البصائر والذخائر

أبو حيّان التوحيدي

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي الجزء الأول اللهم إني أسألك جداً مقروناً بالتوفيق، وعلماً بريئاً من الجهل، وعملاً عرياً من الرباء، وقولاً موشحاً بالصواب، وحالاً دائرة مع الحق؛ نعم، وفطنة عقل مضروبة في سلامة صدر، وراحة جسم راجعة إلى روح بال، وسكون نفس موصولاً بثبات يقين، وصحة حجة بعيدة من مرض شبهة، حتى تكون غايتي في هذه الدار مقصودة بالأمثل فالأمثل، وعاقبتي عندك محمودة بالأفضل فالأفضل، مع حياة طيبة أنت الواعد بها ووعدك الحق، ونعيم دائم أنت المبلغ إليه. اللهم فلا تخيب رجاء من هو منوط بك، ولا تصفر كفاً هي ممدودة إليك، ولا تذل نفساً هي عزيزة بمعرفتك، ولا تسلب عقلاً هو مستضيء بنور هدايتك، ولا تعم عيناً فتحتها بنعمتك، ولا تحبس لساناً عودته الثناء عليك، وكما أنت

أولى بالتفضل فكن أحرى بالإحسان: الناصية بيدك، والوجه عان لك، والخير متوقع منك، والمصير على كل حال إليك، ألبسني في هذه الحياة البائدة ثوب العصمة، وحلني في تلك الدار الباقية بزينة الأمن، وأفطم نفسي عن طلب العاجلة الزائلة، وأجرني على العادة الفاضلة، ولا نجعلني ممن سها عن باطن ما لك عليه، بظاهر ما لك عنده، فالشقي من لم تأخذ بيده، ولم تؤمنه من غده، والسعيد من آويته إلى كنف نعمتك، ونقلته حميداً إلى منازل رحمتك، غير مناقش له في الحساب، ولا سائق له إلى العذاب، فإنك على ذلك قدير. ثبت - أطال الله بقاءك - الرأي بعد المخص والاستخارة، وصح العزم بعد التنقيح والاستشارة، على نقل جميع ما في ديوان السماع، ورسم ما أحاطت به الرواية، وأشتملت عليه الدراية، منذ عام خمسين وثلاثمائة، مع توخي قصار ذلك دون طويله، وسمينه دون غثه، ونادره دون فاشيه، وبديعه دون معتاده، ورفيعه دون سفسافه، ومتى أنصفتك نفسك، وهدتك الرأي، وملكتك الزمام، وجنبتك الهوى، وحملتك على النهج، وحمتك دواعي العصبية، علمت علماً لا يخالطه شك، وتيقنت تيقناً لا يطور به ريب، أنك ممن كفي مؤونة التعب بنصب غيره، ومنح شريف الموهبة بطلب سواه، وذلك بين عند تصفح ما تضمن هذا الكتاب؛ فإنك مع النشاط والحرص ستشرف على رياض الأدب، وقرائح العقول، من لفظ مصون، وكلام شريف، ونثر

مقبول، ونظم لطيف، ومثل سائر، وبلاغة مختارة، وخطبة محبرة، وأدب حلو، ومسألة دقيقة، وجواب حاضر، ومعارضة واقعة، ودليل صائب، وموعظة حسنة، وحجة بليغة، وفقرة مكنونة، ولمعة ثاقبة، ونصيحة كافية، وإقناع مؤنس، ونادرة ملهية، عقل ملقح، وقول منقح، وهزل شيب بجد، وجد عجن بهزل، ورأي أستنبط بعناية، وأمر بيت بليل، وسركتم على الزهد، وحجة أستخلصت من شوائب الشبه، وشبهة أنشئت من فرط جهالة، وبلادة طباع رويت بلسان عي، ولفظ مرذول عن صدر حرج، وفؤاد عبام. جمعت ذلك كله في هذه المدة الطويلة مع الشهوة التامة، والحرص المتضاعف، والدأب الشديد، ولقاء الناس، وفلي البلاد، من كتب شتى حكيت عن أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ الكناني، وكتبه هي الدر النثير، والنور المطير، وكلامه الخمر الصرف، والسحر الحلال؛ ثم كتاب النوادر لأبي عبد الله محمد بن زياد الأعرابي، ثم كتاب الكامل لأبي العباس محمد بن يزيد الثمالي، ثم كتاب العيون لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة

الكاتب الدينوري، ثم مجالسات ثعلب، ثم كتاب ابن أبي طاهر الذي وسمه بالمنظوم والمنثور، ثم كتاب الأوراق للصولي، ثم كتاب

الوزراء لابن عبدوس، والحيوانات لقدامة. هذا إلى غير ذلك من جوامع للناس مضافات إلى حفظ ما فاهوا به، وأحتجوا له، وأعتمدوا عليه، في محاضرهم ونواديهم، وحواضرهم وبواديهم، مما يطول إحصاؤه، ويمل استقصاؤه، وسيعتزي في التفصيل كل شيء منه إلى معدنه وينتسب إلى قائلة ةالعرض من الكتاب مسوق إليك والمراد فيه معروض عليك، فلا عائدة إذن للإطالة، إلا بقدر التلطف والأستمالة. وأنا ضامن لك أنك لا تخلو في دراسة هذه الصحيفة من أمهات الحكم، وكنوز الفوائد: أولها وأجلها ما يتضمن كتاب الله تعالى الذي حارت العقول الناصعة في رصفه، وكلت الألسن البارعة عن وصفه، لأنه المطمع ظاهره في نفسه، الممتنع باطنه بنفسه، الداني بإفهامه إياك إليك، العالي بأسراره وغيوبه عليك، لا يطار بحواشيه، ولا يمل من تلاوته، ولا يحس بإخلاق جدته، كما قال علي ابن أبي طال كرم الله وجهه: ظاهرة أنيق، وباطنه عميق، ظاهره حكم، وباطنه علم.

والثاني سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنها السبيل الواضح، والنجم اللائح، والقائد الناصح، والعلم المنصوب، والأمم المقصود، والغاية في البيان؛ والنهاية في البرهان، والفزع عند الخصام، والقدرة لجميع الأنام. والثالث حجة العقل؛ فإن العقل هو الملك المفزوع إليه، والحكم المرجوع إلى ما لديه، في كل حال عارضة، وأمر واقع، عند حيرة الطالب، ولدد الشاغب، ويبس الريق، وأعتساف الطريق، وهو الوصلة بين الله وبين الخلق، به يميز كلام الله عز وجل، ويعرف رسول الله، وينصر دين الله، ويذب عن توحيد الله، ويلتمس ما عند الله، ويتحبب إلى عباد الله، ويساس عباد الله، ويتخلص عباد الله من عذاب الله؛ نوره أسطع من نور الشمس، وهو الحكم بين الجن والإنس، التكليف تابعه، والحمد والذم قريناه، والثواب والعقاب ميزانه، به ترتبط النعمة، وتستدفع النقمة، ويستدام الوارد، ويتألف الشارد، ويعرف الماضي، ويقاس الآتي، شريعته الصدق، وأمره المعروف، وخاصته الأختيار، ووزيره العلم، وظهيره الحلم، وكنزه الرفق، وجنده الخيرات، وحليته الإيمان، وزينته التقوى، وثمرته اليقين، والرابع رأي العين؛ وهو يجمع لك بحكم الصورة، وأعتراف الجمهور، وشهادة الدهور، نتيجة التجارب، وفائدة الأختيار، وعائدة الأختبار، وإذعان الحس، وإقرار النفس، وطمأنينة البال، وسكون الاستبداد. هذا سوى أطراف من سياسة العجم، وفلسفة اليونانيين، فإن الحكمة ضالة المؤمن، أين ما وجدها أخذها، وعند من رآها طلبها، والحكمة حق، والحق لا

ينسب إلى شيء، بل كل شيء ينسب إليه، ولا يحمل على شيء، بل كل شيء يحمل عليه، وهو متفق من كل وجه، يطرب به الراضي، ويقنع به الغضبان، مشرق في نفسه، موثوق بحكمه، معمول بشرطه، معدول إلى قضيته، به خلق الله عز وجل السماء والأرض، وعليه أقام الخلق، وبه قبض وبسط، وحكم وأقسط. فأستدع - أيدك الله - نشاطك الشارد، وراجع بالك الرخي، وجل بفهمك في رياض عقول القدماء، وأنظر إلى مآثر هؤلاء الحكماء، وأطلع على نوادر فطن الأدباء، وأجمع بين طيب السلف، وخبيث الخلف، فما تخلو عند جولانك فيها من جد أنت سعيد به، وهزل أنت مداري فيه، ورأي أنت فقير إليه، وأمر لعلك محمود عليه: البسيط فالدهر آخره شبه بأوله ... ناس كناس وأيام كأيام وإذا حفظت ما مضى، حذرت ما بقي. وأجعل نهاية حالك، وقصارى أمرك، فيما تستفيد من هذا الكتاب، وعساه يجمع ألفي ورقة، أن تكون سالياً عن هذه الدنيا، قالياً لأمورها، واثقاً بالله تعالى، مطمئناً إليه، ممترياً لمزيده، منتظراً لموعوده، عالماً بأنه أولى بك، وأملك لك، وأقرب إليك، فإنه متى خلاك من توفيقه عثرت عثاراً بعد عثار،

وأسرت إساراً بعد إسار، وأستمررت في الخزي استمرارً بعد استمرار، وتلك حال من غضب الله عليه، وأرسله من يده، ووكله إلى حول خفيف، ومتن ضعيف؛ لا أذاقك الله كرب هذه البلوى، ولا أخلاك أبداً من متجدد النعمى. وأصرف ما أستطعت همتك عن هذا الظل القالص، والزخرف الغاطل، والعيش الزائل، إلى ما وعدك الله، فإن الهامة إياك متى صادف طاعتك له، ودعاءه لك متى وافق إجابة منك، مدت السعادة جناحها عليك، وصافحت يد اليمن كفك، ونجوت من معاطب عالم: الساكن فيه وجل، والصاحي من أهله ثمل، والمقيم على ذنوبه خجل، والراحل عنه مع تماديه عجل؛ وإن داراً هذا من آفاتها وصروفها، لمحقوقة بهجرانها وتركها، والصدوف عنها، خاصة ولا سبيل لساكنها إلى دار قراره إلا بالزهد فيها، والرضى بالطفيف منها كبلغة الثاوي وزاد المنطلق. عرفنا الله حظنا، وسلك بنا في طرق رشدنا، وسل حب الدنيا من قلوبنا،

وحط ثقل الحرص عليها عن ظهورنا، وفتح على ما عنده بصائرنا، وغمض عما ها هنا أبصارنا، ولا أبتلانا بنا، ولا أسلمنا إلينا، إنه ولي النعمة ومانحها، ومرسل الرحمة وفاتحها، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير؛ جل مذكوراً، وعز مراداً. اللهم فأسمع، وإذا سمعت فأجب، وإذا أجبت فبلغ، وإذا بلغت فأدم، فإنه لا يشقى من كنت له، ولا يسعد من كنت عليه، وصل على نبيك المبعوث من لدنك إلى خلقك، محمد وآله الطاهرين، ولا تنزع من قلوبنا حلاوة ذكره، ولا تضلنا بعد إذ هديتنا، وقرب علينا طريق الاقتداء بأمره، والاهتداء بهديه، فإنك تصرف من تشاء إلى ما تشاء؛ لا راد لقضائك، ولا معقب لحكمك، ولا محيط بكنهك، ولا مطلع على سرك، ولا واصف لقدرك، ولا آمن لمكرك؛ أنت الإله المحمود، وأنت نعم المولى ونعم النصير. قد تلطفت إلى قلبك بحثي إياك على حظك في فنون من القول، وضروب من الوصايا، وأرجو أن يكون صوابي عندك فيها متقبلاً، وخطأي فيها عندك متأولا، لا لأني لذلك أهل، ولكن لأنك حقيق به، وله خليق، ومهما شككت فيما يرد عليك مني في هذا الكتاب، فلا تشك أني قد نثرت لك فيه اللؤلؤ والمرجان، والعقيق والعقيان، وهكذا يكون عمل من طب لمن حب. ثبت الله نعمه لديك، وخفف مؤونة شكرها عليك، وتابع لك المزيد، في

كل يوم جديد، وحرسك من نفسك، وعصمك من بني جنسك، وعرفك الخير، وحبب إليك الإحسان، ووفقك للرشاد، وختم أمرك بالطهارة بعد بلوغ الأماني ودرك المطالب، بمنه وقدرته.

1 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا مال أعود من العقل، ولا وحدة أوحش من العجب، ولا عقل كالتدبير، ولا كرم كالتقوى، ولا قرين كحسن الخلق، ولا ميراث كالأدب، ولا فائدة كالتوفيق، ولا تجارة كالعمل الصالح، ولا ربح كثواب الله تعالى، ولا ورع كالوقوف عند الشبهة، ولا زهد كالزهد في الحرام، ولا علم كالتفكر، ولا عبادة كأداء الفرائض، ولا إيمان كالحياء والصبر، ولا حسب كالتواضع، ولا شرف كالعلم، ولا مظاهرة أوفق من المشورة؛ فأحفظ الرأس وما حوى، والبطن وما وعى، وأذكر الموت وطول البلى. 2 - وقال صلى الله عليه وسلم: حب المال والشرف أذهب لدين أحدكم من ذئبين ضاريين باتا في زريبة غنم إلى الصباح، فماذا يبقيان فيها؟ 3 - وقال الحسن البصري: إنا لو أتعظنا بما علمنا، أنتفعنا بما عملنا، ولكنا علمنا علماً لزمتنا فيه الحجة، وغفلنا غفلة من لا تخاف عليه النقمة، ووعظنا في أنفسنا بالتحول من حال إلى حال: من صغر إلى كبر، ومن صحة إلى

سقم، فأبينا إلا المقام على الغفلة بعد لزوم الحجة، إيثاراً لعاجل لا يبقى، وإعراضاًً عن آجل إليه المصير. 4 - وقال بكر بن عبد الله المزني: المستغني عن الدنيا بالدنيا كمطفىء النار بالتبن. 5 - وقال الثوري: إذا استوت السريرة والعلانية فذلك العدل، وإذا كانت العلانية أفضل من السريرة فذلك الجور، وإذا كانت السريرة أفضل من العلانية فذلك الفضل. 6 - قيل لمحمد بن واسع: ألا تتكئ؟ قال: تلك جلسة الآمنين. 7 - وقال الحسن: أعمل كأنك ميت غداً، ولا تجمع كأنك تعيش أبداً. 8 - وأنشد لأبي الجهم: السريع

والمرء منسوب إلى فعله ... والناس أخبار وأمثال يا أيها المرسل آماله ... من دون آمالك آجال 9 - خاصم حجام بصنعته حذاء، فقال الحجام للحذاء: أنت تمشط وتسرح، وأنا أمشط وأسرح، وأنت تخرق وأنا أخرق، وأنت تشق الجلد بشفرتك وأنا أشقه بمشراطي، فأي فضل لك علي؟ 10 - قال الرقاشي، سمعت الأصمعي يقول، سمعت الأعراب تنشد: البسيط يا باري القوس برياً ليس يحكمه ... لا تفسد القوس أعط القوس باريها هكذا، ولعل القطع مراد بالاختلاس.

11 - قال أبو هفان: كان مزين يخدم رئيساً، وكان الرئيس قد خالطه بياض، وكان يأمر المزين بلقطه؛ فلما أنتشر البياض وتفضغ الشيب قال المزين: يا سيدي، قد ذهب وقت اللقاط، وحان وقت الصرام، فبكى الرئيس من قوله. 12 - قال الأصمعي، سمعت أعرابية تقول: إلهي، ما أضيق الطريق على من لم تكن دليله، وأوحشه على من لم تكن أنيسه. 13 - وقال الحسن البصري: من عمل بالعافية فيمن دونه، رزق العافية ممن فوقه. 14 - أوصى المخرمي، وكان ذا يسار، فقيل له: ما تكتب؟ فقال: أكتبوا: ترك فلان ما يسوءه وينوءه، مالاً يأكله وارثه، ويبقى عليه وزره. 15 - نظر زاهد إلى باب ملك فقال: باب حديد، وموت عتيد، وفزع شديد، وسفر بعيد.

16 - وقال المغيرة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: نحن بخير ما أبقاك الله لنا، فقال له عمر: أنت بخير ما اتقيت الله تعالى. 17 - ذم أعرابي آخر فقال: أفسد آخرته بصلاح دنياه، ففارق ما عمر غير راجع إليه، وقدم على ما أخرب غير منتقل عنه. 18 - يقال: من اعتراه الحدب طال أيره، وأشتد شبقه، وأحدثت الحدبة له خبثاً وظرفاً. 19 - قيل لابن الجصاص وقد كان مات له إنسان: لا تجزع وأصبر، فقال: نحن قوم لم نتعود الموت. 20 - وقال شملة لرملة: تعال حتى لا نفلح أبداً، فقال: أما أنا فأقعد حيث شئت، فإن شئت أنت فتعال. 21 - سئل أبو الريان الحمصي عن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم

حين سئل: متى تقوم الساعة؟ فأشار بأصابع يده الثلاث، فتأوله على ثلاثمائة سنة؛ قال: إنه أراد الطلاق، لأنه لا يدري متى تقوم الساعة. 22 - وقال المنصور للربيع: كيف تعرف الريح؟ قال: أنظر إلى خاتمي فإن كان سلساً فشمال، وإلا فهي جنوب. وقال المنصور للطلحي: كيف تعرف أنت؟ قال: أضرب بيدي إلى خصيتي فإن كانتا تقلصتا فهي شمال، وإن تدلتا فهي جنوب، فقال المنصور: أنت أحمق. 23 - قال الحسن البصري: اللهم لا تجعلني ممن إذا مرض ندم، وإذا استغنى فتن، وإذا افتقر حزن. 24 - قال العتبي: سأل أعرابي قوماً فقال: أنا جاركم في بلاد الله عز وجل، وأخوكم في كتاب الله عز وجل، وطالب من فضل الله عز وجل، فهل أخ يواسي في ذات الله عز وجل؟

25 - قال إسماعيل بن عياش، سألت عبد الله بن عثمان بن خثيم: ما كانت معيشة عطاء؟ قال: جوائز السلطان وصلات الإخوان. 26 - خطب عبد الملك بن مروان أهل المدينة فقال: لا نحبكم أبداً ما ذكرنا عثمان، ولا تحبوننا أبداً ما ذكرتم يوم الحرة. 27 - كتب عبد الملك إلى الأحنف بن قيس يدعوه إلى نفسه، فقال الأحنف: يدعوني ابن الزرقاء إلى ولاية أهل الشام؟! فو الله لقد وددت بأن بيننا وبينهم جبلاً من نار، فمن أتانا منهم احترق، ومن أتاهم منا احترق. 28 - قال الهيثم بن عدي: خرج معاوية يريد مكة، حتى إذا كان

بالأبواء، أطلع في بئر عادية فأصابته اللقوة، فأتى مكة، فلما قضى نسكه وصار إلى منزله، دعا بثوب فلفه على رأسه وعلى جانب وجهه الذي أصابه فيه ما أصابه، ثم أذن للناس فدخلوا عليه، وعنده مروان بن الحكم فقال: إن أكن أبتليت فقد أبتلي الصالحون قبلي، وأرجو أن أكون منهم، وأن عوقبت فقد عوقب الظالمون قبلي، وما آمن أن أكون منهم، وقد أبتليت في أحسن ما يبدو مني، وما أحصي صحيحي، وما كان لي على ربي إلا ما أعطاني؛ والله إن كان عتب علي بعض خاصتكم، فقد كنت حدباً على عامتكم، فرحم الله رجلاً دعا لي بالعافية؛ قال: فعج الناس له بالدعاء، فبكى، فقال مروان: ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ فقال: كبرت سني، وكثر الدمع في عيني، وخشيت أن تكون عقوبة من ربي، ولولا يزيد لأبصرت قصدي، وأنشد: الكامل وإذا رأيت عجيبة فأصبر لها ... فالدهر قد يأتي بما هو أعجب ولقد أراني والأسود تخافني ... فأخافني من بعد ذاك الثعلب 29 - قال أعرابي للحسن: أيها الرجل الصالح، علمني ديناً وسوطاً، لا ذاهباً شطوطاً، ولا هابطاً هبوطاً، فقال الحسن: أما إن قلت ذلك: إن خير الأمور أوساطها.

30 - قال العتبي: كان من دعاء الحسن بن علي رضي الله عنهما: اللهم أرزقني خوف الوعيد، وسرور الموعود، حتى لا أرجو إلا ما رجيت، ولا أخاف إلا ما خوفت. 31 - قال رجل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: اتق الله يا أمير المؤمنين، فقال له رجل: لا تألت أمير المؤمنين، فقال عمر: دعهم فلا خير فيهم إذا لم يقولوها، ولا خير فينا إذا لم تقل لنا، ومنه قوله تعالى " وما ألتناهم " أي ما نقصناهم. 32 - قال ابن الأعرابي: يقال: قد انفلقت بيضتهم عن كذا، إذا وضح لهم ما يريدون. 33 - وقال ابن الأعرابي: تركت فلاناً يضرب ظهر الأرض وبطنها، ورأس الأمر وعينه، إذا روى فيه. 34 - وقال ابن الأعرابي: قيل لعبد الملك: أقتلت عمراً؟ قال: قتله

وهو أعز علي من دم ناظري، ولكن لا يجمع فحلان في شول. 35 - قال آخر: الطويل ألا أيها الغادي تحمل رسالة ... إليها وبلغها سلامي مع الركب فكم في حمى القلب الذي نزلت به ... لها من مراد لا وخيم ولا جدب 36 - قال ثعلب: قولهم: ليس له أصل ولا فصل؛ الأصل: الوالد، والفصل: الولد. 37 - خرج عيسى عليه السلام على الحواريين فرآهم يضحكون فقال: لا يضحك من خاف، فقالوا: يا روح الله، مزحنا، فقال: لا يمزح من تم عقله. 38 - قالت عائشة رضي الله عنها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يحب أن يعفو عن زلة السري. 39 - أنشد ثعلب، قال: أنشد إسحاق بن إبراهيم الموصلي: الطويل

أأن غبت عن مولاك دمعك سافح ... بشوق وسهم في فؤادك جارح كفى حسرة أن المسافة بيننا ... قريب وأني غائب عنك نازح وإن يك شخصي غاب عنك فإنني ... لشوقي لغاد كل يوم ورائح وما زلت مذ غيبت عني يعودني ... سقام له في الجسم نار وقادح 40 - عمر بن أبي ربيعة: الطويل إذا خدرت رجلي أبوح بذكرها ... ليذهب عن رجلي الخدور فيذهب هذا البيت شاهد في مصدر خدر مع لطف المعنى فيه. 41 - يقال: سمت العاطس وشمته، فأما السين فمن السمت، كأنه قال: جعلك الله على السمت الحسن، وأما الشين فمن قولك: تشمتت الإبل، إذا اجتمعت في المرعى، فكأن المعنى: سألت الله أن يجمع شملك؛ هكذا قال ثعلب؛ قال ابن دريد: الشوامت: اليدان والرجلان وأطراف الرجل، فكأنه قال: حفظ الله أطرافك.

42 - قال المسيح عليه السلام: يا معشر الحواريين، إني بطحت لكم الدنيا على بطنها، وأقعدتكم على ظهرها، فإنما ينازعكم فيها اثنان: الملوك والشياطين، فأما الشياطين فاستعينوا عليهم بالصبر والصلاة، وأما الملوك فخلوا لهم دنياهم يخلوا لكم آخرتكم. 43 - وقيل لمدل بشرف: لعمري لك أول ولكن ليس لأولك آخر. 44 - وقيل لشريف آخر ناقص الأدب: إن شرفك بأبيك لغيرك، وإن شرفك بنفسك لك، فافرق الآن بين ما لك وما لغيرك؛ ألا ترى بأنك لو وصفت أنك تام الأدب أو ظريف الغلام، كان الأدب لك والظرف لغيرك، ولا تفرح بشرف النفس فإنه دون شرف الأدب، وإياك أن يكون إعجابك بشرف غيرك مثل إعجاب الخصي بأير مولاه إذا أتى ربة بيته. 45 - قال بزرجمهر: مما يدل على أن القدر حق تأتي الأمور لأهل الجهل، وتحرفها عن العلماء مع علمهم. 46 - يقال في اللغة: الحصان - بفتح الحاء - العفيفة، والجمع الحواصن، ولا يصرف هذا الوزن؛ والحصان - بكسر الحاء - الفرس، والجمع حصن، يا هذا. يقال: فاد يفيد فيداً وفيوداً إذا مات؛ ويقال: الغطاط أول

الصبح؛ ويقال: السريس العنين، وهو الحافظ أيضاً؛ وتقول عنين بين التعنين، وأجتنب قول الفقهاء بين العنة فإنه كلام مرذول؛ وقد مرنوا على فنون من الخطأ لسوء عنايتهم بلغة نبيهم عليه الصلاة والسلام. 47 - يقال: الوعد وجه والإنجاز محاسنه. 48 - وقال جعفر بن محمد: الفتن حصاد الظالمين، وأنشد: المتقارب إذا عظمت محنة عن عزاء ... فعادل بها صلب زيد تهن وأعظم من ذاك قتل الوصي ... وذبح الحسين وسم الحسن 49 - قال عبيد الله بن عبد الله بن طاهر: لا ينقضي عجبي من ثلاثة أشياء: إفلات عباس بن عمرو من القرمطي وهلاك أصحابه؛ ووقوع الصفار

وإفلات أصحابه؛ وولاية أبي الحسن وأنا متعطل. 50 - وكان للمتوكل مضحكان، يقال لأحدهما شعرة وللآخر بعرة، فقال أحدهما لصاحبه: ما فعل فلان في حاجتك؟ فقال: ما فتني وما قطعك. 51 - عزى سهل بن هارون رجلاً فقال: مصيبة في غيرك لك أجرها خير من مصيبة فيك لغيرك ثوابها. 52 - قال أبو العيناء: قال ملك من الأكاسرة لبنيه: صفوا لي شهواتكم من النساء، فقال الأكبر: تعجبني القدود والخدود والنهود؛ وقال

الأوسط: تعجبني الأطراف والأعطاف والأرداف، وقال الأصغر: تعجبني الثغور والنحور والشعور. 53 - قال المدائني: قرأت على قبر بدمشق: نعم المسكن لمن أحسن. 54 - قال رجل لعبد الملك: قلت دراهمي وأنت بحري، إذا فضت فضت، وإذا غضت غضت. 55 - قال جحظة: وصف لي خياط يقول الشعر، فذهبت إليه لأسمع وأهزأ به، فأستنشدته فأنشدني: مجزوء الوافر أيا من وصله نعم ... ويا من قوله نعم تقول لقد سعى الواشو ... ن في التحريش لا سلموا وقد راموا قطيعتنا ... فقلت له: أنا لهم قال: فحيرني حسنها. 56 - قال المعذل بن غيلان: أخذنا عن غسان بن عبد الحميد أدباً حسناً؛ قال لجاريته: إذا استسقيتك خوضاً فأخثريه، فإنه لا يستحي الرجل أن

يدعو بماء فيرقه، ولا ترقيه فإنه يستحي أن يدعو بخوض فيخثره. 57 - وقال علي كرم الله وجهه: قليل للصديق الوقوف على قبره. 58 - كتب رجل إلى طاهر وقعة يسأله فيها، فوقع له عليها: ما شاء الله كان؛ فوقع الرجل في أسفلها: إن الله شاء المعروف؛ فلما قرأها طاهر وصله. 59 - قال أبو هفان: كنت أنزل في جوار المعلى بن أيوب، وكان ابن أبي طاهر قد نزل عندي، وكنا على ضيقة شديدة، فقلت لابن أبي طاهر: هل لك في شيء لا بأس به؟ تجيء حتى أسجيك وأمضي إلى منزل المعلى وأعلمه أن رفيقاً لي توفي، وآخذ ثمن الكفن، فنتسع به أياماً إلى أن يصنع الله، فقال: أفعل؛ وكان المعلى قد أقام وكيلاً يكفن كل من مات ولم يخلف ما يكفن به بثلاثة دنانير؛ قال أبو هفان: فصرت إلى منزل المعلى وأعلمتهم ذلك، فجاء

الوكيل ليعرف حقيقة الخبر، ولما دخل منزلي وكشف عن وجه ابن أبي طاهر استراب به، فنقر أنفه فضرط، فالتفت إلي وقال: ما هذا؟ فقلت: هذه بقية روحه كرهت نكهته فخرجت من استه! فضحك حتى استلقى، ودفع لي ثلاثة دنانير وقال: أنتم ظرفاء مجان، فاصرفوها فيما تحتاجونه. 60 - قال محمد بن راشد: كنا يوماً مع إسحاق بن إبراهيم الطاهري نتحدث ونخوض في ضروب من الآداب، إذ أقبل علينا فقال: ما أراد امرؤ القيس بقوله: الطويل أغرك مني أن حبك قاتلي ... وأنك مهما تأمري القلب يفعل فكل قال بما حضره فقال: لم يرد هذا، قلنا: ما أراد؟ قال: أراد تملكين قلبك فإن أردت صرمي قدرت عليه، وإن أردت صلتي قدرت عليها، وأنا لا أملك من قلبي إلا صلتك؛ ومعنى أغرك أي جراك علي. 61 - وكان الثوري يعظ أصحابه فيقول: ما تصنعون بشيء إذا بلغتم منه الغاية تمنيتم أن تنجوا منه كفافاً؟

62 - قال ثعلب: سئل عنك الخبير، أي عرفك فأثنى عليك، ولا يجوز: سأل عنك الخبير، لأنه لا يجهله فيسأل عنه. 63 - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرني ربي بتسع: الإخلاص في السر والعلانية، والقصد في الفقر والغنى، والعدل في الغضب والرضى، وأن أصل من قطعني، وأعطي من حرمني، وأعفو عمن ظلمني، وأن يكون نطقي ذكراً، وصمتي فكراً، ونظري عبراً. 64 - قال علي بن عبيدة: العقل ملك والخصال رعيته، فإذا ضعف عن القيام عليها وصل الخلل إليها. سمع هذا الكلام أعرابي فقال: هذا كلام يقطر عسله. 65 - مدح رجل هشام بن عبد الملك فقال له هشام: يا هذا، إنه قد نهي عن مدح الرجل في وجهه، فقال له: ما مدحتك وإنما ذكرتك نعم الله عليك لتجدد له شكراً، فقال له هشام: هذا أحسن من المدح، وأمر له بصلة.

66 - قال عمر بن عبد العزيز: ما أطاعني أحد من الناس فيما عرفت من الحق حتى بسطت له طرفاً من الدنيا. 67 - لفضل الشاعرة: الكامل يا من تزينت العلوم بفضله ... وعلا قباب مراتب الأدباء صرف الإله عن المودة بيننا ... وعن الإخاء شماتة الأعداء 68 - كتب ابن الحرون إلى حمويه اليزدجردي صاحب أبي دلف: أيها السيد الذي جل قدره، وعظم خطره، إن الكتابة والبلاغة عندك شديدة، ولديك وافرة، وفيك كاملة، وقد أهديت إليك من آلتها ما خف محمله، وقلت قيمته، ليجدد عند مشاهدتك إياه، وأستعمالك له، ذكر حرمتي، فيؤكد عقد مودتي، وهي أقلام من القصب، كقداح النبل في أوزانها، وقصب

الخيزران في اعتدال قوامها، وسمر القنا في تمالك أجسامها، فكأنما خرطت بشهر استدارتها، وقسمت بقياس أجزاؤها، فهي أحسن اعتدالاً من الأسل الخطية، وأنقى وأبهى من الصفائح اليمانية، فلو كانت رجالاً لوجب أن تكون في ذروة من الشرف من آل آكل المرار وعبد المدان، وفي النجدة كملاعب الأسنة وصناديد الفرسان، وفي الجود كحاتم وابن جدعان، وفي السياسة كأزدشير وأنوشروان، وفي الجمال كما قال الشاعر: الطويل أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم ... دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه وكما قال الآخر: المتقارب وبيض رقاق خفاف المتو ... ن تسمع للبيض فيها صريرا مهندة من عتاد الملوك ... يكاد سناهن يعشي البصيرا

69 - وقال الشاعر: الطويل تود عدوي ثم تزعم أنني ... صديقك إن الرأي عنك لعازب بلوتك في أشياء منها منحتني ... أماني محاج وفيك مخالب 70 - وقال آخر: الطويل

فليس أخي من ودني رأى عينه ... ولكن أخي من ودني في المغايب ومن ماله مالي إذا كنت معدماً ... ومالي له إن عض دهر بغارب فما أنت إلا كيف أنت ومرحباً ... وبالبيض رواغ كروغ الثعالب 71 - يقال: أرغى القوم إذا أرادوا الرحيل فرغت إبلهم. العد: الماء الذي له مادة. والجميع الأعداد؛ والشياهم هي الدلادل. يقال: الأرش والإتاوة في الحرب ما يشترى به السرب. 72 - قال ابن الكلبي: العرب كلها سدوس. إلا سدوس بن أصمع في طيء، مضموم السين. 73 - ويقال: العرب كلها عدس إلا عدس بن زيد في تميم، فإنه مضموم

74 - وقال معاوية يوماً، وعنده الضحاك بن قيس الفهري، وسعيد بن العاص، وعمرو بن العاص، ويزيد ابنه: ما أعجب الأشياء؟ فقال الضحاك: إكداء العاقل، وخفض الجاهل؛ وقال سعيد: أعجب الأشياء ما لم ير مثله؛ وقال عمرو: أعجب الأشياء غلبة من لا حق له ذا الحق على حقه؛ فقال معاوية: أعجب من ذلك أن تعطي من لا حق له ما ليس له بحق من غير غلبة، قال يزيد: أعجب الأشياء هذا السحاب الراكد بين السماء والأرض، لا يدعمه شيء. دعم يدعم دعماً إذا أمسك، والدعامة منه، والجماع الدعائم؛ هكذا قال الثقات. 75 - قال أعرابي لآخر: حاجيتك، ما ذو ثلاث آذان يسبق الخيل بالرديان؟ يعني سهماً. حاجيتك معناه فاطنتك، والحجى: العقل والفطنة؛

والرديان: ضرب من المشي في سكون؛ هكذا قال الثقة. 76 - قال أبو عمرو: قد صرمت سحري منه، أي يئست منه. ويقال: إني منك غير صريم سحر؛ والسحر: الرئة؛ والرئة مهموزة، وأما الرية - بالتشديد - ما أوريت منه النار، هكذا قال أبو حنيفة صاحب النبات. وأما الروية فقد جرت بينهم غير مهموزة، ولها الهمز بحق الأصل كقولك روأت في الأمر، وأما رويت رأسي من الدهن، وأرويت مشاشي من الماء، فلا همز فيه، ومعناه أكثرت ونقعت. يقال: إذا رويت - من الري - نقعت ونقعت غيري بكذا؛ هكذا قال الكسائي في النوادر.

77 - قال يزيد بن المهلب: الكذاب يخيف نفسه وهو آمن. معناه أنه قد عرض نفسه للمطالبة بحقيقة ما قاله، فهو خائف من الفضيحة، وملاحظ لعار التكذيب، ومستوحش لما فيه أنس الصادقين. 78 - وقال بعض الأدباء: لو لم أدع الكذب تأثماً لتركته تكرماً. 79 - وقال بعض السلف الصالح: لو لم أدع الكذب تعففاً لتركته تظرفاً. 80 - وقال آخر من الأدباء: لو لم أدع الكذب تحوباً لتركته تأدباً. 81 - وقال أبو النفيس: لو لم أدع الكذب تورعاً اتركته تصنعاً. 82 - وقال صلى الله عليه وسلم، وهو المقدم والمعظم، والمأخوذ بقوله في الحرب والسلم: الكذب مجانب للإيمان. 83 - شاعر: الرجز

تقول إحدى البدن الرعابيب ... ما لي أراك عاري الظنابيب ممشق اللحم كتمشيق الذيب 84 - وقال العباس بن الأحنف: الكامل لم ألق ذا شجن يبوح بحبه ... إلا حسبتك ذلك المحبوبا حذراً عليك وإنني بك واثق ... أن لا ينال سواي منك نصيبا 85 - وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إن الحق لو جاء محصاً لما أختلف فيه ذو الحجى، وإن الباطل لو جاء محضاً لما اختلف فيه ذو حجى، ولكن أخذ ضغث من هذا وضغث من هذا. الضغث من الشيء: القطعة والطائفة منه؛ وهو كلام شريف ويحوي معاني سمحة في العقل. 86 - قال علي رضي الله عنه: ليس من أحد إلا وفيه حمقة فبها يعيش. 87 - أنشد لأعرابي: الطويل كفى لأمة بالمرء والله عالم ... وعندك من علم الكرام يقين بأن يخرج المشتار من عند صبية ... سغاب ويأتي الأهل وهو بطين

وإن امرءاً يهنا بطعم ومشرب ... وترك جياع خلفه لمهين يريد باللأمة اللؤم، وهذا اللفظ غريب، فإن اللأمة الدرع، وكذلك يقال: استلأم الرجل إذا دخل في شكته، والشكة: السلاح؛ فأما استلم - بغير همز - فلمس الحجر، والحجر هو السلام، والألائم: اللئام، والملائم: الخصال اللئيمة، فأما الملاوم فالمعايب ومنه " فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون ". هكذا حصلته عن أبي سعيد السيرافي قراءة وسماعاً ومسألة ومراجعة. 88 - قال أبو زياد: لم يلظ به إلا وهو يريد به خيراً؛ قال: الإلظاظ: اللزوم، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: ألظوا بياذا الجلال والإكرام. هكذا فسره أبو عبيد القاسم بن سلام - ولا تقل سلام، فقد كان بعض من صحب أبا الفتح ابن العميد إلى مدينة السلام سنة أربع وستين وثلاثمائة

يقول ذلك، فعابه بذلك البغداديون. فأما الإلطاط - بالطاء - فالأحتجاب والمطل؛ وقال الثقة: المرجوب: المهيب، وكأن رجباً منه لأنه كان يهاب فيه الحرب. 89 - قال أعرابي في شأن امرأة: إنها والله عربية اللسان، وقلبها أعرب منها؛ هكذا قال ابن الأعرابي. 90 - قال أبو بكر الواسطي: طلبت قلوب العارفين فوجدتها في أوج الملكوت تطير عنه الله، ووجدت وجه عطاء العاملين أن يكون من الله، ووجدت وجه عطاء العارفين أن يكون مع الله، لأن حاجة العامل إلى بره، وحاجة العارف إلى ذاته. 91 - كتب أبو العتاهية إلى سهل بن هارون، وكان مقيماً بمكة: أما

بعد، فإني أوصيك بتقوى الله الذي لا بد لك من تقاته، وأتقدم إليك عن الله عز وجل، وأذكرك مكر الله فيما دنت إليك به ساعات الليل والنهار، فلا تخدعن عن دينك، فإنك إن ظفرت بذلك منك وجدت الله عز وجل أسرع فيك مكراً، وأنفذ فيك أمراً، ووجدت ما مكرت به في غير ذات الله عز وجل غير راد عنك يد الله، ولا مانع لك من أمر الله؛ فلعمري لقد ملأت عينك الفكر، وأضطربت في سمعك أصوات العبر، ورأيت آثار نعم الله عز وجل تنسخها آثار نقمه حين استهزىء بأمره، وجوهر بمنابذته، وكأن في حكم الله أن من أكرمه فأستهان بأمره أهانه، والسعيد من وعظ بغيره، لا وعظك الله في نفسك، وجعل عظتك في غيرك، ولا جعل الدنيا عليك حسرة وندامة، فقد تقدم إليك مني كتابان، فإن كانا وصلا فقد أخبرا بحال زماننا، والسلام. 92 - وبكوا على محمد بن النضر الحارثي عند موته، ففتح عينيه وقال: ما لكم تبكون؟ قالوا: لأنك تموت، فقال: أما والله ما أبالي أمت أو رميت في البحر، وإنما أنقلب من سلطانه إلى سلطانه. 93 - قال عبيد الله بن محمد بن عبد الملك بن الزيات في كتاب كتبه:

وقريش - حفظك الله - بمحل الشرف، وبيت الكرم، وأهل الجلالة، أعظم الناس أحلاماً، وأصحهم عقولاً، وأبعدهم آراء، وأشدهم عارضة، وألسنهم بحجة، قال الله عز وجل: " بل هم قوم خصمون " الزخرف: 58، وهاشم وبنوه منهم. قال: وقال بعض البلغاء يصفهم: وهم طينة التوحيد، وشجرة الإسلام، ونهية الخير، وبيت الرحمة، وينبوع الحكمة، ومعاذ الخائفين، وملاذ الخائبين، ونهاية الراغبين، مهبط جبريل، وربع التنزيل، ومنزع التأويل، وخدن الإيمان، وواسطة النظام، وأوعية القرآن، ليس إليهم مرتقى، ولا فوقهم متمنى، بيوتهم القبلة، وأفعالهم القدرة، وموالاتهم عصمة، ومحبتهم طهارة، ومقاربتهم نجاة، ومباعدتهم سخط؛ ولما اصطفى الله تعالى رجلاً جعله منهم، ولما أحكم كتاباً أنزله عليهم، ولما أرشد أمة دلها عليهم؛ أولهم ذبيح الله، وأوسطهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآخرهم خلفاء الله في أرضه، وبعصيانهم وطاعتهم أضحى الثقلان فريقاً في الجنة وفريقاً في السعير. وفي الكتاب أيضاً فصل آخر سأرويه على جهته إذا عثرت به عند النقل. فصرف فهمك ونعم بالك في طرف الحديث، وملح النوادر، وشريف

اللفظ، ولطيف المعنى، فإن لك بذلك مزية على نظرائك الذين أصبحوا متناحرين على الدنيا في كسب الدوانيق والحيل والمخاريق، وأصبحت أنت تلتمس موعظة تنهي نفسك بها عن غرورها، وتطلب فضيلة تتحلى بها من شكل الدنيا، وتتحول بها إلى دار القرار. 94 - وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: الكريم لا يلين على قسر، ولا يقسو على يسر. 95 - وكان سهل بن هارون كاتب المأمون على خزانة الحكمة. وتوفي آخر أيام المأمون. 96 - وكان يقال: بلغ فلان عنان السماء؛ العنان: الغيم الأبيض، وهو أشد الغيوم ارتفاعاً، فأما أعنان السماء فنواحيها؛ هكذا قال الثقات، وبخط السكري مر بي فنقلته، وكان ذلك في كتب أبي بكر القومسي الفيلسوف بمدينة السلام.

97 - وصف أعرابي بعيراً فقال: إذا عصل نابه، وطال قرابه، فبعه بيعاً زليقاً، ولا تحاب به صديقاً. قرابه: خاصرته؛ هكذا وجدته. 98 - العرب تقول: ويل أهون من ويلين، كما تقول: بعض الشر أهون من بعض. 99 - يقال: مشى له الخمر والضراء إذا استنزله وختله، ومشى الملا والبراح إذا مشى ظاهراً بارزاً؛ كأنه في الأول دب خادعاً، وفي الثاني سلك السواء. 100 - وأنشد لحبيب بن خدرة: الطويل ألا حبذا عصر اللوى وزمانه ... إذ الدهر سلم والجميع حلول

وإذ للصبا حوض من اللهو مترع ... لنا علل من ورده ونهول الحلول: الحالون، كما تقول: هم قعود أي قاعدون؛ وأما المترع فالمملوء، يقال: إناء مترع إذا كان ملآن، وجرة مترعة إذا كانت ملأى، ولا ينصرفان؛ ويستعار فيقال: عينه مترعة بالدمع، كما يقال: قلبه مطفح بالغيظ؛ وأما العلل فالشرب الثاني، والنهل: الري، والناهل: الريان العطشان، وهكذا جاء في الأضداد؛ وهذا التفسير حفظته سماعاً وأحكمته رواية. وإذا نحن لم يعرض لألفة بيننا ... تناء ولا مل الوصال ملول 101 - ورجل مغوار: صاحب غارة، ورجل مغيار: من غيرة، والغيرة - بفتح الغين - هذا العارض للزوج على زوجها، وللزوج على زوجه، والزوجة لغة، والأول أعلى - هكذا قيل. وإياك أن تقيس اللغة، وقد رأيت فقيهاً من الناس وقد سئل عن قوم فقال: هم خروج، فقيل: ما تريد بهذا؟ قال: قد خرجوا، كأنه أراد: هم خارجون؛ قيل: هذا ما سمع، قال: هو كما قال الله تعالى: " إذ هم عليها قعود " البروج: 6، أي قاعدون، فضحك به. 102 - والعرب تقول في أمثالها: الغرة تجلب الدرة، أي مع النقصان تؤمل الزيادة، من قولك غارت الناقة إذا انقطع لبنها؛ ويقال: غرة وغرار أي

كساد ونقصان - بفتح النون؛ يقال: هلل الرجل إذ فر، وكلل إذا حمل. 103 - قال معاوية: تمردت عشرين، وتفتيت عشرين، ونتفت عشرين، وخضبت عشرين، فأنا ابن ثمانين. 104 - وقال الحسن بن مخلد: كان أحمد بن أبي دواد يستغل عشرة آلاف ألف درهم، وكان ينفق أكثر منها. 105 - يقال: تعلموا العلم وإن لم تنالوا به حظاً، فلأن يذم لكم الزمان أحسن من أن يذم بكم. 106 - يقال في المثل: الرجز ليس ذنابي الطير كالقوادم ... ولا ذرى الجمال كالمناسم 107 - وسئل ابن عباس عن القدر فقال: هو بمنزلة عين الشمس، كلما أزددت إليها نظراً أزددت عشى.

108 - قال فيلسوف: إن كان من القبيح إذا كان البدن سمجاً بأوساخ وأقذار قد غشيته أن يكون مزيناً من خارج بثياب نظيفة، فأقبح من ذلك أن تكون النفس دنسة بأوساخ العيوب ويكون البدن من خارج مزيناً. 109 - قال فيلسوف آخر: إن كنا نعنى بجميع أجزاء البدن، وخاصة بالأشرف منها، فبالحري أن نعني بجميع أجزاء النفس وخاصة بالأشرف منها، وهو العقل. يقال عنيت بكذا - بفتح العين وضمها؛ قاله ابن الأعرابي. 110 - وقال معاوية لصعصعة بن صوحان: صف لي الناس، فقال: خلق الله الناس أطواراً، فطائفة للعبادة، وطائفة للسياسة، وطائفة للفقه والسنة، وطائفة للبأس والنجدة، وطائفة للصنائع والحرف، وآخرون بين ذلك يكدرون الماء ويغلون السعر.

111 - قال الفضل بن مروان: مثل الكاتب مثل الدولاب، إذا تعطل انكسر. 112 - قال محرز الكاتب: اعتل عبيد الله بن يحيى بن خاقان، فأمر المتوكل الفتح أن يعوده، فأتاه فقال له: أمير المؤمنين يسأل عن علتك، فقال عبيد الله: الهزج عليل من مكانين ... من الإفلاس والدين وفي هذين لي شغل ... وحسبي شغل هذين فلما عاد إليه وأخبره الخبر وصله بمائة ألف درهم. 113 - لضرار بن الخطاب الفهري: المنسرح مهلاً أزيلوا لنا ظلامتنا ... إن بنا سورة من القلق

لمثلكم تحمل السيوف ولا ... تغمز أحسابنا من الرقق إني لأنمى إذا انتميت إلى ... عز عزيز ومعشر صدق بيض سباط كأن أعينهم ... ثكحل يوم الهياج بالعلق كان بعض الرؤساء يعجب من هذا الكلام ويتعجب به. 114 - وصف أعرابي أجمة فقال: مناقع نز، ومرعى إوز، قضبها تهتز، ونبتها لا يجز. 115 - الكامل وإذا جددت فكل شيء نافع ... وإذا حددت فكل شيء ضائر الجد - بالجيم، ها هنا بالفتح - هو إنقياد الأمر، والحد - بالحاء - هو أمتناعه ومنعه، ومنه سمي البواب حداداً لأنه يمنع، كذا قال ثعلب؛ ومنه قيل حدود الله عز وجل أي محارمه، كأنها مانعة من التعدي؛ ومنه حدود الدار كأنها حائزو لما أحاطت به، ومانعة من أنفسها ما ليس منها؛ والحداد: البحر، كأنه مانع من الطريق؛ والحدود: المصور، والمصر: الحاجز ويكتب هكذا: أشترى فلان هذه الدار بمصورها. وقال بعض المتكلمين: حد

الشيء حقيقته، ومعناه أنه ليس يدخل فيه ما ليس منه، ولا يخرج منه ما هو فيه، وكأن الحداد منه أيضاً، لأن المرأة إذا حدت لبست الحداد، وهي الثياب السود، ومنعت نفسها من العادة في النعمة؛ والنعمة: التنعم، والنعمة: ما ينعم به، والناعم: الشيء اللين، والنعم هو منه، وقولهم: نعم، كأنه من اللين في إيجاب الشيء والإجابة فيه. 117 - أنشد ابن السكيت: البسيط يا راقد الليل مسروراً بأوله ... إن الحوادث قد يطرقن أسحارا أفنى القرون التي كانت مسلطة ... مر الجديدين إقبالاً وإدبارا يا من يكابد دنيا لا مقام بها ... يمسي ويصبح في دنياه سيارا كم قد أبادت صروف الدهر من ملك ... قد كان في الأرض نفاعاً وضراراً 117 - يقال في الدعاء: لا ترك الله له شفراً ولا ظفراً، أي عيناً ولا يداً. 118 - وكان واعظ يقول في كلامه: يا أوعية الأسقام وأغراض المنايا، إلى متى هذا التهافت في النار؟

119 - وأنشد لأبي مسلم: الطويل تغيرت بعدي والزمان أنيس ... وخست بعهدي والملول يخيس وأظهرت لي هجراً وأخفيت بغضة ... وقربت وعداً واللسان عبوس ومما شجاني أنني يوم زرتكم ... حجبت وأعدائي لديك جلوس وفي دون ذا ما يستدل به الفتى ... على الغدر من أحبابه ويقيس فإن ذهبت نفسي عليك تحسراً ... فقد ذهبت للعاشقين نفوس كفرت بدين الحب إن طرت بابكموتلك يمين ما علمت غموس ولو كان نجمي في السعود لزرتكم ... ولكن نجوم العاشقين نحوس 120 - وقال زاهد: طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعود غيب يوم لم يرد. 121 - أنشد لجحظة: الرمل المجزوء قلت للحاجب لما ... ردني عنه بجهده وتألى أنه قد نا ... م من إدمان كده أنعاساً نام رب البي ... ت أم نام لعبده 112 - وله أيضاً: الكامل

سقياً ورعياً للجزيرة موطناً ... نواره الخيري والمنثور وترى البهار معانقاً لبنفسج ... فكأن ذلك زائر ومزور وكأن نرجسها عيون كلها ... كالزعفران جفونها الكافور 123 - وله أيضاً: المتقارب وقائلة ما دهى ناظريك ... فقلت رويدك إني دهيت شققت دجاجة بعض الملوك ... فما زلت أصفع حتى عميت 124 - وله: المديد أنا في قوم أعاشرهم ... ما لهم في الخير عائدة جعلوا أكلي لخبزهم ... عوضاً من كل فائده ليت في زماننا من يؤكل خبزه. 125 - قال محمد بن عبد الملك الزيات ليعقوب بن بهرام: كلمت أمير المؤمنين في عمر بن فرج فعزله عن الديوان، فقال له يعقوب: فرغته والله لطلب عيوبك.

126 - قال الماهاني: مررت بمنجم قد صلب فقلت له: هل رأيت هذا في نجمك وحكمك؟ قال: قد كنت أرى لنفسي رفعة، ولكن لم أعلم أنها فوق خشبة. 127 - أتى رجل إلى ابن سيرين فقال له: إني رأيت في المنام كأني أصب الزيت في الزيتون، فقال له: إن صدقت رؤياك فإنك تنكح أمك. فنظر فوجد كذلك. 128 - ناظر شريف الآباء رجلاً شريفاً بنفسه. فقال له الشريف بنفسه: أنت آخر شرف وخاتمته، وأنا أول شرف وفاتحته. 129 - وتناظر آخران في هذا المعنى فقال أحدهما لصاحبه: إن شرفك إليك ينتهي. وشرفي مني يبتدي. 130 - قال ابن الأعرابي: يقال للذي إذا أكل أستظهر بشيء يضعه

بين يديه ويضع يده اليسرى عليه ويأكل باليمنى: الجردبان، وأنشد في هذا المعنى: الوافر إذا ما كنت في قوم شهاوى ... فلا تجعل يسارك جردبانا يقال: قد جردب إذا فعل ذلك. 131 - أبو الصلت في الصلع: الرجز بينا الفتى يميس في غراته ... إذ انبرى الدهر إلى لماته فأجتبها بشفرتي مبراته ... كأن طستاً بين قنزعاته مرت يزل الطير عن مقلاته 132 - ولمحمد بن يعقوب: المتقارب وشعر تظرف للعاشقي ... ن فشاع لهم في مكان القبل سواد إلى حمرة في بياض ... فنصف حلي ونصف حلل كتاب إلى الحسن توقيعه ... من الله في خده قد نزل 133 - وأنشد ابن الأعرابي: الرجز

ويلك يا عراب لا تبربري ... هل لك في ذا الغرب المخصر يمشي بعرد كالوظيف الأعجر ... وفيشة متى تريها تشفري تقلب أحياناً حماليق الحر 134 - قال الكلابي: اللغف - بالغين والفاء - الأكل بالشفة. والندف: الأكل باليد. 135 - وقال فيلسوف: إن كان من القبيح إذا ركبنا الخيل ألا نكون ندبرها ونجريها، ولكن هي التي تدبرنا وتجرينا، فأقبح من ذلك أن يكون هذا البدن الذي لبسناه هو الذي يجري بنا ويدبرنا، لا نحن ندبره. 136 - وقال فيلسوف: الإنسان خير في الطبقة الأولى إذا كان استخراجه للأمور الجميلة من تلقاء نفسه، وهو خير في الطبقة الثانية إذا كان قابلاً للأمور الجميلة من غيره، لأن اللسان يحلف كاذباً، فأما العقل فلا يحلف كاذباً. 137 - وأنشد: الوافر

تقضت سكرتي وأتى خماري ... وما دائي من الراح العقار بدت صفراء تسرح في كؤوس ... كأن ضياءها ضوء النهار أرتنا الورد غضا في خدود ... تنير على نضير الجلنار تقطفه العيون لنا بلحظ ... يؤثر مثل تأثير الشفار يطوف بها علي قضيب بان ... يهم إذا تأود بانكسار كأن الخصر منه إذا تثنى ... لدقته يجول على سوار بها دافعت ضاري الهم عني ... ومنها سكرتي وبها خماري إذا دارت على الندمان دارت ... نجوم اللهو في فلك مدار أدمناها فدام لنا عليها اط ... طراح النسك أو خلع العذار أقامت وهي دون الدن فيه ... لها طمران من خزف وقار وتاج صاغه الحاني عليها ... فكان خمارها ترك الخمار بزلناها وستر الليل مرخى ... فكان ضياؤها ضوء النهار سلالة كرمة خلصت ودن ... كما خلص الهلال من الدراري 138 - قال رجل للفرزدق: إني رأيت في المنام كأنك قد وزنت بحمارك فرجح الحمار بك، فقطع أير الحمار وجعل في استك فرجحت بالحمار، فقطع لسانك وجعل في أست الحمار فأعتدلتما، فقال الفرزدق: إن صدقت رؤياك نكت أمك.

139 - إياك أن تعاف سماع هذا الأشياء المضروبة بالهزل، الجارية على السخف، فإنك لو أضربت عنها جملة لنقص فهمك، وتبلد طبعك، ولا يفتق العقل شيء كتصفح أمور الدنيا، ومعرفة خيرها وشرها، وعلانيتها وسرها؛ وإنما نثرت هذه الفواتح على ما اتفق، وقد كان الرأي نظم كل شيء إلى شكله، ورده إلى بابه، ولكن منع منه ما أنا مدفوع إليه من انفتات حالي، وأنبتات منتي، والتواء مقصدي، وفقد ما به يمسك الرمق، ويصان الوجه، لا عوجاج الدهر، واضطراب الحبل، وإدبار الدنيا بأهلها، وقرب الساعة إلينا؛ فأجعل الأسترسال بها ذريعة إلى جمامك، والأنبساط فيها سلماً إلى جدك، فإنك متى لم تذق نفسك فرح الهزل، كربها غم الجد، وقد طبعت في أصل التركيب على الترجيح بين الأمور المتفاوتة، فلا تحمل في شيء من الأشياء عليها، فتكون في ذلك مسيئاً إليها، ولأمر ما حمد الرفق في الأمور والتأتي لها، وما أحسن ما أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى في قوله: إن هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق، فإن المنبت لا أرضاً قطع، ولا ظهراً أبقى. 140 - وأنشد لجحظة: الوافر لقد أصبحت في بلد خسيس ... أمص به ثماد الرزق مصا إذا رفعت مسناة لوغد ... توهم جوده ما ليس يحصى

رأيت المجد إحساناً وجوداً ... فصار المجد آجراً وجصا يقال: جص وجص، وفص وفص، وبزر وبزر، ورطل ورطل؛ فتعود المسموع الجاري، ولا تتمقت بأدبك إلى الناس. 141 - يقال: حمي أنفة - ولا تقل بضم الهمزة فإنه من فاحش الخطأ - يحمى محمية - خفيفة -، وهو ذو حمية معناه: كأنه يمنع مما أريد به؛ يقال: أحمى أرض كذا، أي جعلها حمى، والحمى ما لا يرعاه أحد؛ وقيل: قلب المؤمن حمى، أي لا يطور به ريب؛ وقيل: قلب المؤمن حرم الله، وما أقدم على إيضاح معناه؛ وأحمى الحديد؛ وأحمومي العنب أي أسود؛ وحمى مريضه حمية إذا منعه؛ والله يحمي عبده المختار من الدنيا لئلا يدنس بها إلا من عصمه؛ وحميا الكأس سورتها؛ هذا حفظي من كتاب الأجناس بعد السماع. 142 - قال بطلميوس: دلالة القمر في الأيام أقوى، ودلالة الشمس والزهرة في الشهر أقوى، ودلالة المشتري وزحل في السنين أقوى. 143 - يقال في الأمثال: قد يبلغ الشدو بالقطو؛ الشدو: سير فيه إسراع، والقطو: سير فيه إبطاء؛ كما يقال: قد يبلغ الخضم بالقضم؛

الخضم: أكل الشيء الناعم، والقضم: أكل الشيء اليابس، وكأن الخضم في الرخاء والقضم في الشدة. 144 - والعرب تقول: فلان صل صفاً وذئب غضاً، أي شرير. 145 - ويقال: فلان منقطع القبال، أي لا رأي له. 146 - أهدى أعرابي إلى هشام ناقة فلم يقبلها، فقال: يا أمير المؤمنين إنها مرباع مقراع، أي سريعة الدر؛ مرباع: أي تنتج في الربيع، مقراع: أي تحمل في أول الضراب وهو القرع. 147 - والعرب تقول في أمثالها: عند الصليان الرزمة، أي إلى الكريم تحن؛ وعند القصيص تكون الكمأة، أي عند الحر يكون المعروف؛ والصليان والقصيص: نبتان معروفان، كذا قال أبو حنيفة صاحب النبات. 148 - سأل رجل محمد بن علي عليه السلام عن القدر، فقال: أجبر

اللة العباد على المعاصي؟ فقال: معاذ الله، لو أجبرهم لما عذبهم؛ قال: ففوض إليهم؟ قال: معاذ الله، لو فوض إليهم لما احتج عليهم، قال: فما بعد هذين؟ قال: أمر بين أمرين، لا إجبار ولا تفويض، كذا أنزل إلى الرسول. 149 - العرب تقول: رجل مسواف، أي لا يعطش، ورجل ملواح: سريع العطش؛ والعرب تقول: رماه بخشاش أخشن، ذي ناب أحجن، كأنه يراد به حية؛ والعرب تقول: ما أنا إلا درج يدك: أي في طاعتك. 150 - وأنشد لعبد الصمد بن المعذل: الطويل هي النفس تجزي الود بالود أهله ... وإن سمتها الهجران فالهجر دينها إذا ما قرين بت منها حباله ... فأهون مفقود عليها قرينها لبئس معار الود من لا يوده ... ومستودع الأسرار من لا يصونها 151 - العرب تقول في أمثالها: الحسن أحمر، أي لا ينال النفيس إلا بشق الأنفس، كأنه لا ينال إلا بالقتال وسفك الدم؛ ميم الدم خفيفة، وباء

الأب خفيفة، فتوق لحن العامة وأشباه العامة من الخاصة، وروض لسانك على الصواب. 152 - قيل للحسن البصري: كيف لقيت الولاة يا أبا سعيد؟ قال: لقيتهم يبنون بكل ريع آية يعبثون، ويتخذون مصانع لعلهم يخلدون، وإذا بطشوا بطشوا جبارين. 153 - قال بعض اليونانين: مقدم الرأس للفكر، ومؤخر الرأس للذكر، والدليل على ذلك المتفكر والمتذكر، لأن المتفكر بطأطىء رأسه، والمتذكر يرفع رأسه. 154 - وقال: بنات الدهر المكاره، وبنات الصدر الفكر، وبنات الليل النجوم، وبنات طبق الدواهي، وبنات أوبر الكمأة. 155 - قال محمد بن سلام: غرض أعرابي من امرأته - ومعنى غرض ضجر ها هنا - فقال: الطويل

رزقت عجوزاً قد مضى من شبابها ... زمان فما فيها لذي اللبس ملبس ترى نفسها زيناً وليست بزينة ... إذا رد فيها طرفه المتأنس لها ركبتا عنز وساقا نعامة ... وكاهل حرباء بدا يتشمس وعين كعين الضب في ضمن تلعة ... ووجه لها مثل الصلابة أملس 156 - قيل لجمين: كل من هذا الطين السيرافي، وكان على نبيذ، فإنه أطيب، قال: ولم؟ أبلغكم أن في بطني وكفاً؟ 157 - قال أبو العيناء: تقدم الأصمعي إلى جارية له بعدما كبر فأنقطع، فقال: الحمد لله الذي خلق خلقاً فأماته في حياته. 158 - ويقال: زاحم شاب شيخاً في طريق وقال يماجنه: كم ثمن هذا القوس - يعيره بالأنحناء، فقال له الشيخ: إن طال عمرك فإنك تشتريه بلا ثمن. يقال: عيرته كذا وبكذا، وحذف الباء أغرب، وبالباء أحرى. 159 - وقال أعرابي: حماقة تمونني أحب إلي من عقل أمونه. وهذا عليه كلام في معرفة سداده وفساده، ولكن ألقيته إليك كما علقه القلب ورواه اللسان.

160 - أهدت متيم جارية علي بن هشام إلى مولاها كأساً مخروطة وكتبت في خرطها: الرمل المجزوء قالت الكأس خذوني ... كم إلى كم تحبسوني إن جسمي من زجاج ... فاحذروا لا تكسروني وأجعلوا الساقي غلاماً ... ذا دلال وفتون فإذا أنتم سكرتم ... فخذوه في سكون 161 - قال القاسم بن الحسين: كان لبعض الظرفاء جاريتان مغنيتان إحداهما حاذقة والأخرى متخلفة، وكان إذا قعد معهما وغنته الحاذقة خرق قميصه، وإذا غنت الأخرى قعد يخيطه. 162 - قال أبو السلام الأسدي: الرجز تسألني ما عندها وعن دد ... فإنني يا بنت آل مرثد راحلتي رجلي وآمراتي يدي الدد: اللهو؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنا من دد ولا الدد مني.

163 - سأل رجل الحسن البصري: أمؤمن أنت؟ فقال: إن كنت تريد قول الله عز وجل " آمنا بالله وما أنزل إلينا " البقرة: 136، فنعم، به نتناكح ونتوارث ونحقن الدماء؛ وإن كنت تريد قول الله تعالى " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم " الأنفال: 2، فنسأل الله أن نكون منهم. 164 - قال فيلسوف: إن الذي يطلب ما ليس له نهاية هو جاهل؛ اليسار شيء ليس له نهاية. 165 - قيل لفيلسوف: لم أخترت السكني في مدينة كذا وهي وبيئة؟ قال: حتى إذا لم أمتنع من الشهوات لمضرة النفس امتنعت منها من خوف مضرة البدن. 166 - قال ابن الأعرابي: قال خالد بن صفوان لرجل: رحم الله أباك. فما رأيت رجلاً أسكن فوراً، ولا أبعد غوراً، ولا آخذ بذنب حجة، ولا أعلم بوصمة، ولا أنبه في كلام منه. 167 - وقال ابن الأعرابي: دفع رجل رجلاً من العرب، فقال

المدفوع: لتجدني ذا منكب مزحم، وركن مدغم، ورأس مصدم، ولسان مرجم، ووطء ميثم، أي مكسر. 168 - قال ابن الأعرابي، قيل لأعرابي: ما أشد البرد؟ قال: إذا كانت السماء نقية، والأرض ندية، والريح شآمية. توق تشديد ياء ندية وشآمية؛ ألا ترى أنك تقول: هذا تراب ند، وروض ند، ورجل شآم، وامرآة شآمية؟ 169 - وقال ابن الأعرابي، قال آخر: إذا صفت الخضراء، ونديت الدقعاء، وهبت الجربياء، يعني في شدة البرد؛ الخضراء: السماء، والدقعاء: الأرض، والجربياء: الشمال؛ هكذا حفظته. 170 - مدح أعرابي نفسه فقيل له: أتمدح نفسك؟ فقال: أفاكلها إلى عدو يشتمني ويذمني؟ 171 - وأنشد ابن الأعرابي لشاعر: الطويل

لحا الله أنآنا عن الضيف بالقرى ... وألأمنا عن عرض والده ذبا وأدخلنا للباب من قبل آسته ... إذا القور أبدى من جوانبه ركبا القور: جمع قارة، وهو الجبل الصغير، كأنه يريد طلوع الركب من هذا الوجه. 172 - وأنشد: الطويل إذا كنت تبغي شيمة غير شيمة ... جبلت عليها لم تطعك الضرائب وكم من عديم العقل جد بجده ... ومن عاقل أعيت عليه المكاسب 173 - وأنشد: الوافر وجرح السيف تدمله فيبرا ... وجرح الدهر ما جرح اللسان 174 - وقيل لفيلسوف: هل رأيت إنساناً أشد تقشفاً منك؟ قال: فلان الملك وفلان الملك، قيل: كيف؟ قال: لأني رفضت هذه الأشياء القليلة اللبث، القصيرة الزمان، ودأبت في طلب الأشياء الدائمة الثابتة، وأولئك اقتصروا على تلك الأشياء القليلة الصحبة والإمتاع، فهم باقتصارهم عليها أشد تقشفاً مني.

175 - وقال سقراطيس: لتكن عنايتك بحسن استعمال ما يكتسب أحسن من عنايتك بأكتساب ما يكسب. 176 - وقال فيلسوف: إذا تزين المرء بالذهب والفضة، فقد دل على نقصه في نفسه عنهما، لأنه عدم الكمال، والفاضل هو الذي يزين بنفسه الذهب والفضة بحسن السياسة فيهما والتدبير في تصريفهما. 177 - للمقنع الكندي: الكامل وإذا رزقت من النوافل ثروة ... فأمنح عشيرتك الأداني فضلها وأستبقهم لدفاع كل ملمة ... وارفق بناشئها وطاوع كهلها وأعلم بأنك لن تسود فيهم ... حتى ترى دمث الخلائق سهلها 178 - وكان أبو حامد ابن بشر المروروذي إذا سمع تراجع المتكلمين في مسائلهم ورأى ثباتهم على مذاهبهم بعد طول جدلهم ينشد: الرجز

ومهمه دليله مطوح ... يدأب فيه القوم حتى يطلحوا ثم يظلون كأن لم يبرحوا ... كأنما أمسوا بحيث أصبحوا 179 - عاد الخليل بعض تلامذته، فقال له تلميذه: إن زرتنا فبفضلك، وإن زرناك فلفضلك، فلك الفضل زائراً ومزوراً. 180 - وأنشد: المديد يا نسيم الروض في السحر ... ومثال الشمس والقمر إن من أسهرت مقلته ... لقرير العين بالسهر 181 - قيل للحسين بن علي رضي الله عنهما: إن فيك عظمة، قال: لا، بل في عزة، قال الله تعالى: " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين " المنافقون: 8. 182 - قال الحسن بن سهل: لا يكسد رئيس صناعة إلا في شر زمان وأخس سلطان. 183 - وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: عليكم بأوساط الأمور فإنه إليها يرجع العالي، وبها يلحق التالي، وشبه ذلك بالحبل إذا قبض على

وسطه، فالقابض قريب من طرفيه، والآخذ بأحد طرفيه بعيد من الآخر. 184 - وقال ابن هرمة: الكامل جعلوا الألى سبقوا إليك فرشتهم ... للأخرين معالماً وسبيلا فأخذ هذا المعنى الحسن بن وهب وكتب إلى بعض العمال: إن حسن ثناء الصادرين إلينا عنك يزيد في عدد الواردين عليك من قبلنا. 185 - قال حماد بن إسحاق بن إبراهيم الموصلي: كان لأبي إسحاق غلام يسقي الماء لمن في داره على بغلين، فرآه أبي يوماً وهو يسوق البغل وقد قرب من الحوض الذي يصب فيه الماء فقال: ما خبرك يا فتح؟ قال: خبري يا مولاي أنه ليس من أحد في هذه الدار أشقى مني ومنك، وكيف ذلك؟ قال:

لأنك تطعمهم الخبز وأنا أسقيهم الماء، فضحك منه ثم قال له: فما تحب أن أصنع بك؟ قال: تعتقني وتهب لي هذين البغلين، ففعل ذلك. قيل للنظام: أتناظر أبا الهذيل؟ قال: نعم، وأطرح له رخا من عقلي. قال المتوكل لمحمد بن عبد الله بن ظاهر: أتجانبني؟ قال: أنا إلى مواصلة أمير المؤمنين أقرب. قال علي بن عبيدة: قلت أبياتاً من الشعر ووجهت بها إلى إسحاق الموصلي وقلت: إنها عارية فاكسها، فغنى فيها.

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبي ذر: من أغبط الناس؟ قال: رجل بين أطباق الثرى، قد أمن العقاب، وهو يتوقع الثواب، فقال عمر: لو كان أعد هذا الكلام منذ حول ما زاد على هذا. ذم رجل عاملاً فقال: لا يضبط حاشيته فكيف يضبط قاصيته؟ وقال عمر بن عبد العزيز لإياس بن معاوية: دلني على قوم من القراء أولهم، فقال له: إن القراء ضربان: ضرب يعلمون للآخرة، وأولئك لا يعملون لك، وضرب يعملون للدنيا فما ظنك بهم إذا مكنتهم منها، فقال: ما أصنع؟ قال: عليك بأهل البيوتات الذين يستحيون لأنسابهم ويرجعون إلى أعراقهم فولهم. وقال بعض الأوائل: أجعل سرك إلى واحد ومشورتك إلى ألف.

وقال محمد بن عبد الله بن طاهر لولده: عفوا تشرفوا واعشقوا تظرفوا. جلس ذو اليمينين يوماً من الأيام للمظالم، فعرض عليه رقعة رجل أدعى أجرة على رجل آخر وأحال المدعي على رجل آخر، فوقع: يرجع إلى الفصل الثاني من كتاب كليلة ودمنة، فرجع إلى ذلك الفصل فوجد فيه: أجرة الأجير على من استأجره، فعمل بذلك. عاتب الفضل بن سهل الحسين بن مصعب في أمر طاهر والتوائه وتلونه، فقال له الحسين: أنا أيها الأمير شيخ في أيديكم، لا تذمون إخلاصي، ولا تنكرون نصيحتي، فأما طاهر فلي في أمره جواب مختصر، وفيه بعض الغلظ، فإن أذنت ذكرته، قال: قل، فقال: أيها الأمير، لو أخذت رجلاً من عرض الأولياء، فشققت صدره، ثم جعلت فيه قلباً قتل به خليفة، وأعطيته آلة ذلك من الرجال والأموال والعبيد، ثم تسومه بعد ذلك أن يذل لك ويكون كما كان أولاً، لا يتهيأ لك هذا إلا أن ترده إلى ما كان، ولا تقدر على ذلك؛ فسكت الفضل. قال المكي: كنت عند سفيان بن عيينة وجاء رجل فقال له: إن

جاري قد آذاني، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من آذى جاره ورثه الله داره، فقال له: إن هذا لفي كتاب الله عز وجل، قال الرجل: وأين ذلك؟ قال: قال الله عز وجل " وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين. ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد " إبراهيم: 13 - 14، فقال المكي وقبل رأسه. كتب أحمد بن إسماعيل إلى ابن المعتز رقعة في فصل منها يصف الحق بقوله: ولم أر كالحق أصدق قائلاً، ولا أفضل عالماً، ولا أجمل ظاهراً، ولا أعز ناصراً، ولا أوثق عروة، ولا أحكم عقدة، ولا أعلى حجة، ولا أوضح محجة، ولا أعدل في النصفة، لا يجري لأحد إلا جرى عليه، ولا يجري على أحد إلا جرى له، يستوي الملك والسوقة في واحته، ويعتدل البغيض والحبيب في محضه، طالبه حاكم على خصمه، وصاحبه أمير على أميره، من دعا إليه ظهر إليه برهانه، ومن جاهد عليه كثر أعوانه، يمكن دعاته من آلة القهر، ويجعل في أيديهم آلة النصر، ويحكم لهم بغلبة العاجلة، وسعادة الآجلة؛ ولم أر كالباطل أضعف سبباً، ولا أوعر مذهباً، ولا أجهل طالباً، ولا أذل صاحباً، من اعتصم به أسلمه، ومن لجأ إليه خذله، يرتق فينفتق، ويرقع فينخرق، إن حاول صاحبه بيعه بارت سلعته، وإن رام ستره زادت ظلمته، لا

يقارنه البرهان، ولا يفارقه الخذلان، قد قذف عليه بالحق يدمغه ويقمعه فيمحقه، صاحبه في الدنيا مكذب، وفي الآخرة معذب، إن نطق دل على عيبه، وإن سكت تردد في ريبه. قال بعض السلف: الخيل تجري في المروج على أعراقها، وفي الحلبة على جدود أربابها، وفي الطلب على إقبال فرسانها، وفي الهزيمة على آجالهم. وأنشد لخلف: المتقارب وحق المراشف من ثغره ... وملتثم طاب من نحره لما غاب عن ناظري شخصه ... ولا شغل القلب عن ذكره وإني لأزداد وجداً به ... إذا ازداد بالبخل في هجره ووالله لو قال مت حسرة ... لبادرت طوعاً إلى أمره قال جحظة: قلت لإسماعيل بن بلبل وقد ولي الوزارة: الوزارات عوار، واصطناع الخير نهزة، فأغتنم الوجدان قبل الفقدان؛ قال: فضحك وقال: أفعل.

دخل سفيان بن عيينة على الرشيد وهو يأكل من صحفة بملعقة فقال: يا أمير المؤمنين، حدثني عبيد الله بن أبي يزيد عن جدك ابن عباس في قوله عز وجل " ولقد كرمنا بني آدم " الإسراء: 70 أي جعلنا لهم أيدياً يأكلون بها، فكسر الملعقة. كتب كلثوم بن عمرو إلى خالد بن يزيد وهو بملطية يستوصله بقصيدة يقول فيها: الكامل ولكل قوم في مجاري سيلهم ... مرعى ولكن ليس كالسعدان فوجه إليه بعشرة آلاف درهم. أعرابي: البسيط تفتر عن واضح الأنياب ذي أشر ... كعاتق الراح ممزوجاً به العسل

بعد الرقاد إذا ما النوم قلبها ... جنبا لجنب وجافى جسمها الكسل قال بعض أصحاب أبي حنيفة لأحمد بن المعذل: كتب مالك تكتب في حواشي كتب أبي حنيفة، قال أحمد: " قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث " المائدة: 100. مدح أعرابي رجلاً فقال: هو كالمسك، إن خبأته عبق وإن تركته عتق، أي جاد. ولما مرض هبة الله بن إبراهيم بن المهدي جزع إبراهيم وقلق، فكان يقول: الرجز هب واحداً لواحد يا واحد ... فقد علمت ما يلاقي الوالد أنشد أبو عثمان المازني لأبي لهب بن عبد المطلب: الطويل

سأكتمه سري وأحفظ سره ... ولا غرني أني عليه كريم حليم فينسى أو جهول فيتقى ... وما الناس إلا جاهل وحليم لقي عبد الله بن عمر صديقاً له فقال: إني لأغيب عنك بشوق، وألقاك بتوق، فسمع أعرابي كلامه فقال: لو كان كلام يؤتدم به لكان هذا. لأبي دلف: الكامل إن المكارم كلها حسن ... والبذل أحسن ذلك الحسن كم عارف بي لست أعرفه ... ومخبر عني ولم يرني أحتبس المعتز عبيد الله بن عبد الله بن طاهر للمنادمة، فلما غنت شارية، ولم يكن سمعها قبل يومه، قال له المعتز: كيف ما سمعت؟ قال: يا أمير المؤمنين، حظ العجب أكثر من حظ الطرب. شاعر: المديد قد وجدنا غفلة من رقيب ... فسرقنا لحظة من حبيب

ورأينا ثم وجهاً مليحاً ... فوجدناه حجة للذنوب وقع المعتز تحت دعاء بإطالة البقاء: كفى بالانتهاء قصراً. وقال: من كان عاقلاً لم يستشر إلا عاقلاً. قال طاهر بن الحسين لأحمد بن أبي خالد: إن الثناء مني ليس برخيص، وإن المعروف عندي غير ضائع، فتعينني عند أمير المؤمنين؛ فتلطف له عنده حتى قلده خراسان، فلما خرج إليها أرسل إلى أحمد عشرة آلاف درهم. قيل لفيلسوف: ما بال الثمرة غشاؤها هو المأكول منها والنواة في جوفها، والجوزة بخلاف ذلك؟ قال: لم يكن العناية بما يؤكل من حال الأكل، وإنما كانت العناية ببقاء النوع، فحفظت النواة بالغشاء والجوزة بالقشر. قال ثعلب: حدثني عبد الله بن شبيب قال: كتب إلي بعض إخواني من البصرة إلى المدينة: أطال الله بقاك كما أطال جفاك، وجعلني فداك وإن جازني نداك: الوافر كتبت ولو قدرت هوى وشوقاً ... إليك لكنت سطراً في كتاب

قال أبو العيناء: اشتري للواثق عبد فصيح من البادية، فأتيناه وجعلنا نكتب عنه كل ما يقول، فلما رأى ذلك منا قلب طرفه وقال: الرجز إن تراب قعرها لمنتهب يقال ذلك للرجل تسر الناس رؤيته لانتفاعهم به، والأصل فيه أن الحافر يحفر، فإن خرج التراب مراً علم أنه ملح فلم يحفر، وإن كان طيباً علم أن الماء عذب فأنبط، فإذا خرج طيباً آنتهبه الصبيان سروراً به ومضوا إلى الحي يخبرونهم. وكتب أبو العيناء إلى الوزير أبي الصقر: أنا - أعزك الله - طليقك من الفقر، ونقيذك من البؤس، أخذت بيدي عند عثرة الدهر، وكبوة الكبر، وعلى أية حال حين فقدت الأولياء والأشكال، الذين يفهمون من غير تعب، فحللت مني عقدة الخلة، ورددت إلي بعد النفور النعمة، وكتبت كتاباً إلى الطائي، فكأنما كان منك إليك، لقد أتيته وقد أسكعت به الأمور، وأحاطت به النوائب، فكاثر من بشره، وبذل من يسره وعسره، وأعظى من ماله أحسنه، ومن بره أكرمه، مكرماً مدة ما أقمت، ومنفلاً من ماله لما

ودعت، حكمني في ماله فتحكمت، وأنت تعرف جوري إذا تمكنت، فأحسن الله جزاءك، وأعظم حباءك، وقدمني أمامك، وأعاذني من فقدك ويوم حمامك، فلقد أنفقت علي مما ملكك الله، وأنفقت ما تيسر لي من القول، والله تعالى يقول: " لينفق ذو سعة من سعته " الطلاق: 7، وقد أنفق كل مما ملكه الله، فالحمد لله الذي جعل لك اليد العالية، والمرتبة الشريفة، ولا أزال عن هذه الأمة ما بسط لها من عدلك، وبث فيها من رفدك، والسلام. قال أبو العيناء: لما أدخلت على المتوكل عابثني جلساؤه، فلما برزت عليهم قال المتوكل: ادفعوا إليه عشرة ألاف درهم اتقاء للسانه، فقلت: د قتلتني والله يا أمير المؤمنين، قال لي: ويحك، وكيف ذلك؟ قلت: لأن من خفته لا يعيش، فقال: ليس خوف فرق ولكن خوف صيانة. ودخل أبو العيناء يوماً على عبد الرحمن بن خاقان، وكان يوماً شاتياً، فقال له عبد الرحمن: كيف تجد هذا اليوم يا أبا عبد الله؟ قال: تأبى نعماك أن أجده.

وكان أبو العيناء يوماً بحضرة عبيد الله بن سليمان، فأقبل الطائي فعرف مجيئه فقال: هذا رجل إذا رضي عشنا في نوافل فضله، وإذا غضب تقوتنا بقايا بره. سأل أبو العيناء إبراهيم بن ميمون حاجة، فدفعه عنها وأعتذر إليه وأعلمه أنه قد صدقه فقال له: والله قد سرني صدقك لندور الصدق عندك، فمن صدقه حرمان كيف يكون كذبه؟ قال الزيادي: كان في حواري رجل ضعيف الحال، فعملت هريسة ودعوته ليأكل معي فلم ألحق معه إلا لقمتين، فقلت له: دعوتك رحمة فصيرتني رحمة! قال أبو العيناء: قال لي عيسى بن زيد المراكبي، وكان من

أملح الناس: كان لي غلام من أكسل خلق الله، فوجهته يوماً ليشتري عنباً رازقياً وتيناً، فزاد وأبطأ على العادة، ثم جاء بعد مدة بعنب وحده، فقلت له: أبطأت حتى نوطت الروح ثم جئت بإحدى الحاجتين؟! فأوجعته ضرباً وقلت: إنه ينبغي لك إذا استقضيتك حاجة أن تقضي حاجتين، لا إذا أمرتك بحاجتين أن تجيء بحاجة؛ ثم لم ألبث بعدها أن وجدت علة فقلت له: امض فجئني بطبيب وعجل، فمضى وجاءني بطبيب ومعه رجل آخر، فقلت له: هذا الطبيب أعرفه، فمن هذا؟ قال: أعوذ بالله منك، ألم تضربني بالأمس على مثل هذا؟! قد قضيت لك حاجتين وأنت استخدمتني في حاجة، جئتك بطبيب ينظر إليك، فإن رجاك وإلا حفر هذا قبرك، فهذا طبيب وهذا حفار. أيش أنكرت؟ قلت: لا شيء يا ابن الزانية! كان أحمد بن سليمان بن وهب يكتب، فدخل أبوه فقال: يا بني، سألت علي بن يحيى أمس أن يؤنسني اليوم بمصيره إلي، فاكتب إليه رقعة وسله فيها إنجاز وعده، فأخذ القلم والقرطاس وكتب: السريع

يا من فدت أنفسنا نفسه ... موعدنا بالأمس لا تنسه لما ولي يحيى بن أكثم قضاء البصرة استصغروا سنه، فقال له رجل: كم سن القاضي أعزه الله تعالى؟ فقال: سن عتاب بن أسيد حين ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة؛ فجعل جوابه احتجاجاً. وأنشدت لعلية بنت المهدي: الطويل سأمنع طرفي أن يلف بنظرة ... وأحجبه بالدمع عن كل منظر وأشكر قلبي فيك حسن بلائه ... أليس به ألقاك عند التفكر الحمدوني: السريع وليلة قصر لي طولها ... بدر على غصن من الآس

بات يسقيني وألحاظه ... أسرع في عقلي من الكاس قال أحمد بن الطيب السرخسي: سمعت الكندي يقول، قال بقراط: سلوا القلوب عن المودات فإنها شهود لا تقبل الرشا. قال إسحاق الموصلي، قال بعض الأوائل: أول العشق النظر، وأول الحريق الشرر. وقال خالد الكاتب: الكامل أين الفرار وحب من هو قاتلي ... أدنى إلي من الوريد الأقرب إني لأعمل فكرتي في سلوتي ... عنه فيظهر في ذل المذنب قال هبة الله بن إبراهيم بن المهدي: ولدت علية بنت المهدي سنة ستين ومائة، وماتت سنة عشرين ومائتين، ومن شعرها: الكامل لا حزن إلا دون حزن نالني ... يوم الفراق وقد خرجت مودعا فإذا الأحبة قد تفرق شملهم ... ووقفت فرداً والهاً متفجعا

وأنشد لمروان بن أبي حفصة: الطويل يقول أناس إن مرواً بعيدة ... وما بعدت مرو وفيها ابن طاهر وأبعد من مرو رجال أراهم ... بحضرتنا معروفهم غير حاضر قال رجل للإسكندر: إن عسكر دارا كثير، فقال الإسكندر: إن الغنم وإن كثرت تذل لذئب واحد. رأى الإسكندر سمياً له لا يزال يهزم فقال له: إما أن تغير فعلك وإما أن تغير اسمك. رأى فيلسوف مدينة حصينة بسور محكم فقال: هذا موضع النساء لا موضع الرجال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية أبي الدرداء: ما أشرقت الشمس إلا وبجنبيها ملكان يناديان: يا أيها الناس هلموا إلى ربكم فإن ما

قل وكفى خير مما كثر وألهى، ولا غربت شمس إلا وبجنبيها ملكان يناديان: اللهم عجل لكل منفق خلقاً، اللهم عجل لكل ممسك تلفاً. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الدنيا حلوة خضرة، من أخذها بحقها بارك الله فيها، ورب متخوض في مال الله ورسوله له النار يوم القيامة وفي رواية: له النار يوم يلقاه. وروي عن أبي ذر أنه صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى يقول كلكم مذنب إلا من عافيت، فأستغفروني أغفر لكم، فمن علم منكم أني ذو قدرة على المغفرة فأستغفرني بقدرتي غفرت له ولا أبالي، وكلكم ضال إلا من هديت فسلوني الهدى أهدكم، وكلكم فقير إلا من أغنيت، فسلوني أرزقكم، ولو أن حيكم وميتكم، وأولكم وآخركم، ورطبكم ويابسكم، اجتمعوا على قلب أتقى عبد من عبادي لم يزيد ذلك في ملكي جناح بعوضة ولو أن حيكم وميتكم وأولكم وآخركم ورطبكم ويابسكم يسأل كل سائل أمنيته فأعطيت كل سائل ما يسأل، لم ينقصني إلا كما أن أحدكم مر على سيف البحر فغمس إبرة ثم أنتزعها؛ ذلك لأني جواد ماجد واجد، أفعل ما أشاء، عطائي كرم، وإذا أردت شيئاً فإنما أقول له كن فيكون. وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الأعمش عن أبي صالح

عن أبي هريرة، قال: الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، فأرشد الله الأئمة، وغفر للمؤذنين. وقالت عائشة رضي الله عنها: كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يلبي. وبيصه وبصيصه: بريقه. قال الله عز وجل: " فلا تغضلوهن " البقرة: 232؛ قال الأصمعي وغيره: يقال عضل الرجل أيمه أي منعها التزوج، وأعضل الأمر: اشتد، وعضلت الحامل إذا نشب ولدها في بطنها؛ ومعنى نشب: كأنه صار كالنشاب في ولوجه ولصوقه، ومنه قول أبي ذؤيب: الكامل وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفع المنية: المقدورة، منى الماني: قدر القادر، وأنشبت: أدخلت بشدة أظفارها، واحدها ظفر، ومنه يقال: ظفرت بالرجل فهو مظفور به، كأنك تمكنت بيدك وأصابعك منه؛ ومعنى ألفيت: وجدت، والتميمة: التعويذة وما يرقى به، وأما الرتيمة فما تعقده بأصابعك تتذكر به الحاجة، قال الشاعر: الطويل

أبا حسن إن الرتائم إنما ... تذكر بالأمر العبام المغمرا فأما الذي عيناه حشو فؤاده ... فليس بمحتاج إلى أن يذكرا العبام: الفدم، والفدم: ذو الفدامة، والفدامة - مخففة -: الوخامة، والمغمر: الغمر، وهو الذي لم تسمه الأيام بصروفها ولم يعان فيها غيرها. قال أوس في التعضيل: الطويل ترى الأرض منا كالفضاء عريضة ... معضلة منا بجمع عرمرم ويقال: ضاقت بنا الأرض كما يضيق الولد بالرحم؛ ويقال: ما كان بذي عضل، ولقد عضل عضلاً، والعضلة كل لحمة صلبة، وداؤه عضال أي صعب، وعقام أيضاً، وهو الذي قد أعيا، قالت الأخيلية: الطويل إذا نزل الحجاج أرضاً مريضة ... تتبع أقصى دائها فشفاها شفاها من الداء العضال الذي بها ... غلام إذا هز القناة ثناها ويقال: ما أبين الضلاعة في جملك، أي ما أبين الشدة والوقاحة، وضلع فلان مع فلان أي ميله، وفي الخلقة ميلها - محركة الياء -، فكأن

الميل من مال يميل ميلاً إذا فعل الميل، والميل خلقة كالعرج والشلل والحدب والقعس. ويقال: لتجدنه مطلعاً لذلك الأمر أي غالباً له، ورأيته مضطلعاً لذلك أيضاً، وبعير ضليع أي شريج، والشريج: الغليظ، والوشيج: المتصل، والعجيج: الصوت، والضجيج: الضوضاء، والفضيج: المكسور، ومنه انفضاج الشيء. والحجيج: الحاج إلى الكعبة، والحجيج أيضاً: المحجوج، والمحجوج: الذي بهرته الحجة، ومنه فحج آدم موسى. جرى هذا الحديث في مجلس الرشيد، أعني قوله: فحج آدم موسى، فقال رجل من ولد المنصور كان شاهد المجلس: وأين التقيا حتى تحاجا؟ فسمعها الرشيد فقال: كلمة زنديق، أتتلقى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل هذا؟! أضربوا عنقه؛ فما زال الشهود يضرعون إليه سائلين العفو عنه حتى كف، وأنا أروي لك الحديث على وجهه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن موسى قال: يا رب، أبونا آدم هو الذي أخرجنا ونفسه من الجنة، فأراه الله آدم فقال: أنت آدم؟ فقال: نعم، فقال: الذي نفخ الله فيك من روحه وعلمك الأسماء كلها وأمر ملائكته فسجدوا لك؟ قال: نعم. قال: فما حملك على أن أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ قال له آدم: ومن أنت؟ قال: أنا موسى، قال: أنت نبي بني إسرائيل الذي كلمك الله من وراء حجاب ولم يجعل بينك وبينه رسولاً من خلقه؟ قال: نعم، قال: أفما وجدت في كتاب

الله تعالى أن ذلك كائن قبل أن أخلق؟ قال: نعم، قال: فلم تلومني في شيء سبق من الله تعالى فيه القضاء؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: فحج آدم موسى، أي أخذه بالحجة. والمحجوج: المقصود، والمحجة: المقصد، والحاجة: ما تكون طلع القصد وتلو المراد. وهذا الحديث الذي رويته لك هو الذي استفاض بين رواة الأثر وحملة الخبر، والمتكلمون يعتريهم عنده وعند أمثاله قشعريرة وتنكر، ولو حمل الأمر على رأيهم في جميع أركان الشريعة سقط ثلثا الشريعة وحصل الثلث. وما أحوج الناظر في الدين إلى حسن الظن واليقين، وإلى متن متين فيه، فإنه متى حاول معرفة كل شيء بالرأي والقياس كل ومل، ومتى استرسل مع كل شيء زل وضل، والأعتدال بينهما الجمع بين الرأي والأثر، والقياس والخبر، مع التخفف إلى ما بان وأشرق، والتوقف عما أبهم وأغلق. فأما الأجيج فهو تأجج النار وهو اشتعالها، وأما تأجيجها فإشعالها، وأما الشجيج فالمشجوج، والشحيج للبغل بمنزلة الصهيل للفرس، وأما الوديج فالذي ودج، يقال: ودج دابته، والودج للدابة بمنزلة الفصد للإنسان، وأما الحليج فالمحلوج من القطن، والفليج: المفلوج، وهو المفلج، والفلج: النهر لانفتاحه، والفلج في الأسنان: تفتحها - ضد الضزز - وهو محمود، والفلج: الظفر، كأنه ينفتح فؤاد الظافر، يقال: فلج على خصمه إذا ظهرت حجته عليه، وأفلج الله حجته إذا أظهرها وبهرها؛ وفلج الرجل إذا استرخى جانبه، كأن معاقد عصبه تفلجت وتحللت.

هذا فن لا تستغني - أعزك الله - عنه عند موازنة الكلام، وتشقيق اللفظ، وإيضاح المراد، وتمييز المتشابه؛ فغص على بابه بالقياس الصحيح والسماع الفصيح، وستقع من ذلك على شيء كثير في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. وإنما أقلبك من فن إلى فن لئلا تمل الأدب، فإنه ثقيل على من لم تكن داعيته من نفسه، والله يهديك كافياً ونصيراً. سمعت القاضي أبا حامد المروروذي يقول في كتاب أدب القاضي حاكياً أن الشهادة كانت شائعة بين المسلمين ولم تكن مقصورة على ناس معروفين: قد اتخذوا العدالة حبالة، ونصبوها شركاً ومحالة. وكان الثوري يقول: الناس عدول إلا العدول. وكان بعض البصريين يكره أن يقول العدول ويقول هؤلاء المعدلون. نعم، قال: حتى ظهر إسماعيل القاضي صاحب المبسوط على مذهب الإمام مالك، فجعلها في بيوت منسوبة معروفة، وأستمر القضاة بعده على ذلك، وقال: رحم الله أبا عمر القاضي، فإنه عدل بعض البغدايين، فبلغه عنه في تلك الحال أنه رقص فرحاً، فأسقطه لفرحه وخفته، وقال: كان ينبغي أن يزداد وقاراً في الدين، ورصانة فيما تحمل من المسلمين للمسلمين. وقال أيضاً أبو حامد: حدثني علي بن أبان الطبري، وكان

علامة، قال: كتب لي عهدي على قضاء أصبهان، فتجهزت إليها قاصداً، فلما دانيت المدينة جمعت سوادي في عيبة كانت على الحمار، ولففت رأسي بالفوطة، وتلثمت متنكراً، وخرج العدول مستقبلين، وكانت الشهادة في الدهاقين وأرباب السياسة؛ وأنسلخت من القافلة مقدماً، فسألوني عن القاضي فقلت: إنه قد دخل البلد، فرجعوا يتراطنون بينهم؛ ثم إني وافيت البلد فدخلت المسجد الجامع ولبست السواد وجلست، فما عني بي أحد ولا عاج علي إنسان ولا عرف أحد مكاني، وكان ذلك عن مؤامرة جرت بينهم لكراهية نالت قلوبهم مني بتنكري عليهم. فلما رأيت راسلت صديقاً لي حتى أكترى لي مثوى وثبت الشهود على التقاعد، وأشرفت على الأستيحاش والأنصراف؛ ثم إني تداركت الأمر وقلت للصديق: صف لي قوماً مستورين وحلهم وأحص أسماءهم وأذكر صنائعهم، وأجعل جل ذلك في التجار، ففعل ذلك كله. وكان المحلون عشرين نفساً، فأختلفت إلى مساجدهم ومشاهدهم ومساكنهم، متصفحاً لأحوالهم ومتتبعاً لأمورهم ومتقصياً لآثارهم ومستشفاً لأخبارهم، حتى وضح لي أمر ثمانية عشر نفساً، ثم عدت إلى مجلس الحكم، فتقدم خصمان فثبت الحكم بينهما بشهادة أولئك؛ فلما بلغ العدول ذلك أضجرهم وأقلقهم، فجاءوا

معتذرين خاضعين، فقلت: إني لا أعرفكم إلا أن يزكيكم هؤلاء الذين قد عرفتهم وقبلت أقوالهم؛ فأعطوا الصفقة وأظهروا الذلة وألتحفوا بالندم، ثم أستتب أمري بعد ذلك. النقص في العدول فاش جداً، وفي الناس من بعد؛ أنا سمعت رجلاً من كبار الشهود، كان ابن معروف يقدمه وغيره يعظمه، وقد جرى شيء فأنبرى قائلاً: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعقرها وتوكل، فاستثبته مغالطاً لسمعي، فكان أشد؛ فلما شملنا الأنس على المائدة عرفته وجه الصواب، فكان سبب عداوته لي وإفساده لحق كنت مطالباً به بعض التجار في قطيعة الربيع. والحديث في هذه الضروب يطول، ولعله يمر في عرض ما رسم في هذا الكتاب ما يكون باعثاً على طلب الفضيلة ومجانبة الرذيلة، إن شاء الله تعالى. قيل لفيلسوف: أي الحيوان أكثر صنعة مع محبة لها؟ فقال: أما ما ينتفع به الناس فالنحل، وأما ما لا ينتفعون به فالعنكبوت.

وجاء بعض الكلبيين، وهم جنس من اليونان، إلى الإسكندر فقال له: هب لي مثقالاً واحداً، فقال له الإسكندر: ليس هذا عطاء الملوك، فقال له: فأعطني قنطاراً، فقال الإسكندر: ولا هذا بسؤال كلبي. وأشير على الإسكندر بالبيات في بعض الحروب فقال: ليس من آيين الملوك استراق الظفر. آيين: لفظ فارسي يراد به السير والصورة والزي والرسم، وما تعرفه العرب. وإنما ألقي الشيء على حد ما سمعته الأذن، ووعاه الصدر، والعون من الله تعالى على نصرة الحق، والذب عن الصواب، فيما يتعلق بالدين وعاد إلى سياسة الحياة. كان يوسف بن عمر يقول إذا ركب: الحجاج كان الدخان وأنا اللهب. قال عبد الله بن عباس: الخط لسان اليد.

قال معن بن زائدة: ما رأيت قفا رجل إلا عرفت عقله، قيل له: فإن رأيت وجهه؟ قال: ذاك حينئذ كتاب أقرأه. قال ابن السماك: أفضل العبادة الإمساك عن المعصية والوقوف عند الشبهة. ولأبي محمد اليزيدي: الطويل وآنسني حتى أنست بقربه ... فلما رأى أنسي به باعد القربا ونولني نيلاً فلما قبلته ... جفاني كأني نلت ما نلته غصبا ورغبني في فضله فالتمسته ... فصار التماسي فصله عنده ذنبا هذا من جيد الكلام وشريفه، وإذا نظرت إلى طابعه وسمته وجدته منقطع القرين محمي الحريم، لا يستأذن على القلب ولا يحتجب عنه العقل ولا يستطيل معه النفس، يعالق الروح معالقة، ويعانق السرور معانقة.

وأنشد ابن أبي طاهر صاحب كتاب بغداد وصاحب المنثور والمنظوم لشاعر: الطويل فسقياً لأيام الشباب الذي مضى ... ورعياً لعيش عنده غير عائد لهونا بها حيناً وما كان مرها ... على طولها إلا كرقدة راقد وأنشد ابن أبي طاهر أيضاً لشاعر: البسيط وقد رجوتك دون الناس كلهم ... وللرجاء حقوق كلها يجب فأعطني منك ما أملت في عجل ... فإنني من تقاضي الجد مكتئب إلا تكن لي أسباب أمت بها ... ففي العلا لك أخلاق هي النسب قال الحسن البصري: ذم الرجل نفسه في العلانية مدح لها في السر. وكان يقال: من أنذر كمن بشر. وكان يقال: من عدم فضيلة الصدق في منطقه فقد فجع بأكرم أخلاقه. ويقال: القصد ما إن زيد عليه كان إسرافاً، وإن نقص منه كان تقتيراً.

قال بعض الحكماء: توق الفاحش صديقاً، والأحمق رفيقاً، وأحذر أن تفعل فعلاً يدع الرأي عاقراً، والعقل عقيماً، والحس كليلاً، والحد مفلولاً. قال محمد بن حجر: لي همة لو غرقت الدنيا فيها ما طلبت إلا بالغاصة، ولو كانت لليل ما تنفس له صبح. وقيل لأرسطاطاليس: ما بال الحسدة يحزنون أبداً؟ قال: لأنهم لا يحزنون لما ينزل بهم من الشر فقط، بل لما ينال الناس أيضاً من الخير. وكان بعض السلف يقول: اللهم أحفظني من أصدقائي، فسئل عن ذلك فقال: إني أحفظ نفسي من أعدائي. وقال فيلسوف: حيث يكون الشراب لا تسكن الحكمة، ولا تلبث العفة. وقال صاحب المنطق: الإقلال حصن للعاقل من الرذائل، وطريق إليها للجاهل.

وكان بعض الفلاسفة يقول: استهينوا بالموت حتى يهون عليكم فراق الدنيا. كان أبو هشام الرفاعي يعشق جارية سوداء سمينة ضخمة، وكان يمص لسانها ويشم صنانها ويستنشي ريحها عجباً بها. وكان أبو الخطاب صاحب المستغلات بسر من رأى عشق جارية يقال لها عنان، فكان ينومها على قفاها ويرفع رجليها ويقرقر في جوفها رطل نبيذ، ثم يضع شفتيه على شفرها ويمصه حتى يشربه، ثم يلتمس بولها وهي حائض. هذا أيدك الله مرض ظريف، والناس في الدنيا على ضروب البلاء؛ نسأل الله الستر السابغ، والقبول للنصيحة، والأمن من الفضيحة. وكان ابن الكلبي على بريد بغداد يستطيب الخرء، وكان يقدمه في جام، وكان يأخذ منه بإصبعه ويمسحه على شاربه ثم يقول: كذب العطارون، أنت والله أولى من العنبر الشحري.

وكان كاتب زيرك يعشق يهودية، وكان يمص بظرها، ثم يدخل إصبعه في استها ويخرجها، ويصير ما خرج عليها على طرف لسانه ويقول: هذا الماح من الراح، أشهى إلي من التفاح. وأبو أيوب ابن أخت أبي الوزير، أدخل يوماً إصبعه في استه، فأخرج شيئاً، فدلكه ثم مسح به تحت إبطه وقال: لا يقطع الشر إلا الشر، هكذا قال أبو العنبس. وأما عبد العزيز بن أبي دلف فإنه دعا بجارية كان يرى الدنيا بعينها فضرب عنقها، فقيل له: لم فعلت ذلك؟ فقال: مخافة أن أموت في حبها فتبقى هي بعدي تحت غيري. وهذا أيضاً نمط من الجنون؛ إلى الله المفزع منه، ومن كل أمر يجلب السخط ويصلي جهنم. قال عبد الله لبني نهشل: البسيط لا أخمد النار أخشى أن يبينها ... عان يريد سناها جائع صرد

لكن أقول لمن يعرو مناكبها ... ألقوا الضرام عليها علها تقد إما أقوم إلى سيفي فأشحذه ... أو يستهل عليهم محلب زبد إني لأحمد ضيفي حين ينزل بي ... أن لا يكلفني فوق الذي أجد يقال: ليس في الطيور أوفى من قمرية، فإنه إذا مات ذكرها لم تقرب ذكراً آخر بعده، ولا تزال تنوح عليه إلى أن تموت. وكان بايكباك التركي اشترى جارية، وكانت قبله لفتى يحبها وتحبه فمات عنها، فجعلت لله على نفسها أن لا يجمع رأسها إلى رأس رجل وساد؛ فبيعت في الميراث، فلما حصلت بالشراء لبايكباك، نظرت إلى وجهه وخلقته - وكان منكراً متفاوتاً - فبكت، فقال لها: يا بنت الزانية! أيش تبكين؟ في حر أم أمس، وفي بظر أم غد، الشأن في اليوم، قومي حتى نتنايك ونأكل ونشرب، فوقع عليها الضحك واسترخت له وأمكنته. قال الفرزدق: الرجز يا رب خود من بنات الزنج ... تمشي بتنور شديد الوهج أخثم مثل القدح الخلنج

قدم بلال بن أبي بردة البصرة أميراً، فقال خالد بن صفوان، سحابة صيف عن قليل تقشع، فقال بلال لما بلغته هذه الكلمة: أما إنها لا تقشع حتى يصيبك منها شؤبوب؛ وأمر به فضرب مائة سوط. والشؤبوب: الدفعة، ويقال للجيل: شؤبوب من الناس، كأنه الطائفة منهم. قال أعرابي: بلوت فلاناً فلم يزدني اختباره إلا اختياراً له. وأراد زيد بن ثابت أن يركب، فدنا ابن عباس ليأخذ بركابه فقال: تنح يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ابن عباس: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا، قال زيد: أدن يدك مني، فأدناها، فقبلها وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا. قالت ماوية بنت النعمان بن كعب بن جشم لزوجها لؤي بن

غالب: أي بنيك أحب إليك؟ قال: الذي لا يرد بسطة يده بخل، ولا يلوي لسانه عي، ولا يغير طبعه سفه، وهو أحد ولدك بارك الله لنا ولك فيه - يعني كعب بن لؤي. ولؤي تصغير لأي، وهو بقر الوحش. شاعر: الطويل إذا أمل يوماً غزاني حبوته ... كتائب يأس كرها وطرادها سوى أمل يدني إليك فإنه ... يبلغ أسباب المنى من أرادها قيل لسقراطيس الفيلسوف - وكان من خطبائهم -: ما صناعة الخطيب؟ قال: أن يعظم شأن الأشياء الحقيرة، ويصغر شأن الأشياء العظيمة. يقال: فلان قد جمع طهارة المروءة وأريحية الفتوة. قيل للبوشنجي شيخ خراسان: ما المروءة؟ قال: إظهار

الزي؛ قيل: فما الفتوة؟ قال: طهارة السر. وقال بعض السلف: العلوم أربعة: الفقه للأديان، والطب للأبدان، والنجوم للأزمان، والنحو للسان. لأبي زبيد الطائي: الوافر إذا نلت الإمارة فاسم فيها ... إلى العلياء والحسب الوثيق فكل إمارة إلا قليلاً ... مغيرة الصديق على الصديق فلا تك عندها حلولً فتحسى ... ولا مراً فتنشب في الحلوق أعاتب كل ذي حسب ودين ... ولا أرضى معاتبة الرفيق وأغمض للصديق عن المساوي ... مخافة أن أعيش بلا صديق قال الماهاني: سار رجل أبخر رجلاً أصم، فلشدة ما صدم خياشيم الأصم قال للأبخر: قد قهمت ما قلت؛ فلما ولى قيل للأصم: ما الذي قال لك؟ قال: والله ما أدري ولكنه فسا في أذني. شاعر: الطويل

وقد علم العوج المراضيع تقتري ... عشاء على النيران هدلاً جنوبها نداي إذا ما الناس جاعوا وأمحلوا ... فكانت كأقراب النعام سهوبها يقال في مثل من أمثال العرب: لا در إلا بإيالة؛ الإيالة: السياسة. رأيت من صحف بايالة، وكان وجهاً في اللغة، فعد من سقطاته. شاعر: الكامل أيديكم نعم تعم بنفعها ... وسيوفكم من كل باغ تقطر فكأن أنصلها إذا حمي الوغى ... شقق الرياط صباغهن العصفر ولد المختار بن أبي عبيد سنة هاجر النبي صلى الله عليه وسلم، وأمه دومة بنت عمرو بن معتب، أتاها آت في نومها فقال لها: الرجز ألا آبشرن بولد ... أشبه شيء بالأسد إذا الرجال في كبد ... تغالبوا على بلد كان له حظ الأسد

قال حميد الطويل: لقد غسلنا الحسن البصري وإن في بطنه لعكناً؛ واحدتها عكنة وهي مثاني البطن عند السمن. هلك ابن عباس سنة إحدى وسبعين، وهلك ابن عمر بعده بسنة. لمعن بن زائدة وهو إذ ذاك بالسند: الرجز لو أبصرتني وجوادي ثورا ... والسرج فيه قلق ومور لضحكت حتى يميل الكور قال شاعر: المديد ما على الأيام معتبة ... هل من الأيام منتصف وجدت بي ما وجدت بها ... فكلانا مغرم كلف قال الصولي: رأيت الفضل بن الحباب أبا خليفة الجمحي وقد قال له إنسان: ما أحسبك أيدك الله تثبتني، قال: وجهك يدل على علو

سنك، والإكرام يمنع من مسألتك، فأوجد السبيل إلى معرفتك. أنشد الأصمعي: الرجز عام يرى الأفق به مغبرا ... قد أصبح الضر به مفترا وأوغل الزارع فيه شرا ... وأبت الحلوب أن تدرا وموتت فيه الخشاش طرا ... فكل جحر قد خوى واقفرا وأشبع الكلب فعم هرا ... غادر ذا الشدة مقشعرا قد أظهر العبوس وأقمطرا الأغبرار: الغبرة، والغبراء: الأرض، والأفترار: الأنكشاف، ومنه: أفتر فلان، أي ضحك، كأنه أبدى أسنانه؛ وفر الرجل إذا ذهب، كأنه انكشف عنك، وعينه فراره أي عيانه خبره؛ والفاء مكسورة، كذا قال أبو سعيد السيرافي، وقد لج في ضمه بعض من لا يعتد برأيه، ومنه قول الحجاج: وفررت عن ذكاء كما تفر الدابة فينظر إلى سنها. وسمعت في البادية بفيد رجلاً من العرب يقول لأخر عند قاضيها أبي العباس: أنا الضامن المخبور والجذع المفرور؛ فحفظت عن غير معرفة، ثم سألت العلماء فوضح الجواب. ورأيت في

رواية السكري ديوان امرىء القيس: فلانة حسنة الفرة - خفيفة الراء. وأما الأقترار - بالقاف - فتبردك بالماء وحثيك على يديك، ويقال حثوك، وكأنه من القر وهو البرد. وقرة العين خلاف سخنة العين، كأن دمعة الفرح باردة عن سكون الأخلاط، ودمعة الهموم حارة عند ثوران الأخلاط؛ والقرار: السكون والهدوء، وقر البرد: سكن، وقر فلان: سكن وهدأ، وأقر فلان بكذا أي دخل في الهدوء والسكون، أي لا يضطرب عند المطالبة بما اعترف به، وهي بمنزلة أشهر فلان أي دخل في الشهر، وأحرم أي دخل في الحرام أو الحرم. وأما الاعترار فالزيادة أو الفضل، والمعتر: الذي يغشى رحلك، والقانع: السائل، في قوله عز وجل " القانع والمعتر " الحج: 36، والقنوع: السؤال، والقناعة: الاقتصار على ما دون الكفاية، وخطأ أشباه الخاصة في القنوع إذا وضعوه موضع القناعة ظاهر، وكأن القانع يستر حاجته؛ والقانع في السؤال: الكاشف قناعه، والقناع: خمار المرأة، وهو ما تتقنع به، والقناع: طبق توضع عليه الفاكهة، وذلك لستره وتغطيته. وأما الاجترار للبعير إذا رد إلى فيه ما في جوفه وأعاد جرته؛ وأما الابتيار فأفتعال من برت إذا تحيرت؛ وأما الابتهار فرميك بما لا علم لك فيه. والخشاش - بفتح الخاء -: المنكر كرأس

الحية، كذا قال الأموي في النوادر بخط ابن الكوفي، وها هنا يريد جميع الدبيب، والخشاش - بكسر الخاء - خشاش الناقة، هذا لفظ الأموي أيضاً؛ وقال الأموي: ليس الكلام على نبرة واحدة، بالنون. وقال الأموي أيضاً: إذا استسقى المستسقي الماء فأنتضخ عليه - بالخاء معجمة - من الدلو، فذلك السقي - بتشديد الياء. وقال الأموي أيضاً: خفس لهم الشراب إذا سقاهم صرفاً، أو أقل فيه من الماء، وكذلك اللبن. وقال الأموي: نكيت العدو أنكيه، وهو ينكي العدو، ونكيت أنا - بالكسر. قال فيلسوف: عادم بصر البدن يكون قليل الحياء، كذلك عادم عين العقل يكون كثير القحة - القاف من القحة تفتح وتكسر، هكذا قال سيبويه وغيره.

وقال فيلسوف: ليس ينبغي أن يرام الأنقياد ممن وضع في نفسه ألا يقبل شيئاً، وذلك أنه لا ينقاد إلا للأمتناع من القياد. وقال أرسطاطاليس: كما أن البهيمة لا تحس من الذهب والفضة والجوهر إلا بثقلها فقط ولا تحس بنفاستها، كذلك الناقص لا يحس من الحكمة إلا بثقل التعب عليه منها ولا يحس نفاستها. يقال: أحسست الشيء وبالشيء، وفي القرآن بحذف الباء، والفقهاء يخطئون فيه. تركت حروفاً في أبيات الأصمعي لأن الكلام آخذ بعضه برقبة البعض فلم يقع منه مخلص، كذلك الحديث ذو شجون لأعتراض بعضه بعضاً: وأما قوله خوى وأقفرا: خوى معناه خلا، وخوي النوء معناه إخلاف مطره، وخوى نجمه - في الاستعارة - كقولهم ركدت ريحه، وباح ميسمه، وكبا جواده، وخمد ضرامه، ونضب ماؤه، وانثلم ركنه، وانهار جرفه، ونقب خفه، ودمي ظلفه، ورغم أنفه، وخر سقفه، وجذب عطفه، وعطفه رداؤه، وقد يراد به جماله، وبار ماؤه - نضب، وسقط بهاؤه - ذهب، وقلق وضينه، وعرق جبينه، وانخزل قرينه، وقرينه نفسه، وكذلك

قرونه، وجمح حرونه، وساخت قدمه، وانتهى أمره، ونحو ذلك مما يتصرف فيه أرباب صناعة البلاغة ويطبعونه في طابع كلام العرب، وينسجون على منوالهم، بعد التمكن من طرائقهم، والتشبه بخلائقهم، وليس لمن لم يكن ذا مهارة في هذا أن يتعرض لشيء منه، فإنه يصير على صير أمر ما يمر ولا يحلي. وأما قوله واقفرا، فإنما هو وأقفر مخففة، فشدد ضرورة. وأما قوله وأشبع الكلب لأنه قال وموتت فيه الخشاش طرا، فكأنه أكل ذلك وعاث فيه ثم أشر فهر، وأما المشرة فالكسوة، برفع الكاف وكسرها، هكذا قيل. وقال أبو حنيفة صاحب النبات: المشرة ورق الشجر، وكأن الكسوة للعريان المقشعر كالورق للنبات والشجر. وقال أبو عبيدة في الغريب ما هذا قريب منه؛ ولا أقول: ما هو قريب من هذا، فيكون استطالة على العلماء ومجانبة لمحمود الأدب. ولقد رأيت متكلماً - وقد سمع من فيلسوف مذهب

أرسطاطاليس في شيء شرحه فأوضحه - فقال: هذا قول أبي هاشم وبه قال أرسطاطاليس، فعد ذلك من سقطاته، لأن صاحب المنطق قديم، ومن عزا إليه صواب قوله حديث، والثاني يأخذ من الأول ويقتفي أثره ويستقي مما أنبطه وينشر ما بسطه. وأما قوله العبوس - بضم العين - فمصدر عبس، وأما بفتح العين فهو العابس بعينه والفرق بينهما بقدر الفرق بين الفاعل والمفعول، إذ أحدهما يدل على إنشاء الفعل وهو المفعول، والآخر يدل على استحقاق الاسم، وعل هذا الخائط والخياط، والغادر والغدار، والماكر والمكار. وأما قوله واقمطرا فمعناه اشتد، في قوله عز وجل " يوماً عبوساً قمطريراً " الإنسان: 10، كفانا الله سوء ذلك اليوم، ووقانا كيده وشروره، ولقانا نضرته وسروره. قال الأموي في النوادر: قال أبو ذر: إن في مالك شركاء ثلاثة - لا تصرف شركاء ولا ما كان في وزنه من الجمع - أنت أحدهم، والقدر يقع فيأخذ خيرها وشرها، ووارثك مجنب لك على الطريق ينتظر متى تضع خدك فيستفيئها وأنت رميم، فلا تكن أعجز الثلاثة.

قال الأموي: يستفيئها أي يرتجعها، من الفي، وهو الرجوع، وقيل: معنى قوله " وما أفاء الله على رسوله " الحشر: 6 ما رجعه عليه، يقال: رجعت أنا ورجعت غيري، ومنه قول الله عز وجل " فإن رجعك الله " التوبة: 83. قال الراعي: الطويل إذا ابتدر الناس المكارم عزهم ... عراضة أخلاق ابن ليلى وطولها يمد إلى المعروف كفاً طويلة ... تنال العدى بلة الصديق فضولها كذا أنشدهما الأموي عن البكائي، بضم العين من العدى، وكسرها جائز، وفتح العين من عراضة، وفتح الهاء من بلة، وكسر القاف من الصديق. قال أفلاطون: ينبغي لك مع معرفتك بأنك من هذا البدن بمنزلة من هو في حبس، ألا تروم لنفسك إطلاقك منه من قبل أنك لم تحبس نفسك فيه، لكن تنتظر الذي حبسك فيه أن يطلقك منه. قال ابن دريد: وفي كلام بعض أهل التوحيد: فما على الأرض

مدب راشحة، ولا مستن سابحة؛ هكذا في كتاب الجمهرة. نظر حمصي إلى ابنته وأعجبته عجيزتها فقال: يا بنية طوبتنا لو كنا مجوسيين. هذا لفظ هذا الجاهل، والصواب فيه يخل بالنادرة، ولا تنكر اللحن والخطأ إذا كانت الحكاية عن سفيه أو ناقص. وإني سمعت تميمياً من عسكر شيراز، وكان انتجع الملك عضد الدولة، يقول: ملح النادرة في لحنها، وحرارتها في حسن مقطعها، وحلاوتها في قصر متنها، فإن صادف هذا من الراوية لساناً ذليقاً، ووجهاً طليقاً، وحركة حلوة، مع توخي وقتها، وإصابة موضعها، وقدر الحاجة إليها، فقد قضي الوطر، وأدركت البغية. وهذا القائل كان يعرف بأبي فرعون مطل بن حرب التميمي، شاهدته سنة ست وخمسين وثلاثمائة، وكان طلاب الحديث يثبتون عنه ما يحكي مما يستظرف. ولا يقال في الكلام طوبتك، وإنما يقال طوبى لك. قال الماهاني: رأيت ثلاثة من الهراسين ببغداد يتكايدون، وقد

أخرج أحدهم هريسته على المعرفة وهو يقول: انزلي ولك الأمان؛ والثاني يقول: يا قوم أدركوني الحقوني، أنا أجذبها وهي تجذبني، والغلبة لها؛ والثالث يقول: أنا يا قوم لا أدري ما يقولون، من أكل من هريستي ساعة أسرح ببوله شهراً. قال الماهاني: رأيت جارية جاءت إلى بقال ببغداد فقالت: تقول لك مولاتي: أحب أن تطيب فمي ببصلة، فأعطاها بصلة وقال لها: قولي لمولاتك: يا قذرة، أكلت خرا حتى تطيبي فمك ببصلة؟! قال كاتب: تفكري في مرارة البين يمنعني من التمتع بحلاوة الوصل، فلي عند الأجتماع كبد ترجف، وعند النأي مقلة تذرف. قال أمية بن أبي الصلت في ابن جدعان: الكامل المجزوء قوم حصونهم الأس ... نة والأعنة والحوافر نزلوا البطاح ففضلت ... بهم البواطن والظواهر

قال أعرابي لصاحب له: أجعل العوض منه النزوع منه. كاتب: أنت في زمان إن لم تغالط أهله وتحتلهم عما في أيديهم، وتصبر على مكاره الأمور وبعد المطالبة، لم تصر إلى شيء، ولم تجد أحداً منبهاً عل فضل منك وإن عرفه فيك، ولم يفتنه من محاسنك شيء إلا وجد في مساوىء غيرك عوضاً منه، وكان بذلك أثلج وإليه أسكن؛ فعليك بالصبر، فإن عاقبته إلى خير، وأقل ما فيه أن صاحبه لا يلوم نفسه ولا يلومه أحد، ولعله أن يظفر ويدرك. كتب عامل إلى المأمون: قل من سارع في بذل الحق من نفسه إذا كان الحق مضراً به، وقل من ترك الاستعانة بالباطل إذا كان فيه صلاح معاشه وسبب كتسبه، وإذا تفرق الحق في أيدي جماعة فطولب به تشابهت في الكره لبذله، وتعاونت على دفعه ومنعه بالحيل والشبه قولاً وفعلاً، واحتاج المبتلى بإستخراج ذلك الحق من أيديها إلى مجاهدتها ومصابرتها. إبراهيم بن إسماعيل بن داود الكاتب: وصل كتابك بخط يدك المباركة، فلم أر قليلاً أجمع لكثير، ولا إيجازاً أكفى من إطناب، ولا

اختصاراً أبلغ في معرفة وفهم منه، وما رأيت كتاباً على وجازته أحاط بما أحاط به. قال أعرابي: حق الجليس إذا دنا أن يرحب به، وإذا جلس أن يوسع له، وإذا حدث أن يقبل عليه. قال أعرابي: المراء يفسد الصداقة القديمة، ويحل العقدة الوثيقة. قال أعرابي: هلاك الوالي في صاحب يحسن القول ولا يحسن العمل. عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المحسن أمير على المسيء حيث كان. كتب الكرماني: فإنك ممن إذا أسس بغى، وإذا غرس سقى، لاستتمام بناء أسه، واجتناء غرسه، وأسك في بري قد وهى وقارب

الدروس، وغرسك في حفظي قد عطش وشارف اليبوس، فتدارك بالبناء ما أسست، وبالسقيا ما غرست، والسلام. أمسك رجل بلجام الفضل بن سهل بخراسان وقال: أما بعد، فسلام ممن عرف فضلك فأضمر ودك، وتحية ممن تعود برك فأوجب شكرك، واستغاثة ممن تذكر جاهك فرجا عونك. قال أعرابي: مروءة الرجل في نفسه نسب لقوم آخرين، فإنه إذا فعل الخير عرف له، وبقي في الأعقاب والأصحاب، ولقيه يوم الحساب. قال أعرابي: الناس رحلان، عالم لا غنى به عن الأزدياد، وجاهل الحاجة به إلى التعلم أعظم، وليس في كل حال يكون العالم لما يبدهه من الأمور مفيداً، ولا المتعلم على استفادة ما يستفيد منه قادراً. كاتب: إذا أنت عطلتنا من أمورك، وأعفيت ظهورنا من حمل أثقالك ومؤنتك، وتركتنا غفلاً في ولايتك من تنبيهك وتحريكك، فقد أنزلتنا

منزلة من لا خير عنده: وجعلت نفسك أسوة من لا يعبأ به، وكفى بذلك لنفسك ظلماً. نظر أعرابي إلى ابن أبي دواد فقال: ضفته شافية للقلوب، ونصيحته جالبة للمنافع. كاتب: يرى حفظ الحرمة ديناً، ورعاية الذمام فرضاً، يأوون إلى كنف رحب من كرمه، ويردون على منهل عذب من فضله، ويتصلون بحبل متين من رعايته؛ فنسأل الله الذي أهله لهذه المنزلة واختصه بمزيتها، أن يجعله في مزيد من أجمل ما آتاه منها، واكمل ما أنعم به عليه فيها. قال أعرابي في الثناء على الرشيد عام حج: قد أصبح المختلفون مجتمعين على تقريظك ومدحك، حتى إن العدو يقول اضطراراً ما يقوله الولي اختياراً، والبعيد يثق من إنعامك عاماً بما يثق به القريب خاصاً. كاتب: أتاني كتابك فطامن من قلبي وطرفي بعدما كان شاخصاً إليه، ومتشوقاً إلى وروده، ثم ملأني سروراً بما رأيت فيه من آثار برك، وكريم تفقدك، واتصل بما عندي وقبله مما إن ذكرته فللاستراحة إلى الذكر، وإن أمسكت فللعجز عن الشكر، فأما الضمير فمبني على الإقرار بفضلك، والنية خالصة بشكرك، وقليل ذلك لك.

دخل يحيى بن الحسين الطالبي على المأمون فقال: يا أمير المؤمنين حيرتني عارفتك حتى ما أدري كيف أشكرك، قال: لا عليك، فإن الزيادة في الشكر على الصنيعة ملق، والنقصان عي، وحسبك أن تبلغ حيث بلغ بك. شاعر: الوافر يطيب العيش أن تلقي أديباً ... غذاه العلم والنظر المصيب فيكشف عنك حيرة كل ريب ... وفضل العلم يعرفه الأديب قيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: كيف صرت تقتل فأكون أنا ونفسه عليه. وقال رضي الله عنه: من كفارات الذنوب العظام إغاثة الملهوف، والتنفيس عن المكروب.

دخل ميمون بن مهران على عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، فقال له - وقد قعد في أخريات الناس -: عظني، فقال ميمون: إنك لمن خير أهلك إن وقيت ثلاثة، قال: ما هن؟ قال: إن وقيت السلطان وقدرته، والشباب وغرته، والمال وفتنته، فقال: أنت أولى بمكاني مني، ارتفع إلي؛ فأجلسه على سريره. فصل من تعزية لكاتب: إن الله جعل الدنيا دار بلوى، والآخرة دار عقبي، فجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سبباً، وجعل ثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً. أعرابي: كانت لهم الكرة علينا وعليهم الدبرة، فحملوا حملة كاذبة أتبعناها بأخرى صادقة. ذم أعرابي رجلاً فقال: لا أصل نبت في الأرض، ولا فرع بسق في السماء، من شكر أو وفاء أو حياء. كاتب: ولفلان لدينا حرمة واجبة، وله مع الهوى منا فيه فضل ودين ومذهب.

قال محمد بن مسعر: كنت أنا ويحيى بن أكثم عند سفيان، فبكى سفيان، فقال له يحيى: ما يبكيك يا أبا محمد؟ فقال له: بعد مجالستي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بليت بمجالستكم، فقال له يحيى، وكان حدثاً: فمصيبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بجالستهم إياك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم من مصيبتك بمجالستنا، فقال سفيان: يا غلام، أظن السلطان سيحتاج إليك. لبعض العرب: الكامل المجزوء يا دار بالبلد الخراب ... والمنزل القفر اليباب ومجر أذيال الهوى ... ومصب أوداق السحاب دار التأسف والبلى ... ومحل نأي وأغتراب

بيدي فيك دفنت عم ... راً بين أطباق التراب كشبا المهند أو كشبل ال ... ليث أو فرخ العقاب ماذا صنعت بوجهه ... وبسنه الغر العذاب قالت لنا دار البلى ... والدار تنطق بالصواب أوما علمت بأن عم ... راً يا أبا عمرو ثوى بي فسكوته ثوب البلى ... وسلبته جدد الثياب ومحوت غرة وجهه ... بالترب محوك للكتاب قال فيلسوف: كما لا تشفق على عضو منك إذا وقع فيه شيء من القطع مخافة أن يسري بك ذلك، كذلك ينبغي أن تشفق على اختلاف التعب والصبر في المكروه على إصلاح النفس. وقال فيلسوف: من القبيح أن تكون حاجة الإنسان إلى العقل أكثر من حاجته إلى المال.

سئل فيلسوف: أي الرسل أحرى بالنجح؟ قال: الذي له جمال وعقل. وقال فيلسوف: الحساد مناشير لأنفسهم. رأى فيلسوف غلاماً جميلاً لا أدب له، فقال: أي بيت لو كان له أساس؟! سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ فقال: إيمان لا شك فيه، وجهاد لا غلول فيه، وحجة مبرورة؛ قيل: فأي الصلاة أفضل؟ قال: طول القيام؛ قيل: فأي الصدقة أفضل؟ قال جهد المقل؛ قيل: فأي الهجرة أفضل؟ قال: أن تهجر ما حرم الله؛ قيل: فأي الجهاد أفضل؟ قال: من جاهد المشركين بنفسه وماله؛ قيل: فأي القتل أفضل؟ قال: من هريق دمه في سبيل الله عز وجل. يقال أهرقت الماء وأرقت الماء، وقيل: أهرورق الماء؛ قال الشاعر: الطويل شربنا فأهرقنا على الأرض فضلة ... للأرض من كأس الكرام نصيب

الجريض: الذي يغص بريقه، وفي المثل: حال الجريض دون القريض؛ والوسق: الطرد، وجماعه وسائق؛ الطلي: ولد الضائنة، والطلا: الصغير من ولد الظلف، وإنما سمي طلياً لأنه يطلى في رجله بخيط، هكذا حفظت من المجالس. يقال: ما فلان بخل ولا خمر، أي ليس عنده خير ولا شر. يقال للرجل: نبلني، أي أعطني سهماً، والعرب تقول: أتتني خطوب تنبلت ما عندي؛ قال الشاعر: الطويل ولما رأيت العدم قيد نائلي ... وأملق ما عندي خطوب تنبل ويقال: أردمت الحمى عليه وأغبطت عليه، أي لزمته؛ وكساء ليس فيه متردم، أي مرقع. ويقال: ما زلت أصاده أي أرفق به. ويقال: ما عندي فرج ولا نفس، ويقال منفس، والمنفس: النفيس، وكأن المنفس ذو النفس، وكأن النفيس المنفوس به، أي المضنون

به، أي المأخوذ في النفس؛ والنفساء: لأنها تعالج نفسها. والنفس يذكر ويؤنث، والنفس مردود إلى النفس، لأنه إذا انقطع بطل ذو النفس. وسئل بعض المتكلمين، وأنا أسمع، عن النفس فقال: هي النفس، وسئل عن الروح فقال: هي الريح؛ فقال السائل: فعلى هذا كلما تنفس الرجل خرجت نفسه، وكلما ضرط خرجت روحه؟! فأنقلب المجلس ضحكاً. والكلام في النفس والروح صعب ضاق، ومن الحقيقة بعيد، ولأمر ما ستر الله معرفة هذا الضرب عن الخلق حيث قال: " ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي " الإسراء: 85. والروح من الروح، والراحة أيضاً من ذلك، والأستراحة: طلب الراحة، والرائحة جالبة للروح وملاطفة للروح - هذا متى لم تكن عاصفاً، فكأنها مؤذية للروح إذا كانت عاصفاً أو معصفاً. قال العتبي: رأيت أعرابياً في طريق مكة يسأل الناس ولا يعطونه شيئاً، وبين يديه صبي صغير له؛ فلما ألح وأخفق قال: ما أراني إلا محروماً، فقال الصبي: يا أبة، المحروم من سئل فبخل، ليس من سأل فلم يعط؛ قال: فعجب الناس من كلامه، وأقبلوا يهبون له حتى كسوه.

العرب تقول: رضيت من الوفاء باللفاء، أي من النفيس بالخسيس. قال الواقدي: رأيت بالمدينة بقالاً وقد أشعل سراجاً بالنهار ووضعه بين يديه، فقلت: ما هذا يا هذا؟ قال: أرى الناس يبيعون ويشرون حولي ولا يدنو مني أحد، فقلت: عسى ليس يراني إنسان، فأسرجت. أنشد لشاعر: الكامل المجزوء يا نفس قد حق السفر ... أين المفر من القدر كل امرىء مما يخا ... ف ويرتجيه على خطر من يرتشف صفو الزما ... ن يغض يوماً بالكدر قال أعرابي: الدنيا دحض فحد عنها. العرب تقول: الخنق يخرج الورق.

أتي عتاب ن ورقاء بخوارج فيهم امرأة فقال: أي عدوة الله، ما دعاك إلى الخروج؟ أما سمعت قول الله عز وجل: كتب القتل والقتال علينا ... وعلى الغانيات جر الذيول فقالت: يا عدو الله، إنما أخرجني حسن معرفتك بكتاب الله تعالى. قيل لأبي هارون الخياط: أنت تسبح كثيراً، فما تقول في تسبيحك؟ قال: أقول في دبر كل صلاة ألف مرة: حسبي الله. العرب تقول: أصبحوا في مخض وطب خاثر، وفي أبي جاد ومرامر، أي في غير شيء.

دخل الحجاج بن هارون على نجاح، فذهب ليقبل رأسه، فقال: لا تفعل، فإن رأسي مملوء دهناً، فقال: والله لأقبلنه ولو أن عليه ألف رطل خراء. دخل رجل على ابن الجصاص وهو يقرأ في مصحف، فأستحسن خطه، فقال ابن الجصاص: ما بقي اليوم من يكتب مثل هذا الخط، وبعد: هذا كتب منذ خمسمائة سنة. قال الماهاني: دعاني ابن الكلبي يوماً، فأجلسني في بيت خيش على فرش ميساني وأطعمني فجلية، ثم قال في حديثه: لما مات أبي ندم أمير المؤمنين أشد ندامة في الدنيا، قلت: أكان نديمه؟ قال: لا، قلت: أفجليسه؟ قال: لا، قلت: أفمات حتف أنفه؟ قال: نعم، قلت: فما سبب ندامة أمير المؤمنين؟ قال: كذا أخبرني سعيد غلامنا. قيل للفضل بن عبد الرحمن: ما لك لا تتزوج؟ قال: إن أبي دفع لي ولأخي جارية، قيل: ويحك دفع إليك وإلى أخيك جارية؟! قال:

أيش تعجبون من هذا؟ هذا جارنا أبو زريق القاضي له جاريتان. قال ابن الجصاص يوماً: أشتهي بغلة مثل بغلة النبي صلى الله عليه وسلم حتى أسميها دلدل. وجد على خاتم ملك الهند: من ودك لأمر ولى عنك عند انقضائه. وكان على خاتم أفلاطون: تحريك الساكن أسهل من تسكين المتحرك. وكان على خاتم ملك الصين: من رد ما لا يعلم فهو أعذر ممن قبل ما يجهل. قيل لفيلسوف: أي السباع أحسن؟ قال: المرأة. قال المغيرة بن شعبة: ملكت النساء على ثلاث طبقات: كنت أرضيهن في شبيبتي بالباه، فلما أسننت أرضيتهن بالمداعبة والفكاهة، فلما هرمت أرضيتهن بالمال.

قال ركن بن حبيش: لما خلق الله المرأة قال إبليس لها: أنت رسولي، وانت نصف جندي، وأنت موضع سري، وأنت سهمي الذي أرمي بك ولا أخطىء. وقال صاحب المنطق: العاقل بخشونة العيش مع العقلاء آنس منه بلين العيش مع السفهاء. وقال فيلسوف: الدنيا لذات معدودة، منها لذة ساعة، ولذة يوم، ولذة أسبوع، ولذة شهر، ولذة سنة، ولذة الدهر؛ فأما لذة ساعة فالجماع، وأما لذة يوم فمجلس الشرب، وأما لذة أسبوع فلين البدن من النورة، وأما لذة شهر فالفرح بالعرس، وأما لذة سنة فالفرح بالمولود الذكر، وأما لذة الدهر فلقاء الإخوان مع الجدة. سئل عمار بن ياسر عن الكوفة فقال: رأيتها حلوة الرضاع، مرة الفطام، يعني الولاية. يقال: رضاع ورضاع.

قال نضلة: أجتزت في درب الزعفران يوماً فرأيت بين يدي جاريتين تمشيان وتتماجنان ولا تشعران بمكاني، فضرطت إحداهما وقالت: غلالة شرب، وضرطت الأخرى وقالت: رداء أصبغ الأصل، وعادت الأولى فضرطت وقالت: سراويل نيلي، وضرطت الثانية فقالت: طاق فستقي؛ قال نضلة: فضرطت أنا من خلفهما، فالتفتت واحدة وقالت: هذا أيش؟ قلت: منديل دبيقي يشدون فيه الثياب. والعرب تقول في أمثالها: آخر الذلة إحراز المرء نفسه وإسلامه عرسه. العرب تقول: أفضيت إليه بشقوري وبقوري، أي بحت له بكل ما في نفسي، وهو نظير قولهم: أخبرته بعجري وبجري. ومن كلامهم: القول رداف والعثرات تخاف. ومن كلامهم: اندب إلى طعانك من تدعوه إلى خوانك.

ومن كلام العرب: قليل الماء يروي من الظلماء، وكثيره يتلف الأحشاء. ومن كلام العرب: من أشترى اشتوى؛ فأما قولهم: المستري، أي طالب سراة الشيء، فغير هذا، ويقولون من هذا اللفظ: استرى الموت بني فلان، أي أخذ سراتهم وأماثلهم؛ والسروة النبل، والشاعر يقول: الكامل إن السري هو السري بنفسه ... وابن السري إذا سرا أسراهما. ومن كلام العرب: هو كالأرقم، إن يقتل ينقم، وإن يترك يلقم. ومن كلام العرب: الحيلة لعطف المتجني أعسر من نيل التمني. سئل أعرابي من عبس عن ولده فقال: ابن قد كهل، وابن قد رفل، وابن قد عسل، وابن قد فسل، وابن قد مثل، وابن قد فضل. سئلت أعرابية عن ابنها فقالت: أنفع من غيث، وأشجع من ليث، يحمي العشيرة، ويبيح الذخيرة، ويحسن السريرة.

وكان عبد الله بن الزبير يسب ثقيفاً إذا فرغ من خطبته بقدر أذان المؤذن، وكان فيما يقول: قصار الخدود، لئام الجدود، سود الجلود، بقية قوم ثمود. العرب تقول: العقل وزير ناصح، والهوى وكيل فاضح. العرب تقول: رب واثق خجل، ورب آمن وجل. كتب عبد الحميد الكاتب عن مروان كتاباً إلى أبي مسلم صاحب الدعوة، وقال لمروان: إني قد كتبت كتاباً إن أنجع فذاك، وإلا فالهلاك؛ وكان من كبر حجمه يحمل على بعير، وكان نفث فيه حواشي صدره، وجمع فيه غرائب عجره وبحره، وقال: إني ضامن أنه متى قرأ الرسول على المستكفين حول أبي مسلم بمشهد منه اختلفوا عليه، وإذا اختلفوا عليه كل حدهم وذل جدهم. فلما ورد الكتاب على أبي مسلم أخذه ودعا بنار فطرحه فيها إلا قدر ذراع، فإنه كتب عليه هذين البيتين جواباً: الطويل

محا السيف أسطار البلاغة وأنتحى ... عليك ليوث الغاب من كل جانب فإن تقدموا نعمل سيوفاً شحيذة ... يهون عليها العتب من كل عاتب ورده؛ فحينئذ وقع اليأس من معالجته. قال أعرابي: اللهم إنك كفلت لنا الرزق وأمرتنا بالعبادة، فاكفنا ما شغلتنا به عما خلقتنا له، فإن ما عندنا يفنى، وما عندك يبقى. ومر بي في كتاب الرتب مثل للعرب: ربضك منك وإن كان سماراً؛ السمار - خفيفية -: اللبن الممذوق؛ معناه فيما زعم: القريب منك وإن كان ردياً، كأنه شقيق قولهم: عيصك منك وإن كان أشباً. والعيص: الأصل، والأشب: الذي فيه خلط، ومنه نسب مؤتشب - بفتح الشين - إذا كان مغموراً. دعا الحجاج رجلاً ليوجهه إلى محاربة عدو فقال له: عندك خير؟ قال: لا، ولكن عندي شر، قال: ذلك الذي أردتك له؛ امض لوجهك.

شاعر: الوافر سأرحل عنك معتصماً بيأس ... وأقنع بالذي لي فيه قوت وآمل دولة الأيام حتى ... تجيء بما أؤمل أو أموت قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: لا تجالسوا أصحاب القدر ولا تفاتحوهم. عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يتنازعون في القدر، فاحمر وجهه وغضب وقال: أبهذا أمرتم؟ إنما هلكت الأمم قبلكم بهذا. وقال أبو الدرداء: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة عاق ولا مكذب بقدر ولا مدمن خمر. والكلام في القدر لطيف، وسأحكي لك عنه مسألة جرت في مجلس كبير، وأوضح المعنى والاسم، وأدرس لك مقالة الناس، ليتبين لك الحق إن شاء الله تعالى؛ والعرب تقول: الحق أبلج، والباطل لجلج، ومعناهما واضح

ومشكل؛ والسكوت عن هذه الأشياء أنفع، ولكن الحكاية ما على صاحبها لوم ولا عتاب، فتوقع ذلك من بعد. لمست أعرابية كف أبيها فألقتها خشنة فقالت: الرمل هذه كف أبي خشنها ... ضرب مسحاة ونقل بالزبيل فأجابها أبوها: الرمل ويك لا تستنكري خشن يدي ... ليس من كد لعز بذليل إنما الذلة أن يمشي الفتى ... ساحب الذيل إلى باب البخيل وقال فيلسوف: لأن تستغني عن الشيء وتكفاه خير من أن تسأله وتعطاه. وقال المغيرة بن حبناء التميمي، وقدم على طلحة الطلحات: الطويل

لقد كنت أسعى في هواك وأبتغي ... رضاك وأرجو منك ما لست لاقيا وأبذل نفسي في مواطن غيرها ... أحق وأعصي في هواك الأدانيا حفاظاً وتمساكاً بما كان بيننا ... لتجزيني ما لا إخالك جازيا رأيتك ما تنفك منك رغيبة ... تقصر دوني أو تحل ورائيا أراني إذا أملت منك سحابة ... لتمطرني عادت عجاجاً وسافيا إذا قلت جادتني سماؤك يا منت ... شآبيبها أو ياسرت عن شماليا وأدليت دلوي في دلاء كثيرة ... فأبن ملاء غير دلوي كما هيا فإن تدن مني تدن منك مودتي ... وإن تنأ عني تلقني عنك نائيا إذا أنت أكرمت امرءاً أو أهنته ... وأخفيت فأعلم أنه ليس خافيا وتجعل دوني من يقصر رأيه ... ومن ليس يغني عنك مثل غنائيا فلا تحسبني عن ثوابك غافلاً ... ولا للذي استودعتني منك ناسيا قال بعض السلف: الناس ثلاثة: فقير وغني ومستزيد؛ فالفقير من منع حقه، والغني من أعطي ما يستحق، والمستزيد من طلب الفضل بعد درك الغنى. قال أعرابي لصاحب له: عليك بالثريد فإنه يجلو البصر، ويجلب الخير، ويجتمع فيه ربيعة ومضر.

وقال فيلسوف: بلوت الأشياء فلم أجد شيئاً أشد من صالح يلي أمر صالح، ولم أر لهذا الدهر دواء إلا الصبر عليه، ولم أر هلاك أهله إلا في الطمع. وقال بزرجمهر: من رجا الحزم بغير روية، والحمد بغير استحقاق، والمحبة بغير لين الكلمة، ومناصحة الأنصار بغير التوسعة، وما عند القضاة بغير حجة، فقد رجا ما يصعب على رجائه، واتكل على ما الغرور في الاتكال عليه. أنشدت لبعض علوية الكوفة: الوافر أرى ناراً تشب على يفاع ... لها في كل ناحية شعاع وقد رقدت بنو العباس عنها ... ونامت وهي آمنة رتاع كما رقدت أمية ثم هبت ... لتدفع حين ليس لها دفاع هذا الأبيات نظيرة أبيات نصر بن سيار حين جاشت خراسان بالمسودة إلى مروان، وهي: الوافر

أرى تحت الرماد وميض جمر ... ويوشك أن يكون لها ضرام فإن النار بالعودين تذكى ... وإن الشر مبداه الكلام وقلت من التعجب ليت شعري ... أأيقاظ أمية أم نيام فإن يك أصبحوا وثووا نياماً ... فقل قوموا فقد حان القيام فما نفعت، وكان أمر الله قدراً مقدوراً. وقال مروان لكاتبه: إذا انقضت المدة لم تنفع العدة. قيل لفيلسوف وقد مات أخوه: ما كانت علته؟ قال: كينونته في الدنيا. قال أعرابي في وصف اثنين: أين المنسم من السنام؟ وأين النحيت من النضار؟ وأين الخروع من النبع؟ وأين الخوافي من القوادم؟ وأين المغاني من المعالم؟ وأين الثمد من الغدير؟ وأين الجزر من المد؟ وأين القبول من الرد؟ وأين الوصل من الصد؟ قال أبو عبيدة: القرآن على عشرة أحرف: حلال. وحرام، ومحكم، ومتشابه، وعظه، وأمثال، وبشير، ونذير، وأخبار الأولين. وأخبار الآخرين.

أنشد الحارثة بن بدر الغداني: الطويل طربت بفاثور وما كدت تطرب ... سفاهاً وقد جربت فيمن يجرب وجربت ماذا العيش إلا تعلة ... وما الدهر إلا منجنون يقلب وما اليوم إلا مثل أمس الذي مضى ... ومثل غد الجائي وكل سيذهب وقال محمد بن هاشم: التعليق في حواشي الكتب كالشنوف في آذان الأبكار. قال فيلسوف: أحسن الكلام ما كان له نظام، وعرفه الخاص والعام. وصف أعرابي نساء فقال: أقبلن بحجول تخفق، وأوشحة تقلق، فمن أسير ومطلق. شاعر: الطويل إذا افترشت أعناقها الأرض طيرت ... دقاق الحصى أنفاسها وزفيرها شددنا بها الأنساع وهي قصيرة ... فطال على طول السفار قصيرها

قال سفيان: يا ابن آدم، إن جوارحك سلاح الله عليك، بأيها شاء قتلك. قال بكر بن عبد الله، قائد التوكل الإخلاص، وخطامه حسن الظن، وزمامه نفي الحرص. وقال أعرابي: لا تقل ما لا تعلم، فتتهم فيما تعلم. قيل لمعاوية: أنت أمكر أم زياد؟ قال: إن زياداً لا يدع أن يتفرق الأمر عليه، وإنه ليتفرق علي فأجمعه. كان ملوك الدهر الأول، وكذلك الخلفاء، يراجعون الحديث، وينازعون الكلام، ويسألون عن علل الرأي المقول به، والحكم المصير إليه، فكانت الحكم تنثر عنهم، والفوائد تنشر منهم، والدعاء يكثر لهم، والثناء يحسن عليهم؛ وإنك ترى زمانك فاسد المزاج، أبي الخير، معدوم الفضل، قليل الناصر، بعيد المنعطف؛ لا جرم، والله الموت متمنى، والحياة مقلية، واليأس واقع، والرجاء برقع. شاعر يصف جيشاً: البسيط في جحفل كسواد الليل منبعق ... فيه الردى وهو بالأبطال منعقد

لا يجمع الطرف أدناه وآخره ... ولا يسايره التحصيل والعدد إذا أناخت على قوم كلاكله ... لم تطف حرته إلا وقد خمدوا قال ابن أبي طاهر: ذكر أعرابي البراغيث فقال: قبحها الله، ليلها ناصب، وطالبها دائب، ومددها ثائب. وقال إسحاق: ذكر آخر البراغيث فقال: أخزاها الله ما آذى صغارها، وما أشر كبارها، وما أخفى انطمارها، وما أسرع مطفارها، وأقبح آثارها. كذا حكي لي. لبعض أهل المغرب: الوافر أتضحي في كتامة ذا اكتئاب ... تقارعها قياماً في قيام إذا ما وقعة دارت رحاها ... بحز معاصم وبفلق هام أتت أخرى تطم وتعتليها ... يشيب لوقعها رأس الغلام أألتذ الحياة بخفض عيش ... معاذ الله والشهر الحرام ولكن التجلد لي خدين ... فسني ضاحك والقلب دام لعل الله يجمعنا جميعاً ... وقد تمت لنا رتب الكرام قدم حماد بن جميل من فارس، فأتى آل المهلب في حق لهم وعليه جبة وشي، فنظر إليه يزيد بن المنجاب وقال: " هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً " الإنسان: 1، فقال حماد: " كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم " النساء: 94.

ومن نوادر كلام الأعراب قيل لأعرابي: أتأكل الضب؟ قال: وما ظلمني أن آكله؟ أي ما منعني؛ قال أبو عثمان سعيد بن هارون: ومنه قول الله عز وجل " ولم تظلم منه شيئاً " الكهف: 33، أي لم تمنع. قال التوزي: دابة مهزول ثم منق إذا سمن قليلاً، ثم شنون، ثم سمين، ثم ساح، ثم مترطم الذي قد انتهى سمناً. قال الأشنانداني: كل نار يشتوى عليها فالمشتوى حنيذ. يقال شارب وشاربون وشرب، مثل: صاحب وصحب، وشربة، مثل: كاتب وكتبة وحاسب وحسبة، وشرباء، مثل: عالم وعلماء، ويكون شرباء جمع شريب، مثل: نديم وندماء؛ ورجل شريب وشراب وشروب بمعنى واحد؛ الشاربة: الذين يردون الماء فيشربون. هكذا حفظت عن أئمة هذا اللسان، وما لي منه إلا حظ الرواية، إن وقعت موقعها منك، وحلت محلها عندك، وإن تكن الأخرى فما أقدرك على رد

ما أروي، وإفساد ما أقول، حتى يصير ما جمعته ونقلته، وكددت نفسي فيه، خاملاً في عينك، ومهين القدر بحكمك، وغير هذا أجمل بمطبوع على الخير، ومغذو بالأدب، وناشىء مع البر، وجار على طرق الطهارة. ولا أقول إن ما تمر بك ها هنا لا تصيبه في الكتب، ولا تجده عند الشيوخ، ولكن كم بين من يستقبل كفاية غيره، وبين من يستأنف كفاية نفسه. أنصف وأحسن، وانظر إلي بعين الرضا، ثم اقتحم بي حمر الغضا، ومهما أثبت فاقصد به تأديبي وتهذيبي، لتكون لائمتك عن غير حسد، وإنكارك خارجاً عن التنافس، فإني أخاف أن يقلينا قال: ويشبك حالنا شابك، فأستحي لك من جنايتك علي برد ما أثبته، وتزييف ما نقدته، والسلام عليك شبت أو خلصت، وزدت في إحساني أو نقصت، ورحمة الله وبركاته. يقال: مصير ومصران ومصارين، مثل بعير وبعران وأباعير؛ هكذا السماع. قال التوزي عن أبي عبيدة: سمعت العرب تقول: تمر وخواخ، ولا حلاوة فيه؛ وقال أيضاً: العرب تقول لجماعة الغيم: غيوم، ولجماعة الحمير: حمور.

قال فيلسوف: المحسن معان والمسيء مهان. الغراث: الجياع؛ جوع يرقرع، وجوع هلقس، وجوع هنبغ بالغين معجمة -، إذا كان شديداً؛ هذا من الغريب المتروك لثقله، وإنما آتي به مع غيره كالمازج خمراً بماء. فإن الشيء يظهر حسلنه الضد. قال التوزي: تحيرت البقاع والغدران إذا امتلأت، كأن تحير النفس بالأمر الوارد عليها والمعنى المبحوث عنه إنما هو من هذا. ويقال: ماث الملح بالماء يميثه ميثاً إذا أذابه به. ويقال: اشتغر عليه الحساب أي انتشر، واشتغرت الإبل: كثرت وأختلطت، ويقال: داهية وزباء ووبراء. وشغر الكلب برجله إذا رفعها وفرج إذا بال. ويقال: حفاه يحفوه حفواً أي منعه وحرمه، ويقال: تحفاه أي بش به تحفياً، وأحسن مسألته، ومثله حفي به حفاوة، وأنا حفي به إذا فرحت به، وأحفي في المسألة والوصية إذا بالغ، وأحفى شاربه إذا استأصله، وأحفى دابته

إذا سارها حتى تحفى؛ يقال: سرت الدابة، هذا هو الفصيح، وينشد: الطويل فلا تخرجن عن سنة أنت سرتها ... وأول راض سنة من يسيرها وأول راضي سنة على الإضافة يروى أيضاً؛ والبيت لابن أخت أبي ذؤيب، وله حديث، ولعله يعتن لك في عرض النوادر؛ وحفي فلان إحفاء بفلان أي يلزق به ما يكره، وحفي الرجل إذا رق أسفل قدمه من المشي، ورجل حاف وناعل، فأما الحفاء - مديدة - فالأسم، ويقال في المثل بيت: الخفيف لا تزدني على الحفاء شقوقا ... فمن البر ما يكون عقوقا شاعر: الطويل وما رفع النفس الدنية كالغنى ... ولا وضع النفس الكريمة كالفقر قال المأمون: من أراد أن يطيب عيشه فليدفع الأيام بالأيام. قال محمد بن الحنفية: من كرمت نفسه عليه هانت الدنيا في

عينيه. محمد هذا قليل الكلام، لكنه مفيد شريف، وكان ذا إيجاز شديد. وحد الإيجاز بعض أشياخ العلم فقال: هو تقليل الكلام من غير إخلال؛ كأنه إقلال بلا إخلال. وهذا الشيخ حد البلاغة فقال: هي ما أدى المعنى إلى القلب في أحسن صورة من اللفظ. وله حدود كثيرة في كتاب صنفه في القرآن، وأصحابنا يأبون طريقته. وكان البديهي يقول فيه: ما رأيت - على سني وتجوالي وحسن إنصافي لمن صبغ يده بالأدب - أحداً أعرى من الفضائل كلها ولا أشد ادعاء لها من صاحب الحدود، فإني مع وزني له، ونظري إليه، واستكثاري منه في عنفوان شبيبتي، لم أقطع على كفره حتى راجعت العلماء في أمره، فقال المتكلمون: ليس فنه من الكلام فننا، وقال النحويون: ليس شأنه في النحو شأننا، وقال المنطقيون: ليس ما يزعم أنه منطق منطقاً عندنا؛ وقد خفي مع ذلك أمره على عامة من ترى. وكان البديهي هذا شاعراً، وكان شهرزورياً، وكان مغسول الشعر، ما طن له بيت. وإنما هاجه على هذا الثلب اختلافه إلى يحيى بن عدي المنطقي، ولم يحل منه بشيء من الفلسفة قليل ولا كثير، ولكن كان يجعل إصابته

في حفظ العروض، وعقد القافية، وإقامة الوزن، ورواية اللغة، وحفظ الغريب المصنف، إعجاباً بنفسه، ويتدرع به على الناس، متذرباً ببذاء وسفه. ولقد شاهدته وهو على شفير عمره فما كان يحلي ولا يمر، وسمعته يقول: بين الجلوس والقعود فرق، وبين صد وعاق فصل، ولكل كلمة من كلام العرب معنى يخصها، وغرض منوط بها، وعجز من لم يدرك لا يصير حجة على من أدرك ذلك؛ وحديثه طويل، وكان لنا شيخ يستحلي أبياتاً له وهي: الكامل لا تحسدن على تظاهر نعمة ... شخصاً تبيت له المنون بمرصد أوليس بعد بلوغه آماله ... يفضي إلى عدم كأن لم يوجد لو كنت أحسد ما يجاوز خاطري ... حسد النجوم على بقاء سرمد وقال محمد بن الحنفية: ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لم

يجد من معاشرته بداً، حتى يجعل الله له من ذلك فرجاً ومخرجاً. وهذا كلام عجيب من معدن شريف، ومكانة تامة. وقال محمد أيضاً: الحسن والحسين أشرف مني، وأنا أعلم بحديث أبي منهما. هكذا حكاه الكعبي، وناهيك بأبي القاسم عالماً وراوياً، وثقة وأمانة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تحفة الصائم الطيب، هكذا رواه الحسن بن علي عن أبيه. العرب تقول: جاز الله عنه، أي تجاوز؛ حكاه ابن الأعرابي. وقال راشد بن أبي الحمد الحسني: السبب أولى من النسب، والسبب التقوى، وبها تظهر الكرامة، قال الله تعالى: " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " الحجرات: 13. هكذا سمعته من أبي حامد القاضي، شيخ أصحاب الشافعي. وكان يقول عند هذا: إن النسب لا يمدح به ولا يثاب عليه،

وإنما هو كالطول في الطويل، والقصر في القصير، والحسن في الحسن، والقبح في القبيح؛ وإنما المدح والذم، والثواب والعقاب، راجعة إلى الفعل، والفعل موقوف على الأمر والنهي، والأمر والنهي ظاهران عند تمام العقل بحكم العقل، مع التمكين من النظر، والوصول إلى الدليل؛ ثم إن الأمر والنهي مؤيدان بالشرع من قبل المبعوث من الله تعالى، إلا ما خرج إلى تجويز العقل من باب الإيجاب، فإنه حينئذ يرد ما أختلف فيه إلى ظاهر الكتاب المنزل، وباطن معناه المتأول. وكان يقول: فليس إذن في حكم العقل أن هذا الشخص متى خلق من صلب هذا الشخص، وأرتكض في رحم هذا الشخص، وأنه لاحق به في طريق الخير، أو راجع إليه في باب الشر، بل ليس له إلا ما سعى، ولا يزر وازرة غيره، وهو مأخوذ بما أخذ به سلفه من حكم العقل، وتوقيف الشرع، ومن ظن غير هذا فإنما يتعسف طريقاً مظلماً، ويعتقد أمراً مبهماً. طال أيدك الله هذا الفضل، وما أدري كيف لصوقه بفؤادك، ولا كيف صحبته لقبولك. قال محمد بن الحنفية أيضاً: ليس بعاقل من أشتاق إلى غير نفسه. وقيل لمحمد بن الحنفية: كيف كان علي عليه السلام يقحمك في المآزق، ويولجك في المضايق، دون الحسن والحسين؟ قال: لأنهما كانا

عينيه، وكنت يديه، فكان يتقي بيديه عن عينيه. هكذا الدر من البحر. كان عروة بن الزبير قضى شطر عمره بالمدينة، ثم هاجه رأي في سكنى العقيق، فتجهز إليه واتخذ به قصراً، فقيل له: لم تركت الناس وحديثهم ومناقلتهم قال: لأني رأيت الناس قلوبهم لاهية، ومجالسهم لاغية، والفاحشة فيهم فاشية، فخفت عليهم الداهية، فتنحيت عنهم ناحية، وصرت منهم في عافية. قال فتح الموصلي: رأيت صوفياً في البادية فقلت له: أين الزاد؟ فقال لي: قدمته في المعاد، قلت: فأبن الراحلة؟ قال: مناخة في الآخرة. شاعر: المتقارب سقى الله أيامنا بالنقا ... وأيامنا بذرى الأجفر وإذ لمتي كجناح الغدا ... ف تضمخ بالمسك والعنبر وأنت كلؤلؤة المرزبا ... ن بماء شبابك لم يعصر قال علي رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: من

عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوته، وحرمت غيبته. قيل لرابعة، وكانت ناسكة مفوهة، وشأنها شهير، وأمرها خطير: كيف حبك لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: إني لأحبه، ولكني شغلني حب الخالق عن المخلوق. هذا الكلام عويص التأويل، خرط القتاد دونه، ولقط الرمل أسهل منه، وهي موكولة فيه إلى الله تعالى، وقد رويته كما رأيته. قال يحيى بن معاذ الرازي: إذا أحب الله عبداً ابتلاه، فإن صبر اجتباه، وإن رضي اصطفاه، وإن سخط نفاه وأقصاه. وقالت أعرابية عند الكعبة: إلهي لك أذل، وعليك أدل. وقال أبو القاسم الجنيد الصوفي: إذا أحبك سترك وغار عليك، وإذا أحببته شهرك ونادى عليك.

وفخار أهل بغداد بالجنيد عظيم، وهم يقدمونه على أبي يزيد البسطامي، وكان أبو يزيد أيضاً غزير الركية، بعيد القعر، عويص الإشارة، غريب العبارة، وكان مع ذلك بعيداً قريباً، بغيضاً حبيباً، معك إلا أنه غائب عنك، غائب عنك إلا أنه معك. ومن مليح قوله أنه قال لبعض خدمهمن تلامذته وهو يعظه ويرقق الكلام له، وذلك التلميذ في غلوائه وعدوائه، فقال أبو يزيد: يا هذا، والله إذا وافقتني كنت ثقيلاً علي، فكيف إذا خالفتني؟! وقال أبو زيد أيضاً: من لم يكن الله تعالى في جميع المعاني همته، كان منقوصاً من الله في جميع المعاني حظه. وقال الجنيد: من أحبنا أفلس، ومن أبغضنا توسوس. وقال أبو يزيد: لا يزال العبد عارفاً ما دام جاهلاً، فإذا زال جهله زالت معرفته. وقال الزقاق: لولا أن الله تعالى أمرنا بحفظ هذه النفوس لجعلنا على ذروة كل جبل قطعة منها.

وقال الجنيد: لو علمت أن تحت أديم السماء علماً أجل من علمنا لقصدته وسعيت إليه. ما أحوجنا إلى عالم منطيق يكشف لنا كلام هذه الطائفة، وسأسوق إليك من غرائب ألفاظ الصوفية، وبدائع كلام النساك، ومحاسن كلام أرباب المقالات، وطرائق ما لاح لذوي الآراء والديانات، على غيلا إطالة مملة، ولا إيجاز مخل، ما يكون غرة هذا الكتاب، إن شاء الله تعالى. وصف أعرابي رجلاً فقال: ذاك رجل سبق معروفه إلي قبل طلبتي إليه، فالعرض وافر، والوجه بمائه، وما أستقل بحمل نعمة منه إلا أثقلني بأخرى، وكان والله مع هذا منهاجاً للأمور المشكلة، إذا ما تناحى ذوو الألباب باللائمة. وصف آخر قوماً فقال: منهم من يقطع كلامه قبل أن يصل إلى لسانه، ومنهم من لا يبلغ كلامه أذن جليسه، ومنهم من يغشى كلامه الآذان فيحملها إلى الأذهان شراً طويلاً. وقال يونس النحوي: إني لفي ظل دار ابن عامر، في يوم من أيام ناجر: قد اتقدت فيه الهواجر، إذ أقبلت امرأة لم أر مثلها في شبابها

وهيئتها، فما ملكنا أنفسنا حتى رمينا بأبصارنا نحوها، فأنعطفت في زقاق ومضت؛ فإنا لفي حديثهان إذا بفتى في مثل هيئتها قد أقبل مدهوشاً، فقال له بعض القوم: ها هنا حاجتم، وأشار إلى الزقاق، فقال بوجه مسفر، وقلب مجتمع، ولسان عضب: الطويل إذا سلكت قصد الطريق سلكته ... وإن هي عاجت عجت حيث تعوج يقال في اللغة: أزففت الإبل إذا حملتها على الزفيف، وهو سير سريع. وأما الرفيف فهو الخفيف من مر الريح وصوت النار. وأما الجفيف فهو الشيء اليابس. وأما الكنيف فهو موضع الغنم وما أشبهه. وأما الغريف فهو المغروف، والمعرفة يقال لها المقدحة أيضاً. وأما الرفيف فهو بريق الشيء. وخم اللحم خموماً إذا أروح بعد الطبخ، والخمامة ما كنس من البيت، والمخمة المكنسة، وهي المقمة أيضاً والمكسحة، وقيل: هو السمن الذي لا يخم، يعنى به الثناء. ولما ولى يزيد بن المهلب ابنه جرجان قال له: استظرف الكاتب، واستعقل الحاجب. ولا أدري لم خص الكاتب بالظرف والحاجب بالعقل.

قال أكثم بن صيفي: يا بني تميم، لا يفوتنكم وعظي إن فاتكم الدهر بنفسي؛ إن بين حيزومي وصدري لبحراً من الكلم لا أجد له مواقع غير أسماعكم، ولا مقار إلا قلوبكم، فتلقوها بأسماع صاغية، وقلوب واعية، تحمدوا عواقبها. إن الهوى يقظان والعقل راقد، والشهوات مطلقة والحزم معقول، والنفس مهملة والروية مقيدة، ومن جهة التواني وترك الروية يتلف الحزم، ولن يعدم المشاور مرشداً، والمستبد برأيه موقوف على مداحض الزلل؛ من سمع سمع به، ومصارع الألباب تحت ظلال الطمع، ولو اعتبرت مواقع المحن ما وجدت إلا في مقاتل الكرام، وعلى الاعتبار طريق الرشاد، ومن سلك الجدد أمن العثار، ولن يعدم الحسود أن يتعب قلبه ويشغل فكره ويوري غيظه، ولا يجاوز ضره نفسه. يا بني تميم: الصب على جرع الحلم أعذب من جني ثمرة الندم، ومن جعل عرضه دون ماله استهدف للذم، وكلم اللسان أنكى من كلم الحسام، والكلمة مرهونة ما لم تنجم من الفم، فإذا نجمت فهي سبع

حرب أو نار تلتهب، ولكل خافية مختف، ورأي الناصح اللبيب دليل لا يجوز، ونفاذ الرأي في الحرب أنفذ من الطعن والضرب. قال ابن سيابة: حضرت جنازة بمصر فقال لي بعض القبط: يا كهل، من المتوفي؟ قلت: الله عز وجل، فضربت حتى مت. لمحمد بن ياقوت: الخفيف يا بديعاً طغى به الحسن جدا ... وتصدى جماله فتعدى مشبهاً للغزال والبدر والغص ... ن جميعاً عيناً ووجهاً وقدا لابساً فوق در فيه عقيقاً ... فارشاً تحت نرجس العين وردا لو تبدى في ظلمة لاستنارت ... أو تمشى على الصفا لتندى وأستعار الهوى له لحظات ... كن في عسكر الصبابة جندا لا تلمني فلست أول حر ... صار للحب والأحبة عبدا الذي رويته وحكيته عن أكثم رواه أبو بكر ابن دريد عن أبي حاتم عن الأصمعي.

قال المهدي لعمارة بن حمزة: من أرق الناس شعراً؟ قال: والبة ابن الحباب: قال صدقت، قال: فما منعك من منادمته يا أمير المؤمنين؟ قال: قوله: السريع قلت لساقينا على خلوة ... أدن كذا رأسك من راسي وأدن وضع رأسك لي ساعة ... إني امرؤ أنكح جلاسي أفتريد أن ينكحنا لا أم لك؟! أتى رجل من الخوارج الحسن البصري فقال له: ما تقول في الخوارج؟ قال: هم أصحاب دنيا، قال: ومن أين قلت، وأحدهم يمشي في الرمح حتى ينكسر فيه ويخرج من أهله وولده؟ قال الحسن: حدثني عن السلطان أيمنعك من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والحج والعمرة؟ قال: لا، قال: فأراه إنما منعك الدنيا فقاتلته عليها. قال إسحاق: فحدثت بهذا الحديث الغاضري، وكان ظريفاً بالمدينة، فقال: صدق الحسن، ولو أن أحدهم صام حتى يتعقد، وسجد حتى يحز جبينه، واتخذ عسقلان مراغه، ما منعه السلطان، فإذا جاء يطلب ديناراً أو درهماً لقي بالسيوف الحداد والأدرع الشداد.

خطب رجل من قريش إلى الكميت بن زيد، فظل يفتخر عليه ويذكر فضل قريش، وأكثر من ذلك، فقال له الكميت: يا هذا، إن أنكحناك لم نبلغ السماء، وإن رددناك لم نبلغ الماء، وقد رددناك. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: الدهر يومان، يوم لك ويوم عليك، فإذا كان لك فلا تبطر، وإذا كان عليك فأصبر، فبكليهما أنت مختبر. ذكر أعرابي آخر فقال: ما أقوم الطريقة، وأكرم الخليقة، وأكف الأذى، وأبعد القذى، وألين الجانب، وأرغب الصاحب، يصبح جارك سالماً، ويمسي غانماً. قال العتبي: من كلام العرب: طالت خصومتهم بأطراف الرماح. وقال أعرابي: لا يلفى حلمه إلا حديداً. وقال أعرابي: غيث كسا الأرض حلل النبات. وقال أعرابي وذكر قوماً: هرمت بعدهم الدنيا.

وقالت أعرابية: لهم صبر على غصص الهوان. وقالت أعرابية وسمعت كلاماً أعجبها: هذا كلام يشبع منه الجائع. وقالت أعرابية: ثوب كأنه نسج بأنوار الربيع. وقال آخر لصاحبه: كفاك من القطيعة سوء ظنك بي. وقال أعرابي يمدح: له كف ضمنت يسار المعدمين. وقال آخر: الناس نهب المصائب. وقال أعرابي من عذرة: لو أطاعني الهوى أطعت العاذلين. وقال آخر: العجز شريك الحرمان، واليأس من أعوان الصبر. قد ظن هذا القاتل أن العجز حارم والقوة منيلة، وهذا الإطلاق تحته تقييد، إذ العجز قد يقترن به الحرمان، ويقترن هو بالحرمان، والقوة تصادف النيل، وقد يصادفها النيل، ولكن ليس النيل مجلوب القوة ولا الحرمان مكسوب العجز؛ كيف وأنت متى حققت العجز وجدته فقدان الفعل وعدمه،

وعدم الشيء لا يكون سبباً لوجود شيء آخر، ولا علة له ولا مشيراً، فأما القوة فإنما هي حال معرض بها للنيل، وقد يحرم لا بها ولكن معها، والعجز فإنما هي حال معرض بها للحرمان، وقد ينال لا بها ولكن عندها. وإنما لبس عليهم وهمهم أنهم رأوا النيل قرين القوة والحرمان قرين العجز في الغالب أو في الظاهر، ونسوا ما قدر فيهما من الحرمان مع القوة والنيل مع العجز؛ ومن صفا لبه وأجتمع قلبه، ولحظ المعنى الملقى إليه، علم أن العالم بأسره منساق إلى غاية واحدة في تفصيله وجملته، والإنسان أحد ما ضم إليه العالم، فهو تابع لحكمه الذي هو من شؤونه، لا ينفرد عنه شيء، كيف وكله فائدة العالم، ونسجه وتأليفه، وإنما هو مجموع مفرقه، ومؤلف أجزائه، وهو على هذا ينساق لما غلبه ويسوق لما غلب عليه، وهذه النسبة وإن اختلفت بالعبارة والإضافة، فإنه مطرد فيها ومحمول عليها، تارة بالإكراه الشديد، وتارة بالدواعي العارضة، وتارة بالقصد الذي يترجح بين الأسباب الحاضرة والغائبة، والأختيار الذي هو مستند إلى الضرورة التي هي محيلة للأختيار. وقد طاب الكلام في هذا الفصل لأنه شيء مجاوز للنفس، وجار مع النفس، ومع ذلك أراني أمد الكلام فيه قليلاً، آخذاً بما يكون زائداً في الشرح وجامعاً للفهم، إن شاء الله تعالى. وأروي لك أبياتاً من قبيل ذلك، فإنها

تلم بالمعنى الذي قرعنا بابه، ونوعنا أسبابه؛ قال محمد بن عبد الله النجراني أو البحراني الشك مني -: الهزج صبرت النفس لا أجز ... ع من حادثة الدهر رأيت الرزق لا يكس ... ب بالعرف ولا النكر ولا بالعقل والدين ... ولا بالجاه والقدر ولا بالسلف الأمث ... ل أهل الفضل والذكر ولا بالسمر اللدن ... ولا بالخذم البتر ولا يدرك بالطيش ... ولا بالهزل والهذر ولكن قسم تجري ... بما ندري ولا ندري انظر إلى الصدق كيف يلوح لك من خلل هذا الكلام، وإذا صح لك النظر في حاشية من حواشي أسباب العالم وأمور الكون بمثال واضح، أو قياس مستنبط، أو علة ظاهرة، أو سبب قائم، فانته إليه، وأعتكف عليه، ولا تدندن، فإن الرأي يموج بك، والمطلوب يتوارى عنك، فافهم الآن أكرمك الله ما يلقى إليك، ويورد عليك، واجمع لتحصيله بالك، وخذ برفق منه ما لك، فقد بان من مكنون الغيب ما يزول معه كل ريب: أعلم أن الأضطرار موشح بالأختيار، والأختيار مبطن بالأضطرار، وهما جاريان على سننهما، وماضيان في عنهما، لا ينفرد هذا عن هذا، ولا يخلو هذا من هذا، والملحوظ فيهما بالعين البصيرة معنى واحد، وإن كانت العبارة

مصروفة على معنيين، إما لعسر المراد في هذا المقصود، وإما لضيق الإعراب عن عين الحقيقة، وإما للأصطلاح الذي يجهل سببه؛ فإن تباعد عن منال فهمك، وغمر عقلك، فأرجع إلى نقصك في تعرف رسم الحق، تجد منه نفس الحق، وليكن ذلك الرسم خط كاتب وخط كاتب: أما ترى أيها المعتبر القياس أن خط هذا الكاتب يماثل خط هذا الكاتب من جهة الأختيار، حين أدى هذا أعيان حروف ذاك، وقوم صور تلك الكلم؟ ثم أعطف عليه ثانياً بإعتبار جديد وأنظر: هل يباين خط هذا الكاتب من جهة حقائق أشكال خط هذا الكاتب، وحقائق خواص هذا الكاتب؟ فإنك تجد المباينة عياناً لا تحتاج إلى ترجمان، كما وجدت المشابهة حساً لم تحتج إلى بيان. أفليس المعنى الذي وقعت الشركة به بينهما إنما هو الأختيار الذي أدى هذا الكاتب به كلام هذا الكاتب في رسم ألف وميم، ولام وجيم، وحاء وكاف، وفاء وقاف، والمعنى الذي وقعت به المباينة بينهما إنما هو الأضطرار، حتى صار هذا الخط منسوباً إلى هذا، وهذا الخط مقصوراً على هذا، يقومان لهما مقام الحلية المميزة، والصورة المقررة؟ فقد برزت لك اللطيفة التي بها يكون الأضطرار موشحاً بالأختيار، ولاح لك السر الذي به يكون الأختيار مبطناً بالأضطرار، في هذا الرسم الحاوي متني الخط في حال وأصل الفعل بحركة واحدة وزمان واحد. وإن قاصر الأختيار على الإنسان ذاهل عما نطق به الأختيار من الأضطرار،

وكذلك مدعي الأضطرار للإنسان ساه عما وشح به الأضطرار من الأختيار، وكمال المعرفة في تفصيل ما أشكل منهما، وتلخيص ما التبس بهما. وهذا فصل كاف على اختصاره، مع لطفه ودقته، وليس يدق على صارف الهوى عن نفسه دقيق، ولا يضح لأسير الهوى جليل. ولا يصرفنك عن استشفاف ما تضمنه هذا الفصل ما تجد فيه من ألفاظ غير ألفاظ المتكلمين فإنها تجل عن ألفاظهم ولا تسقط، وتعلو عليها ولا تنحط. وسيمر في عرض الكتاب ما يكون رافداً لهذا الذي مضى وشاهداً، وعوناً له وناصراً، إن شاء الله تعالى. وقال أعرابي: الأمثال مصابيح الأقوال. وقال أعرابي: استقلال الكثير يعرض للتقتير. وقال أعرابي: الحفاظ عمود المؤاخاة. قال أعرابي: النبيذ قبل الحديث. وقال المأمون: لا تستعن في حاجتك من هو لمطلوب إليه أنصح منه لك. لا تطالبني بأن أقول: لا تستعن في حاجتك بمن، فإن الباء تدخل من ها هنا وتخرج والمعنى على صحته، ويدلك عليه قوله تعالى " إياك نعبد وإياك نستعين " الفاتحة: 4، ولا تقل به، وقولك: اللهم إنا نستعينك.

وإنما محصت لك هذا لنقص بان لي من كاتب كبير ذي رزق واسع وجاه عريض، قرأ عليه صاحب لي من رقعة هذه الكلمة بحذف الباء فقال له: من كتب هذا؟ قال: أبو حيان، فقال: يا قوم، ما اغتراركم بما يكتب هذا الرجل ويقول؟! أما كتبه فثقيلة، وأما هذا الكلام فلا يجوز أن يكون له لرشاقته وحسنه، وإن كان له فمن قبل هذا الخطأ الفاحش الذي قد دل على عورته؛ أما يعلم أبو حيان أنه لا يقال اشتغلت كذا إلا بعد أن يقال بكذا، ولا يقال استعنت كذا حتى يقال بكذا؟ فأعاد صاحبي هذا علي، فبقيت مبهوتاً لا أحير حديثاً. ولم يكفه ذلك حتى دخل دواوين الكتاب فحكى ذلك لهم وأراهم أنه قد ظفر، فعل من لم يقع له مثل ما وقع له. وأعلم أن شين أشتغلت ليست نظير سين أستعنت، لأن الاشتغال افتعال، والشين من سنخ الكلمة، وهي أحد أجزائها، بها تتم وعليها تنتظم، وأما الأستعانة فإن سينها مجتلبة، لأن أصل الكلمة أعان يعين، ثم تجلب بها السين للمعنى المراد، وهو سين استفعل التي هي في قولك استمال من مال، واستقال من الإقامة، وأستمتع من المتعة، وكان الأصل على التمام استعونت، ولكن قصد التخفيف على جاري العادة في كلامهم. فظن هذا البائس أن هذا الوزن إذا جمعهما فالحكم قد جمعهما، والشيء قد يخالف منظره مخبره، وظاهره باطنه، وجليته سره.

لا تنكر - أيدك الله - تدافع الحديث فيما يشتمل عليه هذا الكتاب، فالشرط قد سلف مقروناً بالأعتذار، وبقي أن تجري على عادتك في تحسين ما لم يملك هواك، ولم يظفر بإختيارك. وقد تطلع في هذا الكتاب على من أختياره فيما تبغيه، وهواه فيما تقع فيه. وقد قيل: لكل كلمة قائل، كما قيل: لكل طعام آكل؛ وبعض الكتاب يقول: وما خلق الله شيئاً لا موضع له حتى يسقط ألبتة. وهذا من رسالة لبعض من أنتجع بها الرئيس أبا الفضل ابن العميد، وبقي على بابه أسير طمع، يزلقه على مداحض الذل، ومتوقع يأس لا يصح له، فينتهي إلى العز. فكتب إليه بعد ملاحم رسالة، أولها: محاسبة النفس على الواجبات كرم، أقتضاؤها قضاء الحق، والتسهيل في اللوازم كإقامة الفرائض، وتوفية العمال أجورهم قوام الدنيا، والتغميض في واجب التعويض من الرأي المريض، وحرمان المجتهد من الرئيس ككفران النعمة من المؤوس وفي فصل منها يقول لأبي الفضل: وليعلم المرء وإن عز سلطانه، وعلا مكانه، وكثرت حاشيته وغاشيته، وملك الأعنة، وقاد الأزمة، أنه ينعم له في الحمد على الحسن والذم على القبيح، وأن المخوف يغتاب من ورائه كما يقرع

المأمون في وجهه، فأعلاهما حالاً أكثرهما عند التقصير وبالاً، وهذا باب يعرفه من أساس الناس. وله فصل منها: ولو أستطعت أن أمسك نوابض عروقي عن النبض، وخياشيمي عن روح النفس، وشفتي ولهاتي عن الهمس، كل ذلك لجدوى أحظى بها من حظ أو جاه، لفعلت. وهذا نمط حسن الوشي، دقيق المرام، حلو المقتضب، ولعلي أكتب لك الرسالة على ما هي إن شاء الله تعالى. أنشد المأموني: السريع داء قديم في بني آدم ... صبوة إنسان بإنسان قال أعرابي لصاحبه: لا تقل ما لا تعلم، فتتهم فيما تعلم. قال المعتمد لبعض الندماء: إذا عدم أهل التفضل، هلك أهل التجمل. وقال أعرابي: قليل النار يكوي، وكثيرها يتوي ومعنى يتوي يهلك.

وقال فيلسوف: لا يزكو طبع بلا أدب، ولا يكون علم بلا طلب. وقال أعرابي: قلما ينصف اللسان، في وصف إساءة أو إحسان. وقال أعرابي: من منع أخاه مساعدة، أعتاض منها معاندة. قال فيلسوف: حوائج الدنيا تنهك القوى. وقيل لسهل بن هارون: خادم القوم سيدهم، فقال: هذا من أخبار الكسالى. قيل لقاضي الفتيان: نيك الرجال زينة، قال: هذا من أراجيف الزناة. وقيل لابن ماسويه: الباقلاء بقشرة أصح في الجوف، قال: هذا من طب الجياع. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: الخيل تجري بأحسابها، فإذا كان يوم الرهان جرت بجدود أربابها.

أنشد ماجن: الكامل لا يغضبن منادمي إن نكته ... إني لنيك منادمي معتاد وكذا النديم إذا أراد ينيكني ... ولقد علمت كما أكيد أكاد اشترت مدينة من رجل ثوباً في شعبان على أن تسوق إليه الثمن في رمضان، فقال الرجل: أخاف أن تمطليني، قالت: لا أمطلك والذي خاتمه على فمي، قال: وما الخاتم؟ قالت: علي بقية من رمضان الماضي، قال: أذهبي، قد ماطلت ربك سنة فكيف أثق بك؟ سمعت شيخاً نبيلاً يقول في مجلس خلوة وأنس: اجتمع بغاء ولوطي، فشمرخ البغاء أير اللوطي فرأى مثل ذراع البكر، فقال: يا هذا، انبسط بنيكي، بخت أي بخت؟! قال: وما معنى بخت أي بخت؟ قال: إما أن تشقني وإما أن يندق أيرك. قال حمل بن بدر بن جؤية بن لوذان: الطويل قتلنا بعوف مالكاً وهو ثأرنا ... فإن تطلبوا شيئاً سوى الحق تندموا

خذوا الحق منا قد أخذناه منكم ... وهل بعد عقل كامل متكلم وإن تقطعوا ما بيننا من قرابة ... وبينكم عند التشاجر فأعلموا بأن سوف يحدوكم لذبيان جحفل ... إلى جحفل منه الوشيح المقوم وإنكم لا تلبثون ببلدة ... من الأرض إلا والقلوب ترجم بني عمنا لا تجزعوا إن حربنا ... يغص بها ذو النخوة المتقدم قال أعرابي: الكتب لا تستنفر، والحديد لا يستعصر، والصخور لا تستمطر. قال حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، جاهلي: البسيط ولوا عيينة من بعدي أموركم ... وأستوسقوا أنه بعدي لكم حامي إما هلكت فإني قد بنيت لكم ... عز الحياة بما قدمت قدامي ولى حذيفة إذ ولى وغادرني ... يوم الهباة يتيماً بين أيتام لا أرفع الطرف من ذل ومحقرة ... ألقى العدو بوجه خده دامي حتى أخذت لوا قومي فقمت به ... ثم أنثنيت إلى الجفني بالشام والدهر آخره شبه بأوله ... ناس كناس وأيام كأيام

قالت أسماء بنت عميس لما تفاخر بنوها من جعفر وأبي بكر وعلي، وقال علي لها: أقضي بينهم، قالت: ما رأيت شاباً أطهر من جعفر، ولا شيخاً أفضل من أبي بكر، وإن ثلاثة أنت أحسنهم لفضلاء. هكذا حكاه الهيثم بن عدي؛ وفي اللفظ تحريش وإن كان على مذهب العرب. ولما قدم عبيد الله بن علي يدعو الناس قال الأحنف: جنبونا حسناً وأبا حسن، فإنا لم نجد عندهما علماً بالحرب ولا إيالة للمال. وقيل لأبي برزة الأسلمي: لم اخترت صاحب الشام على صاحب العراق؟ قال: وجدته أطوى لسره، وأملك لعنان جيشه، وأفطن لما في نفس عدوه. هذا رأي معكوس لأن صاحب العراق لم يؤت عن عجز في جميع ما نعت به صاحب الشام، ولكن كان شعاره الدين ودثاره الدنيا، وإلى الله عز وجل أمره، ولعله يرحمه فما أحوجه إلى الرحمة.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو الدرداء: لتدخلن الجنة كلكم أجمعون إلا من شرد على الله عز وجل شراد البعير. رأى أبو الدرداء منزل رجل قد شاده فقال: ما أحكم ما تبنون، وما أطول ما تأملون، وأقرب ما تموتون. قال فيلسوف: القوب أوعية السرائر، والشفاه أقفالها، والألسنة مفاتيحها، فليحفظ كل منكم مفتاح وعاء سره. قال فيلسوف: أعلم الناس بالدهر أقلهم تعجباً من أحداثه. يقال: من أثر الخير سار به ذكره، وتوفر عليه أجره. شاعر: المنسرح لاح له بارق فأرقه ... فبات يرعى النجوم مكتئبا يطيعه الطرف عند دمعته ... حتى إذا حاول الرقاد أبى قال أعرابي: خير المعروف ما لم يتقدمه مطل ولم يتبعه من. قال ابن السماك: لولا ثلاث لم يسل سيف، ولم يقع حيف:

سلك أدق من سلك، ووجه أصبح من وجه، ولقمه أسوغ من لقمة. قال فيلسوف: الموت ساحل الحياة. قال الحسن بن سهل في رجل: افتديت مكاشفته، واشتريت مكاشرته، بألف ألف درهم. قال سهل بن عبد الله: الإرادة باب القدرة، والمشيئة باب العلم، ثم قال: ألا تراه يقول " ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء " البقرة: 255، ثم قال: ألا ترى إلى قوله " إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون " النحل: 40. قال أعرابي: الرجز ليس من الحنظل يجنى العسل ... ولا من البحر يصاد الورل قال معاوية: مهما كان في الملك فإنه لا ينبغي أن يكون فيه أربع خصال: الكذب، فإنه إن وعد خيراً لم يرج، وإن أوعد شراً لم يخف؛ والبخل، فإنه إذا بخل لم ينصحه أحد، ولا تصلح الولاية إلا بالمناصحة؛ والحسد، فإنه إذا حسد لم يشرف أحد في دولته، ولا يصلح الناس إلا على أشرافهم؛ والجبن: فإنه إذا جبن اجترأ عليه عدوه، وضاعت ثغوره.

وكان معاوية جيد الكلام، عجيب الجواب، عظيم الحلم، صبوراً على الخصم، معتاداً للكظم، ماضي الجنان، مفلق البيان، عارفاً بالدنيا، متأتياً لها، مالكاً لزمامها، جاذياً لخطامها، راكباً لسنامها؛ وكان عمرو بن العاص باقعة؛ وكان زياد أنكر القوم؛ وكان المغيرة لا يشق غباره، ولا تصطلى ناره؛ وليس علي كرم الله وجهه يجري في مضمارهم: علي بحر علم، ووعاء دين، وقرين هدى، ومسعر حرب، ومدره خطب، وفارج كرب، مضاف السبب إلى النسب، معطوف النسب على الأدب، ولكن شيعته شديدة الخلاف عليه، قليلة الانتهاء إلى أمره، وكلهم الله إلى أمرهم، وإلى الله إيابهم، وعليه جزاؤهم وحسابهم. كتب أبو الحسن الفلكي - وكان بليغاً، وكان بصرياً ومات بأذربيجان، هكذا حدثني شيوخ المراغة - إلى أخ من إخوانه: لو لم يكن الأنس - أعزك الله - بيننا نسباً يوجب التشارك في الأرواح دون سائر الأموال، وما يضن به من سائر الأملاك، لكان يجب أن لا أنشد مشروباً من الراح سواك، إذ كنت أخاها في نجارها، وكانت أخلاقها أخلاقك، وأعراقها أعراقك، التي حليتها بالآداب، وفضلتها بكرم الأنساب، فكيف وأحوالنا فيما نملكه متكافية، وأمورنا فيه متساوية؟ ونحن - أعزك الله - روح اقتسمه جسمان، ونفس مثل بها شخصان، وأنت بموضع الأنس والثقة إذا انقبض سائل

من مسؤول، فأحب أن تأمر لي بملء الظرف الذي مع الغلام، وتتوصل بالإشراف عليه بوجهك، ليزيد في رونقه رونقك، وصفاته صفاؤك، ويباشر نسيمه منك نسيماً فيحمله إلينا، وطيباً يمثل به لدينا، أبو فلان، فيجمع شمل السرور، وهو شراب ثان نلتذ منه قربه، إذا التذ من ذلك شربه، وهو والله يصفو صفاء الراح ويروق، وأنا وحياتك إليه صب مشوق، فإن آثرتنا به زدت في إحسانك، وكان من شكرنا عن امتنانك، وإن شاححتنا عليه سامحناك، إيثاراً لهواك، والتماساً لرضاك، والسلام. قال أعرابي: مدة الأبد في اليوم أو غد. قال أعرابي: ما أساء من تاب، ولا جهل من أناب. قال آخر: الجهل هوة، والعلم قوة. وأنشد لابن عرفة: الكامل يا أحمد بن محمد يا أحمد ... نفسي فداؤك أين ذاك الموعد حسبي بقلبي شاهداً لي في الهوى ... والقلب أعدل شاهد يستشهد إن كنت أوحد في الجمال فإنني ... في صدق ودي والوفاء لأوحد وإذا القلوب تفرقت أهواؤها ... فهواك مجموع لدي مجدد سأل أعرابي رجلاً حاجة فمنعه، فقال: الحمد لله الذي أفقرني من معروقك، ولم يغنك عن شكري.

قال أعرابي: نبو النظر عنوان الشر. كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج: إذا قرأت كتابي هذا فاطلب لي رجلاً يحب أن يعدل في النصيحة، وينصف في المودة، سيماه سيما الشيوخ، وقلبه قلب الفتيان، وعقله عقل الكهول، لا يغابن من يواصل، ولا يرائم من يخالل، أحب الأشياء إليه الأثرة، وأحسن الأشياء عنده حسن المؤازرة، معروف في القلوب بالصدق، مقدم في النفوس بالأمانة. فكتب إليه الحجاج: يا أمير المؤمنين، هذه شهوة خفية لا توجد أبداً، فاسل عنها، والسلام. سمعت شيخاً من النحويين يقول: المعاني هي الهاجسة في النفوس، المتصلة بالخواطر، والألفاظ ترجمة للمعاني، وكل ما صح معناه صح اللفظ به، وما بطل معناه بطل اللفظ به؛ فالأسم ما وقع على معنى غير مقرون بزمان محصل، ويعرف أيضاً بدخول الجر عليه، ويصلح فيه ضربي ونفعني، ويدخل عليه أيضاً الألف واللام على واحده وتثنيته؛ والفعل يعم ما تصرف بالزمن، كقولك ضرب للماضي، ويضرب للحال وللمستقبل من الزمان؛ والحرف ما كان جامداً لا يدل على معنى، نحو هل وبل وقد. وكأنه يريد أن معاني الحروف تتضح بقرائنها، فكأنه لا تأثير لها بتجريدها حتى يصحبها غيرها.

وسمعت أبا سعيد السيرافي يقول: والإعراب حركة تحل بآخر حرف من الأسم كالدال من زيد؛ وكان غيره يقول: الأسماء أصول والأفعال فروع عنها. وسمعته يقول: المذكر أصل والمؤنث فرع، والمذكر أخف والمؤنث أثقل، والنكرة أخف من المعرفة، لأن النكرة حال الاسم في الأول؛ والوصف أثقل من الموصوف، لأن الموصوف أصل والوصف أصل والوصف تابع له لأنه تشبيه بالفعل في وقوعه موقعه، كقولك: هذا رجل يضرب زيداً، فتصفه به، كما تقول: هذا رجل ضارب زيداً. وسمعت غيره يقول: الأفعال ثلاثة: ماض، وهو مبني على الفتح؛ ومستقبل، وهو محتمل للزوائد التي هي الياء والتاء والنون والألف؛ والدائم؛ وهو الحال. وسمعت أبا حفص الأشعري يقول: لا معنى للحال، إنما هو الماضي والمستقبل، وتحصيل الحال محال، وتوهمها باطل، لأنك لا تفرغ من الماضي إلى المستقبل، ومتى فرضت واسطة بينهما كنت فيها واهماً. فقيل له: إن الذي يوضح الحال إذا أتيت بالسين في قولك: سيصلي، لم يكن المعنى إلا في الاستقبال، فلولا أن هذا الغرض قد كان كامناً في قولنا يصلي لم توضحه

السين، وكأن الشبهة أن يصلي دالة على الحال متضمنة معنى الاستقبال حتى يقترن باللفظ ما يصبه على الغرض الواضح. وكان يكابر عند هذا البيان ويقول: لو صح هذا لصح قول الفلاسفة في الفصل بين الشيئين إن ما يكون مشتركاً بين شيئي كأنه مركب من بدنيهما. فقيل له: وهذا أيضاً كما قاله من خالفته، وأنت في ذلك أجهل من هرة فإنها تمشي على حافة الجدار غير متمكنة على سمته وتريغ مع ذلك مكاناً آخر للقصد الذي يتلوح لها، لا تمسك نفسها وترسلها، فما ظنك يا أبا المبارك بشبهة تكشفها عنك هرة؟! ويقال في المثل: الدخان وإن لم يحرق البيت سوده. شاعر: الوافر أسر بمر يوم بعد يوم ... وبالجولين والعام الجديد وأفرح بالمحاق وبالدآدي ... يسقن البيض في أكناف سود وفي تكرارهن نفاذ عمري ... ولكن كي يشيب أبو يزيد

غلام من سراة بني لؤي ... منافي العمومة والجدود خليق عن تكامل خمس عشر ... بإنجاز المواعد والوعيد في هذا البيت معنى لطيف ربما غفل عنه، وذلك أن الذين أبوا الوعيد وحققوا الإنجاز، زعموا أن الأعراب لا تتمادح بتحقيق الوعيد وإنما تتمادح بإنجاز الموعود، لأن في تحقيق الوعيد ضرباً من اللؤم وفي إنجاز الوعد كل الكرم؛ فعلى هذا، إذا قال الله تعالى في الوعيد ما قال فأمره إليه، إن شاء حقق وإن شاء صفح، ورووا بيتاً أنشده أبو عمرو بن العلاء عمرو بن عبيد في منازعة هذا المعنى وهو: الطويل وإني وإن أوعدته أو وعدته ... لمخلف إيعادي ومنجز موعدي ونفسهم في نصرة هذا الرأي قصير؛ ولعل دليلهم من غير هذا الوجه أوكد،

وعذرهم بغير هذا الكلام أمهد. هذا أبو وجزة السعدي يقول مادحاً بلسانه، جارياً على فطرته: الكامل صدق إذا وعد الرجال وأوعدوا ... فأحث بادرة وأوفى موعد أنشدني هذا البيت أبو سعيد السيرافي وقلت له: إن أبا وجزة إسلامي، قال: فما تصنع بقول بعض الأسديين، وهو جاهلي: الطويل رويدك يا ابن المستهل ولا تته ... بجهل فحد الجهل بين الغوائل أنا الصاب إن شورست يوماً وإنني ... جنى النحل إن سومحت إلا لآكل بسيط يد بالعرف والنكر إن أقل ... بوعد وإيعاد أقل قول عامل صؤول على الصعب المنوع وممسك ... عرامي عن الواهي القوى المتضائل وما أخلت الأيام كفي من يد ... إلى الناس في إشرافها والأصائل إذا سنة حالت بأزم تلقحت ... بمعروفنا حتى ترى غير حائل وقرأتها عليه في جملة أبيات من كتاب الشدة. وأعلم بعد هذا أن الكلام من الحكيم وإن اختلفت صفاته بأن يكون مرة خبراً ومرة استخباراً، ومرة وعيداً ومرة وعجاً، ومرة نهياً ومرة أمراً، ومرة إباحة ومرة حظراً، ثم لا يكون الحظر إباحة، ولا الأمر بالشيء نهياً عنه،

ولا الخبر بالشيء استخباراً عنه، وهو مع هذا التفاوت الواقع فيه لا يخلو من أن يكون حقاً وصدقاً، كما لا يخلو أن يكون مفهوماً معلوماً، لأنا قد جعلناه الحكم. فإذا كان هذا البحث صحيحاً، وهذا الكلام ظاهراً، فقد وضح أن كلام الله عز وجل يتضمن الحق، ويتغشى الصدق، وأن ذلك من خواص نعته، وأوائل موجبه، وإن اختلفت أقسامه، فما لا يكون قادحاً في صدقه، ولا مبطلاً لحقيقة حقه. ومتى ثبت هذا، وهو ثابت، ذهب ظن من ظن ما ظن في مدارج السيول ومهاب الرياح، وكان ربك نصيراً للحق بصيراً بالخلق. سمعت في مجلس أبي سعيد شيخاً من أهل الأدب يقول: ومن الأفعال ما له وجهان، كشيء ينصرف على معنيين، مثل: أصاب عبد الله مالاً، وأصاب عبد الله مال، إذا أصابه مال من قسمة، ووافق زيد حديثنا إذا صادفهم يتحدثون، ووافق زيداً حديثنا إذا سره وأعجبه، وأحرز زيد سيفه إذا صانه في غمده، وأحرز زيداً سيفه إذا خلصه من القتل وشبهه؛ ولو قلت أحرز امرؤ أجله لم يجز، لأن الرجل لا يحرز أجله ولكن أجله يحرزه، إلا أن تذهب إلى قولك: أحرزت أجلي بالعمل الصالح. انظر - فديتك - إلى أثر النحو في هذا القدر اليسير، وتعجب عنده من أبي حنيفة الصوفي حين قال لك: إن الله عز وجل أمرنا بالطاعة والإيمان

وإن لم يأمرنا بالنحو، وإلا فهات أنه يدل على أنه أمرنا بأن نتعلم ضرب عبد الله زيداً. وقد رأيت روغانه عن تحصيل الحجة في معرفة ذلك: ألا يعلم أن الكلام كالجسم والنحو كالحيلة، وأن التمييز بين الجسم والجسم إنما يقع بالحلى القائمة والأعراض الحالة فيه، وأن حاجته إلى حركة الكلمة بأخذه وجوه الإعراب حتى يتميز الخطأ من الصواب كحاجته إلى نفس الخطاب. وليس على كلامه قياس، ولا في ركاكة بني جنسه التباس، وإنما غره من هو أنقص منه فطرة، وأخس نظراً وفكرة. أتراه يصل إلى تخليص اللفظ المبني على معنى دون اللفظ المبني على معنى آخر، إلا بحفظ الأسماء وتصريفها؟ أتراه يقف على تحصيل المعنى المدفون في هذا اللفظ دون المعنى المدفون في هذا اللفظ إلا بتمييز وجوه حركات اللفظ؟ فبان لك أن الحالف بالتورية في يمينه: والله ما رأيته، وهو يريد ما ضربت رئته، ووالله ما قلبته، وهو يريد ما ضربت قلبه، ليدفععن نفسه ضيماً نزل به بما يفهم من الرؤية والقلب الذي هو العكس، إنما يبرأ من الحنث ويتخلص من الضيم لقيامه بحفظ اللغة، كذلك من يعرف الفرق الواقع بين الإعراب الذي هو حركة آخر الكلمة في قوله: أنت طالق إن دخلت الدار، وأنت طالق أن دخلت الدار، وفي قوله: " فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون " يس: 76 وأنا نعلم فرق، متى لم يقف عليه زل إلى الكفر، وكذلك في قوله " أن الله بريء من المشركين ورسوله " التوبة: 3، فرق يتوسط بين الصواب والخطأ، صوابه إيمان وخطأه كفر. وبسبب هذا الحرف وضع النحر، لأن علياً ابن أبي طالب رضي الله عنه سمع قارئاً يقراً على غير وجه الصواب، فساءه

ذلك، فتقدم إلى أبي الأسود الدؤلي حتى وضع للناس أصلاً ومثالاً وباباً وقياساً، بعد أن فتق له حاشيته، ومهد له مهاده، وضرب له قواعده؛ وإنما فشا اللحن للسبايا التي كثرت في الإسلام من الأعاجم وأولادهن، فإنهم نزعوا في اللكنة إلى الأخوال، وأما قوله: قد نقض على النحويين ابن الراوندي نحوهم، فإنه ذاهب بهذا القول عن وجه الرشد، لأن ابن الراوندي لا يلحن ولا يخطىء، لأنه متكلم بارع وجهبذ ناقد وبحاث جدل ونظار صبور، ولكنه استطال باقتداره على علل النحويين، ورآها مفروضة بالتقريب، وموضوعة على التمثيل، لأنها تابعة للغة جيل من الأجيال، ومقترنة بلسان أمة من الأمم، فلم يكن للعقل فيها مجال، إلا بمقدار الطاقة في إيضاح الأمثال وتصحيح الأقوال. طال هذا الفصل أيضاً، وإذا كنت منقاداً للحديث كلفاً بفنونه، فأنا رهن في يديه في كل ما عثرت عليه، وأنت أولى من أخذ فائدته شاكراً، وترك ما عداها عاذراً. يقال في مثل هذا الفن الذي كنا فيه: وقف رجل حسن الشارة حلو الإشارة على المبرد، فسأله عن مسألة وأطال ولحن وتسكع في الخطأ،

فقال المبرد: يا هذا، ما أنصفتنا من نفسك: إما أن تلبس على قدر كلامك، وإما أن تتكلم على قدر لباسك! فعجب الناس من بديهته في هذه الحكمة الجامعة للزجر، الباعثة على القبول، المثيرة للائمة. قيل ليزيد بن المهلب: إنك لتلقي نفسك في المهالك، قال: إني إن لم آت الموت مسترسلاً، أتاني مستعجلاً؛ إني لست أتي الموت من حبه، إنما آتيه من بغضه، ثم تمثل: الطويل تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد ... لنفسي حياة مثل أن أتقدما شاعر: الوافر فما منك الصديق ولست منه ... إذا لم يعنه شيء عناكا دخل مزبد بيته يوماً وبين رجلي امرأته رجل ينيكها، وباب الدار مفتوح وقد علا نفسها، فقال: سبحان الله، أنت على هذه الحال وباب الدار مفتوح؟ لو كان غيري أليس كانت الفضيحة؟! مر رجل بأبي الحارث جمين فسلم عليه بسوطه، فلم يرد عليه،

فقيل له في ذلك فقال: إنه سلم علي إيماء فرددت عليه بالضمير. لمحمد بن طاهر: الطويل عيون إذا عاينتها فكأنما ... دموع الندى من فوق أجفانها در محاجرها بيض وأحداقها صفر ... وأجسامها خضر وأنفاسها عطر بروضة بستان كأن نباته ... تفتح وشي حين باكره القطر أتي نوفل بن مساحق بابن أخيه وقد أحبل جارية من جيرانه فقال: يا عدو الله، لما ابتليت بالفاحشة هلا عزلت؟ فقال: يا عم، بلغني أن العزل مكروه، فقال: أفما بلغك أن الزنا حرام؟! لبعض الطالبيين: الطويل لقد فاخرتنا من قريش جماعة ... بمط خدود وامتداد أصابع فلما تنازعنا الفخار قضى لنا ... عليهم بما نهوى نداء الصوامع ترانا سكوتاً والشهيد بفضلنا ... عليهم جهير الصوت من كل جامع بأن رسول الله لا شك جدنا ... ونحن بنوه كالنجوم الطوالع

كتب جوهر غلام المعز الفاطمي بمصر موقعاً في قصة رفعها إليه أهلها: سوء الاجترام أوقع بكم حلول الانتقام، وكفر الإنعام أخرجكم من حفظ الذمام، فالواجب فيكم ترك الإيجاب، واللازم لكم ملازمة الاجتناب، لأنكم بدأتم فأسأتم، وعدتم فتعديتم، فابتداؤكم ملوم، وعودكم مذموم، وليس بينهما فرجة تقتضي إلا الذم لكم، والإعراض عنكم، ليرى أمير المؤمنين رأيه فيكم. سمعت من بعض النحويين يقول: الرفع في الكلام على سبعة أوجه بأربعة ألفاظ: بالواو والضمة والألف والنون؛ فالأوجه: الفاعل، وما شبه به، والمبتدأ والمبني عليه، والوصف، وما يرفعه الظرف، وأسم كان وأدواتها، وخبر إن. فالفاعل قولك: ذهب زيد؛ وما شبه به: ضرب زيد لأنه يقام مقام الفاعل؛ المبتدأ: زيد قائم، فقام مبني على زيد؛ وما يرفعه الظرف نحو: عندك أخوك، فعندك في معنى الفعل كأنه استقر عندك زيد؛ واسم كان مثل: كان زيد قائماً؛ وخبر إن وأخواتها مثل: إن زيداً قائم.

وموضع آخر رفع على غير الوجه المعتاد، وإنما هو بإسكان الواو والياء نحو يغزو ويرمي. كتب علي بن الجهم إلى جارية كان يهواها: الطويل خفي الله فيمن قد بتلت فؤاده ... وتيمته حتى كأن به سحرا دعي البخل لا أسمع به منك إنما ... سألتك شيئاً ليس يعري لكم ظهرا فكتبت إليه على ظهر الرقعة: إنه إن لم يعر لنا ظهراً فإنه يملأ لنا بطناً. الرجال؛ وأما التبل - بتقديم التاء - فإنه العداوة؛ وأما النبل فالسهام؛ وأما العبل فالضخم؛ وأما الكبل فالقيد؛ وأما الهبل فمصدر هبلته أمه؛ وأما الطبل فالخلق، يقال: ما أدري أي الطبل هو؛ وأما السبل فمصدر سبلت الشيء فأنسبل؛ وأما السدل فكذلك، ويقال منه انسدل؛ وأما الأبل فمصدر الأسم الذي هو الإبل، وهو من أبل إذا كان حسن القيام على الإبل؛ وأما الوبل فأشد الجود من المطر وهو المنتهى، كما أن الطرف الآخر هو الطل؛ وأما الزبل فمصدر زبل يزبل، ومنه الزبال، وكأن الزبيل منقول فيه ذلك، والزبل هو ما أخذه

الزبال، وفي كلام العرب: ما رزأته زبالة أي ما نقصته ما تحمله النملة. وسألت رجلاً كان يتعاطى هذا النمط قلت: ما الفرق بين الرزان والرازن؟ فتلعثم. وأراد شيخ من سراة أذربيجان أن يخجلني فخجل، وذلك أنه قال لي: ما تقول في رجل زنا؟ فقلت: الحال معتبرة، فإن كان بكراً فالجلد، وإن كان ثيباً فالرجم، والتغريب على ما يرى الإمام، ففيه الخلاف؛ فقال لي: أخطأت، إني ما أردت إلا غير هذا المعنى، قلت: كأنك أردت رجلاً زنا بامرأة، قال: أردت صعد الجبل، قلت: فأعلم أيها المخطىء أنك مخطىء، قال: كيف؟ قلت: لأن ذاك بالهمز لا غير، ومتى حذفت الهمز فسد المعنى، فالتقم حصاة سكوتاً. دخل الجماز على صاحب قيان وعنده عشيقته، فقال له الرجل: أتأكل شيئاً؟ قال: قد أكلت، فسقاه نبيذ عسل، فلما كظه جعل يأكل الورد كأنه ينتقل به، ففطنت الجارية فقالت لمولاها: يا مولاي أطعم هذا الرجل شيئاً وإلا خرج خراه جلنجبين معسل.

قال مسعر، حدثني علي بن الحسين العلوي قال: كان بهمذان رجل يعرف بأبي محمد القمي، وكان متصرفاً بها، وكان شديد الحماقة في بغضه معاوية؛ فورد البلد غلام بغدادي، وكان يكتب الحديث، وبلغ القمي خبره، وأنه صبيح الوجه موصوف بالملاحة، فوجه غلاماً له إليه بدينارين، ودعاه إلى منزله، فمضى الغلام وأحتفل القمي في المائدة والزينة والكرامة، حتى إذا كان وقت النوم قام الغلام وطرح جنبه ناحية، فنهض وراءه القمي وراوده وداوره، فلما أجاب كرهاً أقحم عليه أيره، فتأوه الغلام وصرخ وقال: أخرج أمك بظراء، فقال القمي: دعني من هذا وانزل على أحد ثلاثة أمور: إما أن تلعن معاوية، وإما أن ترد الدينارين، وإما أن تستدخل أيري كله، فقال الغلام: أما لعن معاوية فلا سبيل إليه، وأما الديناران فقد أنفقت أحدهما ولا ترضى أرتجاعه إلا مع الآخر، وأما الصبر على مرادك فأنا أستعين بالله عليه؛ فغمز عليه بالحمية، وجعل الغلام يتلوى ويقول: هذا في رضاك يا أبا عبد الرحمن قليل. لما انصرف عبد الله بن جعفر من الحج، وقفت عليه امرأة من غطفان معها دجاجة مشوية فقالت: بأبي وأمي إن دجاجتي هذه كانت مؤنستي في

الخلاء، ومزينتي في الملاء، ومعينتي على الدهر، وإني شكرت لها ذلك، فحلفت ألا أدفنها إلا في أكرم بقعة، وما وجدت ذلك إلا بطنك؛ فضحك عبد الله وأمر بأخذها وقال لها: ائتني المدينة، فأتته، فأمر لها بعشرة آلاف درهم وعشرة أحمال دقيقاً وسويقاً وزيتاً، فلما رأت ذلك قالت: لا تسرف إن الله لا يحب المسرفين. اعتل ذو الرياستين الفضل بن سهل بخراسان مدة طويلة، ثم أبل وأستقل، فجلس للناس ودخلوا عليه يهنئونه بالعافية، فأنصت لهم حتى تقضى كلامهم، ثم أندفع فقال: إن في العلل لنعماً لا ينبغي لا ينبغي للعقلاء أن يجهلوها، منها تمحيص الذنب، والتعرض لثواب الصبر، والإيقاظ من الغفلة، والإذكار بالنعمة في حال الصحة، وأستدعاء التوبة، والحض على الصدقة، وفي قضاء الله وقدره بعد الخيار؛ فأنصرف الناس بكلامه ونسوا ما قال غيره. وكان الفضل فضلاً كما هو، وكان مع ذلك يرتضخ ركاكة وضعفاً، وسأبين ذلك من بعد. شاعر: الطويل وما نلت منها محرماً غير أنني ... أقبل بساماً من الثغر صافيا وألثم فاها تارة بعد تارة ... وأترك حاجات النفوس كما هيا

كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا كتب إلى أهل الكوفة يكتب لهم: رأس العرب ورمح الله الأطول. قال عمرو بن دينار: توفيت فاطمة رضي الله عنها بعد أبيها عليه الصلاة والسلام وهي ابنة أربع وعشرين سنة. أكل أعرابي من بني عذرة مع معاوية، فجرف ما بين يدي معاوية ثم مد يده ها هنا وها هنا، ثم رأى بين يدي معاوية ثريدة كثيرة السمن فجرها؛ فقال معاوية: " أخرقتها لتغرق أهلها " الكهف: 71، فقال الأعرابي: لا ولكن " سقناه لبلد ميت " الأعراف: 57. قال الحسن البصري رحمه الله: من وسع الله عليه في ذات يده فلم يخف أن يكون ذلك مكراً من الله عز وجل فقد أمن مخوفاً، ومن ضيق الله عليه في ذات يده فلم يرج أن يكون ذلك نظراً من الله تعالى له فقد ضيع مأمولاً. لو كان كلام الناس حجراً لكان كلام هذا الرجل ذهباً وفضة؛ لله دره فقد أوتي عقلاً وفقهاً وزهداً وبياناً. وكان شيخ لنا يحدث أن ثابت بن قرة

الحراني الصابىء الفيلسوف كان يقول: فضلت أمة محمد صلى الله عليه وسلم العربي على جميع الأمم الخالية بثلاثة لا يوجد فيمن مضى مثلهم: بعمر بن الخطاب في سياسته، فإنه قلم أظفار العجم، ولطف في إيالة العرب، وتأتى لتدبير الحروب، وأشبع بطون العرب، وألبس الدين جلباباً، وفتح له أبواباً، وهيأ له شرائط وأسباباً، ثم لم يرزأ من جميع الغنائم والفتوح شيئاً، وصحب عمره بالقناعة التي لا تجيب إليها نفس، مع القدرة والتمكين والسلطان والسطوة والهيبة والطاعة والإجابة، ومزج الدنيا بالدين، وأعان الدين بالدنيا، ودارى في موضع المداراة، ومارى في موضع المماراة، وأظهر الضعف مع قرة، وأظهر القوة مع رأفة، وأظهر الرأفة مع التقصي، فدانت له القلوب، وذلت له الرقاب، وتناجت القلوب بمحبته، وتناصرت الألسنة بالثناء عليه، نومه لليقظة، وراحته للدأب، وقسوته للرحمة، ومنعه للعطاء، وصمته للعبرة، وقوله للفائدة، ومشيه للإغاثة، ينفض الليل بنفسه، ويعترف في كل أمر بتقصيره، ولا يرضى ببذل مجهوده، نقاب يحدث بالغائب، إن آرتأى لم يقل، وإن قال لم يخل، وإن تواضع لم يذل، أحواله تتناسب، وأموره تتشابه، ليله كنهاره، وسره كإجهاره، وإبطانه كإظهاره، وعلانيته

كإسراره، لا يقفوه قاف وإن تقصى السداد، ولا يلحقه لاحق وإن ركض الجواد؛ والحسن البصري، فإنك إذا نظرت إلى كلامه ومواعظه وزهده وحكمته، عرفت علو درجته، وسلطان دينه، وقوة عقدته، وانفتال مريرته، ونقاء طويته، مع العفة في الدين، والصبر المتين، والأحتساب العظيم؛ وأبي عثمان الجاحظ، فإنك لا تجد مثله، وإن رأيت ما رأيت رجلاً أسبق في ميدان البيان منه، ولا أبعد شوطاً، ولا أمد نفساً، ولا أقوى منة، إذا جاء بيانه خجل وجه البليغ المشهور، وكل لسان المستحنفر الصبور، وانتفح سحر العارم الجسور؛ ومتى رأيت ديباجة كلامه رأيت حوكاً كثير الوشي، قليل الصنعة، بعيد التكلف، حلو الحلى، مليح العطل، له سلاسة كسلاسة الماء، ورقة كرقة الهواء، وحلاوة كحلاوة الناظل، وعزة كعزة كليب وائل. فسبحان من سحر له البيان وعلمه، وسلم في يده قصب الرهان وقدمه، مع الأتساع العجيب، والأستعارة الصائبة، والكتابة الثابتة، والتصريح المغني، والتعريض المنبي، والمعنى الجيد، واللفظ المفخم، والطلاوة الظاهرة، والحلاوة الحاضرة، إن جد لم يسبق، وإن هزل لم يلحق، وإن قال لم يعارض، وإن سكت لم يعرض له.

هذا رأي ثابت بن قرة وأعجابه، أتينا به على ما عن لنا، فإن وقع موافقاً لرأيك، مطابقاً لأختيارك، فأعتد به، وإن نفيته بحكمك، وزيفته بنظرك، فدعه لغيرك: الطويل فلا الكرج الدنيا ولا الناس قاسم كان بهلول المجنون يقول: الهزج كم تمرض وكم تبرا ... وكم تأكل وكم تخرا وكم تستقبل اليوم ... وكم تستدبر الشهرا وكم تنقل من يفنى ... بمن يفنى إلى الصحرا وقال محمد بن يزيد الأموي: الخفيف فطمتك الأيام قبل الفطام ... وأتاك النقصان قبل التمام بأبي أنت ظاعناً لم أمتع ... بوداع منه ولا بسلام

كنت أرجوك للمهم من الأم ... ر وأنسى تعرض الأيام حاربتني فيك الليالي ولم يح ... فظن عهدي ولا رعين ذمامي أيها القبر إن فيك لروحي ... نزعت من مفاصلي وعظامي وبرغمي أمسيت أمنحك الود ... وأهدي إليك صوب الغمام تقول العرب: من طال أمده نفد جلده. دخل على معاوية رجل مرتفع العطاء، فرأى في عينيه رمصاً فحط من عطائه وقال: أيعجز أحدكم إذا أصبح أن يتعهد أديم وجهه؟ ومن جود عبد الله بن عباس أنه أرعى رجلاً من الأعراب إبلاً فأسمنها وردها كأنها قصور، أو عذارى حور، فقال: كيف تراها؟ قال: تسر الناظر، وتخصب الزائر، قال: فإنها لك، ولك أجرك، فبكى الأعرابي فقال له: ما يبكيك؟ قال: أبكي ضنا بهذا الوجه أن يعفر في التراب، فقال: هذا القول أحسن من قصيدة. قال أعرابي: اللهم أجعل لي قلباً يخشاك كأنه يراك، إلى يوم يلقاك، وأدعوك دعاء قليلة حيلته، متظاهرة ذنوبه، ظنين على نفسه. الظنين: المظنون، والمظنون: المتهم، وقد قرىء " وما هو على الغيب

بظنين " التكوير: 24 أي بمتهم، وقرىء بضنين، أي ببخيل، أي لا يسأل أجراً على ما يخب به على الله عز وجل؛ وكان أبو نصر السدي يقول: بالضاد أقوى في المعنى، وأخلص إلى الحق، وذلك أن التهمة أسرعت إليه من المشركين المباينين، ومن المنافقين المخالطين، فلو كان معنى النفي صحيحاً على الإطلاق، كان لا تقع التهمة، ولا تعرض الريبة، فقيل له: وتأويله أنه غير متهم في نفسه أو عند الله، فقال - وأنا أسمع -: إن زوال التهمة عنه عند الله، أو عن نفسه، لا يصح به مدح ولا يتم به إطلاق، لأنه يبقى على المعارض أن يقول: هذا دعوى بغير برهانها. فأما الضن فهو الشح، يقال: هو به ضنين، أي بخيل، من ضن به ضنا وضنانة. قال معاوية لقريش في خلافته: أنا أقع إذا طرتم، وأطير إذا وقعتم، ولو وافق طيراني طيرانكم للأختلفنا. هذا يحتاج إلى تفسير إلا عند من هو أعلم ممن هو في طبقتي. وأنشد للحماني علي بن محمد الكوفي العلوي: الكامل المجزوء

كم منزل لك بالخور ... نق ما يوازى بالمواقف بين الغدير إلى السدي ... ر إلى ديارات الأساقف فمواقف الرهبان في ... أطمار خائفة وخائف دمن كأن ؤياضها ... يكسين أعلام المطارف وكأنما غدرانها ... فيها عشور في المصاحف تلقى أوائلها أوا ... خرها بألوان الرفارف بحرية شتواتها ... برية فيها المصايف درية الحصباء كا ... فورية منها المشارف باتت سواريها تمخ ... ض في رواعدها القواصف وكأن لمع بروقها ... في الجو أسياف المثاقف ثم أنبرت سحاً كبا ... كية بأربعة ذوارف فكأنما أنوارها ... تهتز في الدرج العواصف طرر الوصائف يلتقي ... ن بها إلى طرر الوصائف دافعتها عن دجنها ... بالغلب والبيض الغطارف يغنون يوم البأس شر ... أبون في يوم المعارف سمح بحر المال وق ... افون في يوم المتالف

واهاً لأيام الشبا ... ب وما لبسن من الزخارف وزوالهن بما عرف ... ت من المناكر والمعارف أيام ذكرك في دوا ... وين الصبا صدر الصحائف واهاً لأيامي وأي ... ام النقيات المراشف والغارسات البان قض ... باناً على كثب الروادف والجاعلات البدر ما ... بين الحواجب والسوالف أيام يظهرن الخلا ... ف بغير نيات المخالف وقف النعيم على الصبا ... وزللت عن تلك المواقف وقال الفضيل بن عياض: قال إبليس: يا رب، الخليقة تحبك وتبغضني، وتعصيك وتطيعني، فقال الله سبحانه: لأغفرن لهم طاعتهم إياك ببغضهم لك، ولأغفرن لهم معصيتهم إياي بحبهم لي. وأنشد لبشار بن برد: البسيط حتى متى أنا مربوط بذكركم ... أهذي وقلبك مربوط بنسياني لهفي عليها ولهفي من تذكرها ... يدنو تذكرها مني وتنآني إني لمنتظر أقصى الزمان بها ... إن كان أدناه لا يصفو لحران

قال ابن هبيرة: الشجاعة لمن كانت معه الدولة. وقال ناسك: ما تبالي حسنت جوراً ودخلت فيه، أو قبحت عدلاً وخرجت منه. وصف أعرابي فرساً فقال: كأنه شيطان في أشطان. قال الأحنف: الأدب في الإنسان نور العقل، كما أن النار في الظلمة نور البصر. وهذا بكلام الفلاسفة أشبه، ولكن كذا أصبته في كتاب ابن أبي طاهر في الحلي والحلل صاحب المنظوم والمنثور، وإنما أحكي ما أجد. وأنشد ابن أبي طاهر لبشار: الكامل فسد الزمان وساد فيه المقرف ... وجرى مع الطرف الحمار الموكف فدع التبحث عن أخيك فإنه ... كسبيكة الذهب الذي لا يكلف قال الحسن: إن من أعظم نعم الله على خلقه أن خلق لهم النار تحوشهم إلى الجنة. وقال العتبي: لا تنازع الرأي من لا ينازعك الحظ.

قيل لراهب: متى عيدكم؟ قال: كل يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد. قيل للنظام في علته: ما تشتهي؟ قال: أشتهي أن أشتهي. شاعر: المتقارب جرى والجياد فلما جرى ... حثا في وجوه الجياد الثرى قيل لعابد: أمن أطال في القنوت أحسن أم من أطال في الصلاة أم من أطال في السجود؟ قال العابد: بل من أخلص فيها. قيل لديوجانس، وكان يونانياً: أملك الروم أفضل أم ملك الفرس؟ فقال: من كان منهما أملك لهواه. وقيل لصوفي: أرفع اليدين في الصلاة أفضل أم إرسالهما؟ فقال: رفع القلب إلى الله تعالى أنفع منهما. سئل دغفل عن قومه فقال: يسمنون في الحرب ويهزلون في السلم.

العرب تقول: نعوذ بالله من الشظف والضفف والجفف؛ الشظف: الشدة، والضفف: أن يكون المأكول بإزاء الأكلة، والجفف: اليبس، وهو أن يكون المال دون الأكلة. قال أعرابي في دعائه: قطع الله مفصله، وبتر مقوله. ويقال: هؤلاء زوار هؤلاء، وزيارهم الذي يمنعهم، ومنه زيار البيطار؛ هكذا حفظت حفظك الله. قال أبو العباس الكرخي: دب شيخ إلى غلام فأنتبه، فولى قليلاً فقال الغلام: " ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً " الأحزاب: 25، ثم دب إليه ثانية فقضى حاجته، وانتبه فقال الشيخ: " ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها " القصص: 15. روى التوزي، قال أعرابي: الرجز يغنيك عن سلمى وعن دهانها ... ونقطها الوجه بزعفرانها

مري يد لا عيب في بنانها وأنشد: الرجز إن العجوز حين شاب صدغها ... كالحية الصماء طال لدغها وأنشد: الرجز إن العجوز حين شاب راسها ... وسقطت من كبر أضراسها وطاب في خبائها اندساسها ... محقوقة بأن يخاف باسها قال فيلسوف: العجب فضيلة يراها صاحبها في غيره فيدعيها لنفسه. قال فيلسوف: الذي يعلم الناس الخير ولا يفعله بمنزلة الأعمى الذي في يده سراج، غيره يستضيء به وهو خال من منفعته منه. فيلسوف: ما اخترت أن تحيا عليه فمت دونه. شاعر: الخفيف حي طيفاً من الأحبة زارا ... بعدما صرع الكرى السمارا قلت ما بالنا جفينا وكنا ... قبل ذاك الأسماع والأبصار

ا قال إنا كما عهدت ولكن ... شغل الحلي أهله أن يعارا قال زاهد: من بلغ أقصى أمله فليتوقع دنو أجله. لما غصب المعتضد منازل الناس لبناء دار عزم أن ينتقل إليها في علته، كتب إليه القطربلي: الكامل قل للإمام مقال ذي العلم ... لا تطلبن شفاك بالظلم لا ترحلن إلى المعاد بها ... فتصير من سقم إلى سقم أنشد اليشكري: البسيط لا تنكحي ابن حبيب عن مؤامرة ... ولا ابن ريطة منحوساً ولا وزرا ثلاثة كفلوس النقد أمثلهم ... عبد تبين فيه النوك والخورا جنباه جنبا حمار ساف محرأة ... لما قضى نهمة الصادي لها نثرا كعتق الرأل رجته قوائمه ... يرى طويلاً وإن هزهزته انكسرا كأنه حين تلقاه وتخبره ... عير شددت على حمائه الثفرا

يقال: كان من دعاء شريح: اللهم إني أسألك الجنة بلا عمل عملته. وأعوذ بك من النار بلا ذنب تركته. قيل لإبراهيم البلخي: فيك حدة، فقال: أستغفر الله مما أملك، وأستصلحه لما لا أملك. قال بعض العرب: من لقيك بالسؤال الملحف، فالقه بالمنع الحابس. قال بعض العباد: أضل عباد الله من يسأل حاجة غير الله. قيل لراهب: كيف سخت نفسك عن الدنيا، فقال: أيقنت أني خارج منها كارهاً، فأحببت أن أخرج منها طائعاً. ذكر أعرابي مسيره فقال: خرجت حين انحدرت النجوم، وشالت أرجلها، فما زلت أصدع الليل حتى أنصدع الفجر.

قال أعرابي: استشر عدوك العاقل ولا تستشر صديقك الأحمق، فإن العاقل يتقي على رأيه الزلل كما يتقي الورع على دينه الحرج. وقال أبو الدرداء: أحب ثلاثة لا يحبهن غيري: أحب المرض تكفيراً لخطيئتي، وأحب الفقر تواضعاً لربي، وأحب الموت اشتياقاً إليه. فذكر ذلك لابن سيرين فقال: لكني لا أحب واحدة من الثلاثة؛ أما الفقر فو الله للغنى أحب إلي منه، لأن الغنى به يوصل الرحم، ويحج البيت، وتعتق الرقاب، وتبسط اليد إلى الصدقة؛ وأما المرض فو الله لأن أعافى فأشكر أحب إلى من أن أبتلى فأصبر؛ وأما الموت فو الله ما يمنعنا من حبه إلا ما قدمناه وسلف من أعمالنا، فنستغفر الله عز وجل. انظر بالله إلى خروج ابن سيرين من كل ما دخل فيه أبو الدرداء، حتى كأن الصدق في جلبه أبين، والبرهان على ما قاله أقرب، ولولا أن الطرق إلى الله مختلفة، ما عرض هذا الرأي للأول ولا عارضه هذا الثاني. وكان أبو حامد القاضي يقول: الزهد في الدنيا لا يصح، لأن الإنسان خلق منها وعمرها وسكن فيها، فلا سبيل إلى انسلاخه منها على ما يرى جفاة الصوفية وما يقولون، فإنهم يرون الجلالة له حجاباً وحجازاً، ويجعلونها مانعة من إصابة الزهد وسلوك محجته وإقامة مناره، وزعم أن الزهد إنما أريد به القيام بالأمر والنهي على قدر الطاقة، وكنه القوة، مع التقلب بين الرجاء

والخوف، وإصلاح القلب بحسن النية في الخير، وبذل المجهود من الموجود. لمن يحسن معه الجود. وكان أبو بكر الفارسي صاحب كتاب الأصول بخراسان يشرب في آنية الذهب والفضة، وإذا قيل له: أما تروي في كتاب المزني أن الذي يشرب في آنية الفضة والذهب فإنما يجرجر في جوفه نار جهنم؟ يقول: إن الله عز وجل يقول: " قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده " الأعراف: 32 وإن النبي لا يحرم ما أحل الله، والخبر لا يرفع القرآن، لأن القرآن أساس والخبر بناء وفرع، على أن الخبر معتمده على حسن الظن بالرواة والنقلة، والقرآن يبرأ من رجم الظنون، ولو صح هذا المأثور لكان لاحقاً بباب النهي على التنزيه، ومحمولاً على تفخيم الأمر إشفافاً من البطر، وتذكيراً بالخبر، لأن الخبر متى لم ينطبق على علة بها يقع النهي، ومن أجلها يرد الأمر، كان الخبر موقوفاً دونه ومسكوتاً عنه؛ وإذا كان هذا الذي قتله قريباً وممكناً، وكان الخبر يتضمن معنى النهي عن البطر، فأنا وأضرابي من العلماء في نجوة من البطر، وفي مأمن من

السطوة والشر، ومن جرى منكم مجراي فحكمه حكمي. وكان له كلام كثير في هذا النمط، وكان إماماً من أصحاب الشافعي رضي الله عنه. وأما أبو سعيد البسطامي، وكان من عجائب الرجال، فإنه سئل عن قوله صلى الله عليه وسلم: اللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً وأحشرني مسكيناً، فأندفع مغضباً يقول: من قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسكين فهو كافر، وقال للسائل: والله لولا أنني أعلم أنك جاهل وغر لأمرت بك حتى تستحب على وجهك وتضرب بالسياط، ولكنك تلقفت هذا من هؤلاء الحمقى المكدين المحتالين الملحدين الذين وصموا النبي صلى الله عليه وسلم بهذا النعت وبما يجري مجراه. إن النبي صلى الله عليه وسلم كان غنياً، ولا أعني بقولي كان غنياً غنياً بالله، ذاك غنى مربوط بالإيمان والتوحيد والإخلاص والطهارة، وما أريد شيئاً من ذلك، فإن ذلك موفور له في العاجل ومذخور له في الآجل، إنما أعني الغنى الذي هو الأثاث والثياب والدواب والخدم، فقيل له: فإن الله عز وجل يقول: " ووجدك عائلاً فأغنى " الضحى: 8، قال: هذا حجتي، فإن العائل المثقل بالدين، وقد كان هذا قبل المبعث؛ فلما بعثه

الله أزاح علله فنور قلبه، وملأ من الدنيا كفه، وإلا فبم جيش الجيوش، وعقد السرايا، وهادى الملوك، ونحل الصحابة، وزود الوفود، وأنفق على النساء، وأين بغلته دلدل، وأين سيفه الصمصامة، وأين بردته وحلته، وأين ما كان يدخره لنفقة عامه، وقوت عياله؟ والله ما أتيتم إلا من تقليدكم لقوم تحلوا عندكم بأدعاء الدين، وخاتلوكم عما حوته اليمين. وأنتم أيها الأغنياء أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم وبصحابته من هؤلاء الذين لبسوا الأخضر والأحمر والأصفر والأسود، ورقعوها بالتكليف. وكان مع هذا يتعدى طبقة زمانه إلى أبي يزيد البسطامي ويقول: أبو يزيد من بلدي، وأنا أعرف به وبأصله وفصله، وحديثه عندنا غض، وأمره عندنا بين، وإنه بعيد من دين المسلمين. وكان شديد التهور، عظيم العجرفة، وأنا سمعته يقول بأصبهان سنة سبع وخمسين وثلاثمائة وقد قال له قائل: أيها الأستاذ - وكذا كان يخاطب - إن فلاناً يقول: متى عرض كلام أستاذكم أبي سعيد على كتاب الله عز وجل خالفه ولم يوافقه، فقال جهلاً: كلام الله عز وجل ينبغي أن يعرض على كلامي! ومضى على ذلك، فلم أجد نكراً من أحد حضر من أصحابه ولا من غيرهم، وكنت حينئذ وحيداً غريباً حديث السن، فوقذتني الحمية لله عز وجل ولرسوله عند جهله. وكان اعتماده على الهذيان، ولم يكن هناك - مع طول النفس، وبلة الريق، والصبر على الكرم - شيء من التحصيل. ولقد سمعته يقول: نقضت على الفلاسفة سبعين ألف ورقة، فلما طولب بأن يذكر أسماء

خمسة من كتبهم أفتضح وأفحم، وكان ذلك سبب طرده من أرجان. وحديثه طويل، وكان كلامياً لا يحسن من المذهب إلا النص، فإذا نازعه الخصم أفلت وأنحص. أنشد ابن أبي طاهر في البعوض: الرجز أرقني وكنت بالعراق ... بعوضة ذات شوى دقاق تسفعني بمبضع مزاق ... كأن صوت شارب مشتاق صوت تغنيها على التراقي قيل لسعيد بن المسيب: لم صارت قريش أضعف العرب شعراً؟ قال: لأن مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم منها قطع متن الشعر عنها. كتب الحسن إلى عمر بن عبد العزيز: إن الله لا يطالب خلقه بما

قضى عليهم وقدره، ولكنه يطالبهم من حيث نهى وأمر، فطالب نفسك من حيث يطالبك ربك تنج. شاعر: البسيط يا أم عتبة إني أيما رجل ... إذا النفوس أدرعن الرعب والرهبا لا أمدح المرء أبغي من فضائله ... ولا أظل أداجيه إذا غضبا ولا يراني على باب أراقبه ... أبغي الدخول إذا ما بابه حجبا وذكر أعرابي الملوك فقال: أقرب ما يكون إليهم أخوف ما يكون منهم، شاهد يظهر حبك، وغائب يبتغي غيرك. كتب علي بن الحسين رضي الله عنهما إلى عبد الملك بن مروان: أما بعد، فإنك أعز ما تكون بالله أحوج ما تكون إليه، فإن عززت به فاعف له، فإنك به مقدر، وإليه ترجع. ابن أبي عيينة في عيسى بن سليمان: الطويل أفاطم قد زوجت من غير خبرة ... فتى من بني العباس ليس بطائل فإن قلت من آل النبي فإنه ... وإن كان حر الأصل عبد الشمائل

بشار بن برد: الكامل وإذا نسيبك غل ساعده ... ونأى فليس بنافع نسبه خذ من صديقك غير متعبه ... إن الجواد يؤوده تعبه قال أعرابي: من فاس الأخلاق بالصور حسن منه النظر. قال أعرابي: الهرم يعدم الأطيبين، ويحدث الأخبثين؛ والأطيبان: النوم والنكاح، والأخبثان: السهر والبخر. قال أبو روق المقراني: رأى النهدي في المنام كأنه يصلي بالناس إلى الكعبة، وكأن شريك بن عبد الله يصلي إلى غيرها، فأهتم بذلك وقال للربيع: سل عن تعبيره، قال: فسأل، فقيل له: هذا رجل مخالف لرأي الخليفة، فأمر المهدي الربيع بأن يحضر شريكاً، فمضى إليه، فرأى شريك في

وجه الربيع أزوراراً، فسأله عن ذلك فقال: إن أمير المؤمنين رأى رؤيا غلظ قلبه عليك لها، قال: ما هي؟ قال: سيخبرك، فلما دخل على المهدي سلم عليه فلم يرد عليه، فقال: حييت أمير المؤمنين بتحية الإسلام، فلم يرد عليه، وما كانت هذه من أفعاله، فقال: إني رأيت رؤيا دلتني على خلافك إياي وساد طويتك في طاعتي، فقال: يا أمير المؤمنين إنها ليست رؤيا يوسف عليه السلام؛ إن الرؤيا على أربعة أوجه: منها وحي عن الله عز وجل؛ منها حديث الرجل نفسه؛ ومنها أحلام؛ ومنها تلعب الشيطان؛ فمن أي الوجوه رؤيا أمير المؤمنين؟ قال: تلعب الشيطان، يا ربيع أخلع على شريك وأحسن إليه. قال أبو ذر عن عبيد الله: إن أول رام رمى بسهم في سبيل الله عز وجل سعد. مجاهد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التحريش بين البهائم.

نافع قال، سئل ابن عمر: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يلتفت في الصلاة؟ فقال: لا، ولا في غير الصلاة. وقال أبو مسعود الأنصاري: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أعمل العمل أستره فيظهر فأفرح به، فقال: كتب لك أجران، أجر السر وأجر العلانية. قالت عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الدنيا لا تصفو للمؤمن، هي سجنه وبلاؤه. بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ليس لفاسق غيبة. قال عبد الله بن مسعود: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إني أسألك الهدى والتقى، والعفة والغنى.

وسمعت القاضي أبا حامد يقول: قيل لشريح: أما قول النبي صلى الله عليه وسلم: من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين؟ قال: هذا يدل على تيسير الأمر، لأن الذي ذبح بغير سكين لا يكون كالمذبوح بسكين، فكأنه أخبر عن سلامته. وقال أبو حامد: كان شريح لا يقبل قول من يركب البحر ويقول: هذا لا يحفظ نفسه، كيف يحفظ أمور المسلمين عليهم؟ سمعت هبة الله بن الحسن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشيخ شاب في حب اثنين: في حب الحياة وفي حب المال، ثم رواه بإسناد عن أبي هريرة، هذا سنة ست وخمسين وثلاثمائة. وروى أبو ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا صمت الشهر فصم ثلاث عشره، وأربع عشره، وخمس عشره؛ قال أبو بكر العلاف: إنما قال بحذف الهاء فيها وهو يريد الأيا، وهذه عبارة عن الليالي، لأن تاريخ الشهور بالعربية إنما هو بالأهلة، فأول الشهر الليلة التي يهل فيها، ولهذه العلة عبر عن الأيام بالليالي، ثم المعلوم من الصوم أنه يقع في النهار دون الليل، والمعلومات يتسع فيها ويعول على ما علم من معانيها.

وحكى لنا أبو بكر: قال عبد الله بن المبارك، قال سفيان: كان يقال: إذا عرفت نفسك لم يضرك ما قيل لك. وقال سفيان: قال رجل من الأنصار: ما استوى رجلان أحدهما يشار إليه والآخر لا يشار إليه. وقال سفيان: قال رجل لمحمد بن واسع: إني أحبك لله، قال: أحبك الله الذي أحببت له، اللهم إني أعوذ بك أن أحب لك وأنت لي ماقت. أبو نواس: الكامل عين الخليفة بي موكلة ... عقد الحذار بطرفها طرفي صحت علانيتي له وأرى ... دين الضمير له على حرف فلئن وعدتك تركها عدة ... إني عليك لخائف خلفي سلبوا قناع الطين عن رمق ... حي الحياة مشارف الختف فتنفست في البيت إذ مزجت ... كتنفس الريحان في الأنف هذا أختيار ابن المعتز. قال أعرابي يصف آخر: هو بحر يزجر عند العطاء، وأسد يزار عند اللقاء.

شاعر: الكامل الله يعلم أن فرقة بيننا ... مع ما أرى شيء علي يهون ولد لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه لصلبه: الحسن، والحسين، ومحسن، وزينب، ورقية، وأم كلثوم من فاطمة رضي الله عنها، وولد له من خولة بنت جعفر بن قيس الحنفية: محمد؛ ومن ليلى بنت مسعود الدارمية: عبيد الله وهو أبو بكر؛ ومن أم البنين بنت حزام الكلابية: العباس، وعثمان، وعبد الله، ومحمد الأوسط؛ ومن الصهباء التغلبية: عمر، وأسماء، ويحيى، وعون؛ ومن أم ولد: محمد الأصغر؛ ومن أمامة بنت العاصي: محمد الثالث. يقال: أقلل طعامك تحمد منامك.

قال أحمد بن مؤمل: قاتل الله رجالاً كنا نؤاكلهم، ما رأيت قصعة رفعت من بين أيديهم إلا وفيها فضل، وكانوا يعلمون أن الجدي إنما هو شيء من زينة المائدة الرفيعة، وإنما جعل كالخاتمة والعاقبة، وعلامة الفراغ، ولم يحضر للتمزيق، وأن أهله لو أرادوا به الأكل لقدموه قبل كل شيء حتى تقع به الحدة، ولقد كانوا يتحامون بيضة البقيلة، واليوم إن أردت أن تمتع طرفك بنظرة إليها أو إلى شيء من بيض الشلقة لم تقدر على ذلك. سمعت شيخاً من النحويين يقول: النصب في الكلام يكون من اثني عشر وجهاً، ثم عدها، ثم قال: هذه الوجوه هي المفعول به، والمصدر، والظرف، والحال، والتعجب، والنداء، والتبييين والتفسير، والتمييز مع التبيين واحد، وإن وأخواتها، والوصف، والأستثناء، والنفي، وخبر لات وما، عملهما واحد. تقول: ضربت زيداً الظريف اليوم ضرباً شديداً قائماً، فزيد مفعول به، والظريف وصف له، واليوم ظرف، وضرباً مصدر، وشديداً وصف ضرب، وقائماً حال، وإنما يتولد الحال من المعرفة؛ وسمي المصدر مصدراً

لأنه صدر من لفظ الفعل، ويسمى الظرف ظرفاً لأنه كالوعاء، ألا ترى أنك إذا قلت: سرت اليوم، فالسير كان في اليوم؛ والتعجب: ما أحسن زيداً، فزيد منصوب بفعل التعجب، لأنه وقع في التقدير موقع المفعول به، والنداء قولك: يا عبد الله، ويا رجلاً، فبها أقبل؛ والتبيين قولك: عشرون درهماً، لأنك لما قلت عشرون أبهمت، ثم بينت بالدرهم، والدرهم لا يقدم على العدد؛ وأما إن فقولك: إن زيداً قائم؛ والأستثناء: أتاني القوم إلا زيداً؛ والنفي: لا ثوب لك، ولا بأس عليك؛ وخبر لات قولك: لات حين مناص، فالأسم مضمر في لات لأنها أجريت مجرى ليس، وقد يجوز الرفع في حين والجر، وأما الرفع فعلى اسم لات، والجر على تشبيه لات بمن. قال الشاعر: الرجز قالوا تمن ما هويت واجتهد ... فقلت قول مستكين مقتصد حضور من غاب وفقد من شهد خطب معاوية رضي الله عنه عند مقدمه المدينة فقال: أما بعد، فإنا قدمنا على صديق مستبشر، وعدو مستبصر، وناس بين ذلك ينظرون وينتظرون، " فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون " التوبة: 58، ولست أسع الناس كلهم، فإن تكن محمدة فلا بد من لائمة، فليكن لوماً هوناً، إذا ذكر غفر، وإياكم والعظمى التي إذا ظهرت أوبقت، وإذا خفيت أوتغت.

الإيباق: الإفساد، والإيتاغ أيضاً مثله في الدين. قال عبد الملك بن صالح للرشيد: سرك الله فيما ساءك، ولا ساءك فيما سرك، وجعل هذه بهذه جزاء للشاكر. وثواباً للصابر. دعبل: الطويل وأصبحت تستحيي القنا أن تردها ... وقد وردت حوض المنايا صواديا إذا الناس حلوزا باللجين سيوفهم ... رددت السيوف بالقلوب حواليا مساعي لا يعيا المقال بذكرها ... وينفذ ذكر الناس وهي كما هيا وله: الرجز يصافح الموت بوجه دام ... حر رقيق واضح بسام يسل من فكيه كالحسام ... صفيحة تلعب بالكلام كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني أسد بن خزيمة ومن تألف

إليهم من أحياء مضر: إن لكم حماكم ومرعاكم، ولكم مفيض السما حيث انتهى، وصديع الأرض حيث ارتوى، ولكم مهيل الرمال وما حازت، وتلاع الحزن وما جاورت. أنشد ثعلب: البسيط تلقاهم وهم خضر النعال كأن ... قد نشرت كتفيها فيهم الضبع لو صاب واديهم سيل فأترعه ... ما كان للضيف في تغميره طمع الضبع: السنة، وهو الجدب، والجدب: قلة المطر وذهاب النبات، والتغمير: الشرب دون الري، والإتراع: الملء، والملء مصدر ملأ يملأ، والملء: ما حمل الظرف، يقال: أعطى ملأه وملأيه وثلاثة أملائه. وقال ابن الغمر: أول ما يخرج البقل والعشب فهو البذر ساعة يخرج، يقال: قد بذرت الأرض، ويقال: قد بذر البقل، وقد ظفر البقل تظفيراً في أول ما يخرج كأنه أظفار الطير، ثم لا يزال البذر ما كان ورقتين، فإذا زاد على ذلك قيل: قد تشعب ورقه وعرف وجهه، وذلك أنه إذا خرجت الورقة الثالثة عرف أي الضروب هو، فيعرف وجوه البقل والعشب، ويعرف بعضها من بعض؛ كذا قال يعقوب ابن السكيت عن ابن الغمر.

كتب أبو بكر رضي الله عنه إلى خالد بن الوليد: أعلم أن عليك عيوناً من الله عز وجل ترعاك وتراك، فإذا لقيت العدو فأحرص على الموت توهب لك السلامة، ولا تغسل الشهداء من دمائهم فإن دم الشهيد يكون نوراً له يوم القيامة. قال معاوية: العيال أرضة المال. وقيل لمعاوية: ما بلغ من عقلك؟ قال: لم أثق بأحد. ونظر إلى يزيد وهو يضرب غلاماً له فقال: لا تفسد أدبك بتأديبه. وقيل لسهل بن هارون: ما البلاغة؟ فقال: الكلام المتحدر عن الغريزة على رسل تحدر الدر من عقد أسلمته كف جارية إلى حجرها، لا يحمل فيه اللسان على غير مذهب السجية فيظهر فيه قبح التكلف. وقال أرسطاطاليس في كتاب للإسكندر: الملك لزحل؛ والوزارة للشمس، والعدل للمشتري، والزينة للزهرة، والتدبير لعطارد، والخدمة للقمر، والجوز للمريخ.

أعرابي ذكر الريح فقال: أصبحت الشمال تتنفس الصعداء. قيل لأم البنين: ما أحسن شيء رأيته؟ قالت: نعم الله مقبلة. قال أعرابي لرجل: لا جعلك الله آخراً يتكل على أوله. قيل لأعرابية: ما خبر قدرك؟ قالت: حليمة مغتاظة، أي هي ساكنة الغلي لم تبرد. وكتب علي بن هشام إلى الموصلي: ما أدري كيف أصنع، أغيب فأشتاق، وألتقي فلا أشتفي، ثم يحدث لي اللقاء نوعاً من الحرقة للوعة الفرقة. وكتب آخر: من العجب إذكار معني، وحث متيقظ، وأستبطاء ذاكر، إلا أن ذا الحاجة لا يدع أن يقول في حاجته، حل بذلك منها أو عقل، وكتابي تذكرة والسلام.

وكتب آخر: شاهدك وأجتماع الوصف بالجميل لك يبسطان ذا الأنقباض، ويؤنسان ذا الحشمة بك، والله يديم لك النعمة ويبقيها لديك. وقال بكر بن عبد الله المزني: ما رأيت أحداً إلا رأيت له الفضل علي، لأني من نفسي على يقين، ومن الناس في شك. قيل لابن هبيرة: ما حد الحمق؟ قال: لاحد له. أنشد لابن النطاح: الرمل المجزوء وندامى كاملي الوص ... ف شباباً وكهولاً باكروا في شمال الري ... ح من الراح شمولا فأجتنوا منها سروراً ... وآجتنت منهم عقولا قال معاوية: ينيت الدنيا على نسيان الأحبة. وقال أعرابي: من العجز والتواني نتجت الفاقة. وقال فيلسوف: التفكر في الخير يدعو إلى العمل به، والتفكر في الشر يدعو إلى تركه.

قال فيلسوف: عقل الغريزة سلم إلى عقل التجربة. قال واصل بن عطاء: كان الحسن له خشوع الناسكين، وبهاء الملوك. شاعر: الخفيف رب ليل وصلته بنهار ... ورضاب مزجته بعقار ومدام أدرتها بيمين ... وسلاف أخذتها بيسار وكبار شربتها لحبيب ... وحبيب صرعته بصغار قال فيلسوف: اذكر حسرات التفريط تلتذ الحزم، والحظ مصارع الهزل تؤثر الجد، والق خطرات الهوى تذكر عواقبه. قدم إلى عثمان بن عفان في جناية فقال: انظروا هل أخضر إزاره.

كاتب إلى محمد بن عبد الملك: إن من النعمة على المثني عليك أن لا يخاف الإفراط، ولا يأمن التقصير، ولا يحذر أن تلحقه نقيضة الكذب، ولا ينتهي به المدح إلى غاية إلا وجد في فضلك عوناً على تجاوزها، ومن سعادة جدك أن الداعي لك لا يعدم كثرة المادحين، ومساعدة النية على ظاهر القول. كاتب: ما قصرت بي همة صيرتني إليك، ولا أقعدني إرشاد دلني عليك، ولا أخرني رجاء حداني إلى بابك، وحسب معتصم بك ظفراً بفائدة وغنيمة. قال ابن عباس: لا كبيرة مع توبة وأستغفار، ولا صغيرة مع لجاجة وإصرار. ولما أحتضر معاوية رفع يديه وقال متمثلاً: الطويل هو الموت لا أدهى من الموت والذي ... أحاذر بعد الموت أدهى وأفظع ثم قال: اللهم فأقل العثرة، واعف عن الزلة، وعد بحلمك على جهل من لا يرجو غيرك، ولا يثق إلا بك، فإنك واسع الرحمة تعفو بقدرة، وما وراءك مذهب لذي خطيئة موبقة، يا أرحم الراحمين.

فبلغ سعيد بن المسيب قوله فقال: لقد وفق عند الموت في الطلب إلى من لا مثله مطلوب إليه، فإن ينج أبو عبد الرحمن من النار غداً فهو الرجل الكامل؛ ما أخوفني عليه! كان سبب استتار أبي علي ابن مقلة أنه أصاب في طيارة رقعة قرأ منها: الكامل ثكلتك أمك يا ابن رأس المنقب ... فبخست صبرك حين تضرب فأضرب الأمر محتد وقد خردلتها ... وعليك ألف مضرب ومؤلف فأنظر بعينك ما صنععت تأملاً ... فأرحم قذالك والدراهم فأهرب كتب أحمد إلى محمد بن عبد الملك ابن الزيات: إن مما يطمعني في بقاء النعمة عليك، ويزيدني بصيرة في دوامها لك، أنك أخذتها بحقها، وأستدمتها بما فيك من أسبابها، ومن شأن الأجناس أن تتقادم، والشيء يتقلقل إلى معدنه، ويحن إلى عنصره، فإذا أصاب منبته، ركن في مغرسه،

وضرب بعرقه، وسما بفرعه، وتمكن للإقامة، وثبت ثبات الطبيعة. كاتب إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان: رأيتني فيما أتعاطى من مدحك، كالمخبر عن ضوء النهار الباهر، والقمر الزاهر، الذي لا يخفى على ناظر، وأيقنت أني حيث أنتهي من القول منسوب إلى العجز، مقصر عن الغاية، فأنصرفت من الثناء عليك إلى الدعاء لك، ووكلت الإخبار عنك إلى علم الناس بك. قال العتبي: وسمعت أعرابياً يقول: ليس المبتدي كالمعتدي. عرض على الحجاج عطاء الكلابي، وكان دميماً، فأقتحمته عينه، فقال عطاء: قد علم القوم أني أطعن بالرمح شزراً، وأضرب بالسيف هبراً، وآخذ المستلئم أسراً، فقال المهلب: صدق أيها الأمير. الدميم - بالدال غير معجمة - هي القصر والقبح، ودممت القدر: أصلحتها، ودام الماء: وقف، وشجر الدوم: شجر المقل، والدوام: دوار يصيب الرأس، والديمة: مطرة، يقال: دامت السماء وديمت، وجمع الديمة

ديم. فأما الذميم - بالذال معجمة - فالمذموم، والذمامة: الذمام، وسمعت من يقول: أذمني، أعطاني الذمام، وأما كلام العرب: أذم الرجل - مثل ألام - إذا أتى ما يذم به ويلام عليه. كاتب: ابتدأتنا بمعروفك تفضلاً بلا استحاق، ثم أردفته جفاء بغير استجاب، فالمقدم من فضلك مرعي مشكور، والمترادف من جفائك منسي مهجور، ومثلك مأمول ورب الابتداء بالتفضل. كاتب: كيف تشكو جفائي إياك بتأخري عن لقائك، وذلك إيثار مني بموافقتك على سروري بمؤانستك، مخافة استدعاء الملالة بكثرة الزيارة، والتعرض للقلى بإدمان التعهد، فتركت ما أحب فيك لما أكره منك. قال المأمون لعبد الله بن طاهر: تثبت فإن الله عز وجل قد قطع عذر العجول بما يمكنه من التثبت، وأوجب الحجة على القلق بما بصره من فضل الأناة؛ قال ابن طاهر: أكتبه؟ قال: نعم.

سمع عبادة من جوف ابن حمدون النديم قرقرة فقال: يا ابن حمدون، ولدت في شباط؟ أي أنت كثير الرياح. شاعر: السريع أستغن بالرحمن عن خلقه ... تغن عن الكاذب والصادق واسترزق الرحمن من فضله ... فليس بعد الله من رازق من ظن أن الناس يغنونه ... فليس بالرحمن بالواثق وظن أن الرزق في كفه ... زلت به النعلان من حالق سمع طلحة امرأة تقول: من جسر أيسر، ومن هاب خاب. وسمعت امرأة بغدادية تقول: من ليس له علقة ليس له حرقة. قال الجماز: حرم النبيذ على ثلاثة عشر نفساً: على من غنى بالخطأ، واتكأ على اليمين، وأكثر النقل، وكسر الزجاج، وسرق الريحان، وبل

ما بين يديه، واقترح الغناء، وقطع البيت، وحبس أول القدح، وأكثر الحديث، وآمتخط في منديل الشراب، وبات موضعاً لا يحتمل المبيت، ولحن المغني. المهلبي: البسيط جاءت بمعمولة من جنس قامتها ... ليناً وفي كفها من خدها قبس حتى إذا قربت من ذيل صاحبها ... أصغى إلى سرها فالرأس منتكس فنم بينهما ما كان مكتتماً ... ما نمه اللفظ لكن نمه النفس يعني المجمرة. كانت الفرس تقول: من قدر على أن يتحرز من أربع خصال لم يكن في تدبيره خلل: الحرص، والعجب، وأتباع الهوى، والتواني. لقد صدقت الفرس في هذا، والأمم كلها شركاء في العقول، وإن اختلفوا في اللغات، ولا أحد قد نطح إلى الكمال وتطاول إلى الفضل إلا وهو يعلم أن الحرض يسلب الحياء، والعجب يجلب المقت، وأتباع الهوى يورث الفضيحة، والتواني يكسب الندامة، ولا أحد أيضاً إلا وهو متسم بهذه الأشياء على هذا التفاضل الواقع؛ نسأل الله الهداية والعصمة.

محمد بن أبي أمية: الوافر أقني قد ندمت على الصدود ... وبالإقرار عذت من الجحود أنا استدعيت سخطك من قريب ... كما أستدعيت عفوك من بعيد فإن عاقبتني فبسوء فعلي ... وإن ظلمت عقوبة مستفيد وإن تصفح فإحسان جديد ... عطفت به على شكر جديد قال الحسن بن زيد العلوي: مرت بي امرأة وأنا أصلي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاتقيتها بيدي فوقعت على فرجها، فقالت: يا فتى، ما أتيت أشد مما أتقيت. عرضت جارية على المعتز فقال لها: ما أنت من شرطي، قالت: ولكنك من شرطي والله، فأعجبته فأشتراها وحظيت عنده. طالب الجماز امرأته بالجماع، فقالت: أنا حائض، ثم تحركت فضرطت، فقال لها: قد حرمتينا خير حرك فأكفينا شراستك.

قال الجماز: حضرت مجلساً فيه مغنية، وفيه رجل بغير جبة، والدنيا باردة، فقال وهو يرعد للمغنية: أشتهي أن أعانقك، فقالت له: أنت إلى أن تعانق جبة أحوج منك إلى عناقي. وقال الجماز: قلت لمغنية وقد غنت صوتاً: أين الصيحة؟ فقالت: خبيتها لثالثك؛ هذا لفظ النساء. قال أحمد بن يوسف: كنت أعزل عن جارية فقالت لي يوماً: يا مولاي ما أقل حاجة الدرد إلى السواك. عرضت جارية على المتوكل فقال لها: أيش تحسنين؟ فقالت: عشرين لوناً من الرهز، فأعجبته فاشتراها. خطب مدائني عراقية، فأبته وكرهته، فقيل لها: لم أمتنعت؟ قالت: لأنهم يقلون الصداق، ويعجلون الطلاق، ويعتري النساء من نيكهم حلاق.

قال أبو العيناء: اشتريت جارية مليحة ماجنة، فلما قمت إليها لم يقم، فأخذته بيدها وقالت: يا مولاي هذا يصلح للمضيرة، قلت: كيف؟ قالت: أليس هو البقلة الحمقاء. سأل الحسين أخاه الحسن عن المروءة فقال: الدين وحسن اليقين. قالت أعرابية سائلة: وقاكم الله هول المطلع، وضيق المضطجع، وبعد المرتجع. قال بعض العلماء: الشعر على أربعة أركان: مديح رافع، وهجاء واضع، وتشبيب واقع، وعتاب نافع. قيل لرجل مستهتر بجمع المال: ما تصنع بهذا المال كله؟ قال: إنما أجمعه لروعة الزمان، وجفوة السلطان، وبخل الإخوان، ودفع الأحزان؛ وقال الحسن البصري: دأب فيه الليل والنهار، وقطع فيه لجج البحار والقفار، جمعه فأوعاه، وشده فأوكاه، من باطل جمعه، ومن حق منعه.

قال جحظة: حدثني محرز الكاتب قال: كتب الحسن بن وهب إلى صديق له يدعوه: افتتحت الكتاب - جعلني الله فداك - والآلات معدة، والأوتار ناطقة، والكأس محثوثة، والجو صاف، وحواشي الدهر رقاق، ومخايل السرور لائحة، ونسأل الله عز وجل إتمام النعمة بتمام السلامة من شوب العوائق، وطروق الحوادث، وأنت نظام شمل السرور، وكمال بهاء المجلس، فلا تخرم ما به ينتظم سروري، وبهاء مجلسي. قال فيلسوف: كل مخلوق يجري إلى ما لا يدري. العرب تقول: الحسود لا يسود. العرب تقول في أمثالها: ليس من أنمى كمن أصمى، أي ليس من تحاملت رميته من بين يديه فنجت أو هلكت كمن أصاب رميته. قال أعرابي: خير المال نعجة صفراء في أرض خضراء. قال أعرابي: علة الكذب أقبح علة، وزلة المتوفي أشنع زلة.

قال أعرابي: من لم تسمه التجارب دبت إليه العقارب. العرب تقول: الواقية خير من الراقية. قال بعض الأدباء: أهتك الناس من إذا لزمه الحق صعب عليه، وإذا سنح له الباطل أسرع إليه. الفرس تقول: لم يجتمع ضعفاء إلا قووا حتى يمنعوا، ولم يتفرق أقوياء إلا ضعفوا حتى يخضعوا. قال أعرابي: إن أمامي ما لا أسامي به، أي أسود به. قال فيلسوف: من أيسر فتن، ومن أعسر حزن، وفي ممر الأيام معتبر الأنام. قال بعض السلف: من آثر عاجل الخسيس، فقد ضيع آجل النفيس. العرب تقول: الأظلاف لا ترى مع الأخفاف. قال أعرابي: هو أملح من المدارى في شعور العذارى.

العرب تقول: المدائح على الرجاء أبلغ من المراثي على الوفاء. قال رجل من أصحاب الحديث لأحمد بن حنبل: ما ينبغي لك إن منعك السلطان حقك من الدنيا أن تمنعنا حقنا من الدين، ولا إن جار عليك أن تجور علينا، أعطنا ميراث نبينا عندك. شاعر: السريع يا أيها الظاعن في حظه ... وإنما الظاعن مثل المقيم حظك يأتيك وإن لم ترم ... ما ضر من يرزق ألا يريم كم من أديب عاقل قلب ... مصحح الجسم مقل عديم قال فيلسوف: كيف السلامة لمن ليست له إقامة. قال بعض السلف: خير الرزق ما يكفي، وخير الغنى ما يخفي. ويقال في المثل: بطني عطري؛ هذا رجل كان جائعاً، فجاءته امرأته ببخور، فقال لها: بطني عطري. أو لم طير فأرسل رسله ليدعو إخوانه، فغلط بعض الرسل فجاء إلى الثعلب فقال: أخوك يقرأ عليك السلام، ويسألك أن تتجشم العناء إليه

في يوم كذا، وتجعل غداءك عنده، فقال الثعلب: قل له السمع والطاعة؛ فلما رجع وأخبر الطير بغلطه، اضطربت الطيور من ذلك، وقالوا له: يا مشؤوم أهلكتنا، وعرضتنا للحتف، ونغصت أمرنا علينا، فقالت القنبرة: إن أنا صرفت الثعلب بحيلة لطيفة ما لي عندكم؟ قالوا: تكوني سيدتنا، وعن رأيك نصدر، وعلى أمرك نعتمد، فقالت: مكانكم؛ ومشت إلى الثعلب فقالت له: أخوك يقرأ عليك السلام ويقول: غداً يوم الأثنين، وقد قرب الأنس بحضورك، فأين تحب أن يكون مجلسك؟ مع الكلاب السلوقية أم الكلاب الكردية؟ فتجرعها الثعلب ثم قال: أبلغي أخي السلام، وقولي له: والله أنا مسرور بقربك، شاكر لله سبحانه على ما منحني من مكانك، ولكن تقدم لي نذر، منذ دهر، بصوم الاثنين والخميس، فلا تنتظروني. كتب عبيد الله بن زياد إلى معاوية يستشيره في تولية الأحنف بن قيس السند، فأجابه معاوية: بأي أيامه يستحق ذلك؟ أبخذلانه أمير المؤمنين يوم الجمل، أم بقتاله يوم صفين، أم بمشورته على علي يوم صفين بأمر الحكمين؟ أضرب عنه.

سمعت أبا الحسن ابن كعب الأنصاري يقول: القياس ينقسم ثلاثة أقسام: جلي، وواضح، وخفي، فالجلي لا يرد الشرع بخلافه مثل " فلا تقل لهما أف " الإسراء: 23، و " ما يملكون من قطمير " فاطر: 13؛ والواضح أن يرد الشرع بخلافه مثل: العبد قياس الأمة، بعلة الرق، والنبيذ قياس الخمر، بعلة الشدة؛ عرضت هذا على أبي حامد المروروذي فلم يهش له ولم يقدح فيه. وسمعت أبا الحسين القطان يقول: حد النص مساواة باطنه لظاهره؛ وحد الظاهر ما كان أحد الأحتمالين أولى من الآخر؛ وحد العموم مساواة بعض ما تناوله لبعض بغير مزية، وأقله ما تناول شيئين فصاعداً؛ وحد الخصوص ما تناول شيئاً واحداً. ثم قال: وقد يكون الشيء عاماً إلى جنب ما هو أخص منه، وخاصاً إلى جنب ما هو أعم منه. قال: حد المجمل مالا يفهم المراد به؛ وحد الأمر مالا يجوز تركه بحال؛ وحد المندوب إليه ما كان فعله أفضل من تركه؛ وحد الجائز ما كان فعله وتركه سواء؛ وحد النهي الأمتناع، وهو على قسمين: نهي تحريم، فحده وجوب الأمتناع منه، ونهي تنزيه، فحده ما كان تركه أفضل من فعله؛ وحد الشرط ما يقر الحكم بوجوده وعدمه؛ وحد العلة ما طلب الحكم من جهتها بالسبب، وحد السبب ما وافق الحكم، فقد يكون علة

له ويكون مضادا؛ وحد المطلق إرسال الكلام؛ وحد المقيد حصر الكلام؛ وحد الإجماع عدم الخلاف بين من يسمع وينسب القول إليهم؛ وحد التخصيص بيان المراد باللفظ العام؛ وحد التفسير بيان المراد بالمجمل؛ وحد النسخ بيان مدة التعبد به وانقضاء وقته، ويجمع هذا كله اسم البيان؛ وحد البيان الكشف عن الشيء. وفي شرح هذا الكلام كثير، وليس في جميع ما قاله مقروناً بالسلامة، لكني رويته على ما علقته، ولم أزين لفظه، ولا نمقت عبارته. وكان رديء اللفظ طويله، قليل الحلاوة، وكان مع هذا قوي النفس في النظر، وقح الوجه، ومات في آخر سنة تسع وخمسين وثلاثمائة. وسيمر في الكتاب فن آخر من حدود الفلاسفة للأمور الطبيعة والمنطقية والإلهية على قدر ما وقع لي منهم باللقاء والمذاكرة، ولا عليك أن تستقصي النظر في جميع ما حواه هذا الكتاب لأنه كبستان يجمع أنواع الزهر، وكبحر يضم على أصناف الدرر، وكالدهر الذي يأتي بعجائب العبر. قال عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية لأخ له - وكان من صالحي قريش -: أترضى بما أنت فيه؟ قال: لا، قال: فأجمعت على أن تقلع؟ قال: لا، قال: فلك دار غير هذه تعمل فيها؟ قال: لا، قال: أفتأمن أن

يأتيك الموت الساعة؟ قال: لا، قال: فهل رأيت عاقلاً رضي بهذا؟ شاعر: المجتث لما ملكت قيادي ... وحزت صفو ودادي وصرت أعرف مني ... بما يجن فؤادي هجرت من غير جرم ... كهجر جفني رقادي أنت الحبيب ولكن ... هذي فعال الأعادي قال عطاء الخراساني: يقتدى من قول العالم بما لا يقتدى به من فعله. شاعر، وهو مالك بن حريم الهمداني: الطويل ولا يسأل الضيف الغريب إذا شتا ... بما زخرت قدري به حتى ودعا فإن يك غثاً أو سميناً فإنني ... سأجعل عينيه لنفسه مقنعا الزبر: الكتب في الكتاب - بفتح الكاف -، والزبر: الذي

يعجب به النساء ويعجبنه، وكأنه أخذ من الزيارة، وأما الزئير فصوت الأسد. قال النابغة: البسيط ولا قرار على زأر من الأسد والقير والقار معروف، والبئر معروف، يذكر ويؤنث ويجمع على آبار وبئار، والكير والكور للحداد، والعير: رفقة تحمل المتاع، والصير، تقول: أنا على صير أمر، إي إشراف منه، والصير شيء يؤكل رأيته بجدة، ولا أدري أهو من أسامي العرب أم لا، والظئر: الداية، وفي أمثالها: تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها، أي لا تدخل مرضعة في دور الناس، وكأن هذا الأسم مأخوذ من ظأرته أي عطفته، والمصدر الظأر. والنير: خشبة البقرة الحارثة، والعرب تقول: فلان لا ينير - بفتح الياء - ولا يسدي، ولا يعيد ولا يبدي، ولا ولا يردي؛ والنير للثوب أيضاً، ومنه المنبر.

قيل لراهب: قد أطلت سجن لسانك، فقال: إنه غير مأمون إذا أطلق. فتحت السين لأنك أردت الفعل، ولو أردت الأسم بطل المعنى؛ وتقول مثله: ستر الله عليك ستراً جميلاً، وأسبغ عليك سابغاً، فيتميز الأسم من الفعل. نظر أعرابي زمن الحجاج إلى ما فيه الناس من الجهد فقال: إنه ليهون علي ما أرى علمي بأنه بعين الله عز وجل؛ كيف الطريق إلى المسجد الجامع. لقي تميم الداري رجلاً من إخوانه في أزم وشدة فقال: يا أخي ما عندك مما فيه الناس؟ قال: تدبير تكسر به العلة، وصيانة تسد بها الخلة، وصبر تمر عليه الأباء. وسمعت أرباب النحو يقولون: الفعل خمسة أجناس: فمنها فعل لا يتعدى البتة مثل قام؛ وفعل يتعدى إلى واحد مثل ضرب زيد عمراً؛ وفعل يتعدى إلى مفعولين يقع المعنى عن أحدهما مثل كسوت زيداً ثوباً، وحرمت زيداً عطاءه؛ وفعل يتعدى إلى مفعولين لا يستغنى عنهما مثل ظننت زيداً قائماً، إلا أن تريد بظننت أتهمت فيقف على مفعول واحد، وكذلك حسبت وخلت، ولهما

مفعولان فلا غنى البتة عنه؛ وفعل يتعدى إلى ثلاثة غنى عنهم مثل أعلم أن الله خلق زيداً بشراً خير الناس. وهذه الأجناس كلها يتعدى إلى الزمان والمكان، لأن الفعل والفاعل لا يستغنيان عنهما ولا يجدان بدا منهما. قال ابن أبي طاهر: حدثني علي بن سليمان البرمكي قال: كانت وظيفة المنصور كل يوم لطعامه ملبقة، وخمسة ألوان، وجنب شواء، وجام فالوذج أو عصيدة، وكان يؤثر العصيدة. قال السندي بن شاهك: كان السواد الذي يلبسه المنصور مرقوع الجربان. قال محمد بن عبد الملك الرقاشي البصري: حدثني دينار الحجام قال: حجمت أبا جعفر المنصور في خلافته فأعطاني أربعة دوانيق فضة، وأخذت شعر سعيد بن أبي عروة فأمر لي بقوصرة فارغة. ولد الرشيد بالري.

قال الربيع: نظر في نفقة المنصور فإذا مبلغها في كل يوم ستة آلاف درهم. قال الربيع: لقب المنصور بأبي الدوانيق لأنه لما أراد حفر الخندق بالكوفة، قسط على كل رجل منهم دانق فضة، وأخذه وصرفه في حفر الخندق. قال محمد بن الجهم: العيون التي تبص - أي تضيء - بالليل عين الأسد والنمر والسنور والأفعى. ويقال: كل حيوان إذا أكل حرك فكه الأسفل إلا التمساح، فإنه لا يحرك ألا فكه الأعلى. شاعر: المتقارب ألا إن قلبي له خلقة ... ولست أرى مثلها في الخلق سريع العلوق إذا ما اشتهى ... سريع النزوع إذا ما علق فبينا يرى عاشقاً إذ صحا ... وبينا يزى صاحياً إذ عشق

قال بعض السلف: الأقارب عقارب، وأمسهم بك رحماً أشدهم لك ضرراً. قال سليمان بن مهاجر لما قتل السفاح أبا سلمة الخلال، وكان يقال له وزير آل محمد: الكامل إن الوزير وزير آل محمد ... أودى فمن يشناك كان وزيرا إن السلامة قد تسيء وربما ... كان السرور بما كرهت جديرا قال يعقوب بن السكيت: الأمنة كثير الأمن للناس، مثل نومة على القياس؛ قال يعقوب: والأمنة الأمن والسكون، قال الله تعالى " إذ يغشيكم النعاس أمنة منه " الأنفال: 11. وقال غيره: الأمنة الكثير التصديق لما يسمعه، كأنه أخذه من قوله " وما أنت بمؤمن لنا " يوسف: 17، أي مصدق لنا. وقال آخر: رجل أمنة إذا كان يأمن الناس كثيراً، وهو يثق بهم. قال ابن أبي عيينة يعاتب طاهر بن الحسين: المتقارب

أيا ذا اليمينين إن العتا ... ب يسفي صدوراً ويغري صدورا وكنت أرى أن ترك العتا ... ب خير وأجدر أن لا يضيرا إلى أن ظننت بما قد ظنن ... ت بأني لنفسي أرضى الحقيرا ولا يلبث الماء في مرجل ... على النار يغلي به أن يفورا ومن أشرب اليأس كان الغن ... ي ومن أشرب الحرص كان الفقيرا يقال: صديق المرء عقله ورفيقه، وعدوه جهله وخرقه. وفي القرآن: " ظهر الفساد في البر والبحر " الروم: 41. قال: قلة المطر. قيل لسفيان بن عيينة: أفهذا البر كيف البحر؟ قال: إذا قل المطر قل الغوص وعمت الحيتان ودواب البحر. وسمعت أبا النفيس الرياضي يقول: " ظهر الفساد في البر والبحر "، أي في النفس والقلب، أي في السر والعلانية. العرب تقول: بر وبحر. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: اخبر تقله، الهاء زعم الرواة أنها للسكت.

وقال بعض السلف: أقل تخبر، أي أبغض فقد وقع الخبر، أي أنك غني عن اختباره لأنه من بني جنسه فهو يخلفك كما أخلفك غيره. قال عبد الملك بن مروان: من كان الحرص شعاره، كان البخل دثاره. سمعت بدوياً من المنتهب وكان قد ورد فيد ممتاراً يقول: منشيء الأرماق متكفل بالأرزاق. قال أعرابي: حافظ على الصديق ولو في الحريق. قال فيلسوف: القناعة عز، والأعتبار كنز، والخنوع عجز. قال أبو بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه: أفضل الناس عند الله من عز به الحق، وانتشر عنه الصدق، ورتق برأيه الفتق.

هذا آخر الجزء الأول، وقد مر به ما إذا أعرتني رضاك علمت أني قد وفيت بما وعدت به، وزدت وأربيت، فتوقع ما يتلوه على رسم الأول إن شاء الله تعالى.

الحمد لله وحده، وصلى الله على سيد المرسلين محمد خاتم النبيين وعلى آله وأصحابه، وحسبي الله ونعم الوكيل. أنجز في الرابع من شهر جمادى الآخرة من سنة ثمان وعشرين وستمائة. والله ينفع به، ويغفر لكاتبه.

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم رب أعن بمنك وكرمك الجزء الثاني اللهم إنك الحق المبين، والإله المعبود، والكريم المنان، والمحسن المتفضل، وناعش كل عاثر، ورائش كل عائل، بك أحيا، وبك أموت، وإليك أصير، وإياك أؤمل، أسألك أن تحبب إلي الخير وتستعملني به، وتكره إلي الشر وتصرفني عنه، بلطفك الخافي، وصنعك الكافي، إنك على ما تشاء قدير. وبعد: هذا الجزء الثاني من بصائر القدماء، وسرائر الحكماء، ونوادر الملحاء، وخواطر البلغاء، وقد صار إليك الأول على اضطراب من تشتت أجناسه وفصوله، وليس يبعد منه الغرض المستفاد والأدب المقتبس، إذا صحت النية، وصدقت الشهوة، وتمت الإرادة، وساعدت القريحة، وأستجابت النفس، وكان تقدير الله من وراء اللطف بك، وتدبيره أمام الصنع لك، وتوفيقه مشتملاً عليك، وإحسانه متتابعاً إليك، فكد أيدك الله عز وجل

الذي بيده ينقاد الصعب، ويذل الشرس، وينجلي المظلم، وينفتح المبهم، ويؤاتي الممتنع، ويعود البعيد قريباً، والقريب سهلاً، والسهل حاضراً، والحاضر هنياً، والهني مستداماً، وأجتهد في طلب العلم، وأقتباس الأدب، وتحصيل الحكمة، اجتهاد من لا يرى لكونه فائدة إلا بها، ولا يعرف لحياته عائدة إلا منها، ولا لعقله مرجوعاً إلا معها، وصن نفسك بأمتهانها في مطانها، وأبل العذر منها غير تارك ممكناً، ولا مهمل مستطاعاً، وخذ بزمامها إلى البصرة، وأشعرها حلاوة الحكمة، وألبسها جلباب المعرفة، وزينها بأنوار العصمة، وبصرها مواقع اليقين، وروحها بمواد السكون، وشوقها إلى مقعد الصدق، وأطرابها بأغاني الملكوت، وأجلها في رياض القدس، وناغمها بأسرار الحق، فإنها إن أجابتك - أعني نفسك - أفقت من سكرة الدنيا. وربحت الآخرة والأولى، وشهدت غيباً لا عبارة عنه، وأصبت نعيماً لا متمنى فوقه، وأعلم أنك وعاء قد ملىء سراً، وظرف قد حشي نوراً، وجرم أسكن حكمة، وبحر أودع دراً، وإنما ينبغي لك أن تعرف منك ما هو فيك، بترتيب العقل الموهوب لك، وتنبىء عنه بتفصيل اللسان الخطيب عليك، فلا تأس بالعمل ما دمت مستوحشاً من العلم، ولا تثق بالعلم ما دمت مقصراً في العمل

ولكن أجمع بينهما، وإن قل نصيبك منهما، فإنك إن وهبت للعمل كلك أقعدك وأكلك، وإن منحت للعلم كلك حيرك وأضلك، وآفة العمل تعلقه بالرياء، وآفة العلم تعلقه بالكبرياء، والخير بين طرفيهما مرتفع. قال واصل بن عطاء في هذا المعنى الذي قد طال القول فيه: ما آذى شيء كما آذى رجلان: عالم فاسق ترك الناس علمه لفسقه، وعابد جاهل أخذ الناس بجهله لعبادته، والقليل من هذا مع القليل من هذا أنجى في العاقبة، إذا تفضل الله تعالى بالرحمة، وتمم على عبده النعمة. وإياك والمدافعة والوكال وحب الهوينا والأسترسال، وإيثار الخفض والدعة، والميل إلى الراحة والسعة، فإن خواتم هذه الخصال مذمومة، وعقباها كريهة وخيمة، وتجنب الهوى طاقتك، ولا تعره من طرفك لامحا، ولا من قلبك سامحاً، وأقبض عنه يدك، وأحبس دونه أذنك، فإنه سحار خدوع، وقرن جدوع، وقرين خلوب، وله تمويه وتشبيه، يستمدهما من حاشية العقل، وقد قال بعض الأولين: كيف يفلح الإنسان وعقله أسير الهوى في

الشهوة، ولهذا يعسر الحكم في كل مطلوب، ويشتبه القضاء على كل مراد، وكأنه - أعني الهوى - مركب من فرط الشهوة وفاضل العقل، يخدع بالشهوة ويعذر بالعقل، ويجر الدواعي كلها، ويستعبد الحواس بأسرها، ولا سلامة إلا بسابق توفيق، وحادث رأي وثيق. ودع الضجر والكسل وحب العاجلة، فإنها من أخلاق البهائم، وهي داء دوي، واجنح نحو الأجتهاد، فإنه كاسب النجح وجالب الظفر، وتحرك فإن التحرك طريق إلى المنالة، مشرف على حميد العاقبة، ولذلك قيل: الحركة ولود والسكون عاقر؛ فإن قلت: وما أصنع بالحركة والأجتهاد، والسعي والأرتياد، في طلب العلم، وأنتجاع الرزق، والتماس المأمول، والأمر كله مرقوم بالقدر، ومردود إلى القضاء، فأعلم أن كلامك مشوب، ورأيك فائل، وحسبانك باطل، وظنك محلف؛ أما تعلم أن الأجتهاد والحركة مدمجان في أثناء القدر، والقصد والسعي مدرجان في طي القضاء، وأن الذي عليك بحكم عقلك، وصحيح نظرك، أن تعمل بظاهر ما ألقي إليك، لأنك جاهل بحقيقة ما غيب عنك، فكيف تجنح إلى خفي عنك، وتستوحش من جلي عندك، إنك إذن لمن الجاهلين.

قد خوفك العقل، وسنح لك الخاطر، ونبهك الداعي، وأبلغك الواعظ، وعرفت آثار الله عز وجل في الظالمين، وثوابه للمحسنين، وتوبيخه للعاصين، وتحذيره للغاوين؛ أفمن بعد هذا يغمض عينه بصير، ويسد أذنه سامع؟ إن ذلك لهو الضلال المبين. سأل ابن الكواء علياً رضي الله عنه عن القدر فقال: بحر عميق فلا تلجه، فأمهل ثم سأل، فقال: ستر الله فلا تكشفه، نقول بظاهر ما نرى، ثم يقضي الله تعالى بغيب ما يعلم؛ هذا ما قاله. وقد تردد الحديث في هذا المعنى، وذلك بسب ظاهر لا يحتاج الناظر إليه إلى تحديق، وإن كان الباطن يحتاج فيه إلى تحقيق: لما كان التفاوت واقعاً بين الخلق في السعادة والشقاء، والشدة والرخاء، والبلادة والذكاء، والعلم والجهل، والعي والإفصاح، والشجاعة والجبن، والصدق والكذب، والحسن والقبح، والكرم واللؤم، والحب والبغض، والكراهة والإيثار، والتوقي والأسترسال، والشراسة والأستخذاء، والأمن والخوف، والعدل والحيف، والغنى والحاجة، والعز والمذلة، والسلامة والعطب، والراحة والتعب،

والرجاء والقنوط، والأرتقاء والهبوط، والإجابة والإباء، والعافية والبلاء، والفسولة والغناء، والمنع والعطاء، أحب كل أحد أن يقف من ذلك على غيبه، وحقيقته المطلوبلة من عقله، فمن مضيف جميع ذلك إلى إله واحد، ومن مضيف إلى اثنين، ومن ظان أنه اتفق اتفاقاً، وانبجس جزافاً، ومن متوهم أنه على ذلك ممتد الماضي من الزمان، وممتد الباقي من البرهان، ومن راجع إلى الحيرة، ومتسكع في متشابه الأدلة، ومن مقرب بالجدل، ومبعد بالنظر، ومن ظان أنه جار على التناسخ مع إقامة الجزاء على قدر الخير السالف، والطاعة المتقدمة، ورأس هذا الأمر كله وأنفه في التسليم، فإنه الدين كله، والإسلام الذي شرفنا الله به وجعلنا من أهله، ومن القائلين بفضله، والناضحين عن حوزته، والذابين عن حريمه، هو معقود بالتسليم، لكن ينبغي أن يكون التسليم والتفويض سابقين للنظر والجدال، والمراء والضلال، والحيرة في تناقض الأقوال، لأن التلاعب بحجج الله عز وجل، والأجتراء على عقول عباد الله عز وجل، ليس من سنن أنبياء الله، ولا من

أدب أولياء الله تعالى، وقلما يظفر من المتكلمين بمتأله له حرقة من قد فاته مطلوب، أو توفي من قد حصل له يقين، هكذا شهدت من شهدت طوال هذا السنين بالعراقين والحجاز وفارس والجبال، ولولا الإطالة لسميت لك واحداً بعد واحد، وأنت بكل عارف، وعلى أحوالهم واقف. وكان أبو حامد شديد الأزورار عن الخلاف، شديد القعة في أهله. وكان أدنى ما يقول فيهم: الفقهاء إذا قالوا: قال الإجماع، وأنعقد الإجماع، أنهم لا يرادون بهذا اللفظ، لأن الإجماع لا ينعقد بهم، والخلاف منهم لا يعتد به، وشريعة النبي صلى الله عليه وسلم إنما هي الحلال والحرام، والنظر في قواعد الأحكام، وتسليم ما غمض في هذه الفصول على الأفهام؛ وكان يقول أشياء غير هذا سأرويها لك. وإنما أولع بذكر ما يقوله هذا الرجل لأنه أنبل من شاهدته في عمري، وكان بحراً يتدفق حفظاً للسير، وقياماً بالأخبار، وأستنباطاً للمعاني، وثباتاً على الجدل، وصبراً في الخصام.

ومن قبل ذلك أعود إلى العادة في نثر شيء من البصائر والنوادر، لئلا أكون خارجاً عما عقدت الكتاب عليه، وسقت ضماني إليه، ثم أذكر مسائل من فنون مختلفة، على قدر ما تم لي في الحفظ، وإذا وقع التمكن من جواباتها في الجزء الثالث ألممت بالبيان الشافي على وجه الأختصار، إن شاء الله تعالى.

قال بعض السلف: إذا صح العقل التحم بالأدب التحام الطعام بالجسد الصحيح، وإذا مرض العقل نبا عنه ما يسمع من الأدب، كما يقيء الممعود ما أكل من الطعام، وإن آثر الجاهل أن يتعلم شيئاً من الأدب تحول ذلك الأدب جهلاً، كما يتحول ما خالط جوف المريض من طيب الطعام داء. وقال أيضاً: أحمد العقلاء من عقله عن صحة طبيعة، ورأيه عن سبب معرفة، وعلمه من قبل حجة، ومنطقه عن صدق مقال، وفعله عن حسن نية، وأدبه عن فضل رغبة، وعطاياه عن شجاعة غريزة، وأمانته عن عفاف، وأجتهاده في قصد سبيل. وقال أيضاً: ثم وصل صحة الطبيعة بحسن العادة، وذكاء العقل بشدة الفحص، ونفاذ الرأي بدرك المنافع، وحسن المنطق بخير العرض، وحسن العمل بالفقه في الدين، وحسن الأدب بكثرة التعهد، وبث العطايا بصواب الموضع، وفضل الورع بفضل الحرية.

كتب بعض النساك إلى صديق له: أوصيك بتقوى الله العظيم، فإنها أكرم ما أسررت، وأزين ما أظهرت، وأفضل ما أدخرت، أعانني الله وإياك عليها، وأوجب لنا ولك ثوابها. قال جعفر بن محمد: لأمير المؤمنين عليه السلام تسع كلمات أيمن جواهر الكلام، وأيتمن حقائق البلاغة، وقطعن أطماع المحاولين عن اللحاق بهن، ثلاث منها في المناجاة، وثلاث في الحكمة، وثلاث منها في الأدب؛ فأما اللواتي في المناجاة فقوله: إلهي، كفاني فخراً أن تكون لي رباً، وكفاني عزاً أن أكون لك عبداً، أنت لي كما أحب، فأجعلني لك كما تحب. وأما اللواتي في الحكمة فقوله: أمنن على من شئت فأنت أميره، وآحتج إلى من شئت فأنت أسيره، وأستغن عمن شئت تكن نظيره، وأما اللواتي في الأدب فقوله: قيمة كل امرىء ما يحسنه، والمرء مخبوء تحت لسانه، والناس أعداء ما جهلوا. قال أعرابي: من طال رشاؤه، كثر متحه. وقال أبو فرعون التميمي: قل من أجتلب حلف الزمان، إلا رمي بقدم الحدثان.

قال الرشيد: أربعة أشياء ممسوخة: أكل الأرز البارد، والقبلة على النقاب، والنيك في الماء، والغناء من وراء ستارة. قال الماهاني: قيل لمجنون مرة: نكت أباك وأبوك وأبيك، فأطرق وقال: المسألة في هذا محال والصحيح نكت - بالنصب. قال أبو زيد الحارثي لابنه: والله لا أفلحت أبداً، فقال له ابنه: لست أحنثك والله يابه. حمل إلى معاوية مال فصب في صحن داره، وعلى رأسه خصي يذب عنه، فقال: يا سيدي، مر لي بكف مال، فقال: ويحك ما تصنع به؟ أن مت فتركته كويت يوم القيامة به؛ فقال: يا مولاي، إن كان هذا حقاً، ما يساوي جلدك يوم القيامة فلسين! فضحك معاوية وامر له بمال. وقال صفعان: نحن معاشر الصفاعنة خلقنا حلماء، فإذا خرق علينا الجاهل لقيناه بالتغافل. وسمعت ابن سيار القاضي يقول: الصفع على الريق أصلح من شربة سويق. وسمعته يحكي قال، قال الجاحظ: دخلت الجامع ببغداد، فرأيت

شيخاً مهيباً فجلست إليه وقلت له: أفدني رحمك الله مما علمك الله، قال: أكتب، إذا جاءتك الفسو فلا تحبسها ولو كنت بين الركن والمقام، قلت: زدني، قال: أستعمل الدهن مع البزاق وأستعن بهما على هذه العفاج الضيقة، قلت: زدني، قال: إذا كانت لك جارية فنكها من خلف ومن قدام حتى تكون كأنها جارية وغلام، قلت: زدني، قال: تمسك بهذه الثلاث وأنت لقمان الحكيم. شاعر: الكامل إن كنت تنشط للصبوح فيومنا ... يوم أغر محجل الأطراف وأرى الغمامة في السماء مخيلة ... مسودة الأوساط والأكناف طوراً تبلل بالرذاذ وتارة ... تمري عليك بدلوها الغراف وانعم صباحاً وأتنا متفضلاً ... ودع الخلاف ولات حين خلاف رفع إلى محمد بن عبد الله بن طاهر في قصة أن غلاماً أخذ مع فتيان في صحراء، فوقع: ما السبيل على فتية خرجوا لمتنزههم، يقضون أوطارهم على قدر أخطارهم، ولعل الغلام ابن أحدهم أو قرابة بعضهم. نظر أعرابي في سبع وعشرين من رمضان إلى الهلال فقال: الحمد لله الذي أنحل جسمك، كما أخمصت بطني. قال الإسكندر: السعيد من لا نعرفه ولا يعرفنا، لأنا إذا عرفناه أطلنا يومه، وأطرنا نومه.

قرىء على قدح: البسيط اشرب على طرب من كف ذي طرب ... قد قام في طرب يسقي على طرب قال ابن أبي طاهر: خلا المنصور بأبي أيوب المورياني وسلمة بن مجاهد وعبد الملك بن حميد كاتبه فقال: بمن تشبهونني من الخلفاء؟ فقال ابن حميد: أما أنا فأشبهك بعبد الملك بن مروان، فقال: ذاك شنأة الخلفاء وما أشبهه، قال: بالوليد، قال: ذاك لاعب، قال: بعمر بن عبد العزيز، قال: ذاك شديد الأنقطاع، قالوا: فيزيد، قال: ذاك ماجن، قالوا: فهشام، قال: بخ بخ وما أشبهه، فقالوا: فلا ندري بمن تشبه، قال: أشبه بعمر بن الخطاب رضي الله عنه. سمع هذه الحكاية أبو الفضل ابن العميد فقال: ما كان أحوج أبا جعفر عند هذا القول إلى من يسلح بيد يديه من أن يشبه عمر بن الخطاب، ثم قال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت. وأبو جعفر أكبر من ذاك، ولعل الحكاية موضوعة عليه، فآفة الأخبار كثيرة، والظنة إلى أهلها سريعة، وتخليص السقيم من الصحيح صعب، وقد

دهي الناس في جميع وأتوا منها، كذاك الرافضي في رفضه، والحروري في تحكيمه، ومجال العقل فيها ضيق، وسلطانه عليها واه، ولسانه فيها كليل، وإنما الأمر في الأخبار موقوف على السابق في النفس، وعلى حسن الظن بالرواية، وعلى مخرج الكلام في التأويل، والكلام كله مصرف ومتعسف، ومتى تدبرت هذا الباب في صروف الدهر وحوادث الليالي، وجدته كما حكيته ورويته؛ نسأل الله عز وجل رب الأولين والأخرين ستر العورة، وإقامة العثرة، ومجانبة الهوى والمعصية، فإنه خير مسؤول، وأكرم مأمول. قال الحكم بن هشام الثقفي: قيل لأبي حنيفة: أرأيت ما تقوله هو الحق بعينه؟ قال: والله ما أدري، لعله الباطل بعينه. هذا مما كنا فيه. وقال أحمد بن أبي طاهر: رفع رجل رقعة إلى المنصور يسأله فيها بناء مسجد في محتله، فوقع على ظهر رقعته: من شرائط الساعة كثرة المساجد، فزد في خطاك تزدد في الثواب. كيف ترى كلام هذا الإمام؟ تعجب ففيه متعجب، ومن أين له أن كثرة

المساجد من شرائط الساعة؟ أفقلة المسجد من شرائط بعد الساعة أم ماذا؟ اللهم غفراً. ولعل الخبر من الضرب المعمول، والقول المنحول؛ حرس الله تعالى سرائرنا عن مقت الأئمة، وعداوة الصالحين، والأعتراض على السلف الطيب. شاعر: الكامل عند الملوك مضرة ومنافع ... وأرى البرامك لا تضر وتنفع إن العروق إذا استسر بها الثرى ... أندى النبات بها وطاب المزرع وإذا جهلت من امرىء أعراقه ... وقديمه فأنظر إلى ما يصنع أظن أني رويتها لبشار، ثم ذهبت عني، وقد رواها أبو عثمان الجاحظ في كتاب الإبل. قال الربيع بن خثيم: إن الله علم علماً فعلمكم منه شيئاً وأصطفى

لنفسه ما لستم بنائليه ولا بمسؤولين عنه، وما علمكم من علمه فعنه تسألون، وبه تجزون. هذا فصل نافع وكلام شريف، وفي تتبعه وتدبره إرشاد وهدى وسلوان. أنشد أبو محلم: الوافر غلام وغى تقحمها فأبلى ... فخان بلاءه الزمن الخؤون فكان على الفتى الإقدام فيها ... وليس عليه ما جنت المنون زعم بعض أصحابنا أن أبا تمام من ها هنا أخذ قوله: الطويل لأمر عليهم أن تتم صدوره ... وليس عليهم أن تتم عواقبه ما أكثر أن يقال: أخذ فلان من فلان، وأغار فلان على فلان، والخواطر تتلاقى وتتواصل كثيراًن والعبارة تتشابه دائماً، ومن عرف خواص النفس وقوى الطبيعة وأسرار العقل لم يستنكر توارد لسانين عل لفظ، ولا تسانح خاطرين على معنى حاضر، وباطنه ظاهر.

قال أبو ذكوان: سمعت الثوري يقول: سأل أعرابي فقال: داووا سقمي بصحتكم، أي فقري بغناكم. الغنى مقصور، والغناء - ما يسمع - ممدود. ونظر أعرابي إلى رجل جالس على ماء غدير يرمي فيه الدنانير، فقال: يا هذا، لقد أراحتك النعمة وأتعبتها. قال المهلب: ما رأيت أحداً بين يدي قط إلا أحببت أن أرى ثيابي عليه، وأعلموا يا بني أن ثيابكم على غيركم أحسن منها عليكم. قال العتبي: رأيت أعرابياً وقد دفن ابناً له، فلما حثا عليه التراب وقف على شفير قبره فقال: يا بني، كنت هبة ماجد، وعطية واجد، ووديعة مقتدر، وعارية متفضل، فأسترجعك واهبك، وقبضك مالك، وأخذك معطيك، فألحفني الله عليك الصبر، ولا حرمني بك الأجر. ثم قال: أنت في حل وبل من قبلي، والله أولى بالتفضل عليك مني، ثم أنشأ يقول: الكامل نفسي ونفسك والنفوس معارة ... يدعو بها إما يشاء معيرها فلئن ذهبت فقد ذهبت ومقلتي ... صبابة يجري عليك غزيرها فعليك من منح الإله صلاته ... وسقى عظامك في الضريح عبورها

تقدم رجل وامرأته إلى أبي ديشة القاضي فقال الزوج: لي عليها - أيد الله القاضي - ألف درهم، فقال القاضي: ما تقولين رحمك الله؟ فقالت: يسخر بك أيها القاضي، فنظر إلى الرجل مغضباً، فقال الرجل: أصلح الله القاضي لا تصدقها، فإنك لو عرفتها حق معرفتها ابزقت في استها. يقال في كلام العرب: ذهبت بلة الشباب. ويقال: بينهم نوى أي مناوأة، وذربت معدته أي فسدت. ويقال: لئن بللت منه لتبلن بما يسوؤك، أي إن صادقته. ويقال: الخرص برد مع ندى، والخصر برد بلا ندى. ويقال: لا أدخل قريعة بيت أي وسطه، وفلان قريع قومه أي رئيس، كأنه واسطة بينهم يفزعون إليه من كل جانب.

ويقال: مصر فلان خيره إذا قلله. ويقال لقوائم الدابة الشوى، والشواة: جلدة الرأس، وشوى اللحم شياً وأنشوى هو، وهذا أمر شوى أي هين، ورماه فأشواه أي أصاب غير مقتله. ذكرت في هذا المكان شيئاً حدثنا به ابن الجعاني، وكان حافظاً متقدماً، وشاهدته سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة قال: كان لنا جار يؤم بنا، فقرأ يوماً " نزاعة للشوى " المعارج: 16 بكسر الشين. وروى أيضاً عن الباغندي أنه قرأ على أصحاب الحديث " وكل شيء فعلوه في الزبر " القمر: 52: في الدبر، فقالوا له: ما هذا؟ فقال: الباء منقوطة. وزادنا بعض أصحابنا فيه شيئاً قال: زعم الباغندي لما حاجهم أن الذي يدل على أنه بالباء أن السورة فيها مقعد.

وهذا من النوادر مضحك معجب من شيخ سرى ثوب شبابه ولبس خلع الإمام، فكان هذا فائدته. وأصحاب الحديث لا يبرؤون من مثل هذا، وقد شبهوا بحاطب ليل. ويقال: فلان حسن سنة الوجه، والوجه المسنون: الذي فيه انصباب وأنخراط، وسن الماء على وجهه إذا صبه، وأستنت الإبل على وجه، وسن فاه: إذا استاك بالسنون - بفتح السين. ويقال: ما تمالك عن كذا أن وقع فيه، أي ما تماسك. وفلان في سر قومه أي في خالصتهم، وهذا سرارة الوادي أي وسطه، وسري عن المريض أفاق، وكذلك الغضبان، وتسرى فلان: تزوج سرية، وسرى ثوبه: ألقاه، وفلان يقرد بعيره ويحمله أي ينزع قردانه وحلمه، ونضج الثمام إذا سال شيء منه كالعسل، وهذا من حديث الملاحم أي الفتن. والعقار: أصل الدار، والعقار: الخمر، والعقر: المهر، والعاقر: التي لا تلد. وحم الأمر أي قضي، وأحمني أي أقلفني. وما نحن إلا في رجيع من القول أي مردود، وألقى عصاه أي أقام، قال الشاعر: الطويل فألقت عصاها واستقر بها النوى ... كما قر عيناً بالإياب المسافر

ومر فلان يعتصي على عصاً أي يتوكأ عليها، وعصاه أي ضربه بالعصا. والعصا من العصية أي بعض الأمر من بعض؛ هذا كله عن الأصمعي. قال أرسطاطاليس: سوء العادة كمين لا يؤمن وثوبه. وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: خلتان ليس معهما غربة: حسن الأدب وتجنب الريب. شاعر: الطويل فتى لا تراه الدهر إلا مشمراً ... ليدرك مجداً أو ليرغم لوما تبسمت الأموال عن طيب ذكره ... وإن كان يبكيها إذا ما تبسما وقال علي رضي الله عنه لرجل حروري: نوم على يقين خير من صلاة على شك. دخل ابن عباس على بعض الأنصار في وليمة لهم فقاموا له، فأستحيى من ذلك وقال: بالإيواء والنصر إلا جلستم.

حكى هذا ابن كعب الأنصاري، وكان أديباً متكلماً، جاحظياً حافظاً، وكان يذهب مذهب ابن الإخشيد. نظرت امرأة إلى شعرة بيضاء في رأس زوجها فقالت له: ما هذا؟ قال: رغوة الشباب. قال رجل لسفيان بن عيينة: ما بال قريش كانت يتعلم بعضها من بعض المثالب؟ قال: تعلموها لينتهوا عنها. قال الغاضري: أعطانا الملوك الآخرة طائعين، وأعطيناهم الدنيا كارهين. كتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى الحسن البصري: أعني بأصحابك، فأجابه الحسن: من كان من أصحابي ييد الدنيا فلا حاجة لك فيه، ومن كان منهم يريد الآخرة فلا حاجة له قبلك، ولكن عليك بذوي الأحساب، فإنهم إن لم يتقوا استحيوا، وإن لم يستحيوا تكرموا. صدق والله الحسن، وكان صدوقاً، وقد رأيت من توقى بحسبه ما لم يتوقه ذو الورع بورعه.

قال فيلسوف: إذا غلب الهوى العقل صرف محاسن خصاله إلى المساؤى، فجعل الحلم حقداً، والعلم رياء، والعقل مكراً، والأدب فخراً، والبيان هذراً، والجود سرفاً، والقصد بخلاً، والعفو جبناً. وإذا بلغ الهوى من صاحبه هذا المبلغ تركه لا يرى الصحة إلا صحة جسده، ولا العلم إلا ما استطال به، ولا الغنى إلا في كسب المال، ولا الذخر إلا في أتخاذ الكنوز، ولا الأمن إلا في قهر الناس، وكل ذلك مخلف في الظن، مباعد من البغية، مقرب من الهلكة. وإذا غلب العقل الهوى صرف المساوىء إلى المحاسن، فجعل البلادة حلماً، والحدة ذكاء، والمكر عقلاً، والهذر بلاغة، والعي صمتاً، والعقوق أدباً، والجرأة عزماً، والجبن حذراً، والإسراف جوداً. شاعر: الكامل قوم شراب سيوفهم ورماحهم ... فيكل معترك دم الأشراف رجعت إليهم خيلهم بمعاشر ... كل لكل جسيم أمر كاف يتحننون إلى لقاء عدوهم ... كتحنن الألاف للألاف ويباشرون ظبى السيوف بأنفس ... أمضى وأقطع من ظبي الأسياف ضريت على سفك الدماء نفوسهم ... وأكفهم ضريت على الإتلاف وعروا من العار المدنس مثل ما ... عريت مواعدهم من الإخلاف

جعلوا الطعان محللاً لوجوههم ... ومحرماً منهم على الأكتاف فإذا هم صدموا العدو بصارم ... خضبوا الأسنة من دم الأجواف فسيوفهم تفني نفوس عداتهم ... وعطاؤهم يفني سؤال العافي جاء الجماز إلى صديقة له فوجد بابها قد أغلق، فقال لها: افتحي، قالت: لا يمكنني، قال لها: فقبليني من خلف الباب، فأدارت استها إليه، فلما قبل فقحتها فست، فقال لها: سيدتي، تعشيت بكرش! كان لطاهر بن الحسين جارية اسمها السكون، فواعدها الزيارة ثم غفل عنها، وكانت حلقت ونتفت وتهيأت، فكتبت إليه رقعة عنوانها: الخفيف للأمير المظفر الميمون ... ذي اليمينين طاهر من سكون وفي الرقعة: الوافر ألا يا أيها الملك الهمام ... لأمرك طاعة ولنا ذمام حلقنا للزيارة وانتظرنا ... ولم يك غير ذلك والسلام فأعجبه ذلك منها ودعا بها. تزوج صدقة بن سليمان امرأة من كلب، فلما ضاجعها لمسها بيده

فقال: إنك لمهزولة، فقالت: الهزال أولجني بيتك. وقالت ابنة الخس في النيك: الأول داء، والثاني دواء، والثالث شفاء، والرابع نفسي له الفداء. قيل لرؤبة: ما عندك للنساء؟ قال: أطيل الظمء ثم أورد فأقصب، والقاصب: الذي لا يشرب إلا تمزازاً. قيل للحطيئة: ما أنكرت من نفسك؟ قال: نومي في الملاء. ويقظتي في الخلاء. قال أبو إسحاق السبيعي لقثم بن العباس بن عبد المطلب: كيف ورث علي بن أبي طالب عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم دونكم؟ قال: إنه كان أولنا به لحوقاً، وأشدنا به لزوقاً.

قيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: أخبرنا عن أيام جاهليتك، قال: ما داعبت أمة، ولا جالست إلا لمة، ولا دأبت إلا في حمل جريرة، أو خيل مغيرة، وأما أيام الاسلام فكفى برغائها منادياً. قيل لابنة الخس: أي الهنين أحب إليك؟ قالت: الشديد عتره، والقليل قطره، البطيء قره، الصغير ضمره، العظيم نشره، في عيس جمل، في حر كبش، في رهز كلب، في حقو رجل. أنشد لمضرس بن ربعي الأسدي: الطويل وليس يزين الرحل قطع ونمرق ... ولكن يزين الرحل من هو راكبه كأن الفتى لم يحي يوماً إذا جرى ... على قبره هابي التراب وحاصبه

قال السكري عن الرياشي عن العتبي عن أبيه قال، كان يقال: إذا كانت محاسن الرجل أكثر من مساويه فذلكم الكامل، وإذا كانتا متعادلتين فذلكم المتماسك، وإذا كانت المساوىء أكثر من المحاسن فذلكم المتهتك. قال ابن دريد عن عبد الرحمن عن عمه الأصمعي، قال: قال عبد الله بن جعفر: كمال المرء بخلال ثلاث: معاشرة أهل الرأي والفضيلة، ومداراة الناس بالمخالفة الجميلة، واقتصاد من غير بخل في القبيلة؛ فذو الثلاث سابق، وذو الأثنتين راهق، وذو الواحدة لاحق، فمن لم يكن فيه واحدة من الثلاث لم يسلم له صديق، ولم يتحنن عليه شفيق، ولم يتمتع به رفيق. قال ابن دريد عن الرياشي عن العتبي، قال: من كلام البغاء: الإنصاف راحة، والإلحاح وقاحة، والشح مشنعة، والتواني مضيعة، والصحة بضاعة، والحرص مفقرة، والرياء محقرة، والبخل ذل، والسخاء قربة، واللؤم غربة، والذل استكانة، والعجز مهانة، والعجب هلاك،

والصبر ملاك، والقصد مثراة، والسرف مهواة، والعجلة زلل، والإبطاء ملل، والحقد سخيمة، والصفح غنيمة، والوفاء كيل، والهوى ميل، والحلم عز، والحكم كنز، والعلم حلة زين، والعقل قرة عين، والجهل حيرة حين. أنشد ابن دريد عن الأشنانداني لأعرابي: الكامل إن كنت تجعل من حباك بوده ... ظهر البعير فثق بأنك عاقره من ذا حملت عليه كلك كله ... إلا اشمأز وظن أنك حاقره كلف جوادك ما يطيق فبالحرى ... أن تستقل بما تطيق حوافره السكري عن أبي حاتم عن أبي عبيدة، قال: رأيت صبية تقود أباً لها ضريراً وهو يقول: يا بنية شيمي السماء، فقال له: يا أبة كأن كسف السحاب فيها نوافر خيل تجر جلالها، ثم مشى قليلاً وقال لها: تأملي السماء كيف هي، فقالت: كأنها إبل شوارد همت بالانصرام، فمشى قليلاً ثم قال لها: أبصري السماء، فقالت: كأنها بطن عير أصحر، فمشى قليلاً ثم قال لها: توسمي السماء، فقالت: كأنها عين بعير تنطف، فقال لها: أوضعي قبل أن ترخي عزاليها.

وقال السكري عن الرياشي عن العتبي: رأيت أعرابياً يقول لأخيه: هل لك أن ننتجع أحساء رملات نجد علنا نجد بها رياً، فقال له الآخر: ذاك مطلب لا ينال إلا بشق وبعد، ولعل المحلىء عنه يذود الحوم منه. السكري عن أبي حاتم عن الأصمعي، قال: وصف أعرابي ناقة فقال: تقطع الأرض عرضاً، وترض الحجارة رضا، وتنهض في الزمام نهضاً، سريعة الوثوب، بطيئة النكوب، مدلاج سروب. السكري عن الأصمعي قال: قالت أعرابية لزوجها: أنحن أنعم عيشاً أم بنو مروان، فقال: هم أطيب طعاماً منا، ونحن أردأ كسوة منهم، وهم أنعم منا نهاراً، ونحن أظهر ليلاً. وبإسناده أنشد أبو عمرو بن العلاء: الطويل يطيل قصير الليل بالسوس عاذل ... وأنى يقص الجود قادمتي وفري ومستنور والليل يطفىء ناره ... وماء كراه بين أعيننا يجري

قدحت له ناري فبات كأنه ... يساير قرن الشمس صبحاً وما يدري ثنيت له مسك الجزور موسداً ... وما لي وساد غير أمسكة الجزر وصارعت عنه الجوع بابنة ملة ... يشيعها أبناء طابخة القدر وقمت بملء القعب من درة التي ... نحرت له حتى توسد بالسكر فبات صريع الشبع والري نائماً ... وبت أرى في وجهه ناطق الشكر قال ثعلب، قال ابن الأعرابي عن الفضل: تكلم صعصعة عند معاوية فعرق، فقال معاوية: بهرك القول، فقال صعصعة: إن الجياد نضاحة للماء. قال ثعلب، قال ابن الأعرابي عن المفضل الضبي، قال: قال الأحنف بن قيس: السخاء والبخل في الطعام لا في المال. وبهذا الإسناد قيل لبعض البخلاء: ما أجل الطعام؟ قال: ما أمسك الرمق.

السكري عن الزيادي عن الأصمعي، قيل لأعرابي: إنك لكذوب خوار، فقال: والله لأنا أصدق من قطاة، وأصلب من صفاة. قال الأصمعي: سئل عبيد الله بن عتبة عن الفصاحة فقال: دنو المأخذ، وقرع الحجة، وقدح المراد، وقليل من كثير. قال السكري: حدثني صديق لي قال: اشتريت جارية فلما خلوت بها فترت، فجعلت تعضني وتعبث بي، فلما رأته لا يتحرك قالت: يا مولاي ليس هذا من عملي، هذا من عمل المسيح عليه السلام. المبرد عن التوزي عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء قال: قال أكثم بن صيفي لبعض ولده: يا بني، الغنى أنفع، والسلطان أرفع، والعدو أمنع، والعافية أوسع. وجه عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً من الأنصار إلى بعض ملوك العجم يدعوه إلى الإسلام، فقدم عليه في وقت ثمار بلاده، فجعل يدور به

في بساتينه ويريه عجائب ثمارها ويقول: يا عمري، هل رأيت مثل هذا قط؟ ولم يبق له ثمرة إلا أراه إياها، فقال الأنصاري له: عندنا شجر ينبت على ساق، فمنها ما يناله القاعد، ومنها ما يبسق فيرتقى إليه، إذا كان إبان حملها خرج فيها مثل آذان الحمر، ثم لم ينشب أن ينشق عن مثل اللؤلؤة، ثم لا ينشب أن يصير مثل الزمرد الأخضر، ثم لم ينشب أن يصير مثل الياقوت الأحمر والأصفر، ثم لا ينشب أن ييبس فيصرم فيدخر، فمنه طعام المقيم، وزاد المسافر، وتحفة الصبي إذا بكى، فقال الأعجمي: إن كنت صادقاً فهذه الشجرة التي أهبط بها آدم من الجنة، وأهلها الذين يغلبون على شرق الأرض وغربها. قال أبو العيناء: رأيت جارية في النخاسين وهي تحلف أن لا ترجع إلى مولاها، فقلت لها: ما له؟ قالت: يا سيدي، ينيكني من قيام

ويصلي من قعود، ويشتمني بإعراب ويلحن في القرآن، ويصوم الأثنين والخميس ويفطر شهر رمضان، ويصلي الضحى ويترك الفجر. العرب تقول: قد أعور الثغر، إذا لم يكن فيه حافظ. أنشد الأصمعي لحسان: الرمل آذنت شعثاء صرماً فابتكر ... إنما يدهن ذو القلب الحصر سألت حسان من أخواله ... إنما يسأل بالشيء الغمر رب خال لي لو أبصرته ... سبط الكفين في اليوم الخصر قال ابن المعتز: كان أحمد بن علي الإسكافي عنيناً، فراود امرأة عن نفسها فلما أمكنته عجز، فقام مشيطاً وأخذ السكين ليقطع ذكره، فقالت له الماجنة: لا تفعل يا سيدي، دعه تبول فيه. طالب مزبد امرأته من خلف فأمكنته، ثم طالبها أيضاً فقالت له: أذكر أنك اليوم تنيك وحدك.

قال بعض الحكماء: إساءة المحسن أن يمنعك جداواه، وإحسان المسيء أن يكف عنك أذاه. وقال فيلسوف: تأميل الناس خيرك، خير لك من خوفهم نكالك. قال فيلسوف: كما يتوخى بالوديعة أهل الثقة والأمانة، فكذلك ينبغي أن يتوخى بالمعروف أهل الوفاء والشكر. وقال أعرابي: الرزق الواسع لمن لا يستمتع به بمنزلة الطعام الموضوع على فبر. كاتب: القلم صائغ الكلام، يسبك ما يفرغه القلب، ويصوغ ما يجمعه اللب. قال سهل بن هارون: الدواة منهل، والقلم ماتح، والكتاب عطن. كاتب: شددت بعنايتك ظهري، وسطوت بك على دهري، وحاربت بك الزمان بعد الأستسلام، وأرهبته بعد الرهبة منه، فلا زال معادياً، ولا زلت لي عليه معدياً.

قال أعرابي: أعيمتني والضرع حافل، وأقرمتني وأنت لاحم. أنشد ثعلب: الطويل رأيت اليراع ناطقاً عن فخاركم ... إذا هرمت أثباجه وتعبنا ونحن أناس ينطق الصبح دوننا ... ولم تر كالصبح الجلي مبينا أي فخركم كالريح في الزمر؛ كذا قال ثعلب. شاعر: الكامل المجزوء يا هذه الجبل الأش ... م وضيقة الباع الرحيب كم أعين ذرفت علي ... ك وأوجعت بك من قلوب ما أشرقت بك شمسنا ... حتى تدلت للغروب إن المنون إذا انتضل ... ن رمين بالسهم المصيب كان ابن الكعبي يعجب بهذه الأبيات، والبيت الأخير شقيق قول أبي يعقوب الخريمي: الطويل

وأعددته ذخراً لكل ملمة ... وسهم المنايا بالذخائر مولع والقصيدة غراء، وإن فسحت بالك وزدت في نشاطك رويتها لك، وإنما لقطت قصار الألفاظ من هذه البصائر والنوادر لتكون بالقلب أعلق، وإلى الحفظ أسبق. قال فيلسوف: هيبة الزلل تورث حصراً، وهيبة العافية تورث جبناً. قال أعرابي: لا ينبغي لأحد أن يدع الحزم لظفر ناله عاجز، ولا يرغب في التضييع لنكبة دخلت على حازم. قد نطق بالصواب هذا الأعرابي، لأنك متى أضعت الحزم اتكالاً واسترسالاً، جانبت الرشد، وجريت في عنان الغي، وكنت أحد لوام نفسك، وعاذلي رأيك، ومتى أخذت بالحزم ظفرت، فإن لم تظفر لم تقطع نفسك باللوم. على أن ظفر العاجز لم يكن عن تكلف العجز، ولا نكبة الحازم عن اختيار الحزم، ولكن جرياً بالعجز والحزم على ما كانا واقعين عليه،

ومصروفين إليه، لأنهما متحركان بمحرك، ومتصرفان بمصرف: الحازم غير مدرك ما ليس له، والعاجز غير محروم مما له، وإنما سعى الساعي وأجتهد المجتهد وكدح الكادح لأنه معلل بالتأميل، ومؤمل بالتعليل، والغاية مقصودة ولكن بالجهد، وكذلك قعد القاعد واستسلم المستسلم وأمسك الممسك لأنه يعلل بالتأميل، ويؤمل بالتعليل، وهو شريك صاحبه في آخر الحساب، وإن باينه في أول العمل. وكان أبو أحمد الجرجاني القاضي يقول: أهل الدنيا بين تأميل بتضليل، وبين تعليل بتسويل، وهذه أخلاق العالم وأعراقه، وعليه سوسه وطباعه، ولن يحول عن جوهره بكراهة كاره، وغضب غاضب. الحديث يتدافع كما ترى، وقد أنشأت هذا الكتاب على رواية ما حصلت، لأنه ثمرة العمر، وزبدة الأيام، ووديعة التجارب، وفي حفظ مضمونه، واعتبار ما اجتمع فيه، تبصرة من العمى، وتذكرة من العي، والنجاة من الله عز وجل إنما تكون بالله، والأولى بالمرء اللبيب، والحازم المميز، الأنقطاع إليه، والإناحة بين يديه، فإنك متى دبرت نفسك، وأملت لها، وسقت الأماني إليها، لم تتجاوز حدك من العبودية، لأنك عبد، متى أسلمت وجهك،

وخنست من حولك إليه، برك بلطفه، وصرفك بإلهيته، لأنه إله، فهو خير لك منك لنفسك، لأنه أولك وآخرك، ولو كنت أولك، أو رجوت أن تكون آخرك، أو صرفت فيما بين طرفيك نفسك، كان لهربك منه وجه، ولإعراضك عنه تأويل، فأما وأنت محبوس في ملكه، مقيد بحكمه، مرتبط بعلمه، مراد بمشيئته، ملحوظ بعينه، محفوظ بعونه، فلا. وأنشد لعقيل بن علفة: البسيط تعجبت أن رأت رأسي تجلله ... من الروائع شيب ليس بالكبر ومن أديم تولى بعد جدته ... والجفن يخلق فوق الصارم الذكر يقال خلق الشيء وأخلق بمعنى، هكذا قال يونس في كتاب اللغات وقرأته على أبي سعيد السيرافي، وكأن خلق إذا لزمته الخلوقة ونبا عن الجدة، وهو يجري فيه كالصفة الحالة والنعت المصحوب، وكأن أخلق أخذ في الخلوقة وأمكنها من نفسه، كقوله أقطف العنب أي أخذ في إمكان قاطفه من نفسه، أي آن له أن يقطف، وكذلك أركب المهر.

أهدى جعفر بن سليمان إلى المهدي جارية فقال لها المهدي: أكان من جعفر إليك شيء؟ فكرهت أن تقول لا فتكذب، أو تقول نعم فتهجن، فقالت: كان شيء ينبغي أن يعاد عليه، فأستحسن كلامها ومال إليها. مرت امرأة يقال لها قرة بماجن، فقال لأصحابه: بارك الله على من حشا هذه، لقد جود حشوها، فقالت المرأة: إن كان قد أعجبك هذا الحشو فابعث بامرأتك إلى من حشاني حتى يحشوها، فخجل الرجل وندم على مجونه. وللنساء جواب مخوف، وإنما خيف المخنث لأنه يشبه بهن. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن مسعود: لا تسبوا قريشاً فإن عالمها يملأ؟ الأرض علماً، اللهم أذقت أولها نكالاً، فأذق آخرها نوالاً. لا يعجبك رحب الذراعين بالذم، فإن له عند الله قاتلاً لا يموت، ولا يعجبك امرؤ كسب مالاً من حرام، فإنه إن أنفق لم يتقبل منه،

وإن أمسك لم يبارك له فيه، وإن مات وتركه كان زاده إلى النار. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أنس بن مالك: أحسنوا جوار نعم الله ولا تنفروها، فقلما زالت عن قوم فعادت إليهم. قرأت لكاتب: والنعم تألف أهلها ما أحسنوا جوارها، وشكروا معيرها، فالله عز وجل يحب الصابرين، ويزيد الشاكرين. قيل لفيلسوف: ماذا غنمت من الحكمة؟ فقال: أن صرت كالقائم على الشط أنظر إلى آخرين يتكفأون بين أمواج البحر. وأنا والله أجد بهذا الكلام وأرتاح إليه، وأراه من الحكم اليتيمة، والكلم المحتومة؛ نسأل الله تعالى ألا يجعل حظنا من الحكمة ونصيبنا من الموعظة الإعجاب بها دون المصير إلى حقها، والقيام بواجبها. قال فيلسوف: الأعداء يعيرون المرء بمساويه فيرعوي عنها، والأصدقاء يستحيون أن يستقبلوه بها فيتمادى فيها.

قال أعرابي: الإفراط في النصيحة يهجم بك على كثرة الظنة. قال رجل لابن ماسويه: إني أشكو إليك قصوري عن الباه، أي الجماع، فقال له: عليك بالشراب والكباب وشعر أبي الخطاب - يعني عمر بن أبي ربيعة، لغزله. قال طبيب العرب الحارث بن كلدة: من أحب أن لا يولد له فليدهن حشفته عند الجماع بدهن. أنشد جحظة: المتقارب ولي صاحب زرته للسلام ... فقابلني بالحجاب الصراح وقالوا تغيب عن داره ... لخوف غريم ملح وقاح ولو كان عن داره غائباً ... لأدخلني أهله للنكاح أستأذن جحظة على صديق له مبخل، فقال غلمانه: هو محموم، فقال: كلوا بين يديه حتى يعرق.

قال ثمامة: قال لي مجنون مرة: أنت تزعم أن الأستطاعة إليك؟ قلت: نعم، قال: فإن كنت صادقاً فاخرأ ولا تبل. قال جحظة: سأل رجل رجلاً عن جارة له أراد أن يتزوجها، فقال: إن كنت تريدها خالصة لك من دون المسلمين فلا تطمع. قيل للفرزدق: أي الشراب أحب إليك؟ قال: أقربه من الثمانين. قال جحظة: أكلت مرة مع بخيل، فقال لي: يا هذا، ما رأيت أذل من الرغيف في يدك. قال إسحاق الموصلي: ما جمشت الدنيا بأطيب من شرب النبيذ، ولا عوتبت بأظرف من الغناء. قال السدي للجماز: ولد لي البارحة مولود كأنه دينار منقوش، فقال له الجماز: لا عن أمه ويحك! فبلغت النادرة أبا العيناء فقال: بودي أنها لي بجميع ما قلته.

وأنشدت لجحظة: الطويل ولي كبد لا يصلح الطب سقمها ... من الوجد ما تنفك دامية حرى فيا ليت شعري والظنون كثيرة ... أيشعر بي من بت أرعى له الشعرى وقال الجماز: اجتزت في طريق فإذا قيان ملاح، فقلت وقد زحمتهن: الخفيف حمل الله بعضنا فوق بعض فقالت واحدة: عاجلاً في دوام عيش وخفض كان إبراهيم بن العباس الصولي بخيلاً على الطعام، فجلست معه جارية في بعض الأيام على المائدة والخبز مفرق، فقالت: يا سيدي، إبراهيم بن ميمون صديق لك؟ قال: نعم، وما سؤالك عنه؟ قالت: أستعير منه بغلاً من بغال البريد أدور عليه خلف هذا الخبز، فخجل وغير الرسم. سمعت أبا حامد المروروذي يقول، كان المزني يقول، قال الشافعي رضي الله عنه: آفة المتعلم الملل في قلة صبره على الدرس؛ وقال: الملول لا يكون حافظاً.

وكان أبو حامد يقول: سبيل الحدث أن يدرس، وسبيل الشاب أن يتفهم، وسبيل الكهل أن يناظر، وسبيل الشيخ أن يعلم. وسمعته يقول لأبي طاهر العباداني، وكان يتصوف ويتفقه: لا ينبغي أن تصحب ثلاثة: الجندي والعلوي والصوفي؛ أما الجندي فإنه يقول: لولا جاهي وعزي لطلبك السلطان؛ وأما العلوي فإنه يقول: متى شئت بعتك، أنت ومالك لي، والنبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأنا وارث النبي؛ وأما الصوفي فإنه يقول - وقد أنفقت عليه جهدك -: من أنت؟ بهذا كله أمرتم. وسمعت أبا حامد يقول، سمعت يحيى بن حرملة يقول، قال الشافعي رحمه الله، قال لي بشر المريسي: لوددت أنا لم نرد عليك الشاهد واليمين، وأنك لم تخرج عيوبنا. يقال: الباضع الريان، والشاهد عليه: الطويل

ألا ليت لي من وطب أمي شربة ... تشاب بماء من صبيح فأبضع أي أروى. وبضع أي قطع، والبضعة: القطعة من اللحم، والباء مفتوحة، فأما بضع سنين فالباء مكسورة، وهي سنون دون العشرة وفوق الخمس؛ وملك فلان بضعها أي حل له نكاحها، ومنه سمي المبضع وجمعه المباضع، والبضاعة لأنها قطعة من المال؛ والبضاع: الجماع؛ قال أبو حنيفة صاحب النبات: وحب القلقل مهيج على البضاع، بكسر القافين. سمعت ابن قريعة القاضي يقول: رفع إلى السلطان صبي قد افتض صبية، فقال الوالي: انظروا هل نبت قضيبه؟ فقالوا: لم ينبت بعد، وقضيبه صغير لا يفتض مثله جارية، فقالت الصبية: ما هكذا كان، قولوا له ينفحه كما كان، هكذا حكي، والنادرة في قلب الخاء إلى الحاء.

وسمعت ابن قريعة أيضاً يقول: خرجت جارية في جنازة مولاها فأرادت أن تقول: واحزناه، فلم يطاوعها لسانها، فقالت: واخراه، فأخذ الناس الضحك. كان السلف يقولون: ذهب أهل الدثور بالأجور. الدثور جمع الدثر وهو المال الكثير، كأنه من كثرته يغطي عورات الحال بعد أن يسد مفاقر النفس. والبثر: ما يخرج على جثمان الإنسان، والجثمان والجسمان هما بدن الإنسان. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى في جسمه بثرة عاذ بالله عز وجل واستكان له وجأر إليه، فيقال له: يا رسول الله، ما هو بأس، فيقول: إن الله عز وجل إذا أراد أن يعظم صغيراً عظم، وإذا أراد أن يصغر عظيماً صغر. هذا يدلك منه صلى الله عليه وسلم على خوفه، وخوفه على قدر معرفته، ومعرفته على قدر موهبته، وموهبته على قدر خصوصيته. وسمعت ابن كعب الأنصاري يقول في مجلس الزهري سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة في مناظرته: من طال خطابه واشتد لغطه، قل صوابه وكثر غلطه. قال فيلسوف: بإختلاف الحركة والسكون بادت الأمم والقرون.

قال الطوسي للحسن بن مخلد معزياً: جعل الله مصيبتك تأريخ ما تخشى، ومفتاح ما تحب. قيل لابن المبارك: ما التواضع؟ قال: التكبر على المتكبرين. وأنشد جحظة: المتقارب لقد مات إخواني الصالحون ... فما لي صديق ولا لي عماد إذا أقبل الصبح ولى السرور ... وإن أقبل الليل ولى الرقاد قال أعرابي: السرف في القرى من الشرف. وأنشد لبعض الشعراء: البسيط خذها أبا جعفر والنجم في الأفق ... صفراء فاقعة في ناصع يقق والشمس لم تطف أنفاس الظلام ولم ... ينشف صبيب الندى عن ناضر الورق وقع سكران في الطريق على قفاه فبال، فرجع بوله على وجهه

وصدره، فأقبل يقول: يا أهل الدار، هذا الماء نظيف؟! قيل لمحمد بن هارون: أيما أطيب الخريف أم الربيع؟ فقال: الربيع للعين - يعني الزهر - والخريف للفم - يعني الثمر. شيع الحسن بن سهل المأمون فقال له: حاجتك أبا محمد؟ - نصب، يريد هات حاجتك - أو اذكر حاجتك - قال: حاجتي أن تحفظ علي من قلبك ما لا أستطيع حفظه إلا بك. قال الموبذ للأسوار، وكان قليل الإفصاح بالعربية: كانت الملوك تقول: حقيق لمن غرس وعداً أن يثمر نيلا. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لعمرو بن معدي كرب - تصرفه إذا نكرته، ولا تصرفه إذا جعلته اسم قبيلة أو اسم امرأة -: أخبرني عن قومك، قال: نعم القوم والله قومي عند الطعام المأكول، والسيف المسلول، والمال المسؤول. نعم وبئس من باب أفعال لا تنصرف، وهما فعلان ماضيان يرتفع فاعلاهما بهما، والفاعلان على ضربين: مضمر ومظهر، والمضمر مفسر، ومثاله: نعم

رجلاً عبد الله، وبئس غلاماً زيد، أضمرت الرجل في نعم قبل أن تذكره فلزم تفسيره ليدل على الفاعل، وغلاماً انتصب بنعم، ولا يكون هذا التفسير إلا نكرة؛ فأما مثال الفاعل المظهر فضربان: أحدهما أن يدخل الفاعل الألف واللام فيكون الأسم دالاً على الجنس نحو: نعم الرجل، وبئست المرأة وبئس المرأة، والآخر أن يضاف إلى ما فيه الألف واللام نحو: نعم غلام الرجل وبئس صاحب القوم. للخباز البلدي: السريع حوشيت من صحبة خوان ... يأتي من الغدر بألوان ولعنة الله على كل من ... له لسانان ووجهان كاتب: إن عتبك لم يوعر علي مذهباً إلا كان الرجاء له مسهلاً، فرأيك في التعطف على من لا يرجع إلا إليك، ولا يعتمد إلا عليك. نصب رأيك على تقدير: فر رأيك، هكذا قال الشيوخ. يقال في اللغة: خلا العهد إذا انقضى، وخلا بعيره يخليه إذا

علفه الخلى وهو الرطب. ويقال: خلاه بالسيف يخليه إذا قطعه، وخلت المرأة إذا بانت من زوجها، وقد أخليته الأرض إذا أبحته خلاها، وأخليت فلاناً إذا بت له خالياً، وخليته: أرسلته، وفلان خال مال وخائل مال إذا كان حسن القيام عليه، والمال هو النعم والماشية، وكذلك في الفصيح حين تقول: نمى المال أي زاد، والمال يزيده التناسل والسمن عند الرعي. والرعي ما يرعى: الرعي مصدر رعى، وارتعى ورتع، ومضارع نمى ينمي، وينمو نمواً لغة من هذا، ونمياً من ذاك، والنماء الأسم، ونمى إلي حديثك، ونماه الله - في الدعاء - سليخ قولك: زرعه الله، وخيره الله، وزاده الله، وقد قيل: أنماه الله، وهو قليل، والعربية ما قلت لك، وهذا كله سماع بعد تحكيك ومدارسة، وتصحيح ومقايسة. نعم: وفلان ذو خال ومخيلة إذا كان ذا خيلاء، ورأيت خال السحابة، وسحابة مخيلة - بضم الميم - وذات مخيلة - بفتح الميم - إذا كانت خليقة للمطر، ورجل مخيل كذلك، وفي الأمثال: رب مخيل مخلف، وخال فلان: ظن، وخيل بالأرض إذا نصب أخيلة أي أعلاماً، والخيال خشبة تركز ويلقى عليها كساء علامة للغنم، قال الشاعر: الوافر وما شيء بأحمق من قشير ... ولا ضأن تريع إلى خيال تريع أي ترجع، ويقال راع يريع منه، أما راع فمعناه أفزع يفزع،

والفرس الرائع لأنه يعجب ويأخذ من النفس بمنزلة الإفزاع، وفي الحديث: هل راع عليك القيء، أي رجع، ومنه هو مروع أي خائف؛ فأما مريع فغير هذا، الميم في مريع من سنخ الكلمة لأنك تقول مرع الوادي وأمرع الجناب وذلك إذا أردت الخصب - والخاء مكسورة والفتح مردود - والجدب ضده، والجيم مفتوحة. نعم: وخول فلان فلاناً مالاً أي وهبه له، وفلان يتخول إذا دعاه خالاً، وأخذ ماله فتخوله أي جعله في ملكه، وألقى متاعه أخول أخول أي بعضه فوق بعض، والخلية: المطلقة، والخلية أيضاً: السفينة، ويقال: اترك صحبة الخالة أي ذوي الخيلاء، وكأن ذا الخيلاء - الذي هو الكبر - يظن في نفسه أنه أكثر مما فيه، فمعناه راجع إلى خال يخال أي حسب وظن؛ والخال: خال الرجل أخو أمه، وجمعه أخوال، والخال: نكتة بخد الإنسان وجمعه خيلان، ويقال منه مخيل ومخيول لصاحبه؛ هذا أكثره عن الأصمعي. قال فيلسوف: السعيد من العقل أصح طبائعه، والعلم آنق حديثه، والحكمة أجزل حظوظه، والحسنات أفضل ذخائره، ولا يغنيه إلا القناعة، ولا يؤمنه إلا البراءة، ولا يوجب له الزيادة إلا الشكر، ولا يدفع عنه المكاره إلا الدعاء.

اطلع معاوية ليلاً على عسكر علي فأرتاع وقال: من طلب عظيماً خاطر بعظيم. وقال معاوية: إني لأكره النكارة في الرجل، وأحب أن يكون عاقلاً. والنكارة هي فضل عقل، لكنها لا توجد إلا فيمن استفرع عقله لإحراز منافعه ولو بمضارة غيره. قال معاوية لعمرو بن عتبة: رحم الله أباك، وأحسن الخلافة عليك، لقد لصقت المصيبة بي، وإن كانت قد أخطأتني لقد أصابتني. وقال معاوية للعرب: أنتم الشعار المستبطن، والدثار المستظهر. وقال له عمرو بن العاص: لقد أعياني أن أعلم: أشجاع أنت أم جبان؟ فقال: الطويل شجاع إذا ما أمكنتني فرصة ... فإن لم تكن لي فرصة فجبان قال أعرابي: كفاك موبخاً على الكذب علمك بأنك كاذب.

قال جعفر بن يحيى: الخط سمط الحكمة يفصل شذورها، وينظم منثورها. قالت بصرية لأخرى: تعالي حتى نعد من يمر بنا ممن ناكنا، قالت لها صاحبتها: هذا يطول، ولكن نعد من لم ينكنا. قال الحسين بن فهم: قلت لجاريتي عند غيظي منها وغضبي عليها: اصبري حتى تجيء الغلة، والله لأشترين جارية مثل القمر وأستريح منك، قالت: يا مولاي، اشتر أولاً أيراً تنيك به. قال الجماز: اشتريت جارية ظريفة، فأنشدت يوماً بيت أبي نواس: الرمل المجزوء خل جنبيك لرام ... وآمض عنه بسلام مت بداء الصمت خير ... لك من داء الكلام فقالت: ليست الرواية هكذا، قلت: كيف هي؟ قالت: خل جنبيك لرام ... وآمض عنه بسلام مت بداء النيك خير ... لك من داء الحمام

قال أحمد بن هشام الكوفي: تزوجت فاطمة بنت أبي زيد الحامض، فلما اجتمعنا ليلة العرس وجلس النساء على الرسم مع العروس قالت لهن: لا أعرف لقعودكن معنى، لا أنا مستوحشة فتؤنسنني، ولا محتشمة فتبسطنني، فأنصرفن في حفظ الله، فقمن، وأقبلت علي فقالت: احتشامك بغض، وأحتشامي أبغض منه، لأنك قد جربت وقد جربت، وكما أنه يكبر عليك أن تراني مع غيرك، كذلك يكبر علي أن أراك مع غيري، فخذ في أمرك، والزم الصحبة يلزمك العمل، وأنا أعطي الله عز وجل عهداً يسألني عنه، ويأخذني به، لئن خالفتني إلى امرأة لأخالفنك إلى ثلاثة رجال. قيل لعبد الملك بن مروان: كم أتى عليك من السن؟ قال: أنا في معترك المنايا، أنا ابن ثلاث وستين. قال فليح بن سليمان: لقيت المنصور في الطريق سنة توفي فيها فقال: يا فليح، كم سنوك؟ قلت: ثلاث وستون سنة، قال: هذه سنو أمير المؤمنين، أتدري ما كانت العرب تسميها؟ كانت تسميها دقاقة الرقاب.

قال الفراء: سبعة لا يكنون - يقال: كنيت الرجل وكنوته وكنيته، وكأن الكناية في الكلام إرادة معنى بغير الأسم الموضوع له واللفظ المقصور عليه، وكأنها أخت التعريض، وفي التعريض غرض عليها - ثم قال: وهم الحجام والبيطار والكناس والحارس والسماك والدباغ والغسال. قال المأمون: خصلتان لا تصنعان على موائد الخلفاء: نكت المخ، وكثرة أكل البقل. ليته أخبر عن العلة، ولعمري إنها لمن الخصال اللئيمة، ولكن ما أكثر ما يطلق العلماء والرؤساء هذه الأحكام ويوردون هذه الشرائط معراة من العلل، أغفالاً من الحجج، وهب أن هذا جائز لأفناء الناس ومن هو مغمور في العامة وغير ضارب مع الخاصة، كيف يجوز لمن يؤثر عنه اللفظ واللحظ، ويخلف عنه الطيب والخبيث، ويحفظ عليه الحي واللي؟ ولعلهم قد طبقوا المفصل في كل ما نطقوا، وذكروا أسباب ما رتقوا وفتقوا، ولكن الحملة ساء نقلها وقلت عنايتها، وما أخص بهذا هؤلاء، فإني أجد رواة الحديث عن الرسول صلى الله

عليه وسلم والناظرين في أصول الأحكام والمتصفحين لغريب القرآن على هذه العادة؛ إلى الله عز وجل الشكوى. قال علي رضي الله عنه: لا تكونن ممن يعجز عن شكر ما أوتي، ويبتغي الزيادة فيما بقي، وينهى ولا ينتهي، ويأمر الناس بما لا يأتي، يحب الصالحين ولا يعمل بأعمالهم، ويبغض المسيئين وهو منهم، يأخذ من الدنيا ما يفنى، ويترك من الآخرة ما يبقى، يكره الموت لذنوبه، ولا يدع الذنوب في حياته. قال ابن المبارك: قلت لرجل عاد من سفره: ما رأيت في وجهك؟ قال: رأيت رجلاً أخذ في خراج، فاعتوره رجلان يدفعه هذا إلى هذا وهذا إلى هذا حتى خرجت نفسه، ثم قال: وهكذا أنت يدفعك الليل إلى النهار والنهار إلى الليل حتى تكون كذلك. قيل لابن المدبر يوماً: ما تقول في الشعر؟ قال: يرفع الخسيس، ويضع الشريف.

قال زياد بن أبيه: الشعر أدنى مروءة السري، وأسرى مروءة الدني. قال المعتمر بن سليمان: الشيب أول مراحل الموت. قال قيس بن عاصم: الشيب خطام المنية. وقال فيلسوف: الشيب توأم الموت. وقال يحيى بن خاقان: الشيب موت الشعر، وموت الشعر علة موت الجسد. وقال العتابي: الشيب تاريخ الكتاب. وقال فيلسوف: الشيب نذير الفناء. وقال أعرابي: الشيب بريد الهلاك.

كتب المتوكل على الله إلى عبد الرحمن بن خاقان لما توفي يحيى بن خاقان، وهو إذ ذاك بالبصرة: أما بعد، فقد جرى من قضاء الله عز وجل في وفاة يحيى بن خاقان على أحسن ما توفي عليه ذو طاعة ونصيحة وقيام بحق أمانة الله في سلطانه ورعيته ما جرى على الأولين، وهو جار على الآخرين، حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وإليه يرجعون؛ وإن أمير المؤمنين يأمرك بالرجوع إلى الله عز وجل، والرضا بقضائه، وتلقي النعمة برضا أمير المؤمنين عن يحيى، وما أتبعه من الدعاء وخلفه في عقبه بما يستديمها من الصبر والشكر، والشخوص إلى باب أمير المؤمنين إذا ورد عليك كتابه هذا، بعد أن تخلف في عملك من يقوم فيه مقامك، منبسط الأمل، منفسح الرجاء، واثقاً بما يرعى أمير المؤمنين منك بنفسك في طاعتك، وموالاتك في أسبابك، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته؛ وكتب بإملاء أمير المؤمنين يوم الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة بقيت من صفر سنة أربعين ومائتين. ووقع المتوكل على الله بخطه بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: يا عبد الرحمن، ثق بالله العظيم، وبالذي لك عند أمير المؤمنين، وطب نفساً ولا تحمل على نفسك من الغم ما لا ينفعك، لا بل يضرك، ويغتم به أمير المؤمنين، وهذا خط أمير المؤمنين إليك، والسلام. قال أعرابي: لا شيء أهرم للوليد، وأبلى للجديد، من ليل يسري، وقدر يجري.

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه على المنبر: تجهزوا رحمكم الله فقد نودي بالرحيل، وأقلوا الفرحة على الدنيا، وانقلبوا بصالح ما يحضركم من الزاد، فإن قدامكم عقبة كؤوداً، ومنازل مخوفة مهولة، لا بد من الممر عليها، والوقوف عندها، فإما برحمة الله عز وجل فنجوتم من فظاعتها، وشدة مختبرها، وكراهة منظرها، وإما بهلكة ليس بعدها خيار. قال فيلسوف: من عدم العقل لم يزده السلطان عزاً، ومن عدم القناعة لم يزده المال غنى. سمع هذا الكلام أبو زيد المروزي فقال، قال الربيع بن خثيم: من عدم الإيمان لم تزده الرواية فقهاً. قال صاحب المنطق: إنما الإنسان عقل في صورة، فمن أخطأه

العقل ولزمته الصورة لم يكن إنساناً كاملاً، ولم تكن صورته إلا كصورة تمثال لا روح فيه. كتب أرسطاطاليس إلى الإسكندر رسالة في السياسة يقول في أولها: أما التعجب من مناقبك فقد نسخة تواترها، فصارت كالشيء القديم الذي قد بسىء به، لا كالحديث الذي يتعجب منه. يقال بسأت بالشيء وبسئت إذا ألفته. أصيب الإسكندر بمصيبة، فجاءه أرسطاطاليس فقال: أيها الملك، إني لم آتك معزياً لكن متعلماً للصبر منك، لعلمي بعلمك أن الصبر على الملمات فضيلة نافية لكل رذيلة، فكيف نحض على طاعتك أو تعلم سنتك. نظر فيلسوف إلى ميت ينقل فقال: حبيب ينقله أحباؤه إلى حبس الأبد. وعزى فيلسوف آخر فقال: إن كنت تبكي لنزول الموت بمن كنت له محباً، فطالما نزل بمن كنت له مبغضاً. قال أرسطاطاليس: ليكن غايتك في طلب المال الإفضال به على

الإخوان، فإن الشريف الهمة لا يطلب المال ليكتنزه أو ليأكله، ولكن ليتحف الإخوان منه. قال الهندي: أول البلاغة أن يكون الخطيب رابط الجأش، ساكن الجوارح، قليل الحركات، خفي اللحظ، متخير اللفظ، لا يكلم الملوك بكلام السوقة، ويكون في قوته التصرف في كل طبقة. سئل ابن حرب عن البلاغة فقال: البلاغة أن تجعل بينك وبين الإكثار مشورة الأختصار؛ وهذا يحتاج إلى تفسير. وقال الرومي: البلاغة هي الأقتضاب عند البداهة، والغزارة يوم الإطالة. وقال الأعرابي: البلاغة وضوح الدلالة، وانتهاز الفرصة، وحسن الإشارة.

