التأمين عقب الفاتحة في الصلاة
عبد الله بن إبراهيم الزاحم
مقدمة
المقدمة الحمد لله الذي وفق من شاء من عباده لعبادته, وهدى من شاء للتمسك بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أرجو برها والنجاة بها يوم الدين, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين, ومن اهتدى بهداه واستن بسنته إلى يوم الدين. أما بعد: فإن الصلاة شأنها عظيم, وأمرها خطير, فهي أهم أركان الإسلام بعد الشهادتين, وآكد شرائع الإسلام العملية, ولذا اختصها الله سبحانه وتعالى بخصائص دون غيرها من الأركان والشعائر. فكان الواجب العناية بأمرها, والاهتمام بشأنها, وتعظيم قدرها, والحرص على أدائها، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤديها أمام أصحابه رضي الله عنهم، وقد حضهم صلى الله عليه وسلم على أن يترسموا هديه في أدائها, وأن يصلوها كما علمهم أداءها, حتى إنه صلى الله عليه وسلم صلى مرة على المنبر: يقوم عليه، ويركع، ثم قال لهم: "إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي" 1, وقد أمرنا بالاقتداء والتأسي به في صلاته , فقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" 2, ومن أجل ذلك اهتم العلماء قديما وحديثا بالكتابة في جوانب متعددة من الصلاة, فمنهم من كتب في تعظيم قدرها وبيان أهميتها, ومنهم من كتب في الخشوع فيها, ومنهم من كتب في الأخطاء
التي يقع فيها بعض المصلين ... , فضلا عما جاء في بيان أحكامها وأفعالها في ثنايا تفسير الآيات وشروح الأحاديث, أو ما أورده الفقهاء في مصنفا تهم. فرأيت أن أدلي بدولي في جانب من تلك الجوانب التي لم أر من أفرد الحديث عنها 1، مع أهميته واختلاف الناس فيه، بل اختلاف المذاهب الفقهية في ذلك، ألا وهو: التأمين عقب الفاتحة في الصلاة. وقد أشار في فهرس المغني2, إلى مسائل التأمين, وأنها ثلاث: اثنتان منها في الصلاة, والثالثة خارجها. وهي: 1- التأمين عقب الفاتحة: للإمام، والمأموم، والمنفرد. 2- تأمين المأموم في القنوت. 3- التأمين عقب صلاة الاستسقاء, ويوم الجمعة والإمام يخطب, يدعو الإمام ويؤمّن الناس. والتأمين شِعار الصلاة الجهرية، وإظهار لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم قال ابن القيم: “التأمين من زينة الصلاة كرفع اليدين الذي هو زينة الصلاة، واتباع للسنة، وتعظيم أمر الله” 3. وقد اعتنى علماء السنة وأئمة الحديث والأثر بمسألة التأمين عقب الفاتحة في الصلاة، فأفردوها بأبواب، وخصوها بتراجم، فمن ذلك صنيع البخاري في جامعه الصحيح، إذ عقد لها أربعة أبواب: ثلاثة منها في كتاب الأذان، وهي:
1) باب جهر الإمام بالتأمين. 2) باب فضل التأمين. 3) باب جهر المأموم بالتأمين 1. والرابع في كتاب الدعوات، وهو: 4) باب التأمين 2. وقريبا منه فعل النسائي، إذ ترجم لها بثلاث تراجم في كتاب الافتتاح. هي: 5) جهر الإمام بآمين. 6) باب الأمر بالتأمين خلف الإمام. 7) فضل التأمين. وغيرهما من أصحاب كتب السنة ومصنفاتها. وذكرها ابن القيم في الأمثلة التي تُرِك فيها المحكم للمتشابه. فقال: “ المثال السابع والخمسون: ترك السنة المحكمة الصحيحة في الجهر بآمين في الصلاة ... ”3. ولما كان التأمين شعار الصلاة، التي هي أهم شعائر المسلمين الظاهرة, فهم يؤدونها في المساجد خمس مرات في كل يوم وليلة, وينتقل صداها إلى آفاق بعيدة عبر مكبرات الصوت. ولا ريب أن كثيرا من علا مات الاستغراب، أو الإنكار أثارها تأمين المصلين خلف إمامهم, أو تركهم له. ففي بلدنا هذا ـ أدام الله حفظه، وظهور السنة فيه ـ كم تساءل أناس حين رأوا من بعض الوافدين وجوما وسكوتا بعد فراغ الإمام من قراءة الفاتحة, ويكون ذلك ظاهراً إن كانوا
هم سواد أهل المسجد. وفي المقابل كم يجد الذاهب إلى بعض البلاد الإسلامية من نظرات الاستغراب أو الإنكار إذا دخل مسجدا ليصلي مع جماعته فلم يؤمّن في المسجد أحد سواه. وقد ازداد هذا الأمر أهمية في هذه الأزمنة, إذ أصبحت الصلاة تنقل عبر وسائل الإعلام من: تلفاز، وإذاعة، وقنوات فضائيات.. إلى أقصى الشرق والغرب, ويُشاهد ذلك ويلحظه غير المسلمين، فيرون هذا الاختلاف في صورة الصلاة الظاهرة, فهذا يؤمّن، وذاك لا يؤمّن, وهؤلاء يرتج المسجد بتأمينهم, وأولئك صامتون كأن على رؤوسهم الطير. فيكون هذا الاختلاف مثارَ استغراب أو استنكار. لماذا هذا التباين والتغاير في العبادة الواحدة بين المسلمين؟ وقد يقول قائلهم: لم يزل المسلمون في خلاف واختلاف فيما بينهم, حتى في أهم عبادتهم وهي الصلاة! ! فمن هنا رأيت أن هذه المسألة جديرة بالبحث والبيان, وأنه ينبغي تجليتها، وكشف النقاب عنها, ليعلم المسلم السنة الصحيحة في ذلك, فيكون الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم , والاهتداء بسنته عليه الصلاة والسلام. ولا ريب أن اتفاق المسلمين في شعائر صلاتهم، وصور عبادا تهم الظاهرة, له أثر في اتحاد قلوبهم, ووحدة كلمتهم, واجتماع شملهم, لأن لاتحاد الظاهر أثر كبير في اتحاد الباطن. أسأل الله أن يجمع شمل المسلمين، ويوحد صفوفهم على كلمة الحق والهدى. إنه ولي ذلك والقادر عليه. وقد سميته بـ: (التأمين عقب الفاتحة في الصلاة. حكمه، وصفته) . خطة البحث: قسمت البحث إلى: مقدمة، وسبعة مباحث، وخاتمة. وبعض المباحث
تضمنت مطالب، ومسائل. أما المقدمة: فقد ضمنتها الافتتاحية، وأهمية الموضوع، وخطة البحث، ومنهجه. وأما المباحث، فهي: المبحث الأول: وجعلته في معنى التأمين. المبحث الثاني: وجعلته في فضل التأمين. المبحث الثالث: وجعلته في صيغة التأمين. المبحث الرابع: وجعلته في حكم التأمين. المبحث الخامس: وجعلته في صفة التأمين. المبحث السادس: وجعلته في وقت التأمين. المبحث السابع: وجعلته في تدارك التأمين، وتكراره. وأما الخاتمة: فقد ضمّنتها خلاصة البحث، ونتائجه. منهج البحث: سلكت في كتابة هذا البحث, وجمع مادته العلمية المنهج التالي: 1) جمعت الأقوال العلمية من مصادرها الأصلية, ونسبتها إلى أصحابها. 2) رقّمت الآيات القرآنية وعزوتها إلى سورها. 3) خرجت الأحاديث النبوية من كُتُب السنة المعتدة, فإن كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بتخريجه منهما, وإن كان في غيرهما اجتهدت في تخريجه من كتب السنة, مع بيان درجته صحة وضعفا مستعينا في ذلك بأقوال أهل الاختصاص قديما وحديثا. 4) وثّقت أقوال المذاهب الفقهية بالرجوع إلى المصادر المعتمدة في كل مذهب.
1) شرحت الكلمات الغربية الواردة بالرجوع إلى المعاجم اللغوية وغريب الحديث. 2) لم أترجم للأعلام الواردين في البحث, لعدم مناسبة ذلك في مثل هذه البحوث المختصرة. 3) أرفقت في آخر البحث ثبتاً بالمصادر التي ورد ذكرها في ثنايا البحث. 4) والله أسأل أن يجعل عملي خالصاً لوجه الكريم, وأن ينفعني به يوم الدين, وأن يغفر لي ولوالدي ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين, وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
المبحث الأول: معنى التأمين
المبحث الأول: معنى التأمين التأمين في اللغة 1: مصدر أمَّن بالتشديد يؤمّن, والمراد به قول: آمين. قال عبد البر: “التأمين. قول الرجل: آمين. عند فراغه من قراءة الفاتحة الكتاب, والدعاء “2. وقد ذكر العلماء لمعنى (آمين) أقوالا عدّة منها: 1) إن معناها: اللهم استجب. هذا هو المشهور، وعليه جمهور العلماء قال ابن عبد البر: “ومعنى آمين عند العلماء: اللهم استجب لنا دعاءنا. وهو خارج عن قول القارئ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} إلى قوله {وَلا الضَّالِّينَ} فهذا هو الدعاء الذي يقع عليه التأمين”3. 2) وهو قريب مما قبله، ومما بعده: إنها دعاء 4. 3) إنها بمعنى: كذلك يكون5، أو ليكن كذلك.
1) إنها بمعنى: افعل 1. 2) إنها بمعنى: لا تخيّب رجاءنا. 3) إنها بمعنى: أشهد لله. 4) إنها بمعنى: لا يقدر على هذا غيرك. 5) إنها بمعنى: اللهم آمنا بخير. 6) إنها طابع الله على عباده يدفع به عنهم الآفات. 7) إنها كنز من كنوز العرش لا يعلم تأويله إلا الله. 8) إنها درجة في الجنة تجب لقائلها. 9) إنها لمن استُجيب له كما استجيب للملائكة. 10) إنها اسم من أسماء الله تعالى عزوجل، وأنها بمنزلة: يا الله 2. قال ابن قتيبة: معناها، يا أمين، أجب دعاءنا. فسقطت (يا) كما سقطت في قوله: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} يوسف، تأويله: يا يوسف. ومن طوّل الألف، قال: (آمين) أدخل ألف النداء على ألف أمين. كما يقال: آزيد أقبل. ومعناه: يا زيد3. وتُعُقِب: بأنه لا يصح عند أهل اللغة. إذ لو كان كما قيل، لرُفع، لأنه إذا أدخل (يا) على (آمين) كان منادى مفرداً، فحكم آخره الرفع،
فلما أجمعت العرب على فتح نونه دلّ على أنه غير منادى. وإنما فُتحت نون (آمين) لاجتماع الساكنين، ولم تُكسر، لثقل الكسرة بعد الياء 1. قال ابن حجر: “معناه: الله استجب عند الجمهور. وقيل: غير ذلك مما يرجع جميعه إلى هذا المعنى”2. وقال القرطبي: “معنى آمين عند أكثر أهل العلم: اللهم استجب لنا. وُضِع موضع الدعاء. وقال قوم: هو اسم من أسماء الله..، وقيل: معنى آمين: وكذلك فليكن. قاله الجوهري. وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما معنى، آمين؟ قال: “ربِّ افعل”. وقال مقاتل: هو قوة لدعاء، واستنزال للبركة. وقال الترمذي: معناه، لا تخيّب رجاءنا”3. وهي من أسماء الأفعال، موضوعة موضع اسم الاستجابة، مثل: (صه) موضوعة موضع سكوت. وحقها من الإعراب، الوقف، لأنها بمنزلة الأصوات. وهي مبنية على الفتح لاجتماع الساكنين. وإنما لم تكسر لثقل الحركة بعد الياء، كما فتحوا: أين، وكيف 4. وهي في الدعاء تُمد وتُقصر. المد على وزن (فاعيل) كياسين. والقصر على وزن (يمين) . ومن الممدود قول الشاعر: ياربِّ لا تسلُبَنِّي حبَّها أبداً ... ويرحم الله عبداً قال آمينا وقال آخر في المقصور: تباعد مني فُطْحُلٌ، إذ دعوتُه ... أمين، فزاد الله ما بيننا بُعْداً أراد: زاد الله ما بيننا بُعداً، آمين.
المبحث الثاني: فضل التأمين
المبحث الثاني: فضل التأمين سبقت الإشارة إلى أن التأمين على الدعاء، دعاء أيضاً، وطلب من السامع أن يستجيب الله دعاء الداعي، ويُحقق ما جاء ذكره على لسانه. وبهذا يكون المؤمِّن شريكاً له فيما يستحقه من فضل الدعاء وأجره. ولن يكون حديثنا في هذا المبحث عن فضل الدعاء، ومنزلته، وما جاء فيه من الترغيب، وأنواعه ... ، فإن تلك أمور يطول ذكرها، ولها أبوابها، بل مصنفاتها الخاصة بها. وإنما سيقتصر حديثنا على ما جاء في فضل التأمين على الدعاء. فمن ذلك: 1) الأمر بالتأمين، وأنه سبب لمغفرة الذنوب، إذا وافق تأمين الملائكة 1.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين. فإنه من وافق قوله قول الملائكة، غُفِر له ما تقدم من ذنبه” 1. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا أمَّن الإمام، فأمِّنوا. فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة، غُفِر له ما تقدم من ذنبه” قال ابن شهاب: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: آمين 2. قال القرطبي: “قال علماؤنا ـ رحمة الله عليهم ـ: فترتبت المغفرة للذنب على مقدمات أربع تضمنها هذا الحديث: الأولى، تأمين الإمام. الثانية، تأمين مَن خلفه. الثالثة، تأمين الملائكة. الرابعة، موافقة التأمين”3. وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا قال أحدكم: آمين. وقالت الملائكة في السماء آمين. فوافَقَتْ إحداهما الأخرى، غُفِر له ما
تقدَّم من ذنبه1“ 2. وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا قال الإمام: {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقال: آمين. فوافق آمين أهل الأرض، آمين أهل السماء، غفر الله للعبد ما تقدم من ذنبه. ومثل من يقول: آمين، كمثل رجل غزا مع قوم فاقترعوا، فخرجت سهامهم، ولم يخرج سهمه. فقال: لِمَ لَمْ يخرج سهمي؟ فقيل: إنك لم تقل: آمين” 3. وقال نافع: كان ابن عمر رضي الله عنه لا يدعه، ويحضهم. وسمعت منه في ذلك خيراً 4. 1) الأمر بالتأمين، وأنه سبب لإجابة الدعاء. فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا صليتم، فأقيموا
صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبّر، فكبروا، وإذا قال: {غير الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين، يُجبكم الله..” الحديث1. وعن حبيب بن سلمة الفهري رضي الله عنه ـ وكان مجاب الدعوة ـ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “لا يجتمع ملأ فيدعو بعضهم، ويؤمّن البعض، إلا أجابهم الله " 2. 1) التأمين على الدعاء كالطابع على الصحيفة. فعن أبي مصبح المقرائي قال: كنا نجلس إلى أبي زهير النميري رضي الله عنه وكان من الصحابة، فيحدث أحسن الحديث، فإذا دعا الرجل منا بدعاء، قال: اختمه بآمين. فإن آمين مثل الطابع على الصحيفة. قال أبو زهير: أخبركم عن ذلك؟ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فأتينا على رجل قد ألحّ في المسألة، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم يستمع منه، فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: “أوجَبَ، إن خَتَم”. فقال رجل من القوم: بأي شيء يختم؟ قال: “بآمين. فإنه إن ختم بآمين، فقد أوجب”. فانصرف الرجل الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم فأتى الرجل، فقال: اختم بآمين، وأبشر “ 3. 2) التأمين على الدعاء خاتم ربّ العالمين. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ آمين، خاتم رب العالمين “ 4.
قيل معناه: أنه طابع الله على عباده، لأنه يدفع به عنهم الآفات والبلايا. فكان كخاتم الكتاب، الذي يصونه ويمنع من فساده، وإظهار ما فيه لمن يكره علمه به، ووقوفه على ما فيه 1. 1) التأمين على الدعاء سبب لنيل درجةٍ في الجنة. روي ذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه 2. قيل معناه: أنها كلمة يكتسب بها قائلها درجة في الجنة3. 2) تحسدنا اليهود على قول: آمين. فعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ما حسدتكم اليهود على شيء، ما حسدتم على السلام، والتأمين” 4.
وعنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “.. إنهم ـ أي: اليهود ـ لا يحسدوننا على شيء كما يحسدون على يوم الجمعة، التي هدانا الله لها وضلّوا عنها. وعلى القِبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها. وعلى قولنا خلف الإمام: آمين “ 1. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ إن اليهود قوم حسد، حسدوكم على ثلاثة: إفشاء السلام، وإقامة الصف، وآمين “ 2. وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ ما حسدتكم اليهود على شيء، ما حسدتكم على آمين. فأكثروا من قول آمين “ 3. قال القرطبي: “قال علماؤنا ـ رحمة الله عليهم ـ إنما حسدنا أهل الكتاب، لأن أوّلها، حمد لله وثناء عليه، ثم خضوع له واستكانة، ثم دعاء لنا بالهداية إلى الصراط المستقيم، ثم الدعاء عليهم، مع قولنا: آمين “4. 1) كلمة (آمين) لم تكن لأحد قبلنا، إلا لموسى وهارون عليهما السلام. فعن أنس رضي الله عنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم جلوساً فقال: “ إن الله قد أعطاني خصالاً ثلاثة: أعطاني صلاة في الصفوف، وأعطاني التحية إنها لتحية أهل الجنة، وأعطاني التأمين، ولم يعطه أحداً من النبيين قبلي، إلا أن يكون الله قد أعطاه هارون، يدعو موسى، ويؤمّن هارون “ 5.
