البرق الشامي

العماد الأصبهاني

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَدخلت سنة ثَلَاث وَسبعين وَخمْس مائَة وَالسُّلْطَان مخيم بمرج الفاقوس من أَعمال مصر الشرقية فِي عصبته ذَوي عصبته التقية النقية وَالْإِسْلَام زَاهِر زاه وَالْكفْر واهن واه وَالْملك مصون والفلك مشحون والنصر مَضْمُون والدهر مَأْمُون وَالْعصر مَيْمُون وسر التَّوْحِيد سَار وقلب الشّرك محزون وَذخر المَال مبذول وكنز الْحَمد مذخور مخزون وَنحن فِي اجْتِمَاع صيد واتساع أيد وارتفاع قيد وَامْتِنَاع كيد وَلَا نقص فِي قنص وَلَا فَوت فِي فرص وَلَا أَمر ذُو عوص وَلَا عَيْش فِي نغص وَلَا سوم مرتخص وَلَا شُؤْم مخترص وَلَا خدعة كَاذِب وَلَا ردعة جاذب وَلَا زور ماين وَلَا زور شاين وَلَا وجفة مغتر وَلَا رَجْفَة مفتر وَلَا لوعة مهموم وَلَا روعة مغموم وَلَا جوعة منهوم وَلَا ضنة بخيل وَلَا ظنة دخيل وَلَا شيم جهام وَلَا شيم كهام وَلَا أَسف حاقد وَلَا أسى فَاقِد وَلَا خشيَة خَائِف وَلَا غشية عائف وَلَا شكوى مضيم وَلَا بلوى هضيم وَلَا ومضة حَال خَال وَلَا مرضة حَال حَال وَلَا رنة شَاك وَلَا أَنه باك وَلَا شكاية مظلوم وَلَا حِكَايَة محروم وَلَا وشاية ساع ولاسعاية واش وَلَا غشوة ضال وَلَا ضلة غاش

والدولة منزهة وَالْملَّة وَالْأَيَّام ظَاهِرَة الأيامن باهرة المحاسن سَاكِنة المساكن مكينة الْأَمَاكِن زائنة المزائن لائحة المباهج وَاضِحَة المناهج رائقة المنازه رائعة الزهازه مَشْهُودَة المواسم محمودة المراسم عالية الهمم غَالِيَة الْقيم سامية الطود هامية الْجُود مربه الربَاب معشبة الشعاب هامرة السَّحَاب عامرة الجناب منشورة اللِّوَاء منصورة الْأَوْلِيَاء مَشْهُورَة الأيادي مقهورة الأعادي سافرة الْمطَالع وافرة الصَّنَائِع سَائِغَة المدارع سَائِغَة المشارع صَافِيَة الضلال صَافِيَة الزلَال وافية المبار متوافية المسار سارة الأسارير جمة الجماهير زاهرة الأزاهير قادرة بعون الْمَقَادِير مسعودة الجدود مجدودة السُّعُود مختفقة البنود معقودة الحبى معهودة الربى جليلة العلى جميلَة الْحلِيّ ماهولة الندي مامولة الندى مَقْبُولَة الْهَدْي مقبلة الْهدى وروائح غدواتها طيبَة وغواديها وروائحها صيبة وَالسُّلْطَان آمُر ناه وَالْإِحْسَان زَاهِر زاه والنوال بالمنائح فائض والبأس للجوامح رائض والإقبال كَامِل والإفضال شَامِل وضوء الْعرف شَائِع وضوع الْعرف ذائع وَمَا شَيْء من بضائع الْفضل بضائع وَمَا أحد من مُلُوك الأَرْض غير مُطَاوع والفضيلة لَا تحْتَاج إِلَى شَافِع والوسيلة لَا تجتاح بمنازع وَلكُل عَارِف رَافع وَلكُل فادح دَافع وَلكُل طَالب فِي النجح طالع وَلكُل بَاب قار قارع وَلكُل أَمر سَام سامع وخيم السُّلْطَان بالعباسية وَمَا لوجه الدَّهْر عبوس وَلَا يردع بَأْس وَلَا يهرع بؤس وَقد طابت للزمان وَأَهله أنفاس ونفوس وَثبتت ونبتت عروس وغروس ودارت على الدُّنْيَا من ألطاف الله كؤوس ونظمت فِي الْأَجَل الْفَاضِل قصيدة ميمية فِي منتصف الْمحرم وخدمته بهَا هُنَاكَ فِي المخيم وَهِي (مخلع الْبَسِيط) ريم هضيم يروم هضمي من سقم عَيْنَيْهِ عين سقمي وطرفه فِي فتور صبري وخصره فِي نحول جسمي مَا جد فِي ثلم ثغر صبري لَو جاد لي ثغره بلثم فِي عارضيه طراز حسن بهي نسج شهي رقم ...

.. وَوَجهه بالعذار بدر ... أحيط من هَالة بتم ورد حَيَاء ومسك خطّ ينم هَذَا وَذَاكَ ينمي قد نقطت شمس وجنتيه لِلْحسنِ من خَاله بِنَجْم واهي منَاط الوشاح حلت فِيهِ بوجودي عُقُود عزمي نطاقه فِي الْقيَاس نطق يَدُور من خصره بوهم وخلقه جامح لحربي وَعطفه جانح لسلمي الام ظلما يصد ألمي صادي قلبِي عَن ريم ظلم ... لَو أطلق الرَّسْم من وصالي لم ابل فِي صده كرسم ... أفكرت فِي عزه وذلي فهام فِي الْحَالَتَيْنِ فهمي من وهج الْوَجْه دمع عَيْني بذوب قلب يهيم يهمي إِذا غَدا الدمع من وشاتي فبوح سر الْهوى بكتمي إِن رمت يَا عاذلي صلاحي فخلني والهوى وزعمي شَاهد بعيني الحبيب تشهد أَن هَوَاهُ من المهم لومك يذكي الغرام قل لي أَنْت نصيحي أم أَنْت خصمي لَا تلمنني واللوم لوم كَلَام سوء وَسُوء كلم يَا بدر بَادر بشمس رَاح تقشع مِنْهَا غمام غم وانقع وقيت الْأَذَى أواما لِابْنِ كريم ببنت كرم وهز مني للأنس عطفا وَخص جَيش الأسى بهزم وَاجعَل رضاعي جنى رضاب بفيك مِنْهُ يعز فطمي فريقك الحلو عذب ورد يروي صدا الْقلب وَهُوَ يظمي واشف غليلي بشهد ثغر جناة ترياق كل سم بقدك السَّاحر التثني جد لي من غصنه بِضَم بخدك الباهر التجلي جد لي من غصنه بِضَم يَا حارمي فِي الْوِصَال حظي موفرا بالفراق قسمي وقاتلي بالصدود ظلما لَا تتقلد دمي وإثمي يَا راميا قوسه بحتفي موتره مَا يزَال يصمي بِالْعينِ والحاجبين تغني عَن كل قَوس وكل سهم يَا حبذا بالعراق نعمى شكرتها فِي وصال نعم ...

.. أرمي بطرفي هوى إِلَيْهَا وَهِي لقلبي باللحظ ترمي غَدَاة مغنى حماي حاوي حو من الغانيات حم أَيَّام فَوق السَّمَاء أَمْرِي وفْق مرادي وَتَحْت حكمي أَيَّام حل دمي المصون ال حرَام فِي بذله لادم آدَمِيّ بلثمي خدود بيض عيونها للقلوب تدمي وأجتلي الكأس فِي ندامى غر من الأكرمين شم غَدا ينسج الغرام فِينَا ينسج عقلا لكل فدم نسمو من نفحات الصَّبِي لنسم تمّ در بَين عقيق وفض ختم جئن فقود الْعُقُول يلقِي من التصابي بكف فَصم كَانَت ليَالِي الْوِصَال زهرا تبدلت فِي النَّوَى بسحم سَواد فودي مذ عقبت بيضها بدهم يشيب فِي الرَّأْس مثل نَار توقدت من خلال فَحم يزِيد مني الهموم ذكري أَيَّام عمر مضين قدم رضت طَويلا جموح حظي فَلم يلن عوده لعجمي لَيْسَ يعادي الزَّمَان غَيْرِي كَأَن فضلي إِلَيْهِ جُرْمِي أكظم غيظي وَلَيْسَ جدي لغائظات الْأُمُور كظمي أيا زماني الغشوم أقصر أَنَّك لَا تَسْتَطِيع غشمي عبد الرَّحِيم الرَّحِيم أضحى عوني على خَطبك الملم ألوذ مِنْهُ بِذِي جناب يلجئ طراقه وينمي بالسيد الروع المرجى لكشف إزل وكف أزم بالفاضل الْأَفْضَل الْأَجَل الْمفضل الْأَشْرَف الأشم بحاتمي النوال سمح لَيْسَ يرى الْجُود غير حتم غيث غياث وجود جود وبحر علم وطود حلم ذُو أنف أنف كل خطب يقتاد من بأسه بخطم ...

.. زكاء نجر ورحب صدر وَطول بَاعَ وَطيب جذم ومزن من وَوجه منح غير جهام وَغير جهم محاسنا الرَّأْي مِنْهُ عدلا كل ظلام وكل ظلم الْمُنعم الْمُسْتَحق مني جَمِيع شكري بِبَعْض شكم وَمَا بنى الْمجد مثل مولى خص الندى مَاله بهزم ذُو محتد فِي النجار زاك وسؤدد فِي الفخار ضخم نعماه ترجى لكف بؤس وَفك أسر وجبر يتم ... يراعه فِي الْيَمين مِنْهُ ... يسْتَخْرج الدّرّ من خضم فَهُوَ حسام لم يبْق دَاء الا وَقد خصّه بحسم وَحده حص كل حد من كل مَا نَائِب بثلم يروض الطرس مِنْهُ مزجى سحب من المكرمات سحم سطوره للعلى نُجُوم تخْفض فِي اوجها وَتسَمى إِن جَاءَ عاف فنجم سعد أَو جَاءَ عَاتٍ فنجم رجم أقلامه خاطبت خطوبا من ظفرها ظَفرت بقلم كم عقدت راية لرأي مؤيد عزمه بحزم والسمع والصلب للأعادي مَا بَين وقر بهَا ووقم لَهُ يَد للْوَلِيّ مِنْهَا ولي ولي ووسم وَسمي مَا وابل منجم الغوادي بِكُل سهل وكل حزم هامي ربَاب بالوشي مِنْهُ هام الربى فِي بديع وشم يحوك نسج الرّبيع فِيهِ نمارق الزهر فَوق أكم أغزر من جوده وفصح فِي الْعَجز عَن وَصفه لبكم مولَايَ حَالي كَمَا ترَاهُ فِي نقص حَظّ وَفضل هم لم يقْض ديني وكل يَوْم غَرِيم دهري يُرِيد غرمي أَهلِي مقيمون من دمشق فِي بَلْدَة نارها بلجم قد طَال ذيل بهم فطول طولا بجاهي العريض كمي أَصبَحت فِي مصر ذَا رَجَاء إِلَى الندى الجم مِنْك جم أصَاب قصدي وَتمّ أَمْرِي وَبَان نجحي وفاز أُمِّي وأنني قد ودت وجدي مِنْك كَمَا قد عدمت عدمي نعشتني من عثار دهري فحزت حمدي وَحَازَ ذمِّي عِنْدِي مواعيد للمعالي يمطل دهري بهَا برغمي ...

.. نتيجة النجح مِنْك تقضي أَن المواعيد غير عقم ولي مني كلهَا أرَاهُ مِنْك على خبْرَة وَعلم قَضَاء ديني ونيل سؤلي وَحفظ جاهي وجري رسمي وضيعة لَا يضيع فِيهَا عزمي كَمَا لَا يفوت غنمي وَحُرْمَة يَسْتَنِير مِنْهَا سعود قدري فِي أفق عظم يممت بِمَا وَلست أرْضى تيمما فِي جناب يم لم أملي لم يزن بنجح لم شعثي لم يعن بلم رم رم أَمْرِي وَحل حَالي مَا كرم فِي الورى كرمي رث ثراي بِغَيْر طرز وغث جاهي بِغَيْر شَحم مضارع الْفِعْل حَظّ فضلي وعائق الصّرْف حرف جزم ناهيك من مخول معم يحنو على المخول المعم شَمل العدا وَالْعرُوض مِنْهُم مَا بَين شت وَبَين شتم ونلت عزا بِغَيْر صرف وَوصل ملك بِغَيْر صدم تملها فَهِيَ بكر فكري شهية من نتاج شهم حدوت عيسي بهَا فَجَاءَت شقشقة من هدير قرم بحرك طامي الْعباب فاغسل طمي فِي نظمها وَرمي لي خاطر مبجل لهمي فنحته من صفا أَصمّ أقدم رغبا فحام رعْبًا لقد فَخر لديك فخم إِلَيْك يَا كعبة الْمَعَالِي حج حجاة بلطف حجم أجر على الْوَهم عظم شاني واجبر من الوهن عظم نظمي بصفحة الصفح مِنْك يَبْدُو جرم قصوري بِغَيْر جرم بِاسْمِك للشكر باسمات مني منى سقتهن باسمي ... أقبل وَأفضل عَليّ وافضل عرب معَان لدي عجم مَا دمت عوني فَلَيْسَ يَعْزُو جميل رسمي قَبِيح وصم ...

ذكر علم الدين الشاتاني

ذكر علم الدّين الشاتاني قد سبق ذكره فِي الْأَيَّام النورية ووفادته وافادته وإبداؤه فِي مذكرة الْآدَاب واعادته وَهُوَ من أدباء الْموصل وشعرائها بل من فصحائها وظرفائها وَهُوَ مطبوع وَكَلَامه مَصْنُوع وَقَوله مَقْبُول مسموع مدره مفوه وَله نتف وطرف ونكت وكل الْفضل فِيهِ مَجْمُوع وَله شعر وَرُبمَا ندر لَهُ فِي الْجَوْدَة مَقْطُوع وَلما جمعني وإياه من نِسْبَة الْأَدَب تشبث بِي دون الْجَمَاعَة وَكنت أجاريه فِي ميدان البراعة وأدارية حِين أباريه فِي الصِّنَاعَة وأحفظ قلبه أستديم حبه ووفد فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين إِلَى مصر وَأهْدى النّظم والنثر واصطنعه الْملك عز الدّين فرخشاه وأنزله فِي جواره دَارا وَقرر لَهُ إحسانا دَارا وَجمع لَهُ من رفده النائل وَمن الْأُمَرَاء ذَوي الفواضل مبلغ ألف دِينَار إِذن صبح نجح أمله مِنْهُ بأسفار وَكَانَ عندنَا بالمخيم فِي العباسة فِي الْمحرم من هَذِه سنة ثَلَاث وَسبعين شَاكر فَضَائِل عز الدّين وَقد مدح السُّلْطَان بِكَلِمَة مطْلعهَا ... غَدا النَّصْر معقودا برايتك الصفر فسر وَافْتَحْ الدُّنْيَا فَأَنت بهَا أَحْرَى ... وَكَانَت الْأَعْلَام السُّلْطَانِيَّة صفرا لَا يُفَارق نشرها نصرا وَلكم استصحب لاستئناس جوارح الطُّيُور بِكَسْرِهَا غزاتها عقَابا ونسرا وَجعل الْعلم مفتح شعره بِالْعلمِ واغرب عَنهُ بغرابة رَأْيه الْكَلم وَأقَام حَتَّى اجتاب خلعه الاجتياب وَكتب لَهُ الْأَجَل الْفَاضِل من عِنْده مكَاتبه إِلَى عز الدّين يحمده على اصطناعه وَرَفعه من حضيض حظوظه إِلَى يفاع ارتفاعه

فصل منها

فصل مِنْهَا لَوْلَا حق وَجب على الْمُلُوك أَدَاؤُهُ وسر خدمَة تعين عَلَيْهِ إبداؤه لامتثل الْأَمر فِي أَن يديم سرُور الْمجْلس السَّامِي فِي وَأَن لَا يُعَارض صفو عيشة بكدر كِتَابه لَكِن لم يَتَّسِع لَهُ مَعَ عودة القَاضِي الْفَقِيه الإِمَام الرئيس الْكَامِل علم الدّين وَهُوَ يُنْهِي أَن الْمَذْكُور صائغ حلية الذّكر وَفَارِس حلبة الشُّكْر وخطيب الأيادي العزية الَّذِي لَا يقوم لَهُ الْخَطِيب الأيادي والعالم بِمَا يُورِدهُ فِي كتب محاسنه {وَمِنْهُم أُمِّيُّونَ لَا يعلمُونَ الْكتاب إِلَّا أماني} وَمَا برح مذ فَارق الركاب العالي فِي هَذِه الْأَيَّام ببعده فَكَأَنَّهَا أَعْوَام كَمَا قصرت عَلَيْهِ تِلْكَ الْأَيَّام بِقُرْبِهِ فَكَأَنَّهَا أَحْلَام إِذا ذكر الْمولى سبح بِحَمْدِهِ وبادر من غير تشيع بتعفير خَدّه وَصلى على ذكره وَسلم وَأورد من آيَات مجده مَا كَانَ بإيراده أقوم وَلَا يَقُول أعلم فان الْخلق قد اشْترك فِي هَذَا الْعلم واستوى فِي هَذَا الحكم ... عرف الْعَالمُونَ فضلك بالعل لم وَقَالَ الْجُهَّال بالتقليد ... بل لَا نقُول أَخذ بالتقليد فِي فضائله لما عِنْدهم من فواضله ... فان مر من تثني عَلَيْهِ حقائب فَأَنت الَّذِي تبني عَلَيْهِ حقائق ... وَقد أنعم على علم الدّين بِمَا يلْبسهُ وَلَده وبإقامة جِهَة الرَّاتِب الَّذِي نثري بِهِ بده وكل سَحَاب يمطره فالمولى منشئ أفواجه وكل بَحر يغمره فَهُوَ باعث أمواجه وَالْمولى مقفو أثر الْإِحْسَان متبوعة وَمن الَّذِي يتبعهُ فيستطيعه فَمن أعطَاهُ أَو أدنى فَإِنَّمَا

وفي هذه القصيدة بيت يليق بأوصاف بيته الكريم وهو إلى سالب الجبار بيضة ملكه وآمله عاد عليه فسالبه

عرفه بتعريفه واستشرف ناظرة إِلَيْهِ بتقريبه لَهُ وتشريفه وَالْمولى كَمَا قَالَ حبيب الأدباء حبيب ... فَفِي كل مجد فِي الْبِلَاد وغائر مواهب لَيست مِنْهُ وَهِي مواهبه ... وَفِي هَذِه القصيدة بَيت يَلِيق بأوصاف بَيته الْكَرِيم وَهُوَ ... إِلَى سالب الْجَبَّار بَيْضَة ملكه وآمله عَاد عَلَيْهِ فسالبه ... والمملوك لَا يستزيد لَهُ الْأَنْعَام لِأَنَّهُ قصر عَن غَايَة وَلكنه يُشَارِكهُ فِي الشُّكْر وان كَانَ الْمَذْكُور أبهى إِيَّاه وأبهر آيَة ذكر بروز السُّلْطَان بِقصد الْغُزَاة إِلَى غَزَّة وعسقلان مستهل جُمَادَى الأولى ونوبة الرملة مستهل جُمَادَى الْآخِرَة وَعَاد السُّلْطَان إِلَى الْقَاهِرَة وَأقَام بهَا ظَاهر السُّلْطَان باهر الْبُرْهَان ثمَّ تقاضته عزمته واهتمت بالغزاة همته وجد بِالْجِهَادِ وجده وجهده وجردت سريجياته وأسرجت جرده وضمرت مذاكية وأذكيت ضوامره وَمَاجَتْ زواخره وأصحرت خوادره واستعرت مساعره وَعرضت عساكره وعلنت شعائره وَظَهَرت لله فِي سَبيله سرائره وزأرت ضراغمة وزخرت غمامة وزخرت خضارمه وخفقت بوارقه وأورقت مآرقه وسبقت عتاقه وعتقت سوابقه وقلقت بغوابربه أجفانه وَقربت للعسلان مرانه وتلذذت لشوق الطعان لدانه وفاضت على البحور غدرانه وتلبست

الْأَجْسَام أبدانه وطارت بالجبال رياحه وأنارت بالنجوم رماحه وصافحت أشاجع الشجعان صفاحه وَدَار من عسكره على خصور الْعضَاة وشاحه أَسْفر فِي ليل العجاج من غرر دهمه صباحه ونهض ولواء النَّصْر من نجاحه جنَاحه وسما لأرزاق مستميحي الْآجَال سماحة وَتمّ بِتَوْفِيق الله فِي تيسير أَسبَاب مُرَاده اقتراحه وتراءت لَهُ فِي متاجر الْجِهَاد أرباحه وللدين أفراحه وللكفر أتراحه والشرك للرعب قد خرجت أرواحه وأبار الْعَدو وأباده احتباجه واجتياحه وَخرج من الْقَاهِرَة يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث جُمَادَى الأولى بعد الصَّلَاة وخيم بِظَاهِر بلبيس فِي خامسه بخميسه لقصد الْغُزَاة ثمَّ تقدمنا مِنْهُ إِلَى السدير وخيمنا بالمبرز فِي الْعَزْم الْمعلم بتأييد الله الْمُطَرز والجيش المجهز وَأَنا قد استكثرت فِي طَرِيق الْجِهَاد من العلوفة الأزواد مُسْتَقِيم على نهج الاستسعاد وَسنَن الاستعداد وجدد الِاجْتِهَاد وَقد أزف الرحيل وَفرض التَّعْجِيل واستصحب من الخيم الْخَفِيف ورد الِاجْتِهَاد وَقد أزف الرحيل وَفرض التَّعْجِيل واستصحب من الخيم الْخَفِيف ورد الثقيل ثمَّ نُودي خُذُوا زَاد عشرَة أَيَّام اخرى زِيَادَة للاستظهار ولإعواز ذَلِك عِنْد توَسط ديار الْكفَّار فركبت إِلَى سوق الْعَسْكَر للابتياع وَقد أَخذ السّعر الغالي وَأَنا صَاحب قلم لَا صَاحب علم وَقد استعشرت نَفسِي فِي هَذِه الْغَزْوَة من عَاقِبَة نَدم والمدى بعيد والخطب شَدِيد وَالطَّرِيق كُله فِي الرمل وجمالي وبغالي لَا تقوى على الْحمل وَالْجهَاد تضمر لَهُ الْعتاق الْجِيَاد وترهف لَهُ الرقَاق الْحداد وتثقف بِهِ الدقاق الصعاد وتقاد إِلَيْهِ الجنائب العراب وتجرب من قبله للغلاب فِي الإجراء الْجلاب والكمت الْجِيَاد انما يستجديها الكماة وَهَذَا المغزى والدأب لمن دأبه الْغُزَاة وَهَذِه نوبَة السيوف لَا نوبَة الأقلام وَفِي سلامتنا سَلامَة الْإِسْلَام وَالْوَاجِب على كل منا أَن يلْزم شغله وَلَا يتَعَدَّى حَده وَلَا يتَجَاوَز مَحَله لَا سِيمَا ونواب الدِّيوَان قد اسْتَأْذنُوا فِي العودة وأظهروا قلَّة الْعدة وأظهرت سري للْمولى الْأَجَل الْفَاضِل فسره إشفاقا عَليّ وإحسانا إِلَيّ وَكَانَ السُّلْطَان أَيْضا يُؤثر إيثاري ويختار اخْتِيَاري فَقَالَ أَنْت مَعنا أَو عزمت بِأَن تدعنا وَلَا

تتبعنا فَقلت الْأَمر للْمولى وَمَا يختاره لي فَهُوَ أولى فَقَالَ تعود وَتَدْعُو لنا وتسأل الله أَن يبلغنَا فِي النَّصْر سؤلنا وَكنت قد كتبت أبياتا إِلَى المخدوم الْفَاضِل بِقبُول الْعذر مِنْهَا على سَبِيل المداعبة الرمل ... قيل فِي مصر نائل عدد الرم ل ووفر كنيلها فِي الوفور فاغتررنا بهَا وسرنا إِلَيْهَا ووقعنا كَمَا ترى فِي الْغرُور وحظينا بالرمل وَالسير فِيهِ ومنعنا من نيلها الميسور وبرزنا إِلَى المبرز نشكو سدرا من نزولنا بالسدير وعددنا مَعَ الرعاع فَلَا فِي ال عير ندعى يَوْمًا وَلَا فِي النفير قيل لي سر إِلَى الْجِهَاد وماذا بَالغ فِي الْجِهَاد جهد مسيري لَيْسَ يقوى فِي الْجَيْش جأشي وَلَا قو سي يَرْمِي موترا إِلَى موتور أَنا للكتب لَا الْكَتَائِب اقدا مي وللصحف لَا الصحاف حضوري كَاد فضلي يضيع لَوْلَا اهتمام ال فَاضل الفائض الندى بأموري وَأَنا مِنْهُ فِي ملابس جاه رافلا مِنْهُ فِي حبير حبور فَهُوَ رقى من الحضيض حظوظي وسما بِي إِلَى سَرِير السرُور ... وَمَا انْقَطَعت عَن السُّلْطَان فِي غَزَوَاته إِلَّا فِي هَذِه الْغَزْوَة وَقد عصمني الله فِيهَا من النُّبُوَّة وَنظر إِلَى فرفهني وألهم همي ونبهني وَكنت لما فَارَقت الْقَاهِرَة استوحشت وتشوقت إِلَى أصدقائي وتعطشت وتسورت بوحشة الْوحدَة وتشوشت وكتبت من المخيم ببلبيس إِلَى القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُوسَى الْمَعْرُوف بِابْن الْفراش وَقد أَقَامَ بِالْقَاهِرَةِ أذكر لَهُ لواعج الاستيحاش وَكَانَ أصدق

صديق وأشفق وأرفق رَفِيق وَقد تصاحبنا فِي الْأَيَّام النورية وتوافقنا على الْمصَالح الْكُلية والجزئية واستشرته فِي التَّأَخُّر عَن السُّلْطَان وأذكر لَهُ بِقدر الْإِمْكَان فَكتب بِالْجَوَابِ وَأَشَارَ بِالصَّوَابِ وَقَالَ رافقه وَلَا تُفَارِقهُ وَفِي ركُوب المشاق لَا تشاققه فَإِنَّهُ يعرف لَك حَقك وَيعلم عزمك وصدقك فَكرِهت رَأْيه فَكتبت إِلَيْهِ وتلوت سور الْخطر وَآيَة عَلَيْهِ وضمنت الْكتاب هَذِه الأبيات وَقد دونتها بالإثبات الْبَسِيط ... إِذا رَضِيتُمْ بمكروهي فَذَاك رضى لَا أَبْتَغِي غير مَا تبغون لي غَرضا وَإِن رَأَيْتُمْ شِفَاء الْقلب فِي مرضِي فإنني مستطيب ذَلِك المرضا أَصبَحت ممتعضا من أجل أَنِّي لَا أرْضى صديقا لما أَلْقَاهُ ممتعضا أَن رمتم عوضا لي فِي محبتكم فحاش لله أَن أبغي بكم عوضا لله عَيْش تقضي عنْدكُمْ وَمضى وَكَانَ مثل سَحَاب برقه ومضا الْعَيْش دَان جناه الغض عنْدكُمْ وَالْقلب محترق مني بجمر غضا كَأَن فِي تَعب المشتاق راحتكم فقد غَدا بعدكم من شوقكم حرضا لم عَاد مُحكم أس الود منهدما وَصَارَ مبرم حَبل الْعَهْد منتقضا مَا كنت أَعهد مِنْكُم ذَا الْجفَاء وَلَا حسبت أَن وَادي عنْدكُمْ رفضا قد أظلم الْأُفق فِي عَيْني بغيبتكم فان أذنتم لشخصي فِي الْحُضُور أضا وَلست أول صب من أحبته لما جفوا مَا قضى أوطاره وَقضى نضا الضنا عَنهُ ثوبا لَان لابسه من صِحَة فأعيدوا مَا ضناه نضا مروا بِمَا شِئْتُم من محنة وأذى فقد رَأَيْت امْتِثَال الْأَمر مفترضا وَأَرْسلُوا الطيف عِنْدِي نَائِبا لكم إِذا رَأَيْتُمْ بِأَن لَا تمنعوا الغمضا ضَاقَ الفضاء الَّذِي فِيهِ نسير وَهل يكون فِي فرقة الاحباب رحب فضا طُوبَى لكم مصر وَالدَّار الَّتِي قضيت فِيهَا المآرب والعيش الَّذِي خفضا بعيشكم أَن خلوتم بانبساطكم تَذكرُوا ضجرا بالعيش منقبضا رَضِيتُمْ سَفَرِي عَنْكُم واعهدكم بسفرتي عَنْكُم لَا تظْهرُونَ رضى فَهَل ثقلت عَلَيْكُم إِذْ محضتكم ودي كَذَلِك من فِي وده مَحْضا ...

.. هلا تكلفتم قولا أَمر بِهِ وهيهات جوهركم قد عَاد لي عرضا تفضلوا واشرحوا صَدْرِي بقربكم أَو فاشرحوا ذَلِك الْمَعْنى الَّذِي غمضا أنهضتموني بعبء من جفائكم لَو أَنه فَوق سامي الطود مَا نهضا وسمتموني فِي تكليفكم شططا فَمَا الَّذِي لي من إعراضكم عرضا أنفدت نقد دموعي لاشتياقكم فحين أفنيته عاودت مقترضا ... وَلما وقف القَاضِي شمس الدّين على الأبيات وَكَانَ ثَابت الْحلم حَلِيم الثَّبَات وَله خاطر وقاد خَبِير بصناعة النّظم نقاد وَله فِي ودي بِالصّدقِ اعْتِقَاد ولسري بالبحث افتقاد فَكتب إِلَيّ فِي الْجَواب مَا جعلته من طرز هَذَا الْكتاب ... أرْسلت سهم عتاب قد جعلت لَهُ قلبِي وان لم تكن عينته غَرضا فصرت كالدهر يجني أَهله آسفا ويلتقي من عتاب المذنب المضضا لَا تشك من زمن نبهت حَادِثَة فالمجد أصبح من شكواك ممتعضا وكل ذَنْب إِذا مَا عِشْت مغتفر وكل سخط نلاقي مِنْك فَهُوَ رضَا لما فرضتم على قلبِي مودتكم جعلتم نصبي فِي الْحبّ مفترضا لَا تنسبوني إِلَى إِيثَار بعدكم فلست أرضي إِذا مَا فارقكم عوضا ولي وداد تولى الصدْق عقدته فَمَا ترَاهُ على الْأَيَّام منتقضا يلقاك قلبِي على سبك العتاب لَهُ بِصِحَّة لَيْسَ يخْشَى بعْدهَا مَرضا حرضتموني على ذكرى عتابكم فصرت من طول تذكاري لكم حرضا هِيَ اللَّيَالِي تسوم الْمَرْء جوهره فتشتريه وتعطيه المنى عرضا سرى خيال المنى فِي ليل لمته وَعَاد لماتها صبح المشيب أضا وَإِنَّمَا ذَاك رعد برقه ومضا فهيج الشوق فِي أحشائنا وَمضى سرى الهوينا وأغرى بِي تلفته فحين أرْسلت قلبِي خَلفه ركضا هبها ترد سُرُورًا فَاتَ أَكْثَره فَهَل يُعِيد شبَابًا بالمشيب قضى ...

عاد الحديث ثم ودعت السلطان وعدت وقربوا وبعدت وسعدوا وسعدت ونهضوا وقعدت وما تأخرت لما تقدموا وأحجمت لما أقدموا إلا إلهاما من الله بالنجاة من تلك الورطة والخلاص من تلك الفرطة حيث حكم في تلك النوبة بالعثرة وإعلامنا بسوء عاقبة الأغتزار بالكثرة فإن غزوات

عَاد الحَدِيث ثمَّ ودعت السُّلْطَان وعدت وقربوا وبعدت وسعدوا وسعدت ونهضوا وَقَعَدت وَمَا تَأَخَّرت لما تقدمُوا وأحجمت لما أقدموا إِلَّا إلهاما من الله بالنجاة من تِلْكَ الورطة والخلاص من تِلْكَ الفرطة حَيْثُ حكم فِي تِلْكَ النّوبَة بالعثرة وإعلامنا بِسوء عَاقِبَة الأغتزار بِالْكَثْرَةِ فَإِن غزوات السُّلْطَان من بعْدهَا كَانَت مؤيدة والسعادات فِيهَا مجددة وَمَا تخلفت عَنهُ إِلَّا فِي تِلْكَ النّوبَة الَّتِي نبت والغزوة الَّتِي صعبت فَكَأَن الله قوم بهَا أُمُور وأجرى بهَا لما يجريه من مَقْدُور النَّصْر من بعْدهَا مَقْدُورًا وذلل بهَا الجوامح وَعدل مِنْهَا الجوانح وَعرف العزائم مضاءها وَعلم الصرائم استواءها وحقق الْحَقَائِق ووفق الْمُوَافق وَرفع الْعَوَائِق وأوضح لنا الْمذَاهب وأوضع إِلَيْنَا الْمَوَاهِب وحث الهمم وَبث النعم ورحض أدران الأردان وحرص إِيمَان الْأَيْمَان وحض أعوان الْحَرْب الْعوَان وَخص عباده بِيَسِير من الأبتلاء والأمتحان وَرجعت وَأَنا بَين عاذل وعاذر وناه من الأصدقاء وآمر فَمنهمْ من يَقُول كَيفَ تخلفت وأعرضت عَمَّا ألفت واستأنفت الفتور وَمَا انفت وفيم تعففت وعفت وَمن الْعِزّ عزمت وَمِنْهُم من يَقُول قد أخذت بالحوطة وَمَا حصلت فِي الورطة وعملت بالحزم وَأَنت فِي هَذَا أَيْضا من أولي الْعَزْم فَمَا يحمد الْأَقْدَام فِي كل مقَام وَلَا قوي الْقَوَاعِد إِلَّا بِأَحْكَام وَلَا معاق للمعاقد إِذا أمرت بإبرام ثمَّ عذر من عذل وعقل لمن عَنهُ غفل ذكر نوبَة الرملة ونبوة الحملة يَوْم الْجُمُعَة غرَّة جُمَادَى الْآخِرَة أَو ثَانِيَة ثمَّ رَحل السُّلْطَان مقدما ولعزمه فِي الْجِهَاد مصمما ولرأيه فِي بذل الْوَاسِع والأجتهاد متمما وَسَار فِي جَيش مجر لسيل الْخَيل مجر من سَواد القتام فِي ليل وَمن بَيَاض الْبيض فِي فجر وَمن حب الْغَزْو فِي وصل وَمن سلو الْحَيَاة فِي هجر وَفِي أجْرى أجر وانحى نحر وَفِي عَرَمْرَم عرم وخضم ضرم ولهام ملتهب ملتهم وصليم مصطل مصطلم ومشقي من بَقِي من عَدو الْإِسْلَام منتقم وكل قرم إِلَى لِقَاء

الْقرن قرم وكل سهم فَوق شيظم ومعلم تَحت علم وضيغم فِي جلد ارقم ومطهر على مطهم وصلد صلدم ومجمر ومرحم ومقدام مقدم ذِي مفخر مقحم إِلَى حج الْجِهَاد محرم ولغير إِرَاقَة دم الْكفْر الْمُبَاح محرم وبالحزم متحزم وعَلى الروع متقحم ولليراع الْمُقَوّم فِي الصُّدُور محطم وَملك مسود معتضد بِملك مُسَوَّم وَروض من الجحفل لَا يخضر ورق حديده من الْمَوْت الْأَحْمَر الا بديمة دم وفلق من الفيلق مُسْفِر من النَّقْع فِي الغسق فِي أَشجَار المران وورق الدرق وخرق خفقان الْخرق سادين للأفق صادين للشفق صادين إِلَى العلق حائرين بِالسَّبقِ للسبق وللحنايا جنَّة الحنق وللمنايا فرق للأفراق من الْفرق وَلكُل سَائِر إِلَى لِقَاء الْعَدو ضرب من الْعُنُق إِلَى ضرب الْعُنُق حائم على الْحمام هائم بِقطع الْهَام فَنزل على عسقلان يَوْم الْأَرْبَعَاء التَّاسِع من جُمَادَى الأولى فسبى وسلب وغنم وَغلب واسر وقسر وَكسب وَكسر وَجمع هُنَاكَ من كَانَ مَعَه من الْأُسَارَى فَضرب مِنْهُم الْأَعْنَاق وسقاهم من الْمَوْت الكأس الدهاق وسام الْعَدو الإرهاق والإزهاق وتفرق الْفرق فِي الْأَعْمَال مغيرين ومبيدين ومبيرين فَلَمَّا رَأَوْا أَن الفرنج خامدون هامدون وان الْمُسلمين لما هم لَهُ من النَّصْر حاملون حامدون استرسلوا وانبسطوا وانتشروا ونشطوا وناموا وَسَكنُوا وَأَقَامُوا وركنوا وفارقوا الْفرق وَسَارُوا سارين وأغاروا غارين وارتفعوا لذيل العثير على المجر مبارين وانتفضوا بالْكفْر ضارين ضارين وأبروا لرقاب العدى بارين وبأرباب الْهدى بارين دائرين على الفرنج بدوائر السوء بدر دِمَائِهِمْ دارين واستقبل يَوْم الْجُمُعَة مستهل جُمَادَى الْآخِرَة بالرملة راحلا ليقصد بعض

ذكر الحملة التقوية واستشهاد ولده

المعاقل منازلا فاعترضه نهر عَلَيْهِ تل الصافية فازدحمت على العبور أثقال العساكر المتوافية فَمَا شعروا الا بالفرنج طالبة باطلابها حازبة بأحزابها ذابة بذئابها عاوية بكلابها مصحرة حادرات آسادها فِي غابها زائرة بزئيرها فِي مساعير سعيرها من كل جاحم جحيم وَشَيْطَان رجيم وسرحان هجمه وَفَارِس بهمة ورئبال وبال وضرغام خبال وذئب ثلة وضبع ضلة ونمر فتك وخنزير هتك وأفعى نهش وأعوى وَحش وأزرق أنم وآبي شَرّ أبرش وكل قسور سَفَرِي وجهم جهنمي وضليل لظوي وناري دركي وشرير شركي وراجل كالدبا وَقد نفر نفيرهم وَزفر زفيرهم وَقد ثار ثأرهم وزأر زأرهم وعار عارهم وهاجت دِمَاؤُهُمْ وماج داماؤهم ونهضوا بقنطاريات طائرات وطوارق طارقات ورياح سارقات وبحار سابغات وَذَلِكَ فِي يَوْم الْجُمُعَة أول جُمَادَى الْآخِرَة وَقد تفرق الْجمع وَأمن الروع وسرايانا فِي الضّيَاع مُغيرَة ولوجود الْكفَّار مبيرة ولدفائنهم مثيرة ولرحا الْحَرْب عَلَيْهِم فِي دُورهمْ مديرة ذكر الحملة التقوية واستشهاد وَلَده فَوقف الْملك المظفر تَقِيّ الدّين وتلقاهم بصدره وباشرهم ببيضه وسمره وسبك الراجل بنيران سيوفه وصدهم عَن الحملات بوقوفه ثمَّ حمل على الخيالة بخيله وجرفهم بسيله فاستشهد من أَصْحَابه عدَّة من الْكِرَام انتقلوا إِلَى نعيم دَار الْمقَام