وقال الفارسي: البلاغة معرفة الفصل من الوصل. وقال إبراهيم الإمام: يكفي من حظ البلاغة أن لا يؤتى السامع من سوء إفهام الناطق، ولا يؤتى الناطق من سوء فهم السامع. وهذا الحكم من إبراهيم مبتور، لأن الإفهام قد يقع من الناطق ولا يكون بما أفهم بليغاً، والفهم قد يقع للسامع ممن ليس ببليغ ولا يكون بليغاً، وليس اشتراكهما في التفاهم بلاغة. البلاغة أن يصيب الناطق بالطبع الجيد، أو الصناعة المجتلبة، أو بهما، وإن ساء فهم السامع لقصور طباعه، أو بعده عن أسباب الفضيلة. ومن ذا الذي هجا البليغ لأن السامع لم يفهم، أو هجا السامع لأن الناطق لم يفهم؟ وإنما البليغ الذي يبلغ القصد بأقرب طرق الإفهام مع حسن الغرض، وليس أقرب طرق الإفهام تقليل الحروف وأختصار المراد؛ قد يكون هذا، ولكن أقرب الطرق في الإفهام أن تكون الغاية مثالاً للعقل، ثم يكون المعنى مسوقاً إليها، واللفظ منسوقاً عليها، فهم السامع أو قصر. ثم ليس هذا المعنى مقصوراً على العربية، بل هو شائع في النفوس، مستمد من العقول، معروف

باللغات، لكن العربية عندنا أحسن الألفاظ مخارج، وأوسعها مناهج، وأعلقها بالقلب، وأخفها على اللسان وأوصلها إلى الآذان، وكل هذه المحاسن تابعة للشريعة التي جعلها الله تعالى تمام الشرائع، ومضافة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الذي ختم الله عز وجل به الأنبياء والرسل؛ جعلنا الله عز وجل يوم الفزع الأكبر في زمرته، كما أخرجنا في زمرة أمته، ورزقنا شفاعته، كما ألهمنا طاعته، بمنه وجوده. أرى - أيدك الله - أن أطيل الكلام في هذا المعنى، لعلمي بأن هذا المقدار يهيجك ولا يشفيك، ويغريك بمعرفة تمامه ولا يسليك: نظام البلاغة وعقدتها والذي عليه المدار والمحار أن يكون طالبها مطبوعاً بها مفطوراً عليها، قد أعين بشهوة في النفس، وأدب من الدرس، فإنه متى اختل في أحد الطرفين بدا عواره، ولصق به عاره، والآفة فيها من الدخلاء إليها الذين يستعملون الألفاظ ولا يعرفون موقعها، أو يعجبهم الأتساع ويجهلون مقداره، أو يروقهم المجاز ويتعدون حدوده، أو يحسن في حكمهم التصريح ولعل الكناية هناك أتم، والإشارة فيه أعم. وهذه الخلال تجدها في قوم عدموا الطبع المنقاد في الأول، وفقدوا المذهب المعتاد في الثاني، والسر كله أن تكون ملاطفاً لطبعك الجيد، ومسترسلاً في يد العقل البارع، ومعتداً على رقيق الألفاظ وشريف الأعراض، مع جزولة في معرض سهولة، ورقة في حلاوة بيان، مع مجانبة المجتلب، وكراهة المستكره. وركنه الذي يعول عليه، وكنفه الذي يأوي

إليه، أن يكون السجع في الكلام كالملح في الطعام، فإنه متى ظفر منه بمقدار الرتبة، وحسب الكفاية، حلا منظره، وبهر بهاؤه، وسطع نوره، وانتشر ضياؤه، ومتى زاد على المقدار ضارع كلام النسأة والكهنة من العرب، أو كلام المستعربين من العجم. وسأقتص لك فنون البلاغة اقتصاصاً مجملاً تقف به على تفصيلها: أعلم أن الفن الأول منه هو الكلام الذي يسمح به الطبع، وليس يخلو هذا المطبوع من صناعة، والفن الثاني هو الكلام الذي يطلب بالصناعة، ليس يخلو هذا المصنوع أيضاً من طبع؛ والفن الثالث هو المسلسل الذي يبتدر في أثناء المذهبين، وأمثلة هذه الفنون ثابتة في هذه النوادر والبصائر، ومتى أنعمت النظر عرفت الخبر. ومهما أتيت في هذا الشأن فلا تلهجن بالسجع، فإنه بعيد المرام إذا طلب الواقع موقعه والنازل مكانه، ولا تهجرنه أيضاً كله فإنك تعدم شطر الحسن؛ والذي يجب أن يعتمد من ذلك هو مقدار يجري مجرى الطراز من الثوب، والعلم من المطرف، والخال من الوجه، والعين من الإنسان، والسواد من الحدقة، والإشارة من الحركة، وقد علمت أنه متى كثرت الخيلان في الوجه وغمرته كان ترادف أجزاء السواد ذاهباً ببهجة تمام الحسن؛ وقد يسلس السجع في مكان دون مكان، والاسترسال أدل على الطبع، والطبع أعفا، والتكلف مكروه، والمتكلف معنى، والناس بين عاشق للمعاني وتابع لها فالألفاظ تواتيه عفواً، وكلف بالألفاظ والمعاني تعصيه أبداً؛ فأما من جمع بين هذه

وهذه، وكان قيماً بمنثورها ومنظومها، عارفاً بأختلاف مواقع تأليفها، فإنه الحاوي قصب الرهان، والمعدود في أفاضل الزمان. فاقصد - أيدك الله تعالى - أن تكون كالصائغ الذي يصيب الشذر فيسكبه ثم يصوغه ثم ينقشه ثم يسوقه ثم يزينه ثم يعرضه. والأدب كثير، والكلام جم، والمحفوظ من ذلك أقل من الضائع، والمكتوم أكثر من الشائع، وإذا صدقت نيتك في طلب مختار العلم، ومذخور الحكمة، أصبت من ذلك ما لا يفرغك لطلب ما نأى عنك. أغناك الله عز وجل عن كل ما سواه، وعرفك ما في الغنى به حين تفتقر إليه، وتقتصر عليه، فما خسر من أناخ بفنائه، ولاذ ببابه، وسعى في ابتغاء مرضاته، ولا اعتاض منه من استجاب للدنيا وانغمس في الهوى. احلولج الأمر أي التوى. قال زهير: الطويل فبتنا عراة عند رأس جوادنا ... يزاولنا عن نفسه ونزاوله

عراة: مؤتزرون؛ يزاولنا: يعالجنا؛ قال أبو عبيدة: عراة، تعرونا عرواء من الزمع، لأنه إذا أراد أن يصيد أرعد، ويقال عراة بالعراء، ليس يحجبنا شيء. العرب تقول: بقي من ماله عراض أي شيء يسير، والعرض: المال، والعارض: السحاب، والعرض أيضاً: الجنون، والعرض: النفس، وفلان شديد العارضة إذا كان شديد المتن. وفعل ذلك سهواً رهواً أي ساكناً وادعاً، وأفعل ذلك في سراح ورواح أي في يسر، ومكان مروحة أي مهب للريح، والمروحة: هذه المسفوفة المعروفة، والمراح - بضم الميم - مأوى الأبل، والمراح - بفتح الميم - مصدر راح مراحاً ورواحاً، وأراح الطعام: تغيرت رائحته، وأروح أيضاَ. فلان يراح للمعروف ويرتاح له، وهو أريحي: كل هذا كرم وكريم، وكأنه إشارة إلى طيب ريحه أو إلى اهتزازه أو إلى جوده، يقال: فلان كالريح جوداً، وفلان يباري الريح جوداً، وكان النبي صلى الله عليه وسلم كالريح المرسلة في رمضان، ويقال: شهر رمضان، وذلك أنه قيل: رمضان من أسماء الله عز وجل، والشهر منسوب إليه، ولأن القرآن نطق بذلك، وكل جائز.

وفلان يعاني أموراً أي يعالج، وزارنا على شحط بعيد أي على بعد. وأهجر أي هذى. والمأبوض: المشدود الرسغ بالإباض، وهو الحبل. وأجره الله يأجره أي أثابه، وأجار فلان فلاناً أي جعله في جواره، والجوار - بالضم - الأسم، والجوار مصدر جاوره مجاورة وجواراً، كقولك مخاصمة وخصاماً وقتالاً ومقاتلة وخطاباً ومخاطبة، وباب هذا القياس متلثث أي مطرد أي متتابع، ويقال لمن ينزل بحضرته: هو ملاث وهم ملاوث. وأمحلت الأرض إذا قل مطرها، والمحل: الوشاية لأنه ينفي الخير، والخير ها هنا كالمطر ثم، والمحال: المحاولة أي الطلب، والمحالة: الحيلة، والمثل: المرء يعجز - بكسر الجيم - لا محالة، أي الحيل كثيرة ولكن الإنسان عاجز؛ وفي الدعاء: اللهم لا تجعل القرآن بنا ماحلاً أي مزلاً لأقدامنا. وسمي المحل وشاية لأن الواشي يشي، أي يحسن باطله، كما يشي الواشي الثوب، أي ينسجه رائقاً في العين، وتقول في الأمر منه: شه، كما تقول: قه من الوقاية، وفه من الوفاء، والأصل حرف ولكن ضمت الهاء أخرى للسكت، ولأن الكلام بناء، والبناء لا يكون بحرف واحد، إنما يخرج من أحكام الحروف بارتدافه حرفاً آخر؛ والحرف يذكر ويؤنث. وقول الله عز وجل " ومن الناس من يعبد الله على حرف " الحج: 11 أي على جانب، وتحريف المعنى: عدلك إياه عن وجهه، فهو شبيه بتصحيف اللفظ، والمحارف كأنه مصروف عن سعة الرزق، والحريف: فعيل

من الحرافة وهو ما فيه حرافة ولذع، وكأنه معدول عن الحلاوة أو عن المرارة. ويقال: عذلته فأعتذل، أي قبل العذل، أس سمعه وأقلع عنه، ويقال أيضاً العذل، وهو قليل ومع قلته شائع - ولا يقال منشاع - ومع ذلك لا يقال في عذلته - بالذال منقوطة - انعذل، هذا ما لم يسمع، والقياس فيه مرذول. تقول: رذلت الشيء فهو مرذول، واسترذلته وقوم رذال حقيقة أي أنذال وتباع كذلك. ولاث عمامته يلوثها إذا كارها على رأسه أي أدارها، ولوث ثيابه إذا مرغها في الطين، والتاثت الدابة أي كلت، والدابة تذكر وتؤنث، والتذكير غريب. هذا كله عن سماع وحفظ، ولم آت فيه من عندي بشيء إلا ما جرى مجرى بيان وشرح وتشبيه، وأرجو السلامة فيه من خطإ شائن، وصواب بائن، وعلى الله التوكل في كل نائبة، فهو ملجأ القانط، وكهف الآوي، وملاذ الراجي، ومعاذ الخائف. كاتب: أنت ثمال الآمل، ومنار الواثق، وتحفة الراجي، ومعاذ الخائف، ومناخ الرغبة، ومشوع الهمم، ومعطف الوسائل، ومعرج الأماني، ومجنب الوصلات.

قال ابن الأعرابي: يقال ما يجنب إلى لقائك، ولا تزف نعام القلوب إلى طلعتك، ولا تثنى خناصر الشمال بك. وقال: قوله لا يجنب إلى لقائك أي لا يصيب من عرفك من الشوق إلى لقائك والمحبة لرؤيتك ما يدخل عليه من المشقة كما يدخل على هذا الجنب الذي قد عطش حتى لصقت رئته عطشاً؛ تقول قد جنب جنباً إذا صار إلى ذلك، ومنه قول ذي الرمة: البسيط كأنه مستبان الشك أو جنب وقوله: لا تزف نعام القلوب إليك، فهذا مثل، يقول: لا يشتاق إليك، ولا يتفكر في ذلك. وقوله: لا تثنى خناصر الشمال بك، يقول: إذا عد الأشراف لم تذكر أولاً ولا ثانياً، ولا بعدما ينقضي عدد أصحاب اليمين، ولا تثنى أيضاً خناصر الشمال بك، وعادة الأعراب أن يثنوا الخمس من اليمين ثم يصيروا إلى اليسار؛ هكذا قال ابن الأعرابي. قال إبراهيم ابن المهدي لأحمد بن يوسف: لعن الله زماناً أخرك عمن لا يساوي كله بعضك.

سمعت ابن كعب الأنصاري يقول: صار الفضل بن الربيع إلى أبي عباد في مكتبه يسأله حاجة، فأرتج عليه في الكلام، فقال له أبو عباد: بهذا اللسان دبرت خليفتين؟! فقال: يا أبا عباد، إنا اعتدنا أن نسأل ولم نعتد أن نسأل. قيل لأبي العيناء: هل بقي في دهرنا من يلقى؟ قال: نعم، في البئر. قال المأمون لقارىء: اقرأ، فقرأ " فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله " المائدة: 29، فحصبه. صعد عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن منبر المدينة، وكان قد هم بالخروج، فبلغه أن بعض أصحابه تفوه بكلام فقال:

إنه لا يزال يبلغني أن القائل يقول: إن بن العباس فيء لنا، نرتع في أموالهم، ونخوض في دمائهم، عزم بلا علم، وفكر بلا روية، وخطة يركبها الغاوون. عجباً لمن أطلق بذلك لسانه، وبسط به يده، أطمع في ميلي معه، وبسطي يدي بالجور له؟ هيهات، فاز ذو الحق بما يهوى، وأخطأ الظالم ما تمنى، حق كل ذي حق في يده، وكل ذي دعوى على حجته؛ لم يخطىء المنصف حظه، ولم يبق الظالم على نفسه؛ حق لمن أمر بالمعروف أن ينهى عن المنكر، ولمن سلك سبيل الحق أن يصبر على مرارة العذل؛ كل نفس تسمو إلى هتمها، ونعم الصاحب القناعة، ثم توارى عن الناس وأضرب عن الرأي والخروج. هكذا يكون الشريف في دينه ونسبه وعفته وأدبه، لا كقوم نسأل الله عز وجل العياذ من شرهم، والصلاح لهم في أنفسهم، فإن الإسلام لم يخلولق رسمه، ولا عفى أثره، ولا تخلخل ركنه، إلا بما ظهر من الفساد في معدن النبوة وأرض الرسالة، ولله عز وجل أمر هو بالغه، وهو حسبنا ونعم الوكيل. قال عبد الله بن عباس بن الحسن لأحمد بن أبي خالد الأحول: إن من العجب ضيق الملك بأموره، واختلاطه في تدبيره، وليس فوق يده يد لأحد من رعيته يدفعها، ولا دون سطوته جنة يجتنها إذا ضاق في ما لا ينازع

فيه، واختلط في ما لا يغالب عليه، فكيف لو لقي بمثل عزه، وغولب بمثل سلطانه، وأحترس منه بمثل مواتاة زمانه، هناك يفدحه الضيق، ويغلب عليه الأختلاط، ويؤيس له من راحة الوقار، فما اختلاطك فيما لا تدفع عنه، وما ضيقك بأمر لا تغالب دونه؟! قال فيلسوف: أصدق الناس لك في وده، من بذل لك ملك يده. قال عطاء بن أبي رباح: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: يا أيها الناس اتقوا الله عز وجل، ولا يحملكم العسر أن تطلبوا الرزق من غير حله، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم احشرني في زمرة المساكين ولا تحشرني في زمرة الأغنياء، فإن الأشقياء من جمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة. هذا الحديث رواه لنا أبو بكر الشافعي ببغداد سنة أربع وخمسين وثلاثمائة،

وإنما أحذف الإسناد لأن الغرض يقرب والمراد يسهل، والإسناد يطيل ويمل المستفيد، على أن الإسناد زين الحديث وعلامة السنة وسبب الرواية. وقال أبو بكر الواسطي: العارفون وحش الله في أرضه، لا يستأنسون بغيره. قال ابن عباس: سمعت علياً رضي الله عنه يحض الناس بصفين فيقول: معاشر المسلمين، استشعروا الجرأة، وغضوا الأصوات، وتجلببوا بالسكينة، وأكملوا اللأمة، وأقلقوا السيوف في الأغماد قبل السلة، وآلحظوا الخزر، وآطعنوا الشزر، وكافحوا بالظبى، وصلوا السيوف بالخطى، والبنان بالرماح. فإنكم بعين الله ومع ابن عم نبيه. يقال: علم الزمان لا يحتاج إلى ترجمان. شاعر: الطويل

ظللنا بيوم عند أم محمد ... نشاوى ولم نشرب طلاء ولا خمرا إذا صمتت عنا صحونا لصمتها ... وإن نطقت هاجت لألبابنا سكرا قال فيلسوف: لا ينتفع بالعقل إلا مع العلم، ولا ينتفع بالعلم إلا مع العقل، ولا ينتفع بالعلم والعقل إلا مع الأدب، ولا ينتفع بالأدب إلا مع الأجتهاد، ولا ينتفع بالأجتهاد إلا مع التوفيق. قال يونس لا يقبل منه صرف ولا عدل هو الحيلة والفداء؛ وقال الحسن، وكان خيراً منه: هو الفريضة والنافلة. أتى وائل بن حجر النبي صلى الله عليه وسلم فأقطعه أرضاً وقال لمعاوية: أعرض عليه هذه الأرض وأكتبها له؛ وكان معاوية كاتب النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج مع وائل في هاجرة شاوية، ومشى في ظل ناقة وائل، فقال له: أردفني على عجز راحلتك، فقال له: لست من أرداف الملوك، قال: فأعطني نعليك، فقال: ما بخل يمنعني يا ابن أبي سفيان، ولكن أكره أن يبلغ أقيال اليمن أنك لبست نعلي، ولكن أمش في ظل الراحلة فحسبك بها شرفاً. ثم إنه لحق زمان معاوية ودخل عليه، فأجلسه معه على سريره وتحدث

بهذا الحديث. قال عكرمة الأعرابي: بنى أعرابي على أهله ولم يولم، فأجتمع الحي بفنائه وصاحوا: الرجز أولم ولو بيربوع أو بقراد مجدوع قتلتنا من الجوع فاحتال لهم وأطعمهم. رأى بعض الصالحين ابناً له قد أطال السجود فقال: يا بني أرفع رأسك فإنك صبي، فقال: يا أبت كم من زرع أصابته الآفة من قبل أن يدرك؛ كان يونس يعجب من هذا الكلام. قيل للنبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة حين صفح: فعلوا بك وفعلوا، فقال: إني سميت محمداً لأحمد. استعرض الحسن بن وهب غلاماً فقال له: اكشف عن ساقيك وذراعيك وكذا وكذا، والغلام يخجل من ذلك، فقال نجاح الكاتب للغلام: لا تخف، إنك أنت الأعلى.

وجهت سحاقة إلى حبيبتها: ابعثي لي بكندرك الذي تمضغين بين دينارين، فبعثت به إليها وقالت للرسول: قولي لمولاتك ردي الطبق والمكبة. قيل لبهلول المجنون: أتشتم فاطمة وتأخذ درهماً؟ قال: لا، ولكني أشتم عائشة وآخذ نصف درهم. العرب تقول: إن أعطيت فأجزل، وإن منعت فأجمل. يقال إن مما فضل به كسرى أن منطقته كانت ستة عشر شبراً، وجيبه كان سبعة أشبار، وكان يأكل كل يوم مهراً مشوياً من الخيل، وعناقاً زرقاء حمراء مغذاة بألبان النعاج، يذبحان بسكين من ذهب، ويسجر له التنور بالعود حتى ينتهي منتهاه، ويسمط ما يسمط بالخمر المغلي بالمسك، ويطلى بالعنبر والمسك والملح، ويعلق في سفود من ذهب، ويارجين من ذهب، وسكين من ذهب، فإذا برد حمل ووضع على خوان من ذهب، فيه أربعة آلاف دينار، ويقدم إليه فيتناول منه ما أحب، ثم يتحف به من أحب من ندمائه، ويكسر

التنور، ويجدد كل يوم مثله. وكان له في كل يوم لون ينفق عليه اثني عشر ألف درهم يخرج لؤلؤة صفراء قد شريت باثني عشر ألف درهم وتسحق في ذلك اللون، يتداوى به للجماع، فكان يجامع كل يوم وليلة ستين مرة. نزل أبو دلامة بدهقان يكنى أبا بشر، فسقاه شراباً أعجبه فقال: الطويل سقاني أبو بشر من الراح شربة ... لها لذة ما مثلها لشراب وما طبخوها غير أن غلامهم ... سعى في نواحي كرمها بشهاب قال عبيد الله بن محمد بن عبد الملك الزيات: بنو هاشم ملح الأرض، وزينة الدنيا، وحلي العالم، والسنام الأعظم، والكاهل الأضخم، ولباب كل جوهر كريم، وسر كل عنصر شريف، والطينة البيضاء، والمغرس المبارك، وهم النصاب الوثيق، ومعدن الفهم، وينبوع العلم، وثهلان ذو الهضبات في الحلم، والسيف الحسام في العزم، مع الأناة والحزم، والصفح

عن الجرم، والقضية بعد المعرفة، والصفح بعد المقدرة، وهم الأنف المقدم، والسنام الأكوم، والعز المشمخر، والصيابة والسر، وكالماء لا ينجسه شيء، وكالشمس لا تخفى بكل مكان، وكالذهب لا يعرف بالنقصان، وكالنجم للحيران، والبارد للظمآن، ومنهم الثقلان، والأطيبان، والسبطان، والشهيدان، وأسد الله، وذو الجناحين، وذو قرنيها، وسيد الوادي، وساقي الحجيج، وحليم البطحاء، والبحر والحبر، والأنصار أنصارهم، والمهاجرون من هاجر إليهم ومعهم، والصديق صديقهم، والفاروق من فرق بين الحق والباطل منهم، والحواري حواريهم، وذو الشهادتين لأنه شهد لهم. وكيف لا تكون العرب على ما ذكرنا، وقريش على ما بينا، وبنو هاشم على ما وصفنا، ومنهم رسول رب العالمين سيد المرسلين، وإمام المتقين، وهادي المؤمنين، والداعي إلى صراط مستقيم، نبي الرحمة والمنقذ من الهلكة، والمبشر بالجنة،

صلى الله عليه وسلم وأعلى ذكره، وجعل أمته خير أمة، وجعل رهطه يؤتون من كل فج عميق، وأوب سحيق، إليهم ترد الأخلاق الجميلة، والعقول الكاملة، وكل خلق وكل عقل من كل صنف من أصناف الناس، ومن الآداب واللغات والعادات والصور والشمائل، عفواً بلا كلفة ولا مؤونة، وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، ولم يخصص بذلك أحد من الأنبياء غيره، وختم الله عز وجل به النبوة والرسالة، ليستكمل كل فضيلة، والرجل من أهله يوزن بأمة من الأمم، وهو عليه الصلاة والسلام يوزن بجميع الأمم، وصير أمته خير الأمم ليكونوا أعلم الأمم، بما عرفوا من شؤون الأمم الخالية، والقرون الماضية، فلا شبيه له ولا نظير، وهو خير البرية، وأكرمهم على الله عز وجل، فصلوات الله عليه وسلامه وبركاته ورحمته. قد تضمن - أيدك الله - هذا الكلام كتاب النحل لأبي عثمان، إلا أني نقلت من كتاب الرتب هذا الفصل والفصل المتقدم في الجزء الأول، وعليه سمة كلام أبي عثمان ونوره، ثم لا أدري كيف الحال فيما عدا هذا الظاهر من الباطن، لأن الباطن لا يستقر معه اليقين، ولا تثبت عليه الشهادة، وإنما ينقسم فيه الظن والتوهم والحقيقة من ذلك على بعد. نسأل الله عز وجل

أن يصل رأينا بالإصابة، وعلمنا باليقين، وعملنا بالإخلاص، وأعتقادنا بالحق، ولساننا بالصدق، وطويتنا بالخير، وعاقبتنا بالسعادة، فلا مأمول غيره، ولا مرجو سواه. قال العباس بن محمد: قلت لرقاق: كم تروجين؟ قالت: أنفقه ما نفق، فإذا كسد أطعمته ما كسب. تزوجت امرأة زباء رجلاً أصلع، فرآها تنظر إليه وتفكر، فقال لها: ما لك؟ قالت: كنت أشتهي أن تكون صلعتك على حري ويكون شعر حري على صلعتك حتى أستريح من النتف ويكون لك جبهة. سأبت بنت زيات بنت سمان، فقالت لهما أخرى: لا تكثرا، فما الزيات والسمان إلا سلح قطع بنصفين. العرب تقول: لا تيأس أرض من عمران، وإن عفاها الزمان. قالت جارية قاسم التمار: لا تفلح امرأة خشنة الشفرين، ولا رابية المنكبين.

قالت امرأة لبشار الأعمى: يا أبا معاذ، هل رأيت وجهك قط؟ قال: لا، قالت: لو رأيت وجهك لا تزرت عليه كما تأتزر على آستك من قبحه، فقال لها بشار: اغربي قبحك الله. قال أبو عبيدة: أوصى علي بن عبد الله بن عباس إلى سليمان بن علي وترك محمداً، وكان أسن ولده، وقال له: يا بني إني أنفس بك أن أدنسك بالوصية. وضرط ابن سيابة في جماعة ولم يتشور، وقال غير مكترث: ذلك تقدير العزيز العليم. وقال أبو بكر الواسطي: العارف ينظر إلى الخلق فيرى فيه ربوبيته، وينظر إلى الدنيا فيرى فيها خيال آخرته. وقال أبو بكر أيضاً: هيبة العارف بالله تعالى ممزوجة بسروره، وخوف مفارقته ممزوج برجاء اتصاله، وشوقه إلى لقائه ممزوج بالحياء منه، فلا

هيبته تذهب بسروره، ولا خوف مفارقته يغلب رجاء اتصاله، ولا الحياء منه ينفره عن الشوق إلى لقائه. العرب تقول: فلان شمري أحوذي، ويقال سمري أيضاً؛ هكذا وجدت بخط منسوب. سمعت أبا بكر ابن الأمام المقرىء البغدادي يقول: كان عندنا ببغداد رجل يهوى امرأة جار له، فقال لها ليلة وقد علاها يحشوها: علمت يا فلانة أن الناس يتهمونني بك، قالت: وما عليك أن يأثموا وتؤجر، فقال لها وهو يغوص فيها: الله عز وجل حسيب الظالم. نزل ابن أبي فنن الشاعر في جوار زريات المغنية، فكايدته جارية من جواريها، فقالت له: يا شيخ، تحول من جوارنا لا يقول الناس إن هذا الهجاء أبو هذه المغنية، فقال لها: الذي يلزمني من العار أكبر، لأن الناس يقولون: هذا الشاعر أبو هذه القحبة.

أنشدنا أبو سعيد السيرافي لأبي هفان يخاطب إبراهيم بن المدبر وقد خرج مصعداً إلى بغداد من البصرة: الرمل يا أبا إسحاق سر في دعة ... وامض مصحوباً فما منك خلف إنما أنت ربيع باكر ... حيث ما صرفه الله انصرف ليت شعري أي قوم أجدبوا ... فأغيثوا بك من بعد العجف ساقك الله إليهم رحمة ... وحرمناك لذنب قد سلف وأنشدنا هذه الأبيات المرزباني لأبي شراعة. قال ذو النون المصري رحمه الله: سألت حكيماً عن العقل فقال: العقل شجرة أصلها العلم، وفرعها العمل، وثمرتها السنة. وحدث الحسن البصري بحديث، فقال له رجل: عمن

أصلحك الله؟ فقال: وما تصنع بعمن؟ أما أنت فقد نالتك موعظته، وقامت عليك حجته. قال السري السقطي: كل معصية في شهوة يؤمل غفرانها، وكل معصية في كبر لا يؤمل غفرانها، لأن معصية إبليس كانت من كبر، ومعصية آدم كانت من شهوة. قال الزجاج: إنما سمي الخل خلاً لأنه اختل بالحموضة، قيل له: فإن العسل أيضاً خل لأنه أخل بالحلاوة عن الحموضة، فقال: هذا لا يلزم، لأن الأصطلاح سبق بالمعنى الذي دل على الاشتقاق، ولم يسبق المعنى فيقع عليه قياس. شاعر: الكامل ذهب الزمان برهط حسان الألى ... أضحت منازلهم كأمس الدابر وبقيت في خلف تحل ضيوفهم ... منهم بمنزلة اللئيم الغادر

سود الوجوه لئيمة أحسابهم ... فطس الأنوف من الطراز الآخر يقال: من أخذ نملة حمراء من المقابر وجعلها في داره خرج النمل منها. اجتمع الرضا والمأمون والفضل بن سهل على مائدة، فقال الرضا مبتدئاً: إن رجلاً من بني إسرائيل سألني: النهار خلق قبل الليل، أم الليل خلق قبل النهار، فما عندكما؟ فقال الفضل للرضا: قل أنت، فقال الرضا: من القرآن أو من الحساب؟ فقال الفضل: من الحساب، فقال: قد علمت أن طالع الدنيا السرطان، والكواكب في مواضع شرفها، وزحل في الميزان، والمشتري في السرطان، والشمس في الحمل، والقمر في الثور، وذلك يدل على أن كينونة الشمس في الحمل في العاشر من الطالع في وسط السماء؛ يوجب ذلك أن النهار خلق قبل الليل. وأما دليل ذلك من القرآن فقوله تعالى " لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار " يس: 40. أنشد: الطويل غنيت زماناً بالشباب ولم أزل ... بودي أبقى بالشباب ممتعا فلما تفرقنا كأن الذي مضى ... من العيش لم ننعم به ساعة معا

دعا أعرابي فقال: اللهم إني أعوذ بك من الفاجر وجدواه، والغريم وعدواه، والعمل الذي لا ترضاه؛ اللهم إني أعوذ بك من الفقر إلا إليك، ومن الذل إلا لك. قال يحيى بن كامل: متى دفع رجل إلى صاحبه دراهم ليقضي بها عن نفسه دينه، ويشتري ببعضها خمراً، إن تلك الحركة واحدة وهما فعلان: طاعة ومعصية كانتا لخذلان وعصمة. وقال سعيد المقرىء: بل هي فعل واحد، طاعة من جهة ومعصية من جهة. وقال يحيى: قد كان يجوز أن يجعل الله الصغائر كبائر والكبائر صغائر. وقال برغوث: لا يجوز أن يخلق الله عز وجل إلا جزءين ليكون أحدهما مكان الآخر. وقال يحيى: يجوز أن يخلق جزءاً لا في مكان، كما خلق العالم لا في مكان. وقال برغوث: ليس يجوز أن يعلم الإنسان كل ما يجهله. وقال يحيى: يجوز أن يكون ذلك. وقال يحيى: الطول مقدار الجزء وليس هو عين الطويل. فقال برغوث: يجوز أن يبقى بعض الخلق ولا يفنى البتة. وقال آخر: الأشياء تفنى على معنى

تفرق الأجزاء. وقال آخر: بل على التلاشي. وقال آخر، قال برغوث: يجوز أن يخلق الله عز وجل صحيحاً بالغاً ولا يخطر بباله شيئاً. وقال يحيى: ثواب الله عز وجل أكثر من تفضله، وعقابه أشد من بلائه. وأنشد: البسيط يا أكرم الناس في ضيق وفي سعة ... وأنطق الناس في نظم وفي خطب إنا وإن لم يكن ما بيننا نسب ... فرتبة الود تعلو رتبة النسب كم من صديق يراك الشهد عن بعد ... ومن عدو يراك السم عن قرب دخل محمد بن كعب القرظي على سليمان بن عبد الملك في ثياب رئة، فقال له سليمان: ما يحملك على لبس هذا؟ قال: أكره أن أقول الزهد فأطري نفسي، أو أقول الفقر فأشكو ربي.

نظر أعرابي إلى رجل جيد الكدنة فقال له: يا هذا إني لأرى عليك قطيفة من نسج أضراسك محكمة. يقال: حصب في الأرض إذا ذهب. العرب تقول: شر النساء الحميراء المحياض، والسويداء الممراض. يقال: ليس على مختف قطع، أي ليس على النباش قطع، يقال خفاه واختفاه إذا أظهره، فكأنه يظهر الكفن، كذا قيل. السمهري: الرمح الشديد، يقال اسمهر الأمر إذا اشتد، وكذلك ازمهر، ويقال ازمهر الحر أيضاً. المذلق: المحدد، وفلان ذليق اللسان وذلق كما قالوا: رهيف اللسان، ويشار بذلاقة اللسان إلى استمرار اللفظ، ويشار بها أيضاً إلى شدة الجواب وإصابته. والربل: نبت، ويقال ربل القوم إذا كثر مالهم وهي الربالة. إناء روي: إذا كان يروي من يشربه، وماء روي ورواء إذا كان لا ينزح؛ جفالة الضائنة: صوفها، وجفالة الناقة: وبرها. قيل لأعرابي: أي الناس أشد؟ قال: الأعجف الضخم،

يعني الذي فيه عبالة، خفيف. هذا كله من كلام ابن السكيت في كتب مختلفة. قيل لفيلسوف: أي الأشياء ينبغي أن تعلم الصبيان؟ فقال: الأشياء التي إذا صاروا رجالاً استعملوها. قيل للإسكندر إن داراً قد عبأ جيشاً فيه ثلاثون ألف مقاتل وهو على أن يستقبلك به، قال: إن القصاب لا تهوله الغنم وإن كثرت. قال فيلسوف: الحساد منهم مناشير لأنفسهم. قال أرسطاطاليس: محبة المال وتد الشر كله، لأن الشر كله متعلق به. قال فيلسوف: من القبيح أن يتولى امتحان الصناع من ليس بصانع. رأى ديوجانس - وكان محمقاً في اليونانيين - زنجياً يأكل خبزاً أبيض محوراً، فقال: يا قوم انظروا إلى الليل كيف يأكل النهار.

رأى ديوجانس رجلاً في الحمام حوله جماعة يخدمونه ويدلكونه ويصبون عليه الماء وهو لا يتحرك، فقال: إني لأعجب كيف لم تعد من يدخل الأبزن مكانك. ورأى رجلاً حسن الوجه كثير الشر، فقال: أما البيت فحسن، وأما الساكن فيه فخبيث. ورأى امرأة قد حملها الماء فقال: على هذا جرى المثل: دع الشر يغسله الشر. ورأى ديوجانس قملة تدب على رأس أصلع فقال: انظروا إلى اللص كيف يروم القطع في قفر. وقيل له: ما المرأة؟ قال: مسح وخسران. قال ديوجانس: من أراد أن يكون مذهبه جيداً فلتكن طريقته على ضد طريقة أكثر الناس.

وقال جالينوس: من أصابه قولنج فليأت كلباً نائماً، وليثره عن موضعه وليبل فيه. قال جعفر بن محمد: من أنصف من نفسه، رضي به حكماً لغيره. العرب تقول: شر الجيران من عينه تراك، وقلبه يرعاك، إن رأى حسنة سترها، وإن سمع سيئة نشرها. لأعرابية في زوجها: المتقارب يحب النكاح أبو مسهر ... وليس يطاوعه أيره وقد أمسك البخل من كفه ... فأصبح لا يرتجى خيره فيا ليت ما بحري في آسته ... ويملكني رجل غيره قيل لأعرابية: ما للبرق البعيد أشوق من القريب؟ قالت: لأن القريب أرجى، والبعيد أيأس. قال ابن الكلبي: الأقوال والأقيال من العرب: الملوك، والقمامسة: الأشراف، الواحد قمس، والبطارقة من الروم، الواحد بطريق، والمرازبة من الفرس، والطراخنة من الترك، والتكاكرة من السند والهند، الواحد تكرك، والأقاصرة - كذا قال، والسماع القياصرة - ملوك الروم،

والأكاسرة مملوك الفرس، والتبايعة ملوك اليمن. قال الحارث بن كلدة: إذا أردت أن تحبل منك المرأة فمشها في عرصة الدار عشرة أشواط، فإن رحمها ينزل ولا تكاد تخلف. سمعت أشياخاً يقولون: من أمثال الفرس: ما دخل مع اللبن لا يخرج إلا مع الروح، والعرب تقول: آطبع الطين ما دام رطباً، واغرس العود ما كان لدناً قيل لأعرابي: ما اللذة؟ قال: قبلة على غفلة. قيل لملك: فيم لذتك؟ قال: في ظفر، بعد دور، وليالي سمر. وقيل لطفيلي: فيم لذتك؟ قال: في مائدة منصوبة، ونفقة غير محسوبة، عند رجل لا يضيق صدره من البلع، ولا تجيش نفسه من الجرع. وقيل لتاجر: فيم لذتك؟ قال: في ربح على السوم، ونقد في اليوم. وقيل لعالم: فيم لذتك؟ قال: في حجة تنبختر اتضاحاً، وشبهة تتضاءل افتضاحاً.

وقيل لراع: فيم لذتك؟ قال: في واد عشيب، ولبن حليب. وقيل لأبي مزاحم الصوفي: فيم لذتك؟ قال: في سياحة البلاد، وطي البواد، وحضور النواد، ومفاكهة الأنداد، ومنافرة الأضداد. وقيل لعابد: فيم لذتك؟ قال: في عمل يخلص، ورياء ينقص، وقلب عن الدنيا يسلو، وهمة إلى الله عز وجل تعلو. وقيل لكاتب: فيم لذتك؟ قال: في معنى أنهيته، وكلام أنشيته. وقيل لغاز: فيم سرورك؟ قال: في سرية مقبلة، وغنيمة مستقبلة. وقيل لفقير: فيم لذتك؟ قال: في إزاحة العلل، وقضاء الوطر عللاً بعد نهل. ساوم أشعب بقوس بندق، فقيل له: هي بدينار، فقال: والله لو كنت إذا رميت عنها الطائر سقط مشوياً بين رغيفين ما اشتريتها بدينار. قال رجل لصاحب منزله: أصلح خشب هذا السقف فإنه

يقرقع، قال: لا تخف إنما هو يسبح، فقال: أخاف أن تدركه رقة فيسجد. صعد مخنث جبل لكام ليتعبد، فلما صعد فيه أعيا فقال: واشماتتي بك يوم أراك كالعهن المنفوش. العرب تقول: كان كراعاً فصار ذراعاً، إذا ارتفع. قال الأصمعي: رؤي أعرابي في حزيران على شاطىء نهر يغوص غوصة ثم يخرج فيعقد عقدة في حبل، فقيل له: ما هذا؟ قال: جنابات الشتاء أقضيها في الصيف. قال صعصعة: أكلت عند معاوية لقمة فقام بها خطيباً، فقيل له: وكيف ذلك؟ قال: كنت آكل معه فهيأ لقمة ليأكلها وأغفلها، فأخذتها، فسمعته بعد ذلك يقول في خطبته: أيها الناس أجملوا في الطلب، فرب رافع لقمة إلى فيه تناولها غيره.

العرب تقول: زج نضوك يبلغ بك. دخلت جارية على راشد لتسأله عن مولاتها، فرأت حماراً أدلى، فشغلت بالنظر إليه فقالت: تقول لكم مولاني: كيف أير حماركم؟ فقال لها راشد: قائم والحمد لله. قال طفيلي لرجل على المائدة: ما ألأمك! فقال الرجل - وكان صاحب المائدة -: سب النفس أهون من وقع الضرس. قالت جارية عمرو بن العاص للأحنف: ما بال أستاه الرجال ينبت عليها الشعر وأستاه النساء لا ينبت عليها؟ فقال: أستاه ارجال حمى، وأستاه النساء مرعى. العرب تقول في أمثالها: ويله كيلاً بلا ثمن لو أن له وعاء. قال الجماز: أردت أن أتزوج جارية بصرية فقالت لرسولي: أريد أن أسمع كلامه، فقعدت قريباً منها فقالت لي: اذكر ما عندك، قلت: عندي دنانير ودراهم وثياب، قالت: ما سألتك عن هذا، إنما سألتك عن

الفراش، قلت: واحدة في أول الليل، وأخرى في السحر، قالت: قم رحمك الله، فإنك إلى قبر أحوج منك إلى امرأة. جازت امرأة بشيخ مؤذن وهو يمرس أيره بيده، فقال له: يا شيخ خله من يدك وعلي ضمانه. العرب تقول: من احمر قرقر. قال أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل: كانت لنا جارية مغنية فاحتضرت فقلت لها: قولي لا إله إلا الله، فقالت: الكامل حضر الرحيل وشدت الأحداج ... وحدا بهن مشمر مزعاج يقال: الأيكة من الأراك، والعيص من السدر، والغيطلة

من الشجر، والعضهة من الطرفاء، والأجمة من القصب، والوشيجة من القنا، والغيصة من العشب، والوهط من العوسج. يقال: فلان شديد العارضة وفلان شديد الأبهر إذا كان شديد الظهر، وشديد الأخدع إذا كان شديد العنق، وشديد النسا إذا كان شديد الساق. لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم ارتفعت الواعية بمكة، فقال أبو قحافة: ما هذا؟ قالوا: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: خطب جلل، فمن الخليفة بعده؟ قالوا: ابنك، قال: أرضيت بذلك بنو أمية وبنو المغيرة؟ قالوا: نعم، قال: سبحان الله! يعارضون النبوة ويسلمون الخلافة، إن هذا لأمر يراد. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الرجل ليكون من أهل الصلاة والزكاة والحج والعمرة، وما يجزى يوم القيامة إلا بمقدار عقله، وفي رواية الطبراني لنا: إلا بمقدار عقله.

وقال أبو الدرداء: قال النبي صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: إني والإنس في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر غيري. قال الشعبي: الكبائر: الإشراك بالله، واليمين الغموس، وعقوق الوالدين، وقتل النفيس. قال أحمد بن حابط: ابتدأ الله عز وجل الخلق جملة في دار غير هذه الدار، وأسبغ عليهم نعمه، ولم يكلفهم فيها شكره، ثم نقلهم إلى دار أخرى فوجاً بعد فوج، يأمرهم فيها ويختبرهم، فمن أطاعه فيها ولم يعصه رده إلى تلك الدار، ومن عصاه ولم يطعه رده إلى دار العقاب وهي جهنم، ومن عصاه في بعض وأطاعه في بعض أخرجه إلى هذه الدار.

قال الإسكافي وأبو عيسى الوراق: يجوز أن يكون الإنسان قاعدا قائماً، ومتحركاً ساكناً؛ هكذا حكى الكعبي وهو ثقة، وهذا من شنيع القول وفاحش الأعتقاد. وما أدري ما أقول في هذه الطائفة التي تبعت آراء مشوبة، وأهواء فاسدة، وخواطر لم تختمر، وفروعاً لم يؤسس لها أصول، وأصولاً لم تشرع على محصول، لا جرم اتسع الخرق على الراقع، واشتبه الأمر على المستبصر، وخاست بضائع العلماء، وعاد الأمر إلى الهزل المقوى بجد، والباطل المزين بحق، وذهب التقى، وسقط الورع، وهجر التورع والتخرج، وصار الجواب في كل مسألة دقت أو جلت، أو اتضحت أو أشكلت، لا أو نعم، كأنهم لا يعلمون أنهم لا يعلمون كل شيء، ولا يحيطون بكل شيء، وأن الدين مشروع

على التسليم والتعظيم والعمل الصالح، واعتقاد ما عري من الرأي المنقوص والعقل المنقوص، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجب في كل شيء، ولا أثار ما لم يكن مأموراً بإثارته، وأنه أمر بالكف والسكوت إلا فيما عم نفعه، وشملت عائدته، وأمنت عاقبته، بذلك بعث، وعليه حث وحث. إلى الله عز وجل أشكو عصرنا وعلماءنا، وطالبي العلم منا، فإنه قد دب فيهم داء الحمية، واستولى عليهم فساد العصبية، حتى صار الغي متبوعاً، والرشد مقموعاً، والهوى معبوداً، والحق منبوذاً، كل يزخرف بالحيلة ولا ينصف، ويموه عليه بالخداع ولا يعرف. ولقد رأيت شيخاً من أبناء ستين سنة وهو يقول: ما ناظرت قط في إثبات الرؤية من ينفيها إلا انقطعت، ولا أتيت بحجة إلا زوحمت، ولا عولت على أصل إلا نوزعت، وما أمدي في ذلك إلا هواي في أني أحب إثبات الرؤية، وأستوحش من نفيها، فأنا أتبع ما يقوى في نفسي، لأن الله عز وجل قاذف تلك المحبة في نفسي، ومتوليها دوني، ولو كان العمل على بيان الخصم واحتجاج النظير وشواهد المناظر، لقد كنت تحولت في ألف مقالة، فإني لا أسمع خطبة مقالة، ولا ألحظ ظاهر نحلة، إلا وأرى له من البهاء والحلاوة والحسن والشارة ما لا أجد لغيره، فإن ذهبت إلى تكافؤ الأدلة قهرت العقل، وفارقت

المحجة، وإن ملت إلى تخليص الحجة من عوارض الشبهة رمت كؤوداً، ورهقت صعوداً، لكني مع ما ألقي في روعي لأني واثق به، وذلك أني لم أجلبه ولم أكسبه، وإنما هو شيء سبق إلي سوقاً، وشوقت إليه شوقاً، ولأن أكون مع هذه الدواعي أحب إلي من أن أطيل المنازعة وأكثر البحث، فإن آفة المنازعة ثوران الطباع وهيج النفس وعصبية الهوى، وآفة البحث التردد بين الاستيحاش والتحير على غير يقين يمسك الفؤاد، ولا عمل يزود إلى المعاد. هذا كلام هذا الرجل، ولعل فتنته فيما ذهب إليه، وعقد إصبعه عليه، أخف من فتنة غيره، وإذا كان بعض ما يعتري خائض هذا العمر، وراكب هذا البر، فما نقول بأمور أدق من هذا وأخفى؟! ولهذا قال بندار بن الحسين، وكان شيخ فارس علماً وفضلاً ونبلاً: ما نظرت في الكلام قط إلا رأيت في قلبي منه قسوة، وعلى لساني منه سطوة، وفي أخلاقي مع خصومي جفوة. وكان أبو زيد المروزي يقول - وشاهدته بمكة سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة -: كنت أقرأ علم الكلام على الأشعري أيام حداثتي بالبصرة،

فرأيت في المنام كأني قد فقدت عيني جميعاً، فأستعبرت حاذقاً بعلم الرؤيا فقال لي: لعل هذا الرائي قد سلخ دينه، وفارق حقاً كان عليه، فإن أوضح دلائل البصر على الدين والعقيدة. قال: فأستوحشت من هذه العبارة، وأنقبضت عن المجلس، فسأل عني وجد في تعرف خبري وألح على نظرائي، فلم أرتح ولم أهتز، فبينا أنا على انقباضي إذ جمعني وإياه طريق، فبدأني بالسلام، وأطال طرف الحديث، وشهد تعسري في الإجابة، وأستيحاشي من الطريقة، فقال لي عند آخر كلامه: إن كنت تنفر من مقالتنا التي شاهدناها ونصرناها، فاحضر واقرأ أي مقالة أحببت فإني أدرسها لك. قال أبو زيد: فأزددت في نفسي نفوراً، وكان سبب إلحافه وتشدده أني كنت حديث السن، وكان للعين في مجال، ثم ثبتني الله تعالى على هجران هذا الفن، وأقبل بي على الحق والفقه، وبلغني هذه الحال التي أسأل الله عز وجل تمامها وخير عاقبتها. هذا نص ما حفظته عنه، وإن كنت قدمت بعض اللفظ وأخرت، فإني لم أحرف المعنى، ولم أزد فيه من عندي شيئاً، ولقد سمع هذا ابن المرزبان الشافعي سنة تسع وخمسين مع أصحابه بعد أن عاد أبو زيد من الحجاز والشام إلى مدينة السلام قاصداً إلى خراسان. قامت امرأة تصلي بلا سراويل، فرآها ماجن، فانتظر بها حتى

سجدت ثم وثب عليها وألقى ذيلها وحشا يطنها وهي لا تتحرك، فلما صب وقام أقبلت عليه وقالت: يا جاهل، قدرت أني أقطع صلاتي بسببك؟! قال رجل لجارية أراد أن يشتريها: لا يريبنك هذا الشيب فإني قوي على النيك، فقالت: يا هذا، حدثني: أيسرك أن تبتلى بعجوز مغتلمة؟! قال المقتدر لجارية عرضت عليه: أتشتهين أن أشتريك؟ قالت: إن اشتهيت أن تنيك! فاستظرفها واشتراها. قال فيلسوف: لا تغتر بحسن الكلام إذا كان الغرض الذي يقصد به ضاراً، فإن الذين يسمون الناس إنما يقدمونه في ألذ طعام، ولا تستجفين الكلام الغليظ إذا كان الغرض سليماً نافعاً، فإن أكثر الأدوية الجالبة للصحة يشعة. قال فيلسوف في رجل: عنف الناصح به أرضى عنده من ملق الكاشح. وأنشد لمنصور التميمي المصري: الرمل المجزوء

ليس إلا مستنيل ... أو منيل مستطيل أو مباه لمباه ... أو مجاز أو بخيل قال أعرابي: أحسن الغناء ما أفهم السامع وأطرب الخاشع. وقال أعرابي: إياك أن تكون صاحي اللسان سكران العقل. لمنصور الفقيه: الرجز ومغفل ذكر الأجل ... سما به طول الأمل فما ارتقى حتى نزل ... مستكرهاً؛ ولم يقل قط لشيء قد كمل ... وقد تناهى واعتدل إلا تبينت الميل ... والنقص فيه والخلل بعقب ما قيل؛ وهل ... ينجي من الله الحيل والله ما شاء فعل ... سبحانه عز وجل أصبح للناس مثل ... وعبرة لمن عقل من نال من عز الدول ... ما لم ينل قط رجل كان إذا قيل رحل ... نحو بلاد وفصل تطأطأت كل الملل ... ولم تزل على وجل حتى يقال قد قفل ... أمسى منيفاً كالجبل ثم تلاشى واضمحل ... كأنه نجم أفل

قال فيلسوف - وهو زينون - لفتى رآه يتلهف على الدنيا: أحسب أنها بأسرها لك وأنت في لجة البحر قد أشرفت على الغرق، أكانت غايتك إلا النجاة بنفسك؟ قال: نعم، قال: فكذلك لو كنت ملكاً فنازعك في ملكك من يريد قتلك هل كنت تريد غير النجاة شيئاً؟ قال: نعم، قال له: فأنت الملك وأنت الغني، إلا أنك قد نجوت بنفسك وربحت لذة ما فاتك، ويبقى طلب ما إذا نلته كان سبيله هذا السبيل. وقال زيتون: لا تخف موت البدن، ولكن خف موت النفس، فقيل له: لم قلت: خافوا موت النفس والنفس الناطقة عندك لا تموت؟ فقال: إذا انتقلت النفس الناطقة من حد النطق إلى الحد البهيمي، وإن كان جوهرها لا يبطل فإنها قد ماتت من العيش العقلي. قال فيلسوف آخر: يا هذا لا بقليل تقنع، ولا بكثير تشبع. قال كشاجم في كتاب النديم: واللحن عندهم يتخون

الجمال، كما أن الفصاحة تعفي على القبح؛ وقال، قال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس عمه وسمع منه كلاماً فصيحاً: بارك الله عز وجل لك يا عم في جمالك، أي في فصاحتك. قال: وكذلك الحديث الحسن تقبله النفس أولاً وتكرهه معادا؛ قال: وأقول أيضاً: كما أن الألحان أشرف المنطق كذلك نفس الطروب والمستخف لها أشرف النفوس. وقال أيضاً: كتبت إلى صديق لي: الكامل المجزوء إن كنت تنكر أن في ال ... ألحان فائدة ونفعا فأنظر إلى الإبل التي ... هي ويك أغلظ منك طبعا تصغي لأصوات الحدا ... ة فتقطع الفلوات قطعا ومن العجائب أنهم ... يظمونها خمساً وربعا فإذا توردت الحيا ... ض وحاولت في الماء كرعا وتشوفت للصوت من ... حاد تصيخ إليه سمعا ذهلت عن الماء الذي ... تلتذه برداً ونقعا

شوقاً إلى النغم التي ... أطربنها لحناً وسمعا قال فيلسوف: إذا لم تكن كما تريد فلا تبال كيف كنت. وقال أعرابي: إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون. يقال في العربية: أرادني بكل ريدة: والفرق بين المريد والرائد أن المريد قد تتوجه إرادته نحو ما لا يصح له ولا يدنو منه، والرائد هو الذي قد نال مراده وتمكن، ومنه راد الفرس، ومرود الفرس، وهذا مراد المال لأنه يريده أي سرح فيه؛ يقال: سرحته وسرح هو فأنسرح، وهو المنسرح في العروض، وفي قول الله عز وجل " وحين تسرحون " النحل: 6 أي ترعون ما لكم؛ قيل لمملوك في العرب يرعى إبلاً: أنت راعيها، قال: الله راعيها وأنا مرعيها؛ هكذا حكاه الأصمعي. والإرادة في الإنسان مركبة من شهوة وحاجة وأمل، والإنسان وعاء القوى، وظرف المعاني، وطينة الصور، ومعدن الآثار، وهدف

الأغراض، وكل شيء له فيه نصيب، ومن كل شيء عنده حيلة، وله إلى كل شيء مسلك، وبينه وبين كل شيء نسبة ومشاكلة، وهو جملة أشياء لا تنفصل، وتفصيل حقائق لا تتصل، وهو أب العالم المتوسط بين العالمين، وله نزاع إلى الطرفين: إلى ما ينحط عنه بالشوق إلى الكمال، وإلى ما يعلو عليه بالتنزه عن النقصان؛ وهو مرتهن بالأسباب العالية والدانية، وتابع للغالب، ومنجذب مع الجاذب، وفاعل فيما علا عليه وقبل أثره، وقابل مما أنحط عنه وسرى إليه أثره. وهذا فن لا يتسع القول فيه لضيق حدوده وإشكال حقائقه، وإنما نثرت ها هنا ما علق بقلبي من خلصان هذا العلم، وأفاضل هذا الشأن، وما نصيبي منه إلا كنصيب من حكى لغة لا دربة له بها، ولا عادة له في استعمالها، ولا أنس له بفهم اصطلاح أهلها، ولولا أني قد شرطت أن أصرف القول تصريفاً، حاكياً وقائلاً، لما أعرت هذا النمط من نفسي فراغاً، ولا قصدت فيه بلاغاً، فإن فيما جل عن هذا غنى عما دق من هذا. هذا كتاب الله عز وجل، وهو المقنع والمفزع، وفيه الشفاء والبيان، والهدى والنور، وإليه مرد كل مشكل، وعليه معرج كل حيران: مجمله كاف للقلوب السليمة، ومفصله شاف للصدور السقيمة، وظاهره داعيك بما أوضح لك إلى تسليم ما بطن عنك، وباطنه مناجيك بما أشار إليه لتقف مع ما ظهر

لك؛ هذا إن عرفت فرق ما بين الإلهية والعبودية، فأما وأنت مترجح بين الشبهة والبهتان، وبين الحجة والرهان، لا تميز جدب هذا من خصب هذا، ولا تفرق بين حقيقة هذا من تمويه هذا، فما أخوفني على ركنك أن ينثلم، وعلى وجهك أن يتوقح، وعلى نفسك أن تمرض، وعلى عاقبتك أن تكون خسراً. اللهم فلا تكلنا إلى عجز يقطعنا عنك، ولا تقطعنا عن قوة تصلنا بك، ولا تحجبنا بإملائك لنا عن عادة إحسانك إلينا، فإن الطريق إليك وعر إلا إذا نهجته، والقلب عنك ساه إلا إذا هيجته، والتوكل عليك صعب إلا إذا سهلته، والقول فيك مشوب إلا إذا خلصته، فبك قوام كل شيء ونظامه، وإليك مصيره وانسياقه، ومنك فزعه وفرقه، ولك ذله وخشوعه، وعلى قدرتك دلالته، وإلى وحدانيتك إشارته، وعن إلهيتك نطقه وعبارته، وفي غيب ملكوتك تيهه وحيرته، ولبعده عنك غرارته وخسارته، ولقربه منك علامته وأمارته، ذلك لأنك أول كل شيء وآخره، وباطنه وظاهره، ومالكه وقاهره، فلك الحمد يا مظهر الكون، ويا قديم العين، ويا علياً عنا بلا كيف وأين.

العرب تقول: اعتلج الرجلان، إذا اصطرعا، ومن كلامهم: سوء الأستمساك خير من حسن الصرعة، والصراع: المصارعة، مثل الدفاع المدافعة والخصام المخاصمة، فأما الصراع - بضم الصاد - فداء من خاه ثائر يهيج بالإنسان فيصرعه. والمماغثة: الممارسة. والشفا: حرف، مقصور، والحرف: جانب وطرف، ويقال: المريض على شفا أي قريب من الهلك والهلاك، والأشفية: الأدوية، وأشفى فلان أي قرب من المحذور، وبعض القبائل يقول: أشاف، فأما شاف فمعناه جلا أي نقى. وفلان ذو أسرة كريمة أي أهل بيت، كأن أسرة الرجل ما هو مأسور به، أي مشدود به، لأن الرحم والقرابة يضمان على الإنسان ويشدانه، والأسر: الشد، ومن أجله قيل للأسير أسير لأنه مأسور، أي مشدود بالإسار، أي بالقد، واستأسر فلان: أي انقاد حتى شد، واستأسر فلان فلاناً أي أخذه أسيراً، وقول الله عز وجل " وشددنا أسرهم " الدهر: 28 أي أحكمنا خلقهم؛ هذا كله محفوظ.

والطعنة النجلاء هي الواسعة. ومرد فلان الغصن إذا خرطه ورمى بما عليه من الورق، وكأن الأمرد من ذلك إذ الشعر في عارضيه نظير الورق على الغصن. ورجل هاع لاع: أي جبان خوار. ويقال: وقع في أسنانه القادح، أي الفساد. والمتمطر: السريع، وهو أيضاً المتعرض للمطر أي الطالب له حتى يصيبه. ويقال: صدر فلان أي اشتكى صدره، ولا يرفع صدره لأن الرجل اشتكاه، فأما الصدر فما اشتكي؛ هكذا قال الناشىء؛ والمصدور: الذي قد أصيب صدره، لأنك تقول بطنته فهو مبطون أي ضربت بطنه، كذلك تقول: صدرته فهو مصدور، والمصدور أيضاً الذي بصدره علة، وفي المثل: لا بد للمصدور أن ينفث، شبه المهموم الذي قد حرج بما كتمه وضاق ذرعاً بما طواه بمن أصاب صدره ما أنفثه، يقال: نفث ينفث إذا ألقى ما أجتمع في صدره، فكأن المهموم يطلب الراحة بإذاعة ما تجنه أضالعه، كما يجد المصدور الراحة بإلقاء ما قد اكتن في صدره.

ويقال: في صدره همهمة أي حشرجة، وهي النخس العارض، ومنه البيت لحاتم وتمثلت به عائشة رضي الله عنها حين احتضر أبوها وشاهدت العلز وأيقنت بالفراق: الطويل أماوي ما يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر فقال أبو بكر: لا تقولي هذا، ولكن قولي " وجاءت سكرة الموت بالحق " ق: 19 ويقال: سكرة الحق بالموت، هكذا قرأته، والصوفية تزعم أن هذه القراءة فيها إشارة لطيفة بتقديم الحق على الموت، وكان أبو حامد المروروذي يقول: لعله قرأه هكذا لما غمره من معالجة الموت، فإن اللسان قد يذهب في مثل تلك الحالة عن مذهب الصواب، وكيف يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد قرأ بخلاف ذلك ولقنته الصحابة عنه، وسيرته في جزيرة العرب، وقد سمعه أبو بكر أيضاً في جملة الناس، ثم ينفرد عنهم بقراءة تخالف قراءة من نزل القرآن عليه، وأرسل جبريل إليه، إن هذا لعجيب! قال: وما أقول هذا كله بسبب هذا الحرف، ولكن يذكرني هذا أيضاً ما أنفرد به ابن مسعود وغيره، وإن كان بعض هذا ليوحش النفس ويوغر الصدر ويثير سوء الظن. وكنا إذا طال

سماعنا منه هذا وأشباهه نقول: أيها القاضي، فكيف الوجه؟ فيقول: لعل الرواية في هذا الباب فاسدة، والإسناد إلى هؤلاء الفاضلين ضعيف، والأمر منظوم الأول والآخر، صحيح الباطن والظاهر، ولولا تكلف من تكلف، واعتراض من اعترض، لكان الأختلاف ساقطاً بواحدة، والوحشة منتفية دفعة، ولكن كثر الدخلاء في الدين، فاضطرب بهم حبل اليقين، وحجب الناس عن الصواب بالخطإ، واشتد المراء بين الجهال. قال بختيشوع: الصفراء كالصبي، ترضيه التمرة، وتسخطه اللطمة، والسوداء كالحية في الجحر إذا هاجت نكت، والبلغم كالأسد لا ينشب مخالبه في شيء إلا هتك، والدم كالشرطي يغدو مع كل أحد من أسباب السلطان، وكذلك هو في ميله مع كل مائل. وحدث أبو هفان وابن ماسويه حاضر أن جعفر بن محمد قال:

الطبائع أربع: الدم وهو عبد، وربما قتل العبد سيده، والبلغم وهو عدو، إن سددت له باباً أتاك من آخر، والريح وهو ملك يدارى، والمرة وهي الأرض، إذا رجفت ترجف بمن عليها، فقال: أعد علي هذا، فو الله ما يحسن جالينوس أن يرصف هذا الترصيف. قال أعرابي: كا امرىء يعمل في حظه. ويقال في المثل: كل امرىء في شأنه ساع. ويقال: أعشبت فأنزل وأوسعت فآبن: وجدت عشباً وسعة. قال علي رضوان الله عليه: الصوت للحلق، والحروف للسان، والقلب للعقل، والكبد للحزن، والرأي للكليتين. قال أعرابي لرجل أطعمه: أطعمك الله عز وجل الذي أطعمتني له، فقد أحييتني بقتل جوعي، ورفعت عني سوء الظن بيومي، فحفظك الله على كل جنب، وفرج عنك كل كرب، وغفر لك كل ذنب. شاعر: البسيط

ما بات مذ عقدت كفاه مئزره ... قبيصة بن هلال وهو موتور لا تقرب اللفظة العوراء مجلسه ... ولا يذوق طعاماً وهو مستور قال ثعلب، قال أبو عمرو الشيباني: يقال للعين العذبة عيلم، وللعين المالحة يقال كذلك. قال يونس: الجنة واحدها جني وجمع الجمع جن. قال الزيادي، سمعت الأصمعي يقول: بيض الدجاج وبيظ النمل. العرب تقول: المرء بكده، والفرس بشده، والسيف بحده؛ لو فطن لقيل في كل هذه بجده.

أنشد الناجم الشاعر: الرجز رب نديم كلذيذ الغمض ... أعذب من ماء الحياة المحض عاطيته ما بين نور غض ... صافية كالكوكب المنقض قال ثعلب، قال ابن الأعرابي: العرب تقول: ساعات آخر النهار في الصيف أطول من ساعات غدواتها، وساعات غدوات الشتاء أطول من ساعات عشياتها، فلذلك قال الشاعر: الطويل ألا ليت حظي من زيارة مية ... عشيات قيظ لا عشيات أشتيه هكذا قال ثعلب، وأشتية في جمع الشتاء غريب، وإن كان كثير النظير، وباب الجمع لا أساس له ولا قياس عليه. أنشد الناجم لأعرابي: الطويل سقاك وإن سقيتني جرع الأسى ... من الغيث أنفاس غيوث هواطل سحائب في جو السماء إذا انتحت ... فهن لبطن الأرض منها مناهل بكين فأضحكن الثرى عن زخارف ... من الروض عنهن الثرى متخايل كأن عيوناً وكلت ببروقها ... إذا ابتسمت تنهل منها هوامل

تلقحها الأنواء ليلاً بريقها ... فتصبح أبكاراً وهن حوامل قال أبو عثمان النهدي: أتت علي مائة وثلاثون سنة وما شيء أنكرته إلا أملي، فإنه يزيد. قال السكري عن الزيادي والتوزي قالا: أخبرنا الأصمعي قال، قال أبو عمرو: تقول العرب: المبلسم، ولا تقول المبرسم إلا لما يلف عليه الإبريسم. وقال السكري عن الرياشي عن الأصمعي قال: قال أبو عمرو: إذا غطي الشيء ليدرك نحو البسر والبطيخ والموز قيل: مغمول، ولا يقال: مغموم. وقال أبو عمرو: إذا ضرب البعير الناقة قيل: قاع، فإذا قرع قيل: قعا. قال أبو عمرو أيضاً: تقول العرب: امرأة مهيرة أي حرة.

والعرب تقول: الاتفاق بعد الأختيار، والفراق بعد الأختيار. أنشد لعبيد الله بن عبد الله بن طاهر: الطويل سقتني في ليل سبيه بشعرها ... شبيهة خديها بغير رقيب فأمسيت في ليلين بالشعر والدجى ... وصبحين من كأس ووجه حبيب ليم أعرابي على لؤم المكتسب فقال: الأدب ما لم يكن له حلب بمنزلة الحارد من النوق التي لا ينتفع منها بمخض حقين، ولا قارص دفين. وقال أعرابي: الأدب ما لم يجتلب قوتاً كالأرض الجدبة التي لا يمته عطشاها، ولا يخصب غرثاها. لما مات مسلمة بن عبد الملك أوصى بثلث ماله إلى أهل الأدب

وقال: هي صناعة مجفو أهلها. قال المنصور لرجل: ما مالك؟ قال: ما يكف وجهي، ويعجز عن بر الصديق، قال: لقد لطفت في المسألة. قالت عزة: كنت أحسن من الصلاء في الشتاء. كان عمارة بن حمزة يمضي على خطئه أنفاً من الرجوع ويقول: نقض وإبرام في ساعة واحدة؟ الخطأ أهون من هذا. هذا والله الكبر الصادر عن الجهل، كأنه ما سمع قول عمر رضي الله عنه وهو غرة الحكماء: الرجوع إلى الحق أولى من التمادي في الباطل؛ وما في نقض وإبرام في ساعة واحدة لمن لا يعلم الغيب، ولا يعدم العيب، والخطأ منه عادة، والصواب منه هفوة؟ إنه لو عرف نفسه لعلم نقصه. أنشد داود بن علي في خطبته بعد أن قال: نفعل ونصنع ثم أنشد: الكامل

حتى تبيد قبيلة وقبيلة ... ويعض كل مهند بالهام ويقمن ربات الخدور حواسراً ... يمسحن عرض ذوائب الأيتام قال الربيع بن زياد: من أراد النجابة فعليه بالمق الطوال، ومن أراد التلذذ فعليه بالقصار، فإنهن كنائن الجماع. يقال: إذا طال ساعد المرأة وساقها وعنقها أنجبت. يقال: ما قرن شيء إلى شيء أحسن من علم إلى حلم، ومن عفو إلى ظلم. العرب تقول: من مل اعتل، ومن جنى تجنى. شاعر: البسيط أما ترى الأرض قد أعطتك عذرتها ... مخضرة واكتسى بالنور عاريها فللسماء بكاء في حدائقها ... وللربيع ابتسام في حواشيها يقال: من فضل الناطق على الصامت أن الناطق يهدي ضالاً ويرشد غاوياً ويعلم جاهلاً.

قال هشام بن الحكم: ما شهد النبي صلى الله عليه وسلم أحد إلا أقربه من الوجه الذي جحده به، وذلك بقولهم: شاعر، فعلمنا أنه قال ما لم يعرفوه، وقال قوم: إنه ساحر، فعلمنا أنه قد أراهم الأعاجيب، وقالوا: كاهن، فعلمنا أنه قد ساحر، فعلمنا أنه قد أراهم الأعاجيب، وقالوا: كاهن، فعلمنا أنه قد أخبرهم بما يكون في غد. قال بعض السلف: كلوا اللحم فإنه يزيد السمع والبصر، وما تركه امرؤ أربعين صباحاً إلا ساء خلقه. قال عمر رضي الله عنه لابنه: كل يوماً لحماً، ويوماً سمناً، ويوماً لبناً، ويوماً زيتاً، ويوماً قفاراً. القفار: هو البحت كأنه أخذ من القفر، وهو المكان العاري من النبات. قال معاوية: إلصاق كلمة إلى كلمة أشد من وقع عصا على عصا؛ عصا: مقصورة، وإياك أن تقول عصاة. قال الحارث: رأيت علياً يخطب قاعداً كقائم، ومحارباً كمسالم؛

يريد بهذا تمكنه ومضيه، وأنه لا احتفال عنده ولا تصنع، وأنه بخلاف المتصنع. ولعمري إن التصنع لبئس الخلق، والمفتضح به أكثر من المفتضح بالأسترسال لأن الله تعالى يقي المسترسل على قدر ما يكل المحتفل. مضغت أعرابية علكاً، فقيل لها: كيف ترينه؟ قالت: فيه تعب الأضراس وخيبة الحنجرة. منصور الفيه: المجتث الموت أسهل عندي ... بين القنا والأسنه والخيل تجري سراعاً ... مقطعات الأعنه من أن يكون لنذل ... علي فضل ومنه كاتب: وكان مثلي مع هذا الطبل المخرق، والدف الممزق، وصاحب الأكمام الفيوجية، والشوابر المجونية، والطاق والرواق، المتحلي بحلية أهل الغش والعيارة، التي تلحقه بأهل الخسارة، ما قال القائل: الرجز والحزم إن ضيعته ... فآبشر بطول التعب ذم أعرابي آخر فقال: إن الناس يأكلون أماناتهم لقماً، وإن

فلانا يحسوها حسواً، وما ميراثه من آدم إلا أنه يسمى آدمياً، ولو نازعته الخنازير لشبهه بها لقضي به لها. قال سهل بن هارون: تزيوا بزي الكتاب، فإن فيهم أدب الملوك وتواضع السوقة. وقع ذو الرياستين: إني آئتمنتك على ديني، وأشركتك في أمانتي، ووضعتك موضع الثقة، فقولك مقبول، وكتابك المعتمد عليه فيه تدبير أمور ناحيتك، فأعرف عظيم الخطر الذي أصبحت فيه، وأد أمانة الله عز وجل فيما أنت بسبيله، تسعد في العاجل والآجل إن شاء الله تعالى. ووقع ذو الرياستين أيضاً: نعم الشفيع في بقاء النعمة عليك حسن سيرتك، واعتماد الصيانة والعفاف، فدم على هذه الطريقة تبق لك النعمة إن شاء الله تعالى. ووقع أيضاً: إن أسرع النيران التهاباً أسرعها خموداً، فتأن في أمرك إن شاء الله تعالى. ووقع ذو الرياستين أيضاً: لا تجعلن توليتي إياك نظراً مني لك دون رجائي فيك للكفاية والغناء والنصيحة، فتنزل بك قدم تورثك الندم.

ووقع أيضاً: استدم بالشكر بقاء النعمة، وبالطاعة علو المنزلة، وإياك أن يورطك هواك فيما لا بقيا معه عليك، إن شاء الله تعالى. لمنصور الفقيه: الخفيف المجزوء قل لمصر إذا ترحل ... ت عنها مودعا يا حمى ما خطا به اللي ... ث إلا مروعا قل لنا ما الذي أعا ... دك للذئب مرتعا أهلاك الحماة أم ... عجزهم أم هما معا قال حكيم: من أمسك عن الفضول، عدلت رأيه أهل العقول. وقع ذو الرياستين: أجمل في الطلب تكف كالمقادير ما هو كائن، فما كان لك أتاك على ضعفك، وما كان عليك لم تدفعه بقولك. الحرص - أيدك الله - طباع الخلق، للعجز العارض في أصل البنية، ومما ينبهك على ذلك أنك لو فاتحت الأمة البلهاء، والمرأة الوراء، والشيخ المنجذ، والشاب الغرير، والبدوي القح، الفارسي الأعجم، والهندي الأبكم، والرومي المستغلق، والكيس الذكي، والفطن والغبي، لوجدت في أثناء حديثهم، وأعراض كلمهم، تسليماً إلى غيرهم، وتفويضاً إلى سواهم، وانقطاعاً عن إصابتهم باستطاعتهم، ول ذاناً بمن يجدون المراد بتسهيله عليهم،

وهذا الذي هو أصل في الجوهر، وأول في الكون. فأما ادعاء القوة، وضمان الدرك، والأستبداد بالقدرة، والأستغناء عن تقلب القلب، وتصرف النفس، فما لا يقدم عليه إلا من ساء نظره لنفسه، وقل اعتباره في غيره، وحسن ظنه بما أعير من طاقته وتصرفه، ولو أنعم النظر، أو لو أعين بالتوفيق، لعلم أنه ملك أمراً ثم ملك عليه، وولي شأناً ثم استولي عليه، وأن الذي عرض له، وسيق حوه، لا يخلص بعلمه المحتاج إلى تأييده، ونظره الفقير إلى توفيقه. سئل سقراط: ما الفرق بين من له أدب وبين من لا أدب له؟ قال: كالفرق بين الحيوان الناطق، وبين الحيوان الذي هو غير ناطق. قال أرمانوس الملك - وكان من اليونانيين - إخوانه: إن عاملتموني كما يعامل الملك، عاملتكم كما تعامل الإخوة، وإن عاملتموني كما يعامل الأخ، عاملتكم كما يعامل الملك. رأى فيلسوف رجلاً يعظ سكران ويقول له: أما تستحي أن تكون سكران؟ فقال له الفيلسوف: وأنت فلا تستحي أن تعظ سكران؟ قال موزون السوفسطائي: شيخوخة البدن هي منتهى النفس.

فيلسوف ظلمه إنسان فشد عليه فعضه، فقيل له: فعلت ما تفعله النساء، فقال: لا، بل ما يفعله الأسد. قال رجل لفيلسوف: إنه لعظيم أن ينال الإنسان ما يشتهيه، فقال: أعظم من ذلك أن يشتهي ما لا ينبغي. دعا بطلميوس، وكان ملكاً، حكيماً إلى المصير إليه، فأستعفى الحكيم من المصير إليه وقال: إن الملوك يعرض لهم كما يعرض لمن بصر بصورة، فإنه ما دام يراها من بعد فهو يتعجب، فإذا دنا منها لم ير موضع تعجب. سئل مولون - وكان طباخاً من سقلية وقد فرغ من الألوان: إلى ماذا تحتاج؟ قال: إلى قوم جياع.

فيلسوف أتاه إنسان فقال له: إن ابنك قد قتل في حرب، فقال: ذاك لنسبته مني، وأتاه آخر فقال: إنه لم يقتل ولكن سبي، قال: ذاك لنسبته إلى أمه. قال أفلاطون: ينبغي إذا عوتب الحدث أن يترك له موضع الجحود لئلا يحمله المراء على المكابرة. وقع ذو الرياستين إلى طاهر بن الحسين في أمر أنكره عليه: يا نصف إنسان، والله لئن أمرت لأنفذن، ولئن أنفذت لأبرمن، ولئن أبرمت لأبالغن. فأجابه طاهر: أنا أعزك الله كالأمة السوداء، إن حمل عليها دمدمت، وإن رفه عنها أشرت، فإن عوقبت فباستحقاق، وإن غفر لها فبإحسان. شاعر: مخلع البسيط غصن من البان في وشاح ... ركب في مغرس رداح تهتز ليناً بغير ريح ... والغصن يهتز بالرياح غصن ولكنه فتاة ... بديعة الملح في الملاح

كأنما فرعها عليها ... قناع ليل على صباح ترنو بطرف لها مريض ... بين جفون لها صحاح تزهو بخد لها رقيق ... يكاد يدمى بلا جراح قال شيخ من المشرق في عصر ذي الرياستين لأحداث كانوا يقتبسون الأدب من مجلسه: اعشقوا وإياكم والحرام، فإن العشق يطلق لسان العبي، ويفتح جبلة البليد، ويسخي قلب البخيل، ويبعث على التنظف وتحسين الملبوس وتطييب المطعم، ويدعو إلى الحركة والذكاء وشرف الهمة. شاعر: الكامل مزجت بخمرة ريقها أكواسها ... فسقتك من يدها حياة الأنفس فكأنما قمر سقاك بكفه ... شمساً تحساها النديم المحتسي كتبت جارية للمتوكل على جبهتها: هذا ما عمل في طراز الله فتنة لعباد الله. وكتبت ماجن - وهي جارية -: افتضحنا فأسترحنا. وكتبت جارية البرمكي: لذتي في حل تكتي. وكتبت غنج جارية الخزاعي: لا كنت إن خنت.

قيل لابنة الخس: كيف زنيت وأنت عاقلة لبيبة؟ فقالت: طول السواد، وقرب الوساد؛ قال ابن محارب القمي، وكان فيلسوفا: لو زادت: وحب السفاد لكانت قد تممت عذرها. وقفت أعرابية على قوم فقالت: تيسروا للقاء الله تعالى فإن هذه الأيام تدرجنا إدراجا. خرج أبو عمرو الأعرج مع نوفل بن عمارة المخزومي أخي الأسود بن عمارة إلى مكة، وكان بخيلاً، فقيل لأبي عمرو: كيف وجدت صحبته؟ فقال: امرأتي طالق إن لم يكن ظن بظني أنه ضربت عنقي، وذلك أنه كان يمكث ثلاثا لا يدخل في فيه شيء. كانت أم زنين دلالة بالمدينة، وكانت عندها جارية مولدة فارهة تصنعها ترجو بها الرغائب، فلم تعلم إلا وقد أحبلها زنين ابنها، فشقت ثوبها ونتفت شعرها وصاحت، فقال لها زنين: ويلك! الذي حل بها أعظم من الذي حل بك، لأنها كانت ترجو أن تحبل من خليفة أو ابن خليفة فحبلت من ابن أم زنين القوادة.

سأل أعرابي قوماً، فقال رجل منهم: اللهم إن هذا سائلنا ونحن سؤالك، وأنت بالمغفرة أجود منا بالعطية، ثم أعطاه. وقع بين رجل وامرأته كلام فتهاجرا أياماً، ثم إنه وثب عليها فأخذ برجليها، فلما فرغ قالت له: أخزاك الله، كلما وقع بيني وبينك شيء جئتني بشفيع لا أقدر على رده! قالت عجوز لزوجها: أما تستحيي أن تزني ولك حلال طيب؟! فقال: أما حلال فنعم، وأما طيب فلا. قال أعرابي: من لم يكن له عند السوء صبر، لم يكن له عند الحسنى شكر. قيل لحنيف الحناتم من بني الحارث بن تيم اللات بن ثعلبة: ما

النشر؟ فقال: ندى الشمال في قصب الوسمي، يستأخر المطر بعد الوسمي فييبس البقل حتى تتحسحس جوانبه وتلتوي عروقه ويمصح ماء البقل وتذوي نورته، ثم إن الله عز وجل يرتاح له بمطر السماك فيصبح وقد أعد وتزهو نوره زرقاً، سوى النورة الأولة، فيزراق وتنتفخ عروقه، ويعرف النشر منه، بل يرى أخضر في عرض يابس، فيكون الأخضر فوق الأبيض، فيطرد الناس عنه أموالهم مخافة السهام. قيل لابنة الخس: ما آية البرد؟ قالت: الريح تحت الغفار. الآية: العلامة، والغفار: السحاب؛ هكذا قيل، وكأن الغفار من الغفر، والغفر: الإلباس والتغطية، ومنه غفر الله له، كأن الذنب يستر، ويقال: اصبغ الثوب فإنه أغفر للوسخ. شاعر: الطويل وريان من ماء الشباب يعيره ... مراح الصبا نفي الحيا المتلبد تزودت منه نظرة فكأنها ... إذا خطرت بالقلب وقع مهند

عوتب الكسائي في ترك التزويج فقال: مكابدة العفة عنهن أيسر من الأحتيال لمصلحتهن؛ وقد سمعت هذا الجواب للعتابي، وهو به أليق. قال الأحنف: نزلت هذه الآية في الثقلاء " فإذا طعمتم فانتشروا " الأحزاب: 53. وكان علي يقول: أنا للعاقل المدبر أرجى مني للأحمق المقبل. يقال إن أفلاطون مات مبرسماً، وأرسطاطاليس مات مجدوراً - ويقال أيضاً مات بالسل - وأبقراط مات مفلوجاً، وجالينوس مات مبطوناً. يقال إن أول من عمل الصابون سليمان بن داود، وأول من عمل القراطيس يوسف، وأول من كتب في القراطيس الحجاج بن يوسف،

وأول من عمل السويق ذو القرنين، وأول من خبز له الرقاق نمرود بن كنعان، وأول من لبس الخفاف الساذجة والكتان زياد. قال أبو عبيدة: قال لي أبو مهدية: أتشرب هذا النبيذ؟ قلت: لا، قال: ولم؟ قلت: إنه يذهب بعقلي، قال: ويحك! إن ذهب اليوم عاد غداً. قيل لأعرابي: ألا تمزجها؟ قال: حسبها ما شربت في كرمها. كتب طاهر إلى أبيه رقعة يستزيده فيها ويلومه في تقديم أخيه عليه - وكان أسن منه - فوقع أبوه في ظهر رقعته: أكلت خراك بعود أراك، ليت أباك أشبه أخاك. لمنصور التميمي الفقيه: الخفيف المجزوء ربما نال وادع ... حظوة الطالب الملط وله أيضاً: البسيط لا والذي جعل الدنيا مغيرة ... الشر مجتنباً والخير متبعا ما ساءني هجر من لم يرع سالفة ... ولم أكن بدنوي منه منتفعا

العرب تقول: وازنتني بفلان فرجحت عليه. وضع فلان على فلان أي مال. وتباين الأمر أي تباعد، وكذلك تشاخس. ومشى فلان إذا لان بطنه. والأصمعان: القلب الذكي والرأي العازم، أي المعزوم به، أو المعزوم عليه، كذا سمع. والأسودان: التمر والماء، والأيهمان: السيل والجمل الهائج، وهما الأعميان أيضاً. ويقال: خرج السهم متصمعاً إذا خرج وقد ابتلت قذذه من الدم. وقذذه: ريشه. المدان: الذي قد باع آخر شيئاً بنسيئة، والمدين: المنسىء، والدائن: صاحب الدين، وقعد منتسئاً أي متباعداً. ويقال: تعارض القوم بئرهم إذا جعل هذا يستقي نوبة وهذا نوبة. ويقال: قابل نعلك أي اجعل لها قبالاً، أي زماماً، وقبائل الرأس: قطعه المشعوب بعضها إلى بعض، وكذلك قبائل كل شيء. ويقال: مقتبل الشباب: إذا كان في أنف شبابه.

ويقال: قاومني فما أنصفني أي ما بلغ نصفي، وناصفني أي قاسمني، وأنصف النهار ونصف أي بلغ نصفه، والمنصف والناصف: الخادم، والنواصف: مواضع غليظة. ورجل مضبر الخلق أي ملزز الخلق. ويقال: جبيت الخراج - وجبوت أيضاً - أجبي، وجبا جباوة وجباية، والأجباء: حروف الآبار، والجابية: الحوض. ويقال: انهلت السماء واستهلت إذا سالت بالمطر، ويقال: أهللنا الهلال أي رأيناه، قال الشاعر: الطويل إذا ما سلخت الشهر أهللت مثله ... كفى قاتلاً سلخي الشهور وإهلالي وأهل الرجل إذا صاح، واستهل الصبي إذا صرخ عند الولادة، وأهل الهلال واستهل، ونحن في مستهل صفر، هذا هو العربية؛ ويقال: وهل فلان إلى ذلك الأمر يهل وهولاً أي ذهب إليه وهمه إليه، ووهل يوهل وهلاً واستوهل إذا فزع. واشرأب الرجل إذا تطاول لينظر إلى الشيء، واسمأل أي ضمر، وارفأن أي سكن وارفأن أي فزع، والوقر: الحمل الثقيل، والوقر: الصمم، والوقار: السكون.

شاعر: الكامل المجزوء ذهب التواصل والتعاطف ... فالناس كلهم معارف لم يبق منهم بينهم ... إلا التملق والتواصف وعناق بعضهم لبع ... ض في التساير والتواقف لا تعقدن على المود ... دة للجميع ولا تكاشف وابسط لهم وجه الموا ... فق واطو كشح فتى مخالف صارفهم عند المو ... دة إنهم قوم صيارف إني انتقدت خيارهم ... فالقوم ستوق وزائف الستوق: ضرب من الزيف. قال أعرابي يصف رجلاً: هو سكيت في بطش عفريت. قيل لرجل: ما الكرم؟ قال: الاحتيال للمعروف، وقيل له: ما اللؤم؟ قال: الاستقصاء على الملهوف. قيل لمزيد: في بيتك دقيق؟ قال: لا، ولا جليل.

حصر خطيب عند قوله: الحمد لله، فكررها، فقال مخنث كان بجنبه: الذي ابتلانا بك. قيل لجحا: سل ربك النجاة من هول يوم القيامة. قال: ومن يبقة في هذه الدنيا إلى يوم القيامة؟! يقال: إذا أردت أن تمتحن دهن البلسان فخذ طاقة كراث واغمرها فيه وقربها من النار، فإن اشتعلت فهو غير مغشوش. سمعت ابن عبدان الأهوازي يقول: استقبال الكلب إياك عند قصدك حاجة دليل على نجاحك فيها وقضائها. وكتب آخر: لا عذر في غدر. وكتب مفلس: اصبر فالدهر دول. وقيل: كان على خاتم بزرجمهر: من لم يدار عيشه ضنك.

وقال قتيبة: إن الحريص ليتعجل الذلة قبل إدراك البغية. وقال عون بن عبد الله: لا تكن كمن تغلبه نفسه على ما يظن، ولا يغلبها على ما يستيقن. شاعر: الوافر المجزوء ومطوي على حرق ... يكابد لوعة الأرق كأن فؤاده قلقاً ... لسان الحية الفرق تكاد غروب عبرته ... تعم الأرض بالغرق قال فيلسوف: كيف يرجو العقل النجاة، والهوى والشهوة قد اكتنفاه؟ وأنشد لابن المبارك: البسيط حتى متى لا نرى عدلاً نسر به ... ولا نرى لدعاة الحق اعوانا

مستمسكين بحق قائلين به ... إذا تلون أهل الجوز ألوانا يا للرجال لداء لا دواء له ... وقائد القوم أعمى قاد عميانا قال فيلسوف: قهر البطن أعظم الحلم، فكن له ربا مالكاً، وإلا صار عليك والياً قاسطاً. القاسط: الجائر، والمقسط: العادل؛ هكذا في القرآن الحكيم. كتب كشاجم إلى بعض إخوانه يصف طباخاً جمع أشياء من آداب الطبيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، كتبت - أعزك الله - من المحل الجديب، والبلد القفر الذي أنا به غريب، عن سلامة الجوارح والحواس، إلا حاسة التمييز، فإنها لو صحت لما اخترت المقام بهذه المفازة، وأحمد الله عز وجل كثياً على كل نعمة ومحنة، ومن مصائبي - أعاذك الله عز وجل من كل مصيبة، وجنبك كل ملمة - أن نوحاً طباخنا توفي، فأرمضتني مصيبة، والمتنى فجيعته، وكان عنوان النعمة، وترجمان المروءة، وواسطة القلادة، فلهفي عليه، فلقد كان قوام جسمي، وزيادة شهوتي، وممتع زواري وأضيافي، أحذق أهل صناعته، وأبيتهم فضلاً، وأرهفهم سكيناً وأعدلهم

تقطيعاً، وأذكرهاهم ناراً، وأطيبهم يداً، ما أكاد أقترح عليه شيئاً إلا وجدته قد سبقني إليه، معب للموائد، ملبك للثرائد، مع كل حار وبارد، كأن مائدته رياض مزخرفة، أو برود مفوفة، مرتب للألوان، منظف للخوان، لا يجمع بين شكلين، ولا يوالي بين طعامين، ولا يغرف اللون إلا وضده، ينضج الشواء، ويحكم الحلواء، ويخالف بين طعام الغداء والعشاء، يكتفي باللحظة، ويفهم بالإشارة، ويسبق إلى الإرادة، كأنه مطلع على الضمير من الزائر والمزور، فأودى فقيداً حميداً، ليس مثله موجوداً طريفاً ولا تلبيداً؛ فما ظنك - أعزك الله - بمبتلى تجمع عليه فقد مثل هذه العقدة النفيسة، وتطاول الأيام بهذه الناحية الممحلة الموحشة، والله - عز وجل - لا أتقي إلا الشماتة، ولست في ثغر فأحتمل عاجل الضنك، ولا بإزاء عدو فيشغلني مقارعته وحلاوة الظفر به والنكاية فيه عن ملاذ الطعام، وأسأل الله عز وجل الكريم المنان أن يختار لي ويعجل مما أنا فيه راحتي، ويبدلني خيراً منه زكاة وأقرب رحماً، بجوده ومنه. وكتابك - أعزك الله - إذا ورد علي نفى عني هذه الوحشة، وأمن غب هذه الهفوة، فإن رأيت - جعلني الله فداك - أن تهدي لي براً وصلة، ووصلة وأنسة فعلت، إن شاء الله تعالى.

إبراهيم بن العباس: الكامل إن الزمان وما ترين بمفرقي ... صرفاً الغواية فانصرفت كريما وصحوت إلا من لقاء محدث ... حسن الحديث يزيدني تعليما سألت فنن، وهي جارية أديبة، كانت من آدب الجواري في زمانها، سالماً المعروف باليتيم في مذاكرة جرت بينهما طويلة، فقالت: أي الأمور ألذ عندك؟ محادثة الرجال، أم استماع الغناء، ام الخلوة بالنساء؟ فقالت: سألت عن أمور لا تصلح إلا بثلاثة أشياء، فقالت: وما هي؟ قال: لا تحسن محادث الرجال إلا بحسن التفهم، ولا الغناء إلا بشرب النبيذ، ولا الخلوة مع النساء إلا بالموافقة وسعة القدرة، قالت: فما الذي تختار منهن؟ قال: محادثة الرجال. شار: السريع وصاحب أصبح من برده ... كالماء في كانون أو في شباط

ندمانه من ضيق أخلاقه ... كأنه في مثل سم الخياط نادمته يوماً فألقيته ... متصل الصمت قليل النشاط حتى لقد أوهمني أنه ... بعض التماثيل التي في البساط وقال كشاجم: وليجتنب النديم الحديث الطويل الذي تتعلق به النفوس، ويحبس على آخره الكؤوس، فإن ذلك بمجالس القصاص أشبه منه بمجالس الخواس. شاعر: الرجز ما حثت الكؤوس بالأوتار كحثها بالملح القصار إن الأحاديث من السمار أجلب للهو من العقار وقال علي بن الجهم: الرجز وليلة كأنها نهار سهرتها وفتية أخيار لا جاهل فيهم ولا ختار ولا على جليسه هرار

لهوهم الأسمار والأشعار وملح تقدح منها النار بمثلهم تعاقر العقار وتمتع الأسماع والأبصار وتدرك الآمال والأوطار قال نجاح للمتوكل لما دعاه إلى منادمته: في خصال لا تصلح معها منادمة الخلفاء، قال: ما هي؟ قال: سلس في البول، وتنحنح إذا حدثت، ولا أقدر من الشراب على أكثر من رطلين، فقال المتوكل: من حق صدقك عنها أن تسامح فيها. قال آخر: أمتع الجلساء الذي إذا أجبته عجب، وإذا فكهته طرب، وإذا أمسكت تحدث، وإذا فكرت لم يلمك. قال أبقراط: الإقلال من الضار خير من الإكثار من النافع. وقال آخر: خير الغداء بواكره، وخير العشاء بواصره، أي

المبادرة به في بقايا النهار وضوئه بحيث يتمكن مه البصر قبل الإمساء والدخول في حد الليل والدنو من النوم والسكون؛ هكذا قال كشاجم. وقالك سأل المأمون اليزيدي عن أخلاق العباس ابنه، وكان قد أمره بتأديبه وعشرته فأخبره أنه لا يفلح وأنه لا همة له، فقال له: وكيف علمت ذلك؟ قال: رأيته وقد ناوله الغلام أشناناً ليغسل يده، فاستكثر ما وقع في يده منه، فرده في الأشناندانة ولم يلقه في الطست، فعلمت أنه بخيل لا يصلح للملك. يقال: رئيس سنن العرب المضمضة والسواك والاستنجاء، ورئيس سنن العجم الخلال وغسل اليد قبل الطعام وبعده. قال أعرابي: هو أملح من المداري في شعور العذارى. ابن مطير: الوافر أحب معالي الآخلاق جهدي ... وأكره أن أعيب وأن أعابا ومن هاب الرجال تهيبوه ... ومن حقر الرجال فلن يهابا

ويروى للقدسي الكوفي يمدح الكتاب: الكامل إن كنت تقصدني بظلمك عامداً فحرمت نفع صداقة الكتاب السائقين إلى الصديق ثرى الغنى ... والناعشين لعثرة الأصحاب والناهضين بكل عبء مثقل ... والناطقين بفصل كل خطاب والعاطفين على الصديق بفضلهم ... والطيبين روائح الأثواب ولئن جحدتهم الثناء فطالما ... جحد العبيد تفضل الأرباب قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: القناعة سيف لا ينبو، والصبر مطية لا تكبو، وأفضل عدة صبر على شدة. أهدى أبو موسى الأشعري لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما ألوانا من الخبيص، فقال له: ما هذا؟ قال: الخير عندنا كثير والمؤونة عندنا تخف. قال: هل أطرفت أحداً م أهل المدينة بشيء من هذا؟ قالك لا، قال: إياك أن يراه أغيلمة قريش فيضيقوا عليكم بلاداً كثيرة. قيل لأعرابي أسرع في مسيرة: كيف كان مسيرك؟ قال: كنت

آكل الوجبة، وأعرس إذا أسحرت، وأرتحل إذا أسفرت، وأسير الوضع، وأجتنب الملع، فجئتكم لمسي سبع. أنشد الحجاج تميم بن الحارث شعره في أخيه: المنسرح وسائل عن أخي فقلت له ... مات حميداً وغير مشترك أليس بالسيف لا ينهنهه ... عن حومة الموت ضنك معترك يمسي ويضحي عدوه وجلاً ... من خوفه موفزاً على شرك فقال له الحجاج: أنت والله أشعر من أعشى باهلة حيث يقول: البسيط لا يأمن الناس ممساه ومصبحه ... من كل اوب وإن لم يغز ينتظر فصير صديقه وعدوه يخشاه، وخصصت أنت عدو أخيك دون صديقه. وهذا مما ينشد في نقد الشعر.

وفي كتب الهند: لا ظفر مع بغي، ولا صحة مع نهم، ولا ثناء مع كبر، ولا صداقة مع غضب، ولا شرف مع سوء أدب، ولا برمع شح، ولا اجتناب محرم مع غرض، ولا محبة مع هزؤ، ولا عذر مع إصرار، ولا راحة مع حسد، ولا سؤدد مع انتقام، ولا رئاسة مع غيرة وعجب، ولا صواب مع ترك المشاورة، ولا ثبات ملك مع تهاون وجهالة. سئل ملك: أي مكايد الحروب أعظم؟ قال: إذكاء العيون، واستطلاع الأخبار، وإظهار الغلبة، وإفشاء السرور، وإماتة الفرق، والاحتراس من البطانة من غير استقصاء لمن يستنصح، ولا استنصاح لمن يستغش، ولا تحويل شيء عن شيء. قيل لأعرابية: كيف حزنك على ولدك؟ قال: ما ترك لنا حب الغداء والعشاء حزناً. شاعرك: الطويل لعمرك ما النائي البعيد بنازح ... إذا قربت ألطاقه ونوافله ولكنهما النائي البعيد محجب ... قريب ولا تهدى إلينا رسائله وما ضرنا أن السماك محلق ... بعيد إذا جادت علينا هواطله

قيل لرجل من العرب كان يجمع بين ضرائر: كيف تقدر على جمعهن؟ قال: كان لنا شباب يظاهرهن علينا، ومال يصورهن لنا، ثم قد بقي لنا خلق حسن فنحن نتعايش به. شاعر: الخفيف من ندى عاصم جرى الماء في العو ... د ومن سيفه دماء الجراح يتلقى الندى بوجه حيي ... وصدور القنا بوجه وقاح قائم السيف أخضر من نداه ... وعلى مضربيه سم الذباح يقال: أعصرت المراة فهي معصر، مثل راهق الغلام. يقال: الغسل: الخطمي، وقد تفتح الخاء أيضاً، والغسل: الماء به الميت، والغسل: الحنظل يدق فيسقاه الأسير فيسهله حتى يقتله. يقال: ما الأل، وما البل، وما التل، وما الثل، وما الجل، وما الحل، وما الخل، وما الدل، وما الذل، وما الرل، وما الزل، وما السل، وما الشل، وما الصل وما الضل، وما الطل، وما الظل، وما العل، وما الغل، وما الفل، وما القل، وما الكل، وما المل. أما الأل فمصدر أله يوله إذا أصابه بالحربة، وهو جمع ألة أيضاً وجمعه أيضاً إلال، ورجب منصل الأل: كانوا ينزعون فيه زجاج الرماح تعظيماً له.

وأما البل فمصدر بله يبله بلا، والرحم تبل، وهو استعارة، كأنها إذا وصلت بالإحسان والزيارة والتفقد فقد نديت وابتلت لأن الجفاف مذموم كريه؛ وقولهم بللت به أي ظفرت به منه، والمعنى ينظم هذا الفن ولكن بسبب لطيف. وأما التل فمصدر تله يتله إذا صرعه، وفي الكتاب المعجز " وتله للجبين " الصافات: 103؛ والتل أيضاً ديون الجبل، وجمعه تلال. وأما الثل فمصدره ثل الله عرشهم إذا قوضه، وثل هو إذا تقوض وتهدم. وأما الجل فاللقط، ومنه الجالة والجلالة. وأما الحل فالشيرج، هذا مسموع، وهو مصدر حله يحله إذا فرق أجزاءه. وأما الخل فما يصطبغ به، والخل أيضاً الطريق في الرمل، والخل أيضاً مصدر خللت الكساء إذا ضممت بين طرفيه بعود حديد الطرفين؛ والخل أيضاً الشحت من الرجال، أي الخفيف اللحم، والخل أيضاً المحتل. وأما الدل فهو الشكل - بكسر الشين - أي الملح والتغزل. وأما الذل فكأنه مصدر ذل، والمسوع هو الذل. وأما الزل فمصدر زل يزل. وأما السل فمصدر سله يسله سلا، وهو السرقة، وسل السيف إذا شامه أي جرده، ويقال شامه إذا أغمده، وأغمده إذا أدخله في غمده أي جفنه، ومنه

استتلت سخيمة فلان أي استخرجت كامن حقده. وأما الشل فالطرد، شل النعم والناس إذا ساقهم، والشلل آفة في اليد الشلاء تعطلها من التصرف، وهو استرخاء العصب وخدور الدم. وأما الصل فمصدر صل اللحم وأصل إذا أروح وأراح، أي فسدت رائحته أي أنتن ونتن. ومصدر أضل إضلال. وأما الطل فاضعف المطر، وهو الندى الغامر من غير وقع المطر، ويقال طلت الأرض - بفتح الطاء - أي نديت، هذا الأعرب، وطل دمه أي بطل، ولا أدري كيف ينتظم اللفظان على معنى واحد إلا ان يتوهم الضعف في أخذ الثأر والقصاص كما توهم الضعف في الطل. وأما الطلل فما شخص من آثار الديار، والرسم مثله، وإلا أن الطلل أبين؛ وفلان ذو طلل إذا كان ذا منظر، ورأيت بدوياً بأثال سنة إحدى وستين، وكان يقال له مطلال، فقلت له: مم أخذ اسمك؟ قال: من إطلالي على العدو أي إشرافي عليهم، فقال له أميرك بن ميكال النيسابوري، وكان في الصحبة: ولم لا يؤخذ من الندى الذي هو الطل، كأنك تتندى من الطل على صحبك؟ فقال البدوي: إن الإطلال على

العدو أحب إلي منه أي من الطل على صحبي. وأما العل فالقراد، وهو أيضاً مصدر علة وعلا وعللا، والعلل الاسم، وهو الشرب الثاني، ومنه قيل: علل بعد نهل. وأما الغل فيقال غل فؤاده غلا إذا صار ذا غل، وهو أيضاً مصدر غل من الغنيمة غلا، والغلول الاسم، وهو الفوز ببعض الغنيمة على وجه الخيانة، وأما الغلل فالماء الجاري على ضاحي الأرض. وأما الفل فالقوم المنهزمون، وهو أيضاً فلهم أي كسر حدهم فانفلوا أي ذهبوا، وقد قيل سيف أفل كأنه معود الضرب، وبه فلول من قراع الكتائب ومصاع المقانب. وأما الكل فالثقل، وكذا قيل في الكتاب العزيز " وهو كل على مولاه " النحل: 76 وكأن الحلال الذي هو الإعياء من المشي ثقل الأعضاء، والكلمة لأنها تثقل بما يشد عليها، والكليل كالكل، يقال: فلان كليل اللسان، وكل بصره كلولاً إذات فترت أجفانه واسترخت أهدابه، وقيل في قولهم ك لغنه مأخوذ من الجمع الذي هو الثقل لأنه كثير، وقيل: أهذ من الاشتمال والإحاطة، وهو ما قيل في الكلالة، كأنه تكلل النسب لأن الكلالة ما عدا الوالدين. وأما المل فمصدر مله إذا أحماه، والملة الرماد الحار، وتسمى به الخبزة

المعرفة للبادية؛ ويقال: بفلان مليلة، أي ما يقلقه، والحرارة هي المقلقة وأما السكون فمبرد، وتململ من ذلك، والحمى يقال لها مليلة أيضاً، والملة من ذلك ولكن ضمها إلى الباب لطيف كأنها قوة حامية شملت القائلين بها والصائرين إليها والصابرين عليها. هذا كله عن سماع ومناقشة وسؤال واستنباط معروض على أهل العلم، وما أبرئ نفسي مع ذلك من النقص والتقصير، وكيف أدعي غير هذا ووطني العجز، ومأواي الذل، وصفتي النقصان؟ هكذا جبلني الجابل، وعليه أخبرني المخبر، وإنما أنسب إلى الكمال لأنه وارد علي، وينسب إلي النقص لأنه صادر عني، فإضافة الكمال إلي استعارة، وإضاقتي إلى النقص حقيقة، وهكذا معيري والشامت بي والضاحك م خطأي، إلا من عصمه الله تعالى فأيده، ورحمه فسدده، فكن - أيدك الله - شاكراً لصواب ما يمر بك في هذا الكتاب، عاذراً في خطا ما يلوح لك، واعمل بحكم الحرية، وعصبية الإنسانية، في نش جميل أنت أولى بنشره، وستر قبيح انت أحق بستره، والسلام. قال الخراباتي الصوفي: إلهي، لو قلت لي عبدي، كنت أرى ذلي، ولو كنت ذليلاً قطعت من همتي سرور إضافتي إليك، لأنك أجل من أن

يكون لك شيء ذليل؛ يا من إذا ذكرتني بأني عبدك أشهدتني مواضع ذلي، وإذا ذكرتني بأني أخبك أشهدتني مواضع عزي، وإذا وصفت نفسك بأنك قاضي الحاجات ذكرتني فقري، فمتى لا أرى نفسي في صفاتك، ومتى أكون لك بلا رؤية شاهدي؛ يا من بان أثري ثبت بالمحبة خبري، كيف لا أكون بلا انا مندرجاً في طي غيري؟ هذا كلام عويص، وإشارة دقيقة، وما أقدم على شرحه، ولو كان حقاً ظاهره مرفوعاً عند لطف باطنه، لتم الأنس به، وحلت الإشارة فيه، ولكن الصفو في هذا وفي غيره عزيز، وستصير من كلام هذه الطائفة المتصوفة إلى ما يجل عن الفهم، ولا يدق على المتفهم. قال السري السقطي: صدق الانقطاع ألا يكون لك إلى غير الله عز وجل حاجة. وقال صوفي: حقيقة الحياء من الله عز وجل حسن المراقبة له في السر والعلانية. وقال الجنيد: معنى الحياء من الله حصر القلب عن الانبساط،

والامتناع من ظنون لا يرضاها الله، وعلامة المستحيي ألا يرى في مكان يستحي من مثله. وقال يوسف بن الحسين: حقيقة الشكر لله أن يتولى الله شكره لنفسه عنك. وقال آخر: من وفق للشكر فقد ظفر بموهبة هي أجل من النعمة. وقال صوفي: الحزن يهد البدن، والشوق يهد القلب. وقال ذو النون: حقيقة الأنس بالله الاستيحاش من القواطع عن الله. وقال صوفي: من التوكل ألا تطلب لنفسك ناصراً غير الله تعالى، ولا لرزقك قاسماً غير الله، ولا لعملك شاهداً غير الله. وقال يحيى بن معاذ: عجبت من ثلاثة: من رجل يريد تناول رزقه بتدبيره وهو يرى تناقض تدبيره، ورجل شغله هم غده عن غنيمة يومه وهو محتاج إلى يومه لأنه شاك في غده، ومن عالم مفتون يعيب على زاهد مغبوط.

قال الجنيد: الحكمة تنهى عن كل ما يحتاج أن يعتذر عنه، وعن كل ما إذا عاب عمله من غيرك أحشمك ذكره في نفسك، قيل له: فبماذا تأمر الحكمة؟ قال: تأمر الحكمة بكل ما يحمد في البدء أثره، ويطيب عند الكشف خبره، ويؤمن في العواقب ضرره. أوحى الله تعالى إلى بعض أنبيائه: معاشر المتوجهين إلي لمحبتي، ما ضركم من عاداكم إذا كنت لكم سلماً، وما ضركم ما فاتكم من الدنيا إذا كنت لكم حظاً؛ كيف يفقتر من أكون حظه، وكيف يشتوحش من أكون أنيسه، وكيف يذل من أكون عزه؟ وقيل لناسك: هل من شيء أفضل من البكاء؟ قال: نعم البكاء على البكاء. قال الجريري: الجلوس للمناظرة سد باب الفائدة، والجلوس للمناصحة فتح باب الفائدة.

قال يحيى بن معاذ: العالم رأى الذنب في الخطيئة فنظر بالغلظة إليه، والعارف عرف موقعه منه فنظر بالشفقة عليه. قال الجنيد: دخلت على السري وعنده رجل قد غشي عليه، قلت: ما له؟ قال: سمع آية من كتاب الله تعالى، قلت: فتعاد عليه، قال: فأعيدت فأفاق، فقال السري: من أين لك هذا؟ قلت: إن يعقوب ذهب بصره من جهة يوسف، فلما ألقي القميص عليه أبصر، فأخذت هذا من ذاك. قال الجنيد: إذا أراد الله عز وجل أن يتخذ عبداً ولياً سلط عليه من يظلمه. قال يوسف بن الحسين: الصدق في البكاء ترك ما منه يبكى. وقال يوسف أيضاً: المراد من ثلاثة أشياء ثلاثة أشياء: من العلم استعماله، ومن المال إنفاقه، ومن الشرف التقوى. قال صوفي: الحمد لله الذي قطع العلائق عن المنقطعين إليه، ووهب الحقائق للمتصلين به والمعتمدين عليه. وقال رجل لناسك: ادع الله لي، فقال: نعم، ثم سأله الرجل: هل دعوت؟ قال: لا، قال: ولم؟ قال: نظرت إلى ما أولاك الله من غير سؤال فانقطعت عن الدعاء.

قال يوسف بن الحسين: علامة المطرود قيامه بالبيان والبرهان، وامتناعه من استعمال ما يصلح اللسان، فيكون الحق منه موجوداً، ويكون هو في الحق مفقوداً. وقال الخواص: الناس في التوبة على خمسة أوجه: رجل مسوف بالتوبة مدافع عنها، قد اغتر بطول الأمل، ونسي هجوم الأجل، فهذا إن أدركه الموت أدركه على إصرار؛ وآخر تائب ما لم يجد شهوة، فإذا وجد ركب هواه، وأضاع المحاسبة لنفسه، فهذا مستوجب للعقوبة من الله عز وجل؛ ورجل تائب بقلبه إلا أن نفسه تدعوه إلى شيء مما يكره، فهذا يحتاج إلى الأدب لنفسه، وفائدته على قدر مجاهدته؛ ورجل مدقق للحساب، قد قام على ساق مقام الخدم، فهذا مستوجب للعصمة من الله عز وجل؛ ورجل قد هام به خوفه من ذنوبه فلم يبق فيه باقية، فهذا المتوحد بولاية الله عز وجل. وقال يحيى بن معاذ الرازي: إلهي، حجتي عندك علمي بأن الحجة لك.

وقال يحيى: لحظ القلوب أسرع خطى من لحظ العيون. وقال يحيى بن معاذ: على قدر الخروج من الذنوب تكون إفاقة القلوب. وقال يحيى: وجود الشيء في فقده. وقال يحيى أيضاً: خوفك من خلقه يوحش، وخوفك من الله يؤنس. وقال يحيى أيضاً: رجوعك عن ذنب قد عملته إلى الله عز وجل خير لك من رجوعك إليه مع الصلف من بر قد أتيته. قال ذو النون: عقوبة المربد احتجابه بالأحوال. وقال الجنيد: العلم علمان: علم البسط، وهو من وحدة الواحد إلى غاية الكثرة، وعلم القبض، وهو من الكثرة إلى الوحدة. وقال أبو سعيد الخراز: العلم ثلاثة: علم الصناعات في أنواع

المركبات، وعلم اللفظ في تأليف العبارات، وعلم التدبير في ضروب السياسات. وقال رويم: العلم علمان: معقول ومنقول، فالمعقول أبدي والمنقول زماني، والمعقول أصل والمنقول فرع. وقال ابن عطاء: العلم علمان: إيضاح وتلبيس، فالإيضاح من القلوب، والتلبيس من الألسنة. هذه الطريقة - أيدك الله - شقيقة طريقة الفلاسفة الكبار، وهذه كتبهم في الإلهيات مملوءة بأخوات هذه الإشارات، ولولا أني رويت ما وجدت لشككت فيه، وفي الجملة الحكمة مشاعة بين الخلق، لا تنسب إلى جيل، ولا تقف على قبيل، وإنما حظوظ الخلق فيها على قدر مشاربهم منها. وقال رجل من آل الحارث بن ظالم: والله لقد بلغني أن الحارث غضب يوماً وانتفخ في ثوبه، فندر من عنقه أربعة أزرار ففقأت أربع أعين من أعين جلسائه. وكان هذا الرجل مشهوراً بالكذب.

والكذب شعار خلق، ومورد رنق، وأدب سيء، وعادة فاحشة، وقل من استرسل فيه إلا ألفه، وقل من ألفه إلا أتلفه؛ والصدق ملبس بهي، ومنهل عذب، وشعاع منبث، وقل من اعتاده ومزن عليه إلا صحبته السكينة، وأيده التوفيق، وخدمته القلوب بالمحبة، ولحظته العيون بالمهابة. وصف أعرابي رجلاً فقال: أخذ بزمام الكلام فقاده أسهل مقاد، وساقه أحسن مساق، حتى استرجع به القلوب النافرة، واستوقف به الأبصار الطامحة. قال إسحاق الموصلي: قالت لي ديباجة الأعرابية: أنت بنغم ألفاظك - دون نغم ألجانك - تطرب إذا تكلمت، فكيف تراك تصنع إذا ترنمت؟! العرب تقول: نومة الضحى في الصيف مبردة، وفي الشتاء مسخنة. وكان بعض أغبياء النساك آدر، فكان يكشف أنثييه للأنام ليضحكوا منه ويقول: اللهم ليس عندي ما أفرحهم به، فلا تنس لي هذا. قال ابن المدبر، أنشدني ابن السكيت: البسيط

أقر الهموم إذا ضافت معتقة ... صهباء يحدث فيها الماء تفويفا تكسو أصابع ساقيها إذا مزجت ... من الشعاع الذي فيها تطاريفا قال خالد بن صفوان: لسان الرجل أوجه شفعائه، وأنفذ سلاحه بين أعدائه، به يتصل الود، وينحسم الحقد. أنشد أبو عبد الله النخعي الوراق: المتقارب وما زلت أقطع عرض البلاد ... من المشرقين إلى المغربين وأدرع الخوف تحت الدجى ... وأستصحب الجدي والفرقدين وأطوي وأنشر ثوب الهموم ... إلى أن رجعت بخفي حنين فقير الصديق غني العدو ... قليل الجدا زاني الوالدين إلى كم أعيش أخا غربة ... مقلاً من المال صفر اليدين قال الخليل: الأسم لا يكون أقل من ثلاثة أحرف: حرف يبدأ

به، وحرف تحشى به الكلمة، وحرف يوقف عليه، نحو نصر وزيد؛ فإن صيرت البناء مثل: هل وبل وقد ولو اسماً، أدخلت عليه التشديد فقلت: هذه لو حسنة الكتبة، كقول أبي زبيد: الخفيف ليت شعري وأين مني ليت ... إن ليتاً وإن لوا عناء وقيل لأبي الدقيش: هل لك في زبد وتمر؟ فقال: أشد الهل وأوحاه، فشدد الهل حتى جعله اسماً. الرقاشي: البسيط ماذا انتظارك باللذات والطرب ... قل للسقاة صلوا الأقداح بالنخب وأفرغوا الماء في راح معتقة ... ما أحسن الفضة البيضاء في الذهب وله أيضاً: الكامل وأخ بعثت له السرور بقهوة ... سكنت سورتها بماء سماء إن صفقت فعقيقة رومية ... والصرف كاليافوتة الحمراء وحبابها در أطاف بكأسها ... والكأس من كافورة بيضاء قال جعفر بن محمد في دعائه: اللهم أنت بالذي أنت له أهل

من عفوك، أحق مني بالذي أنا أهل له من عقوبتك. قال عمر: البكر كالبرة، تطحنها وتعجنها وتخبزها، والثيب عجالة الراكب، تمر وأقط. قال فيلسوف: النظر محتاج إلى القبول، والحسب محتاج إلى الأدب، والسرور محتاج إلى الأمن، والقربى محتاجة إلى المودة، والمعرفة محتاجة إلى التجارب، والشرف محتاج إلى التواضع، والنجدة محتاجة إلى الحد. بعث النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة لتنظر إلى امرأة فقال لها: شمي عوارضها وانظري إلى عقبيها. قال الأصمعي: إذا اسود عقب المرأة اسود سائرها. الرقاشي: مجزوء الوافر ألا لا تعذلاني قد ... وهبت للذتي نشبي إذا ما الماء أمكنني ... وصفو سلافة العنب صببت الفضة البيضا ... ء فوق قراضة الذهب

قال فيلسوف: العشق للأرواح بمنزلة الغذاء للأبدان، إن تركته ضرك، وإن أكثرت منه قتلك؛ وأنشد: البسيط بالملح يدرك ما يخشى تغيره ... فما دوا الملح إن حلت به الغير قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يهلك العرب إذا انقطع عنها تقوى الإسلام وحمية الجاهلية. قال بعض الأدباء: زعم المنجمون أن الهلال نجم نحس، وأجمع أهل العلم أن عامة حاجات الناس إنما تجري مع الأهلة: منها التاريخات كلها، ومحل الديون، وفراغ الصناع والتجار، ويوم الفطر، وآجال المستغلات، وقدوم الولاة، وزيادة المد ونقصان الجزر ما بين الصين إلى المذار. أكل الخريمي عند رئيس وكسر له رغيفاً، فلما قعدوا يشربون رمى الرئيس عين الخريمي بتفاحة، فوضع يده على عينه وقال: جعلت فداك. دية رغيف عين؟! وأنشد بعض الشعراء: المنسرح سل جزعي مذ نأيت عن حالي ... هل خطر الصبر لي على بال لا غير الله سوء فعلك بي ... إن كنت أرضيت فيك عذالي

رحمة بن نجاح: البسيط يا من رضيت من الخلق الكثير به ... أنت القريب على بعد من الدار أعملت فيك المنى حلا ومرتحلا ... حتى رجعن المنى أنضاء أسفار قال مزبد لسقاية مدنية كان يألفها وهو في جماعة: ادخلي صبي لنا ماء، قالت: وحياتك لا أصلي. قال أبو العيناء: رأيت جارينتين قد طلع عليهما فتى حسن الوجه، فقالت الواحدة لصاحبتها: أرأيت أملح من هذا الفتى؟ قالت: هو مليح ولكنه زرنوق. فتقدمت وقلت: قد سمعت ما كنتما فيه، فما معنى زرنوق؟ قالت: نعم، الكبير البطن، الذي إذا قبل لا يدخل، وإذا أدخل لا يقبل. فبقيت مبهوتاً من قولها ومجونها. قيل لجارية: أنت بكر؟ قالت: قد كنت، فعافاني الله. قالت مجرية: لو أن حية افتض امرأة لنزعت نفسها إليه. هجم رجل على امرأة وهي نائمة ودفع فيها فانتبهت مذعورة،

فقال لها: أيش تأمرين؟ أخرجه؟ قالت: دعه يذهب حتى أفكر في شيء. قال الجماز: أقبلت أنيك جارية، فقالت: الكلوة، الخاصرة، الطحال، فقلت لها: إن كنت تريدين النيك فهذا هو، وإن كنت تريدين التعشير فعليك بالقصاب. وقع ذو الرئاستين: كل مصيبة عند سخطك جلل، وكل نعمة عند رضاك محتقرة. ووقع إلى قائد جيش: ما رأينا صنعاً أحسن، ولا نصراً أعز، ولا فتحاً أفضل، من نصثر الله إياك، وصنعه لك، وفتحه عليك، فتولى الله أمرك بأحسن مما ابتدأك به. ووقع أيضاً: قد استدللت بتضجعك على مداهنتك، وبتقصيرك على ممالأتك، وفي أقل مما أقرعك به ما يردع هواك عما أنت عليه. ووقع أيضاً: قد أعذرت إليك في التقدمة، فالزم المحجة، وتوق لزوم الحجة، وتوقع حلول المجازاة، إن شاء الله تعالى. ووقع أيضاً: واتر كتبك، وأبرم الأخبار، واستعن بالله على تزيين نفسك، واحملها على الصيانة تسلم من قول العائب.

جحظة: مجزوء الخفيف بأبي الزائر الذي ... زار بعد انقطاعه كشف البدر للورى ... كشفه عن قناعه لم أزل طول ليلتي ... ساهراً في انخداعه كلما رمت وصله ... زادني في امتناعه ثم ولى مودعاً ... حزني من وداعه قيل لفيثاغورس الفيلسوفك بماذا يمكن الإنسان أن يقتدي بربه؟ قال: بأن يصطنع المعروف. لفيثاغورس: شتمته امرأته وظلت تسمع به وتؤذيه وهو ساكت، فلما اشتد غيظها من سكوته أخذت غسالة ثياب كانت تغسلها فصبتها على رأسه، وعلى كتاب كان في يده، فرفع راسه وقال: اما إلى هذه الغاية فكنت تبرقين وترعدين، وأما الآن فقد أمطرت. سموانيدرس رأى رجلاً يمدح نفسه على غلبته في الصراع، فقال

له: هل غلبت من هو أضعف منك أو من هو أقوى من؟ فقال: بل غلبت من هو أضعف مني، قال: فما هذا موضع مدح، وذلك أن كل واحد من الناس يغلب من هو أضعف منه، فقال له الرجل: بل غلبت من هو أقوى مني، فقال: هذا محال وباطل، فقال: بل غلبت من هو مساو لي، فقال: من غلبته لا يكون مساوياً لك. آتى رجل إلى سقراطيس الفيلسوف فقال له: أنا في قلق دائم إن جلست او مشيت أو قمت أو استلقيت، فقال له: ما بقي لك إلا أن تصلب! قال رجل لسقراط: لم صار ماء البحر ملحاً؟ فقال للسائل: إن أعلمتني المنفعة التيب تنالك من علم ذلك أعلمتك السبب فيه. قيل لسقراط: أي بهيمة أجمل؟ فقال: المرأة. قال سقراط: إن الملك ألأعظم أن يملك الإنسان شهوته.

وقيل لسقراط: أي الأشياء ألذ؟ قال: الأدب والتعلم وسماع الأخبار. قال سقراط: كما أن الأطباء بهم يكون صلاح المرضى وتخلصهم، كذلك بالشرائع يكون صلاح الجائرين. قال سقراط: ينبغي أن يكون الإنسان في حداثته فاضلاً، فإن لم يكن ذلك ففي عنفوان شبابه، فإن لم يكن ذلك ففي شيخوخته. لكلام هؤلاء القوم موقع عجيب وتأديب محمود، فلا تستوحش منهم فإنهم جنس من الفضلاء؛ نفعنا الله عز وجل بحكمهم، ووقانا شر ما يقال فيهم. قال أعرابي: توبة المذنب اعتذاره. وقال لقمان: معم الأدم الجوع.

قال حكيم الهند: الكريم يصول إذا جاع، واللئيم يصول إذا شبع. قال أعرابيك ليس شيء أقعد برجل عن مكرمة من صغر همة. شاعر: الكامل وإذا مضى للمرء من أعوانه ... خمسون وهو إلى النهى لم يجنح ركدت عليه المخزيات وقلن قد ... ساعدتنا فأقم كذا لا تبرح وإذا رأى الشيطان غرة وجهه ... حياً وقال: فديت من لم يفلح قال المدائني: وقع الطاعون بالكوفة، فخرج الناس وتفرقوا في النجف، وكان لشريح القاضي صديق خرج فيمن خرج، فكتب إليه شريح: أما بعد، فإنك بالمكان الذي أنت في بعين من لا يعجزه هرب، ولا يفوته طلب. وإن المكان الذي خلفته لا يعجل أحداً إلى حمامه، ولا يظلمه شيئاً من أيامه، وإنا وإياك لعلى بساط واحد، وإن النجف من ذي قدرة لقريب.

جلس سليمان بن عبد الملك للمظالم يوماً، فقام إليه رجل فقام: ألم تسمع قول الله عز وجل " فأذن مؤذن بينهم ا، لعنة الله على الظالمين " الأعراف: 43 قال: فما خطبك أيها الرجل؟ قال: وكيلك اغتصب ضيعتي وضمها إلى ضيعتك الفلانية، قال: فضيعتي لك، وضيعتك مردودة إليك؛ وكتب إلى الوكيل برد ضيعته عليه وتسليم ضيعة سليمان إليه والأنصراف عن عمله. وقال أعرابي: حاجب الرجل عامله على عرضه. قيل لأعرابية: ما لك لا تحبين زوجك؟ قالت: لخصال كن فيه: خبيث العرق، قليل المرق، ضجعته انجعاف، وشملته التفاف، يشبع ليلة يضاف، وينام ليلة يخاف، ولا يقضيني أمري - أي الجماع. قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: إذا كان المال عند من لا ينفقه، والسلاح عند من لا يستعمله، والرأي عند من لا يقبل منه، ضاعت الأمور. قيل لشبيب بن شيبة المنفري وقد اشتد عليه حجاب المهدي:

يا أبا معمر، أنت مع شرفك وقدرك وجاهك وسعة ذات يدك، تذل نفسك هذا الذل؟ فقال: نذل لهم لنعز عند غيرهم، فإن من رفعوه ارتفع، ومن وضعوه اتضع. قالت عائشة رضي الله عنها: في السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب، مفرحة للملائكة، وهو من السنة، تضاعف به الحسنات، ويعين على الحفظ، وينزع البلغم، ويجلو البصر، ويذهب بالحفر، ويشد اللثة، ويفصح اللسان. قال ابن السماك: تبارك من خلق الإنسان فجعله يبصر بشحم، ويسمع بعظم، ويتكلم بلحم. أنشد بشر بن موسى: الرمل المجزوء قد أرحنا واسترحنا ... من غدو ورواح واتصال بلئيم ... أو كريم ذي سماح وجعلنا الصبر مفتا ... حاً لأبواب النجاح شاعر: البسيط من كان للدهر خدناً في تصرفه ... أبدت له صحبة الدهر الأعاجيبا

من كان خلواً من التأديب سربله ... كر الليالي على الأيام تأديبا قال النبي صلوات الله عليه: ظهر المؤمن مشجبته، وبطنه جرايته، ورجله مطيته، وذخيرته ربه. شاعر: الكامل المجزوء قوم إذا حالفتهم ... لم تخش نائبة الصروف وإذا وصلت بحبلهم ... حبلاً أمنت من المخوف قوم تسيل دماؤهم ... بين الأسنة والسيوف وقال ابن السماك في وصف الدنيا: طاعمها لا يشبع، وشاربها لا يروى، والناظر إليها لا يمل، ولم نر شيئاً أعجب منها ومن أهلها: يطلبها من هو على يقين من فراقها، ويركن إليها من لا يشك أنه راحل عنها، ويعتصم بحبلها من هو على أوفاز. دخل الشعبي على الحجاج فقال له الحجاج: يا عامر، أدب وافر وعقل نافر، فقال: صدقت أيها الأمير، العقل سنخ والأدب تكلف،

ولولا أنتم معشر الملوك ما تأدبنا، قال: فالمنة لنا في ذلك دونكم، قال: صدقت أيها الأمير. قال عطاء بن أبي رباح ليزيد بن معاوية: أغنني عن غيرك، قال: حسبك ما أغناك به معاوية، قال عطاء: فهو والله الحي وأنت الميت؛ فاهتز يزيد لكلمته وأمر له بجائزة. قال بعض البخلاء: والله لا أكلت إلا نصف الليل، قيل: ولم اخترت ذلك؟ قال: يبرد الماء، وينقمع الذباب، وينام الصبيان، وتؤمن فجاءة الداخل، وصرخة السائل. قال بعض الأدباء في رسالة له إلى أخ له: إنك من جوارحي يميني، ومن سوانحي يقيني. ذكر أعرابي قوماً فسد ما بينهم بعد صلاح ومودة فقال: والله ما زالت عيون العداوة تنجم من صدورهم فتمجها أفواههم، وأسباب المودة تخلق في قلوبهم فتخرس عنها ألسنتهم حتى ما تجد للشر مزيداً، ولا للخير مريدا.

كتب أبو داود الوراق إلى أخ له، وأهدى إليه مقلمة: إذا كان اللطف دليل محبة، وميسم قربة، كفى قليله عن كثيره، وناب يسيره عن خطيره، ولا سيما إذا كان المقصود به ذا همة لم يستعظم نفيساً، ولم يستصغر خسيساً، وقد جعلك الله من هذه الصفة بأجل فضائلها، وأرفع منازلها. وقال أبو بشر البرجمي: أنشد مسلم بن قتيبة قول الشاعر: الطويل ذريني فما أعيا بما حل ساحتي ... أسود فأكفي أو أطيع المسودا فقال: لله دره فما أدري في أي حالتيه هو أكرم، أحين يسود فيكفي، أو حين يطيع المسود. قال يونس النحوي: لا تعادين أحداً وإن ظننت أنه لا يضرك، ولا تزهدن في صداقة أحد وإن ظننت أنه لا ينفعك، فإنك لا تدري متى تخاف عدوك وترجو صديقك، ولا يعتذر إليك أحد إلا قبلت عذره وإن علمت أنه كاذب، وليقل عيب الناس على لسانك. للصولي: الخفيف

إن يكن سار عائداً لدمشق ... وطواه كما طوى الشمس غرب فهو للقلب حيثما كان ذكر ... وهو للطرف حيثما دار نصب كتب الحسن بن وهب إلى صديق له يعلمه صبابته إليه ووحشته لفراقه فقال: وقد قسمك الله بين طرفي وقلبي، ففي مشهدك أنس قلبي، وفي غيبتك لهو طرفي بذكر قلبي. فكتب إليه: وقفت على الفصل الذي أخبرت فيه، فسيان عليك رأيتني أو لم ترني إذ كان بعضك يؤنس بعضاً فينوبوا عني، ولكني أراك فيخشع قلبي، وأغيب عنك فتدمع عيني، فشتان بين ما ساء أبده، ومن حزن أمده. فكتب إليه الحسن: يا حانقاً على الجرة ثم تمثل يقول: الوافر أعلمه الرماية كل يوم ... فلما اشتد ساعده رماني كان بعض أصحابنا ينشد: فلما استد، وهو قريب من الصواب، وقد رأيت من لا يختار غيره، وكلا المعنيين قريب.

قال المازني: سمعت أبا زبد الأنصاري يقول: لقيت أبا حنيفة فحدثني بحديث فيه: يدخل الجنة قوم حفاة عراة منتنين قد أمحشتهم النار، فقلت: قوم منتنون قد محشتهم النار، فقال: من أين أنت؟ فقلت: من البصرة، قال: أكل أصحابك مثلك؟ قلت بل أنا أبخسهم حظاً في العلم، فقال: طوبى لقوم أنت أبخسهم. قال أبو محلم، قيل لجرير: إن الطرماح قد هجا الفرزدق وقد كبر وضعف، فلو أجبت عنه، فقال: صدى الفرزدق يفي بطيء كلها، وقد أردت ذلك فخفت أن يقال: قد اجتمع فحلاً مضر على مخنث طيء. أنشد أبو ذكوان: الطويل سقى دار ليلى حيث حلت وشققت ... عليهن من غر السحاب جيوب فما يقشعر القلب عند حديثها ... ولكنه يحلو له ويطيب

قال ابن سلام، قلت ليونس: كيف ينشد: الرجز ما تنقم الحرب العوان مني ... بازل عامين حديث سني لمثل هذا ولدتني أمي قال: على الثلاثة أوجه، بالرفع على الأستئناف، وبالجر على من، وبالنصب على الحال. الرياشي قال: دخل أعرابي البصرة فاشترى خبزاً فأكله الفار فقال: الرجز عجل رب الناس بالعقاب لعامرات البيت بالخراب كحل العيون وقص الرقاب مخززات أحبل الأذناب مثل مدارى الطفلة الكعاب كيف لنا بأنمر الإهاب

منهرت الشدق حديد الناب كأنما برثن بالحراب يفرسها كالأسد الوثاب عزى أعرابي رجلاً عن أبيه فقال: والله ما مات من خلفك، ولا خاب من أملك، ولا توحد من أهلك، إن من كنت بغيته لموفور، ومن كنت ثماله لمحبور، ومن كنت وليه لمنصور. قال أبو هفان: قال المأمون لرجل رآه استضعفه: أبو من؟ قال: أبو القمرين، قال: الكاسفين، لو كان لك عقل كفاك أحدهما. قال أبو حاتم السجستاني: كان رجل يحب الكلام ويختلف إلى حسين النجار، وكان ثقيلاً متشادقاً ما يدري ما يقول حيناً، ثم فطن له مكان يعد له الجواب من جنس السؤال، فينقطع ويسكت، فقال له يوماً: ما تقول - أسعدك الله - في حد تلاشي التوهمات في عنفوان القرب من درك المطال؟ فقال له حسين: هذا من وجود قرب الكيفوفية على طريق الحيثوثية،

وبمثله يقع التنافي والمجانسة على غير تلاق ولا افتراق، فقال الرجل: هذا يحتاج إلى فكر واستخراج، فقال له: أفكر فإنا قد استرحنا. قال سعيد بن خالد اليماني: كان عندنا قاص يكنى بأبي خالد قال في دعائه: يا ساتر عورة الكبش لما علم من فضله وصلاحه، وهاتك عورة التيس لما علم من قذره وفجوره، استر علينا وارحمنا واهتك ستر أعدائنا. فقيل له: وما فضيلة الكبش؟ قال: لأنه يقال: كبش إبراهيم الذي فدى به ابنه، ولأنه يذبح في العقيقة، قيل: فما ذنب التيس؟ قال: يشرب بوله، وينزو على الشاة التي لم تستحق النزو، ويؤذي المسلمين بنتن ريحه، ويعلم الناس الزنا، وهو عيب على أصحاب اللحى الكبار؛ يقال: جاءني بلحية التيس. رفع رجل من العامة إلى كسرى بن قباذ: إن في بطانة الملك جماعة قد فسدت نياتهم وخبثت ضمائرهم بقتله بزرجمهر، وقد هموا بما لم يفعلوا، وهم غير مأمونين على المملكة، منهم فلان وفلان، فإن رأى الملك أن يعاجلهم فعل؛ فوقع: إني إنما أملك الأجساد لا النيات، وأحكم بالعدل لا

بالرضى، وأفحص عن الأعمال لا عن السرائر. ووقع في رقعة وكيل يستحثه على بناء قصر: أنت ماش والأوقات راكضة، والعمل باع والعناية فتر. أنشد لأعرابية: البسيط من آل فارس أخوالي أساورة ... هم الملوك وقومي سادة العرب وجدتي تلبس الديباج ملحفة ... غزل الفريد ولم تركب على قتب ولم تكب على البردات تنسجها ... معاذ ربي ولم تشرب من العلب قال سليمان بن عبد الملك: العجب منا ومن هؤلاء القوم، كانوا فيما كانوا فيه من الملك فلم يحتاجوا إلينا، فلما صار الملك إلينا لم نستعن عنهم. قال بعضهم: من المروءة اجتنابك ما يشينك، واجتباؤك ما يزينك. وقال آخر: لا تجب من لا يسألك، ولا تسأل من لا يجيبك. وقال فيلسوف: كن حذراً كأنك غر، وفطناً كأنك غافل، وذاكراً كأنك ناس. وقال فيلسوف: حسن التدبير مع المال القليل، خير من سوء

التدبير مع المال الكثير، لأن حسن التدبير قد يكثر القليل، وسوء التدبير يمحق الكثير. وقال آخر: المنفقون ثلاثة: كريم مقتدر، ومسرف مبذر، ولئيم مقتر. وقال آخر: العقل أمير والأدب وزير، فإذا لم يكن وزير ضعف الأمير، وإذا لم يكن أمير بطل الوزير. وقال فيلسوف: الناس كالسيوف والشحذ والجلاء كالأدب. قال بعضهم: الدين يعصم والدنيا تسلم. قال علي رضي الله عنه: بقية السيف أنمى عدداً. ليته أخبر عن السبب فإنه أعجب من الخبر، لأن السبب سر وهذا علانية، والناس شركاء في العيان ومتباينون في الباطن، وما أكثر ما يطلق اللفظ فيه ولا يحقق شيء منه. للزيات في الفضل بن سهل: البسيط

لم أمتدحك رجاء المال أطلبه ... لكن لتلبسني التحجيل والغررا ما كان ذلك إلا أنني رجل ... لا أقرب الورد حتى أعرف الصدرا قيل لرجل شامي: أي الطعام أطيب؟ قال: ثريدة موسعة زيتاً، تأخذ بأدناها فيضرط أقصاها، تسمع لها وجيباً في الحنجرة كتقحم بنات المخاض في الجرف. شاعر: الطويل تكاشرني كرهاً كأنك ناصح ... وعينك تبدي أن صدرك لي دوي قال الحسن: من ازداد علماً فلم يزدد زهداً لم يزدد من الله إلا بعداً. استعمل علي بن أبي طالب عبد الله بن عباس على البصرة،

فأخذ من بيت المال ما كان فيه وخرج إلى مكة، فكتب إليه علي: أما بعد فقد علمت ما قال الله عز وجل في الخائنين، فلا ابن عمك آسيت، ولا الأمانة أديت، كأنك لم تكن تريد الله عز وجل بجهادك، وكأنك لم تكن على ثقة فيه من ربك، وكأنك إنما كنت تكيد هذه الأمة عن دنياهم، وتنوي غرتهم عن فيئهم، فلما أمكنتك الشدة في خيانة هذه الأمة، أسرعت العدوة، وعاجلت الوثبة، واختطفت ما قدرت عليه من أموالهم، اختطاف الذئب الأزل دامية المعز الكسير، فحملته إلى الحجاز رحب الصدر غير متأثم من أخذ، كأنك - لا أبا لك - إنما حزت لأهلك تراثك من أبيك وأمك؛ فسبحان الله العظيم! أما تؤمن بالمعاد؟ أما تخاف سوء الحساب؟ أما تعلم أنك تأكل

حراماً وتشرب حراماً؟ أما يكبر عليك أن تنكح النساء وتشتري الإماء بأموال الأيتام والأرامل والمهاجرين، الذين أفاء الله عز وجل عليهم هذه البلاد؟ آردد إلى القوم أموالهم فإنك والله - عز وجل - إلا تفعل، ثم أمكنني الله عز وجل منك، لأعذرن إلى الله عز وجل فيك، فو الله لو أن حسناً وحسيناً فعلا مثل الذي فعلت، لما كانت لهما عندي هوادة، ولا ظفرا مني برخصة، حتى آخذ الحق لمظلومهما، إن شاء الله. فكتب إليه ابن عباس: أما بعد، فقد أتاني بأنك تعظم علي ما أصبت من بيت مال البصرة، ولعمري إن حقي في بيت مال الله لأكثر مما أخذت، والسلام. فكتب إليه علي: أما بعد، فإن العجب أن تزين لك نفسك أن لك في بيت مال الله عز وجل من الحق أكثر مما لرجل من المسلمين، فقد أفلحت إن كان تمنيك الباطل وادعاؤك ما لا يكون ينجيك من المأثم، أو يحل لك ما حرم الله عليك، فلعمري إنك لأنت المهتدي السعيد إذن. قد بلغني أنك اتخذت

مكة وطناً، وضربت بها عطناً، تشتري بها مولدات مكة والمدينة والطائف، تختارهن على عينك، وتعطي فيهن مال غيرك؛ وإني أقسم بالله ربي وربك ورب العزة رب العالمين، ما أحب أن لي ما أخذت من أموالهم حلالاً أدعه لعقبي ميراثاً، فالعجب لاغتباطك به تأكله حراماً؛ فضح رويداً، فكأن قد بلغت المدى، وعرضت عليك أعمالك بالمحل الذي ينادي فيه المغتر بالحسرة، ويتمنى المضيع التوبة، والظالم الرجعة، فذلك وما ذلك، ولات حين مناص، والسلام. فكتب إليه ابن عباس: أما بعد، فإنك أكثرت علي وإني والله - عز وجل - لأن ألقى الله بجميع ما في الأرض من ذهبها وفضتها وكل ما فيها أحب إلي من أن ألقاه بدم امرىء مسلم، والسلام. وأنشد لمضرس بن دومي النهدي: الطويل إذا الحرب شالت لاقحاً وتحدمت ... رأيت وجوه الأزد فيها تهلل حياء وحفظاً واصطباراً وإنهم ... لها خلقوا والصبر للموت أجمل

وهم يضمنون الجار من كل حادث ... ويمشون مشي الأسد حين تبسل يرى جارهم فيهم منيعاً مكرماً ... على كل ما حال يحب ويوصل إذا سيم جار القوم خسفاً فجارهم ... عزيز حماه في عماية يعقل في عماية يعقل: يعتصم، هكذا سمعت المتقن الضابط يقول ويوضح، فحدثنا كما أخذنا من غيرنا؛ نفعك الله بالأدب، وخفف عنك فيه التعب، ووقاك عثرة الجاهل، وحيرة العالم، وحسرة المحروم، وذلة المظلوم، وكفاك جميع ما يقطعك عن الحق، ويزين لك الباطل، ولا أخلاك من نصره العزيز، وفتحه المبين. أنشد لمغلس بن لقيط السعدي: الطويل أبقت لي الأيام بعدك مدركاً ... ومرة والدنيا كريه عتابها قرينين كالذئبين يبتدرانني ... وشر صحابات الرجال ذئابها إذا رأيا لي غرة أغريا بها ... أعادي والأعداء تعوي كلابها

وإن رأياني قد نجوت تلمسا ... لرجلي مغواة هياماً ترابها وأعرضت أستبقيهما ثم لا أرى ... حلومهما إلا وشيكاً ذهابها فقد جعلت نفسي تطيب لضغمة ... أعضهماها يقرع العظم نابها وقال موسى بن جابر بن أرقم، وهو حنيفي نصراني يمامي جاهلي، ويعرف بابن ليلى، ويلقب بأزيرق اليمامة، وبه يعرف: الوافر لبست شبيبتي ما رم خلقي ... ولا سمت العدو ولا هفوت وما أدع السفارة بين قومي ... ولا أمشي بغش إن مشيت وما للملك في الدنيا بقاء ... وكيف بقاء ملك فيه موت السفارة: المشي في الصلح، وكأنها كشف ما غمر الحال بين المتنابذين

المتباينين، ويقال للسفرة سفرة لأنها تبسط وتكشف، وكأن السفر أيضاً يكشف عن الأخلاق، والإسفار: ضياء الشمس في ظلام الغلس، والسفر والأسفار: كتب لأنها ضمنت البيان عما يخفى والكشف عما استتر، والمسفرة: المكنسة، كأنها تكشف عن وجه الأرض أي ترفع ما اجتمع عليه. وكما يقال: سفرت بينهم وأنا سفير، يقال: سملت بينهم وأنا سامل، وكأن السامل في الأصل من لاط الحوض، وأصلح المورد، وسهل مكان الشارعة، والكلام كله متداخل، والأشتقاق فيه دائر، ومنه ما يصح ومنه ما يجفى. قال موسى بن عبد الله بن خازم لما قتل أخوه بخراسان وبلغه نعيه - سمعت أبا سعيد السيرافي يقول: النعي مصدر نعى ينعى، والنعي - بالتشديد - الناعي، والناعي هو المخبر بالموت -: الطويل:

ذكرت أخي والخلو مما أصابني ... يغط ولا يدري بما في الجوانح دعته المنايا فاستجاب دعاءها ... وأرغم أنفي للعدو المكاشح فلو ناله المقدار في يوم غارة ... صبرت ولم أجزع لنوح النوائح ولكن أسباب المنايا صرعنه ... كريماً محياه عريض المنادح بكف امرىء كز فصير نجاده ... خبيث نثاه عرضة للفضائح نظر محمد بن المنكدر رجلاً يتبع امرأة في خراب ويناغيها فقال: إن الله عز وجل يراكما، سترنا الله وإياكما. قال المدائني: شاور معاوية الناس في قتل الحارث بن قيس، فقال له يزيد بن قيس: إن قتلت أصبت، وإن عفوت قلنا أحسنت، فقال: الإصابة أحب إلي من الإحسان لشوقي إلى الإصابة؛ قال بعض المشايخ: أخطأ، لأن الإحسان يستوفي معنى الإصابة ثم يوفي عليها. وقال المدائني: أخذ رجل من المنصورية فقيل له: ما تقول في

أبي بكر؟ قال: أتولاه، فخلي عنه، فرجع وقال: إني ذكرت تزويجه أخته الأشعث فأنا أتبرأ منه، فقتل. قال نوح بن جرير بن الخطفى لأخيه بلال: أنا أشرف منك، فقال بلال: أمنا واحدة، فقال: ولدتك وهي أمة وولدتني وهي حرة؛ وكانت ديلمية. قال المدائني، قال ابن عباس في صفين: ليغلبن معاوية، لأن الله تعالى قال وهو أصدق القائلين " ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً " الأحزاب: 33. وما أدري كيف صحت هذه الرواية؛ إن ابن عباس لو كان معه هذا البرهان لكان مع من جعل الله له سلطاناً، وفارق من جعل الله عليه سلطاناً، ولكن الرواية خبر، والخبر ينقسم بين التصديق والتكذيب، وبالتوقف عنه وسوء الظن به، ولقد عمت آفته الخلق، وإلى الله عز وجل الشكوى. أنشد ابن المنزل: المنسرح عيني لحيني تدير مقلتها ... تطلب ما ساءها لترضيني أف لدنيا أبت تواتيني ... إلا بنقضي لها عرى ديني شاعر: الوافر

إذا كثر التجني من خليل ... بلا ذنب فقد مل الخليل كتبت من خط أبي إسحاق: الطويل وكنا إذا نحن التقينا تخالساً ... وسامحت العينين منا شؤونها أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ... وأوساطها حتى ترق فنونها حديثاً كماء المزن وافقه الصدى ... وأشبهه طيب الحياة ولينها قالت أعرابية: هي أحسن من العقيان، على صدور القيان. قالت أم هشام السلولية في الإبل: إذا حملت أثقلت، وإذا حلبت أروت، وإن سارت أبعدت، وإن نحرت أشبعت. خطب أعرابي إلى قوم فقال: الحمد لله الذي يولي الإنعام، والصلاة على محمد والسلام، أما بعد: فإني إليكم خاطب، وفي الألفة بيننا راغب، ولكم علي في من خطبت أحسن ما يجب لصاحب على صاحب، فأجيبوني جواب من يرى نفسه لرغبتي محلاً، ولما دعتني إليه الطلبة أهلاً. قال أبو عبيدة: أخبرني الزبير بن بكار عن أبيه قال: أهديت

إلى هشام بن عبد الملك حين قدم الحيرة يريد الحج ناقة، فلم يقبلها، فلما قوضت سرادقاته وحجره قلت: يا أمير المؤمنين، جعلني الله فداك، لم رددت ناقتي، وهي هلواع مرياع مرباع مقراع مسياع مسناع، حلبانة ركبانة؟ فضحك وقال: خذوها منه، وأمر لي بألف درهم. الهلواع: ناقة فيها نزق وخفة؛ والمرياع: التي تقدم الإبل ثم تعود، والمرباع: التي تعجل باللقاح، من قولك: لك المرباع منها والصفايا، والمقراع: التي تعجل باللقاح أول ما يقرعها الفحل، والمسياع: السمينة، والسياع: الطين، والملواح: الخفيفة، والمسناع: الواسعة الخطو. قيل لصوفي: ما مراد الحق منك؟ فقال: مراده في هو مراده مني، قيل له: فمن أين حققت هذا الحكم؟ قال: لأن قولي مني وفي إضافة، ومراد الحق واحد، قيل له: إن المراد منك قيامك بالأمر، والمراد فيك وقوفك مع النهي، قال: صدقتم، ولكن ما هو مني به يتم، وما هو في له يتم، والحظ فيما هو مني لي، والحكم فيما في له، وما هو له مقدم على ما هو مني، ما أشير بهذا إلى رد أمره، ولكنني أضيف إليه خفية سره، على أن واضح عذري

مردود عند مشكل حجته، لأن حجته تنتهي إليه فتقوى بالألهية، وعذري ينسب إلي فيضعف بالعبودية، قيل له: فهذا خلاف العقل، قال: إن فعله بالخلق يسبق إدراكهم بالعقل، لأن العقل أيضاً خلق. وأنشد: الكامل تأسو وتجرح في الحديث جليسها ... بكلام لا هذر ولا إطناب إلا مساقطة تلبس بالحشا ... كتعلق الأحباب بالأحباب قال الجاحظ: قال رجل مبخل لغلامه: هات الطعام وأغلق الباب، فقال: هذا خطأ، بل أقول: أغلق الباب وأت بالطعام، فقال له الرجل: أنت حر لعلمك بالحزم. قال شبيب بن شيبة: لما خلع عبد الله بن عبد الرحمن - وقتل بخراسان - قام خطيب المنصور السكوني فقال: والله يا أمير المؤمنين، لقد كان حسن المكان عظيم السلطان، كثير الأعوان، وكان مع ذلك فيه آية من كتاب الله عز وجل، كأنها عليه قصرت وفيه نزلت، وهي: " وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم " المنافقون: 4؛ فالحمد لله الذي أخمد جمرته، وأذل عزته، ولم يقله عثرته.

قال أبو عثمان المازني، عن الأصمعي، عن عيسى بن جعفر، قال: قلت لأعرابي: كم في المسجد من سارية؟ قال: خمسون وخمسمائة بعد الألف؛ قال: وهكذا تقول العرب إذا اجتمع الكثير من العدد والقليل، بدأت بأقل العددين. قال أنس بن أبي شيخ: اجتماع الضعيفين قوة تدفع عنهما، وافتراق القويين مهانة تمكن منهما، وكان أنس هذا معروفاً بالزندقة، والله أعلم. قال أبو العيناء: أحضر لإسحاق بن إبراهيم جارية سكرانة أخذت في العسس، فقال لها: ما خطبك يا جارية؟ فقالت على البديهة: الرجز جارية باكرت المروقا ... تشرب صرفاً وترد رنقا حتى إذا مرت تمشى العنقا ... علقها الشرطي فيمن علقا فقال إسحاق لصاحب الشرطة: أمثل هذه تؤخذ لا بارك الله فيك؟ خل عنها ولا تعرض لها.

قال الأصمعي: ولى جعفر بن سليمان رجلاً بعض البدو، ثم وجه من يسأل عنه، فلقي شيخاً من الأعراب، فقال: كيف واليكم؟ فقال: ما يطبق جفناً، ولا يعرف أفنا، وكل يوم يزداد فعله حسناً، يبرىء بدوائه، ولا يستبد برائه، قد أذكى العيون على عيونه، وتيقظ في جميع فنونه، فهو غائب كشاهد، ومانع كمعط، والمحسن آمن، والمسيء خائف. قال إسحاق: أتي عبد الملك بعود، فقال للوليد بن مسعدة الفزاري: ما هذا يا وليد؟ فقال: خشب يشقق ثم يرقق، ثم يلصق، ثم تمد عليه أوتار، وتضرب به القيان، فتطرب له الفتيان، وتضرب برؤوسها الحيطان. امرأتي طالق إن كان في المجلس أحد إلا وهو يعلم منه مثل ما أعلم، أولهم أنت يا أمير المؤمنين! فضحك، وقال: مهلاً يا وليد. قال قتيبة لنهار بن توسعة: لست تقول فينا كما تقول في آل المهلب؟ قال: إنهم والله كانوا أهدافاً للشعر، قال: هذا والله أشعر مما قلت فيهم.

قال الأصمعي: ذكر أعرابي رجلاً زالت نعمته: والله لقد كان في ظل عيش مثمر فقدحت عليه من الدهر يد غير كابية الزند. أنشد لصقلاب: السريع مل فما تعطفه حرمة ... واتخذ العلات أعوانا إن ساءك الدهر بهجرانه ... فربما سرك أحيانا لا تيأسن من وصل ذي ملة ... أطرف بعد الوصل هجرانا يمل هذا مثل ما مل ذا ... فيرجع الوصل كما كانا وأنشد لشداد بن عقبة الجهني في محمد بن عبد الله بن الحسن: البسيط إني مررت على دار فأحزنني ... لما مررت عليها منظر الدار وحش خلاء كأن لم يغن ساكنها ... بمعتفين وقطان وزوار من للأرامل والأيتام يجمعهم ... شتى الموارد من حلس وأكوار مأوى الغريب وساري الليل معتسفاً ... وعصمة الضيف والمسكين والجار

بها مساكن كان الضيف يألفها ... عند التنسم من نكباء مهمار فيها مرابط أفراس ومعتلج ... وجامل أخريات الليل قرقار فيها معالم إلا أنها درست ... من واردين ونزال وصدار فيها مغان وآيات ومختلف ... في سالف الدهر من باد وحضار ثم آنجلت وهي قد بادت معالمها ... ألقى المراسي فيها وابل سار وخاويات كساها الدهر أغشية ... من البلى بعد سكان وعمار جار الزمان عليها فهي خاشعة ... طورين من رائح يسري وأمطار ففاضت العين لما عيل مجرعها ... فيض القري جفت عنه يد القاري ودارت الأرض بي حتى اعتصمت بها ... واستك سمعي بعرفان وإنكار حتى إذا طار نومي ما يفارقني ... ما أوجع القلب من حزن وتذكار وحان مني أنصراف القلب وانكشفت ... عمياء قلب سراه النوم مهجار لا يبعد الله حياً كان يجمعهم ... مبدى سويقة أخياراً لأخيار الباذلين إذا ما الثقل أعدمهم ... جادت أكفهم بالجود مدرار

والرافعين لساري الليل نارهم ... حتى يجيء على شدو من النار والدافعين عن المحتاج خلته ... حتى يحوز الغنى من بعد إقتار والقائلين له أهلاً بمرحبة ... لج في انفساح ورحب أيها الساري والضامنين القرى في كل راكدة ... فيها سديف شظايا تامك وار والمدركين حلوماً غير عازبة ... والناهضين بجد غير معثار والعاطفين على المولى حلومهم ... حتى يفيء بحلم بعد إدبار والعائدين إذا ضنت بدرتها ... أم الفصيل فلم تعطف بإدرار والياسرين إذا ما شتوة جمدت ... فلم يحس بنار قدر أيسار والمانعين غداة الروع جارهم ... بكل أجرد أو جرداء مخطار والرافعين صدور العيس لاغبة ... تبغي الإله بحجاج وعمار على حراجيج أطلاح معودة ... ترمي الفجاج بركبان وأكوار فليتني قبل ما أمسي لحزنكم ... وكل شيء بميقات ومقدار لفت علي شفاه القبر في جدث ... عرى المنون فرادى تحت أحجار

ولم أر العيش في الدنيا ولم يرني ... ولم يجئني بأنياب وأظفار ولم أفض عبرات من مواكلة ... على كريم بسفح الواكف الجاري سمع ابن مسعود وهو يقول في دعائه: اللهم إني أعوذ بك من غنى يطغيني، ومن فقر ينسيني، ومن هوى يرديني، ومن عمل يخزيني. ومن كلام العرب، تقول: أعرى من مغزل، وأكسى من بصلة. يقال: معنى قولهم: حين تقلين تدرين، أي غثه من سمينه. العرب تقول: أطعت الوشاة والمشاة. لما اشتدت علة عبيد الله بن سليمان أخذ مغرد غلامه المصحف وفتحه، فخرج " حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً " يونس: 24 فمات. يقال: من لم يكن فيه خمس خصال لم يصلح لشيء من أمر

الدنيا والآخرة: من لم تعرف الوثاقة في أرومته، والدماثة في خلقه، والنبل في نفسه، والمخافة من ربه، والأتعاظ بغيره. يقال: التبازي: إخراج الصدور، والتبازخ: إخراج الألية. يقال: رجل به سلال، ولا يقال سل. يقال: احتمل ممن أدل عليك، وأقبل ممن اعتذر إليك. يقال: قد قرعت له العصا، أي نبهته من الغفلة. كان عمرو بن عبيد يوصي الناس بحفظ وصية زياد، وكان أولها: إن الله عز وجل جعل لعباده عقولاً عاقبهم بها على معصيته، وأثابهم بها على طاعته، والناس بين محسن بنعمة الله عز وجل عليه، ومسيء بخلاف الله

إياه، ولله النعمة على المحسن والحجة على المسيء، فما أولى من تمت عليه النعمة في نفسه، ورأى العبرة في غيره، أن يضع الدنيا بحيث وضعها، فيعطي ما عليه منها، ولا يتكثر مما ليس له فيها، فإن الدنيا دار فناء لا سبيل إلى بقائها، ولا بد من لقاء الله عز وجل، وأحذركم الله عز وجل الذي حذركم نفسه، وأوصيكم بتعجيل ما أخرته العجزة حتى صاروا إلى دار ليس لهم منها أوبة، ولا يقدرون فيها على توبة، وأنا أستخلف الله عز وجل عليكم، وأستخلفه منكم. العرب تقول: البريء جريء والخائن خائف، ومن أساء استوحش. ويقال: الجراءة من البذاءة. قامت أم سلمة امرأة محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن إلى المنصور وهو راكب ومعها ابناها فقال: من تكونين؟ فقالت: أنا أم ولد محمد ابن عبد الله بن الحسن بن الحسن، وهذان ابناي منه، أيتمهما سيفك، وأضرعهما خوفك، فإن رأيت أن تعطف عليهما لشوابك القرابة، وأواصر الرحم، ولا تصعر خدك لهما، فتتبع الأولى الأخرى، فافعل، فقال المنصور:

هكذا والله أشتهي أن يكون كلام نساء قريش، يا غلام اردد على ولد محمد ضياع أبيهما، فردت وأحسن إليهما. أنشد لعبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر: الكامل المجزوء إن ابن عمك وابن أم ... ك معلم شاكي السلاح يقص العدو وليس ير ... ضى حين يبطش بالجراح لا تحسبن أذى ابن عم ... ك شرب ألبان اللقاح بل كالشجا تحت اللها ... ة إذا تسوغ بالقراح وانظر لنفسك من يجي ... بك تحت أطراف الرماح من لا يزال يسوؤه ... بالغيب أن يلحاك لاح

قال أبو بكر الواسطي: العارف يعرف عن الله بالله عز وجل، والعامل يفهم عن الله عز وجل بغير الله، والأشياء كلها دالة على وحدانيته، فإذا وجد الواجد استغنى عن الدليل. وقال الواسطي في هذا المعنى: ألا ترى إلى قوله تعالى للعاملين " وأعتصموا بحبل الله " آل عمران: 13، وقال للعارفين: " واعتصموا بالله " الحج: 78. كاتب كتب إلى أخ له: ما اتفككت عن ودك، ولا انفركت عن عهدك. قال عبد الملك بن مروان: لأن أخطىء وقد استشرت، أحب إلي من أن أصيب وقد استبددت. قال أحمد بن مهران في كتاب: لا أجمع إلى العجز عن شكر ما أمكن، التسرع إلى الأستبطاء فيما تعذر.

وقال العامري: قاطيغورياس في لغة يونان هو التخاصم والتناصف. سمعت أبا عبد الله الطبري، غلام أبي إسحاق المروزي يقول: القرآن أصل علم الشريعة ونصه ودليله، والحكمة بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته، والأمة المجتمعة حجة على من شذ عنها. والأصل كل ما تمكن بنفسه وتفرع عنه غيره، والفرع ما لم يعلم بنفسه. والعلم معرفة الشيء على ما هو به، والكلام على ظاهره وعمومه حتى يقوم دليل الخصوم. والأسماء المفردة ثلاثة: عام لا خاص فيه، كقولك: شيء، قال الله تعالى " والله بكل شيء عليم " النساء: 175؛ والثاني: عام من وجه خاص من

وجه، كقوله " اقتلوا المشركين " التوبة: 6 و " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله " التوبة: 30 فهذا عام في جميع المشركين إلا أهل الكتاب، وقال " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله " المائدة: 41 فهذا عام في من سرق ربع دينار فصاعداً خاص فيما دونه، والعموم لا يقع إلا في هذين؛ والثالث: خاص لا عام فيه كقولك: زيد وعمرو، قال الله تعالى " محمد رسول الله " الفتح: 29 فهذا خاص. وأقل العموم شيئان، وأقل الخصوص شيء واحد. والمطلق ما لم يقيد، والمقيد ما ضمن وصفاً، قال الله تعالى " حرمت عليكم أمهاتكم " إلى قوله " وأمهات نسائكم " النساء: 22 فأطلق، وقال تعالى في الربائب " وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن " النساء: 23 فقيد؛ والعموم ما لو كلف إمضاؤه لصح، والجملة ما لو كلف إمضاؤها لم تعلم حتى تفسر. وأمر الله على الوجوب إلا ما أفرده الدليل، وكذلك أم النبي صلى الله عليه وسلم، وأفعال الرسول عليه الصلاة والسلام عند طائفة على الندب إلاما قام دليل على وجوبه. والأمر على ضروب: أمر حتم كقوله تعالى " وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله والرسول واتقوا الله " النور: 56 وما أشبه هذا؛ وأمر وعيد، كقوله عز وجل " واعملوا ما شئتم " السجدة: 40 " ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " الكهف: 29 وإذا لم تستح فاصنع ما شئت؛ وأمر تعجيز كقوله تعالى " كونوا حجارة أو حديدا " الإسراء: 50؛ وأمر جزاء كقوله " أدخلوا آل فرعون أشد العذاب " المؤمن: 46 أي هذا عقابكم و " ادخلوا الجنة " الأعراف: 48، أي هذا ثوابكم؛ وأمر

إباحة كقوله عز وجل " وإذا حللتم فاصطادوا " المائدة: 31 " فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض " الجمعة: 10، وقال عز وجل " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " البقرة: 194 أي إن شئتم؛ وأمر إرشاد كقوله عز وجل " وأشهدوا إذا تبايعتم وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة " البقرة: 282. وفي القرآن والسنة آيات أولها ندب وآخرها حتم، كقوله عز وجل " كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده " الأنعام: 141، " فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً " النور: 33 " وآتوهم من مال الله الذي آتاكم " النور: 33، وقوله تعالى " لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن " البقرة: 235، فهذه كلها أولها ندب وآخرها حتم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هجرا، وانتبذوا في الظروف واجتنبوا كل مسكر. والقياس قياسان: قياس جلي وقياس خفي: فالجلي ما لا تجاذب فيه، قال الله تعالى " ولا تقل لهما أف " الإسراء: 23 " وذروا البيع " الجمعة: 9 " فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره " الزلزلة: 7 " ولا تلهكم أموالكم " المنافقون: 9 " إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً " النساء: 9 والذي يشرب في آنية الذهب والفضة، وإذا ولغ الكلب في الإناء، أو لحم خنزير، ولا تضحوا بالعوراء، ونهى عن الثوب المصبوغ بالورس للمحرم، فكان المسك أشد نهياً. والقياس الخفي ما تتجاذبه الأصول، كالجناية على العبد، فالعبد فيه شبه من الأحرار وشبه من الحيوان، فألحق بالأحرار لغلبة الاشتباه لأنه أشبه الحر في

أنه آدمي وأنه مخاطب بالعبادة وأنه يجري القصاص فيما بينهم وأنه في قتله الكفارة، ويشبه الحيوان من جهة أنه مال. قال العتبي: لما اشتدت شوكة أهل العراق على عبد الملك بن مروان خطب الناس فقال: إن نيران العراق قد علا لهبها، وكثر حطبها، فجمرها ذاك وشهابها وار، فهل من رجل ذي سلاح عتيد، وقلب شديد، ينتدب لها؟ فقال الحجاج: أنا يا أمير المؤمنين، قال: ومن أنت؟ قال: الحجاج بن يوسف بن الحكم بن عامر، قال: اجلس، ثم أعاد الكلام فلم يقم أحد غير الحجاج فقال: كيف تصنع إن وليتك؟ قال: أخوض الغمرات، وأقتحم الهلكات، فمن نازعني حاربته، ومن هرب طلبته، ومن لحقت قتلته، أخلط عجلة بتأن، وصفوة بكدر، وشدة بلين، وتنبيهاً بازورار، وعطاء بحرمان، وما على أمير المؤمنين أن يجربني، فإن كنت للطلى قطاعاً، وللأرواح نزاعاً، وللأموال جماعاً، وإلا آستبدل؛ فقال عبد الملك: من تأدب وجد بغيته، اكتبوا كتابه. عوتب أعرابي على الكذب فقال: لو غرغرت لهواتك به ما صبرت عنه.

قال يونس: لا تعادوا القضاة فيختاروا عليكم المذاهب، ولا العلماء فيصنفوا عليكم المثالب، ولا المياسير فيبذلوا في تلفكم الأموال. قال عمرو بن مسعدة: الأقلام مطايا الفطن. قال أبو سمير: إن الناس ليختصمون في الأمر وفيه وجوه من الحق تغمض عليهم، فيموجون حتى يرجعوا إليها، فتصح سبل حجتهم، وتوري زناد صدقهم، وتقوم بينة طلبتهم، وتعرب الألسنة بما في نيتهم. قال بشر المريسي وقد سئل عن رجل كيف هو، فقال: هو على أحس حال وأهنؤها، فضحك الناس من لحنه، فقال قاسم التمار: ما هذا إلا صواب، هو مثل ابن هرمة: المنسرح إن سليمى والله يكلؤها ... ضنت بشيء ما كان يرزؤها

فشغل الناس بتفسير التمار عن لحن بشر. قال أبو عبيدة: أوصت نوار أن يصلي عليها الحسن البصري، فقيل له ذلك فقال: إذا أجنزتموها فأعلموني، فعجب الناس من قوله إذا اجنزتموها. قال يموت بن المزرع: قال لي ابن صدقة المزني: ضربك الله باسمك، فقلت له: أحوجك الله إلى اسم أبيك. صلى الشعبي في مسجد باهلة، فقام أعرابي فسأل، فأمر له إنسان من باهلة برغيفين صغيرين رقيقين فلم يأخذهما، ومضى فجاء برغيف كبير حسن وقال: يا باهلة، استفحلوا هذا الرغيف لخبزكم فلعلكم أن تنجبوا. قال أبو العيناء: ولى المأمون أصرم بن حميد عملاً، فهجاه بعض أهل الأدب فقال: الطويل

فما منبر نجسته باسم أصرم ... بطهر ولو طهرته بابن طاهر فبلغ ذلك عبد الله بن طاهر، فبعث إليه بعشرة آلاف درهم وقال له: لم نصلك لهجائك لابن أصرم، فلا تعد لمثلها. قال أعرابي عند ضجره في طلب رزقه: والله لقد تقلبت بي الأسباب، وقرعت جميع الأبواب، واضطربت غاية الاضطراب، وسافرت حتى بلغت منقطع التراب، وحتى رضيت من الغنيمة بالإياب، فما رأيت الحرمان إلا رابضاً، ولا النجح إلا عارضاً. كتب علي بن الهيثم الثعلبي إلى عباد الكاتب: بسم الله الرحمن الرحيم، أكرمك الله عز وجل، فإن الخميس أخو الجمعة، ولا سيما في آخره، فإن كنت غير مختضب ولا محتحب، أتيتك في حاجة هي لي دون صاحبها، وسروري بقضائها فوق سرور المتوسل بي فيها، وإن كنت مشغولاً بما لا بد للعباد من الشغل به، أوحيت بقعودي عنك، إذ كان العذر واقعاً حقاً

مجدداً، وألزمت نفسك قضاء الحاجة مؤكداً. قال الحسن بن وهب: قال المأمون - وكان بليغاً - وقد ذكر التفاح بحضرته: اجتمع في التفاح الصفرة الدرية، والحمرة الذهبية، والبياض الفضي، والنور القمري، يلذها من الحواس ثلاث: العين لحسنها، والأنف لعرفها، والفم لطعمها. شاعر، وهو ابن المعتز: السريع ما بال صبحي لا يرى فجره ... وما لدمعي دائم قطره أستودع الله حبيباً نأى ... ميعاد دمعي أبداً ذكره وقال إبراهيم ابن هرمة: أصحاب السلطان في المثل كقوم رقوا جبلاً ثم وقعوا منه، فأقربهم إلى التلف أبعدهم في المرقى. كان في الخريمي إبرام، فقال له الجماز، وقد أبرمه في مسألة: قد أنفدت الشكر، وأفنيت البر، وجزت التودد، والله لو لقيت مصلوباً

لعانقته، ولو عانيت أبخر لقبلته، ولو رأيت قاتل أبيك لشكرته. أنشد للمؤمل بن طالوت مولى سكينة بنت الحسين: الرجز بدر قريش والذي ... برز في المحافل ذو تدرإ ومدره ... في كل أمر نازل وذو لقاء صادق ... وذو قضاء عادل والناس في ادرائه ... محتلطوا القبائل من راغب وراهب ... ونازل وراحل ومنصف لا يتقي ... في الله عذل عاذل وراجح لا يمتري ... درته بالباطل ليس بخب خادع ... ولا بغر غافل نعم الفتى لخائف ... ونعمة لآمل ونعم مسعار الوغى ... في اليوم ذي البلابل وقد لحن في قوله ونعمه. قال العتبي: من شريف كلام بعض السلف: لا تذكرن لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم زلة، فإنه إن لم يكن في حسناتهم ما يعفى على سيئاتهم، ففي عظيم عفو الله ما يسع سيئاتهم، واعلم أن الله تعالى لم يأمرك باتباعهم وهو يرضى منك بعيبهم، ولا تيأس لمؤمن - مع ما وصف الله

من سعة فضله ورحمته - من عظيم عفوه وتطوله، ولا تثقن لعاص - مع تحذير الله من شدة محاله وأليم عقابه - من نقمته وعذابه، فكم شكر الله اليسير من الخير بكرمه فرحم به، وكم من مستخف باليسير من العصيان قد أوبق به. قال أبو حاتم: قال أبو عبيدة: إن الجواد عينه فراره، قال: يكفيك من رؤيته أن تفره. قال شبيب بن شيبة: حضرت يحيى بن خالد وقد قال له رجل: والله لأنت أحلم من الأحنف بن قيس، وأحكم من معاوية، وأحزم من عبد الملك بن مروان، واعدل من عمر بن عبد العزيز، فقال له يحيى: والله لعمير غلام الأحنف أحلم مني، ولسرجون غلام معاوية أحكم مني، ولأبو الزعيزعة صاحب شرطة عبد الملك أحزم مني، ولمزاحم قهرمان عمر أعدل مني، وما تقرب إلي من أعطاني فوق حقي. قال شبيب: فعجبت من سرعة جوابه، وتعديده هؤلاء حتى كأنه عاصرهم.

قيل لأعرابي: كيف ترى الدنيا؟ قال: وهل فرغني شغلي بها أن أراها؟ قال محمد بن إبراهيم كاتب سيما الدمشقي: سألني علي بن الهيثم حاجة ثم تواني عنها، فقلت له: أنمت عن حاجتك؟ فقال: ما ناء عن حاجته من أسهرك لها، ولا عدل بها عن محجة النجح من قصدك بها. قال الأصمعي: الشرائع جمع شريعة، وهي حيث يشرع في الماء، وكأن الشريعة في الدين من هذا لن صاحبها يشرب منها فيروى، ويكرع فيها فيسلى، ويغسل نفسه بها فيطهر. ويسقى منها بالبادية سفره فيقطع، فكأنه كمن قدم من الشريعة طاعة الله عز وجل بما تضمنه من الأمر والنهى، والتحليل والتحريم، والحظر والإباجة، والرغبة والرهبة، والخوف والرجاء، والسلامة واليقين. والحميل: الكفيل، والحمولة - بالفتح - البعران، - والضم - الأحمال. وبار المتاع: كسد - بفتح السين -، والحمالة - بالكسر - علاقة السيف، والحمالة - بالفتح - الغرم والدية. وأبشمني الطعام فبشمت؛ ويقال: كسدت يا فلان علي بيعي وأكسدت.

وفرت انا وأفارني فلان، وصاح فلان وأصاحه غيره. وعجفت الدابة أي هزلت. وفلان ما رأى مني ما يقذي عينه. والمنبذة: الوسادة، والبذاذة من الإيمان أي التقشف وسوء الحال، وبذ فلان فلاناً أي علاه وسبقه. ويقال: ناولني شعيلة أي فتيلة فيها نار. وفلان بضفة الوادي إذا كان على شطه وشاطئه، أي حرفه. ويقال: ماء مضفوف أي مشغول من كثرة الغاشية والماشية، وكذلك: رجل مضفوف أي كثير العيال، وما رؤي علينا حفف ولا ضفف أي بؤس وفاقه. وفلان حسن الشطاط أي القامة، وشطت الدار بفلان أي بعدت، واشتط فلان أي جار. وفرى الأديم يفريه فرياً إذا قطع، والفرى العجب، والفرأ - بهمز، ويقصر - حمار الوحش، وجمعه فراء. والرقوء: دواء الجرح، ويقال ارقأ على ظلعك، اللام ساكنة، وقد

رأيت من فتح اللام في مجلس السيرافي فضحك منه ورده عليه، ومعناه لا تكلف ما لا تطيق. سمعت شيخاً من النحويين يقول: البدل أن تقدر الاسم الأول تقدير الطرح، وتعدي العامل إلى الثاني، وهو على سبعة أنحاء، منها: بدل المعرفة من المعرفة، مثل مررت بأخيك عبد الله، قال الله تعالى " اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين " الفاتحة: 6و7؛ وبدل المعرفة من النكرة كقولك: مررت برجل أخيك، قال الله تعالى " وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم، صراط الله الذي " الشورى: 52 و 53؛ ومنها بدل النكرة من المعرفة مثل: مررت بالرجل رجل صالح، قال الله تعالى " لنسفعن بالناصية ناصية " العلق: 15 و 16؛ ومنها بدل النكرة من النكرة كقولك: مررت برجل غلام ظريف، قال الشاعر: الطويل وكنت كذي رجلين رجل صحيحة ... ورجل رمى فيها الزمان فشلت الشين مفتوحة، ولقد غلط فيها مرة مسكويه وكابر إلى أن فضحته المحنة، وسورته المواقعة والإعجاب مصرعه؛ وقل من تكبر على الناس وحقر أهل الفضل إلا عاجلته العقوبة، ونهكته اللائمة، وأمكن منه الدهر.

نعم، ومنها بدل البيان مثل: ضربت زبداً رأسه، وجاءني قومك بعضهم، قال الله تعالى " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً " آل عمران: 97، لأن فرض الحج يوجه إلى المستطيع؛ وبدل الأشتمال كقولك: سلب زيد ثوبه، لأن السلب اشتمل على الثوب فأبدل منه لدخوله في المعنى، قال الأعشى: الطويل لقد كان في حول ثواء ثويته ... تقضي لبانات ويسأم سائم ومنها بدل الغلط، ولا يجوز ذلك في كلام الله تعالى ولا فصيح الشعر، وذلك مثل قولك: مررت برجل حمار، كأنك أردت الحمار فسبق لسانك إلى الرجل ثم استدركت فقلت الحمار. لشاعر في الفضل بن مروان: البسيط لا تغبطن أخا الدنيا بمقدرة ... فيها وإن كان ذا عز وسلطان يكفيك من عبر الأيام ما صنعت ... حوادث الدهر بالفضل بن مروان إن الليالي لم تحسن إلى أحد ... إلا أساءت إليه بعد إحسان والعيش حلو ومر لا بقاء له ... جميع ما الناس فيه زائل فان قال رجل لأعرابي: كيف أنت؟ قال: كما يسرك إن كنت صديقاً، ويسوءك إن كنت عدوا.

قيل لإبراهيم بن شكلة: من المغني؟ قال: الذي تفرع في أجناسه، ولطف في اختلاسه، وتمكن من أنفاسه، وقرع بالمعنى سمعك، وصدع به قلبك. أنشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله: الكامل إني لأمنح من يواصلني ... مني صفاء ليس بالرنق وإذا أخ لي حال عن خلق ... داويت منه ذاك بالرفق والمرء يصنع نفسه ومتى ... ما تبله ينزع إلى العرق كتب غيلان الشامي إلى عمر بن عبد العزيز وهو خليفة: أما بعد يا أمير المؤمنين، فهل رأيت حكيماً أمر قوماً بأمر ثم حال بينهم وبينه، ثم عذبهم عليه؟ فتعجب القوم من قوله وعنده رجل فقال: الرسالة ناقصة، لو زدنا فيها

شيئاً تمت، قيل: ما هو؟ قال: لو قال: هل رأيت قادراً قاهراً يعلم ما يكون، اتخذ عدواً لنفسه، وهو يقدر على خلاف ذلك؟ فأهدر دم غيلان. انظر - أرشدك الله - تعالى كيف ماج بالناس هذا الرأي، وغمرهم فيه الهوى، وملكتهم الفتنة، ونأوا عن الحق، وخالفوا إلى الباطل، مع علمنا أن الحق أبلج، والباطل لجلج، وأن الأمر بين، والصواب ضاح؛ لقد جهل الله من استخرج أسرار فعله بعقله، وما قدره حق قدره من وزن إلهيته برأيه ألا ترى أن قدرته وراء عقلك، وحكمته فوق إدراكك، وتدبيره في خفاء من معرفتك، وإنما بين ما بين تشويقاً، وأغمض ما أغمض تحقيقاً، ليبقى بينك وبينه ما تكون به عبداً ويكون لك إلهاً. اللهم إن خلقك رجموا دونك الظنون، وجانبوا في معرفتك اليقين، بعدما أزحت العلل، وأوضحت السبل، وحققت الحق، وأبطلت الباطل، وزينت المحلى، وحليت العاطل، فراموا الإحاطة بك، والوقوف على سرائرك، والمشاركة في إلهيتك، هذا وقد أعجزتهم عن الإحاطة بأنفسهم، والوقوف على سرائرهم.، ومشاركة بني جنسهم، وعرفتهم تناقض تدبيرهم في خلال أمورهم، ورميتهم بالذل في قعر عزهم، وضربتهم بالحاجة في نفس غناهم؛ اللهم فكن لنا لطيفاً، وبنا رؤوفاً، فإنك إن تركتنا في أوطان عجزنا، ومساكن ضعفنا، تمكن الهوى منا، ولعب الشيطان بنا، واستولى البلاء علينا. اللهم رحمتك

نرجو، وعذابك نخاف، ووصالك نبغي، وهجرك نعاف، وإلى رضاك نميل، ومن سخطك نهرب، وإياك نطلب، وفيك نتهالك، فأجعل جزعنا من أحكامك صبراً، واقلب معارضتنا لك تسليماً، وانتصر لفاقتنا إليك بغنانا على يديك، حتى لا يرد علينا من قضائك إلا ما يقرن بالرضى، ولا يصعد إليك من شكرنا إلا ما يمتري المزيد، ولا يهجس في نفوسنا مما فيه هلاكنا إلا محقته من قدرتك بما يكون فيه ملاذنا، إنك أهل لما لاق بإلهيتك، وحكى آثار تفضلك. إلهي لو ظهر سرك كظهور قدرتك، لباد خلقك، ولو خفيت نعمتك كخفاء سرك لجهل حقك، لا إله إلا أنت حقاً، ولا زال خلقك لك خلقاً. بعث الحجاج أدهم بن محرز الباهلي إلى أهل سجستان وكتب إليهم: أما بعد، فإني قد بعثت إليكم أدهم بن محرز، ومو ما علمته طويل الجلوس، دائم العبوس، سمين الأمانة، أعجف الخيانة، فاسمعوا له وأطيعوا. قيل لأعرابي مات أخوه: صف لنا أخاك، فقال: كان شديد العقدة، لين العطفة، يرضيه أقل مما يسخطه.

وقال معاوية على المنبر: يا أهل الشام، إنكم والله ما أنتم بخير من أهل العراق، ثم تداركها فقال: إلا أنكم أعطيتم بالطاعة، وحرموا بالمعصية. لله أبوه من منذر ثم مبشر في ضروب الخير والشر. دخل نساء من أهل الكوفة إلى سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام يعزينها في زوجها مصعب، فقالت: لا جزاكم الله خيراً يا أهل الكوفة: أيتمتموني صغيرة وأرملتموني كبيرة. أتي محرق غسان بنسوة من تميم، فأراد قتلهن لنذر، فطلبن إليه العفو فأبى، فقالت له امرأة منهن: ما لك أطال الله سهادك، وأطفأ رمادك، والله إن تقتل إلا نساء أعلاهن ثدي، وأسفلهن دمي، والله ما أدركت ثاراً، ولا محوت عاراً. فأمر بتخلية النساء غيرها وقال: ما أقتلك إلا مخافة أن تلدي مثلك. وقيل لأعرابي: كيف ترى شيخوختك من شبابك؟ قال: كما ترى عمارتك من خرابك.

لعلك - أيدك الله - قد مللت ما سلف من البصائر والنوادر مما هو جد يوهي قواك، أو هزل يلهي قلبك، ولعمري في الهزل دواء النفس، وطرد لجاثم الكرب، وراكد الفكر، ولكني كما أرى لك أن تتداوى به، فإني أنهاك أيضاً عن الأستمرار فيه، لأن مأتاه سهل، ومأخذه شديد، وقل من ألف مواطن العبث، وألفاظ الخبث، إلا استماله الهوى، ولصقت به الغرة، وخيف عليه الهلاك، وإن الذي يتولد من الجد مع كزازة النفس، وسوء التأني، وبعد السهولة، وبغض التشدد، وثقل الروح، أرجح عند الله وأقرب إلى الطهارة وأدخل في باب الورع. جرس الله النعمة عليك، ولا شغلك التمتع بها عن الشكر لواهبها - فإن الشكر مربوط بالمزيد، وحق على واهب النعمة إذا رأى الإخلاص في الشكر أن يصلها، ويتابع المدد منها - وقربك إلى الخير، وصرفك به، وقصر همتك عليه، وجعل لك فيه تمام الرغبة، وغاية الطلبة، وأمنك عند تضاعف النعم من استدراجه، وثبتك عند ترادف المحن على منهاجه، ولا أخلاك من مواد توفيقه، وثمرات تحقيقه، بمنه وجوده، آمين.

فاسمع الآن فنوناً من المسائل قد كان الوعد تقدم بها، والقول سلف فيها، وتأملها تأملاً شافياً، واقتبس فوائدها، واختلس منافعها، واجعل نظرك في الجملة والتفصيل، للتحقيق والتحصيل، ولا ترض لنفسك بالخسيس، فقد أريد بك الشرف، إذ وهب لك العقل الذي به تستجلي خزائن الملك، وإليه تفزع فيما حزبك من أسباب الهلك، وإياه تستشير عند اختلاف اليقين والشك، وعليه يتم كل شيء تعلق بالفتك والنسك، وقد رفدتك الطبيعة، وصحت فيك الغريزة، فما بقي لك إلا المسارعة في طلبه، وصحة الرغبة في التحلي بين أهله، حتى تكون كامل الموهبة في الأصل، محمود التجربة في الفرع، آخذاً بأدب الله عز وجل، جارياً على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ناصراً لحق الله، هادياً إلى دين الله، مستحقاً لثناء عباد الله، مذخوراً له ثواب الله، فهناك الراحة والعز، والغبطة والفوز. ما معنى قول الله عز وجل " وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون " الأنبياء: 31، فلقد رأيت من سأل أبا الحسن الأنصاري وقال: إنما يصح هذا المعنى لو كان الإنسان يحيا بالماء، والحي يموت به إذا شرق، ويموت فيه إذا غرق، وإن كان المعنى أن الحياة مستمدة منه فكذلك جميع ما غذاه مما أمسك الرمق، فما وجه الأختصاص على طريق لا يقع فيه التباس؟ ولم يحصل من الأنصاري لفظ يعتاد، ولا تأويل يستفاد، راغ هكذا وهكذا، وترك السائل على عطنه، يفري ويذر، والجواب سهل قريب، وسيمر بك في عرض غيره إذا وصلت إليه وأشرفت عليه. وما معنى قوله تعالى " إن هؤلاء قوم لا يؤمنون فاصفح عنهم " الزخرف: 88 والصفح: العفو، وكيف يعفو عن قوم لا يؤمنون؟ وإن

كان مأموراً بالعفو عنهم وهو المبعوث إنه لأولى بالعفو وهو الباعث، والباعث إله معبود، والمبعوث عبد عابد، فانتظر جواب هذه أيضاً، فما خلص من هذا النمط إلا بهجر الرقاد، ومسح البلاد، ولقاء الجهابذة النقاد. وما معنى قوله عز وجل " وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى " الأنفال: 17 فقد رأيت ناساً عرض لهم من ظاهر هذا الكلام ما ينافي المعنى، ولم يصح لهم التأويل الصحيح، وكانوا طوال الأيدي في العلم، حذاق الخواطر في الجدل، فصحاء الألسنة لدى الحجاج وتحكم التشكيك، وانتهوا إلى الترادع والتلاوم، ولو لم يعجبوا بما عرفوا لوضعوا الحد في تعرف ما لم يعرفوا، وفوق كل ذي علم عليم. وما وجه قوله عز وجل " لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار " الأنعام: 103 وإذا ضممته إلى قوله " وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة " القيامة: 22 فإنك إن حملت أحد القولين على الآخر لم تبرأ من تعسف أو تكلف، فقفنا على المعنى الموقوف به فيهما، وعرفنا مراد الله عز وجل منا بهما، فالخطب قد أعضل من أجل هاتين الآيتين حتى صار الباحثون عن الحق فيهما إلى الاختلاف الشديد، والشتات العتيد، واستحل فيه الدم، وعق بسببه الوالد، وهجر الوطن، وأطلق التكفير، وهذه مصائب الدين الذي ندين به، ونعتصم بحبله، وندعو إلى الإذعان له، والإقرار به، وقد عاد غريباً كما بدأ غريباً، وحق قول الرسول الحق حين قال: إن الأسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء.

ولن تجد في القرآن معنى قول علي بن أبي طالب عليه السلام: المرء مخبوء تحت لسانه، ولن تجد معنى قول الناس: لكل مقام مقال، وأين ترى فيه الفرق بين الضياء والنور، وما يدل على شرف أحدهما عند الآخر؟ ولن تجد فيه معنى الجواسيس؛ فقد قيل لسفيان بن عيينة، وكان عجيب الانتزاع عن إلهام: أين الجواسيس في القرآن؟ فأجاب وأصاب. وأين معنى قوله عليه السلام: من آذى جاره أورثه الله داره، فقد أصاب أيضاً سفيان بن عيينة، وقد مر في الجزء الأول إن كنت قد حفظته. وعرفني موضع الدلالة من قول معتزلي لمجبر: أليس الباطل بين السماء والأرض؟ قال: بلى، قال: فأعلم أن الله ما خلقه لأنه قال: " وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً " ص: 27 فانقطع الخصم، فأين وجه التأويل على حقيقته؟ وهل ما عرض لهذا المعتزلي حق؟ وبين أيضاً صحة قول من تأول قول الله عز وجل " وجعلنا لهم لسان صدق عليا " مريم: 50 أن المراد به علي بن أبي طالب عليه السلام؛ والقائل بهذا مقدم في النحو على طبقته في العلم، وهو ابن المراغي. وحدثني عن قول آخر، لا يجوز أن تقرأ " ووجدك ضالاً فهدى " الضحى: 7 وإنما هو ضال، والوجدان لا يتم في الضمير؛ وهذا

الرجل من النظارين وأهل الجدل على طريق الإمامية. هذا طرف مما تصرف فيه المحصلون الذين قالوا على بصيرة في المذهب، وبيان من المقالة، وتعقب لما اختاروه ودانوا به، وأما هواجس الجهال، وتسرع الناقصين فمما لا اعتداد به، ولا اعتماد عليه. أنا سمعت أبا الفرج البغدادي الصوفي، وكان ذا لسان ومنظر وهيبة، وقد سئل عن قوله تعالى " ولا تنيا في ذكرى " طه: 42 فقال: هذا سهل، هذا أريد به النأي، هكذا قال، فصار خطاؤه موشحاً، لأن النأي ليس بشيء، إنما يقال نأى إذا وقع الخبر عن التنائي الذي هو البعد، فاما تنيا فليس من النأي، ولا من نأى، لا من الاسم ولا من الفعل، إنما هو ونى يني، ونى وونياً، ومنه التواني والتقصير، والأمر منه: نه. وأبو الفرج هذا أشرف على قوم وهم يتازعون بينهم: هل يقال فلان لغوي أو لغوي، وقد انتهب الكلام انتهاباً، وذهب بالصواب عنهم ذهاباً، فقال أحدهم: هذا أبو الفرج سلوه، فأقبلوا عليه وسألوا فقال: ما أبين الجواب وأظهر الحق!! أما سمعتم قول الله عز وجل لموسى " إنك لغوي مبين " القصص: 18، فتحول المجلس ضحكاً ولعباً. وسمعت رجلاً يذهب مذهباً في الباطن يقول: والله ما أعجب إلا من قوم يعتقدون أن الجنة واحدة، والله عز وجل يقول " وجنات ألفافا

ً " النبأ، قلت: فكم هي عندك؟ قالك كما قال الله تعالى: ألف ألف، لعلك، من العامة أو أشباه العامة؟! قلت: لا والله أنا بريء منهم. وكان المقراضي الصوفي يقول: أنا دهقان، والله تعالى وكلني، ومن شك في قولي تلوت عليه من محكم الكتاب ما يسقط بغيه وينفي وهمه. وقال لي مرة: لم يذكر الله تعالى أبا بكر الصديق في ظاهر الكتاب، وأبو بكر أبو بكر، لا يساجل فضلاً، ولا يباري سبقاً، وذكر المغيرة وهو لا يدخل في زمرته ولا يوجد قريباً من كعبه، قلت: ما أدري وما اعرف للمغيرة ذكراً في الكتاب، قال: بلى ولكنك قليل العناية بالتلاوة، ثم قرأ " فالمغيرات صبحاً " العاديات: 3، وأنشأ يقص، فذهب عقلي تعجباً. هذا - أيدك الله - ونظراؤه أزاغوا أصل العلم، ونقضوا عرى الحق، ومحوا محاسن الدين. وما محصول قول سهل بن عبد الله، وهو عند أصحابه العالم الرباني والعالم الإلهي، حين قال: لقد وجدت إبليس أذأمهم، وذاك أنه تراءى لي فعذلته على إبائه السجود لآدم عليه السلام وتركه ما أمر الله عز وجل به، فقال لي: أمثلك يقول هذا؟ أما تعلم أنه أرادني بعلمه ولم يردني بأمره، لأن علمه حتم، وليس أمره حتم، في حكاية طويلة لا طائل في ذكرها، وإنما سقت منها عين الحجاج، وعين المراد. وما الفرق بين قوله عز وجل " إنما أنت منذر من يخشاها " النازعات: 45 وبين قوله " إنما تنذر من اتبع الذكر " يس: 11؟ وهل قول الزجاج: إنما يقول الله تعالى للشيء كن فيكون، وليس

الشيء بحاضر، لأن ما هو معلوم عنده بمنزلة الحاضر، صحيح من المعارضة. سليم عن المناقضة؟! وما معنى قول من قال: قال الله عز وجل " والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء " يونس 25 هو عموم في باب الدعاء، وخصوص في باب الهداية؟ وهل يصح هذا الإطلاق؟ فإن العموم والخصوص معنيان يتبعان جوهر الكلام وعين الخطاب. وكيف ترى اعتراض آخر حين قال وقد أقبل على جماعة يتناظرون في القرآن: أبطله رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: المراء في القرآن كفر؟ فكيف الانفصال من هذا الظاهر، وكيف المخلص؟ فإن خذا متى استمر لزم الإمساك عن البحث، والتفرد للنظر، والإيجاب للسؤال والتكلف، وغير القرآن محمول على القرآن، وهو مخصوص بتعظيم الشان والأمر له والإذعان. وافسح بالك للسماع والتحصيل والفهم والإدراك حتى أسألك عن مسائل لطيفة: عرفني ما السبب في إطباق الناس على أن التكلف مكروه، وعلى ان المتكلف معنوت عليه، ممقوت فيما اختاره، ومردود إليه ما أتاه وإن كان حسناً وبالغاً، وما عري من التكلف وخلا منه محبوب ملتذ مقبول، وإن كان دون التكلف؟ وقد قال الله عز وجل " وما انا من المتكلفين " ص: 86 في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنا ومن اتبعني براء من التكلف. وعرفني معنى الاستطاعة، وما سرها؟ وهل هي على حد ما ذهبت إليه المعتزلة، او على سبيل ما قالته المجبرة، وما حيثيتها وما مثالها؟ وعرفني أيضاً معنى التوفيق فإنه لطيف، ولا أحد إلا وهو يسأل الله وبه التوفيق. الناس - أيدك الله - يلتقون في هذا المعنى على خيط الوفاق،

من زعم انه مزاح العلة، ومن زعم أنه محتاج إلى المادة. وهل التوفيق لطيفة من الله عز وجل، متى جاد بها وساق عبده إليها تم الصلاح، وعم النجاح، ونيل المراد، وسقط التمني؟ وإن كان لطيفة فكيف منعها عبده والعبد محتاج بإحواجه، وهو غني بنفسه، وليس هناك بخل، ولا بينه وبين عباده دخل - هذا وانت لا بد من أن تقول: قد فعل فعل الصلاح او الأصلح، ولا تجنح في الجواب إلى انه علم من عبده أنه متى جاد عليه بتلك اللطيفة فسد، ومتى أسبغ عليه النعمة جحد، فقد جحده الجاحد، وكفر به الكافر، ولم يهلك على الله إلا هالك. على أن علمه وبما يكون وبما لا يكون، لو كان كذا وكذا، علم لا يوجب عليه فعلاً دون فعل، ولا أمراً دون أمر. وقد رأيت من يجعل علمه علة لكل شيء، وسبباً في كل شيء، وهذا هو العجز والجهل والتمويه والاحتيال. الحق أنور من ذلك. وعرفني ما معنى قول أبي يزيد البسطامي: ليس إلا الأنس بالجهل، والتعلل بالتعلم، والرضى بالتافه، والمصير إلى حد مجهول؟ وأبو يزيد هذا من نوادر الرجال، وهو معدود في طبقة الأفاضل، ومضاف إلى ذوي الإشارة. وعرفني معنى الاتحاد، والمواصلة في حقيقة الانفراد، فقد كبر الخطب في هذا الباب من أرباب هذه العبارات حتى لم يخلص ما ذهبت إليه، ورهنت نفوسها عليه. وكان بعض الناس لا يفرق بين ما يقوله النصاري في الاتحاد وبين ما يقوله هؤلاء في حقيقة الانفراد، والفصل بينهما مبين، والقول فيهما قوي متين. وعرفني ما به نتشابك ونتشارك، وأين ذلك مما يختلف ويتباين،

ويتعادى ويتواصل، وإن كان ذلك محصوراً بعدد فاذكره إلى آخره حتى ننظر إلى كثرة ما به نختلف، وقلة ما به نأتلف، فإن صح هذا بيننا عرفنا ما بيننا وبين الحق لنا. وعرفني ما الحاجة إليه أشد، والعائد معه أمد، والقول فيه أسد، والنفع منه أرد: ما تأثير العقل، وما حكمه، وما غاية ما يناله، وما هو أولاً، وما حده وحقيقته من المحجوج به، وهل يستقل بنفسه، وما حكم من عدمه، وما مزية من منحه وأنعم عليه به، وما عوض من حرمه واقتطع عنه، وإلى أين يبلغ في البحث والعرفان، وهل له في الأزل استقلال، وهل له في الآخر استقرار، وما سبب تموجه واضطرابه، وشبهه وانقلابه، ومن أين مادته، وبأي شيء زيادته، وأين أفقه، وما غائلته، ومن أين فساده وما يمر به وعاقبته، وما نسبته إلى العدد، وما تعلقه بالحقن وأين يصيب التكليف به، وكيف اطرد الثواب والعقاب على صاحبه، والمدح والذم على الموسوم به؟ فإن الكلام في هذا الباب عظيم الجدوى، غزير النفع، جم الفوائد، حلو الثمرة، محمود العاقبة. ولو لم يكن في استنباط هذا المعنى، واستخرج هذا المغزى، إلا فساد التقليد، ومفارقة الجهل، ومواصلة الطلب، لكان فيه ما يجعل التعب فيه راحة، والمشقة فيه تنعماً، فكيف وقد قيل عن الله عز وجل إنه لما خلقه قال: بك آخذ وبك أعطي؟ وحدثني بعد هذا عن المحبة، وهل تتصف، وهل يكون الله تعالى محباً للعبد، وإن كان فعلى أي وجه، وأين مكان محبته للعبد من محبة العبد له، ومتى كان للمحبة حقيقة بطل فيها الفصل واستحال عليها التباين. وأخبرني عن المعرفة - معرفة الله تعالى - وما هي أولاً حقيقتها؟

فقد قال شيخ من شيوخ المتكلمين في صدر كتابه، اعلم أن أول ما يجب على المكلف النظر المؤدي إلى معرفة الله. وكان القاضي أبو حامد المروروذي يقول: قد اعترض على هذا الكلام ناس، وذلك ان هذا الرجل ذكر الوجوب والأول وهذا لا يعرفان إلا بدلائل أخر، وإن من لم يعرف هذه المعرفة لم يعرف الوجوب ولا الأول، ولا الوجوب بأنه مفرد، والعاري من المعارف لا سبيل له إلا التسليم. ثم قال المكلف، والتكليف أيضاً متعلق بمكلف، فمن هذا المكلف؟ أعقله الذي هو حامد شاكر لم يلطخ بالشبه ولا بالمعارض الفاسدة، ولا بالأقوال المتناقضة، ولا بالعادة الرديئة، ولا بالمنشأ المكروه، ولا بدواعي السوء، إنما هو على نور من واهبه، وفطره من فاطره، أو لبه الذي هو في طريق عرفانه؟ ثم قال: النظر المؤدي إلى معرفة الله تعالى فخص هذا النوع من النظر دون سائر أنواع النظر، وأني لهذا المبتدئ هذا النظر وهذه القوة وهذا البيان؟ وهل تصفح فنون النظر، ووقف على أصناف المعارف حتى يستخلص النظر المؤدي من سائر النظر الذي لا يؤدي؟! وقال أيضاً أبو حامد المروروذي اعتراضاً على صاحب الكتاب: لولا تجوز أرباب هذا الشأن لما أقدموا هذا الإقدام، لأن معرفة الله تعالى ليست من جنس المعارف؛ ألا ترى أنك تقصد في نفي الإثبات نفس جمع الصفات - أعني الصفات التي تجد عليها جميع الموجودات - فتقول: ليس هو جسماً ولا عرضاً، ولا حالاً في شيء، ولا قائماً على شيء، ولا متصلاً بشيء، فحكم ليس هو حرف نفي على موجود، وهو أول كل شيء ثابت. وكان إذا امتد نفسه في هذا الباب وما أشبهه، قيل له: كيف الوصول إلى المحصول؟ فيقول: ليس إلا الاستعانة بالله والإقبال عليه، واقتباس النور من لدنه، فما رام العبد قط مراماً فتم إلا به، ولا توجه إلا إليه؛ وكان يشير إلى

الله، أن الله يلهم المحتصين، ويمد قلوبهم بدواعي الخير وخواطر الحق، وكان لا يسيغ هذا النمط، وإنما خرج إلي بذات صدره للأنس الذي كنت معه عليه. وكان أصحابنا المتكلمين لا يرون له وزناً في الكلام، ولا يعدونه في طبقة أهل التمام، ويقولون: الفقه مسلم إليه، والسير موقوفة عليه، فأما ما عداهما فهو ظالم فيه إن تكلم، ومقصر إن توهم. وقال صاحب الكتاب: فأما من استدل على وجوب المعرفة بأن الله تعالى لو لم يوجبها لكان قد أباح الجهل به، فليس يتم، لأن الجهل قبيح، وكون الشيء مباحاً يفيد حسنه. وزعم أن بعض الناس قال: الدلالة على أنها - يعني المعرفة - من أول الفرائض يعني أن الطاعة لا تصح لمن لا يعرف. قال - وهذا تقريب -: ألا يرى أن، الطاعة إنما كانت طاعة لموافقتها الإرادة، وقد يصح أن يوافق الفعل إرادة الله وإن كان الفاعل لا يعرفه، بأن ينصر مظلوماً أو يغيث ملهوفاً، وإن ذلك يقع حسناً طاعة لله عز وجل مع الجهل به. فقد بان لك أن ما قاله تقريب. وهذا أيضاً - أيدك الله - كلام طريف، لأن إغاثته الملهوف، ونصرته المظلوم، متى وقعتا موافقتين لإرادة الله، والله إنما أراد وقوعهما منه على صفة معروفة، وهو أن يكون عارفاً بالله غير جاهل به، ومتى لم يوجد على هذه الصفة، كان فعله حسناً وطاعة إذا أضيف إليه لا إلى الله عز وجل، ووقعت عليه لا على الله عز وجل، لأن الفعل لا يصح ان يكون طاعة إلا والفاعل مطيع، والفاعل لا يكون مطيعاً إلا وهناك مطاع، ومتى أجيز لنا المطاع عن معرفة لم نعتد بطاعته، ولم نطمئن إلى حسنه، لأن، ذلك حسن ما دام ظاهره مشاركاً لظاهر العارفين، فأما وباطنه مناف لباطن العارفين فليس فعله بحسن ولا طاعة.

وقال صاحب الكتاب: ليس يجوز أن يكون العلم الواقع عقيب النظر من فعل الله، لأن ذلك كان يقتضي أن لا يعترضه الشك، وأن يجري مجرى سائر العلوم الضرورية التي يفعلها الله عز وجل. قال: وإذا لم يكن فعلاً لله عز وجل فيجب أن يكون فعلاً للإنسان، ويجب أن يكون متولداً عن النظر، لا تقع عين المنظور فيه دون غيره من سائر الوجوه التي يجوز للناظر دون المنظور فيه علمها؛ وهذا أيضاً فيه هضم شديد، وظلم بين؛ متى كان هذا الإنسان فاعلاً هذا العالم مع جهله بموضعه ومقداره ومكانه ومخرجه ومورده؟ وإنما هو كالهدف للخواطر، والمقنص للأفكار، فما لاءم طباعه وشاكه مزاجه ثبت، وما نافر نفسه ونافى جنسه ذهب، فكيف يكون فاعلاً لهذا النظر الذي لو وقع غيره موقعه لما فصل بينه وبينه؟ هيهات! البينة في معرفة الله تعالى عادلة، والشهادة قاطعة، والريبة زائلة، والهمة ساقطه، والمعارضة مرتفعة، والحق فيها ممدود، والسرادق مضروب الأطناب، مغشي المحل، والفطرة بها ناطقة، وإليها داعية، وإنما سنح ما سنح على وجه التطهير، وعلى سبيل التمحيص للنفس، وإلا فمن ذا الذي عبد غير الله فاطمأن مع معبوده؟ ومن هذا الذي نفاه فلم يستوحش؟ أم من هذا الذي اعترض عليه فلم يستوهل؟ أم من هذا الذي ميل فلم يمل إلى إثباته أكثر مما يميل إلى نفيه. إن معرفتك بالله تابعة لمعرفته بك، وقد عرفك وعرفته، وإنما بقي عليك منك ما حجبك عنه بك، ومتى نقيت من أدرانك ومدانسك بمفارقة شهواتك، ومزابلة شبهاتك، وصفوت من كدرك بطهارة أسرارك، ومخالفة إرادتك، لاح لك المكون مجرياً للكون، وبدا لك الحق جارياً في كل عين، وغنيت في فقرك، واطمأننت في اضطرابك، وعززت في ذلك، وحرست في

نفسك، فإنها أسرع أعدائك إليك، وأغمضهم مدرجاً عليك. ولا تعرين هذا الفن من الألفاظ، فقد نقحت تنقيحاً يهدي إليك الإشارة وإن لم تصقل العبارة. ما أخوفني - أيدك الله - أنك قد مللت هذا الفن وعفته، وأصبته كريهاً في نفسك، وبعيد الملحظ بعينك. واعلم أن العلم لا يبدو إليك، والفضل لا ينجلي لك، والمجد لا يكلف بك، والصيت لا يعظم عليك، نعم والعمل لا ينقاد لك، والفاقة لا تنفى عنك، ورضا الله لا يجاد به لك، وناره لا ترد برداً عليك، وجنته لا تزدلف إليك، حتى تقف همتك على العلم، وتصرف نهمتك إليه، وتجعله ملهاة لطربك، ومسلاة لحربك، ومنتجعاً لعقلك، ومستمداً لفضلك، وحتى ترى أن ختامك في الموت عليه، واستراحتك في التعب به، حتى تؤثره على ثوبك الناعم، وبدنك الممتع، ومشربك الروي، ومطعمك الشهي، وجاريتك الحسناء، ودارك القوراء، وابنة عمك الموافقة، وعقارك المغل، وصنيعتك الرائعة، وفرسك الجواد، ودرتك اليتيمة، وحديقتك المنورة. فاستعن الله في خافي أمرك وباديه، وفي فروعه وأواخيه، فإنه مالك الأمور، ومقلب القلوب، والجالب لكل خير، والصارف لكل شر، بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون. وقد بقيت طائفة كبيرة من المسائل، وكان تقديري أنها تتم في هذا الجزء، لكنها شرست علي والتبست، وبان عجزي بها، واختلط تدبري فيها، والمعذرة إليك إن تفضلت بالقبول، وأحسنت التأويل، أو قاربت في التقريع والتأنيب، فعرضي عرضك، وما أطرد على اطرد عليك، ولو انفردت بالإساءة

صبرت على التعيير، ولكني أتصل بك، وأنتسب إليك، وشديد علي أن تؤتى من جهتي، كما أنه عزيز علي أن أوتى من جهتك، ومتى سقط التنافس وقع التوانس، وزال العتب، وذهب القبيح، وثبت الحسن، وقد قيل: الطويل وعين الرضا عن كل عيب كليلة حبب الله إليك الطاعة، ورزقك منها الإخلاص، ووهب لك النجاة، إنه عزيز حكيم. قال زياد على المنبر: أما بعد، فإنا أصبحنا لكم ساسة، وعنكم ذادة، نسوسكم بسلطان الله الذي ملكنا، ونذب عنكم بفيء الله الذي خولنا، فلنا عليكم حق الطاعة فيما أمرنا، ولكم علينا العدل فيما ولينا، فاستوجبوا عدلنا بطاعتكم، وصفو مودتنا بمناصحتكم، مع أني مهما قصرت في شيء فلست مقصراً في ثلاث: لست محتجباً عن طالب حاجة منكم، ولو أتاني طارقاً بليل ولا مجمراً لكم بعثاً ولا حابساً عنكم عطاء، فادعوا الله لأئمتكم بالصلاح، فإنهم ساستكم المؤدبون، وكهافكم التي إليها تأوون، ومتى يهلكوا تهلكوا، ولا تشعروا قلوبكم بغضاءهم فيطول غيظكم ثم لا تظفروا بحاجتكم؛ نسأل الله أن يعين كلا على كل. تعجب - حرسك الله - من هذا الكلام، فإنه أسلس من العذب الزلال، وألين من الهواء المنبسط، وأحلى من الشهد المشتار. ولئن كان القوم مع هذا الكلام الدال على ما وراءه من الفعل الرصين آثروا الدنيا على الآخرة، إن العجب

ليشتد منهم، والغيظ يكبر عليهم، وإن كانوا نالوا الآخرة مع ما نالوا من الدنيا، إن القوم لصفوة الله وأبرار عباده: نسأل الله أن يجعل حظنا من الآخرة فوق حظنا من الدنيا، فالخاسر من أراد حرث العاجلة دون حرث الآجلة. قيل لأعرابي: صف لنا أفضل الخيل فقال: المقبلات كالقنا، المعرضات كالدبا، المترصات كالنوى، المدبرات كالفرا. شاعر: الطويل وما هي إلا ليلة بعد ليلة ... وحول إلى حول وشهر إلى شهر مطايا يقربن البعيد من الردى ... ويذهبن أشلاء الأنام إلى القبر ويتركن أزواج الغيور لغيره ... ويقسمن ما يحوي الشحيح من الوافر قال المدائني: قدم أعرابي من بني هلال يكنى أبا الرغيف من أخوال عبد الله بن عباس البصرة، وعبد الله بها وال، فكان يكرمه ويدنيه فقال له يوماً: هل تتخمون في بلادكم؟ قال: وما التخم أصلح الله الأمير؟ قال: الطسأ، قال: لاها الله إذن ما نطسأ، قال عبد الله: مم ذاك؟ قال: من أنا لا نخلي المعدة فترق، ولا نكظها فتحق، وأنا نأدم الأكل بشيء من الذوب ولا نستكمل التكاة. قال: فهل تلوون؟ قال: وما اللوي؟ قال: المدخر قال: لا، قال: ولم ذاك؟ قال: لأنا إذا طبخنا اللحم هرتناه، وإذا شويناه أنضجناه، وإذا مضغناه فتتناه، قال: هذا إذن من هذا. قال: فهل تتعرون؟

فتضاحك ثم قال: وأنى لنا بالتعري أصلح الله الأمير، في أجسادنا ربل. قال ثعلب، قيل لأعرابي: ما تطعم الخرء؟ قال: أذقته؟! كتب بشار بن برد المرعث يعزي أخاً له: أما بعد، فإن أحق ما اغتنمنا حلوه، وصبرنا على مره، واستدمنا مكروهه، ونافسنا فيه أهله، وأحق ما أغلقنا أبوابه، وصرمنا أسبابه، وزهدنا في وده، ومللنا فجائعه، الدنيا التي لا يدوم نعيمها، ولا تؤمن فجائعها. وقد خبر الله تعالى عنها وكفى به خبيراً فقال " إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيماً تذروه الرياح " الكهف: 46 فكتاب الله موعظتنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أسوتنا، فأي موعظة بعد كتاب الله، وأي أسوة بعد رسول الله، وقد قال الله تعالى " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " الأحزاب: 21 ثم دعا للميت بالثواب والمغفرة، وللمعزى بإلهام الصبر، وتعويض الأجر. هذا آخر الثاني، والثالث على أثره إن صرفت عني عتبك في جميع ما غرض من النفس، ودل على العجز، وأغلق باب العذر، والله أسأل معونة تكفي مؤونة، وهداية تنفي ضلالة، وإزاحة تكسب راحة، وحالاً تحمد عاقبة، إنه ولي الخير، ومالك الأمر، لا إله إلا هو سبحانه عما يصفه الظالمون.

انتهى الجزء الثاني من كتاب البصائر والذخائر فرغت من تعليقه يوم الخميس سادس وعشرين جمادى الآخرة من سنة ثمان وعشرين وستمائة والحمد لله كثيراً وصلى الله على سيد المرسلين محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه وعترته المكرمين أجمعين حسبي الله ونعم الوكيل.

رب أعني بمنك

//بسم الله الرحمن الرحيم رب أعني بمنك الجزء الثالث اللهم أنت الحي القيوم، والأول الدائم، والإله القديم، والبارئ المصور، والخالق المقدس، والجبار الرفيع، والقهار المنيع، والملك الصفوح، والوهاب المنوح، والرحمن الرؤوف، والحنان العطوف، والمنان اللطيف، مالك الذوائب والنواصي، وحافظ الدواني والقواصي، ومصرف الطوائع والعواصي. إلهي، وأنت الظاهر الذي لا يجحدك جاحد إلا زايلته الطمأنينة، وأسلمه اليأس، وأوحشه القنوط، ورحلت عنه العصمة، فتردد بين رجاء قد نأى عنه التوفيق، وبين أمل قد حفت به الخيبة، وطمع يحوم على أرجاء التكذيب، وسر قد أطاف به الشقاء، وعلانية أناف عليها البلاء، لا يرى إلا موهون المنة،

مفسوخ القوة، مسلوب العدة، تشنؤه العين، وتقلاه النفس، عقله عقل طائر، ولبه لب حائر، وحكمه حكم جائر، لا يروم قراراً إلا أزعج عنه، ولا يستفتح باباً إلا أرتج دونه، ولا يقبس ضرماً إلا أجج عليه، عبرته موصولة العبرة، وحسرته موقوفة على الحسرة، إن سمع زيف، وإن قال حرف، وإن قضى خرف، وإن آحتج زخرف، ولو فاء إلى الحق لوجد ظله ظليلاً، وأصاب تحته مثوى ومقيلا. إلهي، وأنت الباطن الذي لا يرومك رائم، ولا يحوم على حقيقتك حائم، إلا غشيه من نور إلهيتك، وعز سلطانك، وعجيب قدرتك، وباهر برهانك، وغرائب غيوبك، وخفي شانك، ومخوف سطوتك، ومرجو إحسانك، ما يرده خاسئاً حسيراً، ويزحزحه عن الغاية خجلاً مبهوراً، فيرده إلى عجزه ملتحفاً بالندم، مرتدياً بالأستكانة، راجعاً إلى الصغار، موقوفاً مع الذلالة؛ فظاهرك - إلهي - يدعو إليك بلسان الأضطرار، وباطنك يخبر عنك بسعة فضاء الأعتبار، وفعلك يدل عليك الأسماع والأبصار، وحكمتك تعجب منك الألباب والأفكار، لك السلطان والمملكة، وبيدك النجاة والهلكة، وإليك إلهي المفر، ومعك المقر، ومنك صوب الإحسان والبر، أسألك بأصح سر، وأكرم لفظ، وأفصح لغة، وأتم إخلاص، وأشرف نية، وأفضل طوية، وأظهر عقيدة، وأثبت يقين، أن تصد عني كل ما يصد عنك، وتصلني بكل ما يصل بك، وتحبب إلي ما حبب إليك، فإنك الأول والثاني، والمشار إليه في جميع المعاني، لا إله إلا أنت.

هذا - حرسك الله - الجزء الثالث، وقد سار إلى جزانتك الجزءان قبله، ولولا حسن موقعهما منك، وبهاؤهما في عينك، وتقريظك لهما بلسانك، وإعجابك بهما باستحسانك، لكان نشاطي يقل، وحدي يكل، ويدي ترفض ارفضاضاً، ويميني تنفض انفضاضاً، ولكني أحمد الله الذي زيتك بتعرف المعارف، وجعل ظلك فيها الظل الوارف، حتى خف عليك الغرم الثقيل، وبذل المالا الجزيل، وإكرام العلم وأهله، وتعظيم الفضل وأربابه، فلا زال نصيبك من محبة العلم فوق نصيبك من محبة المال، وقسطك من التعلم فوق قسطك من الدعوى، وقد جبلك الله على خلق لو باهيت به قرناءك، وساجلت عليه عشراءك، كان لك السبق المبر، والخالصة والسر؛ نسأل الله بمجموع همتك، وخلي ذرعك، وفارغ بالك، أن يجبر كسرنا، ويفك أسرنا، ويصرف حسن الدنيا عن قلوبنا، ويوصل حلاوة الآخرة إلى صدورنا، ويهدينا إلى الصراط وأوضح السبل، ولا يكلنا إلى اللهو واللعب فنعطب، ولا يوكل بنا التشمير والجد فتتعب، ولكن قواماً بين ذلك، فخير الخير ما أخذ الواسطة واستقر في المنصف. وآعلم - لقيت المنى، وجنبت الردى - أنا قد أصبحنا في دار رابحها خاسر، ونائلها قاصر، وعزيزها ذليل، وصحيحها عليل، والداخل إليها مخرج، والمطمئن فيها مزعج، والذائق من شرابها سكران، والواثق بسرابها ظمآن، ظاهرها غرور، وباطنها شرور، وطالبها مكدود، وعاشقها مجهود، وتاركها محمود، والعاقل من قلاها وسلا عنها، والظريف من عابها وأنف منها، والسعيد من غض بصره عن زهرتها، وصرف نفسه عن نضرتها، وليس لها فضيلة إلا دلالتها على نفسها، وإشارتها إلى نقصها، ولعمري إنها لفضيلة لو صادفت قلباً عقولاً، ولساناً قؤولاً، وعملاً مقبولاً، لا لفظاً مقولاً؛ إلى الله

الشكوى من هوى مطاع، وعمر مضاع، فبيده الداء والدواء، والمرض والشفاء، وهو بكل شيء خبير. فكن - حرسك الله - لنفسك نصيحاً، واستقبل توبة نصوحاً، وآزهد في دار سمها ناقع، وطائرها واقع، وآرغب في دار طالبها منجح، وصاحبها مفلح؛ ومتى حققت الحق، وأمرت بالصدق، بان لك أنهما لا يجتمعان، وأنهما كالضرتين لا تصطلحان، فجرد همك في تحصيل الباقية، فإن الأخرى أنت فان عنها، وهي فانية عنك، وقد عرفت آثارها في أصحابها ورفقائها، وصنيعها بطلابها وعشاقها، معرفة عيان، فأي حجة تبقى لك، وأي حجة لا تثبت عليك؟ أما أنا فقد أيقنت أن بساط عمري مطوي، وأني بعين الله مرعي، وعن صغيري وكبيري مجزي، فإن " من يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره " الزلزلة: 7 - 8. جعل الله انتباهنا للوعظ طريقاً إلى نيل المراد والحظ، فالمغبون من صدق لسانه وكذب فعله، وآمن ظاهره ونافق باطنه؛ نفعنا الله بمقول القلب ومسموعه، واستعملنا بصالح العمل ومرفوعه، إنه جواد ماجد. هذا كله شفقة مني عليك، واهتمام بمصلحتك، فإن أعجبك وراقك، وسرك وآنقك، وسفر نقاب الشبه عنك، ورفع حجاب الهم دونك، وأراك الحق في منظره البهي وحليته المعشوقة، والباطل في سمله الزري ولبسته المشنوءة، فالزم هدي كل هاد، وتقبل مذهب كل ناصح، غير معرج على الدنيا، ولا متتبع لفانيها، ولا متوقع لآتيها، ولا متمتع بحاضرها، فليس من شأنها أن تولي إن آتت، وإن آتت فليس من أخلاقها أن تصفو، وإن

صفت فليس من طبعها أن تدوم. وقد رأيت مصارع المغترين بها، وعواقب الخافضين فيها، كيف ملأت القلوب عبرة، والعيون عبرة. وليكن همك مطوياً على العلم والعمل والإخلاص والشكر والعفة والطهارة والصدق، فإن هذه صفات ملائكة الله المقربين، وحلي أنبيائه المرسلين. واطلب الكمال جهدك في كل ما خفف الخير عليك، ونظم شمل الإحسان بين يديك، واتق النقص عائفاً له، متبرئاً منه، هاجراً للناقص، إنه كالعليل الذي لا بد له من التذلل للطبيب، يصبر على من يخرجه من ظلمة الجهل إلى نور العلم، ومن لغب العمى إلى روح البصيرة، ومن خناق العي إلى اتساع البيان، ومن أسر العدو إلى فكاك الولي، ومن شماتة الحاسد إلى مسرة الصديق، ومن حبس العجز إلى ساحة الدرك. هيهات! أين هذا المعنى بنفسه الذي يرى حياته من مواهب الله النفيسة، وزمانه من نعمه الكريمة، فيدأب في كسب الكمال واستمداد الفضل وطلب العلم، مرة بدرس كتاب، ومرة بمذاكرة نظير، ومرة بخدمة عالم، مستعيناً بالله في تصرفه ومستقره، عالماً أنه لا مانع لما أعطى، ولا معط لما منع. نعم، ولن يتم له ذلك أيضاً حتى يغار على الحكمة غيرته على الحرمة، ويصونها كما يصون العشيقة، وينفر مما قدح فيها أو تحيف منها، كما ينفر من القاذورة الشنعاء والداهية الشعواء، وحتى يخدمه بالتنقيح ساهراً، ويقيه لاحق العيب باطناً وظاهراً، ويبعده من الطعن غائباً وحاضراً، فعند ذلك يشرفه ويفضله، ويزكيه ويعدله، ويقوم في النوادي الحافلة خطيباً بمحاسنه، ويدخله مضمار السابقين، وينزله لسان صدق في الآخرين. وينبغي أن تعلم أن من أراد خطابة البلغاء على طريقة الأدباء، ومجاراة

الحكماء على عادة الفضلاء، احتاج ضرورة إلى تقديم العناية بأصول هي الأساس، وحفظ فصول هي الأركان، ولن ينفعه تقديمها دون إحكامها، كما لا يجدي عليه حفظها دون عرفانها. فمن أوائل تلك العناية جمع بدد الكلام، ثم الصبر على دراسة محاسنه، ثم الرياضة بتأليف ما شاكل كثيراً منه، أو وقع قريباً إليه، وتنزيل ذلك على شرح الحال ألا يقتصر على معرفة التأليف دون معرفة حسن التأليف، ثم لا يقف مع اللفظ وإن كان بارعاً رشيقاً حتى يفلي المعنى فلياً ويتصفح المغزى تصفحاً، ويقضي من حقه ما يلزم في حكم العقل ليبرأ من عارض سقم، ويسلم من ظاهر استحالة، ويتعمد حقيقته أولاً ثم يؤسسه ثانياً ليترقرق عليه ماء الصدق، ويبدو منه لألاء الحقيقة؛ ولن يتم ذلك حتى يجنبه غريب اللفظ ووحشيه، ومستكرهه وبدويه، ويزل عن ربوة ذي العنجهية وأصحاب اللوثة وأرباب الجعظرة، بعد أن يرتقي عن مساقط العامة في هجر كلامها ومرذول تأليفها؛ وبعض بني أسد يقول: الطويل وإني على ما كان من عجرفيتي ... ولوثة أعرابيتي لأديب أما ترى هذا الأعرابي كيف يميز بين المطبوع والمتكلف باعترافه أن فيه عجرفية ولوثة، هذا وهو معذور في ذلك لأنه يجري منه على عرق سليم من الأبن، ولسان مفتوق على اللسن، وسليقة مصحوبة بالفطن. فما ظنك بعد هذا بغيره ممن لا يقيم حرفاً إلا على تحريف، ولا يروي كلمة إلا على تصحيف، ويأنف من مسألة من شفاؤه عنده، وكماله بيده، وبرؤه بطبه؟

وهذه لغة قد فشت في زماننا حتى كأنهم فيها أعراب عامر. لقد جرى بعض هذا الفن عند رجل رئيس فقال: الأمر في هذا الشأن أسهل من ذلك وأهون، لأن الأحتفال والتيقظ لا يلزمان إلا في فرائض الدين وآداب الشريعة، والأستظهار والحفظ لا يستعملان إلا في تخليص النفس وحراسة الطبيعة، فأما البلاغة في الكتابة والتوقي فيها من الزلة، وأخذ الأهبة في الإفهام والأستفهام، فمن الكلف الموضوعة والأثقال المحطوطة، واللائمة تلصق بطريقها أكثر، والعيب يلزم من يغلو فيها أشد، وإغفال هذا الباب أشبه بمذاهب أهل الصلاح والنسك من نصحه خوفاً من مكابرته، ودافعاً للدواء مع تمكنه من دائه وتسهيله لشفائه، جاهلاً بثناء الله عز وجل على العلم والعالم في مواضع من كتابه؛ قال الله عز وجل: " شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم " آل عمران: 18. ومن عرف المتبوع من التابع، حط التابع عن درجة المتبوع، والعلم هو المتبوع، والعمل هو التابع، وبالعلم يصح العمل، ولا يصلح العلم إلا بالعمل، وقليل العمل مع كثير العلم يسد خللاً ظاهراً، ويرقع فتقاً منكراً، والثواب في الصبر على دفع الشبه إذا حلت، وصرفها بالحجج إذا أطلت، أضعاف الثواب على العمل؛ والعمل أيضاً لا يبرأ من رياء يحبطه، وكبر يفسده، وأكثره لا يخلص، وأقل العلم فيه تنبيه وإفاقة وخبرة بأسرار الله تعالى في خلقه، وإشراف على صنع الله لعبيده، وتشبث بأذيال عزه، واقتباس من نور وجهه، وشوق إلى طلب الزلفى من عنده. ولعمري فالعلم بالعمل أحسن، كما أن العمل بالإخلاص أزين، ولكن

ذاك قليل لعزة الكمال في كل شيء، فإنك لا ترمي بلحظك إلى شيء، ولا ترسل وهمك على شيء، إلا وجدته مبثوثاً ممزوجاً إلا ما برأه الله من ذلك؛ فهل عدا هذا القائل اختيار الحاسدين الذين أصبحوا من النادمين؟ ولقلما يعتري هذا الفساد أحداً إلا من ثقته بنفسه، وجنوحه إليها بحسن ظنه، ولو فطن لجنايتها عليه، عرف إساءاتها إليه، وقد نقصت العلماء نقصاً فلم أجد أثقل عليهم من التعرف والتوقف. والعلم نور البارىء، وحلية الملائكة، وفطرة الأنبياء، وجوهر الإنسان، ولب الكون، العقل مادته، والتجارب شهادته، والبيان تبعه، واللغة توشيحه، والأمر والنهي عيناه، والإقرار والأفكار جناحاه، والدنيا والآخرة طريقاه؛ وهب الله لك منه الحظ الأجزل، وسلك بك في العمل به الطريق الأسهل، ولا زهدك في العلم فساد العلماء، ولا أقعدك عن العمل مراءاة العاملين.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استعينوا بقيلولة النهار على قيام الليل، وطعام السحر على صيام النهار. كان عروة بن أدية إذا قام الناس بالبصرة خرج في سككهها ونادى: يا أهل البصرة، الصلاة الصلاة " أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون " الأعراف: 97. قال أنس: كان بعضنا يدعو لبعض بهذا الدعاء: سهل الله عليكم صلاة قوم أبرار، يقومون الليل ويصومون النهار، ليسوا بأثمة ولا فجار. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أطعمني جبريل هريسة أشد بها ظهري لقيام الليل. قال أبو حرة: أتينا بكر بن عبد الله المزني نعوده، فدخلنا عليه وقد قام لحاجته فجلسنا ننتظره، فأقبل إلينا يتهادى بين رجلين، فلما نظر إلينا سلم علينا ثم قال: رحم الله عبداً أعطي قوة فعمل بها في طاعة الله، أو قصر به ضعف فكف عن محارم الله.

وقال بكر بن عبد الله: كانت امرأة من أهل اليمن عابدة، وكانت إذا أصبحت قالت: يا نفس، اليوم يومك ليس لك يوم غيره، فتعمل في ذلك اليوم ما شاء الله حتى تمسي، فإذا أمست قالت: يا نفس، الليلة ليلتك، ليس لك ليلة غيرها؛ فتعمل في تلك الليلة ما شاء الله حتى تصبح؛ فكان ذلك دأبها حتى ماتت رحمها الله. قال النعمان بن بشير: مثل الإنسان والموت مثل رجل له ثلاثة خلان، قال أحدهم: أنا مالك خذ مني ما شئت وأعط ما شئت، وقال الآخر: أنا معك أحملك وأضعك فإذا مت تركتك، وقال الآخر: أنا معك أدخل وأخرج معك حييت أو مت؛ أما الأول فماله، وأما الثاني فعشيرته، وأما الثالث فعمله يدخل معه ويخرج معه.

قيل للزهري: من الزاهد في الدنيا؟ فقال: من لم يمنع الحلال شكره، ولم يمنع الحرام صبره. وقال غيلان بن جرير: عقول الناس على قدر زمانهم. قال سفيان الثوري، قال وهب: ما عبد الله بمثل العقل، ولا يكون الرجل عاقلاً حتى يكون فيه عشر خصال: يكون الكبر منه مأموناً، والخير منه مأمولاً، يقتدي بمن قبله، وهو إمام لمن بعده، وحتى يكون الذل في طاعة الله أحب إليه من العز في معصية الله، وحتى يكون الفقر في الحلال أحب إليه من الغنى في الحرام، وحتى يكون عيشه القوت، وحتى يستقل الكثير من عمله ويستكثره من غيره، وحتى لا يتبرم بطلب الحوائج قبله، والعاشرة، وما العاشرة، بها شاد مجده، وعلا ذكره: يخرج من بيته فلا يستقبله أحد من الناس إلا رأى أنه دونه.

قال مالك بن دينار: رحم الله عبداً قال لنفسه: يا نفس، ألست صاحبة كذا؟ ثلاث مرات، ثم ذمها، ثم خطمها، ثم ألزمها كتاب الله فكان لها قائداً. وقال مالك أيضاً: سمعت الحجاج على المنبر يخطب ويقول: آمرءاً أتهم نفسه على نفسه، آمرءاً اتخذ نفسه عدوه، آمرءاً أخذ بعنان عقله فنظر إلى ما يراد به، آمرءاً زود نفسه، آمرءاً حاسب نفسه قبل أن يكون الحساب، آمرءاً نظر إلى ميزانه. فجعل يقول امرءاً حتى أبكاني. يبكي مالك من كلام الحجاج، ولا يبكي الحجاج من كلام مالك، ولا قتل سعيد. قال مسمع، قلت لجعفر الصادق عليه السلام: لم خلد أهل الجنة فيها، وإنما كانت أعمارهم قصيرة وأعمالهم يسيرة، ولم خلد أهل النار وهم كذلك؟ فقال: إن أهل الجنة نووا أن يطيعوه أبداً، وإن أهل النار نووا أن

يعصوه أبداً، فلذلك صاروا مخلدين. المتكلمون لا يرضون بهذا الجواب، ولا يعجبون به، ولا يميلون إليه، وما أكثر ما يزيفون الرواية، ويقدحون في الأثر، ويستبدون بالرأي، ويفزعون إلى القياس، وليتهم مع هذه الجرأة على الرد، والإقدام على الحكمة، كانوا يجانبون الهوة، ويعافون الأختلاف، ويعلمون أن الله نهى عن التفرق في الدين، ومنع من إيثار الشك على اليقين، ودين الله محمي الحريم، عزيز الجانب، لا يتلقى بالتعسف والتكلف، ولا يتناول بالتقعر والتنطع، وما شمت الحاسد المرصد، والطاعن الملحد، حتى رأى علماء الدين وأنصار الشريعة يموجون في نحلهم، ويكفرون أهل القبلة على اعتقادهم، ويحيرون المسترشد، ويغوون الرشيد، ويصدون بالأختلاف عن الأئتلاف، ويسرعون إلى الإنكار قبل الأعتراف، ويظنون أن عقولهم كافية، وألفاظهم شافية، وأن الله راض عنهم لصنيعهم، غير مؤاخذ لهم على تضييعهم، فلا جرم والله ذهب بهيبتهم، ونزع البهاء عن وجوههم، ووكلهم إلى أنفسهم حتى خبطوا كما تخبط العشواء، وضلوا كما تضل العمياء، وجعل مصيرهم إلى دار البذاءة، وألجأهم إلى الحسرة والندامة، ولو سكتوا عما سكت عنه، وقالوا بما أمروا به، وضرعوا إلى الله سبحانه فيما أشكل عليهم منه، أراح الله قلوبهم من كد الفكرة، وأزاح عللهم بالأنباء والعبرة، وعذرهم فيما عجزوا عنه، وقبلهم على ما تقدم إليهم به؛ ولكنهم أعجبوا ببعض الإصابة فتهوروا مع كثير الخطأ، وكذلك يفعل الله بمن لا يحفظ شرائط العبودية، ولا يقف عند حدود البشرية، ولا ينصاع لأمر الألوهية، ولا يسلم لله أحكام الربوبية، ولكن يطلب العلة الخافية عليه وما طولب بها، ويبحث عن الحكمة المطوية عنه وما سئل عنها، ويفرض الله كأنه شريكه في الملك، ويقول لم وكيف وهو جاهل بما هو فيه، وبما كوشف به،

وبما أطلع عليه، لو سألته عن نفسه ومعناه وعينه، وعن نطقه وصمته، وعرفاته وحديثه، وظنه ويقينه، وشكه وتوثقه، وغضبه ومرضاته، وعما يتعاوره ويتعاقبه، ويتجدد إليه ويتحدد عليه، ويبدو منه ويغور فيه، على دائم الزمان، في كل الزمان، لوجدته بادي العجز، ظاهر الجهل، قريب العر، مستحقاً للرحمة، وأنه مع ذلك يدعي لاوياً شدقه، فاتلاً إصبعه، مدراً وريده، كأنه رب ليس بمربوب، أو مالك ليس بمملوك. قال قتادة، قال يونس بن حيوة: شيعنا جنيداً فلما انتهينا إلى حصن المكاتب قلنا: أوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله، وأوصيكم بالقرآن فإنه نور الليل المظلم، وهدى النهار، فاعلموا به على ما كان من جهد وفاقة، فإن عرض بلاء فقدم مالك دون نفسك، وأعلم أن المحروب من حرب دينه، والمسلوب من سلب نفسه، إنه لا غنى بعد النار، ولا فقر بعد الجنة، وإن النار لا يفك أسيرها، ولا يستغني فقيرها. هذا والله الحد وما سواه تعليل، وبالله المعونة على كل حال.

ذكر أبو حازم عند الزهري فقال: أما والله إنه لجاري، وما جالسته قط، قال أبو حازم: ذاك لأني مسكين، أما والله لو كنت غنياً لجالسني، قال الزهري: قد سببتني، قال: أجل. قال ابن المبارك: كان في بني إسرائيل جبار يقتل الناس على أكل لحم الخنزير، فلم يزل الأمر يترقى حتى بلغ إلى عابد من عبادهم، فشق ذلك على الناس، فقال له صاحب الشرطة: إني ذابح لك جدياً، فإذا دعاك الجبار لتأكل فكل، فلما دعاه ليأكل أبى أن يأكل فقال: أخرجوه وآضربوا عنقه، فقال الشرطي: ما منعك أن تأكل جدياً مشوياً؟ فقال: إني رجل منظور إليه، وإني كرهت أن يتأسى بي في معاصي الله، ثم قتله. قال ميمون بن مهران: لو أن أقصركم علماً عمل بما يعلم لدخل الجنة؛ ما منكم إلا من يعلم أن الصلاة خير من تركها، والأمانة خير من الخيانة، والصدق خير من الكذب، والوفاء بالعهد خير من نقضه، والصلة خير من القطيعة.

قال عبد الله بن مسعود: تعودوا الخير فإنما الخير عادة. قال مطرف: لو أتاني آت من ربي فخيرني بين الجنة والنار وبين أن أصير تراباً، لأخترت أن أصير تراباً. قال أبو هريرة: تكلم النبي صلى الله عليه وسلم فأبكى من في البيت، فكان رجل في زاوية البيت تسيل دموعه على خديه لا يسمع له صوت، ولا ترى له عبرة، فجاء جبريل عليه السلام فقال: يا محمد، أما إن هذا الباكي قد أطفأ بدموعه بحوراً من جهنم. قال مالك بن مغول: كان رجل يبكي فيقول له أهله: لو قتلت قتيلاً ثم أتيت أهله فرأوك تبكي هذا البكاء لعفوا عنك، فقال: إني قتلت نفسي. قال حماد بن زيد: بكى أيوب مرة فأخذ بأنفه ثم قال: هذه الزكمة ربما عرضت؛ قال: وبكى مرة فاستبين بكاؤه، ثم قال: إن الشيخ إذا كبر قبح.

قال عبد الله بن مسعود: ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذ الناس نائمون، وبنهاره إذ الناس مفطرون، وبحزنه إذ الناس يفرحون، وببكائه إذ الناس يضحكون، وبورعه إذ الناس يخلطون، وبخشوعه إذ الناس يختالون، وبصمته إذ الناس يخوضون. قيل لرابعة وقد انصرفت من الجبانة في يوم فطر: كيف رأيت الناس في هذا اليوم؟ قالت: رأيتكم خرجتم إحياء سنة وإماتة بدعة، غير أنكم أظهرتم نعمة أدخلتم بها على الفقراء مذلة. قال ابن مسعود: وقف رجل بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فارتعد، فقال: لا تخف فإني ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد. قال أبو وائل، قال عبد الله: إن النبي صلى الله عليه وسلم كحل عين علي بن أبي طالب بريقه من وجع أصابه. قال ابن عباس في قوله عز وجل " ونجني من فرعون وعمله " التحريم: 11: أي جماعه.

وقال ابن عباس في قوله " عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة " الممتحنة: 7 قال: فكانت المودة تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بأم حبيبة أخت معاوية بن أبي سفيان. قيل لعمر بن ذر: أيهما أصلح، طول الكمد أو حدور الدمعة؟ قال: حدور الدمعة إذا رق فقد شفى غليلاً، وإذا كتم أغص بالشجا، فطول الكمد أحب إلي. قال زياد لأبي الأسود الدولي: لولا ضعفك لاستعملتك على بعض أعمالنا، فقال: للصراع تريدني؟ قال زياد: إن للعمل مؤونة ولا أراك إلا تضعف عنه، فأنشأ أبو الأسود يقول: الكامل زعم الأمير أبو المغيرة أنني ... شيخ كبير قد دنوت من البلى صدق الأمير لقد كبرت وربما ... نال المكارم من يدب على العصا يابا المغيرة رب مبهم كربة ... فرجته بالحزم مني والذكا نظر أبو الدرداء إلى منزل رجل قد بناه وشاده فقال: ما أحكم ما تبنون، وأطول ما تأملون، وأقرب ما تنتقلون.

قال أبو الحسن المدائني: كان يقال: الشرب في آنية الرصاص أمان من القولنج. الرصاص بفتح الراء؛ قال أبو حاتم: الكسر لا يجوز. قال المدائني، قال الحجاج: المتقارب أعائش لا تعجلي بالخلاف ... فمنك الرياح ومنك المطر وأنت أمرت بقتل الإمام ... وقلت لنا إنه قد كفر ونحن أطعناك في قتله ... وقاتله عندنا من أمر قال ابن عباس " وقد بلغت من الكبر عتياً " مريم: 8، قال: خمس وتسعون. ليت ابن عباس عرفنا وجه هذا القول، فإنه فتيا مجردة، واللفظ لا يدل عليه، والعرف لا يشهد له. قال عيسى بن مريم عليه السلام: كن في الدنيا ضيفاً، واتخذ المسجد بيتاً. قيل لصوفي: كيف ترى الدنيا؟ قال: أرى نعمتها وسنى، ونقمتها يقظى، والناس بينهما روبى، أي نيام.

قال الحسن البصري رضي الله عنه: آنظر إلى الدنيا نظر الزاهد المفارق، لا نظر الراغب الوامق، وأحذر سرورها وغرورها، واعتصم بربك من فتنتها، فإن أقواماً اتخذوا ربهم حرزاً، واتخذوا دينه عزاً. ودخل النعمان بن بشير على علي بن أبي طالب بعد أن قتل عثمان فقال: يا أمير المؤمنين، لو نصر عثمان كل من أحبه لما طمعت فيه أوباش مصر ولا أوشاب أهل العراق، ولو بسط عليه كل من أبغضه لما سلم أحد من أهل الدار؛ ولكن المحب هاب الخاذل، والخاذل تركه للقاتل، فتوهم الخاذل أن المحب بإمساكه عن النصرة موافق له في الخذل، وتوهم القاتل أن الخاذل بإظهاره الخذل له مقارب له في القتل، فعضد بعض الأمور بعضاً، وكان الخذل لتعاضدها أصلاً، وأشد ما يقوله اليوم من قبض يده عن نصره: ليتني كنت بسطتها، وأقصى ما يقوله من بسط يده إلى قتله: ليتني كنت قبضتها، ورويداً يعلون الجدد، فقال له علي عليه السلام: اكفني نفسك يا نعمان، وآلحق بأي البلاد شئت؛ فلحق بالشام. هذا من نوادر الحديث، والكلام كما ترى مرهف الحد، مسنون الشبا، وإلى الله المفر، وعليه التوكل. وأنشد لخارجي: الوافر

إلى كم يا دعاة الحق فيما ... ندين به نقول ولا نصول لسان في تناجينا طويل ... وعزم في تناخينا كليل وأنشد لآخر من الخوارج: البسيط إني أدين بما دان الشراة به ... يوم النخيلة عند الجوسق الخرب قوم إذا ذكروا بالله أو ذكروا ... خروا من الخوف للأذقان والركب أنشد الزبير بن بكار: الوافر أرى إبلي وكانت ذات زهو ... إذا وردت يقال لها نصيع تكنفها الأرامل واليتامى ... فصاعوها ومثلهم يصوع وساقوها وساقهم إليها ... بأكناف اللوى حتف وجوع وطيب عن كرائمهن نفسي ... مخافة أن أرى حسباً يضيع عن معنى من: لغة في هذيل، هكذا أظن، وأما قوله: فصاعوها فمعناه فرقوها؛ كذا السماع. قال ثعلب: فلان نقي الجيب، لأنه أول ما يدنس من الثوب، فإذا نقي نفي سائره. يقال: هذا على طرف العصا، وهذا على طرف الثمام، وهو لك

على حبل الذراع، كل هذا يعنى به التقريب. قال أبو العباس: قال بعض العرب: نحن إذا عقدنا وفينا، وإذا سئلنا أعطينا، وإذا قدرنا مننا، وإذا نكبنا صبرنا. امرأة مجعة أي حمقاء، ونساء مجع، ورجال أمجاع. يقال في الأمثال: الإيناس قبل الإبساس، أي الرفق قبل الطلب. ويقال: أطيب ما في الجدي شاكلته، وأطيب ما في السمكة راسها، أي خاصرة الجدي وسره السمكة. وصياح نباح، بربار مزبار، نجناج لحاج، عجاج وطواط، كل هذا متقارب في المعنى؛ هكذا وجدت فرويت.

العرب تقول: إذا كان الليل فأخفض، وإذا كان النهار فانفض، لأن الصوت بالليل يسري، وأما بالنهار فتبعد الجهات منه. وفي أمثالهم: لا تخلج الفصيل عن أمه. القعنب: التيس الهرم. قال أعرابي في كلامه: لو كان رأسه في الجرباء لأخذت حقي منه. قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لله امرؤ راقب ربه، وخاف ذنبه، وعمل صالحاً، وقدم خالصاً، واحتسب مذخوراً، واجتنب محذوراً، ورمى عرضاً، وأحرز عوضاً، كابر هواه، وكذب مناه. يقال: ما الفرق بين الفذ والقذ؛ الفذ: الفرد، والقذ البرغوث؛ هكذا وجدت فرويت. يقال: الحفا قبل الوجا. شاعر، وأنشده الأصمعي أيضاً: البسيط

لو كنت أعجب من شيء لأعجبني ... سعي الفتى وهو مخبوء له القدر يسعى الفتى لشؤون ليس يدركها ... والنفس واحدة والهم منتشر والمرء ما عاش مبسوط له أمل ... لا تنتهي العين ما لا ينتهي الأثر لوم الفتى نفسه من دون عاذله ... يثني عليه ولوم النفس يغتفر جميل بن عبد الله: الطويل عضضن البنان الفتخ لما عرفنني ... وقلن: أمعلوم مسيرك أم خافي وضعن الجلابيب التي كن جنة ... وخفضن طرفاً غير كز ولا جافي أفضن عليها الماء حتى إذا جرى ... بوادر مظلوم من الماء حفحاف كما جال مبيض الندى فوق بيضة ... جلا الطل والأنداء عن لونها الصافي حفحاف: له صوت أي إذا قطر؛ يقال: لهذا الثوب حفحفة أي إذا كان جديداً. قال شيخ من المنجمين: الشمس أجل ما تكون قدراً في ثلاث مواضع: أولها الحمل وهو شرفها، والثاني الأسد وهو بيتها، ولا سيما إذا كانت في قلب الأسد، والثالث إذا كانت في ثماني عشرة درجة من الجوزاء أوجها، وعند ارتفاعها في القوس يجري الماء في العود ويظهر العشب وتزيد المياه وتبتدىء الثمار والبسر، وذلك أنها تأخذ في الأرتفاع من القوس، لأن القوس آخر انحطاطها في ثماني عشرة درجة منه؛ ويقال للجوزاء المنطقة العليا، وللقوس المنطقة السفلى، ويقال للحوت والسنبلة المنطقة الوسطى.

يقال: لط بها عليه، ولا يقال: ألط، ويقال: ألظ - بالظاء - إذا لزم؛ ولط: ستر. قال أبو العباس: وكان في القياس أن يقال: لاط، فجاء على غير القياس. قال الأموي: لطويل ومن يلحم الأعداء أعراض قومه ... تنله مرامي معلن أو مكاتم وقد يخضع الرأس العلي مكانه ... إذا نقبت أدنى بطون المناسم وريش الخوافي إن تأملت عاضل ... على كل ما حال بريش القوادم قال بعض المنجمين: إن مواليد الأنبياء بالسنبلة والميزان. وكان طالع النبي صلى الله عليه وسلم الميزان؛ وقال صلى الله عليه وسلم: ولدت بالسماك، وفي حساب المنجمين أنه السماك الرامح، وكان في ثاني طالعه زحل، فلم يكن له مال ولا عقار. وقف ابن السماك على قبر داود الطائي، وكان من كبار الزهاد، ومن أصحاب أبي حنيفة، فتكلم على قبره بكلام هذا منه: إن داود الطائي نظر بقلبه إلى ما بين يديه، فأعشى بصر القلب بصر العين، فكان لا يبصر ما إليه تنظرون، وكأنكم لا تبصرون إلى ما إليه ينظر، فلما رآكم مغرورين، قد دلهت

الدنيا عقولكم، وعشقتها أنفسكم، وامتدت إليها أبصاركم، أوحش الزاهد منكم، فكنت إذا رأيته علمت أنه حي بين موتى. يا داود، ما كان أعجب شانك، وقد يزيد في عجبك أنك ألزمت نفسك الصبر، وقومتها بالزهد؛ أذللتها وإنما تريد عزها، وأجعتها وإنما تريد شبعها، وأظمأتها وإنما تريد ريها، وعزلت نفسك عن الدنيا فلم ترها لك قدراً ولا خطراً، تفقهت في دينك وتركت الناس يفتنون، وسمعت الحديث وتركتهم يتحدقون، وخرست عن القول وتركتهم ينطقون، لا تحسد الأخيار، ولا تعيب الأشرار، ولا تقبل من السلطان عطية، ولا من الإخوان هدية، آنس ما تكون إذا كنت خالياً، وأوحش ما تكون إذا كنت مع الناس مجالساً، عزلت نفسك في بيتك فلا محدث لك ولا جليس، ولا ستر على بابك، ولا فراش تحتك، ولا قلة يبرد فيها ماؤك، ولا قصعة يكون فيها غداؤك وعشاؤك، فمن صبر صبرك وعزم عزمك؟! لقد أتعبت العابدين بعدك. قال الرشيد لسفيان بن عيينة: إني عزمت أن أرى الفضيل بن عياض، فقال له سفيان: يا أمير المؤمنين، إنه رجل قد زهد في الناس والدنيا جميعاً، وأخاف أن تأتيه فتستجفيه، فقال له: كلا ما عزمت على إتيانه حتى وطنت نفسي على احتمال ما يكون منه؛ يا سفيان، إن عز القوي عز لا يزحمه منكباً إمرة ولا خلافة. قال: فأتيت فضيلاً بما قال: فقال: ما أعقله لولا أنه يحب العاجل، ثم قال: إني لأحب أن يأتيني وأكره أن يأتيني، فأما محبتي لمجيئه فلعلي أعظه بموعظة ينتفع بها هؤلاء الناس، وأما كراهيتي لمجيئه فلأني أراه يرفل في النعم عارياً من الشكر. قال: ثم أذن، فمضيت مع الرشيد إليه، وقد اختلط الظلام، وعلى الرشيد طيلسان غسيل قد غطى به رأسه، فلما هجمنا عليه في بيته وشم الرائحة سمعته يقول: اللهم إني أسألك رائحة الخلد التي أعددتها لأوليائك

المتقين، فرفع طرفه إليه وعينه تقطر فقال: أنت هو يا حسن الوجه؟ ثم وعظه فجعل يبكي حتى اشتد نشيجه، ثم قال له: ازدد من هذا، فما أعرف في هذه الليلة أحداً أحوج إليه منك، ثم وثب إلى صلاته، وما كان ذاك إلا كخطفة الطير. فلما صرنا إلى صحن الدار قال لي الرشيد: يا سفيان، ما رأيت التقوى في وجه أحد قط أبين منها في وجه هذا الشيخ، ولولا التحشم منك لقبلت ما بين عينيه، فقلت له: والله لعلى ودي أن تكون فعلت ذلك، فكتب الله لك ثوابه وأجره، فقال: إني أرجو أن يكون قد كتب لي ثوابه بالنية ولو لم أفعل. انظر - فديتك - إلى هذا الحديث، وانظر إلى زمانك وإمامك وسلطانك، فإنك ترى فرقاً يوحش القلب، ويورث الأسف، ولله أمر هو بالغه لا نعترض عليه، ولا ننازع فيه، ولكن ناجأ إلى كنفه، ونسأله زيادة من عطفه، فإنه رحيم بعباده ودود. قال أصحاب النجوم: إنما جعل أول بيت الطالع، لأنه خروج من ظلمة إلى ضياء، وجعل الطالع للحياة لأن المولود لما خرج بين حالتين - بين الموت والحياة - فإن أوجب الطالع الحياة فذاك، وإن أوجب الموت فذاك؛ والثاني للمواد، فإن الحياة إنما تكون بالمواد، فجعل المال؛ والثالث للإخوة، لأنه أول شكل برج يشاكل بالطالع، إن كان الطالع ذكراً فهو ذكر، وإن كان أنثى فهو أنثى، أو نهارياً أو ليلياً فهو مثله، وأول خط خرج من الطالع إليه ما لاح أقرب الأشياء إليه؛ والرابع الآباء، لأنه ابتداء الدور، منه يبتدىء وإليه يرجع، فالمولود الآباء أوله، والخامس الولد، لأنه مالىء بيت الآباء، والولد خلف الأب؛ والسادس بيت العبيد والمرضى والسقاط، لسقوطه عن الطالع ولأنه لا تمازج بين الطالع وبينه؛ والسابع الأضداد والنساء، لأنه بإزاء الطالع، إذا ظهر هذا غاب هذا، وإذا غاب هذا ظهر هذا؛ والثامن ينظر الثاني، فحالته بالضد، فلما كان الثاني سبب المواد، والمواد سبب الحياة، كان الثامن انقطاع المواد، وبانقطاع المواد يقع الموت؛ والتاسع السفر والدأب

والحركة والعلم، لأنه برج الشمس وأول الرائد من وتد العاشر؛ والعاشر السلطان والذكر والكرامة والصناعة، لأن العاشر أرفع نقطة في الفلك؛ والحادي عشر بيت الرخاء والإخوان والأصدقاء، لأنه نظير بيت الإخوة وثاني وسط السماء، لأن أول خط في الدائرة من تسديس، فالخط الأول يخرج إلى الثالث، والخط الثاني يخرج من الجانب الآخر إلى الحادي عشر، فيصير نظير بيت الإخوة لهذه العلة، فلذلك صار بيت الإخوان والأصدقاء، ولأنه يأتي العاشر صار موضع الرخاء والسعادة لأن الذي يتلوه السلطان للسعادة؛ والثاني عشر موضع برج زحل؛ والسادس موضع برج المريخ. قال هرمس: إذا كان زحل في حادي عشر والطالع القمر، خيف على قائم الزمان. نقلت هذا من خط القومسي. العرب تقول: أعل على الوسادة أي ارتفع عليها، وأعل عنها أي انزل عنها. دعبل الخزاعي: الوافر ذممتك أولاً حتى إذا ما ... بلوت سواك عاد الذم حمدا فلم أحمدك من خير ولكن ... رأيت سواك شراً منك حدا فعدت إليك مجتدياً ذليلاً ... لأني لم أجد من ذاك بدا كمجهود تحامى لحم ميت ... فلما اضطر عاد إليه شدا قال عتبة بن أبي سفيان لمعاوية وعنده عمرو ووردان: يا أمير المؤمنين، ما ألذ الأشياء؟ قال: صحة استولت على بدن، وقدرة اشتملت على

أمل، وسلطان مكله حزم، قال عمرو: ألذ الأشياء انجلاء الغمرات، وقد بلغت النفس اللهوات. قال معاوية وعمرو لوردان: ما تقول يا وردان؟ قال: قد قلتما، قالا: على حال، قال: ألذ الأشياء من بيع بغير تمنن، ويشتري منناً بعدها تجل عن الإحصاء، وترتفع عن الجزاء، تسود من أسداها، وتشرف من أسديت إليه، فقالا: وما أنت وهذه لا أم لك؟! مواليك أحق بها، قال: قد والله تركتها لكما فلم تأخذاها، ثم ذكرتها فلم تنكراها، فإن شئتما أن تنتحلاها رديفين فشأنكما، قالا له: إن لك في نفسك شأناً، قال: إن رأياً ضمني إليكما وآنسكما بي لخليق أن يكون ذا شأن. قال ابن السماك: الكمال في خمس: ألا يعيب الرجل أحداً بعيب فيه مثله حتى يصلح ذلك العيب من نفسه، فإنه لا يفرغ من إصلاح عيب واحد حتى يهجم عليه آخر، فتشغله عيوبه عن عيوب الناس؛ والثانية: ألا يطلق لسانه ويده حتى يعلم أفي طاعة أو معصية؛ والثالثة: ألا يلتمس من الناس إلا مثلما يعطيهم من نفسه؛ والرابعة: أن يسلم من الناس باستشعار مداراتهم وتوفيتهم حقوقهم؛ والخامسة: أن ينفق الفضل من ماله ويمسك الفضل من حاله. لبعض الخوارج: البسيط كم من فتى نجدة لا اللهو همته ... ومن خطيب لدين الله وصاف ليث النهار وقس الليل في ثقة ... للوهن في دينه والضيم عياف

ماض إذا أحجم الأبطال أو نكلوا ... عند النزول إلى الأقران دلاف لا هائب يوم هيجا من منازلة ... لنفسه في لهيب الحرب قذاف في الروع ليس بطياش ولا وكل ... نكس وعن شبهات اللبس وقاف لم ألق مثلهم في الناس أهل هدى ... في طول حل وترحال وتطواف قوم شروا كدر الدنيا وباطلها ... بمنزل من جنان شربه صاف ما راقهم زخرف الدنيا وبهجتها ... ولا الترفل في خز وأفواف ما تركوا من تراث يوم معركة ... لسالب غير أدراع وأسياف وكل عبل الشوى نهد مراكله ... كالسيد أدهم محبوك القرا صاف وقدموا فضل دنياهم لآخرة ... ثواب مفروضه أضعاف أضعاف قال النبي صلى الله عليه وسلم: آستوكف، أي أسبغ الوضوء. سمع جعفر بن يحيى قبل أن يقبض عليه بساعة ينشد: الوافر مقيم بالمجازة من شروري ... وأهلك بالأجيفر والثماد فلا تبعد فكل فتى سيأتي ... عليه الموت يطرق أو يغادي وكل ذخيرة لا بد يوماً ... وإن عظمت تصير إلى نفاد فلو نفديك من حدث الليالي ... فديتك بالطريف وبالتلاد

قال أبو العباس، قال الحسن بن سهل: كل شيء تلبسه يستدفىء بك ثم يدفئك إلا السمور، فإنه يدفئك قبل أن يستدفىء بك. من الأمثال المنقولة من الفارسية: الرجز إن الذي تطلبه يدفيكا ... تأكله بشر شيء فيكا إذا تمنى مائق أمنيه ... يحسبها كائنة مقضيه يقال: إذا غدوت فبكر، وإذا رحت فهجر، وإذا أكلت فأوتر، أي كل بثلاث أصابع، وإذا شربت فأسئر، أي أبق بقية. ويقال: أصول الطيب خمسة: المسك والعنبر والعود والكافور والزعفران. قال فيلسوف: عجباً لمن عومل فأنصف كيف يظلم، وأعجب منه من عومل فظلم إذا عامل كيف يظلم. شاعر: المتقارب أعاذلتي أقصري ... أبع جدتي بالمنن ذريني أفد بالثرا ... ء حمداً فنعم الثمن فما منك شيء حلا ... ولا لك أنسى الزمن

إذا عز يوماً أخو ... ك في بعض أمر فهن بلوت صروف الزما ... ن في فرح أو حزن فسر فلم أبتهج ... وساء فلم أستكن إذا ما نبا منزل ... فكل بلاد وطن فليس حياة الفتى ... سوى ساعة لم تئن يعيش الفتى حاسراً ... ويهلك تحت الجنن ويخطئه خوفه ... ويصرعه ما أمن قال معاوية: معاشر قريش، ما بال الناس لأم وأنتم لعلات؟! تقطعون ما أمر الله أن يوصل منكم، وتباعدون ما قرب الله؛ كيف ترجون لغيركم وقد عجزتم عن أنفسكم؟ تقولون كفانا من الشرف من قبلنا، فعندها ترميكم الحجة فاكفوه من بعدكم! إنكم كنتم رقاعاً في جيوب العرب، قد أخرجتم من حرم ربكم، ومنعتم تراث نبيكم حتى جمعكم الله برجل منكم، فردكم إلى بلادكم، وأخذ لكم ما أخذ منكم، فجمعت لكم مكارم العرب، ودفعت عنكم مكايد العجم، فأرغبوا في الألفة التي أكرمتكم بها، وإياكم والفرقة فقد حذرتكم نفسها. قال أرسطاطاليس: من أخذ ميثاق الصبر، في ألوان الدهر، حسن ثناؤه في كل أمر.

وقال أيضاً: من قارب الناس في عقولهم ولم يستكرههم في تصريف الأمور بما يخرجهم من متعارف نظرهم سلم من غوائلهم. قال خالد بن صفوان في وصف النخل: هن الراسخات في الوحل، المطعمات في المحل، تخرج أسفاطاً عظاماً وأوساطاً، كما ملئت رياطاً، ثم تتفرى عن قضبان اللجين منظومة باللؤلؤ الأبيض، وتصير ذهباً أحمر منظوماً بالزبرجد الأخضر، ثم تصير عسلاً في نحاء، معلقاً بالهواء، ليس في مسك ولا سقاء، بعيداً من التراب، لا يقربه الذباب، دونه الحراب، ثم يصير ورقاً في كيس الرجال، يستعان به على العيال. قال أعرابي وقد نظر إلى دينار: قاتلك الله ما أصغر قمتك وأعظم قيمتك. مر بي في كتاب الرتب، قال أبو ذر: أيها الناس، إن آل محمد صلى الله عليه وسلم هم الأسرة من نوح، والآل من إبراهيم، والصفوة والكلالة من إسماعيل، والعترة الطيبة الهادية من محمد، فأنزلوا آل محمد بمنزلة الرأس من الجسد، بل العينين من الرأس، فإنهم فيكم كالسماء المرفوعة، وكالجبال المنصوبة، وكالشمس الضاحية، وكالشجرة الزيتونة، أضاء زيتها، وبورك وقدها.

قال الزياتون: من مناقب الزيت أنه يعصر أول عصرة فيكون منه زيت للأكل، ثم يعصر ثانية فيكون منه زيت السراج، ثم يعصر ثالثة فتطيب به زقاق الزيت، ثم يباع ثجيره فيجفف وتسجر به النار فتكون ناره أحر نار، ثم يعزل رماد ذلك الوقود فيباع لأصحاب الصابون فيدخلونه في عمله فيجود، فلا يسقط منه شيء. وصف بعض العلماء الذهب فقال: هو أبقى الجواهر على الدفن، وأصبرها على الماء، وأقلها نقصاناً على النار، وهو أوزن من كل ذي وزن إذا كان في مقدار شخصه، وجميع جواهر الأرض إذا وضع على ظهر الزئبق في إنائه طفاً، ولو كان وزناً عظيماً، وحجماً ثقيلاً، وإن وضع قيراط من ذهب رسب حتى يبلغ قعر الإناء، وميله أجود الأميال، والهند تمره في العين بغير كحل، ولا يسود لصلاح طبعه وموافقة جوهره لجوهر الناظر، ومنه الزرياب والصفائح التي تتخذ لسقوف الخلفاء والملوك، وعليه مدار تبايع الخلق، وهو ثمن لكل شيء، والأرض التي تنبته تحيل الفضة إلى جوهرها في السنين الكثيرة، وتقلب الحديد إلى طبعها في الأيام اليسيرة، والطبيخ الذي يكون في قدوره أغذى وأمرأ وأصح في الجوف. قيل لأعرابي: كيف أنت مع صديقك؟ قال: نتعايش بالنفاق، ونتجاوز بهجر وفراق. قال خالد الكاتب في أبي المثنى الطفيلي: السريع

أبو المثنى أبداً في غرام ... قد بات من حب طعام الكرام يعجبه من غيره دعوة ... حتى يراها أبداً في المنام قد رسم التطفيل في وجهه ... هذا حبيس في سبيل الطعام ليس بقواد ولكنه ... يعجبه المشي أمام الغلام قال أعرابي: ليس الرديف في العشيرة كالصليبة، ولا الهجين كالصريح، ولا التابع كالمتبوع. كل هذا من كتاب الرتب. قال يزيد بن ضبة الثقفي: الطويل تواعد للبين الخليط لينبتوا ... وقالوا لراعي الذود موعدك السبت وفي النفس حاجات إليهم كثيرة ... لإبانها في الحي لو أخر الوقت ولم أك فيما كان قبل احتمالهم ... على بينهم بالأمس نفسي وطنت ولكنهم بانوا ولم أدر بغتة ... وأفظع شيء حين يفجؤك البغت وقال أبو دهبل: الطويل تبيت النشاوى من أمية نوماً ... وبالطف قتلى ما ينام حميمها

وما أهلك الإسلام إلا قبيلة ... تأمر نوكاها فدام نعيمها وصارت قناة الدين في يد ظالم ... إذا مال منها جانب لا يقيمها وقال تميم بن مقبل: الطويل فأتلف وأخلف إنما المال عارة ... وكله مع الدهر الذي هو آكله فأيسر مفقود وأهون هالك ... على الحي من لا يبلغ الحي نائله وقال حميد بن ثور يصف الذئب: الطويل ترى طرفيه يعسلان كلاهما ... كما اهتز عود الساسم المتتايع ينام بإحدى مقلتيه ويتقي ... بأخرى المنايا فهو يقظان هاجع قال المبرد، قال محمد بن حرب الهلالي: حاجب الرجل نصفه،

وكاتبه كله. وينبغي لصاحب الشرطة أن يطيل الجلوس، ويديم العبوس، ويستخف بالشفاعات. قال العتبي: سمعت أعرابياً يقول: الحمد لله حمداً لا يبلى جديده، ولا يحصى عديده، ولا تبلغ حدوده. قال أعرابي: اللهم إني أسألك الغفيرة، يوم كل نفس إليك فقيرة، فإن النعمة فيه كثيرة. قال صوفي، وذكر الدنيا: ما أدري كيف أعجب منها، أمن قبح منظرها، أم من سوء مخبرها، أم من عشق الناس لها، وتناحرهم عليها؟! وأنشد: الطويل تهاع وتستعدي إذا الضر مسها ... وتقسو قسواً حين ينعم بالها كان حماد عجرد ينادم أبا حنيفة، فلما تنسك أبو حنيفة وطلب الرأي قطعه وكان يعيبه، فكتب حماد: الكامل المجزوء إن كان نسكك لا يت ... م بغير سبي وآنتقاصي فاقعد وقم بي كيف شئ ... ت مع الأداني والأقاصي

فلطالما زكيتني ... وأنا المقيم على المعاصي أيام نأخذها ونع ... طي في أباريق الرصاص يقال: جاءنا بأفكوهة، وأعجوبة، وأملوحة، وأضحوكة، وأحدوثة، وألعوبة؛ كذا كلام العرب إذا جاء بما يضحك منه ويستملح ويتعجب منه ويتحدث به. قال العتبي: سمعت أعرابياً يقول: ما طلع على الإنسان طالع أبغض إليه من الشيب. قال أبو حاتم: سأل رجل أبا عبيدة عن اسم رجل فقال: ما أعرف أسمه، فقال كيسان: أنا أعرف الناس به، هو خراش أو خداش أو رياش أو شيء آخر، فقال أبو عبيدة: ما أحسن ما عرفته، فقال: إي والله وهو قرشي أيضاً، قال: وما يدريك؟ قال: أو ما ترى احتواءه على الشين من كل جانب؟! قال الأصمعي: كان عثمان البتي يتمثل دائماً: الوافر وفي الممشى إليك علي عار ... ولكن الهوى منع الفرارا

قيل لصوفي: كيف أصبحت؟ قال: آسفاً على أمسي، كارهاً ليومي، متهماً لغدي. قال ابن الكلبي: رأيت قاتل الحسين بن علي عليهما السلام قد أدخل على الحجاج وعنده عنبسة بن سعيد فقال: أأنت قتلت حسيناً؟ قال: نعم، قال: كيف؟ قال: دسرته بالرمح دسراً، وهبرته بالسيف هبراً، ووكلت رأسه إلى امرىء غير وكل، فقال الحجاج: والله لا تجتمعان في الجنة أبداً، فخرج أهل العراق يقولون: والله لا يجتمع ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاتله في الجنة أبداً، وخرج أهل الشام يقولون: صدق الأمير لا يجتمع من شق عصا المسلمين وخالف أمير المؤمنين وقاتله في طاعة الله في الجنة أبداً. أنشد ابن الأعرابي: الرجز ما سبعة كلهم إخوان ... ليس يموتون وهم شبان لم يرهم في موضع إنسان وأنشد: الوافر

فما خضراء في ورق وظل ... وأفنان تدب لها عروق مضت في ذاك حيناً ثم صارت ... لها لحم يرى ودم وريق وأنشد ثعلب: البسيط عينان عينان ما فاضت دموعهما ... في كل عين من العينين نونان نونان نونان لم يخططهما قلم ... في كل نون من النونين عينان قال أبو محلم: كان أعرابي باليمامة والياً على الماء، فإذا اختصم إليه اثنان وأشكل عليه القضاء حبسهما حتى يصطلحا ويقول: دواء اللبس الحبس. وأنشد أبو محلم: الطويل لعمري لقد قاسيت نفساً ضعيفة ... قليلاً لأيام الممات احتمالها قال أبو العيناء: كتب رجل إلى صديق له: عافانا الله وإياك من الشر كله، فقرأه من الشوكلة ثم كتب إليه: ما أعرف الشوكلة في العلل فعرفني. قال المبرد: شكا الفضل بن إسحاق جاريته إلى إبراهيم بن عبد الله الحراني فقال إبراهيم: أرأيت وجهك في المرآة؟ قال: نعم، قال: أفرضيته لنفسك؟ قال: لا، قال: يا عاض بظر أمه، فكيف سمتها أن تحب ما لم تحبه لنفسك؟!

قال المبرد: حدثني الجاحظ أن جعفر بن سليمان لما اشترى الزرقاء جارية ابن رامين قال لها: هل قبلك أحد قط؟ قالت: نعم، يزيد بن عون قبلني ومج في فمي درة بعتها بثلاثين ألف درهم، فطلبه حتى ظفر به فضربه بالسياط حتى قتله. هذا من جعفر لؤم، ومن الجارية رعونة، ومن يزيد بن عون عشق، وما استحق القتل، ولكن الجهل يعمل أكثر من هذا. قال أبو صالح المصيصي: سمعت الأصمعي يقول: قدم أعرابي البصرة ومعه متاع فسرق، فدخل الجامع فنظر إلى حلقة فيها شيخ يحدث، فوقف وقال: يا هؤلاء، إني قد توسمت فيكم الخير، ورجوت بركة دعائكم، وإنه كان معي متاع فسرق، فاسألوا الله أن يرده علي، فقال الشيخ: يا هؤلاء، سلوا الذي لم يرد أن يسرق متاع الأعرابي أن يرد متاعه عليه، فقال الأعرابي: كما لم يرد أن يسرق متاعي فسرق، يريد أن يرد فلا يرد. قال إسحاق الموصلي: جاريت أبا الضحاك الربيع بن عبد الله الشيباني فقال في كلامه: هذا الأمر لا يحصى ولا يقصى، أي لا يبلغ أقصاه. كان الرشيد يلعب بالصوالج فقال ليزيد بن مزيد الشيباني: كن

مع عيسى، فأبى فقال: أتأنف ويحك أن تكون معه؟ قال: يا أمير المؤمنين، إني حلفت يميناً لا أكون على أمير المؤمنين في جد ولا هزل. قيل لأعرابي: كيف ترى الدهر؟ قال: خدوعاً خلوباً، وثوباً غلوباً. قال رجل لمتكلم: ما الدليل على صانع العالم؟ قال: شعرة أمك، فإنها تحلقها فتنبت وتعلم أن لها منبتاً، فقال الرجل: إن كان هذا دليلاً على إثبات الصانع فإن بظر أمك يدل على نفي الصانع، لأنها إذا قطعته لم ينبت؛ فانقطع المتكلم. والسفه في المتكلمين فاش، وسوء الأدب عندهم من أجود سلاح، والمكابرة من أكبر عدة، ولهذا يجتمعون فلا ينفع الله باجتماعهم وبتعاطيهم وبأهوائهم. وما زال هذا الدين بهي المنظر مهيب المخبر، عذب المورد محمود المصدر، حتى تكلم هؤلاء القوم فأثاروا الشبه، وأقاموا الحجج، وطرحوا في القلوب العار، وحملوا الألسنة على الإنكار؛ كفى الله المسلمين شرهم، إنه نعم الكافي والمعين. قال أبو عبيدة: السحاب فحل الأرض. قال المدائني: كان فروخ العلج موسراً، فزوج إلى بعض أشراف

البصرة، فكان إذا سمع الأقيشر الأسدي ينشد يقول: ما أجوده، وكان لا يعرف شيئاً؛ فأنشده الأقيشر يوماً شعراً يصف فيه نفسه فقال: الكامل ولقد أروح بمشرف يافوخه ... عتر المهزة ماؤه يتفصد مرح يطير من المراح لعابه ... ويكاد جلد إهابه يتقدد يتنزع الشيطان في إعراضه ... ويصيح حتى علوت به مشق ثنية ... طوراً أغور به وطوراً أنجد فقال له: كيف ترى هذا الفرس؟ قال، بخ! قال: أكنت تركبه؟ قال: نعم، وألين عريكته، فضحك به، وبلغ ذلك الشريف الذي كان زوجه، فأخرج الأقيشر عن البصرة. وقال خلف بن خليفة: السريع قد أصبحت سعدة مزورة ... لما رأت شدة إملاقي وزادها وجداً على وجدها ... ما أبصرت من لين مخراقي أنشد الرياشي: البسيط تقنعت برداء الحسن وآشتملت ... على لطائف من ظرف وتقويم

أهدت لنا الشمس شطراً من محاسنها ... فالوجه للشمس والعينان للريم قيل لصوفي: لم تعتزل الدنيا؟ قال: لأني أمنع من صافيها، وأمتنع من كدرها. قيل لعبد الملك بن صالح الهاشمي: إن أخاك عبد الله بن صالح ذكر أنك حقود، فقال متمثلاً: الطويل إذا ما امرؤ لم يحقد الحقد لم يكن ... لديه لذي النعمى جزاء ولا شكر وهذا كقول الآخر: إذا أنا بالمعروف لم أثن دائباً ... ولم أشتم الجبس اللئيم المذمما ففيم عرفت الخير والشر باسمه ... وشق لي الله المسامع والفما مر خالد بن صفوان على سليمان بن علي وهو منظرة له بالمربد وخالد على حمار، فقال له سليمان: فأين الخيل والنجائب؟ قال: أصلح الله الأمير، الخيل للقتال، والإبل للأحمال، والركائب للجمال، والبغال للأثقال، والحمير للإمهال. قال الغلابي: سئل عبيد الله بن محمد التيمي عن قول عمر بن

الخطاب رضي الله عنه يوم السقيفة كنت زورت في نفسي كلاماً، فقال: معناه كنت أصلحت زوره حتى استقام؛ قال: ومنه قول أبي وجزة: البسيط يزور الأمر حتى يستقيم له ... فما ترى أبداً في أمره زورا قال الأصمعي: سمعت أعرابياً يقول: أعوذ بالله من الأسد الأسود، والذنب الأعقد، ومن الشيطان والسلطان، ومن عمل ينكس برأس المسلم، ويغري به لئام الناس. أنشد عمر بن شبة قال، أنشدنا السهمي: الكامل خالل خليل أخيك وأحو إخاءه ... وأعلم بأن أخا أخيك أخوكا وبنيك ثم بني بنيك فكن بهم ... براً فإن بني بنيك بنوكا وارفق بجدك رحمة وتعطفاً ... ترحم فإن أبا أبيك أبوكا

وأنشد ابن الأعرابي: الطويل فتى لا يراعي جاره هفواته ... ولا حمله في النائبات غريب فتى يملأ الشيزى ويهتز للندى ... كما اهتز عضب باليمين قضيب فتى لا يبالي أن يكون بجسمه ... إذا سد خلات الكرام شحوب قال العتبي: دخل الوليد بن يزيد على هشام، وعلى الوليد عمامة وشي، فقال هشام: بكم أخذت عمامتك؟ قال: بألف درهم، فقال هشام: بألف؟! - يستكثرها - فقال الوليد: يا أمير المؤمنين، إنها لأكرم أطرافي، وقد اشتريت أنت جارية بعشرين ألفاً لأخس أطرافك. قال المأمون لإبراهيم بن المهدي بعد اعتذاره: قد مات حقدي بحياة عذرك، وقد عفوت عنك، وأعظم من عفوي ويدي عندك أني لم أجرعك مرارة امتنان الشافعين. قال المبرد: رجع بعض القرشيين إلى امرأة قرشية وقد حلقت شعرها، وكانت أحسن الناس شعراً، فقال لها: ما خطبك؟ قالت: أردت أن أغلق الباب فلمحني رجل ورأسي مكشوف، وما كنت لأدع علي شعراً رآه من ليس لي بمحرم.

قيل لأعرابي: ما أطيب الروائح؟ قال: بدن تحبه، وولد تربه. أبو العمثيل: الطويل وبيضاء مكسال لعوب خريدة ... لذيذ لدى ليل التمام شمامها كأن وميض البرق بيني وبينها ... إذ حان من بعض البيوت أبتسامها قال مروان بن أبي حفصة لبشار: أنت باز والشعراء غرانيق. قال ابن سلام: ذكر عند الأحنف الحضين بن المنذر بن الحارث فقالوا: ساد وهو حدث لم تتصل لحيته، فقال الأحنف: السؤدد مع السواد. قال المبرد: كان سلم بن نوفل الدئلي سيد بني كنانة، فوثب رجل من أهله على ابنه فجرحه، فجيء به فقال له: ما أمنك مني وجرأك علي، أما خشيت عقابي؟ قال: لا، قال: ولم؟ قال: لأنا سودناك لتكظم الغيظ

وتحلم عن الجاهل، فخلى سبيله، وفيه يقول الشاعر: الطويل يسود أقوام وليسوا بسادة ... بل السيد المعروف سلم بن نوفل قيل لصوفي: لم تركت الدنيا؟ قال: لأنها بخلت علي بكثيرها، وظلفت نفسي عن قليلها، ورأتني أمقتها فهجرتني. أنشد بشر الحافي: الوافر قرير العين لا ولد يموت ... ولا حذر يبادر ما يفوت رخي البال ليس له عيال ... خلي من حربت ومن دهيت قضى وطر الصبا وأفاد علماًفغايتهالتفرد والسكوت وصف للإسكندر حسن بنات دارا وجمالهن فقال: من القبيح أن نكون قد غلبنا رجال قوم وتغلبنا نساؤهم. شاعر: الطويل فما أشرف الأعلام إلا صبابة ... ولا أضرب الأمثال إلا تداويا

سمعت ابن القصاب الصوفي يقول: اسمع وأسكت، وانظر وأعجب ابن المعتز: الرجز مل سقامي عوده ... وخان دمعي مسعده وضاع من ليلي غده ... طوبى لعين تجده غلت من الدهر يده ... قتالة من تلده يفنى فيبقى أبده ... والموت ضار أسده يا من عناني حسده ... يقيمه ويقعده فإنه في حلقه ... شجاً ولا يزدرده سهرت ليلاً يرقده ... حظ الحسود كمده قالوا قليل عدده ... من عار قل ولده نقلت هذا من خط ابن المعتز.

قال ابن عائشة، قال عمرو بن العاص لمسلمة: إني أعلم أنك تعلم أنك كاذب. أنشد ليزيد بن معاوية: الكامل المجزوء قصر الجديد إلى بلى ... والوصل في الدنيا انقطاعه أي اجتماع لم يصل ... بتفرق منه أجتماعه أم أي شعب ذي التئا ... م لم يبدده انصداعه أم أي منتفع بشي ... ىء ثم تم له انتفاعه يا بؤس للدهر الذي ... ما زال مختلفاً طباعه قد قيل في مثل خلا ... يكفيك من شر سماعه قال ابن عائشة: كان يقال: مجالسة أهل الديانة تجلو عن القلوب صدأها، ومجالسة ذوي المروءات تدل على مكارم الأخلاق، ومجالسة العلماء تزكي النفوس.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: أخوف ما أخاف عليكم فتنة النساء، قالوا: وكيف يا رسول الله؟ قال: إذا لبسن ريط الشام، وحلل العراق، وعصب اليمن، وملن كما تميل أسنمة النجب، فإذا فعلن ذاك كلفن المعسر ما ليس عنده. هكذا نقلت من خط ابن المعتز وكأنه كان مسودته، وكان زعم أنه يريد أن يكتب كتاباً في حديث النساء وآفاتهن. عرض على بلال بن أبي بردة الجند، فمر به رجل من بني نمير ومعه رمح قصير، فقال له: يا أخا بني نمير، ما أنت كما قال الشاعر: الوافر لعمرك ما رماح بني نمير ... بطائشة الصدور ولا قصار فقال: أصلح الله الأمير، ما هو لي إنما استعرته من رجل من الأشعريين. قال يعقوب بن إسحاق الكندي: الغناء شيء يخص النفس دون الجسم فيشغلها عن مصالح الجسم، كما أن لذة المأكول والمشروب تشغل الجسم دون النفس. قال، وأنشدني إسماعيل بن الغمر لنفسه: المتقارب

رأيتك عند حضور الخوان ... قليل النشاط كثير الصياح تلاحظ عينك كف النديم ... فترمقه من جميع النواحي وتشغله باستماع الحديث ... طوراً وطوراً بعظم المزاح فعال امرىء بخلت نفسهبشيء يؤول إلى المستراح وذم رجل آخر فقال: دعواته ولائم، وأقداحه محاجم، وكؤؤوسه محابر، وبوارده نوادر. وأنشد لإبراهيم بن العباس: المتقارب فأنت منى النفس من بينهم ... وأنت الحبيب وأنت المطاع ولا منك إن بعدوا وحدة ... ولا منهم إن بعدت اجتماع وأنشد لكاتب من أرجوزة: الرجز ثلاثة أصفيتهم إخائي ... كأنهم كواكب الجوزاء عطارديون يرون رائي ... كأنما أهواؤهم أهوائي وأنشد كشاجم لأخر: الرجز خلان لي أمرهما عجيب ... كل لكل منهما حبيب ما لي في دعواهما نصيب ... كأنني بينهما رقيب قال: ومر بعض الندماء بجدي سمين فقال: ليت شعري لغلمان

من أنت؟ فسئل عن معنى ذلك فقال: يؤخر أصحابنا الجدي فلا يصل إلينا وفينا فضل، ويفوز به الغلمان. وقال أديب: المودة روح والزيارة شخصها. ويقال: ثلاثة تضني: سراج لا يضيء، ورسول بطيء، ومائدة ينتظر عليها من يجيء. قال: وسمعت بعض الأغنياء يعتذر من ترك الاحتفال بعذر ما أحسن الأعتذار قط إلا من مثله، قال: ما يمنعني من الأحتفال إلا الأستظهار، قلت: وكيف ذاك؟ قال: أكره أن أحتفل فيتأخر عني من أدعوه، إما من عمد وإما عن عائق، فتكون قد تكلفت ما لا تنتفع به. وحكي عن بعض السفلة أنه قال لصديق له: اعمل أنك تصطبح غداً عندي على ماء خصر. قال كشاجم: بلغ عبد الله بن طاهر أن بعض ندمائه خانه في بعض غلمانه، فتجافى عن ذلك ولم يظهر في إنكاره، ثم أخبر أن بعض الغلمان وجد على بعض الرؤساء، فقام من ذلك وقعد وقال: نحتمل إخواننا في فضيحة غلماننا، ولا نحتمل غلماننا في فضيحة إخواننا. قال يعقوب الكندي: الجواهر خاصة للجوهر اللازمة له دون المعولات الذي قوامه بذاته، أعني أنه الذي لا يحتاج في قوامه إلى غيره وهو وحده

حامل بعينه للأختلاف، غير متبدل في عينه في قبوله للأختلاف. قال كشاجم، قيل للعتابي: ما المروءة؟ قال: ترك اللذة، قيل: فما اللذة؟ قال: ترك المروءة. وأنشد: الخفيف رب حسناء كالمهاة تهادى ... قد دعتني لنفسها فأبيت لم يكن لي تحرج غير أني ... كنت ندمان زوجها فاستحيت وأنشد لكاتب: الطويل تعالوا إلى الخل الذي لم يزل بكم ... يصول على ريب الزمان ويشمخ فقد حصلت عندي لكم فتعجلوا ... ثلاث دجاجات سمان وأفرخ وراح وريحان ومسك وعنبر ... نبحر أحياناً به ونضمخ ومسمعة كالبدر تشدو بصارخ ... تهاوى القلوب نحوه حين يصرخ وها أنا ذا طباخكم ولربما ... رأيت ظريف القوم يشدو ويطبخ سوى أنه لا يقطع اللحم كفه ... ولا هو إن لم تشعل النار ينفخ وإني لأستخذي لأهل مودتي ... وأزهو على أهل المعالي وأبذخ وأنشد أيضاً: الطويل وبيض نضيرات الوجوه كأنما ... تأزرن دون الريط من رمل عالج

خدال الشوى لا تحتشي غير خلقها ... إذا الرسح لم يصبرن دون المنافج يذرن مروط الخز ميلاً كأنها ... قصار وإن طالت بأيدي النواسج وقال آخر: الكامل يمشين مشي قطا البطاح تأوداً ... خمص البطون رواجح الأكفال يمشين بين حجالهنكما مشت ... بزل الجمال دلجن بالأثقال وقال آخر: الكامل أبت الروادف والثدي لقمصها ... مس البطون وأن تمس ظهورا وإذا الرياح مع العشي تناوحت ... نبهن حاسدة وهجن غيورا قيل لمخنث: ألا تستحي تناك في آستك؟ فقال: ذوقوا ولوموا. ونظر مخنث في حمام إلى رجل قصير الأير طويل الخصيتين فقال: سخنت عينك، الغلالة أطول من القميص؟! تزوجت أم مخنث بالمدينة، فلما كان ليلة دخول زوجها إليها جاء

ابنها فاطلع من شق الباب وقال لها: يا أمي، تأكلين وحدك؟ لا هناك الله. خاصم شاعر مخنثاً فقال: والله لأهجونك، فقال المخنث: والله لئن هجوتني لأخرجن حر أمك في الحكاية. قال الشاعر فيما نقله كشاجم في كتاب النديم، ونقلت محاسنه: الكامل أشرعت في تفصيل شلو شوائه ... فكأنني أشرعت في أعضائه أحلى الرجال فكاهة وأبشهم ... بالزور إلا عند وقت غدائه وقال آخر: الكامل تأبى خلائق خالد وفعاله ... إلا تجنب كل أمر عائب وإذا حضرنا الباب عند غدائه ... أذن الغداء لنا برغم الحاجب وقال آخر: الرجز أبلج بين حاجبيه نوره ... إذا تغدى رفعت ستوره وقال آخر في كريم: الكامل المجزوء إن كنت تأمل حظوة ... ومكانة عند الأمير فإذا دعا لغدائه ... بخوانه الرحب الكبير

فاسبق إليه مسارعاً ... لا بالتهور ولا الحصور وآبدأ بأفخاذ الدجا ... ج وثن منها بالصدور وآقصد لإلحاق الصحي ... ح من الجراذق بالكسير وآستنطف الحلواء وآس ... تأثر بأصناف التمور وأجل يديك كما يجو ... ل الطرف بالبطل المغير إن الأمير يحب ذا ... ك من المواكل والعشير وقال: حكي عن زياد بن أبيه أنه قال لحاجبه: لا تحضروا طعامنا إلا جائعاً. وآستسقى أعرابي على مائدته، وكان بحيث يراه، ومقبل مولاه على رأسه، فقال زياد: اسقه ما أحب من الشراب، وكان يسقيهم على طعامه اللبن وسلاف الزبيب والعسل، فقال الأعرابي: اسقني لبناً، فناوله عساً ضخماً، فلم يقو على حمله، فأرعدت يده فأراقه على صدره، فقال له مقبل: آرفق، كالمتجهم، فقال زياد: مهلاً، كل ذا عليك، لأنك ناولته إياه وما يستطيع حمله، ولا أنت أمسكت عن تخجيله. وقال الأخفش: استهدى إبراهيم بن المدبر المبرد جليساً، فندبني

لذلك، وكتب معي إليه: قد أنفذت إليك - أيدك الله - فلاناً، وجملة أمره أنه كما قال الشاعر: الوافر إذا زرت الملوك فإن حسبي ... شفيعاً عندهم أن يعرفوني غنى مخنث عند أمير، فلما أراد الأنصراف قال: يا سيدي، أنصرف بلا شيء؟ قال: يا غلام، أعطه مائة درهم يدخلها في حر أمه، قال: يا سيدي، مائة أخرى أدخلها في أستها، فضحك وأمر له بمائة أخرى. نظر مخنث إلى امرأة من منظرة تتحرك فتعجب، وتأمل فإذا فوقها رجل يدفع فيها، فقال: لا عجب من أمر الله، أنا لما رأيت الهرة تتحرك علمت أن التبرم في أصلها. عبث رجل بمخنث، فقال له المخنث: بالله من أين أنت؟ فقال: من بغداد، قال: عز ربي وجل، عهدي بالقردة تجلب من اليمن، صارت تجلب من بغداد؟! فخجل الرجل. قال مخنث لرجل طويل اللحية كبير السبال: لا تكلمني من وراء حجاب فإني لا أفهم ما تقول، نح المخلاة من وجهك حتى أفهم. قيل لمخنث: ما أقبح آستك، قال: يا ابن البغيضة، تراها لا تصلح للخرا؟! قال أبو حامد المروروذي: كان بالشام قاص يقص ويقول:

اللهم أهلك أبا حسان الدقاق فإنه تربص بالمسلمين وفعل السوءى بهم، ومنزله أول باب في الدرب على يسارك. قال الهيثم بن عدي: كان يقال: لا يوجد العجول محموداً، ولا الغضوب مسروراً، ولا الكريم حسوداً ولا الشره غنياً، ولا الملول ذا إخوان. أنشد لعمران بن حطان: الكامل حتى متى تسقى النفوس بكأسها ... ريب المنون وأنت لاه ترتع أفقد رضيت بأن تعلل بالمنى ... وإلى المنية كل يوم تدفع أحلام نوم أو كظل زائل ... إن اللبيب بمثله لا يخدع قيل لأعرابي: أين الجد من الأدب؟ قال: هذا مشرق وهذا مغرب. قال عبد الله بن قيس في بني عمارة بن عقبة بن أبي معيط، وكانوا أكرموه: الكامل المجزوء ما إن رأيت بني أب ... في الناس مثل بني عماره

أوفى بموعود وأك ... رم في العطية والنذاره الجود منهم شيمة ... في العسر يعرف واليساره لا الفحش في ناديهم ... يخشى الجليس ولا الشراره وإذا لجأت إليهم ... فلك المناعة والخفاره من نسل قرم ماجد ... جمع الحلاوة والمراره يعطي ليحمد ماله ... ويراه من خير التجاره فأفخر بقوم سادة ... أهل الجمارة والصباره النذارة: النذير، والصبارة: الكفالة، والصبير والكفيل واحد. قال الرشيد في جعفر بن يحيى وهو يصفه: جعفر بحر لا ينزح، وجبل لا يزحزح. شاعر: البسيط حلو الشمائل مأمون الغوائل مأ ... مول النوافل محض زنده وار الله ألبسه في عود مغرسه ... ثياب حمد نقيات من العار دفاع معضلة حمال مثقلة ... دراك وتر ودفاع لأوتار كاتب: ولئن أوحشني المصاب به، لقد آنسني الثواب عليه، فصار صبري على حادث الرزية به شكراً لله على متقدم العطية فيه. مر في مذكرات أبي معشر، وكانت بخط القومسي قال، قال

أبو معشر، أخبرني محمد بن موسى الجليس - وليس بالخوارزمي - قال، حدثني يحيى بن أبي منصور قال: دخلت وجماعة من المنجمين إلى المأمون وعنده إنسان قد تنبأ ونحن لا نعلم، وقد دعا بالقضاة ولم يحضروا بعد، فقال لي ولمن حضر من المنجمين: اذهبوا فخذوا لي طالعاً لدعوى هذا الرجل في الذي يدعيه، وعرفوني ما يدل عليه الفلك من صدقه وكذبه، ولم يعلمنا المأمون أنه متنبىء؛ فجئنا إلى بعض تلك الحصون، فأحكمنا الطالع وصورناه، فوقع الشمس والقمر في دقيقة واحدة، وسهم السعادة وسهم الغيب في دقيقة الطالع، والطالع الجدي، والمشتري في السنبلة ينظر إليه، والزهرة وعطارد في في العقرب ينظران إليه، فقال كل من حضر غيري: كل ما يدعيه صحيح، وقلت: أنا في طلب تصحيحه، وله حجة عطاردية زهرية، وتصحيح الذي تطلبه لا يتم ولا ينتظم، إنما هو ضرب من التحسين والرونق يتعجب منه، فقال لي: أحسنت لله درك، ثم قال: أتدرون من الرجل؟ قلت: لا، قال: إنه يزعم أنه نبي، فقلت: يا أمير المؤمنين، أفمعه شيء يحتج به؟ فلنسأله، فقال: نعم، معي خاتم ذو فصين، ألبسه فلا يتغير مني شيء، ويلبسه غيري فيضحك ولا يتمالك من الضحك حتى يدعه؛ ومعي قلم شامي آخذه فأكتب به، ويأخذه غيري فلا

تنطلق به إصبعه، فقلت: أيا سيدي، هذه للزهرة وعطارد، قد عملا عملهما، فأمره المأمون أن يفعل ما قاله، ففعل، وعلم أنه من علاج الطلسمات. فما زال المأمون به أياماً كثيرة حتى تبرأ من دعوى النبوة، ووصف الحيل التي احتالها في الخاتم والقلم، فوهب له ألف درهم، ثم لقيناه بعد ذلك فإذا أعلم الناس بالنجوم؛ قال أبو معشر: هو الذي عمل طلسم الخنافس في دور كثيرة من دور بغداد. قال شاذان: كان أبو معشر على علمه وفهمه وتقديمه في الصناعة يصيبه الصرع عند امتلاء القمر في كل شهر مرة، وكان لا يعرف لنفسه مولداً، ولكنه كان قد عمل مسألة عن عمره وأحواله وسأل عنها الزيادي المنجم لتكون أصح دلالة إذا اجتمع عليها طبيعتان: طبيعة السائل وطبيعة المسؤول، فخرج طالع تلك المسألة السنبلة، والقمر في العقرب في مقابلة الشمس، والمريخ ناظر إلى القمر من الدلو، وهذه الصورة توجب الصرع. قال فيلسوف: نصحك من أسخطك بالحق، وغشك من أرضاك بالباطل. قال المدائني: رأيت رجلاً من باهلة يطوف بين الصفا والمروة على بغلة، ثم رأيته بعد ذلك راجلاً في سفرة، فقلت: أراجل في هذا الموضع؟ قال: نعم، إني ركبت حيث يمشي الناس، فكان حقاً على الله أن يرجلني حيث يركب الناس.

قال العباس بن الأحنف: المديد أنا لم أرزق مودتهم ... إنما للعبد ما رزقا كان لي قلب أعيش ... به فأصطلى بالحب فاحترقا قال أبو الغريب: قد علمت كل شيء حتى علمت أن القرطم من الطلع، والخردل من التين، والبلوط من الحطب، خلا القطائف، لا أدري من أين هو. وقرىء في مذاكرات أبي معشر قال: حضرت وشيلمة والزيادي والهاشمي والشابشتي عند الموفق، وكان الزيادي أستاذ زمانه في النجوم، فأضمر الموفق ضميراً، فقال الزيادي: أضمر الأمير رئاسة وسلطاناً، فقال: كذبت، وقال شيلمة: أضمر الأمير عقد أمر جليل رفيع، فقال: كذبت، فقال الهاشمي: لست أعرف غير ما قالا، الرأس في وسط السماء، وصاحب الطالع ناظر إليه، والكواكب ساقطة، فقال له: وأنت أيضاً كذبت، ثم قال لي: هات ما عندك يا شابشتي، فقلت: أضمر الأمير الله عز وجل، فقال: أحسنت والله، ويلك، أنى لك هذا؟ قلت: الرأس يرى فعله ولا يرى نفسه، وكان في أرفع درجة في الفلك في الضمير، ولم أعرف له مثلاً إلا الله عز وجل، لأن الله تعالى يرى فعله ولا يرى هو، وهو فوق كل رفعة سلطان ليس فوقه - جل ربنا وعز.

وضاح اليمن: السريع قالت ألا لا تلجن دارنا ... إن أبانا رجل غائر نعم وإن القصر من دوننا ... قلت فإني فوقه طائر قالت فإن البحر من دوننا ... قلت فإني سابح ماهر قالت فإن الليث من دوننا ... قلت فسيفي مرهف باتر قالت أليس الله من فوقنا ... قلت فربي قادر غافر قالت فإما كنت أعييتنا ... فأت إذا ما هجع السامر وأسقط علينا كسقوط الندى ... ليلة لا واش ولا زاجر قال أبو علقمة لخياط: يا خياط، أقطع لي هذه السراويل، وارتق فتقها وافتق رتقها، فقال الخياط: يأخذك والله القولنج قبل أن تفسو في هذه السراويل. وقع بين أبي علقمة وبين سالم بن أحوز كلام، وكان لسالم مولى نداف يعزى إليه، فقال له: لو وضعت يمين رجليك على حراء ويسراها على بئر

زمزم ثم تناولت قوس قزح فندفت ما كنت إلا كلباً. أصاب أعرابي درهماً في كناسة الكوفة فقال: أبشر أيها الدرهم وقر قرارك، فطالما خضت فيك الغمار، وقطعت فيك الأسفار، وتعرضت فيك للنار. شاعر: الكامل المجزوء كل امرىء يعطيك من ... أخلاقه ما كان عنده ولقد يكون الشيء شك ... ل الشيء ثم يصير ضده والعلم ليس يحده ... من كان يبغي أن يحده ولقد جعلت اليأس بي ... ن جوانحي فوجدت برده وإذا جرى قدر بما ... يقضي فما تسطيع رده والمرء يولد وحده ... فيعيش ثم يموت وحده قال ابن الأعرابي: كان عمر بن الخطاب يطوف بالبيت، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين، إن علياً لطمني، فوقف عمر إلى أن وافى علي فقال له عمر: يا أبا الحسن، ألطمت هذا؟ قال: نعم، قال: ولم؟ قال: لأنني رأيته نظر إلى حرم المسلمين في الطواف، فقال: أحسنت، ثم أقبل على الملطوم فقال: وقعت عليك عين من عيون الله. قال ثعلب: سألت ابن الأعرابي عن هذا فقال: خاصة من خواص الله. سأل أبو عروة الزبيري مصعباً الزبيري حاجة فلم يقضها له،

فقال: علم الله تعالى أن لكل قوم شيخاً يفزعون إليه، وإنا نفزع منك. قيل لأبي عروة هذا: أيسرك أنك قائد؟ فقال: أي والله، ولو قائد عميان. يقال: أول من اتخذ المنابر في المساجد عمر بن عبد العزيز رحمه الله، وأول من دعي له على المنابر عبد الملك بن مروان. ابن السماك: اللهم إنا نحب طاعتك وإن قصرنا عنها، ونكره معصيتك وإن ركبناها، اللهم فتفضل علينا بالجنة وإن لم نكن لها أهلاً، وخلصنا من النار وإن كنا استوجبناها، اللهم إنا نخاف أن يضطرنا المعاش إلى ما نكره من الأعمال فسلمنا من فتنته وعوارض بلائه. قال سفيان بن عيينة: إذا اختلف الناس في شيء ما فالأمر ما عليه أهل الثغور، لأن الله تعالى يقول: " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا " العنكبوب: 69. من أمثال العرب: إذا كان لك أكثري فتجاف عن أقلي. كاتب: أنت أجل قدراً، وأعلى محلاً، وأفسح تفضلاً، من أن يترك عندك مع بلوغ الأمنية، ودرك البغية، ووجوب الأمل، غرضاً لريب الزمان، تصميه أسهمه، وتطوحه صروفه، وتعصف به رياحه، بانقباض يده، وقصور رزقه عن كفايته، وعجزه عن الوفاء بمؤونته

كاتب: إن رأيت أن يدعى عندك يانع إحسانك، وجنية من ثمار عيدانك، فتورده شريعة آمتنانك، فقد أنحت عليه الخلة، واستمرت الإضاقة، وبلغت المدية محزها منه، فعلت إن شاء الله. سمعت أبا سليمان يقول: كنا نحفظ ونحن صغار: احذروا حقد أهل سجستان، وحسد أهل هراة، وبخل أهل مرو، وشعث أهل نيسابور، ورعونة أهل بلخ، وحماقة أهل بخارى. كان البادي الشاعر وقع إل أذربيجان في نقلته، وكان قبيح الزي، فأتى باب النيرماني الكاتب وآستأذن، فازدراه الحاجب وأهانه وهزل به وقال: لا آذن لك حتى أزبطرك، فصبر له، ثم لم يف الحاجب، وإنما كان نوى به اللهو، فتوصل إلى أن أسمع النيرماني هذه الأبيات، وهي: المتقارب مدحت الأمير أبا قاسم ... ونفسي لجدواه مستمطره بشعر كوجه نسيم الرياض ... غلسه الطل أو بكره وقالوا أمير جزيل العطاء ... كريم الأيادي والمأثره فلما وصلت إلى بابه ... جزيت على مدحه زبطره ومكنت من وجهي الحادثات ... وأيقنت أني قتيل الشره

فبك على الفضل والمكرمات ... وناد بهن من المقبره فقد أسخن الله عين امرىء ... يقال له اليوم ما أشعره فهل يا محمد من نائل ... يبل اللهاة أو الحنجره فمن يفعل الخير خيراً يره ... ومن يفعل الشر شراً يره فأمر من أخذ جميع مال الحاجب ودفعه إلى الشاعر ووصله من عنده. وقفت أعرابية على قبر أخيها فقالت: نعم السيد كنت لعشيرتك، كنت والله مناخ الضيفان، وحوض الظمآن، وسم الفرسان، لقد كنت عند الغضب حليماً، وعند الله كريماً. قال الفضيل بن عياض: من أكثر من قول الحمد لله كثر الداعي له، قيل: ومن أين قلت هذا؟ قال: لأن كل من يصلي يقول: سمع الله لمن حمده. قال البقطري: ما في الأرض مطلوب إليه ألأم من أير، دنا الأصمعي من جارية وقد كبر فلم يتحرك ما عنده فقال: سبحان الذي خلق خلقاً فأماته في حياته. قال الزيدي: العرب تقول: هو أنكح من ابن ألغز وهو عروة بن أشيم الضبي، وهو القائل: الطويل

ألا ربما أنعظت حتى إخاله ... سينقد للإنعاظ أو يتمزق فأعلمه حتى إذا قلت قد ونى ... أبى وتمطى جامحاً يتمطق قال الأصمعي: لما أخذ أبو بيهس الخارجي، قطعت يداه ورجلاه ثم ترك يتمرغ في التراب، فلما أصبح قال: هل أحد يفرغ علي دلوين فإني أحتلمت في هذه الليلة. كتبنا هذا للعجب. وصف معبد امرأة فقال: كأن ركبها دارة القمر، وكأن شفرها أير حمار مثني. وقال آخر: الرجز أنعت نعتاً من حر لم أخبره ... رأيته وليس شيء يستره مثل سنام طارعنه وبره وقال عقبة الأسدي لما تزوج عبيد الله بن زياد بنت أسماء بن خارجة: الوافر

جزاك الله يا أسماء خيراً ... لقد أرضيت فيشلة الأمير بذي صدع يفوح المسك منه ... عظيم مثل كركرة البعير لقد أهديتها بيضاء روداً ... شديداً رهزها فوق السرير إذا أخذ الأمير بمنكبيها ... سمعت لها أنيناً كالصرير تساب صبيتان من الأعراب، أم إحداهما رسحاء وأم الأخرى عجزاء ليست بذاك، فقالت ابنة العجزاء لصاحبتها: يا ابنة الرسحاء، فقالت الأخرى: ويحك، إن أمي تأخذ الجلوة بوجهها قبل أن تحظى أمك بعجزها. قال النبي صلى الله عليه وسلم: أستعيذوا بالله من شرارهن، وكونوا من خيارهن على حذر. قال الأصمعي: أفرغ من حجام ساباط، لأنه كان يمر بالجيوش فيحجم - من الكساد - نسيئة إلى أن يرجعوا. قال ابن الأعرابي: كان حجام مطله من حجمه، فكتب إليه: الوافر

حجمتك مرة وجززت شعراً ... فلم تبعث بحق أبي زياد وإن حديدنا يحتاج صقلاً ... وصقل القين بالورق الجياد وقال آخر: الوافر ألم ترني وعمراً حين نغدو ... إلى الحاجات ليس لنا نظير أسايره على يمنى يديه ... وفيما بيننا رجل ضرير قال علي بن صالح: خرجنا مع المأمون إلى الشام فقال: ابغني مسامراً، فاخترت رجلاً من أهل سلمية فأوصلته إليه فقال: حاجةيا أمير المؤمنين، قال: وما هي؟ قال: إنه إذا أهمني من ورائي لم تصف منادمتي، فقال: صدق، يا غلام أعطه بدرة، ثم قال: حاجة يا أمير المؤمنين، قال: وما هي؟ قال: ليس من النصفة للنديم أن يكون عليه خلعة دون خلعة صاحبه، فإن ذاك مما يكسر قلبه، قال: صدقت، يا غلام أعطه خلعة، ثم قام فقال: ثالثة يا أمير المؤمنين، قال: وما هي؟ قال: إنك ستسقيني ما يحول بيني وبين عقلي، فإن كانت مني هنة أو زلة أحتملها وإلا فأعفني من الشرب، قال: نحتمل ذلك، واستحسن شرائطه. وكان قاص بالكوفة يقول: اللهم ارزق خضراً النبي وليداً يجعله

منه خلفاً صالحاً، فإني أخاف أن ينقطع نسله. خاصم رجل امرأته فشتمته، وكانت خلف الباب، فقال لها: مري فو الله لئن دخلت إليك لأشققن حرك، فقالت: لا والله، ولا كل أيرفي بغداد. كانت عنان جارية الناطفي عندها جماعة من الشعراء وجمين معهم، وحضرت المائدة فأرادوا أن يوسعوا لعنان فقالت: مكانكم! فلو مددت يدي إلى البصرة لنلتها، ومدت يدها فضرطت، فقال جمين: حطي شراعك حتى نتعشى بواسط. خطبة كتاب الرتب: الحمد لله داحي المدحوات وباري المسموكات، الذي بنعمه تتم الصالحات، وتزكو الحسنات، وتنال الخيرات، وتنشأ الأمم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، وجبل النفوس على فطرها، شقيها وسعيدها، وصلى الله على نبي الرحمة، وخير البرية، والهادي إلى الحق، الخاتم لما سبق، والفاتح لما أغلق، والمعلن الحق بالحق، وسلم تسليماً.

شرب أعرابي شربة من لبن فقال: من رزقه الله الشكر من النعمة باللبن فقد ألهمه الشكر على جميع النعم لأنه يجمعها. قيل لأحيحة بن الجلاح: أي المال أحب إليك؟ قال: ودية ملمة، أونعجة مرمة. أنشد أبو نصر غلام الأصمعي: الطويل لنا صرم ينحرن في كل شتوة ... إذا ما سماء الناس قل قطارها ونحمي بها العرض الكريم ونتقي ... ويروي ظماء المعتفين شعارها قال أعرابي من أهل اليمامة: عندنا ثمرة تسمى البردي لهي أحسن من العقيان في صدور الفتيان، فإن جعلتها نبيذاً فهي سم الأساود، والقائم فيها ساجد. وصف أعرابي رجلاً فقال: كان الفهم منه ذا أذنين، والجواب ذا لسانين، لم أر أحداً أرتق لخلل ثأى منه؛ كان بعيد مسافة الرأي ومراد الطرف، إنما يرمي بهمه حيث أشار له الكرم، يتحسى مرار الإخوان ويسقيهم العذب. أعرابية ترثي: المتقارب ألا هلك الجود والنائل ... ومن كان يعتمد السائل

ومن كان يطمع في سيبه ... غني العشيرة والعائل فمن قال خيراً وأثنى به ... عليه لقد صدق القائل أعرابي: الكامل لا تنكري أني عريت فربما ... يعرى لجودة جنسه العضب إني وإن ضاقت علي معيشتي ... وعدا علي زماني الصعب لأصون نفسي أن يدنسها ... عيب إذا ما آستدنس الوغب لبعض بني سليم: الوافر أليلتنا بنيسابور ردي ... علي الصبح ويحك أو أنيري كواكبها زواحف لاغبات ... كأن سماءها بيدي مدير تلوم علىالحوادث أم زيد ... وهل لك في الحوادث من مجير حملت كرامتي وصددت عني ... إلى أجل من الدنيا قصير فلو شهد الفوارس من سليم ... غداة يطاف بالأسد العقير لنازل حوله قوم كرام ... فعز الوتر وانقضت الوتور فقد بقيت كلاب نابحات ... وما في الأرض بعدك من زئير ومن كتاب الرتب: الطويل إني لشداد على الخمص مئزري ... وإني لأستحيي وأنت تراني وإني على القرن الكمي مشيع ... وإني على المولى الضعيف لواني وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: المتقارب فتى عرضه عند أعدائه ... مصون وأمواله تبتذل

وأيامه دول للصديق ... وأفعاله في الأعادي مثل فلو كان غيثاً لعم البلاد ... ولو كان سيفاً لكان الأجل ولو كان معطى على قدره ... لأغنى النفوس وأفنى الأمل يقال في الأثر: إن الإبل لحومها وألبانها شفاء. قال الأصمعي: سمعت أبا عرارة يقول: من أكل سبع موزات وشرب من لبن الأوارك تجشأ بخور الكعبة. قيل لإبراهيم بن سيار: هل رأيت شيئاً واحداً يشتمل على عامة الطيبات؟ قال: النحلة، والشاة: منها اللبن، والجذا، واللبأ، والزبد، والسلاء، ثم الجبن والمصل والرخفة واللوقة، والأقط والشيراز والكوامخ والمضيرة، والمصلية والكشكية والغربية وغير ذلك، كذا قال الجاحظ عن إبراهيم. قال ابن الجهم: في محمد بن عبد الملك الزيات: السريع ما أحوج الناس إلى مطرة ... تذهب عنهم وضر الزيت

فأجابه محمد: قيرتم الملك فلم ينقه ... سواده شيء سوى الزيت أنشد لأبي دلف: السريع لست لريحان ولا راح ... ولا على الهجران نواح بلى إذا أبصرتني قائماً ... فبين أسياف وأرماح ترى فتى تحت ظلال القنا ... يقبض أرواحاً بأرواح كان أشعب عند الحسن بن الحسن عليهما السلام، فدخل عليهما أعرابي أحمر العينين، مختلف الخلقة، متنكب قوسه وكنانته، فازدراه أشعب لسوء منظره، فقال للحسن: بأبي أنت، أتأذن لي أن أسلح عليه، فأخذ الأعرابي سهماً فوضعه في كبد قوسه ثم فوقه نحو أشعب وقال: والله لئن سلحت لتكون آخر سلحة سلحتها، فقال أشعب للحسن: أخذني يا ابن رسول الله القولنج. شاعر: الوافر وما قارورة ملئت عبيراً ... وكان المسك بعد لها ختاما بأطيب من ثنايا أم عمرو ... إذا الأحلام أيقظت النياما قيل لصوفي: كيف ترى ربك؟ قال: مستوراً عني بعلمه في، ومستصلحاً لي بتفضله علي. قالت أعرابي: والله ما غمامة بكر، تدلت عليها الرياح في قفر، بأنقع للظمآن من ريق صخر.

قال الأصمعي: سمعت جعفر بن سليمان يسأل أعرابياً: ما بال الأرنب أحب إلى الصقر من الحبارى؟ قال: لأن الحبارى تكلح في وجهه، وتسلح على سبلته. قيل لأعرابي: فلان يعيبك، قال: ذاك المائل عن المجد رجلاً، المطلي باللؤم وجهاً، ولكن قد ينبح القمر الكلب. قال أعرابي وذكر شبابه قيل له: ثم مه، قال: ثم مللت راحة الصبا، وسقيت سلوة عن الهوى، وأعلم أن أغنى الناس من كثرت حسناته، وأفقرهم من قل نصيبه منها. شاعر: الكامل هذا الربيع كأنما أغصانه ... أبناء فارس في بنات الروم بسط البسيطة سندساً وتبرقعت ... قلل المياه بلؤلؤ منظوم والورد يحكي في ذرى أغصانه ... قضب الزبرجد نظمت بنجوم في الأمثال: أنا الغريق فما خوفي من البلل ومنها: إن الدلاء ملاكها الوذم

قال بعض الحكماء: لكل شيء آفة، وآفة العلم النسيان، وآفة الظرف الصلف، وآفة العبادة الفترة، وآفة الحديث الكذب، وآفة الشجاعة البغي، وآفة الحاجة الكبر، وآفة الحسب البطر، وآفة الحلم الذل، وآفة الجود السرف، وآفة القصد البخل، وآفة الحذق العجب، وآفة الجلد الفحش، وآفة المودة إخوان السوء، وآفة العقل الهوى، وآفة العفاف الضيق، وآفة الرأفة الجزع، وآفة الحياء البلادة، وآفة التواضع التصنع، وآفة اللطف الملق، وآفة الأنبساط عادة السوء، وآفة المداراة المداهنة، وآفة السرور البطر، وآفة الحزن التهالك، وآفة الغضب الغيظ، وآفة الإحسان التزكية، وآفة الأنتباه القنوط، وآفة الكسب الكد، وآفة الواعظ العنف، وآفة الموعوظ الملل، وآفة السائل الإلحاف، وآفة المسؤول الشح، وآفة الفقر الضراعة، وآفة الغنى الطغيان، وآفة الرأي الأستبداد، وآفة الأناة التفريط، وآفة السرعة العثرة، وآفة المشورة غش المستشار، وآفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ترك العمل بهما. قال أعرابي: العاجز هو الشاب القليل الحيلة، الملازم للحليلة. قال المأمون لعبد العزيز المكي: أليس قال الله تعالى " ما فرطنا في

الكتاب من شيء " الأنعام: 38 قال: بلى، قال: فلقد قرأت القرآن فلم أجد فيه ذكر الجواسيس، فقال عبد العزيز: ألم تسمع قوله تعالى: " يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم " التوبة: 47، وهؤلاء ينقلون الأحاديث ويرفعون الأخبار. شاعر: الطويل ألا فأسقني والفجر يلمع في الدجى ... شراباً له في الدن عهد ثمود كأن الثريا والصباح يكدها ... قناديل رهبان دنت لخمود كأن حباب الماء في جنباتها ... وجوه عذارى في ملاحف سود وللصبح سلطان على الليل قاهر ... يرحله عنا بغير جنود من الأمثال: أبشري أم خالد ... رب ساع لقاعد قال عبادة المخنث لرجل كبير الأنف رآه عند المتوكل: يا أمير المؤمنين، لو كان له ملء أنفه دقيقاً لكان يكفيه وعياله سنة. سمع مخنث رجلاً يقول: دعا أبي أربعة أنفس أنفق عليهم أربعمائة

درهم، فقال: يا ابن البغيضة، ولعله ذبح لهم مغنيتين وزامر، وإلا فأيش أنفق أربعمائة درهم؟! شاعر: الخفيف المجزوء هب لعيني رقادها ... وآنف عنها سهادها كن صلاحاً لها كما ... كنت دهراً فسادها وأرحم المقلة التي ... صرت فيها سوادها سمع مخنث رجلاً يؤذن بأعلى صوته في مسجد صغير فقال له: يا هذا أذن على قدر مسجدك، ولا تعد طورك. قال شيخ لفرفر المخنث: أبو من؟ قال: أم أحمد فديتك نظرت امرأة إلى مخنث في قطيفة فقالت: ويلي، مخنث في قطيفة؟! فقال: يا بظراء، لو كان لي مثل الكانون الذي بين فخذيك جلست في غلالة. لما أفلت عمر بن هبيرة من سجن خالد مر بالرقة السوداء، فإذا امرأة من بني سليم على سطح لها تحدث جاراتها ليلاً وهي تقول: لا والذي

أسأله أن يخلص عمر بن هبيرة مما هو فيه، فوقف عمر وقال لأصحابه: هل معكم شيء؟ فأتوه بمائة درهم، فصيرها في صرة فرمى بها كلها وقال لها: قد خلص الله ابن هبيرة مما كان فيه، فطيبي نفساً. قيل لدغفل: من أشعر الناس؟ فقال: امرؤ القيس إذا ركب، والنابغة إذا رهب، والأعشى إذا طرب، وزهير إذا رغب. من أمثال العرب: وليس القدر إلا بالأثافي. شاعر: الكامل خافت سلوي وآنقطاع وسائلي ... فغدت بدمع سائل ومسائل ورأت فتى كالسيف إلا أنه ... شخت الضلوع قليل لحم الكاهل مثل الذبالة ضوءها لك معجب ... والنار تأكل جسمها من داخل فضحكت مما قد بكاني حاسدي ... وبكيت مما قد رثى لي عاذلي هبت ريح شديدة فقال الناس: قد قامت القيامة، فقال زبدة المخنث: هذه قيامة على الريق بلا خروج دجال ولا دابة الأرض ولا المهدي، نسأل الله بركة قدومه. قيل لمخنث: ويلك، تناك في أستك؟! فقال: يا قوم فلي موضع غيرها؟!

كان العباس يقول: الناس لصاحب المال ألزم من الشعاع للشمس، ومن الذنب للمصر، ومن الحكم للمقر، وهو عندهم أرفع من السماء، وأعذب من الماء، وأحلى من الشهد، وأذكى من الورد، خطأه صواب، وسيئته حسنة، وقوله مقبول، يغشى مجلسه، ولا يمل حديثه؛ والمفلس عند الناس أكذب من لمعان السراب، ومن رؤيا الكظة، ومن مرآة اللقوة، ومن سحاب تموز، لا يسأل عنه إن غاب، ولا يسلم عليه إن قدم، إن غاب شتموه، وإن حضر حقروه، وإن غضب صفعوه، مصافحته تنقض الوضوء، وقرانه يقطع الصلاة، أثقل من الأمانة، وأبغض من الملحف الملزم. قال أعرابي: أجمعوا الدراهم فإنها تلبس اليلمق، وتطعم الجردق. قيل لأعرابي: ما السرور؟ قال: كثرة المال، وقلة العيال. قيل لفيلسوف: فيم السرور؟ قال: في إيضاح حق قد ألتبس بباطل، وإزالة باطل قد جار على الحق. قيل لصوفي: فيم السرور؟ قال في توحيد يقام شاهده، ومقام يصدق وارده. أنشد ابن الأعرابي: الكامل إني لألبسكم على علاتكم ... لبس الشفيق على العتيق المخلق ولقد أرى ما لو أشاء عتبته ... فأصد عنه ببقيتي وترفقي ليرى العدو قناتنا لم تنصدع ... ويكون ذاك كأنه لم يخلق

وإذا تتبعت الذنوب فلم تدع ... ذنباً قطعت قوى القرين المشفق وسمعت أو نقلت إليك مقالة ... عوراء يطلقها صموت المنطق نظر رجل إلى مخنث وهو ينتف لحيته فقال له: لم تنتف لحيتك وهي جمال وجهك؟ قال: يسرك أن يكون لأستك مثلها؟ قال: لا، قال: فشيء لا تحب أن يكون في أستك مثله أتركه أنا على وجهي؟! أدخل رجل علوي بيته قحبة، فلما أرادها قالت: الدراهم، قال: دعي عنك هذا ويحك مع قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: دع هذا، عليك بقحاب قم، هذا لا ينفق على قحاب بغداد. ما أقبح النقص بالشريف!! كان جحا نائماً إلى جنب أمه، فضرطت فتشورت فقالت: يا بني رأيت رؤيا فيها رعد وبرق ودوي، فقال: يا أمي، إن صدقت الرؤيا مطرنا خرا. شاعرة من العرب: المتقارب ألم ترنا عزنا ماؤنا ... سنين فظلنا نكد البئارا فلما عدا الماء أطواره ... وجف الثماد فصارت حرارا

وعجب عجيجاً إلى ربها ... رؤوس العضاه تنادي السرارا وفتحت الأرض أفواهها ... عجيج الجمال وردن الجفارا لبسنا لدى عطن ليلة ... على اليأس أثوابنا والخمارا وقلنا: أعيروا الندى حقه ... وصبر الحفاظ وموتوا حرارا فإن الندى لعسى مرة ... يرد إلى أهله ما أستعارا فبينا نؤثل أحسابنا ... أضاء لنا عارض فاستطارا وأقبل يزحف زحف الكسير ... سياق الرعاء البطاء العشارا تغني وتضحك حافاته ... خلال الغمام وتبكي مرار كأنا تضيء لنا حرة ... تشد إزاراً وترخي إزارا فلما رأينا بأن لا نجاء ... وألا يكون قرا قرارا أشار له آمر فوقه ... هلم فصار إلى ما أشارا رئي جحا في جنازة أبي العباس النحوي وهو يقول: يا أبا العباس رحمك الله، في حر أمنا بعدك يا أبا العباس.

سرق رجل جملاً بالليل، فرفع إلى السلطان فقال له: لم سرقت؟ قال: كنت سكران، قال: فلم لم تأخذ كلباً؟ فقال: ما ميزت بين الجمل والكلب. عطش جحا يوماً فقال لأمه: أسقيني ماء، فقالت: من أين أسقيك؟ اشرب من حافرك؛ وعطشت هي أيضاً يوماً فقالت: يا بني اسقني، فأراد أن يقول لها كما قالت له فقال: اشربي من حرك، يريد: من حافرك. كان للشاعر المعروف بالدقيش أنف طويل وأسنان كبار، فقالت امرأته، أي شيء تشبه؟ قال: لا أدري والله، قالت: يشبه أنفك هذا الطويل وفمك وأسنانك كأنك والله ديك يطله في كوز في فمه قرطم، فقال لها: لعنك الله، أنا شاعر ولا أحسن هذا التشبيه. دعا أبو سالم القاص يوماً على المنبر بنصيبين فقال: اللهم أمسخهم كلاباً، وأمسخنا ذئاباً حتى نقرض جلودهم. زار رجل رئيسا، فقال الرئيس: يا جارية، هاتي لضيفنا المسكين السكر والشيرج وأصلحي الفالوذج، قالت: يا مولاي ليس عندنا سكر ولا عسل، قال لها: ويلك هاتي قطيفة إبريسم حتى ينام فيها، قالت: يا مولاي استعاروها، فقال الضيف: جعلت فداك، ما بين هذين رغيف وقطعة جبن. نظر الفرزدق إلى جارية مليحة بالمدينة فقال لها: أيري في أستك، فقالت له: يا بغيض، ما يضرك أن تضعه في يدي فأضعه حيث

أشتهي، فقال: قد وضعته في يدك، قالت: فإني قد وضعته في حر أمك. قيل لطفيلي: كل من قدامك، قال: يا قوم، ترى هو ذا آكل من خلفي؟! وقع نحوي مرة في كنيف، فجاؤوه بكناسين، فكلمه أحدهما لينظر أهو في الحياة، فقال له النحوي: أطلبا لي حبلاً دقيقاً، وشدا شداً وثيقاً، وأجذباني جذباً رفيقاً؛ فقال أحدهما لصلحبه: أما أنا والله لا أخرجته، هذا في الخرا إلى الحلق وليس يدع الفضول. أخذ الحكم بن أيوب الثقفي عامل الحجاج إياس بن معاوية في ظنة الخوارج، فقال له الحكم بن أيوب: إنك لخارجي منافق، ائتني بكفيل، فقال: ما أجد أعرف بي منك، فقال: وما علمي بك وأنا رجل من الشام وأنت من أهل العراق؟ قال إياس: ففيم هذا الثناء منذ اليوم؟! فضحك وخلى سبيله. قال سديف في خطبته: قد صار فيئنا دولة بعد القسمة، وإمامتنا غلبة بعد المشورة، وعهدنا ميراثاً بعد الأختيار للأمة، واشتريت

المعارف والملاهي بسهم اليتيم والأرملة، وحكم في أبشا المؤمنين أهل الذمة، وتولى القيام بأمورهم فاسق كل محلة؛ اللهم قد استجيد الباطل، وبلغ نهيته، وزخرف وليده، واستجمع طريده، وضرب بجرانه؛ اللهم فأتح له من الحق يداً حاصدة تبدد شمله، وتفرق أمره، ليظهر الحق في أحسن صورة، وأتم نورة. قال إبراهيم بن أدهم: نظرت فلم أجد الخلق أتوا في أفعالهم إلا من ثلاثة أشياء: من الفرج بالموجود، والحزن على المفقود، والسرور بالمدح، لأن من فرج بالموجود حرص، والحريص محروم، ومن حزن على المفقود سخط، والساخط معذب، ومن سر بالمدح أعجب، والمعجب ممقوت. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أنس: لو لم تكونوا تذنبون خشيت عليكم ما هو أكبر من ذلك، قالوا: يا رسول الله، وأي شيء أكبر من ذلك؟ قال العجب. مدح أبو مقاتل الضرير الحسن بن زيد بقصيدة أولها: الرمل

لا تقل بشرى ولكن بشريان ... غرة الداعي ويوم المهرجان فكره الحسن ابتداءه ب لا تقل بشرى فقال: لو قلت: غرة الداعي ويوم المهرجان ... لا تقل بشرى ولكن بشريان لكان أحسن، لأن الأبتداء ب لا قبيح، فقال له أبو مقاتل: لا كلمة أشرف من التوحيد، وابتداؤه ب لا. قيل لسقراط: متى أثرت فيك الحكمة؟ قال: مذ بدأت أحقر نفسي. قال أبو بكر الدلال: رئي غزوان الضرير في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: الخفيف المجزوء حاسبونا فدققوا ... ثم منوا فأعتقوا قيل لزيد بن علي: يا ابن رسول الله، أما ترى فقيراً يستغني، وغنياً يفتقر، وشيخاً يبقى، وطفلاً يخترم، وأحوالاً هذه سبيلها خارجة عن العادة، فكيف ذلك؟ قال: نؤخذ في كل حال حتى لا نأمن في حال. سمعت علي بن الحسين العلوي يقول: الموت طريق تستوي فيه الأقدام، ويسلكه المقصر والمقدام. قيل لأعرابي: ما يغنيك؟ قال: السلامة في الدنيا، والكرامة في الآخرة.

نظر رجل إلى سقراط في ثياب لا تواريه فقال: أهذا سقراط واضع النواميس؟ وأكثر التعجب منه، فقال له سقراط: ليس علة نواميس الحق الكساء الجديد، ولا علة ناموس الباطل الكساء الخلق. قيل لصوفي: خذ حظك من الدنيا فإنك فان عنها، قال: الآن آخذ حظي منها. شاعر: البسيط تباً لذي أدب يرضى بمعجزة ... لم لا يكون كباز فوق قفاز يطوي الدكادك والعقبان معترضاً ... حتى يموت عزيزاً فوق معجاز أو يستريح من الدنيا وساكنها ... فقد بلينا بدهر خائن خاز ما للأديب به حظ ولا خطر ... والحظ فيه لصفعان وطناز وقال أبو الحسن العامري الفيلسوف، وشاهدته ببغداد سنة ستين، وقد حضر مجلس أبي حامد المروروذي وتكلم في مسألة فقهية وهي تحليل الخمر، فاستطرفت كلامه في الفقه بألفاظ الفلاسفة، ثم شاهدته بعد ذلك سنة أربع وستين وقد صحب ركاب ذي الكفايتين، وله حديث مع الفلاسفة

البغداديين، قال: القوة الشهوانية إذا أفرطت كانت شرهاً، وإذا نقصت كانت جموداً، وإذا توسطت كانت عفة؛ والقوة الغضبية إذا أفرطت كانت تهوراً، وإذا أستخذت كانت جبناً، وإذا اعتدلت كانت شجاعة؛ والقوة النطقية إذا أفرطت كانت جهرة، وإذا ضعفت كانت غباوة، وإذا توسطت كانت فطنة. وسمعته يقول: الأسم والحد متطابقان أبداً، غير أن الأسم يدل دلالة مجملة، والحد يدل دلالة مفصلة. وقال أيضاً: من عرف إنيته سلم من التعطيل، ومن عرف وحدانيته سلم من الشرك، ومن عرف نعوته سلم من التشبيه. وسمعت صوفياً يقول: سيدي، علائقي منك تشوقي إليك، وعوائقي عنك تلهفي عليك. وقال أعرابي لرجل: قربني إليك قطع مفازة وركوب أخرى، وملاطمة هواجر النهار ومراعاة نجوم الليل، ورميي بالنجب المناجي أثباج الليل الداجي. الأثباج: جمع ثبج، والثبج وسط الشيء، والداجي: الساتر، ومنه دجا نور الإسلام أي حين سبغ وكثف، وكأنه عنى كثافة النظام. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما أدري كيف أعامل أهل الكوفة، إن أرسلت إليهم مؤمناً ضعفوه، وإن أرسلت إليهم قوياً فجروه، قال

المغيرة: يا أمير المؤمنين الضعيف إيمانه له وعليك ضعفه، والفاجر قوته لك وعليه فجوره، فولاه الكوفة. أنشد لموسى بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب وكان شاعراً: الطويل إذا أنا لم أقبل من الدهر كل ما ... تكرهت منه طال عتبي على الدهر وأنشد لمسلم بن حذافة: البسيط من ذا يندد بين الناس معذرتي ... إن رد جار أبي وهو مقتول ينازع الطير في البطحاء حسوته ... فقال من جاز هذا غاله غول فلست أسلم أوساً لامرىء أبداً ... حتى أرد وثغر النحر مبلول أو أبلغ في أوس فيعذرني ... فيه الرجال إذا ما ينشر القيل لمسلمة بن عبد الملك بن مروان: البسيط لا شيء أحسن في الدنيا وساكنها ... من وامق قد خلا فرداً بموموق

كذاك ليس بها أشجى لذي نظر ... من عاشق هاضع قدام معشوق نفسي الفداء لظبي بات يسعدني ... ليلاً على قبض أرواح الأباريق قال بعض السلف: ضربة الناصح خير من تحية الشانئ، ولا فضل للمرائي بالود على مظهر الشنآن، والتواضع زيادة في الشرف، والعجز مرده إلى الخمول. إن عجز مالك عن المشتكي، أو دواؤك عن المريض، فلا تعجزن عنه برحمتك وعيادتك، فإن أدنى منازل الخيرات نصائح القلوب. قرب الهرم من الموت كقرب الثمرة اليانعة من السقوط عند هبوب الريح. قال سقراط: الحسن الحق هوالعدل لأنه على كل حسن، والحسن كل معتدل، وكذلك الجور هو القبح أنه علة كل قبيح كذلك، والقبيح خارج عن الاعتدال. قال ابن الأعرابي، قال وهب: في الجاردة سبع خلق جبارة: رأسها راس فرس، وعنقها عنق ثور، وجناحها جناح نسر، ورجلاهان رجلا حمار، وذنبها ذنب حيةن وبطنهان بطن عقرب، وصدرها صدر سبع. قيل للجرذ القراد: كيف أصبحت؟ قال: كيف يصبح من يرجو آخر هذا؟ وأشار إلى القرد. كتب سهل بن هارون إلى ذي الرياستين: إن للأمنية فرحاً

يرجو من ولاة فرحها، ولأيامها دولاً فخذ حظك من دولتك فيها، ولدولها تصرفاً فتزود قبل أوان تسرفها، فإن تعاظمك ما أنبأتك عنه فانظر في جوانبها بأخذك الوعظة من جميع نواحيها، واعتبر بذلك الاعتبار على أنك مسلم مما سلم لك منها. قال موسى بن قيس المازني، قلت لأبي فراس المجنون: أنت النهار كله ماش، أفنشكتي بدنك بالليل؟ فقال: المتقارب إذا الليل ألبسني ثوبه ... تقلب فيه فتى موجع فقلت: يا أحمق، أسألك عن حالك فتنشدني الشعر، قال: قد أجبتك يا ابن الزطية، فقلت: ألي تقول هذا وأنا سيد من صادات الأنصار؟! فقال: الطويل وإن بقوم سودوك لفاقة ... إلى سيد لو يظفرون بسيد ثم ضرط في ديه ولطم عينيه وقالك هكذا يكون الجواب المقشر. قال بعض الأوائل: اعتد الزهد واقتنه فإن فيه راحة للبدن من النصب، وإعتاق للنفس من العبودية، وقطعاً للحسرة، وإذهاباً للندامة، وتخفيفاً للسأم؛ أما التواضع فليكن من الشيم المحبوبة عندك، فإنه يقربك إلى ربك، ويذهب عنح حسد الناس، ويوجب محبتهم وعطفهم. ولتكن سيرتك فيمن دونك من الناس الرأفة بهم، والرحمة لهم، والسد لما قويت عليه من فائتهم، وحب السعة في معايشهم، والسلامة لهم في أبدانهم، فإنك إذا فعلت ذلك عمهم جودك وخيرك.

قال أبو هفان: فلان أثقل م الموت على المعصية. قيل لابن سوار الكاتب: إن غلامك قد امتهنك هذا الأسود، قال: بلى أنا قد امتهنته، عمدت إلى أكرم علق فيه فاستعملته في أقذر مدخل في. دخل زهر المخنث حماماً فرأى شيخاً قد أنعظ، قال: فديتك ما لهذا قائماً؟ قال: ذكر صديقاً له بالعراق، قالك أفتأذن في تقبيله فقد انقطع الوفاء إلا منه. كتب الرشيد إلى الفضل بن يحيى: أطال الله يا أخي مدتك، وأدام نعمتك، والله ما منعني من إتيانك إلا التطير من عيادتك، فاعذر أخاك، فو الله ما قلاك ولا سلاك، ولا استبدل بك سواك. وكتب أيوب بن غسان: الخير مرغوب فيه، والكريم مكثور عليه، ومن عود شيئاً طلبه، ومن فتح عليه باب قرعه، والأوائل بالأواخر، وكما قيل: الفواتح بالخواتم، والتعرض للمعروف أوجب من البر فيه، لأ، الحظ فيه أوفر، والنعمة أعظم، فاخترنا لك أعلى الدرجتين، وأحظى الحظين، ودعوناك إلى رب صنيعك، وتثمير نعمتك.

احفظ فصول الكتاب فإنها نافعة في الفهم مرة والبلاغة مرة. لمنظور بن فروة: الطويل إذا أنت أكثرت المجاهل كدرت ... عليك من الأخلاق ما كان صافيا فلا تك حفاراً بظلفك إنما ... تصيب سهام الغي من كان راميا كان سقراط يتشرق في الشمس على ظهر الحب الذي يأوي فيه، فوقف عليه الملك فقالك يا سقراط، ما الذي منعك من إتياننا؟ فقال له: الشغل أيها الملك بما يقيم الحياة، فقال الملك: لو أتيتنا كفيناك، فقال له سقراط: لو علمت أني أجد ذلك لزمتك ما لزمتني الحاجة إلى ذلك، فقال له الملك: فسل حاجتك، قال: حاجتي أن تزيل عني ظلك فقد منعتني المرفق بالشمس؛ فدعا له بكسى فاخرة من الديباج وغيره ويذهب، فقال له سقراط: وعدت بما يقيم الحياة، وبذلت نعيم الأموان، ليس لسقراط حاجة إلى حجارة الأرض وهشيم النبت ولعاب الدود؛ الذي يحتاج إليه سقراط معه حيث يتوجه. فقال مزاح كان مع الملك: لقد حرمت نفسك نعيم الدنيا أيها الرجل، قال سقراط: وما نعيم الدنيا يا هذا؟ قال المزاح: أكل اللحمان، وشرب الخمر، والمناكح والملابس، فقال سقراط: ليس بمستنكر أن يكون نعيم الدنيا هذا عند من رضي بمشابهة الدود من نفسه، وأن سجعل بظنه مقبرة للحيوان، ويؤثر عمارة الفانية على الباقية.

كاتب: أما بعد فإن خير الناس الواصل لمن قطعه، وشرهم القاطع لمنوصله، وقد وصلناك فقطعتنا، وقطعناك فلم تصلنا. وقال الشاعر: الطويل إذا ا، ت لم تشرب مراراً على القذى ... ظمئت، وأي الناس تصفو مشاربه قيل لرجل كان يسرف في الجماع: إنا نخاف عليك العمى، فقال: قد وهبت بصري لذكري. شاعر: الطويل وقد يقرض الشعر البكيء لسانه ... وتعيي القوافي المرء وهو خطيب مطرود بن عرفطة، جاهلي: البسيط إن سلولاً عراك الموت عادتها ... لولا سلول لمستنا أبابيلا الضاربون إذا خفت نعامتنا ... والقائلون إذا لم نحسن القيلا والضامنون لمولاهم غرامته ... لا زال واديهم بالغيث مطلولا سمع شاهك المهنث رجلاً يصف الكرفس فقال: لأيش يصلح؟

قال: لفتح لاسد، فقال: لا كان الله لك، أنا إلى سد الفتح أحوج. أنشد ليحيى بن عروة بن الزبير: الطويل أشرتم بلبس الخز لما لبستم ... ومن قبل ما تدرون من فتح القرى قعوداً بأبواب الفجاج وخيلنا ... تسامي سمام الموت تكدس بالقنا فلما أتاكم فيئنا برماحنا ... تكلم مكفي لمن كانقد كفى قيل لعبد الله بن يعقوب: ما تشتهي أ، تكون؟ قال: أشتهي أن أكون دابة تأكل الليل والنهار. دعبل: الكامل أما الهجاء فدق عرضك دونهوالمدح فيك كما علمت جليل فاهذب فأنت طليق عرضك إنه ... عرض عززت به وأنت ذليل

كتب ابن المعتز إلى عبيد الله بن سليان: علم الوزير - أعزه الله - بذهائر الأجر يغنيني عن ترغيبه فيه، وسبقه إلى الصبر يكفيني تذكيره به، لكن لولي الوزير - أيده الله - مواضع إن أخلاها دخل في جملة المضيعين لحقه، اللاهين عما عناه. أنشد: الهزج وقلبي بك مسغول ... وعقلي بك قد زالا لقد ألسني الدهر من الأحزان سروالا ومذ فارقت من أهوى ... لقد لاقيت أهوالا أرى ليلي قد طال ... ويومي فيك قد حالا قال عبد الله بن الزبير في وصف الدنيا: إن تقبل لا آخذها أهذ الأشر البطر، وإن تدبر لا أبك عليها بكاء الخرف المهتر. قال رجللأحول: بلغني أنكم ترون الشيء شيئين، وكان بين يديه ديك، فقال: كيف لا أرى هذين الديكين أربعة؟! قال بعض السلف: صاحب المعروف لا يقع، فإن وقع وجد متكئاً. أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام: لا تقتل السامري فإنه جواد.

قال الزيدي: النثيثة: ذكر الرجل بعد موته بما أتى من قبيح وحسن، وأنشد: الطويل وما كنت مبتاع الحياة بسبة ... ينثي بها عاراً علي بنو سعد أنشد ثعلب: الطويل وما وجد مغلول بصنعاء موثق ... بساقيه من ماء الحديد كبول قليل الموالي مسلم بجريرة ... له بعد نوبات العشاء أليل يقول له الحداد أنت معذب ... غداة غد أو مسلم فقتيل بأكثر مني لوعة يوم راعني ... فراق حبيب ما إليه سبيل وأنشد أيضاً: الطويل حفرنا على أضغان بكر بن وائل ... ببطن فليج والأسنة متح وقد غضبوا حتى إذا ملأوا الثرى ... رأوا أن إقراراً على الضيم أروح أنشد اليزيدي: الرجز إن كنت تدري ما المخبآت ... فما لطاف الطي مدرجات لهن منهن قلنسيات ... وهن للأثقال حاملات يعني الأصابع.

يقالك إذا ألقي الزيتون أو خشب التين على النار وفي البيت آدر اشتدت القرقرة في خصيتيه. قال أبو القاسم علي بن عيسى الوزير: حدثني أبو الفرج قدامة بن جعفر قال: كنت مروياً في أمر آيته أو أذره، فأنشدت في المنام إنشاداً: الطويل فلا تكن النفس التي نيط أمرها ... بنفسين نفسي تائق وعزوف كتب المختار بن أبي عبيد إلى الأحنف بن قيس ومن قبله: أما بعد، فإن الأحنف مورد قومه سقر، حيث لا يستطيع لهم الصدر، وإني لا أملك ما خط القدر؛ وقد بلغني أنكم تكذبونني، وقد كذبت الأنبياء من قبلي، ولست بخير من كثير. الجوع والجود والنسناس والقسقاس والغرث والسغب واحد. العرب تقول: نعوذ بالله من طئة الذليل. وقال: يقولون بيني وبينهم شجنة، أي وصلة ورحم.

ابن الأعاربي: أتى النخط - هو بالخاء المعجمة - أي الناس؛ وزرم: إذا انقطع؛ ورزم: لم يبرح. أنشد الشعبي: الطويل وما زلت في ليلى لدن طر شاربي ... إل اليوم أبدي إحنة وأداجن وأضمر في ليلى لقوم ضغينة ... وتضمر في ليلى علي الضغائن سمعت السيرافي يقول: إياك أن تنشد: طر شاربي، لإن طر قطع، ومنه الطار والطرار، ومنه طرة الغلام وطرة الثوب، فأما طر - بالفتح - فمعناه نبت، يقال: طر وبر الناقة إذا بدا صغاره وناعمه. وقال الشعبي: لا يكون الرجل سيداص حتى يستعمل بيتي الهذلي، قيل: وما هما؟ قالك قوله: الطويل وإني للباس على المقت والقلى ... بني العم منها كاشح وحسود أذب وأرمي بالحصى من ورائهم ... وأبدأ بالحسنى لهم وأعود قال ابن الأعرابي: يقال فلان قموص الحنجرة، أي كذوب. وقال أبو عبيد في غريب الحديث: أول خلفك، أي آسكت.

سمعت نحوياً يقولك " وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً " طه 132 لا يحوز جزم نسألك، وكذلك قوله تعالى " فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك " النساء: 84، فلو جزم بطل المعنى، وذلك أن الجزم يدل على أن من أمر اله بالصلاة لا يسأله رزقاً، والله تعالى يسأله رزقاً قبل ذلك وبعده، وكذلك في القتال. قال خلف الأحمر: قلت لابن كبشة بنت القبثري: ما الهلباجة؟ قال: فتردد في نفسه من خبث الهلباجة ما لم يستطع أن يخرجه بحرف، فقال: الهلباجة الأحمق المائق القليل العقل الخبيث الذي لا خير فيه ولا عمل عنده، وبلى: يستعمل وعمله ضعيف، وضرره أشد من عمله، ولا يحاضرن القوم، وبلى: يحضر ولا يتلكم. قال يعقوب: سمعت رجلاص من قيس وآخر من تميم يقولان: قعدت في الظل ألتمس الرائحة، يريد بها الراحة. حط السعر وانحط إذا فترن ونزا إذا غلا. قال ابن الأعرابي في النوادر: قال قوم من أهل الشام لعلي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - يثورون ما عنده في عثمان: إن عثمان نافق، قال: لا، ولكنه ولي فاستأثر، وجزعنا فأسأنا الجزع، وكل سيرجع إلى حكم عدل.

