البركة في الرزق والأسباب الجالبة لها في ضوء الكتاب والسنة
عبد الله السوالمة
مقدمة
المقدَّمة الحمد لله خالق الخلق، وباسط الرزق، فتنة وابتلاءً منه لعباده ليميز الطائعين الشاكرين من العاصين الجاحدين. والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. وبعد؛ فقد جعل الله سبحانه وتعالى رزقه يسع كل حيٍّ من مخلوقاته فضلاً منه ورحمة، فقدَّر رزق الإنسان، وكتبه والإنسان في بطن أمه، كما جاء عند مسلم1: "إنَّ أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه، ... ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله وعمله، وشقي أو سعيد ... ". وصح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي الدرداء أنه قال: "إن الرزق ليطلب العبد كما يطلبه أجله". عند كل من ابن أبي عاصم2 والدراج3 والبزار4 وابن حبان5، والطبراني في الكبير6، والبيهقي7، بهذا اللفظ إلا أنه فيه عند الطبراني "أكثر مما يطلبه أجله" صححه البزار، وابن حبان، وقال الهيثمي رجاله ثقات8، وقال المنذري عقبه: رواه الطبراني بإسناد جيد. وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله قَسَمَ بينكم أخلاقكم كما قَسَمَ بينكم أرزاقكم ... "
من حديث ابن مسعود رواه أحمد1 والحاكم2، وهو مطول عندهما وهذا جزء منه. وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وذكره الهيثمي في (مجمع الزوائد) في ثلاثة مواطن من حديث ابن مسعود فقال في مرة: رواه أحمد ورجال إسناده بعضهم مستور وأكثرهم ثقات3، وقال في موطن: رواه الطبراني موقوفًا، ورجاله رجال الصحيح4، وقال في الموطن الأخير5: رواه أحمد ورجاله وثقوا وفي بعضهم خلاف. ولحكمة أرادها الله - سبحانه وتعالى - جعل هذا التقدير، والتقسيم للأرزاق خافيًا على العباد مغيبًا عنهم، {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} 6. كما شاءت إرادته جل وعلا أن جعل المال محببًا إلى النفوس مرغوبًا فيه سجية وطبعًا فقال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا…} 7، وقال: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً} 8. وما من شك في أن المال فيه خير للإنسان إن أحسن استعماله في محاله وقد سماه تعالى خيرًا إذ قال: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ} 9.
وقال صلى الله عليه وسلم: "نعم المال الصالح للرجل الصالح" طرف من حديث طويل لعمرو بن العاص - رضي الله عنه - عند أحمد1، والطبراني2، وأبي يعلى3، هذا لفظ أحمد والطبراني، وعند أبي يعلى: "يا عمرو نعمَّا بالمال الصالح للرجل الصالح"، وقال الهيثمي4: رجال أحمد وأبي يعلى رجال الصحيح، وقال العراقي: سنده جيد5. فالمال خير، وهو محبوب وصالح لازم لقضاء مصالح الإنسان في معاشه ومعاده إذ هو وسيلة لأداء كثير من العبادات من حج وعمرة، وزكاة، وصدقات، وكفارات ونذور، وصلة أرحام، وطلب علم وغيرها من المصالح. والرزق وإن كان مكتوبًا بقضاء الله عز وجل كما سلف إلا أنه - سبحانه - يقضي ما يشاء بأسباب جعلها موجبة لمسبباتها مقتضية لها؛ ولهذا جاء الحض والأمر بالسَّعي في طلب الرزق أخذًا بالأسباب للازدياد من الخير وحصول البركة في المال، لكي تستمر الحياة عى وجه الأرض، فيكف الإنسان وجهه عن سؤال الآخرين ويتجنب ذلَّ الحاجة والعوز في معيشته. وحتى يكون سعي الإنسان في طلب الرزق حسنًا مباركًا فيه رابحًا مشكورًا عليه، لا خسارة ووبالاً مردودًا عليه فقد أرشده الإسلام إلى دخول بيوت الرزق وحصول البركة والنماء فيه من أبوابها، وسلوك الأسباب الجالبة للخيرات والبركات دون غيرها.
ولما كان كثير من الناس - منذ زمن ليس بالقليل - قد ملك حب المال قلوبهم، واستولت شهوته تمامًا على نفوسهم، وكأنهم لأجل ذلك وحده خلقوا، فشمَّروا عن ساعد الجد، راكبين الصعب والذلول في الحصول على الأرزاق وتكثير الأموال، غير مكتفين في هذا الطلب والسعي بدخول بيوتات الرزق من أبوابها، بل مقتحمين من كل نافذة وطاقة بكل حرص وشراهة، غير متقيدين بالطرق المشروعة، ولا مبالين بالنتائج المقبوحة، وهم - مع هذا - أو أكثرهم يكثر الشكاية من القلة في الرزق، ومحق البركة من الرواتب والأموال، وعدم التوفيق في شؤون الحياة ومصالحها. لهذا فقد رأيت أن أسهم بتذكير نفسي أولاً ثم بتذكير إخواني ثانيًا بكتابة هذا البحث "البركة في الرزق، والأسباب الجالبة لها"، الذي أرجو أن يكون نافعًا في بابه، وسببًا من الأسباب التي يشاء الله - عز وجل - إجراءها وسوقها لنفع عباده، وتذكيرهم ببعض مالهم وما عليهم فيما يخصهم في أرزاقهم. وقد جعلت هذا البحث منتظمًا في مقدمة، ومبحثين، وخاتمة، وفهرسين، وذلك على النحو الآتي: 1 – المقدمة: وفيها الإشارة إلى أهمية الموضوع، وسببه، وخطته. 2 - المبحث الأول: وفيه مطلبان. الأول: فيه شرح بعض الألفاظ الواردة في عنوان البحث، مع الإشارة إلى حدود البحث. الثاني: فيه المنهج الذي سرت عليه في أثناء البحث. 3 - المبحث الثاني: ويشتمل على أهم الأسباب الجالبة للبركة، وفيه عشرة مطالب هي: المطلب الأول: تقوى الله - عز وجل - والتقرب إليه بالطاعات: (الصلاة، الحج والعمرة، الزكاة وما يتبعها من صدقات، وصلة أرحام) .
المطلب الثاني: التوكل على الله - سبحانه وتعالى - مع الأخذ بالأسباب. المطلب الثالث: التسمية في كل الأحوال. المطلب الرابع: الذكر والدعاء. المطلب الخامس: شكر الله تعالى وحمده. المطلب السادس: التوبة والاستغفار. المطلب السابع: السعي في الكسب وطلب الرزق أخذًا بالأسباب: (الكسب الحلال المباح، الصدق والأمانة في التعامل، البكور في طلب الرزق) . المطلب الثامن: القناعة والعفاف والإجمال في الطلب. المطلب التاسع: الاقتصاد في المعيشة: (حسن التدبير والاقتصاد في المعيشة، كيل الطعام) . المطلب العاشر: اتباع السنة. 4 - الخاتمة: وفيها أهم النتائج. 5 – فهرس المصادر والمراجع. وختامًا أحمد الله - تعالى - وأشكره على أن وفقني لمثل هذا الموضوع، وأعانني على إتمامه، فإن وافقني في هذا العمل الرشد والصواب فذلك من فضل الله وتوفيقه وتمام إنعامه، وإن حصل فيه شئ من خطأ أو مجانبة للصواب، فذلك من تقصيري ومن الشيطان، وأستغفر الله منه، وعزائي أنني عملت ما بوسعي أن أعمله، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين لا شريك له.
