التبرج وخطر مشاركة المرأة للرجل في ميدان عمله

ابن باز

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه. أما بعد، فلا يخفى على كل من له معرفة ما عمت به البلوى في كثير من البلدان من تبرج الكثير من النساء وسفورهن وعدم تحجبهن من الرجال، وإبداء الكثير من زينتهن التي حرم الله عليهن إبداءها. ولا شك أن ذلك من المنكرات العظيمة والمعاصي الظاهرة. ومن أعظم أسباب حلول العقوبات ونزول النقمات لما يترتب على التبرج والسفور من ظهور الفواحش وارتكاب الجرائم وقلة الحياء وعموم الفساد. فاتقوا الله أيها المسلمون، وخذوا على أيدي سفهائكم، وامنعوا نساءكم مما حرم الله عليهن، وألزموهن التحجب والتستر، واحذروا غضب الله سبحانه، وعظيم عقوبته،

فقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه، أوشك الله أن يعمهم بعقابه» (¬1) . وقد قال الله سبحانه في كتابه الكريم: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ - كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 79] . وفي المسند وغيره (¬2) عن ابن مسعود - رضي الله عنه - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلا هذه الآية ثم قال: والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر. ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنَّه على الحق أطرا، أو ليضربن الله ¬

(¬1) رواه أصحاب السنن وصححه ابن حبان. (¬2) أخرجه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح. ونقله المنذري في الترغيب من روايتي أبي داود والترمذي، ثم قال: (روياه من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، ولم يسمع من أبيه، وقيل: ورواه ابن ماجه عن أبي عبيدة مرسلا.

التبرج

بقلوب بعضكم على بعض، ثم يلعنكم كما لعنهم» وصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» (¬1) [التبرج] [وجوب الحجاب والنهي عن التبرج] وقد أمر الله سبحانه في كتابه الكريم بتحجب النساء ولزومهن البيوت. وحذر من التبرج والخضوع بالقول للرجال صيانة لهن عن الفساد وتحذيرا من أسباب الفتنة. فقال تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا - وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب: 32 - 33] الآية [الأحزاب: 32 - 33] ¬

(¬1) أخرجه أحمد والشيخان وأصحاب السنن الأربعة.

نهى سبحانه في هذه الآية نساء النبي الكريم أمهات المؤمنين، وهى من خير النساء وأطهرهن عن الخضوع بالقول للرجال، وهو تليين القول وترقيقه. لئلا يطمع فيهن من في قلبه مرض شهوة الزنا ويظن أنهن يوافقنه على ذلك وأمر بلزومهن البيوت ونهاهن عن تبرج الجاهلية، وهو إظهار الزينة والمحاسن كالرأس والوجه والعنق والصدر والذراع والساق ونحو ذلك من الزينة لما في ذلك من الفساد العظيم والفتنة الكبيرة وتحريك قلوب الرجال إلى تعاطي أسباب الزنا، وإذا كان الله سبحانه يحذر أمهات المؤمنين من هذه الأشياء المنكرة مع صلاحهن وإيمانهن وطهارتهن فغيرهن أولى. وأولى بالتحذير والإنكار والخوف عليهن من أسباب الفتنة. عصمنا الله وإياكم من مضلات الفتن، ويدل على عموم الحكم لهن ولغيرهن قوله سبحانه في هذه الآية: {وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب: 33]

فإن هذه الأوامر أحكام عامة لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهن. وقال عز وجل: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53] فهذه الآية الكريمة نص واضح في وجوب تحجب النساء عن الرجال وتسترهن منهم، وقد أوضح الله سبحانه في هذه الآية أن التحجب أطهر لقلوب الرجال والنساء وأبعد عن الفاحشة وأسبابها. وأشار سبحانه إلى أن السفور وعدم التحجب خبث ونجاسة، وأن التحجب طهارة وسلامة. فيا معاشر المسلمين تأدبوا بتأديب الله، وامتثلوا أمر الله، وألزموا نساءكم بالتحجب الذي هو سبب الطهارة ووسيلة النجاة. {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 59]

والجلابيب جمع جلباب وهو ما تضعه المرأة على رأسها للتحجب والتستر به، أمر الله سبحانه جميع نساء المؤمنين بإدناء جلابيبهن على محاسنهن من الشعور والوجه وغير ذلك حتى يعرفن بالعفة فلا يفتتن ولا يفتن غيرهن فيؤذيهن. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب، ويبدين عيناً واحدة واحدة، وقال محمد ابن سيرين: سألت عَبِيدَةَ السلماني عن قول الله - عز وجل: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59] فغطى وجهه ورأسه وأبرز عينه اليسرى. . ثم أخبر الله سبحانه أنه غفور رحيم عما سلف من التقصير في ذلك قبل الني والتحذير منه سبحانه. وقال تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور: 60]