العرب تقولك أغضى فلان على أثارة غضب، أي بقية. يمتي يمدد، وكأن متى منه. العرب تقول: هذا قرة لعي أي ثقيل، أهذ م الوقر، والوقر: الحمل، والوقر - بالفتح: ثقل في الأذن، والوقار: رزانة الجسم وسكون الأطراف ووقع الطائر. أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الجياف؛ كأنه يطلب الجيفة وهي الميت. فرانق: هو البريد؛ رجل فرانس: يفرس كل شيء، النون زائدة. شاعر: الطويل ولست بقوال لمولاي إن حبا ... هلكت ولا إن ضافك القوم أفرد لست بقوال لذي الزاد أبقه ... فإنك إلا تبق زادك بنفد لعبد الرحمن بن الحكم في أخيه مروان: الوافر ألا من مبلغ مروان عني ... رسولاً والرسول من البيان فلو كنا على مهل سواء ... جريت وأنت مضطرب العنان

ولست بواجد طرداً لحر ... كإلصاق به طرق الهوان في الحديث أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: أيضر الغبط؟ قال: نعم، كضر الشجر الخبط. الغبط شقيق الحسد، وقد فصل بينهما ما لا بيان من ظاهر اللفظ عليه، وذلك أنه قيل: الحسد هو أن تتمنى زوال نعمة صاحبك حسب، والغبط أن تحب مثل نعمته لنفسك من غير زوال مالصاحبك. يقال: ما البغط، وما الخبط، وما العبط، وما الربط، وما السبط، وما اللبط، وما الزنط، وما الهبط. أما الغبط فكأنه من غبط يغبط إذا فرح، ومنه الغبطة وهو مهاية الفرح، وفي الألفاظ المحفوظة أن السرور والحبور والغبطة والبجة الجذل والفرح والارتياح على معنى واحد. وأما خبط الشجر فضربك إياه بالعصا لينتثر الورق، والخبط: المنتثر منه. وأما العبط فأخذك الشيء طرياً، ومنه: اعتبط فلاهن إذا مانت على شبابه. والعبيط الدم اطري، ومنه الخبر: لو كانت الدنيا دماً عبيطاً لكان قوت المؤمن فيها حلالاً. ومنه اعتبط الناقة إذا نحرها من غير علة بها. وأما الربط فالشد، والرباط مثله، والرباط: المكان الذي تربط فيه الخيل للغزو والسفر. وأما السبط فيقال: شعر سبط إذا كان غير مفلفل، والكلام السبط:

المتلاحم الأجزاء، المتفق التأليف، الذي لا تنبو طباعك عنه، ولا تقشعر أذنك منه. فأما اللبط فمن قولك: لبط به، إذا خبل به، كأنه صرع من الشيطان أو ضرب من الجنون. وأما الزنط فتضعضع الحال، يقال: زنط أمر بني فلان. وأما الهبط فالهبوط، وهو النزول، وهبط عليه الملك أي نزل. شاعر: الطويل والله لو أني اخاصم حية ... إلى فقعس ما أنصفتني فقعس إذا قلت مات الداء بيني وبينها ... أتى حاطب منهم لآخر يقبس فما لكم طلساً إلي كأنكم ... دئاب الغضا والذئب بالليل أطلس وقد جعلت بعد التمرس قامتي ... وحسن القري مما تقولون تمرس القامة: البكرة، والقري: جمع الماء في الحوض؛ تمرس: ينشب الحبل بين الخطاف والبكرة؛ يقول: فسد ما كان بيني وبينكم.

شاعر: الطويل ما بال من أسعى لأجبر عظمه ... حفاظاً وينوي من سفاهته كسري أعود على ذي الذنب والجهل منهم ... بحلمي ولو عاقبت غرقهم بحري أناة وحلماً وانتظاراً بهم غداً ... فما أنا بالواني ولا الضرع الغمر أظن صروف الدهر والجهل منهم ... ستحميلهم مني على مركب وعر الم تعلموا أني تخاف عرامتي ... وأن قناتي لا تلين على الكسر وإني وإياكم كمن نبه القطا ... ولو لم تنبه باتت الطير لا تسري سمعت السيرافي يقول: وتر قوس النداف هو الكسل، والقوس منفحة؛ وقال غيره: القوس مجراف والوتر مصب. شاعر: الوافر لعمر أبيك ماخلقي بوعر ... وما أنا بالدني ولا المدني قال زياد بن أبيه: إن تأخير جزاء المحسنين لؤم، وتعجيل

عقوبة المسيء دناءة، والتثبت في العقوبة ربما أدى إلى سلامة منها، وتأخير الإحسان ربما أدى إلى ندم لا يمكن صاحبه أن يتلافاه لما فرط منه. قال عبيد الله بن زياد لحارثة بن بدر الغداني: مابك؟ قال: ركبت الأشقر فلجلج بي في مضيق، قال: لو ركب الأشهب لم يصبك هذا عنى حارثة شرب الخمر، وعنى عبيد الله اللبن. يقال: الفيج: السذاب، والفيجن أيضاً. رجل نومة: كثير النوم، فأما النومة فالخامل؛ في الخبر: خير الناس يومئذ النومة. سمع ابن السكيت عند المتوكل جارية تغني: الكامل أسليم إن مصابكم رجلاً ... أهدى السلام تحية ظلم فلتحققه بالإعراب شغل عن تأمل عجز البيت وحكم على صدره، فقال: هذا خطأ، والصواب أن تقولي: رجل، وزعم أن خبر إن، فلم تلتفت الجارية

إليه وأقامت على قولها وما علمها أستاذها، ونصرها غيره من الندماء وحاكموها إلى أبي عثمان المازني، فأمر المتوكل بإشخاصه من البصرة على البريد، فأحضر وذكر له البيت، فأعلمهم أن الوصاب مع الجارية، وأن خبر إن في ظلم والتقدير: إن إصابتكم رجلاً أهدى السلام ظلم، والرجل منصوب بالمصدر وهو من صلته؛ فأجيز على ذلك ألفين، ووهبت له الجارية جملة اخرى. وبسبب هذا الخبر قال الكرماني في شخوص أبي عثمان المازني: السريع أقول لما جاءني حمله النح ... ووالنحوي قد أشخصا ألجأنا الدهر إلى جاهل ... بحذفنا من جهله بالحصى العود يوناني، صنعه أصحاب الهندسة على هيئة طبائع الإنسان، فإن اعتدلت أو تاره على الأقدار الشريفة جانس الطباع فأطرب، والطرب رد النفس إلى الحال الطبيعية دفعة؛ هذا كله من كتاب أدب النديم لكشاجم. وصف رجل رجلاً عند رئيس فقال: والله لقد نهض فما انفتل ولا انخزل، ولقد خطا فما ارمد ولا اعطوط، ولقد سلم فما جأر ولا نأم، ولقد جلس فما دنا ولا نأى. قوله: ارمد: استع في الخطو، والجأر: الصوت في تضرع واستكانة، والنئيم: دون الرنين. ودخل رجل على بعض العلماء، فأومأ إلى موضع يجلس فيه، فعدل عنه إلى جهة اخرى، وكانت العين تقع هناك على ما يجب ستره، فقال له: اجلس بحيث أجلستك فإني أعلم بعوار منزلي.

جميل: الطويل لعمر ابنة الضمري بثنة إنني ... إذا الشيء ولى مدبراً لصبور وإني عن الماء الذي يجمع القذى ... إذا كان طرقاً آجناً لصدور وقال كشاجم، قال رجل من الأدباء: إذا رافق السماع من الشارب ما ذكا عرفه، وعذب على اللهوات طعمه، وأخلص من شوائب العكر جرمه، وناب عن مرقص الآل شعاعه، وتحلى بزي العقبان لونه، وكان المنادمون عليه إخواناً ألباء، وخلاناً أدباء، مساميح الأخلاق، كرام الأعراق، قد أذكتهم المعرفة، وأدبتهم الحكمة وكان الغرض في الشرب غير الإفراط المؤدي بإكثاره إلى النوازل، لتعديل الطبائع، وإياثر المنافع، ونفي الخلاف، وغيجاب الائتلاف، وحسم السخائم، ونبذ النمائم، على وجه سماء، وصبو هواء، وصفو ماء، وخضرة كلأ، من كف بارع الظرف، ساحر الطرف، فائق الوصف، مصيب الخدمة، ذكي الفطنة، صادق الكمال، واصل الحبال، كأنه خوط بان، أو جدل عنان، كان نهاية الحبور، وغاية السرور. وصف آخر السماع فقال: من فضيلته انه يبعث مع التنائي على الأشجان، ويحدو على التلهي في موضع الأحزان، ويؤنس الخلو الوحيد،

يسر العاشق الفريد، ويبرد غليل القلوب، ويثير من خواطر الفتيان خطرة ليست من الملاهي لغيره، يسري رقها في أجزاء الجسد فيهيج النفس، ويقوي الحس. وحق من أمتعك بسماعه، وأشركك في أخص لذاته، وسوى بينك وبينه في استماع نغمة من لعله يغار عليه من ظله، ويحسد قميصه على مماسة جلده، أن تجعل ثوابه على هذه التكرمة، وجزاءه على هذه المقة، والاتنامة غض طرفك عن الجهة التي تلي الستارة، والناحية التي تأتي منها النغمة، حتى لا يكون باطن الستارة بأخفى عنك من ظاهرها، وأن تعظم من حرمتها ما صغره غيرك. هذا كلام كشاجم. جميل: الكامل وذكرت بثنة أن عرفت ديارها ... إني لبثية واصل ذكار زعمت بثينة أن حبي كاذب ... جهلاً وأني مازح غدار لو تعلمين وقبل ما جربتني ... فالعلم ينفع والعمى ضرار لعلمت أني للمغيبة حافظ ... للسر منك وأنني بصار إلا أنلك فسوف يعذر طالب ... يا بثن فيك وقصره الإعذار ولقد عملت على التكاليف التي ... تشقي القلوب ويغلب المقدار كان البوشنجي في دعوة بخراسان مع أصحابه، فمد صوفي

من أصحابه يده إلى جام فيه الخبيص وهور الصومعة من السكر، فقال له البوشنجي: ارفق قليلاً حتى تبلغ من ناحيتك إليها، فقال الصوفي: أيها الشيخ، أملي أقصر من أن أحدث نفسي ببلوغ ذلك المكان، فبكى قوم من لفظه، وضحك قوم من ملحته. تقول الفرس: مطرة في نيسان خير من ألف شان. يقال: جزاك الله والرحمة خيراً، والرحم أيضاً؛ وغذا قلت: جزيت الرحم - بالنصب لا غير. يقال: أقرد الرجل إذا سكت ذلاً، وأخرد إذا سكت حياء. قال إسحاق بن حنين، قال سقراط: الجهل بالفضائل عدل الموت. قيل لسقراط: إن الكلام الذي قلته لأهل مدينة كذا لم يقبل، فقال: ليس يكربني ألا يقبل، وإنما يكربني ألا يكون صواباً. وقيل له: من الفاضل؟ قال: الفاضل في الطبقة العليا الذي يبتغي الفضائل من تلقاء نفسه، والفاضل في الطبقة الدنيا هو الذي يتحرك لها إذا

سمعها من غيره، ومن أخطأه الأمران فهو الساقط الدنيء. قال فيلسوف لابنه: دع المزاح فإنه لقاح الضغائن. ثيل لفيلسوف: لم كان الحياء في الصبي أحمد من الخوف؟ قال: لأن الحياء يدل على خوف، والخوف على جبن. قال سيبويه: زعم الخليل أن الذين قالوا: الحسن والحارث والعباس إنما أرادوا أن يجعلوا هو الشيء بعينه، ولم سجعلوه مسمى، ولكنهم جعلوه كأنه وصف له غلب عليه، ومن قال: حارث وعباس فهو يجريه مجرى زيد. قال أعرابي لابنه: اسكت يا ابن الأمة، فقال: والله إنها لأعذر منك لأنها لم ترض إلا حراً. قال كشاجم: أما الرئيس ذو الملك والأمر النافذ فلو كان السكر أو ما قاربه حلالاً لا اختلاف فيه لكان عليه خاصاً حراماً، لأن البادرة منه إلى نفسه، وعثرته لا تستقال، وأمره لا يراجع، وأنه يقهر ولا يقهر ويحجر ولا يحجر عليه، وقلماسمعنا بحادثة فظيعة، وغدرة قبيحة، وسطوة عظيمة، استجازها ملك، وجناها على نفسه، أو على نديمة وحميمه وسائر من يخصه من لحمته وبطانته إلى على سكر، ثم يقع عليه بعد ذلك الندم والسدم، ويلحقه ما لا يتلافاه من العار والشنار.

وممن تهيأ ذلك عليه من ملوك الجاهلية جذيمة بن مالك الدوسي صاحب الحيرة الذي ذكره وندمانيه متمم بن نويرة في مرثيته أخاه، وذلك بقوله: الطويل وكنا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن سيتصدعا فلما تفرقنا كأنس ومالكاً ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا وكان من خبره في السكر أنه كان ملكاً شديد الحمية، عظيم الأفنة والغيرة، فرغب عن النساء لهذه العلة، فلم يكن له زوجة يسكن إليها، ولا ولد تقر به عينه، فاتخذ جذيمة النديمين المضروب بهما المثل واصطفاهما وعاقرهما دهراً طويلاً، ولم يمللهما ولا آثر عليهما سواهما، حتى طرأ عليه رجل من لخم يقال له عدي، جميل الوجه، ظريف اللسان، حسن العبارة، كثير الما، فلما رأى هيئته وسمع منطقه أحب منادمته، فنادمه، وأشرف جذيمة على الشراب سروراً باللخمي، فلما تبين له ذلك خطب إليه أخته، وذكر أنه لم يقصده إلا لذلك، فزوجه إياها، وساق اللخمي المهر من وقته واستشهد ذينك النديمين على الترويج، ودخل عليهل فواقعها فعلقت منه عمراً الذي قيل له: شب عمرو على الطوق؛ وأصبح فخرج إلى شوارع الحيرة فلم تمر به ناقة ولا جمل إلا نحره، ودفع إلى أربابها أثمانها، وفرق على الصدار والوارد لحومها. وركب جذيمة يعقب ذلك، فلما رأى اللحام مقسمة والدماء مهراقة سأل عن السبب، فأخبربه، فصار إلى

أخته فوقف بالباب آخذاً بعضادتيه ثم قال: الخفيف حدثيني وأنت لا تكذبيني ... أبحر زنيت ام بهجين أم بعيد فأنت أهل لعبد ... أم بدون فأنت أهل لدون فقالت: بل زوجتني ونديماك شاهدان على ذلك، فسألهما فشهدا، فاضطغن ذلك عليهما. وتخوف عدي ان يحتال عليه فنجا ولحق بأهله. ثم أن جذيمة سكر أيضاً كسكرة ليلة التزويج فتل ندمانيه ودفنها بباب الكوفة، وبنى عليهما قبرين وسماهما الغربين؛ وكان له يوما بؤس ونعيم، فإذا خرج يوم البؤس فلقي بباب الكوفة غريباً قتله، وغرى قبريهما بدمه، فلذلك سميا الغريين، وما زالا على حالهما إلى ظهور الإسلام. ومن ملوك بني أمية الوليد بن يزيد بن عبد الملك، فإنه لم يزل يهمل الأمر ويصبح سكران حتى انتشر أمره، واضطرب حبله، فقتل. وقد أجمعوا أن الرشيد لم يأمر في جعفر بن يحيى بما أمر إلا بعد أن أثمله الشراب. قيل لفيلسوف: ما أسرع ما أجاب الناس إلى طاعة الإسكندر، قال: ذاك لما ظهر لهم بسرعة من حسن سيرته. بايت المفضل الضبي المهدي، فلم يزل يحدثه وينشده حتى جرى

ذكر حماد الراوية، فقال المهدي: ما فعل عياله ومن أين يعيشون؟ قال: من ليلة مثل هذه كانت مع الوليد بن يزيد. قيل لفيلسوف: أين مسكن الخير ولاجود؟ قالك أنفس الحكماء. قال إسحاق بن حنين، قال سقراط: ما أصعب في الشهراني أن يكون فاضلاً. وكان سقراط يقول: ما اخترت أن تحيا به فمت دونه. دخل خالد بن صفوان على هشام بن عبد الملك في يوم شديد الحر وهو في بركة فيها مجالس من السرو كالكراسي، فجلس على بعضها مؤتزرا بمنديل ناوله إياه الغلام، فقال له هشام: يا خالد، رب خالد قد قعد مقعدك هذا، حديثه أحلى من جنى الشهد - قال خالد: يريد خالد بن عبد الله القسري - قلت: ما يمنع من إعادته إلى ما كان عليه؟ قال: هيهات، أدل فأمل، وأوجف فأعجف، ولم يدع لراجع مرجعاً، ولا لعودة موضعاً، ألا أخبرك يا ابن صفوان؟ قلت: إن شاء أمير المؤمنين، قال: ما بدأني بسؤال حاجة قط حتى أكون المبتدئ بها، قلت: فذاك أحرى أن تعيده إلى منزلته، فقال: الطويل

إذا انصرفت نفسي عن الشيء لم تكد ... غليه بوجه آخر الدهر تقبل ثم قال: حاجتك؟ قلت: أزاد في عطائي عشرة دنانير، فأطرق ثم قال: فيم؟ وعلام؟ وبم؟ ألعبادة أحدثتها؟ أم لبلاء أبليته أمير المؤمنين حسن، أم لأي شيء يا ابن صفوان؟ إذن يكثر السؤال ولا يحتمل بيت المال، فقلت: وفقك الله يا أمير المؤمنين وسددك، فأنت كما قال أخو خزاعة: الطويل إذا المال لم يوجب عليك عطاءه ... صنيعة قربى أو صديق توامقه منعت وبعض المنع حزم وقوة ... فلم يفتلتك المال إلا حقائقه قال خالد: فلما صرت إلى البصرة قيل لي: ما حملك على تزيينك الإمساك لأمير المؤمنين؟ قلت: أحببت أن يمنع غيري فيكثر من يلومه. لأبي دهبل: الطويل سللن سيوفاً من عيون قواتل ... ولم أر سيفاً تنتضيه المحاجر وقفنا لتجديد العهود وبيننا ... دموع وأنفاس وداء مخامر أبت زفرات البين أن نكتم الهوى ... فتظهر ما تطوى عليه الضمائر وما بحت لولا الدمع بالوجد كله ... ولكن يوم البين تبلى السرائر وقال فيلسوف: العفو أصل حسن السياسة. دخل ابن المعذل على عيسى بن جعفر بن المنصور وقد بنى قصره

على نهر ابن عمر بالبصرة على النيل، فاراد منه أن يصف بناءه فقال: أعز الله الأمير، بنيت أحسن بناء، بأوسع فضاء، وأخصب فناء، على أصفى ماء، وأغذى هواء، وبين صراري ورعاء، وحيتان وظباء؛ فقال: والله لكلامك أحسن من بنائي، ووصله وخلع عليه. قال رجل لأعرابي بحضرة قوم يتخاصمون: أما ترى أجيج اليوم؟ قال: إن ضجيج القوم أشد من أجيج اليوم. قيل لأعرابي: ما أعددت لحالي فقرك والغنى؟ قال: الذي أعددته لحفظ الغنى هو الذي أعددته لصرف الفقر. كتب عبد الله بن عباس إلى عبد الملك بن مروان لما خرج محمد ابن الحنفية إلى الشام: إنه خرج إليك رجل منا، لا يبدأك بالشر ولا يمالئ على الظلم، يتحرى الحق ولا ينوي الباطل، فاحفظنا فيه. فأجابه عبد الملك: ما أسرني لصلة رحمك وحفظ توصيك، وكل ما سألت مفعول، وكل ما هويت متبع. معنى قوله: يتحرى الشيء أي يطلب حراه أي مكانه وفناءه، يقال: نزلت بحراه وذراه وكنفه وعقوته؛ وأما ما مالأت فلاناً فإن السيرافي سأل أهل

المجلس يوماً عنه فقال بعضهم: ما ملأتهم نفسي ولاملأوني، فكأنه مفاعلة من المء، فقال: قاربت، ولكن معناه الصحيح: ما دخلت في ملإهم، وإنما قيل للمإ الملأ لأنهم يملأون العين جهارة والنفس جلالة. لما مات قرد زبيدة ساءها ذلك، فكتب إليها ابو هارون المعلم: أيتها السيدة، إن موقع الخطب بذهاب الصغير المعجب كموقع السرور من نيل الكبير المفرح، ومن جهل قدر التعزية عن التافه الخفي عمي عن حال التهنئة بالجليل السني، فلا نقصك الله الزائد في سرورك، ولا حرمك قدر هذا الذاهب من صغيرك وكبيرك؛ قال: فأمرت له بمال؛ قال: فكان أبو هارون يقول: رحم الله كل قرد. سمعت لغوياً يقول: الغضار: خشب مشهور، والنضار جمع نضر، وهو الذهب. سمعت شيخاً من النحويين يقول: ليس في كلام العرب فعل يفعل من المضعف إلا في شده يشده، وعله يعله، وهره يهره، ونم الحديث ينمه. يقال: حرى يحري أي نقص، وأحراه الله: نقصه. شاعر: الطويل فما ضاعني تعريضه واندراؤه ... علي وإني بالعلا لجدير

ألم تر للنشوان يشتم أسرتي ... وإني به من واحد لخبير أي ما حركني، والنشوان: الخفيف الجسم. والنيطل: الداهية، والنيطل: الدلو، والناطل: مكيال الخمر، والضغيل: صوت مص الحجام؛ التياز: القصير العريض؛ والزردق: صف؛ ومعنى قول العرب: رابت الفرس أس سقيته اللبن، وفي الأمثال: إن من القرف التلف، أي في بعض ما تقارف يكون الحذر؛ الطاهي: الطابخ، يقال: طها يطهو طهوت وطهيت. قال أحمد بن أبي خيثمة: أول من سمي في الإسلام أحمد، أبو الخليل، والخليل فرهودي، والفراهيد: صغار الغنم، وكان الخليل يحج سنة ويغزو سنة حتى جاءه الموت. قال إراهيم بن سيار: ما أحسنن ما قال الخليل: بحسب امرئ من الشر أن يرى من نفسه فساداً لا يصلحه، ومن علم بفساد نفسه علم

بصلاحها، وأقبح التحول أن يتحول المرء من ذنب إلى ذنب من غير توبة منه وإقلاع عنه. قال الخليل: كان يقال: من أساء فاحسن جعل له من نفسه حاجزاً يردعه عن مثل إساءته. قال إبراهيم الحراني: كان البصرة أربعة من النحويين أصحاب سنة، وسائرهم قدرية: الخليل وأبو عمرو بن العلاء ويونس والأصمعي. قال محمد بن سلام: حدثنا يونس النحوي قال، قلت للخليل: ما بال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنهم تؤام واحدة وعلي كأنه ابن علة؟ فقال: من أين لك هذا السؤال؟ فقلت: أريد أن تخبرني، قال: على أن تكتم عني ما دمت حياً؟ قلت: أجل، قال لي: تقدمهم إسلاماً، وبذهم شرفاً، وفاقهم علماً، ورجحهم حلماً، وكثرهم زهداً، فحسدوه، والناس إلى أمثالهم وأشكالهم أميل. وقال الخليل: من الأبواب ما لو نشاء أن نشرحه حتى يستوي في عمله القوي والضعيف لفعلنا، ولكنا نحب أن يكون للعالم مزية. قال النضر: حدثني الخليل قال: أتينا أبا ربيعة الأعرابي، وكان من أعلم من رأيت، فإذا هو على سطح، فسلمنا عليه فقال لنا: استووا،

فبقينا متحيرين، فقال لنا أعرابي بجبنه: إنه يقول: ارتفعوا، فاستخرجها الخليل من قول الله تعالى: " ثم استوى إلى السماء " البقرة: 29 أي ارتفع، فصعدنا، فقال: هل لكن في خبز فطير، ولبن نجير، وماء نمير؟ فقلنا: لا، قال: سلاماً، فبقينا حائرين، فقال الأعرابي: إنه سألهم متاركة، لا خير ولا شر، فاستخرجها الخليل من قول الله سبحانه " وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً " الفرقان: 63. قال الخليل: النحو للسان بمنزلة الطعام للأبدان. وقال أيضاً: إن لم تعلم الناس ثواباً فعلمهم لتدرس بتعليمهم علمك، ولا تجزع من تفرع السؤال فإنه ينبهك على علم ما لم تعلم. لصخر بن الجعد الخضري: الوافر ولست بنائم إلا نزوراً ... ولا مستيقظاً إلا مروعا وإنك لو نظرت فدتك نفسي ... إلى كبدي وجدت بها صدوعا أرجي أن ألاقي آل كأس ... كما يرجو ذوو السنة الربيعا

لعبد الحميد بن سعيد المساحقي: البسيط إني وإن قيل لا يحمى له غضب ... إذا غضبت كأني الحية الذكر يذكي القراع إذا قورعت من غضبي ... ناراً تأجج ما يطفى لها شرر ألوى المريرة صرام لخلته ... رحب الذراع بما يأتي وما يذر لا يستكين لما يأتي به حدث ... كأنه عند ما يرمى به حجر قال بعض السلف: لا تغتر بطول السلامة مع تضييع الشكر، ولا تعمل بنعمة الله في معصيته، فإن أول ما يجب لمهيديها ألا تجعلها ذريعة إلى مخالفته، واعلم أن كفران النعمة بوار، وقلما اقشعت نافرة فرجعت في نصابها، فاسترجع شاردها بالتوبة، واستدم راهنها بكرم الجوار، واستفتح باب المزيد بحسن التوكل، ولا تحسبن أن سبوغ ستر الله غير مقلص عما قليل إذا أنت لم ترج لله وقاراً. قيل لابن عون الزاهد، وقد جرى ذكر الأرزاق: يا أبا عون، ما تتمنى منها؟ قال: إني لأستحيي أن أتمنى عليه ما قد ضمنه. دخل الأوزاعي على المهدي فقال له: إن الله قد آتاك فضيلة الدنيا

وكفاك طلبها، فاطلب فضيلة الآخرة فقد فرغك لها. قال الأصمعي: دخلت على الخليل وهو جالس على صحير صغير، فقال لي: تعال اجلس، فقلت: أضيق عليك، فقال: مه! الدنيا بأسرها ما تسع متباغضين، وإن شبراً في شبر ليسع متحابين. قال النضر، قال الخليل: الأيام ثلاثة، معهود ومشهود وموعود؛ فالمعهود أمس، والمشهود اليوم، والموعود غد. قال نصر بن علي، قال الخليل: الرجل بلا صديق كاليمين بلا شمال. وقال الخليل، وقد قيل له: إن استفساد الصديق أهون من استصلاح العدو، قال: نعم كما أن تحريق الثوب أهون من نسجه. قال الرياشي، قال الخليل: ما غلب جدل إلا جاء جدل آهر فغلبه، وما شيء أضر على الأديان ولا أفسد بين الإخوان من الجدل. قال بعض السلف: الغناء نوح إبليس حين خرج منها. وقال بعض السلف: لسان الإنسان مثقاله الذي يوزن به. قال أعرابي: رجز ما أقرب الخير من السلامة ما أقرب الشر من الندامة

ما أولع الحاسد بالملامة كاتب: ما أحوجك إلى أخ كريم الأخوة، كامل المروة، إذا غبت خلفك، وإذا حضرت كنفك، وإن لقي صديقك استزاده لك، وإن لقي عدوك كفه عنك، وإذا دانيته ابتهجت، وإذا اباثثته استرحت. لأبي دلف الخزرجي في ابن عباد: الرمل المجزوء يا ابن عباد بن عبا ... س بن عبد الله حرها تنكر الجبر وقد أد ... خلت في العالم كرها قيل لجعفر بن محمد إن هشام بن الحكم يقول إن البارئ جسم، فقال: أخطأ، اما علم أن الجسم والجسم يتفقان، والشيء والشيء يفترقان، لأن الجسم اسم لكل محدود، والشيء اسم لك لموجود. شاعر: الوافر أراك فلا أغض الطرف كي لا ... يكون حجاب رؤيتك الجفون ولو أني نظرت بكل عين ... لما استوفت محاسنك العيون

قال بعض الزهاد: من أطعمه التراب أكله التراب. كاتب: عرفني وقتاً أوافيك فيه جالساً، لا تزاحمني الألسن فيه على محادثتك، ولا الأعين على النظر إليك، لأقضي وطر الود، وآخذ بثأر الشوق. وصف الخليل بن أحمد أرضاً حمد مشتريها رأيه: البسيط ترفعت عن ندى الأعماق وانخفضت ... عن المعاطش فاستعنت بسقياها فاعتم بالطلح والزيتون أسفلها ... ومال بالنخل والرمان أعلاها وصار يحسده من كان يعذله ... ولائم لامفيها قد تمناها أبا معاوية اشكر فضل واهبها ... وكلما جئتها فاعمر مصلاها قال المبرد، قال المازني، قال الأصمعي: رأيت الخليل يأخذ كتب أبي حنيفة فينظر فيها، فقلت له: كيف تراه؟ فقال: أراه يأخذ الحق فيمسخه. قد دل الخليل بهذا على اختلاله، لأن الفقه ليس من شأنه، وأبو حنيفة يجل عن مثل هذه الحال.

قيل للكرخي: لم لا تضع لنا كلاماً في الأصول على مذاهب المتكلمين؟ قال: أخاف التقصير وأكره النقص، فإني رأيت الجبائي وقد ألم في كتبه بشيء من الفقه فبدت سوءته، وأمل الحاسد الوقيعة فيه. قيل لفيلسوف: كيف الله؟ قال: باطن لكنه لا يخفي، وظاهر لكنه لا يرى. شاعر: البسيط تقول لي وكلانا يوم فرقتنا ... نوعان أدمعنا در وياقوت أقم بأرضك هذا العام قلت لها ... كيف الثواء وما في منزلي قوت وما بأرضك قوم أستعين بهم ... إلا بخيل فمملول وممقوت فايتعبرت ثم قالت فالإياب متى ... فقلت إن ربيع العام موقوت قال بعض المتقدمين: الكتاب إذا كثر جده ثقل، كما انه إذا كثر هزله استخف. من كتاب أدب النديم لكشاجم: كان عبد الملك بن مروان

ولى بشراً الكوفة ووجه معه روح بن زبناع الجذامي وقال: يا بني، روح عمك والذي لا ينبغي أن تقطع أمراً دونه لصدقه وعفافه ومحبته لنا أهل هذا البيت، وقال لروح: اخرج مع ابن أخيك، فخرج معه حتى قدما الكوفة. وكان بشر ظريفاً أديباً، يحب الشعر ولاسمر والسماع والندام، فراقب روحاص واحتشمه وقال: أخاف أن يكتب روح إلى أمير المؤمنين بأخبارنا فتقبل منه، وإني لأحب من الأنس والاجتماع ما يحبه الشباب، ولكنني أتجنب ذلك لمكانه، فضمن له النديم كفاية أمره ورده إلى عبد الملك من غير سخط ولا لائمة، فسر بذلك بشر ووعده مكافأته عليه بأعظم الحباء. وكان روح غيرواً، إذا خرج عن منزله أقفله وختمه بخاتمه حتى يعود فيفضهم بيده، فأخذ الفتى دواة ثم أتى منزل روح ممسياً، فوقف بالقرب منه مستخفياً، فخرج روح إلى الصلاة، فتوصل الفتى إلى أن دخل الدهليز فكمن تحت درجة فيه، وعاد روح ففتح الباب وأغلقه من داخله، فلم يزل الفتى يحتال ويتلطف به حتى وصل، فكتب على حائط في أقرب المواضع من مرقد ورح: البسيط يا روح م لبنيات وأرملة ... إذا نعالك لأهل المغرب الناعي إن ابن مروان قد حانت منيته ... فاحتل لنفسك يا روح بن زنباع ولا يغرنك أبكار منعمةفاسمع هديت مقال الناصح الداعي ثم رجع إلى مكانه من الدهليز فبات به، فلما أصبح روح خرج إلى الصلاة، فتبعه الفتى متنكراً وخرج. وكان روح قبل خروجه أقفل على الموضع الذي كتب فيه الفتى، فلما عاد إلى الموضع وأسفر الصبح تبين الكتاب، فراعه وأنكره وقال: ما هذا، فوالله ما دخل حجرتي إنسي سواي، ولا حظ لي في المقام بالعراق، ثم نهض إلى بشر فقال: أوصني يما أحببت من حاجة أو سبب عند أمير المؤمنين، قال: أو تريد الشخوص يا عم؟ قال: نعم، قال: ولم ذاك؟

هل أنكرت شيئاً أو رأيت قبيحاً لم يسعك المقام عليه؟ فقال: لا والله، بل جواك الله عن نفسك وعن سلطانك خيراًن ولكن أمر حدث ولا بد لي من الانصراف، فأقسم عليه أن يخبره فقال: إن أمير المؤمنين ميت إلى أيام، قال: ومن أين علمت ذلك؟ فأخبره بخبر الكتبا، فقال بشر: أقم فإني أرجو ألا يكون لهذا حقيقة، فلم يثنه شيء، وصار إلى الشام، وأقبل بشر على الشراب والطرب. فلما لقي روح عبد الملك أنكر امره وقال له: ماأقدمك؟ ألحادثة حدثت على بشر أم لأمر كرهته؟ فأثنى على بشر وقال: بل حدث أمر لا يمكنني ذكره حتى نخلو، فقال عبد الملك: إذا شئتم. وخلا بروح فأخبره بقصته وأنشد الأبيات، فضحك عبد الملك حتى استغرب وقال: ثقل مكانك على بشر وأصحابه حتى احتالوا لك بما رأيت، فلا ترع. ووفي بشر لنديمه بما وعده، وزاد ما كان منه في أمر روح في حاله عنده ومكانته منه. قال الجاحظ في فصل من رسالة إلى محمد بن عبد الملك الزيات: حاجتي والله أن أخف على قلبك، وأن أحلو في صدرك، ولربما ميلت بين ألا تكون على قلبك مني مؤونة، وبين أن أكون عندك من الأوفياء الساترين، فأجدني إلى تلك أميل مني إلى هذه. فصل لأبي عثمان أيضاً: والكتاب يحتاج مع صحة أديمه، وكرم

جوهره، وبراءة ساحته، وسلامة ناحيته، إلى شفيع في قلب المكتوب إليه وإن لم يكن هناك شفيع ولا دليل، فالكلام كله يحتمل التوجيه والتصريف، والتوهم والظنون. وقال في فصل آخر: سألت - أبقاك الله - أن أصف لك فلاناً: اعلم أني دخلت على رجل ضخم فدم، غليظ اللسان غليظ المعاني، عليه من الكلام أشد المؤونة، وفي معانيه اختلاف ليس شيء منه يؤاتي صاحبه ولا يعاونه، بل لا يتاركه ويسالمه حتى يرى إرادته في شق ولسانه في شق، وحتى يظن ان كلامه كلام محموم أو مخمور، وأن كل واحد من هذا يقطع نظام المعالي، ويخلط بين الأسافل والأعالي؛ وكنت كأني رجل من النظارة، وكان يظن الظن ثم يقيس عليه، وينسى أن بدأه كان ظناً، فإذا اطرج ذلك لهواتسق جزم عليه، وحكاه عن صاحبه حكاية المستبصر في صحة معناه، ولكنه كان لا يقول: سمعت، ولا رأيت، فكان كلامه إذا خرج مخرج الشهادة القاطعة لم يشك السامع أنه إنما تجلى ذلك عن سماع قد امتحنه، ومعانية قد قهرته. ورأيته يزعم أن منكراً أفضل من نكير، وأن يأجوج أفضل من مأجوج، وأن هاروت خير من ماروت، حتى زعم أن الجانب الأيمن أفضل من الجانب الأيسر، واعتل ان الكبد للشق الأيمن؛ فقلت له: فإن الطحال للشق الأيسر، فقال: الكبد أرفع منزلة من الطحال، فقلت: فإن الفؤاد الذي هو سيد الأعضاء مركب في الجوف مما يلي اليسار دون اليمين، فهذه فضيلة لليسار على اليمين، فانقطع. ورخجت عنه، فلما رجعت إلى منزلي وردت علي رقعة مكتوب على عنوانها: هذه مسائل من فقر الحكمة ومكنون علم الفلسفة، وفككتها فإذا فيها: خبرنا عن تعادي الأضداد، وحركات الكون والفساد، إذا استحوذت على الأجرام الجسمية، فتلاشت قوى الطبيعة، هل يكون للحركات العنصرية أعراض بدنية أم جواهر وهمية وأعيان عقلية؟ وخبرنا عن النواميس الخفية والشرائع الإلهية: هل لهما أسرار طبيعية أو رسوم عقلية؟ فلما

وردت علي ونظرت فيها، علمت أنه لم يتأت له هذا الكلام إلا بخذلان الله تعالى، وأن ا؛ داً من أهل إقليم بابل لا يطرد له حبة من الكلام المحال ما يطرد له، وأيقنت انه قد نسي أنه أنفذ الرقعة إلي، وأنه لا يذكر شيئاً مما كتب، فرجعت عليه سائلاً، والتمست الإجابة منه، فوقع تحت كل مسألة مما قد كتبت إليك منه: مسألتك هذه لها وجهان، فإن أردت باب اليقين فلا، وإن أردت من باب التصور فنعم. قال الأصمعي، قال أبو هلال الراسبي، قال أبو الصهباء - يعني صلة بن أشيم: طلبت الرزق في مظانة فأعياني، إلا رزقي يوماً بيوم، وغن امرءاً يرى هذا ولايعلم أنه قد خير له لعاجز. قال ابن عباس: قلت لهند بن أبي هالة، وكان ربيباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم: صف لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلعل أن

تكون أثبتنا به معرفة، قال: كان بأبي وأمي طويل الصمت، دائم الفكر، متواتر الأحزان، إذا تكلم تكلم بجوامع الكلم، لا فضل ولا تقصير، إذا حدث أعاد، وإذا خولف أعرض وأشاح، يتروح إلى حديث أصحابه، يعظم النعمة وإن دقت، ولا يذم ذواقاً، ويبتسم عن مثل حب الغمام. جاء سلمان يخطب امرأة من قريش ومعه أبو الدرداء، فذكر سلمان وسابقته في الإسلام وفضله، فقالوا: أما سلمان فما نزوجه ولكن إن أردت أنت زوجناك، فتزوجها أبو الدرداء، فلما خرج قال: يا أخي قد صنعت شيئاً، وأنا أستحي منك، وأخبره، فقال له سلمان: أنا أحق أن أستحي منك، أخطب امرأة كتبها الله لك. قال عبد الله بن عمر: المؤمن أكرم على الله من الكعبة الحرام. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل: من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة، ما رددت في شيء أنا فاعله ما ردتت في قبض نفس المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولايزال عبدي يتنفل حتى أحبه، فإذا

أحببته كنت له سمعاً وبصراً ويداً ومؤيداً، إذا دعاني أجبته، وغذا سألني أعطيته، نصح إلي فنصحت له، وإن من عبادي المؤمنين لمن يريد الباب من العبادة فأكفه عنه لئلا يدخله عجب فيفسده ذلك، ن وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إمانه إلا السقم، ولو أصححته أفسده، ذلك أني أدبر عبادي بعلمي، إني عليم خبير. هذا الحديث كما ترى، وله نظائر، ومتى حملته على صرف المتكلمين ونقد الناقدين تعذر متنه، وتحللت عراه، وانفتق رتيقه، وإن توسعت قليلاً في مجازه وقاربت في تأويله، وعاد عليك نافعه وسقط عنك ضاره. قال سهل بن زيد، قلت لموسى بن عمران الخلقاني، وكان امرأ صدق زاهداً: أبشر يا أبا عمران، إن هذا الضيق الذي أنت فيه يأتيك من الله بسعة رزق، قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، أتروني أخاف ان يحبس الله عني الرزق؟ والله لأنا بالدفقة تدفق في صدري من الدنيا يكون فيها فساد ديني وقلبي أخوف من أن يحبس الله عني الرزق. قال معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من فتنة العالم أن يكون الكلام أحب إليه من الاستماع، ومن العلماء من يخزن علمه ولا يحب أن يوجد عند غيره، فذلك في الدرك الأول من النار؛ ومن العلماء من يكون في عمله بمنزلة السلطان، فإن رد عليه شيء من قوله أو

تهوون بشيء من حقه غضب، فذلك في الدرك الثاني من النار؛ ومن العلماء من يجعل حديثه وغرائب علمه لأهل الشرف واليسار ولا يرى أهل الحاجة له أهلاً، فذلك في الدرك الثالث من النار؛ ومن العماء من استفزه الزهو والعجب فإن وعظ عنف، وإن وعظ أنف، فذلك في الدرك الرابع من النار؛ ومن العلماء من ينصب للفتيا فيفتي بالخطأ، والله يبغض المتكلفين، فذاك في الدرك الخامس من النار؛ ومن العلماء من يتكلم بكلام اليهود والنصارى ليتعزز علمه، فذلك في الدرك السادس من النار؛ ومن العلماء من يتخذ علمه مروءة ونبلاً وذكراً في الناس، فذلك في الدرك السابع من النار. عليك بالصمت فبه تغلب السلطان. إياك أن تضحك من غير عجب، أو تمشي في غير أرب. هذا بكلام الحسن البصري اشبه. قال أنس: إن عمر رضي الله عنه قرأ: " وفاكهة وأباً " عبس: 31 فقال: هذه الفاكهة قد علمنا، فما الأب؟ ثم وضع يديه على رأسه وقال: إن هو لهو التكليف، وما عليك يا ابن أم عمر ألا تعرف ما الأب؟! هذا طريف، إن عمر فوق ما ظن به الراوي؛ عمر رضي الله عنه يوزن به بشر كثير لسعة علمه وحلمه وفضله، واللغة لسانه وليس عليه نصب في معرفتها ولا مشقة. والأب: يقال للبهائم بمنزلة الفاكهة للناس، ويقال: هو المرعى. قال عبد الله بن مسعود: إن في طلب الرجل الحاجة إلى أخيه فتنة، إن أعطاه حمد غير الله، وإن منعه ذم غير الذي منعه.

قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فقال: يا أمير المؤمنين، إني قد تزودت زاداً، وابتعت راحلة، وقضيت لبانتي - أي حاجتي - أفأرتحل إلى البيت المقدس؟ فقال له علي: كل زادك، وبع راحلتك، وعليك بهذا المسجد - يعني مسجد الكوفة - فإنه أحد المساجد الربعة، ركعتان فيه تعدلان عشراً فيما سواه من المساجد، والبركة منه إلى اثني عشر ميلاً من حيثما أتيته، وقد نزل فيه من أسه ألف ذراع، وفي زاويته فار التنور، وعند الأسطوانة الخامسة صلى إبراهيم عليه السلام، وقد صلى فيه ألف نبي وألف وصي، وفيه عصا موسى نوح، وفيه مسير جبل الأهواز، ويحشر فيه يوم القيامة سبعون ألفاً ليس عليهم حساب ولا عذاب، ووسطه عرى روضة من رياض الجنة وفيه ثلاث أعين: عين من لبن وعين من دهن وعين من ماء جانبه الأيمن ذكر، وجانبه الأيسر فكر، ولو يعلم الناس ما فيه من الفضل لأتوه حبواً. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الكوفة كنو الإيمان، وجمجمة العرب، وهم رمح الله الأطول. قال مطرف: وجدت ابن آدم بين ربه وبين الشيطان، فإن اختاره الله نجا، وإن خلى بينه وبين الشيطان غلب عليه. وشتم ديوجانس رجل فسكت عنه، فقيل له: لم لم تغضب حين شتمك؟ فقال: كفاه مسبه له أنه يشتم ولا يشتم.

وكان يقول لتلامذته: محصوا خطاياكم بالصدقة، وأيامكم بالرحمة. وقال سقراط: ينبغي أن يكون كلامك بالليالي حيث لا يتكون أعشاش الخفافيش؛ قال: أراد الخلوة وأن لا ينظر في أمر الهيولانيات. قال الجاحط: وإنما يستريح البدن من كد تعب الروية إلى برد اليقين، ولولا تأميل الراحة لتضاعف ثقله، ولقطع الجهد سبب صابحه من معاودته، ولو كان ذلك تدبيراً لما جعل الله تعالى الليل سكناً والنهار مسرجاً، بل إن الأغلب على طبائع البشر حب الكفاية واستثقال الرواية وسرعة السآمة. وقال: الأرض وإن كانت حرة، والفرس وإن كان كريماً، والزمان وإن كان معتدلاً، فلا بد له من تعهد، ولاينتفع بالماء الساكن في الأرض، ولا بالذهب ما لم يستخرج، ولا بالعلم ما دام مكنوناً. وقال أبو عثمان أيضاً: وكيف أنساك وأنا إن رأيت حسناً ذكرتك مشبهاً، أو قبيحاً ذكرتك به مبايناً. وقال: السيد من أورى ناره، وحمى ذماره، ومنع جاره. وقال: الحمار إن أطلقته ولى، وغن أوقفته دلى، كثير الروث، قليل الغوث، سريع إلى العرارة، بطيء في الغارة، لايحلب في إناء، ولا ترفأ

به الدماء، ولا تمهر به النساء. وقال أبو عثمان: بقتك فيل وحصانك جبل. وقال أيضاً: جماع الخير يجول بين الثناء والدعاء، فالثناء للدنيا والدعاء للآخرة. قال واعظ: إني لأخشى أن ياتيك أمر الله بغتة، واحذ الإملاء فهو أوقى مغبة، وأثبت في الحجة، لأن تعمل ولا تعلم خير من أن تعلم ولا تعمل، لأن الجاهل العامل لم يؤت من سوء نية، ولا استحفاف بربوبية، ولا هو كمن قهرته الحجة، وأعرب له الحق مفصحاً عن نفسه فآثر الغفلة به والخسيس من الشهوة على الله، فأسحمحت فنسه عن الجنة، أسلمها بالأيدي لعقوبة. فاستشر عقلك، وراجع نفسك، وادرس نعم الله عليك، وتذكر إحسانه إليك، فإنه مغلبة للحياء، ومردعة للشهوة، ومشحذة على الطاعة، وقد أظل البلاء، وكأن قد كفكف عليك غرب شؤبوبه، وجوائح سطوته إن لم تستكف ذلك بسرعة النزوع، وطول التضرع، ودوام البكاء، والندم في أعقاب الزلات، واعتقاد الترك لها، والمعاودة في شيء منها. تحاكم إلى الإسكندرية رجلان من أصحابه فقال لهما: إنما الحكم يرضي أحدكما ويغضب الآخر، فاستعملا الحق يرضيكما جميعاً. أحضر بين يدي الإسكندر لص فأمر بصلبه فقال: أيها الملك،

فعلت ما فعلت وأنا كاره، قال: وتصلب أيضاً وأنت للصلب كاره. قيل لصوفي: ما الذي تطلب؟ قال: أطلب الراحة في الدنيا، قيل: فهل وجدتها؟ قال: قد وجدت أني لا أجدها. وتكلم رجل رث الهيئة بين يدي الإسكندر بكلام حسن، فقال: الإسكندر: ليكن حسن ثوبك موافقاً لحسن منطقك، فقال: أيها الملك، أما الكلام فأقدر عليه، وأما الكسوة فلا أقدر عليها؛ فخلع عليه. وقام بين يدي الإسكندر خطيب فخطب وأطال، فزبره وقال: ليس حسن الخطبة بحسب طاقة الخاطب ولكن على طاقة السامعز خطب رجلان إلى دميانوس بنته، وكان أحدهما فقيراً والآخر غنياً، فاختار الفقير، فسأله الإسكندر عن ذلك فقال: لأن الغني كان جاهلاً فكان يخاف عليه الفقر، والفقير كان عاقلاً فكان يرتجى له الغنى. قال الأصمعي: وصفت أعرابية قومها فقالت: كانوا والله لرحى الحرب ثفالاً، ولقدرها جفالاً، وللأعداء نكالاً، وفي الندى أزوالاً، وعلى الخصوم ثقالاً، أنحى عليهم الدهر بشفرتيه فأطفأ جاحمهم، واقتص ناجمهم، وطمس آثارهم، وأباد غضراءهم، فأصبحت المنازل دراسة، والأعلام طامسة، وبذلك جرت عادة الدهر.

قيل لرجل: إن أباك كان فقيراً فأثرى، فكيف كان سيرته؟ فقال: كان في مسكنته تقياً نقياً، وفي غناه رضياً سرياً. وأخبر ابن الأعرابي أن لصين من الأعراب تصدياً لجارية ترعى غنماً، فقال أحدهما لصاحبه: اشغلها عني، فحفر حفرة ودخلها وتغطى بالثمام وأخرج متاعه قائماً، فنظرت إليه فقالت: أطرثوث ولا رملة، أذؤنون ولا عضاه له؟! ثم بركت عليه لتقضي حاجتها، فاطرد الآخر الغنم، فلما فرغت من أمرها التمست الغنم فإذا هي قد بعدت، فتبعتها، وخرج الآخر من الحفرة فعارض صاحبه فاطرد الغنم فذهبا بها. وقال ابن الأعرابي، قال أبو صخر الكناني: وقف أعرابي على قوم من الحاج فقال: بدء شأني، والذي ألجأني إلى مسألتكم، أن الغيث كان قد قوي عنا، ثم تكرفأ السحاب، وشصا الرباب، وادلهم سيقه، وارتجس ريقه، وقلنا: هذا عام باكر الوسمي، محمود السمي، ثم هبت له

الشمال، فاحزالت طخاريره، وتقزع كرفئة متياسراً، ثم تتابع لمعان البرق، حيث تشيمه الأبصار، وتحده النظار، ومرت يد الجنوب ماءه، فقوض الحي مزلئمين نحوه، فسرحنا فيه المال فكان وخماً وخيماً، فأساف المال، وأضف الحال، فبقينا لا تيسر لنا حلوبة، ولا تنسل لنا قتوبه، وفي ذلك يقول شاعرنا: الطويل ومن يرع بقلا من سويقة يغتبق ... قراحاً ويسمع قول كل صليق أي يسمع العذل يقولون قد نهيناك. أما قوله: قوي: أي احتبس، يقال: الثمام شر ما احتبس تكرفأ: ذهب، وشصا: ذخب، الرباب: المطر، والوسمي: أول مطر يسم الرض، والسمي: جمع سماء، واحزألت: تفرقت، تشيمه البصار: تدركه، ومرت - خفيفة - استخرجت، فقوض الحي أي تفرقوا، ومنه تقوض الحي، ومنه تقوض الخباء إذا حط. قال ابو نوفل: قتل الحجاج ابن الزبير وصلبه على عقبة،

فجعلت قريش تمر به والناس، حتى مر به عبد الله بن عمر فوقف عليه فقال: السلام عليك أبا خبيب، أما والله لقد نهيتك عن هذا وكنت عنه غنياً، أما والله لقد كنت ما علمتك صواماً قواماص، وصولاً لرحم، والله إن أمة أنت شرها لأمة صدق؛ قال: ثم نفذ، فبلغ الحجاج موقفع فبعث إليه ثم استنزله ثم أمر به فألقي في قبور اليهود، ثم بعث غلى اسماء بنت أبي بكر بعد ما عميت أن تأتيه فأبت، فقال: لتأتيني أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك، فقال: والله لا ىتيك حتى تبعث إلي من يسحبني بقروني، قال: أروني سبتي، فأخذ نعليه وجعل يتوذف حتى دخل عليها فقال: كيف رأيتني فعلت بعدو الله؟ قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليكآخرتك، وقد بلغني أنك كنت تعيره وتقول: يا ابن ذات النطاقين، فقد ولاله كنت ذات نطاقين، أما أحدهما فكنت أرفع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر رضي الله عنه طعامهما من الذباب، وأما الآخر فنطاق المرأة التي لا يستغني عنه، فبأي ذلك ويلمك تعيره، وقد سمعت رسول الله حروف يقول: في ثقيف كذاب ومبير؟ أما الكذاب فقد رأيناه، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه. قال الحسن: أوحى الله إلى آدم: أربع هن جماع لك ولولدك، واحدة لي، وواحدة لك، وواحدة بيني وبينك، وواحدة بينك وبين الناس؛ أما التي فتعبدني ولا تشرك بي شيئاً، وأما التي لك فعملك آجرك به أفقر ما تكون إليه، وأما التي بيني وبينك فعليك الدعاء وعلي الإجابة، وأما التي بينك وبين

الناس فاصحبهم بالذي تحب أن يصحبوك به. قال مجاهد: لما أمر إبراهيم عليه السلام أن يؤذن في الناس بالحج قال: يا رب كيف أقول؟ قال: قل يا أيها الناس أجيبوا ربكم، قال: فوقرت في قلب كل مسلم مؤمن. ولو قال: أفئدة الناس لازدحمت عليه فارس والروم، ولكنه قال: أفئدة من الناس. قال أبو هريرة: مثلت الدنيا على طائر، فالبصرة ومصر الجناحان، والشام والجزيرة الجؤجؤ، واليمن الذنب. قال القاسم بن محمد: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: إن في حجري أيتاماً لهن إبل ولي إبل، فماذا يحل لي من ألبانها؟ فقال: إن كنت تبتغي ضالها، وتهنأ جرباها، وتلوط حوضها، وتسقي عللها، فاشرب غير مضر بنسل ولا ناهك في حلب. قال أبو صالح، قال أبو هريرة: اللسان ترجمان، والعينان

مسلحة، والأذن قمع، واليدان الجناحان، والرجلان بريد، والطحال ضحك، والكبد برد، والكلية مكر، والرئة نفس، والقلب الملك، فإذا صلح القلب صلحت الجوارح، وإذا فسد فسدت. قال سفيان بن عيينة، قال أبو حازم: اشتدت مؤونة الدنيا، فما تمد يدك منها إلى شيء تطلبه إلا وجدت عليه فاجراً قد سبقك، وأما مؤونة الدين فما تجد أحداً يعينك عليه. وقال ابن أبي زياد: جاء ثعبان فحال بين الناس وبين الطواف، فدعا أهل مكة فجاء طائر أظل نصف مكة حتى اختطف الثعبان فرمى به في البحر. قال الحسن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الناسلم يؤتوا في الدنيا شيئاً هو خير لهم من اليقين والمعافاة، فسلوهما الله عز وجل. قال الحسن: صدق والله نبي الله؛ باليقين طلبت الجنة، وباليقين هرب من النار، وباليقين أديت الفرائض، وباليقين صبر على الحق، وفي معافاة الله خير كثير، قد والله رأيناهم يتقاربون في العافية فإذا نزل البلاء تباين القوم. قال الحسن، قال غزوان بن زيد الرقاشي: لله علي ألا يراني

ضاحكاً، حتى ألحق بالله عز وجل. قال مغيرة: كنت كثير الضحك فلم يقطعه عني إلا قتل زيد بن علي. لما احتضر معاذ قال: قد كنت أخشاك وأنا اليوم أرجوك. قال عبد الله بن أبي الهذيل: إن كان أحدهما ليبول فيتسمح بالتراب مخافة أن تقوم الساعة. قيل لأعرابي: ما أضنك بالخمر؟ قال: سبحان الله، كيف لا أضن بها وهي تسرج في عيني نورها، وفي سرورها. قال العتبي: كان معاوية يقوم لرجل من أهل الشام، وكان شيخاً مسناً قد بلغ التسعين، فقيل له: أتقوم لهذا؟ فقال: إن فيه شبهاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أقوم للنبي صلى الله عليه وسلم. ذكر أعرابي شيبه فقالك كنت أنكر البيضاء فصرت أنكر السوداء.

قال ابن الأعرابي: أنشدني عبد الله بن شبيب: الكامل من يأمر القوام بعد قبيلة ... درجوا وتوبع بينهم من واقف كانوا دعائهم قومهم وعمادهم ... وملاذ غارمهم مأوى الخائف أخذوا بغرة طائر غروا بها ... سبب جرى لهم بحتف حاتف لم يبق من آثارهم وعيونهم ... عين تؤمل ذات شفر طارف لم يبق من آثارهم وعيونهم ... عين تؤمل ذات شفر طارف والدهر ذو صرف يشب فأهله ... وصحابه موصولة بمتالف لا تجزعن من الزمان وريبه ... واصبر لذلك صبر حر عارف قال الأصمعي: دخل مالك بن هبيرة السكوني على معاوي فأدناه وقربه، وكان شيخاً فانياً حسن الجسم، فخدرت رجله فبسطها، فقال له معاوية: ليت لنا يا ابا سعيد جارية لها مثل ساقك، فقال: يا أمير المؤمنين، ولاساق متصل بمثل عجيزتك، فقال معاوية: البادئ أظلم. قال الأعمش: دخل رجل داراً فسرق طستاً، فلما خرج رأى عل باب الدرا نفراً، فالتفت إلى الدار فقال: إن لم يشتر بسبعة أبيعة بستة؟ يوهمهم أنه دفع إليه ليبيعه. قال أسقف فارس: لو أنشر من مات لأخبر أكثرهم أنه مات بشماً.

شاعر: الكامل الحرص عون للزمان على الفتى ... والصبر نعم العون للأزمان لا تجزعن فإن دهرك إن رأى ... منك الخنوع أمده بهوان وغذا رآك وقد نصرت لصرفه ... بالصبر لاقى الصبر بالإذعان سمعت السيرافي يقول: شواية كل شيء ضعفه، وأشويته: أطعمته الشواء، والشوي: الشاء. وسألت السيرافي عن قوله " قائماً بالقسط " آل عمران: 18 بم انتصبت قائماً؟ قال: بالحجال، قلت: أين الحال؟ قال: لله تعالى، قلت: أيقال لهل حال؟ قال: غن الحال هي للفظ لا لمن يلفظ بالحال عنه. ولكن الرحمة لا تستوفي حقيقة المعنى في النفس إلا بعد تضوع الوهم. هذه الأشياء صناعة تسكن إليها النفس ويقنع بها القلب. قال رجل لابن المقفع: أنا بالصديق آنس مني بالأخ، فقال: صدقت، الصديق نسيب الروح والأخ نسيب الجسم. سألت السيرافي عن قولهم وبررت إذا قالوا: صدقت وبررت، فقالك صدقت صدقاً نافعاً كأنك لم تصدق صدقاً بحتاص، ولكنك وصلته بالبر، والراء مكسورة في بررت. سمعت ابن خضر الكاتب البغدادي يقول: قال أبو عبد الله

الواساني الرئيس في مجلسه: إنا - ذرية محمد حروف من بطن فاطمة عليها السلام - سعدنا بشفاعتها لأن الله حفظ فرجها، فقال ابن رزام المتكلم: أعز الله الشريف، فمن ذا الذي يقول: إن حواء زنت؟! شاعر: الوافر غدا ناعيك حين غدا بخطب ... يبث الشيب في رأس الوليد ويقعد قائماً يخشى حماه ... ويبعث للقيام حبى القعود وأضحت خشعاً منه نزار ... مركبة الرواجب في الخدود قال أعرابي: ما رأيت عيناً أخرق لظلمة ليل من عينه، ولا لحظاً أشبه بحريق النار من لحظه، له طرة كطرة السيف إذا غضب، وجرأة كجرأة الليث إذا حرب. وصفت الخنساء أخاها فقالت: لقد كان كريم الحدب، واضح الجدب، يأكل ما وجد، ولا يسأل عما فقد. كاتب: إن للظلم دائرة بكل ذي حذر على غرر، وتمنع كل وارد عن الصدر، وتقحم كل آمل على أجل، وتقضي لكل آمل على وجل.

هذا والله الكلام العزيز الجانب، المصون العرض، الجليل القدر، يعمل والله في القلب عمل الغيث في الجدب، وليس في كل قلب، ولكن في القلب الذي قد فطر على الخير، وحبب إليه الأدب، وظهر من أدناس الجهل، وكل محلاً للتوفيق، وأهلاً للملاطفة. خطب أعرابي فقال: الحمد لله رب العالمين، ولا إله إلا الله خلافاً على الجاحدين، وصلى على محمد خاتم النبيين، وإن أحق ما استمع له كلام رب العالمين، قال الله تعالى " وأنكحوا الأيامي منكم والصالحين م عباطم " النور: 32. شاعر: الوافر تبدل بالمطامع منه يأساً ... وبالضرع القناعة فاستراحا فلا طمع ينازعه بكوراً ... ولا أمل ينازعه رواحا سمعت أعرابياً بفيد يقول: ستساق إلى ما أنت لاق. وقال أعرابي: من أفاده الدهر أفاد منه. شاعر: السريع يا أيها السائل عن حال من ... أصبح في عسر وإفلاس لا تسأل المعسر عن حاله ... واسأل لمن ألجا إلى الناس قال ثابت البناني للحسن: إنك تريد الحج وأنا أريد،

أفأصحبك؟ فقال الحسن: دعنا نتعايش الله، إني أكره أن نصطحب فيرى بعضنا من بعض ما نتماقت عليه. قال أبو مجلز: قلت لرجل مديني: كيف صار الثقيل اثقل من الحمل الثقيل؟ قال: لأن الحمل الثقيل يشارك الجسد في حمله، والرجل الثقيل تنرد الروح بحمله. ركب يزيد نهشل بعيراً له: فلما استوى في غرزة قال: اللهم إنك قلت " سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين " الزخرف: 13، اللهم إني أشهدك أني له مقرن، فنفر البعير وتعلقت رجله في الغرز، والبعير يجمز به، حتى مات. حدثت بهذا الحديث أبا حامد المروروذي فقال: إن بعض خلعاء أصحاب الحديث قال يوماً وهو فيجماعة من طلاب الحديث يمشون إلى شيخ للرواية عنه: امشوا قليلاً قليلاً، فإن طالب العلم يمشي على أجنحة الملائكة ما دام في طلب العلم حتى لا يتكسر الجناح، متهزئاً بهذا الحديث، فعثر عثرة عرج منها عند هذا الكلام. فحدثت بهذا الحديث ملأ من الصوفية والغرباء والجوالين في

الآفاق، السائحين في الدنيا، الحافظين للعبر، المقتبسين للأدب، فقال شيخ منهم - وكان من مصر: لهذين الحديثين عندي ثالث: كان بالمغرب ورواق، وكان معروفاً بالإلحاد لظاهر مجونه، وإفراطه في جنونه، فكتب مضحفاً في ستة أيام، فتعجب الناس منه، فقال له رجل: في كم كتبت هذا؟ قال: " في ستة أيام وما مسنا من لغوب " ق: 38، فحشت يده. هذا لفظ الشيخ، ومعناه يبست، والحشيش منه ليبسه، فأما ما رطب فهو كلأ. والبحث عن هذا الفن صعب لأن بعضه يقع اتفاقاً، وبعضه يقع استحقاقاً، والاعتبار يجمعهما، وإن كانت الحقيقة لا تميزهما، والأولى بالمرء المتحرج أن يهجر اللعب بالله جل وعلا، وبالإهيته وبكلامه وأفعاله، فإن الله عز وجل لا يغفل عما يقال، ولا يحفى عليه ما يفعل، ومن علم أنه بعينه طال صمته، واشتد فرقه، وقل إعراضه، واتسعت عبره، وكان من وراء الزاد للمعاد، وغذا كان جميع ما تتقلب فيه كظل المتفيء وحلم الراقد إلا ما جعله الله سلماً غليه، ورفداً في نيل ما لديه؛ ما أحوجنا إلى محاسبة أنفسنا، والأخذ لها منها قبل عطبها وبوارها. قيل لبعض الأغنيا: ما أحسن القمر!! قال: إي والله، خاصة بالليل. قيل لحاتم الأصم: على ما بنيت أمرك؟ قال: على أربع

خصال: علمت أن رزقي لا يأكله غيري فلم أهتم به، وعلمت أن عملي لا يعمله غيري فأنا مشغول به، وعملت أن الموت يأتيني بغتة فأنا مبادره، وعلمت أني بعين الله في كل حال فاستحييت منه. حدثنا بعض أصحابنا قال: رأيت بدوياً يخاصم رجلاً من الحاج بالكوفة عند منصرف الناس، فقيل له: أتخاصم رجلاً قد حج؟ فقال على البديهة: الطويل يحج ليكما يغفر الله ذنبه ... ويرجع قد حطت عليه ذنوب والتقى ناسكان بالموقف فقال أحدهما لصاحبه: ما تبغي ها هنا؟ قال: الزيادة، قال: يا هذا، ما كان لك في رؤية هذا المكان من الفوائد، ما أغناك عن طلب الزوائد؟! قال القناد وقد نظر غلى بعض أصحابه: يا هذا ليس كل من ينفذ نفذ، ولا كل من حصل وصل، ولا كل من وقف بالباب صار من الأحباب. قال بعض الواعظين: ثلاث هن أسرع فيالعقل من النار في يبيس العرفج: إهمال الفكرة، وطول التمني، والاستشراء في الضحك. إن الله لم يخلق النار عبثاً، ولا الجنة هملاً، ولا الإنسان سدى، فاعرف نزق العبودية، وعجز البشرية، فكل زائد ناقص، وكل مقيم شاخص، وكل قرين مفارق، وكل غني محتاج، وإن عصفت به ريح الخيلاء، وأبطره العجب،

وصال على الأقران، لأنه مدبر مقهور ومبتئس، إن جاع سخط المحبة، وإن شبع بطر النعمة، ترضيه اللمحمة فيستشري مرحاً، وتغضبه الكلمة فيستطير شفقاً حتى تتفسخ منته، وتنتقض مريرته، وتضطرب فريصته، وتنسد عليه حجته. كاتب: كتابي - جعلت فداك - من غربة في غير صحبة، وعن خيبة في طول غيبة. كتب هاشمي إلى يحيى بن خالد: علمي بمودتك يمنعني من استحثاثك، ورضى إخائي بك يشكو إليك تقصيرك، وأملي فيه يصبرني على تأبيك. وقال ملك لصاحب ملك آخر: أطلعني على سر صاحبك وانج بنفسك، فقال: إلي تقول هذا، وما ذاق أحد كأساً لا مذاق لها أمر من الغدر؟ والله لو حول ثواب الوفاء إليه لما كان فيه عوض منه، ولكن سماجة اسمه وبشاعة ذكره ناهيان عنه. قال كشاجم في كتاب النديم: ندام النظراء أنعم وأرق، وندام العظماء أجل وأشرف. يقال: خمس يورثن الفقر: الأكل على الجنابة، والادلاك بالنخالة، وتقليم الأظافر بالأسنان، ونتف الشيب، ونومة الضحى. لو وصل هذا الأدب بعلله وأسبابه لكانت النفس إليه أسكن، والعمل به أكثر، والمصير إليه أسرع، وما أكثر ما يرسلون هذه الأمور إرسال الجاهل بما يقول!!

شاعر: الوافر فإن يك صدر هذا اليوم ولى ... فإن غداً لناظره قريب قال فيلسوف: المقادير لا تدفع بالمغالبة، والأرزاق المكتوبة لا يزيد فيها الشرة والمكالبة. دخل أبو العباس العطافي إلى بعض القصاص وقد أخذ القاص في غزاة خيبر فقال: بارك الله عليك، ما أحسن ما تؤدي كلام منصور بن عمار! وحضر القطيعي مع قوم جنازة، فنظر إلى أخي الميت فقال: أهذا الميت أم أخوه؟ فانقلب المأتم ضحكاً. خرج إسحاق بن مسلم العقيلي مع المنصور إلى مكة فأمعن في السير وطوى المراحل، فقال إسحاق: إنا ق هلكنا يا أمير لمؤمنين، فما هذهالعجلة؟ قال: نخاف أن يفوتنا الحج، قال: فاكتب إليهم ليؤخروه عدة أيام. قال أبو العيناء: كنت بحمص فمات لجار لي بنت، فقيل له:

كم كان عمرها؟ قال: لا والله لا ادري، ولكنها ولدت أيام البراغيث. قال أبو سالم القاص، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كانت هند بنت عتبة حين لاكت كبد حمزة أحارتها إلى جوفها ما مستها النار؛ فقال المبردي: اللهم أطعمنا من كبد حمزة. قال بزرجمهر: الركون غلى الدنيا مع ما نعاين من الموت جهل، والتقصير في احسن الأعمال إذ عرفنا فضيلة الثواب عجز، والطمأنيية إلى أحد قبل الاختبار حمق. خرج رجل في ابتغاء الرزق فأعيا في طلبه، فجلس مستريحاً مقابله حائط، فقرأ فيه: الكامل لما رأيتك قاعداً مسقبلي ... أيقنت أنك للهموم قرين هون عليك وكن بربك واثقاً ... فأخو التوكل شأنه التهوين طرح الذى عن نفسه في رزقه ... لما تيقن أنه مضمون فرجع إلى بلده. سمعت شيخاً من أهل الكوفة يقول: الزعزعة: شرب الريق من الفم، والصعصعة: التفريق. كاتب: الحمد لله الذي حقق أملي فيك، وصدق ظني بك،

وذكر المنة لك علي، وجعلك مولى الصنيعة وسبب المكرمة في، فلم يسبقك احد إلى الإحسان إلي، ولم يحاصك في الإنعام علي، ولم تتقسم الأيادي شكري فهو لك موفر عليك، ولم يخلق وجهي فهو بك مصون جديد، ولم يزل ذمامي مضاعاً حتى رعيته، وحقي مبخوساً حتى قضيته، فأنصفتني من دهر طالما ظلمني، وأخذت بيدي من العثرة، وأبعدتني من الصرعة، وسررت الولي الودود، وأرغمت بي العدو الحسود، ورفعت أملي بعد انخفاضه، وبسطت رجائي بعد انقباضه، وأمطت خمي وقويت منتي، فلست أعتد يداً إلا منك، ولا أعرف معروفاً إلا لك، ولا أوجه رغبة إلا إليك. أعرابي: البسيط إن كنت جاهلة فاستخبري خبري ... هل أصدر الأمر لا يسطاع بالحيل وهل أرد شبا خصمي محاسمة ... يلقى الألد حجاج الخصم بالجدل شبا كل شيء: حده، والحاسمة: القاطعة، والألد: الشديد الخصومة، يقال: فيه لدد وله مدد. سعيد بن حميد: الكامل المجزوء لا تعتبن على النوائب فالدهر يرغم كل عاتب واصبر على حدثانه ... إن الأمور لها عواقب

والدهر أولى ما صبر ... ت له على كدر المشارب فلكل خالصة قذى ... ولكل صافية شوائب كم فرحة مطوية ... لك بين اثناء النوائب ومسرة قد أقبلت ... من حيث تنتظر المصائب قال المفضل: كانت العرب تقول: لا تشتر خمسة من خمسة: فرساً من أسدي، ولا جملاً من نهدي، ولا عنزاً من فهري، ولا عبداً من بجلي، ولا حماراً من إيادي. لما قتل العباس بن الحسن الوزير ببغداد، دفع ابنه محمد أبو جعفر، وكان أديباً، إلى خراسان، فقال: الهزج لئن أصحبت منبوذاً ... بأقطار خراسان وموقوذاً نبت عن لذ ... ذة التغميض أجفاني ومحمولاً على الأصع ... ب من إعراض سلطاني ومحصوصاً بحرمان ... من الأعيان أعياني وصرف عند شكواي ... من الآذان آذاني ملقى بين أظلاف ... وأخفاف توطاني ومكلوماً بأظفار ... ومدوماً بأسنان

كأن القصد من أحدا ... ث ازماني إزماني فكم مارست في إصلا ... ح شاني ما فرى شاني وعاينت خطوباً جر ... رعتني ماء خطبان أفاد الشيب فودي ... وأفناني وأفناني أغصتني بأرياقي ... لدن إيراق أغصاني ونادتني إلى من هـ ... وعني عطفه ثاني سوىأني أرى في الفض ... ل فرداً ما له ثاني ولو أنصفت ما أبع ... دني فضلي بل ادناني كأن البخت إذ كش ... ف عني كان عطاني وهل ينفعني جدي ... وتشميري وإدماني إذا الجد تحدان ... ي والحد تعداني وكل بالذي في شم ... ن أرداني أرداني سأستنجد صبري إن ... هـ من خير أعواني واسترفد عزمي إن ... هـ والحزم سيان وانضو الهم عن قلبي ... وإن أنصب جثماني وأقضي بنجاء إن قضاء الله نجاني إلى أرض جناها من ... جنى جنة رضوان غلى أرضي التي أرضى ... وترضيني وترضاني هواء كهوى النفس ... تصافاه صفيان رقيق الآل كالآل ... وفيه أمن إيمان

رخاء كرخاء فر ... ج الكربة عن عان وماء مثل قلب الصب ... ب مرتاعا بهجران فإن سلمني الله ... وبالصنع تولاني وأخلى ذرعي الدهر ... وخلاني وخلاني فإني لا أعود الده ... ر ما عاد الجديدان إلى الغربة حتى تغ ... رب الشمس بشروان فإن عدت لها يوماص ... فسجاني سجاني وله من أبيات يهجو رجلاً أبخر: الهزج سفت نتنا سوافيك ... إذا سيقت سوافيكا وأطراف المساويك ... تجلت عن مساويكا فما جارحة فيك ... لنا أجرح من فيكا قيل لمدينية: أيهما أحب غليك النيك أم التمر؟ قالت: التمر ما أحببته قط. جامع رجل قصير امرأة طويلة، فلما قبلها خرج متاعه من بطنها، فقالت له: نحن والله في طرائف، كل ما ربحناه من فوق خسرناه من أسفل. رأى مزبد خاتماً من ذهب في يد جارية فقال لها: ناوليني خاتمك أذكرك به، قالت: هذا ذهب وأخشى أن تذهب، ولكن خذ هذا العود فعسى أن تعود.

شيع أبو العلاء المنقري جنازة أحمد بن يوسف الكاتب فظل يبكي، وكان مكتحلاً فسال كحله على وجهه، فنظرت إليه امرأة فقالت: سخنت عينك، كأنك والله مطبخ يكف، أيش هذه السماجة؟! فأضحك أهل الجنازة. أدخل الجماز قحبة، فلما ركبها لم ينتشر عليه، ففي حركته ضرط فخجل، فقال لها: بالله لك زوج؟ فقالت له: لو كان لي زوج لم أدعك تخرا علي. وقالت أخرى لآخر لم ينتشر عليه: لو كان لي زوج لم أدعك تجعل حري طنبوراً تضرب عليه، لأنه كان يدلك أيره على شفريها. سمعت امرأة بغدادية تقول لجارتها وهي تصف رجلاً: لعنه الله، إذا أطبقفمه كأنه جحر مشنج، وغذا فتحه كأنه كس مفحج. أنشد أبو دلف مسعر بن مهلهل الخزرجي: الهزج تركت اللحم للإفلا ... س والدشة والضيق فقالوا بل تثوبون ... بظن غير تحقيق ولو مر بنا ماني ... أكلنا على الريق قال ابن عبدوس في كتاب الوزراء كان عمرو بن ميمون بن

حاتم يتقلد ديوان الخاتم للمهدي، فخرج يوماً متوكئاً على عصا، فلقيه محمد بن سالم اليماني، وسالم كاتب هشام بن عبد الملك، وكان محمد في كتاب المهدي، فقال لعمرو: ما عصام هذه بعضا موسى، فقال عمرو: ولا الوادس الذي اغتصبه أبوك بالأردن أيام هشام بالوادي المقدس. الجواب يجب أن يتقى، ففيه ما يعمل عمل السم. رأيت رجلاً من العلماء قال لأبي حامد المروروذي: هل شاهدت عبد ال بن زياد النيسابوري صاحب المزني في بغداد؟ قال: نعم، قال: فإني ما رأيتك عنده، يغض منه، فقال أبو حامد: إنك لو رأيتني لكان خيراً لك. قال العتيبي: قال عبد الملك بن مروان لزفر بن الحارث: ما بقي من حبك للضحاك بن قيس؟ قال: ما لا ينفعه ولا يضرك، قال: لشد ما أحببتموه يا معاشر قيس: قال: أحببناه ولم نواسه، ولو كنا فعلنا أدركنا ما فاتنا منه، قال: فما منعك من مواساته يوم المرج؟ قال: الذي منع أباك مواساة عثمان يوم الدار. وهذا أيضاً جواب مر.

قال الأصمعي: سمعت أعرابياً يقول لرجل: جنبك الله الأمرين، وكفاك شر الأجوفين، وأذاقك البردين الأمرين: الفقر والعري، والأجوفان: البطن والفرج، والبردان: برد الغنى وبرد العافية. شاعر: الطويل لنا جلساء ما نمل حديثهم ... ألباء مأمون غيباً ومشهدا يفيدوننا من علمهم علم من مضى ... وحكماً وتأديباً ورأياً مسددا بلا كلف يخشى ولا سء عشرة ... ولا نتقي منهم لساناً ولا يدا فإن قلت أحياء فلست بكاذب ... وإن قلت هم موتى فلست مفندا قال بعض النساك: عجبت ممن لا يملك أجله كيف يملك أمله، ومن يعجز عن دفع ما عراه كيف له الأمان مما يخشاه. شاعر: الطويل وإن امرءاً دنياه أكثر همه ... لمستمسك منها بحبل غرور مر تميم الداري يوماً بأصحابه فقال: كيف أصبحتم؟ فقالوا: أصبحنا نرجو ونخاف، فقال: والله ما أدري ما رجاء قوم لا يتحملون ما يكرهون لما يرجون، وما أدري ما خوف قوم لا يدعون ما يشتهون لما يخافون. شاعر: الوافر

سكون النفس يعقبه راء ... وحرص النفس يدني للهوان وليس بزائد في الرزق حرص ... وليس بناقص منه التواني إذا ما الله سبب رزق عبد ... أتاه في التنائي والتداني قيل لصوفي: أين حط العارفون رحالهم؟ قال: حيث ناجاهم الحق وبدا لهم. سأل أعرابي قوماً فحرموه فقال: اللهم اشغلنا بذكرك، وأعذنا من سخطك، فقد ضن خلقك على خلقك بروقك، ولا تشغلنا بما عندهم عن طلب ما عندك. العرب تقول: فلان نقي الجيب، عفيف الإزار، طيب الحجزة. كان أبو ذر يقول: يا أيها الناس، إني لكم ناصح، وعليكم شفيق، صلوا في الليل لوحشة القبور، وصوموا في الهاجرة لحر يوم النشور، وتصدقوا مخافة يوم عسير، وحجوا لعظيم الأمور. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إياكم واتباع الهوى، وطول الأمل، فإن اتباع الهوى يبعد عن الحق، وطول الأمل ينسي الآخرة.

قال عطاء السلمي: اللهم ارحم غربتي في الدنيا، ومصرعي عند الموت، ووحشتيفي القبر. يقال: ما رؤي فاطمي أنصح لعباد الله من زيد. كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول: إن قوماً لزموا سلطانهم لغرماء بحق الله عليهم، فأكلوا بخلافهم، وعاشوا بأليسنتهم، وخلفوا الأمة بالمكر والخديعة والخيانة، وكل ذلك في النار، ألا فلا يصحبنا من أولئك أحد ولا سيما خالد بن عبد الله وعبد الله بن الأهتم، فإنهما رجلا بيان، وإن بعض البيان يشبه بالسحر، فمن صحبنا فلخمس خصال: فأبلغنا حاجة من لا يستطيع إبلاغها، ودلنا على ما لا نهتدي إليه من العدل، وأعاننا على الخير، وسكت عما لا يعنيه، وأدى الأمانة التي حملها منا من عامة المسلمين فحيلا به، ومن كل على غير ذلك ففي حل من صحبتنا والدخول علينا. قال سفيان بن عيينة: قال أمير المؤمنين لأبي حازم: أوصني، قال: هين يسير، لا تأهذن شيئاً إلا بحقه، ولا تمنعن شيئاً من حقه، قال: يا أبا حازم، من يطيق هذا؟ قال: من طلب الجنة وهرب من النار.

أنشد اليزيدي: الخفيف ويصاد القطا فينجو سليماً ... بعد يأس ويهلك الصياد ومثله لابن الجهم: الكامل كم من عليل قد تخطاه الردى ... فنجا ومات طبيبه والعود قال الأصمعي: ما تطلي به المأة عينها من الزعفران عند الولادة يقال له الدمام، ويقال للذي تصلح به القدر وتطلى: الدمام، ويقال للناقة: قد دمها الني دماً إذا ملأها الشحم. قال: والنغض إشارتك برأسك إلى فوق، وإذا عوجت فمك من احد شقيه وأخرجت له صوتاً فهو مض، وأنشد: الرجز سألتها الوصل فقالت مض ... وحركت لي رأسها بالنغص قال ثعلب: الطل: إبطال الحق، والضهل: تصغيره، والطفشل من الرجال: لضعيف الأحمق. وأنشد أبو خليفة الجمحي قال، أنشد التوزي: الطويل

بنفسي من لا أستطيع لقاءه ... على حالة إلا قلبي خائف ومن حبه داء ومبذول نفعه ... شفاء ومن دون الشفاء متال وأنشدني: الطويل لا تعذلينا في الزيارة إننا ... وإياك كالظمآن والماء بارد يراه قريباً صافياً غير أنه ... تحول المناي دونه والراصد قال ابن الأعرابي: الهسر يكون في الخير والشر، والأرق لا يكون إلا في المكروه. قال أبو محلم، حدثني رجل من قريش قال: مررت بحي من العرب وأنا حاج، فرأيت فيهم جارية كأنها مهاة، قد برعت جواري الحي، فسألت عن أبيها فدللت عليه، فأتيته فانتسبت إليه فأكرمني ورفعني، ثم خطبتها إليه وبذلت له مهراص سنياً يرغب في مثله، فقال: يا ابن أخي، لقد ذكرت شرفاً شامخاً، وبذلت بذلاً سنياً، ولكن الغريبة عن قومخا أمة لمن انتقلت إليه، ومستذلة فيمن حلت فناءه، لبعد ناصرها، وغيبة حماتها، وما اغتربت منا امرأة قط، ولو أمكن ذلك لكنت أول راغب؛ فقمت من عنده، فأقبل علي رجل في إثر رده إياي فقال: يا ابن أخي، لست أول من رد عن هذه الجارية، أما سمعت قول الشاعر فيها: البسيط يظل خطابها ميلاً عمائمهم ... كأن أنضاءهم أنضاء حجاج لها أب سيد ضخم وإخوتها ... مثل الأهلة لا يستبهم هاجي قال أبو محلم في قول الراجز: الرجز

أما تاره وإلى آستوائها ... وحسنها في العين وامتلائها لا ترهب الذئب على أطلائها ... وإن أحاط الليل من ورائها يعني نخلة. قال عمر بن شبة: أنشدني العريان: الطويل فإنك لا تدري، فلا تعر جانباً ... من المبتغى: أي الأمور المساعف فيا ري كره جاء من حيث لم تخف ... وميسور أمر في الذي انت خائف وما الناس إلا كالسيوف خاتلافهم ... فكل محلى الجفن والبعض قاطف قال عمر بن شبة: أنشدني عبد الملك بن الوليد من ولد الحجاج ابن يوسف، وكان طفيلياً في البصرة، وكان أدياً شاعراً: الكامل المجوء لا تحتشم دا القري ... ب ومنزل الفظ مريد واهجم على هذا وذا ... ك هجوم شيطان مريد وادخل كأنك خابز ... بيديك جردقة الثريد وإذا دخلت مخففاً ... فاحمل كحملات الأسود واختك ثرائدهم ولا ... تكفف عن اللحم النضيد

ودع الحياء فإنما ... وجه المطفل من حديد كان الباقر عليه السلام يقول: سلاح اللئام قبح الكلام. قال المبرد: أنشدنا دعبل في أبي سعد المخزومي: الرمل المجزوء أنا بشرت أبا سع ... د فأعطاني بشاره بأب صيد له بالأم ... س من دار الإماره كل يوم لأبي سع ... دعلى الأنساب غاره فهو يوماً من تميم ... وهو يوماً من فزاره خزمت مخزوم فاه ... فادعاها بالإشارة قال المبرد: أنشدت لأبي العتاهية: الوافر لقد نهج الطريق إليك قصداً ... فما أحد بريدك يستدل إذا ورد الشتاء فأنت شمس ... وإن ورد المصيف فأنت ظل قال محمد بن علي الباقر رضي الله عنه لأصحابه: أيدخل أحدكم يده في كم صاحبه فيأخذ حاجته من الدراهم والدنانير؟ قالوا: لا، قال: لستم بغخوان إذن.

أنشد الأخفش لحداد بسر من رأى: البسيط مطارق الشوق في قلبي لها أثر ... يطرقن سندان قلب حشوه الفكر ونار كير الهوى في الجسم موقدة ... ومبرد الشوق ما يبقي ولا يذر كيف اصطبار امرئ لاقى على مضض ... من زبرة الهجر ما لم يلقه بشر قد أنحلت كلبات الشوق مهجته ... إذ قفل باب الرضا عن خرمه عسر قال أبو الفرج الصفهاني في بيت الأعشى: البسيط نازعتهم قضب الريحان متكئاً ... وقهوة مزة راووقها خضل أنه عنى الحديث. قال زيد بن علي: الداعي إلى الله بغير عمل كالرامي بغير وتر. قال ابن الأعرابي: سأل ابن ميادة أيوب بن سلمة المخزومي حاجة فلم يحمده فقال: الطويل ظللنا وقوفاً عند باب ابن أختنا ... وظل عن المعروف والجود في شغل

للشام الطاعة والطاعون، وللعراق النعمة والشقاق، وللبادية الصحة والشقوة. قال مسلمة بن عبد الملك: ما ركب الناس مثل بغلة قصيرة العذار طويلة العنان. يقال: لم يمت قوم في سفر عطشاً إلا وهم على ماء. يقال: إذا كان فقه الرجل حجازياً، وسخاؤه عراقياً، وطاعته شامية، فقد كمل. قال: حمى خيبر، وطحال البحرين، ودماميل الجزيرة، وطواعين الشام. قال ابن عباس: الكوفة مثلها مثل اللهاة في البدن، يأتيها الماء ببرده وعذوبته، ومثل البصرة مثل المثانة، يأتها الماء بعد تغيره وفساده. شاعر: الكامل تحت المحاجر أعين دعج ... من فوقهن حواجب زج وافين مكة للحجيجفلم ... يسلم بهن لمسلم حج قال بعض أهل الهند لبعض ولاة الحرب: احذر عدوك على كل حال: احذر مواثبته إن قرب، وغارته إن بعد، وكمينه إن انكشف، واستطراده إن ولى، ومكره إن انفرد. قال الحسن: جربنا وجرب لنا المجربون، فلم نر شيئاً أنفع وجداناً

ولا أضر فقداناً من الصبر: به تداوى الأمور ولا يداوى هو بغيره. سألرجل علياً عن عثمان رضي الله عنهما فقال: خذله أهل بدر، وقتله أهل مصر، غير أن من نصره لا يستطيع أن يقول: خذله من أنا خير منه، ومن خذله لا يستطيع أن يقول: نصره من هو خير مني؛ والله ما أمرت به، ولا نهيت عنه، ولو أمرت لكنت قائلاً، ولو نهيت لكنت نصراً، واستأثر عثمان فأساء الأثرة، وجزعتم فأسأتم الجزع. قال أبو حامد عند هذه الحكاية: إن أمر عثمان ليس بمشكل، ولئن أشكل لقد جل خطبنا، فما خفي أشد من خفائه، قيل له: كيف لك؟ قال: لأنه لا يخلو من أن يكون فارق الدين فلا مرية في خروجه من الإمامة لو أتى بما فيه تأويل، فلا يستحق به القيل من القائل، ولا الخذل من الخاذل. قيل له: إن الصحابة لم تقث عنه إلا لإعضال القضية وخبث الحال، قال: إن الصحابة لا ينبغي أن تعقد عن موعظة الإمام وتنبيهه وإعانته وتقويمهورده إلى الرشد، وإعادته إلى القصد، فإن جمح به المنكر وصد عن سواء السبيل فعليها خلعه والاستبدال به، والمصيبة فيها إن قعدت عن نصرته إن كان مظلوماً، أو حين لم تعظه ولم تخلعه حين كان مظنوناً، أعطم من المصيبة فيه، وإن كان لا تأويل فيما أتى ولا وجه لما ارتكب، فكيف ولا شيء مما قنم عليه إلا وفيه باب واسع فيه التأويل، وفقه صحيح المخرج بالاعتبار؟ وكان يقول في هذا المعنى كلاماً كثيراً يتصل بأصول السياسة وآدابها، وأحكام الشريعة وتأويلاتها، وعلى قدر ما تعين في ذلك أرويه وأكتبه إليك، على أن معرفة الحقائق في سيرة قديمة ذات أحوال مشتبهة من الصعب العسير.

ذكر أعرابي قوماً فقال: لا يؤمنون بغيب، ولا يعفون عن عيب. قال ابن أم كلاب: الطويل صفاً صلدة عند الندى ونعامة ... إذا الحرب أبدت عن نواجذها الثعل قال ابن الأعرابي: كان أعرابي إذا أوى إلى فراشه قال: اللهم إني أكفر بك لما كفر به محمد، وأومن بكل ما آمن به محمد، ثم يضع رأسه. يقال في أمثال العرب: نعم كلب في بؤس أهله. قال ثعلب عن ابن الأعرابي، قال أبو البيداء: ما طلعت الجوزاء إلا جدت علينا السباع، قال: وقبل طلوعها هي ساكنة هادئة. أنشد اليزيدي: الطويل ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بأسفل واد ليس فيه أراني

وهل آكلن ضباً بأسفل تلعة ... وعرفج أكماع المديد حواني أقوم إلى وقت الصلاة وريحه ... بكفي لم أغسلها بشنان وهل أشربن ماء الحفيرة شربة ... على عطش من سور أم أبان وأنشد اليزيدي: الكامل يوكون ذنباً للسلوب سنامها ... حتى يعض بساقها المأثور يقول: سمنها دعا إلى نحرها فهو ذنبها. وأنشد اليزيدي أيضاً: الطويل وقومي وإن شارعتهم حومة الردى ... أمر جناباً من جناب القبائل قيا ابن أبي لا تغترب إن غربتي ... سقتني بكأس الضيم ماء الحناظل وما يرأب الصداع المهم لقومه ... من الناس إلا كامل وابن كامل سمعت أبا النفيس الرياضي يقول: واشوقاه إلى قوم عقدوا قلوبهم بالله، وتابوا من ذنوبهم لوجه الله، وأحبوا إخوانهم في ذات الله، واعتمدوا في مصارفهم على الله، وطلبوا منازلهم عند الله، وتابوا قارئين لكتاب الله، وظلوا عاملين بأمر الله، ورضوا في السراء والضراء عن الله، فنالوا الراحة والمنى. أيها السامع، الدنيا قنطرة والجواز عليها سلامة، والآخرة دار القرار والوصول إليها

كرامة، المفتون من اغتر بدنياه، والمغبون من فاته مولاه، متى تعون وأنتم لا تسمعون، ومتى تسمعون لا تحضرون، ومتى تحضرون وأنتم لا تزهدون، ومتى تزهدون وأنتم لا ترغبون، ومتى ترغبون وأنتم لا تعرفون، ومتى تعروفن وأنتم لا تؤمنون، ومتى تؤمنون وأنتم لا توقنون؟ مالي لا أرى شمائلكم تنثني شوقاً وارتياحاً، ما لي لا أرى عيونكم تدمع مساء وصباحاً، ما لي لا أرى ألوانكم مصفرة من البعادة، ما لي لا أرى قلوبكم تحن إلى الزهادة، ما لي لا أرى أعمالكم تخلص، ما لي لا أرى قلوبكم تحن إلى الزهادة، ما لي لا أرى أعمالكم تخلص، ما لي لا أرى آمالكم تنقص؟ أظنكم مطرودين من باب الله، أجدكم مخيبيب مما عند الله، لقد خاب من ليس له عند الله نصيب. جحظة: الكامل المجزوء لما حجبت بباب دا ... رك والدهور لها تشاكل أشرعت سير حميرتي ... وعلمت أنك كنت تاكل قال بنان الطفيلي: عصعص عنز خير من قدرباقلي. لبعض الكلبيين: الطويل فقالت بحق الله إلا أتيتنا ... إذا كان لون الليل شبه الطيالس فجئت وما في النوم نقصان قدرها ... وقد نام عنها كل وال وحارس فبتنا بليل طيب نستلذه ... جميعاً ولم أقلب بها كف لامس قيل لأشعب: كيف ترى أهل دهرك؟ قال: يسألوننا عن أحاديث الملوك ويعطون عطاه العبيد.

قال بنان: صلاح الأمر في خصلة: الطعام لايؤكل إلا على شهوة. وقيل له: أي الطعام أطيب؟ قال: ما اتسع صدر صاحبه. قال بعض الأغبياء لصاحب رمان مقد: رمانة مبرسمة لرجل حامض. قالبنان: كان ابن عمر إذا فرغ من طعامه قال: الحمد لله الذي رزقنا وجلعنا نشتهيه، فرب من يقدر عليه لا يشتهيه. أنشد ثعلب: البسيط راحوا ورحنا على آثارهم أصلاً ... محملين من الأحزان أوقارا كأن أنفسنا لم ترتحل معنا ... أو سرن في أول الحي الذي سارا قال زيد بن علي لرجل: إنما نفسك واحدة فإذا خسرتها فبم تعتاض عنها؟ قالت الفرس: أفعال الناس وأحوالهم تنقسم خمسة وعشرين قسماً: خمسة بالجد، وخمسة بالختيار، وخمسة بالعادة، وخمسة بالجوهر، وخمسة بالنسب؛ فاما التي بالجد فالحياة والأهل والولد والمال والمملكة؛ وأما التي بالاختيار فالطب والنجوم والفلسفة وافثم والأجر؛ وأما التي بالعادة فالأكل والنوم ولاجماع والمشي والأعمال الصعبة؛ وأما التي بالجوهر فالمحبة

والعداوة والخلق والشقاء والاستقامة؛ وأما التي بالنسب فالعقل والدهر والمنطق والحسد والجمال. أنشد: الكامل وجزعت يوم فراقكم يا سادتي ... من ذا ليوم فراقكم لا يجزع سمع الوشاة ببيننا فتغامزوا ... ليت الوشاة ببيننا لم يسمعوا واهاً لقلبك والهوادح ترفع ... والعيس تحدى والمآقي تدمع فتوقدت أنفاسنا وقلوبنا ... كل إلى كل يحن ويرجع قال إسحاق الموصلي: أوصى بعض العرب ابنه فقال: يا نبي، كن كالضب ولا تكن كالجراد، فإن الضب يلتزم جحرة فلا يفارقه، وإن الجارد يسرح فيأكله كل شيء. قال واعظ: احذر إلف قرين السوء، واذكر الموت، وأدم فيه الفكرة، فإن من لم يعتبر بما رأى لم يعتبر لما لم ير. أنشد ابن الأعرابي: البسيط كم لمت نفسي إذ أنفقت في سرف ... وكم أخذت فما اسطيع اقتصد وأنشد: المنسرح أصبح وجه الزمان قد قلبا ... وبان معروفه فقد ذهبا ونكس الدهر فرق لمته ... فأصبح الدهر رأسه ذنبا وأنشد: البسيط خلائق المرء في الدنيا تزينه ... وما يزينه طول ولا عظم قد يخلق المرء والمرآة معجبة ... وقد يسود الفتى في كشحه هضم

كاتب: يحتاج الكاتب البليغ إلى تجنب العويص، والطرق المستوعرة، والألفاظ المستكرهة، وتلزيق المتكلفين، وتغليق أصحاب الأهواء والمتكلمين. قال أعرابي: أين أعز الظفر عند المنافسة من المنع عند غضب الدالة. قال ابن السماك: الغرباء في الدنيا الذين يصلحون إذا افسد الناس، كأننا عما يراد بنا نيام. العيش حلو الدر مر الفطام. يغيب المرء في صدع من الأرض غير موسد ولا ممهد، وقد فارق الأحباب، وسكن التراب، وواجه الحساب، غني عنا خلف، وفقير إلى ما قدم. قال بعض الخطباء: نحن أمراء الكلام، فينا وشجب أعراقه، ولنا تعطفت أعصانه، وعلينا تهدلت ثماره، فنجني منه ما احلولى وعذب، ونترك منه ما املولح وخبث. قال خطيب آخر: لا مرحباً بقلوب متغاوية وآذن غير واعية، يحفزها الطمع التافه عن موعظة الواعظ، كالنعام المجفل يراع لأول ناعق، ولا يرتد لأول رادع. قال أعرابي: الدنيا إعلان وإسرار، وإقبال وإدبار، وإحلاء وإمرار. قال اليونانيون: إفراط الأنس مقدمة الجرأة. قوة العزم بنيل البغية.

جهل اعلل يوث الحصر، أي الجهل بمعرفة المعاد يؤدي إلى الانقطاع. تمكن الذعر يدبر الخير جهل القدر يعقب بطراً وخوراً. أمنك عدوك بغيته. عادة الصمت تورث عياً. اللجاجة تسلب الرأي. الخفة تسلب البهاء. الحدة تورث الندم. صديق عدوك حربك. الضمير على الصمير شاهد عدل. من ظفر بالجد التذ ومن ظفر به الجد تعب. رب فوت درك. من أبطره الغنى أذله الفقر. من لان إذا خاف وعتا إذا أمر فلا ناصر له. الحزم آلة الظفر. ثمرة الأمن التفريط. آلة الرئاسة سعة الصدر. الإسراف في النفقة مقدمة ذل الفقر. من اتسولى عليه الضجر رحلت عنه الراحة. ضوع اللفظ يحلل الحقد. ليس بحي من لم يوثق بعهده. قال سقراط: إذا أرادت العامة منازل الخاصة حسدتها عليها وتمنت أمثالها.

هذه نوادر كلام اليونانيين، وقد رم في هذا الكتاب ويمر ما إذا جمعته وأفردته، زادك حسنه، وانثالت عليك فائدته؛ فخذ منها ومن غيرها كل حسن بهيج، نفعلك الله بالعلم، وبصرك بالهدى. قال محمد بن سلام: مدح عبيد الله بن قيس الرقيات عبد الله بن جعفر فأسنى له العطية وأجرى عليه وعلى بغلة له، فقال لوكيل عبد الله: قد نفد علف البغلة، فعرف عبد الله ذلك فدعا بكيس فيه دنانير فجعل يعدها، فطرب ابن قيس على صوتها، فأعطاه ألف دينار وقال: أتراها تكفي لعلف بغلتك؟ قال الجماز: سندية دب إليها مولاها بالليل سراً من امرأته، فلما أصبحت كنست البيت وقالتك يا مولاي، أين أضع هذا التراب؟ فكشف الرجل عن أيره وقال: على هذا يا ستي. أدخل رجل قحبة في شهر رمضان، فلما دفع فيها وأراد ان يقبلها حولت وجهها، فقال لها: لم لا تقبليني؟ فقالت: بلغني أن القبلة تفطر الصائم. نظرت امرأة إلى رجل قد بال وهو يدلك أيره في الحائط فقالت: يا عمي ارفق بسلعة عزيزي.

سمعت امرأة مؤذناً يؤذن قبل طلوع الشمس ويقول: الصلاة خير من النوم، فقالت: النوم خير من هذه الصلاة. أدخل رجل قصير أيره على امرأة طويلة، فكان إذا قبلها خرج أيره من بطنها، وإذا أدخل عليها قصر عن تقبيلها، فقالت له: حبيبي، لا يستوي لك عملين في عمل، إذا ذهبت تسوي دروند الباب خرج المفتاح من الغلق. قال مزبد لامرأته: ماالذي يعجب النساء من الرجال؟ قالت: شدة الرهز وقلة العجز. من المروءة مجانية النساء لقلة وفائهن، وضعف عقولهن، وتلون أخلاقهن، وقذر أحوالهن. أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم مرذفاً أبا بكر، فكان الرجل يلقى أبا بكر فيقول: من هذا بين يديك؟ فيقول: يهديني السبيل، يعني الحق. أطال قوم العيادة عند بكر بن عبد الله فقال: المريض يعاد، والصحيح يزار. قدم معاذ بن جبل بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أبو بكر: ارفع حسابك، فقال: أحسابان: حساب من الله وحساب منكم؟ والله لا علمت لكم عملاً أبداً.

شهد رجل عند سوار فقال له: ما صناعتك؟ قال: مؤدب قال: فإنا لا نجيز شهادتك، قال: ولم؟ قال: لأنك تأخذ على تعليم القرآن أجرة، قال: وأنت تأخذ على القضاء بين المسلمين أجرة، قال: إني أكرهت على القضاء، قال: أفأكرهت على أخذ الرزق؟ قال: هلم شهادتك، وأجازها. شهد قوم عند ابن شبرمة على قراح فيه نخل فسألهم: كم في القراح من نخل؟ قالوا: لا نعلم، فرد شهادتهم، فقال له رجل منهم: أنت تقضي في هذا المسجد منذ ثلاثين سنة فكم فيه من أسطوانة؟ فأجازهم. دق رجل على عمرو بن عبيد الباب فقال: من هذا؟ قال: أنا، قال: لست أعرف في إخواننا أحداً اسمه أنا. عمل سهل بن هارون كتاباً يمدح فيه البخل وأهداه إلى الحسن بن سهل، فوقع على ظهره: قد جعلنا ثوابك عليه ما أمرت به فيه. قيل لعبد الله بن جعفر وهو يماكس في درهم: تجود بما تجود

وتماكس في هذا؟ فقال: ذاك ما لي أجود به، وهذا عقلي بخلت به. قيل لخالد بن صفوان: لم لا تنفق مالك فإنه عريض؟ قال: الدهر أعرض منه. لبس ابن أبي دواد طيلساناً جديداً، فزال عن منكبه فقال: ما أحسن أن ألبس الجديد، فقال له أبو العلاء: إن كنت لا تحسن أن تلبسه فإنك تحسن أن تلبسه؛ فوهبه له. قال معاوية لابن عباس: لم لا تشير على ابن عمك - يعغني علياً عليه السلام - بكذا وكذا؟ قال ابن عباس: إن ابن عمي يرى ما يرى، وليس هو ممن يرى له، فيرى ما يرى. نظر إلى كثير راكباً ومحمد بن علي يمشي، فقيل له: أتركب وأبو جعفر يمشي؟ فقال: هو أمرني بالركوب، فأنا بطاعته في الركوب أفضل مني في عصيانه بالمشي. دخل الشعبي الحمام وفيه رجل حاسر، فغمض عينيه، فقال له الرجل: يا شيخ، متى ذهبت عينك؟ فقال: مذ أبدى الله عورتك. ركب كسرى والموبذ يسامره، فراثت بغلته فعلم أن الملك قد علم

فقال كسرى: يا موبذ، ما الذي يستدل به على حمق الرجل؟ قالك أن يعلف دابته في الليلة التي يركب في صبيحتها مع الملك وهو يريد أن يسايره، قال: لهذه الفطنة قدمك آبائي. ساح أعرابي لعبد الله بن جعفر: يا أبا الفضل، فقيل له: ليست بكنيته، قال: إن لم تكن فإنها صفته. نشاب وحمد قالا، قال عبد الله بن عمر، إن إبليس قال: أي رب، إنك كنت أخرجتني من الجنة من أجل آدم، وإني لا أسطيعه إلا بتسليطك، قال: فا، ت مسلط، قال: أي رب زدني، قال: لا يولد له ولد إلا ولد لك مثله، قال: أي رب زدني، قال: صدورهم مساكن لكن وتجرون منهم مجرى الدم، قال: أي رب زدني، قال: " وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما بعدهم الشيطان إلا عروراً " الإسراء:64. قال آدم: أي رب، إنك قد سلطت علي إبليس، وإني لا أمتنع عليه إلا بك، قال: لا يولد لك ولداص إلا وكلت به من يحفظه من قرناء السوء، قال: أي رب زدني، قال: الحسنة عشر أمثالها وأزيد والسيئة واحدة قال. أي رب زدني، قال باب التوبة مفتوح ما دام الروح في الجسد، قال: أي رب زدني، قال: " يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقطنوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً " الزمر: 35. قال مطرف بن عبد الله: لو كانت الدنيا لي فأخذها الله مني بشربة ماء يسقيني يوم القيامة كان قد أعطاني بها ثمناً. قال ابن شهاب، قال أبو حازم الأعرج: إن العلماء كانوا فيما

مضى من الزمان يبلغون بعلمهم ما لا يبلغ أهل الدنيا بدنياهم، وأهل الدنيا تبع لأهل العلم على علمهم، حتى جاء هذا الزمان فصار أهل العلم اليوم تبعاً لأهل الدنياعلى دنايهم، لاتباع أهل العلم غياهم، وزهدوا في العلم لإضاعته عندهم. هذا - أيدك الله - آخر الجزء الثالث، وقد حوى من فقر البلغاء، ونوادر الأدباء، ومحاسن النساك والحكماء، ما أسال الله أن ينفعك به، والرابع يتلوه على رسمه؛ فوسع بالك للفهم والتفهم، والبيان والتبين، فإن مزيتك على جميع ما عداك إنما هي بهذه الموهبة الشريفة، والنعم السابغة، ومتى قضيت حق الشكر عليها، امتريت الزيادة إليها، وكنت محفوظاً برعاية القلب، مستوجباً لحميد العقبى، مرقى إلى الدرجة العليا، إن شاء الله تعالى.

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم ربي أعن بمنك الجزء الرابع اللهم، عليك أتوكل وبك أستعين، وفيك أوالي، وإليك أنتسب، ومنك أفرق، ومعك أستأنس، ولك أمجد، وإياك أسأل لساناً سمحاً بالصدق، وصدراً قد ملئ بالحق، وأملاً منقطعاً عن الخلق، وحالاً مكنونها يبوئ الجنة، وظاهرها يحقق النعمة والمنة، وعاقبة تنسي ما سلف، وتتصل بما يتمنىن ويتوكف. وأسألك اللهم كبداً رجوفاً خوفاً منك، ودمعاً نطوفاً شوقاً إليك، ونفساً عزوفاً إذعاناً لك، وسراً ناقعاً ببرد الإيمان بك، ونهاراً مشتملاً على ما كسب مرضاتك، وليلاً حاوياً لما أزلف لديك. أشكو إليك اللهم تلهفي على ما يفوتني من الدنيا، وانقيادس في طاعة الهوى، جاهلاً بحقك، ساهياً عن واجبك، ناسياً لما تكرر من وعظك

وإرشادك، وبيانك وتنبيهك، حتى كأن حلاوة وعدك لم تلج أذني، ولم تباشر فؤادي، وحتى كأن مرارة عتابك ولائمتك لم تهتك حجابي، ولم تعرض كل أوصابي. إلهي، إليك المفر من دار منهومها لا يشبع، ومسهومها لا ينقع، وطالبها لا يرتع، وواجدها لا يقنع، فالعيش عندك رقيق، والأمل فيك تحقيق. اللهم كما ابتليت بحكمتك الخفية التي أشكلت على العقول، وحارت معها البصائر، فعاف برحمتك اللطيفة التي تطاولت إليها الأعناق، وتشوفت نحوها السرائر. اللهم واجعل طريقنا إليك أمماً، ونجنا من الشيطان الرجيم، وخذ معنا بالفضل الذي هو إليك منسوب، وعنك مطلوب، وافطم نفوسنا من رضاع الدنيا، والطف بنا بما أنت له أهل، إنك على كل شيء قدير. اللهم قدنا بأزمة التوحيد إلى محاضر طاعتك، واخلطنا بزمرة المخلصين لذكرك، واجعل إجابتك لنا من فضل ما تفضل بكرم عفوك، ولا تجعل خيبتنا عليك من قبل جهلنا بقدرك، وإضرابنا عن أمرك، فلا سائل أفقر منا، ولا مسؤول أجود منك. اللهم احجز بيننا وبين كل ما دل على غيرك بلسانك،

ودعا إلى سواك ببرهانك. اللهم انقلنا عن مواطن العجز مرقياً إلى شرفات العز، فقد استحوذ الشيطان، وخبثت النفس، وساءت العادة، وكثر الصادون عنك، وقل الداعون إليك، وذهب الراعون لأمرك، وفقد الواقفون عند حدودك، وخلت ديار الحق من سكانها، وبيع دينك بيع الخلق، واستخزئ بناصر مجدك، وأقصي المتوسل بك. اللهم فأعد نضارة دينك، وأفض بين خلقك بركات إحسانك، وامدد عليهم ظل توفيقك، واقمع ذوي الاعتراض عليك، واخسف بالمقتحمين في دقائق غيبك، واهتك أستار الهاتكين لستر دينك، والقارعين أبواب سرك، والقائسين بينك وبين خلقك. أسألك اللهم أن تخصني بإلهام أقتبس الحق منه، وتوفيق يصحبني وأصحبه، ولطف لا يغيب عني ولا اإيب عنه، حتى أقول إذا قلت لوجهك، وأسكت إذا سكت بإذنك، وأسأل إذا سألت بأمرك، وأبين إذا بينت بحجتك، وأقرب إذا قربت يتأنيسك، وأبعد إذا بعدت بإجلالك، وأعبد إذا عبدت مخلصاً لك، وأموت إذا مت منتقلاً غليك. اللهم فلا تكلني إلى غيرك، ولا تؤيسنس من خيرك. هذا - أبقاك الله - الجزء الرابع، وبالله ألوذ من شيء آتيه مجتهداً في نيل مدحك، ثم أستحق به غاية خجرك. وإنما رققت هذه الرقة لأن هذا الجزء قد

استهدفت فيه لثلب الثالب، وعتب العاتب، لما فيه من النوادر الملهية، والألفاظ السخيفة، والمعاني المهجورة، وإن كان في أثناء ذلك وخلاله، من الحكم البالغة، والحجج الدامغة، والألفاظ الحرة، والمرامي البعيدة، ما يلزمك معه أن تهب إساءتي لإحساني، وتتغمد خطائي لصوابي؛ ولئن كانت السيئات يحبطن الحسنات، إن الحسنات يذهبن السيئات. فهذا عذري وهذاك عتبك، ومتى تجاذبنا أهدابهما، وتنازعنا أسبابهما، كان لنا مقال ومجال، لتصرف التأويل بين دعواي وبينتك، واعتراض الاحتمال عن شبهتي وحجتك. على أني لو رأيت للبيان سوقاً، وللعلم أهلاً، وللحكمة طلاباً، وللأدب محبين، وللعلم مقتبسين، أنفت من هذا الاعتذار، وانصرفت عن هذا التزوير، لأني ما جمعت لك في هذا الكتاب إلا ما اجتناه من عقله أكبر من عقلي، واختياره أبلغ من اختياري، ونقده أحسن من نقدي، وذيله في التجارب أطول من ذيلي، وإنما لي ما تلقطته من أقوالهم بعد التحرير والتقرير، وبين التكرير والتفسير، ولم أنفرد فيه إلا برسالة أشرت بها على تقصيري عند من إن كان أكثر أدباً مني فإنه يوفيني حقي، ثم يأخذ بيدي متفضلاً علي. وإنما مددت جناح هذا الفصل لأنني سمعت بعض من ليس له من العلم إلا الدعوى يقول: وما في جمع ملح الناس ونوادرهم من علامة الفضل، ودلالة الأدب، وصواب الاختيار حتى يقال: ما قصر أبو حيان في كتاب البصائر:

نقد واختار، ونقل وامتار، واعترض وطالب، ودعا ورقق، واعتذر وقرب، واحتج وانتصر، ومن هذا الذي يعجز عن مثل هذا، بل من هذا الذي لا يزيد عليه ولا يأتي بخير منه؟ واعلم - فديتك - أن هذا الكلام لا يولده إلا حسد بعد معرفة بحسن العيب، أو جهل قبل استشفاف الغيب، وأي ذلك كان، فما لي في ورده أرب، ولا لي على فاعله سلطان. بلى، أسأل المنصفين من الأدباء، والمبقين على الإخوان، أن يذكروني بصواب ما أصبت فيه منه قبل أن يذكروني بخطأ ما أخطأت فيه. ولعلهم إذا افتحوا هذا الباب، وتتبعوا هذه المعاملة، أن يشغلهم الأول عن الثاني، ويحملهم على حسن الضمير، وجميل القول، ولسان الصدق، ومحمود الثناء؛ على أن الخصم متى كان الهوى مركبه، والعناد مطلبه، فلن تفلح معه، ولو خرجت اليد بيضاء وانقلبت العصا حية؛ وإذا كنت عندك أيها القارئ المنصف، والناظر المتعرف على ما يحسن بك، فما أبالي أن يفوتني ما أحبه لنفسي، لأن هواي يخدم هواك، وطاعتي تطلب رضاك، ومن واصل حبيبه أين يجد العاذل فيه موقعاً؟ وبعد، فاعلم - أي على رغم الحاسد - أن هذا الجزء قد اجتمع على

محاسن تهليك عن السماء إذا ازدانت بمصابيحها، وعن الأرض إذا اقتانت بقيصومها وشيحها، فإنها مواريث عقل ممدود الشعاع على الأولين والآخرين، والعقل به يصح الصحيح ويسقم السقيم، وبمفارقته يهلك الهالك ويجور السائر، فإن كان قد امتزج بهذه المحاسن ما خالف منوال العقل، ونسيج الحق، فذاك لتتبين به حسن الحسن، وقد قيل: والشيء يظهر حسنه الضد؛ وهذا كله، وإن كان منظوماً في سلك واحد، فإن العاقل يميز الطيب من الخبيث، والحق من الباطل، والهزيل من الجد، ويتحلى بالأحسن، ويتخلى من الأقبح، ولو لم يكن جمهوره معروضاً عليه، ولا جمعه مسوقاً إليه، لخيف أن يكل مع أحد الضربين، ويثقل مع أحد الحزبين، فقد لوطف هذا الإنسان وهو لا يدري، وقد يرضى المرء وهو كاره، ويصنع للإنسان وهو عائب، وهل لرضى أنشأه التجني مدى يبلغ، أو غاية تدرك، أو آخر يعلم؟ دع - أيدك الله - هذا كله، فلو هديت لرشدي ما أطعت الهوى وخضت في هذه الخطبة التي لا عائدة لها ولا فائدة فيها، وخذ فيما أخصك به مرشداً، وألقيه إليك ناصحاً، وأباثك به متعللاً: اعلم أنا في دهر الإحسان فيه من الإنسان زلة، والجميل غريب، والخير بدعة، والشفقة ملق، والدعاء حيلة، والثناء خداع، والأدب مسألة، والعلم شبكة، والدين تلبيس، والإخلاص رياء، والحكمة سفه، والقول هذر، والإطراق ترقب، والسكوت نفاق، والبذل مكافأة، والمنع حزم، والإنفاق

تبذير. فانج بنفسك إلى الله الذي يحرسك وأنت حالم، ويستأنيك وانت ظالم، ويدعوك إلى حظك وأنت شامس، ويعطفك على مصلحتك وأنت حائس، ويطلف بك وأنت عائف، ويؤمنك وأنت خائف، ويهديك وقد ضللت، وينعضك وقد زللت، ويقويك وقد كللت، وينشطك وقد مللت، أفيجحد من هذا إحسانه، أم يجفى من هذا نظره، أم يهرب عمن هذا عطاؤه، أم يستزاد من هذا ابتداؤه، أم تعشق الدنيا جهلاً بمن هذا معروفة؟ لا والله، ولكن لج بهذا الإنسان طغيانه، وأرخة في يده عنانه، فجرى طلق الجموح، ثم أن أنين المجروح، حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً. فخذ أيها السامع حذرك، واعلم أن ربك بالمرصاد، وأنت منه على ميعاد، واعلم أن أخذه أليم شديد، وإنما يملي لك لتزداد إثماً، ويستدرجك من حيث لا تعلم. وإذا ولج هذا الكلام سمعك، ووقر في صدرك، وتغلغل في فؤادك، وبلغ حاشية روحك، فاندب نفسك، وابك أيامك، وتلهف على ماضي عمرك، وكفكف عبرات عينك، واخل بشجوك وأشجانك، وأبك على تفريطك، فإذا قضيت من ذلك كله وطرك، فعسى الله أن يراك فيعذرك. ثم ابدأ قبل كل دقيقة وجليلة بطي الأمل وتقصيره، واقمع غربة بحلول الأجل وتكديره، واعلم أنك متى ظفرت من أملك بالقصور، انتظم أمرك، ورجي خيرك، وكان الله كافلك وناصرك؛ ثم ثن تقصير الأمل ببعض الدنيا، ومقت ما زينها في عينك، وحلاها في نفسك، وخبل عليها سلطان عقلك، وغض دونها طرف يقينك؛ ثم ثلث بهجران المتشاغلين عن مهلك، والمزينين لشهوتك، والمتناولين في مرادك، فإن الناس لم يؤتوا في دنياهم إلا من الناس، إن الناس شر من الأفاعي والجرارات والعقارب والسباع. ومتى أحببت أن تعرف

حقيقة ما أقول، عرفت عن كثب بلا تعب. ولقد ذكرت في هذا المكان مسألة جرت بحضرة فاضل حضرته فوعيتها، ولعلها تقتضي مكانها من هذا الموضع، فتعلم أن السلامة من السباع الضارية والأفاعي العادية أكثر: رأيت رجلاً سأل أبا عبد الله الطبري عن الحكمة في خلق الله تعالى الحية والعقرب والأسد، مع ما فيها من الضرر الظاهر والأذى القاهر، فقال أبو عبد الله: حدثني أيها الرجل مذ كم لسعتك عقرب أو لدغتك حية أو افترسك أسد؟ قال: ما أذكر شيئاً من هذا مذ كنت، قال: فمتى عهدك بمن عابك واغتابك، وسبعك وكتم محسانك، ونشر إساءتك، وسعى في هلاكك، وعزم في تلفك، وبذل على فنائك، وسهر في عطبك؟ قال: أقرب عهد، قال: فإن كنت عرفت الحكمة هناك فسقها إلى مسألتك، وإن كنت جهلتها هناك وسلمتها لخالقك فاجهلها هنا وسلم لخالقك. ثم اقبل على السائل فقال له: الدين النصيحة؛ إياك أن تقول فيما بث الله في العالم، وخزنه في هذا الفلك، وطواه من هذا الخلق: لم وكيف؟ فإنك توكل فيه إلى نفسك، وتعجز عن حقيقة ما استأثر به العالم بك؛ فسكت الرجل. أتيت بهذا الحديث توكيداً لما سلف في ضمن الكتاب، فانتبه لما أوعيتك وأوحيت إليك؛ نعم، واعلم أن الرابعة فيها تمام الوصية: الزم العلم على هدي الصالحين، فلن يخليك الله من يده، ولا أخلاك من رفده إن شاء الله.

قال سيبويه: زعم الخليل أن الذين قالوا: الحسن والحارث والعباس إنما أرادوا أن يجعلوا هو الشيء بعينه، ولم يجعلوه سمي به، ولكنهم جعلوه كأنه وصف له غلب عليه، ومن قال: حارث وعباس فهو يجريه مجرى زيد، وأما ما لزمته الألف واللام ولم يسقطا منه فإنما جعل الشيء الذي يلزمه ما يلزم كل واحد من أمته؛ فأما الدبران والسماك والعيوق وهذا النحو فإنما يلزم الألف واللام من قبل أنه عندهم هو الشيء بعينه. فإن قال قائل: أيقال لكل شيء صار خلف شيء دبران، ولكل شيء عاق عن شيء عيوق، ولكل شيء سمك وارتفع سماك؟ فإنك قائل له: لا، ولكن هذا بمزلة العدل والعديل، فالعديل ما عادلك من الناس، والعدل لا يكون إلا للمتاع وغيره، ولكنهم فرقوا بين البناءين ليفصلوا بين المتاع وغيره، ومثل ذلك: بناء حصين وامرأة حصان، فرقوا بينالبناء والمرأة، وإنما أرادوا أن يخبروا أن البناء محرز لم لجأ إليه، وأن المرأة محرزة لفرجها. ومثله الرزين من الحجارة والحديد، والمرأة رزان، فرقوا بين اما يحمل وبين ما ثقل في مجلسه فلم يخف، وهذا أكثر من أن أصفه لك في كلام العرب. وقد يكون الأسمان مشتقين من شيء والمعنى فيهما واحد، وبناؤهما مختلف، فيكون أحد البنائين مختصاً بشيء دون شيء ليفرق بينهما، فكذلك هذه النجوم اختصت

بهذه الأسماء وكل شيء جاء قد لزمه الألف واللام فهو بهذه المنزلة، وإن كان عربياً نعرفه ولا نعرف الذي اشتق منه؛ وإنما قلنا ذلك لأنا جهلنا ما علم غيرنا، أو يكون الآخر لم يصل إليه علم وصل إلى الأول المسمي؛ وبمنزلة هذه النجوم الأربعاء والثلاثاء، وإنما يريد الرابع والثالث، ولكها أخبارها كأخبار زيدوعمرو. لما نزل بهشام بن عبد الملك الموت جعل ولده يبكون حوله فقال: جاد هشام عليكم بالدنيا وجدتم عليه بالبكاء، وترك لكم ما جمع وتركتم عليه ما اكتسب، ما أعظم منقلب هشام إن لم يغفر الله له!! قال يحيى بن اليمان؟ رأيت رجلاً بات أسود الرأس واللحية شاباً ملء العين، فنام ليلة فرأى في منامه الناس قد حشروا، وإذا بنهر من لهب النار، وإذا بجسر يجوز الناس عليه يدعون بأسمائهم، فإذا نودي الرجل أجاب فنجا أو هلك؛ قال: فدعي باسمي فدخلت في الجسر، فإذا كحد السيف يمور بي يميناً وشمالاً، قالك فأصبحت أبيض الرأس واللحية.

قال بعض السلف: الحسن الخلق قريب عند البعيد، والسيء الخلق بعيد عند أهله. قال بزرجمهر: في البطيخ عشر خصال: هو ريحان، وتحية، وفاكهة، وأدم مقنع، وخبيص مهيأ، ودواء للمثانة، وغسل للغمر والزهومة، ومذهب لرائحة النورة عند الاستحمام، وكوز لمن عسر عليه آله الشراب، وهاضوم للثقيل من الطعام. قال عبد الرحمن بن سمرة: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: رأيت البارحة عجباً، رأيت رجلاً من أمتي أتاه ملك الموت عليه السلام ليقبض روحه فجاءه بره بوالديه فمنعه منه؛ ورأيت رجلاً من أمتي قد سلط عليه

عذاب القبر فجاء ضوءه فمنعه منه؛ ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته الشياطين، فجاءه ذكر الله تعالى فخلصه منهم؛ ورأيت رجلاً من أمتي يلهث عطشاً، كلما ورد حوضاً منع منه، فجاءه صيام رمضان فأرواه منه؛ ورأيت رجلاً من أمتي، والنبيوت حلقة حلقة، كلما أتى حلقة طرد، فجاءه اغتساله من الجنابة فأخذ بيده وأجلسه إلى جنبي؛ ورأيت رجلاً من أمتي بين يديه ظلمة ومن خلفه ظلمة وعن يمينه ظلمة وعن شماله ظلمة وهو يتسكع في الظلمة، فجاءه حجه وعمرته فأخرجاه من الظلمة وأدخلاه النور؛ ورأيت رجلاً من أمتي يكلم المؤمنين ولا يكلمونه، فجاءت صلة الرحم فقالت: يا معشر المؤمنين كلموه، كان واصلاً لرحمه، فكلمه المؤمنون وصافحوه فكان معهم؛ ورأيترجلاً من أمتي يتقي النار وشررها بيده ووجهه، فجاءته صدقته فكانت ظللاً على رأسه، وستراً على وجهه؛ ورأيت رجلاً من أمتي قد أخذته الزبانية من مكان، فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر فخلصانه من بينهم، وجعلاه مع ملائكة الرحمن؛ ورأيت رجلاً من أمتي جاثياً على ركبتيه، بينه وبين الله تعالى حجاب، فجاءه حسن خلقه فأخذ بيده وأدخله على الله عز وجل؛ ورأيت رجلاً من أمتي قد هوت صحيفته قبل شماله، فجاءه خوفه من الله عز وجل فأخذ صحيفته فجعلها في يمينه؛ ورأيت رجلاً من أمتي قد خفت مزازينه، فجاء القرآن فثقل موازيته؛ ورأيت رجلاً من أمتي قائماً على شفير جهنم، فجاءه رجاء الله فاستنقذه؛ ورأيت رجلاً من أمتي قائماً على الصراط يرعد كما ترعد السعفة في

يوم ريح عاصف، فجاءه حسن ظنه بالله عز وجل فسكنت رعدته ومضى على الصراط؛ ورأيت رجلاً من أمتي يزحف أحياناً ويحبو أحياناً ويتعلق أحياناً، فجاءت صلاتهفأقامته على قدميه ومضى على الصراط؛ ورأيت رجلاً من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة، كلما انتهى إلى باب منها أغلق دونه، فجاءت الشهادة - شهادة أن لا إله إلا الله - صادقاً من نفسه ففتحت له الأبواب فدخل فيها. هكذا أصبت هذا الحديث والثقة رواه لي، وما أحي لأحد أن يسرع لرد مثل هذا، فإن العقل لا يأباه والتأويل لا يعجز عنه، وهو محمول على المثل، وفي المثل إيضاح المعاني في النفس، وأفشارة إليها بقوة الحدس، ومتى أحب السامع أن ينتفع به لم يضره وهي الإسناد وتهمة الرواة، وإنما عليك قبول ما لا ينتفي من العقل، ويستمر على حكم العدل، ويلائم أساس الشريعة ومبنى الدين. ألهمنا الله تعالى الحق، واستعملنا بالصالح من العلم، إنه قدير منان. شاعر هجا ابن الزيات فقال: المتقارب ألم تر كيف استدار الفلك ... فبعض تعالى وبعض هلك فأضحى نجاح به عالياً ... وأخزى الإله ابن عبد الملك بكى الزيت والرطل حزناً له ... وكانا يتيهان لما ملك يقال إن معلم أنو شروان ضربه يوماً بلا ذنب، وكان يأخذه بأن

يمسك الثلج في يده حتى تكاد كفه تسقط، فآلى أنو شروان إن ملك ليقتلنه، فلما ملك هرب مؤدبه، فجعل له الأمان، فأتاه فقال: لم ضربتين ظلماً؟ قالك لتعرف حقد المظلوم إذا ظلمته، قال: أحسنت، فالثلج الذي كنت تعذبني به؟ قال: ستعرف ذلك. فغزا أنوشروان بلنجر فأصبحوا في غداة باردة فلم يقدر أصحابه على توتير قسيهم، فوترها لهم وقاتل وظهر، فعرف ما أراد مؤدبه. قال كشاجم في كتاب أدب النديم: كان ينادم إساحاق بن إبراهيم جوهري من جلة التجار ووجوههم، حتى خص به ولطفت منزلته عنده، ولم يكن احد يتجاوزه، وكانت فيه آلة ومعه أدب يستحق به الحظوة؛ قالك وإنه لمعه ذات يوم والكأس محثوثة والستارة منصوبة، إذ وصف للمتوكل فص كبير جليل القدر منقطع الشبيه كان قد وقع إلى هذا الجوهري، فورد توقيعه إل إسحاق بإحضار الرجل ومطالبته بالفص ومناظرته بالثمن. فلما نظر في التوقيع دعا بالجلادين والسياط، وأمر بتجريد الرجل فقال: أيها الأمير ما قصتي؟ فلم يذكر شيئاً حتى نصبه بين العقابين، فكاد السوط أن يأخذه، فلما علم انه قد رهب، ولحقه من الرعب والهيبة ما أنساه

الدالة والندام قال له: فص عندك من حاله وقصته كيت وكيت، قال: أحضره، فليأمر الأمير بإطلاقي حتى آتي به، قال: لا سبيل إلى ذلك، فدعا بداوة وقرطاس وكتب هو في احال إلى ثقته في منزله، وتقدم إليه بالتوجيه بالفص، فأحضره، وجعله إسحاق في منديل، وختم عليه وانفذهخ، ثم قام بنفسه إلى الرجل فتولى حل وثاقه بيده واعتنقه، وخلع عليه من فاخر كسوته وقالك لم يكن يجب في حق السلطان إلا ما رأيت، ولو لم أفعل ما فعلته لما أمنت دالتك، ولا كنت أراك تخرجمثل هذه العقدة النفسية، وكان يلحقني من إنكار أمير المؤمنين ما يفسد حالي وحالك، فسكن الرجل إلى عذره وقبله، وجرى معه على أجمل عادته. قال العتبي عن ابنعيينة: كثل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل العيون، ودواء العيون ترك مسها. قال عبد المهيمن بن عباس بن سهل عن أبيه عن جده قال: كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما حلتي رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزين بهما في يوم عيد أو وفد إن قدم عليه: أبو بكر عن يمينه، وعمر عن شماله، رضي الله عنهما.

قال أبو حازم، قيل لعلي بن الحسين رضي الله عنهما: كيف كانت منزلة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: كمنزلتهما اليوم وهما ضجيعاه. قال أبو العيناء: حدثني حجاج بن نصير قال: سمعت إبراهيم بن عبد الله بن حسن في يوم عيد يخطب فقال: اللهم إن هذا يوم أنت ذاكر فيه آباء بأبناء بآباء، فاذكرنا عندك بمحمد صلى الله عليه وسلم. سمعت الناشئ سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة وقد قيل له: ما تقول فيما ترويه الناصبة من قول علي رضي الله عنه أنه قال على منبر الكوفة: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، فقال: الخبر صحيح، فاشرأب الناس إليه، وتريثت أنا أيضاً متعجباً، فقال الناس: زد ي البيان، قال: نعم، إنما أشار إلى هذه الأمة الضالة الفاسقة المرتدة، وكان أبو بكر خير هؤلاء ولم يكن خير من

عرفتم، فاستحسن أصحابه هذا التأويل وهشوا له. لعن الله من سب أصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عمرو بن مسعدة لابن سماعة التيمي: صف لي أصحابك، قال: ولا تغضب؟ قال: لا، قالك كانوا يغارون على أفخوان كما تغارون على القيان. وقال أبو العيناء، حدثنا أبو زيد عبد الرحمن بن سليم عن أبه عن جده قال: قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشام ومعه عبد الرحمن ابنعوف أو عبيدة وهما على حمارتين قريبتين من الأرض، فتلقاهما معاوية في كبكبة حسناء، فثنى وركه فنزل وسلم بالخلافة، فلم يرد عليه، فقال عبد الرحمن أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين أحضرت الفتى فلو كلمته، قالك إنك لصاحب الجيش الذي الذي يقدمك؟ قالك نعم، قالك مع شدة احتجابك ووقوف ذوي الحوائج ببابك؟ قال: أجل، قال: ولم ويلك؟ قال: لأنا

ببلاد يكثر فيها جواسيس العدو، فإن لم نتخذ العدو والعديد استخف بنا وهجم على عورتنا، وأنا بعد عاملك فإن وقفتني وقفت، وإن استزدتنس زدت، وإن استنقصتني نقصت، قال: والله لئن كنت كاذباً إنه لرأي أريب، ولئن كنت صادقاً إنه لتدبير مصيب؛ ما سألتك عن شيء قط إلا تركتني في أضيق من رواجب الفرس؛ لا آمرك ولاأنهاك. فلما انصرف قال أبو عبيدة أو عبد الرحمن: لقد أحسن الفتى في إصداره إصدار ما أوردت عليه، قال: لحسن إصداره وإيراده جشمناه. قال العتبي: سمعت أبي يقول: سئل شريك عن النبيذ، فقال: اشرب منه ما وافقك، ودع ما جنى عليك، وذمه إذا ذم الناس، ولا تنصره فبئس المنصور والله. قال ابو العيناء، حدثنا محمد بن عائشة عن أبيه عن ابن عباس أنه قال: كانت ضربات علي مبتكرات ليس فيهن عوان. وقال العتيبي: تحدث شريك بن عبد الله يوماص في دار المهدي

بفضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأكثر، فلما قام قال له رجل من الكوفيين: يا أبا عبد الله، جئت اليوم بالدر بهذه الأحاديث، قال: وكيف لا أحدث عن رجل كان يشبه بعمر بن الخطاب رضي الله عنه؟ فقال الكوفي: عجبت أن تأتي بخير. قال كشاجم: كان عيسى بن جعفر الهاشمي يطيب نفسه بشيء قبل مواكلة الرشيد، فكان الرشيد يلسه عليه ويذمه منه ويبكته به، فمن ذلك أنه قال في بعض العشيات لجماعة من جلسائه: قد اشتهيت أن آكل في صبحة غد هريسة، وتقدمت باتخاذها وألا يختلط بها غيرها، فاعلموا على البكور، وأجمواشهواتكم ووفروها على الهريسة. وكان بعضهم ملازماً لعيسى خاصاً به، فغلس إلى منزله ليركب معه، ولم يكن يحجب، فتنكر له الحاجب ورام محاجزته عن الدخول، فدفع في صدره ودخل، فألفى عيسى جالساً بن يديه بقية من شمعة قد ملأ سيلانها الطست، وطبق كبير عليه طيفوريتان عظيمتان إحجاهما مملوءة من الهريسة وفي الأخرى ثلاث غضارات صينية فيها مري ودار صيني وفلفل ورقاق ملطف لا يفضل عن الكف، وهو يأخذ الرقاقة فيملؤها ثم يمرها على تلك الغضارات ويزدردها؛ قال، فقلت

له: أنسيت - أعزك الله - ما اتفقنا عليهعند أمير المؤمنين؟! قال: لا تعجب فهذه الطيفورية الثالثة؛ فأمسكت يده وجذبت الطبق فاخرته، وأجبرته على غسل يده، وركبنا فوافينا الرشيد على حصيرة الصلاة حين انثنى من صلاته وهو يستتم تسبيحه، وروائح الهريسة قد ملأت الدار، فقال: لقد أبطأتما، ودعا بالطعام فأحضر، فاندفع عيسى يأكل كأنه لم يأكل شيئاً منذ أيام، فلم أتمالكأن ضحكت، فقال أمير المؤمنين: مم ضحكت؟ فقلت: لخبر عيسى، فقال: هاته، فقلت: كان منأمره كيت وكيت، قال: أتراني أشك في أنه يفعل ذلك؟ لو لم يأكل قبلنا لأكلني وأكلك. وقال كشاجم: وأخبرت عن قاضيين ظريفين من آل حماد، وكانا متجاورين، أن أحدهما وجه إلى الآخر في غداة باردة يدعوه إلى أكل الهريسة ويقول: إنها قد أحكمت ف التنور منالليل، فرد الرسول وقال: قل له قد عققتني ولم ترد بري لأن حكم الهريسة ان يدعى إليها من الليل، فرجع الرسول فقال: ارجع فقل له: قد ذهب عليك الصواب، ليس كل الهوايس يسلم ويجي طيباً فلم أدعك إلا بعد أن تبينت طيبها وصلاحها، فنهض إليه. وقال كشاجم: وحدثني رجل م أقاربي أنه كان يقوم في مجلس

الواثق في رسم نديم، وكان صغير السن دوين المراهق، فلم يكن لذلك يلحق فيالجلوس بمراتب ذوي الأسنان، وكان ذكياً مأذوناً له في الإفاضة مع الجلساء في كل شأن يخوضون فيه، ويتكلم بك لما سنح ويعتلج في صدره من مثل سائر وجواب مسرع، فقال الواثق يوماً - وكان من شدة الشهوة للطعام والنهم على الحالة المشهورة المتعالمة -: ما يختار من النقل؟ فبعض قال: نبات السكر، وبعض قال: رمان، وبعض قال: تفاح، وبعض قال: قصب السكر ينضح بماء الورد ويمص، وقال آخر وقد أخرجته الفلسفة إلى البغض: ملح نفطي، وقال آخر: صبر، تحققاً بمذاهب النبيذيين وتجلداً على سورة الشراب ومرارة النقل، فقال: ما صنعتم شيئاً، فما تقول أنت يا غلام؟ فقال: خشكنانج مشبر، فوافق ذلك إرادته وقرع به ما كان في قلبه، فقال له الواثق: أصبت وأحسنت، بارك الله عليك، فكان ذلك أول جلوسه. قال أعرابي: الحرب مأيمة، أي تؤيم النسا، أي تجعلن أيامي. والأيم من النساء امراة لا زوج لها، وكذلك من الرجال: من لا امرأة له؛ فأما الأيم: الحية؛ وأما الأيام - مخففة - فالدخان على بيت النحل. وفي الدعاء: ما له آم وعام أي جعله الله تعالى بلا امرأة وأحوجه إلى اللبن، ويقال: عمتإلى اللبن أي اشتهيته؛ فأما عمت فمعناه سبحت. قال شيخ م أهل الأدب: الاسم ينقسم ثلاثين قسماً، وهذه الأقسام خمسة عشر جنساً، كل جنس له ضد، وتعدادها انه ينقسم إلى: معرب ومبني، وظاهر ومكني، ومعرفة ونكرة، وإنسي ومبهم، وعربي

وعجمي، وذكر وأنثى، وممدود ومقصور، وعامل وغير عامل، ومشتق وغير مشتق، ومضارع وغير مضارع، ومعتل وصحيح، وزائد وناقص، ومنصف وغير منصرف، ومفرد ومضاف، ومدعم ومظهر؛ فهذه أقسام الأسم. أنشدنا أبو سعيد السيرافي قال: أنشدنا أبو علي ابن الأعرابي لنفسه: الوافر إذا كان الززير أبا الجمال ... ومحتسب البلاد الدانيالي عن الأيام عد فعن قليل ... ترى اليام في صور الليالي وأنشدنا أبو سعيد، قال أنشدنا أبو حفص ابن حمدون لابن عمه أب محمد ابن حمدون النديم: الوفار خذوا مال التجار وسوفوهم ... إلى وقت فإنهم لئام وليس عليكم في ذاك إثم ... لأن جميع ما جمعوا حرام وقال لنا أبو سعيد: كان ابن السراج يملي في مجلس كانت له في أيام الآحاد كتاباً أسماه المواصلات، فانتهى إلى ابب فيه ذم التجار، فأنشدته أنا بيتاص كنت سمعته من غيره وهو: الكامل

ما للتجار وللسخاء وإنما ... نبتت لحومهم على القيراط فكتبه وجعله في الكتاب؛ هذا لفظ أبي سعيد. قال محمد بن زكريا الطبيب في كتاب له: هل يكون حكيماً من وجد طريقين فسلك أبعدهما وأوعرهما؟ مع كلام طويل، وهذا إنما يشير به إلى ما فعل الله عز وجل بخلقه في هذه الدنيا بالتكليف والأخطار والتعريض، فأبجابه الحارث الوراق في كتاب أفرده لمناقضته بأن قال: نعم يجوز ذلك، ومثاله أنا قد نجد الحكيمما بيننا إذا كان ذا نعمة واسعة ومال كثير وقد يكون له الولد الذي لا يملك غيره والذي ليس له أحد أعز عليه من فيسلمه إلى التجار ليتعلم البيع والشراء، ويسلمه في الصرف ليتعلم النقد، في غير ذلك من الصناعات، فيلقحه في ذلك من النصب والتعب ما يجل عن الوصف، ويتجاوز حد المقدار، يريد بذلك ان يعلم ولده حفظ المال والقيام به لئلا يضيعه متى ملكه إياه فيفتقر، فإذا تعلم وتخرج فوض إليه أمره، ودفع إليهماله، وقد كان قادراً أن يدفع إليه المال من غير أ، يؤدبه ويخرجه ويتعهب ويؤدي، غير أنه يخاف أن دفعه إليه قبل التأديب ان يضيعه ويتلفه، ورجا أن يكون إذا دفعه إليه بعد التأديب ان يحفظه فيزول الفقر عنه، وتتسع عليه نعمته، فسلك به أوعر الطريقين وأطولهما وأشدهما شمقة، فكان بذلك حكيماً

غير سفيه، ومصيباً غير مخطئ، وهذا بين والحمد لله. هذا - أيدك الله - لفظ الحارث الوراق. واعلم ان ابن زكريا والحارث الوراق جميعاً قد خبطا خبط عشواء، ودلاً على قلة المعرفة بأسرار افلهية وأحكام العبودية: أما ابن زكريا فمعترض، والعبد أحقر من أن يعترض على مولاه، وأما الحارث فمتكلف ما حط الله عنه؛ وبيان ما أقول أن الحارث أوضح المعنى الذي أدلى به خصمه بالمثال الذي نصبه، والمثال مردود الأوصل فاسد الأساس، لأن الوالد إنما سلك بودله أوعر الطريقين لعجزه عن سلوك الطريق السهل به، فكان الحزم عنده هذه يقتضيه عقله والنظر له بطباع رحمته أن يبلغ في اجتلاب مصلحته واكتساب منفعته غاية ما يقدر عليه، ويجد سبيلاً إليه، وليس هكذا الأمر في الله عز وجل وعبده، لأن الله عز وجل قادر على إيصال المنافع والمصالح إلى عبده من حيث لا ينصب عبده ولا يخاطر بنفسه، فإن توهم أنه لا يقدر فهذا هو الكفر الصريح، وإن قيل هذا مقدار ما يملكه وغاية ما أصلح العبد به صار العيان جاحداً لهذه الدعوى، والضرورة دافعة لهذه الحجة، فقد جاء م هذا التنقير ا، الوالد بحكم الشفقة بما تجد نفسه من الرقة في باب ولده لا يجد مزيداً على ما أقدم عليه، وما هكذا ربك، فإنه مالك كل شيء وقائم على كل شيء؛ فإذا كان اعتراض ابن زكرياتحكماً بمن استأثر بأحكامه واستبد بأسراره وأعمى عين القلب عن إدراك ما علا عليه وأحاط به، فقد باء بسخط من الله ومأواه جهنم، إلا أن ينزع عن هذه العقيدة، ويطمئن إلى الله عز وجل في صلاح ما جهله، وإتقان ما أشكل عليه؛ وهكذا يقال للحارث الوراق: أنت من أين لك أن أفعال الله الذي خلق الخلق مقيسة إلى أفعال الخلق؟ وأن الذي يستحيل ها هنا يستحيل هناك؟ ومتى أوحي إليك بأن تمثيلك وقيايك ونظرك ميزانت بين الله تعالى وبينك تزن به جميع

ما يبدو من إلهك وخالقك ومصورك ورزازقك؟ وإنما وهي ركن الدين وكثرت سنة المبتدعين بأمثالك الذين بسطوا ألسنتهم فيما طوى الله عز وجل عن ملائكته وأنبيائه وأوصياء أنبيائه وعن أحبابه وأصفيائ؛ إنك أيها الحارث لو ذقت حلاوة مناجاة إليهك، أو لو عرفت هول المطلع الغائب عنك، أو لو هبت سلطان ربك، لما فرغت نفسك للهذيان، ولا أعملت علمك بالظنون، ولا وقفت مع قال وقيل، إن لهذا لهو الإفك المبين والضلال القديم. خف الله عز وجل خوفاً يشغلك بتلافي ما سلف من سيئاتك، وإصلاح ما فسد من عمر، ودع عنك فإن كان كذا كان كذا، ولو جاز كذا جاز كذا؛ إن ابن زكريا لا ينهزم بتبكيتك، وإنك لا تصير إلى ما تهدى به في وجهك، فارجع عنه إذن إلى الله عز وجل الذي لو ناقشك الحساب، لا ستحققت العذاب، ودع محمد بن زكريا وضرباءه في غوايتهم فسيعلم الكفار لمن عقبى الدار. قال أعرابي بفطرته وعنجهيته: لما كان الله تعالى عن حلى خلقه عاطلاً، كان القياس إليه باطلاً؛ صدق والله. قال عبيد الله بن قيس الرقيات: الكامل المجزوء شطت رقية عن بلا ... دك فالهوى متشاعب وعدت نوى عنها شطو ... ن في البلاد وجانب واستبدلت بي خلتي ... إن النساء خوالب ولقد تبدلنا بها ... حيا فأنعم راغب

إن البلاد معارف ... ومصارف ومذاهب دعها وقل في ما عنا ... ك وللخطوب نوائب هل يبلغن بني ربي ... عة عن أخيهم راكب ناج على قطرية ... هادي التعسف دائب إني وفي الدهر الجدي ... د عجائب وتجارب بدلت بعد بني ربي ... عة والزمان يعاقب جيران سوء بينهم ... شطر الزمان عقارب يستأسدون على الصدي ... ق وللعدو ثعالب وكذلك الأبدان من ... ها نازح مقارب والدهر فيه لمن تف ... كر عبرة وعجائب إن يستطيوا يأكلو ... ك وهم لديك أقارب حاشا رجال فيهم ... لأذى الصديق تحانب إني امرؤ لايطبي ... ودي الخليل الكاذب حسن الخليقة والسجي ... ة ما استقام الصاحب وهنأته سلمي وأع ... لم بعد كيف أحارب نحن الصريح إذا قري ... ش قام فيها الناسب من سرها وأرومها ... إذ للأروم مراتب

عندي لجام للرجا ... ل وعدة وكلالب من ألقه في رأسه ... يلحح عليه القاتب ويلن له ويسق إلي ... هـ كما يساق الجالب قال المبرد: كنت عند عيسى بن شيخ فاستأذنته فقال: حدثني بحديث حتى آذن لك فقلت: حدثنا شعيب بن صالح قالك تزوج رجل امرأة كسلانة، فكانت لا تنتف شعرتها ولا تحلقها كسلاً، وكانت تمسح يدها من كل شيء بشعرتها، فعجنت مرة عجيناً رقيقاً ومسحت يدها بشعرتها ونامت وشمت الفرأة رائحة العجين فجاءت فجعلت تأكل ما على شعرتها من العجين حتى شبعت ثم ذهبت، فلقيها الجرذ فقال لها: من أين جئت؟ قالت: يا أبا الأغر، من بيت الرخاء، قال: وما القصة؟ قالت: نام الطحان فأكلت من العجين حتى شبعت، قالك فدليني على الطريق، قالت: الزم هذه المحجة، فإلى أن بلغ الجرذ جف العجين على شعرتها، فجاء الجرذ ليأكل من الجعين فنتف منها شعرة، فضرطت، فولى الجرذ هارباً، فلقيته الفرأة فقالت: ما خبرك؟ قال: ويحك انتبه الطحان فرماني بالقفيز فكاد يدق ظهري، فضحك

عيسى وخلع عليه وضحكن جواريه خلف الستارة وقلن: اكتب يا أبا العباس حديث الطحان. قيل لسائل كان يقرأ القرآن: ألا تستحي تسأل بالقرآن؟ قال: اسكتوا فوالله لو جتم كما أجوع لبعتم جبرائيل وميكائيل فضلاً عن القرآن. وقف سائل على باب فقال: يا أهل الدار، فبادر صاحب الدار قبل أن يتم السائل كلامه فقال: صنع اله لك، فقال السائل: يا ابن اللخماء، أكنت تسمع كلامي عسى جئت أدعوك إلى دعوة. وقف سائل على باب دار فقال: يا أهل الدار الصالحين، فقال صاحب الدار: أولئك بطرسوس، فقال السائل: يا طالبي ما عند الله، فقال صاحب الدار: أولئك خرجوا إلى مكة، فقال السائل: فمن أنتم يا بني القحاب؟! وقف أعرابي على باب فسأله فأجابه رجل: ليس هناك أحد، فقال السائل: إنك لأحد لو جعل الله فيك بركة. قال الجماز: سمعت سائلاً يقول: من يعطيني قطعة حباً لهند حماة النبي صلى الله عليه وسلم؟

قال، وكان آخر يقولك من يعطيني قطعة حباً للأمينين جبريل ومعاوية؟ قال ابن الروانيد: اختلف الناس في السماع، فأباحه قوم وحظره آخرون، وأنا أخالف الفريقين وأقول: هو واجب. قال إسحاق الموصلي: مدار الدنيا على أربعة أشياء: على البناء والنساء والطلاء والغناء، وما سوى ذلك باطل. سمع فيلسوف صوت مغن فاسد الضرب، خارج من الإيقاع، فقال لتلميذ له: يا بني، يزعم أهل الكهانة أن صوت البومة يدل على موت إنسان، فإن كان ما ذكروا حقاً فإن صوت هذا المغني يدل على موت البومة. خرج بعض السكارى م مجلس ومشى في طريق فسقط وترع، فجاء كلب وجعل يلحس فمه وشفتيه والسكران يقول: خدمك بنوك ولا عدموك، ثم رفع الكلب رجله فبال على وجهه، فجعل يقول: وماء حار؟ بارك الله عليك.

روى أبو زيد في محالة لشاعر: الطويل وإني لنار عند زينة أوقدت ... على ما بعيني من عشى لبصير لقد زادني حباً لزينة أنها ... مقوت لأخلاق اللئام قذور تقول بمعروف الحديث وإن ترد ... سوى ذاك تذعر منك وهي ذعور وقال أبو زيد: شربت سويقاً عفيراً أي غير ملتوت. وأنشد أبو زيد: البسيط وما أراك على أرجاء مهلكه ... تسائل المعشرالأعداء ما صنعا وما رميت على خصم بفارقة ... إلا رميت بخصم فر لي جذعا ما سد من مطلع ضاقت ثنيته ... إلا وجدت سواء الصبر مطلعا

يقال: زبط أمر فلان إذا تضعضع ويقال: إني عنك لفي غفل وغفول عن هذا. قال ابن عون: كنت إذا سمعت الحجاج يقرأ علمت أنه طالما درس كتاب الله تعالى. وقال الشعبي: الذي يقرأ القرآن إنما يحدث عن ربه. أنشد الأصمعي: البسيط النصح أرخص ما باع الرجال فلا ... تردد على ناصح نصحاً ولا تلم إن النصائح لا تفخى مناهجها ... على الرجال ذوي الألباب والفهم أنشد الأصمعي ليهودي: الطويل إذا لم أزر إلا لآكل أكله ... فلا رفعت كفي إلي طعامي فما أكلة إن نلتها بغنيمة ... ولا جوعة إن جعتها بغرام

قال الأصمعي: قال الحارث بن عوف بن أبي حارثة للنبي صلى الله عليه وسلم: أجرني م لسان حسان، فلو مزج البحر لامتزج فحدثت به ابن عائشة فقال: يا ابن أخي، أوجعه قوله: الكامل وأمانة المري حيث لقيته ... مثل الزجاجة صدعها لا يجبر قال المختار لرجل: ضع لي حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أني كائن بعده خليفة ولك عشرة آلاف درهم، فقال الرجل: أما عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا، ولكن عن بعض الصحابة وأحطك في السعر. ولم يذكر الأصمعي من هذا الرجل؛ ومن الطريف أنه استجاز الكذب على بعض الصحابة، ولو كان امتناعه من الحذب على غيره. وما أدري ما أقول ف هذا الفن من الناس، فقد ولله شانوا وجه الدين لأنك لا ترى إلا من أغرق في طلب النيا إمال بسيف قد سله، أو بلسان قد أطاله، أو رياء قد احتجنه، أو خبيئة قد اشتمل عليها؛ نسأل الله العياذ فقد عم البلاء. قال القحذمي، قال ابن العرق: رأيت المختار مشتور العين

فقلت: من فعل هذا بك قطع الله يده؟ قال: ابن الفاعلة عبيد الله بن زياد، والله لأقطعن أنامله وأباجله، ولأقتلن بالحسين بن علي رضي الله عنهما عدد من قتل بيحيى بن زكريا عليهما سلام الله؛ ثم قال: يا ابن العرق، إن الفتنة قد ألقت خطامها وخبطت وشمست، ثم قال: المتقارب ورافعة ذيلها ... بدجلة أو حولها قال الأصمعي: قيل لابن مضاء: فلان رأى في المنام كأنه يخطب على المنبر خصي، فقال: يقدم عليكم أميرعفيف الفرج. وقال الأصمعي: كنت أسمع بهذا المثل: وعلى ألافها الطير تقع، فلم أفهمه حتى رأيت غرباناً تقع: البقع مع البقع، والسود معالسود، إلى ان رأيت أعرج قد سقط فجاءه آخر كسير الجناح فوقع إلى جنبه، فعلمت أن المثل ما ضاع.

قال الأصمعي: العرب تقول: الحسن أحمر. وقالت أعرابية وهي تتحدث: والله لو رأيتني في شبيبتي لرأيتني أحسن من النار الموقدة. وقال أبو العالية الشامي وذكر امرأة أخرجت إليه فقال: كا، ها والله نطفة عذبة في شن خلق ينظر غليها الظمآن فيالهاجرة. قال فيلسوف: كما ا، البهيمة إنما تحسن من الذهب والفضة والجوهر بثقلها فقط ولا تحس بنفاستها، كذلك الكسلام إنما يحسن من أمر الحكمة بثقل التعب عليه ولا يحس بشرفها في نفسه. قال الجماز: مررت بنجاد في قنطرة بردان، طويل اللحية وامرأة تطالبه بشيء لها عنده وهو يقولك يرحمك الله، متاعك جاف ويحتاج إلى حشو كثير، وأنت من العجلة تمشين على أربع.

قال جراب الدولة: كان بجوزجان إنسان طويل اللحية أصلع، فقال له ظريف من الظرفاء: ما أطول لحيتك!! قال: نعم إن ما ماءنا يكثر نبات الشعر ويقويه، قال: فلم لم يكن ذلك الماء مؤثراً في صلعتك؟ خذ يا هذا كفا واحداً واجعله على صلعتك. ودخل حمصي على قحبة ومعه أرعبة دراهم، فسألها ان تترك عليه منها درهماً واحداً، فما فعلت فأعطاها وفجر بها، فلما خرج رأىمقلى في الدار فأخذها بيده وخرج، فصاحت المراة: ياأحمق، سخرتن بك ومل تضرني بشيء، فالتفت وقال لها: حين تقلين تدرين. قال طفيل بن الأخرم: الطويل فإن خف ما لي ازددت في خمتي غنى ... عن الناس والغاني بما نال قانع وفي الصبر عما لم تنل لك راحة ... وفي اليأس مه للضراعة قاطع ومن لا يزل يستتبع العين ما ترى ... لدى غيره يلق الردى وهو ضارع وقال جراب الدولة: كان عندنا شيخ بسجستان معلم سخيف،

اجتزت به يوماً وهو يقول لصبي بين يده: اقرأ ياابن الزانية، فأخذت أوبخه فقالك اسكت قد نكت أمه مراراً. قال: واجتزت به يوماً آخر وإذا هو يضرط للصبيان وهم يضحكون، قلت: ما هذا؟ قال: هؤلاء صبيان وقد ضاقت صدورهم من القراءة أضرط لهم قليلاً وأفرحهم ساعة. قال الشاعر: الطويل ألم تر سعد أننا فوق شاهد ... يظل لأعنان السماء مناغيا هذا البيت رويته بسبب أعنان السماء كأنه جمع عنن، فأما العنان فسحيبة متدلية دون السماء، ويقال أيضاً أعناء السماء أي نواحيها، كانه جمع عنو، كما تقول أحناء وحنو، وما سمعت العنو، وأما العنن فالمعارضة، والاعتنان الاعتراض، والعنان - بكسر العين - معروف: عنان الدابة؛ يقال: تشاركا شركة عنان، أي فيما عن لهما أي عرض؛ وأما العنة فحظيرة الشاء، والفقهاء يقولون العنة إذا أرادوا مصدر العنين، ذاك يقال فيه التعنين، وما أعرف مضارعته للباب الأول؛ فأما قول العامة المتشبهين بالخاصة: عن دابته فمردود ليس من كلام العرب، بلى، الذي يقال: عننت الدابة وأعنتها إذا جعلت لها عناناً.

حضر بعض حكماء الهند وزيراً منوزراء ملكهم، وكان الوزير ركيكاً، وإنما ولي للأبوة، فقال للحكيم: ما العلم الأكبر؟ قال: علم الطب، قال: فإني أعرف من الطب أكثرة، قال للحكيم: فما دواء المبرسم؟ قال: دواؤه الموت حتى تقل حرارة صدره ثم يعالج بالأدوية الباردة، قال الحكيم: ومن يحييه بعد ذلك؟ قال: هذا علم ىخر يوجد في كتب النجوم ولم أنظر في شيء منه إلا في باب الحياة، فإني وجدت الحياة خيراً للإنسان من الموت، قال الحكيم: أيها الوزير، الموت على كل حال خير للجاهل من الحياة. كان فزارة على مظالم البصرة، وكان ظريفاً، فسمع ذات يوم صياحاً فقال: ما هذا الصياح؟ قيل: قوم تكلموا في القرآن، قال: اللهم أرجنا من القرآن. واجتاز به صاحب دراح فقال له فزارة: كيف تبيع هذا الدراج؟ قال: واحد بدرهم، قال: لا، أحسن إلينا، قال: كذا بعت، قال: نأخذ منك اثنين بثلاثة، قال: خذ، قال: يا غلام، أعطه ثمن اثنين فإنه سهل البيع. انصرف صبي من المتكب باكياً، فقالت له أمه: لم تبكي؟ قال: الصبيان يدخلوننم أصابعهم في آستي. قالت: فلم لا تشكوهم إلى المعلم؟ قال: فأدخل أيره في آستي. فحبسته عن المعلم.

قال ظفيل بن الأخرم: الطويل أعاذل إن الشح لا يخلد الفتى ... ولا يهلك النفس الكريمة جودها تقول سليمى قد تغيرت بعدنا ... كذاك صروف الدهر يبلى جديدها وشيب رأسي قبل شيب لداته ... هموم وروعات يشيب وليدها ومضروبة الأمثال قومت درءها ... لذيذ بأفواه الرجال نشيدها قال القحذمي: طلب أنو شروان كاتباً لمر أعجله، فلم يجد غير غلام يصحب الكتاب، فجيء به فقال له: ما اسمك؟ فقال: مهرماه، قال: اكتب ما أملي عليك، ولم يامره بالجلوس، فكتب قائماً أحسن من كتاب غيره جالساً، قالك اكتب في نحون هذا من تلقاء نفسك، ففعل وأحسن، وضم إلى الكتاب رقعة فيها: إن الحرمة التي أوصلتني إلى الملك لو وكلت فيها إلى نفسي لتقطعت قبل بلوغ ذلك، وإنما هو تفضل منه علي، فإن رأىن ألا يحطني بعد التشريف بخطابه إلى من هو دونه فعل. فقرأ كسرى ذلك ثم قال: لقد أحب مهرماه ألا يدع في نفسه لهفة يتلهف عليها بعد إمكان الفرصة، وقد أمرنا لك بالذي سألت، فاحمد الله الذي وهب لك ذلك على أيدينا، ثم نقله إلى أرفع مجالس الكتاب ووصله.

عاتبت أم جعفر الرشيد في تقريظه المأمون دون ابنها محمد، فدعان خادماً بحضرته وقال له: وجه إلى محمد وعبد الله خادمين حصيفين يقولان لكل واحد منهما على الخلوة ما يفعل به إذا أفضت الخلافة إليه؛ فأما محمد فإنه قال للخادم: أقطعك وآمر لك، وأقدمك وأبلغ بك؛ وأما المأمون فإنه رمى الخادم بدواة كانت بين يديه وقال: يا ابن اللخناء، تسألني عما أفعل بك يوم يموت أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين؟! إني لأرجو أن نكون جميعاً فداه. فرجعا بالخبر، فقال الرشيد لأم جعفر: كيف ترين؟ ما اقدم ابنك إلا متابعة لرأيك وتركاً للحزم. قال الجماز: رأيت صاحب بطيخ يقول: هذا عسل، هذا سكر، هذا قند، فتقدمت إليه وقلت: عندي عليل يشتهي بطيخة حامضة. فقال: خل حاذق وحياتك، لا تلتفت إلى قولي فإنه خل. قال بعض أصحابنا البغداديين: سمعت شيخاً بباب الطاق من سفلة الناس يقول لآخر أسفل منه: ويحك يا محة، ألا تتعجب من بني عفوية، أخوين، أحدهمامن مرعوشي والآخر فضلي، قال له: وأيش في هذا؟ هذا هو

القرآن فيد جيد وردي، قالك ويحك، في القرآن جيد ورديء؟! قال: نعم، قل هو الله أحد بألف درهم، وبجنبها تبت تسوى حبتين. في هذا للعقول متنزه ومستطرف ومعرفة بفضل الموهبة واقتباس المواهب، فلا تعجل بالإنكار حتى تبلغ غاية ما قد استصلحتك به في هذا الباب. قال الجماز: مات إنسان غماز فرآه جار له في المنام فقال له: ما فعل ربك بك؟ فقال له: أنا بخير ها هنا بين يدي ملك أتخفف له واسعى بين يديه في أموره، وأبرد أخبار الكفار إليه؛ قال الجماز: وإذا به العاض بظر أمه هناك أيضاً غماز. وقال الجماز: مات مخنث يقال له قرنفل، فرآه إنسان في النوم وكأنه يقول: أيش خبرك يا قرنفل؟ قال: لا تسأل، فيقول: إلى أين صرت يا قرنفل؟ قال: إلى النار، قال: ويلك فمن ينيكك في النار؟ قال: ثم يزيد ابن معاوية ليس يقصر في أمري. نظر مخنث إلى رجل دميم الوجه فقال: وجهك هذا أنموذج جهنم أخرج إلى الدنيا.

قيل لمجنون: اين المولد؟ قال: المولد بالبصرة، والمنشأة دير خزقل. نظر عامر بن كزبر إلى ابنه عبد الله يخطب فأعجبه، فأشار إلى أيره وقال للناس: أميركم خرج من هذا. شد مجنون على رجل بالبصرة فأخذ الرجل يضربه، فقال الناس: إنه مجنون، وجعل يقول من تحته: أفهموه. قال أبو العنبس: رأيت رجلاً يعرج فقلت له: ما لك؟ فقال: غداً تريد ان تدخل في رجلي شوكة. قال صبي لأبيه: يا أبت وجدت فأساً، قال: فأين هو؟ قال: يابه ليس له رأس حديد، فقال: مشؤوم، فقل: وجدت وتداً. قال: نادى فقيرعلى جبة له فلم تطلب بشيء، فقال الفقير: ما علمت أني عريان إلا الساعة.

قال بعض الشيوخ: رأيت حية قد ابتلعت كبشاً عظيم القرنين فلم تقدر على ابتلاع القرنين، فجعلت تضرب به الحجارة يمنة ويسرة حتى كسرت القرنين وابتلعته. قرأ رجل في مجلس سيفويه " وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حباً " يوسف: 30 فقال سيفويه: قد أخذنا في حديث القحاب. قيل لمجنون: أيسرك أن تصلب في صلاح هذه الأمة؟ قال: لا ولكن يسرني أن تصلب الأمة في صلاحي. أتي عبد الملك بن مروان برجل قد خرج معه خارجي فأمر بضرب عنقه فقال: يا أمير المؤمنين، ما هذا جزائي منك، قال: وما جزاؤك؟ قال: والله ما خرجت معه إلا نظراً لك وتقرباً إليك، فإني رجل ما صحبت أحداً إلا هزم وقتل وصلب، وقد صح ذلك؛ كوني عليك مع عيرك هير لك من مائة ألف رجل معك، فضحك وأطلقه. قال داود الماصب لصديق له: رأيت البارحة رؤيا نصفها حق

ونصفها باطل: رأيت كأني قد حملت بدرة على عاتقي فمن ثقلها خريت فانتبهت فرأيت الخرا ولم أر البدرة. سمع مجنون رجلاً يقول: اللهم لا تأخذنا على غفلة، قال: إذا لا يأخذك أبداً. كلم رجل غلاماً أمرد فقيل له: إن الناس يظنون بك الريبة، قال: ولم لا يظنون أني أعظه؟ وقف سائل بباب مديني فقال: أطعمونا من فضل عشائكم فقال المديني: ما لعشائنا أصل فيكف يكون له فضل؟! قال رجل لأبي عبيدة: أحب أن تخرج لي أيام عشيرتي، وكان دعياً، فقال أبو عبيدة: مثلك مثل رجل قال لآخر: اقرأ لي من " قل هو الله أحد " إحدى عشرة آية، قال: لا والله ولكنك تبغض العرب، قال: وما عليك من ذلك؟ قال أبو أسيد: كان ابن عمر رضي الله عنه يحف شاربه حتى يرى بياض إبطه.

أنشد رجل أبا الشمقمق شعراً بارداً طويلاً فضجر وقال له: أين قلت هذا الشعر؟ قال: في المخرج، قال: يا أخي صدقت، رائحة الخرا عليه ظاهرة. سمع سيفويه رجلاً يقرأ " فبهت الذي كفر " البقرة: 258 قالك وتلومه؟! حج حائك، فلما وقف يدعو ورأى الجمع قال: يا رب، من أنا، وأيش أنا؟ التراب على رأسي، من أنا؟ كلب نباح وووو، وضرط م شفتيه على لحيته. قال رقبة بن مصقلة: ما آذاني قط إلا غرم مصاب في الكوفة، فإنه لقيني فقال: رأيتهم قد شبهوك بي فسرني ذلك لك. قال رجل لغصن المخنث: ما سامك؟ قال: ليت اسمي على رأسك والمعاول تأخذه. قال أبو الربيع: إذا أقبل البخت باضت الدجاجة على الوتد،

وإذا أدبر البخت انشق الهاون في الشمس. تقدم رجلان إلى قاض فتكلم أحدهما ولم يترك الآخر يتكلم فقال: أيها القاضي، يقضى على غائب، قال: وكيف؟ قال: لأني غائب إذا لم أترك أتكلم. قال رجل لأشعب: ما بلغ من طمعك؟ قالك لم تقل هذا إلا وفي قلبك خير. خرج رجل قبيح الوجه من اليمن فأنشد: الرجز لم أر وجها حسنا ... منذ دخلت اليمنا وفي حر أم بلدة ... أحسن من فيها أنا قرأ قارئ بين يدي سيفويه: " وحملناه على ذات أولاح ودسر " القمر: 13 فقال: عز علي حكلانهم بيوتهم، إنها جنازة. وقرأ قارئ في حلقته: " كأنهن الياقوت والمرجان " الرحمن: 58 فقال سيفويه: هؤلاء بخلاف نسائكم القحاب.

وقيل له: إن اشتهى أهل الجنة العصيدة كيف يعملون؟ قال: يبعث لهم أنهار دبس ودقيق ويقال لهم: اعملوا فعسيس، وهو شيء يعمله أهل البصرة، وكلوا واعذروا فليس عندنا نار. سمع العنبري القاضي صبياً يقول لصبي آخر: وإلا فأير القاضي في حر أم الكماذب، فقال العنبري: يا صبي لم قلت هذا؟ قال: لأن عليه أيراً مردوداً في حر أمه مثل منارة هذا المسجد، فانصرف العنبري وهو يقولك الاستقضاء شؤم. قيل لماجن: جبة نقد أحب إليك أم قلنسوة نسيئة؟ فقال: ضرطة نقد أحب إلي من لحاف نسيئة. قال الجماز، قال لي نصر مولى المأمون: كنت في دعوة بعض الظراف في يوم غيم، ومعنا شيخ متصدر لا ينطق، فتدارينا ذكر المطر وما جاء فيه من الأثر، فقال الشيخ: حدثوني عن سيدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من قطرة تنزل من السماء إلا ومعها ملك يتحها حتى يضحها في موضحها ثم يصحد ويدحها. وقف سائل بباب دار فقال صاحب الدار: أغناك الله فلي أم

الصبيان ها هنا، فقال السائل: لم أسألك المجامعة إنما سألت كسرة خبز. وتقدم سائل إلى باب، وكانت صاحبة الدار قاعدة على البالوعة تبول، فحسب السائل أن بولها نشيش مقلى، فقال: أطعمونا من هذا الذي تقلونه، فضرطت المراة وقالت: حطبنا رطب وحياتك ليس يشتعل. وقف سائل بباب المافروخي عامل الأهواز وسأل، فأعطوه لقمة خبز، فسكت ساعة ولم يبرح ثم قال: هذا الدواء الذي أعطيتموني كيف أتناوله، وبأي شيء أقدم عليه، وبأي شيء أتعقبه؟! قال الجماز: سمعت كناساً يقول لآخر: إن كنت كناس ابن كناس فقل لي كم رجل لبنت وردان. قال ابن قريعة القاضي: وقف شاطر على قبر فقال: رحمك الله أبا لا شيء فقد والله كنت أحمر الإزار، حاد السكين، فاره الصديق، إن

نقبت فجرذ، وإن تسلقت فسنورة، وإن استلبت فحدأة، وإن ضربت فأرض، وغن شربت فحب، ولكنك اليوم قد وقعت في زاوية سوء. قال بعض أصحابنا البغداديين: سمعتا شيخاً من العامة يقول لآخر: والك نهر جرى فيه الماء لا بد من أن يعود إليه، قال الآخر: والك حتى يعود الماء إليه ماتت ضفادعه. حكيت لفظهم فهو الطريف، فلا تعب اللحن فيه. قال جحظة: سمعت يعقوب بن فلان يقول: كنت أتفاءل كثيراً ففتحت المصحف يوماً وقد وليت فخرج " تمتعوا في داركم ثلاثة أيام " هود: 65 فعزلت بعد ثلاثة أيام. كان عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي شيخ أصحاب الحديث وكان بهياً فاضلاً، وكان ذا سلامة، ذكر عنده بعض الأمراء الذين طرقوا الري فقيل: مات بها، فقال له: إلى الري دجلتان ففي أي دجلة مات؟ قال أبو حنيفة لرجلك انت مطوياً خير منك منشوراً. أنشد جحظة لشاعر: الطويل

فتعساً لأيام إذا كان بومها ... شباعاً لها قوت وجاعت صقورها وقد ينهض العصفور صحة ريشه ... وتقعد أن لا ريش فيها نسورها وهبني رحى يهوي من النيل ماؤه ... وليس لها قطب فماذا يديرها قال عبادة لرجل: ها هنا مكاري بكر، قال: بخت أي بخت، قال: وكيف ذلك؟ قال: يدخل ما يشاء، فإما أن يندق أيره أو تنشق أستي. شاعر: الوافر له بين المعالي والعوالي ... وبين ذرى المهندة الذكور مقامات شرفن فما يبالي ... أمات على جواد أم سرير البصري صاحب الزنج: الكامل يلقى السيوف بوجهه وينحره ... ويقيم هامته مقام المغفر

ويقول للطرف اصطبر لشبا القنا ... فعقرت ركن المجد إن لم تعقر وإذا تأمل شخص ضيف مقبل ... متسربل أثواب عيش أعبر أومى إلى الكوماء هذا طارق ... نحرتني الأعداء إن لم تنحري استعرض ابن المدبر طباخة فقال لها: أتحسنين الحشو؟ فقالت: الحشو إليك. قال المتوكل للجماز: ما عندك في النساء؟ قال: أقود عليهن. صاح ابن الفرات بغلام له فقال: أي شيء تعمل؟ قالك لا شيء، قال: إذا فرغت من لا شيء فتعال. شاعر: البسيط يا يومنا عندها عد بالنعيم لنا ... منها ويا ليلتي في بيتها عودي إذ بت أرشف فاها عند رقدتها ... بعد اعتناق وتقبيل وتجريد وقد سقتني رضاباً غير ذي أسن ... كالمسك ذر على ماء العناقيد قال جحظة: كنت جالساً عند صديق فدفعت إليه جارية وقعة فضرط، فقلت: ما هذا؟ قال: اقرأ، فإذا فيها: قد فني الدقيق. كانت لمخنث جارية نفيسة فقالت: سبحانن الله، من أبلاني

بك؟ فقال: الذي أبلاك بحرك، سود وجهه، وشق وسطه، وقطع لسانه، وجعل إلى جنبه ضرته. كان لأبي تمام الشاعر صديق يسكر من قدحين، فكتب إليه يدعوه: إن رأيت - أعزك الله - ان تنام عندنا فافعل. شاعر: السريع لم ندر ما ليلي وما طيبها ... وحسنها حتى رأيناها إنك لو أبصرتها سافراً ... أجللتها أن تتمناها قال ابن قريعة: كان لبعض المخنثين أير عظيم، فكان يقول: أشتهي م ينيكني بأيري. قالت امرأة الجماز للجماز: أيش يطيب في هذا اليوم؟ قال: الطلاق. يقال: إذا وجدت الشيء في السوق فلا تطلبه من صديق. ادعى رجل النوبة فقيل له: ما علامة النبوة؟ قال: أنبئكم بما

في نفوسكم، قالوا: فما في نفوسنا؟ قال: أني لست بنبي. كتب بعض الحمقى على خاتمه: أنا فلان بن فلان، رحم الله من قال آمين. قيل لبعض المغفلين: حمارك قد سرق، فقال: الحمد لله إذ لم أكن فوقه. نظر بعض الأغنياء إلى السماء فقال: يا رب، ماأحسن سماءك، زادك الله مزيد كل خير. ونظر آخر إلى كنيف قد انبثق، فقال لابنه: ينبغي أن نتغدى به قبل أن يتعشى بنا، اطلب لنا كناسين. وقال صفعان: من لم يعط على الصفع دراهم، فليتخذ لقفاه مراهم. قدم إلىأعرابي كامخ فقالك مم يعمل هذا؟ قالوا: من اللبن والحنطة، قال: أصلان كريمان ولكن ما أنجبا. قيل لمغن رديء الغناء: لم لا تغنيظ قال: كيف أغني والأقداح في أيديكم؟!

قيل لخمث: لم لا تتنور؟ قالك إذا كثر الدغل أخذ الناس في طريق الجادة، يعني استه. ورث رجل مالاً، فكتب على خاتمه: الوحى، فملا أفلس كتب على خاتمه: استرحنا. أدخل رجل إصبعه في حلقتي مقراض وقال لمنجم: أي شيء في يدي؟ فقال: خاتمان من حديد. قيل لرجل: من أين؟ قال: من جنازة صديق كان لي، كان له ابنان فمات الأوسد. قال: كان طاووس لا يحضر إملاك أسود ببيضاء، ويقولك تغيرون خلق الله. كاتب: وصل كتابك بما أوجب المنة واليد، وأزلم الحمد والشكر. قيل لجارية مليحة: ويلك تتعشقين أسود؟ فقالت: والله لو كان أيره لك لعملت منه عكازة.

قال أبو سعيد السيرافي: قد جاء في فعلين تعدي الفاعل إلى ضميره وهو: فقدتني وعدمتني، وإنما جاز ذلك لأنه محمول على غير ظاهر الكلام وحقيقته، لأن الاعل لا بد من أن يكون موجوداً، وإذا عدم نفسه صار عادماً معدوماً، وذلك محال، وإنما جاز لأن الفعل له في الظاهر والمعنى لغيره، لنه لا يدعو على نفسه بأن يعدم، فكأنه قالك عدمني غيري؛ قال: جران العود: الطويل لقد كان لي عن ضرتين عدمتني ... وعما ألاقي منهما متزحزح هما الغول والسعلاة رأسي منهما ... مخدش ما بين التراقي مكدح قال أبو سعيد: ويجوز عند البصريين ثم أنتم الذين تقتلون أنفسكم في الضرورة؛ وأنشد لمهلهل: الكامل وأنا الذي قتلت بكراً بالقنا ... وتركت مرة غير ذات سنام والوجه: وأنا الذي قتل. وقال حارثة بن بدر الغداني؟ البسيط يا كعب ما طعلت شمس ولا غربت ... إلا تقرب آجالاً لميعاد يا كعب صبراً على ما كان من حدث ... يا كعب لم يبق منا غير الاد

إلا بقيات أنفاس نحشرجها ... كراحل رائح أو باكر غاد قال أبو سعيد: فإن غير ما هنا بمنزلة مثل، كأنك قلت: لم يبق منا أجساد إلا بقيات أنفاس، وعلى هذا أنشد الناس هذا البيت للفرزدق: البسيط ما في المدينة دار غير واحدة ... دار الخليفة إلا دار مروانا جعلوا غير صفة بمنزلة مثل، ومن جعله بمنزلة الاستثناء لم يكن له بد من أن ينصل أحدهما، وهو قول ابن أبي إسحاق. قال أبو بكر ابن العلاف الشيباني النحوي - شاهدته بشيراز -: اليغبوب يقال في النهر والجدول إذا كان كثيراً ماؤهما شديدة جريتهما، ويقال ذلك في الفرس إذا كان كثير العدو شديد الجري، وقد قال بعض أهل اللغة: اليعبوب الطويل، وإنما سمي النهر يعبوباً لطوله، والأول القول المختار، قال لبيد: الرمل بأجش الصوت يعبوب إذا ... طرق الحي من الغزو صهل قال: وأما الدعبوب فالطريق النهج الموطأ السهل.

قال ميمون بن مهران في قوله تعالى " ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون " إبراهيم: 42: تعزيه للمظلوم ووعيد للظالم. قل النبي صلى الله عليه وسلم: لا تديموا النظر إلى أهل البلاء فتحزنوهم؛ يقال: حزنته وأحزنته بمعنى، ويقرأ: " ولا يحزنك قولهم " و " لا يحزنك " يونس: 65. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاثة في ظل العرش: عائد المريض، ومشيع الموتى، ومعزي الثكلى. وقال الثوري: إذا رأيت الرجل محموداً في جيرانه فاعلم أنه يداهنهم. قال مديني: لو أن أبا الزناد عن يميني وابن هرمز عن يساري وربيعة الرأي يقودني لمنعتني نذالتي أن أنبل.

أتى رجل عمرو بن عبيد فقال: إن ألأوساري لم يزل أمس يذكرك ويقول: الضال، فقال عمرو: يا هذا، والله ما رعيت حق مجالسة هذا الرجل حين نقلت إلينا حديثه، ولا رعيت حقي حين بلغتني عن أخي ما أكره، أعمله أن الموت يعمنا، والبعص يحشرنا، والقيامة تجمعنا، والله تعالى يحكم بيننا. جرى ذكر رجل في مجلس ابن قتيبة فنال منه بعضهم، فأقبل عليه سلم فقال: يا هذا، أوحشتنا من نفسك، أيأستنا من مودتك، ودللتنا على عورتك. ودخل عبد الوارث بن سعيد على رجل يعوده فقال: كيف أنت؟ فقال: ما نمت منذ أربعين ليلة، فقال: يا هذا أحصيت أيام البلاء فهلا أحصيت أيام الرخاء؟ مر ماجن بالمدينة برجل قد لسعته عقرب فقال: أتريد أن أصف

لك دواء هذا؟ قال: نعم، قالك عليك بالصباح إلى الصباح. نظرت امرأة إلى رجل يبول كبير الفعل، فقالت: هذا معك ولا تجلس للصيارفة؟! فقال: ما أحمقك، هذا والله أقامني منهم. لما نزل بعمر بن عبد العزيز رحمه الله الموت قال: يا رجاء، هذا والله السلطان لا ما كنا فيه. قال علي بن الحسين عليهما السلام: ليس في القرآن " يا أيها الذين آمنوا " إلا وهي في التوارة يا أيها المساكين. قال إبراهيم بن إسماعيل: العجب لم يغتر، وإنما هي عقربة ذنب. قال الحسن: الدنيا كلها غم، فما كان منهان من سرور فهو ربح. قال فيلسوف: أصاب الدنيا من حذرها، وأصابت الدنيا من أمنها.

قال ابن السماك: خف الله كأنك لم تطعه، وارج الله حتى كأنك لم تعصه. ترى كيف يجتمع الرجاء والخوف في صدر واحد؟ هذا بعيد، متى رجا فقد استرسل، ومتى خاف فقد استجمع، ولكل واحدة من هاتين الحالين أحكام تستغرقها وتأتي عليها وتباعدها من الحال الأخرى، فكيف السبيل إلىتحصيل ما دل عليه هذا الفاضل؟ اللهم إلا أن يقول: تردد من هذه إلى هذه، ولا تستقر مع غحداهما، وهذا إن صح لم يكن له من الخوف نصيب ولا من الرجاء نصيب إلا بمقدار إلمالمه بهما؛ فأين الحيلة التي بها يبين وعليهما يظهر؟ وللزهاد كلام كثير يروع ظاهره ويضمحل مفتشه؛ وسألت بعض العماء عن هذا فقال: كأنه إذا لحظ الكرم رجا، وإذا لحظ العدل خاف، وهو فيما بين هذين الملحوظين مختبر الثبات على الطاعة، والإقلاع عن المعصية، وليس يجيء من هذا أن يكون خائفاً راجياً في حال، لأنه بخواطره ووساوسه في أفعاله وحركاته متطلع نحو شيء يرجوه، ونحو شيء يحذره، فإذا ما غلب أحدهما على سره سلس معه، وهو على ذلك محمود، لأن الخائف مصيره إلى ما يصير إليه الراجي، لأن الراجي يعمل في طلب ما يتمناه، والخائف يقلع عن مواقعه ما يخشاه والغاية واحدة. إذا أنعم النظر؛ وهذا جواب قريب. والحاجة إلى تحقيق الخوف من الله عز وجل والرجاء في الله تعالى أشد من الحاجة إلى معرفة هذا المشكل. دعا أعرابي فقال: آثر تقواك على هواك، وأخراك على دنياك.

قيل لمعبدة: ما يمنعك من دخول الكعبة؟ قالت: والله ما أرضة رجلي للطواف فكيف أدخل بهما الكعبة. سأل أبو فرعون رجلاً فمنعه، فألح عليه فأعطاه، فقال: اللهم أخزنان وإياهم، نسألهم إلحافاً ويعطوننا كرهاً، فلا يبارك الله لنا ولا يأجرهم عليه. ساوم مديني بدجاجة فقال صاحبها: لا أنقص من عشرة دراهم، فقال: والله لو كانت في الحسن كيوسف، وفي العظم ككبش إبراهيم الخليل، وكانت كل يوم تبيض ولي عهد للمسلمين ما ساوت أكثر من درهمين. قال بعضهم: الاست مسن الأير، والقبلة بريد النيك. كاتب: ودعت قلبي بتوديعك، فهو ينصرف كمنصرفك. كاتب: ذكرك ينسينس كل شيء، وفراغي له يشغلني عما سواه.

كاتب: لو كان إفراط الحنين إليك، ولهب الحرص عليك، يقربان طرفي منك، لقد كنت فزت بك. كاتب: إن - أعوذ بالله - تنفست بنا مدة هذا المقام دونك، وبرحت بنا الخطوب عما قبلك، لم املك عزاء عما أعد نفسي وأقرب لها من الوقت في لقائك، وأعتاد من الحوادث التي تترامى بنا من سفر إلى صفر، وتنقلنا من مثوى إلى مثوى، وكيف بالسلو عما جعل الله غيبته مادة للشوق وتأثيلاً للوجد، وملابسته ملابسة أنس ومروءة، وفراقه فراق كرم وفضيلة، لا كيف إلا بأوبة مرتقبة تجمع متفرق الشمل، وتلم متباين الشعب، ويعود بها عهد الأيام حميداً، وما أخلق ما دواعي الأمل جديداً. كاتب: أوديتني بنأيك، فمتى تداوي بقربك؟ كاتب آخر: أنا من إذا ابتهج شكرك، وإذا نكب ذكرك. آخر: لا سلبني الله سرور رجائي بلقائك، ولا خيب دعائي ببقائك، ولا أفقدني الأنس بك على قربك ونأيك، أعقبنا الله بمأتم الفرقة عرس الألفة، وبوحشة الغمة أنس الغبطة. كاتب: أقر الله عيني بلقائك، كما أقذاها بنأيك. قال أعرابي: لا تبال بالوطنإذا شطن، ولا بأحد إذا شط ولا تشخص إذا شخص.

كتب ناسك إلى أخ له: اجمع لي أمر الدنيا وصف لي حالها وحال الآخرة، فكتب إليه: الدنيا حلم والآخرة يقظة، والمتوسط بينهما الموت، ونحن في أضغاث أحلام ننقل إلى أجداث. النمري: الطويل يقولون في بعض التذلل عزة ... وعادتنا أن ندرك العز بالعز أبى الله لي والأكرمون عشيرتي ... مقامي على دحض ونومي على وخز كاتب: أطال الله بقاءك في تمام من النعمة والسلامة، ودوام من الكرامة، وعلو من القدرة وبسط الد، ووفورة البغطة واتصال الرغبة، وعكوف من الآمال، ومن علينا بدوام ظلك، وامتداد أيام دولتك، وأعلى درجتك، ولا أراك مكروهاً في شيء مما خولك، ولا زلت من النعمة والإنعام بحيث يقصر أمل الآمل وشكر الشاكر عنه، ولا أخلاك من مزيده ونعمته، وتسديده وعصمته، وبلغ بك من الألفة أقصاها، ومن الأماني أسناها، وأعانك على ادخار المكارم واصطناع المحامد، وبسط بها لسانك ويدك، وأدام لك أجمل ما عودك وعود منك، وأعطاك فوق أملك وغاية رجائك ومنتهى أمنيتك، وحجب عنك سطوات الأحوال، وأجرى لك خالص كل نوال،

وتوحدك بالصنع والإقبال، ولا بدل لك ما أفادك من حسن حال، وتوجك بالسيكنة والوقار والنسك والهيبة والجمال، وختم لك بالسعادة في المآل. قال بعض أهل الأدب: يقال: جارية غراء كالليلة القمراء، وكالشمس يكمها الحجاب؛ جارية كغزال مكسال، وكجؤذر صريمة، وكمهرة عربية، وكدمية محراب، وذات حشا قطيع، وكأن لونها محض شيب براح، وكأنها زهرة جلاها بدر، وكأن عينيها عينا مهاة، ولها حاجب كالنون خط بالقلم، وأنف كمتن السيف، وفم كالخاتم، وريق كلعاب النحل وجنى النخل، وكالرحيق الختوم، وكأن نشرها ريا فأرة، وكأن أصابعها قوادم حمامة، وكأن فاها أقحوان تحت غمامة، وكأن ثناياها زهر في دمث، وكأنما تفتر عن برد، وعن حب الغمام، وعن بارقة، وكأن عنقها إبريق اللجين، وكأن صدرها فاثور فضة، وكأن نحرها جمارة، وكأن لبتها سبيكة، وكأن وجهها مرآة مجلوة، وكأن جيدها جيد ريم، وكأن سالفتها السيف الصقيل، وكأن ثديها حق عاج، وكأن في صدرها رمانتين، وكأن في خدها تفاحتين، وكأنها غصن بان وقضيب عقيان، وكأن خيدها أترجتان بالعنبر مخضوبتان؛ لها شعر كقوادم النسر، لها فروع كقنوان النخل المنسدل أو عناقيد الكرم المتهدل، كأن جبينها مصباح دير، كأن عوارضها كوكب الصبح، كأن بنانها مداري فضة وقضيب اللجين، لها بطن

مطوي كأنه قبطي وكأنه طومار مدمج، وكأنها بطن أيم ذي طرة؛ لها كشح مجدول، ولها سرة كمدهن عاج، وأفخاذ كأفخاذ البهاتي، وكفلكالكثيب، وخصر كالقضيب، وكأنها خوط بان على نقا، وغصن في دعص؛ لها ساق كبردية غذاها خليج، تمشي كالوحل، تمشي مشي المهاة إلى الرياض، وكأنها قطاة تخطو إلى الغدير، وكأن في أخمصها شوكاً، وكأنهاظبية تميس، وكأن الحلي في صدرها وميض برق ونار أنارت في الظلام، وكأنما خلخالها أنثاء حية مفتولة، وكأن معصمها نجم يلوح، وكأن شعرها أسود ملتفة، وحبال مضفورة، وكأن وجهها صفحة سيف، وفلقة قمر، وبدر تمام، مكأنها دينار مشوف، وكأن حليها زهر الربيع؛ لها كشح كالجديل، وقذال كقذال عاطية الأراك، لها مدامع كمدامع الغزال؛ كأن حمرة خدها أرجوان أو جلنار؛ لها شارب كمخضر الريحان، وكأنه نصف صاد، وكأن قدمها لسان حية، وكأنها ظبية مذعورة، وغزال خاذل، وكأنها كأس، وكأنه رشأ مرتاع، وكأن لحظاتها نبال، كأنها بيضة نعام، وكأنها بيضة أدحي، وكأنها بيضة مكنونة، وكأنها لؤلؤة الغواص، وكأنها درة الصدف، وحديثها ثمر الجنان، وصوب الغمام، ووقع الزلال؛ وكأن أصداغها عقارب، وكأن متنها متن حسام؛ فتور القيام، سريعة القعود، نصفها خفيف ونصفها كسل؛ كأن وجنتيها شقائق النعمان، كلامها يطفئ النار؛ كأن ريقها رضاب مسك، وجنى نحل، ومشور ضرب؛ كأن عنقها إريق فضة، وعينها ماوية، وبطنها قبطية، وساقها بردية، وجبينها اللآلئ، وعوارضها البرد؛ كأنها خوط بان، وجدل عنان، وقضيب ذهب، وكأنها فضة قد مسها ذهب، أطهر من الماء، وأرق من الهواء.

قال أبو هفان: رأيت شيخاً بالكوفة قاعداً على باب دار وله زي وهيئة، فوي الدار صراخ، فقلت: يا شيخ، ما هذا الصراخ؟ قالك هذا رجل افتصد أمس بلغ المبضع شاذروانه فمات؛ قال: وإنما أراد أن يقول بلغ المبضع شريانه. سمعت العقدي الهمذاني يقول، قال رجل لابن خلف: سألت عنك يا أبا فلان، قال: سأل الله عنك ملائكته. قال أبو نصر الأنماطي، قالابن خلف لصديق له: أريد أن أشرب على عورة وجهك عشرة أرطال نبيذاً مرنقاً؛ قال: أراد ان يقول على غرة وجهك نبيذاً مروقاً. جاءت امرأة إلى معلم تشكو ابنها، وكانت حجميلة، فقال المعلم للصبي: مثل هذه الأم يوحشها إنسان فيؤذيها؟! كان يجب عليك لو كان لك عقل ان تلحس خراها كل يوم طلباً لرضاها. قال بعض الأطباء: موضع العقل الدماغ، وطريق الروح الأنف. وموضع الرعونة طول اللحية. قال اليزيدي: اللحية الطويلة عش البراغيث، ومأوى البق، وهي في الريح طرادة ومزبلة، ومعدن التراب والغبار.

وقال أيضاً، قال ابن خلف لمغنية كان يحبها، وأراد تجميشها: أنا والهل لك مائق - أراد أن يقول: وامق - فقالت: ليس لي وحدي أنت مائق، أنت والله مائق للخلق. قال الجاحظ: قلت يوماً لعبدوس بن محمد، وقد سألته عن سنه لصغره: لقد عجل عليك الشيب، فقال: وكيف لا يعجل عل وأنا محتاج إلى من لو نفذ فيه حكمي لسرحته مع النعاج، أو لفظته مع الدجاج، وجعلته قيم السراج، ووقاية يد الحلاج، هذا أبو ساسان أحمد بن العباس العجلي له غلة ألف ألف درهم كل سنة، عطس يوماص فقلت له: يرحمك الله، فقال لي: يغرقكم الله. جاء غلام ابن جرادة بفرخ إليهفقال له: انظر إلى هذا الفرخ ما أشبهه بأمه، قال: ذكر أم أنثى؟! قال ابن الحصاص يوماً وقد جربت يده، لو غسلتها ألف مرة لم تنتظف حتى أغسلها مرتين. ونظر ابن الجصاص في المرآة ثم قال لإنسان عنده: ترى لحيتي قد طالت؟ فقال الحاضر: المرآة في يدك، فقال: صدقت ولكن يرى الشاهد ما لا يرى الغائب.

اشترى إسحاق بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس غلاماً فصيحاً، فبلغ الرشيد فأرسل إليه يطلبه فقال: يا أمير المؤمنين، لم أشتره إلالك، فلما وقف الغلام بين يديه قال الرشيد: إن مولاك قد وهبك لي، فقال الغلام: يا أمير المؤمنين ما زلت وما زلت، قال: فسر، قال: ما زلت لك وانا في ملكه، ولا زلت عن ملكه وانا لك، فأعجب الرشيد وقدمه. وبمثل هذا البيتان والعقل يتقدم العبد على الحر، والوضيع على الشريف. وكان الفتح بن خاقان، وهو صبي، قائماً بين يدي المعتصم، فقال المعتصم يوماً وفي يده فص: أرأيت يا فتح أحسن من هذا الفص شيئاً؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، اليد التي هو فيها أحسن منه. اجتاز عمر بن الخطاب رضي الله عنه بصبيان يلعبون وفيهم عبد الله بن الزبير، فتهاربوا إلى عبد الله فإنه وقف، فقال له عرم: لم لا تفر مع أصحابك؟ قالك لم يكن لي جرم فأفر منك، ولا كان الطريق ضيقالً فأوسعه عليك. قعد صبي مع قوم فقدم شيء حار فأخذ الصبي يبكي، فقالوا له: ما يبكيك؟ قال: هو حار، قالوا: فاصبر حتى يبرد، قال: أنتم لا تصبرون.

وخرج صبي من بيت أمه في صحو وعاد في مطر شديد فقالت له أمه: فديتك ابني، هذا المطر كله على رأسه؟ قال: لا يا أمي، كان أكثره على الأرض، ولو كان كله على رأسي كنت قد غرقت. وسمع غلام أمه تبكي في السحر فقال لها: لم تبكين؟ فقال: ذكرت أبوك فأقرح قلبي، قال: صدقت هذا وقته. ولا تنكر قولها ذكرت أبوك فإن اللحنها هنا أصلح من الإعراب، وقد قيل: لكل مقام مقال. سمع ابن الجصاص رجلاً ينشد شعراً في هند فقال: لا تذكروا حماة النبي صلى الله عليه وسلم إلا بخير. دخل رجل إلى حمزة ابن النصرانية فقال: إن أخي قد مات فمر لي بكفن، قال: والله ما عندي شيء ولكن تعهدنا إلى أيام لعله يقع، قال: أصلحك الله، فمر لي بدرهم ملح، قال: ما تصنع به؟ قال: أملحه حتى لا ينتن إلى أن يتيسر كفنه من عندك. دخل حمزة هذا يوماً على امرأتهوعندها ثوب وشي فقال لها: بكم اشتريت؟ قالت: بألف درهم، قالك والله لقد وضعوا في استك شيئاً مثل هذا، وأشار إلى يده وذراعه، قالت: إني والله لم أوف بعد ولكن

أعطيت درهماً، قال: وأيش يسوى قولك وقد جعلت خصاهم في ديك؟ قالت: إن أختك قد اشترت شراً منه بمائة دينار، قال: أختي تضرط من آست واسعة. قال الحاجظ: قلت لأبي الحشيم: إن رأيت أن ترضى عن فلان فافعل، قال: لا والله حتى يبلغني أنه قبل رجلي. كان صاعد بن مخلد إذا قبض يده عن الطعام يقول: الحمد لله الذي لا يحلف بأعظم منه. ومر بقوم يصطادون السمك فسلم عليهم وقال: يا فيتان هذا السمك الذي تصطادون طري أم مالح؟ وكان أزهر الخمار بين يدي عمرو بن الليث يأكل البطيخ، فقال له عمرو: كيف طعمه يا أزهر، هو حلو؟ قال أزهر: أيها الأمير، أكلت الخرا قط؟ فضحك عمرو وكل من حضر. وقال عمرو للأزهر: إن ابنك يزعم انه ماك غلامك البارحة، قال: نكت أمه البارحة سبع مرات، فاجعل أربعة بحذاء ذاك والباقي فضل. جاء أبو عوانة إلى قوم قد صلبوا فقال: هذا اوعدنا الله ورسله وصدق المرسلون؛ اللهم بارك لنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه.

أصيب إنسان بوالدته، فجاء سيفويه القاص يعزيه، فلما قضى كلامه قال: هذه المراة خلفت ولداً؟ قال لرجل: تريد ولداً أكبر مني؟! قال أبو هفان: رأين بعض الحمقى يقول لآخر: قد تعلمت النحوك كله إلا ثلاث مسائل، قال: وما هي؟ قال: أبو فلان، وأبي فلان، وأبا فلان، قال: هذا سهل: أما أبو فلان فللملوك والأمراء والسلاطين والقضاة، وأما أبا فلان فللتناء والتجار والأوساط، وأما أبي فلان فللسفل والأوغاد. وقال أبو هفان أيضاً: قال رجل لآخر: متى قدمت؟ قال: غداً، قال: إن كنت إن شاء الله سألتك عن صاحب لي فمتى تخرج؟ قال: أمس، قال: لو كنت أدركتك كتبت معك كتاباً إليه. قال الحسن بن يسار، قلت لشاعر: فلان ليس يعدك بشيء، قال: والله لو كنت ليس أنا، وابن من أنا منه، لكنت أنا أنا، وأنا من ابن أنا منه، فكيف وأنا من أنا منه. وقال أبو هفان: سمعت بعض الحمقى يخاصم امرأته وفي جيرانه أحمق، فاطلع عليهم وقال: يا هذا، اعمل مع هذه كما قال الله تعالى: إما إمساك بأيش اسمه أو تسريح بأيش اسمه؛ قال: فضحكت من بيانه. وكتب بعض الحمقى إلى آخر يعزيه عن دابة: بسم الله، جعلني

الله فداك، بلغني منيتك بدابتك، ولولا علة نسيتها لسرت إليك حتى أعزيك في نفسي. قال ابن حمدون النديم: جلس بعض الرؤساء مع بعض الوزراء في زبزب وفي يده تفاحة، فأراد أن يناولها الوزير، وأراد أن يحول وجهه إلى الماء ليبزق، فحول وجهه إلى الوزير فبزق عليه ورمى بالتفاحة إلى الماء. وقال ابن قريعة: دخل بعض هؤلاء الخلاء وأراد أن يحل سروايله، فغلط وحل إزاره وخري في سراويله. وتخاصم رجلان من أهل حمص في أمر نسائهما فقال كل واحد منهما: امرأتي أحسن، وارتفعا إلى قاضيهم، فقال القاضي: أنا عارف بهما، وقد نكتهما جميعاً قبل تقلد القضاء وقبل أن تتزوجاهما، فقال بعض العدول: قد عرفتهما فاقض بينهما، فقالك والله لأن أنيك امرأة هذا في أستها أحب إلي من أن أنيك امرأة هذا في حرها؛ ففرح الذي حكم له وقام مسروراً. وتقدم إلى قاض حمصي بواسط زمن الحجاج رجل وامرأة فقال الرجلك أصلح الله القضاي إنها لا تطيعني، فقالت: أصلح الله القاضي إني لا أقوى بما معه، قال: يا هذا ليس تحملها ما لا تطيق، قال: أصلحك الله إنما كانت عند رجل قبلي فكانت تكرمه، فضرط القاضي من فمه ثم قال: يا جاهل، الأمور كلها تسوتي؟ هو ذا أنا معي أير مثل البغل، ومن البيت - أستودعهم الله - يستصغرونه.

وارتفعت امرأة مع رجل إلى قاضي حمص فقالت: أعز الله القاضي، هذا قبلني، قال القاضي: قومي فقبليه كما قبلك، قالت: قد عفوت عنه، قال القاضي: فأيش قعودي ها هنا حيث أردت أن تهبي جرمه لم جئت به إلى هذا المجلس للحكم؟ والله لا برحت حتى تقتصي منه حقك، وبعد هذا لو ناكك رجل بحذاي لم أتكلم. ومات لأبي العطوف ابن، وكان يتفلسف، فلما دلوه القبر قال للحفار: أضجعه على شقه الأيسر فإنه أهضم للطعام. كان لمحمد بن يسير الشاعر ابن جسيم وسيم، بعثه في حاجة فأبطأ وعاد ولم يقض وطر أبيه، فقال فيه: الخفيف المجزوء عقله عقل طائر ... وهو في خلقة الجمل فأجابه: شبه منك نالني ... ليس لي عنه منتقل ووجه آخر ابنه إلى السوق ليشتري حبلاً للبئر ويكون عشرين ذراعاً، فانصرف من نصف الطريق وقالك يا أبي في عرض كم؟ قال: في عرض مصيبتي فيك.

قال رجل لابنه وهو في المكتب: في أي سورة أنت؟ قال: في لا أقسم بهذا البلد ووالدي بلا ولد، فقال أبوه: لعمري من كنت ولده فهو بلا ولد. وقال آخر لابنه: أين بلغت عند المعلم؟ قالك قد تعلمت والفرج، أراد والفجر، قال الأب: فأنت بعد في حر أمك. قال صالح بن محمود لأبيه: زوجني بعض أمهات أولادك، قال أبوه: ويحك هن مثصل أمك، قال: إنما يكون للرجل أم واحدة، قد ماتت أمي. قيل لعمرو الحويزي: إن ابنك يناك، فقال لابنه: ما هذا الذي يقال؟ قال: كذبوا وإنما أنيكهم؛ فلما كان بعد أيام رأى أبوه صبياناً ينيكونه قال له: هذا النيك ممن تعلمت؟ قال: من أمي. عرض هشام بن عبد الملك الجند فأتاه رجل حمصي بفرس كلما قدمه نفر، فقال هشام: ما هذا، عليه لعنة الله؟ قال الحمصي: يا سيدي هو فاره ولكنه شبهك ببيطار كان يعالده فنفر. قال الجاحظ: مررت بمعلم وهو يتأوه، فقلت: ما شأنك يا

شيخ؟ قال: ما نمت البارحة من ضربان عرق، فنظرت إليه فقلت: أنت والله صحيح سليم مثل الظليم، فغضب واستشاط ثم قال: أحدكم يضرب عليه عرق واحد فلا ينام الليلة إلى الصباح، وتضرب علي حزمة عروق فتريدون مني ألا أصيح!؟ قلت: وأي حزمة عروق هذه؟ فكشف عن أير مثل أير البغل وقال: هذا يا خرا. قال أبو العيناء: قلت لمخنث: كيف جوفك؟ قالك أدخل لسانك وذقه. طلب أبو نواس من صديق له غلاماً أمرد، وكان يشرب معه فجاء بغلام مليح إلا أنه أعرج، فلما رآه أبو نواس قال له: ويحك، هذا أعرج، فسمع الغلام فقال: تريد تضرب علي بالصوالجة يا خرا أو تنيكني؟! قيل لمديني ظريف: كيف رأيت البصرة؟ قالك خير بلاد والله للجائع والمفلس والعزب. أما الجائع فيأكل من خبز الأرز والمالح حتى يشبع بفلس؛ وأما العزب فيتزوج بمن شاء بدانقين؛ وأما المحتاج فيخرا ويبيع؛ فهل رأيتم بلداً مثلها؟

كان عبد الأعلى السلمي قاصاً، فقال يوماص: يزعمون أني مراء، وكنت أمس والله صائماً، وقد صمت اليوم وما أخبرت بذلك أحداً. ومر عبد الأعلى بقوم وهو يتمايل سكراً، فقال إنسان: هذا عبد الأعلى القاص سكران، فقال: ما أكثر من يشبهني بذلك الرجل الصالح. شاعر: البسيط إن الضرورة للإنسان حاملة ... على خلاف الذي يهوى ويختار قال فيلسوف: العشق جهل عارض وافق قلباً فارغاً قال أبو العيناء: أضحكني بائع رمان بحنين يقول: السريع وقعت من فوق جبال الهوى ... إلى بحار الحب طرطب العجلاني: الطويل ألا حبذا ظل ظليل ومشرب ... لذيذ ونخل بالقعاقع يانع وروحة آصال العشي ومنظر ... أنيق وغزلان عليها البراقع قال أرسطاطاليس بلإسكندر: احفظ عني ثلاث خلال، قال: وما هن؟ قال: صل عجلتك بتأنيك، وسطوتك بترفقك، وضرك بنفعك، قال: زدني، قال: انصر الحق على الهوى تملك الأرض ملك استعباد.

قال بزرجمهر: لا شرف إلا شرف العقل، ولا غنى إلا غنى النفس. كانت الفرس إذا أبصرت إلى النار التي تشتعل في أسافل القدور قالت: سيكثر المطر، وإذا فشا الموت في البقر قالت: سيكثر الموت في البشر، وإذا فشا في الخنازير قالت: يسل الناس ويصحون. قال الإسكافي لرجل: أليس لا يكون ما لا يعلم الله تعالى أنه لا يكون، ولا يكون جاهلاً ولا ناسياً، قال: بلى، قال: فلم ينكر أن لا يكون ما يريد الله عز وجل ولا يكون مكرهاً ولا مغلوباً؟ قال أحد هؤلاء المشغبين لآخر: أتقول إن الكافر فعل الكفر بأن كفر؟ قال: نعم، قال: فقل إنه أخرج الكفر من باب العدم إلى الوجود بأن كفر؛ قال: لا يخرج من العدم إلى الوجود إلا الله عز وجل، قال: ولا يحدث الكفر إلا الله جلت عظمته. قال رجل: سألت أحمد بن علي الشطوي وقلت له: هل شاهدت من يفعل أو يتأتى له الفعل إلا جسماً، قال: لا، قال: والصانع يفعل وليس بجسم، قال: نعم، قلت: وهذا خلاف الشاهد، قال: نعم، إنك أيضاً لم تشاهد من يفعل الأشياء، والله يفعل وليس بشيء خلاف الشاهد.

أما ترى تماري هؤلاء في هذه القاويل، وجنوحهم فيها إلى الأباطيل، وإعراضهم عن طلب الآخرة بالعمل الصالح والخشوع والإخبات؟ أما يعلمون أن التماري من المرية، والمرية الشك، والشك والتشكك في الدين والعقد يؤديان إلى هلك، ويشقيان على حيرة، وأن الواجب غير ما رأوه واجباً؟ قيل لفيلسوف: كيف للإنسان بأن لا يغضب؟ قال: فليكن ذاكراً في كل وقت أنه ليس يجب ان يطاع فقط بل أن يطيع، وأنه ليس يجب أن يخدم فقط بل أن يخدم، وأنه ليس يجب أن يتحتمل خطأه فقط بل يجب أن يحتمل الخطأ عليه، وأنه ليس يجب أن يصبر عليه فقط بل أن يصبر هو أيضاً، وأنه بعين الله دائماً، فإنه إذا فعل ذلك لم يغضب، وإن غضب كان غضبه أقل. قال فيلسوف: عوام الناس ظنون ان الله جل جلاله في الهياكل فقط، ويرون أنه يجب أن يتهيأ الإنسان ويحسن سيرته في الهياكل فقط، وأما أصحاب المعرفة فلعلمهم بأن الله تعالى في كل موضع ينبغي لهم أن تكون سيرتهم في كل موضع كسيرة عوام الناس في الهياكل. قال بعض العلماء: سألت أعرابياً: ما الناقة المرواح؟ قال: التي كأنها تمشي على أرماح؛ قالك أراد طولها. قال فيلسوف: كما أن الذين يستعملون حواس البدن فقط يمنعهم من الغضب الخوف من الملك المحسوس إذا وقفوا بين يده، كذلك يجب على من

يستعمل الحواس النفسانية أن يمنعه من الغضب الخوف من الملك المعقول الذي هو واقف بين يديه دائماً. قال أفلاطون: نحن نعيش عيشاً طبيعاياً كي نعيش عيشاً عقلياً، فينبغي أن يكون قصدنا للعيش العقلي ولا نعطي القوة الطبيعية شيئاً أكثر مما تدعو إليه الضرورة. قال الأموي: يقال: لأنت أضل من خروف القصاب، لأنه يلعب ولا يشعر؛ هكذا قال. وقال الأموي: قول العرب من الأنس: أنس به يأنس، ولا يقولون أنس؛ هكذا قال. وقال الأموي: يقال: ما كان ذلك إلا بعد الأين والصلعاء، وإلا بعد الهياط والمياط، أي لم يكن إلا بعد حين؛ هكذا قال الأموي. قيل لابن لسان الحمرة: أي اللحم أطيب؟ قال: جنوب عرضان، قبض بعناقيد، حبس على دكاكين جزر، في دساكر جوف، لا تسمع الصوت إلا إرناناً. القبض: المال المقبوض لأن السلطان يقبض أفضلها، حبس: مجتمعة،

دكاكين: جمع دكان، في دساكر جوف: واسعة، لا تسمع الصوت إلا أن ترفع صوتك لأنها كصيرة الأهل والطير؛ هذا لفظ الأموي في النوادر. وأنشد الأموي لأيمن بن خريم: الطويل وصهباء جرجانية لم يطف بها ... حنيف ولم تنغر بها ساعة قدر أتاني بها يحيى وقدج نمت نومة ... وقد لاحت الشعرى وقد خفق النسر فقلت اصطبحها أو لغيري أهدها ... فما أنا بعد الشيب ويبك والخمر تعففت عنها فيالسنين التي خلت ... فكيف التصابي بعد ما كلأ العمر إذا المرء وفى الأربعين ولم يكن ... له دون ما يهوى حياء ولا ستر فدعه ولا تنفس عليه الذي أتى ... وإن جر أرسان الحياة له الدهر هكذا أنشد الأموي على ما حكى خط ابن الكوفي، وهو خط موثوق به، وكأن الغبن من تنغر مكسورة، وكسر فقال: ينغر: جاش غضبه. وقال الأموي: عرية الرجل: متجرده. وقال أيضاً: أسبط الله لوثه؛ أسبط مد رجليه، ولوثه اجتماعه.

وقال بعض النحويين في قوله " أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير " البقرة: 61 إنما يريد الذي هو أدون ولا يريد الذي هو أقرب، والدليل على ذلك أن معه الخير وكذلك " أولى لك " القيامة: 34 و35 إنما هو مقلوب من الويل. كاتب: دع رجلي ورجلك في نعال، وما وسعهما القبال. قال أعرابي يصف رجلاً: له من الرأي رأي يهتك أغطية الستور، ويوضح عن مبهمات الأمور، ويضم من الخير أعطافه، وينظم من الذكر أطرافه، ويشرق بعزم لا يدجو معه خطب، ويومض بصواب لا يلتبس معه صعب، حتى يغدر المستعجم معجماً، والمشكل مشكولاً. وقال أعرابي: فلان له رأي لا يفيل، وظن لا يستحيل. يقال: فال رأيه إذا فسد وأخطأ جهة الحق، وفيلت أنت رأيه، إذا نسبته منه إلى الفيالة، والفيالة: الركاكة، والركاكة: الضعف، ويقال: الضعف. وقال أعرابي لرجل: كم كربة فادحة قد فككت أغلاقها، وحادثة مصمتة سنيت أقفالها. كاتب: قد أورق المجلس فلا بد من تلاق يجتنى به ثمر المحادثة من الأنس. كاتب: استدم جدة من تزوره بالتجافي عنه والقلة عنده، فإن حركة الراغب ظاهرة للعاقل، واستدعاء الملول مشوب بالفتور، وقد قيل:

مع التغاب الحاب، والإفراط في الزيارة مملول، كما أن التفريط فيها مخل. هكذا ذكر هذا الكاتب، وكله كلامه. قال أعرابي: صرف الله محله، وهدى رحله، وسر بأوبته أهله، ولا زال آمناً، مقيماً وظاعناً. قال بعض لبلغاء: أجمل من رعاية الذمم، والمحافظة على الحرم، وأشهى من فكاك الأسير، وإرخاء المخنوق، والوجدان من الناشد، والماء من الغاص، والأمن من الوجل. وقال: أحر من يوم الوداع؛ والوداع بفتح الواو، وأما الداع - بكسر الواو - فالموادعة، كأنك تدعن ويدع، ولا يقال من هذا ودعته، هكذا قال العلماء، وقد شذت قراءة بعضهم في قوله تعالى " ما ودعك ربك وما قلى " الضحى: 3 بالتخفيف وقال آخر: أروح من يوم التلاق، وألذ م ساعةن التواصل، وألطف م الروح، وأرق م النسيم وأنتن من ريح الفراق، وأضعف من كبد العشاق. ومن رقيق ألفاظ الظرفاء في أيمانها: لا والذي يرعاك ويهب لي

رضاك؛ ولا وعز القناعة وروح اليأس؛ لا وبلوغ السؤل فيك؛ لا وحرمة يوم الوصال. وقال أعرابي في ذم آخر: فاستحقب الوجل، واستعجل الأجل، لا سقاه الله غماماً، ولا ستر له أماماً. دعا آخر على مسافر فقال: بالبارح الأشأم، والسنح الأعصم، وجد موعث، وكد ملهث، وهم مكرث - يقال كرثني الأمر وأكرثني - وطائر منحوس، وظهر مركوس، ورحل منكوس؛ ولا زالت داره قذفاً، وطلابه أسفاً، وعقباه تلفاً، فإن عاد فلا عاد إلا بكآبة المنقلب، وندامة المعتقب. من أمثال العامة: من يطفر من وتد إلى وتد يدخل في آسته أحدهما. من أكل على مائدتين اختنق. واحد يعرف له وآخر يطوف له. الضرب في الحاج والسب في الرياح. والحر يعيط والعبد يأمل. المولى برضى والعبد يشق آسته. وقال لنا علي بن عيسى النحوي مرة، قال ابن الأخشاد: أمثال

العامة تحكى؛ وما أظرف قولهم: شق أستك صيرفي؛ هكذا يقولون. قال جراب الدولة: كان عندنا بسجستان منجم يعرف بأبي علقمة البستي فقال يوماً من الأيام: غداً يجيء المطر وإن لم يجئ المطر ماتت أمي، فلما كان الغد لم يجئ المطر فدخل فخنق أمه، فقيل له في ذلك فقال: قد أحببت ألا يخطئ حكمي، ولا أكون كاذباً. هذا طريف جداً. جاء رجل إلى عابر رؤيا هكذا يقال، والمعبر ضعيف، يقال: استعبرته فعبر، وفي القرآن " إن كنتم للرؤيا تعبرون " يوسف: 43 هذا من غير محققه، وعبر النهر، واستعبر الملاح، واستعبر إذا دمعت عيناه، والعبر - بالضم - سخنة العين، وكذلك العبر، والعبر جانب النهر، والشعري يقال لها العبور، فأما العابور فسحابة هاطلة قليلة اللبث مفرقة القطر كبا الحب، والعبارة اللفظ والمنطق، يقال: فلان حسن العبارة - بكسر العين - فلقد رأيت بعض الرؤساء من الكتاب يهلج بفتح العين، فكان أهل الأدب يعيبون عليه ذلك، فكن متجنباً لشنيع الخطأ وفاحش اللحن، واجتهد في الأخذ بالصواب، فإن تعذر ذلك فاتق ما اشتد فحشه؛ فأما العبير فطيب معروف، ويقال هو الزعفران، وأيضاً الجساد للصوقه بالجسد، ويقال أيضاً الملاب - بالتخفي؛ ويقالك جاء فلان معبراً، هذا من غريب ما حفظ عن أبي عمرو ابن العلاء؛ والعبرة كأنها الدمعة، والعبرة والاعتبار كأنها نظر في ما يتعجب منه ويبكى له - طال هذا الاعتراض، وما أحب أن يتخلج المعنى عليك، أو يقع في ما أرويه بعض ما يقبح في عينيك، ولكن الحديث شجون، والشجون: الرواضع التي تأخذ من النهر العظيم، وشجن الإنسان ما اهتم به وعقد طويته

عليه، ويقال: للناس أشجان ولي شجن - نعم، نعود إلى النادرة فقد سافرنا عنها. فقال له - أعني للعابر -: رأيت في النوم كأني راكب دابة أشهب له ذنب أخضر، فقال: إن صدقت رؤياك استدخلت فجلة. يقال: مر عامر بن بهدلة برجل قد صلبه الحجاج ظلماً فقال: يا رب، إن حلمك عن الظالمين قد أضر بالمظلومين، فرأى في منامه كأن القيامة قامت، وكأنه دخل الجنة فرأى المصلوب فيها في أعلى عليين، وإذا مناد ينادي: حلمي عن الظالمين أحل المظلومين بأعلى عليين. شاعر: الطويل خليلي لو كان الزمان مساعدي ... وعاتبتماني لم يضق عنكما عذري فأما إذا كان الزمان محاربي ... فلا تجمعا أن تؤذيان مع الدهر كاتب: أعقبنا الله بهذه الفرقة ألفة وتلاقياً، وبهذا الشتات شملاً وتدانياً. شاعر في بعض ولاة بني مروان: الطويل إذا ما قطعتم ليلكم بمدامكم ... وألحقتم أيامكم بمدام

فمن ذا الذي يخشاكم لملة ... ومن ذا الذي يغشاكم بسلام رضيتم من الدنيا بأيسر بلغة ... بشرب مدام أو بلثم غلام ولم تعلموا أن اللسان موكل ... بمدح كرام أو بذم لئام كاتب: أشد من كرب الشوق، وأفطع من حرق الفراق، ما تضمنه صدر من لا تساعده دموعه، ولايطاوعه لسانه، فترى الزفرات تتردد في أحشائه، والغموم تتلظى تحت جوانحه، ولو انطلقت عبرته وأسمح لسانه، لطفي بعض ما يعانيه، ولهذا نبذ ما يقاسيه، وإن كان قدر التبل بفراقك أعظم من أن يوازن بالبكاء، ومقدار الصبابة إليك أقوى من أنيستدرك بالاكتئاب. قال الزيادي، قال السري: النبيذ صاوبن الغم. شاعر: الخفيف رب ليل وصلته بنهار ... ورضاب مزجته بعقار ومدام أدرتها بيمين ... وصلاف أخذتها بيسار وصغار شربتها بحبيب ... وحبيب صرعته بكبار وظباء جمعت بين لذيذ ال ... عيش بيني وبينها في إزار

قال النخعي: لا يحرم النبيذ إلا صاحب بدعة وهوى. ليته ذكر العلة، فقد والله آلمني غير مكثرث، وما هذا من احتياط الفقهاء المتحرجين. قال العتبي في جارية هويها فلامه أبوه وأخرجه من داره: الطويل تبدلت من قلبي المودة بالبغض ... وصيرت بعد القرب منه إلى الرقص وكان الهوى غضاً فلما ملكته ... تقصف غصناه وحال عن الغض فإن أك قد أخرجت عن دار بغضة ... فليس بكفي مخرجي سعة الأرض فقال أبوه: إن اقلعت عن هذاقبلتك، فقال لأبيه: الهزج تراني تاركاً لل ... هـ ما أهوى لما تهوى أنا أشهد ا، الح ... ب من قلبي إذاً دعوى كاتب: سقياً لدهر لما خلام لنا خلا منا، ولما تصدى لنا تولى عنا. وقال زهير بن جناب: الكامل المجزوء

أبني إن أهلك فقد ... أورثتكم مجداً بنيه وتركتكم أبناء سا ... دات زنادكم وريه من كل ما نال الفتى ... قد نلته إلا التحية ولقد شهدت النار للإن ... قاذ توقد في طميه ولقد غدوت بناشر الط ... رفين لم يغمز شظيه فأصبت من حمر القنا ... ن معاً ومن حمر القفيه ولقد رحلت البازل ال ... وجناء ليس لها وليه ونطقت خطبة ماجد ... غير الضعيفة والعييه والموت خير للفتى ... فليهلكن وبه بقيه من أن يرى تهديه ول ... دان المقامة بالعشية

قال فيلسوف: كما أن البدن الخالي من النفس تفوح منه رائحة النتن، كذلك النفس العديمة الأدب تحس نقصها بالكلام والأفعال، وكما أن نتن البدن الخالي من النفس ليس يحسه ذلك البدن بل الذي له حس، كذلك النفس العديمة الأدب لا تحس بل الأدباء. قال فيلسوف: اليسار هو الباقي دائماً عند مالكه الذي لا يمكن له أن يؤخذ منه، ويبقى له عند موته، ليس الذي يبقى معه زماناً يسيراً ولا يكون بعد موته له، والذي يتحد بالصفة الأولى هي الحكمة. قال فيلسوف: الفقر هو أصل حسن سياسة الناسن وذلك أنه إذا كان من حسن السياسة أن يكون بعض الناس يسوس وبعضهم يساس، وكان من ساس لا يستقيم أن يساس من غير ان يكون فقيراً محتاجاً، فقد تبين أن الفقر هو السبب الذي يقوم به حسن السياسة. قيل لفيلسوف: لم صار الذين يفعلون الشر لا يعاقبون على فكرهم الردي وإنما يعاقبون على أفعالهم فقط؟ فقالك من قبل أنه قصد الإنسان لا لأن يتفكر لكن لأن لا يفعل الردي مما يتفكر فيه. قل فيلسوف: إن لم يتهيأ لك البلوغ في العلم م تلقاء نفسك مبلغ القدماء فينبغي لك أن تستغني بعيانهم، وذاك أنهم قد خلفوا لك خزائن العلم في كتبهم، فافتحها وتدبرها وأعن نفسك بها، ولا تكونن كأعمى في يده جوهر ولا يعرف حسنه. قال عبد الله بن طاهر: عجبني أمير المؤمنين من رؤيا رآها،

فسألته عنها فذكر أنه رأى في منامه كأن رجلاً جلس مجلس الحكماء فقلت له: من أنت؟ فقالك أنا أرسطاطاليس الحكيم، فقلت له: أيها الحكيم، ما أحسن الكلام؟ قالك ما يستقيم في الراي، فقلت: ثم ماذا؟ قال: ما استحسنه السامع، قلت: ثم ماذا؟ قالك ما لا تخشى عاقبته. ثم قال المأمون: لو كان حياً لما كان يتكلم بأحسن مما تكلم به فيما رأيته. قال بعض المنجمين: الشمي إذا كانت في التاسع من الطالع دلت على العبادة والخوف من الله وذكر الملائكة. وقال بعض أهل النجوم: إن الملة الإسرائيلية انعقدت في نوبة زحل، وزحل صاحب يوم السبت؛ وزعم أن زحل دليل العطلة والتغرب والتأله، وكذلك اليهود في الانقطاع عن الأعمال في يوم السبت؛ وزعم أن الأحد؛ وزعم أن الملة الإسلامية انعقدت في نوبة الزهرة، وللزهرة يوم الجمعة، ولها النظافة والزينة والتطيب والخصب، وفجدنا المسلمين محثوثين على إعظام يوم الجمعة بالإغتسال والطي وليس الجديد والتوسعة في النفقة. قال أفلاطون لأرسطاطاليس: لا تقل ما لا ينبغي لك أن تفعله. وقال له: إن الله عز ولج ليس ينتقم من العباد بالسخط بل

ليقومهم. وقال له: لا ينبغي لك أن تهوى حياة صالحة فقد بل وموتاً صالحاً، ولا تعتد بالحياة والموت صالحين إلا بأن تكسب بهما البر. وقال له: أدم التذكر فيم كنت وإلى أين تصير ولا تؤذ أحداً فإن الأشياء زائلة. وقال له: لا تنتظر بفعل الخير أن تسأل إياه بل ابتدئه مع أهله. وقال له: أدم ذكر الموت والاعتبار به. وقال أفلاطون: تعرف خساسة المرء بكثرة كلامه فيما لا ينفعه، وإخباره بما لايسأل عنه ولا يراد منه. وقال أفلاطون: من فكر في الشر لغيره فقد قبل الشر في نفسه. وقال أفلاطون: لا تؤخر إنالة المحتاج إلى غد فإنك لا تدري ما يعرض في غد. وقال: أعن المبتلى إذا لم يكن سوء العمل ابتلاه.

وقال أفلاطون: إن تبعت في البر فإن البر يبقى والتعب يزول وإن التذذت بالآثام فإن اللذة تزول والآثام تبقى. وقال أفلاطون: أجهل الجهال من عثر بحجر مرتين. وقال أيضاً: كفاك موبخاً على الكذب علمك بأنك كاذب، وكفاك ناهياً عنه خوفك إذا كذبت. كاتب: أرعيت مخمصتنا في خصب جنابك، ورويت معطشنا من صوب سحابك، حتى تحافت البطون عن الظهور، وأقلعت العيون عن الجفون. كاتب: كم نعمة جسيمة وفيتنيها، ونازلة عظيمة كفيتنيها؛ كم من يد لك عندي بيضاء، وصنيعة زهراء، وفائدة غراء، سودت وجوه أعدائي، وأظلمت عيون أكفائي. قال ابن أبي ليلى: رأيت بالمدينة صبياً قد خرج من دار وبيده عود مكشوف، فقلت له: غطه لأنهعيب، قال: أو يغطى من الله شيء؟ لا بلغت!! قال الفرزدق لغلام أعجبه إنشاده: أيسرك أني أبوك؟ قالك لا ولكن أمي ليصيب أبي من أطابيك.

قال البلاذي: أدخل الركاض وهو ابن أربعسنين إلى الرشيد ليتعجب من فطنته فقال له: ما تحب أن أهل لك؟ قال: جميل رأيك فإني أفوز به في الدنيا والآخرة، فأمر بدنانير ودراهم فصبت بين يديه فقال له: اختر الأحب إليك، فقال: الأحب إلى أمير المؤمنين، وهذا من هذين، وضرب بيده إلى الدنانير، فضحك الرشيد وأمر أن يضم إلى ولده ويجرى عليه. كان على خاتم أرسطاطاليس: المنكر لما لا يدري أعذر من المقر بما لا يعلم. وكان على خاتم بقراط: المريض الذي يشتهي أرجى من الصحيح الذي لا يشتهي؛ ومر بي بخط محمد بن فرج في موضع كان محبوساً فيه: من سلب نعمة غيره سلب غيره نعمته. وكان على خاتم فيثاغورس: شر لا يدوم خير من خير لا يدوم. وكان خاتم كسرى: لا يكون عمران بحيث يجوز السلطان. وكان على خاتم بزرجمهر: معالجة الموجود خير من انتظار المفقود. وكان على خاتم ملك الديلم: الاحتمال حتى تمكن القدرة.

سئل أنوشروان: من أهنأ عيشاً؟ قال: من يتذكر التفريط في ما ينبغي له أن يتقدم فيه. قال أنو شروان: العطلة تهيج الفكرة، والفكرة تهيج الفتنة. قال العتبي: إذا تناهى العمر انقطع الدمع، ومن الدليل على ذلك أنك لا ترى مضروباً بالسياط ولا مقدماً لضرب العنق يبكي. قال فيلسوف: من عاشر الإخوان بالمكر كافأوه بالغدر. وقال فيلسوف: كل شيء يحتاج إلى العقل، والعقل يحتاج إلى التجارب. قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: أنا منذ عشرين سنة في طلب أخ إذا غضب لم يقل إلا الحق فما أجده. محمد بن حازم الباهلي: البسيط ما الجود عن كثرة الأموال والنشب ... ولا البلاغة في الإكثار بالخطب

ولا الشجاعة عن حسم ولا جلد ... ولا الأمانة إرث عن أب فأب لكنها همم أدت إلى نجح ... في كل ذاك بطبع غير مكتسب والرزق عن قدر يجري إلى أجل ... بالعجز والكيس والتضييع والطلب والناس فيما أرى عندي بأنفسهم ... لا بالقبور ولا الأسلاف والنسب إني وإن قل مالي لم تقف هممي ... دون الجميل من الأخلاق والأدب صبراً على الحق في مال سمحت به ... وللزمان على اللأواء والكذب يا صاحباً لم يدع لي فقده جلداً ... ظلمت بعدك إن الدهر ذو عقب أبكي الشباب لجيران وعاذلة ... وللمغاني وللأطلال والكثب ولللصريخ وللإلجام في غلس ... وللقنا السمر والهندية القضب وللخيال الذي قد كان يطرقني ... وللندامى وللذات والطرب قال لقمان الحكيم: ضرب الوالد للولد كالسماد للزرع. قال بعض السلف: إذا ولي صديق لك ولاية فأصبته على العشر من صداقته فليس بأخ سوء. وقال لقمان أيضاً: نقلت الصخر وحملت الحديد فلم أر شيئاً أثقل من الدين، وأكلت الطيبات وعانقت الحسان فلم أر ألذ من العافية؛ وأنا

أقول: لومسح القفار، ونزح البحار، وأحصى القطار، لوجدها أهون من شماتة الأعداء، خاصة إذا كانوا مساهمين في النسب، أو مجاورين في بلد. لابن أبي فنن: الرمل المجزوء عيرتني الشيب أمسا ... ء وقد شار العذار ولها إن بقيت من ... هـ قناع وخمار إنما الدنيا وما في ... ها متاع مستعار ليس ينجي حذراً مم ... اقضى اله الحذار لا ولا للحر إن ضي ... م على الضيم قرار إنما الفتح لنا غي ... ث إذا ضن القطار وإلى الفتح إذا ما ... ذكر الجود يشار قيل لفيلسوف: الحزن أشد ام الخوف؟ فقال: بل الحزن، وإنما صار الخوف مكروهاً لما فيه من الحزن، وكما أن السرور غاية كل محبوب فكذلك الحزن غاية كل مكروه. وقال الحجاج لجلسائه: ما يذهب بالإعياء؟ فقال بعضهم: التمريخ، وقال آخر: النوم، قال: لا، ولكن قضاء الحاجة التي أعيا بسببها.

جاز جحا بقومه وفي كمه خوخ فقال لهم: من أخبرني بما في كمي فله أكبر خوهة فيه، فقالوا: خوخ، فقال: ما قال لكم إلا من أمه زانية. وقال له أبوه يوماً: احمل ها الحب فقيره، فذهب به فقيره من خارج، فقال له أبوه: أسخن الله عينيك، رأيت من قير الحب من خارج؟ فقال جحا: إن لم ترض عافاك الله فاقبله مثل الخف حتىن يصير القير من داخل. بات جحا ليلة مع صبيان فجعلوا يفسون فقال لامراته: هذا والله بلية، قالت: دعهم يفسون فإنه أدفأ لهم، فقام وخري وسط البيت ثم قال: أنبهي الآن الصبيان حتى يصطلوا بهذه النار. وشتم جحا يوماً أمه فقال له أبوه: يا ملعون، هذا جزاؤها منك؟ قال: وأيش عملت لي؟ قال: حملتك في بطنها تسعة أشهر، وأرضعتك وربتك، قال: قل لها تدخل في أستي حتى أخبأها تسعة عشر شهراً. هذه النوادر رواها لنا ابن قريعة، وكان كثير النوادر، غزير الحفظ، فصيح اللسان على تكلف مع ذلك.

وسمعت القاضي أبا حامد يقول: ببغداد ثلاثة قضاة، أحدهم جدي الظاهر هزلي الباطن، والآخر هزلي الظاهر جدي الباطن، والثالث جدي الباطن والظاخر. فسئل عن هؤلاء الثلاثة فقال: أما ابن معروف فظاهره جد وباطنه هزل، وأما ابن قريعة فظاهره هزل وباطنه جد، وأما ابن أم شيبان فظاهره جد وباطنه جد. وأنا أقول في هذا شيئاً وإن كان مسعفاً لبعض ما قاله هذا الرئيس، وتعقب كلام الرؤساء صعب، ولكن أين جسارة مثلي وإقدامه، وتحككه واعتزامه؟ اعلم أن هزل ابن معروف كان مغموراً بعلمه وادبه، وكان محتملاً لشكله وظرفه، وقد خلص فضله وخفي نقصه، فإذا لم يكن بد من النقص فلأن يكون مستوراً خير من أن يكون بارزاً لكل عين؛ وأما جد ابن قريعة في باطنه فما أغناه عن هزله في ظاهره لأنه وقف الممتعض منه المتباعد عنه، وصار ناصره وعاذره لا يجدان في تهوين شأنه إلا تمليحه واستظرافه؛ وأما ابن صالح على شرفه وبيته، وماله وجاهه، فما كان جده رافعاً له، ولا هزله واضعاً منه، وكان لا حلواً ولا مراً، ولا خلاً ولا خمراً، وكان مفضوحاً في ولايته، مرحوماً في عزله، وذلك أ، هـ كان لا يقارب العامة ولا يداري الخاصة، ومقاربه العامة إنما هي بلين اللفظ وخفض الجناح وسكون الطائر، وكان أخف من خشاشة، وأطيش من فراشة؛ ومداراة الخاصة إنما تكون ببسط اليد ورفع الحجاب وبذل العطاء ونصرة الائذ ومسالمة المداهن، وكان والله جعد الكف كز الطباع سيء اللفظ، قد أفسده شرفه، وأطغاه يساره، فهو لا يعقل إلا الجمع، ولا يعرف

إلا المنع، قد نسي عواقب الأمور وحوادث الدهور، ينكر الإحسان لأنه لايلتذ بالشكر ولا يطرب على المدح، خبزه مختوم ورغيفه محلى، ودرهمه في الدرك الأسفل من النار، فمن ذا يهوي إليه أو ينقض عليه؟! ولقد قدم ابن المعتصم عليه، وهو شيخ الرملة، والمشار إليه بفلسطين، فقدم على ما ساءه وناءه، حتى قال يوماً غير مكترث: لقد اقشعررت بتلك الديار من ضيم لعله ما كان ينالني، ولو نالني لما كان يغيظني، وأسندت نفسي إلى ابن عم بالعراق، ولو سلخني، ونفخوا في جلدي نفخاً، لكان أهون علي مما قد عاملني به. طال هذا الفصل وما أدرت ذلك كله، ولكن لتمزيق عرض اللئام حلاوة لا توجد في مدح الكرام، وكان بعض المشايخ يقول: إن مادح الكريم طالب مزيد بعد استقلاله بنفسه، وهاجي اللئيم منتصف من الظالم، وفي الانتصاف نوع من الظفر، والظفر مطلوب كل نفس، ومنية كل ذي حس، وأنا أعوذ بالله من مدح يصحبه تكلف، وهجو يطور به تكذب، وأسأله أن يكفيني حصائد هذا اللسان، وعرامة هذا الطبع، وطغيان هذه النفس، فهو خير معوذ به وأكرم مسؤول ما عنده. كان عند بعض الملوك ثلاث نسوة: فارسية وعربية ونبطية، فقال للفارسية ذات ليلة: أي وقت هذا؟ قالت: سحر، قال: وما يدريك؟ قالت: وجدت رائحة الرياحين، وقال للعربية أخرى: أي وقت هذا؟ قالت: سحر، قال: ومن أين عملت؟ قالت: وجدت برد خلخالي، ثم قال للنبطية ليلة أخرى: أي وقت هذا؟ قالت: سحرن قال: وما يدريك؟ قالت: أريد أخرى.

دخل رجل حماماً فسرقت ثيابه فخرج وهو عريان، وعلى باب الحمام طبيب فقال له: ما قصتك؟ قال: سرقت ثيابي، قال: بادر ونفس الدم، حتى يخف عنك الغم. يقال: إن كان إنسان نقع مداواته لما يصيبه من جنس ما يكون منه، فالملاح إذا لسعه زنبور طلى مكانه بقبر، والحجام يشرطه بسكين، والحائط يشده بقطعة خيط فيسكن عنه، والعجان يضع عليه شيئاً من العجين، وأنا رأيت بعض الوارقين كان يطلي مثل هذا بالحبر. قال الحجاج يوماً لجلسائه: أي صوت سمعه أحدكم أرق فأعجب إليه، فقال بعضهم: ما سمعت صوتاً أرق في سمعي من صوت قارئ حسن القراءة لكتاب الله تعالى في جوف الليل، قال: إن ذلك لحسن؛ وقال آخر: ما سمعت أعجب من ثوت حاد في مسير، قال: إن ذلك لحسن؛ قال آخر: ما سمعت أعجب من أن أترك امرأتي ما خضاً وأخرج إلى المسجد مبكراً فيأتي آت ويبشرني بغلام، فقال الحجاج: واحسناه؛ فقال آخر: ما سمعت صوتاً أعجب من أن أكون قائد جيش فأسرج نحو العدو، فبينا أنا كذلك إذ جاءني البشير بالفتح، فقال الحجاج: واحسناه؛ وقال شعبة بن علقمة التيمي: لا والله ما سمعت صوتاً قط أعجب إلي من أن أكون جائعاً فأسمع قعقعة الخوان، فقال الحجاج: أبيتم يا بني تميم إلا حب الزاد. دخل أحمد بن أبي العلاء على يحيى بن ماسويه يوماً ووجهه

مهيج، فقال له: ويحك يا أحمد، ما هذا الوجه؟ أيش أكلت البارحة؟ قال: لوزينج، قال: وأيش شربت؟ قال: نبيذ دوشاب، قال: كان ينبغي أن تتنقل عليه بخرا. اعتل بعض النوكى، وكان من الرؤساء المجدودين، فجيء بطبيب، فقال الطبيب: إذا كان غداً فاحتفظ بالبول حتى أجيء وأنظر إليه فأحكم عليه؛ فلما عاد الطبيب قال المريض: يا عبد الله، كادت مثانتي والله تنشق مما حسبت فما تأخرت بلت الساعة، قال الطبيب: ما هذا؟ إنما أمرتك أن نحبسه في إناء؛ فلما كان من الغد جاء الطبيب فإذا هو قد أخذ بوله في آنية خضراء، فقال له: يا هذا أخطأت، لم يكن في الدنيا قارورة زجاج؟ كنت تأخذه في قدح، ومضى؛ فلما عاد الطبيب وإذا العليل قد أخذ البول في قدح من خشب وجاء به إليه قول: أنت في حرج الله إلا نظرت في هذا الماء واصدقني عن أمري هل يخاف علي من هذه العلة؟ قال الطبيب: أما إذا حلفتني فلا بد من أن أقول لك: أنا خائف من أن تموت من هذا العقل لا من هذه العلة. صارت عجوز إلى قوم تعزيهم عن ميت، فأت عندهم عليلاً، فلما أرادت أن تقوم قالت: الحركة تغلظ علي في كل وقت، فأعظم الله اجركم في هذا العليل فلعله يموت. وأخذ الطلق امرأة ابن خلف الهمذاني، فدخل ابن خلف فقال

للقابلة: أخرجيه ذكر ولك دينار ولك ما شئت، بالله لا أحتاج أن أوصيك. وقدم إلى بنت الصلت جام فالوذج، فلما ذاقته قالت: المساكين أرادوا أن يسووا عصيدة فأفسدوها. قرأ ابن الجصاص: ولا ينبئك مثل حنين؛ ويقال: إنه قرأ: ذرهم يأكلون ويتمتعون فقال: هذا والله رخيص. وسمعت مشايخ كثيرين يقولون: كان ابن الجصاص أعقل الناس وأحزم الناس، وأنه هو الذي ألحم الحال بني المعتضد وبين بنت خمارويه، وسفر بينهما سفارة عجيبة وبلغ من الجنبتين أحسن مبلغ، وخطب بنت خمارويه بن ا؛ مد للمعتصد، وجهزها من مصر على أجمل وجه، وأعلى

ترتيب، ولكن اطردت عليه العامة وأشباه العامة من الخاصة هذه النوادر وهذه الشبه، فإن المعتضد ما اختاره للسفارة والصلح والكلام في حال قد تشعثت، وركن قد وهن، وقصة قد استبهمت، إلا والمرجو منه والمأمون في والمظنون به فيما يأتيه ويستبقله من أمر نظير ما قد شاهده في ماضي أيامه. وقد رأة الناس آثار المعتضد وعزائمه وبأسه وإقدامه حتى قيل هو المنصور الثاني، ويقال هو الذي أعاد بهجة دولة بني العباس ومارس فيها أحسن مراس، فرجل حزمه معروف وثباته موصوف، كيف يستبطن ابن الجصاص ويختصخ إلا وهناك عقل كامل، وثبات وفضل غامر، وعزيمة وصبر وتأب واقتدار، وتلطف وتجربة؛ فهل كان يجوز أن ينعقد أمر قد تفاقم، واشتد وتعاظم، برسالة أحمق وسفارة أخرق، أو من إن سكت احتقر، وإن تكلم استخف به؟ هذا ما يكون ولا يتعلق به الظنون. قلت هذا كله لابن غسان البصري فقال: إن الجد ينسخ حال الأخرق،

ويستر عيب الناقص، ويذب عن عرض المتلطخ، ويقرن الصواب بمنطقه، والصحة برأيه، والنجاح بسعيه، والجد يستخدمه العقلاء لصاحبه، وينزع محاسنهم في مطالبه. ولقد كان ابن الجصاص على ما فيل وروي، وحدث وحكي، ولكن جده كفاه غائلة الحمق، وحماه عواقب الخرق، ولو عرفت خبط العاقل وتعسفه وسوء تأتيه وانقطاعه إذا فارقه الجد، لعلمت أن الجاهل قد يصيب بجده مع جهله ما لا يصيب العاقل العالم بعلمه مع حرمانه. قلت: فما الجد؟ وما هذا المعنى الذي علقت عليه هذه الأحكام كلها؟ فقالك ليس لي عند عبارة مغنية، ولكن لي به علم شاف استفدته بالاعتبار والتجربة والسماع العريض من الصغير والكبير، ولهذا سمع من امرأة بدوية ترقص ابناً لها فتقول له: رزقك الله جداً يخدمك عليه ذوو العقول، ولا رزقك عقلاً تخدم به ذوي الجدود. وكان يقول في هذا كلاماً كثيراً، ولعلي أتلافى ما تركت ها هنا فيما أستقبل من الكتاب إن شاء الله. قال ماجن لطبيب: يا سيدي، إن أمي تجد في حلقها ضيقاً ويبساً وحرارة، فقال الطبيب ليت الذي في حلق أمك في حر أمرأتي، وأن على حلق السكين.

وجاء ماجن آخر إلى الطبيب فقال: أجد في أطرف شعري شبه المغص وفي بطني ظلمة، وإذا أكلت الطعام تغير في جوفي، قال الطبيب: أنا ما تجده من المغص في أطراف شعرك فاحلق رأسك ولحيتك فإنك لا يجد منه شيئاً؛ وأما الظلمة التي في بطنك فعلق على باب آستك قنديلاً حتى لا تجد هذه الظلمة؛ وأما تغير الطعام في جوفك فك لخرا واربح النفقة. وقال أبو العنبس: سمعت حمدة بن الخراساني في ليلة كسوف وهي تبكي وتتضرع وتقول: يا رب، عذبني بك لشيء ولا تعذبني بالنار، اضربني بالفالح، ارمني بقاصمة الظهر، كل شيء ولا النار. أصرخ واللخ وأصيح، إن أحرقت ثيابي أبقى مجردة. قال: وكانت مثل ياسمينة نقية أو فضة مصفاة، إلا أنها كانت بلهاء. قال أبو العنبس: سمعت رجلاً يقرأ " يا حسرة على العباد " الآية يس: 30 وهو يبكي ويقول: يا سيدي، ما أشفقك علينا، بأبي انت وأمي كم تتحير علينا؛ قال: وسمعته بعد ذلك يقرأ " أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله " الزمر: 56 ويقول: فديت جنبك يا سيدي، أيش أصاب جنبك يا مولاي، عز علي جنبك، ليت ما بك بي يا سيدي.

قال ابن قريعة القاضي: سمع أعرابي قارئاً يقرأ " الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم " الأنفال: 2 فقال الأعرابي: اللهم لا تجعلني منهم، فقيل له: ويحك لم قلت هذا؟ فقال: لولا انهم قوم سوء لم توجل قلوبهم. حكيت هذا لبعض مشايخنا الصوفية فقال: لقد أخطأ الأعرابي وأصاب، فاما وجه خطائه فمكشوف، وأما تأويل صوابه فمليح، فقلت: زدني فهماً: يا هذا " إلا من آمن " سبأ: 37. هذا ما قال لي، والمفهوم فيه مقسوم بيني وبينك، فغن وقع لك كما وقع لي فخذ الفائدة، منه وإن تكن الأخرى فلا ترحمنا حسن الظن منك فهو أدنى ما نستحق على مثلك، مع فضلك وطيب عنصرك ولاتساعك لمعاذير إخوانك. وإنما أعرض في هذه المواضع مسترسلاً بقلمي، مع نفسي أو من يجري مني مجرى نفسي، فلا أحتشك، لأن غرضي في جميع ما خلدته في هذا الكتاب غرض سليم، ونيتي فيه حسن وغايتي محمودة، وما أبور فيه إلا على حاسد لا يشفيه مني إلا ان يعيني الله من نعمته، ويخليني من صنعه، والله تعالى لا يبلغه أمانيه، ولاينجح له مساعيه؛ أو جاهل بمواقع ما قد نكت

فيه ومررت به على مقدار ما فاض به العقل، وجرى إليه العلم، وأسمحت عليه النفس، وساعدت فيه القوة. وهذا الكلام وإن أشار إلى بعض الاقتدار، فقد اشتمل على نوع من الاعتذار. كان إبراهيم بن الخصيب المديني أحمق الناس، وكان له حمار أعجف، وكان إذا علق الناس الخالي بالعشي أخذ مخلاة حماره وقرأ عليها " قل هو الله أحد " الإخلاص: 1وعلقها عليه فارغة وقال: لعن الله من يرى أن كيلجة شعير أنفع من " قل هو الله أحد "؛ فما زال هكذا حتى نفق الحمار فقال: إن " قل هو الله أحد " تقتل الحمير، وهي والله للناس أقتل، لا أقرأها ما عشت. يقال: اعتلت امرأة ابن مضاء الرازي فجعلت تقول: ويلي، كيف تعمل إن مت؟ فقال ابن مضاء: ويلي أنا كيف أعمل إن لم تموتي؟! وتزوج ابن مضاء امرأة بمهر أربعة آلاف درهم فقيل: ما حملت على نفسك؟ فقال: أنا أفدي غريماً كلما وجدته نكته في آسته. قيل لبعض القراء: قد ولي أخوك ولاية فلم تأته، فقال: ما سرتني له فأهنته، ولا ساءته في نفسه فأعزيه، فلماذا آتيه؟

قيل لابن شبرمة، وكان من أهل الكوفة: أنتم أروى للحديث ام أهل البصرة؟ فقالك نحن أروى لأحاديث القضاء، وهم أروى لأحاديث البكاء. أقام رجل بباب بلال بن أبي بردة شهراً لا يصل إليه، فكتب إليه رقعة وتلطف حتى ولصلت، فقرأها بلال وتبسم، فقيل له في ذلك فقال: ما أرفق كاتبها، قيل: ما كتب؟ قال: كتب: حسن الآمال وثناء الرجال وقفاني عليك، والصبر مع العدم لون من ألوان الخرق والحرمان، ومنتجع الكرام مراح الأحرار، فإما عطاء جزيل، أو رد جميل؛ فوجه إليه بعشرة آلاف درهم. قد سمعت هذه الحكاية على غير هذا الوجه تحكى لبعض من اجتدى، وطرق الرواية مختلفة، والكذب كثير، والتزيد واسع، فكان أبو مخلد يقول: لا تصدق بقول المحدثين: فلان أعطى فلاناً عشرين ألف درهم، وفلان وصل ندمانه في ليلة بمائة ألف درهم، وفلان فعل، وفلان صنع، ويقول: هذه من أكاذيب الوراقين، وليس لما يحكى عن البرامكة حقيقة، وإنما يختلق هذه الألفاظ والمعاني ناس ختلوا قوماص عن دينارهم ودرهمهم، وإلا فلم لا نرى في عصرنا مثل هذا؟ أترى الناس مسخوا؟ فقيل له: لولا أن في عصرنا من يعطي أكثر من هذا ما كنت أنت في هذه النعمة الضخمة، والحال الفخمة، والبال الرخي، والعيش الهني، من غير كتابة بارعة، ولا أدب بارز، ولا نسب شريف، ولا شجاعة ظاهرة، ولا رأي

مصيب، ولا بيت مروف، ولا سبب نادر، ولا أمر بديع؛ وذاك أن أحمد ابن بويه معز الدولة كان يختصه ويقدمه يوعطيه ويغنيه، وهو خال من جميع أنواع الفضل، فما سمع ذلك أمسك وعبس، وسكت فما نبس؛ هكذا حكى أبو الجيش الطبري وكان متبسطاً معه جريئاً عليه، وقمع بهذا غربه وبتر حبله، فقيل لأبي الجيش: ما بعثك على هذا، مع مكانك منه ومنزلتك عنده؟ قال: الغيرة على الأدب والنصرة لأهله، ولو قنع بملابستنا له على مسايرتنا إياه بتغافله أسكتنا، ولكنه قال واشتفى، وسمع فاشتكى، والبادي أظلم. سئل إسحاق الموصلي عن الندماء فقال: واحد غم، واثنان هم، وثلاثة قوام، وأربعة تمام، وخمسة مجلس، وستة زحام، وسبعة جيش، وثمانية عشكر، وتسعة اضرب طبلك، وعشرة الق بهم من شئت. قال بشار في مجلس أنس: لا تجعلوا يومنا حديثاً كله، ولا غناء كله، ولا شرباً كله، تناهبوا العيش تناهباً، وإنما الدنيا فرص. كان المأمون يقول في المجلس: اطرحوا حديث أمس مع ذهابه، فهو أدوم للسرور وأشرح للصدور.

قال المأمون: أنفع طعام صاحب النبيذ سكباجة تفيق شهوته، وقلية تمسك النبيذ بدسمها. قال بزردمهر: أخيب الناس سعياً من أقام في دنياه على غير سداد، ورحل إلى آخرته بغير زاد. ورأى فقيراً جاهلاً فقال: بئس ما اجتمع على هذا: فقر ينغض دنياه، وجهل يفسد آخرته. وقال يوماً لثمامة: ارتفع، قال: يا أمير المؤمنين، لم يف شكري بموضعي هذا، وأنا أبعد عنك بالإعظام لك، وأقرب منك شحاً عليك. قال أعرابي: رب موثق موبق. وقال المأمون: الطعام لون واحد فإذا استطبته فاشبع منه،

والندمان واحد فإذا رضيته فلا تفارقه ما لم يفارقك الرضا به، والغناء صوت واحد فإذا استطبته فاستزده حتى تقضي وطرك منه. قال أعرابي: اللهم إنا نبات نعمتك فلا تجعلنا حصاد نقمتك. كان ابن يسار يقول: اللههم يسر لنا ما نخاف عسره، وسهل لنا ما نخاف حزونته، ونفس عنا ما نخاف غمه، واكشف عنا ما نخاف كربه. اختصم اثنان من الشطار إلى قاض لهم، يقول كل واحد: أنا أفتى منك، فقال القاضي لأحدهما: الخبيص أحب إليك أم الفلوذج؟ فقال: الخبيص، فقال الآخر: الفالوذج، فحكم للذي فضل الفالوذج، فسئل عن الحجة فقال: لأن الخبيص يعمل من السكر، والسكر من القند، والقند من القصب، والقصب يمصه الصبيان في الكتاتيب، وليس فيهم فتوة؛ والفالوذج من العسل، والعسل من الشهد، والشهد من النحل، والنحل أيوي الجبل، والجبل يكون فيه الصعاليك، والصعاليك فتيان. قيل لأعرابي: لم لا تشرب؟ فقال: والله ما أرضى عقلي مجمعاً فكيف أفرقه؟!

وقيل لأعرابي: أما تشرب؟ فقالك لا أشرب ما يشرب عقلي. خرج سكران من داره فاستقبله الطائف فقال: أنت سكران، قال: لا، قال: أتقرأ القرآن؟ قال: نعم، قال: فاقرأ آية فيها أربع صادات، فقال السكران: وما قص صالح صاحب المصلى، فضحك الطائف، وإنما أراد " فاقصص القصص " الأعراف: 176. قال حماد: قلت لمغن: غن، قال: هذا أمر، قلت: فأحب أن تفعل، قال: هذا حاجة، قلت: فلا تفعل، قال: هذا عربدة. قال أحمد بن أبي العلاء: قلت لمغن في محجلس: غن لي صوت كذا، وبعده كذا، وبعده كذا، قال: يا ابن الزانية، ولا تقترح صوتاً إلا بولي عهد؟؟! خرج سكران من موضع ليلاً فتلقاه الطائف، فلف السكران رأسه ووجهه برداء كان معه، فقال الطائف: وما هذا؟ قال: هذا شيء مغطى وقد نادى الأمير ألا يكشف مغطى، فمن خالف الأمير جلده، قال الطائف: فاكشف لي عن رأسك لي عليك بأس، قال: ليس لي رأس، ومن أين لك أني برأس؟ قال الطائف: ويلك فمن أين تكلمني؟ قال: ليس هذا

عليك، تسمع وتطيع نداء الأمير وإلا فاكشف إن جسرت، فضحك الطائف وتركه. قال أبو فروة: مر طارق وكان على شرط خالد القسري بابن شبرمة في موكبه، فقال ابن شبرمة: الطويل أراها وإن كانت تحب كأنها ... سحابة صيف عن قليل تقشع اللهم لي ديني ولهم دنياهم؛ فاستعمل ابن شبرمة بعد ذلك على القضاء، فقال له ابنه: أتذكر قولك يوم مر طارق في موكبه؟ فقال: يا بني إنهم يجدون مثل أبيك ولا يجد مثلهم أبوك، إن أباك أكل من حلوائهم فحط في أهوائهم. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ابن آدم، لا يهلك الناس عن نفسك فإن الأمر يخلص إليك دونهم، ولاتقطع النهار سادراً فإنه محفوظ عليك ما علمت، وإذا أسأت فأحسن، فإني لم أر شيئاً أسد طلباً ولا أسرع دركاً من حسنة حديثة لذنب قديم. قال أحمد بن الطيب، قال لي رجل مرة: لم لا ترحل إلى فلان وتتصل بفلان؟ قلت: لأني لا أشكلهما، أنا أريد أديباً وهما عطل، وهما يريدان مقاتلاً وأنا من القعدة.

قال أحمد بن الطيب، قال لي أحمد بن محمد بن لي بن الرشيد: لو لم يكن من عيب السودان إلا أنه لا يرى أحدهم أثر الضرب في بدنه وإن أوجعه كما يراه الأبيض إذا احمر أو اخضر فيروعه ذلك فلا يعاود الذنب، وأنك لا ترى في وجهه ولونه أثر العتاب والتبكيت قد أخجلاه بحمرة تظهر وأ، الفزع قد حل بصفرة تبدو فتعفو عنه رجاء صلاحه، كما تتبين حمرة الخجل وصفرة الوجل في وجه الأبيضص؛ هذا قاله في كتابه في آيين خدمة الملوك. قال الحكماء: لا ينزلن مسافر عن دابته بليل حافياً، ولا يأكلن بقلاً عفلاً، ولا يبولن في نفق لا يرى قعره. قال فيلسوف: العبيد ثلاثة: عبد رق، وعبد شهوة، وعبد طمع. قالت الفلاسفة: كن لأسرار الملوك أستر من قبيح الداء في جسمك، فإن إذاعة الداء عيب في البدن، وإذاعة السر من الملوك متلفة للنفوس. قال رجل لابنه: ابتد بتقوى الله جل جلاله وطاعته، وقدمهما مؤثراً فضلهما متحلياً جمالهما، فإن التردي بهما أجمل لباس، والتحصن بهما أمنع حرز، والتشفع بهما أكرم وسيلة.

قال أحمد بن الطيب: يكفينا من الرحمة ألا نظلم، ومن السخاء أن نواسي، ومن الحياء أن نحلم. قال أحمد بن الطيب، قال رجل من وجوه مدبري الفرس لرجل قد رآه فرغ من عمله فتكلف عملاً آخر: أنت أعلم بما يصلحك ويصلح لنا بك منا ونحن بسيايتك والقوام عليك، وإنما تركنا هذا الفضل فيك وبقينا هذا الزمان عليك لنا لا لك، ليكون لك فرجة بين العملين وراحة تبعثنا لنشاط منك في وقت حاجتنا غلى عملك، فلا تستفرغ وسعك في ما لم تكلفه فيخل بنا فيما كلفناك إذ توليته نضواً طالعاً، وما زدت على أن عرفتنا مقدار جهلك بقدر النعمة منا عليك، فالزم ما كلفت ودع نوافل الفضول. قال أعرابي لرجل: نزلت مذ نزلت بواد غير ممطور، ورحل غير مسرور، فأقم بعدم أو ارحل بندم. قال فيلسوف: كلما كنت بالكلام أحذق، كنت بالإنسانية أحق. قيل لأبي علي الأموي: ادعبل أشعر أم الطائي؟ فقال: أما إني خائف والله أن أصفع دعبلاً بنعل الطائي فأضع من قدر صاحبها.

تقول العرب: أعدم فأعجم، وأترب فأعرب. شاعر: الطويل لسان الغنى لدن المهزة صارم ... وللفقر حلق في الندي كليل ألم تعلمي أن الثراء محبة ... وأن ليس يوماً للخليل خليل الخليل ها هنا هو المختل الفقير، وقيل في إبراهيم الخليل صلوات الله عليه إنه أريد به هذا المعنى، كأنه عليه السلام كان فقيراً إلى الله تعالى وأخلصهم فقراً إلى الله العلي، وفيه كلام غير هذا يمر في الجزء أفرده لأصحاب الضمائر والوساوس الذين يصيرون إلى مذاهب النسك والتصوف، وأنشر هناك من مطوي أمرهم ومكنون حديثهم ما يفيدك علماً، ويزيدك بصيرة، ويريك الحق حقاً، والباطل باطلاً، إن شاء الله. لبعض إياد: الطويل وأي فتى صبر الأين والظما ... إذا اعتصروا للوح ماء فظاظلها إذا ضرجوها ساعة بدمائها ... وحل عن الكوماء عق شظاظها

فإنك ضحاك غلى كل صاحب ... وأنطق من قس غداة عكاظها إذا استغب المولى مساغب معشر ... فعذره فيها آخذ بكظاظها قال بزرجمهر: مثل العقل بلا أدب مثل الأرض الطيبة الخراب. قال أبرويز لابنه شيرويه: لا توسعن على جندك فيستغنوا عنك، لا تضيق عليهم في العطاء فيضجوا منك، أعطهم عطاء قصداً، وامنعهم منعاً جميلاً، ووسع عليهم في الرخاء، ولا توسع عليهم في العطاء. قال فيلسوف: الدنيا دار فجائع، من عجل فيها فجع بنفسه، ومن أجل فيها فجع بأحبته. كان من دعاء يونس عليه السلامك فيالظلمات: أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، وأنت أرحم الراحمين، إلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين، مسني الضر وأنت أرحم الراحمين. عرضت جارية على فتى للبيع، فكشفت الجارية عن حرها وقالت: انظر كم مساحة هذا؟ فخجل الفتى، فقالت: لو كنت ظريفاً لقلت: حتى أخرج قصب المساحة.

شاعر: المنسرح ما أنزل الموت حق منزله ... من عد يوماً لم يأت من أجله عليك حفظ اللسان مجتهداً ... فإن بعض الهلاك في زلله والصبر والصدق يبلغان بمن ... كانا قرينيه منتهى أمله وقال آخر: المتقارب إذا ما بدأت امرءاً جاهلاً ... ببر فقصر عن حمله وم تره مائلاً للجميل ... ولا عرف الفضل من أهله فسمه الهوان فإن الهوان ... دواء لذي الجهل من جهله كتب ابن الزيات إلى إبراهيم بن العباس الصولي: قد فهمت كتابك، وإغراقك وإطنابك، وإضافة ما أضفت بتزوير الكتب بالأقلام، وفي كفاية الله غنى عنك يا إبراهيم وعوض، وهو حسبنا ونعم الوكيل. وكتب إبراهيم بن العباس الصولي إلى محمد بن عبد الملك الزيات يستطفه: الطويل أخ كنت آوي منه عند ادكاره ... إلى ظل فينان من العز باذخ سعت نوب الأيام بيني وبينه ... فأقلعن منا عن ظلوم وصارخ

وإني وإعدادي لدهري محمداً ... كملتمس إطفاء نار بنافخ وله إليه أيضاً: المتقارب وكنت أخي بإخار الزمان ... فلما نبا صرت حرباً عوانا وكنت إليك أذم الزمان ... فأصبحت فيك أذم الزمانا وكنت أعدك للنائات ... فها أنا أطلب منك الأمانا فلم يثن ذلك محمداً، فكتب إليه إبراهيم: أبا جعفر خف نبوة بعد دولة ... وعرج قليلاً عن مدى غلوائكا فإن يك هذا الدهر يوماً حويته ... فإن رجائي في غد كرجائكا فما مرت الأيام حتى كان من أمر محمد ما كان. وولي إبراهيم ديوان الرسائل، فأمر أن ينشيء فيه رسالة بقلة طاعته ففعل. قال فيلسوف: مهما عري الإنسان منه فإنه لا يعرىن من ثلاث: من الحسد والطيرة والظن؛ فمخلصه من الحسد ما لم يسبع باللسان ويبطش باليد، ومخلصه من الطيرة ما لم يرجع، ومخلصه من الظن ما لم يحقق.

قال بعض السلف: دعوتان أرجو إحداهما كما أخشى الأخرى: دعوة مظلوم أعنته، ودعوة ضعيف ظلمته. دخل أبو العميثل على عبد الله بن طاهر مهنئاً بقدوم قدمه من سفر، فصافحه عبد الله فقبل يده، فقال له عبد الله: خدش شاربك كفي، فقال أبو العميثل: شوك القنفذ لا يضر بجلد الأسد، فتبسم عبد الله وقال: كيف كنت بعدي؟ قال: إليك مشتاقاً، وعلى الزمان عاتباً، ومن الناس مستوحشاً؛ فأما الشوق إليك فلفضلك، وأما العتب على الزمان فلمنعه منك، وأما الاستحياش من الناس فإني لم أرهم بعد، فاحتبسه، فأحضر الشراب فسقاه بيده فقال: البسيط نادمت حراً كأ، البدر عرته ... معظماً سيداً قد أحرز المهلا فعلني برحيق الراح راحته ... فملت سكراً وشكراً للذي فعلا الإيغار في اللغة: أن النصارى تغلي الماء وتلقي الخنازير فيه لتنضج.

قال المثل: أحناؤها أبناؤها، جمع حان وبان. سبقت درته غراره، قلة اللبن. يقال: لا يجمع سيران في خرزة، كما يقال: لا يجمع سيفان في غمد. ضغث على إبالة؛ إبالة حزمة الحطب، والضغث جرزة فوقها. ويقال في المثل إذا أريد القصد: بين الممحة والعجفاء يقال: عند النطاح يغلب الكبش الأجم.

ويقال: دمث لجنبك قبل النوم مضطجعاً ويقال: عاط بغير نواط، أي متناول بغير شيء يتناول. إنباض بغير توتير، يقال: ينبض القوس من غير أن يوتر. يقال: كل ذات ذبل تحتال. شاعر: الرمل المجزوء أعن الشمس عشاء ... رفعت تلك السجوف أم عن البدر تسرى ... موهناً ذاك النصيف

أم على ليتي غزال ... علقت تلك الشنوف أم أراك الحين ما لم ... يره القوم الوقوف إن حكم الأعين النج ... ل على الخلق يحيف يا ابنة القيل اليمان ... ي وللدهر صروف ربما أردى الجليد الس ... هم والرامي ضعيف قال أعرابي في دعائه: اللهم إني أعوذ بك من حاجة إلا إليك، ومن خوف إلا منك، ومن طمع إلا فيما عندك. التقى أخوان في الله فقال أحدهما لصاحبه: والله يا أخي إني لأحبك في الله تعالى، فقال: لو علمت مني ما أعلم من نفسي لأبغضتني في الله، فقال: والله يا أخي لو علمت منك ما تعلمه من نفسك لمنعني من بغضك ما أعلم من نفسي. كتب ابن دريد إلى علي بن عيسى: الطويل أبا حسن والمرء يخلق صورة ... تخبر عما ضمنته الغرائز إذا كنت لا ترجى لنفع معجل ... وأمرك بين الشرق والغرب جائز ولم تك يوم الحشر فيناً مشفعاً ... قرأي الذي يرجوك للنفع عاجز

علي بن عيسى خير يوميك أن ترى ... وفضلك مأمول ووعدك ناجز وإني لأخشى بعد هذا بأن ترى ... وبين الذي تهوى وبينك حاجز كان علي بن عيسى بخيلاً جعد البنان، هكذا قال لنا أبو القاسم الواسطي الكاتب، وكان شيخ أصحاب الخراج، وزعم أن علي بن عيسى كان شديد النفاق كثير الحيل، وليت زماننا يسمح بمثله. قال ابن أبي طاهر، حدثني حبيب - يعني أبا تمام الشاعر - قال: حدثني بعض المفسرين قال: كان خالد بن عبد الله يكثر الجلوس ثم يدعو بالبدر ويقول: هذه الأموال ودائع لا بد من تفريقها، فقال ذلك مرة وقد وفد عليه أسد بن عبد الله من خراسان، فقال: مهلاً أيها الأمير إن الودائع إنما تجمع لا تفرق، قال: ويحك، إنها ودائع للمكارم، وأيدينا وكلاؤها، فإذا أتانا المملق وأغنيناه والظمآن فأرويناه فقد أدينا فيها الأمانة. قال ابن أبي طاهر: وحدثني حبيب قال: أخبرني شيخ من أصحابنا قال: كان طلحة الطلحات يقول: من كان جواداً فلعط ما له أخول أخول؛ إن المال إذا كثر زين وأحب صاحبه صحبته.

وقال ابن أبي طاهر، حدثني حبيب قال، حدثني كرامة عن الهيثم ابن صالح عن رجل عن حكم بن سعد قال: رأيت الجراح بن عبد الله وقد لبس درعين في بعض حروبه، فأكثرت إليه النظر فقال: يا هذا، ما أقي والله بدني وإنما أقي صبري، فأخبرت بذلك سعيد بن عمرو الحرشي، وكان من فرسان أهل الشام فقال: صدق الجراح، لأن لأمة الفارس حظيرة نفسه. نظر رجل إلى جارية واقفة في دهليز فأعجبته، فوقف ينظر إليها، فقالت: يا سيدي أتشتهي النيك؟ قال: أي والله، قالت: فاقعد حتى يجيء مولاي الساعة فينيكك كما ناكني، فخجل الرجل وذهب خزيان لا يعقل. قال الجماز: قلت لظريفة من الظرائف: أرى شفتيك متشققة، فقالت: التين إذا حلا تشقق. العرب تقول: انظروا أنساءكم، يعني الشيء اليسير مثل العصا والقدح والشظاظ، ومنه قولع تعالى " نسياً منسياً " مريم: 23؛ هكذا قال ثقات العلماء.

العرب تقول: التقى الثريان، يعني ندى السماء وندى الأرض. يقال: رجل ألوك إذا كان يلوك الكلام ولا يقتصه لسانه؛ هكذا السماع بالصاد غير معجمة. قال ابن الأعرابي: أبعلني الأمر وأزغلني وأوهلني وأمضني وجهدني وهادني بمعنى واحد. وقال: واحد أفناء الناس فنا مثل قفا، وواحد آناء الليل: إني وأنى والأنى - الرفق - والأناة واحد؛ ويقال امرأة أناة، وواحد الآلاء من النعم إلي وألى، وواحد الأمعاء: معى ومعى، وواحد الأحشاء: حشا وحشى. سمعت الثقة يقول: الثم الإصلاح، يقال ثممته وأصلحته، وثمامة: نبت معروف، وإذا سميت به رجلاً لم ينصرف، أي لم ينون. العرب تقول: فلانة رطبة المغابن، وهي الأرفاغ، وهي المرافق، وهي ما انثنى من الخلق.

قال الثقة: يقال للإنسان إذا حك رأسه فالتذه، أو غمز جسده فالتذه هو يتسار إلى ذلك، وإني لأتسار إلى ما تكره؛ هكذا قال حمزة المصنف، وكان شيخ أصفهان، وشاهدته سنة خمس وخمسين وثلاثمائة أبلغ الملازمين لباب الطبراني مع الرحالة من الآفاق. قال بعض العلماء: العنجهية الكبر، ويقال: هي الفجاجة والجفاء والغلظ، ويقال: الفطرة. شاعر: الكامل الله يعلم أنني ما سرني ... شيء كطارقة الضيوف النزل ما زلت بالترحيب حتى خلتني ... ضيفاً له والضيف رب المنزل قصد ابن السماك الواعظ رجلاً في حاجة لرجل فتعبس، فقال ابن السماك: اعلم أني أتيتك في حاجة، وأن الطالب والمطلوب إليه عزيزان إن قضيت وذليلان إن لم تقض، فاختر لنفسك عو البذل على ذل المنع، واختر لي عز النجح على ذل الرد، فقضاها له. قصد ابن السماك الواعظ رجلاً في حاجة لرجل فتعبس، فقال ابن السماك: اعلم أني أتيتك في حاجة، وأن الطالب والمطلوب إليه عزيزان إن قضيت وذليلان إن لم تقض، فاختر لنفسك عز البذل على ذل المنع، واختر لي عز النجح على ذل الرد، فقضاها له. وقصد آخر مرة أخرى في حاجة فتلوى وكاد ينكل عن الكلام، ثم سبق إلى معنى تخيره فقال للمسؤول: أخبرني حين غدوت إليك في حاجتي أحسن بك الظن، وأصوغ فيك الثناء، وأحبر لك الشكر، وأمشي إليك بقدم

الإجلال، فأكلمك بلسان التواضع، أصبت أم أخطأت؟ قال: فأفحم الرجل، فقال: بل أصبت، وقضى له حاجته، وسأله المعاودة. لما أقطع المعتصم ضياع الحسن بن سهل أشناس وجه الحسن بقبالاته إلى أشناس، وكتب معها إليه: قد عرفت رأي أمير المؤمنين في إقطاعك الضياع، فرأيت أن لا يعترض على عقبك عقبي وأنفذت إليك بقبالاتها، معتمداً على قبولها بإسباغ النعمة علي، وادخار الشكر لدي، فرأيك - أيدك الله - في الأمتنان بقبولها مسؤولاً إن شاء الله. فلما قرأ أشناس ذلك أنفذه إلى المعتصم، فوقع فيه: ضيم فصبر، وسلب فعذر، فليقابل بالشكر على صبره، وبالإحسان لعذره، ولترد عليه ضياعه، وليرفع عنها خراجه، ولا أؤامر في ذلك. شاعر: البسيط إني لأكني عن أجبال بأجبلها ... وباسم أودية عن إسم واديها عمداً ليحسبها الواشون غانية ... أخرى وتحسب أني لست أعنيها كاتب: والله تعالى مسؤول بفضله من فضله، وبما هو أهله مما هو أهله.

كاتب: الشعب ملؤوم، والشعث مرموم، والصدع مشعوب، والثأى مرؤوب. آخر: ومثلك رعى الحقوق، وصدق الظنون، وشفع الوسيلة، وعاذ بالفضيلة، وصان النعمة، وحفظ الحرمة. قال أعرابي: بالساعد يبطش الكف. كتب الحسن بن سهل: فأعطاك الله من الخير أغنى ما يفي بأنعمك علي، وبلغني في كل صغير وكبير رضاك، وأعانني على بادية حقك، حتى ينقلني من الدنيا على طاعتك. كتب المهلب: أما بعد، فإنه لا يوهن الإسلام خروج من خرج منه، ولا يعيبه إلحاد من الحد فيه، ومدعوه كثير ومصيبوه قليل، وليس كل من يقاتل عنه من أهله، ولا هو لكل من يقاتل به. وقد كان هذا العدو أصاب في إخوانكم مصائب أطمعتم فيكم، فلما استوقد الحرب بنا وبهم، جاءنا القضاء بأمر جاوزت النعمة فيه الأمل، فأصبح ذلك العدو بعد ذلك دريئة رماحنا، وضرائب سيوفنا، ونحن نرجو أن يكون أجر هذه النعمة كافلها، فاحمدوا الله فإن حمده يتم النعم، وأشكروه فإن شكره يوجب المزيد.

وكتب يزيد بن المهلب: الحمد لله الذي كفى بالإسلام فقد ما سواه، وجعل الحمد متصلاً بنعمه، وقضى ألا ينقطع المزيد من فضله حتى ينقطع الشكر؛ ثم إنا وعدونا كنا على حالين مختلفين، نرى فيهم ما يسرنا أكثر مما يسوؤنا، ويرون فينا ما يسوءهم أكثر مما يسرهم، فلم يزل الله سبحانه يكثرنا ويمحقهم، وينصرنا ويخذلهم، حتى بلغ بنا وبهم الكتاب أجله، فقطع دابر القوم الذين ظلموا، والحمد الله رب العالمين. قال الباقر لابنه جعفر عليهما السلام: يا بني إن الله عز وجل خبأ ثلاثة أشياء في ثلاثة أشياء: خبأ رضاه في طاعته، فلا تحقرن من الطاعة شيئاً فلعل رضاه فيه؛ وخبأ سخطه في معصيته، فلا تحقرن من المعصية شيئاً فلعل سخطه فيه؛ وخبأ أولياءه في خلقه، فلا تحقرن أحداً فلعله ذاك الولي. كاتب: إن كان غمر معروفك نابياً عني فإني راض من وابل نائلك بطله، ومن غمر إحسانك بأقله. قال أعرابي لآخر: حاجتي إليك حاجة الضال إلى المرشد، والمضل إلى المنشد. قال خطيب: الناس رجلان: رجل باع نفسه فأوبقها، أو ابتاعها فأعتقها.

قال بعض النحويين: الألف واللام يدخلان في الكلام على خمسة أوجه: لتعريف الجنس، نحو قولك: أهلك الناس الدرهم والدينار، ولم ترد درهماً بعينه ولا ديناراً وإنما أردت الجنس، ومنه قوله " إن الإنسان لفي خسر " العصر: 2 يعني الجنس، والدليل عليه قوله عز وجل " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات " العصر: 3 لأن الأستثناء وقع في الجميع؛ ويدخلان للعهد نحو قولك: مررت بالرجل، وأخذت الكتاب، فتريد بهما ما سلف العهد به؛ ويدخلان للخصوص نحو قولك: وجدت الشمس طالعة والقمر قد غاب، والنجم قد ارتفع - بالألف واللام - قد دخلتا للخصوص لأنك تعرف واحداً من أمة، لأنك إذا قلت: قد طلع النجم علم أنه الثريا وألزم الألف واللام للتخصيص؛ ويدخلان للإشاعة والإفهام كقولك: الذي في الدار زيد، والتي قامت هند، ألا ترى أن هذا الاسم شائع في بابه غير مخصوص يدخل تحته كل ذكر وأنثى من الآدميين وغيرهم، وإنما يتبين معناه للأسم الذي يجيء بعده فيكون خبراً له وهو قولك: الذي في الدار زيد، لو قلت: الذي في الدار، لم يكن كلاماً، ولا دل هذا على شخص بعينه، فحين قلت زيد وقعت الفائدة في الجملة؛ ويدخلان في الأسماء المنقولة من باب الأوصاف إلى باب الأسماء الأعلام، وهو قولك: العباس والحكم والحارث والفضل، فالألف واللام في هذه الأسماء لم يدخلا لتعريفها وإنما دخلتا عليها حين كانت أوصافاً كقولك: مررت بالرجل الحكم، وبالرجل العباس، فلما قصدوا أن يسموا بها نقلوها مع الألف واللام إلى باب: زيد وعمرو، ومن العرب من يقول: حارث وعباس وحكم، فكأنه نقلها إلى باب الأعلام على تنكيرها حين قيل: مررت برجل حكم؛ فأما الأسماء التي لزمت حذف الألف واللام فإنها

كانت في الأصل مصادر وأجريت مجرى المصادر، فلما نقلوها إلى باب الأعلام لزموا فيها طريقة واحدة، كما لزموا في زيد وعمرو. نظروا إلى مزبد المديني وبين يديه نبيذ أسود، فقالوا له: ما لون نبيذك هذا؟ قال: أو ما ترون ظلمة الحلال فيه؟ كاتب: ولما أسلمتني إلى انتصارك، وسطت علي عتابك، التجأت إلى نعمتك السالفة عندي لتهب جرمي لحرمتي بها، وإساءتي لحسن شكري عنها، فإنها معقلي الذي يمنعك من الإخلال بي بعد الإفصال علي. قال أعرابي لرجل: اعدل لمعضلة تلم ولمضلعة تهم. يقال: الدالاة الرفق واللين، ويقال: هذا الأمر لا يلتاط بصفري، أي لا يلصق بفؤادي. قال أعرابي: العاقل متصفح والجاهل متسمح. سئل أعرابي عن أخ له فقال: اعتورته الهموم، وأستلحمته الفكر، وتضيفته الأحزان، وتخللته البلابل. قال أعرابي: حسن النزاهة مؤد إلى الرفاهة. قال أعرابي: بالفحول تدرك الذحول.

قال عبد الصمد بن المعذل في نخل باعه: الخفيف فارقتني ذخيرة من عقار ... ذكرتني تفرق الأحباب وسواء بيع الرقاب من الما ... ل إذا بعتها وضرب الرقاب كاتب: حق هذا اليوم فوق أن يلتقى بالتعذير، ويوكل إلى التقصير، وحظك من الواجب فيه حظ الفائت غاية، وسبق الفائز قرعة وقدحاً، فأفضل ما يهديه إليك المتقرب إليك فيه ما يشبه موقعك من شرف الحسب ونباهة النسب، وهو محمود من الثناء ومسموع من الدعاء، ويحتمل التقصير في هديته على صدق نيته، فلا أخلاك الله من ثناء صادق، ومن دعاء صالح واق. كاتب: عناية تفوق الوصف وإن تراخى، وتفوت النعت وإن تناهى. عند مد الغاية، ومدى النهاية، ونصب الراية، يحمد السابق، ويذم الساقط، ويتبين فضل المبر النامي على المقصر الواني، وشأو الفائت الفائز على المتخلف المبهور. قال أعرابي: من كان ابن بلدك فهو كولدك. ويقال: الصدق ينبي عنك لا الوعيد؛ من نبا ينبو نبواً؛ هكذا سمعت الموثوق به.

أعرابي: الرجز لقد حسوت الموت قبل ذوقه ... إن الجبان حتفه من فوقه آخر: الرجز تخبط أحياناً وحيناً تزحل ... والقصد في سير المطي أمثل لا يبلغ المنزل من لا ينزل العرب تقول: ينبغي للمشتري أن يستري، أي يطلب السراء. قال أعرابي: أنا أستنجدك إذا كنت مضافاً، وأسترفدك إذا كنت مضيفاً. ونظروا إلى فيلسوف في الحرب، وكان أعرج، فضحكوا به فقال: إنما يحتاج في الحرب إلى الشجاعة وآلة الحرب، والذي فقدته فهو آلة الهرب. يقال إن هذا الحكيم قد قصر في هذا الجواب، لأن الكر والفر من

خلائق الشجعان، وإنما دل بكلامه على الثبات، وإلا فالمجاولة غير ذلك. قال أعرابي وقد كان الحران تمادى به: الوافر فآل به الحران إلى المران قال أعرابي: كثرة العتاب إلحاف، وتركه استخفاف. قال أبو حامد: من أحوجك إلى العتب فقد وطن نفسه على العجز. قال سيبويه: كل اثنين من اثنين فجمعهما أجود تقول: ضربت رءوسهما، لأن رأس كل واحد منه، وتقول: أخذت ثوبيهما لأنهما ليسا منهما؛ قال الله تعالى " فقد صغت قلوبكما " التحريم: 4 " فاقطعوا أيديهما " المائدة: 38. وقال العتابي: أقارب بالكتاب ثمناً للمودة، وأبين بالأستراحة دليلاً على المساحة؛ وقد استقدمنا عهد كتبك، واستبطأنا وصول خبرك، ونحن نستبدلك من الإغفال تعهداً، ومن تقادم العهد إحداثاً. عبد الحميد الكاتب: نظرت في الأمر الذي أعاتبك عليه، وألتمسه عندك، إذا هو خفيف المحمل، يسير المؤونة، سواد أنفاس في بيا قرطاس، تحية تهديها، وسلامة تخبر عنها، فما أولاك بالتعهد لمؤونة خفيفة تؤدي بها حقاً، وتصل بها وداً. قال داود بن عمر الحائك للأعمش: ما تقول في الصلاة خلف

الحائك؟ قال: لا بأس بها على غير وضوء، قال: فما تقول في شهادة الحائك؟ قال: تقبل شهادته مع شاهدين عدلين، فالتفت الحائك وقال: هذا ولا شيء واحد. وتنبأ حائك بالكوفة، فقيل له: ما رأينا نبياً حائكاً، فقال: وهل رأيتم نبياً صيرفياً؟! قيل لحائك: لو كنت خليفة أي شيء كنت تشتهي؟ قال: تمر وكسب، ثم التفت إلى ابنه وقال: لو كنت ابن خليفة أي شيء كنت تشتهي؟ قال: يا أبة، وتركت لي من اللذات شيئاً؟! قال عثمان الصيدلاني: شهدت إبراهيم الحربي وقد أتاه حائك في يوم عيد فقال: يا إبراهيم، ما تقول في رجل صلى صلاة العيد ولم يشتر ناطفاً، ما الذي يجب عليه؟ فتبسم إبراهيم ثم قال: يتصدق بدرحمين خبزاً، فلما مضى قال: ما علينا أن نفرح المساكين من مال هذا الأحمق. دخل ابن المعتز يوماً حمام داره، فسمع حركة فوق باب الحمام، فقال لغلامه: ما هذا؟ قال: الحمامي ورفقاؤه، قال: تلطف حتى أراهم من غير أن يروني، ففعل، فرآهم عراة وبينهم غلام أمرد في حجره طنبور

وهو يغني: الرمل المجزوء أنا أهواك بنور ال ... له فافعل ما بدا لك إن تكن تمنعني شخ ... صك فابذل لي خيالك قد أخذت الدف والطن ... بور والكت فما لك قل لمن جنبك القم ... عوث من دسك والك فضحك ابن المعتز وانصرف. جلس رجل بين يدي حجام، فلما وضع المحاجم فسا الرجل فسوة منكرة صبر لها الحجام، فلما مصها فسا أخرى أنكر منها، فلما أراد أن يشرط قال للرجل: يا حبيبي، أريد أن أشرط، فإن كان بك حاجة إلى دخول الخلاء فقم قبل أن تخرى. خرج سوار القاضي يوماً من داره يريد المسجد حافياً، فلقيه سكران فعرفه، فقال: القاضي - أعزه الله - يمشي؟! امرأتي طالق إن حملتك إلا على عاتقي، فكره سوار ذلك فقال: ادن يا خبيث، فدنا، فحمله على عاتقه ثم رفع رأسه فقال: أهملج أو أعنق؟ فقال يا خبيث، مشياً بين مشيين وآحذر العثار والزلق، والصق بأصول الحيطان، فقال السكران: كأنك أردت المران في الفروسية يا أبا عبد الله؛ فلما أوصله إلى المسجد أمر سوار بحبسه فقال: أيها القاضي هذا جزائي منك؟ فتبسم وتركه.

رأوا أبا نواس بقطربل وفي يده شراب وعن يمينه عنقود وعن يساره زبيب، فقيل له: ما هذا؟ قال: ابن وأب وروح القدس. قال أبو العيناء: تذاكرنا النبيذ فقال الجماز: نبيذ الزبيب نمكسود الخمر. قال بعض الأدباء: إنما اشتق لها من الروح - يعني الراح - هذا الاسم لأنها تزيد في الحياة؛ وقال أيضاً: دما لأنها تزيد في الدم؛ وقال صريع الغواني: الطويل خلطنا دماً من كومة بدمائنا ... فأظهر في الألوان منا الدم الدم قيل لأعرابي: كم تشرب من النبيذ؟ قال: على قدر النبيذ. قال فيلسوف: بنيت الدنيا على أربعة أركان تستصلح بأمور أربعة: بنيت على الرغبة والشهوة والعداء ومنع البيضة؛ فتستصلح الرغبة بالقصد، والشهوة بالعفة، والعداء بالمسالمة، ومنع البيضة بالنجدة.

أنشد لسلم الخاسر: السريع هاديه مثل الشطر من خلقه ... إذا بدا والبطن مقبوب تخاله مستقبلاً مقعياً ... وهو إذا استدبرت مكبوب يشرف أو ينحط كلا معاً ... فالخلق تصعيد وتصويب كالريح إلا أنه صورة ... يسمو بها شد وتقريب قال سهل بن هارون: ينبغي للنديم أن يكون كأنما خلق من قلب الملك: يتصرف بشهواته، ويتقلب بإرادته، إذا جد جد وإذا انطلق تطلق، لا يمل المعاشرة ولا يسأم المسامرة، إذا انتشى تحفظ وإذا صحا تيقظ، ويكون كاتماً لسره، ناشراً لبره، ويكون للملك دون العبد، لأن العبد يخدم نوائب، والنديم يحضر دائباً. أنشد لابن المبارك: البسيط إني امرؤ ليس في ديني لغامزه ... لين ولست على الأسلاف طعانا وفي ذنوبي إذا فكرت مشتغل ... وفي معادي لئن لم ألق غفرانا عن ذكر قوم مضوا كانوا لنا سلفاً ... وللنبي على الإسلام أعوانا ولا أزال لهم مستغفراً أبداً ... كما أمرت به سراً وإعلانا

ولا أسب أبا بكر ولا عمراًولا أسب معاذ الله عثمانا ولا أقول لأم المؤمنين كما ... قال الغواة لها زوراً وبهتانا ولا أقول علي في السحاب لقد ... والله قلت إذن جوراً وعدوانا لو كان في المزن ألقته وما حملت ... مزن السحاب من الأحياء إنسانا إني أحب علياً حب مقتصد ... ولا أرى دونه في الفضل عثمانا سمعت أبا تميم الكاتب الجرجاني يقول: كلف المأمون يحيى بن أكثم أن يخطب في بعض أيام العيد، فأسرع إلى طاعته وغدا إلى المصلى، وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه واندفع يقول؛ فبينا هو كذلك إذ اعتراه ضحك واشتد به وغلب عليه، فستر وجهه وجلس هنيهة، ثم نهض وعاد إلى قوله. فرفع ذلك إلى المأمون فاستفظع ذلك ودعا به وسأله عن السبب فقال: يا أمير المؤمنين، كنت واقفاً على المنبر، وعمود المنبر بيدي فذكرت قول الخبيث جحشويه: الرجز أنعظت أيراً كعمود المنبر ... موتراً، كمثل طعم السكر لو مسه القاضي بكفيه خري وأنشد: الكامل وزعمت أنك لا تلوط فقل لنا ... هذا المقرطق قائماً ما يصنع شهدت ملاحته عليك بريبة ... وعلى المريب شواهد لا تدفع

كتب الحجاج بن يوسف إلى عبد الملك بن مروان كتاباً يقول فيه: أما بعد فإنه ينزغ بي شيطان في المنام يقول لي: أضعت دينك ودنياك بإصلاح دنيا عبد الملك، قتلت له الرجال، وأخذت له الأموال، وفعلت وفعلت؛ وأعلمته أنه من نزغه في على باطل، وأني من ديني على يقين، وأحببت أن لا يخفى على أمير المؤمنين شيء من سري، كما لا يخفى عليه شيء من علانيتي. فلما ورد كتابه على عبد الملك كتب جوابه بيده: أما بعد فإن الله عز وجل وله الحمد قد وكل بي ملكاً يقول لي في النوم واليقظة: أضعت دينك ودنياك بإصلاح دنيا الحجاج فسلطته بسلطان الله عز وجل لك على الأموال فأخذها من غير حلها، وعلى النفوس فقتلها بغير حقها، فإذا قرأت هذه الأحرف فصر إلي والسلام. فلما ورد كتاب عبد الملك على الحجاج قال لمحمد بن يونس كاتبه: إن عاقبة التكلف مذمومة، أبر لي قلمين لم يكتب بأغلظ من أحدهما ولا بأدق من الآخر، ففعل محمد، فأخذ ذلك القلم الغليظ وكتب به: بسم الله الرحمن الرحيم، لأمير المؤمنين عبد الملك بن مروان، وكتب بالدقيق: من الحجاج بن يوسف، أما بعد فإن كان قتلي الرجال طاعة لله تعالى ولك سرفاً، وأخذي الأموال طاعة لله ولك تبذيراً، فمرني بأمر آتيه إليه إن شاء الله تعالى. فلما ورد الكتاب على عبد الملك قال: من يلومني على الحجاج؟ اكتبوا إليه وأقروه على عمله. قال المدائني: أتي علي بن أبي طالب رضوان الله عليه برجل ذي

مروءة قد وجب عليه الحد، فقال لخصمائه: ألكم شهود؟ قالوا نعم، قال: فأتوني بهم إذا أمسيتم ولا تأتوني بهم إلا معتمين، فلما أمسوا اجتمعوا فأتوه، فقال لهم علي رضي الله عنه: نشدت الله تعالى رجلاً لله تعالى عنده مثل هذا الحد إلا انصرف، فما بقي أحد، فدرأ الحد. قيل لأعرابي: ما الذي يعجبك من الدنيا؟ قال: سيف كبرق ثاقب، ولسان كمخراق لاعب. قال الزهري: سمعت رجلاً يقول لهشام بن عبد الملك: لا تعدن يا أمير المؤمنين عدة لا تثق من نفسك بإنجازها، ولا يغرنك المرتقى السهل إذا كان المنحدر وعراً، وأعلم أن للأعمال جزاء فاتق العواقب، وأن للأمور تعاقباً فكن على حذر. قال ابن دأب: فحدثت بهذا الحديث الهادي وفي يده لقمة قد رفعها إلى فيه، فأمسك يده ولم يولجها فاه حتى سمع الحديث مرات. قال سلام بن أبي مطيع: اللهم ارزقني رزقاً لا أشخص له، وإن حضرته لم أتعب فيه، وإن أتاني عن غير مسألة لم أرغب عنه؛ اللهم إن كنت بلغت أحداً من عبادك الصالحين درجة ببلاء فبلغنيها بالعافية.

أنشد لمحمد بن إبراهيم: الطويل وأنت جناحي إن أطر أستعن به ... وسهمي الذي أرمي به من يناضل فليت المنايا إذ أتتك لقيتها ... فعاجلني يومي ويومك آجل وقال آخر: الرجز إن بني حجية بن كابيه ... خير معد حاضراً وباديه رب غلام فيهم ذي فاشيه ... محتضر القدر كثير الغاشية يقدح في المجد بزند واريه ... محله من مازن في الناصيه في ذروة المجد الثبيت الآخيه ضرب حارس أمه فعوتب فقال: قد قلت لها عشرين مرة وهذه الثالثة إذا كنت سكران فلا تكلميني فإن السلطان نار ترتعد. آخر: المتقارب سألبس للصبر ثوباً جميلا ... وأفتل للهجر حبلاً طويلا لعلي بالرغم لا بالرضا ... أخلص نفسي قليلاً قليلا قال الجماز: رأيت شاطراً وقف على جماعة وقال: من يكلم منكم حمدان الغلام؟ فقال أحدهم: أنا، قال: فلا حسن ولا جميل، قال: فاجهد جهدك، قال: خذلني الله لو كان غيرك، قال: أنا غيري، قال: والله لو كان غير هذا الموضع، قال: فنحن بفرغانة، فرد صاحبه السكين في قرابه وقال: ويحك أنت طالب سحر، فتهاب ألباب الشام كلهم سعائر مالك كداروش أي حديد؟.

وقع بين مزبد ورجل كلام فقال الرجل: تكلمني وأنا قد نكت أمك؟ فرجع إلى أمه فقال لها: أتعرفين نائكاً؟ قالت: أبو علية؟ قال: ناكك والله! أنا أسألك عن اسمه وتجيبيني بكنيته؟! قال أبو هفان: سمعت امرأة تقول لرجل: قد والله استحيت من الله تعالى مما أساحقك. قالت امرأة لشيخ قد عهدته شاباً: أين شبابك؟ قال: من طال أمده، وكبر ولده، ورق أوده، ذهب جلده. قال ابن المعتز: الخضاب من شهود الزور. قال أعرابي لأخر: خضاب الله أبطأ نصولاً من خضابك، وأعلم أنك إن سترته عن العيون فلن تستره عن المنون. قال ابن محفض المازني: الوافر إما تسألي عني فإني ... خزاعي أبي منهم وخالي فما لك يا يزيد كأن شخصي ... طلاه إليك بالقطران طالي أأن كنا لكم لجأ وكهفاً ... إذا خرجت مخبأة الحجال وكنا المدركين بكل وتر ... شآكم في دهوركم الخوالي

وكنا فخر فاخرهم إذا ما ... نبا بالفخر طلاب المعالي أبحتم حرمة الأعراض منا ... وأظهرتم لنا خنع المقال وأضمرتم لنا الشنآن لما ... فرعناكم إلى السور العوالي فأعفونا من الأموال فينا ... وسامونا إلى شرف الفعال فما ذنب الجواد إلى أخيه ... إذا جريا وكل غير آل فبرز سبقه، إلا كذنب ال ... يمين من اليدين إلى الشمال نقلت هذه الأبيات من ديوان بني مازن. قال ابن أبي طاهر: كتب عمرو بن مسعدة إلى حمزة الشاري كتاباً فقلله، فوقع جعفر على ظهر الكتاب: إذا كان الإكثار أبلغ كان الإيجاز تقصيراً، وإذا كان الإيجاز كافياً كان الإكثار عياً. قال أحمد بن أبي طاهر، قال نافع بن جبير لأبي الحارث بن عبد الله بن السائب: ألا تخرج بنا إلى الحرة حتى نتمخر الريح؟ قال: إنما تتمخر الحمير، قال: فنستنشىء، قال: إنما تستنشىء الكلاب، قال: فأي شيء أقول؟ قال: نتنسم، فقال له نافع: صه، أنا ابن عبد مناف، قال أبو

الحارث: ألصقتك والله عبد مناف بالدكادك، وذهبت عليك هاشم بالنبوة، وأمية بالخلافة، وبقيت بين فرقها والحنة، وأنت في السماء وشرفك في الماء. فقال ابن أبي عتيق: يا نافع، قد كنت فينا مرجوا قبل هذا، قال نافع: وما أصنع بمن صح نسبه وبذؤ لسانه؟ قال أبو عمرو بن العلاء: رأيت أعرابية فلم أر أمجن منها، ورأيتها تبول شيخاً، فلما رأتني قالت: ما تصنع نساؤكم بأحدكم إذا بلغ غاية هذا الشيخ؟ قلت: ترفقته وتلطفته، فقالت: وإن ضعفت قواه وكف بصره؟ قلت: وإن كان ذلك، فضربت بيدها إلى ذكره فقالت: وإن استرخى ذكره وخسفت أنثياه وقل فعله؟ قلت: ما لك ويحك ولهذا الشيخ؟ فقالت: الرجز لا خير في الشيخ إذا ما أجلخا ... واطلخ ماء عينه ولخا وأحدودب الظهر فكان فخا ... ونام منه أيره وأسترخى قال ابن الأعرابي: نظر أعرابي إلى امرأة فأعجبته فقال: وددت

أنك محل مقيلي، فقالت: وأن زوجتك محل مقيل زوجي، إذن والله تجده شديد الوتر، قليل الفقر، بعيد الفطر؛ فأفحمته. قال أحمد بن أبي طاهر صاحب كتاب بغداد وكتاب المنظوم والمنثور، حدثني علي بن عبيدة الريحاني قال: التقى أخوان يتوادان فقال أحدهما: كيف ودك لي؟ قال: حبك توشج بفؤادي، وفكرك سمير سهادي، فقال الآخر: أما أنا فأوجز في وصفي: ما أحب أن يقع على سواك طرفي. قال ابن أبي طاهر، وحدثني علي بن عبيدة قال: تزاورت أختان من أهل القصر فأرهقهما الظهر، فبادرت إحداهما هكذا، قال: فصلت صلاة خفيفة، فقال لها بعض النساء: كنت حرية أن تطولي الصلاة في هذا اليوم شكراً لله تعالى حين التقيتما، قالت: لا، ولكن أخفف صلاتي اليوم فأتمتع بها وأشكر لله تعالى في صلاتي غداً. قال ابن أبي طاهر: سمعت علي بن عبيدة يقول لامرأة من أهل القصر: إن قلبي قد فرغ من الهوى وخلا، حتى كاد يخرب من الخوى، وأنا ألتمس له ساكناً فهل لك أن تكوني من سكانه؟ وقال ابن أبي طاهر أيضاً: كنت مع علي بن عبيدة يوماً ونحن عند قيان، وحان وقت الظهر فبادر الناس الصلاة، والجارية قاعدة، وهما في حديث فأطالا حتى كادت الصلاة أن تفوت، هكذا قال، قال فقلت: يا أبا الحسن، الصلاة، ونصبت على الإغراء، فقال علي: حتى تزول الشمس، أي حتى تقوم الجارية.

وقال ابن أبي طاهر: وكنت عند علي بن عبيدة يوماً، فورد عليه كتاب أم محمد ابنة المأمون، وكتب جواب الكتابثم أعطاني القرطاس فقال: اقطعه، فقلت: وما لك لا تقطعه أنت؟ قال: ما قطعت شيئاً قط. علي بن عبيدة هذا هو صاحب كتاب المصون ويقال: كان بصرياً ويعرف باللطفي، ولست أعرف كنه مذهبه وحقيقة شأنه لكنه يقال: إنه أقلع في شيخوخته عن عادته في شبيبته، وسلك طريق الزهاد، وكلامه في المصون كلام يدل على عقل رزين وأدب ظاهر، وليس فيه من العلم إلا قليل، وأهل خراسان يعجبون بهذا الكتاب جداً، حتى بلغني أن بعض الدهرية من الرؤساء وأصحاب السيف قال مرة لقوم: مصونكم خير من قرآنكم. وهذا جهل بالله العظيم، وجرأة على حلمه الكريم " ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة " فاطر: 45. وقال لي بعض مشايخ خراسان: إن هذا القول إنما قاله بعض الأعراب بباديتنا فشاع على وجه الأستبشاع، وزعم أن بخراسان بادية كبيرة وأعراباً مجتمعة، فسألته عن اللغة والهيئة فقال: قد دخلهم النقص من كل شيء ووجهه فصاروا بيضاً وشقراً بعد أن كانوا سوداً وسمراً، وصاروا ضخاماً عظاماً بعد أن كانوا نحافاً شختاً، فأما اللغة فباقية عليهم لم ينتقلوا عنها إلى الفارسية، لكنها فاسدة بينهم زائدة الفساد على لغة البادية، بادية طريق مكة؛ فهذا مما حدثني هذا الشيخ، وكان شديد التحصيل، من أولئك الناس بذلك الماء والشق.

لما هجا محمد بن حازم الباهلي محمد بن حميد الطاهري فأفرط، اتفقت على ابن حازم محنة انتقل بسببها إلى غير محلته مخفياً شخصه، فوجه إليه المهجو بعشرين ألف درهم ومنديل فيه عشرة أثواب وبرذون بسرجه ولجامه وغلام رومي، وكتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم. أكرمك الله وأبقاك، ذو الأدب تبعثه قدرته على نعت الشيء بخلاف هيئته، ويحمله الظرف على هجاء إخوانه في حال دعابته، وليس ما شاع من هجائك لنا يجري سوى هذا المجرى؛ وقد بلغني من خبرك ما لا غضاضة عليك فيه، مع كبر سنك وأدبك، إلا عند العامة من الجهال الذين لا يكرمون ذوي الأخطار إلا على الأموال دون الآداب، ونحن شركاء فيما ملكنا، وقد وجهت إليك ما استفتحت به انبساطك، وإن قل، ليكون سبباً إلى غيره وإن جل. فرد ابن حازم ما وجه به إليه وكتب الجواب: الكامل وفعلت فعل ابن المهلب إذ ... فعمم الفرزدق بالندى الغمر فبعثت بالأموال ترغبني ... كلا ورب الشفع والوتر

لا ألبس النعماء من رجل ... ألبسته عاراً على الدهر هذا والله خبر طريف، وما أدري ممن أعجب، من ابن حميد في كرمه، أم من ابن حازم في بأوائه، ولله عز وجل في هذا الخلق ألوان لا يحصيها إلا هو، فسبحان من جمعهم على ما فرق فيهم، وسبحان من فرقهم على ما جمع فيهم، جل الإله وعز. قال بزرجمهر: الإخوان كالسلاح: فمنهم من تحب أن يكون كالرمح تطعن به من بعيد، ومنهم كالسهم الذي ترمي به ولا يعود إليك، ومنهم كالسيف الذي لا يفارقك. قالت الفرس: وجدنا في مهارقنا القديمة: إذا لم يساعد الجد فالحركة خذلان. أيضاً: رب لازم لعرصته قد فاز ببغيته. وأيضاً: من استعان بالنظر راح بالحيرة. أيضاً: بمفتاح عزيمة الصبر تعالج مغاليق الأمور. وقالوا أيضاً: من امتطى العز أربع بمحل الظفر. أيضاً: رب صفو في إناء مشوب بكدر البلاء. أيضاً: لا يغرنك المرتقى السهل إذا كان المنحدر وعراً. أيضاً: تأمل مواقع قدمك تقلل فواحش زللك.

تواثب اثنان من المعربدين في مجلس وتواجأا بالسكين، فأصاب السكين طرف أنف أحدهما وكمرة أير الآخر، فسقط من أنف هذا ما أشرف، وكذلك من كمرة هذا، فطلب كل واحد منهما في الظلمة ما انقطع منه، فوقعت كمرة هذا في يد هذا فألزقه على أنفه بحرارة وشده، ووقع طرف أنف هذا في يد صاحبه فألزقه على أيره بحرارة وشده فالتحم الجرحان وبرأا، فصار هذا يتنفس من كمرة صاحبه، وصار هذا يبول وينيك بأنفه ما عاشا. قال أحمد بن الطيب: كان جالينوس يقدم في الأخلاق ثلاث قوى: الرحمة والحياء والسخاء. يقال في النوادر: إذا رأيت الرجل يخرج من صلاة الغداة وهو يقول " وما عند الله خير وأبقى " القصص: 60 فأعلم أن في جواره وليمة لم يدع إليها. وإذا رأيت قوماً يخرجون من عند قاض وهم يقولون: " وما شهدنا إلا بما علمنا " يوسف: 81 فأعلم أن شهادتهم لم تقبل. وإذا قيل للزوج صبيحة البناء على أهله: كيف ما قدمت عليه؟ فقال: الصلاح خير من كل شيء، فاعلم أن امرأته قبيحة. وإذا رأيت إنساناً يمشي ويلتفت فاعلم أنه يريد أن يضرط. وإذا رأيت الغلام في إصبعه خاتم فأعلم أن مولاه ينيكه. وإذا رأيت فقيراً يعدو فأعلم أنه في حاجة غني. وإذا رأيت رجلاً خرج من عند الوالي وهو يقول: " يد الله فوق أيديهم " الفتح: 10 فأعلم أنه قد صفع.

وقفت ماجنة على ابن مضاء الرازي فقال له: أنت ابن مضاء؟ قال: نعم، قالت: لي مسألة، قال: وما هي؟ قالت: ما بال الشعرة لا تبيض، واللحية تبيض؟ قال: لأنها بقرب الفقحة، فرائحة السماد تمنعها من أن تبيض، قالت: فلم لا تأخذ منه كفاً في يدك فتجعله على عنفقتك حتى لا تحتاج إلى الخضاب؟ فانقطع ابن مضاء وخجل. وجازت ماجنة بابن مضاء وهو يأكل فقالت له: في بطنك عرس حتى ترقص لحيتك؟ فقال لها: ففي بطنك مأتم حتى علقت على باب حرك مسحاً أسود، فخجلت. أحضرت ماجنة حجاماً وتجردت له وأقعدته قدامها وبالت على يدها فبلت به كسها، وقالت للحجام: خذ منه شوابير، فقال لها: كرائي، قالت: خذ منه، فلما فرغ قالت: بارك الله في هذا المتاع الذي حوائجه كلها منه. اصطحب اثنان من الحمقى في طريق فقال أحدهما لصاحبه: تعال حتى نتمنى فإن الطريق يقطع بالحديث والتمني، قال: نعم، أنا أتمنى قطائع غنم حتى أنتفع برسلها ولحمها وصوفها، ويخصب معها رحلي، ويستغني بها أهلي. قال الآخر: أما أنا فأتمنى قطاع ذئاب أرسلها على غنمك حتى تأتي عليها، قال: ويحك، هل هذا من حق الصحبة وحرمة العشيرة؟ وتلاحيا

واشتدت الملاحاة بينهما، ثم قالا: نرضى بأول من يطلع علينا ونعرض عليه أمرنا؛ قال: فبينما هما كذلك إذ طلع شيخ على حمار عليه زقان من عسل، فاستوقفاه وحدثاه فقال لهما: قد عرفت وفهمت ما قلتما، ثم نزل عن الحمار وفتح الزقين حتى سال العسل في التراب وقال: صب الله دمي مثل هذا العسل إن كنتما إلا أحمقين. حضر بعض المجان مجلساً فيه شراب فلم يسقوه، فصبر ساعة يكيد بنفسه والقوم يستقون منه، ثم قال: يا سادة، هبوني طستاً أو مغسلاً وصبوا في قليل نبيذ! فضحكوا منه وسقوه. مر مزبد بقبر عليه أثواب فاخرة فقال: موتاهم - يشهد الله - أحسن حالاً من أحيائنا. قيل لمديني: أيسرك أن يكون أيرك كبيراً؟ قال: لا، قيل: ولم؟ قال: يثقلني ويلتذ غيري به. اشترى مزبد جارية فسئل عنها فقال: فيها خلتان من خلال الجنة: برد وسعة.

قالت ماجنة لرجل: وجهك خلق، قال: يا ستي، ولكن أيري علق، فخجلت. وقال ماجن لآخر: خبزك شعير وضراطك حوارى. قال أحمد بن الطيب: الإسراف في الرحمة يميت النفس، ويضيع الحدود، ويهدم السنن، قال الله تعالى: " ولا تأخذكم بهما رأفة " النور: 2؛ وإسراف السخاء يورث الفقر، والغنى من العافية، والفقر ذل، والرحمة تلحق غني قوم افتقر، والمرحوم شقي، والإسراف في الحياء يورث الفتور والونى. اجتمع أربعة من الشطار يقال لأحدهم صحناة وللآخر حرملة وللثالث غزوان وللرابع طفشة، ومعهم غلام أمرد يريد أن ينقطع إلى واحد منهم، وكل واحد يطلبه لنفسه، فتحاكموا إلى شيخ منهم فقال الشيخ: ليذكر كل واحد منكم ما فعله وما يقدر عليه حتى أخبر هذا الغلام فيصير إلى من أحب. فقام صحناة فقال: وال أمك، لو تراني ضيعوني في عينك يا ابن الغلابة، أنا هامان، أنا فرعون، أنا عاد، أنا الشيطان الأقلف، أنا الدب الأكلف، أنا البغل الحرون، أنا الحرب الزبون، أنا الجمل الهائج، أنا الكركدن المعالج، أنا الفيل المغتلم، أنا الدهر المصطلم، أنا البعير الشارد، أنا السبع الوارد، أنا سرادق التضريب، أنا بوق الحروب، أنا طبل الشعب،

محبوس شرقي غربي مضرب، قايم نايم، مبطوط الأليتين، معطل الدفتين، أبلع أسنة، أخرا جواشن، لو ضرب ربكم عنقي ما مت بعد سنة، وهذا حمدان فروخ في حجري بالأمس حتى جنى جناية رزق الصلب وحملان ديتيه صرف ألف، فما غلس حتى ينطق أحد. وقام حرملة فقال: يا ابن الصفعانة، أنا حبست في أجمة أكلت ما فيها من السباع، وجعلت الحشيش نقلي، أنا طوق الله الهائج في بحر قلزم، لو كلمني رجل بغير مسألة لعقدت شعر أنفه إلى شعر أستهوأديره حتى يشم فساياته القنفذ، لو كلمني رجل لكمته لكمة فأبدد عظامه فلا تجمع في شهر، أو كلمني رجل لم أخزم أنفه وأخرزه في قرنه وأصفعه فأقلع رأسه مع رطلين من خراه؛ يا أبا الجرادة املأ عينك مني والله وأنت زريق الخف، طعامي الصبر، ريحاني الدم، نقلي أدمغة الأفاعي، أنا أسست الشطارة، أنا بوبت العبارة؛ يا ابن الزراعة الهراشة الفراشة، الفلاشة النعاشة، من يتكلم قولوا. فقال غزوان: أيش تقول لي يا ابن الطبردانة، أنا القدر والحدر الممزوج بالصخر، أنا أبو إيوان كسرى، حولت المجالس والمطابق، وقطعت أكباد الخلائق، أنا أخرق الصفين، وأضرب العسكرين، رفيقي صياح اللكم، وجعفر ابن الكلب، وموسى سلحة، وعيسى زكرة، وكردويه الباقلاني، وفروخ الشماط، ونفطويه المكاري، انقلوني ونور الله إلى الشاش وفرغانة، ردوني إلى طنجة وافرنجة وأندلس وأفريقية، ابعثوا بي إلى قاف، وخلف الروم، إلى السد وإلى يأجوج ومأجوج، إلى إلىموضع لم يبلغه ذو القرنين، ولم يعرفه الخضر؛ أنا شهدت الغول عند نفاسها، وحملت جنازة الشيطان غير جبان، أنا فرعون ذو الأوتاد إن لم أقبض روحك مشيت سبعة بلا راس، قطعت عروقي بكل خنجر، رضت عظامي بكل منجل، لو نخرت نخرة لخرت صوامع النصارى، وتحطمت قصور بني إسرائيل، لو عضني ونور الله الأسد

لفرس، ولو كلمني إبليس لخرس، ولو رآني العفريت لخنس، من ينطق بعد هذا؟ فقال طفشة: أنا قتلت ألفاً وأنا في طلب ألف، يا ابن الخادمة تهيأ لفرعون يا أخا القحبة، تقطب في وجهي، أو تقوم بقربي، أو تناظرني كلمة وكلمة، أما تعلم أن راسي مدور، ولحيتي خنجرية، وسبالي مفضلي، وآستي خرسا، وأنا مشهور في الآفاق بضرب الأعناق، لا يجوز علي المخراق، وأنا الربيع إذا قحط الناس، أنا الغني إذا كثر الأفلاس، أنا أشهر من العيد، سل عني الحديد، في المنطق الجديد، البيضة مني ونور الله، تسوى ألفاً، ولو حضنت خرج منها ألف شيطان؛ أنا شققت شدق النمر، وصيرت على الأسد الإكاف، أنا كلب أنبح، أنا السحر أنا الأمحران، أنا تنور يسجر، لصديق صديقي ورور من عنبر بن الجلندى، أنا ابن الجلندى كنكر بن الأشتر بن طاهر الأعور، إبليس إذا رآني مطى، لو كلمني رجل رأسه من نحاس، ورجليه من رصاص، أصفعه صفعة فأصبر أنفه قفاه، أنا السيل الهاطل، أنا المغيث الشاطر، أنا قلاع القناطر، أنا لم ألعب بك في الطبطاب، وأقسك قسو الصعو في الرطاب، اسم شيطاني سقلاب؛ أنا أقسى من الحجر، وأهدى من القطا، وأزهى من الغراب، وأحذر من العقعق، وأوله من الذباب، وألج من الخنفساء، وأحد من النورة، وأغلا من الدرياق، وأعز من السم، وأمر من العلقم، وأشهر من الزراقة؛ أنا الموج الكدر، أنا القفل العسر، راسي سندان، نابي سكين، يدي مطرقة حداد، أيش تقول؟ صادقني وسل عني، أنا صعصعة

الحي، أنا خير لك من غيري هو ذا وجهي إلى الآخر، لك حاجة إلى ربك؛ هوذا أجد ريح الدم، أيش ترون من ينطق؟ فسكت القوم وبادر الغلام وأخذ بيده وصادقه. روينا - أيدك الله - هذا الكلام على ما به ليكون للنفس فيه استراحة، وللإنسان منه عبرة، فلا تعب علينا ذلك، فلو قد وفيتني حقي في محاسن ما دونت في هذا الكتاب لما ضرني مقدار ما خالف إرادتك وباين اختيارك، وقصر عن مدى مرادك. جعل الله هذا الكتاب لك طريقاً إلى الأستمتاع بهزله، والأنتفاع بجده، وختم عاقبتك بما يبلغك دار رضوانه، مستوجباً كريم غفرانه. قال كسرى: اجتماع المال عند الأسخياء أحد الخصبين، واجتماعه عند البخلاء أحد الجدبين. قال أبو العتاهية، قلت لعلي بن الهيثم: ما يجب على الصديق؟ قال: ثلاث خلال: كتمان حديث الخلوة، والمواساة عند الشدة، وإقالة العثرة. قال عبد الملك بن صالح: مشاهدة الإخوان أحسن من إقبال الزمان. قال أبو تمام: قلت لرجل من أهل الكوفة: أيسرك أنك جاهل ولك مائة ألف درهم؟ قال: لا، قلت: ولم؟ قال: لأن يسر الجاهل

شين، وعسر العاقل زين، وما افتقر رجل صح عقله. أنشد للرقاشي: الوافر إذا كان النديم له حفاظ ... فأهلاً بالمدام وبالنديم وحسبك بالنديم إذا تخطا ... إلى الكتمان بالخلق الكريم وقال الخريمي: البسيط لما وجدت نديماً لا يخالفني ... صيرت نفسي له عبداً بلا ثمن وصار لي سكناً أحيا برؤيته ... وصاحب الراح لا يحيا بلا سكن لعلي بن الجهم: البسيط ما زلت أطلب ندماناً أحادثه ... وأضرب الناس في بغداد بالناس حتى وجدت نديماً لا يخالفني ... سمح الخلائق يطوي الدهر بالكاس لابن الحكم: الرمل المجزوء أنا مستغن عن النا ... س بندمان كريم يقطع الدهر كلانا ... بسرور ونعيم إنما نستعذب الرا ... ح بأخلاق النديم الخارجي: الطويل تلطفت الأيام حتى تفضلت ... علي بندمان كريم الخلائق

له سمت عدل واستكانة عاشق ... وهمة جبار وظرف الزنادق مزجي به كأسي فصادف طعمه ... ألذ وأشهى من ثمار الحدائق خطب خالد بن عبد الله يوماً فحمد الله وأثنى عليه وقال: أيها الناس، تنافسوا في المكارم، وسارعوا إلى المغانم، وأشتروا الحمد بالجود، ولا تكسبوا بالمطل ذماً، ولا تعتدوا بمعروف لم تعجلوه، ومهما يكن لأحد منكم عند أحد نعمة فلم يبلغ شكرها فالله أحسن لها جزاء، وأجزل لها عطاء؛ وأعلموا أن حوائج الناس إليكم نعمة من الله عليكم، فلا تملوا النعم فتحور نقما، وأعلموا أن أفضل المال ما أكسب ذكراً، وأورث شكراً، ولو رأيتم المعروف رجلاً لرأيتموه حسناً جميلاً يسر الناظرين ويفوق العالمين، ولو رأيتم البخل رجلاً لرأيتموه مشوهاً قبيحاً تنفر عنه القلوب، وتغض دونه الأبصار؛ أيها الناس، من جاد ساد، ومن بخل رذل، وإن أكرم الناس من أعطى من لا يرجوه، ومن لم يطب حرثه لم يزك زرعه، والفروع من مغارسها تنمو ومن أصولها تزكو.

أثنى رئيس وفد على ملك إذ انفلتت منه ضرطة، فالتفت إلى أسته فقال يخاطبها: مثل هذا الملك يصلح أن يثنى عليه بجميع الجوارح، ولكن إذا رأيت اللسان يتكلم فاسكتي؛ فضحك الملك وقضى حاجته. تخاصم رجلان فأربى أحدهما على الآخر، فبينا هو كذلك إذ ضرط من شدة غضبه وهيجانه فقال: وهذا أيضاً في لحيتك يا فاعل، يا صانع. قيل لرجل: ما فائدة الصفع؟ قال: هو أول منزلة من التواضع، وهو يحسن الخلق، ويحلي المرار، ويذهب بالصفار، ويحلل الخمار، ويؤمن البدن من الأقشعرار. وقال آخر: الصفع تعلة ولكنه مذلة. ويقال: الصفعان محبوب، والقواد مسبوب. ويقال: الصفعان آمن نوائب الزمان. وصف ابن القرية يوماً للحجاج فرساً فقال: أصلح الله الأمير، طويل الثلاث، قصير الثلاث، صليب الثلاث، حديد الثلاث، رحيب

الثلاث، عريض الثلاث، منيف الثلاث، أسود الثلاث، قال: فاستوى وكان متكئاً وقال: فسر أثلاثك أو لأضربن عنقك، قال: نعم أصلح الله الأمير، طويل العنق والسبيب والساق، قصير الظهر والعسيب والشعر، صليب الكاهل والدخيس والعجب، حديد السمع والقلب والمنكب، رحيب المنخرين والشدق والجوف، عريض اللبة والجبهة والخد، منيف القوائم والجوانح والقذال، أسود العين والحافر والذكر، قال: فعجب الحجاج منه، ووهب له ألف دينار. لأبي مسلم الرستمي: الرمل وبنفسي من إذا جمشته ... نثر الورد عليه ورقا وإذا مدت يدي طرته ... أفلتت مني ودارت حلقا وأنشد: الطويل وسارية لم تسر في الليل تبتغي ... مناخاً ولم يقصر لها القيد مانع تسير وراء الليل والليل ضارب ... بأكنافه فيه سمير وهاجع إذا وردت لم يردد الله وفدها ... على أهلها والله راء وسامع سرت حيث لا تجري الرياح ولم تنخ ... لورد ولم يقطع بها البيد قاطع

تفتح أبواب السموات دونها ... إذا قرع الأبواب منهن قارع وإني لأرجو الله حتى كأنني ... أرى بجميل الظن ما الله صانع كان بعض أصحابنا يطيل التعجب من هذا الشعر ويحكم بإحسان قائله، يريد الدعاء لله تعالى وقيل يصف دعوة مظلوم. سئل دغفل عن بعض العرب فقال: أحداث قادة، وشباب سادة، وكهول ذادة، لهم الشرف الشامخ، والعز الباذخ، والكرم الصريح، والعنصر الفسيح، بهاليل أسخياء، غطارفة أغنياء، كرام أعفاء، لهم الأخلاق الطاهرة، والألباب الحاضرة، والوجوه الناضرة، بحار النيل، وأحلاس الخيل، يحملون المغارم والأثقال، ويجدلون الكماة والأبطال، لهم العز والجلد، والسياسة والعدد، شموس البلاد، وأقمار العباد، ونجوم في الناد، لهم في القلوب حلاوة، وعلى الوجوه طلاوة، أسد العرب إذا جثوا على الركب، وأكرمهم في الرضا والغضب، وأضربهم بالسيف المشطب، وأطعنهم بالرمح المكعب، عزمهم غير مخلخل، وشرفهم غير مزلزل؛ آفة البلاد إذا ركبوا، وغيث البلاد إذا أجدبوا، كهولهم غيوث، وشبابهم ليوث، ووقائعهم مشهورة، وأيامهم مذكورة، علا شرفهم فرجح، وطال عزهم فطمح، لهم السيوف البواتر، والرماح الخواطر، والأيد والعدة، والثراء والنجدة، أنجم الأندية، وأفاعي الأودية، هم الليوث الهواصر، والغيوث البواكر.

أنشد لسعيد بن حميد: الطويل لقد ساءني أن ليس لي عنك مذهب ... ولا لك في حسن الصنيعة مرغب أفكر في ود تقادم بيننا ... وفي دونه قربى لمن يتقرب وأنت سقيم الود رث حباله ... وخير من الود السقيم التجنب تسيء وتأبى أن تعقب بعده ... بحسنى وتلقاني كأني مذنب وأحذر إن جازيت بالسوء والقلى ... مقالة قوم ودهم منك أجنب أمل اختياراً أو عرته ملالة ... فعاد يسيء الظن أو يتعتب فخبت من الود الذي كنت أرتجي ... كما خاب راجي البرق والبرق خلب قال أعرابي: نحن بأرض لا نريد بها بدلاً، ولا نبتغي عنها حولاً، لا يملولح ماؤها، ولا يتمعر جنابها، ليس فيها أذى ولا قذى، ولا وعك ولا حمى، فنحن بأرفه عيشة، وأخصب معيشة. كاتب: نحن نستعطفك باعتزالك، ونستديم صلتك بجفائك، ونستكثر مناسمتك باجتنابك، ونرى الزيادة في العتب أدوم لجميل رائك. كاتب: مثل لا ينبله من غفلة، ولا يوقظ من سنة، ولا يعرف من جهلة. لما ظهر موسى عليه السلام بمصر قال سقراط: نحن معاشر اليونانيين أقوام مهذبون لا حاجة بنا إلى تهذيب غيرنا.

أنشد: الكامل ما كان أنضر عيشه وأغضه ... أيام فضل ردائه مسحوب عبد الحميد الكاتب: أحب أن يعهد إليك في لطائف أمورك، وعوام شؤونك، ودخائل أحوالك، ومستطرف أشغالك. كاتب: الحمد لله الذي لم يوحش منك ربعك، ولم يخل مجلسك في قومك، فلا أدبر عنك من الصحة ما أقبل إليك، ولا أقبل إليك من السقم ما أدبر عنك، وثبت لك العافية ومد فيها غضارة عيشك، حتى يقبضك على خير عمرك، وأحسن عملك. قال أعرابي: كان فلان قوالاً بالحق، قواماً بالقسط. كاتب: صحت قلوبكم من أمراض الخطايا، وبرأت أنفسكم من أسقام الذنوب، وطهرت ثيابكم من دنس الآثام. كتب يحيى بن خالد إلى الرشيد من الحبس: يا أمير المؤمنين، إن كان الذنب خاصاً فلا تعم بالعقوبة، فإن الله تعالى يقول " ولا تزر وازرة وزر أخرى " الأنعام: 164. كاتب: أما بعد فإنه ربما ضاق العذر على اتساعه، واتسع على ضيقه، وقوي على ضعفه، وضعف على قوته، وذلك بقدر ما يوافق من رأي

من يرد عليه، فمن مستقص محتج ومن مسامح موسع، يكون هذا المحتمل لصاحبه العذر والمحتج له من حيث لا يحتج لنفسه. قال الشاعر: الطويل إذا ما أتت من صاحب لك زلة ... فكن أنت محتالاً لزلته عذرا قال أعرابي: اللهم لك الحمد على طول النية، وحسن النظرة. وقال: الحمد لله الذي أباتنا نائمين وأنبهنا سالمين. وقال آخر: الحمد لله فالق الإصباح، وباعث الأرواح. قال هداف التميمي: الحمد لله على نوم الليل وهدوء العروق وسكون الجوارح وكف الأذى والغنى عن الناس. قيل لأعرابي: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت أحتسب على الله الحسنة، ولا أحتسب على نفسي السيئة. قيل لأبي مسمع الوتري: أخبرنا عن قولهم: عطشان نطشان وجائع نائع، قال: كلمة يشد بها الرجل كلامه. نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغارفة، أي جز الشعر؛ يقال منه: غرف شعره.

كاتب: المصايب هدايا لقوم وبلايا على آخرين، فجعلك الله ممن غفل عنه فاستعمل الشكر عند الأتساع، والصبر عند الأرتجاع. ابن المقفع: إن كان ما فجعت به اليوم من فقد ولدك أحزنك، ليسرنك أحوج ما كنت إلى السرور به، وأفرح ما تكون بمكانه، فأعظم الله أجرك، وأحسن صبرك. قال كسرى لبزرجمهر: ما بال معاداة الصديق أقرب مأخذاً من مصادقة العدو؟ قال: لأن إنفاق المال أهون من كسبه، وهدم البناء أهون من رفعه، وكسر الإناء أهون من إصلاحه. قال فيلسوف: العالم يعرف الجاهل لأنه كان جاهلاً، والجاهل لا يعرف العالم لأنه لم يكن عالماً. كاتب: إن الله عز وجل جعل الدنيا دار بلوى والأخرى دار عقبي، فجعل بلوى الدنيا عوضاً فيأخذ ما يأخذ مما يعطي، ويبتلي إذا ابتلى ليجزي. قال أعرابي: المودة من السلف ميراث بين الخلف. قال آخر: لولا ظلمة الخطأ ما أشرق نور الصواب في القلوب. قال فيلسوف: القلوب أوعية، والعقول معادن، فما كان في الوعاء ينفد إن لم يمده المعدن.

قال بزرجمهر: لا بد من العيب، ومن لا عيب فيه لا يموت. قيل لأفلاطون: لم لا تجتمع الحكمة والمال؟ قال: لعزة الكمال. قال فيلسوف: الدنيا فرس جموح فأطلقوا رسنها، وضعوا أرجلكم منها بحيث أمكن. كاتب: قد كنت لنكبات الدهر مستعداً ولعداوته متخوفاً، فهل زاد على صدقك عن نفسك وآتاك ما كنت عالماً أنه يأتيك منه؟ فكيف تجزع وأنت تعلم أنه ليس لما وقع مرد، ولا لما ذهب مرتجع؟ قال فيلسوف: الكرام أصبر نفوساً، واللئام أصبر أبداناً. قال رجل لفيلسوف: ما أبخر فاك!! قال: لا تعجب من هذا، فقد عفنت مساويك في صدري أفلا أخرجها ثم أعطيك شيئاً؟! كاتب: أما بعد، فالحمد لله الذي نجاه مما هنا من الكدر، وخلصه قبل الكبر، مما كان بين يديه من الخطر.

كتب غيلان إلى مروان: أعلم أن كل مصيبة لم يذهب فرح ثوابها حزنها فإن ذلك هو الحزن والمصيبة العظمى. قال بزرجمهر: يستحب من الخريف الخصب، ومن الربيع الزهر، ومن الجارية الملاحة، ومن الغلام الكيس، ومن الغريب الأنقباض. يقال: الهوى شريك العمى. قال فيلسوف: الهالك على الدنيا رجلان: رجل نافس في عزها، ورجل أنف من ذلها. قال أعرابي: الحسود لا يسود. وجد في كتاب لجعفر بن يحيى أربعة أسطر بالذهب: الرزق مقسوم، والحريص محروم، والبخيل مذموم، والحسود مغموم. قال فيلسوف: من زاد أدبه على عقله كان كالراعي الضعيف مع غنم كثيرة. لمنصور النمري إلى هارون: والله يا أمير المؤمنين ما وخزتنا

شوكتهم ولا أمضتنا قرحتهم، وإنما نحن حرمة من حرمك، وطرف من أطرافك، ننشدك الله أن لا تغضب لنا بأن لا تغضب علينا، وأن لا تنتقم فينا بأن لا تنتقم منا. دخل سالم السندي على عمر بن عبد العزيز رحمه الله فقال له: يا سالم، أسرك ما وليت أم ساءك؟ فقال: سرني للناس وساءني لك، قال: فإني أتخوف أن أكون أوبقت نفسي، فقال: ما أحسن حالك إن كنت تخاف، وإنما أخاف أنك لا تخاف، قال: عظني، قال: إن أبانا أخرج من الجنة بخطيئة واحدة. كاتب: أتيتك وافداً بذنوبي على عفوك، واثقاً لعقوقي ببرك، لا مستظهراً عليك بشفيع قدمته، خلا تطولك بالعفو على الإخوان، وتفضلك عليهم بالإحسان. قال هارون للفضيل بن عياض: ما أزهدك!! قال: أنت أزهد مني يا أمير المؤمنين، قال: كيف؟ قال: لأني أزهد في الدنيا وهي فانية، وأنت تزهد في الآخرة وهي باقية. كاتب، يقال هو إسحاق بن يحيى، كتب إلى آخر يهنيه ببنت:

رب مكروه أعقب منفعة، ورب محبوب أعقب مضرة، وخالق المنفعة والمضرة أعلم بمواضع الخيرة. قال فيلسوف: أعجب ما في الإنسان أن ينقص ماله فيقلق، وينقص عمره فلا يقلق. كاتب، هذا يوم قد سبقت فيه العادة بإلطاف الأتباع للسادة، وكانت البضاعة تقصر عما تبلغه الهمة، فكرهت أن أمسك عن الهدية فأخرج عن حكم السنة، وكرهت أن أهدي فلا أبلغ مقدار الواجب، فجعلت هديتي أبياتاً وهي: الوافر ولما أن رأيت ذوي التصافي ... تباروا في هدايا المهرجان جعلت هديتي وداً مقيماً ... على صرف الحوادث والزمان وعبداً حين تكرمه ذليلاً ... ولكن لا يقيم على الهوان يزيدك حين تكرمه خضوعاً ... ويرضى من نوالك بالأماني قال بعض الزهاد: العالم طبيب هذه الأمة، والدنيا داؤها، فإذا كان الطبيب يطلب الداء فمتى يبرأ غيره؟ قال آخر: لا يزال العبد بخير ما قال لله وعملا لله. قال الأحنف: ثلاثة لا ينتصفون من ثلاثة: حليم من جاهل،

وبر من فاجر، وشريف من دنيء. قال كسرى لبزرجمهر: أي الناس أحب إليك أن يكون عاقلاً؟ قال: عدوي، قال: وكيف ذاك؟ قال: لأنه إذا كان عاقلاً فإنك منه في عافية. قيل لفيلسوف: ما العقل؟ قال: اعتدال الطبائع. وقال فيلسوف: إذا فقد الإنسان العقل والتوفيق لم يصلح له شيء من أموره. قيل لبزرجمهر: تعال حتى نتناظر في القدر، قال: وما أصنع بالمناظرة؟ رأيت ظاهراً دل على باطن: رأيت أحمق مرزوقاً، وعالماً محروماً، فعلمت أن التدبير ليس إلى العباد. قال ابن أبي طاهر، حدثني أبو تمام قال: حدثني شيخ من كلب عن شيخ منهم قال: كنت مع يزيد بن حاتم بأفريقية، وكنت به خاصاً، فعرض عليه تاجر درعاً فأكثر تقليبها ومداولة صاحبها، فقلت له: أصلح الله الأمير، فعلام تلوم السوقة؟ فقال: ويحك، إني لست أشتري أدراعاً، إنما أشتري أعماراً.

قال أحمد بن يزيد حدثني أب عن عمه حبيب بن المهلب قال: ما رأيت رجلاً قط مستلئماً في حرب إلا كان عندي رجلين، وما رأيت رجلين حاسرين في حرب قط إلا كانا عندي بمنزلة رجل واحد. قال علي عليه السلام: الحرص مقدمة الكون. قيل لصوفي: لم لا تعمل عملاً؟ قال: إذا كان مستعملي قد أراحني فما وجه فضولي وتكلفي؟ شاعر: الطويل إذا المرء لم يطلب معاشاً لنفسه ... شكا الفقر أو لام الصديق فأكثرا وصار على الأدنين كلاً وأوشكت ... صلات ذوي القربى له أن تنكرا فسر في بلاد الله وألتمس الغنى ... تعش ذا يسار أو تموت فتعذرا قيل لأعرابي: أيسرك أن تكون أحمق وأن لك مائة ألف درهم؟ قال: لا، قيل: ولم؟ قال: لأن حمقة واحدة تأتي على مائة ألف درهم وأبقى بعدها أحمق. قيل لصوفي: على من تعول في معاشك؟ قال: على لطف من

نقلني إلى الوجود من العدم، وتولاني في اليقظة والحلم. كان أيمن بن خريم الأسدي مكيناً عند معاوية، وكان يكثر ذكر الجماع، وكان معاوية قد ضعف، فقال له يوماً: ما بقي من طعامك وشرابك وقوتك يا أيمن؟ فقال: آكل الجفنة الكثيرة الودك والعراق، وأشرب الزكرة العظيمة ولا أنقع، وأركض المهر الأرن فأحضر، وأجامع من أول الليل إل السحر. قال: فساءه ذلك وقدح في نفسه، وذلك أن فاختة كانت تسمع من وراء حجاب، فجفاه معاوية، فشكا أيمن ذلك إلى امرأته فقال له: لعلك أذنبت ذنباً أو أشعث سراً، قال: لا بالله ما لي ذنب، قالت: صف ما أنت أحدث عهداً به معه، فأخبرها الخبر، فقالت: هذا الذي أغضبه عليك، قال: فأصلحي ما أفسدت، قالت: كفيتك؛ فأتت معاوية فوجدته جالساً للناس، فدخلت إلى فاختة فقالت: ما لك؟ قالت: جئت أستعدي على أيمن إلىمعاوية، قالت: وما ذاك؟ قالت: ما أدري رجل هو أو امرأة، وما كشف لي ثوباً منذ تزوجني، قالت: فأين قوله لمعاوية كذا وكذا؟ قالت: ذاك الباطل، فأقبل معاوية فقال: من هذه؟ قالت: هذه امرأة أيمن جاءت تشكوه، قال: وما لها؟ قالت: زعمت أنها لا تدري أرجل هو أو امرأة، وأنه ما كشف لها ثوباً منذ تزوجها، قال: أكذلك؟ قالت: نعم، فرق بيني وبينه، فرق الله بينه وبين روحه، قال: أو خير من ذلك ابن عمك وقد صبرت عليه دهراً، فأبت، فلم يزل معاوية يطلب إليها حتى أسمحت،

فأعطاها وأحسن إليها؛ ثم إن أيمن دخل على معاوية فأنشده: المتقارب لقيت من الغانيات العجابا ... لو أدرك مني العذارى الشبابا يرضن بكل عصا رائض ... ويصبحن كل غداة صعابا إذا لم تنلهن من ذاك ذاك ... بغينك عند الأمير الكذابا إذا لم يخالطن كل الخلاط ... أصبحن مخرنطمات غضابا يميت العتاب خلاط النساء ... ويحيي اجتناب الخلاط العتابا قال خالد لبلال بن أبي بردة في كلام جرى: إن من سبقته فقد فته، وإن من سبقك فقد فاتك، فقال له بلال: فإنك قد سبقك أجلك أفتفوته؟ وقد سبقك رزقك أفيفوتك؟ فأفحم خالد. قال المدائني: كان الحجاج حسوداً لا ينسى صنيعة إلا أفسدها، فلما وجه عمارة بن تميم اللخمي إلى ابن الأشعث وعاد بالفتح حسده، فعرف ذلك عمارة وكره منافرته، وكان عاقلاً رفيقاً، فظل يقول: أصل الله الأمير، أنت أشرف العرب، من شرفته شرف، ومن صغرته صغر، وبابن الأشعث وخلعه؛ حتى استوفد عبد الملك الحجاج وسار عمارة معه يلاطفه ولا يكاشفه، وقدموا على عبد الملك، وقامت الخطباء بين يدي عبد الملك في أمر الفتح، فقام

عمارة فقال: يا أمير المؤمنين، لقد أظهر الطاعة وأبلى الجميل وأظهر البأس من أيمن الناس نقيبة، وأعفهم سريرة؛ فلما بلغ آخر التقريظ قال عمارة: فلا رضي الله على الحجاج يا أمير المؤمنين ولا حفظه ولا عافاه، فهو الأخرق السيء التدبير الذي قد أفسد عليك العراق، وألب الناس عليك، وما أتيت إلا من خرقه وقلة عقله وفيالة رأيه وجهله بالسياسة، ولك يا أمير المؤمنين منه أمثالها إن لم تعزله، فقال الحجاج: مه يا عمارة، فقال: لامه ولا كرامة، يا أمير المؤمنين، كل امرأة لي طالق وكل مملوك لي حر إن سرت تحت راية الحجاج أبداً، فقال عبد الملك: ما عندنا شيء أوسع لك؛ فلما انصرف عمارة إلى منزله أرسل إليه الحجاج: إني لأظن شيئاً أخرجك إلى هذه المعتبة، فانصرف فلك عندي العتبى، فأجاب عمارة: إني ما كنت أظن عقلك بلغ بك كل ما أرى، أأرجع إليك بعد أن قلت لك عند أمير المؤمنين ما قلت؟ لا ولا كرامة. قال ثعلب في المجالسات: إذا قلت: هذا الجيش مقبلاً أردت الشخص. قال ثعلب، قال النضر بن شميل: سمعت أعرابياً حجازياً باع بعيره يقول: أبيعكه يشبع عرضاً وشعباً؛ والشاعب: البعير يهتضم الشجر من أعلاه، والعارض: الذي بيأكل من أعراضه. قال ثعلب: المؤوب مثل المعوب هو المقور المأخوذ من حافاته؛ أوب الأديم وقوره واحد.

وقال ثعلب، قال إسحاق الموصلي: حدثني شيخ من بني أمية قال، قال سعيد بن العاص: ما وصلت من ألجأته إلى أن ينتح كما ينتح الحميت، يعني يرشح، والحميت: النحي المربوب. قال، وذكر عن أبي صالح الفزاري أنه قال في وصف ناقة: إذا اكحالت عينها، وأللت أذنها وسجح خدها وهدل مشفرها وأستدارت جمجمتها فهي كريمة. قال ثعلب: مات أبو طالب وخديجة عليهما السلام في عام واحد وهو عام الهجرة، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحزن. وأنشد ثعلب: البسيط لا تسأل الناس عن مالي وكثرته ... قد يفقر المرء يوماً وهو محمود أمضي على سنة من والد سلفت ... وفي أرومته ما ينبت العود مطالب بتراث غير مدركه ... محسد والفتى ذو الفضل محسود قال ثعلب: الأقتماع: إدخال الرجل رأسه إلى داخل، والأختناث إخراج رأسه إلى خارج، ومنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن اختناث الأسقية.

قال ثعلب: وحدثني المأمون عن الزبير بن بكار قال: لما مات حرب بن أمية بالمدينة قالوا: واحرباه، ثم نقلوا فقالوا: واحرباه. أصحابنا لا يرون هذا حقاً لكني رويت كما وجدت. كتب الحسن بن وهب إلى الطائي الشاعر: أمتعني الله بما وفد علي من موافقتك، وبلوغ الوطر كل الوطر من انضمام إليك واجتماع بعينك زادك الله في النعمة بطول حياتك، وتراخي أيامك، وغفلة الدهر عنك، وعن حظي منك. كتابي بأبي أنت وأمي وطار في وتالدي، وكتابك في يدي، وفلان عندي، ونحن نصعد ونصوب في الشعر العجيب الذي أنفذته في درجه، وبيننا من ذكرك أطيب من روائح الرياض غب القطار، والحال سارة، والعافية شاملة، نحمد الله على النعمة، ونسأله حسن النماء والزيادة؛ وذكرت مشاركتك إياي في المصيبة، وما كان أحوجني حين طرقت الأيام بها أن تكون حاضراً فتربط قلباً، وتمسك صلباً، فإنها كانت حالاً وافت غريراً بها، شديد الغفلة عنها، حتى يكون كأنني لا أحسب الأيام على هذه الخليقة ولا الدهر على هذا العادة. فسبحان الله لهذا السهو الطويل، والتفريط الذي لا يشبه السفيه فضلاً عمن يجب أن يقال له عاقل حكيم، وإنا لله وإنا إليه راجعون؛ لا زالت أقدار السوء تسقط دونك، والردى يخطئك، وكلاءة الله تحضرك. قال أبو حازم الأعرج: والله ما أنت بسابق أجلك، ولا بالغ أملك، ولا مرزوق ما ليس لك. اشتكى عبد الرحمن بن زياد، فكتب إلى بكر بن عبد الله المزني يسأله أن يدعو له، فكتب إليه: حق لمن عمل ذنباً لا عذر له فيه، وخاف موتاً

لا بد له منه، أن يكون مشفقاً، وسأدعو لك، ولست أرجو أن يستجاب لي بقوة في عمل ولا براءة من ذنب، والسلام. قال ابن أبلي طاهر، حدثني حبيب، يعني أبا تمام قال، قال أعرابي: من جاد بماله فقد جاد بنفسه، إلا يكن جاد بها فقد جاد بقوامها. قال ابن أبي طاهر، وحدثني حبيب قال: حدثني شيخ من بني عدي بن عمرو قال: نزلت عندنا أحوية من طيء، فكنت أتحدث إلى فتى يتحدث إلى ابنة عم له وهو من أقرح الناس كبداً؛ قال: فسار فريقها الأدنى إلى الغور، وغبر في أهل بيته، فاشتد جزعه فقال: يا ابن عم، إن الصبر على المحبوب أشد من الصبر على المكروه. وقال آخر: كنا مع أبي علي وأبي هفان، فجعل أبو هفان يتنادر بشيء من ذكر الخرا، فقال أبو علي لسعيد بن حميد: يا أبا عثمان لا تلمه، فإن ذبابته لا تطن إلا عليه. وقال ابن أبي طاهر: رأيت أبا علي البصير وقد قام لعبيد الله بن يحيى فقال: يا أبا الحسن أراك الله في عدوك ما يعطفك عليه. قال إنسان لأبي علي، حسني: أنت منحرف عن أهل البيت،

وأنت ترى أنك ترفض، فقال أبو علي: والله ما أعيا عن جوابك، ولا أعمى عن مسابك، ولكني أكون لنسبك خيراً منك له. أنشد العتبي للنجاشي: الطويل وأحلف ما شتمي لكم إن شتمتكم ... بسر ولا مشيي لكم بدبيب ولا ودكم عندي بعلق مضنة ... ولا سخطكم عندي بجد مهيب كاتب: أما بعد، فإنه لا شيء أدل على مضمر جفاء، وقلة وفاء، من ترك الزيارة في المحضر، والمكاتبة في المغيب، وكل ذلك قد بدا لنا منك، فإن حملنا أمرك على سبيل الرأي، وسلكنا بك نهج الحزم، فقد صفرت أيدينا منك، وفقدناك من عدد إخوانك، وإن سامحنا فيك الهوى واتبعناه، وجرينا في عنانه وأطعناه، فعن قليل يصيرؤ الظن إيقاناً، والشك عرفاناً. قال أعرابي: من هزل جواده في الرخاء قام به في الشدة؛ يقال: هزل غيره وهزل هو، وأهزل إذا هزلت ماشيته، والهزل منه، كأنه كلام غث ليس بسمين. وأنشد: الوافر لعمرك لم أبح لهم بسر ... جعلت بحفظه صدري ضنينا ولكن رجموا ظنا فلما ... ذعرت لظنهم علموا يقينا ومن يرني نحيف الجسم أبكي ... بلا شك يظن بي الظنونا

قال ميمون بن مهران: الطالب في حيلة والمطلوب في غفلة، والناس منهما في شغل. قال بعض البلغاء: إذا كنت ذا لسان قوي وقلب ذكي تحسن بهما تفصيل ما يكره أن يفصل، وتبلغ بهما توصيل ما يجب أن يوصل، فاذكر الزلل، وما نسب إليه المتكلم من الخطأ والخطل، وكن حذراً كأنك غر، وفطناً كأنك غافل، وذاكراً كأنك ناس، والزم الصمت إلى أن يلزمك التكلم، فما أكثر من يندم إذا نطق، وأقل من يندم إذا سكت. شاعر: الكامل المجزوء روح فؤادك بالرضا ... ترجع إلى روح وطيب لا تيأسن وإن أل ... ح الدهر من فرج قريب كان محمد بن المنكدر يقول: اللهم قو فرجي لأهلي فإنه لا قوام لهم إلا به. أهدى فلان إلى إسماعيل الأعراج فالوذجة زنخة وكتب: إني اخترت لعملها جيد السكر السوسي، والعسل الماذي، والزعفران الأصفهاني.