المبحث الأول
المبحث الأول المطلب الأول: شرح بعض الألفاظ الواردة في عنوان البحث مع الإشارة إلى حدود البحث ... المبحث الأول وفيه مطلبان: المطلب الأول: شرح بعض الألفاظ الواردة في عنوان البحث مع الإشارة إلى حدود البحث 1- البركة: محركة، هي النماء والزيادة والسعادة1. وبنحو هذا اللفظ قال ابن منظور2، وقال الزجاج: " (تبارك) : تفاعل من البركة، ومعنى البركة: الكثرة في كل ذي خير3. وقال ابن كثير: تبارك، تفاعل من البركة المستقرة الثابتة الدائمة4". وقال ابن الأثير: قوله صلى الله عليه وسلم: "وبارك على محمد وعلى آل محمد"5، أي أثبت له وأدم ما أعطيته من التشريف والكرامة، وهو من (بَرَك البعير) إذا أناخ في موضع فلزمه. قال: وتطلق البركة - أيضًا - على الزيادة والأصل
الأول1. وقال النووي: عند قوله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} 2، قيل: معناه ثبت الخير عنده، وقيل: تعالى إلى، والبركة العلو والنماء ... وأصله من البروك وهو الثبوت. ومنه بِركة الماء، وبَرْكة البعير3. وقد أكَّد الحافظ ابن حجر ما ذكره ابن الأثير والنووي فقال عند قوله "وبارك على محمد": المراد بالبركة هنا: الزيادة من الخير، والكرامة ... وقيل المراد: إثبات ذلك واستمراره من قولهم بركت الإبل أي ثبتت على الأرض، وبه سميت بركة الماء، بكسر أوله لإقامة الماء فيها، والحاصل أن المطلوب أن يعطوا من الخير أوفاه، وأن يثبت ذلك ويستمر دائمًا4. مما سبق يتضح أن البركة هي النماء والزيادة من الخير، مع ثبوت هذا الخير واستقراره ودوامه واستمراره عند صاحبه، والله أعلم. ومن الجدير بالذكر - هنا - أن البركة ليس بالضرورة أن تكون دائمًا مقصورة على الشيء الكثير فقط، بل قد تكون في الشيء القليل كما تكون في الشيء الكثير. وهذا ما أشار إليه الحافظ ابن حجر عند حديث حكيم بن حزام5 الذي جاء فيه: "ومن أخذه - يعني المال - بإشراف نفس لم يبارك فيه، كالذي يأكل ولا يشبع ... ". قال الحافظ: فيه ضرب المثل لما لا يعقله السامع من الأمثلة، لأن الغالب من الناس لا يعرف البركة إلا في الشيء الكثير فبين بالمثال المذكور أن البركة هي
خلق من خلق الله تعالى، وضرب لهم المثل بما يعهدون1. ومن المهم أن يعلم أيضًا أن البركة قد تكون جلية، وقد تكون خفية، كما قد تكون مثوبة أخروية. فالبركة الجلية: هو ما يشاهد كثيرًا بالعادة من كثرة الخير وسوق الرزق للإنسان، ونمائه عند صاحبه وما يرافق ذلك من توفيق، وتيسير في الحصول على الرزق، ونحوه. والبركة الخفية: قد تكون بدفع المضرات والجوائح والآفات عن الرزق، وعدم تعرض الإنسان للحوادث المرورية مثلاً أو الأمراض الخطيرة، ونحوه مما يأتي على جانب كبير من رزقه، وقد ذكروا بأن الغنم أو الأنعام إذا أنتجت الإناث فهذا من البركة الخفية لأنها تنمو وتتضاعف، وإذا أنتجت الخراف أو الذكور فهذا من المحق الخفي. والله أعلم2. وأما البركة الأخروية وهو النماء ومضاعفة الأجر في الأعمال الصالحة فهذا واضح ويلحظ ذلك في كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. لكن مقصود البحث هو إظهار البركة بقسميها الجلي والخفي دون البركة الأخروية مما اقتضى ذكر التنبيه المثبت في آخر هذا البحث، في (ص83) . 2 - الرزق: الرزق بالكسر، ما ينتفع به كالمرتَزق، والمطر، والجمع أرزاق، وبالفتح، المصدر الحقيقي3. وقال ابن منظور: الرَّزق بفتح الراء هو المصدر الحقيقي، والرِّزق بالكسر هو الاسم، ويجوز أن يوضع موضع المصدر، قال: والرزق معروف، والأرزاق
نوعان: ظاهرة للأبدان كالأقوات، وباطنة للقلوب والنفوس كالمعارف والعلوم1. وقال الجرجاني: "الرزق اسم لما يسوقه الله إلى الحيوان فيأكله، فيكون متناولاً للحلال والحرام. وعند المعتزلة: عبارة عن مملوك يأكله المالك، فعلى هذا لا يكون الحرام رزقًا2 ". لكن قال القرطبي: "الرزق، حقيقته ما يتغذى به الحي، ويكون فيه بقاء روحه ونماء جسده، ولا يجوز أن يكون الرزق بمعنى الملك، لأن البهائم ترزق وليست يصح وصفها بأنها مالكة لعلفها3 ". وقال في موضع آخر - عند قوله تعالى -: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} 4: رزقناهم: أي أعطيناهم، والرزق، العطاء، وهو - عند أهل السنة - ما صح الانتفاع به حلالاً كان أو حرامًا5. قلت: والرِّزق المعنون به هذا البحث، والمستعمل في كل جزئياته إنما هو الرزق الحلال، إذ لا يمكن تصور حصول البركة في الرزق الحرام، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فلئن كان الرزق يشمل - أيضًا - العطايا والمنافع الظاهرة والعطايا الباطنة كما مر، فإن المعوَّل عليه - هنا في هذا البحث - إنما هو الرزق الظاهر، وهو ما يكون بمعنى المال، إذ بين الرزق والمال عموم وخصوص من وجه فكل مال رزق، وليس كل رزق مالاً، لكن يستعمل أحدهما محل الآخر كثيرًا، ولا إشكال في ذلك، وباستقراء الأحاديث الواردة في هذا البحث وما
جاء فيها من ذكر البركة، فهي تستعمل مقرونة باللفظين، بل هي مستعملة مقرونة بالرزق أكثر من غيرها، وغالبًا ما يكون الرزق هنا بمعنى المال، وهذا ما دفعني إلى ذكر الرزق في العنوان بدلاً من المال، وإن كان الأمران جائزين، وإذا كان ذلك كذلك فالمال هو: ما ملكته من جميع الأشياء، والجمع أموال، كما قال ابن منظور1. وقال ابن الأثير: "المال في الأصل ما يملك من الذهب والفضة، ثم أطلق على كل ما يقتنى ويملك من الأعيان، وأكثر ما يطلق المال عند العرب على الإبل؛ لأنها كانت أكثر أموالهم، ثم قال: وقد تكرر ذكر المال على اختلاف مسمياته في الحديث ويفرق فيها بالقرائن2 ". وقال عبد السلام العبادي: "المال ما كان له قيمة مادية بين الناس وجاز شرعًا الانتفاع به في حال السعة والاختيار "3. 3 - في ضوء الكتاب والسنة: أي من خلال هدايتهما وما تضمنته نصوصهما من معانٍ يسترشد بها، وما تضفيه تلك النصوص من ظلال عامة، إذ ليس المقصود في هذا البحث استقصاء جميع النصوص المتعلقة بهذا الموضوع، كما أنه لم يكن بالإمكان حصر جميع الأسباب الجالبة للبركة في الرزق واستيعابها على وجه الدقة في مثل هذا البحث، وإن كنت قد أتيت على ذكر معظم الأحاديث التي ذكرت البركة وأسبابها، كما أنني قد حاولت التأصيل لمعظم الأسباب التي تستجلب بها البركة في الأرزاق، وذلك من خلال نصوص الأصلين الأصيلين: القرآن، والسنة، وهدايتها، والله الهادي إلى سواء السبيل.
المطلب الثاني: المنهج الذي سرت عليه في أثناء البحث
المطلب الثّاني: المنهج الّذي سرت عليه في أثناء البحث إن منهج أي بحث وإن لم يُبرز ويذكر صراحة إلا أنه ليس مثل هذا مما يخفى على أهل الاختصاص، الذين يقرؤون البحث ويعايشونه، بيد أنني سأشير هنا إلى بعض النقاط التي تبرز منهجي في هذا البحث، تاركًا الأمور الأخرى لمن يقرأ هذا البحث ويتتبع جزئياته، فمن الأمور التي سرت عليها في بحثي ما يلي: 1- قمت بانتقاء الآيات الكريمة، والأحاديث والآثار التي تخدم البحث بشكل واضح ومباشر، وقد أتخطى- أحيانًا - إلى النصوص التي فيها نوع خدمة غير مباشرة لكنها تصلح لتعضيد ودعم ما قصدته من تأصيل بعض المسائل. 2- قمت في ضوء هذه النصوص بالتأصيل لمسائل البحث العامة وبيان الجزئيات المندرجة تحت كل منها. 3- وعلى الرغم من قبول الأحاديث الضعيفة القريبة الضعف في مثل هذه الموضوعات بشكل عام إلا أنني حاولت - جاهدًا - اختيار وانتقاء الأحاديث المقبولة من صحيحة وحسنة بقسمي كل منهما، محاولاً البحث عن أقوال العلماء في الحكم على الحديث وبيان درجته خاصة إذا لم يكن الحديث من أحاديث الصحيحين أو أحدهما. 4- قمت بعزو الآيات القرآنية وذلك ببيان موضع الآية من السورة. 5- كما قمت بتخريج الأحاديث وبيان مواضعها من كتب السنة الأصلية المعتمدة. 6- قمت بتتبع أقوال العلماء من مفسرين وشراح للحديث لاختيار ما أراه مناسبًا من أقوالهم لتوظيفها في فهم النصوص وتوجيهها، محاولاً توجيه هذه الأقوال، وبيان ما يستخلص أو يستنتج منها.
7- قمت بشرح الغريب بالرجوع إلى كتب اللغة أو كتب الغريب. 8- اكتفيت في أثناء العزو في الهامش بذكر اسم المرجع مختصرًا، وذلك لأنني ذكرت اسم الكتاب كاملاً في (فهرس المراجع) في آخره. 9- ذكرت الأحاديث الواردة في البحث في فهرس مرتبة على أحرف الهجاء ليسهل الوقوف عليها في البحث، وذلك لأنها أحاديث كثيرة ومختارة، هذا والله أعلم.