وَهلك من فرسَان الفرنج أضعافها وَكَانَ فِي تِلْكَ الحملة أضعافها وَكَانَ لتقي الدّين ولد يُقَال لَهُ أَحْمد شَاب أول مَا طر شَاربه وَمَضَت مضاربه وومضت سحائبه وَهُوَ فِي ريعان شبابه الطرير ووالده من حسنه واحسانه فِي النَّفس القارة والطرف القرير فَقَالَ لَهُ يَا وَلَدي قد جَاءَت نوبتك فَأَيْنَ سطوتك فَأقر عَيْني باقدامك واحسم دَار الْوَرع ببراعتك وحسامك فَحمل وَبلغ الطعان وراع تِلْكَ الرعان وأردى فَارِسًا بردنيته وفرسه وَصد الْعَدو وحبسه وَخرج سالما إِلَى أَبِيه يعْتَقد أَن تِلْكَ النهضة تكفيه وَأَنه يشكره ويغنيه فَقَالَ لَهُ عد يَا أَحْمد فان الْعود أَحْمد وقسا قلبه حَتَّى قيل كَأَن مُرَاده أَنه يستشهد فَقدم الْوَلَد طَاعَة الله وَطَاعَة وَالِده على بَقَاء نَفسه وغامر وَحْشَة الروع بأنسه وأذنت تِلْكَ الحملة الثَّانِيَة بكسوف الشَّمْس وفاز فِي تِلْكَ السَّاعَة وَالْإِسْلَام فِي مأتمه بِهِ فِي الْجنَّة مَعَ الْحور الْعين بعرسه فَمَا كَانَ على الْملك تَقِيّ الدّين لَو أبقى فِيهِ ويبقيه قُرَّة عين لنا ولأبيه لَكِن الْقدر المحتوم سلب الرقة من قلبه حَتَّى رد وديعته وَلَده إِلَى ربه وَكُنَّا نتحدث بعد ذَلِك بشدته وقساوته وحماسته وجوده حَتَّى بمهجة نَفسه وَفضل سماحته وَكَانَ لَهُ ولد آخر اسْمه شاهنشاه فِي الأسار غرته الداعية إِلَى الاغترار فانه خدعه بعض مستأمني الفرنج بِدِمَشْق وَقَالَ لَهُ تَجِيء إِلَى الْملك وَهُوَ يعطيك الْملك وينتظم فِي شركته لَك فِي السلك وزور لَهُ كتابا واستحضر على لِسَان بَعضهم خطابا فسكن إِلَى صدقه وَصَحبه وَلم يدر أَنه خدعه وخلبه فَلَمَّا تفرد بِهِ شدّ وثَاقه وَله وَقَيده وضيق خناقه وَحمله إِلَى الداوية وَأخذ بِهِ مَالا وجدد عِنْدهم لَهُ حَالا وجمالا وَبَقِي فِي الْأسر أَكثر من سبع سِنِين حَتَّى فكه السُّلْطَان بِمَال كثير وَأطلق للداوية كل من كَانَ عِنْده لَهُم أَسِير فغلظ الْقلب التقوي على ذَلِك الْوَلَد خبر هَلَاك أَخِيه وَلما عَاد من الْغَزْوَة زرناه لنعزيه فِيهِ

عاد حديث نوبة الرملة

عَاد حَدِيث نوبَة الرملة فَلَو أَن لتقي الدّين ردْءًا لأردي الْقَوْم وأغلى السّوم لَكِن النَّاس لما عرفُوا الْوَقْعَة تفَرقُوا وَرَاء أثقالهم ثمَّ نَجوا برجالهم دون رحالهم وضربوا بجملتهم حملتهم على السُّلْطَان وَثَبت ووقف على تقدمه من تخلف وسمعته يَوْمًا يصف تِلْكَ النّوبَة ويشكر من جماعته الصُّحْبَة ويمدح مِنْهُم فِي عصبتهم الْعصبَة وَيَقُول رَأَيْت فَارِسًا يحث نحوي حصانه وَصوب إِلَى نحري سنانه وَكَاد يبلغنِي طعانه وَمَعَهُ آخرَانِ قد جعلا شَأْنهمَا شَأْنه فَرَأَيْت ثَلَاثَة من أَصْحَابِي خرج كل وَاحِد مِنْهُم إِلَى كل وَاحِد مِنْهُم بادروه وطعنوه وَقد تمكن من قربي فَمَا مكنوه وهم إِبْرَاهِيم بن قنابر وَكَانَ الْفَارِس الباسل المصابر وَفضل الفيضي وَهُوَ الشَّيْخ الذمر الجريء وسُويد بن غشم الْمصْرِيّ فَهَؤُلَاءِ كَانُوا فرسَان الْعَسْكَر وشجعان المعشر إِذا كَانَ الْوَاحِد مِنْهُم فِي مقنب أَو سالكا لمَذْهَب قويت بِهِ نفوس رفقائه وأيقن بالأعداء على أعدائه وَاتفقَ بسعادة السُّلْطَان أَن هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة وأمثالهم من فرسَان الْعَسْكَر رافقوه وَمَا فارقوه وقارعوا الْعَدو دونه وضايقوه فَمَا زَالَ السُّلْطَان يسير وَيقف حَتَّى لم يبْق من ظن أَنه يتَخَلَّف وَدخل اللَّيْل وسلك ارمل وَلَا مَاء وَلَا ذَا دَلِيل وَلَا كثير من الزَّاد والعلف وَلَا قَلِيل وتعسفوا السلوك فِي تِلْكَ الرمال والأوعاث والأوعار وبقوا أَيَّامًا وليالي بِغَيْر مَاء وَلَا زَاد حَتَّى وصلوا إِلَى الديار المصرية وَأذن ذَلِك بِتَلف الدَّوَابّ وترجل الركاب ولغوب الْأَصْحَاب وفقد

كثير مِمَّن لم يعرف لَهُ خبر وَلم يظْهر لَهُ أثر وفقد ضِيَاء الدّين عِيسَى وَأَخُوهُ الظهير وَمن كَانَ صحبتهم فضل الطَّرِيق عَنْهُم وَعَن جَمَاعَتهمْ وَكَانُوا سارين إِلَى وَرَاء فَأَصْبحُوا بِقرب الْأَعْدَاء فاكتمنوا فِي مغارة وَانْتَظرُوا من يدلهم من بلد الْإِسْلَام على عمَارَة فَدلَّ عَلَيْهِم الفرنج من زعم أَنه يدل بهم وسعى فِي أسرهم وعطبهم وأسروا وَمَا خلص الْفَقِيه عِيسَى وَأَخُوهُ الا بعد سِنِين بستين أَو سبعين ألف دِينَار وفكاك جمَاعَة من الْكفَّار عِنْده من أسار وَمَا اشتدت هَذِه النّوبَة بكسرة وَلَا عدم نصْرَة فَإِن النكاية فِي الْعَدو وبلاده بلغت مُنْتَهَاهَا وَأدْركت كل نفس مُؤمنَة مشتهاها لَكِن فِي الْخُرُوج من تِلْكَ الْبِلَاد تشَتت الشمل وتوعر السهل وسلك مَعَ عدم المَاء وَالدَّلِيل الرمل وَانْقطع دون قطع الحبى بالوصول الْحَبل وقنص من ظلّ بِهِ الطَّرِيق الْأسر والكبل وَمِمَّا قدره الله من أَسبَاب السَّلامَة وَالْهِدَايَة إِلَى الاسْتقَامَة استظهار الْأَجَل الْفَاضِل فِي دُخُول بلد الْأَعْدَاء باستصحاب الكنانية والادلاء وانهم مَا كَانُوا يفارقونه فِي الْغَدَاء وَالْعشَاء وَينْفق عَلَيْهِم وَيقوم بِكُل مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فهم يخدمونه ويتوفرون عَلَيْهِ فَلَمَّا وَقعت الْوَاقِعَة وصدمت القارعة خرج بدوابه وغلمانه وَأَصْحَابه وأدلائه والبائه وأثقاله وأحماله وَرِجَاله ورحاله وَبث أَصْحَابه فِي تِلْكَ الرمال والوهاد والتلال حَتَّى أَخذ خبر السُّلْطَان وقصده وأوضح بأدلائه جدده وَفرق مَا كَانَ مَعَه من الأزواد على المنقطعين وجمعهم فِي خدمَة السُّلْطَان أَجْمَعِينَ فسهل ذَلِك الوعر وأذهب الْفقر وَأنس بالأهل فعد الوحشة القفر وَأمن الذعر وجبر الْكسر وَغلب على خطْبَة الدَّهْر

ووجدت بالإنشاء الكريم الفاضلي كتابا عن السلطان إلى بعض الأمراء يذكر ما دفعه الله في نوبة الرملة من البلاء وهو فيما مثله لي نسخته

وَكَانَ النَّاس فِي مبدأ توجه السُّلْطَان إِلَى الْجِهَاد وَدخُول الْأَجَل الْفَاضِل مَعَه إِلَى الْبِلَاد رُبمَا تحدثُوا وَقَالُوا لَو قعد وتخلف كن أولى بِهِ فان الْحَرْب لَيست من دأبه ثمَّ عرف أَن السَّلامَة وَالْبركَة والنجاة فِي استصحابه وَجَاء الْخَبَر الى الْقَاهِرَة مَعَ نجابين فَخلع عَلَيْهِم وأركبوا وَأشيع بِأَن السُّلْطَان نَصره الله وَأَن الفرنج خذلهم اله كسروا وغلبوا وَركبت لأسْمع حَدِيث النجابين وَكَيف نصر الله الْمُسلمين وَإِذا هم يَقُولُونَ ابشروا فغن السُّلْطَان وَأَهله سَالِمُونَ وَإِنَّهُم واصلون غانمون فَقلت لرفيقي مَا بشر بسلامة السُّلْطَان إِلَّا وَقد تمت كسرة وَمَا ثمَّ سوى سَلَامَته نَصره وَكَانَ كَمَا حررته وَجرى الْقدر بِمَا قدرته وَلما قرب خرجنَا إِلَى تلقيه وشكرنا الله على مَا يسره من ترقية وتوقية وَدخل الْقَاهِرَة يَوْم الْخَمِيس منتصف الشَّهْر ونابت سَلَامَته مناب النَّصْر وسيرنا بهَا البشائر وأنهضنا ببطاقاتها الطَّائِر لإخراس السّنة الأراجيف وإبدال التَّأْمِين من التخويف فقد كَانَت نوبتها هائلة ووقعتها غائلة فنبه الله بهَا العزمات وَصرف بهَا عَن الأزمن أزمة الأزمات وَوجدت بالإنشاء الْكَرِيم الفاضلي كتابا عَن السُّلْطَان إِلَى بعض الْأُمَرَاء يذكر مَا دَفعه الله فِي نوبَة الرملة من الْبلَاء وَهُوَ فِيمَا مثله لي نسخته نعم الله سُبْحَانَهُ فِي كل مَا تصرفنا عَلَيْهِ توجب أَن نصرف غليه شكرنا وألطافه الجميلة فِي كل مَا يُفْضِي بِنَا إِلَيْهِ وَيَقْتَضِي بِنَا إِلَيْهِ وَيَقْتَضِي أَن نتلو فِي حمدها عذرنا ومكاتبتنا إِلَى الْأَمِير صادرة فِي يَوْم الْخَمِيس الْخَامِس عشر من جُمَادَى الْآخِرَة عِنْد قفولنا من الْغُزَاة الَّتِي صرفنَا الله فِيهَا عَن الْكفَّار ليبتلي صَبرنَا وَأبقى الْجِهَاد من عدوه بَقِيَّة يستبقي بهَا أجرنا والعساكر المنصورة سَالِمَة بجمهورها ومقسومة نعم الله فِي الكافة بَين آمرها ومأمورها وَقد كَانَت هَذِه العساكر جاست خلال ديار الْكفَّار وقاتلت الْبِلَاد وَأَهْلهَا بالسيفين الْحَدِيد وَالنَّار وحكمت للْقَتْل تحكيما عجل فِيهِ الارتياح إِلَى أَمر الله عَن مهلة

الاسار واستباحت لَهُم معاقل وأصابت لَهُم مقَاتل وشغلت العساكر كسوبها وفيهَا للعساكر قدما شغل شاغل وَكَانَ الْعَدو رامها مستيقضه فَلم يطقها وبادرها على بَاب عسقلان فَلم يثنها عَن غَايَة وَلم يعقها بل ولاها ظَهره عجلا وفر تَحت اللَّيْل وجلا ثمَّ طرقها فِي حَال انبثاث مِنْهَا وانتشار وشغل بالنهب والاغترار وتباعد فِي الأطلاب وخفة من رجالها وخلو من الأسلحة الَّتِي احْتَاجَت فِي لباسها إِلَى لحاق أثقالها فَقتل من الْعَدو أَضْعَاف أَضْعَاف الْعدة المقتولة من الْمُسلمين وَكَانَت البادرة للْكَافِرِ والعقبة كَمَا وعد الله لِلْمُتقين وَسلم اله الْخلق من المهالك الموحشة والمجاهل المعطشة والظلماء المدهشة والافتراقات الَّتِي فِيهَا تفلل الجيوش المجيشة حفظا لدينِهِ ونعمة يجب شكرها على كل مُسلم وَإِلَّا فَإِن الْأَعْمَال موبقة والسيئات موثقة وَالْكَثْرَة أعجبت وأعجلت والثقة بِغَيْر الْقَادِر أخجلت وَلم يفقد مَعَ الْبعد فِي الْمسَافَة والتتيع بالمخافة وفقد المَاء فِي القفر وَعدم الإدلاء وَكثير من أظهر من أُمَرَاء الْعَسْكَر وأكابرها وأصاغرها الا نفر قَلِيل أكْرمهم الله بِالشَّهَادَةِ مُقْبِلين غير مُدبرين ومتقدمين غير متأخرين ومقدمين غير معذرين وَلَيْسَ فيهم من لاسمه فِي الْأَسْمَاء شهرة وَلَا من يعْتد الْعَدو أَن لَهُ بقتل مثله كَثْرَة وعدنا فحملنا الضَّعِيف والمنقطع ورفقنا فِي السّير حَتَّى لحق المفترق بالمجتمع والأمير يَتْلُو كتَابنَا على بَيَاض الثغر وَذَوي هيئاته ويستدعي شركتنا فِي شكر الله الَّذِي هُوَ أيسر واجباته ليسكنوا أَن الْأُمُور قَائِمَة والعساكر سَالِمَة والغزوات تتصل وَلَا تَنْقَطِع والطلبات لِلْعَدو بِإِذن الله تسهل وَلَا تمْتَنع وَرَايَة هَذَا الدّين ترْتَفع وَلَا تنخفض وأنوار هَذِه الْملَّة تنبسط وَلَا تنقبض وَلَا فَلت وَللَّه الْحَمد هَذِه النُّبُوَّة عزيما وَلَا أحالت منا عَن طلب الْكَافرين غريما وَمَا عدونا مَا دلّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَمَا زادهم إِلَّا إِيمَانًا وتسليما}

ومن إنشائه الكريم إلى مؤيد الدولة بن منقذ جواب كتاب ورد منه في المعنى

وَمن إنشائه الْكَرِيم إِلَى مؤيد الدولة بن منقذ جَوَاب كتاب ورد مِنْهُ فِي الْمَعْنى إِذا امتطت يَد خَادِم الْمجْلس السَّامِي الأجلي المظفري الْمُؤَيد الْمُوفق المكرم مجد الدّين قدوة الْمُجَاهدين شيخ الْأَوْلِيَاء أَمِين الْعلمَاء مؤيد الدولة عز الْملَّة ذِي الفضيلتين خَالِصَة أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا زَالَ ممتطيا لكاهل السُّعُود مبتنيا لمنازل الجدود مبقيا لمآثر يبقي بهَا مآثر الْآبَاء والجدود معتنيا بِكُل مكرمَة تدل على مَا يجحده النَّاس من انْقِضَاء وجود الْجُود قَلما تنهض مِنْهُ عاثرا أَو تسدد عائرا وصحبت فعل امتطائه ومكاتبه لمجلسه حيل بَينه وَبَين قلبه وفل ذكر الشوق الَّذِي يحل فِيهِ ذَلِك النُّور من غربه وخمد خاطره وَكَانَ أَبَا لَهب وظلت يَده كَأَنَّهَا من قلمه الَّذِي لَا يجود وَلَا يجدي حمالَة الْحَطب وَصَارَ كَمَا قيل فِي خَالِد الْقَسرِي ... وألكن النَّاس كل النَّاس قاطبة وَكَانَ يولع بالتشديق فِي الْخطب ... ثمَّ لَا يَنْفَكّ أَن تنفك حلقات كَبله ويتعزى بِأَن الثُّبُوت لمواجهة تِلْكَ البلاغة أَمر بِهِ مَاتَ المحبون من قبله ويتسلى بلوذعية تنَازع خاطر الْفضل لودعية يصفح إِذْ يتصفح ويتسمح يغْفر مَا يسمع ويلمح فهناك يُطلق عنان الجسارة مَعَ عيان الخسارة وَورد من مَجْلِسه كتاب نثر عَلَيْهِ الْقبل وأقامه فِي مِلَّة الْوَلَاء إِحْدَى الْقبل وتهدد الخطوب بِهِ وَقَالَ لَهَا قبل وُصُوله مهلا قَلِيلا يدْرك الهيجا حمل وَكَاد قلبه يخرج لمباشرة فضَّة والاستبداد على الْفَم بِفضل اللثم وفرضه وتجمل نَهَارا بعقوده الدرية واستضاء لَيْلًا بنجومة الدرية وَعرفت مَا تَحت السُّكُوت من الاقتصاص وَمَا جَرّه صياح الدراج من الاقتناص وَالله سُبْحَانَهُ يعين كلا على كل وَلَا يعدمنا هَذِه الأنقاس الَّتِي هِيَ بِالْحَقِيقَةِ كالأنفاس مرددها مَا مل فَأَما سَلامَة الْخَادِم من تِلْكَ الورطة بعد الإشراف على تِلْكَ الخطة وإفلاته من قبضتها وان لم يكن لَهُ فِي الْعلم بِالْحَرْبِ وَلَا فِي الْجِسْم بسطة فَإِنَّهُ يستعير لِسَانه الفصيح وَعطفه الفسيح لانجاده على شكر نعْمَة الله سُبْحَانَهُ فَإِنَّهَا وَإِنَّهَا وَقد كَانَت عَظِيمَة خَالف فِي ركُوبهَا النهى وَإِن نهى فانه كَانَ من النظارة وَمَا

فصل في نوبة الرملة من إنشائي في كتاب عن السلطان إلى الوزير بغداد بعد عودنا

هَانَتْ عَلَيْهِ الْحَرْب وَوصل إِلَى مَكَان السَّيْف حاسرا وَلَكِن الله لم إِلَيْهِ الضَّرْب وأبيات ابْن مُنِير الثِّيَاب عِنْد ارتياعه من ذكرهَا فان الْخَادِم وَللَّه الْحَمد وجد قلبه لما فقد الأعوان وَثَبت فُؤَاده لما قل كل فل وَفُلَان وَالله سُبْحَانَهُ ينصر الْملك النَّاصِر فان لَهُ نفسا أوجب صفقتها فِي ذَلِك الْمقَام بَائِعا ويدا لَهَا عَادَة فِي الْبَذْل كَاد السَّيْف لهول المورد لَا يكون لَهَا تَابعا فصل فِي نوبَة الرملة من إنشائي فِي كتاب عَن السُّلْطَان إِلَى الْوَزير بَغْدَاد بعد عودنا مَا كَانَت تِلْكَ الْغَزْوَة بِحَمْد الله وبركة الدولة الْقَاهِرَة الا مباركة وأصناف الألطاف بسفور سلامتها ووفور كرامتها متداركة فَإِنَّهُ وطيء موطئا غاط الْكفَّار وحقق إِلَى الْحُلُول بدارهم لعقرهم فِي عقرهَا البدار وَأحل بمعاقلهم فِي نحل معاقدهم الْبَوَار وَشن على الرملة وَهِي دَائِرَة مركزهم وَدَار تعززهم الغوار وَسَفك مِنْهُم الدِّمَاء وهتك مِنْهُم الذماء وَخرب بُيُوتهم وأحرق سقوفهم وخرق صفوفهم وأوضع إِلَيْهِم حتوفهم وَترك فِي كل قلب ومنقلب لَهُم ندبا ونادبة وَأعَاد مِنْهُم الظبي على مَنَابِر الطلى بل إلهام على أَعْوَاد القنا خاطبة واقتاد جامحهم بخزائم الاقتسار إِلَى الاسار وأطلع نُجُوم الخرصان فِي ليل الروع من سَمَاء النَّقْع المثار وَمَا انثنى عَنْهُم إِلَّا بعد النكاية فيهم وتكثير النوائح فِي نواحيهم وتثقيل الظُّهُور بِمَا نهب من عَددهمْ وَسبي من ذَرَارِيهمْ واضرام مَاء الْحَدِيد مِنْهُم فِي الوريد وتقطيع أوتار أَعْنَاقهم بنغم صليل الباتر الغريد فان اسْتشْهد من الْمُؤمنِينَ ماية فقد قتل من الْمُشْركين أُلُوف وَإِن تَأَخّر من الْمُجَاهدين ص فقد تقدّمت لَهُم إِلَى لِقَاء النَّصَارَى صُفُوف وَلم تزل فِئَة الله بسيوفه ضاربة حَتَّى عَادَتْ من تفليل الْبيض وتقصيد السمر لاغبة فقفلت آيبة لَا مسلوبة بل سالبة وَلَا مغلوبة بل غالبة وَكَانَت الطَّرِيق عِنْد الْعود من الرملة فِي وعور

الرمال ووقفت عدَّة من الدَّوَابّ بالأثقال وأدركته بركَة الْإِخْلَاص وَالْوَلَاء للدَّار العزيزة فآب بالنصر الْعَزِيز والسعد الحريز وَالظفر الْوَجِيز وَحَيْثُ لم يستتم الْغَرَض وَلم يستتب فِي استكماله المفترض فَلم يَصح الْمقَام فِي تِلْكَ الديار وَلم يقْض تَمام تِلْكَ الْغَزْوَة بِالْمَالِ وَالرِّجَال وَلم يُصَادف طرف أمله فِي حلبة النجاح متسع المجال قَالَ النَّاس إِنَّهَا كسرة وَهُوَ ببركات الدَّار العزيزة نصْرَة فَإِنَّهُ وعساكره لأمير الْمُؤمنِينَ وَفِي طَاعَته وبرسم الذب عَن حوزته ويعتقد أَن التذلل والخضوع لَهَا سَبَب عزته وَهُوَ مستمسك من إنعامها بعروته مُتَعَلق من إحسانها بحجزته وَحَيْثُ كَانَ للْملك المظفر تَقِيّ الدّين فِي هَذِه الْغَزْوَة الْيَد الْبَيْضَاء وأفنت الْأَعْدَاء مِنْهُ الْمنية الْحَمْرَاء أنشدته قصيدة فِي سَابِع عشر رَجَب من السّنة وَهُوَ الوافر ... جفون الْبيض أم بيض الجفون وَسمر الْخط أم هيف الغصون قيان ناظرات عَن نصول أحدث غربها أَيدي القيون مريضات المعاطف والتثني سقيمات اللواحظ والعيون سوافر مشرفيات التجلي سواحر مشرقيات الجفون حللن بِبَابِل وحللن سحرًا عُقُود عقولنا بيد الْجُنُون سلبن الْقلب حِين سكن فِيهِ وهجن غرامه بعد السّكُون أَلا يَا عاذلي دَعْنِي وشأني وَمَا تجْرِي المدامع من شؤوني فَإِن صبابتي دَاء دَفِين وَكم أبقى على الدَّاء الدفين حسبتك لي على وجدي معينا الا مَا للمعنى من معِين جعلت ضمانتي لَهُم ضماني وَمَا لي فِي الضمانة من ضمين أَنا الصب الَّذِي لهواي هَانَتْ على قلبِي مصاعب كل هون بِكُل خدينة لِلْحسنِ مَا ل سوى بلوى هَواهَا من خدين كريم أَو كغصن أَو كبدر بلحظ أَو بقد أَو جبين تَبَسم درها عَن أقحوان وأزهر وردهَا فِي ياسمين غَرِيم غرامها عسر التقاضي وَقد علقت بحبيها رهوني لوت دين الْوِصَال وَمَا قضته وَلَو كَانَت وفت وفت ديوني سقى الله الْعرَاق وساكنيه وحياة حَيا الْغَيْث الهتون ...

.. وجيرانا أمنت الْجور مِنْهُم وَمَا فيهم سوى واف أَمِين صفوا والدهر ذُو كدر وقدما وفوا بالعهد فِي الزَّمن الخؤون ليَالِي أشرقت مِنْهَا الدياجي بحور من جنان الْخلد عين أرى ربحي إِذا أنفقت مَالِي وَمَا أَنا بالغبي وَلَا بالغبين فَلَا عَيْش الإخاء بمستكن وَلَا عَيْش الرخَاء بمستكين وَقد طلعت شموس من كؤوس كَمَا شهرت سيوف من جفون يطوف بهَا على الندماء سَاق شمائله معشقة الْفُتُون ... ويطفي جذوة مِنْهَا بِمَاء ويمزج شدَّة مِنْهَا بلين كَأَن عذاره اللامي لَام وحاجبه المقوس حرف نون وملا سل عَارضه حساما وَفَوق لحظه سهم الْمنون بدا زرد العذار فَقلت هَذَا يُدِير لنا رحى الْحَرْب الزبون وثقت إِلَى الزَّمَان وَغَابَ عني بِأَن الحادثات على كمين وشطت دَار أحباب كرام تبدل وصلهم بنوى شطون فيا شوقا لكل أَخ كريم ضنين بالمودة لَا ظنين خلصت من الشَّبَاب إِلَى شبيب مشوب عِنْد أحبابي مشين وقاربت الْبيَاض فجانبتني مَوَدَّة بيضها السود الْقُرُون وجائلة الوشاح رَأَتْ جماحي على هوجاء جائلة الْوَضِين عَشِيَّة ودعت والعيس تخدي نواحل قد برين من البرين بَكت شجوا وارزمت المطايا وهاج أنينها الشاجي انيني فلي وَلها وللأنضاء شجو حنين فِي حنين فِي حنين تناشدني وتذكرني بعهدي وتبعثني على حفظ الْيَمين وَقَالَت مَا ظننتك قطّ تنوي مفارقتي لقد ساءت على الحزون فَقلت سراي للعليا وَإِنِّي اتَّخذت لَهَا أَمينا من أمون إِلَى عمر بن شاهنشاه قصدي ثقي بغناي مِنْهُ وارقبيني ...

.. أسافر عَنْك أبغي الْعِزّ مِنْهُ مدل فِي الهدوء وَفِي الهدون حويت فَضِيلَة العالي وَلَكِن رَأَيْت الدون يحوي الْحَظ دوني صفا ورد الزلَال لوارديه ومثلي لَيْسَ يظفر بالأجون لقد جمحت حظوظي بِي وماذا تفِيد رياضة الْحَظ الحرون وَلَا لوم إِذا لم ألق كفوا إِذا عنست إبكاري وعوني وَلَيْسَ سوى تَقِيّ الدّين مولى زماني فِي ذراه يتقيني واني بالمدائح اصطفيه كَمَا هُوَ بالمنائح يصطفيني بنيل ظماء أهل الْفضل ريا خضم نواله الصافي الْمعِين يُبدل فَضله رثا وغثا لحظي بالجديد وبالسمين ويوضح مَنْهَج الْعليا بجود يجدد مَنْهَج الْحَمد الْمُبين رحيب الصَّدْر طلق الْوَجْه ثَبت ال جنان ندي الْمحيا وَالْيَمِين غزير الْفضل جم الْجُود ملك عديم الْمثل مَفْقُود القرين أَخُو الْعَزْم الْمُؤَيد بالمساعي ال تي نجحت وَذُو الرَّأْي المتين فَعِنْدَ الْجُود كالجود اندفاقا وَعند الْحلم كالطود الرصين لَهُ عرض لعافية مذال يذود بِهِ عَن الْعرض المصون لَهُ يَوْمًا ندى ووغى عَطاء وَكسر للألوف وللمئين صوارمه صوالجة إِذا مَا رُؤُوس عداة كَانَت كالكرين وَمَا لطيور أسهمه المواضي سوى مقل الأعادي من وَكَون إِذا اعتقل القنا القنا الخطي سَالَتْ لَهُ أعناقها بِدَم الوتين ويحمد مِنْهُ بطن النسْر مَا قد شكته لبة الذمر الطعين بَنو أَيُّوب زانوا الْملك مِنْهُم بحلية سؤدد وتقى وَدين مُلُوك اصبحوا خير البرايا لخير رعية فِي خير حِين أَسَانِيد السِّيَادَة عَن علاهم معنعنة مصححة الْمُتُون كَأَن لدان سمرهم أفاع تصرفها القساور فِي العرين عزائمهم مَتى نهدوا لغزو مَفَاتِيح المعاقل والحصون ...

.. وتشرق فِي مثار النَّقْع مِنْهُم إِذا ركبُوا شموس فِي دجون إِذا ركبُوا ظُهُور الْخَيل ردوا ال ... عداة من القشاعم فِي الْبُطُون غَدا الْفُضَلَاء مِنْهُم فِي مَكَان من الأكرام محروس مكين بِكُل مبجل لمؤمليه وللأعداء وَالدُّنْيَا مهين ضنين بِالْعَلَاءِ لمعتفيه وَلَكِن باللهي غير الضنين براه الله من طهر وَطيب وكل النَّاس من حمأ وطين فزين أَمر راجيه الموَالِي وشين شَأْن شانيه اللعين بَنو أَيُّوب مثل قُرَيْش مجدا وَأَنت لَهُم كأنزعها البطين فَقل لملوك هَذَا الْعَصْر طرا أروني مثله فِيكُم أروني بجد سَام عالي كل فَخر ومجانا طلبتم بالمجون إِذا خف الْمُلُوك لكل خطب حلوما كنت ذَا حلم رزين تزان بِكُل منقبة وَفضل علاك فَلَا مزِيد على المزين عَدوك كالذباب لَهُ طنين وَفِيه ذُبَاب سَيْفك ذُو طنين اخفت الشّرك حَتَّى الذعر مِنْهُم أَوَى قبل الْولادَة فِي الْجَنِين وَيَوْم الرملة المرهوب بَأْسا تركت الشّرك منزعج القطين وَقد غادرت أشلاء النَّصَارَى كمحصود الزروع على الجرين وأضحى الدّين مِنْك قرير عين وظل الشّرك ذَا طرف سخي وَكنت لعسكر الْإِسْلَام كهفا أَوَى مِنْهُ إِلَى حصن حُصَيْن وَقد عرف الفرنج سطاك لما رَأَوْا آثارها عين الْيَقِين وَأَنت ثَبت دون الدّين تَحْمِي حماة أَوَان ولى كل دون وَلَو لبوا نِدَاء الحزم درت عَلَيْهِم لقحة النَّصْر اللَّبُون وليك مِنْك فِي ظلّ ظَلِيل من الإعزاز فِي كن كنين وتهمي للموالي والمعادي بسحب للندى والبأس جون ...

ذكر ما تجدد في هذه السنة بالشام من الحوادث ذكر حادثة العدل ابن العجمي وكمشتكين

.. أنهاب المحامد بالعطايا ووهاب المسرة للحزين الا يَا كعبة للفضل أضحى إِلَى أَرْكَان دولته ركوني حجاة وحجرة لمساجليه مقَام الْحجر مِنْهُ والحجون تَقِيّ الدّين أَن حَدِيث فضلي لمن يصغي إِلَيْهِ لذُو شجون فعتبى للزمان على اهتضامي وشكوى من جُنُون المنجنون وَلست أرى سوى علياك تاجا يَلِيق بدر مدحتي الثمين ... واهتم السُّلْطَان بعد ذَلِك بافاضة الْجُود وتفريق الْمَوْجُود وافتقاد النَّاس بالنقود والنسايا الصادقة الوعود وجبر الكسير وَفك الْأَسير وتوفير الْعدَد وتكثير المدد وتجديد الجدد وتقوية الضَّعِيف وتفرقة المَال العائدة بالتأليف وتعويض مَا وَقت من الدَّوَابّ ونفق من العراب وترب من الْأَصْحَاب بالعطاء الْحساب الهامي السَّحَاب فَمَا شكا أحد ضَرَرا وَمَا حكى مقدم غررا بل سلوا مَا نابهم لما فقدوا دوابهم حِين حصلوا على أحسن مِنْهَا أَجود وأحمى وَأجل وَأجْلَد ذكر مَا تجدّد فِي هَذِه السّنة بِالشَّام من الْحَوَادِث ذكر حَادِثَة الْعدْل ابْن العجمي وكمشتكين وَقعت المنافسة بَين الحلبين مدبري الْملك الصَّالح وَاسْتولى على امْرَهْ الْعدْل ابْن العجمى ابو صَالح وَكَانَ مرهوب الشذاه مشبوب الشَّبَاب مخوف الْبَطْش مخشى النهش لَا يلْزم طوره وَلَا يعلم اُحْدُ غوره وَلَا يجرع سوى مريره وَلَا يطلع على سَرِيره وَلَا يفضى عَن كبيره وَلَا صغيره وَلَا يرضى امرا فَوق امْرَهْ وَلَا يُرِيد الا الاستبداد بخيره وشره وَكَانَ سعد الدّين كمشتكين الْخَادِم مقدم الْعَسْكَر وامير المعشر وكبير الْمَحْشَر وعظيم المورد والمصدر وَهُوَ صَاحب حصن حارم والمقرر

المراسم وَالْمُدبر المواسم وَقد حسده امثاله من الامراء والخدام وَهُوَ مُسْتَقل بِالنَّقْضِ والابرام والاسراج والالجام والاقدام والاحجام وَهُوَ متفرد بالاماره وَالْعدْل ابو صَالح مستبد بالوزاره والجماعه لما فى نُفُوسهم من منافسه كمشتكين قد سلمُوا للعدل الاستبداد والتمكين فَصَارَ يُوصل ويبت وَيجمع ويشت ويبرى ويقط ويفري ويبط وَيَدْنُو ويشط وَيرْفَع ويحط ويشتد ويشتط وَيقبض ويبسط ويرضى ويسخط ويقسط وَيسْقط وبرايه يتسلط وَفِي المخاوف يتهور ويتورط فهابه الجماعه وَله مِنْهُم الطاعه والتباعه فقفز عَلَيْهِ الجماعه فِي جَامع حلب يَوْم الجمعه بعد الصلاه وفجعوه فِي الحياه وَقَطعُوا طَرِيق الْوَفَاء بطارق الْوَفَاة وشغلوه بمرارة الْمنون عَن المنى الحلوة المشتهاة واجال الاجل بالْخبر قداحه وامال الامل الى الْكسر اقداحه وَنقل من صفحة المنصب الى الصفيح المنصب وَمن وَطن الوطر الى عطن العطب وَمن رُتْبَة الرِّضَا فى سَمَاء السمو الى تربة الارض وَمن يفاع الِارْتفَاع من صعُود السُّعُود الى حضيض الْخَفْض وَمن قرب الْملك الى قبر اهلك وَمن صدر الْحمى المورود الى صدر الْحمام الْمَوْعُود وَمن ندي الندى إِلَى رِدَاء الردى وَمن مشكي الشجن إِلَى متكأ الشجب وَمن فَوق الْمَعْمُور المحجب إِلَى تَحت المغمور بالحجب وَمن السعاده الظَّاهِرَة إِلَى الشَّهَادَة الْحَاضِرَة وَمن بعده انبسط كمشتكين بعد انكشامه وعادت عَثْرَة ذَلِك من هَذَا بانتعاشه واغتر بوفور ريشه ورياشه وَنشر وَجه أنسه بعد استيحاشه ونام واستلقى آمنا على فرَاشه وَشرع فِي احتطاب الوفر واحتشاشه وَأبْدى طلعة ابتشاشه وَثني عطف اهتشاشه وَترك المبالاة بأوشاب الْملك وأوباشه فَلَمَّا ظهر ظُهُوره وَأمرت أُمُوره ووفر سفوره وسفر وفوره واتضحت غزر غروره وافتضحت أسرار سروره قَالُوا هُوَ الَّذِي قتل الْعدْل وَحسن للإسماعيلية الفتك بِهِ وَالْقَتْل وحسنوا للْملك الصَّالح وَهُوَ صبي وعلموه وَهُوَ غبي وَقَالُوا أَنْت السُّلْطَان وَلَا حكم إِلَّا لَك ذَلِك وَنحن عبيدك ونؤثر اجلالك ونريد قبولك وإقبالك وَقد استكملت الْحجر فارفع عَنْك الْحجر واستقبل فِي ليل شبيبتك ليَوْم ملكت الْفجْر واكتسب بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان فِي الأولى وَالْأُخْرَى الْحَمد وَالْأَجْر وَهَذَا كمشتكين يحتقرك وَأَنت كثير ويستصغرك وَأَنت كَبِير وَيحكم عَلَيْك وَأَنت سُلْطَانه ويتمكن مِنْك وَبِك إِمْكَانه

ذكر نزول الفرنج على حماة يوم الأحد العشرين من جمادى الأولى ثم رحيلها عنها بعد أربعة أيام وزولها على حصن حارم

وبالأمس تقلد وزر وزيرك وَأَشَارَ بِالْفَتْكِ بمشيرك فَمَا زَالُوا بِهِ حَتَّى صرفون وحرفوه وأنكروا عَلَيْهِ وعرفوه وبسطوا يَده على قبض الْمَذْكُور وحكموا عَلَيْهِ فِي الْأُمُور وطالبوه بِتَسْلِيم قلعة حارم وأوقعوا بهَا لأَجله العظائم وارتكبوا من تعذيبه الْمَحَارِم فَكتب إِلَى نوابه بهَا فنبوا وأصروا على الِامْتِنَاع وأبوا فَحَمَلُوهُ ووقفوا بِهِ تَحت القلعة فخوفوا بالصرعة فَلَمَّا طَال أمره قصر عمره وَتركُوا رقبته وفكوا رقبته واستبد الصغار بعده بالأمور الْكِبَار وَقَالُوا قد تخلصت مِمَّن يحكم عَلَيْك فِي الْإِيرَاد والإصدار والنقض والامرار والنفع والإضرار وراق مِنْهُ الاستبداد ولاق بِهِ الاسترشاد وشاقه السداد وَسَاقه إِلَى المُرَاد من الله الإسعاد وامتنعت عَلَيْهِ قلعة حارم وجرد لَهَا العزائم وَنزل عَلَيْهَا الفرنج بُرْهَة وَلم يستشعروا فِي ملكهَا شكا وَلَا شُبْهَة ودافع عَنْهَا الكمشتكينية ولزموا فِي حفظهَا النخوة وَالْحمية ثمَّ رَحل الفرنج عَنْهَا بقطيعة بذلها لَهُم الْملك الصَّالح واستنزل عَنْهَا أَصْحَاب كمشتكين وهم رذايا طلائح وَولى بهَا مَمْلُوكا لِأَبِيهِ يُقَال لَهُ سرخك وانتظم بولايته سلكها والمسلك ذكر نزُول الفرنج على حماة يَوْم الْأَحَد الْعشْرين من جُمَادَى الأولى ثمَّ رحيلها عَنْهَا بعد أَرْبَعَة أَيَّام وزولها على حصن حارم قد وصل فِي هَذِه السّنة إِلَى السَّاحِل من الْبَحْر كند كَبِير يُقَال لَهُ افلند من أكبر طواغيت الْكفْر واعتقد خلو الشَّام من ناصري الْإِسْلَام ونائب السُّلْطَان بِدِمَشْق وَمَا يجْرِي مَعهَا من الممالك أَخُوهُ الْملك الْمُعظم فَخر الدّين شمس الدولة تورانشاه وَهُوَ متصرف فِيهَا تصرف الْملك وَقد بذل للفرنج مَا أمنت بِهِ الْبِلَاد من مضراتهم