فأجابه: برئت من الله إن لم تكن قد عملت هذه الفالوذجة قبل أن تمصر أصفهان، وقبل أن تفتح السوس، وقبل أن يوحي ربك إلى النحل. سئل الشعبي عن مسألة فقال: لا علم لي بها، فقالوا: ألا تستحي؟ فقال: ولم أستحي مما لم يستحي منه الملائكة حين قالت " لا علم لنا " البقرة: 32؟ قال ابن الأعرابي: ما لهذا الغناء يخرج من جلجلان القلب إلى قمع الأذن؟ ويقال: ضربت لهذا الأمر حيزومي، أي عرفته وصبرت نفسي عليه. يقال: فسكلت في كلامك إذا لحنت. ويقال: فلان معصور منصور إذا كان للنعمة عليه آية وأثر. ويقال: جمعت هذا المال من عسي وبسي؛ العس: الاحتيال، والبس: بلوغ الجهد.

ويقال: سمعت بذلك ولا أناث الآن مغيبه ومغتابه؛ وكان فلان ثمالاً أي مغتاباً. قال إبراهيم بن شكلة: أفضل المغنين من رق صوته، وأطرب سماعه، ودام صوابه، وحسنت أداته. وأفضل الغناء ما كان في وصف شجى، أو تذكر سكن، أو نعت شوق، أو شكوى فراق، وأفضل النزهة وجه سماء، وصفوة هواء، وغدير ماء، وخضرة كلاء، وسعة فضاء. قال فيلسوف: العاقل لا يتفل في بئر يشرب منها، والبار لا يلعن الصلب الذي خرج من متنه، والشاكر من لا يشتم الرحم التي اشتملت عليه. قيل للحسين بن علي رضي الله عنهما: ما الكرم؟ قال: التبرع بالمعروف، والإعطاء قبل السؤال، والإطعام في المحل. قال المغيرة بن شعبة: الرجال أربعة، والنساء أربع: فإذا كان الرجل مذكراً والمرأة مذكرة كابدا العيش؛ وإذا كان الرجل مؤنثاً والمرأة مذكرة كان الرجل هو المرأة والمرأة هي الرجل؛ وإذا كان الرجل مؤنثاً والمرأة مؤنثة ماتا هزلاً؛ وإذا كان الرجل مذكراً والمرأة مؤنثة طاب العيش.

شاعر: البسيط اليأس أبقى لماء الوجه من طمع ... والصبر أفضل في المكروه من جزع ولست مدرك شيء أنت طالبه ... إن كان شيئاً به الأقدار لم تقع قال الأحنف: لم تزل العرب تستخف بأبناء الإماء حتى لحق هؤلاء الثلاثة: علي بن الحسين، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، فاستقل بنو الإماء ولحقوا بهم. قيل لصوفي: ما صناعتك؟ قال: حسن الظن بالله وسوء الظن بالناس. قال دغفل البكري: حمى النعمان ظهر الكوفة، قال: ومن ثم قيل: شقائق النعمان، فخرج النعمان يسير في ذلك الظهر فإذا هو بشيخ يخصف نعلاً فقال: ما أولجك ها هنا؟ قال: طرد النعمان الرعاء فأخذوا يميناً وشمالاً، فانتهيت إلى هذه الوهدة في خلاء من الأرض، فنتجت الإبل وولدت الغنم

وامتلأت بالسمن، والنعمان ممعتم لا يعرفه الرجل، قال: أو ما تخاف النعمان؟ قال: وما أخاف منه؟ لربما لمست بيدي هذه عانة أمه وسرتها فأجد كأنه أرنب جاثم، فهاج غضباً وسفر عن وجهه فإذا خرزات الملك، فلما رآه الشيخ قال: أبيت اللعن، لا تر أنك ظفرت بشيء، قد علمت العرب أنه ليس بين لابتيها أكذب مني، فضحك النعمان ومضى. أتي زياد بن عبيد الله الحارثي وهو أمير المدينة بسلال خبيص هدية، فظن أنها فاكهة رطبة فقال: ضعوها وآدعوا مساكين المسجد، فلما جيء بهم وفتحت السلال إذا فيها الخبيص اليابس مما يبقى، فلم تسمح به نفسه فقال: اذهبوا بهؤلاء إلى السجن، قالوا: ولم أصلح الله الأمير؟ قال: لأنكم تقيلون في المسجد وتصلون بغير وضوء، قالوا: فإنا نحلف ألا ندخل المسجد أبداً. قال صبي لمعلم يستفتحه: " إن أبي يدعوك " القصص: 25، فقال المعلم: هاتوا نعلي، قال الغلام: إنما أستفتحك، قال المعلم: أنكرت أن يفلح أبوك الكشخان.

يقال: من حكمة لقمان أنه كان مع مولاه حتى دخل الخلاء فأطال فيه الجلوس، فناداه لقمان: إن طول الجلوس على الحاجة تتوجع منه الكبد، ويكون منه الداء، ويصعد منه الحر إلى الرأس، فأجلس هوينا وأخرج هوينا، قال: فخرج مولاه وكتب كلماته على باب المخرج. وأنشد: البسيط يزين الشعر أفواهاً إذا نطقت ... بالشعر يوماً وقد يزري بأفواه والمرء يرزق لا من حسن حيلته ... ويصرف الرزق عن ذي الحيلة الداهي لا شيمتي تجتوى يوماً ولا خلقي ... وليس حبلي لمن صافيت بالواهي ما مسني من غنى يوماً ولا عدم ... إلا وقولي عليه: الحمد لله فصل للجاحظ: وقد صرت أهابك لفضل هيبتي له، واجترىء عليك بفرط بسطك، فمعي في ذلك حرص الممنوع، وخوف المشفق، وأمن الواثق، وقناعة الراضي، وبعد فما طلب ما لا يجاد به، وسأل ما لا يوهب مثله، ممن يجود بكل ثمين، ويهب كل خطير، فواجب أن تكون من الرد مشفقاً، وبالنجح موقناً. نظر مخنث إلى مسجد لطيف نظيف فقال لآخر: أما ترى هذا المسجد ما أملحه، ولا يصلح والله إلا أن يحمل في السفر.

قال ثعلب، حدثنا أبو العالية قال: مر قوم من بني سليم برجل من مزينة يقال له نضلة، في إبل له، فاستسقوه لبناً فسقاهم، فلما رأوا أنه ليس في الإبل غيره ازدروه فأرادوا أن يستاقوها، فجالدهم حتى قتل منهم رجلاً وأجلى الباقين عن الإبل، فقال في ذلك رجل من بني سليم: الوافر ألم تسأل فوارس من سليم ... بنضلة وهو موتور مشيح رأوه فازدروه وهو خرق ... وينفع أهله الرجل القبيح فشد عليهم بالسيف صلتاً ... كما عض الشبا الفرس الجموح وأطلق غل صاحبه وأردى ... قتيلاً منهم ونجا جريح ولم يخشوا مصالته عليهم ... وتحت الرغوة اللبن الصريح نظر مخنث إلى رجل يتبختر من ولد أبي موسى فقال: انظروا إلى من خدع أباه عمرو بن العاص. قال أبو هفان، حدثني محمد بن حرب قال: دخلت على العتابي في منزله فإذا هو قاعد على مصلاه بلا تكأة وبين يديه شراب في إناء، وكلب

رابض في الفناء، وإذا هو يشرب كأساً ويولغه أخرى، فقلت له: سبحان الله، أنت في نبلك وهذا فعلك؟! قال: إنه يكف عني أذاه، ويمنعني أذى سواه، ويشكر قليلي، ويحفظ مبيتي ومقيلي، قال: فوصفه على البديهة بصفة لو كان غيري لتمنى أن يكون كلباً ليدخل في حسن جملة تلك الصفة. قالت امرأة لحمصي كان تزوجها: يا أفطس يا كشخان؛ فسجد لله تعالى وقال: إن كنت صادقة فواحدة من الله تعالى والأخرى منك. رأى أبو القمقام الهلال على وجه بصرية فقال لها: أضحكي في وجهي وخذي هذا الدينار مني، فاستظرفته وأخذت الدينار عبثاً، فقال: قد تفاءلت بوجهك فما لي عندك؟ قالت: أرد دينارك، قال: هذا كما كنا، فأين حلاوة الفأل وصدقه، فأعطته ديناراً، فقال: التجارة بركة والخديعة غنى. لبعض المازنيين: الكامل ختم الإله على لسان عذافر ... ختماً فليس على الكلام بقادر وإذا أراد النطق خلت لسانه ... لحماً يحركه لصقر نافر رأى يحيى بن أكثم غلاماً أمرد حسن الوجه في دار المأمون

فقال: " لولا أنتم لكنا مؤمنين " سبأ: 31، فرفع إلى المأمون فعاتبه فقال: يا أمير المؤمنين، كان انتهى درسي إلى ذلك الموضع؛ فضحك منه. قال أحمد بن أبي خالد: دخلت على المأمون وهو قاعد يصفي نبيذاً، فبادرت لأتولى ذلك فقال: مه! أنا أجد من يكفيني هذا، ولكن مجراه على كبدي فأحببت أن أتولاه بيدي. قال عبيد الله بن زياد: نعم الشيء الإمارة لولا قعقعة البريد وتشزن المنبر. قال الحسن رحمه الله: نعم الله أكثر من أن تشكر إلا ما أعان الله عليه، وذنوب بني آدم أكثر من أن تسلم إلا ما عفا عنه. شاعر: الكامل نشرت غدائر شعرها لتظاني ... حذر العداة من العيون الرمق فكأنها وكأنني وكأنه ... قمران باتا تحت ليل مطبق كاتب: أفضل القول ما كان سداداً، وأفضل العقل ما كان رشاداً.

قال فيلسوف: الكلام فيما يعنيك خير من السكوت عما يضرك، والسكوت عما يضرك خير من الكلام فيما لا يعنيك. دخل قوم منزل عابد فلم يجدوا شيئاً يقعدون عليه، فلما تولوا قال لهم: لو كانت دار مقام لاتخذنا لها أثاثاً. قال كليلة: قد تصل النصال إل الجوف فتستخرج وتندمل جراحها، والقول إذا وصل إلى القلب لم يستخرج. قال شبيب الخارجي: الليل يكفل الجبان ويصف الشجاع. قال المأمون لطاهر بن الحسين: يا أبا الطيب، صف لي أخلاق أخي محمد، قال: كان واسع الطرب، ضيق الأدب، فقال: كيف كانت حروبه؟ قال: كان يجمع الكتائب بالتبذير، ويفضها بسوء التدبير، قال: كيف كنتم له؟ قال: كنا أسداً تبيت وفي أشداقها علق الناكثين، وتصبح وفي صدورها قلوب المارقين.

شاعر: الطويل فكم من أخي عقل ولب ومحتد ... تراه أخا جهد وبؤس يكالبه وآخر لا يدري من العي والعمى ... من أين تهب الريح تصفو مشاربه قال بعض السلف: لا يجاهد الطالب جهاد المغالب، ولا يتكل على القدر اتكال المستسلم، فإن ابتغاء الفضل من السنة، والإجمال في الطلب من العفة، وليست العفة بدافعة رزقاً، ولا الحرص بجالب فضلاً. سئل ابن الأعرابي عن قولهم: فلان شديد العارضة، قال: منيع الجانب لا مطمع فيه. قال ابن هبيرة لخالد القسري: فررت فرار العبد يا أبا المثنى، قال: نعم، حيث نمت نومة الأمة عن عجينها يا أبا الهيثم. شاعر: الطويل ذممت ولم تحمد وأدركت حاجتي ... ونال سواكم أجرها وأصطناعها أبى لك فعل الخير رأي مقصر ... ونفس أضاق الله بالخير باعها إذا هي حثته على الخير مرة ... عصاها وإن همت بسوء أطاعها

قال بعض الفرس: الناس أربعة: أسد وذئب وثعلب وضأن. فأما الأسد فالملوك يفرسون ويأكلون، وأما الذئب فالتجار، وأما الثعلب فالقوم المخادعون، وأما الضأن فالمؤمن ينهشه من رآه. مدح أعرابي رجلاً فقال: هو أصح بصراً من العقاب، وأيقظ عيناً من الغراب، وأصدق حساً من الأعراب. يقال: ثلاثة لم يمن بها أحد فسلم: صحبة السلطان، وإفشاء السر إلى النساء، وشرب السم في التجربة. قال أعرابي لامرأته: أقام الله ناعيك، وأشمت بك أعاديك. ذكر رجل عند أعرابي بشدة العبادة فقال: هذا والله رجل سوء، يظن أن الله عز وجل لا يرحمه حتى يعذ نفسه هذا التعذيب؟! قال أعرابي: من خولك نفسه، وملكك خدمته، وتخيرك لزمانه، وجب حقه وذمامه. كان يقال: إنما يعد البخيل من يقرض إلى ميسرة. يقال: الغالب بالشر مغلوب، وما ظفر من ظفر به الأثم. ويقال: لكل شيء فحل، وفحل العقل مجالسة الناس.

قال مكحول في مرضه الذي قضى فيه: اللحاق بمن يرجى عفوه، خير من البقاء مع من لا يؤمن شره. قال فيلسوف: الشكر محتاج إلى القبول، والحسب محتاج إلى الأدب، والسرور محتاج إلى الأمن، والقرابة محتاجة إلى المودة، والمعرفة محتاجة إلى التجارب، والشرف محتاج إلى التواضع، والنجدة محتاجة إلى الجد. دعبل: الكامل تمت مقابح وجهه فكأنه ... طلل تحمل ساكنوه فأوحشا لو كان بأستك ضيق كفك أو لكف ... ك رحب دبرك كنت أكرم من مشى كان معلم يقعد أبناء المياسير في الظل، وأبناء الفقراء في الشمس، ويقول: يا أهل الجنة، أبزقوا على أهل النار. خاصم رجل امرأته إلى زياد، فشدد على الرجل، فقال: أصلح الله الأمير، إن خير نصفي الرجل آخرهما، يذهب جهله ويثوب حلمه

ويجتمع رأيه، وشر نصفي المرأة آخرهما، لسوء خلقها وحدة لسانها ولعقم رحمها، فقال: أسفع بيدها. أنشد: الرمل رب قوم غبروا من عيشهم ... في نعيم وسرور وغدق سكت الدهر زماناً عنهم ... ثم أبكاهم دماً حين نطق قال العباس بن الحسن العلوي: أعلم أن رأيك لا يسع كل شيء ففرغه للمهم من أمورك، وأن مالك لا يغني الناس كلهم فاخصص به أهل الحق، وأن أكرامتك لا تطيق العامة فتوخ بها أهل الفضل، وأن ليلك ونهارك لا يستوعبان حوائجك فأحسن قسمتهما بين عملك ودعتك. قالت الخنساء: النساء يحببن من الرجال المنظراني الغليظ القصرة، العظيم الكمرة، الذي إذا طعن حفر، وإذا أخطأ قشر، وإذا أخرج عقر.

لابن المكاري في ابن طاهر: الكامل يا أيها الملك الذي في كفه ... صرف الزمان وصولة الحدثان هل كنت إلا البحر صادف لجة ... فجرى بطوفان على طوفان ولأنت أثقل إن وزنت من الورى ... من أن يقوم بعدلك الثقلان أنشد: الطويل وكأس سبتها التجر من أرض بابل ... كرقة ماء الدمع في الأعين النجل إذا شجها الساقي حسبت حبابها ... عيون الدبا من تحت أجنحة النحل نظر بعض الأعاجم إلى شيبة في عارضه فقال لنسائه: أندبنني إذ مات بعضي لأعرف كيف تندبنني إذا مات كلي. قال فيلسوف: أربع خصال يهدمن البدن: دخول الحمام على البطنة، والجماع على الشبع، وأكل القديد الجاف، وشرب الماء البارد على الريق. قال أعرابي في امرأة: خلوت بها والقمر يرينيها فلما غاب أرتنيه.

قال بعض الرافضة، قال جعفر بن محمد رضي الله عنهما: يوم السبت يوم مكر وخداع، ويوم الأحد يوم عرس وبناء، ويوم الأثنين يوم سفر وابتغاء رزق، ويوم الثلاثاء يوم حرب ودم، ويوم الأربعاء يوم أخذ وإعطاء، ويوم الخميس يوم دخول على الأمراء وطلب الحوائج، ويوم الجمعة يوم خلوة ونكاح. قيل لرجل كانت امرأته تشاره: أما أحد يصلح بينكما؟ فقال: لا، قد مات الذي كان يصلح بيننا، يعني أيره. أنشد: البسيط باتوا على قلل الأجبال تحرسهم ... غلب الرجال فلم تمنعهم القلل وأستنزلوا بعد عز من معاقلهم ... وأنزلوا حفراً يا بئس ما نزلوا ناداهم صائح من بعد دفنهم ... أين الأسرة والتيجان والحلل أين الوجوه التي كانت محجبة ... من دونها تضرب الأستار والكلل فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم ... تلك الوجوه عليها الدود يقتتل قد طال ما أكلوا فيها وما نعموا ... فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا يقال: أعجب الأشياء بديهة أمن وردت في مقام خوف. قال إسحاق: وجد علي الفضل بن الربيع في غيبة غبتها عنه

فهجرني أياماً فكتبت إليه: إن لكل ذنب عفواً أو عقوبة، فذنوب الخاصة عندك مستورة مغفورة، فأما مثلي من العامة فذنبه لا يغفر، وكسره لا يجبر، فإن كان لا بد من عقوبة فعاقبني بإعراض لا يؤدي إلى مقت. كاتب: أما بعد فإن جميل الأخلاق وإن كان لا مرجوع له أفضل من ذميم الأخلاق وإن تعجل الأستمتاع به، فلا يمنعنك من فعال العرف تخوف من كفره، ولا من النصح جهل من نصحت له، فإن أقل ما في ذلك اللحاق بأهل الفضل وإحراز العرض من الذم، ولعلهما يجمعان لك. قالت الحكماء: من أكثر من وعي الحكمة أوشك أن ينطق بها. قال معاوية: معروف زماننا هذا منكر زمان قد مضى، ومنكر زماننا هذا معروف زمان يأتي. وكتب الأحنف إلى آخر: أما بعد فافرغ من جهادك، وزم زادك، وكن وصي نفسك، ولا تجعل الرجال أوصياءك. قال أعرابي: الصمت أجلب للمودة، وأعمل فيالمهابة، وأزيد في الصيانة، وأبقى للجسد. بصق عبد الملكبن مروان فقصر فوقع بصاقه فوق البساط،

فقام رجل يمسحه بثوبه، فقال عبد الملك: أربعة لا يستحيى من خدمتهم: السلطان والوالد والضيف والدابة، وأمر للرجل بصلة. قال العتابي: إذا نزلت من الوالي بمنزلة الثقة فاعزل عنه كلام الملق، ولا تكثر له من الدعاء في كل كلمة، فإن ذلك يشبه الوحشة، وعظمه ووقره عند الناس. سمع أعرابي رجلاً يقع في السلطان فقال: ويحك، إنك غفل لم تسمك التجارب، وفي النصح لدغ العقارب، وكأنني بالضاحك إليك باك عليك. عزى عطاء بن أبي صيفي يزيد: رزئت خليفة الله وأعطيت خلافة الله؛ قضى معاوية نحبه، فغفر الله عز وجل له ذنبه، وأعطيت بعده الرياسة ومنحت السياسة، فاحتسب عظيم الرزية، واشكر على حسن العطية. عزى محمد بن الوليد بن عتبة عمر بن عبد العزيز رحمه الله على ابنه عبد الملك فقال عمر: هل رأيت حزناً وغفلة؟ قال: يا أمير المؤمنين، لو أن رجلاً ترك تعزية رجل لعلمه وتيقظه لكنت ذاك، ولكن الله عز وجل قضى أن الذكرى تنفع المؤمنين.

قال شعيب بن الحبحاب: الحزن ينضو كما ينضو الخضاب، ولو بقي الحزن على أحد لقتله. وعزى رجل سليمان بن عبد الملك فقال: يا أمير المؤمنين، إن رأيت أن تجعل أول أمرك كآخره فافعل؛ فكان ذلك مما سكن منه. هرب الربيع بن العلاء التيمي من الطاعون وهو أبو اثني عشر ولداً، فماتوا جميعاً فقال يرثيهم: الوافر دفنت الدافعين الضيم عني ... برابية مجاورة سناما أقول إذا ذكرتهم جميعاً ... بنفسي تلك أصداء وهاما فلم أر مثلهم هلكوا جميعاً ... ولم أر مثل هذا العام عاما قيل لمديني: ما عندك من آلة الصيدة؟ قال: الماء. ضجر أعرابي من كثرة العيال، وبلغه أن الوباء بخيبر شديد، فخرج إليها بعياله يعرضهم للموت وقال: الرجز قلت لحمى خيبر: استعدي ... هاك عيالي فاجهدي وجدي وباكري بصالب وورد ... أعانك الله على ذا الجند

فأخذته الحمى فمات وبقي عياله. نزل النعمان برابية فقال له رجل: أبيت اللعن، لو ذبح رجل، أي موضع كان يبلغ دمه من هذه الرابية؟ قال: المذبوح والله أنت، ولأنظرن إلى أين يبلغ دمك، فقال رجل ممن حضر: رب كلمة تقول لقائلها: دعني. لابن الجهم: الكامل فارقتكم وحييت بعدكم ... ما هكذا كان الذي يجب إني لألقى الناس معتذراً ... من أن أعيش وأنتم غيب أو لم طفيلي على ابنته فأتاه كل طفيلي، فلما رآهم عرفهم ورحب بهم، ثم أدخلهم فرقاهم إلى غرفة بسلم ثم أخذ السلم حتى فرغ من إطعام الناس، فلما لم يبق أحد أنزلهم وأخرجهم. قال غسان قاضي الكوفة: قرأت على باب نوبهار ببلخ مكتوباً: قال بيوراسف: أبواب الملوك تحتاج إلى ثلاث: إلى عقل وصبر ومال. وأسفل منه: كذب بيوراسف العاض بظر أمه، فإن الواجب على الحر إذا كان معه واحد منها ألا يلزم السلطان. قال بعض النساك: لا تصافين من لا شعر في عارضيه ولو كانت الدنيا خراباً إلا منه.

أنشد: الكامل إن الرجال إذا اختبرت طباعهم ... ألفيتهم شتى على الأخبار لا تعجلن إلى شريعة مورد ... حتى تبين خطة الإصدار قال بعض الزهاد: قد أعياني أن أنزل على رجل يعلم أني لست آكل من رزقه شيئاً. كان الحكم بن المطلب من أبر الناس بأبيه، وكان أبوه يحب ابنه حارثاً حباً مفرطاً، وكان بالمدينة جارية مشهورة بالجمال، فاشتراها الحكم بمال جليل، فقال له أهلها: دعها عندنا حتى نصلح من أمرنا ونزفها إليك، فتركها حتى يجهزوها ويزفوها، وتهيأ الحكم بأجمل ثيابه وتطيب وأنطلق إلى أبيه ليراه، فدخل عليه وعنده ابنه الحارث، فلما رآه أبوه أقبل عليه فقال: إن لي إليك حاجة، قال: يا أبة، إنما أنا عبدك فمرني بما أحببت، قال: هب لي هذه الجارية للحارث أخيك، وأعطه ثيابك هذه التي عليك، ودعه يدخل عليها فإني لا أشك أن نفسه تاقت إليها، فقال الحارث: لم تكدر على أخي لذته، وتفسد علي قلبه؟ وذهب ليحلف، فبدر الحكم فقال: هي حرة لوجه الله تعالى إن لم تفعل ما أمرك أبي، فإن طاعتي له أسر إلي من الجارية، وخلع ثيابه وألبسه إياها وأنفذها إليه، ثم إن الحكم تخلى من الدنيا ولزم الثغور حتى مات بمنبج.

مزرد: الطويل ولما غدت أمي تزور بناتها ... أغرت على العكم الذي كنت أمنع لبكت بصاعي حنطة صاع عجوة ... إلى صاع سمن فوقه يتريع ودبلت أمثال الأثافي كأنها ... رؤوس نقاد قطعت يوم تجمع وقلت لبطني أبشري اليوم إنه ... حمى أمنا مما تحوز وتجمع فإن كنت مصفوراً فهذا دواؤه ... وإن كنت غرثاناً فذا يوم تشبع يقال: قعرت البحر: بلغت قعره، وقعرت الإناء: شربت ما فيه، وأقعرته: جعلت له قعراً. ويقال: خرج به خراج ولا يقال: عليه. يقال: استعرض من شيت فسله.

يقال: النقب في خفي البعير، والحفا في رجليه. قال أبو عمرو بن العلاء: خرجنا حجاجاً، واكترينا من رجل، فجعل يرتجز في طريقه إذ حدا بنا ولا يزيد على قوله: الرجز يا ليت شعري هل بغت عليه فلما انصرفنا من مكة قالها في بعض الطريق، فأجابه صوت في الظلمة: الرجز نعم نعم وناكها حجيه ... أحمر ضخم في قفاه كيه فأسكت الرجل، فلما صرنا إلى البصرة أخبرنا قال: دخل علي جيراني يسلمون، وإذا فيهم رجل ضخم أحمر، قلت لأهلي: من هذا؟ قالوا: رجل كان ألطف جيراننا بنا وأحسنهم تعهداً بنا فجزاه الله خيراً؛ فلما ولى إذا أثر كي في قفاه، فقلت للمرأة: ما أسمه؟ قالت: حجية، قلت: الحقي بأهلك فقد أتاني خبر حجية. اشتهت امرأة مزبد عليه الجراد فسأل عن سعره فقيل: المد بدرهم، فقال: والله لو كان الدجال ينزل المدينة وأنت ماخض بالمسيح ما اشتريته لك بهذا السعر. جاءت امرأة أبا اعطوف القاضي برجل فقالت: إن هذا افتض ابنتي، فقال للرجل: أفعلت؟ قال: نعم، قال: ولم؟ قال: لاعبتني آمرة مطاعة فقمرتني، فأدخلت في أستي دستة الهاون، ولاعبتها فقمرتها ونكتها،

فقال أبو العطوف: يا هذه، إن الذي أدخلت ابنتك في است هذا أشد مما أدخل هذا في أست ابنتك. قال الأصمعي: قلت لأعرابي كنت أعرفه بالكذب: أصدقت قط؟ قال: لولا أني أصدق في هذا لقلت: لا. كان أبو حازم يمر في المقابر ويقول: يا أهل المقابر، أصبحتم نادمين على ما خلفتم، وأصبحنا نقتتل على ما أصبحتم عليه نادمين، فما أعجبنا وإياكم. أنشد أحمد بن الطيب في رسالته التي يسميها مراح الروح: الطويل لعمرك إن العز للمرء جده ... وأغنى لمستغن عن الناس كده وقل الذي يرعاك إلا لنفسه ... وللنفع من بعد الصديق يعده وليس الفقير للغني بصاحب ... وهيهات لا يستصحب الشيء ضده فلا تتصل إلا بمن أنت شكله ... فحسبك من سي يداه وحده إذا شرهت نفسي إلى ذل مطمع ... شفاها من اليأس المصرح رده ولكنما الدنيا إذا جد صاحب ... تصعد لم يحفل بمن حط جده لعمرك إن العبد للقرع بالعصا ... وللحر تغليظ الحجاب ورده قال أحمد بن الطيب: العصبية كما قال رجل من الأفاضل هي أن يرى الرجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين.

وأنشد أحمد أيضاً لصالح بن عبد القدوس: الطويل لئن كنت محتاجاً إلى الحلم إنني ... إلى الجهل في بعض الأحايين أحوج ولي فرس للحلم بالحلم ملجم ... ولي فرس للجهل بالجهل مسرج فمن شاء تقويمي فإني مقوم ... ومن شاء تعويجي فإني معوج وما كنت أرضى الشر خدناً وصاحباً ... ولكنني أرضى به حين أحرج فإن قال بعض الناس فيه سماجة ... فقد صدقوا والذل بالحر أسمج قال السيرافي: فإني مقوم، فإني معوج: بالكسر، واستدرك عليه. قال بعض أصحابنا: بت ليلة بالبصرة مع جماعة من المسجديين، فلما حان وقت السحر حركهم واحد فقال: كم هذا النوم عن أعراض الناس؟ وأنشد أحمد: الكامل وضغائن داويتها بضغائن ... حتى يمتن وبالحقود حقودا وعلى ذكر الحقد فممن اعترف بالحقد حتى صيره من أخلاق

الأشراف: عبد الملك بن صالح؛ فإن يحيى بن خالد أو أحد ابنيه الفضل أو جعفر، قال له: أظنك حقوداً، فقال: إن كنت تريد بقولك حقوداً إن للخير من نفسي مكاناً يقتضي الشكر والجزاء، وللشر مكاناً يقتضي الأمتعاض والإباء، فإن ذلك لدي وعندي؛ وإن كنت أردت اللقاء. قال: ومن الناس من يألف التمرغ في أعراض الناس؛ قيل لرجل من هذا الضرب: كنت دخلت إلى فلان زائراً ومستمنخاً، فما صنع؟ قال: منعني لذة الذم إذ برني ووصلني. قيل لمحمد بن واسع: ألا تتكىء؟ قال: تلك جلسة الآمنين. قال أبو عوانة: سأل رقبة بن مصقلة الأعمش عن حديث فلم يجبه، فقال له رقبة: يا أعمش، إنك ما علمت لسريع الملال، دائم القطوب، مستخف بحق الزوار، كأنما تسعط الخردل إذا سئلت الحكمة؛ ولكني أنزلك بمنزلة دواء السقيم، أتصبر عليه لما أرجو من منفعته، فإن إتيانك ذل، وتركك غبن. قال جراب الريح: جامع عمرو الخوزي امرأته يوماً بسجستان فقالت: إن القصار لا يقصر الثوب مرة ولكن مراراً، تستزيد النيك بهذا المثل، فقال لها: لو كنت تحتاجين إلى أن ينفخ حرك كما أحتاج إلى أن أنفخ أيري لعلمت

أن القصار لا يقصر أبداً. قيل لأعرابي: أتحب الريف؟ قال: لا، قيل: ولم؟ قال: الريف مبطنة. أنشد ثعلب في المجالسات لخارجة: البسيط ما تدلك الشمس إلا حذو منكبه ... في حومة حولها الهامات تبتدر آل الزبير بحور سيب أنملهم ... إذا دجا الليل في ظلمائه زهروا قال ثعلب: العرب تسمي السل داء إلياس، وهو إلياس بن مضر، كان أصابه السل. وقال ثعلب: الخزرج ريح الجنوب. وأنشد: البسيط تأتي أمور فلا تدري أعاجلها ... خير لنفسك أم ما فيه تأخير فاستقدر الله خيراً وأرضين به ... فبينما العسر إذ دارت مياسير

وبينما المرء في الأحياء مغتبط ... إذ صار في الرمس تعفوه الأعاصير يبكي عليه غريب ليس يعرفه ... وذو قرابته في الحي مسرور حتى كأن لم يكن إلا تذكره ... والدهر أيتما حال دهارير قال جراب الريح: مازح رجل عندنا بسجستان عمراً الخوزي فقال له: متى نكت يا عمرو؟ قال: سل امرأتك، فإني قد نسيت وهي أذكر له، فخجل. وسئل عن امرأته كيف هي وعن حسنها، قال: هي كباقة نرجس، رأسها أبيض، ووجهها أصفر، ورجلها خضراء؛ هكذا قال. وباع عمرو حماراً فرد عليه وقالوا: إنه أعشى لا يبصر بالليل، فقال: لم أعلم أنكم تريدونه للطلائع والسرايا بالليل، وإذا سافرت فحيث أدركك الليل فانزل وبت. قال المدائني: دخل أعرابي إلى معاوية ومعه ابنه، فدعاهما إلى الغداء، فكان ابن الأعرابي لا يمر بشيء إلا حطمه، فأمر معاوية أن يحجب الأأعرابي وابنه، فلم يزل الأعرابي يحتال حتى دخل فقال له معاوية: ما فعل التلقامة؟ قال: كظ به يا أمير المؤمنين ساعة خروجه من عندك، قال: قد رأيت ذاك مما يصنع، وعلمت أنه لا ينجو؛ وسهل إذن الأعرابي.

أنشد: الطويل أرى بصري في كل يوم وليلة ... يكل وخطوي عن مداهن يقصر ومن يصحب الأيام تسعين حجة ... يغيرنه والدهر لا يتغير لعمري لئن أمسيت أمشي مقيداً ... لما كنت أمشي مطلق القيد أكثر قال ثعلب: درع كأن قتيرها حدق الأفاعي، وحدق الجراد وحدق الأساود؛ ورأيت جمعاً مثل الحرجة، وهي جماعة من العضاه تجمع. قال، ويقال: تكلم بكلام كأنه القطر، لاستوائه، ونطق منطقاً مثل فوائق النبل. قال: شبوا ناراً مثل الفجر، يعني إيقادها ولهبها؛ ورأيت له معزى كأنها الحرة، ووجدت بالأرض عشباً كأنه الخروع، وأمترنا عجوة كأنها أنوف الزنج، أي هي فطس. قال ابن أبي طاهر، حدثني حبيب قال: حدثني بعض أصحابنا قال: مات ابن لأرطاة بن سهية فجزع عليه جزعاً شديداً كاد يذهب عقله، وكان مات فجأة، فلما كان الحول أتى قبره فبكى وأطال ثم قال: اغد يا ابن سلمى معنا، ثم أنشأ يقول: الطويل وقفت على قبر ابن سلمى فلم يكن ... وقوفي عليه غير مبكى ومجزع سوى الدهر فاعتب إنه غير معتب ... وفي غير من قد وارت الأرض فاطمع

هل أنت ابن سلمى إن نظرتك رائح ... مع الركب أو غاد غداة غد معي قال ثعلب، يقال: طعام شديد العلقمة إذا كان مراً. قيل لابنة الخس: ما أحسن شيء؟ قالت: ديمة على أثر ديمة، على عهاد غيرقديمة، قيل: فما أحد شيء؟ قالت: ضرس جائع، ألقى في معاء ضائع. قيل: فما أشفى شيء؟ قالت: قليل مني، من ابن عم حفي، على فراش وطي. عزى رجل الرشيد فقال: آجرك الله بالباقي، وأمتعك بالفاني، قال: ويحك ما تقول؟ وظن أنه غلط فقال: ألم تسمع ما يقول الله عز وجل " ما عندكم ينفذ وما عند الله باق " النحل: 96 فسري عنه. بعث الجنيد بن عبد الرحمن المري إلى خالد بن عبد الله

القسري بسبي من الهند، فجعل خالد يهب أهل البيت كما هو للرجل من قريش ومن وجوه الناس، حتى بقيت جارية منهن جميلة أراد أن يدخرها وعليها ثياب أرضها، فقال لأبي النجم: هل عندك فيها شيء حاضر وتأخذها الساعة، قال: نعم أصلحك الله، فقال العريان بن الهيثم النخعي: كذب والله ما يقدر على ذلك - وكان على شرطة خالد - حتى يروي فيه؛ فأنشأ أبو النجم يقول: الرجز علقت خوداً من بنات الزط ... ذات جهاز مضغط ملط رابي المجس جيد المحط ... كأنما قط على مقط إذا بدا منها الذي تغطي ... كأن تحت ثوبها المنعط شطاً رميت فوقه بشط ... لم ينز في البطن ولم ينحط فيه شفائي من أذى التمطي ... كهامة الشيخ اليماني الثط ثم أوما بيده إلى رأس العريان، فضحك خالد وقال للعريان: هل تراه يحتاج إلى أن يروي؟ فقال: لا والله، ولكنه ملعون ابن ملعون. لابن أبيض العلوي الأفطسي: الكامل وأنا ابن معتلج البطاح يضمني ... كالدر في أصداف بحر زاخر

ينشق عني ركنها ومقامها ... كالجفن يفتح عن سواد الناظر كجبالها شرفي ومثل سهولها ... خلقي ومثل ظبائهن مجاوري هذا والله كلام فاخر ومعنى عجيب وسلاسة حلوة. أنشد: الوافر لهم همم يجاورن الثريا ... وحال قد تعرقها الصروف جواد في مكارمه شجاع ... ولكن الثراء به قطوف وأنشد: السريع وحية في رأسها درة ... تسبح في بحر قصير المدى إذا تناءت فالعمى حاضر ... وإن بدت بان طريق الهدى يعني الفتيلة في المصباح؛ وأصحابنا يرون هذين البيتين غاية في الإصابة. خطب رجل امرأة فقالت: إن في تقززاً، وإني أخاف أن أرى منك بعض ما أتقزز منه فتنصرف نفسي عنك، فقال الرجل: أرجو أن لا تري ذلك، فتزوجها؛ فمكث أياماً ثم قعد معها يتغدى، فلما رفع الخوان تناول ما سقط من الطعام تحت الخوان فأكله، فنظرت إليه وقالت: أما كان يقنعك ما على ظهر الخوان حتى تلتقط ما تحته؟ قال: إنه بلغني أنه يزيد في القوة على النيك، فكانت بعد ذلك تغافله وتفتت له الخبز كما تفتت للفروج. يقال: ما البر وما البر أيضاً، وما التر وما الثر، وما الجر والحر والخر، وما الدر وما الذر وما الزر وما السر والشر، وما الصر والضر، وما الطر وما الغر، وما القر والكر، والمر والهر والأر، والعر؟

جواب هذه الكلمات يأتي من بعد، وإنما أتباعد قليلاً، وأتقارب قليلاً، وأذكر فصلاً نحوياً، وفصلاً كتابياً، وفصلاً كلامياً، وفصلاً فقهياً، وفصلاً فلسفياً، وفصلاً لغوياً، وفصلاً شعرياً، وأوشح ذلك كله بما احتمل من الأعتراض والبحث والتفسير لشيئين: أحدهما - وهو أكبرهما - أنك أيها القارىء إن تثبت على الكتاب، وتبرأ من الملالة، فستجد حرصاً على الأستكثار من العلم، وتنخدع للحكمة، وتصل إلى حظك بخفة المؤونة؛ والآخر: أني عرفت زماناً وحالاً لا يعينان على تقريب الباب في فن من الباب في فن آخر، وهذا عجز إلى الله أرفعه، وعليك أعرضه. قال ابن دريد عن أبي عثمان الأشنانداني عن التوزي عن أبي عبيدة، قال: ولم يقل رؤبة شعراً غير هذين البيتين: الوافر إذا ما الموت أقبل قبل قوم ... أكب الحظ وانتقص العديد أرانا لا يفيق الموت عنا ... كأن الموت إياناً يكيد آخر: الخفيف أيها الشامت المعير بالشي ... ب أقلن بالشباب افتخارا قد لبست الشباب غضاً جديداً ... فوجدت الشباب ثوباً معارا قال الكعبي: قال جعفر بن محمد بن حرب، سألت أبا الهذيل

عمن لم يقل من العامة: القرآن مخلوق، أيكفر؟ قال: لا، قلت: فإن قال: السماء ليست مخلوقة، أيكفر؟ قال: نعم، قلت: وما الفرق؟ قال: لأن الأول مختلف فيه والثاني مجمع عليه. هذا قول أبي الهذيل، وأرى المعتزلة في دهرنا يتسارعون إلى التكفير كتسارع الورد إلى المنهل، وما أدري ما يبعثهم على ذلك إلا سوء الرعة، وقلة المراقبة، وأكثرهم قذفاً لخصمه بالتكفير أعلقهم بأسباب الفسق والهتك، والله تعالى لهم، ولكل من سلك سبيلهم. قال الكعبي، قال محمد بن شبيب: المشبه كافر والمجبر ليس بكافر، لأن التشبيه غلط في صفات الله وفي نفسه، والجبر غلط في فعله. لو حرر الكلام على ابن شبيب لما انفك في التشبيه من مثل ما أحاله على الخصم، ولكن من ينظر في مذهبه بنفس عاشقة فيتخطى مساوية إما جهلاً بها أو متسمحاً فيها فينظر في مقالة خصمه بنفس قامعة مزيفة لقوله واختياره فيستخرج الدر. قال الكعبي، قال بعض الإباضية: ليس المنافق بريئاً من الشرك، وأحتج بقوله تعالى " لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء " النساء: 143. سئل بزرجمهر في نكبته عن حاله فقال: إني لما دفعت إلى

المحنة بالأقدار السالفة، والخفيات السماوية، إلى العقل الذي به يعتدل كل مزاج، وإليه يرجع كل علاج، فركب لي شربة أنا أتحساها وأتمزز بها؛ قيل له: عرفناها، قال: هي مركبة من أشياء: أولها أني قلت: القضاء والقدر لا بد من جريانه؛ والثاني أني قلت: إن لم أصبر فما أصنع؟ والثالث أني قلت: يجوز أن يكون أشد من هذا؛ والرابع أني قلت: لعل الفرج قريب وأنت لا تدري؛ قال، فقلت: أورثني هذا سكوناً، ووكل بي راحة، وعلى الله أعتمد في تمام المأمول. سمعت الشيخ المجتبى يقول: كان عندنا بالشام مجنون يستظرف حديثه، قال: رأيته يوماً وقد رفع رأسه إلى السماء وهو يقول: الناس كذا يعلمون، وهذياناً كثيراً، فقيل له: ما تقول ويحك؟ قال: أعاتب ربي، قيل له: فكذا تخاطب الله؟ قال: وما علمكم بمخاطبة الملوك؟ قيل له: فما قلت؟ قال، قلت: بدل ما خلقت مائة وجوعتهم كنت تخلق عشرة وتشبعهم. وهذا كلام مجنون لا يحاج فيما يقول، ولا يرد عليه ما يأتي به، وإنما يستطرف فقط لأنه يخرج منه ما لا يتوقع من مثله. وعلى هذا يتعجب من الصبي إذا أجاب وفطن وأهتدى وتكايس، ومن وهب الله له عقلاً، وكلفه الإقرار، وألزمه الأمر والنهي، فهو صحيح العقيدة، ثابت الأساس، وإنما يخرج بطبعه الذي بني على العجز، وعجن من الخور، وأسس للفناء، وعلى أن الله تعالى لا يخليه في هذه الصفات من ثواب كريم، ونعيم مقيم، في دار الرضوان؛ كفانا الله تعالى وساوس الصدور، وغمر أسرارنا بالمعرفة والخوف، إنه جواد كريم واحد أحد. قيل لراهب: ما لك إذا تكلمت بكينا، وإذا تكلم غيرك لم

نبك؟ فقال: ليس النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة. قال قاص بالمدينة في قصصه: ود إبليس أن لكل رجل منكم خمسين ألف درهم يطغى بها، فقال رجل من القوم: اللهم أعط إبليس سؤله فينا. قيل لجمين: ما فعلت مولاتكم فلانة؟ قال: ماتت، قال: فما ورثتموها؟ قال: العار، كفنها غيرنا. أنشد لمنصور بن باذان في عقبة: الكامل المجزوء قالوا يسود فقلت لا ... هم الفتى جمع الدراهم إن كنت تطمع أن تسو ... د ولا تنيل فأنت ظالم يبغي العلاء وماله ... أبداً من الآفات سالم وقصاعه مجلوة ... قد علقت منها التمائم قال رجل لشيخ بدوي: تمرنا أجود من تمركم، قال: تمرنا جرد فطس عراض كأنها ألسن الطير، تضع التمرة في شدقك فتجد حلاوتها في عنقك. وسمع قاص يقول: المؤمن قوته علقة، ومرقته سلفة،

وحذاؤه فلقة، ورداؤه خرقة. وأنشد: الطويل لكل كريم من ألائم قومه ... على كل حال حاسدون وكشح وأنشد في تشبيه ثلاثة أشياء بثلاثة أشياء: الخفيف شبه الغيث فيه والليث والبد ... ر بسمح ومحرب وجميل وأنشد لأعرابية: الرجز إن حريحي حسن مشقه يغلظه الصك فلا يرقه كأن من يصكه يزقه سئل بعض الأدباء عن قول الشاعر: الخفيف مرحباً بالذي إذا جاء جاء ال ... خير أو غاب غاب عن كل خير أهو مدح أم هجو؟ فأطرق ثم قال: هو مدح، فخطىء، وبيانه أنه هجو في بسط نظمه؛ قال: وذلك أن القائل عنى أنه يغيبه عن كل خير، جاء الخير أو غاب. وأنشد لأبي يعلى العلوي القزويني، وكان داهية، يقول في أخيه، وكان جلفاً: الوافر أبوك أبي وأنت أخي ولكن ... أبي قد كان يزرع في السباخ تجاريني فلا تجري كجريي ... وهل تجري البياذق كالرخاخ

وأنشد علي بن الحسين العلوي في أخيه: السريع مثلك لا يطعن في مثلي ... لأنني فوقك في الفضل لي فضل سني وغنائي الذي ... تعرفه في الجد والهزل حكى أبو سعيد السيرافي أنه دخل إلى مسجد ابن دريد ورجل ينشد: الوافر تغيرت البلاد ومن عليها ... فوجه الأرض مغبر قبيح تغير كل ذي طعم ولون ... وقل بشاشة الوجه المليح فقال أبو بكر: هذا والله عجب، أول من قال الشعر أقوى؛ قال، قلت: له مخرج في النحو إذا ترك الإقواء، قال: ما هو؟ قلت: وقل بشاشة الوجه الصبيح، بحذف التنوين وبنصب، والتنوين يراد، ويكون نصبه على مذهب التمييز؛ قال: فجمع أبو بكر نفسه مني وزاد في تكرمتي. حدثني بهذا الحديث بعض أصحابنا ولم أسمعه منه. أنشد لشاعر في البخر: الرمل المجزوء أنت لو جزت ببيت ... رض فيه المسك رضا وتنفست لقال الن ... اس فيه متوضا

وأنشد العلوي لنفسه في مثله: الرمل المجزوء أنا في موت صراح ... من فم كالمستراح طال نتني منه حتى ... خلت أني من سلاح لما خرج محمد بن عبد الله بن الحسن رضي الله عنهم على المنصور، رأى المنصور فيما يرى النائم كأنه قد صارع محمداً وأن محمداً قد صرعه وقعد على صدره، فأهمه ذلك وبقي واجماً، وجمع العابرين، فكل وقف، فسأل جد أبي العيناء فقال: إنك تغلبه وتظهر عليه، قال: وكيف؟ قال: لأنك كنت تحته والأرض لك، وكان من فوقك والسماء له، فسري عنه. قال بعض المجان: وقف مخنث في بعض العشيات يطلب من يشفيه مما به، فاجتاز به تركي وهو سكران ملتخ، فتعرض المخنث وهو في هيئة امرأة، فظنه التركي امرأة قد هويته، فاستجره، فلما حصلا في المنزل قال التركي بسكره: نامي يا بظراء، فنام المخنث على وجهه، فقال التركي: أيش هذا؟ قال: الله الله إن زوجي قد حلف ألا أنام إلا كذا، ومتى خالفته فأنا طالق، وليس في طلاقي فائدة، خذ شهوتك من ها هنا ودعني في حبال الرجل؛ قال: فأقحم عليه التركي ودفع بقوته، وبقي يتلمس بيده ما تحته، فوقعت كفه على أير المخنث فقال: هذا أيش؟ قال: هذا أيرك قد نفذ، فقال التركي: هذا وأبيك الشجاعة، أدخلت من ها هنا وأنفذت إلى ثم! فطار من الفرح وهو يظن أن أيره نفذ في جسمها.

قال أبو الهندي: تحرشت بشجاع فخرج يطردني كأنه سهم زالج، ثم سكت كأنه كفة، فرميته فانتظمت أنثاويه أخذاً ورأسه. قيل لبني الحارث: كيف تعملون؟ قالوا: كنا لا نبدأ أحداً بظلم، ولم نك بالكثير فتتخاذل، ولا بالقليل فنتواكل، وكنا نصبر بعد الناس بساعة. قال أبو عمرو بن العلاء، سمعت أعرابياً يقول: مكثت ثلاثاً لا أذوق فيهن شيئاً، فقلت: انعت لي، فقال: أما أول يوم فكان شهوة، وكان الثاني جوعاً، والثالث مرضاً. قال الأصمعي: حدثني شيخ عن رجل من الأعراب قال: مكثت ثلاثاً لا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى خوى رأسي فسمعت له دوياً، فلما أصابني الجهد دعوت الله تعالى، وإذا دعا الله العبد بقلب صادق كانت معه من الله عين بصيرة، فأتيت جفراً فيه ذئبان فرميتهما فأصبتهما، ثم أتيت جفراً آخر فيه ماء فاستقيت، ثم رجعت وهما على مهيديتيهما وإذا لهما نخفة يعني شبه الزفير، فأكلت وادهنت.

للبرقعي: الوافر ألا لله ما صنعت برأسي ... صروف الدهر والحقب الخوالي تركن مفارقي سطراً بياضاً ... وسطراً للسواد من النزال فما جاشت لطول الأنس نفسي ... علي ولا بكت لذهاب مالي ولم أخضع لريب الدهر يوماً ... ولم أستخذ للأمر العضال ولكني لدى اللزبات آوي ... إلى قلب أشد من الجبال وأصبر للشدائد والرزايا ... وأعلم أنها محن الرجال وأن وراءها خفضاً وعيشاً ... وعطفاً للمديل من المدال فيوماً في السجون مع ابن أبزى ... ويوماً في القصور رخي بال ويوماً للسيوف تعاورتني ... ويوماً للتعانق والدلال كذا عيش الفتى ما دام حياً ... دوار لا يدوم على مثال وأنشد: الرمل المجزوء عش نقي العرض ما عش ... ت وإن كنت مقلا وأرض بالقوت ولا تح ... مل على الإخوان كلا إن فيهم من إذا حم ... لته كلك ملا وأخو الإقلال إن كا ... ن له عقل تسلى مر مزبد بقوم وهو على حماره فقالوا: انزل إلينا يا أبا إسحاق، فقال: هذا عرض سابري، قالوا: فانزل يا ابن الزانية.

كاتب: وإنه ليتربص بك الدوائر، ويتمنى لك الغوائل، ولا يؤمل صلاحاً إلا بفساد حالك، ولا رفعة إلا بسقوط قدرك. تمثل يزيد عند غشية معاوية عند موته: المنسرح لو فات شيء يرى لفات أبو ... حيان لا عاجز ولا وكل الحول القلب اللبيب وهل ... تدفع ريب المنية الحيل كاتب: ورأيته لا ينفك في جاه يبذله، وفضل يفعله، فهو الدهر إما شاكر لمن شفعه، أو مشكور بما اصطنعه، كما قال الشاعر: السريع أفدي أبا اسحاق من شافع ... ومنعم إحسانه ينشر يعطيك أو يهديك نحو امرىء ... فؤاده بالجود مستهتر فهو طوال الدهر لا يأتلي ... يشكر في العالم أو يشكر قال أعرابي: سألت فلاناً حاجة أقل من قيمته فردني رداً أقبح من خلقته.

للحارث المخزومي: الطويل تبعتك إذ عيني عليها غشاوة ... فلما أنجلت قطعت نفسي ألومها فما بي إذا أقصيتني من ضراعة ... ولا أفتقرت نفسي إلى من يسومها عطفت عليك النفس حتى كأنما ... بكفيك بؤسي أو لديك نعيمها قال فيلسوف: أشد الناس مصيبة مغلوب لا يعذر، ومبتلى لا يرحم. الجواب عن حروف اللغة التي تقدمت، فاسمع وأحفظ فإنها قد تلقفت من أفواه العلماء بعد الخدمة والصبر. أما البر فخلاف البحر، وهي بلاد لا حيطان فيها، ولا نعتقد أن البلد لا تكون إلا ما فيها حيطان، ولم أقل لا أبنية فيها لأن جزيرة العرب بر وفيها أبنية وهي أخبيتهم، والبلد يقال له الملزم، ومنه تبلد في أمره أي تلازم في نفسه أي تجمع؛ ويقال البلد الأبر. والبحر معروف، وكأنه من السعة، ومن أجله قيل: فلان بحر، إذا وصف بغزارة الندى أو العلم، وأجرى النبي صلى الله عليه وسلم فرساً وقال: إنا وجدناه بحراً، أي واسع الجري جواداً، ومنه تبحر

الإنسان في العلم، والبحيرة: المشقوقة الأذن من الشاء؛ وأما قول الناس: البحران، فليس من كلام العرب. والبر أيضاً هو البار فاعل البر، وفي صفات الله عز وجل أنه البر الرحيم، فكأن معنى الأشتقاق يجمع اللفظين إذا اعتبرت السعة؛ والحج المبرور الذي قبل على وجه البر، كأنه قبل كما يقبل البر. والأمر من البر: بريا هذا، بفتح الباء على مذهب الجمع، والمضارع منه يبر، وبررت بكسر الراء، والفتح مردود؛ قال أبو حاتم، يعني صاحب الأصمعي: فأما أبر فلان على فلان، فكأنه قريب من هذا ومعناه زاد عليه، والمصدر منه الإبرار - بالكسر؛ فأما الأبرار - بالفتح - فجمع بر؛ فأما البر نفسه فما سمع له جمع، وهم يتبارون - بشدة الراء - يبر بعضهم بعضاً، فأما يتبارون - بخفة الراء - فليس من قبيل هذا، إنما هو على معنى المباهاة، كأن هذا بذاه وذاك بذاه أي يحثه، أي جريه في المحاكاة؛ والمبار جمع مبرة. وأما بريت القلم فلا يهمز، وأما برئت إليك من كذا فصحيح الهمز، ويقال برأت من المرض وبرئت جميعاً، هكذا قال أبو زيد، وثعلب يختار برأت، ويزعم أنه أفصح، وإذا كان اللفظان من كلام العرب ولم يكن للمعنى فيه شاهد على مزية أحدهما فكلاهما صحيح، يقال: فصيح، وفصيحان، مرة يرد على اللفظ ومرة على المعنى، هكذا المحفوظ عن العلماء. وأما البارىء فيكون من المرض، الناجي منه؛ وأما البارىء في أسماء الله الكريم هو الخالق؛ ويقال: ليس بيننا براء ولا مبارأة، ولا يبرأ أحدنا من الآخر ولا ينافسه، وقول الله عز وجل " من قبل أن نبرأها " الحديد: 22 معناه نخلقها، كذا قال اليزيدي وهو معنى قول البارىء؛ وفلان برور وصدوق، وصدقت وبررت. وقد طمعت فيك السآمة فأصرفها بما يعرض في جملة هذه النوادر.

جرى بين عمرو الجوهري وبين أمه كلام فقالت: قد والله شيبتني وبيضت رأسي، قال عمرو: إن كنت أنا بيضت رأسك فمن قلع أضراسك؟ وجاء بعض الخلعاء إلى باب الجوهري هذا فدق فقالت امرأته: من هذا؟ قال: أنا فلان، قالت: ما تريد؟ قال: افتحي حتى أدخل وأنظر أنت أطيب في النيك أم امرأتي؟ قالت: وما أحوجك إلى ذلك؟ سل عمراً عن ذلك فإنه قد ناكني وناكها، فخجل الرجل وانصرف. وجاء جراب الريح راكباً حماراً فقال له رجل: هذا الحمار كله لك؟ فقال: كله لي إلا أيره فإنه لك، فخجل الرجل. وأما التر - بالتاء - فهو كثرة اللحم في جسم الإنسان، يقال: أما ترى ترارته أي امتلاءه؛ ويجيء: ما تر شيء على هذا. وأما الثر - بالثاء - فالماء الغزيز. وأما الجر فمصدر جر، وبئر جرور إذا كانت طويلة الرشاء كأنها تجر الماتح - بالتاء - لأن المائح يكون في البئر والماتح فوقها، متح أي أي نزع، هذا مثل: أعلم به من المائح بأست الماتح إذا كان المستقي يعالج به، فإذا استقى بالبكرة فليس بمائح، هكذا قال الثقة. قال أصحاب الأشتقاق: الجرجير في البقل أخذ من الجر، أخذ فيه بالتضعيف، قال: وسمي به لأنه يجرجر من الأرض، فقيل لأبي بكر

المروزي الفقيه هذا فقال: ينبغي أن تكون لحيته جرجرى لأنها تتجرجر من ذقنه، فضحك من نادرته. وكان قليل الهزل كثير الصمت على ناموس المشايخ؛ وسمعت ابن المرزبان يقول: لم أر أشد نفاقاً منه، فرغب في مال حصل عندي في سبيل من السبل، فانتقض معنى الوصية بعد وفاة الموصي، ولم يكن إنفاذ ذلك المنصوص على الوجه المخصوص إليه، فقال لي بعد كلام كثير: إن ضقت به ذرعاً فسق المال إلي حتى أتولاه عنك، وخلاك إثم من الله، فراعني ذلك وخرجت من عنده ولم أعد إليه؛ هكذا قال المرزباني، وكان عالماً ثقة، عاشرته وأطلعت على سره فما أنكرت شيئاً، وما أدري ما أقول بعد. وأما ابن سيار فإنه حدثنا أنه ورد الأهواز على القاضي التنوخي بمرقعة، وأنه أنزله وبره، وكان أبو بكر لا يظهر عليه من إحسان التنوخي شيء، ويشكو مع ذلك ويستزيد؛ قال: فلما كثر ذلك قال له التنوخي: ما قصة هذا المروزي، أما يكفيه ما يصير إليه من جهتنا؟ قال بعض حاضري المجلس: أيها القاضي، إن الرجل يتبع الصبيان، وشغفه فهو يحمله على تبذير ما ينال من جهة القاضي؛ قال: فكره ذلك وأقبل علي في الخلوة فقال: أتعرف هذا الغلام بشيء مما قرنه به فلان؟ قلت: أكره أن أهتك ستره، وأكره أن أكذبك، فقال: حسبك؛ وطرده من المجلس. هذا قول ابن سيار، وقد قضى ببغداد، وكان نبيلاً جليلاً أديباً مفوهاً؛ وهذا أيضاً عجيب، وأصحابنا يقولون إنه بلغ من زهده في الدنيا أنه عرض عليه

القضاء بمدينة السلام فتنزه عنه. أما أبو حامد فإنه أربى على أصحاب هذه الحكايات، زعم أنه ثنوي، وأنه يعتقد ذلك، وبسببه طرده الكرخي من مجلسه، وذلك أنه كان صحب رجلاً مشهوراً بهذا المذهب، فلما وقف الكرخي على ملازمته ذلك الرجل نهاه عنه وقال له: لعلك أحسنت به الظن، وأنت بجهلك بحاله مغرور، فأما الآن وقد عرفناك ما تتابع إلينا فلا خير لك في خلطته، قال: فضمن للكرخي أن لا يلقاه ولا يغشاه وحلف على ذلك، ثم إن الكرخي أذكى عليه عيناً فبلغه أنه يخالطه في السر وأنه لقن عنه مذهب الثنوية فطرده. هذا أيضاً غريب، ولو كان ما قلته مسموعاً من أنذال الناس لم أعج به ولم أعرج عليه، ولكن هؤلاء هم كالشمس إذا أشرقت، والسماء إذا زهرت، والأودية إذا زخرت بهاء وعلواً وغزارة وفضلاً ونبلاً، وأصحابنا بالري يزيدون على جميع ما حكيته، ونعوذ بالله من قالة الناس، وفتنة الناس بالناس، فهو خالق الخلق ومالك الأزمة. انظر إلى هذا الحديث كيف يلتبس بعضه ببعض، ويتراكم بعضه على بعض. ويقال: الحر أيضاً أسفل الجبل، وضد البرد، يقال: حر يومنا، وحر الغلام؛ والحرة: عطش الكبد؛ والحرارة في الجوف وفي الهواجر؛ والحرور: الريح الحارة بالليل كهبة السموم بالنهار، ويقال: السموم قد تمون بالليل أيضاً؛ قال بعض أصحاب الأشتقاق: السموم سمي به لدخولها في مسام البدن، هكذا رأيته في كتاب عتيق فيه أراجيز رؤبة بتفسير أبي عمرو، ولا أدري من أبو عمرو ولعله المازني أو الشيباني.

وأما الخر فمصدر خر عليه السقف، وقد سأل سائل عن هذه الآية " فخر عليهم السقف " النحل: 26 وقال: قد علم من خر هذا المعنى ثم صح ذلك بقوله: عليهم، ثم معلوم أن السقف هو ما علا رأس الإنسان، فما معنى بعد هذا المعلوم " من فوقهم "؟ والجواب عن هذا يمر مع نظائره في موضعه إن شاء الله، فقد أجاب عنه ابن مهدي الطبري، وشاهدته، ولعلي أحكيه على وجهه، فإضافة الصواب إلى العلماء أحمد من التفرد بالأدعاء. وقال بعض العاشقين للكلام في الأشتقاق: إن خرير الماء مأخوذ منه. وأما الدر فاللبن، وقولهم: لله دره يقال معناه: لله خيره وفضله، مثل قولهم: لله أبوه، إذا وقع ترجيح وأستحسان، ولما يكون من المثنى عليه بهذا اللفظ. وأما الذر فصغار النمل، والذرة واحدة لقول الله تعالى: " فمن يعمل مثقال ذرة " الزلزلة: 7 الآية، من ذلك يقال إنه لا وزن للذر وإنما يضرب به المثل، يقال: سميت الذرة بذلك لصغر أجزائها ومعنى قولهم: ذر عليه في الشيء يعرف بالتبر، إنما أراه أريد الشبيه بالذر؛ قال بعض العلماء: إنما قدم الخير في ذلك لأنه في الأول مبشر وفي الآخر منذر، ومتى وقعت الإجابة في الأول ثبت السوق إلى الجزاء ووقع النهي عن مواقعة المنهي عنه، فإن عرض قام سلطان الوعيد بالسطوة، فمنع من إيثار الشر بعد ترك الخير. هذه لطائف قوم لهم بكلام الله تعالى عناية دينية، وليس من نمط الغريب المفسر، والنحو المقدم، ولعل ترك هذا الفن أعم، والعاقبة فيه أسلم، والله أسأل نفعاً بالقرآن العظيم وإجابة إلى دار السلام. وأما الزر فهو نهيق الحمار.

وأما السر فهو من سررت الصبي إذا قطعت سرره، والسرة وهي الباقية؛ وأما السر فهو إصلاح الزند الإجوف، وكأن السرور من سررته أي فرجت عن قلبه فأزال منه الضيق، والسرور فرج من الكرب، والكرب ثقل، والسرور خفة وأنها ترقص، ولهذا ترى الفرحان يرقص ويخف، وصاحب الغم يثقل ويذبل، ويقال: رجل فرحان غير مصروف، وامرأة فرحى. وأما الشر فضد الخير، والشر أيضاً مصدر شررت الشيء أي بسطته، وتشرير النبات منها، كأنها من شررت بتشديد الراء؛ وأما أشررت فقيل: لغة في شررت، ويقال: هو أظهرت، ومنه قول الشاعر في صفين: الطويل وحتى أشرت بالأكف المصاحف ويقال: كلما كبرت شررت، ولا يقال: كلما تكبر، كذا قال بعض العلماء: والمشهور قلته. وكأن الشرارة من النار منه، وهذا مأخوذ منها، والشرار جمع واحدته شرارة، وأما الشرة فحال الشرير، والشرير صاحب الشر المعتاد له، وجمع الشر شرور، وحكى أبو زيد في الخير: خيور، وهو شر من فلان، لا ألف في اللفظ على قياس الباب، وهو خير منه، وروي: ما أشره - في التعجب - وما أخيره، والدائر: ما خيره وما شره. وأما الصر فجمع الدراهم في صرة، والصرة ما صررت فيه، والصر: البرد، وقال: قيل في قوله تعالى " فأقبلت امرأته في صرة " الذاريات: 29. والضر ضد النفع، والضر بالضم: الهزال وسوء الحال، وفلان ضرير أي

مضرور، ولا يختص بالأعمى بل لمن عرته هذه الحال، يقال: ضررتني وأضررت بي، ولا يقال: ضررت بي ولا أضررتني. أحكم أيها السامع هذه الأبنية والأصول، وفيها تكون إنساناً على الحقيقة، وأريد بقولي على الحقيقة لأن عادم الفضائل إنسان أيضاً ولكن على التوسع، كأنه إنسان بالخلقة والتخطيط، أي كأنه من هذه الأمة وهذا الجمهور بالنسبة؛ فأما تمييز الأمر من الأمر، وتخليص الشيء من الشيء، وإضافة الشيء إلى الشيء، فلا. حدثنا السيرافي أن رجلاً من المتكلمين الكلابية ببغداد بلغ من نقصه في معرفة العربية أنه قال في مجلس مشهور بين جماعة حضور: إن العبد مضطر بفتح الطاء، والله مضطر بكسر الطاء، وزعم أن القائل: الله مضطر كافر. فانظر أين يذهب به جهله، وعلى أي رذيلة دله نقصه، ونعوذ بالله من فضيحة الجهل فإنها بعد ادعاء العلم مشمتة، وفضيحة الحال مع التجمل مستعطفة، فكم بين العدمين، هذا يعان عليه ويواسى فيه وهذا يرفض به ويهان معه. والضرة: لحمة تحت الإبهام، والضرة امرأة يتزوجها الرجل على امرأة، فإحداهما ضرة للأخرى، كأنها مضارة، ويقال: الضرة: الثدي، وما أدري ما يقول صاحب الأشتقاق. وأما الغر فمصدر فغررته، ويقال: تغررت الرجل أي أتيته على غرة، والغر أيضاً تكسر الثوب في غره، والغر: الحد. وقد مر هذا في موضع على إشباع، وأكره التكرار لسوء ظني بالسامع، وإلا فلا مصنف إلا وهو يلهج بالتكرير والإعادة: هذا يعقوب ابن السكيت في كتبه وأبو عثمان عمرو الجاحظ وأبو زيد وغيرهم.

وسمعت بعض الرافضة يحكي عن علي بن يقطين أنه قال يوماً: قد والله حرجت من سبي لأبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - ولمزي بفي لأعراضهما، وبرمت، فقال له من حضره: بين يديك مصحف، افتح على هذا الخاطر، فإن خرج ما دل على تمسكك به أعرضت عن تحرجك، وإن خرج ما دل على ما خطر لك استمررت عليه، قال: ففتح المصحف فخرج " ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس " فصلت: 29 فقال: اللهم إني أستغفرك من ندمي على شتمهما. وهذا والله طريف، ولا شك أنه مفتعل لا حقيقة له. وقد ابتليت برجلين: رجل يقول: ما سمعنا حقاً ولا باطلاً، ورجل شيخ يعرف بيحيى له مع أهل الكرخ مواقف، وكثيراً ما يقول: خلفاء الله في الأرض ثلاثة: آدم عليه السلام لقول الله تعالى " إني جاعل في الأرض خليفة " البقرة: 30 وداود لقوله تعالى: " يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض " ص: 26، وأبو بكر لقول جميع الأمة: يا خليفة رسول الله؛ ويقول: الأمناء ثلاثة: جبريل عليه السلام لأنه يحمل عن الله تعالى، ومحمد صلى الله عليه وسلم لأنه بلغ الأمة، ومعاوية لأنه كتب الوحي. وإذا سئل عمن خرج على أبي بكر وعمر رحمهما الله قال: حلال الدم، وإذا سئل عمن يخرج على علي رضي الله عنه قال: الله أولى به وأعلم؛ ومن غفلته أنه رأى عقرباً في داره فقال لها: يا مشؤومة أخرجي لا تقتلي أمي؛ وهو مولع بإطعام الكلاب ويقول: إنما أطعمها لأنها أذل من الرافضة؛ وبين هذين الرجلين رمي الرامي.

وكان أبو حامد يقول: لولا أن الخوارج قالت: علي كافر، لما قالت الغالية: علي إله، عز الله وجل وتعالى، ولولا أن المعتزلة قالت: الأمر كله إلينا، لما قالت الجهمية: نحن كالشجر إن هبت الريح تحركت، وإن ركدت سكنت، وكان يعد من هذه الأمثال شيئاً كثيراً. وأما الطر فالقطع، وقد مر هذا الحرف. وأما القر فصب الكلام في الأذن، وصب الماء أيضاً، والقر أيضاً الهودج، والقرار: السكون، والقارورة لسكون الماء فيها. وأرى هذا يطول، وعلى قدر طوله يمل. والكر: الرجوع، والكر: حبل يصعد الرجل إلى النخل عليه، والكر أيضاً قطعة من خيش. والمر: جميع مرة، والمر كالنبل. والهر: الكراهة، ولا يقال الكراهية، ولا بد من التخفيف، والهر مصدر هر الكلب، كأنه كرهك فنبحك، ولا يقال: نبح عليك؛ وهرت الهرة وهرهرت إذا بغمت مستعطفة. والأر: النكاح. وأما العر فاللطخ، والعر الجرب. وقد مر جواب كل حرف على ما اقتضاه، والزيادة على هذا إبرام وخروج عن الحد المحتمل والأدب المرضي، على أنني وصلت كل ذلك بما يفتق شهوتك، ويبعث راحتك، ويقوي عزمك، فهذا عادة الرفيق من الأطباء بالعليل المضرور بالأدواء، نفعك الله بالخير. قال وهب بن منبه: من لم يسخط نفسه في شهوته لم يرض ربه في طاعته.

وقال: مكتوب في التوراة: المال يفنى، والبدن يبلى، والعمل يحصى، والذنب لا ينسى. وقال بعض النساك: ابن آدم، ما لك تأسف على مفقود لا يرده عليك الفوت، وتفرح بموجود لا يتركه في يدك الموت؟ يقال: الإناث من الإبل والخيل تحمل بمآخرها، والذكور تحمل بصدورها؛ وعلامة الفرس الجواد أن تراه رقيق الشعر لين الجلد طيب الريح. شاعر: الرمل المجزوء أنا في كل سحير ... في مداراة لأيري أبداً يطلب مني ... قمراً في بيت غيري قلت: نك ويلك من ير ... تع في خيري وميري قال: من يقوى على ني ... ك كسير وعوير للطرمي: البسيط للخبز أحسن شيء في الزنابيل ... والزيت أجمل شيء في القناديل والنيك خذ لا تسل يغشى علي لذا ... من شدة الشهو أخرى في السراويل للطرمي ديوان كبير، كان في أيام المعتمد، وله ترخيم طريف، وسمع المعتمد شعره فنال به هباته، وأمر فكتب ديوانه بالذهب، وديوانه مشهور، وإنما دللت في هذا المكان عليه تعجباً منه. قرىء من حجر: ابن آدم، لو عاينت يسير ما بقي من أجلك

لزهدت في طول ما ترجو من أملك، ولقل حرصك وختلك، ولرغبت في الزيادة من عملك، فأعمل ليوم القيامة، قبل الحسرة والندامة. وكان الحسن يقول: فضح الموت الدنيا، ولم يترك لذي لب فيها فرحاً. قال أعرابي: إن في السكوت ما هو أبلغ من الكلام، فإن السفيه إذا أعرضت عنه تركته في أغتمام. قال أعرابي: مواقعة الرجل أهله من غير عبث من الجفاء. قال بعض السلف: قد أسمعك الداعي، وأعذر فيك الطالب، وانتهت الأمور فيك إلى الرجاء، ولا أحد أعظم رزية ممن ضيع اليقين، وأخطأ الأمل. قال الكندي: كان فيما مضى رجل زاهد وقع عليه من السلطان طلب، بقي مدلهاً لا يدري ما يصنع، وذلك أنه أذكيت عليه العيون، وأخذت المراصد، فجاء إلى طنبور فأخذه ولبس ثياب البطالين وتعرض للخروج من باب البلد، فجاء إلى الباب وهو يتهادى في مشيته كالسكران، فقالت العيون له عند الباب: من أنت؟ فقال: من أنا، ومن ترى أكون؟ أنا فلان الزاهد، ومال منهزماً، فقال القوم متضاحكين: ما أحمقه!! وخلوا سبيله، فخرج ونجا، وإنما فعل ذلك لئلا يكذب. وقال سهل بن هارون: اللسان الجيد والشعر لا يكادان يجتمعان

في أحد، قال: وأعسر من ذلك أن تجتمع بلاغة القلم وبلاغة الشعر. قال حذيفة بن اليمان: الحسد أهلك الجسد. قال بشر بن المعتمر: إذا كان العقل تسعة أجزاء احتاج إلى جزء من الجهل ليقدم على الأمور، فإن العاقل أبداً متوان متوقف، مترقب متخوف. قيل لأعرابية في البادية: من أين معاشكم؟ فقالت: لو لم نعش إلا من حيث يعلم لم نعش. قال بعض الشجعان لرفيق له، وقد أقبل العدو: أشدد قلبك، قال: أنا أشده وهو يسترخي. قال أعرابي: الصبر قطب الأمر الذي عليه تدور الأمور، وليس علم من أعلام الفضل إلا والصبر سببه ومسببه. سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول لمسافر: وجهك الله في الخير، وزودك التقى، وجعلك مباركاً أينما كنت. شاعر: المتقارب

وكم من نؤوم على غبطة ... أتته المنية في نومته وكم من مقيم على لذة ... أتته الحوادث في لذته وكل جديد على ظهرها ... سيأتي الزمان على جدته وأنشد: السريع أصبحت الدنيا لنا غرة ... والحمد لله على ذلكا وأجمع الناس على ذمها ... وما نرى فيهم لها تاركا قال النبي صلى الله عليه وسلم: مثل الفقير المؤمن كمثل فرس مربوط بحكمته إلى أخيه، كلما رأى شيئاً مما يهوى ردته حكمته. وقال ابن بكار، سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: نحن نسل من نسل الجنة سبانا منها إبليس بالمعصية، وحقيق على ابن آدم ألا يهنأ بعيشه حتى يرجع إلى وطنه. قال محمد بن وهب عن عمه: رأيت ميلاً في بلاد الروم عليه كتاب فقرأته فإذا هو شعر: الطويل صريع رماح تحجل الطير حوله ... شهيد أصابت نفسه ما تمنت وقيل لمحمد بن واسع: هؤلاء زهاد، فقال: وما قدر الدنيا حتى يحمد من يزهد فيها؟

قال أحمد بن حنبل رحمه الله: هب المسيء قد عفي عنه أليس قد فاته ثواب المحسنين؟! قال ابن عباس: إن صغار هذه الأمة تعلموا من كبارها في صدر الإسلام، وسيجيء زمان يتعلم كبارها من صغارها. وقال معاوية يوماً على المنبر: يا أهل الشام، ما أنتم بخير من أهل العراق، ثم ندم فتداركها فقال: إلا أنكم أعطيتم بالطاعة وحرموا بالمعصية. قال المدائني: كان ملك له وزير صالح في قديم الزمان لا يأمر إلا بالخير ولا يحض إلا على الجميل، وكان الملك عاتياً جباراً يمقت النسك ويقلي النساك، وكان الوزير بخلاف ذلك يقربهم ويصلهم ويتلبس بهم، فحسده قرابة الملك، فأتوا الملك وقالوا: إن هوى وزيرك في إخراجك من ملكك، فقال الملك: وما آية ذلك؟ قالوا: شاوره وقل: إني عزمت على أن أخلع ملكي وألحق بالعزاز والشعاب، وأصحب النساك وأعبد الله رب الخلق، فإنك ستجد عنده قبولاً لهذا الرأي وتحسيناً له ورضى به، وإنما ينتهز لذلك الفرصة التي هو راقبها، وحينئذ تقف على صدق مقالنا؛ ففعل الملك ذلك فرأى غير ما كانوا قالوا، وبان للوزير في وجه الملك، وعلم أنه دهي من حيث لا يعلم، فانصرف على حزن قد خامره، وكآبة قد أخذت بكظمه. وقد كان مر في بعض مسيره برجل ظاهر الزمانة فقال: أيها الوزير ضمني إليك فإن لك عندي ما تحب، قال: وما ذاك؟ قال: أنا رجل أرتق الكلام، قال: وما رتق الكلام؟ قال: إذا وجدت فتقاً رتقته، قال: أنا أفعل ذلك، وإن لم يكن عندك نفع،

فذكر الوزير قوله فدعا به فقال: فافعل الذي وعدت، قال: قص علي قصتك وما دهاك، ففعل، فقال: أيها الوزير، قد حسدك عنده بعض أقاربه، وسبعك بحضرته، قال: فما الطريق إلى تحقق هذا من نفس الملك وصرفه على أحسن وجه؟ قال: الوجه في ذلك أن تلبس مسحاً وتأتي باب الملك في غلس، فإذا علم بمكانك وسأل عن قصتك فقل: إن الملك دعاني إلى أمر الموت أهون علي منه، ولكن كرهت خلافه، ففعل الوزير ذلك فتحلل ما كان عرض في نفس الملك. استأذن رجل على عبد الملك بن مروان فأذن له فوقف بين يديه ووعظه، فقال عبد الملك بن مروان لرجل: قل للحاجب: إذا جاء هذا لا تمنعه، قال: وإنما أراد أن يعرفه الحاجب فلا يأذن له. قال الأصمعي: كان رجل من ألأم الناس على اللبن، وكان كثير الرسل، فقال بعض الظرفاء: الموت أو أشرب من لبنه؛ وكان معه صاحب له فجاء وتغاشى على باب صاحب اللبن فخرج فقال: ما باله؟ فقال صاحبه: أتاه أمر الله تعالى، وهو أشرف بني تميم، أما إن آخر كلامه: أسقني اللبن، فقال اللئيم: يا غلام جىء بعلبة من لبن، فأتاه بها وأسنده إلى ظهره فسقاه فأتى عليها ثم تجشأ، فقال الظريف صاحب اللئيم: أرى هذه الجشأة راحة الموت، فقال اللئيم: أماتك الله وإياه. أتي الحجاج بدواب لابن الأشعث فإذا سماتها عدة فوسم تحت ذلك للفرار.

أنشد: الكامل نجل العيون سواحر اللحظات ... هيجن منك سواكن الحركات أقبلن يرمين الجمار تنسكاً ... فجعلن قلبك موضع الجمرات فكأنهن غصون بان ناعم ... يحملن تفاحاً على الوجنات كاتب: إن لم يكن في اعتذار زماننا ما يفي بإساءتنا، ففي جنب فضلك ما يجوز حظنا منك ومن يحاذرك، والسلام. قال فيلسوف: العقل أمور بالمعروف، نهو عن المنكر، فمن لم ينهه عقله نهاه أدبه، ومن لم ينهه أدبه نهته التجارب. قال فيلسوف: من عرف من نفسه الكذب لم يصدق الصادق. قيل لأبي غانم التنوخي: كيف تجدك؟ قال: أجد ما علي من البلاء أقل مما قضيت من لذة الهوى، ولو أصابني من البلاء بقدر ما قضيت من لذة الهوى لتجمع البلاء. مرض قيس بن سعد بن عبادة فأبطأ إخوانه عنه، فسأل عنهم فقيل له: إنهم يستحيون مما لك عليهم من الدين، فقال: أخزى الله مالاً يمنع الإخوان من الزيارة، ثم أمر منادياً ينادي: ألا من كان لقيس عليه حق فهو منه في حل وسعة، فكسرت درجته بالعشي لكثرة من عاده.

قال الأصمعي، قيل لأعرابي: إنك تموت، قال: فإلى أين يذهب بي؟ قالوا: إلى الله تعالى، قال: فما أكره أن أذهب إلى من لم أر الخير قط إلا منه. قال الأصمعي: سمعت أعرابياً وهو متعلق بأستار الكعبة يقول: إلهي، من أولى بالزلل والتقصير مني، وقد خلقتني ضعيفاً؛ إلهي، من أولى بالعفو منك، وقضاؤك علي نافذ، وعلمك بي محيط؛ أطعتك بإذنك والمنة لك علي، وعصيتك بعلمك، فالحجة لك علي، فبثبات حجتك وانقطاع حجتي، وبفقري إليك وغناك عني، إلا غفرت لي ذنوبي. قال منذر الثوري: مررت بعلي بن الحسين رضي الله عنه فرأيته في حائط له يتفكر فقلت: ما وقوفك ها هنا؟ قال: وقفت أفكر، فهتف بي هاتف فقال: يا ابن الحسين! ما هذا الفكر، أفي الدنيا والرزق حاضر للبر والفاجر؟ أم في الآخرة والوعد صادق من ملك قادر؟ قلت: لا في هذا ولا في هذا، قال: ففيم؟ قلت: فيما يخوفنا الناس من فتنة ابن الزبير؛ قال: فأعاد الصوت فقال له: أرأيت رجلاً خاف الله فلم يكفه؟ أو توكل عليه فوكله إلى غيره؟ قال: ثم قال: أنا الخضر يا ابن الحسين. قيل لأعرابي: ما أشد البرد؟ قال: إذا دمعت العينان، وقطر المنخران، ولجلج اللسان.

قيل لأعرابي: ما تصنع بالبادية إذا اشتد القيظ وحمي ومتع الحر؟ قال: يمشي أحدنا ميلاً حتى يرفض عرقاً ثم ينصب عصاه، ويلقي عليها كساءه ويجلس في قبة يكتال الريح، فكأنه في إيوان كسرى. قال عتبة بن أبي سفيان لابن عباس: ما منع علي ابن أبي طالب - رضي الله عنه - أن يبعثك مكان أبي موسى؟ فقال عبد الله: منعه من ذلك حاجز القدر، وقصر المدة، ومحنة الابتلاء، أما والله لو بعثني مكانه لاعترضت في مدارج نفس عمرو، ناقضاً لما أبرم، ومبرماً لما نقض، أسف إذا طار، وأطير إذا أسف، ولكن مضى قدر وبقي أسف، ومع يومنا غد، وللآخرة خير لأميرالمؤمنين رضي الله عنه. أنشد: المتقارب أبى الناس أن يدعوا موسراً ... سليم الأديم سليم النشب فقد خيروك فإن لم تطب ... بعرضك نفساً فطب بالذهب ويقال: من تمنى طول العمر فليوطن نفسه على المصائب.

وأنشد: الطويل فما سرت من ميل ولا بت ليلة ... من الدهر إلا أعتادني لك طائف ولا مر يوم مذ تراخت بي النوى ... ولا ليلة إلا هوى منك رادف أهم سلوا عنك ثم يردني ... إليك وتثنيني عليك العواطف فلا تحسبن النأي أبلى مودتي ... ولا أن عيني ردها عنك طارف وكم من نريل قد وجدناه طرفة ... فتأبى عن التعبير تلك الطرائف كان مسروق بن الأجدع ينهى عن السلطان، فدعاه زياد فولاه السلسلة، فقيل له في ذلك فقال: اجتمع علي زياد وشريح والسلطان، فكانوا ثلاثة وكنت وحدي فغلبوني. قال هشام الكلبي: قدمت ليلى الأخيلية على الحجاج فامتدحته فقال: قد أمرت لك بمائة، فقالت: زدني، حتى بلغت ثلاثمائة، فقال بعض جلسائه: إنما أمر لك بغنم، قالت: الأمير أكرم من ذلك، فجعلها إبلاً؛ قال هشام: وإنما كان أمر لها بغنم، فلما سمع ما قالت استحيا فجعلها إبلاً. وقدم يزيد بن قيس الأرحبي، وكان والياً لعلي بن أبي طالب

رضي الله عنه، فبعث إلى الحسن والحسين رضي الله عنهما بهدايا، وترك ابن الحنفية، ودخل يزيد على علي رضي الله عنه وعنده محمد بن الحنفية فضرب علي على جنب ابن الحنفية وأنشده: الوافر وما شر الثلاثة أم عمرو ... بصاحبك الذي لا تصبحينا ثم رجع يزيد إلى منزله فبعث بهدية إلى ابن الحنفية. هذا رواية المدائني، وما أدري ما أقول فيه. وأنشد للعليمي: الطويل ولست بهياب الأمور ولا الذي ... إذا مكنته جاء للصلح خاضعا وقد يصبر الحر الكريم على الأذى ... ولا يظهر الشكوى وإن كان موجعا وقد يأنف المرء الكريم ويستحي ... وإن ذاق طعم الموت أن يتوجعا قال عبد الملك: من كل شيء قضيت وطراً إلا محادثة الإخوان في الليالي الزهر، على التلال العفر. أنشد: الوافر إذا لم تحظ في أرض فدعها ... وحث اليعملات على سواها ولا يغررك حظ أخيك منها ... إذا صفرت يمينك من جداها قال الحسن: من أحسن في نهاره كوفىء في ليلته، ومن أحسن في ليلته كوفىء في نهاره، ومن صدق في ترك شهوته كفي مؤونتها، إن الله تعالى أكرم من أن يعذب قلباً ترك له شهوة.

قيل لأعرابي: إنكم لتكثرون الرحل والتحول وتهجرون الأوطان، فقال: إن الوطن ليس بأب والد ولا أم مرضع، فأي بلد طاب فيه عيشك، وحسنت فيه حالك، وكثر فيه دينارك ودرهمك، فاحطط به رحلك، فهو وطنك وأبوك وأمك ورحلك. قال الأحنف: ما عرضت الإنصاف على أحد فقبله إلا هبته، ولا أباه إلا طمعت فيه. قال ابن المقفع: العقول رسل الله تعالى إلى أهلها، والألسنة ترجمانها، والأقلام بردها. هذا تمام الجزء الرابع، والخامس يقفوه على أثره، على المذهب المألوف في تحبير الكلام على فنونه، ورواية ما متح السماع به، وذكر ما تمت الشهادة عليه، فقدم مراقبة ربك على جميع أربك، وأعلم أنك بمرأى منه ومسمع، يعلم خائنة طرفك، وخافية صدرك، ولاحظ نعمة التي قد أكتنفتك، من شباب وجدة، وكفاية وراحة، وأرتبطها بالشكر، وأستدمها بالمواساة، وودعها بالحمد، وشرف نفسك بالعلم، وزينها بالحلم، تنل خير الدارين، وشرف المنزلتين.

والحمد الله وحده وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه وسلم تسليماً. أكمل في ثاني شهر ذي حجة سنة ثمان وعشرين وستمائة، أحسن الله مبتدأه وخاتمته وحسبي الله ونعم الوكيل.

رب عونك بمنك

//بسم الله الرحمن الرحيم رب عونك بمنك الجزء الخامس اللهم اجعل عدونا إليك مقرونا بالتوكل عليك، ورواحنا عنك موصولاً بالنجاح منك. وإجابتنا لك راجعة إلى التهالك فيك، وذكرنا إياك منوطاً بالسكون معك، وثقتنا بك هادية إلى التفويض إليك، ولا تخلنا من يد تستوعب الشكر، ومن شكر يمترى خلف المزيد، ومن مزيد يسبق اقتراح المقترحين، وصنع هو من ذرع الطالبين، حتى نلقاك مبشرين بالرضا، محكمين في الحسنى، غير مناقشين ولا مطرودين. اللهم أعذنا من جشع الفقير، وريبة المنافق، وتجليح المعاند، وطيشة العجول، وفترة الكسلان، وحيلة المستبد، وتهور الغافل، وحيرة المحرج، وحسرة المحوج، وفلتة الذهول، وحرقة النكول، ورقبة الخائف، وطمأنينة المغرور، وغفلة الغرور، واكفنا مؤونة أخ يرصد

مسكوناً إليه، ويمكر موثوقاً به، ويخيس معتمداً عليه، وصل الكفاية بالسلوة عن هذه الدنيا، واجعل التهافنا عليها حنيناً إلى دار السلام ومحل القرار، وغلب إماننا بالغيب على يقيننا بالعيان، أحرسنا من أنفسنا فإنها ينابيع الشهوة ومفاتيح البلوى، وأرنا من قدرتك ما يحفظ علينا هيبتك، وأوضح لنا من حكمتك ما يقلبنا في ملكوتك، وأسبغ علينا من نعمتك ما يكون لنا عوناً على طاعتك، وأشع في صدورنا من نورك ما تتجلى به حقائق توحيدك، واجعل ديدننا ذكرك، وعادتنا الشوق إليك، وعلمنا النصح لخلقك، واجعل غايتنا الاتصال بك، واحجبنا عن قول يبرأ من رضاك، وعمل يعمى صاحبه عن هداك، وألف بيننا وبين الحق، وقربنا من معادن الصدق، واعصمنا من بوائق الخلق، وانقلنا من مضايق الرزق، واهدنا إلى فوائد العتق. اللهم إنك بدأت بالصنع، وأنت أهله، فأنعم بالتوفيق فإنك أهله. اللهم إنا نتضاءل عند مشاهدة عظمتك، وندل عليك عند تواتر برك، ونذل لك عند ظهور آياتك، نلح عليك عند علمنا بحودك، ونسألك من فضلك ما لا يرزأك ولا ينكأك، ونتوسل إليك بتوحيد لا ينتمي إليه خلق، ولا يفارقه حق.

هذا الجزء الخامس من البصائر، وهو صنو ما سلف منه، فاجعله درسك ليلك ونهارك، واجعله تلاوتك سرك وجهارك، واختلس حظك من المعارف فيه تتخلص من المناكر، وخض بحر المعارف تنج من المجاهل، واعلم أن عملك لا يزكو، وسرك لا يصفو، وعاقبتك لا تحلو، حتى تقف بين أمر الله ونهيه، غير محتج بإرادة الله تعالى وعمله، متوقفاً عما وقفك عنه، متخففاً إلى ما أنهضك إليه، عالماً بأن البدء منه، والحجة منه عليك، وان الذي عليك بنسبتك إليه أن تكون عبداً ذليلاً، والذي لك عنده أن يجعلك ملكاً عزيزاً، ولا تفوتن نفسك فإنك حظها، ولا تفوتنك نفسك فإنها حظك، واتق عذاباً يستغرقك، وخف حساباً يأتي عليك، وافتح ديوان نفسك، وكن رقيب أمرك، قبل أن يشركك من لا يوطئ عشوة، ولا يقبل رشوة، واعلم انك في هذه الدار بين طيب وخبيث وقديم وحديث وقول وعمل وعذر وعذل وإضرار واختيار، وشكر وصبر، ووفاء وغدر، وعزاء وجزع، وأمان وفزع، وظلمة ونور وترحة وسرور، وغمة وانجلاء، وهبطة واعتلاء، وعافية وابتلاء، وصحوة وسكر، ولذة وحسرة، ويقين وحيرة، واجتماع وفرقة، وإمتاع وحرقة، ووحشة وانس، وهم وعرس، وإطلاق وحبس، واستقلال ونكس، وسعادة ونحس، ونزاهة وحرص، وحفظ وإضاعة، وكتمان وإذاعة، ودرك وفوت، وحياة وموت، فخذ نفسك بالإعراض عن زهرة تحول، ونعم تيلى، ومدة تنصرم، وشهوة تنقضي، وتبعة تبقى، وندم يصير لزاماً، والزم الصمت إلى أن ترى هلكك فيه، والزم النطق إلى أن ترى ضياعه عنك

عند مستمعيه، وعاشر ما قبل نصحك في العشرة، وتفرد ما رأيت الخلل في الخلة، واعمل ما دام الإخلاص صاحبك، واعتقد ما صحب اليقين عقيدتك، واصرف غاية اجتهادك ونهاية سعيك وبليغ كدحك في اقتباس العلم فإنه نور وضياء، وبر وشفاء، وحلية وجمال، ومتعة وراحة، وهدي وبيان، وسعادة ونجاة، ودنيا وآخرة، وغنى ويسار، إن لم يغنك بالبضاعة أغناك بالقناعة، وإن لم يبلغك منزلة النيل به لم يخلك من الاستراحة إليه. وقف متعلم بباب عالم فقال: واسونا مما رزقكم الله؛ فأخرجوا له طعاماً فقال: فاقتي إلى كلامكم أشد من حاجتي إلى طعامكم؛ اعلموا أن فلاناً طالب هدى لا سائل ندى. فأذن له وأوسعه فوائد، فخرج وهو يقول: علم أوضح لبساً، خير من مال أغنى نفساً. نظر عالم إلى تلامذته فقال: ما كل ذي تحصيل يرجع إلى تفصيل، وما كل ذي سماع يأوي إلى قلب يراع، وما كل ذي اقتباس يستند إلى قياس، وأنشد: البسيط لا تبخلن بفضل العلم تمنحه ... ما كل قابس علم حلف مقباس إن النجوم يراها كل ذي بصر ... وليس يعرفها جيل من الناس وكن من مصيرك إلى الله على فرق، فإن ذلك يسهل عليك الكد في طلب الراحة، ولا يغرنك ظاهر ما ترى من هذا العالم عن باطن ما تغفل عنه، فإن ناظم هذا الفلك، ومزين هذه السماء، وساطح هذه الأرض، وجاسي هذا الجو، وفالق هذا البحر، وبارئ هذه النسمة، لم يخلقها عبثاً، ولم يتركها سدى؛ فاعرفه معرفة تنسيك ما سواه، واعتصم بحبل من حسن الظن به فإنه يجزيك، وتحبب إليه بالتحبب إلى خلقه، وتطامن للحق، وأعز الحق،

فإن معاذ بن جبل قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معاذ، المؤمن لدى الحق أسير؛ يا معاذ، إن المؤمن من لا يسكن من روعته، ولا يأمن من اضطرابه، حتى يخلف جسر جهنم وراء ظهره؛ يا معاذ، إن المؤمن قيده القرآن عن كثير من شهواته، فالقرآن دليله، والخوف محجته، والشوق مطيته. والصلاة كهفه، والصوم جنته، والصدقة فكاكه. والصدق أميره. والحياء وزيره؛ يا معاذ، إني أحب لك ما أحب لنفسي، وأنهي لك ما أنهى إلي خليلي جبريل عليه السلام؛ يا معاذ، المؤمن يسأل يوم القيامة عن جميع سعيه، حتى عن كحل عينيه، وفتات الطين بإصبعيه، فلا ألفين يوم القيامة واحداً أسعد بما آتاه الله منك؛ روي هذا الحديث أبو حاتم الرازي عن أحمد بن أبي الحواري. وامقت الدنيا مقتا، ولا يقنطنك من الله تعالى بعض ما يضيق عليك من رزقك، ويخيب من آملك، ويفوت من مرادك، فإنك عند السعة مطالب بشكر أثقل من الضيق عند الضيق، ممتحن بصبر تحمله أيسر من اليسر، والقائل يقول: الوافر فلا تجزع وإن أعسرت يوماً ... فقد أيسرت في الزمن الطويل ولا تيأس فإن اليأس كفر ... لعل الله يغني عن قليل

ولا تظنن بربك ظن سوء ... فإن الله أولى بالجميل ولعل صنع الله في طيها عنك أكثر من انتشارها عليك. وما أحسن ما قال عبد الله بن طاهر بن صفة الدنيا حين كتب إلى المعتصم: أما بعد، فإن الدنيا قد عاينت نفسها بما أبدت من تصرفها، وأنبأت عن مساوئها بما أظهرت من مصارع أهلها، ودلت على عوراتها بعين حالاتها، وقطعت ألسنة العز فيها عين زوالها. وشهد إخلاق شؤونها على فنائها. فلم يبق لمرتاب في أمرها ريب، ولا لناظر في عواقبها شك، بل عرفها جل من عرفها معرفة يقين، وكشفوها أبرز تكشف، ثم أضلتهم الأهواء عن منافع العلم، ودلتهم الآمال بغرور، فلججوا في غمرات العجز، فسبحوا في بحورها موقنين بالهلكة، ورتعوا في عراضها عارفين بالخدعة، وكان يقينها شكاً، وعلمهم جهلاً، لا بالعلم انتفعوا، ولا بما عاينوا اعتبروا، قلوبهم عالمة جاهلة، وأبدانهم شاهدة غائبة، حتى طرقتهم المنية، فأعجلتهم عن الأمنية، فبعثتهم القيامة. وأقدمتهم الندامة، وكذلك الأمل: ينسئ طويلاً ويأخذ وشيكا، فانتفع امرؤ بعلمه وجاهد هواه أن يضله، وخاف أمله أن يغره، وقوي يقينه على العمل، ونفي عنه الشك بقطع الأمل، فإن الهوى والأمل إذا استضعفا اليقين صرعاه، وإذا تعاونا على ذي غفلة خدعاه، فصريعهما لا ينهض سالماً وخديعهما لا يزال نادماً، والقوي من قوي عليهما، والحارس من احترس منهما؛ ألبسنا الله وإياكم جنة الحذر، ووقانا وإياكم سوء القضاء والقدر.

ولو كان هذا الكلام لابن المبارك أو منصور بن عمار أو ابن السماك لكان كبيراً. فكيف وهو لعبد الله بن طاهر، ونصيبه من عشق العاجلة ومحبته للدنيا ما نعرفه؟ إلا أن يكون غيب حاله خلاف مشهده، والتفاوت في الكلام أمر راتب في الخلق، وكذلك في العمل، وكذلك في الإخلاص، وكذلك فيما ينتصب للإخلاص من الدرجات والمنازل، فسبحان من هذا خلقه في خلقه وهذا أمره في أمره.

1 - كتب طاووس إلى مكحول: أما بعد فإنك قد اصبت بما ظهر من علمك عند الناس منزلة وشرفاً، فالتمس بما بطن من عملك عند الله منزلة وزلفى، واعلم أن إحدى المنزلتين تقربك للأخرى والسلام. 2 - قال ابن السماك: من جرعته الدنيا حلاوتها بميله إليها، جرعته الآخرة مرارتها بتجافيه عنها. 3 - قال بعض السلف: إنكم لا تنالوا ما تحبون إلا بالصبر على ما تكرهون، ولا تبلغون ما تهوون إلا بترك ما تشتهون. 4 - وقال بعض الزهاد: بمرارة دواء العبادة تنال حلاوة شفاء العاقبة. 5 - قال بزرجمهر: إياك وقرناء السوء، فإنك إن عملت قالوا: راءيت، وإن قصرت قالوا: أثمت، وإن بكيت قالوا: بهت، وإن ضحكت قالوا: جهلت، وإن نطقت قالوا: تكلفت، وإن سكت قالوا: عييت، وإن اقتصدت قالوا: بخلت. 6 - وقال بعض السلف: قارب إخوانك في خلائقهم تسلم من بوائقهم. 7 - وقال أعرابي: دع مصارمة أخيك، وإن حثا التراب في فيك. 8 - وقال بعض السلف: من أفحش الظلم أن يلزمك حقك في مال أخيك فيبذله لك، وتلزمه حقه في تعظيمك إياه، فإذا أنت قد جشمته إفضال المنعمين، وابتذلته ابتذال الأكفاء.

9 - كتب أحمد بن المعذل إلى أخيه عبد الصمد: أما بعد، فقد شمل عرك، وعم أذاك، وصرت فيك كأب الابن العاق، إن عاش نغصه، وإن مات نقصه؛ فأجابه عبد الصمد: المتقارب أطاع الفريضة والسنة ... فتاه على الإنس والجنه كأن لنا النار من دونه ... وأفرده الله بالجنه وينظر نحوي إذا جئته ... بعيني حماة إلى كنه 10 - قال ابن الغريض الكاتب: عشق رجل غلاماً ظريفاً فكتب إليه يسأله زيارته، فأجابه الغلام: شدة شكواك تدعو إلى إسعافك. وصانتنا أنفسنا وإياك تدعو إلى منعك، ولمكروه المنع مع السلامة من شناعة القول خير من محبوب الإسعاف مع شماتة الحاسد. وإطلاق لسانه بما يشيننا ويشينك، وإن أجد فرصة أثق معها بالستر، وآمن من سوء الذكر، أصر إليك، فأديل الهوى من الرأي، وأملكه أزمتنا. ثم إنهما اجتعما في مجلس فلم يمكنهما المفاوضة، فكتب الرجل في رقعة: انظر إلي، فوقع الغلام نظري إليك فتنة. وإعراضي عنك محنة، فارض باللحظة، واستمتع باللفظة بعد اللفظة، واحذر عادية الحفيظة. 11 - قال الحجاج على المنبر: أيها الناس، من أعيا داؤه فعندي دواؤه، ومن استطال ماضي عمره قصرت عليه باقية؛ إن للشيطان طيفاً،

وللسلطان سيفاً، فمن سقمت سريرته، صحت عقوبته، ومن وضعه ذنبه، رفعه صلبه، ومن لم تسعه العافية، لم تضق عنه الهلكة، ومن سبقت بادرته فقد سبق بدنه سفك دمه؛ وإني أنذركم ثم لا أنظركم، وأحذركم ثم لا أعذركم، وأتوعدكم ثم لا أغفر، إنما أفسدكم وهن ولاتكم، ومن استرخى لببه ساء أدبه؛ إن الحزن والعزم سلباني سوطي، وأبدلاني سيفي، فقائمه في يدي، ونجاده في عنقي، وذبابه قلادة من عصاني، والله لا آمر أحدكم أن يدخل من أحد أبواب المسجد فيدخل من الباب الآخر إلا ضربت عنقه. 12 - نظر مروان بن أبي حفصة إلى عنان جارية الناطفي تبكي من ضرب مولاها فقال: السريع بكت عنان فجرى دمعها ... كالدر إذ يسبق من خيطه فقالت: فليت من يضربها ظالماً ... تجف يمناه على سوطه واستجازها بيتاً آخر وهو: الطويل وما زال يشكو الحب حتى رأيته ... تنفس من أحشائه وتكلما فقالت:

ويبكي فأبكى رحمة لبكائه ... إذا ما بكى دمعاً بكيت له دما 13 - أهدى المعلى بن أيوب إلى المتوكل في يوم نيروز سكرة عليها خيارة صغيرة، فسئل عن ذلك فقال: الحلاوة للسكر، والخيارة فلأنه في إقبال أيامه وابتداء ظهوره، ولأن اسمه بالفارسية والعربية والنبطية خيار، وهم خيار وخيرة وأخيار وخير. 14 - لما ذهب بهدبة ليقتل انقطع قبال نعله فجلس يصلحه فقيل له: أتصلحه وأنت على ما أنت؟ فقال: الوافر أشد قبال نعلي أن يراني ... عدوي للحوادث مستكينا 15 - اعتذر كاتب إلى صديق له من تأخر اللقاء فأجابه: أنت في أوسع عذر عند ثقتي، وفي أضيق العذر عند شوقي. 16 - وكتب حمد بن مهران إلى أبي دلف بن عبد العزيز في يوم نيروز: قدر الأمير أدام الله تمكينه يجل عما تحيط به المقدرة، وفي سؤدده ما يوجب التفضل ببسط المعذرة.

17 - وكتب رجل إلى ابن سيابة يسأله عن رجل فكتب في الجواب: هو والله غث في دينه، قذر في دنياه، رث في مروءته، منقطع إلى نفسه، راض عن عقله، بخيل بما وسع عليه من رزقه، كتوم لما آتاه الله من فضله، حلاف لجوج، لا ينصف إلا صاغراً، ولا يؤمر إلا كابراً، ولا يعدك إلا راغماً، يرفع نفسه عن منزلة الأذل بعد تعززه فيها. 18 - عتبت متيم على علي بن هشام فهجرته، وترضاها بكل شيء فلم ترض، فكتب إليها: الإدلال داعية الملال، والتغضب مقدمة التجنب، ورب هجر يدعو إلى صبر، وإنما سمي القلب قلباً لتقلبه، وما أحسن ما قال العباس: الخفيف ما أراني إلا سأهجر من لي ... س يراني أقوى على الهجران ملني واثقاً بحسن وفائي ... ما أضر الوفاء بالإنسان 19 - لسعيد بن حميد: الطويل قربت فلم نرج اللقاء ولا نرى ... لنا حيلة يدنيك منا احتيالها فأصبحت كالشمس المضيئة نورها ... قريب ولكن أين منا منالها كظاعنة ضنت بها غربة النوى ... علينا ولكن قد يلم خيالها

تقربها الآمال ثم تعوقها ... مماطلة الدنيا بها واعتلالها ولكنها أمنية فلعلها ... يجود بها صرف النوى وانفتالها 20 - قال علي بن الجهم: لحظت فضل الشاعرة لحظة استرابت بها فقالت: الرجز يا رب رام حسن تعرضه ... يرمي ولا يشعر أني غرضه فقلت: أي فتى لحظك لا يمرضه ... وأي عقد محكم لا ينقضه 21 - وجد أبو العباس ابن ثوابة على سعيد بن حميد فكتب إليه سعيد: الكامل أقلل عتابك فالزمان قليل ... والدهر يعدل مرة ويميل لم أبك من زمن ذممت صروفه ... إلا بكيت عليه حين يزول ولكل نائبة ألمت مدة ... ولكل حال أقبلت تحويل والمنتمون إلى الإخاء جماعة ... إن حصلوا أفناهم التحصيل

ولعل أحداث الليالي أولعت ... بنوى تفرق بيننا وتحول فلئن سبقت لتبكين بحسرة ... وليكثرن علي منك عويل ولتفجعن بمخلص لك وامق ... حبل الوفاء بحبله موصول ولئن سبقت ولا سبقت ليمضين ... من لا يشاكله لدي عديل وليذهبن جمال كل مروءة ... وليقفرن فناؤها المأهول وأراك تكلف بالعتاب وودنا ... باق عليه من الوفاء دليل ود بدا لذوي الإخاء صفاؤه ... وبدت عليه بهجة وقبول ولعل أيام الحياة قصيرة ... فعلام يكثر عتبنا ويطول 22 - جحد رجل مال رجل فاحتكما إلى إياس بن معاوية، فقال للطالب: أين دفعت إليه هذا المال؟ قال: عند شجرة في مكان كذا وكذا، قال: فانطلق إلى ذلك المكان فلعلك تتذكر كيف كان أمر هذا المال، ولعل الله يوضح لك سبباً. فمضى الرجل، وجلس خصمه، فقال إياس بعد ساعة: أترى خصمك بلغ موضع الشجرة؟ قال: لا، بعد، قال: يا عدو الله، أنت خائن، قال: أقلني أقالك الله، فاحتفظ به حتى أقر ورد المال.

23 - شهد سوار عند بلال بن أبي بردة وآخر معه، فقال بلال: يا سوار، ما تقول في هذا الرجل؟ قال: إنما جئت شاهداً ولم آت مزكياً، قال: أفحضر معك هذه الشهادة؟ قال: نعم. 24 - قال أعرابي: الكلام فنون، وخيره ما وفق به القائل، وانتفع به السائل والمستمع. 25 - قال بعض العلماء: أصح الأخبار ما نقله خيار الخلف عن أبرار السلف. 26 - قال أعرابي: دع النمائم فإن أولها سمائم، وآخرها مآثم. 27 - قال أعرابي: رب مخوف ينال، ومرجو لا ينال. 28 - قال بكر بن عبد الله المزني: إذا رأيت قبيحاً من ناسك فالفظه، وإذا رأيت حسناً من فاتك فاحفظه. 29 - قال أعرابي: أطيب الزمان ما قرت به العينان. 30 - من كلام الجاهلية الأولى: كل مقيم شاخص، وكل زائد ناقص. 31 - وقال آخر: أكثر الناس بالقول مدل، وبالفعل مقل.

32 - وقال آخر: أعد لصديقك بذلك، ولعدوك عذلك. 33 - وقال أعرابي: ليس العمل للوفاء، كالسعي للرجاء. 34 - وقال آخر: رب بعيد لا يفقد بره، وقريب لا يؤمن شره. 35 - وقال آخر: من أحم قرم، ومن تهور ندم 36 - وقال آخر: أبين العجز قلة الحيلة، وملازمة الحليلة. 37 - وقيل لصوفي: كيف أنت؟ قال: طلبت فلم أرزق، وحرمت فلم أصبر. 38 - وقال بعض الهند في كتابه: لا ظفر مع بغي، ولا صحة مع حرص، ولا ثناء مع كبر، ولا صداقة مع خب، ولا شرف مع سوء الأدب، ولا بر مع شح، ولا اجتناب محرم مع حرص، ولا ولاية حكم مع عدم فقه، ولا عذر مع إصرار، ولا سلامة مع غيبة، ولا راحة قلب مع حسد، ولا سؤدد مع انتقام، ولا رياسة مع عجب، ولا صواب مع استبداد، ولا ثبات مع جهل الوزراء. 39 - قال عبد الملك الكاتب: تزوج بعض أصحابنا سراً من أهله، فأولدها بنتاً ولم يكن هناك بينة، ثم عشق أخرى وفارقها وجحد ابنتها، وكان يأتي الجديد على السفاح، فاحتالت القديمة حتى علمت حضوره عند الزانية، ثم مضت إلى صاحب الرفع وسلمتها إليه، ثم وجهت إلى زوجها: إني إن

خلصتك أقررت بنكاحي وبنتي؟ قال: نعم، فجاءت فدخلت السجن كأنها تزور وقالت للزانية: أخرجي بلباسي كأنك أنا، ففعلت، وقالت: قولي للرجل إني امرأتك، وقوي قلبك ولسانك فإن الجيران يشهدون لي بذلك، ففعلت وتعرف الوالي من الجيران فاعترفوا فخلاهما. 40 - قال المدائني: تذاكر قوم من ظراف البصرة الحسد، فقال رجل: إن الناس ربما حسدوا على الصلب، فانكروا ذلك، ثم جاءهم بعد أيام فقال: إن الخليفة قد أمر أن يصلب الأحنف، ومالك بن مسمع، وقيس بن الهيثم، وحجام يعرف بحمدان، فقالوا: هذا الخبيث يصلب مع هؤلاء؟! فقال: ألم أقل إن الناس يحسدون على الصلب؟! 41 - خطب عتبة بن غزوان فقال: أما بعد فإن الدنيا قد آذنت بتصرم. وولت حذاء، فلم يبق فيها إلا صبابة كصبابة الإناء، فتزودوا خير ما يحضركم. وهو تقوى الله جل جلاله وطاعته، والانتهاء عن معصيته، ولقد رأيتني في سبعة نفر مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله، نأكل العضاة حتى قرحت أشداقنا. ثم أصبحنا وما منا أحد إلا على كورة من هذه الكور.

42 - وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله يقول: لو حدرت صخرة على شفير النار لهوت قبل أن تقع في قعرها سبعين خريفاً، وإن بين مصراعي باب الجنة مسيرة أربعين سنة، وليأتين يوم كظيظ الزحام، ألا وإنها لم تكن نبوة إلا كان بعدها ملك وجبرية، وأعوذ بالله أن أكون في عين الله صغيراً وفي عيني عظيماً، وستجربون الأمراء بعدي. وكان عمر عزله بالمغيرة عن البصرة. 43 - قال الأعرابي: السعيد من أغضى بصرة لهول المرجع، وأراق دمعه لخوف المصرع. 44 - لمكنف من ولد زهير بن أبي سلمى: الكامل بكت العيون فأقرحت عبراتها ... أجفانها حزناً على إسحاق ولئن بكت جزعاً عليه لقد بكت ... جزعاً مكارم الأخلاق يا خير من بكت المكارم فقده ... لم يبق بعدك للمكارم باق لو طاف في شرق البلاد وغربها ... لم يلق إلا حامداً لك لاق ما بت من كرم الطبائع ليلة ... إلا لعرضك من نوالك واق بخلت بما حوت الأكف وإنما ... خلق الإله يديك للإنفاق 45 - قال يونس: العرب تقول: وجدان الرقين يغطي أفن الأفين، يعني أن الذهب والفضة يغطيان حمق الأحمق.

46 - قال الزبير بن بكار: كان غلام يسوق بأصحابي ويرطن بالزنجية شيئاً، يوقع عليه شبه الشعر، فمر بنا رجل يعرف لسانه فاستمع له ثم قال: إنه يقول: الطويل فقلت لها أني اهتديت لفتيه ... أناخوا بجعجاع قلائص سهما فقالت كذاك العاشقون ومن يخف ... عيون الأعادي يجعل الليل سلما 47 - قال مسلم بن عبد الله بن مسلم الهذلي: خرجت أريد العقيق ومعي زبان، فلقينا نسوة فيهن جارية قد بهرتهن حسناً، فأنشد زبان بيتي أبي وهما: الطويل ألا يا عباد الله هذا أخوكم ... قتيلاً فهل منكم به اليوم ثائر خذوا بدمي إن مت كل خريدة ... مريضة جفن العين والطرف ساحر ثم قال لي: شأنك بها يا ابن الكرام فوالله إن لم يكن دم أبيك في ثيابها، فأقبلت علي فقالت: أنت ابن أبي جندب؟ قلت: نعم، قالت: إن قتيلنا لا يودى، وأسيرنا لا يفدى، فاغتنم نفسك، واحتسب أباك. 48 - قال الأصمعي: تقول العرب في العدد: آخر حرف من الثالث إلى العاشر أحاد وثنا وثلاث ورباع وخماس وسداس وسباع وثمان وتساع وعشار؛ قال الأخفش: الأكثر أثنا، وأنشد: الرمل المجزوء

قل لعمرو يا ابن هند ... لو شهدت اليوم شنا لرأت عيناك منهم ... كل ما كنت تمنى إذا أتتنا فيلق شهيا ... ء من هنا وهنا وأتت دوسر والملحا ... ء سيراً مطمئنا ومشى القوم إلى القو ... م أحادا وأثنا وثلاثاً ورباعاً ... وخماساً فطعنا وسداساً وسباعاً ... وثماناً فاجتلدنا لا ترى إلا كميا ... قاتلاً منهم ومنا قال المبرد: لخلف الأحمر نحلة بعض الأعراب وأنشد: الرجز يفديك يا ويح أبي وخالي ... قد مر شهران وهذا الثالي وأنت بالهجران لا تبالي آخر: الطويل ثلاثة أملاك كرام ورابع ... وما الخام منهم باللئيم المذمم آخر: الوافر إذا ما عد أربعة لجود ... فزوجك خامس وأبوك سادي

آخر: الوافر مررت بربعها فوقفت فيه ... على سفع جوائم فوق آس وقد مرت به من بعد عهدي ... ثمانية وهذا العام تاس آخر: المتقارب تراهن في الجو تلو النسيم ... فطوراً أحاداً وطوراً ثنا 49 - قال عبد الكريم بن وهب، سمعنا الشافعي ينشد: الوافر وأنطقت الدراهم بعد صمت ... أناساً طال ما كانوا سكوتا فما عطفوا عل أحد بفضل ... ولا عرفوا لمكرمة بيوتا 50 - قال الهيثم بن عدي: خرج سوار بن عبيد وهو أحد الخوارج على عبد الملك بن مروان بعد أبي فديك باليمامة، وكان عامله عليها يزيد بن هبيرة، فقتل يزيد سواراً، ثم إنه تزوج ابنة امرأة من الطلبيات؛ من ولد طلبه بن قيس

ابن عاصم المنقري، فلما دخل عليها قالت: الوافر للبس عباءة وتقر عيني ... أحب إلي من لبس الشفوف وبيت تخفق الأرواح فيه ... أحب إلي من قصر منيف وخرق من بني عمي نحيف ... أحب إلي من علج عنيف 51 - قال محمد بن عمران التيمي قاضي المدينة: هذه الملح تعجب عقلاء الرجال. 52 - قال المبرد: الوجذ: جمعه وجاذ، وهي النقرة التي يستنقع فيها الماء، كالوهد والوهاد؛ قال أبو عمر الجرمي: الوجذ: كل مستنقع ماء. 53 - قيل لأعرابي: ما أحسن الثناء عليك؟ قال: بلاء الله عندي أحسن من وصف المادحين وإن أحسنوا، وذنوبي إلى الله أكثر من عيب الذامين وإن أكثروا، فواحسرتي على ما فرطت، وواسوأتي مما قدمت، بلى، ثلجت

القلوب لما ترجو من عفوه عن المذنب، وقبوله من المعتب. 54 - وصف أعرابي رجلاً فقال: لا تراه الدهر إلا كأنه لا غنى به عنك وإن كنت إليه أحوج، إن أذنبت غفر وكأنه المذنب، وإن احتجت إليه أحسن وكأنه المسيء. 55 - وقال أعرابي: ألم أكن نهيتك أن تريق ماء وجهك بمسألتك من لا ماء في وجهه؟! 56 - وقال: والله لو وقع فلان في ضحضاح معروفة لغرق. 57 - وقال أعرابي لأخيه ورآه حريصاً على الدنيا: يا أخي أنت طالب ومطلوب، ويطلبك من لا تفوته، وتطلب ما قد كفيته، وكأن ما غاب عنك قد كشف لك، وما أنت فيه قد نقلت عنه؛ يا أخي كأنك لم تر حريصاً محروماً. ولا زاهداً مرزوقاً. 58 - سئل أعرابي: من أبلغ الناس؟ قال: أحسنهم لفظاً، وأمثلهم بديهة، قيل: فمن أصبر الناس؟ قال: أردهم لجهله بحلمه، إن قاتل أبلى. وإن أعطى أغنى.

59 - قيل لأعرابي: كيف فلان؟ قال: يقطع نهاره بالمنى، ويتوسد ذراع الهم إذا أمسى. 60 - وقال أعرابي: أما فلان فلسانه أحلى من الشهد، وصدره سجن الحقد. 61 - وقال آخر في وصف آخر: إذا نزلت به النوائب قام إليها، ثم قام بها ولم تقعد به علات الأنفس. 62 - وقال أعرابي في وصف قوم: والله ما نالوا بأطراف أناملهم شيئاً إلا قد وطئنا بأقدامنا، وإن أقصى مداهم لأدنى فعالنا. 63 - ذم أعرابي آخر فقال: لا يخشى عاجل عار، ولا آجل نار، كالبهيمة تأكل ما وجدت، وتنكح ما لحقت. 64 - قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: ليس خياركم من ترك الآخرة للدنيا، ولا من ترك الدنيا للآخرة، ولكن من أخذ من هذه لهذه. 65 - وقال أعرابي: خطب رجل منا مغمور امرأة مغمورة، فقيل لولي المرأة: تعمم لكم فزوجتموه، فقال: إنا تبرقعنا له قبل أن يتعمم لنا. 66 - وقال غيره: لئن هملجت في الباطل إنك عن الحق لقطوف، ولئن أبطأت عن الحق ليسر عن إليك.

67 - وقال أعرابي: إن لم يعدلك الحق عدلك الباطل. 68 - وقال آخر لصاحب له: قد نهيتك عن مسألة أقوام أرزاقهم من ألسن الموازين، ورؤوس المكاييل. 69 - وذم أعرابي آخر فقال: لا يكون في موضع إلا حرمت الصلاة فيه، ولو أفلتت كلمة سوء لم تصر إلا إليه، ولو نزلت لعنة لم تقع إلا عليه. 70 - وذم آخر رجلاً فقال: سمين المال، مهزول المعروف، معدم مما يحب، مثر مما يكره، وهو أكثر ذنوباً من الدهر. 71 - وذم آخر رجلاً فقال: هو من قوم سلخت أقفاؤهم بالشؤم، ودبغت جلودهم باللؤم، لباسهم في الدنيا الملامة، وزادهم في الآخرة الندامة. 72 - قال أعرابي لرجل شريف: ما أحوج عرضك إلى أن يكون لمن يصونه، وتكون أنت فوق من أنت اليوم دونه. 73 - وقال آخر لصاحب له: إنما يستجاب لمؤمن أو مظلوم، ولست بواحد منهما. 74 - قال المسيح عليه السلام: لا تنظروا إلى ذنوب الناس كأنكم أرباب، ولكن انظروا إلى ذنوبكم كأنكم عبيد.

75 - قال المنصور لشريك: أني لك هذا العلم؟ قال: لم أرغب عن قليل أستفيده، ولم أبخل بكثير أفيده. 76 - وقال أعرابي: سيد القوم أشقاهم. 77 - وقال آخر: أعطاك الله ولا سلبك، وكلاك ولا وكلك، ومنحك ولا امتحنك. 78 - قال بعض الصالحين: من أذنب وهو يضحك دخل النار وهو يبكي، ومن أذنب وهو يبكي دخل الجنة وهو يضحك. 79 - نظر فيلسوف إلى امرأة قد خنقت على شجرة فقال: ليت كل شجرة تحمل مثل هذه الثمرة. 80 - وقال الثوري لما شاء الله المنجم: أنت تغدو بطالع، وأنا أغدو بالاستخارة، وأنت تخاف زحل، أنا أخاف ذنبي، وأنت ترجو المشتري، وأنا أرجو الله، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً. 81 - وقال أبو حازم وقد نظر إلى فواكه منضدة في السوق: يا مقطوعة ممنوعة.

82 - ذكر المزاح عند خالد بن صفوان: يصك أحدكم قفا أخيه بأصلب من الجندل، وينشقه أحر من الخردل، ويفرع عليه أحر من المرجل، ثم يقول: أنا أمازحك. 83 - قال محمد بن أحمد الكاتب: سمعت بشر بن الحارث ينشد لبعض المحدثين: السريع أقسم بالله لمص النوى ... وشرب ماء القلب المالحه أعز للإنسان من حرصه ... ومن سؤال الأوجه الكالحه فاستغن بالله تكن ذا غنى ... مغتبطاً بالصفقة الرابحه اليأس عز والتقى سؤدد ... ورغبة النفس لها فاضحه من كانت الدنيا به برة ... فإنها يوماً له ذابحه 84 - قال أبو سعيد، واسمه عبد الوهاب بن الحريش: حضر علي بن حمزة الكسائي وأبو حنيفة عند هارون الرشيد، فقال أبو حنيفة للكسائي: ما

لك لا تنظر في الفقه؟ فقال له الكسائي: أنا أفقه منك، ثم قال له: ما تقول في رجل قال لامرأته: أنت طالق أن دخلت الدار؟ فقال أبو حنيفة: ما لم تدخل لم يحنث، فقال له الكسائي: أخطأت، أما سمعت قول الله تعالى " تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً أن دعوا للرحمن ولداً " مريم: 90 - 91: أن دعوا أو لم يدعوا فقد دخلت، وقد حنث يا أيا حنيفة، فقال هارون: أحسنت يا أبا الحسن. 85 - كتب إبراهيم بن العباس الصولي إلى صديق له: أنصف الله شوقي إليك من جفائك، وأخذ لبري من تقصيرك، لا سلط الدهر على حسن الظن بك، كما سلطه على لطيف محلي منك. 86 - لشاعر في تهنئة بمولود: الرجز مد لك الله البقاء مداً ... حتى ترى نجلك هذا جداً مؤزراً بمجده مردى ... ثم يفدى مثل ما تفدى كأنه أنت إذا تبدى ... شمائلاً محمودة وقداً 87 - قال صاحب كليلة ودمنة: الدنيا كالماء الملح متى يزدد شار به منه رياً يزدد ظمأ وعطشاً.

88 - وقال أحمد بن المعذل لأخيه عبد الصمد: أنت كالإصبع الزائدة، إن تركت شانت، وإن قطعت آلمت. 89 - وقال صاحب كليلة ودمنة: الأدب يذهب عن العاقل السكر، ويزيد الأحمق سكراً، كالنهار يزيد البصير بصراً، ويزيد الخفاش سوء بصر. 90 - قيل لفيلسوف: لا تتكلم، فسكت، قيل له: لا تنظر، فغمض عينه، قيل له: لا تسمع، فسد أذنه، قيل له: لا تعلم، قال: لا أقدر على ذلك. 91 - قال الجماز: دخل مخنث الحمام فرأى رجلاً كبير الأير، كثير الشعر، فقال: انظروا إلى الخليفة في القطيفة! 92 - قيل لمخنث عليل، وكان يشرب لبن الأتان: كيف أصبحت؟ قال: لا تسل عمن أصبح أخا الحمار.

93 - وقال في كليلة ودمنة: صحبة الأخيار تورث الخير، وصحبة الأشرار تورث الشر، كالريح إذا مرت على النتن حملت نتناً، وإذا مرت على الطيب حملت طيباً. 94 - قيل لأعرابي: صف الزلزلة، فقال: كأنها فرس انتفض ثم راجع. 95 - قيل لرجل: صف لنا وليمة فلان، قال: كأنها زمن البرامكة في حسنها. 96 - قال صاحب كليلة: من نصح لمن لا يشكر له كان كمن ينثر بذره في السباخ، أو كمن أشار على معجب، أو كمن سار الأصم. 97 - وقال أيضاً: لا يخفى فضل ذي فضل وإن أخفاه بجهده، كالمسك الذي يخبأ ويستر ثم لا يمنع ذلك ريحه من التذكي. 98 - وذكر الجماز رجلاً فقال: كأن قيامه من عندنا سقوط جمرة من الشتاء.

99 - وقال صاحب كليلة أيضاً: من لا يقبل من نصحائه ما يثقل عليه مما ينصحون له فيه، لم يحمد غب أمره، وكان كالمريض الذي يترك ما يصف له الطبيب ويعمد لما يشتهي. 100 - قالت عجوز وقد رأت طلحة يوم الجمل: من هذا الذي كأن وجهه الدينار الهرقلي؟ قالوا: طلحة، قالت: فمن ذا الذي يتلمظ كأنه أرقم؟ قالوا: الزبير، قالت: فمن ذا الذي كسر ثم جبر؟ قالوا: علي بن أبي طالب. 101 - وقال صاحب كليلة: المودة بين الصالحين سريع اتصالها بطيء انقطاعها، والمودة بين الأشرار سريع انقطاعها بعيد اتصالها. 102 - تكلم وفد بين يدي سليمان بن عبد الملك فأخطأوا، وتكلم بعدهم رجل فأبلغ، فقال سليمان: كان كلامه بعد كلامهم سحابة لبدت عجاجة. 103 - وصف المعلى بن أيوب ابن الزيات فقال: كأنه لسان حية من ذكائه. 104 - وقال ابن الرومي الشاعر: شهر رمضان بين شعبان وشوال كمخشلبة بين درتين.

105 - قال أبو سلمان الطنبوري: شعبان درب لا ينفذ. 106 - وقال آخر: الصاحب كالرقعة في الثوب فالتمسه مشاكلاً. 107 - وقال صاحب كليلة: لا يرد بأس العدو القوي بمثل التذلل والخضوع، كما أن الحشيش يسلم من الريح العاصف بلينه لها وانثنائه معها. 108 - وقال أيضاً: ليس العدو بموثوق به وإن أظهر جميلاً، فإن الماء ولو أطيل إسخانه لم يمنعه ذلك من إطفاء النار إذا صب عليها. 109 - وصف ملاح لصاً دخل عليه فقال: كان طويلاً مثل الدقل، أسود مثل قير السفينة، فخذه مثل السكان. 110 - سمع المازني قرقرة في بطن رجل فقال: هذه ضرطة مضمرة. 111 - قال سعيد بن حميد: عمل السلطان كالحمام، من دخل فيه يريد الخروج، ومن هو خارج يريد الدخول.

112 - وقال صاحب كليلة: الدنيا كدودة القز التي لا يزداد الإبريسم عليها عقداً إلا ازدادت من الخروج بعداً. 113 - وصف رجل ابن حجية المغني فقال: كأنه خلق من كل قلب، فهو يغني كل إنسان ما يشتهي. 114 - وقال بعض الفلاسفة: العقل كالسيف والنظر كالمسن. 115 - وقال علي رضي الله عنه: الدنيا لين مسها، وفي حشاها السم الناقع. 116 - رأى من بدر رجلً كبير الأنف وفيه شعر كثير فقال: كأنما مليء أنفه شسوعاً. 117 - وقال: المرأة كالنعل يلبسها الرجل إذا شاء لا إذا شاءت.

118 - وقال ابن مسعود: ذاكر الله في الغافلين، كالمقاتل خلف الفارين. 119 - وقال ابن الرومي وقد نظر إلى غيم أبيض متقطع في السماء: كأنه قطن يندف على بطانة زرقاء. 120 - نظر مزبد إلى رجل مديني أسود ينيك غلاماً رومياً فقال: كأن أيره في أسته كراع عنز في صحفة أرز. 121 - وقال ابن الرومي في كلية الجدي: كأنها لوبياء. 122 - وقال أبو العيناء وكان عند رئيس يخفض كلامه: كأنك قد طفل بك في منزلك. 123 - قدم ابن مكرم إلى أبي علي البصير جنباً غير نضيج فقال أبو علي: هذه شريحة قصب لا جنب. 124 - نظر عبادة إلى جارية سوداء على رأسها وقاية حمراء فقال: كأنها فحمة في رأسها نار.

125 - ذكر أبو العيناء ولد موسى بن عيسى فقال: كأن أنوفهم قبور نصبت على غير القبلة. 126 - قال رجل لابن الزيات: إني أتوسل إليك بالجواز وأسألك العطف، فقال: أما الجواز فنسب بين الحيطان، وأما العطف والرقة فهما للنساء والصبيان. 127 - قيل لراهب: إن فلاناً رجع عن القراءة، فقال: دعوه فإنه لا يرجع إلى شيء أحلى من عبادة الله عز وجل. 128 - وقيل لراهب: أين الطريق؟ يسألونه الهداية، فأشار إلى السماء وقال: ها هنا. 129 - وقدم بعض الصوفية إلى المحراب ليصلي بالناس، فوقف ثم التفت يميناً وشمالاً وقال: استووا رحمكم الله، ثم خرج، فقيل له: ما هذا؟ فقال: إني استحييت من ربي أن آمركم بالاستواء، وأكون مقيماً على عوج. 130 - وقيل لأعرابية معها شاة تبيعها: بكم تبيعين هذه الشاة؟ قالت: بكذا، قيل لها: أحسني، فتركت الشاة؟ وانصرفت، فقيل لها: ما هذا؟ فقالت: لم تقولوا أنقصي وإنما قلتم أحسني، فالإحسان ترك الكل.

131 - قال الصادق جعفر بن محمد رضي الله عنهما: التقية ديني ودين آبائي. 132 - قال أعرابي: من الكلام ما هو كسلك النظام، ومنه ما هو كرجيع الطعام. 133 - قصد رجل من الشعراء باب زبيدة بنت جعفر بن المنصور ببيتين مدحها بهما وهما: الكامل المجزوء أزبيدة ابنة جعفر ... طوبى لزائرك المثاب تعطين من رجليك ما ... تعطي الأكف من الرغاب فتبادر الشعراء والغلمان ليوقعوا به فقالت: كفوا عنه فإنه أراد خيراً فأخطأه، ومن أراد خيراً فأخطأه فهو خير ممن أراد شراً فأصاب. 143 - قال أبو عمرو بن العلاء: لا يزال الناس بخير ما اشتد ضرسهم وأيرهم. 135 - وقال حماد عجرد: إن كان الناس عصوا الله من حيث أراد فقد أطاعوه، وإن كانوا عصوه من حيث لم يرد فقد غلبوه.

136 - وأنشد حماد: البسيط أرجوك بعد أبي العباس إذ بانا ... يا أكرم الناس أعراقاً وعيدانا فأنت أكرم من يمشي على قدم ... وأنضر الناس عند المحل أغصانا لو مج عود على قوم عصارته ... لمج عودك فينا المسك والبانا 137 - قال بعض الصوفية: إذا ألفت القلوب الإعراض عن الله جل اسمه عاقبها بالوقيعة في أولياء الله تعالى. 138 - قال منصور بن عمار: لا أبيع الحكمة إلا بحسن الاستماع، ولا آخذ عليها ثمناً إلا فهم القلوب. 139 - كاتب: قادهم الله بخزائم أنوفهم إلى مصارع حتوفهم. 140 - قال أبو العباس الصولي: ما تعملت لشيء من الكلام قط إلا في شيئين: فكان ما يحرزه يبرزه، وما يعقله يعتقله. 141 - قيل لابن سيابة: ما تقول في فلان؟ قال: فيه كياد مخنث، وحسد نائحة. وشره قوادة، وملق داية، وذل قابلة، وبخل كلب، وحرص نباش.

142 - نظر مديني إلى قوم يستسقون ومعهم صبيان فقال: ما هؤلاء؟ فقيل: نرجو بهم الإجابة، فقال: لو كان دعاؤهم مجاباً لما بقي في الأرض معلم. 143 - تقاضى ثابت بن عبيد الله بن أبي بكرة غريماً له بأربعين ألف درهم، فقال له الغريم: أدخلني دارك حتى أتوضأ، فأذن له، فخرج أبوه فقال له: ما لك؟ قال: حبسني ابنك، فخرج إليه فقال: أما وجدت لغرمائك محبساً إلا داري؟ هي علي، خل عنه. 144 - كان بهرام بن بهرام بن بهرام من ملوك فارس، والحارث بن الحارث بن الحارث من ملوك غسان، وحسن بن حسن بن حسن من الطالبيين، وأبو البختري وهب بن وهب بن وهب. وثلاثة سادوا فس نسق: المهلب بن أبي صفرة، وابنه يزيد، وابن يزيد مخلد وهو صبي. 145 - ويقال: كان أبو طالب عطاراً، وكان أبو بكر بزازاً، وكان عمر

دلالاً يسعى بين البائع والمشتري، وكان عثمان بزازاً، وكذلك طلحة وعبد الرحمن بن عوف، وكان سعد بن أبي وقاص يبري النبل، وكان العوام أبو الزبير خياطاً، وكان عمرو بن العاص جزاراً، وكان الوليد بن المغيرة حداداً، وكذلك العاص بن هشام أخو أبي جهل وكان عقبة بن أبي معيط خماراً. وكان الخطاب بن نفيل مراقاً، وكان عثمان بن طلحة الذي دفع إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله مفتاح البيت خياطاً، وقيس بن مخرمة كذلك، وكان أبو سفيان بن حرب يبيع الزيت؛ والأدم، وكان عتبة بن أبي وقاص أخو سعد نجاراً، وكان أمية بن خلف يبيع البرام، وكان عبد الله بن جدعان نحاساً يبيع الجواري، وكان العاص بن وائل أبو عمرو بن العاص بيطاراً يعلاج الخيل، وكان النضر بن الحارث بن كلدة يضرب العود، وكان الحكم بن العاص خصاء يخصي الغنم، وكذلك حريث بن عمرو بن حريث، وكذلك قيس الفهري أبو الضحاك بن قيس، وكذلك سيرين أبو محمد بن سيرين، وكان مالك بن دينار وراقاً، وكان أبو حنيفة صاحب الرأي والقياس خزازاً، وكان المهلب بن أبي

صفرة بستانياً، وكان مسلم أبو قتيبة جمالاً، وكان سفيان بن عيينة معلماً، وكذلك الضحاك بن مزاحم وعطاء بن أبي رباح، وكذلك الكميت بن زيد الشاعر، وكذلك عبد الحميد بن يحيى كاتب الرسائل، وكذلك الحجاج بن يوسف وأبوه وكذلك أبو عبيد الله كاتب الرسائل وأبو عبيد القاسم بن سلام والكسائي؛ هذه صناعات الأشراف سقتها على ما وجدتها. 146 - وأما أديان العرب فإن النصرانية كانت في ربيعة وغسان وبعض قضاعة؛ واليهودية كانت في حمير وبني كنانة وبني الحارث بن كعب وكندة؛ والمجوسية كانت في تميم، منهم زرارة ابن عدس وحاجب بن زرارة، والأقرع بن حابس؛ وكانت الزندقة في قريش، وكانت بنو حنيفة اتخذوا إلهاً من حيس فعبدوه دهراً ثم أصابتهم مجاعة فأكلوه فقال رجل من بني تميم: الخفيف أكلت ربها حنيفة من جو ... ع قديم بها ومن إعواز 147 - ويقال: سميت النصارى لقرية يقال لها ناصرة، ويقال على معنى قول الله تعالى: " من أنصاري إلى الله " آل عمران: 52.

148 - وقال بعض الصوفية: وجدت على خاتم: من ألف مسامرة الأماني، بقي في مدرجة التواني. 149 - قال الصولي: كاتبت أبا خليفة فأغفلت التاريخ فكتب إلي: وصل كتابك مبهم الأوان، مظلم البيان، فأدى خبراً ما القرب فيه بأولى من البعد، فإذا كتبت - أعزك الله - فلتكن كتبك موسومة بالتاريخ لأعرف به أدنى آثارك، وأقرب أخبارك. 150 - وقال محمد بن عبد الملك: بالقلم تزف بنات العقول إلى خدور الكتب. 151 - وأنشد: الكامل المجزوء دعني وإيا خالد ... فلأقطعن عرى نياطه رجلي يعد لك الوعي ... د إذا جلست على بساطه فإن انتظرت غداءه ... خفت البوادر من سماطه انظر إلى غلوائه ... في نطقه وإلى احتلاطه سألت أعرابياً؛ عن الاحتلاط - بالحاء غير معجمة فقال: هو الغضب، وأنشد هذا الشعر، وليس هذا بحجة، ولكن أفادنا لأن الكلام أشهر من ذلك.

152 - أنشدنا أبو سعيد في القار للعماني: مجزوء الرجز أما ترون الأوجه السباطا ... والقار والألسنة السلاطا إن الندى حيث ترى الضغاطا ... وحيث وافى الموكب السخاطا ينبذن لي أن أطأ البساطا 153 - خطب الحجاج فقال: أيها الناس إنكم أغراض حمام، وفرضة هلكة، قد أنذركم القرآن، وصفر برحيلكم الجديدان، وإن لكم أجلاً لا تؤخر ساعته، ولا تدفع مقدمته، وكأن قد دلفت إليكم نازلته فنعق بكم، وحثكم حث مستقصى، فماذا عبأتم للرحيل؟ وماذا أعددتم للنزول؟ ومن لم يأخذ أهبة الحذر، نزل به سوء القدر. هذا قد تقدم. 154 - خطب الزبير فقال: عباد الله، دعوة واعظ وهدية ناصح، إن السبيل إلى الفوز والطريق إلى الخلد قد أوضحت معالمها، ولاحت آثارها، فلا أنتم بصروفها تتعظون، ولا من سيء أعمالكم تتنصلون، انظروا إلى من كان قبلكم متعوا فما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون، انهمكوا فهلكوا، وشردوا فأخذوا، فالعقر خراب والعمار يباب، فإلا تسلكوا سبيل الحذر، تطلبكم

فجائع القدر، جعلنا الله وإياكم من الواعين لما يسمع، والمتعظين بما ينفع. 154ب - قال الجاحظ: فلو كان العمل شريك المقال، لكان القوم من الأبدال، ولكنهم بحلاوة ألفاظهم، وتنسيق كلامهم وحيلهم، وحسن تأتيهم في الأمور، ملكوا قلوب الرعية، هذا قاله في الملح. 155 - قال المغيرة بن شعبة: ما خدعني غير غلام من بني الحارث بن كعب، فإني ذكرت امراة منهم فقال: أيها الأمير، لا خير لك فيها، قلت: ولم؟ قال: رأيت رجلاً يقبلها. 156 - كان نصراني يختلف إلى الضحاك بن مزاحم فقال يوماً: ما زلت معجباً بالإسلام مذ عرفتك، قال: فما يمنعك منه. قال: حبي الخمر، قال: فأسلم واشربها، قال: فلما أسلم قال له الضحاك: إنك قد أسلمت، فإن شربت الخمر حددناك، وإن رجعت عن الإسلام قتلناك، فترك الخمر وحسن إسلامه. 157 - قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: ما ملك رفيقاً من لم يتجرع بغيظ ريقاً.

158 - كان لعبد الله بن مطيع غلام مولد، قد أدبه وخرجه وصيره قهرمانه، وكان قد أتاهم قوم من العدو في ناحية البحر. فرآه يوماً يبكي فقال: ما لك؟ قال: تمنيت أن أكون حراً فأخرج مع المسليمن، قال: أو تحب ذاك؟ قال: نعم، قال: فأنت حر لوجه الله فاخرج، قال: فإنه قد بدا لي أن لا أخرج، قال: خدعتني. 159 - اعتذر رجل إلى أعرابي فقال الأعرابي: سأتخطى ذنبك إلى عذرك، وإن كنت من أحدهما على يقين ومن الآخر على شك، ليتم المعروف مني إليك، وتقوم الحجة لي عليك. 160 - قالت الهند: السكران تعتريه أربعة أحوال: طاووسية، ثم سبعية، قردية، ثم خنزيرية. 161 - قال المفضل بن محمد الضبي: حضرت الرشيد يوماً، ومحمد عن يمينه والمأمون عن يساره والكسائي بين يديه وهو يطارحهما في معاني القرآن، فالتفت إلي الرشيد وقال: كم اسم في قوله " فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم " البقرة: 137 فقلت: ثلاثة أسماء يا أمير المؤمنين، أولها: اسم الله عز وجل، والثاني: اسم رسول صلى الله عليه وسلم، والكفار فالياء الأولى هي اسم الله تعالى، والكاف الثانية لرسول الله عليه السلام، والهاء والميم

للكفار، فقال الرشيد: هكذا أجاب هذا الرجل، وأومأ إلى الكسائي، ثم التفت إلى محمد فقال: أفهمت؟ قال: نعم. 162 - كتب إسحاق بن إبراهيم الموصلي إلى إبراهيم بن المهدي: من كان كله لك، وقع كله عليك. 163 - دخل الحارث بن كلدة على كسرى أنوشروان، وهو طبيب العرب، فقال له كسرى: ما أصل الطب؟ قال: ضبط الشفتين والرفق باليدين، قال: أصبت، فما الداء الدوي؟ قال: إدخال الطعام على الطعام هو الذي أفنى البرية، وقتل السباع في البرية، قال: أصبت، فما الجمرة التي تلتهب منها الأدواء؟ قال: التخمة التي إن بقيت في الجوف قتلت، وإن تحللت أسقمت، قال: فما تقول في الحجامة؟ قال: في نقصان الهلال في يوم صحو لا غيم فيه والنفس طيبة والسرور حاضر، قال: فما تقول في الحمام؟ قال: لا تدخل الحمام وأنت شبعان، ولا تغش أهلك وأنت سكران، ولا تقم بالليل وأنت عريان، وارتفق بيمينك يكن أرخى لمقيلك؛ قال: فما تقول في شرب الدواء؟ قال: اجتنب الدواء ما لزمتك الصحة، فإذا أحسست من الداء بحركة فاحسمه بما يردعه قبل استحكامه، فإن البدن بمنزلة الأرض إن أصلحتها عمرت، وإن أفسدتها خربت، قال: فما تقول في الشراب؟ قال: أطيبه

أهنوه، وأرقه أمرؤه، وأعذبه أشهاه، ولا تشربه صرفاً فيورثك صداعاً. ويثير عليك من الأدواء أنواعاً، قال: فأي اللحمان أحمد؟ قال: الضأن الفتي، واجتنبت أكل القديد والمالح والجزور والبقر، قال: فما تقول في الفاكهة؟ قال: كلها في إقبال دولتها، وخير أوانها، واتركها إذا أدبرت وانقضى زمانها، وأفضل الفاكهة الرمان والأترج، وأفضل البقول الهندبا والخس، قال: فما تقول في شرب الماء؟ قال: هو حياة البدن وبه قوامه، وشربه بعد النوم ضرر، وأقوى المياه مياه الأنهار، وأبرده أصفاه، قال: فما طعمه؟ قال: شيء لا يوصف، مشتق من الحياة، قال: فما لونه؟ قال: اشتبه على الأبصار لونه، لأنه على لون كل شيء، قال: فأخبرني عن اصل الإنسان، قال: أصله من حيث يشرب الماء، يعني رأسه، قال: فما هذا النور الذي تبصر به الأشياء؟ قال: العيون مركبة، فالبياض شحمه، والسواد ماؤه، والناظر ريح، قال: فعلى كم طبائع هذا البدن؟ قال: على أربع: على المرة السوداء وهي باردة شديدة يابسة، والمرة الصفراء وهي حارة يابسة، والدم وهو حار رطب، والبلغم وهو بارد رطب، قال: فلم لم يكن من طبيعة واحدة؟ قال: لو كان من طبيعة واحدة لم يأكل ولم يشرب ولم يمرض ولم يمت، قال: فمن طبيعتين؟ قال: كانتا تقتتلان، وكذلك لو كان من ثلاث، قال: فاذكر لي أفعال الطبائع في كلمة جامعة، قال: كل حلو حار، وكل حامض بارد، وكل حريف حار، وكل مر معتدل، وفي المر حار وبارد، قال: فما أفضل ما عولجت به المرة الصفراء؟ قال: البارد اللين، قال:

فالسوداء؟ قال: الحار اللين، قال: فالرياح؟ قال: الحقن اللينة والأدهان الحارة، قال: أتأمر بالحقنة؟ قال: نعم، قرأت في بعض كتب الحكماء أن الحقنة تنقي الجوف وتكسح الأدواء، وعجبت لمن احتقن كيف يهرم أو يعدم الولد، والجهل كل الجهل أكل ما عرفت مضرته، قال: فما الحمية؟ قال: الاقتصاد في كل شيء، فإن تجاوز المقدار يضيق على الروح ساحتها، قال: فما تقول في إتيان النساء؟ قال: الإكثار مضر، وإياك والمولية منهن فإنها كالشن البالي، تسقم بدنك وتجدب قواك، ريقها سم قاتل، ونفسها موت عاجل، تأخذ منك ولا تعطيك، عليك بالشابة، ريقها عذب زلال، وعناقها غنج ودلال، تزيدك قوة ونشاطاً، قال: فأي النساء القلب إليها أنشط، والنفس بمباشرتها أغبط؟ قال: إذا أصبتها فلتكن مديدة القامة، عظيمة الهامة، واسعة الجبين، قنواء العرنين، كحلاء برجاء، صافية الخدين، عريضة الصدر، مليحة النحر، ناهدة الثديين، لطيفة الخصر والقدمين، بيضاء فرعاء، جعدة غضة بضة، تخالها في الظلماء بدراً، قد جمعت لك طيباً وعطراً، تبسم عن أقحوان زاهر، وإن تكشف عنها تكشف عن بيضة مكنونة، وإن تعانق تعانق ألين من الزبد، وأحلى من الشهد، وأبرد من الفرودس والخلد، وأذكى من الياسمين والورد، قال: فأي الأوقات الجماع أفضل؟ قال: عند إدبار الليل وقد غور، وعند إقبال الصبح وقد نور، فالبطن أخلى، والمتن أقوى، والنفس أشهى، والرحم أحلى، قال كسرى: لله درك من أعرابي أعطيت علماً، ووصله وقام إلى نسائه.

164 - قال ابن الأعرابي: إذا أردت أن يخرج ولدك ذكياً فأغضب أمه ثم واقعها، وانشد: الطويل يجامعها غضبى فجاء مسهداً ... وأنفع أولاد الرجال المسهد 165 - قال أبو المعتمر: الناس ثلاثة أصناف: أغنياء وفقراء وأوساط؛ فالفقراء موتى إلا من أغناه الله بعز القناعة، والأغنياء سكارى إلا من عصمه الله بتوقع الغير، وأكثر الخير مع الأوساط، وأكثر الشر مع الأغنياء، والفقر يسخف الفقير، والغنى يبطر الغني. 166 - كان يقال: من أراد العلم والسخاء والجمال فليأت دار العباس، كان عبد الله أعلم الناس، وعبيد الله أسخى الناس، والفضل أجمل الناس. 176 - ضرب شرطي رجلاً فصاح الرجل: واعمراه! فرفع إلى المأمون فدعا به فقال: من أين أنت؟ فقال: من مآب، قال: أما إن عمر بن الخطاب كان يقول: من كان له جار نبطي واحتاج إلى ثمنه فليبعه، فإن كنت تطلب سيرة عمر رحمه الله فهذا حكمه؛ وأمر له بألف درهم.

168 - قال فيلسوف: إفراط العقل مضر بالجسد، وأنشد: السريع إن المقادير إذا ساعدت ... ألقحت العاجز بالحازم 169 - وقال عمر رضي الله عنه: أشيعوا الكنى فإنها منبهة. 170 - وقع علي بن عيسى إلى ابن مرانة العطار في قصة يسأله أن يكلم أمير المؤمنين المقتدر بالله حتى يصفح عنه: من تحقق بالوزراء، وجالس الأمراء، وداس بسط الخلفاء، وماثل الكبراء، وأمر ونهى في مجالس الرؤساء، بعقل يسير، وفهم قصير، ورأي حقير، وأدب صغير، كان خليقاً بالنكبة، وحرياً بالمصيبة، وجديراً بالمحنة، وأنا أتكلم إذا حضرني الكلام فيك بما يقربني إلى الله تعالى. 171 - ووقع أيضاً إلى عامل بالثغر: قد كثرت منك الشكية، وعظمت فيك البلية، بفساد طويتك، ورداءة نيتك، وليس مثلك من يرتب لمعالي الأمور، ولا من يعتمد في صلاح الثغور، وقد وقفت من خبرك على الجلي منه، وعرفت حقيقة ما تناهى إلي عنه، فانصرف خسيس القدر، بت الله منك العمر.

172 - ووقع أيضاً: مثلك من باع العلو بالانحطاط، وجليل المرتبة بالإسقاط، وساريك عند الاحتياط، أنك بالخمول ذو اغتباط. 173 - ووقع أيضاً: وليتك من عملي جليلاً، وكنت حقيراً قليلاً، مهنياً ذليلاً، حصراً كليلاً، فانصرف عليك اللعن طويلاً. 174 - كان لعمران بن حطان زوجة جليلة جميلة، حسنة الخلق والخلق، وكان هو قصيراً دميماً سي الخلق، فقالت له ذات يوم: اعلم أني وإياك في الجنة، قال: كيف ذاك؟ قالت: لأنك أعطيت مثلي فشكرت، وابتليت بمثلك فصبرت، والصابر والشاكر في الجنة. 175 - قال بعض الأطباء: إذا أخذ الترمس والحنظل فطبخا بماء ثم نضح ذلك الماء على زرع لم يقربه الجراد. 176 - وقيل: النمل يهرب من دخان أصول الحنظل. 177 - ويقال: إذا زرع الخردل في نواحي زرع لم يقربه الدبا. 178 - ويقال: إذا أخذ الأفيون والشونيز والباذروج وقرن الأيل وباذهنج وظلف المعز، وخلط ذلك ودق وعجن بخل حاذق ثم قطع قطعاً ودخن بقطعة خرب الهوام والحيات والعقارب والنمل.

179 - قال بعض الأطباء: الغلام ينهر لسبع، ويحتلم لأربع عشرة، ويتم طوله لإحدى وعشرين، ويكمل عقله لثمان وعشرين، وما بعد تجارب. 180 - قيل لبعض السلف: ما شيء أوسع من الأرض؟ قال: الحق، قيل: فما شيء أثقل من السماء؟ قال: الأمانة والبهتان على البريء، قيل: فما شيء أغنى من البحر؟ قال: القانع، قيل: فما شيء أقسى من الحجر؟ قال: قلب الكافر، قيل: فما شيء أحر من النار؟ قال: شره الحريص، قيل: فما أبرد من الزمهرير؟ قال: اليأس، قيل: فما أضعف من اليتيم؟ قال: النمام. 181 - لما اعتقت عائشة جاريتها بريرة، وكان زوجها حبشياً واسمه مغيث، مشى خلفها ودموعه تسيل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمه العباس: يا عم أما ترى حب مغيث بريرة فلو كلمناها أن تتزوجه؟ فدعاها فكلمها فقالت: يا رسول الله إن أمرتني فعلت، فقال: أما أمر فلا، ولكن أشفع، فأبت أن تتزوجه؛ حدثنا بهذا أبو حامد المروروذي. 182 - لدعبل الخزاعي: الكامل أهلاً وسهلاً بالمشيب فإنه ... سمة العفيف وحلية المتحرج ضيف أحل بك النهى فقريته ... رفض الغواية واقتصار المنهج 183 - قال أعرابي: الخير محضور الباب، والشر مهجور الجناب.

184 - وقال أبان بن تغلب: رأيت أعرابياً يعاتب ابناً له صغيراً ويذكره حقه عليه، فقال الصبي: يا أبة إن عظيم حقك علي لا يبطل صغير حقي عليك، والذي تمت به إلي أمت بمثله إليك، ولست أقول أنا سواء. 185 - دخل رجل فجاءة عل بعض الشاميين وبين يدي الشامي فراريج مشوية، فلما بصر بالداخل غطى الفراريج بذيله وأدخل رأسه في جربانه وقال للداخل: انتظرني على الباب حتى أفرغ من بخوري. 186 - قال بعض الأطباء: مما يذهب رائحة الشراب من الفم مضغ قرطاس، واستفاف دقيق الأرز، وأكل الجبن المشوي والكمون والقرنفل والدارصيني. 187 - قال بزرجمهر: أنعم تشكر، وأرهب تحذر، ولا تهزل فتحقر؛ فكتبها الملك على خاتمه. 188 - قال عيسى بن مريم عليه السلام لرجل: ما تصنع؟ قال: أتعبد، قال: فمن يعود عليك؟ قال: أخي، قال: أخوك أعبد منك.

189 - مر عمر رضي الله عنه بعامل من عماله وهو يبني بالآجر والجص فقال: تأبى الدراهم إلى أن تخرج أعناقها، وشاطره ماله. 190 - وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: خذ من شاربك حتى تبدو شفتاك، ومن ثوبك حتى يبدو عقباك. 191 - ولما بنى عمر بن عبد العزيز بفاطمة بنت عبد الملك أسرج تلك الليلة في مسارجه الغالية. 192 - قال عمر بن عبد العزيز لولده: العبوا فإن المروءة لا تكون إلا بعد اللعب. 193 - وأنشد: الطويل فسري كإعلاني وتلك خليقتي ... وظلمة ليلي مثل ضوء نهاري 194 - قال ابن عباس: غضب العربي في رأسه، فإذا غضب لم يهدأ حتى يجرح بلسان أو يد، وغضب النبطي في استه، فإذا خرئ ذهب غضبه.

195 - قال فيلسوف: لو صور العقل لأظلمت معه الشمس، ولو صور الحمق لأضاء معه الليل. 196 - قيل ليحيى بن خالد: إنك لا تؤدب غلمانك، فقال: هم أمناؤنا على أنفسنا، فإذا أخفناهم كيف نأمنهم؟ 197 - قال عمر رضي الله عنه لغلام له يبيع الحلل: إذا كان الثوب عاجزاً فانشره وأنت جالس، وإذا كان واسعاً فانشره وأنت قائم، فقال أبو موسى: الله يا عمر، فقال: إنما هو سوق. 198 - وكان عبد الله بن عمر يقول: إلى الله أشكو حمدي ما لا آتي، وذمي ما لا أترك. 199 - كان بعض السلف يقول: ذو المروءة يكرم وإن كان معدماً كالأسد يهاب إن كان رابضاً، والسخيف يهان وإن كان موسراً، كالكلب يخسأ وإن حلي طوقاً. 200 - وأنشد: الطويل سأعمل نص العيس حتى يكفني ... غنى المال مني أو غنى الحدثان

فللموت خير من حياة يرى لها ... على الحر بالإقلال وسم هوان متى يتكلم يلغ حسن كلامه ... وإن لم يقل قالوا عديم بيان كأن الغنى في أهله بورك الغنى ... بغير لسان ناطق بلسان 201 - قال رجل لروح بن حاتم: لقد طال وقوفك في الشمس، فقال: نعم، ليطول مقامي في الظل. 202 - شاعر: الطويل تقول سليمى لو أقمت بأرضنا ... ولم تدر أني للمقام أطوف 203 - قيل لمديني: ما عندك من آلة الحج؟ قال: التلبية. 204 - قيل لمديني: يمكنك أن تحج، قال: ليت أمكنني القيام أو المقام. 205 - وأنشد الوافر أظن الدهر قد آلى فبرا ... بأن لا يكسب الأموال حراً

لقد قعد الزمان بكل حر ... ونقض من عراه المستمرا ومن جعل الظلام له قعوداً ... أصاب به الدجى خيراً وشرا 206 - قيل لمديني: ما عندك من آلة العصيدة؟ قال: الماء. 207 - يقال: الفاضل يحب أن لا يرى إلا مع الملوك مكرماً، ومع النساك متبتلاً. 208 - يقال: ذو الهمة وإن حط نفسه تأبى إلا علواً كالشعلة تصان وهي تعلو. 209 - يقال: ما العز إلا ما تحت ثوب الكد، وأنشد الكامل العز في دعة النفوس ولا أرى ... عز المعيشة دون أن تسعى لها 210 - قيل: من أراد الراحة فيلقنع، ومن أراد الذكر فليجهد. 211 - قال بعض السلف: الأيدي ثلاث، يد بيضاء وهي الابتداء بالمعروف، يد خضراء وهي المكافأة، ويد سوداء وهي المن. 212 - يقال: إن البكاء يحدث من الخوف، والحزن، والفرح والجزع، والفزع، والوجع، والعشق

123 - قال بعض السلف: ما طابت رائحة الإنسان إلا قل همه، ولا نقيت ثيابه إلا قل غمه. 214 - وقع علي بن عيسى إلى هشام العامل: قلتك في نفسك، وزري منظرك، ودقة حسبك، وخمول نسبك، وسقوط أدبك، وموهن قوتك، واختلال مروءتك، وضعف نيتك، يمنع من تقويمك والانتصاف منك ويحجب من تناولك بالعقوبة فقد نجاك لؤمك وأطلقتك. مقاذيرك، فأنت كما قال الشاعر: المتقارب نجا بك لؤمك منجى الذباب ... حمته مقاذيره أن ينالا ولست أرضاك لي عبداً، ولو كنته لرايتك عتقك؛ احتقاراً لقدرتك، واستصغاراً لأمرك. 215 - وأنشد: الطويل ظننت بكم ظنا فقصر دونه ... فيا رب مظنون به الخير يخلف إذا المرء لم يحببك إلا تكرها ... فدعه ولا يكثر عليه التلهف فما كل من تهوى يحبك قلبه ... ولا كل من عاشرته لك منصف فما الناس بالناس الذين عهدتهم ... ولا الدار بالدار التي كنت تألف 216 - قول الحنف: السؤدد مع السواد، يكون له وجهان: أحدهما

السؤدد يكون مع سواد الشعر والحداثة، والثاني يكون السؤدد مع العامة أي يقعدون ذلك الرجل. 217 - قال أبو اليقظان: ولى الحجاج القاسم بن محمد بن الحكم الثقفي فارس، فقاتل الأكراد بها وهم يومئذ عدد كثير فأبادهم واستأصل شأفتهم، وولاه السند ففتحها، وقاد الجيوش وهو ابن سبع عشرة سنة، وفيه يقول الشاعر: الكامل إن السماحة والمروءة والحجى ... لمحمد بن القاسم بن محمد قاد الجيوش لسبع عشرة حجة ... يا قرب سؤدد مشهد من مولد وهو الذي جعل الشيراز معسكراً. وولي معاذ اليمن وهو ابن نيف وعشرين سنة، وولى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله عتاب بن أسيد لثمان عشرة سنة، وحمل أبو مسلم أمر الدعوة هو ابن إحدى وعشرين سنة، وسودت قريش أبا جهل ولم يطر شاربه، وأدخلته مع الكهول دار الندوة. 218 - قال جعفر بن محمد رضي الله عنهما: من استغنى بالله أحوج الله الناس إليه. 219 - قال: وكان على فص ذي اليمينين: وضع الخد للحق عز؛ وكان على خاتم حاتم: جد تسد؛ وكان على خاتم سابور: الصبر درك.

220 - راودت أعرابية شيخاً عن نفسه، فلما دنا منها أبطأ فأعجلته، فقال: يا هذه، أنت تفتحين بيتاً وأنا أنشر ميتاً. 221 - قال أعرابي: أحسن الأحوال حال يغبطك بها من دونك، ولا يحقرك معها من فوقك. 222 - قال أبو بكر بن عياش: رأيت زيد بن علي رضي الله عنهما مصلوباً زمان هشام بن عبد الملك، وكان خميص البطن، وصلب عريان فنزلت سرته فغطت عورته. 223 - قال ثعلب كان العرب تسمي الأحد أول، والأثنين أهون، والثلاثاء جباراً والأربعاء دباراً، والخميس مؤنساً، الجمعة عروبة، والسبت شياراً، وأنشد: الوافر أؤمل أن أعيش وأن يومي ... بأول أو بأهون أو جبارا أو التالي دبار فإن أفته ... فمؤنس أو عروبة أو شيارا 224 - قال ابن الأنباري: قال لي أبي، قال أحمد بن عبيد المدائني:

معنى قوله صلى الله عليه وسلم إن من الشعر لحكماً وإن من البيان لسحراً، وإن من القول لعياً، إن من العلم لجهلاً، قال: قوله إن من الشعر لحكماً يريد المواعظ، وإن من البيان لسحراً هو أن يكون ألحن بحجته من الآخر فيسحر من يسمعه حتى يرى أن الحق له، وإن من القول لعياً أن تعرض علمك على من لايريده، إن من العلم لجهلاً هو أن يضم العالم إلى علمه ما لا يعلمه فيجهله ذلك. 225 - قال منصور بن عمار لأهل مجلسه: ما أرى إساءة تكثر على عفو الله، فلا تيأس، وربما آخذ الله على الصغيرة فلا تأمن، وبعد فقد علمت أنك بطول عفو الله عنك عمرت مجالس الاغترار به، ورضيت لنفسك المقام على سخطه، ولو كنت تعاقب نفسك بقدر تجاوزه عن سيئاتك ما استمر بك لجاج فيما نهبت عنه، ولا قصرت دون المبالغة، ولكنك رهين غفلة، وأسير حيرة. 226 - وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله لرجل: بادر بخمس قبل خمس: شاببك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، غناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك. 227 - مر شيخ على غلام من الأعراب فقال: يا عماه، قد قصر قيدك، فقال: يا ابن أخي، أما إن الذي قصر قيدي تركته يفتل لك القيد.

228 - سمع سعيد بن المسيب رجلاً يقول: أين الراغبون في الآخرة؟ فقال له سعيد: اقلب مسألتك، وضع يدك حيث شئت. 229 - قال الزهري: كان يقال: بنو أمية دن خل أخرج الله منه زق عسل، يعني عمر بن عبد العزيز رحمه الله. 230 - استوصف كوفي بصرياً الحسن فقال: فيه بهاء الملوك، وخشوع العابدين. 231 - قال ابن سلام عندما توفي عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو مسجى: رحمك الله يا عمر إن كنت لعفيف الطرف، نقي الظرف، طيب العرف. 232 - قيل للشعبي: كيف بت البارحة؟ فطوى كساءة في الأرض ثم نام عليه وتوسد يده وقال: هكذا بت. 233 - جاء هانئ بن قبيصة بنت النعمان وهي تبكي فقال لها: مالك، لعل بعضنا آذاك؟ قالت: لا، ولكني رأيت دارك ملئت غضارة، وقل دار ملئت حبوراً إلا ملئت ثبوراً.

234 - قال عمر بن عبد العزيز: لو جاءت كل أمة بجناتها، وجئنا بالحجاج بن يوسف لغلبناها. 235 - قيل للشعبي: أكان الحجاج مؤمناً؟ قال: نعم بالطاغوت، كافراً بالله. 236 - وقيل للأحنف: إنك لتغشى سدد السلطان فتقعد ناحية، قال: أبعد فأقرب، أحب إلي من أن أقرب فأبعد. 237 - كان عمر بن عبد العزيز إذا جلس للقضاء قرأ " أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون " الشعراء: 205 - 206، وينشد الطويل يغر بما يبلى ويشغل بالمنى ... كما غر باللذات في النوم حالم نهارك يا مغرور سهو وغفلة ... وليلك نوم والردى لك لازم وسعيك فيما سوف تكره غبه ... كذلك في الدنيا تعيش البهائم 238 - قال الربيع بن خثيم: قولوا خيراً واعملوا خيراً.

239 - قال الأصمعي: حدثنا ابن عمير النمري قال: دخلت أعرابية على عبيد الله بن أبي بكرة بالبصرة فوقفت بين السماطين فقالت: أصلح الله الأمير وأمتع به، حدرتنا إليك سنة اشتد بلاؤها، وانكشف غطاؤها، فجئتك أقود صبية صغاراً وأخرى كباراً، تخفضنا خافضة وترفعنا رافعة، وغشيتني ملمات برين عظمي، وأذهبن لحمي، وتركنني بالحضيض، قد ضاق بي البلد العريض، وسألت في أحياء العرب، من المرتجى المعطي سائله؟ فدللت عليك أصلحك الله؛ وأنا امرأة من هوازن، قد مات الوالد، وغاب الرافد، وأنت بعد الله رجائي ومتهى أملي، افعل بي إحدى ثلاث: إما أن تردني إلى بلدي، أو تحسن صفدي، أو تقيم أودي، فقال: بل اجمعهن لك وحياً؛ فلم يزل يجزي عليها كما يجري على عياله حتى مات. 240 - قال الأصمعي: حدثني بعض العتابيين قال: كتب كلثوم بن

عمرو العتابي إلى رجل في حاجة: بسم الله الرحمن الرحيم، أطال الله بقاءك، وجعله يمتد بك إلى رضوانه والجنة، أما بعد فإنك كنا عندنا روضة من رياض الكرم، تبتهج النفوس بها، وتستريح القلوب إليها، وكنا نيعفها من النجعة إجلالاً لزهرتها، وشفقة على خضرتها، وادخاراً لثمرتها، حتى مرت بنا في سفرتنا هذه سنة كانت من سني يوسف، اشتد علينا كلبها، وأخلفت غيومها، وكذبتنا بروقها، وفقدنا صالح الإخوان فيها، وانتجعتك وأنا بانتجاعي إياك شديد الشفقة عليك، مع علمي بأنك نعم وضع الزاد، وأنك تغطي أعين الساد، والله يعلم أني لا أعتد بك إلا في حومة الأهل، واعلم أن الكريم إذا استحيا من إعطاء القليل، ولم يحضره الكثير، لم يعرف جوده، ولم تعل همته، وأنا أقول في ذلك: البسيط ظل اليسار على العباس ممدود ... وقلبه أبداً بالنيل معقود إن الكريم يخفي عنك عسرته ... حتى تراه غنياً وهو مجهود وللبخيل على أمواله علل ... زرق العيون عليها أوجه سود إذا تكرمت أن تعطي القليل ولم ... تقدر على سعة لم يظهر الجود بث النوال ولا تمنعك قلته ... فكل ما سد فقراً فهو محمود فشاطره ماله حتى بعث إليه قيمة نصف خاتمه، وأعطاه فرد نعله. 240ب - قال أهل اللغة: معنى شاطره ناصفه، أي بعث إليه بشطر ماله، يقال: لك شطر هذا المال أي نصفه؛ فأما قول الله تالى " فول وجهك شطر المسجد الحرام البقرة 149 أي نحوه؛ يقال: الشاطر البعيد، فأما الشطارة في كلام العامة فمردودة عند العلماء، وقيل: إن ذلك إنما قيل لأن الشطارة كالبعيد مما عليه الجمهور؛ وأما قول العامة: شطور الثوب فغير مرضي.

241 - قال أبو عمرو: الزنيم: الدعي، والمقلات من النساء: التي لا يعيش لها ولد؛ ولا أعرف أبا عمرو هذا، ولله الشيباني صاحب كتاب الجيم. 242 - وانشد الشاعر: الخفيف عذلوني على الحماقة جهلاً ... وهي من عقلهم ألذ وأحلى لو رأوا ما لقيت من حرفة العق ... ل لطاروا إلى الحماقة رسلا حمقي قائم بقوت عيالي ... ويموتون إن تعاقلت هزلا 243 - يقال ما النشر، وما الحشر، وما الجشر، وما العشر، وما القشر، وما الكشر، وما المشر، وما الوشر. 244 - ويقال في فن آخر: ما الأوب، وما الثوب، وما الجوب، وما الحوب، وما الذوب، وما الروب أيضاً، وما الشوب، وما الصوب، وما اللوب، وما النوب. 245 - ويقال في فن آخر: ما الدس، وما البس، وما الحس، وما الرس، وما العس، وما القس، وما اللس، وما النس. 246 - ويقال في فن آخر: ما الشائف، وما الخائف، وما الزائف، وما السائف، وما الصائف، وما الضائف، وما العائف، وما القائف، وما الرائف، وما النائف، وما الطائف، وما الآيف، وما الحائف. وجواب كل واحد من هذه الكلمات يمر بك بعد أوراق على انتظام واتساق إن شاء الله.

247 - قال الأصمعي، قيل لأعرابي من بني كلاب: كيف تأكل الرأس؟ قال: أفك لحييه، وألخص عينيه - هذا قوله باللام وقال غيره بالباء، وله وجه - وأعرك أذنيه، وأسحي خديه، وأرمي بالدماغ إلى من هو أحوج مني إليه؛ فقيل له: إنك لأحمق من ربع، قال: وما حمق الربع؟ فوالله إنه ليجتنب العدوى، ويتبع المرعى، ويراوح بين الأطباء، فما حمق ربع يا هؤلاء؟ 247ب - وقد رأيت ابن هلال الخوزي يقرأ: ويرواج بين الأطباء، يريد جمع طبيب، فضحك به، وكان ضحكة، يقال: هو ضحكة إذا ضحك به، وضحكة إذا كان كثير الضحك، وبابه مطرد في نظائره. 247ج - وهذا الخوزي يدعي كل شيء وهو لا يقوم بشيء؛ وكان ابن هلال الخوزي وفد على قابوس صاحب جرجان، فقال في كلام دار بينهما: فهزم أعداء الله، وكسر، فزوى قابوس وجهه، وكان أمر له بأربعة آلاف درهم ولآخر بألفي درهم، فقال لحاجبه: اجعل ما لهذا لصاحب الألفين واجعل الألفين لهذا، ووالله ما يستحق هذا المقدار أيضاً، وأظن أن موفده أراد أمراً.

وهذا الانتباه ولمعرفة محمودان من كل رئيس جليل، وأمير خطير، وإنما استنكر ذلك في هذا الزمان لخلوه من أهل الأدب، وتنكره لمن تتبع الصواب وأنف من الخطأ. 248 - وأنشد: المتقارب دع الدهر يجري بمقداره ... ويقضي عجائب أوطاره ونم نومة عن ولاة الأمور ... وثق بالزمان وأدواره لعلك ترحم من قد غبطت ... وتعجب من سوء آثاره 249 - اجتمع شريك بن عبد الله ويحيى بن عبد الله بن الحسن البصري في دار الرشيد فقال يحيى لشريك: ما تقول في النبيذ؟ قال: حلال، قال: شربه خير أم تركه؟ قال: بل شربه، قال: فقليله خير أم كثيره؟ قال: بل قليله، قال: ما رأيت خيراً قط إلا والازدياد منه خير إلا خيرك هذا، فإن قليله خير من كثيره. رواه لنا أبو حامد القاضي، وكان يقول: جمعت هذه الحكاية الملاحة والحجة. 250 - قال رجل لامرأة رآها على طريق: إلى أين الغزالة:؟ قالت: إلى مغزلها يا قليل المعرفة بأصحابك، فخجل الرجل.

251 - قال بنان الطفيلي: الجوذاب صاروج المعدة، اشرب عليه ما شئت. 252 - وقيل لطفيلي: لم أنت حائل اللون؟ قال: للفترة بين القصعتين، مخافة أن يكون قد فني الطعام. 253 - قال سحيم بن حفص: رأى إياس بن قتادة العبشمي شيبة في لحيته فقال: أرى الموت يطلبني، وأراني لا أفوته، أعوذ بك من فجاءة الأمور؛ يا بني سعد، قدو وهبت لكم شبابي فهبوا إلي شيبي، ولزم بيته، فقال له أهله: تموت هزلاً، قال: لأن أموت هزلاً مؤمناً أحب إلي من أن أموت فاسقاً سميناً. قال الحسن لما بلغه كلامه: علم والله أن القبر يأكل اللحم والشحم والجسم، ولا يأكل الإيمان. 254 - قال ابن أبي المدور، سمعت سعيد بن حميد يقول لما تشعث بينه وبين فضل: أصبحت والله من أمور فضل في غرور، أخادع نفسي

بتكذيب العيان، وأمنيها ما قد حيل دونها ودونه، والله إن استرسالي إليها بعد ما بان لي مها لذل، وإن عدو لي عنها وفي الأمر شبهة لعجز، وإن صبري عنها لمن دواعي التلف. 255 - لمتيم جارية ابن هشام: السريع يا منزلاً لم تبل أطلاله ... حاشا لأطلالك أن تبلى لم أبك أطلالك لكنني ... بكيت عيشي فيك إذ ولى والعيش أولى ما بكاه الفتى ... لا بد للمحزون أن يسلى 256 - لمحمد بن عبد الملك بن صالح الهاشمي: الكامل وكتيبة كالليل بل هي أظلم ... فيها شعار بني النزال تقدموا تذر الإكام صفاصفاً مسلوكة ... والبحر رنقاً ماؤه يتقسم ولها يمين لا تشل بنانها ... ولها شمال صوب درتها الدم نهنهت أولاها بضرب صادق ... هبر كما عط الرداء المعلم وعلي سابغة الذيول كأنها ... سلخ كسانيه الشجاع الأرقم 257 - سمعت القاضي أبا حامد يقول: اجتمعت الحرورية في مكان يقال له حروراء، وإليه نسبوا وبه سموا، وكانوا زهاء ستة آلاف، فوقف عليهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: ما نقمتم علي؟ قالوا: نقمنا عليك

ثلاثاً، قال: ما هن؟ قالوا: أنك قاتلت ولم تغنم ولم تسب، فإن كانوا مسلمين فما حل قتالهم ولا سبيهم، وإن كانوا كفاراً فقد حل قتالهم وسبيهم، فقال: هذه واحدة، قالوا: وحكمت الرجال في دين الله، قال الله " إن الحكم إلا لله " الأنعام: 57، قال: ثنتان، قالوا: ومحوت نفسك من إمرة المؤمنين، فإن لم تكن أمير المؤمنين فأنت أمير الكافرين؛ قال: هذه ثلاث. فأقبل عليهم وقال: أرأيتم إن أتاكم من كتاب الله وسنة نبيه ما يرد قولكم أترجعون؟ قالوا: نعم، قال: أترون أن تسبوا أمكم عائشة عليها السلام وتستحلون منها ما تستحلون من غيرها؟ فإن قلتم: نعم، كفرتم، وإن قلتم: ليست أمنا، كفرتم، قال الله عز وجل " وأزواجه أمهاتهم " الأحزاب: 6. وأما قولكم حكمتم الرجال في دين الله فإن الله عز وجل حكم الرجال في أرنب يقتله محرم فقال " يحكم به ذوا عدل منكم " المائدة: 95، ولو شاء لحكم ولكن جعل حكمه إلى الرجال، وقال في بضع امرأة: " وإن خفتم شقاق بينهما فابعثا حكماً من أهله وحكماً من أهلها " النساء: 35. وأما قولكم محوت نفسك، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم صالح أهل الحديبية قال لي: اكتب يا علي: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله، فقال له سهيل بن عمرو: لو علمنا أنك رسول الله فما قاتلناك، قال: فا تريدون؟ قال: اكتب اسمك واسم أبيك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكتب يا علي: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله، وامح رسول الله، ولم يكن محو رسول الله من الكتاب محواً لنبوة، وكذلك ليس اقتصاري على اسمي دون أمير المؤمنين مضيعاً حقاً ولا موجباً لي باطلاً. قال: فرجع ناس كثير منهم معه وعرفوا الحق وأذعنوا له. وقال لنا غير أبي حامد: إن علياً لم يمح رسول الله صلى الله عليه وسلم

حين أمره، حمية للدين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أرني موضعه في الكتاب، فأراه، فمحاه. 258 - قال ثعلب: أضاق أبو العالية الشامي فجعل بنو سعد بن مسلم مالاً بينهم ودفعوه إليه فقال: أنتم كما قيل في أهليكم: الطويل وفي آل منظور بن زبان فتية ... يرون بناء المجد سهلاً صعابها إذا ما ارتقوا في سلم المجد أصعدوا ... بأقدام عز لا تزل كعابها 259 - قال الأصمعي: لما ولي مروان بن محمد الخلافة أرسل إلى ابن رغبان الذي نسب إليه بعد ذلك مسجد ابن رغبان ليوليه القضاء، فرأى له سجادة مثل ركبة البعير فقال: يا هذا إن كان ما بك من عادة فما يحل لنا أن نشغلك، وإن كان رياء فما يحل لنا أن نوليك. 260 - وأنشد: الوافر أرى الأيام في صور الأعادي ... تعاندني فتسرف في عنادي كأن الدهر يطلبني بذحل ... وثأري عنده ثأر الأعادي يرى هممي فيبعث لي شجوناً ... يفل بها يدي عن الأيادي ولو عدل الزمان على كريم ... لما أدت يداي ولا زنادي 261 - أشرف قوم في سفينة في بحر على الهلاك فاخذوا يدعون الله

بالنجاة، فقالوا لرجل: لم لا تدعو أنت؟ فقال: هو مني إلى هنا هنا - وأشار بيده إلى أنفه - وإن تكلمت غرقتم. 262 - قيل لأبي الحارث جمين: ما تقول في الفلوذج؛ قال: لوددت أنه وملك الموت اعتلجا في صدري، والله لو أن موسى لقي فرعون بفالوذجة لآمن، ولكنه لقيه بالعصا. 263 - قال أبو نواس: لما أنشدت الفضل بن يحيى فصيدتي فبلغت قولي: الطويل سأشكو إلى الفضل بن يحيى بن خالد ... هواك لعل الفضل يجمع بيننا فقال: ما زدت على أن جعلتني قواداً، فقلت له: إنه جمع تفضل لا جمع توصل. 264 - تخطى فتى هاشمي رقاب الناس عند ابن أبي دواد فقال له: إن الأدب ميراث الأشراف، ولست أرى عندك لسلفك أثراً. 265 - حبس المأمون رجلاً ثم أطلقه، فتصدى له فقال له: من أنت؟ فقال: غذي نعمتك وحبيس نقمتك يا أمير المؤمنين، فقال: أحسنت. 266 - ودخل رجل على ابن طاهر فهذر، فقال له عبد الله: إما أقللت فضولك وإما أقللت دخولك.

267 - قالت ابنة عبد الله بن مطيع لزوجها طلحة: ما رأيت أحداً ألأم من أصحابك: إذا أيسرت أبرموك، وإذا أعسرت تركوك، فقال: يا هذه، هذا من كرمهم، يأتونا في حال القوة منا عليهم، ويفارقونا في حال الضعف منا عنهم. 268 - أهدى رجل إلى ملك هدية فأظهر الغم بها، فقال له له جلساؤه في ذلك فقال: وكيف لا أغتم وهي لا تخلو أن تكون من مبتدئ أتقلد له يداً، أو من رجل قلدته نعمة فأكون قد أخذت منه على نعمتي جزاء؟! 269 - وأنشد الخفيف وبدا النجم في السماء سحيراً ... مستقلاً كأنه عنقود وتدلت بنات نعش فعادت ... مثل نعش عليه ثوب جديد وكأن الجوزاء لما استقلت ... وتولت سرادق ممدود وكأن النجوم في فحمة اللي ... ل قناديل بينهن الوقود 270 - وقال الخليل: الدنيا أمد والآخرة أبد، فقال له رجل: زدني، فقال: والباطل عند والحق جدد، فقال: زدني، فقال: والعقل عدد والجهل بدد، فسكت الرجل، فقال الخليل: لو استزادني لزدته. 271 - قيل لرجل انصرف من عند أمير: ما ولاك؟ قال: ولاني سمعه، وأعطاني منعه، وحماني نفعه.

272 - قصد رجل طلحة الطلحات بسجستان واستأذن حاجبه عليه، فقال له: بم تمت؟ فقال: لي عند الأمير يد، فقال: خبرني أرفع إليه، فقال: لا أقول إلا له، فدخل وعرف مكانه فأذن له، فمثل بين يدي طلحة فقال: ما هذه اليد التي لك عندنا؟ قال: كنت مع الأمير يوماً جالساً فأماط عن لحيتي أذى، فقال: هذه يدي لا يدك، قال: صدقت أيها الأمير، ولكن جئت لتربها، قال: حباً وكرامة. نعود إلى الكلام في تلك الألفاظ المتقدمة فقد تباعدنا عنها، وإن استننا على العادة نسينا الرجوع إليها: 273 - أما النشر فمصدر نشر الثوب ينشره نشراً، والنشر أيضاً من نشر الخشبة على من قال منشار، والنشر أيضاً ريح الرجل، وفم الجارية، يقال: هي طية النشر. والنشر علة تعتري الإبل من أكل الأعشاب التي لا تنجع فيها. الأعشاب - بفتح الهمزة - جمع عشب، فأما الإعشاب - بالكسر - فمصدر أعشب البلد، ويقال أيضاً: بل عاشب كما يقال معشب، واعشوشب الجبل. وأما النشر - بفتح الشين - فاسم جماعة منتشرة، ويقال: أنشر الله الموتى فنشروا - بفتح النون -؛ قال الله عز وجل " ثم إذا شاء أنشره " عبس: 22. ويقال انتشر الحبل، وكذلك الرأي، وكذلك الرجل إذا أمنى، ويقال أيضاً: منى، وقد قرئ " أفرأيتم ما تمنون " الواقعة: 58 بفتح التاء، هكذا قال يونس، وهو سيد العلماء ومقدم في الثقة. وأما النشارة فهي التي تتساقط من الشجرة إذا نشرت بالمنشار؛ والمنشور في كلام الكتاب استعارة، إذا كتبوا أمراً في كتاب وجعلوه حجة أو تذكرة أو طلاقاً. وأما الحشر فمصدر حشرت القوم، وفي القرآن " والطير محشورة "

ص: 19، والحشر في القيامة اجتماع الخلائق في الصعيد للحساب والعرض، وقانا الله شر ذلك اليوم. وأما الجشر، جشر الصبح إذا تبدت تباشيره، والجاشرية شرب السحر، وهو غير الصبوح والغبوق، يقال أنا صبحان وأنا غبقان، ولم يسمع من الحرف الأخير. والجشر أيضاً إرسال الدواب في المروج والثواء معها. وأما العشر، إن شئت كان مصدر عشرت القوم إذا صرت عاشرهم، وإن شئت كان مصدر عشرت ماله إذا أخذت عشر ماله، وإن شئت كان عقداً في العدد المؤنث، ومنه قوله عز وجل " وأتممناها بعشر " الأعراف: 142. وأما القشر فقشطك الشيء وهو أخذك عاليته وصفحته وجلدته، والقشار شيء تسجر به الحمامات، وهو مصدر قشرت العود والشجرة إذا لحوتها، وذاك إذا أخذت لحاءها، ونحتها قشرتها، وكأن النحيت هو المنحوت أي ما استخلص لبه وشد نجبه، وكذلك المنتجب، ويقال: هو نجيب العود، ولا تقس عليه إلا مسموعاً؛ ويقال: حنوت العود وحنيته، ويقال: فلان محني الضلوع على العصا، ولو قيل محنو كان كلاماً سمجاً، ولم يقولوا: دعيت الله وشكيت الرجل، وإنما هذا من لفف العامة، ولكنه كلام من لم يلبس لباس الأدب، ولم يذهب لسانه بالصواب ورضي أن يكون شريك غيره بالجسم وإن باينه في المعنى، وهذا من الإهمال والفسولة وضيق العطن وسوء العادة، نعوذ بالله من الحرمان. وأما الكشر فهو من قولك: كشر فلان إذا أبدى أسنانه تريد أج يضحك، وفلان يكاشر فلاناً إذا دمجه أي داهنه، ومعنى المداهنة أن يداهن هذا بهذا وهذا هذا، وهو استعارة ولكنه داثر خلق؛ ويقال في مجاز كلام الكتاب وعن العرب: شمرت الحرب عن ساقها وكشرت عن نواجذها، وهي جمع ناجذ

وهو سن الحلم، والحلم ها هنا العقل كما في قوله عز وجل " أم تأمرهم أحلامهم بهذا " الطور: 32. وأما المشر: يقال مشرت الشجرة. وأما الوشر فمصدر وشرت الخشبة، ويقال أيضاً: وشرت الجارية أسنانها إذا حددتها وبيضتها ونقت فروجها التي هي عمورها. 274 - وأما الأوب فمصدر آب يؤوب إذا رجع، أبني الهم إذا أتاني ليلاً، والأوب هو الإياب وهو الرجوع، ويقال جماعة أيب أيضاً؛ وأما الثوب فمعروف وهو من باب يثوب إذا رجع، ويقال في المفيق من غشية أو سكرة: قد ثابت نفسه إليه وقد ثاب عقله، قال كاتب: قد يذنب المرء ثم يتوب، ويعزب عقله ثم يثوب، ويثوب المؤذن أيضاً، وهو رجوعه إلى ما قاله، وذلك هو إعادته، الثواب ما يرجع على الإنسان من أجل عمله الصالح، وهو الجزاء على العمل، لكنه مخصوص الطائعين، فأما العصاة فلا ثواب لهم إنما لهم العقاب، وهو ما تعقب أعمالهم السيئة، جعلنا الله من أهل ثوابه بمنه ورحمته. وأما الجوب فالترس، وهو أيضاً مصدر قولك جاب يجوب، ومنه قول الله عز وجل " وثمود الذين جابوا الصخر بالواد " الفجر: 9 وجبت القميص: قطعت موضع جيبه، وللجيب معنى غير الجوب ليقع الفرق بين المعنيين، ويقال الجواب إنما هو من ذلك لأنه قطع المسألة للسائل؛ وأما أجيبت القميص فمناه جعلت له جيباً، والجوبة أيضاً مكان مقطوع عن واجبه لا مراد له؛ وجب أيضاً قطع وكأنه منه بتصرف، وجب الرجل ذكره، وفلان

مجبوب، وقد قيل غارب أجب بمعنى مجبوب، والجبوب الأرض، هكذا قال الثقات، وإنما أعول على ما قال العلماء وأخلص نفسي من ألسنة العائبين. وأما الحوب فهو الإثم، وقد سمعت فيه حاب الرجل إذا أثم، الحوب - بالضم - أشهر وينفرد الكتاب به؛ وحوب أيضاً زجر للإبل، فأما الحوبة فهي الأم كأنها تؤثم بعقوقها، والحيبة الحاجة، ويقال بات فلان بحيبة سوء؛ وأما الحوباء فهي النفس - ممدود -. وأما الذوب فمصدر ذاب الشيء يذوب، معروف، والذوب: العسل، ولعله ما لا شمع فيه، وما أحق ذلك، يقال: حققت الشيء وأحققته أيضاً؛ ويقال: ذاب لي على فلان حق أي وجب، ولعله استعارة، فقد قيل أيضاً: برد على فلان حق بمعنى وجب. فحصل - أيدك الله - هذه النكت، ولا تجعل جزاءنا عليها العيب، فالكريم ستور للعيوب مغض على الإساءة. وأما الروب فمصدر راب اللبن يروب، إذا خثر، ويقال خثر أيضاً، ومعنى خثر: غلظ وتجمع، ويقال: اصبح فلان خاثر النفس إذا فقد النشاط، والنشاط الهشاشة، والهشاشة الخفة والطلاقة، وفلان نشيط كأنه منشوط أي محلول الفؤاد من فكر السوء، يقال: نشطت بمعنى حللت، وأنشطت بمعنى عقدت، وود فلان بأنشوطة أي فيه استرخاء، أي لا ثبات له؛ والروبة أيضاً خميرة اللبن، وهي أيضاً قطعنة من الليل، وقوم روبى أي نيام، وأما رؤبة فاسم الراجز، وإنما قلت بلا ألف ولام لشهرته كأنه عروف غير منكر، وهو مأخوذ من قولهم: رأبت الشيء إذا شعبته وأصلحته، ويقال: أشعبته بمعنى فرقته، وشعوب اسم المنية، معروفة، ولا يصرف، هكذا قال الناس.

ولقد رأيت رئيساً قد كتب ربأت مكان رأبت فلما نبهته أنف من كلامي، وعدل إلى الحيلة فقال: يقال رابت كما قلت أنت، وربأت كما كتبت أنا، وهو مثل حديث جندب. فلما وقفت على سوء صحبته للأدب، وجنوحه إلى القحة، وظنه أن هذا يشككني في صوابي، ويدفع عنه ما لحقه من هجنة الرد، أمسكت إمساك متعجب ممن يتجاهل على علم ويتغاضى عن بصيرة، ويوطئ نفسه العشوة ويكذب عقله. وهذا داء فقد طبيبه، وعلة أعوص علاجها بالناس، ومن كان كذلك لم يؤمن على مال، ولم يوثق به في حال. وأما الشوب فالخلط، ومنه شاب الرجل إذا ابيضت لحيته كأنه خلط سواداً ببياض، وكأنه الأشمط، هذا لازم؛ فأما إذا أردت شبت شيئاً بشيء فذاك على التعدي، والفرق بين وشبت - بضم الشين - وشبت بكسر الشين، فقد وضح فيما مضى؛ والشوائب جمع شائبة، وتقول: هذا صاف وهذا مشوب، وسمعت قوماً يقولون: العالم مشوب، فاستزدتهم فقالوا: نعم، بالخير والشر، والحق والباطل، والصلاح والفساد، والحسن والقبيح، والحجة والشهبة، والراحة والتعب، والنجوة والعطب، والسرور والحزن، والنجاح والخيبة؛ قالوا: وهذا على الترتيب يدل على أمر عجيب، وقال الله عز وجل " ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون " الذاريات: 49. وأما الصوب فهو صوب الغمام، وكنت أسمع البادية تقول لي إذا سألتها على الطريق والمسلك: خذ في ذلك الصوب، خذ في هذا الصوب، كأنهم يريدون الناحية؛ وقلت: سمعت البادية، هذا كثير من كلامهم وأنا جار على السماع. وأما السهم فيقال فيه صاب يصيب، ولعل المصدر صوب، وما أحقه أي ما

أتيقنه، ويقال أيضاً: أصاب السهم، هكذا قال يعقوب، وهو ضابط، في كتابه في: أفعل وفعل؛ ويقال: هذه سهام صياب، وسمع في الأمثال: مع الخواطئ سهم صائب، والخواطئ - مهموز - يكون من خطأ وأخطأ وكأنها جمع خاطئة، وأما الخواطي - بحذف الهمزة - فجمع الخاطية، وهي التي تخطو الخطوة، ويقال الخطوة بالفتح أيضاً، وقد يجوز أن تحذف الهمزة وأنت تريدها، ولكن الفرق ما سلف، فلا تعمل ما تحب لما يجوز، فإن الواجب لا يسد مسد الجائز، وإن كان بعض الجائز ينوب عن الواجب. وكأن الصواب من الكلام من الصوب، لأن الصوب من المكان ومن الغمام استبان فاستوى، كذا القطر وكذا المسافة؛ وأما الصواب - بالهمز - فجمعه صئبان، ويقال: صئب رأسه إذا وقعت فيه صغار القمل وآذته، وهذا باب ضيق ومركب صعب وأنا من شرحي له على خطر. وتعال في الفن الآخر: 275 - أما الدس فمصدر دس يدس دساً، قال الله عز وجل " أيمسكه على هون أم يدسه في التراب " النحل: 59، والدساس: دابة، كأن تدس نفسها؛ ويذكر في الكلام: اندس، وما عرفته ممن يستنام إليه ويعقد الخنصر عليه، ومعنى يستنام: يسكن، وهو من النوم لأن السكون يصحبه، ويقال: نامت حقيقة فلان إذا أخبروا من جبنه وتكذيبه وإحجامه ونكوله، يقال: كذب فلان إذا رجع عن قوله فكأنه كذب نفسه حين أقدم وتكلف،

وكذب ناصره حين زعم انه شجاع؛ ويقال أيضاً: خامت حقيقته، وخام فلان عن قرنه، والقرن - بكسر القاف - القرين، والقرن بفتح القاف، تقول: هو على قرني أي على سني، وهو قرني من غير على. وأما البس فاللت، واللت هو البل، يقال: هذا سويق مبسوس أي مبلول، وكأنه لا بد في البس من المرس لأنه يقال دهن مبسوس على أنه مبلول، فأما قول العامة " بس " في معنى حسب فالبس كالفت، يقال بسست الخبزة إذا فتتها، وقال جل وعز " وبست الجبال بسا " الواقعة: 5 كأنه من فتتت تفتيتاً وفتت فتاً، الشيء مفتوت ومفتت وفتيت، ويقال: فتوت؛ والبسيسة: طعام العرب، والبسوس: اسم ناقة هاجت بسببها حرب. وأما الحسى فمرة من حسَّ بمعنى قتل، من حسهم بالسيف ومنه قوله عز وجل " إذ تحسونهم بإذنه " آل عمران: 152 ومرة من حسست الدابة، وقد مرت هذه الكلمة شافية، ولهذا أقللت ها هنا. وأما الرس فيقال إنه بئر، قال الله جل وعز " وأصحاب الرس " الفرقان: 38، وقيل في الرس مصدر رسست بين القوم إذا سفرت، ورسيس الهوى من هذا. وأما العس فمصدر عس الرجل بالليل إذا نفضه، ومعنى نفضه طلب في الظلمة من يرتاب به، ومنه العسس، ويقال " والليل إذا عسعس " التكوير: 17 أي إذا أظلم.

وأما القس فواحد القسس وتقسسه تسمع صوته، وقسست أثر القوم، إذا تتبعته قساً. فأما اللس فمصدر لست العير النبات إذا مكنت فاها منه وتناولته، ويقال في المثل: قلما تبقى على اللس. وأما النس فالشوق، والمشوق منسوس، ويقال: كانت مكة ناسة لأنها كانت تخرج الجاني. وقد بقيت ألفاظ يسيرة سنأتي عليها ها هنا مخافة أن أنساها، وقد وعدت في الكتاب أشياء كثيرة، قصرت في إنجاز كثير منها للطول وقلة المعين، وأظن أني قد قرنت الملل بفؤادك، وجلبت الثقل إلى نفسك بهذا الفن الذي أنا فيه، فما أصنع والكلام كله متدافع، وليس منه شيء إلا وفيه غرض وله معنى وعليه معول. 276 - نعم، فأما الشائف فهو الجالي، أعني الذي يجلو الشيء، وليس هذا الجالي من الجالي الذي ينصرف عن بلد بشيء في المعنى، وإنما يلتقيان في اللفظ، والشيء مجلو ولا يقال مجلي؛ وتقول شفت الشيء أشوفه شوفاً، وإذا قيل: ما الشوف فهذا هذا. وأما السوف فهو شم التراب والطريق وغيرها، ومنه المسافة، هكذا قال البصير بالاشتقاق، وأما " سوف " فحرف يدل على الأفعال فيقررها عما مضى وعما حضر إلى ما يكون بعد ويستقبل، تقول: سوف يقوم هذا، وهي شقيقة السين في قولك: سيقوم هذا، ليس بينهما فضل.

وأما الخائف فمشهور، والخوف بين القوم، قال يعقوب: تقول: أخفتك، ولا تقول: فزعتك، ولكن فزعت، وتقول: خفت منك، هذا قد جاء كذا؛ وفرس خيفاء: إذا كانت إحدى عينيه زرقاء والأخرى كحلاء، كأنها قد نقصت عن شبه الآخرين؛ والخيف ما انحدر من الجبل وتصعد عن المسير، هذا أيضا للنقص العارض في المكان؛ والناس أخياف: مختلفون من ذلك لأنهم يتفاوتون، أي هذا يفوت هذا وهذا يفوت هذا، فالنقص بينهم سجال؛ والخيف جمع خيفة، وتقول: هذا طريق مخوف إذا كان يخاف فيه ولا تقل: منه. ويقال: وجع مخيف إذا كان الناظر يخافه على صاحبه أو يخاف مه على نفسه، هكذا قال العلماء منهم يعقوب والفراء. وأما الزائف فإنه يقال: درهم زائف إذا كان بهرجاً أي ستوقاً أي فاسد الضرب غير متعامل به، ويقال أيضاً: زيف، وصرف الفعل منه فيقال: زيفت الدرهم، والزائف أيضاً من قولك: زافت الحمامة والمرأة إذا تبخترت وتطاولت وأقبلت. وأما السائف فصاحب السيف، وسفت الرجل إذا ضربته بالسيف، وسفت الشيء - بالضم - إذا أدنيته من أنفك للشم والإشمام والتشمم، كل ذلك واحد، وأما السواف - بالضم والخفة - فداء ينال الإبل. وأما الصائف فالذي ينزل في الصيف مكاناً معروفاً، يقال: صاف فلان بكذا وكذا إذا كانت صيفيه هناك، والصائف أيضاً السهم الذي يحيد عن الهدف؛ وكبش صاف أي كثير الصوف، وشيء صاف لا كدر فيه، والمصيف كالمربع، والمشتى كالمخرف، وهي أماكن النازلين بها في هذه الفصول من الزمان المعروف. وأما الضائف فهو من ضفت فلاناً إذا كنت ضيفه، وأضفت فلاناً إذا كان ضيفك، وكأن ضفته ملت إليه، وأضفته أملته، كما يقال: أضاف كذا إلى كذا إضافة، هذا ذاك بعينه، ولكن الضيافة تفردت بمعنى، والإضافة تميزت

بمعنى، وكلاهما معروفان في الأصل، وقول الكتّاب انضاف هذا إلى هذا، وسينضاف كلمة خطأ، كذا قال أبو سعيد السيرافي سمعت ذلك منه لفظاً، وتتبعت ذلك في كلام الأولين وهم الحجة فما عثرت عليه؛ يقال: ضيف وضيفان وأضياف وضيوف كل ذلك معروف، قال الله تعالى " إن هؤلاء ضيفي " الحجر: 68 وقال " فأبوا أن يضيفوهما " الكهف 77. وأما العائف فيكون من وجهين، أحدهما من العيافة وهي الزجر، ويقال له العياف، وسمعت من يحكي فيه المعتاف، والوجه الثاني يكون من عفت الشيء إذا كرهته، وفي الأثر: ما عاف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله طعاماً قط، إن اشتهاه أكله وإلا تركه؛ وهذا يقال فيه العائف، والشيء معيف أي مكروه، ومضارع هذا أعاف، ومضارع ذلك أعيف، وليس المعوف من هذا، والعوف يقال هو المال، هكذا قال بعض الثقات، وقال أبو زيد الأنصاري: العوف الذكر، يقال لمن أصبح بانياً معرساً بأهله: نعم عوفك. وأما القائف فهو م يقفو شيئاً أي يتبعه، كأنه أخذ من القفا، لأنك إذا اتبعت غيرك كنت خلفه ومقابلاً قفاه، وقال الله تعالى " ولا تقف ما ليس لك به علم " الإسراء 36 أي لا تتبع ولا تعمل. فأما القفية فطعام طيب يرفع لمن يكرم حتى إذا حضر قدم إليه، وقافية الشعر ما انساق الكلام الموزون إليه، وانقطع تمام البيت عليه، والتفقية صناعة الشاعر والساجع، كأنما يقفوان كلاماً على وزن واحد، قال الله تعالى " ثم قفينا على آثارهم " الحديد: 27 أي أرسلنا وراءهم. والقائف عند العرب الذي يقفو أقدام السالكين فيقول: هذه

قدم فلان، والشافعي رحمه الله يلحق الولد بحكم القائف إذا قال هذه القدم خلقت من هذه القدم، وكان المدلجي منهم في عهد الصحابة رضي الله عنهم، وشهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله، ويقال لصناعة هذا القيافة، قال أبو حامد: وبنو مدلح مخصوصون بهذا الشان، ولهم إصابة ظاهرة وحذق معروف مشهور، والعرب تعترف لها بذلك وتسلم. قال أبو زيد: يقال: وأخذ فلان بقاف رقبته وقوف رقبته، يقال: قاف يقوف فهو قائف، مثل: طاف يطوف فهو طائف. وأما الرائف فهو الموصوف بالرأفة وهو الرؤوف معوض، إلا أن الفعول أجمع للصفة، هكذا المعنى في بنية الكلام في الأفعال، كما أن مفعالاً أكثر من مفعول، وأما فعال فقال بعضهم: هو أعرف من فعلو، وقال آخر: بل فعال أعرف، وزعم أن قول الله تعالى " فعال لما يرد " هود 107 شاهد بذلك، وقال آخر: بل هما يتقاسمان المعنى سواء، وليس أحدهما كالآخر، هكذا قال. والرأفة رقة تعتري طبائع الصالحين، هذا حقيقتهما في الخلق، فأما الله تعالى فرائف ورؤوف، أي يجزي جزاء كأنه من الرقة وليس بها، والصفات الجائزة بين الخلق، الدائرة بين الناس على طرف الحقيقة هي منفية المعاني عن الله تعالى، مطلقة الأسماء على الله، فإذا رأيت الله تعالى يقول " قد سمع الله قول التي تجادلك " المجادلة: فلا تقس ذلك على قد " سمع زيد "، فإن السابق إلى النفس من معنى سمع زيد مفهوم، ومثل هذا ومعناه صحيح، وهذا

ليس بمطرج على خالق هذا السمع والسامع والمسموع، لأنه لا يتلبس بما خلق ولا يتم بما نقص، والكلام في هذا أعرف مما طال الخوض، وهذا التخريج والتعريف إنما هو كله ليقوي منتك، وتقف على عين العلم همتك، وتطلق من غل الجهل رقبتك، فانظر كيف تكون لنفسك، فإني قد أعذرت وانذرت، وقلت ونقلت، وقومت وعدلت، وبلغت غاية مثلي في الاجتهاد، فالحق نهاية مثلك في حسن الارتياد، ولا تشغل بالك ببعض ما قصرت ودللت على نقصي به، فإن ذلك يستردفك عن حظك، ويسوي بينك وبين من هو أنقص منك، ولكن خذ نفسك بحسن هذا الكتاب ودع قبيحه، ليس عليك تبعته، والسلام. فأما النائف فهي في ناف على الشيء وأناف إذا أشرف عليه، ومنه مناف في بني عبد مناف. وأما الطائف فهو الخيال، وهو الذي يطوف بالبيت، بيت الله الحرام، وطاف الخيال يطيف، هكذا السماع، وأطاف يطاف إذا برز للغائط، ويقال: قد يبس طوفه في جوفه، ويقال للطائف الذي هو الخيال الطيف أيضاً، والطيف مه دليل على يطيف. فأما أطاف فلان به فمعناه صار طائفاً به كأنه أطاف أمره، وطاف هو فاعل الأمر، بتعدية الألف؛ والطف مكان بالعراق معروف، والطائف بلد وراء مكة، وكان الحجاج منه. وأما الآيف فكأنه من الآفة، يقال: إيفت الشجرة الأرض فهما مؤوفتان، وإياك أن تقول ما يقول المتكلمون مأووف فإنه مردود، وليس للمتكلمين حجة في اللسان فضلاً عن أن يكونوا حجة في المعاني، لأن حقيقة المعاني لا تثبت إلا بحقائق الألفاظ، وإذا تحرفت المعاني فذلك لتزيف الألفاظ فالألفاظ متلاحمة متواشجة متناسجة، فما ثلم هذه فقد أجحف بهذه، وما نقص من هذه فسد من هذه، وليس الشأن على أن يفهم من أعجمي طمطمته فإن ذلك المفهوم لم يكن عن تمام اللفظ وصحة التأليف، وإنما

حدث بدلالة ما سمع على ما كان قاراً في الصدر، ومنسوخاً عند العقل، فلا يغرنك ذلك فتظن أنك متى سمعت كلاماً آخر فقهته كذلك، أو قسته إلى هناك، وما أخص العربية بهذا بل كل لغة فقيرة إلى مقادير الخطاب ورسوم الصواب، فإن الأغراض إلى ذلك العلم تتوافى على تلك الطريقة، ومتى ظهر بها الزيغ مال بها إلى التناقص والفساد والمحال والخلل على قدر ذلك، وأظن العربية أحوج إلى ما خطبنا من كل لغة لاتساع طرقها، وتزاحم فرقها، وتنافر أوانسها، وتواصل وحشيها، واختلاف أسبابها استعارتها، وتباعد أقطار الصواب منها، يدلك على هذا القول وعلى ما يتلوه مما يطول به الكلام تصرف وجوه التأويل في حكم أنواع الاحتمال. وأما الحائف فهو اسم لمن حاف أي ظلم، والحيف والإخفاء والحفاء والحف والتحيف والتحوف والحفوف متقاربة المعنى فافطن لذلك، فقد أبرمت هذا الفصل إبراماً، وأظن أني قد استوجبت من الناظر فيه ملاماً، وقد مر في عرض الكتاب ما هو مفصح عن هذه الخبايا، فاسمح لنفسك بالنظر فيه يسمح لك بالظفر به، جعل الله الخير إذاءك، والسلامة لباسك، والإحسان عادتك، بمنة ولطفه. يجب أن تأخذ فيما سقنا كتابنا عليه من النتف والأخبار والنوادر والأسرار، والله أسال صدراً فسيحاً بالصبر، وإيماناً قوياً على الطاعة، ويقيناً مقوماً للدنيا، وعاقبة ميسرة بالنجاة، ومصيراً إلى الله تعالى بأداء ما وجب له، وحسن الظن به فيما خولف فيه، إنه أكرم مسؤول وأعظم مأمول. 277 - قيل لبعض المغفلين: ما تقول في معاوية؟ قال أقول: رحمه الله ورضي عنه، قيل: فما تقول في ابنه يزيد؟ قال: أقول: لعنه اله ولعن أبويه.

278 - مدح أعرابي رجلاً فقال: هو والله فصيح النسب فسيح الأدب، من أي أقطاره أتيته انثني إليك بكرم المقال وحسن الفعال. فصيح النسب حلو جداً، وهو استعارة، إلا انه ها هنا لاصق بالمعنى وذلك أنه أشار إلى صحة النسب سلامة العرق وكرم المنبت؛ وأما قوله فسيح الأدب، فقد والله جمع بين غزارة الموصوف في أدب النفس والعلم، وهذا نمط لا يتسع الكلام فيه على جميع ما يمر في الكتاب، ولو أمكن ذلك لبلغ الكتاب عشرة آلاف ورقة أو أكثر. 279 - وصف أعرابي قوماً فقال: صدورهم قبور الأسرار، وسيوفهم آفات الأعمار. 280 - وصف ابن المقفع رجلاً فقال: رفعه التقتير عن التقدير، وحطه التبذير عن التدبير. 281 - وصف رجل آخر فقال: هو أحلى من رخص السعر، وأمن السبل، ودرك الماني، وبلوغ الآمال. 282 - ووصف أعرابي رجلاً فقال: نعم حشو الدرع، ومقبض السيق، وصدر الرمح؛ كان إذا لوين أحلى من العسل، وإذا خولف أمر من الحنظل.

283 - وذم أعرابي رجلاً فقال: عبد البدن، حر الثياب، عظيم الرواق، صغير الأخلاق، الدهر يرفعه، ونفسه تضعه. 284 - وصف أعرابي آخر فقال: إن أتيته احتجب، وإن غبت عنه عتب، وإن عاتبته غضب. 285 - وقال الرياشي: ذم أعرابي رجلاً فقال: ليس له أول يحمل عليه، ولا آخر يرجع إليه، ولا عقل يزكو به عاقل إليه. 286 - شاعر الكامل ولقد قتلتك بالهجاء فلم تمت ... إن الكلاب طويلة الأعمار 187 - أنشد ثعلب الطويل حسبتك إنساناً على غير خبرة ... فكشفت عن كلب أكب على عظم لحى الله رأياً قاد نحوك همتي ... فأعقبني طول المقام على الذم 288 - كاتب: قد عرضت لي قبلك حاجة فإن نجحت فالفاني منها حظي والباقي حظك، وإن تعذرت فالخير مظنون بك، والعذر ممهد لك.

289 - كاتب: من توسل إليك بغير فضلك كان خارجاً من حكم الأدب، داخلاً في حد النقص، إذ كان محالاً أن يستعان بالمفضول على الفاضل، وبالناقص على الكامل. 290 - كاتب: من كاتب الرغبة إليه غضاضة وذلاً، فقد جعل الله الرغبة إليك عزاً ونبلاً، وذلك لخلال فيك خار الله تعالى لك فضلها، منها أنك توطئ ذوي الأمل منك كنفاً سهلاً، فتسهل سبيل الرغبة، وتقدم متأخر الصلة، ومنها أنك ترى للآمل عليك حقوقاً تلزمك رعايتها، وحرمة توجب عليك القيام بواجبها، وهمتي أدام الله عزك، التي اعتمدت بها على فضلك، أن تجعلني في عداد من يرجو يومك وغدك، وأن تضمني في دهماء عبيد شكرك، خدم طاعتك. 291 - قال يزيد الراوية: كنت عند المهدي، فجاء رجل فسأله فأعطاه، وسأله آخر فأعطاه، وعلى هذا، فقلت: يا أمير المؤمنين قد أصاب فيك القائل حيث يقول: الخفيف صم عن منطق الخنا وتراه ... حين يدعى للمكرمات سميعاً قوله أعط ذا وذاك وهذا ... لم يقل لا مذ كان طفلاً رضيعاً. فأمر لي بألفي دينار. 292 - قدم بعض المغفلين للصلاة على جنازة امرأة فقال: رب، إنها كانت تسيء خلقها، وتعصي بعلها، وتبذل فرجها، وتخون جارها، فحاسبها حساباً أدق من شعر آستها.

293 - قال ابن عائشة: كان للحسن بن قيس بن حصن ابن أخي عيينة بن حصن ابن رافضي وابنة حرورية وامرأة معتزلة وأخت مرجئة، فقال: أراني وإياكم طرائق قدداً. 294 - وقف مديني على قاص وهو يذكر ضغطة القبر فقال: يا قوم كم في الصلب ن الفرج العظيم ونحن لا ندري، فقال صاحبه: إنا نستصلب إن شاء الله تعالى. 295 - أخذ الطائف شارعة وهو سكران فقال: احبسوا الخبيث، فقال: أصلحك الله علي يمين الطلاق أن لا أبيت بعيداً عن منزلي، فضحك وخلاه. 296 - سافر أبو الغريب إلى الجبل ثم عاد سريعاً، فقيل له: لم عدت؟ فقال: آخذ امرأتي فإني تركتها ببغداد، وكانت تزني، وكنت بالجبل أزني، فقلت: تزني جميعاً في مكان واحد أملح من أن نتفرق فتقل المؤونة. 297 - وكان الواجب أن نذكر شيئاً من تفسير ما تضمنت الأبيات التي رواها ابن الأعرابي، ولكن عرض الخلل على حسب ما قد عم الوقت، والفرج مأمول من الله سبحانه الذي بيده ملكوت كل شيء؛ والآن نقول في حروف منها ما يكون بياناً لها، وإنما أفعل ذلك بها خصوصية لشغفي برصفها، وصدق المرمى

بها، وجودة متنها، وكثرة مائها، وكل حسن مخدوم، وكل طيب شهي، وكل كريه مجتنب، وكل قبيح مقصي. 289 - أول الأبيات: الكامل المجزوء المرء يكدح للحيا ... ة وحسبه خبلاً حياته المرء هو الإنسان، وخلوه من أمارة التأنيث دليل على التذكير، والمرء مذكر على هذا الذكر، والمروءة هي الإنسانية، والإنسانية لم تسمع من العرب لكنها مقيسة بالتوليد على كلامهم؛ وأما قول أبي تمام: الكامل سميت إنساناً لأنك ناس خطأ، كذا قال أبو سعيد السيرافي. وفلان يتمرأ بنا أي يبدي مروءنه بسوء القول فينا، يقل امرأة وامرأتان ونساء ونسوة، والمراء والمماراة متقاربان عند القائل بالاشتقاق على تعسف في التأويل، وإنما أقول بالواجب ولا أتعدى الحد في ذلك. والكدح: المشقة، وفي القرآن " إنك كادح " الإنشقاق: 6، والمكادح منه، والخبل: الفساد، والارفتات: التكسر. والماضغ يدير أضراسه. ويهدا بعد ما انصاتت قناته يريد ينحني بعد الشطاط، وكلول البصر: سوء البصر، ويكمه سمعه أي تثقل أذنه، والكمة في العين معروف، ولكن هذا قيل هكذا، ونهي حصاته يعني يضعف عقله، يقال: وهي الشيء يهي وهيا، وأوهاه فلان يوهيه إيهاء، وفي الأمثال: الرجز

خل سبيل من وهي سقاؤه ... ومن هريق بالفلاة ماؤه والحصاة: الفهم، وقيل العقل، ومنه قول طرفة: الطويل وإن لسان المرء ما لم تكن له ... حصاة على عوراته لدليل رأيت كتاباً للأزهري عند الهروي صاحب اللغة يقول فيه: حصيت مأخوذ من الحصى؛ وأنكر ذلك أصحابنا ببغداد. وتقف جلدته: يريد تقحل وتجف، ويقال انقحل إذا كان شيخاً، قال الأصمعي: زعموا أنه من القحولة والنون زائدة، يقال: قحلت الأرض وأقحلت. وتعرى من ملابسها شواته يعني فروة رأسه تصلع، والصلع الاسم، وقيل إن شواته أطرافه وأنها تعرى من البضاضة والحسن؛ ويغيب شاهده: أي يغيب شبابه. ويشهد غيبه وتموت ذاته أي تخمد شرته وتذهب ميعته، والميعة: الجري، وهو من ماع الشيء إذا سال، وماعه غيره وإنماع قليل مرذول، وهو في كلام الفقهاء كثير. ويمل من برم: فالبرم ها هنا الضجر، وهو الإبرام، وكأنه التضايق،

من أبرم حبلاً إذا فتله، فقد منع القضاء من إثباته، ورجل برم: أي ضجر، والمبرم كالملح، والإبرام والنقض في الأمور مستعار من الحبل، وقال بعض وزراء خرسان: ريما قضينا حاج الناس برماً لا حرماً، أي من الضجر لا من طباع؛ وما كان أغناه عن إظهار هذه السوأة. والحاج جمع حاجة، وأبى المبرد أن الحوائج صحيحة في جمع حاجة. وقوله: وقد فرطت لداته، أي تقدم أقرانه وأترابه، والترب في المؤنث أيضاً. 299 - سألني بعض الفقهاء فقال: أين مولودك؟ وهو يريد: أين ولدت، فقلت: ما لي مولود، فقال: سبحان الله، وزاد تعجبه، فقلت: لعلك تسألني عن مكاني الذي ولدت فيه؟ قال: نعم، قلت: فهلا قلت: أين مولدك؟! قال: فخجل هو من الحاضرين، وذاك أردت ليكون خجلة باعثاً له على الأدب، أو على إكرام الأديب، وهذا الفقيه هو الداركي، وكان ركيك اللسان، فدم الطباع، سيء الخلق، شهوداً بالزور، خبيث الدين، ومات ببغداد سنة خمس وسبعين وثلاثمائة في شوال، ومات الأبهري بعده بجمعة. وقال لي رجل من العجم يدعي العلم ويزعم انه منطقي: اقعد حتى تتغدى بنا، قلت: لا أبلانا الله بذلك، قال: فلم قلت هذا؟ قلت: لأنك أتيت بكلام لو فقهته عن نفسك لما أنكرته على جليسك، قال: فما هو؟ فعرفته الفرق بين الخطأ الذي قد أتى به والصواب الذي لم يوفق له، فنبا طرفه

بعد ذلك عني، وثقل حجابه علي، فأف له ولأضرابه، فما شين الدنيا والدين إلا بقوم هذا منهم؛ رزقنا الله الأدب الذي به نعلم ما نقول، وإليه نفزع فيما نعمل، وكفانا شر كل ذي شر بمنه. فاعذر - أيدك الله - في هذا التصرف كله، وكن من إخوان الصدق يزدك الله به شرفاً إن شاء الله. كان أبو داود السجستاني ثقة محدثاً راوية، زعموا أنه في أيام حداثته وزمان طلبته للحديث وكتابته، جلس في مجلس بعض الرواة يكتب، فدنا رجل إلى محبرته وقال له: أستمد من هذه المحبرة؟ فالتفت إليه أبو داود فقال: لا، فانخزل الرجل حياء، وأقبل عليه أبو داود وقال: أما علمت أن من شرع في مال أخيه بالاستئذان، فقد استوجب بالحشمة الحرمان، فسمي أبو داود منذ ذلك اليوم حكيماً. وأنشد المنسرح أختان إحداهما إذا انتحبت ... تبكي كباك بعبرة حرى وما بها علة ولا سقم ... تضحك مها الأخية الأخرى يقال إن الشاعر أراد بهما السماء والأرض، ويقال إن ثعلباً أنشدهما. قال الحسن بن عثمان القنطري: دفنت كتبي وأقبلت على العبادة والتشمير والاجتهاد، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام كأنه صعد المنبر، وأشار بيده وفيها أقلام محشوة طيباً ومسكاً، فجعل يناول أقواماً قلماً قلماً، فلما تقدمت ووقفت بين يديه وقلت: يا رسول الله ناولني قلماً،

فقال: كيف أناولك وقد دفنت علمي؟ فأصبحت فحدثت بهذا الحديث؛ حدثني به أحمد بن منصور الحافظ. قال بشر بن الحارث: قال الله تعالى في بعض كتبه: إن مما عاقبت عبادي به أني ابتليتهم بفراق الأحبة. للراضي: المنسرح يصفر وجهي إذا تأمله ... طرفي ويحمر وجهه خجلاً حتى كأن الذي بوجنته ... من دم جسمي إليه قد نقلا قال إياس بن معاوية: ما كلمت أحداً بعقلي إلا أصحاب القدر، فإني قلت لهم: ما الظلم في كلام العرب؟ قالوا: أن يأخذ الرجل ما ليس له، قلت: فإن الله تعالى له كل شيء. قال عمرو بن العاص: إمام عادل خير من غيث وابل، وأسد حطوم من سلطان ظلوم، وسلطان ظلوم خير من فتنة تدوم، ولأن تمازح وأنت مجنون خير من أن يمازحك مجنون، وزلة الرجل عظم يجبر، وزلة اللسان لا تبقى ولا تذر.

وقال: يا بني استراح من لا عقل له. وأنشد: الكامل ما زلت منتظراً لوعدك مفرداً ... بالبيت مرتقباً لقرع الباب حتى يئست فقلت قول مدله ... مزج الدماء بعبرة تسكاب يا كاذباً في وعده بلسانه ... من لي بعض لسانك الكذاب قيل ليوسف بن أسباط: ما لا زهد؟ قال: أن لا تفرح بما أقبل، ولا تأسف على ما أدبر. وقف ابن عيينة على ابن معروف وهو على رمل بطحاء مكة واضعاً خده عليه، فقال له: يا أبا محمد إنه من ترك شيئاً من الدنيا عوضه الله تعالى، قال: بأي شيء عوضك الله مما تركت؟ قال: الرضا بما أنا فيه. لما حضرت حذيفة بن اليمان رحمه الله الوفاة قيل له: ما تشتهي؟ قال: الجنة، قيل: فما تشتكي؟ قال: الذنوب، قيل: أفلا نداويك بدواء؟ قال: دواني رحمة ربي، ثم قال: انظروا هل أصبحنا؟ قالوا: نعم، قال: حبيب جاء على فاقة، لا أفلح من ندم، ثم قال: اللهم

إني أعوذ بك من صباح إلى النار، اللهم إنك تعلم أني لم أعن غادراً على غدر، ولقد عشت على خلال ثلاث: الضعة أحب إلي من الرفعة، والفقر أحب إلي من الغنى، ومن حمدني أو لامني في الحق سيان. وقال بعض الصالحين: مررت براهب في صومعته وهو يبكي ويقول: أمر قد عرفته فقصرت في طلبه، وحدت عن سبيله فأبكاني يوم مضى وبقيت حسرته، ونقص له أجلي، ولم ينته إليه أملي. قال الأحنف: من حق الصديق أن يحتمل له ثلاث: ظلم الغضب، وظلم الدالة، وظلم الهفوة. قال الأصمعي، سمعت أعرابياً يقول: العاقل حقيق أن يسخي نفسه عن الدنيا علمه بأنه لا ينال أحد مها شيئاً إلا قل انتفاعه به، وكثر عناؤه فيه، واشتدت ندبته عند فراقه، وعظمت تبعته بعد وفاته. قال هرم بن حيان: صاحب الكلام إلى إحدى منزلتين، إن قصر فيه حصر، وإن أغرق فيه أثم.

وقال أيضاً: ما آثر الدنيا على الآخرة حكيم قط، ولا عصى الله كريم. قال الأصمعي، قيل لأعرابية: ما أحسن عزاءك عن ابنك؟ فقالت: إن فقدي ابني أمنني من المصائب بعده. قال ابن السماك يوماً: إن الله تعالى ملأ الدنيا لذات، وحشاها بالآفات، ومزح حلالها بالمؤونات، وحرامها بالتبعات. قال ابن عائشة: قيل لبعض السلف: ما الكرم؟ قال: التأني للمعروف، قيل له: فما اللؤم؟ قال: التقصي على الملهوف. قال الأصمعي، قال أعرابي: إن الآمال قطعت أعناق الرجال، كالسراب غر من رآه، وأخلف من رجاه، ومن كان الليل والنهار مطيتيه أسرعا به، ثم أنشد: البسيط المرء يفرح بالأيام يقطعها ... وكل يوم مضى نقص من الأجل قال الأصمعي، قال أعرابي: إن أعجز الناس من قصر في طلب الإخوان، وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم. وقال الأصمعي: سمعت أعرابياً يقول: إذا نبتت الأصول في القلوب، نطقت الألسن بالفروع، والله يعلم أن قلبي لك شاكر، ولساني ذاكر، هيهات لن يظهر الود المسقيم إلا من القلب السليم.

قال الأصمعي، قلت لأعرابي: ما أنحل جسمك؟ قال: سوء الإذاء، وجدوب المرعى، واعتلاج الهموم، ثم أنشأ يقول: الكامل الهم ما لم تمضه لسبيله ... داء تضمنه الضلوع مقيم ولربما استأيست ثم أقول لا ... إن الذي ضمن النجاح كريم قال سعد مولى عتبة بن أبي سفيان: قال لي عتبة: يا سعد تعهد صغير ضيعتي يكبر، ولا تمهل كبيرها فيصغر، فإنه ليس يمنعني كثير من ما في يدي عن إصلاح قليل مالي. قال الأصمعي: قيل لبعض حكماء فارس عند الموت: كيف حالك؟ فقال: كيف حال من يريد سفراً بعيداً من غير زاد، ويقدم على ملك عادل بغير حجة، ويسكن قبراً بغير أنيس؟ قال أعرابي: الشكوى على قدر البلوى طالت أم قصرت، إلا أن يكون بالشاكي انقباض، وبالمشكو إليه إعراض. قال أعرابي لصاحبه: وما تولعك بقوم قد هدأت ريحهم عنك، وانحسمت مادتهم منك، حتى تستثير رابضهم، وتستقدح خامدهم؟

كاتب: لا أعدك فأطعمك، ولا أويسك فأقطعك، فإن أمكنتني فرصة فعلت. قال أعرابي: لو عددتني أخاك ااستبطأتك إلا بالصبر، ولا استزدتك إلا بالشكر قال أعرابي: إن يسير ما أتاني عفواً لم أبذل فيه وجهاً، ولم أبسط له كفاً، ولم أعضض له طرفاً، أحب إلي من كثير ما أتاني بالكد، واستفراغ الجهد. كاتب: أعليت من يد كانت مقبوضة، وأسميت من مقلة كانت مغضوضة. كاتب: حل محل النور في نواظر الأولياء، والغصة في حلوق الأعداء. قال أعرابي: لا أخلاك الله من بلاء جميل توليه، وجناب خصيب ترعيه، ومعروف عظيم تسديه. كاتب: اعتدلت قناة الملك في يده، وسطح سراج الحق في دعوته، وأفل نجم الباطل في دولته. كاتب: من انصرف من الاحتجاج إلى الاعتراف، فقد لطف للاستعطاف، واستوجب المسامحنة بعد الإنصاف.

قيل لمخنث: كيف ترى الدنيا؟ قال: مثلنا، يوماً عند الأسخياء، ويوماً عند البخلاء. قيل لطفيلي قدم من مكة: كيف سعر النعال بمكة؟ قال: النعل بحمل وطبق فاكهة. وقيل لطفيلي آخر مثل ذلك فقال: النعل بالحجاز بثمن جدي بالعراق. نظر ملاح إلى رجل قد وثب على ظهر فرسه فقال: ما أحسن ما استوى على كوثله. قال إبراهيم بن الفرات: سمعت صبياً وهو في جنب أبيه في يوم عيد وقد نظر إلى الناس فقال: يا أبه ما هذا؟ قال: هذا والي البصرة يريد المصلى، قال: وما يصنع يا أبه؟ قال: يصلي، قال: ولمن يصلي؟ قال: لربه تبارك وتعالى، قال: فقال: يا آبة ما هذا؟ قال: هذا والي البصرة يريد المصلى، قال: وما يصنع يا أبة؟ قال يصلي، قال: ولمن يصلي؟ قال: لربه تبارك وتعالى، قال يا آبة وهكذا يقصد الأرباب؟ قال أبو علي الرازي: مررت على صبية في طريق الشام وهم يلعبون بالتراب وقد ارتفع الغبار فقلت: مهلاً غبرتم، وبادرت لأجوزهم، فقال صبي منهم: يا شيخ إلى أين تفر إذا هيل عليك التراب في القبر، فغشي

علي فقلت: أعندك حيلة في الفرار من تراب القبر؟ قال: لا أعلم، ولكن سل غيري، قال: فقلت: من هو؟ قال: عقلك. قال أعرابي: قد تعوق العوائق مما عليه النية، وتمنع المقادير مما عليه الطوية. قيل لفيلسوف: لم صار الحمق أحظى من العقل؟ قال: لأن العقل تدخله الآفة، والحمق لا تدخله الآفة. وقد قال الحق، لأن الحمق آفة فليس تدخل عليه آفة. حمل جحا جرة خضراء إلى السوق ليبيعها فقيل: هي مثقوبة، فقال: يكذبون، ليس يسيل منها شيء، فإن قطن أمي كان فيها فما سال منه شيء. وذكروا عنده الضراط وقيل: هو شؤم فقال: وما شؤمه؟ قالوا: يبدد الجماعات، ويفرق الشمل، قال: فهذا باطل، أهل السجن يضرطون الليل والنهار ولا يفترقون. يقال: ما الحفيف، وما الخفيف، ومال الجفيف، وما العفيف، وما الأنيف، وما الشنيف، وما الرفيف، وما الطريف، وما النظيف، وما العريف، وما الخريف، وما الشريف، وما السريف، ومال الغريف، وما القريف، وما الصريف، وما الظريف، وما النقيف، وما الطفيف، وما النتيف، وما الأسيف، وما العسيف، وما اللفيف، وما الضفيف، وما الصفيف، وما السفيف، وما السقيف، وما الذفيف، وما الزفيف، وما

الشفيف، وما الكنيف، وما اللطيف، وما الكثيف، وما القطيف، وما العنيف، وما العليف، وما السخيف، وما الكتيف. ويقال في باب آخر: ما الحز، ما البز، وما الجز، ومال الخز أيضاً، وما الرز، وما الشز، وما العز، وما القز، وما القز، وما الكز، وما اللز، وما النز، وما الهز، والهز أيضاً، وما الأز، والوز. ويقال في باب آخر: ما الجهر، وما البهر، وما الدهر، وما الزهر، وما الصهر، وما الطهر، وما الظهر، وما العهر، وما الفهر، وما الكهر، وما النهر، وما المهر، وما الشهر، وما القهر. وسيمر في جواب هذه الحروف ما يشفى قرم المتأدب، وينفي عن الملول عادة السوء، ويكون سمراً لمن أحب السمر، وفائدة لمن رغب في الفائدة، وجمالاً لمن عشق الجمال، وحلية لمن هو عار، ووسيلة لمن هو منقبض، ومتعة لمن هو مهموم، إن شاء الله. مات أبو جحا فلم يشيع جنازته، فقيل له: لم فعلت كذا؟ قال: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله: لا يتبع مول، قالوا: ويحك، ذاك في الحرب، قال: أنا آخذ بالثقة. واجتاز بامرأة تندب على زوجها، فقال لها: ما كان صنعة زوجك؟ قالت: كان حفار القبور، قال: أفلم يعلم القواد أنه من حفر لأخيه حفرة فسوف يقع فيها.

ضرط أبوه يوماً في كنيف، فقال جحا: على أيري، فقال أبوه: إيش قلت ويلك؟ قال: حسبتك أمي. وتبخر يوماً فاحترقت ثيابه فقال: والله لا أتبخرن بعدها إلا عرياناً. قال ابن طباطبا في " عيار الشعر ": الشعر تدفع به العظائم، وتسل به السخائم، وتخلب به العقول، وتسحر به الألباب، لما يشتمل عليه من رقيق اللفظ، ولطيف المعنى، وإذ قالت الحكماء: إن للكلام جسداً وروحاً، فجسده النطق وروحه معناه، فواجب على صانع الشعر أن يصنعه صنعة متقنة لطيفة مقبولة مستحسنة، مجتلبة لمحبة السامع له، والناظر إليه بعقله، مستدعية لعشق المتأمل لمحاسنه، فيحسنه جسماً ويبدعه معنى، وجيتنب إخراجه على ضد هذه الصفة، فيكسوه قبحاً ويبرزه مسخاً، بل يسوي أعضاءه وزناً، ويعدل أجزاءه تأليفاً، ويحسن صورته إصابة، ويكثر رونقه رقة، ويحصنه جزالة، ويدنيه سلاسة، ويتأتى به إعجازاً، ويعلم أنه نتيجة عقله، وثمرة لبه، وصورة علمه، الحاكم له أو عليه. هذا حكاية لفظه في كتابه.

وما أصبت أحداً تكلم في نقد الشعر وترصيفه أحسن مما آتى به الناشئ المتكلم، وإن كلامه ليزيد على كلام قدامة وغيره، وله مذهب حلو، وشعر بديع، واحتفال عجيب، فمن شعره إلى أبي الصقر الوزير: الطويل تبلج بروح اليأس أو روحة الغنى ... أو الصدق لي في الوعد أو طلب العذر فما لي ثقي يحيى ولا حلم يوسف ... ولا صبر أيوب ولا مدة الخضر وله أيضاً: الطويل لها جيد ظبي واهتزاز يراعة ... وعينا مهاة واعتدال قضيب ولفظة مناع ولحظة باذل ... وعتب بريء واغتياب مريب وإيماض ذي جد وإعراض هازل ... وسورة ذي طيش وعطف لبيب وهذا فن لطيف المرام حلو جداً. وله: الكامل المجزوء كالبدر في إشراقه ... والبحر في إغداقه والأثم في إطراقه ... والريم في إرهاقه وله: الكامل

راح إذا علت الأكف كؤوسها ... فكأنها من دونها في الراح وكأنما الكاسات مما حولها ... من نورها يسبحن في ضحضاح لو بث في غسق الظلام شعاعها ... طلع المساء بغرة الإصباح نفضت على الأجسام ناصع لونها ... وسرت بلذتها إلى الأرواح وله أيضاً: الكامل ومدامة لا يبتغي من ربه ... أحد حباه بها لديه مزيدا في كأسها صور تظن لحسنها ... عرباً برزن من الجنان وغيدا وإذا المزاج أثارها فتقسمت ... ذهباً ودراً توأماً وفريدا وكأنهن لبسن ذاك مجاسداً ... وجعلن ذا لنحورهن عقودا هذه الأبيات رواها صاحب " عيار الشعر " لفلان الهمذاني، والصحيح ما تقدم ذكره؛ وإذا رأيت تلك الرواية محرفة، والعبارة فاسدة، علمت بأن سارقاً سرق، ومنتحلاً انتحل، والغارة من الكتاب والمصنفين سديدة على ما سلف للمقدمين. انتهى طفيلي إلى عرس، ورام الدخول فمنع، فأخذ قرطاساً

وطواه ثم ختمه، ولم يكتب فيه شيئاً وعنون: من أخي العروس إليها، ثم جاء به كالمدل فقيل له: كأنه كتب الساعة، قال: نعم ومن العجب للعجلة أنه لم يكتب فيه شيء، فاستملحوه وأخذوه فأدخلوه. لما غلب يزيد بن المهلب على البصرة حلف محمد بن المغيرة ألا يخرج من البصرة إلا بإذنه، فأتى البواب فقال: أتأذن لي أن أخرج؟ قال: لا، فأتى يزيد بن المهلب فقال: إن البواب قد منعني فأذن لي أيها الأمير، فأذن له، وأرسل معه رجلاً إلى البواب، فخرح وجعل ذلك إذناً وخرج من البصرة؛ وكانت بأهلة تقول: محمد أجهل الناس غلب عاقل الأزد. لما أراد عمر بن الخطاب قتل الهرمزان استسقى ماء، فأتي به، فأمسك القدح في يده اضطرب، فقال له عمر: لا بأس عليك، إني غير قاتلك حتى تشربه، فألقى القدح من يده؛ وأمر عمر بقتله، قال: أو لم تؤمني؟ قال: كيف أمنتك؟ قال: قلت: لا بأس عليك حتى تشربه، فقولك: لا بأس أمان، ولم أشربه، فقال الزبير وأنس وأبو سعيد الخدري: صدق يا أمير المؤمنين، فقال عمر: قاتلك الله أخذت أماناً ولم أشعر. ماتت أم جحا، فقعد يبكي عند رأسها ويقول: رحمك الله، فلقد كان بابك مفتوحاً ومتاعك مبذولاً. قال ابن كناسة: كان جحا كوفياً، وكان مولى لبني أسد، وقد روى الحديث وحمل عنه؛ ومات صديق له، فظل يبكي خلف جنازته

ويقول: من لي يحلف إذا كذبت، ومن لي يحثني على شرب الخمر إذا تبت، ومن لي يعطي عني في الفسوق إذا أفلست، لا ضيعني الله بعدك، ولا حرمني أجرك. وماتت امرأة حجا، فقعد عند رجليها يبكي، فقيل له: لو قعدت عند رأسها، فقال: إنما قعدت مكاناً ينفعني. نظر إنسان إلى جحا في المقابر فقال: يا أبا الغصن ما تصنع ها هنا؟ فقال: اطرح لقبر أمي قبا فقد تمزق قبه. كاتب: وصل الله سرور يومك بسرور شهرك، وسرور شهرك بعلو قدرك، وعلو قدرك بنفاذ أمرك ونهيك؛ النفس أعزك الله لا حظ فيها، والمال لم يكن إلا منك، فإن أهديت وجدته خالصاً لك، وإن أهديت الميسور من الوجد كنت المهدي إليك مالك، وإن كان ذلك كذلك لم يبق إلا النشر والثناء والحمد، والاعتراف بالتقصير ولعجز، ولقد أحسن سعيد بن حميد حيث يقول: الكامل إن أهد نفسي فهو مالكها ... ولها أصون كرائم الذخر أو أهد مالي فهو واهبه ... وأنا الحقيق عليه بالشكر أو أهد حمدي فهو مرتهن ... بجميل فعلك آخر الدهر والشمس تستغني إذا طلعت ... أن تستضيء بسنة البدر اختصم رجلان إلى إياس بن معاوية في مطرف خز، وادعى كل

واحد منهما المطرف، فدعا إياس بمشط وماء فبل رأس كل واحد منهما وسرح شعره، فخرج المشط وعليه غفر المطرف، فدفع المطرف إلى صاحبه. كان عمر بن هبيرة أمياً لا يقرأ ولا يكتب، وكان إذا أتاه كتاب فتحه ونظر فيه كأنه يقرأه، فإذا نهض من مجلسه حملت الكتب معه، فيدعو جارية كاتبة ويدفع إليها الكتب فتقرأها عليه، فيأمرها فتوقع بما يريد ويخرج الكتاب، فاستراب به بعض أصحابه، فكتب كتاباً على لسان بعض العمال وطواه منكساً. فلما أخذه قرأه ولم ينكر تنكيسه، فعلم أنه أمي. قال صالح المري: التهنئة على آجل الثواب أولى من التعزية على عاجل المصيبة. قال الأصمعي: سألت امرأة من الأعراب عن حال لحقتهم فقالت: سنة جردت، ونار خمدت، وحال جهدت، فهل فاعل للخير، أو دال عليه، أو لا، فمن يجير، رحم الله من رحم، وأقرض من لا يظلم. قال الأصمعي، قيل لأعرابي: صلب الخليفة زنديقاً فقال: من طلق الدنيا فالآخرة صاحبته، ومن فارق الحق فالجذع راحلته. قال الأصمعي، قيل لأعرابي: أتؤمن بالموت؟ قال: إي

والله، قيل: كيف تؤمن به؟ قال: إني رايت آبائي وإخواني وأهلي وأكثر عشيرتي قد ماتوا، فعلمت أني لاحق بهم، قيل: أفتؤمن بالبعث؟ قال: هيهات إنها لحفيرة سوء ما دخلها أحد فخرج. قال الأصمعي، سمعت أشياخنا يقولون: انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين: عامر بن عبد قيس، وهرم بن حيان، والحسن، وأبي مسلم الخولاني، وأويس القرني، والربيع بن خثيم، ومسروق، والأسود بن يزيد. قال حماد بن زيد، سمعت يونس يقول: توشك عينك أن ترى ما لم تر، وتوشك أذنك أن تسمع ما لم تسمع، ولا تخرج من طبقة إلا دخلت فما هو أشد منها، حتى يكون آخر ذلك الجواز على الصراط. قال حماد بن زيد: شكا رجل إلى يونس وجعاً يجده فقال يونس: يا عبد الله، هذه دار لا توافقك، فاطلب داراً توافقك. قال الأصمعي، تقول العرب: بينهم ملحمة أي مقتلة.

قال أبو عمرو بن العلاء في قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله في الجنين غرة، عبد أو أمة: لولا أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله أراد بالغرة معنى لقال: في الجنين عبد أو أمة، ولكنه عنى البياض لأنه لا يقبل في الدية إلا غلام أبيض أو جارية بيضاء، لا يقبل فيها أسود ولا سوداء. خطب عبد الله بن الحسن بالبصرة على منبرها فأنشد في خطبته بيتاً: البسيط أين الملوك التي عن حظها غفلت ... حتى سقاها بكأس الموت ساقيها تزوج عثمان رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله سنة اثنتين من الهجرة ودخل بها، وماتت يوم جاء البشير بفتح بدر؛ ثم تزوج عثمان بأم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ودخل بها في شهر ربيع الأول سنة ثلاث؛ ومات عبد الله بن عثمان من رقية سنة أربع. قال الأصمعي، حدثنا حزم القطعي قال: سمعت الحسن يقول: حقيق على من كان الموت موعده، والقبر مورده، والوقوف عند الله مشهده، أن يطول بكاؤه وحزنه.

يقال إن أول من ارتشى من القضاة بالبصرة الحجاج بن أرطاة. غنت جارية بدف: الطويل لئن فتنتني فهي بالأمس أفتنت ... سعيداً فأمسى قد قلى كل مسلم وألقى مفاتيح القراءة واشترى ... وصال الغواني بالكتاب المنمنم قال ثمامة: قلت لجعفر البرمكي: ما البيان؟ فقال: أن يكون الاسم محيطاً بالمعنى، ويجلى عن المغزى، ويخرج من الشركة، ولا يستعان عليه بالفكرة، والذي لا بد له منه أن يكون سليماً من التكلف، بعيداً من التعسف، بريئاً من التعقد، غنياً عن التأويل. عاد رجل من الأعراب إلى حيه بعد غيبة طويلة، فلم ير فيهم خياراً، فأنشأ يقول: الرجز ومجلس ليس بشاف للقرم ... ولا بمنسوب إلى الفرع الأشم نزلته من عوز ومن عدم ... رجاء أن ينفع من سقم ألم فازددت منه سقماً إلى سقم نمر بأطراف تلك الحروف التي في شرحها فائدة، فقد أضربنا عنها بما اعترض من رواية الملح ومكنة ملل الناظر بذلك.

أما الحفيف نحفيف الناب، وحفيف الطير، وهو صوت أجنحتها؛ وحفاف الشيء طرفه، و " حافين من حول العرش " الزمر: 75 كأنهم محيطون بحواشيه، وحف الشعر إذا استأصله أي أخذ أصوله، كأنه بلغ أطرافه في مغارزه ومقاصه، " وحففناهما بنخل " الكهف: 32 منه، والحفيف المحفوف، فإن الفعيل شقيق المفعول في مواضع كثيرة، والحفف: اليبس، والحفوف: الفقر، والمحفة معروفة، والحفان: طائر. وأما الخفيف فضد الثقيل، نقول منه: خف الرجل إذا عجل، وخف القطين إذا رحل، القطين والقطان والقاطنون واحد، ويقال للرجل: من أين خفوفك؟ وقد أزف خفوفه أي رحيله، وزعم بعض المولعين بالاشتقاق أن الخف سمي خفاً لأن صاحبه خف به للحركة، لأنه لا يلبس للقعود والرفاهية والتثاقل؛ ويقال في الكلام المتابع: هو خفيف دفيف، وجمع الخف خفاف، وزعم القائل بالاشتقاق أن قولك: خف وخاف يتعاقبان معنى واحداً، وإنما اختلف الوزن لأن من خاف خف واضطراب، كما أن من أمن ركن واستقر؛ وتقول هو خفيف وهما خفيفان وهم خفيفون، وفي التأنيث: هن خفائف لأنه جمع خفيفة، كما تقول في جمع فتيلة فتائل. وأما الجفيف فالشي اليابس، تقول: جف يجف، الجيم مفتوحة، وقد جاء يجف، والأول اختيار أبي حاتم، ومصدره الجفوف، وجفت يده أي يبست، وحشت يده أي جفت كأنها صارت في يبس الحشيش، لأن الحشيش هو اليابس الذي يحش أي يقطع. فأما العفيف فالممسك نفسه عن القاذورات، يقال منه: عف فلان يعف عفة وعفافة، وكل هذا مسموع، واستعفف أيضاً، قال الله تعالى " ومن كان غنياً فليستعفف " النساء: 6 وعفافة اللبن - بضم العين - كالبقية، والعفيف فعيل ينقسم بين فاعل ومفعول، وإذا تماسك وتوقى وأخذ نفسه مأخذ الواجب فهو في طريق الفاعل، ثم قد يكون في معنى المفعول به لأن

العفة طباع، فكأنها توجد في فطرته. وأما الأنيف فالذي أصيب أنفه، كأنه مأنوف، والكلام في الأنوف قد مر في الجزء الخامس وإعادته تشق. وأما الشنيف فالمبغض، ولا تقل المبغوض، لأنه لا يقال بغضه، هذا لفظ العامة وهو مرود عند البصراء بالأصول، ولكنه يقال: بغض الشيء في نفسه فهو بغيض، فكأنه أخذ من شنفته إذا أبغضته، وكذلك: شنفت له. وقال بعض الأدباء: وهو أيضاً الذي علق في أذنه الشنف - بفتح الشين وسكون النون - وهو أيضاً بمعنى مفعول؛ وأما فلان شنف أنف صلف فهو الشنف - بحركة النون - وهو البغض والأنفة والصلف؛ ويقال: شانفني مشانفة أي عاداني معاداة، وهذا كله محصل عن السماع والكتب والصحاح وأهل الأدب الموثوق بهم بالعراق. وأما الرفيف فهو بريق الشيء وبصيصه ونوره وبهاؤه وماؤه، ويقال منه: رف الشيء إذا أنار ونار واستنار، كل ذلك بمعنى واحد، ومضارع هذا يرف بكسر الراء، فأما رف يرف بالضم فمعناه أكل، وأما رف خفيفه يرف فمعناه كثر، والرف سألت عنه السيرافي فقال: هو من كلام العرب، وهو الذي يضاف إلى الحائط ليوضع عليه شيء. وأما الطريف - بالطاء غير معجمة - فهو ضد التالد، وفي الكلام يقال: بذلت له طريفي وتالدي، والتالد: الموروث، والطريف: المكتسب، وأما الطرف فهو الفرس الكريم، وأما الطراف فالخباء من الأدم وجمعه الطرف، والطرف: العين نفسها، بل قيل: هو جفنها، وقال بعض الكتاب: كبدي بيد العراق مخطوفة، وعيني بقذى الفراق مطروفة؛ وهذا أمر طريف أي لم يعتد؛ ورجل طريف أي معجب؛ وقال صاحب الاشتقاق: الطرف دائر في هذه الأبنية، لأن الطارف في طرف من التالد، لن هذا ولد عندك، وذاك كسبت، فهما طرفان، والطرف الذي هو الفرس الكريم في

طرف من الدواب على ذلك. والطرائف جمع طريفة، والطرفة من جملة الكلام، وفلان طريف بين الطرافة، وقد سمع، وهو نظير قولهم: غريب بين الغرابة، وقد رأيت من يأبى الغرابة والطرافة. وأما النظيف فاسم الشيء الذي لا تنبو عنه العين، ولا تكف عنه اليد، تقول: هذا إناء نظيف فاشرب فيه، تقول منه: نظف نظافة وهو نظيف، ونظفة تنظيفاً فهو منظف، وقول الكتاب: فلان العامل قد استنظف المال في ناحية، فذا مردود قال الثقة. فأما العريف فهو مأخوذ من المعرفة، والميم في المعرفة زائدة لأنه يقال: عرفته؛ والعرافة للعريف كالنقابة للنقيب، وكأنه ينقسم بين أن يكون عارفاً من أن يكون عريفاً عليهم، وبين أن يكون معروفاً فيمن هو عريف لهم، تقول: عرف الرجل أي صار عريفاً، كما يقول: أمر بالفتح، والقياس أمر وعرف كما تقول: فقه وظرف، تقول منه: عرفه يعرفه معرفة، والعارف الصبور، كذا قال أبو عبيد في " الغريب "، كأن الصبر من المعرفة، كما أن الجزع من الجهل؛ والعوارف: الصلات والجوائز والخيرات، كأنها معروفة أو عارفة، لأنها جمع عارفة وهي بمعنى معرفة، لأن المعروف هو الجزء الذي تعرفه النفس، وتطرب له الروح، وأما خرجت في يده عرفة: فقرحة، وعرفات مكة، قالوا: سميت بذلك لأن آدم بها عرف حواء، وتصرف فنقول: عرفته كذا فعرف، واعترف بما عرف، والنفس عروف، والمعارف: أماكن تعرف، وأشياء تعرف، وقول الفقهاء في العرف والعادة، وهذا مقبول، فأما المعرفة وما حدها وحقيقتها وكيف طريقها ففن طويل الذيل، تكلم الكعبي فيه في " كتاب المقالات " مالئاً لأوراق يقل محصولها عند التناقد والتناصف، وقد مر في آخر الجزء الثاني فصل في هذا الباب، وسيمر أيضاً نوع من الكلام فيه، إذا صرنا إلى الجزء الذي نفرده

للعارفين وأصحاب الصوف إن شاء الله. وأما الخريف ففصل من الزمان معروف، وإنما سمي خريفاً لاختراف الثمار، والعرب تقول: فلان يخترف الكلام إذا اقتضبه على حسن، ويقال إن قولهم: فلان خرف على التفاؤل، والمخرفة: ما يخترف بها الثمر، والخروف: ولد الضائنة إذا بلغ أربعة أشهر وفصل عن أمه، والأنثى خروفة، والخرافة: الحديث الحسن يكاد يتهم محدثه. وأما الشريف فمعروف، وهو مشتق من الشرف وهو العلو، ويقال: شرف لحكمك إذا كثر، والشارف: الناقة المسنة، كأنها العالية في السن، ومشارف الشام: أعاليها، يقال: شارفته فشرفته، كما تقول: فاضلته ففضلته، وناضلته فنضلته، وهم أشراف في الجمع، وسألت العالم عن شراف فوقف، فقلت له: ألم تقل هم شرار في أشرار، فلم لا تقول شراف في أشراف، قال: القياس يتضاءل مع السماع. وأما السريف فما سرفته أي أغفلته وغفلت عنه كأنه مفعول، يقال: مررت بكم فسرقتكم أي سهوت عنكم؛ والسرفة: دابة صناع، يقال: أصنع من سرفة؛ والسرف في مقابلة التبذير وهو الإسراف، واستسرفت من فلان كذا، إذا نسبته فيه إلى السرف. وأما الغريف فالمغروف، وهو الذي تغرفه وتغترفه من ماء أو مرقة، والمغرفة: الآلة، بكسر الميم، ويقال لها أيضاً: المقدحة، لأنه يقال: قدحت بمعنى غرفت ويقال أيضاً: عرفت ناصية الفرس، وعرفت الشعر: إذا أخذته. فأما القريف فالمقروف، وهو العود تأخذ ما عليه من قشرة، وتقول: لا تقرف جرحك حتى يندمل ويبرأ. وأما الصريف فصريف الناب، وقد يسمع من النائم ذلك، فإذا غرق في النوم كأنه يحك أسنانه العليا بأسنانه السفلى؛ وصرفت الكلبة إذا أرادت

الذكر، كأنها خاجت، والصرف من الشراب ما لا يمزج، يقال منه: أصرفت الخمر إذا تركتها صرفاً، كذا قال الثقة. وأما الظريف فروى لنا شيخ عن الأصمعي وابن الأعرابي انهما قالا: الظرف ما يكون في اللسان، يقال: فلان ظريف أي بليغ جيد المنطق، ومنه: إذا كان اللص ظريفاً لم يقطع، وهذا قول عمر رضي الله عنه، يعني إذا كان حسن التخلص إلى الحجة بالشبهة درأ بها حدة وقرب أمل فرجه برأيه؛ قال بعض السلف: الظريف من فيه أربع خصال وهي: الفصاحة والبلاغة والعفة والنزاهة. قلت لبعض العلماء: ذكر اربعاً وهي اثنتان: لأن البلاغة والفصاحة خصلة واحدة، والعفة والنزاهة خصلة واحدة، فقال لي: ظلمت، الفصاحة خلوص اللسان من التعقيد والنغنغة، والبلاغة تناهي المتكلم إلى الإرادة، فقد يخلص ولا ينتهي، وقد ينتهي ولا يخلص، فإذا جمع بينهما كان فصيحاً بليغا. والعفة الإمساك عن المحظور، والنزاهة الوقوف عن المباح، وفي العفة ذب عن الدين، وفي النزاهة حفظ للمروءة. وقال بعض الأدباء: الظريف المتمرس بكل أمر، المتخلص من كل ذم. سمعت أبا النفيس الرياضي يقول: الظريف من صار ظرفاً للمناقب، وحسن المناقب. والكلام يفتن إلى هذا الفن، وأنا إلى اختصار ينفي سآمة القارئ أحوج مني إلى تطويل يسد باب النشاط؛ وللصوفية ألفاظ مهذبة في جواب نظائر هذه المسألة كقولهم: من الظريف، ومن الفاضل، ومن العارف، ومن العاشق، فإذا دخلنا في ميدانهم أتينا على بيانهم إن شاء الله. وأما النقيف فالمنقوف من الحنظل، كأنك نقفته إذا أخذته بأطراف يدك. وأما الطفيف فالشيء القليل القليل التافه، قال الله تعالى: " ويل للمطففين " المطففين: 1 يعني المقللين، وطفاف المكوك: جوانبه، كأن المطفف في

الكيل يحب أن ينقص المشتري، وقد بين الله ذلك. وأما النتيف فالمنتوف، يقال: هذا طائر نتيف، والنتف: جمع نتفة، كالطرف جمع طرفة، والغرف جمع غرفة، ويقال: تناتف الديكان عند القتال، والنتيف لقب كثير من الناس الذين ينتفون شعور وجوههم، وهي علة من احتراق المرة السوداء. وأما الأسيف فالتابع. وأما العسيف فالعبد، هكذا حفظت عن الثقة. وأما اللفيف فجماعة لا تعرف، واللفيف أيضاً الملفوف، واللف: التواء في اللسان كالردة. وسمعت بدوياً يصف قوماً لقوا قوماً في الحرب، قال: ما تصافوا حتى تلافوا، واللفافة: ما يلف فيها الشيء، وجمعها لفائف كأنه جمع لفيفة، ورجل ألف إذا كان عيياً، وامرأة لفاء، وكذلك إذا كانا ضاويين، وإذا كانا نحيلين، وكل هذا من خفة اللحم والشحم والجسم. وأما الضفيف فهو من المضفوف، ويقال: هذا ماء مضفوف إذا تزاحمت عليه وأردته، فكأنه مأخوذ من ضفة النهر أي طرفه، لأنهم يتزاحمون على جوانبه، وقولهم: هذا مضفوف كقولهم: هذا ماء مشفوف إذا شفوه أي نزفوه؛ فأما قولهم: ماء مشفوه - بالهاء - فأخذ من الشفة كأنه كثرت عليه الاربة حتى وضعوا على جوانبه شفاههم، وعلى هذا تكون جوانب الحوض وأطراف الموارد شفاهاً فأصابوها بالشرب، لأنه يقال: شفهته: إذا ضربت شفته، وقولهم: كلمته مشافهة أي شفتي مقابلة لشفته، لأن الكلام يسمع من الإنسان بآلات كثيرة كاللسان والأسنان والشفة، ومتى نقص شيء من ذلك نقص الكلام على مقداره. وأما الصفيف فاللحم المصفوف، يقال: صففته أصفه صفاً فأنت صاف وهو مصفوف، وقول الله تعالى: " صواف فإذا وجبت جنوبها " الحج: 36 إذا شددت الفاء كان من هذا، كأن الهدي يصف، وقد قرئ صوافي

أي قائمة، وقيل أيضاً: صوافي جمع صافية كأنها صفت لله تعالى لأنه متقرب بها إليه. وأما السفيف فهو ما تسفه أي تتناوله، ويقال لأدوية معروفة: فهو يسف - بضم السين فهو الخوض لأن الخواص يعمل من الخوص قفة وسفوف كذا وسفوف كذا، والسين مفتوحة، والعامة تقول لبائع هذه الأدوية: سفوفي - بضم السين - وإنما هو سفوفي - بالفتح -؛ وأما سف فهو وزنبيلاً وغير ذلك، فعمله السف وهو ساف وسفاف. وإذا قلت: أسف انقلب المعنى، أسف الطائر إذا دنا من الأرض، وأسف الرجل للأمر إذا قاربه، والإسفاف إلى القبيح كالدنو منه والتلطخ به. وأما السقيف فكأنه قد سقف إذا كان سقفاً، وسقيفة بني ساعدة منه. وأما الذفيف فالسريع. وأما الزفيف فزفيف الناقة، وهو ضرب من ضروب سيرها. وأما الشفيف فالبرد. وأما الكنيف فالحظيرة. وأما اللطيف فمعروف. وأما الكثيف فخلافة لأن اللطافة في اللطيف ضد الكثافة في الكثيف. وأما القطيف فما قمطف. وأما العنيف فالخشين المس فيما يباشر، ومنه العنف وهو التشديد. وأما العليف فما علف عن العلف، تقول: علفته، والشاعر يقول: الطويل إذا كنت في قوم عدى لست منهم ... فكل ما غلفت من خبيث وطيب العلف يستعمل في البهائم، ولكنه استعارة. وأما السخيف فالخفيف.

وأما الكتيف فمن كتف أي ضرب كتفه. طال هذا فأرجو أن لا يثقل إن شاء الله؛ وقد بقيت حروف أجمك عنها ببعض النوادر والأخبار لتعود إليها وأنت شهوان، وهذه مداراة مني لنفسي أولاً، ثم لك أيها الناظر، فقد علمت أنك من طينتي، وجارياً على خليقتي، تمل كما أمل، وتكل كما أكل، وتعرض لك الحال التي تدل على عجزك عن حظك، ولولا أني وإياك على هذا النعت لما احتجنا إلى ما يتأدب به، لأن التمام كان لنا بالجوهر، والكمال فينا بالعنصر، ولكنا بنينا من الضعف والقوة، والعجز والقدرة، والنقصان والزيادة، فنحن على ذلك نتماثل إلى أن يأخذ الله بأيدينا من أيدينا فنخلص من دار، الغني بها مفلس، والطاهر بها نجس. سأل المهدي رجلاً عن طائر جرى من الغاية فقال: يا أمير المؤمنين لو لم يبن بفضيلة السبق لبان بحسن الصورة، فقال: صفه لي، فقال: قد قد الجلم، وقوم تقويم القلم، لو كان في ثوب خرقه، أو صندوق فلقه، يمشي على عنمتين، ويلقط بدرتين، وينظر بجمرتين، إذا أقبل فديناه، وإذا أدبر حميناه. قال رجل لإبراهيم النخعي: كيف أصبحت؟ فقال: إن كان من رأيك أن تسد خلتي، وتقضي ديني، وتكسو عورتي أخبرتك، وإلا ليس المسؤول بأعجب من السائل. شاعر: الطويل فآه من الأحزان قد أسفر الضحى ... وفي كبدي من حرهن حريق مزجنا دماً بالدمع حتى كأنما ... يذاب بعيني لؤلؤ وعقيق

قال العتابي: وجد علي الرشيد: فدخلت عليه في المتكلمين فقلت: يا أمير المؤمنين قد أدبني الزمان لك، وأرشدني إلى الهداية تقويمك، وردني ابتلاء الناس إليك، وما مع تذكرك قناعة، ولا في سؤالك عار، وقد قلت: الطويل أخضني المقام الغمر إن كان غرني ... سنا خلب أو زلت القدمان أتتركني جدب المعيشة صنكها ... وكفاك من ماء الندى تكفان وتجعلني سهم المطامع بعدما ... ملكت يميني بالندى ولساني بلغ يحيى بن خالد أن إبراهيم بن سيابة هجاه فحجبه ومنعه رزقاً له، فكتب إليه ابن سيابة: للسيد الجواد، الواري الزناد، الماجد الأجداد، والمنجب الأولاد، من الخاضع المسكين، والخائف المستكين. أما بعد، فإنك تعلم أن من يرحم، ومن يحسن يغنم، ومن يعف لا يندم، وقد منيت من غضبك علي، واطراحك لي، وإعراضك عني، بغير لفظ تحقق، ولا قول يصدق، بما لا أقوم له ولا أقعد، ولا أستيقظ منه ولا أرقد، فلست بحي صحيح، ولا ميت مستريح، وقد فرزت منك إليك، فاستعنت بك عليك. وقلت: الخفيف راغب راهب أتاك يرجي ... ك وما زلت موضعاً للرجاء ومقر بما جناه ولم يج ... ن لترضى وحامل للثناء فلعمري ما من أضر ومن ظ ... ل مقرا بذنبه بسواء فوقع يحيى بن خالد: قد عفونا عن الخائف والحاكم لنفسه ببراءته، وأمرنا

له بصلة تنير ظلمته، وتؤنس وحشته، ووهبنا ماضيه لمستقبله، وسالفه لمستأنفه. قال جعفر بن يحيى لبعض الندماء: إنا نستبين ما في باطن القلوب بظواهرها، ونعرف فحوى العيون بلواحظها. قال عبد الصمد بن المعذل لأبي تمام: الخفيف أنت بين اثنتين تبرز للنا ... س وكلتاهما بوجه مذال لست تنفك طالباً لوصال ... من حبيب أو طالباً لنوال أي ماء لحر وجهك يبقى ... بين ذل الهوى وذل السؤال قال الحارث الأعور: ما رأيت رجلاً قط أحسب من علي بن أبي طالب عليه السلام، أتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، رجل مات وخلف ابنتين وأبوين وزوجة، فقال: قد صار ثمنها تسعاً. قال أبو حامد: هذه الفريضة من أربعة وعشرين، للبنتين الثلثان، وللأبوين السدسان، وكمل المال، وعالت الفريضة، واحتيج للمرأة إلى ثمن الأربعة والعشرين ثلاثة أسهم، فزيد على الأربعة والعشرين، فصارت السهام سبعة وعشرين، وصار الثمن من أربعة وعشرين تسعاً من سبعة وعشرين، فتقسم الفريضة على ذلك. لفضل الشاعرة: الكامل المجزوء

علم الجمال تركتني ... في الحب أشهر من علم ونصبتني يا منيتي ... غرض المنية والتهم فارقتني بعد الدن ... وفصرت عندي كالحلم فلو أن نفسي فارقت ... جسمي لفقدك لم تلم ما كان ضرك لو وصل ... ت فخف عن قلبي الألم برسالة أهديتها ... أو زورة تحت الظلم أو لا بطيف في المنا ... م فلا أقل من اللمم صلة الحبيب محبة ... الله يعلمه كرم استجاز علي بن الجهم فضل الشاعرة بين يدي المتوكل بيتاً وقال: البسيط لاذ بها يشتكي إليها ... فلم يجد عندها ملاذا فأطرقت هنيهة قم قالت: ولم يزل ضارعاً إليها ... تهطل أجفانه رذاذا فعاتبوه فزاد عشقاً ... فمات عشقاً فكان ماذا فطرب المتوكل ووصلهما. ولعريب المأمونية: الوافر المجزوء

وذي كلف بكى جزعاً ... وسفر القوم منطلق به قلق يململه ... وكان وما به قلق جوارحه على خطر ... بنار الشوق تحترق جفون حشوها الأرق ... تجافي ثم تنطبق أجاب الوابل الغدق ... ونادى النرجس الغرق فهات الكأس مترعة ... كأن حبابها الحدق قال بعض الأوائل: ثلاثة أشياء تورث الهزال: شرب الماء البارد على الريق، والنوم على غير وطاء، وكثرة الكلام برفع الصوت. وقال آخر: أربعة أشياء تفسد العقل: الإكثار من البصل، والباقلي، والجماع، والخمار. شاعر: البسيط عشرون ألف فتى ما منهم أحد ... إلا كألف فتى مقدامة بطل راحت ماودهم مملوءة أملاً ... ففرغوها وأوكوها من الأجل شاعر: البسيط غصن من البان مثل البدر يحمله ... مثل الكثيب تعالى الله باريه الشمس تحسده والبدر يعشقه ... والدر يشبهه والظبي يحكيه

قال المأمون لذي اليمينين وقد سايره: ما أقدم برذونك هذا، قال: من بركة الدابة صحبته، وقلة علته، قال: وكيف حمدك له؟ قال: همه أمامه، وسوطه لجامه، ما ضرب قط إلا ظلماً لسيره، ولا استحث إلا للعادة في غيره، فقال: مثلك يا أبا الطيب فليصف الشيء. شاعر: الطويل فإن ترفقي يا هند فالرفق أيمن ... وإن تخرقي يا هند فالخرق أشأم فأنت طلاق والطلاق عزيمة ... ثلاث ومن يخرق أعق وأظلم فبيني بها إن كنت غير رفيقة ... فما لامرئ بعد الثلاث مقدم آخر: الخفيف لو قضي الله للمنون بحتف ... صير البين للمنون منونا أخر: البسيط الجود والغول والعنقاء ثالثة ... أسماء أشياء لم تخلق ولم تكن آخر: الكامل كتب الفرزدق في السجل بأيره ... ثم استمد به من آست جرير فسلوا جريراً ما مداد دواته ... أمداد بر أم مداد شعير وقال الحسن البصري: لم يبق من العيش إلا ثلاثة: أخ تصيب من عشرته خيراً وإن زعت قومك، وكفاف من المعاش ليس لأحد عليك فيه تبعة وصلاة تكفى سهوها وتستوجب أجرها.

قال ابن عباس: الشيب في مقدمة الرأس كرم، وفي الشارب سفه، وفي العارض روع، وفي القفا لؤم. لو ذكر عللها لكان العلم أبين، والظن عندها أبعد، ولكنه أرسله إرسالاً، والله المستعان على ما يصفون. قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا استراث خبراً تمثل بقول طرفة: الطويل ويأتيك بالأخبار من لم تزود قال، فكان يقول: ويأتيك من لم تزود بالأخبار. قال أبو العباس ابن سريج: من أنكر الحس أنكر نفسه، ومن أنكر العقل أنكر صانعه، ومن أنكر الغيرة أنكر أباه وأمه، ومن أنكر الإجماع أنكر نبيه، ومن أنكر عموم القرآن أنكر حكمته، ومن أنكر خبر الواحد أنكر الشريعة، ومن أنكر اللغة أنكر المحاورة. العرب تقول: إنه لمنحار بوائكها، أي كثير النحر لسمانها التي لا علة بها. شاعر: الكامل المجزوء

إن يغدروا أو يجنبوا ... أو يجهلوا لا يحفلوا وغدوا عليك مرجلي ... ن كأنهم لم يفعلوا قال وكيع، قال لي أبو حنيفة النعمان بن ثابت: أخطأت في خمسة أبواب من المناسك بمكة فعلمنيها حجام، وذاك أني جئت أريد أن أحلق رأسي فقال لي: أعراقي أنت؟ قلت: نعم، وقد كنت قلت له: بكم تحلق رأسي؟ فقال: النسك لا يشارط فيه، اجلس، فجلست منحرفاً عن القبلة، فأومأ إلي باستقبال القبلة، وأدرت رأسي من الجانب الأيسر فقال: أدر شقك الأمين من رأسك فأدرته، فجعل يحلق رأسي وأنا ساكت، فقال لي: كبر، فجعلت أكبر حتى قمت لأذهب فقال: أين تريد؟ قلت: رحلي، فقال: صل ركعتين ثم امض، فقلت: ما ينبغي أن يكون ما رأيت من عقل هذا الحجام إلا ومعه علم؛ فقلت له: من أين لك ما رأيتك أمرتني به؟ فقال: رأيت عطاء بن أبي رباح بفعل هذا. أنشد ابن السماك: الكامل يا أيها الرجل المعلم غيره ... هلا لنفسك كان ذا التعليم تصف الدواء من السقام لذي الضنى ... ومن الضنى ما زلت أنت سقيم قال بعض النحويين لرجل من الرافضة كان يتعلم النحو: ما علامة النصب في عمر؟ قال: بغض علي بن أبي طالب، عليه السلام. زعم بعض أصحابنا أن السيرافي قال: هذا الإنسان من باب الطاق، وما سمعته منه.

قال بعض البلغاء: السيف أكرم مواهب الله لخلقه، لأنه آلة النجدة، وأداة المعرفة والمنعة، وعدة العزة، وعتاد الرفعة، وسلاح القوة، وظهير الحزم، وعقدة التكرم، وعضد الوحيد، وأنس الفريد، وحلية الأنس، وزينة الفارس، وسند الرجل، وشفاء الموتور، ودرك الواتر، وجمال الأسير، وقوام المأمور، وحامي الذمار، وحارس الحريم، ومانع الجار، وجليس مأمون، وأنيس ميمون، ورسول إلى المطالب ناهض، وخادم في المآرب نافذ، وعون على الملم بليغ، وظهير على العدو قدير، وشهاب للعتاة مبير. قال نديم لكسرى: إن المستأنس بسخونة الشمس في الشتاء يتقي أذى حرها في القيظ؛ معناه: إني وإن كنت ساكناً إليك في حال الرضا فذلك لا يؤمنني من الوجل منك في حال الغضب. قيل لأبي مسلم: ما كان سبب خروج الدولة عن بني أمية؟ قال: لأنهم أبعدوا أولياءهم ثقة بهم، وأدنوا أعداءهم تألفاً لهم، فلم يصر العدو صديقاً بالدنو، وصار الصديق بالإبعاد عدوا. قضى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الضبع كبشاً، وفي الظبي شاة، وفي الأرنب جفرة، يعني في المحرم. للسعدي لما صدر عن الحج: الرجز

ما لك بالحرة من صديق ... ولا بمران ولا العقيق غيري وغير وضح الطريق ... ناشطة من الجبال الروق عامدة لمطلع العيوق قال ابن ثوابة لأبي العيناء: كنت أكتب انفاس الرجال، قال: صدقت، حين كانوا وراء ظهرك. شكا المأمون إلى طبيبه علة، فقال: اجتنب اثنين: الرطب الماء البارد، فقال: لولاهما لما احتجنا إليك. قال بعض السلف: إذا أرسلت لتأتي ببعر فلا تأت بتمر، فيؤكل تمرك وتذم على الخلاف. قال عبيد الله بن سليمان لأبي العيناء: اعذرني فإني مشغول، قال: إذا فرغت لم أحتج إليك، وما اصنع بك فارغاً، وأنشد: الطويل ولا تعتذر بالشغل عنا فإنما ... تناط بك الآمال ما اتصل الشغل قيل لجعفر بن محمد رضي الله عنهما: ما بال الناس يكلبون أيام

الغلاء ويزيد جوعهم على العادة في الرخص؟ قال: لأنهم بنو الأرض، فإذا قحطت أقحطوا، وإذا أخصبت أخصبوا. قال مجاهد: حججت في بعض السنين فصاحبت رجلاً من قريش فقلت له: هلم نتناتج الرأي، فقال: دع الود بيننا كما هو، فعلمت أنه خصمني. قال جعفر بن محمد رضي الله عنهما: أربعة أشياء القليل منها كثير: النار، والعداوة، والفقر، والمرض. دخل أبو العيناء على إسماعيل القاضي، وأخذ يرد عليه إذا غلط في أسم رجل وكنية آخر، فقال له بعض من حضر: أترد على القاضي أعزه الله؟ قال: نعم لم لا أرد على القاضي وقد رد الهدهد على سليمان، وقال: أحطت بما لم تحط به؟ وأنا أعلم من الهدهد، وسليمان أعلم من القاضي. قال عبيد الله بن يحيى لأبي العيناء: كيف كنت بعدي؟ قال: في أحوال مختلفة، شرها غيبتك، وخيرها أوبتك. قال أبو العيناء لمحمد بن خالد: لئن كان آدم أساء إلى نفسه في إخراجها من الجنة، لقد أحسن إلينا انه ولد مثلك.

سأل أبو العيناء أحمد بن صالح حاجة فوعده، ثم اقتضاه فقال: دونها المطر والطين، فقال أبو العيناء: فحاجتي إذاً صيفية. قال رجل لأبي العيناء: ما أنتن إبطك! قال: نلقاك - أعزك الله - بما يشبهك. قال ابن الزيات للوليد بن يحيى: من أنت ومن أبوك؟ قال: أبي الذي تعرفه، ومات وهو لا يعرفك. قال فيلسوف: لا تصغر أمر من حاربت أو عاديت، فإنك إذا ظفرت لم تحمد، وإذا عجزت لم تعذر. عاد رجل مزبداً وقال له: احتم، فقال: يا هذا ما اقدر على شيء إلا على الأماني فأحتمي عنها؟! قال رجل من آل سعيد بن سلم لأبي العيناء: إن أبي يبغضك، قال: يا بني إن لي أسوة بآل رسول الله صلى الله عليه.

قال المنصور لإسحاق بن مسلم: أفرطت في وفائك لبني أمية، قال له: أتسمع جوابي؟ قال: قل، قال: من وفى لمن لا يرجى كان لمن يرجى أوفى، قال: صدقت. حبس محمد بن سليمان رجلاً من المرجفين ثم أخرجه وأمر بضربه فضحك الجلاد فقال له محمد: ما يضحكك؟ قال: أصلح الله الأمير، زعم أنك لم تأمر بضربه حتى أتاك كتاب العزل، فقال: خل عنه فلو ترك الإرجاف يوماً لتركه اليوم. أحضر زياد رجلاً فأمر بضرب عنقه فقال: أيها الأمير إن لي بك حرمة، قال: وما هي؟ قال: كان أبي جارك بالبصرة، قال: ومن أبوك؟ قال: نسيت والله نفسي فكيف أذكر اسم أبي؟ قال: فرد زياد كمه إلى فيه وخلى سبيله. قال الأصمعي: ضرب أبو الجحش الأعرابي غلماناً للمهدي فاستعدوا عليه إليه فقال: اجترأت على غلماني قضربتهم، قال: كلنا يا أمير المؤمنين غلمانك ضرب بعضنا بعضاً، فخلى سبيله.

قال المأمون: لأن أخطئ باذلاً أحب إلي من أن أصيب باخلاً. قال ابن سيابة: نيك البغاء الفقير زكاة الأير. قيل لمسور بن مخرمة الزهري: أي الندماء أحب إليك؟ قال: لم أجد نديما كالحائط، إن بصقت في وجهه لم يغضب، وإن أسررت إليه شيئاً لم يفشه عني. قال ابن مناذر - هكذا قال الثقة -: كنت أمشي مع الخليل بن أحمد فانقطع شسع نعلي، فخلع نعله فقلت: ما تصنع؟ فقال: أواسيك في الحفاء. قال بعض السلف: إياك وكثرة الإخوان فإنه لا يؤذيك إلا من تعرف، وأنشد: الطويل جزى الله عنا الخير من ليس بيننا ... ولا بينه ود ولا نتعارف فما سامنا ضيماً ولا شفنا أذى ... من الناس إلا من نود ونألف

قال بعض الظرفاء: غضب العاشق مثل مطر الربيع. أضاف مزبد رجلاً فأطال المكث، فقال ليلة لامرأته: كيف نعمل برحيل هذا عنا؟ قالت: أخاصمك ونحتكم إليه، ففعلا، فقالت المرأة: بالذي يبارك لك في ركوبك غداً لما حكمت بيننا بالحق، قال: والذي يبارك لي مقامي عندكم هذه السنة ما أعرف من الحكم شيئاً. لقي عبد الله بن بكار سعيد بن العاص فقال له: البشرى، قال: وما ذاك؟ قال: قدم أبي، قال: فخذ البشرى من حر أمك. دخل أبو العيناء على أحمد بن علي وقد صرف عن ولايته فقال: إن صرفت عن عملك لم تصرف عن كرمك، فأمر له بمال. دعا أعرابي فقال: اللهم إني أعوذ بك أن أفتقر في غناك، أو أضل في هداك، أو أذل في عزك، أو أضام في سلطانك، أو أضطهد والأمر لك. تركنا تصريف حروف مرت مجاورة لأخواتها عن غير قصد، ولكن لسوء التأتي في نظم الباب إلى الباب، ورد الشبيه إلى الشبيه، وهذا كله من جناية الدهر في فقد حبيب تقر العين به، وصلاح حال تسكن النفس إليه، ولله أمر هو بالغه، ونهاية هو أعلم بها، وليس للعبد إلا ما لاق بعبوديته، وجبل على فطرته؛ فابسط أيها القارئ العذر، إما على قدر مروءتك الغافرة

للذنب، وإما على قدر الضراعة من المصنف، ولا تكن خزياً له، فإنه أتم لثناء الناس عليك، وأقطع للسان المكروه عنك، واعلم أن العلل لو أزاحت، والأحوال لو ساعدت، لكنت لا أحوج إلى هذا الاعتذار، ولا يفلت مني تشوف إلى الاغتفار: أما الحز فهو القطع، يقال: حز يحز حزاً، وليس في فلان محز، على الاستعارة، والحزيز: المحزوز، وفلان يحز المفصل: إذا أجاد فيما مدح به، وحزاز النفس كأنها تقطع الكبد بالحسرة، والشاعر يقول: الطويل وتبقى حزازات النفوس كما هيا وأما البز فمصدر بززته أي سلبته، ابتززته أيضاً، والشيء مبزوز ومبتز، والبزاز والمبازة كالنهاب والمناهبة والسلاب والمسالبة، والبز: السلاح أيضاً، وكأنه يبز أي يؤخذ، والبز: الثياب، ومنه قولك: البزاز. وأما الجز فاخذ الصوف من الشاة. وأما الحر فمعروف، ويقال: الخز أيضاً وضع الشوك على رأس الحائط لئلا يتسلق عليه. وأما الرز فمصدر رزت الجرادة وغرزت وهو الولادة، هكذا قال أبو حنيفة صاحب النبات.

وأما الشز فالتقبض، وما أعرف منه أكثر مما قلته. وأما العز فالغلب - محركة اللام -، ومنه قوله تعالى " وعزني في الخطاب " ص: 23 أي غلبني. وأما الفز فولد البقرة. وأما القز فضرب من الإبريسم، وأما الفز أيضاً بالفاء: القعود على غير طمأنينة. وأما الكز فالقليل الخير، يقال: هو كز بين الكزازة أي ضيق العطن. وأما اللز فلزوم الشيء، وكذلك الإلزاز، وقال الشاعر: البسيط وابن اللبون إذا ما لز في قرن وأما النز فرشح الماء من الأرض، والنز أيضاً السخي من الرجال، ويقال: ظليم نز لا يكاد يستقر. وأما الهز فمصدر هز الدابة وغيرها والسيف وغيره هزاً، واهتز هو في نفسه، والهز أيضاً هو النكاح كأنه كناية. وأما الوز فطائر. وأما الأز فمن قوله تعالى " تؤزهم أزاً " مريم: 83. وأما الجهر فهو خلاف السر، قال الله تعالى " ولا تجهر بصلاتك " الإسراء: 110، وفعل كذا مجاهرة أي مكاشفة، ويقال إن الأجهر والجهراء هما اللذان لا يبصران بالنهار إبصاراً محموداً، ويقال: فلان جهير الصوت، ويقال: جهوري الصوت.

وأما البهر يقال: بهرته إذا غلبته، وهو أيضاً ربو الرئة عند العدو والإعياء، ويقال له: بهراً أي عجباً وانبهر هو، كلام صحيح، فأما أبهرته فمردود ولم يجوزه العلماء. وأما الدهر فمعروف، وفيه جواب ليس من قبيل حديث اللغة، وإنما هو شيء يمر في كلام الفلاسفة، وسيمر فيما تتصفحه في جملة نظائره في حدود الأسماء والمعاني كلها إن شاء الله. يقال: دهره إذا غلبه، ويقال: ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا الدهر فإنه الله جل جلاله، وجوابه مضموم إلى ما يكون وفقاً له مما يليق بالحكاية معه من كلام العلماء، والله المعين. وأما الصهر فالإذابة، يقال: صهرته الشمس، في القرآن " يصهر به ما في بطونهم " الحج: 20. وأما الطهر - بالطاء - فإنه جانب الوادي، وما أنا على حقيقة. وأما الظهر فمعروف من الإنسان، وفلان ظهر فلان إذا استظهر به أو تظاهر به، والظهارة من الظهور والظاهر، والبطانة من البطون والباطن، ورجل مظهر إذا كان قوي الظهر، وظهر إذا كان ظهره يوجعه، ومظهور إذا أصيب ظهره، ومبطون إذا أصيب بطنه، ويقال إن الله تعالى ظاهر بالقدرة وباطن بالحكمة، أي يظهر قدرته ويبطن حكمته، والظهر أيضاً: ما غلظ من الأرض. والعهر الفجور، يعني به الزنا. وأما الفهر فيقال إنه مجامعة الرجل امرأته على عرك. وأما الكهر فالانتهار. وأما النهر فمعروف، ويقال أيضا: النهر، والسكون والحركة يتعاقبان

الهاء، وليس أحدهما أولى من الآخر، لا في المعنى ولا في السماع، وكذلك البعر والشمع والزهر. وأما المهر: فهو للمرأة إذا تزوجت، وهو الصداق، وهو ما يستحل به بضعها، وهو مصدر مهرتها مهرا، وقد يقال: أمهرتها، كذا روى أبو يعقوب في " فعلت وأفعلت " والمثل يدل على أن الكلمة من " خدمت " وهو قولهم كالممهورة إحدى خدمتيها، والخدمة: الخلخال. قال خالد بن الوليد: الحمد لله الذي فض خدمتكم، وفرق كلمتكم. وأما الشهر: فمعروف، وجمعه شهور، وقولهم: فلان يعمل مشاهرة كلام صحيح، كما يقولون: معاومة من العام، ومياومة من اليوم، وملايلة من الليل، ومساوعة من الساعة، ولا تقل مساعاً فإن المعنى ينقلب، وقد رأيت من قالها فسخر منه؛ والشهر أيضاً مصدر شهرت الأمر شهراً، والشهير: المشهور، وأشهرت خطأ، إنما يقال: أشهرنا أي دخلنا في الشهر، كما قالوا: أحرمنا أي دخلنا في الحرم، وكأن الشهر سمي به لشهرته. وأما القهر فمصدر قهرته قهراً، والمقهور: الخلوف، وفي أسماء الله تعالى: القهار، وهو الغلاب. فهذا آخر الحروف التي تقدم الوعد بذكرها، ولعل الجزء الثامن يتضمن نظائرها مع أشياء غيرها، إن شاء الله. قال أبو سعيد السيرافي " هو " عبارة عن كل اسم منكور كما أن قولنا " فلان " عبارة عن كل اسم علم ما يعقل. وأنشد: الطويل وكم موطن لولاي كما هوى ... بأجرامه من قلة النيق منهوي

وأنشد الخليل ويونس وقالا: هو لعمران بن خطان: الوافر ولي نفس أقول لها إذا ما ... تنازعني لعلي أو عساني قال أبو سعيد: في عساك وعساني ثلاثة أقوال: أحدها قول سيبويه، وهو أن عسى حرف بمنزلة لعل ينصب ما بعدها وهو الاسم، والخبر مرفوع، والكاف اسمها وهي منصوبة، واستدل على النصب في عساك بقول: عساني، والنون والياء فيما آخره الألف لا تكون إلا للنصب. والقول الثاني قول الأخفش: إن الكاف والياء والنون في موضع رفع، وحجته أن لفظ النصب استعير للرفع في هذا الموضع كما استعير له لفظ الجر في لولاي ولولاك. والقول الثالث قول المبرد: إن الكاف والياء والنون في عساك وعساني في موضع نصب بعسى، فإن اسمها فيها مرفوع، وجعله كقولهم: عسى الغوير أبؤساً، وحكي انه قدم فيها الخبر لأنها فعل، وحذف الفاعل لعلم المخاطب به فعل صحيح لا يدخله الاختلاف فيه. طلب عبيد الله بن زياد غلاماً عاقلاً، فقال سعيد بن فلان: عندي ذاك أيها الأمير، قال: هاته، فوجه إليه ابنه وباعه بعشرة آلاف رهم، وحصل المال، فلما خرج سعيد بكى الغلام فقال عبيد الله: ما شأنك؟ قال: أنا ابنه، قال: انطلق لعنة الله عليه؛ رواه المدائني.

يقال: لم يوجد ثلاثة مكافيف على نسق غير عبد الله بن العباس، فإنه كف، والعباس بن عبد المطلب، وعبد المطلب بن هاشم. قال: ومن ها هنا قال معاوية لابن عباس: يا بني هاشم، ما لكم تصابون بأبصاركم؟ قال ابن عباس: بدلاً مما تصابون في بصائركم. قال الواثق لابن أبي دواد: والله إني حنثت في يمين سبقت مني فما كفارتها؟ قال: مائة ألف درهم، فقال الزيات: ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين، فقال أحمد: يا أمير المؤمنين، ما هذه الكفارة له ولا لآبائه، إن الكفارة على قدر المعرفة بالله تعالى، ولا نعلم أحداً أعلم بالله من أمير المؤمنين، فضحك الواثق وأخرج مائة ألف درهم. أخبرنا أبو سعيد السيرافي قال: أنا ابن مجاهد قال، ثنا ثعلب قال، حدثني محمد بن سلام قال، ثنا زائدة بن أبي الرقاد عن ثابت البناني عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لأم عطية: إذا خفضت فلا تنهكي فإنه أضوأ للوجه، وأحظى عند الزوج. هكذا قرأت عليه تنهكي - بفتح التاء والهاء -، وقال: هو من نهكه ينهكه وأنهك من هذا الطعام أي أكل منه على المبالغة. قال الجاحظ في كتاب الحيوان في الجزء الأول: الكتب

توجد في كل أوان، وتقرأ بكل مكان، على تفاوت ما بين الأعصار، وتباعد ما بين الأمصار. قال رجل لمحمد بن واسع: الحمد لله على إحسانه، خرجت أبغي جليساً صالحاً، فقال محمد: إن كان أجابك فإني بدعائك أسعد منك. قال الأصمعي: من ملح أحاديث الأعراب أنهم قالوا: كانت امرأة تحاجي الرجال، فلا يكاد أحد يغلبها، فأتاها جني في صورة إنسان فقال لها: حاجيتك، فقالت له: قل، فقال: كاد، فقالت: كاد العروس أن يكون ملكاً، فقال: كاد، فقالت: كاد البيان أن يكون سحراً، فقال: كاد، فقالت: كاد المنتعل أن يكون راكباً، فقال: كاد، فقالت: كاد المسافر أن يكون أسيراً، ثم ولى ليذهب فقالت: حاجيتك، فرجع فقالت: عجبت، فقال: عجبت من الحجارة لا يعظم صغيرها، ولا يصغر كبيرها، فقالت: عجبت، فقال: عجبت من السبخة لا يجف ثراها، ولا ينبت مرعاها، فقالت: عجبت، فقال: عجبت من حفيرة بين رجليك لا يدرك قعرها، ولا يمل حفرها، فاستحيت وتركت المحاجاة. يقال: كانت ملوك الروم لا ترسم أحداً للطب حتى تلسعه حية وتقول له: آشف نفسك فإن نجوت عرفنا حذقك وإلا كانت التجربة واقعة بك.

ويقال إن الحيات إذا عشيت أبصارهن صرن إلى أصول الرازيانج فحككن بها أعينهن فأبصرن من ساعتهن. قال بعض الأوائل: لكل شيء علاج ولكن ربما جهل، كالحقنة، زعموا انه لم يكن لها أصل حتى رأوا طائراً يحقن نفسه من ماء البحر، ويقال إن هذا حكاه أفلاطون. وزعم الأطباء أن القدح في العين لم يعرف حتى رأوا كبشاً أعمى، وكان يرعى، فقدحت عينه شوكة فأبصر. وكان بعض الملوك إذا أتاه طبيب يقدم إليه مائدة ويقول: ركب من هذه الأطعمة ما يكون تقوية للمجاهدين، وإذاء للمترفين، وتدبيراً للناقهين، ودواء للمرضى، وسما للعدى، فإذا فعل ذلك حباه وأعطاه، وإذا عجز أقصاه ونحاه. قال العتبي: كتب معاوية إلى عاملة بالكوفة، وهو النعمان بن بشير الأنصاري، بزيادة عشرات في أرزاق أهل الكوفة، فلم ينفذها لهم، وكان النعمان إذا صعد المنبر بكى فقال: لا أحسبكم ترون بعدي على هذا المبنر من يحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله، وكان يكثر تلاوة القرآن، فقال ابن همام السلولي: الطويل

زيادتنا نعمان لا تحبسنها ... تق الله فينا والكتاب الذي تتلو فإنك قد حملت فينا أمانة ... بما عجزت عنها الصلادمة البزل فلا تك باب الشر تحسن فتحه ... علينا وباب الخير أنت له قفل وقد نلت سلطاناً عظيما فلا يكن ... نداك لقوم غيرنا ولنا البخل وأنت امرؤ حلو اللسان بليغه ... فما باله عند الزيادة لا يحلو وقبلك ما قد كان فينا أئمة ... يهمهم تقويمنا وهم عصل إذا انتصبوا للقول قالوا فأحسنوا ... ولكن حسن القول خالفه الفعل يذمون دنيانا وهم يرضعونها ... أفاويق حتى ما يدر لها ثعل فيا معشر الأنصار إني أخوكم ... وإني لمعروف أتى منكم أهل ومن أجل إيواء النبي ونصره ... يحبكم قلبي وعندكم الأصل يقال: كان من دعاء مكحول: يا رازق النعاب في عشه. وذلك أن الغراب إذا فقص عن فراخه فقص عنها بيضاً، فإذا رآها كذلك نفر عنها، فتفتح أفواهها فيرسل الله عليها ذباباً فيدخل أفواهها فيكون إذاءها حتى تسود، ثم ينقطع الذباب ويعود الغراب. قال الأصمعي: كتب المنصور إلى سوار القاضي في شيء كان عنده بخلاف الحق، فلم ينفذ سوار كتابه وأمضى الحكم عليه، فاغتاظ أبو جعفر عليه وتوعده، فقيل له: يا أمير المؤمنين إنما عدل سوار مضاف إليك وزين لخلافتك، فأمسك عنه.

تمنى قوم عند يزيد الرقاشي أماني، فقال يزيد: أتمنى كما تمنيتم؟: قالوا: تمن قال: ليتنا لم نخلق، وليتنا إذ خلقنا لم نمت، وليتنا إذا متنا لم نحاسب، وليتنا إن حوسبنا لا نعذب، وليتنا إن عذبنا لم نخلد. قال الأصمعي، قال الخليل، قال طلحة الطلحات: ما بات لي رجل على موعد مذ عقلت إلا القليل، وذلك أنه يتململ على فراشه ليغدو فيظفر بحاجته، فلأنا أشد تململاً من الخروج إليه من وعدي خوفاً لعارض من خلف، إن الخلف ليس من أخلاق الكرام. وقال أعرابي في دعائه: يا معدن الوائد والنعم، ويا محل المحامد والكرم، أملي متعلق بفضلك، ولساني طلق بشكرك، فلا على رجائي أخاف التخييب، ولا على أملي أخشى التكذيب، صنتني عن المطالب بجودك، وألبستني الكفاية برفدك. كاتب في رأيك عوض من كل حظ، ودرك لكل أمل. كاتب جعل الله يدك بالخيرات مبسوطة، كما جعل الرغبات بك منوطة. كاتب إن الآمال في غيرك خواطئ وظنون، وهي فيك حقائق ويقين، لأن سؤددك مضمون بشرف درجتك، ومكارمك مر تهنة بعلو رتبتك، ومن لم يرق به العز طأطأ به التواضعن ومن طالت به النعمة خفض به الشكر، فليس كتف تحمل أعباء غير كتفك، ولا ظل يستر مؤملاً غير ظلك.

كاتب آخر: مؤملك يعتمدك واثقاً، وينقلب عنك إن عضدته إليك، فإن انفرد برجائك اكتفى بك، وكانت شفاعته فيك أقوى من شفاعة مستعطفك عليك. قال أعرابي في رجل: هو أحفظ الورى للذمم، وأعرفهم بالجود والكرم، وأجمعهم لحميد السجايا والشيم. اعتراض رجل المأمون فقال: يا أمير المؤمنين، أنا رجل من العرب، قال: ما ذاك بعجب، قال: وإني أريد الحج، قال: الطريق أمامك نهج، قال: ليست لي نفقة، قال: قد سقط عنك الفرض، قال: إني جئتك مستجدياً لا مستفتياً، فضحك وأمر له بصلة. كان بالبصرة رجل يلقب بقبة الإسلام من موالي سليمان بن علي، وكان له ابن خليع، وكان أبوه ينهاه عن المجون فلا ينتهي، فجاءه يوما وقال له: يا أبه، إني أريد الحج، فسر بذلك أبوه، قال: ولا أحج إلا مع خواص إخواني، قال: سمهم لن قال: منهم أبو سرقينة، وعثمان خراها، أبو السلاح، وعمر خرية، فقال له وأبوه: ويلك تريد أن تسمد الكعبة بهؤلاء؟! والله لا أذنت لك بالخروج إلى مكة صحبة هؤلاء، ولكن إن شئت أن تخرجهم إلى ضيعتي فإنها أحوج إلى السماد، فافعل. كاتب: أما بعد، فإني استجبت لإخائك ثقة مني بكرمك ووفائك. فلما أن عرفت فضلك، وسرت مسيرك، واستفرعتني بمودتك،

واستغرقتني مقتك، فاجأتني بتغيير لونك، وانزواء ركنك، وفاحش لفظك، وشانئ لحظك. شاعر: الوافر ستنكت نادماً في الأرض مني ... وتعلم أن رأيك كان عجزا كاتب: عقدوا ألوية الفتنة، وأطلقوا أعنة البدعة. قال بعض السلف: الحمد لله الذي جعل الدنيا دار قلعة ومجاز، ومحل شتات وأوفاز، ومضمار أهبة وجهاز، والآخرة دار القرار، وقرة عين الأبرار. وصف أعرابي رجلاً فقال: فيه جور مع الأكفاء، وعجز عن الأعداء، وإسراع إلى الضعفاء، وكلب على الفقراء، وإقدام على البرية، واهتضام للرعية. قال أعرابي لقومه: كسروا أجنحة الضغائن في قلوبكم، واغرسوا أشجار الإحن في صدوركم، وأوقدوا نيران الأحقاد بينكم. قال أعرابي: أنت تنظر بعين قد منعها الهوى من العدل، وتقول بلسان قد حالت المحاباة بينه وبين تحري الحق. مدح رجل رجلا عند الفضل بن الربيع، فقال له الفضل: يا عدو الله، ألم تذكره عندي بكل قبيح؟ فقال: ذاك في السر، جعلت فداك. وقع في بعض الثغور نفير، فخرج رجل من أهلها ومعه قوس بلا

نشاب، فقيل له: أين النشاب؟ فقال: يجيء إلينا الساعة من عند العدو، قالوا: فإن لم يجئ، قال: فلا يكون بيننا وبينهم حرب. نظر الجماز الشاعر إلى رجل يخفف الصلاة فقال: لو رآك العجاج لهزج بك، قال: كيف؟ قال: لأن صلاتك أرجوزة. قال أعرابي لرجل أناله خيراً أبقاك الله للجميل حتى تعمر طريقه، وللفضل حتى يغمر به صديقه. قال بعض السلف: في القلم حكمتان: بلاغة المنطق وجلالة الصمت، وفي دمغة الأقلام امتحان عقول الأنام والفرق بين النقض والإبرام، وسمة أسنان الأقلام في صحون المكاتب أحسن من حمرة الخجل في خدود الكواعب، وفي مشق القلم مجة الأفعى وبلوغ غاية المنى، وسن القلم عند الغضب نار وعند الرضا جار، والخط نتاج اليد وسراج الذكر والبيان، واللسان شافع ووجيه وافد نبيه، ورب إشارة أبلغ من عبارة، ونعم المرتبتان: الرواء الأنيق واللسان الذليق، وطعن اللسان انكى من طعن السنان، وللخط وسيلة هي أهدى من الحيلة. كاتب: ولئن كان الشكر مني غير بادي الشخص لضؤولته في جنب أياديك وعوارفك، إنه لحقيق بخلوصه وترقيه درجة الوفاء، واستيفاء حكم الأداء. قيل لملاح: كم بيننا وبين العصر؟ قال: مقدار مردي السفية.

قيل لبنان: كم كان عدد أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر؟ قال: ثلاثمائة وثلاثة عشر رغيفاً. قال أعرابي في دعائه: اللهم إني أدعوك دعاء ملح لا يمل دعاء مولاه، وأتضرع إليك تضرع من قد أقر بالحجة على نفسه لمولاه في دعواه؛ إليه، لو عرفت اعتذاراً من الذنب أبلغ من الاعتراف لأتيته، فهب لي ذنبي بالاعتراف، ولا تردني عن طلبتي عند الانصراف. قال عبد الصمد بن أبي شبيب عن أبيه: الأديب العاقل هو الفطن المتغافل. قال الأحنف: رأس مال الأدب المنطق وفصاحته، ولا خير في قول إلا بفعل، ولا في مال إلا بجود، ولا في صديق إلا بوفاء، ولا في ثقة، ولا في ثقة إلا بورع، ولا في صدقة إلا بنية، ولا في حياة إلى بصحة وأمن. قال الأصمعي: قال أعرابي: استطرد لعدوك، وبلج له بحسن المداراة وإعلان الرضا عنه، حتى تبصر فرصتك، ثم واثبه وهو على حال غرة، غير معتد لك. قال الأصمعي: سمعت أعرابياً يقول: الصبر المحمود أن تكون

للنفس اللجوج غلوباً وللأمور المعضلة متحملاً، وللهوى عند الرأي رافضاً، وللحزم عند الهوى مؤثراً، وللهوى عند نازلة الأمور مبارحاً. قال شبيب بن شيبة: إخوان الصدق خير مكاسب الدنيا، هم زينة في الرخاء، وعدة في البلاء. قال الأصمعي: سمعت أعرابيا يقول: الزهادة في الدنيا مفتاح الرغبة في الآخرة. وقال أيضا: سمعت يحيى بن خالد البرمكي يقول: الدنيا دول، والدار عارية، ولنا بمن قبلنا أسوة، ولمن بعدنا فينا عبرة. قال: وسمعت أعرابيا يقول: الشر مخوف من كل وجه، والنفع مرجو من كل ناحية، وما أكثر ما يأتي الخير من وجه الخوف، ويأتي الشر من ناحية الرجاء. قال: وسمعت أعرابيا يقول: المعتذر من غير ذنب يوجب الذنب على نفسه. وقال آخر: إرشاد المستشير قضاء بحق النعمة في الرأي. قال الشعبي: الكلام مصائد العقول.

قال أعرابي لرجل: لا تكن مضحاكاً من غير عجب، ولا مشاء إلى غير أرب، وأعلم انه من نأى عن الحق ضاق مذهبه. قال الأصمعي، قال أعرابي: إذا كنت فطناً فعد نفسك زمناً. قال الأحنف: لا ينبغي للوالي أن يدع تفقد لطيف أمور الرعية اتكالاً على نظره في جسيمها، لأن للّطيف موضعاً ينتفع به، وللجسيم مكاناً لا يستغنى عنه. قال خالد بن صفوان: إن جعلك الوالي أخاً فاجعله سيداً، ولا يحدثن لك الاستئناس به غفلة وتهاوناً. وقال أيضاً: من صحب السلطان بالصحة والنصيحة كان أكثر عدواً ممن صحبه بالغش والخيانة، لأنه يجتمع على الناصح عدو الوالي وصديقه بالعداوة والحسد، فصديق الوالي ينافسه في منزلته، وعدوه يعاديه لنصحيته. قال الأصمعي: سمعت أعرابيا يقول: البلاغة لهجة صوالة، وهي سرعة الحز وإصابة المفصل. قال رجل لأبي جعفر لما عفا عن أهل الشام: يا أمير المؤمنين، الانتقام عدل، والتجاوز فضل، والمتفضل قد جاوز حد المنصف، فنحن نعيذ أمير المؤمنين أن يرضى لنفسه باوكس النصيبين، وأن لا يرتفع إلى أعلى الدرجتين.

قال الأصمعي: جمع الرشيد أربعة من الأطباء: عراقياً ورومياً وهندياً وسوادياً، فقال: ليصف كل واحد منكم الدواء الذي لا داء فيه، فقال العراقي: الدواء الذي لا داء فيه حب الرشاد الأبيض، وقال الرومي: الدواء الذي لا داء فيه الهليج الأسود، وقال الهندي: الدواء الذي لا داء فيه الماء الحار، فقال السوادي: حب الرشاد يولد الرطوبة، والماء الحار يرخي المعدة، والهليلج الأسود يرقق المعدة، قالوا: فأنت فما تقول؟ قال: الدواء الذي لا داء معه أن تقعد على الطعام وأنت تشتهيه، وتتركه وأنت تشتهيه. قال شبيب بن شيبة: تكلم رجل من الحكماء عند عبد الملك بن مروان في معنى رجل فقال: ذاك رجل آثر الله على خلقه، وآثر الآخرة على الدنيا، فلم تكترثه المطالب، ولم تعنه المطامع، نظر قلبه إلى إرادته فسما نحوها ملتمساً لها، فهو دهره محزون، ببيت إذا نام الناس ذا شجون، ويصبح مغموماً كالمسجون، انقطعت من همته الراحة دون منيته، فشفاؤه القرآن، ودواؤه الكلمة من الحكمة، والموعظة الحسنة، لا يرى الدنيا منها عوضاً، ولا يستريح إلى ما لديه شوقاً. فقال عبد الملك: أشهد أن هذا أرخى بالاً مني وأنعم عيشاً. قال الأصمعي: الطلحات المعروفون بالكرم: طلحة بن

عبيد الله بن عثمان التيمي، وهو الفياض، وطلحة بن عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي، وهو طلحة الجواد، وطلحة بن عبد الله بن عوف ابن أخي عبد الرحمن بن عوف الزهري، وهو طلحة الندي، وطلحة بن الحسن بن علي، وهو طلحة الخير، وطلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعي، وهو طلحة الطلحات، وسمي بذلك لأنه كان أجودهم. قال بعض السلف: فضل نساء السند على سائر النساء طول الشعور، ورخص المهور، ودقة الخصور، واستواء النهود، وعظم الأكفال، والصبر عند الجماع، وحرارة الأرحام. أنشد لابن أبي خسثمة: البسيط بيضاء لو برزت من خدر قيمها ... ما ضل من حسنها في ظلمة سار لو أن وجدي بها والنار في قرن ... لكان وجدي بها أذكى من النار وأنشد للهجيمي: الرجز إذا رأيت بازلاً صار جذع ... فاحذر إذا لم تر سوءاً أن تقع لا تأمن الأيام فالدهر خدع ... خذ من صفاء العيش من قبل الجزع أنشد ابن الأعرابي وقد مر من قبل تفسير هذه الأبيات،

ولا أعلم كيف موقع الغلط فيها: الكامل المجزوء المرء يكدح للحياة وحسبه خبلاً حياته يرفت ماضغه ويهدا بعدما انصاتت قناته وبكل ناظره ويكمه سمعه وتهي حصاته وتقف جلدته وتعرى من ملابسها شواته ويغيب شاهده ويشهد غيبه وتموت ذاته ويمل من برم بنوه به وتسأمه بناته وهب الحياة له تدوم وليس يتبعها وفاته لا شمل إلا سوف يعقب بعد ألفته شتاته ما خير عيش المرء منفرداً وقد فرطت لداته كالفحل عيب شوله عنه وأسلمه رعاته استشار عمر ابن عباس رضي الله عنهما في تولية حمص رجلا فقال: لا يصلح إلا أن يكون رجلا منك، قال: فكنه، قال: لا تنتفع بي لسوء ظنك بي. قال محمد بن أبي قتيبة: كتبت إلى ابن عمر أسأله عن العلم فقال: إنك كتبت إلي تسألني عن العلم، والعلم أكثر من أن أكتب به إليك، ولكن إن استطعت أن تلقي الله كاف اللسان عن أعراض المسلمين، خفيف الظهر من دمائهم، فافعل.

لبعض أهل المشرق: المنسرح يا راكبي البحر آملين غنى ... أما تخافون ويحكم خطره عدوا عن البحر واقصدوا ملكا ... سؤاله عنده ذوو الأثره فأبحر الأرض سبعة ولنا ... أنامل الفضل أبحر عشره أنا الذي مذ لبست نائله ... لبست للفقر جلدة النمره قدم هرم بن حيان من الشام فقالوا له: كيف تركت المعيشة بها؟ فقال: أف لهذا الكلام، ما ظننت أن أحداً يتهم الله جل جلاله في رزقه، أدلكم على طريق الجنة وتسألونني عن طريق النار؟! قال أبو الدرداء: إياك ودمعة اليتيم، ودعوة المظلوم، فإنها تسري بالليل والناس نيام. وقال ابن عباس رحمه الله: كل ما شئت والبس ما شئت، وما أخطأك اثنان: سرف ومخيلة. قال ابن عيينة: ليس من حبابك الدنيا طلبك ما لا بد منه. وقف علي بن أبي طالب رضي الله عنه على قبر مرثد بن حوشب فقال: يرحمك الله يا مرثد، لقد شيعت عمرك بالتوحيد، وعفرت وجهك بالسجود، وإن قال الناس مذنب فمه، فأينا لم يذنب؟!

قال الربيع بن خثيم: لو كانت الذنوب تفوح لما جلس أحد إلى أحد. قال بعض النحويين: الكلام يدور على ثمانية عشر بناء سمي فاعله، ثلاثة منها ثلاثية، وأربعة رباعية، وستة خماسية، وخمسة سداسية. فأما الثلاثي ففعل نحو: جلس، وضرب، وحدث؛ وفعل نحو: عمل؛ وفعل نحو: ظرف وكرم. وأما الرباعي فأن يكون على فعلل نحو: دحرج، ويلحق به حوقل، وجلب؛ وفاعل نحو: قاتل وعالج؛ وفعل نحو: كرّم ويسّر؛ وأفعل نحو: أكرم وأقفل. والخماسي نحو: انفعل كقولك: انطلق واندفع؛ وافتعل كقولك: استمع وارتبط؛ وافعل نحو: احمّر واشهّب؛ وتفعلل كقولك: تدحرج وتجلبب؛ وتفاعل كقولك: تعالج؛ وتفعل كقول: تحرك وتكسر. والسداسي نحو: استفعل كقولك: استغفر واستخرج؛ وافعال نحو: احمارّ وابياضّ؛ وافعّول نحو: اعلّوط، واجلوط؛ وافعوعل نحو: اخلولق واغدودق؛ وافعنلل نحو: احرنجم واخرنطم. كتب بشر بن عياث إلى رجاء بن أبي الضحاك كتاباً: أما بعد، فإني قد وجهت إليك بفلان أنا، وأنا أنت، فكن أنا أنت لفلان والسلام.

قال أحمد بن يزيد: سمعت المنتصر يقول - وأنا صبي - في مناظرة مع قوم: لا عز ذو باطل ولو طلع من جبينه القمر، ولا ذل ذو حق ولو أصفق العالم عليه. شاعر: الطويل شكوت وما الشكوى لمثلي عادة ... ولكن تفيض النفس عند امتلائها وقال الراجز: الرجز إن الرفيق لاصق بقلبي ... إذا أضاف جنبه لجنبي أبذل نصحي وأكف شعبي ... ليس كمن يفحش أو يحظنبي الحظنباء: الغضب؛ هكذا سمعت الثقة. قال الخياط المتكلم شيخ أبي القاسم الكعبي: ما قطعني إلا غلام قال لي: ما تقول في معاوية؟ قلت: إني أقف فيه، قال: فما تقول في ابنه يزيد؟ فقلت: ألعنه، قال: فما تقول فيمن يحبه؟ قلت: ألعنه، قال: أفترى معاوية كان لا يحب ابنه يزيد؟ فقطعني.

شاعر: البسيط الله يعلم أنا في تلفتنا ... يوم الفراق إلى جيراننا صور وأنني حيث ما يثني الهوى بصري ... من حيث ما سلكوا أدنوا فأنظور أعرابي: الكامل إن الكريم أخو الكريم وإنما ... يصل اللئيم حباله بلئام هشام بن أبيض أحد بني عبد شمس: الرجز إني وإن أفنى الزمان نحضي ... وأسرعت أيامه في نقضي وابتزني بعضي وأبقى بعضي ... موف لمن قارضني بالقرض ينفع حبي ويضر بغضي آخر: الرجز أصبحت لا يحمل بعضي بعضي ... منقها أروح مثل النقض إن الليالي أسرعت في نقضي ... طوين طولي وطوين عرضي ثم انتحين عن عظامي نحضي

قيل للمفضل: لم لا تقول الشعر وأنت من العلماء به؟ قال: علمي به يمنعني منه. لأبي الأسد: الطويل وإني على عدمي لصاحب خمة ... لها مذهب بين المجرة والنسر قال العتابي: من أعظم مكايد الشيطان ازدراؤك من علماء دهرك من عنده المخرج مما أشكل عليك، وتهمتك من يلزمك الاقتباس منه. وصف أعرابي خيلا فقال: سامية العيون، لاحقة البطون، مصغية الآذان، أفتاء الأسنان، ضخام الركبات، مشرفات الحجبات، رحاب المناخر، صلاب الحوافر، وقعها تحليل، ورفعها تعليل، إن طلبت نالت، وإن طلبت فاتت. شاعر: الطويل كأنك لم تشهد إذا كنت غائباً ... ولم تك يوما غائباً حين تشهد وصف أعرابي قوما فقال: كأن خدودهم ورق المصاحف، وكأن أعناقهم أباريق الفضة، وكأن حواجبهم الأهلة.

يقال: أطراف الحديد خياره، مثل الطرف من الرجال، ومن الخيل الطروف. قال أبو الدرداء: كان الناس ورقاً لا شوك فيه، وهم اليوم شوك لا ورق فيه. قال ابن الأعرابي: مر عقال الناسك بمرداس بن حذالم الكندي فاستسقاه لبناً فصب له خمراً وعلاه باللبن، فشربه وسكر فلم يتحرك ثلاثة أيام، فأنشأ مرداس يقول: الطويل سقينا عقالاً بالثوية شربة ... فمالت بلب الكاهلي عقال فقلت تجرعها عقال فإنما ... هي الخمر خيلنا لها بخيال قرعت بأم الخل حبة قلبه ... فلم يستفق منها ثلاث ليال آخر: الهزج

أما تنظر في عين ... ي عنوان الذي أبدي أما تفهم ما أضم ... ر في إسعاف ما أبدي وفي دون الذي أظه ... ر ما دل على وجدي عيوناً تسرق اللحظ ... من المولى إلى العبد قيل لجمين: ما تشتهي؟ قال: نشيش مقلى، بين غليان قدر، على رائحة شواء. قال أبو مسحل: خرج قيس بن زهير العبسي - وكانوا قد أجدبوا - ممتاراً، فبصر بنار فأمها، ثم أبت نفسه السؤال فصار إلى شجر ذات ورق لها سم فأكل منها ثم مال إلى الوادي فنام في الشمس فمات، فقال الربيع بن زياد العبسي يرثيه: المديد إن قيساً كان ميتته ... أنفاً والمرء منطلق راء ناراً بالعراء بدت ... وشجاع البطن يحتفق جاء حتى كاد ثمأبى ... ولدت الوادي له ورق فحشاه جوف جفرته ... ثم أغفى وهو مطرق في دريس لا يغيبه ... رب حر ثوبه خلق

اختصم إلى أسد بن عبد الله اثنان في كبة غزل، فقال أحدهما: هذه كبتي وجاء ببينة، وقال الآخر: هذه كبتي وجاء ببينة، فقال لأحدهما: على ماذا كببت؟ قال: على لوزة، وقال للآخر: على ماذا كببت؟ فقال شيئاً آخر، فنقضت الكبة فوجدت على لوزة، فأعطاها صاحب اللوزة. جاء طفيلي إلى باب عرس فمنع من الدخول، فأخذ إحدى نعله في كمه وعلق الآخر في يده وأخذ خلالاً وجعل يتخلل، ودنا من الباب فمنع من الدخول، فقال للبواب: يا هذا قد أكلت، فقال البواب: إنما منعتك من الغداء فإذا تغذيت فادخل، فدخل وأكل. وجاء طفيلي آخر إلى باب عرس فمنع من الدخول، فرهن نعليه على سكرجات عند البقال وعاد إلى الباب فدخل، وجعل السكرجات في كمه، ثم قعد وأكل، فلما فرغ ردها على البقال وقال: ليس يرضونها، يريدون شامية جيدة. أهدى ملك الروم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شعيراً من ذهب، فأرسل به إلى المشركين يكف به أذى رؤسائهم، وأبى كل رئيس أن يقبله، وكان نصيب بني عبد مناف إلى أبي سفيان فقبله، وخرج إلى البطحاء،

واجتمعت قريش وغيرها فأقبل يدعوهم، فإذا جاء الرجل قال له أبو سفيان: خذ ما بدا لك وانظر إلى ما خلفك، واعلم انهم كثير، فانصرفوا حامدين له. مر زياد بأبي العريان وهو مكفوف، فقال: من هذا؟ قالوا: الأمير زياد، فقال: رب أمر قد نقضه الله، وعبد قد رفعه الله، فسمعها زياد فكره الإقدام عليه، وكتب بها إلى معاوية، فأمره معاوية أن يبعث إليه بألف دينار ويمر به فيسمع ما يقول، ففعل، ثم مر به، فقال: من هذا؟ فقالوا: زياد، فقال: رحم الله أبا سفيان فكأنها تسليمته ونعمته، فكتب بها زياد إلى معاوية، فكتب معاوية إلى أبي العريان: البسيط ما ألبثتك الدنانير التي حملت ... ان غيرتك أبا العريان ألوانا فدعا أبو العريان ابنه فأملى عليه إلى معاوية: من يسد خيراً يجده حيث يطلبه ... ويسد شرا يجده حيث ما كانا نام جحا مع أمه فضرطت، فأحبت أن تعلم ما عنده فقالت: يا أبا الغصن هل صاح الديك؟ فقال: أما ديكك فقد صاح، وأما ديوك الناس لا. دخل جحا البيت فإذا جارية أبيه نائمة، فاتكأ عليها فانتبهت وقالت: من ذا؟ قال: اسكتي أنا أبي.

خطب عبد الملك بن مروان فقال: أيها الناس اعملوا لله تعالى رهبة أو رغبة، فإنكم نبات نعمته وحصيد نقمته، ولا تغرس لكم الآمال إلا ما تجنيه الآجال، أقلوا الرغبة فيما يورث العطب، فكل ما تزرعه لكم العاجلة تجنيه دونكم الآجلة، واحذروا الجديدين فهما يكران عليكم باقتسام النفوس، وهدم المأسوس، كفانا الله وإياكم سطوة القدر، وأعاننا على الحذر، من شر الزمن، ومضلات الفتن. قال أحمد بن عبد الله بن العباس الصولي: القرطاس أمره ما لم تكحله ميل الدواة. ورأى جرير رجلا أسود وعليه ثياب جدد فقال: الرجز كأنه لما بدا للناس ... أير حمار لف في قرطاس قدم أشعب بغداد أيام المهدي فقال: سمعت ظلمة القوادة تقول: إذا أنا مت فاحرقوني واجعلوا رمادي في صرة وتربوا به الكتب بين المتحابين فإنهم يجتمعون، أعطوا منه الختانات ليذروا به على الصبيات المطهرات، فإنهن يلهجن بالزب ولا يفارقنه.

قالت علية بنت المهدي: الوافر تكاتبنا برمز في الحضور ... وإيحاء يلوح على سطور سوى مقل تخبر ما عناها ... بكف الوهم في ورق الصدور قال روح بن عبادة القيسي: كنا عند شعبة، فذكر حديثاً فسمع صرير الميل في الألواح فغضب وقال: أما تحفظون حديثاً واحداً؟! والله لا حدثت اليوم إلا ضريراً، فقام رجل فقال: يا أبا بسطام، قد سمعنا اليمين فهل يجوز بأعور؟ فضحك وحدث وكفر عن يمينه. خطب سليمان بن عبد الملك بالجابية وقال: أيها الناس، عظوا أنفسكم، ولا تستسلموا إلى الغفلة فتؤديكم إلى الحسرة، ولا تركنوا إلى الآمال في استسعاف التفريط فتبيدكم الآجال بسيف المنون، أصارنا الله وإياكم ممن حسن في الخير أثره، دعاء مسموعاً، وعملاً مرفوعاً. قال الشعبي لأصحابه: لا تقدموا على أمر تخافون أن تقصروا دونه، فإن العاقل يحجزه عن مراتب المتقدمين ما يرى من فضائح الأولين المقصرين، ولا تعدوا أحداً عدة لا تستطيعون، إنجازها، فإن العاقل يحجزه عن الكذب ما يرى من المذمة في الحلف، ولا تحدثوا بين الناس من تخافون تكذيبه،

فإن العاقل يلزمه الصمت ما يرى من مذمة التكذيب، ولا تسألوا أحداً من الناس تخافون منعه، فإن العاقل يحجزه عما ناله السائلون ما يرى من الدناءة في الطمع. خطب يوسف بن عمر فقال: اتقوا الله عباد الله، فكم من مؤمل أملاً لا يبلغه، وجامع مالاً لا يأكله، ومانع ما سوف يتركه، ولعله من باطل جمعه، ومن حق منعه، ولعدو خلفه، قد احتمل إصره، وباء بوزره، وورد على ربه أسفاً لاهفاً، خسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين. قال داود بن علي في خطبة له: لا تنطق بطرا، ولا تسكت حصراً. قال أعرابي لصاحبه: أما إنك لست صدوق اللهجة، ولا صحيح الحجة. قال بعض السلف: إذا افتقر الرجل اتهمه من كان له مؤتمناً، وأساء به الظن من كان ظنه به حسناً، وإن أذنب غيره سبقت الظنة إليه، وليست كلمة هي للغني مديح إلا وهي للفقير ذم، إن كان حليما سمي ضعيفا، وإن كان وقوراً سمي بليداً، إن كان صموتاً سمي عيياً، وإن كان لسناً سمي مهذاراً، وإن كان شجاعاً سمي أهوج.

قال بعض الأدباء: الفقر سالب للعقل والمروءة، مذهبة للعلم والأدب، معدن للتهم، جامع للمكاره، لأن صاحبه لا يجد بداً من اطراح الحياء، ومن ذهب حياؤه ذهب سروره، ومن ذهب سروره مقت، ومن مقت أوذي، ومن أوذي حزن، ومن حزن ذهب عقله، واستنكر حفظه وفهمه، وكان الأمر عليه لا له. قال عتبة لأهل مصر: قد طالت معاتبتنا إياكم بأطراف الرماح، وظبات السيوف، حتى صرنا شجىً في لهاتكم ما تسيغه حلوقكم، وقذى في عيونكم ما تطرف عليه جفونكم، فحين اشتدت عرى الحق عليكم عقدا، وانحلت عرى الباطل حلاً، أرجفتم بموت الخليفة، وأردتم توهين الخلافة، وخضتم الحق إلى الباطل، وأبعد عهدكم حديث به، فأريحوا أنفسكم إذ خبرتم دنياكم وآخرتكم، واعلموا أن لنا سلطاناً على أبدانكم دون قلوبكم، فأصلحوا لنا ما ظهر نكفكم ما بطن، وأبدوا خيراً وإن أسررتم شراً، وبالله نستعين. وقال أيضاً عتبة: يا أهل مصر، لا مبرأ من الذنب، ولا عتق من الرب، وقد تقدمت مني إليكم عقوبات قد كنت أرجو الأجر يومئذ فيها، وأنا أخاف اليوم الوزر علي منها، فليتني لا أكون أصلحت دنياي بفساد

معادي، وأنا أستغفر الله منكم، وأتوب إليه فيكم، وقد أصبحت أخاف ما كنت أرجو ندماً عليه، وأرجو ما كنت أخاف اعتباطاً به، وقد شقي من هلك بين عفو الله ورحمته، والسلام عليكم سلام من لا أراه عائداً إليكم. وقال ابن الأعرابي: جاء خالد بن صفوان إلى باب بعض ولاة البصرة فإذا هو بروح بن حاتم فقال: يا ابن أخي، والله ما غدوت قط ولا رحت على أبواب هؤلاء إلا وأنت هناك، أكل هذا طلباً للدنيا وحرصاً عليها؟ قال: فأجللته عن الجواب، ثم قلت: كفى بك حرصاً أن تراني في هذه الأوقات، قال: إن قلت ذاك يا ابن أخي، لقد ذهب ذمار القلب، وحسام الصلب، ورونق الوجه، وماء الشباب، وقربت عهاد العلل، ووالله ما مرت بنا ساعة من أعمارنا إلا ونحن نؤثر الدنيا على ما سواها، فما تزداد عندنا إلا تحلياً، ولا عنا إلا تولياً. قال بعض السلف: الأسرار ثلاثة: سر لا طريق إلى إعلانه لأن فيه اجتياح النفس، وسر تفشيه إلى وكيلك لسقوط الحشمة ليفرح به، وسر عند العدو ليتغيظ منه. قال عبد الرحمن بن عوف، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لقد لنت للناس حتى خشيت الله في اللين، ثم شددت عليهم حتى خشيت الله في الشدة، فأين المخرج؟ فقام عبد الرحمن يجر رداءه ويقول: أف لهم بعدك، وقال عمر: اللهم تعلم أني منك فيهم أشد فرقاً منهم مني.

سمعت القاضي أبا حامد يقول: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا كثر عليه الخصوم صرفهم إلى زيد، فلقي رجلاً ممن صرفهم إلى زيد فقال له: ما صنعت؟ قال: قضى عليّ يا أمير المؤمنين، قال: لو كنت أنا لقضيت لك، قال: فما يمنعك وأنت ولي الأمر؟ قال: لو كنت أردك إلى كتاب الله وسنة نبيه فعلت، ولكني أردك إلى الرأي، والرأي مشترك. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: اجتمع رأيي ورأي عمر رضي الله عنه في أمهات الأولاد أن لا يبعن، ثم رأيت بعد أن يبعن. قال أبو عبيدة: رأي رجلين في الجماعة أحب إلي من رأي رجل واحد في الفتنة، هكذا حدثنا به أبو حامد، وقد جفا أبو عبيدة في قوله، والله يرحمه. قيل للحسن: ما لتوكل؟ قال: أن لا يكون شيء في قلب العبد أوثق من ربه. قال رجل للوليد بن عبد الملك: إن فلاناً نال منك، قال: أتريد أن تقتص أوتارك من الناس بي قال المدلئني: تزوج الوليد بن عبد الملك بن مروان امرأة من العرب، فلما صار إليها قالت: رفغ رفغ، قبح الله أما عودتك ما أرى. نام جحا مع أمه فضرطت، وأحبت أن تعلم ما عنده فقالت له: بكم اشترى أبوك هذه القطيفة؟ قال: بأربعين درهم، وإن بقي ضراطك فيها أصبحت لا تساوي أربعة دراهم.

نظر بهارة المخنث إلى جارية سوداء في رجلها خلخال من الفضة فقال: انظر بالله إلى ساقها كأنه أير مضبب. قيل لرجل من دارم، وكانت به قرحة: إنك لعلى خير، قال لهم: وما ذاك؟ قالوا: قد نرى نفثك أخضر، قال: والله لو نفثت كل زمردة في الأرض لمت. قال الأصمعي: قدم رسول على الحجاج، فلما قرأ كتابه قال: ما بطأ بك؟ قال: البرد، قال: ما بلغ من شدته؟ قال: صحو الليل، وغيم النهار، وقطر مطر تتبعه شمال؛ قال الحجاج: هذا وأبيك البرد حقاً. قال الصمعي: أتى رجل جبلة بن عبد الرحمن فقال: كلم الحجاج في كذا وكذا، فقال: ليست من الحوائج التي يقضيها، قال: كلمه فربما يوافق قدرٌ فيقضيها وهو كاره، فدخل فكلمه فقال: أعلمه أنا قضيناها ونحن كارهون. قال المفجع، حدثنا بعض أصحابنا قال: مر بي رجل من بني تميم، قال: وكنت أشد على رجل بحضرتي، فسألته الصراع فقال: أنت تصارعني؟ فخذ بحلقي واجهد جهدك، فأخذت بحلقه، فجعل يأكل وكأن حلقه ليست تطبق يدي فيه.

قال ابن الأعرابي، قالت قريبة الأعرابية: إذا كنت في غير قومك فلا تنس نصيبك من الذل. وقال ابن الأعرابي أيضاً: حدثني رجل من عبد القيس عن عبد الصمد بن المفضل الراقشي انه هنا فتى أراد البناء على أهله فقال: بالبركة وشدة الحركة، والظفر عند المعركة. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: الحاجة مسألة، والدعاء زيادة، والحمد شكر، والندم توبة. قال عطاء الخراساني: الحوائج عند الشبان أسهل منها عند الشيوخ، ألم تسمع قول الله تعالى عن يوسف في إخوته " لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم " يوسف: 92، وقال يعقوب " سوف أسغفر لكم ريي " يوسف: 98. قال مصعب بن الزبير: يقال: لا يصدق القتال إلا ثلاثة: مستبصر في دينه، أو غيران على النساء، أو ممتعض من ذل. قال إبراهيم بن العباس: الناس ثلاثة: رجل فوقك، ورجل

دونك، ورجل مثلك، فتكبرك على من هو فوقك جنون، وعلى من هو دونك لؤم، وعلى من هو مثلك ظلم. قال ابن عائشة، حدثني أبي قال: كنت يوما جالساً في المسجد الجامع بالبصرة فإذا أنا بخالد بن صفوان الأهتمي قد أقبل إلينا، فلما رأيته زحفت عن صدر المجلس ووسعت له، فجاء وجلس ثم أقبل إلي وقال لي: ابن من أنت؟ فقلت: أنا محمد بن حفص، قال: ابن عم موسى؟ قلت: نعم، قال: والله إن كان أبوك لمثابة، قال: فأخبرني عدة من شيوخ المسجد انهم لم يسمعوا مدحاً يحرف واحد أحسن من هذا. قال جعفر بن محمد رضي الله عنهما: اللهم إنك للذي أنت أهل من عفوك أحق مني بالذي أنا له أهل من عقوبتك. قال بعض السلف: نعمة لا تشكر، كسيئة لا تغفر. قال عروة بن الزبير: كان الرجل فيما مضى إذا أراد أن يشين جاره أو صاحبه طلب حاجة إلى غيره. قال بعض السلف: ابذل لصديقك دمك ومالك، ولمعرفتك رفدك ومحضرك، ولعدوك عدلك وإنصافك.

قال يزيد بن كثير العنبري: طرحنا الحشمة فيما بيننا وبين حفظتنا طرح من لا يؤمن أنهم معه يعلمون ما يقول ويفعل. وصف أعرابي رجلاً فقال: كان قصير الشبر، صغير القدر، ضيق النفس والصدر، لئيم النجر، عظيم الكبر، كثير الفخر. قال ابن عباس: ما رأيت رجلاً أوليته خيراً إلا أضاء ما بيني وبينه، ولا رأيت رجلا فرط مني إليه سوء إلا أظلم ما بيني وبينه. قال المدائني: أتي الوليد بن عبد الملك برجل من عبس، فسأل عن حاله وذهاب عينه فقال: ما كان في الأرض يا أمير المؤمنين عبسي أكثر مالاً مني وولداً، فأتى السيل ليلاً فلم يبق لي مالاً ولا أهلاً ولا ولدا إلا بنيا صغيراً وبعيراً، فحملت الصبي، وند البعير فوضعت الصبي وتبعته فنفحني برجله ففقأ عيني، فجرعت إلى ابني فإذا الذئب يلغ في دمه، فقال الوليد: اذهبوا به إلى عروة بن الزبير ليعلم أن في الدنيا من هو أعظم مصيبة منه. قيل لأبي ذر: تحب أن تحشر في مسلاخ أبي بكر؟ قال: لا، قيل: ولم؟ قال: لأني من أمري على ثقة، ومن أمري غيري على شك. هذا جواب مستجفى.

قال سفيان بن عيينة، قيل لبعض السلف: أترجو الأجر فيما أحل الله لك؟ قال: نعم، قيل: أرأيت لو فعلت شيئاً هو حرام أكنت تخاف الإثم فيما حرم الله عليك؟ قال: نعم، قال: فارج الأجر فيما أحل الله، كما تخاف الإثم فيما حرم الله عليك. قال عبد الرحمن: سمعت شيخاً يعظ ويقول: يا ابن آدم، كم من مدخل لو دخلت فيه افتضحت، صرفه عنك ربك. وكان زيد بن أسلم يقو: لا تدعوا العلم رغبة عنه، ولا رضى بالجهل منه، ولا استحياء من التعلم له. وقال بعض السلف إنما يحمل العبد على الزهد في العلم قلة انتفاعه بما علم. نظر سالم بن عبد الله إلى رجل فقال: من أنت؟ قال: رجل مظلوم بطال، فقال سالم: ويل لك من يوم يخسر فيه المبطلون. حج سليمان بن عبد الملك فدخل البيت فرأى سالم بن عبد الله فقال: ارفع حوائجك، فقال: والله لا أسأل في بيت الله غير الله. قال وهب كونوا في الدنيا كقوم أيسوا منها رغبة عنها، وإيثاراً لغيرها، علموا فيها بما يبصرون، وبادروا فيها بما يحذرون، تتقلب أبدانهم بين ظهراني أهل الآخرة.

قال سعيد بن جبير: حضر بشر بن المنصور الموت، فرأيناه يسر بالموت، فقيل له: إنا نراك تسر بالموت، فقال: أتجلعون قدومي على خالق مرجو كمقامي مع مخلوق مخوف؟! قال عتاب بن أسيد: أراد أهل البصرة أبا قلابة على القضاء فأبى وهرب إلى اليمامة، فأراده أهلها على القضاء فهرب إلى الشام، فقال والي الشام: لعلك تراني مثل والي البصرة ووالي اليمانة، فبكى الشيخ وقال: إن للقضاء مثلاً فاسمعه مني ثم اعمل ابدا لك، قال: وما مثله؟ قال: مثل قوم ألقوا في بحر، فمنهم السابح الماهر، ومنهم من لا يحسن السباحة، فأما من لا يحسن السباحة فهلك في أول وهلة، وأما السابح الماهر فيسبح يوماً أو يومين في البحر ولم يصب مخلصاً فغرق في الثالث؛ فرحمه الوالي وخلى سبيله. سمع القاسم بن محمد رجلا يقول: ما أجرأ فلاناً على الله، فقال: ابن آدم أذل وأحقر من أن يكون جريئاً على الله، ولكن قل: ما أغر فلاناً بالله تعالى. سمع ابن عباس رحمه الله أعرابياً يقرأ " وكنت على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها " آل عمران: 103 فقال الأعرابي: والله ما أنقذهم منها وهو يعيدهم فيها، قال ابن عباس: خذوها من غير فقيه.

قال الشعث بن قيس لقومه: إنما أنا رجل منكم، ليس لي فضل عليكم، ولكني أبسط لكم وجهي، وأبذل لكم مالي، وأحفظ حريمكم، وأعود مريضكم، فمن فعل مثل هذا فهو مثلي، ومن زاد عليه فهو خير مني، ومن قصر عنه فأنا خير منه، فقيل له: ما يدعوك إلى هذا؟ قال: أحضهم على السؤدد ومكارم الأخلاق. قال الهيثم، قال أسد بن عبد الله لرجل من بني شيبان: بلغني أن السؤدد فيكم رخيص، فقال: أما نحن أيها الأمير فلا نسود إلا من يوطئنا رحله، ويفرشنا عرضه، ويعطينا ماله، فقال: والله إن السؤدد فيكم لغال. قال ابن عمر: إنا معاشر قريش نعد الحلم والجود سؤدداً، ونعد العفاف وإصلاح المال مروءة. قال عوانة: كانت العرب تسود على أشياء مختلفة، فأما مضر فتسود أسنها، وأما ربيعة فتسود من أطعم منها، وأما اليمن فتسود على النسب. قال المأمون لمحمد بن عباد المهلبي: بلغني انك تسرف في إنفاقك، فقال: يا أمير المؤمنين حبس الموجود سوء ظن بالمعبود.

قال العتبي: دخل دعفل بن حنظلة النسابة على معاوية، فقال معاوية: حدثني ببعض أحاديثك، فقال: سمعت زياد بن عبيد القيسي يحدث قال: كنت عشيقاً لعقيلة من عقائل الحي، أركب لها الصعب والذلول، لا أليق مطرحاً فيه متجر وربح إلا أتيته، يلفظني السهل إلى الجبل والجبل إلى السهل، فانحدرت مرة إلى الشام بخرثي وأثاث كثير أريد لبة العرب ودهماء الموسم، وإذا بقباب شامية مع شعف الجبل، مجللة بالأنطاع، وإذا جزر تنحر وأخرى تساق، وإذا وكلة وحثثة على الطهاة يقولون: العجل العجل، وإذا برجل جهوري الصوت على نشز من الأرض ينادي: يا وافد الله الغداء، وإذا يآخر على مدرجة ينادي: ألا من طعم فليخرج للعشاء، فأعجبني ما رأيت، فمضيت أريد عميد الحي، فوجدته جالساً على عرش ساج، قد ائتزر بيمنة وتردى بحبرة، وعلى رأسه عمامة سوداء تظهر من تحتها جمة فينانة، وكأن الشعرى تطلع من جبينه، وإذا بمشيخة جلة خفوق ماسكي الذقان ما يفيض أحدهم بكلمة، وإذا خوادم حواسر عن أنصاف سوقهن، فأكبرت ما رأيت، وقد كان نمي إلى حبر من أحبار اليهود أن النبي التهامي هذا أوان مبعثه ووقت توكفه فخلته إياه، وقلت: عله أو عساه، ودنوت مه فقلت: السلام عليك يا رسول الله، فقال: لست به وليتني به، فسألت رجلاً: من هذا؟ فقال: هذا هاشم بن عبد المناف، فقلت: هذا والله السناء والمجد؛ فقال معاوية: لاها الله! ما رأيت كلاماً أفصح من هذا، وأشهد أن قيساً قد أخذت لباب الفصاحة.

قال الأصمعي، أنشد أعرابي خالد بن عبد الله: " الطويل " تبرعت لي بالجود حتى نعشتني ... وأعطيتني حتى حسبتك تلعب فأنت الندى وابن الندى وأخو الندى ... حليف الندى ما للندى عنك مذهب فأجزل جائزته. العرب تقول: العصا من العصية، هل تلد الحية إلا حية. يقال: طارت عصا فلان شققاً. ةينشد في العصا: البسيط ومن يدب على المنساة من دبر ... فقد تقادم منه اللهو والغزل وأنشد: الكامل المجزوء طبع الكريم على وفائه ... وعلى التفضل في إخائه تغني عنايته الصدي ... ق عن التعرض لاقتضائه وفتى كماء المزن أو ... ل ما تهلل من سمائه لم يقذ في صوب الغما ... م ولا تغير في إنائه

قابلته بوسائل ال ... حرم البعيدة من فنائه فأجابني بوداده ... وبحفظه وبحسن رائه كثرت محاسنه فن ... بهت الكرام على رجائه حسب الكريم حياؤه ... فكل الكريم إلى حيائه قال الحسن البصري: كان يقال: من رمى أخاه بذنب قد تاب منه ابتلاه الله عز وجل به. لما مات ذر بن أبي ذر الهمذاني، وكان موته فجاءة، جاءه أبوه فدخل منزله وهو مسجى فقال: اكشفوا الثوب عن وجهه، فكشفوه، فلما نظر إليه قال: رحمك الله يا بني فلقد سررتني مولوداً وناشئاً، وما رأيتك قط في منظر أحب إلي من ساعتك هذه. ونظر إلى أهله يبكون فقال: مه، إنا والله ما ظلمنا ولا قهرنا، ولا ذهب بحق لنا، ولا أخطئ بنا، ولا أريد غيرنا، ولا لنا معول إلا على الله تعالى. فلما وضعه في قبره قام عليه فقام: اللهم هذا ابني وفيته رزقه، وأكملت له أجله، اللهم مهما آتيتني له على مصيبتي من أجر وثواب فهو له صلة مني، فلا تعذبه، ولا تعرفه قبيحاً إنك غفور رحيم. فلما دفن قال: يا ذر ما بنا إليك فاقة، ولا لنا إلى أحد سوى الله من حاجة، يا ذر والله ما ذهبت لنا برزق، ولا أورثتنا كلا، شغلنا الحزن لك عن

الحزن عليك، يا ذر لولا هول المطلع ومختبره لتمنيت ما صرت إليه، يا ذر ليت شعري ما فعلت وما فعل بك؟ وما قلت وما قيل لك؟ ثم قال: اللهم إنك وعدتني بالصبر على ذر صلواتك ورحمتك، اللهم فقد وهبت ما جعلته لي من أجري على ذر لذر فتجاوز عنه، فإنك أرحم بي وبه؛ اللهم هب لذر إساءته إلى نفسه وذنوبه إليك، فإنك أكرم مني وأجود. فلما هم أن ينصرف قال: يا ذر انصرفنا وتركناك، ولو أقمنا ما نفعناك؛ إنما حسبك مولاك. قيل لزهراء الأعرابية: أين منزلك؟ قالت: ما لي منزل، إنما أشتمل الليل إذا عسعس، وأظهر في الصبح إذا تنفس، ثم اتخذت منزلاً فقيل لها: كم بيننا وبين منزلك؟ فقالت: الطويل فأما على كسلان وان فساعة ... وأما على ذي حاجة فقريب قال السعيدي، قلت لأبي أويس: هل تروي على وزن هذا البيت شيئاً وهو: المقتضب أعرضت فلاح لنا ... عارضان كالبرد

فقال: دخل رسول الله صلى الله عليه وآله على سيرين أخت مارية وهي تصفق وتقول: المقتضب هل علي ويحكما ... إن لهوت من حرج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، قال سعيد: فصار سرورنا بالحديث أكثر من سرورنا بالبيت. قال ابن الأعرابي: تزوج رجل فقيل له: كيف وجدتها؟ قال: رصوفاً أنوفاً رشوفاً؛ الرصوف: التي في فرحها ضيق، والأنوف: التي تأنف مما لا خير فيه، والرشوف: الطيبة المقبل. قيل لعبد اله بن جعفر عليهما السلام: قد غلب عليك الغناء، قال: تعتريني عنده أريحية إن لقيت عندها أبليت، وإن سئلت أعطيت. قال المدائني: يقال: العلم يرشدك، وترك ادعائه ينفي الحسد عنك، والمنطق يبلغك الحاجة، والصمت يلبسك المحبة. قال إسحاق، قال جالينوس: الولع بالجماع مقتبس من نور الحياة، فليكثر منه أو فليقل. قال إسحاق: لا تصادق مخنثاً فإنه يعد من الجفاء مؤانسة بلا نيك.

وكتب ابن السماك إلى عمرو بن بانة: إن الدهر قد كلح فجرح، وطمح فطفح، فأفسد ما أصلح، فإن لم تعن عليه فضح. قال محمد بن القاسم: كان يحيى بن سعيد خفيف الحال، فاستقضاه أبو جعفر المنصور وارتفع شأنه فلم يغير من حاله، فقيل له في ذلك فقال: من كانت نفسه واحدة لم يغيره المال والإكثار. قال يزيد بن المهلب: ما رأيت عاقلاً ينوء به أمر إلا كان معوله على لحيته. ويقال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا اهتم أكثر من مس لحيته. قال يونس: اليمن تقولك منا الملوك في الجاهلية، والأنصار في الإسلام، ومضر تقول منا النبي والخلفاء، فما تقول ربيعة؟ قال رجل لعمرو بن عبيد إني أصبت مالاً من غير وجهه فاستملكته، فانا نادم تائب إلى الله تعالى، ولست أقدر على رده، قال: إنه علم الله عز وجل منك أنك لو قدرت على رده ما رددته، قال: نعم، قال: فإن خفت أن يسألك الله عنه فخوفك أشد من أخذك المال.