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ إن الله أعطى أمتي ثلاثاً لم تُعط أحداً قبلهم: السلام، وهو تحية أهل الجنة. وصفوف الملائكة. وآمين. إلا ما كان من موسى وهارون “ 1. قال القرطبي: “معناه: أن موسى دعا على فرعون، وأمّن هارون. فقال الله تبارك اسمه عندما ذكر دعاء موسى في تنزيله: {قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} ولم يذكر مقالة هارون. وقال موسى: ربنا. فكان من هارون، التأمين. فسمّاه داعياً في تنزيله، إذ صيّر ذلك منه دعوة. وقد قيل: إن آمين خاص لهذه الأمة 2.ـ وقد استدل على ذلك بحديثي عائشة، وابن عباس المتقدمين”3. 1) استغفار الملائكة لمن قال: (آمين) بعد قراءة الفاتحة. فعن أنس رضي الله عنه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ فاتحة الكتاب، ثم قال: آمين. لم يبق ملك في السماء مقرب إلا استغفر له “ 4.
1) يخلق الله من كل حرف من حروف (آمين) ملكاً يدعو لمن قال: آمين. قال وهب بن منَبِّه: آمين أربعة أحرف، يخلق الله من كل حرف ملكاً يقول: اللهم اغفر لكل من قال: آمين 1. 2) قيل: إن (آمين) اسم من أسماء الله. ولم يصح. فعن أبي هريرة، وهلال بن يِِساف، ومجاهد، وجعفر الصادق، والليث. قالوا: آمين اسم من أسماء الله عزوجل 2. وروي عن ابن عباس رضي الله عنه مرفوعاً، ولا يصح. قاله أبو بكر ابن العربي المالكي 3. 3) الحرص على إدراكها مع الرسول صلى الله عليه وسلم. فعن بلال رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، لا تسبقني بآمين 4.
المبحث الثالث: صيغة التأمين
المبحث الثالث: صيغة التأمين تقدّم أن المراد بالتأمين في اللغة، قول: (آمين) , وللتأمين ألفاظ وصيغ أخرى. منها 1: 1- أمين. بقصر الألف، وتخيف الميم. على وزن: يمين 2. 2- آمين. بمدّ الألف، وتخيف الميم. على وزن: ياسين، وعاصين. وهو أشهرها 3. 3- آمين. بمد الألف، وتخيف الميم، مع الإمالة 4.
1- آمِّين. بالمد مع التشديد. من أمَّ الشيء. إذا قصده. لكن أكثر أهل اللغة لم يذكروا ذلك. بل قال ثعلب، والجوهري وغيرهما: تشديد الميم، خطأ. قال الفيومي: “الموجود في مشاهير الأصول المعتمدة: أن التشديد خطأ. وقال بعض أهل العلم: التشديد لغة. وهو وهَمٌ قديم. وذلك أن العباس، أحمد بن يحي قال: وآمين، مثال عاصين، لغة. فتوهم أن المراد صيغة الجمع، لأنه قابله بالجمع. وهو مردود بقول ابن جني وغيره: أن المراد موازنة اللفظ، لا غير. قال ابن جني: وليس المراد حقيقة الجمع. ويؤيده قول صاحب التمثيل في الفصيح: والتشديد خطأ. ثم المعنى غير مستقيم على التشديد، لأن التقدير: ولا الضالين، قاصدين إليك. وهذا لا يرتبط بما قبله” 1. 2- أمِّين. بالقصر، مع التشديد. وأكثر أهل اللغة على أن ذلك خطأ. قال النووي: “في آمين لغات. قال العلماء: أفصحها، آمين، بالمد، وتخفيف الميم. والثانية، بالقصر. وهاتان مشهورتان. وثالثة، آمن، بالإمالة مع المد، حكاها الواحدي عن حمزة، والكسائي. والرابعة، بتشديد الميم مع المد، حكاها عن الحسن، والحسين بن الفضيل. قال: ويحقق ذلك ما روي عن جعفر الصادق. قال معناه: قاصدين نحوك، وأنت أكرم من أن تخيب قاصداً. هذا كلام الواحدي. وهذه الرابعة غريبة جداً، فقد عدّها أكثر أهل اللغة من لحن العوام. وقال جماعة من أصحابنا من قالها في الصلاة، بطلت صلاته”2.
وقد اختلفت المذاهب الفقهية فيما يجوز من صيغ التأمين، وما لا يجوز منها. وفيما يلي بيانٌ لأقوال المذاهب الفقهية، ثم أتبعها بخلاصة تلك الأقوال، وبيان مواضع الاتفاق، والاختلاف. فأقول مستعيناً بالله: * مذهب الحنفية: ذهب الحنفية إلى أن هناك ألفاظاً يحصل بها سنة التأمين، وألفاظاً أخرى يحصل بها التأمين، دون سنته، وألفاظاً أخرى تفسد بها الصلاة. وقد لخصها الحصكفي بقوله: “وأمّن. بمدّ، وقصر، وإمالة. ولا تفسد بمد مع تشديد، أو حذف ياء، بل بقصر مع أحدهما، أو بمد معهما. ثم قال: وهذا مما تفردت بتحريره”1. وبيان ذلك، فيما يلي: أولاً: ما تحصل به سنة التأمين. وهي ثلاثة صيغ: 1- آمين. بالمد، والتخفيف. 2- أمين. بالقصر، والتخفيف. 3- آمين. بالمد، والتخفيف، مع الإمالة. ثانياً: ما يحصل به التأمين، دون سنته. وهما صيغتان: 1- آمِّين. بالمد، مع التشديد، بلا حذف. قال ابن عابدين: “فلا يفسد. على المفتى به عندنا2، لأنه لغة فيها. حكاها الواحدي، ولأنه موجود في القرآن، لأنه له وجهاً، كما قال الحلواني: إن معناه، ندعوك قاصدين إجابتك. لأن معنى آمّين: قاصدين. وأنكر جماعة من مشايخنا كونها لغة، وحكم بفساد الصلاة “3.
1- آمن. بالمد، مع حذف الياء بلا تشديد. فلا تفسد به الصلاة. قال ابن عابدين: “ لوجوده في قوله تعالى: {وَيْلَكَ آمِنْ} ”1. ثالثاً: ما تفسد بها الصلاة. وهي عدّة صيغ: 1- آمِّن. بالجمع بين التشديد، وحذف الياء، مع المد. 2- أمِّن. بالقصر، مع التشديد، وحذف الياء. وحكى ابن عابدين عن صاحب الحلية، قوله: “ويظهر أن الأشبه، فساد الصلاة بها”2. 3- أمن. بالقصر، مع حذف الياء، بلا تشديد. قال ابن عابدين:“وفيه نظر، لوجوده في قوله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ} ”3 4- آمِّين. بالقصر، مع تشديد الميم بلا حذف 4. قال ابن عابدين: “وحاصل ما ذكره ـ أي الحصكفي ـ ثمانية أوجه: خمسة صحيحة، وثلاثة مفسدة، وبقي تاسع. وهو (أمِّن) بالقصر، مع التشديد، والحذف. وهو مفسد، لعدم وجوده في القرآن ... ، قلت: وقد ذكر هذا التاسع، مع الثامن، في البحر. وقال: ولا يبعد فساد الصلاة فيهما”5.
* مذهب المالكية: اقتصر المالكية على بيان ما يجوز من صيغ التأمين. وهما: 1- آمين. بالمد، والتخفيف. 2- أمين. بالقصر، والتخفيف. قال ابن جزي: “ويجوز: آمين. بالمد، والقصر، مع تخفيف الميم”1. ولم يفصلوا فيما لا يجوز من الصيغ الأخرى. ولكن ظاهر التنصيص على بعضها بالجواز، دليل على عدم جواز غيرها. وهل القول بعدم الجواز يقتضي بطلان الصلاة بغير تلك الألفاظ الجائزة؟ ظاهر القول بعدم الجواز، بطلان الصلاة بذلك. إلا أن للجهل تأثيراً في عدم القول بالبطلان. والله أعلم. * مذهب الشافعية: ذهب الشافعية إلى أن صيغ التأمين مختلفة الأحكام، فمنها ما يصح بها التأمين، ومنها ما لا يصح بها التأمين. وبيانها على النحو التالي: 1- آمين. بالمد والتخفيف. وهي أشهر اللغتين، وأفصحهما. قال النووي: “في آمين، لغتان مشهورتان. أفصحهما، وأشهرهما، وأجودهماعند العلماء: آمين. بالمد بتخفيف الميم، وبه جاءت روايات الحديث”2. 2- أمين. بالقصر، والتخفيف 3.
1- آمين. بالمد، والتخفيف، مع الإمالة. قال النووي: “وحكى الواحدي لغة ثالثة: آمين. بالمد، والإمالة، مخففة الميم. وحكاها عن حمزة والكسائي”1. 2- آمِّين. بالمد، مع التشديد. وهي لغة شاذة منكرة. والجمهور على أنها لا تجوز2. إلا أنهم اختلفوا في إبطال الصلاة بها. قال النووي: “قال جماعة من أصحابنا: من قالها في الصلاة، بطلت صلاته”3. وقال الشربيني: “ولو شدده، لم تبطل صلاته، لقصده الدعاء”4.
1- أمِّين. بالقصر، مع التشديد. قال الشربيني: “وحكى التشديد، مع القصر، والمد. أي: قاصدين إليك، وأنت أكرم أن لا تخيب من قصدك. وهو لحن. بل قيل: إنه شاذ، منكر. ولا تبطل به الصلاة، لقصده الدعاء به، كما صححه في المجموع”1. * مذهب الحنابلة: ما يجوز التأمين به. اقتصر الحنابلة في أكثر المصادر على جواز التأمين بالصيغتين المشهورتين فقط. وزاد بعضهم ثالثة، وهي: 1- آمين. بالمد، والتخفيف. وهي أرجح من القصر. قال مرعي: “آمين. بقصر، ومد، أولى”2. 2- أمين. بالقصر، والتخفيف. قال ابن أبي موسى: “آمين. مخففة غير مشددة. إن شاء بالقصر، وإن شاء بالمد”3. آمين. بالمد، والتخفيف، مع الإمالة. ذكر جواز التأمين بهذه الصيغة، البهوتي في شرح الإقناع. فقال: “والأولى في همزة آمين، المد. ذكره
1- القاضي. وظاهره، أن الإمالة وعدمها سيّان”1. ما لا يجوز التأمين به. صرّح الحنابلة على عدم جواز التأمين ببعض الصيغ. وهي: 1- آمِّين. بالمد، والتشديد. قال البعلي: “قال أصحابنا: ولا يجوز تشديد الميم، مع المد، لأنه يُخل بمعناه، فيجعله بمعنى: قاصدين”2. بل ذهبوا إلى حرمة ذلك، وبطلان الصلاة بها. قال البهوتي: “ويحرم تشديد الميم، لأنه يصير بمعنى قاصدين. قال في المنتهى: وحرم، وبطلت إن شدد ميمها”3. الخلاصة: بعد هذا التفصيل لمذاهب الفقهاء، وبيان صيغ التأمين الجائزة، وغير الجائزة. يمكن تلخيص ذلك فيما يلي: أولاً: صيغ التأمين الجائزة باتفاق. وبها تحصل سنة التأمين. وهما صيغتان: 1- آمين. بالمد، والتخفيف. 2- أمين. بالقصر، والتخفيف. ثانياً: صيغة ملحقة بالصيغ الجائزة. وهي: 1- آمين. بالمد، والتخفيف، مع الإمالة. وقد صرّح بجواز التأمين بها أصحاب المذاهب الثلاثة، عدا المالكية. والذي يظهر: أنها ملحقة بصيغ المد الجائزة. والله أعلم.
ثالثاً: صيغ مختلف في جوازها، وفي بطلان الصلاة بها. وهما صيغتان: 1- آمِّين. بالمد وتشديد الميم. واختلفوا في جواز التأمين بها: أ. فذهب الحنفية إلى جواز التأمين بها. ب. وذهب أصحاب المذاهب الأخرى (المالكية، والشافعية، والحنابلة) إلى عدم جواز التأمين بها، لكونها شاذة منكرة. واختلفوا في بطلان الصلاة بها: - فذهب الشافعية إلىعدم بطلان الصلاة بها، في الأظهر. - وذهب الحنابلة إلى بطلان الصلاة بها. وبه يقول المالكية فيما يظهر. وهو أظهر القولين. والله أعلم. 2- آمن. بالمد والتخفيف مع حذف الياء. ذهب الحنفية إلى جواز التأمين بها. ولم يذكرها أصحاب المذاهب الأخرى (المالكية، والشافعية، والحنابلة) والذي يظهر: عدم جواز التأمين بها، وبطلان الصلاة بها، لعدم إفادتها المعنى المراد من التأمين على الدعاء. والله أعلم. رابعاً: صيغ لا يجوز التأمين بها باتفاق. وفي بطلان الصلاة بها خلاف. وهي: 1- أمِّين. بالقصر، مع تشديد الميم بلا حذف. اتفق أصحاب المذاهب على عدم جواز التأمين بها، لشذوذها، ونكارتها: أ. وذهب الشافعية فيما ذكره الشربيني، إلى عدم بطلان الصلاة بها، لشبهها بنظيرتها آمِّين. ب. وذهب الآخرون إلى بطلان الصلاة بها. وهو الأظهر. والله أعلم. خامساً: صيغ تبطل الصلاة بها باتفاق. وهي: 1- آمِّن. بالجمع بين التشديد، وحذف الياء، مع المد.
1- أمِّن. بالقصر، مع التشديد، وحذف الياء. 2- أَمن. بالقصر، مع حذف الياء، بلا تشديد. هذه الصيغ ذكرها الحنفية ونبّهوا على عدم جوازها، وبطلان الصلاة بها، وهم أكثر المذاهب تفصيلاً في هذا الباب. فغيرهم أولى بهذا القول، لمنعهم صيغاً، وألفاظاً أجازها الحنفية. والله أعلم. مسألة: الزيادة في لفظ التأمين سبق بيان ألفاظ التأمين، وصيغه الجائزة. وفي هذا الفرع، أتناول الزيادة في لفظ التأمين، كأن يقول: بعد فراغه من الفاتحة: آمين رب العالمين. وقد اختلف العلماء في ذلك: القول الأول: لا مانع من الزيادة في التأمين، إذا كانت تلك الزيادة من ذكر الله. بل هي زيادة حسنة. وإلى هذا القول ذهب: الشافعية 1. القول الثاني: لا يُستحب الزيادة على قول: آمين. وإن كانت الزيادة من ذكر الله. اعتباراً باللفظ الوارد في ذلك. وإلى هذا القول ذهب: الحنابلة 2. ويشهد لما ذهب إليه أصحاب القول الأول، بعض الآثار عن التابعين. فمن ذلك:
1- عن مجاهد قال: إذا قال: {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقل: الله إني أسألك الجنة، وأعوذ بك من النار 1. 2- وكان إبراهيم النخعي يستحب إذا قال: {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} أن يقال: اللهم اغفر لي. آمين 2. 3- وكان الربيع بن خيثم إذا قال: {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقال: اللهم اغفر لي. آمين 3. * الرأي المختار: هذه المسألة مخرّجة على الزيادة في التكبير، كما نبّه على ذلك صاحب المبدع4. فالأولى الاقتصار على قول: آمين. وعدم الزيادة عل ذلك، لما يلي: 1. إن الاقتصار على قول: آمين. هو الثابت من قوله، وفعله صلى الله عليه وسلم. ففي الاقتصار عليه، وعدم الزيادة، التزام بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وامتثال لأمره، وتمسك بسنته. 2. لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم الزيادة على قول: آمين. ولم يفعله أصحابه رضي الله عنهم حال حياته، لتثبت بذلك السنة. مع تكرر الصلاة في كل يوم وليلة في الفرائض وغيرها. ولا ريب أن الخير في التمسك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بسنته. من اقتصر على قول: آمين. لا يُعاب، ولا يُلام. ولا يُوصف فعله بعدم الاستحباب. بخلاف من أتى بالزيادة، فلا يخلو من إطلاق ذلك عليه.
1. وأقلّه القول: بعدم استحباب فعله. والله أعلم. 2. ما دلّ عليه حديث رفاعة بن رافع رضي الله عنه وما في معناه من جواز الزيادة في الصلاة على الذكر الوارد، حيث روى أنه قال: “ كنا يوماً نصلي وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من الركعة، وقال: "سمع الله لمن حمده". قال رجل وراءه ربنا ولك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه. فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من المتكلم آنفاً"؟ قال الرجل: أنا يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبهنّ أول “ 1. وقول ابن عبد البر: “إن الذكر كله من التحميد والتهليل والتكبير، جائز في الصلاة، وليس بكلام تفسد به الصلاة. بل هو محمود، ممدوح فاعله. بدليل حديث هذا الباب..، وفي حديث هذا الباب لمالك أيضاً دليل على أن الذكر كله، والتحميد والتمجيد، ليس بكلام تفسد به الصلاة. وأنه كله محمود في الصلاة المكتوبة والنافلة، مستحب مرغوب فيه. وفي حديث معاوية بن الحكم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو: التكبير، والتسبيح، والتهليل، وتلاوة القرآن “ 2. فهذا مما دلت السنة على جواز الزيادة فيه من مواضع الذكر، وهو في القيام حال استفتاح الصلاة، وبعد الذكر، ومثله الجلوس بين السجدتين. وهو بخلاف التأمين. والله أعلم.