المبحث الثاني: الأسباب الجالبة للبركة في الرزق
المبحث الثاني: الأسباب الجالبة للبركة في الرزق المطلب الأول: تقوى الله - عزوجل - والتقرب إليه بالطاعات ... المبحث الثّاني: الأسباب الجالبة للبركة في الرّزق وهو في عشرة مطالب: المطلب الأوّل تقوى الله - عزّ وجلّ - والتّقرّب إليه بالطّاعات لقد أمر الله سبحانه عباده أن يتقوه حق التقوى، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 1، ثم بيَّن سبحانه في آية أخرى أن التقوى تكون بحسب الاستطاعة ومقدور الإنسان فقال: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا} 2. كما تكفَّل - سبحانه وتعالى - لمن يتقي الله فيما أمره واجتناب ما نهاه عنه بأن ينجيه من كل كرب مما ضاق على الناس، ويرزقه من حيث لا يرجو ولا يخطر بباله، ويقنعه بما رزقه، ويبارك له في رزقه، وتمثَّل هذا بقوله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} 3. وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "لا يقدر رجل على حرام ثم يدعه ليس به إلا مخافة الله إلا أبدله الله في عاجل الدنيا قبل الآخرة ما هو خير له من ذلك". علقه كل من ابن جرير4، وابن أبي حاتم5
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - وعزاه السيوطي1 إلى عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، ولم أقف على من وصله، لكن جاء عند أحمد في غير موضع وبأسانيد عن أبي قتادة وأبي الدهماء - رضي الله عنهما - قالا: أتينا على رجل من أهل البادية فقال البدوي: أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يعلمني مما علمه الله تبارك وتعالى وقال: "إنك لن تدع شيئًا اتقاء الله جل وعز إلا أعطاك الله خيرًا منه"2، وقال الهيثمي: "رواه أحمد بأسانيد ورجاله رجال الصحيح"3. قلت: والواقع العملي خير شاهد لمثل هذا، ومن هذا ما جاء في قصة يوسف - عليه السلام - مع امرأة العزيز وامتناعه عن الوقوع في الحرام مع تهيئة جميع أسباب السلامة له، مخافة لله تعالى، وفي قصة الثلاثة الذين أووا إلى غار فانطبق عليهم، وأخذ كل واحد منهم يدعو الله بصالح عمله، وكان واحد منهم يحب ابنة عم له حباً شديدًا ويراودها عن نفسها مرارًا فتمتنع، ثم ألجأتها الحاجة إلى إجابته فلما أمكنته من نفسها وقعد بين رجليها، قالت له: اتق الله ... فانصرف عنها وهي أحب الناس إليه ... مخافة لله، ولا يخفى ما آل إليه أمر يوسف - عليه السلام - في الدنيا والآخرة من النعيم والكرامة والتمكين كما لا يخفى ما حصل لهذا المنصرف عن الفاحشة مع قدرته عليها مخافة لله تعالى من الفرج في الدنيا وانكشاف الشدة عنه وعن أصحابه الذين كانت لهم أعمال صالحة أيضًا4، والله أعلم.
كما جاء عند مسلم من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - يرفعه: "إن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طعمة من الدنيا، وأما المؤمن فإن الله يدَّخر حسناته في الآخرة، ويعقبه رزقًا في الدنيا على طاعته"1. وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالأِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} 2. وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} 3، وقال أيضًا: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً} 4. في هذه الآيات الكريمات الإشارة بأن التقوى لله - عز وجل - واتباع كل ما جاء على ألسنة الأنبياء والمرسلين من عمل بالأوامر واجتناب للنواهي، ومنها الأمر لأهل الكتاب باتباع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم لأن كتبهم قاضية بذلك، آمرة به، كل ذلك سبب في نزول بركات السماء من الأمطار الغزيرة وإخراج بركات الأرض، وسعة الرزق والأكل المتواصل منه مع وجود البركات فيه5. قال القرطبي: "ونظير هذا {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} 6.
ولما كانت الفرائض التي فرضها الله - تعالى - على عباده هي أحب الأعمال إليه تعالى، فلذلك كان أداؤها أحب شئ إليه تعالى وأشد تقربًا منه، كما جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عند البخاري1 وحديث عائشة - رضي الله عنها - عند أحمد2 من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وما تقرَّب إليَّ عبدي بشئ أحبَّ إليَّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه" الحديث. اللفظ للبخاري، ولفظ أحمد بنحوه، وقال الهيثمي بعد عزو الحديث لأحمد: فيه عبد الواحد بن قيس بن عروة، وثقه أبو زرعة والعجلي وابن معين في إحدى الروايتين، ... وبقية رجاله رجال الصحيح3. ومن أبرز الفرائض والعبادات التي تقرب العبد بعد إيمانه وتقواه إلى مولاه، ويستجلب بها خيري الدنيا والآخرة، البركة في الرزق والسعادة والحبور في الحياة وبعد الممات، على سبيل المثال: (الصلاة، الحج والعمرة، الزكاة، والصدقات، وصلة الأرحام) . 1 - الصلاة: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} 4. وقال: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ} 1. وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُون، مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ، إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} 2. وقال تعالى أيضًا: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} 3. قال الحافظ ابن كثير: " قوله: {لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ} يعني إذا أقمت الصلاة أتاك الرزق من حيث لا تحتسب، كما قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} 4، وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُون} 5 " أ?. وكان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه6 أمر صلَّى كما جاء عند أبي داود7، وأحمد8، ومن طريق أحمد رواه أبو نعيم9 من حديث حذيفة - رضي الله عنه - سكت عليه أبو داود. وقال المنذري10: وذكر بعضهم أنه مرسل. وقد ذكر المزي11
الروايات المسندة والروايات المرسلة ولم يرجح، لكن أفاد ابن حجر1 أن بعضهم ذكر عبد العزيز ابن أخي حذيفة في الصحابة على أنه أخو حذيفة بن اليمان فروى حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم وصوب أبو نعيم وتبعه ابن حجر بأنه ابن أخي حذيفة كما جاء عند أحمد وأبي داود. وقد اكتفى ابن القيم بعزو الحديث إلى المسند فقط ساكتًا عليه2. قلت: والحديث قابل للتحسين، وقد حسنه الألباني3. وقد جاء عند الترمذي4، وابن ماجه5، وأحمد6 في الحديث القدسي المرفوع: "إن الله سبحانه يقول: يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنىً وأسدُّ فقرك، وإن لا تفعل ملأت يديك شغلاً ولم أسُدَّ فقرك" وحسنه الترمذي، واللفظ له، وقريب منه لفظ أحمد وابن ماجه فجاء فيهما لفظ "ملأت صدرك" بدلاً من "يديك"، وقال الألباني: صحيح7. وعند الترمذي8 أيضًا من حديث أنس - رضي الله عنه - مرفوعًا: "من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من
الدنيا إلاَّ ما قدر له"، وقال الألباني صحيح1. وعند ابن ماجة2 من حديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه - مرفوعًا بنحو حديث أنس السابق. وقال البوصيري3: إسناده صحيح رجاله ثقات، وقال الألباني - أيضًا -: صحيح4. وأحسن ابن قيم الجوزية إذ قال: "الصلاة من أكبر العون على تحصيل مصالح الدنيا والآخرة، ودفع مفاسد الدنيا والآخرة، وهي منهاة عن الإثم، ودافعة لأدواء القلوب، ومطردة للداء عن الجسد، ومنوِّرة للقلب، ومبيِّضة للوجه، ومنشطة للجوارح والنفس، وجالبة للرزق، ودافعة للظلم، وناصرة للمظلوم، وقامعة لأخلاط الشهوات، وحافظة للنعمة، ودافعة للنقمة، ومنزلة للرحمة، وكاشفة للغمة"5 أ?. وقال المناوي: "الصلاة معينة على دفع جميع النوائب بإعانة الخالق الذي قصد بها الإقبال عليه والتقرب إليه فمن أقبل بها على مولاه حاطه وكفاه لإعراضه عن كل ما سواه، وذلك شأن كل كبير في حق من أقبل بكليته عليه"6. 2 - الحج والعمرة: وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن المتابعة بين الحج والعمرة يسبب الغنى، ويطرد
الفقر، فقد جاء في حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - وغيره عند كل من الترمذي1، والنسائي2 وابن ماجه3 (لكن عند هذا الأخير من حديث عمر - رضي الله عنه -) ، وأحمد4، أنه قال صلى الله عليه وسلم: "تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد، والذهب والفضة وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة". وقال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب من حديث عبد الله بن مسعود، وفي الباب عن عمر وعامر بن ربيعة وأبي هريرة وعبد الله بن حبشي وأم سلمة، قلت: وهذا اللفظ للترمذي وأحمد في الموضع الأول، وعند النسائي قريبًا من هذا اللفظ، وعند ابن ماجه نحوه. قال المباركفوري قوله: "ينفيان الفقر" يحتمل الفقر الظاهر بحصول غنى اليد، والفقر الباطن بحصول غنى القلب5. 3 - الزكاة وما يتبعها من صدقات وصلة أرحام: أما الزكاة فقد جعلها - سبحانه وتعالى - طهرة للمال ولصاحبه وقيد النعمة بها على الأغنياء الموسرين فما زالت النعمة بالمال على من أدى زكاة ماله، فيحفظه الله عليه وينميه له، ويدفع عنه بها الآفات والمهلكات، ويجعلها سورًا عليه وحصنًا منيعًا وحارسًا أمينًا له. ولهذا قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ
صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} 1. وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - المرفوع عند كل من أبي داود2، والحاكم3، والبيهقي4: لما نزلت هذه الآية: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} 5، قال: كبر ذلك على المسلمين، وفيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب ما بقي من أموالكم، وإنما فرض المواريث لتكون لمن بعدكم". هذا لفظ أبي داود، وهو عند الحاكم، والبيهقي بنحوه، وقال الحاكم عقبه: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. قلت: والحديث عند أبي داود بسند متصل، رجاله ثقات لا مطعن في واحد منهم، ما خلا جعفر بن إياس (أبو بِشْر) فإنه وإن وثقه ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان، والعجلي، والنسائي، والبرديجي، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وقد احتج به الجماعة، إلا أن شعبة قال حديثه عن مجاهد من صحيفة - يعني أنه لم يسمع منه - وحديثه هنا هو من روايته عن مجاهد عن ابن عباس6، فالله أعلم. وقال تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} 7. قال القرطبي: "في معناه قولان: أحدهما: أنه تضاعف لهم الحسنات،
والآخر: أنهم قد أضعف لهم الخير والنعيم أي هم أصحاب أضعاف"1. وأما صدقات التطوع والإنفاق وصلة الأرحام: - وقد يدخل (أحيانًا) في مفهومها الصدقة الواجبة - فقد اهتم الإسلام بها اهتمامًا كبيرًا، وقد كان سيد البشر صلى الله عليه وسلم أعظم الناس صدقة بما يملك، وكان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وكان سروره بما يعطيه أعظم من سرور من يأخذ منه بما أخذ، وكان يؤثر على نفسه، هذا كله مع تنويع أساليب العطاء بحسب الحالات، وظروف من يعطيهم، وهكذا علَّم أصحابه وبهذا أمرهم وكان يدعو للمتصدق منهم، فتحصل لهم البركة بما أنفقوا وبما أصابهم من بركات دعائه صلى الله عليه وسلم. والآيات والأحاديث التي تبين أن الصدقة والإنفاق سبب في جلب الرزق وحصول البركة ودوام النعمة كثيرة، ومن ذلك قوله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} 2. قوله: {وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} : أي ينميها في الدنيا بالبركة، ويكثر ثوابها بالتضعيف في الآخرة3. وقال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} 4. أي أن الشيطان يعد الإنسان ويمنيه بالفقر وفقد الأموال، وذلك بتأدية الزكاة ويأمره بالمعاصي وترك الطاعات. بينما الله- عز وجل- يعد المؤمنين بغفران ذنوبهم وسترها بتأدية الصدقة، كما يعدهم أن يخلف عليهم فيتفضل عليهم من عطاياه ويسبغ عليهم في أرزاقهم5.