قال بعض السلف: الغرة بالله أن يصر العبد على المعصية، ويتمنى على الله المغفرة. قال زيد لرجل من الخوارج: زعموا أنك تقول: عثمان أشجع من علي، قال: صدقوا، كأنك لا تعلم ذلك، إنما كانت شجاعة علي حين كان صحيح البصيرة، فلما ذهبت بصيرته وركن إلى الدنيا ذهب ذلك؛ وقيل لعثمان: اخلعها واذهب حيث شئت، فأبى وقال: لا أخلع قميصاً قمصنيه الله، حتى قتل؛ وقيل لعلي: حكم أبا موسى وعمرو بن العاص وإلا قتلناك، ففعل. قال ابن سلام: سمعت الربيع بن عبد الرحمن يقول: قد خيرت فلا تأخذن خديعة وتدع شريعة، ولا تأخذن ما يرديك وتدع ما ينجيك، ولا تأخذن الأرذل وتدع الأفضل. وقال ابن سلام: سمعت أبان بن عثمان يقول، قال الحجاج: والله لطاعتي أوجب عليكم من طاعة الله تعالى، إن الله تعالى يقول " فاتقوا الله ما استطعتم " التغابن: 16 فجعل فيها مثنوية، وقال: " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " النساء: 59 فلم يجعل فيها مثنوية، ولو قلت لرجل منكم: ادخل من هذا الباب فلم يدخل لحل لي دمه وقتله. العرب تقول: الغنى كالمنعة، أي من كان له مال فهو كمن له

قوم ينصرونه؛ المنعة جمع مانع كقولهم لطلاب العلم طلبة والواحد طالب، وجهلة جمع جاهل، والمنعة - بالسكون - جائزة وهي فعلة من المنع، فأما المنعة - بكسر الميم - فمردود، هكذا قال أبو حاتم. قال بهز بن حكيم: صلى بنا زرارة بن أوفى الصبح فقرأ المدثر فلما بلغ " فذلك يومئذ يوم عسير " المدثر: 9 خر ميتاً فواريناه. مات لبعض السلف ابن فعزاه رجل فقال: ما ترك لي حزني يوم القيامة أسى على فائت، ولا فرحا بآت. قال بعض السلف: العز والغنى يجولان، فإذا لقيا القناعة استقراً. قال سعيد بن حجر: كان يقال: إذا كنت من قيس ففاخر بغطفان وحارب بسليم وكاثر بهوازن، وإذا كنت من تميم ففاخر بدارم وحارب بيربوع وكاثر بسعد، وإذا كنت من بكر ففاخر بشيبان وكاثر بشيبان وحارب بشيبان. قال عوانة: باع عبد الله بن عتبة بن مسعود أرضاً بثمانين ألفاً،

فقيل له: لو اتخذت لولدك من هذا المال ذهراً، فقال: بل أجعل هذا المال ذخراً لي عند الله وأجعل الله ذخراً لولدي، وقسم ذلك المال. قال محمد بن علي بن الحسين رضي الله عنهم: إن الله عز وجل رضي الآباء للأبناء فحذروهم فتنتهم، ولم يرض الأبناء للآباء فأوصهم بهم وإن شر الأبماء من دعاه التقصير إلى العقوق وشر الأباء من دعاه البر إلى الإفراط. قال العتبي: أذن معاوية للأحنف، وجرير بن عبد الله بالباب، ثم أذن لجرير فدخل فقال: يا أمير المؤمنين إنك أذنت للأحنف قبلي ووالله إنه لوافر النصيب من عداوتك، عظيم الشعلة في حربك، فقال معاوية: أحبكم غلينا أشدكم علينا إذا هو صار معنا بعد عداوته لنا وعرف لنا حقنا وفضلنا بعد جهل مه به، فأما من تربص بنا الأمور فلا حاجة لنا فيه، كما لم يكن له حاجة فينا ولا رأي لنا فيه كما لم يكن له رأي فينا، فسكت جرير.

قال ابن عباس رحمه الله وقد سمع قوماً يتكلمون في القدر فقال: إن الله عباداً خشيتهم من غير خرس، وإنهم الألباء البلغاء العلماء ولكنهم إذا نظروا في عظمة الله طاشت عقولهم فرقاً، فإذا سري عنهم سارعوا إلى الله تعالى بالأعمال الزكية، فأين أنتم عنهم؟ فتفرقوا. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: القدر سر من سر الله تعالى، وحرز من حرز الله، مكنون في حجاب الله، مطوي عن خلق الله، سابق في علم الله، قد وضع الله عن عباده علمه، ورفعه فوق منتهى رأيهم، ومبلع عقولهم، فلم ينالوه بحقيقة الربانية، ولا عظمة الوحدانية وعزة الفردانية، فهو بحر زاخر غامض، عمقه ما بين الأرض والسماء، عرضه ما بين المشرق والمغرب، أسود كالليل الدامس، يعلو أوله ويسفل آخره، قعره شمس تضيء، ولا ينبغي أن يراها إلا الفرد القديم، فمن طالعها فقد حاد الله في ملكه، ونازعه في سلطانه، وكشف عن سر ستره، وباء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير. وقف رجل على قبر معاوية فقال: يا أبا عبد الرحمن، لو لفظتك الأرض إلينا لرايت ما يصنع بنا يزيد، ورأينا ما صنع الله بك. قال معاذ: مثل الشيطان كمثل الذئب يأخذ الشاة الشاذة القاصية، فعليكم بالجماعة.

وقال قطري بن الفجاءة لرجل من الخوارج أسره الحجاج ثم من عليه: راجع قتلا عدو الله، قال: هيهات غل يداً مطلقها، واسترق رقبة معتقها، وأنشد الكامل أأقاتل الحجاج عن سلطانه ... بيد تقر بأنها مولاته إني إذاً لأخو الدناءة والذي ... عفت على حسناته جهلاته هذا وما ظني بجبن إنني ... فيكم لمطرق مشهد وعلاته ماذا أقول إذا وقفت إزاءه ... في الصف واحتجت له فعلاته أأقول جار علي لا، إني إذاً ... لأحق من جارت عليه ولاته وتحدث الأقوام أن صنائعاً ... غرست لدي فحنظلت نخلاته قال يوسف بن أسباط: رد أبو حنيفة على رسول الله صلى الله عليه وآله أربعمائة حديث أو أكثر، قيل له: مثل ماذا؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه: للفارس سهمان وللراجل سهم، فقال أبو حنيفة: لا أجعل سهم بهيمة أكثر من سهم المؤمن؛ وأشعر رسول الله صلى الله عليه البدن،

وقال أبو حنيفة: الإشعار مثلة؛ وقال رسول الله صلى الله عليه: البائعان بالخيار ما لم يتفقا، وقال أبو حنيفة: إذا وجب البيع فلا خيار؛ وكان رسول الله صلى الله عليه يقرع بين نسائه إذا أراد سفراً، وأقرع أصحابه، قال أبو حنيفة: القرعة قمار. وقال أبو حنيفة: لو أدركني رسول الله صلى الله عليه وعلى آله لأخذ كثيراً من قولي، وهل الدين إلا الرأي الحسن؟ قال أبو عقيل العمي: إن الأمور لا تدرك بالرأي المفرد، فليستعن مكدود بوادع، ومشغول بفارغ. خطب الحجاج فقال: أيها الناس، إنكم أغراض حمام، وفرضة هلكة، وقد أنذركم القرآن وصفر برحيلكم الجديدان، وإن لكم موعداً لا تؤخر ساعته، ولا تدفع هجمته، وكأن قد دلفت إليكم نازلته، فنعق بكم، وحثكم حث مستقص، فماذا هيأتم للرحيل، وما أعددتم للتحويل؟ ومن لم يأخذ أهبة الحذر، نزل به مرهوب القدر. أنشد الصولي للعلوي في تشبيه ثلاثة بثلاثة: الخفيف خطرت خطرة فهاجت مراحي ... وأراحت إلى التصابي رياحي لا، ووجه ومقلتين وثغر ... مثل ورد ونرجس وأقاح لا تسليت عن هواها ولا أص ... غيت فيها إلى مقالة لاح قال علي بن عبيدة: ما رأيت بيتاً يجمع الشراب والشرب والساقي إلا قول الشاعر: الكامل فكأنها وكأنهم وكأنه ... قمر يدور على النجوم بشمس

لابن دريد: الخفيف كل يوم يروعني بالتجني ... من أراه مكان روحي مني مشبه للهلال والظبي والغص ... ن بوجه ومقلة وتثني جمع الله شهوة الناس فيه ... فهو في الحسن غاية المتمني أمن العدل أن أرق ويجفو ... ني وأشتاقه ويصبر عني قال المدائني: أتي وال برجل قد جنى فأمر بضربه فمد، فلما أخذه الضرب قال للوالي: بحق رأس أمك عليك لما عفوت عني، قال: اضرب، قال: بحق عينيها، قال: اضرب، قال: بحق خديها، قال: اضرب، قال: بحق نحرها، كل ذلك يقول اضرب، فقال الوالي: ويحكم خلوه لئلا ينحدر. قال أبو بكر الصيرفي لبعض الفضلاء من الحشوية بلغني أنك لا تحضر الجمعة، قال، فقال: ما فاتني ولا شهدتها؛ قال: يعني أنه لا يراها فيقول لم تفتني، وما شهدتها للقائي الأئمة. وقال بعض السلف لرجل: كيف أقبل شهادتك وقد سمعتك تقول لمغينة: أحسنت؟ قال: أليس لم أقل ذلك إلا بعد سكوتها؟ فأجاز شهادته. خرج شريح من عند زياد في علته فسئل عنه فقال: تركته يأمر

وينهى، فقام الواعية فقيل له: ألم تقل كذا وكذا؟ قال: تركته يأمر بالوصية وينهى عن النوح. ولي أعرابي البحرين، فجمع اليهود فقال لهم: ما تقولون في عيسى؟ قالوا: قتلناه وصلبناه، قال: لا تخرجوا من السجن حتى تؤدوا ديته. دخلت أم أفعى العبدية على عائشة رضي الله عنها فقالت: يا أم المؤمنين ما تقولين في امراة قتلت ابناً لها صغيراً؟ قالت: وجبت عليها النار، قالت: فما تقولين في امرأة قتلت من أولادها الأكابر عشرين ألفاً؟ قالت: خذوا بيد عدوة الله. شاعر: الكامل المجزوء الصبر من كرم الطبيعة ... والمن مفسدة الصنيعه والخير أمنع انباً ... من قلة الجبل المنيعه والشر أسرع جرية ... من جرية الماء السريعه ترك لتعهد للصدي ... ق يكون داعية القطيعه قال إسحاق: أخذ مزبد المديني وهو سكران، فقال الوالي: استنكهوا الخبيث، ففعلوا، فلم يجدوا له رائحة، قال: قيئوه، قال مزبد: فمن يضمن لي عشاي؟ ذكر الله عز وجل المثرين في كتابه فقال: " في أموالهم حق

معلوم للسائل والمحروم " المعارج: 24 - 25، وجعلتم انتم في أموالكم حقاً للقيان - كذا كان يقول الحسن. قال المدائني: كان عندنا بالمدائن دهقان يقال له دينارويه، وكان خبيثاً، فقال له والي المدائن: إن كذبت كذبة لم أعرافها فلك عندي زق شراب ومسلوخ ودراهم، فقال دينارويه: هرب لي غلام فغاب عني دهراً لا أعرف له خبراً، فاشتريت يوماً بطيخاً فشققت واحدة فإذا الغلام فيها يعمل قفافاً فإذا هو إسكاف، قال العامل: قد سمعت بهذا. قال: كان عندي برذون فدبر، فوصف لي قشور الرمان فألقيته على دبره فخرجت على ظهره شجرة رمان عظيمة، قال العامل: وقد سمعت بهذا. قال: كان لي غلام وله فروة فوقع فيها القمل فطرحها فحملها القمل ميلين، قال: سمعت بهذا. فلما رأى أنه يبطل عليه كل ما جاء به قال: إني وجدت في كتب أبي صكاً فه أربعة آلاف درهم والصك عليك، قال: ما سمعت بهذا، قال: فهات الزق والمسلوخ والدراهم. استعمل معاوية أبا الأعور السلمي على مصر بدل عمرو بن العاص، وكتب إليه كتاباً بالعزل، فلما قدم على عمرو احتال عمرو حتى وضع الكتاب من يده وشغله بالأكل ودس من سرق كتابه، فلما فرغ ادعى العمل فقال له عمرو: إنما جئت زائراً ونحن نصلك، فبلغ ذلك معاوية، فضحك من دهاء عمرو.

كاتب: وصل كتابك فرأيتك قد حليته زخارف أوصافك، وأخليته من حقائق إنصافك. قال أعرابي: هذه نعم تفني الأحقاب، وتسم الأعقاب. كتب معاوية إلى زياد لما ولاه العراق: ليكن حبك وبغضك قصداً، فإن الغرة كامنة، واجعل للرجوع والنزوع بقية في قلبك، واحذر صولة الانهماك فإنها تؤدي إلى الهلاك. قال أشعب: جاءتني جارية بدينار وقالت: هذه وديعة، فجعلته بين ثني الفراش، فجاءت بعد أيام وقالت: ناولني الدينار، فقلت: ارفعي الفراش وخذي ولده، وتركت إلى جنبه درهماً، فتركت الدينار وأخذت الدرهم، وعادت بعد أيام فوجدت معه درهماً آخر فأخذته وعادت الثالثة كذلك، فلما رأيتها في الرابعة بكيت فقالت: ما يبكيك؟ فقلت: مات دينارك في نفاسه، قالت: سبحان الله، أيموت الدينار في النفاس؟ قلت: يا فاسقة، تصدقين بالولادة ولا تصدقين بالنفاس؟ قال المدائني: سمع أعرابي قوماً يقولون: النساء لا يقمن مع الرجال على غير نكاح، فأحب تجربته فقال لامرأته: إن أيري قد اصطلم، فسكتت، واعتزل فراشها فقالت له: يا هذا خل سبيلي فليس لي فيك حاجة،

فداراها فأبت إلا الفراق وطالبته بثمن خاتم كان لها عليه، فوثب عليها وأخذ برجلها ودفع فيها وهو يرتجز: الرجز فلست بالجلد ولا بالحازم ... إن لم أجأ هناك بالعجارم وجأ ينسيك طلاب الخاتم فلما فرغ قال لها: ما رأيك؟ قالت: ما أقبح بمثلي التردد إلى البعول، قال: فما قولك في ثمن الخاتم؟ قالت: كيف تقضيني وأنت مضيق، ولكن إذا اتسعت، وأقول واحدة: قد وهبت لك ثمن الخاتم. قال النضر بن شميل: كان يمرو قاض فأتاه رجل من وجوه أهلها يدعي على رجل مالاً، وأتاه بشاهد واحد وحلف له فأبى أن يقبل منه، فقال: أيها القاضي، أترى مثلي في قدري وحالي في العامة أدعي على هذا الرجل هذا القدر اليسير باطلاً؟ فزاده إباء فقال: الحمد لله الذي ولى أحكامنا مثلك، فوالله ما لي على هذا شيء، ولكنني أحببت أن أمتحنك وأعرف صلابتك في الحق، وكذلك شاهدي هذا. قيل للمنصور: إن سواراً يحابي في الحكم، فتكلف عطسة وحمد الله تعالى في نفسه، ثم عطس أخرى فحمد الله وأسمع، فشمته سوار في الثانية، فقال المنصور: يزعمون أنك تحابي وما تحابيني في عطسة. ما أعجب أحاديثنا إذا أضفتها إلى هؤلاء. كان أبو الأدباء الكوفي إذا أتى شرباً تسمع فإن سمع أحدهم

يقول: هذا قدحي، علم أن نبيذهم قليل، وإن سمع: ما هذا قدحي، علم أن نبيذهم كثير، فدخل. لوالبة بن الحباب: السريع ثالبني عمرو وثالبته ... قد أثم المثلوب والثالب قلت له خيراً وقال الخنى ... كل على صاحبه كاذب كان على خاتم الحسن بن الحسين بن زيد: توليت الله وحذه، ومحمداً عبده، وعلياً بعده وقال: أخذتها من قول الله عز وجل " ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون " المائدة: 56. سمع جعفر بن سليمان امرأة تتكلم بالرفث فقال: إنكن صويحبات يوسف، فقالت: واعجبا، نحن دعوناه إلى اللذة، وأنتم أردتم قتله، فكم بيننا؟! قال ابن القاص: نيك الخادم أوله بكاء وآخره ضحك، قيل: وكيف ذاك؟ قال: إذا ناك المرأة عضها فتبكي، وإذا صب ضرط فتضحك. تزوج أعمى امرأة قبيحة فقالت له: رزقت أحس الناس وأنت لا تدري، فقال لها: يا نظراء وأين كان عنك البصراء؟

قيل للجماز: ما بقي من شهوتك للنساء؟ قال: القيادة عليهن. لأبي عثمان الناجم: المتقارب وكم فيشة ما لها حقة ... وكم من حر مال له من طبق يعلل هذا يسحاقة ... وذا بعميرة عند الشبق قال عبد الله بن جعفر، وكان نبيلاً: الجود حارس الأعراض. قال أبو العيناء لبعض الولاة: إذا سألنا الولاة كف الأذى سألناك بث الندى، وإذا سألناهم الإنصاف سألناك التفضل. قال فيلسوف: كم من مهروب منه أصلح من مستغاث به. كان أهل الجاهلية إذا رأوا الهلال قالوا: مرحباً بمن يحل ديناً. ويقرب حيناً. شكا رجل امرأته إلى أبي العيناء، فقال له أبو العيناء: أتحب أن تموت هي؟ قال: لا والله الذي لا غله إلا هو، قال: لم ويحك وأنت معذب بها؟ قال: أخشى والله أن أموت من الفرح.

قيل لغلام: أتحب أن يموت أبوك؟ قال: لا، ولكني أحب أن يقتل، قيل: وكيف ذلك؟ قال: لأرث ديته فإنه فقير. قال فتى من العرب لشيخ منهم: قد آن لك أن تجزز، أي تموت، قال الشيخ: وتحتضرون، أي تموتون على خضرة الشباب. قيل: لما فرغ علي بن أبي طالب رضي الله عنه من دفن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سأل عن أمر السقيفة فقيل له: إن الأنصار قالت: منا أمير ومنكم أمير، قال: ضل القوم والله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم، فكيف تقع الوصاة بهم والأمر فيهم؟ قيل لبلال: من سبق؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قالوا: سألناك عن الخيل، قال: وأنا أجبتكم عن الخير. قال رجل لهشام بن الحكم: أليس احتكم العباس وعلي إلى عمر؟ قال: بلى، قال: فأيهما الظالم؟ قال: ما فيهما ظالم، فقال: سبحان الله، كيف يتخاصم اثنان وليس فيهما ظالم؟ قال: كما تخاصم الملكان وليس فيها ظالم. قال الأصمعي: العرب تسمي السنة شهرين شهرين، فتشربين

وتشرين: الوسمي، وكانون وكانون: الشتاء، وشباط وآذار: الربيع، ونيسان وأيار: الصيف، وحزيران وتموز: الحميم، وآب وأيلول: الخريف. لعبد الصمد بن المعذل: المتقارب ترجي قفولي لها بالغنى ... لعل المنية دون القفول رأت عدمي فاستراثت رحيلي ... سبيلك إن سواها سبيلي لعمر التي وعدتك الثراء ... بجدوى النسيب ورفد الخليل لقد قذفت بك صعب المرام ... واستجملت لك غير الجميل سأقني الكفاف وأرضى العفاف ... فليس غنى المرء حوز الخيول ولا أتصدى لمدح الجواد ... ولا أستعد لذم البخيل وأعلم أن بنات الرجاء ... تحل العزيز محل الذليل وأن ليس مستغنياً بالكثير ... من ليس مستغنياً بالقليل قال أبو سعيد السيراقي: " حاشا " عند سيبويه حرف جر ولي باسم ولا فعل، وأما الجر بها فلا خلاف فيه بين النحويين؛ قال الشاعر: الكامل

حاشا أبي ثوبان إن به ... ضنا عن الملحاة الشتم قال: وأكثر الناس يخالف سيبويه فيها، وهم مع خلافهم سيبويه مختلفون فيها؛ فأما الفراء فزعم أن حاشا فعل، وزعم انه لا فاعل له، وهذا طريف وهو كالمحال، لأن الفعل لا يكون بغير فاعل، وزعم أن الأصل: حاشا لزيد، فكثروا الكلام بها حتى أسقطوا اللام وخفضوا بها؛ وقال المبرد: هي حرف جر كما قال سيبويه وتكون فعلاً ينصب مثل خلا وعدا، واستدل على ذلك بتصرف الفعل، وقولهم: حاشيت زيداً أحاشيه كقول النابغة: البسيط ولا أرى فاعلاً في الناس يشبهه ... ولا أحاشي من القوام من أحد ومما احتج به في قوله: حاشا لزيد، لو كان حاشا حرف جر لم يجز دخولها على اللام. قال أبو سعيد: أما احتجاجه بحاشيت فلقائل أن يقول: حاشيت إنما هو تصريف فعل من لفظ حاشا الذي هو حرف يستثنى به، وليس بحاشيت يقع الاستثناء ولا بحاشا، ومنزلة حاشيت من حاشا كمنزلة هلل، وحوقل، وبسمل، وقد صرق الفعل بما ليس بفعل، قال: ومما يقوي قول أبي العباس أن أبا عمرو الشيباني وغيره حكى أن العرب تخفض بها وتنصب. وقال الزجاج: حاشا لله في معنى برأه الله، وهي مشتقة من قولك: كنت في حشا فلان أي في ناحيته، كما قال الشاعر: الطويل بأي الحشا أمسى الخليط المباين وإذا قال: حاشا لزيد فمعناه تنحى زيد من هذا وتباعد عنه، وكما أنك

إذا قلت: قد تنحى من هذا صار في ناحية منه، فكذلك تحاشا من هذا، أي قد صار في حشا منه، أي في ناحية، وعلى طريقة. الزجاج: قال بعض أصحابنا: حاشا في معنى المصدر؛ قال: ويقال: حاشا الله، وحاشا لله، كما يقال: لاه الله، ولاه لله، ويدخله النقص فيقال: حشا الله وحشا لله، كما يقال في النقص في غدو: غد، وفي مهلاً: مه، ولا يقال ذلك في الحروف. وتستعمل حاشا لتبرئة الاسم الذي بعدها عند ذكر سوء في غير أو فيه، وربما تبرئة الإنسان من سوء، ثم يبرئون من أرادوا تبرئته، وتكون تبرئتهم لله تعالى على جهة التعجب والإنكار على من ذكر السوء فيمن برأوه، قال الله تعالى " قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء " يوسف 51، ومذهب حاشا لله كمذهب معاذ الله وسبحان الله في الإنكار والتعجب، وإذا استثنوا بحاشا فاستثناؤهم أيضاً بها على طريق التبرئة للأسم السمتثنى بها من سوء أدخلوا فيه غيره. هذا آخر كلام أبي سعيد، سقته لأنه تمام المعنى في لفظ مختلف فيه. قال الشعبي: سمعت النعمان بن بشير يقول على المنبر: أيها الناس خذوا على أيدي سفهائكم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه يقول: إن قوماً ركبوا البحر في سفينة فاقتسموها وأخذ كل رجل مكاناً، فأخذ بعضهم الفأس فنقر مكانه، فقالوا له: ما تصنع؟ قال: مكاني أصنع به ما شئت، فإن أخذوا على يده نجوا، وإن تركوه هلكوا. قال رجل من أهل الشام لابن سيرين: بلغني أنك نلت مني، فقال: نفسي أعز علي من ذلك.

عاب رجل رجلاً عند بعض الأشراف فقال: استدللت على كثرة عيوبك بما تكثر من عيوب الناس، لأن طالب العيوب يطلبها بقدر ما فيه منها. كان الرشيد يجمع العلماء ويسمع كلامهم، فحضروا ذات يوم وفيهم أبو يوسف صاحب أبي حنيفة، والكسائي يذكر النحو، فقال له: أحذق الناس به يكون معلماً، فقال له الكسائي: أسالك عن مسألة في الفقه، قال: سل، قال: ما تقول في غلام لك قتل فاتهمت به رجلين فسألتهما عن أمره فقال أحدهما: أنا قاتل غلامك، وقال الآخر: أنا قاتل غلامك، أيهما القاتل عندك؟ قال أبو يوسف: جميعاً، قال الكسائي: أخطأت، قال: فأيهما القاتل عندك؟ قال: والذي قال: أنا قاتلٌ غلامك، لأن قوله: أنا قاتل غلامك يريد أنا قتلته، والذي قال: أنا قاتل - بالتنوين - غير قاتل، أراد: سأقتل غلامك، فهو تهدد، قال الله تعالى " فالق الإصباح وجعل الليل سكناً " الأنعام: 96 المعنى فلق الإصباح، فندم أبو يوسف على كلامه. قال عبد الملك بن مروان: القلم شجرة ثمرتها الألفاظ، والفكر بحر لؤلؤه الحكمة. وأنشد: الطويل

لعمرك ما الدنيا بدار لأهلها ... ولو عقلوا كانوا جميعاً على رحل فما تبحث الساعات إلا عن البلى ... ولا تنطوي الأيام إلا على ثكل دعا أعرابي فقال: اللهم ذلل صعوبة هذا الأمر، وسهل لي حزونته، وارزقني من الخير أكثر مما أرجو، واصرف عني من الشر أكثر مما أخاف. كاتب: ومن حدود فضائل الرؤساء مقابلة سوء من أساء بالإحسان، ولا نعمة أجزل من الظفر بالمجرم، ولا عقوبة لمجرم أبلغ من الندم، وقد ظفرت وندمت، والسلام. قيل لعلي بن الحسين رضي الله عنهما: أنت أبر الناس ولا نراك تواكل أمك، قال: أخاف أن أمد يدي إلى ما سبقت عينها إليه فأكون قد عققتها. قيل لأعرابي: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت وأرى غروب الشمس وطلوعها يأخذان مني كل يوم جزءاً، وكم عسى أن يدوم عدد ليس له مدد حتى يبيد وينفد. قال يحيى بن معاذ الرازي: أشهد أن السماوات آيات بينات، وشواهد قائمات، كل يؤدي عنك بالحجة، ويقر لك بالربوبية، وهي موسومة بآثار قدرتك، ومعالم تدبيرك التي تجليت بها لخلقك، وأوصلت إلى القلوب من معرفتك ما آنسها من وحشة الفكر، ورجم الظنون، فهي على اعترافها

بك، وولهها إليك شاهدة بأنك لا تحيط بك الصفات، ولا تحدك الأوهام. قال أبو عبيد الله الكاتب: ما رأيت مثل خالد بن برمك: بلاغته أعرابية، وطاعته أعجمية، وآدابه عراقية، وفصالحته شامية، وكتابته سوادية. كان يزيد الرقاشي يقول: إنه ليخيل لي أن كلامي لو أنجح في قلب قائله أنجح في قلوبكم، خذوا الذهب من الحجر، خذوا اللؤلؤ من البحر، خذوا الكلمة الطيبة ممن قالها فإن الله تعالى يقول " الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه " الزمر: 18. أراك رفيقاً للمنعمين عليك، أفما لله عندك مكافأة مطعمك ومشربك في ليلك ونهارك، إن سرك أن تنظر إلى الدنيا بما فيها من ذهبها وفضتها وزخرفها، فاذهب إلى القبر فاحتمل ما فيه، لست آمرك أن تحمل تربته، ولكن تحمل فكرته، وأنشد: الطويل فإن لم تكن أنت المسيء بعينه ... فإنك ندمان المسيء وصاحبه آخر: السريع يا معمل الوجناء بالفجر ... وقاطعاً للسبسب القفر وهارباً من زمن جائر ... يجني الملمات على الحر يأوي به الليل إلى منزل ... ممتنع أو جبل وعر أبشر فإن اليسر يأتي الفتى ... أحوج ما كان إلى اليسر

واصبر فما استشفعت في مطلب ... بشافع خير من الصبر قال منصور بن عمار: أتيت الليث بن سعد فأعطاني أربعة آلاف دينار وقال: صن بها الحكمة التي آتاك الله تعالى؛ وكان دخل الليث بن سعد في كل شهر خمسة آلاف دينار، وكان يفرقها في الصدقة وصلة الأرحام. قال أبو حامد: خلف عبد الله بن مسعود تسعين ألف درهم. وقال علي بن أبي طالب عليه السلام: ما دون أربعة آلاف درهم نفقة، وما فوقها كنز. قال معاوية: ما رأيت سرفاً إلا وإلى جانبه حق مضاع. يقال: الحلال يقطر، والحرام يسيل. قيل للزبير: كيف نلت هذا البسار؟ قال: لم أرد ربحاً، ولم أستر عيباً. كان سعيد بن العاص إذا سأله رجل حاجة من ماله ولم يجد قال له: اكتب علي بحاجتك سجلاً إلى أن أجد فأعطيك.

اشترى عبيد الله بن أبي بكرة جارية بستين ألف درهم فطلبت دأبة تحمل عليها فلم توجد في الوقت، فجاء رجل بدابته فحملت عليها، فقال عبيد الله: قد وجب حقك علي اذهب إلى منزلك. قال فيلسوف: الندامة على الفائت تضيع وقت ثان. استحمل رجل معن بن زائدة فأمر له بفرس عتيق وجمل وبغل وحمار وجارية وقال: لو وجدنا مركوباً غير هذه لأعطيناكه. كان تميم الداري يشتري مصلى بألف درهم، وكان ابن عباس يرتدي برداً قيمته ألف درهم. وقال يحيى بن خالد: ما رأيت رجلاً قط إلا هبته حتى يتكلم، فإن كان فصيحاً عظم في صدري، وإن كان مقصراً سقط من عيني. قال الزبير بن بكار: بدت لي إلى المتوكل على الله حاجة، فلذت بالفتح بن خاقان وكلفته إياها وأنشدته: الكامل ما أنت بالسبب الضعيف وإنما ... يرجى النجاح بقوة الأسباب إني دعوتك للخطوب وإنما ... يدعى الطبيب لشدة الأوصاب

لمحمد بن عبد العزيز بن سهل - من أمراء الجبل من آل دلف -: الكامل وظللت من ماء الكروم كأنني ... غصن أمالته الصبا فتأودا أرمي بعيني الرياض فأجتني ... من حليهن لآلئا وزبرجدا حمراء ناصعة وأصفر فاقعاً ... ومزعفراً في لونه وموردا يفتر مبتسماً كأن ومبضه ... شرر أصابته الصبا فتوقدا وهو الذي يقول: البسيط ما لي وللنأي يرميني بأسهمه ... وما له ترة عندي ولا ثار إذا اصطفيت خليلاً أو أخا ثقة ... لا ينثني عنه أو تنأى به الدار ويقال في مسائل اللغة: ما الحرد، وما البرد، وما السرد، وما السرد أيضاً، وما الصرد، والصرد أيضاً، وما العرد، وما الغرد، وما الفرد، وما القرد، وما الكرد، وما الرد، وما النرد، وما الشرد، وما الجرد، وما الهرد، وما الطرد، وتفسيرها يتبعها بعد أوراق على العادة في ذلك إن شاء الله، وإنما باعدنا بين الفصول لتنفى السآمة ويثبت النشاط. قال السيرافي: لو قلت: زيد أفضل إخوته لم يجز، فإذا قلت: زيد أفضل الإخوة جاز، والفصل بينهما أن إخوة زيد هم غير زيد، وزيد خارج عن جملتهم، والدليل على ذلك أنه لو سأل سائل وقال: من إخوة زيد؟ لم يجز أن تقول: زيد وبكر وعمرو وخالد، وإنما تقول: عمرو وبكر وخالد، ولا يدخل زيد في جملتهم، فإذا كان خارجاً عن إخوته كان غيرهم فلم يجز أن تقول: أفضل إخوته، كما لم يجز أن يقال: حمارك أفره البغال لأن

الحمار غير البغال، كما أن زيداً غير إخوته، وإذا قلت: زيد خير الإخوة جاز لأنه أحد الإخوة والاسم يقع عليه وعلى غيره، فهو بعض الإخوة، ألا ترى لو أنه قيل لك: من الإخوة؟ عددته فيهم فقلت: زيد وعمرو وبكر وخالد، فيكون بمنزلة قولك: حمارك أفره الحمير لأنه داخل تحت الاسم الواقع على الحمير، فلما كان على ما وصفنا جاز أن يضاف إلى واحد منكور يدل على الجنس فتقول: زيد أفضل رجل، وحمارك أفره حمار، فيدل رجل على الجنس، كما دل حمار على الجنس. وأنشد: الطويل فيا رب حي الزائري كليهما ... وحي دليلاً بالفلاة هداهما فليتهما ضيفان لي كل ليلة ... مدى الدهر محتوم علي قراهما وليتهما لا ينزلان ببلدة ... ولا منزل إلا وعيني تراهما قال الناشئ أبو العباس الكبير: أول الشعر إنما يكون بكاء على دمن، أو تأسفاً على زمن، أو نزوعاً لفراق، أو تلوعاً لاشتياق، آو تطلعاً لتلاق، آو إعذاراً إلى سفيه، أو تغمداً لهفوة، أو تنصلاً من زلة، أو تحضيضاً على أخذ بثأر، أو تحريضاً على طلب أوتار، أو تعديداً للمكارم، أو تعظيماً لشريف مقاوم، أو عتاباً على طوية قلب، أو إعتاباً من مقارفة ذنب،

أو تعهدا لمعاهد أحباب، أو تحسراً على مشاهدة أطراب، أو ضرباً لأمثال سائرة، أو قرعا لقوارع غائرة، أو نظماً لحكم بالغة، أو تزهيداً في حقير عاجل، أو ترغيباً في جليل آجل، أو حفظاً لقديم نسب، أو تدويناً لبارع أدب. للناشئ: الطويل لأقتحمن الدهر مني بعزمة ... تخوف أعدائي وتمنع جاري وأفضي إلى هذا الكريم بنائلي ... وآخذ من هذا اللئيم بثاري وإلا فلا أهوت أنامل خلتي ... للوث خمار أو لوضع إزار وحاشيت أبصار العداة ترقباً ... لشرب عقار أو لخلع عذار ألية بر إن عشت عين باخل ... إلى ضوء ناري فاستضاء بناري وإني لأوصي الأهل إن رام زورتي ... وإن ضافني ألا يحل بداري وكيف يزور القوم أو يستضيفهم ... فتى لا يرى للزور حق مزار قيل لصوفي: ما غاية المراد في الطلب؟ قال: نيل ما يعرض من أجله العطب. وقيل لآخر: هل سبيل إلى سكون النفس؟ قال: لا، ما دامت في سلطان الحس. وقال علي بن أبي طالب عليه السلام: إن الله جل جلاله أمر بما لم يرد، ونهى عما أراد، أمر إبليس بالسجود ولم يرد أن يسجد، ولو أراد أن يسجد، ولو أراد أن

يسجد لما غلبت إرادة إبليس إرادة الله جل سلطانه، ونهى آدم عن أكل الشجرة وأحب أن يأكل منها، ولو لم يحب أن يأكل منها لما غلبت محبة آدم محبة الله تعالى. هكذا أصبت هذا الجزء وهو حق، فإذا سرك الاتساع فيه فتصفح الكتاب حتى ترى شواهده وتجد دلائله، وتعلم أن الله سبحانه أنشأ العبد ثم تولاه ولم يخله من يده، وأن العبد يتصرف بين علمه وإرادته وأمره ونهيه في ظاهر تكليفه، وطرفاهما بين الحالتين يلتقيان، وكلتاهما مستويتان، واعلم أن الخلق ظهر منه وثبت به، وانقلب إليه، أعني أنه أبدأه وأنشأه في الأول، وهو إذاه وأنماه في الثاني، وهو قبضة ورقاه في الثالث باستطاعته، واستبد بقدرته، وانفرد بحوله وقوته، واستغنى عن موجده وحاظفه، وإنما ركدت الشبهة على قوم من جهة أنهم تخطوا الأمر والنهي وهما أس التكليف، وأوجبوا التمكين والتخيير، وظنوا أن هذا القدر يفصل الحال بيننا وبين الله عز وجل فلا نؤتى إلا من قبلنا، ولا نلام إلا على فعلنا. واعلم أن الإنسان مطلق في صورة مقيد، ومختار في هيئة مضطر، ومرسل في حلية ممنوع، يبين لك ذلك أنه ينقض حاله نقضاً، ويقيس متوسطة على طرفيه، فإنه يدلك بالعبرة الواضحة والعبارة المفصحة، انه ما فعل فعلاً باختيار حمداً أو ذماً الإوقع إليه ما سبق اختيارة من خزاطره ودواعيه ما استحق به استحق به عذراً وتسليماً، لكنه عن طرق العلم والإرادة محجوب، وبلسان الأمر والنهي محجوج، ومتى حاول ذلك الخروج عما أريد به حاول عسيراً، ومتى احتج عن نفسه بما علم منه احتج جاهلاً، فليس

له إلا أن يقف حيث وقف، ويعترف بما عرف، ويسكت عما خفي ولا يستكشف. الناشئ: الوافر عدمت من الحبيبة رجع كف ... إلى حل المؤزر والنطاق وهنت فلم أصل وقت اصطباح ... لندماني بأوقات اغتباقي لئن آخيت في الدنيا بخيلاً ... ولو بلغ النهاية في وفاقي أصافي المرء يألفني فنجري ... جميعاً باختلاف واتفاق وعهد الود محفوظ إذا ما ... أمنا في الوداد من النفاق وأقطع كل ذي بر وصول ... إذا مزج الخليفة باختلاق وكم من معقب حسن اجتماع ... يسر به بسوء الافتراق قال رجل لشريك: أخبرني عن قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه للحسن: ليت أباك كان مات قبل هذا اليوم بعشرين سنة، أقاله إلا وهو شاك في أمره؟ فقال له شريك: أخبرني عن قول مريم " ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً " " مريم: 23 أقالته شاكة في عفتها؟ فسكت الرجل. وأنشد: الخفيف المجزوء قل لماش على العصا ... كيف أمسى وأصبحا ما حوتها يد امرئ ... بعد موسى فأفلحا عرضت جارية على المتوكل فقال لأبي العيناء: هذه عرضت على أنها شاعرة، فقل شيئاً لتجيز، فقال أبو العيناء: الرمل المجزوء

أحمد الله كثيراً فقالت: حين أنشاك ضريرا قال: يا أمير المؤمنين قد أحسنت في إساءتها. لدعبل: الكامل قالت وقد ذكرتها عهد الصبا ... باليأس تقطع عادة المعتاد إلا الإمام فإن عادة جوده ... موصولة بزياة المزداد لأبي الغمر الرازي: الخفيف مكفهر ترتج أعطافه رجا ... كما جاوب المطي المطي وتولى كأنما في حشاه ... جبل حان وضعه حولي ظل يحكي بجوده جود كفي ... ملك سيبه هني مري قال جعفر بن محمد الأنماطي: رأيت رواشن الأشنان والمحلب في دار المأمون مقدمة بقطن، وسمعت المأمون يقول لصاحب الشراب: أحسنت يا بني، إنما يباهي بالذهب والفضة من قلا عنده، فأما نحن فإنما ينبغي أن نباهي بالأفعال الجميلة، والأخلاق المرضية، والشيم الكريمة، فذلك بالملوك أبهى أجمل.

قال بعض السلف: لا تسبوا الغوغاء فإنهم يطفئون الحريق، ويخرجون الغريق، ويسدون البثوق. قالت أخت عمرو ذي الكلب: المتقارب وخرق تجاوزت مجهوله ... بوجناء خرق تشكى الكلالا فكنت النهار به شمسه ... وكنت دجى الليل منه الهلالا فأقسمت يا عمرو لو نبهاك ... إذاً نبها منك داء عضالا إذاً نبها ليث عريسة ... مفيداً مفيتاً نفوساً ومالا استأذن أبو سفيان على عثمان فحجبه فقال: لا عدمت من قومي من إذا شاء حجبني. وأنشد: الخفيف قد أطلنا بالباب امس القعودا ... وجفينا به جفاء شديدا وذممنا العبيد حتى إذا نح ... ن بلونا المولى عذرنا العبيدا كتب عبد الملك إلى الحجاج: جنبني دماء آل أبي طالب فإني رأيت آل حرب لما قتلوا حسيناً نزع الله منهم الملك.

شاعر: الخفيف عش بجد ولا يضرك نوك ... إنما عيش من ترى بالجدود رب ذي إربة مقل من الما ... ل وذي عنجهية مجدود شاعر: البسيط الحذر ينفع ما لم ينزل القدر ... فإن أتى قدر لم ينفع الحذر وليس من قدر إلا له سبب ... وليس من سبب إلا له قدر ليس الكريم الذي يؤذي مجاوره ... بل الكريم الذي يؤذي فيصطبر إن الشباب لهم عذر وإن جهلوا ... وليس يقبل من ذي شيبة عذر قال ابن عباس رحمه الله: أتيتم بأبي موسى مبرنساً فقلتم: لا نرضى إلا بهذا، وأيم الله ما استفدنا منه علما ولا انتظرنا منه غائباً، ولا أمنا ضعفه ولا رجونا توبة صاحبه، وما أفسد بما صنعا العراق ولا أصحا الشام، ولا أماتا حق علي ولا أحييا باطل معاوية، ولا يذهب الحق فلتة رأي ولا نغمة شيطان. الناشئ الكبير: السريع القصد شيء كل ما دونه ... نقص وما جاوزه فضل وكل هذين رأيناهما ... جوراً وما بينهما عدل

كتب الوليد إلى الحجاج: اكتب إلي سيرتك، فكتب إليه: إني أيقظت رأيي وأنمت هواي، وأدنيت السيد المطاع في قومه، ووليت الجلد الحازم في أمره، وقلدت الخراج المؤثر لأمانته، وجعلت لكل خصم من نفسي خصماً يعطيه حظاً من نظري ولطف عنايتي، وصرفت السيف إلى المسيء، فخاف المريب صولة العقاب، وتمسك المحسن بحظه من الثواب. شاعر: الرجز ما قد مضى قد انقضى ... وما بقي كما مضى وإنما أعمارنا ... مثل ديون تقتضي جاء رجل إلى ابن سيرين فقال: رأيت زياد بن علاقة راكباً فيلاً يهوي به في البحر، فقال: الفيل شيطان والبحر جهنم. قال بشر الحافي: لو كنت لا أعلم لكان أروح لقلبي؛ وأنشد: الكامل الصعود يرتع في الرياض وإنما ... حبس الهزار لأنه يترنم لو كنت أجهل ما علمت لسرني ... جهلي كما قد ساءني ما أعلم روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إذا سأل العبد

الله الشهادة وعلم أنه من خلوص نيته كتبها له وإن توفاه على فراشه. قيل لابن عباس: لم لا تكتب في براءة بسم الله الرحمن الرحيم؟ قال: لأن بسم الله الرحمن الرحيم أمان، وبراءة نزلت بالسيف ولا أمان فيها. من دعاء بعض السلف: اللهم إنك أنت أنت، انقطع الرجاء إلا منك. وقال بعض السلف في دعائه: اللهم إني أعوذ بك من نظرة غيظ نفذت من عين حاسد، غائبها الحرب، وشاهدها سلم. وأنشد: الوافر إذا امتنع المقال عليك فامدح ... أمير المؤمنين تجد مقالاً فتى ما إن تزال له ركاب ... وضعن مدائحاً وحملن مالا لدعبل: المتقارب وميثاء خضراء زريبة ... بها النور يزهر من كل فن ضحوكاً إذا لاعبته الرياح ... تأود كالشارب المرجحن فشبه صحبي نواره ... بديباج كسرى وعصب اليمن فقلت بعدتم ولكنني ... أشبه بجناب الحسن

أنشد بعض من وفد على عثمان في خلافته وقد سأله عن حصن بناحية هراة: الطويل محلقة دون السماء كأنها ... غمامة صيف زل عنها سحابها ولا يبلغ الأروى شماريخها العلى ... ولا الطير إلا نسرها وعقابها وما خوفت بالذئب ولدان أهلها ... ولا نبحت إلا النجوم كلابها شاعر: الخفيف المجزوء ريما خير الفتى ... وهو للأمر كاره وأتاه السرور من ... حيث تأتي المكاره آخر: الكامل المجزوء يا صاح قلبي غير صاح ... لج الهوى بي في جماح جسد كسي ثوب الضنى ... فالروح منه على رواح قالت مزحت بهجره ... والقتل ليس من المزاح قال أبو سعيد: " زيتون " يجوز أن يكون فيعولاً وفعلوتاً وهو أولي لأنه من الزيت وقد لزم الواو. وقال الناشئ أبو العباس في نقد الشعر: الشعر قيد الكلام، وعقال الأدب، وسور البلاغة، ومحل البراعة، ومجال الجنان، ومسرح البيان، وذريعة المتوسل، ووسيلة المتوصل، وذمام الغريب، وحرمة

الأديب، وعصمة الهارب، وعذر الراهب، وفرحة المتمثل، وحاكم الإعراب، وشاهد الصواب. شاعر: الوافر أما والراقصات بذات عرق ... ومن قد طاف بالبيت العتيق لقد دب الهوى لك في فؤادي ... دبيب دم الحياة إلى العروق قال أعرابي لآخر في حديث له: والله لو نظرت إلى أجفانه وقد تجافت عن سحابة عينه تهطل رذاذاً كأنها تغازل معشوقاً، تعاتب تارة وتصالح أخرى، وكأن إنسان مقلته ناثر دراً على عروس وجنتيه لأهميت حسرة على حسرة، وأطلقت زفرة على زفرة، ولشققت مرارة على مرارة، وبكيت أهل العشق رحمة. لما ماتت أخت بشر بن الحارث الحافي حزن بشر، فقيل له في ذلك فقال: والله ما حزني عليها ولكن يقال: إذا قصر العبد في طاعة الله سلبه الله ما كان يأنس به في دار الدنيا. قيل لبشار: أي شيء تتمنى له البصر؟ قال: السماء، لقول الله تعالى " وزينا السماء الدنيا بمصابيح " فصلت: 12 وما زينة الله ووصفه يجب أن يكون حسناً. لأحد بني طاهر بن الحسين: السريع

يا سائلي عن موقع الحظ وال ... عقل انصرف بالحجج القاهره الحظ للدنيا التي تنقضي ... والعقل للدنيا وللآخرة قال رسول الله صلى الله عليه وآله: استقيموا لقريش ما استقاموا لكم، فإذا لم يستقيموا لكم فضعوا السيوف على عواتقكم ثم أبيدوا خضراءهم. وروي عنه صلى الله عليه: لا تهزمن قريش ما استرحموا فرحموا، وقسموا فعدلوا، فإن لم يفعلوا فعليهم لعنة الله. شاعر: الطويل ولما علاها الماء قنع رأسها ... بدرع حباب صيغ من لؤلؤ رطب أرق من الشكوى وأحلى من المنى ... وأعذب من حب يزيد هوى حب يقال هما للراضي. لإبراهيم بن سيار النظام المتكلم: المتقارب ذكرتك والراح في راحتي ... وشبت المدام بدمع غزير فإذا ينفد الدمع فرط الأسى ... بكاك الفؤاد بدمع الضمير لابن طباطبا العلوي: الكامل لم يكف ما قد سامني بغيابه ... حتى تلقاني بسيف عتابه نفسي الفداء لغائب عن ناظري ... ومحله في القلب دون حجابه لولا تمتع مقلتي بجماله ... لوهبتها لمبشري بإيابه

قال أبو عثمان: إن الله تعالى قد قسم الصنع بين جميع أفعاله: محبوبها ومكروهها، فأضحك وأبكى، وأمات وأحيا، وعافى وابتلى، وعاقب وعفا، ولم يعطل البلاء من تكليف الصبر، كما لم يعطل النعمة من تكليف الشكر، وجعل الشكر لا ينال إلا بالصبر، كما جعل الصبر لا ينال إلا بالعزم وجعل العزم لا ينال إلا بالعلم، كما جعل العلم لا ينال إلا بالعقل، وجعل الخيرة مقرونة بالمكروه، كما جعل الشكر موصولاً بالمزيد، وجعل طول النصب استنفاداً للقوة، فجعلنا نعالج الجمام بالكد، كما نعالج بالجمام، وكل ذلك ليردنا إلى الاقتصاد، ويعرفنا أن الفضيلة في تعديل الأمور، وجعل النسيان حظاً من الخيرة، ولذلك قال الحسن: إن الله تعالى "......... " ولولا ذلك لما انتفع النبيون والصديقون بالعيش وهو الأمل والأجل والنسيان، فجعل النسيان ركناً من أركان المصالح، ولو اجتمع في حفظ الإنسان وذكره توقع مكروه يجوز وقوعه، وفوت كل مرجو يجوز فوته، وذكر كل جناية جناها على من لا تؤمن مكافأته، وجناها جان ثم عجز عن مجازاته، ثم ذكر ذلة المعجزة وخمول ذي القلة، وذكر مع ذلك كل قاذورة كانت منه في شبيبته، وكل فسولة كانت منه في كهولته، لشغلة ذلك عن كسب ما لا بد منه من مرمة دنياه، وإصلاح أمر آخرته، وكذلك صنيع الله في الجد والمزاح في إمتاعه بالمنى والضحك وهما وإن كانا في ظاهر الأمر لا يعجلان عليك نفعاً معروف المكان، فإنهما يحدثان خيراً في باطن النفس، ويثمران نفعاً عند تعقب الأمور، لأن المنى استراحة وتفرغ، والضحك سرور وتنشيط، وفرق بين الأماني والآمال أن الآمال مقيدة بالأسباب، والأماني منطلقة لا يجوزها حد، ولا يحلبها سبب، وإصلاح موقع

الأماني بتوقع الأماني من النفوس صارت النفوس كلها لا تمنع منها، ولا تخلو من الذهاب معها. والنفس الحية الحاسة لا يجوز أن تبقى فارغة ممسكة عن جميع الأفعال، فتكون هي والموتى سواء، ومتى لم يحضر للقلب عزم على أمر معروف أو منكر في حاجة قائمة، عاجلة وآجلة، فلا بد للقلب من أن ينصرف إلى عمل من الأعمال، وليس بعد الاعتزال إلا المنى، فقد صارت الأمنية من أكبر الآفات، وأثبت الأركان، وليس في طاقة القلب أن يكون أبداً محتملاً لوحشة الفكر وثقل الاعتبار، وللنظر في ملكوت السموات والأرض، ولكل يوم أجل، ولكل استطاعة غاية فأطلق المباح، وألزم الفرض، وخير في النفل وأرغب فيه ولم يفرضه، وأعطى عليه الثواب ولم يوجبه، وركب الدنيا على الصميمين والفصلين، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أمزح ولا أقول إلا الحق، وقال: قد جئتكم بالحنيفية السمحة غير القاسية ولا الغالية، وأمرت بالإفطار والصوم والصلاة والنوم، ولو حمل الناس أنفسهم على حد الجد في كل حال ومر الحق في كل مذهب، لا نحلت القوى، وانتقضت المنن، ولذلك قالوا: دين الله بين الغالي والمقصر، وقالوا: خير الأمور أوساطها، وشر السير الحقحقة، وقالوا: بينهما يرمي الرامي، وقالوا في المثل: لا تكن حلوا فتبلع، ولا مراً فتلفظ، ولولا أن النفس مكدودة متعبة ومعناة نصبة من حين لا يعرف، ومن ضربان عرق لا يفتر، واختلاج عصب لا يسكن، ومعالجة القلب الهموم، ومدافعة الطباع الأغذية، وطلب الاستمرار من تنفس الرئة

واسترواح النفس من حد المنخرين، واستراحتها إلى التثاؤب والتمطي، ومضادة الطبائع للنفس، ومنازعة الشهوات إلى ما تدعو إليه، ومعالجة الأمراض وألم الجسد. وقال: المؤمن بين أربع: بين كافر يجاهره، ومنافق يبغضه، وشيطان يفتنه، ومؤمن يحسده، مع غير هؤلاء من الأمور التي تساره تارة، وتعالنه أخرى. أنا ألهج - أيدك الله - بكلام أي عثمان ولي فيه شركاء من أفاضل الناس، فلا تنكر روايتي لكلامه فإن لي فيه شفاء، وبه تأدباً ومعرفة، قد يسلم على أكثر الناس، ولم يبر إلا على متخلف ساقط دونه. قال أبو بكر بن دريد: أوضح الدلالة على ضعف الرجل في صناعته أن يكون محظوظاً منها، لأنه لا تكاد تجد متناهياً في حذاقته إلا وجدته متناهياً في حرفته. قال أعرابي: إياك والعجلة فإن العرب كانت تكنيها أم الندامات لأن صاحبها يقول قبل أن يعلم، ويجيب قبل أن يفهم، ويعزم قبل أن يفكر، ويقطع قبل أن يقدر، ويحمد قبل أن يجرب، ويذم بعد الحمد، ومن كان كذلك صحب الندامة، واعتزل السلامة. شاعر: الوافر خلا من دهره خمسون عاماً ... وأدبه التجارب والزمان فلا أحد يدوم على وفاء ... ولا للدهر من حدث أمان

إذا ما كان عندي قوت يوم ... ألا فعلي بالدنيا هوان كأن القوم قد مسخوا كلاباً ... لهم عن كل مكرمة حران فدعني لا تعرضني لقوم ... فقد بينت لو نفع البيان ولي شأن طويت عليه همي ... وكل فتى له هم وشان قال الجاحظ: قلت مرة للحرامي: قد رضيت بقول الناس إنك بخيل؟ قال: لا أعدمني الله هذا الاسم، قلت: وكيف ذاك؟ قال: لأنه لا يقال فلان بخيل إلا وهو ذو مال، فإذا سلم لي مالي فادعني بأي اسم شئت، قلت: ولا يقال سخي إلا وهو ذو مال، فقد جمع هذا الاسم المال والحمد، وجمع ذلك الاسم المال والذم، قال: بينهما فرق، قلت: هاته، قال: في قولهم بخيل تثبيت لإقامة المال في ملكه، واسم البخيل اسم فيه حزم وذم، واسم الصخاء فيه تضييع وحمد، والمال نافع ومكرم لأهله معز، والحمد ريح وسخرية، واستماعه ضعف وفسولة، وما أقل والله غناء الحمد عنه إذا جاع بطنه وعري جلده، وضاع عياله وشمت عدوه. قيل لجعفر بن يحيى: ما البلاغة؟ قال: أن يكون للكلام حد لا يدخل فيه غيره، قيل: مثل ماذا؟ قال: مثل قول علي رضي الله عنه: أين من سعى واجتهد، وجمع عدد، وزخرف ونجد، وبنى وشيد؛ فأتبع كل حرف من جنسه، ولم يقل سعى ونجد، وزخرف وعدد، وول قال زخرف وعدد لكان كلاماً، ولكن بينهما ما بين السماء والأرض.

قيل لعلي رضي الله عنه: كم بين السماء والأرض؟ قال: دعوة مستجابة، قيل: فكم بين المشرق والمغرب؟ قال: مسيرة يوم للشمس، قيل: فكيف يحاسب الله يوم القيامة الخلق على كثرة عددهم؟ قال: كما يرزقهم في الدنيا على كثرة عددهم. قيل لأفلاطون: أي الأمور أعجب؟ قال: أن يكون العمل على خلاف العلم. قيل لأعرابي: أما تتأذى برائحة الودك؟ قال: فقدي له أشد أذى. قيل لفيلسوف: لم لا يشتد فرحك بأخيك في حياته كشدة حزنك عليه بعد وفاته؟ قال: لأني كنت أعلم في حياته أنه يموت، والآن أعلم بعد وفاته أنه لا يعيش. قال أعرابي: أتيت فلاناً قبل أن ينطق الديك فخرس عن جوابي، ورجعت إلى أهلي خفيف الظهر وافر العرض. قال ابن السماك في دعائه: اللهم أصلحني قبل الموت، وارحمني عند الموت، واغفر لي بعد الموت. قيل لمحمد بن واسع: كسف أصبحت؟ قال: أصبحت والله طويلاً أملي، قصيراً أجلي، سيئاً عملي.

كتب عمر بن عبد العزيز إلى عون بن عبد الله يعزيه بابنه: أما بعد، فإنا ناس من أهل الآخرة أسكنا الدنيا أموات أبناء أموات، فالعجب لميت يكتب إلى ميت يعزيه عن ميت والسلام. قيل لفيلسوف: من الحكيم؟ قال: م تظهر أفعاله وأقواله متساوية متشابهة. كتب إبراهيم بن يحيى إلى بعض الخلفاء: أما بعد، فإن من عرف حق الله فيما أخذ منه عظم حق الله تعالى عليه فيما أبقى له؛ واعلم أن الماضي قبلك هو الباقي بعدك، والباقي بعدك هو الماضي قبلك، وأن أجر الصابرين فيما يصابون به أعظم من النعمة عليهم فيما يعاقبون عليه. قال أبو تميم الهجيمي: إن أقواماً غرهم ستر الله تعالى، وفتنهم ثناء الناس، فلا يغلبن جهل غيرك بك علمك بنفسك، أعاذنا الله تعالى وإياك أن نكون مغرورين بالستر، مفتونين بالثناء. وقال فيلسوف: ينبغي للعاقل أن يفعل الواجب من غير أن يجب عليه، ويمتنع مما لا يجب من غير أن يمنع منه. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: الدنيا دار صدق لمن

صدقها، ودار عافية لمن فهم عنها، ودارغنى لمن تزود منها، مهبط وحي الله تعالى، ومصلى أنبيائه، ومسجد أوليائه، واكتسبوا فيها الحسنة، ونالوا الرحمة، فمن ذا يذمها وقد آذنت ببينها، ودعت إلى خرابها، ترغيباً وتخويفاً، فيا أيها الذام للدنيا متى استذمت إليك؟ متى غرتك؟ أبمنازل آبائك من البلى أم بمضاجع أمهاتك في الثرى؟ ثم أشرف على أهل المقابر فقال: يا أهل الغربة، ويا أهل التربة، أما المنازل فقد سكنت، وأما الأزواج فقد هديت، وأما الأموال فقد قسمت، هذا خبر ما عندنا، فليت شعري ما خبر ما عندكم؟ ثم التفت إلى أصحابه وقال: والذي نفسي بيده لو أذن لهم في الكلام لأجابوا: ألا إن خبر الزاد التقوى. قال الحسن البصري: لا تجاهد في الطلب جهاد المغلب، ولا تتكل على القدر اتكال المستسلم، فإن ابتغاء الفضل من السنة، والإجمال في الطلب من العفة، وليست العفة بدافعة رزقاً، ولا الحرص بجالب فضلاً؛ الرزق مقسوم، والأجل محتوم، وفي الحرص اكتساب المآتم. قال جابر بن عبد الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتم بعد حلم، ولا رضاع بعد فطام، ولا صمت يوما إلى الليل، ولا وصال في الصيام، ولا نذر في معصية، ولا تعرب بعد الهجرة، ولا هجرة بعد الفتح،

ولا طلاق قبل النكاح، ولا عتق قبل ملك، ولا يمين لزوجة مع زوح، ولا يمين لولد مع والد، ولا يمين لمملوك مع سيده والسلام. هذا آخر الجزء الخامس من كتاب البصائر، والله أسأل الانتفاع به والعمل ببعض ما فيه فإنه قد تحمل أدباً جماً، وعلما غزيراً وفضلاً بارعاً، وأساله عز وجل أن ينفعك به ويتم نعمه عليك إن شاء الله تعالى، والله الموفق.

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم رب أعن برحمتك الجزء السادس اللهم إني أبرأ من الثقة إلا بك، ومن الأمل إلا فيك، ومن التسليم إلا لك، ومن التفويض إلا إليك، ومن التوكل إلا عليك، ومن الطلب إلا منك، ومن الرضا إلا عنك، ومن الذل إلا في طاعتك، ومن الصبر إلا على بابك، وأسالك أن تجعل الإخلاص قرين عقيدتي، والشكر على نعمتك شعاري ودثاري، والنظر في ملكوتك دأبي وديدني، والانقياد لك شأني وشغلي، والخوف منك أمني وإيماني، واللياذ بذكرك بهجتي وسروري. اللهم تتابع برك،، واتصل خيرك، وعظم رفدك، وتناهي إحسانك، وصدق وعدك، وبر قسمك، وعمت فواضلك، وتمت نوافلك، ولم تبق حاجة إلا قد قضيتها وتكلفت بقضائها، فاختم ذلك كله بالرضا والمغفرة، إنك أهل ذلك والقادر عليه والملي به.

هذا الجزء - أبقاك الله - الجزء السادس من كتاب البصائر والذهائر، وإليه وقع الانتهاء، وعليه وقف العزم، وعنده بلغ النشاط، لأن المراد تم به، وما في النفس سكن معه، فقد كان يجول في النفس ما يعسر تدوينه، ويصعب تضمينه، مع تحول الحال، ونحول البال، وذلك لأن الكتاب طال طولاً يمل الناسخ، ويضجر القارئ، ويقبض المنبسط، ويكل النشيط، ويفتر الشهوات، ويفل غرب الحريص، ويتعب الطالب والراغب، ويصير ما أردنا أن يكون سبباً لاجتبائه سبباً لاجتنابه، وما أحببنا أن يكون باعثاً على طلابه مؤيساً من وجدانه، وهكذا كل ما طال وكثر، وازدحم وانتشر، وليس يصير هذا عيباً إلا عند فسولتنا في طلب العلم، وسوء رغبتنا في إفشاء الحكمة، وقلة طاعتنا للحق، أعراضنا عن الحظ، واستبدالنا للخير، واعتيادنا للهو، وجهلنا بعواقب الدنيا، ولو صدقت النية، وانبعثت الهمة، وأذعنت الشهوة، وذلت النقيبة، وساعد التوفيق، كان ما استبعد في هذا الباب قريباً، وما استوعر سهلاً، وما استغلي رخيصاً، وما استثقل خفيفاً، وما استكثر قليلاً، ولكن من يصبر على هذا السوم، ويصير إلى هذا الحكم، ويأنف من هذا الطعن، وينفر من هذه اللائمة، مع ضميره المدخول، وعادته الفاسدة، ومنشئه الردي، وقرينه الفاضح، وحبه للراحة، واختطافه للذة، وتعجله للممكن، وتسويفه في الخير، وتوصله إلى الشر، وهذا قطرة من البحر، وحصاة من الجبل، مع تنكر الزمان، وفساد الدهر، واختلاف المقالات، وتشابه الآراء، وتكافؤ الجدال، وتزاحم الشبه، وتراكم الحجج، وسوء بيان العلماء، وقلة

إنصاف الحكماء، وقبح أخلاق الأدباء. أنا رأيت شيخاً قد انتهى في السن، وبلغ الغاية في الحكمة، وأشرف على نهاية التجربة، قد قسم حاله بين إرجاف بالسلطان، أو وقيعة في الإخوان، أو شكوى من الزمان، هذا عين ما قد وجده واستفاده، وهو بزعمه وزعم ناصره - فرد أوحدي، ونقاب لوذعي؛ وهكذا مشايخ دينك، وأنصار شريعتك، وأعلام ملتك، والمتكلمون في بلادك، فماذا أتوقع لنفسي إذا كنت آخذاً عنهم، ومقتدياً بهم، ونازعاً إليهم؟ قلت يوماً لابن الخليل: كيف صرت في الشكوى أخطب من قس، وأبلغ من سحبان، وأنطق من شبيب، وأفصح من صفوان؟ قال: وكيف لا أكون كذلك وأنا في زمان إن ذكرت أهله بما يستسرونه ويتباهون به، ويشتملون عليه ويتهالكون فيه، هتم فمي، وسفك دمي، وشهد علي بالكفر، ولم يرض لي إلا بالصلب؛ قلت: فبح بما في نفسك، على اختصار لفظك، وإيجاز قولك، قال: اعلم أني قد أصبحت بين إمام لا يعدل، ووزير لا يفضل، وعالم لا يتأله، وناسك لا يتنزه، وغني لا يواسي، وفقير لا يصبر، وجليس لا يحلم، وواعظ لا يعف، وحاسد لا

يكف، وصديق لا يعين، وجار لا يستر، وجاهل لا يتعلم، ومتعلم لا يتحرج، وقاض لا ينصف، واشهد لا يصدق، وتاجر لا يتورع، وعدو لا يتقي، ومؤذ لا يفتر، فهل ترى لمثلي بعد ما عددته قراراً، أو تجد لأحد عليه اصطباراً؟ والله لو عن لي رأي في الصبر عليه لملكته، ولو بدا لي طريق في السكوت عنه لسلكته، ولكني ذو صدر جياش، وعقل مفتون. وأقطع حديث هذا الرجل، فإنه كان يكثر من هذا الفن، ويأتي فيه بكل ما توهم وظن، وكان ذا عارضة عريضة، ولسان بليل، وقلب مكوي، وركية غزيرة، وله مذاهب استأثر بها، وتوحد فيها، وأشياء طريفة كان يكتمها، ولا يعرب عنها، وكان من كبار المعتزلة، ولكنه خالفهم، وأفرط في التشنيع عليهم، وتناهى في تتبع قبائحهم. ولقد قال هذا لرجل قولاً، ووجد عيباً، فركب جواداً، وسلك جدداً، وأصاب بدداً، وعرف داء، وطلب دواء، ولو استوى لك أن تكذبه، وتزيف قوله، وترد عليه دعواه لفعلت، ولكن كما قد علمت أن ما طوى أكثر مما نشر، وما دفن أخبث مما أنشر، وما أشار إليه أقبح مما نص عليه، وما روي عنه أفحش مما أفصح به. فانتفع - حفظك الله - بسماع ما روي لك، وعرض على عقلك، ونيط بفهمك، وقرب من سمعك، ولاح لعينك، وعالج نفسك بمقت الهوى، وأودع قلبك برد اليقين، وحدث سرك بالإقلاع، وخف عاقبة الإصرار، وراقب إلهك في السر والجهر، والتفت إلى حظك بالاختيار

والقهر، وجانب كل ما جنبك الخير، واهجر كل ما أعلقك الذم، وأورثك الندم، وثبت على طاعة الله قدميك، واستحفظ نعم الله تعالى قبلك، واشهد آلاءه عندك، واعترف له بالربوبية، وتذلل بين يديه بشمائل العبودية، واعلم أنك منه بمرأى مسمع ومطلع، واجعل أساس أمرك، وخميرة حالك، وزبدة تدبيرك، وعمدة شأنك، الزهد في الدنيا، وإزجاءها بما طف منها، والرضا بالبلغة فيها، فإنك إذا فعلت ذلك هان عليك ما عداه، وقرب منك ما تهواه. الزهد في الدنيا باب السعادة، ودرجة السلامة، ووعاء النجاة، وظرف الراحة؛ بالزهد تملك هواك عن الجماح، وطرفك عن الطماح، ونفسك عن اللجاج، وطباعك عن الغي، وظاهرك عن الهجنة، وباطنك عن الفتنة، فبه يذل لك كل ما نشأ عنه، وصار فرعاً عليه. هناك تتفرغ لحسابك، وتتصفح ما يخصك، اعتبار ما يكون صلاحه منوطاً بك، وفساده منفياً عنك، وآثاره راجعة إليك، وريعه واقفاً عليك، فلا تعتقد إلا حقاً يصحبه البرهان، ولا تقول إلا صواباً يشهد له الدليل، ولا تعمل إلا صالحاً يؤيده القول والحق، ومتى خلصت إلى هذه الرتبة حفت بك السعادة، وتواصلت إليك الزيادة، وكان جليسك منك بين ملحوظ يقتدي بك فيه، وملفوظ يمتثل أمرك به، ولن تحوز هذه الحال، ولن تفوز بهذا الكمال، حتى تبرأ من الجدال في الدين، وتهجر هذيان المتكلمين، وتبعد عن مجالس المشككين، وتألف عادة الصالحين، وتأخذ بهدي المسلمين، وتحسم طبعك عن معرفة أسرار رب العالمين، في هذا الخلق أجمعين. نعم، وحتى تترك الخوض في الجزء والطفرة، والجوهر والعرض،

والكمون والظهور، والمداخلة والمجاورة، وما مراد الله في كذا، وما علته في كذا، وما سببه في كذا، وواجب عليه أن يفعل كذا، ويستحيل عليه فعل كذا، ولو فعل كذا لكان كذا، وهذا تحكك بالإله، وتمرس بالرب، وليس لك من ذلك إلا ما ألقاه إليك، وعرضه عليك، وسهله لك، ورفع الشبهة عنك؛ فأما ما غمض واستتر، وخفي واستسر، فإياك أن تتعرض له، وتحوم حوله، وتطلب قياسه ونظيره، فإنك إما أن تكل دون بلوغه، أو تضل قبل مناله، لأن الله تعالى لم يبن هذه الدار، ولم يرتب هذا العالم، ولم ينظم هذا الفلك، على قدر عقلك الضعيف، ولم يستشر استحسانك واستقباحك، ولم يجعل لك إلى شيء من ذلك سبيلاً إلا على حسب ما أعارك من القوة، وأعلمك بالتكليف، وألهمك بالتوفيق، فإن تعديت طورك، وتعليت قدرك، نكسك وردك على عقبيك، وأسرك بعجزك، وعراك من لبوس عزك، وجعلك عبرة للناظر إليك، وآية للمعتبرين بك، وأحدوثة للغابرين بعدك. فاحذر التخطي إلى سياج ربك ومعالم إلهك، والزم حدودك في عبوديتك، فبهذا أمرت، واستقم كما أمرت، لعل الله تعالى يرى فقرك فيغنيك، وضعفك فيقويك، وانحطاطك فيعليك، وذر الذين يخوضون فيما ليس إليهم، يتكلفون ما ليس عليهم، فسيعلمون أي منقلب ينقلبون. حرس الله علينا وعليك الدين، ووفر حظنا وحظك من اليقين، وجعلنا وإياك من عباده المتقين، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

هذا الكتاب - حفظك الله - وإن كان قد تأبط هزلاً، واستبطن سخفاً، وتحمل مزاحاً، فإنه قد تضمن أدباً وعلماً، وتوشح حكمة وفصاحة، ودعا إلى الله أمراً وزجراً، ودل على الخير إيجازاً وإطناباً، ونشر حكم الله رواية واستخراجاً، وأمتع النفس سراراً وجهاراً، فلا تجعل نصيبك منه الخطأ والخطل، وقد اعترض لك منه العلم والفائدة، ولا تحكم على مصنفه وجامعه إلا بعد أن تستظهر بالحجة، وتعتقد الإنصاف، وتعتمد على الحق. وإنما أوصيك بهذا خوفاً من أن يقول ما يقول من لا يشفق على عرضه، ولا يتعقب فرطات حكمه، ولا يفلي مواقع رأيه، ولا يملك خطام لسانه، ولا يبالي بما ووجه به. واستيقن أن الكتاب قد حوى من الذهن لواقحه، ومن العقل قرائحه، ومن العلم غنائمه، ومن الفهم نتائجه، ومن الصدر ذخائره، ومن الدهر سرائره، ومن الأدب أرواحه، ومن البال خواطره، ومن الروية جواهرها، ومن الحكمة حقائقها، ومن التجربة أعيانها، ومن الأمم ودائعها، ومن الحنكة فرائدها، ومن الأخلاق محاسنها، ومن العرب بيانها، ومن الفرس سياستها، ومن اليونان دقائقها ومن الشريعة رقائقها، فهو إذن للكليل شحذ، وللوسنان يقظة، وللعقل سمة، وللعي بلاغة، وللأخرس ترجمان، وللناسي تذكرة، وللغزير تجربة، وللأديب عدة، وللعالم عمدة، وللخامل نباهة، وللمجهول علامة، وللجاد محجة، وللهازل مفكهة، وللناسك بصيرة، وللعائل نصيحة، جمعت فيه كل عرة لائحة، وحجة واضحة،

وبرهان مبين، وقول متين، ونادرة ملهية، وموعظة مبكية، وللرفيع فيه مرتع، وللمتوسط إليه مفزع، وللدني به مقمع، وأفنيت في ذلك وأطنبت، وصعدت فيه وصوبت. فلا تحرمني عفوك عند زلة أفتضح بها عندك، ولا تبخل علي بمدحك في صواب عليك، وأجهزه إليك، وكن من إخوان الصدق، وأعوان الحق، ولعمري لك علي مقال فيه، ومتعلق به، ومدخل منه، لأني قد شعثت أعراض قوم، وأعلنت أسرار ناس، وزدت في بعض ذلك مستثيباً، ونقصت مجانباً، وألممت معرضاً، وكاشفت مصرحاً، وطويت محسناً، ونشرت مقبحاً، ولكن ذاك مع توخي الحق مقبول، وفي خلال الصواب مستحسن، وفي جمهور الصدق نافع. ومن هذا الذي تصدى لمثل هذا الكتاب، مع طوله وكثرة عدد أوراقه، وتصرف راويه، واختلاف أساليبه ومعانيه، مع ضيق الصدر، وغروب الصبر، وخفة ذات اليد، وسوء الظن باليوم أو غد، فلم يهرف، ولمخرف، ولم يظلم ولم يجزف؟ هذا ضمان لا يصح الوفاء به، ووعد لا يبعد من الخلف فيه، وحكم لا يبرأ الشطط منه، وإذا مزج حقه بباطله، وقرن خيره وشره، وأضيف سقيمه إلى صحيحه، كان قوام الجميع للحق، وكنت إذ ذاك في طبقة من يسامح بما كره له لبلوغه الغاية فيما أصاب فيه. على أنا نلجأ إلى الله في كل عسر ويسر، وعليه نتوكل في كل صغير وكبير، وإياه نستعين في جميع الأمور، فبيده الخير وهو على كل شيء قدير.

لما ولى عمر بن الخطاب عبد الله بن مسعود قال له: يا ابن مسعود، اجلس للناس طرفي النهار، وأقرئ القرآن وحدث عن السنة وصالح ما سمعت عن نبيك صلى الله عليه وسلم، وإياك والقصص والكلف وصلة الحديث، فإذا انقطعت بك الأمور فاقطعها، ولا تستنكف إذا سئلت عما لا تعلم أن تقول لا أعلم، وقل إذا علمت، واصمت إذا جهلت، وأقلل الفتيا، فإنك لم تحط بالأمور علماً، وأجب الدعوة، ولا تقبل الهدية، وليست بحرام، ولكني أخاف عليك القالة، والسلام. قال إبراهيم الإمام: إن البصرة أفواه البحار ومواضع التجار، فأنزلوها سليمان بن علي، وإن الكوفة فم الحجاز وطريق الحاج، فأنزلوها عيسى بن علي، وإن الشام عش بني أمية وباب المغرب ومادة العراق، فأنزلوها أبا جعفر المهدي؛ وأنزل كل رجل ممن ذكره في الموضع الذي ذكر له. قال علي بن عبد الله: السواد معصفر الرجال. قال عبد الله بن عباس: البياض جمال لأحيائكم، وتكفن فيه موتاكم، ولو كان البياض صبغاً لتنافس فيه الرجال. دعي ابن عون إلى وليمة فجيء بماء يصب على يده قبل الطعام فقال: ما أحسب غسل اليد قبل الطعام إلا من توقير النعمة.

قال المكي، قال أبو العبناء: أعطاني فلان بره تفاريق وعقوبته جملة. ذم أبو العيناء رجلاً فقال: له ضحك كالبكاء، وتودد كالسباب والافتراء، ونوادر كندب الموتى. عزى أبو العيناء رجلاً بامرأته فقال: تقديم الحرمة من جزيل النعمة، فأنت إلى التهنئة بالنعمة في هذه المصيبة أولى منك بالتعزية، فالحمد لله الذي جعل لك أجرها، ولم يجعلك لها ثواباً، وإن عظم الفقد لطول الأنس والصحبة، فثواب الله أعظم وأجزل. عزى أبو العيناء بعض الرؤساء فقال: كان العزاء لك لا بك، والفناء لنا لا لك. قال الأصمعي: ضل لأعرابي شيء فقال: اللهم ضوئ عنه، أي أظهره. قال يعقوب: الأكمة الصغيرة والرويبية يقال لها: فرط. ماع يميع إذا سال، واماع السمن إذا ذاب وأماث. مر يدأل: إذا قرمط في مشيته، ويقال: مر يذأل إذا مر مرا خفيفاً، ومنه سمي الذئب ذؤالة.

التثفين أن تمس الثفن الأرض؛ السامد الشاخص من الخيل، والمذمر الموضع الذي يلمس. يقال: صاد ثوراً وحماراً وظبياً وأرنباً وذئباً وثعلباً وضبعاً وضباً وورلاً ويربوعاً وجراداً وطائراً وكمأة، والكمأة صيد، وجنى نعامة وبيض نعامة. السرب: القطيع من البقر والظباء؛ ويقال: إجل من بقر، وربرب، وصوار، وعانة من حمير، ورعلة من قطا، ورجل من جراد، وخرقة من جراد، وفيء من طير، وفيء من غربان ومن نسور. قال الأصمعي: قيل لبني عبس: كيف صبرتم وكيف كانت حالكم؟ قالوا: طاحت والله الغرائب من النساء فما بقي إلا بنات العم، وما بقي معنا من الإبل إلا الحمر الكلف، وما بقي من الخيل إلا الكميت الوقاح، وطاح ما سوى ذلك من الأهلين والمال. ذم أعرابي قوما فقال: لهم بيوت تدخل حبوا إلى غير نمارق ولا شبارق، فصح الألسنة برد السائل، جذم الأكف عن النائل.

سئل أعرابي عن ابن أخيه فقال: سكير لا يفيق، يتهم الصديق ويعصي الشفيق. قيل لأعرابي: في خلافة من ولدت؟ قال: في خلافة يوسف بن عمر، أو كسرى بن هرمز، وأعوذ بالله أن أقول على الله إلا حقاً. قال أعرابي: الدراهم مواسم، تسم جميلاً أو دميماً، فمن حبسها كان لها، ومن أنفقها كانت له. وصف أعرابي مملوكاً له فقال: الرجز يزعزع الدلو ... وما يزعزعه يكفيه من جم ... ع البنان إصبعه تكاد آذان ... الدلاء تتبعه كاتب: كرم الوزير ورغبته في المعروف يطلقان الألسن بالمسألة، ويقربان الطالب من البغية، وعوائد إحسانه وترادف امتنانه يضمنان النجح ويؤكدان الثقة. كان الشعبي يجلس إلى خياط، فقال له يوماً: إذا حدثت فلا

تكذب، فقال له الشعبي: ما أحوجك إلى محدرج شديد الفتل، لين المهزة، أصلع الرأس، عظيم الثمرة، ياخذ من عجب الذنب إلى مغرز العنق، فيوضع منك على مثل ذلك، فيكثر له رقصك من غير جذل، فقال: وما يا هو أبا عمرو؟ قال: شيء لنا فيه أرب، ولك فيه أدب. قال أعرابي: العبوس بوس، والبشر بشرى، والحاجة تفتق الحيلة، والحيلة تشحذ الطبيعة. قال بعض أهل العلم: العرب تتبرك بالجنوب لأنها تجمع السحاب وتؤلفه، وتتشاءم بالشمال لأنها تفرقه وتذهبه. لحميد بن ثور: الطويل ليالي أبصار الغواني ولحظها ... إلي وإذا ريحي لهن جنوب قال الحسين بن سعيد: أفئدة العلماء ينابيع الحكم، ومعادن، جواهر الفطن، إذا جرت مياه فكرها في جداول الاستنباط، ثم مشت في عروق مغارس الإحساس، نضرت أصول بدائع الروية، وأورقت غرائب الأفهام، وأثمرت أفنان حكم الآراء، فاجتنبها أنامل كرم الطباع، وتفكه بها أهل التجربة والانتفاع. كلام نبيل وقمر رؤيته تعجب، وقد رأيت من يؤثره ويستحسنه. كاتب: أنا صب إلى قربك، صاد إلى لقائك، ومن ظمئي إلى

غرتك أستحق الري من رؤيتك، فقصر يومنا الطويل بأنسك الذي يشفي الغليل. كاتب: قد أهديت إليك مودتي رغبة، ورضيت منك بقبولها مثوبة، وأنت بالقبول قاض لحق، ومالك لرق. وأنشد أبو الفضل ابن العميد لأعرابي: الوافر وما ذو شقة نفض يمان ... بنجد ظل مغترباً نزيعاً يمارس راعياً لا لين فيه ... وقيداً قد أضر به وجيعاً إذا ما البرق لاح له سناه ... حجازياً سمعت له سجيعاً بأكثر لوعة مني ووجداً ... لو أن الشعب كان بنا جميعاً قال رجل لأبي المجيب: إني لأودك، فقال: إني لأجد رائد ذلك. وأنشد: الطويل أهن عامراً تكرم عليه فإنما ... أخو عامر من مسه بهوان قال أعرابي: مجالسة الأحمق خطر، والقيام عنه ظفر. العرب تقول: أشد العرب بأساً العماليق، وأعظمهم أجساماً وأحلاماً عاد، وأكثرهم نجداً ونفيراً حمير.

قال بعض السلف: لا شيء أضيع من مودة عند من لا وفاء له، وبلاء عند من لا شكر له، وأدب عند من لا ينتفع به، وشعر عند من لا حصافة معه. وقال أعرابي لآخر: إيت فلاناً فإنه لم ينظر في قفا محروم قط. قال ثمامة: الخمول كل الخمول ألا يعرف الرجل بخير فيؤمل، ولا بشر فيحذر، قاتل الله الهاجي حيث يقول: الهزج أرى العلباء كالعلبا ... ء لا حلو ولا مر حمار من بني الجار ... د لا خير ولا شر قال المبرد، قال بعض السلف: أعجب ما في هذا الإنسان قلبه، وله مواد من الحكمة، وأضداد من خلافها، فإن سنح له الرجاء أذلة الطمع، وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص، وإن ملكه اليأس قتله الأسف، وإن عرض له الغضب اشتد به الغيظ، وإن أسعده الرضا نسي التحفظ، وإن ناله الخوف شغله الحذر، وإن اتسع له الأمر استلبته العزة، وإن أقاد مالاً أطغاه الغنى، وإن عارضته فاقة فضحه الجزع، وإن جهده الجوع قعد به الضعف، وإن أفرط به الشبع كظته البطنة، فكل تقصير به مضر، وكل إفراط له مفسد. شاعر: الطويل

لعمري لئن أصبحت في دار غربة ... خميص إلى إني بها لشريف أمر بأكناف القصور كأنني ... أخو بطنه والثوب فيه نحيف وما أنا ممن تعتريه شراهة ... لمدخل باب يعتري ويطيف أخو كرم يكفيه خمسين ليلة ... من الماء نزر بارد ورغيف ومن شق فاه الله قدر رزقه ... وربي بمن يلجا إليه لطيف وأنشد: الوافر ألا حييت عنا يا لميس ... علانية فقد بلغ الرسيس رغبت إليك كيما تنكحيني ... فقلت: فإنه رجل سريس ولو جربتني في ذاك يوماً ... رضيت وقلت: أنت الدردبيس سلي عني ابنة الطماح سعدي ... غداة أتيت قبتها أريس ألم تصرم ثلاثاً من وقاعي ... إذا نهضت ترنح أو تكوس أغرك أنني رجل دميم ... دحيدحة وأنك عيطموس قال ثعلب في المجالسات: حدثني عمر بن شبة، حدثني معمر بن عمر قال: حدثنا أبو يوسف القاضي عن محمد بن عبد الرحمن بن سلمة عن مروان بن الحكم قال: اشتكى علي بن أبي طالب رضي الله عنه شكوى أدنف منه، فأتاه عثمان عائداً وأنا معه، فقال: كيف أنتن كيف تجدك؟ حتى إذا فرغ من مسألة العيادة قال: والله ما أدري أنا بموتك أسر أم ببقائك، ولئن مت

لا أجد لك خلفاً، ولئن بقيت لا أعدم طاعناً عائباً يتخذك عضداً أو يعدك كهفاً، لا يمنعني إلا مكانه منك ومكانه منه، فأنا منك كأبي العاق، إن مات فجعه وإن عاش عقه، فإنا سلم فتسالم، وإما حرب فتباين، ولا تجعلنا بين السماء والماء، إنك والله إن قتلتني لا تجد مني خلفاً، ولئن قتلتك لا أجد منك خلفاً، ولن يلي هذا الأمر بادي فتنة وإن أتم الناس بها المرابض مع العنز؛ قال: فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن فيما تكلمت فيه لجواباً، ولكني عن جوابك مشغول، ولكني أقول كما قال العبد الصالح " فصبر جميل والله المستعا " يوسف: 18؛ قال: فقلت: إنا إذن والله لنكسرت رماحنا، ولنقطعن سيوفنا، ولا تكون في هذا حياة لما ولا خير لمن بعدنا. شاعر: الكامل المجزوء إنا إذا صيغ الكلا ... م فللكلام الجزل صاغه طبن بأنحاء البلا ... غة شاغل فيها فراغه مستجمع شرف البدي ... هة والإصابة في البلاغة قال ثعلب: الإسب: شعر الفرج، والجميع: الآساب. أنشد ثعلب لسلمي بن عويه: الكامل

لا يبعدن عهد الشباب ولا ... لذاته ونباته النضر والمرشقات من الخدود كإي ... ماض الغمام صواحب القطر وطراد خيل مثلها التقتا ... لحفيظة ومقاعد الخمر لولا أولئك ما حفلت متى ... عوليت في حرج إلى قبر هزئت زنيبة أن رأت ثرمي ... وأن انحنى لتقادم ظهري من بعد ما عهدت فأدلفني ... يوم يجيء وليلة تسري حتى كأني خاتل قنصاً ... والمرء بعد تمامه يحري لا تهزني مني زنيب فما ... في ذاك من عجب ومن سخر أو لم تري لقمان أهلكه ... ما اقتات من سنة ومن شهر وبقاء نسر كلما انقرضت ... أيامه عادت إلى نسر ما طال من أبد على لبد ... رجعت محورته إلى قصر ولقد حلبت الدهر أشطره ... وعلمت ما آتي من الأمر قال أبو العيناء: كتب بعض الحمقى إلى آخر: بسم الله الرحمن الرحيم، وأمتع بك، حفظك الله، وأبقى لك من النار سوء الحساب؛ كتبت إليك والدجلة تطفح، وسفن الموصل هيا هيا، والخبز رطلين، فعليك بتقوى الله، وإياك والموتفإنه طعام سوء، وكتب لإحدى وعشرين بقيت من عاشوراء سنة افتصد عجيف مولى أمير المؤمنين.

قال أبو العيناء: قال أبو توبة القاص: احمدوا ربكم، تشترون شاة سوداء، وتعلفونها حشيشاً أخضر، وتحلبونها لبناً أبيض، وتتبخرون في ثيابكم فيعبق البخور، وتفسون في ثيابكم فلا يعبق. قال أبو العيناء: رأيت رجلاً وقد حمل كرة بنصف درهم، فلما أراد الرجوع اكترى إلى ذلك الموضع حماراً بأربعة دوانيق. قال أبو العيناء: كتب بعض الهاشميين إلى السندي بن شاهك: بسم الله وأمتع بك؛ إن أخانا أحد خادمي أخذ رجلاً من الشرط بسبب كلب يقال له موسى، وموسى عندنا ليس بذاعر، فإن رأيت أن تأمر بسبيل تخليته فعلت إن شاء الله. قال أبو العيناء: كتب أبو جعفر ابن المتوكل إلى أبي أحمد ابن الموفق: أطال الله بقاءك يا عمي، وأدام عزك وأبقاك، أنا وحق النبي صلى الله عليه وسلم أحبك أشد من المتوكل، وأشد من والدي، ولا أحتشمك أيضاً، وقد جابوا لك مطبوخ من عكبرا، فأحب أن تبعث إلي منه خمس دنان، وإلا ثلاث خماسيات، ولا تردني فأحرد، بحياتي. قال علي بن عبيدة الريحاني: في جوهر من خلا أنت، وفي محل من مات مقيم.

قال الأصمعي: كان بالبصرة أعرابي من بني تميم يطفل على الناس، فعاتبته في ذلك فقال: والله ما بنيت المنازل إلا لتدخل، ولا وضع الطعام إلا ليؤكل، وما قدمت هدية فأتوقع رسولاً، وما أكره أن أكون كلا ثقيلاً على من أراه بخيلاً وأقتحم عليه مستأنساً، وأضحك إن رأيته عابساً، فآكل برغمه وأدعه لغمه، وما احترق في اللهوات طعام أطيب من طعام لا تنفق فيه درهماً، ولا تعني إليهخادماً، ثم أنشد: الخفيف كل يوم أدور في عرصة الحي ... ي أشم القتار شم الذئاب فإذا ما رأيت آثار عرس ... أو ختان أو مجمع الأصحاب لم أروع دون التقحم لا أر ... هب دفعاً أو لكزة البواب مستهيناً بما هجمت عليه ... غير مستأذن ولا هياب فتراني ألف بالرغم منه ... كل ما قدموه لف العقاب ذاك أدنى من التكلف والغر ... م وغيظ الخباز والقصاب قال الأصمعي: رأيت أعرابية بالنباج فقلت لها: أتنشدينني؟ فقالت: إيها والله، إني لأنشد وأقول، فقلت: فأنشديني، فقالت: البسيط لا بارك الله فيمن كان يخبرني ... أن المحب إذا ما شاء ينصرف

وجد المحب إذا ما بان صاحبه ... وجد الصبي بثديي أمه الكلف فقلت: فأنشديني من قولك، فقالت: الوافر بنفسي من هواه على التنائي ... وطول الدهر مؤتنف جديد ومن هو في الصلاة حديث نفسي ... وعدل الروح عندي بل يزيد قال أبو العيناء: سمعت الأصمعي يقول: رأيت أعرابياً يرفع صوته على وال صرفه عند جعفر بن سليمان فقال: والله إنه ليقبل الرشوة، ويقضي بالعشوة، ويطيل النشوة، ولقد بنى حماماً زندقة وكفراً. قال الأصمعي: جلس إلي رجل تقتحمه العين، والله ما ظننته يجمع بين كلمتين، فاستنطقته فإذا نار تأجج، فقلت: أتحسن شيئاً من الحكمة تفيدنيه؟ فقال: الرجوع عن الصمت أحسن من الرجوع عن الكلام، والعطية بعد المنع أحمد من المنع بعد العطية، والإقدام على العمل بعد التأني فيه أحسن من الإمساك عنه بعد الإقدام عليه؛ قال: فعظم والله في عيني حتى ملأ قلبي هيبة. قال الأصمعي: حججت، فبينا أنا بالأبطح إذا شيخ في سحق عباء، صعل الرأس أثط أخزر أزرق، كأنما ينظر من فص زجاج أخضر، فسلمت

فرد علي التحية، فقلت: ممن الشيخ؟ قال: من بني ضمرة بن بكر بن عبد مناف بن كنانة، قلت: فما الاسم؟ قال: خميصة بن قارب. ثم قال: أعرابي أنت؟ قلت: نعم، قال: من أية؟ قلت: من أهل البصرة، قال: فإلى من تعتزي؟ قلت: إلى قيس عيلان، قال: لأيهم؟ قلت: أحد بني بغيض، وأنا أقلب ألواحاً معي، قال: ما هذه الخشبات المقرونات؟ قلت: أكتب فيهن ما اسمع من كلامكم، قال: وإنكم مخلون إلى ذلك؟ قلت: نعم وأي خلة، فصمت ملياً ثم قال في وصف قومه: كانوا كالصخرة الصلدة تنبو عن صفحتها المعاول، ثم زحمها الدهر بمنكبه فصدعها صدع الزجاجة ما لها من جابر، فأصبحوا شذر مذر، أيادي سبا، ورب قوم - والله - عارم قد أحسنوا تأديبه، ودهر غاشم قد قوموا صعره، ومال صامت قد شتتوا تألفه، وخطة بوس قد حسمها أسوهم، وحرب عبوس ضاحكتها أسنتهم، أما والله يا أخا قيس لقد كانت كهولهم جحاجح، وشبانهم مراجح، ونائلهم مسفوح، وسائلهم ممنوح، وجنابهم ربيع، وجارهم منيع. فنهضت لأنصرف فأخذ بمجامع ذيلي فقال: اجلس لقد أخبرتك عن قومي حتى أخبرك عن قومك، فقلت في نفسي: إنا لله، سينشد في قيس والله وصمة تبقى على الدهر، فقلت: حسبك، لا حاجة بي إلى ذكرك قومي، قال لي: بلى والله، هم هضبة ململمة، العز أركانها، والمجد أغصانها، تمكنت في الحسب العد، تمكن الأصابع في اليد؛ فقمت مسرعا مخافة أن يفسد علي ما سمعت. قال أبو عطاء مولى عتبة: قدم علينا ابن عباس سنة إحدى وأربعين

وهو كالقرحة المنبجسة، وكان عتبة قليل الكلام، فنظر ابن عباس إلى عتبة يحد النظر إليه ويقل الكلام معه، فقال: يا أبا الوليد، ما بالك تحد النظر إلي وتقل الكلام معي؟ ألعقلة طالت أم لموجدة دامت؟ فقال عتبة: أما قلة كلامي معك فلقلته مع غيرك، وأما كثرة نظري إليك فلما أرى من أثر سبوغ النعمة عليك، ولئن سلطت الحق على نفسك لتعلمن أنه لا يعرض عنك إلا مبغض، ولا ينظر إليك إلا محب، ولئن كان هذا الكلام شفى منك داء، وأظهر منك مكتوماً، فما أحب غيره؛ فقال ابن عباس: أمهيت يا أبا الوليد، - يقال أمهيت الحديدة إذا حددتها - أي بلغت الغاية في الغدر، ولو كنت على يقين مما ظننت بك لكفاني، أو لأرضاني دون ما سمعت منك، فتبسم معاوية ثم قال: الرجز دعوت عركاً ودعاً عراكا ... جندلتان اصطكتا اصطكاكا من ينك العير ينك نياكا لا تدخلوا بين بني عبد مناف، فإن الحلم لهم حاجز، والداخل بينهم عاجز، وإن فطنة ابن عباس مقرونة بعلمه، ثم تمثل: الطويل سمين قريش مانع منك شحمه ... وغث قريش حيث كان سمين قال ابن عائشة، قال عمرو بن عبيد: تعريف الجاهل أيسر من تغيير المنكر. قال بعض الموالي لعمرو بن عتبة: يا مولاي، أعتقني أعتقك الله من النار، فقال له: يا بني، إنك لم تخرف، أي لم تدرك - يقال:

أخرفت النخلة إذا بلغت أن تخرف - فقال: يا مولاي، إن التمرة تجتني زهراً قبل أن تكون مغراً، فقال: قاتلك الله ما أحسن ما استعتقت، قد وهبتك لواهبك لي. قال محمد بن سلام، قال نحوي لرجل: أتشتعر حمارك؟ أي تعلفه الشعير. سألت الثقة عن هذا فأبى وقال: هو منكر، ولعله مقيس على كلام العرب، وهو مجهول الأصل. قال العتبي: سأل أبي رجل عن السرور فقال: هو أن تنال ما تحب وإن قل، فإن من فارق ما يحب صار إلى ما يكره، والمحبة لا تختار الكثير رغبة عن القليل، ولا تغرب عن القليل اختياراً للكثير، ولكنه أطباع مختلفة، وأهواء مؤتلفة، توصف بجملتها، ويضيق القول في تفسيرها، وتوصف إذا كان، ولا تعرف بصفة قبل أن تكون. قال العتبي لابنه: يا بني، اجعل دنياك وصلة إلى دينك، ولا ترض بها عوضاً منها، فإن الله تعالى لم يرضها ثواباً لمن رضي عنه من أهلها، ولا عقاباً لمن سخط عليه فيها. قال العتبي: كان عمي ينفق ماله كأنه مال أعدائه، فكلمته زوجته في ذلك فقال: البسيط هبت تلوم وتلحاني على خلق ... عودته عادة والخير تعويد قلت اتركيني أبع مالي بمكرمة ... يبقى ثنائي بها ما أورق العود إنا إذا ما أتينا أمر مكرمة ... قالت لنا أنفس عتبية عودوا يقال: من الشعر القديم قول القائل: الخفيف عين جودي على عبيل وهل ير ... جع ما فات فيضها بانسجام

عمروا يثرباً وليس بها شف ... ر ولا صارخ ولا ذو سنام غرسوا لينها بمجرى معين ... ثم حفوا النخيل بالآجام ولي عبد الملك بن عمير القضاء بعد الشعبي فقال هذيل الأشجعي: الطويل أتاه وليد بالشهود يسوقهم ... على ما ادعى من صامت المال والخول يقود إليه كلثما وكلامها ... شفاء من الداء المخامر والخبل فأدلى وليد عند ذاك بحجة ... وكان وليد ذا مراء وذا جدل وكان لها دل وعين كحيلة ... فأدلت بحسن الدل منها وبالكحل وما برحت تومي إليه بناظر ... وتومض أحيانا إذا خصمها غفل فأفتنت القبطي حتى قضى لها ... بغير قضاء الله في محكم الطول فلو كان من في القصر يعلم علمه ... لما استعمل القبطي فينا على عمل له حين يقضي للنساء تخاوص ... وكان وما فيه التخاوص والحول إذا ذات دل كلمته بحاجة ... فهم بأن يقضي تنحنح أو سعل وبرق عينيه ولاك لسانه ... يرى كل شيء ما خلا شخصها جلل

قال أبو العتاهية: الهزج فصغ ما كنت حليت ... به سيفك خلخالا فما تصنع بالسيف ... إذا لم تك قتالا كان شريح إذا جلس للقضاء يلهج بهولاء الكلمات: سيعلم الظالمون حظ من نقصوا، إن الظالم ينتظر العقاب، وإن المظلوم ينتظر النصر. كان الشعبي يقول في القاذف: يقبل اله تعالى توبته وتردون شهادته؟ وكان يقول: تقبل شهادته إذا تاب. قال عبد الرحمن الأعرج: لا تجوز شهادة الظنة والحنة والجنة. كان العشبي يجيز شهادة الرجل على شهادة الرجل إذا كان قد مات، ولا يجيز شهادته إذا كان حياً ولو كان بالصين. قال الأعمش: أخبرني تميم بن سلمة أن رجلاً شهد عند شريح وعليه جبة ضيقة الكمين، فقال شريح: أتتوضأ وعليك جبتك؟ قال: نعم، قال: احسر عن ذراعيك، فحسر فلم يبلغ كم جبته إلى نصف الساعدين، فرد شهادته.

وكان شريح يقول إذا ما أتاه الشاهدان: ما دعوتكما ولا أنها كما أن ترجعا إن شئتما، وما أنا أقضي على هذا المسلم، إن يقض عليه إلا خيركما، وإني متق بكما فاتقيا. كان الشعبي يقول: إذا ارتهن الرجل الجارية فقبضها فليس للراهن أن يقربها حتى يفتكها. قال ابن سيرين: كان لرجل قبل رجل حق إلى أجل، فغاب، فأتى أهله فتقاضاهم حقه على صاحبه، فقضوه إياه قبل محله؛ ثم إن الرجل قدم فأخبروه، فخاصمه إلى شريح، فقال شريح: رد على الرجل ماله، ولحبسه بقدر ما تعجلته قبل محله. قال زياد بن سليمان: أمر ابن عمر رجلاً أن يشتري له متاعاً، فاشتراه له، ثم أتاه فرضيه ابن عمر ودفع إليه الثمن، فانطلق إلى صاحبه فدفع إليه الثمن واستوضعه دينارين ثم أتى بهما ابن عمر فأخبره، فقال ابن عمر: قد رضينا المتاع، فبأي شيء تأخذ هذين الدينارين؟ ردهما على الرجل. قال: وأمر رجلاً أن يشتري متاعاً فاشتراه، فدفع إليه الثمن فقال: انطلق فادفعه إلى صاحبه، فلم يفعل، واحتبس الدراهم عنده، فلما طال على صاحب المتاع جاء إلى ابن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن، أريد أن أذكر لك شيئاً وأنا منه مستحي، قال: ما هو؟ قال: ثمن ذلك المتاع، قال: أو ما دفعه إليك فلان؟ قال: لا، فأرسل إليه فقال: ما منعك أن تدفع إلى الرجل ماله؟ أعطه مثله فليحبسه بقدر ما احتبست عندك من حقه.

قال: ومات مولى له فأتى بميراثه فاشترى به رقاباً فأعتقهم. ساوم عمر بن الخطاب رضي الله عنه أعرابياً بفرس له، فلما قامت على ثمن أخذها عمر على أنه فيها بالخيار، إن شاء أمسك وإن كره رد، فحمل عمر عليها رجلاً فسورها، قال: فوقع في بئر فهلكت الفرس، فقال الأعرابي: ضمنت فرسي يا أمير المؤمنين قال: كلا إني لم أضمنها قال الأعرابي. فاجعل بيني وبينك رجلاً من المسلمين، فجعلا بينهما شريحاً، فقص عليه القصة فقال: ضمنت يا أمير المؤمنين فرس الرجل لأنك أخذتها على شيء معلوم فأنت لها ضامن حتى تردها عليه؛ قال: فقبل ذلك عمر رضي الله عنه وبعث شريحاً على قضاء الكوفة. قال الشعبي: لما بعث عمر رضي الله عنه شريحاً على قضاء الكوفة قال له: ما تبين لك في كتاب الله فلا تسأل عنه أحداً، وما لم يتبيه لك في كتاب الله فاتبع سنة رسول الله، وما يتبين لك في السنة فاجتهد برأيك. قال شريح: الخليط أحق من الشفيع، والشفيع أحق من الجار، والجار أحق ممن سواه. قال أبو العيناء: كتب زنقاح الهاشمي إلى علي بن يحيى المنجم: بسم الله الرحمن الرحيم، أستوهب الله تعالى المكاره كلها يا سيدي فيك

برحمته: أحب سيدي أنت أن تسقيني زبيب وعسل، فإن عندي رجل يشرب المطبوخ إن شاء الله. قال أبو العيناء: وكتب أيضاً صديق له: فدتك نفسي برحمته، أنا وحدي والجواري عندي، وأنا وإسحاق وأبي العباس في البستان، موفقاً إن شاء الله. قال أبو العيناء: وكتب أيضاً إلى صديق له يستعير دابة: أردت الركوب في حاجة إن شاء الله، فكتب إليه الرجل: في حفظ الله. قال أبو العيناء: شكا بعض جيران محمد بن عبد الله بن المهدي أذى غلمانه للجيران وسأله أن ينهاهم، فكتب إليه محمد: صبحك الله، أنا في الخبر عن شكوى الغلمان بسبب الجيران وهو مملوكين، وكم ثمن دارك، ولو مثل قصر الخليفة حتى لم أكن أمتنع من هبتها لغلامك، ولو خرجت عن دخول بغداد، أي والله؛ ولو كنت حارسي الكلب إذا كنت غاسياً عنها، وأعوذ بالله لو كلمتك عشر سنين، فانظر الآن أنت إلي، علي المشي إلى بيت الله، أعني به الطلاق وثلاثين حجة أحرار لوجه الله، وسبيلي في دواب الله فعلت، موقناً إن شاء الله. قال العتابي: ابتلي بعض ملوك الأعاجم بصمم فقال لهم: إن كنت أصبت بسمعي، فلقد متعت ببصري، ثم نادى مناديه: من ظلم فليلبس ثوباً مصبوغاً، وليقم حتى أراه فأدعوه به، وأنظر في أمره.

قال بعض أهل اللغة في شيات الدواب: إذا لم يكن بالدابة شية فهو بهيم، ومن الشيات: القرحة، وهو بياض كالدرهم بجبهة الفرس، يقال فرس أقرح، فإذا سال البياض على وجهه ولم ينتشر فهو أغر شمراخ، فإذا انتشر في الوجه وذهب عرضاً فهو أغر شادخ، فإذا كان في وجهه بياض كثير أوسع وأكبر من القرحة فهي الغرة؛ فإذا كان البياض في العينين فهو مغرب، وإذا كان البياض بمقدار الدرهم على الجحفلة فهو أرثم، وإذا كان البياض في حد واحد فهو ملطوم، وإذا كان البياض في البطن فهو أنبط، وإذا كان أبيض القوائم فهو محجل، وإذا كان بإحدى رجليه بياض فهو أرجل، وإذا كانت رجلاه بيضاوين قيل: به شكال، وإذا كانت رجل واحدة بيضاء فهو اليمنى أو اليسرى، وإذا كان أبيض اليدين فهو مقيد، وإذا كان البياض وإذا كان البياض في اليدين وفي رجل قيل محجل بثلاث ومطلق واحدة بيد واحدة فهو اعصم وإذا كان في اليد اليمنى والرجل اليسرى قبل: به شكال مخالف. قال: ومن الألوان: الأدهم وهو الأسود، والأدغم وهو الديزج إلى الحمرة يضرب، والأحمر وهو أدنى شيء إلى الدهمة، وكميت أشقر يعلوه سواد أو أصفر أشقر، وفرس ورد وهو بين الكميت والأشقر، والأشهب: الأبيض، والملمع: الذي في جسده لمع متفرقة، والغيهب: أشدها سواداً، والأدهم: الأدغم وهو الذي لون وجهه ومناخره ديزج، وأدهم

أورق وهو الذي يشبه الرماد، وأحوى أحم وهو الذي بين الدهمة والخضرة، وأحوى أكهب وهو قلة الماء وكدورة اللون، وكيمت أحم وهو قريب من الحوى، وكميت عندمي وهو كأنه خضب بالحناء يضرب إلى الصفرة، والورد الأغبس وهو السمند، وأبرش ألمع وهو الذي يجتمع فيه من كل لون نكتة، وأشهب أحمر وهو الذي يعلوه سواد، وأبلق مطرف وهو الذي اسود رأسه وذنبه أو احمر أو ابيض، وأبلق مولع وهو الذي بلقه يتشحط في استطالة، والأصدأ الذي قد اشتدت حمرته حتى قاربت السواد، والمبرقع: الذي قد ابيض وجهه، والأشعل: الذي في ذنبه وهج، والصنابي على لون الخردل. ويقال: أزرق العين اليمنى واليسرى، أو بخده الأيمن أو الأيسر، أو بكلفه سمة أو دارة، فإذا لم يكن من ذلك شيء فهو غفل؛ والذي يشبه الجلجون وسمند بالسواد وأشهب الحمرة وسمند ببياض، والمغرب الذي تبيض أشفار عينيه. قال القاضي أبو حامد: حضرت مجلس ابن المغلس وعلي إذ ذاك مئزران، فرأيت شيخاً بهياً قد وشحته الطرز، وذاك انه كانت عليه عمامة

مطرزة، وإزار مطرز، وقميص مطرز وهو على مساور مطرزة، وكان يتكلم في التيمم ويقول: التيمم إلى الكوع، وإن إطلاق اليد في الآية إلى الكوع ينتهي، فقلت: أنا أكلمك، إن ظاهر الآية ينتهي إلى المرافق، فقال لي: أنا لا أكلم من ليس طبقته طبقتي، فقلت: ولا تكلم أيضاً إلا من ثيابه ثيابك، وشيبته شيبتك، فقام إليه إنسان ووصفني له فقال: هات كلامك. سمعت أبا حامد يقول: كلمت ابن المغلس في القياس فقال: لا يخلو إيجاب الربا في البر من معان، إما أن يحرم بالمعنى وحده، أو بالاسم والمعنى، أو بالاسم دون المعنى، قال: فإن قلتم بالاسم، أو بالاسم والمعنى، فالاسم غير موجود في الأرز، وإن قلتم بالمعنى فما الفائدة في النص على اسم البر، وقد كان يمكن أن ينص على العلة؟ قال أبو حامد: فقلت له: إن الله وصف القرآن فقال: " منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات " آل عمران: 7 فبين أن منها ما يجل ومنها ما يدق، ثم فضل العلماء بعضهم على بعض، ولم يكن هذا الفضل إلا لاجتهادهم في إدراك المتشابه، فنص على البر ليتفاضل في إدراك المعنى ويكثر صواب من أصاب الحق، ولو لم يكن ذلك كذلك لسقط العلم؛ قال أبو حامد: قال ابن المغلس: كيف يصح القول بالمعاني وقد كانت موجودة قبل الشرع ولا حكم، فسكت. قال أبو حامد: سأل رجل جعفر بن محمد فقال له: ما الدليل على الله تعالى ولا تذكر لي العالم والعرض والجسم؛ فقال له: هل ركبت البحر؟ قال: نعم، قال: فهل عصفت بكم الريح حتى خفتم الغرق؟ قال: نعم، قال: فهل انقطع رجاؤك من المركب ومن الملاحين؟ قال: نعم، قال: فهل تتبعت نفسك أن ثم من ينجيك؟ قال: نعم، قال: فإن ذلك هو الله

تعالى. قال الله عز وجل: " ضل من تدعون إلا إياه " الإسراء: 67، وقال: " ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون " النحل 53. تكلم الداركي الفقيه يوماً في مجلس ابن معروف، وكان على قضاء القضاة - أعني ابن معروف - وكان ابن الدقاق يكلمه، فلحن الداركي، فقال له ابن الدقاق: لحنت، فقال الداركي: رايت أبا الفرج المالكي يناظر أبا إسحاق المروزي فقال له في النظر: إنك تلحن، فلو أصلحت من لسانك، فقال له أبو إسحاق: هذا أول انقطاعك، لأنك تعلم أني قد لحنت قبل هذا مراراً فلم تنكر علي، لما لزمك المعنى الآن صرت تعيب علي اللفظ، ثم قال الداركي: أنا ألحن وألحن، ولكن كلموني على المعاني إن كان لكم إليها سبيلاً. كذا قال، وقد مضغ الداركي ذات بطنه بهذا الكلام، لأن المعاني ليست في وجهة والألفاظ في جهة، بل هي متمازجة متناسبة، والصحة عليها وقف، فمن ظن أن المعاني تخلص له مع سوء اللفظ وقبح التأليف والإخلال بالإعراب فقد دل على نقصه وعجزه. سمعت أبا حامد يقول: قدمت امرأة بعلها إلى أبي عمر القاضي فادعت عليه مالاً فاعترف به فقالت: أيها القاضي، خذ بحقي ولو بحبسه، فتلطف بها لئلا تحبسه فأبت إلا ذلك، فأمر به، فلما مشى خطوات صاح أبو عمر بالرجل وقال له: ألست ممن لا يصبر على النساء؟ ففطن الرجل فقال: بلى، أصلح الله القاضي، فقال: خذها معك إلى الحبس، فلما عرفت الحقيقة ندمت على لجاجها وقالت: ما هذا أيها القاضي؟ فقال لها: لك عليه حق وله عليك

حق، وما لك عليه لا يبطل ما له عليك، فعادت إلى السلاسة والرضا. نظر عمر بن الخطاب إلى رجل يظهر النسك، متماوت، فخفقه بالدرة وقال: لا تمت علينا ديننا أماتك الله. اعتذر رجل إلى سلم بن قتيبة من أمر بلغه عنه، فعذره ثم قال: يا هذا لا يحملنك الخروج من أمر تخلصت منه على الدخول في أمر لعلك لا تتخلص منه. وكان الرشيد يأتزر في الطواف، فيدير إزاره ويباعد بين خطاه، فإذا رجع بيده كاد يفتن من رآه، فعند ذلك مدح وقيل فيه: المتقارب جهير الكلام جهير العطاس ... جهير الرواء جهير النغم ويخطو على ألأين خطو الظليم ... ويعلو الرجال بخلق عمم قال يعقوب: يقال للرجل: صعد في الجبل وأسهل في الحضيض، وقال: يقال: صعد فيه البصر وصوب؛ وقال: الإيماض خطرات البرق. لما قتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك قام يزيد بن الوليد بن عبد

الملك فخطب وقال: والله ما خرجت أشراً ولا بطراً، ولا حرصاً على الدنيا ولا رغبة في المال، وما بي إطراء نفسي، وإني لظلوم لها إن لم يرحمني الله، ولكني خرجت غضباً لله ولدينه، وداعياً إلى كتاب الله جل وعز وسنة نبيه صلى الله عليه، إذ انهدمت معالم الهدى، وطفئ نور التقوى، وظهر الجبار العنيد مستحلاً كل حرمة وراكباً كل بدعة، لا يصدق بالكتاب، ولا يؤمن بيوم الحساب، وإنه لابن عمي في النسب، وكفيي في الحسب، فلما رأيت ذلك استخرت الله عز وجل في أمره، وسألته أن لا يكلني إلى نفسي، ودعوت إلى ذلك بقوة الله وحوله، لا بقوتي وحولي. أيها الناس: إن لكم علي ألا أضع حجراً على حجر، ولا أستأثر بذهر، ولا أنقل مالاً من بلد إلى بلد، حتى أسد ثغر ذلك البلد وخصاصة أهله بما يغنيهم، فإن فضل شيء نقلته إلى البلد الذي يليه لأهل الحاجة إليه، ولا أجمركم في ثغوركم فأفتنكم وأفتن أهليكم، ولا أغلق بابي دونكم فيأكل قويكم ضعيفكم، ولا أحمل عل أهل جزيتكم ما يجليهم ويقطع نسلهم، وإن لكم عندي أعطياتكم في كل سنة، وأرزاقكم في كل شهر، حتى تستدر المعيشة بين المسلمين، فيكون أقصاهم كأدناهم، فإن وفيت لكم بذلك فعليكم السمع والطاعة وحسن المؤازرة، وإن أنا لم أف لكم فلكم أن تخلعوني، إلا أن تستتيبوني فأتوب، فإن علمتم أن أحداً يوثق من صلاحه، ويعطيكم من نفسه مثل ما أعطيتكم وأردتم أن تبايعوه، فأنا أول من بايعة ودخل في طاعته. أيها الناس، إنه لا طاعة لخلوق في معصية الخالق، ولا وفاء بنقض عهد الله تعالى، فمن أطاع الله فأطيعوه، فإذا عصى الله فهو أهل أن يعصى ويقتل؛ أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم، إنه واسع كريم. قال فيلسوف: من نظر بعين الهوى حار، ومن حكم على الهوى جار.

قال أعرابي: ربما أبصر الأعمى رشده، وأضل البصير قصده. قال يحيى بن خالد: من بر العامة مدح، ومن توقاها حمد، ومن حماها رأس، ومن نصب لها افتضح، ومن تتبع عيوب الناس سقطت مروءته. قال عمر بن شبة، قال أعرابي سئل عن حاله: إن لي قلب نزوعاً، وطرفاً دموعاً، فما يصنع كل واحد منهما بصاحبه، على أن داءهما دواؤهما، وسقمهما شفاؤهما. قال رجل لذي النون: دلني على عمل واختصره، فقال له: قف طرفك في آلاء الله وعظمته حتى كأنك مشاهد لمسألته، فإنك إذا فعلت ذلك حسمت عينيك عن النظر، وقلبك عن المطالبات للمعاصي بالفكر. قال بعض النساك لجارية: ما أحسن ساعدك؟ قالت: أجل لكنه لمن يخص به، فغض بصر جسمك عما ليس لك حتى ينفتح لك بصر عقلك، فترى ما لك وما ليس لك. وقال بعض الصوفية: عشق العين سريع الانحلال بطيء العودة، فاحذر أن يؤول بك إلى عشق القلب فيصعب المرام.

رأى سقراط رجلاً من تلامذته يتفرس في وجه أورجيا، وكانت فائقة الجمال، فقال له: ما هذا الشعل الذي قد منعك الروية والفكر؟ فقال: أتعجب من آثار حكمة الطبيعة في صورة أورجيا، فقال له: لا يصيرن نظرك مركباً لشهوتك، فيجمح بك في الوحول اللازبة، ولتكن نفسك منك على بال، فإن آثار الطبيعة في أورجيا الظاهرة تمحق بصرك، وإن فكرك في صورتها الباطنة يحد نظرك. قال مسلم الخواص، قلت لمحمد بن علي الصوفي أوصني، فقال: إياك وإعمال النظر إلى كل ما دعاك إليه طرفك، وشوقك إليه قلبك، فإنهما إن ملكاك لم تملك شيئاً من جوارحك حتى تبلغ كرهاً ما يطالبانك به، وإن ملكتهما كنت الداعي لهما إلى ما أردت، فلم يعصيا لك قولاً، ولم يرداً لك أمراً. نظر محمد بن سيار الصوفي إلى أبي المثنى الشيباني وقد كرر النظر فيوجه غلام أمرد فقال له: إياك وإدمان النظر، فإنه يكشف الخبر، ويفضح الستر، ويطول به المكث في سقر. قال فيلسوف: العيون طلائع القلوب أرتج على عبد الله بن عامر بن كريز وهو على منير البصرة في يوم أضحى، فسكت ملياً ثم قال: والله لا أجمع عليكم عياً ولؤماً، من أخذ شاة من السوق فهي له، وثمنها علي.

قال أبو العنبس الصيمري: أنا وأخي توأمان، وخرجت أنا وهو من البصرة في يوم واحد وساعة واحدة، ودخلنا سر من رأى في يوم واحد، فولي هو القضاء، وصيرت أنا صفعان، فمتى يصح أمر النجوم؟ كان عبد الملك بن مروان إذا أراد أن يولي رجلاً عمل البريد سأل عن صدقه ونزاهته وأناته، ويقول: كذبه يشكك في صدقه، وشرهه يدعوه في الحق إلى كتمانه، وعجلته تهجم بمن فوقه على ما يؤثمه ويندمه. كان حاتم إذا قاتل غلب، وإذا غنم أنهب، وإذا سئل وهب، وإذا سوبق سبق، وإذا أسر أطلق. لما قدم طلحة والزبير البصرة قام مطرف بن عبد الله بن الشخير خطيباً في مسجدها فقال: أيها الناس، إن هذين الرجلين - يعني طلحة والزبير - لما أضلا دينهما ببلدهما جاءا يطلبانه في بلدكم، ولو أصاباه عندكم ما زاداكم في صلاتكم ولا صومكم ولا زكاتكم ولا في حجكم ولا في غزوكم، وما جاءا إلا لينالا دنياهما بدينكم، فلا يكونن دنيا قوم آثر عندكم من دينكم، والسلام. اشترى معاوية جارية وعنده صعصعة بن صوحان فقال له: كيف تراها؟ فقال: أراها فاترة الطرف، ذات شعر وحف، وفم ألمى كأقاحي تندى في رجراج الثرى، رضا العين مقبلة، وشفاء النفس مدبرة، إن تم منها شيء واحد، قال: ما هو؟ قال: المنطق إن عذب، فاستنطقت فلما نطقت

قال: شهي كمجاج نحل جني، فهل عنها يا أمير المؤمنين مزحل؟ فقال: أما دون أن نبلو الخبر ونقضي الوطر فلن تدركها. سمعت بعض العلماء يقول: لا تكون المائدة مائدة حتى يكون عليها طعام، وإلا فهي خوان، ولا يكون الرمح رمحاً حتى يكون عليه سنان إلا فهي قناة، ولا تكون الكأس كأساً حتى يكون فيها شراب وإلا فهو قدح، ولا تكون الأريكة أريكة حتى تكون عليها حجلة وإلا فهو سرير، ولا تكون الذنوب ذنوباً حتى يكون فيها ماء وإلا فهي دلو، وكذلك السجل، ولا تكون الشعيلة شعيلة حتى يكون فيها نار وإلا فهي فتيلة. قال يحيى بن خالد: احرس عقلك من شهوتك، وشيبك من عادتك، ونفسك من الآثام، وبدنك من الهموم، وصمتك من التيه، وكلامك من الزلل، ولا حراسة إلا بأناة. قال أعرابي: اللهم اغفر لي، فإن عدت إلى الذنب فعد بالغفران قبل أن يفنى الأمل، وينقطع الأجل. كاتب: كتب فلان محشوة من فصها إلى مقاطعها بذكرك وشكرك. وأنشد: الطويل هي الخمر في حسن وكالخمر ريقها ... ورقة ذاك اللون في رقة الخمر فقد جمعت فيها خمور ثلاثة ... وفي واحد سكر يزيد على السكر

قال أبو العيناء: سمعت إبراهيم بن المهدي يقول: وذكر عفو المأمون عنه فقال: والله ما عفا عني تقرباً إلى الله، ولا صلة للرحم، ولكن قامت له سوق في العفو فكره أن تكسد بقتلي؛ قال: فذكرت هذا الحديث ليعقوب بن سليمان بن جعفر فقال: " قتل الإنسان ما أكفره " عبس: 17، أما المأمون فقد والله فاز بحفظها، كفر من كفر، وشكر من شكر. قال الأصمعي: افتقر أعرابي وساءت حاله، فكان يسأل ويقول: الرجز ألا فتى أروع ذو جمال ... من عرب الناس أو الموالي يعينني اليوم على عيالي ... وصبية قد ضاق عنهم مالي وساقهم جدب وسوء حال ... إليكم يا سادة الرجال فقد مللت كثرة السؤال ... والله يجزيكم على الإفضال قال أبو العيناء، حدثنا الأصمعي قال: لما أفضى الأمر إلى معاوية تكافت الشعراء عن مدحه حتى بدر الأخطل ذات يوم وعليه ثوب خز ومطرف خز وعمامة خز، فركدبين الصفين ثم قال: الكامل تسمو الوفود إلى إمام عادل ... معطى المهابة نافع ضرار وترى عليه إذا العيون شزرنه ... سيما الحليم وهيبة الجبار

فتهافت الناس بعده في مدحه. قال الأصمعي: استأذن الشعبي على عبد الملك بن مروان وعنده الأخطل فأذن له، فلما مثل بين يديه قال: أنا الشعبي يا أمير المؤمنين، قال عن علم بك أذن لك، قال الشعبي: فعقدت أولة إلى أن قال: من أشعر الناس؟ فقال الأخطل: أنا ولم أعرفه فقلت: كذبت يا شيخ، امرؤ القيس أشعر منك، قال: صدقت، ولكن أمير المؤمنين سألني عن أهل زمانه فخبرته، فإذا كذبت امرءاً فاعرف ما خطب قولك، فعقدت في يدي ثانية أخطأت فيها، فنهض الشيخ فقلت: من هذا يا أمير المؤمنين، فوجم، وعلمت أني قد أخطأت ثالثة، إذ صيرت أمير المؤمنين ولي مسألتي، فالتفت إلي عبد الملك فقال لي: هذا الأخطل؛ يا شعبي، لا يهولنك ما كان منك، فإن مع خطائك صواباً كثيراً. قال الزبيري: حدثني عمي مصعب بن عبد الله عن الهيثم عن أبيه قال: كان المنصور ضم الشرقي بن القطامي إلى المهدي حين وضعه بالري، وأمره أن يأخذه بالحفظ لأيام العرب ومكارم أخلاقها ودراسة أخبارها وقراءة أشعارها، فقال له المهدي ذات ليلة: يا شرقي، ارح قلبي الليلة بشيء يلهيه، قلت: نعم أصلح الله الأمير، ذكروا أنه كان في ملوك الحيرة ملك له نديمان قد نزلا من قلبه منزلة نفسه عند نفسه، فكانا لا يفارقانه في لهوه وبأسه ومنامه

ويقظته، وكان لا يقطع أمراً دونهما ولا يصدر إلا عن رأيهما، فغبر كذلك دهراً طويلاً؛ قال: فبينما هو ذات ليلة في شغله ولهوه إذ غلب عليه الشراب فأثر فيه تأثيراً أزال عقله، فدعا بسيفه فانتضاه وشد عليهما فقتلهما، وغلبته عيناه فنام، فلما أصبح سأل عنهما فأخبر بما كان، فأكب على الأرض حزناً لهما وأسفاً عليهما وجزعاً لفراقهما، امتنع من الطعام والشراب، وتسلب عليهما، ثم حلف ألا يشرب شراباً يخرج عقله ما عاش، وواراهما وبنى على قبريهما قبتين، وسن ألا يمر بهما أحد من الملك فمن دونه إلا سجد لهما، وكان إذا سن الملك سنة توارثوها وأحيوا ذكرها وأوصى بها الآباء أعقابهم؛ قال: فغبر الناس بذلك دهراً لا يمر بالقبر أحد صغير ولا كبير إلا سجد لهما، فصار ذلك سنة لازمة، وأثراً كالشريعة والفريضة، وحكم في من أبى أن يسجد لهما بالقتل بعد أن يحكم له في خصلتين يجاب إليهما، كائناً ما كان؛ فمر بهما يوماً قصار ومعه كارة ثيابه، وفيها مدقته، فقال الموكلون بالقبرين للقصار: اسجد، فأبى أن يفعل، فقالوا: إنك مقتول، فأبى، فرفع إلى الملك وأخبر بقصته فقال: ما منعك أن تسجد؟ قال: قد سجدت ولكن كذبوا علي، قال: الباطل قلت، فاحكم في خصلتين فإنك تجاب إليهما وإني قاتلك، قال: ولا بد من قتلي بقول هؤلاء؟ قال: لا بد من ذلك، قال: فإني أحكم أن أضرب رقبة الملك بمدقتي هذه ضربتين، قال له الملك: يا جاهل، لو حكمت علي بما يجدي على من تخلف كان أصلح، قال: ما أحكم إلا بضربة لرقبة الملك، فقال الملك لوزرائه: ما ترون فيما حكم هذا الجاهل؟ قالوا: نرى أن هذه سنة أنت سننتها، وأنت تعلم ما في نقض السنن من العار والبوار وعظيم الإثم، وأيضاً فإنك متى نقضت سنة نقضت أخرى، ثم يكون ذلك لمن بعدك، فتبطل السنن، قال: فاطلبوا إلى القصار أن يحكم بما شاء ويعفيني من هذه فإني أجيبه

إلى ذلك ولو بلغ شطر ملكي، فطلبوا إليه فأبى فقال: ما أحكم إلا بضربة في رقبته، فلما رأى الملك ما عزم عليه القصار قعد له مجلساً عاماً، وأحضر القصار فأبدى مدقته فضرب بها عنق الملك ضربة وخر الملك مغشياً عليه، فأقام وقيذاً ستة أشهر، وبلغت به العلة حداً كان يجرع فيها الماء بالقطن؛ فلما أفاق وتكلم وطعم وشرب سأل عن القصار، فقيل له إنه محبوس، فأمر بإحضاره وقال: قد بقيت لك خصلة فاحكم فإني قاتلك لا محالة، فقال القصار: فإذا كان لا بد من قتلي فإني أحكم أن أضرب الجانب الآخر من رقبة الملك ضربة أخرى، فلما سمع بذلك الملك خر على وجهه من الجزع فقال: ذهبت والله إذن نفسي، ثم قال للقصار: ويلك دع عنك ما لا ينفعك فإنه لا ينفعك ما مضى، فاحكم بغيره أنفذه لك كائناً ما كان، قال: ما أحكم إلا في ضربة أخرى، فقال الملك لوزرائه: ما ترون؟ قالوا: هذه السنة، قال: ويلكم، إنه والله إن ضرب الجانب الآخر لم أشرب البارد أبداً، لأني أعلم ما قد مر بي، قالوا: فما عندنا حيلة، فلما رأى ذلك قال القصار: أخبرني، ألم أكن سمعتك تقول يوم جاء بك الشرط إنك سجدت وإنهم كذبوا عليك؟ قال: قد كنت قلت ذلك فلم أصدق، قال: فكنت قد سجدت؟ قال: نعم، فوثب من مجلسه وقبل رأسه وقال: أشهد أنك أصدق من أولئك وأنهم كذبوا عليك، فانصرف راشداً، فحمل كارته ومضى. فضحك المهدي حتى فحص برجليه وقال: أحسنت والله، ووصله وبره قال يونس بن عبد الأعلى: قدم على الليث بن سعد منصور بن

عمار يسمع الحديث منه، فقال له: إني قد أتيت شيئاً أريد أن أعرضه عليك، فإن كان حسناً أمرتني أن أذيعه، وإن كان مما تكرهه انزجرت، قال: ما هو؟ قال: كلام الفقه ومواعظ القصاص، قال: ليس شيء غير القرآن والسنة، وما خالف ذلك فليس بشيء، قال: فتستمع وتتفضل، وكان عنده جماعة فأشاروا عليه بان يسمع منه، فابتدأ بمجلس القيامة، فلم يزل الليث يبكي ومن معه، وأمره يذيعه ولا يضمره، ولا يأخذ عليه أجراً، ووهب له ألف دينار. يقال إن منصور بن عمار كان كاتباً لأبي عبيد الله كاتب المهدي. قال الزبير بن بكار: كانت الخيزران كثيراً ما تكلم موسى في الحوائج، وكان يجيبها إلى كل شيء تسأل عنه، حتى مضى لذلك أربعة أشهر من خلافته فانثال الناس عليها وطمعوا فيها، فكانت المواكب تغدو إلى بابها؛ قال: فكلمته يوماً في أمر لم يجد إلى إجابتها سبيلاً، فاعتل فيه بعلة، فقالت: لا بد من إجابتي، قال: لا أفعل، قالت: فإني تضمنت هذه الحاجة لعبد الله بن مالك، قال: فغضب موسى وقال: ويلي على ابن الزانية، وقد علمت أنه صاحبها، والله لقضيتها لك، قالت: إذن والله لا أسألك حاجة أبداً، قال: إذن والله لا أبالي، وغضب، وقامت مغضبة فقال: مكانك تستوعبي كلامي، والله، وإلا فأنا نفي من قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم،

لئن بلغني انه وقف أحد من قوادي وخاصتي وخدمي على بابك لأضربن عنقه ولأقبضن ماله، فمن شاء فليرم ذلك من هذه المواكب التي تغدو إلى بابك كل يوم؛ أما لك مغزل فيشغلك، أو مصحف يذكرك، أو بيت يصونك، إياك ثم إياك ما فتحت فاك في حاجة لملي أو ذمي والسلام. قال: فانصرفت وما تعقل ما تطأ، ولم تنطق عنده بحلو ولا مر بعدها. قال أبو العيناء: كتب زنقاح الهاشمي - وهو محمد بن أحمد بن علي بن المهدي - إلى طبيبه: والك يا يوحنا، وأتم نعمته عليك، قد شربت الدواء خمسين مقعداً، والمغص والتقطع يقتل بطني، والرأس فلا تسل عنه، مصدعاً بعصابة منذ بعد أمس، فلا تؤخر احتباسك عني، فسوف أعلم أني سأموت وتبقى أنت فلا أنا، فعلت موفقاً إن شاء الله. قال أبو العيناء: وكتب زنقاح إلى صديق له يسأله بخوراً: شممت اليوم منك، وحق الله، أعزك الله، رائحة طيبة، وذلك، وحياتك، باطراح الحشمة، موفقاً إن شاء الله. قال رجل لأبي العيناء: كان أبوك أكمل منك، قال أبو العيناء: إن أبي كنت به ولم يك بي، وهو أولى بالكمال مني. قال أبو العيناء: وقف علي أعرابي ما أحسبه بلغ ولا قارب، وخرج لي غلام أسود من الماء وقد اغتسل وهو يرعد، وكان غلاماً خبيثاً، فقلت وأومأت إلى الأسود: الرجز كأنه ذئب غضى أزل

أجزيا يا غلام أهب لك، فقال: بات الندى يضربه والطل فعجبت من بديهته ووهبت له دراهم. قال أبو العيناء: أقبل جحظة ذات يوم يعظ عبادة المخنث، فقال له عبادة: مخنث مسلم مقر، خير من زنديق فاجر مصر. قال أبو العيناء: قلت لمديني شكا سوء الحال إلي: أبشر فإن الله قد رزقك الإسلام والعافية، قال: أجل، ولكن بينهما جوع يقلقل الكبد. قال المبرد: كان في أخلاق الحسن بن رجاء شراسة وفي كفه ضيق، فكتبت إليه: الناس أعز الله الأمير رجلان: حر وعبد، فثمن الحر الإكرام، وثمن العبد الإنعام. فأصلحه الله بهذا القول لي ولغيري مدة، ثم رجع إلى طبعه. قال المبرد: إذا قال الرجل شعراً أو وضع كتاباً استهدف، فإن أحسن استشرف، وإن أساء استقذف. وذكر أبو العباس يوماً النحو فقال: هو عيار الأشياء، وحلي الألسن، وجلاء الأسماع.

وقال المبرد: أحسن المراثي ما خلط مدحاً يتفجع، واشتكاء بفضيلة، لأنه يجمع إلى التشكي الموجع مدحاً، والمدح الباذخ اعتباراً، فإذا وقع نظم ذلك بكلام صحيح ولهجة معربة ونظم غير متفاوت، فهو الغاية من كلام المخلوقين. قال اللحياني: العرب تقول: فلان نادم سادم، وندمان سدمان، والمرأة ندمى سدمى، وقوم ندامى سدامى، والسادم: المهموم. وقال بعضهم: الحزين وحيد محيد؛ وسليخ مليخ: الذي لا طعم له وأنشد: المتقارب سليخ مليخ كلحم الحوار ... فلا أنت حلو ولا أنت مر وفيه سلاخة وملاخة؛ ويقال مليه سليه. قال: ويقال: بخ بخ وبه به إذا عظمت إنساناً، وعابس كابس؛ وحكي عن أعرابي: ما تصنع في ما كنك وسواك وغطاك وأرغمك وأدغمك؛ ويقال: رغماً دغماً شنغماً؛ ويقال: فعلت ذلك عن رغمه وشنغمه، ومعناه كله واحد؛ ويقال: إنه لفظ بظ؛ ويقال: له من فرقه أصيص وكصيص، أي انقباض وذعر؛ ويقال: يوم عك أك إذا كان شديد الحر، وليلة عكة أكة، وقد عكت تعك عكة، والعكة شدة الحر مع لثق واحتباس ريح؛ وهو لك أبداً سرمداً؛ وأنه لشكس لكس، أي عسر، ويقال للخب الخبيث: إنه لسملع هملع، وهو من نعت الذئب. هكذا قاله اللحياني.

وأنشد في كتاب الشدة: الطويل ونوم كحسو الطير نازعت صحبتي ... على شعب الأكوار بين الحوارك وشعث يشجون الفلا في رؤوسه ... إذا حولت أم النجوم الشوابك إذا رجعوا وهناً كست حيث موتت ... من الجهد أنفاس الرياح الحواشك طعنت بهم أثباج ليل تخدرت ... به القور يثني زمل القوم حالك قال إبراهيم الخواص: العارف لا يكدره شيء، ويصفو به كدر كل شيء. قال أبو حمزة: رأيت أبا جعفر الحداد في البادية، وقد انكسر ساقه وهو يتثنى ويجره فقلت له: جر البلاء جر، فإن البلاء ممدود، فالتفت إلي وقال: إنما تحمل بلاياه مطاياه. وقال عيسى بن مريم عليه السلام: طوبى لمن ترك شهوة حاضرة ليوم لم يره.

هلال بن العلاء: الطويل تحمل إذا ما الدهر أولاك غلظة ... فإن الغنى في النفس لا في التمول يزين لئيم القوم كثرة ماله ... وما زين الأخيار مثل التجمل آخر: الرجز تطاول الليل على من لم ينم ... واحتمت العين احتمام ذي السقم لبشار: الرمل لم يطل ليلي ولكن لم أنم ... ونفى عني الكرى طيف ألم الجهار: التراب الدقيق، والمسحول أيضاً. والعشار: جمع عشراء، وهي الناقة التي قد مضى لها عشرة أشهر من لقاحها، والعشر: ضرب من الشجر، والعشر: الإبل تبقى تسعة أيام لا تسقى ثم ترد اليوم العاشر. وأنشد أيضاً فيه: الكامل

أجنوب لو أبصرتني وفوارسي ... بالشعب حين تبادر الأشرار سعة الطريق مخافة أن يهلكوا ... والخيل تتبعهم وهم فرار حاشا الغلام المازني فإنه ... يوم الكريهة خلفهم كرار حوس الفؤاد إذا الكماة تقارعوا ... لا طائش رعش ولا خوار وكذاك كان أبوه في أعصاره ... يحمي إذا ما ضيع الإدبار ويكر خلف الموجفين إذا دعوا ... كر المنيح أعاده الأيسار أخاذ ألوية الحفاظ بحقها ... وبه يكون الورد والإصدار في كل غمرة مأزق يصلى بها ال ... فرسان لا كشف ولا أغمار يدعون سواراً إذا احمر القنا ... ولكل يوم عظيمة سوار فيجيب أروع في اللقاء بخيله ... يحمى المضاف وتدرك الأوتار حامي الحقيقة بالتراث مطلب ... للموت تحت لوائه صبار إذ لا يزال مقلص عبل الشوى ... بجبينه ولبانه آثار يدمين من وقع الأسنة والقنا ... وعلى فوارسها الكرام وقار في فيلق لجب يشب ضرامه ... زرق الأسنة والقنا الخطار والمعلمون على شوازب ضمر ... قد لاحها التعداء والتكرار شبه السيوف تسل من أغمادها ... لا يجبنون ولا هم غدار

ورثوا المكارم كابراً عن كابر ... وإليهم بالصالحات يشار قوم بهم منع الإله حماءه ... وبهم على الملك الغشوم يجار هذه أبيات قرئت على السيرافي وأنا أسمع، من كتاب الشدة، ومد الحمى، وهو عند أصحابنا مقصور، والشعر عربي عليه فجاجة المحرمين وسيما العنجهيين، ولا يطرد على مثله اعتراض، بل الواجب أن يقتدي به ويرجع إليه؛ وفي الأبيات كلمات غريبة تقتضي التفسير، ولكن أكره التثقيل والتطويل، فإن الكتاب قد أسأم القارئ وأمل الناظر وخيب الطالب ومنع جانبه المستنسخ، والرأي فيما هذا حاله التخفيف والاسترسال، والأخذ بما أمكن في الحال، وعلى ذلك قد جرينا، وإليه انتهينا، والله المعين. قال أبو العيناء في رجلين فسد ما بينهما: تنازعا ثوب العقوق حتى صدعاه صدع الزجاجة ما لها من جابر. قال: وقيل لأعرابي وهو على ركية ماء ملح: كيف هذا الماء؟ فقال: يخطئ الفؤاد ويصيب الأست. قيل لأعرابي: ما تقول في الجري؟ قال: تمرة وسنانة غراء الطرف، صفراء السائر، عليها مثلها من الزبد أحب إلي منه، وما أحرمه. قال أعرابي: بأبي وأمي رسول رب العالمين، ختمت به الدنيا وفتحت الآخرة. قال يوسف بن أسباط لعلي النسائي: يا أبا الحسن، أتدري لم

اتخذ الله إبراهيم خليلاً؟ قال: لا، قال: قال الله تعالى: يا إبراهيم تدري لم اتخذتك خليلاً قال: لا، قال: لأنك تأخذ وتعطي. قيل لأعرابي: لا أقل من الرجاء، قال: بلى والله، اليأس الصريح. قال بعض أهل اللغة: المنسر: ما بين الأربعين إلى السبعين، والرعلة: ما بين السبعين إلى المائة، والمقنب: من المائة إلى المائتين، والخميس: الخمسمائة، والفيلق: الألف، والجحفل: أربعة آلاف. شاعر: الهزج إذا ما كنت ذا مال ... ولم تبن به مجدا ولم تحي به ذكراً ... ولم تور به زندا ولم تحرز به أجراً ... ولم تكسب به حمدا فإن شئت فكن كلباً ... وإن شئت فكن قردا وإن شئت فخنزيراً ... ترى أسنانه دردا وإن شئت فكن هزلاً ... وإن شئت فكن جداً وإن شئت فكن سلحاً ... إلى مخرأة يهدي قال ابن عمار: تذاكرنا ضيق المنازل، فقال الجماز: كنا على نبيذ لنا، فكان أحدنا إذا دخل الكنيف وجاءه القدح مد يده إلى الساقي فناوله إياه.

قال الفزاري: رأيت مجنوناً يسوي رأس سكران ويقول: توبوا، والله لا أفلحت أبداً. دخل لص دار قوم فلم يجد فيها شيئاً إلا دواة، فكتب على الحائط: عز علي فقركم وغناي. لبعض الأشراف يصف كتاباً ورد عليه: الخفيف صدف شق عن لآل ودر ... أم كتاب قد فض عن نظم شعر وقواف مقومات لدى الأل ... باب موزونة بقسطاس فكر أنشد لابن النقاش: الرجز قلت لها لا تكثري ... خذي فؤادي أو ذري حبك ما فارقني ... في سفري أو حضري فليت شعري ما الذي ... عندك لي قالت حري قلت: فهاتيه إذاً ... قالت: نعم في السحر فلم أزل في ليلتي ... مغتبطاً بالنظر حر كبير أملس ... في حسن وجه الخزر مشاكل منظره ... لما أتى في الخبر كأنه الأرنب في ... مجثمه للكبر لم تر عيني مثله ... إلا حر أم البحتري قال أعرابي لرجل: كن حلو الصبر عند مر النازلة.

سمعت أبا حامد يقول: قرأ عبد الله بن أحمد بن حنبل في الصلاة: اقرأ باسم ربك الذي خلق، فقيل له: أنت وأبوك على طرفي نقيض، زعم أبوك أن القرآن ليس بمخلوق، وأنت تزعم أن الرب مخلوق. وحكى أيضاً أن المحاملي المحدث قرأ: وفاكهة وإباً، فقيل له: الألف مفتوحة، فقال: هو في كتابي مضبوط. حكي أن ابن أبي حاتم الرازي قرأ: فصيام ثلاثة أيام في الحج وتسعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة، فقيل: ما أقل بصرك بالحساب. قال أعرابي: اجتناب أفعاله العامة من المروءة التامة. نظر مزبد إلى امرأته تصعد في درجة، فقال لها: أنت طالق إن صعدت أو وقفت أو نزلت، فرمت بنفسها من حيث بلغت فقال: فداك أبي وأمي، إن مات مالك احتاج إليك أهل المدينة في أحكامهم. وأنشد في سعد صاحب عبيد الله: الكامل يا سعد إنك قد خدمت ثلاثة ... كل عليه منك وسم لائح وبدأت تخدم رابعاً لتبيره ... رفقاً به فالشيخ شيخ صالح

يا حاجب الوزراء إنك عندهم ... سعد ولكن أنت سعد الذابح قال ابن أبي حية: كان عندنا شيخ من الشيعة يتأله، فرأى ابنه يوماً وقد أدخل غلاماً ليعبث به فقال: ما هذا يا فاسق؟ قال: إنه ناصي، قال: فادخل عليه ابن الفاجرة. دعا محمد المخلوع عبد الله بن أبي عفان ليصطبح فأبطأ عنه، فلما جاء قال: أظنك أكلت؟ قال: لا والله، قال: أتصدق؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، فدعا بحكاك فحك أضراسه السفلى، فلما ذهب ليحك العليا قال: يا أمير المؤمنين دعها لغضبة أخرى. قال أبو مسعود الكسائي: دخلت طاقات العلز فوطئت في شيء حار، فمسسته فإذا هو لين، فشممته فإذا هو منتن، فذقته فإذا هو مر، فنظرت إليه في السراج فإذا هو أصفر، فأريته أبا الشيص فإذا هو خرا، وأنا لا أعرفه. قال أهل اللغة: التمتمة: الترديد في التاء، والفأفاة: في الفاء، والعقلة: التواء اللسان عند إرادة الكلام، والحبسة: تعذر الكلام، واللفف: إدخال حرف على حرف، والرتة: كالرتج يمنع منه، واللكنة: اللغة الأعجمية، واللثغة: عدل حرف إلى حرف. قال أعرابي: العذر الجميل أحسن من المطل الطويل، فإن

أردت الإنعام فأنجح، وإن تعذرت الحاجة فأفصح. لجعيفران الموسوس: المجتث يا سيدس وأليفي ... ومؤنسي وحليفي أيست من كل خير ... عند ابن سعد الوصيفي خرجت لا بطفيف ... ولا بغير طفيف إلا طعاماً يسيراً ... خلفته في الكنيف أبو العنبس: الهزج أنا أفديك من بطن ... وثلثاك حر تحتي وشفران غليظان ... قويان على النحت أنا أدفع من فوق ... وهي تدفع من تحت أعرابي: جارية إحدى بنات الفرس ... تحمل معشوقاً وطيء الجس يطلى بمسك أذفر وورس ... أولجت فيه أعجراً كالقلس يشبه في العين بني عرس أعرابي: الرجز جارية من شعب ذي رعين ... قد خرجت من أهلها بعيني

يا قوم خلوا بينها وبيني ... أشد ما خلي بين اثنين آخر: الرجز جارية من مالك بن مالك ... عزت عن الحسن ولم تشارك ويحك يا أختي لم بدا لك ... إن تفعلي الخير فقد أنى لك والله ما أمدح من نوالك ... ولا عطاء من جزيل مالك بيدك اليمنة ولا شمالك ... إلا امتلاء العين من جمالك ويلي عليك وعلى أمثالك أعرابي: الرجز جارية إحدى بنات الحيره ... ترفل بالعجيزة الكبيره تأتي الذي تأتيه بالبصيره ... بالركب الوافر ذي الوثيره تربو لدى النائك كالخميره ... طيبة الخلوة والسريره تنبأ رجل أيام المأمون فقال: أنا أحمد النبي، فحمل إليه فقال له: أمظلوم أنت فتنصف؟ فقال له: ظلمت في ضيعتي، فتقدم بإنصافه، ثم قال: ما تقول؟ قال: أنا أحمد النبي، فهل تذمه أنت؟ سئل إبراهيم النخعي عن رجل يحيل صاحبه في حقه على رجل آخر، فقال، قال شريح: هو كابن الظئرين يرضع من أيهما شاء. أتى رجل إلى علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فقال: إن هذا زعم أنه احتلم على أمي، قال: أقمه في الشمس واضرب ظله.

وسئل الشعبي عن رجل مر بغنم فعقره كلبها فقال: إن كان هو الداخل على الغنم فلا ضمان على صاحب الغنم، وإن لم يكن داخلاً عليها فعقره الكلب فصاحب الكلب ضامن. أسماء مكة: مكة وبكة والنساسة وأم رحم وأم القرى ومعاد والحاطمة؛ ومن أسماء المدينة: طيبة ويثرب. قيل: العلم يمنح ممتهن نفسه في طلبه صبابة لا إذالة معها، ويصفيه نعمة لا إحالة لها. قال اللحياني: ويقال إنه أحمق بلغ ملغ - بالكسر فيهما جميعاً، والملغ النذل؛ وإنه لمعفت ملفت إذا كان يعفت كل شيء ويلفته أي يدقه؛ وإنه لسغل وغل، وساغل واغل بين السغولة والوغولة؛ ويقال: ما عنده تعريج على أصحابه ولا تعريج أي إقامة؛ وإنه حقير نقير، وحقر نقر؛ وإنه لعفريت نفريت، وعفرية نفرية. ويقال: تركتهم في حيص بيص وكصيصة الظبي، وفي حيص بيص أي تركتهم في ضيق، وحكي: تركتهم في حيص بيص؛ وكصيصة الظبي وكصيصه: موضعه الذي يكون فيه. قال ملك من ملوك الأعاجم: قد خفت أن يكون المظلوم يحجب عني، فجعل لبعض بيوته باباً إلى الطريق، ثم نادى مناديه: من ظلم فليقف حيال هذا الباب إلى الطريق مرة في كل يوم، فمن رآه واقفاً بحياله دعاه فنظر في أمره؛ وكان ذلك الباب يسمى: درسيو ميدان.

قال أنوشروان: قد خفت أن يحجب عني المظلوم، فعلق على أقرب البيوت إلى بيته ستراً، وعلق عليه الأجراس، ونادى مناديه: من ظلم فليحرك هذا الستر حتى أسمع صوت الأجراس فأدعو به. قال يعقوب: أغرت على العدو إغارة وغارة، ومثلها: أجبته إجابة وجابة، وأجرته أجيره إجاره وجاره، وأعرته عارة وإعارة، وأطفته إطافة وطافة، وأطعته إطاعة وطاعة. شاعر: الوافر أحن إليكم إن غبت عنكم ... وما أنا إن دنوت بمستريح وآتيكم على علم بأني ... أؤوب بحسرة القلب القريح قال عبد الصمد بن المعذل: هذه القصيدة مما ظلم صاحبها وأخمل ذكره، وصيرها شاذة لا يعرف قائلها، ولولا كراهتي ظلم الأدب لادعيتها، وهي: الكامل ولقد قضيت من المدامة والصبا ... وطراً ولاعبت الغزال الأكحلا ومججت في فيه العقار ومجه ... في في ثم غمزته فتدللا وأتيت أخرى فانثني متمايلاً ... فلثمت خداً وارتشفت مقبلاً وأباحني من ريقه بلسانه ... عذباً يراح له الفؤاد معسلا ولويت معصمه فصد بوجهه ... خجلاً ومال وساءني أن يخجلا كمطوقين تدانيا فتقابلا ... حتى إذا خافا الأنيس تزيلا

فعففت عنه وقد قدرت ولم أزل ... آتى الأعف من الأمور الأجملا ولقد أروح إلى الندامى لاحفاً ... للأرض هداب الإزار مرجلا ولقد أنازعها على علاتها ... متراخياً سبط البنان مرفلا مستهلكاً للمال في لذاته ... يمضي للذته ويعصي العذلا وإذا لحاه العاذلون وأكثروا ... ولى وقال رؤوسكم والجندلا عاطيته مما تعتق بابل ... صهباء أرخت عظمه والمفصلا جريالة تحذي اللسان كأنما ... ذرت مرارتها عليها الفلفلا طبخت بنار الشعريين ومسها ... برد الشمال فباخ منها ما علا ومضت لها حجج فمدت دونها ... ستراً بنته العنكبوت مهلهلا حتى إذا فضت تضوع ريحها ... وكأن تفاحاً بها وسفرجلا وكأن نكهتها إذا هي صفقت ... مسك يخالط عنبراً وقرنفلا طابت وأدمنها فأرخت طرفه ... فيخال أحول وهو ليس بأحولا وأقول: ها خذها إليك وعاطني ... فيقول: هات وكان قبل يقول: لا ما زلت أعدل بالزجاجة ميله ... حتى تقوم ميله فتعدلا وإذا الزجاجة عقدت من صعبه ... ناولته أخرى بها فتحللا داويته منها بها فشفيته ... وشحذت منه بالأخير الأولا وجرت مجاريها الشمول فسهلت ... من طبعه ما خفت أن لا يسهلا فكأنه والتاج فوق جبينه ... قمر تراءته العيون مكللا

ولقد شربت بكاسها وبطاسها ... وعدلت بالقاقوزنين القنقلا وشفيت منها واشتفيت ولم أدع ... في لذة لي بعدها متعللا يا صاحبي قفا نحي المنزلا ... وتلبثا لي ساعة لا تعجلا إني تذكرني المنازل أهلها ... فيشوقني ألا أعوج فأسألا قال القاسم بن عبد الرحمن: اشترى رجل من رجل شاة فوجدها تأكل الذبان، فخاصمه إلى شريح فقال شريح: لبن طيب وعلف مجان. وقال الحسن البصري: ما أحرزت أم الولد في حياة سيدها فهو لها. قال الشعبي: من ربط دابة على طريق من طرق المسلمين فهو ضامن. قال قتادة في الطبيب إذا بط فقتل: هو ضامن إذا أخذ أجراً. قال حمزة الزيات عن حمران بن أعين: إن رجلاً من أهل

البادية أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليه يا نبيء الله، وهمز، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لست بنبيء الله ولكن نبي الله. قال بعض العلماء: أفما ترى إلى إنكار رسول الله صلى الله عليه وسلم الهمز، لأنه لم يجعله من أنبأتك بالأمر، ولا يجوز أن يكون ذهب إلى ترك الحجازيين للهمز، لأنه لو ذهب إلى ذلك كان نبي الله إذا أعطى الحرف حقه، ونبييء الله إذا خفف، فكيف يقول: لست بنبيء الله، وقوله الحق. قال الأصمعي: سمعت مولى لآل عمر بن الخطاب يقول: أخذ عبد الملك رجلاً كان يرى رأي الخوارج فقال: ألست القائل: الطويل ومنا سويد والبطين وقعنب ... ومنا أمير المؤمنين شبيب فقال الرجل: إنما قلت: ومنا - أمير المؤمنين - شبيب - بالنصب - أي يا أمير المؤمنين، فخلى سبيله؛ قال ابن قتيبة: أما ترى تيقظه ونقله الكلام بالإعراب عن سبيل هلكته إلى سبيل تجاته؟ وهل يجوز لذي تمييز ولب أن يقول إن هذا لا يعرف المعنى الذي فرق بين الإعرابين؟ وبلغني أن أعرابياً سمع مؤذناً يقول: أشهد أن محمداً رسول الله - بالنصب -، فقال: ويحك! يفعل ماذا؟ لأنه إذا رفع كان خبراً، وإذا نصب كان وصفاً فاحتاج الكلام إلى خبر، قال: ومثل هذا في الكلام الذي يتم وينقص بالإعراب قولك: كان عبد الله أخانا، هذا كلام تام، فإنك رفعت الأخ نقص الكلام فاحتاج إلى الخبر.

وأم الحجاج قوماً فقرأ: " والعاديات ضبحاً " العاديات: 1، فقال في آخرها " أنَّ ربَّهم " - بالنصب - ثم تنبه على اللام في لخبير، وأن إن قبلها لا تكون إلا مكسورة فحذف اللام فقال: خبير، فكان نقص الكلام أسهل عليه من اللحن. قال رجل لأعرابي: كيف أهلك؟ فقال الأعرابي: صلباً، ظن أنه سأل عن هلكته كيف تكون، وإنما سأله عن أهله. قال: وهذا وأشباهه يدلك على معرفة العرب بالمعاني التي اختلف لها الإعراب، وتلك المعاني هي العلل. وقالت بنت لأبي الأسود لأبيها: ما أطيب الرطب؟ فقال: جنس كذا، أرادت التعجب وذهب هو إلى الاستفهام. فأما الرفع والنصب والخفض والهمز والإدغام والإمالة وأشباه ذلك فألقاب وضعها النحويون للمتعلمين من العجم والمنطيقيين ليقربوا بها عليهم البعيد ويجمعوا الشتيت، فإذا قال المعلم للمتعلم: حركة كذا رفع، وكل فاعل رفع، وحركة كذا نصب، وكل مفعول به نصب، وحركة كذا جر، وكل مضاف مجرور، وكذا ظرف، والظرف منصوب، وكذا حال، والحال منصوب، كفاه بهذه الجمل على كثرته واعتبار بعضه ببعض؛ وأما العرب فإنها لا تعرف مواضع هذه الألقاب: قيل لأعرابي: أتهمز إسرائيل؟ قال: إني إذن لرجل سوء.

وقيل لآخر: أتجر فلسطين؟ قال: إني إذن لقوي. وقيل لآخر: أتهمز الفارة؟ قال: الهرة تهمزها. فكلاهما عرف موضع الهمز، إلا أنه لم يعلم الموضع الذي وضعه النحويون. ولم يؤت المبطلون للعلل في غلطهم على العرب إلا من جهة الألقاب، لأنهم رأوا التحويين يقولون: رفعت العرب كذا بكذا، ورأوا العرب لا تعرف الرفع ولا النصب ولا الجر، فقضوا عليهم بالكذب وعلى عللهم بالبطلان، ولو أنعموا النظر لميزوا بين المعنيين، ومثل هذا كمن يحيل على العرب بالاستدلال من غير سماع منها لاشتقاق في الجوارح أنها اليدان والرجلان، لأن الاجتراح الاكتساب، وهي الكواسب، وكذلك الجراح في البدن هي الجنايات؛ وتقول في جلده الحد إنه إصابة الجلد بالضرب، لما سمعنا العرب تقول: رأسه وبطنه، قلنا كذا جلده، أي أصاب جلده. قال بعض السلف: إذا عشت عيش السفهاء ومت موت الجهال، فماذا ينفعني ما جمعت من غرائب العلم؟ مدح أعرابي قوماً فقال: أدبتهم الحكمة، وأحكمتهم التجارب، ولم تغرهم السلامة المنطوية على الهلكة، ورحل عنهم التسويف الذي قطع به الناس مسافة آجالهم، فأحسنوا المقال، وشفعوه بالفعال.

دخل أبو حفص الكرماني على المأمون فقال: يا أمير المؤمنين، أتأذن لي في المداعبة؟ فقال: وهل العيش إلا فيها، قال: يا أمير المؤمنين، ظلمتني وظلمت غسان بن عباد، قال: ويلك، وكيف ذلك؟ قال: رفعت غسان فوق قدره، ووضعتني دون قدري، إلا أنك لغسان أشد ظلماً، قال: وكيف؟ قال: لأنك أقمته مقام هزؤ وأقمتني مقام رحمة، فقال المأمون: قاتلك الله ما أهجاك. قيل لأعرابي: ما وقفك ها هنا؟ قال: وقفت مع أخ لي يقول بلا علم، ويأخذ بلا شكر، ويرد حشمة. قال الأصمعي: وصف رجل طعاماً علمه، فقال له أعرابي: هل دعوت عليه أحداً من جيرانك؟ قال: لا، قال: فهل أطعمت يتيماً؟ قال: لا، قال: فجعله الله في بطنك حشاً وقذاذاً. قال عدي بن حاتم لابن أقيصر: كيف ترى فرسي هذا؟ قال: ما أرى به بأساً إلا انه يعثر، قال: وما يدريك؟ قال: شعرته ميتة لم ينضجها الرحم، فكان كما قال. قال أبو حاتم: قيل لميمون بن مهران: إن رقية امرأة هشام ماتت فأعتقت كل مملوك لها، قال ميمون: يعصون الله مرتين، يتجملون به

وهو في أيديهم بغير حق، فإذا صار لغيرهم أسرفوا فيه. وأنشد: البسيط عندي لراجي من ثنتين واحدة ... رد جميل وإرفاق بما أجد معجل ذاك أو هذا فلا تعب ... ولا عناء ولا من ولا نكد قال العتبي: خطب زياد الناس فقال: الأمور جارية بأقدار الله، والناس متصرفون بمشيئة الله، وهم بين متسخط وراض، وكل يجري إلى اجل وكتاب، ويصير إلى ثواب وعقاب، ألا رب مسرور لا نسره، وخائف من ضرنا لا نضره. قال الرياشي: مدح أعرابي رجلاً فقال: كان يفتح ببياته مغلق الحجة، ويسد على خصمه سواء المحجة، ويقبل من العار وجوهاً مسودة، ويفتح للبر أبواباً منسدة. أنشد أبو عمرو بن العلاء لنهار بن توسعة: الطويل أمية يعطيك اللها ما سألته ... وإن أنت لم تسأل أمية أضعفا ويعطيك ما أعطاك جذلان ضاحكاً ... إذا عبس الكز اليدين وقفقفا هنيئاً مريئاً جود كف ابن خالد ... إذا الممسك الرعديد أعطى تكلفا قيل لعلي بن أبي طالب: ما بين الخلج وبين قريش؟ فقال: ما بين جحفلة الحمار وخرطوم الخنزير.

قال أبو عثمان النهدي: كان عمر ميزاناً لا يقول هكذا ولا هكذا. قال الشعبي: دعا عمر حجاماً ليأخذ من شعره، فتنحنح عمر فضرط الحجام، فأعطاه أربعين درهماً. قال أبو عمران الجوني: جاء يهودي إلى عمر بالشام فقال: يا أمير المؤمنين، أهذا في العدل؟ أخذتم كسبي وأنا قوي، حتى إذا ما كبرت سني، وضعف ركني، تركتموني أهلك ضيعة؟! فقال عمر: ما أنصفناك، ففرض له فريضة وأمر عامله أن شهراً بشهر. قال ابن عباس: خطب عمر فقال: إياكم والبطنة فإنها مكسلة عن الصلاة مفسدة للجسم مؤدية إلى السقم، وعليكم بالقصد في قوتكم، فإنه أبعد من السرف وأصح للبدن وأقوى على العبادة، وإن العبد لن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه. ابن المعتز: الوافر إذا ما المرء خلف أطيبيه ... وأخلق بعد ملبوس جديد تعذرت الحياة عليه إلا ... حشاشات تردد في الوريد ويمشي حين يمشي من قريب ... وينظر حين ينظر من بعيد قال ابن المعتز: ذكرت العراق لمخنث من أهل حمص فقال:

لعن الله العراق، لا يشرب ماؤها أو يصلب، ولا يشرب نبيذها أو يضرب. وقال الصوفي: هي الشميطاء الخرفة، والعجوز المتدللة، والعمياء المكتحلة، والشلاء المختضبة، هواؤها دخان، ونسيمها ضرام، تنقبض فيها أنفس المستغنين، وتصغر فيها أنفس المفضلين، تجارها أسد مفترسون، وصناعها لصوص مختلسون، وهمجها أعفار متسرعون، وجارها حاسد، وهواؤها فاسد. وقال الصوفي: في عرق أهل بغداد زيت. لما بنى محمد بن عمران اليزيدي قصره حيال قصر المأمون قيل له: يا أمير المؤمنين باراك وباهاك، فدعاه وقال له: لم بنبت هذا القصر حذائي؟ قال: يا أمير المؤمنين، أحببت أن ترى أثر نعمتك علي غدوة وعشية فجعلتها نصب عينيك، فاستحسن قوله وأجزل عطيته. لما بنى الحجاج قصره قال له رستم الدهقان: اكسه وحله، قال: بماذا؟ قال: اكسه بالجص وحله بالنقش، ففعل. وقال الحجاج لإسماعيل بن الأشعث، وكان يحمق: كيف ترى قصري؟ قال: أرى قصراً أستعظم المؤونة على من أراد هدمه، قال: قبحك الله، ويلك، ما خالف بك إلى ذكر الهدم؟! قال أعرابي: أعطت الدنيا ثم استرجعت، والدنيا لئيمة الاقتضاء. قال عبد الله ابن المعتز: قال الجاحظ عن بعض أصدقائه،

قال: رأيت لبعض الملوك تختين من جلدتي حنش، قال: ورأيت في زمان أبي حباباً يمنعني صباي في ذلك الوقت من أن أحكم لطولها بعشرين ذراعاً، وقد قاربتها في ظني، وكنت أراها في صحن الكامل ملقاة قد أمنوا انسيابها وضياعها من كبرها، ورأيت عناقاً لها شهر ولها ضرع تحتلب، ورأيت شظية من ضرس يكون فيها خمسة أرطال. قال ابن المعتز: كتب إلي القاسم بن أحمد الكاتب رقعة يسألني فيها أن أبعث له بسنور: تعمد أن تكون من الإناث العفيفات عن الأقذار، مساورة فراخ الأطيار، وكشف القدور، وسوء الآثار فيما يحضر من الطعام، وبلاحظ من الالتقام، بمداومة الصفاء والاضطرام، وحرصاً على الظفر بما يظهر، والاحتواء على ما يدخر. قال عبد الله بن المعتز: أخبرني بعض الكتاب أن أبا العباس ابن الفرات أعلمه أن قيم الفيلة بسر من رأى أخبره أن الفيل يأكل أربعمائة وخمسين رطلاً ويشرب ألفاً وخمسمائة رطلاً من الماء والنبيذ. قال، وقال الصوفي: ما في الرؤيا أصح من الجنابة. قال عبد الله: كتب ابن المهدي لأبي يعقوب الخريمي في الشطرنج: الوافر وخيل قد رأيت إزاء خيل ... تساقي بينها كأس الذباح بميمنة وميسرة وقلب ... كتعبئة الكتائب للنطاح إذا ما قتلوا نشروا وعادوا ... صحاحاً لم يصابوا بالجراح بغير عداوة كانت قديماً ... ولكن لتلذذ والمزاح

وقال عبد الله بخطه، قال رجل لعلي بن أبي طالب عليه السلام: متى أضرب حماري؟ قال: إذا لم يذهب في حاجتك كما ينصرف إلى البيت. قال بعض ولاة الحجاج: إن رأى الأمير أن يستهديني ما شاء فليفعل، قال أستهديك بغلة على شرطي، قال: وما شرطك؟ قال: بغلة قصير ثفرها، طويل عنانها، همها أمامها، وسوطها لجامها، ما تستبين منها الغفلة، ولا تهز لها الركبة. العتابي: البسيط طاف الخيال بنا ليلاً فحيانا ... أهلاً به من ملم زار عجلانا ما ضر زائرنا المهدي تحيته ... في النوم إذ زارنا لو زار يقظانا أنى اهتدى وسواد الليل معتكر ... على تباعد مسراه ومسرانا إن الأماني قد خيلن لي سكناً ... ردت تحيته قلبي كما كانا حتى إذا هو ولى وانتبهت له ... هاجت زيارته شوقاً وأحزانا قال رقبة بن مصقلة: ما رأيت مثل هؤلاء الذين يتكئون في المسجد، فإذا حضرت الصلاة قال أحدهم: ما نمت، وقد خري. قال عبد الله بخطه، قال علي بن محمد بن نصر: الوافر وكان خيالها يشفي سقاما ... فضنت بالخيال على الخيال

وقال التمار: الوافر قطعت بها تنائف كل سهب ... وقد قبض الكرى مهج النيام وقال، قال بعض الظرفاء: للنبيذ حدان: حد لا هم فيه، وحد لا عقل معه، فعليك بالأول واتق الثاني. وقال ابن المعتز، قال الصوفي وفي يده قدح دو شاب: هذا الليل إذا عسعس؛ وأومأ بيده إلى قدح مطبوخ، وقال: وذاك الصبح إذا تنفس. قال: وسألته عن أبي جهل وأبي لهب أيهما خير؟ فقال: كلاهما يواري سوءة أخيه. قال حماد، قلت لإبراهيم: رجل شرب عشرة أقداح فلم يسكر، فشرب أحد عشر سكر، ما الذي حرم عليه؟ قال: القدح الذي أسكره. قال عبد الله، أنشد علوي عمرياً: الكامل المجزوء وإذا طرقت فما حضر ... وإذا دعوت فلا تذر قال: وذاك مأخوذ من قول علي بن أبي طالب عليه السلام: إذا طرقك إخوانك فلا تدخر عنهم ما في المنزل، ولا تكلف ما وراء الباب. قال جحظة: دعاني فلان فقدم إلي قلية من سنجاب وقطائف

ممقورة، أي قدمت حتى حمضت. كان بعضهم ينفخ زبد القدح ويقول: إذا شرب هذا اجتمعت منه ضرطه. وقال بعضهم: ليكن النقل كافياً وإلا أبغض بعضنا بعضاً. قال، وقال بعض الظرفاء: لا أحب المتبختر إلى المستراح والداعي بالرطل بعد خروجه مه بقليل، فإن ذلك من فعله يخبر بالراحة مما لقي. قال، وقال بعضهم: إذا جمشت فلا تنهب مثل المجنون، ولكن لسع وطر. وقال آخر: أحب المتبختر في السمط. قال، وقيل لبعضهم: ألا تصلي؟ قال: ألا يكفيني أن أدوس الأرض حتى أنطحها؟! شاعر: الطويل إذا ما بحثت الناس عن سر أمرهم ... وفتشت عن مكتومهم جاءك الهم فعاشر على الإجمال كل مصاحب ... بإظهاره خيراً يكون له سلم ولا تكشفن الدهر عن سر صاحب ... فترجع حرباً أو عدواً له رغم قال، وكان على فص أبي العتاهية: أبا زند تق، فكان الناس يتأولونه: أنا زنديق؛ واسم أبي العتاهية زند.

قال، وقال بعضهم: يجتمع في الفرش الطبري فضيلتان في الصيف: برد جسمه، ومجانسة لونه لون الحبة الخضراء، فالنفس تسكن إليه من جهتين. قال، وقال الصوفي: في النبيذ الدوشاب في الشمس بستندود. قال، وقال إسحاق بن إبراهيم الموصلي لسعيد بن وهب: انزل حتى أطعمك طعاماً صرفاً، وأسقيك نبيذاً صرفاً، وأغنيك غناء صرفاً، فأطعمه الكباب، وسقاه نبيذاً صرفاً بغير مزاج، وغناه مرتجلاً. وقال بعضهم: باب السلامة الاقتصاد. وقال بعض الموسومين بالبخل: فرحة السكر قلة الاحتشام، وفرحة الخمار قلة الإنفاق. وقال آخر: من كثرت نفقته كثر ندمه، ومن كثر ندمه قلت دعواته. قال، وقال الصوفي: من جلس على المائدة فأكثر كلامه غش بطنه. قال علي بن محمد بن نصر: الخفيف اطرد الهم بالمدامة واعلم ... أن في الراح راحة للنفوس

رب هم أشد من غصص المو ... ت وجدنا دواءه في الكؤوس وقال أعرابي يحذر قومه وقد صافوا بعض أصحاب السلطان: يا قوم، أحذركم من نشاب معهم في جعاب كأنها نيوب الفيلة، وقسي كأنها العتل، ينزع أحدهم فيها حتى يتفرق شعر إبطه، ثم يرسل نشابة كأنها رشاء متقطع، فما بين أحدكم وبين أن تصدع قلبه منزلة، أو تغلغل في امته حاجز؛ قال: فطاروا والله رعباً قبل اللقاء. قال العباس بن عبد المطلب يوم حنين: الطويل وكيف رددت الخيل وهي مغيرة ... بزوراء تعطي في اليدين وتمنع كأن السهام المرسلات كواكب ... إذا أدبرت عن عجسها وهي تلمع قال، والعرب تقولك البازي أعجمي، والصقر عربي، والكلاب للصعاليك والفتيان. قال، وقال أبو حاتم: حدثني فتى من موالي الأنصار قال: بلغني أن عصفوراً كان واقعاً على شجرة، فجاءت حية فصعدت تريده، فلما دنت منه طار وطلب حسكة وجاء بها في منقاره، وأرتقت الحية حتى دنت منه، فلما فتحت فاها ألقى فيها الحسكة، فما زالت تعالجها حتى ماتت. قال الأصمعي: اتخذ أعرابي كلباً فقيل له: أما علمت أن

الملائكة لا تدخل داراً فيها كلب؟ قال: وما أصنع بالملائكة؟ يرون أسراري ويحصون علي. قال عبد الله، قال بعض الملاح: إن الناس قد مسخوا خنازير، فإذا وجدت كلباً فتمسك به. وقال: سألت العقيلي كيف تصيدون القطا فقال: ننصب الشباك على الحسي أو الحوض ونطويه ليناً بغير لف حتى يطيع الجاذب، ونجعل تحته عصاً ترفعه، فإذا أخذن الماء جذبنا العصا بحبل في آخرها فوقعت وامتدت أثناء الشباك، فإذا هن يتبحبحن حوله. قال أبو حاتم: تسمى الرخمة حفصة، وتكنى بأم عجيبة. قال: وسكن بعض الظرفاء طرفاً من أطراف بلدة كثيرة الخراب، فسمع بعض أهله صوت رخمة، فصاح بها وطردها فقال: لا تنكروا هذا منها، فإنا نحن النازلون عليها، وإنما ينكر صوتها في العمران، فأما الخراب فإن أصواتنا فيه أنكر من صوتها. قال: وكان بالمدينة رجل من موالي قيس أعرج، وكان مليحاً، فرأى طائراً لبعض موالي هشام بن عروة في القفص فقال: يا أبا المنذر، برئت إلى الله إن كنت رأيت طائراً أملح منه، كأن جناحيه جناحا شاهين، وكأن ذنبه ذنب خطاف، وكأن عينيه عينا غرنوق، وكأن منقاره منقار باز، وإذا هدر

تدلى عن حمام، فقال هشام: يسرك أنه لك؟ قال: وددت أنه لي وأن قلفتي مثل المنارة أختن منها كل يوم أنملة. وصف بعضهم طائراً فقال: كأنما ينظر من جمرتين، ويتنفس من تحت درتين، ترويه الغبة، وتكفيه الحبة، إذا أرسل سموه، وإذا أقبل فدوه. قال، وحدثني ابن حمدون قال: كنت قدام المتوكل يوماً، فرأى في البستان طواويس قد نشرت، فأراد أن يقول: قد تشوشت هذه الطواويس، فقال: قد تطوست، فقلت أنا: هذه التشاويش، فنظر إلي وسكت، فلما شرب وعمل فيه النبيذ سمعني وأنا أقول سراً وأتبسم: قد تطوست هذه التشاويش فقال: هيه يا ابن حمدون، قد تطوست هذه التشاويش!! ولم يزل يرددها وأكاد أن أموت خوفاً، والفتح يدخل بيني وبينه ويسكنه حتى نسيها وشغل عنها. انتهى ما حكيناه عن ابن المعتز. يقال: كان على خاتم أبي نواس: إخوان هذا الزمان دود وورد وزوان. قال نطاحة: ليس للمضطر اختيار ولا عليه اعتذار. وقال نطاحة: سلطان العقل على باطن العاقل أشد من سلطان السيف على ظاهر الأحمق.

قال أسد بن عمرو: دخل قتادة الكوفة فنزل دار أبي بردة، فخرج عليهم وقال: لا يسألني أحد عن مسألة من الحلال والحرام إلا أجبته، فقام أبو حنيفة فقال: يا أبا الخطاب، ما تقول في رجل غاب عن أهله أعواماً فظنت امرأته أنه قد مات فتزوجت، ثم رجع زوجها الأول وقد ولدت ولداً، فنفاه الأول وادعاه الثاني، فكل واحد منهما قذفها أو قذفها الذي أنكرها، ما جوابها؟ ونظر أبو حنيفة إلى أصحاب قتادة وقال: إن قال فيها برأيه ليخطئن، وإن روى فيها حديثاً ليكذبن، فقال قتادة: ويحك، أوقعت هذه المسألة؟ قال: لا، قال: ولم تسأل عنها؟ قال أبو حنيفة: إنا نستعد للبلاء قبل نزوله، فإذا وقع عرفنا الدخول فيه والخروج منه، فقال قتادة: والله لا حدثتكم بشيء من الحلال والحرام، فسلوني عن التفسير؛ فقام أبو حنيفة فقال: يا أبا الخطاب، ما تقول في قول الله تعالى: " قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك " النمل: 40 قال: نعم هذا آصف بن برخيا كاتب سليمان، وكان يعلم اسم الله الأعظم، قال: وهل كان يعرف الاسم سليمان؟ قال: لا، قال: أفيجوز أن يكون في زمان نبي من هو أعلم من النبي؟ قال قتادة: والله لا حدثتكم بشيء من التفسير، سلوني عما اختلف فيه العلماء؛ فقام أبو حنيفة فقال: يا أبا الخطاب، أمؤمن أنت؟ قال: أرجو، قال: ولم؟ قال: لقول الله تعالى: " والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين " الشعراء: 82 قال أبو حنيفة: فهلا قلت كما قال إبراهيم حين قال الله تعالى: " أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي "

البقرة: 260 فقام قتادة مغضباً، وحلف أن لا يحدثهم بشيء البتة. وأنشد: الطويل وبيت خلا من كل خير فناؤه ... فضاق علينا وهو رحب الأماكن كأنا مع الجدران في جنباته ... دمى في انقطاع الرزق لا في المحاسن سمعت أبا الجياب يقول: أنا لا اشتهي أنيك غلاماً...... يقول.... نعمة؛ وكان يقول: ما عرفنا الإدخال ببغداد حتى جاءنا الديلم. قال أبو الغادي: سمعت غلاماً ظريفاً بخراسان يقول: لا تؤاجروا إلا مع الشيخ والغريب: الشيخ يموت، والغريب يغيب. لمنصور: الطويل بإصغاء من يهوي إليك بخده ... لتلثمه عند الفراق على رعب تجاوز لنا عن سالف الذنب منعاً ... وزرنا فقد تبنا من الذنب وأنشد لأبي علي ابن مقلة: الخفيف لست ذا ذلة إذا عضني الده ... ر ولا شامخاً إذا واتاني أنا نار في مرتقى نفس الحا ... سد ماء جار مع الإخوان وأنشد أبو الفضل ابن العميد: الطويل فما مغزل ترعى وهاداً خصيبة ... تهامية أجنى بشامها

بأحسن لا والركن من أم هاشم ... إذا التثمت أو زل عنها لثامها لقد خفت نفسي أن تكون شقية ... بحبيك هذا أو يلم حمامها فيا لك عيناً بالدموع شقية ... ويا لك نفساً مستباناً سقامها قالت قوادة: عندي والله حر أضيق من قلب البخيل، يعلوه وجه أحسن من العافية، بحلق ابن سريج، وترنم معبد، وتيه ابن عائشة، وتخنيث طويس، أجمع هذا كله في بدن واحد بأصفر سليم، قيل لها: وما أصفر سليم؟ قالت: دينار يومك وليلتك. قال رجل لجارية: أيري يقرأ على حرك السلام، قالت: حري لا يرد السلام إلا مشافهة. قال رجل لطبيب: أجد قرقرة وبربرة وجرجرة في بطني، فقال الطبيب: لا بأس عليك، هذا ضراط لم ينضج بعد. سمعت مخنثاً يشتم آخر ويقول: يا سفل السفل، انظروا يا قوم إلى فمه كأنه فقحة، انظروا إلى عينيه كأنهما خصيتين في است ملاح، يا طاعون يا ملمع، يا أوحش من هول المطلع، يا زحير الحاج، يا خرا الأعلاج، يا مصاص الأوداج، رأين في بطنك ألف خراج.

لا تنكر لحناً في خلاله فذاك هو المنقول. قال عبد الله بن عمرو بن العاصي: من عجائب الدنيا مرآه كانت معلقة بمنارة الإسكندرية، فكان الإنسان يجلس تحتها فيرى من بقسطنطينية وبينهما عرض البحر؛ وفرس من نحاس بأرض الأندلس عليه راكب من نحاس يشير بكفه أن ليس خلفي مسلك، ولم يسلك أحد وراءه إلا هلك؛ ومنارة من نحاس عليها راكب من نحاس بأرض عاد، فإذا كانت الأشهر الحرم هطل منها الماء فيشرب الناس ويسقون نعمهم ويملأون حياضهم، فإذا انقضت الأشهر الحرم انقطع ذلك الماء؛ وشجرة من نحاس عليها سودانية من نحاس بأرض رومية، فإذا كان أوان الزيتون صفر السودانية التي من النحاس فتجيء كل سودانية في اقطار الأرض ومعها ثلاث زيتونات، زيتونة بمنقارها وزيتونتان بين رجليها، وتلقي ذلك على تلك السودانية من النحاس فيأخذه أهل رومية، ويكفيهم سنتهم لأكلهم وسرجهم. قال المدائني: نزل رجل من الخوارج على أخ له من الخوارج في استتاره من الحجاج، وأراد المنزول عليه شخوصاً إلى بلد لبعض الحاجة فقال لامرأته: يا زرقاء، أوصيك بضيفي هذا خيراً، نفذ لوجهه، فلما عاد بعد شهر قال لها: يا زرقاء كيف رأيت ضيفنا؟ قالت: ما أشغله بالعمى عن كل شيء، وكان الضيف أطبق عينيه فلم ينظر إلى المراة والمنزل إلى أن عاد زوجها. حلف أبو عباد الكاتب بالطلاق أن يقلع عين كل غلام يحجب

من يحبه وقال: حملين على هذه اليمين ما لقيت من شدة حجاب الناس لي بعد موت أبي. قال بعض السلف: ما لقينا كتيبة فيها علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلا أوصى بعضنا إلى بعض. قال أبو حامد: جلي رجل إلى قوم، فصاح به إنسان من خلفه فقال له: كيف أنت؟ فالتفت فمات، فقيل لابنه: كيف مات أبوك؟ فحكى لهم كيف مات أبوه، فمات هو. وأنشد: الكامل حب الأديب على الأديب فريضة ... كمحبة الآباء للولدان وإذا الأديب مع الأديب تجالساً ... كانا من الآداب في بستان لا شيء أحسن منهما في مجلس ... يتناثران جواهراً بلسان لعوف بن محلم في عبد الله بن طاهر، وكان شيخاً كبيراً سلم عليه عبد الله فلم يسمع، فلما أخبر أنشأ يقول: السريع يا ابن الذي دان له المشرقان ... طراً وقد له المغربان إن الثمانين وبلغتها ... قد أحوجت سمعي إلى ترجمان وبدلتني بالشطاط انحنا ... وكنت كالصعدة تحت السنان

وقاربت مني خطاً لم تكن ... مقاربات وثنت من عنان وبدلتني من زماع الفتى ... وهمه هم الجبان الهدان ولم تدع في لمستمتع ... إلا لساني وبحسبي لسان أدعو به الله أثني به ... على الأمير المصعبي الهجان فقرباني بأبي أنتما ... من وطني قبل اصفرار البنان وقبل منعاي إلى نسوة ... أوطانها حران والرقتان دخل أبو الهذيل على الواثق، فقال له الواثق: يا أبا الهذيل من الذي يقول: المنسرح ما مر في صحن قصر أوس ... إلا تسجى له قتيل فإن يقف فالعيون نصب ... وإن تولى فهن حول فقال أبو الهذيل: رجل يقال له أبو حيان الدرامي، وهو بصري يقول بإمامة المفضول، وله من كلمة: الطويل أفضله والله قدمه على ... صحابته بعد النبي المكرم بلا بغضة والله مني لغيه ... ولكنه أولاهم بالتقدم

لأبي الأسد: المنسرح ليتك أدرتني بواحدة ... تقنعني منك آخر الأبد تحلف ألا تبرني أبداً ... فإن فيها برداً على كبدي اشف فؤادي مني فإن به ... علي قرحاً نكأته بيدي إن كان رزقي إليك فارم به ... في ناظري حية على رصد قد عشت دهراً وليس يقنعني ... هذا الذي قد كفيت من أحد وكيف أخطأت لا أصبت ولا ... نهضت من عثرة إلى سدد لو كنت حراً كما زعمت وقد ... كددتني بالمطال لم أعد لكنني عدت ثم عدت فإن ... عدت إلى مثل هذه فعد الآن أيقنت بعد فعلك بي ... أني عبد لأعبد قفد فصرت من سوء ما رميت به ... أدعي أبا الكلب لا أبا الأسد آخر: الراجز يا ناعش الجد إذا الجد عثر ... وجابر العظم إذا العظم انكسر أنت ربيعي والربيع ينتظر ... وخير أنواء الربيع ما ابتكر

قال أبو العيناء، حدثني القحذمي قال، قال خالد بن صفوان: حبس يزيد بن المهلب ابن أخ لي، فصرت إلى بابه أنظم له كلاماً كما تنظم الفتاة عقدها لعيدها، ثم أذن لي، وبين يديه جارية كأنها مهاة وفي يدها مجمرة ذهب، فلما رأيتها سلبت الكلام الذي كنت أعددته، وحضرتني كلمتان فقلت: والله ما رأيت صدأ المغفر ولا عبق العنبر بأحد أليق به منكم، قال: حاجتك؟ قلت: ابن أخي محبوس، قال: يسبقك إلى المنزل، فجئت إلى المنزل وقد سبقني إليه. قال أبو العيناء، قال محمد بن عباد: دخلت إلى أمير المؤمنين المأمون فجعل يعممني بيده، وجارية على رأسه تبسم، فقال: مم تضحكين؟ فقلت: أنا أخبركم يا أمير المؤمنين، تتعجب من قبحي ومن إكرامك لي، قال: فلا تعجبي، فإن تحت هذه العمة مجداً وكرماً. قال أبو العيناء، أنشدني السندي: الطويل وإني لأهوى ثم لا أتبع الهوى ... وأكرم خلاني وفي صدود وي النفس عن بعض التضرع غلظة ... وفي العين عن بعض البكاء جمود وأنشد أبو محلم: الرجز

قد أغتدي والليل في جريمه معسكراً في الغر من نجومه والصبح قد نشم عن أديمه يدعه بدفتي حيزومه دع الوصي لحيي يتيمه فقال: أراد لحيي فحرك، ونشك فلان في الشيء إذا بدأ فيه ولم يتممه، ودفنا الشيء: جانباه، والدعن: الدفع. سمع أعرابي المغيرة بن شعبة يقولك من زنى تسع زنيات وعمل حسنة واحدة محيت عنه التسع وكتبت له الحسنة، فقال الأعرابي: هلموا إذاً نتجر في الزنا. قال ابن دريد: يقال: عال الرجل يعيل إذا تبختر في مشيته، قال الشاعر: عيال بأوصال وقيل بآصال؛ وعال يعول إذا جار، وأعال يعيل إذا كثر عياله، عال الأمر إذا أثقل، والعالة: شجرة يقطعها الراعي فيطرحها على شجرتين

متقاربتين ليكثف ظلها لغنمه، ولفاعل معول، والعويل: تردد البكاء في الجوف، والمعول: الفأس الذي تكسر به الحجارة، وهو مفعل من العول كأنه من الثقل، والمعاول: بطن من العرب ينسب إليهم معول، ومن قال: معولي فقد أخطأ، ويقال: عال يعيل عيلة إذا افتقر. قال فيلسوف: قل من حاولت استيفاء الحق منه إلا أنكرته، وقل من أنكرته إلا أغضبته، وقل من أغضبته إلا عاداك أو عاديته. قال الكسائي: أصابت الأعراب مجاعة، فتحولت طائفة منهم من البدو إلى الحضر، فصرت إليهم لأسأل عن أهل بيوتات كنت أعرفهم بالفصاحة، إذ سمعت شيخاً منهم وفي حجره صبي ابن أربع سنين، يزيد أو ينقص، يبكي، فنادى الشيخ: يا كلب، فأجابه صبي خماسي عليه مدرعة شعر قد أخذت من صدره إلى حجزته، وسائر جسده مكشوف، فقال: ها أنا ذا يا أبة، فقال: ما لك أبكيت أخاك؟ فقال: والله ما فعلت، غير أني كنت ماشياً وهو يفوقني إذ بصرت بتميرات مطروحات، فأهويت نحوهن لآهذهن فعازني عليهن فدفعته عنهن، فأقبل إليك باكياً، وقد والله يا أبة أعطيته شطر ما أخذت، ما وترته من ذلك شيئاً، فقال الصبي: كلا والله يا أبة، إنه لباطل ما قال، لكني بصرت بهن قبله، فأهويت لآخذهن، فلطمني لطنة أغطشت منها عيناي حتى، فابتزهن من يدي وحال دون أخذهن، فلطمني لطمة أغطشت منها عيناي حتى اغرورقتا بالدموع، فابتزهن من يدي وحال دون أخذهن، ولا والله يا أبة، وإلا فجعلن لي آخر زاد، إن كنت رزأته أو أرزأني منهن شيئاً؛ فكتبت قول الصبيين وانصرفت.

قال يحيى بن زياد: المتقارب أقول لذي طرب فاتك ... إذا مل ذو النسك من نسكه دع النسك ويحك لا تبغه ... وعاون أخاك على فتكه ولا تقع الدهر في صاحب ... وإن أكثروا فيه بل زكه ولا تبكين على ناسك ... وإن مات ذو طرب فابكه ونك من وجدت من العالمين ... فإن الندامة في تركه قال يعقوب: يقال: كلم فلان فلاناً فما أرجعه بشيء: أي سأله فلم يعطه. فافتخرت جاريتان من العرب بقوسي أبويهما، فقالت الواحدن: قوس أبي طروح مروح تعجل الظبي أن يروح، وقالت الأخرى: قوس أبي كزة لزة تعجل الظبي النقزة؛ هكذا رواه يعقوب وقال: النقزة: القفزة. كاتب: قل من يضبط في وجهه صفرة الفرق، حمرة الخجل، وإشراق السرور، وكمد الحزن، وسكون البراءة، واضطراب الريبة. كاتب: قل من أجمع أمراً جليلاً إلا كاد القلق به يبدو في حركاته إلى أن يمضيه؛ فكذلك قلقه في وقت إمضائه كاد يكشف مستوره. قال يعقوب: خزن لسان الرجل، وخزن الرجل لسانه؛ وقال: العاثي: المفسد، يقال: عاث يعيث، وعثا يعثو، وعثى يعثي.

يقال: إن أزدشير ومن تقدمه من ملوك الفرس كانوا لا يثبتون في ديوانهم الطبيب إلا بعد أن يلسعوه أفعى ثم يقال له: إن شفيت نفسك فأنت الطبيب حقاً، وإن مت كانت التجربة عليك لا علينا؛ وكان ملوك الروم إذا اعتل طبيب أسقطوه من يدوانهم وقالوا له: أنت مثلنا؛ فهذا كله من الظلم المبرح والتحكم الفاحش. وكان بعض ملوك العرب إذا جاءه طبيب قدم إليه مائدة وأمره أ، يركب فيها إذاء لتقويه أبدان المجاهدين، وعلاجاً للمرضى، وتدبيراً للناقهين، وتفكهاً للمترفين، وسبباً ممرضاً وسماً قاتلاً للأعداء، فإذا فعل ذلك كله أثابه وإلا صرفه. وهذا الملك كان إذا أراد قتل إنسان خبز رغيفاً، فإذا أكله آكل اعتل بعد ثلاثين يوماً، ومات في اليوم العشرين والمائة، سواء، وهذا لا يقدر عليه إلا الماهر بالطب. حدثني بهذا كله فيروز الطبيب، وكان ظريفاً وكان طويل اللسان كثير الكلام. وسمعت ابن المرزبان الفقيه في علته يقول: ما طالت علي العلة إلا من هذيات فيروز؛ وكان مع ذلك مولعاً بالكيمياء، وزعم انه وقف منه على سر الأسرار، وعلى غنيمة الغنائم، وعلى حقيقة الأمر، وكان يعرف بالتزيد، وقل من طال لسانه وبذؤ لفظه إلا كان مرمياً بالكذب، معروفاً بالخنا، ملوماً على الفحش.

وكنت أحب أن أشفي قرمك بالكلام في الكيمياء، وأحكي لك مدار القول على صحته، وغاية ما يمكن في إبطاله أو تحقيقه، ولكن الكتاب قد تهنق في آخره جداً لبقية أنا عاجز عن تتميمها والتلوم عليها، وجمع أطرافها وضم نشرها، وإذا رأيت لذلك وجهاً، ووجدت عليه معونة، وإليه داعياً، فعلت مفيداً ومستفيداً، فحظي فيما أبينه عند الدرس المذاكرة ضعفاً حظ الواقف عليه من المقتدين منه. نعود الآن إلى حال بالنا في وآية البقية من الكتاب لعل شمله ينتظم، وأمري به يلتئم، فقد غمرني غامره، وأعياني مختلفه، وسد متنفسي شتيته، وعرضني لسهام الطاعنين جملته وتفصيله، والله يأخذ باليد، ويصل كفاية اليوم بالغد، فالرجاء فه قوي، وهو لكل خير أهل، وبكل فضل ملي. يقال إن بعض الأطباء قال: كان القدح مجهولاً على قديم الدهر إلى أن رأوا كبشاً كان عمي بنزول الماء في عينيه، فقدحته شوكة وهو يرعى فأبصر؛ وكان العلاج بالحقنة مجهولاً إلى أن رأوا طائراً يحقن نفسه بماء البحر فتعلم منه؛ وقال جالينوس: الأفاعي والحيات إذا عشيت أبصارها تطلب أصول الرازيانج وتحك أعينها بها فتبصر؛ ويقال: إن الطبيب الحاذق يشبه الملاح الحاذق في البحر، وحذق الملاح قبل هيجان الريح ما يرى من مخايله، فإن وجد مرسى بادر إليه، وإن منعه عظم اللجة احترز بالرفق. قال الحسن بن علي قاضي مرو: كان أبو حنيفة من أفطن الناس، وذلك أن رجلاً كان يتجمل بالستر الظاهر والسمت البين، وكان يلبس على ذلك، فقدم رجل فأودعه مالاً خطيراً وخرج حاجاً، فلما قضى نسكه عاد

إلى صاحبه وطلب وديعته فجحده، فألح عليه فتمادى، وكاد يهيم الرجل، واستشار ثقة له: كف عنه وصر إلى أبي حنيفة فدواؤك عنده، فانطلق الرجل إليه وخلا به وأعمله شأنه وشرح له قصته، فقال له أبو حنيفة: لا تعلم بها أحداً، وامض راشداً وعد إلي غداً، فلما أمسى أبو حميفة جلس كعادته واختلف الناس إليه، فجعل يتنفس الصعداء كلما سئل عن شيء، فقيل له في ذلك قال: إن هؤلاء - يعني السلطان - قد احتاجوا إلى رجل يعثوبه قاضياً إلى مكان، فقال الناس: اختر من أحببت فما يحضرك إلا نجم، ثم أسبل كمه وخلا بصاحب الوديعة وقال له: أترغب حتى أسميك؟ فذهب يتمنع عليه، فقال له أبو حنيفة: اسكت فإني أبلغ لك ما تريد، فانصرف الرجل مسروراً يظن الظنون بالجاه العريض والحال الحسنة، وصار رب المال إلي أب حنيفة فقال له: امض إلى صاحبك ولا تخبره بما بيننا ولوح بذكري، وكفاك، فمضى صاحب الوديعة إلى الرجل لك وفاه ماله، فصار الرجل إلى أبي حنيفة وأعلمه رجوع المال إليه، فقال: استر عليه، ولما غدا الرجل إلى أبي حنيفة طامعاً في القضاء، نظر إليه أبو حنيفة وقال: إنه قد نظرت في أمرك فرفعت قدرك عن القضاء. قال بقراط: لا ينبغي أن يقدم أحد بسقي الدواء للتجربة، فإنه ربما ضر قوماً، مثال ذلك ماء الحندقوق فإنه إذا صب على موضع نهش الأفاعي والرتيلا سكن الوجع من ساعته، وإذا صب على موضع لم تنهشه الأفاعي عرض له مثل ما يعرض من نهش الأفاعي، وقد يحتال قوم من الأطباء في سقي ذلك للمفلوج الذي قد يئس من برئه. وقالوا: الطبيب الحاذق يصير بحذقه السم دواء نافعاً، والجاهل يصير الدواء سماً قاتلاً، مثال ذلك أن الجاهل بالطب إذا أخذ الصندل فسحقه

كالكحل ثم طلاه على بدن رجل كثير الحرارة طلياً ثهيناً دخلت تلك الأجزاء الدقيقة في منافس الجسد ومسامه، فتهيج حرارة البدن بما أدخل عليها من برد الصندل. والطبيب الحاذق يأخذ العود الهندي فيسحقه سحقاً جريشاً ثم يطليه على البدن طلياً فيقاً، فيصل افيه من الرطوبة إلى حرارة البدن فيبردها، ويجد الحر سبيلاً إلى الخروج، فتصير حرارة العودة مبردة للبدن بتدبير الطبيب الحاذق؛ قال: ولذلك قيل: لا ينبغي للإنسان أن يسكن بلداً ليس فيه أربعة أشياء: ملك عادل، وماء جار، وطبيب عالم، وواد عظيم. وقال معبد بن مسلم: الوافر جزى الله الموالي عن أخيهم ... فكل صحابة لهم جزاء بما فعلوه إن خيراً فخير ... وإن شراً كما امتثل الحذاء فما أنصفتم والنصف يرضى ... به الإسلام والرحمن البواء أردتهم النصيحة من لدني ... فمجوا النصح ثم ثنوا فقاءوا وقلت فدى لكم عمي وخالي ... فما قبل التودد والإخاء وةكيف بهم وإن أحسنت قالوا ... اسأت ولو غفرت لهم أساءوا لجاهلي: الكامل المجزوء أأمام إن الدهر أه ... لك صرفه إرماً وعادا وابتز داوداً وأخ ... رج من مساكنه إيادا وسما فأدرك أسعد ال ... خيرات قد جمع العتادا البيض والحلق المضا ... عف نسجه وحوى التلادا وله كتائب يجنبو ... ن الخيل شقرا أو ورادا

فسعى لهم والدهر يح ... دث بعد صالحه فسادا وكأن ذلك لم يكن ... إلا التذكر حين بادا أبني إن القدر لم ... تفضح أباك ولا الرمادا أبني كن كأبيك يط ... رق في الملمة أو يغادى قال أبو الفضل ابن العميد: لكل صباح صبوح، ومع المخض يبدو الزبد، ومن الحبة تنشأ الشجرة؛ ونسبخا إلى العرب. قال أنس بن مالك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيتم لو كان لأحدكم عسل وله إناءان، أين كان يجعله عسله؟ قالوا: في أنظفهما أو أطهرهما، قال: فكذلك الله تبارك وتعالى، لا يجعل العلم إلا في أنظف القلوب وأحبها إليه. قال إسماعيل بن أبي أويس: سمعت مالك بن أنس يقول: لم يزل الناس على أن الإيمان قول وعمل حتى نشأ بالعراق مشؤوم يقال له أبو حميفة فابتلي وابتلي الناس به، وأكثر ما ابتلى به أهل خراسان. قال ابن عمر: إذا جعلت المشرق على يسارك، والمغرب على يمينك، ففيهما بينهما القبلة.

قال أبو هريرة: " فإن له معيشة ضنكاً " طه: 124: عذاب القبر. قال أنس، قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: يا بني. قالت عائشة: كان أحب الشراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلو البارد. قال أنس بن مالك: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبيان في المكتب فسلم عليهم. قال أبو الدرداء، قال النبي عليه السلام: مثل الذي يعتق عند الموت مثل الذي يهدي إذا شبع. قال أنس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الاقتصاد نصف العيش، وحسن الخلق نصف الدين. أنشد الآمدي لأعرابي: الرجز بيضاء في وجنتيها احمرار ... يعيبها جاراتها القصار هن الليالي وهي النهار

قال فيلسوف: محل الملك من رعيته محل الروح من البدن، فالروح تأمل لألم كل عضو من أعضاء البدن، وسائره لا يألم لألم غيره، وفي فساد الروح فساد جميع البدن، وقد يفسد بعض البدن وغيره من سائر البدن ليس بفاسد. قال فيلسوف: أفضل الناس من كان سخياً شحيحاً، خفيفاً ثقيلاً، جريئاً جباناً، أصم سميعاً، قائلاً عيياً، ضريراً بصيراً؛ يقال: أراد بذلك من كان سخياً بدنياه شحيحاً بدينه، خفيفتً إلى طاعة الله ثقيلاً في معصيته، جريئاً في الحق جباناً عن الباطل، أصم عن الجهل سميعاً للعلم، قائلاً للصواب عيياً بالخطأ، ضريراً في المنكر بصيراً في المعروف. قال أبو محمد القرشي النحوي، وهو من القدماء، يقال: هي السلاح وهو السلاح، وهي الذراع وهو الذراع، وهي الكراع وهو الكراع، وهي الطباع وهو الطباع، وهي اللسان وهو اللسان، وهي السبيل وهو السبيل، وهو الكلأ وهو الكلأ، وهو السوق وهو السوق، وهو الروح وهو الروح، وهي النخل وهو النخل، وهي النحل، وهو النحل، وهي الأنعام وهو الأنعام، وهي القفا وهو القفا؛ قال الشاعر: الوافر فما المولى وإن عرضت قفاه ... بأحمل للمحامل من حمار

ويقال: هي الشعير وهو الشعير، وهو البر وهو البر، وهي السلم وهوالسلم، وهي الفرس وهو الفرس، وهو الخمر وهو الخمر، ومضى له سن ومضت له سن، وهي الحال وهو الحال، وهي الإزار وهو الإزار، وهو الرداء وهي الرداء، وهو السراويل وهو السروايل، وهو العراق وهي العراق، وهو الشام وهو الشام، وهي العقب وهو العقب، وهو العنق وهي العنق، وهي الدرع وهو الدرع، ودرع المرأة يذكر، وهو السلطان وهي السلطان، وهي السكين وهو السكين، وهي الدلو وهو الدلو، وهي الإبط وهو الإبط، وهي السلم وهو السلم ومعناه الصلح، وهي الوراء وهو الوراء، ويقال فلان وربه فلان، ووريئة تصغير؛ وهي القدام وهو القدام، وهو القمطر وفي القمطر، وهي الطست وهو الطست، وهو الفلك وهل الفلك، وهو الآجر وهي الآجر، وهي البسر وهو البسر، وهو المتن وهي المتن، وفي الصاع والصواع، قال الله تعالى: " قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم " يوسف: 72، وقال تعالى: " ثم استخرجها من وعاء أخيه " يوسف: 76، وسقط النار يذكر ويؤنث، وهي العنكبوت هو العنكبوت، وهي العاتق وهو العاتق، وهي العجز وهو العجز؛ قال الأصمعي: يقال: عجز المرأة وعجز وعجز وعجز؛ قال: ومثله عضد وعضد وعضد وعضد؛ ويقال هو نمير وهو نمر. العتبي: الكامل الصبر بحسن في المواطن كلها ... إلا عليك فإنه مذموم من كان أغلفه الزمان فقد سطت ... كف علي من الزمان غشوم حتى بكى لي من رآني رحمة ... إن المصاب بشيبه مرحوم

فدع الزمان فليس يعتب عاتباً ... إن الذي لام الزمان ملوم كان طلحة بن عبد الله بن طاهر ينادم أحمد بن أبي خالد الأحول، فأطال منادمته، وبلغه أن عليه عيلة وديناً فوجه إليه أحمد بن أبي خالد ألف ألف درهم، فحلف الطاهري أن لا يقبلها، فبلغ إبراهيم بن العباس فقال: لله در أحمد متبرعاً، ودر الطاهري متنزهاً. جرى بين الرشيد وزبيدة حديث نزاهة نفس عمارة بن حمزة فقالت له: ادع به وهب له سبحتي هذه، فإن شراءها خمسون ألف دينار، فإن ردها عرفنا نزاهة نفسه؛ فوجه وراءه فحضر، فحادثه ساعة ورمى بالسبحة إليه فقال: هي ظريفة تصلح لك، فجعلها عمارة بين يديه، فلما قام تركها، فقالت: نسيها، فأتبعوه خادماً بالسبحة فقال للخادم: هي لك، فرجع فقال: وهبها لي عمارة، فما أخذتها من الخادم إلا بألف دينار. قال جحظة: فقدت مشربة من فضة في دار بعض الرؤساء الجلة، فوجه إلى ابن خامان المنجم فحسب فقال: المشربة سرقت نفسها، فضحك منه فغاظه ذلك فقال: هل في الدار جارية يقال لها فضة؟ فأحضرناها فقال: هذه أخذتها، فسألناها فأقرت، فقال: الفضة أخذت الفضة، وخرج غضبان، فوصل بمال، فحلف بالطلاق أنه لا يقبل شيئاً. وافتقدت امرأة بعض التجار خاتماً من ياقوت كان يدها، فوجهت إلى أبي معشر، فحسب فقال: الخاتم الله عز وجل أخذه، فتعجب

منه، ثم عادت تطلبه فوجدته في أثناء ورق المصحف. - لهذه - حفظك الله - أخوات قد طال السمر بها، وفي عرض الكتاب ما يستوفي التعجب منك، ويوكل العجب بك، وفيه المختلق وفيه المحقق، وعلم النجوم حق، أعني أن آثار الأسباب العلوية واصلة إلى المواد السفلية لأن بعضها مرتبط ببعض، ولكل واحد منها مفعول فيها، ولكل مؤثر متأثر، والجميع جار على نظامر لا خلل فيه لا دخل عليه، ولكن إدراك خفاياها صعب عسير بل ممتع مستحيل، وذلك أن الأدلة كثية، ويه مع كثرتها مختلفة، ومع اختلافها ملتبسة، مع التباسها خفية، ومع خفائها بعسدة نائية، وطالب حقائقها ذو قوة قصيرة، ينفلت منه في حال تحصيله أضعاف ما يظفر به، فلهذا ما يقل صوابه ويكثر خطاؤه، ولكن الناس لهجون في باب النجوم خاصة برواية ما أصيب فيه وإخفاء ما أخطى به، وبسط العذر فيما عرض له تقصير وإطالة القول فيما صحبه أدنى بيان، لو جمع صواب البارع من أهل الصناعة لما كان إلا مثل صواب الزراق وصاحب الإكران، والمولع بالحدس ومرسل الخاطر نحو الشيء. على أن أصحاب التحصيل منهم يعترفون بأن الغيب لا دليل عليه ولا سبيل بوجه إليه. وقد كان غلام زحل، وكان شيخ هذا الشأن، وله صواب مدون وخطأ مدفون، وحسن ظاهر، وقبح مستور، وصدق مروي وكذب متأول، قال: إن عضد الدولة سيدخل بخيله ورجله مصر ويطمئن بها مدة ويكون له بها

شأن شهير، حدثني بهذا شيخ موثوق به؛ قال، فقلت له: أنا أنا بغير النجوم فأزعم انه لا يكون من هذا قليل ولا كثير. فما مرت الليالي حتى صح حدس هذا الشيخ، وبطل حكم ذلك الشيخ؛ وقد قال أرسطاطا ليس: الناس كلهم يعلمون الغيب، ولكن بعد أن يتم الأمر. وكان بعض أصحابنا يقول أيضاً في لفظ أحكام النجوم كلاماً طرياً - زعم أنه لو صح علم النجوم وأمكن إدراكه لكان الخلاف في أمر الدين والدنيا يسقط، وذلك أنا مثلاً إذا أردنا أن نعلم أن القرآن مخلوق أو غير مخلوق، أو الباري يرى بالأبصار أو لا يرى، أو الشفاعة حق أو لا، أو عذاب القبر صحيح أم لا، وأبو بكر أفضل أم علي، أو الحجاج يدخل النار أو لا، وهل سفشو مذهب فلان أو لا، يرجع إلى الصناعة، ويستنبط منها الحق من الباطل، واليقين من الشك، وتنفى المكاره بالواجب، ولا يباشر ما يلام فيه ولا يأتي ما يندم عليه، وهكذا إذا أردنا أمر الدنيا في عقد دولة لا تزول، وإقامة دعوة لا تدرس، وبث حال لا تمحى، وتغليب من لنا فيه هوى، وتقديم من له عندنا يد، وتمليك من ننتعش بسلطانه، ونهيش في كنفه، وهذا أمر معجوز عنه، ما يؤمن منه، وقد ضرب دونه الأسداد. وكان يقول أيضاً: هذا العلم من شرف منصبه، ودقة مذهبه، وبعد مأخذه، عار من الفائدة، خال من العائدة، يبين لك ذلك بمثال أنصبه، ومثل أضربه: اعلم أنك لو قلت لنحوي: ما فائدة علمك بالنحو، وما غاية غرضك فيه؟ لقال: معرفة المعاني، وتجلية ملتبسها، والتوغل في دقائق معاني كلام الله رب العالمين، وكلام المبعوث بالحق إلى الخلق أجميعن، ولولا علمي بالنحو لبطل مراد كثير، وجهل باب كبير، فتقول له: ما أحسن ما توخيت، إنك لسعيد؛ ولو قلت لفقيه: ما منتهى أمرك في الفقه؟ لقال: إن الدين محيط بحلال أو حرام، وواجب ومستحب، وعلة

وحكم، وقضاء وفصل، وكل ذلك مقرون بعلم وعمل، ومتى جهلت العلم أفسدت العلم، وعند ذلك ترى اختياره أشد اختيار، ورأيه أثقب رأي؛ وكذلك جواب الطبيب والمهندي، ومن شئت من أصحاب الصنائع المهيأة بالعلم، والعلم الموصول بالعمل؛ وما هكذا المنجم، فإنه إذا وجب عنده باقتران كوكبين، ومناظرة شكلين، واجتماع نحسين أمر، فلا سبيل له إلى اتقائه والهرب منه، إنما عجز عن ذلك لأنه تابع للفلك، وليس الفلك تابعاً له؛ وإذا كان كونه في العالم ضرورياً فصورة كونه تابعة لأصل كونه. وقد كان بعض المتحذلقين تعسف في هذا المعنى قولاً، وذلك أنه قال: النفس فوق الفلك، وقد أرى الشيء بالحساب على نحو ما، فأعدل عنه بقوة النفس إلى نحو آخر، فأكون منتفعاً بما علمت؛ وهذا كلام لا نور عليه ولا حقيقة له، لأنه إن عدل من جهة إلى جهة فذلك العدول بأثر ظاهر أو علة خافية، وليس له منه أكثر من انقياده من جهة إلى جهة بقائد علوي ظاهر أو خفي، وإن عسر عليه العدول فقد جاء ما أقول من الاضطرار القائم والواجب اللازم. وكان يقول: الأمور كلها جارية بالقضاء والقدر، فسألته عن معنى القضاء والقدر، فأملى علي ما أنا حاكيه الآن، وإن كنت قد أمللت بما أطلت، وثقلت بما نقلت: زعم أن المرجع من هذين الاسمين في المعنى على التحصيل إنما هو إلى اتساق الأمور واطادها وتتابعها على وجوهها، فإن تعلق بعضها بالاختيار فليس الاختيار أنشاه، ولكن بالاختيار كان منشأه، وقال: ليس العجر أن بالاختيار كان اتساقه، ولكن العجب أنه كان على الاضطرار مساقه. وقال أيضاً: ومن علم أن العقل قد قسم فاعلاً على الإطلاق، ومنفعلا " ً على الإطلاق، ووسيلة تتشبه بالفاعل فوقه فيفعل، وتتشبه بالمنفعل فينفعل،

فكأنها تأخذ من الأول، ويأخذ منها الثاني، وكأنها تقبل من فوقها ويقبل مها ما تحتها، علم أن اطراد هذا الباب لم يدع للاختيار شعبة إلا ما ترك الاضطرار. وقال أيضاً: ومن الاضطرار أن يكون الامتيار، وليس من الاختيار أن يكون اضطرار، فكأن الاضطرار يوجب الاختيار في كونه اختياراً، وليس الاختيار موجباً للأضرار في كونه اضطرار من سنخ العالم وسوسه، والاختيار من حشو العالم وغروسه. قال: وإنما أشكل المعنى في هذه الدعوى من وجه طريف، وذلك أنه وضع الواضع أن الأمور ثلاثة: واجب وممتنع - وهما الطرفان - وممكن بينهما، وهذا الموضع صحيح لكنه راجع إلى الضرورة، أعني انه من الضرورة أن يكون الممتنع ممتنعاً والممكن ممكناً والواجب واجباً، وكأن الضرورة قد عمت الثلاثة، وقصرتها على ما انقسمت عليه حتى لا ينقلب الواجب عن حد الوجوب إلى حد الإمكان، ولا الممكن إلى الممتنع؛ قال: والذي يؤنسك بهذه القضية، ويجعلك منها على جلية، أنك متى فرضت الواجب واجباً لم تقسمه إلى واجب دون واجب، وكذلك إذا فرضت الممتنع ممتنعاً لن تقسمه ممتنعاً فوق ممتنع، ولا تجدك تفعل ذلك في الممكن، فإنك تقول: الممكن على ثلاثة أنحاء: ممكن قريب من الواجب، وممكن قريب من اممتنع، وممكن متوسط على حسب القرب والبعد من الطرفين، فقد وضح لك أن الممكن موقوف على توهمك وحرصك، وأنه لم يستقل بنفسه، ولم يتحيز بطبعه، ولم ينفرد بقوامه، ولسنا نريد بالممتنع عيناً شأنها الامتناع، فإنه لو كان كذلك كان لا يبعد أن ينقلب ما من شأنه الامتناع مرة إلى ما شأنه الوجوب. قال: بل أشير بالممتنع إلى نفي صورة الواجب، وإلى رفع فواته، وإلى خلع ما يميل منه؛ قال: قد حال الواجب في كل شيء عدواً، وهو الاضطرار، حتى كأن الممكن واجب أن يكون ممكناً، والممتنع واجب أن يكون ممتنعاً، والواجب واجب أن يكون واجباً، ومتى كان كل شيء من ذلك واجباً كان العالم

كله واجباً أي الاضطرار، ومتى كان كله واجباً فحكم كل جزء يشار إليه حكم كله إذا نص عليه. وقال: ألا ترى أن العالم كله موجود، فحكم كل جزء منه أنه موجود، قال: فقد تناول الرزق والحياة والموت والإصابة والحرمان والسعادة والشقاء والقبول والاطراح، وليس لشيء من جميع ذلك في هذا الحكم اختصاص يخرجه عن نظام العالم وتأسيسه في كونه ووجوبه، وفرض الأرض ووضع الواضع لا يخرج من عوارض العالم، ولكنه لا يدخل في جوهر العالم، وإنما ذلك لعلو أفق العلوية، وقوة سلطان العلم، وبه يرى الشيء متلوناً مختلفاً وهو في حقيقته منتظم مؤتلف. هذا بعض كلام هذا الرجل، ولو استقصيته لاحتجت إلى استئناف كتاب، واحتجت أنت إلى تفريغ بال، وفيا نقشته لك، ونمقته فيعينك، ما يبعث بصيرتك، ويشحذ خاطرك، ويعرض الحق عليك، ويجمع فنون الدليل إليك، فتناول ما تتناول عن كثب بلا دأب ولا تعب، وتتحكم تحكم الآمر المتمكن، فاذكر عند هذه الأحوال حق من سعى لك، وسهر بسببك، وبحث من أجلك، ثم نظمه بين يديك حتى استشففته متخيراً، وأخذت ما أخذت منه مقتدراً، فوفر عليه قسطه من تعظيمك، ونصيبه من حسن ذكرك وطيب تنائك، ولا تفته صيانة العرض من بعد كما أفته منية النفس من قرب، ولا تقبحه بما استاقه إلا أن تجمله بما هو أحسن منه، والسلام. تداعى - أديك الله - هذا الحديث واضطراب حتى ليس يبين مكان جنابتي من اعتذاري، ولا استسلامي من انتصاري، وذلك كله لعلل وأسرار لو شرتها أو بحت بها لم ترض لي في النار داراً، ولا الدرك الأسفل قراراً، والحمد لله على كل حال، فرضيها متصل بالأمل، ومسخوطها مقرون بالحسرة، وظاهرها متلقى بالتسليم، وباطنها مردود إلى الحي القيوم، وسهلها متناول بالشكر، وعسيرها محتمل بالصبر، ولذيذها مستزاد بالافتقار، ومريرها متجرع بالاضطرار، وقريبها مأخوذ بالحاجة، وبعيدها متمنى

بالاضطرار، فهو أهل الحمد ومستحقه، ونحن عبيده وخلقه، يؤتي الملك من يشار وينزع الملك عمن يشار، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير. قال أحمد بن الطيب المنطقي في مراح الروح: حكي عن بعض الأطباء أنه وصف لإنسان شكا إليه علته فقال: خذ من المقفس المربى قدر روثة، وصب عليها ماء حاراً قدر محجمة، ثم دقه حتى يصير كأنه مخاط ثم اشربه، فقال المريض: أما دون أن أضرب بالسياط فلا أفعل. قال احمد: وقد أحسن المريض فإن هذا وصف يستعجل مه سقوط القوة، لأن المريض إذا سمع مكروهاً غمه، وإذا غمه غارت غريزته، وإذا غارت غريزته انحلت قوته، وإذا انحلت قوته ركبه المرض بأضعف أسبابه، والطبيب الرفيق الماهر بخدمة المرضى يقول لن يريد أن ينهاه عن أكل اللحم لحدة مرضه، واحتام حرارته: إياك والزهومة، فإذا عزم على إطعامه اللحم عند البرء لرد قوته وحفظ صحته قال له: كل الدسم، والذي نهاه عنه أولاً هو الذي أمره به آخراً، إلا أنه سماه أولاً زهومة لتكريهه عند النفس، وسماه ثانياً دسماً لتقريبه من النفس. قال أحمد: ومثل هذا من سوء الاختيار في اللفظ ما يحوى عن حمزة بن نصر، مع جلالته عند سلطانه وموضعه من ولايته، أنه دخل على امرأته، وعند ثوب وشي، فقالت له: كيف هذا الثوب؟ قال: بكم اشتريتيه؟ قالت: بألف درهم، قال: قد والله وضعوا في آستك مثل ذا، وأشار بكفه مقبوضة مع ساعده، فقال: لم أدفع الثمن بعد، قال:

فخصاهم بعد في يدك، قالت: فأختك قد اشترت شراً منه، قال: إن أختي نضرط من آست واسعة، قالت: ولكن أمك عرض عليها فلم ترده، قال: لأن تلك في آستها شعر، قال أحمد: وهذا كلام الخرس أحسن منه. وأنشد للمرعق: البسيط أثني عليك ولي حال تكذبني ... فيما أقول فأستحيي من الناس قد قلت إن أبا حفص لأكرم من ... يمشي فخاصمني في ذاك إفلاسي أبو عطاء السندي: الوافر ثلاث حكتهن لرهط قيس ... ظلمت بها الأخوة والثناء رجعن على حواجبهن صوف ... وعند الله نحتسب الجزاء قال أعرابي نظر إلى خط: كواكب الحكم في ظلم المداد. وقال أديب: خط الأقلام صورة هي في الأبصار سود، وفي البصائر بيض. قال أعرابي: الخط مركب البيان.

قيل لوراق: خطك مغرس الألحاظ ومجتنى الألفاظ. أنشد أبو قلابة الرقاشي لأبي حيان البصري: الكامل يا صاحبي دعا الملام وأقصرا ... ترك الهوى يا صاحبي خساره كم لمت قلبي كي يفيق فقال لي ... لجت يمين ما لها كفاره ألا أفيق ولا أتر لحظة ... إن أنت لم تعشق فأنت حجاره الحب أول ما يكون نظرة ... وكذا الحريق بدوه بشراره يا من أحب ولا أسمي باسمه ... إياك أعني واسمعي يا جاره لمنصور الفقيه: المحتث لا يوحشنك مني ... ما كان منك إليا فأنت مع كل جرم ... أعز خلق عليا وقال أبو سعيد السيرافي: في السماء المصرفة ما إذا صغر منع الصرف، وفي السماء ما لاينصرف، وإذا صغر صرف، وفيها ما لا ينصرف في مصغر ولا مكبر: فأما ما ينصرف وإذا صغر لم ينصرف فهو الاسم المعرفة الذي في أوائله من زوائد الفعل، وفيه حرف زائد يخرجه عن بناء الفعل، فينصرف لخروجه عن

بناء الفعل كرجل سميناه يضارب أو نضارب فهو منصرف، فإذا صغرناه قلنا يضيرب ونضيرب كأنا صغرنا يضرب ونضرب ونضرب، وأما ما لا ينصرف فإذا صغرناه انصرف فنحو عمر وبكر، فإذا صغر تصغير كتصغير عمرو وبكر، فينصرف لزوال الفظ العدل، وكذلك رجل سمي بمساجد فلا ينصرف لأن هذا البناء يمنع من الصرف، فإذا صغرناه أسقطنا الألف فقلنا: مسيجد كتصغير مسجد فينصرف. وأما ما لا سنصرف في مصغر ولا مكبر فما كان في أوله زيادة الفعل نحو رجل اسمه تغلب ويزيد وما اشبه ذلك، تقول: هذا تغيلب، قال الشاعر: قد عجبت مني ومن تغيلبا وأما ما ينصرف في المصعر والمكبر كمحو زيد وبكر وما أشبه ذلك تقول: هذا زيدز زييد، ومررت بزييد. لمنصور الفقيه: الهزج إذا الفوت تأثى ل ... ك والصحة والأمن وأصبحت أخا حزن ... فلا فارقك الحزن قال عبد الرحمن بن كثير: خرج بعض ملوك الأعاجم إلى نزهة فانفرد عن أصحابه وانتهى إلى بستان، فرأى فيه امرأة ذات هيئة فقال لها: أيتها المرأة، إن مثلك لا ينبغي أن يكون في هذا الموضع، فما أخرجك من منزلك؟ قالت: كذلك يكون الناس إذا لم يكن لهم من ينظر في أمورهم، قال: وما ذاك؟ قالت: إن زوجي مات وترك علي عيالاً وترك ضيعة كنا نعيش بها، فعدا علينا وزير الملك فأخذها، فأتيت إلى القاضي أستعديه عليه فلم ينصفني، فأتيت

الحاجب ليدخلني على الملك فلم يفعل، ثم أتيت صاحب الشرطة فلم يفعل، فقال لها: خذي هذا الكتاب وامضي به إلى احب الشطرة فأعطيه إياه فإنه سينصفك، قالت: ما أرجو الإنصاف، قال: ليس يضرك هذا الكتاب إن لم ينفعك، وكتب لها كتاباً وأعطاها إياه، فمضت به إلى صاحب الشرطة فناولته الكتبا، فقبله ثم دعا بالجلادين فقال: إن هذا كتاب الملك أمرني أن أقوم لتجلدوني بالسياط حتى يستنقع عقبي في دمي، ثم قام فضربوه حتى استنقع عقباه في الدم، ثم قال: إن الملك أمرني في هذا الكتاب أن أسود وجهي وأركب الجمل وأحول وجهي إلى ذنب الجمل، ويقاد الجمل وأنا عليه حتى أنتهي إلى باب الملك؛ قال: فلما انتهى إلى باب الملك قال له الملك: ما حملك على أن أتتك امرأة متظلمة فلم تنصفها؟ قال: خفت وزيرك، فأمر به فضرب عنقه ثم دعا بحاجبه فقال: إنما اتخذتك حاجباً لتحجب عني المظلوم! ثم أمر به فضرب عنقه، ثم دعا بالوزير فضرب عنقه، ثم رد الضيعة على المرأة وولدها وقال: إن الملك لا يدوم إلا بالعدل، فإذا كان بالظلم فذلك غلة وليس بملك. قال المأمون: لله نعم لا تحصى في أثناء المكروه: لقد شري بدني مرة زائداً على ما كنت أعهده في كل حول، حتى نبا جنبي عن المهاد، وفقدت معه القرار وتمنيت الموت، فبينا أنا على ذلك ليلة، والحشم نوم والدنيا مقمرة، وأنا ساقط القوة لطول الحمية وخوف الزيادة في العلة، قد تنغصت بالحياة وبرمت بالعيش، حتى ثارت من أسفل قائمة السرير عقرب شائلة الذنب تطير، فقلت في نفسي: إنا لله، هذا الموت، ولم يكن في طوق فأتحرك أو أنادي، فاستسلمت، فما زالت تعدو على سننها حتى بلغت أوائل جسمي، ثم

دبت على أطرافي، وبلغت ناحية أضلاعي، ثم ضربتيني بقوتها كلها، وغمست حمتها، فغشي علي من هول المنظر ومن ألم الضرب، واتصلت عشيتي بالنوم، فلم أنتبه إلا مع قرن الشمس، فلما أفقت لم أجد مما أمسيت عليه قليلاً ولا كثيراً، ونهضت من وقتي، واستعديت عادتي وراجعت صحتي وكأني لم أكن صاحب القصة. منصور المصري: السريع ما اجتمع المال وحسن الثنا ... مذ كانت الدنيا لإنسان فأي هذين تخيرته ... ضنا به فاله عن الثاني وله مصراع: الرجز علي أن أزوركم ... ولا علي أن أصل كان الشعبي يضمن الأجير المشترك كالصباع والقصار والخياط سئل إبراهيم النخعي عن حائك مشى بليل بشعلة نار فاحترق الغزل فقال: هو ضامن. قال الشعبي: كل أجير ضامن إلا أجير يده مع يدك. قال ابن أبي المر قال أوب الخيثم العطار: استأجرت حمالاً فحمل لي ستوقة فيها دهن، فوقعت منه فانكسرت، فأردته على الصلح فأبى، فاختصمنا إلى شريح فضمنه قيمة الدهن.

قال الشعبي في المستعير والمستودع: إذا خالفا ضمنا قال الحكم: شهد رجلان عند شريح على رجل، فشهد أحدهما بالف وخمسمائة دينار وشهد الآخر بألف، فقضى شريح بأقل المالي، فقال الرجل: أتقضي علي وقد اختلفا؟ فقال شريح: إنهما قد اجتمعا على ألف. وقال مجاهد: اختصم إلى شريح في ولد هرة فقال: ضعوها، فإن هي قرت ودرت فهي له، وإن هي فرت واسبطرت فليست له. قال ابن سيرين: اشترى رجل بغلة فوجدها حمارة، فخاصم فيها إلى شريح فقال: أدخلوها داراً لها بابان ثم أخرجوا البغال من باب والحمير من باب، فإن اتبعت الحمير فهي حمارة، وإن اتبعت البغال فليست بحمارة. قال هشام بن محمد: تزوج رجل ابنة عبد خياط، فولدت غلاماً فانتفى منه، فارتفعت إلى شريح فقال لها: اكشفي عن وجه الصبي فكشفت، فقال شريح: لو كنت حالفاً لحلفت أنه ابنك، ولكن الذي حملك على أن تتزوج ابنة عبد خياط، وأنت رجل من العرب في شرف من العطاء هو الذي حملك على أن تنتفي منه؛ اذهبي فداعبيه. قال عبد الرحمن بن عوف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا الشجرة وفاطمة فرعها وعلي أغصانها الحسن والحسين ثمرتها وشيعتنا ورقها.

قالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل ثم يخرج إلى الصلاة ولا يتوضأ. قال ابن عباس: كفن النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب في ريطتين بيضاوين سحوليين وفي برد حبرة. قالت عائشة: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ناوليني الخمرة من المسجد، فقلت: إني حائض، قال: إنها ليست بيدك. قال سماك: سمعت جابر بن سمرة يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشكل العينين منهوس العقب. قال أبو هريرة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقطع الخبز بالسكين. قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشكنب درد؟ قم فصل فإن في الصلاة شفاء.

حدثنا ابن بشران بأبلة البصرة عن ابن الأنباري عن عبد الله بن خلف عن عبد الله بن بشير الطوسي قال، حدثنا عثمان بن عمر عن أبيه قال، سمعت يزيد بن هارون يقول: كان أبو شيبة القاضي من ألحن الناس، كان يقول: حدثنا أبي إسحاق الأسود عن عبد الله قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعه رقبة بن مصقلة فقال: يا أبا شيبة، لو كان لحنك من الذنوب لكان من الكبائر التي لا يغفرها الله. وأنا سمعت ابن شاهين المحدث في جامع المنصور يقول في الحديث: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تشقيق الحطب، فقال قوم من بعض الملاحين كيف نعمل والحاجة ماسة إلى الحطب؟ وقال ابن شاهين مرة أخرى في وجوه قوله تعالى: " وثيابك فطهر " المدثر: 4، قيل: لا تلبسها على عذرة. ولي شهود بهذين الخبرين منهم عبد العزيز بن الخضر الكاتب التستري. وإنما نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن تشقيق الخطب كأنه كره للخطيب أن يتكلف، والتكلف مكروه لأنه زائد عما يحتاج إليه، والمنقوص عما يحتاج إليه أخف على النفوس من الزائد، وذلك أن الزيادة على المقدار نقص مكرر، والتقصير عن المقدار نقص غير مكرر. وأما التصحيف الثاني وإنما هو فثيابك فطر أي لا تلبسها على عذرة،

وذلك أن العرب تعد العذرة نجاسة - وتسمي العذار نجساً - ويقال رجل نجس ونجس، فكأنه إذا لوحظ المسمى أنبأ عليه بالكسر، وإذا أريد الصفة أنبأ بالفتح. قال أبو هريرة: رأيت هنداً بمكة جالسة كأن وجهها فلقة قمر، وخلفها من عجيزتها مثل الرجل الجالس، ومعاوية صبي يلعب، فمر رجل فنظر إليه فقال: إني لأرى غلاماً إن عاش ليسودن قومه، فقالت هند: إن لم يسد إلا قومه فأماته الله. أنشد في رجل ولي الحكم: الكامل أبكي وأندب مهجة الإسلام ... إذ صرت تقعد مقعد الحكام إن الحوادث ما علمت كثيرة ... وأراك بعض حوادث الأيام وأنشد أيضاً: الطويل تمنيت من أهوى فلما رأيته ... بهت فلم أعمل لساناً ولا طرفا وأطرت إجلالاً له ومهابة ... وحاولت أن يخفي الذي بي فلم يخفى وأنشد لأعرابي: الطويل وكم قد رأينا من فتى متجمل ... يظل ويمسي ليس يملك درهما يبيت يراعي النجم من جوع بطنه ... ويصبح يلقي قومه متبسماً

وما يسأل الأقوام ما في رحالهم ... ولو مات جوعاً عفة وتكرما قال حمزة الزيات، قال رجل للحسن البصري: ما تقول في رجل مات وترك أبيه وأخيه، فقال: ترك رجل أباه وأخاه، قال: فما لأباه وأخاه، فقال الحسن: فمما لأبيه وما لأخيه، فقال الرجل: إني أراك كلما طاوعتك تخالفني. قال أبو حامد: كان المزني إذا فاتته الجماعة صلى خمساً وعشرين صلاة، فقال له محمد بن إسحاق بن خزيمة: أيها الشيخ، لجلوسك مع أصحابك أفضل من صلاتك هذه، يعني التطوع، فقال له المزني: لم؟ فقال: لأن صلاتك هذه لا تعدوك، وتعليمك إياهم يعدوك إليهم، فتعم بركاته وتتم عاقبته، فقال: صدقت، ولكني أجمع بين الأمرين: ألقي عليهم المسألة ويعملون فكرتهم فيها، وآخذ في تطوعي، فإلى أن يفرغوا أفرغ، فقال ابن خزيمة: ها هنا زيادة وهي أنك إذا ألقيت المسألة عليهم ثم أقبلت بوجهك إليهم كنت معيناً لهم على استخراج المسألة، قال: كذلك هو. قال بعض الفلاسفة: جوامع شرف الإنسان وكماله في أربعة أشياء: في عرق صريح، وعقل صحيح، ولسان فصيح، وأخ نصيح. قال مزدك: العاقل يلتمس علم ما أصابه بالطيرة والفال، كما يلتمس علم ما مضى بالإشارة والأمثال.

قال الشافعي: رأيت علي بن أبي طالب في المنام فقال: ناولني كتبك، فناولته فأخذها فبددها هكذا وهكذا، فأصبحت أخا كآبة، فأتيت الجعد فأخبرته فقال: سيرفع الله شأنك وينشر علمك. حكى لنا هذه الحكاية ابن القطان الفقيه شيخ أصحاب الشافعي. لمنصور الفقيه: الطويل إذا نحن زرنا أحمد بن محمد ... وأحمد للأمر المبرح فارج نطقنا لديه بالذي في صدورنا ... ولم تتكسر في الصدور الحوائج قال يعقوب: امرأة متعاونة وهي التي لا تستشب من صغر، ولا يرغب عنها من كب، قال: ومعنى تستشب أي تقول هي صغيرة انتظر بها أن تشب. قال أبو يوسف: بقيت على باب الرشيد حولاً لا أصل إليه حتى حدثت مسألة، وذلك أن بعض أهله كانت له جارية فحلف أن لا يبيعة إياها ولا يهبها له، وأراد الرشيد شراءها فلم يجد أحداً يفتيه، فقلت للفضل: أعلم أمير المؤمنين أن بالباب رجلاً من الفقهاء عنده الشفاء من هذه الحادثة، فدخل فأخبره فأذن لي، فلما وصلت مثلت فقال: ما تقول فيما قال الفضل بن الربيع؟ قلت: يا أمير المؤمنين أأقوله لك وحدك أو بحضرة الفقهاء؟ فقال: بحضرة الفقهاء ليكون الشك أبعد واليقين أقعد؛ فأمر باحضار الفقهاء وأعيد عليهم

السؤال فكل قال: لا حيلة عندنا، فأقبل أبو يوسف فقال: المخرج أن يهب لك نصفها ويبيعك نصفها، فإنه لا يقع الحنث، فقال القوم: صدق، فعظم أمري عند الرشيد، وعلم أني أتيت بما عجزوا عنه، فقال: أريد أن أطأها اليوم، قلت: يا أمير المؤمنين أعتقها ثم تزوجها، فسري عنه. وإنما قال ذلك لأن مذهب أبي يوسف أن العتق إذا طرأ على الأمة سقط عنها الاستبراء. قال المزني: سئل الشافعي عمن رؤي في الحمام مكشوفاً هل تقبل شهادته؟ قال: لا. قال الربيع، سمعته يقول: العلم ما استودعته نفسك فحفظته عليك، ثم أردت ذكره في وقته فأدته إليك. قال جابر بن عبد الله: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل في ظل شجرة يرش عليه الماء، فقال صلى الله عليه وسلم: ما بال صاحبكم هذا؟ قالوا: صائم، قال: إنه ليس من البر الصوم في السفر، فعليكم برخصة الله فاقبلوها. قال يعقوب: المؤثل: المثمر، يقال: تأثل فلان أي نبت له نبت كثير الأثلة، ويقال: تأثل: اكتسى، أثل أهله أي كساهم، بيت أثيل. أنشد دعبل لحطان بن المعلى أبياتاً وقال: وددت أنها حظي

من الشعر وهي: الطويل يذكرنيك الخير والشر والحجا ... وقيل الخنا والعلم والحلم والجهل فألقاك عن مذمومها متنزها ... وألقاك في محمودها ولك الفضل وأحمد من أخلاقك البخل إنه ... بعرضك لا بالمال حاشا لك البخل كتب عمرو بن مسعدة: وأنا أحب أن يتقرر عندك أن أملي فيك أقعد من أن أختلس الأمور منك اختلاس ن يرى أن في عاجلك عوضاً من آجلك، وفي الذاهب من يومك بدلاً من المأمول في غدك. كان الرشيد جالساً ذات يوم وعنده سليمان بن أبي جعفر وعيسى بن جعفر وعبد الملك بن صالح، فقال الرشيد لعبد الملك: كيف أرض كذا؟ قال: خضاب حمر، وبراث عبر، قال: فأرض كذا؟ قال: فيافي فاسحة، وجبال متناوحة، قال: فأرض كذا؟ قال: تربة حمراء، وشجرة خضراء وسبيكة صفراء، قال: فأرض كذا؟ قال: مسافي ريح، ومنابت شيح، فقال عيسى لسليمان: ما ينبغي أن نرضى لأنفسنا بالدون من الكلام. قال سفيان بن عيينة، قال عبد الله بن مسعود لأصحابه: أنتم جلاء قلبي، ثم أقبل سفيان على أصحابه وقال: ولكنكم غطاء قلبي.

قال بعض السلف: سالم الزمان بحسن المعاشرة يتأت بك قليلاً، ولا تحمله شططاً فتعصف عليك ريحه، وأخر معاتبتك لا يكاشفك بالمكروه، ووادعه بالرضا عنه تقل همومك، فإنه إن عسفك لم تنتصر منه ولم تدفع ضيمه. قال يعقوب: الجزارة حق الجازر؛ وحقه الرأس والفراسين بأوظفها والفرع والعجب في برمة من لحمها وشحمها؛ وثنيا الجزور أن بيبع الرجل ناقة من إبله تريد أن تموت ويستثني رأسها وضرعها وذنبها ومعه فقرة العجب، وهي فقرة القحقح، بنظير أن يذهب ضرعها ورأسها. شاعر يمدح عبد الله بن طاهر: الوافر أظن الشام يشمت بالعراق ... إذا عزم الأمير على انطلاق يقول محمد تفديك نفسي ... أما تبقي علي من الفراق فإن تدع العراق وساكنيها ... فقد تبلي المليحة بالطلاق قال ابن عباس: تبكي على الرجل البقاع التي كان يصلي فيها، ويصعد عمله منها، فذلك قوله: " فما بكت عليهم السماء والأرض " الدخان: 29. كان القاضي ابنقريعة في مجلس المهلبي فوردت عليه رقعة

فيها: ما يقول القاضي - أعوه الله - في رجل دخل الحمام وجلس في الأبزن لعلة كانت به، فخرجت منه ريح تحول الماء بها زيتاً، فتخاصم الحمامي والضارط فادعى كل واحد منهما أنه يستحق جميع الزيت لحقه فيه؟ فكتب القاضي في الجواب: قرأت هذه الفتيا الطريفة في هذه القصة السخيفة، وأخلق بها أن تكون عبثاً باطلاً، وكذبا ماحلاً، وإن كان ذلك كذلك، فهو من أعاجيب الزمان، وبدائع الحدثان؛ والجواب وبالله التوفيق أن للضارط نصف الزيت بحق وجعئه، وللحمامي نصف الزيت بقسط مائه، وعليهما أن يصدقا المبتاع له عن خبث أصله وقبح فصله، حتى يستعمله في مسرجته، ولايدخله في أغذيته. كان المهلبي قد تقدم إلى ابن قريعة أن يشرف على البناء في داره، وأن لا يطلق شيء إلا بتوقيعه، فحضر يوماً بعض السوقة فقال: أصلح الله القاضي، إن لي ثمن ثلاثين بيضة استعملها المزوقون في البناء، فقال: بين عافاك الله، قال: قد بينت أيها القاضي، قال: إنما سمعنا بيضاً، وأجناس البيض كثيرة، قال: أيها القاضي أعني بيض الدنيا، قال: فكأنا ادعينا أن في الآخرة بيضاً! ويحك، إن البيض منه الهندي والنبطي والبطي والحمامي والعصافيري والدجاجي، فأي بيض بيضك؟ قال: بيض الدجاج النبطي، قال: فأعد دعواك، قال: لي أعز الله القاضي ثمن ثلاثين بيضة ن بي الدجاج النبطي، فقال لكاتبه: اكتب: ذكر أبو جعفر البياض خبط ونبط أن

له ثمن ثلاثين بيضة دجاجياً، لا نبطياً ولا هندياً؛ ارجع - أعزك الله - إلى دفتر حسابك وميزان عملك، فإن وجدته صادقاً فقد وجب له ما يجب للصادقين من البر والإكرام وإعطاء الثمن على الوفاء والتمام، وإن كان كاذباً فعليه ما على الكاذبين من اللعن والرجم، ثم الحرمان والامتهان، وقل له: باعدك الله من حريمه ما اقل وفاءك لشيبك. سمعت أبا حامد العلوي يقول، قيل على مائدة بخيل: ما أحسن كثرة الأيدي على المائدة، فقال: نعم إذا كانت مقطعة. وقال بعض الغوغاء في كلامه: فلان يأخذ من الحافي نعله. وسمعت آخر يقول: لعن الله فلاناً يطر والله من العريان كمه. يقال: إن العرب كانت إذا أرادت أن يعين رجل رجلاً، أي يصيبه بالعين، يجوع ثلاثاً ثم ينصفه فيصرعه. قال أعرابي: إن أحق من خفف عنه، واكتفي باليسير مه، رئيس مكثور عليه، وسيد منظور إليه. كان إسماعيل القاضي لا يجلس في العشر، فجاء خصمان إلى رجل كان على بابه يعرف بالرضيع، وضمنا له عشرين درهماً وقالا: علمنا ما

نرتفع به إليه وتفصيلي ما شجر بيننا بين يديه، فقال لهما: إذا امتنع من النظر بينكما في هذه الأيام فقولا: أيها القاضي هل تأخذ من السلطان رزق هذه الأيام؟ فتقدما وقالا ذلك، فلما سمع إسماعيل جلس للحكم، فأول من تقدم الرضيع مع الرجلين، فقال القاضي: يا رضيع هذا من فعلاتك؟ قال: نعم أصلح الله القاضي، امتنعت من الحكم فاضطررت إلى القوت، وضمنا لي عشرين درهماً، فقال إسماعيل: يا غلام أخرج إليه عشرين ديناراً. سمعت أبا حامد يقول: رأيت بعض الصحابة في النوم فقلت له: ما الدلالة على التوحيد؟ فقال: " إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب " آل عمران: 190. قال أبو مسمع البصري: كنا نجالس أبا الهذيل في مجلسه فجاءنا شاب له رواء ومنظر وسمت، فقعد فأجللناه لظاهره، فقال أبو الهذيل: ليس للعجم كتاب أجل من الكتاب المترجم بجاويدان خرد وقد استفصح مؤلفه بثلاث كلمات ليس لهن نظير، منها أنه قال: من أخبرك ا، عاقلاً لم يصبر على مضض المصيبة فلا تصدقه، ومن أخبرك أن عاقلاً أساء إلى من أحسن إليه فلا تصدقه، ومن أخبرك أن حماة أحبت كنة فلا تصدقه؛ فانبرى الغلام وجثا وقال: حدثني أبي عن جدي بثلاث أحسن منهن، فقال أبو الهذيل: من علينا بهن، فقال، قال جدي رحمه الله، من أخبرك أن الجائع كالشبعان فلا تصدقه، ومن أخبرك أن النائم كاليقظان فلا تصدقه، ومن أخبرك أن الراضي كالغضبان فلا تصدقه؛ فقلنا له: أمن العرب أنت أم من العجم؟ قال: من بينهما، قلت: من أي بلد؟ قال: من دوين السماء وفويق الأرض، فقال له الجاحظ: ما أسمك؟ قال: لجام، قلنا: فالكنية؟ قال: أبو السرج، فقال له: فما لك لا

تنهق وأنت حمار؟ فقام مغضباً يجر إزاره ويقول: ليس الذنب لكم، الذنب لي كيف جالست أمثالكم وأنتم لا تدرون ما طحاها. قال ابن أبي بشر: إنما بايع الناس أبا بكر رضي الله عنه لأنهم سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الحق مع عمر بعدي، فلما رأوا عمر مد يمينه لبيعة أبي بكر رضوا بذلك لما سبق إليهم. قال أبو الجهم السامي الصوفي: الشرف شرفان: شرف بواسطة وشرف بلا واسطة، وإنما أعز الله تعالى الإسلام بخلافة أبي بكر رضي الله عنه لأنه شابه شرفه شرف النبي عليه السلام في عدم الوسائط، وما هكذا علي، فإن شرفه كان بوسائط كثيرة، فسبق لذلك. ذكر أعرابي امرأة فقال: رحم الله فلانة إن كانت لقريبة بقولها بعيدة بفعلها، يكفها عن الخنا إسلامها، ويدعونا إلى الهوى كلامها؛ كانت والله تقصر عليها العين، ولا يخاف من أفعالها الشين. كاتبك أنت - جعلت فداك - فتى العسكر، ومعدن الحرمة، ووطن الأدب، ومن كانت هذه صفاته فالخروج عن مودته خمور فضلاً عن الدخول في عداوته، وأنا وأنت أخوا مودة، ورحم المودة أمس من رحم القرابة، فكيف رميت بسهامك؟ أم كيف امتحنت بعداوتك؟ ولكنه كما قال الشاعر: الطويل

بلى قد تهب الريح من غير وجهها ... ويقدح في العود الصحيح القوادح قال الحراني الصوفي: التقى متعاشقان فقال أحدهما لصاحبه: أين تريد؟ قال: شغلاً، قال الآخر: أو لك شغل غيري؟ اذهب فأنت حري بالهجر. قال جعفر بن محمد لأبي ولاد الكاهلي: أرأيت عمي زيداً؟ قال: نعم رأيته مصلوباً، ورأيت الناس فيه بين شامت حنق ومحزون ومحترق، فقال جعفر: أما الباكي فمعه في الجنة، وأما الشامت فشريك في دمه. قال عيسى بن مريم عليه السلام: لا تفرح بكثرة المال، ولا تدع ذكري على كل حال، فإن كثرة المال تنسي الذنوب، وترك ذكري يقسي القلوب. قال زيد بن علي عليه السلام: لا يسأل العبد عن ثلاث يوم الحساب: عما أنفق في مرضه، وعما أنفق في إفطاره، وعما أنفق في قرى ضيفه. قال عمر لعثمان رضي الله عنهما: توأدت، يعني تأخرت وشغلت القلوب، هذا حين أبطأ عن صلاة الجمعة.

أنشد سعيد بن حميد لخزامى جارية ابن المعتز: الطويل ذكرتكم ليلاً فنور ذكركم ... دجى الليل حتى انجاب عني دياجره فوالله ما أري أضوء مسجر ... لذكركم أم يسجر الليل ساجره وبت أسقى الشوق حتى كأنني ... صريع مدام لم ينهنهه دائره وظلت أكف الشوق لما ذكرتكم ... تمثل لي منكم خيالاً أسايره ولو كنتم أقصى البلاد لزرتكم ... إلى حيث يفنى ورده ومصادره أرى قصراً بالليل حتى كأنما ... أوائله مما تدانى أواخره سمعت بعض العلماء يقول: الفناء سعة أمام الدار، وقال: أفانين الشباب: أوله. وسمعت الأنصاري يقول: الأشياء كلها: نام وصامت وناطق، فالناس كالنبات، والصامت كالجبل، والناطق مثل الإنسان، فقيل له: فما تقول في البهائم والطير؟ فسكت انقطاعاً؛ فحكيت لأبي حامد فقال: قصر في القسمة فافتضح بالوصمة، وإنما النامي كالنبات والشجر، والجامد كالجبال والحجر، والصامت كالبهائم والطير، وأما الحكل فلا صوت لها. سأل أعرابي ابن الزبير فحرمه، فقال الأعرابي: لعن الله ناقة

حملتني إليك، فقال عبد الله: إن وراكبها، أي أجل. وقال بعض العلماء: " إن هذان لساحران " طه: 63 إن بمعنى ما، واللام في موضع إلا، كأنه قال: ما هذان إلا ساحران. ورجل أننة والجمع أنن، وقولك: أنى بمعنى كيف ومن أي شيء، قال الكميت: المنسرح أنى ومن أين آبك الطرب ... من حيث لا صبوة ولا ريب وقوله تعالى " أنى لك هذا " آل عمران: 37 أي من أين لك هذا؛ وقوله تعالى " أنى يكون له الملك علينا " البقرة: 247 أي كيف يكون. وقال بعض العلماء في قوله تعالى: " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " البقرة 223 على معنى كيف شئتم في الحال والهيئة، وأنى شئتم، على معنى في أي مكان شئتم في القبل والدبر. سمعت الأندلسي يقول، سمعت العماني يقول، سمعت الزجاج يقول في قول الشاعر: الكامل تالله قد سفهت أمية رأيها ... فاستجهلت حلماؤها سفهاؤها معناه: تالله قد سفهت أمية رأيها سفهاؤها فأبدل سفهاؤها من أمية ثم قال: واستجهلت حلماؤها أي صارت في جملة الجهال.

قال: وسئل الزجاج عن قابوس فقال: إذا جعلته أعجمياً لم تصرفه، وإن اشتققته من قولك: فبستك ناراً فهو فاعول صرفته، قيل: فجاموس؟ قال: اصرفه لأنه جنس، قال: ولم صرفته؟ قال: لأن العرب أخرجته من العجمة بالألف واللام فأجري مجرى أجناس العربية. وقال الزجاج: لا نولك أن تفعل هو في موضع: لا ينبغي لك أن تفعل، تقول بغيت الشيء فانبغي لي، فعلى هذا ينبغي لي أن أفعل، أي يطاوعني هذا الفعل، ولا يحسن قولك: مني، وهو في موضع لا تناول أن تفعل ولا ينال لك أن تفعل، أي لا يصلح الفعل. قال أبو إسحاق الكلابزي: تخرق كتاب سيبويه في كم المازني نيفاً وعشرين سنة. قال إسماعيل بن إسحاق القاضي، سمعت نصراً يحكي عن أبيه قال: قال لي سيبويه حين أراد أن يضع كتابه: تعال حتى نتعاون على إحياء علم الخليل، يعني بنصر نصر بن علي الهضمي. قال بعض الأوائل: إن المسك الخالص كلما سحق ازداد طيباً، والرجيع كلما سيط ازداد نتناً.

قال أعرابي لآخر: لا كل لسانك عن البيان، ولا أسكتك الزجر والهوان. قال كسرى لمريم بنت قيصر حين زفت إليه: أنت من جوارحي قلبي، ومن عمادها روحي، وفي الهوى منتهى منية نفسي. قال قيصر: مال الحيلة فيما أعيا إلا الكف عنه، ولا الرأي فيما لا ينال إلا اليأس منه. قال أعرابي: فلان أسود الكبد، أي أحرقت العداوة كبده. قال بعض النحويين في قوله تعالى: " حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين " الأنفال: 63 إذا توجهت كان الله كافيك ومن اتبعك، فمن منصوب بكافيك، وإذا توهمت أن الله يكفيك ويكفيك من اتبعك فمن مرفوع بالفعل. قال: حمل بهرام فلما رآه أخوه كرك استقبله في الميمنة، فاضطربا ملياً فلم ير إلا وهما يتمارسان ويتغالان ولا أسدين غضبانين يتنازلان ويتصاولان، ولا فيلين سكرانين يتنايبان ويتراكلان، ولا فحلين حانقين يتكادمان ويتساوران، ولا أسودين بتلازمان ويتناهشان. قال أبو عثمان: من لم يوثق بعقله ولم ترج فيئته ضاع القول في مكالمته، وضل الرأي في مخاطبته، لأن العاقل لا يبذر في أرض لا تنبت، ولا يغرس شجراً لا يثمر، ولا هو إن لم يثمر ينتفع بعوده وورقه، والحكماء عل محكم أقوالهم أشح منهم على مقدار الاستحقاق.

قال إبراهيم بن عبد الصمد: لما عمل كسرى القاطول أضر ذلك بأهل الأسافل وانقطع عنهم الماء حتى افتقرا وذهبت أموالهم، فخرج أهل ذلك البلد إلى كسرى يتظلمون، فوافقوه في مسيره، فعرضوا له وقالوا: أيها الملك، جئناك متظلمين، قال: وممن تتظلمون؟ قالوا: منك، فثنى رجله عن دابته وجلس على الأرض، فأتاه بعض من معه بشيء يقعد عليه فأبى أن يقعد عليه وقال: لا أجلس إلا على الأرض إذ أتاني قوم يتظلمون، ثم قال: ما مظلمتكم؟ قالوا: أحدثت القاطولن قطع عنا شربنا فذهبت رواتبنا، قال: فإني آمر بسده حتى يرجع إليكم الماء وتعود أحوالكم، قالوا: أيها الملك لا نجشمك هذا، ولكن مر من يعمل مجرى الماء من فوق هذا القاطول، فعمل لهم مجرى مائهم من فوق القاطول شبه القروج فجرى فيه الماء فعمرت بلادهم ورجعت أحوالهم، وهو أول ما عرف القورج. وكانت ملوك الفرس إذا بلغهم أن كلباً مات بقرية لا يعرف لموته سبب، كتب الملك أن خذوا أهل هذه القرية بالبينة أن الكلب مات حتف أنفه ولم يمت جوعاً، وكانوا يأخذون أهل الحروث بحرث نصف أرضهم في العام وتبويرها في القابل، فيحرثون ما بوروه، ويبورون ما حرثوا. أنشد أحمد بن الطيب لشاعر: البسيط لا أعشق الأبيض المنفوخ من سمن ... لكنني أعشق السمر المهلازيلا فقيل لي أنت خوان فقلت لهم ... لا تكثرن علي القال والقيلا شرطي الشريطي لا أبغي به بدلاً ... تخاله من نحول الجسم مسلولا إني امرؤ أركب المهر المضمر في ... يوم البراز فدع أن أركب الفيلا

قال أحمد بن الطيب: المسيخ من الألوان المغسول من حوادث الأبصار. لأبي حفص الشطرنجي: السريع أشبهك المسك وأشبهته ... قائمة في لونه قاعده لا شك إذ لونكما واحد ... أنكما من طينة واحده مصراع لمنصور الفقيه: مجزوء الخفيف ذم من شئت منهم ... فهو للذم موضع قال المفجع، قال المبرد: كان الأعشى كثير التطواف، فأصبح من ليلة كان يطوفها بأبيات علقمة بن علاثة، فلما نظر قائده إلى قباب الأدم قال: واسوء صباحاه! هذه والله أبيات علقمة، وخرج فتيان الحي فقبضوا على الأعشى فأتوا به علقمة، فلما مثل بين يديه قال علقمة: الحمد لله الذي أظفرني بك بغير عقد ولا ذمة، قال الأعشى: أو تدري لم ذاك جعلت فداك؟

قال: لتقواك علي الباطل من غير جرم، قال: لا ولكن ليبلو الله قدر حلمك في، فأطرق علقمة فانبعث الأعشى يقول: المتقارب أعلقم قد صيرتني الأمور ... إليك وما كان بي منكص كساكم علاثة أثوابه ... وقلدكم حلمه الأحوص فهب لي ذنوبي فدتك النفوس ... ولا زلت تنمي ولا تنقص فقال: قد فعلت، ووالله لو قلت في ما قلت في ما قلت في عامر ابن عمي لأغنيتك حياتك، ولو قلت فيه ما قلته في ما أذاقك برد الحياة. كتب عدي بن أرطاة إلى عمر بن عبد العزيز: أما بعد، فإن ناساً قبلنا لا يؤدون ما قبلهم من الخراج إلا أن يمسهم شيء من العذاب، فكتب إليه عمر: أما بعد، فالعجب كل العجب من استئذانك إياي في عذاب البشر، كأني جنة لك من عذاب الله، أو كأن رضاي ينجيك من سخط الله، إذا أتاك كتابي هذا فمن أعطاك ما قبله عفواً فاقبله، وإلا فاستحلفه، فوالله لأن يلقوا الله بخيانتهم أحب إلي من أن ألقى الله بعذابهم. العتابي: الطويل ألفنا دياراً لم تكن من ديارنا ... ومن يتألف بالكرامة يألف شاعر: البسيط

جاء الشتاء ولم أعدد له فنكاً ... إلا ارتعاداً وتصفيقاً بأسنان وقد لبست قميصي في أوائله ... منكم على دمن أقوت بقضبان قال ابن عباس: ثلاثة من عازهم عادت معازته إلى ذل: السلطان والوالد والغريم. قال فيلسوف: الخوف على ثلاثة أناء: دين يخاف معاداً، وحر يخاف عاراً، وسفلة يخاف ردعاً. قال فيلسوف: النيران أربع: نار تأكل وتشرب وهي نار المعدة، ونار تأكل ولا تشرب وهي نار الوقود، ونار تشرب ولا تأكل وهي نار الشجر، ونار لا تأكل ولا تشرب وهي نار الحجر. قال فوثاغورس: الصورة ذكر، والهيولي أنثى، والطبيعة رباط بينهما. كتب المعتصم لما فتح عمورية إلى المأمون: كتبت في الوقت الذي فتح الله المصر على أعدائه والكفرة به، ودخلت عمورية وقتلت أكثر مقاتليها إلا القل اليسير، وسبيت جميع ذراريها، وجاءني هذا كتاب منه للخبر لا يعتد بالأثر.

وكتب ابن الفرات وعلي بن عيسى ومحمد بن داود ومحمد بن عبدون رقعة إلى العباس بن الحسن الوزير يستزيدونه فيها، فوقع بخطه عل ظهرها: ما حالكم حال مستزيد، ولا فوق ما أنا عليه لكم مزيد، فإن تكن الاستزادة من مال فهو موور عليكم، وإن تكن من رأي فالأعمال لكم، ولي اسمها وعلي عبئها وثقل تدبيرها؛ وأقول لعلي بن محمد من بينكم الذي ما يطيق نفسه تذللاً واعتدالاً: أمن بؤس كانت هذه الاستزادة أم من بطر النعمة ودلال الترفه؟ ولي في أمر جماعتكم نظر ينكشف عن قريب، وحسبي وحسبكم الله ونعم الحسيب. وكتب النعمان بن عبد الله إلى ولي الدولة كتاباً يستزيده فيه في رزقه، فوعق على ظهره: قد أعجبت بنفسك تعرفها، فإن أحببت أن أعرفكها عرفتك. فكتب إليه النعمان: كنت كتبت إلى الوزير - أعزه الله - كتاباً أستزيده في رزقي، فوقع على ظهره تويع ضجر، لم يخرج فيه مع ضجره شيء من حياطته ونظره وقال - أيده الله - إنه قد حدث لعبده عجب بنفسه، وقد صدق - صدق الله قوله وأعلى طوله - لقد شرفني الله بخدمته، وأعلى ذكري بجميل ذكره، ونبه على كفايتي باستكفائه، ورفعني وكثرني عند نفسي، فإن أعجبت فبنعمة الله عندي، وجميل تطوله علي، ولا عجب؛ وهل خلا الوزير من قوم يصطفيهم بعد قلة، ويرفعهم بعد خمول، ويحدث لهم همماً رفيعة وأنفساً

عليه، وفيهم شاكر وكفور، وأرجو أن أكون أشكرهم للنعمة أقومهم بحقها؛ وقال - أعزه الله - إن عرف نفسه وإلا عرفناه إياها، فما أنكرها، وهي نفس أنشأتها نعمة الوزير - أيده الله - وأحدثت فيها ما لم تزل تحدثه في نظرائها من سائر عبيده وخدمه؛ وأنكر - أيده الله - إخباري عما لم أشاهده، وهو - أيده الله - يعلم أن الخبر المجتمع عليه يقوم مقام العيان فيحققه من لميشاهده ولا ينكر عليه ذلك، وليس في المملكة أحد يذكر ارتفاعاً إلا حائن مغرور يصرعه حينه، واله يعلم ما يأخذ به نفسه من خدمة الوزير عنده، إما عادة ووراثة، وإما تأدباً وهيبة، وإما شكراً واستدامة للنعمة. قال عبيد الله بن سليمان: كنت أكتب بين يدي أبي سليمان فقال لي يوماً: أصلح قلمك واكتب: أطال الله بقاءك، وأدام عزك وأكرمك، وأتم نعمته عليك، وزاد في إحسانه إليك، كتب الوكيل - أعزك الله - متصلة بشكرك، والضيعة ضيعتك، وكل ما تأيته في أمرها فموقعه يحسن مني، وشكري عليه يتضاعف - وخطاباً في هذا المعنى، وكانت هذه المخاطبة لا يخاطب بها إلا صاحب مصر أو فارس، فقلت: قد ابتاع ضيعة بأحد الموضعين، ثم أصلح الكتاب وقال: عنونه إلى الرخجي، وكان يتقلد النهروان الأوسط. ثم رمى إلي كتاباً آخر لصاحب بريد فقال: وقع عليه: أنت - أعزك

الله - تقف على ما تضمنه هذا الكتاب، ولئن كان ما تضمنه هذا الكتاب حقاً لأفعلن ولأضعن؛ وخطاباً غلظ فيه، ثم أصلح الكتاب وقال: عنونه إلى الرخجي، فعجبت من الكتابين، وكأنه علم ما في نفسي فقال لي: إني أظنك قد أنكرت الخطابين، هذه تناءتين خدمتها، وهذا حق سلطاني استوفيته. قال ابن أبي الأصبغ: كنت بحضرة عبيد الله بن سليمان وهو يكتب للمعتضد أيام إمارته حين وردت عليه رقعة من أبي الحسين جعفر بن محمد بن ثوابة نسختها: قد فتحت للمظلوم بابك، ورفعت عنه حجابك، فأنا أحاكم الأيام إلى عدلك، وأشكو صروفها إلى فضلك، واستجير من لؤم غلبتها بكرم قدرتك وحسن ملكتك، فإنها تؤخرني إذا قدمت، وتحرمني إذا قسمت، فإن أعطت يسيراً، وإن ارتجعت كثيراً، ولم أشكها إلى أحد قبلك، ولا اعتمدت للانتصاف منها إلا فضلك، ولي مع ذمام المسألة لك، وحق الظلامة إليك، ذمام تأميلك، وقدم صدق في طاعتك، والذي يملأ من النصفة يدي، ويفرغ الحق علي، حتى تكون إلي محسناً، وأكون بك إلى الأيام مقرباً، أن تخلطني بخواص خدمك الذين نقلتهم من حد الفراغ إلى الشغل، ومن الخمول إلى النباهة والذكر، فإن رأيت أن تعديني فقد استعديت إليك، وتنصرني فقد عذت بك، وتوسع لي كنفك فقد أويت إليه، وتسمني بإحسانك فقد عولت عليه، وتستعمل يدي ولساني فيما يصلحان له من خدمتك، فقد درست كتب أشلافك، وهم القدوة في البيان، واستضأت بآرائهم، واقتفرت آثارهم اقتفاراً جعلني بين وحشي الكلام وإنسيه، ووقفني منه على جاة متوسطة يرجع إليها الغالي، ويلحق بها المقصر التالي، فعلت إن شاء الله.

قال: فجعل عبيد الله يرددها، ويستحسنها ثم قال: هذا أحق بديوان الرسائل. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: هلاك العرب أبناء بنات فارس. دخل عمرو بن معدي كرب على عمر بن الخطاب وهو يحد الصمصامة، فقال له الأشعث بن قيس: يا عمرو، إلى متى تحد سيفك وقد فشا الإسلام، وأظهر الله الدين؟ قال عمرو: وماذا يريبك منه، فوالله إنه لسيف مازني بامرأة أبيه قط، ولا ارتد عن الإسلام، فقال له رجل زبيدي يا عمرو أللسيد تقول هذا؟ قال: اسكت فوالله ما أنت إلا بمنزلة النعرة التي تقع في أنف الحمار، فقال له الزبيدي: يا عمرو أما عملت أنها ربما أضرطته؟ فخجل عمرو. المعلهج: الأحمق؛ انكفت: انقبض. قال نور بن يزيد: كان عمر بن الخطاب يعس بالمدينة في الليل، فارتاب بالحال فتسور، فوجد رجلاً عنده امرأة وعنده خمر، فقال له: يا عدو الله، أكنت ترى أن الله يسرك وأنت على معصيته؟ فقال الرجل: لا تعجل

علي يا أمير المؤمنين، إن كنت عصيت اللهفي واحد فقد عصيته أنت في ثلاث: قال الله تعالى: " ولا تجسسوا " الحجرات: 12 وقد تجسست، وقال: " وأتوا البيوت من أبوابها " البقرة: 189 وقد تسورت، وقال: " يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها " النور: 27 وأنت دخلت بغير سلام؛ فقال له عمر: فهل عندك من خير إن عفوت عنك؟ قال: بلى يا أمير المؤمنين، والله لئن عفوت عني لا أعود لمثلها أبداً، فعفا عنه. كتب عمر إلى معاوية: الزم الحق ينزلك الحق منازل أهل الحق، يوم لا يقضي إلا بالحق. قال ابن عباس: لما أسلم عمر رضي الله عنه قال المشركون: انتصف القوم منا. قال المدائني: نظر عمر إلى أعرابي يصلي صلاة خفيفة، فلما قضاها قال: اللهم زوجني العين، فقال عمر: أسأت النقد وأعظمت الخطبة. قال أبو زياد الفقيمي: أهدى رجل إلى عمر جزوراً ثم خاصم

إليه بعد ذلك في خصومة، فجعل يقول: افصلها يا أمير المؤمنين كفصل رجل الجزور، فاغتاظ عليه عمر فقال: يا معشر المسلمين، إياكم والهدايا، فإن هذا منذ أيام أهدى إلي رجل جزور، فوالله ما زال يرددها حتى خفت أن أحكم بخلاف الحكم. قال إبراهيم بن ميسرة، قال لي طاووس: لتنكحن أو لأقولن لك ما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبي الزوائد: ما يمنعك من التزويج إلا عجز أو فجور. جلس رجل إلى عمر رضي الله عنه فأهذ من رأسه شيئاً فسكت عنه، ثم صنع به ذاك يوماً آخر، فأخذ بيده وقال: ما أراك أخذت شيئاً، فإذا هو كذلك، فقال: انظروا إلى هذا، صنع بي مراراً، إذا أخذ أحدكم من رأس أخيه شيئاً فليره، قال الحسن: نهاهم والله أمير المؤمنين عن الملق. قال الحكم بن عتيبة، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: القاضي لا يصانع ولا يصارع، ولا يتبع المطامع، يصارع: يميل إلى أحد الخصمين؛ كذا كان التفسير مع الحديث. قال أبو هريرة: لما استخلف عمر صعد المنبر فحمد الله وأثنى

عليه ثم قال: أيها الناس إني نظرت إلى الإيمان فوجدته يقوم على أربع خصال، فقام إليه عمار بن ياسر فقال: ما هن يا أمير المؤمنين؟ قال: تقوى الله في جمع المال من أبواب حله، فإذا جمعته عففت عنه، وإذا عففت عنه وضعته في مواضعه حتى لا يبقى عندي منه دينار ولا درهم ولا عند آل عمر خاصة؛ والثانية: أعرف للمهاجرين حقهم وأقرهم على منازلهم؛ والثالثة: الأنصار الذين آووا ونصروا، أحفظ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فأقبل من محسنهم وأتجاوز عم مسيئهم وأكون أنا عيالهم حتى ينصرفوا إلى منازلهم؛ والرابعة: أهل الذمة، أفي لهم بعدهم وأقاتل من ورائهم ولا أكلفهم إلا طاقتهم؛ قال: إذا فعلت ذلك كنت معترفاً عند الله - جل اسمه - بالذنوب. وقال أيضاً على المنبر: اقرأوا القرآن تعرفوا به، واعلموا به تكونوا من أهله، إنه لن يبلغ من حق ذي حق أن يطاع في معصيتة الله، ألا وإني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة والي ايتيم، إن استغنيت عففت، إن افتقرت أكلت بالمعروف تقرم البهمة الأعرابية: القضم لا الخضم. مات أبو عبيد سنة تسع ومائتين وله أربع وتسعون سنة، وقيل له في علته: ما بك؟ فقال: هذا النوشجاني دخلت إليه مسلماً فجاء بموز كأنه

أيور المساكين، فأكثرت منه فكان سبب علتي. قال أبو عبيدة: اسم السلام هو السلام، كما تقول: هذا وجه الأمر، وهذا وجه الحق، وثم وجه الله عز وجل، أي الله. قال محمد بن يزيد الواسطي: كنت في مجلس المبرد فجرى ذكر قول أبي عبيدة في أن الاسم هو المسمى، فقال المبرد: غلط أبو عبيد القاسم وأخطأ أبو عبيد، والذي عندنا أنه أراد بقوله: اسم السلام، اسم الله، والسلام من الأسامي التي تسمى بها الله عز وجل في كتابه، ثم التفت إلي وقال: هذا الذي أختاره ويختاره أصحابنا، فأمسكت ولم ير في وجهي قبولاً؛ فلما رضيته وإن كان قد ذهب إليه أصحابنا، فقال لي: وأي شيء عقدك؟ قلت: أما أبو عبيد فمذهبه في هذا خطأ، وقد غلط على أبي عبيدة لأن الذي قاله أبو عبي فذهبه في هذا خطأ، وذد غلط على أبي عبيدة هو اللفظة الموضوعة علامة لتقضي الأشياء، فتختم بها الرسائل والخطب والكلام الذي يستوفي معناه وليس لها مسمى غيرها وهي مثل حسب وقط والموضوعة كالعلامات لتضي الأشياء، فتختم بها الرسائل والخطب والكلام الذي يستوفي معناه وليس لها مسمى غيرها وهي مثل حسب وقط والموضوعة كالعلامات لتقضي الأشياء وختم الكلام، فهي اسم لا مسمى له غيره، فأعجب أبا العباس ذلك وقال لي: لا عدمتك. ثم رجعت إلى المعنى الأول فقلت: وذاك الأول، وإن كان ذهب إليه بعض أصحابنا، فإنه قول من لا يفهم الشعر ومعاني الشعر، ولبيد أفصح من أن يقول عند توديعه وتناهي

مكانه: اسم الله عليك، وإنما يسمى الله تعالى فيما يداوله النمو والبركة والزيادة أو يعوذ لحسنه وجماله، فقال لي: يا أبا عبد الله حسبك، فما سرني بهذه الفائدة حمر النعم. أنشد الأصمعي لجارية من العرب: الطويل تحمل عداك الله عني رسالة ... إليه جديداً كل يوم سماعها وخبر عن الوعساء أن قد توجهت ... إليها مراعيها وطال نزاعها لقد قطع البين المشت أكفة ... عزيز علينا أن يحم انقطاعها قال ابن دريد: الفتلاء التي يتجافى كتفاها عن زورها - وهو مدح -؛ والسرح: السهلة؛ واستناع: تمادى واستنعى. قال الأصمعي: العميان أكثر الناس نكاحاً، والخصيان أصح الناس أبصاراً، لأنهما طرفان: إذا نقص من أحدهما زاد في الآخر. قال إسحاق الموصلي: قبل الأصمعي يد الرشيد بعقب كلام قرظة به فقال له: والله يا أمير المؤمنين ما شممت طيباً قط أطيب من نسيم يدك، فطيب الله نفسك كما طيبها، وأنعم بالك كما أنعمها، وألان زمانك كما ألانها ضد ما قال الأسدي لابن مطيع العدوي حين جلس ليأخذ البيعة لابن الزبير، قال: وما قال له؟ فأنشد: الطويل دعا ابن نطيع للبياع فجئته ... إلى بيعة قلبي لها غير آلف

فأبرز لي حشناء لما لمستها ... بكفي ليست من أكف الخلائف قال أبو حاتم: ما رأيت رجلاً قط أحسن ترجمة للكلام من الأصمعي، سألته: لأي شيء قدم جريراً من قدمه؟ قال: كان أغزرهم وأغزلهم، وأقلهم سرقة وألهجهم هجاء؛ أبو حاتم: ألهجهم: أثقبهم، يقال رجل لهجة إذا كان منكراً. قال الأصمعي، قال لي الرشيد: أنشدني أشعر ما تعرف في المجون، فأنشدته: الوافر ألم ترني وعمار بن بشر ... نشاوى ما نفيق من الخمور وكنا نشرب الإسفنط صرفاً ... ونصقى بالصغير وبالكبير إذا ما قبحة وقعت لنيك ... رفعناها هنالك بالأيور بكل مدور صلب متين ... شديد الرهز ليس بذي فتور قال: ثم قلت: قول بكر بن النطاح: السريع وقحبة أعطيتها خمسة ... فنكتها نيكاً بألفين تركته يطلع من فرجها ... طلع حمار بين وقريم قال الأصمعي: قال لي المأمون أيام الرشيد: لمن هذا البيت؟

مخلع البسيط هل كنت إلا كلحم ميت ... دعا إلى أكله اضطرار قلت: لابن أبي عيينة المهلبي، قال: كلام شريف كأنه قول الشاعر: الطويل وإن بقوم سودوك لفاقة ... إلى سيد لو يظفرون بسيد قال الأصمعي، قال أبو فرعون العدوي: الرمل المجزوء ليتني في بيت ورد ... منقعاً في الآدب سرد قاعداً أعمل فيه ... سنه ما يحرد كرد فأجا حرها بأيري ... ولحا مقمور بدرد قال الأصمعي: مر يتساوك: إذا انثنى؛ وقال: يعوج: يميل، ويعيج: يلتفت. وقال: الحرمة: الغلمة، ومنها يقال: استحرمت المعز. قال الأصمعي: حدث رجل عند المنصور فأكثر من قوله: قال أبي رحمه الله، فقال له الفضل: كم تترحم على أبيك في مجلس أمير المؤمنين؟ فقال: لو ذقت حلاوة الآباء ما نسيتها. قال الأصمعي، سمعت أبا فرعون الساسي يقول: الرجز

لقد غدوت خلق الثياب ... معلق الزنبيل والجراب طبا بدق حلق الأبواب ... أسمع ذات الخدر والحجاب قال، وله: الرجز رب عجوز خبة زبون ... سريعة الرد على المسكين تظن أن بوركا يكفيني ... إذا غدوت باسطاً يميني عدمت كل علجة تؤذيني البنك: ضرب من طيب، الكفت: القبض؛ جذا يجذو جذواً إذا انتصب. قال بعض الأدباء: يقال للإنسان ما دام رضيعاً: صبي، فإذا فطم عن اللبن فهو وليد، فإذا راهق فهو غلام، فإذا خرج شعر وجهه فهو شاب، ثم يكون مجتمعاً، ثم يكون كهلاً، ثم شيخاً، فإذا خالطه البياض فهو أشمط، تقول: وخطه الشيب، وإذا كان لون وجهه إلى البياض قيل آدم، فإذا كان إلى السمرة فهو أسمر، وينسب المماليك إلى أجناسهم ثم يخلون، فإذا بدا الشعر على شاربه قيل طر شاربه، فإذا ظهر الشعر على وجهه قيل بقل وجهه، فإذا كان واسع الجبهة قيل رحب الجبهة، فإذا كان فوق جبهته خطوط قيل: بجبهته غضون، فإذا كان بين حاجبيه فرجة قيل: أبلج، فإذا اتصل الشعر بينهما فهو مقرون، فإذا كان على حاجبه شعر كثير فهو أزب، فإذا كان الحاجب سابغاً فهو أزج، فإذا لم يكن على حاجبيه شعر فهو أمرط وأنمص،

فإذا كان واسع العينين فهو راعين، فإذا كان أحجر فهو غائر، فإذا خرجت مقلته وظهرت فهو جاحظ، وإذا صغرت عينه وضاقت فهو أحوص، فإذا نظر إلى جانب الأذن فهو أخزر، ويقال: رجل أحول ورجل أخوص ورجل أصم، فإذا كان غير مرتفع الأنف فهو أفطس، وإذا كان قصير الأنف ليس بعريض فهو أذلف، فإذا كان فيها خطط دم فهو أشكل، والأهتم: الذي انقلعت ثناياه، والأثرم: الذي قد انكسرت سنه، فإذا انكسرت سنه عرضاً قيل قد انقصت سنه، فإذا انشقت طولاً قيل: انقاصت؛ فإذا كان غليظ الشفتين فهو أثلم، فإذا اتصلت أسنانه فهو مرصف، وإذا كانت متفرقة فهو أفلج؛ فإذا ذهب الشعر عن مقدم رأسه فهو أجلح، فإذا كان أكثر من ذلك فهو أصلع، فإذا ذهب من قبل الصدغين كان أنزع؛ فإذا لم يبصر بالليل فهو أعشى، وإذا لم يبصر بالنهار فهو أخفش، فإذا فسدت عينه وسال منها الماء فهو أعمش، فإذا كثر سواد العين فهو أكحل، فإذا كثر سوادها وصفاء بياضها فهي حوراء، يقال رجل أحور، وامرأة حوراء؛ فإذا كان في الفم زيادة سن فهو أشغى؛ فإذا كان مسترخي اللثة فهو أهدل؛ فإذا كان صغير الأذن فهو أصمع؛ فإذا كان واسع الفم فهو أجدع، فإذا كان مقطوع طرف الأنف فهو أخرم؛ فإذا كان مقطوع الأذن فهو أصلم؛ فإذا كان واسع الفم رحب الشدقين فهو أشدق؛ فإذا كان مقطوع الشفة السفلى فهو أفلح، فإذا كان مقطوع الشفة العليا فهو أعلم، فإذا اجتمعت شفتاه فهو أفوه؛ فإذا كانت عيناه ممسوحتين فهو مطموس؛ فإذا يبس كفه أو ذراعه فهو أعسم، فإذا فسدت يده واسترخت فهو أشل؛ فإذا كان بوجهه خال أو شامة أو وشم أو أثر كي أو حرق كتب بذلك أو أثر جدري أو ضربة فكذلك؛ وإذا كان قصير العنق فهو أو قص، وإذا كان طويل العنق فهو

أجيد، وإذا عمل بيمينه ويساره قيل: أعسر يسر، وإذا عمل بيساره وضعفت يمنيه قيل: أعسر، ورجل أخلف وامرأة خلفاء؛ ويقال لمن قطعت يده: رجل أجذم وأقطع وأكوع وأتك وأصرم؛ ويقال: تعلوه حمرة، تعلوه صفرة؛ ويقال: أبح الصوت وأجش الصوت وأغن وأخن. هذه ألفاظ مهدت للكاتب إذا تولى العرض أو أعان صاحب العرض، وهي نافعة، ولولا أني توخيت حكاية ما قال الأديب لبسطت فيه، ولكني قد اشمأزيت من كل ما يؤدي إلى تثقيل، وإن جاوز الفائدة وجلب النفع وذخر الفضل. أنشد الأصمعي لأبي فرعون الساسي: الرجز يا رب جبس قد علا في شانه ... لا يسقط الخردل من بنانه ولا يريم الدهر من مكانه ... أشجع من ليث على دكانه لا يطمع السائل في رغفانه ... لم يعطني الفلس على هوانه يا رب فالعنه بترجمانه قال أبو العيناء: ما رأيت مثل الأصمعي قط، أنشد بيتاً من الشعر فاختلس الإعراب؛ وقال: سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول: كلام العرب الدرج؛ قال: وحدثني عبد الله بن سوار أن أباه قال: إن العرب تجتاز بالإعراب اجتيازاً؛ قال الأصمعي: وحدثني عيسى بن عمر أن ابن أبي إسحاق قال: العرب ترفرف على الإعراب ولا تتفيهق به؛ قال: وسمعت يونس يقول: العرب تشام الإعراب ولا ت تحققه؛ قال: وسمعت الحسحاس بن حباب

يقول: العرب تقع بالإعراب وكأنها لم ترد؛ قال: وسمعت أبا الخطاب يقول: إعراب العرب الخطف والحذف؛ قال: فتعجب الناس منه. قال الأصمعي: ما أحسن ما قال الأعشى: الطويل وإني إذا ما قلت قولاً فعلته ... ولست بمخلاف لقولي مبدل قال الزبير بن بكار: تقدم وكيل مؤنسة إلى شريك بن عبد الله، وكان الوكيل يدل عليه بمكانه من مؤنسة وخدمتها ويسطو على خصمه، فقال له شريكك كف لا أم لك، فقال: توقل لي هذا وأنا وكيل مؤنسة؟ فقال شريك: يا غلام اصفعه، فصفعه عشر صفعات، فانصرف إلى صاحبته فعرفها ما ناله، فكتبت إلى المهدي تشكو شريكاً وتذكر ما صنع بوكيلها، فعزله. وقد كان شريك قبل ذلك دخل على المهدي فأغلظ له، وكان فيما قال له: مثلك يولى أحكام المسلمين؟ قال: ولم يا أمير المؤمنين؟ قال: لخلافك على الجماعة وقولك بالإمامة، قال، فقال شريك: ما أعرف ديناً إلا عن الجماعة فكيف أخالفها وعنها أخذت ديني؟ وأما الإمامة فما أعرف إماماً إلا كتاب الله وسنة نبيه، فهما إمامي وعليهما عقيدتي، وأما ما ذكره أمير المؤمينن أن مثلي لا يتولى أحكام المسلمين فذاك شيء أنتم فعلتموه، فإن كان خطأ لزمكم

الاستغفار منه، وإن كان صواباً وجب عليكم الإمساك عنه؛ المهدي: فما تقول في علي بن أبي طالب؟ قال: أقول فيه الذي قال فيه جداك العباس وعبد الله، قال: وما قالا؟ قال: أما العباس فإنه مات وعلي عنده أفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد شاهد أكثر المهاجرين يحتاجون إليه في الحوادث، ولم يحتج إلى أحد منهم إلى أن خرج من الدنيا. وأما عبد الله فضارب عنه بسيفين وشهد حروبه كلها، وكان فيها رأساً متبعاً وقائداً مطاعاً، فلو كانت إمامته جوراً كان أول ما يقعد عنه أبوك، لعلم أبيك بدين الله وفقهه في أحكام الله؛ فسكت عنه المهدي، وخرج شريك؛ وكان العزل بعد هذا بجمعة. قرأت هذا الحديث على أبي حامد فقال: ما أعجب الدنيا وأسبابها! وإنما تحرك أبو حامد عند هذا الحديث للقضاء، فإنه أن قيماً بهذه الصول والفروع، ثم قال: يا شريك بن عبد الله، من أين يصح لكأن العباس مات وعلي عنده أفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، اللهم إلا أن يشير إلى البقية بعد الصدر الأول؛ على ا، عليك فيه كلاماً، وكيف يسلم لك فضل رجل باعتقاد رجل؟ ألا تعلم أن العباس لو لم يفضل علياً لكان علي فاضلاً لأنه غرر به وحسده، ولو كان فهي خير لقعد موضع أبي بكر وموضع علي، ولكن سبق موضع سيادته في الجاهلية سؤدد من سوده الله في الإسلام، ومتى فزع إلى العباس في ترتيب الناس؟ يكفيه أنه لم يدخل في الشورى ولم يشهد بدراً، ولم يبادر الحظ بالاستبصار في الدين ولا بالرأي في الدنيا، وحقه موفور، ومكانه من الشيخوخة والتقدم مشهور، ولكن أين الفقه والورع والاجتهاد والتدبير والسبق؟ ذاك تراث حازه قوم. أما عبد الله فقد ضارب عنه بسيفين، لكنه قعد عنه أحوج ما كان إليه، وانفرد بإمارة البصرة واستأثر بأموالها وأعمالها، فلما استقدمة وطلب منه ما اجتمع من مال الله تعالى ومال المسلمين طوى الأرض إلى مكة وبلغ الطائف، واستكثر من السراري إلى

أن عمي، وهذا بعد أن دخل إلى معاوية وسالم وطلب العطاء وقارب وأعطى من نفسه وتغافل؛ أهكذا تكون نصرة الأئمة في مصالح الأمة؟ ما أحوجه إلى العفو والرحمة. ثم قال - أعني أبا حامد: دعونا نسكت عن مساوئ الناس بمحاسنهم، فلو قد أثرنا الدفائن ونثرنا الكنائن كان للعقل والعين ما يحير أحدهما ويسخن الآخر. وقال كلاماً آخر لم يلتق طرفاه طولاً، لأنه أخذ في مبادئ الإسلام، فذكر أهل الدين وإخلاص الموقنين وجود المستبصر واستسلام المتوكل وروغان الضعيف وخب المنافق وتربص الحاسد وفرح الشامت، وصرف القول تصريفاً يخلص الزبد المحض من الممذوق، ويميز اليقين من الشك، وكان ذا عارضة عريضة ولسن بين وصدر جموع وقلب ذكي ولهجة بسيطة، مع لكنة خراسان وفجاجة العجم وقلة فصاحتهم، لأنه كان من مرو الروذ ورحل إلى العراق وهو باقل الوجه مجتمع القوة، وكان من العرب من بني عامر واسمه أحمد بن بشر، ومات بالبصرة سنة اثنتين وستين وثلايمائة. وحكى لنا في هذا اليوم أن صالح بن عبد الجليل، وكان مفوهاً ناسكاً، دخل على المهدي وسأله أن يأذن له في الكلام، فقال: تكلم، فقال: يا أمير المؤمنين، إنه لما سهل علينا ما توعر على غيرنا من الوصول

إليك، قمنا مقام المؤدي عنهم وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بإظهار ما في أعناقنا من فريضة الأمر والنهي لانقطاع عذر الكتمان في البينة، لا سيما حين اتسمت بميسم التواضع ووحدت الله، وحملت كتابه إيثاراً للحق على ما سواه، فجمعنا وإياك مشهد من مشاهد التحميص ليتم مؤدينا على موعد الأداء عنهم، وقابلنا من موعود القبول، ما أوردنا تحميص الله إيانا في اختلاف السر والعلانية؛ وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: من حجب الله عنه العلم عذبه على الجهل، وأشد مه عذاباً من أقبل إليه العلم فأدبر عنه، ومن أهدي إليه علم فلم يعمل به، فقد رغب عن هدية الله وقصر بها، فأقبل على ما أدى الله إليك من ألسنتنا قبول تحقيق وعمل لا قبول رياء وسمعة، فإنه لا يخلفك منا إعلام على ما نجهل أو مواطأة على فضل ما تعلم، فقد وطن الله جل اسمه نبيه عليه الصلاة والسلام على تزولها تعزية عما فات، وتحصيناً من التمادي، ودلالة على المخرج فقال: " وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله " فصلت: 36 فأطلع على قلبك بما ينور به القلب من إيثار الحق ومباينة الهوى، فإنك إن لم تفعل لم تر لله أثرة على قلبك.

فبكى المهدي حتى هم من كان على رأسه بضرب صالح وظنوا أنه يسكت حين ذهب به البكاء فقال: يا صالح، لو وجدت رجالاً يعملون بما آمرهم وبما أنوي في رعيتي لظننت أني ألقى الله عز وجل وأمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم أقل ذنوبي وأهون حسابي، ولكن دلني على وجه النجاة، فإن لم أعمل كنت أنا الجاني على طهري والمؤثر هواي على رضا ربي، قال له صالح: أنت يا أمير المؤمنين أعلم مني بمواضع النجاة، قال: لو كنت أعلم بموضع النجاة ما كنت أولى بعظتي، وما هو إلا أن أركب سيرة عمر بن الخطاب، ولا يصلح عليها أحد من أهل هذا العصر، وذاك أن الناس في الزمن الماضي كان يرضي أحدهم الطمر البالي، وتقنعه الكسرة اليابسة والماء القراح، وهم اليوم في مضاعف الخز والوشي، ومائدة أحدهم في اليوم بمثل غنى ذي العيال في زمن عمر؛ أو أسيح في الأرض ذات العرض، فإلى من أكلهم؟ إلى ولد أبي طالب؟ فوالله ما أعلم للمسلمين راحة فيهم ولا فرجاً عندهم. ولو أنني حملت الناس على سيرة العمرين في هذا العصر كنت أول مقتول، وذلك أن الفطام عن هذا الحطام شديد، ولا يصبر عليه إلا المبرز السابق، فأنى ذلك اليوم، يا صالح؟ والله لقد بلغني أن لسعيد بن سلم ألف سراويل، ولحازم ألف جبة، ولعمارة بن حمزة ألف دواج، وهي أقل ملكهم، فما ظنك بي وهم عددي وناسي وسهام كنانتس ومن أشبههم كمعن بن زائدة وعبد الله بن مالك، فلو أني حملتهم على التقشف والنسك وأخذت ما في أيديهم فوضعته حيث راه أنت وأنا، هل كانت نفس أبغض إليهم من نفسي، أو حياة أثقل عليهم من حياتي؟ فأطرق صالح مفكراً ثم رفع رأسه وقال: يا أمير المؤمنين، إنه ليقع في خلدي أنك قبلت قولي قبول تحقيق لا قبول رياء وسمعة، فقال المهدي: شهيدي على ذلك الله، فقام صالح فدنا من المهدي فقيل رأسه وقال: أعانك الله يا أمير المؤمنين على صالح نيتك، وأعطاك أفضل ما تأمله في رعيتك، ووهب لك أعواناً بررة صالحين، يعلمون بما يجب عليهم فيك، ثم خرج. فقال له

أصحابه: ما صنعت؟ قال: والله ما ترك شيئاً عليه إلا سبقني إليه، ولا شيئاً له إلا أوضح العذر فيه. منصور الفقيه: الطويل سألت رسوم القبر عمن ثوى به ... لأعلم ما لاقى فقالت جوانبه أتسأل عمن عاش بعد وفاته ... بمعروفه إخوانه وأقاربه وله: الوافر منافسة الفتى فيما زول ... على نقصان همته دليل ومختار القليل أقل منه ... وكل فوائد الدنيا قليل وله: الطويل فما هو إلا مثل سيف مفضض ... يروعك باديه ولا خير في النصل فإن هز لم يهتز أو سل في الوغى ... لدفع ملم فالفضيحة في السل وله: البسيط أمر من طعم كل مر ... خضوع حر لغير حر سأل أبو عمرو بن العلاء رؤبة بن العجاج: ما السانح؟ فقال ما ولاك ميامنة، قال: فما البارح؟ قال: ما ولاك مياسرة، والذي يأتيك من أمامك، النطيح، والذي يأتيك من خلفك: القعيد.

قال إبراهيم بن شهاب، قال أبو الحسن البرذعي، حدثني أبو يعقوب الشحام عن أبي الهذيل عن عثمان الطويل قال: جاء عمرو بن عبيد إلى أبي عمرو بن العلاء فقال: هل تعرف في كلام العرب أن أحداً فرط فيما لا يقدر عليه؟ قال: لا، قال: فأخبرني عن قول الله تعالى: " يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله " الزمر: 56 أفرط فيما فدر عليه أو فيما لم يقدر عليه؟ فقال أبو عمرو بن العلاء لأصحابه: قد أبان لكم أبو عثمان لقدر بحرفين. قال الأصمعي: سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول: كنت امضي أنا وشعبة إلى أبي نوفل بن أبي عقرب فيسأله شعبة عن الحديث، وأسألهن أنا عن الشعر والغريب، فيقوم شعبة لم يحفظ شيئاً مما سألته عنه أنا، وأقوم أنا ولم أحفظ شيئاً مما سأله عنه شعبة. رأيت امرأة قدمت زوجها إلى أبي جعفر الأبهري المالكي، وكان على قضاء المحول فقالت: أعز الله القاضي، هذا زوجي ليس يمسكني كما يجب، حسبك أنه ما أطعمني لحماً منذ أنا معه، فقال القاضي: ما تقول؟

قال: أعز الله القاضي، البارحة أكلنا مضيرة، قالت المرأة: ويلي، أليس كان طعامنا رائب؟ قال: وتنايكنا ستاً، احسبي أنا أكلنا مضيرة بعصبان. شاعر: الطويل سلوت عن اللذات لما تولت ... وأزلمت نفسي تركها فاستمرت وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى ... فإن أطعمت تاقت وإلا تسلت وأنشد: البسيط حيتك عنا شمال طاف طائفها ... بجنة فجنت روحاً وريحاناً هبت سحيراً فهاج الغصن صاحبه ... موسوساً وتناجى الطير إعلانا كأن طائرها نشوان من طرب ... والغصن من هزه عطفيه نشوانا قال علي بن عبيدة: الأيام مستدعات الأعمال، ونعم الأرضون لمن بذر فيها الخيرات. وقال الصولي: قال رجل لمحمد بن أبي أمية الكاتب: أين الشعير الذي وعدتني به، فقال: أين البرذون الذي ضمنت لي؟ أنت والله كما قال ابن هرمة: المتقارب يحب المديح أبو خالد ... ويفرق من صلة المادح كبكر تحب لذيذ النكاح ... وتفرق من صولة الناكح

قال عبد الله بن إبراهيم الجمحي، قيل لابن هرمة: أتمدح عبد الواحد بن سليمان بما لم يقل مثله في غيره: الوافر أعبد الواحد الميمون إني ... أغص حذار سخطك بالقراح فقال: إني أخبركم القصة: أصابني أزمة وقحمة بالمدينة، فاستنهدتني بنت عمي للخروج فقلت لها: ويحك ليس عندي ما يصل جناحي، فقالت لي: أنا أشيع صحابتك بما أمكنني، وكانت عندي ناب لي، فنهضت بها وهيتهجد النوام وتؤذي المساء وليس من منزل أنوله إلا قال الناس: ابن خرمة، حتى وقعت دمشق فأويت إلى مسجد عبد الواحد بن سليمان في جوف الليل، فجلست في المسجد إلى أن نظرت إلى بزوغ الفجر، فإذا الباب ينفلق عن رجل كأنه البدر، فدنا فأذن ثم أهذب ركعتيه فتبينته فإذا هو عبد الواحد، فقمت فدنوت منه وسلمت عليه، فقال: أبا إسحاق؟ قلت: لبيك بأبي وأمي، فقال: آن لك أن تزورنا، طالت الغربة واشتد الشوق فما

وراءك؟ قلت: لا تسألني بأبي أنت، فإن الدهر قد أخنى علي فما وجدت مستغاثاً غيرك؛ فوالله إني لأخاطبه إذا بثلاثة فتية قد خرجوا كأنهم الأشجان فسلموا، فاستدنى الأكبر منهم فهمس إليه بشيء دوني، ودون أخويه، فمضى إلى منزله ولم يلبث أن خرج ومعه عبد ضابط يحمل حزمة من ثياب حتى ضرب بها بين يدي، فهمس إليه ثانية فعدا، فإذا به قد رجع ومعه مثل ذلك، فضرب به بين يدي، فقال لي عبد الواحد: ادن يا أبا إسحاق فإني أعلم أنك لم تصر إلينا حتى تفاقهم صدعك، فخذ هذا وارجع إلى عيالك، فوالله ما سللنا لك هذا إلا من أشداق عيالنا، ودفع إلي ألف دينار وقال لي: قم فارحل فأغق من وراءك، فقمت إلى الباب فلما نظرت إلى ناقتي ضقت، فلما نظر إليها قال: ما هذه؟ واسوأتاه، يا غلام قرب إليه جملي فلاناً، فوالله لأنا كنت بالجمل أشد سروراً مني بكل ما نلت، فهل تلومونني أن أغص حذار سخط هذا بالماء القراح؟! والله ما أنشدته ليلتئذ بيتاً واحداً. أنشد الأصمعي لشاعر: السريع رب غريب ناصح الجيب ... وابن أب متهم الغيب ورب عياض له منظر ... مشتمل الثوب على العيب والناس في الدنيا على نقلة ... على شباب وعلى شيب أنشد المبرد لبشار: الطويل خليلي من كعب أعينا أخاكما ... على دهره إن الكريم معين

ولا تبخلا بخل ابن قزعة إنه ... مخافة أن يرجى نداه حزين كأن عبيد الله لم يلق ماجداً ... ولم يدر أن المكرمات تكون إذا جئته في حاجة سد بابه ... فلم تلقه إلا وأنت كمين فقل لأبي يحيى متى تدرك العلى ... وفي كل معروف عليك يمين وقع أبو صالح ابن يزداد في وزارته إلى عامل: ليس عليك بأس ما لم يكن منه يأس. ووقع أيضاً إلى عامل: قد تحاوزت لك، وإن عدت أعدت إليك ما صرفته عنك. ووقع أيضاً إلى عامل اعتد بكفاية وزاد: أدللت فأمللت، فاستصغر ما فعلت تبلغ ما أملت. وأنشد: الرجز يا عمر بن عمر بن الخطاب ... إن وقوفاً بفناء الأبواب يدفعني الحاجب بعد البواب ... يعدل عند الحر قلع الأنياب قال الماهاني: كانت في بعض الديارات راهبة قد انفردت بعبادتها، وكانت تقري الضيف وتجير المنقطع، وكانت النصارى تتمثل بعبادتها وعفافها، فمر بالدير رجل كان من شأنه أن يدخر الوفواكه، فيحمل في الضيف فواكه الشتاء، وفي الشتاء فواكه الصيف إلى الملوك، ومعه غلام له وحمار موقر من كل فاكهة حسنة، فقال للغلام: ويحك، أنا منذ زمان أشتهي

هذه الراهبة، فقال العلام: كيف تصل إليها وهي في نهاية العفاف والعبادة؟ فقال: خذ معك من هذه الفاكهة وأنا أسبقك إلى سطح الدير فإذا سمعتني أتحدث معها بشيء فأرسل ما معك من الروزنة؛ فأصعد الغلام سطح الدير، وجاء الرجل فدق الباب فقالت: من هذا؟ قال: ابن سبيل وقد انقطع بي، وهذا الليل قد دهمني، ففتحت ودخل، وصار إلى البيت الذي الغلام على ظهره، وأقبلت هي على صلاتها، وقالت: لعله يحتاج إلى عام، فجاءته به وقالت: كل، فقال: أنا لا آكل، قالت: ولم؟ قال: لأني ملك بعثني الله تعالى إليك لأهب لك ولداً، فارتاعت لذلك وجزعت، وقالت: أليس كان طريقك على الجنة فهلا جئت معك بشيء منها؟ قال: فرفع الرجل رأسه وقال: اللهم بعثني إلى هذه المرأة، وهي بشر، وقد ارتابت فأرها يا رب برهاناً، وأنزل عليها من فاكهة الجنة فتزداد بصيرة ومعرفة، فرمى الغلام برمانة من فوق، وأتبعها بسفرجلة، ثم بكمثراة، ثم بخوخة، فقال: ما بعد هذا ريب فشأنك وما جئت له، فشال برجليها وجعل يدفع فيها وهي تمر يديها على جنبيه كأنها تطلب شيئاً، فقال لها: ما تلتمسين؟ قالت: نجد ف كتابنا أن للملائكة أجنحة وأراك بلا جناح، فقال: صدقت، ولكنا معشر الكروبيين بلا جناح. لما ولى خالد بن عبد الله القسري بلال بن أبي بردة، وكان حمزة بن بيض صديقاً له صار إليه، وأقام على بابه أياماً لا يؤذن له، فكتب رقعة: البسيط

قل للأمير جزاك الله صالحة ... قرم إليه التقى والمجد والدين فهل ترى حرجاً في شرب صافية ... صهباء ينقب عن خرطومها الطين وهل ترى حرجاً في نيك أرملة ... مسكينة ناكها قوم مساكين فلما قرأها بلال قال: ابن بيض والله، أدخلوه، فلما دخل ابن بيض قال: ما كنت والله لأصل إليك يا فاسق إلا بالشر. كان المغيرة بن شعبة من كبار المدنين للشراب، لم ينهه الإسلام وصحبة الرسول عليه السلام حتى قال لصاحب له يوم خيبر: قدمت إلى الشراب ومعي درهمان زائفان، فأعطني زكرتين، فأعطاه، فصب في إحداهما ماء، وحتى بعض الخمارين فقال: كل بدرهمين، فكال في زكرته، فأعطاه الدرهمين فردهما وقال: هما زئفان، فقال: ارتجع ما أعطيتين فكاله وأخذه، وبقيت في الزكرة بقية فصبها في الفارغة، ثم فعل ذلك بكل خمار بخيبر حتى ملأ زكرته ورجع ومعه درهماه. وهذا الفعل يجمع نذالة وإثماً وخبثاً وسقوطاً. محمد بن عبد الله الحمصي: الخفيف المجزوء عاشر الناس بالجمي ... ل وسدد وقارب واحترس من أذى الكرا ... م وجد بالمواهب لا يسود الجميع من ... لم يقم بالنوائب

ويحوط الأدنى وير ... عى ذمام الأقارب فتفهم فإنني ... عالم ذو تجارب لا تواصل إلا الشري ... ف الكريم الضرائب من له خير شاهد ... وله خير غائب واجتنب وصل كل وغد دنيء المكاسب نيرب لا يزال يو ... قد نار الحباحب لا تبع عرضك المصو ... ن بعرض المكالب أنا للشر كاره ... وله غير هائب سرق رجل من مجلس معاوية كيساً فيه دنانير، ومعاوية يراه، فقال الخازن: يا أمير المؤمنين قد نقص من الماس كيس دنانير، قال: صدقت وأنا صاحبه، وهو محسوب لك. شاعر: الطويل وهبت شمالاً ما اهتدى اللص هديها أن ... سلالأ متى تنظر إلى الماء يبرد تكاد رقاق القمص وهي خفيفة ... على الشرب تندى م نسيم لها ندي وما أدركت في مرها لم تطر به ... ولو كان من أطراف قطن مزبد قال أبو ذر: نرعى الخطائط ونرد المطائط، وتأكلون خضماً ونأكل قضماً، والوعد الله، قال يعقوب: الخطيطة: أرض لم يصبها مطر بين أرضين قد مطرت؛ والمطيطة: ما تسأره الإبل في الحياض فيخثر بأنفاسها، والخضم: أكل الشيء الرطب، والقضم: أكل الشيء اليابس.

قال يعقوب: هذا معلقم أي فيه مرارة. روى الرئيس ابن العميد في أمثال العرب إذا حثت على المواساة في الشيء القليل: أطعم أخاك عقنقل الضب. وقال: ويقال: أطعم أخاك من كلية الأرنب ويقال: لا يقوم بهذا الأمر إلا ابن إحداهما، أي ابن الداهية التي هي إحدى الدواهي. ويقال لمن يفسد ولا يصلح: يوهي الأديم ولا يرقعه. ويقال: الصبي أعلم بمصغى خده، أي هو أعلم بمن ينفعه. ويقال: سطي مجر، ترطب هجر، أيتوسطي المجرة، لأنها إذا توسطت السماء أرطب النخل بهجر.

يقال: لا يملك حائن دمه. ويقال: رب حام لأنفه وهو جادعه. ويقال: جاء فلان يضحك ظهراً لبطن، أي يلتفت يميناً وشمالاً. ويقال للشيخ: أدبر غريره، وأقبل هريرة، والغرير: الخلق الحسن. ويقال: خل بين أهل الخلاعة والمجانة، ويريد أهل الفحش والخنا. ويقال: لأصحبنه صبوحاً حازراً، إذا توعد، والحازر: لبن قد حمض. ويقال: ما أسن الرجل إلا تقبل أباه. ويقال: لم يبق من شيخك إلا حبقه. ويقال: أرض من العشب بالخوصة. ويقال: لا تكن كالباحث عن الشفرة. ويقال: يكسو الناس واسته عارية، يعني المغزل.

ويقال: جرى منه كلامي مجرى اللدود، يعني بلغ كل مبلغ، واللدود دواء يصب في إحدى شقي الإنسان. ويقال: بينهم داء الضرائر. ويقال: أنت كالخروف، أين مال اتقي الأرض بصوف. ويقال: ما كانوا عندنا إلا كلفة الثوب. والغزل والمحاضنة والمراودة والسمودة واحدة. ويقال: ذهبت دماؤهم درح الرياح، أي طلت. ويقال: إن في المرقعة لكل كريم مقنعة؛ والمقنعة: الغنى، وهو أيضاً من قنع، والقنع: الغنى. ويقال في الدعاء السوء: زادك الله رعالة كلما ازددت مثاله؛ والرعالة: الحماقة، يقال: رجل أرعل، وامرأة رعلاء، وقوم رعل. ويقال: إذا قل الأعوان كل اللسان. ويقال: للجرادة: بقلة شهر وشوك دهر. وقالت فارك لأمها بعدما نشزت على زوجها: إنه بارد الكمرة، فقال زوجها لبني عمه: يا بني عم سحنوا الكمر، فذهبت مثلاً.

ويقال: فلان بين العصا ولحائها، إذا كان جيد المنزلة ثابت المودة. ويقال: تركته على مثل مشفر الأسد، في الشدة والخوف. ويقال: كلمتته فميا وجم لي وجمة ولا أظهر رحمة ولا نأم نأمة ولا وشم لي وشمة ولا هم لي ببنت شفة ولا نغى لي نغية. ويقال: قد قلينا صفيركم. ويقال: قوم يمصون الثماد وآخرون حلوقهم في الماء. ويقال: ليس الرقاد للفتى بمغنم. ويقال: استر عورة أخيك ما يعلم فيك. ويقال: رب مخيل مخلف. ويقال: ربما صدقك المادح. ويقال: حتى متى نكرع وأنت لا تنقع. ويقال: يسقيه من كل يد بكاس، والقلب بين طمع ويأس. مثل يمثلون به: الرجز مالك لا يقصى ولا يسرح ... واليأس مما لا ينال أروح هكذا كان فس مسودة ابن العميد يقصى بالصاد ولعله: يقضي ويسرح. ويقال: اهتك ستور الشك بالسؤال.

ويقال: الرجز النحب يكفيك النطى المحيلا ويقال: شمر إذا جد بك لسير. ويقال: كل مبذول مملول. ويقال: ما هذا البر الطارق؟ ويقال: ما شهم حمار؟ أي ما ذعرك. ويقال: الليل جنة كل هارب. ويقال: اللهم قدر الأية، والأية مصدر أوى أي رحم. ويقال: الصدق في بعض المواطن عجز. ويقال: الأيام عوج رواجع. ويقال: لا تنفع حيلة من غيلة. ويقال: لا تطمع في كل ما تسمع. ويقال: لا علة، لا علة، هذه أوتاد وأخلة. ويقال: دع الوعيد يذهب بالبيد. ويقال: حافظ على الصديق ولو في الحريق.

ويقال: هلا على إبل بالدهناء؛ الدهناء تمد وتقصر. ويقال: أنف في السماء واست في الماء. ويقال: أنت بين كبدي وخلبي. إلى ها هنا هو ما نقلته من مسودة ابن العميد، وكان فيها أيضاً أبيات، وهي في تشبيه الذوائب بالكرم والعناقيد. البسيط تسبي الحليم ببراق عوارضه ... من الجوازئ بين الحل والحرم وفاحم كقضيب الكرم عقده ... أيدي المواشط بالحناء والكتم آخر: الكامل ويضل مدارها المواشط في ... جعد أغم كأنه كرم ولشاعر: البسيط يسبين قلبي بأطراف مخضبة ... وبالعيون وما وارين بالخمر وارين جعدا رواء في أكمته ... من كرم دومة بين السيح والجدر ترى نواطيره في كل مرقبة ... يرمون عن وارد الأطراف منهمر لبعض قريش: الرجز

جارية فوعها كروم ... صحيحة كأنها سقيم كالشمس تنشق لها الغيوم لابن مطير: الطويل سبتني بعيني مغزل وبارد ... تعكف تعكيف الكروم ضفائره كثير: الطويل وتدرأ بالمدرى أثيثاً نباته ... كجنة غربيب تدلت كرومها لمعن بن أوس: الطويل ووحف تنثنى في العقاص كأنه ... عليها إذا دبت غدائره كرم لابن مقروم: البسيط قامت تريك غداة البين منسدلاً ... تخاله فوق متنيها العناقيدا ابن مقبل: الطويل عشية أبدت جيد أدماء مغزل ... وطرفاً يريك الإثمد الجون أخضرا

وأسحم مجاج الدهان كأنه ... عناقيد من كرم دنا فتهصرا سئل بعض الأعراب عن معنى هذه الآية: " قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا " الكهف: 103 قال: البخيل الذي يأكل ماله غيره. كان خالد بن صفوان بن الأهتم من سمار أبي العباس، ففخر ناس من بلحارق بن كعب وأكثروا، فقال أبو العباس: لم لا تتكلم يا خالد؟ قال: أخوال أمير المؤمنين وأهله؛ قال: فأنتم أعمام المؤمنين وعصبته، قال: خالد: ما عسى أن أقول لقوم كانوا بين ناسج برد، وقائد قرد، ودابغ جلد، دل عليهم هدهد، وغرقتهم فأرة، وملكتهم امرأة. قالت أعرابية: أصبحنا ما يرود لنا فرس، ولا ينام حرس. اشترى بعض الأمراء أرضاً بالبادية فقال له صاحبها: إن ترسل إليها أيها الأمير فهي أوفر من الرمانة، وإن تدعها فهي أمنع من آست النمر. قال الحسن: البلاغة ما فهمته العامة ورضيته الخاصة. قال ابن المقفع: إياك والتتبع لوحشي الكلام طمعاً ف نيل البلاغة، فذلك العي الأكبر.

كاتب: تفيأ ظل الخفض والدعة، وتبوأ محل الخصب والسعة، فذا للغرض المقصود بك مخالف، وأنت بما فيه من العضيهة عارف. السعيد من زادت مجاري القدر في استبصاره، ووقعت حوادث الغير موقعها من اعتباره. لا عارض جنابك خورن ولا رد باعك قصر. وانتقض من الأسباب ما هو منتظم، وامتد من الأطماع ما هو من حسم. وضعت خدي للأيام أستعيد منها عهد الاجتماع، وأستعيذ بها من برح النزاع. وهب كدر قوله لصفاء عقيدته، ونقصان إصابته لزيادة طاعته، فسفحت العيون دماً، واستبيح من العزاء حمى. سقطة صريعها لا يستقل، وسليمها لا يبل. يستولي في النصح على الأمد، ويستمر في الذب على الوعث والجدد. حمداً يصعد في أطيب الكلم إلى الله، ويرجع بأدوم المزيد من الله. نسأل الله توفيقك لكل أمر جامع في الحظ منك، بالحظ لك، وقضاء الحق عليك بالحق فيك. نحن نستعذب مزيد الثناء عليك كما نستحسن جديد البلاء منك، ثم

لا ترى كثير يكافئ صدق اجتهادك، كما أنك لا ترى كثير البلاء يبلغ كنه اعتقادك. نيأل الله أن لا يخلينا من لسان طويل في الثناء عليك، ولا يخليك من باع طويل إلى كفاية اأسندناه إليك، وكلما جربناه أحمدناه، وكلما أمضيناه ارتضيناه. حتى إذا كان طول الاستعمال يؤثر في حده، لطف الله تعالى برده إلى غمده، فصان حده من أن ينفتل، وحمى متنه من أن يحتمل. ومن خصائص ما رفع الله تعالى بين الأولياء قدرك أنه جعل الشكر لنا ممن في وزن البر منك، فلا النعماء نقصت، ولا حقوقها بخست، بل كرم منها ورد وصدر، وطاب غرس وثمر، وزكا أول وآخر، وصفا باطن وظاهر؛ تلك منزلتك التي تبوأتها ي الجماعة، وتوطأتها في صدث الطاعة. أهنأ التهاني موقعاً، وأزكاها موضعاً، تهنئة كان مصدرها عن صدر بالولاء معمور، وعقد بالصفاء مخبور. سيفك من دمائهم ينطف وأقدامهم من خوفك ترجف، بهم حرس الله أكنافها، وعليهم ادر أخلافها. به يرجع كوكب الوحشة للأفول، ويزحزح موكب الأنس للقفول. هذا الكاتب الذي رويت عنه هذه الفصول هو أبو القاسم الإسكافي كاتب خراسان، ولم يوجد في أهل المشرق أكتب منه في زمانه، وهذا مختار مما مر في طريقته، على أنه مردود الفن بالعراق، وذلك لتكلف يسير يعتري كلامه، وتباعد في التأليف عن العادة.

سرف رجل درة رائعة لجعفر بن سليمان الهاشمي، وباعها السارق ببغداد بمال جليل، فعرفها أصحاب الجوهر، وكان قد تقدم إليهم في البحث عنها، فحملوا الرجل إلى جعفر، فلا بصر به عرفه فاستحيا منه، فقال للسارق: ألم تك طلبت مني هذه الجوهرة فوهبتها لك؟ قال: بلى أصلح الله الأمير، فقال: لا تتعرضوا له؛ فباعها الرجل بمال عظيم. كان سليمان بن عبد الملك خرج في أيام أبيه لنزهة، فقعد يتغدى مع جماعة، فلما حان انصرافه شغل حشمه بالترحال، فجاء أعرابي فوجد منهم غفلة، فأخذ دواج سليمان فألقاه على عاتقه، وسليمان ينظر إليه، فصاح به بعض الحشم: ألق ما معك ويلك، قال: لا، ولا كرامة لك، قد خلعه علي الأمير، فضحك سليمان وقال: صدق، أنا كسوته، ومر الأعرابي كالريح. واستلب رجل رداء طلحة بن عبيد الله، فذهب ابن أخيه يتبعه، فقال له طلحة: دعه، فما فعل هذا إلا من حاجة. قال عبي بن عبيدة: من أنس بالساعات، أباح نفسه للغوائل. أخذ رجل مع زنجية قد أعطاها نصف درهم، فلما أتي به إلى الوالي أمر بتجريده وجعل يضربه ويقول: يا عدو اله، أتزني بزنجية؟ فلما أكثر قال: أصلحك الله فبنصف درهم أيش كنت أجد؟ فضحك وخلاه.

وجد قوم زنجية مع شيخ في مسجد ليلة الجمعة، وقد نومها على جنازة، فقيل له: قبحك الله من شيخ، فقال: إذا كنت أشتهي وأنا شيخ لا ينفعني شبابكم، قالوا: فزنجية؟ قال: من منكم يزوجني بعربية؟ قالوا: ففي المسجد؟ قال: من منكم يفرغ لي بيته ساعة؟ قالوا: فعلى جنازة؟ قال: من يعطيني سريره؟ قالوا: فليلة جمعة؟ قال: إن شئتم فعلت ليلة السبت، فضحكوا منه وخلوه. قال يعقوب: يقال: تسدى فلان فلاناً إذا أخذه من فوقه وأنشد لابن مقبل: البسيط أنى تسديت وهناً ذلك البينا وتسدى في المشي إذا انبسط قال يعقوب: كلب فغم: مولع بالصيد حريص عليه. ويقول العرب للكلب: ما أشد فغمه؛ ويقال: فغمتني ريح إذا سدت خسا شيمك. ويقال: لص كذا إلى كذا إذا ضم بعضه إلى بعض؛ وأنشب أظفاره أي أعلقها؛ الهبول: الثكول. ويقال: رجل أنسى ونس إذا اشتكى نساه؛ كما يقال أرمد ورمد، وأحدب وحدب، وأحمق وحمق، وأخرق وخرق، وشيء أخشن وخسن، وأنكد ونكد، والحجم: المص، وبه سمي الحجام؛ سمعت غيطلة القوم أي أصواتهم، وكل شجر ملتف: غيظل.

أيام الصفرية: نحو من عشرين يوماً في آخر القيظ، وقيل البرد، ويقال: سميت الصفرية لأن المال يتصفر فهيا، أي تحسن ألوانه. ويقال للرجل: قد عجر لقتال القوم إذا أجمع قتالهم، وقد عجر الفرس بذنبه إذا شال به أي رفع. ويقال: جاء بثريد مصمعة إذا دققها وأحد رأسها، ومنه سميت الصومعة؛ وحرب صمعاء أي شديدة. الجحاف: مزاحمة السيل، جحفة، يجحفه؛ يقال للرجل إذا كان غليظاً: إنه لذو كدنة، والجحاف: المزاحمة، والموادحة: الكسر، يقال: سيل جحاف وجراف وقعاف. قال الكلابي: فلان يقلف ما مر به: أي يذهب به؛ ويقال: ناس قد أجحف بهم الدهر. كتب أبو شراعة الشاعر البصري إلى عيسى بن موسى بن موسى ابن صالح بن شيخ بن عميرة السدي: وصل كتابك بسلامة الله لك، وإجرائه إياك على جميل العافية، فسرني وآنسني، ألا وإن عهدك وودك كرها إلي الناس بعدك، فلا أجالس إلا مذموماً، ولا أعاشر إلا ملوما، ولا أبيت بعد فراقك إلا مهموماً. وكتب أو شراعة إلى سعيد بن موسى بن سعيد بن مسلم بن قتيبة يستهديه نبيذاً: أما بعد، فإن في التمسك بحبلك دليلاً على حظ المائل إليك، وتمييز المختار لك، وإن المخصوص من ذلك بنعمة أجهدت الشكر، وأكلت الوصف، وما خسر قسم الزائر لك، ولا اعتاص المتخلف عنك. وللنبيذ خطلات يغتفرها لهوك، ويجل عنها صحوك، ولو كنت تشرب ما تجنبت قربك، ولا شربت إلا على رؤيتك، فاسقني رياً، فإن الملوك لا يستحيى من مسألتهم، وإن برك ليرفع الخسيسة، ويتمم النقيصة؛ أسترعي الله جنابك،

وأستمتعه ميل العافية لك، وفيك أقول: الخفيف يا سعيد الندى فداك الأخلا ... ء وأسقاك ذو العلى من سمائه يا فتى ما اختبرته قط إلا ... زادني الخبر رغبة في إخائه غلب الدين والوفاء عليه ... فهو صب بدينه ووفائه مستهام بالحمد مصغ إلى المج ... د جواد لذاته في عطائه فإذا سيل كاد أن يتجلى ... وجهه الحر من بشاشة مائه تنازع أحمد بن أبي خالد والسندي بن شاهك بين يدي المأمون فقال أحمد: أمير المؤمنين أفضل من آبائه قدراً، وأرفع محلاً، فقال إبراهيم: بل أمير المؤمنين دون آبائه، وفوق غيره، وأرفع أهل دهره، فقال المأمون: يا أحمد، إن إبراهيم يبنين وأنت تهدمني، ويبرم حبل مريرتي وأنت تنقضني. قال أحمد بن رشيد: أمر لي أحمد بن أبي خالد بمال فامتنعت من قبوله، فقال لي: إني والله أحب الدراهم، ولولا أنك أحب إلي منها ما بذلتها لك. وقع أحمد بن أبي خالد: غررتنا بالله فحبسناك لله. لأبي شراعة البصري: الرجز قالت أبعد ثمد تخله ومستراد جدب تمله بان عليك من نعيم دله حين عداك نهلة وعله ومن جاور البحر كفاه قله

ويحك هذا خير موسى كله من جبل يؤوي معدا ظله قد أصبحت سادتها تحله وكلهم أضحى عليه كله لا نزر النيل ولا معتله مستلين العطف يعم غله أخوك عند النائبات كله كاتب: أنا للعناية بك معتقد، وفي حاجتك مجتهد، وللجهد فيها مستنفد. قال أعرابي لرجل: أنت عند الأمل موثل، وعند الأجل معقل. كاتب: بنا إلى معروفك حاجة، وبك على صلتنا قوة، فانظر في ذلك بما أنت ونحن أهله. كاتب: كان لي فيك أملان: أحدهما لك، والآخر بك، فأما الأمل لك فقد بلغته، وأما الأمل بك فأرجو أن يحققه الله ويوشكه. كاتب: أعارني الله حياتك وأعاذني من ارتجاعها، وأمتعني بدوام نعمتك وأجارني من انقطاعها. كاتب: أطال الله بقاءك لرجاء تصدقه، وأمل تحققه، وعان

تعتقه، وأسير تطلقه، ولا أزال عن الدنيا ظلك، ولا أعدم أهلها فضلك. كاتب: أطال الله بقاء الوزير لظلم يزيله، وعرف ينيله، وحلم يطيله، وعثار يقيله، وضر يحيله، وعدو يديله، وصديق يذيله. كاتب: وكان موقع وعده المنتظر عائدته، موقع رفده المحتضر فائدته. كاتب: والله تعالى أوسع منيل، والعقل أهدى دليل، والأدب آنس خليل، والقناعة أوطأ مقيل، والتوكل آمن سبيل، والإخلاص أمضى حويل، والبر أحفظ كفيل. وكتب بعض العمال إلى المهدي: أما بعد، فإن أمير المؤمنين قد شغلني بولاية الفرات عن الكسب على عيالي، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر لي بسعة من الرزق يغنيني بها، ولا يضطرني بالفاثة إلى الشيطان ونزغاته، فإن المضطر إلى الميتة يأكل ما يأكل منها حلالاً، وإن المعافى يزداد بالغنى عفافاً، فعل إن شاء الله. لما قتل عبيد الله بن زياد مسلم بن عقيل بالكوفة قال لكاتبه: اكتب إلى يزيد كتاباً، فكتب وطول، ثم أتى به عبيد الله فعرضه عليه فقال له: طولت، ثم دعا بكاتب فقال: اكتب: لعبد الله يزيد أمير المؤمنين من

عبيد الله بن زياد، سلام عليك؛ أما بعد، فإن مسلم بن عقيل قدم الكوفة مشاقا، فآواه أهل الشقاق فبغيته، فلما خشي أن أظفر به خرج في شرذمة قليلة، لا ناصرة ولا منصورة، فهزمه الله فانجحر مجحر اليربوع، فلما نخس في ذنبه أطلع رأسه فجدعه الله وقتله، وقتل هانئاً مع، والخبر مع رسولي فليسأله أمير المؤمنين عما أحب. فكتب إليه يزيد: من عبد الله يزيد أمير المؤمنين إلى عبيد الله بن زياد، سلام عليك؛ أما بعد، فإنك لم تعد أن تكون كما أحب، فعلت فعل الحازم الناصح، وصلت صولة الشجاع الباسل، فقد أغنيت وكفيت وصدقت ظني بك، والسلام. قال الحسين بن الصحاك: رأيت إبراهيم بن العباس وهو حدث يخط بين يدي أحمد بن أبي خالد، وهو إذ ذاك وزير، فرمى إليه أحمد بكتاب من قاضي الري إلى المأمون وقال له: ينبغي أن تنشيء الجواب عنه، وتنفذه إلي لأحرره. فأخذ إبراهيم الكتاب فقلبه وكتب على ظهره من غير تفكر: قد قرأ أمير المؤمنين كتابك، وفهم اقتصاصك، وأمر بإجابتك، فليكن عدلك في أقتضيتك، وحسن سيرتك في رعيتك، ما يقربك إلى الله تعالى ويدنيك من أمير المؤمنين وجميل رأيه، فاستشعر في سريرتك طاعة الله ورضاه، وفي علانيتك خشيته وتقواه: " فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون " النحل: 128. قال المبرد، قال الحسين بن الضحاك، قال لي يحيى بن

خاقان: يا أبا علي والله لستولين هذا الحديث على ديوان هذا الشاب. قال المبرد: كان سيبويه كثيراً ما يتمثر بهذا البيت: الطويل إذا بل من داء به خال أنه ... نجا وبه الداء الذي هو قاتله مات سيبويه بشيراز وله ثمان وثلاثون سنة. قال المبرد: كان الأخفش أعلم الناس بالكلام، واحذقهم فيه بالجدل، وكان غلام أبي شمر على مذهبه. قال المبرد، حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، قال أحمد بن المعذل: لما جاءنا الأخفش ليؤدبنا قال: جنبوني ثلاثة أشياء: أن تقولوا بس، وأن تقولوا: هم كذا، وليس لفلان بخت. قال المازني، حدثني الأخفش قال، قال لي أبو حية النميري:

أتدري ما يقول القدريون؟ قلت: ما يقولون؟ قال: يقولون: إن الله يكلف العباد ما لا يطيقون، وصدق والله القدريون، ولكن لا نقول كما يقولون. قال أبو حاتم: كنت والأخفش عند سعيد بن مسعدة وعنده التوزي، فقال لي: يا أبا حاتم، ما صنعت في كتاب المذكر والمؤنث؟ قلت: قد عملت في ذلك شيئاً، قال: فما تقول في الفردوي؟ قلت: مذكر، قال: فإن الله تعالى يقول في الفردوس: " هم فيها خالدون " المؤمنون: 11 قلت: ذهب إلى الجنة فأنث، قال التوزي: يا غافل، أما تسمع الناس يقولون: الفردوس الأعلى؟ فقلت له: يا نائم، الأعلى ها هنا أفعل وليس بفعلي. قال المبرد: مات الأخفش بعد الفراء، ومات الفراء سنة سبع ومائتين بعد دخول المأمون العراق، ومات النضر بن شميل سنة أربع ومائتين. قال الأخفش: " فظلت أعناقهم لها خاضعين " الشعراء: 4 يزعمون أنها على الجماعات نحو: هذا امرؤ لا أحب الشر. وذكر رجل لرقبة بن مصقلة فقال: كان أحد بنات مساجد

الله، كأنه جعله حصاة. قال النضر بن شميل: استنش ني المأمون فأنشدته: المنسرح إني امرؤ أزل، وذاك من الل ... هـ، أديب يعلم الأدبا أقيم بالدار ما اطمأنت بي الدا ... ر وإن كنت نازحاً طربا والنذل لا يطلب العلاء ولا ... يعطيك شيئاً إلا إذا رهبا مثل الحمار الموقع السوء لا ... يحسن مشياً إلا إذا ضربا ولم أجد عروة الخلائق إ ... لا الدين لما اختبرت والحسبا قد يرزق الخافض المقيم وما ... شد بعنس رحلاً ولا قتبا ويحرم الرزق ذم المطية والر ... حل ومن لا يزال مغتربا قال أبو زيد: يقال: أراد فلان ظلامي، أي ظلمي؛ أنشدني بعض بني أسد: الكامل أكل المغالق صرمتي إذ أمحلوا ... جشعاً ولطوا دونها بظلام

قال أبو زيد: سمعت جراهة القوم وجراهيتهم، أي أصواتهم وجلبتهم، وسمعت وجأتهم. مات أبو زيد سنة خمس عشرة ومائتين وله خمس وتسعون سنة. قال أبو زيد، قال أبو عبيدة، قال لي أبي: يا بني إذا كتبت كتاباً فالحن فيه فإن الصواب حرفة والخطأ أنجح. أنشدنا السيرافي لخارجي في زيد بن علي بن حسين بن علي ابن أبي طالب عليه السلام لما قتل: الكامل يابا حسين والحوادث جمة ... أولاد درزة أسلموك وطاروا يابا حسين لو شراة عصابة ... علقتك كان لوردهم إصدار إن يقتلوك فإن قتلك لم يكن ... عاراً عليك ورب قتل عار وقال لنا: أولاد درزة: الخياطون، وإنما يعني أرذال الناس وسفلتهم، وشراة عصابة: مزاح عن حقه، أراد: عصابة شراة، وإنما قالوا: نحن شراة أي نحن شرينا أنفسنا أي بعناها في ذات الله. وأنشدنا أبو سعيد: الكامل أولاد درزة أسلموه مبسلاً ... يوم الخميس لغير ورد الصادر

تركوا ابن فاطمة الكريم جدوده ... بمكان مسخنة لعين الناظر وعزاها إلى بعض الخوارج أيضاً. سمعت بعض العلماء يقول: الضب: الحقد، والضبة كذلك؛ ويروى لعلي بن أبي طالب عليه السلام: البسيط تلكم قريش تمناني لتقتلني ... فلا وربك ما بروا ولا ظفروا فإن قتلت فرهن ذمتي لهم ... بذات ودقين لا يعفو لها أثر زعموا أن ذات ودقين هي الضبة، يقال لها حران، فكأنه كنى عن الحقد بصفة دالة وكناية مستترة. قال ثعلب: الكلام مبني على الحركة والسكون، فالحركة يبتدأ بها، وبالسكون يوقف، ولو كان متحركاً كله لقلق اللسان وطاش، ولو كان ساكناً ما كان كلاماً، وباجتماع الحركة والسكون يكون كلام. وأنشد السريع شيخ لنا يعرف بالخلدي ... يريده في غلظ المردي أدخلني يوماً إلى داره ... فناكني والأير من عندي سمعت علي بن عيسى يقول: قسمة التقدير في الممكن على

أربعة أوجه؛ فالأول: تقدير ممتنع، مثاله لو كان في هذا المحل حركة وسكون لكان متحركاً ساكناً في حال؛ والثاني: تقدير ممكن، مثاله لو سقط حجر من رأس جبل لوصل إلى الأرض؛ الثالث: تقدير ممكن بممتنع، مثاله لو آمن أبو لهب لم يكن العالم عالماً بأنه لا يؤمن، فهذا تقدير ممكن بممتنع؛ الرابع: تقدير ممتنع بممكن، مثاله لو كان الإنسان قديماً، وكل قديم جسم، لكان الإنسان جسماً، فهذا تقدير ممتنع بممكن. أصحابنا لا يرون له طبقة في المنطق، وهو يتسع كما ترى. قال المفجع، حدثنا الكديمي، حدثنا الأصمعي قال: وعظ أعرابي قومه فقال: يا قوم، إن يسار النفس أفضل من يسار المال، فمن لم يرزق غنى فلا يحرمن تقوى الله، فرب شبعان كاس من النعيم كان غرثان عريان من الكرم، وإن المؤمن على خير حين ترحب به الأرض وتستبشر به السماء، وإن يسأ إليه في بطنها فقد أحسن إليه على ظهرها، ومن عرف الدنيا لم يفرح فيها برخاء ولم يجزع فيها عند بلوى. قال الكسائي: رحت القوم، وأنت تريد: رحت إليهم، مثل قولك: ذهبت الشام؛ وسمعت من يقول: تعرضت معروفهم: أي التمسته. ويقال: أخرطت خريطة وأشرجتها، بمعنى واحد. ويقال: أعبدت العبد: أي عبدته، وأنشد: البسيط حتام يعبدني قومي وقد كثرت ... فيهم أباعر ما شاءوا وعبدان

ويقال: ضربته المجبة والجبوب وهي الأرض، تريد: ضربت به الأرض. قال المفجع، قال أعرابي يهجو أمه: الرجز شائلة أصداغها لا تختمر ... تعدو على الضيف بعود منكسر حتى يفر أهلها كل مفر ... لو نحرت في بيتها عشر جزر لأصبحت من لحمهن تعتذر ... بحلف ثج ودمع منهمر وقال: يريد بالبيت الأول: قد قام شعرها من الخصومة والغضب، لا تلبس خمارها من مبادرتها إلى الشر. قال: ويريد بالبيت الثاني عصاً قد تكسرت من طول ما تضرب بها. يقال: اعتذر الشيء وتعذر إذا أعجز فلم يقدر عليه، وتتابع الأيمان كالماء الثجاج أنه ما عندها شيء. قال، وقال العنبري: الرجز ماذا يريني الليل من أهواله ... أنا ابن عم الليل وابن خاله إذا دجا دخلت في سرباله ... لست كمن يفرق من خياله وأنشد أيضاً: الرجز رب خليل لك بالعراق ... يقرن طيب النفس بالعناق لو تعلم الليلة ما ألاقي ... وما تلاقي قدمي وساقي من الحفا وعدم السواق ... لم تطعم النوم من الإشفاق قال: الكوبة: المزبلة، والكوبة: الطبل، والكوب:

الإبريق وهو الذي لا خرطوم له واسع الرأس، وجمعه أكواب. أريد أن أسوق ها هنا فصلاً في الطب تباعد عن بابه في الجزء التاسع واعترض النسيان دونه وبالله أستعين: قال بعض الأطباء: وأما العمل فينقسم قسمين: أحدهما حفظ الصحة، والآخر: اجتلاب الصحة. وحفظ الصحة ينقسم إلى ثلاثة أقسام: حفظ الصحة على الأبدان الصحيحة وذلك بتعديل الأسباب العامية المشتركة وهي: الهواء والأكل والشرب والنوم واليقظة والاستفراغ والاحتقان والحركة والسكون والأعراض النفسانية. والثاني: التقدم بحفظ الأبدان التي تميل عن حال الصحة، ويكون ذلك إما باستفراغ الخلط الغالب على البدن، وإما بإيداع البدن مادة محمودة. والثالث: تدبير الأبدان الضعيفة كأبدان المشايخ، وأبدان الصبيان، وأبدان الناقهين. وأما اجتلاب الصحة فبثلاثة أشياء: أحدها التدبير، والآخر الأدوية، والثالث علاج البدن. فهذه أقسام لجزأي الطب: العلم والعمل. وأجناس المرض ثلاثة: أحدها تغير المزاج، والثاني تغير الاتصال، والثالث مرض مشترك، وسوء المزاج إما أن يكون حاراً أو بارداً أو رطباً أو يابساً، وهذه مفردات، وإما أن يكون حاراً يابساً، أو حاراً رطباً، أو بارداً رطباً، أو بارداً يابساً، وهذه مركبة. قال أبو العيناء: قال لي المتوكل: امض إلى موسى بن عبد

الملك، واعتذر إليه، ولا تعرفه أني وجهتك، فقلت له: تستكتمني بحضرة ألف؟ قال: إنما عليك أن تنفذ فيما تؤمر به، فقلت: وعلي أن أحترس مما أخاف منه. قال الكندي: من ذل البذل أنك تقول نعم مطأطئاً رأسك، ومن عز المنع أنك تقول لا رافعاً رأسك. قال أبو رواحة الباهلي، حدثنا سعيد بن سلم قال: دخلت على الرشيد فجهرني وملأ قلبي، فلما لحن خف علي أمره. قالت فاطمة بنت علي بن الحسين رضي الله عنهم: ما تحنأت امرأة منا ولا امتشطت ولا اكتحلت بعد قتل الحسين حتى بعث المختار برأس عبيد الله بن زياد. قال أبو مسهر: كتب الحجاج إلى عبد الملك: أما بعد، أصلح الله أمير المؤمنين، فإن النفاق قد فرخ بيضه في العراق، وشب فيها وأشيب، ووكر فيها وقر، وأوطن عقر دارها، ونفث حمته عل أهلها، فلكل ناعق

مجيب، ولكل داع ملب، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في اجتثاث هذه العروق الناجمة، استئصال هذه المقادح الناشبة فعل، فإن في ذلك صلاح جنده ودهمائه. فكتب إليه عبد الملك: أما بعد يا حجاج، فمه، فلا أرب لأمير المؤمنين في تسليط عاديتك، وإعمال فورتك، وغرسال حيفك، لا يفعل ذلك أمير المؤمنين ما خمدت نارها، وقل شغب من فيها. قال العباس بن محمد لمؤدب بنيه: إنك قد كفيت أعراضهم، فاكفني آدابهم، علمهم كتاب الله جل وعز، فإنه عليهم نزل، ومن عندهم فصل، فإنه كفى بالمرء جهلاً أن يجهل فضلاً عند أحد، وفقههم في الحلال والحرام فإنه حابس أن يظلموا، وغذهم بالحكمة فإنها ربيع القلوب، والتمسني عند آثارك فيهم تجدني. قال الحباب بن الحسحاس عن أبيه، سمعت زياداً الأعجم ينشد: الوافر ألم تر أنني وترث كوسي ... لأنكع من كلاب بني تميم قال القحذمي عن بعض أشياخه، قال جرير لزياد الأعجم: يا

أبا أمامة، إنه عسى أن تنكع فلا تعجل حتى يتبين لك، فقال زياد: كل ما شئت إذا كنت كلباً. قال عدي بن الفضل: شهدت عمر بن عبد العزيز يخطب بخناصرة ويقول: أيها الناس، إن يكن لأحدكم رزق في رأس جبل أو حضيض أرض يأته، فأجملوا في الطلب. وقال الزبيري: ما أحدث الناس مروءة أحب إلي من طلب النحو. قال أبو الأسود الدؤلي: إني لأجد للنحو سهوكاً كسهك العمر. قال أبو العيناء: كتب أحمق إلى أبيه من البصرة: كتابي هذا، ولم يحدث علينا بعدك إلا خيراً، والحمد لله، إلا أن حائطنا وقع فقتل أمي وأختي وجاريتنا، ونجوت أنا والسنور والحمار، فعلت إن شاء الله. قال الصولي، قال أحمد بن محمد بن إسحاق: تذاكرنا فضل المبرد عند المعتضد فقال: ما رأى مثل نفسه، دخل إلى عيسى بن

فرخانشاه وقد رضي عنه بعد أن غضب عليه فقال له: أعزك الله، لولا تجرع مرارة الغضب لم نلتذ بحلاوة الرضا، ولا يحسن مديح الصفو إلا عند ذم الكدر، ولقد أحسن البحتري حيث يقول: البسيط ما كان إلا مكافاة وتكرمة ... هذا الرضا وامتحاناً ذلك الغضب وربما كان مكروه الأمور إلى ... محبوبها سبباً ما مثله سبب هذي مخايل برق خلفه مطر ... وذاك وري زناد خلفه لهب وأزرق الفجر يبدو قبل أبيضه ... وأول الغيث قطر ثم ينسكب فقال له عيسى: أطال الله بقاءك، وأحسن عنا جزاءك، فأنت كما قال أبو نواس: الرجز من لا يعد العلم إلا ما عرف كالبحر ما نشاء منه نغترف رواية لا تجتنى من الصحف وأنا أصل البحتري لتمثلك بشعره، ووصله بنحو من صلته. قال القطربلي في كتابه: كان أبو العباس من العلم وغزارة المعرفة، وكثرة الحفظ وحسن الإشارة، وصحة اللسان وبراعة البيان، مع ركانة المجالسة وكرم العشرة، وبلاغة المكاتبة وحلاوة المخاطبة، وجودة الخط وصحة

القريحة، وتقريب الفهام وواضح الشرح، على ما ليس عليه أحد. قال ابن كيسان، قلت للمبرد: ثعلب أعلم أهل زمانه فقال: السريع أقسم بالمبتسم العذب ... ومشتكى الصب إلى الصب لو كتب النحو عن الرب ... ما زاده إلا عمى القلب فأعدت على ثعلب بعد إلحاح منه فأنشدني: السريع شاتمني عبد بني مسمع ... فصنت عنه النفس والعرضا ولم أجبه لاحتقاري له ... من ذا يعض الكلب إن عضا قال شيخ من النحويين: من تكون زائدة، وتكون تجنيساً، وتكون ابتداء غاية، وتكون تبعيضاً. فقول الله تعالى " وأنزلنا من السماء ماء " المؤمنون: 18 وقوله تعالى: " وينزل من السماء من جبال فيها من برد " النور: 43 ابتداء غاية من حال تبعيض ومن برد تجنيس. وقيل في قوله تعالى " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم " النور: 30 ولم يقل: يغضوا أبصارهم، لأنه لم يحظر عليهم غض الأبصار في ملك اليمين.

سألت ابن الخليل عن مثنيات مرت في الجزء التاسع وهي: قلت له: ما الأسودان؟ قال: الفحم والحمم، وهذا خلاف ما قاله الجمهور. قلت: فما الأبيضان؟ قال: السرور والنعم. قلت: فما الأسوءان؟ قال: الثكل واليتم. قلت: فما الأعجمان؟ قال: العي والبكم. قلت: فما الأفخران؟ قال: العرب والعجم. قلت: فما الأنقصان؟ قال: الحب والعقم. قلت: فما الأشهران؟ قال: الطبل والعلم. قلت: فما الأبخلان؟ قال: الجدب والعدم. قلت: فما الأكذبان؟ قال: الآل والحلم. قلت: فما الأصدقان؟ قال: العهد والقسم. قلت: فما الأوضران؟ قال: اللحم والوضم. قلت: فما الأرفعان؟ قال: البشر والسلم. قلت: فما الأوحشان؟ قال: المقت والسأم. قلت: فما الأوفقان؟ قال: الملك والحشم. قلت: فما الأعودان؟ قال: البيض والهمم. قلت: فما الأنكدان؟ قال: اليأس والندم. قلت: فما الأعدمان؟ قال: السيل والضرم. قلت: فما الأقطعان؟ قال: السيف والقلم.

قلت: فما الأقومان؟ قال: الدين والحسب قلت: فما الأمنعان؟ قال: الحصن والحرم. قلت: فما الأنفسان؟ قال: المجد والكرم. قلت: فما الأعليان؟ قال: الهام والقمم. قلت: فما الأشبهان؟ قال: الراح والنعم. قلت: فما الأنفسان؟ قال: النفس والندم. قلت: فما الأغزران؟ قال: البحر والديم. قلت: فما الأشينان؟ قال: الدع والهتم. وكان قد ألقى علينا هذه الحروف ثم سألناه عنها فأجاب، ولا أدري أهو أبو عذرتها أم لا، وكان حافظاً غزير الحفظ حديد الخاطر حاضر البديهة، وقد رويت عنه طرائف. سئل أبو حامد، وأنا أسمع، عن رجل حلف أن لا يدخل هذه الدار، فهدمت ثم بنيت، فقال: قد سقطت اليمين، ومتى دخل لم يحنث، لأن هذه غير تلك؛ ألا ترى أنه لو دخلها مهدومة لم يحنث، وكأنه دخل داراً أخرى. قال: وهكذا إن حلف لا يلبس هذا القميص، ففتق ثم خيط، أو لا يستعمل هذه السكين فنزعت ثم عملت، ولا يلبس هذا الخاتم فكسر ثم صيغ. فقال له بعض الحاضرين: إن أعيدت الدار على هيئتها الأولى فإن الداخل يحنث لأنها هي، وإن بنيت في الحال الثانية مخالفة لأشكالها المتقدمة لم يحنث؛

قال: وإنما لحق الدار ما يحلق الرجل من المرض؛ ألا ترى أن رجلاً لو حلف أن لا يكلم زيداً، ثم مرض زيد ثم برأ، أن الحالف على يمينه لم يحنث ومتى فاتحه الكلام حنث، كذلك الدار، فضحك منه. قيل له: لو ولدت على الحقيقة لقلت: هدم الدار كموت زيد، واستهدامها كمرضه، فقال: لا شك أن زيداً لو مات ثم عاش بقدرة الله أن الحالف على يمينه لا يحنث، ومرضه يقوم مقام موته؛ فقال له أبو حامد: فإن حلف لا يكلم عمراً فمات عمرو فكلمه زيد، هل يحنث؟ قال: لا، فإنه ليس على هيئته حين انعقدت اليمين، فسخف به ولم يكلم. قال جعفر بن محمد رضي الله عنه: معنى قوله: " لئن شكرتم لأزيدنكم " إبراهيم: 7 لئن شكرتم هدايتي لأزيدنكم ولايتي، ولئن شكرتم ولايتي لأزيدنكم قربي، ولئن شكرتم قربي لأزيدنكم رؤيتي. قال الجنيد الصوفي في قوله " إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر " العنكبوت: 45: الفحشاء مشاهدة الدنيا بالنزاع إليها، والمنكر مطالعة الآخرة بالاقتصار عليها، والصلاة تنهى عنهما جميعاً، ويشير إلى توحيد الحق بمحو الخلق. للصوفية إشارات سليمة وألفاظ صحيحة ومرامات بعيدة، وفيها حشو كثير وفوائد جمة، وكان ظبي أني سأتفرغ لإفراد جزء من الكتاب لوساوسهم وملحهم، ونوادرهم وحقائقهم، لكني عجزت عجزاً أوضح عذري، وكشف حجتي، ولو لقط من أثناء الكتاب ما يشاكل عبارتهم ويطابق إشارتهم لكان له موقع وأثر، وإذا أتاح الله لي فرجاً وقيض لي مخرجاً فرعت همتي لنظم جزء من نحو هذا الفن، نعم، وأتكلف أيضاً جزءاً ثانياً في غرائب كلام الفلاسفة، فإن التصوف والفلسفة يتجاوران ويتزاوران، وإن كان قد مر في الكتاب ما يعجز جمعه.