المبحث الرابع: حكم التأمين عقب الفاتحة
المبحث الرابع: حكم التأمين عقب الفاتحة مدخل ... المبحث الرابع: حكم التأمين عقب الفاتحة المراد بحكم التأمين: بيان مشروعيته وعدمها، ثم بيان نوع المشروعية، أو عدمها من الأحكام التكليفية، كالوجوب، أو الندب، أو الكراهة، أو غيرها. وقراءة الفاتحة إما أن تكون في الصلاة، وإما أن تكون خارجها, والذي يعنينا في هذه الدراسة، هو التأمين عقب الفاتحة في الصلاة، إلا أنه إتماماً للبحث فسأقدم لحكم التأمين عقب الفاتحة خارج الصلاة. التأمين عقب الفاتحة خارج الصلاة: يُشرع لمن يقرأ الفاتحة أن يقول بعدها: آمين. قال ابن الهمام: “مشروعية التأمين بعد قراءة الفاتحة. اعلم أن السنة الصحيحة الصريحة الثابتة تواتراً قد دلّت على ذلك”1. والدليل على مشروعية التأمين لمن يقرأ الفاتحة، ما رواه وائل بن حجر رضي الله عنه قال: ” سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقال: آمين. مدّ بها صوته “2. وظاهر هذا الحديث: مشروعية التأمين لمن يقرأ الفاتحة مطلقاً، سواء أكانت القراءة في الصلاة، أم خارجها. قال ابن كثير: “قال أصحابنا وغيرهم: ويستحب ذلك لمن هو خارج الصلاة، ويتأكد في حق المصلي. وسواء كان منفرداً، أو إماماً، أو مأموماً، وفي جميع الأحوال، لما جاء في الصحيحين عن أبي
هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ إذا أمّن الإمام، فأمّنوا. فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غُفِر له ما تقدم من ذنبه “ 1. ومما يؤكد هذا الإطلاق، وأنه يُشرع التأمين عَقِِب 2قراءة الفاتحة، وإن كانت القراءة خارج الصلاة، حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ إذا قال أحدكم: آمين. وقالت الملائكة في السماء: آمين. فوافقت إحداهما الأخرى، غفر له ما تقدم من ذنبه “ 3. ولما كان الحديث مطلقاً لم يُقيّد هذا التأمين بكونه في الصلاة، ترجم له البخاري بـ: (باب فضل التأمين) . قال ابن حجر: “أورد فيه رواية الأعرج، لأنها مطلقة غير مقيّدة بحال الصلاة”4. وقال في التلخيص الحبير: “روى البخاري في الدعوات من صحيحه من حديث أبي هريرة رفعه: “ إذا أمّن القارئ فأمّنوا “ فالتعبير بالقارئ أعمّ من أن يكون داخل الصلاة، أو خارجها, وفي رواية لهما: “ إذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقال من خلفه: آمين ... “ الحديث. وقد تقدّم حديث الدارقطني، والحاكم بلفظ: “ كان إذا فرغ من قراءة أم القرآن قال: آمين. “) 5. وقد يُقال أيضاً: إن حديث أبي هريرة مع إطلاقه، وعدم تقييده ذلك بالصلاة،
يتناول عمومه السامع أيضاً. فليس هذا الفضل مختصاً بالقارئ وحده. والذي يظهر لي: أن المراد بالتأمين هنا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه:التأمين في الصلاة، لا خارجها. يدلّ لذلك ما جاء في رواية مسلم: “ إذا قال أحدكم في الصلاة: آمين ... ” الحديث. فتُحمل هذه الرواية المطلقة، وكذلك رواية البخاري: “إذا أمّن القارئ، فأمّنوا..” الحديث 1. إذ يتناول إطلاقها كل قارئ، سواء أكان في الصلاة، أم خارجها، على الرواية المقيدة ذلك بالصلاة. فإن الحديث واحد اختلفت ألفاظه2. ولذا ذهب بعض العلماء إلى القول بأن التأمين خارج الصلاة، إنما طريقه القياس على القراءة في الصلاة 3. والله أعلم. التأمين عقب الفاتحة في الصلاة: مشروعية التأمين بعد الفراغ من قراءة الفاتحة في الصلاة، هل هي لكل مصلٍ، سواء أكان إماماً، أم مأموماً، أم منفرداً، أم أن ذلك خاص بالمأموم وحده بعد فراغ الإمام من قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية؟ هذا ما سأعرض له في هذا المبحث في المطالب التالية: المطلب الأول: مشروعية التأمين للإمام. المطلب الثاني: مشروعية التأمين للمأموم. المطلب الثالث: مشروعية التأمين للمنفرد. المطلب الرابع: المراد بمشروعية التأمين.
المطلب الأول: مشروعية التأمين للإمام.
المطلب الأول: مشروعية التأمين للإمام اختلف العلماء ـ رحمهم الله تعالى ـ في مشروعية التأمين للإمام على قولين: القول الأول: يُشرع للإمام التأمين بعد فراغه من قراءة الفاتحة. وإلى هذا القول ذهب: جمهور العلماء. منهم: أبو حنيفة وأصحابه 1، والشافعي في القديم، وهو الأصح2، وأحمد3، وداود4، والليث5، ومالك في
رواية المدنيين1، وفقهاء المدينة 2، والثوري، وعطاء، وإسحاق، وأبو ثور، والأوزاعي، وابن المبارك3، وابن أبي شيبة، والطيالسي4، والبخاري، ومسلم5، وابن خزيمة، وابن المنذر 6وغيرهم. وهو مروي عن ابن عمر، وابن الزبير7. وقال الترمذي: (وبه يقول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم، يرون أن يرفع الرجل صوته بالتأمين، لا يُخفيها. وبه
يقول: الشافعي، وأحمد، وإسحاق) 1. القول الثاني: لا يُشرع للإمام التأمين عقب قراءة الفاتحة. وإنما يُشرع لمن خلفه من المأمومين. وإلى هذا القول ذهب: أبو حنيفة في رواية الحسن عنه2، ومالك في رواية ابن القاسم، وهو قول ابن القاسم، والمصريين من أصحاب مالك3، والمشهور في المذهب: أنه لا يؤمّن في الجهرية 4.
الأدلة: استدل أصحاب القول الأول، القائلون: بمشروعية التأمين للإمام. بما يلي: 1- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ إذا أمّن الإمام، فأمّنوا. فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة، غُفِر له ما تقدم من ذنبه “. قال ابن شهاب: ”وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: آمين. “ 1. وقال ابن عبد البر في بيان وجه الاستدلال
منه: “في هذا الحديث أيضاً: أن الإمام يقول: آمين، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا أمّن الإمام، فأمّنوا “. ومعلوم أن تأمين المأموم قوله: آمين. فكذلك يجب أن يكون قول الإمام سواء، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سوّى بينهما في اللفظ، ولم يقل: إذا دعا الإمام، فأمّنوا”. وقال أيضاً: “ومعلوم أن قوله صلى الله عليه وسلم: “ إذا أمن الإمام، فأمنوا “ لم يرد به فادعوا مثل دعاء الإمام {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} إلى آخر السورة. وهذا ما لا يختلف فيه. وإنما أراد من المأموم قول: آمين، لا غير. وهذا إجماع من العلماء. فكذلك أراد من الإمام قول: آمين. لا الدعاء بالتلاوة، لأنه قد سوى بينهما في لفظه صلى الله عليه وسلم بقوله: “ إذا أمّن الإمام، فأمنوا “ فالتأمين من الإمام، كهو من المأموم سواء. وهو قول: آمين. هذا ما يوجبه ظاهر الحديث. فكيف وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم “ أنه كان يقول آمين إذا فرغ من قراءة فاتحة الكتاب “ وهذا نص يرفع الإشكال، ويقطع الخلاف. وهو قول جمهور علماء المسلمين”1. 2- وعن وائل بن حُجر رضي الله عنه قال: “ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ {وَلا الضَّالِّينَ} قال: آمين. ويرفع بها صوته “. وفي رواية “ ومدّ بها صوته “ 2.
وفي رواية “ يجهر بها “ 1. وفي رواية “ رفع صوته بآمين، وطوّل بها”2. 3- وعن أبي ميسرة قال: لما أقرأ جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتحة الكتاب، فبلغ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} قال: "قل آمين". فقال: "آمين “ 3.
4- وعن علي رضي الله عنه قال: “ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: {وَلا الضَّالِّينَ} قال: آمين “ 1. 5- وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين. فإن الملائكة تقول: آمين. وإن الإمام يقول: آمين. فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة، غُفر له ما تقدّم من ذنبه “ 2. 6- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال ترك الناس آمين. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} قال: آمين. حتى يسمعها أهل الصف الأول، فيرتج بها المسجد “ 3.
7- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ إذا أمّن القارئ فأمّنوا. فإن الملائكة تُؤمِّن، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة، غُفِر له ما تقدم من ذنبه” 1. 8- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من أم القرآن رفع صوته، فقال: آمين” 2. 9- وعن نعيم المجمر قال: صليت وراء أبي هريرة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن حتى بلغ ولا الضالين. فقال: آمين. وقال الناس: آمين. ويقول كلما سجد: الله أكبر. وإذا قام من الجلوس: قال الله أكبر. ويقول إذا سلم: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم “ 3.
10- وقال بلال للنبي صلى الله عليه وسلم: “ لا تسبقني بآمين “ 1. 11- وقال عطاء: “ أمّن ابن الزبير ومن وراءه، حتى إن للمسجد لَلَجَّة “ 2. 12- وقال عطاء: “ كنت أسمع الأئمة يقولون على إثر أم القرآن: آمين. هم أنفسهم، ومن وراءهم، حتى إن للمسجد للجة “ 3. 13- وقال عطاء: “كان أبو هريرة ينادي الإمام: “لا تَفُتني بآمين “ 4. 14-وقال عطاء:“ لقد كان لنا دوي في مسجدنا هذا بآمين. إذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} “ 5. وقال عكرمة: “ لقد أدركت الناس ولهم ضجة في مساجدهم
15- بآمين. إذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} 1. وجه الاستدلال منها: هذه الأحاديث والآثار ظاهرة الدلالة على مشروعية التأمين للإمام2، وأنه يقول بعد الفراغ من قراءة الفتحة: (آمين) 3. بل إن بعضها لصريحة في ذلك، إذ جاء فيها التصريح بأن الإمام يقول: آمين. فهي لا تحتمل التأويل، أو الصرف عما دلت عليه. ولذلك قال ابن حزم بعد أن ذكر جملة من الآثار الدالة على ذلك: “فهذه آثار متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن كان يقول: “آمين” وهو إمام في الصلاة، يسمعها من وراءه. وهو عمل السلف..”4.
واستدل أصحاب القول الثاني، القائلون بعدم مشروعية التأمين للإمام، بما يلي: 1- بما رواه مالك في الموطأ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين. فإنه من وافق قوله قول الملائكة، غُفر له ما تقدم من ذنبه “ 1. 2- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقال من خلفه: آمين. فوافق ذلك قول أهل السماء: آمين. غُفر له ما تقدم من ذنبه “ 2. 3- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين “ 3. وعن عبد الجبار بن وائل بن حجر عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“ إذا قال الإمام: {وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين “ 1. 5-وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبيّن لنا سنتنا، وعلّمنا صلاتنا، فقال: “ إذا صليتم، فأقيموا صفوفكم، ثم ليؤمك أحدكم، فإذا كبّر، فكبروا، وإذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين. يُجبكم الله “ 2. 6-وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا يقول: “ لا تبادروا الإمام، إذا كبّر، فكبروا. وإذا قال: {وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين.. “ الحديث 3. وجه الاستدلال منها: هذه الأحاديث ظاهرة الدلالة في أن الإمام يقتصر في قراءته على قول: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} وأنه لا يقول: آمين. وإنما يقولها من خلفه من المأمومين 4. وقالوا: الجمع بين الأحاديث يقتضي حمل قوله صلى الله عليه وسلم: “ إذا أمّن الإمام، فأمّنوا “ على المجاز. أي: بلغ موضع التأمين. كما يُقال: أنجد. أي: بلغ نجداً، وإن لم يدخلها 5.
1- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان ينادي الإمام: “ لا تفتني بآمين “ 1. وجه الاستدلال منه: قالوا: إن معنى “ لا تفتني بآمين “ أي: لا تُنازعني بالتأمين. الذي هو وظيفة المأموم. 2- وقالوا: إن الإمام يدعو في قراءته {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} الآيات. فناسب أن يختص المأموم بالتأمين، لأنه جواب للدعاء 2.
1- وقالوا: قول الإمام في قراءته: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} إلى آخر السورة، دعاء. والدعاء يُسمى تأميناً 1. 2- وقالوا: إن القسمة تقتضي أن الإمام لا يقولها 2. وجه ذلك: ما روى أبو موسى الأشعري، وأبو هريرة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه، فإذا كبّر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا، وإذا قال: {وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا لك الحمد “ قسم التحميد والتسميع بين الإمام والقوم، فجعل التحميد لهم، والتسميع له. وفي الجمع بين الذكرين من أحد الجانبين، إبطال هذه القسمة، وهذا لا يجوز، وكان ينبغي أن لا يجوز للإمام التأمين أيضاً بقضية هذا الحديث. وإنما عرفنا ذلك لما روينا من الحديث 3.
سبب اختلافهم: يتضح مما سبق أن سبب اختلاف العلماء ـ رحمهم الله ـ فيما ذهبوا إليه، هو ما يُظن من تعارض الآثار في المسألة. وقد نبّه على ذلك ابن رشد. فقال: “سبب اختلافهم: أن في ذلك حديثين متعارضي الظاهر: أحدهما، حديث أبي هريرة المتفق عليه في الصحيح أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إذا أمّن الإمام فأمّنوا”. والحديث الثاني، ما خرّجه مالك عن أبي هريرة أيضاً أنه قال: صلى الله عليه وسلم: “ إذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين “ 1. فأما الحديث الأول، فهو نص في تأمين الإمام. وأما الحديث الثاني، فيُستدل منه على أن الإمام لا يؤمّن. وذلك أنه لو كان يؤمّن، لما أمر المأموم بالتأمين عند الفراغ من أم الكتاب قبل أن يؤمّن الإمام، لأن الإمام كما قال عليه الصلاة والسلام: “ إنما جعل الإمام ليؤتم به “. إلا أن يُخص هذا من أقوال الإمام. أعني: أن يكون للمأموم أن يؤمن معه، أو قبله. فلا يكون فيه دليل على حكم الإمام في التأمين. ويكون إنما تضمن حكم المأموم فقط. ولكن الذي يظهر: أن مالكا ذهب مذهب الترجيح للحديث الذي رواه، لكون السامع هو المؤمّن، لا الداعي. وذهب الجمهور لترجيح الحديث الأول، لكونه نصاً، ولأنه ليس فيه شيء من حكم الإمام. وإنما الخلاف بينه وبين الحديث الآخر في موضع تأمين المأموم فقط. لا في هل يؤمِّن الإمام، أو لا يؤمِّن؟ فتأمل هذا. ويمكن أيضا أن يُتأول الحديث الأول، بأن يقال: إن معنى قوله: ” فإذا أمن الإمام فأمنوا “ أي: فإذا بلغ موضع التأمين. وقد قيل: إن التأمين، هو الدعاء. وهذا عدول عن الظاهر، لشيء غير مفهوم من الحديث إلا بقياس.