يخبر سبحانه أن القواعد من النساء. وهن العجائز اللاتي لا يرجون نكاحاً. لا جناح عليهن أن يضعن ثيابهن عن وجوهن وأيديهن إذا كن غير متبرجات بالزينة ليس لها أن تضع ثوبها عن وجهها ويديها وغير ذلك من زينتها. وأن عليها جناحاً في ذلك ولو كانت عجوزاً، لأن كل ساقطة لها لاقطة، ولأن التبرج يفضي إلى الفتنة بالمتبرجة ولو كانت عجوزاً. فكيف يكون الحال بالشابة والجميلة إذا تبرجت لا شك أن إثمها أعظم، والجناح عليها أشد والفتنة بها أكبر. وشرط سبحانه في حق العجوز أن لا تكون ممن يرجو النكاح، وما ذلك - والله أعلم - إلا أن رجاءها النكاح يدعوها إلى التجمل والتبرج بالزينة طمعاً في الأزواج،

فنهيت عن وضع ثيابها عن محاسنها صيانة لها ولغيرها من الفتنة، ثم ختم الآية سبحانه بتحريض القواعد على الاستعفاف، وأوضح أنه خير لهن وإذا لم يتبرجن فظهر بذلك فضل التحجب والتستر بالثياب ولو من العجائز، وأنه خير لهن من وضع الثياب. فوجب أن يكون التحجب والاستعفاف عن إظهار للزينة خيراً للشباب من باب أولى، وأبعد لهن عن أسباب الفتنة. وقال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ - وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 30 - 31]

أمر الله سبحانه في هاتين الآيتين الكريمتين المؤمنين والمؤمنات بغض الأبصار، وحفظ الفروج. وما ذلك إلا لعظم فاحشة الزنا وما يترتب عليها من الفساد الكبير بين المسلين، ولأن إطلاق البصر من وسائل مرض القلب ووقوع الفاحشة، وغض البصر من أسباب السلامة من ذلك ولهذا قال سبحانه: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30] فغض البصر وحفظ الفرج أزكى للمؤمن في الدنيا والآخرة وإطلاق البصر والفرج من أعظم أسباب الغضب والعذاب في الدنيا والآخرة. نسأل الله العافية من ذلك. وأخبر عز وجل أنه خبير بما يصنعه الناس، وأنه لا يخفى عليه خافية، وفي ذلك تحذير للمؤمن من ركوب ما حرم الله عليه، والإعراض عما شرع الله له، وتذكير

له بأن الله سبحانه يراه ويعلم أفعاله الطيبة وغيرها. كما قال تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19] وقال تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} [يونس: 61] فالواجب على العبد أن يحذر ربه، وأن يستحي منه أن يراه على معصيته أو يفقده من طاعته التي أوجب عليه. ثم قال سبحانه: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 31] فأمر المؤمنات بغض البصر، وحفظ الفرج، كما أمر المؤمنين بذلك صيانة لهن من أسباب الفتنة، وتحريضاً لهن على أسباب العفة والسلامة، ثم قال سبحانه: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] قال ابن مسعود - رضي الله عنه - {مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31]

يعني بذلك ما ظهر من اللباس، فإن ذلك معفو عنه، ومراده بذلك - رضي الله عنه - الملابس التي ليس فيها تبرج وفتنة. وأما ما يروى عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه فسَّرَ {مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] بالوجه والكفين فهو محمول على حالة النساء قبل نزول آية الحجاب، وأما بعد ذلك فقد أوجب الله عليهن ستر الجميع، كما سبق في الآيات الكريمات من سورة الأحزاب وغيرها ويدل على أن ابن عباس أراد ذلك، ما رواه علي بن أبي طلحة عنه أنه قال: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلاليب ويبدين عيناً واحدة. وقد نبه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم والتحقيق وهو الحق الذي لا ريب فيه. ومعلوم ما يترتب على ظهور الوجه والكفين من