قال فيلسوف: كما أن الخنفساء تكره الرائحة الطيبة، كذلك من لا لطافة له يكره الموسيقى. وقال سقراط: ما جاعت نفسي قط إلا صفا ذهني. قال بوزون: النفس إذا فارقت الجسد صارت خالصة خالدة، لأنها إذا فارقته لا تألم. قال أفلاطون: لست صورة ولكني متصور، قال: والدليل عليه أني جزء ولست بكل. قال ابن دريد، أخبرني أبو حاتم، أنشدني أبو عبيدة لقطري بن الفجاءة: البسيط يا رب ظل عقاب قد وقيت بها ... مهري من الشمس والأبطال تجتلد ورب يوم حمى أرعيت عقوته ... خيلي اقتساراً وأطراف القنا قصد ويوم لهو لأهل الخفص ظل به ... لهوي اصطلاء الوغى وناره تقد مشهراً موقفي والحرب كاشفة ... عنها القناع وبحر الموت يطرد ورب هاجرة تغلي مراجلها ... مخرتها بمطابا غارة تخد تجتاب أودية الأفزاع آمنة ... كأنها أسد تقتادها أسد فإن أمت حتف أنفي لا أمت كمداً ... على الطعان وقصر العاجز الكمد

ولم أقل لم أساق اقتل شاربه ... في كأسه والمنايا شرع ورد ثم قال لي: هذا هو الشعر، لا ما تعللون به أنفسكم من أشعار المخانيث. قال يعقوب، قال أبو صاعد: رحبت الأرض إذا اتسع ربيعها واتصل، فتشبع النعم أينما دارت؛ قال: ويقال: أرض ملتفعة إذا كان بقلها بعضه إلى جنوب بعض ملتصقاً؛ قال، وقال أبو القاسم: يقال: أرض ملتفعة خضراء إذا وصفت بالخضرة وأرض مستطيلة بالخضرة؛ قال، وقال أبو حامد: يقال: ائتصر النبت إذا كانت عروقه مؤتصرة أي متقابلة قوية ثخينة، ويقال: أرض مؤتصرة الكلأ؛ أبو عمرو: يقال: ائتصر النبت إذا طال، وهو من الأصير، يقال: هدب أصير إذا كان ثخيناً، وأنشد: الوافر لكل منامة هدب أصير قرئ على السيرافي وأنا أسمع، قرأه عبد السلام البصري، أخبركم ابن دريد قال، أنشدني بندار بن إبراهيم الكرخي: الطويل

أي طويل مستدير وطوله ... كشبر أو أدنى أو يزيد أقله وفي رأسه شق وثقب بطوله ... وليس بذي نفع إذا لم تبله هكذا قال. وقرئ عليه: سكر مزبد يوماً وجاء إلى امرأته فقالت: أسأل الله أن يبغض إليك النبيذ، فقال: وإليك القبيب. قال، وقرئ عليه: قيل لمديني: أتحب رمضان؟ قال: ما أتهنأ بشهور سائر السنة من أجله فكيف أحبه؟ ومر ابن أبي علقمة على جماعة من عبد القيس، فضرط بعض فتيانهم فالتفت إليهم فقال: يا عبد القيس كنتم فسائين في الجاهلية فصرتم ضراطين في الإسلام، وإن جاء آخر خريتم. وقال الرشيد لجمين: لم لا تدخل على محمد بن يحيى؟ قال: أدخل يا أمير المؤمنين وأنا أكسى من الكعبة وأخرج وأنا أعرى من الحجر الأسود. رأى رجل مزبداً وهو يستنجي ويطيل الغسل لآسته فقال: إلى كم تلبقها؟ قال: حتى تتنظف وأسقيك فيها سويقاً.

وسمعت أبا سعيد يقول، قال ابن السراج: دخلنا على ابن الرومي في مرضه الذي توفي فأنشد لنفسه: الكامل المجزوء ولقد سئمت مآربي ... فكأن أطيبها خبيث إلا الحديث فإنه ... مثل اسمه أبداً حديث وقرئ على أبي سعيد: رؤي مزبد مع امرأة، فقيل له: ما تريد منها؟ قال: أناظرها في شيء من النكاح. وقرئ: وقيل له: ما تقول في القبلة؟ قال: الفطام قبل اللطام. وسمعت أبا سعيد يقول: ذكروا أنه كان لرجل ولدان فقتل أحدهما أخاه، فعفا الأب عن الابن الثاني ووهب له جرمه، فذكر ذلك للملك فقال: لا يقبل قول الأب وليس إلا أن يقاد بأخيه، فقتل، فزعموا أن أباهما ذهل عقله، وكان يدور في الطرقات ويقول: كان لي ولدان قتل أحداهما أخاه، وقتل الآخر الملك. وجرت في مجلسه مسألة وهي: هل يصح أن يقال: هذا هذا هذا هذا هذا هذا، فقال: تجعل الأول مبتدأ، والثاني توكيداً، والثالث فعلاً من قولك: هاذي يهاذي من المهاذاة، والرابع توكيداً للفعل، والخامس مفعولاً به، والسادس توكيداً للمفعول به.

سمع الجاحظ رجلاً ينشد: الرمل المجزوء إنما الراح شقيقي ... وحليفي وأليفي فهو فروي في شتائي ... وهو خيشي في مصيفي فقال له: لو عرف النبيذ حسن رأيك فيه لحاباك وقت السكر. كان الحارث بن هشام المخزومي في وقعة البرموك، ويها أصيب، فأثخنته الجراح، فاستسقى ماء فأتي به، فلما تناوله نظر إلى عكرمة بن أبي جهل صريعاً في مثل حاله، فرد الإناء على الساقي وقال: امض به إلى عكرمة ليشرب أولاً فإنه أشرف مني، فمضى به إليه فأبي أن يشرب قبله، فرجع إلى الحارث فوجده ميتاً، فرجع إلى عكرمة فوجده ميتاً. قال غلام لأبيه: أسمع الأصمعي يردد بيتين لا أرى فيهما ما يرى، قال: وما هما يا بني؟ قال: قوله: الطويل سقى الله أياماً مضت لسن رجعاً ... إلينا وعصر العامرية من عصر ليالي أعطيت البطالة مقودي ... تمر الليالي والشهور ولا أدري فقال: يا بني، لو كنت عاشقاً لرأيت فيهما أضعاف ما يرى.

أنشد أبو العيناء قول الشاعر: الطويل وفي أربع مني حلت منك أربع ... فما أنا أدري أيها هاج لي كربي أوجهك في عيني أم الريق في فمي ... أم النطق سمعي أم الحب في قلبي فقال لقد قسمها قسمة حسنة. دخل ابن أبي علقمة على بلال بن أبي بردة وحمزة بن بيض ينشده: الطويل ومن لا يرد مدحي فإن مدائحي ... نوافق عند الأكرمين نوامي نوافق عند المشتري الحمد بالندى ... نفاق بنات الحارث بن هشام فقال ابن أبي علقمة: يا ابن أخي، وما بلغ من نفاق بنات الحارث قال: كان يزوجهن ويسوقهن ومهورهن إلى بعولتهن، فقال له ابن أبي علقمة: يا ابن أخي، والله لو فعل هذا إبليس ببناته لتنافست فيهن الملائكة المقربون.

أنشد ثعلب: الطويل ولما قضينا من منى كل حاجة ... ومسح بالأركان من هو ماسح وشدت على حدب المطايا رحالنا ... ولا ينظر الغادي الذي هو رائح أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ... وسالت بأعناق المطي الأباطح وأنشد: الكامل ما عاتب المرء الكريم كنفسه ... والمرء يصلحه الجليس الصالح وأنشد الطويل ولأئمة لامتك يا فيض في الندى ... فقلت لها هل يقدح اللوم في البحر أرادت لتثني الفيض عن عادة الندى ... ومن ذا الذي يثني السحاب عن القطر مواقع جود الفيض في كل بلدة ... مواقع ماء المزن في البلد القفر كأن وفود الفيض يم تحملوا ... إلى الفيض لاقوا عنده ليلة القدر خاصم أحمد بن يوسف رجلاً بين يدي المأمون، فكان قلب

المأمون على أحمد، فعرف أحمد ذلك فقال: يا أمير المؤمنين، إنه يستملي من عينيك ما يلقاني به، ويستثير من حركتك ما تجنه له، وبلوغ إرادتك أحب إلي من بلوغ إرادتي، ولذة إجابتك آثر من لذة ظفري، وقد تركت له ما نازعني فيه، وسلمت إليه ما طلبني به؛ فشكر له المأمون ذلك. قال أحمد بن يوسف: البغضاء تجلب الغموم وتثير الهموم، وتمر العذب وتؤلم القلب، وتقدح في النشاط وتطوي الانبساط. أنشد لنهار بن توسعة: الكامل قدمت صدر السيف ثم تبعته ... كالفجر مد عموده المنجابا في مظلم الأرجاء يؤنسني به ... سيف وقلب لم يكن وجابا كان أحمد بن يوسف يكتب بين يدي المأمون، فطلب المأمون منه السكين، فدفعها إليه والنصاب في يده، فنظر إليه المأمون نظر منكر فقال: على عند فعلت ذلك ليكون الحد لأمير المؤمنين على أعدائه؛ فعجب المأمون من سرعة جوابه وشدة فطنته.

وكتب أحمد بن يوسف إلى إبراهيم بن المهدي: قد أحلك الله من الشرف أعلى ذروته، وبلغك من الفضل أبعد غايته، فالآمال إليك مصروفه، والأعناق نحوك معطوفة، إليك تنتهي الهمم السامية، وعليك تقف الظنون الحسنة، وبك تثنى الخناصر بعد الأكالبر، ونحوك تساق الرغائب وتستفتح أغلاق المطالب، ولا يستبطئ النجح من رجال، ولا تعروه النوائب في ذراك. قال عبد الله بن طاهر في علته: لم يبق علي من لباس الزمان إلا العلة والخلة، وأشدهما علي أهونهما على الناس، لأن ألم جسمي بالأوجاع أهون علي من ألم قلبي بالحق المضاع. قال يعقوب: يقال: قد أزبأر شعره. قال ابن الأعرابي، يقال: أصبحت الأرض غديراً واحداً إذا اعتم نبتها وخضل وندي، والتبس في غضاضة وري؛ ويقال: أرض مأبورة، إذا علاها الماء. قال يعقوب: أثفت القدر وثفيتها وأثفيتها، ورماه بأثفية: أي بحجر يملأ الكف؛ ورجل مثفى: يموت عنه النساء، وامرأة مثفاة: تموت عنها الأزواج. قال علي بن عبيدة: عين الدهر تطرف بالمكاره، والخلائق بين أجفانه.

قال إبراهيم بن العباس: والله لو وزنت كلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمحاسن الناس لرجحت، وهي قوله: إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم؛ هذا أبو عباد كان كريم العهد كثير البذل سريعاً إلى فعل الخير، فطمس ذلك سوء خلقه، فما يرى له حامد. وقع ابن يزداد في وزارته إلى عامل اعتد بباطل: ما يبين لنا منك حسن أثر، ولا يأتينا عنك سار خبر، وأنت مع ذا تمدح نفسك، وتصف كفايتك، والتصفح لأفعالك يكذبك، والتتبع لآثارك يرد قولك، وهذا الفعل إن اتكلت عليه وأخلدت إليه، أعلقك الذم وألحقك العجز، فليكن رائد قولك مصدقاً لموجود فعلك، إن شاء الله. شاعر أعرابي: الطويل لا تعذلن النبع فالنبع إنما ... مكاسرة تبدو غداة التغالب فليس بغاث الطير مثل صقورها ... وليس الأسود الغلب مثل الثعالب وليس العصي الصم كالجوف خبرة ... وليس البحور في الندى كالمذانب

قال القاسم بن معن: من لم يرو أشعار المحدثني لم يظرف. قال المبرد: ليس بقدم العهد يفضل القائل، ولا يحدثان عهد يهتضم المصيب، ولكن يعطى كل ما يستحق، ألا ترى كيف يفضل قول عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير على قرب عهده: الطويل تبحثتم سخطي فغير بحثكم ... نخيلة نفس كان نصحاً ضميرها ولن يلبث التخشين نفساً كريمة ... عريكتها أن يستمر مريرها وما النفس إلا نطفة بقرارة ... إذا لم تكدر كان صفواً غديرها وأنشد لبشار: الكامل والله ما جمر الغضا متوقدا ... بأحر من حرق الهوى المتضرم والله ما رمت السلو عن الهوى ... إلا وقلبي يستشيط على دمي والله ما لي عن هواك معرج ... إلا إليه فأخري أو قدمي يا عبد لو أبصرتني وتقلبي ... ليلي الطويل عجبت أن لم ترحمي

أيقنت أني من من هواك مسابق ... أجلي علمت بذاك أو لم تعلمي أنشدني الأندلسن: الرمل لي صديق وهو عندي عوز ... من سداد لا سداد من عوز قال أبو عمرو الشيباني في كتاب العار والساعد؟: وكان يقال للرجل: تذكر شيخاً وتتنحى عنه، أي هو فوق ذلك؛ ويقال: له جمة فينانة، هي جمة كثيرة الذوائب. قلت للسيرافي: ما يقال للشاطر؟ قال، الملغ، قلت: فما الملط؟ قال: الخبيث. وقال كعب بن زهير: الطويل أنا ابن الذي لم يخزني في حياته ... ولم أخزه لما تغيب في الرجم أقول شبيهات بما قال عالم ... بهن ومن يشبه أباه فما ظلم وأشبهته من بين من وطئ الحصى ... ولم ينتزعني شبه خال ولا ابن عم وقال أعرابي: البسيط أغلظ خزيرك واعلم حين تصنعه ... ما في استراط الرويثيين تفتير طالت بلاعيمهم للقم وامتقعت ... وفي العلابي وألأوداح توتير لو توقد النار دون الزاد جامعة ... طاح الرويثي فيه وهو محضير

ما بين لقمته الأولى إذا أخذت ... وبين أخرى تليها قيس أظفور قال النضر بن شميل: كنت أدخل على المأمون في سمره، فدخلت عليه ذات ليلة، وعلي قميص مرقوع فقال: يا نضر، ما هذا التقشف؟ أتدخل على أمير المؤمنين في هذه الخلقان؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، أنا شيخ ضعيف وحر مرو شديد فأتبرد بهذه الخلقان، قال: لا، ولكنك قشف. وأجرينا الحديث، فجرى ذكر النساء فقال: حدثنا هشيم عن مجالد عن الشعبي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان في ذلك سداد من عوز، قلت: صدق أمير المؤمنين، حدثنا عوف بن أبي جميلة عن الحسن عن علي بن أبي طالب الحديث كان فيها سداد من عوز، وكان متكئاً فاستوى جالساً فقال: يا نضر، كيف قلت؟ قلت: يا أمير المؤمنين، السداد ها هنا لحن، قال: وكيف؟ قلت: إنما لحن هشيم، وكان لحانة، فتبع أمير المؤمنين لفظه، قال: فما الفرق بينهما؟ قلت: السداد: القصد في الدين والسداد: البلغة، وكل ما سددت به شيئاً، قال: أو تعرف العرب

ذلك؟ قلت: نعم، هذا العرجي يقول: الوافر أضاعوني وأي فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر قال: قبح الله من لا أدب له، ثم وصلني بخمسين ألف درهم. شاعر: الرمل المجزوء دمعة كاللؤلؤ الرط ... ب على الخد الأسيل هطلت في ساعة الب ... ن من الطرف الكحيل إنما يفتضح العش ... اق في وقت الرحيل قال أبو مسلم بن أبي معمر، أنشدني أبو الحسين ابن أبي البغل وقد رد عن طريق أصفهان إلى بغداد: الرمل المجزوء أمل كان مكان الشم ... س في بعد المكان فدنا حتى إذا صا ... ر بلمس وعيان استردته يد الده ... ر فعدنا في الأماني أعرابية: الطويل من النفر الشوس الذين طعامهم ... سمام وأيديهم ثمال ذوي الفقر

مغاوير مناعون للبيض والقنا ... وجوداً على المتناب في العسر واليسر وإنا لنعلي بالعبيط لضيفنا ... ويرخص فينا في الجفان وفي القدر وننتاب حتى ما تهر كلابنا ... غريباً وما نعضي عيوناً على قهر وتطعم حتى يترك الضيف فضلنا ... إذا بل في أطرافنا سبل القطر يبصبصن لأضياف كلبي تألفا ... وإن رام نبحاً لم يعش في بني نصر قيل ليحيى بن معين: أكان أبو حنيفة يكذب في الحديث؟ قال: كان أنبل من أن يكذب. قال ابن راهويه: كان أبو حنيفة يفتي ديانة، وكان الشافعي يفتي تفقها. قال أحمد بن حرب: أبو حنيفة في العلماء كالخليفة في الأمراء. وقال أبو عاصم النبيل: كان أبو حنيفة يقال له الوتد لكثرة صلاته.

قال ابن عباس: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة فقال: مرحباً بك من بيت، ما أعظمك وأعظم حرمتك، والله إن المؤمن أعظم حرمة عند الله منك، لأن الله حرم منك واحدة ومن المؤمن ثلاثة: دمه وماله وأن يظن به ظن السوء. قال عبد الرحمن بن أحمد: سمعت أبا العيناء يقول: ما قطعني أحد قبل المهتدي، قال لي: بلغني أنك تغتاب الناس، فقلت: يبطل ما قيل علي شغلي بعيني، قال: ذاك والله أشد لتغيظك على أهل العافية. قال المتوكل لأبي العيناء: أكان أبوك مثلك في البيان؟ قال؟ والله يا أمير المؤمينن لو رأيته لرايت والله عبدا لك لا ترضاني أكون عبداً له. وقال أبو العيناء: أنا أول من أظهر العقوق بالبصرة، قال لي أبي: يا بني، إن الله قرن طاعته بطاعتي فقال تعالى " أن اشكر لي ولوالديك " لقمان: 14 فقلت: يا أبة إن الله ائتمنني عليك ولم يأتمنك علي فقال " ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق " الإسراء: 31. قال المتوكل لأبي العيناء: إني لأفرق من لسانك، قال: يا أمير المؤمنين، إن الشريف فروقة ذو إحجام، وإن اللئيم ذو منة وإقدام.

ذكر أبو العيناء الصحابة فقال: هم الذين جلوا بكلامهم الأبصار العليلة، وشحذوا بمواعظهم الأذهان الكليلة، ونبهوا القلوب من رقدتها، ونقلوها من سوء عادتها، فشفوا من داء الشقوة، وغباوة الغفلة، وداووا من العي الفاضح، ونهجوا سبل الطريق الواضح، رحمة الله عليهم أجميعن. قال أبو العيناء، قال أبو زيد البلخي النحوي، قال أبو عمرو بن العلاء: ما رأينا شيئاً يمنع سؤدداً إلا وجدناه في سيد من السادات: أول ذلك الحداثة تمنع السؤدد وقد ساد أبو جهل قريشاً وما طرشاربه، ودخل دار الندوة وما استوت لحيته؛ والبخيل لا يسود وقد ساد أبو سفيان بن حرب؛ والعاهر لا يسود وقد ساد عامر بن الطفيل؛ والظالم لا يسود وقد ساد كليب وائل وحذيفة بن بدر؛ والأحمق لا يسود وقد ساد عيينة بن حصن، وقليل القوم لا يسود وقد ساد شبل بن معبد بلا عشيرة؛ والفقير لا يسود وقد ساد عتبة بن ربيعة.

والأخلاق المانعة للسؤدد الكذب والكبر والسخف والتعرض للعيب وفرط العجب؛ وأنشد: الرجز لا بد للسؤدد من أرماح ... ومن سفيه دائم النباح ومن عديد يتقى بالراح قال أبو عمرو بن العلاء: إن أهل الجاهلية لا يسودون إلا من تكاملت فيه ست خصال: السخاء والنجدة والصبر والبيان والحلم وتمامهن الإسلام. قال الأصمعي: وسئل أبو عمرو بن العلاء عن أكرمك الله فقال: محدثة، فقيل له: ما تقول في الحلف بحق رسول الله؟ فقال: حلفة محدث. قال عبد الله بن سليمان بن الأشعث السجستاني: ضرب في الله بالسياط عبد الله بن ذكوان أبو الزناد، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، ومالك بن أنس، وأبو عمرو بن العلاء، ضربه عبيد الله بن زياد، وسعيد بن المسيب،

وعطية العوفي، وثابت البناني، وعبد الله بن عون، ويزيد الضبي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى. وحبس الربيع بن أنس ثلاثين سنة حتى مات في الحبس؛ وحبس إبراهيم بن الربيع التيمي في حبس واسط فمات فرمي به في الخندق، ولم يستجرئ أحد أن يدفنه حتى مزقته الكلاب؛ وإبراهيم الصائغ ضرب حتى مات؛ وأحمد بن حنبل ضرب بالسياط. قال أبو عمرو بن العلاء: إن عتبة بن ربيعة قال لبنته: إنما خطبك إلي رجلان، خطبك السم ناقعاً وخطبك الأسد عادياً، فأيهما أحب إليك أن أزوجك؟ قالت: الذي أكل أحب إلي من الذي يؤكل، فتزوجها أبو سفيان وهو الأسد العادي؛ والسم الناقع هو سهيل بن عمرو. قال عبد الوارث بن سعيد، قال أبو عمرو بن العلاء: كانت وقعة الحرة بالمدينة وبها ألف عين تنظر، قد رأت رسول الله، قتل أكثرهم،

والله لو أنها عين واحدة لوجب أن تصان وتحمى؛ قال عبد الوارث: صدق أبو عمرو، وكان والله ثقة صدوقاً. أبو عمرو عن رجل قال: الرجز أفلح من كانت له كرديده ... يأكل منها وهو ثان جيده الكرديدة: الغدرة من التمر. قال أبو عمرو بن العلاء: ذاكرني أبو حنيفة بشيء فقلت: هذا بشع، فقال: ما معنى بشع؟ فعجبت من ذلك. سمع أبو عمرو أبا حنيفة يتكلم في الفقه ويلحن، فاستحسن كلامه واستقبح لحنه، فقال: إنه لخطاب لو ساعده صواب، ثم قال لأبي حنيفة: إنك أحوج إلى إصلاح لسانك من جميع الناس. قال أبو عمرو بن العلاء للأعمش: ما معنى ننكسه، إنما التنكيس لترديد الفعل إنما هو ننكسه، لأن الله جل اسمه لم يفعل هذا بالمعمر إلا مرة. قال الفضل بن مروان، قال لي المأمون، كان الرشيد يقول:

وددت أن لك بلاغة محمد وأن علي غرم كذا وكذا. قال الفضل: سمعت محمداً يقول وقد عرض عليه كتاب: كلام بليغ وليست له حلاوة، مثله مثل طعام طيب ليست له لطافة. وقال عبد الله بن صالح: سمعت محمداً يقول لكاتب بين يديه: دع الإطناب والزم الإيجاز، فإن للإيجاز إفهاماً كما أن مع الإسهاب استبهاماً. قال أبو سهل الرازي: كنت واقفاً على رأس الأمين فقال لكاتب بين يديه: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله محمد أمير المؤمنين إلى طاهر بن الحسين؛ أما بعد، فإن الأمر قد خرج بيني وبين أخي إلى هتك الستور، وكشف الحرم، ولست آمن أن يطمع في هذا الأمر السحيق البعيد، لشتات ألفتنا، واختلاف كلمتنا، وقد رضيت أن تكتب لي أماناً فأرج إلى أخي به، فإن تفضل علي بالعفو فأهل ذلك هو، وإن قتلني فمروة كسرت مروة، وصمصامة قطعت صمصامة، وأن يفترسني الأسد أحب إلي من أن تنهشني الكلاب. وأمر بختم الكتاب وأرسله مع ثقة إلى طاهر، فلما قرأه طاهر قال: الآن حين انحرف عنه مراقه وفساقه، وبقي مخذولاً معلولاً، يلوذ بالآمال؟! لا والله، أو يجعل في عنقه ساجوراً ويقول: ها أنا ذا قد نزلت على حكمك، فقلنا له: فما الجواب؟ قال: ما سمعتم، فانصرفنا إلى محمد بالخبر فقال: كذب العبد السوء العاض هن أمه، والله ما أبالي وقعت على الموت أو وقع علي الموت.

أبو العتاهية: الوافر المجزوء هي الأيام والغير ... وأمر الله ينتظر أتيأس أن ترى فرجاً ... فأين الله والقدر قال معاوية ليزيد: إذا دليتني في قبري فأدخل عمرو بن العاص القبر ووله أن يسويني في قبري، واخرج أنت عن الحفرة واسلل سيفك وأمر عمراً يبايعك، فإن فعل وإلا دفنته قبلي: ففعل يزيد ما أمره به معاوية فلما نظر عمرو إلى السيف بايعه وقال: يا يزيد، هذا من عمل صاحب الحفرة وما هو من كيسك. قال معاوية لخالد بن معمر: كيف حبك لعلي؟ قال: أحبه على ثلاث خصال: على حلمه إذا غضب، وصدقه إذا قال، ووفائه إذا ولي. أنشد أبو حاتم السجستاني لشاعر: البسيط واعلم بأن الذي ترجو وتأمله ... من البرية مسكين ابن مسكين ما أقتل الحرص في الدنيا لصاحبه ... وأسمج الكبر في من صيغ من طين سمعت السيرافي يقول " فانكحوا ما طاب لكم من النساء " النساء: 3 ما ها هنا وقعت على من يعقل، وهن النساء، والأصل أن ما تقع على من لا يعقل ومن على من يعقل، فإن هذا جائز؛ ألا ترى إلى قوله " والسماء وما بناها " الشمس: 5، أي:

ومن بناها، وإن كان قد قيل فيه وجه آخر وهو: " والسماء وما بناها " أي وبنائها؛ قال: ويجوز أن تكون ما ها هنا بمنزلة الذي، كأنه قال: الذي طاب لكم من النساء، فإن قيل على هذا الوجه، فكيف تكون بمعنى الذي وهو للمذكر، قيل: هذا يجوز لأنه عبارة عن الجنس، ألا ترى إلى قولك: من في الدار صحيح، مع علمك أن في الدار امرأة أو رجلاً وكما قال تعالى " النار الذي كنتم به تكذبون " الطور: 14، ويكون ها هنا عائداً على نفس اللفظ؛ قال: وهذا وجه صالح. قال: ويجوز على معنى ثالث وهو أن تكون ما عبارة عن أي وقت وزمان كأنه قال: وانكحوا من النساء ما طاب أي وقت طاب، وقال: إن صح هذا فهو جيد. سمعت علي بن عيسى يقول: كان عندنا صيدناني يقال له أبو شجاع، وكان يتمثل لدوائه ودواء غيره ويقول: مثال ذلك مثال رجلين على أحدهما جبة خلق وعلى الآخر جبة خز دخلا حماماً، فخرجا وقد سرقت جبتاهما، فهذا يبكي ويقول: واجبتاه، وهذا يبكي ويقول: واجبتاه، يريد أنه يبكي كل واحد منهما على قدر جبته. وسمعته يقول: في قوله تعالى " ومن دخله كان آمناً " آل عمران: 97 وجهان: أحدهما انه على طريق الأمر والحكم كأنه في التقدير: ومن دخله يأمنونه؛ وحكي عن بعض القرامطة أنه قال لما دخل مكة وقتل الناس بها: ألم يقل الله " ومن دخله كان آمناً "، والله لقد أخفنا السبيل، وأطلنا العويل، فقال له بعض الحاج: يا هذا إنما هو على طريق الأمر: أمنوه، قال: فكأنما ألقمه حجراً.

قال: والوجه الثاني أن المعنى على ظاهره، وذلك أن الله تعالى جبل الخلق في أول الفطرة على الطهارة والخير، إلا أنهم ربما أكرهوا أنفسهم على النجاسة والشر، فعلى هذا التأويل: ومن دخل كان آمناً على حسب ما فطر عليه وتقدم إليه؛ ألا ترى أن الشاة والذئب والحمام تأتلف في الحرم. سمعت السيرافي يقول، سمعت نفطويه يقول: لحن الكبراء النصب والجر، ولحن الأواسط الرفع، ولحن السفلة الكسر. سمعت ابن مهدي الطبري يقول، مشايخ بغداد يقولون: ما رأينا أفصح من ابن داود مطبوعاً، ولا أفصح من نفطويه متكلفاً. شاعر: الطويل لئن كان قومي قلدوني أمورهم ... ولم أكفهم إني إذن للئيم علام إذن أدعى أميراً وأرتجى ... وتعصب بي الأمر العظيم تميم فقل لتميم ما حميت ذماركم ... ولا حطت منكم ما يحوط كريم إذا أنا لم أغضب جذاماً وحميراً ... بخوف له بين الضلوع نئيم وأقذف عبد القيس بن بحر ذلة ... تظل به بين التراب تعوم اعتلت امرأة، فقدم إليها فالوذج، فنظرت إليه وقالت: والله إنك لهين المزدرد لين المسترط، وإنك لتعلم أن العودة إلى مثلك لتطول مدتها، فما يمنعني أن أتلقى حرارتك بحلقوم لهجم، وبلعوم سرطم، ثم يقضي الله في قضاءه.

قيل لأعرابي: هل استمريت ما أكلت البارحة؟ فقال: لو تغذى أحدنا بالدنيا وما فيها لأحب أن يتعشى بالآخرة. وقال بعضهم: المائدة بلا بقل كالشيخ بلا عقل. وكتب عبد الملك إلى الحجاج كتاباً فيه: ولا تولين الأحكام بين الناس جاهلاً بالأحكام، ولا حديداً طائشاً عند الخصام، ولا طعماً هلعاً يقرب أهل الغنى، ويبش بأهل السعة، يكسر بذلك أفئدة ذوي الحاجة، ويقطع ألسنتهم عن الإفلاج بالحجة والإبلاغ في الصفة، واعلم أن الجاهل لا يعلم، والحديد لا يفهم، والطائش القلق لا يعقل، والطمع الشره لا تنفع عنده الحجة ولا تغني فيه البينة، والسلام. قد وليناك كذا لما بلوناه من جميل أثرك، ورضيناه على الامتحان من مختبرك. وفصل آخر في حديث القضاء من إنشاء بعض البلغاء: يعتمد على الحق وبيناته، ويتجنب الزيغ وشبهاته، ولا يقطع ضعيفاً عن حجته، ولا يطمع خصماً في منزلته، وينعم النظر في مشكلات الأحكام، آخذاً بالاحتياط، معتقداً للإقسام، مجتهداً في الفصل بين الخصوم، والأخذ من الظالم للمظلوم، ويستبطن أهل الحجى، ويستظهر بذوي النهى. فصل آخر في هذا المعنى: هذا ما عهد عبد الله الإمام أمير المؤمنين إلى فلان حين رداه رداء الشرف، وبوأه المتبوأ العالي المنيف،

واعتمد عليه في القضايا والأحكام، وأطلق له النظر بما أمر الله عز وجل في أموال الوصايا والوقوف والأيتام، لدينه المعرى من الشوائب، وورعه المبرإ من المعائب، وعلمه الذي قد جمع أطرافه، وبذ به أشكاله وأخلافه، واقتصاده الذي هو عنوانه، وعليه يجري أصحابه وأعوانه، وتأنيه في إمضاء الحكومات، ودرئه الحدود بالشبهات، واقتداره على كف أربه، واشتماله على ما يقربه من ربه، وأمير المؤمنين يسأل الله تعالى أن يوفق آراءه ولا يعروها فند، ويصل له وبه صلاحاً يبقى على الأبد، ويعين فلاناً على ما تحمله، فإنه عبء ثقيل، وأمر عظيم جليل. شاعر من الكتاب: الطويل أعاتك أدني من أبيك السنورا ... فقد أصبحت نار العشيرة أنورا وجاش بعبد القيس ما في صدورهم ... علينا من الأخبار حتى تفطرا وما ضرنا أن القبائل أصبحت ... علينا غضاباً ليس تنكر منكرا وأنا نعد الناس منبر ملكهم ... إذا اضطرب الخيلان حتى نؤمرا وأنا إذا ما خيرونا وجدتنا ... وإن كثروا منهم أعز وأكبرا فهاتي سلاحي أكف قومي أمورهم ... وقد قلدوني الأمر أروع أزهرا وبئس أخو القوم الكرام وشيخهم ... أبوك غداً إن أقدموا وتأخرا وإن هو لم يركب قرا الحرب كلما ... تسنم منها قاعداً وتنمرا وإن يسأم الإقدام في الروع آمناً ... ولو خاض بحر الموت حولاً مكدرا قال بعض السلف: عليك بالإخوان، ألم تسمع قوله تعالى " فما لنا من شافعين ولا صديق حميم " الشعراء: 100 - 101.

قال بعض السلف: إن الله تعالى خلق النساء من عي وعورة، فداووا العي بالسكوت، واستروا العورة بالبيوت. قال بعض السلف: مكتوب في الصحف الأولى: إذا أغنيت عبدي عن طبيب يستشفيه، وعما في يد أخيه، وعن باب سلطان يستعديه، وعن جار يؤذيه، فقد أسبغت عليه النعم. رأى أعرابي في دهليز دار ابن زياد صورة أسد وكلب وكبش، فقال: أسد جائح، وكبش ناطح، وكلب نابح، أما إنه لا يتمتع بها أبداً؛ فما لبث عبيد الله إلا أياماً. سمعت الحراني الصوفي بمكة يقول: قم في مغاني الأسى، على الترب والحصا، وناد فلعل وعسى. رفع إلى كسرى: خذلتم ثم سميتم فلاناً مخذولاً، فوقع: لأنه تظلم منا إلى الله تعالى قبل أن يتظلم إلينا. ووقع الفيض في وزارته على ظهر رقعة معتذر: التوبة للمذنب كالدواء للمريض، فإن صحت توبته كمل الله تعالى شفاءه، وإن فسدت نيته أعاد الله تعالى داءه. قال أبو الدرداء: معاتبة الأخ أخاه خير من فقده، ومن لك

بأخيك كله؛ أطع أخاك ولن له، ولا تسمع فيه قول حاسد وكاشح، غداً يأتيك أجله فيكفيك فقده، ويكفيك مضض الحسرة عليه بعد فقده إذا قصرت في حقه حال حياته، فكيف تبكيه بعد الموت وفي الحياة تركت وصله؟ قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو كان المراء قوم من قدح لوجد له غامز. وقف أعرابي على خالد بن سلمة المخزومي فقال له: يا أعرابي ممن أنت؟ قال: من تميم، قال: أنت من دارم الأكرمين؟ قال: لا، قال: فأنت من حنظلة الأشدين؟ قال: لا، قال: فأنت من سعد الأكبرين؟ قال: لا، قال: اذهب لا تبال أن تكون عربياً؛ فتنحى فقال: من هذا الذي على بابه جالس؟ قالوا: خالد بن سلمة المخزومي، فرجع إله فقال: ممن أنت؟ قال: من قريش، قال: من هاشم المرسلين؟ قال: لا، قال: فمن أمية المستخلفين؟ قال: لا، قال: فمن عبد الدار المستحجبين؟ قال: لا، قال: فاذهب ولا تبال أن تكون قرشياً. قال ابن الأعرابي عن المفضل: جاء رجل إلى مطيع بن إياس فقال: قد جئتك خاطباً، قال: لمن؟ قال: لمودتك، قال: قد أنكحتك إياها، وجعلت الصداق أن لا تقبل في مقالة قائل.

قال المفجع: يقال: مرت الطير لها خوات ومرت الطير لها خواته، أي حس وصوت. وقال: المهود: الطرف الملهي، وتهود القوم في السير إذا ساروا سيراً ضعيفاً، وبينهم هوادة من هذا أي سكون، واليهود منه. يقال: ما له حيلة ولا حول ولا محالة ولا حويل ولا حيل، إذا كان لا يتجه لأمره؛ وقال: الحيل: القوة، والحيل أيضاً الحجر الناتئ من الجبل، والجميع الحيلة، حكاه أبو العباس عن إسحاق بن إبراهيم الموصلي. وقال: قارعة الطريق أي محجته. وقال: تقول العرب: هدهد، وهداهد - بضم الهاء - سواء كل واحد، فإذا جمعوا قالوا: هداهد - بفتح الهاء، وكذلك: عراعر: سيد القوم، فإذا جمعوا قالوا: عراعر، وكذلك: رجل حلاحل للملك الكثير العطاء، والجمع حلاحل، وهذه أحرف يسيرة جاءت ناردة. وتقول العرب في الذئب: نيه طلسة وغبرة، وغبشة كل ذلك للذي يضرب إلى السواد والحمرة؛ وفي الضبع غبرة وشكلة، وهو لون فيه سواد وصفرة قبيحة. قال أبو العيناء: سمعت رجلاً يقول لأبي زيد: أتتهمني على دين الله؟ قال: لا ولكني أتهمك عل لغة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو العيناء، حدثني القحذمي قال: دخل خالد بن صفوان الحمام وفيه رجل مع ابنه، فأراد أن يعرف خالداً ببلاغته فقال لابنه: يا بني،

ابدأ بيداك وثن برجلاك، ثم التفت إلى خالد وقال: با ابن صفوان، هذا كلام قد ذهب أهله، فقال خالد: هذا كلام ما خلق الله له أهلاً. قال أبو العيناء: خطب رجل في حسبه شيء إلى رجل شريف قد مسته حاجة، فأنشأ يقول: البسيط قل للذين سعوا يبغون رخصتها ... ما أرخص الجوع عندي أم كلثوم الجوع خير لها من فعل منقصة ... ساقت أباها إليه جلة كوم قدم محمد بن إسحاق البصرة، فكان فتيانها يضعون له المراثي لبنات عبد المطلب فيصلها هو بالسيرة والغزوات. قال أبو العيناء، قال الثوري: سألت الأصمعي لم سمي الشجاع بهمة، قال: لأن أمره مستبهم لا يدري من أين يتأتى له. قال الأصمعي: حمل يزيد بن مرة شيئاً على رأس حمال، فعاسره في الكراء، فقال: إن الذي على رأسك لك. قال المعتمر بن سليمان: كان على أبي دين، فكان يستغفر، فقلت: لو سألت الله أن يقضي دينك، قال: إذا غفر لي قضى ديني. قال أبو مرثد: العرب تقول: فلان نظورة قومه، أي المنظور له من بينهم.

قال أبو زيد: سمعت رؤبة بن العجاج يقول: ما رأيت أروى لأشعارنا من أبي مسلم، من رجل يرتضخ لكنة، فهو أفصح الناس. قال يحيى بن خالد: شر الأمور التخليط الذي لا ينقطع. في أول كتاب إبراهيم الإمام: احذروا العرب فإنها لم تزل تبغينا مذ بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم فينا. قال جعفر بن محمد: يعرف نفاق الرجل في ولده أن لا يكون باراً بهم رفيقاً عليهم. قال ابن عباس: إذا أسف الله على خلق من خلقه فلم يعجل لهم النقمة بمثل ما أهلك به الأمم من الريح وغيرها، خلق الله لهم خلقاً من خلقه يعذبهم بهم لا يعرفون الله تعالى. قال عبد الصمد بن موسى: لما وجد عمر بن فرج كتاباً من أهل الكرخ إلى علي بن محمد بن جعفر عليهم السلام جاء به إلى المأمون، فقال المأمون: محمد أولى من ستر هذا - ولم يشعه، ودعا علي بن محمد فقال: له: قد وقفنا على أمرك، وقد وهبنا ذلك لعلي وفاطمة، فاذهب فتخير ما شئت من الذنوب فإنا نتخير لك مثل ذلك من العفو.

قال عبد الصمد بن موسى: كان متطبب محمد بن إبراهيم أبو خالد نصرانياً ثم أسلم، فغلب على يحيى بن خالد ثم على الرشيد، فلما حضرته الوفاة وجه إلى محمد بن إبراهيم: إن لك علي حقاً أرعاه، فوجه إليي من يفهم عني حتى أوصيك بشيء أنصح لك فيه، فحدثني أبي موسى قال: وجهني محمد بن إبراهيم إليه، فأمرت الغلام بدواة وقرطاس فقال: أقرئه السلام، والأمر أيسر من أن نكتبه، قل له: لا تجامع حتى يأتي عليك من الوقت الذي تجامع فيه إلى ذلك الوقت مقدار ثلاثة أيام بلياليها، فإنك إن فعلت لم يضررك، وذلك أن المني إنما يكون من الدم، ولا يصير الدم في أقل من هذه المدة، ومتى فعلت قبل ذلك استكرهته فقلعته قلعاً تؤذيك عاقبته بعد؛ ولا تغلظ على أضراسك لقمة فتلقيها إلى معدتك فتضر بها لأن المعدة أرق منها، وإذا لم تقدر عليها الأضراس فالمعدة أجدر؛ والدم فمتى هاج بك فأخرجه؛ والحمام فتعاهده في كل خمسة أيام، فإن للأبدان خبثاً فانفضه عنك؛ واعلم أنه ليس شيء أنفع في الجوف من الرائحة الطيبة، فلا تبت ليلة حتى تستعمل الطيب وتعرض نفسك على الخلاء. ضمرة بن رجاء: الطويل فإن أك بدلت البياض فأنكرت ... معالمه مني العيون اللوامح فقد يستجد المرء حالاً بحالة ... وقد يستشن الجفن والنصل جارح وما شان عرضي من فراق علمته ... ولا أثرت في الخطوب الفوادح شاعر: الطويل

وسار تعناه المبيت فلم يدع ... له جانب الظلماء في الليل مذهبا رأى ضوء نار من بعيد فأمها ... وقد شهبتها العين باللمح كوكبا فقلت ارفعاها بالصعيد كفى بها ... مناراً لساري ليلة إن تأوبا رفعت له بالقفر ناراً تشبها ... شآمية علياء أو حرجف صبا فلما أتانا والسماء تبله ... رجعت له أهلاً وسهلاً ومرحبا قال محمد بن عبد الملك لأبي العيناء: بلغني أنك مأبون، قال: مكذوب علي وعليك أصلحك الله. دخل مالك بن هبيرة السكوني على معاوية فأدناه، وكان شيخاً كبيراً، فخدرت رجله فهزها، فقال له معاوية: ليت لنا يا أبا سعيد جارية لها مثل ساقيك، قال: متصلان بمثل عجيزتك، فخجل معاوية وقال: البادئ أظلم. دب رجل إلى آخر فقال له المدبوب عليه: يا شيخ ما تصنع؟ قال: لا تسأل عما تعلم. قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي: حدثني رجل من أهل الأدب قال: كانت لفتى من قريش وصيفة نظيفة جميلة الوجه حسنة الأدب، وكان

الفتى بها معجباً، فأضاق واحتاج إلى ثمنها، فحملها إلى العراق في زمن الحجاج وباعها، فوقعت إلى الحجاج فكانت تلي خدمته، فقدم عليه فتى من ثقيف، أحد بني أبي عقيل، فأنزله قريباً منه وألطفه، فدخل عليه يوماً والوصيفة تغمر رجل الحجاج وكان للفتى جمال وهيئة فجعلت الوصيفة تسارق الثقفي النظر، وفطن الحجاج فقال للفتى: ألك أهل؟ قال: لا، قال: فخذ بيد هذه الوصيفة فاسكن إليها واستأنس بها إلى أن أنظر لك في بنات عمك إن شاء الله، فدعا له وأخذ بيدها مسروراً وانصرف إلى رحله، فباتت معه ليلتها، وهربت مه بغلس، فأصبح لا يدريي أين هي؛ وبلغ الحجاج ذلك فأمر منادياً ينادي: برئت الذمة ممن آوى وصيفة، من صفتها وأمرها كيت وكيت، فلم تلبث أن أتي بها فقال لها: أي عدوة الله، كنت عندي من أحب الناس إلي، واخترت لك ابن عمي شاباً حسن الوجه، ورأيتك تسارقينه النظر، فدفعتك إليه وأوصيته بك، فما لبثت إلا سواد ليلتك حتى هربت، قالت: يا سيدي، اسمع قصتي ثم اصنع ما أحببت، فقال: هات، قالت: كنت لفلان القرشي، وكان بي معجباً فاحتاج إلى ثمني، وحملني إلى الكوفة، فلما صرنا قريباً منها دنا مني فوقع علي، فلم يلبث أن سمع زئير الأسد، فوثب عني إليه واخترط سيفه فحمل عليه وضربه فقتله، ثم أقبل إلي وما برد ما عنده فقضى حاجته، وكان ابن عمك هذا الذي اخترته لي لما أظلم الليل قام إلي، فإنه لعلى بطني إذ وقعت فارة من السقف عليه، فضرط ثم وقع مغشياً عليه، فمكثت ليلاً طويلاً أقلبه وأحركه وأرش على وجهه الماء ولا يفيق، فخفت أن تتهمني به فهربت. فما ملك الحجاج نفسه وقال: ويحك لا تعلمي بهذا أحداً فإنه فضيحة، قالت: يا سيدي على أن لا تردني إليه، قال: لك ذلك.

خرج أبو الحارث جمين مع عيسى بن موسى إلى الصيد فخلا به، فانحنى عيسى على قربوس سرجه فافلت منه ضرطة، فالتفت إلى أبي الحارث جمين فقال: إنك ستجعل هذه نادرة تأكل بها، وإني أعطي الله عهداً لئن بلغني أنك حدثت بهذا لأضربن عنقك، فقال جمين: سبحان الله أيها الأمير، وأنا لا أدري بمن أتعبث وحديث من أتحدث؟! فلما انصرفا قام إليهما بعض أهل الدار فقال: كم اصطدتم؟ قال: فبادر أبو الحارث فقال: لا والله ما اصطدنا شيئاً، وما كان معنا انفلت، وأشار إلى نحو بطن عيسى. ضرط أشعب في صلاته فقيل له: ويحك، أتضرط في صلاتك؟ فقال: وما خير آست لا تضرط من خشية ربها. وضرط الدلال في سجوده فقال: سبح لك أعلاي وأسفلي، ففتن الناس في صلاتهم. أبو عداس النميري: الرمل أيها اللاحي على ما قد مضى ... إن علمت الرشد فاستقبل لغد إنما يعرف قومي خلتي ... إن هم نادوا وواراني البلد سأذب الناس عن أعراضهم ... ذبك الناهل عن حوض الثمد بلسان حسن تشقيقه ... وسنان مثل كلاب معد

نفس إن الحزم في عاداته ... ما تعرى من زمان محتصد فاستبدي مرة واحدة ... إنما العاجز من لا يستبد قال أبو العيناء، قال ابن ماسويه الطبيب، قال لي أخ لعبيد الله ابن يحيى: أخبرني عن الطبائع الأربع، هي من عقاقير الجبل؟ فضحكت، فقال: لم تضحك؟ قلت: أخو وزير الخليفة لا يعرف الطبائع؟ فقال لي: أنا طبيب؟ قال أبو العيناء: وشكا بعض الكتاب في نكبته، وكان قد زور، فقال: أخذوا مالي وقلعوا أسناني، إلا أن داري لم تبرح مكاني. قال أبو العيناء: سمعت الحسن بن سهل يقول: كان أنوشروان أربع خواتيم: فخاتم للخراج نقشه: العدل وخاتم للضياع نقشه: العمارة، وخاتم للمعونة نقشه: الأناة، وخاتم للبريد نقشه: الوحى، وما نخن من هذا في شيء. قال أبو دلف: دخلت يوماً على الرشيد وهو في طارمة وعلى بابها شيخ جليل قد ألقيت له طنفسة خارج الطارمة، فلما سلمت قال الرشيد: كيف أرضك؟ قلت: خراب يباب، أخربها الأعراب والأكراد، فقال قائل: هذه آفة الجبل، فقلت: يا أمير المؤمنين، إن صدقك فأنا سبب

إصلاحه، قال: وكيف؟ قلت: أأكون سبباً لإفساده وأنت علي، ولا أكون سبب إصلاحه وأنت معي؟! قال الطالقاني كنا عند ابن منارة الكاتب وعنده ابن المرزبان، فدخل أبو العيناء فقال ابن المرزبان: أريد أن أعبث به، فنهاه ابن منارة فلم يقبل، فلما جلس قال له: يا أبا عبد الله، لم لبست جباعة؟ قال: وما الجباعة؟ قال: التي ليست بجبة ولا دراعة، فقال أبو العيناء: ولم أنت صفديم؟ قال: وما الصفديم؟ قال: الذي بين الصفعان والنديم، فوجم لذلك وضحك أهل المجلس. بعث سهل بن هارون إلى الحسن بن سهل كتاباً عمله في مدح البخل، واستماحه فيه، فوقع الحسن: قد مدحت ما ذم الله، وحسنت ما قبح الله، وما يقوم بفساد معناك صلاح لفظك، وقد جعلنا ثوابك قبول قولك، فما نعطيك شيئاً. اعتل بعض إخوان الحسن بن سهل، فكتب إليه الحسن: اجدني وإياك كالجسم الواحد، إذا خص عضواً منه ألم عم سائره، فعافاني الله بعافيتك، وأدام لي الإمتاع بك. قال سعيد بن حميد: أمر يحيى كاتبين له أن يكتبا في معنى واحد، فأطال أحدهما واختصر الآخر، فقال للمختصر: ما أجد موضع

زيادة، وقال للمطيل: ما أجد موضع نقصان. قال بعضهم: عداوة يحيى خير لعدوه من صداقة غيره لصديقه. دخل الأحنف بن قيس إلى معاوية بعدما تم له الأمر فقال له: أنت الخاذل لأمير المؤمنين ومقاتلنا بصفين؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إن القلوب التي أبغضناك بها لبين جوانحنا، والسيوف التي قاتلناك بها لعلى عواتقنا، ولئن مددت شبراً من غدر، لنمدن باعاً من ختر، وإنك لجدير أن تستصفي قلوبنا وكدرها بفضل حلمك، قال: أفعل. سأل عمر بن الخطاب عمرو بن معد يكرب عن الحرب فقال: مرة المذاق، إذا شمرت عن ساق، من صبر فيها عرف، ومن ضعف عنها تلف. كلم الفضل المأمون في وعد رجل تأخر: يا أمير المؤمنين، إن رأيت أن تهب لوعدك تذكراً من نفسك، وتذيق سائليك حلاوة تعجيلك، وتجعل فعلك حاثاً لقولك، فافعل. وقع الفضل إلى مستميح: كن بالباب يأتك الجواب. وقف أحمد بن أبي خالد بين يدي المأمون، وخرج يحيى بن أكثم من بعض المستراحات وقعد، فقال له المأمون: اصعد إلى السرير، فصعد وجلس على طرفه، فقال أحمد: يا أمير أمير المؤمنين، إن يحيى صديقي

وأخي، ومن أثق به في أمري كله ويثق بي، وقد تغير عما أعهده عليه، فإن رأيت أن تأمره بالعود إلى ما كان عليه فإني له على مثله، فقال المأمون: يا يحيى، إن فساد أمر الملوك بفساد الحال بين خاصتهم، وما يعدلكما عندي أحد، فما هذا النزاع بينكما؟ فقال يحيى: والله يا أمير المؤمنين إنه ليعلم أني له على أكثر مما وصف وأني أثق بمثل ذلك منه، ولكنه رأى منزلتي منك هذه المنزلة فخاف أن أتغير له يوماً فأقدح فيه عندك فتقبل مني فيه، فأحب أن يقول هذا ليأمن مني، وإنه لو بلغ نهاية مساءتي ما قدرت أن أذكره عندك بسوء، فقال المأمون: أكذلك يا أحمد؟ قال: نعم، فقال: أستعين الله عليكما، ما رأيت أتم دهاء ولا أبلغ فطنة منكما. كان أبو فرعون الأعرابي يرقص ابنته ويقول: الرجز بنيتي ريحانتي أشمها ... فديت بنتي وعدمت أمها قال علي بن عبيدة: إن أخذت عفو القلوب زكا ريعك، وإن استقصيت أكديت. لما مات الإسكندر قالت أمه: واعجبا ممن بلغت السماء حكمته، وأقطار الأرض مملكته، وذانت له الملوك عنوة، أصبح نائماً لا يستيقظ، وصامتاً لا يتلكم، ومحمولاً على يدي من كان لا يناله نصره؛ ألا من

مبلغ عني الإسكندر بأن قد وعظتني فاتعظت، وعزيتني فصبرت، ولولا أني لاحقة بك ما فعلت ما فعلت، والسلام عليك حياً وميتاً، فنعم الحي كنت، ونعم الميت أنت. قيل لأم هارون الرشيد: أتحبين الموت؟ فقالت: لا، قيل: ولم؟ قالت: لو عصيت مخلوقاً ما أحببت لقاءه فكيف وقد عصيت الله؟! قال المفجع: اتهم الرجل فهو متهم، من التهمة، وأتهم: أتى تهامة. وقال أمعن في الأرض: أسرع، وأمعن بحقي: أتى به متبرعاً، وأذعن به: أقر به، واخترف الرجل فهو مخترف إذا اخترف من الكسب. ويقال: ما أطيب أريجته وأرجه، والأرج: الرائحة الطيبة. ويقال: وزعت بينهما وورعت أي حجزت. وأنشد: الرجز يا ليت شعري والمنى لا تنفع ... هل أغدون يوماً وأمري مجمع قال: مجمع، ولم يقل مجموع، كأنه أرد مجمع عليه؛ يقولون: أجمعت على الأمر، وأزمعت عليه. غلط المفجع في هذا، يقال: أجمعت الأمر، وهو الفصيح، قال الله تعالى: " فأجمعوا أمركم " يونس: 71، وأزمعه مسموع أيضاً.

قال المفجع: لم أره منذ زمنة يا هذا، يريد منذ زمان. وقال: هذا مطيبة لنفسي ومخبثة لجسمي. ويقال: تأنقت هذا المكان أي أحببته واخترته؛ قال: وسمعت أبا موسى يقول: أظن معنى قولهم تأنقت في الشيء مأخوذ من النيق، وهو أعلى الجبل، كأنه بالغ في الشيء. قال: وسمعته يقول: الحق مطيتك مخففة، وقد تثقل. وقال: وقعوا في مرطلة، يعني طيناً ووحلاً، وقد مرطلت الأرض عليهم. وقال: ما قارنتهم بلادنا أي ما وافقتهم، وهذا أمر لا يقاييني ولا ينايينني، أي لا يصلح لي ولا يلائمني. وقال: أخذه إباء شديد، معناه: كلما قيل له شيء يأباه. وسمعت من يقول: وجرت الدواء إذا شربته. قال: وسمعت: أخلف الله عليك وخلف أيضاً.

روى أبو عبيدة العسكري في تاريخه عن أبي وائل عن حذيفة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان يستعينه في غزاة، فبعث إليه عثمان رضي الله عنه عشرة آلاف دينار، فصبت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يقلبها ويقول: غفر الله لك يا عثمان ما أسررت وما أعلنت، وما أخفيت وما أبديت، وما قدمت وما أخرت، ما يبالي عثمان ما عمل بعد هذا. قال، وقال سعيد بن المسيب: بلغ عثمان أن قوماً على فاحشة، فأتاهم وقد تفرقوا، فحمد الله وأعتق رقبة. أهدى الموبذ إلى المتوكل قارورة دهن وكتب: إذا كانت الهدية من الصغير إلى الكبير، فكلما لطفت ودقت كانت أبهى وأحسن، ومن الكبير إلى الصغير فكلما عظمت وجلت كانت أنفع وأوقع، وأرجو ألا أكون قصرت بي همة صيرتني إليك، ولا أخرني زمان دلني عليك، ولا قعد بي رجاء حداني على بابك، وحسب معتمدك ظفراً بفائدة وغنيمة، ولجأ إلى موئل وسند. قيل لمغنية: صوم يوم عرفة كفارة سنة، فصامت إلى الظهر ثم أفطرت، فقيل لها: لم فعلت؟ قالت: يكفيني كفارة ستة أشهر. قال أبو العيناء: كان يالري مجوسي موسر فأسلم، وحضر شهر

رمضان فلم يطق الصوم، فنزل إلى سرداب له وقعد يأكل، فسمع ابنه حساً من السرداب، فاطلع فيه وقال: من هذا؟ فقال الشيخ: أبوك الشقي يأكل خبز نفسه ويفزع من الناس. قال الزبير: حدثني عمي مصعب، حدثني موسى بن صالح قال: كان عيسى بن دأب كثير الأدب عذب الألفاظ، وكان قد حظي عند الهادي حظوة لم تكن لأحد، وكان يدعو له بمتكأ، ولم يكن يطمع في هذا أحد من خلق الله في مجلسه، وكان يقول له: ما استطلت بك يوماً ولا ليلة، ولا غبت عني إلا تمنيت ألا أرى غيرك، وكان لذيذ المفاكهة طيب المسامرة كثير النادرة جيد الشعر حسن الانتزاع له. قال علي بن عبيدة: ثقف نفسك بالآداب قبل صحبة الملوك، ولا تنظر إلى من نال الحظ بالسخف، فإن كل أحد يوزن بقدره إذا خرج مما كان فيه. وقال البكائي عن أبيه، وكان أدرك الجاهلية: كان الربيع بن زياد العبسي نديماً للنعمان بن المنذر، وكان يسمى من شطاطه وبياضه وجماله

الكامل؛ فقدم وفد من بني عامر - ثلاثون رجلاً - عليهم أبو براء عامر ابن مالك بن جعفر بن كلاب - وهو ملاعب الأسنة، خمسة منهم من بني الحريش، وثلاثة من بني عقيل من بني خفاجة، وخندف بن عون بن شداد بن المحلق ومالك بن ربيعة وهو فارس مدرك، وقتادة بن عوف، ولبيد بن ربيعة بن مالك، وهو يومئذ غلام، وأم لبيد نفيرة بنت حذيم. وكان الربيع من أكرم الناس على النعمان، فضرب النعمان قبة على أبي براء وأجرى عليه وعلى من معه، فلم يزل الربيع يتنقصه عنده حتى نزع القبة عن أبي براء وقطع النزل، وهموا بالأنصراف، فقال لهم لبيد: ما لكم تتناجون؟ قالوا: إليك عنا! قال: أخبروني لعل لكم عندي فرجاً، فأخبروه، فقال: عندي، أرجز به غداً حين يقعد الملك، فقالوا: وهل عندك ذاك؟ قال: نعم، قالوا: فقل في هذه البقلة نبلوك بها، أي نجربك، فقال: هذه البقلة الرذلة لا تستر جاراً، ولا تؤهل داراً، ولا تذكي ناراً، المقيم عليها قانع، والمغتر بها جائع، أقبح البقول مرعى، أقصرها فرعا؛ القوا بي أخا بني عبس، أرجعه عنكم بتعس ونكس، وأتركه غداً من أمره في لبس. فغدوا وقد جلس النعمان وإلى جانبه الربيع، وأقبل لبيد وقد دهن أحد شقي رأسه وأرخى إزاره وانتعل نعلاً واحدة، وكذلك كانت تفعل الشعراء في الجاهلية إذا أرادت الهجاء، فمثل بين يديه ثم أنشأ يقول: الرجز أنا لبيد ثم هذا منزعه ... يا رب هيجا هي خير من دعه في كل يوم هامتي مقزعه ... نحن بني أم البنين الأربعه المطعمون الجفنة المدعدعه ... والضاروبن الهام تحت الخيضعه

نحن خيار عامر بن صعصعه ... مهلاً أبيت اللعن لا تأكل معه إن آسته من برص ملمعه ... وإنه يدخل فيها إصبعه يدخلها حتى يواري أشجعه ... كأنما يطلب شيئاً ضيعه أف لهذا طامع ما أطعمه فأقامه النعمان وقال: إنك لهكذا؟ فقالك كذب أيها الملك، فطرده وقرب وفد بني عامر وأعاد على أبي براء القبة، فذلك قول لبيد: الرمل ومعي حامية من جعفر ... حين يدعون ورهط ابن شكل وقبيل من عقيل صادق ... وليوث بين غاب وعصل فقال النعمان للربيع: البسيط شرد برحلك عني حيث شئت ولا ... تكثر علي ودع عنك الأباطيلا فقد رميت بشيء لست ناسيه ... ما جاوز النيل يوماً أهل إمليلا قد قيل ذلك إن حق وإن كذب ... فما اعتذارك من شيء إذا قيلا كتب ابن مكرم إلى نصارني أسلم: الحمد لله الذي وفقك لعبادته، وأكرمك بهدايته، وطهر من الارتياب قلبك، ومن الافتراء عليه لبك. ضرط كاتب عمر بن عبد العزيز بين يديه، فرمى بقلمه وقام خجلاً، فقال له عمر: لا عليك، خذ قلمك واضمم إليك جناحك، وأفرخ

روعك، فما سمعتها من أحد أكثر مما سمعتها من نفسي. يقال سليمان بن ربيعة لعمرو بن معدي كرب: فرسك هذا مقرف، فقال: المقرف يعرف المقرف. كان أبو جلدة اليشكري بخراسان مع شرب في بيت، فخرج ليبول فضرط، فضحكوا منه، فأخذ السيف وقام على الباب، وحلف ليضربن من لم يضرط، فضرط سائرهم إلا رجل من عبد القيس فإنه قال: يا أبا جلدة، إن عبد القيس ليسوا بأصحاب ضراط، فهل لك أن تقبل عشر فسوات بضرطة؟ فأعرض عنه أبو جلدة وقال: ألم يكن لؤماً بكم أن تضحكوا مما تفعلون. رفع الواقدي إلى المأمون رقعة يذكر فيها ما عليه من الدين وقلة الصبر، فوقع المأمون في ظهر رقعته: أنت رجل فيك خلتان: السخاء والحياء؛ فأما السخاء فهو الذي أطلق ما في يدك، وأما الحياء فبلغ بك ما أنت عليه، وقد أمرنا لك بمائة ألف درهم، فإن كنا أصبنا إرادتك فازدد في بسط يدك، وإن كنا لم نصب إرادتك فتماسك على نفسك، وأنت كنت حدثتني وأنت على قضاء الرشيد عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن أنس بن مالك أن رسول

الله صلى الله عليه وسلم قال للزبير: يا زبير، إن مفاتيح الرزق بإزاء العرش، ينزل الله تعالى للعباد أرزاقهم على قدر نفقاتهم، فمن كثر كثر له، ومن قلل قلل له، قال الواقدي: وكنت أنسيت هذا الحديث، فكانت مذاكرته إياي أعجب إلي من صلته. قال أسامة يوم الفتح: يا رسول الله، أين ننزل غداً إن شاء الله؟ قال: وهل ترك لنا عقيل من منزل؟ ثم قال: لا يرث الكافر المؤمن ولا المؤمن الكفار؛ قيل للزبير: فمن ورث أبا طالب؟ قال: ورثه عقيل وطالب. قال الثوري: وسمعت أبا عبيدة يقول: من شغل نفسه بغير المهم أضر بالمهم. قال أبو حاتم: سمعت أبا عبيدة يقول: إذا كان الملك محصناً لسره، بعيداً من أن يعرف ما في نفسه، متخيراً للوزراء، مهيباً في أنفس العامة، مكافئاً بحسن البلاء، لا يخافه البريء ولا يأمنه المذنب، كان خليقاً ببقاء ملكه. شاعر: الطويل وقد أشمت الأعداء طراً بنفسه ... وقد وجدت فيه مقالاً عواذله ولم يزع النفس اللجوج عن الهوى ... من الناس إلا واحد العقل كامله

قال الهدادي: لم يقل هشام شعراً إلا بيتاً، وهو: الطويل إذا أنت لم تعص الهوى قادك الهوى ... إلى بعض ما فيه عليك مقال قال ابن المعتز: وكل مكروه ختم بمحبوب وانتهى إلى السلامة فالهم عنه زائل، والأجر عليه حاصل. شاعر: السريع أفرد من أهوى لأن الهوى ... توحيده أفضل من شركه ولو أراد الله ستر الهوى ... ما سلط الدمع على هتكه كتب رجل إلى أخ له يعذله على غلبة الهوى عليه فقال: من لم يكن في طبعه الاقتدار على نفسه بحسن سياستها، والانتصاف من هواها، منعه الحزم قيادة، وجاذبه الفهم خطامه، وحرمه الدهر حسن الذكر. فأجابه المعذول: ليس كل من شاء انتصف من هواه، وقهر غضبه رضاه. للهيثم بن خالد: المنسرح ولي صديق ما مسني عدم ... مذ وقعت عينه على عدمي بشرني بالغنى تهلله ... وقبل هذا تهلل الخدم ومحنة الزائرين بينة ... تعرف قبل اللقاء في الحشم

وجد على ظهر كتاب من كتب ذي الرياستين بخطه: نسخته في الشهر الذي حين ننتقل إليه تكون النكبة التي نسأل الله دفعها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وأتوكل على الله، والأغلب علي إن صح من حساب الفلك شيء أن الأمر واقع، فنسأل الله أن يثبت قوانا حتى ننتقل إلى داره التي وعدها الله أولياءه على خير سبيل. لأبي البيداء الرياحي: الطويل إذا ما أبو البيداء رمت عظامه ... وسرك أن يحيا فهات نبيذا نبيذ إذا مر الذباب بدنه ... تقطر أو خر الذباب وقيذا قال الأصمعي: مررت بكناس في بعض الطريق وهو ينشد الطويل وأكرم نفسي إنني إن أهنتها ... وحقك لم تكرم على أحد بعدي فقلت: عن أي شيء أكرمتها وهذه الجرة على رقبتك؟ فقال: عن الوقوف على باب مثلك. قال جعفر بن محمد: غسل علي بن أبي طالب النبي صلى الله عليه وسلم، فكان إذا اجتمع الماء في جفون عينيه حساه علي. قال علي عليه السلام: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لإزالة الجبال أيسر من ملك مؤجل.

قال عبد الملك بن الحر: لما أدخل سعيد بن جبير على الحجاج قال: أنت الشقي بن كسير؟ قال: لا ولكني سعيد بن جبير، فقال الحجاج: اختر أي قتلة فإني قاتلك، فقال له: بل اختر أنت فهو قصاص. قال جعفر بن بكر بن صاعد: سمعت شريكاً يقول رأيت أبا حنيفة يطوف على الحلق كأن لحيته لحية تيس. قال عبد الملك بن عمير، قال قبيصة بن جابر: ما رأيت أحداً أرأف برعيته ولا خيراً من أبي بكر الصديق رضي الله عنه؛ ولا رأيت أحداً أقرأ لكتاب الله ولا أفقه في دين الله ولا أقوم بحدود الله ولا أهيب في صدور الرجال من عمر بن الخطاب؛ ولا رأيت أحداً أشد استحياء من عثمان بن عفان؛ ولا رأيت أحداً أشجع قلباً ولا أوسع علماً من علي بن أبي طالب؛ ولا رأيت أحداً أعطى للمال عن ظهر يد من غير سلطان أصابه من طلحة بن عبيد الله؛ ولا رأيت أحداً أحلم من معاوية؛ ولا رأيت أنصع ظرفاً ولا أسرع جواباً من عمرو بن العاص؛ ولا رأيت أحداً المعرفة عنده أنفع إلا المغيرة بن شعبة؛ ولا رأيت أحداً أحلم طبعاً ولا أخصب رفيقاً ولا أشبه سرا بعلانية من زياد بن أبيه. قال حفص بن عتاب: سمعت الأعمش يقول قد رددتموها علي حتى صارت في فمي أمر من العلقم، ما أطفتم بأحد إلا حملتموه على الكذب.

كان ابن سيرين يحدث بالحديث فيقال: من حدثك؟ قال: قوم استكتموني أسماءهم ما داموا أحياء، فإذا ماتوا فأنا أرى أن أكتم أسماءهم. قال ابن شبرمة: كان طلحة يشبه بعضه بعضاً. قال الشعبي: لو أصبت تسعاً وتسعين وأخطأت واحدة حملوا الواحدة. قال وكيع: جئنا مرة إلى الأعمش، فحين سمع حساً قام ودخل، فلم يلبث أن خرج فقال: رأيتكم فأبغضتكم فدخلت إلى من هي أبغض منكم فخرجت إليكم. قالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين البطيخ والرطب. يقال: يطبخ - بكسر الباء - وطبيخ؛ هكذا قال يعقوب. قال مسعر: من أبغضني، فجعله الله محدثاً. قال نافع: كان ابن عمر تأتيه الجوائز في كل عام من معاوية وابن عامر وأرزاق ما بين سبعة وسبعين ألفاً وثلاثة وثمانين ألفاً، ما يحول عليه الحول وعنده منها درهم. وقع رجل في رجل في مجلس عطاء، فجاء ذلك الرجل إلى عطاء فقال: اشهد لي بما سمعت، فقال عطاء: ليس لك عندي شهادة، وإنما كانت أمانة.

قال الشعبي، قال عدي بن حاتم: لو قتل عثمان ما حبقت فيه عناق، فلما كان يوم الجمل فقئت عين عدي، وقتل ابنه طريف يوم الزبير، وهرب ابن له إلى معاوية، فقيل له: يا أبا طريف، هل حبقت في عثمان عناق؟ قال: أي والذي في السماء بيته، والتيس الأكبر. قال الشعبي: كنية الدجال أبو يوسف؛ ولا أدري من أين له هذا. قيل للمغيرة: إن آذنك يحابي، فقال: المعرفة تنفع عند الكلب العقور، والجمل الصؤول، فكيف بالرجل المسلم. قال أبو السائب الهمذاني: سمعت أبا نعيم يقدم إدريس الخزاز إلى شريك عنده بشهادة فقال: أنت الذي تزعم أن الصلاة ليست من الإيمان؟ سمعت أبا حنيفة المتكلم يقول في مجلس: المرجئ إنما أخذ من الرجاء. ومر على الخطأ، وليس كما وهم، أي ذهب وهمه إليه، المرجئ مهموز، وتليين الهمزة جائز، وحذفها لغة، وقد قرئ " أرجه وأخاه " الأعراف: 111، ومعنى الكلمة التأخير. إن المرجئ مؤخر الكلام في عفو الله عن صاحب الكبيرة، والمعتزلي يقطع بتخليده في النار، وليس دخول الرجاء في المعنى على الاتساع بما نشتق الكلام منه في الإرجاء؛ الراجي غير المرجئ، والله تعالى يقول: " وآخرون مرجون لأمر الله " التوبة: 106

ومرجوون أيضاً، لا اختلاف في المعنى بين اللفظتين. المتكلم محتاج إلى معرفة الأسماء والصفات، ليكون كلامه عل أصل ممهود، وأساس موتود. وقال ثعلب: تقول العرب في أيمانها: لا وقائت نفسي القصير، لا ومعيشتي يريد؛ والقائت من قولك: قات يقوت قوتاً، والقوت: ما يقتات به، والمقيت كالحافظ، هكذا قيل في قوله: " وان الله عل كل شيء مقيتاً " النساء: 85. وقال ثعلب: تقول العرب: لا والذي خلق الرجال للخيل، وشق الجبال للسيل؛ لا والذي شقهن خمساً من واحدة، زعم أنه يراد بهذه اليمين أن الكف شقت منها الأصابع. قال: وقال أيضاً: لا والذي وجهي أمم بيته، أي مقابل بيته، قال: ويقال: مرتهن على أمم من طريقتك. قال ثعلب: وتدعو العرب على الإنسان فيقال: ماله آم وعام، وقد تفسير هذا، وأعيده أيضاً، أما آم: صار أيماً، والأيمة صفة تعتور الذكر والأنثى، وأما عام فمعناه صار مشتهياً للبن، كأنه دعا عليه أن يفتقر ولا يكون له لبن. ويقال: ما له حرب وحرب، وجرب وذرب، وما له شل عشره، يراد الأصابع، وما له يدي من يده، وأبرد الله محه أي هزله، وأبرد الله غبوقه، أي لا كان له لبن حتى يشرب الماء. قال ثعلب: ويقولون: قل خيسه، أي خيره، بالخاء منقوطة من فوق.

قالت الفلاسفة: فضائل النفس أربع وفضائل الجسد أربع: للنفس الحكمة، وللجسد بإزائها التمام والكمال؛ وللنفس العدل، وللجسد الحسن والجمال؛ وللنفس الشجاعة، وللجسد القوة؛ وللنفس العفة، وللجسد الصحة. هذا كلام شريف واعتبار صادق، فكن جامعاً بين فضائل نفسك ومحاسن جسدك بالرغبة التامة في العلم، والنية الصادقة في العمل، والفكر الصحيح في الاستنباط، والعهد المحفوظ في العشرة، والخير المعمول في الخلوة، ولا تمكن الهوى من نفسك، واتهم كل من حسنه عندك فقربه إلى قلبك، وأروح روحك من حبس جسدك بكد جسدك. قال أفلاطون: إذا أكثرتم جمع النساء في منازلكم انقسمت عقولكم، وإذا انقسمت عقولكم لم تقدروا أن تكونوا حكماء. وكان أفلاطون إذا أراد تعليم تلامذته يمشي معهم إكباراً للحكمة. يقال: ما الفقر، والأفر، والوفر، والزفر، والسفر، والضفر، والشفر، والعفر، والغفر، والكفر، والنقر، والذفر. فأما القفر: فالمكان الخالي الذي لا نبات فيه، ومنه يقال: أكل خبزة قفاراً، إذا أكله بحتاً لا أدم معه. والأدم جمع، والإدام واحد، كقولك: كتاب وكتب. هكذا سمعت ممن يوثق به. وأما الأفر فالعدو، يقال: أفر يأفر. وأما الوفر فالمال، يقال: فلان ذو وفر أي ذو مال، ويقال: فر عرض فلان أي لا تدنسه، ووفرت عرضه - بخفة الفاء؛ وأما وفرت - بتشديد الفاء - ففي غير العرض، ومنه التوفير والاستيفار من الوفارة والوفور.

والوفرة: شعر كالجمة. وأما الزفر والزفير والزفر أيضاً: شد الشيء على إحكام. وأما السفر فالمسافرون. وأما الضفر فالفتل، يقال: ضفرت المرأة شعرها ولها ضفيرتان، والظاء فيه خطأ، والكتاب يقولون: نحن نتضافر على هذا الأمر، وهو صحيح، لأن المراد نتقابل أي نتفادى ونتعاضد. فأما الظاء فإن المعنى يستحيل لأنه يصير من الظفر، فكأنه يكون: هذا ظافر بهذا، وهذا ظافر بهذا، وليس الغرض ذلك. وأما الشفر فإنه يقال: ما بالدار شفر أي أحد. وأما العفر فالتراب، والعفر: البعد، يقال: لقيته على عفر أي على بعد. وأما الغفر: فمصدر قولك: غفر الله لك غفراً، والغفر: زئير الخز - بكسر الزاي - وهو الصحيح، والغفر أيضاً هو الغطاء، والأصل التغطية، فإذا قلت: غفر الله لك، فكأنك قلت: ستر الله عليك ذنوبك، وكذلك الزئير، يقال: اصبغ الثوب فإنه أغفر للوسخ؛ كذا قال يعقوب. وأما الكفر فالقرية، ومنه الخبر: يخرجكم الروم منها كفراً كفراً. وأما النفر فمصدر نفر الناس إلى مكة في المنسك. وأما الذفر فالنتن، ومنه: يا ذفار للأمة، مبنية، وهي خفيفة، يراد بها المنتنة. قال بعض مشايخ البصرة: أتيت أبا عبد الله بن عرفة أيام حداثني وغرارتي لأثمر نفسي من فضله، وأحلي جوهري بأدبه، فلحظني متوهماً للنجابة، حاكماً علي بحسن الاستجابة، وقال لي: يا بني هل لك

حاد مستحث على طلب العلم؟ فقلت: نعم، فقال: قل نعم، فإن النعم الإبل والبقر، وأراد نشري وبسطي بهذا الرد، قال: أي أقوى في نفسك أن تعلم الحلال والحرام، أو أن تتعمق في الكلام، أو أن تواصل هذا الأدب والبيان؟ فقلت: بل مواصلة الأدب، فقال: ما اختال سحابك ولا خلب برقك، فقال: أما إنك إذ أبيت إلا ذلك لما تجد في طباعك من النزاع إليه، والاشتمال عليه، فخذ من الشعر القديم أفصحه، ومن الخبر المأثور أملحه، واستغن بجليل النحو عن دقيقه، وليكن علمك اللغة، واحرص أن تعلم، ولا تحرص أن ترسم، واكتف بأدنى علمك، ولا تترأس على من دونك، بل إن كان معه شيء فأره أنك دونه حتى تأخذه منه، فإن من استعجل الرياسة قبل حينها ذل. قال أبو حاتم، قال أبو عبيدة: لا تردن على أحد خطأ في حفل فإنه يستفيد منك ويتخذك عدواً. هذا آخر الجزء السادس وهو مقطع الكتاب، وقد غرست فيه وصايا شريفة، وحكماً عزيزة، وآداباً غريبة، وأصولاً قوية، وفروعاً بديعة، متى ذللت بروايتها لسانك، وشحذت بحفظها طباعك، وراسلت بمحاسنها سجراءك، وثقفت بأحسنها نفسك، وحبرت بعيونها آدابك، كنت مخصوصاً بالسعادة، معاناً بالتوفيق، متفقاً عليه في الفضل، مشاراً إليه بالنبل، مدركاً نهاية الأصل، مجتنياً ثمرة العمر، رفيعاً عند السلطان، بهياً بين الإخوان، مخيباً عند الخصوم. والذي لا أمل تكراره عليك وإعادته عليك: الزهد في هذه الدار المؤوفة، والحذر من العاقبة المخوفة، والبدار إلى ما أراح الروح من كد

الجسم، وأودع النفس روح الخلد، فنيل كل شيء عداه جلل، وطلب كل ما سواه خلل. قرن الله تعالى الهداة بنا وبك، وأفرغ التوفيق علينا وعليك، ورضي عنا وعنك، وجملنا وإياك بالتقوى، وختم لنا ولك بأحمد العقبى. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصواته على خير خلقه محمد النبي وآله وصحبه وأزواجه وسلامه.

رب أعن

//بسم الله الرحمن الرحيم ربّ أعن الجزء السابع هذا أبقاك الله هو الجزء السابع من بصائر الحكماء وذخائر الأدباء، وهو يطلع عليك بوجهٍ مشوف، وطراز مكشوف، ينفح من أردانه الطّيب، وينطق عن نفسه بألفاظٍ كأنها حواشي برد، أو مقاطف ورد، فقد اختصر فقراً بديعةً، ولمعاً ثاقبةً، وآداباً جمّةً، وحكماً نافعة، لم أقنع لك بتدوينها دون تبيينها، ولا بطرحها دون شرحها، ولا بتزويرها دون تقريرها، ولا بتنميقها دون تحقيقها، تلقّفتها من لسان الدهر، والتقطتها من اختلاف الليل والنهار، وأخذتها من الصّغار والكبار، ومن يهب الله له عيناً وموقاً، وقلباً علوقاً، ولساناً نطوقاً، سمع ووعى، وقال ورعى، نسأل الله من فضله، إنه ذو الفضل والمجد. وكان بعض أهل الشّرف والأدب نظر فيما ارتفع من هذا الكتاب فقال لي: لقد شقيت في جمعه، قلت: لو قلت: لقد سعدت في جمعه لكان أحلى في عيني، وألوط بقلبي، وأولج في منافس روحي. قال: إنك جمعت

بين الفضل والهزل، وبين العلم والجهل، ومن شمّر في كتاب تشميرك. وكدّ فيه كدّك، نفى المنفيّ واختار المختار، فالعطن يضيق عن تمام العزم في مطالعة الكلمة السخيفة واللفظة الشريفة، ومن مزج هذه بهذه كمن مزج الشراب الصافي بالكدر، وبما يكدّره ويعنّي شاربه ويمنع من تورّده والارتواء به. فقلت له معتذراً بلسانٍ ذي كلول، وحدٍّ ذي فلول: أيها السيد الجحجاح والفاضل المنّاح، لو تمكنت من هذا الرأي لما صددت عنه ولا آثرت عليه؛ لكنّي لمّا اقتبست ذلك من تصفّح العالم واستريته من مسألة العالم. أخذته على ما عنّ وجرى. وهذا أيّدك الله كلام رجلٍ لم يذق حلاوة البيان، ولا ظفر بعزّ الحجة، ولا فرّق بين ما يعانيه من جهة الهزل، وبين ما يكلّفه من جهة الجدّ، وال علم أن هذا الظّرف لذلك المتاع، وهذا التبسّم لذلك الوجوم، وهذا النّطف لتلك الدماثة، وهذه الهيبة لذلك الانبساط، وهذه الرياضة لتلك العافية، ومن كان معجوناً من أخلاط، ومركّباً على اختلاف، وأسيراً للعوارض، فلا بدّ في كلّ حركةٍ وسكون، وقولٍ وعمل، ونقص وكمال، وفضيلةٍ ورذيلة، من محبوبٍ يناله، ومكروهٍ ينال منه. نرجع إلى سمرنا فقد تباعدنا منه: اعلم أني قد ختمت هذا الجزء بجملةٍ من كلام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله، سوى ما سار في جريدة الكتاب، إذا بلغت إليها، وأشرفت عليها، علمت أنّي منحوس الحظّ من زماني، محسودٌ بين أصفيائي وإخواني،

لأني لا ألقى آخذاً بفضلي، ساتراً لنقصي، ومتى بتّ القضاء على العالم بادعاء ما لا يحسنه، وجزم عليه الحكم بالعجز عما لا يقوم به، فقد سقطت بيّنته فيما يحسن، وبارت بضاعته فيما يتصرّف، وإنما الإنصاف إذا فقد الإسعاف، وأن يكون الثناء على قدر البلاء، والتقريع على قدر التضجيع. لا تكذب، فما السعيد إلا من نظر الله تعالى إليه، ونقله سعيداً إلى ما لديه. اللهمّ لا تحرمنا السلامة إن منعتنا الغنيمة، ولا تحوجنا إلى منازلة خلقك في إبطال باطلٍ وتحقيق حقّ، وتولّنا بالكفاية، واحرسنا بالعصمة، واغمرنا بالرحمة. اللهمّ أنت مناط الهمّة، ومنتهى البال، وصفاء النفس، وخلصان الرّوع، ووليّ النعمة في الأولى والآخرة. نعوذ بك من أملٍ نزداد به إثماً، ومن استدراجٍ نكتسب به ظلماً، ومن طاعةٍ يشوبها رياء، ونعوذ بك من كل ما أبعد عنك، وأيأس منك. تأهّب أيها الرجل لأمرين جسيمين، لا أمان لك إلا بهما، ولا نجاة لك إلا معهما: لعلمٍ يهديك إلى الله، وعملٍ ينجيك من الله، فبالعلم تقصد وبالأعمال تصل، وبالعلم تعرف وبالعمل تجزى، ولا تستغن بقول من قال: عليك بجمع المال فما المرء إلا بدرهمه، فالمال عرض والعلم جوهر، والجوهر ما قام بنفسه والعرض ما ثبت بغيره، والعلم من قبيل العقل والمال من قبيل الجسم، والجسم فانٍ وتابعه معدوم، والعقل باقٍ وصاحبه موجود، وشهادة المال زورٌ وشهادة العلم حقيقة، وبيّنة كاذبة المال وبيّنة العلم صادقة؛ والعلم يحتاج إلى المال ولكن للزينة، والمال يحتاج إلى العلم ولكن للتمام، فكم

حاجتك إلى ما يزينك بعد كمالك؟ اعلم أن الأقطع يحتاج إلى كمٍّ لقميصه لا ليتمّ ولكن للزينة. ولا تطلب العلم إلا بعد أن تعشق الحقّ عشقاً، وتموت على الحجّة موتاً، وتنفر من الباطل نفوراً، وتمقت الشّبهة مقتاً، فعند ذلك ترى منالك منه، وراحتك به أتمّ من تعبك عليه؛ وحينئذٍ ترى العمل زاداً، والإخلاص عتاداً. وأسّ هذه الفضائل وقاعدة هذه المحاسن الزّراية على نفسك، والتودّد إلى بني جنسك، والإقبال على يومك دون الأسف على أمسك، وقطع حبائل الدنيا عن قلبك، والتوجّه في السرّ والجهر إلى ربّك، وبعض هذا كافٍ لمن سبقت له من الله الحسنى، وأمّل حسن العقبى. ففرّوا إلى الله تعالى جميعاً ودعوا مزابل الدنيا لكلابها المتناهسة، فإنّ الدنيا تنكل طالبها، وتغصّ شاربها، وتذبح عاشقها والغالي في حبّها. أنا سمعت بدوياً من ناحية فيدٍ حين قتل الوزير ابن برمويه يقول لصاحبٍ له: أعندك الخبر؟ قال: لا والله؛ قال: إنّ هذا الوزير الشّرير قد ذبح، قال: ما تقول؟ قال: هو ما أقول لك، ثم أطرق هنيهةً وقال: والله ما علا حتى ساخ، ولا غلا حتى باخ؛ نعوذ بالله من سوء العاقبة وشماتة ابن

العم، وعثار الإنسان لليدين والفم؛ والله من قتل قتل، ومن أكل أكل. أرى أن أجعل فاتحة هذا الجزء فقراً من كلام رسول الله صلّى الله عليه وأله وصحبه وسلّم، وهو الكلام الذي يتلو كتاب الله بهاءً وحسناً، ومنفعةً وخيراً، وحكمةً وبلاغةً، وهو الكلام الذي إن فاته من القرآن عينه فلم يفته أثره، وإن بعد عنه في آيته لم يبعد في دلالته، وهو الكلام الذي فيه: نور الحقّ يلوح عليه، وسناء الهدى يقتبس منه.

قال صلّى الله عليه وآله: " أشرف الحديث كتاب الله؛ وأوثق العرى تقوى الله؛ وخير الملل ملّة إبراهيم عليه السلام؛ وأحسن السّنن سنّة محمّدٍ صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ وأشرف الحديث ذكر الله تعالى؛ وأحسن القصص هذا الكتاب؛ وخير الأمور عواقبها؛ وشرّ الأمور محدثاتها؛ وأحسن الهدي هدي الأنبياء؛ وأشرف القتل قتل الشهداء؛ وأعظم الضّلالة ضلالةٌ بغير هدّى؛ وخير الهدى ما اتّبع؛ وشرّ العمى عمى القلب؛ واليد العليا خيرٌ من اليد السّفلى؛ وما قلّ وكفى خيرٌ مما كثر وألهى؛ ونفسٌ تحييها خيرٌ من إمارةٍ لا

تحصيها؛ وشرّ الندامة ندامة يوم القيامة؛ وشرّ الناس من لا يأتي الجمعة إلا دبراً، ولا يذكر الله إلا سحراً؛ وخير الغنى غنى النفس؛ ورأس الحكمة مخافة الله؛ والنّوح من عمل الجاهلية؛ والغلول من حرّ جهنم، والشعر مزامير إبليس؛ والخمر جوامع الإثم؛ والنساء حبائل الشيطان؛ والشباب شعبةٌ من الجنون؛ وشر المكاسب الرّبا؛ وشر المآكل أكل مال اليتيم؛ والسّعيد من وعظ بغيره؛ والشقيّ من شقي في بطن أمّه؛ وشرّ الرّوايا روايا الكذب؛

وكلّ ما هو آتٍ قريب؛ وسباب المؤمن فسوقٌ وقتاله كفر، وحرمة ماله كحرمة دمه "؛ هكذا وجدت هذا الحديث نفعنا الله وإياك به. قال عليّ بن أبي طالب عليه السّلام: الدنيا وإن طالت قصيرة، والماضي للمقيم عبرة، والميت للحيّ عظة، وليس لأمسٍ مضى عودة، ولا المرء من غده على ثقة، وكلٌّ بكلًّ لاحق، واليوم الهائل لكلٍّ آزف، وهو اليوم الذي لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون " إلا من أتى الله بقلبٍ سليمٍ ". اصبروا على عملٍ لا غنى بكم عن ثوابه، وارجعوا عن عملٍ لا صبر لكم على عقابه؛ إن الصبر على طاعة الله تعالى أهون من الصبر على عذابه. اعلموا أنكم في نفسٍ معدود، وأملٍ ممدود، وأجلٍ محدود، ولا بدّ للأجل من أن يتناهى، وللنّفس أن يحصى، وللسّبب أن يطوى " وإنّ عليكم لحافظين كراماً كاتبين ".

انظر إلى انتثار اللؤلؤ في هذا الفصل، فإنك ترى ما يعجب: صدقاً في المعنى وترتيباً في اللفظ، وكلّ كلامه حلوٌ بليغٌ جزل شريف، يأخذ من البراعة أبهى شعارها، ويرتقي إلى أشرف درجاتها، إلا ما يلفّقه المبطلون فتنسبه إليه، فإنك تجد في ذلك أثر التكلّف، ولو حفظ عليه ما له من المحاسن لاستغني عن افتعال الباطل ودعوى الزّور. وسمعت أبا العباس القنّاد الصّوفي يقول: سمعت بدوياً ورد من المنتهب يقول لابنه: يا بني كن سبعاً خالساً أو ذئباً خانساً أو كلباً حارساً وإياك أن تكون إنساناً ناقصاً. قال بعض السّلف: يسخّي بنفس العاقل عن الحظوة في البلاغة ما يخاف عيب المنطق، فإذا اضطرّه الأمر إلى ما لم يجد معه بدّاً من المنطق، اقتصر على الجملة دون التفسير. قال فيلسوف: من مدحك بما ليس فيك فلا تأمن بهته لك، ومن

أظهر شكر ما لم تأت إليه فاحذر من أن يكفر نعمتك. ارتع في رياض هذه الآداب والحكم؛ وإذا فقدت العقول قوتها من الحكمة ماتت موت الأجساد عند فقد الطّعام. قال الفيلسوف: ارتفاع موضع العقل على سائر الحسّيّات التي هو المدبّر لها كارتفاع العينين على سائر الأعضاء. قال فيلسوف: ليس متعمّد الذّنب كالمخطئ، ولا المكره عليه كالطائع، ولا المحتاج إليه كالغنيّ، ولا المعطي من قلّةٍ كالمعطي من سعة، ولا الجائر محكّماً كالجائر غير محكّم، ولا الخائن مؤتمناً كالمقتطع من غير أمانة، ولا الحالف على الكذب مصبوراً أو الشاهد بالباطل منصوصاً كمن لا ينص الشهادة ولا يصبر اليمين. كان عليّ بن أبي طالب عليه السلام إذا نطر الهلال قال: اللهمّ اجعلنا أهدى من نظر إليه وأذكر من طلع عليه. قال فيلسوف: ليس ينبغي أن يمنع من معاشقة النّفس النّفس ولكن من معاشقة البدن البدن.

وقال الحسن: " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها " قال: لا تصلّها رياءً ولا تدعها حياءً. هذه إشارةٌ مليحة، لكن الشائع من تأويله غيره. قال عبد الحميد الكاتب: تعلّمت البلاغة من مروان بن محمد: أمرني أن أكتب في حاجةٍ إلى أخٍ له فكتبت على قدر الوسع، فقال لي: اكتب ما أقول لك: بسم الله الرحمن الرحيم، أما آن للحرمة أن ترعى، وللدّين أن يقضى، وللموافقة أن تتوخّى؟. قال بقراط: الجسد كلّه يعالج على خمسة أضرب: ما في الرأس بالغرغرة، وما في المعدة بالقيء، وما في أسفل المعدة بالإسهال، وما بين الجلدين بالعرق، وما في العمق وداخل العروق بإرسال الدم. قال رجلٌ من آل زياد لعارمٍ البصري: يا ابن الزانية! قال: تعيّرني ما ساد به أبوك؟ قال الزّيادي: يا غلام، خذ برجله، فقال: أي غلمانك؟ الذي يخلفك في أهلك، أم الذي يأتيك من خلفك؟! سمعت من يقول في قوله تعالى " وإن منكم إلا واردها "

هو مثل قوله " حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريحٍ طيّبةٍ ". أخذ عمر بن الخطّاب في التوجّه إلى الشّام، فقال له رجلٌ: أتدع مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم؟ فقال: أدع مسجد رسول الله لصلاح أمّة رسول الله، ولقد هممت أن أضرب رأسك بالدّرّة حتّى لا تجعل الرّدّ على الأئمّة عادةً فيتّخذها الأخلاف سنّة. وقال ابن الأشتر العلويّ الكوفي: سمعت الكندي يقول المسترسل موقّى، والمحترس ملقّى. قال سعيد بن العاص: لا تكلّف راجيك خدمة المطالبة. قال أعرابيّ: إنّ الله تعالى يمتحن بالمنّة عليك المنّة منك. كتب رجل إلى آخر: أما بعد، فإن استطعت أن لا تكون لغير الله عبداً، وأنت لا تجد من العبودية بدّاً، فافعل.

دعا أعرابيٌّ فقال: اللهمّ إنّي أعوذ بك من نزول الشرّ وسوء الفهم. قال ابن أبي حفصة الشاعر للحسن بن شهريار: بلغني أنّك يا أبا علي تنيك غلامك هذا الليل؛ فقال الحسن: وأنا بلغني أنه ينيكك بالنّهار. إنما حمد الصّمت عند هذه المواضع، والجواب منصور. قيل للرّضا عليه السلام: إن إبراهيم يحلف أنّ أباه موسى حيٌّ؛ قال: أيموت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم ولا يموت موسى؟ ثم قال: العجب أن الله يكرم بهذا الدّين العجم أولاد الدّهاقين ويصرفه عن قرابة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. عزّي السائب بن الأقرع عن ابنٍ له فقال: هكذا الدنيا: تصبح

لك مسرّةً وتمسي مساءة. قال صالح المرّي: أتيت أبا عمران الحربي، فقرّب إليّ الفالوذج، فقلت: يا أبا عمران، أما تخشى أن يكون هذا من الطّيّبات؟ فقال: يا صالح، الماء البارد أطيب منه. قال الرّضا عليه السّلام لغلامه: اشتر لنا من اللحم المقاديم ولا تشتر من المآخير، فإن المقاديم أقرب من المرعى وأبعد من الأذى. قال معاوية: من ولّيناه شيئاً من أمورنا فليجعل الرفق بين الأمانة والعدل. لسع زنبورٌ عروساً في ليلة زفافها في فرجها، فقالت الماشطة: من، ولمن، وفي أيّ مكان، وأيّ ليلة! قال الجمّاز: قلت لرجلٍ رمد العين: بأيّ شيءٍ تداوي عينك؟

قال: بالقرآن ودعاء الوالدة؛ قلت: اجعل معهما شيئاً يقال له العنزروت! قال فيلسوف: ليس في الناس أحدٌ إلا وفيه شبهٌ من شجرةٍ أو دابةٍ، فمنهم الغشوم كالأسد، والخاطف كالذّئب، والخبّ كالثعلب، ومنهم حسن المنظر غير محمود المخبر كشجرة الدّفلى، ومنهم المحمود الظاهر الرّديء الباطن كالثّمرة المرّة؛ ومنهم الرديء الظاهر المحمود الباطن كالجوزة، ومنهم المحبّب إلى كلّ أحدٍ كالأترجّة الجامعة مع الحسن طيب الطّعم والرّيح واللّون. قال بعض السّلف: الحزن مدهشةٌ للعقل مقطعةٌ للحيلة؛ إذا ورد على العاقل من المكاره ما يحتاج معه إلى الحيلة، قمع الحزن بالحزم. قال فيلسوف: لا يعدّ الملك الكذوب ملكاً، والناسك الخادع مليكاً، والأخ الخاذل أخاً، ومصطنع الكفور منعماً. قال فيلسوف: بعد الجاهل من أن يلتحم به الأدب كبعد النار من أن تشتعل في الماء. قال فيلسوف: إذا كان العالم غير معلّمٍ قلّ غناء فعله وعلمه،

كما يقل غناء المكثر البخيل. قيل لأعرابي: مذ هنت دقّت محاسنك؛ قال: أي والله، ومساوئي. قال فيلسوف: العقل صنفان: أحدهما مطبوعٌ والآخر مسموع؛ فالمطبوع منهما كالأرض، والمسموع كالبذر والماء، فلا يخلص للعقل المطبوع عملٌ ولا يكون له غناءٌ دون أن يرد عليه العقل المسموع فينّبهه من نومه، ويطلقه من عقاله، ويستخرجه من مكامنه، كما يستخرج البذر والماء ما في قعر الأرض. قال أعرابيّ: يكتفي اللّبيب بوحي الحديث، وينبو البيان عن قلب الجاهل؛ إذا دخلت الموعظة أذن الجاهل مرقت من الأخرى. قال أعرابيّ: سيرة الصالح زينةٌ لعقبه، وحياة الفاجر فضيحة الدهر. قال بعض الفرس: كما أن من السّحاب ما ينقشع عن غير مطر، فكذلك وعد الكذوب من غير وفاء؛ وكما أنّ الإكثار نم الأكل غير رفقٍ من

الآكل، فكذلك الإكثار من النطق غير رفقٍ من المتكلّم، وكما أن الحمار البليد لا يخفّ راكبه إلا بالعصا، فكذلك الجاهل لا يقبل الأدب إلا من حذر الضّرب. قال فيلسوف: يمنع الجاهل أن يجد ألم الحمق المستقّر في قلبه ما يمنع السّكران من ألم الشّوكة تدخل في يده. قال ابن المبارك: عند تصحيح الضّمائر يغفر الله الكبائر. أراد الرّشيد الخروج إلى القاطول، فقال يحيى بن خالد لرجاء بن عبد العزيز وكان على نفقاته: ما عند وكلائنا من المال؟ فقال: سبعمائة ألف درهم؛ قال: فتسلّمتها يا رجاء. فلما كان من الغد، غدا إليه رجاءٌ فقبّل يده، وعنده منصور بن زياد، فلما خرج قال يحيى بن خالد لمنصور: قد توهّم الرجل أنّا قد وهبنا له المال، وإنّما أمرناه بتحصيله عنده لحاجتنا إليه، فقال منصور: أنا أعلمه ذلك؛ قال: إذاً يقول لك: قل له يقبّل يدي كما قبّلت يده فلا تقل له شيئاً، وقد تركت المال له.

لعبد الله بن الحسن: الطويل تخوّفني بالقتل يوماً وإنّني ... أموت إذا جاء الكتاب المنزّل إذا كنت ذا سيفٍ ورمحٍ مصمّمٍ ... على سابحٍ أدناك ممّا تؤمّل فإنّك إن لم تركب الهول لم تنل ... من المال ما يكفي الصّديق ويفضل قيل لابن الجهم بعدما أخذ جميع ماله: أما تفكّر في زوال نعمتك؟ لا بدّ من الزّوال، فزوال نعمتي وأبقى خيرٌ من زوالي وتبقى. مرّ بعض الأنبياء عليهم السّلام برجلٍ قد نبذه أهله من شدّة البلاء، فقال: يا ربّ، لو عافيت عبدك! فأوحى الله عزّ وجلّ إلى ذلك النبي: أتحبّ أن أنقله إلى غير حاله؟ فأتاه فسأله فقال: أتحبّ أن ينقلك الله عمّا بك من البلاء؟ فقال: من تمنّى على الله عزّ وجلّ أبى ذلك منه. شاعر: مجزوء الرمل سامح الدّهر إذا ع ... زّ وخذ عفو الزّمان

ربّما أعدم ذو الحر ... ص وأثرى ذو التواني فصل لي: وأنا أعوذ بالله من انتحال الشّره مع إضمار الحرص، وإظهار مقت المنافقين مع استشعار الغشّ، والانتساب إلى الكرم والجرية مع الأفعال الدنيّة والأخلاق الرديّة؛ وأعوذ بالله من انتحال المحاسبة مع إهمال النّفس، وادّعاء التحصيل مع إطلاق اللّسان، وشدة الرهف مع كلال الحسّ، والتشبّث بسلامة الصدر مع لؤم الطّبع. يقال: ظهر فلان بحاجتي، أي نسيها، وأظهرنا بكذا، أي انتهينا إليه في الظّهيرة؛ وإبل فلانٍ ترد ظاهرةً إذا وردت كلّ يومٍ نصف النهار، واسم هذا الظمء: الظاهرة؛ وظاهر فلانٌ فلاناً إذا مالأه وصار معه. أتي معن بن زائدة بثلاثمائة أسيرٍ من حضرموت، فأمر بضرب أعناقهم، فقام منهم غلامٌ حين سال عذاره فقال: أنشدك الله تقتلنا ونحن عطاشٌ، فقال اسقوهم؛ فلما سقوا قال: اضربوا أعناقهم، فقال الغلام: أنشدك الله أن تقتل ضيفانك، قال: أحسنت، وأمر بإطلاقهم.

قال أعرابي في وصف رجل: أنت والله ممن إذا سأل ألحف، وإذا شئل سوّف، وإذا حدّث حلف، وإذا حلف أخلف، وإذا صلّى اعترض، وإذا ركع ربض، تنظر نظر الحقود، وتعترض اعتراض الحسود. نظر رجل لحياني إلى صبيٍّ ومعه سكّين فقال: أفزعه وآخذ السكّين، ففزّعه بلحيته، فقال الصبي: لا بأس عليك، ليس أذبحك! أصيب رجلٌ في سجن الحجّاج قد حبس عشرين سنةً، فنظر في قصّته، فإذا هو قد بال في رحبة واسط، فقال المنتوف: والله لو أحدث في الكعبة ما استحقّ أكثر من هذا! ضرط رجلٌ بحضرة امرأته فقالت: أما تستحي؟ فقال: إنما أردت أونسك. في أمثال العرب: قيل لجملٍ: أيما أحبّ إليك: تصعد أو تنزل؟ فقال: ذهب الاستواء من الأرض؟! قال الأحنف: ربّ بعيدٍ لا يفقد خيره، وقريبٍ لا يؤمن شرّه. يقال: شرّ مالك ما لزمك إثم مكسبه، وحرمت لذة إنفاقه.

يقال: يجد البليغ من ألم السّكوت ما يجد العييّ من ألم الكلام. قال عبد الله بن ثعلبة: أمسك مذمومٌ فيك، ويومك غير محمودٍ لك، وغدك غير مأمونٍ عليك. قال ابن المبارك: أدركت أهل العلم وفاتني أهل الأدب. قال الحسن: إنّ الله تعالى يعطي العبد مكراً به، ويمنعه نظراً له. رأيت ابن خفيف الصّوفي وقد سئل عن دعاء الإنسان " اللهمّ لا تؤمّنّا مكرك ". قال: الواجب " اللهم أمّنّا مكرك " فإن الله تعالى يقول " فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ". هذا فصلٌ لطيف ولعلّي أعيده إن شاء الله. قال الحسن: من لم يمت فجأةً مرض فجأةً. قال المتوكّل لأبي العيناء: إلى متى تمدح الناس وتذمّهم؟ فقال: ما أحسنوا وأساؤوا.

وقال الحسن بن سهل: من جهل حرمة إنصافك لم يرع حقّ إفضالك. قال الخليل: رغبتك في الزّاهد فيك ذلّ نفس، وزهدك في الراغب فيك قصر همّة. قال عمر بن عبد العزيز: لولا أنّ ذكر الله تعالى عليّ فرضٌ ما تفوهت به تعظيماً له. قد رأيت من ترك العبادة البتّة وقال شبيهاً بهذا المعنى: زعم أنّ الله تعالى أجلّ من أن يتوسّل إليه بشيء. ولهذا القائل شركاء في أصناف الناس، لكنّه كان على حلية الصوفيّة، ولولا أنّ هذا الكتاب تذكرةٌ لجميع ما حوته الأذن وحفظه القلب وثبت في الكتب على طول العمر ما جاز إفشاء هذه الأسرار على رؤوس الأشهاد، ولكن الغرض سليم من الآفة، والله وليّ الرحمة والرأفة. قال العتّابي: لمّا رأيت الأمور العالية مشوبةً بالمتالف، اخترت الخمول ضنّاً مني بالعافية.

قال ابن لبابة: من طلب عزّاً بباطل أورثه الله تعالى ذلاًّ بحقّ. هذا من حرّ الكلام. وقال فيلسوف: العدوّ الضعيف المحترس أحرى بالسلامة من القويّ المغترّ. قال فيلسوف: المحدّث خادمٌ والمحدّث مخدوم. قال ابن المبارك: طلبت العلم للدنيا فدلّني العلم على ترك الدنيا. قال فيلسوف: إذا وقع شيءٌ لعلّةٍ زال بزوالها، وإذا وقع لغير علّةٍ فهو الذي يبقى. قال عبد الملك: لا تلحفوا إذا سألتم، ولا تبخلوا إذا سئلتم. قال حاتم الطائيّ لغلامه: قدّم إلينا مائدة تباعد ما بين أنفاسنا.

أراد رجلٌ أن يقبل يد هشام فقال: مهلاً، ما فعله من العرب إلا طمع، ومن العجم إلا طبع. قال رجل للمنصور: أعطني يدك أقبّلها، قال: إنّا نصونك عنها ونصونها عن غيرك. قال الكميت لذي الرّمّة: كيف ترى تشبيهي؟ قال: إذا شبّهت قاربت، وإذا شبّهت طبّقت؛ قال: لأنك شبّهت ما رأيت وأنا شبّهت ما سمعت، فإذا قاربت فقد بالغت؛ فقال ذو الرّمة: هذا هو الحقّ. قال ابن طباطبا العلوي في كتاب عيار الشعر: التشبيهات على ضروبٍ مختلفة، فمنها تشبيه الشيء بالشيء صورةً وهيئةً، ومنها تشبيهه به معنىً، ومنها تشبيهه به لوناً، ومنها تشبيهه به صوتاً، ومنها تشبيهه به حركةً وإبطاءً وسرعةً. وربما امتزجت هذه المعاني بعضها ببعضٍ، فإذا اتفق في الشيء المشّبه بالشيء معنيان أو ثلاثة معانٍ من هذه الأصناف قوي التشبيه، وتأكد الصّدق، وحسن الشعر، للشّواهد الكثيرة المؤيّدة له.

وقال أيضاً: أما تشبيهه الشيء بالشيء معنىً لا صورةً فتشبيه الجواد الكثير العطاء بالبحر والحيا، وتشبيهه الشجاع بالأسد، وتشبيه الجميل الرواء الباهر بالشمس والقمر، وتشبيه المهيب الماضي في الأمور بالسّيف، وتشبيه العالي الهمّة بالنّجم، وتشبيه الحكيم بالجبل، وتشبيه الحييّ بالبكر، وتشبيه العزيز الصّعب المرام بالمتوقّل في الجبال، وتشبيه أضداد هذه المعاني بأشكالها على هذا القياس، كاللئيم بالكلب، والجبان بالصّفرد، والطائش بالفراش، والذّليل بالنّقد والوتد، والقاسي بالحديد والصّخر. وقد فاز قومٌ بخلالٍ شهروا بها في الخير والشرّ، وصاروا أعلاماً فيها، فربما شبّه بهم فيكونون في المعاني التي احتووا عليها وذكروا بشهرتها نجوماً يقتدى بهم، فأصبحوا أعلاماً يشار إليهم، كالسّموأل في الوفاء، وحاتمٍ في السماحة، وقسٍّ في

الفصاحة، ولقمان في الحكمة، فهم في التشبيه يجرون مجرى ما قدّمت ذكره من البحر والجبل والشمس والقمر والسيف، ويكون التشبيه بهم مدحاً كالتشبيه بها، وكذلك أضداد هؤلاء القوم المذمومين فيما شهروا به في حال الذمّ - كما شبّه بهؤلاء في حال المدح - كباقلٍ في العيّ وهبنّقة القيسيّ في الحمق والكسعيّ في الندامة والمنزوف في الجبن ضرطاً. قال بعض الأدباء لمغنّية: أنت أحسن من جنى الورد ومن نجاز الوعد. قرأ الكنديّ كتاباً من صنعة ابن الجهم فقال: هتك ستر العافية عن عقله. قال الواثق لابن أبي داود: كان عندي الساعة ابن الزّيات

فذكرك بقبحٍ، فقال: الحمد لله الذي أحوجه إلى الكذب عليّ ونزّهني عن قول الحقّ فيه. قال الجاحظ: دخلت على عليّ بن عبيدة الرّيحاني عائداً فقلت له: يا أبا الحسن ما تشتهي؟ فقال: أعين الرقباء وأكباد الحسّاد وألسن الوشاة. لعليّ بن عبيدة هذا كتاب يسمّونه المصون يحوي آداباً حسنة وألفاظاً حلوة. وكان بخراسان مع المأمون، وشغف أهل خراسان بكلامه. وكان من الظرفاء، وتنسّك آخر عمره. قال الشافعي: اغتنموا الفرص فإنها خلسٌ أو غصص؛ معناه: خلسٌ عند الدّرك وغصصٌ عند الفوت. انظر إلى هذا الإيجاز والإبلاغ. قال النظام: الذهب لئيمٌ، يدلّك عليه مصيره إلى اللئام، والشيء يقع إلى شكله وينزع إلى جنسه.

قال عمر بن الخطّاب: يحتاج الوالي إلى أن يستعمل مع رعيّته في عدله عليها الإحسان إليها، فلو علم الله تعالى أنّ العدل يسع الناس لما قرن الإحسان به فقال " إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان ". قيل لأعرابيّ: أتحسن أن تدعو ربّك؟ قال: نعم، قيل: فادع، فقال: اللهمّ إنك أعطيتنا الإسلام من غير أن نسألك، فلا تحرمنا الجنّة ونحن نسألك. كتب عليّ بن عبيدة إلى صديق له: كان خوفي من أن لا ألقاك متمكّناً، ورجائي خاطراً، فإذا تمكّن الخوف ظننت، وإذا خطر الرجاء خفت. قال الجاحظ: رأيت أربعة أشياء عجيبة: رأيت رجلاً يسأل الناس ويستقري بيوت الحمّام بيتاً بيتاً، يأخذ مواعيدهم إلى أن يخرجوا؛ ورأيت معلّماً يعلّم الصّبيان القرآن والصّبايا الغناء؛ ورأيت حجّاماً رافضياً يحجم إلى الرجعة نسيئةً من فرط إيمانه؛ ورأيت أربعة حمّالين يحملون جنازةً كلما أعيوا وضعوها عن رؤوسهم وجلسوا يتحدّثون حتى بلغوا شفير القبر. قيل لأبي سعيد وهو مهموم: ما هذا الذي أثّر فيك؟ قال: دنيا لا تؤاتي، وآخرةٌ لا يعمل لها، وأجلٌ ينقضي، وذنوبٌ لا تحصى.

قال فيلسوف: الدنيا تطلب لثلاثة أشياء: للغنى والعزّ والراحة، فمن زهد فيها استغنى، ومن قنع عزّ، ومن قلّ سعيه استراح. قال أحمد بن إسماعيل الكاتب: حركات الإنسان ملحوظة، وأعماله محفوظة، وتصرّفه بين وليّ مشفقٍ وعدوٍّ مطرق، وللسانه فلتات، ولقلبه هفوات، ومن الهمّة ما يسمو به ويرفعه، ومنها ما يعرّه ويضعه، وإن لم يحذر زواجره أوبقت دينه وأنغلت أديمه. قال ابن المقفّع: تعلّموا العلم، فإن كنتم ملوكاً فقتم، وإن كنتم وسطاً سدتم، وإن كنتم سوقةً عشتم. قال الفضل الرّقاشي: علامة السّكران أن تعزب عنه الهموم، ويظهر سرّه المكتوم. سمعت بعض أصحاب أبي حنيفة - وكان خراسانياً - يقول وقد جرت مسألة السّكر وحدّه: حدّ السكران أن لا تعرف الأرض من السّماء، ولا الفرو من القباء، ولا الطاعة من الإباء.

قال العتبي: لا سبيل إلى العقل المستفاد إّلا بصحبة العقل المركّب. قال الفضل بن سهل: الرأي يسدّ ثلم السيف، والسيف لا يسد ثلم الرأي. قال ابن المقفّع: من أدخل نفسه فيما لا يعنيه أبتلي فيه بما يعييه. قال الإسكندر: دفع الشرّ مجازاة، ودفع الشرّ بالخير مكرمة. قال الحسن: رحم الله عبداً كسب طيّباً، وأنفق قصداً، وقدّم خيراً. قال العباس لابنه: أنت أعلم مني وأنا أفقه منك. قال المأمون: من أعمال البرّ التي لا ترتفع إلى الله تعالى شعر طاهرٍ في الزّهد.

قيل للشاعر المعروف بالجمل: لم لم تمدح سليمان بن وهب وهو والٍ ومدحته وهو معزول؟ فقال عزله أكرم من ولاية غيره، وإنما أمدح كرمه لا عمله، وكرمه معه وليّ أم عزل. قال رجل لعائشة: متى أكون محسناً؟ قالت: إذا علمت أنك مسيء، وتكون مسيئاً إذا ظننت أنك محسن. قال أبو الدرداء: العالم والمتعلّم شريكان في الأجر، والقارئ والمستمع شريكان، والدالّ على الخير وفاعله شريكان. قال أبو حنيفة صاحب النّبات: النّسب أصل الرجل، والحسب فعله. أبو حنيفة هذا من كبار الناس وعلمائهم، وكان ثقةً مأموناً زاهداً حكيماً، وكان بدويّ الكلام، رفيع الطبقة؛ ولد بالدّينور ومات بها. قال الجاحظ: ما رأينا ملاّحاً متغيّر النكهة لإدمان أكل الصّحناء.

وقف غيلان على ربيعة فقال: أنت الذي تزعم أنّ الله يحب أن يعصى؟ قال: فأنت الذي تزعم أنّ الله تعالى يحبّ أن يعصى قسراً؟! انظر إلى المعنى كيف يتردد في هذا الكتاب عن السّلف بألفاظ مختلفة، والحقّ في ذلك قائم، وهو سرٌّ من أسرار الله والخلق، لا ينكشف إّلا لمن كان صافي القلب من الهوى، قابلاً لما دعا إلى الهدى. اعلم أنّ الحقّ قد تولاّك بإرادتين: إرادةٌ منك وإرادةٌ بك، فأما إرادته منك فإنّه أبانها لك بلسان التكليف والتّوقيف، وأما إرادته بك فإنه لواها عن كلّ تعريف وتكييف، ثم أقامك بينهما على حدٍّ أزاح فيه عللك، وأوضح إليه سبلك، ثم ساق حقوقك إليك، ثم أثبت حجّته عليك، فلم تبق بقيةٌ تقتضيها آلاء الإلهية بلسان الحكمة وتستوجبها العبودية في حال الحاجة إّلا أدناك إليها، وأناف بك عليها، فإن قابلت الأمر بالائتمار، والنهي بالانتهاء، والدعاء بالإجابة، والهداية بالاهتداء، فقد صادفت إرادته منك وإرادته بك، واستحققت بمصادفتك إرادته منك بالأمر والنّهي ما وعدك، وإن أعرضت عن الأمر عاصياً، وركبت النهي مجترئاً، واستخففت بحقّه متمّرداً، فقد نفذت إرادته بك، وتمّ علمه فيك، ولكن ثبتت حجّته عليك لما أسلفك من التّمكين وأعارك من الطّاقة، وليس لك أن تحتجّ في المقام الثاني بعلمه فيك وإرادته بك، لأن هذا بابٌ كان خافياً عنك مطوياً، ولم تكن محتاجاً إليه، ولا متعلّقاً به، ولا مستحقاً له، فقد بان لك أنك لم تدخل بعلمه فيما نهاك عنه، ولا كانت إرادته بك علّةً لك في معصيتك، لأنّ هذه الإرادة من هذا العالم تكشف لك بعد

موافقتك النهي ومجانبتك الأمر، وقبيحٌ بك أن تركب ما تركب جاهلاً بالحجّة، حتى إذا تمّ ركوبك، وتقضّى عليه زمانك، وعلاك النّدم، ولزمك التعقّب، أحلت أمرك على علمه فيك وإرادته بك، هلاّ وقفت عن قبول أمره وسماع نهيه حين أمر، ونهى وزجر، ودعا وبيّن، وهلاّ قلت: إلهي، لم تزح علتي بما أعرتني من القوة، وخلقت فيّ من الطاقة، وأسلفتني من التّمكين، وعرّفتني من الأخبار، فأنا صائرٌ مع هذا كلّه إلى ما أنت عالمٌ به؛ ومتى فعلت هذا وقلته، علم العقلاء أنّك متجنٍّ، لا تحبّ صلاحاً، ولا تتقي فلاحاً، وأنك مقترحٌ اقتراحاً، إن صحّ لك سقط عنك لسان الأمر والنّهي، وزال باب المدح والذم، واستغني عن الثواب والعقاب، وكنت جماداً لا تخاطب ولا تعاتب، وعريت من جلباب معرفة الله عزّ وجلّ، وجهلت نعم الله عندك، وعميت عن حكم الله تعالى فيك، ومن بلغ هذا المكان أسقط عن مكلّمه مؤونة البيان، وعن نفسه كلفة التبيين، وكان في عداد الجاهلين بالله، السّاخطين لنعم الله، المتعّرضين لعقاب الله تعالى. فافتح - حفظك الله - بصرك، وانتصف من هواك، وفارق إلفك، وتنزّه عن تقليدك، وحص عن المعرفة، لائذاً بالله تعالى، مستعيناً به، فهو وليّ خلقه، ناصر اللاجئين إليه. واعلم أن الله خلقك، ورزقك وكمّلك، وميّزك وفضّلك، وأضاء قلبك بالمعرفة، وفجّر فيك ينبوع العقل، ونفى عنك العجز، وعرض عليك العزّ، وبيّن لك الفوز، بعد أن وعدك وأوعدك، وبعد أن وعظك وأيقظك، وبعدما حطّ عنك ما أعجزك عنه، وأمرك بدون ما أقدرك عليه؛ وإنما حاشك بهذا كلّه إلى حظك ونجاتك، وعرّضك به لسعادتك وخلاصك. أفتجسر من بعد هذه النعمة المتوالية، وهذه الآلاء المتتالية، أن تتوهّم أنه اقتطعك عن مصلحتك أو بخل عليك برأفتك؟ إنّ هذا لا يظنّ بوالدك الذي نسبته إليك عارية، وإضافتك

إليه مجاز، فكيف تظنّ بإلهٍ أنعمه تسابق أنفاسك، وأياديه تفضل عن حاجتك، وعفوه يمحو إساءتك، وإقالته ترفع عثرتك، وإزاحته تتقدم علّتك، وصنعه يزيد علثاً قداحك، وعطاؤه يفوت امتياحك، إن أطعته فحظّك تحرز، وإن عصيته فإلى نفسك تسيء، جعلنا الله وإياك من العارفين بحقّه، الطالبين لمرضاته. قال الرّياشي: قال أبو عبيدة: اجتمع أربع نفر: شرويٌّ وشاميٌّ وحجازيٌّ ونجديٌّ فقالوا: تعالوا ننعت الطعام إيّه أطيب. فقال الشاميّ: أطيب الطعام مويدة موسعةٌ زيتاً، آخذ أدناها فيضرط أقصاها، تسمع لها وجباً في الحنجرة كتقحّم بنات المخاض في الجرف، قال

الشرويّ: أطيبالطعام خزيرٌ في يوم قرّ، على جمّة عرّ، موسعٌ سمناً وعسلاً. قال الحجازيّ: أطيب الطعام حيس طيس بإرساله خمس، يغيب فيه الضّرس. قال النجديّ: أطيب الطعام بكرةٌ سنمة، معتبطةٌ نفسها غير ضمنة، في غداةٍ شبمة، بشفارٍ خذمة، في قدورٍ حطمة، قال النجديّ: دعوني أنعت لكم الأكل، قالوا: قل؛ قال: إذا أكلت فابرك على ركبتيك، وافتح فاك، واجحظ عينيك، وأخرج أصابعك، وأعظم لقمتك، واحتسب نفسك. كان ابن عمر إذا سمع هذا يضحك.

وأنشد: الوافر وأعلنت الفواحش في البوادي ... وصار الناس أعوان المريب إذا ما عبتهم عابوا مقالي ... لما في القوم من تلك العيوب وودّوا لو كفرنا لاستوينا ... وصار الناس كالشيء المشوب وكنّا نستطبّ إذا مرضنا ... فصار سقامنا بيد الطّبيب فكيف نجيز غصّتنا بشيءٍ ... ونحن نغصّ بالماء الشّروب قال عليّ بن عيسى: لا يجوز أن يكون التّمكين من القبح قبيحاً، ولو وجب ذلك لكان التّمكين من الحسن حسناً، فيكون حسناً قبيحاً، وهذا متناقض. قال أبو العيناء: ما أخجلني قطّ إّلا رجلٌ دخل إليّ وقد ولد لي مولودٌ وعندي منجّم يعمل مولده، فقال: أيّ شيءٍ يعمل هذا المنجّم؟ فقلت: يعمل مولداً لابني هذا، فقال: سله قبل هل هو منك؟ يقال: ما خلق الله تعالى شيئاً أطيب من الرّوح، ألا ترى أنها

إذا كانت في الجسم كان طيّباً، وإذا خرجت منه صار ميتاً؟ قال الجمّاز: رأيت بالكوفة رجلاً وقف على بقّال، فأخرج إليه رغيفاً صحيحاً فقال: أعطني به كسباً وبصرفه جزراً. وقف رجل على القنّاد الصوفي وسأله عن المحبّة فقال القنّاد: قد جاءني برأسٍ كأنها دبّة، ولحيةٍ كأنها مذبّة، وقلبٍ عليه مكبّة، يسألني المحبّة، وقيمته حبّة. قال عبد الحميد الكاتب: لا تركب الحمار فإنّه إن كان فارهاً أتعب يدك، وإن كان بليداً أتعب رجلك. يقال: إذا كتبت فقمّش، وإذا حدّثت ففتّش. شاعر: الوافر أتيأس أن يقارنك النجاح ... فأين الله والقدر المتاح قيل لرجل: من يحضر مائدة فلان؟ قال: الملائكة، قال: لم

أرد ذاك؛ من يواكله؟ قال: الذّباب. كتب بعض السّلف: أما بعد، فإنّ الجواد مودود، والفاضل محمود، والحاسد مكدود، والحريص مجهود، والكريم مقصود. مدح أعرابيٌ رجلاً فقال: كان والله إذا أضاع الأمور مضيعها وأزورّ عن الحسناء ضجيعها، يهين نفساً كريمةً على قومها، غير مبقيةٍ لغدٍ ما في يومها؛ وكان أموراً بالخير نهوّاً عن الشرّ. قال الأصمعي: النّهيك الشجاع، وهي النّهاكة؛ ونهك فلانٌ في بني فلان إذا وقع فيهم وبلغ منهم؛ ونهكه المرض، واستبانت عليه نهكة المرض؛ ونهك هذا الطعام أي بالغ في أكله. ويقال: تركت فلاناً مبلوغاً مشتركاً أي مهموماً؛ والكلأ في بني فلانٍ شركٌ أي طرائق مستطيلة؛ واحدها شراكٌ؛ وبيني وبين فلان شركةٌ وشركٌ سواء؛ وأشرك فلانٌ نعله وشرّكها؛ وأشرك فلانٌ فلاناً في البيع؛ ومالٌ فيه أشراكٌ، واحدها شرك، بمنزلة أعدال وعدل، وشركه في الأمر: دخل فيه معه. ويقال: مررات بحّرةٍ فيها فلوقٌ، أي شقوقٌ وصدوعٌ، وهي أرضٌ فيها حجارة سود؛ وحرّة مضرّسة إذا كانت فيها أحجار ناتئةٌ،

كالأضراس؛ وفلان ضرسٌ شرسٌ أي صعب الخلق. هذا كله عن الأصمعي. وإنما أمرّ باللغة على قدر ما يصادف منه سماعي ومحفوظي، فلا يضيقنّ صدرك، فكلّ هذا فائدةٌ وأدب وبراعة وحكمة. لما قتل كسرى بزرجمهر أراد أن يتزوج ابنته، فقالت للثّقات: لو كان ملككم حازماً ما أدخل بين شعاره ودثاره موتورةً. قال فيلسوف: لا تفرطوا في طلب الحوائج فإنّ العجل إذا ألحّ على أمّه بمصّ الثّدي رفسته. كاتب: كم بقاء حالٍ تذوب ولا تثوب، وتتلف ولا تخلف. شاعر: الطويل ولا بدّ من شكوى إذا لم يكن صبر يقال: إن الله عزّ وجلّ إذا استرذل عبداً زهّده في العلم. قال فيلسوف: إني لأتعجب جداً من أمرين، أحدهما أمر

الطبيعة، مع شرفها في نفسها، وترتيبها لمرادها، واستمرارها على عادتها في نظم ما تنظمه، وإصلاح ما تصلحه - كيف أبت طاعة النّفس وعصت أمرها - مع تلطّف النفس في دعائها وحسن فطنة الطبيعة في اهتدائها، والآخر أمر النفس: لقد شغفت بالطبيعة حتى انقادت لها في بعض المواضع فهلكت بانقيادها إليها ومظاهرتها، حتى آلت إلى عالمٍ مظلم دنسٍ. فقد عرضت التعجّب: تارةً من النفس كيف لا تستغني عن الطبيعة وتارة من الطبيعة وكيف لا تقتدي بالنفس، وما هذه الحال التي أورثت النفس الهلاك والطبيعة البوار؟ قيل لطبيب: ما يذهب بشهوة الطّين؟ قال: زاجرٌ من عقل. قيل لراهب: ما أصبرك على الوحدة؟ قال: أنا جليس ربيّ، إذا شئت أن يناجيني قرأت كتبه، وإذا شئت أن أناجيه صلّيت. دخلت عزة على أم البنين فقال: اصدقيني عن قول كثيّرٍ فيك: الطويل قضى كلّ ذي دينّ فوفّى غريمه ... وعزّة ممطولٌ معنًّى غريمها

ما هذا الدّين؟ قالت: وعدته قبلةً فحرجت منها، قالت: أنجزيها وعليّ إثمها. يقال: أحسن كلمةٍ للعرب: فقد الأحبة غربة. 136ب - قال المنصور للقّواد: صدق القائل: " جوّع كلبك يتبعك "، فقال له حميد الطّوسي: لكن إن لوّح له برغيفٍ يتركك. قال الحسن لأبيه عليهما السلام: أما ترى حبّ الناس للدنيا؟ قال عليه السلام: هم أولادها أفيلام المرء على حبّ والدته؟ قال عيسى بن منصور: دعاني المعتصم فقال: أنت القائل

ولي مصر مثل ابن طاهر من نظراء طاهر قلت: نعم، فاستحسنه وولاّني مصر. وصف رجل صنعاء فقال: بلغ من طيب ترابها أنّ الرجل يسجد فلا يشتهي أن يرفع رأسه. قال بعض الحكماء: الشّيب علّةٌ لا يعاد منها وهي غليظة، ومصيبة لا يعزّى عنها وهي جليلة. قدم رجلٌ من اليمامة فقيل له: ما أحسن ما رأيت بها؟ قال: خروجي منها. مدح رجل البخل فقال: كفاك من كرم الملائكة أنه لم يبلهم بالنّفقة وقول العيال: هات! هات! قال الفضل بن سهل: القرآن لا يبلغه عقلٌ ولا يقصّر عنه فهم. قال عليّ بن أبي طالب عليه السلام: القرآن فيه خبر من

قبلكم، ونبأ من بعدكم، وحكم ما بينكم. وسئل عن اللسان فقال: معيارٌ أطاشه الجهل، وأرجحه العقل. قال عمر بن عبد العزيز: لو كنت في قتلة الحسين وأمرت بدخول الجنّة لما فعلت، حياءً من أن تقع عيني على عين محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم. قال بعض الرافضية: سمّيت فاطمة فاطمة عليها السّلام لأنّ الله تعالى فطم بحبّها من النار. قال جعفر بن محمد عليه السلام: صحبة عشرين يوماً قرابةٌ. قيل لابن عباس: أيجوز أن يحلّى المصحف بالذّهب؟ فقال: حليته في جوفه يعني القرآن. قال ابن مكّرم لأبي العيناء: بلغني أنّك مأبونٌ، فقال: مكذوبٌ عليّ وعليك. اجتمع الجاحظ والجمّاز بالبصرة فقال الجمّاز للجاحظ: كم ناراً

في اللغة؟ قال الجاحظ: نار الحرب، ونار الشرّ، ونار الحباحب، ونار المعدة، والنار المعروفة. قال: تركت أبلغ النيران وأوسعها، قال: وما ذاك؟ قال: نار حر أمّك التي إذا ألقي فيها فوجٌ سألهم خزنتها: ألم يأتكم نذير؟ قال الجاحظ: أمّا نار أمّي فقد قضيت أنّ لها خزّاناً؛ الشأن في نار حر أمّك التي يقال لها: هل امتلأت؟ فتقول: هل من مزيد؟ قال عليّ بن أي طالب عليه السّلام: الدّنيا والآخرة كالمشرق والمغرب، إذا قربت من أحدهما بعدت من الآخر. قال رجلٌ لضيغم العابد: أشتهي أن أشتري داراً في جوارك حتى ألقاك كلّ وقت؛ قال: المودّة التي يفسدها تراخي اللقاء مدخولةٌ. كتب رجلٌ إلى صديق له: مثلي هفا ومثلك عفا. قال رجلٌ للنبيّ صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم: إني أحبّ من القرآن " قل هو الله أحد " قال: " بها تدخل الجنّة ".

قال جعفر بن محمد عليهما السلام: حسن الجوار عمارة الدّيار. قال رجلٌ للحسن البصريّ: هل للقاتل توبةٌ؟ قال: نعم؛ ثم جاءه آخر فقال: هل للقاتل توبةٌ؟ قال: لا؛ فقيل له في ذلك فقال: توسّمت في الأول أنه قد قتل فقلت نعم، وتوسّمت في الثاني أنه يريد أن يفعل فقلت لا. قال إسحاق: قلت للرّشيد: الحمد لله عليك، قال: ما معنى هذا الكلام؟ قلت: نعمة حمدت الله تعالى عليها. مرّ ابن عمر براعٍ فقال له - وكان الراعي مملوكاً -: أتبيعني شاةً؟ قال: ليست لي، قال: فأين العلل؟ قال: فأين الله؟ فاشتراه وأعتقه، فقال العبد: اللهمّ قد رزقتني العتق الأصغر فارزقني العتق الأكبر. قال أبو الهذيل للحسن بن سهل: من ذا الذي قد رفعت منزلته؟ قال: منجّمٌ، فأخذ تفاحةً من المجلس فقال للمنجّم: انظر إليها آكلها أم لا؟ فقال: تأكلها، فرمى بها، فقال المنجّم: خذها من الرأس، فأخذ غيرها، فقال: لم لم تأخذها؟ فقال: أخاف أن تنظر فتقول: لا آكلها، فإن رميت بها أصبت، وإن أكلتها كانت التي قلت، فتصيب.

قال العطوي: قلت لجاريةٍ: أشتهي أن أقتلك، قالت: لم؟ قلت: لأنك زانية. قالت: يجب قتل كلّ زانية؟ قلت: نعم، قالت: فعليك بمن تعول. وقدّم إلى عبادة رغيفٌ يابسٌ فقال: هذا نسج في أيام بني أميّة وقد آمتحى طرازه. قيل لعبّادة: ابن أبي العلاء المغّني عندنا عليل اليد، بم يضرب عليه؟ قال: ضرسه. قال أحمد بن الطّيب: كان الكنديّ يستحلي جارية، فقال لها يوماً: إن الأفلاك العلوية تأبى بك إّلا سموّا في الهيولية. وكان كبير اللحية، فقالت: إن العثانين المسترخيات، على صدور أهل الرّكاكات، بالحلق مؤذنات.

قال عليّ بن يحيى المنجّم: كان للمتوكّل بيت مالٍ يسمّيه بيت الشمال، كلّما هبّت تصدق بألف درهم. وقال الكنديّ لرجل: أنت والله ثقيل الظّلّ، مظلم الهواء جامد النّسيم. قال أنس بن مالك: قلت لشخصٍ رأيته في النوم: من أنت؟ قال: ملكٌ من ملائكة الله، قلت: فما اسم الله الأكبر؟ قال: الله، ثم تلا " يا موسى إنّي أنا الله ". جزعت عائشة عند الموت، فقيل لها في ذلك، فقالت: اعترض يوم الجمل في حلقي. سئل أبو جعفر الشاشي وأنا حاضر: من الغريب؟ فقال: الذي يطلبه رضوان في الجنّة فلا يجده، ويطلبه مالكٌ في النار فلا يجده، ويطلبه جبريل في السموات ولا يجده، ويطلبه إبليس في الأرض ولا يجده، فقال أهل المجلس وقد تفطّرت قلوبهم: يا أبا جعفر، فأين يكون هذا الغريب؟ قال: " في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدرٍ "، فضجّ الناس بالبكاء. فكان يتصرف ويتكلم بالرقائق ويحوش القلوب إلى باب الخير وكان مع

هذا يتجاهل ويقول ما لا محصول معه ولا فائدة فيه، وكان يقبل على ذلك ويفدّى. قال أبو العباس البخاري - ورأيته ببخارى في آخر أيّام نوح وأول أيّام عبد الملك، وأنا إذ ذاك صغير، لكنّي حفظت ما قال، وورد الرّيّ في سنة سبعٍ وخمسين وثلاثمائة وكان يقول: أحفظ ستّين ألف حكايةٍ للزّهّاد والنّساك -: قال مالك بن دينار: لو كنت شاعراً لرثيت المروءة. قال بعض المغفّلين وقد جرى ذكر الصّحابة: أنا لا أعرف إّلا الشّيخين: الله والنبيّ. قال جعفر بن محمد عليهما السلام: كفّارة عمل السّلطان الإحسان إلى الإخوان. كان سعيد بن وهب من الظّرفاء، وكان خليط أبي العباس

الفضل بن يحيى والفضل بن الربيع، قال الفضل بن الربيع: صحبني سعيدٌ على البطالة فأودعته مالاً عند النكبة ظننته أنه لا يرجع إليّ أبداً، ثم طلبته منه، فأتى به والله بخواتيمه، وخاننا من كان عندنا أوثق منه. ثم دخل قلبه فحجّ ماشياً وقال: الرمل قدميّ اعتورا رمل الكثيب ... واطرقا الآجن من ماء القليب ربّ يومٍ رحتما فيه على ... نضرة الدنيا وفي وادٍ خصيب وسماعٍ حسن من محسنٍ ... صخب المربع كالظّبي الرّبيب فاحسبا ذاك بهذا واصبرا ... وخذا من كلّ فنٍّ بنصيب إنّما أمشي لأنّي مذنبٌ ... ولعلّ الله يعفو عن ذنوبي سئل عمر بن عليّ عن الوصية فقال: إن هذا شيءٌ ما سمعناه حتى دخلنا العراق. قال المنصور لابن عيّاش المنتوف: لو تركت لحيتك طالت، أما

ترى عبد الله بن الربيع ما أحسنه؟ قال: أنا أحسن منه، قال عبد الله: أما ترى هذا الشيخ يا أمير المؤمنين ما أكذبه؟ فقال ابن عياش: يا أمير المؤمنين، احلق لحيته وأقمه إلى جانبي ثم انظر أيّنا أحسن، فضحك المنصور حتى استلقى. قال رجل لأبي حازم: إنّ الشيطان قد أولع بي يوسوس لي أنّي قد طلّقت امرأتي؛ فقال له: أنا أحدّثك أنّك قد طلقتها؛ قال: سبحان الله يا أبا حازم، قال: فتكذّيني وتصدّق الشيطان؟! قال: فانتبه الرجل وذهبت وسوسته. قيل لأعرابيّ: من أجدر الناس بالصّنيعة؟ قال: من إذا أعطي شكر، وإذا حرم صبر، وإذا قدم العهد ذكر. قيل لأعرابيّ: من أكرم الناس غرّةً؟ قال: من إذا قرب منح، وإذا بعد مدح، وإذا ظلم صفح، وإذا ضويق سمح. قيل لأعرابيّ: من ألأم الناس؟ قال: من إذا سأل خضع، وإذا سئل منع، وإذا ملك خنع، ظاهره جشع وباطنه طبع.

دخل أعرابيّ مليحٌ على يزيد بن المهلّب، فقال له وهو على فراشه والناس سماطان: كيف أصبحت أيها الأمير؟ فقال يزيد: كما تحبّ، فقال: لو كنت كما أحبّ كنت أنت مكاني وأنا مكانك، فضحك منه يزيد ووصله. - كان هشام لا يقول برؤية الحركة، فلما ذهب بصره قال: الحركة ترى. حاجّ معلّم آخر فقال: أين في القرآن " حمل " تعني، فقال الآخر: ألا " من حمل ظلماً " وقال له: أينّ في القرآن " حسن " بمعنى فقال: " فتقبّلها ربّها بقبولٍ حسنٍ ". وأخطأ رجلٌ عند رقبة بن مصقلة فقال: تياسرت عن الصواب، فضحك، فقال له رقبة: لقد عجبت من ضحكك من غير عجبْ، وصمتك من غير تفكّرٍ؛ أما الله ما وجهك بالوجه المستصبح، ولا

حديثك بالحديث المستملح، ولا أنت بذي السّخاء المستمنح، فقال الرجل: فعلى مثلي إذن يسلح! فأضحك من حضر. قال الأعمش لإبراهيم النّخعيّ: ما أعلم عندك شيئاً إّلا وقد أخذته؛ قال: فما تقول في امرأةٍ ورثت مالاً من زوجها كلّه؟ قال: لا ادري؛ قال: هذه امرأةٌ أعتقت عبداً ثم تزوجته ثم مات، فورثت الرّبع بالتزويج والباقي بالولاء. قال غلام ثمامة له: قم صلّ واسترح! قال: أنا مستريحٌ إنّ تركتني. قال رجل لثمامة: يجوز أن تؤخّر ما قدّم الله تعالى وتقدّم ما أخر الله عزّ وجلّ؟ قال: هذا على ضربين: إن أردت أن أصيّر رأس الحمار ذنبه فلا، وإن أردت أن أقدّم معاوية على علىً عليه السلام فنعم. وقال له رجلٌ: يا ثمامة، ما تقول في رجلٍ لطم عين رجلٍ فقلعها، أظلمه؟ قال: نعم؛ قال: فما بال الله يذهب بعينه ولا يظلمه؟ قال: لأنّ الله تعالى أعطاه عينين فأخذ واحدةً، وأنت فلم تعطه شيئاً، وإنّ الله تعالى يعوّضه؛ قال: فأنا أعوّضه خمسة آلاف درهم، قال: الفرق أنّ الذي عوّضه الله تعالى لا يمكن أحداً أن يأخذه، وما عوّضته تقدر على أخذه. 187ب - العلّة في هذه المسألة - فيما سمعت عن العلماء - غير ما ذكر ثمامة، وذلك أنّ ثمامة قال: لأنّ الله تعالى أعطاه عينين وأخذ واحدةٍ إنه لا يقول

قد يعمى من عينيه دفعةً واحدة؛ وقال أيضاً: فإن الله تعالى يعوّضه، قال: فأنا أعوّضه؛ قال: الفرق كذا وكذا، والفرق لا يغني عنه شيئاً، لأن التعويض قد حصل! وأصحاب التناسخ إذا سمعوا العوض طاروا عجباً. 187ج - وسمعت بعضهم يقول: ولم وجب أن يفعل ما هو شنيعٌ في النّظر وقبيحٌ في العقل من أجل التعويض؟ ومن طالبه بالعوض؟ ومن رضي أن يهان ويؤذى ويفقر ويسلب النعمة وتتوالى عليه المحن على أن يعوّض في الآخرة؟ قال: وهل هذا إلا كمن يصفع آخر، فإذا غضب المصفوع وأنف واستشفع الناظرون إليه قال الصافع: فإنّي أعوّضه وأكرمه وأخلع عليه وأهب إليه. فقيل لهذا الرجل: فهو استصلاح لزيدٍ - أعني ما نزل بعمرٍ ومن البلوى والمحنة وشتات الأهل وشماتة العدى؛ قال: وهذا أيضاً لم وجب؟ هل هو إلا كقّراد يضرب الكلب ليرقص القرد، فإذا رقص وبلغ منه مراده طرح للكلب كسرةٍ وأحسن إليه مستأنفاً؟ وكان يقول: فأين النّظر الذي يقتضيه الكرم؟ أين الواجب الذي يقتضيه العدل؟ وكان يومي بهذا إلى أن كلّ

هذا جزاءٌ وقصاص، لأن خالق هذا الخلق غنيٌّ عن آلامهم وفجائعهم، وإنما اكتسبوا على الأيام ما جوزوا به فكوفئوا عليه. 187د - والجواب عن الذي مرّ به ثمامة أنّ فاقئ عين زيدٍ وآخذ مال عمروٍ متعدٍّ حدود الله الذي خلقه ورزقه، وأمره ونهاه، وبالتعدّي استحقّ اسم الظّلم واستوجب العقاب. ألا ترى أنه لما أطلق له ذبح الحيوان كان غير ظالمٍ لأنّه راعى الأمر ووقف مع الإباحة وأتى المأذون فيه، فلما تجاوز الرسم وتعدّى المحدود سمّي بالعاجل ظالماً، واقتصّ منه في الآجل عدلاً؛ وليس كذلك إلهنا عزّ وجلّ، لأنّه خلق زيداً وكان له أن لا يخلقه، ثم وهب له ما رأى متفضّلاً، ثم عرّضه للنعيم الدائم كرماً، ثم ابتلاه اختياراً، ثم قبضه إليه نظراً، ولم يتعدّ في ذلك أمر آمر ولا زجر زاجر، بل تصرّف في ملكه بعلمه وقدرته، غير مسؤولٍ عمّا فعل، ولا معترضٍ عليه فيما أتى، ولو كانت أفعاله موقوفةً على تجويز عقلك وإباحته، وإطلاقه وإجازته، لكان ناقص الإلاهية، لأنّه كان لا يفعل إّلا ما أذن فيه العقل. واعلم أنّ العقل، وإن كان شريفاً، فإنه خلق الله، حكمه منوط بخالقه، وحاجته إلى الخالق كحاجة الناقص للعاقل، والنّقص لا حقٌ به وجائزٌ عليه، وإنما هو ضياءٌ بيننا وبين الخالق، به نتعاطى ونتواطى، ونتعامل

ونتقابل، وعلى مقداره نفصل ونعدل، وبهدايته نرشد ونكمل، فأما أن يكون العقل حكماً بيننا وبين الله تعالى: ما أجازه الله حسن فعله وما أباه قبح فعله، فهذا ما لا يكون. كيف يكون هذا وهو إلهٌ من قبل العقل والعاقل والمعقول، وإنما أبدع هذه كلّها داعيةً إليه لا معترضةً عليه، وواصلةً به لا قاطعةً عنه، ودالةً على قدرته لا مضلّةً عن حكمته، ومتيقّنةً لما بان لا شاكّةً فيما أشكل. وما أحسن ما قاله أبو زيد البلخي، قال: العقل آلةٌ أعطيناها لإقامة العبودية لا لإدراك الرّبوبية، فمن طلب بآلة العبودية حقيقة الرّبوبية فاتته العبودية ولم يحظ بالرّبوبية. أين يذهب بهؤلاء القوم؟ أما يعلمون أنه كما يرد على العين ما يغشى بصرها من نور الشمس، كذلك يرد على العقل ما يغشى بصيرته من نور القدس؟ ما أحوج هؤلاء المدلّين بعقولهم، الرّاضين عن أنفسهم، العاشقين لآرائهم، أن ينعموا النّظر، ويطيلوا الفكر، ولا يسترسلوا مع السانح الأوّل، ولا يسكنوا إلى اللفظ المتأوّل، ولا يعوّلوا على غير معوّل. وأنت - حفظك الله - لو أردت أن تقف على أسرار ملك زمانك، وعلى

خفايا أمر سلطانك، وعلى حقائق أحوال إخوانك، لم تستطع ذلك ولم تقدر عليه، على أنهم أشكالك وبنو جنسك، أو ليس قد علمت أن الملك لو وقف حارس داره على ما يقف عليه وزير مملكته، واطلّع من دون بابه على ما يطلّع عليه من دون شعاره، لكان ناقصاً مرذولاً، ولم يكن فاضلاً ولا مفضولاً، وأنّ الحال التي قد لبسها، والأمر الذي قد اعتنقه يقضي كتمان أشياء عن جميع الأولياء، وإفشاء أشياء إلى جميع الرعايا، وطيّ أشياء عن بعض الخواصّ، ونشر أشياء على بعض العوام، ولو تساوت رتب جميع الناس معه شركوه في الملك، وكان ذلك داعية الهلك، وأن لو بسط الجميع إلى معرفة ما غيّب ساووه في الإلاهية، وهذا محال، ولو حسم الأطماع عن معرفة ما يمكن لكان غير داعٍ إلى نفسه، ولا حائش إلى أنسه، ولا باعثٍ على الإقرار بالإهيته، والإعتراف بربوبيّته، فأودع العقول ما تمّت به العبودية، ودفع عنها ما تعلّق بالإلاهية، ثم أمدّها بالإحسان والتفضّل على دائم الزمان. فمن ظنّ أنه قد جهله من جميع الوجوه أبطل، لأن آثاره ناطقةٌ بالحقّ، وشواهده قائمةٌ بالصّدق، تقود العقول إلى الإقرار بالاضطرار والاختيار؛ ومن ظنّ أنه قد عرفه من جميع الوجوه أبطل، لأنّ الله تعالى لا يستوفى بمعرفة عارفٍ كما لا ينفى بحيرة واقف: إن جحدته فأنت مكابر، وإن ادّعيت الإحاطة به فأنت كافر ولكن بين ذلك قواماً، فإنه أهدى لقلبك، وأربط لجأشك، وأطرد

لشكّك، وأنفى لوحشتك، وأبعد لنفورك، وأجلب لطمأنينتك، وأقرب إلى ما تضمّن الأمر، ووقف عنده النهي. واعلم أنه لو كشف الغطاء عنك أعظمت الله - جلّت عظمته - عن سير عقلك فيه، وتسليط وهمك عليه، وظنّك أن لو فعل كذا لكان أجمل، ولو لم يفعل كذا لكان أفضل؛ إنك في واد، تحلم في رقاد، وتقدح بغير زناد. هيهات لا رادّ لقضائه، ولا معقّب لحكمه، ولا سائل عن فعله، ولا باحث عن سرّه، ولا معارض لأمره، جلّ عما يجوز على خلقه، مما هو أولى بحقيقته؛ له الخلق والأمر، " ذلكم الله ربّكم فاعبدوه " " مخلصين له الدّين "، فاعرفوه بعلم اليقين، وكونوا من وعده على نظر، ومن وعيده على خطر، والسّلام. سأل رجلٌ من أصحاب أبي حنيفة الشافعيّ عن مسألةٍ، فقال له: أخطأت، فقال الشافعيّ: لو كنت في موضعك ثم كلّمتك مثلما كلمتني لاحتجب إلى أدبٍ، فاستحسن الناس كلام الشافعي. وكان الشافعي بحراً ثجاجاً وسراجاً وهّاجاً، وكان من سراة الناس مع الشرف والسّخاء والبيان والعفّة والفقه العجيب ونصرة الحديث، مع الورع والدّيانة والسّتر، والأمانة والعفّة والنزاهة وظلف النفس والنزاهة، حتى إنه ما رؤي ممن تعاطى الفقه وبنى عليه مثله بياناً وعلماً وفهماً، وسمّي ببغداد ناصر الحديث لحسن مخارج تأويلاته.

وكان أبو حامد يقول: لو ذهب الناس كلّهم مذهب أبي حنيفة لم يكن للشريعة نورٌ ولا للسّنة ظهور؛ قال: وذلك أنّ الحديث في مذهبه قليل، كما أنّ القياس والرأي والاستحسان كثير، والفقه قاعدته معرفة سنن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، واستنباط الأحكام من قوله وفعله في جميع أوقاته. وكان أبو حامد يقول: لولا محمد بن الحسن وأبو يوسف

وجانباهما من السلطان، لذهب هذا المذهب وبطل، وكان يقول: لولا أنّ الشافعيّ أتى بالواضحة والجليّة وبما ليس عليه غبار، كيف كان يشيع ويقبل وينصر - وقد استقّر الفقه بمالكٍ وأبي حنيفة وأصحابهما - على قصر عمره وبعده من السلطان وزهده في الدنيا؛ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. وكان أبو حامد قليل الطّعن على أئمة الشريعة - أعني أعلام الدّين وأرباب الفقه، وكان على ذلك كثير الطّعن على المتكلّمين، يقول: لعبوا بدين الله عزّ وجلّ، وهتكوا حجابه، وكشفوا غطاءه، وأراقوا ماءه، وجلحوا الوجوه، وجرّوا القلوب، وبثوا الشكوك، وكثّروا المسائل، وأطالوا الألفاظ، ولبّسوا على الناس. سئل عمرو بن عبيد عن كنائس اليهود وبيع النّصارى في دار الإسلام فقال: لست أمسك عن هدمها حتى أوتى بالحجّة، ولكن أهدمها حتى أوتى بالحجّة، لأنّ كونها منكرٌ حتى أعلم أنه معروفٌ وليس بمعروفٍ حتى أعلم أنه منكر. وكان عمرو بن عيد يقول: كن مع السائل فإنه المستخرج، والمسألة علّة الجواب، وليس الجواب علّةٌ للمسألة. وكان واصل يقول: كن مع المجيب.

تقدم اثنان إلى عيسى بن حمزة، فاستطال أحدهما فقال: إياك وقبائح القول، فقال: إنه ألطّ بحقٍّ نطقت به أدلّته، فقال عيسى: فلا تلطّ أنت بسفهٍ تلزمك عقوبته. قال رجل: ما رأيت أعدل من يحيى بن أكثم القاضي في ظلمه، وكيف؟ قال: سوّى بين الناس كلّهم في الظّلم. تقدّمت امرأةٌ إلى قاضٍ فقال لها: جا معك شهودك كلّهم؟ فسكتت؛ فقال كاتبه: إن القاضي يقول: هل جاء شهودك معك؟ قالت نعم؛ ثم قالت: ألا قلت كما قال كاتبك؟ كبر سنّك، وذهب عقلك، وعظمت لحيتك، فغطّت على عقلك؛ ما رأيت ميتاً يقضي بين الأحياء غيرك. وصف رجلٌ النجّار المتكلّم فقال: إن قوي عليك كابرك، وإن أعجزته ماكرك. وقال رجل: نقيع الزّبيب عندي مثل الخمر، وقال الآخر: ليسا بسواء لأنّ ماء الخمر منه، وماء الزّبيب داخلٌ عليه.

قال المعتصم لابن أبي داود: إني أسألك عمّا أعرف، لأسمع حسن ما تصف. كتب رجلٌ من البصرة: كتبت إليك وقد مضت دولة الكلام: غرق أبو الهذيل ومات النّظّام. كتب ملك الروم إلى ملك فارس: كلّ شيءٍ تقوله كذب، فكتب إليه: صدقت؛ أي إنّي في تصديقك كاذب. بلغ عمر اعتراض عمرو على سعد، فكتب إليه: والله لئن لم تستقم لأميرك لأوجّهنّ إليك رجلاً يضع سيفه في رأسك فيخرجه من بين أرجلك؛ فقال عمرو: هدّدني بعليٍّ والله. قال عمر لأهل الشّورى: لا تختلفوا فإنّ معاوية وعمراً بالشام.

كان هارون حلف أن يقتل كلّ من شكا عليّ بن عيسى، فشكاه رجلٌ، فقال له: قد سمعت يميني، فأيما أحبّ إليك، أقتلك أو أبعث بك إليه؟ قال: ابعث بي إليه، قال: لم؟ أهو أرأف بك مني؟ قال: لا، ولكن يكون خصمي رجلٌ من العامّة أحبّ إليّ من أن يكون خصمي يوم القيامة ابن عمّ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم؛ فعفا عنه قال أعرابيّ: قبيح الصورة عاقلٌ خيرٌ من حسن الصورة أحمق. قال فيلسوف: الشجاعة والصّرامة والنّجدة من أخلاق الملوك والجود والحكمة والسمو من أخلاق الوزراء. قال أعرابيّ لرجل: ساقتنا إليك حاجة، وليس بنا عنك غنى، فإن رضيت.... سمعت بشر بن الحسين قاضي القضاة يقول - وما رأيت رجلاً

أقوى منه في الجدال ولا أخبث مأخذاً للخصم، وله مع أبي عبد الله الطبري حديثٌ في مناظرةٍ جرت بينهما، وقد جرى حديث جعفر بن أبي طالب وحديث إسلامه، وهل يقع التفاضل بينه وبين عليّ عليهما السلام، فقال القاضي أبو سعد: إذا أنعم النّظر علم أنّ إسلام جعفر كان بعد بلوغٍ، وإسلام البالغ لا يكون إلا بعد استبصار وتبيّن ومعرفةٍ بقبح ما يخرج منه وحسن ما يدخل فيه، وإنّ إسلام عليٍّ مختلفٌ في حاله، وذلك أنه قد ظنّ أنه كان عن تلقين لا عن تبيين إلى حين بلوغه وأوان تعقّبه ونظره؛ وقد علم أنهما قد قتلا، وأنّ قتل جعفر شهادةٌ بالإجماع، وقتلة عليّ فيها أشدّ الاختلاف. ثم خصّ الله جعفراً بأن قبضه إلى الجنّة قبل ظهور التباين واضطراب الحبل وكثرة الهرج. وعلى أنّه لو انعقد الإجماع وتظاهر جميع النّاس على أنّ القتلتين شهادةٌ، لكانت الحال التي دفع إليها جعفرٌ أغلظ وأعظم، وذلك أنّه قتل مقبلاً غير مدبرٍ، وأمّا عليٌّ فإنه اغتيل اغتيالاً وقصد من حيث لا يعلم، وشتّان بين من فوجئ بالموت وبين من عاين مخايل الموت وتلقّاه بالصّدر والنّحر وعجل إلى الله عزّ وجلّ بالإيمان فضمّ اللواء إلى حشاه؟ ثم قاتله ظاهر الشّرك بالله، وضارب عليٍّ ممّن صلّى إلى القبلة وشهد الشّهادة وأقدم عليه بتأويل، وقاتل جعفر كافرٌ بالنّصّ الذي لا يحيل. أما تعلم أن جعفراً ذو الجناحين وذو الهجرتين إلى الحبشة وإلى المدينة؟ وهذا كله وأضعافه كان يسرده سرداً؛ وكان بيّن اللفظ كثير الإنصاف.

إن كان ما نسبه إليه بشر بن الحسين في معنى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام من حقيقةٍ فهو كلام خرف زائل العقل قد ردّ " إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علمٍ شيئاً "؛ وإن كان ما نسبه إليه تزيّداً منه فهو جاهلٌ معيوبٌ عند القياس، وهو أنشأ مذهب داود إنشاءً، وعادى عليه، ووالى فيه، وبذل عليه، فكثر ارتباكه وخمدت آثاره. أما يعلم أبو عبد الله أنّ إسلام عليٍّ كان - على ما روي - وهو ابن إحدى عشرة سنة، وقيل عشر سنين، وأنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لا يدعو إلى الإسلام ولا يخاطب به إلا مكلّفاً، لا سيّما في أوّل دعوته وأوان مبعثه؟ وتخصيص النبيّ صلّى الله عليه وآله إيّاه بدعوته دون غيره ممّن هو في سنّه يدلّ على أنّه كان كامل العقل عارفاً بما يحسن ويقبح في أمر الدّين، وقد يكون ذلك عن وحيٍ من الله عزّ وجلّ في أمره. ثمّ ما روي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فيه يدلّ على أنه أفضل من أخيه، وهو قوله عليه وآله السلام: " يا علي أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبيّ بعدي "، فقد أثبت له جميع منازل هارون من موسى إلى النبوّة، وليس بعد موسى أفضل من هارون.

قال عبد الله بن الأهتم: إني لا أعجب من رجلٍ تكلّم بين قومٍ فأخطأ في كلامه، أو قصّر في حجّة، لأنّ ذا الحجّة قد تناله الخجلة، ويدركه الحصر، ويعزب عنه بابٌ من أبواب الكلام، أو تذهب الكلمة؛ ولكن العجب ممن أخذ دواةً وقرطاساً وخلا بعقله، كيف يعزب عنه بابٌ من أبواب الكلام أو يذهب عنه وجهٌ من وجوهه. شاعر: السريع جاريةٌ أعجبها حسنها ... ومثلها في الناس لم يخلق خبرّتها أنّي محبٌّ لها ... فأقبلت تضحك من منطقي والتفتت نحو فتاةٍ لها ... كالرشإ الوسنان في قرطق قالت لها قولي لهذا الفتى ... انظر إلى وجهك ثم اعشق دخل أحمد بن يوسف على المأمون وعريب تغمز رجله،

فخالسها النّظر وأومى إليها بقبلةٍ، فقالت: حاشية البرد، فلم يدر ما قالت، فلما خرج لقي محمد بن يسير، فحدّثه الحديث، فقال له: أنت تزعم أنك فطنٌ، يذهب عليك مثل هذا؟ أرادت قول الشاعر: الطويل رمى ضرع نابٍ فاستمّر بطعنةٍ ... كحاشية البرد اليماني المسهّم كان عمر بن الخطاب يقسم على كلّ رأس نصف دينار، فأتاه أعرابيٌ فقال: يا أمير المؤمنين، أعطني لنفسي ولأخ لي حبشيّ، فقال له عمر: أخوك الحبشيّ زقٌّ متعمّمٌ في البيت، قال: اللهم نعم، قال: يا غلام أعطه ديناراً: نصفه قسمه، ونصفه لصدقه. تغدى سليمان عند يزيد بن المهلّب، فقيل له: صف لنا أحسن ما كان في منزله، فقال: رأيت غلمانه يخدمون بالإشارة دون القول. قال أبو هفّان لرجلٍ: لو شئت أن أخلق مثلك من خرائي وأنفخ فيه من فسائي لفعلت.

نظر رئيسٌ إلى أبي هفّان وهو يسارّ آخر فقال: فيم تكذبان؟ قال: في مدحك. نظر أعرابيّ إلى أبي هفّان يتكلّم، فقال لمحرز الكاتب: من هذا؟ قال: شيخٌ لنا مصاب، قال أبو هفّان: نعم يا أعرابيّ، بابن أخي هذا؛ فانقلبت النادرة على محرز. قال أبو هفّان لمغنّية: يا فساية! قالت: ويلي، عبديّةٌ أنا؟! فكاد يموت من حرارة النادرة وتغلغها إلى صميم فؤاده. سمعت أبا عبد الله الطّبري يقول: التقى في بعض بلاد الهند رجلان، فقال أحدهما للآخر - وكان غريباً -: ما أقدمك بلادنا؟ قال: جئت أطلب علم الوهم، قال له السائل - وكان أحكم -: فتوهّم أنك قد أصبته وانصرف، فأفحم.

كان أبو عبد الله هذا كثير النّوادر، فصيح اللسان، وكان رئيساً في الباطنية، وكان جريء المقدم، متّقى اللسان، وكان ابن العميد يحبّه ويقدّمه، وله إليه رسالةٌ مشهورةٌ تتضمّن عتباً ممضّاً، وأجابه أبو عبد الله عنها فما عجز عن موازنته. على أنّ الكتابة لم تكن ديدنه، ولكنّه كان عجيب الكلام في كلّ فنّ، وكان معتمده على الإبهام دون الإفهام، وسأحكي عنه ألفاظاً علقتها منه في إشارات الصوفية إن شاء الله. وسمعته يقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت في دعوى حالٍ، وتمهيد أمرٍ، واصطلاح طريقة، لما تجاوزت ادّعاء النبّوة، ولكنّي مزّقت ثوب الشّباب، وودّعت راحلة الأمل؛ قيل له: فأنت مع نظرك في الحكمة، واقتباسك من الفلسفة، وتميزك إلى الخاصة، تتمنى حالاً صاحبها عند نفسه كاذبٌ وعند بني جنسه مكذوب، مع علمك أنّ دين الإسلام لا يتداعى بنيانه، ولا تتزعزع أركانه، وأنه مبني على أساسٍ قويّ، وأصلٍ سويّ، فقال: هذا كلام من لم يعرف النبوّة ما هي والنبيّ من هو، وما السبب في ظهور الأديان والنحل، وإفشاء المقالات

والملل، وما موجبات هذه الأمور، وما خواصّ هذه العلل، وما دواعي جميع ما في العالم، وكيفية نظم ما فيه واطّراده، وكيف استواؤه واستمراره، وما الغاية المنتهى إليها، والغرض المقصود نحوه، وما محصول الإنسان من الحياة، وما فائدته في كونه، وما الأمر الذي إليه توجهه وهو لا يدري، وبه تعلّله وهو لا يشعر، وما ثمرة الجاهل، وأين العالم منه في الآجل، وهل ما شاع بالخبر مقبولٌ كلّه، أو مردودٌ كلّه، أو مقبولٌ بعضه ومردودٌ بعضه. وإن بطل القسمان الأوّلان هل يصحّ القسم الثالث، وإن صحّ فبماذا يبين المقبول منه مما يردّ منه: أبالعقل، أم بالظنّ، أم بسكون النفس عند إخبار المخبر، وقلق النفس عند رواية الراوي؟ فأتى من هذا النّمط بما حيّر الحاضرين وأملّ المستمعين، ولم يحصّل من جميع ما هوّل به شيءٌ. وكان إذا ركب هذا المركب سبق في عنقٍ لا يباريه جواد، ولا تسري وراءه ريح. ولقد قاوم بالرّيّ أبا يعقوب الجبّائي شيخ القوم، بل أوفى

عليه، فكشف عنه، ودلّ على خافي أمره، ومستكنّ شأنه، ومات سنة تسعٍ وخمسين وثلاثمائة. وكان قد أخذ الحديث عن أبي خازم وتفقّه للشافعي، وناظر في الأصول، إّلا أنه باين الجميع بهذه الغرائب التي لم يحل منها في الدنيا بطائل، ولم يتزود بها للآجل، وعاش عاشقاً لفضله، محجوباً عن الله عزّ وجلّ بنعمته، جاهلاً بالشكر الموجب مزيده، وصار إلى الله عزّ وجلّ، وهو أولى به، وهو أحكم الحاكمين. دخل أبو يونس على المأمون - وكان فقيه مصر - فقال له: ما تقول في رجلٍ اشترى شاةً فضرطت فخرجت من استها بعرةٌ ففقأت عين رجلٍ: على من الدّية؟ قال: على البائع؛ قال: ولم؟ قال: لأنه باع شاةً في استها منجنيق ولم يبرأ من العهدة. قالت عائشة: لقد مات رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بين

سحري ونحري، فمتى أوصى إليه؟ كأنها تعني علياً عليه السلام بهذا الكلام. قال النبيّ صلّى الله عليه وآله: " استفرهوا ضحاياكم فإنها مطاياكم على الصّراط ". قال هشام بن عمّار: خير الأسود كليته. قال هشام المتكلّم: أوّل شغب الرجل تعلّقه بالألفاظ. قال رجلٌ لابن أبي داود: متى كان الله عزّ وجلّ؟ قال: ومتى لم يكن؟! قال رجل لهشام بن الحكم: أنت أعلم الناس بالكلام، قال له: كيف ولم تكلّمني؟ قال: رأيت كلّ حاذقٍ يزعم أنه ناظرك وتغلّب عليك، فلولا أنّك الغاية عندهم ما فخروا بذلك أبداً. سأل غلامٌ أمرد النّظّام عن مسألة فقطعه، فقال له إبراهيم

النّظّام: أما إنك تقطعني بحجّةٍ وجبت لك، ولكن قطعتني بالحيرة فيك. يقال: الطّير الذي خلقه عيسى عليه السّلام في قوله تعالى " وإذ تخلق من الطّين كهيئة الطّير "، هو الخطّاف؛ أما ترى فيه ضعف الآدميين؟ وذاك أنه أضعف من كلّ طائرٍ في مقداره. قال المسيح عليه السلام: كلّ قتيلٍ يقتصّ له يوم القيامة إلا قتيل الدنيا، فإنه يقتصّ منه. هذا والله كلام عجيب. نظر ابن أبي عتيق إلى بستانٍ صغير فقال: هذا تسمّده فسوة. شاعر: المديد ما لمن تمّت محاسنه ... أن يغادي طرف من رمقا لك أن تبدي لنا حسناً ... ولنا أن نعمل الحدقا قال رجلٌ لأبي الهذيل: ما الفرق بين الإنسان والحمار؟ قال: هذه مسألةٌ جوابها فيها؛ لمّا قلت أنت ما الفرق بينهما كنت قد فرقت. قال بعض المتكلّمين: الدليل على الحدوث أنّ الواهم يتوهّم

فيحدث إنسانٌ وشجرة، فقضى ذلك على جميع ما ترى أنه محدث، لأنه أحدثه توهّماً، وكلّ متماثلين يلتقيان في حكمٍ واحد. قال بعض المتكلّمين: الدليل على أنّ صانعي ليس مثلي أنّي عاجزٌ عن أن أفعل مثلي، فمحالٌ أن يكون فاعلي مثلي. اعتلّ أبو جعفر الأحول في قول القاضي والله والله ثلاثاً قال: لما قال موسى للخضر عليهما السلام " قد بلغت من لدنّي عذراً " كان هذا في ثلاث قد قطع عذراً. قيل لمرجفٍ: أحدث شيءٌ؟ قال: نعم، قيل: ما هو؟ قال: لم يبلغنا بعد. قيل لأبي جعفر: لم حكمت للاستثناء إذا قال له: عليّ عشرة دراهم إّلا خمسة إّلا درهماً فتكون له أربعة؟ فقال: من كتاب الله تعالى " إلا آل لوط نجيناهم بسحر إلا أمرأته "؛ فاستثنى من المستثنى، ولا يستثنى الكثير من القليل وإنما يستثنى القليل من الكثير، فقال المأمون: أحسنت.

قال هارون لحمويه: صف لي فارس، قال: فيها من كلّ بلدٍ بلدٌ. لما قتل عبيد الله بن زياد - لعنه الله - الحسين بن علي عليه السلام قال أعرابي: انظروا إلى ابن دعيّها كيف قتل ابن نبيّها. قيل لبعض الحكماء الزّهاد: يقال جمع فلانٌ مالاً، قال: أفجمع أيّاماً؟ قال أبو الهذيل: ذنب الصامت جرحٌ سريع الاندمال، وذنب الناطق جرحٌ رحيب المجال. كتب العتّابي إلى المأمون: إن للعرب البديهة، وللعجم الرّويّة، فخذ من العرب آدابها ومباني كلامها، وخذ من العجم مكايدها ونتائج فكرها، تجتمع لك فصاحة العرب ورجاحة العجم. يقال: من صبّ عليه ماءً بارداً ثم تمسّح وتنّور لم تحرقه النّورة، ومن تنّور وهو عرقٌ أحرقته النّورة لأجل تفتح مسامّ البدن.

اجتمع الجاثليق والموبذ عند المأمون فقال الجاثليق: إنّ هذا يزعم أنّ الجنّة متصلةٌ بحر أمّه، فقال الموبذ: والله لقد أفحشت عليّ، ولقد كنّا نظنّ أنّ الأمر كما وصف حتى رأينا إلهك خرج من ذلك الموضع فزال عنّا الشّك. قال خالد بن الوليد: إن أبا بكرٍ ولدنا فرقّ علينا رقّة الوالد، وإن عمر ولدناه فعقّنا عقوق الولد. قيل لصوفيّ: لم لم تعملوا بأبدانكم؟ قال: لأنّ الأبدان تعمل بالقلوب، فلما عملت القلوب سكنت الأبدان. قال راوية الفرزدق للفرزدق: والله ما تنهاني عن شيءٍ إلا ركبته، قال: فإني أنهاك عن نيك أمّك. خاصمت امرأةٌ مدنيّةٌ زوجها - وكان في خلقٍ لا يواريه - فقالت له: غيّر الله ما بك من نعمةٍ، قال: استجاب الله دعاءك، لعلّي أصبح في ثوبين جديدين. قال بعض أهل اللغة: الاستذراء من البرد، والاستظلال من الحرّ، والاستكنان من المطر. مرّت امرأةٌ جميلة باليعقوبي فقالت له: يا شيخ، أين درب

الحلاوة؟ قال: تحت مئزرك يا ستّي. قال رجل لرقبة بن مصقلة: ما أكثرك في كلّ طريق، فقال له رقبة: إنك مستكثرٌ مني ما تستقلّ من نفسك، هل رأيتني في طريق إلا وأنت فيه؟ قال النبيّ صلّى الله عليه وعلى آله عن الله عزّ وجلّ: " إنّي تفضّلت على عبادي بأربعة أشياء: سلّطت الدابة على الحبّ، ولولا ذلك لكنزه الملوك كما كنزوا الذهب والفضّة؛ وأنتنت الجسد، ولولا ذلك لنا دفن حميمٌ حميمه؛ وأسليت المصاب عن المصيبة، ولولا ذلك لانقطع النّسل؛ وأقصيت الأجل وبسطت الأمل، ولولا ذلك لخربت الدنيا وما طاب عيشٌ ". قال جعفر بن محمد عليهما السلام: يهلك الله عزّ وجلّ ستاً بستً: الأمراء بالجور، والعرب بالعصبية، والدهاقين بالكبر، والتجّار بالخيانة، وأهل الرّستاق بالجهل، والفقهاء بالحسد. ذكر عبد الملك بن مروان الاشدق بعد أن قتله فقال: كان والله ذا طيٍّ لسرّه، نموماً بإعطاء ماله، فارغ القلب بفهم من حدّثه، مشغول القلب بمعرفة ما أشكل عليه.

قال الحجاّج لرجلٍ من ولد ابن مسعود: لم قرأ أبوك تسعٌ وتسعون نعجةً أنثى؟ أترى لا يعلم الناس أن النعجة أنثى؟ فقال: قد قرئ قبله " ثلاثة أيّامٍ في الحجّ وسبعةٍ إذا رجعتم تلك عشرةٌ كاملةٌ " ألا يعلم أن سبعةً وثلاثةً عشرةٌ؟ فما أحار الحجّاج جواباً. أراد رجلٌ بيع جاريةٍ فبكت فسألها، فقالت: لو ملكت منك ما ملكت مني ما أخرجتك من يدي، فأعتقها. قالت المضرّية: اللسان العربي لإسماعيل، وقالت القحطانية: أوّل من تكلم بالعربية يعرب بن قحطان، فاحتجت المضريّة فقالت: لو كان هذا هكذا لقالوا: يعربي، ولم يقولوا: عربي. قال هارون بن مسلم: ما بقي أحدٌ يأنف أو يؤنف منه. قال ابن عباس في رجلٍ حلف أن لا يكلّم فلاناً حتى حين فقال: الحين في اليوم والليلة وهو قوله تعالى " حين تمسون وحين تصبحون " والحين في ثلاثٍ، وهو قوله تعالى في قوم هود " تمتّعوا حتّى حينٍ " والحين في كل سنةٍ وهو قوله تعالى " تؤتي

أكلها كلّ حينٍ ". قال الجمّاز لعلي الرازي، وأراد شراء جارية حبشية: متاعها الدّهر مزبد، وإبطاها منتنان، وجسدها لا يقبل الطّيب، وإذا شربت احمرت عيناها واخضرّت وجنتاها، وإذا تجرّدت فكأنها نخاعةٌ على يد أسود. تزوّج مدنيٌّ سوداء فعوتب فقال: عتق ما يملك إن لم تكن ضرطتها في الليلة الشاتية في البيت أنفع من عدل فحم. وساوم مدينيّ دجاجةٍ بعشرة دراهم فقال: والله لو كانت في الحسن كيوسف، وفي العظم ككبش إبراهيم، وكانت كلّ يومٍ تبيض وليّ عهدٍ للمسلمين، ما ساوت أكثر من درهمين. قال يحيى بن خالد: الغضب والحزن من جوهرٍ واحد، فإذا

كان ممّن فوقك كان حزناً، وإذا كان ممّن هو دونك كان غضباً، فترك الصبر على الغضب سوء قدرة، وترك الصبر على الحزن سوء استكانة. حمل رزام بن حبيب إلى طحّان طعاماً فقال له: اطحنه؛ قال: أنا مشغولٌ عنك، قال: إن طحنته وإّلا دعوت الله عزّ وجلّ على حمارك ورحاك، قال: أومستجاب الدعوة أنت؟ قال: نعم، قال: فادع الله أن يصيّر حنطتك دقيقاً فهو أروح لك. قال الأصمعي: كان بالبصرة فتىً يغشاه الفتيان في كوخٍ له من قصب، وكانوا إذا شربوا قال بعضهم لبعضٍ: غداً عليّ ألف آجرّةٍ، ويقول آخر: عليّ الجصّ، ويقول آخر: عليّ أجرة البنّاء. فيصير كوخه قصراً من ساعته، ثم يصبح فلا يرى شيئاً من ذلك، فقال في ذلك: لنا كوخٌ يهدّم كلّ يومٍ ... ويبنى ثم يصبح جذم خصّ إذا ما دارت الأقداح قالوا ... غداً نبني بآجرٍّ وجصّ وكيف يشيّد البنيان قومٌ ... يزجّون الشتاء بغير قمص قال الأصمعي: فحدّثت الرشيد، فاستضحك وقال: أبا سعيدٍ، لكنّا نبني

لك قصراً لا تخاف فيه ما خاف الفتى، ثمّ أمر له بألفي دينار. قال الجمّاز: اشتريت جاريةً سنديّة، فأردت أن أطأها، وكان شعر حرها كثيراً فلم يدخل أيري، فقالت: يا مولاي، زبّك عمياء. قيل لسلمان بن ربيعة الباهلي: بم تعرف الهجن من العتاق؟ قال: بنظري إلى الأعناق، قيل: فبيّن لنا ذلك، قال: فدعا بطستٍ من ماءٍ فوضعت على الأرض، ثم قدّمت الخيل إليها واحداً واحداً، فما ثنى سنبكه ثم شرب هجّنه، وما شرب ولم يثن سنبكه جعله عتيقاً، وذلك لأنّ في أعناق الهجن قصراً فهي لا تنال الماء إّلا على تلك الحال حتى تثني سنابكها، وأعناق العتاق طوالٌ فهي تشرب ولا تثني سنابكها.

قال أهل اللغة: الغيلم ذكر السّلاحف، والأنثى سلحفاة ويقال: سلحفية؛ والعلجوم ذكر الضفادع؛ والشّيهم ذكر القنافذ؛ والخزر ذكر الأرانب، وجمعه خزّان؛ والظّليم ذكر النّعام؛ والقطّ والضّيون ذكر السّنانير؛ والحيقطان ذكر الدرّاج؛ والعضرفوط ذكر العظاءة؛ والحرباء ذكر أمّ حبين؛ والحنظب ذكر الخنافس، وهو أيضاً الخنفس؛ واليعاقيب ذكور الحجل، واحدها يعقوب، والسّلك الذكر من فراخها، والأنثى سلكة؛ والخرب ذكر الحبارى؛ والفيّاد ذكر البوم، ويقال هو الصّدى؛ وساق حرّ ذكر القماريّ؛ واليعسوب ذكر النّحل؛ هذه كلّها ينبغي أن تكون في صميم صدرك، قد غلب عليها الحفظ،

واهتدى إليها الظنّ، فم القبيح بالإنسان أن لا يعرف ما قرب من الحيوان. واحفظ أيضاً إناث أشياء من هذا الضرب؛ اعلم أنّ: الأنثى من الذّئاب سلقةٌ وذيبة؛ والأنثى من الثعالب ثرملة وثعلبة، والذكر ثعلبان؛ والأنثى من الوعول أرويّة، وثلاث أراويّ إلى العشرة، فإذا جاوزت فهي الأروى؛ والأنثى من القرود قشبة وقردة؛ والأنثى من الأرانب عكرشة؛ والأنثى من العقبان عقبة؛ والأنثى من الأسود لبؤة؛ بضّم الباء والهمزة؛ والأنثى من العصافير عصفورة؛ ومن النّمور نمرة؛ ومن الضّفادع ضفدعة؛ ومن البرذون برذونة؛ وواحد الذّراريح والذّرّاح ذرحرح وذّروح.

واحفظ ما هو من أسماء الناس من ذلك: يقال إن الهوزة قي القطاة؛ والقطاميّ الصّقر - بضمّ القاف وفتحها -؛ وعكرمة هي الحمامة؛ والهيثم فرخ العقاب؛ وسعدانة هي الحمامة؛ والحيدرة الأسد؛ وكذلك الهيصم وأسامة والدّلهمس وهرثمة والضّيغم؛ وأما نهشل فالذئب؛ وكلثوم الفيل؛ وشبث: دابة تكون في الرّمل، وجمعها شبثان، كأنها سمّيت بذلك لتشبّثها بما دبّت عليه؛ وأما سيابة فواحدة السّياب - خفيفةً - وهو البلح. وأما حمزة فبقلة. شاعر: الوافر

دعوتك للنّدى ففررت منه ... كأنّي قد دعوتك للبراز ولمّا أن كسوتك ثوب مدحٍ ... رأيتك قد خريت على الطّراز قال ابن طباطبا في عيار الشعر: وينبغي للشاعر أن يتأمّل تأليف شعره وتنسيق أبياته، ويقف على حسن تجاورها أو قبحه، فيلائم بينها لتنتظم له معانيها، ويتّصل كلامه فيها، ولا يجعل بين ما قد ابتدأ وصفه وبين تمامها فصلاً من حشو ليس من جنس ما هو فيه فينسي السامع المعنى الذي يسوق القول إليه، كما أنه يحترز من ذلك في كلّ بيت، فلا يباعد كلمةً عن أختها ولا يحجز بينها وبين تمامها بحشوٍ يشينهها، ويتفقّد كلّ مصراعٍ: هل يشاكل ما قبله، فربما اتفق للشاعر بيتان يضع مصراع كل واحد منهما في موضع الآخر، فلا يتنبه على ذلك إّلا من دقّ نظره ولطف فهمه. وربما وقع الخلل في الشّعر من جهة الرّواة والناقلين له: الشّعر على جهةٍ ويؤدوّنه

على غيرها سهواً فلا يذكرون حقيقة ما سمعوه منه. كقول امرئ القيس: الطويل كأنّي لم أركب جواداً للذةٍ ... ولم أتبطّن كاعباً ذات خلخال ولم أسبإ الزّقّ الرّويّ ولم أقل ... لخيلي كرّي كرّةً بعد إجفال هكذا الرّواية، وهما بيتان حسنان، ولو وضع مصراع كلّ واحدٍ منهما في موضع الآخر كان أشكل وأدخل في استواء النّسج، وكان يروى: كأنّي لم أركب جواداً ولم أقل ... لخيلي كرّي كرّةً بعد إجفال ولم أسبأ الزقّ الرويّ للذةٍ ... ولم أتبطن كاعباً ذات خلخال وكقول ابن هرمة: المتقارب وإنّي وتركي ندى الأكرمين ... وقدحي بكفّي زنداً شحاحا كتاركةٍ بيضها بالعراء ... وملبسةٍ بيض أخرى جناحا وكقول الفرزدق: الطويل

وإنك إذ تهجو تميماً وترتشي ... سرابيل قيسٍ أوسحوق العمائم كمهريق ماءٍ بالفلاة وغرّه ... سرابّ أذاعته رياح السّمائم كان يجب أن يكون بيت ابن هرمة مع بيت الفرزدق، وبيت الفرزدق مع بيت ابن هرمة فيقال: وإنّي وتركي ندى الأكرمين ... وقدحي بكفّي زنداً شحاحا كمهريق ماءٍ بالفلاة وغرّه ... سراب أذاعته رياح السمائم وإنّك إذ تهجو تميماً.............. الخ كتاركةٍ بيضها بالعراء ... وملبسةٍ بيض أخرى جناحا حتى يصح التشبيه للشاعرين، وإّلا كان تشبيهاً بعيداً غير واقع موقعه الذي أريد له. وإذا تأملت أشعار الشعراء لم تعدم فيها أبياتاً مختلفة المصاريع، كقول طرفة: الطويل ولست بحلاّلٍ التّلاع مخافةً ... ولكن متى يسترفد القوم أرفد والمصراع الثاني غير مشاكلٍ للأوّل؛ وكقول الشاعر: الطويل

وإن امرءاً أهواه بيني وبينه ... فياف تنوفاتٌ ويهماء خيفق لمحقوقةٌ أن تستجيبي لصوته ... وأن تعلمي أنّ المعان موفّق فقوله: وأن تعلمي أن المعان موفّق غير مشاكل لما قبله؛ وكقوله: البسيط أغّر أبلج يستسقى الغمام به ... لو قارع الناس عن أحسابهم قرعا فالمصراع الثاني غير مشاكل للأول، وإن كان كلّ واحدٍ منهما قائماً بنفسه. وأحسن الشّعر ما ينتظم القول فيه انتظاماً يتّسق به أوّله مع آخره على ما ينسقه قائله، فإن قدّم بيتٌ على بيتٍ دخله الخلل، كما يدخل الرسائل والخطب إذا نقص تأليفها فإن الشعر إذا أسس فصول الرسائل القائمة بأنفسها، وكلمات الحكمة المستقلّة بذاتها، والأمثال السائرة الموسومة باختصارها، لم يحسن نظمه، بل يجب أن تكون القصيدة كلّها ككلمة واحدةٍ في اشتباه أوّلها وآخرها نسجاً وحسناً وفصاحةً وجزالة ألفاظٍ ودقّة معانٍ وصواب تأليف، ويكون خروج الشاعر من كل معنىً يصفه إلى غيره من المعاني خروجاً لطيفاً على ما شرطنا؛ هذا كله كلام صاحب كتاب العيار.

خرج الأعمش يوماً إلى أصحابه وهو يضحك فقالوا له: ما ذاك يا أبا محمد؟ قال: قالت بنيّتي لأمّها: يا امّه، لم تجدي أحداً تزوّجينه إلا هذا الأعمش؟! قال داود بن الزّبرقان: سفه علينا الأعمش يوماً فكلّمتنا امرأةٌ من وراء الباب وقالت: احتملوه، فوالله ما يمنعه من الحجّ مذ ثلاثون سنة إّلا مخافة أن يلاطم زميله أو يشاتم رفيقه. قال سعيد بن المسيّب: أعوذ بالله من الزّنا، فقالت امرأة إلى جانبه: هذا شيءٌ قد كفيته لسماحة وجهك، قال: أمّا ما دام إبليس حياً فلا أصدّقك. قال أعرابيّ بعدما خرف: إن في الأير يا قوم عجباً فاحذروه؛ قالوا له: وما هو؟ يأنس إلى من لا يعرف ويستوحش ممن يعرف. مرّ سائلٌ بمخنّثٍ فأدخله وسقاه وحمله على نفسه فقال: والله ما

أدري بم أكافئك، إّلا أنني وددت أنّ لي أيراً مثل منارة المسيّب، قال المخنّث: إذن كنت أمكّنك من استٍ مثل باب خراسان. قال محمد بن إسحاق بن عطية: دخلت على إسماعيل بن صبيح وهو مريض فقلت: كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت تجرّب عليّ الأطباء. رفع مخنّث إلى السّندي بن شاهك ومعه غلام، فتبعته امرأةٌ فقالت: أما تستحيي من مشيتك ترفع مع مثل هذا؟ فقال: أما والله لو استقبلك بمثل ما استدبرني به ماباليت أن ترفعي إلى ملك الروم. شاعر: مجزوء الرجز الصبر مفتاح الظّفر ... والأمر يجري بالقدر ما كان من خيرٍ وش ... رٍّ ليس يغني من حذر يقال: لا تقطع القريب وإن أساء، فإنّ المرء لا يأكل لحمه وإن جاع، ولا يقطع يده وإن ضربت عليه. قال بعض العرب: الق عدوّك بحسن البشر، وأخف عنه ضمير

الصّدر، وتربّص به دوائر الدّهر، وال تظهر له سرّك فيكيدك، ولا تمكنّه من قيادك فيرديك، وكثير النّصح يدعوك إلى كثير التّهمة. قيل لعائشة: إن قوماً يشتمون أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله. فقالت: دعوهم، أبعدهم الله، فإنّ الله لما قطع عنهم العمل أحبّ أن لا يقطع عنهم الأجر. قال المتوكّل لعبّادة: أهب لك هذا الخصيّ؟ قال: يا أمير المؤمنين، أنا لا أركب زورقاً بلا دقل. قال عبد الملك بن مروان لابن زبّان القيني: ما لك مغتماً؟ قال: نسأل أمير المؤمنين ما لا نقدر عليه، ويعتذر فيما قد لا يعذر، فقال: ما أحسن ما سألت؛ ووصله. كاتب: أستجير بك في ما قاسيت من مقارعة الدّهور، وأستعين بك على ما عانيت من ملمّات الأمور. قال أعرابيٌّ لآخر: من استجار بك من الزّمان، فقد أخذ لنفسه بأوثق الأمان. كاتب: الشكوى إليك عند النائبة على قدر الشكر لك عند

النّعمة، لأنّك في الحالين معاً الرجاء والعدّة، والموئل والعمدة، وكلّ حقٍّ قضيته لأوليائك في عارفة تصطنعها، ونكبة تدفعها، فهو دون قدرتك، وفوق شكرهم. آخر: محاسن غيرك مساوٍ عند محاسنك، لأنّ إحسانك إجمالٌ وإحسانهم تجمّلٌ. أعرابيّ: لا على رجائي أخاف التخييب، ولا على أملي أخشى التكذيب. كاتب: إذا طلبت عند غيرك ما لم أنله، نلت منك ما لم أطلبه، وإذا وجدت عندك ما لم أرجه، عدمت من سواك ما رجوته، فاليأس من خيرك أجدى من الطّمع في فضل غيرك، لأنّك تقول وتفعل، وسواك يقول ولا يفعل، ولأنّك تعتذر من الجزيل إذا تطاول سواك بالقليل، لأنّ الذي أدركته منك من غير تأميلٍ له، عوضٌ مغنٍ مما خانني من الرّجاء في سواك. كاتب: صافحتني الأيّام بكفّ الغنى إذا قبلتني، ووقفت بي عند أملي إذ حسن رأيك فيّ، وصالحتني بما استصلحت من أمري. أعرابي: يأسي من عطائك أرجى من رجائي لعطاء غيرك، لان أملي فيك قنيةٌ، ورجائي لك ذخرٌ، لأني أعدّ وعدك غنىً ومطلك إنجازاً.

قال ابن طباطبا في عيار الشعر: ينبغي للشاعر في عصرنا أن لا يظهر شعره إّلا بعد ثقته بجودته وحسنه وسلامته من العيوب التي قد نبّه عليها. وأمر بالتحرّز منها، ونهي عن استعمال نظائرها. لا يضع في نفسه أنّ الشعر موضع اضطرار، وأنّه يسلك سبيل من كان قبله، ويحتج بالأبيات التي قد عيبت على قائليها، فليس يقتدى بالمسيء، وإنما الاقتداء بالمحسن، وكلّ واثق فيه خجلٌ إلا القليل، ولا يغير على معاني الشعراء فيودعها شعره، ويخرجها في أوزان مخالفةٍ لأوزان الأشعار التي يتناول منها ما يتناول، ويتوهّم أنّ تغييره الألفاظ والأوزان مما يستر عليه سرقته، أو يوجب له فضيلته، بل يديم النظر في الأشعار التي قد اخترناها لتلصق معانيها بفهمه، وترسخ أصولها في قلبه، وتصير مواد لطبعه، ويذرب لسانه بألفاظها، فإذا جاش فكره بالشّعر، أدّى إليه نتائج ما استفاده مما نظر من تلك الأشعار، وكانت تلك

النتيجة كالسّبيكة المفزغة من جميع الأصناف التي تخرجها المعادن، وكما اغترف من وادٍ قد مدّته سيولٌ جارية كثيرة من شعاب مختلفة، وكطبيب يركب على أخلاط من الطّيب كثير، فيستغرب عيانه، ويغمض مستنبطه؛ ويذهب في ذلك إلى ما يحكى عن خالد بن عبد الله القسري فإنّه قال: قد حفّطني أبي ألف خطبةٍ ثم قال لي: تناسها، فتناسيتها، فلم أرد بعد ذلك شيئاً من الكلام إّلا سهل عليّ؛ فكان حفظه لتلك الخطب رياضةً لفهمه، وتهذيباً لطبعه، وتلقيحاً لذهنه، ومادة لفصاحته، وسبباً لبلاغته ولسنه ولخطابته. واعلم أنّ شعراء العرب أودعت أشعارها من الأصناف والتشبيهات والحكم ما أحاطت به معرفتها، وأدركه عيانها، ومرّت به تجاربها، وهم أهل وبر، صحونهم البوادي، وسقوفهم السماء، فليس تعدو أوصافهم ما رأوه فيهما وفي كل واحدة منهما، في فصول الأزمان على اختلافها: من شتاءٍ

وربيع، وصيفٍ وخريف، من ماءٍ وهواء، ونار وجبل، ونباتٍ وحيوانٍ وجماد، وناطقٍ وصامت، ومتحرّك وساكن، وكلّ متولد، من وقت نشوته وفي حال نموّه إلى حال انتهائه، فضمّنت أشعارها من التشبيهات إلى ما أدركه من ذلك عيانها وحسّها، إلى ما في أنفسها وطبعها من محمود الأخلاق ومذمومها، في رخائها وشدّتها، ورضاها وغضبها، وفرحها وغمها، وأمنها وخوفها، وصحّتها وسقمها، والحالات المتصرّفة بها في خلقها وخلقها، من حال الطفولة إلى حال الهرم، وفي حال الحياة إلى حال الموت، فشبهت الشيء بمثله تشبيهاً صادقاً، ذهبت إليه من معانيها التي أرادتها، فإذا تأملت أشعارها وفتشت جميع تشبيهاتها وجدتها على ضروبٍ مختلفةٍ سنشرح أنواعها، فبعضها أحسن من بعض، وبعضها ألطف من بعض، فأشبه التشبيهات ما إذا عكس لن ينتقض بل يكون كلّ شبه بصاحبه مثل صاحبه، ويكون صاحبه مثله مشبهاً به صورةً ومعنى، فربّما أشبه الشيء الشيء صورةً وخالفه معنىً، وربما

أشبهه معنىً وخالفه صورةً وربّما قاربه وداناه أو سامته وأشبهه مجازاً لا حقيقةً، فإذا اتفق لك في أشعار العرب التي يحتجّ بها تشبيهٌ لا تتلقّاه بالقبول، أو حكايةٌ تستغربها، فابحث عنه ونقّر عن معناه، فإنك لا تعدم أن تجد تحته خبيئة، إذا أثرتها عرفت فضل القوم بها، وعلمت أنهم أرقّ طبعاً من أن يلفظوا بكلامٍ لا معنى تحته. وربّما خفي عليك مذهبهم في سنن يستعملونها بينهم، وحالات يصفونها في أشعارهم ولا يمكنك استنباط ما تحت حكاياتهم، ولا يفهم مثلها إّلا سماعاً، فإذا وقفت على ما أرادوه، لطف موقع ما تسمعه من ذلك عند فهمك. والكلام الذي لا معنى له كالجسد الذي لا روح فيه؛ كما قال بعض الحكماء: للكلام جسدٌ وروحٌ، فجسده النّطق وروحه معناه، فأما ما وصفته العرب وشبّهت بعضه ببعض مما أدركه عيانها فكثيرٌ لا يحصى عدده، وأنواعه كثيرةٌ، وسنذكر بعض ذلك ونبيّن حالاته وطبقاته إن شاء الله. وأما ما وجدته في أخلاقها، وتمدّحت به، ومدحت به من سواها وذمّت من كان على ضدً حالها فيه، فخلالٌ مشهورةٌ، منها في الخلق: الجمال

والبسطة؛ ومنها في الخلق: الشجاعة والسخاء والحلم والعلم والحزم والعزم والوفاء والعفاف والأمانة والقناعة والغيرة والصّدق والصبر والورع والشكر والمداراة والعفو والعدل والإحسان وصلة الرّحم وكتم السر والمؤاتاة وأصالة الرأي والأنفة والدعاء وعلوّ الهمّة والتواضع والبيان والبشر والجلد والتجارب والنقض والإبرام. وممّا يتفرّع من هذه الخلال التي ذكرناها من الأصناف: قرى الأضياف وإعطاء العفاة وحمل المغارم وكظم الغيظ وقمع الأعداء وفهم الأمور ورعاية العهد والفكر في العواقب والجد والتشمير وقمع الشّهوات والإيثار على النفس وحفظ الودائع والمجازاة ووضع الأشياء مواضعها والذّب عن الحريم واجتلاب المحبة والتنزّه عن الكذب واطّراح الحرص وادّخار المحامد والاحتراز من العدوّ وسيادة العشيرة واجتناب الحسد والنكاية في الأعداء وبلوغ الغايات والاستكثار من الصديق والقيام بالحجّة وكبت الحسّاد والإسراف في الخير واستدامة النعمة وإصلاح كل فاسد واعتقاد المنن واستعباد الأحرار بها

وإيناس النافر وحفظ الجار والإقدام على بصيرة. وأضداد هذه الخلال البخل والجبن والطّيش والجهل والغدر والاغترار والفشل والفجور والعقوق والخيانة والحرص والمهانة والكذب وفيالة الرأي والهلع وسوء الخلق ولؤم الظفر والجور والإساءة وقطيعة الرّحم والنّميمة والخلاف والطّبيعة والدّناءة والغفلة والحسد والبغي والكبر والعبوس والإضاعة والقبح والدّمامة والقماءة والخور والعجز والعيّ والاستحلال. ولتلك الخلال المحمودة حالاتٌ تؤكدها وتضاعف حسنها وتزيد في جلالة المتمسّك بها والمفتخر بالاحتواء عليها، كما أنّ لأضدادها أيضاً حالات تزيد في الحطّ ممن وسم بشيءٍ منها ونسب إلى استشعار مذمومها والتّمسك بفاضحها: فالجود في حال العسر موقعه فوق موقعه في حال الجدة وفي حال الصحو أحسن منه في حال السّكر، كما أن البخل من الواجد القادر أشنع منه من المضطّر العاجز، والعفو في حال القدرة أجلّ موضعاً منه في حال العجز، والشجاعة في حال مبارزة الأقران أحدّ منها في حال الإحواج ووقوع الضّرورة، والعفّة في حال اعتراض الشّهوات والتّمكن منها أفضل منها في حال فقدان اللذات واليأس من نيلها، والقناعة في حال تبرّج الدنيا ومطامعها أحسن

منها في حال اليأس وانقطاع الرجاء منا؛ على هذا التّمثيل جميع الخصال التي ذكرناها. وقال أيضاً: وعيار الشّعر أن يورد على الفهم الثاقب: فما قبله واصطفاه فهو وافٍ، وما مجّه ونفاه فهو ناقص. والعّلة في قبول الفهم الثاقب للشّعر الحسن الذي يرد عليه ونفيه للقبيح منه، واهتزازه لما يقبله وتكرهه لما ينفيه أنّ كلّ حاسّة من حواسّ البدن إنما تقبل ما يختصّ بها ويتصل بها ممّا طبعت له إذا كان وروده عليها وروداً لطيفاً باعتدال لا جور فيه وموافقةٍ لا مضادة معها. فالعين تألف المرأى الحسن الأنيق، وتقذى بالمرأى القبيح الكريه؛ والأنف يقبل المشمّ الطّيب ويتأذى بالمنتن الخبيث؛ والفم يتلذّذ بالمذاق الحلو ويمجّ البشع المّر؛ والأذن تتشوّف للصّوت الخفيض السّاكن وتتأذى بالجهير الهائل؛ واليد تنعم باللّمس اللّين وتتأذى بالخشن المؤذي؛

والفهم يأنس من الكلام العدل الصواب الحق الجائز المعروف ويتشوّف إليه ويتجلّى له ويستوحش من الكلام الجائر الخطأ الباطل والمحال المجهول المنكر وينفر منه ويصدأ له. فإذا كان الكلام الوارد على الفهم منظوماً مصفّىً من كدر العيّ، مقوّماً من أود الخطأ واللّحن، سالماً من جور التأليف، موزوناً بميزان الصّواب لفظاً ومعنىً وتركيباً، اتسعت طرقه ولطفت موالجه، فقبله الفهم وارتاح له وأنس به، وإذا ورد عليه ضدّ هذه الصّفة وكان باطلاً محالاً مجهولاً، انسدّت طرقه، ونفاه الفهم، واستوحش عند حسّه، وصدئ له، وتأذّى به كتأذّي سائر الحواسّ بما يخالفها على ما شرحناه. وعلّة كلّ حسن مقبولٍ الاعتدال، كما أنّ علّة كلّ قبيح منفيّ الاضطراب، والنفس تسكن إلى كلّ ما وافق هواها، وتقلق ممّا خالفه، ولها أحوالٌ تتصرّف بها، فإذا ورد عليها في حالةٍ من حالاتها ما يوافقها اهتزّت له وحدثت لها أريحية وطرب وإذا ورد عليها ما يخالفها قلقت واستوحشت. وقال أيضاً: وللأشعار الحسنة على اختلافها مواقع لطيفةٌ عند

الفهم لا تحدّ كيفيتها، كمواقع الطّعوم الطيّبة المركّبة الخفيّة التركيب اللذيذة المذاق، وكالأراييح الفائحة المختلفة الطّيب والنسيم، وكالنقوش الملونة التّقاسيم والأصباغ، وكالإيقاع المطرب المختلف التأليف، وكالملامس اللذيذة الشهية الحسن، فهي تلائمه إذا وردت عليه - أعني الأشعار الحسنة على الفهم - فيلذّها ويقبلها ويرشفها كارتشاف الصّديان للبارد الزّلال، لأنّ الحكمة غذاء الرّوح، فأنجع الأغذية ألطفها. وقال: قال بعض الفلاسفة: إنّ للنفس كلمات روحانية من جنسّ ذاتها، وجعل ذلك برهاناً على نفع الرّقى ونجوعها فيما تستعمل له، فإذا ورد عليك الشعر اللطيف المعنى، الحلو اللّفظ، التامّ البيان، المعتدل الوزن، مازج الروح ولاءم الفهم وكان أنفذ من نفث السحر وأخفى دبيباً من الرقى وأشد إطراباً من الغناء، فسلّ السخائم، وحلّل العقد، وسخّى الشحيح، وشجّع الجبان. وكان كالخمر في لطف دبيبه وإلهائه، وهزّه ولذاذته. وقد قال النبيّ صلّى الله عليه وآله: " إنّ من البيان لسحراً ".

ولحسن الشعر وقبول الفهم إيّاه علةٌ أخرى وهي موافقته للحال التي يعدّ معناه لها، كالمدح في حال المفاخرة، وحضور من يكبت بإنشاده من الأعداء ويسر به من الأولياء، وكالهجاء في حال مباراة المهاجي والحطّ منه، حيث ينكي فيه استماعه له، وكالمراثي في حال جزع المصاب به، وكذكر مناقب المفقود عند تأبينه والتعزية عنه، وكالاعتذار والتنصّل من الذّنب عند سلّ سخيمة المجنيّ عليه المعتذر إليه، وكالتحريض على القتال عنه التقاء الأقران وطلب المغالبة، وكالغزل والنسيب عند شكوى العاشق واهتياج شوقه وخضوعه وحنينه إلى من يهواه. وإذا وافقت هذه المعاني هذا الخلال تضاعف حسن موقعها عند مستمعها لا سيما إذا أيّدت بما يجلب إلى القلوب من الصّدق عن ذات النفس، بكشف المعاني المختلجة فيها، والتصريح بما كان يكتم منها والاعتراف بالحق في جميعها. والشعر هو ما إن عري من معنىً بديع لم يعر من حسن الديباجة، وما

خالف هذا فليس بشعر. ومن أحسن المعاني والحكايات في الشعر وأشدّها استفزازاً لمن يسمعها الابتداء بذكر ما يعلم السامع له إلى أي معنى يساق القول فيه قبل استتمامه، وقبل توسّط العبارة عنه والتعريض الخفيّ الذي يكون بخفائه أبلغ في معناه من التصريح الظاهر الذي لا ستر دونه. فموقع هذين عند الفهم كموقع البشرى عند صاحبها لثقة الفهم بحلاوة ما يرد عليها من معناهما انقضى كلامه. قد دلّ هذا الرجل على مواضع لطيفة واستحقّ المديح بحسب الإصابة. سأل أبو فرعون رجلاً فمنعه وألح عليه فأعطاه فقال: اللهم اخزنا وإياهم، نسألهم إلحافاً ويعطوننا كرهاً، فلا يبارك الله لنا ولا يأجرهم عليه.

كان عبد الله بن الزبير إذا صعد المنبر حمد الله وأثنى عليه وخطب الناس وأخذ في سورة الأنعام وقال: إنما يكفيني من الدنيا اليسير، إنما بطني شبر؛ فلما مات أصابوا في خزانته خمسة آلاف طليسان، فقال فيه الشاعر: البسيط لو كان بطنك شبراً قد شبعت وقد ... أفضلت فضلاً كثيراً للمساكين لكنّ بطنك باعٌ ليس يشبعه ... خرج العراق ولا مال الدّهاقين ما زال في سورة الأنعام يدرسها ... حتى فؤادي مثل الخزّ في اللّين إمّا تصبك من الأيام جائحةٌ ... لم نبك منك على دنيا ولا دين هذا من غرائب ما يروى، وهو كالسرّ من أسرار هذا الخلق، ولئن كان حقاً فما ينقضي العجب من قومٍ هذا حديثهم وذاك كلامهم. دعا أعرابيٌّ فقال: ثبّت الله ودّكم، وأغزر رفدكم، وأمّن وفدكم، وأعلى جدّكم، وجمّل أمركم. قيل لابن جريج: كم صيفكم بمكّة؟ قال: ثلاثة عشر شهراً.

سأل رجل الشعبيّ عن أكل الذباب فقال: إن اشتهيت فكله. وسأل آخر الشعبي عن أكل لحم الشيطان فقال: ويحك ويدعك الشيطان تأكل لحمه؟ ارض منه بالكفاف! قال أعرابي: من ولد في الفقر أبطره الغنى، ومن ولد في الغنى لم تزده النعمة إلا تواضعاً. كان أحمد بن يوسف وناس يختلفون إلى باب المأمون، فقال البّواب يوماً: يا هؤلاء، كم تقفون ها هنا؟ اختاروا واحدةٌ من ثلاث: إما أن ميزتم لوقوفكم ناحيةً من الباب، وإما نزلتم فجلستم في المسجد حتى يدعى بكم، قالوا: والخصلة الثالثة؟ فما تهيأ له، فقال: جئتمونا بكلام الزنادقة؟! فدخل أحمد فحدث المأمون فضحك وأمر للبواب بألف درهم وقال: لولا أنها نادرة جهلٍ لاستحقّ بها أكثر من ذلك. قال القاسم بن محمد: كانوا يستحبّون استقبال المصائب

بالتجمّل، ومواجهة النّعم بالتذلّل. سمع ابن خلف الهمذاني قوماً يذكرون الموت فقال: لو لم يكن في الموت إّلا أنك لا تقدر أن تنفّس لكفى. هكذا حدثنا أبو نصر الأنماطي الهمذاني. وعد يحيى بن خالد رجلاً مراراً ولم يف، فرفع إليه رقعة فيها: البسيط البرمكّيون لا يوفون ما وعدوا ... والبرمكيّات لا يخلفن ميعاداً فلما قرأها اغتمّ وقال: وددت أني افتديت هذا البيت ما أملك؛ وهرب الرجل. كان لشيرين مولى بكرم عليها، فسألها مسألة الملك ترفيهه أياماً، فقالت له في أمره فقال: ما كنت لأنقض عهدي مع فلان، قالت: فأنا أسأله ذلك، قال: أنت وذاك، ولا أرى لك، فإنه سفيهٌ ولا آمنه،

فأبت، فأذن لها، فكتبت إلى الرجل تسأله ترفيهه، فكتب إليها: إني وإياك تولّينا للملك عملين يجب علينا تنظيفهما، فمتى وقع فيهما شفاعةٌ وقع التقصير، وقد وليت أمر الخراج واستنظافه، ووليت أمر حرك وتنظيفه؛ فإن كنت مشفّعةً في التقصير في عملك أحداً أعلمتني لأشفّعك فيما سألت، وأنا متوقّع ما يرد به كتابك فأعمل بحسبه؛ فكتمت الكتاب، وسأل أنوشروان فأنكرت الكتاب والجواب. قال أبو الأسود رحمه الله: العمامة خير ملبوس: جنّةٌ في الحرب، ووقايةٌ من الأحداث، ومكنّة من الحرّ، ومدفأة في البرد، ووقارٌ في النّديّ، وزيادة في القامة، وهي تعدّ من تيجان العرب. شاعر: الوافر إذا لبسوا عمائمهم ثنوها ... على كرمٍ وإن سفروا أناروا

يبيع ويشتري لهم سواهم ... ولكن بالطّعان هم تجار إذا ما كنت جار بني خريم ... فأنت لأكرم الثّقلين جار قال فيلسوف: ليس سرور النفس بالمال، ولكن بالآمال. ويقال: نقل المسرور عن سروره أسهل من نقل المهموم من همومه. اختلف أصحاب السّهمي أيما أبرّ: الوالد أم الولد إذا اجتمعا في البرّ وتساويا فيه فقالوا: إن الوالد أبرّ، لأنّ برّ الوالد طبيعةٌ، وبرّ الولد فرضٌ، والفرض ثقيل. لما مرض حميد الطّوسي مرضه الذي مات فيه، ذهب ليقبض إحدى رجليه فلم يقدر فقال: خرينا والله. ختن صبيّ من آل جميل، وحضر محمد بن جميل فقال للحجّام: ارفق بالصبيّ فإنه أول مرة ختنّاه، فضحك منه. شاعر: الطويل فإن تكن الأيام قيدن مطلقاً ... وأطلقن من عقد الحبال أخا أسر

فما زالت الأيام تستدرج الفتى ... وتختله من حيث يدري والا يدري شاعر: المنسرح أحسن من منزلْ بذي قار ... منزل خمّارةٍ وخمّار وشرب كرخيّةٍ معتّقةٍ ... أحسن من أينقٍ وأكوار وشمّ تفاحةٍ ونرجسةٍ ... أحسن من دمنةٍ وآثار وقبلةٌ لا تزال تخلسها ... من رشإ عاقد لزنار أحسن من مهمهٍ أضلّ به ... ومن سرابٍ هناك غرّار وضرب عودٍ إذا ترجّعه ... بنان رود الشّباب معطار أحسن عندي من أمّ ناجيةٍ ... وأمّ هندٍ وأمّ عمّار دخل ابن خلف الهمذاني إلى رجل يعزّيه فقال: عظّم الله مصيبتك وأعان أخاك على ما يرد عليه من يأجوج ومأجوج؛ فضحك من حضر فقال: لم تضحكون؟ إنما أردت هاروت وماروت!

نقلت من خطّ أبي سعيد السيّرافي - وكان شيخ زمانه ثقةً ومعرفةً وديناً وفضلاً، ومات في رجب سنة ثمان وستين وثلاثمائة -: دخل عبد الرحمن بن أمّ الحكم على معاوية فقال: بلغني أنّك قد لهجت بقول الشعر، قال: هو ذاك، قال: فإياك والمدح فإنه طعمة الوقاح من الرجال، وإياك والهجاء فإنك تحنق به كريماً، وتستثير به لئيماً، وإياك والتشبيب بالنساء فإنّك تفضح الشريفة، وتعرّ العفيفة، وتقّر على نفسك بالفضيحة؛ ولكن افخر بمفاخر قومك، وقل من الأشعار ما تزيّن به نفسك، وتؤدّب به غيرك. دخل محمد بن الحنفيّة رضوان الله عليه على عبد الملك بن مروان، فلما أراد أن يقوم وضع يده على فخذه فقال: ما هذا؟ فقال: أردت أن أمسّك لتمسّني منك رحمٌ؛ فأمر له بعشرة آلاف دينار.

دخل أيّوب بن جعفر بن سليمان على المأمون، فقال له في بعض خطابه: أنا والله يا أمير المؤمنين أودّك مودةً حرّة، وأبغض أعداك بغضةً مرّة، وأشكرك شكر من لم يعرف الإنعام بعد خالقه إّلا منك، ولا التفضّل من سواك؛ فقال المأمون: إنّك لتقول فتحسن، وتغيب فتؤتمن، وتحضر فتزيّن. قال بزرجمهر: العاقل لا يجزع من جفاء الولاة وتقدمة الجاهل عليه، لأنّ الأقسام لم توضع على قدر الأحلام. وشتم رجلٌ عمر بن عبد العزيز فقال: لولا يوم القيامة لأجبتك. فقال الحكماء: المسيء ميت وإن كان في منازل الأحياء والمحسن حي وإن كان في منازل الأموات قال الفضل بن يحيى: الصبر على أخٍ تعتب عليه خيرٌ من صديقٍ تستأنف مودته. كان أبو سفيان إذا نزل به مستجيرٌ قال: يا هذا، إنك اخترتني

جاراً واخترت داري داراً، فجناية يدك عليّ دونك، وإن جنت عليك يدٌ فاحتكم حكم الصبيّ على أهله. كان على عهد كسرى رجلٌ يقول: من يشتري ثلاث كلماتٍ بألف دينار؟ فتطّير منه، إلى أن اتّصل قوله بكسرى، فأحضره وسأله عنها فقال: حتى يحضر المال، فأحضر، وقال له: قل، فقال: الواحدة: ليس في الناس كلّهم خيرٌ، فقال كسرى: هذا صحيح، ثم ماذا؟ قال: ولا بدّ منهم، فقال: صدقت، ثم ماذا؟ قال: فألبسهم على قدر ذلك، فقال كسرى: قد استوجبت المال فخذه؛ قال: لا حاجة لي فيه، قال: فلم طلبته؟ قال: أردت أن أرى من يشتري الحكمة بالمال؛ فاجتهد به كسرى في قبض المال، فأبى. قال: كان يونس يقول: لا يحتمل الفقر إّلا بإيمانٍ صلب. لما افتتحت بلخ في زمن عمر، وجد على بابها صخرةٌ مكتوبٌ

عليها: إنما يبين الفقير من الغنيّ عند الانصراف من بين يدي الله عزّ وجلّ بعد العرض. دخل عطيّة بن عبد الرحمن الثّعلبي على مروان بن محمد، فلما صار على طرف البساط تكلّم، فملأه سروراً، ثم قال: ايذن لي يا أمير المؤمنين أقبّل يدك، فقال له مروان: قد عرف أمير المؤمنين مكانك في قومك وفضلك في نفسك، والقبلة من المسلم ذلّة، ومن الكافر خدعة، ولا حاجة بك إلى أن تذلّ أو تخدع، وأنت الأثير عندنا على كلً حالٍ الخاء من خدعة كانت مضمونة من شكل بخط السيراني وفتحها لغة رسول الله صلى الله عليه وسلم وضمها جائز. جاءت امرأةٌ من عبس إلى أمير المؤمنين فقالت وهو على المنبر: يا أمير المؤمنين، ثلاثٌ بلبلن القلوب، قال: وما مات هي؟ قالت: رضاك بالقضيّة، وأخذك بالدنيّة، وجزعك عند البليّة، فقال لها: ويحك، إنما أنت امرأةٌ، فامضي واجلسي على ذيلك ودعي ما لست منه ولا هو منك! فقالت: لا والله، ما من جلوسٍ إّلا في ظلال السّيوف!

كتب رجلٌ إلى صديق له: أما بعد، فإن كان إخوان الثّقة كثيراً فأنت أوّلهم، وإن كانوا قليلاً فأنت أوثقهم، وإن كانوا واحداُ فأنت هو. قال عثمان لعامر بن عبد قيس العنبري - وكان ظاهر الأعرابية -: يا عامر، أين ربّك؟ قال: بالمرصاد؛ وقال: ما الخير؟ قال خير " كتب ربّكم على نفسه الرّحمة ". قال عمرو بن العاص لما قتل عمّار بن ياسر رحمه الله: إنما قتله من ألقاه على ظباة سيوفنا وأسنّة رماحنا. فبلغ ذلك علياً عليه السلام فقال: ورسول الله صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم إذن قاتل عمّه حمزة إذ أتى به إليكم يوم أحد فقتلتموه، وكذلك كلّ من استشهد معه صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم. قال عمر بن عبد العزيز: ما شيءٌ كنت أحبّ علمه إّلا علمته، إّلا أشياء كنت أستصغرها فلا أسأل عنها، فبقي جهلها.

كان يحيى بن خالد يجري على سفيان الثوري كلّ شهرٍ ألف درهم، فسمع يحيى سفيان يقول في سجوده: اللهم، إنّ يحيى كفاني أمر دنياي فاكفه أمر آخرته، فلما مات يحيى رآه بعض إخوانه في منامه فقال له: ما صنع الله بك؟ فقال: غفر لي بدعوة سفيان. دخل يوسف بن يعقوب على الرّشيد فقال: ممّن أنت؟ فقال: خراساني الآباء، بغدادي المنشأ، هاشميّ الولاء. كان ابن داود يقول: لله درّ البرامكة، عرفوا تقلّب الزمان فبادروا بالفعل الجميل قبل العوائق. وقف رجلٌ على قبر بعض الجبابرة فقال: أيها الجبّار، كم نفسٍ قتلتها طالباً للراحة منها أصبحت اليوم وهي أكثر شغلك.

أنشد: الطويل إذا فاخرتنا من معدٍّ قبيلةٌ ... فخرنا عليهم بالأغرّ ابن حاتم يجرّ رياط الحمد في دار قومه ... ويختال في عرض من الذمّ سالم لما عقد معاوية لعمروٍ على مصر، جعل وردان مولاه يضع عقبه على عقب عمروٍ ولا يعلم ما أراد بذلك؛ فلما خرج سأله فقال: أردت أن تستدعي منه ما يبقى لعقبك من بعدك. الصبر صبران: صبر فريضةٍ وصبر نافلةٍ؛ فالفريضة تركك الحرام لخشية الله، والنافلة تركك الحلال للرغبة فيما عند الله. قيل لابن عيينة: من أفقر الناس؟ قال: ليس أحدٌ دون أحد؛ قال الله عزّ وجلّ " يا أيّها النّاس أنتم الفقراء إلى الله ". أم الحباب بنت غالب الكلابية: الطويل

تذكّرتك إذ جيٌّ بحرّ بلادها ... وإذ أهل جيٍّ بالسّيال كثير إذا فزعوا طاروا إلى كل شطبة ... تكاد إذا صلّ اللّجام تطير وزغفٍ مثنّاة دلاصٍ كأنّها ... إذا أشرجت فوق الكميّ غدير سمع رجلٌ موسى بن جعفر عليهما السلام يقول في سجوده آخر الليل: أي رب، عظم الذّنب من عبدك، فليحسن العفو من عندك. وأنشدت: الهزج أنا ابن الليل والخيل ... فنزّالٌ ورحّال وللأموال بذّال ... وللأقران قتّال نماني السيف والرمح ... فنعم العم والخال فما تخفضني حالٌ ... ولا ترفعني حال قيل لبعض الحكماء: لم صار الجواب منصوراً؟ قال: لأنّ الابتداء بغيٌ. كتب المأمون إلى عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن

ابن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام يسأله عن القرآن وما يقول فيه، فكتب إليه عبد الله: عافانا الله وإياك من كلّ فتنة، فإن يفعل فأعظم بها منّة، وإن لم يفعل فهي كالهلكة. نحن نرى الكلام في القرآن بدعةً اشترك فيها السائل والمجيب، فتعاطى السائل ما ليس له، وتكلّف المجيب ما ليس عليه، ولا خالق إّلا الله عزّ وجلّ، وما دون الله تعالى فهو مخلوق، والقرآن كلام الله تعالى، فانته بنفسك والمخالفين إلى أسمائه التي سمّاه الله عزّ وجلّ بها تكن من المهتدين، ولا تسمّ القرآن باسمٍ من عندك فتكون من الضالّين، " وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون "، جعلنا الله وإياك من " الذين يخشون ربّهم بالغيب وهم من السّاعة مشفقون ". قال أبو العباس: لمّا علم الله تعالى أنّ أعمال العباد لا تفي بذنوبهم، خلق العلل والأمراض ليكفّر عنهم بها السيّئات. قال الموبذ بحضرة المأمون: ما أحسنت إلى أحدٍ ولا أسأت، فقال المأمون: وكيف ذلك؟ قال: لأني إن أحسنت فإلى نفسي، وإن أسأت

فإليها؛ فلما نهض قال المأمون: أيلومني الناس على حبّ من هذا عقله؟ سخط الرشيد على حميد الطّوسي، فدعا له بالسيف والنّطع، فلما رآه بكى، قفال له: ما يبكيك؟ قال: والله يا أمير المؤمنين ما أفزع من الموت لأنّه لا بدّ لي منه، وإنما بكيت أسفاً على خروجي من الدنيا وأنت ساخطٌ عليّ، فضحك وقال: البسيط إنّ الكريم إذا خادعته انخدعا قيل الرجل: لم تركت السلطان أحوج ما كنت إليهم محتاجاً فال يغنيني عنهم الذي تركتهم له أنشد: البسيط نبّهت زيداً فلم أفزع إلى وكلٍ ... رثّ السلاح ولا في الحيّ مغمور

سالت عليه شعاب الحيّ حين دعا ... أنصاره بوجوهٍ كالدنانير وقّع المنصور: قد أمنّت كلّ مذنب، وشكرت كل بريّ، وجبرت كلّ وليّ. أنشدت: الطويل يدي جرحتني أخطأت أم تعمّدت ... فهل لي عن صبرٍ على ذاك من بدّ ولو غير جلدي رابني لحزرته ... وكنت به طبًّا ولكنّه جلدي قال أبو يعقوب الأزدي لبعض الولاة: إنّ الناس يتوسّلون إليك بغيرك فينالون معروفك، وإني أتوسّل إليك بك ليكون شكري لك لا لغيرك. قال عبد الله بن العباس لأمير المؤمنين عليه السلام: اجعلني مع عمرو بن العاص، فلعمري لأعقدنّ له حبلاً لا ينقطع وسطه، ولا ينتهي طرفه، فقال له عليّ عليه السلام: لست من مكره ومن مكر معاوية في شيء، فقال: والله لا تزال حتى يغلب حقّك بالباطل. لما دخل حذيفة المدائن خطب فحمد الله عزّ وجلّ وأثنى عليه وصلّى على النبيّ صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم ثم قال: " إن الدنيا دار هدنة

ومنزل قلعة، والسّير بكم إلى دار المقامة، فأعدّوا الجهاد لبعد المفازة ". كان رجلٌ من أهل اليمامة يهوى ابنة عمٍّ له، فبلغه أنها استبدلت بدلاً فقال: الطويل وقال أناسٌ إنّ ليلى تبدّلت ... فقلت: فإني ناظرٌ من قرينها فإن يك ذا فضلٍ عليّ عذرتها ... وكانت للبلى بيعةٌ لا تشينها وإن كان من أوباش من تجمع القرى ... أقل: تعست ليلى فشلّت يمينها كتب معاوية إلى مروان: ابعث إليّ بالمنبر واقلعه؛ فأصاب الناس ريحٌ مظلمةٌ حتى ظهرت الكواكب نهاراً ثم انجلت، فقال مروان: إنكم تزعمون إنّ أمير المؤمنين أمرني بقلع منبر رسول الله صلّى الله عليه وآله وحمله إليه؟! أمير المؤمنين أعلم بالله عزّ وجلّ، إنما برفعه عن الأرض، ثم عمل عليه ستّ درجات، فما زاد أحدٌ بعده. ومن كلام الخلفاء: اللسان خادم الفؤاد. ومن جيّد صفات السيوف: الكامل

إنّي لبست لحربكم فضفاضةً ... كالنهي رقرقه هبوب شمال ومهنّداً كالبرق ليس لحدّه ... عهدٌ بتمويهٍ ولا بصقال ترضيك هزّته إذا ما شمته ... وتقول حين تراه: لمعة آل مكتوب في الإنجيل: الحجر الواحد المغصوب في الحائط عربون الخراب. عيسى بن عقبة: الوافر بكينا يوم فرقة آل حزوى ... فلاقت مثل فرقتنا الرّكاب إذا خطراتها خطرت علينا ... ظللنا لا يسوغ لنا شراب قال ابن الزيّات الوزير: لا يتصوّر لك التّواني بصورة التوكّل فتخلد إليه وتضيع الحزم، فإنّ الله عزّ وجلّ ورسوله صلّى الله عليه وآله أمر بذلك؛ قال الله عز وجلّ " وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكّل على الله "، فجعل التوكّل بعد العزم، والمشورة قبله، وقال النبيّ

صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم لصاحب الناقة: " اعقلها وتوكّل ". الآمال مصائد الآجال، تطول ولا تتطاول. توقّي الصّرعة أسهل من طلب الرّجعة. أيدي العقول تمسك أعنّة الأنفس. الجاهل صغيرٌ وإن كان كبيراً. الكبر ذلٌ لمن تعزّز به. وأنشد: الطويل وكم باب رزقٍ قد فتحت بصارمٍ ... حسامٍ ولم يغلق عن الضّيف بالعذر وما أخذت كفّي بقائم نصله ... فحدّثت نفسي بانهزامٍ ولا فقر وأنشد: الطويل سقى ورعى الله الأوانس كالدّمى ... إذا قمن جنح الليل منبهرات إذا مسن قدّام البيوت عشيّةً ... قطاف الخطا يرفلن في الحبرات

ذهبن بحبّات القلوب فأقبلت ... إليهنّ بالأهواء مبتدرات لقي يحيى عيسى صلّى الله عليهما فتبسّم يحيى، فقال له عيسى: إنك لتبتسم ابتسام آمنٍ، فقال له يحيى: إنك لتعبس عبوس قانطٍ، فأوحى الله عزّ وجلّ إلى عيسى: الذي يصنع يحيى أحبّ إليّ. خطب عبد الملك بن مروان، فلما انتهى إلى موضع العظة من خطبته قام إليه رجل من آل صوحان فقال: مهلاً مهلاً، إنكم تأمرون ولا تأتمرون، وتنهون ولا تنتهون، وتعظون ولا تتّعظون، أفنقتدي بسيركم في أنفسكم، أم نطيع أمركم بألسنتكم؟ فإن قلتم: اقتدوا بسيرتنا فأنّى وكيف، وما الحجّة، وأين النصر من الله عزّ وجلّ في الاقتداء بسيرة الظّلمة الخونة الذين اتخذوا مال الله دولاً، وعباده خولاً؟ وإن قلتم: أطيعوا أمرنا، واقبلوا نصيحتنا، فكيف ينصح غيره من يغشّ نفسه؟ وكيف تجب الطاعة لمن لم تثبت عدالته؟ وإن قلتم: خذوا الحكمة حيث وجدتموها، واقبلوا العظة ممن

سمعتموها، فعلام قلّدناكم أزمّة أمورنا، وحكّمناكم في دمائنا وأموالنا وأدياننا؟ وما تعلمون أنّ فينا من هو أفصح بصنوف اللغات، وأعرف بوجوه الكلام منكم، فتحلحلوا لهم عنها، وإّلا فأطلقوا عقالها، وخلّوا سبيلها، يبتدر إليها من شردتموهم في البلاد، وقتلتموهم في كلّ واد؛ وأما لئن ثبتت في أيديكم لاستيفاء المدة، وبلوغ الغاية، وعظم المحنة، إنّ لكلّ قائمٍ يوماً لا يعدوه، وكتاباً يتلوه " لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إّلا أحصاها " " وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون ". هكذا وجدت بخطّ السيرافي، وما رأيت له إسناداً. ولقد ملكني العجب بهذا الكلام، فإني ما سمعت أحسن موقعاً منه. والذي يزيد في التعجب قيام هذا الرجل إلى ذلك العفريت بهذا الكلام الذي ينفذ منفذ السهم ويعمل عمل السمّ، سبحان الله ما كان أبلّ ريقه، وأجلح وجهه، وأقوى منته، وأصدق نيّته، وأقتل مرّته؛ وما تكاد ترى مثل هذا في زمانك، أي والله ولا من دونه ولا من يحكي هذا القول بعينه. لقد خسّ حظّ الأديب، وخوى نجم الأدب، وانثلم ركن الدين، وخاس عهد

المسلمين، وأصبح أهل زمانك أتباع مرغوب إليه ومرهوب منه. ومن إنشادات إسحاق بن إبراهيم: الكامل إنّا إليك مع الذّميل رمت بنا ... قلصٌ لها تحت الرّكاب عرام يحملننا ومدائحاً من لؤلؤٍ ... لو كان من درٍّ يكون كلام الصّمة القشيري: الطويل ولمّا رأينا سبخة الرمل أعرضت ... ولاحت لنا حزوى وأعلامها الغبر شربنا سجال الشوق حتى كأنما ... جرت فاستقرت في مفاصلنا الخمر يظلّ لعينيك اللجوجين واكفٌ ... من الدّمع أّلا ينطق الطّلل القفر علام تقول الهجر يشفي من الجوى ... ألا لا ولكن أوّل الكمد الهجر أنشد: الطويل ولمّا رأت هند أنابيب رأسه ... كأنّ بجبينها هشيم حماط بكت عين هندٍ عن بياضٍ وتحته ... رياطٌ من الأحساب أيّ رياط

شاعر: البسيط ما كان في الأرض إّلا اثنان قد علما ... معنٌ وذو هيدب دانٍ له درر يحيي البهائم هذا وهي راتعةٌ ... وكان معنٌ حياً للجود ينتظر فأضحت الأرض قد ولّت غضارتها ... فليس جودٌ ولا معنٌ ولا مطر انشد: الطويل وقد كنت أرجو منكم خير ناصرٍ ... على حين خذلان اليمين شمالها فإن انتم لم تحفظوا لمودّتي ... ذماماً فكونوا لا عليها ولا لها عشق مدنيٌّ امرأةً، وكان سميناً، فقالت له: تزعم انك تهواني وقد ذهبت طولاً وعرضاً، فقال: إنما سمنت من فرط الحبّ، لأني آكل ولا أشعر، وأشبع ولا أعلم. يقال: كلّ شيءٍ إذا كثر رخص إّلا العقل، فإنه إذا كثر غلا

هذا من جيد الكلام؛ هكذا كان بخط أبي سعيد فنقلته على هيئته. أنشد: الكامل ناهضت بالحسن عمران الندى ... فتنبّهت لرجائه آمالي سكناته عدةٌ وفي نطقاته ... تفريق جمع خزائن الأموال وإذا استجرت أجار عدمك ماله ... من صولة الحدثان والإقلال وجه الواثق رجلاً إلى رجلٍ يعرف مقدار عقله، فمضى وعاد، فسأله عنه فقال: يا أمير المؤمنين، دخلت على رجلٍ في حصنٍ من عقله. قال موبذ: مات بعض الأكاسرة، فوجدوا له سفطاً، ففتح فإذا فيه حبّة رمّانٍ كأكبر ما يكون من النّوى، ومعها رقعةٌ فيها مكتوب: هذا حبّ زمّنٍ عمل في خراجه بالعدل. تعزّ عن الشيء إذا منعته لقلّة ما يصحبك إذا أعطيته، وما خفّف الحساب وقلله خيرٌ مما كثّره وثقّله. قال زياد لابنه: عليك بالحجاب، فإنّما تجرّأت الرّعاة على السّباع بكثرة نظرها إليها؛ وهذا يخالف ما روي عن سعيد بن المسيّب أنه قال: نعم الرجل عمر بن عبد العزيز لولا حجابه، إن داود ابتلي بالخطإ لحجابه.

في قوله: " فاصفح الصّفح الجميل "، قال: الرّضا بلا عتاب، وفي قوله: " فاصبر صبراً جميلاً "، وقال: صبراً لا شكوى معه. حجّ أبو دلف القاسم بن عيسى، فامتدحه شاعر فقال: أحسنت، فقال الرجل: إن القاضي إذا أسجل عجّل، فقال أبو دلف: إيت الكرج فقال: أخاف العرج؛ فأمر له بخمسين ألف درهم. " لينذر من كان حياً " قال: من كان عاقلاً. بعضهم: الدنيا تضرّ بمقدار ما نفعت، وتفجع بمقدار ما متّعت، وتغصّ بمقدار ما أساغت، وتسيء بمقدار ما أحسنت. قال جعفر بن محمد الصادق عليهما السّلام: المستدين تاجر الله في أرضه. خالد الكاتب: المتقارب مثالٌ من المسك والعنبر ... سباني بطرفٍ له أحور

وكم ذقت من ريقه خمرةً ... جرت بين سمطين من جوهر سمع يحيى بن معاذ الرازي يقول: لولا ثلاث تثقل المؤمن لهام سروراً؛ قيل له: وما هي؟ قال: ألم المصائب، وتذكّره الذنوب، وشغله بطلب المعاش. ومن كلامه: الحكمة عروس العلم. يحيى بن معاذ: عامل الله بالإخلاص، والناس بالمداراة، والنفس بالزّراية عليها. قال عمر بن الخطاب: إذا رأيناكم كان أحسنكم جهرةً أقربكم من قلوبنا، فإذا كلّمناكم كان أحسنكم بياناً أزلفكم عندنا، وإذا خبرناكم كانت الخبرة من وراء ذلك. قال عبد الملك بن عمير - وأومأ بيده إلى قصر الإمارة بالكوفة -: دخلت هذا القصر فرأيت عجباً؛ رأيت عبيد الله بن زياد جالساً على سريره وبين يديه ترسٌ فيه رأس الحسين بن علي عليهما السلام ولعن قاتلهما،

ثم دخلت هذا القصر فرأيت المختار جالساً على السّرير وبين يديه ترسٌ فيه رأس عبيد الله بن زياد، ثم دخلت هذا القصر فرأيت مصعب بن الزبير بن العوّام وهو جالسّ على السّرير وبي يديه ترسّ فيه رأس المختار، ثم دخلت القصر فرأيت عبد الملك بن مروان جالساً على السرير وبين يديه ترسٌ فيه رأس مصعب. هكذا وجدت بخطّ السيّرافي، والخبر مشهور، إلا أنني أنست بخطّه. قال جعفر بن محمد عليهما السّلام: كان أبي لا يتّخذ السّلاح في بيته ويقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: " من اتخذ شيئاً احتاج إليه، وأنا لا أحبّ أن أحتاج إلى السّلاح ". حثّ رجلٌ رجلاً على الأكل من الطعّام فقال: عليك تقريب الطعام، وعلينا تأديب الأجسام. لمّا أتي الحجّاج بكميل بن زيادٍ وابن ضابئ قال لبعض الحرس: اضرب عنقه، فقال الحرسي: ولي أجره؟ فغضب الحجّاج وقال:

إذا قلنا إن الله تعالى ساق إلينا أجراً نتفرّد به سألنا أحدهم أن يشركنا فيه؛ اضرب عنقه، ولك ثلث أجره ولي ثلثاه. قيل لابن الدكين: ما الدليل على أنّ المشتري سعدٌ؟ قال: حسنه. مات الهادي وولي الرشيد وولد المأمون في ليلةٍ واحدة. كان مسلم اليتيم جميلاً فقيل له: ما منعك من مراسلة النساء الحسان مع جمالك ورغبتهنّ في أمثالك، فقال: عفةٌ طباعية، وغيرةٌ إسلامية، وكرمٌ موروث، ومعرفةٌ بقبح العار. وجّه أبو مسلم قحطبة بن شبيب الطائي يحارب يزيد بن عمر ابن هبيرة - وكان عامل مروان على العراقين - فغرق قحطبة وانهزم يزيد بن عمر، فكتب إلى مروان بالخبر، فقال مروان: هذا والله الإدبار، وإلا فهل

سمعتم بميتٍ هزم حياً؟! كانت حربهما فيما أظنّ بالفلج، كذا كان بخطّ السّيرافي. قام رجلٌ لبعض الولاة فقال له: لم قمت؟ قال: لأجلس فوّلاه. شاعر: المتقارب هم القوم إن نابهم حادثٌ ... من الدّهر في شدّةٍ يصبروا وإن نعمةٌ مسّهم بردها ... مشوا قاصدين ولم يبطروا خضارمةٌ عسرهم كالغنى ... وهم كالرّبيع إذا أيسروا سعى للمكارم آباؤهم ... وكانوا بينهم فما قصّروا آخر: الطويل تودّعني والدّمع يجري كأنّه ... لآل وهت من سلكها تتحدّر وتسألني هل أنت بي متبدّلٌ ... فقلت: نعم سقماً إلى يوم أحشر فقالت: تصبّر لا تمت بي صبابةً ... فقلت لها: هيهات مات التصبّر

قيل لعبد الملك بن مروان: متى ولدت؟ قال عند معترك المنايا، يريد: أيام الشّورى. قال أنس بن مالك: كنت عند الحسين عليه السلام، فدخلت عليه جاريةٌ بيدها ريحانٌ فحيّته بها فقال بها: أنت حرّةٌ لوجه الله فقلت له: تحييك جارية بطاقة ريحان لا خطر لها فتعتقها؟ فقال: كذا أدّبنا الله تعالى قال الله عزّ وجلّ " وإذا حييتم بتحيةٍ فحيّوا بأحسن منها أو ردّوها " وكان أحسن منها عتقها. وقّع هارون إلى عامله بالكوفة: حاب علية الناس في كلامهم، وسوّ بينهم وبين السّفلة في أحكامك. قدم بريدٌ من الشام على عمر بن عبد العزيز فقال له عمر: كيف تركت الشام؟ فقال: تركت ظالمهم مقهوراً، ومظلومهم منصوراً، وغنيّهم موفوراً، وفقيرهم محبورا؛ فقال عم: الله أكبر، والله لو كانت لا تتمّ خصلةٌ من هذه إّلا بفقد عضوٍ من أعضائي لكان ذلك عليّ يسيراً. شاعر: البسيط

لا تعرف الناس أعلاهم وأسفلهم ... وإن ظننت بهم خيراً وإن ظرفوا حتّى تكلّفهم عند امتحانهم ... في الجاه والمال حاجات فينكشفوا قيل لعمارة بن عقيل: ما أجود الشعر؟ قال: ما كان كثير العيون، أملس المتون، لا يمجّه السّمع، ولا يستأذن على القلب. في قول الله تعالى " إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم " قال: زاد في طول الثياب شبراً. قال بعض الحكماء: يحسن الامتنان إذا وقع الكفران، ولولا أنّ بني إسرائيل كفروا النّعمة ما قال الله تعالى " اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ". قال الحجّاج على المنبر: يقول سليمان " ربّ اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعدي " إن كان لحسوداً. دخل على المهديّ وفدٌ من خراسان، فقام إليه رجلٌ من أهل سمرقند فقال: أطال الله بقاء الأمير أمير المؤمنين، إنّا قومٌ نأينا عن العرب، وشغلتنا الحروب عن الخطب، وأمير المؤمنين يعرف طاعتنا، وما فيه

مصلحتنا، فيكتفي منا باليسير من الكثير، ويقتصر على ما في الضّمير دون التفسير، فقال له المهدي: أنت أخطب من سمعت. يقال: من كانت فيه لله حاجةٌ لم تزل له إلى الله حاجة - هكذا كانت هذه اللفظة بخطّ السّيرافي ونقلتها كما وجدتها، وأنا أستجفي ما دونها، والمغزى فيها صحيح، وإن كانت العبارة نابيةً، ولولا أنّي وجدتها بخطّ هذا الرجل ما تجوّزت روايتها. على أنّ الله تعالى يتعالى عن جميع ما حوته الضّمائر، وصاغته الأوهام، وعنته الألسن، ونحته الإشارات، فليس يلحقه نقص الناقصين، ولا يكمل بكمال الكاملين. قال عبد الملك بن مروان لزفر بن الحارث: ما ظنّك بي؟ قال: أنّك تقتلني، فقال: قد أكذب الله ظنّك، وقد عفوت عنك. قال الحسن: من كانت الدنيا عنده وديعةً أدّاها إلى من ائتمنه عليها ثم راح إلى ربه مخفًّا؛ ما لي أراكم أخصب شيءٍ ألسنة وأجدبه قلوباً؟ قال عمر بن الخطاب: ليت شعري متى أشفي غيظي؛ أحين أقدر فيقال هلاّ غفرت، أم حين أعجز فيقال هلا صبرت!!

قال عبيد الله بن يحيى لأبي العيناء: كيف الحال؟ قال: أنت الحال، فانظر كيف أنت لي؛ فأحسن صلته. وأنشد: المنسرح يا بدر ليلٍ توسّط الفلكا ... ذكرك في القلب حيثما سلكا إن تك عن ناظري نأيت فقد ... تركت عقلي عليك مشتركا أسلمت عيّني للسّهاد كما ... أسلم جفني عليك ما ملكا ما كنت أرجو السّلوّ من سنن ال ... دّمعة إلا لشانئ فبكى ولا بدا لي شيءٌ سررت به ... بعدك إلا نظرت لي ولكا الخليل: الطويل ألا أيها المهديّ غير مدافعٍ ... رجاؤك خيرٌ من عطاء سواكا ففعلك موصولٌ بقولك كلّه ... وأطيب ما سمع العباد ثناكا العرب تقول: الغنى طويل الذيل ميّاس. ذكر عند سلام بن أبي مطيع الرجل تصيبه البلوى فتبطئ عنه الإجابة فقال: بلغني أن الله عزّ وجلّ يقول: كيف أرحمه من شيء به أرحمه؟

شاعر: الكامل إنّي لأدّرع الفلاة وما أرى ... شبحاً فيسنح ذكرها بحيالها فأنص راحلتي بها وأهزها ... بعد اتصال كلالها بكلالها وكأنّني والعيس تدّرع الفلا ... مصغٍ بأذنٍ لاستماع مقالها فكأنّ طرفي حيث كنت وإن نأت ... دارٍ بها متعلّقٌ بمثالها قال أمير المؤمنين عليّ عليه السلام: قيمة كلّ امرئٍ ما يحسنه. كتب الحجّاج إلى عبد الملك كتاباً يقول فيه: كنت أقرأ في المصحف فانتهيت إلى قوله تعالى " فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النّبيّين والصّدّقين والشّهداء " فأردت ألحق به: والخلفاء قال: فجعل عبد الملك يقول: يا للحجاج ما أكفره وأجسره قاتله الله! قال إياس: كان لي أخٌ صغيرٌ فقال لي: من أي ّ شيء خلقنا؟

قلت: من طين، فتناول مدرةً فقال: من هذا؟ قلت: نعم منها خلق الله تعالى آدم، قال: أفيعيدنا الذي خلقنا كما كنّا؟ قلت: نعم، قال: لم؟ قلت: ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى، قال: فينبغي أن نخافه إذن؟ قلت، أجل، فمات وهو صغير. شاعر: الطويل أناقش من ناجاك مقدار لحظةٍ ... ويعتاد نفسي إن نأيت حنينها وإنّ وجوهاً يصطبحن بنظرةٍ ... إليك لمحسودٌ عليك عيونها قال عليّ بن أبي طالب عليه السلام: أتفترّ عن واضحة، وقد كسبت الذنوب الفاضحة؟ شاعر: البسيط موفقٌ لسبيل الرّشد متّبعٌ ... يزينه كلّ ما يأتي ويجتنب له خلائقٌ بيضٌ لا يغيّرها ... صرف الزمان كما لا يصدأ الذّهب قال أمير المؤمنين عليه السلام: توقّ من إذا حدّثك كذبك،

وإذا حدّثته كذّبك، وإذا ائتمنته خانك، وإذا ائتمنك اتهمك. قطع على قومٍ بالبادية فكتب الحجاج إلى بني عمرو بن حنظلة: من الحجّاج بن يوسف إلى من بلغه كتابه: أمّا بعد، فإنكم أقوامٌ قد استحكمتم على هذه الفتنة، فلا على حقٍّ تقيمون، ولا على باطلٍ تمسكون، وإني أقسم بالله تعالى لتأتينّكم مني خيلٌ تدع أبناءكم يتامى ونساءكم أيامى، ألا وأيّما رفقةٍ مرّت بأهل ماءٍ فأهله ضامنون لها حتى تأتي الماء الآخر والسلام. فكانت الرفقة إذا وردت أهل الماء أخذوها حتى يؤدّوها إلى الماء الآخر. نازع عبد الملك بن مروان عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فأربى عليه فقيل له: اشكه إلى عمّك معاوية لينتقم لك منه، فقال: مثلي لا يشكو، ولا يعدّ انتقام غيري لي انتقاماً. فلما استخلف قيل له في ذلك فقال: حقد السلطان عجزٌ. قال بعضهم: من طالت لحيته تكوسج عقله.

قال أبو الدرداء: بئس المعين على الدّين، قلبٌ نخيب وبطن رغيب. مما يستدلّ به على شرف الرجل أّلا يزال يحنّ إلى أوطانه، ويصبو إلى إخوانه، ويبكي على ما مضى من زمانه. كتب رجلٌ إلى أخيه: أنا وإن كنت مستبطئاً لنفسي في مكاتبتك ومواصلتك فإنّي غير مستبطئ لها في العلم بفضلك والتوفّر على إخائك. قال الأحنف: إنّ الرجل يعذر أّلا يصيب الحقّ، ولا يعذر إذا سمع الصواب أن لا يعرفه. قال بعض الزّهّاد: أعداء الإنسان ثلاثة: نفسه في دينه، ودنياه، وشيطانه؛ فالاحتراس من النفس بقطع الشّهوة، ومن الشيطان بتعمّد المخالفة، ومن الدّنيا بالزّهد فيها. شاعر: الكامل يعطي على الغضب المشدّد والرّضى ... وعلى التّهلّل والعبوس الأربد كالغيث يسقي العالمين بأبيضٍ ... من غيمه وبأحمرٍ وبأسود آخر: مجزوء الوافر له خلقان لم يدعا ... له مالاً ولا نشبا

سخاءٌ ليس يملكه ... وحلمٌ يملك الغضبا وحلمٌ لم يكن ذلاًّ ... وجودٌ لم يكن لعبا قيل لصوفيّ: ما علامة حقيقة التعبّد؟ قال: أن يقبل إذا أعطي ويرضى إذا منع. ومن كلام يحيى بن معاذ: الاقتصاد في العيش ضيعةٌ لم تتكلّف منها؛ تمتّع القلوب في الدنيا غفلتها عن الآخرة؛ الزهد حلوٌ مرّ، أما حلاوته فاسمه والمذاكرة به، وأما مرارته فمعالجته. كان بالبصرة أهل بيت يلقّبون الناس على الوجه، فخطب إليهم رجلٌ وقال: أتزوج إليكم على شريطة، فقالوا: وما هي؟ قال: على أن لا تلقّبوني وتدعوني رأساً برأس، قالوا: فتلقبّك رأساً برأس، فعرف بذلك اللقب. قوله تعالى " فإذا جاءت الطّامّة الكبرى " أي إذا دفع إلى مالك؛ وقوله تعالى " فبصرك اليوم حديدٌ " قال إلى عين الميزان. يقال: من أصبح لا يحتاج إلى حضور باب سلطانٍ لحاجة، أو

طبيب لضّر، أو صديقٍ لمسألة، فقد عظمت عنده النّعمة. قيل لبعض أهل البيت صلوات الله عليهم: أيّما خيرٌ للإنسان: الموت أو الحياة؟ قال: الموت، قيل: وكيف ذاك؟ قال: لأنّ الله عزّ وجلّ قال " وما عند الله خيرٌ للأبرار " فإن كان برّاً فالموت خير له، وقال في الفجار " ليزدادوا إثماً " فلان لا يزداد إثماً خيرٌ له. يقال: الحاجات تطلب بالرّجاء وتدرك بالقضاء. من كلامهم: كلّ مكسوب مسلوب. دخل حاتم الأصمّ على عاصم بن يوسف فقال: يا حاتم، أتحسن أن تصلي؟ قال: نعم، قال: وممن تعلّمت الصّلاة؟ قال: من شقيق، قال: فكيف تعمل؟ قال: إذا حان وقت الصلاة أتوضأ وأدخل المسجد وأقوم فأرى الخالق عزّ وجلّ فوقي، والصّراط تحت قدمي، والجنة عن يميني، والنار عن يساري، وملك الموت وراء ظهري، والكعبة قبلتي، ومقام إبراهيم في قلبي، ثم أكبّر تكبيراً بالخوف، وأقرأ قراءةً بالترتيل، وأركع ركوعاً بالتّمام،

وأسجد سجوداً بالتّواضع، وأتشهّد تشهّداً بالرّجاء، وأسلّم بالرحمة؛ فبكى عاصم وقال: يا حاتم، لم أصلّ هذه الصلاة منذ ثلاثين سنةً على هذه الطريقة. قال رجل لإبراهيم بن أدهم: عظني، قال: يكفيك من التوسّل إليه صدق التوكّل عليه. قال المدائني: أوّل من قطع ألسن الناس عن الخطبة عبد الملك: خطب الناس فقام إليه رجل فقال عبد الملك: والله ما أنا بالخليفة المستضعف ولا الإمام المصانع، وإنكم تأمرونا بأشياء تنسونها من أنفسكم؛ والله لا يأمرني أحد بعد مقامي هذا بتقوى الله إّلا أوردته تلفه. لما تولّع زياد بشيعة أمير المؤمنين عليه السلام، قال الحسن: اللهم تفرّد بموته فإن القتل كفّأرة.

وقال يحيى بن أبي كثير في قول الله عزّ وجلّ " في روضةٍ يحبرون " قال: السمّاع. قال ابن السمّاك: وجدت الدنيا كحلم نائم، وبرقٍ لامع، وفيءٍ زائل. ثعلب: الكامل غيثان مكروهان: غيثٌ سحابةٍ ... يمحو الرّسوم من الحبيب الظاعن أو غيث عينٍ أسبلت عبراتها ... تبدي مصوناً من سرير صائن هذا خرابٌ للدّيار وهذه ... فيها خراب محاجرٍ ومحاسن لما استخلف المهدي أخرج من في السجون من أصحاب الجرائم فقيل له: إنما تزري على أبيك، فقال: أنا لا أزري علىأبي، وإنما أبي حبس بالذّنب وأنا أعفو عنه. ولي رجلٌ أصبهان، فدخل عليه الناس يثنون ويقرّظون، فدخل في أخريات الناس رجلٌ فقال: قدمت خير مقدم، إن تحسن تجد عندنا

شكراً، أو تسئ تجد عندنا غفراً، والثناء من بعد البلاء، والتزكية بعد الاختبار، والشهادة بالإحسان تقع بعد الامتحان؛ فقال الوالي: ما هذا رجل؛ هذا بلد! شاعر: الطويل وعاذوا عياذاً بالفرار وقبلها ... أضاعوا بدار السّلم حرزاً ومعقلا بني عمّنا أيقظتم الشرّ بيننا ... وكانت إليكم عدوة الشرّ أعجلا ولما أشبّوا الحقد تحت صدورهم ... حسمناه عنّا قبل أن يتكهّلا قدم قومٌ من بني أميّة على عبد الملك بن مروان فقالوا: يا أمير المؤمنين، نحن من تعرف، وحقّنا لا ينكر، جئناك من بعد نمتّ بقرابةٍ، فمهما تعطنا من خير فنحن أهله منك، كما أنّك أهل الشكر منّا. قال: فتطاول عبد الملك وقال: يا أهل الشام، هؤلاء قومي وهذا كلامهم. أوّل كلام الحسن البصري أنه صلّى بأصحابه يوماً ثم انفتل إليهم وأقبل عليهم وقال: " أيّها الناس، إني أعظكم وأنا كثير الإسراف على نفسي، غير مصلحٍ لها، ولا حامل لها على المكروه من طاعة ربّها، قد بلوت نفسي في

السّرّاء، فلم أجد لها تكبير شكرٍ عند الرّخاء، ولا كبير صبر عند البلاء، ولو أنّ الرجل لم يعظ أخاه حتى يحكم أمر نفسه، ويكمل في الذي خلق له من طاعة ربّه، لقلّ الواعظون السامعون الدّاعون إلى الله بالحثّ على طاعته؛ ولكن في اجتماع الإخوان واستماع الحديث بعضهم من بعض حياةٌ للقلوب، وتذكيرٌ من النسيان. أيها الناس، إنما الدنيا دار من لا دار له، وبها يفرح من لا عقل له، فأنزلوها منزلتها "؛ ثم أمسك. كان من دعاء أمير المؤمنين عليه السّلام: اللهمّ لا تجعل الدنيا لي سجناً، ولا فراقها عليّ حزناً، أعوذ بك من دنيا تحرمني خير الآخرة، ومن أملٍ يحرمني خير العمل، ومن حياةٍ تحرمني خير الممات. قال الحسن في قوله تعالى " وما نرسل بالآيات إّلا تخويفاً " قال: الموت الذّريع. وقال رجلٌ لسليمان الشاذكوني: أرانيك الله يا أبا أيوب على قضاء أصبهان، فقال له سليمان: إن كان ولا بدّ فعلى خراجها، فإنّ أخذ أموال

الأغنياء أسهل من أكل أموال الأيتام. سمع أبو سليمان الداراني يقول: إلهي وسيدي، إن طالبتني بشرّي طالبتك بتوحيدي، وإن طالبتني بذنوبي طالبتك بكرمك، وإن حبستني في النار أخبرت أهلها بمحبتي لك. استأذن عبد الله بن عمر على الحجّاج ليلاً، فقال الحجّاج: إحدى حمقات أبي عبد الرحمن، فدخل، فلما وصل إليه قال له الحجّاج: ما جاء بك؟ قال: ذكرت قول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: " من مات ولم يبايع إمام عصره وزمانه مات ميتةً جاهليةً "، فقال له: أتتخلّف عن بيعة عليّ بن أبي طالب وتبايع عبد الملك؟ بايع رجلي فإنّ يدي عنك مشغولة، ومدٌ إليه رجله. أتي المنصور برأس بشير الرحال، وكان خرج مع محمد بن

عبد الله، فقال له: رحمك الله، لقد كنت أسمع لصدرك همهمةً لا يسكنها إلا برد عدلٍ، أو حرّ سنان. أوصى أبو بكر خالد بن الوليد لما وجّهه إلى بعض غزواته فقال له: استكثر من الزاد، واستظهر بالأدلاّء، وإذا جاءتك رسل أعداءك فامنع الناس من محادثتهم حتى يخرجوا جاهلين، وأقلل الكلام، فإنما لك ما وعي عنك، وكن بعيداً من الحملة، فإنني لا آمن عليك من الجولة، ولا تقاتلنّ على جزعٍ فإنّه فاتٌّ بعضدك. قال رجلٌ لخالد بن صفوان: علّمني كيف أسلّم على الإخوان، قال: لا تبلغ بهم النّفاق، ولا تقصّر بهم عن الاستحقاق. دخل صبيٌّ مع أبيه الحمّام فعاد إلى أمه فقال: يا أمّي، ما

رأيت أصغر زبّاً من أبي، فقالت: في أيّ شيءٍ كان لأمك بختٌ حتى يكون لها في هذا؟ قال عبد الحميد: إن الله عزّ وجلّ يعطي الكثير من الخير باليسير من العمل، ويعفو عن العظيم من الذّنب بالصغير من الطّلب، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى. من دعاء العرب: فتّه الله فتاً، وحتّه حتّا، وجعل أمره شتّى ووصف مدينيّ لرجلٍ مغنيةً بحسن المسموع فقال: والله لو سمعتها ما أدركت ذكاتك. قيل لأبي الأسود عند الموت: أبشر بالمغفرة، قال: وأين الحياء مما كانت له المغفرة؟ أبو الشيّص: البسيط يا من تمنّى على الدّنيا منىً شططا ... هلاّ سألت أبا بشرٍ فتعطاها

إذا أخذت بحبلٍ من حبائله ... دانت لك الأرض أدناها وأقصاها ما هبّت الريح إّلا هبّ نائله ... ولا ارتقى غايةً إّلا تخطّاها قيل لزياد النّميري: ما منتهى الخوف؟ قال: إجلال الله تعالى عن مقام السؤال؛ قيل: فما منتهى الرجاء؟ قال: تأميل الله تعالى على كل حال. وصف أعرابي قوماً فقال: يقتحمون الحرب حتى كأنّما يلقونها بأنفس أعدائهم. دخل الأوزاعي على المهدي فوعظه وذكّره، فقال له: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى أعطاك فضل الدنيا وكفاك طلبها، فاطلب فضيلة الآخرة فقد فرّغك لها؛ فاستحسن قوله. قال يزيد بن المهلّب: دخلت الحمّام مع سليمان بن عبد الملك ومعنا عمر بن عبد العزيز، فقال لي عمر: إني محدّثك حديثين: أحدهما سرّ والآخر علانية؛ أما العلانية فإن هذا سيولّيك العراق، فاتق الله، وأما السرّ فإني كنت فيمن دلّى الوليد بن عبد الملك في حفرته، فلما صار في أيدينا اضطراب في أكفانه فقال ابنه: عاش أبي وربّ الكعبة، فقلت: كلاّ، ولكن عوجل أبوك وربّ الكعبة.

كان جوثة الضمري صديقاً لعبد الملك بن مروان وخرج مع ابن الزبير، فلما قتل ابن الزبير استأمن الناس وأحضر جوثة، فقال له عبد الملك: كنت مني بحيث علمت فأعنت ابن الزبير، فقال: لا تعجلنّ حتى تسمع عذري، قال: هاته، قال: هل رأيتني في حربٍ أو سباقٍ أو نضالٍ إّلا والفئة التي أنا معها مهزومةٌ بحرفي؟ وإنما خرجت مع ابن الزبير لتقتله على رسمي فضحك عبد الملك وقال: والله كذبت، ولكن عفوت عنك. احتاجت امراةٌ العزيز إلى يوسف تسأله، فلما رأته عليه السلام عرفته فقالت: الحمد لله الذي جعل العبيد بطاعتهم ملوكاً، والملوك بمعصيتهم عبيداً. قال كسرى لشيرين: ما أحسن هذا الملك لو دام لنا، فقالت له: لو دام ما انتقل إلينا.

قيل لفيلسوف: ما بال الحسود أشدّ الناس غمّاً؟ قال: لأنّه أخذ بنصيبه من غموم الدنيا ويضاف إلى ذلك غمّه لسرور الناس. من دعاء يحيى بن معاذ: اللهم إن كان ذنبي أخافني فإنّ حسن ظنّي بك قد أجارني؛ اللهم إنّي قد جعلت الاعتراف بالذّنب وسيلةً لي إليك، واستظللت بتوكّلي عليك، فإن غفرت فمن أولى بذلك منك، وإن عاقبت فمن أعدل في الحكم منك؟ اللهم إني لا أيأس من نظرك ورحمتك بعد مماتي، ولم تولني غير الجميل في حياتي، تتابع إحسانك إليّ يدلّني على تفضلك عليّ، فكيف يشقى من أسلفته جميل النظر؟ اللهم إن نظرت إليّ بالهلكة عيون سخطك فلم تغفل عن استنقاذي منها عيون كرمك؛ اللهمّ إن كنت غير مستأهلٍ لكرمك ومعروفك فكن أهلاً للتطّول، فإنّ الكريم ليس يضيع جميع مستحقيه إلهي سترت علي في الدنيا ذنوباً أنا إلى سترها يوم القيامة أحوج، وقد أحسنت بي إذ لم تظهرها لعصابةٍ من المسلمين، فلا تفضحني في ذلك اليوم على رؤوس العالمين، يا أرحم الراحمين؛ إلهي إن كان ذنبي عرّضني لعقابك، فقد رجوت الدنوّ برجائي من ثوابك، لولا ما اقترفته من الذنوب ما خفت من العقاب، ولولا ما عرفت من الكرم ما رجوت الثّواب؛ إلهي لو عرفت اعتذاراً من الذنب أبلغ من التنصّل والاعتراف به لأتيته، ولو عرفت

شفيعاً لحاجتي ألطف من الاستخذاء لك عملته، فهب لي ذنبي بالاعتراف ولا تسوّد وجهي عند الانصراف؛ إلهي إن كنت لا ترحم إّلا أهل طاعتك فإلى من يفزع المذنبون، وإن كنت لا تكرّم إّلا أهل خدمتك فبمن يستغيث المسيئون؟ اجعلني عبداً: إمّا طائعاً فأكرمت، وإما عاصياً فرحمت. هذا آخر ما نقلته من خطّ السّيرافي، ولم أضف إليه شيئاً من مواضع أخر، وحكيت خطّه وشكله، وأعود الآن إلى الطريقة الأولى في اعتراض ما يجري حسب ما ينتظم المعنى فيه. على أني شديد المراعاة لقلبك في جميع ما جمعته وقلته، أنفاً واستحياءً وإعظاماً وإكراماً. قيل لبقراط: صف لنا الدنيا، فقال: أوّلها فوت، وآخرها موت. قال بزرجمهر: كن شديداً بعد رفقٍ لا رفيقاً بعد شدةّ، لأنّ الشدّة بعد الرفق عزٌ، والرفق بعد الشدّة ذلٌّ. كتب عمر بن الخطاب إلى معاوية: أما بعد، فإنّي كتبت إليك كتاباً في القضاء لمآلك ونفسي فيه خيراً؛ الزم خمس خصالٍ يسلم لك دينك وتأخذ فيها بأقصى حظّك: إذا تقدّم إليك خصمان فعليك بالبيّنة العادلة أو اليمين القاطعة، وأدن الضعيف حتى يشتدّ قلبه وينبسط لسانه، وتعهّد الغريب فإنك

إن لم تتعهده ترك حقّه ورجع إلى أهله، وإنما ضيّع حقّه من لم يرفق به، وآس بينهم في لفظك وطرفك، وعليك بالصّلح ما لم يستبن لك فصل القضاء وإياك والقضاء بين اثنين وأنت غضبان. خطب بلال بن أبي بردة فعرف أنّ الناس قد استحسنوا كلامه فقال: لا يمنعكم ما تعلمون فينا أن تقبلوا أحسن ما تسمعون منّا. وعظ عيسى عليه السلام بني إسرائيل فبكوا وأقبلوا يمزّقون الثياب، فقال: ما ذنب الثياب؟ أقبلوا على القلوب فعاتبوها. كان رجلٌ من أهل حمص شديد الخلاف جدّاً فقيل له يوماً اجلس فقال: لا أجلس، فقيل له: قم، فقال: لا أقوم، قيل: فما تصنع؟ قال: وما لا أصنع؟! قال رجل لمزبّد: أماتك الله! قال: آمين، بعدك بألف سنة! قال أبان عن أنس، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: "

الشّؤم في أربع: في الدار والدابّة والسيف والمرأة؛ قالوا: يا رسول الله، وما شؤم المرأة؟ قال: تكون غالية المهر سيّئة الخلق لا تلد؛ قالوا: فما شؤم الدار؟ قال: تكون ضيّقةً على أهلها لها جيران سوء؛ قيل: فما شؤم الدابة؟ قال: تكون حروناً عند القتال في سبيل الله عزّ وجلّ؛ قالوا: فما شؤم السيف؟ قال: كل سيف مطبوع يسلّه صاحبه في غير سبيل الله عزّ وجلّ فهو شؤم عليه ". قال أبو العيناء: قلت لرقيعً كان في جواري وهو يأكل قشور الموز: ويحك أيش هذا؟ هذا مما يؤكل؟ فقال: هو على كل حال أطيب من الهندبا. بعثت الزرجونة مع غندر غلامها بقارورة فيها ماؤها إلى الطبيب، فقال الطبيب لغندر: أيّ شيء طبعها؟ قال: قحبة، قال: ويحك عن طبيعتها سألت، قال: خرا يا بغيض، قال: رقيق غليظ أي شيء هو؟ قال: خرا البنت يعرف لا ينكر. جاء مزبّد إلى بئرٍ ليستقي منها فوجد الحبل كثير العقد فقال: ليس

هذا حبل، هذا سبحة العجوز؛ هكذا قال، ومتى أعربت برد اللفظ وخالف المحكيّ، والغرض غير ما قيل على ما قيل، ومتى حرّف زال عن الاستطراف، إلا أن يكون البيان عن عربيٍّ فصيح اللهجة أو أعرابي بيّن اللسان، فإن ذاك متى تحّرف أيضاً فسد. حدثني بعض أصحابنا قال: رأيت جاريةً سوداء في درب الزعفراني - وكانت جسيمةً ضخمة - فقلت لصاحب لي: ما في الدنيا أضرط من سوداء، فقالت: من جانبٍ في لحيتك. قال أبو العيناء: سمعت جاراً لي أحمق وهو يقول لجار له: والله لهممت أن أوكّل بك من يصفع رقبتك ويخرج هذا الجنون من أقصى حجر بخراسان. قيل لبعض ولد أبي لهب: العن معاوية، قال: ما أشغلني ب تبّت. أمر المتوكّل ببدرةٍ فوضعت في أقصى الدار، ودعا بعّبادة

وبالزرجونة فقال لهما: من عدا إلى تلك البدرة وسبق وأخذها فهي له، فتعاديا جميعاً فسبقته الزرجونة فأخذت البدرة، فقال المتوكل: ويلك تسبقك امرأة؟ فقال: يا سيّدي هذه تعدو ببدادين وأنا أعدو بخرجين، وبيننا كثير. قال أبو العيناء: بينا أنا في طريق مكّة في يومٍ حارٍّ إذا شيخٌ قد لجأ إلى ميلٍ وعليه شملةٌ خلقة، فقلت له: ممّن الرجل؟ فقال: من هذه القفرة، فقلت: فمن أين معاشكم؟ قال: منكم معاشر الحجّاج، قلت: نحن نأتيكم في السنة ثلاثة أسهر فالباقي من أين؟ فقال: إنّ الله عزّ وجلّ رزقنا من حيث لا ندري أكثر مما رزقنا من حيث ندري؛ قلت: هل لك في أرض الرّيف والخصب، أرض العراق أو الشام؟ قال: لولا أن الله تعالى أرضى بعض العباد بشرّ البلاد، ما وسع خير البلاد جميع العباد. قال أبو العيناء في كلامٍ له: كان أبي يحبّني، فقال ابن مكرّم: كان أبوك يحب الخرا قال: فلو رآك إذاً للطعك.

قال رجلٌ لآخر في الحمّام: أيش تعمل ها هنا؟ قال: أسوّي لأمّك مهزّة. لما مات عروة بن الورد قالت سلمى: يا عروة ما كان أكلك باجتحاف، ولا شربك باشتفاف، ولا لبستك بالتفاف، ولا نومك بالتحاف، وال كنت تشبع ليلة الأضياف، ولا تنام ليلةً تخاف. فصلٌ لكاتب: وصل إليّ كتابك لا عدمتك إّلا برؤيته. قال أعرابيٌّ لآخر في كلامٍ له: أتجلب التّمر إلى هجر؟ قال: نعم إذا أجدبت أرضها وجف نخلها. شاعر: الطويل تركت لك القصوى لتدرك فضلها ... وقلت لهم بيني وبين أخي فرق

ولم يك بي عنها نكولٌ وإنّما ... تغاضيت عن حقّي فتمّ لك الحقّ ولا بدّ لي من أن أكون مصلّياً ... إذا كنت أرضى أن يكون لك السّبق قال أبو العيناء، قال الأصمعي: قلت لأعرابي: أين منزلك؟ قال: من وراء اليمن بطالعين، يريد بشهرين. غزا قاصٌّ فقيل له: أتحبّ الشهادة؟ فقال: أي والذي أسأله أن يردّني إليكم. عرضت على مديني جاريةٌ فقال: ما أدقّ رأسها! فقالت: تريد أن تبني على رأسي غرفة. دخل أبو العيناء على ابن مكرّم فقال له: كيف أنت؟ فقال له أبو العيناء: كما تحبّ، فقال: فلم أنت منطلق كالحزنبل؟ شاعر: الطويل ألا ربّ همٍّ يمنع النوم برحه ... أقام كقبض الراحتين على الجمر بسطت له وجهي لأكبت حاسداً ... وأبديت عن نابٍ ضحوكٍ وعن ثغر

وشوقٍ كأطراف الأسنّة في الحشا ... ملكت عليه طاعة الدمع أن يجري دعا أعرابيٌّ فقال: اللهمّ ارزقني نفساً طيبة مطمئنة قانعةً بعطائك، راضيةً بقضائك، موقنةً بلقائك. قال مساور بن هند لرجل: أتعرفني؟ قال: لا، قال: أنا المساور بن هند، قال: ما أعرفك، قال: فتعساً ونكساً لمن لا يعرف القمر. قيل لصوفيّ: ما نصيبك من الحقّ؟ قال: نصيبي منه أنّي نصيبه وكفاني. أبو العتاهية: المديد اقطع الدنيا بما انقطعت ... وادفع الدنيا بما اندفعت واقبل الدنيا إذا سلست ... واترك الدنيا إذا امتنعت تطلب النفس الغنى أبداّ ... والغنى في النفس لو قنعت كتب عليّ بن أبي طالب عليه السلام إلى سلمان الفارسي رضي

الله عنه وهو بالمدائن: أما بعد، فإنّ مثل الدنيا مثل الحيّة ليّنٌ مسّها، قاتلٌ سمّها، فأعرض عما يعجبك منها، لقلّة ما يصحبك عند مفارقتها، وضع عنك همومها لما تؤمن به من سرعة فراقها، ولتكن أسرّ ما تكون بها أحذر ما تكون لها، فإنّ كلّ من اطمأنّ إليها وإلى سرورها أشخصته إلى مكروهها. قيل لصوفّي: ما الفرق بينك وبينك؟ قال: الحقّ. قال الجمّاز لقينةٍ: البسيط ماذا تقولين فيمن شفّه حزنٌ ... من شدّة الحبّ حتى صار حرّانا فقالت: إذا رأينا محبًّا قد أضرّ به ... جهد الصّبابة أوليناه إحسانا قال جعفر بن محمد عليهما السلام: ما افتقرت كفٌّ تختّمت بفيروزج، وتفسيره ظفر؛ هكذا قال أبو جعفر ابن بابويه، وما لحقت شيخاً

أكبر منه ولا أطول باعاً في العلم، وما أدري كيف حقيقة هذا، وللرافضة أخبار كثيرة يروونها عن جعفر بن محمد عليه السلام لم يقلها قط، ولا محصول لها، ولا فائدة معها، ولا حقيقة لشيءٍ منها، وتى رددتها عليهم غضبوا وشنعوا وقالوا: أنت رديْ الدين ولهذا تردّ على الصادقين. خرج المأمون يوماً إلى ندمائه ومعه رقعةٌ مكتوب فيها: يا موسى، فقال: هل تعرفون لها معنى. فقالوا: لا، فقال إسحاق بن إبراهيم الطاهري: يا أمير المؤمنين، هذا إنسان يحذّر إنساناً، أما سمعت الله تعالى يقول " يا موسى إنّ الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إنّي لك من النّاصحين " فقال المأمون: صدقت، هذه صرف جاريتي، كتبت إلى أختها متيّم جارية عليّ بن هشام أننا على قتله فحذرته؛ فما ردعه ذاك عن قتله. روي أن جاراً كان يتراءى لعائشة، فأمرت بقتله، فرأت في المنام قائلاً يقول لها: قتلت رجلاً من مسلمي الجنّ، قالت: لو كان مسلماً اطّلع على نساء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقيل: إنما كان يجيء

فيستمع القرآن؛ فتصدقت باثني عشر ألف درهم. قيل لداود بن رشيد: لم كره الناس أن يدخلوا بنسائهم في شوّال؟ قال: مات فيه بالطاعون الجارف تسع عشرة ألف عروس. وصف أعرابيٌّ مطراً فقال: السماء واكفةٌ والأرض راشفةٌ. لما عزم نوبخت على الإسلام كتب رقعتين، إحداهما " الدين والإسلام ومحمد وآله " وكتب في أخرى " المجوسية ومحبة الشمس " ودعا برجل من المسلمين فقال: ادفنهما حيث شئت، فدفنهما وخرج، ودخل نوبخت فأخذ الارتفاع، فوجد السعود كلها في ناحية المشرق فقال: الحق في المشرق، وأخرج الرقعة فإذا رقعة " الإسلام ومحمد وآله " وكان ذلك سبب تشيّعه. قال ابن جدار المصري: قال لي أبو العمثيل شاعر بني طاهر النعمان اسمٌ من أسماء الدم، ولم يعن شقائق النعمان بن المنذر؛ قال أبو

العمثيل: حدثت به الأصمعيّ وكتبه. هذا غريب جداً، وليته وصله بشاهدٍ أو حديثٍ أو مثالٍ أو كتاب، فليس كلّ مرسلٍ مقبولاً ولا كلّ عارضٍ ثابتاً، ولولا الشاهد والمثل وقفت الرّواية وانتهى العلم وسقط التفاضل. قال أعرابي: خير أموال الناس أشبههم بالناس، يعني النخل. قال ثعلب: قول الناس " ماخور " لتردد الناس فيه، ومنه قول الله عزّ وجلّ " وترى الفلك مواخر فيه " قال اليزيدي: مخرت السفينة إذا شقّت الماء بجؤجؤها، والمواخر هي الشواقّ. قال بعض العلماء: ما جيل من الأجيال ولا أمة من الأمم إّلا ولهم أمور قد اصطلحوا عليها وسنن قد ألفوها، يحمدون في بعضها ويذمّون، ولم يحو جيلٌ منها جميع المحمود، ولا احتازت أمةٌ منها جميع المذموم، ولكن تقاسموا المحامد والمذامّ تقاسماً بالجواهر والطبائع، وبالإكراه والاختيار، وبالدّواعي الظاهرة والأسباب الخافية. على ذلك تجد الهند والروم والفرس

والعرب، وهؤلاء هم أرباب جميع الفضائل، والناس عليهم عيالٌ من بعد لأنهم الأركان والعمد والجراثيم والأصول، ومن عداهم تابعٌ لهم وآخذٌ منهم وسالكٌ سبيلاً من سبلهم. انظر إلى العرب مع فضلها وذكائها، ولسانها وبيانها، وسيفها وسنانها، وصبرها وعزائها، وسخائها وشجاعتها، ورأيها وبديهتها، وفكرها وغوصها، ومعرفتها التي هي خالص الجوهر وزبدة الطبيعة، لأنّ أمرهم في القديم جرى على هذه وبهذه الأسباب عرف، وذلك أنّ فساد الحاضرة ونفج المترفين ومحبّ الراحة ورعونة أصحاب النعم كانت بعيدةً عنهم، وكانوا في جميع متصرّفهم واختلاف أحوالهم لا يعرفون إّلا التساجل بالبيان والعقل، والتباهي بالصّواب والأدب، وكانوا في كلّ فصلٍ على أقصى حدوده وأعلى قلله، وعلى هذه الحال، فإذا فصلت أحوالهم وميّزت أمورهم أصبت أشياء هي في جانبٍ من العقل وعلى بعدٍ من الحقّ، مثل كيّهم السّليم من الإبل إذا أصابها العرّ ليذهب العرّ عن السّقيم؛ هذا زعمهم وعلمهم وعليه بصيرتهم وعملهم؛ وكشقّ الرجل برقع حبيبته وشقّ الحبيبة رداء حبيبها، وقولهم إنها متى لم تفعل هذا وهو متى لم يفعل ذاك عرض السيف بينهما

واستحالت المحبة بغضاً، والاستحلاء مقتاً، والقبول رداً، وفيه قال عبد بني الحسحاس: الطويل وكم قد شققنا من رداءٍ محبّرٍ ... ومن برقعٍ عن طفلةٍ غير عانس إذا شقّ برد شقّ بالبرد برقع ... دواليك حتى كلّنا غير لابس وكما علّقوا الحليّ على السليم رجاء إفاقته؛ قال النابغة: الطويل يسهّد من بيت العشاء سليمها ... لحلي النساء في يديه قعاقع وكما فقأوا عين الفحل إذا بلغت إبل أحدهم ألفاً، فإن زادت على الألف فقأوا العين الأخرى: يزعمون أن ذلك يدفع عنها العارة والعين. وكما سقوا العاشق ماء السلوان؛ قال الأصمعي: هي خرزةٌ تحلّ بماءٍ ثم تسقى أصحاب الهوى؛ فزعموا أنه يسلو صاحب العشق بذلك. قال: ويقال سلا يسلو سلوًّا إذا ذهلت نفسه عنه؛ قال: ويقال: سلي يسلى سلوًّا، ويقال أيضاً: سلى يسلى سلياً، قال رؤبة: الرجز

لو أشرب السلوان ما سليت ... ما بي غنىً عنك ولو غنيت وكما أوقدوا خلف المسافر ناراً إذا كرهوا إيابه. وكما ضرب الثور إذا امتنعت البقر من الماء. وكما زعموا أنّ المقلات إذا وطئت رجلاً شريفاً مقتولاً عاش ولدها، والمقلات: التي لا يعيش لها ولد. وكما زعموا أنّ الرجل إذا خدرت رجله فذكر أحبّ الناس إليه ذهب عنه الخدر. وكما يحذف الصبيّ سنّه إذا سقطت في عين الشمس ويقول: أبدليني بها أحسن منها؛ ويزعمون أن الصبيّ متى لم يفعل هذا لم تنبت أسنانه إّلا عوجاً ولا تعلق. وكما قالوا إن الفرس المهقوع - والهقعة دائرة تكون بالفرس - إذا ركبه رجلٌ فعرق الفرس اغتلمت امرأته وطمحت عينها إلى غير أبي مثواها، وقد قال رجلٌ من العرب: الطويل إذا عرق المهقوع بالمرء أنعظت ... حليلته وازداد حرًّا عجانها فأجابه آخر: الطويل وقد يركب المهقوع من لست مثلةً ... وقد يركب المهقوع زوج حصان وكما عقدوا السّلع والعشر في أذناب الثيران وأضرموا النار فيها وأصعدوها

جبلاً وعراً يستسقون بذلك، ويدعون الله عزّ وجلّ، هذا إذا أمحل البلد وعزّ القطر. وكما أن من ولد في القمر رجعت قلفته وكان كالمختون. وكما عقدوا الرّتيمة بغصن الشجرة عند السّفر وتفقّدوها عند الإياب، فإذا وجدوها على حالها قضوا بأنّ الحليلة لم تخن، وإن وجدوها منحلّةً حكموا بفجورها. وكما زعموا أن الداخل إلى بلد مخوف الوباء يجب أن يقف على أوائل البلد فينهق كما ينهق الحمار، ومتى فعل ذلك أمن وباءها. وكما زعموا أن من علّق على نفسه كعب أرنبٍ لم تقربه الجنّ. فأمّا ما كان مثل إمساكهم عن بكاء القتيل إلى أن يؤخذ بثأره، فالغرض فيه ظاهر، والعادة فيه مقبولة، وهذا الضّرب معروف السبب، صحيح العلّة، وليس من الأوّل في شيءٍ، لأنّ تلك دلّت على سفه

الأحلام وعلى جهل الطباع وعلى فساد المعرفة. وهكذا الفرس في كثيرٍ من أمورها وعاداتها وأخبارها ورواياتها. ومتى حسنت غايتك بتصفّح أسرار العالم وأخلاق الأمم رأيت العجائب وعرفت الغرائب. وللهند ما يربي على جميع الناس؛ وأقلّهم تخليطاً الروم، وذلك أيضاً لأسبابٍ؛ على أنهم ما خلوا ولا عروا. شاعر: الكامل يا من يؤمّل أن تكون خصاله ... كخصال عبد الله أنصت واسمع فلأنصحنّك في المشورة والذي ... حجّ الحجيج إليه فاقبل أو دع اصدق وعفّ وبرّ واصبر واحتمل ... واحلم ودار وكفّ واسمح واشجع للخنساء ويقال لأبي المثلّم الهذلي: البسيط لو أن للدهر مالاً كان متلده ... لكان للدهر صخرٌ مال قنيان

آبي الهضيمة حمّال العظيمة مت ... لاف الكريمة لا سقطٌ ولا وان حامي الحقيقة نسّال الوديقة مع ... تاق الوسيقة جلدٌ غير ثنيان ربّاء مرقبةٍ منّاع مغلبة ... ورّاد مشربةٍ قطّاع أقران شهّاد أنديةٍ حمّال ألويةٍ ... هبّاط أوديةٍ سرحان فتيان التارك القرن مصفرّاً أنامله ... كأنّ في ريطتيه نضح أرقان يعطيك ما لا تكاد النفس تبلغه ... من التّلاد وهوبٌ غير منّان قيل لعاصم بن عيسى: بم سدت قومك؟ قال: ببذل النّدى، وكفّ الأذى، ونصرة المولى. من كلام الأوّلين على وجه الدهر: إذا زللت فارجع، وإذا ندمت فأقلع، وإذا أسأت فاندم، وإذا منيت فاكتم، وإذا قريت فأفضل، وإذا منعت فأجمل.

قيل لأبي هاشم الصوفي وقد جاء من ناحية النهر: في أيّ شيءٍ كنت اليوم؟ قال: في تعليم ما لا ينسى وليس لشيءٍ من الحيوان عنه غنى، قيل: وما هو؟ قال: السّباحة. قال بعض الملوك لوزرائه: أيّ الرّجال خيرٌ؟ قال بعضهم: الشّجاع، قال: الشجاع يموت فيذهب ذكره؛ قال آخر: السّخيّ، قال: السخي ينفذ ما عنده؛ قال آخي: التّقيّ، قال: التقيّ تقواه لنفسه، قالوا: فمن؟ قال: الذي يموت ويبقى تدبيره. شاعر: الكامل ما زالت الدنيا تقلّب بالفتى ... طوراً تجود له وطوراً تسلبه من لم يزل متعجّباً من حادثً ... تأتي به الأيام طال تعجّبه قال الثوريّ لشريك بن عبد الله: لم ترض أن وليت القضاء لمنصور حتى وليت للمهدي؟ فقال: إني شيخٌ كبير وعليّ دينٌ ولي عيال، فقال سفيان: والله لأن تلقى الله ومعك دينك وعليك دينك أفضل من أن تلقاه وأنت عاملٌ لهم. تزوج رجلٌ صغير الأير امرأةً، فلما دخل بها اعتذر إليها فقال: هو وإن كان صغيراً فهو ذكيّ، قالت: ليته كان كبيراً وهو أبله، أيش عليّ من بلهه؟!

قال الكندي: من أراد الإلقاح فليقطر على الحشفة زئبقاً خالصاً ويذرّ عليها شيئاً من المسك ليطرد برد الفرج ريحه فإنه يلقح. قال كسرى لبعض عمّاله: كيف نومك بالليل؟ قال: أنامه كلّه، قال: أحسنت، لو سرقت ما نمت هذا النوم كلّه. ذكر المغيرة عمر فقال: كان به عقلٌ يمنعه من أن يخدع، ودينٌ يمنعه من أن يخدع. قيل ليزيد بن المهلّب: بم نلت هذا الأمر؟ قال: بالعلم؛ قالوا: فقد رأينا من هو أعلم منك لم ينل ما نلت؛ قال: ذلك علمٌ أخطئ به مواضعه، وهذا علمٌ أصيب به فرصته. قيل لفيلسوفٍ: فلانٌ يحسن القول فيك، قال: سأكافيه، قيل: بماذا؟ قال: بأن أحقّق قوله. أغلظ سفيهٌ فقيل له: لم لم تغضب؟ فقال: إن كان

صادقاً فليس ينبغي أن أغضب، وإن كان كاذباً فبالحري أن لا أغضب. تقدّم إلى الشعبيّ رجلان فقال أحدهما: إني اشتريت من هذا غلاماً صبيحاً فصيحاً صحيحاً، فقال: هذه صفة محمد بن عمير سيّد بني تميم. كان على سيف بعض الشّراة مكتوباً: ثأر الله من الظالمين. شاعر: الطويل حسامٌ غداة الرّوع ماضٍ كأنّه ... من الله في قبض النفوس رسول قال رجل لآخر: أتدري لم غلا السّعر ببغداد؟ قال: لا، قال: لأنّ كلّ بلدٍ خبزه أكثر من أهله وبغداد أهله أكثرن خبزه. قيل لأعرابي: أتحنّ إلى الحاضرة؟ فقال: البادية أفسح، والجسم فيها أصحّ. كاتب: لي حرمةٌ سالفةٌ، وفيك أملٌ قديمٌ، وهما يقتضيانك حقاً لا تدفعه، ويطالبانك بذمامٍ لا تنكره.

قال واصل بن عطاء: لأن يقول الله عزّ وجلّ لي يوم القيامة: " هلاّ قلت " أحبّ إلي من أن يقول: " لم قلت " لأنه إذا قال: لم قلت؟ طالبني بالبرهان، وإذا قال: هلاّ قلت، فليس غير ذلك يزيد. استدلّ هشام بن الحكم على أنّ الباري جلّ جلاله جسمٌ بقوله " لا تأخذه سنةٌ ولا نومٌ "؛ قال: لو كان غير جسمٍ لم يكن هذا مدحاً. وقال أبو حامد المروزوذي: ألا تعلم أنه لو كان جسماً لم كان هذا منفياً؟ وكان يقول: لا أدري ما فائدة هشام في اعتقاده أنه جسمٌ وهو يعلم اضطراراً أن نفي هذا الاسم على الحدّ المقتضى أدخل في التوحيد. قال سهل الأحول - وكان يكتب لإبراهيم بن المهدي -: ما أحسن حسن الظنّ إّلا منه العجز، وما أقبح سوء الظنّ إّلا أن فيه الحزم.

قال بعض الناظرين في معاني القرآن: " وما قتلوه وما صلبوه " هذه الهاء للظن " إنّ الذين اختلفوا فيه لفي شك ٍمنه ما لهم من علمٍ إّلا اتّباع الظّنّ وما قتلوه يقيناً " ذلك الظنّ. مات أخٌ لجحا فقالت له أمه: اذهب فاشتر الكفن والحنوط، قال: لا أذهب، ابعثوا غيري، قالوا: لم؟ قال: أخاف أن تفوتني الجنازة. قال أبو العيناء: أكلت مع بعض أمراء البصرة فقدّم إلينا جديٌ سمينٌ، فضرب القوم بأيديهم إليه فقال: ارفقوا به فإنه بهيمة. قال ابن مسعودٍ رحمه الله: ما الدّخان على النّار بأدلّ من الصّاحب على الصّاحب. قال بعض المفسّرين: قوله تعالى " تفقّد صواع الملك " الصواع: الطرجهارة. سئل أعرابيٌ عن راعٍ فقال: هو الرائح الباكر، الحالب العاصر، والحاذف الكاسر.

قال صالح بن سليمان: لا تستصغروا أحداً فإنّ العزيز ربما شرق بالذباب. قيل لمزبّد: لم لا تكون كفلان؟ - يعني رجلاً موسراً - فقال: بأبي أنتم، كيف أشبه بمي يضرط فيشمّت، وأعطس فألطم؟ العرب تقول في أمثالها: ليس ابن أمّك كابن علّة. قال بعض البلغاء لرجلٍ يصفه: لو أراد الخير أن يتلبّس لبوساً حسناً ما تلبّس إّلا بك. شاعر: مجزوء الكامل لم يبق من طلب الغنى ... إّلا التعرّض للحتوف فلأفعلن وإن رأي ... ت الموت يلمع في السيوف إني امرؤٌ لم أوت من ... طلبٍ ولا همٍّ شريف لكنّه قدرٌ يزو ... ل عن القويّ إلى الضّعيف

كتب كسرى إلى هرمزد: استقلل كثير ما تعطي واستكثر قليل ما تأخذ، فإنّ قرّة عين الكريم فيما يعطي، وسرور اللئيم فيما يأخذ؛ ولا تجعل الشحيح أميناً، ولا الكذاب صفيّاً، فإنّه لا عفّة مع شحٍّ، ولا أمانة مع كذبٍ. قال شاعر في وصف سيف: الكامل إني لبست لحربكم فضفاضةً ... كالنّهي رقرقه رياح شمال ومهنّداً كالملح ليس لحدّه ... عهدٌ بتمويهٍ ولا بصقال ترضيك هزّته إذا ما شمته ... وتقول حين تراه: لمعة آل شاعر يصف بعيراً: الرجز كأنّما الزّمام والتصدير ... يمدّه حين يقال سيروا عمود ساجٍ جوفه منجور ... عام به في لجةٍ قرقور في ذي صراريّ له صرير دخل سعيد بن عتبان الجعفري على هشام بن عبد الملك فقال: يا أمير المؤمنين، إني أريد أن أصفك بصفتك، فإن ينحرف كلام فلهيبة الإمام

وتصرّف الأعوام، فربّ جواد عثر في استنانه، وكبا في ميدانه، فرحم الله عبداً أقصر عن لفظه، وألصق الأرض بلحظه؛ فخاف هشامٌ أن يتكلّم بكلامٍ يقصّر به عن جائزته، فعزم عليه فسكت. قيل لأشعب: ما بلغ من طمعك؟ قال: أرى دخان جاري فأثرد. قام رجلٌ إلى عمر بن عبد العزيز فقال: يا أمير المؤمنين، اذكر بمقامي هذا مقاماً لا يشغل الله عنك فيه كثرة من يختصم إليه حين تلقاه بلا ثقةٍ من عمل، ولا براءةٍ من ذنب؛ فبكى حتى غشي عليه، ثم قضى حاجته. لما انصرف أبو مسلمٍ من حرب عبد الله بن علي رأى كأنّه على فيلٍ والشمس والقمر في حجره، فأرسل إلى عابرٍ يألفه ويسكن إليه فقصّ عليه فقال: الرسم، فقبض عشرة آلاف درهم، فقال: قل، فقال: اعهد عهدك فإنك هالكٌ، قال الله تعالى " ألم تر كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل " وقال: " وجمع الشّمس والقمر يقول الإنسان يومئذٍ أين المفرّ ".

قال مالك بن طوق للعتّابي: إني رأيتك سألت فلاناً حاجةً فرأيتك قليلاً، قال: وكيف لا أكون قليلاً ومعي حيرة الحاجة، وذلّ المسألة، وخوف الرّدّ؟ قال ابن السّمّاك: اللهمّ إني آمر بطاعتك وربّما قصّرت، وأنهى عن معصيتك وربّما اقترفت، وقد تعلم إنّي إنما أدور على أن أعظّمك في صدور خلقك، فارحمني بذلك يا أرحم الراحمين. تقدّم إلى سوّار بن عبد الله ثلاثة إخوة في قسمة ميراثٍ فقال: اجعلوا لأكبركم خير المواضع، فال أحدهم: لا أفعل حتى تقرع بيننا، قال: ويحك لم؟ قال: لأنّي بحظّي أوثق مني بعقلي، فأقرع فخرج خيرها له. قال بهرام جور: إذا تقدّم في الأعمال قبل وقتها انتفع بها في وقتها، وإذا عملت في وقتها انتفع بها بعد وقتها، وإذا عملت بعد وقتها لم ينتفع بها. شاعر في المأمون: الخفيف

خلّفوه بعرصتي طرسوس ... مثلما خلّفوا أباه بطوس شاعر يهجو قوماً: البسيط بيض المطابخ لا تشكو ولائدهم ... غسل القدور ولا غسل المناديل قال ابن عبّاس رحمه الله: الحوت الذي كان مع موسى عليه السلام كان مشقوق البطن مملوحاً. كان محمد بن أبي خالد من أحسن الناس وجهاً؛ قال: كنت أصلّي في يوم عيد خلف المأمون وإلى جانبي يحيى بن أكثم ومن الجانب الآخر عمرو بن مسعدة، فلما سجد قال لي يحيى في سجوده سرّاً: أنا والله ميتٌ من حبك يا حبيبي. أظنّ يحيى بن أكثم لم يعبأ بصلاة العيد لأنها سنّة، ولعلّه لو كان في فريضةٍ لما عمل هذا، إن صحّت الحكاية. لعمرو بن دعبل في محمد بن عبد الله بن بشر: الوافر رغيف محمدٍ ضخمٌ ولكن ... مصافحة الكواكب دون لمسه يبيت رغيفه معه ضجيعاً ... مخافة آكلٍ من دون عرسه

يصون رغيفه بخلاً عليه ... ويبذل عرضه من دون فلسه ووجه محمد حسنٌ طريرٌ ... ولكن شانه بدناة نفسه ولو غمس ابن بشرٍ في بحارٍ ... لجفّفها ويبّسها بيبسه قال أعرابي: إنّ الباقي وإن كان عزيزاً لأهل أن يطلب، وإن الفاني وإن كان موجوداً لأهل أن يرفض. قال أبو عبيدة: قلت لابن فضالة: أيما أفضل عندك اليمن أم العراق أم الشام؟ فقال: سبحان الله، ما يبغي لأحدٍ أن يسأل عن هذا وقد بينّه الله تعالى في كتابه فقال: " ادخلوا الأرض المقدّسة التي كتب الله لكم " يعني الشام، وقال في اليمن " بلدةٌ طيّبةٌ وربٌّ غفورٌ " وقال " يعلّمون النّاس السّحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت " يعني العراق. قال العتبي لأحمد بن أبي خالد الأحول: هل أنكرت عليّ يوم دخولي إلى المأمون شيئاً؟ قال: نعم، قال: وما هو؟ قال: ضحك من شيءٍ فكان ضحكك أكثر من ضحكه.

وهب رجلٌ لقاصٍّ خاتماً بلا فصٍّ فقال: وهب الله لك في الجنّة غرفةّ بلا سقف. قال جحظة: قال لي ثعلب: المرأة الصالحة كالغراب الأعصم وهو الأبيض الرّجلين؛ قال: ولا يكاد يوجد. وأنا أقول والرجل الصالح في هذا المكان كالكبريت الأحمر قال ميمون بن هارون: ثلاث غلاّتٍ في ثلاثة بلدانٍ متساويات: الزيتون بفلسطين، والتّمر بالبصرة، والأرز بالأهواز. قال رجلٌ ليوسف عليه السلام: كيف صنع بك إخوتك حيث طرحوك في الجبّ؟ فقال: لا تسألني عن صنيع إخوتي ولكن سلني عن صنيع ربّي. قال المتوكّل للفتح بن خاقان وقد خرج عليهم وصيفٌ الخادم

المعروف بالصغير في أحسن زيّ: يا فتح أتحبّه؟ قال: أنا لا أحبّ من تحبّ، ولكني أحبّ من يحبّك لا سيّما مثل هذا. هذا جواب عقلٍ شريف الجوهر على المحلّ. حضر رجلٌ جنازةً فنظر إلى لحد الميت، فلما دلّي في الحفرة قال لأبي الهذيل: يا أبا الهذيل، الإيمان برجوع هذا صعب، فقال أبو الهذيل: الذي أنشأه يعيده. هذا جوابٌ مستوفىً لانّ النشأة الثانية مقيسةٌ على النشأة الأولى، ولكنّ الجواب الذي يجري ف يمناقضة الرجل غير هذا، يقال للرجل: إن كان الإيمان برجوع هذا صعباً فإهماله على ما كان له وعليه أصعب، لأنّ هذا المتعجّب لا بدّ له من إثبات إحسانٍ وإساءةٍ وجورٍ وعدلٍ وخيرٍ وشرٍّ وحقٍّ وباطل، وكلّ هذا قد تصرّف فيه هذا الملحد، فليس رجوعه ليجزى بما صنع إّلا دون إبطاله جملةً، لأنّ الفاعل قد فعله في الأول وصرفه في الوسط، وأضاف إليه أشياء ووقف عليه أشياء، وتمام الحكمة فيما ابتدأ به مرتبطٌ بإعادته ومجازاته، وإّلا فقد خلت الحال الأولى من غرض الحكماء، وعادت العاقبة إلى لعب السفهاء، والخالق البارئ المصوّر جلّ فعله عما يشينه ويشكّك في حكمته ويذهل العقل عن

معرفته، وإنما ذهلت العقول وكلّت المعارف عما تفرّد به في ذاته، فأمّا ما وصله بالخلق فقد أثار دفائنه وفتح خزائنه وقاد العقول إلى تحصيله، وصرف اللسان على إيضاحه، وبعث الخواطر في انتزاعه، وقرن التكليف في ذلك بتأييدٍ ولطفٍ وكفايةٍ وصنع. وإنما فتن هؤلاء القوم في هذه الأمور لتسرّعهم بالحكم قبل عرفان العلة وقضائهم بالأمر قبل استقرار الأصل واستراحتهم إلى السابق من غير اتهامٍ له، وهذا بلاءٌ قد عمّ وداءٌ قد دبّ؛ نعم وهل يصار إلى الوجدان إّلا بعد أن يبتلى بكرب الطلب، وهل يطمأنّ إلى ما نشأ من الأصل إّلا بعد التعب مع تأسيس الأصل، وهل يتنعّم بالمحبوب إّلا بعد عائقٍ شوّق إليه وتخوّف من الانقطاع عنه؟ هكذا الترتيب في الشاهد وبه يذلً كلّ جاحد. جعلنا الله ممن إذا قصد الحقّ أصاب، وإذا دعي إلى الخير أجاب، وإذا ألمّ بالشّبهة أقلع وأناب، وكفانا مؤونة الهوى، فإنّه أسحر من الشيطان الرجيم.

أتى عمرو بن معدي كرب مجاشع بن مسعودٍ بالبصرة فقال له: اذكر حاجتك، فقال: حاجتي صلة مثلي، فأعطاه عشرة آلاف درهم وفرساً من بنات الغبراء وسيفاً قاطعاً ودرعاً حصينة وغلاماً خياراً؛ فلما خرج من عنده قال له الناس: كيف وجدت صاحبك؟ قال: لله بنو سليمٍ ما أشدّ في الهيجاء لقاءها، وأكرم في اللّزبات عطاءها، وأثبت في المكرمات بناءها، لقد قاتلتها فما أجبنتها، وسألتها فما أبخلتها، وهاجيتها فما أفحمتها، وأنشد: الطويل ولله مسؤولاً نوالاً ونائلاً ... وصاحب هيجا يوم هيجا مجاشع نقلت هذا من خطّ ابن السّراج النّحوي؛ ومعنى قوله أجبنتها: أي ما وجدتهم جبناء ولا بخلاء ولا مفحمين، ومتى شدّدت الحرف فقلت: بخّلته انقلب المعنى إلى أنك تنسبه إلى البخل وبطل معنى وجدته، وهكذا نظائر هذا الحرف. قال المدائني: قدم عبد الرحمن بن سليم الكلبي على المهلّب بن

أبي صفرة فرأى بنيه قد ركبوا عن آخرهم فقال: أنّس الله بتلاحقهم الإسلام، فوالله لئن لم يكونوا أسباط نبوّةٍ إنهم لأسباط ملحمةٍ. قال قبيصة بن مسعود الشيباني يوم ذي قار يحرّض قومه: الحذر لا يغني من القدر، والدّنيّة أغلظ من المنيّة، واستقبال الموت خيرٌ من استدباره، والطعن في الثّغر خيرٌ منه وأكرم من الدّبر، يا بني بكر حاموا فما من المنايا بدّ؛ هالكٌ معذورٌ خيرٌ من ناجٍ فرور. كان الحجاج يستثقل زياد بن عمرو العتكي، فلما أتى الوفد الذين قدموا على عبد الملك بن مروان من عند الحجاج وزياد حاضر قال زياد: يا أمير المؤمنين إنّ الحجّاج سيفك الذي لا ينبو، وسهمك الذي لا يطيش، وخادمك الذي لا تأخذه فيك لومة لائم؛ فلم يكن بعد ذلك أحد أخفّ على قلبه منه.

دخل جرير بن عبد الله على المنصور - وكان واجداً عليه - فقال له: تكلم بحجّتك، فقال: لو كان لي ذنبٌ تكلّمت بعذري، ولكنّ عفو أمير المؤمنين أحبّ إليّ من براءتي. قال رجلّ لمالك بن طوق حين عزل عن عمله: أصبحت والله فاضحاً متعباً، أما متعباً فلكلّ والٍ بعدك أن يلحقك، وأما فاضحاً فلكلّ والٍ قبلك لحسن سيرتك. قال العتبي: وقع ميراث بين ناسٍ من آل أبي سفيان وبني أمية فتشاحّوا وتضايقوا، فارتفعوا إلى عمرو بن عتبة فقال: إن لقريش لدرجاً تزلق عنها أقدام الرجال، وأفعالاً تخضع لها رقاب الأموال، وألسنا تكلّ عنها الشّفار المشحوذة، وغاياتٍ تقصّر عنها الجياد المنسوبة، فلو كانت الدنيا لهم ضاقت عن سعة أحلامهم، ولو احتفلت الدنيا ما تزيّنت إّلا بهم، ثم إنّ ناساً منهم تخلّقوا بأخلاق العوام وكان لهم رفقٌ في اللؤم، وخرقٌ في

الحرص، لو أمكنهم لقاسموا الطّير أرزاقها، إن خافوا مكروهاً تعجّلوا له الفقر، وإن عجّلت لهم نعمةٌ أخّروا عنها الشكر. كاتب: أعطاك الله حتى ترضى، وزادك بعد الرّضى وتوخّى لك من فضله وسعته ما لا تهتدي إليه مسألتك، ولا يحيط قلبك لمعرفته، وأضعف لك أضعافاً تجوز منى المتمنّين واستزادة المستزيدين، وجعل ذلك موصولاً بالنعمة والثواب الذي ذكره وذخره للمحسنين. وقف أهل المدينة وأهل مكة بباب أبي جعفر، فأذن الربيع لأهل مكة قبل أن يأذن لأهل المدينة، فقال جعفر بن محمد عليهما السلام: أتأذن لأهل مكة قبل أهل المدينة؟ قال الربيع: إنّ مكّة العشّ، فقال جعفر عليه السلام: عشٌّ والله طار خيره وبقي شرّه. قال الحسن: إن الدين فوق القصير ودون الغلوّ. قال ابن عائشة لرجلٍ معه صبي: من هذا؟ قال: يتيمٌ لنا،

قال: ابن من؟ قال: ابن ابني، قيل به: أيكون من أنت أبوه يتيماً؟ فقال: قد سمّى الله عزّ وجلّ نبيّه يتيماً وعبد المطلب حيّ، فمن أعلى من عبد المطلب؟! وقف أعرابيٌّ على المدائني وكان همًّا والمدائني يأكل تمراً، فقال: شيخٌ همّ، غابر ماضين، ووافد محتاجين، أكلني الفقر، وأذلّني الدّهر، فأعن ضعيفاً؛ فأعطاه. قال سهل بن هارون: أدخل على الفضل بن سهل ملك التبت وهو أسير فقال: أماترى الله عزّ زجلّ قد أمكن منك بغير عهدٍ ولا عقد، فما شكرك إن صفحت عنك ووهبت لك نفسك؟ قال: أجعل النفس التي وهبتها بذلةً لك متى أردتها؛ فقال الفضل: شكراً لله عزّ وجلّ؛ فكلّم المأمون فصفح عنه. قال العتبي: ذم أعرابيٌّ رجلاً قال: تهون عليه عظام

الذنوب، وتحسن لديه قباح العيوب، ولئن كان في الأرض سباخٌ إنه لمن سباخ بني آدم. سئل يزيد بن هارون عن أكل الطّين فقال: حرام، فقال الرجل: أحرام؟ قال: نعم، من القرآن، قال الله عزّ وجلّ " يا أيّها النّاس كلوا ممّا في الأرض حلالاً طيّباً " ولم يقل كلوا الأرض. دعا أعرابيٌّ لرجلٍ فقال: اللهمّ كما كتبت لن عنده رزقاً فاكتب له عندك أجراً. قال سهل بن صخر لابنه: يا بنيّ إذا ملكت ثمن غلامٍ فاشتر به غلاماً فإنّ الجدود في نواصي الرجال. ذكر الشراب عند محمد بن واسع فقال: لولا أنهم يتكاتمون عيوبه لما شربوه. قال كسرى لأصحابه: أيّ شيءٍ أضرّ على الإنسان؟ قالوا:

الفقر، قال كسرى: الشحّ أضرّ منه، لأن الفقير إذا وجد اتّسع والشحيح لا يتسع وإن وجد. قيل لجعفر بن محمد عليهما السلام: لم حرّم الله الرّبا؟ فقال: لئلا يتمانع الناس المعروف. تعرّض أعرابي لمعاوية في طريقٍ وسأله، فمنعه، فتركه ساعة ثم عاوده في مكانٍ آخر، فقال له: ألم تسألني آنفاً؟ قال: بلى، ولكن بعض البقاع أيمن من بعضٍ؛ فوصله. وصف العباس بن الحسن العلويّ جليساً فقال: جليسه لطيب عشرته أطرب من الإبل على الحداء ومن الثّمل على الغناء. وذم رجلاً فقال: ما الحمام على الإصرار، والدّين على الإقتار، وشدّة السّقم في الإسفار، إلا أخفّ من لقاء فلان. قال الحجاج بن خيثمة لابنه: والله ما تشبهين، فقال: والله لأنا أشبه بك منك بأبيك، ولأنت كنت أشدّ تحصيناً لأمّي من أبيك وأمك.

ذكر الإماء عند بعض الخلفاء فقال: الإماء ألذّ مجامعة وأغلب شهوةً وأحسن في التبذل وآنق في التدلل؛ فقال بعض الحاضرين: تردّد ماء الحياء في وجه الحّرة أحسن من تبذّل الأمة. قيل لجعفر بن محمد عليهما السلام: إن أبا جعفر المنصور لا يلبس مذ صارت إليه الخلافة إّلا الخشن، ولا يأكل إّلا الجشب، فقال: لم يا ويحه، مع ما مكّن الله له من السلطان وجبي إليه من الأموال؟ فقيل: إنما يفعل ذلك بخلاً وجمعاً للمال؛ فقال جعفر: الحمد لله الذي حرمه من دنياه ما له ترك دينه. كاتب: أما بعد فحقّ لمن أزهر بقولٍ أن يثمر بفعلٍ. لما مرض معاوية دخل إليه عمرو بن العاص فقال معاوية: أعائداً جئت أم شامتاً؟ فقال عمرو: ولم تقول هذا؟ فوالله ما كلفتني رهقاً، ولا أصعدتني زلقاً، ولا جرعتني علقماً، فلم أستثقل حياتك وأستبطئ وفاتك؟ فقال معاوية: الوافر

فهل من خالدٍ إمّا هلكنا ... وهل بالموت يا للنّاس عار قال سلم بن قتيبة: لا تمازحوا فيستخفّ بكم الناس، ولا تدخلوا الأسواق فترقّ أخلاقكم، ولا ترجّلوا فتزدريكم أكفاؤكم. قال عامر بن الطفيل لثابت بن قيس: والله لئن تعرضت لعنّي وفنّي وذكاء سنّي لتولينّ عني، فقال له ثابت: أما والله لئن ترضت لشبابي وشبا أنيابي وسرعة جوابي لتكرهنّ جنابي. ورد العطويّ على والي الأهواز بكتابٍ مزوّرٍ فقال له: أقم، فلمّا كان اليوم الثاني خاصم الحاجب، فقال له: أتخاصم الحاجب؟! قال: فأردت مني أن يكون كتابي مزوّراً، وكلامي ضعيفاً؟! فاستطرفه ووصله. سأل داود بن فلان جعفر بن حرب: ما المحال؟ فقال: ما لا يتصّور في الوهم مثل قائم قاعد، قال: وكلّ ما لا يتصور في الوهم محال؟ قال: نعم، قال: فإن الله عزّ وجلّ على زعمك محالٌ، فإنه لا يتصور في الوهم؛ فما أحار جواباً؛ معناه: ما ردّ جواباً. يقال: حار يحور أي رجع

يرجع، وقال الله عزّ وجلّ " إنّه ظنّ أن لن يحور " أي ظنّ أنه لا يرجع. والحائر كأنه المتراجع المتدافع المتتابع، وكذلك الماء، وقد مرّ فيما سلف من هذا الفصل أشفّ من هذا. 625 - وأما المسألة والجواب ففيهما شيءٌ ما استوفيّ: اعلم أنّ الله تعالى عليٌّ بذاته وصفاته وحقيقته ومعناه من كل ما نحاه الفهم، وحصّله التّمييز، ودلّ عليه الوهم، ولحظه العقل، وساق إليه التعارف، وقربه القول، وتمثّله القلب، وتحدث به النفس. فزعم السائل أنه متى لم تقم في النفس صورته فهو محال جدلٌ، والجدل محطوطٌ عن الإنسان في معرفة صانعه وإثبات منشئه، وليس الله - على ما أخبرنا عنه - لعلّةٍ صريحةٍ وسببٍ قائمٍ ولحالٍ معروفةٍ، فإنه لو كان على ما هو عليه كشيءٍ من هذه الأشياء لكان منقوصاً من ذلك الوجه، بل النقص والكمال فعلان له، يوسف بهما من وهبهما له وساقهما إليه، وعلى ما يمكن أن يقال نقول في ذلك بما يغنيك عن الشكّ فيه وإن بعدت عن الطمأنينة إليه: أما تعلم أنه لو قام في النفس، أو التبس في العقل، أو تمثّل في القلب، أو برز بالتحصيل، أو أشير إليه في جهةٍ أو نفي من ناحية، أو أثبت في حال، كان تصرّف هذا كله علّةً ونقصاً، وأنه متى فرض كذلك فقد جهل من حيث قصد العلم به؛ وإنما انتهى العالمين به إلى أنه لا

علم لهم به، فكان عجزهم عن لحوقهم لحوقاً، وجهلهم ما يستحيل تصويره علماً، ووقوفهم عند نهاياتهم تعبّداً، وبحثهم عما وراء ذلك اجتراءاً، وسؤالهم عما طوي عنهم فضولاً، وتشكّكهم بعد البرهان خذلاناً، وسكونهم إلى الظنّ خسراناً، وتصريفهم القول فيه بهتاناً. أتراك لا تعرف حقيقته ولا تعقل صفته إّلا بعد أن تكون موسوماً بسماتك ومردوداً إلى أحكامك؟ هيهات، إنه لو قبل نعتاً من نعوتك لكان خلقاً مثلك ولم يكن خالقاً لك، وإنما وجب أن يترقّى عنك وعن صفاتك لأنه فاعلك وفاعلها، فكيف يستعير وصفك وهو غنيٌّ عنك؟ أم كيف يشبهك وهو بعيدٌ منك؟ أم كيف يهتدي عقلك إليه وعقلك خلقٌ مثلك، وهو مبتلىً بمثل عجزك ومرميٌّ بقصور غايتك؟ وهل استفدت عقلك المضيء إّلا منه؟ وهل وجدت لسانك المبين إّلا عنده؟ وهل لجأت في النوائب إّلا إليه؟ أغرّك منه إحسانه إليك، وإنعامه عليك، ورفقه بك، ودعاؤه لك، ومناجاته إياك؟ الزم حدّك، وارجع إلى صفتك، واقض حقّ عبوديتك، واطلب المزيد بامتثال الأمر، وتسكين النفس، ورعاية ما هو متصلٌ منه بك، وثابتٌ له عندك، فلو قد سألك عنك - على قربك منك - لظهرت فضيحتك لشائع جهلك؛ ولو طالبتك بما له عليك لقيّدك العيّ عن

الاحتجاج لنفسك؛ بل لو حاسبك على ما تجتنيه لنفسك، وتختاره لجمالك وتراه ذخراً لحياتك لبان خلل عقلك، وتلجلج فصيح لسانك، وحار ثاقب نظرك، ودحضت ثوابت حجّتك، ولكنت أوّل من يلوذ به، دامع العين، دامي الفؤاد، سليب العدة، ملطوم الخدّ، نادم القلب. هناك تعلم أنّ الملوك لا ينازعون ولا يتبدّلون، ولا يجادلون ولا يمتهنون. فحسبك منه أنه لاطف سرّك، وفتح ناظر قلبك، وعرض أصناف نعمه عليك، لتكون لنفسك خيراً مما أنت عليه، وتفارق ما أنت فيه لما أنت أحوج إليه. قال رجل: قلب الله الدنيا، فقال المأمون: اذن تستوي! قال أبو خازم: الذي يلقى من لا يتقي الله من تقيّة الناس أشدّ مما يلقى من يتقي الله من تقيّة الله. كان لخزيمة بن خازم كاتبٌ ظريف أديب، وكان يتنادر على خزيمة كثيراً، فقام يوماً بين يديه فقال: إلى أين تقوم يا هامان؟ فقال الكاتب: أبني لك صرحاً.

قال أعرابيٌّ يصف مطراً: احرنجأ من السحاب متكفّت الأعالي لاحق التّوالي، فهو غادٍ عليك أو سارٍ، سير السبلان وليّ الغدران. قال جعفر بن محمد عليهما السلام: العقول خزائن الحكمة. قال جعفر بن قدامة: سمعت أعجمياً يقول وهو يجمّش جاريةً لعائشة بنت المعتصم: يا ابن الزانية، أيّ شيء ينفعك إذا أذبحتني. كتب ابن المعتزّ إلى رجلٍ يذمّه: ذكرت حاجة أبي فلان المكني ليعرق لا ليكرم، فلا وصلها الله بالنجاح، ولا يسّر بابها للانفتاح؛ وذكرت عذراً يفصح به عن نفسه، فوالله ما يفصح عنها لكنه يصحّ عليها؛ وأنا والله أصونك عنه، وأنصح لك فيه، فإنّه خبيث النيّة، متلقّف للمعايب،

مقلّبٌ للسانه بالملق، يتأبّس بالتخلق وجه الخلق، موجودٌ عند النعمة، مفقودٌ عند الشّدّة، قد أنس بالمسألة، وضري بالردّ، فلا تعقّ عقلك باختياره، ولاتوحش النعمة بإذلالها به، والسلام. قيل لمجنونٍ كان بالبصرة: عدّ لنا مجانين البصرة، قال: كلفتموني شططاً، أنا على عدّ عقلائهم أقدر. قيل لأعرابي: لم يقال أباعك الله في الأعراب؟ قال: لأنّا نجيع كبده، ونعرّي جلده، ونطيل كدّه. وصف أعرابيٌّ رجلاً فقال: كان إذا تكلّم أفاد، وإذا سئل جاد، وإذا ابتدأ أعاد. شاعر: الرجز يا إبلي روحي إلى الأضياف ... إن لم يكن فيك صبوحٌ كاف فأبشري بالقدر والأثافي ... وغارفٍ ومغرفٍ غرّاف

قيل لفيلسوف: ما الحسن؟ قال: حسن الإنسان أن يكون ذا اعتدالٍ في الصورة، وقبولٍ في الرواء، ومنظر مليح الشمائل. قال عمر بن ذرّ: اللهمّ إن كنا عصيناك فقد تركنا من معاصيك أبغضها إليك، وهو الإشراك بك، وإن كنّا قصّرنا عن بعض طاعتك فقد تمسكنا بأحبّها إليها، وهو شهادة أن لا إله إّلا الله وأن رسلك جاءت بالحقّ من عندك. قال أبو العيناء: قفلت لمخنّث: كيف جوفك؟ قال: أدخل لسانك وذقه. طلب اليونانيون ملكاً للملك بعد أن مات ملكهم، فقال بعض الحاضرين: فلان الفيلسوف: لا يصلح للملك، قيل: ولم؟ قال: لأنه كثير الخصومة، وليس يخلو في خصومته من أن يكون ظالماً، والظالم لا يصحّ للملك لظلمه، أو يكون مظلوماً، فأحرى أن لا يصلح لضعفه، فقيل له: أنت أحقّ بالملك ممّن ذكرنا.

قال أبو العيناء: قطعني ثلاثة؛ قلت مرةً لصوفي: ما هذه الصّفرة في وجهك؟ قال: لأكلك شهواتي؛ وقلت لعبّادة وقد تأوّه مرةً من شيء: من تحتي، فقال: ومعي ثلاثة؛ وقلت لمغنية غنت: أين الصّيحة؟ فقالت: خبّأتها لثالثك. وقع في بعض العساكر بالليل هيج، فوثب خراسانيٌّ إلى دابّته ليلجمها فصيّر اللجام في الذنب من الدهش فقال: هب جبهتك عرضت ناصيتك كيف طالت؟ ها أنا عارضٌ عليك من كلام رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم جملةً شريفةً تكون لك مادّةً في الباطن، وجمالاً في الظاهر، وعمدةً عند الشّبهات، وحجّةً يزم المنازعات، وهو الكلام الذي قد بان عليه النور، وأيّد بالبرهان، واستخلص من حق التقوى، يجمع لك الأدب والتأديب، ويدلّك

على الصّلاح والتسديد، وقد سبق أبو عثمان إلى جمعه في " البيان والتبيّن " وليس على ما يأتي به عثمان مزيد، فإنه الشيخ المقدّم والبليغ المعظّم؛ لكنّي أرى أن لا أخلي هذا الكتاب من شعبةٍ كبيرة من ذلك، وأمرّ أيضاً بأطرافه مفسّراً وشارحاً ومنتصراً وناصحاً، فقد نسب إليه عليه وآله السلام ما يكثر قدره ولا يلصق البتة به. قال صلّى الله عليه وآله، ورزقنا النظر إليه والوقوف يوم القيامة بين يديه: المؤمن مألفةٌ ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف؛ دخلت الهاء للمبالغة كما دخلت في راوية وعلاّمة ونسّابة، تقول: ألفته آلفه إلفاً وإلافاً، وألفته أولفه إيلافاً، وألّفته وتألّفته: استعلمته واستعطفته، وكأنه أراد بهذا أن المؤمن يفزع إليه ويقتبس منه. وهذا الخبر يمنع من الاعتزال والتفرّد وإن كانت السّلامة في الغالب فيهما، لأنّه لا يألف حتى يخالط، وكل هذا منافٍ للتعزّب والانقطاع عن الناس، والحكمة أيضاً في نظام العالم تقتضي معونة كلّ من لبس قميص الحياة خاصةً إذا كان شريكك في الصورة، أعني إذا كان قريباً منك: إمّا بالنّسب وإما بالأدب وإما بالبلد وإما بالصّناعة وإما بالتّخطيط وإما بالمشابهة،

ولهذا السرّ يتعصّب هذا لأهل بلده وأرباب صناعته وبني جنسه، ويستدعي أيضاً عونهم لنفسه. وقد يقال هنا أيضاً: لم عرضت المنافسة واشتدّ الحسد وكثر التتبّع حتى أفضى ذلك في بعض المواضع إلى البوار والقتل والجلاء والهلاك. وأفضل ما يتولّد منه الهجر الطويل والمنازعة الشديدة؟ والجواب عن هذا سيمر مع اخواتة في الموضع الذي نفددة لجميع مسائل هذا الكتاب مما سمعنا ووعيناه وغير ذلك مما أثرناه واستنبطناه. فالتمس هناك ذاك، فهذا موضعٌ قد جردناه لكلام رسول الله صلّى الله عليه وآله. وقال عليه السلام: المرء مع من أحبّ، وهذا يتضمّن زجراً وبشرى، فأما الزجر فلمن قارن قرناء السّوء، وأما البشرى فلمن اقتدى بأهل التقوى.

وقال عليه السلام: حبّك الشيء يعمي ويصمّ؛ دلّ على أن محبّتك يمتزج بها الهوى، وتجاذبها الشهوة، وتذل معها النفس، ويكلّ عندها العقل، فذاك هو الإعماء والإصماء، وإنما أراد التّمثيل باللفظ والزّجر بالمعنى، وهذه المحبة بهذه الصفة مقصورة على ما اتصل بالدنيا وأسبابها، فأما أمور الآخرة وطرائق الدّين فإنّ حبّك لها لا يعمي ولا يصمّ، بل يزيدك في سمعك وضياء بصرك ونور قلبك وطهارة خاطرك. وقال عليه السلام: الناس كإبلٍ مائة، لا تكاد تجد فيها راحلةً؛ دلّ بذلك على عزّ الموافق لك وقلة المتحمّل عنك. وليس هذا القول منافياً لقوله: الناس كأسنان المشط، لأن قوله الثاني مقصورٌ على ما لهم وعليهم من الأحكام التي قيدهم الله فيها بالتكليف، وقرن أمورهم فيها بالوعد والوعيد، وإّلا فالاختلاف بينهم قائم، وقد تفاضلوا بالعافية، وتباينوا بمراتب التّقوى.

وقال عليه السلام: المؤمن مرآة المؤمن؛ دلّ بهذا على أن المؤمن ينظر إلى أخيه فيقوّم نفسه به، وكذاك ذاك مع أخيه، وكأنهما يتواعظان ويتواصيان، وهذا كلامٌ جامعٌ لخير الدنيا والآخرة. وقد دلّ على الألفة، لأن الفارد لا مرآة له، والمرآة من الرؤية مفعال، كالآلة في مفعل كالمقطع، وجمعها مراءٍ على وزن مراعٍ. وربما سمعت من هؤلاء " مرايا "، وذلك خطأ، ذكره أبو حاتم وأبو زيد. وأما المرايا فجمع مريّ، والمريّ الناقة التي تحلب كأنها تمري، يقال: مريتها وامتريتها - لا همزة في هذه الحروف، إن شئت ذكّرت وإن شئت أنّثت؛ وبالاستعارة يقال في الفرس إذا كان جواداً: مريته واستمريته، كأنك تستدعي الجري من الجواد كما تستدعي الدّرّ من الناقة، وكان القياس في المرايا أن يقال في واحدتها مريّة - بالهاء - لكنها شذّت عن بابها: ألا ترى أن العرايا واحدتها عريّ، والسّرايا واحدتها سريّة، والشّرايا واحدتها شريّة - وهي الجارية المشتراة - فكأنها شذّت لأنه لا مذكّر لها، فقام التذكير فيها مقام التأنيث، ولو زاحمها المذكّر بهذه الصفة لأخذت

علامتها بحقّ واجب، وكأنها قامت مقام قولك: حائض، لما أمن من اللّبس، لأن الرجل لا يشاركها. هذا مذهبٌ في الملاحن يقال: رأيته، أي أصبت رئته، وهو مرئيٌّ مثل مرعيّ، وكذلك من الرؤية. فأما رويت - بالتخفيف - فمعناه حدّثت وأسندت وأنشدت، والرّواء: الحبل، فكأن معنى " رويت الحديث ": شددته بإسناده وأحكمته. وأمّا الرّواء - بفتح الراء - فالماء الذي يروي، وأما الرّواء - بضم الراء وهمزة - فالمنظر، وكأنه من الرؤية. وكذلك الرّيّ - مثل الرّعي - ومنه قوله " أثاثاً وريّاً " وقد يثقّل فيقال " ورئياً " على مذهب من قال رأيته؛ فقد اجتمع في " رأيت " ثلاثة معان: معنىً أخذ من الرؤية بالبصر، ومعنى أخذ من الرأي وهو مايرى القلب، ومعنى أخذ من الريّة؛ والعرب تقول: من أين ريّتكم، أي من أين ترتوون، أي من أين مستقاكم. وأمّا الريّة - بالتخفيف - فما يروى به النار؛ هكذا عند الأصمعي، وقال أبو حنيفة صاحب " النبات ": هي بالتشديد كالنّيّة من نويت. وقد مضى هذا كالمستقصى بعد أن عرض على القوّام بهذا الشأن وبعد أن تتبّع به صحيح الكتب، فاجتهد في معرفتها وحفظ نظائرها، فإن الأدب أنسٌ إن شئت أنساً، وكنزٌ إن طلبت كنزاً، وجمالٌ إن أحببت جمالاً، ومثوبةٌ إن

قصدت ثواباً؛ حفظك الله معيناً، وأعانك ناصراً. وقال عليه السلام: " المؤمن من أمنه الناس "؛ هذا وسفه لمن كان الإيمان لبوسه، والتوحيد عقيدته، والزهد في الدنيا قاعدته، وكأنّما أخذ هذه الصفة من اللفظ، لأنّ من أمن الناس أمنوه، أي إذا لم يخفهم لم يخافوه، وعلى هذا يؤخذ من الأمن، وكأنّ الأمن من الإيمان، والباب فيهما واحد. وكان بعض السّلف يقول: السلام المؤمن، أي يؤمّن الخائفين إذا وصلوا خوفهم بالطاعة، وكأنّ هذا يوجد في صفات ويصير بها مؤمناً للمؤمنين فيكون لفظ فعلة من الأمن ولفظ فعلهم فعله من الإيمان؛ وكذلك وصف الله تعالى الآخرة بدار السلام وبدار القرار وبدار الخلد، لأن هذه ممزوجة من الخوف. وقرأ ابن القعقاع " ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمناً " بفتح الميم - وهذا يؤخذ من الأمن كما قلت لك.

وقال صلّى الله عليه وآله: " حسن العهد من الإيمان "؛ قال هذا في امرأةٍ كانت تغشاه في منزل عائشة، فكأنها وجدت في نفسها من ذلك. فقال عليه السلام: " إن هذه كانت تأتينا أيام خديجة، وإنّ حسن العهد من الإيمان ": دلّ بهذا القول على حفظ الحالة السالفة ومراعاة من شوهد، وحثّ أيضاً على جميع ما كان موصولاً به قريباً منه، لأن اللفظ مطلقٌ إطلاقاً، وفي ضمنه إيضاحٌ عن حسن الخلق، وقد قال عليه السلام: " إنّ أحدكم ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم ". وكيف لا يقول هذا وقد قاله الله عزّ وجلّ " وإنّك لعلى خلقٍ عظيمٍ ". 651ب - سمعت القاضي أبا حامد يقول: لما نهض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بعبء الرسالة، وأدّى ما فيها من حقّ الأمانة، وبلغ الحدّ فيما رسمه التكليف وورد به الأمر، أمره الله عزّ وجلّ بأشياء تكميلاً لشأنه ودلالةً على فخامة أمره فقال " خذ العفو " وقال " فإذا الذي

بينك وبينه عداوةٌ "، فلم يقنع للعدوّ إّلا بمنزلة الوليّ حتى يكون حميماً - أي قريباً؛ فلما قضى ما عليه في جميع ذلك أثنى عليه وعجّب منه واستثبته فيه بقوله عزّ وجلّ " وإنّك لعلى خلقٍ عظيمٍ " وناهيك بعظيمٍ الله معظّمه، وناهيك بمحسنٍ الله تعالى مثن عليه. 651ج - وقال بعض مشايخنا: لولا أنّ الدّين مقدّم الشأن لقدّمت الخلق عليه لأنّي أجد الخلق إذا اعتدل وحسن وظهر، جامعاً لقرّة العين، وسرور البال، وطيب الحياة، وإحراز الخير، والسلامة من القيل والقال. وكان بعض الأوائل يقول: إنما صار مرتبة الخلق هذه المرتبة لأن الخلق تابع للخلق، فكما لا يتمّ المشار إليه بحسن الخلق إّلا بأن يكون سويّ الخلق، كذلك لا يكمل سويّ الخلق إلا بأن يكون حسن الخلق. وقال بعض الصّوفية: بالخلق يستفاد الكون، وبالخلق يستفاد الخلد؛ وكأنّ معنى هذا الرمز أنّا بالخلق نكون في هذه الدار، وبالخلق ننتقل إلى أخرى الآثار، هذه بائدةٌ وتلك باقية؛ والكالم في الأخلاق واسع، وفيما أشرنا إليه مقنعٌ.

وقال صلّى الله عليه وآله: " دع ما يريبك لما لا يريبك، فمن رعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه؛ هذا دليلٌ على أمرٍ جامعٍ لخير الآجل والعاجل إذا وقعت العناية من الناظر فيه، لأنّه ما من شيءٍ من أمر الدنيا والدّين إّلا وفيه ما يريب؛ تقول: رابني يريبني، وأراب هو إذا أتى بريبةٍ أو دخل في ريبة؛ والرّيب: الشك. ومن تمسك بمعنى هذا الخبر في مقاصده كلها كان السلم والسلامة والأمن والأمانة صواحبه، وذلك أن فيما ينظر فيه مما يعلم أو يعمل ما يريب كما أن فيه ما يبين، فالأولى عند كل معتقدٍ أن يتوقّف عنه إذا راب، كما أنّ الواجب أن يمضي عليه إذا وضح. وما أحوج المتكلّمين إلى المصير إلى هذا، فإنّهم يمرّون على غلوائهم كأنّهم لا يريبهم رائب. وقال صلّى الله عليه: " لا يلدغ المؤمن من جحرٍ مرّتين "؛ هذا قاله لأبي عزّة الشاعر، وذلك أن النبيّ صلّى الله عليه وآله أسره يوم بدر، فسأله أن

يمنّ عليه على أن لا يحضّض ولا يحرّض ولا يهجو رسول الله صلّى الله عليه وآله؛ فلما خلص إلى مكة خدعه المشركون وأرغبوه، وكان ذا عيالٍ كثير وكرشٍ كبير، فعاد إلى الحال الأولى، وأخفر الذّمّة - هكذا يقال بالألف - ونبذ العهد، وكفر اليد، وجحد المنّة، واستحقّ اللعنة. فلما أسر من بعد أتي به إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله، فطلب العفو، فقال عليه السلام: " والله لا رجعت إلى مكة، ولا قعدت بفناء الكعبة تمسح عارضيك وتقول: سخرت من محمد مرّتين، ثم أمر فضرب عنقه ". يقال سخرت منه وبه، والأوّل أفصح؛ فكأنّ المعنى في الخبر أن المؤمن حازم، وأنه إذا أتي من شيء مرةً حذره وأعدّ له، وكان منه على يقظةٍ واحتراس، وما هكذا الفاجر، فإنه يجهل حظّه، وينسى نصيبه، ويذهب في هواه طلق الجموح، غير راعٍ ما عليه، ولا مرعٍ على ما هو إليه. ولفظ الخبر على مذهب الخبر، ولكنه قد اشتمل على النّهي وصورة النهي، كأنه قال: لا يؤتينّ أحدكم من سوء نظره وقلّة احتراسه. وقال عليه السلام: " لا تنزع الرّحمة إلا من شقيّ؛ ثم قال:

من لا يرحم لا يرحم "؛ المعنى في قوله: من لا يرحم لا يرحم أبين منه في قوله: لا تنزع الرحمة إلا من شقي، وذلك أن الرحمة إذا نزعها الله عزّ وجلّ منه فإنه يشقى بضدّ الرحمة وهي القسوة. والمعتزليّ يقول لك: كيف لا يكون قاسياً من نزعت الرحمة منه، وكيف لا يكون ضريراً من سلب بصره؟ فإذا قيل له: فما تقول؟ قال: ليس الخبر حقًّا، فإن قيل على التهمة الواقعة لك: ما وجه القول؟ فليس يضيق مثل هذا الإطلاق عند جميع الأمّة عن تأويل يطّرد فيه المعنى ويتمّ عليه المغزى، فيقول على التكليف: كأنّ المراد أن الفاسق القاسي يعاقبه الله عزّ وجلّ على ذنوبه بنزع الرحمة من قلبه، وهذا بعد استحقاق العبد ذلك بما اجترم واجترح. وسألتبعض الحكماء والعلماء عن هذا فتعسّف، وقال: كأنّ من شقي بسعيه وقدم القيامة صفراً من الخير كمن نزعت الرحمة من قلبه، أي لم يعامل بما يستحقه السعيد؛ فعلى هذا الرحمة من الله تعالى جزاءٌ إلا أنها منزوعةٌ عن هذا؛ وكلّ هذا واهٍ ضعيف، والكلام على جملته مفيد المعنى مقبول المراد غير مأبيٍّ ولا مردود. ولست أحبّ من هؤلاء العلماء هذا التّنقير فيما هذا سبيله، فإنه أخذٌ

بالكظم وحنقٌ على الجرّة وصدٌّ عن سبيل العلم والعمل، وشغلٌ بما لا يجدي ولعله يضّر، وبئس الشيء التكلّف؛ وإن هذا الباب سيجرّ الإنسان إلى تفتيش كلام الله عزّ وجلّ، وتكشيف كلام رسول الله صلّ ى الله عليه وآله، ومن ها هنا اجترأ هذا فقال: ليس هذا كلام الله، وليس هذا قول رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأنّ التالي قد حرّف، وأنّ الراوي قد خرّف. أنا سمعت رجلاً بالمدينة - وكان من بلد المنصور - يقرأ: هذا صراط عليٍّ مستقيم، يضيف الصّراط إلى عليّ؛ فقلت: من تريد بعليّ؟ فقال: ابن أبي طالب عليه السلام، قلت: فأعرب آخر الكلام، فقال: مستقيم - بالكسر - فقلت: إن القراءة قد استمرّت على نحوين، إما " هذا صراطٌ عليٌّ مستقيمٌ " فتكون " عليّ " نعتاً للصراط وإما " صراطٌ عليّ مستقيمٌ "؛ وما عرض لكسر مستقيم. فقال لي: أراك لا تفهم، أما تعلم أن الاستقامة بعليٍّ أليق منها بالصّراط؟ على أن الصّراط هو عليٌّ والمستقيم هو عليٌّ. وقد غرّ بجهلهم واجترائهم وسوء تأويلهم وارتكابهم دين الله تعالى القويم والفتنة فيه إلى زيادة، وإلى الله المشتكى وعليه التوكّل في حفظ ما أمرنا

بحفظه، وترك ما أمرنابتركه، فما نقدر على خير إّلا بإذنه، ولا ننصرف عن شيءٍ إّلا بصنعه، وهو وليّنا ومولانا. قال صلّى الله عليه وآله وسلّم: " التّؤدة من الله عزّ وجلّ والعجلة من الشيطان "؛ وليس هذا على أن الله يتئد والشيطان يعجل، ولكنّه على وجه العقل قريبٌ من الحق صحيحٌ في العقل، وذلك أن التؤدة كلها من الله تعالى أي بإذنه ودلالته وإرشاده، وكأن العجلة من الشيطان أي بتسويله وتزيينه ومراده، لأنّ الشيطان يتوقّع زلّتك، ويتمنّى غرّتك، لكنه لا يجد ذلك في تؤدتك وتثبّتك وأناتك، فهو يتمنّى ذلك في عجلتك؛ فحثّ عليه السلام على التؤدة لأن التّوقّي معها، والسلامة مع التوقّي، ونهى عن العجلة لأن الزّلّة مع العجلة والهلاك مع العثرة، يقال: اتّأد يتّئد اتّئاداً وتأيّد يتأيّد تأيّداً، وتأنّى يتأنّى تأنّياً، وهو مأخوذ من الونا - يقصر ويمدّ - وقد مرّ من قبل أشبع من هذا؛ ويقال منه أيضاً: استأنى يستأني استيناءً والأمر منه: استأن، ويقال إين في

أمرك، أي ارفق، فأما إن فبمعنى حن إذا أمرت، لأنك تقول: حان يحين، كما تقول آن يئين، فأما يؤون فيترفّق. وقال صلّى الله عليه وآله: الدنيا سجن المؤمن. سئل ابن الخلفاني عن هذا الحديث سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة، وأنا أسمع، فقال: حديثٌ حسن الإسناد، الناس قد تقبّلوه ورووه، وليس فيه ما يوهي أصلاً ويردّ نصاً ويفحش تأويلاً، وتأويله ظاهر وذلك أنّ المؤمن فيها غريبٌ لأنّه فيها مستوحشٌ، وعنها متجافٍ، وبها متبرّم، يرى الرّوح في جوار الله الكريم، ونعيمه المقيم، حيث لا لغو فيها ولا تأثيم، وهو كالحبيس عن مقرّه وموطنه، وقد وصل بالحديث: والدنيا جنّة الكافر لأنه لا يلحظ معاداً، ولا يشتاق ثواباً، ولا يخاف حساباً، يحبّ العاجلة وتذره الآخرة، يرى السعادة فيما تعجّل وصفا، وطاب وكفى. وكأنّ هذا الخبر غير منافٍ لقوله: الدنيا خير مطيّة المؤمن، هذا إذا كان قاله، فإني لا أثق بجميع ما روي، ولا أجيز كلّ ما

أخبر، وإنما ألوذ بالقول مفيداً أو مستفيداً، وأرجو أن تسلم العاقبة مع سلامة النيّة وحسن القصد في القول والعمل، وإنما لم يناف الأول الثاني لأنّ المعنى في الثاني مستقلٌّ بنفسه، وذلك أنّ المؤمن ها هنا يحرث للآخرة، ومنها يتزوّد للآجلة، وبرغبته عنها يستحقّ الدرجة العالية. وقال صلّى الله عليه وآله: " الدّالّ على الخير كفاعله "؛ هذا حثٌّ على الخير وتشبيهٌ لمن وطّأ الطريق إليه ودلّ الطالب عليه بمن تفرّد بفعله، واشتراك بين من دلّ وبين من قبل ليقع التعاطف، ويعمّ التلاطف، وليكونوا كنفس واحدة. ألا تراه كيف نهى عن التّباين في قوله: لا تقاطعوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً؟ وإنما صحّ التشبيه لأنّ الدلالة من الدالّ على الخير خيرٌ، وقبول الدلالة من القابل خير، فكأنّ هذا بمّا دلّ وهذا بما قبل فاعلان خيراً.

وقال صلّى الله عليه وآله: " المؤمن ينظر بنور الله تعالى "؛ قد أطال الناس القول في هذا وما تباعدوا عن ذلك، وفي الخبر زيادةٌ وهي: اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله. 658ب - سمعت بصراء العلماء يقولون: نور الله جلّ جلاله هو المعنى الذي خلص من الهوى ودواعيه، وتنزّه عن الرّياء وطرقه، فإنه كالضياء في أفق القلب، به يستدرك المؤمن غائب الأمر، ويتحقّق باطن الحال، ويطّلع على مكنون النفس. وسمعت البقّال يقول: ولعله أشار بالمؤمن إلى بعض من حضره، فخصّه بالوصف وأبانه بالتشريف، وهذا فيه بعدٌ فإن اللفظ مرسل. وقلا بعض الفلاسفة: هذا هو إشارةٌ إلى اقتباس النفس من العقل وإلقائها إلى

الإنسان ومن ذلك الرؤيا؛ قال: ولذلك قال عليه السلام: الرؤيا الصادقة جزء من أجزاء النبوة. وللعابر أيضاً تصيّدٌ للدّليل واستشرافٌ للتمثيل، وقد مرّ من ذلك في هذا الكتاب ما هو كالبيان عن هذه الأصول، وفي مثله: سأل رجلٌ أبا عبد الله الزبيري الضرير عن رؤيا رآها، فقال الزبيري: سلني عنها بين يدي القاضي. وكان المستعير معدّلاً؛ فغدا إلى مجلس القاضي ووافى المعدّل، فابتدر فسأل وقال: إني رأيت كأنّي قاعدٌ عند الله عزّ وجلّ، والله تعالى يخلق السموات والأرضين، فأعظمت ذلك، فما تأويله؟ قال الزبيري: أيها القاضي أسقط عدالة هذا الرجل فإنّ الله تعالى يقول " ما أشهدتهم خلق السّموات والأرض " ورؤياه تدلّ على أنه شاهد زورٍ؛ ففحص القاضي عنه فوجد ذلك كذلك. وكلّ من كان أخلى بالاً مع الله عزّ وجلّ، وأشدّ التفاتاً إلى الآخرة، وأقلّ التباساّ بالدنيا، فإنّ كلامه أصوب، وحاسته أحدّ، وخاطره أثقب، وحكمه أنفذ، وظنّه أصدق، وحدسه

أفتق، وقد شهدت التجربة بذلك على جري الدهر؛ يقال: كان ذلك على وجه الدهر وأشب الدهر وجري الدهر وسالف الدهر. والفراسة: الإصابة، ومنه افتراس الأسد فريسته؛ هكذا حفظته عن الثقة العالم، وإذا انضمت الثقة إلى العدل والعلم، سعد الرجل، وذلك أنك لا تشاء أن تجد عالماً لا ثقة له، أو ثقةً لا علم له إّلا وجدت، فأما العزيز فالعالم الثقة، وأعزّ منه الثقة الورع الدّين الزاهد، فقد يستعمل الثقة العالم الدين ولا ديانة له، ولا ورع معه، مدًّا لجاهه وبسطاً لأمره وتألفاً لطالبيه واختداعاً للراغبين فيه، وآفات العلماء لا يحصيها إّلا ربّ السماء، وما أحبّ بسط اللسان فيهم، رعايةً لذمام العلم وأخذاً بأدب النفس، ومصيراً إلى أحسن الهدي؛ ستر الله عليهم فضائحهم، ونقلهم إلى ما يرضى عنهم، إنه مالكهم، والقائم عليهم وجعلنا ممّن تغمّده بعفوه، وقرّبه من نجاته، وآواه إلى جنّته. قال صلّى الله عليه وآله: " إنك لا تجد فقد شيءٍ تركته لله عزّ وجلّ ". وقال عليه السلام: " المنتعل راكب ".

وقال: المرء كثيرٌ بأخيه يكسوه برفده. يقال رفدته، والرّفد: العطاء، والإرفاد: الإعطاء؛ وأبو تمام يقول: الطويل أسائل نصرٍ لا تسله فإنّه ... أحنّ إلى الإرفاد منك إلى الرّفد وقال صلّى الله عليه وسلّم: " لا خير لك في صحبة من لا يرى لك مثل ما ترى له ". قال أنس: قال رجل: يا رسول الله، أعقلها وأتوكل أو أطلقها وأتوكل؟ قال: اعقلها وتوكّل؛ قال البقال: معنى هذا القول أن التوكّل مجانبٌ للإهمال والكسل؛ بل هو بعد إعمال الحزم وبذل الكيس ونفي اللّوم ورفع أسباب النّدم. ولقد سمعت ابن الخليل يقول: فما وجه التوكّل بعد العقل؟ قيل: لأنه يعقلها ولم يستغن عن حفظها، فقد يحلّ العقال من أراد وينجو؛ وإنما أراد عليه السلام أن لا تبقى على صاحبها بقيةٌ من أسباب النّدم ولا حال تبعث اللائمة

عليه، ولكن يبلي العذر، وينتظر القدر، ويتبع الأثر والخبر. وسمعت بعض الصوفية يقول: التوكّل حالٌ تتوسّط الاسترسال والاعتمال، لئلاّ يكون المتوكّل باعتماله ساكناً إليه، ولا بتوكّله مهملاً له، ولكن يقبل أدب الله عزّ وجلّ في حفظ ما استحفظ، ثم يلوذ به فيما لا يستطيع حفظه إّلا بمعونته. وكان أبو حامد يقول: قال النبيّ صلّى الله عليه وآله: إن الله لا يقبل دعاء ثلاثة أو لا يجيب ثلاثة؛ رجلٍ يقول: اللهم خلّصني من هذه المرأة، فإنّ الله تعالى يقول: إنما جعلت طلاقها في يدك وأبحت ذلك، لئلا تظنّ أني قد ابتليتك فتطلب الفرج ممن قد سبق له الفرج ولا يجيب دعاء من يقول اللهم خلصني من هذه الأمة، فإنه يقول: قد جعلت لك أن تبيعها أو تعتقها؛ ولا يجيب دعاءً من يقول: اللهم اردد عليّ مالي - قال: يعني التاجر الذي اشترى ولم يشهد - فإنه يقول: قد ندبتك إلى الشّهادة حفظاً لمالك واحتياطاً في أمرك، فتركت الأمر وخالفت إلى النّهي، ثم عطفت تتمنّى الأماني، ليس لك عندي إّلا ما عرفت؛ وهذا كله حقّ، والاستعانة بالله عزّ وجلّ أحقّ وأحقّ.

وقال صلّى الله عليه وآله: لا حكيم إّلا ذو عثرة؛ وقال في مكان آخر: لا حكيم إّلا ذو أناة، ولا حكيم إّلا ذو تجربة؛ وفي اللفظ الأول معنى لطيف وهو أن الحكيم قد يعثر فلا يخرج بذلك من الحكمة والصّفة المستحقة، فكأنّ العبد إن تعلّت رتبته في الفضائل، وطالت يده في التجارب، فإنه يبين بعجزه عن حال من لا يزلّ ولا يهفو، وهذا أيضاً دليلٌ على انتفاء العصمة من صفات الإنسان، أعني أنه لا يحوي معنىً يصير به ممّن لا يجوز عليه الخطأ ولا يقع معه نسيانٌ على ما زعمت الرافضة في إمامها، فإنّ هذا نعت إله الخلق، وهم لفرط غلّوهم في أئمتهم يلحقونهم بصفات ربّهم ولا يبالون، كل ّذلك تجليحاً وجرأةً، ولهذا نشأت فيهم الغالية. ولقد قلت لسيخٍ منهم وكأني أتغابى عليه: لم قال هؤلاء إنّ علياً عليه السلام إله؟ قال: لأن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال لهم: عليٌّ إله؛ قلت: ولم إذا قال جعفر ذلك كان كذلك؟ ومن أين لك أن الإمام قال ذلك. قال: هذا كله من كلام الناصبة.