أعني: أن يُفهم من قوله: “ فإذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فأمنوا “ أنه لا يؤمن الإمام”1. * الرأي المختار: ما ذهب إليه أصحاب القول الأول، القائلون بمشروعية التأمين للإمام، هو الرأي المختار، وذلك لمما يلي: 1. قوّة ما استدلوا به من أدلة دالة على مشروعية التأمين للإمام. إذ أن منها نصوصاً صريحة في تأمين الإمام. وأنه يقول: آمين. بعد فراغه من قراءة الفاتحة، وقوله: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} . 2. أكّد ابن شهاب الزهري ما صرّحت به النصوص والأدلة، موضحاً ما كان عليه حال النبي صلى الله عليه وسلم في قراءته. إذ قال: “ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: آمين “. فلم يبق بعد ذلك أدنى احتمال في عدم تأمين النبي صلى الله عليه وسلم عقب الفاتحة. 3. إن ما استدل به أصحاب القول الثاني، وإن كان ظاهره اقتصار الإمام على قول: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} وأنه لا يقول آمين، إلا أن هذا التعارض بين النصوص الصحيحة يقتضي الجمع والتوفيق بينها إذا كان ذلك ممكناً قبل المصير إلى الترجيح، لأن في الجمع إعمالاً للأدلة كلها. وأما الترجيح، فهو إعمال لبعض الأدلة، وإهمال لبعضها الآخر. وبالنظر في تلك الأدلة السابقة يتبين: أن ما استدل به أصحاب القول الثاني يمكن حمله على أن المراد به: التعريف بوقت تأمين المأموم، وبيان الموضع الذي يُقال فيه: آمين. وهو إذا قال الإمام: {وَلا الضَّالِّينَ} ليكون قولهما في آن واحد. فلا يتقدّم المأموم الإمام
بقول: آمين. ولا يتأخر عنه. بل قد جاء التصريح بذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين. فإن الملائكة تقول: آمين. والإمام يقول: آمين. فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة، غُفِر له ما تقدّم من ذنبه “ 1. 1. إن قوله صلى الله عليه وسلم: “ فقولوا: آمين “ ليس خاصاً بالمأموم. بل يتناول عمومه جميع المصلين: من الإمام، والمأموم. وليس في الأحاديث ما يمنع ذلك. إذ ليس فيها التصريح بعدم تأمين الإمام، أو نهيه عن ذلك. 2. إن تأويل قول أبي هريرة رضي الله عنه: “ لا تفتني بآمين “ بمعنى: لا تنازعني التأمين، الذي هو وظيفة المأموم. تأويل بعيد. إذ أن الأقرب لمعنى “ لا تفتني “ أي: لا تسبقني. إذ كان أبو هريرة رضي الله عنه حريصاً على إدراكها مع الإمام، لما في إدراكها من فضيلة. وقد جاء هذا المعنى صريحاً في رواية عبد الرزاق: “ لا تسبقني بآمين “. وهو نحو قول بلال رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم:“ لا تسبقني بآمين “ 2. 3. وأما استدلالهم بالآية على اختصاص الإمام بالدعاء، والمأموم بالتأمين. فقد كفانا أبو محمد، ابن حزم الجواب عليه، فقال ـ كما هي عادته في التعنيف أثناء ردوده ومناقشاته ـ: “واحتج أيضا في أن لا يقول الإمام: آمين. إذا قال: بسم الله الرحمن الرحيم، بأن موسى عليه السلام إذا دعا، لم يؤمّن، وأمّن هارون عليهما السلام. فسماهما تعالى داعيين بقوله تعالى: {قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} قال أبو محمد: وفي هذا الاحتجاج من الغثاثة، والبرد،
والسقوط، والمجاهرة بالقبيح، ما فيه. لأنه يقال له، قبل كل شيء: من أخبرك أن موسى عليه السلام دعا ولم يؤمِّن، وأن هارون أمَّن ولم يدع؟ وهذا شيء إنما قاله بعض المفسرين بغير إسناد إلى النبي صلى الله عليه وسلم 1، ومثل هذا لا يؤخذ إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن كافة تنقل عن مثلها إلى ما هنالك. فمن فاته هذان الوجهان، فقد فاته الحق، ولم يبق بيده إلا المجاهرة بالكذب، وأن يقفو ما ليس له به علم، أو أن يروي ذلك عن إبليس الملعون فإنه قد أدرك لا محالة تلك المشاهد كلها، إلا أنه غير ثقة. ثم يقال له: هذا لو صح لك ما ادعيت من أن موسى دعا ولم يؤمن، وأن هارون أمن ولم يدع. فأي شيء في هذا مما يبطل قول النبي صلى الله عليه وسلم عن الإمام: “ وإذا أمّن فأمنوا “ وقول الراوي: إن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الإمام، كان يقول إذا فرغ من أم القرآن في الصلاة: آمين. هذا ولعل موسى قد أمّن إذ دعا، ولعل هارون دعا إذ دعا موسى، وأمّنَا، أو أمّن أحدهما، أو لم يؤمّن واحد منهما. ونص القرآن يوجب أنهما دعوا معا بقوله تعالى: {قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} وليس في القرآن دليل على تأمين وقع منهما، ولا من أحدهما ... “ 2. 1. أما قولهم: إن الدعاء تأمين. كما أن التأمين دعاء. فقد أجاب عنه ابن عبد البر، فقال: “ما قالوه من هذا كله فليس فيه حجة. فليس في شيء من اللغات: أن الدعاء يسمى تأمينا3. ولو صح لهم ما ادعوه وسلم لهم ما تأولوه لم يكن فيه إلا أن التأمين يسمى دعاء وأما أن الدعاء يقال له: تأمين، فلا. وإنما قال الله عزوجل: {قَدْ
أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} ولم يقل: قد أجيب تأمينكما. فمن قال: الدعاء تأمين. فمغفل، لا رؤية له. على أن قوله عزوجل: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} إنما قيل لأن الدعوة كانت لهما، وكان نفعها عائدا عليهما بالانتقام من أعدائهما. فلذلك قيل: {أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} ولم يقل: دعوتاكما. ولو كان التأمين دعاء، لقال: قد أجيبت دعوتاكما. وجائز أن يسمى المؤمّن داعياً، لأن المعنى في آمين: اللهم استجب لنا. على ما قدمنا ذكره. وهذا دعاء وغير جائز أن يسمى الدعاء تأمينا. والله أعلم “ 1. 1. أما قولهم: إن التأمين جواب للدعاء، فيختص به المأموم, أو قولهم: إن القسمة تقتضي أن الإمام لا يقولها. فالجواب عليه: إن سُلِّم هذا التعليل، فإنه لا تُعارض به النصوص الصحيحة الصريحة في تأمين النبي صلى الله عليه وسلم، وإخباره بأن الإمام يؤمِّن2. وهو خبر بمعنى الأمر، لما فيه من الحث والترغيب3. والله أعلم. 2. أما قولهم: إن معنى “ إذا أمّن الإمام “ أي: إذا بلغ موضع التأمين، أو أراد التأمين. فالجواب عليه، كما قال ابن العربي: هذا بعيد لغة وشرعاً. وقال ابن دقيق العيد: “ هذا مجاز. فإن وُجِد دليل يُرجحه على ظاهر الحديث..، عُمِل به، وإلا فالأصل عدم المجاز “ 4.
المطلب الثاني: مشروعية التأمين للمأموم.
المطلب الثاني: مشروعية التأمين للمأموم اختلف العلماء ـ رحمهم الله تعالى ـ في مشروعية التأمين للمأموم، إذا جهر الأمام بالقراءة. على قولين: القول الأول: يُشرع للمأموم التأمين مطلقاً. سواء كانت الصلاة جهرية، أم سرِّية. وإلى هذا القول ذهب: جمهور العلماء، وَهَمُ القائلون بمشروعية التأمين للإمام, منهم: أصحاب المذاهب الأربعة: “ أبو حنيفة1، ومالك في رواية2، والشافعي في الأصح3، وأحمد في المشهور4“) . القول الثاني: يُشرع للمأموم التأمين مطلقاً في الصلاة السرية. وفي الجهرية إذا سمع إمامه يقول في قراءته: {وَلا الضَّالِّينَ} 5.
وإلى هذا القول ذهب: مالك وأصحابه في المشهور 1. القول الثالث: لا يُشرع للمأموم التأمين مطلقاً. وإلى هذا القول ذهب: طائفة من العلماء 2. القول الرابع: لا يُشرع للمأموم التأمين، إذا جهر الإمام به. وإلى هذا القول ذهب: الشافعي في الجديد 3. القول الخامس: لا يُشرع للمأموم التأمين في الصلاة السرية، ولو سمع
تأمين الإمام. وإلى هذا القول ذهب: أبو حنيفة في قول 1. الأدلة: استدل أصحاب القول الأول، القائلون بمشروعية التأمين للمأموم، بجملة الأدلة والأحاديث الواردة في الفرع السابق، ومنها: 1- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ إذا أمَّن الأمام، فأمّنوا. فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غُفِر له ما تقدّم من ذنبه” قال ابن شهاب: “وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول آمين “. 2- وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فبيّن سنتنا، وعلّمنا صلاتنا..، وفيه: “ وإذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين. يُجبكم الله “. 3- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين. فإنه من وافق قوله، قول الملائكة غُفِر له ما تقدّم من ذنبه “. وجه الاستدلال منها: الأدلة السابقة جميعها فيها أمر النبي صلى الله عليه وسلم المأموم بالتأمين. وفي ذلك دلالة صريحة على مشروعية التأمين له. بل في حديث أبي موسى، وأبي هريرة دلالة على مشروعية التأمين للمأموم، ولو لم يؤمّن الإمام. قال ابن حجر: “ وقيل في الجمع
بينهما: المراد بقوله: “ إذا قال: {وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين “ أي: ولو لم يقل الإمام آمين “1. واستدل القائلون بعدم مشروعية التأمين للمأموم. بما يلي: بقوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} قالوا: التأمين دعاء، فالمشروع إخفاؤه، لا إعلانه والجهر به. قال الجصاص: (فيه الأمر بالإخفاء للدعاء. قال الحسن: في هذه الآية علّمكم كيف تدعون ربكم. وقال لعبد صالح رضي دعاءه: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} وروى مبارك عن الحسن قال: كانوا يجتهدون في الدعاء، ولا يسمع إلا همساً. وروى موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعهم يرفعون أصواتهم. فقال: “ يا أيها الناس إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً “ 2. وروى سعد بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ خير الذكر الخفي، وخير الرزق ما يكفي “ 3. وروى بكر بن خنيس عن ضرار عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ عمل البر كله نصف العبادة، والدعاء نصف العبادة “ 4. وروى سالم عن أبيه عن
1- عمر رضي الله عنهم قال: “ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع يديه في الدعاء لا يردّهما حتى يمسح بهما وجهه “ 1. قال أبو بكر: (في هذه الآية وما ذكرنا من الآثار دليل على أن إخفاء الدعاء أفضل من إظهاره. لأن الخفية، هي البر. روي ذلك عن ابن عباس، والحسن. وفي ذلك دليل على أن إخفاء آمين بعد قراءة فاتحة الكتاب في الصلاة أفضل من إظهاره، لأنه دعاء..، وقال بعض أهل العلم: إنما كان إخفاء الدعاء أفضل، لأنه لا يشوبه رياء) 2. 2- وقال الحسن البصري: لقد أدركنا أقواماً ما كان على الأرض عمل يقدرون على أن يكون سراً، فيكون جهراً أبداً. ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء، فلا يُسمع إن هو إلا الهمس بينهم وبين ربهم. وذلك أن الله تعالى يقول: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} وذكر عبداً صالحاً رضي فعله، فقال: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً} 3. 3- قالوا والدليل على أنه دعاء، قوله تعالى: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} وقد كان هارون يؤمّن على دعاء موسى، فسمّاهما الله داعيَيْن 4.
واحتج القائلون بعدم تأمين المأموم في الصلاة السرية. بما يلي: 1- بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ إذا أمّن الإمام، فأمّنوا “ الحديث. قالوا: علّق صلى الله عليه وسلم تأمين المأموم على تأمين الإمام. وفي الصلاة السرّية لا يُعلم تأمين الإمام. فلا يُشرع له التأمين. ولو سمع تأمينه، أو تأمين غيره، لأن هذا الجهر لا عبرة به 1. * الرأي المختار: ما ذهب إليه أصحاب القول الأول، وأنه يُشرع للمأموم التأمين مطلقاً. سواء كانت الصلاة جهرية، أم سرِّية. هو الرأي المختار. وذلك لما يلي: 1. قوّة ما استدلوا به من أدلّة، إذ دلّت النصوص الصحيحة الصريحة، على أن المأمومين يؤمِّنون على قراءة الإمام. وأنهم يقولون خلفه: آمين. 2. القول: بأن التأمين دعاء، وأن إخفاءه أولى. الجواب عنه: إن إخفاء الدعاء إنما كان أفضل لما يدخله من الرياء، وأما ما يتعلق بصلاة الجماعة، فشهودها إشهار شعار ظاهر، وإظهار حق. يُندب العباد إلى إظهاره. وقد نُدِب الإمام إلى إشهار قراءة الفاتحة المشتملة على الدعاء والتأمين في آخرها. فإذا كان الدعاء مما يُسن الجهر به، فالتأمين على الدعاء تابع له، وجار مجراه2. والله أعلم.
المطلب الثالث: مشروعية التأمين للمنفرد.
المطلب الثالث: مشروعية التأمين للمنفرد اختلف العلماء ـ رحمهم الله تعالى ـ في مشروعية التأمين للمنفرد. على قولين: القول الأول: يُشرع للمنفرد التأمين بعد الفاتحة. وإلى هذا القول ذهب: جمهور العلماء. ومنهم: أصحاب المذاهب الأربعة: “ أبو حنيفة1، ومالك في المشهور2، والشافعي3، وأحمد4 “. قال الكاساني في بدائع الصنائع: “فإذا فرغ من الفاتحة يقول: آمين. إماماً كان، أو مقتدياً، أو منفرداً. وهذا قول عامة العلماء”5. القول الثاني: لا يُشرع للمنفرد التأمين بعد الفاتحة. وإلى هذا القول ذهب: مالك في رواية 6.
الأدلة: استدل أصحاب القول الأول، وهم الجمهور، القائلون: بمشروعية التأمين للمنفرد. بما يلي: 1- بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ إذا قال أحدكم: آمين. وقالت الملائكة في السماء: آمين..” الحديث 1. وجه الاستدلال منه: إن عموم الحديث يتناول كل مؤمّن. سواء أكان إماماً، أم مأموماً، أم منفرداً2. قال الزيلعي: “في اللفظة ـ أي: هذه الرواية ـ فائدة أخرى، وهي: اندراج المنفرد فيه. وغير هذا اللفظ إنما هو في الإمام، أو في المأموم، أو فيهما “3. 2- وبحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ إذا أمّن الإمام، فأمّنوا. فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة، غُفِر له ما تقدّم من ذنبه “. قالوا: والمنفرد في معناهما. ويجهر بها فيما يجهر به 4. واستدل أصحاب القول الثاني، القائلون: بعدم مشروعية التأمين للمنفرد بالأدلة الدالة على مشروعية التأمين للمأموم. وهي: 1- حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ إذا أمّن الإمام فأمّنوا..” 2- وحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه مرفوعاً. وفيه: “.. وإذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين “. 3- وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين “.
3- وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين “. وجه الاستدلال منها: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المأموم بالتأمين. وعلّقه بتأمين الإمام، وفراغه من قراءته. وقوله: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فدلّ ذلك على اختصاص المأموم بالتأمين. وعدم مشروعية التأمين للمنفرد. * الرأي المختار: القول بمشروعية التأمين للمنفرد. هو الرأي المختار. لما يلي: 1. قوّة ما استدل به أصحاب هذا القول. إذ أن حديث أبي هريرة رضي الله عنه “إذا قال أحدكم آمين“ يتناول عمومه المنفرد أيضاً. 2. تنبيه الإمام في بعض الأحاديث على التأمين بعد الفراغ من قراءة الفاتحة. لا يقتضي اختصاصه بذلك الحكم. بل يتناول المنفرد أيضاً، لأنه في معناه في مشروعية القراءة، فيُشرع له التأمين مثله. 3. إن القول باختصاص المأموم بالتأمين. قد مضى تقرير ضعفه في مشروعية التأمين للإمام. والله أعلم.
المطلب الرابع: المراد بمشروعية التأمين.
المطلب الرابع: المراد بمشروعية التأمين لا خلاف بين العلماء ـ رحمهم الله تعالى ـ أن من ترك التأمين بعد فراغه من قراءة الفاتحة، فصلاته صحيحة، لأن التأمين ليس ركناً من أركان الصلاة 1. ولا خلاف بين عامة العلماء أيضاً: أن (آمين) ليست من الفاتحة 2. قال شيخ الإسلام: “ وهم ـ أي: الصحابة رضي الله عنهم ـ قد جرّدوا المصحف عما ليس من القرآن حتى إنهم لم يكتبوا التأمين “3. وحكاه بعضهم إجماعاً 4. واتفقوا: على أنه لا يسجد لتركها 5. فعن ابن جريج أنه قال لعطاء: نسيتُ آمين. قال: لا تعد، ولا تسجد للسهو 6. وإنما اختلفوا في المراد بهذه المشروعية. وهل يختلف حكم التأمين بين الإمام والمأموم والمنفرد، أم يستوون في ذلك؟ اختلفوا في ذلك على أقوال عدة: القول الأول: إن التأمين مستحب. فيندب للمصلي الذي يُشرع له التأمين. سواء كان إماماً، أم مأموماً، أم منفرداً، الإتيان بهذه السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم والمحافظة عليها، اتباعاً واقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم في صلاتهم.
وإلى هذا القول ذهب: جمهور العلماء1. ومنهم أصحاب المذاهب الأربعة: “ أبو حنيفة2، ومالك3، والشافعي4، وأحمد 5“) . القول الثاني: إن التأمين واجب على كل مصلٍ. وإلى هذا القول ذهب: الظاهرية 6. القول الثالث: إن التأمين واجب على المأموم وحده، دون الإمام.
وإلى هذا القول ذهب: بعض أهل العلم1. وابن حزم2، واختاره الشوكاني إذا أمّن الإمام 3. القول الرابع: يكره التأمين لمن لا يُشرع في حقه التأمين، وهو الإمام. وإلى هذا القول ذهب: المالكية في المشهور، وهي رواية ابن القاسم عن مالك 4.