االفساد والفتنة. وقد تقدم قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53] ولم يستثن شيئاً، وهي آية محكمة فوجب الأخذ بها والتعويل عليها، وحمل ما سواها عليها، والحكم فيها عام في نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهن من نساء المؤمنين، وتقدم من سورة النور ما يرشد إلى ذلك، وهو ما ذكره الله سبحانه في حق القواعد وتحرم وضعهن الثياب إلا بشرطين، أحدهما: كونهن لا يرجون النكاح، والثاني عدم التبرج بالزينة، وسبق الكلام على ذلك. وأن الآية المذكورة حجة ظاهرة، وبرهان قاطع على تحريم سفور النساء وتبرجهن بالزينة. ويدل على ذلك أيضاً ما ثبت عن عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك أنها خمرت وجهها لما سمعت صوت صفوان بن المعطل السلمي وقال: إنه كان يعرفها قبل الحجاب: فدل ذلك على أن النساء بعد نزول آية

الحجاب لا يعرفن بسبب تخميرهن وجوههن، ولا يخفى ما وقع فيه النساء اليوم من التوسع في التبرج وإبداء المحاسن، فوجب سد الذرائع وحسم الوسائل المفضية إلى الفساد وظهور الفواحش. ومن أعظم أسباب الفساد خلوة الرجال بالنساء، وسفرهم بهن من دون محرم. وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم، ولا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم» (¬1) . وقال - صلى الله عليه وسلم -: «لا يخلون رجل بامرأة إلا أن يكون الشيطان ثالثهما» (¬2) وقال - صلى الله عليه وسلم -: «لا يبيتن رجل عند امرأة إلا أن يكون زوجاً أو ذا محرم» (¬3) . فاتقوا الله أيها المسلمون، وخذوا على أيدي نسائكم، ¬

(¬1) فيما رواه أحمد والشيخان. (¬2) رواه الترمذي بسند صحيح. (¬3) رواه مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه.

وامنعوهن مما حرم الله عليهن من السفور والتبرج وإظهار المحاسن والتشبه بأعداء الله من النصارى ومن تشبه بهم، واعلموا أن السكوت عنهن مشاركة لهن في الإثم وتعرض لغضب الله وعموم عقابه، عافانا الله وإياكم من شر ذلك. ومن أعظم الواجبات تحذير الرجال من الخلوة بالنساء والدخول عليهن والسفر بهن بدون محرم لأن ذلك من وسائل الفتنة والفساد، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء» (¬1) . وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إن الدنيا حلوة خضرة. وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون. فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء» (¬2) . وقال عليه الصلاة والسلام: «رب كاسية في الدنيا ¬

(¬1) صحيح، رواه السبعه إلا أبو داود عن أسامه. (¬2) رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري.

عارية في الآخرة» وقال - صلى الله عليه وسلم -: «صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة (بضم الباء: نوع من الإبل) لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها. ورجال بأيدهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس» (¬1) وهذا تحذير شديد من التبرج والسفور. ولبس الرقيق والقصير من الثياب، والميل عن الحق والعفة، وإمالة الناس إلى الباطل، وتحذير شديد من ظلم الناس والتعدي عليهم، ووعيد لمن فعل ذلك بحرمان دخول الجنة. نسأل الله العافية من ذلك. ومن أعظم الفساد: تشبه الكثير من النساء بنساء الكفار من النصارى وأشباههم في لبس القصير من الثياب، وإبداء الشعور والمحاسن، ومشط الشعور على طريقة أهل الكفر والفسق، ووصل الشعر، ولبس ¬

(¬1) رواه مسلم.

الرؤوس (¬1) الصناعية المسماة (الباروكة) . وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من تشبه بقوم فهو منهم» ومعلوم ما يترتب على هذا التشبه، وهذه الملابس القصيرة التي تجعل المرأة شبه عارية من الفساد والفتنة ورقة الدين وقلة الحياء. فالواجب الحذر من ذلك غاية الحذر، ومنع النساء منه والشدة في ذلك، لأن عاقبته وخيمة، وفساده عظيم، ولا يجوز التساهل في ذلك مع البنات الصغار. لأن تربيتهن عليه يفضي إلى اعتيادهن له وكراهيتهن لما سواه إذا كبرن، فيقع بذلك الفساد والمحذور والفتنة المخوفة التي وقع فيها الكبيرات من النساء. فاتقوا الله عباد الله، واحذروا ما حرم الله عليكم، وتعاونوا على البر والتقوى، وتواصوا بالحق والصبر عليه، واعلموا أن الله سبحانه سائلكم عن ذلك، ومجازيكم عن أعمالكم، وهو سبحانه مع الصابرين، ¬

(¬1) أي: القلانسي الشعرية.