وكان الخليل بن أحمد السجستاني يقول: لا يجوز أن يتعبّد الله أحد من الخلق بمحبة أحدٍ من الخلق، لأن ذلك خارجٌ من الحكمة، وذلك أنّ الإنسان - بزعمه - لا يفعل المحبة ولا البغضة، وإنما المحبة والبغضة والشهوة والكراهية عوارض للإنسان من قبل الله عزّ وجلّ؛ فقيل له: فإنّا نحبّ الرسول وقد أمرنا بذلك، قال: تلك المحبة كنايةٌ عن الطاعة؛ ألا ترى أن الله عزّ وجلّ يحبّ على هذا المعنى، وقد قرن المحبة بالاتّباع، والاتّباع هو الطاعة في قوله تعالى " قل إن كنتم تحبّون الله فاتبعون " فرسول الله محبوبٌ على ذلك؛ قيل له: فكيف تكون محبتنا لله كنايةً عن طاعتنا له؟ فقال: كما كان حبّ الله لنا كناية عن ثوابه لنا في قوله " يحببكم الله ". قال ابن عباس، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: " ليس الخبر كالمعاينة؛ إنّ الله عزّ وجلّ قال لموسى عليه السلام: إنّ قومك فعلوا كذا وفعلوا كذا فلم يبال، فلما عاد وعاين ألقى الألواح وأخذ برأس أخيه ". وقد سمعت بعض الحكماء يقول: إنما صار العيان يورث الاضطرار لأنه يشارط الحواسّ، والحواسّ سريعة التقلّب والتبدّل، والخبر

يصحب العقل، والعقل كهف الدّعة، وجوهر القرار، ومعدن السّكون، ولهذا ترى هدي العاقل أهدى من ظاهر الأحمق، لأنّ الأحمق لا صمت له، ولا سمت معه، والحواسّ طلائع العقل وروّاده، وأقربها إلى العقل ما سلك إليه طريق السّمع. ألا ترى أنّ من سمع ففهم أشرف ممّن أبصر فعلم؟ والإنسان قد يفقد البصر ويجوز الفضل بكمال العقل، وقلّ ما يوجد من عدم السّمع ففاز بشرف العقل. قال: ويوضح هذا أن البصر يلقط من المشاهدات ما قابله، والسمع يحيط بكل ما يرعاه ويهديه إلى العقل، فكأنّ السمع أخدم للعقل، وعلى قدر خدمته له قربه منه، وعلى حسب قربه منه عنايته به. وسمعت غير هذا الفاضل يقول: البصر في الجسم بمنزلة العقل في النفس، كأن العقل عين النفس، والبصر عين الجسم، ولهذا ما يستدلّ بسكون الطّرف وحسن تدوير الحماليق على زيادة الإنسان ونقصه. قال عبد الله بن عمر: ما زلت أسمع " زر غبًّا تزدد حبًّا " حتى

سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله بدور الظلام ونجوم الإسلام قال ذلك؛ يقال: زار يزور زيارةً، ورجل زورٌ وهم زور، وجمعٌ آخر، يقال: زوّار، والصحيح زائر وزائرون؛ والزّوار والمزاورة مثل الحوار والمحاورة والخصام والمخاصمة. يقال: فلانٌ زير نساءٍ: أخذ من هذا إذا كنّ يزرنه ويزورهنّ؛ فأما الغبّ والإغباب فهو أن تزور مرةً وتترك أياماً، ومنه لحمٌ غابٌّ أي بائت. والمعنى في " تزدد حباً " كنايةٌ عن الطّراوة والخفّة على قلب المزور ممن يزوره، والمزير: الفاضل؛ والمزر نوعٌ من النبيذ. فأما قول العامة: ما أمزره - في الشتم - فليس بعربية -، وكذلك قولهم: مزّار؛ هكذا قال السيرافي. وقال صلّى الله عليه وآله: " الخير عادةٌ والشرّ لجاجة "؛ كأن الخير بالاعتياد ليس أن الخير عادة، وليس هذا حدّ الخبر ولا حقيقته، ولكن الخير بالعادة، ولوضوح المعنى أيضاً ما جاز أن يرسل اللفظ هكذا. والشرّ أيضاً إنما هو باللّجاجة، وما أكثر من يهمّ بشيءٍ من الشر طلباً للتّشفّي حتى إذا قرع بابه وفّر أنيابه تتابع ولجّ واستشرى، وأمعن واستقصى وبالغ، ولم يكن بلوغ تلك الغاية

من أربه، ولا إليه ساق عقدة عزمه، ولكن تجاوز الحدّ باللجاجة. يقال: ألجّ ولجّ والتجّ والجّج، واللجوج ذميمٌ عند كل راءٍ وسامع، وبئس الخلق هو، وحسبك أنه مركبٌ إلى النار، ومجلبة للعار، ومذهبةٌ للأقدار والأخطار؛ واللجاجة كأنها ضيق النفس عن احتمال الحق. وقال صلّى الله عليه وآله: " الخير كثيرٌ ومن بعمل به قليل ". قال الحسن البصري: المعتبر كثير والمعتبر قليل؛ وقلت لأبي النّفيس: من المعتبر؟ فقال الفقيه عن الله عزّ وجلّ. وقال صلّى الله عليه: " المستشار مؤتمن "؛ كأنه أرشد من استشير إلى الأمانة بما وصفه به لأنّ المستشير لم يلق إليه ذات صدره حتى جعله أميناً في نفسه. والمشورة - بضم الشين - مثل المعونة وقد جيز بسكون الشين أيضاً،

وأصل اشتقاق الكلمة من شرت الدابة إذا حركته لشور ما عنده؛ ومنه شرت العسل، أي أخذته ورقيت إليه، والسّين لطلب الفعل في قولك استشرته، ويقال: استشار الرجل إذا حسنت شارته، يقال: هو صيّرٌ شيّر إذا كان حسن الصورة والشارة. وقال عليه السلام: " كلّ معروفٍ تصنعه إلى غنيٍّ أو فقير فهو صدقة "؛ قال ابن قتيبة: المعروف كل ما عرفته النفس واطمأن إليه القلب، والله معروفٌ بسكون البال وفزع الإنسان إليه، والمؤمن عارفٌ بذلك. وقال صلّى الله عليه: " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه "؛ تقول: عناني هذا الأمر كأنه أشار إليك بطلوعه عليك أو باحتياجك إليه يعنيك؛ ويقال: عنيت بحاجتك، هكذا قال ثعلب في " الفصيح " بضم العين، وقال لغيره: يجوز عنيت - بفتح العين -.

سمعت بعض أصحاب الورع يقول: ترك ما لا يعني صعبٌ، وكان بعض المشايخ ممن يتحلى بالحكمة ويتظاهر بالفضيلة دخل حمّاماً فوجده حاراً، فقال لمن بجنبه: ما أحرّ هذا الحمام؟ قال هذا: ذاك كأني لا أعلم أنك تجد من حرارة هذا البيت ما أجد، حتى تتجرّد لهذا القول وتشغل نفسي بهذا الخبر، وتقيّد لسانك بهذا اللفظ، فما الذي أفاد هذا أحدنا؟ ولقد أخذ هذا الشيخ مأخذاً صعباً؛ وقيل: من التّوقّي ترك التّجنّي، وترك الإفراط في التوقي؛ وكأنّ هذا الرجل قريبٌ من صاحب الزّبيبة، فإن رجلاً رؤي بمنىً وعرفات وبيده زبيبة وهو ينادي: ألا من ضاعت له زبيبة؟ فقيل له: أمسك، فإنّ هذا من الورع الذي يمقته الله عزّ وجلّ، ولنفس حصةٌ ولها استراحة وعليها منها كدب ومع التزمت ومع التقبض هشاشة ومع التعمّل دماثة، وللإنسان من كلّ شيءٍ حظّ، ولكل شيءٍ منه نصيب، ولو كان الإنسان مصبوباً في قالب واحد، ومصوغاً على خطٍّ واحد، ولو كان الإنسان واحداً، ومسلولاً عن طبيعة واحدة، لكان هذا يستمرّ بعض

الاستمرار، ويتجوّز فيه بعض التجوز؛ فأما وهو مؤلّفٌ من أخلاط، ومركّبٌ على طبائع، ومجموعٌ متضادات، فالا بدّ أن يميل إلى شيء، ويميل به شيء، ويرى مرة طافياً ومرة راسباً، ومرة راضياً ومرة غاضباً، ومرة هادئاً ومرة صاخباً، ومرة قانعاً ومرة ساخطاً، ومرة لاحقاً ومرة غالطاً، وأنه ما دام بين أشياء متعادية وأحوالٍ مترامية، فلا بدّ أن يترجح بالزّيادة والنقص، والربح والوكس، إلى أن يأخذ الله جلّت عظمته بيده، ويجذب بضبعه، ويؤويه إلى رضوانه. على أنّ هذا الشيخ قد استفاد بما كان منه لوماً لنفسه، وتنبيهاً لها من رقدته، ووصيّةً لغيره، وذكراً مأثوراً من بعده. وقال صلّى الله عليه وآله: " إنما التجبّر في القلوب ". وقال عليه السلام: " سوداء ولودٌ خيرٌ من حسناء لا تلد ". وقال صلّى الله عليه وآله: " المتشبّع بما لم يعط كلابس ثوبي زورٍ ".

وقال عليه وآله السلام: " أعظم النّساء بركةً أقلّهن مؤونةً ". وقال صلّى الله عليه وآله: " اطلبوا الخير عند حسان الوجوه "؛ قال لنا أبو الشيّخ الأصبهاني - وعليه قرأنا جميع ما اتصل في هذا الجزء من أمثال رسول الله صلّى الله عليه وآله: سمعت عليّ بن حزم يقول: تفسير هذا الحديث في قول عمر بن الخطاب، فإنه قال: إن للناس وجوهاً، فأكرموا وجوه الناس؛ فقال: فمن كان له في الناس وجهٌ قيل فلان حسن الوجه. هذا الذي قاله الشيخ عن هذا الشيخ حسنٌ مرضيّ، كأنه ذهب إلى من كان له جاهٌ وكان وجهاً ووجيهاً، فمسألته تعطفه صيانةً لجاهه وطلباً لمنزلة الخير عند الله تعالى بذمائم عند الناس، فإن عباد الله في أرض الله شهود الله على خلق الله تعالى. وسمعت بعض الحكماء يقول: السابق إلى النفس من هذا الخبر هو الحسن المتعارف؛ وإنما اختصّ رسول الله صلّى الله عليه وآله ذوي الوجوه الحسنة لأنّ حسن الظاهر دليلٌ على صحّة الباطن، أي لأنّ حسن المرأى شاهدٌ على اعتدال

العقل، والعقل يأمر بالمواساة ويبعث على الخير. وقال أيضاً: إن الحسن موصولٌ بالحياء؛ لهذا قلّما ترى التجليح في ذي الوجه الصبيح، ومتى تمّ حياء الوجه ورقّ عليه اللسان عن الردّ وحرج الصدر بالحقّ، صار ذلك سبباً للرحمة وداعية إلى النجاح. وهذا جوابٌ قريبٌ مقبول، ليس للقلب عنه نبّو، ولا للعقل عليه مستكرةٌ. والكلام في هذا الفنّ طويل الطّرفين، جمّ الفوائد، ولكنّي قد مللت بما أمللت، فلهذا أروي بعض ما أطوي ولا أفسّر خيفة الإطالة الجالبة للملالة، وبئس الشيء الملل في العلم واقتباسه، والكسل في العمل وإخلاصه، لكني من البشر، ممزوجٌ بالخير والشرّ. وقال صلّى الله عليه وآله: " القناعة مالٌ لا ينفد ". وقال عليه السلام: " ما عال من اقتصد ".

وقال عليه السلام: " أيّ داءٍ أدوى من البخل ". وقال عليه السلام: " لا يجنى من الشّوك العنب ". وقال صلّى الله عليه وآله: " رأس العقل بعد الإيمان بالله عزّ وجلّ التودّد إلى الناس ". وقال عليه السلام: " إذا أتاكم كريم قومٍ فأكرموه ". وقال صلّى الله عليه وآله: " اليسر يمنٌ والعسر شؤم ". وقال عليه السلام: " الناس معادن ". وقال صلّى الله عليه وآله: " ما قلّ وكفى خيرٌ ممّا كثر وألهى ". وقال عليه السلام: " من صمت نجا ".

وقال صلّى الله عليه وآله: " العائد في هبته كالكلب يقيء ثمّ يعود فيه ". وقال صلّى الله عليه وآله: " البس جديداً وعش حميداً، قال صلّى الله عليه وآله لعمر ". وقال عليه السلام: " المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد وإذا أنيخ استناخ "؛ أراد بهذه الدلالة على وطاءة جانبه وسماحة أخلاقه وسهولة أمره، وأنك لا تهزّه إلى خيرٍ لك أو له إّلا اهتزّ، ولا تدعوه إلى رشدٍ إّلا أسرع إليه، وأنه كثير الاسترسال، ظاهر التوكّل، قد ألقى مقاليده إلى الله عزّ وجلّ، وإلى أوليائه؛ وما تجد هكذا الفاجر المنافق، فإن الشراسة فيه غالبة، والاحتياط والحزم والتحرّز منه بنجوة، يتوهّم أنه إنما يعيش بتأتّيه وقدرته واستطاعته، وهذا ظنّ لا حقيقة له، ورأيٌ لا محصول معه. إنّ الله عزّ وجلّ مالك النواصي، ومصرّ ف الجوارح، ومقلّب القلوب، وباعث الخواطر.

والأنف - بقصر الحرف - هو الذي يشتكي أنفه، هكذا هو من البعير والإنسان وكلّ ذي أنفٍ؛ والأنف كالظّهر وهو الذي يشتكي ظهره، وإياك أن تقول: يشكو بطنه ويشتكي من بطنه، هذا كله لكنةٌ والعربية ما سلف. وقولهم أنف فلان من القبيح كأنه لوى أنفه عنه، وليّ الأنف في هذه الحال كنايةٌ عن زيّ الوجه، وزيّ الوجه كنايةٌ عن الإعراض، والإعراض كناية عن الانصراف وترك القبيح، وإذا قيل لك: أما تأنف من كذا وكذا؟ فهذا يراد بك، والأنف موضع الخنزوانة، والخنزوانة الكبر، يقال: فلان أنفٌ إذا كان يعاف القاذورة، وفلان نطفٌ إذا كان يأتي القاذورة، كأنه يسرع فيها ويسيل كالناطف - وهو السائل -؛ وتقول: أنفت الرّجل إذا ضربت أنفه - والهمزة مفتوحة، والضمة لكنةٌ في ألسنة العامّة، وهو نظير قولك: جبهته وبطنته وصدرته، إذا ضربت جبهته وبطنه وصدره. وتقول: كان فلان في أنف شبابه يفعل كذا وكذا، أي في عنفوانه أو أوّله؛ وأما قولك فعلت كذا وكذا آنفاً، أي منذ الآن، واستأنفت الأمر أي أعدته، كأنك طلبت أنفه أي أوله؛ وقد أناف فلان على مائة سنة، أي

أشرف عليها، كأنّ المعنى من شرف الأنف وإشرافه على الوجه، وفيه لغة، يقال: ناف أيضاً، ومنه عبد مناف كأنه مصدر ناف؛ وكلأٌ أنفٌ أي لم يرع بعد، وفلان قد أوفى على نيّفٍ وستّين سنة - تشدد الياء؛ هكذا قال أبو حاتم. فتأمّل هذا الأدب واحفظ هذا العلم، فقد سيق إليك وأنت مستريح. وأما قوله: إذا أنيخ استناخ، هكذا يقال ولا يقال: أنيخ فناخ، إنما يقال: برك واستناخ، وقد شذّ عن وجه القياس إّلا أنه محفوظ. وقال صلّى الله عليه وآله: " المؤمن القويّ أحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف ". وقال عليه السلام: " فضل العلم خيرٌ من فضل العمل ". وقال صلّى الله عليه وآله: " ربّ مبلّغ أوعى من سامع ". وقال عليه السلام: " لا ينبغي للمؤمن أن يذلّ نفسه "؛ قيل: يا رسول الله، وكيف يذلّ نفسه؟ قال: " يتعرض من البلاء لما لا يطيق ". قال ابن عمر: سمعت من الحجّاج كلاماً أنكرته، فأردت أن أغيّر عليه، فذكرت قول النبيّ صلّى الله عليه وآله: " لا ينبغي للمؤمن أن يذلّ نفسه "، الخبر، فأمسكت؛ فرحم الله ابن عمر، وهل يجوز ترك الأمر

بالمعروف بهذا التأويل؟ أما إنه متى شاع هذا بين الناس وجنحوا إليه، وعملوا عليه، ظهر الفساد في البرّ والبحر، وتعجّل كلّ واحدٍ في راحته وعزّه، وقبض يده ولسانه عمّا فرض الله عزّ وجلّ عليه من إقامة المعروف وإماتة المنكر؛ أما إنه موقوف على التأويل فإنك لا تجد قائلاً قولاً ولا فاعلاً فعلاً إّلا وهو في حاله تلك يبسط عذراً، ويدّعي سرّّا ويتعسف تأويلاً. ولعلّ هذا الحديث واهي الإسناد، فاسد المخرج، أو قد صحبه في الحال ما سقط منه عند الرواية، وما أظنّ أكثر من هذا؛ على أن حسن الظنّ أحسن. قال صلّى الله عليه وآله: " من رزق من شيء فليلزمه؛ حثّ بهذا على استجلاب الرزق ". وقال عليه السلام: " الشاهد يرى ما لا يرى الغائب ". وقال صلّى الله عليه وآله: " المؤمن غرٌّ كريم والفاجر خبّ لئيم "؛ أشار عليه السلام بهذا النّعت إلى سلامة صدر المؤمن لأنّ إيمانه يبعثه على حسن

الظنّ والاسترسال، فيكون بعض ذلك غرارة، إّلا أن غرارة بإيمانٍ أنفع في الدين والدنيا من حذاقةٍ بفجور؛ الحزم كلّه حرس حريم الدّين وإن أباح سرّ الدنيا، والإضاعة كلّ الإضاعة فيما خلب وأهمل الدّين، وكلّ هذا يراه الإنسان - مع إيمانه القويّ، وسرّه المرضي - من حبّ العاجلة، ولعمري فطام النفس عنها شديد، ولكنّ الثّواب على قدر المشقّة والجزاء على قدر العمل. والغرّ في اللغة هو الغرير وهو المغترّ، والغرارة - بفتح الغين - كالمصدر هو حالها؛ فأما الغرّ - بفتح الغين - فالحدّ، وهو ثني الثوب، العرب تقول: طويت فلاناً على غرّه، أي لبسته على دخل، والغرور - أيضاً بضم الغين - مصدر عر يغرّ غروراً، والغرور - بفتح الغين - يقال هو الشيطان، ويقال: هو الدنيا، وأما الغرارة - بكسر الغين - فالظّرف يحمل فيه التّبن وما أشبهه. وكان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا تلاقوا تواصوا، وكان فيما يقولون: كونوا بلهاّ كالحمام، كان المعنى: فوّضوا أموركم إلى الله

عزّ وجلّ ولا تتجاوزوا في الاحتياط والحزم والترقيح في المعيشة ما يليق بإيمانكم ويحفظ مروءاتكم. وقد قال السلف: تعايش الناس ملء مكيال، ثلثاه فطنةٌ وثلثه تغافل. والعرب تعتد في أمثالها قولها: الاستقصاء فرقة؛ وقال جعفر ابن محمد الصادق عليهما السلام: عظّموا أقداركم بالتغافل، فقد قال الله عزّ وجلّ " عرّف بعضه وأعرض عن بعضٍ ". وقال المبّرد: قال الله تعالى " ولستم بآخذيه إّلا أن تغمضوا فيه ". واعلم أنّ هذا التأديب يجمع خير الدّين وروح الدنيا، ولهذا نوى أن المتكلمين في الدّين والمتجادلين بين المسلمين يأخذون أنفسهم وقرناءهم في بابٍ من الاستقصاء ضيّق، لا يدخله المتطامن فضلاً عن المنتصب. ولهذا قلّ التألّه فيهم، ورحلت هيبة الله عن قلوبهم، وكثر التأويل في كلّ أمورهم عليهم، وطمع فيهم الشيطان في جميع أحوالهم. والله لقد تصفّحت خلقاً لا أحصي عددهم ببغداد منذ سنة خمسين إلى يومنا هذا، فما رأيت منهم من ترجى له السّلامة إّلا رجاءً قليلاً، منهم أبو القاسم الواسطي، بل هو أشفّهم فيما تجلّى للعين وطهر للحسّ، على أنه يرمى بالنّفاق، ويقرف بالقبيح، ولا سليم على

الناس، ولا معصوم من الخلق. فأما جعل فمن دونه، فنسأل الله عزّ وجلّ أن لا يهتك أستارنا كما هتك أستارهم، ولا يقبّح أخبارنا كما قبّح أخبارهم. حدّثني القاضي الموفّق المراغي قال: كان سبب نكبة أبي عمرو الأصبهاني، وزير عليّ بن ركن الدولة شؤم النّصيبيّ أبي إسحاق، غلام جعل، وذلك أنه فتح عليه باب الخنا، وسوّغ له التهالك في المجون، وهوّن عليه أمر الدّين، ومنعه من أسباب البّر والصدقة والتعبّد، فقسا قلب ذلك الرجل، وجمدت كفّه، وجعد بنانه، وطال هذيانه، وعظم طغيانه، فأخذه الله تعالى أخذةً، جعلها نقمةً له وموعظةً للناظر إليه. وكان القاضي هذا يقول: سمعت النّصيبيّ يقول وقد انتشى من الصّرف من

الخمر: لو صحّ أمر الدّين في نفسي لما وجدتني عاكفاً على هذا، لكنّي ما أجد صحةّ ولا أعرف حقيقةً، وأما الكلام الذي نديره بيننا وبين الخصوم مثاله مثال قول القائل: أين الباب المجصّص؟ فيقول له المجيب: عند الدّرب المرصّص، فيقول السائل: فأين الدرب المرصّص؟ فيقال: عند الباب المجصّص. هذا قليلٌ من كثير ما ينطوي عليه هذا وأشباهه من الناس، والطريف أنّ القوم يقطعون بالوعيد، ويحكمون بالتخليد، ويأخذون بأشدّ التشديد، ثم يركبون من الدنيا سنامها ويقتحمون من النار جاحمها؛ على هذا تجد القاضي الأسداباذي قاضي الرّي وابن عبّاد ومن لفّ لفّهما، وما أدري ما أقول في هذه الطائفة الداعية إلى الحقّ بزعمها، العاكفة على الفسوق والكفر باختيارها. ما هذا إّلا العناد ومجاهرة ربّ العالمين بالإلحاد. ولولا أنّي أجد لهيباً في نفسي من هذه الأمور المتناقضة، لما شغلت خاطري بهم ولا أعملت لساني فيهم، فلهم ربّ يجزيهم جزاءهم ويحاسبهم حسابهم، ولكنّي يدركني أسفٌ على دين الله عزّ وجلّ كيف يتلعّب به قومٌ لا خلاق لهم، ولا من عقيدة معهم، وإنما أتوا من الفضل الذي تقدّم هذا الكلام، وهو أنهم رضوا من أنفسهم في الدين بالكلام

فيه، والتشكيك عليه، وإنشاء مسائل لا يسأل عنها أحد، ولا يدلّ عليها وسواس، وادّعوا أن الإقبال على هذا النوع تصحيحٌ للتوحيد، ومعرفةٌ بالأصول، وإثباتٌ للحقّ، ثم فارقوا العمل وإخلاصه، وأعرضوا عن الآخرة وطلبها بالتهجّد والصّوم وطول الصّمت وبذل النفس. ومتى واقفتهم شاغبوك وصاخبوك ورموك بدائهم، وازدحموا عليك بكيدهم. فجانب - أيدك الله - هذه الخصلة القادحة في عقد الدّين، الفاضحة لأصول الأخلاق - أعني الجدل والنّقار والاستقصاء - واعلم أنّ الله عزّ وجلّ ورسوله صلّى الله عليه وآله قد أوضحا لك منهج السلامة، وسلكا بك طريق الرّشد، فما لاح لك من ذلك فقل به واعمل عليه، وما أشكل فقف عنه ولذ بالله فيه، واتّق الله عزّ وجلّ، فإنّ له مقاحم هي مهالك؛ وإياك والتهاون بما ألقيت إليك، فإنّي لم أجد فساد الدّين والدنيا إّلا من هذه الخصلة النكدة. وقال صلّى الله عليه وآله لرجلٍ من جهينة: " ما لك من مالك إّلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو أعطيت فأمضيت ". وقال عليه السلام لرجلٍ قال له: " أوصني، فقال: عليك باليأس مما في أيدي الناس، وإياك والطمع فإنّه فقرٌ حاضر ".

وقال صلّى الله عليه وآله: " أنزلوا الناس منازلهم "؛ سألت القاضي أبا حامدٍ عن هذا فقال: ليس يعني في منازلهم عند الله، فإنّ تلك مطويّةٌ عن معارف الخلق، وإنما ذلك على ما ظهر من حليهم، ونطق به شاهدهم، ودلّ عليه ما تعاطوا بينهم. وكان أبو السائب القاضي ببغداد يشنأ رجلاً، فدخل إليه المشنوء يوماً فلم يحفل به أبو السائب ولم يرفع إليه طرفه، فوجد الرجل من ذلك، فجرّ الحديث إلى أن قال لأبي السائب: أيّها القاضي، أنزل الناس منازلهم، فقد وصّى رسول الله صلّى الله عليه وآله بذلك، فقال أبو السائب: يا غلام، خذ بيد الشيخ إلى الكنيف فما أعرف له منزلاً غيره، وقد أمسكت عن إقامة السّنّة فيه فأبى، فأخذ الشيخ إلى الكنيف وبقي يومه حتى كلّم أبو السائب فيه فأطلقه. وكان أبو السائب داهية الأرض، وكان قد ربع الآفاق وتصوّف، وعرف الأمور وقلب الدهور. وقال صلّى الله عليه وآله لرجلٍ: " أولم ولو بشاةٍ "؛ هذا قاله لرجلٍ خطب كريمة قومٍ، فأحبّ عليه السلام بذلك التئام الشّمل وإشادة الأمور وتمام الألفة واجتلاب المحمدة واستدعاء البركة؛ يقال: أولم يولم إيلاماً مثل آلم يؤلم إيلاماً، ولكنّ الأشهر في أولم الوليمة، والإيلام على بابه في

قياسه. فأما ألم يألم ألماً فالمؤلم؛ وقيل في الأليم إنه المؤلم، كذا فسّر أرباب الكلام في القرآن. وكان سلام والد أبي عبيدٍ مملوكاً، وكان لا يفصح، فأسلم قاسماً في المكتب، وكان يضربه ويطالبه بما يتعلم؛ وكان يقول: إنما أدربك حتى تألم أي أضربك حتى تعلم، فجعل الضاد دالاً والعين ألفاً. ثم إن الله تعالى أنبت أبا عبيدٍ نباتاً حسناً، وكفله وتولاّه، وفتح عليه باباً في تفسير غريب حديث رسول الله صلّى الله عليه وآله لم يسبقه إليه أحدٌ، والناس من بعده سلكوا طريقه، وكان ثقةً عالماً ورعاً، وكتبه كلها جليلة القدر خطيرة، لا يقوم بها إّلا عالم. وقال صلّى الله عليه وآله: " الصبر عند الصّدمة الأولى ". وقال عليه السلام: " أفضل العمل أدومه وإن قلّ ". وقال صلّى الله عليه وآله: " مداراة الناس صدقة ".

وقال صلّى الله عليه وآله بدور الظلام ونجوم الإسلام: " ما تقص مالٌ من صدقة ". سمعت بعض الناس يقول: هذا المحال بعينه وكذبٌ من الرّواية؛ كيف يضاف إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله الذي هو الحقّ من الله، الباطل؟ كيف لا ينقص مالٌ من صدقة؟ إذا أخذت من درهم دانقاً فما ينقص منه دانق؟ وإذا أخذت من عشرةٍ درهماً فما يصير تسعة؟ وهذا إنما قاله عن عطن ضيّقٍ وجهلٍ متراكم، والعجب أنه من الشعراء ويترفّض ويدّعي تحقّقاً بمذاهب الإمامية، ولكن هذا من ثمرة عقلٍ سخيف، وكذلك تجد أكثرهم؛ وإنما المعنى على الاختصار إنما هو على أن الناقص عند المصّدق مرعيٌّ عند الله عزّ وجلّ بالخلف عليه والبركة فيه، وهذا الباطن فيه يوفي في وضوحه على الظاهر اللفظ، لأن التناقض منفيٌّ عن كلام كثيرٍ من السّفهاء فضلاً عن كلام الحكماء والأنبياء عليهم

السلام، فضلاً عن كلام سيّد الأنبياء عليه السلام، وأمثال هؤلاء الذين بهرجوا الحكم، وشدّوا باب التأويل، ومنعوا من موارد العلم، وصدّوا عن سواء السبيل، أعانوا إخوانهم من الشياطين في الضّلال والتضليل. وقال صلّى الله عليه وآله: " من صدق الله نجا ". وقال عليه السلام: " سكّان الكفور كسكّان القبور "؛ وقال أهل العلم باللغة: الكفور جمع كفر، والكفر: القرية؛ ورووا أيضاً: تخرجكم الرّوم منها كفراً كفراً، أي قريةً قريةً، وكأنه دلّ عليه السلام على أنّ سكّان الأطراف والقرى يبغي لهم أن يخالطوا الحاضر للتعلم والتفقه والتأدب والتنبه، فبالاجتماع والتلاقي يقع التفاصح عن المعاني، والتعاون على البر. والكفر: التغطية، ومنه كفر فلانٌ كأنه ستر نعمة الله عليه بالجحود والعنود، ومنه الكافر في السلاح أي الداخل فيه، ويقال: تكفّر في درعه، والكافر: الزارع،

هكذا قاله الناس، وزعموا أنه من هذا المعنى. ورأيت كثيراً من المتكلمين يسرعون إلى تكفير قومٍ من أله القبلة لخلاف عارضٍ في بعض فروع الشريعة، وهذا الإقدام عندي مخوف العاقبة مذموم البديّ، وكيف يخرج الإنسان من دين يجمع أحكاماً كثيرة، وقد تحلّى منه بأشياء كثيرة ليست خطأ منه، وليس المعارض له بالتكفير بأسعد منه في نقل الاسم إليه؛ كذلك أبو هاشم يكفر أباه أبا علي الجبّائي وأبو علي يكفّر ابنه، وحدّثني أبو حامد المروروذي أن أختاً لأبي هاشم تكفّر أباها وأخاها؛ وأما أصحاب أبي بكر ابن الإخشيذ كالأنصاري وابن كعب وابن الرّمّاني وغيرهم، فكلّهم يكفّرون أبا هاشم وأصحابه وجعلاً وتلامذته، وخذ على هذا غيرهم، وما أدري ما هذه المحنة الراكدة بينهم، والفتنة الدائرة معهم! أين التقوى والورع والعمل الصالح ولزوم الأولى والأحوط؟ إلى متى تذال الأعراض وقد حماها الدّين، إلى متى تهتك الأستار وقد أسبلها الله عزّ وجلّ؟ إلى متى يستباح الحريم وقد حظره الله إلي متى تسفك الدماء وقد حرمها الله ما أعجب هذا الأمر! كانّ الله تعالى لم يأمرهم بالألفة والمعاونة، ولم يحثّهم على المرحمة والتعاطف، وكأنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله لم يحذّرهم التفرّق في الدين والطعن على سلف المسلين.

وقال عليه السلام: " الشديد من غلب هواه ". وقال عليه السلام: " المستشير مغاث ". وقال: " الولد ريحان من الجنة ". وقال: " خيركم خيركم لأهله ". وقال: " السّفر قطعةٌ من العذاب ". وقال عليه السلام: " خيركم من طال عمره وحسن عمله ". وقال: " حسن الجوار عمارةٌ للديار ". وقال: " الأنصار شعارٌ والناس دثار ". وقال: " لا سهل إّلا ما جعلت سهلاً ". وقال: " خير النّساء الولود الودود ". قولا: " الإبل عزٌّ والغنم بركة ".

وقال: " ما نحل والدٌ ولده أفضل من أدبٍ حسن "، يقال: المعنى ما وهب له، والنحلة: نحلة المرأة، وكأنّ النّحلة التي هي العقيدة وجمعها النّحل إنما هي كالهبة من الله عزّ وجلّ، انتحل فلانٌ كذا أي ذهب إليه واشتمل عليه، وتنحّل إذا تكذب في الدعوى، يقال ما انتحل ولكن تنحّل إذا أظهر غير ما أضمر. فأما نحل الإنسان - في الّلازم - فمعناه هزل - بضم الهاء، ولا يقال هزل بفتح الهاء - وهزله الله يدلك عليه، وهو مهزول اللحم، واللحم الهزيل كأنه الغثّ الذي لا شحم له أو ليس بغريض. والغريض: الطّريّ؛ والطريّ بتشديد الياء - يدلك عليه قوله تعالى " لتأكلوا منه لحماً طريّاً وتستخرجوا ". فأما الطارئ - بالهمزة - فالذي يطرأ بلداً أي يرد ويقدم؛ والغريض الإغريض: الجمّار، والغريض: الغضّ، والهمزة زيدت في الإغريض لفرق، وإّلا فالغريض الأصل الذي هو الطّراوة، والطّراوة الجدّة - والجدة بتشديد الدال - فإما الجدة - بتخفيف الدال - فالغنى والإصابة؛ تقول: وجد يجد جدةً، كما

تقول: وعد يعد عدةً، ووصف يصف صفةً، ووزن يرن زنةً، وومق يمق مقةً، ووثق يثق ثقةً، ووقر يقر قرةً، والقرة: الثقل في الأذن وغيرها، وفي المثل: نعوذ بالله من طئة الذّليل أي أخذته شديدة ومسّه خشنٌ كالجبان الظافر، فإنّه يجهز ولا يقال يجيز، إنما الإجازة في الحديث أو في الطريق فأما الإجهاز ففي الجريح إذا لم يترك على جراحته، ولكن أتي عليه، ولا يكون الإجهاز إلا بعد أن يثخن ويؤتى عليه. والطّراوة غير الطّلاوة، يقال طلاوة وطلاوة، فأما حلاوة فبفتح الحاء، وإن رفعت الحاء تحوّل المعنى إلى حلاوة القفا، تقول: طرحته على حلاوة القفا. الطّراوة: الغضوضة؛ هكذا قال أبو حنيفة، وأبى أن يقال: الغضاضة؛ وقال: إنما الغضاضة هي فيما يغصّ من الإنسان أي يوكس حقّه ويستهان بقدره. وقد يكون الشيء طريًّا لا طلاوة له، والطّلاوة: الماء والترقرق، وفي الإنسان: الدّماثة والقبول؛ والدّماثة: السهولة، يقال: أرضٌ دمثةٌ إذا كانت سهلة المحافر والمواطئ وكانت كريمة النّبات؛ هكذا يقول أبو حنيفة أعني الدّينوري أحمد بن داود صاحب كتاب النّبات والأنواء، وكان ثقةً صدوقاً عالماً شديد التحقّق بالحكمة، وله لهجةٌ بدويّةٌ وبيانٌ شافٍ ووصفٌ مستقصىً، يزيد بهذه الخاصة على علماء كانوا قبله، فإنّك لن تجد لواحدٍ منهم غزارته واسحنفاره - الاسحنفار: المضيّ في الكلام؛ ويقال: له مضاء وغناء، وكأنّ المضاء كالنّفاذ، والمضيّ كالنّفوذ، وليس بينهما

فضلٌ مشعورٌ به ولكنّ للنفس عندهما وقفةً وتحيراً. وقال عليه وآله السلام: الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر. وقال: حسن الملكة نماء؛ النّماء ممدود، وهو الاسم، ويقال نمى ينمي نمياً، وهو المختار، ولغة أخرى: نما ينمو نموّاً ونماءً؛ والنّماء: الزيادة؛ ويقال نمى إليّ حديث كذا، فكأنه زاد فشوّه حتى بلغه؛ ويقال: لا تقطعوا نامية الله عزّ وجلّ، زعم الرّواة أنه عنى به النهي عن الخصاء؛ وفي الدّعاء يقال: نماه الله، وقد قيل: أنماه الله، وهو أقيس وهو أقلّ. وقال عليه السلام: من بدا جفا؛ زعم العلماء أن معناه: من سكن البادية غلظ، كأنه إنما تستفاد الرّقّة بالحاضرة لأنهم أهل المحاضرة؛ والمحاضرة فيها تفهيم واستفهام، والرقّة تابعةٌ لهذه الحال، ومعنى بدا: ظهر، كأنه من خرج إلى ظاهر المدن، لأنّ من سكن هناك فهو ظاهرٌ لا يستره الجدار ولا

يكنّه البنيان. وتقول منه: بدا يبدو فهو بادْ والمصدر البدوّ، فأما البدء فالابتداء؛ وقلا سيبويه: يقال: بدا لي كذا يبدو بداً وبداءً، والقصر عند غيره مرذول. والناس يقولون إنّ طائفة من الشيعة تقول بالبداء، وزعموا أنّ أصل هذا القول نشأ عن المختار، فإنّه كان يعد أصحابه عن الله عزّ وجلّ الظّفر، فإذا حال معنى الوعد قال: بدا لله، خيفة أن يقال: أخلف الله. وقال عليه وآله السلام: لو كان لابن آدم واديان من ذهبٍ لابتغى إليهما ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إّلا التّراب ويتوب الله على من تاب؛ يقال: كان هذا في القرآن، وعلى ظاهره مسحة تلك الطريقة، والله أعلم بحقيقة الحال فيه، وإنما تقول ما قالوا ونسكت عن ما سكتوا، ولسنا أعلم ممّن سلف، بل الأقدمون هم المقدّمون والأوّلون هم الأولون، وإنما نحن لهم تبع، والجميع في الحق شرع. ومعنى شرع: سواء، والشريعة: الموردة لاستواء الشاربة في الارتواء.

وقال عليه وآله السلام: تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرّب؛ يعني أن البشرية تعجز عن تحمّل الحكم، والعقل يحجزه عن تكرّه القضاء، فيبدي من الحزن ما تقتضيه الرحمة، ويضمر من التسليم ما يوجبه حال العصمة. وقال صلّى الله عليه وآله لرجلٍ: " أخذنا فألك من فيك "، الفأل هاهنا مهموز، فأما الرجل الفال إذا كان فائل الرأي فلا همزة فيه، وقد مرّ الكلام في هذه الكلمة آخذاً بنصيبه من الإيضاح والشرح. وقال: " من عمل عملاً ردّاه الله عمله "، أي ألبسه ذلك، أي جزاه جزاءه، وكأنه بيان قوله جلّت عظمته " فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرةٍ شرًّا يره " يقال في اللغة: حسن الرّدية كما يقال: حسن المشية وحسن النّيمة - من النوم - وحسن الفضلة، والتفضل هو التبذل بالثوب الواحد، كأنّه خلاف الحفلة، لأنّ الحفلة للمباهاة، والفضلة للمباسطة؛ وأما الرّدى فالهلاك، يقال: أرداه الله أي أهلكه، وتردّى هو أيضاً معناه هلك، ومنه قوله تعالى " والمتردّية " والتردي كأنه من علٍ يكون. فأما قول العامة: ترادى فلان فإني سألت عنه السيرافي -

وكان إمام عصره حفظاً وضبطاً وعرافةً وثقةً - فقال: كلام مهزولٌ لا مجال له في شريف كلام العرب. وقال عليه وآله السلام: غبار الجهاد ذريرة الجنّة؛ حدثنا بهذا الحديث ميسرة بن علي إمام جامع قزوين في سنة خمسين وثلاثمائة عن محمد بن أيوب الرازي، وسألت عنه ابن الجعابي فزوى وجهه كأنه لم يره صحيحاً. وعلى ذكر ابن الجعابي، فإني سألته عن قوله عليه السلام لعمار: يا عمّار تقتلك الفئة الفئة الباغية، قال: لا أصل له ولا فضل، وإنما ولّده مولد. كذا قاله، وأما غيره فإنّه قال: هو من المعجزات لأنه إخبارٌ بالغيب، وقد قال عمرو بن العاص لما قيل لمعاوية إنّ ابنه يذكر سماعه من رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: " يا عمّار تقتلك الباغية "، فأجابه بأن قاتله

من جاء به إلى القتال؛ فإن كان الأمر على ما قاله فالشّهداء الذي قتلوا في غزواتهم مع النبيّ صلّى الله عليه وآله كلهم هو قتلهم، والله المستعان. وقال عليه السلام للأنصار يصفهم مادحاً ومبيناً لما رأى منهم: " إنكم لتكثرون عند الفزع وتقلّون عند الطمع "؛ قد فسر المبرّد هذا في أول كتابه الكامل وأوضح المعنى فيه، وعلى التقريب نقول: الفزع ينقسم مرةً إلى الرّوع الذي يبقى فيه الإنسان حتى تعتريه الحيرة ويخامره الرّعب، فكأنّه فاتحة المكروه، وينقسم مرةً إلى أنه إغاثةٌ وإصراخٌ ومعونة وإنجاد. وهذا المعنى من رسول الله صلّى الله عليه وآله في تقريظ الأنصار: أي أنتم عند المعونة والنصرة تكثرون لشرفكم وشجاعتكم، فأما عند الفيء والقسمة وما عرض من أكثر الناس. وهذا من روائع الكلام الذي هو بنفسه يدلّ على علوّ قائله وشرف الناطق به.

وقال عليه السلام: " إنّ الله عزّ وجلّ يحبّ معالي الأخلاق ويكره سفسافها "؛ السفساف: الخسيس، وسفسف فلانٌ في كذا إذا أدقّ نظره وتتبّع حواشيه خيفة أن يفوته منه شيءٌ. وقال عليه السلام: " أمّتي كالمطر لا يدرى آخره خيرٌ أن أوّله "؛ ليس هذا منافياّ لقوله: " خير القرون القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم على ذلك "، وليس هذا أيضاً منافياً لقوله في وصف الزمان: " لا يزداد الزمان إّلا صعوبةً، ولا الناس إّلا شحاً، ولا تقوم الساعة إّلا على شرار الناس ". وإذا عبرت بجواب ما تقدّم من المسائل رأيت الكلام في هذا واقعاً موقعه ومستمراً مريره. وقال عليه السلام: " لا عيش إّلا عيش الآخرة ".

وقال: " خزائن الخير والشرّ مفاتيحها الرّجال ". وقال: " أعظم النكاح بركةً أيسره مؤونةً ". وقال: " قيّدوا العلم بالكتاب ". وقال: " كاد الفقر أن يكون كفراً ". وقال: " همّة العلماء الرعاية وهمّة السّفهاء الرّواية ". وقال: " التمسوا الرزّق في خبايا الأرض ". وقال: " ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيهاً ".

وقال عليه وآله السلام: " في كل كبدٍ حرّى أجرٌ "؛ والحرّى العطشى، والمعروف الحّران في المذكّر، وحرّان لا ينصرف، ومعنى قوله لا ينصرف: لا ينّون آخر الكلمة، ولعلك إن لم تأخذه من حرّ - إذا عطش - يحرّ حرّة انصرف، لأنك تجعله إذ ذاك من حرن فهو حرّان مكان حرون؛ ألا ترى أنك إذا صرفت حسّان وتيّان وحيّان وزمّان عن باب فعلان إلى باب فعّال صرفت، فإنك إذ أخذت حسّان من حسن يحسن حسناً فهو حسّان كان فعّالاً وصرفت، وإذا أخذته من حسّ كان فعلان ولم يصرف؛ وإذا أخذت حيّان من حان فهو حيان كان فعّالاً وصرفت، وإذا أخذته من الحياة أو الحيا كان فعلان ولم يصرف، وكذلك إذا أخذت تيان من التّين - وهو بائعه وجامعه - كان فعالاً وصرفت، وإذا أخذته من تيّ كان فعلان ولم يصرف، وكذلك زمّان إن أخذته من زمن بالمكان إذا أقام كان فعالاً وصرفت، وإن أخذته من زمّ يزمّ كان فعلان ولم يصرف، والكلام في زمان سيمرّ أشبع. ومن هذا الحرّ، يقال: حرّ يومنا إذا وهجت شمسه، وحرّ المملوك بحرّ وحرّ اليوم يحرّ، وما هاهنا فاصلٌ طبيعيٌّ ولا شاهدٌ عقليٌّ، والسّماع في مثله عزيز. وهذا غاية ما أقدر عليه، وأجد سبيلاً إليه، وإنما أتكلف ما يستطاع.

فخذ من كلّ ما يقرع سمعك ويروق فهمك صافيه، ودع عليّ كدره واغفر لي خطئي في هذا الكتاب لصوابه، ولا تنكر حسني فيه لقبيحي منه، واعلم أن من طلب عيباً وجده. وقال عليه السلام: " أفضل الصّداقة على ذي رحمٍ كاشحٍ "؛ الكاشح: العدوّ؛ كأنه من كشح عني إذا أعرض أي طوى كشحه. وسمعت من يقول: لأنه أضمر العداوة في كشحه. وكشحته إذا ضربت كشحه، كما تقول بطنته ورأسته وفأدته وكبدته إذا ضربت هذه المواضع منه، أعني البطن والرأس والفؤاد والكبد، وكذلك طحلته، من الطّحال، وكأن بابه متلئبٌ أي مطّرد ومتتابع؛ هكذا حفظت. وناقة مكشوحةٌ إذا كويت في كشحها، وجمع الكشح كشوح، وقد سمعت أكشاحاً، والعرب تقول: أصبح فلانٌ وصاحبه يتكاشحان ولا يتناصحان، ويتكاشران ولا يتعاشران. وقال عليه السلام: " أصحابي كالنّجوم بأيّهم اقتديتم فقد

اهتديتم "، وكان أبو حامد يقول: جمع النبيّ صلّى الله عليه وآله وأصحابه بهذه الكلمة تحت الشّرف والعمل والعلم، وهذا هو التزكية، وناهيك بمن رسول الله صلّى الله عليه وآله مزكّيه والدّاعي إليه، وإن كان التفاضل قائماً بينهم، وهكذا يوجب حكم المثل من قوله أيضاً، لأن النجوم تجتمع في الإزهار والإضاءة ثم إنها تتفاضل في ذلك، وليس فيها ما لا يهتدي به، ولا يبصر بضيائه، ولا يقتبس من نوره؛ هكذا أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله. ومن كان منهم أقدمهم مولداً، وأكبرهم سنًّا، وأسبقهم هجرةً، وأكثرهم تجربةً، وأشدّهم ملابسةً، كأبي بكر الصديق، كان أولى بالاقتداء به والمصير إلى قوله وفعله وهديه. وكان يقول: كيف يطلق عليه السلام هذا القول وهو قد عرف - بزعم الرافضة - أنه سيكفر فيرتد ويضلّ ويحمل أمةً قد تعب

محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم في إرشادها وهدايتها إلى الله عزّ وجلّ وإنقاذها من النار، على الضلالة والردة والكفر والفسوق؟ هذا لا يسع توهّمه فكيف اعتقاده والإيمان به؟ فقيل لأبي حامد وأنا أسمع: هذا الخبر لا يقتضي هذا الكلام كله وهذا التهجين للقوم جملة، لأنه من الآحاد، والمذهب في الخبر الواحد معروف، لأنه لا يجب به علم، وإن كان يصار به إلى عمل لانقطع بصحة موقعه من الله عزّ وجلّ ورسوله صلّى الله عليه وآله، فقال أبو حامد: إن الخبر لما أسند إلى ما عرف من حال الصحابة في هجرتها ونصرتها وسابقتها وعلمها وعملها وغنائها وجميل بلائها وغير ذلك من أفعال وأخلاق وعقود، وما أثنى الله عزّ وجلّ عليهم بها، وتمّت كلمة الله تعالى معها، وطارت الشريعة في آفاقها، وثبتت على عهدها وميثاقها، وساحت على فسيطها، وظهرت على الأديان كلّها، وجب أن يكون صحيحاً أو في حكم الصحيح - أعني في حكم ما لو قاله لم يردده أصل، ولم ينثلم به ركن، ولم يحله عقل، ولم يأبه فهم. 753 - وقال: وعلى أنّا لو نفينا هذا الخبر، وبهرجنا هذا المعنى، وعدلنا أيضاً عن السيرة المحكيّة، والقصة المرويّة، لكان فيما يوجبه حال نبيٍّ أتى من الله تعالى بالحقّ المبين، والمصلحة الشاملة، والمنفعة الكاملة، والخير

الفائض، ودعا باللطف، وصدع بالأمر، وكان الله تعالى متولّي حراسته، وعاصم نفسه، وناشر رايته، ما يقتضي هذا المعنى في الخبر وإحقاقه. 753ج - قال: وإنما الطعن على السّلف من عادة قومٍ لا خلاق لهم، ولا علم عندهم، ولم يطّلعوا على خفيّات الأمور، وعلى أسرار الدّهور، ولم يميّزوا الحال بين نبيٍّ جاء من عند الله تعالى هادياً للخلق، وسائقاً إلى الجنّة، وبين متنبئ مخرق بالحيلة، ولبّس بالمداهنة، ودلّى بالغرور، وزخرف بالباطل. والطاعن على السّلف قد أشار إلى هذا المعنى وإن لم يفصح به، وألمّ بهذا البلاء وإن لم يتربّع فيه - حرس الله علينا دينه بسلامة القلب على من نصر رسوله عليه السلام، وسلك سبيله، واتبّع دليله، وقبل منه دقيقه وجليله، ولا جعل في قلوبنا غلاًّ للذين آمنوا، إنه بنا رؤوف رحيم. وقال صلّى الله عليه وسلّم: " إنّكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن سعوهم بأخلاقكم ".

وقال عليه السلام: " استعينوا على حوائجكم بالكتمان، فإنّ كلّ ذي نعمةٍ محسودٍ ". وقال عليه السلام: " العبادة في الهرج كالهجرة إليّ. والهرج بغي الفساد ". وقال عليه السلام: " من أحبّ أخاه فليعلمه؛ حثّ بهذا على المواصلة ". وقال عليه السلام: " من رزق من شيءٍ فليلزمه، حثّ بهذا على استمداد الرزق ".

وقال صلّى الله عليه وآله: " الإيمان قيّد الفتك؛ هذا لئلا يقدم المغيظ بالهوى على المحظور ". وقال عليه السلام: " حلق الذّكر رياض الجنّة، والذاكر في الغافلين كالمحارب في المنهزمين ". وقال صلّى الله عليه وآله: " إنّ الله جلّت عظمته قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم ". وقال صلّى الله عليه وآله: " صنائع المعروف تقي مصارع السّوء ". وقال: " التائب من الذّنب كمن لا ذنب له ". وقال عليه السلام: " أبغض الرّجال إلى الله عزّ وجلّ الألدّ الخصم ".

وقال صلّى الله عليه وآله: " أخوف ما أخاف على أمّتي منافقٌ عليم اللسان ". وقال عليه السلام: " رحم الله عبداً قال خيراً فغنم أو سكت فسلم ". وقال: " صلة الرّحم مثراةٌ في المال منسأةٌ في الأجل "؛ الحرف مهموز في الأصل وتليينه جائز، ولكن لا تعتقدن عند التليين أنّ الحرف من النّسيان، ولا تقولنّ في النّسيان النّسيان فإن قولك النّسيان تثنية للنّسا، والنّسا هو عرقّ مقصور يستنبطه الفخذ - ويقال الفخذ أيضاً، والفخذ يذكّر على مذهب الفرّاء لخلوّ اللفظ من علامة التأنيث، ويؤنث عند غيره لإضمار التأنيث، وكأن العرب فيها على مذهبين، وللفخذ نظائر. ومن النّسيان تقول: رجل نسٍ

ورجلان نسيان؛ فأما قوله: منسأة في الأجل، فمن نسأ الله في أجله أي أخرّه، ويقال أيضاً: أنسأ الله أجله، المعنى في اللفظين واحد، وقوله تعالى " إنّما النّسيء زيادةٌ في الكفر " مهموز، وما أعرف قارئاً ذهب إلى ترك الهمزة، فأما: " نسوا الله فنسيهم " فلا همز، وفسّر: تركوا الله فتركهم، وإنما الفرق عرضي تابعٌ للمعنى، وهكذا تجد هذا الجنس كالحصان - بكسر الحاء - وهو الفرس، والحصان - بفتح الحاء - هي المرأة العفيفة والحصن والمحصنة، والفتح يدل على أنها استعفّت. ومن هذا الضرب الحيّة والحيّ والحيا والحياء وحيّان وحيوة وحيوان والحيّ الذي هو القبيلة، وذلك أن معنى الحيا شائع في أثناء هذه الأسماء، كأنهم رأوا الغيم يحيا له البشر والنّعم، فأفردوا له اسماً من الحياة، ثم وجدوا الحياء في الوجه لا يكون إّلا من شرف النفس ونقاء الجوهر، فدلّهم ذلك على أنّ صاحب هذا النعت أحيى ممن لا حياء له، لأن خالع الحياء في قلة رقبته وتهوّره يشبّه بالميت، وكأنّهم وجدوا جماعة ناسٍ من بطنٍ واحدٍ إذا انتسبوا إلى أبٍ أو اجتمعوا أو

اجتوروا - أي تجاوروا - فتمّ بينهم التعايش والحياة، وكأنّهم رأوا الحيّة طويلة العمر كثيرة الحركة، فأفرغوا عليه سمةً تدلّ على خصوصيتها. وأما حيوة في الأسماء فكأنها حياة سكّنت ياؤها واجتلبت لها الواو والبناء على حاله. وهذا شكلٌ من الكلام لولا أنّي قد سمعته ووعيته واستخرجته وتدبّرته وعرضته على العلماء ويسّرته لكان الإقلال منه أسلم. لكنّ هذا الكتاب قد جعلته خزانة لنفسي، ومرجعاً لدرسي، ففي نظرائي وأشكالي من فهمه أثبت من فهمي، وذهنه أنفذ من ذهني، وحفظه أغزر من حفظي، وقلبه أذكى من قلبي، لكني آثرت أن يكون لي فيمن دوني أثر، كما كان لمن فوقي عندي أثر، وإذا تيقظت قليلاً رأيت أهل الفضل كنفس واحدة تستنسخ الفضائل على الزمان في ذوي الأرواح الطاهرة والجواهر النيرة والطبائع المشحوذة والعقول السليمة. فأقلل من الطعن إن ظفرت بما يحسن في عقلك طعناً، وخاصم نفسك عني فإنّه أشبه بكرمك، وأبعد للإدالة منك، ومن عاب عيب، ومن هاب هيب، ومن صان صين، ومن أعان أعين، والحرّ أوقف بالطبيعة، والقصاص فأتمّ في الشريعة، وقد قيل: كما تدين تدان، وكما تزرع تحصد. وقال عليه السلام: " حفّت الجنة بالمكاره وحفّت النار بالشهوات "؛ ولوال أن التكليف والمدح والذمّ والكرامة والإهانة لا تتم أحكامها

ولا يثبت نظامها إّلا بأن تكون الجنة المرغوب فيها والنار المرهوب منها، على ما وصف عليه السلام لما كانت، فإنّ ربّ الخلق أعلم بالخلق، وباني الدار أعلم بالدار، وربّ المنزل أعرف بالمسكن، وليس السلامة إلا في التسليم. وقال عليه السلام: " الرزق يطلب العبد كما يطله أجله "؛ هذا الكلام كمايةٌ عن مصير الرّزق إلى العبد كملاً كمصيره إليه، إما بالاكتساب والاحتساب، وإما بغير اكتساب ولا احتساب، فكأنه دلّ على أنه لا بدّ للعبد البرّ والفاجر من استيفاء أكله إلى آخر أجله، وكان بعض الصوفية يقول: إما أن ترزق وإما أن تصبر وإما أن تقبض. والكلام في الزّرق خفيٌّ، والبحث عنه شاقٌّ، والمدخل فيه غامض، والناس على طبقاتهم يموجون فيه بالصّحيح والسّقيم، والفاسد والسليم. والحقّ الذي لا يطور به الباطل، والحجة التي لا تتخّونها شبهة، أنّ الإنسان منذ يسقط من بطن أمه إلى أن يلحد في ضريحه مكفولٌ به، مصنوعٌ له، وأنّ كافله وصانعه يدبّره بمشيئته وإرادته على ما سبق من علمه وحكمته، فالعبد

مرةً محرومٌ ليبتلى صبره، ومرةً واجدٌ ليعرف شكره، ولن يصفو من الدّنس وال يعرى من لباس الهوى ولا يصلح لسكنى الجنة إّلا بهذا النوع من التقليب، وهذا الشكل من الترتيب: بين حالٍ يكون فيها مرتهناً بشكرٍ يمتري له المزيد، وبين أخرى يكون ممتحناً فيها بصبرٍ يوجب له المزيد، فليس ينفكّ من النعمة، إّلا أنه في الغنى أبطر وفي الفقر أضجر، وحكم الله ينفذ فيه على كرهٍ منه. فما أحسن بمن أوسع الله عليه في ذات يده أن يكون مراعياً لحقّ الله عليه، وما أولى بمن ضيّق عليه أن يكون واثقاً من الله بما لديه، فلعلّ الصّنع له فيما زوي عنه وحجب وهو لا يدري، ولعلّ النظر له فيما حرم وهو لا يشعر. وأنا أستحسن قول رجلٍ قال لعبيد الله بن سليمان: لو كان للوزير بي عناية ما كان عني نابي الطّرف، ولا كنت من دركي منه على حرف؛ فقال عبيد اله: أيها الرجل، على رسلك، فعسى نظري لك في الإعراض عنك، ولعل استصلاحي إياك بالانقباض منك، ثق باهتمامي بك إلى أوان إسعافك، فإنّ تقرّبك إليّ بتفويضك أجلب للنيل إليك من تباعدك عني باقتضائك، واعلم أني وزير.

هذا - أيدك الله - فصلٌ عجيب سقته إليك لتعلم أنّ الإشارة في هذا المعنى إذا نقلتها إلى ما بينك وبي الله عزّ وجلّ علمت أنه أحقّ بتفويضك وسكونك وتسليمك، وأنه أقدر على صرف المكروه واجتلاب المحبوب من عبيد الله بن سليمان، واستلطف في قوله واعلم بأني وزير فإنه ينّبهك على أمر خطير. وسمعت بعض مشايخنا يقول: كيف لا أثق بالله جلّ جلاله وأعتمد عليه، ولقد رأيته يؤتيني ما أحب فيما أكره أكثر مما أصيب أنا ما أحب فيما أحب. وقال عليه السلام: " الزّكاة قنطرة الإسلام ". وقال: " من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له ". وقال عليه وآله السلام: " المؤمنون هينون لينون "؛ هيّن ليّن هين لين على وجه واحد، وكذلك ميّت وميت؛ وكان البديهي الشاعر العروضي يقول: التشديد يدلّ على أن الموت قد حلّ به وفارق الحياة، والتخفيف على أنه

مقتبلٌ كائنٌ مع حياته وحركته؛ قال: والهين بالتخفيف يدلّ على أن ذلك منه سجية، والتشديد يدل على أنه متكلف. وهذا نوع من التعسّف لا يصحبه دليل، ولا يشهد له تأويل، إنما كان يهذي بمثل هذا ويكثر منه، وأقبح بالتكلّف، خاصةً بذي اللّسن العالم. وقال صلّى الله عليه وآله: " لا تطرحوا الدّرّ في أفواه الكلاب "؛ هذا رواه لنا ابن مخلد بفارس، ومرّ بي بعينه في كلامٍ لعيسى بن مريم عليه السلام طويل. وقال: " بعثت بالحنيفيّة السّمحة ". وقال: " اللهمّ غبطاً لا هبطاً "؛ نصبه على المصدر كأنه: أسألك غبطاً أي أن أغبط غبطاً لا أن أهبط هبطاً، ومصدرٌ آخر وهو

الهبوط - بضم الهاء -؛ والهبوط - بالفتح - هو المكان الذي يهبط منه، وهبط أي نزل، ومنه مهبط جبريل عليه السلام؛ ويقال: هبطه أيضاً، وقد سمعت يتهبّط، فأما أهبطه فهبط فبابه مجرى بيّن، والهبوط خلاف الصّعود، كما أن الهبوط خلاف الصّعود. وقال عليه السلام: " أصحابي كالملح في الطّعام ". وقال عليه السلام: " مروا بالخير وإن لم تفعلوه ". وقال عليه السلام: أهل القرآن أهل الله ". وقال عليه السلام: " الصّدق والبرّ في الجنة ". وقال عليه السلام: " علّق سوطك حيث يراه أهلك ".

وقال عليه السلام: " التّواضع شرف المؤمن ". وقال صلّى الله عليه وآله: " لا خير في العيش إّلا لسميعٍ واعٍ ". وقال عليه السلام: " استنزلوا الرّزق بالصّدقة ". وقال عليه السلام: " لكلّ شيءٍ عمادٌ وعماد الدّين الفقه ". وقال عليه السلام: " لا خير في المراء وإن كان في حقٍّ ". وقال عليه السلام: " انظر إلى من تحتك ولا تنظر إلى من فوقك ". وقال عليه السلام: " المعروف بابٌ من أبواب الجنّة ". وقال عليه السلام: " خيانة الرجل في علمه أشدّ من خيانته في ماله ".

وقال عليه السلام: " السؤال نصف العلم ". وقال عليه السلام: " الدعاء سلاح المؤمن ". وقال عليه السلام: " المجالس أمانة ". وقال عيه السلام: " الظّلم ظلماتٌ يوم القيامة ". وقال عليه السلام: " الدّين الحبّ والبغض في الله ". وقال عليه السلام: " الحكمة ضالّة المؤمن ". وقال عليه السلام: " أحبب للناس ما تحبّ لنفسك ".

وقال عليه السلام: " النصر مع الصّبر والفرج مع الكرب ". وقال: " الدعاء مخّ العبادة "؛ رأيت بعض المتكلّمين يقول: إنما هو محّ العبادة - بالحاء غير معجمة، وسألت العلماء عنه فكرهوا قول هذا الرجل وقالوا: المحّ صفرة البيض. فأما محّ الثوب قد درس، ويقال أمحّ. فأما المخّ - بالخاء معجمةً - فهو ما تجده في العظم. فكأنه عليه السلام دلّ بهذا القول على أن الدعاء خالصة العبادة ولبّها. لأنّ العبادة وإن طالت متى خلت من الدعاء لم يكن لها دعامةٌ تثبت عليها، ولا عمادةٌ ترجع إليها، وذاك أن الدّعاء يستخلص القلب ويبعث على المذلّة، ويستخرج سرّ النفس، ويبيّن ذلّ العبد إذا سأل من عزّ الرب إذا سئل. وقد ندب الله عزّ وجلّ إلى الدعاء بقوله " ادعوني أستجب لكم ". وسمعت ابن البقال الشاعر - وكان على مذهب ابن الراوندي - يقول: ادعوني أستجب لكم فندعوه فلا يستجيب لنا، وإن تكلّمنا سخّفنا؛ فقال له بعض أصحابنا: إنّ هذا الوعد من الله عزّ وجلّ في الاستجابة مشروطٌ بالمشيئة،

يصحّ ذلك إذا قرأت قوله " فيكشف ما تدعون إليه إن شاء " وهذا كما قال: " وانكحوا الأيامى منكم والصّالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنيهم الله من فضله والله واسعٌ عليمٌ "، فقد يقال: قد نرى من ينكح ويتزوج ثم لا يغنيهم الله؛ وهذا الاعتراض يبطل أيضاً لأنّ الإغناء لا يتعلّق بالعرض والأثاث والخرثيّ والنّعم والخيل؛ قد يحوي هذا كلّه من يحكم عليه بالفقر - أعني فقر النفس - وقد يعرى من هذا كلّه من تجده طيّب النّفس ريّح القلب واثقاً بالله عزّ وجلّ، ولهذا قال صلّى الله عليه وآله: ليس الغنى من كثرة العرض، إنما الغنى غنى النفس. نعم، على أنّ الإغناء قد يقع من الله عزّ وجلّ، ولكنّ العبد لا يستغني به، فإذا اعتبرت الإنسان بعد الإغناء، وضممت كلاًّ إلى نظيره على ما يوجبه النظر الصحيح، علمت أنّ الذي قاله الله حقّ، وأن الذي هذى به الطاعن باطل؛ قال الشاعر: وغنى النفس ما ينبغي لك أن تحفظه في هذا الموضع: السريع قالت أما ترحل تبغي الغنى ... قلت فمن للطارق المعتم قالت فهل عندك شيءٌ له ... قلت نعم جهد الفتى المعدم فكم وحقّ الله من ليلةٍ ... قد طعم الضّيف ولم أطعم

إنّ الغنى للنفس يا هذه ... ليس الغنى في الثوب والدّرهم وقال آخر في نظيره: السريع لا تكثري لومي على أنّني ... صاحب إملاقٍ وإقلال في قوت يومي سعةٌ للذي ... يأكله الضّيف على حال ما ضرّ ضيفي أنّني معدمٌ ... وأنه في أنعم البال إن الغنى في النفس يا هذه ... ليس الغنى في كثرة المال والصوفية تزعم أن الفقر في الجملة أفضل من الغنى في الجملة؛ والكلام فيه سيمرّ في عرض ما نفرده لهم، ونرويه عنهم، ونقوله مضافاً إلى ما يطرّد على طرائقهم من هذا الكتاب، إن شاء الله تعالى. وقال عليه السلام: " خير الهدي هدي محمد، وشرّ الأمور محدثاتها ". وقال عليه السلام: " داووا مرضاكم بالصّدقة، وردّوا نائبة البلاء بالدعاء ".

وقال عليه السلام: " أشراف أمّتي حملة القرآن وأصحاب الليل ". وقال عليه السلام: " الشتاء ربيع المؤمن، يقصر نهاره فيصوم ويطول ليله فيقوم ". وقال عليه السلام عن الله عزّ وجلّ: " أنا عند حسن ظنّ عبدي بي فليظنّ بي ما شاء؛ حسن الظّنّ من العبادة ". وقال عليه السلام: " صل من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عمّن ظلمك ". وقال صلّى الله عليه وآله: رحم الله امرءاً أصلح من لسانه ". وقال عليه السلام: " التوبة من الذّنب أّلا تعود فيه ". وقال عليه السلام: " كفى بالمرء فتنةً ان يشار إليه بالأصابع ".

وقال: " حبّبوا الله إلى الناس يحببكم ". وقال: " الأنبياء قادة والفقهاء سادة ". وقال عليه السلام: " عش ما شئت فإنّك ميت، واجمع ما شئت فإنك تارك، ودع ما شئت فإنك مستريح، وقدّم ما شئت فإنك واجد ". وقال عليه السلام: " لله ما أعطى وما أخذ ". وقال عليه السلام: " من يزرع سيّئاً يحصد ندامة ". وقال عليه السلام: " الخلق الحسن يذهب الخطايا ". وقال عليه السلام: " البلاء موكّل بالمنطق ". وقال عليه السلام: " نعم صومعة الرجل بيته ".

وقال عليه السلام: " ما استودع الله عبداً عقلاً إّلا استنقذه به يوماً ما ". وقال عليه السلام: " إياك والمدح فإنّه الذّبح ". وقال عليه السلام: " الأنساب علمٌ لا نيفع وجهلٌ لا يضرّ ". وقال عليه السلام: " عملٌ قليلٌ مع علمٍ خيرٌ من كثيرٍ مع جهل ". وقال عليه السلام: " من سعادة ابن آدم رضاه بما قسم الله عزّ وجلّ له ". وقال صلّى الله عليه وآله: " أمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم ". وقال: " اللهمّ أعط كلّ منفقٍ خلفاً؛ اللهم أعط كلّ ممسكٍ تلفاً ". وقال عليه السلام: " أكثروا ذكر هادم اللذّات ".

وقال عليه السلام: " صوموا تصحّوا وسافروا تغنموا "؛ سمعت بعض الصوفيّة المشهورين يقول: باطن هذا الكلام: أي صوموا عن الفحشاء تصحّوا بالطاعة، وسافروا إلى الله تعالى بالهمم الجامعة تغنموا رضاه عنكم ونظره إليكم، فإنّ ذلك أعلى من الجنة وأشرف من الخلد، بل كلّ ذلك تابعٌ لرضاه عنك ونظره إليك وقبوله إياك. وهذا الباطن لا يدفع ذلك الظاهر، وما دام القوم على هذا المنهج فهم أسعد قوم، وهم أسعد من قومٍ ادّعوا الباطن فنحلوا الباطل، وهم طائفةٌ من الشّيعة لهم دعوى لا برهان معها، وتمثيلاتٌ لا منفعة فيها، وقد مقتهم أصناف الناس لقبح ما أتوا به من الإلباس. وقال عليه السلام: " من خزن لسانه رفع الله تعالى قدره وشأنه ". وقال صلّى الله عليه وآله: " الجماعة رحمةٌ والفرقة عذاب ".

وقال عليه السلام: " مقصّرٌ سخيٌّ أحبّ إلى الله عزّ وجلّ من مجتهدٍ بخيل ". وقال عليه السلام: " أشقى الأشقياء من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة ". وقال عليه السلام: " من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير ". وقال عليه السلام: اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يداك واعد في الموتى وقال عليه السلام: " الفتنة إذا أقبلت شبهت، وإذا أدبرت أسفرت ". وقال عليه السلام: " السلطان ظلّ الله في أرضه ".

وقال عليه السلام: " كتب الله المصيبة والأجل، وقسم المعيشة والعمل ". وقال عليه السلام: " أحسنوا جوار نعم الله عزّ وجلّ ". وقال: " أصفر البيوت جوفٌ صفرٌ من كتاب الله تعالى "؛ الصّفر - بكسر الصاد - الخالي، والصّفر - بالضم - معروف، والعامة تلحن، هكذا قاله أبو حاتم، وكان عالماً متقناً. والصفير من الفم والصفّار: الذي يصفر؛ ويقال لبائع الصّفر أيضاً صفّار، ويقال أيضاً في المثل: صفر وطبه كأنه كناية عن قولهم: ما بقي عنده شيء. وفي المثل أيضاً: والله ما كفأت له إناءً ولا أصفرت له فناء. فأما صفّرته كما تقول حمّرته فكلامٌ شائع؛ ويقال في المثل: هذا لا يلتاط بصفري، كأنه عبارة عن قولهم: هذا لا تهواه نفسي ولا يلصق بفؤادي، والمصفور: المستسقي، والمصفور: من جوفه غليظٌ.

وقال عليه السلام: " لا تحقرنّ من المعروف شيئاً ". وقال عليه السلام: " أفلح من رزق لبّاً ". وقال: " لو دخل العسر جحراً لدخل اليسر وراءه حتى يخرجه ". وقال: " هدّية الأحياء إلى الأموات الاستغفار لهم ". وقال عليه السلام: الموت تحفة المؤمن ". وقال: " في المعاريض مندوحةٌ عن الكذب " وقال: " طلب العلم فريضة على كلّ مسلمٍ ". وقال عليه السلام: " البرّ ما اطمأنّ له القلب والإثم ما حكّ في

النفس "؛ وقد يسمع من أصحاب الحديث من يقول ما حاك - بالألف -؛ قال أبو حاتم: وذلك باطل؛ إنما يقع حاك في مشيته إذا تقلّع وحرّك كتفيه، فأما هذا فهو حكّ كأنه ضدّ الطمأنينة، أي الإثم ما صحبه قلقٌ واضطراب. وقال: " تجافوا لذوي الهيئات عن زلاّتهم "، ويروى أيضاً: لذوي الهبات؛ فكأنه جاز هذا فيهم لأنّ ذوي الهبة هم أصحاب الزي والمروءة، وزلاّتهم لا تكون ديدناً لهم، إنما يعتريهم الذّنب الفينة بعد الفينة، أي زماناً بعد زمان، ليس المنكر من شأنهم ولا القبيح من أخلاقهم، وإنما يلحقهم ما يلحقهم للبشرية، ولهم أحسن رجعةٍ وأفضل إقلاع وأجمل إنابة؛ فأمر صلّى الله عليه أن يتجافى لهم عن زلاّتهم لحالهم النائبة عن حال غيرهم. وقال عليه السلام: " مطل الغنيّ ظلم "، ويروى أيضاً هذا المعنى بلفظ آخر، يقال: قال عليه السلام: ليّ الواجد ظلم؛ واللّيّ: المطل لأنه

مصدر لوى يلوي ليّاً ولياناً؛ والواجد: الغني، وهو الذي له وجدٌ أي غنىّ أي ما يجده، وله جدةٌ أيضاً، وهو ذاك بعينه، فأمّا الوجدان فمقصورٌ على وجد يجد وجداناً، وهو نقيض العدم؛ والوجود من ألفاظ المتكلّمين شنيعٌ قد أباه العلماء. وقال عليه السلام: " المؤمنون عند شروطهم. هذا خبرٌ يتضمن حثًّا على الثّبات على الشرط والوفاء بالعهد ". وقال عليه السلام: " إنّ الله عزّ وجلّ يحبّ إغاثة اللهفان ". وقال عليه السلام: " الولد لفراش وللعاهر الحجر "؛ قال القاضي أبو حامد: أراد صلّى الله عليه وآله لحوق الولد بظاهر الفراش، وإن جاز أن لا يكون مخلقاً من مائه، وجعل الخيبة للعاهر وهو الزاني. وتقول: عهر بها يعهر عهارة وعهورة، فأما المساعاة فهي أيضاً كنايةٌ عن الزّنا ولكنها مقصورةٌ على الإماء. ومن مدّ الزّناء عنى به الفعال الذي يتمّ بفاعلين كالخصام والطّعان، ومن قصر أراد الاسم؛ وقد قيل مثل هذا في الرّضا، والقصر الوجه؛ فأما السّرى فقد استوى فيه الوجهان وهما المدّ والقصر. وكان بعض العلماء يقول:

وللعاهر الحجر إشارةٌ إلى الرّجم، وخولف في ذلك. وقال عليه السلام: " والولاء لمن أعتق "؛ الواو مفتوحة فإذا كسرت انقلب المعنى. وذلك أن الولاء إنما هو ترتيب الشيء على خطٍّ واحد؛ تقول: واليت بين كذا وكذا موالاةً وولاءً، وفلانٌ يقرأ على الولاء؛ والولاء أيضاً الموالاة والنصرة والمودّة، ومنه في دعاء الوتر: إنه لا يذلّ من واليت ولا يعزّ من عاديت، والأصل من ولي الشيء يلي كأنه لصق به وقرب منه. والولاية - بفتح الواو - يقال: هي النّصرة، والولاية - بكسر الواو - يقال: هي المودّة، والنصرة والمودة يتقاربان لأنّ إحداهما شريكة الأخرى وقسمتها ودالّةٌ عليها ومشيرةٌ إليها، لا تتم إّلا بها، إّلا أنّي حكيت ما وعيت. وقال عليه السلام: " من ذبّ عن عرض أخيه كان ذلك له حجاباً من النار "؛ أي من ردّ غيبة أخيه، والغيبة حالٌ تعرض للغائب على قبحٍ، والغيبة مصدر غاب يغيب غياباً وغيوباً وغيبةً ومغيباً وغيباً، والغيابة ما يغاب فيه، وفي التنزيل: " غيابة الجب "، والجب قليت كالبئر. فأما ذب يذبّ ذبًّا، وفلان حسن الذّبّ عن حرمه، فإنّ

أصله من الذّباب، وذلك إنّه طنّ على سمعك أو لهج بطيرانه في وجهك طردته بيدك، ونفضت عليه طرف كمّك، فسمّي هذا الفعل ذبًّا، ثم أسبغ المعنى فيما وسعه للطافة اللفظ ووضوح الغرض. وهذا النظر أصلٌ كبير من أصول الكلام، لأنك إذا جددت في الفحص عن دفائن هذا الباب انثال عليك من الشاهد والمثل والدّليل والعلل ما يقوّي في نفسك حكم الاشتقاق وتتبّع المعاني. ألا ترى أنك إذا استوضحت جليّة المعاني في قولهم: يغير والغَيرة والغِيرة والغارة وغار الماء وأغار الجبل والغوار والمغاورة، وغار وأنجد، وتغايرت الضّرائر، وغيّره طول العهد - وجدتها مشتقّةً من قولك: هذا غير هذا؟! فتأمّل ذلك ببصيرتك فقد فتحت لك بابها، ورفعت سجفها، وذلّلت الطريق إليها، وإنّ الاشتقاق مضطرٌّ إلى المصير إليه والعمل عليه ولو كره ذلك. 850ب - وكان نفطويه ممن يأبى الاشتقاق، ويزعم أن الأسماء كانت توافت متشابهةً في الصّورة والصّيغة وإّلا فلا اشتقاق، لأنك متى أسّست الاشتقاق في أسماء أساساً لم تنته منه إلى حدّ، وذلك أنك تدّعي أن هذا الاسم شقّ من هذا الاسم، وهذا اللفظ أطلق لهذا المعنى، فيلزمك أن تمرّ أبداً على

ذلك، لأنّ الثاني ليس بأولى بأن يكون مأخوذاً من الثالث من الأول من الثاني، ولا الثالث أولى بأن يكون مأخوذاً من الرابع من الثاني من الثالث؛ هكذا حكاه لنا أبو القاسم التّميمي اللغوي، وكان قدم بغداد مع عضد الدّولة سنة أربعٍ وستين وثلاثمائة، وشاهدته، وكان جيّد الكلام فسيح العارضة، وكان يقرف بالكذب مع هذا كلّه، والكذب شينٌ، وحسبك خساسةً بخلةٍ ماحقةٍ لكلّ خلّةٍ حسنة، أعاذنا الله تعالى منه ولا اضطرنا إليه. 850 - وكان ركن الدّولة يقول: منافع الكذب في وزن منافع الصّدق، ولو ارتفع جملةً لبطل الانتفاع كله بالدّين والدنيا؛ هذا قاله بالفارسية، ولكن حكاه لي ابن مكرّم الكاتب، وكان خصّيصاً به أثيراً عنده. فأما أبو عبد الله المحتسب بفارس، وكان يعرف بجراب الكذب، فإني سمعته يقول: إن منعت من الكذب انشقّت مرارتي، وإني لأجد به مع ما يلحقني من عاره ما لا أجد من الصّدق مع ما ينالني من نفعه؛ وهذا غاية الشّقاء ونهاية الخذلان، ولا حول ولا قوة إّلا بالله العليّ العظيم. نعم: فأما صاحب المنطق فإنه جعل الاشتقاق فنًّا من الفنون في الكلام، وقد بيّنه في كتابه في المقولات.

هذا - أيدك الله - آخر الجزء السابع، وقد اشتمل على ما يخطب لي ودّك الشارد، ويعيد إليّ قلبك النافر، ويبلّغني منك في نفسك ما أتمنى لها من خيرٍ تكون أنجحنا به، وفضلٍ تصير أوحدنا فيه. فتصفّح الآن أوراقه، وامتط النشاط، فتجد نمطاً نمطاً وفناً فناً، يأسرك ويحيّرك كله، وانتظر الثامن، فقد ارتفع جلّه. واعلم واحدة ثم اصنع ما شئت: لن تنتفع بالعلم ما طلبته بشمخ أنف، وصعر خدٍّ، وعزّة نفس، لا والله حتى تضع في التماسه رداء الكبر عن عاتقك، وتستنفد فيه غاية جهدك، فلعلّ الله يزكّيك ويشرّفك في الدّين والدنيا، إنه على كلّ شيءٍ قدير، وبكل شيءٍ بصير. وصلّى الله على نبيّه محمد وآله أجمعين، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم ربّ أعن برحمتك الجزء الثامن اللهمّ لك أذلّ، وبك أعز، وإليك أشتاق، ومنك أفرق، وتوحيدك أعتقد، وعليك أعتمد، ورضاك أبتغي، وسخطك أخاف، ونقمتك أستشعر، ومزيدك أمتري، وعفوك أرجو، وفيك أتحيّر ومعك أطمئنّ، وإياك أعبد، إيّاك أستعين، لا رغبة إّلا ما نيط بك، ولا عمل إّلا ما زكّي لوجهك، ولا طاعة إّلا ما قابله ثوابك، ولا سالم إّلا ما أحاط به لطفك، ولا هالك إّلا من قعد عنه توفيقك، ولا مغبوط إّلا من سبقت له الحسنى منك. إلهي، من عرفك قاربك، ومن نكرك حرم نصيبه منك، ومن أثبتك سكن معك، ومن نفاك قلق إليك، ومن عبدك أخلص لك، ومن أحبّك غار عليك، ومن عظّمك ذهل فؤاده عند جلالك، ومن وثق بك ألقى مقاليده إليك. إلهي، ظهرت بالقدرة فوجب الاعتراف بك، وبطنت بالحكمة فوجب التّسليم لك، وبدأت بالإحسان فسارت الآمال إليك، وكنت أهلاً للتّمام فوقفت الأطماع عليك، وبحثت العقول عنك فنكصت على أعقابها بالحيرة فيك، وذلك أنّ سرّكلا يرام حوزه، وشأنك لا يحول كنهه، وفعلك لا يجحد تأثيره؛ لك الأمارة والعلامة، وبك السّلامة والاستقامة، وإليك

الشوق والحنين، وفيك الشّكّ واليقين. هذا الجزء - أبقاك الله - هو الجزء الثامن من كتاب البصائر، بصائر أهل العلم والأدب، والحكمة والتجربة، نسأل الله تعالى تمام الكتاب، فإنّه قد حوى معاني سابقةً إلى النفوس بالقبول، وأغراضاً جاريةً مع الفهم، وأسراراً خفيّةً في العلم، فارغب فيه رغبة عاشق، ولا تسل عنه سلوة قالٍ، ولا يزهدّنّك فيه مللٌ عارض، وسخفٌ متوسط، فإنّ العاقبة فيهما غير ما لاح لك منهما، واعلم أنّك مداوىً بهما وبغيرهما، واختلاطك ينتفع بكل ما تسمع وتعي، ومزاجك يعتدل بكلّ ما ترى وتروي، ولو كنت صرفاً لعشت بالصّرف، ولو كنت صفواً لكمل أمرك بالصّفاء، ولكنّك مؤلفٌ من نقص وكمال، ومقرونٌ بعجزٍ وقوة، ومقلّبٌ بين العطب والسّلامة، ومحمولٌ على النّزاع والسآمة، ولكلٍّ منك نصيب، ولك في كلّ منه حظّ، وأنت في هذه النقيبة مرشّحٌ لطهارةٍ لا نجاسة معها، ومسوقٌ إلى غايةٍ لا آفة فيها، فانتبه للخافية التي فيك، والحظ المعنى الذي يوفيك تارةً ثم يستوفيك، واعجب من فناءٍ يثمر البقاء، ومن كدرٍ يورث الصّفاء، ومن كدٍّ ينقطع إلى راحة؛ وتعبٍ ينتهي إلى استراحة، ومن إبهامٍ يؤدّي إلى إيضاح، ومن ضرورةٍ تتعلّق باختيار، ومن حاجةٍ تتصل بغنىً، ومن رقٍّ يشرف على حرّية، ومن سخطٍ يرقيك إلى رضىً، فليس للتعجّب موقعٌ أحسن من هذا الاعتبار. وعذ بالله تعالى عند خوفك، وثق به عند أمنك، وانتسب إليه انتساب من كان به، وبقي بإبقائه، ووجد بإنشائه، وعرف بتعريفه، ووقف بتوقيفه، ولزم حدود أمره، وانتهى إلى معالمه، وراقبه في سرّه وجهره. واعلم أنّك منقولٌ عن قليل إلى حالٍ لا تشهد فيها إّلا ما قدّمت من إحسانك وإساءتك. أما ترى - أيّدك الله - كيف أتخلّص من حديثٍ إلى حديث، وأركّب معنىً على معنىً، عجزاً عن إتمام ما أبدأ به، وقلقاً إلى ما لا أصل إليه؛ وليتني لم أناد بنقصي في هذا الكتاب بين النّاس، فقد والله تمرّست بأمرٍ

قصاراي فيه أن أجبه بالتّعنيف، وأواجه باللائمة، وإن جلفت بالقذع وذكرت بالشّنآن، ومن لي بحاكمٍ منصف، وصديقٍ ملطف، وعدوًّ مبقٍ، وصاحبٍ مشفق، بل من لي بمداهنٍ لا يكاشفني، ومنافقٍ لا يوافقني، وجارٍ لا يرتصد عثرتي، ورفيقٍ لا يجهل عليّ، بل من لي بشامتٍ يرحم، وظالمٍ يتندّم، وهل مكلّمك وسامعك إّلا من إن بعد رجم، وإن دنا نحض، وإن تمكّن استأصل، وإن عاقب أسرف، وإن ملك أباد، وإن قدر انتقم، وإن انتقم أتى على الدّقّ والجلّ، وذهب بالحرث والنسل، ولكن أضرّ بي ما أرى من فساد الزمان، واضطراب الوقت، وانتكاث مرائر الدّين، وتصوّح رياض الدّنيا، ودروس أعلام التوحيد، وانقراض أهل العلم، وتحاسد أبناء الفضل، وتنابذ ذوي الآداب، وتداعي رباع الجميل، وتأوّد أغصان الخير، وتهادر شقائق الشّيطان، وتخاذل أهل التحّرج. فوالله ما شين وجه التّقى، ولا استحال بال المؤمن، ولا أخرس لسان الورع، ولا قصر زند المجاهد، ولا قسا قلب الراحم، ولا جفّت أقلام كفّ الباذل، ولا عرق جبين السائل، ولا خابت حقيقة المستبصر حتى خلت عراص الشريعة من قوّامها، وآذنت الدّنيا أهلها بالسّيف، وخاض أهل العلم في الباطل، واستعين في الحكمة بالسّفه، وتوصّل بالطاعة إلى المعصية، وسلك بالأمانة طريق الخيانة، واغتّر بالدّنيا المشبّهة بالماء الملح، والبرق الّلامع، والسّحاب الخائل، والظل الزّائل، وأحلام النائم، والعسل المدوف بالسّم.

واعلم أن الله تعالى جعل للمؤمن نورين: أحدهما ظاهر، والآخر باطن، فظاهره آلةٌ لباطنه، وباطنه عدّةٌ لآخرته ومعاده. فمن أفاعيل الظاهر طلب معاشه، واستصلاح أموره، ودفع المضارّ عن بدنه، والتحفّظ من الموارد المخوفة في عاجلته؛ ومن أفاعيل الباطن طهارة قلبه، وإخلاص نيّته لربّه، وتوهّم ما وعده على طاعته من ثوابه، واختيار العفو في الانتقام، والأناة على الإقدام، ونفي الأحقاد، وإطفاء نار الجسد، وإيثار الصّدق وإن ظنّه لا ينجيه من عدوّه، والوفاء لمن وثق به، والحياء من كشف أحدٍ عن ذنبه، وخلع طاعة الشّهوات، وقمع حومة الشّهوة، واستشعار القناعة، ورفض معاشرة الحرص، وإجلال العلماء، وتفضيل العلم، وأخذ النّفس بوظائف الكرم وفرائض الذّمام؛ وهذا النّور الرّوحانيّ على حسب ما يعطي الإنسان منه يكون مرغبه في العمل الصالح، وحبّه للسلامة من الأدناس، وتمسّكه بمحاسن الخصال. وإذا استحكم علم الإنسان، ودقّت رويّته، كان جلّ سعيه فيما يحرز به نصيبه من الكدّ الذي لا نهاية له، ويبلغ ما يقيم بدنه وإن قلّ قدره، لعلمه بزوال اللذّات، وتصرّم الشهوات، وأنّه وإن رخص في المواتاة لم تكن لذلك نهاية، لا يملّ ما يطرف به، ويستطرف ما في يد غيره، وهذا ينفد الأوقات، ويستغرق الأعمار، ولذلك وجب على ذي اللّبّ والمعرفة رفض الدّنيا، والأخذ منها بالبلغة، والانشغال بجميعه في إحراز حظّه الذي يستريح بالوصول إليه من الألم، ووجب عليه الصبر على مكابدة النّوائب النازلة، والفجائع الواردة، إذ علم أنّ لها انقطاعاً لا محالة، وأنّ الدولة تسلبها، والأيام تزيلها وتغيّبها، فإذا صحّح هذا عنده اليقين استخفّ المكاره، واستحقر بعزائه المصائب، ولم يعرّج من الدنيا إّلا على بلغة، ثم يكون كالغريب المحتبس عن أهله ووطنه، الأسير في يدّ عدوّه، لا يتهنّأ بشيء من عيشه، ولا يستريح إّلا إلى الحيل في التخلّص ممّا حلّ به من الذّل والأسر.

ليس هذا الفصل من كلامي، ومن لي بهذه الديباجة الخسروانيّة، وبهذه الحكمة الرّوحانية! قدري مخفضّ عن هذا وما ضارعه، لكنّي وجدته منسوباً إلى الحسن بن سهل، ولعله أخو ذي الرياستين، فرسمته في هذا الكتاب حتى كأنّي ناهبت ونافست، وادّعيت الكمال وأشرت إلى العصمة. وأرجو أن يكون اختلاف كلامهم في معاتبتي صادراً عن صدورٍ نقيّة، فقد والله أتعبوني، وأكلوني وشربوني، فمن قائلٍ: ما أحسن هذا الكتاب لولا ما حواه من السّخف والقاذورة، وذكر الهنات وألفاظ السّفلة؛ وقال آخر: كلّ ما فيه حسنٌ لو خلا من اللغة والنحو، فليس هذا الموضع الجدّ لا يمتزج بالهزل، والعلم لا يختلط بالجهل، والحكمة لا تنزل في جوار السّفه، والرّشد لا يتّصل بالغيّ؛ ومن قائلٍ: جميع ما فيه أحسن من كلامك؛ ومن قائلٍ: ما مزيّة هذا الكتاب على جميع ما تقدّم من الكتب، وهل فيه فنٌّ إّلا وهو متقضىً في معدنه، مأخوذٌ من أهله على أحسنه، وهل ينتدب إنسانٌ لجمع كلامٍ وتأليف كتابٍ - مع هذا الاحتفال - إّلا وهو يحبّ الزّيادة على النّقص، ويودّ رفع جهلٍ قد ثبت، ويقصد رقع واهيةٍ قد تركت - وكلامٌ كثير قد أهملت روايته على وجهه، وبرمت باعتقاده فضلاً عن إثباته، وجميع ما قيل موهوبٌ لهم رعايةً لآدابهم، ومحافظةً على ذمام الحكمة بيني وبينهم، ومسائلتهم قبول الاعتذار إليهم. ولما احتجت إلى هذا السّلم - علماً بأن حجّتي داحضةٌ، وبرهاني مدخولٌ، وبياني قصيرٌ - ثقةً بأنّ الزمان يديل، والفلك دوّار، وأنّ اللائمة ستشمت، والاستقصاء سيفرّق، والظلم سيصرع، والإساءة ستندّم. أنشدني بندار بن غانم الحلواني الكاتب لنفسه في حالٍ التاثت بينه وبين منافسٍ له في الرّتبة، حاسدٍ له على النعمة يقال له عمرو: المنسرح يختار عمروٌ عداوتي سفهاً ... وأبتغي سلمه ويمتنع

كله إلى بغيه سيصرعه ... فالدهر بيني وبينه جذع على أنّي ما أخليت هذا الكتاب - مع التقصير - من حجّةٍ إن سمعت أشرق وجهي، وأضاء بصري، وتقوّم منآدي، ونمى قدري، ومن عذر إن تفضّل بقبوله حسنت حالي، واطمأنّ بالي، وسقط ما علّي، وثبت ما لي، ولكنّ الإنصاف معدومٌ في الوهم والحلم، فكيف يلتمس في التحقيق واليقظة؟ وإذا علم الله صلاح النيّة وشرف العزيمة فكلّ ما عداه جلل. قال أحمد بن الطّيّب، في كتاب وضعه، قولاً متى سقته هاهنا كان لي عذراً عن الخصم إن آثر البقيا، ولم ينتهز الفرصة في العداوة، وأحبّ لي السّلامة بعد العثرة، كما تمنّى لنفسه الاستمرار بعد التوفيق؛ قال: واعلم أنّ قوماً سيقولون: من واضع هذا الكتاب؟ فإن قيل: أحمد بن الطّيّب قالوا: ومن أحمد بن الطّيّب؟ فإن قيل لهم: السّرخسيّ مولى أمير المؤمنين، قالوا: ومن السّرخسيّ مولى أمير المؤمنين؟ فتكون مسألة السائل كأنّها بحالها، وقد استفرغ المجيب جهده. وأحمد بن الطّيّب لا يحبّ أن يخطّي به أحدٌ اسمه واسم أبيه وولاءه والبلد الذي فيه مولده ومولد أبيه، ثم بعد ذلك قيمته ومقداره من العلم، بعد أن يكون المقوّم منصفاً غير جائر، وسليم الطبع غير حسود، فإنّ عليًّا رضي الله عنه يقول: قيمة كلّ امرئٍ ما يحسن؛ وقال: قال أصحابنا: لم نر كلمةً أحصّ على طلب العلم من هذه

الكلمة، فمن نظر في كتابنا هذا نظراً ظاهراً أمتعه ولذّه وألهاه وسرّه، وصار له جليساً فصيحاً، ومحدّثاً بيّناً، وأنيساً مخلصاً، يحفظ سرّه، ويأمن غيبه، ويسقط باب التحفّظ عنه. قيل لعمر بن عبد العزيز: ما بقي من لذّتك؟ قال: محادثة جليس. وقال عليّ رضي الله عنه: شرّ الإخوان من تكلّف له. شاعر: المجتث لو قيل لي خذ أماناً ... من أعظم الحدثان لما أخذت أماناً ... إّلا من الإخوان قال سهل بن هارون: ما زلت أدخل فيما يرغب بي عنه حتى استغنيت عمّا يرغب لي فيه. قال الأحنف بن قيس: الحديث شجون، والشّجون: الرّواضع التي تأخذ من معظم النهر، فشبّه تلك الرّواضع من نهر ماءٍ بعوارض الحديث إذا افتن. قال: إذا طال القول حتى يبعد أوّله من آخره، فقد وجد السامع عذراً في التّقصير عن فهمه، وإذا كان العتب بين السامع والقائل، وصحّ العذر للسامع في عدم العذر والفهم رجع العتب إلى القائل. قال: وقيل لبعض اليونانيين - هكذا رأيت بخطّ ابن السيرافي بفتح الياء -: لم تسمع أكثر مما تتكلّم؟ فقال: إنّما خلق الله تعالى لي لساناً واحداً وأذنين ليكون كلامي أقلّ من استماعي.

ويقال: الأحمق إذا حدّث ذهل، وإذا تكلّم عجل، وإذا حمل على القبيح فعل. قال: وقال عمرو بن هشام: تحدّثنا عند الأوزاعي ومعنا أعرابيٌّ من بني عليم لا يتكلّم فقلنا: بحقّ ما سمّيتم خرس العرب ألا تتحدث مع القوم؟ فقال: إنّ الحظّ للمرء في إذنه، وإنّ الحظّ في لسانه لغير، وقد ذكرنا ذلك للأوزاعي فقال: وأبيه لقد حدّثكم فأحسن. وقيل للفرزدق: ما صيّرك إلى القصار بعد الطّوال؟ قال: لأنّي رأيتها في الصّدور أولج، وفي المجافل أبلج. وقالت مليكة بنت الحطيئة بأبيها: ما بال قصارك أكثر من طوالك؟ قال: لأنّها في الآذان أمضى، وبأفواه الرّواة أعلق. قيل لسراقة البارقي: لم تترك الإطالة في محافل الخطابة؟ فقال: إذا أحطت معناك، وأصبت مغزاك، كان الفضل تكلّفاً. وقال أبو سفيان بن حرب لعبد الله بن الزّبعرى: لو أسهبت! قال:

حسبك من الشرّ غرّةٌ لائحة، أو سمةٌ فاضحة. وذكر خالد بن صفوان رجلاً فقال: قاتله الله، أما والله إنّ قوافيه لقلائد، وإنّ ألفاظه لعلائق. قال أحمد بن الطّيّب: ونحن نعلم أنّ الشعراء يقولون دائماً، والخطباء يخطبون أبداً، والناس يتمثّلون كثيراً، والقول كثير، وفي كلّ وقتٍ خبرٌ طائر، وسنّةٌ محدثة، وسياسةٌ جديدة، وآراء مختلفة، وأهواء مبتدعة، ومحنٌ من الله كما يريد، لا يمنع منها، ولا يسأل عنها، فليس لمذهبنا هذا في كتابنا رباطٌ يربط به، ولا نهاية يوقف عندها. هذا آخر كلام أحمد، ولنا به أسوة، ومن جملة ما قاله عذر. وتعود إلى العادة في نشر البصائر غير مكترثين لما يقال، ولا عابثين بما يتكلّف، فإنّ من أعار الناس أذنه حشوها شرًّا، وأوسعوه غيظاً، ولم يصغوا له إّلا بعار الأبد، وخسران الدّهر، وفوت الدّنيا، وذهاب الدّين. نسأل الله ربّ السّماء والأرض، وخالق الماء والهواء، أن يكلف ويوكل بك عيناً حانية، ويداً ناصرة، إنه وليّ الإجابة.

1 - قال قيس بن عاصم: وفدت إلى رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله، فقلت: عظنا يا رسول الله عظةٍ ننتفع بها، فإنّا قومٌ نعيش في البادية، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: " يا قيس، إنّ مع العزّ ذلاًّ، وإنّ مع الحياة موتاً، وإنّ مع الدنيا آخرة، وإنّ لكلّ شيءٍ حساباً، وإنّ على كلّ شيءٍ رقيباً، وإنّ لكلّ حسنةٍ ثواباً، وإنّ لكلّ سيّئةٍ عقاباً، وإنّ لكلّ أجلٍ كتاباً، وإنّه لا بدّ لك يا قيس من قرينٍ يدفن معك، هو حيٌّ وأنت ميّت، فإن كان كريماً أكرمك، وإن كان لئيماً أسلمك، ثم لا يحشر إّلا معك، ولا تبعث إّلا معه، ولا تسأل إّلا عنه، فلا تجعله إّلا صالحاً، فإنّه إن صلح أنست به، وإن فسد لم تستوحش إّلا منه، هو عملك ". 2 - قال أعرابيّ: زكاة اللسان تعليم البيان. 3 - قال لي بعض الفقهاء: ما أشبّه الدّنيا وخداعها إّلا بقحبةٍ حسناء تغازلك وتشير إليك وترغب فيك، حتى إذا أجبتها ودنوت منها صاحت بالوالي، وصرخت بالناس، وأسلمتك إلى الفضية، وزوّدتك الندم وعضّ الأنامل من الغيظ. 4 - كاتب: فلا زلت مشمولاً بالنّعم، مغموراً بالكرم، حتى يكون كلّ يومٍ من أيامك موفياً في الفضل على أمسه، مقصّراً عن فضيلة غده، ووصل الله تعالى لك إلهام الصبر على ما زرئته، بإيزاع الشكر على ما منحته، لينجز لك بالأوّل موعوده، ويوجب لك بالثاني مزيده. 5 - قال أعرابيّ: روّحوا الأذهان كما تروّحوا الأبدان.

6 - قيل لعقيل بن علّفة: لم تهجو قومك؟ قال: إن الغنم إذا لم يصفّر بها لم تشرب. 7 - لمّا أخذ عبد الحميد بن ربعي وأتي به المنصور ومثل بين يديه قال: لا عذر لي فأعتذر، وقد أحاط بي الذّنب، وأنت أولى بما ترى، قال المنصور: إنّي لست أقتل أحداً من آل قحطبة، أهب مسيئهم لمحسنهم، قال: إن لم يكن فيّ مصطنعٌ فلا حاجة بي إلى الحياة، ولست أرضى أن أكون طليق شفيعٍ وعتيق ابن عمّ، قال: اخرج فإنّك جاهل، أنت عتيقهم ما حييت. 8 - عدا كلبٌ خلف غزالٍ فقال له الغزال: إنك لا تلحقني، قال: لم؟ قال: لأني أعدو لنفسي، وأنت تعدو لصاحبك. 9 - قال فيلسوف: أحيوا قلوب إخوانكم ببصائر نيّاتكم كما تحيون موات البلد بنوامي البذر، فإنّ نفساً تنقذ من الشّبهات أفضل من أرضٍ تصلح للنّبات. قال بعض البلغاء: فضل العلم المسموع على المال المجموع

كفضل النّصل الصنع على الغمد الوضيع. قال أعرابيّ: من كان مولى نعمتك فكن عبد شكره. قال الحكيم بن عيّاش الكلبي: الطويل صلبنا لكم زيداّ على جذع نخلةٍ ... ولم أر مهديًّا على الجذع يصلب وقستم بعثمانٍ عليًّا سفاهةً ... وعثمان خيرٌ من عليٍّ وأطيب بلغ قوله جعفراً الصادق، رضي الله عنه، فرفع يديه إلى السماء وهما ترعشان فقال: اللهمّ إن كان عبدك كاذباً فسلّط عليه كلبك. فبعثه بنو أميّة إلى الكوفة، فبينما هو يدور في سككها إذ افترسه الأسد، واتصل خبره بجعفرٍ فخرّ لله ساجداً وقال: الحمد لله الذي أنجزنا ما وعدنا. قال أعرابيّ: جليس الملوك ينبغي أن يكون حافظاً للسّمر، صابراً على السّهر. قلت لأبي النّفيس الرّياضي: كيف رأيت الدهر؟ قال: وهوباً لما سلب، سلوباً لما وهب، كالصبيّ إذا لعب.

رأى فيلسوفاً إنساناً سميناً فقال له: يا هذا، ما أكثر عنايتك برفع سور جسمك. وقيل لفيلسوف: إنّ فلاناً يحكي عنك كلّ سوءٍ، فقال: لأنه لا ينتهي إلى الخير فيحكي. قال أعرابيّ: نفسك راحلتك، إن رفّهتها اضطلعت، وإن نفّهتها انقطعت. كاتب: اتصل بي خبر الفترة في إلمامها وانحسارها، ونبأ الشّكاة في حلولها وارتحالها، فكاد يشغل القلق بأوّله عن السّكون لآخره، وتذهل عادية الحيرة في ابتدائه عن عائدة المسرّة في انتهائه، وكان التصرّف في كلتا الحالتين بحسب قدرهما: ارتياعاً للأولى، وارتياحاً للأخرى. قال بعض السّلف: الأحمق إن تكلّم فضحه حمقه، وإن سكت فضحه عيّه، وإن عمل أفسد، وإن ترك ضيّع، لا يغنيه علمه، ولا ينتفع بعلم غيره، ولا يستريح زاجره، تودّ أمّه أنّها ثكلته، وتتمنى امرأته أنّها فقدته، يأخذ جليسه منه الوحشة، ويتمنّى جاره منه الوحدة، إن كان أصغر أهل بيته عنّى من فوقه، وإن كان أكبرهم أفسد من دونه.

كان جرير بن إسماعيل جواداً بماله معطاءً، فلامه روح بن حاتم المهلّبي على ذلك وقال له: إّني أخاف عليك الفقر وتعس الدّهر، فقال جرير: إّني أكره أن أترك حقاً قد وقع، خوفاً لأمر لعله لا يقع. دخل أبو حنيفة على الأعمش وهو عليلٌ فجلس وأطال، ثم قال: لعلّي قد أثقلت عليك، فقال الأعمش: والله إنّي لأستثقلك وأنت في منزلك فكيف وأنت في منزلي؟! قال عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري: لا أماري صديقي، إمّا أن أكذبه وإمّا أن أغضبه. قال أعرابيّ لسيّد قومه: أنت للأحرار غياثٌ ومفزع، ولأهل النّعم محلٌّ وموضع، ولذوي الحاجات موادٌ ومنتجع. قال فيلسوف: كما أنّ البدن الخالي من النفس تفوح منه رائحة النّتن، كذلك النفس العديمة للأدب يظهر منها دليل النّقص. وقال فيلسوف: ليس المؤمن من ينقص على النفقة ماله.

قال فيلسوف: لتكن عنايتك بحسن استماع ما تفهمه في وزن عنايتك بحسن استعمال ما تكسبه. قال الواقدي: أبو حنيفة النعمان بن ثابت مولى تيم الله بن ثعلبة بن بكر بن وائل؛ قال له رجلٌ من خيار بني تيم الله: ألست مولاي؟ قال أبو حنيفة: أنا والله لك أشرف منك لي. ولد أبو حنيفة سنة ثمانين، ومات سنة خمسين ومائة، وعاش أبو حنيفة سبعين سنة، ومات ببغداد، وصلّى عليه الحسن بن عمارة. قال أحمد بن الطيّب، قال بعض أصحابنا: بتّ ليلة بالبصرة مع جماعةٍ من المسجديين، فلما حان وقت السّحر حرّكهم واحدٌ فقال: كم هذا النوم عن أعراض الناس؟ قيل لعبيد ابن أبي محجن: أليس أبوك الذي يقول: الطويل

إذا مت فادفني إلى جنب كرمةٍ ... تروي عظامي بعد موتي عروقها ولا تدفني بالفلاة فإنني ... أخاف إذا متّ أن لا أذوقها فقال: بل قوله أجمل من هذا حين يقول: البسيط لا تسألي القوم عن مالي وكثرته ... وسائلي القوم ما ديني وما خلقي هل يعلم القوم أنّي من سراتهم ... إذا تطيش يد الرعديدة الفرق أعطي السّنان غداة الرّوع حصّته ... وعامل الرّمح أرويه من العلق عفّ الإياسة عمّا لست نائله ... وإن ظلمت شديد الظّلم والحنق وأكشف الماقط المكروه غمّته ... وأكتم السرّ فيه ضربة العنق قيل لعبّاد بن الحصين، وكان أشدّ أهل البصرة: في أي عددٍ تحبّ أن تلقى عدوّك؟ قال: في أجلٍ مستأخر. قصد قومٌ من الطّفيليين وليمةً فقال رئيسهم: اللهمّ لا تجعل البوّاب لكّازاً في الصّدور، دفّاعاً في الظّهور، طرّاحاً للقلانس، هب لنا رأفته ورحمته ويسره، وسهّل علينا إذنه؛ فلمّا دخلوا تلقّاهم فقال متكلّمهم: غرّةٌ مباركة، موصولٌ بها الخصب، معدومٌ معها الجدب؛ فلمّا جلسوا

الخوان قال: جعلك الله كعصا موسى، وخوان إبراهيم، ومائدة عيسى في البركة؛ ثم قال لأصحابه: افتحوا أفواهكم، وأقيموا أعناقكم، وأجيدوا اللّف، وأترعوا الأكفّ، ولا تمضغوا مضغ المتعلّلين الشّباع المتخمين، واذكروا سوء المنقلب، وخيبة المضطرب، كلوا على اسم الله تعالى. قال عبد الله بن المبارك: كتبت عن أفقه الناس أبي حنيفة، وأعبد النّاس الحسن بن صالح، وأزهد النّاس الثّوري، وأورع الناس عبد العزيز بن أبي رواد. قال ابن المبارك: كان أبو حنيفة آيةً، قيل: في ماذا؟ قال: اذكروا فيه من الخير ما شئتم؛ قال بعض أهل العصبيّة: إنّما أراد الشرّ، قيل له: فقال الله تعالى: " وجعلنا ابن مريم وأمّه آيةً " وما أراد الله الشر، فقبله. قال عمر بن سليمان العطّار: كنت بالكوفة أجالس أبا حنيفة، فتزوج زفر فحضر أبو حنيفة فقال له: تكلّم، فقال في خطبته: هذا زفر بن الهذيل، وهو إمامٌ من أئمة المسلمين، وعلمٌ من أعلامهم في حسبه وشرفه

وعلمه، فقال بعض قومه: ما يسوءنا أن غير أبي حنيفة يخطب حين ذكر خصاله ومدحه، وكره ذلك بعض قومه وقال: حضر قومك وأشراف بني عمك، مثل أبي حنيفة يخطب؟! فقال: لو حضرني أبي لقدّمت أبا حنيفة. اشترى محمود الورّاق جاريةً، وكانت بطنها واسعةً، فلما ركب صاح: الغريق! فقالت له أخرى: أخرج المرديّ وأنت على الشطّ! تباعد ما بين يحيى بن خالد وعليّ بن عيسى بن ماهان، فوجّه عليّ أبا نوحٍ ليعرف ما في نفس يحيى، فكتب يحيى على يد أبي نوح: عافانا الله وإياك، كن على يقينٍ أنّي بك ضنين، وعلى التمسّك بما بيني وبينك حريص، أريدك ما أردتني أريدك ما نبوت عنّي، ما كان ذلك بك جميلاً، فإن جاءت المقادير بخلاف ما أحبّ نم ذلك لم أعد ما تحمد، ولم أتجاوز إلى شيءٍ مما تكره، هاجتني على الكتابة إليك مسألة أبي نوحٍ إياي إعلامك رأيي وهواي، فما تبدّلت ولا حلت، فجمعنا الله وإياك على طاعته. ولد أبو بكر الأنباري سنة سبعين ومائتين، ومات سنة ثمانٍ وعشرين وثلاثمائة.

قال وهب: صفة المؤمن إيمانٌ في تقىً، وحزمٌ في يقين، وقصدٌ في لين، وقورٌ في الرّخاء، شكورٌ في البلاء صبور، إن أنعم عليه شكر، وإن ابتلي صبر، لا يحقر من دونه، ولا يزري على من فوقه. قال وهب: المؤمن من يخالط ليعلم، ويسكت ليسلم، ويتكلم ليفهم، ويخلو لينعم. قال وهب: كانت مريم عند زكريا، فلمّا نبا بطنها وحملت قال لها زكريا: هل يكون الشّجر من غير مطر؟ وهل يكون الزرع من غير بذر؟ وهل يكون الولد من غير ذكر؟ قالت: نعم، الله خلق الجنّة بغير مطر، وخلق البذر قبل أن يخلق الزّرع، وخلق آدم من غير ذكر. قال الشّعبي: الجاهل حصر، والحكيم حاكم، ولم يعرف قدر الجاهل من لم يجرّعه الحلم غصص الغيظ. قال أبو يوسف القاضي صاحب أبي حنيفة: إثبات الحجّة على الجاهل سهل، ولكن إقراره بها صعب. قيل لفيلسوف: ما الكلفة؟ قال: طلبك ما لا يواتيك، ونظرك فيما لا يعينك.

وقال عيسى بن مريم: الأمور ثلاثة: أمرٌ يتبيّن فيه رشده فاتّبعوه، وأمر تلبّس فيه غيّه فاجتنبوه، وأمرٌ اختلف فيه فردّوه إلى الله تعالى. قال المعتمر بن سليمان: قال لي إيّاك أن تقتدي بزلاّت أصحاب رسول الله فتقول: فلانٌ لبس المعصفر، وفلانٌ كانت له جمّة، وفلانٌ شرب النبيذ، وفلانٌ لعب الشطرنج، وفلانٌ امتخط في الكتاب، وفلانٌ انتعل السّبت. وصف رجلّ رجلاً فقال: كان والله سمحاً مرّاً سهلاً، بينه وبين القلب نسب، وبين الحياة سبب، إنّما هو عيادة مريض، وتحفة قادم، وواسطة قلادة. وقال حمّاد الراوية: شاهدنا في هذا المسجد قوماً كانوا إذا خلعوا الحذاء، وعقدوا الحبا، وقاسوا أطراف الحديث، حيّروا السامع، وأخرسوا النّاطق - يعني مسجد الكوفة. قال رجلٌ لبعض العلويّة: أنت بستان الدّنيا، فقال العلويّ وأنت النّهر الذي يشرب منه ذلك البستان. قال رجلٌ لأبي عمر الزّاهد صاحب كتاب الياقوت في اللغة: أنت والله عين الدّنيا، فقال: وأنت بؤبؤ تلك العين.

سألت أبا سعيد السّيرافي عن أبي عمر فقال: لم يكن زاهداً إّلا في الدّارين، قلت: أكان يتّهم في اللغة؟ قال: كيف لا يتّهم من يكذب؟! وسمعت غير أبي سعيد يقول ما هو قريبٌ من هذا، وطائفةٌ من الناس تأبى هذا فيه، وتزعم أنّه كان ثقةً مأموناً. أخذ عبّاسيّ طالبيّاً في العسس، فأراد أن يعاقبه فقال الطّالبيّ: والله لولا أن أفسد ديني بفساد دنياك لملكت من لساني أكثر ما ملكت من سوطك؛ والله إن كلامي لفوق الشّعر، ودون السّحر، وإنّ أيسره ليثقب الخردل، ويحطٌ الجندل، فاستحيى منه وخلّى عنه. قال سوّار بن أبي شراعة، أنشدنا الرّياشي لعمرو بن حلّزة أخي الحارث بن حلّزة، قيل: وهي مصنوعة: الرمل لم يكن إّلا الذي كان يكون ... وخطوب الدّهر بالنّاس فنون ربّما قرّت عيونٌ بشجىً ... مرمضٍ قد سخنت منه عيون يلعب الناس على أقدارهم ... ورحى الأيّام للنّاس طحون يأمن الأيام مغترٌ بها ... ما رأينا قطّ دهراً لا يخون والملمّات فما أعجبها ... للملمّات ظهورٌ وبطون إنّما الإنسان صفوٌ وقذىً ... وتواري نفسه بيضٌ وجون لا تكن محتقراً شأن امرئٍ ... ربّما كانت من الشان شؤون

قال فيلسوف: كما أنّ أواني الفخّار تمتحن بأصواتها فيعرف الصحيح منها من المنكسر، كذلك يمتحن الإنسان بمنطقه فتعرف حاله وطريقته. قال فيلسوف: احتمال الفقر أحسن من احتمال الذلّ، على أن الرضا بالفقر قناعة، والرّضا بالذلّ ضراعة. شاعر: الرجز سحابةٌ صادقة الأنواء ... تجرّ حضنيها على البطحاء بدت بنارٍ وثنت بماءٍ ... تثني بها الأرض على السّماء تجمع بين الضّحك والبكاء للمأمون: البسيط وصاحبٍ ونديمٍ ذي محافظةٍ ... سبط اليدين بشرب الراح مفتون نادمته ورواق الليل منخرقٌ ... تحت الصباح دفيناً في الرّياحين فقلت خذ قال كفّي لا تطاوعني ... فقلت قم قال رجلي لا تواتيني إنّي غفلت عن السّاقي فصيّرني ... كما تراني سليب العقل والدّين قال أعرابيٌّ في خطبته: الحذر الحذر، فوالله لقد ستر حتى كأنّه غفر. وقّع ابن الزيّات إلى عاملٍ له: توهمتك شهماً كافياً، فوجدتك

رسماً عافياً، لا محامياً ولا وافياً. قال بعض السّلف: أفضل ما أعطيه الإنسان اللسان، وفي ترك المراء راحةٌ للبدن. قال المبرّد، قال بعض السّلف: ضوالّ الكلام أحبّ إليّ من ضوال الإبل، قيل به: نحو ماذا؟ قال: كقول الشاعر: الطويل وإنّي لأرجو الله حتى كأنّما ... أرى بجميل الظنّ ما الله صانع أنشد ثعلب لعليّ بن مالك العقيلي: الطويل أتيت مع الحدّاث ليلى فلم أبن ... فأخليت فاستعجمت عند خلائي فقمت فلم أصبر فعدت ولم أحر ... جواباً كلا اليومين يوم عياء فيا عجباً ما أشبه اليأس بالغنى ... وإن لم يكونا عندنا بسواء

قال بشّار: لقد عشت في زمانٍ وأدركت أقواماً لو احتفلت الدّنيا ما تجمّلت إّلا بهم، وإنّي لفي زمانٍ ما أرى عاقلاً حصيفاً، ولا فاتكاً ظريفاً، ولا ناسكاً عفيفاً، ولا جواداً شريفاً، ولا خادماً نظيفاً، ولا جليساً طريفاً، ولا من يساوي على الخبرة رغيفاً. سأل رجلٌ أبا الهذيل فقال له: أفعال العباد مخلوقة؟ قال: لا، قال: فمن خلقها؟ قال أبو الهذيل: أنت مشجوج؟ قال: لا، قال: فمن شجّك؟ قال رجلٌ لابن سيّار: أتعجب من رجلٍ يتهيّبك مع قبح صورتك؟ قال: ليس من حسنه يهاب الأسد. قيل لصوفيّ: أين الحقّ؟ قال: لو كان له أينٌ لم تثبت له عين. قال رجلٌ لأبي الهذيل: ما الدليل على حدث العالم؟ قال: الحركة والسكون، فقال السائل: الحركة والسكون من العالم، فكأنك قلت الدليل على حدث العالم العالم دل على حدث العالم بغير العالم فقال أبو الهذيل: جئتني بسؤالٍ من غير العالم جئتك بجوابٍ من غير العالم. عثر رجلٌ على امرأته وهي على فاحشةٍ فطلّقها، فاجتمع أهلها إليه وقالوا: عرّفنا ما رأيت من زوجتك، فما رأيت فيها؟ قال: سبحان الله، امرأةٌ كان زمامها بيدي وكنت بعلاً لها لم أبح بما كان منها، فلمّا بانت منّي، وصارت غريبةً أفضحها؟! لا يكون ذلك أبداً.

جاء رجلّ إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال له: صف لي الجنّة؟ فقال: " فيها فاكهةٌ ونخلٌ ورمّانٌ "؛ وجاء آخر فقال بمثل قوله، فقال: " سدرٌ مخضود، وطلحٌ منضود، وفرشٌ مرفوعة، ونمارق مصفوفة "؛ وجاء آخر فسأله عن ذلك فقال: " فيها ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين "؛ وجاء آخر فسأله فقال: " فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ". فقالت عائشة: ما هذا يا رسول الله؟ قال: " إنّي أمرت أن أكلم الناس على قدر عقولهم ". حضّ منصور بن عمّار الناس على الغزو في فناء دار الرشيد بالرّقة، وطرحت امرأةٌ من حاشيته صرّةً تصحبها رقعةٌ قرئ فيها: رأيتك يا ابن عمّار تحضّ على الجهاد، وقد ألقيت إليك ذؤابتي فلست أملك والله غيرها، فبالله إّلا جعلتها قيد فارس غازٍ في سبيل الله تعالى، فعسى الله جلّ جلاله يرحمني بذلك، فارتجّ المجلس بالبكاء، وضجّ بالنّحيب، وتعجّب الناس من ذلك. قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: " ما تعدّون الرّقوب فيكم؟ قالوا: التي لا يبقى لها ولد، قال عليه السلام: " بل الرّقوب الذي لم يقدّم من ولده شيئاً ". ذبحت عائشة شاةً فتصدّقت بها، وتركت كتفاً منها، فقال النبيّ صلّى الله عليه: " ما عندك منها "؟ قالت: ما بقي إّلا كتفٌ، قال: " كلّها بقي إّلا كتف ".

شاعر: الخفيف لا أعدّ الإقتار عدماً ولكن ... فقد من قد رزئته الإعدام كان الفضيل يعظ ابنه كثيراً على الزّهد ويقول: يا بنيّ، ارفق بنفسك؛ وكان يوماً خلف الإمام يصلّي فسمع سورة الرحمن، فظلّ يتلوّى وأبوه ينادي: أما سمعت قوله: " حورٌ مقصوراتٌ في الخيام: فقال: يا أبت، لكني سمعت قوله: " يعرف المجرمون بسيماهم ". قال ابن سيرين: سمع من النبيّ صلّى الله عليه وعلى آله في تلبيته يقول: " لبّيك حقاّ حقاّ تعبداً ورقّاً ". رأى ابن عبّاس عروة بن الزّبير يوماً متنكراً فقال له: ما شأنك؟ فقال: سلقني ابن عمّ لي بلسانه، فقال: خفّض عليك، فما من قومٍ فيهم غرّةٌ إّلا وإلى جانبه عرّة، وما ذئبٌ أغبس جائع بألحّ على فريسته ولا أنهك لها من ابن عمّ دنيٍّ على ابن عمّ سريّ. سئل عبد الله بن المبارك عن معاوية وقيل به: ما تقول فيه؟ قال: ما أقول في رجلٍ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله في صلاته: " سمع الله

لمن حمده "، فقال من ورائه: ربّنا لك الحمد؟ سئل بعض العلماء عن الآيات التّسع التي كانت لموسى: ما هنّ؟ قال: العصا، واليد، والجراد، والقمل، والضفادع، والدّم، والبحر، ورفع الطور، وانفجار الحجر، وقيل بدل البحر الجبل والبحر: الطوفان والطمس. سمعت الشيخ الإسماعيلي ينشد: الطويل ألا قاتل الله الهوى ما أشدّه ... وأصرعه للمرء وهو جليد دعاني إلى ما يبتغي فأجبته ... فأصبح بي يذهب حيث يريد نظر رجلٌ من المجّان إلى رجلٍ كثير شعر الوجه فقال: يا هذا خندق على وجهك لا يتحول رأساً. قيل لفيلسوف، وكان محبوساً: أّلا تكلّم الملك في إطلاقك؟ قال: لا، قيل: ولم؟ قال: لأن الفلك أحدّ أّلا يبقي على حدّ. وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه في دعائه: اللهمّ لا تحوجني إلى أحدٍ من خلقك، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: " مهلاً يا عليّ، إنّ الله جلّ ثناؤه خلق الخلق ولم يغن بعضهم عن بعض ".

قال ابن سلاّم، قال أبو حنيفة: رأيت في النوم كأنّي أنبش عظام النبيّ صلّى الله عليه وعلى آله، فسألت فقيل: هذا رجلٌ يحيي سنّته. يقال في الأمثال: من يزرع خيراً يحصد غبطةً، ومن يزرع شرّاً يحصد ندامةً. شاعر: الطويل إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصداً ... ندمت على التقصير في زمن البذر سئل أحمد بن حنبل عن قول الناس: عليٌّ قاسم الجنّة والنار، قال: هذا صحيح، لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وعلى آله قال لعليّ بن أبي طالب: " لا يحبّك إّلا مؤمنٌ ولا يبغضك إّلا منافقٌ، فالمؤمن في الجنّة والمنافق في النار ". قال رجلٌ لبعض الزهّاد: كم آكل؟ قال: فوق الجوع ودون الشّبع، قال: فكم أضحك؟ قال: حتى يسفر وجهك ولا يسمع صوتك، قال: فكم أبكي؟ قال: لا تملّ البكاء من خشية الله، قال: فكم أخفي عملي؟ قال: حتى لا يرى الناس أنّك تعمل حسنةً، قال: فكم أظهر من عملي؟ قال: حتى يأتمّ بك الحريص، وينقضي عنك قول الناس. قال بعض النّسّاك: إنّ الشيطان يلعب بالقرّاء كما يلعب الصبيان بالكرة.

قال بلال بن سعد: من سبقك بالودّ فقد استرقّك بالشّكر. قال النبيّ صلّى الله عليه: " الرغبة في الدنيا تطيل الهمّ والحزن، والزّهد فيها راحة القلب والبدن ". قال بعض الصالحين: لو رأيت يسير ما بقي من أجلك، لزهدت في طول ما ترجو من أملك، ولملت إلى الزيادة في عملك، ولقصّرت من حرصك وحيلك، فإنّما تلقى غداً ندمك، وقد زلّت قدمك، وأسلمك أهلك وحشمك، وتبرّأ منك القريب، وانصرف عنك الحبيب، فلا أنت إلى الدّنيا عائد، ولا في عملك زائد، فاعمل يا مغرور ليوم القيامة، قبل حلول الحسرة والنّدامة. وقال بعض السّلف: من هوان الدّنيا على الله جلّ جلاله أن لا يعصى إّلا فيها، ولا ينال ما عنده إلا بتركها. وقال فيلسوف: إذا أدركت الدنيا الهارب منها جرحته، وإذا أدركها الطالب لها قتلته. سئل الزّهري عن الزّهد فقال: والله ما هو من خشونة المطعم

ولا من خشونة الملبس، ولا قشف الشّعر، ولا قحل الجلد، ولكنه ظلف النفس عن محبوب الشّهوة. دعا أعرابيٌّ في الكعبة فقال: اللهمّ إني أسألك الخوف منك حين يأمنك من لا يعرفك، وأسألك الأمن منك حين يخافك من يغترّ بك. نظر رجلٌ إلى فيلسوف فقال له: ما أشدّ فقرك، فقال له: لو علمت ما الفقر لشغلك الهمّ لنفسك عن الغمّ لي. سمع أبو الدّرداء وهو يقول لبعيرٍ له: ألم أعلفك وأسقك وأحسن إليك. قيل لشعبة: ما تقول في يونس عن الحسن؟ قال: سمن وعسل، قيل: فعوف عن الحسن؟ قال: خلّ وبقل، قيل: فأبان عن الحسن: قال: دعني لا أتقيأ. قيل للحسن: إنّ ابن سيرين ما احتلم قطّ، قال: لأنّ الاحتلام عرس النّسّاك إذا علم الله تعالى منهم العفاف.

قال أبو ذرٍّ لغلامه: لم أرسلت الشّاة على العلف؟ قال: أردت أن أغيظك، قال: لأجمعنّ مع الغيظ أجراً، أنت حرٌّ لوجه الله تعالى. قال قتادة في قوله عزّ وجلّ: " إنّه عملٌ غير صالحٍ ": أي سؤالك إيّاي ما ليس لك به علمٌ. قال محمد بن شهاب الزّهري: كنت عند عبد الملك بن مروان فدخل عليه رجلٌ حسن الفصاحة، فقال له عبد الملك: كم عطاؤك؟ قال: مائتا دينار، قال: في كم ديونك؟ قال: في مائتي دينار، قال: أما علمت أنّي أمرت أن لا يتكلّم أحدٌ بإعراب؟ قال: ما علمت ذلك، قال: أمن العرب أنت أم من الموالي؟ قال: يا أمير المؤمنين، إن تكن العربية أباً فلست منها، وإن تكن لساناً فإنّي منها، قال: صدقت، قال الله تعالى: " بيلسان عربيٍّ ميبنٍ ". قال ابن عيينة: إذا كانت حياتي حياة سفيهٍ، وموتي موت جاهل، فما يغني عنّي ما جمعت من طرائف الحكماء؟ قال عبد الله ابن إدريس: قال الله تعالى في أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه: ثاني اثنين إذ هما في الغار، وثاني اثنين في المشورة يوم بدر، وثاني اثنين في القبر، وثاني اثنين في الخلافة، وثاني اثنين في الجنّة. قال الحسن البصري: إنّ في أحكام الدّنيا وما أنزل الله تعالى ما

يستدلّ به على غيب ما لا يرى من يقين الآخرة وعدل أحكامها، فما كان أشبه من أقرّ بالنّشأة الأولى أن يستدلّ بذلك على النشأة الأخرى، وما أشبه من عرف النّشور من النوم أن يستدلّ بذلك على النّشور من الموت، وما أشبه من عرف خلق أوّله أن يستدلّ بذلك على خلق آخره، وما كان أشبه من عرف ربّه أن يعترف بما وعده من خيرٍ أو شر، وما كان أشبه من عرف رضاه أن لا يخلّ بعملٍ يعمله، وما كان أشبه من توكّل له برزقه أّلا يتهمّ برزقه، وما كان أشبه من عرف ما يضرّه أن لا يؤثره على ما ينفعه، وكان أشبه من عرف ما ينفعه إّلا يدع ما ينفعه. سأل رجلٌ ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن الاستواء فقال: ويلك مجهول، والاستواء غير معقول، والإيمان به واجب. وقال النزّال بن سبرة: سمعنا حذيفة يحلف لعثمان على أشياء ما قالها، وقد سمعناه قالها، فقيل له في ذلك فقال: أشتري ديني بعضه ببعضٍ مخافة أن يذهب كلّه. قال شبيل بن عوف: من سمع بفاحشةٍ فأفشاها فهو كالذي أنشأها. قال النّباجيّ: سمعت هاتفاً يقول: عجباً لمن وجد عند المولى

كلّ ما يريد كيف ينزل حاجته بالعبيد. قال أبو سليمان الدّاريّ: من طلب الدّنيا على المحبّة لها لم يعط منها شيئاً إّلا أكثر منه، ليس لهذه غاية، ولا لهذه نهاية. دعا رجلٌ فيلسوفاً فأجابه، ثم دعاه مرةً أخرى فأبى عليه، فقيل له: ما هذا؟ فقال: إنّه لم يشكرني على المرة الأولى. قال أحمد بن أبي الحواري: قلت لأبي سليمان: إني لا أريد من الدنيا أكثر ممّا أعطى، فقال لي: لكني أعطى منها أكثر مما أريد. قال أبو سليمان: الزّهّاد في الدّنيا على طبقتين: منهم من يزهد في الدّنيا ولا تفتح له روح الآخرة فهو يغتمّ في دنياه لأنّ نفسه قد يئست من شهواتها، وليس شيءٌ أحبّ إليه من الموت لما يرجو من نعيم الآخرة، ومنهم من يزهد وتفتح له روح الآخرة فليس شيءٌ أحبّ إليه من البقاء ليطيع. قال أحمد بن أبي الحواريّ: سمعت أبا سليمان الدّاريّ يقول في رجلين تعبّدا وهما يشتهيان شهوةً وكلاهما لها تاركٌ، فخرجت من قلب أحدهما ولم تخرج من قلب الآخر، قال: الذي خرجت من قلبه أفضل، لأنه لم يخرجها فّلا شيءٌ من الآخرة، قال أحمد: فاختلفنا في المسألة بعباّدان وخرجنا إلى البصرة ولقينا رباحاً القيسيّ فوافقني عليها.

كان أبو سليمان يقول: إنّ الله تعالى أكرم من أن يعذّب قلباً بشهوةٍ تركت من أجله، وذلك أنه قال: " من صدق في ترك شهوةٍ كفي مؤونتها ". وقال أبو سليمان: أرجو أن أكون قد بلغت من الرّضا طرفاً ولو أدخلني النار لكنت بذلك راضياً. قال السّريّ السّقطيّ: إذا رأيت الله تعالى يوحشك من الخلق، فاعلم أنّه يريد أن يؤنسك بنفسه. قال إسماعيل بن زياد أبو يعقوب: قدم علينا ها هنا بعبّادان راهبٌ من الشام ونزل دير أبي كبشة، فذكروا حكمة كلامه، فحملني ذلك على لقائه، فأتيته وهو يقول: إنّ لله عباداً سمت بهم هممهم نحو عظيم الذّخائر، قالتمسوا من فضل سيّدهم توفيقاً يبلغهم سموّ الهمم، فإن استطعتم أيّها المرتحلون عن قريبٍ أن تأخذوا ببعض أمرهم فإنّهم قومٌ قد ملكت الآخرة قلوبهم فلم تجد الدّنيا فيها ملبثاً، فالحزن بثّهم، والدّمع راحتهم، والدؤوب وسيلتهم، وحسن الظنّ قربانهم، يحزنون بطول المكث في الدّنيا إذا فرح أهلها، فهم فيها مسجونون، وإلى الآخرة منطلقون. فما سمعت موعظةً أنفع لي منها. قال معاوية بن قرّة: كنّا لا نحمد ذا فضلٍ عند فضله، فصرنا

اليوم نحمد ذا شرٍّ لا يفضل عنه شرٌّ. يقال إنّ يوسف عليه السلام كتب على باب السجن: هذه منازل البلوى، وقبو الأحياء، وتجربة الأصدقاء، وشماتة الأعداء. قال بعض السّلف: معادن البهاء لا يقطع بين متّصلها تفاوت الأعمار، ولا يعفّي آثارها بلى الأبدان، وليس كلّ من يحكي الحكمة كان من أهلها، أولئك أبناء الدّنيا وخول الجهل، المحجوجون باستعارة اسمها، المسلوبون منفعة عواقبها، ولكنّ أبناء الحكمة الذين حبوا بموت الدّنيا في عقولهم، ونعموا بتخليتها من قلوبهم، الذين أخلق عندهم جديد العبر، وغيّبها عنهم مشاهدتهم غيب المعاد، وانتقالهم إلى دار اليقين. غضب الإسكندر على شاعرٍ فأقصاه وفرّق ماله في الشعراء، فقيل له: أيّها الملك بالغت في عقوبته، قال: نعم، أمّا إقصائي إياه فلجرمه، وأمّا تفريقي ماله في أصحابه فلئلاّ يشفعوا فيه. وقيل للإسكندر: إنّ فلاناً يجود في السّكر بما يسحّ به في الصّحو، قال: لا يحمد، لأنّ الصّحو عقلٌ والسّكر مباينٌ للعقل. بلغ الإسكندر موت صديقٍ له فقال: ما يحزنني موته كما يحزنني أنني لم أبلغ من برّه ما كان أهله مني، فقال له فيلسوف: ما أشبه هذا القول بقول ابني وهو يجود بنفسه: ما يحزنني موتي كما يحزنني ما فات من إظهار بأسي وبلائي في العدوّ.

قال أحمد بن أبي الحواريّ، سمعت أبا سليمان يقول: أهل قيام الليل على ثلاث طبقات: فمنهم من إذا قرأ بكى، ومنهم من إذا قرأ صاح، ومنهم من إذا قرأ تفكّر ولم يبك، فبهتّ، فقلت له: ما تفسيره؟ فقال: ما أقوى على تفسيره؛ قال أحمد: كان والله عارفاً له لكنّه كان لا يطيق أن يتكلم به. كتب أبو الدرداء إلى سلمان الفارسي يدعوه إلى الأرض المقدّسة، فكتب إليه سلمان: إن بعدت الدار من الدار فإنّ الرّوح من الرّوح قريب، وطائر السماء على إلفه من الأرض يقع. كان آخر من مات من أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وآله: بالمدينة جابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمر بمكّة، وأنس بن مالك بالبصرة، وعبد الله ابن أبي أوفى بالكوفة، وأبو أمامة الباهليّ بالشام. قال بعض السّلف: يقال: صفوة الله تعالى من خلقه أهل التوحيد، وصفوته من أهل التوحيد أهل السّنّة، وصفوته من أهل السّنّة أهل الورع عن محارم الله تعالى، وصفوته من أهل الورع أهل الزّهد، وصفوته من أهل الزّهد أهل البصيرة، وصفوته من أهل البصيرة أهل الخضوع والتواضع.

قال محمد بن حبيب، حدّثني أبي قال: دعانا محمد بن العبّاس العتبيّ، وكان من الصالحين، وعنده جماعةٌ، وكان فيهم أحمد بن عبد الرزّاق، فقدّم إلينا خبيصٌ فأخذ أحمد لقمةً من القصعة فناولني إياها وقال: اجعلها أنت بيدك في فمي. ففعلت، قال لي: أتدري بم فعلت هذا؟ إنّه يروى: من لقّم أخاه لقمةً حلوةً وقاه الله تعالى مرارة يوم القيامة، فأحببت أن تلقمنيها حتى يوقيك الله تعالى مرارة يوم القيامة. لسعية بن غريض اليهوديّ: السريع هاجك بالروض وقريانها ... دارٌ تعفّت بعد إخوانها تسري عليها كلّ حنّانةٍ ... مولعةٍ منها بجولانها مفصّوة الأجزاع مجهولةٍ ... كأنّما أعين خزّانها جزع كعابٍ خانه سلكه ... بين تراقيها وأردانها يهدي لها الأرواح من ريحها ... نفح خزاماها وحوذانها وله أيضاً في رواية ابن حبيب: المتقارب لقد هاج نفسك أشجانها ... وعاودك اليوم أديانها بذكرّ ليلى وما ذكرها ... وقد قطعت منك أقرانها

ودويّةٍ سبسبٍ مرعشٍ ... من البيد تعزف جنّانها وعيرانةٍ كأتان الثّمي ... يل تمرح في الآل أشطانها وقفت عليها فساءلتها ... وقد ذهب الحيّ ما شانها قال الصّولي: كنّا عند المبرّد يوماً فاجتاز به رجلٌ فقال له أبو العبّاس: قد كلّمتك في فلان، فقال الرجل: قد سمعت وأطعت، وشغلت بضاعته، فما كان من نقصٍ فعليّ، وما كان من زيادةٍ فله، فقال المبرّد: لله درّك، أنت كما قال زهير بن أبي سلمى: الوافر وسارٍ سار معتمداً إلينا ... أجاءته المخافة والرّجاء ضمنّا ماله فغدا سليماً ... علينا نقصه وله النّماء قال المبرّد، قال رجلٌ من الرّافضة: كان جرير والفرزذق يقولان: الحمد لله الذي شغل السيّد الحميريّ عنّا بمذهبٍ وإّلا لم نكن معه في شيء، قلت له: إنّهما لم يرياه، قال: فسمعا به، قلت: ولم يسمعا به، كان بعدهما، قال: فقدّما قولاً فيه، قلت: ما كان الوحي ينزل عليها، قال: فرأياه في النّوم فقالا هذا، فقلت: " أضغاث أحلامٍ وما نحن بتأويل

الأحلام بعالمين " فقال: والله لقد تلي هذا فيه، قلت: يمينٌ فاجرةٌ، قال: أنت والله تنصب منذ اليوم. وقف أحمد بن الطّيّب السّرخسي على المبرّد يوماً مسلماً، فقال المبرّد: أنت والله كما فقال البحتري: الوافر خصال النّبل في أهل المعالي ... مفرقةٌ وأنت لها جماع قال المبرّد: قصدني رجلٌ فاستشفع بي في حاجةٍ وأنشدني لنفسه: البسيط إنّي قصدتك لا أدلي بمعرفةٍ ... ولا بقربى ولكن قد فشت نعمك فبتّ حيران مكروباً يؤرقني ... ذلّ الغريب ويغشيني الكرى كرمك ما زلت أنكب حتى زلزلت قدمي ... فاحتل لتثبتها لا زلزلت قدمك فلو هممت بغير العرف ما علقت ... به يداك ولا انقادت له شيمك قال المبرّد: فبلّغته جميع ما قدرت عليه. قال الإسكندر لمّا قتل دارا: إنّ قاتل دارا لا يعيش. قيل لديوجانس: لم تأكل في السّوق؟ قال: لأنّي جعت في السّوق.

ورأى رجلاً قد خصب شيبه فقال: يا هذا أخفيت شيبك فهل تقدر أن تخفي هرمك؟ ورأى ديوجانس رجلاً يدعو ربّه أو يرزقه الحكمة فقال: لو قبلت الأدب رزقتها. ورأى غلاماً أسود يرمي بالحجارة فقال: لا ترم لعلّك تصيب أباك ولا تعلم. ورأى صبيّاً يشبه أباه فقال: نعم الشاهد أنت لأمّك. قال الرّياشي: حدّثنا أبو حفص الغفاريّ عن رجلٍ من الأنصار قال، أخبرني من سمع الأحوص بن مالك رافعاً عقيرته يقول: الطويل لعمرك ما جاورت غمدان طائعاً ... وقصر شعوبٍ أن أكون بها صبّا ولكنّ حمّى أضرعتني ثلاثةً ... فجاوزتها ثمّ استمرّت بنا غبّا ومصرع إخوانٍ كأنّ أنينهم ... أنين المكاكي أنقرت بلداً خصباً قال المفجّع: المكاكيّ جمع مكّاءٍ، وأنقرت: أقامت، والمنقر: المنزل، ومنه سمّي الرجل، ومنه قول الآخر:

ونقّري ما شئت أن تنقّري قال: ومنه قول عمر بن أبي ربيعة: الخفيف قلت لا بدّ أن أنقّر عنك ... نّ فحاجرنني بعبد مناف أي لا بدّ أن أعرف منزلكنّ. قال: فيروى في شعر الأحوص: وقصر شعوب بالرفع، ويقال: شعوب: المنيّة، قال المنانيّ: الكامل ذهبت شعوب بماله وبأهله ... إنّ المنايا للرجال شعوب والمرء من ريب النون كأنّه ... عودٌ تعاوره الرّعاء ركوب نصباً لكلّ مصيبةٍ يرمى بها ... حتى يصاب سواده المنصوب قال: ومن روى وقصر بالنصب قال: هو موضعٌ؛ قال ويروى: ولكنّ حمّى أضرعتني ثلاثةً ... مجرمةً ثم استمرّت بنا غبّا يعني ثالثة أشهر تامّة. قال المفجّع: حدّثنا أبو يعقوب النّحوي قال، حدّثنا الرّياشي قال، سمعت القحذميّ يحدّث عن ابن دأبٍ قال: فقدت امرأةٌ من بجيلة أخاً لها، فجعلت تنشده في قبائل العرب حتى انتهت إلى حيًّ من الأحياء فقالوا: قد وجدته ولم تجديه، وجاءوا بها إلى قبرٍ مكتوبٍ عليه: الطويل أليحا لليلى قبر من لو رأيته ... يجود وتأبى نفسه وهو ضائع سقيطٌ كجثمان الخلى لم يلطف به ... حميمٌ ولم تذرف عليه المدامع إذاً لرأيت الذّلّ والضّيم قد بدا ... لليلى ولم يدفع لك الضّيم دافع

قال المفجّع: الخلى ها هنا هو العود المقطوع من النّبات؛ قال: وسمعت المبرّد يقول: الجثمان: الشخص، والجسمان - بالسين -: الجسم: والشّجى ها هنا: الغصص، وأصله عويدٌ يعترض في الحلق. وأنشد لابن دريد: الكامل نهنه بوادر دمعك المهراق ... أيّ ائتلاف لم يرع بفراق لا تغلبنك على العزاء خواطرٌ ... للشّوق هنّ رواشف الآماق كم ذا تحنّ إلى العراق وأهله ... كم تامت الدّنيا بغير عراق لقي رجلٌ داود الطّائي فقال: من أين يا داود وإلى أين؟ قال داود: استوحشت من الناس وأنست بالله تعالى، فقال: يا داود، هذا إن قبلك، فصاح صيحةً وخرّ مغشياً عليه ثم أفاق فقال: نبّهك الله إذ نبّهتني. قيل لرابعة: أيّ عملك أرجى إليك عندك؟ قالت: أرجى عملي عندي خوفي أن لا يقبل. وقال النبيّ صلّى الله عليه في دعائه: " اللهمّ ارزقني حبّك وحبّ ما ينفعني حبّه عندك؛ اللهمّ ما رزقتني ممّا أحبّ فاجعله قوةً لي فيما تحبّ، وما زويت عنّي ممّا أحبّ فاجعله فراغاً لما تحبّ ". نظر بعض العارفين إلى آخر في محفلٍ يدعو إلى الله فقال له:

إنّي خفت عليك العجب من كثرة الناس، فقال: إنّما يعجب المؤمن أمرٌ هو منه، فأمّا من أمره من غيره ففيم العجب؟ وأنشد: الطويل وصفت التّقى حتى كأنّك ذو تقىً ... وريح الخطايا من ثيابك يسطع ولم تعن بالأمر الذي هو واجبٌ ... وكلّ امرئٍ يعنى بما يتوقّع قال ثعلب: الأجهر: الذي لا يبصر بالنهار، والأعشى: الذي لا يبصر بالليل، يقال: عشا يعشو إذا أصابه شيءٌ فضعف بصره، وعشي يعشى إذا كان الضعف في البصر خلقةً؛ وقال الأصمعيّ: لا يعشى إّلا من بعد ما يعشو، أي لا يعمى إّلا من بعد ما يضعف بصره. تقدّم الأشعث بن قيس إلى شريحٍ قاضي الكوفة فقال: يا أبا أميّة، لعهدي بك وإنّ شانك لشوين، فقال شريح: يا أبا محمد، أنت تعرف نعمة الله تعالى على غيرك، وتجهلها من نفسك. قيل لابن عيينة: إنّ فلاناً ينتقضك، فقال: نطيع الله فيه مقدار ما عصى الله فينا. وكان من سؤدد العبّاس في الجاهلية أن جفنته كانت تروح على فقراء عبد مناف، ودرّته على سفهائهم. قال ابن السّمّاك: ما المشتار الجنيّ، مع الرّازقيّ الشهيّ، بأحبّ إلى الفاجر الشقيّ، من أن يغتاب المؤمن التقيّ.

هكذا قال: المشتار، وقد جاء في شعر عديّ بن زيد، والمشهور: شرت العسل فهو مشور. أهدي إلى عمر بن عبد العزيز تفاحٌ لبنانيّ، وكان قد اشتهاه، فردّه، فقيل له: قد بلغك أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يأكل الهديّة، فقال عمر: إنّ الهدية كانت لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم هديّة، ولنا رشوة. قال المبرّد: مات ابن عمٍّ لأبي محلّم السّعدي يقال له الخليل بن أوس من أهل عسكر مكرم وخلّف عشرين ألف دينار فأوصى بها لأبي محلّم، وقال: من يرثني غيره؟ فدفعوا المال إليه فأبى أن يأخذه وقال: من هذا العلج حتى أرثه؟ والله ما وشجت بنا رحمٌ، فقال أبو هفّان: يا رقيع، خذ المال وارجع قرشيّاً إن شئت أو تميمياً، فكلٌ أحدٍ يقبلك ويحلف عنك، فأبى، فقال أبو العيناء: رغبت يا أبا محلّم في الدعوة حين زهد الناس فيها، وزهدت في المال حين رغب فيه الناس، قال المبرّد: وعنّفته في ترك المال فما قبل فغاطني فقلت: الوافر المجزوء يقول دعيّ سعدٍ حي ... ن لم يرني وقد أمنا أنا السّعديّ إن سكتوا ... فقلت له وأين أنا ذكر المعتضد بين يدي المبرّد فقال: هو كما قال الأخطل: الكامل

تسمو العيون إلى إمام عادلٍ ... معطى المهابة نافعٍ ضرّار وترى عليه إذا العيون رمقنه ... سمة الحليم وهيبة الجبّار قال المبرّد: قال لي عمارة بن عقيل وكانت في يدي كأسٌ مائلةٌ: إنّ كأسك لعلى عدواء. قال: قال ابن الأنباري، قال المبرّد: حذفوا الهاء من طالق لأنّه بمعنى شخص طالق، وكذلك رجلٌ ضحكة، وأبطل أصحاب الفرّاء هذا وقالوا: يلزمه أن يقول: زيدٌ قائمةٌ على معنى: نسمة قائمة، وهذا محال. قال عبد الصّمد بن المعذّل: الرجز يا ربّ إن كنت ترى المبرّدا ... إن قاس في النّحو قياساً أفسدا ويكسر الشّعر إذا ما أنشدا ... وإن تحسّى الكأس يوماً عربدا فاقدر له حيّة قفٍّ أسودا ... أنيابه عوجٌ كأمثال المدى لو نكز الفيل العظيم الأربدا ... بنابه جرّعه كأس الرّدى رأى فيلسوف معلّماً يعلّم جاريةً ويعلّمها الخطّ فقال: لا تزد الشرّ شرّاً.

ورأى جاريةً تحمل ناراً فقال: نارٌ على نار، والحاملة شرٌّ من المحمولة. ورأى مرةً امرأةً قد حملها السّيل فقال: زادت على كدرٍ كدراً، والشرّ بالشرّ يهلك. ورأى امرأةً في ملعبٍ فقال: ما خرجت لترى ولكن لترى. وسمع رحلاً يذكره بسوءٍ فقال: ما علم الله منّا أكثر ممّا تقول. ورأى امرأةً تبكي على ميتٍ فقال لها: إن كان من رأيك معاودة الأكل والشّرب فلا تبكي، وإن كان رأيك الصبر عنهما فعليك بالبكاء. ورأى امرأةً عوراء تصنع نفسها فقال: نصف الشرّ شرّ. قال الزّبير بن بكّار: اسم كلّ طعام يدعى عليه الجماعة: العرس، والإعذار، والخرس، والوكيرة، والنقيعة، والعقيقة، والمأدبة؛

فالعرس: طعام الوليمة، يقال: أولم على أهله؛ والإعذار: طعامٌ يتخذه الرجل لإعذار الصبيّ وهو ختانه؛ والوكيرة: طعام يتّخذه إذا بنى داراً؛ والنّقيعة: ما يتّخذ من جنب عرض المغنم قبل أن يقسم؛ والعقيقة: طعامٌ يتّخذ إذا عقّ عن الصبي أي حلقت عقيقته، والعقيقة: شعر رأس الصبيّ إذا ولد. للزّبير بن بكّار: الرجز إن مطايا الحين أشباهٌ ذلل ... وطال ما قد غرّ بالسّهو الأمل وإنّ حزب الله إخوانٌ وصل ... على الثأى لا خانةٌ ولا خذل. لأحمد بن المعذّل: الرجز أيّتها النفس اسمعي لقيلي ... أنت من الحياة في أصيل وأنت صبّ الأمل الطويل ... فلا يغرّنك مدى التأميل وقد دنت شمسك من أفول سألت السّيرافي عن الزّنباع ما هو، قال: السّيّء الخلق والنون زائدةٌ. لأبي الوليد الحارثي، وهو عبد الملك بن عبد الرحيم: الطويل لعمري لقد بلّغت قومي أناتهم ... وأمهلتهم لو يرعوون لممهل

وأسمعتهم رفع النداء فأعرضوا ... بأسماعهم عن قول عانٍ مكبّل وما بهم أن لست من سرواتهم ... ولكنّ من يعثر به الدهر يخذل أساءوا فإن أشك الإساءة منهم ... أعبهم وإّلا أشكهم أتململ فما أنصفتني في الحكومة أسرتي ... ولا عدلوا عنّي هواهم بمعدل لقوا وجه إجمالي بوجه إساءتي ... وما اعتدلت حالاً مسيءٍ ومجمل قال عبد الكريم بن أبي العوجاء في وصف قوم: واله للحكمة أزلّ عن قلوبهم من المداد عن الأديم الدّهين. قال يحيى بن خالد: رأيت شرّيب خمرٍ نزع، ولصّاً أقلع، وصاحب فواحش راجع، ولم أر كاذباً رجع. وقال يحيى بن خالد: ما سقط غبار موكبي على لحية أحدٍ إّلا أوجبت حقّه. ليحيى بن خالد: الكامل اللّيل شيّب والنهار كلاهما ... رأسي بكثرة ما تدور رحاهما يتناهبان نفوسنا ودماءنا ... ولحومنا جهراً ونحن نراهما والشّيب إحدى الميتتين تقدّمت ... أولاهما وتأخّرت أخراهما وقّع يحيى بن خالد في رقعة رجلٍ مليح الخطّ، رديء الكلام:

الخطّ جسمٌ روحه الكلام، ولا ينتفع بجسمٍ لا روح فيه. قيل لابن سيّابة: ما نظنّك تعرف الله، قال: وكيف لا أعرف من أجاعني وأعراني وأدخلني في حر أمّي. قال عتبة الأعور في سيّابة والد إبراهيم، وكان حجّاماً: المنسرح أبوك أوهى النّجاد عاتقه ... كم من كميٍّ أدمى ومن بطل يأخذ من ماله ومن دمه ... لم يمس من ثائرٍ على وجل قال أبو حاتم، قال الأصمعي: أخذ يحيى بن خالدٍ بيدي فأقدمني على قبرٍ بالحيرة فإذا عليه مكتوبٌ: السريع إنّ بني المنذر عام ابتنوا ... بحيث شاد البيعة الراهب تنفح بالكافور أردانهم ... وعنبرٍ يقطبه القاطب والخبز واللحم لهم راهنٌ ... وقهوةٌ راووقها ساكب والقطن والكتّان أثوابهم ... لم يجب الصّوف لهم جائب فأصبحوا أكلاّ لدود الثّرى ... والدّهر لا يبقى له صاحب كتب رجلٌ إلى يحيى بن خالد رقعةً فيها: الطويل شفيعي إليك الله لا شيء غيره ... وليس إلى ردّ الشّفيع سبيل فأمره بلزوم الدّهليز، فكان يعطيه في كلّ صباحٍ ألف درهم، فلمّا استوفى

ثلاثين ألفاً مضى، فقال يحيى: والله لو أقام إلى آخر العمر ما قطعتها عنه. أنشد ثعلب: المتقارب فلمّا بصرنا به طالعاً ... حللنا الحبى وابتدرنا القياما فلا تنكرنّ قيامي له ... فإنّ الكريم يجلّ الكراما قال الصّولي: كمّأ عند ثعلب فغضب على المدائني النّحوي ثم سكن بعد إفراطٍ فقال: عوتب العتّابيّ في مخاصمة رجلٍ وقد زاد في القول فقال: إذا تشاجرت الخصوم، طاشت الحلوم، ونسيت العلوم. قال العنزي: أنشدني شيخٌ من أسارى بني نمير أيام الواثق وهو مشورٌ على بعير مع جماعةٍ: الوافر للبسي برنسي ونقاء عرضي ... أحبّ إليّ من جدد الثّياب يروح المرء مختالاً بطيناً ... نقيّ الثّوب مطبوع الإهاب فقلت له: ما مطبوع الإهاب؟ فقال: منطوٍ على بخور. قال أبو العيناء: كلام ابن المقفّع صريح، ولسانه فصيح، وطبعه صحيح، كأنّ كلامه لؤلؤٌ منثور، أو وشيٌ منشور، أو روضٌ ممطور. وقال أيضاً: حدّثني رجلٌ من قريش قال: لقيت النسّابة البكريّ بمنىً فقلت: أيّ الشعراء أغزل؟ فقال: أصدقهم وجداً الذي إن

سمعت شعره أويت لقائله، أما نفث في سمعك قول حجازيّكم عبد الله جدعان النهدي، واستخفّه مرةً الوجد فقال وكان فارّاً في بلاد فزارة: الوافر بكى وأقرّه الشمل الشّتيت ... وأسعدت الجبال به المروت حجازيّ الهوى علقٌ بنجدٍ ... جويٌّ ما يعيش ولا يموت تغاديه الهموم لها أجيجٌ ... ويسلمه إلى الوجد المبيت كأن فؤاده كف غريق ... يمدها بشط البحر حوتُ لهندٍ منك عينٌ ذات سجلٍ ... وقلبٌ سوف يألم أو يفوت إذا اكتنفا بضرهما سقيماً ... فليس على شفائهما مقيت دعا عيسى بن علي ابن المقفّع إلى الغداء فقال: أعزّ الله الأمير لست يومي أكيلاً للكرام، قال: ولم؟ قال: لأنّي مزكومٌ، والزّكمة قبيحة الجوار، مانعةٌ من معاشرة الأحرار. وكان ابن المقفّع يقول: إذا نزل بك مكروهٌ فانظر، فإن كان له

حيلة فال تعجز، وإن كان مما لا حيلة له فلا تجزع. قال الأصمعي: قال ابن المقفّع لبعض الكتّاب: إيّاك والتّتبّع لوحشيّ الكلام طمعاً في نيل البلاغة، فإنّ ذلك العيّ الأكبر. قال العتبيّ: قال ابن المقفّع: إنّ مما يسخّي بنفس العاقل عن الدنيا علمه بأنّ الأرزاق لم تقسم فيها على قدر الأخطار. قال أبو سنان الغسّاني: كنت جالساً مع وهب بن منبّه إذ جاء عطاءٌ الخراساني فجلس معنا، فقال له وهب: ويحك يا عطاء، تأتي من يغلق عليك بابه، ويظهر لك فقره، ويواري عنك غناه، وتدع من يفتح لك بابه، ويظهر لك غناه ويقول: ادعوني استجب لكم؟! ويحك يا عطاء، إن كان يغنيك ما يكفيك فإنّ أدنى ما فيها يغنيك ما يكفيك فإنّ أدنى ما فيها يغنيك، وإن كان لا يغنيك ما يكفيك فليس فيها شيءٌ يغنيك. ويحك يا عطاء، إنّما بطنك بحرٌ من البحور، ووادٍ من الأودية لا يملأه إّلا التراب. قال وهب: وجدت في بعض الكتب: من استغنى بأموال الفقراء افتقر بها، وكلّ بيتٍ بني بقوت الضعفاء جعل آخره خراباً. قال وهب: بينما ركبٌ يسيرون إذ هتف بهم هاتف: الطويل

ألا إنّما الدّنيا مقيلٌ لرائحٍ ... قضى وطراً من حاجةٍ ثم هجّرا ألا لا ولا يدري على ما قدومه ... ألا كلّ ما قدّمت تلقى موفّرا قال وهب: وجدت في بعض الكتب: الدّنيا غنيمة الأكياس، وعطيّة الجهّال. قال وهب: قرأت في بعض الكتب: كلّ حيٍّ ميتٌ، وكلّ جديدٍ بالٍ. قال عروة بن رويم اللخمي: إنّ يهوديّاً يقال به حنين نخس بامرأةٍ مسلمةٍ حماراً فقمص فصرعها فوقعت فانكشفت، فكتب إلى عمر فكتب: ليس على هذا صالحناهم، قد خلع ربقة الذّمة من رقبته فاصلبوه حياً. فلمّا نصب على خشبةٍ أتته امرأته وعليه خفّان جديدان فقالت: الآن تموت فما تصنع بالخفّين؟ فاجترّتهما عنه فجعل الناس يقولون: انقلبت بخفّي حنين. ويعقوب بن السّكّيت قد قال غير هذا، ولكن قرأت هذا في أخبار المفجّع. وقال ثعلب: من قرأ " جمع مالاً " بالتخفيف جمعه مرةً واحدةً، ومن قرأ: " جمّع مالاً " جمعه مرةً بعد مرةً، ومن قرأ: " وعدّده " جعله عدّةً، ومن قرأ: " وعدده " أراد أهله وناصريه.

قيل لصوفيّ: ما مثال الدنيا؟ قال: هي أقلّ من أن يكون لها مثل. يقال: حفشت الأدوية إذا سالت كلّها، وحفشت المرأة على زوجها إذا أقامت عليه ولزمته، والحفش أيضاً: البيت القريب السّمك من الأرض. وقال: الأسلوب: السّطر من الشّجر. هذا كلّه قاله المفجّع. وأنشد: الوافر أتته وهي جانحةٌ يداها ... جنوح الهبرقيّ على الفعال والفعال بكسر الفاء: نصاب الفأس، وأما الفعال بالفتح فالكرم، هكذا قال الناس. قيل لناسكٍ: ما الحيلة؟ ترك الحيلة. وصف أعرابيٌّ قوماً فقال: كأنّ خدودهم ورق المصاحف، وكأنّ أعناقهم أباريق الفضّة، وكأنّ حواجبهم الأهلّة. قال أبو حازم الأعرج: الدّنيا غرّت أقواماً فعملوا فيها بغير

الحقّ، ففاجأهم الموت فخلّفوا مالهم لمن لا يحمدهم، صاروا إلى من لا يعذرهم، وقد خلفنا بعدهم، فينبغي أن ننظر إلى الذي كرهناه فنجتنبه، والذي غبطناهم به فنستعمله. كتب الجاحظ في الملح: المزح متفاوت الأشكال في السّخف، كما أنّ الجدّ متفاوت الأقدار في الوزن، فلم نقصد إلى الباطل، ولا إلى ما لا يردّ نفعاً في عاجل، ولا مرجوع له في آجل، بل إنّما أردنا أن يكون ذلك الضحك إجماماً للقوّة، وتنشيطاً على العمل، وقد حكى الله تعالى عن اليهود قولهم " يد الله مغلولةٌ " وإنّ الله فقيرٌ وهم أغنياء، فكانت الحكاية كفراً مسخوطاً، وكذباً مرفوضاً، ولست تعرف فضل النعمة عليك في حسن البيان حتى تعرف شدّة البليّة في قبح العيّ، ومتى سمعت التهكّم في القول، عرفت فضل النّعمة في الاقتصاد، ومن لم يعرف السّوء لم يجتنبه، ومن لم يعرف الإضاعة لم يعرف الحزم. وقيل لعمر: فلانٌ لا يعرف الشرّ قال: ذاك أجدر أن يقع فيه؛ قال النابغة: الطويل ولا يحسبون الشرّ لا شرّ بعده ... ولا يحسبون الشرّ ضربة لازب ولآخر: الطويل ولا يحسبون الشرّ حتى يصيبهم ... ولا يعرفون الخير إّلا تدبّرا وكانت العرب تقول: نعوذ بالله من الرأي الدّبريّ؛ وقال جثّامة بن

قيس: البسيط وقلّما يفجأ المكروه صاحبه ... حتى يرى لوجوه الشّرّ أسبابا كاتب: فكيف لي في دهرٍ قد درست فيه أعلام الكرم، وعفت معالم الخير، وانقطعت موادّ النّبل، وصار الشّرّ وسيلةً، والدناءة ذريعةً، واللؤم حزماً، والجود ضعفاً. قال أعرابيّ لصاحبٍ له: لست أقتضي الوفاء بكثرة الإلحاح فأثقل عليك، ولا أقابل الجفاء بترك العتاب فأغتنم القطيعة منك. قال أعرابيٌّ ليحيى بن خالد: لولا أنّك أمسكت من رمق المكارم لقامت عليها المآتم. قال أعرابي: من كان لأهله كهفاً انسدّ، وجبلاً انهدّ، ونجماً انقضّ، وعزاً تقوّض. كاتب: الحمد لله الذي أعقب العبرة بالحبرة، وأبدل التّرحة بالفرحة، ووصل المصيبة بالموهبة، وجبر الرزيّة بالعطيّة، وفي كتاب الله سلوةٌ من فقدان كلّ حبيب وإن لم تطب النفس به، وأنسٌ من كلّ فقيدٍ وإن عظمت اللّوعة به. كاتب: كتابي عن قلبٍ باخع، وطرفٍ دامع، وفؤادٍ لائع.

قيل: لم صار الأحدب أخبث الناس؟ قال: لأنه قرب فؤاده من دماغه، وقربت كبده من دماغه، فلمّا تقارب الأعضاء كان أخبث الناس. قال بعض الصّالحين: كنّا نستعين على حفظ العلم بحسن العمل. قال بعض الأطبّاء: اعلم أنك تأكل ما تستمري، وما لا تستمريه فهو يأكلك. نظر أعرابيٌّ إلى رجلاً يغسل يده فقال: أنقها فإنّها ريحانة وجهك. وقيل: أقلل طعامك، تحمد منامك. وقال أعرابيّ: ممّا يزيد في طيب الطعام مؤاكلة الكريم الودود. وأنشد لإسماعيل بن صالح بن علي الهاشمي: السريع يا من رماني الدّهر من فقده ... بفرقةٍ قد شتّتت شملي ذكرت أيام اجتماع الهوى ... وقرّةً للعين بالوصل ونحن في غرّة دهرٍ لنا ... نطالب الأيام بالذّجل فكدت أقضي من قضاء الهوى ... عليّ بعد العزّ بالذّلّ

وليس ذكري لك عن خاطر ... بل هو موصولٌ بلا فصل هذا البيت المعنى، وله كتبنا ما تقدّمه، فلا تضجرنّ من الشّعر، فلم نحبّ أن ينوب عنه النّثر، وإن راع ظاهره وحسن. سمع أعرابيٌّ في الطّواف يقول: يا أنيس المفردين، حططت رحلي بفنائك، وأنفذت زادي في لقائك، واستسلمت لقضائك، فما الذي يكون من جزائك؟ اجعل حظّي من وفادتي عتق رقبتي من النّار. قال الأوزاعي: دع لأهل البصرة خصلتين وهما: القول بالقدر، والرّخصة بالخضخضة، واللتان لأهل الكوفة: تأخير السّحور، وشرب النبيذ، ولأهل مكة خصلتين وهما: الظّرف والمتعة، لأهل المدينة: السماع وإتيان النساء في أدبارهن، واللتان لأهل الشام: إيثار السلطان وبغض بني هاشم. يقال: من أخذ باختلاف الفقهاء في الأحكام فسق، ومن أخذ بغرائب المحدّثين كذّب، ومن أخذ بدقائق المتكلمين كفر. قال الحسن البصري: أربعٌ قواصم للظهر: إمامٌ تطيعه ويضلّك، وزوجةٌ تأمنها وتخونك، وجارٌ إن علم خيراً ستره أو شرّاً نشره، وفقرٌ حاضرٌ لا يجد صاحبه عنه متلدّداً.

سأل أعرابيٌّ الحكم بن عبد المطّلب فأوسعه خيراً، فبكى الأعرابي فقال: ما يبكيك؟ قال: إنّي والله أنفس بك على الأرض أن تأكلك. قال أبو بكر الصدّيق: أشقى الناس في الدنيا الملوك، فتغامز القوم فقال: أما علمتم أنّ الملك إذا ملك قصر أجله، ووكّلت به الروعة والحزن، وكثر في عينه قليل ما في يد غيره، وقلّ في نفسه كثير ما عنده. قال إسحاق: وصف أعرابيٌّ رجلاً فقال: كان والله مطلول المحادثة، ينبذ الكلام إليك على أدراجه كأنّ في كلّ ركنٍ من أركانه قلباً. مطلول: من الطّلّ. قال الفرّاء في النّوادر: أنشدني أبو صدقة الزّهري لفلان: الكامل إنّي عجبت لكاعبٍ مردونةٍ ... أطرافها بالحلي والحنّاء بيضاء تصطاد القلوب وتستبي ... بالحسن قلب المسلم القرّاء قالت أزيدٌ أنت ما لك هكذا ... كالعبد مطليّاً بأيّ طلاء كالقار لونك أو طليت برامكٍ ... أو مسّ جلدك هانئٌ بهناء لا تعجبي منّي فدىً لك واسمعي ... أخبرك ما ينأى من الأنباء أخبرك أنّ وضاءتي في ميعتي ... وغرارتي في عدّةٍ ونماء

إنّ الجميل يكون وهو مقصّرٌ ... والقوم فيما تمّ غير سواء والمرء يلحقه بفتيان النّدى ... خلق الكريم وليس بالوضّاء الوضّاء والحسّان والكرّام والكبّار، من الوضيء والحسن والكريم والكبير. قال ثعلب: اشتكى الوليد عبد الملك وبلغه قوارص وتعريضٌ من سليمان بن عبد الملك وتمنّ لموته لما له من لعهد بعده، فكتب إليه يعتب عليه وفي آخر كتابه: الطويل تمنّى رجالٌ أن أموت وإن أمت ... فتلك طريقٌ لست فيها بأوحد وقد علموا لو ينفع العلم عندهم ... لئن متّ الدّاعي عليّ بمخلد منيّته تجري لوقتٍ وحتفه ... سيلحقه يوماً على غير موعد فقل للذي يبقى خلاف الذي مضى ... تهيّأ لأخرى مثلها فكأن قد فكتب إليه سليمان: قد فهمت ما كتب به أمير المؤمنين، فوالله لئن تمنّيت ذلك، تأميلاً لما يخطر في النفس، إنّي لأوّل لاحقٍ به، وأول منعيّ إلى أهله، فعلام أتمنّى ما لا يلبث من تمنّاه إّلا ريثما يحلّ السّفر بمنزلٍ ثمّ يظعنون عنه؟ وقد بلغ أمير المؤمنين ما لم يظهر على لساني، ولم ير في وجهي، ومتى سمع من أهل النّميمة، ومن لا رويّة له، أسرع ذاك في فساد النيّات، والقطع بين ذوي الأرحام، وكتب في آخر كتابه: الطويل

ومن يتتبّع جاهداً كلّ عثرةٍ ... يصبها ولا يسلم له الدهر صاحب فكتب إليه الوليد: قد فهم أمير المؤمنين كتابك فما أحسن ما اعتذرت به، وحذوت عليه، وأنت الصّادق في المقال، الكامل في الفعال، وما شيءٌ أشبه بك من اعتذارك، وما شيءٌ أبعد منك من الشيء الذي قيل فيك، والسلام. 227ب - روى هذا ثعلب في المجالسات، وكان أبو بكر ابن مقسم يرويها، وسمعتها وهي تقرأ عليه اثنتين وخمسين، وعاش بعدها وكان شيخاً مكفوفاً حين لحقته، ولم أر شيخاً أوطأ منه ولا أهدأ، وله قراءاتٌ اختارها وأنكر الناس عليه ذلك، وله ملحمةٌ، وأكثر الناس يقولون: ظلم في هذه القصّة كما ظلم ابن شنبوذ حين آذاه ابن مجاهد، وذلك أن ابن شنبوذ وابن مقسم لم يقرأا ما قرأا بالأثر والحجّة والرّواية، ولم يخترعا ولم يختلقا، ولم ينزل الله تعالى اختيار ابن مجاهد من السماء، وإنّما اجتهد كما اجتهد من تقدّم، فليت شعري ما الذي هاجه على محاربة ابن شنبوذ حين قرأ " إن تعذّبهم فإنّهم عبادك وإن تغفر لهم فإنّك أنت الغفور الرحيم " مكان: العزيز

الحكيم، وحين قرأ ابن مقسم في وصف فرعون " إنّه كان من الغالين " بالغين معجمةً وقال: لا أصفه بالعلّو بل الغلّو، لأنّ الله تعالى قد نهى عن الغلّو في قوله " لا تغلوا في دينكم "، وهذا النّهي وإن توجّه إلى أهل الكتاب فإنّ المعنى فيه يعمّ الخلق، لأنّ العلّة قائمةٌ والحجّ بينة. ولابن مقسم في القرآن كتاب يسميه الأنوار يقدّم على كتب كثيرة. 227ج - أما أنا فلم أر في القرآن كتاباً أبعد مرمىً، ولا أشرف معاني من كتابٍ لأبي زيد البلخي، وكان فاضلاً يذهب في رأي الفلاسفة، ولكنّه تكلّم في القرآن بكلامٍ دقيق لطيف، وأخرج سرائر ودقائق وسمّاه نظم القرآن، ولم يأت على جميع المعاني المطلوبة منه. وللكعبيّ أبي القاسم كتابٌ في التفسير يزيد حجمه على كتاب أبي زيد، ومات أبو زيد في سنّي نيّف وثلاثين وثلاثمائة، ويقال له جاحظ خراسان. لمّا ظهر أحمد بن سهلٍ أراده على الوزارة فأبى، فوزّر أبو القاسم، وكتب أبو زيد، وهلك أحمد عن عمرٍ قصير. قال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: إذا كانت في رجلٍ خلةٌ من خلال الخير غفر له ما سواها لها، ولا أعطي فقد دينٍ ولا عقل، لأنّ فقد

الدين خوفٌ، ولا عيش لخائفٍ، وفقد العقل موتٌ، ولا يعايش ميت. هذا رواه لي بعض المجوس لبزرجمهر، ورواه لي بعض العلويّة لجدّه، ورواه لي آخر مرسلاً، والله أعلم وأحكم بالصواب، فالحكمة نسبتها فيها، وأبوها نفسها، وحجّتها معها، وإسنادها متنها، لا تفتقر إلى غيرها ويفتقر إليها، ولا تستعين بشيءٍ ويستعان بها؛ نسأل الله البرّ الكريم الرؤوف بالعباد أن لا يجعل حظّنا منها القول دون الفعل، والهداية دون الاهتداء. سئل عليّ بن الحسين رضي الله عنهما: لم أوتم النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم من أبويه؟ قال: لئلاّ يوجب عليه حقٌّ لمخلوق. هذا معنىً لطيف، وأظنّ أنّه يحتاج إلى تفسير. وقال موسى بن جعفر رضوان الله عليهما: ظنّي بالله حسن، وبالنبيّ المؤتمن، وبالوصيّ ذي المنن، وبالحسين والحسن. وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله::أكّالون للسّحت ": هو الرجل يقضي لأخيه الحاجة ثم يقبل هديّته. وقيل عن عليٍّ رضي الله عنه في قوله جلّ ثناؤه: " وفار التّنّور "، هو: أسفر الصبح. وهذا غريبٌ جداً وما أحبّ أن أثق بكلّ غريبٍ، لأنّ القصّة في التنّور أظهر من أن يحمل اللفظ على المجاز بغير حجةّ، ويعدل عن المعنى الظاهر بغير بيان، ولو جاز لشنع القول وشاع الظنّ. يقال: ما العثم، والعتم، والعجم، والعذم، والكظم، والعلم، والكتم، والعظم، والقصم، والرّقم، والوقم، والوسم، والوشم، والهتم، والطّعم، والرّشم، والغشم.

ويقال: ما الحقّ، والزّقّ، والدقّ، والرّقّ، والشّقّ، والعقّ، والنّقّ. ويقال: ما الشّطّ، والبطّ، والخطّ، والحطّ، والغطّ، والقطّ، والعطّ، والمطّ، والأطّ. نصل هذه الأحرف بالجواب قبل أن نتعرض فيها إلى ما يشغل عنها، ويبعد منها: أما العثم ففساد الجرح؛ وأما العتم - بالتاء - فهو البطء، ويقال: جاءنا عاتماً، ومنه اشتقّت العتمة؛ وأما العجم فهو العضّ - بسكون الجيم - وأما العجم فالنّوى، والعجم: ضدّ العرب، وأعجمت الكتاب - بالألف - وعجمت الكتااب إذا رزته، والعجمة: سوء الفهم؛ العذم: التّوسّع في الأكل؛ وأما الكظم فحبس النّفس عند الغيظ؛ وأمّا العلم فمصدر علمت الشيء بالعلامة وعلمت، وأمّا المعلم - بكسر اللام - فالفرس ذو العلامة، وأمّا العلم فهو سمة الشيء وعلامته، ولا يكون علماً إّلا بالإضافة إلى النّفس العالمة، والعالم هو الذي قد علم أي صار ذا علامةٍ بالحقّ، وأعلمت فلاناً خبراً كأنّك وسمته بالعلامة؛ والكلام في هذا النّمط يطول، وعن غرض الكتاب يخرج؛ وأما الكتم فمصدر كتمه، والكتمان الاسم، والكتم - بحركة التاء - ما يخصب به الشّعر، وذلك لأنّه يكتم البياض؛ وأما العظم فمعروف، وسمعت من يقول: إنّ العظم في الشيء العظيم يشار به إلى هذا، والكالم بعضه دائرٌ إلى بعض؛ وأمّا الرقم فالعلامة، والرّقيم: المرقوم، والرّقوم جمع رقيم، وهي العلامات على الثّياب وغيرها، وفي الأمثال: فلانٌ يرقم على الماء، يشار به إلى

حذقه وتلطّفه وسحره واحتياله؛ وأما الوقم فمصدر وقمت عدوّك إذا ذلّلته، والأمر منه: قم يا هذا، كقولك في وجم إذا طرقته كآبةٌ: جم يا هذا، وبابه باب وعد يعد، ووصف يصف، لأنّ الواو فاتحة هذه الألفاظ فهي تزول في الأمر لضعفها، والعدوّ موقومٌ كما ترى، وأنت الواقم؛ وأمّا الوسم فالعلامة، تقول: سم يا هذا ناقتك، والسّمة: الاسم، والسّمة والسّم أيضاً - بالتخفيف - علامة، لأنّ عين الشيء توجد عاريةً من الدائر عليه المشار إليه؛ وأمّا الوشم فالغرز في الكف، وفي الخبر: لعن الله الواشمة والمستوشمة؛ وأما الهتم فمصدر هتمت فاه أي كسرته، والأهتم: الرجل، والفاعل هتمٌ، والمفعول مهتومٌ؛ وأمّا الطّعم فما يوجد في اللهوات من المآكل، وبضم الطاء هو المطعوم، وتقول: فلانٌ طيّب الطّعمة، وفلانٌ خبيث الطّعمة تريد الحلال والحرام، وإن أردت غير ذلك جاز مجازاً؛ وأمّأ الرّشم فإنّك تقول: رشمت كذا وكذا إذا جعلت عليه علامةً، وسمعت بدوياً يقول لآخر: والله لأرشمنّك بأنيابٍ، أي لأهجونّك، هكذا دلّ كلامه لأن صاحبه طالبنا بخفارةٍ فنهاه هذا القائل فلم ينته فتوعّدنا؛ وأمّا الغشم فالظّلم، والغاشم الفاعل. ونقول في بابٍ آخر على اختصار، فإنّ الكلام مترادّ، والملل معترضٌ، والشهوة في طلب العلم فريضةٌ، والعائق قائمٌ. يقال: ما الحقّ: هذا الاسم شهرته يغني عن الإفصاح، وسيمرّ في نظائره أوضح ممّا يمرّ ها هنا إن شاء الله؛ وأما الزّقّ فمصدر زقّه يزقّه زقّاً، والزّق لأنّه كان مزقوماً، وكذلك الزّقاق، وأما الزّقاق فجمعٌ؛ وأما الدّقّ فمشهورٌ؛ وأما الرّقّ فما يكتب فيه، والرّقّ أيضاً: ذكر السلاحف، والرّقّ - بالكسر -: خلاف العتق؛ والشّقّ: مصدر شققت

الثوب والطريق والعود، وأشققت أيضاً، وأما الشّقّ: فنصب النّفس والبدن، ومنه قوله تعالى: " لم يكونوا بالغيه إّلا بشقّ الأنفس " ويقال: المال بيني وبينك شقّ الأبلمة " ومن يشاقق الله " من هذا، ويقال: في رجله شقوقٌ، ولا يقال: شقاق، والشّقائق والشّقاق معروفان، والشّقّة الطريق الذي يشقّ على سالكه لبعده؛ وأمّا العقّ: فالشّقّ أيضاً وهو كا لقطع ولهذا يقال عق فلان أمة أي شق رحمها. والعقيقة: شعرات رأس الوليد؛ وأمّا النّقّ فمصدر نقّ الضفدع إذا صاح، وفي الخبر: إن نقيقهنّ تسبيحٌ. ونصل الكلام بما تلاه من هذه الحروف ثمّ نخرج إلأى ما جرى الرّسم به من النّثر والنّظم، فيوشك أن يكون هذا التطويل جالياّ لضيق الصّدر ومانعاً لاستعمال العلم: وأمّا الشّطّ فحرف الوادي، وهو أيضاً شقّ السّنام، ولكلّ سنامٍ شطّان كأنهما ناحيتان، وكذلك حرف الوادي. وأمّا البطّ فالوزّ، وهو أيضاً شقّ القرحة، والقرحة مبطوطةٌ؛ وإمّا الخطّ فما يخطّ الكاتب، والفرق بين الكتابة والخطّ أنّ الخطّ قد يكون كتابةٍ، والكتابة لا تكون خطّاً. وأمّا الحطّ: فمصدر حطّ السّعر وانحطّ: إذا نزل، خلاف قولك: غلا، والسّعر سمّي سعراً للحرارة، ألا ترى أن السّعر - بفتح السين - مصدر سعرت النار إذا أضرمتها، قال الله تعالى: " وإذا الجحيم سعّرت " وفلانٌ مسعر حربٍ أي تهيج به الحرب، والمستعار: ما تحرّك به النار، كالمحراث؛ وأمّا الغطّ فمصدر غططته في الماء، وغتتّه أيضاً - بالطاء والتاء - وأنت غاطّ وغات، وهو مغتوتٌ ومغطوطٌ؛ وأمّا القطّ فالضرب، ومنه قول ابن عائشة: كانت ضربات عليٍّ أبكاراً، كان إذا اعتلى قدّ، وإذا اعترض قطّ، والقطّ - بالكسر - الكتاب، هكذا قيل في قول الله تعالى: " عجّل لنا قطّنا "؛ وأمّا العطّ فالشّقّ، يقال: أديم معطوط، ورداءٌ معطوط، وأمّا

المطّ فالمدّ؛ وأما الأطّ فمصدر أطّ يئطّ: إذا تحرّك أو صاح، ومنه: أطّت بك الرّحم. نظر رجلٌ دميمٌ في المرآة فولّى وجهه وقال: الحمد لله الذي لا يحمد على المكروه غيره. توفي ابنٌ لأعرابيّ فعزّاه بعض إخوانه فقال: لا يتهم الله في قضائه، فقال: والله ما يتّهم غيره، ولا ذهب بابني سواه. عري أعرابيٌّ فطلب خلقاناً فحرم، فتماوت، فجمعوا له ما اشتروا به كفناً، ووضعوه عند رأسه، وذهبوا ليسخّنوا الماء، فوثب الأعرابيّ وأخذ الثّياب ولم يلحق. شكا مزبّدٌ ضيق حاله يوماً فقال له صاحبه: أحمد الله الذي رفع السماء بالا عمد، فقال: ليته أصلح حالي وجعل على كلّ ذراعٍ عدّة أعمدة. قال بعض الصّوفيّة: إذا كنت تحبّ الله وهو يبتليك فاعلم أنّه سيعافيك. يعرض من هذا المعنى عجبٌ عاجب، فلولا أنّ الله تعالى يفعل ما يفعل من وراء عقل العاقل، وفوق معرفة العارف، لكان البال يتقسّم من هذا وشبهه، ولكان من أنعم النظر علم أنّ الله تعالى أوضح ما أوضح تسويغاً إلى الاعتراف به، وستر ما ستر استئثاراً بحقائقه، فالعقول بآثاره مشوقة، وعن حقائق

الغايات معوقة، فمن أهمل ما ظهر فقد جهل الممكن، ومن بحث عمّا بطن فقد حاول الممتنع، أخبرك مكنون غيبه فيك، وخبرك في ظاهر إعلامه لك، فكان الإخبار لمكان الإلهيّة، وكان الإعلام لمكان العبوديّة، فلا تدع عبوديّةً هي قائمةٌ بك ومنطويةٌ فيك، لإلاهيةٍ غائبةٍ عنك عاليةٍ عليك، فاستقين أنّك مطلق الظاهر، مأسور الباطن، مخيّر العلانية، مملوك السّرّ، ولو تمكّنت كلّ التّمكّن كنت غنيّاً بنفسك، مستقلاًّ بشأنك، ولو حصرت كلّ الحصر كنت غير مخاطب ولا مطالب، وإن أفنيت حالك بين اختيارٍ ظهر لك، واضطرارٍ بطن فيك. ثمّ قوّم اختيارك بالاحتجاج عليك، ورفع اضطرارك بالجهل عنك، وصرت ترى إساءتك فتندم، وتشهد حسنتك فتفرح، ولو جبرنا بالجبر ما وجدت ندامةٍ ولا فرحاً، ولو تمنّينا بالاختيار ما سألت التوفيق، فهو أمرٌ مسندٌ إلى الله تعالى لعلمه الغائب عنك. وقوّم - أيّدك الله - توحيدك، وصحّح عقيدتك، وصفّ فؤادك، وزكّ عملك، واثبت لربّك على قدم الصّدق، واستقص حسابك على نفسك، فإنّ من تعرضه عليه لصيرٌ بك، ومتى رأى استقصاءك أغضى، ومتى رأى إغفالك ناقش. لأشجع: الطويل فإن تك قد صدّت فخيرٌ من النّوى ... على كلّ حالٍ هجرها وصدودها فكن حيث كانت من بلادٍ فإنّه ... عسى بعد يأسٍ أن ينالك جودها تقرّب ما تهوى بحسن عداتها ... ويأبى علينا ليّها وجحودها وأطيب ريقٍ ريقها بعد هجعةٍ ... وأحسن شيءٍ مقلتاها وجيدها قال ثعلب: العرب تقول: رأيت حدائق وجناناً كأنّها حدائق

نخل، ورأيت جمعاً كأنّه سدّ ليل، ورأيت بارق سيوفٍ في أيدي قومٍ كأنّه بارق غيم، ورأيت بكرةً كأنّها فتاة، ورأيت فتاةً كأنّها جمّارة، ورأيت رجلاً تحته بكرٌ لا قحٌ كالعقرب، ورأيت جراداً كأنّه أعصاب العجاج، ولفيفاً من الناس مثل السّيل والليل، ومررنا على إبل فلانٍ وكأنّ أسنمتها الصّوامع والهوادج، ورأيت رجلاً كأنّه رمحٌ ردينيٌّ، وكأنّه الشّطن تاماً طويلاً، ورأيت سيفاً كأنّه شهاب، وكأنّه مقباس؛ ويقال: سيفٌ كأنّه العقيقة أي البرق - وكلّ منشقٍّ منعقٌّ - ورأيت درعاً كالنّهي، وكحباب الماء؛ هذا كلّه قاله ثعلب في المجالسات. أنشد الزّبير: البسيط اصبر فكلّ فتىً لا بدّ مخترم ... والموت أيسر ممّا أمّلت جشم والموت أيسر من إعطاء منقصةٍ ... من لم يمت عبطةً فالغاية الهرم أنشد ثعلب: الرمل بينما النّاس على عليائها ... إذ هووا في هوّةٍ منها فغاروا إنّما نعمة قومٍ متعةٌ ... وحياة المرء ثوبٌ مستعار وقال في قوله تعالى: " ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلالٌ وهذا حرامٌ "، قال: إذا قال الكذب ردّه على الألسنة، والكذب مفعول به، قال: وقرئ الكذب ردّه على ما قال.

قال ابن الأعرابيّ: لمّا وجه يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة المرّيّ لاستباحة أهل المدينة ضمّ عليّ بن الحسن رضوان الله عليهما إلى نفسه أربعمائة امرأة يعولهنّ إلى أن انقرض جيش مسلم بن عقبة، فقالت امرأةٌ من قريش: ما عشت واله بين أبويّ بمثل ذلك التتريف. قال: ويقال: شعرٌ حجنٌ، معقّفٌ بعضه على بعض. قال ثعلب، قال عمرو بن عبيد عن الحسن أنه قال: أخرجوا نهدكم فإنّه أعظم للبركة، وأحسن لأخلاقكم. وقال: العرب تقول: هات نهدك بكسر النون. وقال " طرائق قدداً "، الطرائق: السادة، والقدد: المتفرّقون. وقال: العبدة: الجلد، يقال: ثوبٌ ذو عبدةٍ إذا كان قوياً جلداً.

قال: ويقال: عنّي عن الأمر إذا منع منه. قال: وقال الزّبير: أنشدني سليمان بن داود المجمعي لعمر بن مدبر العجلاني يرثي عبد العزيز بن مروان وأبا زبّان الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان: الطويل أبعدك يا عبد العزيز بحاجةٍ ... وبعد أبي زبّان يستعتب الدّهر فلا صلحت مصرٌ لخلقٍ سواكما ... ولا سقيت بالنّيل بعدكما مصر وأصبح مجراه من الأرض يابساً ... يموت به العصفور وانجدب القطر فمن ذا الذي يبني المكارم والعلى ... ومن ذا الذي يهدى له بعدك الشّعر وبعدك لا يرجى وليدٌ لنفعه ... وبعدك لا ترجى عوانٌ ولا بكر وأصبحت الزوّار بعدك أمحلوا ... وأكدى بغاة الخير وانقطع السّفر وكنت حليف العرف والمجد والنّدى ... فمتن جميعاً حين غيّبك القبر قال ثعلب: أنشدني عبد الله بن شبيب قال، أنشدني محمد بن الحسن العقيليّ: البسيط ما استضحك الحسن إّلا من نواحيك ... ولا اغتدى الطّيب إلا من تراقيك

عن مقلتيك رأينا الحسن مبتسماً ... دهراً كما ابتسم المرجان من فيك يا بهجة الشّمس ردّي غير صاغرةٍ ... عليّ قلباً ثوى رهناً بحبيّك ما استحسنت مقلتي شيئاً فأعجبها ... إّلا رأيت الذي استحسنته فيك إذ منك يبتسم الإقبال عن غصنٍ ... لدنٍ ويضحك عن دعصٍ تولّيك وقال: بيوت العرب ستةٌ: قبّةٌ من أدم، ومظلّةٌ من شعر، وخباءٌ من صوف، وبجادٌ من وبر، وخيمةٌ من شجر، وأقنةٌ من حجر. قيل لأعرابيّ: أيّ شيءٍ ألذّ في العين؟ قال: نظرةٌ على خطرة، قيل: فأيّ شيء أحلى في القلب؟ قال: كسر الجفون، ومراسلة العيون. قال سفيان بن عيينة: أكبر الكبائر الشّرك بالله تعالى، والقنوط من رحمة الله عزّ وجلّ، واليأس ن روح الله عزّ ذكره، والأمان من مكر الله جلّ ثناؤه، ثم قرأ: " فلا يأمن مكر الله إّلا القوم الخاسرون " " ومن يشرك بالله فقد حرّم الله عليه الجنّة " " ولا ييأس من روح الله إّلا القوم الكافرون " " ومن يقنط من رحمة ربّه إّلا الضّالّون ". وقال: ثنتان منجيتان، وثنتان مهلكتان؛ فالمنجيتان النّهي والنّيّة، قال: والنّيّة أن تنوي أن تطيع الله فيما تستقبل، والنّهي أن تنهى نفسك عمّا حرّم الله عليك؛ والمهلكتان: العجب والقنوط.

سئل سفيان بن عيينة: هل حرّمت الصّدقة على أحدٍ من الأنبياء قبل محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم وقبل عترته الطّاهرة؟ قال: ألم تسمع قول إخوة يوسف: " وتصدق علينا إنّ الله يجزي المتصدّقين " وهم لا يعرفون يوسف، يريدون أن يتصدّق عليهم وعلى يعقوب. سئل سفيان بن عيينة عن الكراهية لرفع الصوت وكثرة الكلام عند الميت وفي الجنازة قال: لأنه الحشر إلى الآخرة، ألم تسمع قوله: " يومئذ يتّبعون الدّاعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إّلا همساً " فلتعظيم الموت استحبّ قلّة الكلام. وسئل عن قوله صلّى الله عليه: " لا يضرّ المدح من عرف نفسه "، قال: ألم تسمع قوله " اجعلني على خزائن الأرض إنّي حفيظٌ عليمٌ "، وقول العبد الصالح: " إنّي لكم رسولٌ أمينٌ "، أي لكم ناصحٌ أمين، فمن عرف أنّ ما به من نعمةٍ فمن الله تعالى فال بأس " وأمّا بنعمة ربّك فحدّث "، وإن أثنى عليه غيره عرفت أنّ ذلك ستر الله تعالى ونعمته، ألم تسمع قول الله تعالى: " وجعلنا لهم لسان صدقٍ عليّاً "، وكان محمدٌ صلّى الله عليه لسانه الذي أنطقه الله تعالى عنه، فأكذب من قال فيه غير الحقّ: " إنّ إبراهيم كان أمّةً قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين "، وقال: " ما كان إبراهيم يهوديّاً ولا نصرانياً "، فهذا اللسان الصّدوق. وقال ابن مسعود: إنّي لأعلمكم بكتاب الله تعالى وما أنا بخيركم؛ وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: إنّ بين جنبيّ علماً جماً فسلوني قبل أن تفقدوني. فمن عرف أنّ الأمر من الله تعالى لم يضّره المدح، لأنّه قد عرف نفسه، ولا يضرّ ثناءٌ من أثنى عليه كقول عمر: اغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني خيراً ممّا يظنّون.

هذا الكلام لأبي بكرٍ وقد رواه لعمر، والله أعلم بحقيقة الخبر. سئل سفيان بن عيينة عن قول مطّرفٍ: فإذا بدء الأمر من الله، وتمامه بالله، وملاكه الدعاء، قال: ألم تسمع قوله تعالى: " ألا له الخلق والأمر تبارك الله ربّ العالمين، ادعوا ربّكم تضّرعاً وخفيةً ". يقال: ما الكبر، والجبر، والنّبر، والدّبر، والسّبر، والشّبر، والغبر، والعبر، والسّدر، والهتر، والغمر، والزّبر. قال عبد الله بن جعفر: عيسى بن دأبٍ يكنى أبا الوليد، وكان من رواة الأخبار والأشعار، وكان معلّماً، وكان من علماء الحجاز. قال أبو عبيدة: أنشد ابن دأب: الهزج وهم من ولدوا أشبوا ... بسرّ الحسب المحض فبلغ أبا عمر بن العلاء فقال: أخطأت استه الحفرة، إنما هو أشبوا أي كفوا، أما سمع قول الشاعر: الهزج وذو الرّمحين أشباك ... من القوّة والحزم لأبي غانم: الطويل

أبا غانمٍ أمّا ذراك فواسعٌ ... وقبرك معمور الجوانب محكم وهل ينفع المقبور عمران قبره ... إذا كان فيه جسمه يتهدم للعتبي: البسيط أين الشباب الذي كنّا تلذّ به ... هيهات مات ومات الغصن والورق وله: الخفيف أنا في عصبةٍ بهائم نوكى ... ما تساوي عقولهم شسع نعلي وله: البسيط وصاحب لي أبنيه ويهدمني ... لا يستوي هادمٌ يوماً وبنّاء إذا رآني فعبدٌ خاف معتبةً ... وإن نأيت فثمّ الغمر والدّاء لا يقطع العين منه عن ملاحظةٍ ... كأنّها لاستراق الطّرف حولاء قال يعقوب: يقال: كيف سيماؤهم - محرّك ومخفّف - أي كيف هيئتهم. ويقال: ريح الغصن يراح فهو مروحٌ إذا صفقته الريح. لمّا اضطرّ كسرى أبرويز إلى الهرب من بين يدي بهرام شوبين اتبعه بالخيل، فجعل يقول بأعلى صوته: يا عجباً للدّهر الفاسد المنكر كيف تشتمل فضائحه حتى يصير العاقل جاهلاً، والبصير أعمى، والمحسن مسيئاً، والسّليم سقيماً، والبرّ فاجراً، والوفيّ غادراً، والشّكور كفوراً، والقاصد حائراً، والمنصور مخذولاً، والمهتدي ضالاً، والمتماسك مهتوكاً.

269 - قد تعجّب كسرى من متعجّب منه، فإنّه لو اندفع الخطباء البرعة، وأصحاب اللّسن دهرهم الأطول في القول والتّعجّب ما بلغوا شطر ما عليه حال الدّهر، وإنّي لشريك كلّ متعجّبٍ منه. وأزيد شيئاً: وذلك أنّ تعجّبي من الراكن إلى الدّنيا، والحالم بها، والنائم تحت أفيائها، والمنغمس في بحرها، والطّالب لما منع منها أشدّ جداً، وما أخلق العاقل المتصفّح أن يهجر اللؤم واللّئيم والدّنيا اللئيمة، فطلبها لؤمٌ، ولم يطلبها إّلا من هو ألأم منها، وإّلا فحدّثني لمن وفت، ولمن صفت، وعلى من بقّت، وإلى من أحسنت؟ هيهات، من ذا الذي لبس وشيها فلم يبطر، ومن ذا الذي ثمل من خمرها فلم يسكر، ومن ذا الذي حمي عنها فلم يضجر، ومن ذا الذي نظر إلى زخرفها فلم يغترّ، ومن ذا الذي سمع غناءها ولم يرقص، ومن ذا الذي تمّ عليها وبها فلم ينقص، ومن ذا الذي ربح فيها فلم يخسر؟ قال يعقوب: قد ريّث فلانٌ نظره يريّثه ترييثاً؛ نظر العتّابيّ إلى رجلٍ من أصحاب الكسائي فقال: إنّه ليريّث النّظر. وقد رنّق النّظر، وأصله من ترنيق الطّير إذا جعلت ترفرف ولا تسقط. قال يعقوب: انتضى سيفه، وانتضله، وامتشقه، وامتشله، واخترطه، وامتلخه، وقربت السّيف: جعلته في القراب، وهو الجربّان، وتخفّف: الجربان. ولأقيمن أودك ودرأك وجنفك. وفلانٌ يتبرّض ما عند فلانٍ أي يأخذ من القليل بعد القليل، ويقال: برضت له أبرض برضاً، ونضضت له أنضَّ، أصله من البئر النّضوض والبروض، وهي التي يأتي ماؤها قليلاً قليلاً. ويقال: ذلاذل الثّوب: أطرافه. ويقال: عجمته العواجم. ويقال: رجلٌ منجّدٌ - بالذال منقوطةً - ومجرّسٌ، ومقلّسٌ، ومنقّحٌ؛ هكذا قال. وفهمت ذلك في عروض كلامه، وفي فحوى كلامه - بالمدّ والضمّ.

ويقال: إنّ عليّ منه أوقاً أي ثقلاً، وقد آقني يؤوقني، قال الراجز: الرجز إليك حتى قلّدوك طوقها ... وحمّلوك عبئها وأوقها وقال بعض الأعراب لآخر: أنت ناخٍ وأنا راخٍ فهل من تواخٍ؟ نهى رسول الله صلّى الله عليه ان يصلّي وهو زناءٌ - مفتوح الزاي ممدود مخفّف - أي وهو حاقن. قرع رجلٌ باب أحد الأولين فقال لجاريته: أبصري من القارع، فأتت الباب فقالت: من ذا؟ قال: أنا صديقٌ لمولاك، قال الرجل: قولي له والله إنّك لصديق، فنهض الرجل وبيده سيفٌ وكيسٌ، يسوق جاريته، وفتح الباب فقال: ما شأنك؟ قال: راعني أمر، قال: لا يك ما ساءك، فإنّي قد قسمت أمرك بين نائبةْ فهذا المال، أو عدوٍّ فهذا السيف، أو أيّمٍ فهذه الجارية. قال فيلسوف: إنّ الشراب على طبائع الإنسان، وذلك أنّ

الطّافي كالزّبد هو الصّفراء، والرّاسب كالثّفل هو السّوداء، والقوام الدم، وما رطب فهو الرّطوبة. قال أعرابيٌّ لصاحبٍ له: أنت شرسٌ وأنا مرس، فكيف نلتبس؟ كان أفلاطون يعذل على تقديم أرسطاطاليس أيام اختلافه إليه واقتباسه منه مع تلامذته، فقال يوماً: إنّي لست أقدّمه ولكن نفسه قدّمته، وإن أردتم تصديق ذلك سألتكم الساعة عن مسألةٍ لتذاكروا فيها، فقالوا: سل، فقال: ما أعجب الأشياء؟ فقال بعضهم: السماء والكواكب، وقال: بعضهم: الأرزاق، وقال بعضهم: الإنسان، وحضر أرسطاطاليس فسأله فقال: أعجب الأشياء ما لم يعرف سببه. اشترى عليّ بن الجعد جاريةً بثلاثمائة دينار، فقال له ابن قادم النّحويّ: أيّ شيءٍ تصنع بهذه الجارية؟ فقال: لو كان هذا ممّا يجرّب على الإخوان لجرّبناه عليك. قال ثعلب، قال رجلٌ لابن قادم: أها هنا فرقٌ بين قام زيدٌ وعمروٌ جميعاً، وقام زيدٌ وعمروٌ معاً، فضجّ، فقلت: لم تضجّ، معاً يقع

القيام في حالةٍ، وجميعاً يكون معاً في وقتين. قدم محمد بن حسّان الضّبي على أبي المغيث الرّافقي فمدحه فوعده بثواب، فتأخّر عنه فكتب إليه ابن حسّان: البسيط عدّيت بالمطل وعداً راق مورقه ... حتّى لقد جفّ منه الماء والعود سقياً للفظك ما أحلى مخارجه ... لولا عقارب في أثنائه سود للعبّاس بن الأحنف: السريع أسأت إذ أحسنت ظنّي بكم ... والحزم سوء الظنّ بالناس يقلقني شوقي فآتيكم ... والقلب مملوءٌ من الياس قال الصّولي: كان عمران المؤدّب يجالس أبا سمير الكاتب مع ندمائه، فسقاهم يوماً نبيذاً جيّداً، فجعل أبو سمير يصف نبيذه ذلك، فقال له عمران: قد سقيتنا ألف زقٍّ خلاًّ ما نطقت بحرفٍ حتى كأنّك باقلٌ عيّاً، فلمّا غلطت يوماً بنبيذٍ جيّدٍ صرت ذا الرّمة مشبّباً بميّ، وجميلاً واصفاً بثنية، وكثيّراً مخبراً عن عزّة. لإسحاق: الطويل

سلامٌ على من ملّنا وتجافانا ... وأبدلنا بالودّ صرماً وهجرانا أليس مسيئاً من نسرّ بقربه ... ونذكره في كلّ حالٍ وينسانا فما حلّ في قلبي محلاًّ حللته ... سواك ولا أحببت حبّك إنسانا قال الزّبير بن بكّار: سعى إسحاق بن إبراهيم التّميميّ مع بعض الرؤساء مشيّعاً فقال: المتقارب فراقك مثل فراق الحياة ... وفقدك مثل افتقاد الدّيم عليك السلام فكم من وفاءٍ ... أفارق منك وكم من كرم للزّبير بن بكّار في قثم بن جعفر: الكامل لما رأيت أميرانا متجهّماً ... ودّعت عرصة داره بسلام ورفضت صفحته التي لم أرضها ... وأزلت عن رتب الدّناة مقامي ووجدت آبائي الذين تقدّموا ... سنّوا الإباء على الملوك أمامي قال عليّ بن ميثم: غضب يحيى بن خالد على بعض كتّابه، فكتب إليه الكاتب: إنّ لله تعالى قبلك تبعات، ولك قبله حاجات، فأسألك بالذي يهب لك التّبعات، ويقضي لك الحاجات، إّلا وهبت تبعتك قبلي؛ فرضي عنه. وقال يحيى بن خالد: ما رأينا العقل قطّ إّلا خادماً للجهل.

ليته فسّر وذكر الوجه والعلّة، وما أكثر ما يرسلون الكلام إرسال الآمن من التتبّع. قال ابن شهاب الزّهري: قدمت على عبد الملك بن مروان فقال لي: من أين قدمت يا زهريّ؟ قلت: من مكة، قال: فمن خلّفت يسودها؟ قلت عطاء بن أبي رباح، قال: أفمن العرب هو أم من الموالي؟ قلت: من الموالي، قال: فبم سادهم؟ قلت: بالديّانة، قال: إنّ أهل الديّانة والرّواية لينبغي أن يسودوا. قال: فمن يسود أهل اليمن؟ قلت: طاووس بن كيسان، قال: أفمن العرب هو أم من الموالي؟ قلت: من الموالي، قال: فبم سادهم؟ قلت: بما سادهم به عطاء، قال: فمن يسود أهل مصر؟ قلت: يزيد بن أبي حبيب، قال: أفمن العرب هو أم من الموالي؟ قلت: من الموالي، قال: فمن يسود أهل الشام؟ قلت: مكحول، قال: أمن العرب هو أم من الموالي؟ قلت: من الموالي، عبدٌ نوبيٌّ أعتقته امرأةٌ من هذيل، قال: فمن يسود أهل الجزيرة؟ قلت: ميمون بن مهران، قال: أمن العرب هو؟ قلت: بل من الموالي، قال: فمن يسود أهل خراسان؟ قلت: الضّحّاك بن مزاحم، قال: أفمن العرب هو؟ قلت: بل من الموالي، قال: فمن يسود أهل البصرة؟ قلت: الحسن البصري، قال: أفمن العرب هو؟ قلت: بل من الموالي، قال: ويلك فمن يسود أهل الكوفة؟ قلت: إبراهيم النّخعيّ، قال: أفمن العرب؟ قلت: من العرب، قال: ويلك فرّجت عنّي، والله ليسودنّ الموالي العرب حتى يخطب لها على المنابر والعرب تحتها، قال، قلت: يا أمير المؤمنين، إنّما هو دينٌ، من حفظه ساد، ومن ضيّعه سقط. لابن غريضٍ اليهودي: الكامل

إبلٌ تبوأ في مبارك ذلّةٍ ... إذ لا ذليل أذل من وادي القرى أحياؤهم عارٌ على موتاهم ... والميّتون شرار من تحت الثّرى وإذا تصاحبهم تصاحب خانةً ... ومتى تفارقهم تفارق عن قلى لا يفزعون إلى مخافة جارهم ... وإذا عوى ذئبٌ لصاحبه عوى إخوان صدقٍ ما رأوك بغبطةٍ ... فإذا افتقرت فقد هوى بك ما هوى هل في السّماء لصاعدٍ من مرتقىً ... أم هل لحتفٍ راصدٍ من متّقى وإذا رأيت معمّراً فلتعلمن ... أن سوف تعركه الخطوب فيبتلى لله درّك من سبيلٍ واضحٍ ... سيّان فيه من تصعلك واقتنى من يغلبوا يهلك ومن لا يغلبوا ... يلحق بأرض ثمود حتى لا يرى الفقر يزري بالفتى عن قومه ... والعين يغضبها الكريم على القذى والمال يبسط للّئيم لسانه ... حتّى يكون كأنّه شيءٌ يرى فارفع ضعفيك لا تصغّر ضعفه ... يوماً فتدركه العواقب قد نمى والمال جد بفضوله فلتعلمن ... أنّ الغنيّ يصير يوماً للثّرى وابسط يديك لسائليك ولا تكن ... كزّ الأنامل يقفعلّ عن النّدى إنّ الكريم إذا أردت وصاله ... لم تلف حبل إخائه رثّ القوى أرعى أمانته وأحفظ عهده ... جهدي فيأتي بعد ذلك ما أتى يجزيك أو يثني عليك وإنّ من ... أثنى عليك بما فعلت فقد جزى

قال أبو العيناء: سبّ إبراهيم بن رستم يوماً معاوية، فقال له رجل: لم لا تقول هذا بالكرخ؟ قال: ولم لا تصلّي أنت على محمد صلّى الله عليه وعلى آله بالقسطنطينية؟ أنشد أبو العالية لامرأةٍ من الخوارج: البسيط نجلتهم كسيوف الهيد أربعةً ... بيضاً مصاليت في الهيجاء كالأسد حتى إذا كملوا في السّنّ واتّسقوا ... أخنى على القوم ما أخنى على لبد لهفي عليهم فإنّي من تذكّرهم ... طويلة الحزن والإعوال والكمد لا أفتأ الدّهر أبكيهم بأربعةٍ ... ما اجترّت النّيب أو حنّت إلى ولد قال أبو العيناء، سمعت الأصمعي يقول: قال أبو العبّاس بن محمد: كنت بفلسطين فبنيت ظلّةً من قصبٍ فأورق، فأنشدني: الطويل ألم تعلما أنّ المصلّى مكانه ... وأنّ العقيق ذا الظّلال وذا البرد وأنّ به لو تعلمان أصائلاً ... وليلاً رقيقاً مثل حاشية البرد قال أبو العيناء: حدّثني دعبل قال: لقيت عمرو بن سعيد وأنا أريد الحجّ فقلت: هل من حاجةٍ؟ قال: نعم، لا تدع لي فإنّ دعاءك إغراء. للأعشى: البسيط وفتيةٍ كسيوف الهند قد علموا ... أن هالك كلّ من يحفى وينتعل رفع هالكٌ حين خفّف النون، وكذلك: لكن الله، ولكن

الشياطين. وإن الخفيفة تكون في معنى ما قال الله تعالى: " إن الكافرون إّلا في غرورٍ " أي الكافرون، وإنّ وهي مكسورةٌ لا تكون إّلا وفي خبرها اللام، يقولون: إن زيد لمنطلقٌ، ولا يقولونه بغير لامٍ مخافة أن تلتبس بالتي معناها ما، وقد زعموا أنّ بعضهم يقول: إن زيداً لمنطلقٌ يعملها على المعنى، وهي مثل قوله: " إن كلّ نفسٍ لمّا عليها حافظٌ " وما زائدةٌ بالتوكيد، واللام زائدةٌ بالتوكيد. قال الشّعبيّ: تعايش الناس زماناً بالدّين حتى ذهب الدّين، وتعايشوا بالمروءة حتى ذهبت المروءة، ثمّ تعايشوا بالحياء حتى ذهب الحياء، ثمّ تعايشوا بالرّغبة والرهبة، وسيتعايشون بالجهالة زماناً طويلاً. قيل لحكيم: صف لنا الدّنيا وأوجز، فقال: ضحكة مستعبر. قال عيسى بن مريم عليه السّلام: لو لم يعذّب الله تعالى على معصيته لكان ينبغي أن لا يعصى شكراً على نعمته. قال أحمد بن أبي الحواريّ: بلغني عن رباح القيسي أنّه كان له غلامٌ أسود لا ينام الليل، فقال له: لم لا تنام يا غلام؟ قال: إنّي إذا ذكرت الجنّة اشتدّ شوقي، وإذا ذكرت النار اشتدّ خوفي، وإذا ذكرت الموت طار النعاس عنّي يا مولاي، فمن كانت هذه حالته كيف يهنيه العيش في الدّنيا؟ فبكى رباح وقال: يا غلام، حقيقٌ على من كانت له هذه المعرفة أن لا يستعبد، اذهب فأنت حرٌّ، فبكى الغلام فقال: ما يبكيك؟ قال: يا مولاي، هذا العتق الأصغر فمن لي بالعتق الأكبر؟!

دعا أعرابيٌّ فقال: اللهمّ إنّي أرى من فضلك ما لم أسألك، فعلمت أنّ لديك من النّعم ما لا أعلمه، فصغرت قيمة مطلبي فيما عاينته، وقصّرت غاية أملي عمّا شاهدته. ودعا آخر فقال: اللهمّ ما أعرف معتمداً من الزيادة فأطلب، ولا أجد غنىً فأترك، فإن ألححت في سؤالك فلفاقتي إلى ما عندك، وإن قصّرت في دعائك فلما تعودت من إسدائك. دعا آخر فقال: اللهمّ حطني بأمانك، وأرخ عليّ سترك، ولا تصرف عنّي وجهك، ولا تسلّط عليّ من لا يخافك، ولا تولّني غيرك يا من يتولّى الصالحين. دعا آخر: سبحان من علا فقهر، وقدر فغفر، وسبحان من يحيي الموتى ويميت الأحياء، وهو على كلّ شيءٍ قدير. قال الأصمعي: سمعت أعرابياً يدعو ويقول: اللهمّ إنّ ذنوبي تخّوفني منك، وجودك يبشرني عنك، فأخرجني بالخوف من الخطايا، وأوصلني بجودك إلى العطايا، حتى أكون غداّ في القيامة عتيق كرمك، كما أنا في الدّنيا ربيب نعمك. كتب زاهدٌ إلى آخر: أمّا بعد فإنّك في دار تمهيد، وأمامك منزلان لا بدّ لك من سكنى أحدهما، ولم يأتك أمانٌ فتطمئنّ إليه، ولا براءةٌ فتقصّر، والسلام. كان بمدينة السّلام رجلٌ ذو يسار، فبينما هو في منزله وقد جلس

يأكل مع امرأته وبين يديه سكباجة وقد فاحت رائحتها، إذ دنا سائلٌ من الباب، وعساه كان ممّن امتحن بنكبةٍ بعد نعمةٍ فقال: أطعموني من فضل ما رزقكم الله تعالى، فقامت المرأة وغرفت من القدر، وأخذت رغيفين لتناوله، فلمّا رأى الزّوج ذلك حلف عليها أن لا تدفع له شيئاً، فمضى السائل خائباً حزيناً، واستوفى الرجل طعامه، وصعد السطح لبعض حوائجه فعثر بشيءٍ فسقط إلى الأرض فوقص ومات، وحازت المرأة ميراثه، وتصرّفت فيه، وضرب الدهر ضربانه. ثمّ إنّ السائل لما لقي من قبح الردّ وشدّة الشّهوة إلى ذلك الطّعام الذي شمّ رائحته عاد إلى منزله وأخذ مضرّبةً كان قد اشتراها، فأراد أن يفتقها ويغسلها ويبيعها فوجد فيها ألف دينار، فأخذها وغيّر حاله بها، ثمّ طلب امرأةُ يتزوج بها، فقالت له بعض الدّلاّلات: ها هنا امرأةٌ صالحةٌ وقد ورثت، فما تقول في مواصلتها؟ فأنعم، فسعت الدلاّلة بينهما حتى اتّفقا واجتمعا، فلما دخل بها تحدّثا يوماً، فقالت المرأة: ما أشدّ ما مضى على رأسك؟ فحدّثها بوقوفه على باب دار وامرأةٌ تأكل مع زوجها، فقالت المرأة: فاعلم أنّ هذه الدار هي تلك، وأنا المرأة، وأنّ زوجي صعد في ذلك اليوم السطح فسقط ومات، وقد أورثك الله تعالى داره وماله وزوجته، فسجد الرجل لله جلّ جلاله شكراً، وحدّث إخوانه فتعجّبوا. قاتل الأحنف مرّةً واشتدّ فقيل له: أين الحلم يا أبا بحر؟ فقال: ذاك عند عقد الحبى. ومرّ عمر على رماة غرضٍ، فسمع أحدهم يقول لصاحبه: أخطيت وأسئيت، فقال عمر: مه! فسوء اللحن أشدّ من سوء الرّماية.

وتضجّر عمر بن عبد العزيز من كلام رجلٍ حضره، فقال شرطيٌّ على رأسه للرجل: قم فقد أضجرت أمير المؤمنين، فقال عمر: أنت والله بتكذيبك أشدّ أذىً منه. وصف ابن سيّابة رجلاً فقال: فيه كياد مخنّث، وحسد نائحة، وشره قوّادة، ودلّ قابلة، وملق داية، وبخل كلب، وحرص نبّاش. قال خالد بن صفوان: من لم بين له سبب دائه، كثرت ألوان دوائه. سمعت أبا النّفيس الرياضي يقول: من كانت همّته أكله، كانت قيمته خراه. قال رجل من ولد عيسى بن موسى لشريك بن عبد الله حين عزل عن القضاء: يا أبا عبد الله، هل رأيت قاضياً عزل؟ قال: نعم، ووليّ عهدٍ خلع. قال جالينوس: ما دخل الزّمّان جوفاّ فاسداً إلا أصلحه، ولا دخل التّمر جوفاً صالحاً إلا أفسده. قال الحسن بن سهل: كان جالينوس ألثغ وكان مولعاً بالعنب، وكان بقراط أحدب وكان مولعاً بالتّين، وكان أفلاطون فقيراً وكان مولعاً باللّواط.

قيل لابن ماسويه: ما شرّ الطّعام؟ قال: طعامٌ بين شرايين، وشرّ الشراب شرابٌ بين طعامين. قدم أعرابيٌّ على ابنة عمّه يخطبها فتمنّعت عليه، فقال لها: عندي سرٌّ أفأقوله؟ قالت: قل، قال لها: هل لك في ابن عمٍّ كاسٍ من الحسب، عارٍ من النّشب، يتصلصل معك في إزارك، ويدخل الحمّام طرفي نهارك، يواصل بين ثلاثٍ في واحدٍ، فمتى عجز فأمرك بيدك، قالت: يا ابن عمّي، لا يسمعنّ هذا أحدٌ، وأنا أمتك. أراد ملكٌ سفراً فقال: لا يصحبني ضخمٌ جبان، ولا حسن الوجه لئيم، ولا صغير رغيب. رأى رجل الهلال فاستحسنه، فقال له رجل: وما يستحسن منه؟ فوالله إنّ فيه لخصالاً لو كانت إحداهنّ في الحمار لردّ بها، قال: وما هنّ؟ قال: يدخل الرّوازن، ويمنع من الدّبيب، ويدلّ على اللصوص، ويسخّن الماء، ويحرق الكتّان، ويورث الزّكام، ويحلّ الدّين، ويزهم اللحم. قال معاوية: إنّ عليّاً طلب الدّنيا بالدّين فجمعت عليه، وإنّي طلبت الدّنيا بالدنيا فنلتها. قال ابن عبّاس: هل لك في المناظرة فيما زعمت أنّك خصمت صاحبي فيه؟ قال: وما تصنع بمناظرتي؟ أشغب بك وتشغب بي، فيبقى في

قلبك ما لا ينفعك، وفي قلبي ما يضرّك؛ فسكت ابن عبّاس. سأل العتبيّ أعرابيّاً: ما بال العرب سمّت أولادها أسداً ونمراً وكلباً، وسمّت عبيدها مباركاً وسالماً؟ قال: لأنّها سمّت أولادها لأعدائها، وسمّت عبيدها لأنفسها. كاتب: بعثت بابني إليك مؤثراً لك به، فإنّي وإن كنت ولدته فنعمتك ربّته، وحياطتك كنفته، وسواءٌ عند الأحرار ربيب النّعم، وسليل الولادة. قال فيلسوف: المتأنّي في علاج الدّاء بعد ما عرف وجه علاجه كالمتأنّي في إطفاء النار وقد أخذت بحواشي ثيابه. قال أعرابي: لا يقوم عزّ الغضب بذلّ الاعتذار. لابن أبي الحقيق اليهودي: السريع لباب يا أخت بني مالكٍ ... لا تشتري العاجل بالآجل لباب هل لي عندكم نائلٌ ... وما يجدّ الوصل للواصل

لباب داويه ولا تقتلي ... قد فضّل الشّافي على القاتل إن تسألي خابر أكفائنا ... والعلم قد يلفى لدى السّائل ينبئك من كان بنا عالماً ... عنّا وما العالم كالجاهل أنّا إذا جارت دواعي الهوى ... واستمع المنصت للقائل واصطرع القوم بألبابهم ... بمنزل القاصد والمائل لا نجعل الباطل حقّاً ولا ... نلطّ دون الحقّ بالباطل نخاف أن تسفه أحلامنا ... فنحمل الذّم مع الحامل إنّا إذا نحكم في ديننا ... نرضى بحكم العادل الفاضل تعذلك النفس على ما مضى ... وما تسلّي لومة العاذل إنّ طلاب المرء ما قد مضى ... داءٌ كمثل السّقم الدّاخل وإنّ لوّا ليس شيئاً سوى........................... علّلتني منك بما لم أنل ... يا ربّما علّلت بالباطل أناجز في العام موعودكم ... أم هو منظورٌ إلى قابل قال الفضيل بن عياض لأصحابه: إذا قيل لأحدكم: أتخاف الله؟ فليسكت، فإنّه إذا قال: لا، جاء بأمرٍ عظيم، وإن قال نعم، فالخائف على خلاف ما هو عليه. قال بعض الزهّاد: من اكتسب فوق قوته فهو خازنٌ لغيره. يقال: من كانت له غلّةٌ يستغلها فإنّما يستغلّ عمره. قال الرشيد لابن السّمّاك: عظني، قال: احذر يا أمير المؤمنين أن تصير إلى جنّةٍ عرضها السّماوات والأرض، ولا يكون لك موضع قدم.

لما احتضر المنصور قال: يا ربيع بعنا الآخرة بنومة. واحتضر الرشيد فقال: واحيائي من رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله. واحتضر المأمون فقال: يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه. قيل لزاهدٍ وقد احتضر: أوص بشيءٍ، قال: بما أوصي؟ ما لي شيء، ولا لأحدٍ عندي شيء، ولا لنا عند أحدٍ شيء. قيل لزاهد: كيف ترى الدهر؟ قال: يخلق الأبدان، ويحدث الأحزان، ويباعد الأمنية، ويقرّب المنيّة. قال الفضيل بن عياض: يا ربّ إنّي لأستحيي أن أقول: توكّلت عليك، لو توكّلت عليك لما خفت ولا رجوت غيرك. استوفد عبد الملك بن مروان عاملاً بلغه أنّه قبل هديّةً فقال له:

أقبلت هديّةً؟ قال: يا أمير المؤمنين، بلادك عامرة، ورعيّتك راضية، فقال: أجب عمّا تسأل عنه، قال: نعم، فقال عبد الملك: أما والله لئن كنت قبلت هديةً كافأت صاحبها بأن ولّيته من عملنا ما لم تكن لتولّيه لولا هديّته إنك للئيم، وإن كنت قبلتها ولم تعوّضه منها إنّك لخائنٌ حسود، وإن كنت أعطيته مثل ما أخذت وأطعمت في نفسك رعيّتك وعرّضتها لخليفتك إنّك لأحمق، ومن أتى شيئاً لا يخلو فيه من حمقٍ أو لؤمٍ أو خيانةٍ حقيقٌ بأن لا يقرّ على عمل. سئل جعفر بن محمد رضي الله عنهما عن النّحل، أمن الطّير هو أم من الهوامّ، قال: بل من الطّير، لولا ذلك لم يفهم. قال عنبسة القطّان: شهدت الحسن يوماً وقد قال له رجل: بلغنا أنّك تقول: لو كان عليٌّ بالمدينة يأكل حشفها كان خيراً له ممّا صنع، فقال الحسن: يا لكع، والله لقد فقدتموه سهماً من مرامي الله تعالى غير سؤومٍ عن أمر الله، ولا سروقةٍ لمال الله تعالى، أعطى القرآن عزائمه فيما عليه وله، فأحلّ حلاله وحرّم حرامه، حتى أورده ذلك رياضاً مونقةً وحدائق مغدقةً، ذاك ابن أبي طالب؛ روى هذا ثعلب في المجالسات. قيل لبعض التّابعين: كيف أصبحت؟ قال: في أجلٍ منقوص، وعملٍ محفوظ، والموت في رقابنا، والنار من ورائنا، ولا ندري ما يفعل الله بنا.

وصف أعرابيٌّ رجلاً فقال: كان مفزعاً للأمّة، رفيع الجمّة. لمّا هلك الحسن بن عليّ دفنه الحسين بن عليّ ومحمد بن الحنفيّة رضي الله عنهم، فلمّا حصل في حفرته دمعت عينا محمدٍ واستعبر ثم قال: رحمك الله يا أبا محمد، فلقد عزّت حياتك وهدّت وفاتك، ولنعم الرّوح روحٌ تضمّنه بدنك، ولنعم البدن بدنٌ تضمّنه كفنك، وكيف لا يكون كذلك وأنت سليل الهدى، وحليف التّقوى، خامس أصحاب الكساء، غذتك أكفّ الحقّ، وربّيت في حجر الإسلام، ورضعت ثدي الإيمان، طبت حيّاً وطبت ميتاً، وإن كانت أنفسنا غير طيّبةٍ بفراقك، ولا شاكةٍ في الخيار لك. قال يحيى بن زيد رضي الله عنهما: نحن من أمّتنا بين أربعة أصناف: ظالمٌ لنا حقّنا، وبالغٌ بنا فوق قدرنا، ومعطٍ ما يجب لنا، وحاملٌ علينا ذنب غيرنا. وصف أعرابيٌّ رجلاً فقال: ذاك والله ممّن ينفع سلمه، ويتواصف حلمه، ولا يستمرأ ظلمه. قالت أعرابيّةٌ لزوجها ورأته مهموماً: إن كان همّك للدّنيا فقد فرغ الله منها، وإن كان همّك للآخرة فزادك الله تعالى همّاً بها. يقال: الدّنيا حمقاء لا تميل إّلا إلى أشباهها.

مسلم بن الوليد: الطويل أرادت رجوع القلب بعد انصرافه ... وما علمت ما أحدثته المقادر يغرّ الفتى مرّ اللّيالي سليمةً ... وهنّ به عمّا قليلٍ عواثر قال الحسن بن آدم: صاحب الدّنيا ببدنك وفارقها بقلبك، فخذ ممّا في يديك لما بين يديك، فعند الموت يأتيك الخبر. شاعر: الطويل وأرعن ملموم الكتائب خيله ... مضرّجةٌ أعرافها ونحورها عليها مذالات العيون كأنّها ... عيون الأفاعي سردها وقتيرها إذا استجرست أصواته أذني سامعٍ ... رماها بأجراس اللّيوث زئيرها قال أبو بكر بن عيّاش: رأيت على الأعمش فروةً مقلوبةً، صوفها خارج، فأصابنا مطرٌ، فمررنا بكلبٍ فتنحّى الأعمش وقال: لا يحسبنا شاءً. وقال: كان ببغداد مجنونٌ يلبس فروةً مقلوبةً، فإذا قيل له في ذلك قال: لو علم الله تعالى أنّ الصّوف إلى داخل أجود عمله إلى داخل. شاعر: الطويل ويومٍ عبوريٍّ توقّد نجمه ... وعزّت به ماء الوجوه الهواجر بعثت به ليلاً من الشّمس داجياُ ... وقد ملكت قبض النّفوس الخناجر فنازعن فيه للسّوابغ حجّةً ... وسقف غبارٍ أنشأته الحوافر

له فلكٌ حول الأسنّة دائرٌ ... ونقع المنايا مسبطرٌّ وثائر كأنّ نجوم الليل فوق رماحه ... طوالع ترعاها اللّيوث الخوادر أجزن قضايا الموت في مهج العدى ... به فاستباحتها المنايا الغوادر قال الحسن بن رجاء في خطّ كاتبٍ: متنزّه الألحاظ، ومجتنى الألفاظ. قال بشر بن المعتمر: القلب معدن، والعقل جوهر، واللسان مستنبط، والقلم صانع، والخطّ صنعة. وصف أحمد بن إسماعيل خطّاً فقال: لو كان نباتاً لكان زهراً، ولو كان معدناً لكان تبراً، ولو كان شراباً لكان صفواً. قال أبو العيناء: الخطوط رياض العلوم. وقال جعفر بن يحيى: الخطّ سمط الحكمة، به تفصّل شذورها، وينتظم منثورها. تخابر غلامان في خطّيهما إلى سهل بن هارون فقال: هذا وشي محبوك، وهذا ذهب مسبوك، تسابقتما إلى غاية، فوافيتما في نهاية.

قيل لرجلٍ على باب رئيس: كيف وجدت فلاناً؟ قال: أمّا من الكرم في عراء، وأمّا من اللؤم في خراء. شاعر: الكامل وكنٌ تطالعها الكواكب والقنا ... أبراجها هاج الحمام طرادها جاءوا بتيهاء المنون طليعةً ... سلبت سيوف حماتها أغمادها ورثت كتائبها الجبال وسربلت ... حلق الحديد فأظهرته عتادها فتحال موج البحر يقفو بعضه ... بعضاً وميض قتيرها وسرادها قدحت عليها الشمس وقت طلوعها ... زنداً فأثقب قدحها إيقادها حتى أطار على الدّروع شرارها ... زيماً كما زفت الجنوب جرادها قال الأعمش لشريك بن عبد الله النّخعيّ المحدّث القاضي: يا شريك، لقد أدركت رجالاً عجنوا في الدّين عجناً، لو سألت رجلاً واحداً منهم عن مسألةٍ أو فريضةٍ ما أحسنها، وما من مكرمةٍ إّلا وهي معقودة بمفارق رؤوسهم، ما يسرني برجلٍ مهم عشرة مثلك، بل مائة ألف. أنشد سعيد بن المسيّب بين القبر والمنبر: الوافر ويذهب نخوة المختال عنّي ... رقيق الحدّ ضربته صموت بكفّي ماجدٍ لا عيب فيه ... إذا لاقى الكريهة يستميت

ثم قال: ما شاء الله كان. وأنشد أيضاً: الوافر وصرف لو تبين لهم كلاماً ... لقالت إنّما لكم مبيت تريك قذى بها إن كان فيها ... بعيد النّوم، نشوتها هبيت بذلت بشربها نفسي ومالي ... وأبت بما هويت وما رزيت كان أبو هشام الرّفاعي يقول: سمعت عمّي يقول: اجتمع القرّاء في منزل إسحاق بن الحسين ليضعوا كتاباً في السنّة، فقال الأعمش: رحم الله امرءاً كفّ يده، وأمسك لسانه، وعالج ما في قلبه. قال الأعمش: إذا رأيتم الشّيخ لا يحسن شيئاً فاصفعوه. وكان الأعمش يلبس قميصاً مقلوباً قد جعل دروزه خارجةً، ويقول: الناس مجانين، يجعلون الخشن إلى ما داخل ممّا يلي جلودهم. قال أحمد بن الطّيب: كان الكندي يقول لي كثيراً: انسخ كلّ ما تجده مكتوباً إذا اتّسعت لك الجدة، وامتدّ بك الزمان، فإنّ مكان ما تكتبه أسود من دفترٍ، خيرٌ منه أبيض.

وصف الحسن الأسواق فقال: موائد الله، فمن أتاها أصاب منها. كان أيّوب السّختيانيّ من الزّهّاد والعقلاء، وهو الذي قال: من أحبّ أبا بكرٍ فقد أقام الدّين، ومن أحبّ عمر فقد أوضح السّبيل، ومن أحبّ عثمان فقد استنار بنور الله، ومن أحبّ عليّاً فقد استمسك بالعروة الوثقى. قال مالك بن أنس: من أبغض أصحاب رسول الله صلّى الله عليه فليس له في فيء المسلمين حقٌّ، لأنّ القرآن نطق بذلك، قال الله عزّ وجلّ: " ما أفاء الله على رسوله "، وذكر المهاجرين فقال: " والذّين تبوءوا الدّار والإيمان "، ثم قال: " والذّين جاءوا من بعدهم يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا " فمن كان في قلبه عليهم وعلى أحدٍ منهم شيءٌ فلا حقّ له في الفيء. سمع خالد بن صفوان رجلاً يتكلّم فيكثر فقال: يا هذا ليست البلاغة بخفّة اللّسان، وال بكثرة الهذيان، ولكنّها إصابة المعنى، والقصد إلى الحجّة. وذكر خالد بن صفوان رجلاً فقال: كان والله منهرت الشّدق بعذوبة المنطق، ذلق الحدّة، جزل الألفاظ، عربيّ اللسان، رقيق الحواشي، خفيف الشّفتين، بليل الرّيق، دائم النّظر، قليل الحركات، حسن الإشارات، حلو الشّمائل، حسن الطّلاوة، كثير الرّقّة، ذرب اللسان، حييّاً صموتاً قؤولاً، يهنأ الجرب، ويداوي الدّبر، ويصيب المفاصل، لم يكن

بالهذر في منطقه، ولا بالزّمر في مروءته، ولا بالشّكس في خليقته، متبوعاً غير تابع، كأنه علمٌ في رأسه نار. وذكر خالد آخر فقال: كان والله قرّاءً غير نزّال، معطاءً غير سوّال، قوّالاً عند ذوي الأفهام، جلداً ألدّ الخصام. شاعر: المتقارب دعاني هواك فلبّيته ... ولم يدر أنّي له أعشق فقمت وللشوق في مفرقي ... إلى قدمي ألسن تنطق شاعر: الطويل وأشرب قلبي حبّها ومشى به ... تمشّي حميّا الكأس في جسم شارب يدبّ هواها في عظامي ولحمها ... كما دبّ في الملسوع سمّ العقارب شاعر: السريع نازعني من طرفه الوحيا ... وهمّ أن ينطق فاستحيا جرّد لي سيفين من هجره ... أموت من ذا وبذا أحيا شاعر: البسيط أستودع الله من قلبي لفرقته ... كأنّه طائرٌ قد بات في شبك ومن كأنّ فؤادي من تذكّره ... معلّقٌ بين قرن الشّمس والفلك قال أعرابيّ: شحذت سيفي، وذلّقت لساني، وها أنا في طلبك. وقال آخر: فلانٌ قليل الرّجوع، بطيء النّزوع. قال أعرابيٌّ في وصف آخر: فلانٌ البحر الطّامي يوم الوغى

والغيث الهامي ليل القرى. قال أعرابيّ: نم ذا الذي صفا فلم يكن فيه عيب، وخلص فلم يكن فيه شوب. وقال آخر: فلانٌ حتف الأقران غداة النّزال، وربيع الضّيفان عشيّة النّزول. وقال أعرابيّ: لكلّ كاسٍ حاسٍ، ولكلّ عارٍ كاسٍ. قال أعرابيّ في آخر: لسانه حديد، وجوابه عتيد. وقال أعرابيّ: فلانٌ أجور من الأسد الضّاري، وأقتل من السّم السّاري. قال أعرابيّ: لا أمس ليومه، ولا قديم لقومه. قال أعرابيٌّ في وصف غوانٍ: حواجب مزجّجة، وثغورٌ مفلّجة، وخدودٌ مضرّجة. قال أعرابيّ: ما أفسح صدره، وأرحب بشره، وأبعد ذكره، وأعظم قدره، وأعلى شرفه، وأكثر ضففه ممّن عرفه ولم يعرفه، مع حسن الاستيفاء، وسعة الفناء، وعظم الإناء. شاعر: الطويل

أيا منزلاً بالدّير أصبح خالياً ... تلاعب فيه شمألٌ ودبور كأنّك لم تقطنك بيضٌ نواهدٌ ... ولم تتبختر في فنائك حور وأبناء أملاكٍ عباشم سادةٌ ... صغيرهم عند الأنام كبير إذا لبسوا أدراعهم فضراغمٌ ... وإن لبسوا تيجانهم فبدور على أنّهم يوم اللّقاء قساورٌ ... ولكنّهم يوم النّوال بحور إذ الملك غضٌّ والخلافة لدنةٌ ... وأنت خصيبٌ والزّمان طرير وروضك مرتاضٌ ونبتك يافعٌ ... وعيش بني مروان فيك قصير رويدك إنّ اليوم يعقبه غدٌ ... وإنّ صروف النائبات تدور قال أعرابيّ: نحنّ إلى المكارم كما تحنّ الإبل إلى الحدا، والروض إلى النّدى. آخر: كان والله مريع الجناب، درور السّحاب. قال أعرابيّ: فلانٌ أفصح خلق الله تعالى إذا حدّث، وأحسنهم استماعاً إذا حدّث، وأمسكهم عن الملاحاة إذا خولف، يعطي صديقه النّافلة، ولا يسأله الفريضة، له نفسٌ عن العوراء محصورة، وعلى المعالي مقصورة، كالذّهب الإبريز الذي يعزّ كلّ أوان، والشمس المنيرة التي لا تخفى بكلّ مكان، هو النّجم المضيء للحيران، والبارد العذب للعطشان. قال أعرابيٌّ في وصف آخر: ليثٌ إذا عدا، وغيثٌ إذا غدا،

وبدرٌ إذا بدا، ونجمٌ إذا هدى، وسمٌّ إذا أردى. قال أفلاطون: من القبيح أن نكسح من كرومنا فصل الورق والقضبان ولا نكسح من أنفسنا الشّهوات، ومن القبيح أن نمتنع من الطّعام اللذيذ لتصحّ أبداننا ولا نمتنع من القبائح لتصفو أنفسنا. قال فيلسوف: إني لأعجب من النّاس وقد مكّنهم الله تعالى من الاقتداء به ويقبلون إلى الاهتداء بالبهائم. قال فيلسوف: لا ينبغي لأحدٍ أن يطلب شيئاً من الحكمة والفضائل قبل أن ينفي عن نفسه العيوب والرذائل. قال أفلاطون: ينبغي لنا أن نفرّ من الأشياء الرّديئة، والأشياء الرّديئة العالم، فينبغي أن نفرّ من العالم، والفرار من العالم هو الاقتداء بالله تعالى. قال أعرابيّ: إن الدهر حوّلٌ ذو انقلاب، ولا بدّ للسّرّاء من الضّرّاء، والدهر يخلط صالحاً بفساد، وهو طعمان: معسول وممرور. كاتب: يا مولاي تعبّداً، وأخي تودّداً. قال أعرابيّ: أنت قرّة عيني ونورها، وأنس نفسي وسرورها. كاتب: أنت من أفتخر بأنوائه، وأهتدي بضيائه، وأتزيّن بإخائه، وأستظهر على الزمان بولائه. كاتب: أنت بهجة الدّنيا وزهرتها، وروضة نفسي ومنيتها

وبستانها، وروح حياتي وريحانها. قال أعرابيٌّ لآخر: أنت سمعي وبصري، وشمسي وقمري. قال فيلسوف: كما أنه ليس بين الطّوف واللصّ صداقة، فكذلك ليس بين الحكمة والجهل صداقة. قيل لفيلسوف: بماذا تشبّه الحكماء؟ قال: إذا قيسوا إلى الناس فهم كالآلهة، وإذا قيسوا إلى الآلهة فهم كالملائكة. قيل لفيلسوف: ما الفضل بينك وبين الملك؟ قال: هو عبد الشّهوات وأنا مولاها. قيل لفيلسوف: إنّ الملك لا يحبّك، قال: الملك لا يحبّ من هو أكبر منه. قيل لفيلسوف: من الجواد؟ قال: من جاد بماله، وصان نفسه من مال غيره. وقيل لسقراط: لم تذكر في شرائعك عقوبة من قتل أباه،

قال: لم أعلم أن هذا يكون. قال ثعلب في المجالسات: جاء رجلٌ من آل حكيم بن حزام إلى أبي أويس فقال: إنّي رأيت كأنّي أنظر في لوحٍ من ذهب، فقال: إنّ العبارة حكمٌ، وأكره أن أفسّره لك، قال: لا بدّ منه، قال: يذهب بصرك، قال: سبحان الله، قال: ما هو إّلا ما أقول لك، فعمي بعد قليل. جاء رجلٌ إلى سعيد بن المسيّب من قبل عبد الملك بن مروان فقال: رأيت كأنّي بلت خلف المقام أربع مرّات، قال له: كذبت لست صاحبها، قال: فإنّه عبد الملك، قال: يلي أربعةٌ من صلبه الخلافة. رئي عليّ بن الحسين مكتوباً على صدره: " قل هو الله " فاستعبر سعيد بن المسيّب فقال: بضعةٌ من رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله، نعى إليه نفسه. لمروان بن أبي حفصة: الرجز إن تحبسوني فالكريم يحبس ... إنّي لسامي النّاظرين أشوس مصابرٌ حتى تجيش الأنفس ... لا ساقطٌ علجٌ وال مدنّس عرضي نقيٌّ وأديمي أملس قال الفضل بن عيسى الرّقاشي: إنّا والله ما نعلّمكم ما

تجهلون، ولكنّا نذكّركم ما تعلمون. قال ابن عجلان: شكا رجلٌ إلى الحسن الفاقة فقال: لقد أعطاك الله ديناً لو لم تشبع معه من خبز الشّعير كان قد أحسن إليك. قال عمير بن الحباب: البسيط أبلغ أميّة أنّ الأرض واسعةٌ ... وفي السيوف إذا ما جرتم عبر حتّى متى وعلام اليوم ناركم ... ما إن يزال لها في دورنا شرر إنّي أخاف عليكم أن تنوبكم ... منّا بوائق لا تبقي ولا تذر وإن تروا عارضاً منا يقودهم ... قرمٌ أغرّ أمام الحيّ يقتفر لا ينثني الدهر عن أمرٍ يهمّ به ... حتى يموت وفيه الرّمح منكسر يخاطب بهذه الأبيات عبد الملك بن مروان. قال أعرابي: الكريم يرعى حقّ اللفظة وحرمة اللّحظة. قال ابن عيينة: كانت لنا هرّةٌ ليس لها جراءٌ، فكانت لا تكشف القدور ولا تعيث في الدّور، فصار لها جراءٌ فكشفت القدور وأفسدت الدّور. لما قبض ابن عيينة صلة الخليفة قال أصحاب الحديث: قد وجدتم مقالاً فقولوا، متى رأيتم أبا عيالٍ أفلح؟

قال هشام لخالد بن صفوان: أكنت تعرف الحسن؟ قال: كان فيما بلغني في داره صغيراً، ومجلسه في حلقته كبيراً، قال: فكيف كان؟ قال، كان أعمل الناس بما أمر به، وأترك النّاس لما نهي عنه، وكان إذا قعد على أمرٍ قام به، وإذا قام على أمرٍ قعد به، وكان معلّماً بالنّهار وراهباً بالليل. قال سلمة بن سعيد: أتي عمر بن الخطاب بمالٍ، فقام إليه عبد الرحمن بن عوف فقال: يا أمير المؤمنين، لو حبست من هذا المال في بيت المال لنائبةٍ تكون أو أمر يحدث فقال: كلمة ما عرضها ولقنها إلا شيطان لقاني الله حجّتها، ووقاني فتنتها، أعصي الله تعالى العام لخوف القابل؟ أعدّ لهم تقوى الله، قال الله تعالى: " ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب " وليكوننّ المال فتنةً على من يكون بعدي. جاء رجلٌ إلى سعيد بن المسيّب فقال: رأيت حديّاً جاءت حتى وقعت على شرف المسجد، فقال: إن صدقت رؤياك تزوّج الحجّاج في أهل هذا البيت، فتزوّج الحجّاج أمّ كلثوم ابنة عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فأولدها بنتاً. جاء رجلٌ إلى سعيد بن المسيّب فقال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المنام، فقال: يا هذا، بعثه الله بشيراً ونذيراً، فإن كنت على خيرٍ فازدد، وإن كنت على شرٍّ فتب. قال النحويّ: اعلم أن أسير بمعنى سرت إذا أردت بأسير معنى سرت؛ قال أبو سعيد السّيرافيّ: إنّما يستعمل ذلك إذا كان الفاعل قد عرف منه

ذلك الفعل خلقاً وطبعاً، ولا ينتظر منه في المضيّ والاستقبال، ولا يكون لفعل فعله مرةً من الدهر، من ذلك قول بعض بني سلول: الكامل ولقد أمرّ على اللئيم يسبّني ... فمضيت ثمّت قلت لا يعنيني يريد: ولقد مررت، ولم يرد أنّ ذلك كان منه مرّةً، ولا أنه لا يعود إليه، وإنّما أراد أنّ ذلك سجيّته أبداّ؛ قال جرير: الكامل قالت جعادة ما لجسمك شاحباً ... ولقد يكون على الشّباب نضيرا قال خالد بن كلثوم الرّاوية: كان حنين صاحب خفيّ حنين من أهل اليمامة، وكان يحمل العطر فيطوف به في بلاد العرب، فطبن له بعض الخرّاز، فألقى في طريقه حين بدا من أهله فرد خفّ جديد، وألقى الفرد الآخر على قدر ميل، فأقبل حنين فلمّا رأى الفرد الآخر قال: الآن ننتفع بذلك الفرد، ونزل فعقل ناقته شفقةً عليها، ومضى فأخذ الفرد الآخر، وصاحب الخفّين قد كمن له، فلمّا تولّى حنين ركب البعير فذهب بما عليه وبه، فرجع حنين إلى أهله بالخفّين من جميع ما حمل، فصار خفّاه مثلاً. قال المدائني: كان في الزمان الأوّل ملكٌ نهى النّاس أن ينتشروا بالنّهار في حوائجهم، ونادى بالتصرّف في الليل والنّوم بالنّهار، وأقام الحرسيّ يدور بالنّهار، فأخذ الحرسيّ رجلاً على حمار فأتى به الملك، فأمر بعقوبته، فقال

له، أصلحك الله، هل نهيت عن الدّلجة؟ قال: لا، قال: فأنا رجلٌ مسافرٌ أدلجت هذا الوقت كما كنّا نبكّر في نصف الليل، قال: صدق، خلّوا سبيله. سأل رجلٌ أبا عمرو بن العلاء عن الخيل لم سميت خيلاً فعيّ بذلك عمرو، وكان عنده أعرابيٌّ فقال: إنّما سميت خيلاً لاختيالها واختيال راكبها. وقال عمر بن عبد العزيز لجاريةٍ في صبائه - هكذا قال العلماء بالفتح والمدّ إذا أردت أيام صغر سنّه، وقالوا: الصّبا في هذا المعنى خطأ، إنّما الصّبا اللهو والدّد والغزل - بحضرة مؤدبّه: أعضّك الله تعالى بكذا، فقال له المؤدّب: قال: أعضّك عبد العزيز، فقال: إنّ الأمير أجلّ من ذاك، قال: فليكن الله تعالى أجلّ في صدرك، فما عاود كلمة خنا، الخنا مقصورٌ، يقال: أخنى الرجل في منطقه. يقال: شعّ دمه يشعّ أي تفرّق. ويقال: طويت فلاناً على بللته أي بنيته على بقيّة ودّه؛ وأنشد: الكامل

ولقد طويتكم على بللاتكم ... وعرفت ما فيكم من الأدغال والعرب تزعم أنّ اللبن يطوي البطن، وأنّ نبات الأرض ينفخه. الدّحل: سربٌ في اعوجاجٍ من داخل الأرض؛ اندحل الطائر في وكره، واندحل السّبع في وجاره. يقال: خذه على هديتك وفديتك. مرّ أعرابيٌّ في أطمار رثّةٍ برجلٍ فقال له الرجل: والله ما يسرّني أن كنت ضيفك ليلتي هذه، فقال له الأعرابي: أما والله لو كنت ضيفي لغدوت من عندي أبطن من أمّك قبل أن تضعك بساعة، إنا والله - إذا وجدنا - آكلكم للمأدوم، وأطعمكم للمحروم، هكذا قال، وإن كان من الإطعام، وقد سمع من غير واحدٍ. وفي الخبر: إذا أراد الرجل أن يتزوج امرأةً فلينظر إليها فإنه أجدر أن يؤدم بينهما؛ أدم الرجل المرأة إذا خالطها أي إذا نكحها. قال خالد بن صفوان: أنا لا أصادق إّلا من يغفر زللي، يسدّ خللي، ويقبل عللي.

وقيل ليزيد بن معاوية: ما حقّ الجود؟ قال: أن تعطي لمن لا تعرف، وإنّك لا تبلغه حتى تتخطّى به من لا تعرف. وقال النبيّ صلّى الله عليه وآله يوم حنين للعبّاس: " اصرخ بالناس "، ثم قال: " خلّل بالخزرج "، أي خصّهم. يقال للجاهل الكثير التّرداد: سوّاط. يقال: ملست الغلام: أي خصيته - اللاّم مخفّفة. قال الأصمعي: برح الخفاء يعني صار الأمر في براحٍ، أي ظهر لشدّته ونكرائه، وقيل: معناه من التبريح أي اشتدّ. وقال يعقوب: برح الخفاء أي استبان المكتوم. قبع الرجل إذا تحيّر. وقال عبد الملك بن مروان لأبي الحارث: بلغني أنكم من كندة؟ قال: يا أمير المؤمنين، أيّ خيرٍ فيمن لا يدّعي رغبةً، أو ينفي حسداً. طمر الرجل إذا انتفخ، وفرسٌ طمرٌّ، والمكان العالي: طمار،

معرفةٌ مبنيّة على الكسر كقولك: حذام وقطام. شاعر: الطويل فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري ... إلى هانئٍ في السّوق وابن عقيل تري جسداً قد خدّد السيف لحمه ... وآخر يهوي من طمار قتيل قال المبرّد: وتميم تقول: من طمار، منزلة ما لا ينصرف. قال المبرّد في قوله تعالى: " يسألونك كأنّك حفيٌّ عنها " أي عن المسألة؛ وفي الخبر: أحفوا الشّوارب واعفوا اللّحى. ما ملئت دارٌ حبرةً، إّلا وستمتلئ عبرةً. " وأسرّوا النّدامة " أي أظهروا، من الأضداد، أي بدا ذلك في أسرّتهم. الضّيزن: الوزير، والوزير مأخوذٌ من الوزر.

رأى عمر بن الخطّاب رجلاً في الطّواف يقول: اللهمّ اغفر لامّ أوفى، فقال له: من أمّ أوفى؟ فقال: امرأتي، والله على ذاك إنّها لورهاء مرغامة، أكولٌ قمّامة، لا تترك لها حامّة، ولكنّها حسناء فلا تفرك، وأمّ بنين فلا تترك. قال التّوّزي: سألنا أبو عبيدة عن مسألةٍ ثم قال: لا يستخرجها من الرّجال إّلا أسود الحيف، يريد من حنّكته السّنّ حتى اسودّت نواحي أنثييه. قال مصعب بن الزّبير لسكينة بنت الحسين رضي الله عنهما: أنت مثل البغلة لا تلدين، قالت له: لا والله ولكن أبى كرمي أن يقبل لؤمك. نظر الجمّاز إلى سوداء عليها معصفرات فقال: كأنّها بعرةٌ عليها رعاف. قالت الخنفساء لأمّها: ما أمرّ بأحدٍ إّلا بزق عليّ، قالت: من حسنك تعوّذين.

شاعر: الكامل المجزوء لما رأيت الدّهر يفني النّ ... اس من جيلٍ فجيل وعلمت أنّي هالكٌ ... وسبيل من ولّى سبيلي أوطأت نفسي عشوةً ... وعزفت عن قالٍ وقيل وشربتها مشمولةً ... نشأت على الدّهر الطويل رقّت فليس تحسّ كال ... شيء الخفيّ المستحيل من كفّ ظبيٍ فاتر ال ... ألحاظ كالرشأ الكحيل قال أعرابيّ: الفقير من الأهل مصروم، والغنيّ في الغربة موصول. قال أعرابيّ: أوحش قومك ما كان في إيحاشهم أنسك، واهجر أوطانك ما نبت عنها نفسك. قيل لأعرابيّ: أتشتاق إلى وطنك؟ قال: كيف لا أشتاق إلى رملةٍ كنت جنين ركامها، ورضيع غمامها. قال أعرابيّ: الاغتراب يردّ الجدّة، ويكسب الجدة. شاعر: الرمل المجزوء إن يكن مات صغيراً ... فالأسى غير صغير كان ريحاني فصار ال ... يوم ريحان القبور

قال العتبيّ، سمعت أبي يقول: سابّ كميت بن معروف الأسديّ أمةً لقومٍ فقالت: الطويل لعمري لقد راش ابن سعدة ريشه ... بريش الذّنابى لا بريش القوادم بنى لك معروفٌ بناءً هدمته ... وللشّرف العاديّ بانٍ وهادم قال أبو موسى الحامض: قرئ على ثعلب من كتاب بخطّ ابن الأعرابي خطأٌ فردّه، فقيل له: إنّه بخطّه، قال: هو خطأ، قيل: أفنغيّره؟ قال: دعوه ليكون عذراً لمن أخطأ. لما سقطت ثنيّة معاوية أسف عليها لما فاته من البيان، فتمثّل: الرجز إنّ الليالي أسرعت في نقضي ... أخذن بعضي وتركن بعضي تركن رنقي وشربن محضي شاعر: الطويل

يقرّ بعيني أن من مكانه ... ذرى هضبات الأجرع المتقاود وأن أرد الماء الذي وردت به ... سليمى وقد ملّ الكرى كلّ واحد وألصق أحشائي ببرد ترابه ... وإن كان مخلوطاً بسمّ الأساود أنشد الرّياشيّ لنهار بن توسعة: البسيط أضحى العراق سليباً لا ضياء له ... إّلا المهلّب بعد الله والمطر هذا يجود ويحمي عن ذماركم ... وذا يعيش به الأنعام والشّجر وأنشد أيضاً: الرجز الناس إخوانٌ وشتّى في الشّيم ويروى النّاس أسواءٌ، كذا أنشد البغداديون؛ قال الرّياشي: سألت عنه أعرابيّاً فصيحاً فقال: معناه أنّهم من أديمٍ واحد، أي من تراب يجمعهم كلّهم آدم، وإن اختلفت شيمهم، وفسّر البغداديون على خلاف هذا، قالوا: يجمعه بيت الأدم، لأنّ بيت الأدم فيه كلّ ضربٍ من رقاع الأدم. قال أبو حاتم، حدّثنا الأصمعي قال: كنت عند الرشيد في شهر

رمضان، فأتي بسكران فهمّ به ثم سأل عنه فقلت: كفاك عليّ بن أبي طالب ذلك بالنّجاشي. قد شرب الخمر في رمضان فضربه ثمانين للسّكر، ومائةً لحرمة شهر رمضان، وحمله على حملٍ وطاف به في الكوفة، فجعل الصبيان يصيحون به: سلح سلح، فيقول: كلاّ إنّها يمانيةٌ، ووكاؤها شعرٌ؛ وهجا أهل الكوفة فقال: البسيط إذا سقى الله قوماً صوب غاديةٍ ... فلا سقى الله أهل الكوفة المطرا وأرسل الريح تسفي في عيونهم ... حتى إذا لا ترى ماءً ولا شجرا ألقى العداوة والبغضاء بينهم ... حتى يكونوا لمن عاداهم جزرا السّارقين إذا ما جنّ ليلهم ... والدّارسين إذا ما أصبحوا السّورا والتّاركين على طهرٍ نساءهم ... والنّاكحين بشطّي دجلة البقرا ثم ذهب إلى معاوية وقال في عليّ، وكان قد قال معاوية: البسيط يا أيّها الملك المهدي عداوته ... انظر لنفسك أيّ الأمر تأتمر واعلم يقيناً بأنّ المجد في نفرٍ ... هم العرانين ما ساواهم بشر فإن نفست على الأقوام مجدهم ... فابسط يديك فإنّ الخير مبتدر نعم الفتى أنت إّلا أنّ بينكما ... كما تفاضل ضوء الشّمس والقمر إنّي امرؤٌ قلّ ما أثني على أحدٍ ... حتى أبيّن ما آتي وما أذر

لا تحمدون امرءاً حتى تجرّبه ... ولا تذمّنّ حتى تبله الخبر قال أبو عليّ ابن مقلة، قال لي الهداوي، أنشدنا الرّياشي: الكامل المجزوء يا عين بكّي للولي ... د بن الوليد بن المغيره إنّ الوليد بن الولي ... د أبا الوليد هو العشيره من كان غيثاً في السّني ... ن وجعفراً غدقاً وميره قال أعرابيّ: خلق القريب خيرٌ من جديد الغريب. قال العتبي، قال أبو دواد: الكامل المجزوء سقّى الرّباب مجلجل أل ... أكناف رعّادٌ بروقه جونٌ تكفكفه الصّبا ... وهناً ويمريه خريقه مري العسيف عشاره ... حتى إذا درّت عروقه حتى إذا ما جلده ... بالماء ضاق فما يطيقه هبّت له من خلفه ... ريحٌ يماينةٌ تسوقه حلّت عزاليه السّما ... ء فسحّ واهيةً خروقه قال أعرابيّ: العجز مقرونٌ به الشقاء، والحزم موكّلٌ به

النّجاء؛ ثمرة الحزم السلامة، وثمرة العجز الندامة. قال أعرابيّ: آفة الحزم ترك الاستعداد، وآفة الرأي سوء الاستبداد. قال أعرابيّ: الحازم لا تدهش له عزيمة، ولا تكهم له صريمة. قال بعض تجّار البحر: حملنا مرةً متاعاً إلى الصّين من الأبلّة، وكان قد اجتمع ركبٌ فيه عشر سفنٍ، قال: ومن رسمنا إذا تزجّهنا في مثل هذا الوجه أن نأخذ قوماً ضعفاء، ونأخذ بضائع قوم، فبينا أنا قد أصلحت ما أريد إذ وقف عليّ شيخٌ فسلّم فرددت فقال: لي حاجةٌ قد سألتها غيرك من التّجار فلم يقضها، قلت: فما هي؟ قال: اضمن لي قضاءها حتى أذكرها، فضمنت، فأحضر لي رصاصةً من مائة منا، وقال لي: تأمر بحمل هذه الرصاصة معك، فإذا صرتم في لجّة كذا فاطرحها في البحر. فقلت: يا هذا، ليس هذا ممّا أفعله، قال: قد ضمنت لي، وما زال بي حتى قبلت وكتبت في روزنامجي؛ فلمّا صرنا في ذلك المكان عصفت الريح وهاج البحر، فاشتغلنا بأنفسنا ونسيت الرصاصة، ثم خرجنا من اللّجة وسرنا حتى بلغنا موضعاً، فبعت ما صحبني، وحضرني رجلٌ فقال لي: يا هذا، أمعك رصاصٌ؟ قلت: لا، فقال غلامي: معنا رصاصٌ، فقلت: لم أحمل رصاصاً قال بلى الشيخ فذكرت فقلت خالفناه؛ بلغنا إلى ها هنا وما يلحقني أن أبيعه ففيه ما ينفعه، فقلت للغلام: أحضرها، وساومني الرجل بها فبعتها بمائةٍ وثلاثين ديناراً وابتعت بها للشيخ طرائف الصّين، وخرجنا فوافينا المدينة، فبعت تلك الطرائف فبلغت سبعمائة دينار، وصرت إلى البصرة إلى الموضع الذي وصفه الشيخ، ووقفت بباب دار، وسألت عنه فقيل لي: قد توفي، قلت: فهل خلّف أحداً يرثه؟ قالوا: لا نعلم إّلا ابن أخٍ له في بعض نواحي البحر؛ قال: فتخبّرت

فقيل: إنّ داره موقوفةٌ في يد أمين القاضي، فرجعت إلى الأبلّة والمال معي، فبينا أنا ذات يوم جالسٌ إذ وقف على رأسي رجلٌ فقال: أنت فلان؟ قلت: نعم، قال: وخرجت إلى الصين؟ قلت: نعم، قال: وبعت رجلاً هناك رصاصاً؟ قلت: نعم، قال: أتعرف الرجل؟ فتأملته، فقلت: أنت هو، قال: أعلمك أنّي قطعت تلك الرصاصة لأستعمل شيئاً منها فوجدتها مجوّفة، ووجدت فيها اثني عشر ألف دينار، وقد جئت بالمال فخذ مالك عافاك الله، فقلت له: ويحك، ليس المال لي، ولكنّه كان من خبره كذا وكذا، وحدّثته، قال: فتبسم الرجل ثم قال: أتعرف الشيخ؟ قلت: لا، قال: هو عمّي وأنا ابن أخيه، وليس له وارثٌ غيري، وأراد أن يزوي هذا المال عنّي، وهو هرّبني من البصرة سبع عشرة سنةً، فأبى الله تعالى إّلا ما ترى على رغمه؛ قال: فأعطيته الدنانير كلّها ومضى إلى البصرة فأقام بها. حدّثنا القاضي أبو حامد قال: كان لي عمٌّ بمرورّوذ، وكان وجيهاً في البلد، وكان شديد المقت لي فاحش الإعراض عنّي؛ واتفق أنّي حضرت بعض العشيّات مجلس رئيس البلد، ودخل عمّي بعدي وكنت في كلامٍ، فسمع بقيّة ما كنت فيه، فقال للرئيس: من هذا الفتى الكامل الفاضل؟ فوالله ما رأيت أحداً في سنّه أكثر عقلاً، ولا أحسن كلاماً منه، وإنّما أنكرني الاختلاط ظلام الليل، فقال الرئيس: إنّه أبو حامد، قال: ومن أبو حامد؟ قال: ابن أخيك، قال: لعنه الله وقبّحه، فما أعرف نسمةً أبغض منه إليّ، وإنك لو عرفت باطنة لما استحسنت ظاهرة ونهض متلوياً من حسد نار به ومناقضةٍ أتى بها، وحالٍ فجأته، وكامن ظهر عليه. وكان القاضي أبو حامد يحدّثني بهذا العمّ، وكان شديد العداوة، قاطع الرّحم، قبيح الجفاء، وكان يقول: والله لا ورثتني، ولأهبن مالي لبختيار - وكان أمير بغداد - ولساسته، ولا أتركه لك، ثمّ أبى الله ذلك.

قال: وحدّثني أبو حامدٍ بحديثه مع عمّه حين حدّثته أنّ عمّي كان قاعداً في بعض العشيّات في قطيعة الرّبيع، فاجتزت به متوجّهاً إلى مجلس أبي الحسن ابن القطّان الفقيه الشافعيّ، فقال له جلساؤه: إنّ ابن أخيك با أبا العبّأس مجتهدٌ في طلب العلم، يغدو ويروح، ولقد سمعنا تلاوته للقرآن فاستجدناها، ولقد سمعنا منطقه فاستأنسنا به، وقد كتب الحديث الكثير، وسافر وتصّوف، فقال للجماعة: هذا كلّه كما تقولون، ولكن له عيبٌ واحد، قالوا: وما هو؟ قال: يأكل في كلّ يوم أربعة أرغفةٍ، فورد على الجماعة ما حيّرها وأضحكها. وقد رأينا أعماماً قطعوا أرحاماً، فقطع الله أعمارهم، وأقفر ديارهم، وأورثهم خسارهم. وإنّما سقت هذا ناهياً عن قطيعة الرّحم، وحاثّاً على حفظ القرابة، مذكّراً عواقب القطيعة، ومحذّراً من قبيح القالة، وإلى الله تعالى نفزع في كلّ ما دقّ وجلّ، فهو المنتهى وإليه الرجعى. احتضر ابن أخٍ لأبي الأسود الدؤلي - هكذا الفصيح يفتح الهمزة - فقال: يا عمّ، أموت والناس يحيون؟ قال: كما حييت والناس يموتون. قال ابن السّمّاك: أهل القبور على الاختبار، وأهل الدّور على الاضطرار والانتظار، فأمّا أهل القبور فندموا على ما قدّموا، وأمّا أهل الدّور فيقتتلون على ما عليه أهل القبور ندموا، فلا هؤلاء إلى هؤلاء يوجعون، ولا هؤلاء بهؤلاء يعتبرون. شاعر: الوافر أنا ابن محفّضٍ والسّكب خالي ... إذا أنا من بني رجل الحمار أسود إلى العلى بأبٍ وجدٍّ ... إذا عظمت مراهنة الخطار شيوخاً طال ما سادوا وقادوا ... تميماً في الملمّات الكبار فلا تمدد يديك بلا قديمٍ ... إلى أهل القديم ولا نجار

فلا يستطيع إلهاب المذكّي ... لدى الغايات أفلاء المهار يسطيع إسطاعاً لغة، فلا تنكر الضّمّ في الياء، فإنّه يقال: أسطاع يسطيع إسطاعاً، واسطاع يسطيع اسطياعاً، واستطاع يستطيع استطاعةً، والاستطاعة: طلب الطّاعة. 478 - والاستطاعة عند المعتزلة قبل الفعل، زعموا، كما أن العين قبل الإدراك، واليد قبل الضّرب. وقال خصومهم: الاستطاعة مع الفعل، وبعض مجّان المتكلّمين يقول: بعد الفعل، والحقّ من ذلك أنّ الاستعداد والتهيّؤ قائمان بالإنسان التامّ المزاج العلة، فإذا أنشأ الفعل تقدّمته همّةٌ، وبعثته إرادةٌ، وساعدته قوةٌ، وتمّمته استطاعةٌ، فبانتظام هذه القوى فيه، وانبعاثها منه، والتصاقها به، سمّي قادراً، ومرّةً مستطيعاً، ومرّةً قوياً، والصّفات تعتوره من بعد على قدر درجاته في هذه الأحوال، وهذه القوّة والاستطاعة هو عواريّ عند الإنسان، تزداد مرةً بامتداد المعير، وتنقص على ذلك التّقدير، ولهذا لم يكن الإنسان قادراً على الإطلاق، ولا عاجزاً على الإطلاق، بل كان وعاءً لهما، محمولاً عليهما، ولو عري من القدرة رأساً لما كلّف، ولو ملك الاستطاعة رأساً لما لجأ إلى الله ولا تضرّع، فهو بين قدرة من أجلها أمر، وبين عجزٍ من أجله اضطرّ وعذر، ولو كان مستطيعاً على الحقيقة لبطر وأشر، ولو كان عاجزاً على الحقيقة لما كلّف ولا أمر، فسبحان من خلق هذا الخلق، وصرّفهم على الكمال والنّقص، وضربهم بالسعادة والنّحس، وألجاهم إلى النّفس والحدس، ليعرفوا بكمالهم كمال مكمّلهم، ويعرفوا بنقصهم استئثار مدبّرهم، فيعتمدوا عليه، ولولا هذا التدبير المنطوي على الحكمة، الجاري على نظام العقول السّليمة، لكانت قدرتهم تنسيهم عجزهم، وإذا نسوا مواضع العجز فتنوا بمواضع القدرة، ألا ترى أنّ الخلق مع تعاور الآفات عليه، وتسارع النّكبات إليه، وتحكّم البلاء فيه، وتفسّخ عزائمه وتداعي أواخيه،

كيف يثبون ويأشرون، ويبطشون وينتقمون، ويتظالمون، حتى كأنّهم لم يشهدوا من دهرهم فقد حميم، ولا اختطاف عزيز، ولا ابتذال ذخر، ولا ارتجاع موهبة، ولا هدم بنيّة، ولا قطع أمنيّة، ولا حلول قارعة، ولا زوال ملك، ولا عثار مستمرّ، ولا انتكاس متطاول، ولا خرس منطق. خالق الخلق أعلم بما أودع طينتهم، ومزج به أرومتهم، وقصر عليه طباعهم، وبعث إليه أبصارهم، وكتب عنده آثارهم، وأحصى عددهم، وتابع مددهم، ورتّب كلاً مرتبةً إن تجاوزها هلك، وإن قصّر ليم، وإن ثبت عندها نجا؛ له الملك والعظمة، والقدرة والسطوة، والحكمة واللّطف والنّعمة، والعفو والرحمة، فإيّاه نسأل خير ما عنده، وإليه نفزع من شرّ ما عندنا، إنّه صارف الشرّ عنّا، وموصل الخير من لدنه إلينا، وهو على ما يشاء قدير، وبجميع عباده خبيرٌ بصير، يجمع بين المحروم والمرزوق في شرك الاختبار، ويؤلّفهم في نظام الأمر والنّهي، ويطالبهم بالصبر والشكر، ويمدّهم باللّطف والرّفق، ويضمن لهم الربح والنجح، ويدّخر لهم الخلاص والثّواب. فاعتبر أيّها السامع أفاعيله، وتصفّح حقائقه، واستجل أسراره، واستنّ حكمه، وتزود الشّكر على أوائل إحسانه إليك، وفواتح إنعامه عليك، واجعل المتجلّي منها مثالاً لما خفي، والخافي مسلّماً بما وضح، فإنّ هذا الاعتبار يثمر لك عاقبة الحمد، وينزلك دار الصدق، وينقلك إلى عالم الحقّ، ولا يغرنّك ما أنت به باقٍ ها هنا، فإنّ البقاء ها هنا فناء، إّلا أنّ فناءك هنا بقاءٌ هناك، ومتى لاح لك الرّمز والحقّ الذي يتضمنه، صرفت سعيك وجدّك وتشميرك واستعدادك، وزادك إلى حظٍّ أنت به باقٍ وثابتٌ معه، ولست تفهم هذه المعاني، ولا تطّلع على هذه المعالي ما دمت أسير ما تراه عينك، وتلمسه يدك، وتتمنّاه شهوتك، لا والله حتى تتخلّى منك، أعني من جلبابك وقشرك وغشائك، نعم وحتى تتعرّى من جسدك، أعني من جوانحه وزينته وكرامته، وتأخذ ممّا لا بدّ لك منه، مكرّماً بذلك ذاتك، ومهيناً لما دنّسك وأهلكك.

واعلم أن بقاءك بصفاتك، وصفاءك بتفاني هذه الأشياء عنك، واعلم أنّ فناءك بكدرك، وكدرك بتعاور هذه الأشياء عليك، فانج ما كنت على جوادك، فيوشك أن يعثر بك فيلقيك في هوةٍ لا تنتعش منها أبداً، فإن باشرت الشكوك بقلبك، وطرحت المواعظ عن سمعك، وثقلت النّائح على عقلك، فاعلم أنّك ميت وإن كنت في مسك حيّ، وعليلٌ وإنّ كنت في ثياب صحيح، ومخذولٌ وإن تتابع لك النّصر، ومحرومٌ وإن اتسّع عليك الرّزق، ومحبوسٌ وإن كنت في صورة مسيّب، ومرحومٌ وإن كنت في ظاهر مرضيٍّ عنه، ومعذبٌ وإن طال بك الاستمتاع، فعليك السلام، فقد وقع اليأس منك، وانقطع الرجاء عليك، وما أحوجك عند هذه العاقبة إلى نائحةٍ تبكي عليك، وتندب شبابك، وتعدّد محاسنك، وما أخوفني أنّك إلى الشماتة بك أقرب، وبالانتقام بك أحقّ، لأنّ من عشي عن الذّكر، وألف إهمال الفكر، وأغفل حقّ النّعمة بالشّكر، وسكن مساكن الظالمين، ووقف مواقف العائدين، وتجاهل وهو يعلم، وتعامى وهو يبصر، وتغافل وهو يدري، وتشكّك وهو يتيقنّ، وتمارض وهو صحيح، وتناكر وهو عارف، حقيقٌ بأن يشمت به العارف بحاله، المطلع على أمره. اللهمّ لا ترسلنا من يدك، ولا تلنا بكيدك، وكن بنا أرأف منّا، إنّك أهل ذلك، واللاّطف به. 478ج - افترّ هذا الحديث الطويل عن تفسيره قوله: يسطيع، ولو نهلت على حسب إرادتي لأفردت هذا الكلام عن المكان وتثبّتّ فيه، ولما قنعت له بخاطرٍ عابر، وهاجسٍ سانح، ولفظٍ لم يخدمه التّنقيح، ولم يشقّق عليه الرأي، ولم يستعن عليه بالسّهر، ولم يجتلب إليه المعنى المبيّت المخمّر، وعلى هذا جرى الكتاب من أوّله، والله تعالى أسأل بلوغ آخره، مشفّعاً بالقول والعمل، غير مغترٍّ بامتداد أجل، واختيال أمل.

478د - لا تسرع إلى ذمّي حتى تقف على عذري، وتعرف حقيقة أمري، فوالله لقد أصبحت وما لي صديقٌ أتنفّس معه، ولا عدوٌّ أنافسه، ولا غنىً أستمتع به، ولا حالٌ أغبط بها، ولا مرتبةٌ أحسد عليها، ولمّا أفضى بي الزمان إلى هذه الخلّة المشكوّة، وأفضيت بنفسي ما حوى هذا الكتاب معللاً نفساً قد باءت بسخظٍ من الله إن لم تكن شاكرةً لله تعالى، مسلّمةً لأقدار الله عزّ ذكره، راضيةً بقضاء الله، عارفةً باختيار الله جلّ اسمه، فلا تزدني بلومك حرقةً، وبمنازعتك أسفاً، وبلجاجك ضجراً؛ واعلم أني بشريٌّ أزلّ إن قلت، وأضل إذا ارتأيت، وأخطئ إذا توخّيت، وأصيب إذا وفّقت، وأحقّق إذا ألهمت، وأنال إذا قرّبت، وأسعد إذا لوطفت، وأتخلّص إذا رحمت، فإذا لمت فليكن لوماً هوناً، فإنّك لو نصبت نفسك في موضعي لم تخل من لسانٍ هو أعضب من لسانك، ومديةٍ هي أحزّ من مديتك. 478هـ - وقوله: إلهاب المذكّي، هو العدو، يقال: ألهب يلهب، أي أحمى العادي نفسه فهو بمنزلة نارٍ تلهّب، ويقال: أهذب أيضاً في هذا المعنى، والمذكّي: المسنّ، فيقال: ذكّى الرجل وغيره إذا أسنّ؛ والأفلاء: جمع فلوٌّ، ولا تقل: فلواً، ويقال إنه قبل له فلوٌّ لأنّه افتلي عن أمّه أي أخذ وقطع، ومنه يقال: فليت رأسه بالسيف، والفوالي: نساءٌ يفلين ثيابهن ويطلبن ثيابهنّ ويطلبن هوامّ أبدانهن، يقال: تفلّى فلانٌ وتفلّت المرأة، وفلت الأمّ رأسها، وفلّت رأسها، والفلّ: القوم المنهزمون، والفلول: آثارٌ في السّيوف من طول الضّراب، وإيّاه عنى الشاعر: الطويل

ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم ... بهنّ فلولٌ من قراع الكتائب أي لا عيب فيهم، لأنّ من هذا عيبهم فلا عيب فيهم. كما تقول: لا عيب له إّلا في كماله. وأما الفلّ - بكسر الفاء - فأرض لا تمطر وجعه أفلال، والفلال: المفالّة أي المقاطعة، واستفلّ فلانٌ فلاناً مجازه: أخذ منه حديثاً، وفلان لا يستفلّ صبر صدره، ولا يستغلّ عزم صدره، والفليلة: قطعةٌ من الشّعر جمعها فلائل، وفلّ فلانٌ غرب فلانٍ أي قطع حدّه، فأمّا فال يفيل في الرأي إذا زلّ، وفلانٌ فيّل الرأي وفائل الرأي، وفلانٌ يستفيل رأي فلانٍ، قال الشاعر في فال يفيل: الطويل وسمّيته يحيى ليحيا فلم يكن ... إلى ردٌ أمر الله فيه سبيل تيمّمت فيه الفأل حتى رزقته ... ولم أدر أنّ الفال فيه يفيل والفائلان: عوقان مستنبطان الفخذين؛ وأمّا المهار فجمع مهرٍ وهو الذي لم يرض بعد ولم يركب، ويقال أيضاً: أمهار، وفي الحماسة: الكامل يقذفن بالمهرات والأمهار ويقال في الجمع فعالٌ كثيرٌ، ومنه رماحٌ وأرماح، وشرارٌ وأشرارٌ، وخيارٌ وأخيارٌ، وليس لباب الجمع قياس. نظر رجلٌ زاهدٌ إلى آخر مغتمّاً بالرّزق فقال: أتوقن أنّك تعيش إلى غدٍ؟ قال: لا، قال: أفتخاف أن تعيش وليس لك رزق؟ قال: لا، قال: فأيّ شيءٍ تخاف؟ قال: أخاف أن يكون قليلاً، قال: أفخوفك هذا

يذهب بقلّته ويأتيك بكثرته؟ قال: لا، قال: فأراك قد اتخذت الحزن ضجيعاً، والتحفت عليه بلا منفعة. قال فيلسوف: أصاب الدّنيا من حذرها، وأصابت الدّنيا من أمنها. قيل لزاهد: ما بال الشيخ أحرث على الدّنيا من الشّاب؟ قال: لأنه ذاق من طعم الدّنيا ما لم يذقه الشّاب. عوتب سهيل بن عليّ في كثرة الصّدقة فقال: لو أراد رجلٌ أن ينتقل من دارٍ إلى دار، أكان يترك في الأولى شيئاً؟ لا والله. دخل لصٌّ على بعض الزّهّاد فلم ير في داره شيئاً فقال: يا هذا أين متاعك؟ قال: حوّلته إلى الدار الآخرة. ذكرت الدّنيا عند الحسن فقال: هو المحبوبة التي لا تحبّ أبداً، المزومة التي لا تلزم أحداً، يوفى لها فتغدر، ويصدّق لها فتكذب. قال فيلسوف: لا تلبسوا اللّئام ملابس الحكم، فإنّ أجسادهم أخشن من أن تتزيّن ببرودها، ورقابهم أنذل من أن تتحلّى بعقودها. للمأمون: السريع أما ترى ذا الفلك السّائرا ... أبيت من همٍّ به ساهرا مفكّراً فيه وفي أمره ... فما أرى خلقاً به خابرا

يخبر عن لطف تدابيره ... وكيف أضحى للورى حاضرا يا ليت شعري هل أرى مرّةً ... أكون في أبراجه سائرا أكون مع طالعه طالعاً ... طوراً ومع غائره غائرا حتى أرى جملة تدبيره ... وأعرف المستور والظّاهرا قال أعرابيّ: ما كلّ رقبةٍ تحسن فيها القلائد، ولا كلّ نفسٍ تحتمل عليها الفوائد. قال فيلسوف: لا تشمّ الأخشم ريحاناً، ولا تنل السّفية برهاناً. قال أبو عبد الله بن حرون: دعا الرشيد بعبد الملك بن صالح وعنده ولاة أمره وقوّاد جنده، فجيء به يرسف في قيده، فلما مثل بين يدي الرشيد أنشد الرشيد: الوافر أريد حياته ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مراد والله لكأني أنظر إلى شؤبوبها وقد همع، وإلى عارضها قد لمع، وإلى الوعيد

قد أروى ناراً، فأقلع عن رؤوسٍ بلا غلاصم، ومعاصم بلا راجم؛ مهلاً مهلاً بني هاشم فبي سهل لكم الوعر، وصفا لكم الكدر، ونذار نذار من حلول داهيةٍ إدٍّ، خيوطٍ باليد، لبوطٍ بالرّجل. فقال عبد الملك: يا أمير المؤمنين، أتكلّم فذّاً أم تؤاماً؟ فقال: بل فذّاً، فقال: اتّق الله يا أمير المؤمنين فيما استرعاك، ولا تجعل الشّكر بموضع الكفر لقول قائلٍ ينهس اللّحم، ويلغ الدّم، فوالله لقد حدوت القلوب على طاعتك، وذلّلت الرجال بمحبّتك، وكنت في ذلك كما قال أخو بني كلاب: الرمل ومقامٍ سيّءٍ فرّجته ... بلساني ومقامي وجدل لو يقوم الفيل أو فيّاله ... زلّ عن مثل مقامي وزحل فأمر به فردّ إلى محبسه ثم قال: لقد دعوت به وأنا أرى مكان السيف من صليف رقبته ثمّ ها أنا قد رثيت له، وليس من الاحتياط أن يترك. 489ب - تفسير حروفٍ في هذا الكلام للرشيد قد اشتمل على عربيّةٍ علويّةٍ، وقد روي أوّل الكلام لعبد الحميد، والنسب إليه أكثر، وهو به أليق، وماأضع بهذا من الرشيد، ولكن للصناعة موضعٌ لا تأتي عليه الخلافة: أما قوله يرسف فمعناه: يمشي مشي المقيّد، وصورته شائعة لأنّ المقيّد يقصر خطوته، يقال منه: رسف - بالسّين غير معجمة -؛ والماشي كذلك راسفٌ.

وأما قوله مثل بين يديه فمعناه وقف وقام، وكأنّه صار مثالاً، لأنّ المثال يقابل المماثل، وقيل في قوله: " مثلهم في التّوراة ومثلهم في الإنجيل " أي صفتهم، وجمع المثال مثل؛ وفيما ترجم من كلام أفلاطون أنّ الأشياء قبل الوجود كانت مثلاً في نفس الباري، فعلى ذلك اخترعها، وهذا رأيٌ فاسدٌ خيالٌ مضمحلّ لأنّ قوله: الأشياء قبل الوجود باطلٌ عنده، لأنّ القبل من الأشياء، ويستحيل أن تكون الأشياء تسبق شيئاً من جملة الأشياء، وهذا لا قوام له من العقل، وقوله: قبل الوجود مغالطةٌ لأنّ الوجود أيضاً مغمورٌ بالاسم العامّ للأشياء، وأما قوله: مثلاً في نفس الباري، فما أبعد هذا من الحقّ، هل كانت المثل - إن كانت أيضاً - إلاّ أشياء، وكأنّه قال: الأشياء كانت أشياء في نفس الباري، ومتى جاز مع هذا أن تكون نفس الباري ظرفاً للمثل، لأن قوله: في نفس الباري، وامئٌ بهذا، ومشيرٌ إلى هذا، وعاطفٌ على هذا، فإن كان ضيق العبارة أفضى به إلى هذا، فليأت ببيان أتمّ من هذا، وباعتذارٍ يقرّب هذا، وليس الفنّ غرضي هاهنا، ولكن عنّ هذا على عادة ما تضمّن هذا الكتاب، فتكلمت حسب الطاقة، نافياً عن الله المستحيل، وناصراً للتوحيد. وجمع المثال: أمثال، وجمع الأمثال: أمثلة " وضرب الله مثلاً " أي بيّن الله أمراً في معرضٍ ليس عندكم، وعلى هذا تقول لصاحبك: إنّما مثلك مثل رجلٍ قال كذا وفعل كذا، ويقول كذا ويفعل كذا، فيعرض شأنك عليه في صورةٍ يسرع إليها وهمه، ويقرب منها فهمه، فتسقط المنازعة ويتسهّل المراد. فأما البيت فقديم، أعني الذي أنشد الرشيد، وسمعت بعض الشّيعة يقول: البيت لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قاله لعبد الرحمن بن ملجم لعنه

الله، حين علم أنّه ضاربه على هامته، وسائلٌ دمه على شيبته، قال: والدليل على ذلك قوله من مراد، وعبد الرحمن مراديّ، وأصحابنا يأبون هذا الكلام، ويقولون: البيت لعمرو بن معدي كرب، وقد جاء في ديوانه، ولكنّ الشيعة إذا سمعوا هذا الكلام رموا قائله ببغض عليٍّ، وقذفوه بكلّ قبيح، والفتنة منهم شديدة، والبلاء عظيم، ولو لم يكن من عجائبهم إلاّ تشريف عليّ، ونشر فضائله، والاقتداء بأفعاله، لكان ذلك حقّاً وصدقاً وطاعةً، ولكن يتّصل بهذا ما يهدم هذا، ونعوذ بالله من الحور بعد الكور. وأمّا نصبه عذيرك فإجماعٌ من النّحويين، قالوا: معناه من يعذرك، وإنّ الفعل أوجب النّصب لأنّك لو خفضت بغير خافضٍ ولو رفعت استحال خبراً، وليس الغرض المرميّ ولا المراد المغزوّ أن يكون عذيرك من خليلك من مراد، فلما بطل الوجهان صحّ الثالث أعني النّصب، كأنّه أريد به خيراً ويريد بي شرّاً، أي هات الآن من يعذرك ومن عاذرك، وكأنّ العذير هاهنا فعيل بمعنى فاعل، ولهذا نظائر. وأما قوله شؤبوبها فجمعه شآبيب وهي الدّفع، ويسمع أيضاً في وصف الناس، يقال: خرجت في شؤبوبٍ من الناس أي دفعة، في قطعةٍ، في فوجٍ. وأمّا قوله قد همع فمعناه سال، وأمّا العارض فهو الذي يستطير من البرق كأنّه يعرض أو يطول لأنه يكون ذا طولٍ مرّةً وذا عرضٍ مرّةً. لمع معناه لاح وأخذ العين، ويقال: التمع فلانٌ إذا أبصر شيئاً يحسر عينه، ومعناه يكلّ أي يأخذ حدّتها ويذهب بضيائها ويفرق شعاعها، والشّعاع إذا تفرّق من منبثّ البصر كلّ الناظر، وصار المغرب من الناس - أعني من اشقرّت أهداب

عينه، وإن قيل: أشفار على الجوار جاز - لا يجود إبصاره، لأنّ شفر عينه يفرّق الشّعاع المنبثّ المضاء، فأمّا السّواد فجامعٌ لأقطار الضوء وناظمٌ ما تفرّق من النّور، ومسدّدٌ بالنظر نحو المقابل، وهذا أيضاً تطويلٌ لا يدخل فيما نحن منه بسبيل، فما أصنع وحلاوة الحديث قد أخذت بسمعي وبصري، وعرّضتني للائمة من يعزّ عليّ؟ وأمّا قوله أورى ناراً فمعناه استخرج، يقال: ورت النار ووريت، يقال في كلام العرب: وريت بك زنادي، وزهرت بك ناري، فأمّا وراني ورياً، ينصبون على مذهب الدّعاء، أي ألزمك الله تعالى هذا، وفي خلافه يقولون: عمراً وشباباً. فأما الغلاصم فجمع غلصمة، وهي العجر التي على ملتقى اللهاة والمريء، إذا ازداد الآكل اللقمة فزلّت عن الحلق ودخلت في الغلصمة، والحنجرة رأس الغلصمة؛ هذا لفظ الأصمعي. وأما المعاصم فجمع معصمٍ وهو موضع السّوارين وأسف ذلك قليلاً. وأما البراجم واحدتها برجمةٌ، وهي ملتقى رؤوس السّلاميات من ظهر الكفّ، إذا قبض الإنسان كفّه نشزت وارتفعت، وبها سمّيت البراجم من بني تميم؛ هذا أيضاً لفظ الأصمعي. وأما قوله الوعر فالخشن، ولا يقال إلاّ في الطريق، ولا يقال في الثوب الخشن وعرٌ لا مجازاً ولا تحقيقاً، يقال: طريقٌ وعرٌ. وقد سمع وعرٌ - بحركة العين -، وطرقٌ أوعارٌ، ورأيت شاعراً قال: طرقٌ وعرٌ، فعيب عليه وقيل له: أنت لا تقول: قومٌ قائمٌ، لا تصف الواحد بصفة الجماعة، ولا تصف الجماعة بصفة الواحد، فقال: أنتم لا تقولون قومّ نائمٌ وقد قال الله تعالى: " فوجٌ مقتحمٌ "، ودار الكلام وانتهى. وأما قوله نذار فمعناه النّذير والإنذار، وكأنّ الإنذار إعلامٌ إلا أنه مع

تحذير، وليس كذلك التّبشير، فإنه مقصورٌ على إعلام الخبر، وسمعت من يقول: فلم قال الله تعالى: " فبشّرهم بعذاب أليم " وهذا محذورٌ، فقلت: أرجو أن أحكيهما لك وأعرضهما على عقلك، ليكونا عندك: إنّما قال الله لهم ذلك على وجه التّهزّؤ بهم، ألا ترى أنه قال تعالى: " ذق إنك أنت العزيز الكريم " وهو الذّليل اللئيم، كما تقول للرجل: يا عاقل، كانياً عن حمقه، لأنّك تكره اللفظ لبشاعته، وتضمر المعنى للحاجة إليه، ولو أفصحت باللفظ الأخصّ عن المعنى الأخصّ عاد سفهاً وصار خصومةً. والجواب الآخر أنه قال: إنّ هذا الإعلام قد تعلّق بخبرٍ لأنّه قد حاشهم إلى الجنّة بهذا التحذير، ويقال: معنى بشّرته أي أظهرت على بشرته ذلك. وأما كسر نذار فبناءٌ، نظيره: حذار ونزال وتراك، وقطام وحذام وقيل: إنهم أشارو بهذا البناء إلى تكرير الفعل كأنّهم قنعوا به عن قولهم: احذر، واترك، والله أعلم. وأمّا قوله داهيةٍ إدّ فهي الشّديدة، من قولهم: آدني الأمر أي أثقلني، يؤودني، وقد ردّ هذا جماعةٌ من العلماء وقالوا: لا يكون منه إدّ إنما يكون آيدٌ، مثل قال يقول فهو قائلٌ، وأدري يأدو إذا قتل الصيد فهو آدٌّ، يا هذا، وقد يلتبس الأمر على من لم يكن ذا مهارةٍ في هذه المواضع الخفيّة؛ وكان القاضي أبو حامد يقول: من كان نصف طبيبٍ فإنّه يقتل العليل، ومن كان نصف فقيهٍ فإنّه يحلّل المحرّم، ومن كان نصف نحويٍّ فإنّه يلحن أبداً، ومن كان نصف لغويٍّ فإنه يصحّف أبداً؛ هذا قوله وليس الكمال مأمولاً للخلق، لكنّ الحكم للغالب الأكثر، والشائع الأفشى. وأما قوله خبوطٍ باليد فهو ضروبٌ باليد على جهلٍ بمواضع الضّرب، وكذلك اللّبوط بالرّجل. وأمّا قوله أتكلّم فذّاً فالفذّ الواحد، ولا يطلق في ذات الله تعالى الواحد

الفرد، ولا ندري لم ذاك، ويطلق الوتر وإن لم يكن واحداً بالإطلاق، بل يكون واحداً وثلاثةً وخمسةً وسبعةً، وعلى هذا جرّاً؛ وأما الفرد في أسماء الله تعالى فسائغٌ شائع. قال أبو حامد: ولا يقال في الله تعالى هو فريدٌ وحيدٌ، وإن قيل فردٌ واحدٌ، ولم يوضح وجه المنع من ذلك، والنّفس تشهد بصحّة ما قال، ولكنّ البرهان مفقود، وشهادة النّفس مع فقد الدليل كصدودها بعد ظهور الدّليل. وأمّا قوله تؤاماً فإنّ أصحابنا يقولون هذا خطأ، لأنّ الواحد لا يكون تؤاماً، إنّما يكون الاثنان توأمين، هكذا قال يعقوب: هذا توأم هذا، أي هذا ولد مع هذا، واعتذر لعبد الملك بعض أصحابنا فقال: لعله أراد تؤاماً على الجمع كما قال الشاعر: الرجز قالت لنا ودمعها تؤامُ ... كالدّرّ إذ أسلمه النّظام على الذين ارتحلوا السّلام قال: كأنه أراد بالتّؤام التّوائم، والتّؤام في شعر المرقّش الأصغر: ودرّاً توائماً، كأنّه جمع تائمةٍ وإن لم يسمع. وأما قوله نهس اللحم فمعناه يأخذه بأسنانه ومقاديم فمه، ومنه: تناهست الكلاب الجيفة، وجمعها جيفٌ. وأمّا قوله يلغ الدم فهو من نعت الكلب إذا احتسى الدم وجرع فيه، والميلغة: ما يلغ فيه الكلب، اللام مفتوحة، والمولغ: صاحب الكلب، والوالغ والمولغ: الكلب، وفي الناس استعارةً إذا كثر سفكهم للدماء. والشافعي يروي خبراً في نجاسة الكلب، ويوجب غسل الآنية من ولوغه سبع مرّات، أولاهنّ أو أخراهنّ بالتراب، وأبو حنيفة يواطئه على النّجاسة ولا

يغسل هكذا، ويرى له ثمناً، والشافعي يرى له قيمةً لنجاسة عينه، ومالكٌ يرى أنّ الكلب طاهرٌ ولحمه مأكولٌ، ووجوه اختلاف الفقهاء متقاربةٌ، وأدرّتهم مستوسقة، وإنّما البلاء كلّه من أصحاب الكلام الذي يظنّون أنّ التوحيد لا يصحّ إلا بنظرهم، والدّين لا يثبت إلاّ بنصرتهم، والحقّ لا يعرف إلاّ بمقاييسهم، وهم عن أسرار التوحيد في أبعد مطرحٍ وأنأى منزح، والله تعالى أجلّ من أن يصحّح توحيده عقول خلقه، ومقاييس عباده، وظنون العاجزين عن الحقائق، وآراء المضروبين بالنّقص. وأنشد لأبي علي البصير: الهزج أتينا بعدكم مكّ ... ة حجّاجاً وزوّارا وحرّمنا لربّ النّا ... س أشعاراً وأبشارا ولبّيناه لا نسأ ... م إقبالاً وإدبارا لكي يغفر إنّ الل ... هـ قدماً كان غفّارا وقلّدنا وسقنا البد ... ن قد أشعرن إشعارا ومن جمعٍ تزوّدنا ... إلى الجمرة أحجارا ومسّحنا من الكعب ... ة أركاناً وأستاراً وجئنا القبر قبر المص ... طفى أحمد زوّارا وقال الناس هل أحد ... ث هذا لك إقصارا وهل أحسنت للتّوب ... ة من قلبك إضمارا فلمّا شارف الحير ... ة حادي إبلي حارا وقد كاد يغور النّج ... م للإصباح أو غارا فقلت أحطط به رحلي ... ولا تحفل بمن سارا فجدّدنا عهوداً س ... لفت منّا وآثارا وقضّينا لباناتٍ ... لنا كانت وأوطارا

وما ذقنا بها لهواً ... وبستاناً وخمّارا إذا حكّمته جار ... وإن حاربته جارا فما ظنّك بالحلفا ... ء أدنيت لها النّارا كشفنا لك أخباراً ... ودامجناك أخبارا قال أبو عمر الجرمي: الحلفاء: نبتٌ؛ والقبعثري: الجمل الشّديد، والأنثى: قبعثراة؛ واليعملة من النّوق: السّريعة؛ واليرمع: الحجر وغيره، وهو الحجر الليّن؛ والحديبة: الأرض الغليظة؛ والقرنوة: نبات، والعضرفوط: ذكر العظاء؛ والأفكل: الرّعدة، وزيادة الهمزة والميم غير أول من الشّاذ القليل نحو: شمأل يريدون الشمال، وزرقم: يريدون الأزرق؛ والعنسل: النّاقة السّريعة، وكذلك العسول؛ والجحنفل: الجبل العظيم، مأخوذٌ من الجحفل، وهي الكتيبة؛ والرّعشن: مأخوذ من الارتعاش؛ والعرضنة: مشيةٌ فيها اعتراضٌ من المرح؛ والعقربان: دخّال الأذن، وقيل: ذكر العقارب؛ والشّطب: شجر؛ قال والمرمريس من المراسة، يقال: داهيةٌ مرمريس إذا كانت شديدة، زيدت في موضع الفاء فموضعها فعفعيل.

قيل لأبي حاتم: من أشعر الناس؟ قال: الذي يقول: الخفيف ولها مبسمٌ كغرّ الأقاحي ... وحديثٌ كالوشي وشي البرود نزلت في السّواد من حبّة القل ... ب ونالت زيادة المستزيد عندها الصّبر عن لقائي وعندي ... زفراتٌ يأكلن صبر الجليد قال أعرابيّ: خرجت في ليلةٍ حندسٍ قد ألقت أكارعها على الأرض فمحت صور الأبدان، فما كنّا نتعارف إلاّ بالآذان، فسرنا حتى أخذ الليل صبغه. لأعرابيّ كان يتعشّق امرأةً: المتقارب وأحلى من الشّهد موعودها ... وأكذب من بارقٍ خلّب وأدنى إلى المرء من نفسه ... وأبعد وصلاً من الكوكب قال ثعلب: النّدمان واحدٌ وجمعٌ: من نادمك؛ قال ابن درستويه: لا يجوز جمع ندمان على ندمان، وإنما ندمان واحد، وجمع نديم: ندمان بكسر النون، فأمّا ندمان فلا يكون جمعاً، وجمع النّدمان ندامى، ويقال: فلانٌ حسن الندامة والرّدافة. العرّ: الجرب، والعرّ: تسلّخ جلد البعير، وإنّما يكوى من العرّ، ولا يكوى من العرّ؛ الثّماليل: العطبة التي تأخذ فيها النار.

لابن شماس السّعدي: الرجز قد أغتدي والليل في جريمه ... معسكراً نشّم في أديمه يدعّه بضفّتي حيزومه ... دعّ الصّبيّ لحيتي يتيمه شاعر: الرجز ألمّ بزينب بالرّكب لمم ... قد برحاها بالفؤاد وحلم ولم يكن خيالها إذا ألم ... يلمّ إلاّ بعفافٍ وكرم قال فيلسوف: قس شبرك بفترك، لعلّك تصيب مكان رشدك. قرئ من قبر يعقوب بن اللّيث الصفّار: الطويل سلامٌ على الدّنيا وطيب نعيمها ... كأن لم يكن يعقوب فيها مملّكا كأن لم يقد جيشاً من الدّهر ساعةً ... ولا رام ما رام الرجال مصعلكا وقرئ على قبر البصري العلويّ صاحب الزّنج: الطويل عليك سلام الله يا خير منزلٍ ... رحلنا وخلّفناك غير ذميم فإن تكن الأيام أحدثن فرقةً ... فمن ذا الذي من رميها بسليم وأمر أبو العتاهية أن يكتب على قبره: الخفيف المجزوء

أذن حيٍّ تسمّعي ... ثم عي بعده وعي أنا رهنٌ بمضجعي ... فاحذري مثل مصرعي ليس زادٌ سوى التّقى ... فخذي منه أو دعي ليس ميتٌ براجعٍ ... كيف ما شئت فاصنعي شاعر: الكامل المجزوء كنت السّواد لمقلتي ... فبكى عليك الناظر ما شاء بعدك فليمت ... فعليك كنت أحاذر آخر: البسيط تطاول الليل لا تسري كواكبه ... أم حار حتى حسبت النّجم حيرانا فأجابه آخر: البسيط ما طال ليلي ولا حارت كواكبه ... ليل المحبّ طويلٌ حيث ما كانا قال أبو سعيد الخرّاز، قال أبو عبد الله ابن الجرّاح: قصدني

أحمد بن حنبل فسألني أن أخرج إليه شيئاً من العلم، فأخرجت إليه كتاب العقل لداود بن المحبّر، فانتخب منه أحاديث وردّ الكتاب، فسألته عن ذلك فقال: لم أر فيه أحاديث صحاحاً، قال ابن الجرّاح: كلّه صحيح، قال أحمد: ومن أين عرفت؟ قال لأني استعملته فوجدته كلّه صحيحاً، فقال ردّ الكتاب إليّ حتى أنتفع به كما انتفعت. قال أنس: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ناقته الجدعاء وليست بالعضباء فقال: " أيّها النّاس كأنّ الموت فيها على غيرنا كتب، وكأنّ الحقّ فيها على غيرنا وجب، وكأنّ الذي يشيّع من الأموات سفرٌ عمّا قليل إلينا راجعون، نبّوئهم أجداثهم ونأكل تراثهم كأنّا مخلّدون بعدهم، قد نسينا كلّ واعظة، وأمنّا كلّ جائحة، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وأنفق من مالٍ كسبه من غير معصية، ورحم أهل الذّلّ والمسكنة، وخالط أهل الفقه والحكمة، طوبى لمن أذلّ نفسه، وحسّن خليقته، وأصلح سريرته، وعزل عن الناس شرّه، طوبى لمن عمل بعلمه، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله، ووسعته السّنّة، ولم يتعدّها إلى البدعة ". قال هبيرة بن خزيمة: أتيت الربيع بن خثيم بني الحسين بن علي رضوان الله عليهما، وقلنا: اليوم يتكلّم، فقال: أقتلوه؟! - ومدّ بها وصوته - اللهمّ فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشّهادة، أنت تحكم

بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون. قال شعيب بن حرب: إن كنت تريد أن تكون عالماً فسلّس للعمل قيادك، وسلّ عن الجهل فؤادك، واجعل هواك تبعاً للعلم. قال يوسف بن أسباط: كأنّ القوم ألهموا العلم وأبكموا الكلام، ونحن ألهمنا القول وأبكمنا العمل. قال ابن أبي نجيح: لقي أبي طاووس فقال له أبي: إن لقمان قال: إنّ الصّمت حكمٌ وقليلٌ فاعله، فقال طاووس: يا أبا نجيح، إنّ من تكلّم واتّقى الله خيرٌ ممن صمت واتّقى الله. قال الأحنف: الصّمت لا يعدو فضله صاحبه، والكلام ينتفع به من يسمعه، ويرجع إليه فضله. قال ابن الكوّاء للرّبيع بن خثيم: ما نراك تذمّ أحداً، قال: ويلك يا ابن الكوّاء ما أنا عن نفسي براضٍ فأتحوّل عن ذمّي إلى ذمّ الناس؟! إنّ الناس خافوا الله تعالى على ذنوب العباد وأمنوه على ذنوبهم. وقال الرّبيع: ذروا ما قد علمتم وكلوا ما قد جهلتم إلى عالم

الخير، فما كلّ الذي نزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم علمناه، ولا بالذي علمنا عملنا، وما نتّبع الخير حقّ اتّباعه، وما نتّقي الشّر حقّ تقاته، وما خيارنا اليوم بخيار، ولكنّهم خيرٌ ممّن هو شرٌّ منهم. قال بشّار: من جيّد قولي: الرمل أنفس الشّوق ولا ينفسني ... وإذا قارعني الهمّ رجع أصرع القرن إذا نازلته ... وإذا صارعني الخبّ صرع عمرك الله أما تعرفني ... أنا حرّاث المنايا في الفزع أنا كالسيف إذا وادعته ... لم يروّعك وإن هزّ قطع قال أبو عمرو بن العلاء، قال محمد بن عبد العزيز: تعلّموا العلم فإنّه زينٌ للغنيّ، وعونٌ للفقير، إني لا أقول يطلب به ولكن يدعوه إلى القناعة. قالت عائشة: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن يوم تبدّل الأرض غير الأرض والسماوات، أين يكون الناس؟ فقال: " على الصّراط ". قال أعرابيّ: أبناء دينك آنس بك من أبناء نسبك. أصاب وجه سعيد بن جبير شيءٌ من سواد القدر، فقالت له ابنته: ما هذا السّواد الذي أراه بوجهك؟ فصاح وسقط مغشيّاً عليه، فلمّا أفاق سئل عن ذلك فقال: خفت الله أن يكون قد سوّد وجهي في الدّنيا قبل الوصول إلى الآخرة. قال أحمد بن أبي الحواري: سألت أبا سليمان الدّاري عن قوله: إذا استكملت المعرفة في القلب سلب العارف العمل.

ما كان أحوج أبا سليمان أن يوضح علّة هذا فإنّه شنيع، وقد رأيت من أبناء التصوّف من هجر العبادة بمثل هذا القول، وإذا أفردنا الكلام في فنونهم أتينا على شبههم بظنونهم إن شاء الله. قال فيلسوف: اعتقد لولدك كتب آدابٍ تنعم أرواحهم، لا عقد مالٍ تنعم أشياحهم. قيل لأعرابيّ: هل تحدّث نفسك بدخول الجنّة؟ قال: والله ما شككت قطّ أنّي سوف أخطو في رياضها، وأشرب من حياضها، وأستظلّ بأشجارها، وآكل من ثمارها، وأتفيّأ بظلالها، وأترشّف من قلالها، وأستمتع بحورها في غرفها وقصورها، قيل له: أفبحسنةٍ قدّمتها أم بصالحةٍ أسلفتها؟ قال: وأيّ حسنةٍ أعلى شرفاً، وأعظم خطراً من إيماني بالله تعالى، وجحودي لكلّ معبودٍ سوى الله تبارك وتعالى، قيل له: أفلا تخشى الذّنوب؟ قال: خلق الله المغفرة للذنوب، والرحمة للخطأ، والعفو للجرم، وهو أكرم من أن يعذّب محبّيه في نار جهنّم، فكان الناس في مسجد البصرة يقولون: لقد حسن ظنّ الأعرابيّ بربّه، وكانوا لا يذكرون حديثه إلا ّانجلت غمامة اليأس عنهم، وغلب سلطان الرّجاء عليهم. يقال: ما المعذول، وما المعدول، والمعلول، والمعبول، والمعتول، والمعزول، والمفضول، والمقلول، والمسلول، والمشلول، والمطلول، والمهبول، والمهطول، والمعقول، والمألول، والمقذول، والمفلول، والمغلول، والمكبول، والمضلول، والمغمول، والمعسول، والمغسول، والمفسول، والمقصول، والمسمول، والمنصول، والمغزول، والمتلول، والمبلول، والمثلول، والمجلول، والمحلول، والمخلول، والمدلول،

والمرمول، والمزمول، والمشمول، والملمول، والمملول، والموبول، والمهزول، والمأبول، والمرطول، والمتبول، والمنسول، والمنحول، والمبتول، والمنبول، والمنجول، والممطول، والمقبول، والمنضول، والمكفول، والمنزول، والمأمول، والمأزول، والمشكول، وسيمرّ لك شرح هذه الكلمات على إيجازٍ، فإنّ الأطناب فيه يثقل عليك، ويوكل الضجر بك، وأكثره عتيدٌ عندك: أمّا المعذول فالملوم، يقال: عذلته أعذله - الذّال مضمومة - عذلاً، والعواذل جمع عاذلة، وأبو العواذل من أدباء الجبل، واعتذل فلانٌ إذا قبل العذل وأصغى إليه. وأمّا المعدول - من العدل - فهو للمال، يقال: عدلته فاعتدل وانعدل، ويقال: فلانٌ يعدل عندي ابني، أي يكون عدل ابني، أي مثل ابني، والأعدال جمع عدلٍ، لأنّ الحمل عدلان، وكلّ واحدٍ من العدلين مثل صاحبه. وأمّا المعلول فما عللته من الشّراب، وهو سقيك الماء مرّةً بعد أخرى، وشربه ثانيةً بعد أولى، وقول المتكلّمين خطأ من العلّة. وأمّا المعبول فهو من عبلك الشجرة، وهو هزّ ك أغصانها وخبطك ورقها. وأمّا المعتول فالمدفوع، من قوله: " فاعتلوه إلى سواء الجحيم "، والتاء تضمّ وتكسر، والعتلّ: الضخم، كأنّه الجافي الشديد، والعتلة: فأسٌ عظيمة. وأمّا المعزول فمعروف، يقال: عزل الوالي أي صرف عن عمله، وانعزل فلانٌ خطأ، وكان السّيرافي يأباه ونظائر له، كقول العامة ينذبح وينقتل وينحفظ وينضبط وينصرع، وقال غيره: جائزٌ مقبول. وأمّا المفضول فمن قولك: فاضلته ففضلته، فأنا فاضلٌ وهو مفضول، وقولهم: فلانٌ يقول بإمامة المفضول، هذا يراد به كأنّ أبا بكرٍ قد فضله عليٌّ فهو مفضولٌ، لكنّه إمام، ولولا التباعد من حومة ما نحن عليه لسقنا الكلام في

الفضل ما هو، والفاضل من هو، والمفضول كيف هو، وإن أمكن ذلك أتينا به متوخّين فائدتك إن شاء الله. وأما المقول فالذي تضرب قلّته، لا أعرف غيرذلك، وسألت السّيرافي فقال: قول العامة هذا على المقلول خطأٌ لا وجه له في العربية البتّة. وأمّا المسلول فالمستخرج بالجذب، يقال: غلامٌ مسلول، وسلّت بيضتاه، ويقال: رجلٌ مسلولٌ إذا ناله السّلّ، وهو داءٌ يدقّ به الجسم ويذوب معه البدن. وأمّا المشلول فمن قولك: شلّ العير أتنه إذا طردها وكسعها وكذلك الشّجاع إذا هزم منازله، ويقال: شللت الثوب إذا لقطت بإبرتك غرزها دفعةً واحدة ولم تفرد. وأمّا المطلول فهو الذي أصابه طلٌّ، يقال: دمٌ مطلولٌ أي باطلٌ لا طالب له. وأمّا المهبول فالمفقود بالموت، يقال هبلته أمّه إذا ثكلته، والولد مهبول. وأمّا المهطول فهو مكانٌ أتى عليه مطرٌ هاطل. وأمّا المعقول فالمشدود بالعقال، والمعقول: هو العقل أيضاً، وقيل: سمّي العقل عقلاً لأنّه يحبس صاحبه عن التقحّم. وأمّا المألول فهو من تضربه بالألّة وهي الحربة، فأنت آلٌّ. وأمّا المقذول فمن تضرب قذاله، وهو ما اكتنف قفاه. وأمّا المفلول فهو المكسور. وأمّا المغلول - بالغين - فمن علّق على عنقه الغلّ، أو غلّت يده، قالت اليهود: " يد الله مغلولةٌ " كأنّها كفّت عن ضيق الرّزق. وأمّا المكبول فالمقيّد، والكبل: القيد. وأمّا المضلول فمن قولك: ضاللته فضللته أي كنت أضلّ منه.

وأمّا المغمول فالمغطّى المستتر. وأمّا المعسول فما خلط به العسل. وأمّا المغسول - بالغين - فمعروف. وأمّا المفسول - بالفاء - فهو الرّذل الفسل، وهو الرّكيك الرأي الذي لا خير عنده ولا غناء البتّة، وقولك: البتّة بالفتح، والتعريف لا وجه له غير ذلك، هكذا قال الخليل. وأمّا المقصول فالمقطوع، والقصيل هو الحشيش لأنّه مقطوع. وأمّا المسمول فإنّه يقال: سمل السلطان عين فلانٍ إذا أعماه، ولا يقال ذلك حتى يدخل ميلٌ قد أحمي في عينيه. وأمّا المنصول فما أصلحت عليه نصلك، وهو في السّهم أشيع. وأمّا المغزول فهو من غزلت المرأة قطنها، وكأنّ قولهم: غازلت المرأة أي مايلتها في الغزل أي قاربتها في فعلها حتى ختلتها وخلبتها من هذا، ومعنى خلبتها أصبت خلبها، والخلب: غشاء القلب. وأمّا المتلول فمن قوله تعالى: " وتلّه للجبين " أي صرعه، وأنت التّالّ يا هذا وهو متلول. وأمّا المبلول فمن بللت الشيء بلاًّ، والبلّة حالةٌ، والبلال منه. وأمّا المثلول فمن قولك: ثلّ الله عرشهم إذا حطّه وهدمه. وأمّا المجلول فمن قولك جلت الشاة طعمها: إذا أخذته وأكلته. وأمّا المحلول فمن حللت أحلّ إذا فتحت أو أنزلت أيضاً، والحلال منه لأنه مفتوح مأخوذ، والحلال - بكسر الحاء - النازلون. وأمّا المخلول فما شددته بالخلال. وأمّ المدلول فمن دللته على شيءٍ فهو مدلولٌ وأنت دالٌّ. وأمّا المرمول فما أصلحت من الخوص. وأمّا المزمول فما زملته أي حملته، وكذلك ازدملته.

وأمّا المشمول فما أصابه الشمأل، وهو أيضاً من شمله الشيء - بكسر الميم - وهو أفصح، وقد أجاز الفتح يعقوب. وأمّا الملمول فمن قولك: ململته أي أقلقته. وأمّا المملول فمن الملل، معروفٌ. وأمّا الموبول: فمن الوبل، يقال: وبلت هذه الأرض إذا مطرت وبلاً، وقولهم: استوبلت هذه الأرض: استكثرت وبلها فكرهتها، وطبرستان كذلك، واجتويتها إذا كرهتها مع مدافعتها. وأمّا المهزول فمن قلّ لحمه وذهب سمنه، وسمعت بدوياً يقول: هذا كلامٌ مهزولٌ، وهو استعارة. وأمّا المأبول فمن أبل يأبل، إذا قام بالإبل وأحسن رعيها، يقال: فلانٌ من آبل الناس. وأمّا المرطول فمن قولك: رطلته، أي أخذته بيدك وقدّرت وزنه. وأمّا المبتول فالمقطوع. وأمّا المنسول فما نسلته الناقة وغيرها. وأمّا المنحول فمن قولك: نحلت فلاناً كذا وكذا، إذا وهبته له أو نسبت إليه كلاماً. وأمّا المتبول فمن التّبل وهو الحقد. وأمّا المنبول فالذي يرمى بالنبل، وأنت النّابل والنّبّال. وأمّا المنجول فمن قولك: نجله بالرّمح أي طعنه، ونجّله. وأمّا الممطول فمن تدافعه بماله عليك، وتطيل زمان تردّده إليك. وأمّا المقبول فمن قولك قبلته قبولاً. وأمّا المنضول فمن قولك: ناضله فنضله، والنّضال: الرّمي، قال الشاعر: الطويل

ولكنّ عهدي بالنضال قديم وأمّا المكفول فمن كفلته، قال الله تعالى: " وكفّلها زكريّا " وكفلت به إذا صرت كفيلاً، والله تبارك وتعالى كفيلٌ أي كافل، فهو فعيل بمعنى فاعل. وأمّا المنزول فالمكان تنزله. وأمّا المأمول فالمرجوّ. وأمّا المأزول فالمحبوس، يقال: أزلوا مالهم أي حبسوه عن المرعى. وأمّا المشكول فما شددّته بشكالٍ كالدّابة، وكذلك شكلت الكتاب وأعجمته. وقد أتينا على هذه الحروف حسب الطاقة، فخذ ما حلا بعينك، وراق قلبك، وقوّم أوداً إن مرّ بك، واجبر نقصاً يظهر لك، وكن للخير أهلاً، وبالجميل خليقاً. وقف رجلٌ على عبد الله بن عمر بن الخطّاب فقال: يا أبا عبد الرحمن، هل كان عثمان ممّن شهد بدراً؟ فقال: لا، فرفع الرجل صوته وقال: الله أكبر، قال: هل كان عثمان ممّن تولّى يوم التقى الجمعان؟ فقال عبد الله: اللهمّ نعم، فقال الرجل: الله أكبر، ثم قال: هل كان عثمان ممّن شهد بيعة الرضوان؟ قال عبد الله: اللهمّ لا، فرفع الرجل صوته وقال: الله أكبر، ثم ولّى الرجل فقال عبد الله: ردّوه عليّ، فلمّا وقف قال له عبد الله:

وأمّا قولك هل كان عثمان ممّن شهد بدراً فإنّه لمّا أذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الخروج إلى بدر، استأذنه عثمان في المقام على بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المرض الذي ماتت فيه، فأذن له، فلما فتح الله تعالى عليه ضرب لعثمان بسهمٍ، ثم قال له عثمان: وأجري يا رسول الله، قال " وأجرك "، وكان ممن شهد بدراً. وأمّا قولك: هل كان عثمان ممّن تولّى يوم التقى الجمعان فإنّ الله تعالى يقول في كتابه: " إنّ الذين تولّوا منكم يوم التقى الجمعان إنّما استنزلهم الشّيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم ". وكان عثمان ممّن شهد بيعة الرّضوان فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا خرج معتمراً إلى مكّة ومنعته قريشٌ أن يدخل إلى مكّة قال لأبي بكر: " اذهب إلى قريشٍ فقل لهم: دعونا حتى ندخل فنطوف سبعاً وننحر هدينا ونخرج عنهم "، فقال له أبو بكرٍ: إنه ليس لي بها عشيرة، فلو أرسلت عمر بن الخطّاب، فقال لعمر: فقال عمر: إنّي أخافهم على نفسي، فلو أرسلت عثمان فإنّ له بها عشيرة، فقال لعثمان، فذهب عثمان إلى قريشٍ وواعده العصر، فلمّا صلّى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله خشي أن يكون عثمان قد احتبس، فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أصحابه للبيعة فبايعوا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " هذه يدي عن عثمان "، فكانت يد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم خيراً من يد عثمان. ثم قال عبد الله: أخبرني هل أنت من المهاجرين؟ قال: اللهمّ لا، فرفع صوته وقال: الله أكبر، ثم قال: أفمن الأنصار الذين تبوّءوا الدّار وآووا ونصروا؟ قال: اللهمّ لا، فرفع عبد الله صوته وقال: الله أكبر، قال أفمن الذين تبوّءوا الدّار والإيمان من قبلهم؟ قال الرجل: اللهمّ لا، فرفع صوته وقال: الله أكبر، فقال: ولا من الذين جاءوا من بعدهم يقولون: "

ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان "؟ اخرج لا أمّ لك. قال ابن كناسة: لما صلب زيد بن عليٍّ رضي الله عنهما ما أمسى حتى نسج العنكبوت على عورته. وقال يوسف بن عمر: إنّ عاملي كتب إليّ يذكر أنّه زرع كلّ خقٍّ ولقٍّ، فقال: إنّه عنى الأرض المطمئنّة والنّاشزة. وأنشد: البسيط شطّ المزار بخذوا وانتهى الأمل ... فلا مزارٌ ولا رسمٌ ولا طلل إلاّ رجاء فما ندري أندركه ... أم نستمرّ فيأتي دونه الأجل قلت لبعض الأدباء: كيف وجدت فلاناً، أعني رئيساً، فقال: وجدته قليل الكرم، حادّ اللّؤم، دنس الجيب، مولعاً بالعيب، كأنّه خلق عبثاً، سفهه ينفي حكمة خالقه، وغناه يدعو إلى الكفر برازقه. قال المنتصر: لذّة العفو أطيب من لذّة التّشفّي وذلك لأن لذة العفو يلحقها حمد العاقبة، ولذة التشفي يلحقها ذمّ النّدم.

للحكم بن قنبر المازني: البسيط ويلي على من أطار النوم فامتنعا ... وزاد قلبي إلى أوجاعه وجعا كأنّما الشمس في أعطافه لمعت ... حسناً أو البدر من أزراره طلعا مستقبلٌ بالذي يهوى وإن كثرت ... منه الذّنوب ومعذورٌ بما صنعا في وجهه شافعٌ يمحو إساءته ... من القلوب وجيهٌ حيث ما شفعا قال محمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان: بعثني أبي إلى المعتمد في شيءٍ فقال: اجلس، فاستعظمت ذلك، فأعاد فاعتذرت بأنّ ذلك لا يجوز، فقال: يا محمد إنّ أدبك في القبول مني خيرٌ لك من أدبك في خلافي. كتب القاضي الزّنجاني: وأنا في رياض نعم الله راتع، وفي سوابغ مواهبه رابع، تتداولني أيدي أقداره بالتذليل، وتتناولني عيون عنايته بالتأميل، فأنا في طريق الاستسلام لأقضيته كالرّضيع موقناً بأن لا كائن إلاّ ما يقضيه، ولا حادث إلاّ ما يمضيه، ولله حقيقة الأمر المطلق، والشكر المحقّق.

شاعر: الكامل المجزوء إنّ الغريب بحيث ما ... حطّت ركائبه ذليل ويد الغريب قصيرةٌ ... ولسانه أبداً كليل وتراه حيث رأيته ... أبداً وليس له خليل والنّاس ينصر بعضهم ... بعضاً وناصره قليل قال عبد الملك لرجلٍ حدّثني، قال: يا أمير المؤمنين افتح، فإنّ الحديث يفتح بعضه بعضاً. تكلّم رجلٌ عند النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال النبيّ عليه السلام: " كم دون لسانك من حجاب "؟ قال: شفتاي وأسناني، فقال: " إنّ الله يكره الانبعاق في الكلام ". قال رجلّ لآخر: إن قتل كلمةً سمعت عشراً، فقال: لو قلت عشراً ما سمعت مني واحدةً. قال أبو مسهر: مال الرجل نفسه، فمن جاد بماله فقد جاد بنفسه.

يقال: اضطرّ النّاس في قديم الدهر إلى ملكٍ فجاءوا بوغدٍ ووضعوا التّاج على رأسه فقال: هذا ضيّق، فتطيّروا من ذلك، وجاءوا بتاجٍ وطمعوا أن يقول: هذا واسع، فيكون ضدّ قوله الأول، فقال: أريد أضيق من هذا، فنفوه وقالوا: أنت والله وغدٌ، وقد خفنا شؤمك. قال ابن الأعرابيّ: قال الخسّ لابنته: إنّي أريد أن أشتري فحلاً فصفيه لي، فقالت: اشتره أسجح الخدّين، غائر العينين، مؤلّل الأذنين، أعكى أكوم أرقب أحزم، إن عصي غشم، وإن أطيع تجرثم. قال ابن الأعرابي، قال لها: أمخضت ناقتك؟ قالت: لا، قال: فصفيها، قالت: صلاها نفّاج، وعينها وهّاج، ومشيها تفاجّ، قال: قد مخضت فاعقليها، قالت: قد عقلتها، قال: وكيف عقلتها؟ قالت عقلتها عقلاً استرخت له أزري، واضطربت له عذري. شاعر: الرجز تأكل بقل الرّيف حتى تحبطا ... فبطنها كالوطب حين اثرنمطا أو جائش المرجل حين عطعطا فقيل له: ما الحبط؟ قال: أن تأكل حتى تدغص، قيل: وكيف تدغص؟ قال: لا تجد أمتاً، قيل: وما الأمت؟ قال: البقية تبقى في الجراب حين تملؤه، قيل: فما الأثرنماط؟ قال: اطمحرار السّقاء، قيل: وما اطمحرار السّقاء؟ قال: شدّة انتفاخه إذا راب ورغا وكرثأ، قيل: وكيف يكرثئ؟

قال: يصير بمنزلة اللّبن الخثر، قيل: وما الخثر؟ قال: الذي مصل ماؤه، قيل: وكيف مصل ماؤه؟ قال: يسيل. قال أبو عبيدة: شرب حتى اطمخرّ، ونقع ونصع حتى كأنّه ظرف. قال فيلسوف: ما ورّثت الأسلاف الأخلاف كنزاً أفضل من الكتب، ولا حلّت الآباء الأبناء حلياً أزين من الأدب. قال عمرو بن معد يكرب لعمر بن الخطّاب: يا أمير المؤمنين، أأبرّ بنو المغيرة أم بنو مخزوم؟ قال وكيف ذاك؟ قال: تضيّفت خالد بن الوليد فأتاني بقوسٍ وكعبٍ وثور، قال: إنّ في ذلك لشبعاً، قال: لي أو لك؟ قال: لي ولك، قال: حلاًّ يا أمير المؤمنين، إني لآكل الجذعة من الإبل أنتقيها عظماً عظماً، وأشرب السّحيل من اللّبن رثيئةً أو صريفاً. والسّحيل: سقاء عظيم، والكعب: القطعة من السمن، والقوس: أسفل الجلّة من التّمر. قال جعفر بن محمد رضي الله عنهما: ريح الملائكة ريح الورد، وريح الأنبياء ريح السّفرجل، وريح الحور ريح الآس. امتحن يحيى بن أكثم رجلاً أراده للقضاء فقال: ما تقول في رجلين زوّج كلّ واحدٍ منهما الآخر أمّه فولد لكلّ واحدٍ ولدٌ من امرأته، ما قرابة ما بين الولدين؟ فقال: كلّ واحدٍ منهما عمّ الآخر. قال طفيليّ: ليس شيءٌ أضرّ على الضّيف من أن يكون ربّ البيت شبعان.

قال جعفر بن محمد رضي الله عنهما: تسريح اللّحية يذهب الغمّ، والخلال يجلب الرّزق. كانت تحيّة العرب: صبحتك الأنعمة، وطيّبتك الأطعمة، وتقول: صبحتك الأفالح، وكلّ طيرٍ صالح. قال بعض العلماء في قوله جلّ وعلا: " وقالوا قلوبنا غلفٌ " أي أغطيةٌ، جمع غلاف، فإن سكّنت اللام فهو جمع أغلف، أي مغطاة. وقيل في قوله: " ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام " أي يبقى ربّك، ويدلّك على أن الوجه هو نفسه رفع ذو لأنّه نعت الوجه. وقال في السّورة: " تبارك اسم ربّك " لأن الاسم غيره. وقال الفرّاء في قوله: " الرّحمن على العرش استوى له ما في السّماوات " على القطع والابتداء، واستواؤه إقبالٌ. وقال بعض العلماء: الدلالة على أن علم الآخرة يقينٌ وعلم الدّنيا مدخولٌ قوله تعالى: " لقد كنت في غفلةٍ من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديدٌ "، وكذلك قوله تعالى: " يخافون يوماً تتقلّب فيه القلوب والأبصار " تنقلب عن الحال التي كانت عليها من الارتياب والشّكوك إلى الحق واليقين لما يظهر من آيات الله. قال أبو طاهر ابن حمزة العلويّ: حدّثني ثقةٌ أنه رأى رجلاً من أصحاب الإماميّة يضع على حكم بزرجمهر أسانيد أهل البيت رضوان الله

عليهم، فقيل له: ما هذا؟ فقال: ألحق الحكمة بأهلها. وقال ابن حمزة: قلت لبعض الإماميّة: أين صاحبكم؟ قال: قد رفع عن إقليم آدم، قلت: فأين هو؟ قال: إنّ الله جلّت عظمته خلق سبعين إقليماً، في كلّ إقليمٍ من النّاس أكثر ممّا في إقليم آدم، ولم يعلموا أنّ الله خلق آدم وولده حجّةً عليهم لله تعالى غير هؤلاء. وقال المرّيسي: لو أنّ رجلاً حلف فقال: لا والرحمن لا فعلت كذا، ثم فعل، إن كان أراد سورة الرحمن فلا كفّارة عليه، لأنّه حلف بغير الله، وإن كان أراد الرحمن فعليه كفّارة. قال بعض العلماء: إن قيل: خالق كلّ شيء، يدلّ اشتماله وعمومه على أنّه خالقٌ لنفسه، قيل له: هذا باطلٌ لأنه بمنزلة قولك: خالفت النّاس كلّهم، وأنت لا تريد أنّك خالفت نفسك. قال أبو بكر محمد بن أحمد بن شيبة: وجدت في كتاب جدّي، سمعت أحمد بن المعذّل يقول: دفع إلينا سليمان بن داود صحيفةً فيما كان صار إلى أيّوب من كتب أبي قلابة، قال لنا سليمان: كان حمّاد بن زيد ربّما حدّثنا ببعض ما فيها، وكتابٌ من عمر، وكتابٌ من عثمان إلى أهل البصرة في شأن المصاحف، وما جمع منها، وكتبٌ كثيرة من عمر إلى عمّاله. وكان كتاب عثمان: بسم الله الرحمن الرحيم، من عثمان أمير المؤمنين إلى من

بالبصرة من المؤمنين والمسلمين، سلامٌ عليكم؛ أمّا بعد، فإنّ هذا الأمر محفوظ، من يرد فيه الإصلاح يهده الله ويصلحه، ومن يسئ فإنّ سوءه على نفسه، فاتقوا الله تعالى فإنّ الله " قد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين " وأطيعوا فمن أطاع فليس عليه سبيلٌ " فمن نكث فإنّما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً " وإنّ الله قد أفضل عليكم أن هداكم من الضّلالة، وبصّركم من العمى، وأوسع عليكم من الرّزق، واستخلفكم في الأرض، فانظروا كيف تعملون، وإنّ الله قد أحضركم القتال في سبيله، فاشكروا لله نعمته فإنّه زائدكم ما شكرتم، إنّ الله غفورٌ شكور. أمّا بعد ذلك فأعينوا أميركم على أمر الله تعالى، وآزروه مؤازرةً حسنةً جميلة، ومن رأيتم ينتهك حدود الله فانهكوه ولا تهاونوا، فإنّه من يقم على أمر الله جلّ اسمه فإنّ الله تعالى ناصره، وليست منزلة المسيء كمنزلة المصلح، وعد الله المصلح الجنّة ووعد المسيء النار، قال الله وقوله الحقّ: " أم نجعل الذّين آمنوا وعملوا الصّالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتّقين كالفجّار ". أمّا بعد ذلكم فإني كتبت إليكم في شأن المصاحف، ولم أفعل فيها الذي فعلت حتى اختلف فيها كثيرٌ من النّاس فظلموا أنفسهم فيها، وحتى إن الرجل ليحلف بالله ما يسرني أنّي كتبت من مصحف فلانٍ فإنّ لي مالاً عظيماً - يرضى ما عنده، ويزكي نفسه، ويسخط ما عند صاحبه. وإنّ كتاب هذا المصحف من فضل الله جلّ اسمه على عباده، وتمام نعمته عليهم يكون أمرهم جميعاً ولا يختلفون فيه كما اختلف أهل الكتاب قبلهم، وإنّا قد حرصنا أن نستثبث فيه وإن عمر أمير المؤمنين كان من آنسنا بالقرآن، وأحرصنا على تعليمه، وقد كان كتب عامّته من فم رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله، فجمع به رهطاً من المسلمين ممّن نفع بقراءته، وظنّوا أنّ عنده علماً بالكتاب منهم، فقام هو وهم

فكتبوا جميعاً، وحرصوا أن يستثبتوا بقرب العهد. وإنّا حرصنا على أن تكتب هذا المصحف من نسخة ذلك الكتاب الذي أكتبه منه عمر أمير المؤمنين من فم رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله، وحرصنا على حفظه، وألحقنا فيه قرآناً أنزل بعد ما كتبت المصاحف بإقامة البيّنة، وإني والله ما ألوتكم ونفسي من خير، وما هدانا لهذا إلاّ الله تعالى بعد ما أشفقت من اختلاف الناس في القرآن، وإنّ الله عزّ وجلّ أنزل الكتاب على عبده بالحقّ فيما ليس فيه اختلاف، وإنّ لكم في القيام عليه حياةً وخيراً كثيراً، فليقم على ذلك سراركم، ويلن قلوبكم، ويزكّ عملكم. وأمّا بعد ذلك، فإنّي أحسب عامّة أمركم خيراً، وإنّ عامّةً منكم يحرصون على السّمع والطّاعة ويجاهدون في سبيل الله، وينشطون للخير إذا دعوا إليه ويحرصون على أن يكون أمر النّاس صالحاً، وإنّ خلال ذلك من الناس قوماً ظلمةً لأنفسهم يتعمّقون ويتبعون السّمعة ليتبعهم جهلة الناس، ويحسبون أنّ عندهم شيئاً، وإنّما يجني الظالم على نفسه " وسيعلم الّذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون ". وقد بلغني أنّ أقواماً منكم يتكلّفون ويقولون ما ليس لهم به علمٌ، وإنّي لم أكن سابقاً إليهم ببعض العقوبة حتى أعذر إلى الله تعلى ثم إليكم في شأنكم، أو ينتهوا عن ظلمهم، فإني لا أحبّ أن يلجّوا في الشّرك. وأما بعد ذلكم فقوموا على ما أمرتكم به في شأن المصحف، ومن كان منكم سامعاً مطيعاً عنده مصحفٌ فليكتبه عليه في أقرب ذلك، وأمرت من حولي فكتبوا على ذلك والسلام؛ وكتب أنس بن أبي فاطمة في شهر ربيع الأول سنة ثلاثين. قال الشعبيّ في الشّيعة: أخذوا بصدورٍ لا أعجاز لها، وأعجازٍ

لا صدور لها، لو كانوا من الطّير لكانوا رخماً، ولو كانوا من البهائم لكانوا حمراً. قال سليمان بن جرير: إنّ الرافضة احتالت لأنفسها بحيلتين لا يطاقون معهما، إحداهما: القول بالبداء، والأخرى إذا وقع اختلافٌ قالوا بالتقيّة، فهاتان خصلتان. سمعت بعض الشّيعة يحكي قال، قال أبو حنيفة يوماً لجعفر بن محمد رضي الله عنهما: بما فضلتم النّاس؟ قال: فضلناهم بأنّ الأمّة كلّها تمنّت أنّها منّا، ولم نتمنّ أنّا منها. وقال جعفر رضي الله عنه: يا أبا حنيفة، ما الأمر بالمعروف؟ قال: أن تعظ بالجميل، وتأمر بالخير، وتنهى عن المنكر، قال: ليس كذا، إن المعروف أمير المؤمنين، والمنكر الذي ظلمه وجحده ميراثه وحمل النّاس على بغضه. يا أبا حنيفة، ما النّعيم الذي يسأل الناس عنه في قوله تعالى: " لتسألنّ يومئذٍ عن النّعيم "؟ قال: صحّة البدن والقوت من الطعام والشّراب، قال: لا، ولكنّ النّعيم أهل البيت رضي الله عنهم. يا أبا حنيفة، أخبرني عن سليمان بن داود كيف تفقّد الهدهد من بين الطير كلّها؟ قال: لا أدري، قال: لأنّ الهدهد يرى الماء في الأرض كما يرى الدهن في القارورة، فضحك أبو حنيفة قال: فلم لا يرى الفخّ حين يأخذ بعنقه؟

قال: إذا نزل القدر عمي البصر. يا أبا حنيفة، ما الملوحة في عينك، والمرارة في أذنيك، والعذوبة في ريقك، والماء والحرارة في الخياشيم؟ قال: لا أدري، قال: فبم ألقى الله الحيض والدّم على المرأة، ولم حبس عن الحبلى؟ وأين مكان الكاتبين من ابن آدم؟ وأخبرني عن سورةٍ أولها تحميدٌ وأوسطها إخلاصٌ وآخرها دعاءٌ، وعن حرفْ أوّله كفرٌ وآخره إيمان، وعن وضع الرجل يده على مقدّم رأسه عند الحزن، والمرأة على خدّها؟ قال: لا أأدري. قال جعفر رضي الله عنه: أمّا الملوحة في العينين فلأنّهما شحمتان، ولولا ذاك لذابات في حرّ الشمس؛ وأمّا المرارة في الأذنين فحجابٌ للدّماغ، ولولا ذلك لسارعت الهوامّ إلى الأذن؛ وأمّا العذوبة في الرّيق فلمعرفة الطّعوم؛ وأمّا الماء والحرارة في الخياشيم فراحةٌ للدّماغ، ولولا ذلك لأنتن الدّماغ؛ وأمّا ما ألقى الله تعالى على المرأة من الحيض فمن أجل حوّاء حين عقرتالشّجرة؛ وأمّا الدّم الذي حبسه الله تعالى عن الحبلى فرزقٌ للمولود؛ وأمّا وضع الرجل يده على رأسه والمرأة على خدّها فمن أجل آدم وحوّاء عند ركوبهما المعصية؛ وأمّا موصع الكاتبين فعلى النّاجذين؛ وأمّا السّورة التي أولها تحميدٌ وأوسطها إخلاصٌ وآخرها دعاءٌ ففاتحة الكتاب؛ وأمّا الحرف الذي أوّله كفرٌ وآخره إيمانٌ فكلمة الإخلاص. يا أبا حنيفة، القتل عندك أشدّ أم الزّنا؟ قال: بل القتل، قال: فكيف أمر الله تعالى في القتل بشاهدين، وفي الزّنا بأربعة؟ يا أبا حنيفة، النساء أضعف عن المكاسب أم الرجال؟ قال: بل النّساء، قال: فكيف جعل الله للمرأة سهماً واحداً وللرجل سهمين؟ يا أبا حنيفة، الغائط أقذر أم المنيّ؟ قال: بل الغائط، قال: فلم يغتسل من المنيّ ولا يغتسل من الغائط؟ قال: ولم صارت الحمامة تفتدى بشاةٍ وليست الشّاة مثلاً للحمامة؟

قال فيلسوف: العلم يلقى طالبه على ثلاثة أوجهٍ: على نحو القوت، أو على نحو الكفاية، أو على نحو الغنى ليصحّ الترتيب. وقال فيلسوف: الإنسان إمّا أن يكون ملك النّفس والحال، أو يكون ملك النفس غير ملك الحال، أو يكون ملك الحال غير ملك النّفس. خرج شبيب بن شيبة من دار المهدي فقيل له: كيف تركت الناس؟ قال: تركت الداخل راجياً، والخارج راضياً. خرج المسيبي من دار ابن عبّاد فقلت له: كيف رأيت الناس؟ قال: رأيت الداخل ساقطاً، والخارج شاخصاً. قال ابن وهب: طرف الصّداقة أملح من طرف العلاقة، والنّفس بالصديق آنس منها بالعشيق. وقرئ بخطّه: إذا أقبلت الدول كثرت العدد وقلّ العدد، وإذا أدبرت كثر العدد وقلّت العدد. قال المدائني: ينبغي للملك أن يتفقّد أمر خاصّته في كلّ يوم، وأمر عامّته في كلّ شهر، وأمر سلطانه في كلّ ساعة. لقي رجلٌ بعض الأمراء في أطمارٍ رثّةٍ وقال: لا تنظر - أصلحك

الله - إلى هيئتي ولكن انظر إلى همّتي، وإن رأيت أن تسمني بعرفك، وتترع قلبي من شكرك، وتجعله علماً يدلّ على مجدك، فإني كما قال الأوّل: الطويل فإن أك قصداً في الرجال فإنّني ... إذا حلّ أمرٌ ساحتي لجسيم شاعر: الكامل المجزوء المرء يهوى أن يعي ... ش وطول عمرٍ قد يضرّه تبلى بشاشته ويأ ... تي بعد حلو العيش مرّه وتسوءه الأيّام حتّ ... ى ما يرى شيئاً يسرّه كم شامتٍ بي إن هلك ... ت وقائلٍ لله درّه قال أبو عبيدة: خرج النّابغة الجعدي على النّاس وقد فني وذهب به السّنّ، عاصباً رأسه بعصابةٍ، فأنشدهم: المرء يهوى أن يعيش ... قال ابن مكرم: من زعم أنّ أبا العيناء دون عبد الحميد في الكتابة إذا أحسّ بكرمٍ فقد كذب، وذلك أنه كتب إلى عبيد الله بن سليمان وقد نكبه وأباه المعتمد وهما يطالبان بمالٍ يبيعان له ما يملكان من عقارٍ وأثاثٍ وعبدٍ

وأمةٍ، وكان لهما خادمٌ أسود عرضاه للبيع فطلب بخمسين ديناراً، فكتب إليه أبو العيناء: وقد علمت - أطال الله بقاءك - أنّ الكريم المنكوب أجدى على الأحرار من اللئيم الموفور، لأنّ اللئيم يزيد مع النّعمة لؤماً، ولا تزيد المحنة الكريم إلاّ كرماً، هذا متّكلٌ على رازقه، وهذا يسيء الظّنّ بخالقه، وعبدك إلى ملك كافور الخادم فقير، وثمنه على ما اتّصل به يسير، فإن سمحت به فتلك منك عادتي، وإن أمرت بأخذ ثمنه فماله منك مادتي، أدام الله لنا دولتك، واستقبل بالنّعمة نكبتك، وأدام عزّك وكرامتك. فوجّه إليه بالخادم. قال عمر بن الخطّاب: إنّما الدّنيا أملٌ مخترم، وأجلٌ منتقص، وبلاغٌ إلى دارٍ غيرها، وسيرٌ إلى الموت ليس فيه تعريج، فرحم الله امرءاً فكّر في أمره، ونصح لنفسه، وراقب ربّه، واستقال ذنبه. كان ابن عبّاس إذا ذكر عليٌّ عليه السلام يقول: كان والله الكنز الكبير، والبحر الغزير، والغيث المطير، والشّجاع الخطير، الذي لم يكن له في الورى نظير، مؤدّب الأدباء، وسيّد الخطباء، وقائد النّجباء، ومن إذا عرضت مشكلةٌ أجاب عنها والناس سكوت. شاعر: الوافر تبحبح في الكتابة كلّ وغدٍ ... فقبحاً للكتابة والعماله ترى الآباء نسبتهم جميعاً ... إلى الأبناء من فرط النّذاله لأبي الشّيص: المتقارب مزجت المدام بريق الغمام ... وقد زرّ جيب قميص الظّلام

فشابت نواصي الدّجى وانفرى ... عن الصّبح سربال ليل التّمام حبوتهما صحن قارورةٍ ... وأضحكتها عن لسان الضّرام يطوف علينا بها أحورٌ ... فعولٌ بعينيه فعل المدام غزالٌ نسجنا له حلّتين ... من الورد والآس في يوم رام قال الحكيم: إذا أنا فعلت ما أمرت به وكان خطأً لم أذمم عليه، وإذا فعلت ما لم أؤمر به وكان صواباً لم أحمد عليه، أي لا أتعدّى. شاعر: الطويل وليلٍ رقيق الطّرّتين كأنّما ... ترود به النفاس مسكاً تضوّعا ترى فيه آفاق السماء كأنّما ... كساها ظلام الليل برداً موسّعا كأنّ الثّريّا فيه درٌّ تقاربت ... مساقطه عن سلكه فتجمّعا أخذت بقطريه وأحببت طوله ... أغازل مثل الرّيم ريع فأتلعا أقول له والصّبح يطرف ناظري ... فدىً لك نفسي ظاعناً ومودّعا نظر إبراهيم بن سيّار النّظّام إلى وجهٍ صبيحٍ وألحّ، فقيل له في ذلك فقال: ولم لا أتأمل ما أستحسنه ممّا أحلّ الله، وفيه دليلٌ على صنعة الله تعالى، وفيه اشتياقٌ إلى ما وعد الله تعالى؟ لأبي الحسن البصري: الطويل أيا ضرّة الشمس المضرّة بالشّمس ... ويا سؤل نفسي ما جنيت على نفسي غرست الهوى حتى إذا تمّ واستوى ... قطعت مجاري الماء عن ذلك الغرس قال الجاحظ: لا زلت في عداد من يسأل ويبحث، ولا زلنا في محلّ من يشرح ويوضح.

