؛ لأن ذلك هو البائن منها، وأن يقال فيها ثلاثة؛ لأن الثالث وإن لم يكن بائنًا فهو متحرك يحركه الإبهام عند استعمال البائن من ذلك، واستعمال الإبهام بالجميع بالبائن وغيره ¬

_ (¬1) قوله: (بعض) ساقط من (ق 7). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 409. (¬3) في (ق 7) و (ف): (صغرت). (¬4) (ف): (زاد). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 566. (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 411.

فصل [في دية أصابع الرجلين]

وهو أقيس. ومن خلق ناقصًا ليس له إلا أربعة أصابع كان له دية الأربع وسواء قطعت الأصابع أو جميع اليد. واختلف فيمن له ستة أصابع، فقال ابن القاسم في العتبية: إذا كانت السادسة قوية فقطعت كان له فيها عشر من الإبل، وسواء قطعت خطأ أو عمدًا؛ لأنه لا قصاص فيها، وإن قطع جميع اليد كان فيها ستون، فإن كانت ضعيفة كان فيها حكومة إن قطعت بانفرادها، وإن قطع جميع اليد لم يُزَد لها شيءٌ (¬1). قال سحنون في كتاب ابنه: فيمن له ست أصابع وقطعت يده خطأ كان له خمسمائة دينار، قال: وقد قيل: (¬2) له خمسمائة وفي الزائد حكومة (¬3). ولم يفرق بين كونها ضعيفة ولا قوية، وقول ابن القاسم أبين، وإن قطعت عمدًا كان له أن يقتص من القاطع (¬4) ويأخذ دية السادس إذا كانت قوية. فصل [في دية أصابع الرجلين] وفي أصابع الرجلين الدية إلا أن الإبهام منها أنملتان قولأواحدًا؛ لأن إبهام الرجل في خلقته بخلافه في اليد، وأن الثاني بعضه بائن وبعضه غير بائن إلا أنه متحرك ينتفع به كما ينتفع بالبائن، وكذلك الأطراف الصغيرة ثلاثة ¬

_ (¬1) قوله: (لم يزد لها شيء) يقابله في (ق 7): (لم أر لها شيئًا). (¬2) قوله: (له خمسمائة دينار قال وقد قيل) ساقط من (ف). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 410، 411. (¬4) زاد بعدها في (ق 6): (ويقطع).

أنامل والثالث بعضه بائن وبعضه غير بائن، ومن قطع من كفه إصبع خطأ أو عمدًا فأخذ عقلها أو اقتص من قاطعها، ثم قطع آخر كفه تلك كان له دية الأصابع الأربع ولا يزاد لما قطع من الكف شيءٌ. واختلف إذا قطعت الكف وليس فيها إلا إصبع أو اثنان أو ثلاث، فقال أشهب وسحنون: ليس له إلا دية ما بقي من الأصابع وحدها ولو لم يبق إلا إصبع واحدة كان له ديتها ولا شيء له في الكف. وقال ابن القاسم: إذا لم يبق فيها إلا إصبع واحدة له ديتها وفي باقي الكف حكومة، وإن كان فيها إصبعان أو ثلاثة (¬1) كان له ديتها ولا شيء له في الكف. وقال عبد الملك بن الماجشون: إذا بقي له فيها إصبعان أو ثلاث كان له ديتها (¬2) وفي الباقي من الكف حكومة (¬3). يريد بالحكومة في خمس الكف، ولا حكومة له في ثلاثة أخماسه؛ لأنه مقابل ما أخذ من دية الأصابع، ولم أر خلافًا أنه إذا لم يكن ذهب منها إلا إصبع أن له دية الأصابع (¬4) الأربع (¬5)، ولا حكومة له في الباقي، قاله عبد الملك؛ لأنه يقاد من كف إلا إصبعا ولا يقاد من كف إلا إصبعين (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (أو ثلاثة) ساقط من (ق 6). (¬2) في (ق 7): (ديتين). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 409. (¬4) قوله: (ولم أر خلافًا أنه إذا لم يكن ذهب منها إلا إصبع أن له دية الأصابع) ساقط من (ف). (¬5) قوله: (الأربع) ساقط من (ق 6). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 409.

باب في عقل ثدى المرأة

باب في عقل ثدى المرأة الدية تجب في ثدي المرأة إذا أزيل أو قطع مخرج اللبن، أو أفسده وإن لم يقطع منه شيئًا ولا أذهب من جمالها شيئًا، وهذا قول مالك (¬1)، ورأى أن المنفعة في قطع للبن وإن لم يشنهما كذهاب النسل وإن كان الاستمتاع لم يذهب، وإن قطع الثدي فأذهب الجمال ومنفعة اللبن كان في ذلك دية واحدة كما لو قطع الذكر فأذهب الاستمتاع والنسل كان فيه دية واحدة، والصغيرة والكبيرة سواء بخلاف السن في الصغيرة قبل الإثغار؛ لأن للسن قبل الإثغار وقتا يسقط فيه ثم يعود فخالف الثدي، وإن فسد مخرج اللبن ثم عاد ردت الدية. فصل [في تعجيل الحكم قبل البرء من الجراح] الجراح في تعجيل الحكم قبل البرء على ثلاثة أوجه: فإن كان دون الثلث ويخشى تناميه لم يعجل عقله، وإن كان تناميه مأمونًا؛ لأنه لا يؤدي (¬2) إلى النفس كالموضحة كان فيها قولان، فقال ابن القاسم: لا يعقل إلا بعد البرء (¬3)، وفي المبسوط لابن عبد الحكم: أنها تعقل وهي في دمها إلا أن يخاف أن يكون فيها ثلث الدية (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 566. ونص المدونة: "قلت: أرأيت طرف ثدي المرأة أفيهما الدية في قول مالك؟ (قال:) نعم. قلت: ففي حلمتيهما الدية أيضًا؟ قال: لم أسمع من مالك فيهما شيئا ولكن إن كان قد أبطل مخرج اللبن أو أفسده ففيه الدية كاملة في رأيي". (¬2) قوله: (لا يؤدي) يقابله في (ق 7): (يتنامى). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 439، والبيان والتحصيل، لابن رشد 16/ 186. (¬4) قوله: (ثلث الدية) يقابله في (ق 6): (تلف).

وإن كانت الدية فيها الثلث فأكثر كالمأمومة والجائفة كان فيها أيضًا قولان، هل تُعَجَّل الدية، أو تُؤخَّر، وتعجيل العقل أحسن، فإن لم يتنامَ كان قد أخذ العقل، وإن تنامى زيد ما تنامت إليه (¬1)؛ لأن ذلك قبل وبعد على العاقلة. ووجه القول أنها لا تعجل؛ لأنها إذا آلت إلى النفس بقسامة كانت على من يكون من العاقلة حيًّا موسرًا حاضرًا يوم تفرق بعد القسامة، فقد يغرمها الآن من لا تستحق عليه بعد ذلك. ¬

_ (¬1) قوله: (إليه) ساقط من (ق 7).

باب في عقل الموضحة والمنقلة والمأمومة والجائفة

باب في عقل الموضحة والمنقلة والمأمومة والجائفة روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "فِي المُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنَ الإِبِلِ، وَفى المُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشَرَةَ مِنَ الإِبِلِ، وَفى المَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِى الجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيةِ" (¬1). وكل هذه الشجاج المراد بها ما كان في الرأس ما خلا الجائفة. وقال مالك: حد الموضحة ما أوضح العظم وإن مدخل إبرة، والمنقلة ما أطار فراش العظم وإن صغرت، والمأمومة والجائفة ما خرق (¬2) إلى الدماغ أو إلى الجوف وإن مدخل إبرة (¬3). فأما الموضحة فيجب فيها نصف العشر (¬4) إذا كانت في الدماغ (¬5) حيث كانت من الجمجمة والجبهة؛ لأنها إذا أنفذت من الجبهة بلغت الدماغ. واختلف في موضحة الخد، فقال مالك: فيها ديتها (¬6) كموضحة الرأس (¬7). وقال عبد العزيز بن أبي سلمة في المبسوط: ليس مثلها وفيها الاجتهاد. وهو أشبه؛ لأنها إذا أشكلت إلى ما يقابلها على الاستواء لم يقابلها شيء من الدماغ، وإنما يكون في الموضحة نصف العشر إذا كانت في الرأس بخلاف غيره من الجسد؛ لأنها في موضع مخوف إن زادت أفضت إلى هلكة. ¬

_ (¬1) سبق تخريجه، ص: 6369. (¬2) في (ق 7): (خرج). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 566. (¬4) قوله: (نصف العشر) ساقط من (ف). (¬5) في (ق 6): (الرأس). (¬6) قوله: (ديتها) ساقط من (ف). (¬7) انظر: المدونة: 4/ 560.

وفي موضحة الأنف حكومة، قال مالك: لأنه ليس من الرأس وإنما هو عظم بائن (¬1). قال أشهب عند محمد: ولو نفذت الضربة إلى عظم الوجه فأوضحته كان فيها دية الموضحة، وإن نقلته كان فيها دية المنقلة، وإن نفذت إلى دماغه كان فيها ثلث الدية (¬2). واختلف في الموضحة تبرأ على شين، فقال مالك: يزاد بقدر الشين قليلًا كان أو كثيرًا (¬3). وروى عنه ابن نافع أنه قال: لا يزاد فيها إلا أن يكون شينًا منكرًا (¬4). وقال أشهب عنه: لا يزاد شيء، واستشهد أشهب بظاهر الحديث (¬5). وهو أحسن؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل دية مسماة ولم يفرق (¬6) مع علمه أن الجراح تشين، وهذا في الخطأ. وأما في العمد، فإنه إن برأ الأول على شين والثاني على غير شين فإنه يكون للأول دية ذلك الشين. وقال عبد الملك بن الماجشون في المبسوط في موضحة العمد (¬7) لا تقاس ولا يعرف غورها حتى تَدْمَي وَيدْمَي ما حولها: فلا قود فيها؛ لأنه لا يقاد إلا بقدر وقياس. قال الشيخ -رحمه الله-: أرى أن يسأل أهل المعرفة عن ذلك الشين الذي يبقى ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 560. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 416. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 560. (¬4) في (ق 7): (فاحشًا). والمثبت موافق لما في النوادر. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 417. (¬6) قوله: (ولم يفرق) ساقط من (ف). (¬7) قوله: (العمد) ساقط من (ق 6).

فإن كان يستدل به على صفة ما كانت اقتص بذلك، وإن أشكل الأمر حلف المجروح واقتص، والظالم أحق أن يُحمل عليه، وقد قال ابن القاسم في الذي يقول ذهب سمعي أو بصري وجعل يتصامم أو يتعامى ولم يتبين صدقه ولا كذبه: أنه يحلف ويكون الأمر على ما قال (¬1). واختلف في الهاشمة -وهي التي هشمت العظم ولم تنقله- إذا كانت خطأً، فقال محمد: ليس فيها إلا دية الموضحة (¬2). وقال ابن القصار -من رأيه-: فيها دية الموضحة وحكومة. قال: وكان شيخنا أبو بكر يقول فيها ما في المنقلة. والقول أن له دية الموضحة وفي الزائد حكومة أحسن؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوجب نصف العشر مع بقاء العظم صحيحًا، وإذا زاد هذا زيد عليه بقدر ذلك الزائد فيقَوَّم لو كان المجروح عبدًا به موضحة كم قيمته (¬3) وكم قيمته وبه هاشمة، فالجزء الذي بينهما يكون مثله من الدية، وفيما قبل ذلك من الشجاج حكومة مثل: الخارصة (¬4): وهي التي تشق (¬5) الجلد قليلًا. ثم الباضعة: وهي التي تشق اللحم قليلًا. ثم المتلاحمة: وهي التي أخذت في اللحم قليلًا (¬6) ولم تبلغ السمحاق. ثم السِّمْحَاق: وهي التي بينها وبين العظم قشرة رقيقة. ثم الواضحة بعد هؤلاء وفي كل هذه الشجاج إذا كانت عمدًا القصاص. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 639. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 37. (¬3) قوله: (كم قيمته) زيادة من (ق 6). (¬4) قوله: (الخارصة) يقا بله في (ف): (الخارطة). (¬5) في (ق 7) و (ف): (تقشر). (¬6) قوله: (قليلا) ساقط من (ق 6).

واختلف في القصاص من الهاشمة، فقال ابن القاسم: لا قصاص فيها. وقال أشهب: يستقاد منه موضحة إذا لم تنقل بالأول (¬1). وقال محمد: هذا صواب إذا كان بدء جرح الأول موضحة ثم تهشمت، وأما إن كانت الضربة هي التي هشمته فلا قود فيها (¬2). يريد: إذا رضت اللحم فهشمت ما تحتها (¬3) من العظم، فأما لو كان ذلك بسيف أو بسكين فشقت اللحم فبلغت العظم ثم هشمته فإن له أن يقتص منه موضحة؛ لأن الجارح لو وقف لَمَّا بلغ العظم ولم يتماد كانت موضحة. وإن نقلت بعد الهشم كانت فيها دية المنقلة، ويختلف إذا أحب أن يستقيد موضحة، فذلك له عند أشهب وليس ذلك عند ابن القاسم، وإن كانت من أولها منقلة كان فيها عشر ونصف. واختلف في القصاص من عمدها (¬4)، فمنع ذلك ابن القاسم وأشهب (¬5)، وحكى أبو محمد عبد الوهاب عن مالك فيها روايتين: جواز القود، ومنعه (¬6). وأرى أن يسأل عن ذلك أهل المعرفة فإن قالوا يصح إذا كشف اللحم ووضح العظم أن يزال من العظم بقدر الأول، فعل ذلك لأن (¬7) المنقلة ما ¬

_ (¬1) قوله (بالأول) يقابله في (ق 7): (به الأول). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 37. (¬3) في (ق 7): (تخفي). (¬4) في (ق 7): (غيرها). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 426، 428. (¬6) انظر: المعونة: 2/ 261. (¬7) قوله: (فعل ذلك لأن) يقابله في (ف): (فعلى ذلك أن).

نقلت الوجه الأعلى من العظم، ولو أطارت الوجه الأعلى والأسفل كانت مأمومة، ولا خلاف في المأمومة أن خطأها وعمدها واحد، أعني: أنه لا قصاص في عمدها، غير أنه يفترق الأمر في صفة الدية، فله في الخطأ ثلث الأخماس، وفي العمد ثلث الأرباع (¬1). وأما الجائفة وهو أن يصاب (¬2) في الجوف فإن لم ينفذ كان فيها في الخطأ حكومة، وفي العمد القصاص، وإن خرقت إلى الجوف كان فيها ثلث الدية. واختلف إذا نفذت فخرجت من الجانب الآخر، هل يكون له دية جائفة واحدة أو دية جائفتين؟ والصواب: أن تكون فيها دية جائفة واحدة؛ لأنه إنما جعل فيها ثلث الدية لغررها وأنها ربما صادفت مقتلًا أو الكبد أو غير ذلك، وذلك إنما يخشى في حين الضربة من خارج، وهي إذا تمادت حتى بلغت الجانب الآخر لم يكن فيها سوى ثلث واحد، ونفوذها بعد ذلك إذا نفذت من داخل إلى خارج لا غرر فيه. ¬

_ (¬1) قوله: (ثلث الأخماس وفي العمد ثك الأرباع) يقابله في (ف): (ئلاث أخماس والعمد ثلاث أرباع). (¬2) قوله: (وهو أن يصاب) يقابله في (ق 7): (فهي أن يضرب).

باب في عقل الأسنان

باب في عقل الأسنان روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "فِى السِّنِّ خَمْسٌ مِنَ الإِبِلِ" (¬1). والأسنان اثنا عشر: أربع ثنايا، وأربع رباعيات، وأربع أنياب، وفي كل واحدة من هؤلاء خمس من الإبل. واختلف في الأضراس، فقضى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فيها ببعير بعير. وقال ابن عباس ومعاوية: فيها خمس كالأسنان، وقيل لابن عباس: أتجعل مقدم الفم مثل الأضراس؟ فقال: لو لم تعتبر إلا بالأصابع منفعتها مختلفة وعقلها سواء. وقال سعيد بن المسيب: والدية تنقص في قضاء عمر، وتزيد في قضاء معاوية، فلو كنت أنا لجعلت في الأضراس بعيرين بعيرين، فتلك الدية سواء. والأضراس عشرون: أربع ضواحك، واثنا عشر رحا، ثم أربع نواجذ، وهي سن الحلم التي يخرج أقصاها بعد الكبر. وقال ابن شعبان: للرجل الملتحي اثنان وثلاثون سِنًّا وللكَوْسَج (¬2) ثمانٍ وعشرون سِنًّا. يريد: أنه لا نواجذ له، وإلى هذا ذهب عمر بن الخطاب وسعيد بن المسيب أن الأسنان اثنا عشر والأضراس عشرون بالنواجذ، فيها عشرون بعيرًا عند عمر وعند سعيد بن المسيب أربعون فتتم الدية مائة من الإبل. ¬

_ (¬1) سبق تخريجه، ص: 6369. (¬2) الكوسج: معربة، وهو الذي لا شعر على عارضيه، وقيل: هو الناقص الأسنان. انظر: المحكم والمحيط الأعظم، لابن سيده: 6/ 675.

فصل [فيما تجب به دية السن]

فصل [فيما تجب به دية السن] تجب دية السن بأربعة وجوه: إذا سقطت، وإذا ضربت فاسودت وإن كانت باقية لم تسقط، وإذا سقطت بعد أن اسودت كان اسودادها من فعل إنسان أو لعلة حدثت فيها، وتجب إذا ضربت فتحركت تَحرُكًا بيِّنًا وإن لم تسقط، فإن أسقطها إنسان بعد ذلك كانت فيها حكومة. وإن ضربت أولًا فتحركت وبقيت فيها قوة كان على الضارب بحساب ما ذهب من قوتها، فإن أسقطها الآخر بعد ذلك كان عليه بحساب ما بقي. وإن ضربت فتغير لونها خاصة بصفرة أو حمرة أو خضرة كان عليه بقدر ما أذهب من جمالها، وهذا قول أشهب في كتاب محمد، وقال ابن القاسم في المدونة (¬1): إن كان ذلك مثل الاسوداد فقد تم عقلها وإلا فعلى حساب ما نقص (¬2). والأول أحسن إلا في الخضرة فإنه سواد أو مقارب له (¬3) وقد أذهب جمالها جملة. وإن كسر رجل بعضها كان عليه بقدر ما أذهب منها، فإن أسقطها آخر كان عليه بقدر ما بقي. وإن كسر رجل نصفها (¬4) وتحرك الباقي وهو قدر نصف قوتها كان عليه ثلاثة أرباع ديتها: النصف عن ما أذهب منها، ونصف النصف عن تحريك ¬

_ (¬1) قوله: (في المدونة) زيادة من (ق 6). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 570، والنوادر والزيادات: 13/ 406، 407. (¬3) قوله: (ومقارب له) يقابله في (ق 7): (متقارب). (¬4) في (ق 7): (بعضها).

الباقي. ومثله إذا أذهب نصفها واحمر الباقي وكان ذلك عند أهل المعرفة نصف جمالها، فإن عليه ثلاثة أرباع ديتها: النصف عن الذاهب، ونصف النصف عن جمال الباقي. ولو ضربها رجل فاحمرت فأذهب نصف جمالها وأخذ نصف ديتها، ثم ضربها رجل آخر فتحركت فأذهب نصف قوتها، أخذ منه نصف دية صحيحة (¬1)؛ لأنه لو أسقطها بعد أن اسودت لغرم ديتها كاملة. ولو ضربت ضربة واحدة فاحمرت وتحركت وذلك (¬2) نصف قوتها كان عليه دية نصف واحد، وإن كان أحدهما النصف والآخر أكثر من النصف -الجمال أو القوة- عقل له على أكثرهما وسقط الآخر. وإن نقص الكلام لذهاب الأسنان عقل له على الأكثر من دية الأسنان أو ما نقص من الكلام، ومحمل الحديث "فِى السِّنِّ خَمْسٌ مِنَ الإِبِلِ" (¬3) أن ذلك في السن الواحدة؛ لأن الغالب أن الكلام لا يتغير لذلك، وأما إذا أفسد بعض الكلام أو عطل الكلام بنقص (¬4) الحروف لم تسقط دية ذلك، وقد يفسد من الكلام ما تكون ديته أكثر من دية السن. ¬

_ (¬1) قوله: (نصف دية صحيحة) يقابله في (ق 6) و (ق 7): (دية نصف صحيح). (¬2) في (ق 7): (فذهب). (¬3) سبق تخريجه، ص: 6370. (¬4) في (ق 7) و (ف): (ببعض).

باب في تنجيم الدية

باب في تنجيم الدية قال: وتنجم الدية في ثلاث سنين، والثلث في سنة، والثلثان في سنتين. واختلف قوله في النصف فقال: في سنتين، وقال: في سنة ونصف (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: لم يختلف في الدية أنها تنجم في ثلاث سنين، واختلف فيما دون الدية في ثلاثة مواضع: أحدها: هل تحمل العاقلة الثلث؟ والثاني: هل ينجم ما دون الدية؟ والثالث: كيفية التنجيم في النصف والثلاثة الأرباع؟ فقال مالك: تحمل العاقلة ثلث الدية (¬2). وذكر ابن القصار عن ابن شهاب أنه قال: إنما تحمل ما زاد على الثلث. وقد اختلف في هذا الأصل في الثلث (¬3) هل هو في حيز الكثير أم لا؟ فجعل في عطية الزوجة وفي الوصية أنه في حيز اليسير ولا مقال للزوج فيه ولا للورثة فيه. وقال مالك فيما حملته العاقلة ولم تكمل فيه الدية أنه ينجم. وذكر أبو محمد عبد الوهاب عن مالك رواية أنه قال: لا تنجم إلا الدية الكاملة (¬4). وفي مختصر ما ليس في المختصر لمالك مثله. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 566، 567. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 573. (¬3) قوله: (في الثلث) ساقط من (ف). (¬4) انظر: المعونة، للقاضي عبد الوهاب 2/ 269.

وذكر ابن القصار عن بعض شيوخه أن الدية الكاملة تكون (¬1) على العاقلة. وقال أشهب عند محمد في نصف الدية: يؤخذ الثلث إذا مضت سنة والسدس إذا مضت سنة أخرى (¬2). ¬

_ (¬1) في (ق 7): (تجب). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 492.

باب في معاقلة المرأة الرجل

باب في معاقلة المرأة الرجل وقال مالك في المرأة تُجرح خطأ: أنها تأخذ في ذلك إذا كانت دون الثلث على عقل الرجل، فإن بلغ الثلث أخذت على عقل المرأة، قال: فلها في ثلاثة أصابع ونصف (¬1) أنملة أحد وثلاثون بعيرًا وثلثا بعير كعقل الرجل، وإن كانت ثلاثة أصابع وأنملة رجعت إلى عقل نفسها فكان لها ستة عشر بعيرًا وثلثا بعير. وإن قطع من اليد الأخرى استؤنف العقل فيه مثل الأولى تأخذ على عقل الرجل إلى أن تبلغ ثلاثة أصابع وأنملة فترجع إلى عقل نفسها. وإن قطع من الأول من اليدين معًا ثلاثة أصابع أخذت ثلاثين بعيرًا فإن قطع بعد ذلك إصبع من التي قطع منها اثنين أخذت عشرًا بمنزلة لو كان القطع فيها منفردًا، وإن قطع من الأخرى إصبعان أخذت عشرين. وإن قطع من اليدين أربعًا أخذت خمسًا خمسًا، ثم إن قطع منها إصبعًا إصبعًا أخذت عشرًا عشرًا؛ لأن المقطوع حينئذ من كل يد ثلاث، فإن قطع منها بعد ذلك إصبعان أخذت خمسًا خمسًا، وهذا قول ابن القاسم، وجعلها في ذلك بمنزلة من أخذ من الأول عشرًا (¬2). وقال ابن نافع عند ابن مزين وابن الماجشون (¬3) في المبسوط: كلُّ ما أصيبت به منفردًا من الأصابع فلها فيه عشرٌ، ولا تضاف مصيبة حدثت إلى مصيبة تقدمت إلا أن يكون القطع فيهما معًا ما يكون عقله ثلث دية الرجل ¬

_ (¬1) في (ق 7) و (ف): (وثلث). والمثبت موافق لما في المدونة. (¬2) انظر: المدونة: 4/ 567، 568. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 458.

فترجع إلى عقل نفسها. وهذا أبين من القول أنها تأخذ في الأول خمسًا خمسًا، ثم إن أصيبت في شيء من تلك اليد بعد ذلك يضاف إلى الأول ويحسب كأنها أخذت من الأول عشرًا. وإذا أصيبت إصبعان منها بأمر الله ثم أصابها إنسان في الثلاث الباقية أخذت لها عشرًا عشرًا لكل إصبع. وإن أصيبت في الاثنين عمدًا فاقتصت ثم أصيبت في الثلاثة خطأ فكذلك تأخذ لكل إصبع في الخطأ عشرًا، ولا يضاف الخطأ إلى العمد. وكذلك إذا عفت ولم تقتص أو صالحت فيها في كل إصبع بأقل من خمس، وإن صالحت عن كل إصبع بخمس (¬1) إلى عشر عاد الخلاف المتقدم من قول مالك وابن نافع وعبد الملك. وأما المواضح والمنقلات وغيرها من الجراحات فإن المراعى منها ما كان في ضربة واحدة، فإن بلغت الثلث أخذت على عقل نفسها، وإن كانت في أمر مفترق لم يضم الآخِر إلى الأول واستؤنف الحكم في الثاني والثالث، وأخذت فيه (¬2) على عقل الرجل إذا كان دون الثلث. واختلف في الأسنان فقال ابن القاسم في كتاب محمد مرةً: هي كالأصابع يحسب الآخِر مع الأول، ثم ينظر هل يبلغ ثلث ديتها أم لا، وجعلها مرة كالمواضح لا يضم الآخر إلى الأول (¬3). وهو أقيس، ولا يصح ضم بعض ذلك إلى البعض إلا على قول ابن المسيب أن في جميع الأسنان الدية فتكون كالأصابع ¬

_ (¬1) قوله: (بخمس) يقابله في (ق 6): (بزائد على خمس). (¬2) في (ق 7): (قيمته). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 460.

في جميعها، وأما على قول مالك أنها لا تقصر على دية وأن في كل واحدة (¬1) خمسًا، فلا يحسن، وتكون كالمواضح. وما أصيبت به في العين والأنف والسمع واليدين وما أشبه ذلك مما فيه دية فإنه يضم الآخر إلى الأول كالأصابع (¬2). ثم إذا قلع السن أو قطع الأذن عمدا أو خطأ ثم أعادها أو عادت السن أو أخذ ديته فعاد ضوؤها ¬

_ (¬1) في (ق 6): (سن). (¬2) زاد بعد قوله: (كالأصابع) في (ق 6) قوله: (ثم إذا قلع السن أو قطع الأذن عمدا أو خطأ ثم أعادها أو عادت السن أو أخذ ديته فعاد ضوؤها).

باب في القصاص من العظم يكسر

باب في القصاص من العَظْمِ يكسر ولا قصاص فيما كان من العظام مخوفًا وإن كان قد سلم الأول منه كعظام العنق والظهر؛ لأنه مخوف إذا انقطع النخاع هلك صاحبه، وكذلك الهاشمة في الرأس والمنقلة لا يستقاد منها. وقال ابن القاسم: لا يستقاد من الفخذ لأنه مخوف. وقال في الصدر والأضلاع: يسأل عنه أهل المعرفة فإن قالوا: لا يخاف، اقتص منه، وإن كان يحأف لم يقتص. وأجاز القصاص من الترقوة وقال: أمرها أيسر. قال: (¬1) وكذلك العضدان والذراعان والكفان والأصابع والساقان والقدمان له أن يقتص (¬2). وقال أبو محمد عبد الوهاب: في المنقلة روايتان، إحداهما وجوب القود (¬3). وقال أشهب عند محمد في الهاشمة: القصاص (¬4). فصل (¬5) [في الدية في سن الصغير الذي لم يثغر] وقال مالك في الصبي تُنزَع سِنُّه قبل أن يُثْغِر خطأً أو عمدًا (¬6): إنه لا ¬

_ (¬1) قوله: (قال) زيادة من (ف). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 570، 571. (¬3) انظر: المعونة، للقاضي عبد الوهاب 2/ 261. (¬4) قوله (القصاص) يقابله في (ف): (في السن السود). وانظر: النوادر والزيادات: 14/ 37. (¬5) ورد هذا الفصل مكررا في (ف) فقد جاء قبل باب (في القصاص من العظم يكسر) وجاء أيضًا في أثناء الباب. (¬6) قوله: (أو عمدا) ساقط من (ق 6).

يعجل الآن بالقصاص ولا بالعقل ويوقف العقل (¬1). وقال سحنون: يوقف من العقل في العمد بقدر ما إن عاد منها شيء لم يقتص وأخذ الباقي (¬2). وهذا إذا كان الجاني غير مأمون فإن كان مأمونًا لم يوقف. ثم لا تخلو أن تعود لهيئتها أو لا تعود أو تعود دون ذلك، أو يموت الصبي أو الجاني قبل ذلك، فإن عادت سالمة أخذ الجاني العقل الموقوف، ولا شيء عليه في خطأ ولا عمد، والصبي في هذا بخلاف الكبير؛ لأنه لم يكن بُدٌّ من سقوطها. وإن لم تعد أخذت الدية في الخطأ واقتص في العمد. وإن عادت على غير هيئتها افترق الجواب، فإن كان خطأ كان له من العقل بقدر ما نقص، وإن كان عمدًا وعاد قدر ما ينتفع به سقط القصاص وكان له من العقل بقدر ما بقي. وإن مات الصبي قبل أن تعود كان لورثته الدية في الخطأ والقصاص (¬3) في العمد. ولو مات الجاني وقف الأمر حتى ينظر هل يعود أم لا؟ فإن لم يعد أخذت الدية في الخطأ، ولا شيء له في العمد؛ لأن المقتص منه ذهب بمنزلة القصاص في النفس فيموت القاتل. ولو عاد بعض السن قدر ما ينتفع به كان من الدية بقدر ما بقي. تم كتاب الجراح بحمد الله وحسن عونه، وصلى الله على سيدنا محمد وسلم ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 574. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 440، 441. (¬3) قوله: (وكان له من العقل. . . في الخطأ والقصاص) ساقط من (ف).