وسلمت بِهِ الغلات من غاراتهم وَهُوَ خائض فِي أمره وانفاذه غائض فِي بَحر ملاذه وَقد علا شَرعه وخلا ذرعه وحلا لأبواب اللَّذَّات مَعَ اللدات قرعَة ولمراقب المناقب وإبكارها افتراعه وقرعه وَثَبت اصله وزكا فَرعه ودر بالجود والسماحة ضرعه وأنجب بسقيا الندى فِي أَرض الْحَمد زرعه واشتغل كل من الْأُمَرَاء فِي ثغره بهزله وجده وحلوه ومره وخيره وشره ونفعه وضره وعلنه وسره وعسره ويسره وبدا للْكَافِرِ الْوَاصِل ضعف المعاقل وخلوها من الْجند الْقَاتِل وَمن جملَة شُرُوط هدنة الفرنج أَنهم إِذا وصل لَهُم ملك أَو كَبِير مَا لَهُم فِي دَفعه تَدْبِير إِنَّهُم يعاونونه وَلَا يباينونه ويحالفونه وَلَا يخالفونه فَإِذا عَاد عَادَتْ الْهُدْنَة كَمَا كَانَت وهانت الشدَّة ولانت وبحكم هَذَا الشَّرْط حشدوا الحشود وجندوا الْجنُود واجتمعوا إِلَى الكند الكنود فِي الذؤبان وَالْأسود والزرق وَالْبيض والسمر والسود ونزلوا على حماة فِي الْعشْرين من جُمَادَى الأولى وظنوا أَن لَهُم الْيَد فِي الطُّولى وصاحبها شهَاب الدّين مَحْمُود مَحْمُوم وَالْملك لمرضه مغموم مهموم وَكَانَ سيف الدّين عَليّ بن أَحْمد المشطوب بِالْقربِ فَدَخلَهَا وَخرج للحرب وَاجْتمعَ إِلَيْهِ رجال الطعْن وَالضَّرْب وَجَرت ضروب من الحروب وَكَاد الفرنج تهجم الْبَلَد فأخرجوهم من الدروب واتسعت خطى الخطوب واشتدت سطى الكروب وقوت الْمُسلمين عزايم عَليّ بن أَحْمد المشطوب وَأحمد مضاء مضَارب سيف الدّين وَأنزل الله على الْمُسلمين نَص النَّصْر بالتأييد والتمكيين وواصلوا الاشتجار وَقَطعُوا الْأَشْجَار وقاتلوا اللَّيْل وَالنَّهَار واستعاروا وهم أهل السعير مِنْهَا الاستعار وأطلقوا النَّار وأثاروا الثار وأرنوا للأوتار الأوتار وكشفوا الأسوار وكسفوا الْأَنْوَار وأبعدوا فِي الأنجاد والأغوار الغوار وطرقوا الكدار وطرقوا الأقدار فَأَعْجَزَهُمْ الْقدر الْغَالِب وتجمعت على كتبهمْ الْكَتَائِب

والتهبت عَلَيْهِم السلاهب ومطرتهم ببوارق بوارهم القواضب ونابتهم النوائب وحزبتهم الحوازب وسلبتهم وقضبتهم السمر السَّلب وَالْبيض القواضب وهم فِي كل يَوْم يقلون فِي الْعُيُون والمسلمون يكثرون والمؤمنون ينتعشون وَالْمُشْرِكُونَ يعثرون ثمَّ سَقَطت مهابتهم فِي من النُّفُوس وتبدل بشرهم بالعبوس وحصلوا فِي دَائِرَة البوس فَمَا صدقُوا كَيفَ يرحلون وقرفوا أَنهم كَانُوا يجهلون فكسعت أدبارهم وكسحت آثَارهم ونفرت أنفارهم وَكثر قَتلهمْ وإسارهم وسلب قرارهم وعميت من رُمَاة الحدق لبصائرهم أَبْصَارهم وسالت سيولهم فِي الْهَزِيمَة وَجَرت أنهارهم وثقلت عَلَيْهِم أوزارهم وغابوا وانقطعت أخبارهم وَلم تعرف أسرارهم وانطفأ شرارهم ولزمهم عارهم واغرقهم بحارهم وبودنا دَامَ دمارهم ثمَّ اجْتَمعُوا بعد حِين ونزلوا على حارم ونصبوا عَلَيْهَا المجانيق والسلالم وَقَالُوا رجالها على صَاحب حلب عاصية وَهِي من نجدة الْمُسلمين قاصية وصاحبهم قد قتل وهم موتورون وللطلب بثأره مؤثرون وكالوهم بِصَاع المصاع وطافوا عَلَيْهِم بعقار القراع وحاصروها أَرْبَعَة أشهر وجندهم من هَلَاك صَاحبهمْ وَإِدْرَاك مناصبهم فِي تحير وتضور وَأهل حلب لَا يمدونهم وَلَا يصدون عَنْهُم الفرنج وَلَا يردونهم وَقتل وجرح أَكثر من فِي الْحصن وَغلب وَهن الوهن ثمَّ تسَامح الحلبيون بعزم رحيلنا من مصر لقصد الشَّام لنصرة الْإِسْلَام وَقَالُوا أول مَا يصل صَلَاح الدّين يتسلم حارم ويلزمنا لمضايقتنا بهَا المغارم فراسلوا الفرنج وقاربوهم وارغبوهم وأرهبوهم وَقَالُوا لَهُم صَلَاح الدّين وَاصل وَمَا لكم بعد حُصُوله عنْدكُمْ من عناده حَاصِل وَيجب أَن ينظر فِي العواقب من هُوَ عَاقل وَقد عَرَفْتُمْ قُوَّة هَذَا الثغر وَأَنه لَا يُؤْخَذ بالحصر وَلَو طَال عَلَيْهِ عمر الصَّبْر فَملك قُلُوب الْفَرِيقَيْنِ الْفرق واضطرمت للرعب بهَا الحرق فتنازلوا عَن النزال بِمَا قرروه من قطيعة المَال وعدة من الْأُسَارَى فرسَان الْقِتَال ورحل الفرنج وضل بهم النهج وَمَا انفصلوا عَن حارم الا بعد انفصالنا عَن مصر وَأَنَّهُمْ ملكوا الْعذر فأجفلوا وَلم يحصلوا

ذكر وفاة شهاب الدين محمود أبن تكش خال السلطان وصهره وولده تكش ابن أخت السلطان وكانت وفاة الولد يوم الأربعاء سابع جمادى الآخرة ووفاة الوالد يوم الأحد حادي عشر الشهر وبينهما ثلاثة أيام

على قطيعة وحصلوا على خسارة فظيعة وَأما الحلبيون فَإِنَّهُم راسلوا من بَقِي بحارم وَقد قتل وجرح مقاتلوهم وبذل الْجهد مجاهدوهم وستفرغوا الوسع وَاسْتَغْفرُوا وَصَابِرُوا وصبروا وَمَا لَهُم غير الله نَاصِر وَالْكفْر بأجمعه لَهُم حاصر فَلَمَّا فرج الله عَنْهُم وَنَفس كربهم وأسفر فِي ليل الصَّبْر بصبح النَّصْر صبحهمْ توَلّوا فِي طَاعَة الله الْعِصْيَان وتعدوا الْعدوان وأردفوا بالاحسان الْإِحْسَان وَخَرجُوا أَو مضى كل فِي طَرِيقه وفاز من الله باسعاده وتوفيقه ذكر وَفَاة شهَاب الدّين مَحْمُود أبن تكش خَال السُّلْطَان وصهره وَولده تكش ابْن أُخْت السُّلْطَان وَكَانَت وَفَاة الْوَلَد يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع جُمَادَى الْآخِرَة ووفاة الْوَالِد يَوْم الْأَحَد حادي عشر الشَّهْر وَبَينهمَا ثَلَاثَة أَيَّام قد مُضِيّ ذكر شهَاب الدّين الحارمي ومرضه والتياث جوهره بعرضه وانه عِنْد نزُول الفرنج على حماه حماها بِنَفسِهِ وَهُوَ فِي حماه وَقد أقوات قواه ودنا نَوَاه وثوى بِهِ مثواه وَقد مرض أَيْضا ابْنه الْأَمِير دكش وَكِلَاهُمَا لشدَّة مَا بِهِ مَا يكَاد ينتعش وَهُوَ شَاب فِي ريعانه وعنفوان حسنه واحسانه وعنوان كتاب عَارضه وهملان ربَاب عَارضه ودوران البنفسج بورده وميلان غُصْن قده وتغاوج ريا الرياحين فِي رياضه وحوم حائمي العفاة من سَمَاء سماحة حول حياضه وَهُوَ بدر أفلاكه وَصدر أملاكه وكيوان إيوانه وَفَارِس ميدانه يثني الْقرى والوغى مِنْهُ على مطعامه ومطعانه ويزخر الْبَحْر فِي عنانه ويزهر النَّجْم من سنانه وَيفِيض الْجُود من بنانه ويغيض الْبَأْس فِي جنانه وتبهج الْأَمْكِنَة والأزمنة بمكانه وزمانه وَكَانَ خلقه فِي الْحسن كخلقه وكل سَابق إِلَى الْفضل مقرّ بسبقه ففل الْقدر شبا شبابه ورد ذَلِك المحجب فِي رتبته بَين أترابه إِلَى حجاب ترابه وَهُوَ بدر أفق العلى وَابْن شهابه فعاجله الْأَجَل بكتابه وَأخرجه الأمل من بَابه وضن عيه الدَّهْر المذنب عِنْد عتابه بأعتابه وَكَانَ سيف الدّين فَأَعَادَهُ الثرى إِلَى قرَابه وَسَهْما للهدى شهما فَرده إِلَى جعابه وخوطب الْعَصْر بِزَكَاة ازكائه وأنمائه فَأجرى خطبه بِتَلف نصابه وَكَانَ من إخْوَان حور الْخلد فألبسه حلل ثَوَابه حِين ثوى بِهِ وَمَا كَانَ أتم دائه فِي أَدَائِهِ وَمَا أكْرم عقد حباه بحبا أحبائه وَلَقَد أظلم بغروب

ذكر الرحيل من المخيم بالبركة إلى الشام يوم عيد الفطر بعد صلاة العيد يوم الخميس

طالعه صياح جنَاح صحابه وَكَانَت وَفَاته يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع جُمَادَى الْآخِرَة بِثَلَاثَة أَيَّام قبل وَفَاة وَالِده وَكَيف يبْقى بعد واحده وساعده ومساعده ثمَّ توفّي شهَاب الدّين بغم ابْنه والكمد وحزنه يَوْم وانتقلا الى جوَار رَحْمَة الْوَاحِد الْأَحَد الْفَرد الصَّمد وَاتفقَ ذَلِك أَوَان وقْعَة الرملة فأصيب السُّلْطَان فِي الشَّام بخاله وَابْن أَخِيه مِنْهُ فِي الْجُمْلَة وَكَانَ هَذَا الشَّهْر ثقيلا وبئا وبيلا أورث عويلا وحزنا طَويلا وَلَوْلَا أَن الله تَعَالَى كَانَ كَفِيلا وَكيلا وَأعْطى كثيرا بعد أَن أَخذ قَلِيلا وَلما عرف السُّلْطَان الْأَحْوَال وَسمع الْأَهْوَال وَعلم الاختلال والاعتلال وَعدم فِيمَا جرى من الْوَقْعَة الرِّجَال وفقد الْأَبْطَال وَأعد للمأسورين من الْخَواص والأعزة الْأَمْوَال سلم إِلَى قَضَاء الله وَقدره ووسع صَدره لورده وصدره وَعلم أَن كل صفو مردف بكدره وَأَن نَفعه فِي الدُّنْيَا لَا يَخْلُو من ضَرَره فَتَأمل انجلاءه بِحسن نظرة وَسَأَلَ الله أَن يجلو دهمه مَا جرى بأوضاح النَّصْر وغرره وَروض المواحل بزهر نضارة ونضارة زهره وَأنْفق أَمْوَالًا استوعبت الآمال واستوجبت من مرض الْأَحْوَال الابلال وأعادت بعد الاعوجاج والاعتلال الصِّحَّة والاعتدال وأمد بنجح الرَّجَاء وَشد الرّحال وعزم الترحال ذكر الرحيل من المخيم بِالْبركَةِ إِلَى الشَّام يَوْم عيد الْفطر بعد صَلَاة الْعِيد يَوْم الْخَمِيس وَخَرجْنَا من الْقَاهِرَة لقصد الشَّام بجد الاعتزام وَصدق الاهتمام وَتَقْدِيم الانتقام من الْعَدو ونصرة الْإِسْلَام يَوْم السبت السَّادِس وَالْعِشْرين من شعْبَان وتبعت العساكر السُّلْطَان وَاجْتمعَ إِلَيْنَا كل من عزم على السّفر من الركْبَان وَأهل الْبلدَانِ ورحلنا بالخميس بعد صَلَاة عيد الْفطر يَوْم الْخَمِيس فِي الْأسد والعريس وَكَانَ قد وصل الْخَبَر بالفرنج حِين انفصلوا عَن حماة نزلُوا على حصن حارم فَحَث السُّلْطَان العزائم وَقَالَ لَعَلَّنَا نلحقهم ونرهقهم وبالقتل نوبقهم وبالأسر نوثقهم وَفِي بَحر عسكرنا المجر نغرقهم وبنار الْحَدِيد نحرقهم وبجمعنا الجم نفرقهم وبثباتنا فِي الْمُلْتَقى نقلقهم ونروي الصعاد ونحوي الْبِلَاد ونديم الِاجْتِهَاد وَنُقِيم الْجِهَاد ونطير على سنابل الْهَام من سنابك الجرد الْجَرَاد ونردي إِلَى الْأَعْدَاء وردي الْأَعْدَاء ونعري الْحَدِيد ونلبسهم الْحداد ونجري الْجِيَاد ونجر الأجواد ونحضر القنا ونخرط القتاد

ونهلك المُرَاد وندرك المُرَاد ونثني الْعَنَان ونفني العناد ونخل بالإغماض ونخلي الأغماد وحيي الأجناد وننجي الأنجاد فاستكثرنا الْعدَد والازواد وسرنا فِي أَفْوَاج كالأمواج نستضيء فِي ليل العجاج بسرج الأسنة والزجاج وحثثنا إِلَى حثا وصدرنا إِلَى صدر يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع الشَّهْر وقطعنا عقبَة أيله يَوْم السبت الْعَاشِر وأروينا الخوامس والعواشر وَهُنَاكَ على السَّاحِل نحفر الرمل فنخرج المَاء الْعد العذب ويروي مِنْهُ الركب وَيحمل الصحب وَهَا هُنَا سَأَلَني السُّلْطَان أَن أعمل أبياتا خَفِيفَة لَطِيفَة يكْتب بهَا إِلَى أَخِيه بِدِمَشْق فارتجلت (مجزوء الْكَامِل) الشوق ابرح مَا يكو ن إِذا دنا أمد اللِّقَاء وتزيل أَيَّام التدا ... ني جور أَيَّام التنائي كم غلَّة فِي الْقلب لَيْسَ نارها ذَات انطفاء وشكاية للوجد يُبْدِي هَا لَدَى برح الخفاء قد كَاد يغلب عِنْد تذ ... كاري لكم يأسي رجائي أشتاقكم شوق المري ض إِلَى معاودة الشِّفَاء وأحبكم حب النفو ش بِمَا تؤمل من بَقَاء العَبْد يخْدم بالسلا م وبالتحية وَالدُّعَاء للسَّيِّد الْملك الْمُعظم ذِي الْجَلالَة والْعَلَاء ... وَهَا هُنَا نلمظ ببلغة من البلاغة اقتضاها حكم الصِّنَاعَة فِي الصياغة وَذَلِكَ أَنا كُنَّا سائرين فِي رفْقَة من أهل الْأَدَب نتجارى فِيمَا عَن لنا فِيهِ من الأرب وكل يقترح معنى ويقتطف مجنى فَعبر بِنَا مرموق مرموق فِي صُورَة ملك اسْمه شاهملك فاقترح عَليّ أَن ألغز فِي أَبْيَات أنظمها اسْمه فَقبلت رسمه وَقلت (الرمل) اسْم محبوبي سداسي إِذا سقط الثُّلُث فعكس الْكَلِمَة وَإِذا قدم ثَانِي شطره فَهُوَ سُلْطَان لنا ذُو عظمه ...

وَمَتى ينقص ثَانِيَة فَلَا نقص يَبْدُو فِي بناه المحكمة عري عجمي نصفه كُله معنى لمن قد علمه وَإِذا ساهم فِي تصحيفه لَك بَاقِيَة قدم أَن تفهمه وَهُوَ إِن شاءهم لكنه فِيهِ إِيضَاح لهندي المبهمة ... واقترح عَليّ فِي اسْم بلق فَقلت (الرمل) اسْم من قد ركب الأبلق كي يتَعَدَّى ظَاهر فِي فرسه وَهُوَ قلب الْقلب ابغي قلبه فَأَنا من أجل ذَا هوسه وَمَتى اسكن فِي جنته مستمدا رِيحهَا من نَفسه ... وأوردت هَذِه اللمْعَة لأعْلم أَنِّي مَا خلوت فِي ظغني واقامتي مِمَّن يستجدي غمامتي ويستليم ملامتي وينتشي من مدامتي ويهتدي مَا ينشوه من فضيلتي وَكَانُوا لتوفير موادهم وتسفير جوادهم يوفرون مودتي ويعتصمون بعصمتي ويأمنون فِي حرم حرمتي ويجرون فِي مكر مكرمتي وَحسن عيشة وحسنى شيعَة ومراعي متشعبة وشعاب مريعة ورياض وسيعة وشيعة (وَمَا زلنا نسير) حَتَّى وصلنا الى دمشق يَوْم السبت الرَّابِع وَالْعِشْرين من شَوَّال فَاسْتقْبلنَا أَهلهَا بنعم ذَات نوال وأمدونا من فواكهها برخائص وغوال وَاسْتقر بِنَا النَّوَى لكل نوال وَقدمنَا إِلَى حوالي أَحْوَال وجددنا الْعَهْد بلقيا أصدقائنا من أريب وأديب ونجيب وحبِيب ومتصرف ومتطرف وَأمين وأمير ووال فَأول مَا فتحت بِهِ عَيْني واستفتحت بزينته زيني وأكدت بعقده ديني وَأديت بنقده ديني كتاب كريم فاضلي وصلني من مصر يتشوقني فِيهِ ويشوقني الى معاليه وَكَانَ قد أَقَامَ بعد السُّلْطَان وَاسْتَأْذَنَ فِي الْحَج فِي السّنة الْقَابِلَة وَقَامَ الْملك الْعَادِل سيف الدّين نَائِبا فِي المملكة بالسير العادلة

ونسخة الكتاب الكريم الفاضلي إلي بخطه

ونسخة الْكتاب الْكَرِيم الفاضلي إِلَيّ بِخَطِّهِ تَوَجَّهت حَضْرَة سيدنَا القَاضِي الْأَجَل الإِمَام الصَّدْر الْعَالم عماد الدّين فَخر الْإِسْلَام مجد الْعرَاق صفوة الإِمَام ذِي البلاغتين وَمَا بَين ذَلِك من النعوت الَّتِي لَا تستوعب أوصافها وَلَا توجب أنصافها وَلَا تلف أقطار محاسنها وَلَا تجمع طرفها وأطرافها أمتع الله ببقائها وَزَاد فِي علائها وضاعف مواد حبائها وَلَا أخلى مِنْهَا عُيُون وَقُلُوب أحبائها وَلَا فسخت روائع الدَّهْر عُقُود احتبائها وكأنما صدف بوجهها وقلبها وأعرضت برسلها وكتبها وأوجفت بخيل القطيعة ورجلها وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا من الْمَوَدَّة وتخلت عَن حملهَا وَلَو أَنَّهَا استصحبت الْقُلُوب الشيقة وَتركت الصُّدُور الضيقة لما جَازَ أَن تطالب بِحَق قد مطلت بِهِ وألطت وَلَا أَن يحاكم إِلَى عدل وركائب نَوَاهَا بعد أَن حطت (وَلَكِن طلابيها لما فَاتَ من عَقْلِي) مَعَ أَن مكاتباتها عَن الْمجْلس العالي الملكي الناصري أعز الله أنصاره ومهد مقاره يشْعر من سَلامَة نصبتها وجملتها وَحُضُور خواطر بلاغتها وانجاد حَاضر بديهتها واستقلال ركائب الأقلام مَا حدا حاد من براعتها بِمَا يُوجب تَارَة فَرح الشُّكْر وَتارَة مرح السكر وَيعلم بِأَن الْبَحْر لَا يخْشَى عَلَيْهِ إملاق ذخائر الدّرّ وَلَقَد تضاعفت المسرة بِمَا تجدّد لَهَا فِي هَذِه السفرة من ثُبُوت الجأش ومضائه وبراءتها من أثر كرب الْخَوْف ورحضانه فأبقت الأقلام حجَّة ظَاهِرَة على السيوف كَمَا أبقت فِي الأسماع حلية زايدة عَن الشنوف وَمَا من جمَاعَة الأخوان وَالْأَصْحَاب الا من يذكرهَا ذكر الهواتف النقاب والشوارف السقاب وَمن لَا يتعال الا بالجريدة وكشفها والخريدة ورشفها وتباهي باسمه المورد فِي وصفهَا وصفهَا وَمن لَا يزَال يقطف غض طرفها الَّتِي توجب على الهمم غض طرفها وَإِن تجدّد لَهَا متجدد عراقي أَو خراساني فَلَا تدفن فِيهِ النَّوَى وَلَا تكل على استتار الْأَخْبَار عَنْهُم بالندى وَالله الْخَلِيفَة عَلَيْهَا نفسا ومالا ومآلا وَجُمْلَة مِنْهَا الْحَاجِب إِبْرَاهِيم فَإِنَّهُ يزِيد الْجُمْلَة جمالا فَكتبت فِي جَوَاب تشريفه وأصف الْجَمَاعَة فِي مصر أعز الله نصر الْمجْلس العالي الأجلي الفاضلي ولي النعم وَمولى الْأُمَم ومولي الْكَرم وضاعف جَلَاله ورادف إقباله وساعف آماله وأوضح مناهج الْأَيَّام بمباهج أَيَّامه وانجح مني أهل الرَّجَاء باصفاء مناهل أنعامه وأدام مفاخر الزَّمَان بمفاخر زَمَانه وأطاب مَا ثره من مآثره واحسانه وَلَا أخلى إخلاف الْفضل من در أفضاله وَأحلى أَحْلَام

الْأَمْن من وافر الْيمن فِي وارف ظلاله وَلَا زَالَت الاماجد ناطقة الأفواه بمناقبة والمحامد دافقة الأمواه بمواهبه وسماء السماح هامية الْجُود همته وَجَنَاح النجاح محلقا على مطار المطالب فِي لحاق نعْمَته مَا تألق الفلق وتأنق المفلق ونضرت الحدائق وَنظرت الحدق الْمَمْلُوك يقبل ثرى التباعة ويتقيل ذرا الطَّاعَة ويقابل مورد الْمِثَال الملتثم والتشريف المبجل الْمُعظم بالاستكانة لقدره والاستنامة لفخره والتضاؤل لعزه والتظاهر بعجزه والتصاغر لعظمه والتفاخر بكرمه لَا بل تطاول بِطُولِهِ وحاول منال المنى لحوله وَمد يَد الأيد الى مدى آلائه وَأَجد قصد الْجد فِي صدق ولائه وشرى فِي أسواق الشّرف أَو سَاق الصَّنَائِع النصائع ودرى أَن النافق من بضائع الْفَضَائِل فِي فضائه لَيْسَ بنافذ وَلَا بضائع وَلما وصل إِلَى عتبَة العتب وقف خَاشِعًا خاسيا حائرا متلاشيا حَيْثُ حكم عَلَيْهِ بِأَنَّهُ صد بِوَجْهِهِ وَقَلبه وَأعْرض برسله وَكتبه وأوجف بخيل القطيعة ورجلها وَألقى مَا فِيهِ من الْمَوَدَّة وتخلى عَن حملهَا وَمن يثبت لخطب هَذَا الْخطاب أَو يقطع عتاب هَذَا الْعقَاب وَأي قدر لَهُ حَتَّى يردع أَن عتابا بالعتاب ويودع الجوى بِالْجَوَابِ وَكَيف يصد بِوَجْهِهِ عَن التَّوَجُّه الى قبْلَة الإقبال وَكَيف يُؤثر النَّوَى للبعد عَن ذَلِك النوال وَكَيف يعرض عَن الْبَحْر الزاخر وَالرَّوْض الزَّاهِر ويتعرض لجري الجداول وجنا الجنادل لقد وجد عَدمه بل عدم وجده وفللت جده وَكثر الدَّهْر عناده عِنْده فَأَما ترك الْمُكَاتبَة فِي الطَّرِيق مَعَ طوارقها وعوقها فِي عوائقها فَإِنَّهُ لما ثَبت جأشه وَنبت رياشه وَزَالَ ارتعاشه وَزَاد انتعاشه واستقل استيحاشه واستقال انكماشه مكْرها لَا بطلا وماثلا فِي السّير لَا مثلا فَبَقيت عِنْد روعه بَقِيَّة روع شغلته عَن الْفِكر فِي كل نوع إِلَى أَن ألْقى عَصا السّفر عَن عاتق الْخطر وَوضع ثقل الْغرَر عَن منْكب الحذر وخلع كسْوَة الْكسْوَة عَن رَقَبَة الْعقبَة وَوصل إِلَى الْمنزلَة المقتربة المرتقبة فَحِينَئِذٍ أراق دم دمشق فِي ذَلِك المدى من المدامع وتذكر الْقَاهِرَة الباهرة الزاهرة بداية حسنها وحسناها بالبدائع واستعار اسْتعَار الْجَحِيم لِقَلْبِهِ الشيق إِلَى تِلْكَ الْجنَّة وانهدت عَلَيْهِ أساس وساوس الْجنَّة وَلما ظفر بايناس باناس وناسه تأسف على مَا فَاتَهُ من نيل النّيل وسيل مقياسه وتذكر جَامع صلَاته ومجامع صلَاته ودائرة مركزه وَدَار تعززه

وخزانة كتبه وَكتبه خَزَنَة وَثمن الدفاتر وجهبذة وَزنه وَصُورَة ابْن صُورَة فِي الدفتر وصولة ابْن صولة فِي الْعَسْكَر وبنان ابْن بنان فِي الْمَوَاهِب ومضاء ابْن عُثْمَان فِي الرَّوَاتِب وشغف ابْن شكر بالشكر وَقَضَاء السدر برحب فضاء الصَّدْر والتردد إِلَى اللِّسَان ومحاسنه الحسان ثمَّ أضْرب عَن ذكر هَذَا كُله وَضرب عيه الأسى بكلكل كُله فَوجدَ حَظه من السَّعَادَة عَظِيما وَرَأى النَّدَم على مَا فَارقه من الْكَرَامَة لَهُ نديما وَأَنه صَاد صد عَن ورده مَعَ فرط الأوام ورد وَعَاد بِمَا عده من جِنَايَته على نَفسه فَمَا بلغ بِهِ حدا لعقوبة وان حد حِين فَارق ملاذ أمله ومعاذ عمله ومولي نعْمَته ومولي خدمته ومؤمل رجائه وموئل أنحائه وصائن وَجهه بِمِائَة بري رُوَائِهِ ومحيي بَقَائِهِ ومبقي حيائه وباني مجده وقاني حَمده وشافي غَلَّته وكافي علته إِلَى أَن تهي الأنفاس وتنتهي الأنقاس وَيقف الْقيَاس ويعجز أَن يصف النَّاس فَلَا يبلغ حصر فواضله البليغ الا بحصر وَلَا عد فضائله المتطاول الا عَن قُصُور قصر وَهَا هُنَا يقبض عنان قلمه عَجزا ويبسط عناء قلقه حفزا ويقتصر على الشُّكْر الَّذِي هُوَ فِي سكره وَالدُّعَاء الَّذِي هُوَ مُقيم لوظائف ذكره فِي صَحَائِف نشره وَهُوَ يأمل أَن يتشرف بالاستخدام وَيصرف فِي المهام وَيعرف مناجح الْمَقَاصِد ويرشف رضاب الرِّضَا من مراشف المراشد وَأما المتجددات من الْفَوَائِد العراقية والفرائد الخراسانية فَإلَى الْآن مَا حلت قوافل اسقاطها وَلَا حلت مقفلات اسفاطها وَلَا سرت ركائب برهَا وَلَا رست مراكب بحرها وَلَا ارزمته المهاري من رزمها وَلَا حزمت المهار بحزمها وَلَا صودفت أصداف دررها وَلَا شوهدت أَصْنَاف غررها بل هُنَاكَ غثاء من الغث للسيل وجفاء من الرث للذيل وَلم ير إِلْحَاق الحقاق مِنْهَا بالقروم ومل يرض خلط الْهِنْد مِنْهَا بالروم وَمَا لَهُ فرَاغ من شغل الْكِتَابَة بِحكم النِّيَابَة وَإِذا صرف طرفا من نظره إِلَى أَمر آخر كبا طرفه ونبا طرفه وَهوى هودجه وَمَا بهر بهرجه بل هُوَ يمشي أمره على ظلع وينشئ شعره على صلع ويلقي عَصا السّير وَلَا سير فِي عَصَاهُ ويدني بغاية جهده من الْمَطْلُوب أقصاه وَمَا دَامَت الهمة السامية بِهِ مكتنفة والحضرة الْعَالِيَة لَهُ مشرفة فَإِنَّهُ يسْبق الْقرح ويحقق الْفَرح ويحوي غلاب جرى المذكيات الضمر فِي مضمار الذكاء ويجتلي من العنايات المولوية مطالع أنوار ذكاء وَلَعَلَّه مَعَ استتمام الْكتب العراقية وسير رسلها يتَفَرَّع لإمتراء خلف الْفَوَائِد على رسلها ويوصل الذيل الى المجر والسيل إِلَى المجرى ويخص بالإطراء مَا هُوَ إطراء وَكَيف يحمل إِلَى هجر التَّمْر الَّذِي يدْفن فِيهِ النَّوَى أَو يقنع من نوال السَّعَادَة الْعُظْمَى بالنوى وَلَا زَالَ الْمولى رَافعا لأوليائه فارعا

ذكر شرح ما في الكتب

لعلائه عَارِفًا حق المستعبد بعارفته والمستجد بعاطفته كاشفا ضرّ الرَّجَاء راشفا ثغر الثَّنَاء فارشا غرار النعم ناعشا عثار الْكَرم إِن شَاءَ الله تَعَالَى ذكر شرح مَا فِي الْكتب فَأَما مَا ذَر فِي الْكتاب الْكَرِيم الفاضلي من الجريدة وكشفها والخريدة ورشفها فَإِنَّهُ يُشِير إِلَى مَا صنفته فِي مصر على مِثَال يتيمة الهر من شعراء أهل الْعَصْر وسميته (كتاب خريدة الْقصر وجريدة الْعَصْر) إِلَى آخر سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وأوردت فِيهِ من بعد سنة خمسماية وَهُوَ فِي عشر مجلدات ضخمة مُشْتَمِلَة على كل حكم وَحِكْمَة على أَرْبَعَة أَقسَام على نسق متناسب ونظام الْقسم الأول بَغْدَاد وَمَا يجْرِي مَعهَا من الْعرَاق وَقد قدمتها بِالِاسْتِحْقَاقِ لِأَنَّهَا مَدِينَة السَّلَام وَدَار الْإِسْلَام ومقام الْإِمَامَة المعظمة ومقر الْخلَافَة الممجدة المكرمة وَالْقسم الثَّانِي فضلاء عراق الْعَجم وخراسان وغزنة وأذربيجان وأرانية وَمَا وَرَاء النَّهر وَسَائِر بِلَاد الْبر وَالْبَحْر وَالْقسم الثَّالِث شعراء الشَّام والجزيرة والموصل وديار بكر وختمت هَذَا الْقسم بشعراء الْحجاز واليمن وَصَنْعَاء وزبيد وعدن وَالْقسم الرَّابِع يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ أَحدهمَا مصر وأعمالها وصعيدها وأسوانها وَالثَّانِي الْبِلَاد المغربية وأندلسها وقريبها وبعيدها ومهديتها وقيروانها وَتمّ هَذَا الْكتاب وَنسخت مِنْهُ نسخ وَلم يبْق لحكمه منسخ وَلَا لعقده مفسخ وتجدد بعد ذَلِك مَا تعذر بِهِ الالحاق وَتمكن مني على تَغْيِير وضع الْكتاب الإشفاق فشرعت فِي تأليف كتاب آخر أسميته ذيل الخريدة وسيل الجريدة ثمَّ شغلتني المهام السُّلْطَانِيَّة عَن اسْتِيعَاب ذكر المتجددين وَاسْتِيفَاء حَدِيث الْمُحدثين وَقد اجْتمع فِيهِ كثير وأسأل الله التَّوْفِيق لإتمامه فَإِنَّهُ قدير وَأما الْجَمَاعَة الَّذين ذكرتهم فِي كتابي فَإِنِّي ذكرتهم بِالْخَيرِ كَمَا هُوَ دأبي فَابْن شكر كَانَ يتَوَلَّى الدِّيوَان ويتولى الْوَظَائِف ابْن عُثْمَان وَكَانَ يتَوَلَّى بيع الْكتب بِالْقصرِ ابْن بنان ويكمل ويستوفي الْأَثْمَان وكل مَا اشْتَرَيْته مِنْهُ سامحني بِهِ السُّلْطَان وَابْن صُورَة هُوَ دلال الْكتب وعارفها وجاني ثمارها وقاطفها وَمَا لأحد صَنعته فِي ترويجها وتخريجها وتقويمها تَارَة فِي تقويمها حسب مُرَاده وتعويجها فَمن عني بِهِ أنجح أمله وذلل صعبه وسهله أَن بَاعَ أَو ابْتَاعَ لَهُ وَابْن صولة كَانَ وَكيل السُّلْطَان وَهُوَ رجل الزَّمَان وَاللِّسَان هُوَ الصُّوفِي الَّذِي سبق ذكر ضيافاته واناراته فِي لياليها وانافاته وَكَانَت دَاره

بِمصْر على النّيل فِي جوَار الصِّنَاعَة وَهُوَ مَعَ تصوفه وتصونه وتحمله وتجمله لَا يضن ببذل الِاسْتِطَاعَة وَطَابَتْ لي مصر فِي السنتين فاستوحشت لَهَا عِنْد الإزماع للبين وَمِمَّا نظمته فِي الشوق إِلَى مصر بعد مفارقتها (الرمل) سَاكِني مصر هُنَاكُم طيبها إِن عيشي بعدكم لم يطب لَا عدمتم رَاحَة من قربهَا فَأَنا من بعْدهَا فِي تَعب لَا تركت الغمض يغشى ناظري لَا وَلَا طيب الْكرَى يأنس بِي لَا وَأَيَّام اجتماعي بكم إِنَّهَا كَانَت زمَان الطَّرب أَنْتُم روحي وَأَنْتُم منيتي أَنْتُم سؤلي وَأَنْتُم أربي لَيْتَني لما دَعَا دَاعِي النَّوَى بِي من بَيْنكُم لم أجب وأنخت العيس فِي أبوابكم ولأجواز الفلا لم أجب وتصبرت على عتبكم وتلومت بِتِلْكَ العتب بعد الْعَهْد بأخباركم فَابْعَثُوا أخباركم فِي الْكتب لَيْت مصرا عرفت أَنِّي وَإِن غبت عَنْهَا فالهوى لم يغب فَمَتَى أظفر من قربكم يَا أخلاي بنجح الطّلب وَمَتى أحصل بالوصل على ال وَاصل المرتقب المقترب وَمَتى أطلع فِي أفقكم قمرا يجمع شَمل الشهب ... وَقلت فِي أثْنَاء أنشأته عَن السُّلْطَان (مُتَقَارب) تذكرت فِي جلق داركم بِمصْر فيا بعد مَا بَيْننَا وَمَا أَتَمَنَّى سوى قربكم وَذَلِكَ وَالله كل المنى يدل نسيمكم بالأريج عَلَيْكُم وبرقكم بالسنا لكم بالجناب وَطيب الْمقَام وَحسن النَّعيم بِمصْر الهنا فحثوا النسيم لإبلاغه سلامكم فِي النَّوَى لَا ونى ودلوا على الرّوح قلبِي فقد عناني لأشواقكم مَا عَنَّا وَإِنِّي فَقير إِلَى وصلكم وَمن نَالَ ذَلِك نَالَ الْغنى ...

وَقلت أَيْضا (الْبَسِيط) لَا أوحش الله من انسي بقربكم وَلَا أَرَانِي فِيكُم غير إيثاري وَلَا عدمتكم فِي كل نائبة حفاظ سري وأعواني وأنصاري فعندكم لَا فقدت الْبر عنْدكُمْ فرَاغ بالي وأوطاني وأوطاري يَا سَاكِني مصر قد فقتم بفضلكم ذَوي الْفَضَائِل من سكان أمصاري لله دركم من عصبَة كرمت ودر مصركم الْغناء من دَار ... واقترح عَليّ السُّلْطَان عمل أَبْيَات يكْتب بهَا إِلَى مصر فَقلت ... أيا سَاكِني مصر ألم تتحققوا بأنكم لم تَبْرَحُوا سَاكِني قلبِي حنانيكم زَاد الحنين إِلَيْكُم فأضعف من صبري وضاعف من كربي لقد أشفقت من لوعة الْحبّ مهجتي وَهل مهجة تبقى على لوعة الْحبّ وَلَو أنني أودعت شوقي كتبكم لخفت لقلبي محرقا وقده كتبي بِغَيْر الرِّضَا مني ببعد مزاركم رضيت بإهداء السَّلَام مَعَ الركب ... وَقلت (الْكَامِل) أشتاقكم شوق الظماء إِلَى الحيا ... واحبكم حب النُّفُوس حَيَاتهَا عَن غَيْركُمْ نَفسِي تلازم صَومهَا وبذكركم أبدا تديم صلَاتهَا مَا فاتها حَظّ الأسى لفراقكم إِن فاتها من وصلكم مَا فاتها لله مهجتي الَّتِي أَوْقَاتهَا بِالْقربِ مِنْكُم لم تزل أقواتها إِن كَانَ صبري قد عدمت ثباته فصبابتي لكم حمدت ثباتها يَا لَيْت أيامي الَّتِي قضيتها فِي قربكم قد عاودت أَوْقَاتهَا وغدت عُقُود مسرتي مَجْمُوعَة لَا تَسْتَطِيع يَد الْفِرَاق شتاتها الله يعلم أَن عَيْني بعدكم من شوقكم لم تستلذ سباتها أَنْتُم بِمصْر ذَوُو غنى من طيبها أَدّوا بذكركم الْفَقِير زَكَاتهَا ...