ومع المتقين والمحسنين، فاصبروا وصابروا واتقوا الله، وأحسنوا، إن الله يحب المحسنين. ولا ريب أن الواجب على ولاة الأمور من الأمراء والقضاة والعلماء ورؤساء وأعضاء الهيئات أكبر من الواجب على غيرهم، والخطر عليهم أشد، والفتنة في سكوت من سكت منهم عظيمة، ليس إنكار المنكر خاصاً بهم، بل الواجب على جميع المسلمين - ولا سيما أعيانهم وكبارهم وبالأخص أولياء النساء وأزواجهن - إنكار هذا المنكر، والغلظة فيه، والشدة على من تساهل في ذلك، لعل الله سبحانه يرفع عنا ما نزل من البلاء ويهدينا ونساءنا إلى سواء السبيل. وصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ما بعث الله من نبي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون سنته ويهتدون بأمره، ثم إنهم تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن،

ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل» وأسأل الله أن ينصر دينه، ويعلي كلمته، وأن يصلح ولاة أمرنا ويقمع بهم الفساد، وينصر بهم الحق، ويصلح لهم البطانة، وأن يوفقنا وإياكم وإياهم وسائر المسلمين لما فيه صلاح العباد والبلاد، في المعاش والمعاد، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. *انتهى (التبرج) *

خطر مشاركة المرأة للرجل في ميدان عمله

[خطر مشاركة المرأة للرجل في ميدان عمله] [العواقب الوخيمة لخروج المرأة للعمل] خطر مشاركة المرأة للرجل في ميدان عمله الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فإن الدعوة إلى نزول المرأة للعمل في ميدان الرجال المؤدي إلى الاختلاط سواء كان ذلك على جهة التصريح أو التلويح بحجة أن ذلك من مقتضيات العصر ومتطلبات الحضارة أمر خطير جدا له تبعاته الخطيرة وثمراته المرة وعواقبه الوخيمة. رغم مصادمته للنصوص الشرعية التي تأمر المرأة بالقرار في بيتها والقيام بالأعمال التي تخصها في بيتها ونحوه. ومن أراد أن يعرف عن كثب ما جناه الاختلاط من المفاسد التي لا تحصى فلينظر إلى تلك المجتمعات التي وقعت في هذا البلاء العظيم اختياراً أو اضطراراً بإنصاف من نفسه وتجرد للحق عما عداه يجد التذمر على المستوى الفردي والجماعي والتحسر على انفلات

المرأة من بيتها وتفكك الأسر. ونجد ذلك واضحاً على لسان كثير من الكتَّاب بل في جميع وسائل الإعلام وما ذلك إلا لأن هذا هدم للمجتمع وتقويض لبنائه. والأدلة الصحيحة الصريحة الدالة على تحريم الخلوة بالأجنبية وتحريم النظر إليها وتحريم الوسائل الموصلة إلى الوقوع فيما حرم الله أدلة كثيرة قاضية بتحريم الاختلاط لأنه يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه. وإخراج المرأة من بيتها الذي هو مملكتها ومنطلقها الحيوي في هذه الحياة إخراج لها عما تقتضيه فطرتها وطبيعتها التي جبلها الله عليها. فالدعوة إلى نزول المرأة في الميادين التي تخص الرجال أمر خطير على المجتمع الإسلامي ومن أعظم آثاره الاختلاط الذي يعتبر من أعظم وسائل الزنى الذي يفتك بالمجتمع ويهدم قيمه وأخلاقه. ومعلوم أن الله تبارك وتعالى جعل للمرأة تركيباً خاصاً

يختلف تماماً عن تركيب الرجل هيأها به للقيام بالأعمال التي في داخل بيتها والأعمال التي بين بنات جنسها. ومعنى هذا: أن اقتحام المرأة لميدان الرجال الخاص بهم يعتبر إخراجاً لها عن تركيبتها وطبيعتها. وفي هذا جناية كبيرة على المرأة وقضاء على معنويتها وتحطيم لشخصيتها ويتعدى ذلك إلى أولاد الجيل من ذكور وإناث لأنهم يفقدون التربية والحنان والعطف. فالذي يقوم بهذا الدور وهو الأم قد فصلت منه وعزلت تماماً عن مملكتها التي لا يمكن أن تجد الراحة والاستقرار والطمأنينة إلا فيها وواقع المجتمعات التي تورطت في هذا أصدق شاهد على ما نقول. والإسلام جعل لكل من الزوجين واجبات خاصة على كل واحد منهما أن يقوم بدوره ليكتمل بذلك بناء المجتمع في داخل البيت وفي خارجه. فالرجل يقوم بالنفقة والاكتساب والمرأة تقوم بتربية