كتاب الديات

كتاب الديات النسخ المقابل عليها 1 - (ف) = نسخة فرنسا رقم (1071) 2 - (م) = نسخة مراكش رقم (112/ 1) 3 - (ق 1) = نسخة القرويين رقم (369) 4 - (ق 2) = نسخة القرويين رقم (370) 5 - (ق 7) = نسخة القرويين رقم (367)

باب في ديات أهل الكتاب والمجوس وجراحاتهم وما تحمل العاقلة من الجراح ومن يحمل العقل من قوم الجارح

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلى الله عليه سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كتاب الديات (¬1) باب في ديات (¬2) أهل الكتاب والمجوس (¬3) وجراحاتهم وما تحمل (¬4) العاقلة من الجراح ومن يحمل العقل من قوم الجارح (¬5) دية أهل الكتاب عند مالك على النصف من دية المسلمين، ورجالهم على النصف من دية رجال (¬6) المسلمين، ونساؤهم على النصف من دية المسلمات (¬7)، والأصل في ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عقل أهل الذمة نصف عقل المسلمين" (¬8)، ذكره ¬

_ (¬1) قلت: وباب الجنايات هو آخر الديوان كاملا كما جاء في نسخة فرنسا، المرموز لها بـ (ف)، ونسخة القرويين (ق 1)، أما (ق 2) و (ق 7) فآخر الديوان كاملا هو كتاب الجنايات، أما نسخة مراكش فلم نستبن آخر الكتاب بسبب تداخل اللوحات، وتداخل الكتب تداخلا بينا، وعدم اكتمال بعضها، لسقوط بعض اللوحات منها. (¬2) قوله: (ديات) يقابله في (م): (دية). (¬3) قوله: (والمجوس) ساقط من (م). (¬4) في (ق 7): (تعقل). (¬5) قوله: (ومن يحمل العقل من قوم الجارح) ساقط من (ق 2) و (م). (¬6) قوله: (رجال) ساقط من (ق 2). (¬7) انظر: المدونة: 4/ 627. (¬8) قوله: (والأصل في ذلك قول. . . عقل المسلمين") ساقط من (ف). والحديث (حسن)، أخرجه الترمذي: 4/ 25، في باب ما جاء في دية الكفار، من كتاب الديات، برقم (1413)، والنسائي في المجتبى: 8/ 45، في كم دية الكافر، من كتاب القسامة، برقم (4806).

الترمذي والنسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ويؤيد ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "المُسْلِمُونَ (¬1) تَتكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ" (¬2) دليله (¬3) أن الكافر لا يكافئ المسلم، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يُقْتَلُ (¬4) مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ" وهذان الحديثان في الصحيحين، البخاري ومسلم (¬5)؛ ولأن الديات مبنية على الحرم (¬6)، فكانت المرأة على النصف من دية الرجل مع كونهما مسلمين لما كانت حرمة الرجل أعلى (¬7)، والمرأة المسلمة أعظم حرمة (¬8) من الرجل الكافر. قال مالك: ودية المجوسي ثمان مائة درهم وهي ثلثا (¬9) العشر من دية المسلم، ودية المجوسية على النصف من ذلك (¬10)، وهذا إذا كانوا أهل ورق، ¬

_ (¬1) قوله: (المسلمون) ساقط من (ق 1). (¬2) أخرجه أبو داود: 2/ 89، في باب في السرية ترد على أهل العسكر، من كتاب الجهاد، برقم (2751)، وأخرجه ابن ماجه: 2/ 895، في باب المسلمون تتكافأ دماؤهم، من كتاب الديات، برقم (2683). (¬3) قوله: (دليله) يقابله في (ق 2): (دليل على). (¬4) في (ق 2): (يعقل). (¬5) أخرجه البخاري: 3/ 1110، في باب فكاك الأسير، من كتاب الجهاد والسير، برقم (2882)، وقول المؤلف: (وهذان الحديثان في الصحيحين، البخاري ومسلم) ليس بصواب كما هو في التخريج، على أن الحديث الأول وهو من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وعمرو بن شعيب لم يرو له الشيخان في الصحيح، وإنما روى له البخاري في جزء له في "القراءة خلف الإمام"، كما ذكر ذلك المزي وغيره، انظر: تهذيب الكمال: 22/ 75. (¬6) في (م): (الجرم). (¬7) زاد في (م): (من المرأة). (¬8) في (م): (درجة). (¬9) في (ق 2) و (ق 1): (ثلث). (¬10) انظر: المدونة: 4/ 627.

وإن كانوا أهل ذهب فسبعة وستون دينارًا إلا ثلثا، وهي ثلثا (¬1) العشر من دية (¬2) الذهب، والمرأة على النصف من ذلك (¬3) ثلاثة وثلاثون وثلث، وإن كانوا أهل إبل فسبعة أبعرة إلا ثلثا، والمرأة ثلاثة أبعرة وثلث (¬4). واختلف في (¬5) دية النصراني والمجوسي يقتلهما المسلم خطأ هل تحملها (¬6) عاقلةُ المسلم أو تكون في مال الجاني؟ فقال في الكتاب: تحملها (¬7) العاقلة في ثلاث سنين (¬8). وقال ابن القاسم في العتبية في النصراني والمجوسي يقتلهما المسلم: أن ذلك في مال الجاني، ولا تحمله العاقلة قال (¬9): لأنهم عندنا كالعبيد، إلا أن (¬10) السنة مضت (¬11) بدياتهم (¬12). وقوله الأول أحسن، وهو حر يرثه ورثته، وإن جني عليه كانت جنايته ¬

_ (¬1) قوله: (وهي ثلثا) يقابله بها (م): (وهو ثلث). (¬2) قوله: (دية) ساقط من (ف). (¬3) قوله: (من ذلك) ساقط من (م) و (ق 2) و (ق 1). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 462. (¬5) زاد بعده في (ف) (حمل). (¬6) في (ق 1): (تحمله). (¬7) في (ق 1): (تحمله). (¬8) انظر: المدونة: 4/ 627. (¬9) قوله: (قال) ساقط من (ف). (¬10) قوله: (إلا أن) يقابله في (ق 2): (لأن). (¬11) في (ف): (قضت). (¬12) انظر: البيان والتحصيل: 16/ 21، والنوادر والزيادات: 13/ 496.

له، وتحمل عاقلتهم جريرتهم (¬1)؛ ولأن الكافر الذمي على ثلاثة أوجه: إما أن يكون دخل إلينا بأمان، ورضي بالمقام على أداء الجزية- فهو حرٌّ من الأصل، أو يكونوا صلحًا (¬2) منعوا أنفسهم حتى أعطوا الجزية (¬3) على شيء يؤدونه فهم على حريتهم (¬4) التي كانوا عليها، أو يكونوا عنوة ملكناهم ثم مننا عليهم بذلك كالعتق (¬5). ولا يختلف أن عتق المسلم الكافر عتق صحيح، والعاقلة تحمل الدية الكاملة كان المقتول (¬6) رجلًا أو امرأة أو نصرانيًّا أو نصرانية أو مجوسيًّا أو مجوسية. واختلف فيما دون الدية، فقال مالك مرة: تحمل الأقل من ذلك (¬7) ثلث دية الجاني أو ثلث دية المجني عليه قال: وثلث دية المجني عليه أبين، (¬8) وقال في العتبية: المراعى ثلث دية المجني عليه (¬9) خاصة (¬10). ¬

_ (¬1) في (ف): (ورثتهم). (¬2) قوله: (صلحًا) ساقط من (م)، وفي (ق 2): (صالحوا). (¬3) في (ف) و (م) و (ق 1) و (ق 2) و (ق 7): (الذمة). (¬4) في (م) و (ق 1) و (ق 2) و (ق 7): (جزيتهم). (¬5) قوله: (كالعتق) يقابله في (م): (العتق). (¬6) في (ق 2): (المعتق). (¬7) قوله: (ذلك) زيادة من (ف). (¬8) انظر: المدونة: 4/ 628. (¬9) قوله: (قال: وثلث دية المجني عليه أبين، وقال في العتبية: المراعى ثلث دية المجني عليه) ساقط من (م). (¬10) انظر: البيان والتحصيل: 15/ 465.

واختلف فيه قول عبد اللك، فقال مرة: ثلث (¬1) دية المجني عليه من كان (¬2). وقال مرة ثلث (¬3) دية (¬4) الرجل كان الجاني أو المجني عليه من كان (¬5). وقال ابن شهاب (¬6): لا تحمل العاقلة إلا ما زاد على الثلث (¬7). فالأول جناية الرجل على المرأة، والمسلم على النصراني أو النصرانية أو المجوسي أو المجوسية، جائفة أو مأمومة، أو كانت الجناية قطع يد (¬8) أو فقء عين، وكل (¬9) ذلك دون ثلث دية (¬10) الجاني، والعاقلة تحمله قولًا واحدًا. واختلف إذا قطع الرجل إصبعين من المرأة فقال مالك: تحمله العاقلة؛ لأنه أكثر من ثلث ديتها (¬11). وقيل (¬12): لا تحمله؛ لأنها لم تأخذ ذلك على عقل ¬

_ (¬1) قوله: (ثلث) ساقط من (م). (¬2) قوله: (من كان) ساقط من (م). (¬3) قوله: (ثلث) ساقط من (م). (¬4) قوله: (المجني عليه من كان، وقال مرة ثلث دية) ساقط من (ق 7) و (ق 2). (¬5) قوله: (من كان) ساقط من (م). وانظر: النوادر والزيادات: 13/ 493. (¬6) قوله: (ابن شهاب) يقابله في (ق 2): (أشهب). (¬7) انظر: المنتقى: 9/ 73، وفي النوادر والزيادات: 13/ 493: (قال ربيعة: مضت السنة أن العاقلة لا تحمل إلا الثلث فصاعدا. (¬8) زاد في (م) (أو رجل). (¬9) في (ق 2): (فكان). (¬10) قوله: (دية) ساقط من (م). (¬11) انظر: المدونة: 4/ 628. (¬12) في (ق 2) و (ق 7): (وقال).

نفسها، وإنما أخذته على معاقلة الرجل ومساواته فيها (¬1)، وهو أحسن. ومثله إذا قلع منها (¬2) أربع أسنان فإنه يختلف هل تحمله عاقلة الرجل؛ لأنه أقل من ثلث ديته وأكثر من ثلث ديتها؟ ولو جنت امرأة على امرأة فقطعت لها (¬3) إصبعين أو أربعة أسنان لجرت على الخلاف؛ لأنها إنما تأخذ على عقل الرجل. والثاني: جناية المرأة على الرجل تقطع له إصبعين، وجناية النصراني (¬4) على المسلم يقطع (¬5) له إصبعًا، أو شجة منقلة، أو مجوسية تشج المسلم موضحة، أو تقطع منه (¬6) أنملة فاختلف فيه؛ لأنه فوق ثلث ديتها ودون ثلث (¬7) ديته. والقول أن المراعى فيه دية (¬8) المجني عليه أحسن؛ لأن الأصل أن العاقلة تحمل الدية الكاملة، وأن المراعى فيها (¬9) دية المجني عليه (¬10)، وتحمل من الدية إذا لم يكمل ما له (¬11) قدر وبال وذلك الثلث، فوجب أن يكون المراعى (¬12) فيه الدية الكاملة التي هذا بعضها، ورأى ابن شهاب: أن الثلث في ¬

_ (¬1) في (ف): (منها). (¬2) قوله: (منها) ساقط من (ق 1). (¬3) قوله: (لها) زيادة من (ق 7). (¬4) في (ق 7) و (ف): (النصرانية). (¬5) في (ف): (تقطع). (¬6) في (ق 2) و (ق 7): (له). (¬7) في (م) و (ف): (ثلثا). (¬8) قوله: (فيه دية) يقابله في (ق 7): (ثلث دية). (¬9) زاد في (ق 7): (ثلثا). (¬10) قوله: (عليه أحسن لأن الأصل. . . ثلثا دية المجني عليه) ساقط من (ف). (¬11) قوله: (ماله) يقابله في (ق 7): (كل ما له). (¬12) قوله: (يكون المراعي) يقابله في (ف): (يراعى).

فصل [في العاقلة، ومن تكون؟ ومن يحمل منها الدية]

حيز القليل، وأن الكثير ما زاد على الثلث. وقد اختلف قول مالك في هذا الأصل، فقال فيمن اكترى دارًا وفيها ثمرة فاشترطها، فلم يجز ذلك مرة إذا بلغت الثلث، ورآه في حيز الكثير، وأجازه مرة ورآه في حيز القليل (¬1). وقال (¬2) في حلية السيف إذا كانت الثلث يباع بمثل ما فيه من الذهب والفضة، ورآه في حيز القليل (¬3) ويلزم على أحد قوليه في الثمرة ألا يجيز حلية السيف إذا بلغت الثلث. فصل [في العاقلة، ومن تكون؟ ومن يحمل منها الدية] وعاقلة الرجل قومه وعشيرته قلت: يبتدئ بأقرب قومه كالبطن، إن كان فيهم محمل لسعتهم وإلا فالفخذ وإن لم يكن فالقبيل فإن لم يكن فأقرب القبائل إليهم (¬4) وقال مالك: إنما جعل (¬5) العقل (¬6) على القبائل أهل ديوان كانوا أو غيرهم، وأهل مصر لا يعقلون مع أهل الشام، وأهل الشام لا يعقلون مع أهل مصر -يريد: لأنهما كورتان- (¬7) وإذا جنى رجل شامي بمصر جناية كان عقل ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 3/ 511. (¬2) قوله: (قال) يقابله في (ق 1): (أجاز). (¬3) قوله: (وقال في حلية السيف. . . في حيز القليل) ساقط من (م)، وانظر: المدونة: 3/ 9. (¬4) قوله: (وعاقلة. . . القبائل إليهم) زيادة من (ق 1). (¬5) في (م): (يحمل). (¬6) قوله: (العقل) ساقط من (ف). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 485، وانظر المدونة: 4/ 629.

جنايته (¬1) على قومه الذين بالشام إلا أن يكون سكن مصر وأوطنها فيكون كأحدهم يعقل عنهم (¬2) ويعقلون عنه، وإذا لم يكن في قوم الجاني من يحمل العقل لقلتهم ضم إليهم (¬3) أقرب القبائل منهم، فإن لم يكن (¬4) فيهم من يحمل العقل (¬5) ضم إليهم أيضًا أقرب القبائل (¬6) إليهم منهم حتى يكون فيهم من يحمل (¬7) ذلك، ويحمل الغني بقدره، ومن دونه بقدره وإنما ذلك على قدر طاقة الناس في يسرهم، وقد كان يحمل على الناس في أعطياتهم من كل مائة درهم، درهم ونصف وأهل البدو لا يحملون مع أهل الحضر، وأهل الحضر لا يحملون (¬8) مع أهل البدو، وقاله ابن القاسم لأنه (¬9) لا يستقيم أن يكون في دية الواحد إبل ودنانير أو إبل ودراهم أو دراهم ودنانير. واختلف في هذه الجملة في أربعة مواضع: أحدها: إذا كان قوم أهل ديوان هل يعقلون دون القبيل أم لا؟ والثاني: هل تراعى الكورة فيجتمعون في الأداء، أو يجزئ في ذلك المصر الكبير ولا يجمع (¬10) إليهم غيرهم؟. ¬

_ (¬1) قوله: (كان عقل جنايته) يقابله في (ق 2): (كان) ويقابله في (ق 1): (فهي). (¬2) في (ف) و (م) و (ق 1) و (ق 7): (معهم). (¬3) في (ق 1): (إليها). (¬4) قوله: (فإن لم يكن) يقابله في (ق 1): (حتى يكون). (¬5) قوله: (فيهم من يحمل العقل) ساقط من (ق 2). (¬6) قوله: (منهم فإن لم يكن. . . أيضًا أقرب القبائل) ساقط من (م). (¬7) قوله: (العقل ضم إليهم. . . يكون فيهم من يحمل) ساقط من (ق 1). (¬8) في (م): (يعقلون). (¬9) قوله: (وقاله ابن القاسم) ساقط من (ق 7) وفي (م) (فإنه). (¬10) (في (م): (يحمل)، وفي (ف): (يجتمع).

والثالث: هل يجمع أهل الحضر، وأهل البادية (¬1) في دية واحدة؟. والرابع: من لا عاقلة له هل تسقط جنايته لعدم من يحملها، أو تكون في ماله أو في بيت المال، أو يكون عليه قدر ما ينوبه مع العاقلة، ويسقط الزائد، أو يكون في بيت المال؟ فقال مالك في كتاب محمد: يؤخذ من الجاني في ديوانه (¬2)، وإن كانوا (¬3) غير قومه من كل مائة درهم درهم ونصف، قيل له: أفترى أن يعينهم قوم الجارح (¬4) ممن ليس معه في ديوان؟ قال: ما (¬5) يفعلون ذلك (¬6). وقال ابن القاسم وأشهب: ذلك على أهل الديوان إذا كان الديوان قائمًا (¬7). ولا ينظر إلى قوم الجارح، وأما قول ابن القاسم (¬8) في أهل مصر وأهل الشام، فإنه أراد بذلك الكورة ومصر من أسوان إلى الإسكندرية. وقال سحنون في إفريقية: يضم عقل إفريقية بعضهم إلى بعض من أطرابلس (¬9) إلى طنجة (¬10). وقال أشهب في كتاب محمد فيمن وجبت عليه دية وهو من أهل الفسطاط: لا يدخل في ذلك جميع عمل مصر، وذلك على من هو بالفسطاط، ¬

_ (¬1) زاد بعده في (م): (وأهل البادية مع أهل الحضر). (¬2) في (م): (ديوان). (¬3) زاد بعده في (ق 7): (من). (¬4) قوله: (يعينهم قوم الجارح) يقابله في (م): (يقسم قوم الخراج). (¬5) (ف): (لا). (¬6) انظر النوادر والزيادات: 13/ 488. (¬7) انظر النوادر والزيادات: 13/ 488. (¬8) زاد بعده في (ق 7): (وأشهب) (¬9) في (ق 2) و (ق 1): (طرابلس). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 482.

فإن لم يكن (¬1) في قبيل القاتل من يحمل ضم إليهم أقرب القبائل إليهم ممن بالفسطاط خاصة (¬2). وقال أشهب أيضًا: إذا اجتمعت البادية والقرار (¬3) من بلد واحد -يريد من (¬4) عمل واحد- أخرج أهل البادية ما يلزمهم (¬5) إبلا، وإن كان الجارح (¬6) من غيرهم، ويخرج أهل القرار حصتهم عينًا، وإن كان الجارح من غيرهم وتؤخذ الإبل بقيمتها إلا أن يشاء ذلك البدوي (¬7). وقال في كتاب ابن سحنون: إن كانوا متناصفين حمل كل فريق من ذلك ما هم أهله، وإن كان أحدهم تبعًا فإن الأقل تبع للأكثر (¬8). قال في المجموعة: إن كان أهل العمود أكثر كانت الدية إبلًا، ويؤدي معهم أهل القرى إبلًا، وإن كان أهل القرى أكثر كانت الدية عينًا، ويؤدي (¬9) أهل العمود (¬10) ما يلزمهم عينًا (¬11). قال الشيخ - رضي الله عنه -: القول إنها تكون على أهل الديوان ضعيف، وإنما يراعى ¬

_ (¬1) قوله: (فإن لم يكن) يقابله في (م): (وأن يكون). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 487. (¬3) أَهل القَرارِ أَي: أَهل الحَضَر المستقرِّين في منازلهم. انظر لسان العرب: 5/ 82. (¬4) قوله: (يريد من) يقابله في (م): (لم يضم). (¬5) في (ق 7): (ينوبهم). (¬6) في (م): (الخارج). (¬7) في (م): (القروي)، وانظر: النوادر والزيادات: 13/ 487. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 486. (¬9) زاد بعده في (ق 1): (معهم). (¬10) قوله: (إبلًا وإن كان أهل. . . أهل العمود) ساقط من (ق 1). (¬11) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 487.

قبيل القاتل وهم عاقلته؛ لأن لهم شبهة في القيام بالدم لو كان القتيل منهم وشبهة الميراث، ويبتدأ بأقرب قومه كالبطن، فإن لم يكن فيهم محمل لقلتهم أو لعسرهم وإلا فالفخذ (¬1)، فإن لم يكن فالقبيل، فإن لم يكن فالعشيرة (¬2)، ولا خلاف أنها على القبيل إذا لم يكن ديوان، فإن كان القاتل من المصر العظيم فيبتدأ بهذه الصفة فيهم (¬3)، فإن لم يكن (¬4) فيهم محمل فمن كان خارجًا من ذلك المصر. وإذا اختلفت أكسابهم ما بين إبل ودنانير ودراهم جمع بعضهم إلى بعض؛ لأن الأصل معونة هذا القبيل من هذا العمل بعضهم لبعض (¬5)، فليس مخالفة كسبه يسقط عنه معونته، وقد وافق عبد الملك بن الماجشون أشهب (¬6) على هذا أنهم يجتمعون في الأداء. وأما قول أشهب: إن القليل تبع للكثير (¬7). فهو أحد الأقوال في الأتباع أنها لا تراعى في أنفسها (¬8) والقول: إنها مراعاة في أنفسه أحسن، ويؤدي كل قوم من كسبهم. واختلف في الجاني هل يدخل مع العاقلة، فقال مالك في كتاب محمد: ¬

_ (¬1) في (ف): (فاتخذ). (¬2) قوله: (محمل لقلتهم. . . فكان لم يكن فالعشير) يقابله في (ق 7) بياض بمقدار كلمة. (¬3) قوله: (فيهم) ساقط من (ق 7). (¬4) قوله: (فالعشير ولا خلاف. . . فيهم فكان لم يكن) ساقط من (ق 1). (¬5) قوله: (لبعص فليس) يقابله في (م): (على بعض فاعتبر). (¬6) قوله: (أشهب) ساقط من (ق 7). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 486. (¬8) في (م): (نفسها).

يدخل معهم، وقيل لا يدخل معهم (¬1). والأول أصوب؛ لأنها جريرة، فلا يسقط عنه الغرم فيها. ويختلف (¬2) إذا لم تكن له عاقلة، فعلى القول إنه لا يدخل مع العاقلة فتسقط الجناية عنه، ويختلف على القول إنه يدخل مع العاقلة (¬3)، هل تعود عليه لعدم من يعينه فيها؛ لأن الأصل أن جريرة كل إنسان عليه، فإذا عدم من يحملها عنه عادت عليه، كما قال، إذا أقر بالقتل فلم يقبل إقراره أنها تعود عليه، وقيل: تكون على بيت المال؛ لأنهم يرثونه لو مات عن مال، فإن لم يكن بيت مال أو لا يستطاع التناول منه بقيت (¬4) جريرته (¬5) عليه. وأما النصرانى فقال مالك في المدونة: يحمل ذلك أهل جزيته وهم أهل (¬6) كورته، الذين خراجه معهم (¬7)، وقال في كتاب محمد: إن كان من أهل الصلح، فالعقل على أهل ذلك الصلح (¬8)، كان كانوا أهل عنوة، فالعقل على من جمعهم (¬9) وإياهم ما وضع عليهم من تلك الجريرة (¬10)، فإن لم يكن في قريته (¬11) ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 573. (¬2) قوله: (الغرم فيها ويختلف) ساقط من (ق 1). (¬3) قوله: (فتسقط الجناية عنه ويختلف على القول إنه يدخل مع العاقلة) ساقط من (م). (¬4) في (ق 1) و (ق 2): (بقية). (¬5) في (ق 1): (وجريرته). (¬6) قوله: (جزيته وهم أهل) ساقط من (ق 7). (¬7) انظر: المدونة: 4/ 628. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 490. (¬9) في (ف) و (ق 2): (جميعهم). (¬10) في (ف) و (ق 1) و (ق 2) و (ق 7): (الجزية). (¬11) في (ق 2): (قرابته).

فصل [في صفة من يحمل العقل ومن يحمل عنه ولا يحمل]

غيره (¬1)، ضم بعض ذلك إلى بعض حتى يقووا على حمل ذلك. وقال المغيرة: إن كانوا أهل صلح فعليهم، وإن اختلفت قبائلهم، وإن كانوا أهل جزية، ولم تكن عنوة، حمل ذلك (¬2) الجاني في ماله (¬3). وقال سحنون في كتاب ابنه: يسلِّفهم ذلك الإمام من بيت المال (¬4). يريد: ويرجع عليهم. فصل (¬5) [في صفة من يحمل العقل ومن يحمل عنه ولا يحمل] يحمل العَقْلَ الرجالُ البالغون الأحرار العقلاء، والرشيد والسفيه في ذلك سواء، وخمسة يُعْقَل عنهم ولا يَعْقِلون: الصبيان، والمجانين، والنساء، والفقير، والغارم، إذا كان عليه من الدَّيْن بقدر ما في يديه، أو يفضل بعد القضاء ما يكون به في عدد الفقراء، وإن كان لا شيء في يديه فهو فقير، والمولى الأعلى يعقل عن الأسفل. واختلف في الأسفل، هل يعقل مع مواليه، أو يدخل مع العاقلة فيما يجنيه قوم سيده؟ (¬6) فقال ابن القاسم: يعقل معهم (¬7)، ومنعه سحنون. ومن كان منقطع الغيبة لا يدخل مع العاقلة، وأما من خرج لحج أو لغيره ¬

_ (¬1) في (م): (غيرهم). (¬2) زاد بعده في (ف): (على). (¬3) قوله: (في ماله) يقابله في (م): (وحده). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 491. (¬5) اختلف ترتيب هذا الفصل في نسخة (ق 1)، فجاء هذا الفصل بعد الفصل التالي. (¬6) قوله: (أو يدخل. . . سيده) ساقط من (ق 7). (¬7) انظر: البيان والتحصيل: 16/ 68.

ليعود، فإنه يدخل معهم إذا قدم (¬1). وقال عبد الملك: إنما تجب على من كان من العاقلة يوم تقسَّم عليهم الدية وتوظف (¬2)، وليس يوم جرح القتيل، ولا يوم مات (¬3)، ولا يوم يثبت الدم، ولا يزول عمن مات بعد ذلك أو أعدم، ولا يدخل فيها بعد ذلك من يبلغ، من صغير، أو يقدم من غائب، أو منقطع، ولا يزاد على من أيسر منهم ورأى (¬4) أنها تثبت (¬5) على من كان ذلك اليوم. وقال أصبغ: من مات منهم ممن جعلت عليه قبل أن تحل، فلا يكون ذلك في ماله، ويرجع على بقية العاقلة (¬6). ويلزم على قوله: إذا أعسر بعضهم. أن يسقط عنه، ويرجع على الآخرين، وإن كان في يد رجل من العاقلة مال وعليه من الدَّيْن ما يغترق ما في يديه، فإن كان الدَّيْن قبل أن توظف الدية- كان في جملة الفقراء، ولا شيء عليه (¬7). واختلف إذا كان موسرًا وقت التوظيف (¬8)، ثم حدث الدَّيْن، فقال ابن القاسم: يبدأ الغرماء (¬9) على طالب الدية، ولا يحاص بها (¬10). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 483. (¬2) في (م): (توقف). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 432. (¬4) في (ق 1): (وأرى). (¬5) في (ق 1): (تعينت). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 483. (¬7) قوله: (ولا شيء عليه) ساقط من (م). (¬8) زاد بعده في (ق 1): (أو كان موسرا). (¬9) في (ق 7): (بالدين). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 484.

فصل [في صفة ما تحمله العاقلة من الديات]

وقال سحنون: إذا رتبت صارت كالدَّيْن يحاص بها (¬1)، وانظر فيما ينوب الجاني إذا كان عليه غرماء (¬2). ومن لا عاقلة له فبيت المال وإن كان له عاقلة قليلة، ولم يكن فيهم ما يحمل الدية (¬3) لقلتهم؛ حمل عليهم ما يحملون (¬4)، ويكون الباقي في (¬5) بيت المال (¬6). فصل [في صفة ما تحمله العاقلة من الديات] العاقلة تحمل الخطأ ولا تحمل عمدًا فيه القصاص، ولو عفا (¬7) الأولياء عنه على مال، وسواء كان صلحًا أو بالجبر على القول (¬8) من يرى ذلك، ولا خطأ على عبد، ولا اعتراف دون النفس (¬9). واختلف في ثلاث (¬10): في الاعتراف بقتل الخطأ (¬11)، وفي العمد إذا كان لا قصاص فيه كالمأمومة والجائفة، وفي عمد في (¬12) الموضحة، وما ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 484. (¬2) قوله: (وانظر. . . غرماء) ساقط من (ق 2) و (م). (¬3) قوله: (الدية) زيادة من (ف) و (م) و (ق 1) و (ق 2). (¬4) في (ق 1) و (ق 2): (تحملوا). (¬5) في (ف) و (ق 1) و (ق 2) و (ق 7): (على). (¬6) زاد بعده في (ق 1): (وتؤخذ. . . البدوي). (¬7) قوله: (ولو عفا) يقابله في (ق 7) و (م): (فعفا). (¬8) قوله (قول) زيادة من (ف) و (م) و (ق 1) و (ق 2). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 472. (¬10) قوله: (في ثلاث) ساقط من (ق 1). (¬11) قوله: (الخطأ) ساقط من (ق 1). (¬12) في (ق 7): (إلى) وساقط من (ف).

أشبه ذلك من الجراح فيذهب بصر المجروح أو سمعه، وفي المسلم يقتل النصراني. واختلف في جميع ذلك، هل يكون في مال الجاني أو على العاقلة؟ (¬1) ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 411.

باب في جناية الصبي والمجنون

باب في جناية الصبي والمجنون ومن المدونة قال مالك في الصبي والمجنون ما جنيا من عمد أو خطأ: فإن ذلك كله خطأ تحمله العاقلة إذا كان الثلث فصاعدًا، وإن كان أقل من الثلث ففي أموالهما (¬1). وقال محمد بن المواز (¬2): إذا كان صغيرًا فجنى (¬3)، فلا شيء عليه من عقل ولا غيره، وكان كالبهيمة والحجر (¬4). وقال ابن القاسم: إن أفسد شيئًا أو كسره مثل قارورة البان أو اللؤلؤة، فإن كان ابن (¬5) ستة أشهر ولا ينزجر، فلا شيء عليه، وإن كان مثل ابن سنة (¬6) فصاعدًا، فذلك عليه (¬7). وقال في العتبية: ما أصاب المجنون والصبي الذي لا يعقل ابن سنة ونصف ونحوها من فساد أموال الناس- فهو هدر (¬8)، ولا شيء عليهم (¬9) في أموالهم، إن كانت لهم أموال، ولا يتبعون بها في ذمتهم إن لم تكن لهم ¬

_ (¬1) في (ف) و (م) و (ق 1) و (ق 7): (أموالهم). وانظر: المدونة: 4/ 630. (¬2) قوله: (محمد بن المواز) ساقط من (ق 2). (¬3) في (ق 1): (يحبو فجنى)، وفي (ق 2): (لا يميز). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 506. (¬5) قوله: (ابن) ساقط من (ق 7). (¬6) قوله: (مثل ابن سنة) يقابله في (م): (ابن ست سنين). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 506، 507. (¬8) انظر: البيان والتحصيل: 16/ 97. (¬9) في (م): (عليه).