وقال: ليس مع العيان وحشة، ولا مع الضرورة وجمة، ولا دون اليقين وقفة. وقال أيضاً: النّاس بين معاندٍ يحتاج إلى التّقريع، ومحاجٍّ يحتاج إلى الإرشاد، ووليٍّ يحتاج إلى المادّة. وقلت لبعض الأدباء: كيف رأيت فلاناً؟ قال: طويل العنان في اللّؤم، قصير الباع في الكرم، وثّاباً على الشّرّ، زمناً على الخير، كافراً بالنّعم، متحكّكاً بالنّقم. وقال عليّ بن عبيدة: كان عندي ثلاثة تلامذة فجرى كلامٌ فقال أحدهم: هذا كلامٌ يجب أن يكتب بالغوالي في خدود الغواني، وقال الثاني: هذا كلامٌ يجب أن يكتب بأنامل الحور في ورق النّور، وقال الثالث: هذا كلامٌ يجب أن يكتب بأقلام النّعم على ورق الكرم. وقال الجاحظ في فصلٍ من كتاب: وقد أسقط عنه مؤونة الرّويّة، وأورثه إلف السّكون، وكفاه خلاج الشكّ، واضطراب النّفس، وجولان القلب. سمع بعض الأدباء كلاماً فقال: هذا كلامٌ يجب أن يكتب بدموع الهجران على خدود القيان. شاعر: السريع جاريةٌ أقلقني هجرها ... لمّا جفاني بالهوى أسرها قد قال لي العاذل في حبّها ... ما أمرك اليوم وما أمرها

أقدّها أضناك أم دلّها ... أم وجهها المشرق أم نحرها أم طرفها الفاتر أم ظرفها ... أم ريقها البارد أم ثغرها أم حسن تفّاحٍ بدا مونقاً ... مدوّراً أنبته صدرها قلت له أعشق ذا كلّه ... ونصف حرّان وثلثي رها مرّ شبيب بن يزيد الخارجيّ على غلام قد استنقع في الفرات فقال: يا غلام، اخرج أسائلك، فقال: إنّي أخاف، قال: ومن أيّ شيءٍ تخاف؟ قال فأنا في أمنٍ حتى أخرج؟ قال: نعم، قال: فوالله لا أخرج اليوم، فقال شبيبٌ: أوّه، خدعني الغلام، وأمر رجلاً يحفظه لئلا يصيبه أحدٌ بمكروهٍ، ومضى وخرج الغلام. مرّ سليمان بن عبد الملك بميلٍ في بعض أسفاره فقال: من هاهنا يخبرنا على كم هذا الميل من البريد؟ فلم يجد أحداً، فقال أعرابيٌّ يعدو بين يديه: أنا أخبرك، قال: وكيف وأنت لا تقرأ، فعدا ثم عاد فقال: ما رأيت؟ قال: رأيت محجناً، وحلقةً وثلاثةً كأطباء الكلبة ومثل رأس القطاة بمنقارها، فقال: قد أخبرت وأبلغت، هو خمسةٌ من البريد. قيل لأعرابيّ: أيّ الزّاد أحبّ إليك؟ قال: الغريض النّضيج. قيل لأعرابيّ: ما بال مراثيكم أجود، قال: لأنّا نقولها وأكبادنا تحترق. شاعر: مخلع البسيط

واحسرتا من فراق قومٍ ... كانوا هم الكهف والحصون والموت والأسد والرّواسي ... والأمن والخفض والسّكون لم تتنكّر لنا الليالي ... حتى توفّتهم المنون وكلّ نارٍ لنا قلوبٌ ... وكلّ ماءٍ لنا عيون قال أعرابيٌّ لآخر: فيك ملق الإماء، ودخن الأعداء. ذكر أعرابيٌّ قوماً فقال: أقبلوا كالفحول، يمشون مشي الوعول، فلمّا تصافحوا بالسّيوف، فغرت المنايا أفواهها. أنشدني شيخ من غنيّ لنافع بن خليفة الغنوي: الطويل بني عمّنا لا تظلمونا فإنّنا ... نرى الظّلم أحياناً يشلّ ويعرج ويترك أعراض الرّجال كأنّها ... فريسة لحمٍ ليس عنها مهجهج وكربة جوعٍ لا يكاد فقيرها ... من الجهد يستحيي ولا يتحرّج تجلّت ولم يعلق بثوبي عارها ... إذا عدّ فيها الطّعم والمتولّج قال بعض السّلف: جعل الله البهاء والهوج في الطويل الكبير، والدّمامة في القصير، وجمع الخير فيما بين ذلك وهو الرّبع. قيل لجعفر بن محمد الصّادق رضي الله عنهما: كيف صار مولى القوم منهم؟ قال: خلق الله تعالى المعتق من طينة المعتق، ثم أجراهم في أصلاب الرّجال وأرحام النساء، فأخرجهم الله تعالى بالولاء، فلذلك صار مولى القوم منهم. قال أعرابيّ: اتّقوا الدّنيا فإنها اسحر من هاروت وماروت. قال بعض السّلف: كان يقال: استطرد لعدوّك واتّقه بإظهار

الرّضا عنه والمداراة، حتى تصيب الفرصة فتأخذه على غرّة. قال أعرابيّ: أعظم بخطرك أن لا يرى عدوّك أنّه عدوّك. قال أعرابيّ: الصّورة الظّاهرة ترجمان الصّورة الباطنة. قال أعرابيّ: يحسب من منعه عدم المال من الجزاء أن يبسط جدة الشكر بالثّناء. قال أعرابيّ: من ظفر بالغنى أتبعه، ومن فاته أنصبه. وقال أبو مرحوم الصّوفي: لولا أن الخلاف موكّلٌ بكلّ شيءٍ لكانت منفعة الإهليلج في اللّوزينج. قال أبو حازم الأعرج: إن عوفينا من شرّ ما أعطينا، لم يضرّنا فقد ما زوي عنّا. أضلّ أعرابيٌّ غلاماً له فنشده فقيل له: صفه، قال: في رجله جنف، وفي أيره قلف، وفي أنفه ذلف، وفي مشيه دلف. وقالت أعرابيةٌ لخصيّ: اسكت فما لك حزم الرجال ولا رقّة النّساء. باع أعرابيٌّ غلاماً له فجعل سقّاءً، فلقيه الأعرابيّ فقال له: كيف حالك؟ قال: أنا في سفرٍ لا ينقضي، وغديرٍ لا ينزح، وقومٍ لا يروون.

ونظرت امرأةٌ إلى زوجها يخضخض، فلما حضر العشاء اعتزلت، فقال: ما لك لا تتعشّين؟ قالت: أكره أن أزاحم ضرّتي على المائدة. وقال المدائني لجعفر بن سليمان: لو قسم البلاء بين الناس بالحصص لم يصبنا أكثر ممّا أصابنا، بعثنا بشاتنا إلى التيّاس مع الجارية، فعادت الشاة حائلاً والجارية حاملاً. كتب رجلٌ إلى هشام الواسطيّ أن اكتب إليّ بما أنت عليه، فإنّا نلقى من القدريّة والرّافضة شدّةً، فكتب إليه: إن كنت تحبّ أن تكون على ما كان عليه السّلف من أصحاب محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم فلا تكفّرنّ أحداً من هذه الأمّة بذنبٍ يكون منه، ومن زعم أنّه يكون في قدرة المخلوق ما لا يريد الخالق فقد عجّز الخالق، ومن تبرأ من أبي بكرٍ وعمر وعثمان فقد تبرّأ من عليٍّ، ومن تبرّأ من عليٍّ فقد تبرّأ من هؤلاء كلّهم، والبراء بدعةٌ، والولاية بدعةٌ، وذلك أن يقول الرجل: إنّي أتبرّأ من فلانٍ وأتولّى فلاناً، فإن حاجّك محاجٌّ ممّن حسن مذهبه وذهب عقله، فاتل عليه: " لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشّجرة " هذا موضع الرّضا عنهم فأين موضع السّخط؟ فإن كفر بهذا فقد كفر بالقرآن. وأخبرك بثلاثٍ لا يضرّهنّ عدل عادلٍ، ولا جور جائرٍ: الصّلاة خلف كلّ برٍّ وفاجر، والحجّ مع كلّ برٍّ وفاجر، والجهاد مع كلّ برٍّ وفاجر. لو لم يؤخذ بهذا الحديث لعطّلت الأحكام.

لعمارة بن عقيل: الوافر وما ينفكّ من سعدٍ إلينا ... قطوع الرحم فارية الأديم ونغفرها كأن لم يفعلوها ... وبعض العفو أذرب للظّلوم ورميك من رماك أخفّ ثقلاً ... عليك غداً وأمنع للحريم قيل لأعرابيّ: كيف ابنك؟ قال: عذابٌ رعف به الدهر، فليتني قد أودعته القبر، فإنه بقاءٌ لا يقاومه الصبر، وفائدةٌ لا يجب فيها الشّكر. رقّص أعرابيٌّ ابنه فقال: الرجز أحبّه حبّ الشّحيح ماله ... قد ذاق طعم الفقر ثم ناله إذا أراد بذله بدا له آخر: البسيط إذا رأيت ازوراراً من أخي ثقةٍ ... ضاقت عليّ برحب الأرض أوطاني فإن صددت بوجهي كي أكافئه ... فالعين غضبى وقلبي غير غضبان يقال: سلقى بناءه يسلقيه أي جعله مستلقياً ولم يجعله شكّاً، والشكّ: المستقيم.

جرى بين أي الصّقر بن بلبل وبين ابن ثوابة كلامٌ أربى فيه ابن ثوابة عليه، وكان أبو العيناء منقطعاً إلى أبي الصّقر، فقال لابن ثوابة منتصراً له: ما منع أبا الصّقر من كلامك إلاّ أنّه سهل عليه دمك أن يسفكه، وعاف لحمك أن يأكله، ولم يجد لك شرفاً فيهدمه، ولا فضلاً فيثلمه، فقال له ابن ثوابة: ما أنت والدخول بيني وبين هؤلاء يا مكدّي؟ فقال أبو العيناء: يحقّ لمن ذهب بصره، وضعفت قوّته، وجفاه سلطانه، ونقصت عمالته، أن يعود على إخوانه فيأخذ من أموالهم فيستعين بها على دهره، ولكن أسوأ حالاً منّي من يستنزل الماء من أصلاب الرّجال في بطنه فيعظّم إجرامهم، ويقطع أنسابهم، فقال ابن ثوابة: ما استبّ اثنان إلاّ غلب ألأمهما، فقال أبو العيناء: فبذلك غلبت أبا الصّقر. شاعر: المتقارب ترحّل ما ليس بالقافل ... وأعقب ما ليس بالآفل فلهفي على السّلف الراحل ... ولهفي من الخلف النازل أبكي على ذا وأبكي لذا ... بكاء المولّهة الثّاكل تبكّي من ابنٍ لها قاطعٍ ... وتبكي على ابنٍ لها واصل قال صالح بن عبد القدّوس: ليس شيءٌ إلاّ وفيه منفعة، فقال

له رجل: وأيّ منفعةٍ في أن يعلّق رجلٌ من إحدى يديه، فقال: سبحان الله، لا يعرق إبطه. كان أبو خزيمة المديني يقول: اللهمّ ارزقني، فإن كنت لا ترزقني لكرامتي عليك فقد رزقت من هو خيرٌ مني سليمان بن داود، وإن كنت لا ترزقني لهواني عليك فقد رزقت من هو شرٌّ منّي وهو فرعون ذو الأوتاد. وشكا أبو خزيمة يوماً نكبات الدهر فقال له رجل: هوّن فإنّ الله يدّخر لك ثوابها، فقال له أبو خزيمة: الآخرة خيرٌ أم الدّنيا؟ قال: بل الآخرة، قال: فإنّه ليس يعطيني من أبغضهما إليه، يعطيني من أكرمهما عليه؟! يقال في قوله تعالى: " مسوّمين " معلمين، من سيماء وسيمياء، ومن قال مسوّمين أراد مرسلين، مأخوذٌ من الإبل السّائمة المرسلة في مراعيها، فأمّا الحجارة فمسوّمةٌ لا غير أي معلّمةٌ. دعا أعرابيٌّ على رجلٍ فقال: اللهمّ أبح ذماره، وعجّل بواره، وباعد داره. وصف أعرابيٌّ رجلاً فقال: قد تقمّص الشّحناء، وادّرع البغضاء، وتسربل العوراء. وصف أعرابيٌّ آخر فقال: هو أفعوان البلاد، وعقربان الصّلاد. وصف أعرابيٌّ جيشاً فقال: تكتّب فرسانه، وتحرّب أقرانه، واستعدّ شبّانه.

وصف أعرابيٌّ رجلاً فقال: هو كالمخدر الأكّال، والذئب العسّال. قال أعرابيّ: بالله تعالى واثق، وبنفسي سابق، وإلى المبادهة تائق. قال بعض السّلف: العلم لا ينفد ولا يبيد، ولا يندم حامله، ولا يعطب من تمسّك به، ولا يفتضح من استند إليه، ولا تسقط منفعته، ولا يخسر جامعه. تقول العرب في صفة الأعداء: زرق العيون، سود الأكباد، صهب السّبال. قيل لأبي المدوّر السّعدي: لم لا تجتمع مع النّاس؟ قال: إنّه لا يزال منكم عبدٌ أحمق، محجوم القفا، معلم الكمّ، يكنى أبا إسماعيل وأبا إبراهيم وأبا إسحاق، يدلظني بمنكبه، أي يدفعني. يقال: عنا يعنو إذا صار أسيراً، وأعنيته: استأسرته. يقال: هلممت القوم أي دعوتهم. قال بعض اللغويين: الوفرة ما لم يجز الأذن، والجمّة: ما جاوزت الأذن، واللّمّة: ما ألمّت بالمنكب، والذّوائب والغدائر: ما لحق الكتفين. وقال العلماء: أيام الشهر ثلاثةٌ غرر، وثلاثةٌ نفل، وثلاثةٌ

تسع، وثلاثةٌ عشر، وثلاثةٌ بيضٌ، وثلاثةٌ دآدي، وثلاثةٌ حنادس، وثلاثةٌ سرار، وثلاثةٌ محاق؛ وأيّام الشّهر كنايةٌ عن الليالي، وإذا قلت الليالي قلت: ثلاثٌ غرر، وثلاث نفل، وقد يقال لها أيّام، ألا ترى أنّك تقول: صمت البيض، والصّوم لا يكون ليلاً. بثّ رجلٌ في وجه أبي عبيدة مكروهاً فأنشأ يقول: الطويل لو أنّ لحمي إذ وهى لعبت به ... سباع حرامٍ أو ضباغٌ وأذؤب لهوّن وجدي أو لسلّى مصيبتي ... ولكنّما أودى بلحمي أكلب قيل لبعض العلماء: كيف كانت بلاغة الأمين؟ قال: والله لقد أتته الخلافة في يوم جمعة، فما كان إلاّ ساعة حتى نودي الصلاة قائمة، فخرج ورقى المنبر، فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: أيّها النّاس، وخصوصاً يا بني العبّاس، إنّ المنون مراصد ذوي الأنفاس، حتمٌ من الله لا يدفع حلوله، ولا ينكر نزوله، فارتجعوا قلوبكم الحزن على الماضي إلى السّرور بالباقي، تجزون ثواب الصّابرين، وأجور الشّاكرين. فتعجّب النّاس من جرأته، وبلّة ريقه، وجودة عارضته. يقال: من علامة الرّشد أن تكون النّفس إلى بلدها توّاقة، وإلى مسقط رأسها مشتاقة.

وقال آخر: احفظ بلداً رشّحك غذاؤه، وأكنّك فناؤه. وقال أعرابيّ: يحنّ الكريم إلى جنابه، كما يحنّ الأسد إلى غابه. خطب الناس هاشم بن عبد مناف فقال: أيّها النّاس، الحلم شرف، والصبر خلف، والجود سؤدد، والمعروف كنز، والجهل سفه، والعجز ذلّة، والحرب خدعة، والظفر دول، والأيّام عبر، والمرء منسوبٌ إلى فعله، ومأخوذٌ بعمله، فاصطنعوا المعروف تكسبوا الحمد، واستشعروا الحمد تفوزوا به، ودعوا الفضول تجانبكم السّفهاء، وأكرموا الجليس يعمر ناديكم، وحاموا عن الخليط يرغب في جواركم، وأنصفوا من أنفسكم يرفق بكم، وعليكم بمكارم الأخلاق فإنّها رفعة، وإيّاكم والأخلاق الدنيّة فإنها تضع الشّرف وتهدم المحلّ. شاعر: الكامل عجباً لحفظي سرّها في غيبها ... ولمثل ذاك تعجّب المتعجّب بكرت مشرّقةً ورحت مغرّباً ... شتّان بين مشرّقٍ ومغرّب إنّي لآمل من حبيبي نظرةً ... والقلب بين مصدّقٍ ومكذّب آخر: الخفيف خلق المال واليسار لقومٍ ... وأراني خلقت للإملاق أنا فيما أرى بقيّة قومٍ ... خلقوا بعد قسمة الأرزاق قال الرّقاشيّ في قصصه: يا أهل الدّيار الموحشة التي نطق

بالخراب فناؤها، وشيّد في التراب بناؤها، فمحلّها مقترب، وساكنها مغترب، أهل محلّةٍ لا يتواصلون تواصل الإخوان، ولا يتزاورون تزاور الجيران، قد طحنهم الدّهر بكلكله، وأكلهم الثّرى بجندله، فعليهم منّا التّرحّم والسلام، ومن ربّهم العفو والإكرام. قال فيلسوف: انتقم من حرصك باليأس، كما تنتقم من عدوّك بالقصاص. وقال أعرابيّ: الجمال في الأنف، والملاحة في العينين، والظرف في الفم. شاعر: المتقارب أتتني تؤنّبني بالبكاء ... فأهلاً بها وبتأنيبها تقول وفي قولها حشمةٌ ... أتبكي بعينٍ تراني بها فقلت متى استحسنت غيركم ... أمرت الدموع بتأديبها جاء مجنون إلى باب رئيس فقال: البسيط عليك إذنٌ فإنّا قد تغدّينا ... لسنا نعوذ لأنّا قد تعدّينا يا أكلةً سلفت أبقت حرارتها ... داءً بصدرك ما صمنا وصلّينا قال الماهاني: دخلت مارستان بلدٍ فرأيت مجنوناً ظريفاً نظيفاً، فسألته أن ينشدني، فأنشدني في وردٍ يقطّع جسده: المنسرح

أما ترى الورد في أكفّهم ... يجتثّ للناظرين من ورقه كالقلب نار الهوى تلذّعه ... والقلب يهوى الهوى على حرقه قال بعض السّلف: لا ترض قول أحدٍ حتى ترضى فعله، ولا ترض فعل أحدٍ حتّى ترضى قوله وعقله، ولا ترض عقل أحدٍ حتى ترضى حياءه. قال: ابن آدم مطبوع على كرم ولؤم فإذا قوي الحياء قوي الكرم وإذا ضغف الحياء قوي اللؤم شاعر: الوافر له قلبٌ تقلّبه الليالي ... على فرشٍ من السّفر البعيد ونفسٌ ما تقرّ على دنيٍّ ... من العيش المصرّد والزّهيد وهمٌّ لا يطيف به التّمنّي ... وعزمٌ نيط بالبأس الشديد فتى الدّنيا إذا ما سيل عنه ... ليوم كريهةٍ أو يوم جود وكفٌّ ما تملّ من العطايا ... وقلبٌ ما يخاف من الوعيد قال موسى بن عيسى أمير الكوفة لأبي شيبة قاضي الرّيّ: لم لا تغشانا فيمن يغشانا؟ فقال: لأني إن جئتك فقرّبتني فتنتني، وإن أقصيتني

حزنتني، وليس عندي ما أخافك عليه، ولا عندك ما أرجوك له، فلأيّ شيء أغشاك؟ فسكت موسى. شاعر: الوافر إذا لم تخش عاقبة الليالي ... ولم تستحي فافعل ما تشاء فلا والله ما في العيش خيرٌ ... ولا الدّنيا إذا ذهب الحياء يعيش المرء ما استحيا كريماً ... ويبقى العود ما بقي اللّحاء عزّى صالح المرّي رجلاً عن ابنه فقال: يا هذا إن كان مصيبتك بابنك لم تحدث لك موعظةً في نفسك، فمصيبتك جللٌ عند مصيبتك بنفسك، فإيّاها فابك. قال فيلسوف: حدّ الفضيلة اعتياد فعلٍ ممدوحٍ يقتفى به أثر سلفٍ مرضيّ، وهي واسطة بين رذيلتين؛ قال: وإنّما قلت اعتياد فعلٍ لأنّه يمكن فعلها وفعل ضدّها، قال: فقلت: عدلٌ لأنه واسطة بين رذيلتين لفساد كلتا حاشيتيهما، أعني السّرف والتقصير. وقال فيلسوف: كونوا من المسرّ المدغل أخوف منكم من المكاشف المعلن، فإنّ مداواة العلل الظّاهرة أهون من مداواة ما خفي وبطن. وقال أرسطاطاليس: أعجب العجب ترك العجب من العجب.

قال أعرابيّ: عليك بالأدب، فلأن يذمّ بيانك خيرٌ من أن يعاب عيّك. قال الباقر رضي الله عنه في قوله تعالى: " ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتّقه " قال: يطع الله: فيوحّده، ورسوله: فيصدّقه، ويخشى الله: على ما سلف من ذنوبه، ويتّقه: فيما بقي من عمره، فأولئك هم الفائزون غداً بالجنّة. قال سفيان بن عيينة: صحبت النّاس خمسين سنةً ما ستر أحدٌ لي عورةً، ولا ردّ عني غيبةً، ولا عفا لي عن مظلمةٍ، ولا قطعته فوصلني، وأخصّ إخواني لو خالفته في رمّانةٍ فقلت: حامضة، وقال: حلوة، لسعى فيّ حتى يشيط دمي. أصابت إسماعيل بن يسار خصاصةٌ فطيّن على نفسه حتى مات هزلاً، ولم يسأل الناس. قال أعرابيّ: إن أطعت الغضب أضعت الأدب. قال بعض الحكماء: أوّل صناعة الكاتب كتمان السّرّ. قال بعض المغفّلين في الطّواف: ربّ ارحم ترحم، واغفر ما تعلم وما لا تعلم. قال عمر بن الخطّاب: بئس الجار الغنيّ، يأخذك ما لا يعطيك من نفسه، فإن أبيت لم يعذرك.

قال أمير المؤمنين عليٌّ رضي الله عنه: بئس الجار الغنيّ يبعث عليك ما لا يعينك عليه. قال ابن مكرم لأبي العيناء: ألست عفيفاً؟ قال: أنت عفيف النّفس زاني الحرم، قال: إنّما صار هذا مذ تزوّجت أمّك. قال بعض السّلف: من أطلق من عمله بصّر في عمله، ومن مدّ عينه إلى النّاس كثر غمّه وقلّ شكره، ومن أمن البلاء كان جزوعاً إذا نزل به، ومن عوّد نفسه أكل الشهوات مات قلبه، ومن لم يعزم على الصّبر لم يظفر بما يحبّ. قال أرسطاطاليس: إنّا جدراء أن نتّخذ مرآةً من الحكمة مجلوّةً فنبدأ بالنّظر إلى الأمور فيها قبل اعتقاد شيءٍ منها واعتماله في همومنا، وذلك أنّا قد رأينا ناساً يفرّون من العيوب والجهالة، وقد يحتويهم الخسران، وقد يتعجّب، الحكماء من أمور هذا العالم ولا يدرون كيف يتأوّلون له، لأنّ أحاديثه ملتبسة، والبغية فيه مكتومة. قال فيلسوف: العلماء يشهدون حيث يقال: مات فلانٌ وإنّ حكمته لم تمت. قال أعرابيّ: من استضعف عدوّاً فقد اغترّ، ومن اغترّ فقد أمكن من نفسه. قال بعض السلف: أمورٌ أبداً تبعٌ لأمور، فالمروءة تبعٌ للعقل، والعقل تبعٌ للمودّة، والعمل تبعٌ للعلم، والجدّ تبعٌ للتوفيق.

نظر أعرابيٌّ إلى خالد بن صفوان وهو يتكلّم فقال: كيف لم يسد هذا مع بيانه، فقال خالد: منعتهم مالي، وكرهت السّيف. لابن دريد: الطويل وقالوا تيمّم أرض حجرٍ تسد بها ... وما أرض حجرٍ من سمائي ولا أرضي ولكنّما أرض العراق التي بها ... تملّيت عيشي الغضّ في الزّمن الغضّ وأول أرضٍ مسّ جلدي ترابها ... ورنّق في عيني بها طارف الغمض شاعر: المتقارب لك الحمد إمّا على نعمةٍ ... وإمّا على نقمةٍ تصرف تطاع لأنّك لا تستطاع ... وتعرف من حيث لا توصف قال النّضر بن شميل في كتابٍ يسميه المنطق: تمضّ في كتابك: أي امض فيه، واستجدّ الناس السلطان أكالاً: أي يأكل أموالهم. وقالوا: جاءوا بأطعماتهم فتطاعموا، وبأعشياتهم فتعشّوا، وبأغدياتهم فتغدّوا، وقال: فلان طاعمٌ من طعامكم، وقال: رجلٌ شبعان، وامرأةٌ شبعى للأمة، والحرّة لا يقال لها ذاك؛ وقال النّضر: ما لك بهذا الأمر يدٌ: أي ما لك به ضباطةٌ ولا قوّةٌ؛ ويقال: رجلٌ ملوعٌ: أي أصابه غيظٌ كأنّه من اللّوعة؛ وقال: الهائع: الجائع. وقال أبو عبيدة: ما يمكن أن يكون في الدّنيا مثل النّظّام، سألته وهو صبيٌّ عن عيب الزجاج، فقال: سريع الكسر، بطيء الجبر؛ ومدحوا

النّخلة عنده فقال: صعبة المرتقى، وبعيدة المهوى، خشنة المسّ، قليلة الظّلّ. وذكر الخليل عنده فقال: توحّد به العجب فأهلكه، وصوّر له الاستبداد صواب رأيه فتعاطى ما لا يحسنه ورام ما لا يناله، وفتنته دوائره التي لا يحتاج إليها غيره. وقال المريسيّ لأبي الهذيل بحضرة المأمون بعد كلام جرى: كيف ترى هذه السّهام؟ فقال: ليّنة كالزّبد، حلوة كالشّهد، فكيف ترى سهامنا؟ قال: ما أحسست بها، قال: لأنّها صادفت جماداً. شاعر: المنسرح أيا أخاً كان لي وكنت له ... أشفق من والدٍ على ولد حتّى إذا قارب الحوادث من ... خطوي وشدّ الزمان من عقدي أحولّ عنّي وكان ينظر من ... عيني ويرمي بساعدي ويدي قال رجل لمزبّد: من شجّك هاهنا - يعني استه -؟ قال: الذي شجّ أمّك في موضعين. قالت امرأة الغاضري، وقد قطع لها قميصاً: ما أخشن هذا القميص!! قال لها: أهذا أخشن أم الطّلاق؟ قالت: بل الطلاق. قال رجلٌ لعمر: أيضحّى بالضّبي، فقال له عمر: قل: الظّبي - بالظاء، قال: إنّها لغةٌ، قال: انقطع العتاب بيني وبينك.

قال رجلٌ للحسن البصري: يا أبا سعيد أنا أفسو في ثوبي وأصلّي، يجوز؟ قال: نعم لا كثّر الله في المسلمين مثلك. أبو العتاهية: الكامل المجزوء الشّمس تنعى ساكن الدّ ... نيا ويسعدها القمر أين الذين عليهم ... ركم الجنادل والمدر أفناهم غلس العش ... يّ يهزّ أجنحة السّحر ما للقلوب رقيقةً ... وكأنّ قلبك من حجر ولقلّ ما تبقى وعو ... دك كلّ يومٍ يعتصر قال ابن الزّبير في جوابٍ لمعاوية: ربّ آكل عبيطٍ سيقدّ عليه، وشارب صفوٍ سيغصّ به. والقداد: داءٌ. قال رجل لناجية المدائني لمّا مات أبوه: أجرك الله تعالى، فقال: رزقنا الله مكافأتك. شاعر: الوافر وربّ مدامةٍ كفتيت مسكٍ ... تضوّع دنّها وسط الدّنان كلون الجلّنار إذا أديرت ... وإن مزجت كلون الأرجوان كخدّ حبيبةٍ همّت بأمرٍ ... ففاجأها الرّقيب على مكان

وبين الرّقّتين لنا ليالٍ ... سرقناهنّ من ريب الزّمان جعلناهنّ تاريخ الليالي ... وعنوان التذكّر والأماني لابن غريض اليهوديّ: الكامل يا ليت شعري حين أندب هالكاً ... ماذا تؤبّنني به أنواحي ولقد كففت عن العشيرة ريبتي ... ولقد أخذت الحقّ غير ملاح قد كنت شهماً في الحروب ومدرهاً ... وأكفّ من ذي الغرب بعد طماح ولليلةٍ قد بتّ فيها ناعماً ... يغدى عليّ بقينةٍ وبراح في فتيةٍ بيض الوجوه مساعرْ ... ما بين نشوانٍ وآخر صاح إنّ امرءاً خاف الحوادث جاهلاً ... ورجا الخلود كضاربٍ بقداح خرج رجلٌ مرةً إلى الصحراء فرأى في زرعه فساداً من بردٍ فقال: يا ربّ أنت تنهى عن الفساد، فهذا حسن؟! قال بعض الأطباء: شرب النبيذ الحديث الصافي أوفق للكبد، والعتيق أوفق للمعدة، ومن شرب العتيق فليقطع فيه التّفاح والسفرجل. يقال: في الخصيّ ثمان خصال: تلين بشرته، ويخشن قلبه، وتتّسع مقعدته، وتسترخي معدته، وتطول ساقاه، ويقصر أعلاه، ويسوء خلقه، وتذهب رحمته، وذلك أنه لم يدرك أباه فيعرف رحمة الآباء للأبناء، ولم يولد له فيعرف رقّة الآباء على الأبناء، وينتقل في عمره إلى ثلاث خصالٍ مذمومةٍ: في أوله ينكح، وفي أوسطه يزني، وفي آخره يقود.

قال أبو عبيدة كان أبو هريرة يقول: اللهمّ ارزقني ضرساً طحوناً، ومعدةً هضوماً، ودبراً نثوراً. قيل لأبي مرّة: أيّ الطعام أحبّ إليك؟ قال: ثريدةٌ دكناء من الفلفل، رقطاء من الحمّص، ذات حفافين من اللحم، لها جناحان من العراق؛ قيل: وكيف أكلك لها؟ قال: أصدع بهاتين - يعني السّبّابة والوسطى، وأشدّ بهذه - يعني الإبهام، وأجمع ما شذّ منها بهذه - يعني الخنصر، وأضرب فيها ضرب والي السّوء في مال اليتيم. أخذ ملكٌ من العجم رجلاً وجد عليه فأمر بقتله، فقال الرجل: أيّها الملك إن قتلتني وأنا صادقٌ كثر عتبك، وإن تركتني وأنا كاذب قلّ وزرك، وأنت من وراء ما تريده، والعجلة يوكّل بها الزّلل، فعفا عنه. أتي مصعب بن الزّبير برجلٍ من أصحاب المختار فأمر بضرب عنقه فقال: أيّها الأمير، ما أقبح بك أن أقوم يوم القيامة إلى صورتك هذه الحسنة، ووجهك هذا الذي يستضاء به، فأتعلق بأطرافك وأقول: أي رّ سل مصعباً لماذا قتلني، فقال: أطلقوه، فقال: أيّها الأمير، اجعل ما وهبت لي من حياتي في خفض عيشٍ، فقال: أعطوه مائة ألف درهم، قال: أشهد الله تعالى أنّي جعلت لابن قيس الرّقيّات منها خمسين ألف درهم، قال: ولم؟ قال: لقوله: الخفيف إنّما مصعبٌ شهابٌ من الل ... هـ تجلّت عن وجهه الظّلماء

فضحك مصعبٌ وقال: فيك موضعٌ للصّنيعة، وأمره بملازمته ومؤانسته. شاعر: الطويل ومولىً لو أنّ السّمّ كان بكفّه ... سقاني من ذيفانه فقضاني معنّىً ببغضي والأواصر بيننا ... جزى الله عنه نفعه وجزاني أليس يرى أنّا إلى وقت غايةٍ ... وأنّ يدي من دونه ولساني وأنّي وإن أمسيت رمساً بقفرةٍ ... وأقبرت لم يسلم من الحدثان قال القطامي من قصيدة: الوافر لقد علمت كهولهم القدامى ... إذا قعدوا كأنّهم النّسار وشقّ البحر عن أصحاب موسى ... وغرّقت الفراعنة الكفار وقول المرء ينفذ بعد حينٍ ... أماكن لا تجاوزها الإبار تسمّع من نوازله صريفاً ... كما صاحت على الحدب الصّقار قال: النّسار جمع نسر، والكفار جمع كافر، والإبار جمع إبرة، والصّقار: جمع صقر، ولهذا رويناه. شاعر: الطويل سأشرب كاسيك اللّتي أنت شاربٌ ... وإن كانتا والله صاباً وعلقما وأدخل كفّي إثر كفّك في الذي ... عناك ولو أدخلتها جحر أرقما

قال أعرابيٌّ لصاحبٍ له: أنت والله كالقمر الزّاهر عند الشّرب، والسّحاب الماطر لدى اللّزب، والأسد الخادر عند الحرب. قيل لأبي عمرة: كيف امرأتك؟ قال: مسقاط اللّيل، معثار الذّيل. يقال: الرّاحة للرجال غفلة وللنّساء غلمة. ويقال: الشّيب خطام المنيّة، ووافد الحمام، وتاريخ الكتاب في عنوان العمر، وبريد الفناء، ورائد الموت، وتمهيد الهلاك، وأول مراحل الآخرة. لهلال بن العلاء الرقّي: البسيط لمّا عفوت ولم أحقد على أحدٍ ... أرحت نفسي من غمّ العداوات إنّي أحيّي عدوّي عند رؤيته ... لأدفع الشرّ عنّي بالتّحيّات وأظهر البشر للإنسان أبغضه ... كأنّه قد ملا قلبي محبّات والنّاس داءٌ وداء النّاس قربهم ... وفي الجفاء لهم قطع الأخوّات فلست أسلم ممن لست أعرفه ... فكيف أسلم من أهل المودّات لبعض المتكلّمين: الطويل إذا أمر الله الورى ونهاهم ... بما لم يركّب فيهم علم ذلك فلا بدّ عندي من دليلٍ يدلّهم ... وإلاّ فلا عتبٌ على كلّ هالك

قيل للإسكندر: إنّ فلاناً يثلبك فلو عاقتبه، قال: هو عند العقاب أعذر. لما فتح قتيبة سمرقند أفضى إلى أثاثٍ لم ير مثله وإلى آلاتٍ لم يسمع بمثلها، فأحبّ أن يرى الناس ذلك، فأمر بالفرش ففرش، وأحضر قدوراً يرتقى إليها بسلالم، ودخل عليه الحضين بن المنذر بن الحارث بن وعلة الرّقاشيّ، فلمّا رآه عبد الله بن مسلم سأل قتيبة أن يأذن له في كلامه فقال: لا ترده فإنّه خبيث، فأبى عليه فأذن له، وكان عبد الله يضعّف، وكان قد تسوّر حائطاً إلى امرأةٍ قبل ذلك، فقال للحضين: أمن الباب دخلت يا أبا ساسان؟ قال: أجل، أسنّ عمّك عن تسوّر الحيطان، قال: أرأيت هذه القدور؟ قال: هي أعظم من أن لا ترى، قال: ما أحسب بكر بن وائلٍ رأى مثلها، قال: لا ولا عيلان، ولو كان رآها سمّي شبعان ولم يسمّ عيلان، قال عبد الله: أتعرف الذي يقول: الطويل عزلنا وولّينا وبكر بن وائلٍ ... تجرّ خصاها تبتغي من تحالف قال: أعرفه وأعرف الذي يقول: الوافر وخيبة من يخيب على غنيٍّ ... وباهلة بن يعصر والرّكاب قال له: أتعرف الذي يقول: الطويل كأنّ فقاح الأزد حول ابن مسمعٍ ... وقد عرقت أفواه بكر بن وائل

قال: أعرفه وأعرف الذي يقول: الكامل قومٌ قتيبة أمّهم وأبوهم ... لولا قتيبة أصبحوا في مجهل وحجز قتيبة بينهما. قال قتادة بن مغرّب اليشكريّ: الرجز رأيت عبد القيس لاقت ذلاّ ... إذا تعشّوا بصلاً وخلاًّ وجوفياً ومالحاً قد صلاّ ... باتوا يسلّون الفساء سلاّ سلّ النّبيط القصب المبتلاّ قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: " الخيل بطونها كنز، وظهورها عزٌّ ". وقال عليه السلام في النّخل: " الراسخات في الوحل، المطعمات في المحل ". وقال عليه السلام: " يغرس في أرضٍ خوّارة، ويشرب من عينٍ خرّارة ". وقال عليه السلام: " إيّاكم والمشارّة فإنّها تيمت الغرّة، وتحيي العرّة.

اختصم بلال بن جرير وبكر بن الأحنف الحمّاني في ماء، فخشي بلالٌ أن يذكر أمّه وهي أمّ حكيم، وكانت أمةً للحجّاج فوهبها لجرير فولدت بلالاً ونوحاً، فقال بلال: إني لأعلم والله أنّك ستذكر أمّ حكيم، إنها لسبيئة زمام، وعطيّة ملك، وبنت دهقان، وزوج كريم، ليست كأمّك تغدو على أثر ضأنها بالمروت، والله أعلم بما وجد عليها فحلف ليهبنّها لألأم العرب، فلم جد ألأم من أبيك فوهبها له. وجد في صندوقٍ لعبد الله بن الزّبير صحيفةٌ فيها مكتوب: إذا كان الحديث جلفاً، والميعاد خلفاً والمقيت إلفاً، والولد غيظاً، وغاص الكرام غيضاً، وفاض اللئام فيضاً، فأعنزٌ جفر، في بلدٍ قفر، خيرٌ من ملك بني النّضر. قال العبّاس حين استسقى به عمر: اللهمّ إنّه لا ينزل بلاءٌ إلاّ بذنب، ولا يكشف إلاّ بتوبة، وقد توجّه بي القوم إليك لمكاني من نبيّك، وهذه أبداننا بالذّنوب، ونواصينا بالتّوبة، فاسقنا الغيث. قال بعض قدماء العرب: أفضل النّساء أطولهنّ إذا قامت، وأعظمهنّ إذا نامت، وأصدقهنّ إذا قالت، التي إذا غضبت حلمت، وإذا ضحكت ابتسمت، وإذا صنعت جوّدت، التي تلزم بيتها، ولا تعصي بعلها

العزيزة في قومها، الذّليلة في نفسها. قال بعض السّلف: لعليٍّ أربع خصالٍ ضوارس قواطع: سطةٌ في العشيرة، وصهرٌ بالرسول، وعلمٌ بالتأويل، وصبرٌ إذا دعيت نزال؛ سطةٌ من وسطة، كعدةٍ من وعدة، وصفةٍ من وصفة، وزنةٍ من وزنة. شقيق بن السّليك الغاضري: المتقارب إذا ما نكحت فلا بالرّفاء ... وإمّا ابتنيت فلا بالبنينا تزوّجت أصلع في غربةٍ ... تجنّ الحليلة منه جنونا إذا ما نقلت إلى بيته ... أعدّ لجنبيك سوطاً أمينا يشمّك أخبث أضراسه ... إذا ما دنوت لتستنشقينا كأنّ المساويك في شدقه ... إذا هنّ أكرهن حمّلن طينا كأنّ توالي أضراسه ... وبين ثناياه غسلاً لجينا قال بعض السّلف: ما استنبط الصّواب بمثل المشورة، ولا حصّنت النّعم بمثل المواساة، ولا اكتسبت البغضة بمثل الكبر. أتي الهادي برجلٍ مذنبٍ فجعل يقرّعه فقال الرجل: يا أمير

المؤمنين، اعتذاري ممّا تقرّعني به ردٌّ عليك، وإقراري بما تعتدّ به عليّ يلزمني ذنباً، ولكني أقول: الطويل فإن كنت ترجو في العقوبة راحةً ... فلا تزهدن عن المعافاة بالأجر قدم عبد الصمد بن المفضّل الرّقاشي الرّيّ وخالد بن ديسم العربي على الديوان، فكتب إليه: الطويل أخالد إنّ الرّيّ قد أجحفت بنا ... وضاق علينا كسبها ومعاشها وقد أطمعتنا منك يوماً سحابةٌ ... أضاءت لنا برقاً وكفّ رشاشها فلا غيمها يضحي فييأس طامعٌ ... ولا عيشها يأتي فتروي عطاشها وقد طال إتعابي إليك مطيّتي ... فلم يبق إلاّ عظمها ومشاشها ولو طاوعتني النّفس في بدو أمرها ... لألفيتها قد حدّ عنك انكماشها فأقلل بها غنماً ونفعاً ونائلاً ... مواعيد لا يبدو عليّ رياشها أيدفعني بالباب وهبٌ وعامرٌ ... وقد ولدتني ذهلها ورقاشها سأل أعرابيٌّ فقال: لقد جعت حتى أكلت النّوى المحرق، ومشيت حتى انتعلت الدّم، وحتّى سقط من رجلي نحض لحم، وتمنّيت أنّ وجهي حذاءٌ لقدمي، فهل من أخٍ يرحم؟ لمّا استخلف عمر بن عبد العزيز بعث أهل بيت الحجّاج إلى الحارث بن عمرو الطائي، وكان على البلقاء، وكتب إليه: أما بعد، فإنّي قد

بعثت إليك بآل أبي عقيل، وبئس والله أهل البيت في دين الله تعالى وهلاك المسلمين، فأنزلهم بقدر هوانهم على الله تعالى وعلى أمير المؤمنين. قدم معاوية المدينة فدخل دار عثمان فقالت ابنته عائشة: واأبتاه! فقال لها معاوية: يا بنت أخي، إنّ النّاس أعطونا طاعةً وأعطيناهم أماناً، وأظهرنا لهم حلماً تحته غضب، وأظهروا لنا طاعةً تحتها حقد، فإن نكثنا بهم نكثوا بنا، فلا يدري أعلينا يكون أم لنا، فلأن تكوني بنت عمّ أمير المؤمنين خيرٌ من أن تكوني امرأةً من المسلمين. لما صافّ قتيبة بن مسلم التّرك وهاله أمرهم، سأل عن محمد بن واسع فقيل: هو في أقصى الميمنة جانحاً على سية قوسه، ينضنض بإصبعه نحو السماء، فقال قتيبة: لتلك الإصبع الفاردة خيرٌ من ألف سيفٍ شهيرٍ، وسهمٍ طرير. قال بعض القدماء: إن كنت حافظاً للسّلطان في ولايتك، حذراً منه عند تقريبه، أميناً له إذا ائتمنك، تشكر له ولا تكلّفه الشكر لك، تعلّمه وكأنّك تتعلم منه، وتؤدّبه وكأنّه يؤدّبك، بصيراً بهواه، مؤثراً لمنفعته، ذليلاً إن ضامك، قانعاً إن حرمك، وإلاّ فابعد منه كلّ البعد. اجتاز أبو الأسود الدّؤليّ بقومٍ فقال بعضهم: كأنّ غضون قفاه

فقاحٌ، فقال: هل تعرف فقحة أمّك يا فتى؟ فأخجله. سأل كيسان خلفاً وكان به صمم فقال له: يا أبا محرز، علقمة بن عبدة جاهليٌّ أو من ضبّة؟ فقال له خلف: يا مجنون صحّح المسألة حتى يصحّ الجواب. قال أعرابيّ: أصابنا مطرٌ دغر الأرض. وقال أعرابيّ: النساء فرشٌ، وخيرهنّ أوثرهنّ. كان أعشى همدان منقطعاً إلى عتّاب بن ورقاء التّميميّ، وكان ينادمه، فقال: يا أبا المصبّح، لئن أصبت إمرةً إنها لك خاصة، خاتمي في يدك تقضي في أمور النّاس؛ فاستعمل على أصفهان، فجاءه الأعشى فجفاه فقال: الوافر تمنّيني إمارتها تميمٌ ... وما أمّي بأمّ بني تميم وكان أبو سليمانٍ خليلي ... ولكنّ الشّراك من الأديم أتينا أصبهان فأهزلتنا ... وكنّا قبل ذلك في نعيم أتذكر يا خويلد إذ غزونا ... وأنت على بغيلك ذي الوشوم ويركب رأسه في كلّ وعثٍ ... ويعثر في الطريق المستقيم

وليس عليك إلا طيلسانٌ ... نصيبيٌّ وإلاّ سحق نيم لما مات النبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسمع بذلك نساءٌ من كندة وحضرموت، خضبن أيديهنّ وضربن بالدّفوف، فقال رجلٌ منهم: الكامل أبلغ أبا بكرٍ إذا ما جئته ... أنّ البغايا رمن كلّ مرام أظهرن من موت النبيّ شماتةً ... وخضبن أيديهنّ بالعلاّم فاقطع هديت أكفّهنّ بصارمٍ ... كالبرق أومض في جفون غمام شاعر: البسيط ما من صديقٍ وإن تمّت صداقته ... يوماً بأنجح في الحاجات من طبق إذا تلثّم بالمنديل منطلقاً ... لم يخش نبوة بوّابٍ ولا غلق لا تكذبنّ فإنّ النّاس مذ خلقوا ... لرغبةٍ يكرمون النّاس أو فرق مرّ خالد بن صفوان على أبي الجهم وتحته حمار فقال: ما هذا يا ابن صفوان؟ فقال: عيرٌ من بنات الكداد، أصحر السّربال، محملج القوائم، يحمل الرّجلة، ويبلّغ المنزل، ويمنعني من أن أكون جباراً عنيداً.

بعث النعمان إلى الحارث بن أبي شمر جيشاً وقال: من يعرف عدوّنا الذي أنفذنا إليه جيشنا؟ فقال بعض بني عجل: أنا، فقال النّعمان: صفه، فقال: قطفٌ نطف، صلفٌ قصف، فقام الرّديم وهو عمرو بن ضرار فقال: أبيت اللّعن، أوطأك العشوة: هو والله حليم النّشوة، شديد السّطوة، قال: صدقت، كذا ينبغي أن يكون عدوّنا. لورد بن عاصم المبرسم في الحسن بن زيد العلوي: الوافر له حقٌّ وليس عليه حقٌّ ... ومهما قال فالحسن الجميل وقد كان الرسول يرى حقوقاً ... عليه لأهلها وهو الرّسول فطلبه فهرب منه، ثم لم يشعر يوماً إلاّ وهو بين يديه يقول: الوافر ستأتي عذرتي الحسن بن زيدٍ ... وتشهد لي بصفّين القبور قبورٌ لو بأحمد أو عليٍّ ... يكون مجيرها حفظ المجير هما أبواك من وضعا فضعه ... وأنت برفع من رفعا جدير فاستخفّ الحسن كرمه، فقام فبسط رداءه وأجلسه عليه وأمّنه. قال بعض أهل اللغة: لببت الشيء ألبّه لبّاً إذا شددته بحبلٍ أو خيط؛ ونادى أعرابيٌّ غلامه فقال: لبّيك، فقال: لبّ الحبل جنبيك؛

هكذا قال أبو محمد الأندلسيّ، وكان كبيراً في اللغة، ورد بغداد وهو نحويٌّ، ولزم أبا سعيد السّيرافي، وأنشد لبعض أهل المغرب: البسيط الجود والغول والعنقاء ثالثةٌ ... أسماء أشياء لم تخلق ولم تكن وأنشد لآخر منهم: الخفيف لو قضى الله للمنون بحتفٍ ... صيّر البين للمنون منونا وكان أشحّ النّاس، وهذه شيمة أهل المغرب، وكان ربّما قرض البيت، إلا أنّه كان ركيك الشّعر رديء النّثر سيّء العبارة، كثير الحفظ جيّد الإتقان، ومات ببغداد سنة خمسٍ وسبعين وثلاثمائة. للوليد بن عقبة: الطويل وكنّا إذا ما حيّةٌ أعيت الرّقى ... وكان زعافاً يقطر السّمّ نابها دسسنا لها تحت الظلام ابن ملجمٍ ... جريّاً إذا ما جاء نفساً حسابها أبا حسنٍ ذقها على الرأس ضربةً ... بكفّ كريمٍ بعد وقتٍ ثوابها أمات ابن عفّانٍ فلم تبق دمنةٌ ... ونحن موالي غمرةٍ لا نهابها فألقى على المصريّ ثوب ظلامةٍ ... كما سلخت شاةٌ فطار انكعابها قال أعرابيّ: لا يكشف منسدل الهمّ إلاّ مشمّر الصّبر.

739ب - قد سألت السّيرافيّ عن الانسدال والانشمار فقال: مسموعان. قال بعض الفرس: الصّبر ربيع القلب. وقال آخر: الصّبر يقلّم أظفار الخطوب. كان أبو طالب نديماً لمسافر بن أبي عمرو، وهلك مسافرٌ فرثاه أبو طالب فقال: الخفيف ليت شعري مسافر بن أبي عم ... روٍ وليتٌ يقولها المحزون رجع الرّكب سالمين جميعاً ... وخليلي في مرمسٍ مدفون قال بعض أهل اللغة: في الفم اثنتان وثلاثون سنّاً، ثنيّتان من فوق وثنيّتان من تحت، ورباعيّتان من فوق ورباعيّتان من تحت، ونابان من فوق ونابان من تحت، وضاحكتان من فوق وضاحكتان من تحت، وثلاث أرحاءٍ من فوق وثلاث أرحاءٍ من تحت، وثلاث أرحاءٍ من فوق وثلاث أرحاءٍ من تحت، وناجذان من فوق وناجذان من تحت. وقّع أبو صالح محمد بن يزداد إلى عاملٍ أخّر أمراً: جعلنا إهمالنا لك وتعطّفنا ورفقنا بك مطيّةً لمطلك، وسبباً لدفعك ما لزمك ووجب عليك، فامح ببدارك إساءتك، وبتعجيلك مدافعتك، وأحضر حسابك مفصّلاً في باقي أسبوعك، ولا تحوج إلى عنفٍ بك، واستقصاءٍ عليك، إن شاء الله.

وكتب إلى جعفر بن محمود: ما زلت - أيّدك الله - أذمّ الدهر بذمّه إياك، وأنتظر لنفسي لك عقباه، وأتمنّى زوال حال من لا ذنب له إلى رجاء عاقبةٍ محمودةٍ تكون لك بزوال حاله، وتركت الإعذار في الطّلب على اختلالٍ شديدٍ إليه، ضنّاً بالمعروف عندي إلاّ عن أهله، وحبساً لشكري إلاّ عن مستحقه. فوقّع جعفر: لم أؤخّر ذكرك تناسياً لحقّك، ولا إغفالاً لواجبك، ولا إرجاءً لمهمّ أمرك، ولكني رجوت اتساع الحال بانفساح الأعمال، لأخصّك بأسناها خطراً، وأجلّها قدراً وأعودها بنفعٍ عليك، وأوفرها رزقاً لك، وأقربها مسافةً منك، وإذا كنت ممّن يحفزه الإعجال، ولا يتّسع له الإهمال، فسأختار لك خير ما يشير إليه، وأقدّم النظر فيه، وأجعله أول ما أمضيه، إنّ شاء الله. خطب يزيد بدمشق فقال: أيّهاالناس، سافروا بأبصاركم في كرّ الجديدين، ثمّ ارجعوها كليلةً عن بلوغ الأمل، وإنّ الماضي عظةٌ للباقي، ولا تجعلوا الغرور سبيل العجز عن الجدّ فتنقطع حجتكم في موقفٍ الله تعالى سائلكم فيه ومحاسبكم على ما أسلفتم. أيّها النّاس، أمس شاهدٌ فاحذروه، واليوم مؤدّبٌ فاعرفوه، وغدٌ رسولٌ فأكرموه، وكونوا على حذرٍ من هجوم القدر، فإن أعمالكم مطيّات أبدانكم، والصّراط ميدان يكثر فيه العثار، والسالم ناجٍ والعاثر في النّار.

قال محمد بن العلاء السّجزي: لما ولي عبيد الله بن سليمان الوزارة، أوصلت إليه كتاباً من عبيد الله بن عبد الله بن طاهر، وفيه يقول: الطويل أبى دهرنا إسعافنا في أمورنا ... وأسعفنا فيمن نحبّ ونكرم فقلت له نعماك فيهم أتمّها ... ودع أمرنا إنّ المهمّ المقدّم ذكر أعرابيٌّ امرأةً فقال: إن دعت القلوب لم تبطء عنها، وإن قتلت لم يعد عليها. قال الهيثم بن عديّ: قال جعفر بن معاوية لخالد بن صفوان: ما منعك أن يكون عندك امرأةٌ شريفةٌ من أشراف أهل البصرة؟ قال: فابغني امرأةً، قال: فأيّ النساء تريد؟ قال: ابغني امرأة بكراً كثيّبٍ وثيّباً كبكر، لا ضرعاً صغيرةً ولا عجوزاً كبيرة، عاشت في نعمةٍ وأدركتها حاجة، فخلق النّعمة معها وذلّ الحاجة فيها، وحسبي من حسبها أن تكون واسطةٌ في قومها، وحسبي من جمالها أن تكون فخمةً من بعيد، مليحةً من قريب، ترضى منّي بالسّنّة، وترفع عنّي المنّة، إن عشت أكرمتها، وإن متّ ورّثتها، لا ترفع رأسها إلى السماء رفعاً، ولا تضعه في الأرض وضعاً، أديبةً عاقلةً فصيحة. فقال جعفر: يا أبا صفوان، الناس في طلب هذه منذ زمانٍ حتى يبايعوها على الخلافة فلا يقدرون عليها، فاسل فإنّك حالم. لمّا سيّر عليّ بن الجهم إلى خراسان كتب إلى بعض إخوانه على لسان غلامٍ له: أمّا بعد، فإنّ الله إذا أراد أمراً جعل له من قضائه سبباً يجري

بعلمه، وينتهي إلى قدره، ولا إله إلاّه، أحصى كلّ شيءٍ عدداً، وأحاط بكلّ شيءٍ علماً، وجعل لكلّ قدراً، ومن أسباب قدره أن سهّل لي بعدك من الشّعر ما أخاطب به الشاهد وأكاتب الغائب، وأجتدي به وأستزيد، وأبلغ ما أريد، وهو يؤنسني إذا أوحشت، ويطيعني إذا عصيت، ويصدع عنّي إذا شيت، بليغ الخطبة، جميل العشرة، كريم الصّحبة، يرد الأندية، ويلج الأخبية، سائراً في البلاد، مسافراً من غير زاد، راضياً إن رضيت، مؤذياً إن أوذيت، جازياً بما أوليت، باقياً إذا أفنيت، معترضاً في الأسمار، عالماً بالأخبار، ومعزّياً عن الأوتار، يحضر إن غبت، ويجسر إن هبت، ولا يحظر بالحظر، ولا يوزع بالزّجر، إذا قيّد رتك، وإذا أغمد بتك، وإذا جرّد فتك، يلقح به الغزل ويعلل به الشمل ويأنس به الوجل وقد أتحفتك منه ببعض ما يجدّد عندك ذكرنا، وتعرف به خبرنا، وهو شعرٌ قلته في مقامٍ واحدٍ لم أزل أعجب منه، وسأصف لك المقام لتحمد الله تعالى عليه: لمّا كان اليوم الذي وردنا نيسابور، وقصدنا باب الأمير، وقد احتشد لنا الناس وكان من قدّر ذلك يتوهّم مع الخبر الشائع الذي حملنا له أنّ الداعي علينا سيكثر، وأنّ الشّامت بنا سيظهر، إذ كنّا في حالٍ لم يحمل على مثلها بابك ولا المازيار، وما منهما إلاّ قد رأينا؛ فبينا الناس كذلك إذ اقبل به في محملٍ قليل الوطاء، مسلوب الغطاء، فلمّا توسطنا الجماعة، ونظروا إليه، فلم يكن في ظاهره ما يسمج، ولا في قديمه ما ينكر، ولا في مساعيه ما ينقم، ولا في قدر الذّنب الذي ذكر أنه فعله ما يبلغ به ذلك عند الناس، وجد الوليّ إلى الدّعاء له بالخير سبيلاً، وساعده من حضر، وارتجّ الجميع بالدعاء له، فصار ما نعي عليه

معونةً له، وأبى الله تعالى، المحسن إلينا، أن يسلبه السّتر الجميل، إذ سلبه الآدميّون الغطاء، وألاّ يزيل نعمه إذ زال كلّ ما كان فيه، وألا يجعل لأعدائه إلى الشّماتة به سبيلاً، والسلام. قال عمر بن الخطّاب: ما رأيت صغير الهمّة إلاّ رأيته مذموم الأحدوثة. جلد صهيبٌ المدينيّ في الشّراب، وكان جسيماً، وكان الجلاّد قصيراً قميئاً فقال له: تقاصر لينالك السّوط، فقال: ويلك، إلى أكل الفالوذج تدعوني؟! والله لوددت أنّي أطول من عوج، وأنت أقصر من يأجوج. ضرب طويسٌ في الشّراب فقيل له: كيف كان جلدك على وقع السّياط؟ قال: بلغني أنّي كنت صبوراً. شاعر: المتقارب لكلّ أديبٍ ترى همّةً ... وهدياً يدلّ على همّته ولم ار مثل فتىً ماجدٍ ... يداري الأمور على فطنته يجازي الصّديق بإحسانه ... ويرجي العدوّ إلى غفلته ويلبس الدهر تبّانه ويخضع للقرد في دولته. بلوت الرجال وجرّبتهم ... فكلٌّ يدور على لذّته قال تميم بن نصر بن سيّار لأعرابيّ: هل أصابتك تخمةٌ قطّ؟

قال: أمّا من طعامك وطعام أبيك فلا. شاعر: الكامل المجزوء ودّعته فتناولت ... عيناه من عيني دموعا أسف الزمان عليّ أن نبقى كما كنا جميعا وأحلّني في غربةٍ ... وأحلّه البلد الشّسيعا وما كنت أحسب أن يكو ... ن كذا تفرّقنا سريعا قال أعرابيّ: قبحاً لدهرٍ لا تصفوا أيامه، ولا تنصف أحكامه، وأنشد: الطويل فإن تك أحزانٌ وفائض عبرةٍ ... أثرن دماً من داخل الجوف منقعا تجرّعتها من عاصمٍ واحتسيتها ... وأعظم منها ما احتسى من تجرّعا فليت المنايا خلّفت لي عاصماً ... فعشنا جميعاً أو ذهبن بنا معا قال أعرابيٌّ لرجل: إنّ فلاناً وإن ضحك إليك، فإنّ قلبه يضحك منك، ولئن أظهر شفقته عليك فإن عقاربه تسري إليك، فإن لم تتخذه عدوّا في علانيتك فلا تجعله صديقاً في سريرتك. شاعر: الكامل المجزوء وكلت قلبي بالولو ... ع وجفن عيني بالدّموع إذ لا سبيل إلى الوصا ... ل ولا طريق إلى الرّجوع أما ولوعات الفرا ... ق يشبّها بين الضّلوع لا مال قلبي ما حيي ... ت من النّزاع إلى النّزوع

كلاّ ولا ذاقت جفو ... ني بعده طيب الهجوع قال أحمد بن الطّيب: نظر بعض الأفاضل إلى رجلين أحدهما قد حمل ديكاً ليقاتل به والآخر قد حمل محبرةً وورقاً ليستفيد أدباً فقال: إنّ سعيكما لشتّى. لسلمان الفارسيّ: الوافر أبي الإسلام لا أب لي سواه ... إذا افتخروا ببكرٍ أو تميم بدعوى الجاهلية لم أجبهم ... ولا يدعوا بها غير الأثيم دعي القوم ينصر مدّعيه ... ليلحقه بذي الحسب الصميم قال سليمان التّميمي: دخلت على الأعمش وعنده نبيذٌ في إناء فقلت: ألا تغطّيه لئلا يقع فيه الذّباب؟ فقال: هذا أكرم من أين يقع الذّباب. قال أبو هاشم: سمعت عمّي يقول: كان بين الأعمش وبين رقبة ابن مصقلة معارضةٌ، كتب إليه الأعمش كتاباً يتوعّده، فأجابه رقبة، أمّا بعد، يريبني منك أباً محمدٍ أنّك تضرع في وعيدك، وتستعين بأمثال غيرك، لو شئت لأضربنّ قذالك بتصريف المقال، ثم لأتبعنّها بنوافذ الأمثال؛ فوضع الأعمش يده على رأسه وقال: ما لنا ولخطباء عبد القيس.

بسم الله الرحمن الرحيم

قال عيسى بن موسى وهو يلي الكوفة لابن أبي ليلى: اجمع الفقهاء وأحضروني، فجاء الأعمش في جبّة فروٍ وقد ربط وسطه بشريط، فأبطأوا، فقام الأعمش وقال: إن أردتم أن تعطونا شيئاً وإلا فخلّوا سبيلنا، فقال عيسى: أبا ليلى، قلت لك تأتيني بالفقهاء فجئتني بهذا؟ فقال: هذا سيّدنا، هذا الأعمش. قال أبو معاوية الضّرير: كتب هشام بن عبد الملك إلى الأعمش أن اكتب إليّ بمناقب عثمان ومساوئ عليّ، فأخذ القرطاس فأدخله في فم الشّاة فأكلته وقال: قل له: هذا جوابه، فرجع الرسول وعاد فأتى الأعمش فقال الرسول: إنه بدا لي أن يقتلني، وتحمّل عليه بإخوانه، فقالوا: يا أبا محمد أنقذه من القتل، فلمّا ألحّوا قال له: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعد، فلو كانت لعثمان مناقب أهل الأرض ما نفعتك، ولو كان لعليٍّ مساوئ أهل الأرض ما ضرّتك، فعليك بخويّصة نفسك والسلام. قال أعرابيّ: سمعت خبراً استكّت منه مسامعي، واستهلّت له مدامعي. قال أبو عبد الرحمن المقرئ: كنّا عند المقام وفينا مالك بن أنس، فطلع علينا أبو حنيفة فقال مالك: لقد جاءكم رجلٌ لو ناظر الشيطان قطعه.

قال عبد العزيز الدراورديّ: كان مالك ينظر في كتب أبي حنيفة ليتفقّه بها. قال الشافعيّ: قلت لمالك: أرأيت أبا حنيفة؟ قال: نعم رأيت رجلاً لو قال إنّ هذه السّاريةمن ذهبٍ لاحتجّ له. قال مالك، إن أبا حنيفة قال في الإسلام ستّون مسألةً. قال الأوزاعي: لا أنقم على أبي حنيفة أنه رأى كما أرى. قال يحيى بن الزّبير بن عبادةبن حمزة بن عبد الله بن الزّبير، وكان من العبّاد: شكوت إلى هشام بن عروة ما ألقى من بعض أهلي فقال: يا ابن أخي اصبر عليهم فهكذا كنت مع إخوتي، ثم إني أصبحت لأبنائهم أباً، ولمنازلهم ربّاً. قال هارون بن صالح: كنّا نعطي الغسّال الدراهم الكثيرة حتى يغسل ثيابنا في أثر ثياب عمر بن عبد العزيز من كثرة الطّيب فيها. دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على عائشة وهي تبكي فقال: " ما يبكيك "؟ فقالت: لفلانة مسكتان من ذهبٍ ولي مسكتان من ورقٍ، قال: " خلّقيهما بزعفران يأتيان كأنّهما ذهب ".

قال مالك بن أنس: كانت جلسة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يحتبي بيديه وينصب ركبتيه. دخل المسور على معاوية فقال له: كيف تركت قريشاً؟ قال: أنت سيّدها يا أمير المؤمنين، أعلاها كعباً، وأسودها أباً، وأرفعها ذكراً، وأجلّها قدراً.

رب أعن

/الجزء التاسع بسم الله الرحمن الرحيم رب أعن اللهم أسألك خفايا لُطفك وفواتح توفيقك، ومألوف برك، وعوائد إحسانك، وجاه المقدمين من ملائكتك، ومنزلة المصطفين من رُسلك، ومكانة الأولياء من خلقك، وعاقبة المتقين من عبادن؛ أسألك القناعة برزقك، والرضا بحكمك، والنزاهة عن محظورك، والورع في شبهاتك، والقيام بحججك، والاعتبار بما أبديت، والتسليم لما أخفيت، والإقبال على ما أمرت، والوقوف عما زجرت، حتى أتخذ الحق جنة عند ما خف وثقل، والصدق سنة فيما عسر وسهل، وحتى أرى أن شعار الزاهد أعز شعار، ومنظر الباطل أشره منظر، فأتبختر في ملكوتك بالدعاء إليك، وأبلغ الغاية القصوى بين خلقك بالثناء عليك، متيقناً أن الاقتصاد أوطأ سبيلاً وأعز حريماً.

هذا الجزء التاسع من البصائر، وكان عذري فيه - أعني الكتاب - أنه يتم بما يسر الناظر، وأرى العجز قد قهر، والاستعفاء قد حسن، والعذر قد وجب، لأن البقية من مذاكرة الأدب إذا اختصها هذا الجزء بقيت بقية في الصوفية، وقد كان الوعد سلف إفرادها عن سائر الفنون، وبقيت بقية أخرى من فلسفة الفلاسفة. وقال لي بعض إخواني: قدم من هذين الفنين ما إذا تخلص من الجملة كان لأثره وقع، فاقتصرت على ذلك، ولعمري إن الوصف على ما يأتي عليه، ولكن ليس الرأي على ما أرشد إليه، لأني فقير إلى ما يستغني هو ونظراؤه عنه، وضماني لا يزول برأي غيري، وحاجَتي لا تسقط بكفاية من سواي، وأنا جار على المصلحة المنوية في هذا الكتاب لنفسي ولمن يجري مجراي، ويعتذر إلى من خالفني في هذا الرأي. ولم يختر هذا التطويل، لأن الرغبة الصادقة في العلم تخفف علي كل (ثقيل) ، وتذلل كل صعب، وتزيل كل زهد، وترسل على الجساء ناعماً، و (تجعل) منظر الشوهاء رائعاً، وبعيد المطلوب دانياً، ووعر المحتاج إليه سهلاً، وأبي المتمني سمحاً، وعصي المراء طيعاً. واعلم أن المحظوظ من أنعم بالعلم عليه، ووفق للإخلاص فيه، وحشي سره طمأنينة، وبوشر قلبه بالسكون، ورفع همه عن الإشناق إلى ما لا يليق به واستشراف ما لا يصل إليه، ولن يحسن هذا المحظوظ عشرة هذه النعمة، ولا يستمتع بنضرتها، ولا يحمد غبها، دون أن يكون رائضاً للسانه على الشكر، وعامراً لصدره بالإخلاص، وهاجراً للهوينا في ما اجتلب الزيادة، مجانباً للتفريط في ما وكل به المقت والتصق به العار أو وصمته القالة؛ ولن ينتفع بهذه المقدمات كلها دون أن يعلم أن الدنيا دار عمل، والآخرة دار جزاء، وأن من فاتته في العاجل صنع له، وأن ما نال منها وبال، وأن القرار في دار الآخرة التي من سلك سبيلها نجا، ومن راغ عن

سنتها ضل وغوى. فاعرف - حفظك الله - هذه الوصايا، وأدب سرك بهذه المواعظ، واستيقن أن زائدها وإن اتصل ناقص، وظلها وإن امتد قالص، ومقيمها وإن تلوم شاخص، وكن مقبوض الكف، مغضوض الطرف، إلا عما أباح الله ورخص فيه وأذن لك أن تتناوله؛ واحذر الانهماك فإنه شوط عسير، وغاية ذات ندامة، وضرب (ليس) من حزب الفضلاء، واعمر عمرك بالصالح من العمل، والصادق من القول، والصحيح من الاعتقاد، ولا تبحث عما زوى الله سره عنك، ونزه حكمته عن تحصيلك، واستأثر بغيبه عن احتجاجك بقلبك، ولا تعترض على خالقك لالتباس يرد عليك، أو لشبهة تغالب فطنتك، فإن النظام جار على التمام، والخير واصل إلى الخاص والعام، فاحمد الله الذي أفردك بالصلاح في دهر الفساد، وزينك بالكرم في زمان اللؤم، وحبب إليك الإحسان بين أهل الإساءة. وسل الله مزيداً لك، ورفقاً بك، وأخذاً بيدك، وعافية في جسمك، وحراسة للنعمة عندك، وصرفاً للصروف عن ساحتك، فإنه جواد واجد، ملك ماجد. اللهم إني أشكو إليك سوانح نفسي، وفلتات ضجري، وقوارص لساني، وسيئات عملي، وخوادع أملي، فكن لي نصيراً وبي رحيماً، فلا قوة لي إلا بك، ولا توفيق إلا منك، ولا منال إلا على يدك، قلبني بين ما تحب وترضى، وقربني من حياضك الممدودة، ورياضك الممطورة، واسقني بكاس الرضا سلوة عن الدنيا، وامح أثرها من صدري، واجعل نازل قضاياك قريناً لصبري، وأحيني في طاعتك ناضر الوجه، صريح اللب، مرجواً مأمون الغوائل، ثم اقبضني إلى مقام الصادقين، واحشرني في

حزبك، ألا إن حزب الله هم الغالبون؛ وصل على أمين خلقك، وحامل وحيك، الواسطة بينك وبين عبادك، ما لمع بارق، وذر شارق، إنك على ذلك أقدر القادرين وأجود الجائدين.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: خمس من أتى الله بهن أو بواحدة منهن أو جب له الجنة: من سقى هامة صاديةً، أو أطعم كبد هافية، أو كسا جلدة عارية، أو حمل قدماً حافية، أو أعتق رقبة عانية. قوله سقى وأسقى، وقد فصل قوم بينهما، فقال: سقى أي جعل له ما يسقي به نفسه، وأسقى أي حصل له ماء سقيا، والسقي - بكسر السين - فنصيبه الباقي من المسقي، فأما السقي فمصدر على بابه المعتاد. والهامة الصادية: الإنسان العطشان، وفي سقي الماء آثار مأثورة: والصدى مقصور، يقال: صدي يصدى صدىً وهو صادٍ. والكتاب يقولون: أن صاد إلى لقاؤك، على الاستعارة، فهو كلام العرب، وأما الصدى فهو الذي يجيبك إذا ناديت بين جبلين، وذلك تراجع الصوت على الحقيقة ليس إن حيواناً يرد عليك وتقول في الأول أن صادٍ وصديان وهي صادية وصديا، ويقال: فلان صدى مالٍ إذا كان سائساً له لا هم له سواه. وقوله: " كبداً هافية " من الجوع فإن الكبد تهفو أي تخف، يقال: فلان قلبه هافٍ وأمره غافٍ وسره وافٍ، هكذا سمعت الحراني بمكة، وكان فصيحاً. وأما الرقبة العانية فهي المماليك، لأنهم أسرة قبضة. وإنما قلت هذا لأن بعض ما يضيق عطنه عن الاتساع في الاستعارة قال: فإن أعتق عانياً لا يجوز، وهذا يعوزه تمييز تصحيح الكلام من سقيمه.

خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذات يوم وعليه حلة، فنظر الناس إليه مستريبين، فلما رآهم كذلك أنشد: لا شيء فيما ترى إلا بشاشته ... يبقى الإله ويفنى المال والولد والله ما الدنيا في الآخرة إلا كنفجة أرنب. هكذا سمعت ابن الجعابي يروي، قال: وقال بعض جفاة النساك: ما لبس عمر حلة قط. وهذا أيضاً جهل آخر، قد لبس رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلة، وركب الجواد، وشرب الحلو والبارد، وباشر النساء، ولم يله عن الله عز وجل في خلال ذلك، لقوة عزيمته في الإيمان، ولشدة منته في التقوى، وكذلك الصالحون من هذه الأمة على درجاتهم، لا يصغر شيء من هذا، ومتى كان التناول لله والترك لله لم يكن للباطل بين ما الله وما بالله موقع، ولا للحق فيه منزع. قيل لحاتم الأصم: لو قرأت لنا شيئاً من القرآن فقال: نعم، فاندفع يقرأ: آلم. ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للشقيين الذين لا يؤمنون بالغيب ولا يقيمون الصلاة ومما رزقناهم يكنزون. قالوا: ليس هكذا قال: صدقتم. ولكن كذا أنتم قال يحيى بن وثاب في بغداد مدينة السلام وقبة الإسلام معدن الخلاف ومعقل الأناقة جعلها الله لخليفته مثوى ولشيعته مهوى. قال ثعلب: يقال فلان كالبدر ليلة تمامه وكدرة شق عنها

الصدف، وفلان أمضى من السيف، وأدفأ من النار، ولسان فلان كالمبرد ووجه فلان كالمسن، وجبينه كاللجين قال الناشئ الكبير العيش فانٍ فمن عد الغنى كدراً ... فعف ثم اكتفى بالعفو منه صفا أشدد يديك بمن تهوى فما أحد ... يمضي فيدرك حقاً بعده خلفا واستعتب الحر إن أنكرت شيمته ... والحر يستأنف العتبى إذا أنفا ولم تجد من له في قصده سبق ... إلا وجدت له عن حظه جنفا من ذا الذي نال حظاً دون صاحبه ... يوماً وأنصفه في الود أو نصفا لا خير في رجل يعطيك مهجته ... حتى إذا أعجبته حاله انحرفا وله: فإن تكن الأيام خانت فربما ... أرتنا زمام الحر في قبضة العبد وله: ملكنا وكل المماليك ميسما ... ودنا وكنا للديانة موسما قال جحا لأمه: اخبزي، قالت: ليس لنا دقيق، قال: فاخبزي فطير

لليثي في قتل محمد بن زيد وآله: آل زيد رماكم الده ... ر واجتث أصلكم بدد القتل بالصوا ... رم والسمر شملكم لا أرى الذنب للذي ... أحدث الآن قتلكم بل أراه لمعشر ... أسسوا ذاك قبلكم لما صار امرؤ القيس بمدينة تدعى أنقرة مرض وأحس بالموت فقال: رب خطبة مسحنفره ... وطعنة مثعنجره وجفنة مدعثرة ... متروكة بأنقره ورأى قبراً لمرأة من بعض بنات ملوك الروم فقال: أجارتنا إلى الخطوب تنوب ... وأني مقيم ما أقام عسيب أجارتنا إنا غريبان هاهنا ... وكل غريب للغريب نسيب وكان وسيماً جسيماً وكان مع ذلك مفركاً، قال لامرأة: ما تكره

النساء مني؟ قالت له: لأن ريحك إذا عرقت ريح كلب، قال: صدقت قال ثعلب: الشبادع العقارب، وقال: الأزيب: الدعي، وهو في بيت الأعشى: الذكي، والأزيب من الرياح. قال شبيب بن شيبة: اشتريت جارية فأصبت منها ما يصيب الشيخ من الشابة، ثم خرجت لحاجتي ورجعت وقد عصبت رأسها، فقلت: ما لك؟ قالت: لا جزاك الله خيراً، ما زدت على أن هيجته وتركته يتقطع في أوصالي قال الأصمعي، قال أبو عبيدة: رأيت بطريقي مكة أعرابية تبيع الخوص لم أر أجمل منها قط، فوقفت أنظر إليها متعجباً من جمالها، إذا أقبل شيخ فقير فأخذ بأذنها فسار بها، فقلت من هذا؟ قالت: زوجي، قلت: كيف يرضى مثلك بمثله؟ قالت: إن له قصة، ثم أنشدت: أيا عجباً للخود يجري وشاحها ... تزف إلى شيخ من القوم تنبال دعاني إليه أنه ذو قرابة ... فويل الغواني من بني العم والخال

قرأت في مجموع لابن المعتز من أخبار شارية المغنية: جعلت طريقي على بابكم ... وما كان بابكم لي طريقا صرمت الأقارب من أجلكم ... وصافيت من لم يكن لي صديقا سمع عمر بن الخطاب راكباً بفلاة يتغنى فقال: إن الغناء زاد الراكب. قال أبو العيناء لرجل: والله ما فيك من العقل شيء إلا بمقدار ما تجب به الحجة عليك، والنار لك. كاتب: إن الشكر من الله بأحسن المواضع، فازدد منه تزدد به، وحافظ عليه تحفظ به. قال الناشئ الكبير، قال الحكماء: متى كانت الهمة فوق النعمة كان الفقر أحسن من السؤال. شاعر: العبد عبدك فاحكم فيه واحتكم ... وأعدل وجر غير مأخوذ بلا ولم لا رد عندي لما تأتي به أبداً ... ولو حكمت لأعدائي بسفك دمي اصدد إذا شئت أن يعتادني سقم ... وصل إذا شئت أن أبرا من السقم ونور وجهك لولا ما أؤمله ... من نور طيفك لي في النوم لم أنم

قال أحمد بن أبي طاهر، حدثني حبيب - يعني أبا تمام - قال، حدثني كرامة قال: قدم علينا رجل من ولد معدان بن عبيد المغني بغداد، وكان شاعراً قد ناله من البرامكة مال كثير، فقلت له: كيف تركت آل برمك؟ قال: تركتهم وقد أنست بهم النعمة حتى كأنها منهم أو بعضهم. قال كرامة: فحدثت بهذا الحديث ثعلبة بن الضحاك العامري فقال: قد سمعت من بعض أعرابكم نحواً من هذا، قلت: وما هو؟ قال: قدم علينا فلان في عنفوان خلافة هشام، فرأى آل خالد بن عبد الله القسري فقال: إني أرى النعمة قد لصقت بهؤلاء القوم حتى كأنها منهم، قلت: فإن صاحب هذا الكلام ابن عم صاحب ذلك الحديث في ما أرى. قال أحمد، حدثني حبيب قال، حدثني أبو محسن الأزدي، قال، حدثني عمرو بن سراقة قال: قدم علينا شيخ من أزد البصرة وكان حدثاً قال: سأل رجل عبيد الله بن أبي بكرة فأغناه، فجاء الرجل بعشيرته شاكرين له، فالتفت عبيد الله إلى بعض ولده فقال: ما أخوفني أن يكون الحمد في

الرياء!! فقال له: قد أمنك الله من هذا أيها الشيخ، قال: صدقت ويلك، أما ترى قليل ما أعطيناه وكثير ما أخذناه؟ قال أذاراي: الدهر زمان ساكن، والزمان دهر يفسد ما يحركه. قال أفلاطون: من زعم أن الحركة يلزمها الخفة والثقل من جهة الإبطاء والسرعة وهي متناهية ذات أشكال كثيرة، وليس متناه ذو أشكال كثيرة إلا وأشكاله منفصلة، لم تنفصل إلا عن شيء لزم بعضها دون بعض. قال أفلاطون: الإيضاح على نحوين: أحدهما من تلقائنا والآخر من تلقاء الطبيعة، فالذي من تلقاء الطبيعة كلي، والذي من تلقائنا جزئي. وقال: لولا أن العقل شكله شكل فلكي لكان منقطعاً، وهو مع أنه يوصف بالحركة على نحو ما ساكن. قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: إلى كم أغضي الجفون على القذى، وأسحب ذيلي على الأذى، وأقول لعل وعسى. سمعت بدوياً ببطن نخل يقول في كلام له: رب مطرق على شجىً، ومعنق على وجىً.

قال أعرابي في وصف سيده: هو نبعة أرومته، وأبلق كتيبته، ومدره عشيرته، ونابهم الذي عنه يفترون، وبابهم الذي إليه يضطرون. قال أعرابي في وصف رجل: إذا ناضل كشف القناع، وإذا فاضل ترك الخداع، وإذا حارب حسر اللثام، وإذا سالم أصلح النظام. سمعت بدوياً بفيدٍ يقول في وصف آخر: إن مد باعه إلى الكرم قصر، وإن أطلق لسانه في الجدل حصر. وقال دريد بن الصمة لهوازن يوم حنين: أين أنتم؟ قالوا: بأوطاس، قال: لا حزم ضرس، ولا سهل دهس. قال أعرابي: لا يشق غباره، ولا ينال طواره ولا يرتق فتقه، ولا يبلغ عمقه. قال بعض النساك: أمارة الاغترار بالله، الإصرار على سخط الله. قال أعرابي: سخيف لا يرعى، حقه لا يرعى. سمعت أبا فرعون التميمي يقول: ما أسهل السرب على الماتح، وأهون المصيبة على النائح.

أفلاطون: المتعلم يحتاج إلى لم، كما أن الفيلسوف يحتاج إلى ما. وقال أيضاً: تبيان المسالة حسن الوضع. وقال صاحب المنطق: الإيضاح لا يكون من الممكنات ولكن من المضطرات. قال أرسطاطاليس في كتابه الذي بعد الطبيعة: فوق جوهر السماء جوهر لا عظم له ولا قدر من الأقدار، يستحيل بنوع من الاستحالات، لا نهاية لقوته، ومن أجل ذلك يفعل فعله بلا زمان، وهو فعال بذاته، فلذلك هو دائم الفعل، وليس فعله بحركة، ولا فيه شيء بالقوة، لكن الأشياء فيه بالفعل، وقوته منبعة في العالم دائماً. كتب بعض الأدباء إلى ابن سعدان في وزارته رقعة دل بها على أنه كان. على الخير لا الشر، لكني وجدتها مليحة التلطف: عبد مولانا - أطال الله

بقاءه - وإن كان منبوذاً بالعراء، مقصوداً بالجبه، لا يلحظ بعناية. ولا يضاف إلى كفاية، فإنه لنصح جيبه، ونقاء ضميره، وتعصبه لهذه الدولة الميمونة، وعشقه لهذه الأيام المأمونة، يستقري الجلي متعرفاً ويستنبط الخفي مستشفاً، ثم ينهيهما على رسم الخدمة، ليكونا مادة لرفع ولي وتقديمه، وقمع عدو وتقويمه، وكان كذا وكذا، وأنهيت ذلك على مذهب الخدم ليكون رأيه من ورائه، فإن رأى - لازالت كف السعادة له مصافحة، ولسان الدولة ناصحة، ما تعاقب الجديدان وتصافح اللديدان - أن يعرف انتصابي للخدمة، ونفيي والقذى عن المملكة، فعل إن شاء الله. فلما قرأ أبو عبد الله قال: ما أحسن ما احتال في شكوى حاله بين أضعاف مدحه، جئني برقاعه وحاجته، فقضى كل حاجة كانت له. قال كاتب: القلم الدوائ كالولد العاق وقالوا القلم أحد اللسانين، والعم أحد الأبوين، والتثبت أحد العفوين، والمطل أحد المنعين، وقلة العيال أحد اليسارين، والقناعة أحد الرزقين، والوعد أحد الصرفين، والإصلاح أحد الكسبين، والراوية أحد

الهاجيين، والهجر أحد الفراقين، واليأس أحد النجحين، والمزاح أحد السبابين. سألت السيرافي عن قول من قال: المزاح سمي مزاحاً لأنه أزيح عن الحق، فقال: هذا محكي عن ابن دريد، وهو باطل، الميم من سنخ الكلمة في (مزحت أمزح) ومن (أزيح) تكون زائدة. وقال أبو سعيد: كان أبو بكر ضعيفاً في التصريف والنحو خاصة، وفي كتاب (الجمهرة) خلل كثير، قلنا له: فلو فصلت بالبيان عن هذا الخلل وفتحت لنا باباً من العلم فقال: نحن إلى ستر زلات العلماء أحوج منا إلى كشفها، وانتهى الكلام، فلما نهضنا من مجلسه قال بعض أصحابنا: قد كان ينبغي لنا أن نقول له: حراسة العلم أولى من حراسة العالم، وفي السكوت عن أبي بكر إجلال ولكن خيانة للعلم. فاخر صاحب سيف صاحب قلم، فقال صاحب السيف: القلم خادم السيف إن بلغ مراده، وإلا فإلى السيف معاده. شاعر:

تعس الزمان لقد أتى بعجاب ... ومحا سطور الفضل والآداب واتى بكتاب لو انطلقت يدي ... فيهم رددتهم إلى الكتاب نعم من الأنعام إلا أنهم ... من بينهم خلقوا بلا أذناب قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أعظم النساء بركة أحسنهن وجهاً وأرخصهن مهراً ". وقال عليه السلام: " أفضل ما أفاد المسلم بعد الإسلام امرأة مؤمنة، إذا رآها سرته، وإذا أقسم عليها برته ". يقال: التزويل هو أن يمتد الأير ولا يشتد، والإكسال أن يجامع الرجل ولا ينزل. قال الكسائي: أفدت المال أعطيته غيري، وأفدته استفدته، قال الناس: يقال: فاد المال نفسه لفلان يفيد إذا ثبت له مال، والاسم الفائدة، وفاد الرجل إذا مات. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما النساء لعب، فليستحسن الرجل لعبته ". وقال عليه السلام: خير نساء ركبن الإبل هن صوالح قريش،

أحناهن على والد، وأرعاهن على زوج في ذات يدٍ. مات أعرابي عن أعرابية يقال لها طيبة، وخلف عليها بنياً، وتزوجت المرأة سراً والغلام لا يعلم، وكانت تختضب وتكتحل ويرى الغلام ما لا يعجبه، وكان الرجل يأتيها ليلاً وينصرف مع الصبح، فقال الغلام: ياطيب ما هذا بفعل حانيه أكل يوم حلة مدانية وكحل عينين وكف قانيه إما على بعل وإما زانيه والله ما أرضى بهذا ثانيه الحانية: المتعطفة، والمصدر الحنو، فأما قولهم: حنت النعجة فيريدون اشتهت الذكر. قال أعرابي: في وصف الجارية يقال: ناصعة اللون، جيدة الشطب، نقية الثغر، حسنة العين والأنف، ظريفة اللسان، واردة الشعر، يقال في اللغة: التليعة: الطويلة العنق، ويقال: فيها تلع. قيل لأعرابي: أتحسن وصف النساء؟ فقال: إذا عذب طرفاها، وسهل خداها، ونهد ثدياها، ولطف كفاها، وبض ساعداها، وعرض وراكها، والتف فخذاها، واخدلج ساقاها، فهي هم النفس ومناها.

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: للمسلم على أخيه حقوق لا براء منها إلا بأداء أو عفو، ومنها: يغفر زلته ويرجم عبرته، ويقدم نصيحته، ويديم صلته، ويعود مرضته ويجيب دعوته ويقبل هديته ويكافئ صلته ويشكر نعمته، ويحسن نصرته، ويحفظ حليلته، ويقضي حاجته، ويشفع مسألته، ويشمت عطسته، وينشد ضالته، ويرد سلامه، ويطيب كلامه، ويبر إنعامه، ويصدق أقسامه، ويواليه ولا يعاديه. وينصره ظالماً ومظلوماً، وأما نصرته له ظالماً فيرده عن ظلمه، وأما نصرته مظلوماً فمفهوم، ولا يخذله، ويحب له من الخير ما يحب لنفسه، ويكره له من الشر ما يكره لنفسه. ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله يقول: " إن أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئاً فيطالب به يوم القيامة فيقضى له عليه ". وقال أيضاً: " إن أحدكم ليدع تشميت أخيه إن عطس فيطالب به يوم القيامة " قال الحكم الأعرابي. قال روح بن حاتم: بينا أنا واقف على بعض ولاة البصرة إذ أقبل خالد بن صفوان، فنظر إلي وقال: يا ابن أخي، والله ما بكرت ولا هجرت إلى باب أحد من الولاة إلا رأيتك واقفاً عليه، أكل هذا حب منك للدنيا وحرص عليها؟ قال: فأجللته عن الجواب وقلت إنما هو عم، ولعله أراد أن ينفرني ليعلم ما عندي في جوابه، فقلت: والله ياعم، حسبك برؤيتك إياي عليها طلباً منك للدنيا، فضحك وقال: يا ابن أخي، إن قلت ذاك لقد ذهب ماء الوجه وسناء البصر، واقترب العهد العلل، والله ما أتت

علينا ساعة من أعمارنا إلا ونحن نؤثر الدنيا على ما سواها، ثم ما نزداد لها إلا تحلياً، ولا تزداد عنا إلا تولياً. قيل لأعرابي: ما خلفت لأهلك؟ قال: الحافظين، قيل: وما هما؟ قال: أعريهن فلا يبرحن، وأجيعهن فلا يمرحن. وقال كعب بن جعيل: مدحت قريشاً واصطفيت ابن خالدٍ ... وللخير آيات بها يتوسم وكنت كمرتاد بمنقاره الثرى ... وصادف عين الماء إذا يترسم غياث الجياع والمراضيع إ ن ... بمكة يوم ذو أهابي أيتم فإن يسأل الله الشهور شهادةً ... ينبأ جمادى عنكم والمحرم بأنكم من خير من وطئ بالحصى ... إذا طفق المعطي يضن ويسأم قال ابن أبي بردة: غزا قوم الديلم فأسروا، وأسر الديلم شديد، قال: فاشتكى ابن ملك الديلم فقالت أمه: اذهبوا به إلى العرب لعل عندهم دواء، فجاءت به امرأة فقال لها رجل: هاتيه، فقال له رفيقه: أنشدك الله لا تعرضنا للهلكة، قال: هاتيه، فجعل يعوذه ويقول:

أيا أم ذا المولود لا شب قرنه ... ولا زال فيه سقمه يتردد ويا أم ذا المولود جودي بكسرة ... لشيخين من همدان قيس ومرثد قال: فما أتت له ثالثة حتى برأ، فخلي عنهم كلهم. قال الناشئ في كتاب (نقد الشعر) : ومخاطبات النساء تحلو في الشعر وتعذب في القريض، لا سيما لغانية قد أطر الفتاء شاربها، وزوى الإباء حاجبها، وأشط الجمال قوامها، وأفرد الحسن تمامها، وأنجل الهوى عينيها، وأمرض الزهو جفنيها، وأرابت الصبابة ألفاظها، وفتر الرنو ألحاظها، وأرهف الظرف أعطافها، وألانت النعمة أطرافها، ولذ للراشف مبسمها، وأطرد ماء النعيم بين رياضها وجناتها، وترقرق جريال الشباب على سحناتها، وجدل للضم قدها، ومالت للجاذب جمائرها، ودالت للقاضب غدائرها، وشخصت للوفور مآكمها، وظمأت للذيول فضولها، وسهلت للعيون حجولها، وطابت للمتنسم ملاغمها، وأرجت للمتنعم فواغمها، فكيف إذا هي برزت من حجابها وسفرت عن نقابها، وتهادت بين أترابها، وقد هز الريح أردانها، استعز المراح أكنانها. بل كيف إذا هي أملها سائلها، وأكلها مقاولها، وأعرضت عنه صدوغاً، وتأوهت منه عزوفاً، وقد قطب التيه جبينها، واستغض الأنف عرنينها، واستخفها الطرب، واستهواها العجب، فافترت مبتسمة عن شتيت أنيابها، ومعسول رضابها، وكيف تقر نفس عاشقها إذا هي لسنته بعتابها، ولحنته بسبابها، وقد لاثت ذوابل أثوابها، وحسرت فواضل أسلابها، وطفقت تعد ذنوبه بحناجرها، وتأبى معاذره بمكاسرها، وهل تطوع لها أمنية إذ أعتبته من صدها، وبذلت له مصون ودها، ثم أسعفته بزورة وسنت لها عين راقبها، وغيلت بها نفس عاقبها، قد التفعت إليه ملاء ليل، أو وطئت إليه أعقاب قيل، قد خزل الأين أياطلها، وبل البهر غلائلها، وقصرت له أعاليها وأسافلها، وأوجل الوجل فرائصها، وأوجى العجل

أخامصها، ثم طفقت تستعتب نفسها وتستكفها، حتى إذا أسمحت بها قرونتها، وأسجحت له سجيتها، وسكن إلى الإيناس قلقها، وأسرع إلى الإبساس علقها، ناسمته من حديثها بما هو أقر لعينه، وأشهى إلى نفسه من طول بقائها، ودوام نعمائها. ولنا في هذا الباب ما لم يخرج عن مذهب القوم، منه: فديتك لو أنهم يعقلون ... لردوا النواظر عن ناظريك ألم يقرءوا ويحهم ما يرون ... من وحي قلبك في مقلتيك وقد جعلوك رقيباً علينا ... فمن ذا يكون رقيباً عليك سأل سعيد بن فلان عبيد الله بن زياد أن يتغدى عنده، فأجابه وأمر بحمل البسط والفرش، ووجه إليه الخبازين والطباخين، فلما دخل عبيد الله قال: هات ما عملت، وبعث إلى منزله فحمل وأكل، فلما فرغ قال له سعيد: أصلح الله الأمير، لا يخرج من منزلي شيء، قال: دعنا نخرج. قال المدائني: قال سلم بن زياد لرجل يقال له طلحة الخزاعي: إني أريد أن أصل رجلاً له حق وصحبة بألف ألف، فما ترى؟ قال: أرى أن تجعل هذه لعشرة. قال: فخمس مائة ألف، قال: كثير قال: رجل بمائة

ألف؟ قال: نعم، قال: وبها يقضى ذمام رجل له صحبة؟ قال: نعم. قال: هي لك فما أردت غيرك، قال: أقلني، قال: لا فعلت أبداً. قال الأصمعي: دهاة العرب أربعة كلهم ولدوا بالطائف: معاوية، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، والسائب بن الأقرع. قال: لما أتي سليمان بن عبد الملك برأس قتيبة كتب لوكيع بن أبي سود عهده على خراسان، فقال يزيد بن المهلب لابراهيم بن الأهتم: إن رددت أمير المؤمنين عن رأيه في وكيع فلك مائة ألف، فقام ابن الأهتم فتكلم بكلام تفرق الناس عن استحسانه فقال: يا أمير المؤمنين، إن وكيعاً أدرك في الثأر، وبالغ في الطاعة، فجزاه الله خيراً، غير أني لو خفت من إحدى يدي خلافاً على أمير المؤمنين لأحببت انبتاتها من صاحبتها، وإن وكيعاً لم يملك مائتي عناق قط فحدث نفسه بالطاعة، فلا تأخذنا بحديث إن كان منه، فقال سليمان: ويلك فمن لخرسان؟ قال: العبد في الطاعة، والأخ في النصيحة، يزيد، فولاه. قال بعض جلساء الأمراء: والله لقولة (يا غلام، هات الطعام) أحب إلي من صوت ابن سريج. قال: كان الحجاز يوضع له في كل يوم ألف خوان لأهل

الشام، على كل خوان قفيز من دقيق وسبعة أرطال قديد وجنب شواء وسمكة وجرة لبن وجرة ماء وعسل، فشكوا يوماً قلة المرق، فدعا صاحب الطعام وضربه مائتي صوت وقال: يشكون قلة المرق وأنت على دجلة؟ قال الأصمعي: قلت لأعرابي: هل لك في ثريدة؟ قال: ثريدة محمومه ... في صحفة مكمومه قد ألحفت رقاقا ... وجللت عراقا أتى أبو دلامة ابا جعفر المنصور وهو سكران، فأمر بحبسه في السجن، فلما أصبح وصح كتب إليه: أمير المؤمنين فدتك نفسي ... علام حبستني وخرقت ساجي أمن صهباء صافية المزاج ... كأن شعاعها لهب السراج تسر به القلوب وتشتهيها ... إذا برزت تقرقر في الزجاج وقد طبخت بنار الله حتى ... لقد صارت على النطف النضاج أقاد إلى السجون بغير جرم ... كأني بعض عمال الخراج ولو معهم حبست لطاب عيشي ... ولكني حبست مع الدجاج وقد كانت تخبرني ذنوبي ... بأني من عذابك غير ناج

على أني وإن لاقيت شراً ... لخيرك بعد ذاك الشر راج قال ابن المعتز: قلت لبعض أصحابنا: كم تكون تاركاً للتوبة مماطلاً به؟! فقال: قد قال الله تعالى: " خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئا " ً عسى الله أن يتوب عليهم " التوبة:102، وعسى إطماع، والكريم إذا أطمع فعل، قلت: فأين قول الله تعالى: " ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره " الزلزلة:8، فقال: يراه فيغفر له. قال ابن المعتز: قال بعض أصحابنا: لا تنزل الهم إلى قلبك إلا على أشخاص، فإن الهم يتعلق بعضه ببعض. قال الصوفي: لا تباغض نفسك فلا بد من أن تغتر قليلاً وإلا فسدت دنياك وأسأت معاشرة نفسك. قال ابن المعتز: لما جاء جعفر بن يحيى من الرقة شيعه عبد الملك بن صالح، فلما أراد الانصراف قال: حاجة، قال: وما هي؟ قال: أن تكون كما قال الشاعر: وكوني على الواشين لداء شغبة ... كما أنا للواشي ألد شغوب فقال جعفر: بل نكون كما قال الشاعر: وإذا الواشي أتى يسعى بها ... نفع الواشي بما جاء يضر

قال ابن المعتز: وإنما أراد أن يؤنب جعفراً فأنبه جعفر. لأبي نواس: مقرطقة لم يشقها سحب ذيلها ... ولا نازعتها الريح فضل البنائق كأن مخط الصدغ في صحن وجهها ... بقية أنقاس بإصبع لائق وقال ابن المعتز: قرأت بخط أبي المعسكر المسمعي، حدثني أبو عبيد قال، حدثنا أبو سعيد البصري قال، حدثنا الحسن بن عرفة قال، حدثني عيسى بن يونس عن الأوازي قال: وثب خالد بن عبد الله القسري على امرأة فقبلها، فشكته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليه فاعترف وقال: إن شاءت فلتقتص مني، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أو لا تعود، قال: لا أعود يا رسول الله. ولا أدري من هذا القسري وكيف هذه الرواية. بشر بن يزيد الكاتب: أيا دمن الدار لولا الخدود ... ولولا الجفون ولولا المقل ولولا الأقاحي ولولا النحور ... ولولا السوالف من ذات دل

ولولا القدود ولولا الخصور ... ولولا ضفائر وحف رجل ولولا التعانق عند اللقاء ... بعد الفراق ولولا القبل لهانت على العاشقين الديار ... ورسم الربوع ومحو الطلل آخر: يا رب كأس قد سبقت بها ... عذل العذول وغرة الشمس وكأنما اليوم الطويل بها ... قصراً وطيباً قبلة الخلس آخر: صبحتهم والصبح ينفض رأسه ... قد هم بالإسفار أو لم يسفر والليل منهزم الظلام يشله ... صبح كناصية الحصان الأشقر لعمارة بن طارق: فصبحت قبل الصباح الفائق ... وقبل عصفور الأذان الناطق والصبح كالسربال ذي البنائق ... والنجم كالزند أمام السائق وقيل لجمعة الإيادية: أي الغيث أحب إليك؟ قالت: ذو الهيدب المنبعق، الأضخم المؤتلق، والصخب المنبثق. شاعر:

جادك يا بغداد من بلاد ... صيب كل رائح وغاد يا ليت شعري والحنين زادي ... هل لي إلى ظلك من معاد لله ما هجت على البعاد ... لقلب حران إليك صاد بدل من ربعك بالبوادي ... وقفرة موحشة الأطواد مجهولة مجدبة حماد ... ورملة متعبة الإصعاد تخال في كثبانها الجعاد ... خطوط أقلام بلا مداد قال أرسطاطاليس في كتاب (الحيوان) : إذا جاع الثعلب ولم يقدر على صيد يأكله استلقى على ظهره ونفخ في بطنه، فتحسبته الطير قد مات فيقعن عليه، فيثب ويأخذ بعضها. وقال في الضبع أيضاً: تصير مرةً أنثى وتصير مرة ذكراً، وتبدل في كل سنة، تلقح أحياناً كالذكر، وتقبل اللقاح كالأنثى، لاختلاط جوهرها وتلونه، وزعم أنها إذا رأت الكلب في ليلة مقمرة يمشي على الإجار وطئت ظله فوقع، وأن من كان معه لسان ضبعة فمر بين الكلاب لم تكلب عليه، وأن من مر في مكان كثير الضباع وأخذ بيده أصلاً من أصول الحنظل هربت من بين يديه. قال، وقال في الذئب: إن يرى إنساناً قد خافه اجترأ عليه،

وإن حمل عليه تأخر عنه، وذكر أنه خفي عليه مكان الغنم عوى حتى تسمع الكلاب صوته وتنبح فيقصدها للغنم التي معها فإذا اقرب من الغنم عوى فتقصد الكلاب صوته وتجتمع إلى ناحيته، ثم يخالفها فيقصد ناحية خالية منها فيختطف من الغنم، وزعم أن الذئب إن وطئ على العنصل مات من ساعته، والثعلب يأتي بهذه البقلة فيضعها في جحره لئلا يأتيه الذئب فيأكل جراءه. وقال في الجراد: أنه إن ظعن ظعن كله مثل العسكر العظيم، وإن حل حل جميعه، وإن وقع في المزارع لا يتحرك ساعة وقوعه حتى يأتيه وحي من السماء، وليس من طبيعته، وقال لابن المعتز: فهذا يكذب بالوحي إلى الآدميين، ويصدق به إلى الجراد. وأنشد للراعي: فبت وبات الحاطبان وراءها ... بجرداء محل يألسان الأفاعي فما برحا حتى أجنا فروخها ... وضما من العيدان رطباً وذاويا إذا حمشاها بالوقود تغيظت ... على اللحم حتى تترك العظم باديا وله:

من الأثل أما ظلها فهو بارز ... أثيث وأما نبتها فأنيق لها هدبات فوق ميثاء سهلة ... نواعم ما في ظلهن فتوق جمع هدبة، وهي أغصان الأثل والأرض. شاعر: لعمرك إنني لأحب نجداً ... ولست أرى إلى نجد سبيلا خليلي اقعدا لي عللاني ... وضما من وسادي أن تميلا ألم تريا جنوحي واعتمادي ... على الأحشاء والصبر الجميلا خرج المهدي يتصيد، فعاربه فرسه حتى دفع إلى خباء أعرابي، فقال: يا أعرابي، هل من قرىً؟ قال: نعم، فأخرج له فضلة من ملة فأكلها، وفضلة من كرش فيه لبن فسقاه، ثم أتاه بنبيذ في زكرة فسقاه قعباً، فلما شرب المهدي قال: يا أعرابي، أتدري من أنا؟ قال: لا، قال: أنا من خدم الخاصة، فقال: بارك الله لك في موضعك، ثم سقاه آخر فلما شربه قال: يا أعرابي، أتدري من أنا؟ قال: نعم، زعمت أنك من خدم الخاصة: قال: لا بل أنا من قواد أمير المؤمنين، فقال: رحبت دارك، وطاب مزارك، ثم سقاه قدحاً ثالثاً، فلما فرغ منه قال: يا أعرابي، أتدري من أنا؟ قال: زعمت أنك من القواد، قال: لا ولكني أمير المؤمنين، فاخذ الأعرابي الزكرة فأوكاها وقال: والله لئن شربت الرابع لتقولن إنك رسول الله، فضحك المهدي، وأحاطت به الخيل وأبناء الملوك والأشراف، فطار لب

الأعرابي، فقال له المهدي: لا بأس عليك، وأمر له بصلة. لعوف بن محلم: أفي كل عام غربة ونزوح ... أما للنوى من ونية فتريح لقد طلح البين المشت ركائبي ... فهل أرين البين وهو طليح وأرقني بالري نوح حمامة ... فنحت وذو الشجو الحزين ينوح على أنها ناحت ولم تذر عبرة ... ونحت وأسراب الدموع سفوح وناحت وفراخاها بحيث تراهما ... ومن دون أفراخي مهامه فيح عسى جود عبد الله أن يعكس النوى ... فتلقى عصا التطواف وهي طريح فإن الغنى يدني الفتى من صديقه ... وعدم الفتى للمقترين طروح قال أنس بن مالك لمصعب بن الزبير في رجل من الأنصار: احفظ فينا وصية النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فنزل مصعب عن سريره وتمرغ في التراب ووضع خده على الأرض وقضى حاجته. مرداس السلمي: وغيث خصيب ماؤه تحت بقله ... يروعني منه غراب وناهق

تبطنته والطير في وكناتها ... يدافع ركني سائم الطرف ناتق قويرح أعوام كأن سراته ... سراة طراف مددته الجوالق قال محمد بن يزيد الأموي البشري - من ولد بشر بن مروان يصف حماراً اصطاده: يظل مفارقاً للعين يكبو ... ومن دفع الدماء له إزار كأن النقع ممتداً عليه ... رواق في حواشيه احمرار قال الحجاج: أيها الناس، اتقوا الغبار فإنه سريع الدخول بطيء الخروج. شاعر: لا أستلذ حديث غانية ... وأرى حديثك كله حسناً ووعدتني وعداً فخست به ... ومطلتني فكفى بذا حزنا آخر: بكيت الجياد وفرسانها ... فلم أبك كالفرس الأبلق رمته المنايا فماذا رمت ... من الجري والحسب المعرق طويل الذراع قصير الكراع ... إذا شاهد الجري لم يسبق كميت تجول على متنه ... أساريع من لونه المشرق

وكانت به الريح مغلولة ... متى ما تخص بحره تغرق وأدنى الشآبيب من جريه ... إذا انهل كالعارض المطلق قال ابن المعتز: أخبرني اسماعيل بن يحيى قال، حدثنا مؤرج قال: كان زكريا بن حسان من بني ربيعة بن مالك غرس فسائل له حتى إذا حسنت رمى عنهن يعني سافر عنهن - فمكث زماناً طويلاً فظن أنهن قد هلكن، فأتاهن فرآهن يتسامين فقال: كأنها وهي تناهى بالعبل ... غيد العذارى برزت من الحجل يرسلن للورد إذا الساقي غفل ... أرشية لم يثنها متن الحيل تنفي حصى البيداء عن نجل غلل ... معتلج لا ثمد ولا وشل فهي ترامى ثقلاً بعد ثقل ... فمرتقيها خائف على وجل من يهو منها يهومن مهوى زلل ... ناء من الأرض بعيد المنتقل قال ابن المعتز: من فضائل الليل التهجد الذي مدح الله أنبيائه به فقال: " كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون " الذاريات:17، وفي الليل تنقطع الأشغال، وتجم الأذهان، وتدر الخواطر، ويتسع مجال القلب، والليل أضوأ في مذاهب الفكر، وأخفى لعمل البر، وأعون على السر، وأصح لتلاوة

الذكر، قال الله تعالى: " إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلاً " المزمل:6، وقال الشاعر: ولم أر مثل الليل جنة فاتك ... إذا هم أمضى، أو غنيمة ناسك وفيه ينجو الهارب، ويدرك الطالب، ويفرق بين الشجاع والجبان. قال أبو دلف: أنا ابن الليل والخيل ... فنزال ورحال وللأبطال قتال ... وللأثقال حمال بشار: قد نام واش وغاب ذو حسد ... فاشرب هنيئاً خلا لك العطن آخر: ومنادم نبهته ... والليل ملتف الستور فكأنه متعلق ... طرباً بأجنحة النسور قال أبو هفان: رأى أبو نواس في سوق الكرخ غلماناً فقال: أما ننظر إلى الظباء، طوبى لمن كان جليس هؤلاء، واحسرتي عليهم إذ لا سبيل إليهم.

قيل لعبد العزيز بن عمر: إن بنيك يشربون، فقال: صفوهم، فقالوا: أما فلان فإن يتقيأ في ثيابه فقال وهذا يدعو النبيذ قالوا وأما فلان فإذا شرب خرق ثيابه وثياب من معه وعربد، قال: هذا النبيذ، قالوا: وأما فلان فأسكن ما يكون وأحلمه، ولا ينال أحداً بسوء، قال: هذا لا يدع النبيذ. سلم رجل على إبراهيم القارئ فقال: كم تسلم علي؟! سلفني سلام شهر وأرحني. قال رجل للشعبي: ما زلت أطلبك، فقال: وما زلت فأراً منك. قال آخر: الإخوان بمنزلة النار، قليلها متاع، وكثيرها صداع. قال الأحنف: كانت المودة قبل اليوم محضاً، فليتها اليوم كانت مذقاً. لابن همام السلولي:

حصر إن يسيل خيراً لم يجد ... وإذا ما سال الناس ألح كحمار السوء إن أشبعته ... عض من نال وإن جاع رمح أقرب الأشياء من أخلاقه ... كل لون لونت قوس قزح وقال آخر: ما احتنك قط رجل إلا أحب الخلوة. قال ابن المعتز: سمع الصوفي قول إبراهيم بن العباس الصولي: أبا جعفر خف نبوة بعد دولة ... وخفض قليلا من مدى غلوائكا فإن يك هذا اليوم يوماً حويته ... فإن رجائي في غد كرجائكا فقال: هذا رجل موسر من الفطنة. وسألت الصوفي عن ابن منارة فقال: ذاك في عقله خمسون كلباً سوى السنانير، كذا قال ابن المعتز. وقالوا: لا تجالس عدوك فإنه يحفظ عيوبك، ويماريك في صوابك. وقالوا: من استضاف بخيلاً استغنى عن الكنيف.

وقال آخر: البغيض إذا بغض نفسه فإن أعوانه على ذلك كثير. قال عبد الله بن أحمد بن يوسف: دخلت على ابن منارة وبين يديه كتاب فقلت: ما هذا؟ فقال: هذا كتاب عملته مدخلاً إلى التوراة، فناظرته فيه وقلت: الناس ينكرون هذا، فقال: الناس كلهم جهال، قلت: فأنت إذن ضدهم؟ قال: نعم، قلت: فينبغي أن يكون ضدهم جاهلاً عندهم؟ قال: صدقت، قلت: قد ثبت أنك جاهل بإجماع الناس والناس جهال بقولك. عثر بعض أصحابنا في مجلس ثم عثر بعده آخر، فقال الصوفي: أرانا نعاشر قوماً تطرح قوائم. منصور بن باذان: وليس يخفى عليكم ... من المنازل طينه ولو رأيتم دخاناً ... في البحر صرتم سفينه قال الأصمعي: عوتب أعرابي على التطفيل فقال: إنما بنيت

المنازل لتدخل، ووضعت الموائد لتؤكل، وما لي لا أدخل وأقعد مستأنساً، وأبسط وجهي إذا كان رب البيت عابساً. تطفل قوم على مزبد وهو يطبخ قدراً له، فنشل أحدهم قطعة لحم فأكلها وقال: تحتاج إلى خل، ونشل الآخر أخرى فأكلها وقال: تحتاج إلى أبزار، وفعل آخر مثل ذلك وقال: تحتاج إلى ملح، فأخذ مزبد قطعة فأكلها وقال: تحتاج إلى لحم، فضحكوا وقاموا عنه. رأى رجل مزبداً بالرها وعليه جبة خز، وكان قد خرج إلى الرها فحسنت حاله فقال له: يا مزبد تهب لي هذه الجبة؟ فقال: ما أملك غيرها، قال الرجل: إن الله تعالى يقول: " ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة " الحشر:9 فقال مزبد: إن الله تعالى أرحم بعباده من أن ينزل هذا بالرها في كانون وكانون، وإنما نزلت بالحجاز في حزيران وتموز. قال المدائني: مات رجل بالحيرة في بيت خمار، فأخذه أهله وقالوا: أنت قتلته، فقال الخمار: والله ما قتلته إلا كلمة كان يرددها، قالوا: وما هي؟ قال:

وأخرى تداويت منها بها قيل لبعض أصحاب النبيذ: أي صلاة تصلي؟ قال: الغداة والظهر والعصر، قالوا: فالمغرب؟ قالوا فالمغرب؟ قال: تعرف وتنكر، فالعتمة؟ قال: ما كانت لنا في حساب قط. وقيل: لم يداو السكر بشيء أفضل من نومة يطفأ بها ما التهب من شر طبيعته. قال ابن المعتز: حدثني بعض أصحابنا قال قلت لطباخ مرة: ما أطيب طبيخك لولا أنك تصغر البرمة، فقال: إنما يكمل طيب البرمة بأن يأكل منها القوم لقمة لقمة فيستطيبونها، وهؤلاء إذا طلبوا أخرى لم يجدوها. قدم إلى بعضهم لوزينج غليظ القشور فقال: ما عمل هذا إلا من عقب. العقب: العصب. قال ابن أبي برذعة: إذا عد عيش ناعم وتذوكرت ... غرائب أيام السرور الطرائف

فمن خير أيام الحياة التي خلت ... وأطيبها يوم من العيش سالف أصبنا به من غرة الدهر خلسة ... كما نال ورد الماء هيمان خائف خرجنا وستر الله يجمع شملنا ... وكل لكل مسعد ومساعف وقد اخذت زهر الرياض حليها ... وألبست الأرض الفضاء الزخارف لجين وعقيان ودر وجوهر ... تؤلفه أيدي الربيع اللطائف وأهدت إلينا الأرض عذراء لم يطف ... بها من سوانا قبل ذلك طائف يباكرها وجه من الشمس طالع ... ويعقبها دمع من المزن واكف فتمت جمالاً واعتدالاً ونضرة ... وداف لنا الكافور والمسك دائف ومالت بنا منها غصون نواعم ... كما هز قضبان المتون الروادف يدير علينا الكأس رطب بنانه ... وصيف جفت في الشكل عنه الوصائف تسير إلينا من يديه وطرفه ... كؤوس لأسرار القلوب كواشف فرحنا وما فعل الزمان مذمم ... لدينا ولا وجه من العيش كاسف ومالت غصون البان بين رحالنا ... وجرت على وشي الرياض المطارف ولا مثل ذاك اليوم لولا انقضاؤه ... ولا مثلنا لو أخطأتنا المتالف وقال: سمعت مدينية تقول: ما في بيتي طحين ولا خبيز. شاعر: إلى الروض الذي قد أضحكته ... شآبيب السحائب بالبكاء قال ابن الأعرابي عن المفضل: تقول العرب: يدك من اللحم

غمرة، ومن الشحم زهمة، ومن الزيت قنمة، ومن الدهن نمسة، ومن الخلوق ردعة، ومن الحناء عصمة، ومن اللبن ضرة، ومن السمك صمرة، ومن الحديد سهكة. أنشد التوزي: يا إبلي روحي إلى الأضياف ... إن لم يكن فيك صبوح كاف فأبشري بالقدر والأثافي ... وقادح ومغرف غراف قال أرسطاطاليس في كتاب الحيوان: ليس للسمك نوم ولا صوت، ومنه ما يعظم حتى يصير كالجزائر والجبال. وذكر أن من أجناس السمك وما لا قشور له ولا أجنحة، لا زمة قعر الماء الدهر كله. وزعم أن دابة بحرية تزمر أصواتاً طيبة تكاد بحلاوتها ولذتها تسلب أفهام السامعين، من سرتها إلى فوق تشبه الإنسان، ومن السرة إلى أسفل تشبه الفرس. وزعم أن السرطان يلتذ أكل لحم الصدف الذي فيه اللؤلؤ، وأنه لا يقدر عليه حتى يفتح صدفته، فإذا فعل جعل بينهما حجراً، وزعم أن السرطان يسلخ جلده في السنة سبع مرات، ومن قبل ذلك يعمل لحجره بابين:

أحدهما شارع إلى الماء، والآخر إلى الشمس، فإذا سلخ جلده سد الشارع الذي إلى الماء لئلا يدخل السمك إليه فيأكله. قال ابن المعتز: سألت الصوفي عن بلدان طوف فيها فقلت: كم رأيت من البلاد؟ لا تسأل فإني شيطاني كان من الفيوج. وقال مرة عندي ونحن بسر من رأى: هذا النسيم يجندر الروح. قال التمار يصف نصيبين في قصيدة: أرض كأن رياضها ... أبداً بماء المسك تسقى وكأن تربة أرضها اج ... تذبت من الكافور عرقا يعقوب بن الربيع: لما وردت الثعلب ... ية عند مجتمع الرفاق وشممت من أرض الحجا ... ز نسيم أرواح العراق أيقنت لي ولمن أح ... ب بجمع شمل واتفاق وضحكت من فرح اللقا ... ء كما بكيت من الفراق

قال: وقال الجاحظ في بعض كتبه وذكر العراق فقال: هي موضع التميمة، وواسطة القلادة، بها تلاحقت الطبائع، وصرحت عن اللب الأصيل والخلق الجميل. وصف أعرابي بلداً فقال: ارتحلت عنه ربات الخدور، وأقامت به رواحل القدور. قال الحجاج: الكوفة امرأة حسناء عاطل، والبصرة عجوز قد أوتيت من كل شيء. قال عبد الملك للحارث بن خالد بن العاص: أي البلاد أحب إليك؟ قال: ما حسنت فيه حالي، وعرض فيه جاهي. قال بعض الظرفاء: الكمأة بيض الأرض. وصف أعرابي غيثاً فقال: بكرنا وسمي خلفه ولي، فالأرض بساط أحكم نسجه وأبدع وشيه. قال بعض من تعصب للنرجس على الورد: النرجس أشبه بالعيون من الورد، فقال المتعصب عليه: يشبه عيون المرضى وأصحاب اليرقان ومن قد غلبت عليه المرة.

وكان المأمون يشبه الأترج بالمقفع الزمن. قال بعضهم: لعن الله المرزنجوش والزادرخت، كأن هذا آذان الفار، وكأن هذا كف بق. وكان بعضهم يبغض السرو ويقول: كأنه نساء عليهن حداد. ومرة كان يقول: السرو ذنب ابن عرس. وقال: قلت للصوفي يوماً: لم تؤثر النرجس على غيره ولا تنتفع به في حال سوى شمه طرياً؟ فقال: النرجس روح كله، فإذا مات لم يخلف عندنا جسماً. قال أبو الحارث جمين، ورأى سرواً: كأنه دخان يخرج من كوة. وصف أعرابي الماء فقال: إن قلت هو متصل فبذاك يشهد انتظامه، وإن قلت متبايناً فعلى ذاك يدل انقسامه، أوائله جاذبة لأواخره، وأعجازه طوع صدره، هو طبيب الأرض من سقامها، تقذف بما تضمنت بطونها على ظهورها. وصف بعض الظرفاء الماء فقال: ما ظنكم بشيء إذا أجن وصار ملحاً أخرج العنبر وأثمر الجوهر.

قال ابن الأعرابي في نوادره عن أعرابي: فأرسل الله سبحانه سبحاناً مستكفاً نشره، ضخاماً قطره، جواداً صوبه. شاعر: جاءت تهادى في محل نائي ... يضحك فيها البرق بالضياء وتارة تلمح باستحياء ... كلمحة من ذي هوىً مرائي تلوح منها الأرض في قباء ... وأصبحت في حلة خضراء يا حبرة في الصيف والشتاء العتابي: قلت للفرقدين والليل ملق ... سود أكنافه على الآفاق أبقيا ما استطعتما فسيرمى ... بين شخصيكما بسهم الفراق غر من ظن أن يفوت المنايا ... وعراها قلائد الأعناق قال: وقلت لبعض أصحابنا، وقد خرج القمر من الكسوف: شبهه لي، فقال: درهم ندر عن سكة. العرب تقول: قد هراق الليل أوله، إذا مضت منه ساعة. قال ابن المعتز: أخبرني الأسدي عن الرياشي عن محمد بن سلام

عن يونس بن حبيب عن أبي عمرو بن العلاء قال: دفعت إلى ناحية فيها نفر من الأعراب، فرأيتها مجدبة فقلت لبعضهم: ليس لكم زرع ولا ضرع فكيف تعيشون؟ فقال: نحرش الضباب ونصيد الدواب فنأكلها، قلت: فكيف صبركم عليه؟ فقال: يا هناه! نسأل الله خالق الأرض هل سويت، فيقول: بل رضيت، هكذا بخط ابن المعتز. وقال بلال ابن أبي بردة لابن السماك: أي الطعام أحب إليك؟ فقال: إذا اشتد ضرس الجوع فليس شيء بأجود من ثريدة قد أكثر بلها وسطع ريحها، ثم أطرق قليلاً وقال: فإن جاءت صغار القصاع بعد الكبرى زاد ذلك فيما نهوى. قال: فما تقول في لوزينجة لان قشرها، وغرقت في سكرها ووهن لوزها فقلت ما أشد الوصف إذا عدم الموصوف إلى ها هنا من كتاب ابن المعتز. وهذه نتف ألفتها ها هنا، فبعضها مسموع من العامة، وبعضها مروي عن الخاصة التي تروي عن العامة، وهي تجري مجرى الأمثال المبتذلة، فيها طيب ومع الطيب عبرة، ومع العبرة فائدة، وقد خلت من الأصول الدالة على الفروع، ومن العلل المقتضية للأحكام، وقد عرضتها على علية الناس أسأل عن أسرارها ومدارها، وكيف كان قديمها وفاتحتها، وكيف

انتشرت الآن بين العامة، وكيف أشكل على الجميع معانيها، فلم ألحق الناس إلا رجلاً واحداً في الجهل بها وبأسبابها، وقد سردتها لتشركنا في التعجب والطيب إن شاء الله: 1 - يقولون: إذا دخل الذباب في ثياب أحدهم مرض. 2 - وإذا حكته يده قال: آخذ دراهم. 3 - وإذا حكته رجله قال: أمشي إلى مكان بعيد. 4 - وإن حكه أنفه قال: آكل لحم، هكذا يقولون، فلا تؤاخذ العامة باللحن، فإن الصواب في المعنى والإعراب في اللفظ عريان من قضاتك وعدولك وشيوخك. 5 - وإن حكه وسطه قال: آكل السمك. 6 - وإن اختلجت عينه من فوق قال: أرى إنساناً لم أره منذ حين، وإذا اختلجت من أسفل قال: سوف أبكي، أسأل الله السلامة. 7 - وإذا وجد ثقلاً في المنام من المرة السوداء قال: وقع على بختي، وعض ابهام نفسه وقال: دلني على كنز. 8 - ولا يقول بالليل: حية ويقولون: طويلة وإذا غلط أحدهم فقال: حية. قالها ثلاث مرات. 9 - وإذا أشار إلى صاحبه بالسكين غرزها في الأرض وقال: الشيطان يعمل عمله.

10 - وإذا كسف القمر ضربوا بالطست وقالوا: يا رب خلصه. 11 - وإذا طنت أذن أحدهم قال: ترى من ذكرني؟ 12 - وإذا أراد أحدهم أن يبول بالليل بصق أولاً ثم بال. 13 - وإذا صاح الغراب قالوا: خير خير، وأنت شر طير. 14 - وإذا أراد أحدهم أن يشد زره إذا انقطع أخذ في فيه تبنة وقال: حتى لا يكذب علي أحد. 15 - ولا يقولون: عقرب، ويزعمون أنها تعرف اسمها فتهرب، ويقولون: تمرة. 16 - وإذا ذكروا الجن بالليل أخذوا بأطراف آذانهم. 17 - ويكرهون البول في الميزاب ويقولون: هي منازل القمر. 18 - ويقولون: دية نملة تمرة. 19 - ويقولون: في كل رمانة حبتين من الجنة. 20 - وإذا مسح أحدهم يده بثوب صاحبه بصق وقال: حتى لا أبغضه. 21 - وإذا رش أحدهم على وجه إنسان ماءً قبّل يده وقال: حتى لا يصير نمش. 22 - وإذا صاحت البومة قالوا: منا السكين ومنك اللحم.

23 - وإذا رأوا الخنفساء في ليالي الشتاء قالوا: مباركة ميمونة وإذا رأوها في ليالي الصيف قالوا: رسول العقرب. 24 - وإذا طار الخفاش بالليل فسمعوا صوته قالوا: هذه الساحرة تطير، لا إله إلا الله، كأنما طيرانها ثوب يشق، ويكبون الطست ويقولون: باطل " وبطل ما كانوا يعملون " الأعراف:117. 25 - وإذا غاب لأحدهم غائب صوتوا في البئر ونخلوا الرماد بالليل، وزعموا أن الجن يثبتون حاله في الرماد. 26 - وإذا صدع أحدهم قالوا: انشرخ رأسه، وربطوه بتكة. 27 - ويطرحون في حب الدقيق جوزة لها ثلاثة خطوط يزعمون فيها بركة. 28 - وإذا رأوا الشمس حارة قالوا: يجيء غداً مطر. 29 - وإذا طارت من السراج شرارة إلى فوق قالوا: ينقص من أهل البيت واحد، وإذا وقعت إلى أسفل قالوا: يجيء غداً زائر. 30 - وإذا غسلت السنورة وجهها قالوا: هدية. 31 - ويزعمون أن عوج بن عنق كان يصيد السمك م قرار البحر بيده ويشويه في عين الشمس. 32 - ويزعمون أنه لا يرتفع إلى السماء من الدخان إلا قتار الكندر. 33 - ويقولون: إن للزنادقة كبش تنتثر الدراهم من صوفه، فإذا اشتروا بها تحولت عند البائع ورق آس.

34 - وإن الشيطان يحسد على الزكام والدمل. 35 - وإن الأسد محموم بالنهار فإذا كان الليل أفاق. 36 - وإن الحمار لا يدفأ إلا يوماً من أيام تموز، وهو في سائر أيام السنة مقرور. 37 - وإذا نكس أحدهم في مرضه أخذوا له دهناً من سبع دور ودهنوا به رأسه. 38 - وإذا خرج بأحدهم دمل شد على تكته عفصة غير مثقوبة. 39 - وإذا بكى الصبي لطخوا أسفل رجليه بنيلج. 40 - وإذا أصابته العين أخذوا له من بول سبعة أنفس أحدهم حبشي ماء وصبوه عليه. 41 - وإذا حم أحدهم الربع بخروه بقرن كبش، وإذا أخذه الفواق عقد بيديه أربعاً وثلاثين وزعم أنه يسكن. 42 - وإذا خرج به قوباء خط حولها خاتم سليمان ومسحه بالتراب وقال بالغداة: كيف أمسيت لا أصبحت، وبالعشي: كيف أصبحت لا أمسيت؟ 43 - وإذا لسعته عقرب غسلوا الحصى وسقوه ماءه. 44 - وإذا خرج على لسانه بثرة قال: خبأ لي إنسان شيئاً طيباً وأكله. 45 - وإذا اشتكى فم معدته ذهبوا به إلى اللواية.

46 - وإذا رأوا في الدار حية بخروها بقرن أيل وقشور البيض. 47 - وزعموا أن من أكل لحم سنور أسود لم يعمل فيه السحر. 48 - وإذا رأوا في الأفق حمرة قالوا: في السماء نار وصاحوا: الصلاة الصلاة. 49 - ويضربون بالشعير وينظرون في البخت، وأنت ترى أحدهم إذا عثر بصاحبه أخذ يده وصافحه، وربما قالوا: لئلا نتخاصم. 50 - وزعموا أن عبد الله بن هلال صديق إبليس كان يغوص بالكوفة في الطست ويخرج من ساعته بتاهرت. وهذه أبواب خفية ليس يثبت معها روية، ولا يصح لمن اعتقدها عزم، وربما غلط فيها من هو فوق الناقص الغبي، ودون النحرير الذكي فيحسبها حقاً. ومن أمثال العامة: 1. لا تري الصبي بياض أسنانك فيريك سواد آسته. 2. - ليس من قال: النار، احترق فمه. 3. - الخنفساء في عين أمها مليحة. 4. - من يشتهي الداح لا يقول أواح. 5. - تمره وزنبوره كلما يكبر يدبر. 6. - أنا أجرّه إلى المحراب وهو يخرا في الجراب. 7. - نفس العجز في القبة.

8. - من يأكل ولا يحسب، يخرب بيته ولا يعلم. 9. - إن كان معلم وإلا فدحرج. 10. - من صير نفسه نخالة بحثتها الدجاج. 11. - أنذل من فار الحبس. 12. - أعتق من الحنطة. 13. - أحمق من الجمل. 14. - يضربون أسته ويصيح راسه. 15. - من لم ير اللحم أعجبته الرية. 16. - من يقفز على وتدين يدخل في أسته واحد. 17. - من يأكل بيدين يختنق. 18. - ما أطيب العرس لولا النفقة. 19. - من كان له دهن كثير يطلي أسته. 20. - من كان دليله البوم كان مأواه الخراب. 21. - كل التمر على أنه كان مرة رطب. 22. - إيش الذبابة وإيش مرقها. 23. - ليت كل أرملة مثل بنت الملك. 24. - إذا كان بولك صافي فاضرب به وجه الطبيب.

25. - البحر ملان ماء والكلب يلحس بلسانه. 26. - من شاء سلح على أصحابه وقال في بطنه وجع. 27. - خبز لم تخبزه أمك كله بأضراسك كلها. 28. - لو كان في البومة خير ما تركها الصايد. 29. - إن كان ذا وجه فليس في الدنيا است. 30. - أهلك الله بدنك، ولا يسر كفنك، ولا آجر من دفنك. 31. - كف إنما وجهك خف. 32. - راسك في است القس كلما عرق اندس. 33. - ليت اليسار استقبلني من باب الدار. 34. - سد البالوعة واسقني بالبير. 51 - وإذا كانت يد أحدهم غمرة قال: من يغسل يده من الخير. 52 - وإن عطس قالوا: تعست، وإن تجشأ قالوا: خرا، وإن سعل قالوا: شوك، وإن ضحك قالوا: ضحك الأفعى في جراب النورة، وإن قرقر البطن قالوا: إن صدق الوعد مطرنا خرا. كان لرجل جاريتان فأرادت إحداهما أن تكيد الأخرى، وكان قد واقعها مولاها، فصاحت: يا مولاي ليس لنا دقيق وقد فني الخبز، فنام أيره ونهض عن الجارية.

قد ضربت من أمثال العامة أشياء تتصل بأغراض صحيحة على سوء التأليف، وخبث اللفظ، وفيها فوائد عجيبة، فاعرف الخبيث والطيب، واختر أنفعهما لك في موضعه وأجدهما عليك عند استعماله، فلم ينبث هذا كله هذا في العالم إلا ليعرف ويميز، وليكون بعضه باعثاً على بعض وناهياً عن بعض، وباختلاف الأشياء تختلف الظنون وتنقسم الآفكار في طلب الحق وترخي الصواب وليس الحق شخصاً في محل يطوي إليه. فلا تصرف وجهك عن اللفظة السخيفة والكلمة الضعيفة، فإن المعنى الذي فيهما فوق كراهتك، وليس العالم تابعاً رايك ومحمولاً على استحسانك واستقباحك، بل يجل عن مقاحم فكرك، ويعلو على غايات فهمك، فإنك ترى لنفسك محلاً ليست به فتقول هذا حسن وهذا قبيح، دون أن تقف على حقائق ذلك الحسن والقبح بعقل ما شانه الهوى، ولا تحيفه الإلف ولا ضيعته العادة، ولا أفسده أقران السوء، ولا مني بالتخليط الرديء والمرة المسرفة، ومن لك بالكمال؟ بل من لك ببعض هذه الأحوال؟ هيهات! وأنت متردد بين غالب عليك، وقادح فيك، وآخذ منك، وهابط بك، إلا أن يأخذ الله بيدك، ويصرف كيد السوء عنك، ويحبس فعال الشيطان دونك، ويكون لك قائماً بالصنع، هادياً إلى النجاة.

لأبي النجم الفضل بن قدامة في باز: أزرق يغذى بطري اللحم ... قد جاء منقضاً كمثل النجم بأحجن الكلوب أقنى الخطم ... به تضاح من دم المستدمي ينتزع الأرواح قبل النظم وله في المنجنيق: كأنها حين ثناها الناس ... جنية في رأسها أمراس بها سكون وبها شماس ... يخرج منها الحجر الكباس تمر لا يحبسها الحباس ... لا واضع الترس ولا تراس ضخم الجبين مهزم مرداس ... يأخذ من وقعتها الوسواس قال بعض العلماء: الإتاوة للملك، والخراج للسلطان، والفيء للمسلمين، والجزية من أهل الذمة، والصدقة للنعم، والزكاة للمال، والفطرة للصوم، والكفارة للإيمان، وجزاء الصيد للمحرم، والبر لبني القربى، والرزق لمن تمون، والفقة لمن يعنيك، والصداق والصدقة للنساء، والمتاع والتحميم للمطلقة، والعدة نفقة الإعتداد، والربح للتاجر، والمرباع للسيد وهو ربع الغنيمة. قال أعرابي: قد كشرت الفتنة أضراسها، وحسرت راسها، وشمرت أردانها، وهيجت فتيانها، وذمرت فرسانها، ونازلت أقرانها.

يقال: ما الجرب، والجراب، والجريب، والحرب، والخرب، والذرب، والسرب، والشرب، والصرب، والطرب، والضرب، والعرب، والعرب أيضاً، والغرب، والقرب، والهرب، والكرب، والكرب أيضاً، والأرب، والدرب. وسيأتي جواب كل حرف على حدة، وإن أملك بعض الإملال أفادك كل الإفادة، ولا تبد هذا العجز الذي يدل على خور طباعك وسوء سليقتك، وانتهز فرصة العلم فربما تحمد عاقبة العمل به. قال بعض السلف: أنت في طلب الدنيا مع الحاجة معذور، وأنت في طلبها مع الإستغناء عنها مغرور. قال الحسن: أحسن الدنيا أقبحها عن مبصرها، وذلك أنها تشغل عما هو أحسن منها. سمع أعرابي رجلاً يقرأ: " فإن زللتم من بعدما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله غفور رحيم " البقرة: 209، فقال: لا يكون هكذا، هكذا يهدد، فقيل: إنما هو " عزيز حكيم " قال: هذا نعم، هذا يكون مع التهدد. أما الجرب فالداء المعروف، يقال: رجل جرب وامرأة جربة وجربى، وأجرب الرجل: إذا جربت أبله، والجراب: المزود - بكسر الجيم، وأبو حاتم يقول: الفتح من لحن العامة، وجمعه جرب، والجريب: قطعة من الأرض وجمعه جربان. وقلت لبعض العلماء: هل يقول فيمن يتحذ الجرب (جراب) ؟ قال: ما سمع.

وأما الخرب فمن قولك: حرب فلان ماله فهو حريب ومحروب، والفاعل حارب، وقال بعض النساك: سمي المحراب محراباً لان الشيطان يحارب فيه بالطاعة لله تعالى، ويقال أن هذا التأويل مهزول، وإنما المحراب أشرف مكان في البيت، ومحاريب اليمن هي أمكنة شريفة في القصور، وكأن المحراب في المسجد من ذلك لموقف الإمام. وقال أبو حامد: المحراب عند بعض الفقهاء ليس من المسجد، ولهذا قيل: من بات في المسجد وحفزته بطنه ولم يمكنه الخروج فأولى به أن تقع ذات بطنه في المحراب. قال أبو حامد: ولم يقل ذلك لهذه العلة، إنما قيل ذلك لأنه مكان الإمام وحده، فإذا أصابه ذلك أصاب واحداً وهو ينتبه عليه، ويستدرك الحال هكذا، ولو وضع في ناحية أخرى فإنه يصير سبيلاً إلى نجاسة أكثر من واحد من حاضري الصلاة. وأما الحرب فذكر الحبارى، وقد سمعت جمعه على خربان، والخراب ضد العامر، والخرابات كلام مهزول، كذا قال الثقة. وقال بعض الجوالين: الخرابات ببخارى كالمواخير بالعراق. والخارب: اللص وجمعه خراب، وكأنه استحق ذلك الفساد حاله. يقال: فلان ما عرفت له خربة - بالباء -، وخرمة منكر، هكذا قيل في هذا المعنى، وإنما الخرمة من خرم إذا ثقب، والمخارم في الطرق، وهي المهاوي والمقاطع، والأخرم: الذي إن خرم أنفه، والمسور بن مخرمة، وكأن هذين الاسمين أخذا من سار يسور إذا علا، ومن خرم إذا أثر، والكتاب يقولون: فلان من خراب البلاد، وشذاذ المدن، وأخابث الناس.

وأما الذرب ففساد في المدة، وقيل: وهو حدور الماء، ولذلك يقال: لسانه ذرب إذا كان حديداً، والسنان المذرب: أي المحدد، والأسنة المذربة. وأما السرب فالنفق، وهو كالسرداب - بكسر السين - هكذا يختار العلماء وكذلك السرقين والدهليز، وكل ذلك خارج عن العربية في الأصل ومجرى فيها بالاستعمال. والسرب: الماء المنصب، وكأن النفق لما كان شقاً أسرب في الأرض كالماء، والسارب: الجاري، كذا قيل في قوله تعالى: " ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار " الرعد:10، كأنه لابس الخفاء، هو الكساء، وجمعه أخفية، وقيل له خفاء لما يخفى فيه، وسارب بالنهار: أي ظاهر وقال بعض القرامطة حين دخلوا الكوفة سنة خمس وتسعين ومائتين: نحن جباة المال، وحماة السروب، واحدها سرب، والسرب: القطيع من الغنم والظباء وغير ذلك. أما الشرب فجمع شربة، والشرب: جرعك الماء، وأنت شارب والماء مشروب، والمشرب: ما يشرب به، والماء الشريب والمشروب: ما أمكن شربه على كراهية، والشرب: الندماء كالصحب. وقد تعجب بعض العلماء من قول الناس ببغداد للذي يريد أن يسقي الناس ويحمل الماء: شارب، وقالوا: هو ساقٍ، فلما قيل: شارب؟ ولم يظهر خفي هذا إلى الساعة، ورجل شريب إذا كان كثير الشرب كسكير وخمير وفسيق، وباب هذا موقوف على السماع ولا يقال بالقياس كقولك: هو إكيل من الأكل، ولا عليم من العلم، فاحفظ

السماع وافرد القياس، ولا تحمل أحدهما على الآخر. واعلم أن القياس في اللغة من نحوين: نحو أيده السماع ودل عليه الطباع، فالقول حسن والمصير إليه جائز. سمعت هذا من أبي سعيد السيرافي. وكان أبو حامد المروروذي يقول: القياس باطل في اللغة، لأن اللغة في الأصل اصطلاح، وفي الفرع اتباع، والقياس استحسان وانتزاع، ولو وضعت اللغة بالقياس لصرفت بالقياس، فلما وضعت بالاصطلاح أخذت بالسماح، والكلام في اللغة طويل، لأن العلم بأحوالها واعتياد أهلها وأخذ بعضها عن بعضها في أصل الخلق وأول النطق وحين فتح الفاتح فاه، وعزا بعقله معنى وتوخاه، ثم صاغ له لفظاً وسماه، وأفرده بنفسه عما عداه، وقطع الصوت وأفرده من غيره بالإشارة إليه، وكيف فهم عنه السامع وكيف قرع أذنه، وكيف وصل إلى صميم عقله، وكيف عرف به مراد قلبه، وكيف وقع التمازج به والاتفاق عليه؟ علم إلهي، وسر خفي، وأمر غيبي، لا يقف عليه ولا يحيط بكنهه إلا خالق الخلق، ومبدئ العالم، ومنشئ الكون، ومالك الجملة. وأما الصرب فالصمغ. وأما الطرب فالخفة في الفرح، قال معاوية: الكريم طروب، أي الماجد مرتاح إلى الخير هشاش، والأطراب جمع طرب، وتطرب الرجل إذا تكلف ذلك

وأما الضرب فالعسل، ويقال: هو الأبيض المحبب الذي كأن فيه حبوباً، ولا أحفظ فيه أكثر من هذا. وأما العرب فهذا الجيل في هذه الجزيرة، وهي ألف فرسخ، والعرب أيضاً جمع عربة، وهي ناعورة، وسميت بذلك لأنها تنعر أي تصوت، ويقال: نعر فلان، وفلان تعار في الفتن، ونعر العرق: إذا فار الدم منه. والعرب أيضاً، يقال: هي النفس، واحدتها عربة، والخيل العراب معروف. وفلان أعرابي إذا كان بدوياً، وهو عربي أيضاً. والنقطة: الإفصاح، وهذا لم يفصح الكلام، ثم بحركاته وسكناته يقع البيان، ويقال: أعرب الفرس إذا صهل فعرف بصهيله أنه من الخيل العراب. والعرب جمع عروب، وهي المحبة لبعلها، هكذا فسر في التنزيل والحكمة والبيان القويم. وأما الغرب فشجر معروف. وأما القرب فليلة ورود الماء من صبيحتها. وأما الهرب فمعروف. وأما الكرب فأصول السعف، والكرب أيضاً: حبل يشد بحبل الدلو. وأما الأرب فالحاجة. وأما الدرب فالمهارة، يقال: درب يدرب درباً. كتبت من حظ ابن المعتز: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لعاصم بن زياد الحارثي، وكان عاصم قد لبس الخشن وترك الملاء: يا عاصم. أترى أن الله تعالى أحل لك الطيبات وهو يكره أخذك منها؟ أنت والله أهون

عليه، قال: يا أمير المؤمنين، فأنت آثرت لبس الخشن، قال: ويحك يا عاصم، إن الله فرض على أئمة العدل أن يقدروا أنفسهم بالعوام لئلا يتبيغ بالفقير فقره، قال: فألقى عاصم العباء ولبس الملاء. وقالوا: العفو زكاة العقل. ولو قيل: زكاة القدرة كان أنبل، هذا عندي، ولا أثق بجل ما عندي وقال علي رضي الله عنه: الجزع والشره والبخل والحسد فروع أصلها كلها واحد قيل لابن صوحان، وذكر يوماً من أيام علي: أين كنت؟ قال: كنت مع الخواص أضرب خيشوم الباطل. قال عبد الله بن الزبير بن العوام لعمرو بن العاص: إنك لكالعشواء تخبط في جلبوب ليل خداري، هكذا كان بخطه، ولعله جلباب. قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: لكل نعمة عاهة، وعاهة هذه النعمة عيابون طعانون، طغام مثل النعام، أتباع كل ناعق، يعني بالنعمة الخلافة فيما أظن.

قال أبو حمزة الشاري، وذكر بني أمية: ذبان طمع وفراش نار. للناشئ الكبير: لم تبن في الدنيا سماء مكارم ... إلا ونحن بدورها ونجومها. وإذا سمت يوماً للمس أديمها ... يوماً أبالسها فنحن رجومها وإذا سمعت بنعمة محروسة ... من كل حادثة فنحن حريمها وإذا أليحت للأنام بوارق ... تندى فمنا تستهل غيومها قال ابن المعتز: فيما تزندق فيه أبو العتاهية قوله: إذا ما استجزت الشك في بعض ما ترى ... فما لا تراه العين أمضى وأجوز قال ابن المعتز: لما قال:

فاضرب بطرفك حيث شئ ... ت فلن ترى إلا بخيلا قيل له: بخلت الناس، قال: فاكذبوني بواحد. قال ابن المعتز: وحدثني أبو سعيد عن الأثرم قال: كانت أم جعد، وهي امرأة من غدانة بن يربوع واقعت أوس بن حجر في الجاهلية فقالت: أنعت عيراً هو أير كله ... حافره ورأسه وظله كأن حمى خيبر تمله ... أنعظ حتى طار عنه جله يدخل في فقحة أوس كله. فهرب أوس منها فاتبعته وهي تقول: أطلب أوساً لا أريد غيره ... نايكته فشق بظري أيره شاعر: مررت بأير بغل مسبطر ... فويق الأرض كالعنق المطوق فما إن زلت أمرسه بكفي ... إلى أن صار كالسهم المفوق

فلما أن ربا ومذى وأمذى ... ضربت به حر أم أبي الشمقمق قال ابن أذينة لعبد العزيز بن مروان في كلام جرى: لا، ولكنك ملول، قال: لو كنت ملولاً ما صبرت على مواكلتك سنة وأنت أبرص. لعبادة بن البر الجعدي: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... جميع الهوى قد راجع النفس طيبها قال بعض النحويين: بين قولك: ما زيد كعمرو ولا شبيهاً به، وبين قولك: ما زيد كعمرو ولا شبيه به فرق، أن القول الأول في النصب نفي لزيد عن مشابهته، وفي الجر نفي عن كونه شبيهاً به. وهذا فيه تحكم، وكثير من أصحابنا لا يطمئنون إلى هذا الفرق. قال بعض النحويين: معنى قولك: أنت لولا أن أباك أبوك هو: أنت الكامل لولا أبوك، كأنه إشارة إلى فضله التام إلا من جهة الوضع من أبيه. شاعر:

ما ذاق طعم النوم أو ما غمضا ... إذا الكرى في عينه تمضمضا لأبي نخيلة: ها أنا سيف من سيوف الهند ... ما شمت إلا نظرة في غمد فإن تقلدني فعد لي حدي ... وكل ما سرك عندي عندي دخل عبد الرحمن بن قديد العذري على معاوية يستعدي على هدبة بن الخشرم فقال: يا أمير المؤمنين، هؤلاء وطئوا حريمي، وروعوا حرمي، وقتلوا أخي. ذم أعرابي قوماً فقال: ما زلت فيهم خميرة سوء يبقيها الماضي للباقي حتى أورثوها فلاناً فعجنها بيده وأكلها بفيه. انظر إلى استعارة العرب وإلى اقتدارها في الكلام وركوبها كل متن ووجيفها في كل واد. قال الحسن: اللهم اجعل أهل العراق صخرة تجري عليها دماؤنا، فما ينال بهم حق، ولا يرتق بهم فتق، وذلك لما تفرق عنه أصحابه.

وقف أعرابي بباب بعض الملوك فقال: أعينوا الجائع الضعيف، فقال البواب، وكان سميناً: لعنكم الله فما اكثر جائعكم، فقال: والله لو فرق قوت جسمك في أبدان عشرة منا لكفانا شهراً، وإنك لعظيم السرطة، جسيم الضرطة، ولو ذري بجيفتك بيدر لكفته. وروي عن عمر أنه قال: إذا تناجى القوم في دينهم دون العامة فهم على تأسيس ضلالة. طلق أعرابي امرأته فقالت: ولم تطلقني؟ قال: لقبح منظرك، وسوء مخبرك، والله إنك ما علمت لدائمة الذرب، كثيرة الصخب، مبغضة في الأهل، مشنوءة عند البعل، قصيرة الأنامل، متقاربة القصب، جبهتك نابية، وعورتك بادية، أكرم الناس عليك من أهانك، وأهون الناس عليك من أكرمك، قالت: وأنت والله إن نطق القوم أفحمت، وإن ذكر الجود انقمعت، ضيفك جائع، وجارك ضائع، القليل منك إلى غيرك كثير، والكثير من غيرك إليك قليل. قال أنس: قيل: يا رسول الله متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: إذا ظهر فيكم ما ظهر في بني اسرائيل، قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: إذا ظهر الإدهان في خياركم، والفاحشة في شراركم، وتحول الملك إلى صغاركم، والفقه في رذالكم.

قال الحسن البصري: لا يرد جوائز الأمراء إلا مراء أو أحمق. قال الأصمعي: لما قتل المختار أخذ رأسه وحمل بدنه على بغل، فكان كلما مال مسك بأيره، فكان أيره سكانه. هذا لفظ الأصمعي. لأبي الخطاب النحوي: أما والله لولا خوف هجر ... يكون من التنازع والعتاب وأمر لست أدري كيف آتي ... إذا فكرت فيه بالجواب لقلت مقالة فيها شفاء ... لنفسي من هموم واكتئاب ولكن سوف أصبر فاصطباري ... على المكروه أولى بالصواب قال ابن السماك: عجباً للفتى المترف الذي تعود النعيم في الدنيا، والطعام الطيب، والمركب الوطيء، والمنزل الواسع، كيف لا يعمل ها هنا مخافة أن يفوته ذاك في الآخرة، وعجباً للفقير المجهود الذي لا يقدر من الدنيا على حاجته كيف لا يعمل رجاء أن يذهب إلى نعيم وروح ويستريح مما هو فيه. قال عبيد الله بن زياد: إياكم والطمع فإنه دناءة، والله لقد

رأيتني على باب الحجاج، وخرج الحجاج فأردت أن أعلوه بالسيف فقال: يا ابن ظبيان، هل لقيت يزيد بن أبي مسلم؟ قلت: لا، قال: فألقه فإنا قد أمرناه أن يعطيك عهدك على الري، قال فطمعت فكففت، وإنه عاد إلى يزيد بن أبي مسلم فلم يكن معه عهد ولا شيء، وإنما قال الحجاج ما قال حذراً منه. شعر: ما يألف الدرهم المنقوش خرقتنا ... إلا لماماً قليلاً ثم ينطلق إنا إذا كثرت يوماً دراهمنا ... ظلت إلى سبل الخيرات تستبق وجد عمرو بن العاص في الوهط - ضيعته - رجلاً يقطف عنباً فقال: ويلك ما علمت ما أنزل الله على موسى؟ قال: ما هو؟ قال: من تسور وهطين وأخذ قطفين فإنه يدخل نارين فقال لا والله على عيسى قال من سرق مصرين، وأنفق وهطين، فإنه يدخل نارين، فقال عمرو: والله أنزل الله تعالى هذا ولا ذاك. لما ولي سوار القضاء كتب إلى أخ له يسكن الثغور: إنه إنما حملني على الدخول في القضاء مخافة أن أدخل فيما هو أعظم منه - وذكر كثرة

العيال، وشدة الزمان، وجفوة السلطان، وقلة المواساة، فرق له وكتب إليه: فإني أوصيك بتقوى الله تعالى يا سوار، الذي جعل التقوى عوضاً من كل فائدة من الدنيا، ولم يجعل شيئاً من الدنيا عوضاً من التقوى، فإن الدنيا عقدة كل عاقل، بها يستنير وإليها يستروح، ولم يظفر أحد في عاجل الدنيا وآجل الآخرة بمثل ما ظفر به أولياء الله الذين شربوا بكأس حبه، وكانت قرة أعينهم في ذلك، لأنهم أعملوا أنفسهم في حريم الأدب، وراضوها رياضة الأصحاء الصادقين، وظلفوها عن الشهوات، وألزموها القوت المعلق، وجعلوا الجوع والعطش شعاراً لها، حتى انقادت وأذعنت لهم عن فضول الشهوات، فلما ظعن حب فضول الدنيا عن قلوبهم، وزايلته أهواؤهم، وكانت الآخرة نصب أعينهم، ومنتهى أملهم، ورث الله تعالى قلوبهم الحكمة، وقلدت قلائد العصمة، وجعلت نوراً للعالم الذي يلمون منه الشعث ويشبعون الصدع، فما لبثوا إلا يسيراً حتى جاءهم من الله موعود صادق اختص العالمين به والعاملين له، فإذا سرك أن تسمع صفة الأبرار الأتقياء فصفة هؤلاء فاستمع، وشمائلهم فاتبع، وإياك يا سوار وبنيات الطريق. قال الأصمعي: لزياد الأعجم في قتيبة بن مسلم:

فما سبقت يمينك من يمين ... ولا سبقت شمالك من شمال قال عبد الملك بن عمير: المرأة السوداء بنت السيد أحب إلي من المرأة الحسناء بنت الرجل الدنيء. قال عبد الملك بن صالح: قال رجل لابن السماك: أما بلغك أن القصص بدعة، وكان عريفاً، قال: فبلغك أن العرافة سنة؟!. كان لقيط راوية أهل الكوفة، قال: تقدم رجل من التجار إلى العريان بن الهيثم، كان التاجر فصيحاً صاحب غريب، ومعه خصم، فقال التاجر: أصلحك الله، إني ابتعت من هذا عنجداً واستنسأته شهراً أؤديه مياومة، ولم ينقض الأجل، ولقد أديت بعض حقه فليس يلقاني في لقم إلا فثأني عن وجهي، وأنا مهيء ماله إلى انقضاء الأجل، فقال له العريان: من أنت؟ قال: رجل من التجار، قال: أي عاض بظر أمه، تتكلم بهذا الكلام؟ ضعوا ثيابه، فأهوت الشرط إلى ثيابه فقال: أصلحك الله إن إزاري

مرعبل، فضحك العريان وقال: لو ترك الغريب في موضع لتركه ها هنا، خلوا عنه. أصابت أبا علقمة الحمى فأرسل إلى الطبيب فقال: أنظر إلي، فأخذ بيده وحبس عروقه فقال: أصلحك الله، أي شيء يوجد لك؟ فقال: أجد رسيساً في أسناخي، وأزاً فيما بين الوابلة إلى الأطرة من دأيات العنق قال: أصلحك الله هذا وجع القريس، قال: أبو علقمة: وأين سعد من قريش؟! والناس بنو آدم، قال: إن شئت ولد آدم وإن شئت ولد عيسى، ليس عندنا لهذا الكلام دواء. دعا أبو علقمة حجاماً فقال له: أخرج منك دماً قليلاً أو دماً كثيراً؟ فقال: اشدد قصب الملازم، وأرهف ظبى المبازع، وخفف الوقع،

وعجل القطع، ولا تستكرهن أبياً، ولا تدون ايتا واسفف ولا تسفف، فقام الحجام وقال: جعلني الله فداك، ليس لي علم بالحرب. يقال: أسفف أي قارب بين الشرط، ولا تسفف، يقول: لا تفرق بين الشرط. قال الزبير بن بكار: لأمية أبيات نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إنشادها وهي: ماذا ببدر فالعقن ... قل من مرازبة جحاجح شيب وشبان بها ... ليل مخاريق دحادح فمدافع البرقين فال ... حنان من طرف الأواشح هلا بكيت على الكرا ... م بني الكرام أولي المنادح كبكا الحمام على فرو ... ع الأيك في الطير الجوانح

يبكين حرى مستكي ... نات يرحن مع الروائح من يبكهم يعول على ... حذر ويصرف كل مادح أو لا يرون كما ارى ... ولقد يبين لكل لائح أن قد تغير بطن مك ... كة فهي موحشة الأباطح من كل بطريق لبط ... ريق نقي اللون واضح القائلين الفاعلي ... ن الآمرين بكل صالح المطعمين الشحم فو ... ق اللحم شحماً كالأنافح خف الخميس إلى الخمي ... س إلى جفان كالمناضح ليست بأصدار لمن ... يعفو ولا رح رحارح قال أحمد بن أبي طاهر: حدثني حبيب قال، حدثني بعض المشايخ قال: سمعت رجلاً يقول: لو صور الصدق لكان أسداً، ولو صور الكذب لكان ثعلباً، وما صاحبهما منهما ببعيد. قال أحمد: وحدثني حبيب قال، حدثني رجل من الحي قال: كان فينا شيخ شريف، فأتلف ماله في الجود، فصار يعد ولا يفي، فقيل له:

أصرت كذاباً؟ قال: نصرة الحق أفضت بي إلى الكذب. قال: وعد رجل رجلاً فلم يقدر على إنجاز ما وعد، فقال: كذبتني، فقال: لا ولكن مالي كذبك. قال أكثم بن صيفي: دعامة العقل الحلم، والمسألة مفتاح التوثق، وفي المشورة مادة الرأي. كتب معاوية إلى زياد: اعزل حريث بن جابر، فإني ما أذكر فتنة صفين إلا كانت حزازة في قلبي، فكتب إليه زياد: خفض عليك يا أمير المؤمنين، فقد بسق حريث بسوقاً لا يرفعه عمل، ولا يضعه عزل. وذكر أعرابي قوماً فقال: كلام الناس أشجار وكلامهم ثمار. وقيل لصعصعة بن صوحان: كيف كان طلحة - وسئل عن جماعة من الصحابة - فقال: كان حلو الصداقة، مر المذاقة، ذا أبهة شاحطة. قال عمرو بن عتبة: تألفوا النعمة بحسن مجاورتها، والتمسوا

المزيد فيها بالشكر عليها، واحملوا أنفسكم على مطية لا تبطئ إذا ركبت، ولا تسبق وإن تقدمت، قالوا: ما هذه المطية؟ قال: التوبة. قال الأحنف في صفين: أما إذا حكمتم أبا موسى فأدفئوا ظهره بالرجال. يقال: المواعيد رؤوس الحوائج والإنجاز أبدانها. سمع أعرابي شعراً جيداً فقال: هذا رخيص المسمع، غالي المطلب. قال أبو العيناء: غنانا علويه في منزل إسحاق، وكان اليزيدي معنا، فقال له اليزيدي، وكان علويه يضرب باليسار: أسأل الله الذي جعل سرورنا بيسارك أن يعطيك كتابك بيمينك. قيل لرجل: لم فضلت الغلام على الجارية؟ فقال: لأنه الطريق صاحب، وع الإخوان نديم، وفي الخلوة أهل. قال عبد الملك بن مروان لعمر بن عبد العزيز وهو صبي: كيف نفقتك علة عيالك؟ فقال: حسنة بين سيئتين، فقال لمن حوله: أخذه من قول الله تعالى " والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً " الفرقان: 67.

قال أبو الدرداء: التمسوا الخير دهركم، وتوسموا له ما استطعتم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن الله تعالى نفحات يصيب بها من يشاء من عباده، وأسأل الله تعالى أن يستر العورة، ويؤمن الروعة. قيل لفيلسوف: ما أعم الأشياء نفعاً؟ فقد الأشرار. قدم بعضهم عجوزاً دلالة إلى قاض فقال: أصلح الله القاضي، زوجتني هذه امرأة عرجاء، فقالت: أعزك الله، زوجته امرأة يجامعها لم أزوجه حمارة يحج عليها. يقال: إذا كان لك فكرة، ففي كل شيء لك عبرة. شاعر: بان الأحبة والأرواح تتبعهم ... فالدمع ما بين موقوف ومسفوح قالوا نخاف عليك السقم قلت لهم ... ما يصنع السقم في جسم بلا روح قال العباس بن الحسن في كاتب: ما رأيت أوقر من علمه، ولا أطيش من قلمه.

قال فيلسوف: الإنسان مستور ما أتبع قبيحه حسناً. قال أعرابي: رب جواد عثر في استنانه، وكبا في عنانه، وقصر في ميدانه. قال رجل لأبي سعيد الحداد: أخطأت، قال: أخطأت أنت حين تظن أني لا أخطئ. قال رجل لرجل: غلامك ساحر، قال: قل له يسحر لنفسه قباءً وسراويل. قال رجل: أريد أن أعتقد لولدي ما يعيشون به بعدي، فقال له زاهد: أنت ممن لا يعبد الله إلا بكفيل. كان عامر بن عبد الله يقول: أربع آيات في كتاب الله إذا قرأتهن ما أبالي على ما أصبح وأمسي: قوله: " ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده " فاطر:2، وقوله عز وجل: " وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو " يونس:107، وقوله: " سيجعل الله بعد عسر يسراً " الطلاق:7، وقوله: " وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها " هود:6.

كتب بعض الكتاب إلى صديق له وقد تأخر عنه كتابه: إن كنت لا تحسن أن تكتب فهذه زمانة، وإن كنت تكتب ولا تكاتب إخوانك فهذا كسل، وإن كان ليس لك قرطاس ودواة فهذا سوء تدبير، وإن اعتذرت بعد ما كتبت إليك فهذه وقاحة. شاعر: وإذا تبسم سيفه ... بكت النساء من القبائل وإذا تخضب بالدما ... ء نهضن في سود الغلائل لا شيء أحسن عنده ... من نائل في كف سائل نظر ابن سيابة إلى مبارك التركي وتحته دابة، فرفع رأسه إلى السماء وقال: يا رب، هذا حمار وله دابة، وأنا إنسان وليس لي حمار!!. تاب مخنث فلقيه مخنث آخر فقال: يا فلان أيش حالك؟ قال: قد تبت، قال: فمن أين معاشك؟ قال: بقيت له فضلة من الكسب القديم، قال: إذا كانت نفقتك من ذلك الكسب فلحم الخنزير طري خير منه قديد. قال ابن أبي فنن: دخلت يوماً إلى الفتح بن خاقان أسأله إيصالي إلى المتوكل لأنشد شعراً، وأنشدته:

إذا كنت أرجو نوال الإمام ... وفتح بن خاقان لي شافع فقل للغريم أتاك الغياث ... وللضيف منزلنا واسع قال: وكان الفتح يشرب، فأمرني بالجلوس وقدم إلي النبيذ وأمرني بالشرب، فقلت: ما أكلت شيئاً أيها الأمير، فجاءني بعض الخدم فأخذ بيدي إلى خزانة وقدم لي طعاماً، فأكلت وعدت إلى مكاني فجلست، فقال لي الفتح: خذ ما تحت مصلاك، فنظرت فإذا بصرتين، فقال: أما إحداهما ففيها مائة دينار وهي لجائزتك، وأما الأخرى ففيها مائة دينار لحسن أدبك وقولك: إني ما أكلت شيئاً. جحظة: غنت فهاجت حربي ... وضاع فيها طربي فشعرها من فضة ... وثغرها من ذهب قيل لمزيد وقد اشترى حماراً: ما في حمارك عيب إلا أنه ناقص الجسم يحتاج إلى عصا، قال: إنما كنت أغتم لو كان يحتاج إلى بزماورد، فأما العصا فأمرها هين. خطب معاوية الناس فقال: إن الله تعالى يقول في كتابه: " وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما تنزله إلا بقدر معلوم " الحجر:21، فعلام

تلومونني إذا قصرت في اعتياتكم؟ فقام إليه الأحنف فقال: إنا والله ما نلومك يا معاوية على ما في خزائن الله ولكن على مانزله ألينا من خزائنه فجعلته في خزائنك وحلت بيننا وبينه، قال: فكأنما ألقمه حجراً. قال بزر جمهر: من عيب الدنيا أنها لا تعطي أحداً استحقاقه، إما أن تزيده وإما أن تنقصه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: جعل عزي في ظل سيفي وفي رأس رمحي. قال مسلمة لنصيب: أمدحت فلاناً؟ قال: نعم، قال: فما فعل معك؟ قال: حرمني، قال: فهلا هجوته؟ قال: لا أفعل، قال: ولم؟ قال: لأني أحق بالهجو منه إذ رأيته أهلاً لمدحي، فأعجب به وقال له: سلني، قال: كفك بالعطية أبسط من لساني بالمسألة، فأمر له بألف دينار. صاح رجل براهب في صومعته فقال له: ما الذي علقك في هذه الصومعة؟ قال: من مشى على الأرض عثر.

قيل لرجل: مات عدوك، قال: وددت لو أنكم قلتم: تزوج. قال الحجاج يوماً لرجل: أنا أطول أم أنت؟ قال: الأمير أطول عقلاً وأنا أبسط قامة. وصف النظام الكواكب وحسنها، وكان الخاركي حاضراً، وكان يتهم بالزندقة، فقال: وأي شيء حسنها؟ ما أشبهها إلا بجوز كان في كم صبي فتناثر فوقع متفرقاً: ها هنا ثلاثة، وها هنا أربعة، وها هنا اثنتان. أنا والله أرحم هذا القائل، وهو بالغيظ عليه أولى، بل تنفيذ حكم الله فيه أحق، فقد الحد في الدين وأرصد للمؤمنين، وشبه على الضعفاء المبتدئين، أما يعلم أن هذا الظاهر المنتشر موشح بالباطن المنتظم، وأن هذا البادي المتباين مربوط بذلك الخافي المتصل، وأنه لو جرى الأمر على وصف هذا المقترح، وترصيع هذا المعترض، لكان النقص يعتوره، والخلل يدخله، وحق لعقل قصير، واعتبار ممزوج، وفكر مضطرب، أن يؤدي صاحبه إلى هذا الاختلاط. هيهات جل خلقه عن إدراك خلقه، وعلا عن إحاطة شيء بكنهه، فليس لعقل مجال في سره، ولا لوهم منال من غيبه، ولا لمعترض ثبات عند اختلاف

أفانين قدرته، وإنما عليك أن تعرف نقصك في كمالك، وعجزك في قدرتك، وسفهك في حكمتك، ونسيانك في حفظك، وخبطك في توفيقك، وجهلك في علمك، ونيلك عند بأسك، وتهتكك في احتراسك، وإخفاقك مع تحققك، ونكولك في تصميمك، فإذا عرفت هذه المعاني، وسكنت هذه المغاني، وضح لك خفي الغيب ببادي الشهادة، وتداركت الأدلة بشفاء اليقين، ورحلت عن صدرك غلبات الهم، وتشاهدت السواء في كثرتها بتوحيد الواحد، وأشارت إلى الفيض الغامر، وأوصلتك إلى حقائق ما تراءى لعينك، وتخيل لوهمك، وهجس ببالك، وخنس عن عقلك، ونفى عن طرفك فيما لحقك الشك، وتميز من وهمك ما استحال بتحصيلك، وطرد عن قلبك ما طرقك بالشبه، هنالك تعلم أن العالم في إحدى جهتيه يشكل على العاقل الفحص عنه، وفي الجهة الثانية يحرم على المنصف التشكك فيه، لأنه إن كان فيما يوجد من انتثاره ما يفدح في حقائق التوحيد، ففيما يوجد من انتظامه ما يفتح أبواب التحقيق، وإن كان فيما ترى من اختلافه ما يبعث الحيرة، ففيما يعقل من اتساقه ما يفضي إلى التمييز، وإن كان فيما يجهل سره ما يتصل بالراحة، وإن كان بعض الحرمان غيظاً فإن بعض

النبل غبطة، وإن كان طرف العجز جاذباً إلى اليأس إن في طرف القوة ما يستحصف به أسباب الأمل، فلا ترع، فليس ما جل عنك وجب أن يبطل عليك، ولا ما دق عن فهمك وجب أن يبهرجه نقدك، حاكم نفسك إلى نفسك، وعقلك إلى عقلك، فإنهما إن نكلا عن الشهادة في موضع استقصاء العلانية فإنهما يمران الشهادة في موضع ثقة بالحقيقة، ولا تكن إلباً عليهما فتخسر وأنت حاكم، وتحشر وأنت واهم. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما تكلم أحد بالفارسية إلا خب، ولا خب إلا ذهبت مروءته. شاعر: أما ترى الورد في أكفهم ... يجتث للقاطفين من ورقه. كالقلب نار الهوى تلذعه ... والقلب يهوى الهوى على حرقه قال أفلاطون: لولا قولي إني لا أعلم شيئاً إني أعلم لقلت: إني لا أعلم. قال فيلسوف: ما كسبت فضيلة من العلم إلا علمي بأني لا أعلم.

قال بعض أصحابنا: العالم قد يكون معانداً من حيث يخالف ما يعلمه، فأما الجاهل فلا يكون منصفاً لجهله بالإنصاف وفقد علمه بشرفه. قيل لعالم: ما السرور؟ قال: معنى صح بالقياس، ولفظ وضح بعد التباس. قيل لشجاع: ما السرور؟ قال: ضرب سريع، وقرن صريع. قيل لملك: ما السرور؟ قال: إكرام ودود، وإرغام حسود. قيل لعاقل: ما السرور؟ قال: عدو تداجيه، وصديق تناجيه. قيل لأكار: ما السرور؟ قال: رفع غلة، وسد خلة. قيل لمغن: ما السرور؟ قال: مجلس يقل هذره، وعود ينطق وتره.

قيل لناسك: ما السرور؟ قال: عبادة خالصة من الرياء ورضى النفس بالقضاء. للعطوي: يا نفس دومي على العبادة والص ... صبر فخير العلقين في يدك إني وإن كنت لابساً سملا ... فهمتي فوق كاهل الفلك قال بعض الأدباء: الجالي عن مسقط رأسه ومحل رضاعته كالعير الناشط عن بلده الذي هو لكل عير فريسة، ولكل رام دريئة. قالت الفرس: تربة الصبا تغرس في القلب حرمة وحلاوة، وكما تغرس الولادة رقة وجفاوة. قال فيلسوف: فطرة الرجل معجونة بحب الوطن. وكان بقراط يقول: يجب أن يداوى كل عليل بعقاقير أرضه، فإن الطبيعة تتطلع إلى هوائها، وتنزعو إلى غذائها.

قال ابن عباس: لو قنع الناس بأرزاقهم كقناعتهم بأوطانهم ما اشتكى عبد الرزق. شاعر: سكر الولاية طيب ... وخمارها صعب شديد لازلت في درك الشقا ... حتى تعاين ما تريد قال ابن جريج: قرأت في موضع: عش موسراً إن شئت أو معسراً ... لا بد في الدنيا من الغم فكلما زادك في نعمة ... زاد الذي زادك في الهم إني رأيت الناس في عصرنا ... لايطلبون العمل للعلم إلا مباهاة لأصحابه ... وعدة للغشم والظلم قال أعرابي: ما السيف عن الظالم بصائم، ولا الليل عن النهار بنائم. قال فيلسوف: إنك لن تجد الناس إلا أحد رجلين: إما مؤخراً في نفسه قدمه حظه، أو مقدماً في نفسه أخره دهره، فأرض بما أنت فيه اختياراً، وإلا رضيت اضطراراً.

قال رجل لسقراط: ما أقبح وجهك، قال: ما تقبيح صورتي إلى فأذم، ولا تحسين صورتك إليك فتحمد، قال: قد علمت، قال: فإذا عبت الصنعة مع علمك فقد عبت الصانع. قيل لفيلسوف: ألا تحدثنا؟ قال: لا، قيل: لم؟ قال: لأنكم تجلون عن دقيقي وأدق عن جليلكم. قيل لسقراط: ما تأمرنا أن نصنع بك إذا مت؟ قال: ليعن بذلك من يحتاج إلى المكان. قال أعرابي: من لم يؤدب في صغره لم يفلح في كبره. قال بعض الرؤساء: دع الوعد يتربص ثلاثاً، فإن كثير العطاء قبل الوعد صغير، وجليله حقير. قال أعرابي: ما زلت أقوت عيني النوم حتى وقعت في لجته وعرقت في بحره.

قال يحيى بن خالد: الوعد شبكة من شباك الكرام، يصطادون بها محامد الإخوان. قال الموبذ بمرو: الوعد سحابة والإنجاز مطرة. وقال آخر: لقح المعروف بالموعد، وأنتجه بالفعال، وأرضعه بالزيادة. سئل ابن مسعود عن الوسوسة يجدها الرجل فقال: ذاك برازخ الإيمان. يقال: عين العقل أبصر من عين الجسد. نظر أعرابي إلى بعض أولاد الملوك فرآه سميناً فقال: لحاك الله ما ثناك الخبز. قال قسطا بن لوقا: الخط هو مقدار ذو نعت واحد، وهو الطول

بلا عرض ولا عمق، وهو لا يدرك على الانفراد بالعقل والوهم لا بالحس، وأما وجوده بالحس فإنه في البسيط إذ هو نهايته، فإن البسيط إذا ألقي منه عرضه بقي طوله فقط، وذلك هو الخط؛ ونهاية الخط نقطتان: فالنقطة هي شيء لا بعد له، أعني لا طول ولا عرض ولا عمق، وهي موجودة على الانفراد بالعقل والوهم لا بالحس، وأما وجودها بالحس فهو في الخط. قال ابن المعتز في رسالة يذكر فيها محاسن أبي تمام ومساوئه: سهل الله لكم سبل الطلب، ووقاكم مكاره الزلل؛ ربما رأيت من تقديم بعضكم الطائي على غيره من الشعراء إفراطاً ظاهراً، وهو أوكد أسباب تأخير بعضكم إياه عن منزلته في الشعر لما يدعو إليه اللجاج، فأما قولي فيه فإنه بلغ غايات الإساءة والإحسان، فكأن شعره قوله: إن كان وجهك لي تترى محاسنه ... فإن فعلك بي تترى مساويه وقد جمعنا محاسن شعره ومساوئه في رسالتنا هذه، ورجونا بذلك ارتداع المسهب في امتداحه، ورد الراغب عنه إلى إنصافه، واختصرنا الكلام إشارة لقصد ما نزعنا إليه، وتوقياً لإطالة ما يكتفى بالإيجاز فيه، ولئن

قدمنا مساوئه على محاسنة ففي ذلك الجور عليه، وإن قرب العهد بمحاسنه لأدعى للقلوب إليه. قال أعرابي: إذا استشرت الشر شري. كتب عبد الملك إلى الحجاج: أرهب أهل الخيانة وأرغب أهل الأمانة، فإن البريء، إذا لم يأمن العقوبة وخاف مثل ما يؤتى إلى أهل الخيانة، طأطأ ركضاً في السرقة. قيل لعمرو بن عبيد: ما البلاغة؟ قال: كلام ألحمه التقوى ونسجه الإخلاص. قال عامر بن عبد القيس: الدنيا والده الموت. قال عياض بن عبد الله: الحب أعمى. وقال بعض الزهاد: المساجد سوق الآخرة. قال العتبي: سئل أعرابي عن أخوين له فقيل له: أخبرنا عن

زيد، فقال: أسكن الناس فوراً، وأبعدهم غوراً، وأثبتهم عند الحجة، قالوا: فأخبرنا عن الآخر، قال: كان والله شديد العقدة، لين العطفة، يرضيه أقل ما يسخطه، قالوا: فأخبرنا عن نفسك، قال: والله إن أفضل ما في معرفتي بهما. قال رجل لعتبة بن أبي سفيان: قدمت إليك أخوض المتالف، وأقطع لجج السراب مرة، وألتحف بالليل أخرى، مضمراً حسن الظن بك، هارباً من اليأس إلى رجائك. وصف قطري الدنيا فقال: ما نال أحد منها حبرة إلا أعقبته عبرة، ولم يملأ من سرائها بطناً إلا منحته من ضرائها ظهراً، ولم يجد منها غنيمة رخاء إلا هطلت عليه مزنة بلاء، ولم يمس منها أمرؤ في جناح أمن إلا أصبح على قوادم خوف. ذكر المدائني في كتاب نوادر القضاة أنه حضر وليمة على مائدة

وأعرابي يحاذيه على مائدة أخرى فقال: أتحول إليك يا أبا العباس؟ قال: ما بنا إليك من وحشة فلا تجعلنا سلماً للشهوة. تقدم رجل إلى شريح ليشهد فقال: إنك لتنشط للشهادة، قال: إنها لم تحقد علي، قال: لله درك، وقبل شهادته. سئل رجل عن اليمن فقال: سيف اليمن قضاعة، وهامتها همدان، وسنامها مذحج، وريحانتها كندة، ولكل قوم قريش، وقريش اليمن الأنصار. كتب بعض الحكماء إلى أخ له: إنك قد أوتيت علماً فلا تطفئن نور علمك بظلمة الذنوب فتبقى في الظلمة يوم يسعى أهل العلم بنورهم. قال النضر بن معبد: لا يتكلم أحد بكلمة حتى يزمها ويخطمها، فعسى أن يكون في القوم من هو أعلم منه، فإن سكت سكت وهو قادر عليه، وإن بكته وجد للتبكيت موضعاً. قال داود بن علي: احمدوا الله تعالى على النعمة التي أصبحتم ترتضعون درتها، وتتفيئون ظلها، وتفترشون وسادها ومهادها. وقال آخر: الدنيا سوق الشر. وقال آخر: الدنيا عين تبصر بها الآخرة.

ويقال: الصدق يدل على اعتدال وزن العقل. وقال آخر: الإسناد كسوة الحديث. وقال ابن مسعود: كونوا جدو القلوب خلقان الثياب، تجفون في الأرض وتعرفون في السماء. قال شداد بن أوس: إني أخاف عليكم شهوة خفية ونعمة ملهية، وذاك حين تشبعون من الطعام وتجوعون من العلم. لما ماج أهل مكة لوفاة النبي صلى الله عليه وسلم استبشر أبو سفيان بن حرب، فقام سهيل بن عمرو فقال: والله إني لأعلم أن هذا الدين سيمتد امتداداً كالشمس في طلوعها إلى غروبها، فلا يغرنكم هذا من أنفسكم، وأشار إلى أبي سفيان، فإنه يعلم من هذا الأمر ما أعلم، ولكن حسد بني هاشم جاثم على صدره. لما دنا خالد من أصحاب مسيلمة انتضوا سيوفهم قبل أن

يلتقوا، فقال خالد، فشل قومك يا مجاعة، قال: كلا ولكنها اليمانية لا تلين حتى تشرق متونها، قال: ما أشد ما تحب قومك، قال: لأنهم حظي من ولد آدم، فقال خالد يوم ذلك: إن السهام بالردى مفوقه ... والحرب ورهاء العقال مطلقه وخالد من دينه على ثقه قال أبو قلابة: لا تجالسوا أصاب الأهواء فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم، أو يلبسوا عليكم بعض ما تعرفون. وقال: إن الله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما صفا ورق وصلب، فأما صفاؤها فلله، وأما رقتها فللإخوان، وأما صلابتها فعلى الكفار. من خط ابن المعتز: إذا رأين علماً ممتداً ... معمماً بالآل أو مردى يحسبه الرائي حصاناً وردا ... مجللاً كتابة أو بردا صددن عن عرنينه أو صدا آخر: قلق لأفنان الرما ... ح للاقح منها وحائل حتى إذا صغت المط ... ي بعيد هرولة العساقل

ومعطل أشب يخر ... ق ذي الأعالي والأسافل قد بت أدأبه إلي ... ك بغيهب هدب العياطل آخر: تم لوعة للندى وكم قلق ... للجود والمكرمات في قلقك ألبسك الله منه عافية ... في نومك المعتري وفي أرقك ينزع من جسمك السقام كما ... نزعت حبل اللئام من عنقك ابتلع ثعلب عظماً فبقي في حلقه، فطلب من يعالجه ويخرجه، فجاء إلى كركي فجعل له أجراً على أن يخرج العظم من حلقه، فأدخل رأسه في فم الثعلب وأخرج العظم بمنقاره ثم قال للثعلب: هات الأجرة، فقال الثعلب: أنت أدخلت رأسك في فمي وأخرجته صحيحاً، لا ترضى حتى تطلب أجراً زيادة؟! قيل لثعلب: أتحمل كتاباً إلى الكلب وتأخذ مائة؟ قال: أما الكراء فواف تام، ولكن الخطر عظيم.

ووقع في شرك صياد ثعلبان فقال أحدهما: يا أخي، أين نلتقي؟ فقال: في دكان الفراء بعد ثلاث. قالت قحبة لصاحبتها: متى يكون الرجل أطيب للمرأة؟ قالت: إذا حلق هو مثل أمس، وانتفت هي مثل اليوم، فدخلت أصول شعرته في أصول شعرتها، فقالت لها الأخرى: قتلتيني، الساعة أصب!! وكانتا في غرفة تحتها خياط وقد سمع ما قالتا فصاح: يا قحاب، ثياب الناس في الدكان، لا يكف علينا!! قال الجماز: رأيت عجوزاً تسأل وتقول: من تصدق علي أطعمه الله من طيبات باب الطاق. شاعر: أقاموا الديدبان على يفاع ... وقالوا لا تنم للديدبان إذا أبصرت شخصاً من بعيد ... فصفق بالبنان على البنان تراهم خشية الأضياف عجلى ... يقيمون الصلاة بلا أذان

قيل للحسن بن شهريار، وكان كاتباً لوصيف: لا تنصرف إلى منزلك إلى نصف النهار، فقال: ما أعجب هذا!! فإن لم يجيء نصف النهار إلى بعد العصر أقعد؟! رفع وكيل لبعض بني هاشم في حساب ثلاثمائة درهم في جلاء مرآة، فقال جمين: والله لو صدئ القمر لجلي بأقل من هذا. قال بعضهم: قلت لمديني وهو محرم يتغنى على حماره: أما تتقي الله تتغنى وأنت محرم؟ فقال: إني أخاف النعاس وأن أقع عن حماري، قلت: فأين أنت عن القرآن؟ قال: جربناه فوجدناه يزيد في النوم. قال عبد الله بن دينار: خرجت مع ابن عمر إلى السوق فرأى جارية صغيرة تغني فقال: لو ترك الشيطان شيئاً لترك هذه. قال أعرابي لخمار: أعندك شيء يشبه قول الأعشى: تريك القذى من دونها وهي دونه ... إذا ذاقها من ذاقا يتمطق قال: نعم، وناوله قدحاً، فشرب وقال: ليس هذا أريد، أعندك ما قال الأخطل:

صهباء قد عنست من طول ما حبست ... في مخدع بين جنات وأنهار قال: نعم. قال عبد الله بن المعتز، قال عبد العزيز بن مسلم: رأيت قبر أبي محجن بأرمينية عليه شجرات كرم. قال الجماز: كنت في منظره وإذا على غلوى شيخ معه صبي في يوم بارد، فكنت أسمع الشيخ يقول للصبي: أعطني فروتي، فيناوله شيئاً لا أثبته، فنظرت عند الشيخ قنينة كلما طلب من الصبي فروته سقاه قدحاً منها، قال الشاعر: إذا شربنا خمسة خمسة ... فقد لبسنا الفرو من داخل قال أعرابي: من كلام العرب: نعم لباس المرء التقوى، ونعم حشو الدرع السخاء، وأنبل بالحياء خلقاً، وبالوقار مهابة، وبالبيان ارتفاعاً، وبالتواضع عزاً، وبالوفاء جمالاً، وبصدق الحديث مروءة. قال بعض السلف: العجب ممن يشتري المماليك بالدراهم كيف

لا يشتري الأحرار بالمكارم. سرق رجل من مجلس أنوشروان جام ذهب، وأنوشروان يراه، فتفقده صاحب الشراب فقال: لا يخرجن أحد حتى يفتش، فقال أنوشروان: لا تعرضوا لأحد فقد أخذه من لا يرده، ورآه من لا ينم عليه. زور رجل كتاباً عن المأمون إلى محمد بن الجهم في دفع مال إليه، فارتاب به محمد فأدخله على المأمون، فقال المأمون: لم أذكر هذا، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، أكل معروفك تذكر؟ قال: لا، قال: فلعل هذا مما نسيت، قال: لعله، ادفع إليه يا محمد ما في الكتاب. مر عبد العزيز بن مروان بمصر فسمع امرأة تصيح بابنها: يا عبد العزيز، فوقف وقال: من المسمى باسمنا؟ ادفعوا إليه خمسمائة دينار؛ فما ولد في تلك الأيام ولد بمصر إلا سمي به. مدح رجل رجلاً عند خالد بن عبد الله فقال: والله لقد دخلت

إليه فرأيته أسرى الناس داراً وفرشاً وآلة وخدماً، فقال خالد: لقد ذممته، هذه حال من لم تدع فيه شهوته للمعروف فضلاً، ولا للكرم موضعاً. قال أبو العيناء: قيل للحسن بن سهل: بالباب رجل راغب فقال: سلوه ما وسيلته؟ قال: وسيلتي أني أتيتك عام أول فبررتني، فقال: مرحباً بمن توسل إلينا بنا، ووصله. صار عطاء بن أبي رباح إلى رجل من أشرف قريش فقال إني أتيتك بهدية فتفضل بقبولها، فقال: هاتها، قال: فلان كانت عليه نعمة فزالت فلو نظرت له، فقال: جزاك الله على هديتك خيراً، فما أحسبنا ننهض بمجازاتها، فقال عطاء: بل جزاك الله على قبولك إياها أفضل الجزاء. وقل ما ترى في عصرنا من يقبل هدية مثل هذه، والله إني لأستحيي من رواية هذه المكارم في عصر يتباهى فيه باللؤم، ويتبجح بالسخف، ويحتج بالحزم في البخل، وقد تواصي الناس بكلام الكندي لعنة الله - حيث يوصي ابنه: يا بني، أما بعد فكن مع الناس كلاعب الشطرنج، تحفظ شاهك وتأخذ شاههم، فإن مالك إذا خرج عن يدك لم يعد

إليك، وأعلم أن الدينار محموم فإذا صرفته مات، وأعلم أنه ليس شيء أسرع فناء من الدينار إذا كسر، والقرطاس إذا نشر، والجلد إذا قشر، والثوب إذا قصر. ومثل الدرهم مثل الطير الذي هو لك ما دام في يدك، فإذا طار صار لغيرك قال المتلمس: قليل المال تصلحه فيبقى ... ولا يبقى الكثير مع الفساد لحفظ المال أيسر من بغاة ... وسير في البلاد بغير زاد وأعرف بيتاً قد بيت أكثر من مائة ألف في المساجد، وهو قول القائل: فسر في بلاد الله والتمس الغنى ... تعش ذا يسار أو تموت فتعذرا فاحذر يا بني أن تلحق بهم فتكون منهم. لحا الله هذا الموصي وقبح هذه الوصية وأبعد قائلها والعامل بها. قال علي كرم الله وجهه: إنما أمهل فرعون مع دعواه لسهولة إذنه وبذل طعامه. قال بعض السلف: إذا استشرت فانصح، وإذا قدرت فاصفح

قال ماجن لآخر: كم صمت من هذا الشهر؟ قال: وتدعني امرأتك أصوم منه شيئاً؟! لعبد الصمد بن المعذل: صرفت الود فانصرفا ... ولم ترع الذي سلفا وبنت فلم أمت أسفا ... عليك ولم تمت أسفا لابن أبي فنن: وعرصة مجد يكسب الحمد ربها ... ممهدة للمجتدين قبابها إذا صدرت عنها وفود تتابعت ... وفود تلاها بالنجاح إيابها أرتها وجوه الصادرين بشارة ... وتصدقها أفراسها وعيابها جعلتك حصناً دون كل ملمة ... تخاوص عيناها ويصرف نابها ولبيت لما أن دعوت مشمراً ... ولا خير في ذي دعوة لا يجابها وله: أقصرت شرتي وولى العرام ... وارتجاع الشباب ما لا يرام أخلقت مرة الليالي جديداً ... والليالي يخلقن والأيام فعلى ما عهدته من شبابي ... وعلى الغانيات مني السلام

يحرم الماجد المجد وقد ير ... زق قوم وإنهم لنيام فدع الحرص والحريص ولا تم ... تهن النفس إنها أقسام سر من عاش ماله فإذا حا ... سبة الله سره الإعدام أرق المأمون ذات ليلة فوجه إلى محمد بن حازم الباهلي، فلما دخل عليه قال: قل بيتين الساعة، فقال: أنت سماء ويدي أرضها ... والأرض قد تأمل غيث السما فازرع يداً عندي محمودة ... تحصد بها عندي حسن الثنا فقال المأمون: عشرة آلاف درهم، فقد أبى إلا أخذ مالنا وخديعتنا، فقال محمد: وإذا الكريم أتيته بخديعة ... فرأيته فيما تحب يسارع فاعلم بأنك لم تخادع جاهلاً ... إن الكريم بفضله يتخادع فأمر له بعشرة آلاف درهم أخرى وقال: أخرجوه لا يفني بيت المال. قال المبرد: أنشد أبو العالية الشام لنفسه: ترحل فما بغداد دار إقامة ... ولا عند من يرجى ببغداد طائل بلاد ملوك سمنهم في أديمهم ... وكلهم من حلية المجد عاطل ولا غرو أن شلت يد الجود والندى ... وقل سماح من أناس ونائل

إذا غضغض البحر الغطامط ماءه ... فليس عجيباً أن تغيض الجداول أهدى عبيد الله بن السري إلى عبد الله بن ظاهر لما دخل مصر مائة مملوك، مع كل مملوك ألف دينار، وأرسلها ليلاً، فردها عبد الله وقال: لو كنت أقبل هديتك ليلاً قبلتها نهاراً، " بل أنتم بهديتكم تفرحون " النمل 36. لما خطب للمأمون على منابر خراسان، كتب إليه الحارث بن سبيع السمرقندي: قد أظلنا الله بخلافة أمير أمير المؤمنين تحت جناح الطمأنينة، وبلغنا بها مدى الأمنية، فأدام الله من كرامته ما يتظلل به أقاصي وأداني رعيته، وجعله أعز خليفة، وجعلنا أسمع وأطوع رعية، فقال المأمون للفضل بن سهل: أتعرف قيمة هذا الكلام؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، يلقيك إياه بالسرور، فأعجبه قوله واستحسنه. لأبي العالية الشامي: من ذا الذي رد هتم الموت إذا وقعا ... أو استطاع من الأقدار ممتنعا هيهات ما دون ورد الموت من عصر ... كل سيشرب من أنفاسه جرعا يا عظم رزء يزيد إذ فجعت به ... لا در در الردى ماذا به فجعا لله در أخ من زائر جدثا ... ماذا نعى منه ناعيه غداة نعى

قد كنت أمنح لومي قبل مهلكه ... من استكان لريب الدهر أو خشعا حتى رمتني المنايا من مصيبته ... بنكبة رمت فيها الصبر فامتنعا أخي ظعنت وخلفت المقيم على ... كر الليالي لما لاقيته تبعا ماذا أضفت إلى الإحشاء من حرق ... لما استجبت لداعي الموت حين دعا وما منحت قلوباً فيك موجعة ... كادت تقطع من غمر الأسى قطعا أغريت بالعين إذ هيجت عبرتها ... دمعاً إذا هيجته حرقة دفعا يا غيبة منه ما أرجو الإياب لها ... قرعت قلبي بها إذ بنت فانصدعا كادت توافق بي حتفاً بلا أجل ... لما طوى يأسها من أوبك الطمعا يا حبل عز أذود الحادثات به ... دبت عليه صروف الدهر فانقطعا أصحى صدى الترب في لحد ثويت به ... من ماء وجهك بعد الصوب قد نقعا آليت بعدك لا أبكي على بشر ... ولا أقول له عند العثار لعا كتب صاحب أرمينية إلى المنصور: إن الجند قد شغبوا علي، وطلبوه أرزاقهم وكسروا أقفال بيت المال وانتبهوه، فعزله ووقع في جوابه: لو عدلت لم يشغبوا، ولو قويت لم يتوثبوا. ووقع المنصور في رقعة رجل سأله شيئاً: آتاك الله سعة تصون عرضك وتقي دينك.

كتب صاحب جيش عبد الملك بن مروان يخبره بكثرة من لقي من جيش الروم، فوقع إليه: " إن ينصركم الله فلا غالب لكم " آل عمران. ووقع المنصور في قصة رجل ذكر أن أمير المؤمنين أمر بأرزاق وأن الفضل أبطأ بها: " ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها " فاطر:2 أهدى رجل إلى عمرو بن سعيد في يوم نيروز وهو والي كسكر وكور دجلة عصافير على طبق تحت مكبة ورقعة فيها: عصافير بعثت بها ملاحاً ... ليضحك لا ليأكلها الأمير وما أهدى سواي إلى أمير ... عصافيراً على طبق تطير فلما وضع بين يديه ورفع المكبة طارت العصافير، فأخذ الرقعة فقرأ الشعر وضحك وأمر له بجائزة. نظر ثعلب إلى جمل يعدو فقال: ما وراءك؟ قال: جعلت فداك، سخرت الحمير والبغال، فقال: وما أنت والحمير والبغال؟ فقال: أخاف جور السلطان. دخل كلب مسجداً خراباً فبال في محرابه، وفي المسجد قرد

نائم، فقال للكلب: أما تستحي أن تبول في المحراب؟ فقال الكلب: ما أحسن ما صورك حتى تتعصب له! رأى كلب رغيفاً يتدحرج فتبعه فقال له: إلى أين؟ قال: إلى النهروان، قال الكلب: قل إلى عمان إن تركتك. قيل للكلب: لماذا رأيت السبع تنبح؟ قال: أفزعه، قيل: فلم تضرط؟ قال: من فزعه. قيل لرجل: ما بال الكلب إذا بال رفع رجله؟ قال: يخاف أن تتلوث دراعته، فهو يتوهم أنه بدراعه. أنشد عبد الصمد: يا غزالا لحظ عيني ... هـ لنا سم ذباح ما ترد الطرف إلا ... وبنا منك جراح أنت للحسن مصون ... ولك الحسن مباح أنشد ثعلب:

كيف السلو ولا أزال أرى لها ... رسما كحاشية اليماني المخلق ربعا لواضحة الجبين غريرة ... كالشمس طالعة رخيم المنطق قد كنت أعهدها به في غرة ... والعيش صاف العدى لم تنطق حتى إذا نطقوا وأذن فيهم ... داعي الشتات برحلة وتفرق خلت الديار فزرتها وكأنني ... ذو حية من سمها لم يفرق قال ثعلب: العرب تقول: خذ على رسلك، أي على هينتك. قال ابن أبي الرعد: لقي أبو علي البصير علي بن الجهم، فتجهمه علي في بعض ما جرى بينهما، فقال له أبو علي: لا تزد يا أبا الحسن في أعدائك فلعله أن يقع عليك مطبوع من الشعراء يسهل عليه من حوك القريض ما يعسر على غيره، واعلم أن مع الملوك ملالة فلا تأتهم من حيث لا يحبون فينبو بك منهم المطمئن، فقال ابن الجهم: نصيحة، وإن كان مخرج الكلام مخرج تهدد. قال ابن المعتز: قال لي ابن أبي فنن: لما قال علي بن الجهم وهو محبوس في تشبيه نفسه بالسيف: قالت حبست فقلت ليس بضائري ... حبسي وأي مهند لا يغمد أذعن له شعراء زمانه.

قال محمد بن موسى البربري: سمعت علي بن الجهم يصف أبا تمام ويمدحه، فقال له رجل: لو كان أخاك ما زاد على هذا، فقال علي: إلا يكن أخا بالنسب فإنه أخ بالأدب، أما سمعت ما خاطبني به: إن يكد مطرف الإخاء فإننا ... نغدو ونسري في إخاء تالد أو يختلف ماء الوصال فماؤنا ... عذب تحدر من غمام واحد أو يفترق نسب يؤلف بيننا ... أدب أقمناه مقام الوالد قيل للأعمش أيام زيد بن علي: ألا تخرج؟ فقال: أما والله ما أعرف أحداً أجعل عرضي دونه، فكيف دمي؟! أهدى ملك هدية إلى فيلسوف فردها إليه فقال: لم رددت هديتي؟ قال: لأن بذل الموجود وترك طلب المفقود يكونان عن غنى النفس وعزها، وأخذ الموجود وطلب المفقود يكونان عن فقر النفس وشحها، فما أحب أن تسخو وأشح، وتغنى وأفتقر. أهدى ملك آخر إلى فيلسوف هدية فردها ولم يقبلها، فتنكد

الملك من ذك وقال: لم فعلت هذا؟ قال: لم أفعله لحال رفعت نفسي عن الملك، ولا لجهل عرض بمعرفة الحظ وحسن موضعه، ولكنني قفوت في الفضل فضلك، وحثني على المكارم كرمك، فآثرتك بما آثرتني به، وسخت نفسي لك بما سخت نفسك به، ولم أحب أن أكون مظنة فضل، ورهين إحسان. أنشد المأمون: والله لا تختلف النجوم ... وتغرب الشمس فلا تقوم وقمر في فلك يعوم ... إلا لأمر شأنه عظيم تقصر دون علمه العلوم طرد أعرابي الطير عن زرعه في جدب وقال: عجبت من نفسي ومن إشفاقها ... ومن طرادي الطير عن أرزاقها في سنة قد كشفت عن ساقها ... حمراء تبري اللحم عن عرقاها والموت في عنقي وفي أعناقها قال ابن درستويه، قيل للمبرد: أكنت أنت وأحمد بن يحيى جميعاً مع محمد بن عبد الله بن طاهر؟ قال: نعم، كنت معه جليساً ونديماً، وكان معه معلماً ومؤدباً.

قال رجل للمبرد: أسمعني فلان في نفسي مكروهاً فاحتملته ثم أسمعني فيك فجعلتك أسوتي فاحتملته، فقال له: لسنا بسواء، احتمالك في نفسك حلم وفي صديقك غدر. كتب المبرد إلى بشر بن سعد المرثدي: اقتضائي إياك - جعلني الله فداك - اقتضاء من تجب مطالبته لضروب: أحدها لاعتمادي عليك في الحاجة، وقصدي إياك بها مع كثرة الصديق وإمكان الشفيع، وقد قلت: وقاك الله من إخلاف وعد ... وهضم أخوة أو نقض عهد فأنت المرتضى أدباً وعلماً ... وبيتك في الذؤابة من معد وتجمعنا أواصر لازمات ... شداد الأسر من سبب وود إذا لم تأت حاجاتي سراعاً ... وقد ضمنتها بشر بن سعد فأي الناس آمله لنفع ... وأرجوه لحل أو لعقد وما كنت أخاف خلفاً ممن كرم أدبه، وشرف مركبه، وطاب حسبه، وإن كان قد أحوج إلى أن يعاتب بقول الشاعر: أتناسيت أم نسيت إخائي ... والتناسي شر من النسيان

ولقد كان ظني فيك علمي بك أنه لو توسل بي إليك لأضعاف ما سألتك لما احتيج فيه إلا إلى الخطاب اليسير، فلا تنكر هذا الإطناب في العتاب، فإنما يهز الصارم ويذكر المؤمن، وقد قال الشاعر: أعاتب ليلى إنما الهجر أن ترى ... صديقك يأتي ما أتى لا تعاتبه وأعاذني الله فيك أن تعتقد في قول الشاعر: إذا مطلت امرءاً لحاجته ... فامض على مطله ولا تجد قد أكثرت هازلاً في التوبيخ، واستحييت عائباً من التأنيب، والذي عندي في الحقيقة قول أبي العتاهية: لا تكربنك حاجاتي أبا عمر ... فأنت منهن بين النجح والعذر ما يقض منها فإن الله يسره ... وما تعذر فاحمله على القدر احتيج أن يكتب على المعتضد كتاب ويشهد فيه عليه العدول، فكتب ابن ثوابة: في صحة من عقله، وجواز أم له وعليه؛ فلما عرضت النسخة على عبيد الله بن سليمان قال: هذا لا يجب أن يقال للخليفة، فضرب عليه وكتب: في سلامة من جسمه وأصالة من رأيه. وقع علي بن أبي طالب إلى الحسن ابنه: رأي الشيخ خير من مشهد الغلام. كتب عمرو بن العاصي إلى معاوية يسأله أن يعطي عبد الله بن

كريب نهر معقل فإنه قد سأله، فوقع: " قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين " المائدة:102 قرئ للمأمون توقيع بنقطة، وذلك أن رجلاً كان سابق الحاج فورد مرة بعدما ورد غيره وكتب قصة يطلب رزقه، فلما قرأ المأمون وقع بنقطة ثانية تحت الباء فصار: سايق الحاج. اشتكى الأسد علة شديدة، فعاده جميع السباع إلا الثعلب، فدخل عليه الذئب فقال: أصلح الله الملك، إن السباع قد زارتك وعادتك ما خلا الثعلب فإنه مستخف بك، فبلغ ذلك الثعلب فاغتم به، فلما جاءه قال له الأسد: ما لي لم أرك يا أبا الحصين؟ فقال: أصلح الله الأمير، بلغني وجعك فلم أزل أطوف في البلدان أطلب دواء لك حتى وجدته، فقال له: وأي شيء هو؟ قال: مرارة الذئب، قال الأسد: وكيف لي بذاك؟ قال: أرسل الساعة إليه والثعلب عنده، فأتى الذئب فوثب الأسد عليه، وكان ضعيفاً من وجعه فلم يتمكن منه وسلخ جلد إسته وأفلت الذئب، وخرج الثعلب يصيح به: يا صاحب السراويل الأحمر، إذا جلست عند الملوك فاعقل كيف تتكلم؛ فعلم الذئب الثعلب دل عليه. لقي ثعلب عراقي ثعلباً شامياً فقال: عرفني ما عندك من حيل ثعالب الشام، فقال: عندي مائة حيلة ودستان، فقال العراقي: والله لأصحبنه حتى أستفيد منه، فلزمه؛ فبينما هما كذلك وقد اصطحبا في سفر حتى قال له العراقي: يا أخي، إن لقينا الأسد كيف الحيلة في التخلص منه؟ قال: لا يهمنك

أمره فإن عندي حيلاً، فما انقضى كلامه حتى طلع الأسد، فقال العراقي للشامي: خذ في الحيلة، قال: والله ما عندي حيلة في هذا الوقت، قال إنا لله، ولم أخطرت نفسك وغررت أخاك؟ الآن لا تنطق بحرف، فلما دن الأسد قال لهما: من أين أقبلتما؟ قال العراقي: إياك أردنا وإليك قصدنا، قال: في ماذا؟ قال: إن أخي هذا يكون بالشام وأنا بالعراق في مالي، وإن أبانا مات وورثنا شويهات، فجاء أخي هذا يريد أن يذهب بها فقلت له: هلم إلى سيد السباع ليحكم بيننا، فمهما قال التزمناه، وكان الأسد جائعاً فقال في نفسه: لا أعجل في أكل هذين لكن أصبر عليهما ساعة حتى أقف على أمر الغنم وهما في قبضتي، قال: أين الشاء؟ قالا: في هذا البستان، وأشارا إلى بستان حصين له مجرى ماء ضيق، وقال أحدهما: أرسل أخي حتى يخرج الغنم فيقسمها الملك، قال: نعم، فقال للشامي: ادخل وأخرج الغنم وعجل، فدخل الشامي واقبل يأكل من الثمار، فلما أبطأ قال العراقي: قد قلت للملك إنه ظالم، فتأذن لي حتى أدخل خلفه وأخرجه إليك مع الشاء قميئاً ذليلاً؟ قال: ادخل وعجل، فدخل الثعلب البستان وأقبل يأكل من الثمار حتى شبع، ثم أشرف من الحائط على الأسد فقال له: يا أبا الحارث، اعلم أنا قد اصطلحنا فامض في دعة الله، فجعل الأسد يضرب بذنبه الأرض ويستشيط، فقال له الثعلب: إنما أنت قاض وما رأيت قاضياً يغضب من الصلح غيرك. قالت ماجنة لجارة لها: اعلمي أن صديقي يوافي غداً، قالت: ومن أين علمت؟ قالت: حري يختلج، قالت: ومتى صار حرك يعبر الرؤيا؟

قال رجل لامرأة: غطي صدرك، قالت: سبحان الله، تجمش بالتقوى؟! قال الجماز: سمعت ماجنة تقول: إذا دخلت جهنم فقال لي مالك: كلي من هذا الزقوم واشربي من هذا المهل، قلت: لا وحياتك يا أبا نصر ما أشتهيه وأخاف يغثي نفسي، فيقول: الشأن في معرفتها بكنيتي. دخل عمارة بن حمزة على المنصور فجلس مجلسه، فقام رجل فصاح فقال: مظلوم يا أمير المؤمنين، قال: ومن ظلمك؟ قال: عمارة بن حمزة ظلمني وغصب ضيعتي، فقال المنصور: قم يا عمارة فاقعد مع خصمك، فقال عمارة: ما هو لي بخصم، قال: وكيف؟ قال: إن كانت الضيعة له فلست أنازعه، وإن كانت لي فقد جعلتها له، ولا أقوم من مكان شرفني به أمير المؤمنين لأجل ضيعة. هجم قوم على زنجي ينيك شيخاً، فهرب الزنجي وعلقوا الشيخ، فقال: ما لكم؟ قالوا يا عدو الله، تتكلم؟! قال: ما لي لا أتكلم؟ ما لنا لا نناك؟ من أجل أنّا فقراء؟ احتسبوا على الفضل بن الربيع وعلى الحارث

ابن زيادة وعلى غطريف بن أحمد - وعد قوماً من العسكر - إنما يحتسبون علينا لأنّا فقراء. دخل رجل على محمد بن سليمان فقال له محمد: أين كنت فإني لم أرك منذ أيام، فأراد أن يقول التواني فقال: التهاون، فقال محمد: أنت علينا أهون. قيل لأعرابي: صف نفسك، قال: إن كان أكل فقرب، وإن كان نبيذ فجرب، وإن كان قتال فغرب. قال المبرد: كنت أغشى مجلس جعفر بن القاسم، وكان يتقلد إمارة البصرة للواثق، وأنا حدث السن، ليس في المجلس أصغر مني سناً، وكان يخلطني بحداثتي ويخاطبني، ثم تأخرت عنه لأسباب، فلما عدت قال لي: ما أخرك عنا؟ قلت: عله مرة وغيبة مرة، قال: وتوان مرة وتقصير مرة، فقلت: والله ما أغيب عن الأمير إلا بود حاضر، ولا أعصيه إلا بنية طائع فضحك ثم أنشد بيتين لإبراهيم بن المهدي، أحدهما: ما إن عصيتك والغواة تمدني ... أسبابها إلا بنية طائع فقلت: أعز الله الأمير، إذا كان سارق لفظ لا يفوتك فكيف يفوتك سارق مال؟ فضحك وقال أنا احب حضورك.

قال المبرد: وقال لي يوماً وقد استحسن كلامي: أنت اليوم عالم، ثم قال: لا تظن أن قولي لك: أنت اليوم عالم أنك لم تكن عندي قبل كذلك، إن الله تعالى يقول: " والأمر يومئذ لله " الانفطار:19، وقد كان له الأمر قبل ذلك. دخل رجل على عبد الملك بن مروان فقال: إني قد تزوجت امرأة وزوجت ابني أمها، ولا غنى لي عن رفد أمير المؤمنين، فقال عبد الملك: إن أخبرتني ما قرابة ما بين أولادكما إذا ولدتا فعلت ذلك، فغلب ذلك الرجل فقال: يا أمير المؤمنين، هذا حميد قد قلدته سيفك، ووليته ما وراء بابك، فسله عنها فإن أجاب لزمني الحرمان، فسأل حميداً فقال حميد: يا أمير المؤمنين، إنك ما قدمتني على العلم ولا نصبتني له، بل قدمتني على العمل بالسيف والطعن بالرمح، إلا أني أجيبه، ثم أقبل على الرجل وقال له: يا ابن المعروكة، يكون أحدهما عما للآخر والآخر خالاً له، فانخزل الرجل، فقال عبد الملك: أجاب وأصاب، وسكت وجهلت، ولكنك تستحق ما طلبت منا بامتحاننا إياك وصبرك علينا. جاء رجل إلى سيفويه القاص فقال: إني أريد أن أتوب فأيش

تشير علي؟ أحلق رأسي ولحيتي أو أشتري سلماً أو أنحدر إلى واسط؟! فر مزبد من والي المدينة وتوارى، وطلبه الوالي، فبينما هو في الطلب إذ سمع من المقابر صوت طنبور، فأقبل حتى وقف على قبر محفور وفيه سراج، وفوق القبر بواري، فكشف فإذا مزبد قائم وبيده طنبور في جوف القبر وعنده نبيذ، فقال له: اخرج يا عدو الله، قال مزبد: لا والله لا أخرج إليك ولا هذا من عملك، إنما عملك في العمارة، وليس لك علي سلطان. كتب يزيد بن معاوية إلى أهل المدينة: أما بعد يا أهل المدينة، فوالله لقد رفقت بكم حتى أخرقتكم، ولبستكم حتى أخلقتكم، والله لأبو سفيان أحلم من حرب، ولمعاوية أحلم من أبي سفيان، وليزيد أحلم من معاوية، ثم أنشد: إذا ما حلمنا كان آخر حلمنا ... زيادة باع عن يد المتطاول وقد كتب إليكم أمير المؤمنين كتاباً فاسمعوه: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله يزيد أمير المؤمنين: سلام عليكم، أما بعد يا أهل المدينة، فوالله لقد حملتكم على رأسي ثم على عيني ثم على أنفي ثم على نحري، ووالله لئن جعلتكم تحت قدمي لأطأنكم وطأة

المتثاقل، ولأشردنكم عن أوطانكم، ولأتركنكم أحاديث وأيادي سبا، تنسخ فيها كتبكم ككتب عاد وثمود، ثم أنشد: أظن الحلم دل علي قومي ... وقد يستجهل الرجل الحليم ومارست الرجال ومارسوني ... فمعوج علي ومستقيم كتب مويس بن عمران إلى الجاحظ يدعوه: عندي قدران طبختهما بيدي يحكيان المسك الأذفر، فإن رأيت أن تصير إلي متفضلاً فعلت. فكتب إليه الجاحظ: مجلسك المجلس الذي يمنع المصر من التوبة، وينقض عزمه الأواه الحليم، وأنا علة من قرني إلى قدمي من حملي على نفسي ما ليس من عادتها، فهب لي نفسي هذا الأسبوع ثم أنا بين يديك تقتادني حيث شئت، فعلت إن شاء الله. قام رجل إلى عمر بن عبد العزيز فقال: يا أمير المؤمنين، أنا فلان بن فلان، شهد أبي بدراً وأحداً والخندق وحنيناً - وجعل يعدد المشاهد - ولم ألبس الخز ولم أركب ولم أتزوج، فقال عمر: مشاهد والله ما تشبه مرج راهط ولا دير الجماجم، والله لأكسونك ولأزوجنك ولأحملنك، فكساه وزوجه وحمله وأثبت اسمه في شرف العطاء، وقال: بمثل هذا فليمت إلينا المتوسلون.

قال مالك بن عمارة: كنت ربما جالست عبد الملك بن مروان وقبيصة بن ذؤيب وعروة بن الزبير في ظل الكعبة أيام الموسم، فنخوض مرة في الفقه ومرة في المذاكرة ومرة في أخبار الناس وأشعار العرب، فكنت لا أجد عند أحد ما أجد عند عبد الملك، من اتساعه في المعرفة، وتصرفه في فنون العلم، وحسن استماعه إذا حدث، وحلاوته إذا حدث؛ قال: فتفرق أصحابنا ذات ليلة وبقيت أنا وهو، فقلت: والله إني بك لمسرور لما أرى من كثرة تصرفك، وحسن حديثك، وإقبالك على جليسك، فقال لي: إنك إن تعش قليلاً فسوف ترى العيون إلي طامحة، والأعناق إلي قاصره، فإذا كان ذلك فلا عليك أن تعمل إلى فلا ملآن يديك فلما أفضت الخلافة إليه اتيته فكان أول ما وقعت عينه علي وهو على المنبر، كشر في وجهي وبسر، فقلت: لم يثبتني معرفة، أو عرفني فأظهر لي نكره، لكني لم أبرح من مكاني حتى قضى الصلاة ودخل المقصورة، فلم يلبث إلا ريثما دخل إذ خرج آذانه فقال: أين مالك بن عمارة قلت ها أنا ذا فأخذا بيدي فادخلني إليه فلما رأني مد يده إلي ثم قال: تراءيت في موضع لم يجز فيه إلا ما رأيت من الإعراض والانقباض، فأما الآن فحي هلا بك، كيف كنت بعدي وكيف كان مسيرك؟ قلت: خير، وعلى ما يحب أمير المؤمنين، فقال: أتذكر ما كنت قلت لك؟

قلت: أجل، هو أعملني إليك يا أمير المؤمنين، قال: والله ما هو ميراث ادعيناه، ولكني أخبرك عن نفسي بشيء سميت بي إلى موضعي هذا: ما داهنت ذا ود ولا قرابة قط، ولا شمت بمصيبة عدو، ولا أعرضت عن محدث حتى ينتهي، ولا قصدت لكبيرة من محارم الله تلذذاً بها ولا واثباً عليها، وكنت من عبد مناف في بيتها، ومن بيتها في واسطة قلادتها، وكنت أرجو بهذه أن يرفع الله تعالى مني وقد فعل، ثم قال: يا غلام بوئه منزلاً في منزلي، فأخذ الغلام بيدي وقال: انطلق، فكنت في أخفض حال وألين بال، حيث يسمع كلامي وأسمع كلامه، فإذا حضر طعامه أو قعد لأصحابه أتاني الغلام فقال: إن شئت صرت إلى أمير المؤمنين فإنه قاعد لبطانته، فأمشي بلا حذاء ولا رداء، فيرفع من مجلسي، ويقبل علي ويحادثني ويسألني عن الحجاز مرة وعن العراق مرة، حتى إذا مضت عشرون ليلة، تعشيت في آخرها معه وقام من حضر، ونهضت لأقوم فقال: على رسلك أيها الرجل، فقعدت، فقال: أي الأمرين أحب إليك؟ المقام قبلنا، فلك النصفة في المحافظة والمخالطةت والمعشرة، أم الشخوص فلك الحباء والكرامة؟ فقلت: خرجت من أهلي على أني زائر لأمير المؤمنين - أكرمه الله - وعائد إليهم، فإن أمرني بالمقام اخترت فناءه على المال والأهل والولد، قال: بل أرى لك الرجوع إلى أهلك فإنهم متطلعون إلى قدومك، فتحدث بهم عهداً ويحدثون بك مثله، والخيار في زيارتنا والمقام فيهم إليك، وقد أمرت لك بعشرين ألف دينار وحملتك وكسوتك، أتراني ملأت يديك؟ فقلت: أراك يا أمير المؤمنين ذاكراً ما قلت؟ قال: أجل، ولا خير فيمن لا يذكر إذاً وعد، ولا ينسى إذا أوعد، ودع إذا شئت صحبتك السلامة؛ قال: فودعته وقبضت المال وانصرفت، فكان آخر العهد به.

خرج إسماعيل بن إبراهيم إلى أخيه إسحاق بن إبراهيم، عليهم السلام، يطالبه بميراثه عن أبيه إبراهيم عليه السلام فقال: أما ترضى وأنت ابن أمتنا أن لا نستعبدك حتى تأتي وتطلب ميراثاً؟! فأوحى الله إلى إسماعيل: وعزتي وجلالي لأخرجن من صلبك من يستعبد أولاد إسحاق إلى يوم القيامة. قيل لجمعة الإيادية: أي الرجال أحب إليك؟ قالت: أحب الحر النجيب، السهل القريب، السخي الأريب، المصقع الخطيب، الشجاع المهيب. شاعر: أريب يغض الطرف لا من غضاضة ... ولكن كبرا أن يقال به كبر قيل للكلب: أنت تأكل عظاماً وتخرا عظاما، فأيش ربحك؟ قال: أدولب! قال فضيل بن عياض: من لم يصلح على تدبير الله لم يصلح على تدبير نفسه. قبل لمالك بن دينار. لو تزوجت، قال: لو استطعت لطلقت نفسي.

قال عبد الملك بن مروان: الهدية السحر الحلال. دعا أعرابي على آخر فقال: صرد الله عليك المشرب، وأفقدك الأقرب. ودعا أعرابي فقال: إن كنت كاذباً فلا سقيت هاطل الدر، ولا وقيت حادثة الدهر. قال أعرابي لآخر: لا جادتك السماء بقطرة، ولا باتت بفنائك ذات بعرة، ولا حلبت ذات خف درة، فأماتك الله بهم وحسرة، باذلاً خيار الأسرة، ولا دراً عنك من ذي شر شره: إن كنت ظلمتني مد شعير أو صاع بر. قيل في قوله تعالى: " إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم " النمل: 30، أي أنه من تعلمون؛ وقيل في قوله تعالى: " وترى الناس سكارى وما هم بسكارى " الحج:2، فلما عرف المعنى حمل على أن قوله: " تراهم سكارى " من الهول وليسوا بسكارى من الشرب؛ وقوله: " لا يموت فيها ولا يحيا " طه:74، لا يموت موت الراحة، ولا يحيا حياة المنفعة. وقال بعض العلماء: يقوم الشيء مقام الشيء، منه قولهم: إسحاق ذبيح الله ولم يذبح قال: " والله ورسوله أحق أن يرضوه " التوبة:62، ولم يقل يرضوهما إذ كان رضاه رضى رسوله.

سئل عمرو بن عبيد عن النبيذ فقال: إن الأشياء المألوفة والمعروفة والمأكولة والمشروبة وجميع الأغذية حلال حتى يجيء ما يحرمها، وليست بحرام حتى يجيء ما يحللها، وكانت الخمر حلالاً حتى جاء ما حرمها، فإن وجدنا في غيرها مثل ما وجدنا فيها فسبيله سبيلها، وإلا فالحرام حرام والحلال حلال؛ إن الله تعالى حرم الخمر لعلل معروفة وعللك مجهولة، فلذلك صار تحريمها تعبداً، وقد جدنا مسكرة في وقت هي فيه حلال ومسكرة في الوقت الذي يليه وهي فيه حرام، ولم يحسوا من طبائعهم تغيراً، ولو كانت العلة الإسكار وما يصنع السكر في الأموال وما يحدث من الشغل عن الصلاة والذكر لكان هذا موجوداً في طبعها وطبائع شاربيها قبل تجريمها، فدل ذلك على أنها حرمت لعلل مجهولة كما حرمت لعلل معلومة، ولا يقيس على المجهول إلا جاهل. وقال: الحرام حرامان: حرام في حجة العقل وحرام في حجة السمع، فالذي في حجة العقل على ضربين: أحدهما حرام بعينه وفي عينه فقط، والآخر حرام لعلة مركبة فيه؛ فالحرام في عينه كالكذب والظلم وما لا يجوز أن ننتقل عنه أبداً، والحرام الآخر كذبح البهائم وذبح إبراهيم لإسحاق، لأن الذي حرمه على الإنسان عجزه عن تعويض المذبوح وأنه ليس له امتحان غيره بشيء يحدثه، ولا نعرف مقادير الامتحان ومصالحه، فلما أمر به مالك التعويض والذي له أن يمتحن ويعرف ظاهر المصلحة وباطنها حسن ذلك وجاز.

قال: والحرام في السمع على ضربين: منصوص ومستخرج، فالمنصوص على ضربين: منه حرام لغير علة ومنه حرام لعلة، فما كان منهما لغير علة لم يكن لأحد أن يقيس عليه، وليس فيه متعلق، وما كان ذا علة فالقياس أن كل شيء فيه تلك العلة أنه حرام مثله. قيل لهند: أي الرجال أحب إليك؟ قالت: أحب الرحب الذراع، الطويل الباع، السخي النفاع، الممتنع الدفاع، الدهثم المطاع، البطل الشجاع. قال الهيثم بن عدي: زار رجل عمر بن عبيد الله بن معمر القرشي وهو على فارس فلم يحل منه بطائل، فأنشد يقول: رأيت أبا حفص تجهم مقدمي ... ولط بقولي عذرة أو مواربا فلا تحسبني إن تجهم مقدمي ... أرى ذاك عاراً أو أرى الخير ذاهبا ومثلي إذا ما بلدة لم تواته ... ترحل عنها واستدام المعاتبا ثم مضى، فبلغت الأبيات ابن معمر، فرده، وقال له: ما حملك على هذه الأبيات؟ أبيني وبينك قرابة؟ قال: لا، قال: فصهر؟ قال: لا، قال:

فجوار؟ قال: لا، قال: فذمام؟ قال: نعم، قال، قال: ما هو؟ قال: كنت أدخل المسجد كل جمعة فأتخلل الصفوف حتى آتي صفك فأجلس إلى جانبك، قال: لقد متت بما يحفظ، كم أقمت ببابي؟ قال: أربعين ليلة، فأمر له بأربعين ألف درهم وكساه وحمله، فقال: جزى الله خيراً والجزاء يكفه ... عن الزور يأتيه الجواد ابن معمر تذمم إذ عاتبته ثم نالني ... بما شئت من مال وبرد محبر قيل لجمعة: أي السحاب أحسن؟ قالت: زجل ركام ملتف، أسحم وحاف مسف، يكاد يمسه من قام بالكف. شاعر: أما ترى الأرض قد أعطتك عذرتها ... مخضرة واكتسى بالنور عاريها فللسماء بكاء في جوانبها ... وللربيع ابتسام في نواحيها مضرس بن ربعي: وفتيان بنيت لهم خباء ... على قوسين طماحاً نزوحا كأنا رابطون به فلو ... شديد النزو قماصاً رموحا تبوئه وتهتكه علينا ... سموم تسفع الوجه الوضوحا فلما أن تمشى النوم فيهم ... وكان النوم عندهم ربيحا

هتكت سماءه والظل آز ... وما أنظرته حتى يسيحا آز: أي مرتفع قال ابن المعتز في مخاطبه بعض أصحابه: لو كنت أعلم أنك تحب معرفة خبري لم أبخل به عليك، ولو طمعت في جوابك لسألت عن خبرك، ولو رجوت العتبى منك لأكثرت عتابك، ولو ملكت الخواطر لم آذن لنفسي في ذكرك، ولولا أن يضيع وصف الشوق لأطلت به كتابي، ولولا أن عز السلطان يشغلك عني لشغلك سروري به، والسلام. أنشد المرزباني: فلو أني أستزدتك فوق ما بي ... من البلوى لأعوزك المزيد ولو عرضت على الموتى حياتي ... بعيش مثل عيشي لم يريدوا قيل لهند: أي السحاب أحب إليك؟ قالت: أحب كل صبيب دلاح، مثعنجر نضاج، متجاوب نواح، كأن برقه مصباح. قال المفجع: تفاخر رجلان من بني هلال فقال أحدهما: والله الذي لا إله إلا هو ما اتخذت في إبلي قط عصا غير هذه مذ كنت فيها، فقال الآخر: تعست، والذي لا إله إلا هو ما اتخذت في إبلي عصا قط. وإما قول

الشاعر: صلب العصا بالنخس قد دماها ... إذا أرادت رشداً أغواها تحسبه من إلفه أخاها فإنه يعني بالعصا ها هنا نفسه، يقال: فلان صلب العصا إذا كانت فيه بقية من قوة، وقال: الرشيد والغوي ضربان من النبت، فيقول: إذا رعت هذا عطفها إلى هذا مخافة أن تبشم. قال المفجع: يقال: بعير جذع - بالجيم والذال - الذي ركب صغيراً فقطعه ذلك عن النماء وأوهنه، ولا يكاد جسمه ينمي. ويقال: محوى وحواء، مثل حوى وأحويه للموضع الذي يجتمعون فيه. وكان يقال: اثنان لا يجتمعان: القنوع والحسد، واثنان لا يفترقان أبداً: الحرص والفجور. قيل لجمعة: أي الخيل أحب إليك؟ قالت: أبغض كل بليد، وارم الوريد، لا ينجيك هارباً، ولا يظفرك طالباً، ولا يسرك شاهداً ولا غائباً. وقيل لها: أي النوق أحب إليك؟ وقالت: كل ناقة علكوم،

علنداة كتوم، مثل البازل المحجوم، القطم العيهوم. كاتب: الوعد نافلة والإنجاز فريضة، فلا تفرضن على نفسك وعداً لا تنوي إنجازه، فيعود ما طلبت من المحمدة ذماً، ومن المصافاة معاداة، فإن الأول يقول: وفور العرض خلف من اكتساب المال والذم، وقد تعرض للذم من تبرع بالمواعيد. قال رجل لأعرابي من بني عذرة: ما بال قلوبكم كأنها قلوب طير تنماث في الهوى كما يذوب الملح في الماء؟ قال: لأنا والله نرى محاجر أعين لا ترونها. وقيل لبخيل: من أشجع الناس؟ قال: من يسمع وقع أضراس الناس على طعامه ولا تنشق مرارته. كاتب: عز نفسك بما تعزي به غيرك، واستقبح من فعلك ما تستقبحه من مثلك، وتناول حظك إذا قرب منك قبل أن تطلبه وقد نأى عنك، واعلم أن أمض المصائب فقد سرور وحرمان أجر، فكيف إذا اجتمعا مع اكتساب وزر؟

كاتب: الصبر ينجز لك الموعود، والجزع لا يرد عليك المفقود، فليسبق صبرك جزعك، تسلم من المصيبة بالأجر، وإلا رجعت إليه بعد الفوت حسيراً. قال بعض الحكماء: العلوم ثلاثة: علم يرفع، وعلم ينفع، وعلم يزين، الرافع الفقه، والنافع الطب، والمزين الأدب. كان بمرو قاص جيد الكلام، فكان إذا طال مجلسه بالبكاء يخرج من كمه طنبوراً صغيراً وينقره ويقول: مع هذا الغم الطويل يحتاج إلى فرح ساعة. سمعت بعض المشايخ يقول: فعيل يكون بمعنى فاعل، وربما اشتركا فيه وربما غلب فعيل؛ فمما يشتركان فيه: ضمن فهو ضامن وضمين، ورشد فهو راشد ورشيد، وعلم فهو عالم وعليم؛ وربما غلب عليه فقيل: كثر فهو كثير، وقل فهو قليل، وصح فهو صحيح، ومرض فهو مريض، وعتق فهو عتيق. ويكون فعيل بمعنى مفعول: فهو خضيب ودهين وكحيل وقتيل ولديغ، فأما السليم فليس من هذا. وهذا الجنس إذا كان فيه نعت المؤنث لم تلحقه الهاء، وإنما لم يلحقوها به لأنهم عدلوه عن مكحولة ومدهونة. وقد كانت الهاء سبقت إلى فعيل الذي يشارك فاعلا، في مثل مريضة وضمنية، فحذفوها،

وهذا ليفرقوا بينهما، فإن لم يذكر المؤنث قيل: هذه قبيلة بني فلان، فلحقتها الهاء وقد جاء بغير هاء. ويكون اسماً غير مشتق مثل: شعير وقفير وبعير وجريب ونصيب، ويقع فيه ما أصله مشتق فيجري مجرى الاسم المحض مثل: قليب، كأنها سميت لأنه قلب ما أخرج منها، ثم صار اسماً لازماً. ويكون مصدراً في الأصوات وغيرها مثل: نهيق وشحيج وصهيل وصريف وخبير ورجيب. ويكون بمعنى الجمع وهو قليل مثل: حمير ونفير ومعير. ويكون بمعنى مفاعل، وهو من المعارضة في مثل: شبيه ونظير وعديل وقرين، ومنه: شريك وأكيل وشريب وقسيم. ويكون بمعنى مفعل نحو قوله: " بديع السماوات " البقرة:117 يعني: مبدع، وكقوله عمرو بن معدي كرب: أمن ريحانة الداعي السميع قال أهل اللغة: أراد المسمع، وقال أبو عبيدة في " عذاب أليم " البقرة: 104: أي مؤلم. ويكون بمعنى مفعل مثل: عقيد، فإنهم يقولون: أعقدت العسل فهو معقد، وحبل بريم أي مبرم، وعتيد أي معتد. ويكون بمعنى مفعل مثل: وكلته فهو وكيل وموكل، ومن هذا قيل: موسى كليم الله، وكذلك جريء في معنى وكيل، لأنك جرأته على خصمه. ويكون بمعنى مستفعل، مثل: استوزر فهو وزير، واستشهد فهو شهيد، واستأجرت أجيراً فهو أجير. ويكون بمعنى مفتعل مثل: صفي من مصطفى، وعميد من معتمد.

ويكون بمعنى مفعول اسما لازماً مثل: فريسة السبع، وأكيلة الذئب، والذبيحة: الشاة تعد للذبح، والبكلية: تمر يخلط بلبن، والربيكة، دقيق يخلط مع لبن وتمر، والسبيخة: القطعة الملفوفة من القطن المندوفة، ومثلها من الشعر القليلة. ويجوز أن تكون فريسة بمعنى مفترس ومفترسة كالذخيرة بمعنى مدخرة. ويكون بمعنى فعال مثل: عقيم وعقام، وبخيل وبخال، وكهيم وكهام. ويكون مشاركاً لفعل مثل: لسان ذلق وذليق، وبهج وبهيج، ولبق ولبيق، وشنع وشنيع. ويقع موقع المصدر: كالحريق والوعيد. ويكون واحداً وجمعاً في الصفات مثل: صديق ورفيق، وقد يجمع، قال الله تعالى: " وحسن أولئك رفيقاً " النساء:68. ويكون نعتاً، فإذا أخبرت أنك قد دخلت تحته ولحقت بأهله ضممت عين الفعل، تقول: فقهت وعلمت، وإذا أخبرت أنك علمت شيئاً بعينه أو أشياء قلت: قد علمت ذلك. ويكون بمعنى جمع مشتق من اسمه مثل: عدي وذكي وعري ونجي قال الله تعالى: " خلصوا نجيا " يوسف:80. مر الفرزدق بخالد بن صفوان فقال: يا خالد، لو رأتك بنت شعيب ما قالت: " يا أبة استأجره، إن خير من استأجرت القوي الأمين " القصص:26، قال: وأنت يا أبا فراس، لو رأينك صويحبات يوسف

لما أكبرنك ولا قطعن أيديهن. لجميل بن معمر: هواك بقلبي يا بثينة كالذي ... أناخ فأحيا العرق وهو دفين الذي أناخ المطر، والعرق: عرق النخلة والشجر والزرع وغير ذلك. قيل لحماد الراوية: أما تشبع من هذه العلوم؟ فقال: استفرغنا المجهود، فلما بلغنا المحدود، كنا كما قال الشاعر: إذا قطعنا علما بدا علم ابن الأعرابي قال: قيل لبعض أعراب بلحارث بن كعب: ما البلاغة؟ قال: السلاطة والإصابة والجزالة؛ أراد بالسلاطة: الجرأة على الكلام. وأنشد: ولما عصيت العاذلين ولم أبل ... مقالتهم ألقوا على غاربي حبلي وهازئة مني تود لو ابنها ... على شيمتي أو أن قيمها مثلي ويقال: شيئان لا يتفقان أبداً: الحرص والقحة. ولست أعرف معنى هذا الكلام لأني لا أرى حريصاً إلا وقحاً. ويقال: المقدم في الحذق متأخر في الرزق.

قيل لحكيم: ما البلاغة؟ قال: تصحيح الأقسام واختيار الكلام. كان أبو حية النميري كذاباً، قال مرة: رميت ظبية فلما نفذ السهم ذكرت حبيبة لي شبهتها بها فتبعت السهم فأخذته. وقال مرة أخرى: عن لي ظبي فرميته فراغ عن سهمي فعارضه، فراغ ثانية فلم يزل السهم يراوغه حتى صرعه ببعض الخبارات. شاعر: بان الشباب وكل شيء بائن ... والمرء مرتهن بما هو كائن ظعنت به أيامه وشهوره ... إن المقيم على الحوادث ظاعن ذهب الشباب وغاض ماء فرنده ... فاليوم منه كل صاف آجن درست محاسنه وطار عرابه ... ولقد تكون له عليك محاسن خان الزمان أخاك في لذاته ... إن الزمان لكل حر خائن قال يونس: لو أمرنا بالجزع لصبرنا، واعلم أن هذه الأمور لا

تملك ولا تدرك إلا برحب الذراع. ويقال: لا يزال الناس بخير ما تباينوا، فإذا تساووا هلكوا. يقال: إن مع الثروة التحاسد والتخاذل، ومع القلة التحاشد والتناصر. قال طريح: إن يعلموا الخير يخفوه وإن علموا ... شرا أذيع وإن لم يعلموا كذبوا قال أعرابي: من عاب سفله فقد رفعه، ومن عاب شريفاً فقد وضع من نفسه. شاعر: يؤمل حسن الثناء البخيل ... ولم يرزق الله ذاك البخيلا وكيف يسود أخو بطنه ... يمن كثيراً ويعطي قليلا شاعر: نعماك في عنق الزمان قلادة ... وعلى يمين الجود منك سوار رسخ امتداحك في ثرى أكبادنا ... وكأن مدحك بيننا استغفار

أصاب رجل رغيفين وعراقين فأكل رغيفاً وعراقاً، وأدركه بنوه وكانوا ثلاثة، وكلهم طلب ما بقي وذكر حاجته، فقال: ليصف كل واحد منكم كيف يأكله، فأيكم كان أعرف بأكله فهو أحق به، فقال الأول: أنا آكله حتى لا أدع فيه للذرة مقيلا، وقال الثاني: أنا آكله حتى يمر به المار فلا يدري أعظم العام هو أم عظم العام الأول، وقال الثالث، أما أنا فأجعل عظمه إداماً للحمه، فقال له: أنت صاحبه. قال أعرابي: الجلل الذاهب عن المقدار صغراً أو كبرا. شاعر يمدح الفضل بن يحيى: مضى الفضل والإسلام واليأس والندى ... غداة غدا الفضل بن يحيى إلى الحفره فصرن له في قبره مؤنساته ... كما كن أيام الحياة له حبره وألبست الدنيا قتاماً لفقده ... وكانت بوجه الفضل ظاهرة النضره فقل للذي يسعى ليدرك شأوه ... لقد رمت أمراً دونه تحسر القدره يقال: خوت النجوم تخوية إذا انصبت لتغور. لعتبة بن أبي لهب: إنا أناس من سجيتنا ... صدق الكلام ورأينا حتم

شاعر: حسب الكذوب من البلي ... ة بعض ما يحكى عليه فمتى سمعت بكذبة ... من غيره نسبت إليه وقال الرشيد للفضل بن الربيع في بعض ما كلمه به: كذبت، فقال: يا أمير المؤمنين، وجه الكذاب لا يقابلك، ولسانه لا يقاولك. قال ابن الأعرابي: يقال: قد سوم فلان غلامه تسويماً، إذا تركه يصنع ما يشاء، وسوم نفسه، وأسام الرجل ماشيته، وفلان يأبى أن يسام خطة الضيم. ويقال: آرتثا على الرجل رأيه إذا اختلط، أصله من رثيئة اللبن؛ وفي المثل: إن الرثيئة مما يفثأ الغضب. قال كسرى: الرأي الحزم، فإذا وضح الحزم فاعزم. قيل للشام شام لأنه شام الكعبة، وبكة، قيل إن الأصل هو الباء لأن الناس يبك بعضهم بعضاً، يقال: ابتك القوم: إذا ازدحموا، ومنى

لما يمنى فيه من الدم، والجمرات: لما يجمع فيها من الحصى، والتجمير: الاجتماع، ومنه: لا تجمروا المسلمين فتفتنوهم وتفتنوا نساءهم، أي لا تجمعوهم في المغازي، ولكن ليخلف قوم قوماً. قال أبو عبيدة في قوله: " إنك لن تخرق الارض " الإسراء: 37: أي لن تقطع الأرض، والخرق: القطع. وأنشد: لله قومي معشراً ... أفنوا عدوهم اصطلاما لا يتركون لوارث ... إلا سناناً أو حساما أو مقربات بالقنا ... تمريهم عاماً فعاما ما ذاك من عدم بهم ... لكنهم خلقوا كراما ولى الحجاج بن يوسف وهرام بن يزداد أصفهان، وكان ابن عم كاتبه زاذان فروخ المجوسي، فكتب من أصفهان إلى الحجاج كتاباً وصف له فيه اختلال حال أصفهان، وسأله النظر إليهم بنقص خراجهم، فكتب إليه الحجاج: أما بعد، فإني استعملتك يا وهرام على أصفهان، أوسع المملكة

رقعة وعملا، وأكثرها خراجاً بعد فارس والأهواز، وأزكاها أرضاً، حشيشها الزعفران والورد، وجبلها الفضة والإثمد، وأشجارها الجوز واللوز والكروم الكريمة والفواكه العذبة، ذبابها عوامل العسل، وماؤها فرات، وخيلها الماذيات الجياد، أنظف بلاد الله طعاماً، وألطفها شراباً، وأصحها تراباً، وأوفقها هواء، وأرخصها لحماً، وأطوعها أهلاً، وأكثرها صيداً، فأنخت يا وهرام عليها بكلكلك حتى اضطر أهلها إلى مسألتك ما سألت لهم، لتفوز بما يوضع عنهم، فإن كان ذلك باطلاً - ولا أبعدك عن ظن السوء - فزد وتعلم، وإن صدقت في بعضه فقد أخرجت البلاد؛ أتظن يا وهرام أنا ننفذ لك ما موهت وسخرت من القول وقعدت تشير علنا به؟ فعض يا وهرام على هن أبيك وحرامك، وايم الله لتبعثن إلي خراج أصفهان كله وإلا جعلتك طوابيق على أبواب مدينتها، فاختر لنفسك أوفق الأمرين أو رد، والسلام. قال بن أبي فنن، قال لي المتوكل: ثيابك يا أحمد في رزمة أو تخت؟ قلت: في رزمة، قال: لا تفعل فهي في التخت أبقى وأنقى. وقال المتوكل: ابن أبي فنن فأرة مسك.

قال الحسين بن الضحاك: عتب علي المعتصم فقال: والله لأؤدبنه، فحجبني، فكتبت إليه: غضب الإمام أشد من أدبه ... وبه استعذت وعذت من غضبه أصبحت معتصماً بمعتصم ... أثنى الإله عليه في كتبه لا والذي لم يبق لي سبباً ... أرجو النجاة به سوى سببه ما لي شفيع غير رحمته ... ولكل من أشفى على عطبه فالتفت إلى هارون الواثق فقال: بمثل هذا الكلام يستعطف الكرام. قال محمد بن محمد بن عباد البصري، قال لي المأمون: بلغني أن فيك سرفاً، فقلت: منع الموجود سوء ظن بالمعبود. لأشجع: تريد الملوك مدى جعفر ... ولا يصنعون كما يصنع وليس بأوسعهم في الغنى ... ولكن معروفة أوسع وكيف ينالون غاياته ... وهم يجمعون ولا يجمع

آخر: وقائلة لم عرتك الهموم ... وأمرك ممتثل في الأمم فقلت دعيني على غصتي ... فإن الهموم بقدر الهمم رأيت هذين البيتين في دفتر في جلود كتب أيام بني مروان، ورأيت بعض الرؤساء يدعيهما ويعجب بهما ويعجب له من ذلك، فقلت لبعض الشيوخ من ندمائه: إن الحال فيما أنشد كيت وكيت، فقال لي: لا تتكلم، فإن ما وقفنا موقفنا هذا قط إلا أسعطنا المكروه، وحملنا على الكذب، وكلفنا تحسين القبيح وتحقيق الباطل، وما عيب الرئاسة إلا ما يشوبها من هذه الخلال الحائفة عليها الناقصة منها، ولو عرفت يا بني ما نعرف لما خففت إلى ما نخف إليه؛ احمد الله على ما انطوى عنك، وسله السلامة فيما بدا لك، واعلم أن من أراد فناء الرؤساء صبر على الخشناء والعوصاء. كاتب: أظلني من مولاي عارض غيث أخلف ودقه، وشاقني لائح غوث كذب برقه، فقل في حران ممحل أخطأه النوء، وحيران مظلم خذله الضوء. هذا نمط متكلف. قال أعرابي للحسن بن سهل: لا تدع إحسانك عندي خداجاً،

ولا تخلج معروفك إلي خلاجاً، ولا تسمني أن التمس ما قبلك علاجاً. قال بعض السلف: أربعة أشياء من الدناءة: إقبالك على السفلة من أجل غناه، وإعراضك عن الشريف من أجل فقره. قال بعض العلماء: الدلالة على أن الله تعالى أمر إبراهيم بما لا يريده أنه فداه بذبح عظيم. قال أبو زيد البلخي في كتاب السياسة: إن السياسة صناعة، ثم هي من أجل الصناعات قدراً وأعلاها خطراً، إذ كانت صناعة بها تتهيأ عمارة البلاد، وحماية من فيها من العباد، وكل صانع من الناس فليس يستغني في إظهار مصنوعه عن خمسة أشياء تكون عللا لها: أحدها مادة له آلة ومادة يعمل بها؛ والثاني صورة ينحو بفعله نحوها؛ والثالث حركة يستعين بها في توحيد تلك الصورة بالمادة؛ والرابع غرض ينصبه في وهمه من أجله يفعل ما يفعل؛ والخامس آلة يستعملها في تحريك المادة. ومثال ذلك من صناعة البناء أن المادة التي يعمل منها البناء هي التراب والطين والحجارة والخشب، والصورة التي ينحوها بوهمه صورة البيت، والفاعل هو البناء، والغرض الذي من أجله يفعل سكنى البيت وإحراز ما يحرز فيه، والآلة التي بها يعمل هي آلات البناء. ومثال ذلك من صناعة الطب أن المادة التي يفعل به الطبيب إنما هي أجساد الناس المحتملة الصحة والسقم، والصورة التي ينحوها الطبيب بوهمه إنما هي

الصحة، والفاعل هو الطبيب المعالج، والغرض الذي بسببه يفعل الطبيب إنما هو بقاء جسم المعالج المدة التي تتهيأ له أن يبقاها، والشيء الذي يتخذه الطبيب آلة في المعالجة وإفادة الصحة هو كالفصد وسقي الأدوية. فإذا نقل هذا المثال إلى صناعة السياسة قلنا: إن المادة فيها أمور الرعية التي يتولى الملك القيام بها، والصورة فيها إنما هي المصلحة التي ينجو نحوها وهي نظير الصحة، لأن المصلحة هي صحة ما، والصحة مصلحة ما، وكذلك المفسدة سقم ما، والسقم مفسدة، والفاعل هو عناية الملك بما يباشره من أمور الرعية، وغرضه فيما يفعله هو بقاء المصلحة ودوامها، والشيء الذي يقوم له مقام الآلة في صناعته إنما هو الترغيب والترهيب: وفعل السائس الذي نظير المعالجة من الطبيب ينقسم بكليته إلى قسمين: أحدهما التعهد والآخر والاستصلاح؛ أما التعهد فحفظ المستقيم وأمور الرعية على استقامة وانتظام من الهدوء والسكون حتى لا يزول عن الصورة الفاضلة؛ وأما الاستصلاح فرد ما عارضه منها الفساد والاختلال إلى الصلاح والالتئام. ونظير هذا التعهد والاستصلاح في صناعة السياسة من صناعة الطب - التي هي سياسة الأجساد - حفظ الصحة وإعادة الصحة، وكما أن الطب كله مدرج في هذين البابين، كذلك السياسة كلها مدرجة في نظيريهما، يعني التعهد والاستصلاح. وصف أعرابي نفسه بالحفظ فقال: كنت كالرملة لا يقطر عليها شيء إلا شربته.

قال بعض العلماء: المجادل يعرف بأحد الوجوه السبعة: بأن لا يذكر العلة، ومنها أن ينقض العلة، ومنها أن ينهي الكلام إلى محال، ومنها أن ينتقل في الكلام، ومنها أن يقول شيئاً يلزمه القول بمثله فيمتنع، وأن يجيب عن غير ما يسأل عنه، وأن يسكت للعجز. العتابي: أما بعد، فقد دلف إليك أملي مستجيراً بك من الإعدام، على راحلة من الرجاء، يحدى بيمن الطائر، حتى أناخ بفناء جودك، فتعجل شكر ما أملته منك، تجن حلو ما استغرست لك. قال الفرزدق لزياد الأعجم: يا أقلف، فقال زياد: يا ابن النمامة، أمك أخبرتك بهذا!! قال رجل للفرزدق: متى عهدك بالزنا؟ قال: مذ ماتت عجوزك، لا رضي الله عنها. يقال: غشم الليل وأغشم، وعتم وأعتم، ودجا وأجى، وغسق وأغسق، وجنح وأجنح، وغطش وأغطش، وغبش وأغبش، كل هذا إذا أظلم. قال أبو الحسن العامري: التعاون على البر داعية لاتفاق الآراء، واتفاق الآراء لإيجاد مجلبة المراد، مكسبة للوداد، وكما أن شر الناس

من من أبغض الناس، كذلك خير الناس من نفع الناس، ولا نفع مع السباب والتباغي، وأرفع الناس نية أقدرهم على استصلاح البرية، ومن عجز عن تقويم نفسه الخاصة فهو عن تقويم غيره أعجز، والتسرع إلى تكذيب الأقول آفة من آفات النفس، والطمأنينة بها قبل الاختبار مضادة لطريق الحزم، والإصرار على التوقف مذلة لسلطان العقل، ومن لم يخلص لسانه لضميره لم يخلص ضمير غيره له، ومن صبر على استبراء حقائق الأحوال فقد أيد نفسه بالسلامة من الضلال، ومن خفي موقع الطلبة قبله لم ينفعه قرب المطلوب منه، ومن اهتم لغير ما خلق له فقد بدل جوهره بجوهر سواه، وكما أن نور الحق أشرق وأجلى، فهو للعقول الرمدة أضر وأعشى، والمفلوج شخصه لا تستقيم حركاته، وهيهات من نيل السعادة مع الهوينا والبطالة. يقال: ثلاثة أشياء تستجيب من الصغير وتكره من الكبير: البخل والجبن والحسد، يدل الحسد من الصغير على همة وهو قبيح من الكبير، والبخل يدل منه على حزم لأنه فيه حفظ وهو عيب من فوقه والجبن يدل على عقل لأن فيه حراسة نفسه. قيل لبزر جمهر: ما بال تعظيمك لمؤدبك أشد من تعظيمك لأبيك؟ قال: لأن أبي كان سبب حياتي الفانية، ومؤبي سبب حياتي الباقية.

شاعر: وما المرء إلا اثنان عقل ومنطق ... فمن فاته هذا وذاك فقد كفر ولا سيما إن كان ممن نصيبه ... من الدين والدنيا قليلا إذا حضر كتب علي بن عيسى الوزير في توقيع له: قد بلغت لك أقصى مرادك، وأنلتك غاية بغتك، وسامحتك مسامحة محاب لك معني بك، وأنت مع ذلك تستقل كثيري لك، وتستقبح حسني فيك، فكيف وأنت كما قال رؤية: كالحوث لا يكفيه شيء يلهمه ... يصبح ظمآن وفي البحر فمه وإذا تأملت حقيقة أمرك علمت أني ... عاملتك بما لا أجيب إليه غيرك ولا أعامل بمثله سواك. شاعر: العالم العاقل إبن نفسه ... أغناه جنس علمه عن جنسه من إنما حياته لنفسه ... فيومه أولى به من أمسه كم بين من تكرمه لغيره ... وبين من تكرمه لنفسه هذه الأبيات يرويها أصحابنا لابن معروف القاضي، وما سمعناها منه. قال الزبير بن بكار، حدثنا العتبي قال، حدثني الحسن بن

وصيف قال: أصابتنا ريح ببغداد جاءت بما لم تأت به ريح قط حتى ظننا أنها تؤدي بنا إلى القيامة؛ قال: فجعلت أطلب المهدي خوفاً من أن يسقط عليه شيء، فألفيته ساجداً وهو يقول: اللهم احفظ فينا نبيك عليه السلام، ولا تشمت بنا أعداءنا من الأمم، وإن كنت يا رب أخذت العوام بذنبي فهذه ناصيتي بين يديك يا ارحم الراحمين مع الدعاء كثير حفظت هذا منه فلما أصبح تصدق بألف ألف درهم وأعتق مائة رقبة وأحج مائة رجل؛ قال: ففعل جلة قواده وبطانته والخيزران ومن أشبه هؤلاء في خاص مالهم كنحو ما فعل، فكان الناس بعد ذلك إذا ذكروا الخصب قالوا في أمثالهم: لأخصب من صبيحة ليلة الظلمة. شاعر: وما شيء أردت به اكتسابا ... بأجمع للمعيشة من بيان ما خمسة في سبعة ... مع سبع ذلك في مايه وكمثل ذلك إذا أضف ... ت إليه جزء ثمانيه ما نصف ألف في القيا ... س وربع ألف لا ميه ألقيت ربع ثلاثة ... منه فصح حسابيه وضربت ما حصلته ... في نصف ثلث ثمانيه فاتته صورة طبعه ... بكماله متواليه

إن غير الذي سواك كريم ... وسوى من سوى سواك لئيم يقال: برك الجمل، وربضت الشاة، وجثمت الأرنب، وجثمتها أنا إذا صبرتها. أي حبستها على الموت. قال الزهري: يحكى أن عرفجة بن أسعد أصيب أنفه يوم الكلاب فاتخذ أنفاً من روق فأنتن، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفاً من ذهب؛ قال الأصمعي: اتخذ أنفاً من الورق أي ورق الشجر، فأما الورق فإنه لا ينتن؛ قيل: إن الأصمعي عني بالورق الرق الذي يكتب عليه، قال ابن قتيبة: كنت أحسب قول الأصمعي صحيحاً أنه لا ينتن حتى خبرني خبير أن الذهب لا يبليه الثرى ولا يصدئه الندى ولا تغلبه الأرض ولا يأكله التراب ولا يتغير ريحه علىالدول، وأنه ألطف شيء شخصاً وأثقل شيء وزنا، وقليلة يلقى في الزنبق فيرسب، وكثير غيره يلقى فيه فيطفو؛ وقال: الفضة تصدأ وتنتن وتبلى في الحرارة؛ وكتب عمر بن عبد العزيز في اليد إذا قطعت أن تختم بالذهب فإنه لا يقيح.

سئل الحسن البصري عن السلف في الزعفران فقال: إذا نقي. قال دغفل: يفضل العرب على العجم بثلاث: بحفظ الأنساب وضياع أنسابهم، وعفتنا عن حرمنا إذا نكحوا حرمهم من الأمهات والأخوات، والفصاحة طبيعتنا والبيان سجيتنا. شاعر: لعل له عذراً وأنت تلوم ... وكم لائم قد لام وهو مليم قال ابن الأعرابي: النغف: دود يكون في أنوف الإبل والغنم، ولا يكون في البقر، الواحد منها نغفة. قال: والعرب تقول للشيء المختلف فيه: محلف ومحنث. شاعر: أراني سأبدي عند أول سكره ... هواي لهند في خفاء وفي ستر فإن رضيت كان الرضا سبب الهوى ... وإن غضبت حلمت أمري على السكر نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن كسب المومسة والحجام. المومسة: الزانية.

يقال: النضنضة بطرف اللسان والشفتين، والمضمضة بالفم كله، والنضح كالرش، والنضخ كالتبليل، والقضم بالأسنان، والخضم بالفم كله. قيل لأعرابي: لم تسمى الغراب غراباً؟ قال: لأنه نأى واغترب. قال الأصمعي، قلت لأبي عمرو: الذفرى من الذفر؟ قال: نعم، والمعزي من المعز؛ والذفر: الرائحة الطيبة، فأما الذفر - بتسكين الفاء - فإنه النتن خاصة. سأل المنصورعمرو بن عبيد عن قوله عليه السلام فيمن اقتنى كلباً لغير زرع ولا حراسة أنه ينقص كل يوم من أجره قيراط؛ قال: كذا جاء، ولا أدري لم قال ذلك. قال النبي صلى الله عليه وعلى آله: لا زمام ولا خزام ولا رهبانية ولاتبتل ولا سياحة في الإسلام، وهو معنى قوله عز وجل ما جعل عليكم في الدين من حرج. قال عبد الله بن عمر: دخل يحيى بن زكريا بيت المقدس وهو ابن ثماني حجج فنظر إلى عبادها وقد لبسوا مدراع الشعر وبرانس الصوف، وقد

ثقبوا وسلكوا فيها السلاسل وشدوها إلى سواري المسجد، فهاله ذلك ورجع إلى أبويه، فمر بصبيان يلعبون فقالوا: يا يحيى، هلم فلنلعب، فقال: ما خلقنا للعب، فأتى أبويه فقال لهما: درعاني الشعر، ففعلا، ثم رجع إلى البيت المقدس فكان يخدمه نهاراً وليلاً حتى أتت له خمس وعشرون حجة، وأتاه الخوف فساح ولزم أطراف الأرض، في حديث طويل. كان من حديث يسار الكواعب أنه كان عبداً لبعض العرب، وكان لمولاه بنات، فجعل يتعرض لهن ويريدهن على أنفسهن، فقلن: يا يسار، اشرب ألبان هذا اللقاح، ونم في ظلال هذه الخيام، وإياك والتعرض لبنات الأحرار، فأبى، فلما أكثر واعدنه ليلاً فأتاهن وقد أعددن له موسى، فلما خلا بهن قبض عليه فجببن مذاكيره. شاعر: شاتمني عبد بني مسمع ... فصنت عنه النفس والعرضا ولم أجبه لاحتقاري به ... من ذا يعض الكلب إن عضا سمع مطرف بن عبد الله ضجيج الناس بالدعاء فقال: لقد

ظننت أن الله قد غفر لهم، ذكرت أني فيهم فكففت. قال بعض السلف: إن الدنيا قد استودقت، وإن الناس قد انغطوا، فما ظنك بعد هذين؟ كان للحكم ابن يتعاطى الشراب فقال: يا بني دع الشراب، فإنما هو قيء في شدقك، أو سلح في عقبك، أو حد في ظهرك. قال ابن عباس: ما انتفعت بكلام أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله كانتفاعي بكلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ كتب إلي: أما بعد، فإن المرء يسره درك ما يفوته، ويسوؤه فوت ما لم يدركه، فليكن سرورك بما نلت من أمر آخرتك، وليكن أسفك على ما فاتك منها، وما أتاك من الدنيا فلا تكن به فرحاً، وما فاتك منها فلا تكن عليه جزعاً، وليكن همك لما بعد الموت. لما استقضي يحيى بن أكثم جاءه رجل فقال: إني نذرت أن أتصدق بجزء مالي، قال: تصدق بربع مالك بقول الله تعالى: " فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءاً " البقرة:260. نذر المتوكل في علة إن وهب الله تعالى له العافية أن يتصدق بمال

كثير، فعوفي، فأحضر الفقهاء فاستفتاهم فقال قائل: تصدق بمائتي درهم لأن الزكاة فيها تجب، وقال آخر شيءاً آخر، فقال رجل من آل الرسول صلى الله عليه وعلى آله: إن كنت نويت الدنانير فتصدق بثمانين ديناراً، فقال الفقهاء: ما نعرف هذا في كتاب الله تعالى ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال: بلى، قال الله تعالى: " لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين " التوبة:25، فعدوا وقائع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله فإذا هي ثمانون. شاعر: يلج بي الهوى وتلج نفسي ... وفيما بيننا كبد تذوب استقرض كوفي من جار له شيئاً فطلب رهناً، فكتب إليه: لو كان الرهن حاضراً لكان بيعه أهون علينا من استيجاب حمدك. قال الأول: فقر يوجعك خير من غنى يطغيك، وغنى يحجزك عن الإثم خير من فقر يحملك على الإثم. قال ابن السماك: من لم يتحرز من عقله بعقله، هلك من قبل عقله. أطعم الناس أبو سفيان في حجة الوداع فقصر طعامه فاستعان برسول الله صلى الله عليه وعلى آله فأعانه بألف شاة، فقال أبو سفيان: بأبي

أنت وأمي، حاربناك فما أحببناك، وسألناك فما أبخلناك. قال لقمان لابنه: يا بني، ارحم الفقراء لقلة صبرهم، وارحم الأغنياء لقلة شكرهم، وارحم الجميع لطول غفلتهم. مر بخالد بن صفوان صديقان، فعرج أحدهما عليه وطواه الآخر، فقيل له في ذلك، فقال: عرج علينا هذا لفضله، وطوانا ذاك لثقته بالمودة. قال ابن شهاب: من قدم أرضاً فأخذ من ترابها فجعله في مائها ثم شربه عوفي من وبائها. قيل لزاهد: ما جزاء من إذا سئل أعطى؟ قال: أن يطاع فلا يعصى. قال ابن عباس: أبهمت البهائم إلا عن أربع: عن معرفة الرب، وابتغاء النسل، وطلب المعاش، وحذر الموت. قال القاضي أبو حامد: الرب ها هنا سائسها ومالكها، فأما معرفة الله تعالى فإن الكبار من العقلاء يموجون فيها ويضجون بسببها، فإن أصل المعرفة هو العقل، والبهائم لا عقول لها، وإنما هي ذوات حواس تصادف بحواسها ما

لاءمها، فإذا توالت المصادفة الألفة بينها وبين الأشياء، وأما ما ارتفع عن الحس فإنها منه في جانب بعيد، ومكان سحيق. مر أنو شروان بشيخ يغرس شجرة جوز، فوقف عليه وقال: يا شيخ، أتطمع أن تأكل من هذه الشجرة التي قد توليت غرسها وسقيها وتعهدها؟ قال: لا أيها الملك، ولكن الدنيا دفعت إلينا عامرة فإني أحب أن أردها وهي عامرة، فأعجب المك بكلامه وقال: زه! وأعطاه أربعة آلاف درهم، فقال: أيها الملك، ما أسرع ما أثمرت هذه الشجرة، فقال كسرى: زه! وأعطاه أربعة آلاف درهم أخرى، فقال: أيها الملك، لكل شجرة في كل سنة حمل واحد وهذه حملت مرتين، فقال: زه! وأعطاه أربعة آلاف درهم، وسدوا فمه، وانصرف. قيل لفتح الموصلي: ادع الله لنا، فقال: اللهم هنئنا عطاءك، ولا تكشف عنا غطاءك. مدح بعض الشعراء الجنيد، وكان من كبار العمال، فأجازه، فقال الشاعر: ما أكرمك لولا ثلاث خصال، قال: ويلك وما هي؟ وهل بعد ثلاث من خير؟ قال: تأمر للرجل بالجائزة السنية ثم تشتمه فتكدر ذلك عليه، قال: ثم ماذا؟ قال: وتضع الطعام فيدخل الناس فلا تنزلهم منازلهم، ولو أنزلت كان أشرف لك، قال: ثم ماذا؟ قال: جواريك يخترقن الصفوف فلا تأخذك لذلك غيرة، قال: فبكم أمرنا لك؟ قال: بعشرة آلاف درهم، قال: يا

غلام ادفع إلى هذا الماص بظر أمه عشرة آلاف أخرى، ثم أعادها حتى بلغت تسعين ألفا أخرى، فوضعت بين يديه؛ ثم أقبل عليه فقال: أما قولك إني أضع الطعام ولا أنزل الناس منازلهم فلقد فكرت فرأيت في الناس من له همة وفيهم غير ذلك، فوكلتهم إلى أنفسهم، لأن من انحط عن أعلى غاية كان النقص أولى به، فهم بأنفسهم أخبر مني بهم؛ وأما قولك إن جواري يخترقن الصفوف فلا تأخذني لذلك غيرة، فلو أن واحدة رأت في عينها من هو أحسن مني فاختارته وهبتها له؛ وأم العطية مع الشتم فكيف رأيتها؟ فأنشأ الشاعر يقول: إن الجنيد الكريم أوله ... يزين منه قديمه كرمه يعطي على شتمة وإن صغرت ... تسعين ألفا طوبى لمن شتمه وحسن وجه الجنيد قد عرفوا ... يمنع من كل ريبة خدمه وما يبالي إذا بلا هممه ... طباخه بالطعام من طعمه كان سليمان بن عبد الملك إذا حضر طعامه فتحت الأبواب

ورفعت الستور ودخل الناس، فإذا انقضى ذلك نادى مناديه: إن أمير المؤمنين مرتفع من مجلسه، فهل لأحد منكم حاجة؟ فقام رجل ذات يوم فقال: يا أمير المؤمنين، إن لي في بيت مالك مائتي دينار، وأنا الآن مملك بابنة عم لي، وقد ضرب علي أجل إن جزته فرق بيني وبينها، فإن رأى أمير المؤمنين أسلفني هذه المائتين فأقضي عني، فقال: يا ابن اللخناء، أقسطار أنا حتى أسلفك؟ بل أهب لك مائتي دينار ومائتي دينار، وجعل يكررها حتى انقطع نفسه على ثلاثة آلاف دينار، فقبضها الرجل، فأتاه الناس يهنئونه قال: فأين قوله يا ابن اللخناء؟ فبلغ ذلك سليمان فقال: صدق، وددت أني افتديتها بأضعاف ذلك ولم أقلها. قال ابن عباس: لعن الله القدرية، وما قالوا كما قال الله، ولا كما قالت الملائكة ولا كما قالت الأنبياء، ولا كما قال لوط، ولا كما قال أهل الجنة، ولا كما قال أهل النار، ولا كما قال الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: " وما تشاؤون إلا أن يشاء الله " الإنسان: 30، وقالت الملائكة: " علم لنا إلا ما علمتنا " البقرة: 32، وقال الأنبياء: " ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم " هود ":34، وقال: لوط: " لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد " هود:80، وقال أهل الجنة: " وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله " الأعراف: 43، وقال أهل النار: " غلبت علينا شقوتنا " المؤمنون:106، وقال الشيطان: " رب بما أغويتني " الحجر:39. شاعر:

لعمري لئن بيعت في أرض غربة ... ثيابي إذ ضاقت علي المآكل فما أنا إلا السيف يأكل جفنه ... له حلية من نفسه وهو عاطل كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله إذا دعا لمتزوج قال: على اليمن والسعادة والطير الصالح، والرزق الواسع، والمودة عند الرحم. وكان صلى الله عليه وسلم ينهى أن يقال بالرفاه والبنين ويقول بأوفى التحيات وأعذب الكلام. كتب رجل إلى صديق له: بلغني ما يسر الله لك من اجتماع الشمل، وضم الأهل والإلف، فشركتك في النعمة، وساهمتك في السرور، وشاهدتك بقلبي، وتمثلت ما أنت فيه بعيني، فهنالك الله تعالى ما أنت فيه بما قسم لك بالسرور والحبور، ودفع المحذور، على مر الأزمنة والدهور. قال الحجاج لابن القرية: اخطب علي هنداً بنت أسماء ولا تزد على ثلاث كلمات، فأتاهم فقال: أتيتكم من عند من تعلمون، والأمير يعطيكم ما تسألون، أفتجيبون أم تردون؟ فقالوا: بل نجيب، فرجع إلى الحجاج فقال: أقر الله عينك، وجمع شملك بالسرور والغنى على أسعد السعود، وإيمن الجدود، وأبرك العقود، وجعلها الله تعالى ولوداً ودوداً، وجمع بينكما على البركة والخير. قال جعفر بن محمد الفاطمي عن أبيه عن جده قال حججت

ومعي جماعة من أصحابنا، فأتينا المدينة، فأفردوا لنا مكاناً ننزله، فاستقبلنا علام لأبي الحسن موسى بن جعفر على حمار له حضر يتبعه الطعام، فنزلنا بين النخل، وجاء هو فنزل، وأتي بالطست والماء، وفبدأ فغسل يديه، وأدير الطست عن يمينه حتى بلغ آخرنا، ثم أعيد إلى من عن يساره حتى أتى على آخرنا، ثم قدم الطعام فبدأ بالملح وقال: كلوا باسم الله، ثم ثنى بالخل، ثم أتي بكتف مشوية فقال: كلوا باسم الله فإن هذا الطعام كان يعجب رسول الله صلى عليه وعلى آله، ثم أتي بسكباج فقال: كلوا باسم الله فهذا طعام كان يعجب أمير المؤمنين رضي الله عنه، ثم أتي بلحم مقلي فيه باذنجان فقال: كلوا بسم الله فهذا طعام كان يعجب الحسن بن علي رضي الله عنهما، ثم أتي بلبن حامض قد ثرد فيه فقال: كلوا بسم الله فإن هذا الطعام كان يعجب الحسن بن علي رضي الله عنهما، ثم أتي بأضلاع باردة فقال: كلوا بسم الله فإن هذا طعام كان يعجب علي بن الحسين رضي الله عنهما، ثم أتي بجنب مبرد فقال: كلوا بسم الله فإن هذا طعام كان يعجب محمد بن علي، ثم أتي بلون فيه بيض كالعجة فقال: كلوا بسم الله فإن هذا طعام كان يعجب جعفراً، ثم أتي بحلواء فقال: كلوا بسم الله فإن هذا طعام كان يعجبني. ورفعت المائدة

فذهب أحدنا ليلتقط ما كان تحتها فقال: مه، إن ذلك يكون في المنازل تحت السقوف، فأما في مثل هذا المكان فهو لعافية الطير والبهائم. ثم أتي بالخلال فقال: إن من حق الخلال أن تدير لسانك في فمك، فما أجابك ابتلعته، وما امتنع فالخلال. وأتي بالطست والماء، فابتدأ بأول من على يساره حتى انتهى إليه فغسل، ثم غسل من عن يمينه إلى آخرهم، ثم قال: يا عاصم، كيف أنتم في التواصل والتيار؟ قال: على أفضل ما كان عليه أحد، قال: أيأتي أحدكم إلى كم أخيه أو منزله عند الضيقة فيستخرج كيسه ويأخذ ما يحتاج إليه فلا ينكر عليه؟ قال: لا، قال: فلستم على ما أحب من التواصل. قال بعض السلف: لصانع المعروف إجلال القلوب، وثناء الألسن، وحسن الأحدوثة، وذخر العاقبة، وفخر الأعقاب. شاعر: ولم أر كالمعروف أما مذاقه ... فحلو وأما وجهه فجميل آخر:؟ سقاني من كميت اللو - ن صرفاً غير ممزوج فلما دارت الكاس ... على ناي وتصنيج جعلنا القمص في اللبا ... ت أمثال الدواويج كاتب: الحمد لله على عامر مهاجرتك، وسلامة بدأتك

ورجعتك، وعظم المنة بأوبتك، فشكر الله سعيك، وتقبل نسكك، وجعلك ممن انقلب مفلحاً منجحاً، قد ربحت صفقته، ولم تبر تجارته، ولا أعدمك تقبل عملك، وتوفيقاً يحوك دينك، وشكراً يرتبط نعمتك، وهناك الله تعالى ذلك، وطيبه لك في الدنيا مع الأهل وجمع الشمل، ولا أعدمك مزيداً منه. قال أعرابي في ذم الدنيا: جمة المصائب، كدرة المشارب لا تمتعك بصاحب. قال أعرابي: من علم أن رزقه طالبه أراح بدنه من الدؤوب ونفسه من الذنوب. نظرت أعرابية إلى قوم يدفنون ميتاً فقالت: جافى الله عن ميتكم ثقل الثرى، وأعانه على طول البلى. ومدح أعرابي رجلاً فقال: ذاك والله مضغة من ذاق لفظها، وإنه مع ذلك عذب في أفواه الأصدقاء. وقال أعرابي في آخر: لم يزل ينهب الدهر ما له حتى مال له الدهر، فبخل الدهر عليه ولم يبخل على الدهر.

نظر أعرابي إلى فارس فقال: كأنه والله باز على مرقب، بيده رمح طويل يقصر به الآجال. وقال أعرابي: هو والله إذا لوين أحلى من الجنى، وإذا خوشن أمر من الألاء. وذكر أعرابي مودة رجل فقال: مودته مشوبة الفعال، وسماؤه قليلة البلال، وأرضه دائمة الإمحال، هو اليد الجذاء، والأزمة الحصداء، أبعد مقاله قريب، وأقرب فعاله بعيد، يقول ما لا يفعل، ويفعل ما لا يقول. كاتب: من اتسع في الإفضال اتسعت فيه الأقوال، من شاكر مثن، ومادح مطر، ولسنا نصفك بما يعن لنا ويبدو على ألسنتنا، مما يتقرب به ذو الرغبة، ويفزع إليه ذو الرهبة، لاشتراك مرغوب، واستجلاب مطلوب، ولكنا ننطق عن سيرتك بإفصاح، ونبين عنها بإيضاح، يكف شغب الكائد، ويطيل غم الحاسد. قال أعرابي: طالب الفلاح كالضارب بالقداح، سهم له وسهم عليه. شاعر:

وعصبة لما توسطتهم ... ضاقت علي الأرض كالخاتم كأنهم من بعد أفهامهم ... لم يخرجوا بعد إلى العالم يضحك إبليس سروراً بهم ... لأنهم عار على آدم قيل لأعرابي: أتعرف ربك؟ قال: إن عرفناه أبلانا، وإن أنكرناه أصلانا. قال مسلم: مازلت أستجفي عائشة في قولها: بمن الله لا بمنك، حتى سألت أبا زرعة الرازي فقال: ولت الحمد أهله. حمل إلى حماد القرشي دنانير فردها فقال له أصحابه، وكانوا أضيافه على كسر قد بدع بها كبة غزل: ما وجب أن ترد، فقال: إني لم أختر الفقر للغنى، إنما اخترت الفقر للفقر. كان العتابي واقفاً بباب المأمون، فوافى يحيى بن أكثم، فقال له العتابي: إن رأيت أن تعلم أمير المؤمنين مكاني فافعل، فقال: لست بحاجب، فقال: قد علمت، ولكنك ذو فضل، وذو الفضل معوان، قال: سلكت بي غير طريقي، قال: إن الله أتحفك منه بجاه ونعمة، وهو مقبل عليك بالزيادة

إن شكرت، وبالتغيير إن كفرت، وأنا لك اليوم خير منك لنفسك، لأني أدعوك إلى ما فيه ازدياد نعمتك وأنت تأبى علي، ولكل شيء زيادة وزكاة، وزكاة الجاه رفد المستعين؛ فدخل على المأمون فأخبره الخبر، فأمر للعتابي بثلاثين ألف درهم. بلغ عمر بن عبد العزيز أن ابنه بالمدينة اشترى خاتماً قيمة فصه ألف درهم، فكتب عمر رضي الله عنه: عزمت عليك لما بعت خاتمك بألف درهم، وجعلتها في ألف بطن جائع فقير، واستعملت خاتماً من ورق وجعلت فصه منه ونقشت عليه: رحم الله امرءاً عرف قدره. شاعر: شعرات في الرأس بيض ودعج ... حل رأسي خيلان: روم وزنج طار عن لمتي غراب شبابي ... وعلاني من بعده شاه مرج أيها الشيب لم والعت برأسي ... إنما لي عشر وعشر وبنج قال أعرابي في رجل: ذاك والله رضيع الجود والمفطوم به، عقيم من الخنا، معتصم بالتقوى، إذا خرست الألسن عن

الرأس حذف بالصواب كما تحذف الأرنب، فإن طالت الغاية، ولم يكن دونها نهاية تمهل أمام القوم سابقاً. قال بعض الأطباء: إذا أخذ زبل العصافير وديف بلعاب الإنسان وطلي على الثؤلول قلعه. قال الحجاج لعنبسة بن سعيد: يا عنبسة، بلغني أنك تشبه إبليس في قبح وجهك، قال: وما ينكر الأمير أن يكون سيد الإنس يشبه سيد الجن؟! لما نزل قوله تعالى: " وأنذر عشيرتك الأقربين " الشعراء: 214، أتى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله قمة جبل فعلا أعلاها ونادى: يا آل عبد مناف، إني نذير، وإنما مثلي ومثلكم كمثل رجل يربأ أهله، فرأى العدو فخشي أن يسبقوه فجعل يهتف وينادي: يا صباحاه! الدبول: الجداول، سميت بذلك لأنها تدبل أي تصلح، قال

الكسائي: أرض مدبولة: إذا أصلحت بالسرجين، وكل شيء دبلته ودملته فقد أصلحته، ومنه يقال: داملت الصديق إذا استصلحته. ومدفن المدينة يسمى بقيع الغرقد، والغرقد: شجر الغضا وكل شجر له شوك، مثل الطالح والسلم والسدر والسمر. قال أعرابي: إن الله تعالى أفرح بتوبة العبد من المضل الواجد، والظمآن الوارد، والعقيم الوالد. قال أعرابي: رب حرب أنفع من سلم، وجهل خير من علم. كاتب: قد سرني ردك لي عما التمسته منك ليكون ذلك عقوبة لي على سوء اختياري لك، وتأديباً على قصدي بأملي إياك. قال أعرابي: رب صبابة غرست من لحظة، ورب حرب جنيت من لفظة. قال أعرابي: رب وحدة خير من جليس، ووحشة أحسن من أنيس.

قال أعرابي: ربما أخطأ البصير قصده، وأصاب الغوي رشده، وشد الأشل زنده. قيل لكثير: كيف تصنع إذا عز عليك قول الشعر؟ قال: أطوف في الرباع المحيلة، والرياض المعشبة، فيسهل علي أرصنه، ويسرع إلي أحسنه. قال بعض السلف: ما استدعي شارد الشعر بمثل المكان الخالي، والمستشرف العالي، والماء الجاري، وله أوقات يسرع فيها أتيه، ويسمح فيها أبيه. كاتب: كتبت عن عافية في البدن، وسقم في الحال، فأنا بين شكر وشكوى، وبلاء جميل وبلوى، أستحق بالشكر الزيادة، وبالسقم العيادة، أما استخبارك عن أمري فظاهر أمري بالسلامة يسرك، وأما باطن حالي فبالاختلال يسوءك. كاتب: كتبت وأنا سالم في نفسي، فأما ما تتم به السلامة فقد أخطأني موقعه، لأني ببلد ليس فيه عمل يجدي، ولا حر يسدي، وأنا أحمد

الله حمداً يصونني عن العمل إلا لطاعته، ويغنيني عما سواه بكرمه وكفايته. قال أعرابي: من تنعم بك بدنه، تعبد لك قلبه، ومن جهد ظاهره فيك، ثقل باطنه عليك. قال أعرابي لآخر: اجعل لي وكيلاً من نفسك يقوم عندك بعذري، ويخاصمك إلى كرمك في أمري. كاتب: أصبحوا في زهرة رياضك راتعين، وفي غمرة حياضك شارعين. قال أعرابي: هذا مقام من لا يتكل عندك على المعذرة، بل يعتمد منك على المغفرة. قال ابن الكلبي: لما أتي الحجاج بالأسرى من أصحاب ابن الأشعث، جعل يعرضهم على السيف حتى انتهى إلى شاب فيهم فقال: أصلح الله الأمير، إن لي حرمة، قال: وما هي؟ قال: ذكرت في عسكر ابن الأشعث بسوء فرددت عنك الشتائم وقلت للشاتم: والله لقد كذبت في مقالتك، وأفكت في نطقك، والله ما في الحجاج مغمز ولا مطعن في حسب ولا

نسب، ولا مفسد في بطن ولا ظهر، فإن شئت في غير ذلك فقل، فقال الحجاج: ومن يعلم ما تقول؟ فرمى الرجل بطرفة إلى رجل بالقرب منه فقال: هذا يعلم ما أقول، فقال الحجاج: ما تقول فيما قال؟ قال: صدق أيها الأمير، فقال: يخلى عن هذا لذبه عنا، ولهذا حرمه حفظ شهادته؛ فخلوا عنهما. قال المدائني: قدم على أسد بن عبد الله بخراسان رجل، فانتظر قعوده للناس فكان يحجب عنه، فلما دخل إليه قال: أصلح الله الأمير، إن لي عندك يداً، قال: وما يدك؟ قال: أخذت بركابك يوم كذا، قال صدقت، قل حاجتك، قال: توليني أبيورد، قال: ولم؟ قال: لأكسب مائة ألف درهم، قال: فإنا قد أمرنا لك بها وأقررنا صاحبنا على عمله، قال: أصلح الله الأمير، لم تقض ذمامي، قال: ولم وقد أعطيتك ما أملت، وسرغتك ما أمرت لك به، وأعفيتك من المحاسبة أن صرفناك عنها، قال ولم تصرفني ولا يحب الصرف إلا لأمرين: إما لعجز أو لخيانة، فإن سلمت منهما لم أصرف، قال: فأنت أميرها ما دامت خراسان لنا، فلم يزل عليها حتى عزل أسد. قال المدائني: جاء رجل إلى نصر بن سيار فذكر قرابة، قال: وما قرابتك؟ قال: ولدتني وإياك فلانة، قال: قرابة عورة، قال: إن القرابة

مثل الشن البالي يرقعه أهله فينتفعون به، قال: حاجتك؟ قال: مائة ناقة ومائة نعجة ربى - إي معها أولادها - قال: أما النعاج فخذها، وأما النوق فنأمر لك بأثمانها. قال الشعبي: حضرت مجلس زياد وحضره رجل فقال: أصلح الله الأمير، إن لي حرمة أفاذكرها؟ قال: هاتها، قال: رأيتك بالطائف وأنت غليم ذو ذؤابة وقد أحاط بك جماعة من الغلمان وأنت تركض هذا مرة برجلك وتنطح هذا مرة برأسك وتكدم هذا مرة بأسنانك، وكانوا مرة ينثالو عليك وهذه حالتك وحالهم، ومرة يندون عنك وأنت تتبعهم حتى كاثروك واستقووا عليك، فجئت حتى أخرجتك من بينهم وأنت سليم وكلهم جريح، قال: صدقت أنت أنت ذاك الرجل؟ قال: أنا ذاك، قال: حاجتك؟ قال: حاجة مثلي الغنى عن الطلب، قال: يا غلام أعطه كل سفراء وبيضاء عندك، ونظر فإذا قيمه ما يملك في ذلك اليوم أربعة وخمسون ألف درهم، فأخذها وانصرف، فقيل له بعد ذلك: أنت رأيت زياداً وهو غلام بهذه الحال؟ قال: إي والله لقد رأيته وقد اكتنفه صبيان صغيران كأنهما من سخال المعز، فلولا أدركته لظننت أنهما يأتيان على نفسه. وقف رجل على معاوية وهو في مجلس العامة فقال: يا أمير

المؤمنين، إن لي حرمة، قال: وما هي؟ قال: دنوت من ركابك يوم صفين وقد قربت ذابتك لتنهزم، ورأى أهل العراق الفتح والظفر، فقلت لك: والله لو كانت هند بنت عتبة مكانك ما هربت، واختارت أن تموت كريمة أو تعيش حميدة؛ أين تهرب وقد قلدتك العرب أزمة أمورها، وأعطوك قياد الأعنة؟ فقلت لي: اخفض صوتك لا أم لك، ثم ثبت وثابت حماتك إليك وتمثلت بقول عمرو بن الإطنابة: وقولي كلما جشأت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي قال: صدقت، ولوددت أنك خفضت من صوتك، يا غلام أعطه خمسين ألف درهم، ولو أحسنت الأدب لأحسنا لك الزيادة. رفع إلى أنو شروان أن العامة تؤنب الملك في تقديمه فلانا وليس له شرف أصيل ولا نسب، فوقع: اصطناعنا له نسب. هذا الذي قاله لطيف حلو، له وجه عريض في التأويل، وعليه حجة قوية في الجدال، وقد كان بعض أصحابنا يقول: الاصطناع لا يشرف الجوهر الخسيس، والاطراح لا يضع الجوهر النفيس، وسبيل الملك أن يكون كالناقد

الذي ينفي الزائف ويقتني الجيد، فما انتكثت الدول وانتقضت الملل إلا بهذا التأويل الذي ينشئه هوى الملك في واحد بعد واحد، على أنا لا نجحد أن تكون النجابة في بعض الخاملين، والفسالة في بعض المشرفين، لأن الغرائز والنحائر مختلفات، وكل من شوطه على حد إن زاد مكرها في وقت نقص مختاراً في وقت، وأصل كل معروف نكرة، وآخر كل معروف نكرة، ولكن الأولى بالقياس على عادة الناس تقديم من له قديم، فليس طلاب الذهب من معدنه كطلب المعدن في الأرض، على أن هه القضية في زماننا مطوية، وهذا الشأن متروك. رفع إلى كسرى أن النصارى الذين بحضرة باب الملك يقرفون بالتجسس، فوقع: من لم يظهر ذنبه لم تظهر من عقوبة له. ورفع إليه أن بعض الناس ينكر إصغاء الملك إلى أصحاب الأخبار، فوقع: هؤلاء بمنزلة مداخل الضياء إلى البيت المظلم، وليس بقطع مواد النور مع الحاجة إليه وجه عند العقلاء. قال بعض أصحابنا: أما الأصل في هذا التدبير فصحيح، لأن الملك محتاج إلى الأخبار، ولكن الأخبار تنقسم إلى ثلاثة أوجه: خبر يتصل بالدين، والواجب عليه أن يبالغ ويحتاط في حفظه وحراسته ونفي القذى عن طريقه

وساحته، وخبر يتصل بالدولة ورسومها، فينبغي أن يتقظ في ذلك خوفاً من كيد ينفذ وحيلة تتم؛ وخبر يدور بين الناس في متصرفهم وشأنهم وحالهم، حتى إذا زاحمتهم فيه اظطغنوا عليك وتمنوا زوال ملكك، وأرصدوا العداوة لك، وكانوا عليك مع عدوك. وإنما لحق الناس من هذا الخبر هذا العارض لأن في منع الملك إياحم عنه وتتبعه لهم كرباً على قلوبهم، ولهيباً في صدورهم، فلا بد لهم في الدهر الصالح، والزمان المعتدل، والخصب المتتابع، والسبيل الآمن، والخير المتصل، من فكاهة وطيب واسترسال وأشر وبطر، وكل ذلك من آثار النعمة الدارة، والقلوب القارة، فإن أغضى الملك بصره عل ىهذا القسم عاش محبوباً، وإن تنكر لهم فقد جعلهم أعداء، والسلام. ورفع إلى أنوشروان أن عامل الأهواز قد جنى من المال ما يزيد على الواجب، وأن ذلك يجحف بالرعايا، فوقع: يرد هذا المال على هؤلاء الضعفاء، فإن تكثير الملك بظلم رعيته بمنزلة من يحصن سطوحه بما اقتلعه من قواعد بنيانه. ورفع إليه أن الأمر كان خرج باختيار رجل للشرطة، وقد سمي لذلك فلان، فوقع: يحتاج لهذا العمل إلى رجل في طباعه البغضة للأشرار،

واستقصاء أصول الأموال، والغلظة على الظلمة، والرقة على الضعفاء، وهذا رجل يختار لغير هذا العمل. قال أبو سعيد السيرافي: إن هذا لزيد، إذا كان المشار إليه هو زيد، وكسروا اللام ليزول اللبس، وأصلها الفتح، لأن الباب في الحروف المفردة أن تبنى على الفتح، فإذا وصلتها بالمكني عادت إلى أصلها من الفتح، وذلك قوله: إن هذا له، وإن هؤلاء لنا، لأنك تقول في مكني المرفوع: إن هذا لأنا، وإن هؤلاء لنحن، وإن هذا لهو، وأنشد: وإني امرؤ من عصبة خندقية ... أبت للأعادي أن تنيخ رقابها قال يحيى بن غسان: عاتبت غسان بن عباد في اقتصاده في ملبسه فقال: من عظمت مؤونته على نفسه قل نفعه على غيره. أنشد السيرافي: فصددت عن أطلالهن بجسرة ... عيرانة كالقصر ذي البنيان كسفينة الهندي طابق ظهرها ... بسقائف مكسوحة ودهان فكأنما هي بعد غب كلالها ... أو أسفع الخدين شاة إران

يعني ثوراًوحشياً، ويسمى الثور الوحشي شاة، والبقرة الوحشية شاةٍ، وإران: نشاط، إرن يأرن أرنا والاسم الإران، يقال: الإران: كناس الوحش، يقال: الإران: سرير الميت، ومنه قول طرفة: أمون كألواح الإران نسأتها فأما قوله: ها أناذا وها نحن أولاء، وها هو ذاك، وها أنت ذا، وها أنتم أولاء، وها أنتن أولاء، فها للتنبيه، والأسماء بعدها مبتدآت، والخبر أسماء الإشارة ذا وذلك، وإن شئت جعلت الضمير المقدم هو الخبر، والإشارة هي الاسم. وأما ها فيجوز أن يكون مع ذا وفصل بينهما أنت، والمراد بها أن يكون ذا، والتقدير: أنا هذا، ويجوز أن يكون التنبيه للضمير أنهما يشتركان في الإبهام، فأما من قدر ها مع ذا وفصل بينهما فإنه يحتج بقول زهير: تعلما ها لعمر الله ذا قسماً ... فاقصد بذرعك واننظر كيف تنسلك وإنما هو: تعلما هذا لعمر الله قسماً، ويحتج أيضاً بقوله: فقلت لهم هذا لها وها وذا ليا

والتقدير: هذا لها وهذا لي، وإنما يقول القائل: هاأناذا، إذا طلب رجل لم يدر أحاضر أم غائب، يقال: هاأناذا، أي الحاضر أنا، وإنما يقع جواباً؛ تم كلام السيرافي. قال أبو العيناء: لما عزل إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة شيعوه فقالوا: عففت عن أموالنا وعن دمائنا، فقال: وعن أبنائكم، يعرض بيحيى ابن أكثر في اللواط. قال أبو السائب المخزومي: كان جدي في الجاهلية يكتني بأبي السائب وبه اكتنبت، وكان خليطاً لرسول الله صلى الله عليه في الجاهلية، فكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله إذا ذكره في الإسلام قال: نعم الخليط كان أبو السائب، لا يشاري ولا يماري. قال الزبير بن بكار: أدخل ابن جندب على المهدي في القراء، وفي القصاص، وفي الشعراء وفي الرماة، وفي المغنين، فأجازه فيهم كلهم. لما حضرت الوليد بن عقبة الوفاة أتاه أهل الكوفة يدعون له ويثنون عليه فقال: يا أهل الكوفة، حبكم والله صلف، وبغضكم تلف؛ وإني لفي آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة، اللهم إن كان أهل

الكوفة صدقوا في شهادتهم فأصلني نار جهنم، وإن كانوا كذبوا علي فاجعل ذلك كفارة لما تعلم من ذنوبي. سمعت القاضي أبا حامد يقول: دخل بلال بن أبي بردة مسجد دمشق ولزم سارية، وكان يحسن صلاته وتسبيحه حتى عرف بهديه، فرآه عمر ابن عبد العزيز فهم بأن يجعل إليه من أمور المسلمين شيئاً فقال له خادم: يا أمير المؤمنين، في الأناة خير كثير، وفي العجلة ندم، فأرسلني إليه واسألني عنه أعرض عليك ضميره، فإن كان على ما تحلى به في ظاهره كنت من تقديمه وتوليته على يقين، وإن كان بخلاف ذلك كفيت نفسك الاهتمام به، والمسلمين الفتنة، فقال له عمر: خذ فيما ألهمك الله، فجاء الخادم إلى بلال بن أبي بردة وصلى بجنبه، وسلم عليه وأنسه، وأخذ في شجون الحديث يستنزله، وألقى إليه في عرض الحديث ذكر الولاية، وعرفه ما فيها من العز في الدنيا وعرض الجاه ومعونة المسلمين، فقبل ذلك بلال وهش له، فقال الخادم: فما لي إن شرعت في ذلك؟ قال بلال: عشرة آلاف درهم، فوافقه وانصرف إلى عمر وعرفه الحال وحكى الصورة، فقال عمر: لحاه الله، أتانا بدينه يطلب دنيا لا تبقى له. قرأت بخط ابن المعتز، قال التوزي: خرجت مع أبي عبيدة من المسجد فتوكأ علي ثم قال: أنت أولى من ألقينا عبالتنا عليه.

وقال أعرابي: اللهم إني أعوذ بك من خطرات الإثم ونظرات السوء. قال إبراهيم النخعي: إن بني أمية أدمجوا بالحلم إدماجاً. قال علي كرم الله وجهه في خطبته بصفين: قدموا الدارع، وأخروا الحاسر، وأميتوا الأصوات، والتووا في أطراف الأسنة، وادرعوا العجاج. كان ابن سيرين إذا دعي إلى وليمة قال: يا جارية، هاتي قدحاً من سويق، قال: ألست قد دعيت؟ قال: أكره أن أجعل حدة جوعي على طعام النماس. قال الحسن: الإنسان يهدم عمره مذ سقط من بطن أمه. رئي بعض العلماء وهو يكتب من فتى حديثاً فقيل له: ما مثلك يكتب من هذا، فقال: أما إني أحفظ منه، لكني أردت أن أذيقه كأس الرياضة ليدعوه ذلك إلى الازدياد من العلم. كتب أنو شروان إلى أصبهبذ خراسان: اعلم أن عدوك الأقرب الخرق، وجندك الأعظم الرفق.

قال ابن عباس: لم يمل إلى المغالبة إلا من أعياه سلطان الحجة. كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول للرجل إذا استعمله: إن العمل كير، فانظر كيف تخرج منه. أركان النعيم: الصحة والأمن والغنى والشباب. لرجل من بني أسد: فإن تغمضوا فالحرب كأس مريرة ... إذا صدرت عنها الأسنة ترعف إذا ركبوا لم يركبوها وطية ... هي الغول للأقوان حين تشوف إذا التقت الأبطال كان سجالها ... صفائح بصرى والقنا المتقصف ويوردها الأقوام ممن يعلها ... رواء وقرح القوم لا يتقرف تفرق ألافا وتعتام سادة ... وتعدي الصحيح فهو أجرب أكلف. قال ثعلب: يقال: ما له عبر وسهر، وما له بئي بطنه، مثل

بعي، أي شق بطنه، وما له عرن في أنفه أي طعن. ويقال: ما له مسحه الله برصاً واستخفه رقصاً. قال: ويقال: أخافه الله وأهانه؛ ويقال: أرانيه الله أغر محجلاً، أي مقتول محلوق الرأس مقيداً؛ ويقال: أطفأ الله ناره، أي أعمى عينيه؛ ويقال: خلع الله نعليه، أي جعله مقعداً؛ ويقال: جذه الله جذ الصليان؛ قال، ويقال: وصف الله في حاجتك، أي لطف لك فيها؛ ويقال: سقاك الله دم جوفك؛ قال ابن صاعد: إذا هريق دم الإنسان هلك؛ وقال غيره: معناه دعا عليه بأن يقتل ابنه فيضطر إلى أخذ ديته فيشرب من ألبان الإبل. وقال ابن مهدي: تأوبك الله بالعافية وقرة العين؛ نعوذ بالله من السيل الجارف والجيش الجائح؛ يقال: نعوذ بالله من أمواج البلاء وبرائق الفتن وخيبة الرجاء. قال المبرد: قلت لمجنون يوماً: أجز لي هذا البيت: أرى اليوم يوماً قد تكاثف غيمه ... وإبراقه فاليوم لاشك ماطر فقال: وقد حجبت فيه السحائب شمسه ... كما حجبت ورد الخدود المعاجر

لابن أبي فنن: ألا رب مكروب أجيب دعاؤه ... وذي أود قومته فتقوما ومستسلم للحادثات منعته ... بحزمك أن يغتال أو يتهضما أبي لك حزم الرأي إلا صرامة ... وبذلك للمعروف إلا تكرما خلائق غر قد بسطت ببذلها ... لسان الذي يثني وإن كان أعجما جمعت بها شمل المعالي فأصبحت ... لديك صفايا ما يحاذرن مقسما مددنا بأيدينا إليك فراغب ... وذو همة يمسي له النجم توأما وذو أدب لولا رجاؤك أصبحت ... بضاعته مردودة حيث يمما قال المفجع: حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال: سمعت أبا عثمان المازني يقول: تزوج رجل من بكر بن وائل امرأة من بني دارم، فأراد نقلها إلى أهله، وكان معها بكر فجعل البكر يحن، فقالت: ألا أيها البكر اليماني إنني ... وإياك في بكر لمغتربان نحن وأبكي إن ذا لبلية ... وإنا على البلوى لمصطحبان وقال: " إلا أن تغمضوا فيه " البقرة:267 "؛ الإغماض: الاقتصار على ما دون الحق. قال أبو حنيفة: حدثنا الرياشي عن محمد بن سلام قال: يقال: الخاطب أحلى شيء لساناً، وعلى لسان كل خاطب تمرة، وهو من الحلاوة. قال أبو عثمان: سمعت أبا زيد يقول، الكلابيون يقولون: " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها " الأنفال:61. وسمعت أبا السمال

يقرأ: " وحبط ما صنعوا فيها " هود:16، قال: وسمعته يقرأ: " فسوف يكون لزاماً " الفرقان " 77؛ وسمعته يقرأ: " إنكم لذائقوا العذاب الأليم " الصافات: 38؛ قال: وسمعته يقرأ: " قل الحق " الكهف: 29 - بفتح اللام -، ويقرأ: " فحاسوا خلال الديار " الإسراء:5 قال الرياشي: ما جاء من الجمع على فعيل: كلب وكليب، وعبد وعبيد، وطس وطسيس، ويد ويدي، وأنشد: فلن أذكر النعمان إلا بصالح ... فإن له عندي يديا وأنعما قال: والحرمد والثأط والحمأة والخلب: الطبن؛ ويقال بيت مخلوب أي مطين. قال التوزي: البلذم: ما تدلى من الصدر؛ قال الأصمعي: وقيل بلدامة، وهو المضطرب. يقال: قدر لزبة أي عظيمة، وغنم خليطة إذا كانت عظاماً.

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لسان المرء سيف يخطر في جوانحه. قال وهب: الدناير والدراهم خواتيم الله في أرضه، فمن ذهب بخاتم الله قضيت حاجته. قال معاوية: كان أبو سفيان طويل الأناة بعيد القعر، نائم الهوى يقظان الرأي. قال عمر: أدروا للمسلمين لقحتهم، أي العطاء. قال ابن عباس: المطر بعل الأرض. وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله: كل صلاة ليس فيها قراءة فهي خداج. وقال عليه السلام: خير الناس رجل ممسك بعنان طرفه، كلما سمع هيعة طار إليها. يقال: كرش الرجل: جماعته، وعيبته: موضع سره؛ قال

النبي صلى الله عليه وعلى آله: الأنصار كرشي وعيبتي. وكان جرير بن حازم يتنقص صالح بن عبد القدوس، فقال صالح: قل للذي لست أدري من تلونه ... أناصح أم على غش يداجيني إني لأكثر مما سمتني عجباً ... يد تشج وأخرى منك تأسوني تغتابني عند أقوام وتمدحني ... في آخرين وكل عنك يأتيني هذان شيئان شتى بون بينهما ... فاكفف لسانك عن شتمي وتزييني أرضى عن المرء ما أصفى خليقته ... وليس شيء مع البغضاء يرضيني قال: ثعلب: العرب تقول: أنا لومة وأخي عذلة، أي أنا اعذله وهو يلومني. قال أبو العتاهية لابنه يوماً: يا بني، إنك لا تصلح لمشاهدة الملوك، قال: لم يا أبة؟ قال: لأنك بارد المشاهدة، حار النسيم، ثقيل الظل. من أمثال العرب: رب كلمة تقول لصاحبها دعني.

قال أحمد بن حنبل: ما شبهت الشباب إلا بشيء كان في كمي فسقط. قال ابن شوذب: قدم أبو مسلم فتلقاه ابن أبي ليلى فقبل يد أبي مسلم، فقيل له: تقبل يد أبي مسلم؟ فقال: قد تلقى أبو عبيدة بن الجراح عمر ابن الخطاب فقبل يده، فقيل له: أتشبه أبا مسلم بعمر بن الخطاب؟ فقال: أفتشبهونني بأبي عبيدة؟ قال ابن عباس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بمنىً، فقال للأنصار: ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله تعالى بي؟ ألم تكونوا خائفين فأمنكم الله تعالى بي؟ ألم تكونوا أذلاء فأعزكم الله تعالى بي؟ ثم قال: ما لي أراكم لا تجيبون؟ قالوا: ما نقول؟ قال: تقولون: ألم يطردك قومك فآويناك، وكذبوك فصدقناك؟ قال: فجثوا على الركب، قالوا: أنفسنا وأموالنا لك يا رسول الله، فأنزل الله تعالى: " قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى " الشورى:23. قال الضحاك: قال ابن عباس في قوله: " قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى " نسخت بقوله تعال: " ما سألتكم من أجر فهو لكم " سبأ: 47.

ذكر السعادة في مجلس بعض الأشراف فقال أحد القوم: كفاكم أن الصدق محمود إلا منهم، وأن أصدقهم أخبثهم. لعيسى بن أرطأة في المهدي: الآن قر الملك في مقره ... وابتسم العباس عن مفتره وسكنت هامة مقشعرة ... إلى بني العباس أهل سره ومنهل طعنت في مغبره ... وقد دجا الليل بمكفهره بناعج ينفح ثني دره ... كأنه في فره وكره قدح أدرته يدا مدره ... إلى إمام عمنا ببره للعقيلي أستاذ علي بن الجهم: أرى ألفات قد كتبن على راسي ... بأقلام شيب في صحائف أنقاس فإن تسأليني من يمل حروفها ... فكف الليالي تستمد بأنفاسي جرى في جلود الغانيات لشيبتي ... قشعريرة من بعد لين وإيناس وقد كنت أجري من هواهن مرة ... مجاري نعيم الماء من قضب الآس دخل سفيان الثوري على المهدي وهو بمكة فقال له: حدثنا أبو

عمران أيمن بن نابل عن قدامة بن عبد الله بن عمار الكلابي قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي جمرة العقبة يوم النحر لا ضرب ولا طرد، ولا إليك إليك؛ وقد رأيت الناس يضربون بين يديك؛ وجاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أنفق في حجة حجها ثماني عشر ديناراً وقال: ما أحسب هذا إلا سرفاً في أموال المسلمين، وما أراك تدري كم أنفقت؛ فقال المهدي: لو كان المنصور حياً ما احتمل هذا الكلام منك، فقال سفيان: لو كان المنصور حياً ثم أخبرك لما لقي ما ستقر بك مجلسك. قال الفضل بن سهل: الناس بين نعمة ومصيبة، وفيهما الابتلاء والمحنة، ثم لا تلبث المصيبة إذا أخذ فيها بأدب الله تعالى أن تعود نعمة قد تصرمت أيام كرهها وبقي مأمول أجرها، ولن تلبث النعمة إذا ضيع ما يجب فيهما من الحق أن تعود مصيبة تنصرم أيام بشاشتها وتطول في العاقبة حيرة أهلها. شاعر: فلا تنكري فيض الدموع فإنها ... معاذير عين فاتها ما تؤمل قال الحسن: عربي مقتصد أحب إلي من مولى مجتهد. حبوكرى وأم حبوكرى: داهية؛ قال: والحبوكرى: رملة يضل فيها سالكها ثم صارت داهية، هكذا قال ثعلب في أسماء الدواهي. قال ثعلب: إنه لضب تلعة، ما يؤخذ مذنباً ولا يدرك حفيراً، أي لا يؤخذ بذنبه ولا يلحق لبعد خفرته.

قال ثعلب: يقال: كذب واختلق، وإنه لزلوق أي كذوب، ويقال: كذوب ممزج أي يمزج حقاً بباطل، وأنشد: لاتقبلن قول عذوب ممزج ... أطلس وغد في دريسي منهج قال ثعلب: يقال: لا أبقى الله لك سارحاً ولا جارحاً، أي لا أبقى الله له مالاً، والجارح: الحمار والفرس والشاء، وليست الإبل والرقيق من الجوارح، وإنما سميت الجوارح لجروح آثارها في الأرض، وليس للآخر جروح. قال ابن عباس: لما بلغ النبي صلى الله عليه وعلى آله هجاء الأعشى علقمة بن علاثه نهى أحداً من أصحابه أن يروي هجاءه أو يهجوه أحد منهم، قالوا: يا رسول الله، ما السبب؟ قال: إن أبا سفيان شعث مني عند قيصر فرد عليه علقمة وكذب أبا سفيان. قال ابن عباس: قام شاب من الأنصار إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: اذكر بلائي إذ فاجاك ذو سفه ... يوم السقيفة والصديق مشغول

قال: وكان الفتى قد رد عن عمر قول سيفه من موالي الأنصار كلاماً أغلظ فيه لعمر فقال عمر رضي الله عنه: أنا ذاكر لبلائك، ثم قال بأعلى صوته: أدن مني، فدنا منه الشاب فأخذ بيده حتى استشرف الناس وقال: ألا إن هذا رد عني سفيها من قومه يوم السقيفة، ثم حمله على نجيب وزاد في عطائه وولاه صدقة قومه، وقرأ عمر: " هل جزاء الإحسان إلا الإحسان " الرحمن: 60. عرض رجل لسعيد بن العاص وهو أمير الكوفة فقال: أيد الله الأمير، يدي عندك بيضاء، قال: وما هي؟ قال كبت بك دابتك فيما بين الحيرة والكوفة، وقد تقدمت غلمانك، فهويت إليك فجذبت بضبعك، وهززتك مراراً، ثم سقيتك ماء، ثم دنوت من ركابك فأخذته حتى ركبت، قال: فأين كنت عني من ذاك؟ قال: حجبت عنك، قال: قد أمرنا لك بمائتي ألف درهم وما يملكه الحاجب تأديباً له إذ حجب مثلك وهذه وسيلتك؛ فإذا ما يملك الحاجب أضعاف ما أعطاه. كاتب: عرضت عليك مودتي فأعرضت عني، وأعرض غيري عنك فتعرضت له، فالله المستعان على فوت ما أملته لديك، وبه التعزي عما أصبته منك. قال الكسائي: سمعت أعرابية من بني أسد، وقد كانت عمرت، ونظرت إلى نساء في هوادج، ورجالهن يطردون بهن، وقد تركت

العجوز وهم يريدون نجعة، فقالت: من أمسى والله في مثل حالي فقد هلك، ومن كان مثل هؤلاء فقد ملك، فقال لها رجال الحي: ما ملكن؟ قالت: ملكن والله عرانين كريمة، من قبائل شريفة، تعني أزواجهن. قال الأصمعي، قال عيسى بن عمر: كنت بالبادية فتضيفت امرأة فدخلت الخباء فجعلت ترقق زوجها عن قرى ويريغها، فسمعتها تقول: أنا ابنة الأقيل، المعم المخول، فإن كنت تجهلني فسل؛ وسمعت الزوج يقول: أنا ابن بلال، الكريم العم والخال. ثم أتتني بقرص مثل فرسن البكر البكر فأكلته. كاتب: قد رأيتك لحقي غامطاً، وللسانك علي باسطاً وأنشد: إذا أنكرت أحوال الصديق ... فلست من التحير في مضيق طريقاً كنت تسلكه زماناً ... فأسبغ فاجتنبه إلى طريق آخر: من يحمد الصبر وأسبابه ... فلست بالحامد للصبر فكم ساقني الصبر من جرعة ... أمر في الطعم من الصبر

أنشد أحمد بن الطيب لأبي الخطاب الطائي: قالوا تعشقتها سمراء قلت لهم ... لون الغوالي ولن المسك والعود إني امرؤ ليس شأن البيض مرتفعاً ... عندي ولو خلت الدنيا من السود آخر: ألم تر أن المسك قدر حفينة ... بمال وأن الملح حمل بدرهم قال أبو يوسف القاضي لابن نهيك: ما تقول في السواد؟ قال: النور في السواد، يعني: نور العين في سوادها. نظر ابن أبي عتيق إلى جارية سوداء حالكة فقال: لو اقتسمتها الغواني خيلاناً لحظين بها. شاعر يهجو فتى من بني هاشم: أما أبو فهو من هاشم ... وأمه ذات حر عبل مقرفة حصنها منجب ... فضاع فيها كرم الفحل أنشد أحمد بن الطيب: وما الناس إلا خادع ومخدع ... وصاحب إسهاب وآخر كاذب كان أبو بكر الأصم وهشام بن الحكم صاحب الإمامية والتشبيه

يقولان في المسخ بالقلب ويقولان: جائز أن يقلب الله خردلة في عظم جبل من غير أن يزيد فيها جسماً أو عرضاً، أو ينقص منها جسماً أو عرضاً، والأجسام هي الأشياء ذات الطول والعرض والعمق، والأعراض صفاتها التي لا توجد إلا فيها ولو فارقتها لم تقم بأنفسها. قال أحمد بن الطيب: وأما أنا فأقول: إن الله يمتحن بما شاء من شاء، كيف شاء، ومتى شاء، أين شاء، وليس لنا أن نقترح في شيء من محنة الزمان ولا المكان، ولا الممتحن، ولا صورة الممتحن، لأنه العالم بمصالحنا، القادر على تصريف أحوالنا، الذي يرفع بعضنا فوق بعض ليتخذ بعضنا بعضاً سخرياً، فالممتحن بالعلم والتمكن غير الممتحن بالنقص والتوهين، وليس لأحد على الله حجة، تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً. وقال أبو العيناء، قال الأصمعي: دخل ابن سعية اليهودي على معاوية فأنشده: ولكنما دهري رواق تحفه ... ثمانون ألفا من كمي ومعلم يقودون قود الخيل أوتارها القنا ... إذا استمطروا جادت سماؤك بالدم سأطلب مجداً ما حييت وسؤدداً ... بماء شبابي أو يولون مأتمي

فقال معاوية: لمن هذا؟ قال لأبي، فقال: نحن أحق بهذا من أبيك. قال أحمد بن الطيب: قال صاحب كتاب الأخلاق في الحيلة لتقبيح الغضب عند سريع الغضب: إن الغضبان خارج الصورة عن الاعتدال أما تراه جاحظ العينين، بادي العروق، دار الأوداج، مضطرب الأوصال، مشوه البنية، مختلف الحركة، مكدود النفس، حار المزاج، مضطرم الحرارة، مدخول الروية، عامر الفكرة، ظاهر العجز، جاهلاً بقدر الحق. قال أحمد: وإن قال آخر في مقابلة القول في وصف المغضب وتحسين الغضب عنده: أما ترى هذه الحمية، أم ترى حسن الوفاء، أما ترى الليث العادي، كذا والله يحمي الذمار، ويأنف الأحرار، ولهذا قيل، النار ولا العار، هذه والله عين النائم إذا استيقظت الغطارفة الذادة، عين الساكن إذا تحركت القادة، هذا والله كما قال جرير: لا أبتدي ولكن أعتدي وكما قال ابن أم كلثوم: ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا وكما قال الجعدي: ولا خير في حلم إذا مل تكن له ... بوادر تحمي صفوة أن يكدرا قال عبد الله بن صفوان: ما يسرني بملابسة الأمور حمر النعم، قيل له: ولم ذاك؟ قال: لأن الأمر إذا غشيك فشخصت له تركك، وإذا تطأطأت له تخطاك.

وقال قيصر لقس: ما أفضل الحكمة؟ قال: معرفة الإنسان بقدره، قال: فما أكمل العقل؟ قال: وقوف الإنسان عند حلمه، قال: فما أوفر الحلم؟ قال: حلم الإنسان عند استماع شتمه، قال: فما أصوت المروءة. قال: استبقاء الإنسان ماء وجهه، قال: فما أكل المال؟ قال: ما أعطي الحق منه، قال: فما أحسن السخاء؟ قال: البذل قبل المسألة، قال: فما أنفع الأشياء؟ قال: تقوى الله وإخلاص العمل له، قال: فأي الملوك خيراً؟ قال: أقربهم من الحلم عند المقدرة، وأبعدهم من الجهل عند الغضب، ومن يرى أنه لايضبط ملكه إلا بالعدل بين رعيته. قال بعض الحكماء: أفضل الحكماء من وهب له علم بلا وعي فاختار الصمت على الكلام إلا في موضعه. وروى أن قساً دخل على هرقل ملك الروم أيضاً فقال: له أخبرني عما بلوت من الزمان وتصرفه، واختبرت من أخلاق أهله؟ قال: قد صحبنا الزمان فوجدناه صاحباً خواناً، ووجدنا الأنساب ليس بالآباء والأمهات ولكنها الأخلاق المحمودة، وفي ذلك أقول: لقد حلبت الزمان أشطره ... ثم شربت الصريح من حلبي

فلم أر الفضل والتشرف في ... قول الفتى إنني من العرب حتى ترى سامياً إلى خلق ... يزيد محموده على الحسب ما ينفع المرء في فهاهته ... من عقل جد مضى وعقل أب ما المرء إلا ابن نفسه فبها ... يعرف عند التحصيل في النسب حتى إذا الدهر غال مهجته ... الفيته تربة من الترب قال أحمد: وقد قال قس هذا، وأنا لا أقول كما قال، بل أقول إذا كان الفتى في بيت شرف ولم يكن له في نفسه فضيلة، كان شرفه زائداً في نقصه، وإذا كان الفتى في بيت نقص وكانت له فضيلة في نفسه، كان نقص أبيه زائداً في شرفه، ولكن التام الكامل، والشريف الراجح، والأديب الشريف، كما قال الأول: وابن السري إذا سرى أسراهما ومذهب قس العامري الذي يقول:

إني وإن كنت ابن سيد عامر ... وفارسها المتلاف في كل موكب فما سودتني عامر عن وراثة ... أبى الله أن أسموا بأم ولا أب ولكنني أحمي حماها وأتقي ... أذاها وأرمي من رماها بمقنب وقال آخر: وما الحسب الموروث لا در دره ... بمرتفع إلا بآخر مكتسب إذا العود لم يثمر وإن كان شعبة ... من المثمرات اعتده الناس في الحطب وللمجد قوم ساوروه بأنفس ... كرام ولم يعلوا بأم ولا بأب دعا أعرابي على آهر فقال: لا رشد قائده، ولا سعد رائده، ولا أورى قادحه، ولا أذكى رائحة، ولا أصاب غيثاً، ولا وافق إلا ليثاً. بعض الكلام ينسب إلى علي رضي الله عنه، وهو بالمنسوب إليه أشبه. قال أعرابي: جهل يكفي خير من أدب يحوج، ونقص يمثر خير من علم يخدع. قال أعرابي: من غره السراب، تقطعت به الأسباب. وقال أعرابي: لكل قضاء جالب، ولكل در حالب.

وقال أعرابي: عداوة ذي القرابة، كالنار في الغابة. وقال أعرابي: لكل كلام وعاء، ولكل بذر مزرع. وقال أعرابي: أي امرىء باشرته فلم ينتصح، وغلق سنيته فلم ينفتح. وقال أعرابي: رب منع أكرم من عطاء، وشوك أمهد من وطاء. وقال أعرابي: ليس كل طالب يصيب، ولا كل غائب يؤوب. وقال أعرابي: إذا أوقدوا أشبوا، وإذا اصطنعوا أربوا. وقال أعرابي: رحم الله فلاناً، كان يهتدي برأيه الصحب، ويستدل بناره الركب. قال أحمد بن الطيب: وأنا أستحسن قول القائل: إن العزيز يزداد بالعفو عزاً، والذليل يزداد بالعفو ذلاً؛ وهذا شبيه بما يقوله جالينوس في طلاب الأدب وهو قوله: إن ابن الوضيع إذا كان أديباً كان نقص أبيه زائداً في فضله، وابن الشريف إذا كان غير أديب فشرف أبيه زائد في نقصه. والعلة في صحة هذا القول واضحة بينة، وذلك أن الشرف في الآباء دال على مكان

الأبناء، فإذا دل الشرف على ناقص في نفسه كان الشرف سبباً لوقوف الناس على عيوبه. وفي الباب الآخر أن الناس فيما أتى من غير معدنه في غير منبته أشد كلفاً، ومنه أشد تعجباً، إذ كانت الأسباب دونه منقطعة، وحباله من الفضل منفصمة، فليس يخلص ابن الناقص إلى الزيادة والتقديم بنفسه إلا بنفس قوية، وهمه بعيدة، وعناية شريفة، فلذلك شهد الناس بالتقديم لشريف لو كان أديباً، لأن الممكن أهون مطلباً من المتعذر، والسهل أسهل مراماً من الوعر، فتكلف الصعب صعب، وتكلف الصعب في طلب الجميل أفضل أمراً ممن أتاه الفضل عفواً، إلا السعيد الفاضل والمقدم الكامل الشريف الأديب. للنظام: لن يدرك المجد أقوام وإن كرموا ... حتى يذلوا وإن عزوا لأقوام ويشتموا فترى الألوان كاسفة ... لا ذل ضعف ولكن ذل أحلام وإن دعا الجار لبوا عند دعوته ... في النائبات بإسراج وإلجام مستلئمين لهم عند الوغى زجل ... كأن أسيافهم أغرين بالهام قال أعرابي: لايزال الوجه كريماً ما بقي حياؤه، والغصن نضيراً ما بقي لحاؤه.

قال أعرابي: الوجه المصون بالحياء، كالجوهر المكنون في الوعاء. قال أعرابي: رونق صفحة الوجه عند الحياء، كفرند صفحة السيف عند الجلاء. قال أعربي: ما المتبختر في وشي ردائه، بأحسن من المتقارب في قيد حيائه. قال أعرابي: اشحذ بالعدل على الطاعة قلوب الأوداء، كما ترهف السيف لمقارعة الأعداء. أنشد أحمد بن الطيب: ولا تعجل على أحد بظلم ... فإن الظلم مرتعه وخيم ولا تفحش وإن ملئت غيظاً ... على أحد فإن الفحش لوم ولا تقطع أخاك لأجل ذنب ... فإن الذنب يغفره الكريم وما قتل السفاهة مثل حلم ... يعود به على الجهل الحليم إذا استودعت سراً فاكتمنه ... فخير زوامل السر الكتوم قال أعرابي: فوت المعروف أيسر من مراس التسويف. سمع أعرابي كلاماً فقال: هذا كلام لم يغتصب تعسفاً، ولم يقتضب تكلفاً. قال أعرابي: الاستطالة عند النعمة طبع، وعند النكبة ضرع.

قال أعرابي: أنا أستغني بحفي لحظك عن جفي لفظك. ذكر القدر في مجلس عمر بن عبد العزيز فقال من حضرة: فأعلمنا رأيك فيه، فقال: كما أن بوادي الخير من الله، فكذلك بوادي الشر منه، وقد سبق به علمه. قدم البصرة أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد منهزماً من أبي فديك الحروري، فهاب وجوه أهلها تلقيه وقالوا: ما عسى أن نقول: الحمد لله الذي هزمك، أو الحمد لله الذي نجاك؟ ثم بلغهم أن خالد بن صفوان خرج يتلقاه، فخرجوا إليه ليشهدوا فضيحته، بزعمهم، وقالوا: ما تراه يقول له؟ فلما طلع قال له خالد: بارك الله لك أيها الأمير في مقدمك، والحمد لله الذي نظر لنا عليك، ولم ينظر لك علينا، فقد تعرضت للشهادة جهدك بخذلان من معك لك، فعلم الله فاقتنا إليك. فرجعوا وهم يقولون: لا يعييه كلام بعد هذا. قال أعرابي: هو كالسيف إن مسست متنه كنت راضياً، وإن لمست حده كان ماضياً. قال أعرابي: لكل توبة غرس، ولكل بناء أس، وعند كل مأتم عرس.

قال أعرابي لصاحب له: استظهر على الدهر بخفة الظهر. قال أعرابي: زلة الجبان في التقصير، وزلة الشجاع في التغرير، وزلة البخيل في التقتير، وزلة السخي في التبذير. قال أعرابي: هجين عاقل خير من هجان جاهل. قال أعرابي: لا تبذل رفدك لمن لا يعرف حقك. قال أعرابي: رب نطق صدع جمعاً، وسكوت شعب صدعاً. قال أعرابي: رب حافظ مضيع. قال أعرابي: هذا غنىً إلا أنه منىً وقال آخر: هذا غناء لولا أنه فناء، وعلاء لولا أنه بلاء، وبقاء لولا أنه شقاء. قال أعرابي في كلام له: رملة حضنتني أحشاؤها، وأرضعتني أحساؤها.

قال أعرابي لصاحب له: قطعت أوصالي إذ صرمت وصالي. وقال آخر: الجهل أخصب رحلاً، والأدب أكثر محلاً. وقال آخر: ثوب السفيه قمل، وقلب الجاهل نغل. وقال آخر: الدنيا منزل نقلة، ومحل مثلة. وقال آخر: أما فلان فركوب للأهوال، وأما فلان فألوف للظلال. لدعبل الخزاعي: إذا غزونا فمغزانا بأنقرة ... وأهل سلمى بسيف البحر من جرت هيهات هيهات بين المنزلين لقد ... أنضيت شوقي وقد أبعدت ملتفتي جلت محلا بقطر الأرض منتبذاً ... تقصر الريح عنه كلما جرت فما ينال بها الهيمان مورده ... إلا بنص وجذب العيس بالبرة أحببت أهلي ولم أظلم بحبهم ... قالوا تعصبت جهلاً، قول ذي بهت أحمي حماهم وأرمي في معارضهم ... وأستقلهم إذا ما رجلهم هوت لهم لساني بتقريظي وممتدحي ... نعم، وقلبي وما تحويه مقدرتي

دعني أصل رحمي إن كنت قاطعها ... لابد للرحم الدنيا من الصلة لولا العشائر ما رجيت عارفة ... ولا لحقت على الأيام من ترة فاحفظ عشيرتك الأذنين إن لهم ... حقا يفرق بين الزوج والمرة قومي بنو حمير والأسد أسرتهم ... وآل كندة والأحياء من علة ثبت الحلوم فإن سلت حفائظهم ... سلو السيوف فأردوا كل ذي عنت هم أثبت الناس أقداماً إذا بغتوا ... وقل ما تثبت الأقدام في البغت كم نفسوا كرب مكروب وكم صبروا ... على الشدائد من لأواء فانجلت كم عين ذي حول فقأت ناظرها ... وكم قطعت لأهل الغل من حمة كم من عدو تحاماني وقد نشبت ... فيه المخالب يعدو عدو منفلت لو عاش كبشا تميم ثمت استمعا ... شعري لماتا ومات الوغد ذو الرمة وصار بالعدوة القصوى يؤرقه ... خوفي فبات وجاش القلب لم يبت تقدمته بنات القلب طائرة ... خوفاً لضغم أبي شبلين منهرت كالليث لو أزم الليث الهصور به ... ما غض طرفاً ولم يجزع ولم يصت نفسي تنافسني في كل مكرمة ... إلى المعالي ولو خالفتها أبت كم قد وطئت على أحشاء متعبة ... للنفس كانت طريق اللين والدعة وكم زحمت طريق الموت معترضاً ... بالسيف صلتا فأداني إلى السعة والجود يعلم أني منذ عاهدني ... ما خنته وقت ميسوري ومعسرتي والضيف يعلم أني حين يطرقني ... ماضي الجنان على كفي ومقدرتي أهوى هواه ويهوى ما أسر به ... ينال ما يشتهي والنفس ما اشتهت ما يرحل الضيف عني غب ليلته ... إلا بزاد وتشييع ومعذرة قال العواذل أودى المال قلت لهم ... ما بين أجر ألقاه ومحمدة

أفسدت مالك، قلت المال يفسدني ... إذا بخلت به والجود مصلحتي أرزاق ربي لأقوام يقدرها ... من حيث شاء فيجريهن في هبتي فليشكروا الله ما شكري بزائدهم ... وليحمدوه فإن الحمد ذو مقة لا تعرضن بمزح لامرء سفه ... ما راضه قلبه أجراه في الشفة فرب قافية بالمزح جارية ... مشبوبة لم ترد إنماءها نمت رد السلى مستتماً بعد قطعته ... كرد قافية من بعدما مضت إني إذا قلت بيتاً مات قائلة ... ومن يقال له والبيت لم يمت قال بعض شيوخ الطب: الطب ينقسم قسمين وهما: العلم، والعمل؛ قال: والعلم ثلاثة: علم الطبائع، وعلم الأسباب، وعلم العلامات. وعلم الطبائع سبعة أقسام: على الأسطقسات، وعلم المزاج، وعلم الأخلاط، وعلم الأعضاء، وعلم القوى، وعلم الأفعال، وعلم الأرواح. قال: والأسباب ثلاثة: البادية والسابقة والواصلة. والعلامات ثلاث: الحاضرة والسالفة والآتية. والاسطقسات أربعة: النار والهواء والماء والأرض؛ قال: والنار حارة يابسة، والهواء حار رطب، والماء بارد رطب، والأرض باردة يابسة. والمزاج تسعة: واحد معتدل وثمانية غير معتدلة، وهذه الثمانية أربعة مفردة، وهي الحار والبارد والرطب واليابس، وأربعة مركبة وهي: الحار

اليابس، والحار الرطب، والبارد اليابس، والبارد الرطب. والأخلاط أربعة: الدم والمرة الصفراء، والسوداء والبلغم؛ فالدم حار رطب، والمرة الصفراء حارة يابسة، والبلغم بارد رطب، والمرة السوداء باردة يابسة. والأعضاء قسمان: بسيط ومركب؛ فالبسيط كالعظم والعصب والعروق، والمركب كالرأس واليدين والرجلين. ومن الأعضاء أعضاء رئيسة، وأعضاء مرؤوسة، وأعضاء ليست برئيسة ولا مرؤوسة؛ فالرئيسة أربعة: الدماغ والقلب والكبد والأنثيان؛ والمرؤوسة ما يخدم هذه الرئيسة، وذلك أن الدماغ يخدمه العصب، والقلب يخدمه الشرايين، والكبد يخدمه العروق، والانثيان يخدمهما أوعية المني؛ وما ليس برئيس ولا خادم كالعظام والغضاريف والشحم واللحم والأعضاء التي لها قوى رئيسة كالمعدة والكلى. والقوى ثلاث: طبيعية ومسكنها الكبد، والقوى الطبيعية سبع: القوة الجاذبة، والقوة الممسكة، والقوة الهاضمة، والقوة المغيرة، والقوة الدافعة، والقوة المولدة، والقوة الغاذية؛ والقوى النفسانية ثلاث: القوة المحسنة، والقوة المدبرة، والقوة المحركة. فأما القوى المحسنة فهي الحواس الخمس: السمع والبصر والشم والمذاق واللمس؛ والقوى المدبرة ثلاث: الفكر، والوهم، والحفظ؛ والوهم في مقدم الدماغ، والفكر في وسطه، والحفظ في آخره؛ والقوة المحركة واحدة، وهي التي تكون عنها الحركة الإرادية، والانتقال من مكان إلى مكان. والأفعال صنفان: أحدهما بسيط والآخر مركب؛ فالبسيط ما يكون من قوة واحدة كالجذب والإمساك؛ والمركب ما يكون بقوتين كالشهوة، فإنها تتم بقوتين: إحداهما جاذبة، والأخرى ممسكة، وكنفوذ الغذاء فإنه يتم بالقوة الجاذبة والدافعة. والأرواح ثلاث: الروح الطبيعية التي تكون في الكبد، وتنفذ القوة

الطبيعية مع الغذاء في العروق إلى جميع الأعضاء؛ والثانية: الروح النفسانية التي تكون في الدماغ؛ والثالثة من الأرواح وأهمها التي تنفذ الحس والحركة في العصب إلى جميع الأعضاء. فهذه أقسام الجزء الأول من قسمي الطب وهو العلم، وسيأتي على أثره بعد قسم العمل كلام رائق، وحكمة معشوقة، ولفظ مطرب، وبلاغة شريفة. وقد يقول العائب: أطلت هذا الفصل في الطب حتى كأن الكتاب نصب لهذا الغرض، أو أريد به هذا الباب؛ واعلم أن الأمر ليس كذلك، ولكن عن هذا الفصل ودل على حسن ونفع، فوجب في الرأي أن يصحب جميع الغرر التي تقدمته ليكون الكتاب آخذاً من كل أدب بنصيب. سمعت الأنصاري يقول: إن الله تعالى جعل على كل كلمة حكمة، وعلى كل قول دليلاً وحجة، ومع كل دعوى برهاناً وبينة، وعند كل شبهة وقفة ومهلة، وفي كل نازلة نصاً أو علة، ولم يسقط شيئاً عن مرتبة البيان، كما لم يرفع أحداً مرتبة التبيين، فمن أحب أن يظفر بالحق فليطمع نفسه فيه، مع التجرد في الطلب، والتحقق بالغرض، ومفارقة العادة وما عليه المنشأ، ولا يأنس بتقليد العالم حتى يتبين كما يتبين العالم، ولا يستوحش من وحدته إذا عرف المطلوب من نفسه بكمال عقله مع وضوح حجته. ويقال: ما الأسودان، والأبيضان، والأسوءان،

والأعجمان، والأذفران، والأربدان، والأنقصان، والأشهران، والأبخلان، والأكذبان، والأدفعان، والأوحيان، والأوقفان، والأعوران، والأنكدان، والأعذبان، والأقطعان، والأمنعان، والأقويان، والأنفسان، والأعليان، والأشبهان، والأشرفان، والأغرران، والأشنبان، والأهينان؟ وسيمر بك تفسير هذه المثاني مستقصى بعد أوراق يسيرة. قال يحيى بن نصر: سمعت أبا حنيفة يقول: احتجت إلى ماء في البادية فجاء أعرابي ومعه قربة ماء ملأى فقلت: بكم تبيع؟ فقال: بخمسة، فما كسته فأبى النقصان، فدفعت الثمن إليه قم قلت: يا أعرابي هل لك في سويق طيب؟ قال: إي ورب الكعبة، فقدمته إليه في حفنة، فلما استوفى منه قال: اسقني شربة، قلت: والله لا شربتها إلا بخمسة، فما زال كذلك حتى اشترى مني شربة بخمسة، ففضل الماء عندي، وعادت الدراهم. كان أبو سيف القاضي راكباً وغلامه يعدو وراءه، فقال له رجل: أتستحيل أن تعدي غلامك؟ لم لا تركبه؟ قال: أيجوز عندك أن أسلم غلامي مكارياً؟ قال: نعم، قال: فيعدو معي كما يعدو مع الحمار لو كان مكارياً. قيل لربيعة بن أبي عبد الرحمن: ما رأس الزهادة؟ قال: جمع الأشياء من حلها ووضعها في مواضعها. قال الأصمعي: دخلت البادية فرأيت أعرابية من أحسن الناس وجهاً تحت أقبح الناس وجهاً فقلت: يا هذه، أترضين أن تكوني تحت هذا؟

قالت: يا هذا، لبئس ما قلت، لعله أحسن فيما بينه وبين الله ربه فجعلني ثوابه، وأسأت فيما بيني وبين ربي فجعله عقوبتي، أفلا أرضى بما رضي الله تعالى لي؟ قال: فأسكتتني والله. قال أبو حنيفة: إذا جاء عن النبي صلى الله عليه وعلى آله شيء أخذناه، وإذا جاء عن الصحابة تخيرنا، وإذا جاء عن التابعين زاحمناهم. قال أبو معاذ: أهل الكوفة صاروا موالي لأبي حنيفة لأن الضحاك الحروري دخل الكوفة عنوة فجلس في الجامع فحكم بقتل الرجال وسبي الذراري، فخرج أبو حنيفة إليه بقميص ورداء فقال: أريد أن أكلمك بكلمة، قال: هات، قال: لأي شيء استحللت دخول هذه البلدة وترويع النساء والصبيان؟ قال: لأن القوم مرتدون، فقال أبو حنيفة: لم يزل كان هذا دينهم، أو كانوا على غير هذا؟ فقال: كيف قلت؟ أعد علي، فأعاد، فقال الضحاك: أخطأنا، أخطأنا، أغمدوا سيوفكم وارجعوا. قال خارجة بن مصعب: دعا أبو جعفر أبا حنيفة إلى القضاء

فأبى فحبسه، ثم دعا به فقال له: أترغب عما نحن فيه؟ فقال: أصلح الله أمير المؤمنين، لا أصلح للقضاء، فقال: كذبت، فقال أبو حنيفة: قد حكم علي أمير المؤمنين بأني لا أصلح لأنه نسبني إلى الكذب، فإن كنت كاذباً فإني لا أصلح، وإن كنتُ صادقاً فقد قلت: إني لا أصلح، فرده إلى الحبس. قال أبو يحيى الحماني: رأيت نجماً سقط فقيل: هذا أبو حنيفة، ثم سقط آخر فقيل: هذا سفيان، ثم سقط آخر فقيل: هذا مسعر، فمات أبو حنيفة ثم سفيان ثم مسعر. قال عبد الله بن داود: كتب رجل كتاباً على لسان أبي حنيفة إلى والي جرجان فوصله بأربعة آلاف درهم، فقيل لأبي حنيفة فقال: إن كان ذاك مما ينفعكم فافعلوا. كان أبو حنيفة يقول: ما صليت صلاة إلا وأنا أستغفر الله من تركي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وكان أبو حنيفة يقول: ابن أبي ليلى استحل مني ما لا أستحل من سنور.

أسلم أبو حنيفة ابنه حماداً إلى المعلم فعلمه الحمد فوصله بخمسمائة درهم، فقال المعلم: إن هذا عظيم، فقال أبو حنيفة: يا هذا، ليس للقرآن عندك قدر؟! قال يزيد بن هارون: أدركت الناس فما رأيت أفضل ولا أعقل ولا أورع من أبي حنيفة. قال محمد بن الحسن: قام أبو حنيفة ليلة بهذه الآية: " بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر " القمر: 46. قال فيلسوف للإسكندر: أيها الملك، إني مررت بمصور فقلت: إنك قد أكثرت حلي هذه الجارية، فقال: نعم لم يمكني أن أجعلها حسنة فجعلتها غنية. قال فيلسوف: الجمال الظاهر الحسن يقدر المصور أن يحكيه بالأصباغ، فأما الجمال الذي للأنفس فلا يمكن، لأنه للإنسان بالطبع. قال الحسن بن وهب في مجلسه: لو ساعدنا الزمان لجاءت بنات - كذا كان اسمها، جمع بنت، وكانت جارية كاتب راشد - فما تكلم حتى دخلت فقال: ما أحسن ما قال في هذا ابن أبي أمية:

وفاجأتني والطرف نحوك شاخص ... وذكرك ما بين اللسان إلى القلب فيا فرحة جاءت على إثر ترحة ... ويا غفلتي عنها وقد نزلت قربي هذه رسالة أفادنيها أبو سليمان وزعم أنها لأرسطاطاليسن وقرأها بعض مشايخ الفلسفة فقال: هي من كلام بعض الملوك، ولا أقف منها على أكثر مما حكيت، ولولا جلالتها في نفسها ما سقتها ها هنا، قال: أما بعد، فإن حقاً على المرء أن ينظر إلى محاسن الناس ومساوئهم، وموقعها منهم في منافعها ومضارها، فيلتمس المنافع لنفسه من مثل ما نفعهم، وينفي المضار عنها من مثل ما ضرهم، فيوظف للأمور وظائفها ويجعل بين طبقاتها حدوداً يزايل بينها، ثم يأخذ نفسه بتأديبها في إحياء علم ما يعلم من الأمور بالعمل، واستجلاب علم ما جهل منها بالتعليم، ثم لا يكون تأديبه لنفسه في غير وقت واحد ولا معلوم، فإنه واجد في كل حين من أحايين الدهر، وطبقة من طبقاته التي هو راكبها في كل حال من حالات نفسه التي تتحرك من ضروب النصب واللهو موضع تأديب وتقويم لها حتى لا يكون لأهل طبقة من الطبقات، رفيعة كانت أو وضيعة، عليه في طبقته التي يشاركهن فيها فضل، فإن امرءاً لا يلتمس أن يكون له فضل على طبقة من الطبقات إلا دعاه فضله

عليهم إلى الرغبة عنهم حتى يترقى في منزلته إلى مشاركة أهل المنزلة التي فوق منزلته، كأن طلب الراحة يذهب بالراحة ويورث النصب، وترك التأديب ضرر، وذو الضرر نصب عليل فقير، فمنهاج التأديب تيقظ المرء لطلب الأدب، ثم لا يمنعك عصيان النفس من إدامة تيقظها، فإن الحاجة إليها مع حبها للراحة سيحملها على طلب الراحة ببعض الطاعة، فإذا همت النفس ببعض الإجابة كان أول ما تؤخذ به إعطاء الدين حقه وإشعار النفس حظها، ثم الاستكثار من فوائد الإخوان، فإن كثرتهم تقيل العثرة، وتنشر المحمدة، وتعهد الإخوان بالملاطفة، فإن التارك متروك، ثم تعهد إخوان الإخوان، فإن إخوان الإخوان من الإخوان بمنزلة العلم المستدل به على الوفاء، ثم تعهد أهل المكاثرة المشبهين بالإخوان بالصبر عليهم، إما طمعا في تحويل ذلك عنهم صدقاً، وإما اتقاء كلمة فاجرة أتت من لفظ مائق، ثم تعهد الضعفاء على المسكنة وأهل الزمانة عند الضعف، والعقب عند الموت، ثم حسن التعاطي إن كان لك فضل بإسقاط المنة وإحراز الفضل، والسخط على نفسك في التقصير، ثم تعهد الملوك بالتقريظ والملازمة، فإن همتها في أنفسها الامتداح، وفي الناس الاستعباد، ثم تعهد النصحاء بالخلوة، فإن نصيبهم منك واستفادتك منهم في الخلوة، ثم تعهد الصلحاء بالمصافاة لتعرف بالخير وتتسم به، ثم تعهد الأكفاء بالمكارم فإنها تحسن العمل وتثمر الإخاء، ثم تعهد الحامد بتفتيش

الدخلة، ثم تعهد ضعفاء ذوي الرحم بالرحمة وأقويائهم بالتعليم، ثم تعهد الأعداء ذوي التنصل بالمغفرة، وذوي الاعتراف بالرأفة والرحمة، ثم تعهد الحساد بالمغايظة، وأهل البغي بالعزيمة، وأهل المشاتمة بالمحقرة، وأهل المواثبة بالوقار في الأمر في الشبهات بالكف، والمجهولات بالإرجاء، والواضحات بالعزيمة، والمستترات بالبحث، ثم إحياء العذر عند المداهنة، والتجميل عند الغيظ، والكظم عند الغضب، والوقار عند المستجهلات، ثم تعهد الجار بالرفق، والقرين بالمواساة، والصاحب بالمطاوعة، والزائر بالتحفة، ثم صحبة الملوك بكتمان السر، وتقريظ الأفعال، ثم قس بين خيار إخوانك وشرارهم، ثم انظر أي الفريقين تستجمع لك به مودتهم، فإن تشبهك بخيارهم يزيدك عند شرارهم نفاقاً، والسلام. قال أعرابي في وصف قوم: ألحاظهم سهام، وألفاظهم سمام. قال أعرابي: لاتنظر إلى صغر جرمه، وانظر إلى عظيم جرمه. وقال آخر: قد يكدي الجاد ويكل الحاد قال أعرابي في وصف كلام: قد رعى الشيح، واستنشق تلك الريح. قال أعرابي: من شاخ باخ.

قال أعرابي: علم الكلام في وجهه يلوح، ونشر الجود من ثوبه يفوح، والمجد يغدو معه ويروح. وقال أعرابي: من كره النطاح، لم ينل النجاح. آخر: الصبر مر، لا يتجرعه إلا حر. قال ثعلب في المجالسات: أشرف عبد الملك على أصحابه وهم يذكرون سيرة عمر رضي الله عنه، فغاظه ذلك فقال: حسبكم من ذكر عمر فإنه إزراء بالولاة، ومفسدة للرعية. قال ثعلب، قال ابن عائشة: قال قنيع النصري يهجو موسى ابن عمرو بن سعيد بن العاص: كل بني العاصي حمدت عطاءهم ... وإني لموسى في العطاء للائم وليس بمعط نائلاً وهو قاعد ... وحسبك من بخل امرئ وهو قائم فإن يك من قوم كرام فإنه ... ذنابى أبت أن تستوي والقوادم قال ثعلب، قال السدي: أتيت كربلاء أبيع البز بها، فعمل لنا شيخ من طيء طعاماً فتعشينا عنده، فذكرنا قتل الحسين بن علي رضي الله

عنهما، فقلنا: ما شرك أحد في قتله إلا مات بأسوأ ميتة، فقال: ما أكذبكم يا أهل العراق قال أنا ممن شرك في ذلك، فلم يبرح حتى دنا من المصباح وهو يتقد بفنط، فذهب ليخرج الفتيلة فأخذت النار في لحيته، فعدا وألقى نفسه في الماء، فرايته كالحممة من ساعته، لا رحمه الله. قال ثعلب: فلج الرجل على خصمه يفلج فلجاً وفلوجاً. قال ثعلب: نزلت بسحسحه، وعقوته، وعرصته، وعذرته، وعقاته، وعقاره، وعراقه وعيقته، وعراته، وعراه، وعرقانه، وحراه، ليس فيها شيء مهموز الألف. قال ثعلب: سمع هشام بن عبد الملك زيد بن علي يقول: ما أحب أحد الحياة إلا ذل، قال: فخامة منذ سمع ذلك منه. كان الحسين بن زيد يلقب ذا الدمعة وذلك لكثرة بكائه، فقيل له في ذلك فقال: وهل تركت النار والسهمان لي مضحكاً؟ يريد السهمين اللذين أصابا زيد بن علي ويحيى بن زيد بخراسان.

قال ثعلب: هو يتحوف مالي، أي يأخذ من أطرافه. ويقال: ما في السماء طخاء وطحاء: هو الرقيق من الغيم. قال أبو عبيدة: مخسول: مرذول؛ ويقال: حبج إذا ضرط؛ ويقال: احتمس الديكان واحتمشا إذا اقتتلا؛ ويقال: حمس الشر وحمش إذا اشتد؛ ويقال: جاحس في القتال وجاحش. عن الأصمعي: وتنسمت منه علماً وتنشمت أي أخذت وأتيته بسدفة من الليل وشدفة، وهو السدف والشدف. ويقال: رجل غديان وعشيان وصبحان وقيلان وغبقان، من الصبوح والقيل والغبوق. قال ثعلب: قال معاوية لعتبة يوم الحكمين: يا أخي، أما ترى ابن عباس قد فتح عينيه ونشر أذنيه، ولو قدر أن يتكلم بهما فعل؟ وغفلة أصحابه مجبورة بيقظته، وهو رجلهم، وهي ساعتنا الطولى، فاكفنيه؛ قال: قلت: بجهدي؛ قال: فقعدت بجنبه، فلما أخذ القوم في الكلام أقبلت عليه

بالحديث، فقرع يدي وقال: ليست ساعة حديث، فأظهرت غضباً وقلت: يا ابن عباس، إن ثقتك بأحلامنا أسرعت بك إلى أعراضنا، وقد والله تقدم فيك العذر، وكثير من الصبر، قم أوزعته؛ فجاش به مرجله حتى ارتفعت أصواتنا، فأخذوا بأيدينا فنحوني عنه ونحوه عني؛ قال: فأتيت عمرو بن العاص فرماني بمؤخر عينه، أي ما صنعت؟ فقلت: كفيتك التقوالة، فحمحم كما تحمحم الفرس للشعير، وفات ابن عباس أول الكلام فكره أن يتكلم به في آخره. قال ثعلب: مر رجل بأعرابية بالمناخ بالكوفة تمرض أخاً لها في شدة أصابتهم، ثم راح بالعشي فسأل عنه فقيل: دفناه، وإذا هي تأكل سويقاً معها قد خلطته باللبن، فقال لها الرجل: ما أسرع ما نسيت أخاك وأكلت، فقالت: على كل حال يأكل المرء زاده ... على البؤس والضراء والحدثان أنشد ثعلب:

ألا ذهب الشهاب المستنير ... ومدرهنا الكمي إذا نغير ووهاب المئين إذا ألمت ... بنا الحدثان والأنق الصبور ذهب إلى أن الحدثان والحوادث واحد. قال: الحمولة: الإبل الكبار، والفرش: الصغار؛ وسمعت أبا حامد يقول: عيب على أبي علي الجبائي في كتابه في التفسير حين ذهب في الفرش إلى ما يفرش؛ وسمعت بعد من يقول: الكسائي قال ذلك، والناس على أن الفرش الصغار من الإبل. قال ثعلب: قالت امرأة في ابنها: ظني به له لو قد جثوا على الركب ... وابتدروا الحرب بحد وغضب أن سوف يلفى إربة من الإرب الإربة: الداهية. قال ثعلب: وقالت أخرى في ابنها: لو ظمئ القوم فقالوا من فتى ... يحلف لا يردعه خوف الردى

فبعثوا سعداً إلى الماء سدى ... في ليلة بيانها مثل العمى بغير دلو ورشاء لأستقى ... أمرد يهدي رأيه رأي اللحى وقال ثعلب: الخبيئة ما خبأته، والبينة ما جعلته بين يديك وقال في قوله تعالى: " ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب " النحل: 116، رده على الألسنة والكذب رد على ما قاله. للحارث بن خالد: لعمري لئن لم يجمع الله بيننا ... بما شاء لا نزداد إلا تماديا أعد الليالي مذ نأيت ولم أكن ... بما نلت من عيشي أعد اللياليا أخاف انقطاع العيش دون لقائكم ... بأرض ولو منيت نفسي الأمانيا إذا ما بكى ذو الشجو أصغيت نحوه ... وآسيته بالشجو ما دام باكيا قال أعرابي وقد سئل عن رجل فقال: إن ملك عسف، وإن أنفق أسف، وإن حدث جزف، وإن صافيته تكبر، وإن أظهرت له النصح أنكر، النظر إليه غيظ، والصبر عليه غصة، والفكر فيه حيرة، والقرب منه معرة.

قال العتبي: خرج النعمان بن المنذر متنزهاً إلى بادية له، فدعا بطعامه، فأقبل أعرابي يمشي مشي النعامة حتى قعد على السفرة، فجعل يلف العظم باللحم والقوم ينظرون إليه، فقال: لا ينظر إلينا من يشبع، فإن الجائع كالجشع، فقال: النعمان: ما اسمك؟ قال: أبيت اللعن، نعامة، قال: وأي اسم نعامة؟ قال: أبيت اللعن، إن الاسم علامة وليس بكرامة، ولو كان ذلك كذلك لاشترك الناس في اسم واحد. قيل لعيسى بن مريم عليه السلام: ألا تتزوج؟ قال: وما أصنع بزوجة تموت؟ قيل: أفلا تنبي؟ قال على طريق السبيل أبني. لما زوج شبيب بن شبية ابنه قصده الناس وقالوا: اليوم يهب هبوبه، فما زاد على أن حمد الله تعالى وأثنى عليه وقال: أما بعد، فإن المعرفة منا ومنكم وبنا وبكم تمنعنا من الإكثار، وإن فلاناً ذكر فلانة. قال العتبي: قدم أبو علاثة على طلحة بن عبد الله بن خلف وهو صاحب سجستان، فقال: أرثيت أبي؟ قال: نعم، وأنشده: ألم يأت فتيان السماحة أنني ... عقرت على قبر الجواد جوادي فما زاد شيئاً عقره إذ عقرته ... سوى أنني منه شفيت فؤادي

قال: أو فعلت ذلك؟ قال: لا، قال: ولم؟ قال: كان أعجف، قال: لو فعلت لأعطيتك عطية لم يأخذها شاعر قط، ولكن لا أخيبك، فأعطاه اثني عشر ألفاً. كاتب: أنا في ثوب المسرة أرفل، ونجم الوحشة مني آفل. قال المأمون لطاهر: صف لي عبد الله ابنك؟ قال: إن مدحته هجوته، وإن هجوته ظلمته، ولد الناس ابناً وولدت والدت، يحسن ما أحسن ولا أحسن ما يحسن. قال العتبي: طلب ابن عم لي الولد بعد نيف وتسعين سنة، فقلت له في ذلك فقال: سبقته باليتم قبل أن يسبقني بالعقوق. قال النبي صلى الله عليه وعلى آله لرجل، ورأى معه صبياً: من هذا؟ قال: ابني، قال: أمتعك الله به، أما إني لو قلت لك: بارك الله لك فيه قدمته. قال ابن الأعرابي: بنات الليل أهواله، والصبر عليه وعلى سراه وشدة الطلب فيه.

قال المأمون: لم أر أشجى من مرتجز بحدو، ومرتجل يشدو. نظر بعض السلف إلى رجل يسب آخر في كلام جرى بينهما فقال: يا هذا تملي على حافظيك كتاباً، فانظر ما تقول. هذا آخر الجزء التاسع وسنتبعه بالعاشر على ما يعز ويهون، وعلى الله تعالى المعونة فيما أوجب المنة، ونفى الظنة، فقد والله برمت بهذا الكتاب لسوء التأتي في النقل، وقلة الإصابة عند الرواية؛ نعم، ولحال قد وقفت على مدرجة الناس، بين قوم إن بسطت حديثهم، وذكرت خبيثهم، وما يضمرونه ويظهرونه من سوء النيات، وخبث الطويات، والمطالبة لأهل الفضل بالأوتار، وصدودهم عن الأحرار، كنت مجانياً للأدب المرضي، والعادة الحسنة، وإنما أقول هذا لأني قد عدمت من أهل زماني رئيساً يرغب في المكارم، ويتشوف إلى المحامد، ويرى اصطناع الجميل كنزاً، والإحسان إلى الأحرار ذخراً، ويتبجح بالكرم، ويباهي بالمعروف، ويأخذ بالفضل الذي هو به أشكل، وهو منه أجمل، وبه أليق، فيعينني على تمام الكتاب، رغبة في الذكر، وتوخياً للثواب، والسلام. والحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه وسلم تسليماً.

§1/1