الأولاد والعطف والحنان والرضاعة والحضانة والأعمال التي تناسبها كتعليم الصغار وإدارة مدارسهم والتطبيب والتمريض لهم ونحو ذلك من الأعمال المختصة بالنساء. فترك واجبات البيت من قبل المرأة يعتبر ضياعاً للبيت بمن فيه. ويترتب عليه تفكك الأسرة حسياً ومعنوياً وعند ذلك يصبح المجتمع شكلاً وصورة لا حقيقة ومعنى. قال الله جل وعلا: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34] فسنة الله في خلقه أن القوامة للرجل على المرأة وللرجل فضل عليها كما دلت الآية الكريمة على ذلك. وأمرُ الله سبحانه للمرأة بقرارها في بيتها ونهيها عن التبرج معناه: النهي عن الاختلاط وهو: اجتماع الرجال بالنساء الأجنبيات في مكان واحد بحكم العمل أو البيع أو الشراء أو النزهة أو السفر أو نحو ذلك، لأن اقتحام المرأة

تحريم الاختلاط وتحريم جميع الوسائل المؤديه إليه

هذا الميدان يؤدي بها إلى الوقوع في المنهي عنه، وفي ذلك مخالفة لأمر الله وتضييع لحقوقه المطلوب شرعاً من المسلمة أن تقوم بها. [تحريم الاختلاط وتحريم جميع الوسائل المؤديه إليه] تحريم الاختلاط وتحريم جميع الوسائل المؤديه إليه والكتاب والسنة دلاَّ على تحريم الاختلاط وتحريم جميع الوسائل المؤدية إليه قال الله جل وعلا: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا - وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} [الأحزاب: 33 - 34] فأمر الله أمهات المؤمنين - وجميع المسلمات والمؤمنات داخلات في ذلك - بالقرار في البيوت لما

في ذلك من صيانتهن وإبعادهن عن وسائل الفساد لأن الخروج لغير حاجة قد يفضي إلى التبرج كما يفضي إلى شرور أخرى ثم أمرهن بالأعمال الصالحة التي تنهاههن عن الفحشاء والمنكر وذلك بإقامتهن الصلاة وإيتائهن الزكاة وطاعتهن لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم. ثم وجههن إلى ما يعود عليهن بالنفع في الدنيا والآخرة وذلك بأن يكن على اتصال دائم بالقرآن الكريم وبالسنة النبوية المطهرة اللذين فيهما ما يجلو صدأ القلوب ويطهرها من الأرجاس والأنجاس ويرشد إلى الحق والصواب. وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 59] فأمر الله نبيه - عليه الصلاة والسلام - وهو المبلغ عن ربه أن يقول لأزواجه وبناته وعامة نساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن وذلك يتضمن ستر باقي أجسامهن

بالجلابيب وذلك إذا أردن الخروج لحاجة مثلاً لئلا تحصل لهن الأذية من مرضى القلوب، فإذا كان الأمر بهذه المثابة فما بالك بنزولها إلى ميدان الرجال واختلاطها معهم وإبداء حاجتها إليهم بحكم الوظيفة والتنازل عن كثير من أنوثتها لتنزل في مستواهم وذهاب كثير من حيائها ليحصل بذلك الانسجام بين الجنسين المختلفين معنى وصورة. قال الله جل وعلا: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ - وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 30 - 31] الآية. يأمر الله نبيه - عليه الصلاة والسلام - أن يبلغ المؤمنين والمؤمنات أن يلتزمن بغض النظر وحفظ الفرج عن الزنى ثم أوضح سبحانه أن هذا الأمر أزكى

لهم. ومعلوم أن حفظ الفرج من الفاحشة إنما يكون باجتناب وسائلها ولاشك أن إطلاق البصر واختلاط النساء بالرجال والرجال بالنساء في ميادين العمل وغيرها من أعظم وسائل وقوع الفاحشة. وهذان الأمران المطلوبان من المؤمن يستحيل تحققهما منه وهو يعمل مع المرأة الأجنبية كزميلة أو مشاركة في العمل له. فاقتحامها هذا الميدان معه واقتحامه الميدان معها لا شك أنه من الأمور التي يستحيل معها غض البصر وإحصان الفرج والحصول على زكاة النفس وطهارتها. وهكذا أمر الله المؤمنات بغض البصر وحفظ الفرج وعدم إبداء الزينة إلا ما ظهر منها، وأمرهن الله بإسدال الخمار على الجيوب المتضمن ستر رأسها ووجهها لأن الجيب محل الرأس والوجه. فكيف يحصل غض البصر وحفظ الفرج وعدم إبداء الزينة