وقال ابن عطية في معنى قوله: {وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً} المغفرة، هي الستر على عباده في الدنيا والآخرة، والفضل، هو الرزق في الدنيا والتوسعة فيه والنعيم في الآخرة1. وقال تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} 2. قال القرطبي: "هذه إشارة إلى أن الخلف في الدنيا بمثل المنفق فيها إذا كانت النفقة في طاعة الله، والله تعالى يرزق من خزائن لا تفنى ولا تتناهى"3. وقال ابن كثير: "يخلفه عليكم بالبدل، وفي الآخرة بالجزاء والثواب4. ومن الأحاديث التي بهذا المعنى ما جاء عند مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم أنفق أُنفق عليك" 5، وفي الحديث الآخر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قال لي: أنفق أُنفقُ عليك" 6. وروى البخاري7، ومسلم8، وأحمد9 حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول
أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا"، هذا لفظ البخاري ومسلم، وهو عند أحمد بنحوه. ذكر ابن حجر أن الحديث فيه الترغيب في الإنفاق في وجوه البر، وأن ذلك موعود عليه بالخلف في العاجل بالزيادة وفي الآجل بالثواب1. وقال النووي: "الإنفاق الممدوح هنا ما كان في الطاعات وعلى العيال والضيفان والتطوعات"2. وقال القرطبي: "وهو يعم الواجبات والمندوبات"3. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - وغيره مرفوعًا، وفيه لفظ: "أنفق بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالاً" عند كل من البزار4، والطبراني5، وأبي نعيم6، والبيهقي في الشعب7، وعند بعضهم من حديث بلال وابن مسعود بنحوه أيضا. وقال البزار عقب حديث أبي هريرة: لا نعلم أحداً رواه عن يونس إلا مبارك، وقال عقب حديث بلال: مرسل. وقال الهيثمي: "إسناد البزار
والطبراني حسن"1. وقد أطلق العراقي2 أن الحديث ضعيف من جميع طرقه، لكن قال ابن حجر عقب حديث أبي هريرة: إسناده حسن3. وحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما عند كل من البخاري4، ومسلم5، وأبي داود6، والترمذي7، والنسائي8، وأحمد9، وعبد الرزاق10، والبيهقي11 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: "أنفقي ولا تحصي فيحصي الله عليك، ولا توعي فيوعي الله عليك". هذا لفظ عند البخاري ومسلم وأحمد إلا أنه قال عند مسلم "انفحي أو انضحي أو أنفقي ولا تحصي ... " وعند هؤلاء - أيضًا - وعند الآخرين بنحوه، وقد اقتصر بعضهم على الشطر الأول فقط أو الشطر الثاني من الحديث. قال النووي: "ولا تحصي ... " معناه: يمنعك كما منعت ويقتر عليك كما قترت، ويمسك فضله عنك كما أمسكته، وقيل معنى لا تحصي: أي لا
تعديه فتستكثريه فيكون سببًا لانقطاع إنفاقك1. وقال ابن حجر: "النهي عن منع الصدقة خشية النفاد، فإن ذلك أعظم الأسباب لقطع مادة البركة، لأن الله يثيب على العطاء بغير حساب، ومن لا يحاسب عند الجزاء لا يحسب عليه عند العطاء، ومن علم أن الله يرزقه من حيث لا يحتسب فحقه أن يعطي ولا يحسب، والإحصاء عد الشيء لأن يدخر ولا ينفق منه، وأحصاه الله قطع البركة عنه، أو حبس مادة الرزق أو المحاسبة عليه في الآخرة2 ". وقال السندي: لا تمنعي ما في يدك فيشدد الله عليك أبواب الرزق، وفيه أن السخاء يفتح أبواب الرزق والبخل بخلافه3. وقال المباركفوري: "دل الحديث على أن الصدقة تنمي المال وتكون سببًا إلى البركة والزيادة فيه، وأن من شح ولم يتصدق فإن الله يوكي عليه ويمنعه من البركة في ماله والنماء فيه"4. وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا عند كل من مسلم5، والترمذي6، والدارمي7، وأحمد8 بلفظ: "ما نقصت صدقة من مال، وما زاد
الله عبدًا بعفو إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله". قال الترمذي: حديث حسن صحيح. قلت: هذا لفظ مسلم، والترمذي والدارمي، ولفظ أحمد بنحوه. معنى "ما نقصت صدقة من مال" أي ما نقصت صدقة مالاً، أو بعض مال، أو شيئًا من مال، بل تزيد أضعاف ما يعطي منه بأن ينجبر بالبركة الخفية وذلك بدفع المضرات، أو بالعطية الجلية، أو بالمثوبة العلية1. وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا عند كل من البخاري2، ومسلم3 وغيرهما: "مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جُبتان، (وفي لفظ جُنتان) من حديد من ثُدَيِّهما إلى تراقيهما، فأما المنفق فلا ينفق إلا سبغت - أو وفرت - على جلده حتى تخفي بنانه، وتعفو أثره، وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئًا إلا لزقت كل حلقه مكانها، فهو يوسِّعها ولا تتسع". هذا لفظ البخاري، وهو عند مسلم بنحوه. فبين الحديث أن المنفق يستره الله تعالى بنفقته ويستر عوراته في الدنيا والآخرة، وينمي ماله بالصدقة والإنفاق، كستر هذه الجبة وضفائها على لابسها، وأما البخيل فهو كمن لبس جبة إلى ثدييه فقط فيبقى مكشوفًا بادي العورة مفتضحًا في الدنيا والآخرة وذلك بمحق ماله في الدنيا وحسناته في الآخرة4.