عاد الحديث

عَاد الحَدِيث ووصلتني مُكَاتبَة كَرِيمَة فاضلية جَوَابا عَمَّا كتبته إِلَيْهِ أَولا من الطَّرِيق تاريخها منتصف ذِي الْقعدَة ونسختها وقف عبد الحضرة السامية القضائية الأجلبية الْعَالم الصَّدْر لَا زَالَت بِعَين الله مَحْفُوظَة مكلوة وَلَا بَرحت حقائبها بذخاير الْبر مملوه وعرائس محاسنها على وُجُوه الإفهام مجلوة والطاف الله القوية كافلة لَهَا بِمَا لَا تصل إِلَيْهِ بالحول وَالْقُوَّة على كِتَابه الْكَرِيم الَّذِي تنزه طرفِي فِي موشى رياضة والقطت فكري من تضاعيفه الدّرّ الثمين من بياضه وكلفت خاطري الْإِجَابَة فمل يسْتَطع صرفا وَلَا نصرا وأنهضته فَجمع بَين الكبوة والكآبة فَقَالَ ألم أقل لَك إِنَّك لن تَسْتَطِيع معي صبرا وأمل مَا أخل فِيهِ بِالْمَقْصُودِ فَقَالَ إِذا لمته لَا تؤاخذني بِمَا نسيت وَلَا ترهقني من أَمْرِي عسرا أَنِّي لَك وَمن أنالك أَن تباري من جَاءَ بِالْفَضْلِ من حَيَّة وَقلت أنوار الشَّمْس أَن تستمير من نوره وَلَكِن من فِيهِ وَلَا تعش إِلَى محَاسِن يقصر عَنْهَا الأعشيان واطو اخلاسك عَن مجاراة من لَا يجاريه الطاءان وَلَا الصادان وَلَا ينوء بأثقال مباراته من نسب إِلَى تصنيفه النونان وَهل أَنْت الا كسير لَا تَسْتَطِيع نهضة رجل من الركاب وَلَا نهضة لِسَان مَعَ الْكتاب وَلَا نهضة يَد مَعَ الطلاب فاربع على غير مربع وطر بالأسى أَو قع وَعرف حَدِيث الْجمال الذاهبة وَالطَّرِيق الْمُبَارَكَة والسلامة الْمَوْهُوبَة والصحبة المشورة والخدمة المستتبة وَظَهَرت آثارها بالنظم المستحسن فِي الْكتب الشَّرِيفَة وَعِنْدهَا يُؤثر أَن يكون حَرِيصًا على أجلاب الْحَظ بِالْحَال لَا بالمقال وبيد الدَّلِيل فِي اجتلاب الحظوظ الَّتِي تقصر على اقتراحها وسوق الآمال الَّتِي يكبو زناد الطّلب دون اقتداحها وَقد كتبت فِيمَا أشارت إِلَيْهِ من الطّلب الرابضة ووفقت على نسخ الْكتب الشَّرِيفَة الأمامية صلوَات الله على من هطلت بركاتها من سحب مسائه وانبجست أنوارها من ينابيع آرائه وفيهَا بِحَمْد الله مَا يجمل الْمولى وَيَرْفَعهُ وَكَيف لَا يشرف من يعْنى بِهِ وَقد شرف بِهِ من يسمعهُ وَقد وقفت على الِابْتِدَاء وَأَنا مُتَوَقف الْوُقُوف على الْجَواب وَعِنْدِي من محاسنها عَسْكَر وَلَكِن مَا يَسْتَغْنِي مِنْهَا عَن فوارس الأعتاب

ووصلت منه إلى السلطان إجابة نسختها

ووصلت مِنْهُ إِلَى السُّلْطَان إِجَابَة نسختها ورد على الْمَمْلُوك أدام الله أَيَّام الْمجْلس العالي الملكي الناصري وصره على أعدائه وَملكه أرضه بِعدْل حكم سمائه وَلَا أخلى من نعمتي خيرة وَنَظره قُلُوب وعيون أوليائه وأعز الْإِسْلَام وَرفع عَن أَهله الْبلوى بلوائه الْكتب الْكَرِيمَة الَّتِي تسر الناظرين بشعارها الْأَصْفَر وتبشر الْأَوْلِيَاء إِن كَانُوا غائبين مَعَ الْغَيْب بِأَن حظهم حَاضر مَعَ الْحَضَر وَقد كَانَت الفترة قد طَالَتْ أَيَّامهَا واستطالت آلامها والطرقات قد سبق الى الْأَنْفس اتهامها {الْحَمد لله الَّذِي أذهب عَنَّا الْحزن} وَأولى من النِّعْمَة مَا اشْترى الْحَمد عبدا بِلَا ثمن وَذَلِكَ من فضل اله علينا وعَلى النَّاس ووعد الله سُبْحَانَهُ منتظر إِذْ يَقُول فِي كِتَابه {وعد الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم وَعمِلُوا الصَّالِحَات ليَستَخْلِفنهم فِي الأَرْض كَمَا اسْتخْلف الَّذين من قبلهم وليمكنن لَهُم دينهم الَّذِي ارتضى لَهُم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا} وَصدق صلى الله عَلَيْهِ فِي قَوْله (إِن اخْتِيَار الله لِلْمُؤمنِ خير من اخْتِيَاره وان مواقع أمل العَبْد خير مِنْهَا مواقع اقضية الله وأقداره) فقد كَانَت حَرَكَة احْتَاجَت إِلَيْهَا الْبِلَاد الَّتِي انْفَصل عَنْهَا والبلاد الَّتِي قدم عَلَيْهَا أما المصرية مِنْهَا فبكونها على عدَّة من نجدته آجلا وَأما الشامية فبكونها على نقدة من نصْرَة عَاجلا فقد تماسكت من الْمُسلمين الأرماق وَقد انْقَطَعت من الْمُشْركين الْأَعْنَاق ... تهاب بك الْبِلَاد تحل فِيهَا وَلَوْلَا اللَّيْث مَا هيب العرين ... وَعرض الْمَمْلُوك جَمِيع مَا وصل إِلَيْهِ من مكاتبات الْمولى على الْعلم العادلي وأدركها تحصيلا وأحاط بهَا جملَة وتفصيلا وَالْمولى خلد الله ملكه وكل مَا أَشَارَ إِلَيْهِ من عَزِيمَة أبداها وَنِيَّة أمضاها فَهُوَ الصَّوَاب الَّذِي أوضح الله لَهُ مسالكه والتوفيق الَّذِي قرب الله عَلَيْهِ مداركه وَمن أطَاع الله أطاعه كل شَيْء وَمن استخاره بَين لَهُ الرشد من الغي فَالله تَعَالَى يَجعله من كل حَادِثَة بنجوة وَيكْتب أجره فِي كل حَرَكَة وَنَفس وخطوة وَقد كَانَ الْعَدو خذله الله نَهَضَ وَوصل إِلَى صدر وَقَاتل القلعة قتال من

فصل منه

يجسها ويجوسها ويرتاد الأطماع فِيهَا فَوَجَدَهَا امْنَعْ من عِقَاب لوح الجو وَعَاد متخلف النِّيَّة مخلف النو وَكفى الله أمره وَصرف شَره وَوصل من الفرنج مستأمن وَأخْبر أَنهم كَانُوا يُرِيدُونَ الْغَارة على فاقوس فاستقلوا أنفسهم وتخرجوا الى هَذَا الْجَانِب وَلَو ألموا بفاقوس لَكَانَ الْعَسْكَر لَهُم مستعدا والنصر عَلَيْهِم من الله مستمدا وَقد ذكر أَنهم مضوا بنية تَجْدِيد الحشد ومعاودة الْقَصْد وَمن كَانَ الْمجْلس الناصري أَعْلَاهُ الله وَنَصره ظَهره فَمَا يَسُوق إِلَيْهِ الدَّهْر مَا يضيق صَدره وَلَا يُمكن الله مِنْهُ عدوا يزعج طرف عمله ومستقره فصل مِنْهُ الْمَمْلُوك ينْهَى أَنه على نسخ الْكتب العراقية الْمُبَارَكَة وَهِي دَالَّة على جميل النِّيَّة وَوُقُوع الاهتمام بِهَذَا الْجَانِب وَحمل الْهم بِمَا يجْرِي لَهُ مَعَ الْأَعْدَاء والمشاركة المشكورة فِي الشدَّة والرخاء وَأوجب أَن يتلَقَّى هَذَا الْإِحْسَان بغاية الِاعْتِدَاد ويجرد فِيهِ لِسَان الشُّكْر والاحماد ويوسع القَوْل فِي أَن الآراء الشَّرِيفَة هُوَ الْعدة والعمدة والمرجو فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة والعاجلة والآجلة ويعجل إِعَادَة الرَّسُول فَمَا تكون كلفته الا وَاسِعَة والمطالب بإقامته الا مُتَشَتِّتَة فصل فِي ذكر من يخْتَار فِي الرسَالَة وشروطها وَمَا عِنْد الْمَمْلُوك أَنه يحْتَاج إِلَى رَسُول لِأَن الْهُدْنَة مَا يحْسب أَنه فِي الْحَاصِل مِنْهَا مَا يُرْضِي همة الْمولى وَإِن كَانَ لَا بُد من رَسُول فيلمح الْمولى من أمره النزاهة حَتَّى لَا يثقل تثقيلا لَا ينفعنا ويستثقل بِهِ من نفذ إِلَيْهِ وَالْعقل حَتَّى يعرف مَا يَأْتِي وَمَا يذر والصدق فَإِنَّهُ لَا رَأْي لكذوب والاستقلال بالْقَوْل فَإِن غيبَة الْحجَّة فِي وَقتهَا خذلان عَظِيم وَالْمولى يعرف كل من طلب سعى أَن يُقَال مَعَ مَعْرفَته خُذ فلَانا ودع فلَانا وَلَو أَن عندنَا غَرضا مهما لَكَانَ إنهاض الْفَقِيه قطب الدّين النَّيْسَابُورِي وَاجِبا لِأَن خدمته كَبِيرَة وصلته موفرة واسْمه مشهر ومعرفته ثاقبة فَلَا يعدل عَن استشارة ظهير الدّين فقد تجرد لقَضَاء الْحق الانصباب إِلَى هَذَا الْجَانِب والتشهر بمحبته والحطب فِي حبله

فصل منه في معنى شرف الدين بن عصرون وكان قد أظلم بصره

فصل مِنْهُ فِي معنى شرف الدّين بن عصرون وَكَانَ قد أظلم بَصَره وَحَدِيث قَاضِي دمشق لَا يعجل فِي أمره وَلَا يسْتَبْدل بِهِ بعد ظُهُور الْخيرَة فِيمَن تقدمه فالمنصب كَبِير وَجمع شَرط الِاخْتِيَار عسير وإيلام قلب رجل قد شَارف مُنْتَهى عمره مَعَ كَونه لم يظْهر مِنْهُ مَا يذم من أَثَره مِمَّا لَا يحْتَاج إِلَيْهِ فصل مِنْهُ فِي وقْعَة الرملة ونوبة الْعَدو فِي الرملة فقد كَانَت عَثْرَة علينا ظَاهرهَا وعَلى الْكفْر بَاطِنهَا ولزمنا مَا نسي من اسْمهَا ولزمهم مَا بَقِي من غرمها وَلَا دَلِيل أدل على الْقُوَّة من الْمسير بعد شَهْرَيْن من تَارِيخ وقعتها الى الشَّام نَخُوض بِلَاد الفرنج بالقوافل الثَّقِيلَة والحشود الْكَثِيرَة والحريم المستور وَالْمَال الْعَظِيم الموفور فَالَّذِي تضمنه كتاب صَاحب منبج والحلبيين والمواصلة فَمَا هُوَ الا ظن توهمه أَو نقل ناقل يجب أَن نتهمه فَأَي سَبَب يحمل قوما قد أفردتهم الْأَيَّام بلذاتهم وَقَامَ الْمولى بَينهم وَبَين أهل معاداتهم يسهر وهم ضاجعون ويتعب وهم وادعون ثمَّ أَنهم قد جربوا ولدغوا وطلبوا فَمَا بلغُوا وَمَا هُوَ عَنْهَا بِالْحَدِيثِ المرجم فصل مِنْهُ فِي ابْتِدَاء كتاب حاطه الله بِعَيْنِه وعونه وصان رِدَاء الْإِسْلَام من كل جاذب وحادث بصونه وَلَا أعدم اله الْخلق مِنْهُ مولى يعدمهم الاصعبين الْخَوْف والعدم وَلَا زَالَ ناقدا فِي الأمتين الْعَرَب والعجم المرهفين السَّيْف والقلم الْمَمْلُوك يبْدَأ فِي كل كتاب خطاب بشكر الله تَعَالَى على مَا وفْق سُلْطَان هَذِه الْأمة لَهُ من الصّلاح وَاسْتَعْملهُ بِهِ من الصَّوَاب فِي إِقَامَته هَذِه وَالظَّاهِر والخفي من تَدْبيره وأجراه على أَكثر من عاداته وأسكن الرعب فِي بقلوب عداته واستخدم أترابه مُلُوك الزَّمن وساداته وَأَرَادَ بِهِ الْخَيْر وَأَن يخَاف من أَرَادَهُ بِهِ رادا

عاد الحديث من أول دخولنا إلى دمشق

عَاد الحَدِيث من أول دخولنا إِلَى دمشق وَلما دَخَلنَا إِلَى دمشق وجدنَا رسل الْخلَافَة قد وصلوا بِأَسْبَاب العاطفة والرأفة وَكَانَ حِينَئِذٍ صَاحب المخزن ظهير الدّين أَبُو بكر مَنْصُور بن نصر الْعَطَّار وَهُوَ من ذَوي الأخطار وَله التحكم فِي الْإِيرَاد والإصدار وَقد توفر على محبَّة السُّلْطَان وتربية رجائه وتلبية دُعَائِهِ وتسنية آرائه فوصل كِتَابه وَرَسُوله بِكُل مَا سر السرائر وَنور البصائر وَكَانَ الْكتاب بِخَطِّهِ وَقد جرى للتقرب فِي شوطه ووفى للتودد بِشَرْطِهِ وَلم يقبض فِي كل مَا يشْرَح الصَّدْر وَيرْفَع الْقدر عنان بَسطه واقترح على السُّلْطَان أبياتا يَكْتُبهَا إِلَيْهِ بِخَطِّهِ فَقلت مَا ضمنه الْكتاب ... وأفاض فِي شكر العوارف عَارِفًا بقصور بَاعَ الشُّكْر عَن نعمائه وَتَأمل الْخط الْكَرِيم فأشرقت أنوار حسن الْعَهْد من أَثْنَائِهِ وَجرى معِين الْجُود من تياره وسرى نسيم الْمجد من تلقائه أضحى ظهير الدّين أفضل صَاحب يسْتَمْسك الراجي بِصدق ولائه والسعد فِي آلائه والنجح فِي آرابه والنصر فِي آرائه ... وأنشأت إِلَيْهِ عَن السُّلْطَان كتابا بخطى ابتداؤه ضاعف الله عَلَاء الْمجْلس السَّامِي الظهيري وساعف بالنجح رَجَاءَهُ وَأَرْدَفَ بالمنح آلاءه وَلَا أخلى الْأَيَّام من التجلي بأنوار حَسَنَاته والتحلي بأضواء مكرماته والتملي بأنواع مبراته وَلَا زَالَت أطواق المنن مِنْهُ لأعناق المنن لَازِمَة ومباسم المحامد عَن ثنايا الثَّنَاء على غر مفاخرة وزهر مآثره باسمة ونفحات مكارمه لمناشق المنى بعرف المناجح وَعرف المناجح فاغمة ومعاطس عداته بطوراق الردى من صواعق الصغار وبوارق الْبَوَار راغمة وَلَا بَرحت مقانب مناقبه لسرايا الْحَمد مجهزة ومراقب مراتبه لتوقل مطامح الأمل إِلَى أمده معْجزَة ونصائع صنائعه لذخاير شكر الأخاير محرزة وحوالي الْأَحْوَال بسنا محاسنه ومزايا مزاينه معلمة مطرزة مَا همى صيب وهام صب وأرج طيب وراج طب ووردت الْمُكَاتبَة الْكَرِيمَة المفداة والتكرمة الأثيرة المهداة والمكرمة الخطيرة المسداة والعارفة العارفة حق الْوَلَاء والموهبة الواهبة نجح الرَّجَاء والْمنَّة المضعفة منَّة الشُّكْر

فصل في وصف الحال

والمنحة المضاعفة جنَّة الْفَخر والمكتوب الَّذِي باح مَكْتُوبَة بسر الخلوص وفاح مكنونه بنشر الْخُصُوص وعذبت مناهله من منابع الصفاء ورحبت مَنَازِله من مناهج الْوَفَاء واشتمل على رائقات تغبطها الشمَال والشمول وشائقات ينشطها الإقبال وَالْقَبُول فَيلقى وَارِد الْكمّ الْوَافِد بِالنعَم الصَّادِر عَن صدر الْأُمَم الطَّاهِر النسيم مَالك السَّيْف والقلم بالتقبل والتقبيل والتعظم والتبجيل والإجلال وَالْإِكْرَام والامتثال والالتثام وَوَافَقَ مقدم الْمُكَاتبَة الْكَرِيمَة مقدمه إِلَى الشَّام فاتخذه فألا لَا مراع مُرَاد المُرَاد وَأَدْنَاهُ مرامي الرسَالَة والنبوة الوصلين بالكرامة المحبوبة المحبوة واستفتح مباكرة نصائحه الْمُبَارَكَة واستدر أخلاف الألطاف المتداركة وَاسْتمرّ على عَادَته فِي استمراء التهاني واستقراء الْمعَانِي وإطراء معالي الْمجْلس العالي وأطراف الأسماع والقلوب بالثناء الَّذِي تنجلي بِهِ الْأَيَّام والليالي وَمَا يشك فِي كل مَا وقف عَلَيْهِ وَعطف إِلَيْهِ من صدق عقيدة وَعقد صداقة أكيدة ومودة وافرة الْموَاد وافية الْموَات ومصافاة أَحيَاء مواتها بموالاة حَيَاء الْمُوَالَاة فضميره الْكَرِيم الْمنور الْمُقَدّس الشفاف الْجَوْهَر مطلع بفراسة نور الْإِيمَان على مَا عِنْد عَبده من الود الْمُقَرّر وَالضَّمِير المطهر والصفو الَّذِي لَا يتكدر والعهد الَّذِي لَا يتَغَيَّر وكل مَا يَشْمَلهُ من إنعام المواقف المقدسة لَا زَالَت مضَارب عزمها نَافِذَة المضاء وذوائب عزها آخذة فِي الاعتلاء فَهُوَ من الْمجْلس السَّامِي أسماه الله وصادق اهتمامه وسابق إنعامه فصل فِي وصف الْحَال وَقد أحَاط الْعلم الْكَرِيم بِمَا دهم الشَّام من تولي الخصب وتوالي الْقَحْط وَخُرُوج الْأَمر بِسَبَب ذَلِك عَن الضَّبْط وَقُوَّة أطماع الفرنج فِي الْأَطْرَاف وطروقها لظن الاستضعاف حَتَّى أَقَامَت على حارم مُدَّة طَوِيلَة وَمَا غادرت فِي مضايقتها ومحاصرتها مكيدة وَلَا حِيلَة فَاقْتضى الرَّأْي تَقْدِيم الْمسير لسرعة النفير والإشفاق على الْإِسْلَام من الْخطب الخطير وَكَانَت الفرنج تستبعد من مصر النجدة وَتكذب أَن الله قد أعد لِلْإِسْلَامِ بعسكره النَّصْر الْمعدة حَتَّى أيقنت مِنْهُ بِصِحَّة الْعَزِيمَة فَأخذت فِي أهبة الْهَزِيمَة وأظهرت الجنوح إِلَى السّلم فهادنها الحلبيون قبل أَن يحصلوا من قدومه بِالْعلمِ واتصل الْخَبَر بِهِ بعد انْفِصَاله عَن الديار المصرية وَأَنَّهَا قد انفصلت وَأَنَّهَا من رَجَب إقدام الْعَسْكَر الإسلامي بقدومه ترحلت عَن حارم وأجفلت وَمَا فَارق الْبِلَاد المحروسة هُنَاكَ حَتَّى أحكم أسوارها وأوضح فِي مطالع الحوطة أنوارها وسد ثلمها وشفى سقمها وَحمى أكنافها وحصن أطرافها وأجرى مَاء الْأَمْن فِي جداولها وأعشى عُيُون الأسواء عَن سواحلها وَفرق على نَوَاحِيهَا عساكرها وأصفى من الشوائب مواردها ومصادرها وجهز الأساطيل المنصورة فِي الْبَحْر الى مراكز الْأَعْدَاء لتباشرها وتحاصرها وَتَأْخُذ

فصل في وصف القحط

بجرائرها جزائرها فقد فرغ الْقلب بِالْكُلِّيَّةِ من شغل تِلْكَ الْبِلَاد فَهِيَ مشحونة بِالْحُمَاةِ الكماة من الأنجاد الأجناد واستؤنف الْآن تَدْبِير هَذِه الْبِلَاد الشامية والثغور الإسلامية وَالْجمع بَين حفظهَا وخفضها المرجو فصل فِي وصف الْقَحْط فَإِنَّهَا أشفت من الجدب واشتكت من الكرب وأخلفت بهَا أخلاف السحب وَلم تبك عَلَيْهَا عني الودق وَلَا خَفق لإخفاقها قلب الْبَرْق وَلَا بكتب سماؤها بالأنواء وَلَا ضحِكت أرْضهَا بالنوار وَلَا اهتزت بهَا أعطاف الأزهار وَلَا استدرت لرواضع بناتها أطباء الوابل المدرار وَلَا لَاحَ فِي صحاريها سنا السنابل وَلَا زمجرت فِي نَوَاحِيهَا رواعد الهواضب الْحَوَامِل فافتقرت عِنْد فقد عهاد الْحيَاء إِلَى إحْيَاء التعهد واستعاضت سماح الْجُود لَهَا عَن جود السَّمَاء للتفقد فعني بهَا ليعجل غناها وَيحصل مناها ويتدارك ارماقها ويمري بِالْخَيرِ أفاويقها ويجلو بالبشر آفاقها وَلَو اشْتغل فِي هَذِه السّنة بِجمع العساكر وحشد الْكَتَائِب واستدعاء إمداد الأجناد إِلَيْهَا من كل جَانب لسامها ثقلا يبهظها وكلفها إصرا يحفظها وَلَا يحفظها وغرامات تستنفد ذخائر أقواتها وخيولا تَأتي فِي الرَّعْي على زَرعهَا ونباتها فَهُوَ مشتغل بتربيتها وتقويتها بتقويتها وغهداء الإعتدال لمزاجها واماطة الاعتلال بعلاجها عَن منهاجها وَإِذا قويت الْبِلَاد فِي هَذِه السّنة واستعد الأجناد للأنجاد استفتح بعون الله فِي الرّبيع بِفَتْح الْبَيْت الْمُقَدّس وسارع فِي أَدَاء فَرِيضَة الْجِهَاد وإحراز فضيلته ببذل الْأَنْفس من الْأَمْوَال والأنفس وَهُوَ مَعَ هَذَا لَا يخلي الفرنج فِي هَذِه الْمدَّة من شن الغوار والمسارعة إِلَى الْحُلُول بدارها على البدار وَالِاجْتِهَاد فِي اطلَاع قمر النَّصْر للْجِهَاد من أوج الإبدار لَا زَالَ الْمجْلس السَّامِي عَارِيا من الْعَار كاسيا من الفخار أَن شَاءَ الله تَعَالَى وَمن كتاب عَن السُّلْطَان إنشائي إِلَى الدِّيوَان والوزير عضد الدّين أَبُو الْفرج بن رَئِيس الرؤساء لَا زَالَت الْأَيَّام بآلاء أيامنه متباهية والأقدار فِي إِمْضَاء أَحْكَامه متناهية

فصل

وسعود الْأَوْلِيَاء بأنوارها فِي سلك الهلك ومسلك الهبوط واهية مَا جد ماجد للهدى وجاد وَاجِد بالندى وَذَادَ رَاع ورعى ذود وأجدى حَيا وأحيى جود فصل ورد الْمِثَال الشريف العالي الْمشرق بأنوار الْمَعَالِي المشرف اخلص الموَالِي المسعف بِالْإِحْسَانِ المتوالي عَالِيا فِي سَمَاء السماح بثواقب المناقب ونواصع النصائح حاليا بمزايا المزاين ووصايا المحاسن المظفرة الطَّلَائِع المنورة الْمطَالع فَاسْتقْبل الموهبة لمطلعه الْمُنِير وموقفه الْأَثِير بعرفان قدرهَا وإدمان شكرها والإذعان لأمرها والإعلان بسر نشرها ورفل فِي ذيل الفخار لوروده وسفر عَن وَجه الاستبشار بسعوده وَاجِد لَهُ ثوبا من الابتهاج لَا تعبث بِهِ يَد الانهاج وافاض فِي الشُّكْر بِلِسَان لم يزل بِذكر محامده وَنشر مفاخره كثير الالتهاج فصل مِنْهُ وَلما صَادف مقدم الْمِثَال الْعَزِيز مقدمه تيمن بفأل إقباله وجلالة جَلَاله حوالي أَحْوَاله وتلا بتلألؤ آلائه وتتالي نعمائه آمالي أماله وَوجد سفرته إِلَى الشَّام عَن صبح النجاح وَوجه الْفَلاح مسفرة سافرة وألفى ظلال الْعِزّ وسجال النعمى بطالع شمسه وهامر مزنه وارفة وافره وَمَا اِسْعَدْ نهج من طَاعَة أَمِير الْمُؤمنِينَ صلوَات الله عَلَيْهِ نهجه القويم وسننه اللاحب وخلوص ولائه وخصوص وفائه وَوَصفه اللَّازِم ودأبه اللازب وَمن إمارات سعادته فِي قدومه افتتاحه بِرُؤْيَة الرُّسُل القادمين من مقرّ الرسَالَة ومقام الْجَلالَة وانشراح صَدره وانفتاح امله فِي أمره بجلية تِلْكَ الحاله فصل فِي ذكر وقْعَة الفرنج بحمص اتّفق عِنْد عبورهم على ثغر حمص حماه الله ظفر ابْن الْعم نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن شيركوه بالفرنج الْمُغيرَة واستيلاء يَد الْأسر على الْعدة الْكَثِيرَة والتدمير على أَكْثَرهم بالسطوة المبيدة المبيرة وَإِن الفرنج أباد الله جمعهم وأبد قمعهم شنوا غَارة على غرَّة وطلبوا بهَا حُصُول معرة وشمول مضرَّة فَعرف نَاصِر الدّين وَكَمن لَهُم على طريقهم وَنصر الله على فريقهم فَلم يفلت فَارس الا وَهُوَ مفروس وَلَا طالع الا وَهُوَ منحوس وحظه مبخوس واشتمل حَبل الأسار على عدَّة من الفرسان المعروفين وَقتل الْبَاقُونَ بِسيف أَوْلِيَاء الله الْمُؤمنِينَ الْمُجَاهدين وَهَذَا كُله من بَرَكَات ميامن أَيَّام أَمِير الْمُؤمنِينَ

فصل في محاصرة الفرنج قلعة حارم وذكر قلعة حارم

فصل فِي محاصرة الفرنج قلعة حارم وَذكر قلعة حارم وَمَا بعث الْخَادِم على قصد الشَّام فِي هَذَا الْعَام إِلَّا الاهتمام بمهام من جُمْلَتهَا ربوض الفرنج بحارم حماها الله تَعَالَى ونزولهم عَلَيْهَا واصحارهم للمحاصرة وَعظم مصابها بالمصابرة وَكَانَت فِي مضايقة لَهَا وضائقة بهَا ومنازلة اياها ونازلة بِسَبَبِهَا حَتَّى أقوت فِيهَا قواها وأقفرت مِنْهَا مناها وَوجدت حارما لحظها حارمة وَبقيت مُدَّة اربعة أشهر وَهِي تصيح كل يَوْم وتمسي لعدة من فارسها وراجلها عادمة وَكَانَت مَعَ ذَلِك بفنائها رابضة وَإِلَى قتالها ناهضة ظنا مِنْهَا أَن النجدة الإسلامية تبعد وَأَن الْفرْقَة الْمُوَحدَة عَن إِدْرَاك ثأرها من الفئة الْمُثَلَّثَة تقعد فَلَمَّا أحسوا باس الْعَزِيمَة أخذُوا فِي أهبة الْهَزِيمَة وجنحوا مَعَ الحلبيين الى السّلم ليسلموا وطلبوا مِنْهُم عقد المهادنة قبل أَن يعرفوا قدومنا ويعلموا ورحلوا عَنْهَا قانعين بالمصالحة لحفظ الظَّاهِر وَلَو أَقَامُوا خطب بنصر الْهدى على مَنَابِر طلاهم خطباء البواتر وَوصل خبر انفصالهم إِلَى الْخَادِم وَقد إنفصل عَن الْبِلَاد المحروسة المصرية وأغذ السّير على الْبَريَّة وَكَانَ من أقوى أَسبَاب الْمسير مَا اقتضته النّوبَة الْجَارِيَة من سرعَة النفير فصل مِنْهُ فِي تَرْتِيب الْأُمُور بِمصْر قبل الِانْفِصَال وَمَا فورقت تِلْكَ الديار المصرية إِلَى أَن قويت ثغورها وترتبت أمورها واسهلت وعورها وشكر من الْعدة وَالْعدة بهَا وفورها وحصنت أطرافها وحميت أكنافها واعترت أعطافها وصفت من كل شَائِبَة وشانية نطافها ووظفت على مَوَاضِع العوارف عساكرها وجهزت الأساطيل المنصورة الَّتِي تباشر الْأَعْدَاء فِي بلادها وتحاصرها وتراصد المراكب المبكرة من وَرَاء الْبَحْر وتباكرها وبمصر الْيَوْم جند لَهُم من نصر الله جند وَأَخُوهُ عَنهُ نَائِب مَاض لَا يفل لَهُ حد وَمَا سَار عَنْهَا حَتَّى شحنها بِالرِّجَالِ الحماة والأبطال الكماة والأجناد الهداة والأنجاد الْغُزَاة وَأمن من فِيهَا عَادِية العداة ومكايد الْبُغَاة وغوائل الطغاة وَالْقلب من شغلها فارغ والأمن فِي ظلها سابغ وَالله لأمرها فِي أدالتها ونصرها بَالغ ولأعدائه بأعدائها وقهرها دامغ فصل مِنْهُ فِي ذكر مَحل الشَّام والاعتذار بِهِ وَلَوْلَا أَن الشَّام فِي هَذِه السّنة المجدبة لَا يحمل العساكر الثَّقِيلَة وَلَا يقبل إِلَّا الفئة القليلة لوقع الشُّرُوع فِي الْغَزْو المشرعة لهاذمه إِلَى نحور عداة الدّين لطلب

ثأرها المشرعة صورامه فِي إحراق حطب هام الْمُشْركين بلهب نارها المؤذنة لأولياء الله كتائبه بالنصر الْمَاضِي النصل المعلنة فضائله القَاضِي بِالْفَضْلِ لَكِن الْبِلَاد لتوالي جدبها وتولي خصبها واستمرار محلهَا واغترار محلهَا وتصويح نباتها وتصريح اسناتها وَتعذر الْأَوْقَات فِي أَوْقَاتهَا وتكرر الْحَاجَات فِي سنواتها مفتقرة إِلَى تلافي ذمائها وتدارك شفائها من دائها وَحفظ رمقها وإعادة رونقها وَإِزَالَة رنقها واراحة فرقها بِالْخصْبِ وإزاحة فرقها من الجدب وَفِي وُصُوله إِلَيْهَا هَذِه السّنة مَنْفَعَة تَامَّة ومصلحة عَامَّة وآنسة لشمل أَهلهَا ضامة حَتَّى تكْثر زروعها وتثمر أُصُولهَا وفروعها وتستدر ضروعها وتلتئم فِي كنف الْحِفْظ وظل الدعة جموعها وَمَعَ مَا بهَا من الإفتقار إِلَى ذهَاب بوسها وإبدال الْبشر من عبوسها وإهداء النَّمَاء والزكاء إِلَى زروعها وغروسها وإبقاء أرماقها والمحافظة على حشاشات نفوسها لَا تحْتَمل حشد العساكر الكثيفة اليها وَلَا تفي بِجَمِيعِ العساكر المقيمة عَلَيْهَا وَلَا تكفل علالات غلاتها وصبابات أقواتها بأثقالها وَلَا تؤذن نوافذ أَمْدَاد الأجناد الى بلادها إِلَّا بِضعْف حَالهَا وَضعف أمحالها فَهُوَ يجْتَهد فِي تَقْوِيَة بِلَاد الشَّام فِي هَذَا الْعَام وَيكثر بهَا الدخائر لِلْإِسْلَامِ وَمَعَهُ من الْعَسْكَر الوافي وَالْعدَد الوافر مَا يكفل بسد الثغور وَضبط الْأُمُور وَحفظ الْأَطْرَاف والأوساط وإبرام معاقد الاعتزام واحكام قَوَاعِد الِاحْتِيَاط ويأمل ببركات اعتزازه بالاعتزاء إِلَى الْعُبُودِيَّة بالمواقف المقدسة الأمامية المستضية أَعلَى الله فِي الْخَافِقين خافقات بنودها وأعلامها وأنار فِي المشرقين والمغربين مشرقات سعود أَيَّامهَا أَن يسْتَقْبل فِي الرّبيع الْقَابِل اسْتِدْرَاك مَا يتَأَخَّر فِي هَذِه السّنة من أَمر الْجِهَاد ويضاعف فِي هَذِه الْمدَّة قُوَّة الأجناد وَآلَة الاستعداد ويستفتح الْعَزِيمَة حِينَئِذٍ بِفَتْح الْبَيْت الْمُقَدّس وَجَمِيع السَّاحِل ويخطب بألسنة الأسنة محصنات الْحُصُون وعقائد المعاقل ويقصي من الْمَسْجِد الْأَقْصَى عَبدة الصلبان ويطهر من أرجاس اولئك الأنجاس بيُوت الرَّحْمَن ويطفىء بمودوعات جداول حمد أولي الأغماد من مياه القضب الْحداد نيران أنفس أهل الشّرك والعصيان وَالله عز وَجل منجز وعده ومظفره ومظهره ولينصرن الله من ينصره على أَنه لَا يخلي فِي هَذِه الْأَشْهر عزمه من نكاية فِي الْأَعْدَاء وَشن غَارة عَلَيْهِم وانقاذ سَرِيَّة اليهم ويشغلهم بِمَا يضدهم عَن قصد ويردهم ويصدفهم عَن مكر وَكيد

ذكر مكاتبة فاضلية وصلت بالهناء بمولود اسمه داود وكانت ولادته في الساعة الرابعة من ليلة الأحد لسبع بقين من ذي القعدة سنة ثلاث وسبعين ونسختها

ويوقع بأسهم بَينهم ويقرر من التَّدْبِير فِي التدمير مَا يقرب حينهم ويقر الْهدى بارداء العدى عينه وَيَقْضِي بِمَا يتقاضاه من موعد النَّصْر دينه وعوارف السدة الشَّرِيفَة يحقوق طَاعَته عارفة وعواطفها الْكَرِيمَة وبركاتها لعزمته وهمته كانفة ذكر مُكَاتبَة فاضلية وصلت بالهناء بمولود اسْمه دَاوُد وَكَانَت وِلَادَته فِي السَّاعَة الرَّابِعَة من لَيْلَة الْأَحَد لسبع بَقينَ من ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَسبعين ونسختها الْمَمْلُوك يقبل الأَرْض بالْمقَام العالي الناصري نصر الله الْإِسْلَام بمقامه وَأهْلك أَعدَاء الْحق بانتقامه وَلَا أعدم الْأمة المحمدية عقد الْتِزَامه بكفالتها ومضاء اعتزامه يهنىء الْمولى بِنِعْمَة الله عِنْده وَعند الْإِسْلَام وَأَهله بِمن زَاده فِي وَلَده وكثره فِي عدده وَهُوَ الْأَمِير ابو سُلَيْمَان دَاوُد أنشأه الله نشو صالحي خلقه وَجعله من أنصار حَقه كَمَا جعل أَبَاهُ وَأَهله من أنصار حَقه وَكَانَت وِلَادَته فِي السَّاعَة الرَّابِعَة من لَيْلَة الْأَحَد لسبع بَقينَ من ذِي الْقعدَة وَمن الله بِكَمَال خلقه ووسامة وَجهه وسلامة أَعْضَائِهِ وتهلل غرته وابتسام أسرته وَدلّ بِهِ على أَن هَذَا الْبَيْت الْكَرِيم فلك الْإِسْلَام لَا تطلع فِيهِ إِلَّا البدور كَمَا دلّ على عناية الله بِأَبِيهِ فَإِنَّهُ تَعَالَى قَالَ {يهب لمن يَشَاء إِنَاثًا ويهب لمن يَشَاء الذُّكُور} وَطَرِيق الْمولى هَذِه فقد توالت فِيهَا البشائر وَنصر الله فِيهَا بالطاف أغنت بلطف الخواطر عَن قُوَّة العساكر واشتملت عَلَيْهِ فِي الْغَائِب من أمره والحاضر {وَإِن تعدوا نعْمَة الله لَا تحصوها} وَكَيف يحصيها المحصي ويحصرها الحاصر أيحيط من يفنى بِمَا لَا يفنى فَالْحَمْد لله الَّذِي كتب الْمولى إِلَى أوليائه وكتبهم إِلَيْهِ مبتسمة عَن المسار ناطقة بأطيب الْأَخْبَار منكشفة أسرارها عَمَّا يروح الْأَسْرَار وَهَذَا الْوَلَد الْمُبَارك هُوَ الموفي لإثني عشر ولدا بل لإثني عشر نجما متوقدا فقد زَاد الله فِي أنجمه عَن أنجم يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام نجما ورآهم الْمولى يقظة وَرَأى تِلْكَ الأنجم حلما ورآهم ساجدين لَهُ ورأينا