المبحث الخامس: صفة التأمين
المبحث الخامس: صفة التأمين مدخل ... المبحث الخامس: صفة التأمين المراد بصفة التأمين: بيان حال التأمين من الجهر ورفع الصوت به، أو إخفائه والإسرار به. والمراد بالجهر بالقراءة: إظهارها، والإعلان بها. يُقال: جهر بقراءته، وأجهر بها. ويُعدَّ ى بنفسه، وبالباء. ومنه قوله تعالى: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} 1. وأقل الجهر عند المالكية لرجل: أن يسمع نفسه، ومن يليه. وجهر المرأة إسماعها نفسها فقط. والإسرار بها: إخفاؤها، وعدم إظهارها. ويُعدَّ ى بنفسه، وبالباء أيضاً. فيُقال: أسرّ الفاتحة، وأسرّ بها. وأقله عند المالكية لرجل: حركة لسان بدون إسماع نفسه. وأعلاه إسماع نفسه فقط. وقالوا: إذا اقتصر على القراءة القلبية، لم يكن قارئاً بالكلية. واتفق العلماء على أنه: يُجهر بالقراءة في: صلاة الصبح، والجمعة، والعيد، والاستسقاء، والكسوف، وأولتي المغرب، والعشاء. ويُسر في: صلاة الظهر، والعصر، وآخرة المغرب، وآخرتي العشاء. واختلفوا في حكم الإسرار في موضعه: فذهب الجمهور (من: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة) إلى أنه سنة. إلا أن المالكية يرون مشروعية سجود السهو، لتركه على المشهور. وهذا منهم على أصلهم في التفريق بين السنة والمستحب. قال ابن جزي: “ من أسر فيما يجهر فيه، سجد قبل السلام في المشهور. وقيل: بعده. ومن جهر فيما يسر فيه، سجد بعد السلام في المشهور. وقيل: قبله. وهذا في السهو. فإن تعمّد ترك الجهر والسر، ففيه ثلاثة
أقوال: البطلان، والسجود، والإجزاء دون سجود “1. واختلف العلماء في قراءة المرأة على أقوال: القول الأول: يُشرع للمرأة الجهر في الصلاة الجهرية، مع المحارم والنساء، إن لم يسمع صوتها أجنبي. وبه قال: الشافعية، وأحمد في رواية. القول الثاني: تجهر إن صلت بنساء، ولا تجهر إن صلت وحدها. قاله شيخ الإسلام ابن تيمية. القول الثالث: لا تجهر المرأة، ولو لم يسمع صوتها أجنبي، بل يحرم. ولا تبطل صلاتها بالجهر. قال ابن الهمام: “ ولو قيل: إذا جهرت بالقراءة في الصلاة، فسدت. كان متجهاً”. وبه قال: الحنفية، والمالكية، وأحمد في المشهور، والشافعية في وجه 2. فهل يرفع المصلي صوته بقول: (آمين) حال جهره، أو جهر إمامه بالقراءة، أو يخفض صوته بذلك؟ ولا تداخل بين هذا المبحث، والذي قبله، فإن المراد بالحكم: بيان مشروعية التأمين، أو عدمها. ثم بيان نوع تلك المشروعية من عدمها من جهة: الوجوب، أو الندب، أو غيرهما من الأحكام التكليفية. فلا تلازم ولا تداخل بين المبحثين. بل هما جانبان مختلفان، ومسألتان متغايرتان, وقد نبّه على نحو ذلك ابن عابدين، إذ قال: “الإسرار بها سنة أخرى. فعلى هذا سنية الإتيان بها تحصل
ولو مع الجهر بها “ 1. وقد اتفق العلماء ـ رحمهم الله تعالى ـ القائلون بمشروعية التأمين، على أنه لا يُشرع الجهر بالتأمين حال الإسرار بالقراءة. قال النووي: “ إن كانت الصلاة سرّية، أسرّ الإمام وغيره بالتأمين تبعاً للقراءة “2. وإنما اختلفوا في صفة التأمين حال الجهر بالقراءة. هل الأفضل والسنة الجهر به، أم السنة إخفاؤه والإسرار به؟ وهل تختلف صفة تأمين المأموم عن الإمام والمنفرد، أم يستوون في ذلك؟ هذا ما سأتناوله في المطالب التالية: المطلب الأول: صفة تأمين الإمام. المطلب الثاني: صفة تأمين المأموم. المطلب الثالث: صفة تأمين المنفرد.
المطلب الأول: صفة تأمين الإمام.
المطلب الأول: صفة تأمين الإمام اختلف العلماء القائلون بمشروعية التأمين للإمام في صفة تأمينه. هل يجهر به أم يُسر؟ اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال: القول الأول: إنه يَجْهر به فيما يجهر فيه بالقراءة، ويُخْفيه فيما يخفي فيه. وإلى هذا القول ذهب: جمهور أهل الحديث، وهم القائلون بمشروعية التأمين له. منهم: مالك في رواية المدنيين1، والشافعي2، وأحمد3، وداود4. وهو مروي عن أبي هريرة، وابن الزبير رضي الله عنهم 5. القول الثاني: إنه لا يجهر بالتأمين. بل السنة إخفاؤه. وإلى هذا القول ذهب: أبو حنيفة6،
ومالك في المشهور1، وأحمد في رواية2، وعطاء3، والثوري4، والطبري5. وهو مروي عن عمر، وعلي، وابن مسعود رضي الله عنهم 6. القول الثالث: أنه مخير بين الجهر وعدمه. وإلى هذا القول ذهب: ابن بكير من المالكية 7.
الأدلة: استدل أصحاب القول الأول، القائلون: إن الإمام يجهر بالتأمين، بأدلة مضى جُلُّها في مشروعية التأمين للإمام. منها: 1- عن وائل بن حُجر رضي الله عنه قال: “ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ {وَلا الضَّالِّينَ} قال: آمين. ويرفع بها صوته “. وفي رواية “ ومدّ بها صوته “. وفي رواية “ يجهر بها “. وفي رواية “ رفع صوته بآمين، وطوّل بها “ 1. 2- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من أم القرآن، رفع صوته فقال: آمين “. 3- وعنه رضي الله عنه قال: ترك الناس آمين. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} قال: آمين. حتى يسمعها أهل الصف الأول، فيرتج بها المسجد “. 4- وعن أم الحصين أنها صلت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قال: {وَلا الضَّالِّينَ} قال: آمين. فسمعته، وهي في صفّ النساء “ 2. 5- وقال ابن شهاب: ” وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: آمين. “ 3. وجه الاستدلال منها: هذه الأحاديث نصوص صحيحة صريحة في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر
بالتأمين، ويرفع بها صوته. فدلّ ذلك على أن السنة للإمام الجهر بقول: آمين. ورفع الصوت بها 1. 1- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ إذا أمّن الإمام، فأمّنوا. فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة، غُفِر له ما تقدّم “. 2- وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ إذا أمّن القارئ، فأمنوا. فإن الملائكة تؤمّن. فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة، غُفِر له ما تقدّم من ذنبه “. وجه الاستدلال منهما: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتأمين عند تأمين الإمام. فلو كان الإمام لا يجهر به، لم يُعلِّق النبي صلى الله عليه وسلم تأمين المأمومين بتأمين الإمام، ولكان حالة الجهر بالقراءة، كحالة الإخفاء. فدلّ ذلك على أن الإمام يجهر بالتأمين – حال جهره بالقراءة – بحيث يسمعه المأمومون 2. قال ابن عبد البر في هذا الحديث: (دليل على أن الإمام يجهر بآمين ... ، ولولا جهر الإمام بها ما قيل لهم: “إذا أمّن الإمام، فأمّنوا”. ومن لا يجهر، لا يُسمع. ولا يُخاطب أحد بحكاية من لا يَسمع قوله) 3. 3- وقال عطاء: “ كنت أسمع الأئمة يقولون على إثر أم القرآن: آمين. هم أنفسهم. ومن وراءهم. حتى إن للمسجد للجة “ 4. وقال منصور بن ميسرة: “ صلّيت مع أبي هريرة رضي الله عنه فكان إذا قال: {غَيْرِ
الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} قال: آمين. حتى يُسمعنا. فيؤمّن من خلفه..” 1. 10- وقالوا: إن التأمين تابع للفاتحة، فيكون حكمه حكمها في الجهر والإسرار، كالسورة 2. واستدل أصحاب القول الثاني. القائلون بأنه لا يجهر بها. بما يلي: 11-بقوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} قالوا: التأمين دعاء، فالمشروع إخفاؤه، لا إعلانه، والجهر به 3. 2- وبحديث وائل بن حُجْر رضي الله عنه قال: “ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ: {وَلا الضَّالِّينَ} قال: آمين. وخفض بها صوته “ 4. 3- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين. فإن الملائكة تقول: آمين. وإن الإمام يقول: آمين. فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة، غُفِر له ما تقدّم من ذنبه “ 5.
وجه الاستدلال من حديث أبي هريرة: قالوا: دلّ الحديث على أن الإمام لا يجهر بالتأمين. وإنما يُسرِّه ويُخافت به. إذ لو كان الإمام يجهر بالتأمين، لكان مسموعاً، ولما احتيج إلى التنبيه إلى ذلك، والإعلام به 1. 1- وبحديث: “ خير الدعاء الخفي، وخير الرزق ما يكفي “ 2. 2- وبأثر ابن مسعود رضي الله عنه: “ أربع يُخفيهن الإمام: التعوذ، والتسمية، وآمين، وربنا لك الحمد “ 3. 3- وقالوا: إن التأمين دعاء، فيُستحب إخفاؤه، لا الجهر به، كالتشهد 4. 4- قالوا: والدليل على أنه دعاء، قوله تعالى: {قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} وقد كان هارون يؤمّن على دعاء موسى. فسمّاهما الله داعِيَيْن 5. وقالوا: إن ما جاء في بعض الأحاديث أنه رفع بها صوته. فالجواب عليه: إنه كان اتفاقاً، لا قصداً. أو كان لتعليم الناس أن الإمام يؤمّن كما يؤمّن القوم6.
1- قال الكاساني: “حديث وائل طعن فيه النخعي، وقال: أشَهِد وائل، وغاب عبد الله ـ ثم قال: ـ ولا حجة في الحديث الآخر، لأن مكانه معلوم، وهو ما بعد الفراغ من الفاتحة، فكان التعليق صحيحاً “ 1. * الرأي المختار: هو القول: بأن الإمام يجهر بالتأمين. وهذا ما رجّحه بعض المحققين من المالكية أيضاً، كابن العربي إذ قال: “والصحيح عندي: تأمين الإمام جهراً”2. وذلك لما يلي: 1. قوّة ما استدل به أصحاب هذا القول، فإن الأدلة التي استدلوا بها نصوص صريحة صحيحة في أن الإمام يجهر بالتأمين. 2. إن هذه السنة الثابتة إن خفيت على بعض الفقهاء، وتركها بعض الناس في وقت متقدم، فقد كان من يعلم بها من الصحابة، يعمل بها، ويُعلنها، ويدعو الناس إليها، ويُذكِّرهم بها. يدلّ لذلك: أ - قول أبي هريرة رضي الله عنه: ترك الناس آمين ... ب - وقول عطاء: “أمّن ابن الزبير ومن وراءه، حتى إن للمسجد لَلَجَّة”. أما قولهم: إن التأمين دعاء، وإن إخفاءه أولى. فالجواب عليه: إن إخفاء الدعاء إنما كان أفضل لما يدخله من الرياء. وأما ما يتعلق بصلاة الجماعة، فشهودها، إشهارٌ، وشعار ظاهر، وإظهار حق. يُندب العباد إلى إظهاره. وقد نُدِب الإمام إلى إشهار قراءة الفاتحة المشتملة على الدعاء، والتأمين في آخرها. فإذا كان الدعاء مما يُسن الجهر به، فالتأمين على التأمين تابع
1. له، وجار مجراه 1. 2. وأما قولهم: إن التأمين، كالتشهد، فيُستحب إخفاؤه. فالجواب عليه: إن التأمين تابع للقراءة، فيتبعها في الجهر. وأما دعاء التشهد فتابع له، فيتبعه في الإخفاء 2. وقال أبو بكر ابن خزيمة: “في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ” إذا أمّن الأمام، فأمّنوا “ ما بان وثبت أن الإمام يجهر بآمين. إذ معلوم عند من يفهم العلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يأمر المأموم أن يقول: آمين.عند تأمين الإمام، إلا والمأموم يعلم أن الإمام يقوله. ولو كان الإمام يُسر آمين، لا يجهر به، لم يعلم المأموم أن إمامه قال: آمين. أو لم يقله. ومُحال أن يُقال للرجل: إذا قال فلان: كذا، فقل مثل مقالته، وأنت لا تسمع مقالته. وهذا عين المحال، وما لا يتوهمه عالم أن النبي صلى الله عليه وسلم يأمر المأموم أن يقول: آمين. إذا قاله إمامه، وهو لا يسمع تأمين إمامه. قال أبو بكر: فاسمع الخبر المصرح بصحة ما ذكرت أن الإمام يجهر بآمين عند قراءة فاتحة الكتاب – ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: “ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من أم القرآن رفع صوته، فقال: آمين “3. وقال في موضع آخر: “باب فضل تأمين المأموم إذا أمّن إمامه، رجاء مغفرة ما تقدم من ذنب المؤمِّن إذا وافق تأمينه تأمين الملائكة، مع الدليل على أن على الإمام الجهر بالتأمين إذا جهر بالقراءة، ليسمع المأموم تأمينه. إذ غير جائز أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم المأموم بالتأمين إذا أمّن إمامه، ولا سبيل له إلى معرفة تأمين الإمام إذا أخفى
الإمام التأمين”1. وأختم ذلك بما أورده ابن القيم عن الشافعي. فقال: “قال الربيع: سئل الشافعي عن الإمام هل يرفع صوته بآمين؟ قال: نعم ويرفع بها من خلفه أصواتهم. فقلت: وما الحجة؟ فقال: أنبأنا مالك وذكر حديث أبي هريرة المتفق على صحته، ثم قال: ففي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إذا أمّن الإمام، فأمنوا “ دلالة على أنه أمر الإمام أن يجهر بآمين، لأن من خلفه لا يعرفون وقت تأمينه إلا بأن يسمع تأمينه، ثم بيّنه ابن شهاب فقال: ”كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: آمين “ فقلت للشافعي: فإنا نكره الإمام أن يرفع صوته بآمين. فقال: هذا خلاف ما روى صاحبنا وصاحبكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو لم يكن عندنا وعندهم علم إلا هذا الحديث الذي ذكرناه عن مالك، فينبغي أن يستدل بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر بآمين، وأنه أمر الإمام أن يجهر بها. فكيف ولم يزل أهل العلم عليه؟ وروى وائل بن حجر: ” أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: آمين. يرفع بها صوته “ ويحكي مده إياها. وكان أبو هريرة يقول للإمام: ” لا تسبقني بآمين” وكان يؤذن له. أنبأنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء: ” كنت أسمع الأئمة ابن الزبير ومن بعده يقولون: آمين. ومن خلفهم آمين. حتى إن للمسجد للجة “2.
المطلب الثاني: صفة تأمين المأموم.
المطلب الثاني: صفة تأمين المأموم لا خلاف بين العلماء القائلين بمشروعية التأمين للمأموم، أنه لا يجهر به، إذا أسرّ الإمام بالقراءة. أي: في الصلاة السرِّية، كالظهر، والعصر. واختلفوا في صفة تأمينه إذا جهر الإمام. أي: في الصلاة الجهرية: كالفجر، والمغرب، والعشاء، والجمعة، والعيدين وغيرها1. اختلفوا في ذلك على قولين: القول الأول: إن المأموم يجهر بالتأمين، إذا جهر الإمام بالقراءة. وإلى هذا القول ذهب: القائلون بمشروعية التأمين له. ومنهم: أصحاب المذاهب الثلاثة: (مالك في رواية المدنيين 2، والشافعي في القديم وهو الأصح3،
وأحمد1“. القول الثاني: إن المأموم لا يُشرع له الجهر بالتأمين، وإنما يُسر به، ولو جهر الإمام بالقراءة. وإلى هذا القول ذهب: أبو حنيفة 2، ومالك في المشهور3،
والثوري1، والشافعي في الجديد 2. القول الثالث: إن كان المسجد كبيراً والخلق كثيراً، جهر المأموم. وإن كان صغيراً يسمعون تأمين الإمام، لم يجهر المأموم. وإلى هذا القول ذهب: الشافعية في قول 3. القول الرابع: إن ترك الإمام التأمين جهلاً أو نسياناً، جهر به المأموم ليذكّره. أما إذا جهر به الإمام، فإن المأموم يُسر به 4. وإلى هذا القول ذهب: الشافعية في قول 5. الأدلة: استدل القائلون: بأن المأموم يجهر بالتأمين، إذا جهر الإمام بالقراءة. بما يلي: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين. فإنه من وافق قوله قول الملائكة، غُفر له ما تقدّم من ذنبه “. وقد ترجم له البخاري بقوله: (باب
1- جهر المأموم بالتأمين) . قال ابن حجر: “قال الزين بن المنير: مناسبة الحديث للترجمة من جهة أن في الحديث الأمر بقول: آمين. والقول إذا وقع به الخطاب مطلقاً، حُمِل على الجهر. ومتى أريد به الإسرار، أو حديث النفس، قيّد بذلك. وقال ابن رشيد: تُؤخذ المناسبة منه من جهات: -منها: أنه قال: “ إذا قال الإمام..، فقولوا “ فقابل القول بالقول. والإمام إنما قال ذلك جهراً، فكان الظاهر الاتفاق في الصفة. - ومنها: أنه قال: “ فقولوا “ ولم يقيّده بجهر ولا غيره. وهو مطلق في سياق الإثبات. وقد عُمل به في الجهر بدليل ما تقدّم. يعني: في مسألة الإمام. والمطلق إذا عُمِل به في صورة، لم يكن حجة في غيرها باتفاق. - ومنها: أنه تقدّم أن المأموم مأمور بالاقتداء بالإمام. وقد تقدم: أن الإمام يجهر. فلزم جهره، بجهره 1. اهـ) 2. 2- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ إذا أمّن الإمام، فأمّنوا. فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه “ متفق عليه. 3- وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ إذا أمّن القارئ، فأمّنوا. فإن الملائكة تؤمّن. فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه “ متفق عليه. 4- وعن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: “ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ {وَلا الضَّالِّينَ} قال: آمين. ويرفع بها صوته”. وفي رواية “ومدّ بها صوته”. وفي رواية “يجهر بها”. وفي رواية “رفع صوته بآمين، وطوّل بها”.