ومما تجدر الإشارة إليه هنا هو أن الدعاء للمتصدق وباذل المال له أهمية كبيرة في حصول النماء والبركة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لمن يدفع الزكاة، أو الصدقات ويأمر عماله بأن يدعوا لمن يبذل المال كذلك، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة. فقد قال عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم، قال: "اللهم صلِّ عليهم". فأتاه أبي أبو أوفى بصدقته فقال: "اللهم صلِّ على آل أبي أوفى" 1. يريد هنا الدعاء له. ويقول أحيانًا: "اللهم بارك فيه وفي إبله" 2 إذا كانت الصدقة إبلاً، وهكذا. وأما صلة الرحم: فقد أمر الله تعالى بصلة الأرحام وهي الإحسان إلى الأقارب في المقال والأفعال وبذل الأموال، وأكد على ذلك الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وبين أن في صلة الأرحام خيرات كثيرات، من زيادة في العمر، وفي الرزق، والذكر الجميل، والدرجات الرفيعة في الآخرة بفضل الله تعالى ومنِّه وكرمه. ودليل ذلك قوله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} 3. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عند البخاري4 ومسلم5
وغيرهما مرفوعًا بطرق وألفاظ عديدة: "خلق الله الخلق فلما فرغ منه، قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن، فقال له: مه، قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك? قالت: بلى يا رب، قال: فذاك". قال أبو هريرة: فاقرأوا إن شئتم: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} . هذا لفظ البخاري، وعند مسلم بنحوه مختصر. وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عند البخاري1، وحديث عائشة رضي الله عنها عند مسلم2 مرفوعًا ولفظه: "إن الرحم شجنة من الرحمن فقال الله: من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته". هذا لفظ البخاري، وعند مسلم بنحوه. وحديث عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - عند الترمذي3، مرفوعا قال الله تبارك وتعالى: "أنا الله وأنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتتُّه". وقال الترمذي: حديث صحيح. وحديث عبد الله بن عمرو عند كل من البخاري4 والترمذي5، مرفوعًا بلفظ: "ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قُطِعَتْ رحمُه وصلها"، هذا لفظ البخاري، والترمذي مثله إلا أنه قال: "انقطعت رحمه" بدلاً من "قطعت رحمه". وقال الترمذي عقبه: حديث حسن صحيح، وفي الباب عن سلمان وعائشة.
ومن الأحاديث التي جاء فيها أن صلة الرحم من الأسباب الجالبة للرزق والبركة ما جاء في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من سرَّه أن يبسط له في رزقه أو ينسأ له في أثره فليصل رحمه". وفي لفظ: "من أحب أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه". عند كل من البخاري1، ومسلم2، وهو عند أبي داود3 بنحوه. وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - المرفوع عند كل من الترمذي4، وأحمد5، والحاكم6، وغيرهم وفيه: "تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأثر". وقال الترمذي: غريب من هذا الوجه، وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وقد أخرجه الطبراني7 بنحوه من حديث العلاء بن خارجة مرفوعًا. وقال الهيثمي8 بعد أن عزاه للطبراني في الكبير: رجاله موثقون. مما سبق - ومن خلال إمعان النظر في أقوال العلماء شراح الأحاديث - يمكن الخروج بما يأتي: 1 - تأكيد صلة الرحم وأن الله تعالى اشتق اسمها من اسمه عز وجل
وأنه أنزلها في جواره، وفي حمايته، وجار الله - عز وجل - غير مخذول. 2 - تحريم قطيعة الرحم، وأن القاطع لها مقطوع من رحمة الله سبحانه وعظيم إحسانه، مخذول دنيا وآخرة. 3 - الرحم التي أمر الله بوصلها رحم عامة وخاصة، فالعامة رحم الدين وتجب مواصلتها بالتوادد والتناصح والعدل والإنصاف والقيام بالحقوق الواجبة والمستحبة. وأما الرحم الخاصة فتزيد على الرحم العامة، النفقة على الأقرباء وتفقد أحوالهم، والتغافل عن زلاتهم، وقضاء حوائجهم، ودفع الضرر عنهم والبشاشة والدعاء لهم، إذا كانوا من أهل الاستقامة والصلاح، فإن كانوا عصاة فساقًا، فمقاطعتهم بعد بذل الوسع في نصحهم هو صلتهم، مع الدعاء لهم بالهداية بظهر الغيب. 4 - أما فائدة صلة الرحم وهذا هو بيت القصيد هنا، فهي أن الواصل، لا يزال موصولاً بالإحسان العظيم من الرحمن الرحيم، وبحصول الرزق ودفع الضر، وتوالي البركات، والتوفيق في الحياة، والسرور والحبور بعد الممات. وهذا يدرك كثيرًا بالحس والمشاهدة، ويتحدث الناس به ويعرفونه. وقد سبق حديث أبي هريرة وأنس رضي الله عنهما بأن الواصل، يبسط له في رزقه. قال النووي: "بسط الرزق: توسيعه وكثرته، وقيل: البركة فيه1". وقال الحافظ ابن حجر: قال العلماء: معنى البسط في الرزق البركة فيه، لأن صلة أقاربه صدقة، والصدقة تربي المال وتزيد فيه فينمو بها ويزكو2. هذا فيما يتعلق بحصول البركة في الرزق وأما الفوائد الأخرى فهي كثيرة وليس هنا محل ذكرها.
المطلب الثاني: التوكل على الله - سبحانه وتعالى - مع الأخذ بالأسباب
المطلب الثّاني: التّوكُّل على الله - سبحانه وتعالى - مع الأخذ بالأسباب حقيقة التوكّل هو اعتماد القلب على الله تعالى في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه، ولابد - مع هذا الاعتماد واليقين - من مباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدرًا وشرعًا، وتعطيل هذه الأسباب يعد قادحًا في نفس التوكل معطلاً للحكمة والشرع1. ويأتي التوكل بعد حصول التقوى كأثر من آثارها ولازم من لوازمها، ولذا قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} 2، وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} 3. فهكذا جعل الله تعالى - في هاتين الآيتين - التوكل بعد التقوى الذي هو قيام الأسباب المأمور بها، فحينئذ إن توكل على الله فهو حسبه وكافيه. قال القرطبي: "التوكل هو: الثقة بالله والإيقان بأن قضاءه ماض واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم في السعي فيما لا بد منه من الأسباب من مطعم ومشرب، وتحرز من عدو وإعداد ... "4 أ?. وقال الإمام القشيري: "اعلم أن التوكل محله القلب، وأما الحركة بالظاهر فلا تنافي التوكل بالقلب، بعدما يحقق العبد أن الرزق من قبل الله تعالى، فإن تعسر شيء فبتقديره، وإن تيسًّر شيء فبتيسيره"5. وقد ذكر الله تعالى موقف الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه عندما خوفهم بعض الناس -
كيدًا بهم - عدوَّهم قريشًا ومن معهم بأنهم قد جمعوا لهم إذ قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} 1. فهكذا خوفهم بعض الناس من عدوهم مشركي مكة ومن معهم فما كان من المؤمنين إلا أن قالوا: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} ، توكلوا على الله بعد الأخذ بالأسباب فكفاهم الله ما أهمهم ورد عنهم بأس من أراد كيدهم من المشركين عقب أحُد فانقلبوا بنعمة السلامة، وزيادة من فضل الله مما شروا وتجروا من السوق فربحوا2. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد المتوكلين على ربه، يأمر بالتوكل على الله والانقطاع إليه بعد الأخذ بالأسباب في كل الأحوال، وتصديق ذلك من سنته صلى الله عليه وسلم ما جاء في حديث عمران بن الحصين - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من انقطع إلى الله كفاه الله كل مؤونة، ورزقه من حيث لا يحتسب، ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها". أخرجه الطبراني في الأوسط3 والصغير4 ومن طريقه أبو بكر الخطيب5، وأخرجه أيضًا البيهقي6، وابن أبي حاتم7، بهذا اللفظ وقال الطبراني عقبه في الصغير: لم يروه عن هشام بن حسان إلا الفضيل بن عياض، تفرد به إبراهيم بن الأشعث الخراساني. وقال الهيثمي8
بعد أن عزاه للطبراني في الأوسط: فيه إبراهيم بن الأشعث صاحب الفضيل، وهو ضعيف، وقد ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يُغرب ويخطئ ويخالف، وبقية رجاله ثقات. قلت: ويشهد لهذا الحديث ما ذكر بعده من أحاديث كما يشهد له ظاهر القرآن، والله أعلم. وحديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - مرفوعًا عند كل من: أبي داود1، والترمذي2، وأحمد3، والطبراني4، والحاكم5 بلفظ: "من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل"، وفي لفظ آخر: "من نزل به حاجة فأنزلها بالناس كان قمنًا من أن لا تسهل حاجته، ومن أنزلها بالله آتاه الله برزق عاجل أو بموت آجل". اللفظ الأول للترمذي، واللفظ الآخر لأحمد، والباقون بنحوه عندهما. وقال الترمذي بعده: "حديث حسن صحيح غريب". وقال الحاكم عقبه: "حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي. فبين في هذا الحديث أن من حصل له حاجة شديدة من فقر أو ضيق معيشة فعرضها على الناس وأظهرها بطريق الشكاية لهم، وطلب إزالة فاقته منهم لم تسدَّ فاقته ولم تقض حاجته، وهكذا كلما سد حاجة أصابته أخرى أشد منها. لكن إذا أنزلها بالله واعتمد على مولاه فإن الله يعجل له ويسرع برزق عاجل أي يسار وغنى، أو بموت قريب له غني فيرثه6.