وله إليه في صفة مولود

الْخلق لَهُ سجودا وَهُوَ سُبْحَانَهُ قَادر على أَن يزِيد جدود الْمولى إِلَى أَن يراهم آبَاء وجدودا وَله إِلَيْهِ فِي صفة مَوْلُود وَهَذَا السَّيِّد الْجَدِيد والنجل الرشيد سوي خلقه كريم فَرعه وعرقه ... متهلل والبدر فَوق جَبينه يلقاك رونق بشره من دونه ... أَبَت الشُّبُهَات أَن تجاب عَلَيْهِ بشبهاتها وفدته الخدام بِآبَائِهَا والقوابل بأمهاتها ... رأين الَّذِي للشمس فِيهِ مشابه فَقُلْنَ نرى شمسا وَمَا طلع الْفجْر ... زَاد الْمولى وَلَا نَقصه وَمد ظله وَلَا قلصه وأصفى رد سعادته وَلَا نغصه ذكر مواليد أَوْلَاد السُّلْطَان على مَا سمعته مِنْهُ فِي آخر عَهده بِالْبَيْتِ الْمُقَدّس سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَحَيْثُ ذكرت الْوَلَد الْمَذْكُور فِي هَذِه فَأَنِّي مَا أهملته من ذكر مواليد أَوْلَاد السُّلْطَان فِي سنيها وَثُبُوت مباني الدولة بسعود بنيها وَكنت فِي بعض اللَّيَالِي عِنْد السُّلْطَان فِي آخر عَهده وَهُوَ فِي حَدِيثه وشكر الله وحمده وَجرى ذكر أَوْلَاده واعتضاده بهم واعتداده فَقلت لَهُ لَو عرفت أَيَّام مواليدهم فِي أعوامها لأنشأت رِسَالَة على نظامها فَذكر لي مَا أثْبته أَبُو الْحسن عَليّ وَهُوَ الْملك الْأَفْضَل نور الدّين مولده بِمصْر عيد الْفطر سنة خمس وَسِتِّينَ وَخمْس ماية أَبُو الْفَتْح عُثْمَان وَهُوَ الْملك الْعَزِيز عماد الدّين مولده بِمصْر فِي ثامن جُمَادَى الأولى سنة سبع

أبو منصور غازي

وَسِتِّينَ وَتُوفِّي رَحمَه الله فِي الْمحرم من سنة خمس وَتِسْعين وخمسماية 0 أَبُو الْعَبَّاس خضر وَهُوَ الْملك الظَّاهِر مظفر الدّين مولده بِمصْر فِي خَامِس شعْبَان سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وخمسماية وَهُوَ أَخُو الْأَفْضَل لأمه وَأَبِيهِ أَبُو مَنْصُور غَازِي وَهُوَ الْملك الظَّاهِر غياث الدّين مولده بِمصْر فِي منتصف شهر رَمَضَان سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَخمْس ماية أَبُو يَعْقُوب اسحق وَهُوَ الْملك الْمعز فتح الدّين مولده بِمصْر فِي شهر ربيع الأول سنة سبعين وَخمْس ماية أَبُو الْفَتْح مَسْعُود وَهُوَ الْملك الْمُؤَيد نجم الدّين مولده بِدِمَشْق فِي شهر ربيع الأول سنة إِحْدَى وَسبعين وَخمْس مائَة أَبُو سلميان دَاوُد وَهُوَ الْملك الزَّاهِر مجير الدّين مولده بِمصْر لسبع بَقينَ من ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَسبعين وَخمْس ماية وَهُوَ لأم الْملك الظَّاهِر وَتَوَلَّى البيرة عِنْد تولي أَخِيه بحلب أَبُو يُوصف يَعْقُوب وَهُوَ الْملك الْأَعَز شرف الدّين مولده بِمصْر فِي شهر ربيع الآخر سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَخمْس ماية وَهُوَ لأم الْملك الْعَزِيز 0

أبو عبد الله محمد

أَبُو مُحَمَّد مُوسَى وَهُوَ الْملك الْمفضل ثمَّ نعت بالمظفر قطب الدّين مولده بِمصْر سنة ثَلَاث وَسبعين وَخمْس ماية وَهُوَ لأم الْفضل أَبُو عبد الله مُحَمَّد وَهُوَ الْملك الْأَشْرَف عز الدّين مولده بِالشَّام فِي سنة خمس وَسبعين وَخمْس ماية أَبُو سعيد أَيُّوب وَهُوَ الْملك الْجواد ركن الدّين مولده فِي ربيع الأول سنة ثَمَان وَسبعين وَهُوَ شَقِيق الْمعز أَبُو مَنْصُور تورانشاه وَهُوَ الْملك الْمُعظم فَخر الدّين مولده بِمصْر فِي شهر ربيع الأول سنة سبع وَسبعين وَخمْس مائَة أَبُو بكر وَهُوَ الْملك النصير أَخُو الْمُعظم أَيْضا لأمه وَلَهُم أُخْت شَقِيقَة تزَوجهَا الْملك الْكَامِل مُحَمَّد ولد الْملك الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب وولدان آخرَانِ وهما مَرْوَان وشادي ولدا بعد وَفَاة السُّلْطَان

كتاب فاضلي تاريخه منصف ذي الحجة سنة ثلاث وسبعين

وَإِنَّمَا ذكرت هَذِه المواليد لِأَن فيهم من تولى بعد أَبِيه وَفِيهِمْ من يُرْجَى أَن تقضي الأقدار بتوليه كتاب فاضلي تَارِيخه منصف ذِي الْحجَّة سنة ثَلَاث وَسبعين أدام الله دولة مَوْلَانَا الْملك النَّاصِر جَامع كلمة الْإِيمَان وَجمع بِهِ كلمة أهل الْإِيمَان وَخَصه بتشييد بِنَاء السُّلْطَان وَلَا أخلى مِنْهُ عُيُون الْأَوْلِيَاء فَأَما الْقُلُوب فَإِنَّهُ لَهَا سَاكن وَأَنَّهَا لَهُ أوطان وأوزعه أَن يشْكر مَا بِهِ من نعْمَته وألهمه أَن يخلف مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَحْسَن الْخلَافَة فِي أمته وَحفظ عَلَيْهِ كل مَا حفظ بِيَدِهِ قاصيته وَكَفاهُ كل خلق بيد الله ناصيته ... وَإِن أَكثر الداعون فِيمَا دعوا لَهُ فَلَا تلحين من بَات يَدْعُو لنَفسِهِ ... كتب هَذِه الْخدمَة بعد انْقِضَاء عيد النَّحْر على مَا شرع فِيهِ من سنة وَاسْتحبَّ من قربه على نِيَابَة الْملك الْعَادِل أوفى نيابه وعَلى مُشَاهدَة من بِالْبَابِ من رسل الْأُمَم الْمُخَالفَة مَا أرغمهم من بسطة الْإِسْلَام وَقُوَّة وَمَعَ هَذَا فَإِن الْخلق لغيبه الْمولى ... تراهم كبيت غير الْكسر وَزنه فألفاظه نثر وَمَعْنَاهُ قَائِم دنا الْعِيد لَو تَدْنُو بِهِ كعبة المنى وركن الْمَعَالِي من ذؤابة يعرب فيا ويلتي للدمع يَرْمِي جماره وَيَا بعد مَا بيني وَبَين المحصب ... فصل فِي وصف كتب السُّلْطَان الْوَارِدَة غليه كتب الْمولى عِنْد الْمَمْلُوك كالجنة الَّتِي هِيَ إِن شَاءَ الله مآل الْمولى إِذْ يَقُول تَعَالَى واصفا لَهَا {وفيهَا مَا تشتهيه الْأَنْفس وتلذ الْأَعْين وَأَنْتُم فِيهَا خَالدُونَ} وان لم يخلد الْمَمْلُوك فِيهَا جسما فقد تخلد لَهُ الْفَخر فِيهَا اسْما وَإنَّهُ لذكر لَك ولقومك ونعمة الْمولى بهَا وبغيرها تجل عَن الْوَصْف

.. وَمَا علمت لساني كل عَن صفة وَلَا علمتك الا فَوق مَا أصف ... وَالله مَا تهيج البروق اللامعة والحمائم الساجعة والنسيم فِي الآصال إِذا خطر لَهَا ذكر أَيَّام الْوِصَال مَا تهيج هَذِه الْكتب وَإِنَّهَا لتلقح من سحب الْعُيُون مَا لَا تلْحقهُ مؤلفات السحب ... هَل الدَّهْر يمْضِي فِي هواكم كَمَا أرى حنين وتذراف الدُّمُوع الهواطل ... وَبِالْجُمْلَةِ كل دم حقنه الْمولى بجهاده قد أجراه دمعا ببعاده وَذكر الْمولى الشتوة وَأَنَّهَا رُبمَا كَانَت للقاء ميعادا ... يَا برد ذَاك الَّذِي قَالَت على كَبِدِي منى أَن تكن حَقًا تكن أحسن المنى أعيش بهَا فسوغوني المنى وَقد ينعش الله الْفَتى بعد عَثْرَة ويصطنع الْحسنى سراة بني عجل سقى الله دَارا شوقتك لغَيْرهَا فأدنتك نحوي يَا زِيَاد بن عَامر أصايل قرب أرتجي أَن أنالها بلقياك قد زحزحن برد الهواجر ... والمملوك الْآن يعالج من الأشواق غريمين كريمين غَرِيم ينْزع بِهِ إِلَى كعبة الْحرم وغريم يرجع بِهِ إِلَى كعبة الْأُمَم ... لَو سرت من ذَا إِلَى هَذَا وَكَيف بِهِ مَا سرت من حرم الا إِلَى حرم ... فصل مِنْهُ عرف الْمَمْلُوك نعْمَة الله بسلامة الْمولى وَأَهله وَإِخْوَته وَبني إخْوَته وَالْمولى وَلَده والرفقاء من حَاشِيَته وَمَا يَتَوَلَّاهُ الله بِهِ من إعزاز أوليائه واذلال اعدائه وَمَا كَانَ فِي سفر الشَّام من الْخَيْر والخيرة وَمَا لبس الفرنج لعزمه من الكآبة والحيرة وَمَا يراسل بِهِ تعريضا وَتَصْرِيحًا من الْمُشَاركَة والمسالمة وَمَا سيرة فِي الرسَالَة العراقية من الْهَدِيَّة وَمن عين للرسالة وَحَدِيث مَا يلْزم الخزانة من المغارم وَقد قَالَ أحد وزراء الرشيد رَحمَه الله وَقد أَرَادَ سفرا إِلَى إِحْدَى غَزَوَاته يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ تكْثر الكلف قَالَ وَمَتى قلت

فصل في أولاد السلطان

.. لَا تَسْتَقِر بكفه أَمْوَاله فَكَأَنَّمَا هِيَ عابرات سَبِيل ... وَمَا ضَاعَ مَال ورث الْحَمد أَهله فصل فِي أَوْلَاد السُّلْطَان للْمولى أَوْلَاد وَقد صَارُوا رجَالًا وَيُحب أَنِّي يستجيد للقلاع رجَالًا كَمَا فعل السَّابِقُونَ أعمارا وأعمالا وَقيل القلاع أنوف من جملها شمخ بهَا مَا فِي الرِّجَال على النِّسَاء أَمِين ... وزهدني فِي النَّاس معرفتي بهم وَطول اخْتِيَاري صاحبا بعد صَاحب وَلم تؤتني الْأَيَّام خلا يسرني بواديه الا سَاءَنِي فِي العواقب وَلَا كنت أرجوه لدفع ملمة من الدَّهْر الا كَانَ إِحْدَى النوائب ... فصل مِنْهُ فِي عز الدّين آقبوري عز الدّين آقبوري يطول الْمولى عنان صبره ويودعه بلطف خلقه وَيحمل جفوة ظَاهِرَة مَعَ الْعلم بسلامة بَاطِنه وَمن كَانَ من بعض ايادي الْمولى عِنْد تَفْسِيره بِسِتَّة الآف دِينَار فَلَا بُد من إحتماله لتتناسب أَسبَاب الْمَعْرُوف عِنْده ... مَا جِئْت فِيمَا قلته بغريبة إِذْ قَالَت الضحوات للشمس اشرقي ... فصل مِنْهُ فِي عمَارَة السُّور أَمر الْمولى فِي السُّور ممتثل وَقد أحسن فِيهِ النّظر لنَفسِهِ ولعقبه وَقدم بَين يَدَيْهِ لغده وَنظر لِلْإِسْلَامِ فِي عاقبته وَإِن يسر الله تسوير المدينتين فَإِنَّهَا حَسَنَة مَا تضمخت أَيدي الْمَلَائِكَة الْكَاتِبين الْكِرَام بِمِثْلِهَا وَمَا يكوم قد اقر بَيْضَة الْإِسْلَام بعشها بل بعشرها وَمِنْه أَبْيَات فِي ذكر السَّلَام ... مَمْلُوك مَوْلَانَا ومملوك ابْنه وأخيه وَابْن أَخِيه وَالْجِيرَان ...

ذكر إجابة للسلطان بإنشائي عن بعض الكتب الكريمة الفاضلية

.. طي الْكتاب إِلَيْهِ مِنْهُ إِجَابَة لسلام مَوْلَانَا ابْنه عُثْمَان وَالله قد ذكر السَّلَام وان هـ يَجْزِي بأحسنمنه فِي الْقُرْآن وغريبة قد جِئْت فِيهَا أَولا فَمن اقتضاها كَانَ بعدِي الثَّانِي ... فرسولي السُّلْطَان فِي إيصالها وَالنَّاس رسلهم إِلَى السُّلْطَان ... ذكر إِجَابَة للسُّلْطَان بإنشائي عَن بعض الْكتب الْكَرِيمَة الْفَاضِلِيَّةِ وَردت الْمُكَاتبَة الْكَرِيمَة الصادرة عَن المجا لس السامية الأجلبية الْفَاضِلِيَّةِ ضاعف الله سمو جلاها ونمو أفضالها وبلوغ آمالها وسبوغ ظلالها وذل الْعَدو وَعز الْوَلِيّ ببأسها ونوالها مؤرخات بثالث عشر شَوَّال ورابع عشره ومنتصفه مشتملات على نكت الْفضل وطرفه والدر والدري المتألفين المتألقين من نظام سطور الطرس وظلام ديجور النَّفس فِي صدفه وسدفه متضمنات شكر مَا من الله بِهِ من سالف الْإِحْسَان مبشرا بِمَا أعده لنا من مؤتنفة مهديات النصائح الفصائح والوصايا الصحائح وجوامع الْكَلم الجامعة شَمل المناجح والمصالح فَأَضَاءَتْ بطلوعهن مطالع المطالب عَن سنا النجح وَأحلت لقاطف ثَمَر الْفَوْز من جنان المنى جنى الْملح وحلت مباهج المسار ومناهج المبار سافرة الْوُجُوه مسفرة الصُّبْح وتضاعف من الْأنس بمطالعة الْكتب الوحشة لما يفوت من مُشَاهدَة طلعة الْقرب وتزايدت لواعج الشوق المتمكنة من صميم الْقلب فَأَما مَا أنهاه الْمجْلس السَّامِي الْكَرِيم بعد رحيلنا من تراعه الْمُقِيم وتأثره بالبعد وتألمه وتشكيه من عَادِية الْفرْقَة وتظلمه وتأسفه على مَا قدمه من أَمر التَّأَخُّر وتندمه فَإِنَّهُ شرح بعض مَا تجدّد لنا من غيبته وأوضح طرفا مِمَّا وَجَدْنَاهُ من الوحشة عِنْد عدم الاستيناس بكريم حَضرته

فصل منه

فصل مِنْهُ أحَاط علمه الْكَرِيم بِأَن الْيمن مقرون بِحُضُورِهِ وَأَن استقامة الْملك فِي أُمُوره بِحسن تَدْبيره وان مشور أرِي الصَّوَاب عِنْد مشورة رَأْيه الصيب بصوبه وَأَن كل مَا ينوطه بِعِلْمِهِ ويحوطه بحزمه ويحكمه بِحكمِهِ ويرقمه بقلمه صَاف من كدره خَالص من شوبه وَلَوْلَا مُتَابعَة إِرَادَته ومطاوعة بغيته لما سمحنا على الكره بغيبته وَلَكنَّا ظننا بِهِ أَنه يجد من ذَلِك التَّعَب الدَّائِم رَاحَة وَتَكون جمام موارد الإجمام لَهُ مستباحة مستماحة أَنى والمملكة بآرائه وآلائه أَيْن حل متسعة الْعُقُود مشرقة السُّعُود فائزة الجدود ناجزة الوعود ناظرة الحدقة ناضرة الديقة بِنور الْحق ونوار الْحَقِيقَة لَا زَالَت أقلامه لمقاصد النجاح محررة وَأَحْكَامه لقواعد الصّلاح مقررة وَالْأَيَّام بميامنه الْمُبَارَكَة مباكرة والممالك لمشاركة تدبيرة المشكور شاكرة وَأما مَا أَشَارَ إِلَيْهِ من حُصُوله بالغربة فِي الوطن وَظُهُور مَا أجنه الضَّمِير من سر الاستيحاض المتمكن فَإِنَّهُ بِحَمْد الله غَرِيب الْفضل وأوطانه الْقُلُوب وَإِنَّمَا الْغَرِيب من غريماه الارتياح غليه الغرام الْغَالِب وَالصَّبْر المغلوب وَقد علم الله أَن الظمأ إِلَى سلسال ورد لِقَائِه لَا يشفيه غلا الرّيّ بِرُؤْيَة رُوَائِهِ فصل مِنْهُ فِي وصف الْملك الْعَادِل وَأما مَا أوضحه من أنس الْبِلَاد بِالْملكِ الْعَادِل وابتهاجها بايالته والتهاجها بتعظيم جلالته وافترار ثغور الثغور عَن ثنايا الثَّنَاء على سياسته وحراسته واستبشار وُجُوه الْأَعْيَان وَالْوُجُوه وقرة عيونها باستقرار مَمْلَكَته فَالْحَمْد لله على ذَلِك حمدا يديم دِيمَة هَذِه النِّعْمَة منحلة العزالي منهلة الغوادي على التوالي وَمَا أسعدنا وَالْملك الْعَادِل بَعْدَمَا يسْعد الْملك وينهج ويبهج بِعقد إبرامه وَعقد نظامه مِنْهُ المسلك والسلك وينصر بجده الدّين والتوحيد ويخذل بحده التَّثْلِيث والشرك ويورد أَوْلِيَاء الله من الْعِزّ الْهدى وللأعداء من الذل والهلك وَنحن نرغب الى الله سُبْحَانَهُ فِي أَن يديم لنا بطول بَقَائِهِ وَطول آرائه الإمتاع وَيحسن عَن حوزته فِيمَا يحسن عَن حوزة الْملك دفاعه الدفاع فَهُوَ يعلم أننا مَا فارقنا مصر إِلَى الشَّام غلا وثوقا بوفور غناهُ فِي غنائه ونفوذ مضَارب مضائه واستقرار اعتزاز أَطْرَاف المملكة وأوساطها باعتزائه واستمرار اهتزاز أعطاف الْبركَة واغتباطها باهتمامه فَمَا غبنا عَن مصر وَهُوَ حاضرها وَلَا فاتنا النّظر فِي مصلحَة وَهُوَ ناظرها وَلَا

فصل منه

ضَاعَت رعية هُوَ راعيها ومراعيها وَلَا عدت الْإِصَابَة وَلَا عدمت الْإِجَابَة وَصِيَّة ونصيحة هُوَ راعيها وداعيها وَالله تَعَالَى يوفقه وَيُؤَيِّدهُ ويظفره ويسدده فصل مِنْهُ وَأما مَا أعرب عَنهُ من دُعَاء الْخلق وَإِظْهَار الرّعية مَا كَانَ من إضمارها من الْمُوَالَاة المولية محيا الصدْق فالمنة لله على مَا منحه لنا من التَّوْفِيق للحق وَقد ظَهرت آثَار الْأَدْعِيَة الصَّالِحَة على صفحات الحوالي من الْأَحْوَال وتليت سور النجح بهَا من صفحات آمالي الآمال وَكَانَت سفرتنا مسفرة عَن مناجح المنى ومباجح الْحسنى والسلامة عَن كل حذر وخطر والاستقامة فِي كل ورد وَصدر والاستنامة إِلَى كل مقَام ومقر حَتَّى اجتلت منا الْأَبْصَار فِي بصرى أنوار لِقَاء الْملك الْمُعظم وَأتم اله بهَا النعمى وتلقتنا رسل الْخلَافَة المعظمة بألطاف الْبُشْرَى وأصناف الْيُسْرَى والرسالة الْمُبَارَكَة مُشْتَمِلَة على ثَلَاثَة فُصُول ضامنة لإجابة كل سُؤال وإصابة كل سَوَّلَ فَأول الْفُصُول إِظْهَار الاغتنام بِمَا جرى من نبوة تِلْكَ النّوبَة وَثَانِيها عرض المَال وَالرِّجَال اللَّذين بهما مآل الرَّجَاء إِلَى دَرك الحظوة وَثَالِثهَا قبُول الشَّفَاعَة فِي عز الدّين آقبوري والاعتداد بهَا وعدها من المنن الحلوة والمنح الصفوة فصل مِنْهُ فِي ذكر الأساطيل واما انتظام عدَّة أساطيلنا المنصورة فِي عقد التَّمام وجريان أمورها على أوفى النظام فَللَّه الْحَمد على إدناه مرامي هَذَا المرام وَنحن نأمل أَن نبلغ بالشواني من شائني الْإِسْلَام فِي النكاية شَأْنًا ونهدم من الْكفْر بالغزو فِي الْبر وَالْبَحْر بنيانا ونوضح للهدى بالنصر على العدى برهانا وَالْحَمْد لله على وهاء الْأَعْدَاء وهوانها وصغارها وخذلانها فصل مِنْهُ وَأما أَخْبَار الفرنج فانهم مجتمعون فِي كل صوب مجلبون من كل أَوب قد ملكهم

عاد الحديث

رعب قدومنا وسيهلكهم خوف أقدامنا ويصدهم بصدهم عَن سَبِيل السَّلامَة بَأْس انتقامنا وَقد حشدوا وحشروا واستجاشوا واستكثروا وهم على جمع واستشارة وَفِي طلب غرَّة لغارة أَو قصد مَوضِع على غرارة عَاد الحَدِيث وَخرج السُّلْطَان للصَّيْد فِي ذِي الْحجَّة نَحْو قارا وَأَيَّام اقباله وقبوله بمبار الأيامن تتبارى فشكوت ضرسي وعدمت أنسي وَاتفقَ رُجُوع الْملك عز الدّين فرخشاة لحمى عرته وَأَسْبَاب على التَّخَلُّف عذرته وَرجعت مَعَه أحاضره وأسامره لَيْلًا وَنَهَارًا وأجتلي من أخلاقه المؤنقة أزهارا فأنشدت بَيْتِي المتنبي فِي وصف الْحمى ... وزائرة كَأَن بهَا حَيَاء فَلَيْسَ تزور إِلَّا فِي الظلام إِذا مَا فارقتني غسلتني كَانَا عاكفان على حرَام ... قَالَ وحماي بالضد مِنْهَا لَا أقدر أعرق عَنْهَا فَإِنَّهَا لَا تزور إِلَّا نَهَارا وَلَا تهجم الا جهارا وَلَا تُفَارِقنِي بعرق وَلَا أخْلص من نارها بغرق فنظمت فِيهِ كلمة طَوِيلَة مِنْهَا فِي وصف الْحمى (الوافر) وزائرة وَلَيْسَ بهَا حَيَاء لَيْسَ تزور الا فِي النَّهَار وَلَو رهبت لَدَى الْإِقْدَام جوري لما رغبت جهار فِي جواري أَتَت وَالْقلب فِي وهج اشتياقي لتظهر مَا أواري من أواري وَلَو عرفت لظى سطوات عزمي لكَانَتْ من سطاي على حذار تقيم فحين تبصر من أناتي ثبات الطود تسرع فِي الْفِرَار تُفَارِقنِي على غير اغتسال فَلم أحلل لزورتها إزَارِي أيا شمس الْمُلُوك بقيت شمسا تنير على الممالك والديار يجد إِلَى العلى أبدا بدارا فَلَا عبر الْأَذَى مِنْهُ بدار ...

تابع صفحة ومطلع هذه القصيدة يمينك دأبها بذل اليسار وكفك صوبها بدر النضار وإنك من ملوك الأرض طرا بمنزلة اليمين من اليسار وأنت البحر في بث العطايا وأنت الطود في نادي الوقار أعز الدين غيث الجود غوث ال ورى طود العلى شمس

.. لَئِن حمي المزاج فَغير بدع فَنَار ذكاك تقذف بالشرار أحماك استعارات لفح نَار لعزمك لم تزل ذَات اسْتعَار فقد نهضت إِلَيْك بِلَا احتشام وَقد جسرت عَلَيْك بِلَا اعتذار وَمَا إِن حم لَيْث الغاب إِلَّا ليوقد ناره عِنْد الغوار أيفرق من صغيرات الأذايا مشيب مفارق النوب الْكِبَار ... تَابع صفحة 86 ومطلع هَذِه القصيدة ... يَمِينك دأبها بذل الْيَسَار وكفك صوبها بدر النضار وَإنَّك من مُلُوك الأَرْض طرا بِمَنْزِلَة الْيَمين من الْيَسَار وَأَنت الْبَحْر فِي بَث العطايا وَأَنت الطود فِي نَادِي الْوَقار أعز الدّين غيث الْجُود غوث ال ورى طود العلى شمس النَّهَار حَلِيف الْمجد رب الْفَخر ترب السماح أَخُو الحجا زاكي النجار غزير المجتدى غمر الأيادي مُنِير المجتلى عالي الْمنَار إِذا عثر الأماجد فِي مقَام فعز الدّين مَأْمُون العثار فَتى سبق الْكِرَام فَلم يطيقوا وَقد ركضوا لُحُوقا بالغبار لَئِن جهل الزَّمَان فَأَنت عذر لَهُ فامح الْإِسَاءَة باغتفار فَإنَّك من رِدَاء الْفَخر كاس وَإنَّك من لِبَاس الْعَار عَار وليك فِي بِلَاد الْيمن وَال وجارك فِي رياض الْأَمْن جَار ... ذكر استشهاد عضد الدّين ابْن رَئِيس الرؤساء وَزِير الْخَلِيفَة بِبَغْدَاد على أَيدي الْمَلَاحِدَة قفزوا عَلَيْهِ فِي الْعشْر الأول من ذِي الْقعدَة فِي هَذِه السّنة بغربي بَغْدَاد وَلما صفت للوزير عضد الدّين أبي الْفرج بن المظفر بن رَئِيس الرؤساء موارد

النعماء وأقدره الْقدر بالأعداء على الْأَعْدَاء وَأمن من طروق الدَّهْر نَوَائِب الإعتداء وفقد نصب منصبه وَوجد مَذْهَب مذْهبه وَعدم مطل مطلبه تفرد بشغله وفاض عد عدله وفيض فَضله وَأنس من الْعِزّ بِجمع شَمله وخف تحمل ثقله وَتحمل كل كُله واستكمل الرّيّ من نهله وعله وتعاشت أبصار الْمُلُوك عَن الطموح إِلَى مَحَله وَتَوَلَّى باقباله الانافة على من تولى من قبله ووثق بِالزَّمَانِ وَأَهله وَلم يعرف نكره وَلم يعلم بجهله وَحل عقله عقله وتيقظ لفرضه ونفله وَظن أَنه ملك زِمَام الزَّمَان وانه عَن فَوَات الْأَمَانِي فِي حمى واحتمى بوفاء الْأمان وَذهل والدهر غير ذاهل وغفل والخطب غير غافل ونعس وَالْقدر غير ناعس وَبشر وللقضاء وَجه عَابس واحتمى بالحول وَالْحمام حول حماه حائم وارتدى برداء الْعِزّ والردى على علاهُ هاجم وانتدى للمنى والمنون تناديه واغتدى لروحه وَلم يعلم أَن الروع يراوحه ويغاديه وعزم على الْحَج لاداء فَرْضه وارتقى بحركته إِلَى سمائه وَقد قرب سكونه تَحت أرضه وَأصْبح والصدر يجلوه والقبر يَدعُوهُ والثريا تحسده وَالثَّرَى يحصده والأمل يَبْعَثهُ والاجل يحدثه والرتبة تغره والتربة تجره ويعمر فناه وَقد فني عمره وَيَأْمُر بِالْقضَاءِ وَقد انْقَضى أمره والسرار بدده وجهرت لَهُ الدُّنْيَا بسرها وَقد دنا من السِّرّ جهره وأجرى إِلَى سَفَره أجره وَركب إِلَى نَفعه وَقد كرب ضره وحاجه بالحجب حجه وانهج جدته فِي جدته نهجه وفجأة بالفجيعة فجة وأوجه إِلَيْهِ بالوبال أوجه وَلَو درى بالردى فَوجه لاخوانه لخانة فَوجه وَكَانَ من أمره فِيمَا اباح لَهُ الْقَضَاء من سره انه رَحل الْجمال وَقدم الْأَحْمَال وسير الأثقال وَحسب الارزاق وَلم يحْسب الْآجَال وانهض قدامه الرِّجَال وَخرج فِي موكب تعنو لَهُ وُجُوه الْأَمْلَاك وتخبو لشمسه نُجُوم الافلاك وَهُوَ يتجلى فِي بهوجلاله وزهو حليته وحالته كالبدر فِي هالته وَأمر أَن لَا يحجب عَلَيْهِ مظلوم وَلَا يمْنَع مِنْهُ مهضوم وَلَا يبعد صَاحب غصه وَلَا رَافع قصَّة وَلَا طَالب حِصَّة فانه قد خرج من بَيته إِلَى الله مُهَاجرا وَإِلَى بَيته الْحَرَام سائرا فطرقه فِي طَرِيقه هَادِم لذاته وَوصل غليه قَاطع حَيَاته ووقف لَهُ فِي مضيق قطفتا غربي دجلة كهل فِيهِ جرْأَة وَكفر وَجَهل

ذكر ظهير الدين أبي بكر منصور بن نصر العطار صاحب المخزن وما اعتمده مع رسولنا

وَفِي يَده قصَّة عَلَيْهَا يتحدث وَبهَا يتغوث وَهُوَ يصر وَيُصَرح ويضرم وينفخ وَيَقُول لَا أسلم قصتي من يَدي الا الى الْمولى الْوَزير وَهُوَ كَهْف المضيم وموئل المستجير فَقَالَ الْوَزير خلوه وَلَا تخلبوه وَدعوهُ وَلَا تمنعوه فَأَوْمأ ليوصل قصَّته فانتهز فِيهِ فرصته وَقرب نَحوه بمنيته وضربه بمديته فهتك حجاب روحه وغادره لقى فِي مصرع حتفه بجدع أَنفه وَكَانَ مَعَ ذَلِك الْجَاهِل رفيقان فَخَرَجَا ومعهما سكينان فجرح أَحدهمَا صَاحب الْبَاب ابْن المعوج وَالْآخر ولد قَاضِي الْقُضَاة فوفى حَاجِب الْبَاب بموافقة الْوَزير فِي شَهَادَة الْوَفَاة ففثأ الْمَلَاحِدَة وقطعوهم وأحرقوهم قبل دُخُولهمْ النَّار بالنيران الواقدة وذروا فِي الْهَوَاء رماد تِلْكَ الجمرات الخامدة وَختم الله للوزير بِالشَّهَادَةِ فِي طَرِيق الْحَج ونهج الْعِبَادَة وفاز فِي عليين بالسعادة وَقضي حمامه وَانْقَضَت أَيَّامه وسلك بِهِ إِلَى دَار الْمُتَّقِينَ إِحْرَامه ذكر ظهير الدّين أبي بكر مَنْصُور بن نصر الْعَطَّار صَاحب المخزن وَمَا اعْتَمدهُ مَعَ رَسُولنَا واستقل ظهير الدّين بالدولة وَكَانَ لسلطاننا ظهيرا وللملك النَّاصِر نَصِيرًا وَكَانَ الرُّسُل قد مضوا إِلَى الْوَزير فَلم يصادفوه وَتَوَلَّى أَمرهم ظهير الدّين فألفوه فِي الاعتناء بالأمور كَمَا ألفوه وَكَانَ الْمَنْدُوب فِي الرسَالَة القَاضِي ضِيَاء الدّين الشهرزوري فَإِنَّهُ كَانَ لَهَا يترشح وبأرديتها يتوشح وَفِي مناهجها يتوضح ورأي السُّلْطَان فِيهِ مترجح فَتعين للرسالة وَسَار بِقُوَّة الْقلب والبسالة فلقي من ظهير الدّين مَا دنا بِهِ من الظُّهُور وَحصل مِنْهُ على الوفر الموفور وَالْعرْف المشكور وَالْبر الْمَشْهُور وَأذن وَجه وجاهته بالسفور واقتضت المهام مقَامه هُنَاكَ عدَّة كَثِيرَة من الشُّهُور وَكَانَت لَهُ من الْأَنْعَام الأمامي وَظِيفَة دَاره ومبرة بِهِ وبمن مَعَه بارة فَزَاد بطول الْإِقَامَة طول الْإِقَامَة وتضاعفت بالإدامة وَكَانَت مياومته بِالدَّنَانِيرِ الأمامية تبلغ الْعشْرين فَإِذا انْقَضى الشَّهْر تضاعفت مئين وَذَلِكَ سوى وظائف الطَّعَام والعلوفة والأغنام وَسوى التحف والهدايا والتشريفات والعطايا وَمَا وَصله من الصلات وَشرف بِهِ وسفر بِهِ من نقود النَّفَقَات وَكَانَ السُّلْطَان قد نفذ مَعَه على عَادَة إِنْفَاذه فِي كل سنة إِلَى أَعْيَان الْعرَاق

ذكر مكرمة ها هنا

وَأَمْثَاله وأكارمه وأفاضله وَالْعُلَمَاء وَالشعرَاء والقراء والمتصوفة والمتصومة من الْفُقَرَاء عطايا وهدايا وخلعا وتشريفات سنايا وَرُبمَا بلغ الْمبلغ ألوفا يسدي بهَا إِلَى ذَوي الْمَعْرُوف مَعْرُوفا ذكر مكرمَة هَا هُنَا جِئْت إِلَى الصفي بن الْقَابِض الْمُتَوَلِي الخازن وَهُوَ مُنْفَرد بِمَا هُوَ فِيهِ عَن الموازي والموازن وَقلت لَهُ أطلعني على أَسمَاء الَّذين سيرتهم إِلَيْهِم العطايا على يَد الرَّسُول فَتلقى قولي الْقبُول فَلَمَّا تَأَمَّلت الدستور وكشفت المستور فقدت فِيهِ أسامي جمَاعَة من الأصدقاء قد أهملت فِي الْعَطاء فَقلت لَهُ هَا هُنَا خَمْسَة أَسمَاء لم يجر لَهَا ذكر ويغتنم لَهَا دُعَاء وَحمد وشكر فَقَالَ كم يصيبهم واي قدر نصِيبهم فَقلت مبلغ مايتي دِينَار فَلم يُقَابل قولي بإنكار فأغزر باشارتي درها ووزنها وصرها وَسلمهَا إِلَى عدنان النجاب وَقَالَ الْحق بهَا الرَّسُول وَخذ بهَا مِنْهُ الْوُصُول فَقلت لَهُ هلا اسْتَأْذَنت السُّلْطَان فَقَالَ قَوْلك المقبول وَالسُّلْطَان مَا يَقُول فِي هَذَا إِلَّا مَا تَقول عَاد الحَدِيث فِي ذكر عضد الدّين الْوَزير المستشهد وَذكرت فصلا بالإنشاء الْكَرِيم الفاضلي ورد فِي مطالعة لَهُ إِلَى السُّلْطَان يتَضَمَّن التوجع لنائبته والتفجع لحادثته وَهِي النّوبَة الْجَارِيَة للوزير عضد الدّين رَحمَه الله نوبَة بل نائبة رائعة فاجعة واعظة رادعة {وَمَا رَبك بظلام للعبيد} فقد كَانَ عَفا الله عَنهُ قتل وَلَدي الْوَزير ابْن هُبَيْرَة رَحمَه اله وأزهق أَنفسهمَا وَجَمَاعَة لَا تحصى ... من ير يَوْمًا ير بِهِ والدهر لَا يغتر بِهِ ... وَهَذَا الْبَيْت بَيت ابْن الْمسلمَة عريق فِي الْقَتْل وجده هُوَ الْمَقْتُول بيد البساسيري فِي وَقت إِخْرَاج الْخَلِيفَة الْقَائِم رَحمَه الله فِي أَيَّام الملقب بالمستنصر بِمصْر وَهُوَ صَاحب الثأر الممطول وَكَذَلِكَ الْخَلِيفَة الصَّحِيح صَاحب النّدب المطلول ... حَتَّى أُتِي الدُّنْيَا ابْن بجدتها فَشَكا إِلَيْهِ السهل والجبل ...

ذكر نوبة عز الدين آقبوري والشفاعة فيه ولما سمع بقتله الوزير عاد

فقضي من الْأَمر مَا قضي بِهِ وأسخط من لله فِي سخطه رضى وَجعل وَجه لابسي السوَاد مبيضا وَأدْركَ لَهُم بثأر نَامَتْ عَنهُ الْأُمَم ودوخت عَلَيْهِ الْأُمَم وشفى الصُّدُور وَجَاء بِالْحَقِّ إِلَى من غره الْغرُور واستبضع إِلَى الله تِجَارَة لن تبور وَبَقِيَّة حَدِيث ابْن رَئِيس الرؤساء فَهُوَ من ذُرِّيَّة لم تزل مقتولة وَمَا زَالَت السيوف عَلَيْهَا وَمِنْهَا مسلولة فهم فِي هَذِه الْحَادِثَة المسمعة المصمة كَمَا قَالَ دُرَيْد بن الصمَّة (الطَّوِيل) أَبى الْمَوْت إِلَّا آل صمة أَنهم أَبَوا غيرَة وَالْقدر يجْرِي إِلَى الْقدر فَأَما ترينا لَا تزَال دماؤنا لَدَى واتر يسْعَى بهَا آخر الدَّهْر فانا للحم السَّيْف غي نكيرة ونلحمه حينا وَلَيْسَ بِذِي نكر يغار علينا واترين فيشتفي بِنَا ان أصبْنَا أَو نغير على وتر قسمنا بِذَاكَ الدَّهْر شطرين بَيْننَا فَمَا يَنْقَضِي إِلَّا وَنحن على شطر ... وَقد ختمت لَهُ السَّعَادَة بِمَا ختمت لَهُ بِهِ الشَّهَادَة لَا سِيمَا وَهُوَ خَارج من بَيته إِلَى بَيت الله قَالَ الله سُبْحَانَهُ {وَمن يخرج من بَيته مُهَاجرا إِلَى الله وَرَسُوله ثمَّ يُدْرِكهُ الْمَوْت فقد وَقع أجره على الله} وَمَا أحسن مَا أَشَارَ الْمولى إِلَيْهِ فِي أمره وَمَا قسمه فِي حق كل من يظنّ بِهِ الدُّخُول فِي دَمه ... إِن المساءة قد تسر وَرُبمَا كَانَ السرُور بِمَا كرهت جَدِيرًا إِن الْوَزير آل مُحَمَّد أودى فَمن يشناك كَانَ وزيرا ... هَذَانِ بيتان قالهما شَاعِر فِي أَيَّام السفاح أبي الْعَبَّاس أول الْخُلَفَاء من بني الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ وعنهم فِي وزيره أبي سَلمَة الْخلال وَكَانَ دعامة دولتهم وقائم دعوتهم وَلذَلِك قصَّة طَوِيلَة ذكر نوبَة عز الدّين آقبوري والشفاعة فِيهِ وَلما سمع بقتْله الْوَزير عَاد قد سبق ذكر الْأَمِير عز الدّين آقبوري بن أزغش وَأَنه من نوبَة قطب الدّين

فصل من الكتاب الكريم الفاضلي فيه

قايماز خرج مَعَه واستوحش وخلى بِبَغْدَاد من أَمْوَاله وذخائره قناطير مقنطرة وعقودا لَا قيمَة لَهَا بجوهرة سَبَب ذَلِك تشور ذهنه وتشوش فاعتنى بِهِ السُّلْطَان وَكرر الشَّفَاعَة فِي حَقه ورد سناه من رضى الدِّيوَان الْعَزِيز إِلَى أفقه وسفره بأموال وسيره بإجلال وَسمع فِي طَرِيقه باستشهاد الْوَزير وَلم يبْق من يقوم بعده بِالتَّدْبِيرِ وجنبت نَفسه ووقفت على الاسْتوَاء شمسه وَزَالَ بِالْعودِ إِلَى بَغْدَاد أنسه فَلَمَّا وصل كِتَابه أخلف فِي أمره حسابه وَكتب إِلَى الْأَجَل الْفَاضِل فِي أمره فوصل جَوَابه فصل من الْكتاب الْكَرِيم الفاضلي فِيهِ وَمِمَّا الْمَمْلُوك حَاصِل الاهتمام بِهِ واستئناف النّظر فِي أمره أَمر الْأَمِير عز الدّين آقبوري وعودته وَضعف نَفسه وَكَانَ سَبيله أَن يتوكل ويتقدم فَإِن ذمَّة الْمولى مَا كَانَت لتخفر فِيهِ والقائم الْآن مقَام الْمَاضِي صَاحب غير مُتَّهم الْمَوَدَّة وَبِالْجُمْلَةِ المخاطر كثير الخواطر وَمَا لي غير هَذَا الرَّأْس رَأس وَالرجل لَا شكّ أه عائل وَالْمولى لكل عاثر مقيل وَلكُل مَرِيض عَائِد (الْكَامِل) وَلَقَد ضربنا فِي الْبِلَاد فَلم نجد أحدا سواك إِلَى المكارم ينْسب فاصبر لعادتك الَّتِي عودتنا أَولا فأرشدنا إِلَى من نَذْهَب ... (وَقَالَ) وَلَو كنت تحصي مَا وهبت من الندى تبينت مَا تجني عَلَيْك المكارم ...