1- وقال عطاء: “كان ابن الزبير يؤمِّن، ويؤمّنون حتى إن للمسجد للجة” 1. 2- وعنه قال: “ أدركت مائتين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المسجد، إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} سمعت لهم رجّة، بآمين “ 2. 3- وقال نافع: “ ابن عمر رضي الله عنه كان إذا ختم أم القرآن قال. آمين. لا يدع أن يؤمّن إذا ختمها. ويحضهم على قولها “ 3. واستدل القائلون: بأن المأموم لا يجهر بالتأمين. بجملة الأحاديث الدالة على عدم جهر الإمام بالتأمين، والتي مضت في المطلب السابق. ويستوي في ذلك: الإمام، والمأموم، والمنفرد. ومنها: 1- قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} 4. فظاهر هذه الآية الكريمة: أن المأموم مأمور بالاستماع لقراءة إمامه، والإنصات لها. والجهر بالتأمين، مناف للإنصات. فدلّ ذلك على أنه لا يُشرع للمأموم الجهر بالتأمين. 2- وبحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” إذا أمّن الإمام، فأمّنوا..” الحديث. وقالوا: إن المراد بتأمين الإمام. أي: إرادته للتأمين. ويدل لذلك المعنى الحديث التالي. وبحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ إذا قال الإمام: {وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين. فإن الإمام يقولها “ قالوا: دلّ الحديث على أن الإمام لا يجهر بالتأمين. وإنما يُسرّه، ويُخافت به. إذ لو كان الإمام يجهر بالتأمين، لكان
1- مسموعاً، ولما احتيج إلى التنبيه إلى ذلك والإعلام به. وفي الحديث أيضاً: أمر المأموم أن يقولها، كما يقولها الإمام. والإمام يقولها من غير جهر. فكذلك المأموم يقولها من غير جهر. فإن قيل: إن الحديث دليل على جهر الإمام بالتأمين، لأنه علق تأمينهم بتأمينه. فالجواب: إن موضع التأمين معلوم. فإذا سمع لفظة {وَلا الضَّالِّينَ} كفى، لأن الشارع طلب من المأموم1 التأمين بعده، فصار من التعليق بمعلوم الوجود 2. 2- وبحديث وائل بن حجر رضي الله عنه قال: “ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ: {وَلا الضَّالِّينَ} قال: آمين. وخفض بها صوته “ 3. 3- وبحديث ابن مسعود رضي الله عنه: “ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في صلاته: آمين. وخفض بها صوته “ 4. 4- وقالوا: إنه ذِكْر مسنون في الصلاة، فلم يجهر به المأموم، كالتكبيرات5. 5- وقالوا: إنه دعاء. والمندوب فيه الإسرار 6. 6- وقالوا: إن عمل الناس على الإسرار به، وعدم الجهر به 7.
أما القائلون بالتفريق بين المسجد الصغير والكبير: فرأوا أن مدار ذلك على سماع تأمين الإمام. فإن كان المسجد صغيراً يبلغهم تأمين الإمام ويسمعونه، فلا حاجة إلى الجهر به، بل يؤمّنون سراً. وإن كان لا يبلغهم تأمينه لكبر المسجد، فكانت الحاجة إلى الجهر به، ليبلّغوا تأمينه، فيؤمّن بقية المأمومين 1. * الرأي المختار: هو القول بأن المأموم يجهر بالتأمين، إذا جهر الإمام بالقراءة. سواء جهر الإمام به أم لم يجهر، وسواء كان المسجد صغيراً أم كبيراً. وذلك لما يلي: 1. الأحاديث الصحيحة جاءت صريحة في أن المأموم يقول: آمين. وهذا القول يقتضي أن يجهر به، كما يجهر الإمام بقول: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} في الصلاة لجهرية. 2. مضى في المطلب السابق ترجيح أن الإمام يجهر بالتأمين للنصوص الصحيحة الصريحة. وهذه النصوص قد سوّت بين الإمام والمأموم، كما في حديث “ إذا أمّن الإمام، فأمنوا “. 3. الثابت عن جمع كبير من الصحابة رضي الله عنهم هو الجهر بالتأمين. 4. إن ما استدل به المخالفون: إما أدلة غير صحيحة، كحديث وائل بن حجر من رواية شعبة “ وخفض بها صوته “ وإما غير صريحة، فلا يعارض بها الأحاديث الصحيحة الصريحة. 5. خفاء هذه السنة على البعض، وعدم العلم بها، لا يكون مسوغاً في ردّها، لأن من علم حجة على من لم يعلم. والله أعلم.
المطلب الثالث: صفة تأمين المنفرد.
المطلب الثالث: صفة تأمين المنفرد اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ في صفة قراءة المنفرد، على قولين: القول الأول: يُشرع للمنفرد، وللمسبوق إذا أتمّا صلاتهما ما يُشرع للإمام، من الجهر والإسرار في موضعه. وبه قال: الحنفية، والمالكية، والحنابلة في رواية، والشافعية 1.قال الشربيني: “يُستحب للإمام والمنفرد، الجهر في الصبح.. للاتباع والإجماع في الإمام، وللقياس عليه في المنفرد”2. القول الثاني: يُخير المنفرد بين الجهر والإسرار. وبه قال: الحنفية، الحنابلة، والجهر أفضل عند الحنفية 3. وقال المرداوي: “المنفرد والقائم لقضاء ما فاته مع الإمام، يُخير بين الجهر والإخفات. على الصحيح من المذهب”4. وسبق تقرير اتفاق العلماء ـ رحمهم الله ـ القائلين: بمشروعية التأمين، بأنه لا يُشرع الجهر به حال الإسرار بالقراءة. قال النووي: “إن كانت الصلاة سرّية، أسرّ الإمام وغيره بالتأمين تبعاً للقراءة”5. وإنما اختلافهم في صفة التأمين حال الجهر بالقراءة 6. هل الأفضل، والسنة الجهر، ورفع الصوت بها، أم الأفضل إخفاؤها والإسرار بها؟
اختلف العلماء في صفة تأمين المنفرد، على قولين: القول الأول: إن المنفرد يجهر بالتأمين حال جهره بالقراءة. وإلى هذا القول ذهب: الشافعي1، وأحمد 2. القول الثاني: إنه يسر بها، ولو جهر بالقراءة. وإلى هذا القول ذهب: أبو حنيفة3، ومالك في المشهور 4. الأدلة: احتج أصحاب القول الأول، القائلون: إن المنفرد يجهر بالتأمين. بما يلي: 1- قالوا: إن صفة التأمين من الجهر وعدمه، مرتبط بصفة القراءة، لأن التأمين تابع للقراءة. فمتى شُرع الجهر بالقراءة، فالتأمين تابع لها. قال النووي: “ويجهر بها الإمام والمنفرد في الصلاة الجهرية، تبعاً للقراءة”5. 2- وقالوا: يُشرع للمنفرد الجهر بالتأمين، كالمأموم. قال الرملي: “وأما المنفرد فبالقياس على المأموم”6.
واحتج أصحاب القول الثاني، القائلون: إن المنفرد لا يجهر بالتأمين بما يلي: 1- بجملة الأحاديث الدالة على عدم جهر الإمام، والمأموم بالتأمين. والتي سبق ذكرها في المطلبين السابقين. 2- وقالوا: لا يُشرع للمنفرد الجهر بالتأمين. كالإمام، والمأموم. 3- وقال بعضهم: دلت النصوص على جهر المأموم بالتأمين. فيختص الجهر به دون المنفرد. * الرأي المختار: ما ذهب إليه أصحاب القول الأول. وهو أن المنفرد يجهر بالتأمين حال جهره بالقراءة. هو الرأي المختار، لما يلي: 15. إن القول بارتباط التأمين بالقراءة في الجهر والإسرار، ظاهر القوّة، كالشأن في الإمام. 16. قد مضى تقرير ضعف القول بعدم جهر الإمام، أو المأموم بالتأمين. وأن المختار: الجهر بالتأمين لهما. فإلحاق المنفرد بالإمام أو المأموم يقتضي القول بجهره بالتأمين. والله أعلم.
المبحث السادس: وقت التأمين
المبحث السادس: وقت التأمين مدخل ... المبحث السادس: وقت التأمين لا خلاف بين العلماء القائلين بمشروعية التأمين: للإمام، والمأموم، والمنفرد. أو للمأموم وحده: أن وقت التأمين إنما هو بعد الفراغ من قراءة الفاتحة، والانتهاء من قول: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} . وأنه يُستحب لقارئ الفاتحة سواء أكان إماماً، أم غيره، أن يسكت بعد الفراغ من قراءتها، سكتة لطيفة قبل قول: آمين. ليحصل الفصل والتمييز بين القرآن وغيره1. قال القرطبي: (يُسن لقارئ القرآن أن يسكت بعد الفراغ من الفاتحة سكتة على نون {وَلا الضَّالِّينَ} آمين، ليتميز ما هو قرآن، مما ليس بقرآن) 2. والدليل على ذلك: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين. فإن الملائكة تقول: آمين. والإمام يقول: آمين. فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة، غُفِر له ما تقدّم من ذنبه “ 3. واختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ هل يكون تأمين المأموم موافقاً لتأمين الإمام، أم يأتي به بعده؟ واختلفوا أيضاً: في المراد بموافقة الملائكة في التأمين على أقوال عدّة. وهذا
ما سأتناوله في المطلبين التاليين: المطلب الأول: متى يؤمّن المأموم؟ المطلب الثاني: المراد بموافقة الملائكة في التأمين.
المطلب الأول: متى يؤمن المأموم
المطلب الأول: متى يؤمّن المأموم؟ اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ هل يكون تأمين المأموم موافقاً لتأمين الإمام، أم يأتي به بعده؟ اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال: القول الأول: إن تأمين المأموم يكون موافقاً لتأمين الإمام. فيؤمِّنان معاً في وقت واحد. لا يسبق أحدهما الآخر، ولا يتأخر عنه. وإلى هذا القول ذهب: جمهور العلماء. سواء أكانوا من القائلين بمشروعية تأمينهما جهراً، كالحنابلة1، والشافعية في الأصح2.
أم كانوا من القائلين بتأمينهما سراً، وهم الحنفية1. قال النووي: (يُستحب أن يقع تأمين المأموم مع تأمين الإمام، لا قبله، ولا بعده، لقوله صلى الله عليه وسلم: “ فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة، غُفِر له ما تقدم من ذنبه “. فينبغي أن يقع تأمين: الإمام، والمأموم، والملائكة دفعة واحدة) 2. وصرّح الشافعية بأنه إن فاته التأمين معه، أتى به بعده 3. وقال ابن عابدين: (إن قيل: كيف تتحقق الموافقة بين الإمام والمأموم مع الإسرار بها؟ فالجواب: أن ذلك يُعلم إما بتمام قراءة الفاتحة، لحديث “ إذا قال الإمام {وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين “. وإما بالسماع من الإمام أو غيره من المبلغ، أو القريب منه، ولو في السرية. فمناط تأمينه العلم بتأمين الإمام. وهل يُعتد بتأمين الإمام في الصلاة السرية؟ اختلف العلماء في ذلك بناء على عدم الاعتداد بمثل هذا التأمين) 4. القول الثاني: إن تأمين المأموم يكون عقب تأمين الإمام.
وإلى هذا القول ذهب: أحمد في رواية 1. القول الثالث: إن المأموم له الخيار في موافقة الإمام في التأمين، أو الإتيان به بعده. وإلى هذا القول ذهب: الشافعية في وجه 2. الأدلة: استدل أصحاب القول الأول، القائلون: بأن تأمين المأموم يكون موافقاً لتأمين الإمام. بما يلي: 1- بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ إذا أمّن الإمام، فأمّنوا. فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة، غُفِر له ما تقدّم من ذنبه “. والاستدلال بهذا الحديث على موافقة تأمين المأموم للإمام من وجهين: أ. تعليق تأمين المأموم على تأمين الإمام. فالجملة شرطية. ومقتضاها تعليق حصول الجواب عند حصول شرطه. فدلّ ذلك على أنهما يكونان في وقت واحد3. واستدل بهذا الحديث أيضاً الحنفية. وأما وجه استدلالهم منه، فقالوا: إن موضع التأمين معلوم، فإذا سمع لفظة {وَلا الضَّالِّينَ} كفى، لأن الشارع طلب من الإمام التأمين بعده، فصار من التعليق بمعلوم الوجود، فلا يتوقف على سماعه منه. بل يحصل بتمام الفاتحة بدليل “ إذا قال الإمام {وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين “ 4.
ب. تعليق المغفرة على موافقة تأمين الملائكة. فمقتضى ذلك اتفاق كلٍ من الإمام، والمأموم في وقت التأمين، ليكون موافقاً لتأمين الملائكة، فيترتب الأجر والجزاء بحصول المغفرة لهما. قال ابن حجر: “فيه فضيلة الإمام، لأن الإمام يوافق تأمين الملائكة، ولهذا شرعت للمأموم موافقته”1. 2- وبحديث: “ إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين. فإن الملائكة تقول: آمين. وإن الإمام يقول: آمين. فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة، غُفر له ما تقدم من ذنبه “. 3- وبحديث: “ إذا قال أحدكم: آمين. وقالت الملائكة في السماء: آمين. فوافقت إحداهما الأخرى، غُفر له ما تقدم من ذنبه “ متفق عليه. وفي رواية لمسلم: “ إذا قال أحدكم في الصلاة “. وجه الاستدلال منهما: قالوا: ظاهر هذه الأحاديث الأمر بالمقارنة بأن يقع تأمين: الإمام، والمأموم، والملائكة دفعة واحدة 2. وأن قوله: “ إذا أمّن الإمام، فأمّنوا “ أي: إذا شرع، أو أراد. جمعاً بين الأحاديث 3. 4- ولأن المأموم لا يؤمِّن لتأمين إمامه، بل لقراءته الفاتحة، وقد فرغت 4. واستدل أصحاب القول الثاني، القائلون: بأن تأمين المأموم يكون بعد
تأمين الإمام. بما يلي: 1- بحديث أبي هريرة المتقدم: “إذا أمّن الإمام، فأمّنوا..” وقالوا دلّ الحديث على تأخير تأمين المأموم عن تأمين الإمام، لأنه رتّبه عليه بالفاء 1. واستدل أصحاب القول الثالث، القائلون: بأن المأموم له الخيار في موافقة الإمام في التأمين، أو الإتيان به بعده. بما يلي: 1- جمعوا بين الحديثين: حديث: “ إذا أمّن الإمام، فأمّنوا.. “ وحديث: “ إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين.. “. فقالوا: يُؤخذ من الخبرين، تخيير المأموم في قولها مع الإمام، أو بعده 2. * الرأي المختار: ما ذهب إليه أصحاب القول الأول، القائلون: بأن تأمين المأموم يكون موافقاً لتأمين الإمام، فيؤمّنان معاً في وقت واحد، لا يسبق أحدهما الآخر، ولا يتأخر عنه. هو الرأي المختار. فإن قيل: هذا مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم: “ إذا أمّن الإمام، فأمّنوا ... ”. فجوابه: إنه ظاهر ما دلّ عليه الحديث الآخر: “ إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين.. “. وكلاهما في الصحيحين. فيجب الجمع بينهما: فيحمل الأول على أن المراد: إذا أراد الإمام التأمين، فأمّنوا. ليجمع
بينهما. قال الخطابي وغيره: وهذا كقولهم: إذا رحل الأمير، فارحلوا. أي: إذا تهيأ للرحيل، فتهيأوا، ليكن رحيلكم معه. وبيانه في الحديث الآخر: “ إذا قال أحدكم: آمين. وقالت الملائكة آمين. فوافق أحدهما الآخر “ فظاهره: الأمر بوقوع تأمين الجميع في حالة واحدة. فهذا جمع بين الأحاديث. وهو المتعين. والله أعلم 1.
المطلب الثاني: المراد بموافقة الملائكة في التأمين
المطلب الثاني: المراد بموافقة الملائكة في التأمين اختلف العلماء وإلى هذا القول ذهب: في المراد بموافقة الملائكة في التأمين. على أقوال عدّة: 1) فقيل: الموافقة في الإجابة. 2) وقيل: الموافقة في الزمن. 3) وقيل: الموافقة في الصفة، من إخلاص الدعاء. 4) وقيل: الحث على الدعاء للمؤمنين والمؤمنات في الصلاة. وحكى الأقوال الثلاثة الأول، القرطبي1، واستدل للثالث منها بقوله صلى الله عليه وسلم: “ ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة. واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه “ 2.