أموال (¬1)، وما أصابوا من قتل أو جراح تبلغ الثلث فصاعدًا فهو على عواقلهم، وما كان دون ذلك ففي أموالهم إن كانت لهم أموال، وإلا اتبعوا بها دينًا، وقال أيضًا في المجنون والمعتوه: إذا خرق ثوب إنسان أو كسر سنه فلا شيء عليه (¬2). وقال مالك في الصبي يسرق الشيء فيستهلكه قال: أشبه ذلك أن يتبع به، وما هو بالبين، ومن الأمور ما لا تتبين أبدًا (¬3)، فرأى أن في إغرامه نظرًا، وإن كان كثير المال لم يكن مخاطبًا ولم يكتب عليه، وهل يكون حكمه فيما يتعلق به من حقوق الآدميين مثل ذلك؟ وإن كان المجنون ممن يفيق (¬4) في خلال ذلك، فما أصاب في حال جنونه، كان الجواب فيه على ما تقدم إذا كان لا يفيق، وما أصاب في حال إفاقته فهو والصحيح الذي لا يعرض ذلك له (¬5) سواء إن جرح عمدًا أو قتل عمدًا اقتص منه، فإن جن (¬6) بعد ذلك فلم يفق انتظر حتى يفيق. قال محمد: فإن تمادى به وأيس من إفاقته، وقد قتل فالدية. وقال المغيرة: يسلم إلى أولياء المقتول، قال: ولو ارتد (¬7)، ثم جن (¬8)، لم أقتله حتى يصح لأني ¬

_ (¬1) قوله: (إن كانت لهم أموال ولا يتبعون بها في ذمتهم إن لم تكن لهم أموال) ساقط من (م). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 507. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 507. (¬4) زاد بعده في (ق 1): (أحيانا). (¬5) في (ف) و (م) و (ق 2): (فيه). (¬6) في (م): (عجز). (¬7) في (م): (قتل). (¬8) قوله: (ثم جن) ساقط من (ق 7).

أدرأ الحد بالشبهة، ولا أقبل (¬1) مثل ذلك في حقوق الناس. قال الشيخ - رضي الله عنه -: الاختلاف في القصاص منه، وقول محمد: إنه يرجع إلى الدية، وقول المغيرة أن لهم أن يقتصوا (¬2)، راجع إلى الاختلاف في القصاص من اليد الشلاء؛ لأنه الآن في نزول حال وقريب (¬3) من العدم، والشأن في القصاص من القاتل أن يستقاد (¬4) منه، وينال المقتص منه الألم لذلك، وأن يرى بلوغ (¬5) ذلك منه (¬6)، والمجنون خارج عن ذلك، وأرى أن يكون الأولياء بالخيار، فإن أحبوا اقتصوا، وإن أحبوا عفوا وأخذوا الدية من (¬7) ماله، فإن لم يكن له مال، فلا شيء على عاقلته. ¬

_ (¬1) في (م): (أقول)، وفي (ق 1) و (ق 7) و (ف): (أقتل). (¬2) في (م): (يختصوا). (¬3) في (م): (حال نزول)، وفي (ق 1): (نزول حاله قريب). (¬4) في (ق 7) و (م): (يشتفى). (¬5) قوله: (وأن يرى بلوغ) يقابله في (ق 7): (وإن سالم ببلوغ). (¬6) قوله: (لذلك، وأن يرى بلوغ ذلك منه) ساقط من (م). (¬7) في (ف) و (ق 1) و (ق 2): (في).

باب فى القضاء في الجنين قبل الاستهلاك وبعده وفي خطئه وعمده وفي الكفارة عنه ومن يرثه

باب فى القضاء (¬1) في الجنين قبل الاستهلاك وبعده وفي خطئه وعمده وفي الكفارة عنه ومن يرثه (¬2) ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قضى في جنين الحرة المسلمة قبل أن يستهل (¬3) بغرة عبد أو وليدة (¬4)، قال ابن فارس: غرة كل شيء أكرمه (¬5). والوسط من الأعلى يجزئ وليس الوسط من العبيد والإماء، ومحمل قوله - صلى الله عليه وسلم - في الوليدة أنها الأعلى مما يراد للخدمة ليس للفراش. وقال مالك: الحمران من العبيد أحب إلي من السودان إلا أن يكون الحمران في الأرض التي بها فيها (¬6) قليلًا، فيؤخذ من السودان، قال: وإذا جاءهم بعبد أو أمة أجبروا على أخذها إن كانت قيمة العبد أو الأمة خمسين دينارًا أو ستمائة درهم قال: وليست القيمة في ذلك كالسنة (¬7) التي لا اختلاف ¬

_ (¬1) في (ق 1) و (م): (في القصاص). (¬2) قوله: (ومن يرثه) ساقط من (ق 2). (¬3) قوله: (أن يستهل) يقابله في (م): (الاستهلال). (¬4) متفق عليه: أخرجه البخاري: 6/ 2478، في باب ميراث المرأة والزوج مع الولد وغيره، من كتاب الفرائض، برقم (6359)، ومسلم: 3/ 1309، في باب دية الجنين ووجوب الدية في قتل الخطأ وشبه العمد على عاقلة الجاني، من كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، برقم (1681). ولفظ البخاري: عن أبي هريرة أنه قال "قَضَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جَنِينِ امْرَأَةٍ من بَنِي لَحْيَانَ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أو أَمَةٍ، ثُمَّ إِنَّ المَرْأَةَ التي قَضَى لها بِالغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ، فَقَضَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بِأَنَ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا، وَأَنَّ العَقْلَ على عَصَبَتِهَا". (¬5) انظر: مقاييس اللغة، لابن فارس: 4/ 382. (¬6) في (ف) و (م) و (ق 2) و (ق 7): (يقضى بها). (¬7) في (م): (بالسنة).

فيها وإنا لنرى ذلك حسنًا (¬1). قال محمد: والقيمة على أهل الذهب خمسون دينارًا، وعلى أهل الورق ستمائة درهم، وعلى أهل الإبل خمس فرائض: بنت مخاض، وبنت لبون، وابن لبون، وحِقَّة، وجَذَعة (¬2). قال أشهب: ولا يؤخذ من أهل البادية في الغرة إلا الإبل (¬3). واختلف في ذلك قول ابن القاسم فقال في المدونة: عليهم الغرة وليست بإبل (¬4). وقال أصبغ في كتاب محمد: ولا أحسب إلا وقد قال ابن القاسم أيضًا على أهل الإبل إبل (¬5). وأنكر محمد قول ابن القاسم أنها لا تؤخذ إبلًا وقال: فلم خرج (¬6) هو (¬7) إلى الذهب على أهل الذهب (¬8)، والوَرِق على أهل الوَرِق (¬9). والذي يقتضيه قول مالك وابن القاسم وأشهب أن الجاني بالخيار بين أن يغرم الغرة (¬10)، أو يأتي بعشر دية الأم من كسبهم، إن كانوا أهل ذهب فخمسين دينارًا، وإن كانوا أهل ورق فستمائة درهم، وإن كانوا أهل إبل ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 634. (¬2) انظر: المنتقى، للباجي: 9/ 31، 32. (¬3) في (ق 2) و (ق 1): (إبلا). وانظر: النوادر والزيادات: 13/ 464. (¬4) انظر: المدونة: 4/ 634. (¬5) قوله: (إبل) ساقط من (م). وانظر: النوادر والزيادات: 13/ 464. (¬6) في (م): (فرض). (¬7) قوله: (هو) ساقط من (ق 2). (¬8) قوله: (على أهل الذهب) ساقط من (ق 1). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 464. (¬10) في (ق 2): (العبد).

فخمس فرائض على اختلاف في هذا الموضع. فأما قوله: إذا جاءهم بغرة يجبر الآخرون على قبولها، فصحيح؛ لأنه أتاهم بما قضى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وأما قوله إذا كانت قيمة ذلك خمسين دينارًا أو ستمائة درهم فليس ببين (¬1)؛ لأن الأصل الذي أقامه النبي - صلى الله عليه وسلم - الغرة من غير اعتبار قيمة، وأثمان العبيد تختلف في البلدان وتتغير في أثمانها الأسواق بالزيادة والنقص، فإن وجبت بموضع الغرة بثلاثين دينارًا أو بعشرين دينارًا، لم يلزم بأكثر (¬2) من ذلك، وإن كان ثمنها ستين أو سبعين (¬3) أجبر على إحضارها، ولو أحب أن يدفع خمسين دينارًا لم تقبل منه؛ لأنها دون الغرة، وكذلك قولهم إذا أبى الجاني أن (¬4) يأتي عن الغرة بالعين (¬5) ليس بالبين؛ لأن من حق المجني عليهم أن يقولوا لا نقبل إلا ما قضى (¬6) به النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويلزم إذا سلم أن يؤخذ من أهل العين عين، ويؤخذ (¬7) من أهل الإبل إبل؛ لأن القضاء (¬8) ورد بالغرة على أهل الإبل، وإنما تؤخذ من غير كسبهم، ومن غير ما يغرمونه في الديات، فإن خرج عن الحديث فقال: يخرج من الكسب الذي يغرم في الديات (¬9) إذا كانوا أهل ذهب أو ورق، لزمه أن يقول مثل ذلك، إذا كانوا أهل إبل أن يؤخذ مما ¬

_ (¬1) في (م): (بشيء). (¬2) قوله: (لم يلزم) يقابله في (م): (لم يكن يلزم بأكثر). (¬3) في (ق 2): (تسعين). (¬4) في (ق 2): (إلا أن). (¬5) في (م): (بالثمن). (¬6) زاد بعده في (ق 7) و (ق 2): (لنا) (¬7) في (ف) و (ق 1) و (ق 2) و (ق 7): (أو يؤخذ). (¬8) في (ق 7): (الحديث). (¬9) قوله: (فإن خرج عن الحديث فقال:. . . في الديات) ساقط من (ق 2).

فصل [في صفة الجنين الذي تجب بطرحه الدية]

يغرمونه في الديات. فصل [في صفة الجنين الذي تجب بطرحه الدية] الغرة تجب في الجنين ذكرًا كان أو أنثى، طرح علقة أو مضغة، أو هو تام الخلق إلا أنه لم يستهلَّ صارخًا (¬1). واختلف في سبعة أوجه من المسألة؛ أحدهما: إذا كان دمًا مجتمعًا هل له حكم العلقة، والثاني: إذا طرح حيًّا يتحرك أو عطس أو رضع ولم يستهل، هل تجب فيه الغرة أو الدية؟ والثالث: إذا استهل ثم مات بالحضرة، هل تجب فيه الدية بقسامة أو بغير قسامة؟ والرابع: هل يكون في عمده إذا استهل (¬2) قصاص؟ والخامس: إذا خرج الجنين بعد موت الأم، هل تجب فيه الغرة أو لا يجب فيه شيء؟ والسادس: إذا وجبت في الجنين الغرة، هل تكون في مال الجاني أو تحملها العاقلة؟ والسابع: من يرث الغرة؟ الأبوان، أو الأم وحدها. فأما الدم المجتمع، فقال مالك في المدونة: إذا كان علقة أو دمًا ففيه الغرة، ¬

_ (¬1) قوله: (صارخًا) زيادة من (ق 1). (¬2) قوله: (إذا استهل) ساقط من (م).

وتنقضي به العدة، وتكون به الأمة أم ولد (¬1). وقال أشهب: لا شيء فيه إذا كان دمًا بخلاف كونه علقة (¬2). وذهب مالك إلى أنه لا يكون له حكم الحي، إلا أن يستهل صارخًا (¬3)، فإن تحرك أو عطس أو رضع (¬4)، لم يكن له حكم الحي (¬5). وقال ابن حبيب: وإن أقام يتنفس أو (¬6) تحرك ويفتح عينيه حتى يسمع منه صوت وإن كان خَفِيًّا (¬7). وقال إسماعيل القاضي: الحركة بغير استهلال بمنزلة الحركة التي تكون له في بطن أمه فلا يحكم له (¬8) بحياة ولو حكم له بحياة لوجب له الميراث ووجبت فيه الدية (¬9). وقال ابن وهب: الرضاع كالاستهلال بالصراخ (¬10). وذكر ابن شعبان في الحركة والعطاس قولين هل يكون له حكم الحي ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 630. (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 123. (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 4/ 339. (¬4) قوله: (أو رضع) ساقط من (م). (¬5) قوله: (إلا أن يستهل صارخًا فإن تحرك أو عطس أو رضع لم يكن له حكم الحي) ساقط من (ق 1). (¬6) في (م): (و). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 596 و 597. (¬8) قوله: (له) ساقط من (م). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 1/ 597، ولفظ النوادر: (قال غيره: وليس الحركة دليل الحياة البينة، وقد كان يتحرك في البطن). (¬10) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 465.

بالحركة (¬1) وهذا راجع إلى القول بأن له حكم الحي بالحركة، وإن لم يستهل إلا أن يقول للطول تأثير بخلاف من مات بفور ذلك؛ لأنا (¬2) نجد الشاة تذبح وتسلخ ويتحرك بفور (¬3) السلخ بعض لحمها، وإذا كان ذلك أمكن أن يكون تقدم خروج نفسه في البطن، وبقيت هذه الحركة فلا تحمل على حكم الحياة بالشك، وكذلك الرضاع محمل (¬4) الاختلاف على أنه مات بفور ذلك ولو طال ذلك ثم مات لكان له حكم الحي بغير خلاف على أن الرضاع أقوى من الحركة بانفرادها، والعطاس أضعفها (¬5) فقد قيل: يمكن أن يكون ريحًا انحصر (¬6) ثم خرج تبعته (¬7) حركة. وقال ابن القاسم: إذا استهل صارخًا ثم مات بالحضرة لم يستحق الدية إلا بقسامة (¬8)، فإذا أقسموا استحقوا الدية في الخطأ والقصاص في العمد إذا (¬9) ضرب بطنها. وخالف أشهب في الوجهين وقال: إذا مات بالحضرة استحقوا الدية بغير قسامة والعمد (¬10) والخطأ في ذلك سواء لهم الدية ولا قصاص في عمد (¬11)؛ لأن ¬

_ (¬1) قوله: (الحي بالحركة) يقابله في (ق 7): (وذكر أبو محمد عبد الوهاب. . .). (¬2) في (ق 1): (فإنا)، وفي (م): (أنا). (¬3) في (ق 7): (بعد). (¬4) في (م): (يحمل على). (¬5) في (م) و (ق 7): (أضعفهما). (¬6) في (ق 2): (انحبس)، وفي (م): (انفلتت). (¬7) في (م): (لبقية). (¬8) انظر: المدونة: 1/ 446، النوادر والزيادات: 13/ 390. (¬9) زاد بعدها في (ق 1): (علم). (¬10) قوله: (إذا ضرب بطنها وخالف. . . والعمد) ساقط من (م). (¬11) في (ق 7): (عمده).

موته بضرب غيره وديته على العاقلة في الخطأ والعمد، وسواء تعمد ضرب البطن أو غيره، وهذا أحسن أن لا قسامة في مثل ذلك؛ لأن محمله إذا مات بالحضرة أن ذلك عن (¬1) الضربة، وأيضًا فإنه لا علم عند القائم به أكثر من الظاهر وهو وغيره مما لا حق له في القيام به (¬2) في (¬3) العلم بذلك سواء ويسقط القصاص؛ لأن الضربة إذا كانت وهو في البطن بمنزلة من جرح (¬4) معتقًا إلى أجل فمات بعد انقضاء الأجل وبعد أن صار حرًّا، فقال ابن القاسم: لا قصاص فيه (¬5)؛ لأن الضربة (¬6) كانت في حال الرق وفيه الدية (¬7)؛ لأن خروج النفس كان في حال الحرية، وكذلك هذه الضربة كانت (¬8) وهو جنين في موضع فيه الغرة لو لم يخرج ولا قصاص في عمده حينئذٍ وفيه الدية كاملة؛ لأن خروج النفس كانت (¬9) بعد خروجه من البطن. وقال محمد (¬10): إن خرج حيًا ولم يستهل حتى قتله رجل، قال: لا قود فيه (¬11) على قاتله (¬12) وليس فيه إلا دية جنين غرة عبد أو أمة (¬13)، وعلى قاتله ¬

_ (¬1) في (ق 2) و (ق 7): (على). (¬2) قوله: (أكثر من الظاهر وهو وغيره مما لا حق له في القيام به) ساقط من (ق 1). (¬3) في (ق 2) و (ق 1): (من). (¬4) في (ق 2): (خرج). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 390. (¬6) في (م): (الموت). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 431. (¬8) قوله: (كانت) زيادة من (ق 7). (¬9) في (ق 7): (كان). (¬10) قوله: (حينئذٍ وفيه الدية كاملة. . . البطن وقال محمد) ساقط من (م). (¬11) قوله: (فيه) زيادة من (ق 7). (¬12) في (م) و (ق 7): (عاقلته). (¬13) في (ق 1): (وليدة).

فصل [في استحقاق الغرة لموت الجنين]

الأدب الوجيع، قال (¬1): وقال بعض العلماء لا قود فيه وفيه دية كاملة (¬2)، قال (¬3): يريد: على قاتله (¬4)؛ لأنه استعجله على الموت. قال الشيخ: ولو طالت مدته وهو متحرك كان في عمده القصاص. فصل [في استحقاق الغرة لموت الجنين] الغرة تستحق في الجنين إذا طرح (¬5) في حياة الأم، واختلف إذا طرح (¬6) بعد موت الأم (¬7)، ولم يختلف المذهب أنه إذا لم يخرج (¬8) فلا شيء فيه (¬9)، فقال ابن القاسم: إذا خرج (¬10) بعد موت الأم فلا شيء فيه؛ لأنه مات بموت أمه فعلى (¬11) الضارب دية الأم وحدها وكفارة واحدة (¬12) وقال محمد: فيه الغرة مع دية الأم (¬13) وتحمل ذلك كله (¬14) العاقلة. وإن كان الضرب عمدًا قتل بالأم ¬

_ (¬1) قوله: (قال) ساقط من (ق 2). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 467. (¬3) قوله: (قال) ساقط من (م). (¬4) في (م) و (ق 1): (عاقلته). (¬5) في (م): (خرج). (¬6) في (ق 2) و (م): (خرج). (¬7) زاد بعدها في (م) قوله: (فقيل لا شيء فيه). (¬8) قوله: (لم يخرج) في (ق 7): (مات في البطن). (¬9) في (ق 2) و (ق 1): (عليه). (¬10) في (م): (لم يخرج)، وفي (ق 1): (طرح). (¬11) (في (م): (يقال على). (¬12) انظر: المدونة: 4/ 361، والإشراف: 2/ 839. (¬13) قوله: (وحدها وكفارة واحدة. وقال محمد: فيه الغرة مع دية الأم) ساقط من (ق 1). (¬14) قوله: (كله) ساقط من (ق 1).

فصل [في الغرة هل تحملها العاقلة؟]

وغرم الغرة من ماله. ولو خرج حيًّا واستهل كان على الجاني ديتان: دية الأم ودية الولد وكفارتان (¬1)، يريد: والضرب خطأ. قال: وكذلك إذا لم يستهل صارخًا (¬2) فيه الدية والغرة. قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما إذا استهل فلا يختلف أن فيه الدية، وأن له حكم نفسه وإنما الكلام إذا لم يستهل؛ لأن ابن القاسم قال: هو جرح من جراحها، فأشبه عنده أن لو أبان عضوًا منها بعد موتها، ولهذا قالوا: لا شيء فيه (¬3) إذا لم يخرج قبل ولا بعد، فيلزم من قال إن فيه الغرة أن يقول مثل ذلك، وإن لم يَبِنْ عنها بحال (¬4)؛ لأنه عنده شخص (¬5) قائم بنفسه. فصل [في الغرة هل تحملها العاقلة؟] اختلف قول مالك هل تحمل العاقلة الغرة فقال في المدونة: لا تحملها العاقلة وذلك في مال الجاني (¬6)، وقال عنه أبو الفرج: تحملها العاقلة كما تحمل سائر الديات، وكأنه رأى أنها دية شخص قائم بنفسه كدية النصراني أو المجوسي، وقد يرد (¬7) القول أن العاقلة لا تحمله على القول أنه (¬8) جرح من جراحها. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 467. (¬2) قوله: (صارخًا) زيادة من (ق 2). (¬3) قوله: (أن لو أبان عضوًا منها بعد موتهها، ولهذا قالوا: لا شيء فيه) ساقط من (م). (¬4) قوله: (يَبِنْ عنها بحال) يقابله في (م): (يزايلها قال). (¬5) في (م): (سقط). (¬6) انظر: المدونة: 4/ 630. (¬7) في (ق 2): (يريد)، وفي (م): (يرى). (¬8) قوله: (شخص قائم بنفسه. . . تحمله على القول أنه) ساقط من (م).

فصل [في من يرث غرة الجنين]

فصل [في من يرث غرة الجنين] واختلف في ميراثه فقال مالك وابن القاسم (¬1) ميراثه بين أبويه الثلث والثلثان، وإن كان له إخوة (¬2) كان للأم السدس والباقي للأب، وقال ربيعة: هو للأم خاصة، قال (¬3): لأنه ثمن عضو منها، وقال ابن هرمز: هو للأبوين على المواريث فإن كان أحدهما قد هلك كانت للباقي أبًا كان أو أُمًّا (¬4). وقوله: هو للأبوين وللأب إن انفرد هو قول مالك. وأما قوله: إن انفردت الأم كان لها فإنه يترجح فيه للخلاف وأمضاه لها لقول قائل. وأما قول ربيعة أنه للأم فهو أحد قولي (¬5) ابن القاسم وأشهب فقال ابن القاسم مرة: هو جرح من جراحها (¬6)، والذي يتبين (¬7) أنه على حكم الأم، وأنه تابع لها دون الأب؛ لأنَّ الحرة تتزوج العبد فيكون ولدها حرًّا، والأمة تتزوج الحر فيكون ولدها عبدًا، والمدبرة تتزوج الحر أو العبد فيكون ولدها مدبرًا، والمعتقة إلى أجل تتزوج الحر أو العبد فيكون ولدها معتقًا إلى أجل، والأمة ¬

_ (¬1) قوله: (وابن القاسم) ساقط من (م). (¬2) قوله: (له إخوة) يقابله في (م): (كالدية)، وفي (ق 2): (للدية). (¬3) قوله: (قال) ساقط من (م). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 468. (¬5) زاد بعدها في (ق 7): (مالك). (¬6) انظر: المدونة: 4/ 650، وهو من قول مالك. (¬7) في (ق 7): (يبين).

فصل [فيما إذا ماتت الأم بعد موت الجنين]

تتزوج المعتق إلى أجل فيكون ولدها عبدًا (¬1)، وينسب الجنين في غير موضع إليها فيقال (¬2): يغرم عشر قيمة الأم فيجعل حكمه قبل أن يستهل على حكمها، والقيمة فيه لها، وعلى هذا يصح قولهم إذا ماتت الأم قبل أن يبين عنها (¬3) أنه لا شيء فيه، وقياد القول (¬4) أنهما شخصان تكون القيمة فيه وإن لم يبن. وقال أشهب في كتاب محمد في جنين الذمية من العبد المسلم عشر دية أمه وترثها أمه وإخوته لأمه، قال محمد: وهذا غلط، ولا شيء للأم فيها، ولا شيء للنصراني، ولا للعبد (¬5) من دية المسلمين وذلك لم يرثه سواهم من المسلمين فإن لم يكن أحد فبيت المال (¬6). فصل [فيما إذا ماتت الأم بعد موت الجنين] وإذا طرح الجنين ميتًا، ثم ماتت الأم ورثت منه ولم يرثها، وإن استهل ثم مات قبلها ورثته وإن ماتت قبله ورثها، وإن بان عنها بعد موتها، واستهل ثم مات ورثها ثم ورثه (¬7) ورثته سواها (¬8) وإن لم يستهل وقضي (¬9) فيه بالغرة على ¬

_ (¬1) قوله: (والمدبرة تتزوج الحر أو. . . إلى أجل فيكون ولدها عبدًا) ساقط من (م). (¬2) في (م) و (ق 1): (فقال). (¬3) قوله: (يبين عنها) يقابله في (م): (يزايلها). (¬4) في (ق 7): (قوله). (¬5) في (ق 7): (للعبيد). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 469. (¬7) في (ق 2): (ورثها). (¬8) قوله: (ثم ورثه ورثته سواها) ساقط من (م). (¬9) في (ق 1): (وقضى).

فصل [أحوال الجنين وتأثير ذلك على الحكم فيه]

قول محمد لم يرث أمه ولم ترثه. وقال مالك: إذا ضرب بطن امرأة فألقت جنينا (¬1) ميتًا، وقد مات أبوه قبل ذلك ولأبيه امرأة أخرى حامل فولدت بعد خروج الجنين ولدًا حيًّا أن دية الجنين موروثة على فرائض الله تعالى ولهذا الولد ميراثه، وقال مالك: لو أن رجلا (¬2) ضرب بطن امرأة فألقت جنينًا ميتًا قال (¬3) لا يرث الأب (¬4) من دية الجنين شيئًا ولا (¬5) يحجب وهي موروثة على فرائض الله سبحانه (¬6). فصل [أحوال الجنين وتأثير ذلك على الحكم فيه] الحكم في الجنين يختلف باختلاف أحواله في الحرية والإسلام والعبودية (¬7) والكفر، وهو على أقسام فجنين الحرة المسلمة من الحر المسلم فيه (¬8) غرة عبد أو وليدة، وفي هذا ورد الحديث. وكذلك إذا كان الزوج عبدًا مسلمًا ففيه غرة وفي جنين الذمية النصرانية من النصراني عشر دية أمه وسواء كان الزوج حرًّا أو عبدًا، وإن كان زوجها حرًّا مسلمًا كان فيه غرة، وإن كان عبدًا مسلمًا كان (¬9) فيه قولان، فقال ابن ¬

_ (¬1) في (ف): (جنينها). (¬2) في (ف) و (م) و (ق 1) و (ق 2): (الوالد). (¬3) في (ق 7): (فإن الولد). (¬4) قوله: (الأب) ساقط من (ق 7). (¬5) قوله: (لا) ساقط من (م). (¬6) انظر: المدونة: 4/ 632. (¬7) في (ق 2): (والعبدية). (¬8) قوله: (فيه) زيادة من (ق 1):. (¬9) قوله: (فيه غرة وإن كان عبدًا مسلما كان) ساقط من (ق 1).

القاسم: غرة، يريد: لأنه في حكم الحر من قبل الأم وفي حكم المسلم من قبل الأب. وقال أشهب في كتاب محمد: فيه عشر دية أمهن (¬1). وقد تقدم وإن كان الزوج حرًّا نصرانيًّا فأسلم كان فيه غرة، وإن لم يسلم وأسلمت هي كان فيه قولان، وذلك راجع إلى الاختلاف هل يكون ولد النصرانية مسلمًا بإسلام الأم أم لا (¬2)؟ وإن كان زوج النصرانية مجوسيًّا كان فيه قولان هل يكون فيه أربعون درهمًا على حكم الأب أو عشر دية أمه وفي جنين المجوسية من المجوسي أربعون درهمًا (¬3) وإن كان الزوج نصرانيًّا كان فيه قولان هل يكون فيه نصف الغرة على حكم الأب أو أربعون درهمًا على حكم الأم، فإن أسلم الأب كان فيه غرة كان الأب قبل أن يسلم مجوسيًّا أو نصرانيًّا. ويختلف (¬4) إذا أسلمت الأم (¬5) هل تكون أربعون درهمًا على حكم (¬6) الأب أو غرة على حكم الأم وفي جنين الأمة من سيدها غرة. واختلف فيه إذا كان من غيره (¬7) بزوجية والزوج حر أو عبد أو كانت حاملًا من زنا فقال مالك وابن القاسم: فيه عشر قيمتها (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 469. (¬2) قوله: (أم لا) ساقط من (م) و (ق 7). (¬3) قوله: (على حكم الأب. . . أربعون درهمًا) ساقط من (م). (¬4) في (ق 1) و (ف): (واختلف). (¬5) زاد بعده في (ق 7): (وحدها). (¬6) قوله: (على حكم) ساقط من (م). (¬7) في (م): (عبده). (¬8) انظر: المدونة: 4/ 633.

فصل [في المقتول يجتمع على قتله رجل وصبي]

وقال ابن وهب في كتاب محمد: فيه ما نقصها (¬1) وهذا يصح (¬2) على القول إنه جرح من جراحها. فصل (¬3) [في المقتول يجتمع على قتله رجل وصبي] وإذا اجتمع في قتل رجل صبي ورجل، فإن قتلاه عمدًا قتل الرجل، وكان نصف الدية على عاقلة الصبي، وإن قتلاه خطأ أو كانت رمية الرجل خطأ والصبي عمدًا كانت فيه الدية، واختلف إذا كانت رمية الرجل عمدًا والصبي خطأ، فقال ابن القاسم: فيه الدية عليهما، قال (¬4) لأني لا أدري من أيهما مات (¬5). وقال أشهب عند محمد: يقتص من الرجل، والأول أحسن والوجه فيه كما قال ابن القاسم، أنه يمكن أن تكون القاتلة رمية الصبي، ولا يكون على الرجل شيء، وإذا أمكن ذلك لم يقتل الرجل بالشك إلا أن يدعي الأولياء معرفة الضربتين، وأن ضربة فلان القاتلة فيقسمون عليها، فإن أقسموا على ضربة الرجل، وعلى المعرفة أنها رميته لعلم وقع لهم قتلوا، و (¬6) كان لهم دية الجناية على الصبي، وإن أقسموا على رمية الصبي أخذوا الدية من عاقلته، واقتصوا من جرح الرجل. ¬

_ (¬1) في (م): (نقصه). (¬2) في (م): (أيضا). (¬3) في (ق 7): (باب). (¬4) قوله: (عليهما، قال) ساقط من (م). (¬5) انظر: المدونة: 4/ 633. (¬6) قوله: (قتلوا و) ساقط من (م).