ذكر ضياء الدين ابن الشهرزوري السائر في الرسالة وتوفقه بالموصل لحادثة الوزير ووافق وصوله إلى الموصل وفاة ابن عمه القاضي عماد الدين أحمد بن كمال الدين الشهرزوري وكان شابا

ذكر ضِيَاء الدّين ابْن الشهرزوري السائر فِي الرسَالَة وتوفقه بالموصل لحادثة الْوَزير وَوَافَقَ وُصُوله إِلَى الْموصل وَفَاة ابْن عَمه القَاضِي عماد الدّين أَحْمد بن كَمَال الدّين الشهرزوري وَكَانَ شَابًّا فصل من الْإِنْشَاء الْكَرِيم الفاضلي فِي ذَلِك مُكَاتبَة الضياء الشهرزوري بالإتمام لطيته والنفوذ لوجهته صَوَاب وَعلم أَيْضا وَفَاة ابْن عَمه فسبحان من قَارب بَين الْخلق فِي الأرزاق والآجال (مُتَقَارب) تدلى ابْن عشْرين فِي لحده وَتسْعُونَ صَاحبهَا راتع ... اعتبط الْوَلَد مَعَ نضارة الشَّبَاب المقتبل وَعمر الْوَالِد رَحمَه الله مَعَ ذبول المشيب الْمُشْتَمل ليعلم أَن الشيب لَيْسَ بِمُسلم ... ليعلم أَن الشيب لَيْسَ بِمُسلم وَأَن الشَّبَاب الغض لَيْسَ بمانع ... وليكون العَبْد حذرا من بغتات الْآجَال فِي كل الْأَحْوَال وَالله يُطِيل للْمولى فِي الْعُمر كَمَا أَطَالَ لَهُ فِي الْقدر وَيسمع مِنْهُ وَلَا يسمع فِيهِ ويبقيه سندا للدّين الحنيفي فَإِن بَقَاءَهُ يَكْفِيهِ ذكر شمس الدّين ابْن الْمُقدم وَهُوَ مُحَمَّد بن عبد الله الْملك قد سبق ذكر شمس الدّين ابْن الْمُقدم وَأَنه من أكَابِر المراء المقدمين والأكابر الْمُكرمين وَله سوابق وموات وشوافع وحرمات وَهُوَ السَّابِق الى مُكَاتبَة السُّلْطَان فِي تصويب رَأْيه فِي الْوُصُول إِلَى الشَّام وتدارك أَمر الْإِسْلَام وَأَن السُّلْطَان عِنْد تسلم بعلبك أنعم بهَا عَلَيْهِ ورد أمورها إِلَيْهِ فَأَقَامَ بهَا مُسْتَقرًّا ولأخلاف أَعمالهَا مستدرا وَلما وصلنا فِي هَذِه النّوبَة إِلَى الشَّام لم يحضر كَمَا جرت بِهِ الْعَادة للْخدمَة

ودخلت سنة أربع وسبعين وخمسمائة

وَالسَّلَام فَإِنَّهُ كَانَ نمي إِلَيْهِ أَن الْملك الْمُعظم فَخر الدّين شمس الدولة طلبَهَا من أَخِيه وَأَنه لَا يُمكنهُ الرَّد فِي نجز مباغيه وَعلم أَنه إِذا حضر حظر عَلَيْهِ الْعود وتضعضع عَلَيْهِ الرَّأْي السلطاني وَحمله الطود وكوتب مرَارًا سرا وجهارا ويفصح لَهُ بِالْمَقْصُودِ والأرب المجهود وَأَنه يعوض عَنْهَا بِمَا هُوَ أوفى مِنْهَا وَأَن أاه وَهُوَ يطْلب رِضَاهُ بتسليمها إِلَيْهِ يتقاضاه فَأبى الا الاباء وَكذب الأنباء وشارف السُّلْطَان مِنْهُ وَمن أَخِيه الْحيَاء وَمكث طَويلا عَسى أَن يجمع بَين الْقُلُوب وَيدْفَع مَا لزم من الخطوب وَهُوَ فِي يَسْتَعِين بِاللَّه فِي هدايته إِلَى الصَّوَاب وارشاد الآراء إِلَى سداد الْآرَاب وَفِي هَذِه السّنة أربعنا عِنْد مخيم السُّلْطَان بتل حَان من الشُّعَرَاء ونزلنا مِنْهَا بالعراء والعشب واص والخطب قاص وَالزَّمَان غير عَاص ونجح الآمال غير معتاص والمرعى مريع وَشَمل المبار جَمِيع وَللَّه فِي الْإِحْسَان إِلَيْنَا صَنِيع ورورض النعم لنا وسيع وشيع وَدخلت سنة أَربع وَسبعين وَخَمْسمِائة وَالسُّلْطَان فِي أَمر بعلبك مفكر وَالرسل بَينهمَا إِمَّا رَايِح أَو مبكر وَالْمَسْأَلَة مشكلة والقضية معضلة وأبواب انكشاف الرَّأْي مقفلة وشمس الدولة أَخُوهُ لَا يقبل عذرا وَلَا يرى عَمَّا طلبه صبرا وَكَانَت سلطنة الشَّام لَهُ وَهُوَ يعْقد وَيحل ويمهي ويفل ويدق ويجل ويحزم وَيحل ويعز ويذل وَيكثر ويقل وَلما وصل السُّلْطَان أخذت عقوده فيالإنحل الوأموره فِي الاختلال وَصَارَ السُّلْطَان يقطع ويصل وَيرد وَيقبل ويحزن ويسهل ويخفف ويثقل فَأَرَادَ موضعا يتفرد فِيهِ بحكمة وَيجْرِي فِيهِ فِي طيب الْعَيْش على رسمه فَلم يتَعَيَّن لَهُ سوى بعلبك فطلبها وعلق سَببهَا وَهُوَ يُرِيد أَن يحفظ أَيْضا قلب ابْن الْمُقدم وَأَرَادَ مِنْهُ طَاعَة

ذكر المسير إلى حمص

الْمُسلم المستسلم وَكلما رفق بِهِ عنف وَكلما لطف بِهِ كثف وَكلما اسْتَأْنف مَعَه الاستمالة عز وعزف وشمخ بِأَنْفِهِ وأنف فَمَا زَالَت الصَّغَائِر تتربى والخواطر من الِاتِّفَاق تتبرا والمودات السهلة تتوعر والضمائر الصافية تتكدر والحليم يطيش والجأش يَجِيش ذكر الْمسير إِلَى حمص وَاسْتَأْذَنَ الْملك الْمُعظم شمس الدولة فِي التَّوَجُّه إِلَى بعلبك فَأذن لَهُ وَقد بهَا أمله وَقصر على تسلمها عمله وَتوجه الْملك عز الدّين فرخشاه إِلَى حوران لحفظ الثغور ورعاية الْجُمْهُور وسرنا إِلَى حمص ونزلنا على نهر العَاصِي لاستدناء الآمال القواصي العواصي ذكر فُصُول من كتب كَرِيمَة فاضلية وَردت فِي جَوَاب كتاب سلطاني بشرح الْأَحْوَال وَفِي أجوبة أُخْرَى وَفِي وَصَايَا فِي أَوَائِل شهور هَذِه السّنة فصل أما اسْتِقْرَار المخيم الْمَنْصُور بِمَنْزِلَة العَاصِي والعزم بعده على منازلة العَاصِي وَكَون الْعَدو خذله الله فِي الْعدَد الْأَقَل وَالْحَد الأفل والرأي الْمُخْتَلف والعزم المنصرف لَا الْمُتَصَرف وَمَا أهل الْبِلَاد عَلَيْهِ من الأسعار الَّتِي ابتلت بهَا الأكباد واستدركت بهَا أرماق الْبِلَاد وَمَا ارْتَفع من الغلات وأنوف الْأَعْدَاء راغمة ومهابة الْإِسْلَام بسلطانه لَا عَدمه قَائِمَة وَمَا تواصل إِلَيْهِ من المكاتبات والهدايا والألطاف والتحايا من جِهَات الْمُلُوك الَّتِي أحْوج الله إِلَى بحره خلجها وَإِلَى الإقتباس من أنوار شمسه سرجها والعساكر المنصورة الناصرية وتناصرها والعدات الحلبية بالنجدة الَّتِي ترتقب توافيها وتوافرها والعز منار التقوية والعزية واتجاهها إِلَى من تعرض للبلاء بتصريحه بِكفْر النعماء وَكتاب رَسُوله الْأَمِير بدر الدّين ساوتكين على ملقاة من الجوانب الْموصِلِي من الأحفاء فِي الْمَسْأَلَة والاحتفال بالمودة وَالْمُبَالغَة فِي الْخدمَة والإبانة عَن الْمحبَّة والمباسطة فِي الإهداء والاستهداء وبذل النجدة على أَعدَاء الْإِسْلَام بِمن لَهُ من الْأَوْلِيَاء وَمَا عرض بِهِ الأسماعيلية من الْأَسْبَاب الناطقة برغبتهم فِي سلمه وخوفهم من بَوَادِر عزمه وَمَا

فصل من كتاب آخر في أمر الممتنع ببعلبك

استلاح من جنوحهم إِلَى الاستسلام وَمَا يترقب أَن شَاءَ الله من جنوحهم إِلَى الْإِسْلَام فَإِن بَرَكَات الْمولى تدخل فِيهَا النَّاس أَفْوَاجًا كَمَا أَن فتكاته توسع المستقتلين قتلا والمستقيلين عفوا واستدراجا فَهَذِهِ كلهَا نعم تعم بشراها وتتيسر للحسنى يسراها زَاده الله فضلا وشكرا وَشرح لَهُ صَدرا كَمَا شرح لأولياء الله صَدرا وأطاب بشائره وَنصر عساكره وأمضى أوامره وَقضى كل حَاجَة فِي نَفسه وَفتح على يَده بَيت قدسه وأحضره فِي الْآخِرَة مَعَ خَواص الْمُتَّقِينَ حظائر قدسه فصل من كتاب آخر فِي أَمر الْمُمْتَنع ببعلبك وَأما المتحصن بقلعة بعلبك فقد ضرب بَينه وَبَين السَّعَادَة بحجاب وَصرف عَن بَاب الْخَيْر وَهُوَ بَاب الْمولى الَّذِي مَا بعده بَاب وَلَقَد خدعه الَّذِي تبعه وَدَلاهُ النّظر الَّذِي دله وَلَو هدي لصوابه ووفق لرشاده فتحت لَهُ أَبْوَاب الْإِنَابَة ومهدت لدعائه أَسبَاب الْإِجَابَة قبل أَن تحق عَلَيْهِ الْكَلِمَة ويشتد عَلَيْهِ جذب الْحِكْمَة ويخبط الأرجل خبط السلمة فصل لَهُ من كتاب آخر فِي المشورة والتفكر والتدبر الْمَمْلُوك يَقُول إِن كَثْرَة الشَّك محاماة عَن الْيَقِين وَكَثْرَة الْفِكر أَمَان من تطرق الرَّأْي المنتقد وَأَنه لَا تنَال الزبدة إِلَّا بالمخض وَلَا يتَأَكَّد الإبرام إِلَّا بعد النَّقْض وَإِذا تكَرر صقل السَّيْف كَانَ التّكْرَار أظهر لجوهره وَإِذا تكَرر سقِِي الْغُصْن كَانَ أخرج لثمره لَا سِيمَا وكل أَمر ابْتَدَأَ بِهِ الْمولى واستدركه وَنهى عَنهُ ثمَّ أَمر بِهِ ثمَّ نهى عَنهُ لم يفت مِنْهُ فَائت وَلَا خرج عَن الْيَد مِنْهُ خَارج فصل من آخر فِي وَصِيَّة نصح لَا شكّ أَن الْمولى تغرق الْجبَال فِي بحره وتضيق الْعِظَام فِي سَعَة صَدره وَهَذِه عَادَة الخواطر وَالله سُبْحَانَهُ قد أشرك بَين الْخلق فِيهَا وَلكنه عِنْد الصَّوَاب أفرده بهَا وَالْملك فِيمَا يرد عَلَيْهِ مِنْهَا بِمَثَابَة الشَّجَرَة فِيمَا يرد عَلَيْهَا من مَائِهَا تتلقى صفوة فتسيغه وتنبو عَن قذاه فتمجه وتلفظه وَمن أَمْثَال الْعَرَب رب عجلة تهب ريثا

فصل له من كتاب آخر في وصف منزلة من منازل السلطان وذكر الأشواق

وَقيل لرجل يعدوا وَرَاء خصم وَقد أجهد نَفسه إِن رفقت لحقت فَقَالَ هَذَا لَا يتَصَوَّر إِن قصرت سبقت فَوَقفهُ التَّعَب وَنَجَا خَصمه من الطّلب وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا كَانَ الرِّفْق فِي شَيْء قطّ الا زانه وَلَا كَانَ الْخرق فِي شَيْء قطّ الا شانه ولعمر الله ان الفرص اذا لاحت لايحمد الرِّفْق فِيهَا وَإِنَّمَا تحمد إِلَى أَن تلوح مضاربها وتحمد مطالبها وَالله تَعَالَى يقدر الْمولى على نيل أغراضه ويسدد سَهْمه لمطابقة أغراضه فصل لَهُ من كتاب آخر فِي وصف منزلَة من منَازِل السُّلْطَان وَذكر الأشواق أصدر هَذِه الْخدمَة من المخيم العادلي بطاهر بلبيس قبالة الْبِئْر وَهِي منزلَة الْمولى ومجر مضاربه ومجرى كتائبه ومركز رماحه ومطلع صفاحه ومعترض حوافر سيوله ومرتكض حوافر خيوله وَلما نزل بهَا نزل بِهِ من آثَار الشوق مَا قيد ناظره بأطراقه وانفق ذخر دمعه على يَد آماقه وتذكر أَيَّام الْخدمَة لَا فقدت وسعادات أَوْقَاتهَا الَّتِي سعد بهَا وسعدت وامتثل مَا رسمه أَبُو الطّيب فِي قَوْله ... نزلنَا عَن الأكوار نمشي كَرَامَة لمن بَان عَنْهَا أَن نلم بهَا ركبا ... وَصلى بِالسُّجُود إِلَى آثَار خيوله فَإِنَّهَا محاريب الأذكياء وَتوجه إِلَى كعبة خيامه فَإِنَّهَا مَنَاسِك الْوَلَاء ثمَّ تَأمل النِّعْمَة باستمرار سُلْطَان الْمولى بَعيدا وقريبا وبامتثال أوامره مباشرا ومستنيبا فَإِذا هِيَ نعْمَة تظهر فِي الْغَيْبَة أَكثر من ظُهُورهَا فِي الْحُضُور وتذكر بِمَا فِي ذَلِك من آيَات لَا يعرفهَا الا كل عَارِف وَلَا يشكرها الا كل شكور فصل لَهُ من كتاب السُّلْطَان فِي معنى الْأَثِير بن بنان كَانَ طالع بِسَبَب القَاضِي الْأَثِير بن ذِي الرئاستين وَأَنه الْآن قد عطل من خدمَة وَاسْتقر فِي جَانب عزلة وَأَنه لَا غنى لخدمة الْمولى عَنهُ وَلَا لَهُ عَنْهَا أما حاجتنا إِلَيْهِ فلفرط استقلاله وَأما حَاجته إِلَيْنَا فلفرط اقلاله وَلَا مجَال للحرمان من أنعام الْمولى وآماله وَلَو أَن انعامه مُسْتَقل بِنَفسِهِ لَكَانَ مستريضا بضراعه مَمْلُوك وسؤاله لَكِن وَارِد النّيل لَا يحْتَاج الى شطن وتاجر الأمل فِي كرمه ينَال الْغنى بِلَا ثمن وَعلم الْمولى مُحِيط بِمَا لَهُ فِي هَذِه الدولة الشَّرِيفَة من السَّابِقَة الْحسنى واللاحقة المثلى وَالْجهَاد مَعَ أوليائها

فصل منه في جواب السلطان في الحث على الجود

والاستهداف لأعدائها وكشف الْوَجْه عَن ولائها وَتَجْرِيد الضَّمِير وَالْفِعْل فِي استثارة مَنَافِعهَا الَّتِي لَوْلَا تلطفه لبقيت تَحت حجاب خفائها هَذَا مَعَ كَونه لَا تعد خدمَة كَبِيرَة وَلَا رُتْبَة جليلة الا كَانَ من كفاتها وأكفائها وان فوض إِلَيْهِ النّظر الْجَامِع فِي ديواني المَال وَالْحَبْس ظهر أَثَره حَقًا يشْهد بِهِ النّظر لِأَنَّهُ لَا يكون فِي حيّز الظنون المنتظر وَأي شَيْء اخْتَارَهُ لَهُ من مهماته بلغ فِيهِ الْغَرَض وَتَنَاول الْمولى مِنْهُ الْجَوْهَر وَأعْرض الْعرض وَصحت لَهُ دَلَائِل الصدْق واصفة وَسَقَطت أَحْوَال من فِي قلبه مرض والمملوك يستمطر بحره الفائض الَّذِي يُرْسل إِلَى الْبعيد المواطر وَإِلَى الْقَرِيب الْجَوَاهِر وطرق لَهُ أَبْوَاب كعبة كرمه الَّتِي هِيَ مثابة للنَّاس وَسَوَاء فِيهَا البادي والحاضر وَقد زَادهَا الْمَمْلُوك بضميره وأزارها رَسُول هَذَا القَاضِي بضامر ومعاذ الْفضل الناصري أَن يحرم حج الْقَصْد وَقد لبّى الدعْوَة والداعي الْكَرم وألب بالعقوة والمزور الْحرم فصل مِنْهُ فِي جَوَاب السُّلْطَان فِي الْحَث على الْجُود وَأما مَا انْفَتح على الْمولى من المطالب وَمَا يسره من الجوائز وَمن قدم عَلَيْهِ من العفاة وكرق أبوابه من الشُّعَرَاء وَعظم الكلفة بهم وتوفير الْغرم بسببهم فَمَتَى خفت الكلفة وَمَتى قلت الغرامة وَمَتى وجد الْخَلَائق بَابا غير بَاب الله وبابه وَمَتى استمطروا غير لطف الله بِوَاسِطَة سحابه وَقد ضمن الله أَنه يعجل لمنفق خلفا ولممسك تلفا نعم وأبواب الْمُلُوك مغلقة فَهِيَ تدفع إِلَى بَابه المفتوح والغنى من الْمولى لأوّل نظرة من الْعَافِي والقليل من غَيره يحْتَاج فِيهِ إِلَى صَبر أَيُّوب وَعمر ونوح وَالله منجد هَذِه الهمة بالجدة ويجعلها لرق الْحَمد من كل لِسَان وَالْإِخْلَاص من كل قلب مستفد فصل فِي وصف جمَاعَة الْوَالِي عفيف إِلَّا نوابه والمشارف مَأْمُون إِلَّا أَن كِتَابه وَفُلَان ثِقَة إِلَّا أَنه غير متصرف (الْكَامِل) وَلكُل شَيْء آفَة مَوْجُودَة نور السراج على سناه يدخن ... فصل من كتاب فِي معنى السُّور وَأما سور الْقَاهِرَة فعلى مَا أَمر بِهِ الْمولى شرع فِيهِ وَظهر الْعَمَل وطلع الْبناء

فصل من كتاب آخر في حق نقل القضاء من شرف الدين بن أبي عصرون إلى ولده لما ذهب من بصرة

وسلكت بِهِ الطَّرِيق المؤدية إِلَى السَّاحِل بالمقسم الله يعمر الْمولى إِلَى أَن يرَاهُ نطاقا مستديرا على البلدين وسورا بل سوارا يكون بِهِ الْإِسْلَام محلى الْيَدَيْنِ مجلى الضدين والأمير بهاء الدّين قراقوش ملازم للإستحثاث بِنَفسِهِ وَرِجَاله لَازم لما يعنيه بِخِلَاف أَمْثَاله قَلِيل التثقيل مَعَ حَملَة لأعباء التَّدْبِير وأثقاله فصل من كتاب آخر فِي حق نقل الْقَضَاء من شرف الدّين بن أبي عصرون إِلَى وَلَده لما ذهب من بصرة وَأما مَا أوردهُ الْمولى دفْعَة أولى وثانية فِي معنى الحكم بِدِمَشْق فالمولى مُتَوَقف فِي مَكَان التَّوَقُّف مُتَرَدّد فِي مَكَان التَّرَدُّد وَبِالْجُمْلَةِ فقد أثلج الصَّدْر سَلامَة الْأَحْكَام الْجَارِيَة فِي غيبَة الْمولى من الظاعن وَصِحَّة الْيَقِين فَإِن تِلْكَ الشكاوي كَانَت صادرة عَن الْأَهْوَاء والضغائن وَلنْ يَخْلُو الْأَمر من قسمَيْنِ واله يخْتَار للْمولى خير الْأَقْسَام وَلَا ينسى لَهُ هَذَا التحرج الَّذِي لَا يبلغهُ ملك من مُلُوك الْإِسْلَام أما بَقَاء الْأَمر باسم الْوَالِد بِحَيْثُ يبْقى رَأْيه ومشاورته وفتياه وبركته ويتولى النِّيَابَة ولداه وَيشْتَرط علهما المجازاة لأولى زلَّة وَترك الْإِقَالَة لأَقل عَثْرَة فطالما بعث حب المنافسة الراجحة على اكْتِسَاب الْأَخْلَاق الصَّالِحَة وَأما أَن يُفَوض الْأَمر إِلَى الإِمَام قطب الدّين فَهُوَ بَقِيَّة الْمَشَايِخ وَصدر الْأَصْحَاب وَلَا يجوز أَن يتَقَدَّم عَلَيْهِ فِي بلد الا من هُوَ أرفع طبقَة فِي الْعلم مِنْهُ

فصل منه في كتاب آخر في الحث على الإحسان إلى أخيه شمس الدولة وتحمل مغارمه

فصل مِنْهُ فِي كتاب آخر فِي الْحَث على الْإِحْسَان إِلَى أَخِيه شمس الدولة وَتحمل مغارمه وَأما الْمولى الْمُعظم وَمَا قَامَ بِهِ من المغارم الجليلة وَحمله من التكاليف الثَّقِيلَة الَّتِي عرفت بِالْمُبَاشرَةِ واطلعت عَلَيْهَا الْحَال الْحَاضِرَة وبحسب انْتِفَاع الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين بِهِ يجب أَن يكون نَفعه من جِهَة سلطانهم فالمولى لَا يحابيه فِيمَا يُعْطِيهِ وَإِذا أعطَاهُ فقد جعله وَاسِطَة بَينه وَبَين سائليه وَقد كَانَ مُعَاوِيَة أجَاز عبد الله بن جَعْفَر رحمهمَا الله بِعشْرَة الآف دِرْهَم فَقيل لَهُ فِيهَا استكثرت فَقَالَ إِنَّمَا أَعْطَيْت بني هَاشم وَبني أُميَّة وَأهل الْحَرَمَيْنِ فَلم يعد عبد الله بن جَعْفَر إِلَى بَيته إِلَّا بعد أَن تحمل خَمْسَة الآفدرهمدينا (مُتَقَارب) وَالدّين دَاء يُصِيب الْكِرَام وَيسلم مِنْهُ اللئام اللوم ... وَلَو كَانَ مَا يَفْعَله الْمولى الْمُعظم فَقل صديق لوَجَبَ أَن يفدى بالأحداق فَكيف فعل أَخ لَا تجْرِي المماليك مجْرَاه فِي التَّوْفِيق والوفاق فصل مِنْهُ فِي إِقَامَة عذر التَّأَخُّر عَن الْجِهَاد وَأما تأسف الْمولى على أَوْقَات تَنْقَضِي عاطلة من الْفَرِيضَة الَّتِي خرج من بَيته مُهَاجرا لأَجلهَا وتجدد الْعَوَائِق الَّتِي لَا يُوصل إِلَى آخر حبلها فللمولى نِيَّة رشده أوليس الله بعالم بِعَبْدِهِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَا يسْأَل الْفَاعِل عَن تَمام فعله لِأَنَّهُ غير مَقْدُور لَهُ وَلَكِن عَن النِّيَّة لِأَنَّهَا مَحل تَكْلِيف الطَّاعَة وَعَن مَقْدُور صَاحبهَا من الْفِعْل بِحَسب الِاسْتِطَاعَة وَإِذا كَانَ الْمولى يسبب الْأَسْبَاب إِلَى الْجِهَاد وينظف الطَّرِيق إِلَى المُرَاد فَهُوَ فِي طَاعَة قد أمتن الله عَلَيْهِ بطول أمدها وَهُوَ مِنْهُ على أمل فِي نجح موعدها وَالثَّوَاب على قدر مشقته وَإِنَّمَا عظم الْحَج لأجل جهده وَبعد شقته وَلَو أَن الْمولى فتح الْفتُوح الْعِظَام فِي أول الْأَيَّام وَفصل الْقَضِيَّة بَين أهل الْإِسْلَام وأعداء الْإِسْلَام

ومن مكاتبة أخرى له تهنئة بالعام وأها السنة الحادية عشرة من ملك مصر

لكَانَتْ تكاليف الْجِهَاد قد قضيت وصحائف الْبر المكتسب بالمرابطة والانتظار طويت وَمن مُكَاتبَة أُخْرَى لَهُ تهنئة بِالْعَام وأها السّنة الْحَادِيَة عشرَة من ملك مصر اِسْعَدْ الْأَيَّام وأشرف الأعوام أدام الله ايام الْمجْلس العالي الملكي الناصري ونصرها ونضرها وأشهدها التَّوْفِيق وأحضرها وَسبب فِيهَا أرزاق الْعباد وحضرها وأجرى فِي جنانها من يَده الْكَرِيمَة كوثرها مَا وسمه بسلطانه وملأه بإحسانه وتصرفت فِيهِ حماية بَيْضَة الْإِسْلَام على صَادِق ضمانة واقتعده رَاحِلَة إِلَى دَار النَّعيم واتخذه صحيفَة تشْتَمل على فَضله سنة ملكه الْحَادِيَة عشرَة هُوَ الْملك الَّذِي لَا يَقُول الْمَمْلُوك إِنَّه كَانَ للبركات موردا وَلَكِن يَقُول أَنه كَانَ لدين الله سُبْحَانَهُ مولدا وَهَذَا الْحول من سني من يُولد للاستقبال يعد من سني النَّمَاء وَالزِّيَادَة والإقبال وَالله تَعَالَى يَجْعَل السّنة الْمَاضِيَة شاهدة بمنجيات أَعماله وَالسّنة الْمُقبلَة مُشَاهدَة لمواقف نَصره للحق واعزازه وقهر الْبَاطِل واذلاله وَكتب هَذِه الْخدمَة والسلامة فِي بِلَاده كَالصَّلَاةِ فِي مساجدها جَامِعَة وَالنعَم فِي أرضه كمصابيح السَّمَاء لامعة والأمور منظمة والمبار مزدحمة واسباب الْخَيْر بَين الْخلق مقسمة فصل فِي ذكر أَوْلَاد السُّلْطَان والملوك الاولاد فِي كَفَالَة الْعَافِيَة لَا رفعت عَنْهُم كفالتها وَعَلَيْهِم جلالة السلطنة لَا فَارَقْتهمْ جلالتها وكل من الموَالِي السَّادة الْأُمَرَاء والاولاد فالقلادة كلهَا جَوْهَر وَكلهمْ الْمُقدم وَلَيْسَ فيهم بِحَمْد الله من يُؤَخر على مَا عود الله من صِحَة وسلامة وكفاية ووقاية وَلُزُوم المستقل مِنْهُم لمشهد الْكتاب ولموقف الآماج ومخائل الْخَيْر مِنْهُم من تَحت ليل الصِّبَا أنور دلَالَة من ضوء السراج وَكلما رَآهُمْ تذكر قَول أبي الطّيب عِنْدَمَا سَار إِلَى عضد الدولة وَرَأى شعب بوان وَهُوَ أحد الثَّلَاثَة الْمَوَاضِع الَّتِي يُقَال لَيْسَ على الأَرْض مثلهَا فالإثنان الباقيان غوطة دمشق والسغد بخراسان فَلَمَّا استطابه مدح

فصل في ذم ماء دمشق ووخمها

عضد الدولة بِأَنَّهُ يسير عَن ذَلِك المتنزه إِلَى الْحَرْب ... يَقُول بشعب بوان حصاني أعن هَذَا يسَار إِلَى الطعان ... وَأَيْنَ رياض الْقُلُوب والأكباد من رياحين التُّرَاب وَالْجهَاد وَالْأَجْر للْمولى مضاعف فِي فراقهم أَولا وَفِي غَزْوَة ثَانِيًا وَالله تَعَالَى يمد فِي عمر الْمولى إِلَى أَن يرى من ظُهُورهمْ مَا رَآهُ جدهم رَحمَه الله فِي أهل بَيته من الْبَطن الرَّابِع فوارس الْحَرْب الرائعة وملوك الْإِسْلَام الَّتِي مِنْهُم للاسلام أكساره وتبابعة الْكَامِل ... مَا فيهم عِنْد الْعَلَاء صَغِير ... وصغير أَبنَاء الْكِبَار كَبِير ... نُجُوم الأَرْض وذريه بَعْضهَا من بعض وَالْخلف الصَّالح الْمَحْض من الْخلف الصَّالح الْمَحْض وهم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فرسَان الْقُوَّة والتقى يَوْم الْحَرْب وَيَوْم الْعرض فصل فِي ذمّ مَاء دمشق ووخمها عرف الْمَمْلُوك من الْكتب الْوَاصِلَة التياث جسم الْمولى الْأَمِير عُثْمَان والحقير مِمَّا ينَال ذَلِك الْجِسْم الْكَرِيم يُوقد فِي قُلُوب الْأَوْلِيَاء الْأَثر الْعَظِيم قَلِيل قذاة الْعين غير قَلِيل وماذا يَقُول فِي بلد لَو صحت الحمية من مائَة لكَانَتْ من أكبر أَسبَاب صِحَة المحمى وشفائه وَأَنه مَاء يُؤْكَل وَبَقِيَّة الْمِيَاه تشرب ويجد وخامته من ينصف وَلَا يتعصب ويرجو أَن يكون هَذَا الولى قد أمسك عَن الْفَاكِهَة الدمشقية الَّتِي لَا يخفى كَثْرَة فضلاتها وَعَن أكل اللحوم المجلوبة الَّتِي ينقلها سير الطَّرِيق إِلَى شَرّ حالاتها فصل فِي ذكر الكبوة فِي اللّعب وَعرف كبوة فرس الْأَجَل تَقِيّ الدّين وتألم أَعْضَائِهِ وتوهن أعصابه ومحاسن الأكرة لَا تحصى وبشائرها لَا تفني والمؤونة فِيهَا مُشْتَركَة بَين الرَّاكِب والمركوب

فصل في ذكر ملك النوبة من كتاب

فالركاب فِيهَا إِلَى الطَّبِيب وعظمه مثنى والمركوب إِلَى الطباخ ولحمه محبي وَلَو كَانَت أكرة الْفلك الدائر الَّتِي تطلع على الْخلق لَيْلهَا بالنجوم ونهارها بالشمس لوَجَبَ أَن يعطل دورانها وَيكسر حركاتها إِلَى أَن يصطلح هُوَ والأكرة وَيَكْفِي الله الْمُؤمنِينَ الْقِتَال فصل فِي ذكر ملك النّوبَة من كتاب وَالْعرب جنس كالحنظل كلما زيد سقيا بِالْمَاءِ الحلو أفرطت مرَارَة ثَمَرَته وغرت نضارة خضرته فصل فِي ذكر ملك النّوبَة من كتاب وَأما حَدِيث ملك النّوبَة فَهُوَ أقل من أَن يسخى بِحجر لنباحه أَو يشمر عَن سَاق لخوض ضحضاحه وَلَو أَن شرارة من زند الْعَزْم أَو ريشة من ريش السهْم هَتَفت إِلَيْهِ لذاق وبال أمره وَعرف قدر وَجهه الَّذِي هُوَ أَشد سوادا من قدره فصل مِنْهُ فِي وصف الْكتاب السلطاني إِلَيْهِ وَإِذا وصلت من الْمولى رفْقَة نجابين فَكَأَنَّهَا عَسْكَر نجدة قد يسرت وَإِذا فضت مِنْهُ كتب فَكَأَنَّهَا ألوية فتح قد نشرت وَرُسُله وَكتبه بِالْإِضَافَة إِلَى شغله ومهماته كَثِيرَة وَلكنهَا بِالْإِضَافَة إِلَى تطلعنا وتشوفنا وتشوقنا قَليلَة (طَوِيل) وَمَا استكثرت فِي الْيَوْم مِنْهَا ألوفا وواحدها فِي الْيَوْم مِنْهُ كثير ... وَكتاب الْمولى إِلَى الْمَمْلُوك مزينة سماؤه من حُرُوف خطه بمصابيحها ومفتوحة لَهُ أَبْوَاب السَّعَادَة من أسطره بمفاتيحها ... فَلَا عدمت عَيْنَايَ كَاتبه الَّذِي لَهُ الْفضل مَكْتُوبًا إِلَيْهِ وكاتبا صَحِبت بِهِ لله أعظم نعْمَة فَلَا زَالَ مصحوبا وَلَا زلت صاحبا ...