وصرّح ابن حبان بترجيح هذا الثالث من هذه الأقوال، وهو أن المراد بموافقة تأمين أهل الأرض لتأمين أهل السماء، الموافقة في الإخلاص. فقال: “معنى قوله صلى الله عليه وسلم: “ فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة “. أن الملائكة تقول: آمين. من غير علة رياء وسمعة، أو إعجاب. بل تأمينهما يكون خالصاً لله. فإذا أمّن القارئ لله من غير أن يكون فيه علة من إعجاب، أو رياء، أو سمعة، كان موافقاً تأمينه في الإخلاص تأمين الملائكة، غُفر له حينئذ ما تقدّم من ذنبه”1. إلا أن ابن عبد البر ضعّف هذا القول واستبعده، فقال: “وأما قوله في الحديث: “ من وافق تأمينه تأمين الملائكة، غُفر له ما تقدّم من ذنبه “ ففيه أقوال، منها: أنه يحتمل أن يكون أراد: فمن أخلص في قوله: (آمين) بنية صادقة، وقلب صاف، ليس بساه، ولا لاه، فيوافق الملائكة الذين في السماء، الذين يستغفرون لمن في الأرض، ويدعون بنيات صادقة، ليس عن قلوب لاهية، غُفر له، إذا أخلص في دعائه. واحتجوا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا دعا أحدكم، فليجتهد وليخلص. فإن الله لا يقبل الدعاء من قلب لاه” 2. وقال: “ اجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يُستجاب لكم “ 3. فكأنه أراد بقوله صلى الله عليه وسلم: “فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة” الذين يُخلصون في الدعاء،
1- غُفر له. وهذا تأويل فيه بُعْد. 2- وقال آخرون: إنما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: “ فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة”. الحث على الدعاء للمؤمنين والمؤمنات في الصلاة. فإن الملائكة تستغفر للمؤمنين في الأرض. فمن دعا في صلاته للمؤمنين، غُفر له، لأنه يكون دعاؤه حينئذ موافقاً لدعاء الملائكة المستغفرين لمن في الأرض من المؤمنين. وفي قوله: {اهْدِنَا} دعاء للداعي، وأهل دينه إن شاء الله. والتأمين على ذلك. فلذلك ندب إليه. والله أعلم) 1. وقال في موضع آخر: (والوجه عندي في هذا ـ والله أعلم ـ: تعظيم فضل الذكر، وأنه يحط الأوزار، ويغفر الذنوب. وقد أخبر الله عن الملائكة أنهم يستغفرون للذين آمنوا، ويقولون: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ} فمن كان منه من القول مثل هذا: بإخلاص، واجتهاد، ونيّة صادقة، وتوبة صحيحة، غُفرت ذنوبه ـ إن شاء الله ـ. ومثل هذه الأحاديث المشكلة المعاني، البعيدة التأويل عن مخارج لفظها، واجب ردّها إلى الأصول المجتمع عليها. وبالله التوفيق. وقد روي عن عكرمة ما يدل على أن أهل السماء يصلون في حين صلاة أهل الأرض على نحو صلاة أهل الأرض، ويؤمّنون أيضاً. فمن وافق ذلك منهم غُفِر له. والله أعلم. وكل ذلك ندب إلى الخير. وإرشاد إلى البر. وبالله التوفيق) 2. * الرأي المختار: الذي يظهر والله أعلم: أن المراد بالموافقة هنا: الموافقة في الزمان. بأن
يكون تأمين كلٍ من: الإمام، والمأموم، والملائكة في وقت واحد. وهذا ما اختاره جمع من المحققين، منهم: 1. النووي، وأقرّه الشوكاني. إذ قال: “والمراد بالموافقة: الموافقة في وقت التأمين، فيؤمّن مع تأمينهم. قاله النووي. قال ابن المنير: الحكمة في إثبات الموافقة في القول والزمان: أن يكون المأموم على يقظة للإتيان بالوظيفة في محلها”1. 2. وابن دقيق العيد. إذ قال: (وموافقة الإمام لتأمين الملائكة، ظاهره الموافقة في الزمان. ويقويه، الحديث الآخر: “ إذا قال أحدكم: آمين. وقالت الملائكة في السماء: آمين. فوافقت إحداهما الأخرى “ وقد يحتمل أن تكون الموافقة راجعة إلى صفة التأمين. أي: يكون تأمين المصلي، كصفة تأمين الملائكة في الإخلاص، أو غيره من الصفات الممدوحة. والأول، أظهر) 2. 3. وابن حجر. إذ ذهب إلى أن المراد بذلك الموافقة في القول، وفي الزمان. واستدل لذلك بما جاء في رواية يونس عن ابن شهاب عند مسلم، وابن عيينة عن ابن شهاب عند البخاري في الدعوات: “ فإن الملائكة تؤمّن “ قبل قوله: “ فمن وافق “ خلافاً لمن قال: المراد الموافقة في الإخلاص3.
المبحث السابع: تدارك التأمين، وتكراره
المبحث السابع: تدارك التأمين، وتكراره مدخل ... المبحث السابع: تدارك التأمين، وتكراره إذا نسي المصلي ـ إماماً كان، أو منفرداً ـ التأمين حتى شرع في قراءة السورة بعد الفاتحة، أو انتظر المأموم تأمين إمامه، ليوافقه فيه، وليكون تأمينهما معاً في وقت واحد. إلا أن الإمام ترك التأمين، أو لم يجهر به نسياناً، أو تعمداً، أو كان ترك المأموم للتأمين نسياناً، فلم يؤمِّن بعد فراغ الإمام من قراءة الفاتحة، حتى شرع الإمام في قراءة السورة بعدها. فهل يُشرع تدارك التأمين بعد ذلك، بأن يؤمِّن أثناء القراءة؟ وهل يُشرع للمأموم تكرار التأمين، بأن يؤمّن لقراءة الإمام ثم لقراءة نفسه؟ قد كان النظر في المبحث السابق عن بيان وقت التأمين. وفي هذا المبحث سأعرض لبيان ما ينبغي فعله لمن فاته التأمين: إما بترك، أو نسيان. ولبيان مشروعية تكراره. وسيكون ذلك في المطالب التالية: المطلب الأول: مشروعية التأمين للمأموم، إن تركه الإمام. المطلب الثاني: تدارك التأمين، بعد فوات وقته. المطلب الثالث: مشروعية تكرار التأمين للمأموم.
المطلب الأول: مشروعية التأمين للمأموم إن تركه الإمام
المطلب الأول: مشروعية التأمين للمأموم، إن تركه الإمام مضى تقرير أن المالكية في المشهور عنهم، يرون عدم مشروعية التأمين للإمام. وأن الحنفية يرون عدم مشروعية الجهر له. فهذان المذهبان، يريان ترك التأمين، أو عدم الجهر به تعمداً. فمسألتنا إنما هي على قول من يرى مشروعية جهر الإمام بالتأمين. فهل يُشرع للمأموم ـ إذا ترك الإمام التأمين، أو لم يجهر به نسياناً، أو تعمداً ـ الإتيان به، أو يتركه موافقة لإمامه؟ اختلف العلماء في ذلك على قولين: القول الأول: يُشرع للمأموم الإتيان بالتأمين وإن تركه الإمام. بل يُشرع له رَفْع الصوت به، ليُسمع الإمام، فيأتي به. وإلى هذا ذهب: الشافعية في قول، وهو الأصح1، والحنابلة في المشهور2. ويشمل ذلك أيضاً: ما لو تأخر الإمام عن التأمين في وقته. فإن المأموم يؤمّن. قال زكريا الأنصاري: “وإن تأخر إمامه عن الزمن المسنون فيه التأمين، أمّن المأموم” 3. القول الثاني: إذا ترك الإمام التأمين، فإن المأموم لا يؤمّن. وإلى هذا القول ذهب: بعض الشافعية 4.
الأدلة: استدل القائلون بمشروعية التأمين للمأموم، وإن تركه الإمام. بما يلي: 1- بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين ... “. استدل بهذا الحديث بعض العلماء على جهر المأموم بالتأمين، ولو تركه الإمام. فقالوا: أي: ولو لم يقل الإمام: آمين 1. 2- وقالوا: إن التأمين سنة قولية، إذا تركها الإمام أتى بها المأموم، كالاستعاذة. قال البهوتي: “ (وإن تركه) أي: التأمين (إمام) عمداً، أو سهواً. أتى به مأموم، جهراً (أو أسرّه) الإمام عمداً، أو سهواً، لأتى به مأموم جهراً، ليُذكِّره. أي: يُذكّر الناسي. وكسائر السنن إذا تركها الإمام، أتى بها المأموم، ولم يتابعه في تركها) 2. 3- وقالوا: إن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: “ إذا أمّن الإمام، فأمّنوا..” أي: إذا دخل وقت التأمين، فأمّنوا. قال البكري، بعد حكايته لذلك: “وهو أحسن، ليشمل ما إذا لم يؤمّن الإمام بالفعل، أو أخّره عن وقته المشروع فيه، فإنه يٌسن للمأموم التأمين في الحالتين”3. 4- وقالوا: في جهر المأمومين بها بعد فراغ الإمام من قراءة الفاتحة، تذكير له للإتيان بها قبل فوات موضعها 4. 5-وقال ابن خزيمة في صحيحه: “باب الدليل على أن الإمام إذا جهل فلم
1- يقل: آمين. أو نسيه، كان على المأموم إذا سمعه يقول: {وَلا الضَّالِّينَ} عند ختمه قراءة فاتحة الكتاب، أن يقول: آمين. إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر المأموم أن يقول: آمين. إذا قال إمامه: {وَلا الضَّالِّينَ} كما أمره أن يقول: آمين. إذا قاله إمامه”1. وأما أصحاب القول الثاني، القائلون: إذا ترك الإمام التأمين، فإن المأموم لا يؤمّن. فلم أقف لهم على استدلال، لكن يمكن أن يُستدل لهم بما يلي: 1- بحديث: “ إذا أمّن الإمام، فأمّنوا..”. ففي هذا الحديث علّق النبي صلى الله عليه وسلم تأمين المأموم على تأمين الإمام، فدلّ ذلك على أن الإمام إذا ترك التأمين، فإن المأموم لا يؤمّن. 2- ويمكن القول: إن المأموم تابع لإمامه، فإذا ترك الإمام التأمين، تابعه المأموم في تركه، كتركه الجلوس للتشهد الأول. * الرأي المختار: ما ذهب إليه أصحاب القول الأول، القائلون: بمشروعية التأمين للمأموم، وإن تركه الإمام، هو الرأي المختار، لما يلي: 1. إن في هذا القول، إعمالاً للأدلة كلها. وهو أولى من إهمال بعضها. 2. إن في تأمين المأموم تذكيراً للإمام حال نسيانه، ليتدارك الإتيان به قبل فوات وقته. 3. إن في تأمين المأموم حال ترك الإمام له، إقامة للسنة، وإظهار لهذه الشعيرة. والله أعلم.
المطلب الثاني: تدارك التأمين بعد فوات وقته
المطلب الثاني: تدارك التأمين، بعد فوات وقته إذا انتظر المأموم تأمين إمامه، ليوافقه فيه، إلا أن الإمام ترك التأمين، أو لم يجهر به: نسياناً، أو تعمداً، أو كان ترك المأموم للتأمين نسياناً، فلم يُؤمِّن بعد فراغ الإمام من قراءة الفاتحة. حتى شرع الإمام في قراءة السورة بعدها. فهل يُشرع للمأموم تدارك التأمين، أو لا يُشرع له ذلك؟ اختلف العلماء القائلون بمشروعية التأمين. هل يُشرع الإتيان بالتأمين إذا شرع المصلي، أو الإمام في قراءة السورة بعد الفاتحة، أو لا؟ اختلفوا في ذلك على قولين: القول الأول: لا يُشرع تدارك التأمين والإتيان به بعد فوات وقته، بالشروع في قراءة السورة بعد الفاتحة. سواء أكان تركه للتأمين جهلاً، أم نسياناً، أم تعمداً. وإلى هذا القول ذهب: الشافعية في الأصح1، والحنابلة 2. قال النووي: “قال أصحابنا: إذا ترك التأمين حتى اشتغل بغيره، فات، ولم يعد إليه. وقال صاحب الحاوي: إن ترك التأمين ناسياً فذكره قبل قراءة السورة، أمّن. وإن ذكره في الركوع، لم يؤمّن. وإن ذكره في القراءة، فهل يؤمّن؟ فيه وجهان مخرجان من القولين فيمن نسي تكبيرات العيد حتى شرع في القراءة. وذكر الشاشي هذين الوجهين، وقال: الأصح، لا يؤمّن. وقطع غيرهما بأنه لا يؤمّ،. وهو ظاهر نص الشافعي”3. وقال البهوتي: “فإن ترك المصلي التأمين حتى شرع في قراءة السورة، لم يعد إليه، لأنه سنة فات محلها”4. القول الثاني: يُشرع للمصلي تدارك التأمين، وذلك بالإتيان به، وإن
شرع هو، أو الإمام في قراءة السورة بعد الفاتحة. وإلى هذا القول ذهب: الشافعية في قول 1. واحتج أصحاب القول الأول، بقولهم: إن التأمين وقته عقب الفراغ من قراءة الفاتحة. فإن لم يأت به حتى انتقل إلى قراءة السورة، فهو سنة فات محلها، فلا يُشرع تداركها، كالاستفتاح 2. ولعل أصحاب القول الثاني يحتجون، بقولهم: إن تدارك المأموم للتأمين ممكن، لأن الإمام لم ينتقل إلى ركن آخر، والقراءة متصلة، والتأمين غير مشغل عن الاستماع والإنصات، لكونه يسيراً. * الرأي المختار: ما ذهب إليه أصحاب القول الأول، من عدم مشروعية تدارك التأمين بعد فوات وقته، بالشروع في قراءة السورة بعد الفاتحة، هو الرأي المختار. لما يلي: 1. وقت التأمين إنما هو بعد الفراغ من الفاتحة، وقبل الشروع في القراءة بعدها. فمن فاته التأمين في ذلك الوقت، فقد فاته التأمين، لأنه سنة فات محلها. 2. إن التأمين سنة مؤقتة، فمن لم يؤده في وقته المشروع، فلا يُشرع له قضاؤه، أو تداركه. 3. إن القول بمشروعية قضاء التأمين، أو تداركه قبل الركوع، يترتب عليه أحد أمرين: أ. إما أن تكون صفة التدارك والقضاء على خلاف صفة الأداء، لأن الأداء كان جهراً، والتدارك كان سراً. ب. وإما أن تكون صفة التدارك جهراً، كصفة الأداء، وفي ذلك من التشويش على الإمام والمأمومين ما لا يخفى. والله أعلم.
المطلب الثالث: مشروعية تكرار التأمين للمأموم
المطلب الثالث: مشروعية تكرار التأمين للمأموم هذه المسألة مبنية على مشروعية قراءة المأموم، وهل يتحمل الإمام القراءة عن المأموم، أم يلزم المأموم قراءة الفاتحة؟ وهي مسألة طويلة الذيل. والخلاف فيها مشهور، والأدلة من الطرفين متنازعة. وليس هذا مقام بحثها، والنظر فيها اختياراً وترجيحاً. وإنما سأكتفي هنا بتقرير أقوال المذاهب الفقهية فيها اختصاراً. فأقول مستعيناً بالله: اختلف العلماء في مشروعية قراءة المأموم خلف الإمام على ثلاثة أقوال: القول الأول: يُستحب للمأموم القراءة في الصلاة السرية، وقراءة الفاتحة حال سكوت الإمام في الصلاة الجهرية. فلا يجب على المأموم قراءة مطلقاً. ويجب عليه السكوت والإنصات حال سماع قراءة إمامه مطلقاً. وإلى هذا القول ذهب: المالكية، والحنابلة في المشهور عنهما 1. القول الثاني: يجب على المأموم قراءة الفاتحة مطلقاً. سواء كانت الصلاة سرّية، أم جهرية. وإلى هذا القول ذهب: الشافعية في الأصح 2. القول الثالث: لا يُشرع للمأموم القراءة مطلقاً، ولو بفاتحة الكتاب. سواء كانت الصلاة سرية، أم جهرية. وإلى هذا القول ذهب: الحنفية 3.
مشروعية تأمين المأموم لقراءة نفسه: بناءً على ما تقدّم: فهل القائلون بمشروعية القراءة للمأموم متفقون على مشروعية التأمين لقراءة نفسه، أو لا؟ الذي يظهر: إن القائلين بمشروعية القراءة للمأموم، متفقون على مشروعية التأمين له. وقد صرّح الشافعية والحنابلة بذلك، وهو مقتضى قول المالكية. والله أعلم. قال النووي: “التأمين سنة لكل مصلٍ فرغ من الفاتحة. سواء الإمام، والمأموم، والمنفرد. والرجل، والمرأة، والصبي. والقائم، والقاعد، والمضطجع. والمفترض، والمتنفل. في الصلاة السرية، والجهرية. ولا خلاف في شيء من هذا عند أصحابنا”1. وقال ابن مفلح: (نقل الأثرم، فيمن قرأ خلف إمامه إذا فرغ من الفاتحة يؤمّن؟ قال: لا أدري. ما سمعت. ولا أرى بأساً. وظاهره التوقف. ثم بين أنه سنة. ولعل توقفه، لأن الأخبار في تعليق التأمين بتأمين الإمام وقراءته. ذكره القاضي) 2. مشروعية تكرار التأمين للمأموم: سبقت الإشارة إلى بيان آراء أصحاب المذاهب الفقهية في مشروعية القراءة للمأموم في الصلاة الجهرية. وأن الذين انفردوا بإيجاب ذلك على المأموم إنما هم الشافعية فقط. فعلى رأيهم: هل يُشرع للمأموم تكرار التأمين. بأن يؤمّن
لقراءة الإمام، ثم يؤمّن لقراءة نفسه؟ اتفق الشافعية على أن المأموم إذا قرأ الفاتحة بعد تأمينه لقراءة إمامه، أنه يُشرع له التأمين لقراءة نفسه. وإنما اختلفوا إذا فرغ من قراءة الفاتحة قبل إمامه. هل يؤخر التأمين إلى حين فراغ إمامه من القراءة، فيكون تأمينه مرة واحدة، لقراءته، وقراءة إمامه معاً؟ قال النووي: “قال البغوي: فلو قرأ المأموم الفاتحة مع الإمام، وفرغ منها قبل فراغه، فالأولى أن لا يؤمّن حتى يؤمّن الإمام. وهذا الذي قاله فيه نظر. والمختار، أو الصواب: أنه يؤمّن مرة أخرى، لتأمين الإمام. قال السرخسي في الأمالي: وإذا أمّن المأموم بتأمين الإمام، ثم قرأ المأموم الفاتحة، أمّن ثانياً، لقراءة نفسه. قال: فلو فرغا من الفاتحة معاً، كفاه أن يؤمّن مرة واحدة”1.