والعمد منها على ثلاثة أوجه: فإن اجتمعا على القتل قتل الرجل. وإن كان الرجل الممسك ولم يقتل، فإنه يقتل. ومثله إذا لم يمسك واجتمعا على ضربه فضربه (¬1) كل واحد بسكين، وكان استسلامه لاجتماعهما عليه (¬2) وإن لم يتعاقدا على قتله، وتعمد كل واحد رمية، ولم يعلم بالآخر لم يقتل الرجل لإمكان أن تكون رمية الصبي القاتلة. ولو كانا رجلين تعمد كل واحد لقتل رجل (¬3) ولم يعلم أحدهما بالآخر لم يقتلا إن كانت النافذة إحدى الضربتين؛ لأنه لا يدرى أيهما رماها، فلا يصح أن يقتلا؛ لأن القتل من أحدهما، ولا يقتل أحدهما (¬4) لإمكان أن يكون القاتل غيره. وإذا قتل رجلًا رجلان أحدهما خطأ والآخر عمدًا لم يقتل المتعمد عند ابن القاسم وقتل عند أشهب. وإن اجتمع في قتل عبدٍ عبدٌ وحر فإن قتلاه عمدًا اقتص من العبد، وكان على الحر نصف قيمته، وإن كانت رمية العبد عمدًا والحر خطأ لم يقتص من العبد عند ابن القاسم واقتص منه على مذهب (¬5) أشهب فإن اجتمع في قتل حرًّ أب وأجنبي (¬6). ¬

_ (¬1) قوله: (فضربه) ساقط من (م). (¬2) قوله: (وكان استسلامه لاجتماعهما عليه) ساقط من (ق 1). (¬3) قوله: (لقتل رجل) يقابله في (ق 7): (منهم القتل). (¬4) قوله: (ولا يقتل أحدهما) ساقط من (م). (¬5) قوله: (على مذهب) يقابله في (م) و (ق 7): (عند). (¬6) إلى هنا انتهى كلامه في الأصول التي بين أيدينا وكتب بعده في (م): انتهى الكلام. وفي (ف) و (ق 7) و (ق 2) بياض. قلت: ولعله يعني ما في النوادر والزيادات: 14/ 65. 66: "قال =

باب في عقوبة القاتل والجاني عمدا إذا عفي عنه

باب في عقوبة القاتل والجاني عمدًا إذا عفي عنه وقال مالك: كل من (¬1) قتل عمدًا فعفي عنه، فإنه (¬2) يضرب مائة ويسجن عامًا. ولو أقر أنه قتل عمدا فعفي عنه، فإنه يضرب مائة ويسجن عاما (¬3). قال (¬4): وإذا قتل المسلم ذميًّا عمدًا (¬5) أو عبدًا عمدا، فإنه يضرب مائة ويسجن عامًا، قال ابن القاسم: ولو أن رجلًا من أهل الذمة أو عبدًا لمسلم (¬6) قتل مسلمًا أو ذميًّا فعفا عنه، فإنه يضرب مائة ويسجن عامًا (¬7) فأوجب حق الله تعالى في ضرب ذلك كيفما اختلف الجرم من مسلم أو كافر أو عبد من قاتل أو مقتول فإنه يضرب مائة ويسجن عامًا (¬8)، وقال ابن القاسم في المرأة تقتل عمدًا فيعفى عنها فإنها تضرب وتسجن عامًا (¬9). ¬

_ = ابن الماجشون: وإذا اجتمع في قتل القتيل كبير وصغير أو حر وعبد أو ضربتان عمدًا وخطأ أو أب وأجنبي، قال في كتاب ابن عبدوس يحذفانه بسيف فيقتلانه. قال في كتاب ابن عبدوس أو يضربه رجل ثم تبعجه دابته أو يتردى من حائط فيموت قصعًا ويثبت ذلك بالبينة". (¬1) قوله: (كل من) يقابله في (ق 1): (في من). (¬2) في (م): (الأولياء). (¬3) قوله: (ولو أقر إن. . . ويسجن عاما) زيادة من (ق 2) وهذه الزيادة موجودة في (م) قبل قوله: (قال ابن القاسم: ولو أن رجلا من أهل الذمة. . .). (¬4) قوله: (قال) ساقط من (م). (¬5) قوله: (عمدًا) ساقط من (ق 7). (¬6) قوله: (لمسلم) ساقط من (م). (¬7) قوله: (قال ابن القاسم: ولو. . مائة ويسجن عامًا) ساقط من (ق 7). (¬8) قوله: (فأوجب حق الله تعالى. . . مائة ويسجن عامًا.) ساقط من (م). (¬9) قوله: (وقال ابن القاسم في المرأة. . . وتسجن عامًا) ساقط من (ق 7) و (ق 1)، انظر: المدونة: 4/ 633.

وقد اختلف في هذه الجملة في العبد إذا كان هو القاتل وفي النصراني إذا كان هو المقتول فقال المغيرة في كتاب ابن حبيب: ليس على العبيد حبس (¬1) وإنما عليهم جلد مائة، وقال ابن الماجشون: إذا كان النصراني هو المقتول فعلى القاتل الأدب (¬2)، ولا يضرب مائة ولا يسجن عامًا. ¬

_ (¬1) في (ق 7): (سجن). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 223، 224.

باب في المواضح

باب في المواضح (¬1) وإذا شجه شجتين (¬2) موضحة ومأمومة في ضربة (¬3) خطأً عقلتهما العاقلة، وإن كان عمدًا اقتص من الموضحة. واختلف في المأمومة هل تكون ديتها على العاقلة أو في ماله وإن شجه موضحة فذهب سمعه وعقله، فإن كان ذلك خطأ حملت العاقلة جميع ذلك ديتين ودية الموضحة (¬4) وإن كان عمدًا اقتص من الموضحة، إن كان (¬5) ذهب سمع الثاني وعقله وإلا كان له عقلهما (¬6)، ولم يكن فيهما قصاص وإن كان الأصل عمدًا؛ لأنه لا يتهم أن يكون قصد إلى أن يذهب ذلك بالمأمومة فكان لهما حكم الخطأ. واختلف أين (¬7) يكون ذلك فقال ابن القاسم في مال الجاني وقاله أشهب، وقال أيضًا في هذا الأصل على العاقلة قال (¬8) كل جرح تنامى (¬9) إلى أن (¬10) ¬

_ (¬1) قوله: (باب في المواضح) يقابله في (م) و (ق 1) و (ف) و (ق 2): (فصل). (¬2) قوله: (شجتين) زيادة من (ف). (¬3) زاد بعده في (ق 2): (واحدة). (¬4) قوله: (ديتين ودية الموضحة) ساقط من (م). (¬5) قوله: (كان) ساقط من (ق 7). (¬6) قوله: (له عقلهما) يقابله في (م): (العقل فيها). (¬7) في (ق 7): (على من). (¬8) قوله: (قال) ساقط من (ق 1). (¬9) في (ق 2) و (ق 1) و (ف): (الترامي). (¬10) قوله: (أن) ساقط من (ق 2) و (ق 1).

يتلف (¬1) نفسه مثل أن لو كان خطأ لم يكن فيه دية جرحين، وإنما فيه دية جرح واحد، فهذا يكون فيما تنامى (¬2) إليه في ماله، وإن تنامى (¬3) إلى جارحة أخرى فذلك التنامى (¬4) على العاقلة. قال محمد: يكون في ماله؛ لأن العمد جره، قال: ولو كان على ما قال لكان (¬5) إذا تنامى (¬6) إلى النفس على العاقلة وإلزام محمد غير صحيح ولا يشبه تنامي (¬7) المأمومة إلى العين (¬8) والسمع تنامى (¬9) ذلك إلى النفس ولو كان ذلك لكان للمجروح أن يقتص من العين (¬10) والسمع كما يقتص إذا تنامى (¬11) إلى النفس. والفرق بين التنامى (¬12) إلى العين والنفس أن النفس يقصد إلى إتلافها من المأمومة وغيرها من الجراح فأي عضو جرحه إنسان عمدًا فمات كان فيه ¬

_ (¬1) قوله: (يتلف) يقابله في (ف) و (م) و (ق 1) و (ق 2): (يزيد فيه). (¬2) في (ق 2) و (ق 1) و (ف): (الترامي). (¬3) في (ق 2) و (ق 1) و (ف): (الترامي). (¬4) في (ق 2) و (ق 1) و (ف): (الترامي). (¬5) قوله: (على ما قال لكان) ساقط من (م). (¬6) في (ق 2) و (ق 1) و (ف): (الترامي). (¬7) في (ف) و (م) و (ق 1) و (ق 2): (ترامي). (¬8) في (م): (النفس). (¬9) في (ق 2) و (ق 1) و (ف): (الترامي). (¬10) قوله: (والسمع تنامي ذلك إلى النفس ولو كان ذلك لكان للمجروح أن يقتص من العين) ساقط من (ق 1). (¬11) في (ق 2) و (ق 1) و (ف): (الترامي). (¬12) في (ق 2) و (ق 1) و (ف): (الترامي).

القصاص ومن أراد إتلاف العين أو السمع لا يقصد إلى إتلافه بالجرح في الرأس وإن كان ذلك (¬1) كان ما تنامي إليه خطأ تحمله العاقلة. قال محمد: إذا شج مأمومة ففسد (¬2) سمعه وعينه ويده ورجله وصار لا يأتي النساء له دية ما أفسد من ذلك من يد ورجل وسمع وبصر وله فيما أفسد من أمر النساء الدية وإن بلغ النفس اقتص وسقط كل جرح. (¬3) وقال مالك في امرأة نامت على صبيها (¬4) فقتلته، ديته على العاقلة وتُعْتِقُ هي رقبة. وقال محمد قيل لمالك ديته على العاقلة، قال: ومن يعلم أنها قتلته. قال الشيخ -رحمه الله-: الجواب في هذه يرجع إلى من أقر بقتل خطأ هل يكون على العاقلة بقسامة أو على المقر في ماله. ¬

_ (¬1) في (ق 1): (كذلك). (¬2) زاد بعده في (ق 1): (شفة). (¬3) زاد بعده في (ق 7): (فصل). (¬4) في (ق 1): (ولدها).

باب إذا أقر بالقتل وشهد شاهد على معاينة القتل

باب (¬1) إذا أقر بالقتل وشهد شاهد على معاينة القتل وإذا شهد شاهد على إقرار رجل بقتل خطأ ثم جحد الإقرار وشهد آخر على معاينة قتل الخطأ لم تضم الشهادتان وكان لأولياء المقتول أن يحلفوا مع شهادة من عاين القتل ويستحقوا من العاقلة، ولهم أن يحلفوا مع شاهد الإقرار ويستحقون (¬2) من ذمة المقر ولا يستحقون (¬3) بشهادته من العاقلة فمن قال: إنه لو لم يرجع عن إقراره تؤخذ الدية من ذمته يصير عند الجحود بمنزلة من اعترف بشيء في ذمته ثم رجع وعلى القول: إنه (¬4) يكون على العاقلة بقسامة يصير بمنزلة شاهد رجع عن شهادته قبل أدائها فهي ساقطة. ويختلف في ضم شهادته إذا لم يرجع مع شاهد المعاينة فعلى القول: إنه شاهد على العاقلة يأخذ أولياء القتيل الدية من العاقلة بغير قسامة وعلى القول بأن الإقرار في ماله يكونون بالخيار بين أن يأخذوا ذلك من ماله بغير قسامة (¬5) أو من العاقلة بقسامة. ¬

_ (¬1) قوله: (هل يكون على العاقلة بقسامة أو على المقر في ماله باب) ساقط من (ق 1). (¬2) في (ف) و (م) و (ق 1) و (ق 2): (ويستحقوا). (¬3) في (ف) و (م) و (ق 1) و (ق 2): (يستحقوا). (¬4) في (ق 7): (إنها). (¬5) قوله: (وعلى القول بأن الإقرار في ماله يكون بالخير بين أن يأخذوا ذلك من ماله بغير قسامة) ساقط من (م) (ق 2).

باب في أيمان القسامة

باب في أيمان القسامة (¬1) دم الحر المسلم يستحق بخمسين يمينًا والخطأ والعمد في ذلك سواء، ويفترق الجواب فيمن يحلف هذه الخمسن يمينا (¬2) فأما الخطأ فيحلفها الواحد إذا كان هو المستحق للدية ابن (¬3) أو أخ أو عم أو ابن عم ويدخل في ذلك النساء إذا كن ورثة، الابنة والأخت والأم والزوجة وتفرّق الأيمان على قدر المواريث، فإن كان ابن وابنة حلف الابن ثلثي الأيمان والابنة الثلث، وتحلف الأم سدسها مع وجود الولد أو اثنين من الإخوة والثلث (¬4) إذا انفردت أو مع أخ واحد أو أخت (¬5). وتحلف الزوجة ربع الأيمان وثمنها مع وجود الولد (¬6)، وإن غاب أحد الورثة لم يستحق الحاضر نصيبه من الدية إلا أن يحلف خمسين يمينًا، فإن غاب الابن (¬7) حلفت الابنة خمسين يمينًا، وأخذت ثلث الدية، فإن حضر الأخ أحلف ثلثي الأيمان ثلاثة وثلاثين يمينًا وإن كان في الأيمان كسر يمين جبرت على من عليه أكثرها ولو كان كبيرًا وصغيرًا، حلف الكبير خمسين يمينًا، وأخذ ¬

_ (¬1) قوله: (باب في أيمان القسامة) يقابله في (ق 2) و (م) و (ف): (فصل). (¬2) قوله: (يمينا) زيادة من (ق 1). (¬3) في (م): (أب). (¬4) قوله: (الإخوة والثلث) يقابله في (م): (الأخت والبنت). (¬5) قوله: (أو مع أخ واحد أو أخت) زيادة من (ق 7). (¬6) قوله: (أو اثنتين من الإخوة والثلث إذا انفردت وتحلف الزوجة ربع الأيمان وثمنها مع وجود الولد) ساقط من (ق 1). (¬7) في (م): (مات الأب).

حصته من الدية، وإذا كبر الصغير حلف خمسة وعشرين يمينًا، واستحق. وإن خلف القتيل ابنة ولا عصبة له حلفت خمسين يمينًا، واستحقت نصف الدية وسقط الباقي. واختلف إذا كان له (¬1) عصبة وهم ثلاثون (¬2) فقيل يحلف منهم خمسة وعشرون ويستحق جميعهم ومنع ذلك ابن القاسم في الخطأ وقال يحلف جميعهم بخلاف العمد وإن خلف جدًّا وإخوة حلف الجد ثلث الأيمان. واختلف إذا نكل الأولياء في الخطأ فقال ابن القاسم: ترد الأيمان (¬3) على عاقلة القاتل (¬4)، وقال ابن كنانة: لا ترد إن حلفوا وإلا فلا شيء لهم وهو أحسن؛ لأنهم يقولون لا علم لنا لأنا لم نحضر، ويجوز أن يكون ذلك حقًّا والشرع يمنع أن يغرم إلا بعد ثبات القتل (¬5) بالقسامة إذا لم تتم الشهادة إلا أن يكونوا حاضرين للقتل أو تُدَّعى عليهم المعرفة بأمر لا شك فيه فترد الأيمان عليهم. وأما القاتل فلا ترد عليه اليمين (¬6) على القول بأنه لا يدخل مع العاقلة في الغرم، وأنه لو اعترف لم يغرم، وأن (¬7) اعترافه إنما هو على العاقلة، وعلى القول: إنه إن اعترف كانت عليه الدية يحلف؛ لأنه يُدَّعَى عليه التحقيق لأنه ¬

_ (¬1) قوله: (له) زيادة من (ق 7). (¬2) قوله: (وهم ثلاثون) زيادة من (ق 7). (¬3) في (ق 7) و (ق 1): (اليمين). (¬4) في (ف 1) و (م): (القتيل). (¬5) في (ق 1): (القتيل). (¬6) في (ق 7): (الأيمان). (¬7) في (ق 1): (لأن).

فصل [في شروط استحقاق العمد بالقسامة]

القاتل فإن حلف برئ، وإن نكل غرم جميع الدية، وقيل يغرم قدر ما ينوبه مع (¬1) العاقلة. فصل [في شروط استحقاق العمد بالقسامة] العمد يستحق بقسامة رجلين ولا يستحق بقسامة رجل (¬2) واحد، وإن حلف خمسين يمينًا، ولا بأيمان أحد من النساء وجعل الشاهد لوثًا والأيمان مقام الشهادة كاللعان الأيمان فيه مكان (¬3) الشهادة، وإن كان الأولياء اثنان فصاعدًا، حلفوا خمسين يمينًا وقتلوا، فإن نكلوا ردت اليمين على المدعى عليه فإن حلف خمسين يمينًا برئ. واختلف إذا نكل فقال مالك وابن القاسم يحبس حتى يحلف، وقال أشهب: إذا نكل كانت عليه دية المقتول. وأرى أن يكون الأولياء بالخيار فإن أحبوا حبس أبدا حتى يحلف أو يأخذوه بالدية ويضرب مائة ويسجن عامًا. واختلف إذا نكل أحد الأولياء أو أكذب نفسه بعد القسامة أو عفا فقال مالك وابن القاسم إذا كان (¬4) الأولياء بنين أو بني بنين أو إخوة أو أعمامًا أو بني أعمام فنكل أحدهم (¬5) ردت الأيمان على القاتل، ولم يكن لمن لم ينكل أن ¬

_ (¬1) في (ق 2): (على). (¬2) قوله: (رجل) زيادة من (ق 7). (¬3) في (ق 7): (مقام). (¬4) في (ق 1): (نكل). (¬5) في (ق 2): (أحدهما).

يحلف وقال مالك أيضًا إذا بقي ممن لم ينكل اثنان فصاعدًا كان لهم أن يحلفوا ويستحقوا أنصباءهم من الدية. قال الشيخ - رضي الله عنه -: وينبغي أن يكون ذلك لمن لم ينكل وإن كان واحدًا، أن يحلف خمسين يمينًا؛ لأن الأمر عاد إلى مال كالخطأ والخطأ يصح أن يحلف فيه (¬1) رجل واحد ويستحق جميع الدية أو نصيبه منها إذا كان معه وارث. واختلف عنه إذا كان الأولياء أعمامًا أو بني أعمام أو أبعد منهم من العصبة فنكل بعضهم فجعل مرة الجواب فيهم كالبنين وقال أيضًا لمن لم ينكل إذا كانوا اثنين فصاعدًا أن يحلفوا ويقتلوا؛ لأنه عنده لا عفو لهم إلا باجتماع بخلاف البنين والأول أبين، ولا فرق بين ذلك إذا كانوا في القعدد سواء. وأما إذا أكذب أحدهم (¬2) نفسه بعد الأيمان فقال في المدونة: أراه بمنزلة لو عرضت عليه اليمين فأباها يريد أنه يبطل الدم وترد الأيمان على المدعى عليه، وأرى أن يكون لمن يكذب نفسه نصيبه من الدية لوجوه: أحدها: أن ذلك كرجوع أحد (¬3) البينة بعد الحكم، وقد شهدت بقتل، فقال ابن القاسم وأشهب مرة: إن القتل ثابت وكذلك يقول من لم يكذب نفسه من الأولياء لا يضرني رجوع هذا في باب الدية؛ لأن المال في ذلك أخف من القتل. والثاني: أنه قد اختلف إذا نكل أحد من الأولياء هل يكون للباقي أن يحلف ويأخذ نصيبه من الدية، فإذا تقدمت يمينه مضى على أنه وافق قول قائل ¬

_ (¬1) في (ق 7): (معه). (¬2) قوله: (أحدهم) ساقط من (ق 2). (¬3) في (م): (أهل).

وإن عفا أحد الأولياء بعد القسامة وهم بنون أو بنو بنين أو إخوة صح عفوه وسقط القصاص. واختلف إذا كانوا أعمامًا أو بني أعمام فقال مالك يصح عفوه، وقال لا يصح إلا باجتماع والأول أبين، واختلف بعد صحة العفو فقيل للباقي نصيبه من الدية. وقال عبد الملك بن الماجشون في كتاب ابن حبيب: لست أرى ذلك بعد ثبوت الدم ولا قبله إلا أن يشترط العافي شيئًا من الدية أو غيرها؛ لأن حقهم كلهم إنما كان في دمه فلما عفا أحدهم امتنع القتل فلم يكن لمن لم يعف منهم أن يرجع عن الدم الذي أبطله عفو العافي إلى دية لم تشترط.

باب في العفو عن العمد

باب في العفو عن العمد العفو عن القتل العمد إلى من يستحق القيام به ولا يخلو القائمون به من ثلاثة أحوال، إما أن يكونوا رجالًا لا نساء معهم أو نساء لا رجال معهن أو رجالًا ونساء فإن كانوا رجالًا بانفرادهم وهم في القُعدُد (¬1) سواء بنون أو بنو بنين أو إخوة فعفا أحدهم سقط الدم. واختلف إذا كانوا أبعد من هؤلاء كالأعمام أو بني الأعمام أو من هو أبعد منهم فقال مالك وابن القاسم: إن عفا واحد منهم سقط الدم، وروى أشهب في كتاب محمد عن مالك أنه لا يسقط إلا باجتماعهم على العفو وإن اختلفت منزلتهم من الميت (¬2) فالعفو والقيام إلى أقربهم بالمقتول ولا مقال للآخر معه في عفو أو قتل وأولاهم الابن ثم ابن الابن ثم الأب. واختلف في الجد والإخوة فجعله ابن القاسم أخًا مع الإخوة في الخطأ والميراث من المال، وقال: يحلف معهم ثلث الأيمان، فإن عفا وكره الإخوة جاز عفوه. وقال أشهب: الإخوة وبنوهم أحق من الجد كالولاء هم (¬3) أحق به منه (¬4)، وقد وافق ابن القاسم في الولاء والإخوة وبنوهم أحق من الأعمام ¬

_ (¬1) يقال: فلانٌ (قَعِيدُ النَّسَبِ) ذو قُعْدُدٍ (و) رجل (قُعْدُدٌ): قَرِيبُ الآباء مِنَ الجَدِّ الأَكْبَرِ)، وهو أَمْلَكُ القَرَابَةِ في النَّسب. انظر تاج العروس: 9/ 49. (¬2) قوله: (من الميت) ساقط من (ف 1). (¬3) في (ف 7): (لأنهم). (¬4) قوله: (به منه) يقابله في (ق 1): (من الجد منهم).

فصل [في النساء هل لهن القيام في الدم]

بالقتل والعفو. ويختلف إذا كان أحدهم أخًا لأم فعلى قول ابن القاسم هو كأحدهم، وقول أشهب إنه أحق، وقد اختلفا فيه في الولاء فقال ابن القاسم: هم في الولاء سواء، وقال أشهب في كتاب محمد: هو أحق؛ لأنه أقعد منهم للرحم (¬1) مثل ما لو ترك المعتق (¬2) أخًا شقيقًا وأخًا لأب، ومثل ما لو ترك بني (¬3) أعمام أحدهم شقيق والآخر لأب، يقول فإذا كانت (¬4) زيادة الرحم مع تساويهم في القُعدُد بالأبوة يكون أحق كان هذا أحق بزيادة الرحم فإنها رحم أقرب؛ لأن أمه أم الميت وهؤلاء أمهم أجنبية من الميت، وإن (¬5) لم يكن إلا رجل من الفخذ أو من القبيل أو لا يعرف قعدده من الميت ومن لا يكون له ميراثه لم يكن له قيام بالدم، فإذا اجتمع في القيام بالدم (¬6) نسب وولاء كان النسب المبدى في القيام والعفو وإن لم يكن ذو نسب فالمولى الأعلى فإن لم يكن مولى أعلى فالسلطان ولا شيء للمولى الأسفل. فصل [في النساء هل لهن القيام في الدم] واختلف عن مالك في النساء فذكر أبو الحسن بن القصار عنه أنه قال: لا ¬

_ (¬1) قوله: (أقعد منهم للرحم) يقابله في (م): (أبعد منهم بالرحم) وزاد بعده في (ق 1): (الزائدة). (¬2) في (ق 1): (القاتل). (¬3) قوله: (بني) ساقط من (ق 7). (¬4) في (ف) و (م) (ق 1) و (ق 2): (كان). (¬5) قوله: (إن) ساقط من (ق 2). (¬6) قوله: (القيام بالدم) يقابله في (ق 1): (الدم).

مدخل لهن في الدم وقال ذلك لهن وهو المعروف من قوله وإذا جعل لهن ذلك فذلك إلى ثلاث وهن البنات وبنات الابن وإن سفلن والأخوات خاصة دون (¬1) بنيهن. واختلف في الأم فقال مالك وابن القاسم لها القيام بالدم، وقال أشهب: لا قيام لها بالدم بحال ولا قيام لها مع الولد ولا مع الإخوة ولا مع السلطان ولا قيام سوى من ذكر، وإذا كان لهن القيام فالبنات أولى من بنات الابن. واختلف في البنات والأخوات (¬2) فقال ابن القاسم البنات أولى، وقال أشهب: الأخوات عصبة (¬3) البنات فلا عفو إلا باجتماع. ويختلف على هذا في بنات الابن والأخوات فعلى قول ابن القاسم: بنات الابن أولى، وعلى قول أشهب: لا عفو إلا باجتماع منهن. واختلف في الأم والبنات فقيل البنات أولى والعفو إليهن أو القتل، وقال ابن القاسم عند محمد: لا تسقط الأم إلا مع الأب والولد الذكر فقط فعلى هذا لا يصح عفو إلا باجتماع منها ومنهن، والقول الأول أحسن؛ لأن البنوة مقدمة على الأبوة فلما كان الابن مقدمًا على الأب كانت البنت مقدمة على الأم والأم مقدمة على الأخوات ويتفق في هذا ابن القاسم وأشهب، وليس الأخوات عصبة الأم وهن عصبة مع (¬4) البنات أو بنات البنين خاصة وإذا خلص (¬5) ¬

_ (¬1) قوله: (دون) ساقط من (ق 1). (¬2) في (ق 2): (والإخوة). (¬3) في (ق 2): (عصبت). (¬4) قوله: (مع) ساقط من (ق 7). (¬5) في (م): (اختص).

فصل [في الاختلاف بين المقتول وبين الأولياء في العفو والقود]

القيام للبنات أو بنات الابن والأم (¬1) دون من معهن من النساء فإنه يعود مقالهن مع الرجال. والنساء مع الرجال على ثلاثة منازل، إما أن يكونوا أقرب منهن أو هن أقرب أو يكونوا في الدرجة سواء فإن كان الرجال أقرب درجة كالبنين وبنات الابن أو بني الابن والأخوات كان القيام للرجال وسقط قيام النساء معهم وإن كان النساء أقرب كالبنات وبني الابن أو بنات الابن والإخوة والأخوات والأعمام. فصل [في الاختلاف بين المقتول وبين الأولياء في العفو والقود] وإذا عفا المقتول فأراد الأولياء القتل أو أوصى بالقود وأرادوا العفو (¬2) كان المقتول أولى بدمه في العفو والقود فإن عفا لم يكن للأولياء أن يقتلوا وإن أوصى بالقيام بدمه لم يكن لهم عفو. وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: إذا قال: لا تعفوا عن قاتلي وثبت دمه ببينة لم يكن للأولياء أن يعفوا وإن استحقوه بقسامتهم كان لهم العفو إن شاءوا وهذا الذي قاله لإمكان أن يكون عفوهم بشبهة دخلت عليهم في أيمانهم. ¬

_ (¬1) قوله: (وهن عصبة مع البنات أو بنات البنين. . . أو بنات الابن والأم) ساقط من (ق 2). (¬2) قوله: (فصل وإذا عفا المقتول فأراد الأولياء القتل أو أو أوصى بالقود وأرادوا العفو) ساقط من (ق 2).

فصل [في الأولياء يكونون صغارا وكبارا فيعفو الكبير]

فصل [في الأولياء يكونون صغارا وكبارا فيعفو الكبير] وإن كان كبير وصغير والقتل لا يحتاج إلى قسامة كان الكبير بالخيار بين أن يقتل أو يعفو فإن عفا كان للصغير نصيبه (¬1) من الدية. وكذلك إذا كان يحتاج إلى (¬2) قسامة ووجد الكبير من يستعين به في الأيمان، واقتسموا معه (¬3)، وثبت الدم، فإن الكبير بالخيار بين أن يقتل ولا يؤخر حتى يبلغ الصغير أو يعفو، ويكون للصغير نصيبه من الدية، وإن لم يجد من يستعين به وحلف الكبير خمسًا وعشرين يمينًا سجن المدعى عليه حتى يكبر الصغير. فإن حلف استحق القتل والعفو وإن نكل ردت الأيمان على المدعى عليه، فإن حلف برئ، وإن نكل سجن حتى يحلف. وعلى قول أشهب: يغرم الدية، وأرى للكبير إذا حلف أن يكون بالخيار بين أن يمهل حتى يكبر الصغير فيقتص أو يعفو ويكون له نصيبه من الدية؛ لأنه بعد يمينه بمنزلته ليس ككبيرين (¬4) حلف أحدهما، ثم عفا عن نصيبه من الدية كان ذلك له على القول: إن للأولياء أن يجبروا (¬5) على الدية؛ لأن الصغير ¬

_ (¬1) في (ق 2): (نصفه). (¬2) قوله: (إلى) ساقط من (ق 2). (¬3) في (ق 2): (حقه). (¬4) في (ق 7): (بمنزلة ولدين كبيرين) وفي (ق 1): (بمنزلة وليين كبيرين). (¬5) في (م): (يعفوا).

إذا كبر على وجهين، إما أن يقسم فيثبت الدم ويكون له نصيبه من الدية؛ لأن أخاه أبطل (¬1) عليه الدم بعفوه أو ينكل فيكونان (¬2) بمنزلة ولدين حلف أحدهما ونكل الآخر، فإن القياس أن يكون لمن حلف نصيبه من الدية. وإن نكل الكبير ردت الأيمان على المدعى عليه، فإن حلف برئ ولم يسجن (¬3)، وإن نكل عن اليمين سجن حتى يحلف على قول ابن القاسم وغرم الدية على قول أشهب. ¬

_ (¬1) في (م): (أنكر). (¬2) في (م): (فيكونون)، وفي (ق 1): (فيكون). (¬3) في (ق 1) و (ق 2): (يستحق).