وقد قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يومًا، فقال: "يا غلام إني أعلِّمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فأسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أنَّ الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفَّت الصحف" أخرجه الترمذي1 وأحمد2 وهذا اللفظ للترمذي، ولفظ أحمد قريب منه، وقال الترمذي بعده: حديث حسن صحيح. كما ذكر الترمذي بعده بنفس الباب حديث أنس - رضي الله عنه -: أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أعقلها وأتوكل أو أطلقها وأتوكل؟ قال: "اعقلها وتوكل" يريد ناقته. وقال الترمذي عقبه: "حديث غريب من حديث، أنس لا نعرفه إلا من هذا الوجه". وعن حبة وسواء ابني خالد - رضي الله عنهما - قالا: دخلنا على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعالج شيئا، فأعناه عليه، فقال: "لا تيأسا من الرزق ما تهززت رؤوسكما، فإن الإنسان تلده أمه أحمر، ليس عليه قشر، ثم يرزقه الله عز وجل" عند كل من: إبن ماجه3، وابن حبان4، وأحمد5، والطبراني6، واللفظ عندهم
إلا ابن حبان فهو عنده بنحوه. وقال البوصيري1: "إسناد حديثهما صحيح رجاله ثقات"، لكن قال ابن حجر2: "روى الحديث ابن ماجه بإسناد حسن". قلت: والقلب إلى تحسينه أميل، وذلك لأن سلاَّم3 بن شرحبيل أحد رواته مقبول عند الحافظ ابن حجر، ولم يوثقه سوى ابن حبان، لكنه من التابعين الذين لم يعرفوا بكبير رواية ولم يشتهروا فتقادم العهد بهم، وصعب الاطلاع على حالهم فأجاز العلماء روايتهم واحتملوها. وروى الترمذي4، وابن ماجه5، وأحمد6، والحاكم7 حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله يقول: "لو أنكم توكلتم على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو8 خماصا9، وتروح10 بطانا11". هذا لفظ ابن ماجه وأحمد في الموضع الثاني، وكذا الحاكم، وعند الترمذي وأحمد في الموضع الأول "لو أنكم كنتم توكلون"
والباقي بنحوه. وقال الترمذي عقبه: "هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه"، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ولم يتعقبه الذهبي. وهكذا يتضح مما سبق أن التوكل والانقطاع إلى الله سبب في حصول الرزق والبركة فيه وقضاء الحاجات، ورفع الحرج والضيق بإذن الله تعالى.
المطلب الثالث: التسمية في كل الأحوال
المطلب الثّالث: التّسمية في كلّ الأحوال التسمية، والذكر والدعاء، والشكر، والتوبة، والاستغفار، وإن كانت هذه العبادات تبدو متداخلة من حيث الظاهر ويمكن أن تندرج جميعها تحت مسمَّى الذكر، إلا أنها في الحقيقة تجتمع وتفترق، وفي كلٍّ منها معنىً زائد على باقيها فيما يتعلق بموضوع البحث، لذا رأيت أن أفرد كل نوع منها على حدة. فأما التسمية: فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يذكر اسم الله تعالى ويسمي في كثير من الأحيان، ويأمر أصحابه بذلك وذلك لما يحصل من ذكر اسم الله تعالى من البركة، وطرد الشيطان ومنع مشاركته الإنسان إلا فيما لم يذكر اسم الله تعالى عليه. قال تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً} 1. فسَّر بعض العلماء المشاركة هنا بأشياء كثيرة: منها مشاركة الشيطان للمجامع زوجته إذا لم يذكر اسم الله تعالى فقد جاء عند البخاري2 من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أما إن أحدكم إذا أتى أهله
وقال: باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فرزقا ولدًا، لم يضره الشيطان". وأصرح حديث بالأمر بالتسمية وبخاصة عند الطعام، هو ما جاء عند أبي داود1، والترمذي2، والحاكم3، وغيرهم من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى، فإن نسي أن يذكر اسم الله تعالى في أوله، فليقل: بسم الله أوله وآخره". هذا لفظ أبي داود، وعند الترمذي والحاكم بنحوه. وقال الحاكم عقبه: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وصححه أيضًا ابن قيم الجوزية4. وقد جاء عند البخاري5، ومسلم6 وغيرهما أيضًا حديث عمر بن أبي سلمة وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "يا غلام سمِّ الله وكل بيمينك، وكل مما يليك ... ". وتظهر فائدة التسمية بشكل جلي من خلال الأحاديث التالية: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلُّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه باسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر" وفي لفظ: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع" وفي رواية: "فهو أجذم" أخرجه كل من ابن ماجه7، وأبي داود8،
وابن حبان1، والدارقطني2، والنسائي3، واللفظ الثاني هو الأكثر، والأشهر، وقد ذكر طرقه السبكي وصححه4، وقال النووي5: "هذا الحديث حسن ... روي موصولاً ومرسلاً، ورواية الموصول إسنادها جيد، ومعنى أقطع: قليل البركة، وكذلك أجذم". أ?. وقال المحشي على سنن ابن ماجه: قال السندي: "الحديث حسنه ابن الصلاح والنووي"6. قال الحافظ ابن حجر عند الكلام على كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لهرقل: "فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم": قال النووي: "فيه استحباب تصدير الكتب ببسم الله الرحمن الرحيم ويحمل قوله في حديث أبي هريرة: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع" أي بذكر الله كما جاء في رواية أخرى فإنه روي على أوجه بذكر الله، ببسم الله، بحمد الله، قال: وهذا الكتاب كان ذا بال من المهمات العظام ولم يبدأ فيه بلفظ الحمد بل بالبسملة"7. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عند كل من مسلم8، وأبي داود9،
وابن ماجه1، وأحمد2، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله، قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء"، هذا لفظ مسلم، والباقون بنحوه وعندهم في أوله زيادة. وعن عائشة رضي الله عنها عند كل من الترمذي3، وابن ماجه4 قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل طعامًا في ستة من أصحابه فجاء أعرابي فأكله بلقمتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أما إنه لو سمَّى لكفاكم". هذا لفظ الترمذي، ولفظ ابن ماجه بنحوه، وفيه عنده زيادة، وقال الترمذي عقبه: هذا حديث حسن صحيح، وصححه - أيضًا - الألباني5. وقد ثبت عند البخاري6 ومن حديث غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم مرفوعًا: "أن المؤمن يأكل في معىً واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء". مما سبق، ومن خلال النظر في كتب شروح الحديث يتبين ما يلي: 1 - أهمية التسمية على كل أمر ذي بال، وأنها جالبة للخير والبركة، طاردة للشيطان الملعون المطرود الذي يمحق البركة ويسر للمعصية. ومما يدل على أهمية التسمية أيضًا أن كثيرًا ممن خرج الأحاديث السابقة عقدوا تراجم أبوابهم بذكر التسمية كما هو ملاحظ.
2 - يستحب التسمية في أوَّل كل أمر ذي بال كالدخول، والخروج، والأكل، والشراب، والوزن، والكيل، وعدَّ النقود، واللباس، والجماع، ويلحق بها ما في معناها، وحمد الله تعالى في آخره. وقد نقل النووي الإجماع على استحباب التسمية وقال: فإن الشيطان يتمكن من أكل الطعام إذا شرع فيه إنسان بغير ذكر الله تعالى، وأكل الشيطان محمول على ظاهره وأنه يأكل حقيقة إذ العقل لا يحيله، والشرع لم ينكره، بل أثبته، فوجب قبوله واعتقاده1. 3 - وقد قيل: إن معنى ذلك هو استحسان الشيطان رفع البركة من ذلك الطعام إذا لم يذكر اسم الله عليه2. 4 - أن الشيطان لم يسلَّط بإذن الله تعالى على من يسمي من أجل بركة التسمية، لأن في ذكر الله تعالى ودعائه اعتصاماً من الشيطان وأعوانه، فلا يشركهم الشيطان ولا يقربهم، وبذلك تحصل البركة3.
المطلب الرابع: الذكر والدعاء
المطلب الرّابع: الذّكر والدّعاء يعد الذكر من أفضل الطاعات، إذ هو سِرُّها وروحها، وهو أكبر من كل شيء، وأفضل من كل شيء، {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَر} 4. ولذا فقد كان صلى الله عليه وسلم: "يذكر الله على كل أحيانه" كما جاء عند البخاري5، ومسلم6، وغيرهما.
وملازمة الذكر والدعاء فيه استجلاب كل خير وبركة، ودفع كل بلاء وضر، وقرب من الرحمن ونيل رضاه وبعدٌ عن الشيطان وطرد له ولأعوانه، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - أيضًا - يرشد إلى ملازمة الذكر والدعاء، كما أنه يذكر الله على كل أحيانه فإنه يدعو ربه في كل الأحيان بكل خير من خيري الدنيا والآخرة، ويدعو كذلك لأصحابه بما ينفعهم في دينهم ودنياهم وأخراهم. فقد جاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عند مسلم1 أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي.." كما كان صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم اغفر لي ذنبي ووسِّع لي في داري، وبارك لي فيما رزقتني" عند الترمذي2، وأحمد3، والنسائي4، وابن السني5، اللفظ للترمذي والباقون بنحوه. وقال الترمذي: غريب وصححه النووي6. وقد جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث سعد بن أبي وقاص عند مسلم7 فقال: علمني كلامًا أقوله، قال: "قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، سبحان الله رب العالمين، لا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم". قال: فهؤلاء لربي، فما لي؟. قال: "قل اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، وارزقني".