عند نزول المرأة ميدان الرجال واختلاطها معهم في الأعمال. والاختلاط كفيل بالوقوع في هذه المحاذير. كيف يحصل للمرأة المسلمة أن تغض بصرها وهي تسير مع الرجل الأجنبي جنباً إلى جنب بحجة أنما تشاركه في الأعمال أو تساويه في جميع ما تقوم به. والإسلام حرم جميع الوسائل والذرائع الموصلة إلى الأمور المحرمة وكذلك حرم الإسلام على النساء خضوعهن بالقول للرجال لكونه يفضي إلى الطمع فيهن كما في قوله عز وجل: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب: 32] يعنى مرض الشهوة. فكيف يمكن التحفظ من ذلك مع الاختلاط؟ ومن البديهي أنها إذا نزلت إلى ميدان الرجال لا بد أن تكلمهم وأن يكلموها ولا بد أن ترقق لهم الكلام وأن يرققوا لها الكلام والشيطان من وراء ذلك يزين

ويحسن ويدعو إلى الفاحشة حتى يقعوا فريسة له. والله حكيم عليم حيث أمر المرأة بالحجاب وما ذاك إلا لأن الناس فيهم البر والفاجر والطاهر والعاهر فالحجاب يمنع - بإذن الله - من الفتنة ويحجز دواعيها وتحصل به طهارة قلوب الرجال والنساء والبعد عن مظان التهمة قال الله عز وجل: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53] الآية. وخير حجاب المرأة بعد حجاب وجهها وجسمها باللباس هو بيتها. وحرم عليها الإسلام مخالطة الرجال الأجانب لئلا تُعَرِّضَ نفسها للفتنه بطريق مباشر أو غير مباشر. وأمرها بالقرار في البيت وعدم الخروج منه إلا لحاجة مباحة مع لزوم الأدب الشرعي. وقد سمى الله مكث المرأة في بيتها قراراً وهذا المعنى من أسمى المعاني الرفيعة ففيه استقرار لنفسها وراحة لقلبها وانشراح لصدرها.

فخروجها عن هذا القرار يفضي إلى اضطراب نفسها وقلق وضيق صدرها وتعرضها لما لا تحمد عقباه. ونهى الإسلام عن الخلوة بالمرأة الأجنبية على الإطلاق إلا مع ذي محرم وعن السفر إلا مع ذي محرم سداً لذريعة الفساد وإغلاقاً لباب الإثم وحسماً لأسباب الشر وحماية للنوعين من مكايد الشيطان ولهذا صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء» وصح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت من النساء» (¬1) وقد تعلق بعض دعاة الاختلاط ببعض ظواهر النصوص الشرعية التي لا يدرك مغزاها ومرماها إلا من نور الله قلبه وتفقه في دين الله وضم الأدلة الشرعية بعضها إلى بعض. ومن ذلك خروج بعض النساء مع ¬

(¬1) تقدم ذكره.

الرسول - صلى الله عليه وسلم - في بعض الغزوات والجواب عن ذلك أن خروجهن كان مع محارمهن لمصالح كثيرة لا يترتب عليهن منه من الفساد لإيمانهن وتقواهن وإشراف محارمهن عليهن وعنايتهن بالحجاب بعد نزول آيته بخلاف حال الكثير من نساء العصر. ومعلوم أن خروج المرأة من بيتها إلى العمل يختلف تماماً عن الحالة التي خرجن بها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الغزو. فقياس هذه على تلك يعتبر قياساً مع الفارق. وأيضاً فما الذي فهمه السلف الصالح حول هذا وهم لا شك أدرى بمعاني النصوص من غيرهم وأقرب إلى التطبيق العملي لكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فما هو الذي نقل عنهم على مدار الزمن. هل وسعوا الدائرة كما ينادي دعاة الاختلاط فنقلوا ما ورد في ذلك إلى أن تعمل المرأة في كل ميدان من ميادين الحياة مع الرجال تزاحمهم ويزاحمونها وتختلط معهم ويختلطون معها أم أنهم فهموا