الخاتمة
الخاتمة وبعد هذا التجوال في ثنايا هذا البحث، الذي ما كنت أظن أن يصل إلى ما وصل إليه، لا من حيث حجمه، ولا من حيث تشعب مسائله وأحكامه. يمكن أن أشير هنا إلى أبرز النتائج التي توصلت إليها من خلاله. فمن ذلك: 1. إن التأمين. هو قول: آمين. بعد الفراغ من قراءة الفاتحة، والدعاء. 2. إن لفظة آمين. لها معانٍ عدة. أشهرها: اللهم استجب. 3. جاء في فضل التأمين وبيان عظيم منزلته، أحاديث كثيرة. فهو سبب لمغفرة الذنوب، واستجابة الدعاء..،ولذا تحسدنا اليهود على قولها. 4. للتأمين صيغ متعددة. وهي أنواع: أ - صيغ جائزة بالاتفاق. وهي: آمين, بالمد والتخفيف. وأمين، بالقصر والتخفيف. ب - صيغة ملحقة بالجائزة. وهي: آمين بالمد والتخفيف مع الإمالة. ت - صيغ مختلف في جوازها، وفي بطلان الصلاة بها. وهي: آمِّين. بالمد والتشديد. وآمن. بالمد والتخفيف، مع حذف الياء. ث - صيغة لا يجوز التأمين بها باتفاق، وفي بطلان الصلاة بها خلاف. وهي: أمِّين. بالقصر مع التشديد، بلا حذف. ج - صيغ تبطل الصلاة بها باتفاق. وهي: آمِّن. بالمد والتشديد مع حذف الياء. وأمِّن. بالقصر والتشديد مع حذف الياء. وأمن. بالقصر وحذف الياء من غير تشديد. 5. الأولى الاقتصار على لفظ التأمين، وعدم الزيادة عليه، كقول: آمين رب العالمين.
1. يُشرع لمن يقرأ الفاتحة أن يقول بعده: آمين. إن كان خارج الصلاة. 2. يُشرع للإمام، وللمنفرد، وللمأموم، التأمين مطلقاً، سواء كانت الصلاة جهرية، أم سرية. 3. لا خلاف بين العلماء أن لفظة (آمين) ليست من الفاتحة، ولا يُشرع السجود لتركها في الصلاة، وأنه يُندب للمصلي قولها، وعدم تعمد تركها. 4. لا خلاف بين العلماء أنه لا يُشرع الجهر بالتأمين حال الإسرار بالقراءة. 5. يُشرع للإمام، والمأموم، والمنفرد، الجهر بالتأمين حال الجهر بالقراءة. 6. لا خلاف بين العلماء أن وقت التأمين، إنما هو بعد الفراغ من قراءة الفاتحة. 7. يُستحب لقارئ الفاتحة أن يسكت بعد الفراغ من قراءتها سكتة لطيفة، قبل أن يقول: آمين. 8. تأمين المأموم يكون موافقاً لتأمين الإمام، فيؤمّنان معاً في وقت واحد، لا يسبق أحدهما الآخر، ولا يتأخر عنه. 9. المراد بموافقة الملائكة في التأمين، الموافقة في الزمان، بأن يكون تأمين الإمام، والمأموم، والملائكة في وقت واحد. 10. يُشرع التأمين للمأموم، وإن تركه الإمام. 11. لا يُشرع تدارك التأمين بعد فوات وقته، بالشروع في قراءة السورة بعد الفاتحة. 12. يُشرع للمأموم أن يؤمن لقراءة نفسه، وإن أمن لقراءة إمامه. والحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات، والصلاة والسلام على المبعوث بخاتم الرسالات، وعلى آله وأصحابه ما دامت الأرض والسموات.
مصادر ومراجع
مصادر ومراجع ... المصادر والمراجع إيضاح الإشارات الواردة في هذا الثبت: (ط = طبعة) (ن = ناشر) (ت = تحقيق) (م = مكتبة) . 1- القرآن الكريم. (لم ألتزم بترتيبه لشرفه) . 2- الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان. لعلي بن بلبان. ن/دار الكتب العلمية، ط/ الأولى1407هـ 3- إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام. لابن دقيق العيد. ن/ دار الكتب العلمية. 4- الأحكام التي يختلف فيها الرجال والنساء. لأحمد العمري. رسالة دكتوراه. لم تنشر. 5- الإحكام في أصول الأحكام، لأبي محمد، علي بن حزم الظاهري. ن/ دار الحديث. ط/1404هـ 6- أحكام القرآن، لأبي بكر، محمد بن عبد الله، ابن العربي. ت/ علي البجاوي. ن: دار المعرفة. 7- أحكام القرآن. لأبي بكر أحمد الجصاص. ت/قمحاوي، ن/دار إحياء التراث العربي، ط/ 1405هـ 8- الإرشاد إلى سبيل الرشاد. للشريف محمد بن أبي موسى. ت/ د. التركي. ط/ الأولى. 9- الاستذكار.. لأبي عمر بن عبد البر. ط/ الأولى 1414هـ 10- إعانة الطالبين. للسيد البكري الدمياطي، ن/ دار الفكر. 11- إعلام الموقعين ... لابن القيم. ن/ دار الفكر. ط/ الثانية 1397
12- أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك. لأحمد الدردير. مع الشرح الصغير. ن/ مطبعة الحلبي. 13- الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع. لمحمد الشربيني. ن/دار الفكر. ط/1415هـ 14-الأم. للإمام محمد بن إدريس الشافعي. ن/دار إحياء التراث 15- الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف. لعلاء الدين المرداوي. ت/د. التركي. (مطبوع مع الشرح الكبير) . 16- البحر الرائق شرح كنز الدقائق. لابن نُجيم، زين الدين بن إبراهيم. ن/دار المعرفة. 17- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع.لأبي بكر الكاساني.ن /دار الكتاب العربي. ط / الثانية 1402هـ 18- بداية المجتهد ونهاية المقتصد. لأبي الوليد بن رشد (الحفيد) ن/مكتبة الحلبي. ط/الرابعة 1395هـ 19- بلوغ المرام. لابن حجر العسقلاني (مطبوع مع سبل السلام) 20- التاريخ الكبير، لمحمد بن إسماعيل البخاري. ن/ دار الفكر. 21- التاج والإكليل لمختصر خليل. لأبي عبد الله العبدري، الشهير بالمواق (مطبوع مع مواهب الجليل) 22- التبيان في آداب حملة القرآن. للنووي. ن/ الوكالة العامة للتوزيع. ط/ الأولى. 23- تحرير ألفاظ التنبيه. للنووي. ن/دار القلم. ط/ الأولى 1408هـ 24- تحفة الملوك. لمحمد بن أبي بكر الرازي. ن/ دار البشائر الإسلامية. ط/ الأولى 1417هـ 25- ترتيب مسند الشافعي. لمحمد السندي. ن/دار الكتب العلمية.
26- الترغيب والترهيب، لعبد العظيم المنذري. ن/ دار الكتب العلمية. ط/ الأولى 1417هـ 27- التعليق المغني على الدارقطني. للعظيم آبادي. (مطبوع مع سنن الدارقطني) 28- التلخيص الحبير ... لابن حجر العسقلاني. ن/دار المعرفة. 29- التمهيد لما في الموطأ، لابن عبد البر. ن/ وزارة الأوقاف بالمغرب. ط/ الثانية 30- تنقيح التحقيق ... لابن عبد الهادي. ن/ م الحديثة. ط/ الأولى 1409هـ 31- تهذيب التهذيب، لابن حجر العسقلاني. ن/ دار الفكر. ط/الأولى 32- تهذيب الكمال. للمزي. ن/ مؤسسة الرسالة. ط/ الأولى 1400. 33- التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح. لأحمد الشويكي. ت/الميمان، ن/المكتبة المكية، ط/الثالثة 1419هـ 34- الجامع لأحكام القرآن. لأبي عبد الله القرطبي. ن/ دار إحياء التراث العربي. 35- الجرح والتعديل. لابن أبي حاتم الرازي. ن/ دار إحياء التراث العربي. مصورة عن. ط/ الأولى. 36- الجوهر النقي. لابن التركماني (مطبوع مع السنن الكبرى للبيهقي) . 37- حاشية الروض المربع. لابن قاسم. ط/ الثالثة 1405هـ 38- حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح. لأحمد الطحطاوي. ن/ مكتبة الحلبي. ط/ الثالثة 1418هـ 39- حاشية ابن عابدين = حاشية ردّ المحتار.لمحمد أمين، ن/مكتبة الحلبي، ط/ الثانية 1386هـ 40- حاشية المنتهى. لعثمان النجدي. (مطبوع مع منتهى الإرادات) . 41- الحاوي الكبير شرح مختصر المزني. لعلي الماوردي.ت/معوض وعبد الموجود، ن/دار الكتب العلمية
42- حلية العلماء. لأبي بكر الشاشي القفال. ت/د. دراكة. ن/ مؤسسة الرسالة. ط/الأولى1400هـ 43- الدر المختار شرح تنوير الأبصار. لمحمد الحصكفي. (مطبوع مع حاشية ابن عابدين) . 44- الروض المربع شرح زاد المستقنع. لمنصور البهوتي. (مطبوع مع حاشية الروض) 45- روضة الطالبين.لشرف الدين النووي، ن/ المكتب الإسلامي، ط/ الثانية 46- زاد المستقنع في اختصار المقنع. لموسى الحجاوي. (مطبوع مع حاشية الروض) 47- زاد المعاد..، لابن قيم الجوزية. ن/ مؤسسة الرسالة. ط/ الثانية 1401 48- سبل السلام. لمحمد بن إسماعيل الصنعاني. ن/ م الحلبي. ط/ الرابعة 49- سنن الترمذي. لأبي عيسى محمد الترمذي، ن/دار الفكر. 50- سنن الدارقطني. لعلي الدارقطني. ن/دار المحاسن. 51- سنن الدارمي. لعبد الله الدارمي. ن/دار إحياء السنة النبوية. 52- سنن أبي داود. لأبي داود سليمان بن الأشعث، ن/دار الفكر. 53- السنن الكبرى. لأبي بكر البيهقي.ن/ مكتبة المعارف. مصور عن الطبعة الأولى 1354 هـ. 54- سنن ابن ماجه. لأبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني. ت/محمد عبد الباقي، ن/ المكتبة العلمية. 55- سنن النسائي. لأبي عبد الرحمن، أحمد النسائي. ن/ مكتب المطبوعات الإسلامية. ط/ الثانية 1406هـ 56- سير أعلام النبلاء. لمحمد الذهبي ن/ مؤسسة الرسالة. ط/ التاسعة 57- شرح الزركشي على مختصر الخرقي. لمحمد الزركشي. ت/الجبرين، ن/م
العبيكان، ط/الأولى1413هـ 58- شرح السنة. للبغوي. ن/ المكتب الإسلامي. ط/ الأولى 1390 59- الشرح الصغير على أقرب المسالك. لأبي البركات أحمد الدردير. ن / مطبعة الحلبي. 60- الشرح الكبير على المقنع. لشمس الدين عبد الرحمن بن قدامة. ت/د. التركي. ط/الأولى 1414 هـ 61- شرح منح الجليل على مختصر خليل. لمحمد عليش. ن/ م النجاح، ليبيا. 62- صحيح البخاري. لمحمد بن إسماعيل البخاري. ن/ المكتبة الإسلامية، إستانبول. 63- صحيح ابن خزيمة. لأبي بكر ابن خزيمة. ت/الأعظمي، ط/ الثانية 64-صحيح مسلم. لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري. (مطبوع شرح النووي) ن / دار الفكر. 65- غاية المنتهى في الجمع بين الإقناع والمنتهى. لمرعي الكرمي. ن/ المؤسسة السعدية. ط/ الثانية. 66- فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني، ن/ إدارات البحوث العلمية بالمملكة. 67- فتح القدير شرح الهداية. لابن الهمام.ن /مكتبة الحلبي. ط / الأولى 68- فتح المعين. لزين الدين المليباري. ن/دار الفكر. 69- فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب. لزكريا الأنصاري. ن/ دار الكتب العلمية. ط/ الأولى 1418هـ 70- الفروع. لأبي عبد الله محمد بن مفلح. ن/ عالم الكتب. ط / الرابعة 71- القاموس المحيط. للفيروز آبادي. ن/ مؤسسة الرسالة. ط / الأولى 72- القوانين الفقهية = قوانين الأحكام الشرعية.لابن جزي المالكي. ن/عالم
الفكر. ط/الأولى. 73- الكاشف، لمحمد الذهبي. ن/ دار القبلة. ط/ الأولى1413هـ 74- الكافي. لأبي محمد عبد الله بن قدامة. ت/ د. التركي. ن/ دار هجر. ط/ الأولى 1417هـ 75- كشاف القناع عن متن الإقناع. لمنصور البهوتي. ن/مطبعة الحكومة بمكة، ط/1394هـ 76- كشف الظنون. لمصطفى بن عبد الله القسطنطيني. ن/دا رالكتب العلمية.1413هـ 77- لسان العرب. لمحمد بن منظور. ن / دار صادر. 78- المبدع. لإبراهيم بن مفلح. ن/ المكتب الإسلامي. ط/1980م. 79- المبسوط. لشمس الدين السرخسي. ن/دار المعرفة بيروت. 80- المبسوط للشيباني. لمحمد بن الحسن الشيباني. ت/ الأفغاني. ن/ دار القرآن كراتشي. 81- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد. لنور الدين الهيثمي. ن/دار الكتاب العربي. ط/ الثالثة 1402هـ 82- المجموع شرح المهذب. للنووي. ن/دار الفكر، ط/ الأولى 1417 83- مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية. جمع ابن قاسم. ن/ مطبعة المصحف الشريف 1415هـ 84- المحرر في الفقه. لمجد الدين أبي البركات بن تيمية. ن/مطبعة السنة المحمدية 85- المحلى. لابن حزم. ت/أحمد شاكر. ن/دار التراث 86- مختصر اختلاف العلماء. لأبي بكر الجصاص. ن/دار البشائر الإسلامية. ط/ الثانية 1417هـ 87- مختصر الخِرَقي. لعمر بن حسين الخرقي. ن/مؤسسة الخافقين. ط/الثالثة
88- مختصر المزني. لإسماعيل بن يحيى المزني (مطبوع مع الأم) 89- المدونة الكبرى. برواية سحنون عن ابن القاسم. ن/ دار الفكر. 90- مسائل الإمام أحمد برواية ابنه عبد الله. ت/د. علي المهنا. ط/ الأولى 91- المستدرك على الصحيحين. لأبي عبد الله الحاكم. ن/ دار المعرفة. 92- مسند الإمام أحمد بن حنبل، ن/ المكتب الإسلامي. ط/ الخامسة. 93- مسند الحارث. زوائد الهيثمي. ت/ حسين الباكري. ن/ مركز خدمة السنة. ط/ الأولى 1413. 94- مسند الشافعي. بترتيب السندي. ن/دار الكتب العلمية. ط/ 1370 95- مسند الطيالسي، لسليمان بن الجارود الطيالسي. ن/ دار المعرفة. 96- مسند أبي يعلى. لأحمد الموصلي. ن/دار المأمون للتراث. ط/ الأولى 97- المصباح المنير. للفيومي. بدون ناشر. أو تاريخ للنشر. 98- المصنف. لأبي بكر بن أبي شيبة. ت/الحوت، ن/مكتبة الرشد. ط/ الأولى 99- المصنف. لعبد الرزاق الصنعاني. ت/حبيب الرحمن الأعظمي. ط/الثانية 100- المغني. للموفق أبي محمد، بن قدامة المقدسي. ت/د. التركي، ود. الحلو. ن/دار هجر. ط/الثانية. 101- مغني المحتاج. لمحمد الشربيني الخطيب. ن/ الحلبي. ط/ 1377هـ 102- المقدمات..، لأبي الوليد، ابن رشد (الجد) ، (مطبوع مع المدونة) 103- المقنع شرح مختصر الخرقي. لأبي علي بن البنا. ت/د. البعيمي. ن/مكتبة الرشد. ط/الأولى 1414 هـ 104- المقنع. لموفق الدين، ابن قدامة. ن/ م الرياض الحديثة. ط/1400هـ 105- منتهى الإرادات. لمحمد بن أحمد الفتوحي. ت/ د. التركي. ط/ الأولى 106- منح الشفا الشافيات ... لمنصور البهوتي. ط/الدجوي عابدين. 107- المهذب. للشيرازي. (مطبوع مع شرحه المجموع)
108- موارد الظمآن ... للهيثمي. ن/دار الكتب العلمية. 109- مواهب الجليل. للحطاب. ن/دار الفكر. ط/الثانية 110- الموطأ.. بترقيم محمد عبد الباقي. ن/دار إحياء الكتب العربية. 111- نصب الراية لأحاديث الهداية. للزيلعي. ط/ الثانية. 112- النكت والفوائد السنية. لابن مفلح. (مطبوع مع المحرر) 113- النهاية في غريب الحديث. لابن الأثير. ن/ المكتبة الإسلامية. 114- نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج. للرملي. ن/ م الحلبي. ط/ 1386هـ 115-نيل الأوطار. للشوكاني. ن/مكتبة الدعوة الإسلامية، شباب الأزهر. 116- الهداية شرح بداية المبتدي. (مطبوع مع شرح فتح القدير) . 117- الوسيط. لأبي حامد محمد الغزالي. ن/ دار السلام. ط/ الأولى.