وجاء عند أحمد1 والترمذي2 والحاكم3 من حديث أبي وائل قال أتى عليًا - رضي الله عنه - رجل فقال يا أمير المؤمنين إني عجزت عن مكاتبتي فأعني، فقال علي - رضي الله عنه - ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان عليك مثل جبل ثبير4 دنانير لأدَّاه الله عنك، قلت: بلى، قال: "قل اللهم اكفني بحلالك عن حرامك واغنني بفضلك عمن سواك" اللفظ لأحمد، ولفظ الترمذي بنحوه، وحسنه الترمذي، وكذا الألباني5 وقال الحاكم عقبه: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وقد ثبت في الصحيح عند البخاري6 من حديث أنس - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له فقال: "اللهم أكثر ماله وولده، وبارك له فيما أعطيته". وجاء عند الإمام أحمد7 من حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - المرفوع وفيه ذكر وصية نوح - عليه السلام - لابنيه عندما حضرته الوفاة ومما جاء فيه: "آمركما بلا إله إلا الله.. وآمركما بسبحان الله، وبحمده، فإنها
صلاة كل شيء وبها يرزق كل شيء". قال العراقي: إسناده صحيح1، وقال الهيثمي: رجال أحمد ثقات2. وهكذا يظهر جليًا ما للذكر والدعاء من أهمية بالغة في استجلاب الخير والبركة وطرد للمكروه والعوز وإبعاد للشيطان وإرغام له ولجنده. ولهذا لزم الإنسان ملازمة الذكر والدعاء للفوز بالسعادة الأخروية والدنيوية على حد سواء، والله أعلم.
المطلب الخامس: شكر الله تعالى وحمده
المطلب الخامس: شكر الله تعالى وحمده الشكر: هو استعمال نعم الله تعالى في محابه، كما قال الغزالي3، وقال في موضع آخر: "وجود الزيادة في المال نعمة وشكرها أن تصرف إلى الخيرات أو أن لا تستعمل في المعصية"4. وقال ابن القيم: "الشكر، هو ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده، ثناءً واعترافًا، وعلى قلبه شهودًا ومحبة، وعلى جوارحه انقيادًا وطاعة"5. وقال القرطبي نحو هذا6. وقد فرق بعض العلماء جزئيًا بين الحمد والشكر، فجعلوا بينهما عمومًا وخصوصًا من وجه، لكن رجح أبو جعفر الطبري أن الحمد قد يُنطق به في موضع الشكر، وأن الشكر قد يوضع موضع الحمد، لأن ذلك لو لم يكن
كذلك لما جاز أن يقال: "الحمد لله شكرًا"1. ولذا فسَّر الطبري {الْحَمْدُ لِلَّه} في سورة الفاتحة بالشكر الخالص لله تعالى بما أنعم على عباده من النعم التي لا يحصيها العدد، ولا يحيط بعددها غيره أحد2. قلت: وهذه النعم الكثيرة التي لا تحصى ولا تستقصى ومن جملتها نعمة المال تستوجب الشكر من الخلق للخالق الرازق المتفضل، وهذا الشكر والحمد له سبحانه سبب من أسباب استجلاب الزيادة، وحصول البركة في المال، تفضلاً منه سبحانه وتعالى ونعمة. قال ابن القيم: "جعل الله الشكر سببًا للمزيد من فضله وحارسًا وحافظًا لنعمته، وموصلاً الشاكر إلى مشكوره بل يعيد الشاكر مشكورًا"3. ومما تجدر الإشارة إليه هنا أنه يضيق معنى الشكر عند بعض الخلق فيظن أن غايته أن يقول بلسانه الحمد لله، أو الشكر لله، ونحوهما، مع عدم استعانته بالنعمة على المعصية، وإن لم يصرف هذه النعمة إلى الطاعة، وهذا مما لا شك فيه قصور في الفهم، وعن اتباع السلف الصالح. والشكر- في حقيقة الأمر دائرته - أوسع من ذلك، ومجاله أرحب فالصلاة مثلاً شكر، والصيام شكر، وكل خير يعمله الإنسان لله تعالى شكر، واستحياء العبد من تتابع النعم عليه شكر، واعترافه بالتقصير على شكر المنعم عليه، واعتذاره عن تقصيره أيضا شكر، وتحدثه بنعمة الله شكر، واعترافه بأن النعمة موهبة من الله تعالى مع أنه لا يستحقها شكر، وتواضعه للنعم والتذلل فيها
للمنعم شكر، وقلة اعتراضه وحسن أدبه مع المنعم، وتلقي النعمة بحسن القبول، وإن كانت بسيطة أو قليلة، واستعظامها وعدم احتقارها أو استصغارها شكر، والتيقن بأن الشكر بحد ذاته هو نعمة من الله تعالى وتوفيقه شكر، وأفضل الشكر هو حمد الله تعالى1. وقد أمر سبحانه وتعالى عباده بالشكر، بل إنه قرن سبحانه وتعالى الشكر بالذكر إذ قال: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} 2. كما وعد بالجزاء على الشكر، بل قطع سبحانه بالمزيد مع الشكر فقال: {وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} 3. وقال أيضًا: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} 4. وقال أيضًا: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} 5. وقال أيضًا: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} 6. وأقوال العلماء المفسرين حول هذه الآيات تؤيد المعاني السابقة في شكر الله سبحانه وتعالى، وتؤكدها، فقد قال أبو جعفر الطبري عند قوله تعالى: {وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} أي لا تجحدوا إحساني إليكم فأسلبكم نعمتي التي أنعمت عليكم، ولكن اشكروا لي عليها، وأزيدكم فأتمم نعمتي عليكم، وأهديكم لما هديت له من رضيت عنه من عبادي، فإني وعدت خلقي أن من شكر لي زدته، ومن كفرني حرمته، وسلبته ما أعطيته7.
قلت: وقول أبي جعفر هنا "ومن كفرني" ليس بالضرورة أن يكون هو (الكافر) حقيقة وهو مقابل (المسلم) ، ولكن يريد ما هو أعم من هذا، فيدخل فيه من جحد النعمة فلم يظهرها ويؤدي حقها وشكرها على المعاني السابقة، والله أعلم. وقال القرطبي معلقًا على الآية الأخرى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} أي لئن شكرتم إنعامي عليكم لأزيدنكم من فضلي، والآية نص في أن الشكر سبب المزيد1. وقال أيضاً في تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} أي أنشر ما أنعم الله عليك بالشكر والثناء، والتحدث بنعم الله، والاعتراف بها شكر، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والحكم عام له ولغيره2. وأما قوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} فقد قال القرطبي في معناها: "أي قليل من يفعل ذلك لأن الخير أقل من الشر، والطاعة أقل من المعصية"3. قلت: والظاهر - والله أعلم - أن نعم الله كثيرة لا حصر لها، وهي لا تزال متجددة متكاثرة على العباد بفضل الله عز وجل، والشكر بأنواعه وأشكاله يحتاج إلى عزيمة ويقين، فيضعف كثير من الناس، ويقصِّرون في شكر المنعم وحمده حق شكره وحمده، ولذلك كان الشاكرون قليلين، وهم الخاصة، وفي مقدمة هؤلاء الشاكرين إمامهم سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك لأنه أتقى الخلق، وأعرفهم بحق خالقه وأشكرهم له، يظهر ذلك جليًا من خلال النظر في حاله وسيرته مع أصحابه رضوان الله عليهم، ويبرز ذلك بأمور منها:
1- كان صلى الله عليه وسلم يجتهد في العبادة بشتى أنواعها مع أنه مغفور له المتقدم والمتأخر من ذنبه، فلقد جاء عند البخاري1، ومسلم2 من حديث المغيرة بن شعبة وحديث عائشة - رضي الله عنهما - أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقالت عائشة: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: "أفلا أكون عبدًا شكورًا". هذا لفظ حديث عائشة عند البخاري، وعندهما نحو هذا اللفظ أيضًا. 2- وقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم وهدي أصحابه سجود الشكر عند تجدد نعمة تسُرُّ، أو اندفاع نقمة، كما جاء عند كل من أبي داود3، والترمذي4، وابن ماجه5، وأحمد6، من حديث أبي بكرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يسرُّه أو يُسَرُّ به خرَّ ساجدًا شكرًا لله تبارك وتعالى. واللفظ لابن ماجه، والباقون بنحوه، وعند أحمد فيه قصة، وقال الترمذي في آخره: حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، من حديث بكار بن عبد العزيز، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، رأوا سجدة الشكر. وعن
عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه قال: لما تاب الله عليه خرَّ ساجدًا. عند ابن ماجه1، وقال البوصيري2: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، وهو موقوف، قال ابن حزم: لا مغمز في خبر كعب ألبتة، ثم روي عن أبي بكر الصديق "في الأصل أبي الصديق" وعلي بن أبي طالب نحوه. أ. هـ. 3- توجيهاته لأصحابه وأقواله في الشكر وبيان فضله. فقد قال صلى الله عليه وسلم لمن رآه رثَّ الثياب: "ألك مال"؟، قال: نعم، قال: "من أي المال"؟، قال: قد آتاني الله من الإبل والغنم والخيل والرقيق، قال: "فإذا أتاك الله مالاً فلير أثر نِعمة الله عليك وكرامته" رواه أبو داود3، والنسائي4، والحاكم5 هذا لفظ أبي داود والحاكم مثله إلا أنه عنده مطول، وعند النسائي بنحوه عند أبي داود، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وصححه- أيضًا- الألباني6. وعند الترمذي7، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا: "إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده"، وقال الترمذي: حديث حسن، ثم قال: وفي الباب عن أبي الأحوص عن أبيه وعمران بن حصين وابن مسعود،
وحسنه - أيضا - الألباني1. وقال صلى الله عليه وسلم: "من قال حين يصبح: اللهم ما أصبح بي من نعمة فمنك وحدك، لا شريك لك، فلك الحمد، ولك الشكر، فقد أدَّى شكر يومه، ومن قال: مثل ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته". رواه كل من أبي داود2، وابن حبان3، واللفظ لأبي داود، وهو عند ابن حبان بنحوه مع شيء من الاختصار، وقد حسَّنَه ابن القيم4، والنووي5، والحافظ ابن حجر6. وفي حديث أنس - رضي الله عنه - عند ابن ماجه7 أنه صلى الله عليه وسلم قال: "ما أنعم الله على عبد نعمة فقال: الحمد لله، إلا كان الذي أعطاه أفضل مما أخذه". يعني الذي أداه وفعله من الحمد، أفضل مما أخذ من النعمة، وحسنه البوصيري8، وقال النووي: إسناده جيد9. وفي الفتوحات الربانية على الأذكار النووية10: وفي الحرز، رواه أبو داود والنسائي عن عبد الله بن غنام، وابن حبان والنسائي عن ابن عباس، وقال الحافظ بعد تخريجه: " ... حديث حسن".