باب في اللوث في قتل العمد والخطأ

باب في اللوث في قتل العمد والخطأ واختلف في اللوث في قتل العمد ما هو؟ على خمسة أقوال، فقال مالك: هو الشاهد العدل الذي يرى أنه حضر الأمر (¬1). وقال مالك (¬2) في كتاب محمد: هو الشاهد الذي ليس بالقوي العدالة (¬3)، ولا قاطع (¬4)، قيل: أو ترى المرأة من ذلك؟ قال: نعم، قيل له: فالعبد؟ قال: لا. وقال أبو مصعب: اللوث جماعة نساء أو صبيان أو القوم ليسوا بعدول، وذكر ابن حبيب عن ابن وهب عن يحيى بن سعيد وربيعة أنهما قالا: شهادة المرأة (¬5) لطخ توجب القسامة، قالا: وكذلك شهادة العبيد والصبيان والنصارى واليهود والمجوس، وقال ربيعة في المجموعة: يقسم مع شهادة الصبي والذمي (¬6). وأرى أن لا يقسم إلا مع الشاهد العدل والمرأة إذا كانت عدلة قريب من ذلك، والجماعة إذا لم يكونوا عدولًا كالأربعة والخمسة إذا كان لا بأس بحالهم إلا أنهم لم يبلغوا العدالة، وإن كانوا ساقطي الحال، فأكثر من ذلك مثل العشرة ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 137، 138. (¬2) قوله: (مالك) ساقط من (م). (¬3) في (ق 1): (العدل). (¬4) في (ق 7): (قطع)، وفي (ق 2): (قاطع الشهادة). (¬5) في (م): (امرأتين). (¬6) قوله: (والمجوس. . . يقسم مع شهادة الصبي والذمي) ساقط من (م). انظر: النوادر والزيادات: 14/ 139.

فصل [في القسامة في دم الحر المسلم]

والخمسة عشر، وهذا يعرف عند النزول والمشاهدة (¬1)، وجماعة العبيد في هذا كغيرهم من الأحرار، وأما الكفار فلا؛ لأنهم أعداء للمسلمين، ولا يبالون أن يرفعوا (¬2) الأمر على غير وجهه، وإن كان القتل خطأ جرى مجرى المال في العدالة؛ لأن المستحق به مال. وقال أشهب: يقسم مع غير عدل. وليس بحسن (¬3). فصل [في القسامة في دم الحر المسلم] القسامة تجب في دم الحر المسلم في العمد والخطأ (¬4) وسواء كانت الدعوى على حر مسلم أو عبد أو نصراني (¬5)، ولا يستحق دم الحر المسلم في العمد والخطأ من عبد أو نصراني إلا بقسامة (¬6) خمسين يمينًا مثل ما يستحق من (¬7) الحر المسلم، وإذا كان المقتول عبدًا أو نصرانيًّا لم تكن فيه قسامة كان قاتله حرًّا مسلمًا أو عبدًا أو نصرانيًّا، كل ذلك سواء لا قسامة فيه. وقال محمد في الحر المسلم يقتله العبد وينكل أولياؤه: إن كانت القسامة بقول الميت قتلني فلان أو بشاهد عدل على القتل المؤخر (¬8) حلف السيد يمينًا ¬

_ (¬1) في (م): (أو الشهادة). (¬2) في (ق 2): (يوقعوا). (¬3) في (م): (بشيء). (¬4) قوله: (في العمد والخطأ) ساقط من (ق 1). (¬5) قوله: (عبد أو نصراني) يقابله في (ق 7): (أو عبد نصراني). (¬6) قوله: (في العمد والخطأ وسواء كانت الدعوى على حر مسلم أو عبد أو نصراني ولا يستحق دم الحر المسلم في العمد والخطأ من عبد أو نصراني إلا بقسامة) ساقط من (م). (¬7) قوله: (من) ساقط من (ق 2)، وفي (ق 1): (على). (¬8) في (ق 2): (المؤجل)، وفي (ق 1): (اليوم)، وفي (م): (قتل).

واحدة على علمه، فإن نكل لزمه أن يسلمه أو يفديه بدية المقتول، قال: وقيل يحلف العبد خمسين يمينًا (¬1). وإن وجبت القسامة بالبينة فبرئ من ذلك الجرح فمات لم ترد اليمين ها هنا على العبد ولا على السيد وقد ثبت جرحه، فإما فداه السيد بدية ذلك الجرح أو يسلمه ويضرب العبد مائة ويسجن عامًا. يريد: لأن السيد والعبد يقولان: لا علم عندنا هل مات منه أم لا؟ ونحن نجوز (¬2) أن يكون مات منه إلا أنه لا يستحق دية في عمد ولا خطأ إلا بقسامة ولا وجه ليمين السيد في المسألة الأولى؛ لأنه لا علم عنده ولا يدعي عليه علم؛ لأنه لم يحضر (¬3) ذلك ويمين العبد صواب؛ لأنه باشر القتل على قول الشاهد أو الميت. وإن كانت القسامة على نصراني فنكل الأولياء عن الأيمان وكانت القسامة على قول المقتول: قتلني فلان، أو على ما شهد به الشاهد (¬4). فإن كان العبد هو المقتول وقال: قتلني فلان لم يكن لسيده أن يحلف مع قوله ويستحق قيمته إن (¬5) كان المدعى عليه حرًّا ولا القصاص (¬6) إن كان المدعى عليه عبدًا، ولكن (¬7) تزد اليمين على المدعى عليه إن كان حرًّا. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 205. وقد عزا القول لأصبغ. (¬2) في (ق 2): (ونحن نخير)، وفي (م): (ويجوز). (¬3) في (م): (يحظر). (¬4) زاد بعدها في (ق 1) و (ق 2): (فصل). (¬5) في (ق 2): (وإن). (¬6) في (م): (قصاص). (¬7) في (ق 1): (ولا).

واختلف كم يحلف وفي سجنه وضربه على ثلاثة أقوال: فقيل يحلف الحر يمينًا واحدة ولا شيء عليه من قيمة ولا ضرب ولا سجن، فإن نكل غرم قيمته وضرب مائة وسجن عامًا. وقال أشهب: يحلف الحر (¬1) خمسين يمينًا ويبرأ، فإن نكل حلف سيده واستحق قيمته ويضرب المدعى عليه ويسجن عامًا (¬2) وسواء حلف أو نكل، وقال عبد الملك بن الماجشون: يحلف الحر يمينًا واحدة إن كان يعرف بينهما عداوة بعد أن يسجن ويكشف عن أمره، فإن نكل ضرب أدبًا وكذلك العبد، وليس يضرب المائة ويسجن سنة إلا من ملك قتله فعفي عنه أو ملكت عليه القسامة فردت عليه اليمين واجتبر عليه (¬3). وإن قال النصراني: قتلني فلان أو شهد شاهد على القتل المجهز أو شاهدان على جرحه فنزي منه ثم مات افترق الجواب، فقال محمد: إذا قال قتلني فلان حلف المدعى عليه خمسين يمينًا ولا يجلد مائة ولا يسجن سنة (¬4). ويختلف إذا شاهد شهد على قتله فقال مالك في المدونة: يحلف ولاته يمينًا واحدة ويستحقون الدية على من قتله مسلمًا كان أو نصرانيًّا (¬5). وقال أشهب وابن عبد الحكم في كتاب محمد: يحلف المسلم المدعى عليه خمسين يمينا ويضرب مائة ويسجن عامًا، وأما إن ثبت جرحه بشاهدين فنزي ¬

_ (¬1) قوله: (الحر) ساقط من (ق 2). (¬2) قوله: (وقال أشهب: يحلف الحر خمسين يمينًا ويضرب المدعى عليه ويسجن عامًا) ساقط من (م). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 144، 145. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 146. (¬5) انظر: المدونة: 4/ 632.

منه فمات بعد أيام فقال ابن عبد الحكم (¬1): يحلف ولاته يمينًا واحدة ويستحقون ديته؛ لأنه لا قسامة لهم ولا يستقيم أن يحلف على ميت أنه مات (¬2) منه فلم أجد بدًّا من أن أحلفهم أحب إلي من أن أعطيهم بغير يمين (¬3). ¬

_ (¬1) قوله: (عبد الحكم) يقابله في (ق 7): (القاسم). (¬2) قوله: (ميت أنه مات) يقابله في (ق 7): (بت لمات). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 146.

باب في إجبار القاتل على الدية

باب في إجبار القاتل على الدية واختلف قول مالك في قاتل العمد يرضى أولياء المقتول (¬1) بالدية ويأبى ذلك القاتل فقال: ذلك للأولياء، وقال: ليس ذلك لهم إلا أن يرضى القاتل والأول أحسن، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يُودَى (¬2) وإما أن يقاد (¬3) " أخرجه البخاري ومسلم (¬4) أي يأخذ (¬5) الدية أو يستقيد فجعل الولي بالخيار دون القاتل، ولا يقال: إن ذلك برضا القاتل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ساوى في التخيير بين الدية والقود، ولا خلاف أن القود ليس إلى رضا القاتل فكذلك الدية؛ ولأنه (¬6) محرم عليه أن يبيح نفسه إلى القتل وهو قادر على حفظها منه وهذا يبيح نفسه إلى القتل ليأخذ غيره المال عاصب أو غيره، ولو علم من رجل أراد قتل رجل أنه يتركه إذا بذل له مالًا لوجب عليه أن يبذله (¬7) ولا يتركه يقتله، والخلاف (¬8) في الإجبار (¬9) إذا كان القتل بين حرين ¬

_ (¬1) قوله: (أولياء المقتول) يقابله في (ق 1) و (ق 2): (أولياؤه). (¬2) في (ق 1) و (ف) و (ق 2): (يودوا). (¬3) في (ق 1): (يقادوا). (¬4) متفق عليه: أخرجه صحيح البخاري: 6/ 2522، في باب من قتل له قتيل فهو بخير النظرين، من كتاب الديات برقم (6486). ومسلم: 2/ 988، في باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها، من كتاب الحج. (¬5) في (ق 1) و (ق 2) و (ف): (يأخذ). (¬6) في (ق 2): (لأنه). (¬7) في (ق 1): (يفتديه). (¬8) في (ق 2): (والاختلاف). (¬9) في (ق 2): (الأحياء).

فصل [فيما إذا كان القاتل عبدا]

وسواء كانا رجلين أو امرأتين أو رجلا وامرأة، ولو قتلت امرأة رجلًا فقال الأولياء: نحن نجبر (¬1) على الدية؛ لأن المرأة أدنى حرمة وأقل دية لم يكن ذلك لهم على قول مالك في منع الجبر وفيه نظر؛ لأنهم قالوا في الصحيح يفقأ عين الأعور إن للأعور أن يجر على أن يأخذ دية عينه ألف دينار (¬2)؛ لأن الذي يأخذ أقل دية بخلاف أن يكونا صحيحين، فإنه يختلف هل يجبره؟ واختلف في الإجبار في الجراح إذا كانت إبانة عضو هل للمجروح أن يجبر الجارح على دية ذلك العضو وقد تقدم ذلك في عين الأعور فيما قبل. فصل [فيما إذا كان القاتل عبدًا] وإذا كان القاتل عبدًا كان للحر أن لا يقتص وأن يجبر السيد على (¬3) أن يفديه أو يسلمه ولا خلاف في ذلك؛ لأن امتناع (¬4) السيد من ذلك ليقتل العبد لا منفعة له فيه وإن كان القاتل مدبرًا كان له أن يستحييه، وأن (¬5) يجبر السيد على أن يفتدي خدمته أو يسلمها (¬6)، ولو قال السيد: إما أن تقتل أو تعفو على غير شيء لم يكن ذلك له، ولو قال الولي: أنا أعفو على أن آخذ المدبر والمعتق إلى أجل رقيقًا لم يكن ذلك له؛ لأنه وإن كان القتل يبطل ما عقد لهما من الحرية، ¬

_ (¬1) زاد بعده في (ق 7): (المرأة). (¬2) قوله: (ألف دينار) يقابله في (ق 2): (ألفا). (¬3) قوله: (يجبر السيد على) يقابله في (ق 1): (يخير السيد بين). (¬4) في (ق 2): (اجتماع). (¬5) في (ق 1): (لأنه). (¬6) زاد بعده في (ق 2): (والمعتق إلى أجل له أن يستحييه ويخير السيد في أن يفتدي الخدمة أو يسلمها).

فصل [في اختلاف قدر الدية بين القاتل والمقتول وأي ذلك يؤخذ به القاتل]

فإنه لا يجوز أن يبطل ذلك العقد مع بقاء الحياة. واختلف في أمِّ الولد، فقال ابن القاسم: لا يجبر السيد على أن يفتديها، كلما جنت (¬1) وقاسها على الحر، وقال غيره: يجبر السيد؛ لأنها على حكم العبيد وأن لا يجبر أحسن؛ لأنه إذا كان لا يجبر الحر على أن يفتدي نفسه كان أبين أنه لا يجبر أن (¬2) يفتدي عبده ولا أمته (¬3)، ولأن فيها رقًّا وحرية فإن غلب الرق لم يجبر كما لا يجبر على أن يفتدي (¬4) عبده ولا مدبره (¬5) وإن غلبت (¬6) الحرية لم يجبر على أن يفتدي (¬7) حرًّا وإن كان القاتل مكاتبًا. فصل [في اختلاف قدر الدية بين القاتل والمقتول وأي ذلك يؤخذ به القاتل] وإذا كان للولي (¬8) القاتل أن يجبر على الدية فإن كانت دية المقتول أكثر من دية القاتل مثل أن تقتل امرأة رجلًا كان عليها (¬9) دية الرجل. ويختلف إذا قتل رجل امرأة هل عليه دية المرأة أو دية نفسه؛ لأن الأولياء ¬

_ (¬1) قوله: (كلما جنت) ساقط من (ق 1) و (ق 2). (¬2) قوله: (لا يجبر أن) ساقط من (ق 1). (¬3) قوله: (عبده ولا أمته) يقابله في (ق 1): (من غيره). (¬4) قوله: (عبده ولا أمته. . . كما لا يجبر أن يفتدي) ساقط من (ق 2). (¬5) قوله: (ولا مدبره) ساقط من (ق 1). (¬6) في (ق 2): (غلت)، وفي (ق 1): (علمت). (¬7) قوله: (أن يفتدي) ساقط من (ق 1). (¬8) في (ف) و (م) و (ق 1) و (ق 2): (لولي). (¬9) في (ف): (عليه).

ملكوا أخذ نفسه فلهم أن يأخذوا دية ما (¬1) تركوا له قياسًا على الأعور يفقأ عين الصحيح، فقال مالك: للمفقوء عينه دية عين نفسه خمسمائة دينار، وقال أيضًا (¬2): له دية عين الأعور ألف دينار؛ لأنه ملك أخذها (¬3). ويختلف على هذا إذا قتل جماعة رجلًا عمدا (¬4) هل يكون للولي دية قتيله (¬5) أو دية كل قاتل (¬6)؛ لأنه ملك قتلهم فله أن يأخذ من كل واحد منهم (¬7) دية نفسه (¬8). ¬

_ (¬1) في (ق 2): (وأما). (¬2) قوله: (أيضًا) زيادة من (ق 7). (¬3) انظر: المدونة: 4/ 637. (¬4) قوله: (عمدا) ساقط من (ق 2). (¬5) في (ق 2): (قاتل). (¬6) في (ق 7): (واحد منهم). (¬7) قوله: (منهم) زيادة من (ق 7). (¬8) زاد بعده في (ق 1): (فصل: وقال ابن القاسم في رجل أعطى دابة أو سلاحا إلى صبي يمسكه فعطب به غيره أو عطب به هو نفسه أنه إن عطب به كان ضمانه على الذي أعطاه ذلك وإن كان عطب به غيره كان ضمان ذلك على عاقلة الصبي ولا ترجع به عاقلته على عاقلة الذي أعطاه ذلك، وقال أشهب في كتاب محمد في السلاح).

باب الحكم في القتيل بين الصفين

باب الحكم في القتيل بين الصفين القتيل بين الصفين في (¬1) دمه على أربعة أوجه: هدر، وقصاص، ودية، ومختلف فيه هل يكون قصاصًا (¬2) أو دية؟ وذلك راجع إلى الوجه الذي كان عليه القتل، فإن كانت الطائفتان متأولتين كان دمه هدرًا لا قود ولا دية فيه، وإن كانتا غير متأولتين كل واحدة منهما باغية كان قصاصًا إذا عرف القاتل، وإن كانت إحداهما متأولة والأخرى باغية كان دم الباغية هدرًا، ودم المتأولة قصاصًا، وإذا كان ذلك في مثل ما يكون بين القبائل وكانت إحداهما زاحفة والأخرى دافعة عن نفسها (¬3) كان دم الزاحفة هدرًا ودم الأخرى (¬4) قصاصًا. وإن كان القاتل والمقتول من فئة واحدة غلطا كانت فيه الدية؛ لأنه خطأ. وإن كانتا (¬5) باغيتين ولم يثبت القتل ببينة ولم يكن إلا شاهد (¬6) واحد (¬7) على القتل أو قول القتيل قتلني فلان أو وجدوه (¬8) قتيلًا هل يكون ذلك لوثًا يوجب لأولياء القتيل القسامة والقصاص، أو تكون فيه الدية على الطائفة التي نازعته من غير قسامة؟ ¬

_ (¬1) قول: (في) ساقط من (ق 1). (¬2) قوله: (يكون قصاصًا) يقابله في (ق 1): (فيه قصاص). (¬3) في (ق 1): (أنفسها). (¬4) في (ق 1): (الدافعة). (¬5) في (ق 1): (كانت). (¬6) في (ق 1): (شاهدًا). (¬7) قوله (واحد) زيادة من (ق 7). (¬8) في (ق 7): (وجوده).

فقال في الكتاب: لا قسامة في من قُتل بين الصفين (¬1)، قال مالك في كتاب محمد: إنما فيه الدية على الفئة التي قاتلته في أموالهم، وكذلك الجراح، عقل الجرح على الفئة التي نازعتهم، فإن كان القتيل والجريح (¬2) من غير الفريقين (¬3) كان عقله على الفريقين جميعًا. وقال ابن القاسم: إذا قال القتيل دمي عند فلان لم يقتل به ولم يقسم معه، ولو شهد شاهد واحد لم يجز (¬4)، وأجاز القسامة في موضع آخر في هذين الموضعين جميعًا. وقال أبو القاسم بن الجلاب و (¬5) عن مالك رواية أخرى (¬6) أن وجوده مقتولًا بينهما لوث يوجب القسامة لأوليائه فيقسمون على من ادعى (¬7) قتله (¬8) ويقتلونه به (¬9). قال الشيخ: ولا وجه لمنع القسامة مع الشاهد العدل إذا كان الشاهد من غير الفريقين وليس ذلك بمنزلة إذا قال: قتلني فلان من غير شاهد؛ لأنها دعوى منه على عدوه وقد يرمى بذلك غير قاتله؛ لأن الكل أعداء (¬10) له. ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 650. (¬2) في (ق 1): (الجرح). (¬3) في (ق 2) و (ق 7): (الفئتين). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 648. (¬5) قوله: (و) ساقط من (ق 2). (¬6) قوله: (أخرى) ساقط من (ق 1). (¬7) في (ق 2) و (ق 7) و (ف): (ادعوا). (¬8) في (ق 7): (عليه القتل). (¬9) انظر: التفريع: 2/ 193. (¬10) قوله: (الكل أعداء) يقابله في (ق 7): (بالكل عداوة).

وقد اختلف في هذا الأصل إذا ادعى القتل على عدوه فمنع مرة للتهمة التي بينهما وأجيز مرة (¬1)؛ لأن تهمة القتل (¬2) من العدو أقوى منها على غيره، ولو قال: قتلني فلان لرجل من الطائفة التي هو منها يريد غلطًا لأقسم مع قوله قولًا واحدًا وكانت الدية على العاقلة؛ لأنه خطأ ومَنع القسامة بدعوى أولياء القتيل في القول الأول ولم يجعل وجوده لوثًا؛ لأنها دعوى على عدوه وقد منع القسامة بقول المقتول فهي بدعوى الأولياء أبعد وأجاز ذلك في القول الثاني لحديث عبد الله بن سهل حين (¬3) وجد قتيلًا بخيبر فاتَّهَمَ به أولياؤه اليهود من أهل خيبر، فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أتحلفون خمسين يمينًا وتستحقون دم صاحِبكم أو قاتِلكم. فقالوا: كيف نحلف ولم نشهد، وقال أيضًا: يحلف خمسون منكم على رجل (¬4) منهم ويدفع إليكم برمته أخرجه مسلم (¬5) وأباح (¬6) القسامة بدعوى الأولياء المعرفة لما (¬7) كان القتيل (¬8) بين ظهراني عدوهم وقد قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: إن عبد الله بن سهل (¬9) خرج إلى ماله ¬

_ (¬1) في (ق 1): (أخرى). (¬2) في (ق 2): (القتيل). (¬3) قوله: (حين) ساقط من (ق 7) و (ف). (¬4) في (ق 2): (واحد). (¬5) أخرجه مسلم: 3/ 1291، في باب القسامة، من كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات برقم (1669). (¬6) في (ق 7): (فأباح). (¬7) في (ق 7): (ما)، وفي (ف): (إذا). (¬8) في (ق 2): (القتل). (¬9) في (م) و (ق 1) و (ق 2) و (ق 7): (عمر).

بخيبر، فعدي عليه من الليل ففُدعت (¬1) يداه ورجلاه وليس لنا عدو غيرهم هم عدونا وتهمتنا، وقد رأيت إجلاءهم أخرجه البخاري (¬2) فكأن وجوده قتيلًا بين من ناصب القتال و (¬3) برز لقتله وإن كانوا غُيَّبًا (¬4) أبين. واختلف في الجراح على نحو ما اختلف في القتل، فقيل إنما فيه الدية دية (¬5) الجرح على الفرقة التي نازعته. وقال ابن القاسم في كتاب محمد: إذا انكشفوا وبأحدهم جرح فادعى على (¬6) بعضهم أنه جرحه، أنه يحلف ويقتص (¬7). وهو عنده خلاف من ادعى ذلك ولم يعلم اجتماع لقتال (¬8). وقاله ابن الماجشون ورأيا (¬9) أن وجود الجرح ومعرفة الاجتماع لوث، فأما مقام الشاهد قال محمد قال مالك فيمن كان بينه وبين عدوه (¬10) قتال فأتي به (¬11) وبه أثر ضرب أو به جرح (¬12)، فقال فلان ¬

_ (¬1) في (ق 1): (فقطعت). (¬2) أخرجه البخاري: 3/ 973، في باب إذا اشترط في المزارعة إذا شئت أخرجتك، من كتاب الشروط برقم (2580). (¬3) في (ق 7): (أو). (¬4) في (ق 1): (أعداء). (¬5) قوله: (الدية دية) يقابله في (ق 1): (الدية)، وفي (ف): (دية). (¬6) قوله: (على) ساقط من (ق 7). (¬7) في (ق 1): (ويستحق)، وانظر: النوادر والزيادات: 14/ 63. (¬8) في (ف): (الفيئتين). (¬9) في (ق 2) و (ق 7): (ورأى). (¬10) في (ق 1) و (ق 7): (غيره). (¬11) قوله: (به) زيادة في (ق 7). (¬12) في (ق 1): (أو به جرح).

وفلان هما اللذان فعلا ذلك بي ثم مات قال أرى أن يسجنا حتى ينظر في أمرهما وأحب ما فيه إليّ أن لو اصطلحا (¬1) فترجّح عنده الأمر على هذا القول وأمرهما بالرجوع إلى الصلح وكذلك الجرح (¬2) على هذا القول. ¬

_ (¬1) قوله: (لو اصطلحا) يقابله في (ف): (يصطلحا)، وانظر: النوادر والزيادات: 14/ 159. (¬2) في (ق 1): (الجراح).

باب في صفة القصاص في القتل

باب في (¬1) صفة القصاص في القتل القصاص في القتل يجب بمثل القتلة الأولى لحديث أنس أن يهوديًّا رض رأس جارية بين حجرين فأمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - فرض رأسه بين حجرين (¬2). وإن أراد الولي القتل بما يخالف مما هو (¬3) أخف لم يمنع وإن كان أشد منع فإن قتل الأول بسيف قتل بالسيف ومنع أن يقتل بالرمح؛ لأنه أشد فإن كان القتل بالرمح لم يمنع أن يضرب عنقه بالسيف؛ لأنه يُجهز ما لا يجهز الرمح وهو أخف ولو ذبح الأول لم يمنع من القصاص بالسيف وإن أحرقه بالنار لم (¬4) يمنع من القصاص بالسيف أو بالرمح وإن كان الأول (¬5) بالطعن بالرمح منع أن يقتله بالنار (¬6) وإن قتل بالعصا قتل بالعصا. واختلف إذا ضرب مثل العدد الأول فلم يمت فقال ابن القاسم: (¬7) يضرب بالعصا أبدًا (¬8) حتى يموت. ¬

_ (¬1) قوله: (في) زيادة من (ق 2). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري: 2/ 850، في باب ما يذكر في الأشخاص والملازمة والخصومة بين المسلم واليهودي، من كتاب الخصومات، برقم (2282)، ومسلم (3/ 1299) في باب ثبوت القصاص في القتل بالحجر وغيره من المحددات والمثقلات وقتل الرجل بالمرأة، من كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات برقم (1672). (¬3) قوله: (مما هو) يقابله في (ق 7): (وهو) وفي (ف): (مما). (¬4) في (ف) و (م) و (ق 2) و (ق 7): (ولم). (¬5) في (ق 7): (قتل الأول) وفي (ف): (القول). (¬6) قوله: (يقتله بالنار) يقابله في (ف): (يلقيه في النار). (¬7) قوله: (قتل بالعصا. واختلف إذا ضرب. . . فقال ابن القاسم) ساقط من (ق 1). (¬8) قوله: (أبدًا) زيادة من (ق 1).

وقال مالك عند محمد: إن كانت (¬1) العصا تُجهز (¬2) في ضربة واحدة ولا يكون بشيء ليّن (¬3) مختلف، فله أن يقتله بالعصا و (¬4) إن شاء بالسيف (¬5) وأما ضربات فلا وليقتله بالسيف (¬6). وقال (¬7) أشهب: إن رأى أنه إن زيد مثل الضربة والضربتين مات زيد (¬8). وهو أحسن، ولو مات الأول عن خمس ضربات فيضرب مثل ذلك العدد، فإن لم يمت ورأى أنه إن زيد مثل الضربة والضربتن مات فعل، وإلا أجهز عليه بالسيف، وإن قتله خنقًا قتل خنقًا، وإن سقاه سمًّا اقتص منه، قيل لابن القاسم: كيف يقتل؟ قال: على قدر ما يراه الإمام، والأصل أن يقتل بمثل ذلك فيسقى (¬9) سمًّا. وقال عبد الملك عند محمد: إذا قتل الأول بالنبل أو بالرمي بالحجارة لم يقتل هذا (¬10) بمثل ذلك؛ لأنه لا يأتي على ترتيب القتل وحقيقته فهو من التعذيب ولا بالنار؛ لأنه من التعذيب ولو طرح الأول من جدار أو جبل أو ¬

_ (¬1) في (ق 1) و (ق 7): (كان). (¬2) في (ق 1) و (ق 2) زيادة: (فيها) (¬3) في (ق 7): (لين). (¬4) قوله: (و) ساقط من (ق 7). (¬5) في (ق 7): (أو بالسيف). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 30. (¬7) في (ق 2): (قول). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 30. (¬9) في (ف) و (م) و (ق 1) و (ق 7): (يسقى). (¬10) قوله: (هذا) زيادة من (ق 7).

على سيف أو (¬1) رمح أو غيره صرف القود إلى السيف؛ لأن ذلك قد يخطئ قتله فيصير تعذيبًا (¬2). وأصل قول مالك أن (¬3) يستقاد بمثل الفعل (¬4) الأول (¬5)، وهو الذي يقتضيه الحديث، وإن أمكن أن يخطئ، فإن الظالم أحق أن (¬6) يحمل عليه، وإن كتّفه وطرحه في نهر فُعل به مثل ذلك وإن طرحه و (¬7) لم يكتّفه، وكان لا يحسن العوم وطرحه عالما بذلك، اقتص منه بمثل ذلك (¬8)، وإن قطع يديه ثم (¬9) رجليه ثم قتله -ولم (¬10) يكن أراد قتله- قُتل على قول مالك ولم تقطع أطرافه، وإن كان يريد (¬11) قتله ففعل ذلك به (¬12) ثم قتله بالفور قتل عند ابن القاسم ولم يقطع (¬13). وقال أشهب: يقطع ثم يقتل. وقال (¬14) مالك إذا كان الأول أراد ¬

_ (¬1) زاد بعده في (ف): (على). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 31. (¬3) في (ق 2): (بأن). (¬4) قوله: (الفعل) زيادة من (ق 7). (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 29. (¬6) في (ف): (ألا). (¬7) قوله: (طرحه و) زيادة من (ق 7). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 31. (¬9) في (ق 7): (و). (¬10) في (ف) و (م) و (ق 2) و (ق 7): (وإن لم). (¬11) في (ق 7): (أراد). (¬12) قوله: (به) زيادة من (ق 1). (¬13) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 31. (¬14) في (ف) و (م) و (ق 1) و (ق 7): (وقاله).

المثلة (¬1)، وهو أحسن أن يعاقب بمثل ما عاقبه (¬2) لقول الله -عز وجل-: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [سورة النحل آية: 126]، وأرى أنه لو فُعل ذلك به بعد القتل فقطع أطرافه لمثَّل بالآخر بعد القصاص، وقد مُثّل بقتلى أحد فقال أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: لئن أظفرنا الله بهم لنفعلن ولنفعلن فنزلت: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} فأمر الله تعالى أن يقتص (¬3) على مثل الأول، ولو قطع أصابعه ثم يده فإن كان القطع الثاني بنية حدثت كان القطع الآخر (¬4) جاريًا، وإن كانت بنية (¬5) قطع الجميع وفعل ذلك على وجه العذاب كان على الخلاف، فعلى قول ابن القاسم تقطع يده، وعلى قول أشهب تقطع أصابعه ثم يده. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 31. (¬2) في (ق 2): (عوقب). (¬3) في (ق 7) و (ف): (يقتصروا). (¬4) في (ف): (الثاني). (¬5) قوله: (بنية) ساقط من (ق 1).