أن تلك القضايا معينة لا تتعداها إلى غيرها. وإذا استعرضنا الفتوحات الإسلامية والغزوات على مدار التاريخ لم نجد هذه الظاهرة، أما ما يدعى في هذا العصر من إدخالها كجندي يحمل السلاح ويقاتل كالرجل فهو لا يتعدى أن يكون وسيلة لإفساد وتذويب أخلاق الجيوش باسم الترفيه عن الجنود لأن طبيعة الرجل إذا التقت مع طبيعة المرأة كان منهما عند الخلوة ما يكون بين كل رجل وامرأة من الميل والأنس والاستراحة إلى الحديث والكلام وبعض الشيء يجر إلى بعض وإغلاق باب الفتنة أحكم وأحزم وأبعد من الندامة في المستقبل. فالإسلام حريص جداَ على جلب المصالح ودرء المفاسد وغلق الأبواب المؤدية إليها. ولاختلاط المرأة مع الرجل في ميدان العمل تأثير كبير في انحطاط الأمة وفساد مجتمعها كما سبق، لأن المعروف تاريخياً عن الحضارات القديمة الرومانية واليونانية ونحوهما أن

من أعظم أسباب الانحطاط والانهيار الواقع بها هو خروج المرأة من ميدانها الخاص إلى ميدان الرجال ومزاحمتهم مما أدى إلى إفساد أخلاق الرجال وتركهم لما يدفع بأمتهم إلى الرقي المادي والمعنوي. . وانشغال المرأة خارج البيت يؤدي إلى بطالة الرجل وخسران الأمة انسجام الأسرة وانهيار صرحها وفساد أخلاق الأولاد ويؤدي إلى الوقوع في مخالفة ما أخبر الله به في كتابه من قوامة الرجل على المرأة. وقد حرص الإسلام أن يبعد المرأة عن جميع ما يخالف طبيعتها فمنعها تولي الولاية العامة كرئاسة الدولة والقضاء وجميع ما فيه مسئوليات عامة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» (¬1) ففتح الباب لها بأن تنزل إلى ميدان الرجال يعتبر مخالفاً لما يريده الإسلام من سعادتها واستقرارها. فالإسلام يمنع تجنيد المرأة في غير ميدانها ¬

(¬1) رواه البخاري في صحيحه.

اعتراف رجال الغرب والشرق بمضار الاختلاط ومفاسده

الأصيل. وقد ثبت من التجارب المختلفة وخاصة في المجتمع المختلط أن الرجل والمرأة لا يتساويان فطرياً ولا طبيعياً فضلاً عما ورد في الكتاب والسنة واضحاً جلياً في اختلاط الطبيعتين الواجبين. والذين ينادون بمساواة الجنس اللطيف المنشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين بالرجل يجهلون وهو في الخصام غير مبين بالرجل يجهلون أو يتجاهلون الفوارق الأساسية بينهما. [اعتراف رجال الغرب والشرق بمضار الاختلاط ومفاسده] اعتراف رجال الغرب والشرق بمضار الاختلاط ومفاسده لقد ذكرنا من الأدلة الشرعية والواقع الملموس ما يدل على تحريم الاختلاط واشتراك المرأة في أعمل الرجال مما فيه كفاية ومقنع لطالب الحق. ولكن نظرًا إلى أن بعض الناس قد يستفيدون من كلمات رجال الغرب والشرق أكثر مما يستفيدون من كلام الله وكلام علماء المسلمين رأينا أن ننقل لهم ما يتضمن اعتراف

رجال الغرب والشرق بمضار الاختلاط ومفاسده لعلهم يقتنعون بذلك. ويعلمون ما جاء به دينهم العظيم من منع الاختلاط هو عين الكرامة والصيانة للنساء من وسائل الإضرار بهن والانتهاك لأعراضهن. قالت الكاتبة الإنجليزية اللادي كوك (إن الاختلاط يألفه الرجال ولهذا طمعت المرأة بما يخالف فطرتها وعلى قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنى وههنا البلاء العظيم على المرأة. إلى أن قالت علموهن الابتعاد عن الرجال. أخبروهن بعاقبة الكيد الكامن لهن بالمرصاد) . وقال شهوبنهور الألماني: (قل هو الخلل العظيم في ترتيب أحوالنا الذي دعا المرأة لمشاركة الرجل في علو مجده وباذخ رفعته وسهل عليها التعالي في مطامعها الدنيئة حتى أفسدت المدنية الحديثة بقوى سلطانها ودنيء آرائها) . وقال اللورد بيرون: (لو تفكرت أيها المطالع