فصل من كتاب آخر في المنكرات وازالتها

فصل من كتاب آخر فِي الْمُنْكَرَات وازالتها وَأما الْمَأْمُور بِهِ فِي معنى الْمُنْكَرَات الظَّاهِرَة وازالة أَسبَابهَا وغلق أَبْوَابهَا وتحصين كل مبتوتة من عصمَة وتطهير كل موسومة بوصمة فَالله يثب الْمولى ثَوَاب من غضب ليرضيه بغضبه وَحمل الْخلق على منهاج شَرعه وأدبه وَهُوَ المر متفاحش خطبه معضل طبه وَقد استدعى الْملك الْعَادِل أحد الواليين وَسلم إِلَيْهِ مَا كُوتِبَ بِهِ مَوْلَانَا وأسمعه الْإِنْكَار العنيف وهدده بعواقب اتِّبَاع الرَّأْي السخيف وَأَشَارَ الْمُخَاطب إِلَى جِهَات تَحْمِي بيُوت الْمُنْكَرَات ويدافع عَنْهَا أَيدي نوابه فَقَالَ لَهُ لَو استقام الْعود لما اعوج ظله وَلَو انْتَهَيْت أَنْت لانتهى غَيْرك وَلَو كنت تكلم المسيئين وَأَنت غي شريك فِي الاساءة لَكَانَ أَمرك أقوى وعزمك أنفذ وَلَكِنَّك ملجم عَن انكار مَا أَنْت شريك فِيهِ وَأجِيب إِلَى أَن يرتب من الْأَصْحَاب العادلية من يغلق مَوَاضِع الخناء ويحجر على فواسد النِّسَاء وَلَعَلَّ هَذِه الْأَحْوَال يَزُول مِنْهَا مَا يَسْتَطِيع الْمُبَاشر إِزَالَته ويستكمل الْمولى من الْحُضُور محق الْمُنكر وابادته وتعفيته وَمَا وقفت خواطر الْعِصْيَان عِنْد الزِّنَا إِلَى أَن زَادَت صحفه وَهُوَ الرِّبَا فَلَا حول وَلَا قُوَّة الا بِاللَّه من محارم فِيهِ منتهكة ومكاسب قد نزع الله مِنْهَا الْبركَة ومروات قد سَقَطت ووجوه قد توقحت وأموال قد تحرمت وَشَرِيعَة مِنْهُ قد خولفت وأحوال للأجناد والمضطرين بِهِ قد استؤصلت وَنعم من السُّحت لتجار هَذِه الْمعْصِيَة قد اتسعت وبضائع قد تجهز بهَا أَرْبَابهَا الى جَهَنَّم فَمَا ربحت تِجَارَتهمْ وَمَا كَانُوا مهتدين هَذَا وَلَا تعدم فَتَاوَى وَرخّص يهرج بهَا على من لَا يخفى عَلَيْهِ خافية ويتعرض بهَا للبلاء ونسأل الله الْعَافِيَة وَهُوَ دَاء من أدواء الْغنى قد أوصل الْيَأْس مِنْهُ إِلَى الكي وَالدّين قد اسْتحق فَلَا وَجه لتطاول اللي فصل مِنْهُ فِي الدُّنْيَا وذمها نشكو إِلَى الله دنيا لَا نَحن نتركها وَلَا نَحن ندركها

وليس لنوائبها وحوادثها قرن الا التقوى والله المسئول أن يوفر منه حظ المولى

.. غرارة بِالنَّاسِ غدارة قريبَة الْعرس من المأتم ... مَا بَين فرحتها وترحتها الا كَمَا قَامَ امْرُؤ وَقعد ... وَلَيْسَ لنوائبها وحوادثها قرن الا التَّقْوَى وَالله الْمَسْئُول أَن يوفر مِنْهُ حَظّ الْمولى فصل مِنْهُ فِي الْأَمر بالاحتراز من رجل كثير الشَّرّ وَأما فلَان فَإِنَّهُ رجل كثير الشَّرّ وَالْحِيلَة وَالْمَال والرجلة فَلَا تحتقرنه وَبعد مَا أيقظته فَلَا تنم عَنهُ وَالْحِيلَة فِي بعض الْأَوْقَات ترجح على الْقُوَّة على أَن الْبَاغِي مخذول وَمن سل سيف بغي فَهُوَ عَمَّا قَلِيل مقتول وواجب أَن يظْهر الْعذر ويؤتي بِهِ على أعين ... فَمَا حسن أَن يعْذر الْمَرْء نَفسه وَلَيْسَ لَهُ من سَائِر النَّاس عاذر ... وَإِذا اقْترن بِكُل مَا يدبره الْمولى حسن النِّيَّة كَانَت الْعَاقِبَة كَمَا وعد الله سُبْحَانَهُ فِي كِتَابه للتقوى على أَن الْمولى ظَاهر عذره طَاهِر دينه وَذكره والمشار إِلَيْهِ ظَاهر ذَنبه ومكره قَالَ الله سُبْحَانَهُ فِي كِتَابه الْكَرِيم فِي مثل الْمولى {وَلمن انتصر بعد ظلمه فَأُولَئِك مَا عَلَيْهِم من سَبِيل} وَقَالَ فِيمَن حَال كَمثل حَاله {وَلَا يَحِيق الْمَكْر السيء إِلَّا بأَهْله} وَمن الْأَقْوَال الْمُتَقَدّمَة إِذا كنت الْأَقْوَى فعامل الأضعف على أَن صَاحب الْعدَد المضعف وَرب سيل بدؤه مطير وَنعم السَّبِيل إِلَى الْخَيْر نِيَّة الْخَيْر فصل مِنْهُ فِي الْوَصِيَّة بمؤيد الدولة بن منقذ يذكر بِحَال ضيف انعامه وطيف أَيَّامه أُسَامَة الدولة ابْن منقذ فَهُوَ فِي شبابه كَانَ أديب الْأُمَرَاء وَهُوَ فِي مشيبه الْآن أَمِير الأدباء وَهُوَ طراز على مملكة الْمولى لَا عطلها الله من المحاسن وَلَا يشك فِي أَن الْأَنْعَام لَا يغفله والاهتمام لَا يهمله وَأَن مطالبه أَن كثرت ففضل الْمولى أَكثر وَإِذا زرع الْحسن عِنْده وشكره بِلِسَانِهِ الطلق نظر إِلَى ثمره إِذا أثمر

عاد الحديث

عَاد الحَدِيث وَإِنَّمَا أوردت الْفُصُول الْفَاضِلِيَّةِ لِأَن فِي كل فصل مِنْهَا ذكر سيرة وفيهَا فَوَائِد كَثِيرَة وبواعث للخزاطر مثيرة ومباهج فِي مناهج الأنافة والانارة منيفة منيرة وفيهَا أَحَادِيث الْحَوَادِث وأعاجيب الأوعاث والدمائث وَمن جملَة مَا أغفلته ذكر مَا أسْقطه السُّلْطَان من مكوس مَكَّة شرفها الله تَعَالَى عَن الْحَاج وتعويض أميرها بجلاب غلَّة تحمل إِلَيْهِ فِي كل سنة وَتَعْيِين ضيَاع مَوْقُوفَة عَلَيْهَا بالديار المصرية كَانَ الرَّسْم أَن يُؤْخَذ من حَاج الْمغرب على عدد الرؤس مَا ينْسب إِلَى الضرائب والمكوس فَإِذا وصل حَاج حبس حَتَّى يُؤَدِّي مكسه ويفك بِمَا يطلبونه مِنْهُ نَفسه وَإِذا كَانَ فَقِيرا لَا يملك فَهُوَ يحبس وَلَا يتْرك وتفوته الوقفة بِعَرَفَة وَلَا يدْرك فَقَالَ السُّلْطَان نُرِيد أنتعوضأمير مَكَّة عَن هَذَا المكس بِمَال ونغنيه عَنهُ بنوال وَإِن أعطيناه ضيَاعًا استوعبها ارتفاعا وانتفاعا فَلَا يكون لأهل مَكَّة فِيهَا نصيب وَالله على قدر الْخَيْر الَّذِي يتَعَدَّى وَلَا يقْتَصر مثيب فقرر مَعَه أَن يحمل إِلَيْهِ فِي كل سنة مبلغ ثَمَانِيَة آلَاف إِرْدَب قَمح تحمل فِي جلابها إِلَى سَاحل جدة فيهدي بهَا إِلَى أهل الْحجاز الْجدّة فَإِن الْأَمِير بهَا يحْتَاج إِلَى بيعهَا للِانْتِفَاع بأثمانها ويثق أهل الْحَرَمَيْنِ والفقراء وَمن المكوس واغتبطت النُّفُوس وَزَاد الْبشر وَزَالَ العبوس واستمرت النعمى وَمر البوس وشملت النعماء وكملت الآلاء وَذَلِكَ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَكَانَ الله فِي هَذِه الْخيرَات الْمُوفق الْمعِين

فصل من الإنشاء الكريم الفاضلي في خبر الجلاب ووصولها إلى بر الحجاز

فصل من الْإِنْشَاء الْكَرِيم الفاضلي فِي خبر الْجلاب ووصولها إِلَى بر الْحجاز وَوصل كتاب مقدم الْجلاب الثَّلَاث يذكر وُصُوله إِلَى بر الْحجاز وسهولة تعديته وَأَنه كَانَ من أَمن كنف الْبَحْر وَطيب الرّيح مَا لَا يكون فِي بَحر النّيل مثله وَمِمَّا يسْتَدلّ بِهِ على أَن الله قد تقبل الصَّدقَات بمشيئته وَمن البشائر الَّتِي لَا عهد لحاج ديار مصر بِمِثْلِهَا وَلَا عهد لملك من مُلُوك الديار المصرية بالحصول على فخرها وأجرها انْقِطَاع المكاسب عَن جده وَعَن بَقِيَّة السواحل وَيَكْفِي أَن تَمام هَذِه المثوبة مُوجب للاستطاعة مُقيم بِحجَّة الله فِي الْحَج فقد كَانَت الْفتيا على سُقُوطه مَعَ وجود الْحَامِل وَذكر وُصُول كتب من مَكَّة تَضَمَّنت أَن الْقَمْح فِيهَا ويبة وَربع بِدِينَار مصري وَأَن الْغَنِيّ فِي شدَّة وَالْفَقِير هَالك وَأَن الْجلاب بِمَشِيئَة الله قدرَة من قدرَة الله {يحيي الْعِظَام وَهِي رَمِيم} وَفرج عَظِيم انْتهى إِلَى الْبِلَاد بعد أَن تناهى الكرب الْعَظِيم وَالله تَعَالَى يفرج عَن أهل دينه ضائقات الجدوب ويفك عَن أهل توحيده حلقات الكروب فصل آخر مِنْهُ فِي الْمَعْنى فَأَما الْحجاز فَإِن الْأَخْبَار مُتَوَالِيَة بمجدبته وَشدَّة مسغبته وَأما الْجلاب المسيرة فيعظم موقعها ويفرج وصولها وَمَا أَكثر مَا أجْرى الله لِلْخَلَائِقِ على يَد الْمولى من الارزاق الَّتِي تفضل عَن الِاسْتِحْقَاق وَمَا أولاه بِأَن يتوخى بِالْمَعْرُوفِ مَكَانَهُ من هذَيْن الْحَرَمَيْنِ المهجورين من اسعاف أهل الاقتدار والمحروم من قدر فِيهَا على خير فأضاع فرصته بترك البدار وَغير خَافَ عَن مَوْلَانَا همة الفرنج بالقدس برا وبحرا ومركبا وظهرا وسلما وحربا وبعدا وقربا وتوافيهم على حمايته وَهُوَ أنف فِي وَجه الْإِسْلَام ومسارعتهم إِلَى نصْرَة أهليه بالأرواح وَالْأَمْوَال على مر الْأَيَّام ومعاذ الله أَن يستنصروا فِي الضلال ونصرف نَحن عَن الْحق ويضيق بِنَا فِي التَّوسعَة على أَهله سَعَة المجال وَلَا يذكر الْمَمْلُوك من الْمولى إِلَّا ذَاكِرًا وَلَا يستنصر من عزمه الا من جعله الله لدينِهِ ولدولة دينه ناصرا

فصل من الإنشاء الكريم الفاضلي عند عزمه على الحج في هذه السنة

فصل من الْإِنْشَاء الْكَرِيم الفاضلي عِنْد عزمه على الْحَج فِي هَذِه السّنة الْمَمْلُوك فِي مستهل رَجَب بِمَشِيئَة الله معول على السّفر إِلَى الْحجاز لقَضَاء الْفَرِيضَة قولا وفعلا وَقد تَجَدَّدَتْ ثَلَاث مقتضيات إِحْدَاهُنَّ كَون الوقفة الْجُمُعَة الثَّانِيَة فسحة الْمولى على لِسَان عز الدّين وَالثَّالِثَة موت من نعى إِلَى الْمَمْلُوك نَفسه وسيورد ذكره والسائرون فِي هَذِه السّنة بطمع وَقْفَة الْجُمُعَة وبفسحة وضع المكس خلق لَا يُحْصى وَالْمولى شريك فِي أجرهم وقاعد على المشاطرة فِي سَعْيهمْ فليهنه أَن الْمُلُوك عمرت بيوتها فخربت وَأَن الْمولى عمر بَيت الله فَمن كرمه سُبْحَانَهُ أَن يعمر بَيت الْمولى وَمَا أَشد خجل الْمَمْلُوك من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّقْصِير فِي قوت جِيرَانه فِي هَذِه السّنة وَمَا هَكَذَا وصّى ابْن اللمطي وَلَكِن للْغَائِب حجَّته عَاد الحَدِيث إِلَى أحوالنا بالمخيم على حمص وَاسْتمرّ مقامنا بالمخيم على العَاصِي بِظَاهِر حمص وَالسُّلْطَان يصمم الْعَزْم على الاستعداد للْجِهَاد ويجد الْحِرْص وَقد أمنا فِيمَا نستكمله من مبرمات المور النَّقْض وَالنَّقْص وأدمنا للحزم من أَخْبَار الْأَعْدَاء الفحص وَالله قد أنزل فِي كل جِهَة بنصره النَّص وتفضل بِمَا عَم من النِّعْمَة وَخص وأخصنا من آلائه مَا لم يخص ذكر إِجَابَة كَرِيمَة فاضلية إِلَيّ وَردت فِي ثَانِي الْمحرم سنة أَربع وَسبعين وصل كتاب حَضْرَة سيدنَا جدد الله جدها وساعد سعدها وأقصى عَن الحرمان قَصدهَا وَزَاد فِي انفاسها وأمتع الاخوان بثمرات غراسها وكبت عدوها وَلَا عَدو لَهَا الا من سفه نَفسه وَجحد مَعَ الطُّلُوع شمسه وحسد سحبان الْوَقْت وقسه فشممت مِنْهُ طيبا سيارا وَرَأَيْت نعيما مُقيما وَدخلت جنته متصفحا فَمَا رَأَيْت لَغوا فِيهَا وَلَا تأثيما ممعاني وألفاظا ملأن طرفِي صوبا وسمعي صَوَابا أنشأتهن انشاء فجعلتهن أَبْكَارًا عربا أَتْرَابًا وَرَأَيْت أَن أولى مَا قابلت بِهِ هَذِه البلاغة الَّتِي بسطت عذر المغلوب وَهَذِه الصياغة الَّتِي أجريت بسواد الْقُلُوب للقاء السِّلَاح وخفض الْجنَاح واعطاء قياد الجماح وَالِاعْتِرَاف بِأَنِّي فِي كل مَا كنت أفرده من محَاسِن الولين سَار فِي ظلمَة اللَّيْل حَتَّى ظَفرت مِنْهَا بالصباح وَعرفت مَا هِيَ بصدده من تَنْفِيذ الأشغال واستغراق الْأَوْقَات

ووصلني أيضا كتاب كريم منه بتاريخ رابع عشر المحرم وهو

فِي تَدْبِير الْأَحْوَال والأنفاق من مواد البلاغة الَّتِي لَا يخْشَى فِيهَا مَعَ الثروة الاقلال وَالسيف فِي الروع لَا يخْشَى الْفرق كَمَا أَن الدّرّ فِي اللجة لَا يخْشَى الْغَرق وَهِي بِحَمْد الله ملية باملاء المحاسن الَّتِي لم يستطعها الْأَوَائِل وَلَا الْأَوَاخِر إِن حضرت فَمَا غَابَ غَائِب وَإِن غَابَتْ فَمَا حضر حَاضر وَهِي تخْدم بحرا وملكا وَوَاحِد قد جعل الله خلقه فِي فَضله مُشْتَركا فَلَا تستنبط عوائد سحبه وَلَا تُؤثر موثرا على نعْمَة قربه وَأما الْجَمَاعَة الَّذين ذكرت عَهدهم فطرته وأطرته ومدحت بلدهم فعمرته وغمرته فَكل مِنْهُم وَصله سلامها فاستطابه واستعاد طيب ذكرهَا واستثابه واسترجع قَصدهَا فِي حسن الْعَهْد واستصابه واستقصر نَفسه عَن مُقَابلَة درها بمشخلبة وخشي أَن لَا يُعِيد إِلَى مَالك البلاغة قولا الا يُقَال هَذَا من حلبه فَأمْسك صَامت اللِّسَان نَاطِق النِّيَّة قارع الثَّنية على مَا حرمه من الاستكثار من محَاسِن مولى قارع الْمنية وَأما تفضل القَاضِي شمس الدّين فَأحْسن الله جزاه ووفر من الْفضل أجزاءه فَنعم الصَّدْر الْكَرِيم وَصَاحب الصَّدْر السَّلِيم وَالْإِمَام الَّذِي كل من ناظره أميم وكل من سمع قَوْله عوذه بحاميم وَقد أبقى عندنَا من نصفاته مَا يبقيه السَّحَاب من الرّبيع وَنحن نَسْأَلهُ فِي الْجَدِيد من غير زهد فِي الخليع ففلك ذَلِك الخاطر محَال أَن يعوقه شَيْء من دورانه وَروض ذَلِك الْفِكر لَا يَسْتَغْنِي أَن يستطرف رَيَّان ريحانه وَلَا تنفرد حَضرته الْعَالِيَة بجنى فنونه دُوننَا وظل أفنانه والنور لَا يخفيه معاوضه والمسك لَا تكتمه مخاوضه وخزانة الْكتب فَقَط كَانَت حَضرته حَاضِرَة أَولا أَيَّام جلوتها وآخرا أَيَّام خلوتها وَمَا فصلت غَيرهَا إِلَّا وَهِي رازمة تَحت أثقالها وَلَا شغلت عَنَّا بهَا الا بِمَا استبضعت من الْقَلِيل من جدودها وَالْكثير من أخلاقها وكتابها إِذا وصل غنيت بامتاعه وتجهرت وتجهزت رفق السرُور الى مَتَاعه وَتَفَرَّقَتْ محتشدات الْأُمُور عني شعاعا فَمَا أولاها أَن تمن بِهِ وَهِي لَا تحْتَاج فِي الْفضل إِلَى منته ووصلني أَيْضا كتاب كريم مِنْهُ بتاريخ رَابِع عشر الْمحرم وَهُوَ وقفت على كتاب حَضْرَة سيدنَا لَا زَالَت هممه عالية ووفود السُّعُود إِلَيْهِ مُتَوَالِيَة وَعين عناية الله الجميلة لَهُ كالية وَفرق اعدائه لنار الخطوب صالية واستشففت جوهره الثمين واستشفيت بفضله الْمُبين واستسقيت مَاء مورده الْمعِين رفأيت كِتَابه ورفت

ظلالا ورقت زلالا وعلت مِثَالا وغلت منالا فقصرت عَنْهَا أَوْصَاف من تَعَالَى وتغالى وَلَو وجدت لِسَانا قَائِلا لوجدت فِيهَا مقَالا لَا يعثر عَنْهَا من أطلق لِسَان وصفهَا فَيكون مقَالا وَلَقَد أتعب فَضلهَا وفصلها كل مجار ومجاز وحصلت من ذخائر هَذِه الصِّنَاعَة على الْحَقِيقَة وقصارى المقصر أَن يحصل على الْمجَاز وَأُوتِيت أقلامها مَا أُوتيت سيوف الشجعان من بسطة الابتزاز وَعزة الاهتزاز وأضحت كتبهَا تتهادى بَين الرائين والسامعين وَعرضت على البلغاء فظلت أَعْنَاقهم لَهَا خاضعين وَجعلت لَهَا أَرض البلاغة ذلولا فمشت مِنْهَا فِي المناكب وَبلغ ملكهَا مِنْهَا مَا زوي لسَيِّد الناظرين صولات الله عَلَيْهِ من الْمَشَارِق والمغارب وانشئت كتبهَا عَن يَدهَا فَهِيَ عرضة للاثمين وأبديت الشَّهَادَات بفضلها {وَلَا نكتم شَهَادَة الله إِنَّا إِذا لمن الآثمين} وَصَارَت أَوْقَات وُصُول النجابين مواسمها الَّتِي يحجّ فِيهَا إِلَى حرمهَا وغدت كل فقرة مِنْهَا يتيمة فَكل لِسَان مُجْتَهد للشكر فِي صلَة رَحمهَا وَإِذا كَانَ ذَلِك شَأْن من لم يكن بهَا معنيا وَمن رُبمَا كَانَ سر سرورها عَنهُ مكنيا فَمَا الظَّن لمن يتقلد مِنْهَا للفخر برهانا وتضمن لَهُ خوالد محاسنها أَن تبقى بعد الزَّمَان زَمَانا وتلين صخرية فكره فَيكون بهَا على توليد الْمعَانِي معانا وَالله سُبْحَانَهُ لَا يعدمني مودتها وينجز فِي ذمَّة السعد موعدتها وَلَا يسلبني مورد كتبهَا بل موردتها واما عود الْجَارِي إِلَى معهوده وإشراف السُّؤَال على مَقْصُوده فقد كنت متحققا أَن ذَلِك السَّحَاب لَا يمسك عَن طبعه وَأَن الْمَسْأَلَة تمر بهَا فِي يَده عِنْدَمَا تمر على سَمعه وَمَا يستكثر لَهَا كثير فَإِن النَّفْع بهَا أَكثر وَلَا أكتب واشعر مِنْهَا إِلَّا الْيَد الَّتِي تكْتب عَنْهَا فَإِنَّهَا فِي المكارم أبلغ واشعر وَلَا يتحامل الدَّهْر على مرتع حظها الْأَخْضَر مَا دَامَت تحمل الْقَلَم الأسمر وَلَا تقصر عَن غايات الأجود مَا دَامَت تقوم بِحجَّة الشعار الْأَصْفَر فِي مناضلة بني الْأَصْفَر وَأما الْكتب العراقية الَّتِي كتبهَا فقد تأملتها متصفحا وتصفحتها متأملا وقرأتها معاودا وعاودتها قَارِئًا فَإِذا هِيَ من المعجز الَّذِي لَا يَنْبَغِي لأحد من بعْدهَا وَمن البديع بل الْبَدَائِع الَّتِي لَا يقدر إِلَّا فِي سردها وَمَا البلاغة إِلَّا مَا غاصت على دره وَتركت النَّاس على سَاحل بحره فَإِن فَازَ فائز فِيمَا نفثه من حصبائه وَإِن تشبع متشبع فِيمَا ازْدَردهُ من غثه وغثائه وَمَا أشبه الْكَلَام مَعهَا إِلَّا بالحديد أَن قلمها داوده وَلَا كتبهَا فِي البديع إِلَّا بمحشر سُلَيْمَان وَقد عرضت عَلَيْهِ جُنُوده (الْكَامِل)

فكتبت إليه بتاريخ منتصف المحرم من السنة جوابا

.. خليت وَالْحسن تَأْخُذهُ تنتقي مِنْهُ وتنتخب فاستفادت مِنْهُ أَكْثَره واستزادت فضل مَا تهب ... والارتياح لهَذِهِ الأنفاس غَرِيم لَا يريم والانشراح لتِلْك الْملح يضاهي انْشِرَاح النسيم للنسيم ووصولها يفعل فِي الْهم فعل السهْم فِي الرَّمْي وَفِي السرُور فعل النشر فِي الرميم وكل من الْجَمَاعَة الْمَذْكُورين فِي كِتَابه وَغير الْمَذْكُورين يَخُصهَا بالتحية الَّتِي يعم شذا طيبها وَيَدْعُو الله أَن يجمع شَمل الْأَنْفس الْمَرِيضَة من حَضرته بطبيبها ويطفئ نَار الأشواق بكتبها وَإِن كَانَ مَاء بلاغتها لَا يُؤثر فِي لهيبها وَلَا خلف بَينهم فِي أَنهم قد استهاموا مِنْهُ بحبيب نسيت بِهِ للأيام كِتَابه صابئها وَشعر حبيبها فَكتبت إِلَيْهِ بتاريخ منتصف الْمحرم من السّنة جَوَابا ظَاهر الله عَلَاء الْمجْلس العالي الصاحبي الأجلي الفاضلي وضاعف نعماءه وسعف بالنصر أولياءه واسعد بالإنارة سعده وابعد بالابارة ضدهوأفاض على الأفاضل فواضله وأفاظ ببأسه أنفس العداة لَهُ وَلَا زَالَت نوافله نواقل محامل المحامد ورغائبه ركائب وُفُود الْفَوَائِد ومنائحه موالك مدى المدائح ومواهبه سوالك مَذَاهِب المنائح وعوارفه عوارف نجح منى المناسح ومآثره مأثورة بألسن ذَوي اللسن ومناقبه ظافرة المقانب بِالْحَمْد الْحسن وَلَا برح وليه بولِي بره مجودا وعدوه بعدوى قهره مجهودا وراجيه فِي أسواق اقباله رائجا وبأسواق أفضاله جَارِيا ولاجئة فِي حلبه الْأَمْن مجليا ولصفحة الْيمن جاليا وقاصدة عَن قفر الْفقر قاصيا وَمن مغنى الْغنى دانيا وَمن صروف الْمنون ناجيا ولقطوف المنى جانبا فائزا فِي صدق قَصده زاخرا فِي حمى حَمده وَمَا حلي جيد فتطوق بالنهى وحلا جود متطول باللهى وَرُوِيَ ظمأ متقيظ من الْورْد الرواء وري نبأ متيقظ لرؤيا الورى وقف الْمَمْلُوك على الْمِثَال العالي وَقفا مِثَاله امتثالا واجتلى للدر صدفة وبدد سدفة دَار داريته ومعلم علمه إجلالا وَأَقْبل بِوَجْهِهِ على قبْلَة وجاهته وتنزه نظره فِي نَضرة نزاهته وأغضى طرف الْخُشُوع عَن شُعَاع إشراقه وانضى طرف الخضوع فِي رباع إِطْلَاقه وأغرى قهوة شكره فِي سكره بإغراقه وفَاق حِين أَفَاق بوفائه فضل وفاقه وَأذن آذن فرقة بافراقه وظل متحيرا لإدهاشه بغرره ثمَّ ظلّ متخيرا فِي انتعاشه بدرره وشده لشدَّة شده ودهش فِي عدوه عده وعد حصرا فِي حصر الْأَنْعَام وعده وتلا من رِوَايَة الثَّنَاء آثَار الْخُصُوص وتلا من روية الْوَلَاء آثَار الخلوص وَلما قَرَأَ من عنوانه مَا أقرّ عينه

وان وفى لما وفى دينه وَكَانَت حظوظه فِي الحضيض فرآها حِين قَرَأَهَا بِحَدّ جده على يفاع الِارْتفَاع وَوجد فِي سلك الاتساق ومسلك الاتساع ومني باعجاز مَا من باعجازه وعفر خد الاستجداء فِي ذراه ووفر جد الارتقاء إِلَى ذراه وسمت ارادته إِلَى إدارة نطاق النُّطْق على موشح موشى سمته فأدركه العي وأعياه وهمه هامر جود الْجُود فملكه الْحيَاء من حَيَّاهُ الَّذِي ألذ عيشه واحياه وَصَارَ قدر الْمَمْلُوك كالذر عِنْد ذرور سنا سنائه مضمحلا وَسَار فِي منى صِحَّته إِلَى حرم مناصحته محرما بعد أَن كَانَ فِي مهمتة همه الممض محلا وَحلق فِي مطار مطاربه بجناح النجاح وحالف حَالي حَاله فلاحف الْفَلاح وَمَا قدر مقول الْمقل ومدلول المدل بالعبودية وَكَفاهُ أَن يحيي نَفسه بنفيس التَّحِيَّة وَأما الْفَوَائِد الزَّوَائِد الزوائن والأيادي الظَّوَاهِر والبواطن فقد عز ضعف منته عَن ضعف منتها وَأجلى سنا سنته وَأحلى لَهُ جنى جنتها وَمَا أرغد عيشه نعْمَة وأرعى عيسه معمة وأرغب وليه انفا وأرغم حسوده أنفًا وَقد ألم قلب شانيه شنفا وملأ أذن موَالِيه شنفا وَأما تشريف الْمولى فَإِن الْمَمْلُوك داودي الْقَلَم سليماني الْعلم فِي إلانة حَدِيد سرده وابانة تَحْدِيد جنده فَهَذَا وان ابدى لَهُ الشّرف الْبَاقِي أبدا والعز الدَّائِم سرمدا وَالْمحل الْمحلى بالسعود فِي الصعُود الَّذِي لَا يبلغ من نَحوه سَار مدى لكنه يَقُول لَا بل هُوَ نملة وَادي وده وهدهدناي مجده ومتسور محراب كرمه ومسور جناب عصمه واصف صفة صفائه وواصف صفة وفائه وراصف صدف مدحه ومناصف طرف منحه بل تُرَاب قدمه وترب خدمه ورقيق ملكه ومملوك رقّه وعتيق معروفه ومعروف عتقه وحبب سلاف حبه لسالف حبائه وذرة ذكائه فِي لألاء آلائه ونقع قاع فلاته ونقع مصاع كماته بل هُوَ أوذي زهرَة فِي رَوْضَة وَأدنى قَطْرَة فِي حَوْضه وأرق ورقة فِي دوحه وأدق كلمة فِي لوحه وأخفى نقطة فِي دائرته وأخف حَصَاة فِي ساحته وأوقع ظائر فِي شرك سكره واسرع سَائِر إِلَى دَرك بره وأضعف فرخ فِي فخ فخره وأوفر عَاشَ إِلَى عش وفره وأصغر صعوة فِي قفص تَرْبِيَته وأصفى عندليب عِنْد لب تلبيته وأرخص غُلَام فِي غلاء متجره وأخص عبد لعبد مفخرة بل هُوَ بلبل روضته وبلال حَضرته وأويس شوقه وَعمر طوقه وسلمان ربعه وَحسان شعره بل شَرعه ومجاور حرمه ومستجير كرمه ومستجيب دَعْوَة مُنَادِي نداه ومستطيب عدوة نعيم

ووردت إلي من المكاتبات الكريمة الفاضلية في جواب ما سبق إليه من الكتاب

نعماه وطير تفقده فِي خير تعهده وَمن يذود سؤدده لَا زَالَ الْمولى لرفده موليا وَفِي سعده مؤثرا ولجده مؤثلا ولوعده مُنجزا ولحمده محررا ولمجده مطرزا ولقدره معززا ولضده مفززا وعَلى مَجْرُوح جنده محفزا ولمجر حشده مجهزا وَالله تَعَالَى يوفق الْمَمْلُوك للتحدث بِنِعْمَة ربه والتلبث على عتبَة قربه والافاضة فِي ذكر المستفيض من ذكره والاشاعة بنشر مَا تضوع من نشره وَلَا أخلى الله مَوْلَانَا من رَمِيم فضل ينشره وكريم أصل يظهره وعميم طول يوفره وَسَقِيم قَول يستره ومرء ضَعِيف يقويه وأمت شرِيف يسويه وكاسد نقد يربحه وفاسد نقد يصلحه ومأدبة أدب يخضرها ببقول قبُوله وأندية ندى يعطرها نبذ عطائه وشمول شُمُوله وأرب أريب بإجابة سُؤَاله وإصابة سوله وَقرب أريب يقربهَا بِمَ ايقربه لَهُ فِيمَا موله من مأموله دَامَ دافعا ضرّ الضريك رَافعا شَرّ الشَّرِيك جالبا للمملوك مَال المليك مادحا مَا هُوَ مالح لَهُ من ذكي الْكَلَام ويأسر كَلمه وَلَا ينكاه بِمَسّ سمسار الِاخْتِيَار لَا فتئت صفحة صفحه بادية للجاني الْجَانِي ثَمَر عَفوه ونفحة منحه جازية لخطل المجترئ على الْخَطَأ بمحوه وَلَوْلَا أَن الْمولى يرقص خاطر الْمَمْلُوك بتحسينه وَلَا ينْقض خاطئه إِذا عثر فِي ميادينه مَا نشط لهذ هذائه وَلَا بسط رِدَاء الردى من غثه وغثائه وَلَا اجترئ على إِجْرَاء برذونه ذِي العرج والعوج فِي ميدان الْبَيَان مَعَ الأعوجي المهملج وَلَا قَابل التبر الْخَالِص بالبهرج وَلَا لَقِي العذب بالأجاج والياقوت بالزجاج وَالشَّمْس بالسراج وَمَا ذَاك الا لِأَنَّهُ يسكر حِين يقف على الْكَلِمَات الَّتِي تسلب الْعقار رقتها وتموه بنضار زرجونها رقتها فينتشي فَإِذا عدم عقله فَهُوَ يشي فَلهَذَا خشع وخشي لن كِتَابه بالعجمة قد حشي وَالْمولى يعْفُو عَن هفوته بفضله ويؤويه مَعَ زلته إِلَى ظله ووردت إِلَيّ من المكاتبات الْكَرِيمَة الْفَاضِلِيَّةِ فِي جَوَاب مَا سبق إِلَيْهِ من الْكتاب وصل كتاب حَضْرَة سيدنَا أدام الله مُقَارنَة سَعْيه لسعده وَأطَال عمر وجده بمجده وَلَا أعدمنا بَحر بلاغته وَنَفس مُدَّة مده وَلَا زَالَت لَهُ من لطفه وقاية تنقع صدى صده

فصل من مكاتبة أخرى كريمة فاضلية وردت إلي في المحرم

ووقفت مِنْهُ على مَا أَنا على مباراته وَاقِف وَمَا زجني مِنْهُ مَا يمازج المدام من المَاء فَلهُ ثغر باسم وَبِغَيْرِهِ لون خَائِف ولفرط العصبية لودها سرني تقصيري عَن أمده كَمَا سرني إخلاف ظَنِّي فَإِنِّي حسبت أَنه مَا أبقى يَوْمه فِي البلاغة حظا لغده واذا مَا يصلنا خلاله زهرَة من رَوْضَة الناضر وقطرة من بحره الزاخر وقادمة تدل على ان نسرنا الْوَاقِع ونسره الطَّائِر وَبِالْجُمْلَةِ فان الْأَلْسِنَة قد أجرت والاقلام قد قرت فِي ضمائر دواها وأقرت وحوامل الْقُلُوب قد أَلْقَت مَا فِيهَا وتخلت وسحائب الْعُقُول قد أدَّت مَا تحملت وتجلت ونفدت الْكَلِمَات وكلماتها مَا نفدت وشردت عَن الخواطر قبل مَا وجدت فَأَما كلمها فَمَا شَردت الا بعد ان وجدت فَأَما البديع الْبعيد الا على تنَاول اقلامها والصنيع النصيع بِمَا عَلَيْهِ من مسحة ابتسامها فقد كَانَ ظهرا غير ذَلُول إِلَى أَن ذلله مِنْهَا أعز فَارس وَكَانَ مُعَلّقا بِالثُّرَيَّا إِلَى ان ناله رجال بل رجل من فَارس فَهُوَ الْآن ملكهَا استحقاقا بِالْيَدِ وَاللِّسَان وحماها الَّذِي لم يطمثه انس قبلهم وَلَا جَان وان جِئْنَا نخلط فالصفر لنا وَلها الذَّهَب وان غصنا على جَوْهَر فلهَا الدّرّ وَلنَا المخشلب وان ابتدأنا مِنْهُ فِي أبجد فَإِنَّهَا قد وصلت مِنْهُ إِلَى وَكتب وَأما كَون كتابها عجالة القابس وخطفه الخالس فقد كفت قلادته وأحاطت بالعنق وزخرت مادته إِلَى أَن كَادَت تمطر بأرضها الافق فصل من مُكَاتبَة أُخْرَى كَرِيمَة فاضلية وَردت إِلَيّ فِي الْمحرم كلما ظَنَنْت أدام الله نعمه حَضْرَة سيدنَا القَاضِي الجل الإِمَام الْعَالم الصَّدْر عماد الدّين وَأَعْلَى منارها وواصل مبارها وَلَا عدمت من الدولة الناصرية من جعلته مدارها واقطفت من أَغْصَان اقلامه أنوار الْفَضَائِل وثمارها إِن ركايا راعتها قد استفرغت وركائب يراعتها قد استفرعت وان سَمَاء خواطرها قد استتمت دلَالَة بَيَانهَا وتبينت وَأَرْض طروسها قد أخذت نِهَايَة زخرفها وازينت وَقد زخرت على نجاد دلّت أَن الَّذِي كَانَ يغمرني وشل وسطا عَليّ قلم لَهَا شُجَاع فشل يَد الفشل فها أَنا أتشبع بِمَا لَا أملك وَلَا أتسبع حَيْثُ لَا أفتك وَلَا أواري أواري وَلَا أدرأ عَن مكالعها الدراري وَلَا أجحد أَن دَاري بلطائم كتبهَا فائزة بِحَقِيقَة مَا فِي حقيبة الدَّارِيّ وَورد مِنْهَا كتاب كريم مَا من الْجَمَاعَة الا من سبح لَهُ وَسبح فِيمَا لَا يعتوره الجزر من مد بحرها الجزل وَشهد أَن هَذِه بلاغة شَهِدَهَا يوحي إِلَيْهَا بأسراره كَمَا أُوحِي رَبك إِلَى النَّحْل وكل عقمت لَوَاقِح نكرَة فكرة أَن يباري الصَّوَاب بالزلل وَالسعَة بالأزل

فصل في الوصية بما يلزم الكاتب

.. وقاد إِلَيْك الشُّكْر حَتَّى تمله وَحَتَّى يَقُول السامعون لَهُ قد ... وتصفحه كل مِنْهُم فَقَرَأَ فقرا وَأَيْقَظَ خاطره للإجابة فكرى فكرا وَضرب بعصا قلمه ذهنه فأصلد وَكَانَ سَبيله أَن لَا يسْأَل المَاء لَو أطَاع الحجى حجرا وَورد مورده لَا ساما وَمَا برح دون البرح إِذا ورد المَاء خضرًا محتضرا وَمَا مِنْهُم إِلَّا من تحيز إِلَى فِئَة تنصره فِي الْإِجَابَة فَلم يكن لَهُ وَمَا كَانَ منتصرا وتضاعفت الرَّغْبَة إِلَى الله تَعَالَى بِأَن لَا يعدمه حَضْرَة سيدنَا محسنا يظل المذنب بإحسانه عَن تَقْصِيره معتذرا وَمَا بعد هَذَا الْكتاب إِلَّا أَن ترسل الْأَنْفس راكبة ردعها وَغير مُفَارقَة طبعها ويدع الأقلام الَّتِي قد أَطَالَت الأنامل دعها وَلَا يخليها فِي أَوديَة الأوهام الَّتِي العلايات من أقلامها قد أثرن نقعها ووسعن جمعهَا وَمن قدر عَلَيْهِ رزقه فلينفق مِمَّا أَتَاهُ الله {لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا} وَأما الأشغال وسعتها والأوقات وضائقتها فَمَا تتعب الْعين من النّظر وَلَا تحسر وَلَا تكل الرّيح عَن غاياتها وَلَا تحصر وَلها قلم عنتر عِنْد مكانة عبلة وطرس لَو رَأَتْهُ مقلة ابْن مقلة لعَلِمت أَن يَد صَاحبهَا من ذخاير هَذِه الصِّنَاعَة مقلة واتخذت خطّ سيدنَا دون مَا بعده وَقَبله قبْلَة وَقرن كل نظرة مِنْهَا بقبلة فَلَا جرم أَنه كَانَ قبل زَمَنهَا مِثَالا ثمَّ صَار فِيهِ مثلَة وَأَنه عرف مَكَانَهُ من السخال وَسلم الْأَمر الْجَلِيل إِلَى الجلة حسناتها ممدوحة بِعَين الرِّضَا والسخط ومحاسنها مشكورة بلساني الْقرب والشحط وَمَا يخَاف على مَا يصدر عَنْهَا من نقد عَاقل وَلَا يحفل فِيهِ تنَاول جَاهِل وَهِي الْفَارِس مَا وجد أَرضًا والواسع الباع عنان الرّيح ركضا فَلْتَقُلْ مَا شَاءَت وَقَوْلها الدّرّ والاقوال أَحْجَار ولتتصرف كَيفَ مَا أرادات فبلاغتها الثَّمَرَة وَمَا تقدم من بلاغات النَّاس المتشاجرة أَشجَار فَلَا تحبس عَن أوليائها كتبهَا فِيهِ الرياض ذَوَات الوض الْمُقِيم وَالْعرْف السيار وَقد سدت بِحَمْد الله وسددت وبيضت وُجُوه العلياء بيد لَوْلَا النقس مَا تسودت وسررت بِمَا ذكرت من انقياد عنانها بيد كل جاذب وشمم أنف نزاهتها وَلَو أَن الْمطَالع المطالب فصل فِي الْوَصِيَّة بِمَا يلْزم الْكَاتِب وَمِمَّا أوصيها بِهِ أَن يكون للسر مِنْهَا مَكَان لَا يصل إِلَيْهِ نديم وَلَا يُفْضِي إِلَيْهِ