باب في القصاص

باب في القصاص القصاص بين المسلمين الأحرار العقلاء البالغين في القتل والجراح، ويقتل الرجل بالمرأة، والمرأة بالرجل، لا شيء لأوليائه على أولياء المرأة من فضل ديته على ديتها، ويقتص للصغير من البالغ (¬1)، وللمجنون من العاقل، ولا يقتص منهما؛ لأن عمدهما خطأ (¬2). واختلف إذا قتل وهو عاقل ثم جن ولم يفق. فقال محمد: إذا يئس منه كانت الدية في ماله. وقال المغيرة: يقتص منه، قال: ولو ارتد ثم جن لم أقتله حتى يصح؛ لأني أدرأ حدًّا لشبهة، ولا أفعل ذلك في حقوق الناس وهو أبين وأكثر ما فيه أنه يأخذ حقه ناقصًا (¬3). ولا يقتص من الحر للعبد، ولا من المسلم للنصراني في جرح ولا قتل، ولا يقتص (¬4) منهما في القتل إذا قتل العبد أو النصراني مسلمًا. واختلف في الجراح، فقال مالك: لا يقتص له منهما من الجراح. وفرق بينها (¬5) وبين القتل (¬6). ¬

_ (¬1) في (ق 7): (الكبير). (¬2) انظر المعونة: 2/ 248. (¬3) في (ف): (قصاصا). (¬4) قوله: (ولا يقتص) يقابله في (ق 7) و (ق 2): (ويقتص له). (¬5) في (ق 1): (بينهما). (¬6) انظر النوادر والزيادات: 13/ 543. ونصه: قال مالك وأصحابه: لا يقاد كافر من مسلم، في نفس، ولا جرح، وإذا قتل كافر مسلما عمدا قتل به، وإن جرحه فلا قود بينهما.

فصل [في القصاص من العبد والنصراني]

قال ابن القصار: وروي عنه القصاص (¬1) قال: وهو القياس (¬2). وفرق مالك في العتبية بين العبد والنصراني فمنع القصاص من العبد، وأجازه من النصراني قال: لأن العبد يسلم في الجنايات، والنصراني لا يسلم عبدًا (¬3)، وفي ذلك تسليط للنصراني على المسلمين، يفقأ عين المسلم ثم يعطيه دراهم، ويعينه أهل جزيته يحرضونه (¬4). وقال ابن نافع: المسلم بالخيار إن شاء أقاد (¬5)، وإن شاء أخذ (¬6) العقل (¬7). وهو أحسن، وكذلك العبد يجني جناية (¬8) على الحر فإن الحر بالخيار (¬9) قال: المجني عليه (¬10) بالخيار بين القصاص أو الدية، وتكون جنايته في رقبته، ولا فرق بين الحر والعبد. فصل [في القصاص من العبد والنصراني] القصاص بين العبيد كالقصاص بين الأحرار في النفس والجراح، والذكران والإناث في ذلك سواء، إلا أن (¬11) السيد في ذلك المبدى، فإن أحب ¬

_ (¬1) قوله: (القصاص) ساقط من (ف). (¬2) انظر: عيون المجالس: 5/ 1983. (¬3) قوله: (عبدًا) ساقط من (ق 1). (¬4) في (م) و (ق 1) و (ق 2): (يحيطونه) وفي (ف): (يحفظونه). وانظر البيان والتحصيل: 16/ 96. (¬5) في (ق 1): (أقادوا)، وفي (ق 7): (اقتص). (¬6) في (ق 1): (أخذوا). (¬7) انظر البيان والتحصيل: 16/ 96. والنوادر والزيادات: 13/ 544. (¬8) قوله: (جناية) زيادة من (ف). (¬9) قوله: (فإن الحر بالخيار) سقط من (ف). (¬10) قوله: (المجني عليه) زيادة من (ق 7). (¬11) قوله: (إلا أن) يقابله في (ق 2): (لأن).

اقتص من ذلك الجرح وإلا أخذ العقل. (¬1) لأن جرح العبيد يتعلق به حق للسيد (¬2)؛ لأنه مال أُفسد (¬3) له وحق للعبد، فإن أسقط حقه في المال كان الحكم القصاص، فإن قام بحقه في المال سقط حق العبد في القصاص، ويخيّر سيد العبد (¬4) الجاني بين أن يفدي عبده أو يسلمه، والمدبر والمكاتب وأم الولد والمعتق إلى أجل في القصاص مع من ليس فيه حرية سواء، لا حرمة له (¬5) بما عقد له من ذلك؛ لأنه الآن (¬6) رقيق والعتق معلق (¬7) بوقت لم يأت بعد، وأما المعتق بعضه فاستحسن ألا يقتص منه، للحديث أنه يرث بقدر ما أعتق منه، ويعقل (¬8) عنه بقدر ذلك، ولا يقتص من العبد المسلم للحر النصراني. واختلف في القصاص له من النصراني، فقال أشهب وعبد الملك في العتبية: يقتل به، وغلبا حرمة الإسلام -وإن كان عبدًا- على حرمة النصراني وإن كان حرًّا. وقال سحنون: لا يقتل به. (¬9) وقال ابن القاسم عند (¬10) محمد: يقتل به وقال: يضرب ولا يقتل به (¬11). ¬

_ (¬1) انظر المدونة: 4/ 605. (¬2) قوله: (لأن جرح العبيد يتعلق به حق للسيد) ساقط من (ق 1). (¬3) في (ق 1): (أفسده). (¬4) قوله: (العبد) ساقط من (ق 7). (¬5) في (ق 1): (لهما). (¬6) قوله: (الآن) ساقط من (ق 2). (¬7) في (ق 1): (متعلق). (¬8) في (ق 7): (ويعتق). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 545. (¬10) في (ق 2): (عن). (¬11) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 545.

فصل [فيمن يقتص منه]

واختلف بعد القول أنه يقتل به هل الخيار للسيد أم لا؟ فقال ابن القاسم: لا خيار له وليس له أن يعفو على (¬1) الدية وهو بمنزلة من يقتل الحر، فليس له (¬2) إلا القتل أو العفو على غير شيء. (¬3) وقال أصبغ ومحمد: له أن يأخذ الدية إن شاء؛ لأنه ماله أتلفه (¬4). فصل [فيمن يقتص منه] والأصل في القصاص في الجملة قول الله -عز وجل-: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [سورة البقرة آية: 179]، وقوله تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [سورة الإسراء آية: 33]، وقوله: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [سورة المائدة آية: 45]، ولا خلاف أن العمل في شرعنا على ما تضمنته، وقد تضمنت (¬5) هذه الآيات الثلاث وجوب القصاص من غير اعتبار كون الحرم متساوية أو مختلفة، وقال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} [سورة البقرة آية: 178] فاقتضت هذه الآية القصاص مع تساوي الحرم، وإن كان قد اختلف في سبب (¬6) نزول هذه الآية. وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (¬7) "يقتل الرجل بالمرأة" ولا خلاف أنه لا ¬

_ (¬1) في (ق 2): (عن). (¬2) قوله: (له) زيادة من (ف). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 545. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 545. (¬5) قوله: (وقد تضمنت) ساقط من (ق 1). (¬6) قوله: (سبب) ساقط من (ق 7). (¬7) زاد بعده في (ق 1): (لم).

فصل [فيمن قتل زنديقا أو مرتدا أو نصرانيا أو قطع يد سارق خطأ]

يراعى اختلاف الحرم فيه هذا (¬1) أعني الذكر والأنثى، وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا يقتل مسلم بكافر" أخرجه الصحيحان البخاري ومسلم (¬2)، والقول أن يقتص (¬3) من النصرانى للعبد أبين، وحرمة الإسلام أعلى من حرمة الكافر -وإن كان حرًّا- لقول الله تعالى {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} [سورة البقرة آية: 221]، وأما (¬4) تخيير السيد فهو الأصل؛ لأنه إتلاف لمال، وألا يخير أحسن؛ لأن في القصاص ردعًا لهم، وذبًّا عن المسلمين وحماية، وهذا الأصل في تغليب أحد الضررين، ويقتص من النصراني للنصرانى (¬5) ومن اليهودي لليهودي (¬6) في القتل والجراح إذا دعا إلى ذلك أولياء المقتول؛ لأنه من التظالم. فصل [فيمن قتل زنديقا أو مرتدا أو نصرانيا أو قطع يد سارق خطأ] وقال محمد فيمن قتل زنديقًا: لا شيء عليه من قصاص ولا دية ولا قصاص أيضًا على قاتل المرتد (¬7). واختلف في ديته فقال ابن القاسم عند محمد: على قاتله دية الدين الذي ¬

_ (¬1) قوله: (فيه هذا) ساقط من (ق 2). (¬2) متفق عليه، البخاري: 1/ 53، في باب كتابة العلم، في كتاب العلم، برقم (111)، ولم أقف عليه في مسلم. (¬3) قوله: (أن يقتص) ساقط من (ق 1). (¬4) في (ق 1): (وإنما). (¬5) في (ق 2): (النصارى للنصارى). (¬6) في (ف) و (م) و (ق 1) و (ق 2): (لليهود) وساقطة من (ق 1). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 561.

ارتد إليه، إن ارتد إلى النصرانية فدية نصراني، وإن ارتد إلى المجوسية فدية مجوسي (¬1). وقال في كتاب محمد بن سحنون عقله عقل (¬2) المجوسي في العمد والخطأ في القتل والجراح رجع إلى الإسلام أو قتل على ردته، وذكر عن أشهب وأصبغ مثله (¬3). قال سحنون في العتبية: لا دية له في عمد ولا خطأ، وقد كان عبد العزيز بن أبي سلمة يقول: يقتل ولا يستتاب (¬4). وهذا أحسن؛ لأنه كافر، ولا ذمة (¬5) له، وجب قتله وإراقة دمه؛ لحق الله تعالى، وفارق الذمي؛ لأنه عصم دمه بالذمة التي عقدت له، فأشبه من قتل من وجب قتله لأنه زنى وهو محصن، ولا يعترض هذا بأنه قد يراجع الإسلام؛ لأنا في شك من رجوعه؛ ولأنه قتل وجب (¬6) قبل ذلك. وكذلك إذا قطع له عضو يختلف فيه هل تكون في ذلك العضو دية أم لا؟ فمن جعل في قتله الدية جعل في أعضائه ديتها، ومن لم ير فيه دية لم يجعل في أعضائه شيئًا. وقال ابن القاسم: إذا جرح المرتد في حال ارتداده عمدًا أو خطأ فإن عقل جراحه للمسلمين إن قتل على ردته أو له إن رجع إلى الإسلام وعمد جرحه ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 554. (¬2) في (ق 1): (على). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 554. (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 561. (¬5) قوله: (ولا ذمة) يقابله في (ق 2): (لا دية). (¬6) قوله: (وجب) ساقط من (ق 7).

كالخطأ (¬1). وعلى قول سحنون: لا شيء على قاطعه وإن جرحه نصراني أو عبد فلا قود فيه؛ لأنه ليس له (¬2) دين يقر عليه، قال محمد: وإن قتل هو مسلمًا (¬3) خطأ كانت الدية عنه من بيت مال المسلمين؛ لأنهم الذين يرثونه (¬4). قال ابن القاسم: ولو جرح نصرانيًّا أو قتله اقتص منه بالجرح والقتل، وإن قتل مسلمًا قتل به، وإن جرحه لم يقتص منه، (¬5) وإن رجع إلى الإسلام كان حاله حال المسلم فيما صنع إن جرح مسلمًا أو قتله أقيد منه للجرح (¬6) وقتل، وإن جرح نصرانيًّا أو قتله لم يقتص منه، ولا قصاص لمسلم على من قتله عمدًا إذا كاد قد وجب قتله لحق الله تعالى كالزاني المحصن والمحارب يقتل ولا دية لهم إن قتلوا خطأ. وفي كتاب محمد: فيمن قطع يمين السارق خطأ قولان فقال: لا دية لها. وقال (¬7) في موضع آخر: له ديتها. فعلى هذا تجب الدية في هذين إذا قتلا خطأ، وإن قطع لهما عضو يد أو رجل أو فقئت عين كان لهما القصاص في العمد والدية في الخطأ؛ لأن الحد الواجب في النفس ليس في إزالة العضو. ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 511. (¬2) في (ق 1) و (ق 7): (على). (¬3) قوله: (قتل هو مسلما) يقابله في (ق 2): (قتله مسلم). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 511. (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 511. (¬6) في (ق 1) و (ف): (بالجرح). (¬7) زاد بعده في (ق 7): (أصبغ).

باب فيمن قتل عمدا ثم قتله رجل أو قطع بعض أعضائه خطأ أو عمدا أو قطع هو بعض أعضاء غيره خطأ أو عمدا ومن قطع عضوا من إنسان عمدا ثم قتله رجل خطأ أو عمدا

باب فيمن قتل عمدًا ثم قتله رجل (¬1) أو قطع بعض أعضائه خطأ أو عمدًا أو قطع هو بعض أعضاء غيره خطأ أو (¬2) عمدًا (¬3) ومن قطع عضوًا من إنسان عمدًا ثم قتله رجل (¬4) خطأ أو عمدًا (¬5) وإذا قتل رجل رجلًا عمدًا، ثم قتل القاتل خطأ أو عمدًا كان الأمر فيه إلى أولياء الأول، يأخذون الدية في الخطأ، ويقتلون قاتله إذا كان قتله عمدًا (¬6). وقال مالك عند محمد: إذا قتل خطأ لا شيء لأولياء الأول والدية لأوليائه (¬7). والقول الأول أبين؛ لأن أولياء الأول استحقوا نفسه فكانوا أحق بما يكون (¬8) عنها من دية أو قصاص، ولم يختلف أن لأولياء (¬9) الأول أن يقتلوه دون أولياء الثاني، وأن لهم أن يعفوا عن دمه على مال يكون لهم، قال مالك: إلا أن يُرْضِيَ أولياء الثاني أولياء الأول فيكون لهم أن يقتصوا (¬10). ¬

_ (¬1) زاد بعده في (ق 7): (آخر). (¬2) قوله: (خطأ أو) ساقط من (ق 2). (¬3) قوله: (أو قطع هو بعض أعضاء غيره خطأ أو عمدًا) ساقط من (ق 7). (¬4) قوله: (ثم قتله رجل) يقابله في (ق 7): (ثم أتم عليه إنسان). (¬5) قوله: (ومن قطع عضوًا من إنسان عمدًا ثم قتله رجل خطأ أو عمدًا) ساقط من (ق 1). (¬6) في (ق 2): (قتل عمد). (¬7) انظر المدونة (طبعة دار صادر): 1/ 129. (¬8) في (ف): (يملكون). (¬9) في (ق 1): (الأولياء). (¬10) انظر المدونة: 4/ 577.

واختلف في ذلك الرضا (¬1)، فقال ابن القاسم: إذا بذلوا الدية لم يلزمهم قبولها، فإن أبوا سلم القاتل إليهم (¬2). وقال ابن الماجشون في المبسوط: لولي الثاني أن يدفع الدية إلى أولياء الأول ويقتص هو لنفسه. وقول ابن القاسم أحسن؛ لأن أولياء الأول استحقوا دمه، وأخذ العوض عن ذلك مبايعة موقوفة على ما تراضوا عليه، وإن قطعت يد القاتل خطأ أو عمدًا كان عقلها للقاتل إذا قطعت خطأ، ويقتص في العمد (¬3)، وإن قطع هو يد آخر خطأ (¬4) تحمل عاقلته ديتها، وإن قطعها (¬5) عمدًا لم يقتص منه. وقال مالك: والقتل يأتي على ذلك كله، والقياس أن يقتص صاحب اليد من يده، وتبقى النفس لأولياء المقتول (¬6). واختلف إذا قطع يد رجل عمدًا، ئم قتل القاطع خطأ أو عمدًا فصالح أولياؤه في العمد على مال فقيل: لا شيء لمن قطعت يده؛ لأن الدية إنما أخذت عن النفس. وقال محمد: إن أخذوا الدية في الخطأ أو العمد فللمقطوعة يده حقه من ذلك. والقول الأول أبين؛ لأن الدية عن النفس كما قال ولم تؤخذ عن اليد، قال ابن القاسم في كتاب محمد فيمن قطع يد رجل من المنكب فعدى رجل على القاطع فقطع كفه: أنه يقال لمن قطع من المنكب إن شئت اقتصصت من قاطع. ¬

_ (¬1) في (ق 2): (أيضا). (¬2) انظر المدونة: 4/ 655. (¬3) قوله: (ويقتص في العمد) يقابله في (ق 1): (والقصاص إذا قطعت عمدا). (¬4) قوله: (خطأ) ساقط من (ق 2). (¬5) في (ق 1): (قطعه). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 51.

قاطعك ولم تقتص منه إلا من المنكب فقط ولا شيء على قاطعك، وإن شئت فاقطع قاطعك من منكبه فقط لا يكون لك غيره وتخلي (¬1) بينه وبين من قطع كفه فيقتص (¬2) لنفسه (¬3). قال محمد: بل يكون المقطوع الأول من المنكب أحق بقطع كف القاطع الآخر، ثم يقطع ما بقي من حقه من منكب قاطعه. قال الشيخ -رحمه الله-: (¬4) وقول محمد في هذا أحسن؛ لأن الأول استحق جميع ذلك العضو. ¬

_ (¬1) زاد بعده في (ق 1): (قاطعه). (¬2) زاد بعده في (ق 7): (منه). (¬3) انظر البيان والتحصيل: 16/ 185. (¬4) قوله: (قال الشيخ -رحمه الله-) ساقط من (ق 1).

باب إذا قان المقتول قتلني فلان خطأ أو عمدا وخالفه الورثة أو قال قتلني ولم يزد وقال الورثة خطأ أو عمدا أو لا علم لنا أو اختلفوا فقال بعضهم خطأ وقال الآخرون عمدا

باب (¬1) إذا قان المقتول قتلني فلان (¬2) خطأ أو عمدا وخالفه الورثة أو قال قتلني ولم يزد وقال الورثة خطأ أو عمدا أو لا علم لنا أو اختلفوا فقال بعضهم خطأ وقال الآخرون عمدا (¬3) وإذا اختلف قول الورثة مع الميت بطل الدم، فإن قال الميت خطأ وقال الورثة عمدًا بطل الدم ولا دية ولا قصاص؛ لأن الميت (¬4) أبرأ القاتل من القصاص بقوله (¬5) خطأ، والورثة أبرأوا العاقلة بقولهم (¬6) عمدًا (¬7)؛ لأن ذلك إقرار منهم أن لا (¬8) حق لهم قبل العاقلة. وكذلك إذا قال الميت عمدًا وقال (¬9) الورثة خطأ يبطل الدم؛ لأن الميت أبرأ العاقلة والورثة أبرأوا القاتل. واختلف إذا قال الميت: قتلني فلان. ولم يقل عمدًا ولا خطأ فقال ابن القاسم: إذا قال الورثة قتل خطأ أو عمدًا قيل لهم: فأقسموا على ذلك ¬

_ (¬1) زاد بعده في (ق 7): (في) (¬2) قوله: (فلان) ساقط من (ق 7). (¬3) قوله: (باب: إذا قال المقتول. . . وقال الآخرون عمدا) يقابله في (ق 2): (فصل). (¬4) زاد بعده في (ق 7): (قد). (¬5) في (ق 2): (لقوله). (¬6) في (ق 2): (لقولهم). (¬7) في (ق 1): (هذا). (¬8) قوله: (أنه لا) في (ق 2): (لأنه لا) وفي (ق 7): (أنهم لا). (¬9) قوله: (قال) ساقط من (ق 1).

واستحقوا الدية على العاقلة في الخطأ والقود في العمد (¬1). وعند محمد في كتاب القسامة قيل لابن القاسم: إن اجتمع ملؤهم (¬2) على العمد فوقف عنه وقال: الذي هو أحب إلي ألا يقسموا إلا على الخطأ قيل له: ألا يقسمون على العمد؟ قال: الخطأ أبين (¬3). فوقف عن العمد وقال في (¬4) الإقرار: يكشف عن حال المقتول وعن جراحاته ومواضعها (¬5) وعن حالة القاتل، وعن الحالة التي كانت بينهما من العداوة وغيرها فيستدل بذلك حتى يظهر سبب ما عليه أولياء المقتول فيقسموا حينئذ ويقتلوا، فإن لم يظهر من ذلك عمد ولا خطأ لم (¬6) يقبل (¬7) قول الأولياء في الخطأ والعمد كقول (¬8) القتول (¬9) قال: لأن السنة إنما جاءت في قبول قول المقتول فوقف في الخطأ والعمد (¬10)، وهذا أحسن فليس من (¬11) بينهما عداوة كغيرهما، ولا من لا (¬12) يظن به العمد إلى القتل -لخيره وصيانته- كمن يعرف بالشر، وقد يستدل من صفة (¬13) الجراحات، فليست ¬

_ (¬1) انظر النوادر والزيادات: 14/ 150. (¬2) في (ق 1): (كلامهم) وفي (ق 2): (ملأهم كلهم). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 148. (¬4) زاد بعده في (ق 7): (كتاب). (¬5) في (ق 7) و (ق 2): (موضعه). (¬6) قوله: (لم) ساقط من (ف). (¬7) في (ق 7): (يكن). (¬8) في (ق 1): (لقول). (¬9) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 410. (¬10) قوله: (فوقف في الخطأ والعمد) ساقط من (ق 7). (¬11) قوله: (من) ساقط من (ق 2). (¬12) قوله: (من لا) ساقط من (ف) وفي (ق 7): (من لم). (¬13) قوله: (من صفة) في (ف): (بصفة).

الضربة الواحدة كالضربات؛ لأن تكرر الضرب لا يكون خطأ، وإن قالوا: لا علم لنا بطل الدم؛ لأن الورثة لا تدري هل حقها (¬1) عند القاتل؛ لأنه عمد، أو عند عاقلته؛ لأنه خطأ؟ وهم لا يستحقون ذلك إلا بعد العلم وبعد القسامة على ما يدعونه من أحد الصنفين. (¬2) واختلف إذا اختلفوا فقال بعضهم: خطأ، وبعضهم عمدًا، وقال الآخرون: لا علم لنا. فقال ابن القاسم: إذا قال بعضهم خطأ وبعضهم عمدا (¬3): يقسم جميعهم وتكون دية الخطأ بين جميعهم مدعي الخطأ ومدعي العمد، وإن نكل مدعو الخطأ بطل الدم ولم يكن لمدعي العمد أن يحلفوا وإن نكل مدعو العمد حلف مدعو الخطأ، وكان لهم نصيبهم من الدية وإن قال بعضهم عمدًا (¬4) وبعضهم لا علم لنا بطل الدم، وإن قال بعضهم خطأ وبعضهم لا علم لنا كان لمن قال خطأ أن يقسموا ويستحقوا أنصباءهم من الدية، فإن نكلوا لم يكن لهم شيء، ولا شيء لمن قال: لا علم لنا حلف مدعو الخطأ أو نكلوا (¬5). وقال أشهب في كتاب محمد: إذا قال بعضهم خطأ وبعضهم عمدا حلف جميعهم وكان لمن (¬6) أقسم على الخطأ: نصيبه من الدية (¬7). . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) قوله: (لا تدري هل حقها) في (ق 2): (قالوا لا ندري هل حقنا). (¬2) بداية سقط من (ق 7) (¬3) قوله: (وقال الآخرون لا علم لنا فقال ابن القاسم إذا قال بعضهم خطأ وبعضهم عمدا) في (ق 1): (فقال ابن القاسم). (¬4) زاد بعده في (ف): (وبعضهم خطأ) (¬5) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 149. (¬6) قوله: (إذا قال بعضهم خطأ وبعضهم عمدا حلف جميعهم وكان لمن) في (ق 2): (من). (¬7) قوله: (من الدية) ساقط من (ق 2).

على العاقلة (¬1)، ولمن أقسم على العمد نصيبه (¬2) في مال القاتل (¬3). وهو أحسن، ولا شيء لمدعي العمد على العاقلة، وينبغي أن يكون نصيبهم من الإبل من الأرباع (¬4) خمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون من كل صنف. وقال مالك في كتاب الإقرار: يقسم مدعو الخطأ خمسين يمينًا ويكون لهم نصيبهم من الدية قال (¬5): بمنزلة لو قال بعضهم خطأ ونكل بعضهم قيل له فإن رجع الذين قالوا عمدًا إلى دية الخطأ كان لهم ذلك وأباه أشهب (¬6). وقول أشهب (¬7) في ذلك أحسن، وأما قول مالك ألا شيء لمدعي العمد فإنه بنى الأمر (¬8) على القول إذا قالوا عمدًا ونكل بعضهم أن الأيمان ترد ولا يحلف الباقون، ويكون لهم نصيبهم من الدية؛ لأن مدعو (¬9) العمد يقولون: قول هؤلاء خطأ، نكول عن العمد وعفو عن العمد إلى الدية. وقال (¬10) أشهب (¬11) في العتبية: لو قال اثنان قتل عمدًا، ¬

_ (¬1) في (ق 1): (عاقلة القاتل). (¬2) في (ق 2): (نصيبهم). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 150. (¬4) في (ق 1): (الأرفع). (¬5) قوله: (قال) زيادة من (ق 1). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 149. (¬7) قوله: (وقول أشهب) ساقط من (ق 2). (¬8) قوله: (فإنه بنى الأمر) ساقط من (ف). (¬9) كذا في المخطوطات، ولعل الصواب: (مدعي) اسم إن. (¬10) في (ق 2): (وقول). (¬11) في (ق 7) و (ق 2): (ابن القاسم)، المثبت موافق لما في العتبية: (قال أشهب وكذلك لو قال اثنان منهم قتل عمدًا، وقال الآخرون لا علم لنا أو نكلوا حلف الذين ادعوى العمد =

وقال (¬1): لا علم لنا أو قال جميعهم عمدًا ونكل بعضهم. أن لمن قال عمدًا أن يحلفوا ويستحقوا أنصباءهم من الدية قال: وإنما نكولهم عن القسامة قبل أن يجب الدم كعفوهم عنه بعد (¬2) أن وجب فيصير لمن بقي نصيبهم من الدية ويسقط القتل، وهو أحسن ولا يسقط قول مدعي العمد بخلاف من قال: لا علم لنا، ومتى سقط استحقاق الدم لنكول أو اختلاف فإن الأيمان ترد، ويحلف المدعى عليه القتل قال: (¬3) وكل هذا إذا استوت منزلتهم وكانوا بنين أو إخوة أو أعماما (¬4). واختلف إذا (¬5) اختلفت منزلتهم فقال في كتاب محمد: إذا خلف القتيل ابنة وعصبة فقالت العصبة: عمدًا وقالت (¬6) الابنة: خطأ، أن دمه هدر ولا قسامة فيه ولا قود ولا دية؛ لأنه إن كان عمدًا، فإنما ذلك للعصبة، ولم يثبت لهم ذلك الميت وإن كان خطأ فإنما فيه الدية على عاقلته (¬7) ولم يثبت أنه خطأ ويقسم المدعى عليه أنه ما قتله عمدٌ ويحوز دمه (¬8). قال محمد: إن ادعى العصبة كلهم أنه عمدًا لم ينظر إلى قول ورثته (¬9) من ¬

_ = واستحقوا نصف الدية في ماله). (¬1) قوله: (اثنان قتل عمدًا، وقال) في (ق 1): (بعضهم عمدا و). (¬2) قوله: (بعد) ساقط من (ق 1). (¬3) قوله: (قال:) ساقط من (ق 1). (¬4) انظر: البيان والتحصيل: 16/ 45. (¬5) قو له: (واختلف إذا) في (ق 2): (وإذا). (¬6) قوله: (قالت) ساقط من (ق 1). (¬7) قوله: (على عاقلته) ساقط من (ق 2). (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 150. (¬9) نهاية السقط في (ق 7).

النساء لأنه لا عفو للنساء مع الرجال وإن قال العصبة كلهم خطأ وقال النساء عمدًا (¬1) أقسم العصبة خمسين يمينًا وكان لهم نصيبهم من الدية (¬2). وقال مالك: إذا قال قتلني فلان عمدًا أو خطأ لأوليائه أن يقسموا على قوله ويأخذوا الدية في الخطأ ويقتصوا في العمد (¬3). قال الشيخ - رضي الله عنه -: القسامة تصح بستة أوجه (¬4)، بقول الميت قتلني فلان وبالشاهد على معاينة القتل وبالشاهدين على معاينة الجرح (¬5) إذا تنفذ مقاتله وعاش بعد الضرب ثم مات، وباللطخ إذا وجد قربه رجل معه آلة القتل أو خرج من موضع فيه القتيل متلطخًا بالدم وبالسماع المستفيض. قال ابن القاسم: مثل ما لو أن رجلًا عدا على رجل في سوق علانية مثل سوق الأحد وما أشبهه من كثرة الناس والغاشية، فقطع كل من حضر عليه الشهادة فرأى من أرضى من أهل العلم أن (¬6) ذلك إذا كثر هكذا وتظاهر بمنزلة اللوث (¬7) تكون معه القسامة وليس أن يوجد القتيل في محلة قوم أو على باب إنسان؛ لأن القاتل يبعد من (¬8) قتله ويلقيه على باب غيره ليبعد الظن عن ¬

_ (¬1) قوله: (لأنه لا عفو للنساء. . . وقال النساء عمدًا) ساقط من (ف). (¬2) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 151. (¬3) انظر: المدونة: 4/ 640. (¬4) قوله: (أوجه) زيادة من (ق 7)، ويقابله في (ق 1): (شروط)، وفي (ق 2): (بسببين). (¬5) في (ق 2) و (ق 7): (القتل). (¬6) قوله: (أن) ساقط من (ف). (¬7) اللوث: وهو أَن يشهد شاهد واحد على إِقرار المقتول قبل أَنْ يموت أَن فلانًا قتلني أَو يشهد شاهدان على عداوة بينهما أَو تهديد منه له أَو نحو ذلك وهو من التَّلَوُّث التلطُّخ. انظر: لسان العرب: 2/ 185. (¬8) في (ق 1): (بمن).