فيما كانت عليه المرأة في عهد قدماء اليونان لوجدتها حالة مصطنعة مخالفة للطبيعة ولرأيت معي وجوب إشغال المرأة بالأعمال المنزلية مع تحسن غذائها وملبسها فيه وضرورة حجبها عن الاختلاط بالغير) ا. هـ. وقال سامويل سمايلس الإنجليزي: (إن النظام الذي يقضي بتشغيل المرأة في المعامل مهما نشأ عنه من الثروة للبلاد فإن نتيجته كانت هادمة لبناء الحياة المنزلية لأنه هاجم هيكل المنزل وقوض أركان الأسرة ومزق الروابط الاجتماعية فإنه يسلب الزوجة من زوجها والأولاد من أقاربهم صار بنوع خاص لا نتيجة له إلا تسفيل أخلاق المرأة إذ وظيفة المرأة الحقيقة هي القيام بالواجبات المنزلية مثل ترتيب مسكنها وتربية أولادها والاقتصاد في وسائل معيشتها مع القيام بالاحتياجات البيئية. ولكن المعامل تسلخها من كل هذه الواجبات بحيث أصبحت المنازل غير منازل وأضحت الأولاد

تشب على عدم التربية وتلقى في زوايا الإهمال وطفئت المحبة الزوجية وخرجت المرأة عن كونها الزوجة الظريفة والقرينة المحبة للرجل وصارت زميلته في العمل والمشاق وباتت معرضة للتأثيرات التي تمحو غالبا التواضع الفكري والأخلاقي الذي عليه مدار حفظ الفضيلة) . وقالت الدكتورة إيدايلين: (إن سبب الأزمات العالمية في أمريكا وسر كثرة الجرائم في المجتمع هو أن الزوجة تركت بيتها لتضاعف دخل الأسرة فزاد الدخل وانخفض مستوى الأخلاق ثم قالت إن التجارب أثبتت أن عودة المرأة إلى الحريم هو الطريقة الوحيدة لإنقاذ الجيل الجديد من التدهور الذي يسير فيه) . وقال أحد أعضاء الكونجرس الأمريكي: (إن المرأة تستطيع أن تخدم الدولة حقا إ ذا بقيت في البيت الذي هو كيان الأسرة) . وقال عضو آخر: (إن الله عندما منح المرأة ميزة

الأولاد لم يطلب منها أن تتركهم لتعمل في الخارج بل جعل مهمتها البقاء في المنزل لرعاية هؤلاء الأطفال) . وقال شوبنهور الألماني أيضًا: اتركوا للمرأة حريتها المطلقة كاملة بدون رقيب ثم قابلوني بعد عام لتروا النتيجة ولا تنسوا أنكم سترثون معي الفضيلة والعفة والأدب وإذا مُتُّ فقولوا: أخطأ أو أصاب كبد الحقيقة. ذكر هذه النقول كلها الدكتور مصطفى حسني السباعي رحمه الله في كتابه المرأة بين الفقه والقانون. لو أردنا أن نستقصي ما قاله منصفو الغرب في مضمار الاختلاط الذي هو نتيجة نزول المرأة إلى ميدان أعمال الرجال لطال بنا المقال ولكن الإشارة المفيدة تكفي عن طول العبارة. والخلاصة أن استقرار المرأة في بيتها والقيام بما يجب عليها من تدبيره بعد القيام بأمور دينها هو الأمر الذي يناسب طبيعتها وفطرتها وكيانها وفيه صلاحها وصلاح

المجتمع وصلاح الناشئة فإن كان عندها فضل ففي الإمكان تشغيلها في الميادين النسائية كالتعليم للنساء والتطبيب والتمريض لهن ونحو ذلك مما يكون من الأعمال النسائية في ميادين النساء كما سبقت الإشارة إلى ذلك. وفيها شغل لهن شاغل وتعاون مع الرجال في أعمال المجتمع وأسباب رقيه كل في جهة اختصاصه ولا ننسى هنا دور أمهات المؤمنين رضي الله عنهن ومن سار في سبيلهن وما قمن به من تعليم للأمة وتوجيه وإرشاد وتبليغ عن الله سبحانه وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم - فجزاهن الله عن ذلك خيرا وأكثر في المسلمين اليوم أمثالهن مع الحجاب والصيانة والبعد عن مخالطة الرجال في ميدان أعمالهم. والله المسئول أن يبصر الجميع بواجبهم وأن يعينهم على أدائه على الوجه الذي يرضيه وأن يقي الجميع وسائل الفتنة وعوامل الفساد ومكايد الشيطان إنه جواد كريم وصلى الله على عبده ورسوله نبيناً محمد وآله وصحبه.

§1/1