المطلب السادس: التوبة والاستغفار
المطلب السّادس: التّوبة والاستغفار التوبة: هي الرجوع إلى الله تعالى بالتزام فعل ما يجب، وترك ما يكره، أي هي: الرجوع لما يكرهه الله ظاهرًا وباطنا، إلى ما يحبه ظاهرًا وباطنا. والاستغفار: هو محو الذنب، وإزالة أثره ووقاية شره، وستره. والاستغفار يتضمن التوبة، والتوبة تتضمنه، وكل منهما يدخل في مسمَّى الآخر، عند الإطلاق والإفراد، وأما عند الاقتران أي اقتران أحدهما بالآخر كقوله تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} 1، فيكون الاستغفار هنا طلب وقاية شر ما مضى، والتوبة الرجوع وطلب وقاية شر ما يخافه في المستقبل من سيئات أعماله2. قلت: ومن المهم هنا أن يُعلم أن التوبة والاستغفار عبادة تَعَبَّدَنا الله تعالى بها باستمرار وعلى الدوام، سواء أوقعت ذنوب أو معاصي أم لم تقع، لكن إن حصلت - وما أكثرها! - إذ الإنسان خطاء، فيجب الإسراع إلى التوبة والندم وكثرة الاستغفار. وهذه العبادة لها أهمية بالغة يصعب استقصاء فضلها وفوائدها هنا لكن مما لا شك فيه، فيها رضى الرب عز وجل وقربٌ منه، وبعدٌ عن الشيطان، واستجلابٌ الخيرات وحصول البركات، ودفعٌ للشرور والمكروهات، ونصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ناطقة حافلة بهذا، ومن ذلك قول هود - عليه السلام - لقومه: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} 3. ذكر القرطبي: أن الاستغفار يستنزل به الرزق والأمطار، وأن عادًا كانوا
أهل بساتين وزروع وعمارة فحبس عنهم المطر فقال لهم هود إن آمنتم وأكثرتم الاستغفار يحيي الله بلادكم ويرزقكم، الأموال والأولاد، ويزيدكم قوة إلى قوتكم1. وقال تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً} 2. واضح - في هذه الآيات - أن التوبة والطاعة وكثرة الاستغفار سبب في بسط الرزق وحصول المال والبركة فيه، وهكذا أرشد نوح - عليه السلام - قومه إلى الطاعة وكثرة الاستغفار، أي إذا تبتم إلى الله واستغفرتموه، وأطعتموه، كثر الرزق عليكم، وأسقاكم من بركات السماء، وأنبت لكم من بركات الأرض، وأنبت لكم الزرع وأدرَّ لكم الضرع وأمدكم بأموال وبنين، وجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار وخللها بالأنهار الجارية بينها3. قال ابن كثير: "يستحب قراءة هذه السورة في صلاة الاستسقاء لأجل هذه الآية: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً} "4. وقال الشعبي: خرج عمر- رضي الله عنه - يستسقي فلم يزد على الاستغفار حتى رجع فأمطروا. فقالوا: ما رأيناك استسقيت؟. فقال: لقد طلبت المطر بمجاديح السماء التي يستنزل بها المطر. ثم قرأ: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً} أخرجه كل من عبد الرزاق5،
وابن أبي شيبة1، وابن أبي حاتم2، والبيهقي3. والشعبي وإن أدرك جماعة من الصحابة وروى عنهم إلا أنه لم يسمع من عمر - رضي الله عنه - كما ذكر غير واحد منهم ابن أبي حاتم4، وقد قال العجلي: لا يكاد الشعبي يرسل إلا صحيحًا، وقال الآجري عن أبي داود: مرسل الشعبي أحب إليَّ من مرسل النخعي5. وقد روى الأثر عن عمر غير واحد - أيضًا - منهم عطاء عند عبد الرزاق6، وابن المسيب عند البيهقي7، وأبو وجزة يزيد بن عبيد السعدي عن أبيه عند البيقهي8 أيضًا، وفيه قال عبيد السعدي ألا يتكلَّم لما خرج له، ولا أعلم أن الاستسقاء هو الاستغفار فمطرنا. وقد جاء الأثر أيضًا مسندًا مختصرًا عند ابن أبي شيبة قال: ثنا وكيع عن عيسى بن حفص بن عاصم عن عطاء بن أبي مروان الأسلمي عن أبيه قال خرجنا مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - نستسقي فما زاد على الاستسقاء9.
قلت: وإسناده متصل ورجاله كلهم ثقات بلا استثناء. وبهذا يصح الأثر عن عمر - رضي الله عنه - والله أعلم. وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم سيِّد الاستغفار كما جاء عند البخاري1 فقال: "سيد الاستغفار أن يقول: اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنتن خلقتني وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء لك بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ... ". وقد جاء عند البخاري2 أنه صلى الله عليه وسلم قال: "والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة". وعند مسلم3 قال: قال صلى الله عليه وسلم: "إني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة" وفي رواية "يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة". كل هذا مع أنه صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم وما تأخر من ذنبه كما جاء في قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناًلِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّر} 4، وقد تقدم في الشكر أنه كان صلى الله عليه وسلم يقوم حتى تتفطَّر قدماه. فلما سئل قال: أفلا أكون عبدًا شكورًا. وواضح مما سبق أن التوبة والاستغفار سبب لكل خير دنيوي وأخروي. ومن جملة ذلك حصول الخير والبركة في المال، ودفع كل سوء ومكروه. وقد
وجد كذلك نصوص صريحة في هذا. منها: ما رواه أبوداود1، وابن ماجه2، والنسائي3، وأحمد4، والطبراني5، والحاكم6، والبيهقي7 من حديث ابن عباس - رضي الله - عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من لزم الاستغفار - وفي لفظ (أكثر) - جعل الله له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل هم فرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب". وصححه الحاكم، لكن تعقبه الذهبي قائلا: "أحد رواته فيه جهالة"، وقال المنذري: "في إسناده الحَكَم بن مصعب، ولا يحتج به"8، كما ضعفه الألباني بسبب الحكم بن مصعب أيضًا9. قلت: وقد رمز السيوطي له بالصحة10، وقال صاحب التاج: "سنده صحيح"11، كما قال أحمد شاكر-أيضًا - إسناده صحيح، وقد ذكر الاختلاف في الحكم بن مصعب ورجح تعديله، كما رد على المنذري فقال: "وهذا غلو
منه شديد"1. وقد روى الربيع بن صبيح أن رجلاً أتى الحسن فشكا إليه الجدوبة، فقال له الحسن: "استغفر الله"، فأتاه آخر فشكا إليه الفقر، فقال له: "استغفر الله"، وأتاه آخر فشكا إليه جفاف بساتينه، فقال له: "استغفر الله"، وأتاه آخر فقال له: "ادع الله أن يرزقني ابنا"، فقال له: "استغفر الله". فقلنا له: "أتاك رجال يشكون إليك أبوابًا، ويسألونك أنواعًا، فأمرتهم كلهم بالاستغفار"، فقال: "ما قلت من ذات نفسي في ذلك شيئًا، إنما اعتبرت فيه قول الله تعالى إخبارًا من نبيه نوح - عليه السلام - أنه قال لقومه: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً} "2. وقد ذكر الحافظ ابن حجر3 هذا الأثر عن الحسن البصري مع شيء من الاختلاف في الألفاظ، ثم قال: "وكأنَّ المُصَنِّف - يريد البخاري - ألمح بذكر هذه الآية إلى أثر الحسن البصري"أ?. قلت: والربيع بن صبيح هذا سمع الحسن البصري، وثقه جماعة وضعفه آخرون، لكنه لم يتعمد الكذب، ولا يدلس وقد لخص الحافظ ابن حجر حاله قائلاً: "صدوق سيء الحفظ، وكان عابدًا مجاهدًا، وقد روى له الترمذي وابن ماجه والبخاري تعليقًا"4.