نفسه وإذا ثبت الضرب ومات بالحضرة إذا كان الضرب من جماعة ولم يعلم من أيها (¬1) مات. فأما قوله قتلني فلان فتصح القسامة على قوله إذا ادعى أن القتل عمدًا وبه جراح وادعى ذلك على (¬2) من يشبه أن يفعل ذلك وليس بعدو له (¬3). واختلف إذا قال: قتلني فلان (¬4) خطأ، وإذا قال قتلني (¬5) عمدًا ولا جراح به أو كانت به جراح وادعى (¬6) ذلك على رجل صالح أو على عدوه، وإذا شهد شاهد واحد على قول الميت قتلني فلان (¬7)، وكان (¬8) قد أنفذت مقاتله، وإذا شهد شاهد (¬9) أنه أجافه ولم ينفذ مقاتله ثم مات عنه، فروى ابن وهب عن مالك (¬10) في كتاب محمد: لا يقسم على قوله في الخطأ (¬11)؛ لأنه يتهم أن يكون (¬12) يريد غنى ولده، والأول أحسن إذا كان جريحًا، ولا يتهم أحد أن يقتل نفسه إلا أن يقوم دليل على كذبه، فيدعي ذلك على من يعلم أنه في ¬

_ (¬1) في (ف): (أيهما). (¬2) في (ف): (عن). (¬3) قوله: (له) ساقط من (ت). (¬4) قوله: (فلان) ساقط من (ق 7) و (ف). (¬5) قوله: (قتلني) زيادة من (ق 1). (¬6) زاد في (م) و (ق 1) و (ق 2) و (ق 7): (أن القتل). (¬7) قوله: (فلان) ساقط من (ف). (¬8) قوله: (كان) ساقط من (ق 7). (¬9) قوله: (شاهد) ساقط من (ق 1). (¬10) قوله: (عن مالك) في (ق 1): (عنه). (¬11) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 148. (¬12) قوله: (يتهم أن يكون) ساقط من (ف).

حين (¬1) الجرح غائبًا أو يقول: رمى بحجر فأصابني، ويقول أهل المعرفة: إن ذلك الجرح بحديد أو يدعي على من يعلم أنه معتكف في داره ولا يتصرف (¬2) فيقول لقيني في موضع كذا فرمى فأصابني فلا يصدق، وإذا قال: قتلني عمدًا ولا جراح به فأحسن (¬3) ذلك ألا يقسم مع قوله إلا أن يعلم أنه كان بينهما قتال، ويلزم الفراش من (¬4) عقيب ذلك أو يتصرف تصرف مشتك عليه (¬5) دليل المرض، وتمادى ذلك حتى مات، وقال ابن القاسم: إذا ادعى ذلك على رجل صالح أورع أهل بلده يقسم (¬6) مع قوله ويقتل. وقال محمد بن عبد الحكم: لا يقبل قوله وهذا أصوب (¬7)؛ لأنه ادعى ما لا يشبه وأما دعواه على عدوه ففيه شبهة فيصح أن يقال: يقبل قوله؛ لأن عدو الإنسان يفعل به مثل ذلك ويصح أن يقال لا يقسم؛ لأنه (¬8) يتهم إذا نزل به مثل (¬9) ذلك أن يشتفي هو من عدوه، وقد يتهم أن يكون واطأ (¬10) عليه، فيقول: قتلني وبقية ما ذكر أنه يقسم فيه يأتي في موضعه إن شاء الله. وقال عبد الملك في كتاب محمد: إذا شهد شاهد واحد على قول المقتول ¬

_ (¬1) في (ف): (حال). (¬2) قوله: (ولا يتصرف) زيادة من (ق 7) و (ق 1). (¬3) في (ق 2): (فالأحسن في). (¬4) قوله: (من) زيادة من (ق 7). (¬5) قوله: (مشتكي عليه) في (ق 2): (مشتكي وعليه). (¬6) في (ق 7): (يقسمون). (¬7) في (ق 2) و (ف): (صواب). (¬8) زاد بعده في (ق 2): (لا). (¬9) قوله: (مثل) ساقط من (ف) و (ق 2). (¬10) في (ق 7): (دية الحر).

قتلني فلان أنه يقسم مع شهادته، قال محمد: وقال غيره لا يجوز على قول المقتول إلا شاهدان وقال عبد الله بن عبد الحكم هذا أحب إلينا ألا يثبت ذلك إلا بشاهدين أو بشاهد على معاينة القتل (¬1). قال الشيخ - رضي الله عنه -: ويختلف على هذا (¬2) إذا شهد شاهد على معاينة القتل، ولم تنفذ مقاتله، فقال ابن القاسم: (¬3) إذا شهد شاهد أنه أجافه فعاش وتكلم وأكل وشرب ثم مات أرى فيه القسامة (¬4)، وهذا مثل قول عبد الملك، وعلى القول الآخر لا يقسم معه والموضع الذي ثبتت فيه القسامة بشاهد على المعاينة إذا أنفذت مقاتله فيقسم: ما شهد شاهدي إلا بالحق في كل الخمسين يمينًا أو شاهدين على معاينته، ولم تنفذ مقاتله فيقسم لمات من ذلك وإذا كان الشاهد على قول الميت أو على أنه أجافه ولم تنفذ مقاتله فمن (¬5) صار إلى أنه يحلف فيحلف (¬6) أنه شهد بالحق وأنه قتله؛ لأنه لو شهد شاهدان على قول الميت لم يستحق بذلك القتل إلا بعد القسامة أنه قتله فهو يحلف (¬7) أنه شهد بحق لا يحلف (¬8) أنه قتله. وكذلك شاهده (¬9) على معاينة الضرب يحلف مع شاهده (¬10) لضربه ¬

_ (¬1) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 141. (¬2) قوله: (على هذا) ساقط من (ف) وفي (ق 2): (في هذا). (¬3) قوله: (إذا شهد شاهد. . . ابن القاسم:) ساقط من (ق 1). (¬4) انظر: المدونة: 4/ 661. (¬5) قوله: (فمن) زيادة من (ق 1). (¬6) قوله: (فيحلف) ساقط من (ف). (¬7) قوله: (أنه قتله فهو يحلف) ساقط من (ف). (¬8) في (ق 2): (ليحلف)، وفي (ق 7): (ويحلف). (¬9) في (ق 2): (شهد به). (¬10) في (ق 7): (شهادته).

ليتوصل بها (¬1) إلى اليمين أنه مات من ذلك الضرب، ولا يختلف (¬2) على من أجاز ذلك أنه يجمع ذلك في قسامة واحدة في (¬3) خمسين يمينًا وليس بأن يحلف مع الشاهد خمسين يمينًا (¬4) ثم يستأنف خمسين يمينًا (¬5) أخرى التي كانت تجب لو شهد على القتل (¬6) أو الضرب شاهدان. ¬

_ (¬1) في (ق 1): (فيه). (¬2) في (ق 1): (يحلف). (¬3) قوله: (في) ساقط من (ق 1) و (ق 7). (¬4) قوله: (وليس بأن يحلف مع الشاهد خمسين يمينًا) ساقط من (ق 1). (¬5) قوله: (يمينًا) زيادة من (ق 2). (¬6) في (ف) و (م) و (ق 2): (القول).

باب في الجماعة تقتل بالواحد

باب في الجماعة تقتل بالواحد (¬1) قال ابن القاسم في ثلاثة نفر حملوا صخرة فضربوا بها رأس رجل ضربة واحدة، فعاش بعد ذلك أيامًا أكل وشرب وتكلم ثم مات (¬2): إنهم لا يقسمون (¬3) في العمد (¬4)، إلا على واحد، وإن كان خطأ أقسموا على جميعهم ولم يقسموا على واحد، وكذلك الجواب عنده إذا كانت جراحات وعاش وأكل وشرب ثم مات، فإنه لا يقسم في العمد إلا على واحد، وفي الخطأ على جميعهم، قال: لأنه لا يدرى أمن ضربة هذا مات أم من ضربة هذا؟ فلا يقسمون على واحد؛ لأنه (¬5) إن كان (¬6) مات من ضرب (¬7) جميعهم، فالدية على جميع قبائلهم (¬8). وأنكر ذلك سحنون، ورأى أنه إذا كان الضرب واحدًا كالذين حملوا صخرة، فالقسامة على جميعهم، والعمد والخطأ في ذلك واحد، وإن كان الضرب مفترقًا ضربه كل واحد، ضربة هذا في (¬9) الرأس، والآخر (¬10) ¬

_ (¬1) قوله: (تقتل بالواحد) في (ق 2) و (ق 7): (تقتل الواحد). (¬2) قوله: (ثم مات) زيادة من (ق 7). (¬3) قوله: (إنهم لا يقسمون) في (ق 1): (إنه لا يقسم). (¬4) قوله: (في العمد) زيادة من (ق 7). (¬5) قوله: (واحد لأنه) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (كان) ساقط من (ق 1). (¬7) في (ف): (ضربة). (¬8) انظر: المدونة: 4/ 661. (¬9) قوله: (في) زيادة من (ق 2) و (ق 1). (¬10) في (ق 1): (وهذا).

في (¬1) الجوف، وما أشبه ذلك- فإنه لا يقسم إلا على واحد منهم، قال: لأنه لا يمكن أن يقتله أكثر من واحد، ولا يدرى أمات من ضربة هذا، أم من ضربة هذا؟ قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما إذا كان الضرب واحدًا حملوا صخرة فدمغوه (¬2) بها، أو سقطت من أيديهم فكان خطأ (¬3) - فإنهم لا (¬4) يقسمون إلا أنه مات من تلك (¬5) الضربة، ويقتص في العمد من جميعهم وفي الخطأ من عواقلهم كلها (¬6)، وأما إذا افترق الضرب وعلمت ضربة كل واحد منهم، ولم يكونوا قصدوا التعاون لضربه- فإن لهم أن يقسموا على إحدى تلك الضربات لمات منها، ويقتلوا في العمد ويأخذوا (¬7) الدية من عاقلتهم في الخطأ، إلا أن يتعمدوا القسامة (¬8) لما يعلم أنها أيسر (¬9)، ويتركوا القسامة على التي هي أخوف، فيكون من حق (¬10) صاحب تلك الضربة ألا يمكنهم (¬11) من ذلك، وإن كان الضرب عمدًا وقصدوا إلى التعاون على قتله، كان لهم أن يقسموا لمات (¬12) من كل ¬

_ (¬1) قوله: (في) زيادة من (ق 2). (¬2) في (ف) و (م) و (ق 2) و (ق 7): (فتعمدوه). (¬3) قوله: (فكان خطأ) ساقط من (ق 1). (¬4) قوله: (لا) ساقط من (ق 7). (¬5) قوله: (تلك) ساقط من (ق 7). (¬6) في (ق 1) و (ق 7): (كلهم). (¬7) في (ق 1): (ويأخذ). (¬8) في (ف) و (م) و (ق 1) و (ق 7): (يتعمدوا القسامة). (¬9) في (ق 1) و (ق 7): (آمن). (¬10) قوله: (من حق) ساقط من (ف). (¬11) (ق 2): (يمكنه). (¬12) قوله: (لمات) ساقط من (ق 7).

الضرب ويقتلون جميعهم، وليس عليهم أن يعينوا الضربة التي مات منها؛ لأن لهم أن يقتلوا من لم يمت من ضربته (¬1)، لقصدهم التمالؤ على قتله، ولو كان منهم الممسك لقتل به، وإن لم يقصدوا (¬2) التعاون وكانت إحدى الضربات التي مات منها (¬3) نافذة، ولا يدرى (¬4) أيهم ضربها (¬5)، أو قالوا: لا ندري أيها قتلته، أو لا ندري ضربة (¬6) هذا من ضربة هذا- كان لهم أن يقسموا لمات من ذلك الضربة (¬7)، وتفرق الدية عليهم في أموالهم ويسقط القصاص، ومثله لو مات بفور القتل ولم يعش بعد ذلك وقالوا: لا ندري أي (¬8) الضربات قتلته أو أنفذت إحداهما مقاتله ولا يدرون أيهم ضربهاة فإنه يسقط القصاص، وتكون فيه الدية في أموالهم، ومثله إذا كانت ضربة أحدهما خطأ والآخر عمدًا ومات بالحضرة، فإنه ينبغي ألا يقتل ضارب العمد، فإنه لا يعلم هل قتلته ضربة العمد (¬9) أو ضربة الخطأ، فلا يقتل بشك، ويكون عليه نصف الدية. ويختلف في ضارب الخطأ هل تغرم عاقلته نصف الدية أم لا؛ لأنه حمل بالشك لإمكان أن تكون ضربة العمد القاتلة، ولا تسقط نصف الدية عن المتعمد؛ لأن الظالم أحق أن يحمل عليه. ¬

_ (¬1) قوله: (ضربته) في (ق 7) و (ف): (ضربه). (¬2) في (ف) و (م) و (ق 2): (يقصد). (¬3) قوله: (التي مات منها) زيادة من (ف). (¬4) قوله: (يدرى) في (ق 1): (يدروا). (¬5) قوله: (ضربها) في (ق 2): (ضربه بها)، وفي (ق 1): (ضربه). (¬6) قوله: (ضربة) ساقط من (ق 1). (¬7) في (ف) و (م) و (ق 2): (تلك الضربة). (¬8) قوله: (أي) في (ق 7): (أثر). (¬9) قوله: (قتلته ضربة العمد) في (ق 7): (ضربته).

ويختلف أيضًا إذا كانت الضربتان خطأ، وقال الأولياء لا ندري أيهما قتلته، هل تفض الدية على عواقل الضاربيَن أو تسقط؟ لأنه حمل بالشك. وقال محمد في كتاب الإقرار الأول: لو أقر رجل فقال: رميت بسهمي، ورمى فلان بسهمه، فأصاب أحد السهمين رجلًا فقتله، ولا أدري أي السهمين قتل، قال: هو بمنزلة أن لو رمى جماعة صيدًا، فأصاب سهم منها رجلًا فقتله، قال: فمذهب (¬1) أشهب أنه ليس في ذلك كله شيء؛ لأني وجدت في رجل قتل رجلًا ثم هرب حتى ألقى بنفسه في بئر فوجد فيها رجلين كل واحد منهما (¬2) يقول لصاحبه أنت الذي طرحت نفسك علي، فاختلف فيها ابن القاسم (¬3) وأشهب فأحدهما يقول: هو هدر، ولا يلحق واحدًا منهما شيء وهو في ظني أشهب (¬4). وقال ابن القاسم في (¬5) ظني أن الدية عليهما جميعًا ولا أظن إلا أن (¬6) ذلك في العمد أن تكون الدية عليهما في أموالهما قال وأما الخطأ فهو هدر؛ لأن العاقلة لا تحمل إلا ما حق عليها. قلت: فإن لم يكن ذلك بإقرار ولكن بالبينة على رميهم وإن سهمًا منها أصاب هذا المقتول فقال: وما تغني البينة إذا لم يعرف السهم، وكأنه فرق بين العمد والخطأ في الحمل بالشك؛ لأن الظالم أحق أن يحمل عليه، والقياس أن يكون هدرًا (¬7) كالخطا؛ لأن الظلم من أحدهما بخلاف أن يكونا تعمدا؛ لأن ¬

_ (¬1) قوله: (فمذهب) في (ق 1): (ذهب). (¬2) قوله: (منهما). زيادة من (ق 7). (¬3) قوله: (فيها ابن القاسم) في (ق 1): (قول ابن القاسم فيه). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 9/ 411. (¬5) قوله: (في) ساقط من (ف). (¬6) قوله: (إلا أن) في (م): (أن). (¬7) قوله: (هدرًا) في (ق 7): (هذا كله هدرا) وفي (ق 1): (هذا).

كليهما ظالم (¬1). وقال أشهب في كتاب محمد، في الضاربين أحدهما عمدًا والآخر خطأ: يقسمون على أيهما شاءوا، فإن أقسموا على العمد قتلوه، وكانت لهم على المخطئ دية الجناية. قال محمد: وذلك إذا عرف الخطأ (¬2) من العمد، وقال أشهب: وإن أقسموا على الخطأ كانت لهم الدية كاملة على العاقلة ويقتصون من جرح العمد (¬3). إن كان مما فيه القصاص، وإن كان مما لا يقتص منه (¬4)، كانت فيه دية جناية (¬5). وقال ابن القاسم: إن مات مكانه قتل المتعمد، وكان على المخطئ نصف الدية، قال محمد: وذلك إذا لم يكن جرح الخطأ معروفًا بعينه. قال ابن القاسم: فإن عاش بعد ضربهما ثم مات كانت فيه القسامة، فإذا كانت القسامة لم تكن إلا على واحد ويبرأ الآخر، فإن شاءوا أقسموا على صاحب العمد وقتلوه، ولا شيء لهم على الآخر، وإن أقسموا على صاحب الخطأ كانت لهم الدية كاملة على عاقلته، وبرئ صاحب العمد. قال محمد: إلا أنه يضرب مائة (¬6)، ويسجن عامًا (¬7). ¬

_ (¬1) قوله: (لأن كليهما ظالم) ساقط من (ق 2) و (ق 1). (¬2) قوله: (عرف الخطأ) في (ق 1): (عرف) وفي (ق 2): (اعترفت الخطأ). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 174. (¬4) قوله: (منه) في (ق 1): (من ذلك الجرح) وفي (ق 2): (الدية جناية). (¬5) قوله: (دية جناية) ساقط من (ق 1) وفي (ديته). (¬6) قوله: (مائة) ساقط من (ق 1). (¬7) انظر: النوادر والزيادات: 14/ 68.

قال الشيخ - رضي الله عنه -: وقول ابن القاسم (¬1) أحسن؛ لأنه لا يقتص من صاحب العمد، وإن كان الموت بالحضرة إلا بعد المعرفة بضربته، ويقسمون (¬2) أنه (¬3) لمات منها، لإمكان أن يكون مات من ضربة الخطأ، وإن لم يعرف (¬4) العمد، أو عرف (¬5) ولم يقسموا أنه مات منها، لم يقتص بالشك. قال ابن القاسم، فيمن كان يقود دابة وعليها متاع فسقط ذلك المتاع على إنسان فقتله: إن ضمان ذلك على العاقلة وقاله (¬6) مالك، في حمال حَمَل عدلين على بعير وسار به، فانقطع الحبل، فسقط عدل منها (¬7) على جارية فقتلها، والحمل لغيره، وهو أجير جمال (¬8): إن ضمان ذلك عليه، ولا شيء على صاحب البعير (¬9). قال أشهب: وذلك إذا كان الذي يقوده هو الذي حمل المتاع عليه، ضمن (¬10)، وإن كان غيره الذي حمله فذلك عليه على الذي حمله (¬11)، إلا أن يكون من قوده ما يطرح المتاع لخرقه (¬12)، فيكون ذلك عليه (¬13). ¬

_ (¬1) قوله: (ابن القاسم) في (ق 1) (ق 7): (أشهب). (¬2) في (ف) و (م) و (ق 1) و (ق 2): (ويقسموا). (¬3) قوله: (أنه) ساقط من (ق 1). (¬4) قوله: (يعرف) في (ق 7): (تعرف ضربة). (¬5) قوله: (عرف) في (ق 7): (عرفت). (¬6) قوله: (وقاله) في (ق 1): (وقال). (¬7) قوله: (منها) ساقط من (ق 2). (¬8) قوله: (جمال) ساقط من (ف) و (ق 2). (¬9) انظر: المدونة: 4/ 666. (¬10) قوله: (ضمن) زيادة من (ق 7). (¬11) قوله: (فذلك عليه على الذي حمله) ساقط من (ف). (¬12) قوله: (لخرقه) في (ف): (يخوفه). (¬13) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 524.

فصل [في الفارسين يصطدمان فيموتان ويموت فرساهما]

قال ابن القاسم، فيمن سقط عن دابته على إنسان فمات: كانت ديته على عاقلته (¬1). قال محمد: وإن دفعه (¬2) إنسان فوقع على آخر (¬3) فمات، كان عقله على الدافع دون المدفوع، ولو رماه إنسان بشيء فحاد عنه فوقع على (¬4) إنسان فمات، كانت دية الميت على الذي سقط عليه، وترجع عاقلته على الذي دفعه (¬5)، كان ماتا جميعًا كانت دية الأسفل على عاقلته، وترجع عاقلته على الأول (¬6). فصل (¬7) [في الفارسين يصطدمان فيموتان ويموت فرساهما] قال مالك في فارسين اصطدما فماتا ومات فرساهما: دية كل واحد على عاقلة صاحبه، وقيمة فرس كل واحد في مال (¬8) الآخر (¬9). قال أشهب في المجموعة في حافري البئر تنهار عليهما، فمات أحدهما، فعاقلة الباقي تضمن نصف ديته، والنصف الباقي هدر (¬10)؛ لأن المقتول ¬

_ (¬1) انظر: المدونة: 4/ 666. (¬2) قوله: (وإن دفعه) ساقط من (ق 1). (¬3) قوله: (آخر) في (ق 2) و (ف): (أحد). (¬4) قوله: (على) في (ق 7): (في). (¬5) قوله: (الذي دفعه) في (ف) و (ق 2): (دافعه). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 532. (¬7) قوله: (فصل) زيادة من (ف) و (ق 7). (¬8) قوله: (في مال) في (ق 1): (على). (¬9) انظر: المدونة: 4/ 666. (¬10) قوله: (هدر) في (ق 7): (فوت).

شريك في قتل نفسه ولا تعقل (¬1) العاقلة قاتل (¬2) نفسه كان ماتا فعلى عاقلة كل واحد منهما (¬3) نصف دية الآخر لشركة كل واحد في قتل نفسه (¬4). وحكى ابن القصار عن أشهب، في الفارسين يصطدمان (¬5)، مثل ذلك أن (¬6) النصف يسقط، وهو (¬7) أقيس؛ لأن كل واحد شارك في قتل نفسه (¬8). ويختلف على هذا في السفينتين يصطدمان هل يضمن كل واحد سفينة صاحبه وما فيها من الأنفس والمال (¬9) أو يسقط نصف ذلك والدية في ذلك على العواقل إلا أن يتعمدا ذلك وهما يعلمان (¬10) أن ذلك مهلك لهما فتكون الدية في أموالهما (¬11). قال ابن القاسم في كتاب محمد (¬12): إن كانوا إن حبسوها هلكوا، أو ¬

_ (¬1) قوله: (تعقل) في (ق 1): (تحمل). (¬2) قوله: (قاتل) في (ق 1): (قتل). (¬3) قوله: (منهما) زيادة من (ق 7). (¬4) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 529. (¬5) قوله: (يصطدمان) ساقط من (ف) و (ق 2). (¬6) قوله: (أن) في (ق 2): (لأن). (¬7) زاد بعده في (ق 7): (أبين) (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 528. (¬9) قوله: (وما فيها من الأنفس والمال) ساقط من (ق 2) و (ف). (¬10) قوله: (وهما يعلمان) في (ق 2): (ويعلما). (¬11) قوله: (أموالهما) في (ق 1): (أموالهم). (¬12) زاد بعده في (ق 1): (في السفينتين تصدم إحداهما الأخرى فتغرقها بما فيها، فإنه لا شيء في ذلك على أحد؛ لأن الريح يغلبهم، فإذا غلبهم الريح فلا شيء عليهم، إلا أن يعلم أنهم لو أرادوا صرفها استطاعوا ذلك فلم يصرفوها، فإنهم ضامنون فأما ما لا يستطيعون صرفها فلا شيء عليهم، قيل لابن القاسم: أرأيت إن كانوا يقدرون على حبسها، إلا أن في حبسها =

فصل [في من ركب دابة فعطبت بها عين إنسان أو سن أو ما أشبه ذلكـ]

عرفوا فلم يحبسوها- ضمنوا ديات الآخرين، وأموالهم في أموالهم، والديات على العاقلة، قال: وليس لهم أن يطلبوا نجاتهم فهلك غيرهم (¬1). فصل [في من ركب دابة فعطبت بها عين إنسان أو سن أو ما أشبه ذلكـ] وإذا ركب دابة ضمن ما وطئت بيدها أو رجلها، وإن وطئت على حصاة فطارت (¬2)، فأصابت رجلًا ففقأت عينه، أو كسرت سِنَّه- لم يضمن، وإن لاقى حافرها حصاة فدفعها فأصابت رجلًا- ضمن، قاله محمد (¬3). وفيه نظر. وإن أصابت بفيها، فإن رآها ولم يصرفها، أو كان ذلك شأنها ولم يحفظ فمها (¬4) بما يمنعها، أو كان هو السبب فيه بفعل (¬5) فعله بها (¬6) - ضمن. وإن لم ¬

_ = هلاك أنفسهم وغرقهم، قال: هم ضامنون لدياتهم، يكون ذلك على عواقلهم قال: وما كان من تلك الأموال، فهي أموالهم والديات على العاقلة، وليس لهم أن يطلبوا نجاتهم بغرق غيرهم، ولكن لو غلبتهم وغفلوا لم يكن عليهم شيء، وقال فيها أشهب: إذا علم أن ذلك من أمر الغلبة لم تغلبهم من خرقة كانت منهم، فلا شيء وإن لم يعلم ذلك، فذلك عليهم، ويحمل ذلك عواقلهم. تم كتاب الديات بحمد الله وعونه) انظر: اللوحة رقم (103) بترقيم مفهرسها، ويلاحظ أن ترقيمها على الطريقة المشرقية والمخطوط مكتوب بالخط المغربي. وهذا الذي أورده انظر مصدره في: المدونة: 4/ 666، والنوادر والزيادات: 13/ 527، 528. (¬1) قوله: (فلم يحبسوها. . . فهلك غيرهم) ساقط من (ق 2). وانظر: النوادر والزيادات: 13/ 527. (¬2) قوله: (فطارت) زيادة من (ق 7). (¬3) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 524. (¬4) في (ق 7): (فاها). (¬5) في (ف) و (م) و (ق 1) و (ق 2): (ليفعل). (¬6) قوله: (بها) ساقط من (ق 7).

يرها حين أصابت بفيها، ولا كان ذلك شأنها، ولا فعل بها ما أوجب ذلك- لم يضمن شيئًا (¬1). وإن لم يعلم هل كان هناك ما يوجب ضمانه، كان القول قوله، ومحمل الأمر على أن ذلك جناية عنها (¬2) لا سبب له فيها حتى يعلم غيره، وإن أصابت بيدها لم يضمن، إلا أن يعلم أنه (¬3) السبب لذلك. وإن رمحت برجلها لم يضمن، إلا أن يعلم أن له سببًا في ذلك (¬4)، وإن جمحت به ضمن؛ لأن ذلك من سبب تحريكه إياها، إلا أن يعلم أنه من غيره (¬5)، فيكون ذلك على من فعل ذلك بها (¬6)، أو يكون نفرت من شيء- فلا يكون على الراكب، إذا لم يستطع إمساكها. وإن ركب دابةً رجلان، كان ما أصابت، يكون تارة على المقدم، وتارة على المؤخر، وتارة عليهما، فإن كان تسييرها بيد المقدم ولا يشركه المؤخر بيد ولا برجل ولا بغير ذلك، فوطئت شيئًا فأفسدته- كان غرمه على المقدم خاصة، وإن شاركه المؤخر في تسييرها برجل، أو بقضيب- كانا شريكين فيما وطئته، وإن كان تسييرها بيد المؤخر واللجام بيد المقدم- كانا شريكين أيضًا. وقال ابن القاسم في المدونة: إذا كان الصبي المقدم والرجل خلفه فوطئت الدابة أحدًا أنه (¬7) على الصبي إذا كان قد ضبط (¬8) الركوب إلا أن يكون ¬

_ (¬1) قوله: (شيئا) زيادة من (ق 2). (¬2) قوله: (عنها) في (ق 2): (منها). (¬3) قوله: (يعلم أنه) في (ق 7): (يكون من) وفي (ق 2) (يكون هو). (¬4) قوله: (وإن رمحت برجلها لم يضمن إلا أن يعلم أن له سببا في ذلك) ساقط من (ف). (¬5) في (ق 2): (غيرها). (¬6) قوله: (بها) ساقط من (ق 2). (¬7) قوله: (أحدًا أنه) يقابله في (ق 7): (شيئا أنه) وفي (ق 2): (فجنايتها وضمان ذلك). (¬8) في (ق 7): (استهم).

الرديف قد صنع بالدابة شيئًا (¬1) مما وصفته لك فيكون عليهما (¬2)؛ لأن اللجام بيد المقدم. ولو كان المقدم لا يضبط الركوب (¬3) أو كان نائمًا أو مريضًا لكان على المؤخر ذلك (¬4) ولو كانت ضربتها من فعل الرديف فأصابت إنسانًا فلا شيء على المقدم؛ لأن المقدم لا يضمن البعجة (¬5) للرجل إلا أن يكون ذلك من فعله، ولو صنع الرديف بها شيئًا فوثب (¬6) من غير أن يعلم المقدم فوطئت إنسانًا كان الضمان على الرديف، إذا لم يستطع المقدم حبسها قال: وإن كان قائد وراكب وسائق فوطئت على شيء كان على القائد والسائق دون الراكب (¬7). وقال مالك في كتاب محمد: بل ذلك على ثلاثتهما أثلاثًا (¬8)، يريد: إذا كان الراكب يسيرها معهم فإن لم يكن يحركها بيد ولا رجل لم يكن عليه شيء إلا أن يكون فعلها ذلك من سبب الراكب وحده فيكون ضامنًا فجعل القائد والسائق شريكين فيما وطئت عليه. وأرى ذلك على القائد وحده؛ لأن الشأن في السائق أنه إنما يسوقها ¬

_ (¬1) قوله: (شيئًا) زيادة من (ق 2). (¬2) انظر: المدونة: 4/ 665. (¬3) قوله: (لا يضبط الركوب) في (ق 7): (لا يحسن الركوب ولا يضبط). (¬4) في (ق 7): (ما جنته). (¬5) جاء في الزاهر: بعج بطنه بسكين أي شقه بها، والبعيج المشقوق وقد تبعج وتبزل إذا تشقق. انظر: الزاهر، ص 387. (¬6) في (ق 2): (فعتبت). (¬7) انظر: المدونة: 4/ 667. (¬8) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 521.

بالضرب الساعة (¬1) بعد الساعة عندما تفتر (¬2)، وينفرد الأمر إلى القائد إلا أن يكون ما وطئت عند مساقها أو تكون الدابة بطيئة لا تمشي إلا بالسوق فيكون عليهما إذا أسرعت عند ذلك فوطئت على شيء. وقال (¬3) أشهب في كتاب محمد: إن كدمت أو رمحت (¬4) فأحراهم بالضمان السائق إذا كان سوقه يزعرها؛ لأنه (¬5) خلفها تخافه ساعة يخوفها، فهي تداري ذلك وتخافه فما أصابت في حين سوقها فهو ضامن، إن ساقها بزجر أو ضرب أو نَخْص (¬6)، وهذا أصوب إذا بعجت أو كدمت (¬7) كما قال حينئذ وليس كذلك إذا وطئت شيئًا ولو كان رجل يسوق قطارا فوطئ بعير من أول القطار أو وسطه أو آخره على شيء كان على القائد، وإن كان قائدًا أو سائقًا كنا شريكين فيما وطئ الآخر وحده، ولا يضمن السائق ما أصاب الذي يلي الآخر؛ لأن السوق ينفع في الآخر (¬8) وما قبله فإنما يسير بسير الأول قال: ولو (¬9) أوقف دابة في طريق (¬10) المسلمين حيث لا يجوز له ضمن ما أصابت (¬11). ¬

_ (¬1) زاد بعده في (ق 7): (كالقائد). (¬2) في (ق 7): (تنفر). (¬3) في (ق 2): (وقاله). (¬4) في (ق 7) و (ف): (بعجت). (¬5) في (ق 2): (إذا). (¬6) انظر: النوادر والزيادات: 13/ 521. (¬7) زاد بعده في (ف): (أو اندعرت). (¬8) في (ف): (الأول). (¬9) في (ق 7): (ومن). (¬10) في (ف): (بسوق). (¬11) انظر: المدونة: 4/ 665.

وقال أشهب في كتاب محمد فيمن نزل عن دابته فوقفت في الطريق فلا يضمن ما أصابت بوطء إلا أن يجعل ذلك لها مربطًا في الطريق فيضمن بوطء ما أصابت برجل (¬1) أو بعج أو كدم أو ذنب (¬2). تم كتاب التبصرة لأبي الحسن اللخمي بحمد الله وحسن عونه وهو آخر الديوان وكان الفراغ منه يوم الأحد الثالث والعشرين من محرم فاتح شهور سنة 1242 اثنين وأربعين ومائتين وألف على يد أفقر الورى، وأحوجهم إلى الملك المنان علي بن الحاج بلقاسم بن محنان عفا الله عنه. كتبه للعالم الفاضل العامل الكامل قاضي القضاة، ومعدن الصلاح والبركات أبي العباس السيد أحمد ابن سعيد العباسي نفع الله به ومتعه بهذا الديوان بمنه وكرمه آمين آمين آمين. وصلى الله محمد على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا دائمًا إلى يوم الدين (¬3). ¬

_ (¬1) قوله: (برجل) ساقط من (ق 7). (¬2) قوله: (أو ذنب) ساقط من (ق 7). وانظر: النوادر والزيادات: 13/ 517. (¬3) قوله: (تم كتاب التبصرة. . . إلى يوم الدين) يقابله في (ق 7): (تم كتاب الديات والحمد لله تعالى)، وفي (ق 2): (تم كتاب الديات والحمد لله على نعمه).

مراجع التحقيق ومصادر التوثيق

مراجع التحقيق ومصادر التوثيق * اصطلاح المذهب عند المالكية، لمحمد إبراهيم علي (ط. 1، دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث، دبي: 2000 م). * الإجماع، محمد بن إبراهيم بن المنذر، بتحقيق فؤاد عبد المنعم أحمد (ط. 1، دار المسلم، الرياض: 2004 م). * الأحكام، لأبي مروان عبد الملك بن حبيب، بتحقيق د. أحمد بن عبد الكريم نجيب (ط. 1، مركز نجيبويه للمخطوطات وخدمة التراث، دبلن: 2011 م). * الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار، لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري القرطبي، بتحقيق سالم محمد عطا، ومحمد علي معوض (دار الكتب العلمية، بيروت: 2000 م). * الإشراف على نكت مسائل الخلاف، للقاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي المالكي، بتحقيق الحبيب بن طاهر (ط. 1، دار ابن حزم، بيروت 1999 م). * الأعلام، لخير الدين الزِّرِكليّ (ط. 7، دار العلم للملايين، بيروت: 1986 م). * الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب، لعلي بن هبة الله بن علي بن جعفر، المعروف بابن ماكولا (دار الكتاب الإسلامي، القاهرة). * الأم، لأبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي (دار المعرفة، بيروت: 1393 هـ). * الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء، لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد ابن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (دار الكتب العلمية، بيروت).

* الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء، لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (دار الكتب العلمية، بيروت). * الأنساب، لأبي سعيد عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي السمعاني، بتحقيق عبد الله عمر البارودي (ط. 1، دار الفكر، بيروت: 1998 م). * الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف، لأبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، بتحقيق أبي حماد صغير أحمد بن محمد حنيف (ط. 1، دار طيبة، الرياض: 1985 م). * البحر الزخار = مسند البزار * البداية والنهاية، لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، بتحقيق علي شيري (ط. 1، دار إحياء التراث العربي، بيروت: 1988 م). * البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، لأبي عبد الله محمد بن محمد بن عذاري المراكشي، بتحقيق ج. س. كولان، وأ. ليفي بروفنسال (ط. 3، دار الثقافة، بيروت: 1983 م). * البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة، لمحمد بن أحمد بن رشد القرطبي الجد، بتحقيق محمد حجي وآخرين (ط. 2، دار الغرب الإسلامي، بيروت: 1988 م). * التاريخ الكبير، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري الجعفي، بتحقيق السيد هاشم الندوي (ط. 1، دار الفكر، بيروت). * التاريخ الكبير، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري الجعفي، بتحقيق السيد هاشم الندوي (ط. 1، دار الفكر، بيروت).

* التعديل والتجريح لمن خرج له البخاري في الجامع الصحيح، لأبي الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث التجيبي القرطبي الباجي الأندلسي، بتحقيق د. أبو لبابة حسين (ط. 1، دار اللواء للنشر والتوزيع، الرياض: 1986 م). * التعريف بالأعلام والمبهمات، لابن عبد السلام، (مطبوع بهامش الجامع بين الأمهات)، بتحقيق د. أحمد بن عبد الكريم نجيب (ط. 1، مركز نجيبويه للمخطوطات وخدمة التراث، دبلن 2010 م). * التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس، لأبي القاسم عبيد الله بن الحسين بن الحسن بن الجلاب البصري، بتحقيق سيد كسروري حسن (ط. 1، دار الكتب العلمية، بيروت: 2007 م). * التلقين في الفقة المالكي، لأبي محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر الثعلبي البغدادي المالكي، بتحقيق أبي أويس محمد بو خبزة الحسني التطواني (ط. 1، دار الكتب العلمية، بيروت: 2004 م). * التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي، بتحقيق مصطفى بن أحمد العلوي، ومحمد عبد الكبير البكري (وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب، الرباط: 1387 هـ). * التوضيح في شرح الجامع بين الأمهات، لخليل بن إسحاق الجندي، بعناية وتصحيح د. أحمد بن عبد الكريم نجيب (ط. 1، مركز نجيبويه للمخطوطات وخدمة التراث، دبلن: 2009 م). * الثقات، لأبي حاتم محمد بن حبان بن أحمد البستي (مؤسسة الكتب

الثقافية، بيروت: 1973 م) عن طبعة دائرة المعارف العثمانية، الهند. * الثقات، لأبي حاتم محمد بن حبان بن أحمد التميمي البستي، بتحقيق السيد شرف الدين أحمد (ط. 1، دار الفكر: 1975 م). * الثمر الداني في تقريب معاني رسالة ابن أبي زيد القيرواني، لصالح عبد السميع الآبي الأزهري (دار إحياء الكتب العربية، ومكتبة عيسى البابي الحلبي، القاهرة). * الجامع الصحيح (سنن الترمذي)، لمحمد بن عيسى بن سورة بن موسى السلمي البوغي الترمذي، بتحقيق أحمد محمد شاكر وآخرين (دار إحياء التراث العربي، بيروت). * الجامع الصحيح المختصر (صحيح البخاري)، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي، بتحقيق د. مصطفى ديب البغا (ط. 3، دار ابن كثير، بيروت: 1987 م). * الجامع بين الأمهات، لأبي عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس الكردي، (المعروف بابن الحاجب)، بتحقيق د. أحمد بن عبد الكريم نجيب (ط. 1، مركز نجيبويه للمخطوطات وخدمة التراث، دبلن: 2010 م). * الجامع لأحكام القرآن (المعروف بتفسير القرطبي)، لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي القرطبي، بتحقيق أحمد البردوني، وإبراهيم أطفيش (ط. 2، دار الكتب المصرية، القاهرة: 1964 م). * الجرح والتعديل، لعبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي التميمي، المعروف بابن أبي حاتم (ط. 1، دار إحياء التراث العربي، بيروت: 1952 م). * الجمع بين رجال الصحيحين، لابن طاهر المقدسي (دائرة المعارف العثمانية،

الهند، 1323)، (أعادت نشره مصورا مؤسسة دار الكتب العلمية، بيروت: 1405 هـ). * الحلل السندسية في الأخبار التونسية، لمحمد بن محمد بن مصطفى الأندلسي السّراج، المعروف بالوزير، بتحقيق محمد الهيلة (دار الكتب الشرقية، تونس: 1973 م). * الدر المختار شرح تنوير الأبصار لمحمد بن عبد الله بن أحمد الخطيب العمري التمرتاشي الغزي الحنفي، لمحمد بن علي بن محمد الحصكفي الحنفي (دار الفكر، بيروت: 1386 هـ). * الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، لإبراهيم بن علي بن محمد بن فرحون اليعمري المالكي، بتحقيق د. محمد الأحمدي أبو النور (دار التراث، القاهرة). * الزاهي، لأبي إسحاق محمد بن القاسم بن شعبان القُرطي، بتحقيق د. أحمد بن عبد الكريم نجيب (ط. 1، مركز نجيبويه للمخطوطات وخدمة التراث، دبلن: 2011 م). * الزهد والرقائق، لأبي عبد الله عبد الله بن المبارك بن واضح المرزوي، بتحقيق حبيب الرحمن الأعظمي (دار الكتب العلمية، بيروت). * السنن الكبرى، لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى البيهقي، بتحقيق محمد عبد القادر عطا (مكتبة دار الباز، مكة المكرمة: 1994 م). * السنن الكبرى، لأحمد بن شعيب النسائي، بتحقيق د. عبد الغفار سليمان البنداري، وسيد كسروي حسن (ط. 1، دار الكتب العلمية، بيروت: 1991 م).

* السنن، لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني البغدادي، بتحقيق السيد عبد الله هاشم يماني المدني (دار المعرفة، به. بيروت: 1966 م). * الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية)، لإسماعيل بن حماد الجوهوي، بتحقيق أحمد عبد الغفور عطار (ط. 4، دار العلم للملايين، بيروت: 1987 م). * الضعفاء والمتروكين، لأبي الفرج عبد الرحمن بن على بن محمد بن الجوزى، بتحقيق عبد الله القاضي (دار الكتب العلمية، بيروت: 1406 هـ). * الطبقات الكبرى، لأبي عبد الله محمد بن سعد بن منيع البصري الزهري (دار صادر، بيروت). * الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، لمحمد بن الحسن الحجوي، بتخريج وتعليق عبد العزيز بن عبد الفتاح القارئ (ط. 1، المكتبة العلمية، المدينة المنورة: 1396 هـ). * الفهرست، لأبي الفرج محمد بن إسحاق النديم (دار المعرفة، بيروت: 1978 م). * الفهرسة، لمحمد بن خير بن عمر بن خليفة الأموي الإشبيلي، بتحقيق محمد فؤاد منصور (دار الكتب العلمية، بيروت: 1998 م). * الكافي في فقه أهل المدينة، لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي، بتحقيق محمد محمد أحيد ولد ماديك الموريتاني (ط. 2، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض: 1980 م). * اللباب في تهذيب الأنساب، لأبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد الشيباني الجزري (دار صادر، بيروت: 1980 م).

* اللباب في شرح الكتاب، لعبد الغني الغنيمي الدمشقي الميداني، بتحقيق محمود أمين النواوي (دار الكتاب العربي، بيروت). * المبسوط، لشمس الدين أبي بكر محمد بن أبي سهل السرخسي، بتحقيق خليل محي الدين الميس (ط. 1، دار الفكر، بيروت: 2000 م). * المجتبى من السنن (سنن النسائي)، لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، بتحقيق عبد الفتاح أبو غدة (ط. 2، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب: 1986 م). * المجموع شرح المهذب، لأبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي (دار الفكر، بيروت). * المختصر الكبير، لأبي محمد عبد الله بن عبد الحكم بن أعيَن المصري (نسخة مخطوطة يحفظ أصلُها تحت رقم 810 في مكتبة جامع القَرَوِّيين بفاس). * المدونة الكبرى، لمالك بن أنس الأصبحي، رواية سَحنون عن ابن القاسم، بتحقيق السيد علي ابن السيد عبد الرحمن الهاشمي (طبع على نفقة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الإمارات: 1422 هـ). * المدونة الكبرى، لمالك بن أنس الأصبحي، رواية سحنون عن ابن القاسم، بتحقيق زكريا عميرات (دار الكتب العلمية بيروت). * المدونة الكبرى، لمالك بن أنس الأصبحي، رواية سحنون عن ابن القاسم (دار صادر، بيروت). * المستدرك على الصحيحين، لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري بتحقيق مصطفى عبد القادر عطا (ط. 1، دار الكتب العلمية، بيروت: 1990 م).

* المسند، للإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني، بتحقيق أحمد شاكر (دار المعارف، القاهرة). * المصنف في الأحاديث والآثار (مصنف ابن أبي شيبة)، لأبي بكر عبد الله بن محمد بن إبراهيم ابن عثمان بن خواستي المعروف بابن أبي شيبة العبسي، بتحقيق كمال يوسف الحوت (ط. 1، مكتبة الرشد، الرياض: 1409 هـ). * المعارف، لأبي محمد عبد الله بن مسلم المعروف بابن قتيبة، بتحقيق د. ثروت عكاشة (دار المعارف، القاهرة). * المعجم الأوسط، لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، بتحقيق طارق بن عوض بن محمد، وعبد المحسن بن إبراهيم الحسيني (دار الحرمين، القاهرة: 1995 م). * المعجم الكبير، لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، بتحقيق حمدي بن عبد المجيد السلفي (ط. 2، مكتبة العلوم والحكم، الموصل: 1983 م). * المعرفة والتاريخ، لأبي يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي، تحقيق د أكرم العُمَري (ط. 1، مؤسسة الرسالة، بيروت: 1981 م). * المعونة على مذهب عالم المدينة، للقاضي عبد الوهاب البغدادي، بتحقيق حميش عبد الحق (دار الفكر، بيروت: 1999 م). * المعيار الغرب والجامع المعرب عن فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمغرب، لأبي العباس أحمد بن يحيى بن محمد الونشريسي، بتحقيق د. محمد حجي وآخرين (ط. 1، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية، الرباط: 1981 م). * المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن

الجوزي، بتحقيق محمد ومصطفى عبد القادر عطا (ط 1. دار الكتب العلمية، بيروت: 1992 م). * المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، لأبي زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي (ط. 2، دار إحياء التراث العربي، بيروت: 1392 هـ). * الموطأ، للإمام مالك بن أنس أبي عبد الله الأصبحي (برواية يحيى الليثي)، بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي (دار إحياء التراث العربي، القاهرة). * النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات، لأبي محمد عبد الله ابن عبد الرحمن بن أبي زيد القيرواني، بتحقيق محمد حجي (ط. 1، دار الغرب الإسلامي، بيروت: 1999 م). * الواضحة (كتاب الطهارة)، لأبي مروان عبد الملك بن حبيب، بتحقيق عزيزة الإدريسي، وإشراف د. نوري معمَّر (رسالة مرقونة أعدَّت لنيل دبلوم الدراسات الإسلاميَّة العليا، دار الحديث الحسنيَّة، الرباط: 1994 م). * الواضحة (كتُب الصلاة والحج)، لأبي مروان عبد الملك بن حبيب، تحقيق د. ميكلوش موراني (ط. 1، دار البشائر الإسلامية، بيروت: 2010 م). * بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس، لأحمد بن يحيى بن أحمد بن عميرة الضبي، بتحقيق إبراهيم الإبياري (ط. 1، دار الكتاب اللبناني، بيروت: 1989 م). * تاريخ الإسلام، لأبي عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي، بتحقيق د. عمر عبد السلام تدمري (ط. 1، دار الكتاب العربي، بيروت: 1987 م). * تاريخ بغداد، لأحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي، المعروف بالخطيب

البغدادي، بتحقيق مصطفى عبد القادر عطا (ط. 1، دار الكتب العلمية، بيروت: 1417 هـ). * تاريخ دمشق = تاريخ مدينة دمشق * تاريخ علماء الأندلس، لأبي الوليد عبد الله بن محمد بن يوسف بن نصر الأزدي، المعروف بابن الفَرَضي، طبع بعناية السيد عزت العطار الحسيني (ط. 2، مكتبة الخانجي، القاهرة: 1988 م). * تاريخ مدينة دمشق وذكر فضلها وتسمية من حلها من الأماثل أو اجتاز بنواحيها من وارديها وأهلها، لعلي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين (المعروف بابن عساكر)، بتحقيق علي شيري (ط. 1، دار الفكر، بيروت: 1998 م). * تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، لأبي العلا محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري (دار الكتب العلمية، بيروت). * ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك، للقاضي عياض ابن موسى ابن عياض السبتي، بتحقيق: محمد بن تاويت الطنجي (ط. 2، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب: 1983 م). * تفسير الطبري = جامع البيان في تأويل القرآن * تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن. * تهذيب الآثار وتفصيل الثابت عن رسول الله من الأخبار، لأبي جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري، بتحقيق محمود محمد شاكر (مطبعة المدني، القاهرة). * تهذيب التهذيب، لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي (ط. 1، دار الفكر، بيروت: 1984 م).

* تهذيب الكمال في أسماء الرجال، لأبي الحجاج يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف، جمال الدين ابن الزكي أبي محمد القضاعي الكلبي المزي، بتحقيق بشار عواد معروف (ط. 1، مؤسسة الرسالة، بيروت: 1980 م). * تهذيب الكمال، لأبي الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن المزي، بتحقيق د. بشار عواد معروف (ط. 1، مؤسسة الرسالة، بيروت: 1980 م). * تهذيب المدونة، لأبي سعيد خلف بن أبي القاسم محمد البراذعي القيرواني، بتحقيق محمد الأمين ولد محمد سالم بن الشيخ (ط. 1، دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث، دبي: 2002 م). * جامع البيان في تأويل القرآن، (تفسير الطبري)، لأبي جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، الطبري، بتحقيق أحمد محمد شاكر (ط. 1، مؤسسة الرسالة، بيروت: 2000 م). * جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس، لأبي عبد الله محمد بن فتوح بن عبد الله الأزدي الميورقي الحَمِيدي (الدار المصرية للتأليف والنشر، القاهرة: 1966 م). * حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، لمحمد عرفة الدسوقي، بتحقيق محمد عليش (دار الفكر، بيروت). * حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة، لأبي الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي الشافعي، بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم (ط. 1، مكتبة عيسى البابي الحلبي وشركاه، القاهرة: 1967 م). * حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، (ط. 4، دار الكتاب العربي، بيروت: 1405 هـ).

* دراسات في مصادر الفقه المالكي، لميكلوش موراني، بترجمة د. سعيد بحيري، وآخرين (ط. 1، دار الغرب الإسلامي، بيروت: 1988 م). * روضة الطالبين وعمدة المفتين، لمحيي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي الدمشقي (المكتب الإسلامي، بيروت: 1405 هـ). * سنن ابن ماجه، لأبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني، بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي (دار الفكر، بيروت). * سنن أبي داود، لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي، بتحقيق عزت عبيد، وعادل الرشيد (دار الحديث، حمص: 1969 م). * سنن الدارمي، لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، بتحقيق: فواز أحمد زمرلي، خالد السبع (ط. 1، دار الكتاب العربي، بيروت: 1407 هـ). * سير أعلام النبلاء، لأبي عبد الله، محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، بتحقيق شعيب الأرناؤوط (ط. 9، مؤسسة الرسالة، بيروت 1413 هـ). * شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، لمحمد بن محمد مخلوف (دار الفكر، بيروت). * شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لعبد الحي بن أحمد العكري الدمشقي، المعروف بابن العماد (دار الكتب العلمية، بيروت). * شذور العقود في تاريخ العهود، لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، بتحقيق د. أحمد عبد الكريم نجيب (ط. 1، مركز نجيبويه للمخطوطات وخدمة التراث، دبلن: 2006 م). * شرح أبي بكر الأبهري على المختصر الكبير لابن عبد الحكم الصري (نسخة مخطوطة يحفظ أصلُها تحت رقم 1655 في مكتبة الجامع الأزهر بالقاهرة).

* شرح أبي بكر الأبهري على المختصر الكبير لابن عبد الحكم المصري (نسخة مخطوطة يحفظ أصلُها تحت رقم 1143 في مكتبة جامعة جوتة بألمانيا). * شرح التلقين، لأبي عبد الله محمد بن علي بن عمر التميمي المازري، بتحقيق محمد المختار السلامي (ط. 2، دار الغرب الإسلامي، بيروت: 2008 م). * شرح الخرشي على مختصر سيدي خليل، لمحمد الخرشي (دار الفكر للطباعة، بيروت). * شرح المختصر الصغير لابن عبد الحكم، لأبي القاسم، محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم بن أبي زرعة البرقي، مخطوط يحفظ أصله تحت رقم (966) في مكتبة أسعد أفندي باسطنبول. * شرح غريب ألفاظ المدونة، للجُبّي، بتحقيق محمد محفوظ (ط. 2، دار الغرب الإسلامي، بيروت: 2005 م). * شرح معاني الآثار، لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الطحاوي، بتحقيق محمد زهري النجار (ط. 1، دار الكتب العلمية، بيروت: 1399 هـ). * صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، لمحمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي، بتحقيق شعيب الأرنؤوط (ط. 2، مؤسسة الرسالة، بيروت: 1993 م). * صحيح ابن خزيمة، لأبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري، بتحقيق د. محمد مصطفى الأعظمي (المكتب الإسلامي، بيروت: 1970 م). * صحيح مسلم، لمسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، بتحقيق

محمد فؤاد عبد الباقي (ط. 2، مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة: 1978 م). * طبقات الفقهاء الشافعية، لتقي الدين أبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن الصلاح، بتحقيق محيي الدين علي نجيب (دار البشائر الإسلامية، بيروت: 1992 م). * طبقات الفقهاء، لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي، بتهذيب محمد بن مكرم ابن منظور، وتحقيق إحسان عباس (ط. 1، دار الرائد العربي، بيروت: 1970 م). * طبقات علماء إفريقية، لحمد بن عبد السلام بن ثعلبة القرطبي الخشني، بتحقيق وتعليق محمد زينهم محمد عزب (ط. 1، مكتبة مدبولي، القاهرة 1993 م). * عمدة القاري شرح صحيح البخاري، لبدر الدين أبي محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين الغيتابى الحنفى العينى (مطبعة محمود البابي الحلبي، القاهرة). * عيون المجالس (مختصر لعيون الأدلة، لابن القصار)، للقاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي المالكي، بتحقيق: امباي بن كيباكاه (ط. 1، مكتبة الرشد، الرياض: 2000 م). * فتح الباري شرح صحيح البخاري، لأحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي (دار المعرفة، بيروت: 1379 هـ). * فهرس مخطوطات خزانة القرويين، لمحمد العابد بن عبد الله بن عبد السلام الفاسي (ط. 1، دار الكتاب، الدار البيضاء: 1979 م).

* فيض القدير، لزين الدين محمد عبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي، القاهري (ط. 1، دار الكتب العلمية، بيروت: 1994 م). * لسان العرب، لمحمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري (دار صادر، بيروت). * مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (دار الفكر، بيروت: 1412 هـ). * مختار الصحاح، لمحمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي، بتحقيق محمود خاطر (مكتبة لبنان ناشرون، بيروت: 1995 م). * مختصر العلامة خليل، لخليل بن إسحاق الجندي، بتحقيق أحمد جاد (ط. 1، دار الحديث، القاهرة: 2005 م). * مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان وتقلب أحوال الإنسان وتاريخ موت بعض المشهورين من الأعيان، لعبد الله بن أسعد اليافعي (ط. 2، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة: 1993 م). * مسند إسحاق بن راهويه، لإسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي، بتحقيق د. عبد الغفور بن عبد الحق البلوشي (ط. 1، مكتبة الإيمان، المدينة المنورة: 1991 م). * مسند البزار (البحر الزخار)، لأبي بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار، بتحقيق د. محفوظ الرحمن زين الله (مؤسسة علوم القرآن، ومكتبة العلوم والحكم، بيروت: 1409 هـ) * مسند الشافعي، لأبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي (دار الكتب

العلمية، بيروت). * مصنف عبد الرزاق، لأبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني، بتحقيق حبيب الرحمن الأعظمي (ط. 2، المكتب الإسلامي، بيروت: 1403 هـ). * معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان، لابن الدباغ، بتحقيق د. عبد المجيد خيالي (ط. 1، دار الكتب العلمية، بيروت). * معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان، لابن الدباغ، بتحقيق د. عبد المجيد خيالي (ط. 1، دار الكتب العلمية، بيروت). * معجم العين، لأبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي، بتحقيق د. مهدي المخزومي، ود. إبراهيم السامرائي (دار ومكتبة الهلال). * معرفة الثقات، لأحمد بن عبد الله بن صالح العجلي الكوفي، بتحقيق عبد العليم عبد العظيم البستوي (ط. 1، مكتبة الدار، المدينة المنورة: 1985 م). * مقاييس اللغة، لأبي الحسين أحمد بن فارِس بن زكَرِيّا، بتحقيق عبد السَّلام محمد هَارُون (اتحاد الكتاب العرب: 2002 م). * مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، لمحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن حسين الرعيني، المعروف بالحطاب، بتحقيق زكريا عميرات (عالم الكتب، القاهرة: 2003 م). * نصب الراية لأحاديث الهداية (مع حاشيته بغية الألمعي في تخريج الزيلعي)، لجمال الدين أبي محمد عبد الله بن يوسف بن محمد الزيلعي، وضع الحاشية عبد العزيز الديوبندي الفنجاني، ومحمد يوسف الكاملفوري، بتحقيق محمد عوامة (ط. 1، مؤسسة الريان للطباعة والنشر، بيروت، ودار القبلة للثقافة الإسلامية، جدة: 1997 م).

* وفيات الأعيان وأنباء الزمان، لأبي العباس، أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان، بتحقيق إحسان عباس (دار صادر، بيروت). * وفيات الأعيان وأنباء الزمان، لأبي العباس، أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان، بتحقيق إحسان عباس (دار صادر، بيروت).

نبذة تعريفية - الإدارة العامة للأوقاف

نبذة تعريفية الإدارة العامة للأوقاف الوقف علامة فارقة في مسيرة الحضارة الإسلامية، وقد أثبت دوره ومكانته في مجالات التعليم والصحة والعمل الثقافي والإجتماعي بمختلف أشكاله وما زالت المساجد والمدارس والمعاهد والمستشفيات تقف شاهدة على عظمة وأهمية الوقف عبر تاريخنا المجيد. وفي هذا السياق من العطاء والتواصل الإنساني، تهدف الإدارة العامة للأوقاف التي أُعلن عن انشاءها بالقرار الأميري رقم 41 لسنة 2006 إلى إدارة الأموال الوقفية، واستثمارها على أسس اقتصادية، وفق ضوابط شرعية بما يكفل نماءها وتحقيق شروط الواقفين. وتعد الأوقاف إحدى أهم مؤسسات المجتمع المدني سواء من ناحية النشأة والقدم أو الاختصاصات المناطة بها. وانطلاقًا من النهضة الوقفية المعاصرة، تم توسيع نطاق الوقف، وتنويع مصارفه من خلال إنشاء المصارف الوقفية الستة المشتملة على مختلف نواحي الحياة الثقافية، والتربوية، والصحية والاجتماعية. . . إلخ، وذلك تشجيعًا لأهل الخير وإرشادًا لهم لوقف أموالهم على المشاريع الخيرية التنموية، وتنظيمًا لقنوات الصرف، والإنفاق المساهمة في بناء المجتمع الإسلامي الحضاري. * وأما المصارف الستة فهي: 1 - المصرف الوقفي لخدمة القرآن والسنة. 2 - المصرف الوقفي لرعاية المساجد. 3 - المصرف الوقفي لرعاية الأسرة والطفولة. 4 - المصرف الوقفي للبر والتقوى. 5 - المصرف الوقفي للرعاية الصحية.

6 - المصرف الوقفي للتنمية العلمية والثقافية. وانطلاقًا من الإيمان العميق بدور العلم الشرعي، والثقافة الإسلامية بشكل خاص، والعلوم التطبيقية بشكل عام في تقدم الأمة وتطورها، جاء إنشاء المصرف الوقفي للتنمية العلمية والثقافية ليكون رافدًا غنيًا للعطاء الثقافي، والعلمي ضمن نطاق اختصاصاته. وأبرز مثال في إطار أعمال وإنجازات هذا المصرف، رحلات العمرة للمتميزين، إلى جانب إقامة العديد من الدورات العلمية. ولا ننسى الإشارة إلى الدور المهم الذي نهض به الوقف تاريخيًا في تنشيط الحركة العلمية والثقافية، وذلك به. قامة المدارس، والمكتبات والمعاهد وغيرها، ليصنع بذلك حضارة، أفادت منها الإنسانية جمعاء. • من أهدافه: - تشجيع ودعم إقامة الأنشطة والفعاليات العلمية والثقافية. - الحث على الاهتمام بالتعليم، وبيان دوره في رقي الإنسان ونمو المجتمعات. - نشر العلم الشرعي، والثقافة الإسلامية على أوسع نطاق، والارتقاء بمستوى العاملين في هذا المجال. • من وسائله: - دعم إقامة المؤتمرات، والندوات، وحلقات الحوار، والمهرجانات، والمعارض، والمراكز الثقافية الدائمة والموسمية. - دعم وإنشاء المكتبات العامة. - دعم تنظيم الدورات التدريبية التأهيلية لتنمية المهارات، والقدرات في مختلف المجالات العلمية والثقافية.

§1/1