وكتبت إليه في مستهل صفر من السنة

شراب وَلست أَعنِي الْمَخْصُوص بِالتَّحْرِيمِ فَلَا يتبحث سر المملكة مِنْهَا المتبحث الْمُلْحِف وَإِذا دب دبيبه إِلَى مَكَان الْأَسْرَار فَلْيقل لَهُ قف فالسر عِنْد الْمُلُوك حَرِيم والإفشاء أعاذها الله مِنْهُ دَاء قديم وَمَا أَقُول هَذَا شكا فِي حزمها وَلَكِن مدارسة لعلمها وتذكارا لمستقر فِي شرِيف فهمها وكتبت إِلَيْهِ فِي مستهل صفر من السّنة أعز الله نصر الْمجْلس العالي الأجلي الفاضلي وأدام تعالي علائه وتلألؤ لألآئه وتوالي آلائه ونفاذ آرائه ونفاذ أعدائه وَأبْدى أبدا للأيام أيامن إقباله لإبقائه وَأولى أوليائه فِي أعطاب أعادي كرمه بعوادي نقمه وغوادي نعْمَة اعطائه وأعدى على الأجداب باجدائه وَلَا زَالَت أنوار أَيَّامه وأنواء أأمه مستفيضة فائضة ونواظر النحوس عَن نواصر سعوده مغمضة ومعاني معاليه عَن أفهام موَالِيه وأوهام معاديه غامضة وَلَا برح نديمه محسودا أَو حاسده نَادِما وأنعامه مأمولا وآمله نَاعِمًا ووليه مولى وراجيه مرجى ورضيه رَاضِيا ونجيه منجى وَلَا فتئ مصافيه مصافحا يمن الْيمن ومادحه مانحا من الْمَنّ ومقرضه مقرضا بدر الدِّرَايَة وموموق فَضله مرموقا من أفضاله بِعَين الرِّعَايَة وقاصد جنابه مَقْصُود الجناب وخادم بَابه مخدوم الْبَاب وجار حماه محمي الْجَار ومسار أنسه مأنوسا بالمسار مَا سَأَلَ عاف رسوم دَار وَعفى سيل رسوم دَار واستخدم كَاتب بمؤونة جَار واستكتب خَادِم فِي مَعُونَة جَار مَا يدْرِي الْمَمْلُوك مَاذَا يبهج ويبجج وَبِأَيِّ شرف يشمخ ويبذخ والى أَي أنف يعتزي ويعتز وَمن أَي عطف للْمولى عطف ولائه يَهْتَز ولأية آيَة يقْرَأ ليقمْ ولأي يسر يسر وَيسر لقد أحدقت بِهِ حدائق العوارف والنواضر وحدقت إِلَيْهِ أحداق المعارف النواظر ورمق رمقه لحظ الْحَظ فأنبع من صلصال قريحته ساسالا قراحا وطرف طرف الصّرْف بصرفه فراح مترنحا بالشدو ومترنحا فِي الشد كَأَنَّهُ صرف بالمزج صرفا وروح بِالرَّاحِ رَاحا وَذَلِكَ حِين ورد الْمِثَال الَّذِي مثله فِي وُرُود اللَّذَّة بسرفه بشذا ورده من كأس الْكيس منتشيا ولعرف الْعرف منتشرا فخار لَهُ فخاره أَن يصير لتراب أرضه تربا أرضاه تربا ويسير مقتربا إِلَى ذراه كالذرة فِي ذرْوَة الهباء تهاب قربا وَيحل سَمَاء سماحته وَيحل خبأه لخبائه حبا فَهَل إِذا عفر واستغفر وَعبر واستعبر وتخير وتحير وتشوف وتشور ورضع بضرع الضَّرع ورعى زرع الْوَرع يقتل أَو يقتل أَو يُمْهل فيهمل أَو ينسى فينسى

فصل في جواب الوصية بكتمان السر وفي وصف الكتابة والقلم

أَو يُرْجَى فيرجى وَهُوَ الَّذِي نزح زكي الركيك فبرح وبرح خفاؤه فخفي وَمَا برح لكنه بأكمه يَدعِي الغي فِي البلاغة قُم الْبَلَاغ وَلَا عجب أَن ولي عجبا فرَاغ إِلَى الْفَرَاغ وَكَيف لَا يفخر روعه وَلَا يفرخ روعه ويزهى نَوعه وَلَا يهزأ نَوعه وَالْمولى شرفه وعرفه وَصَرفه وأسناه وأسعده وأسعفه وحمر بحيما حمايته محياه ومحا بمحاورة محاسنه وسناه وضر الضّر عَن محياه وَأطَال ريه وأطاب رياه وَنبهَ ذكره وَقد استهوته غفوة الغفول وَنبهَ قدره وَقد ازدهته خميلة الخمول وَلما عثر فِي عثيرة بذيل الذل وَأدْركَ فِي دركه مَحل الْمحل وَحل على طَرِيق الطّرق من عين عينه فِي الوحل وظل ضال القلوص قالص الظل فَمَا درى أَيْن على الأين ناخ عيسه وَكَيف على الْخيف خَان أنسه ومم ضَاقَ نَفسه أضاقت نَفسه تَدَارُكه الْمولى من تلفه إِذْ تلافاه وَشرع فِي تِلَاوَة الْحَمد فِي صَلَاة صلَاته فَقَالَ لَا فض الله إِذا تلافاه أما كَفاهُ شرف الْمِثَال الأول حَتَّى اقتفاه الثَّانِي وتلاه وَلَو شوهد مِثَال الْمَمْلُوك حينث شَاهد مِثَال مَالِكه لخيل من فرط شغفه وشده كلفه أَنه ذُو خبل أدْركهُ الْمس فِي مسالكه فَإِنَّهُ مثل ثملا وطار طَربا ورهب هربا من أغراب أغرابه وارعاب أعرابه وَقَامَ لَهُ فِي النادي بتلبية الْمُنَادِي وَقد رفع هاديه مِنْهُ إِلَى الْهَادِي فَتَارَة يلمح مَا يلمع من علوي علوة وطورا ينظر مَا ينضر من زهر زهره فِي سَمَاء سموهُ وَمرَّة يبصر مَا تقصر رُؤْيَته عَن رُوَائِهِ وآونه يرى مَا يرى زند السعد من ذكائه وَإِذا فض مسكي خَتمه غض عَن امساكه لكتمه ظنا مِنْهُ أَنه السِّرّ الَّذِي حضرت على نِيَّته عَلَانِيَته وضنا بِهِ حَيْثُ حثت إِلَى جنابه من جداه ساريته وعاديته وَكَيف يخفى الْمسك الَّذِي تنم بنوافحه نوافجه ويكتم الوجد وَقد لفحت لواذعه وقدحت لواعجه وأنى تستتر الشَّمْس راد الضُّحَى وَمَا حِيلَة من نَشأ فانتشى وَلَو صَحَّ صَحا فصل فِي جَوَاب الْوَصِيَّة بكتمان السِّرّ وَفِي وصف الْكِتَابَة والقلم وَأما مَا أَمر بِهِ من أخفاء السِّرّ من نديمه والاغفاء دون تفهيمه فَمَا للمملوك نديم الا دفتره وَلَا صَاحب الا مزبره وَلَا شراب الا نَفسه وَلَا منفس عَنهُ الا نقسه وَلَا رَاع الا يراعه وَلَا واع يكون لَهُ سَمَاعه والقلم أميره والدرج ضَمِيره والطوس سميره وَالْقُرْآن قرينه والديوان أَمِينه وأخلاق الْكتب من أخلاقه وتعاليق الْعلم من أعلاقه والصحف رياضه وأوراقها فصحاء الْوَرق والدفاتر حياضه وَهُوَ ينهل من مواردها الرزق مذْهبه مهذبة وَمُقْتَضَاهُ متقضبة وخلاصه خلاصته وأفكاره فِي بحار الدّرّ غاصته وارجه ارجانيه ومغزاه غزيَّة وأليفه تأليفه ووصيفه تصنيفه فَهَؤُلَاءِ الندماء من يفشي أَو يشي أَو بالنميمة يمشي وكل يفهم وَلَا يفهم وَيسمع الْكَلَام وَلَا يسمع وَلَا يتَكَلَّم على أَن اليراع إِنَّمَا قطع لِسَانه حَيْثُ لم يُؤمن كِتْمَانه وَإِنَّمَا يفصل الْوَرق ليوصل

ووصل إلي منه كتاب يعتب فيه على انقطاع الكتب في ثالث عشري صفر وهو

جثمانه ثمَّ أَن الْمَمْلُوك ينسى ضَمِيره الَّذِي هُوَ مَوضِع السِّرّ ويكسل عَن أَن يديره فِي الْفِكر فضمائره مَقَابِر أموات الْأَسْرَار وَلَا يُرْجَى لَهَا إِلَى يَوْم النشور بعث وَقد زاحمتها مباعث الهموم من مباعث الهمم وَهل يؤمل من يحدى اليه بَث ثمَّ أَن الْأَسْرَار إِنَّمَا تظهر بالمباحثة وتسفر بالمحادثة ويصدرها المصدور لمنافثيه بالمنافثة وَمَا للمملوك وَقت يسمع حَدِيثا أَو يسمع فِي نبيثا شغلته الْكِتَابَة عَن الخطابة واليراعة عَن البراعة ومداد النقس عَن مد النَّفس وَهوى السوَاد عَن سَوْدَاء الهوس يُؤثر سرُور السِّرّ عَن أَذَى الاذاعة ويخرق رقاعه تنزها عَن الْخرق والرقاعة وَمن تنبه لرقدته قَرَأَ سُورَة الْغَفْلَة من صورته فَإِنَّهُ لفرط أَمَانَة حسه فِي المحافل ينْسب إِلَى زِيّ الغافل لَا الْعَاقِل حَتَّى يسمع من ندماء الْملك أَن فلَانا لَا يحسن أَن ينبس بنت شفة وَلَا يُمكن أَن ينعَت بِصفة وَلَا يَدْرُونَ أَن أنف أَنفه أَشمّ وَسمع شرفه عَن الْفَحْشَاء أَصمّ لَا سِيمَا وَهُوَ عبد مَوْلَانَا فَلَا غرو أَن سمت همته عَن الْمجَالِس والمساجل وَمَضَت عزيمته فِي المناظر والمناضل ويكفيه فخرا أَن الْمولى يعرفهُ وغني أَنه بعارفته يكنفه فَيحسن بِهِ أَن يحسن ذكره عِنْد السُّلْطَان لَعَلَّه يزِيد فِي الْإِحْسَان وَلَوْلَا خوف الإطالة والهيبة تهب بعثرته إِلَى الاستقالة لأوسع المجال فِي هذيانه لَا يانه وَالْعجب إِذا أثمر بِالذكر بُسْتَان نسيانه لَا زَالَ تهيام جود الولى بتهتانه إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَوصل إِلَيّ مِنْهُ كتاب يعتب فِيهِ على انْقِطَاع الْكتب فِي ثَالِث عشري صفر وَهُوَ لست أدام الله سَعَادَة حَضْرَة الْمولى الجل الإِمَام الْعَالم الصَّدْر وَأَعْلَى لحظها وَتَوَلَّى حفظهَا وأجرى بِالْحَسَنَاتِ والمستحسنات اختراعها وحفظها وَجعل بِقدر فَضلهَا من الدَّاريْنِ حظها وأخرس أَلْسِنَة الخطوب الخاطبة أَن يتَوَلَّى وعظها أكايلها فِي القطيعة صَاعا بِصَاع وَلَا أنازلها فِي عَرصَة هَذَا المصاع وَلَا أَنا فِي لِقَاء نوب الزَّمَان الجبان وَلَا فِي لِقَاء جَفا الأخوان الشجاع وَلَئِن خانني فيهم صبري لقد وفى لي وَلَئِن ترجل إِلَيْهِم يومي ينشد خيالهم فقد حط فِي دَار الوفاد حَالي وَمَا أرِي للحضرة وَجه احْتَاجَ فِي هَذَا الأعتاب وَلَا صفحة عذر تطوى عَلَيْهَا صفحات هَذَا الْكتاب فَإِنَّهَا بني أَن تَقول قلت عَليّ الْموَاد وضلت عَليّ الْجواد فهيهات النَّجْم لَا يضل فِي سمائه والسحاب لَا يتصلصل لعدم مَا يتسلسل من مَائه أيقول أَن الأشغال فالعتب أَنِّي لست من أحماله أَو يَقُول إِن خطره الملال وَمَا أَحْسبهُ إِن شَاءَ الله من رِجَاله أَو يَقُول أَن عجلة الْإِرْسَال فالسحاب أدر مَا كَانَ إِذا ركبت الرِّيَاح لاستعجاله وأصدرت هَذِه الْمُكَاتبَة مقتضيا ومستدرارسل

فكتبت إليه في جوابه آخر صفر

بلاغتها بمسحه وايناسي ملتمسا من يَد الْجَارِح بالقطيعة أَن تعود بالوصل يَد الآسي مُسْتَقْبلا لَهَا عَن الأمل المنظر أَن ترجع بصفقة الخاسر الخاسي مستمطرا صوب بلاغتها التيسارت ورفهتني وانشدتي اقعد فَإنَّك أَنْت الطاعم الكاسي ورأيها الأسمى فِي مُوَاصلَة لَا يتخونها انْقِطَاع ومكاتبة لَا يحيقها انصداع واستصحاب شِيمَة وَاحِدَة لَا تعَارض خطرة ارتياحي خطرة ارتياع فَكتبت إِلَيْهِ فِي جَوَابه آخر صفر أدام الله أَيَّام الْمجْلس العالي المولوي واسبغ أنعامه وأجرى باستخدام السيوف والاقلام فِي أقاليم الممالك سوفه وأقلمه وَأَعْلَى مهاد الْهدى بهدية واعلامه وَصوب فِي نقع أوام أوَامِر المملكة بصوب ملاذ ملاذها حلّه وعقده ونقضه وابرامه وَلَا زَالَت عوارفه موَات وُفُود مواديه بوفور موادها وجوائزه جوائز آماد آمال مجتديه بسفور جوادها وعواطف جوده عواطي الأجياد إِلَى هوادي جِيَاد قناص قصادها وأعطاف أعطياته فِي رِضَاهُ مهتزة إِلَى رواء ومعالم الْمَعَالِي بمعانيه من أفراط أطرافها مغترة من وَرَاء ورادها وَلَا برح شَأْن شاني جده دَائِما داميا وشأن نَاشِئ جداه صَالحا حَاصِلا وعدوه على عدوه مصاولا ووليه لويليه مواصلا مَا رجا رجال ذمام كريم وَنَجَا نجار من ذمّ لئيم وسما حَلِيف سماح بِقبُول قُلُوب فِي صُدُور ووشى حلي وشاح فِي لحونه بنحول خصور وقف الْمَمْلُوك على الْمِثَال العالي ووقف حائرا لَا غاديا وَلَا رائحا وجد لَا حَيا نَفسه بِمَا وجد من نَفسه لائحا وألفى أَلْفَاظه حوشية فظة الْحَوَاشِي فَفَاضَتْ روح روحه ولاذ بسفينة السكينَة من غرق الْغَرق نوح نوحه وصعق مُوسَى سومه وَطَاف بعد إِلْقَاء الأقلام فِي لوحه وحول لحوحه وَلزِمَ يُوسُف أسفه سجن حَبسه إِلَى أَن يصل كتاب الْعَزِيز إِلَى الذَّلِيل بتنفس نَفسه وصدف الذعر عَن صدق الْعذر وَخَافَ سره من جهر الهجر وَمَتى بغى البغاث وَكره وَكره فِي قصر الصَّقْر وَلَا يظنّ أَنه أرتج بالأعتاب بَاب الارتجاء لمخدومه والارتجال لخدمه واستقرار استزادته لكلمه وقلمه وَمَا سرت رفْقَة الا ورافقتها سَرِيَّة بل كَتِيبَة من كتبه وَلَا صدرت صُحْبَة الا وَقد أصدر مَعهَا

فصل في إبداء عذر اغباب الكتاب

جملَة جميله من وُفُود رجائه وَصَحبه وَلَا أعلم أَنه أخل بِفَرْض وقته حَتَّى اخْتَلَّ برفضه ومقته وَلَا قدر أَن قدرته تنهض بعبء العتب أَو منته تخطو إِلَى مُنْتَهى الْخطب ثمَّ عاود ذكره فكره أَن يعاود إِن كَانَ بإنكاره خطأه وَلَا يجلو بالاعتراف من منهل الاغتراف صداه وصدأه فصل فِي إبداء عذر اغباب الْكتاب فكر وفكر ذكر فَتذكر أَنه يَوْم نُزُوله على العَاصِي عاصاه رشده لنبأ نازله الْمُهَذّب بن النقاش فأخلد الْخلد إِلَى الانكماش وَالْيَد إِلَى الأرتعاش وتقلب الْقلب فِي الاستيحاش وَوَقع فِي نَار الْحيرَة كالفراش وَهل مَعَ التحير والوهل تخير وأنى أرى أَنَاة فِي هَذِه الْحَالة تصور وَمَا آثر الْمَمْلُوك أَن يصدم بنعيه قلب مَالِكه فيتأثر بكتابه ويتعرض من الْأَلَم لما هُوَ أَشد الماما من ألم عنائه فَأمْسك وَلَا يجد مسكه وتفردبالهم وَلم ير فِيهِ بالإنهاء شركَة على أَنه كَانَ خَائفًا من إكثاره مكثرا من خَوفه متعللا فِي أمل التَّخْفِيف بغسق ليل عساه وسوف ذيل سوفه (مجزوء الرمل) أَن أغبت خدماتي فدعائي مَا أغبا وأخو الأغباب بالتخ فيف قد يزْدَاد حبا فَأَقل عَثْرَة عبد تَابَ إِن قارف ذَنبا إِنَّه أول من نَاد ى ندى الْمولى ولبى شَاب من عتبك للخو ف وَإِن أعتبت شبا ... فَمَا صَحَّ إِذا حضر أَقسَام الْمولى لإبطال أعذار الْمَمْلُوك فِي إبطاء خدماته كَمَا لم يَصح من الْمَمْلُوك حصر أَقسَام مبار الْمولى فِي الْإِسْرَاع بالمبرات من مبراته وَهل يعرف حُقُوق حقائق إِحْسَان الْمولى وَهُوَ يعجز عَن مجاراته بمجازاته فصل وَهَذِه الْخدمَة ترحض الأوضار وتدحض الأوزار وتنهض الْأَعْذَار وترخص الأسعار وتفي بالأبانة عَن الْإِنَابَة وتوافي بِقبُول الْقبُول من مهب المهابة وتقف على قدم الذل قُدَّام ذَلِك الْموقف إِلَى أَن تبدو لَهَا صفحة الصُّلْح وَهُوَ من صِفَات الْمنصف

فصل في أن الكتاب كان في الورق الأحمر

فصل فِي أَن الْكتاب كَانَ فِي الْوَرق الْأَحْمَر وَتَأمل الْمِثَال العالي فِي الْوَرق الْأَحْمَر ورق وَجهه خجلا لما دلّ التَّغْيِير عَلَيْهِ وشاقه ابداء صبغ حيائه فِي مثله وَسَاقه التَّقْدِير اليه فَمَا يكْتب فِي بَيَاض حَتَّى يبيض وَجه وجهته ويتورد خُذ خدمته ويخضر عذار عذره ويصفر بهار ذعره ويغبر محيا الْبيض حَتَّى خطب على منبره من بره فصل وَأما قَول الْمولى إِنَّه يستدر رسله بمسحه ويستمد سجله بمنحه فَلَا خلاف ان الْخلف الحافل لَا يُعَارضهُ فِي الْقيَاس حَوْض وَلَا ركي وَمَا انصفت الشَّمْس اذا كلفت السهى ان يظْهر فِي شعاعها ويقيس فَتْرَة بذراعها ويحسر لثامه عِنْد كشف قناعها وَهل لَهُ غير انخافضه فِي حضيضه عِنْد ارتفاعها على يفاعها لَكِن الشَّمْس تستعير من أنوارها الأقمار وَيجْرِي بأنهار أضوائها النَّهَار وينشأ بسفور مصباحها للاصباح الاسفار ويفوح بأرج فيوجها لطائم الازهار وتفوق بثمر فتوقها كمائم الانوار وتفور من فتور فتونها صُدُور الآصال وتثور من تهور نورها صخور الأجبال فان خبا الْمَمْلُوك سقط زنده وَقَالَ خبا أَو أنبأ عَن جده بِأَنَّهُ نبا فَلِأَنَّهُ مصلد بجبلية جبلته مخلد إِلَى بلادة بلدته متعود عجم عود عجمته فَارس قنص الْعَرَبيَّة فِي ميدان الْبَيَان بفروسة فارسيته وان اسْتحْسنَ الْمولى مِنْهُ قولا أَو كَانَ موليه بِالْحُسْنَى طولا فَذَلِك مَا استفاده مِنْهُ وَأَعَادَهُ عَلَيْهِ كالحسب تستقي المَاء من الْبَحْر وترده إِلَيْهِ فصل وَأما اشارة الْمولى بِأَن الْمَمْلُوك رفهه فَهُوَ يَقُول لَا بل الْمولى رفه الْمَمْلُوك وفرهه ونوه بِهِ وَوَجهه وَنبهَ علمه وأنبه حَظه من الكدر وأيامها ولياليها محروسة من غَارة خيل الْغَيْر ورياض كتبهَا متلاحقة الْوَرق بِالنورِ والزهر بالثمر فَدخلت مِنْهُ جنَّة أَنا فِيهَا فاكه ومجتن لثمرها الْمُتَشَابه وَغير المتاشبه كلما أتيت مِنْهَا بثمرة قلت هَذَا الَّذِي رزقت من قبل وَكلما نفدت جددت وان لم يصبهَا وابل وَلَا طل قد تناسقت الثِّمَار بهَا وتباسقت وَجَرت من تحتهَا الْأَنْهَار وتساقبت ظلها من النَّفس مَمْدُود وماؤها من الْمعَانِي مسلوب مورود والطرف يرود منهافي الطّرف الَّتِي يقصر عَنْهَا محَاسِن الكاعب الرود فَالله

فصل في جواب عتب في كتاب

جنَّة من كتابها وَإِن لم يكنها فَإِنَّهُ كني بهَا تناولته بل تنولته بِالْيَمِينِ وَشهِدت لَهَا مَعَه بِالسَّبقِ {وَلَا نكتم شَهَادَة الله إِنَّا إِذا لمن الآثمين} ولثمت مَعَه ثغرا يُزكي لَا ثمه بِخِلَاف الثغور مَعَ اللاثمين وَرَأَيْت فِيهِ مَا تشْتَهي الْأَنْفس وتلذ الْأَعْين من بَدَائِع الفاظ وَمَعَان لم يطمثن انس قبلهم وَلَا جَان وَلم يجْرِي بهَا خطّ قلم وكلم لِسَان وَلم يفز بهَا السَّابِقُونَ الْأَولونَ من البلغاء وَلَا من بعدهمْ من التَّابِعين لَهُم بِإِحْسَان ل عهد بِمِثْلِهَا من أبي اسحق فِي عهوده وَلَا يعْتَمد بعْدهَا على ابْن العميد فِي حفظ سِيَاقَة القَوْل واقامة عموده وَلَا يحْسب ان ابْن عبد كَانَ من بعض عبيده فَأَما ابْن خيران الحيران فَلَو استضاء بنجمه بل بصباحه وَلَو عشى إِلَى غرره بل لَو سمع إِلَى أوضاحه وَلَو سبح فِيهِ بحره بل لَو غرق فِي ظحاحه لما كَانَ يعرف تَقْصِيره فِي معاريض الْأَقْوَال ولحنها وَلَا كَانَ يَرْمِي بِكَثْرَة الجعاجع الَّتِي تسمع وَلَا يرى حَاصِل طحنها وَمَا الظَّن بتدبير دِيَة السوابق وسكيتها وَمَا القَوْل فِي حَيّ مَا كَانَ بِالْإِضَافَة إِلَى احياء تِلْكَ السَّادة الا كميتها فَمَا زَادَت إِلَّا ان كلفته ان يجاري الْعتاق بكودنه وأتته لَا أتيت من مأمنها من مأمنه وَهل هُوَ إِن رام مجارتها إِلَّا كناظر نجم تَحت صبح غربها فأسملته غربها وحسبها الاسجاع عِنْد الْمقدرَة فَإِنَّهُ خير مَا سقل بِهِ خَيرهَا وحسبها فصل فِي جَوَاب عتب فِي كتاب وَأما العتب الَّذِي أَذِنت فِي الولوج من بَابه والسلوك فِي منهاجه وَفتحت مَا أسالها فِي سد مطلعه وإيثاق رتاجه فَمَا هِيَ إِلَّا مخبوءة تَحت قدرَة بلاغته مَتى وجدت ميدانا غبرت فِي وَجه كل حَاضر وغابر وأخرت شأو كل أول وَآخر وَقد كنت أرْسلت قَطْرَة فأصابت بجود ونبذت بحصاة فرمت بطود وَعرضت بلمعة فعرضت بصباح وكتبت بقلم فأجابت بصباح فَقلت لخاطري المعجز قد صَحَّ فتنح وَإِلَّا إِن وَقعت بك أَو عَلَيْك كلمة شذختك وفظختك وثويت قَتِيلا مثقلها

فكتبت إليه في الجواب

وَذهب دمك فرغا تَحت جندلها وَلَيْسَ بِعدْل أَن تشهد أمس بحلاوة شَهِدَهَا ثمَّ لَا تصبر عَن مرَارَة حفظهَا وَتَوَلَّى ساليا وَهُوَ أَسِير وَرجع خاسيا وَهُوَ حسير لَا يجْبر جائرا لَا يحير غائرا لَا يُغير عائرا وَلَا يعير قاصرا مَا عِنْده فِي التَّقْصِير تَقْصِير قصير وَكَأَنَّهُ بِأَنْفِهِ لَا بِرَأْيهِ قصير وَحَضَرت سيدنَا أول من قبل ميسور المأسور وَلم يكسر جَيش الجأش المكسور فَإِن الأسرى صنفان وَالْفرق بَينهمَا أَن هَذَا صنف السّلم وَهَذَا صنف السَّيْف وَقد تمدح ومدح بِمثل قَول أبي دهبل ... حَتَّى تمنى البراة أَنهم عنْدك أَمْسوا فِي الْقد وَالْحلق ... وَأما تذكارها لحقوقها واستحقاقها فَمَا ذكرت نَاسِيا وَلَا هزت نَائِيا وَلَا استدنت نَائِيا وَمَتى وجدت الفرصة بادرت بانتهازها واثقا بأنني لَا أعدم أعطافا كَرِيمَة تقر عين الأمل لقرى اهتزازها وَأما قَوْلهَا عِنْد كَونهَا سَيْفا يوثر الْأَثر فِي الضريبة وان أغمد سكن حقبة فِي الحقيبة فقد شمت وشممت من هَذَا التَّجْنِيس بل التحريش الْإِشَارَة إِلَى بعض أَيَّام الإجمام بِمصْر فَإِن كَانَ هَذَا مِمَّا قادت إِلَيْهِ القافية وَلم تدس فِيهِ هَذِه التعريضة الْبَادِيَة لَا الخافية فَأَنا أستغفرها عَن إِثْم ظَنِّي وأستصرفها عَن التَّجْنِيس الَّذِي قد أعرب بِهِ قلمي وذهني على أنني أَحسب أَن التَّجْنِيس أوقعني وأوقعها وَأَن هَذِه وَضعهَا اللَّفْظ لَا الْمَعْنى موضعهَا فَكتبت إِلَيْهِ فِي الْجَواب أدام الله أَيَّام الْمولى مُسْفِرًا صباح صحابها عَن دجوة السفور الصَّباح سافرا محيا حيائها عَن جود حَيا الْجُود من سَمَاء السماح وأبد إبداء عَادَة مَعْرفَته ومعروفه وإعادتها وأكد أكداء عداة وجوده وجوده وإبادتها وَأَجد أجداء أَوْلِيَاء آلائه ولألائه وإجادتها وَلَا زَالَ فلك الْملك مقرونة إدارته بإرادته وَأهل الْفضل مضمونه سعادتهم بسعادته وأرباب الْأَلْبَاب مَرْهُونَة عبوديتهم بسيادته وَلَا برح فيض بحره لضيف بره وسائله بوسائله سَائِلًا وَفرع رَفعه من دوحة وحدته لشكر حَامِد شكره حامدا وَلَا فتئ جده الْجَدِيد طريا لَا يفل شبا شبابه الطرير شيب وأتى جداه الْآتِي للجاري وللراجي جَارِيا لَا يغل صفا شرابه النمير شوب وَلَا بَرحت الخطوب عَن خَاطب حطته مَقْبُوضَة الخطا وعَلى حاطبي حوطته مبسوطة السطا مَا مرح رافه وقرح فاره وعف نابه وعاف كَارِه

فوصل إلي منه كتاب كريم مضمونه

وكفا عَن الشَّهَوَات ناقه وكشف الشُّبُهَات مفاقه وقف الْمَمْلُوك على الْمِثَال العالي ووقف لَهُ وَفتح بفتحه من سر السرُور بَابا أغلقه همه على فهمه وأقفله فحسر للمثال اللثام عَن عَارض ضارع وَحصر بِعَيْب عييه وَحصل لعاجز جازع وحرص إِذْ صرح بالشكر فِي نفي الشّرك فَثَبت على الوحدانية وباح بحب حبائه وَتَابَ عَن إخفاء إخفاءه وَبَات على نِيَّة الْعَلَانِيَة وَلَا يدْرِي أطلعت شمسه لما تطلعت نَفسه أم نجح أمله حِين جنح عمله أم لَاحَ صبحه حَالَتْ حَال صَحبه أم حلا مَحَله فسحت سحبه أم دجا جو جواه فجلاله جلالة نور جداه وَنور جنناه أم إلتاح من هجير الهجر فارتاح لريه ورياه ورؤياه وَلَوْلَا أَنه رأى فياله لفال رَأْيه وَطَالَ نأيه وأمتدت لغيه غَايَة فَإِنَّهُ لما ظفر بالمثال رشد بعد أَن كَانَ شرد ودنى ودان للروح وَسجد وَلَو بعد عبد الْجَسَد لكنه أذعن إِذْ عَنى وغني لَدَيْهِ الْغِنَا ولمح مَا لمع فخشي وخشع وَنظر مَا نظر فرعى ورتعى وَلما خار رَاح فراشا لنار جلالته فراشا لدار إيالته وَاضِعا خد خدمته راضعا صرع ضراعته عاقدا نطاق طاقته فاقدا نفاق فاقته بأنافته وَهُوَ معتر معترف مقتر من بضَاعَة الْفضل لجرم إضاعته مقترف وَإنَّهُ لمملوكه رقّه ورقيق ملكه وَقَرِيب مسلكه وقرينه سلكه ومسترق لطفه ومسترق عطفه ومبتاع إحسانه ومرتهن إمتنانه فَهُوَ العَبْد لهج بِالْحَمْد أَو جهل غل من الرفد أَو نهل إنم فَصحت لَهُ عبارَة فِي براعة فَصحت فَلِأَن همة الْمولى فسحت لَهُ فِي صوب سحب صوابها فسحت وَإِن أَبَت وَنبت وتنكبت جادة الإحادة وكبت فَلِأَن فطنته بالعجمة فطْرَة وسماء جبلته عَن جبلتيها إنفطرت وَلَوْلَا إمتثال مراسم تشرفه بهَا وإلتثام مباسم ترشفه لَهَا على أَن الْأَمر المطاع يُكَلف الْمَرْء المستطاع لما تعرض فِي مضمار اجري وإضمار الجرأة لعيثاره ولكان فِي كن لكنه وَكسر إنكساره وَمَا أصدر لهَذِهِ الْغَايَة خدمَة إِلَّا وَهُوَ يعْتَقد أَن قدرته لَا تطبيق سواهَا وَأَنه لَا تنهض بإنشاء غَيرهَا قواها وَمَا تغب خدماته وتغيب إِلَّا لقصوره لَا لتَقْصِيره وَمَا تقدم هَذَا الْعذر إِلَّا لتأخره لَا لتأخيره فوصل إِلَيّ مِنْهُ كتاب كريم مضمونه وقفت على كتابي حَضْرَة سيدنَا لَا وقفت مِنْهَا وَلَا فِيهَا وَلَا لَهَا على مَكْرُوه وَلَا بلغت فِيهَا الْأَعْدَاء وَالْأَيَّام والحساد مَا بيتوه من مَكْرُوه دُعَاء على تعتقده الطباع لَا

فكتبت إليه في الجواب في العشرين من شهر ربيع الأول

على مَا تعقده الأسجاع وعَلى مَا تستودع الصحائف لَا على مَا تستودع الرّقاع وعَلى مَا تخلص فِيهِ الْقُلُوب لَا على مَا تمذقه الْأَلْسِنَة وتعيه الأسماع فَقلت أَيهَا الصَّباح عَم صباحا وأيها العذب الزلَال لطبت حَتَّى كدت تكون للقرائح مَاء قراحا وأيتها الْغرَّة الصبحية سررت إِلَى أَن كدت تكونين غررا وأوضاحا وأيتها الأنفاس الطّيبَة سريت وطبت إِلَى ان كدت تكونين رياحا ورواحا وأيتها البراعة الرائعة طلت إِلَى أَن كدت تكونين فِي يَد الْعَزْم رماحا وَذَهَبت أصعد وأصوب وأنادي وأثوب وأقوم فِي إلاجابة بل أقعد وأدنو من الخواطر بل أبعد التماسا للجواب واقتباسا من السراب فخانني ومضانه اللماع وأخجلني رجفانه الرواع ثمَّ تحرر فِي نَفسِي أَن أرسل النَّفس على السجية السخية وأجريها على السّنة السّنيَّة وَلَا أعارض بنبأه النابح الشاحج القارح وَلَا بقطفه البغاث خطفه الجارج وَأَقْبل من قلبِي مَا قذف بِهِ من جدوله لَا من بحره وَمَا لَفظه من صدفه لَا من دره وأستعصيها المان وأستعديها عوائد الامتنان وأنتهى بسنا السنان عَمَّا لَا أصل إِلَيْهِ من جنى الْجنان وأسألها أَن لَا تجْعَل نكولي عَن الْوَصْل ذَرِيعَة إِلَى الْمَأْثُور فَلَا تضن عَليّ بالرخيص عَلَيْهَا الغالي عِنْدِي وَلَا تمنعني اتاوة الْأنس الَّتِي تُؤدِّي إِلَى ودي وَغير هَذَا فإنني وَالله حَامِل هما لما تتحمله بسببي قلبا وجسما لِأَن كتبي إِلَى الْمقَام الناصري أعز الله نَصره فِيهَا أساطير الْأَوَّلين الَّتِي تملى بكرَة وَأَصِيلا وَأَحَادِيث الآخرين الَّتِي جوابها أَشد وطأ وأقوم قيلا وَيحْتَاج إِلَى خلاف مَا سيدنَا عَلَيْهِ من جسم متثلم وَأَحْوَالهَا بِخِلَاف ذَلِك فَإِن أشغالها تستنفذ الْأَوْقَات وتستغرقها وتحرج الصُّدُور الرحيبة وتضيقها وَأَنا أجري مجْرى الْخطاب فِي الْحُضُور بالْمقَام الْأَعْلَى وأكررها لِأَن أَولهَا بآخرها ينسى وأعول فِيهَا على مُسَامَحَة تكْثر قليلي وتصحح عليلي واستثبت بحصاها مرجان كلمها ويبدعها بَدَائِع حكمهَا لَا عدمت من حَضْرَة سيدنَا من يواري أوراي ويجلو ليل سيرته أنوار نَارِي فَكتبت إِلَيْهِ فِي الْجَواب فِي الْعشْرين من شهر ربيع الأول أدام الله أَيَّام الْمجْلس العالي المولوي الأجلي الفاضلي ضاحكة من ثنايا السُّعُود

سالكة ثنايا الصعُود باتكة رِقَاب الْعَدو مالكة هضاب الْعُلُوّ سافكة دِمَاء الحساد هاتكة ذماء الأضداد وَملك أقلامها من الْملك الأقاليم ورزق أقدامه فِي الْخَيْر التَّأْخِير والتقديم وجنب إِلَى جنابها الشَّفِيع آلَاء النَّعيم وَبَين بَين أهل الْكَرم بكرمه المهيب تهلل غرَّة الْخطب البهيم وَلَا بَرحت بحار فواضله مغاصا لفرائد المحامد ورحاب فضائله مغتصة بوفود الْفَوَائِد وحراب نقمه سارقة أنعام الْأَعْدَاء إِلَى معاطن المعاطب بالنكاية والنكال وعراب نقمه سَابِقَة بأعداء أوليائه فِي مَذَاهِب الْمَوَاهِب إِلَى آماد الآمال وَلَا زَالَت أجياد الأجواد لظوق طوعه ملتزمة وجياد الأمجاد على حمى حَمده مقتحمة وألفاظ الفاضلين بمعاني معاليه متزينة وصحائف الصفائح بسور سيرة مدونة وَكتب الْكَتَائِب الإسلامية برقوم النَّصْر من نصل قلمه معنونة مَا حلت ماحل الثرى ثرة الحيا وحيي بهَا مِنْهُ هامدة وشام شَامِل الربَاب للربى حائم حام فَهُوَ من الأقاصي قاصدة وَمَا أجنى غيث عَذَاب ثمار وأنجى غياث من عَذَاب عمار أَعمار مثل الْمَمْلُوك لمثال الممالك قَائِما وثمل من سكر الشُّكْر هائما وَحَام حول حمى حولخ بِوُجُودِهِ لمنته المتحملة لمنته المجملة عادما وعقر سَنَام سنائه نادا من نَادِي الوجل وقرع من سناه بإيهام الْإِبْهَام من الخجل نَادِما ودان لعزته ودنا خَاشِعًا واستعان بعاطفته وعنا خاضعا وَولى وَجهه شطر قبْلَة اقباله وعفر خَدّه إجلالا لِعَظَمَة جَلَاله وفاخر الْفُضَلَاء الْكتاب بفخر فضل كِتَابه وأربى بهمته الْعلية فِي الْمجد على أربابه وتمثل بقول الأول (الْكَامِل) علمه عنْدك أَن يصعر خَدّه تيها وأبهة على أَصْحَابه لمواهب ضاعفن من أَمْوَاله ومفاوضات زدن من آدابه فَمَتَى تطلب أَن يقوم بشكر مَا أوليت أتعب نَفسه بطلابه ... وَالْبَيْت الثَّانِي جَوَاب قَول الْمولى أَن مكاتباته إِلَى السُّلْطَان تطول وَأَن مسائلها تعول ويشفق على الْمَمْلُوك مِنْهَا وَيعْتَذر إِلَيْهِ عَنْهَا فَلَعَلَّ الْمولى لَا يعلم أَن مَعَانِيه كالأرواح تبْعَث للمملوك قرائحه المدفونة فِي تربة تَرْبِيَته الملحدة فِي قبر صَدره الضّيق بمنكر همه وكير فكرته فَلَا يجلو أصداء خاطره إِلَّا بصيقلها وينقع صدى ضَمِيره إِلَّا من منهلها وَكلما طَال فِي الزكاء طولهَا وَحَال لِلزَّكَاةِ حولهَا وفغم ريا رياضها وأفعم

عاد الحديث

حَيا حياضها وهدلت ورق غنائها وتهدلت غنائها وماج عباب بحرها وهاج لباب سحرها وازينت سماؤها وبينت أسماؤها ولاحت بروجها فِي صعُود دروجها وفاحت نوافح أرجائها بنوافح أرجها وطلعت شمس مشعشها ودر شُعَاع شموسها وَطَابَتْ أنفاس انقاسها بنفائسها مهدية إِلَى أوليائها فِي هداها طيب نفوسها فَرح الْمَمْلُوك فراح فِي مراح مراحه مبتهجا ولمراد مُرَاده منتهجا ولمرامي مرامه مُسَددًا ولجدد شعب لَا يشْبع لَهُ مِنْهُ لنهمه ويرعى كلأيراع كلأه الله لتسرح نعم الآمال إِلَى نعمه ويتنزه فِي زهر يتنزه زاهره الطالع عَن الأوفل وينتشي بشمول شمائل تهب حسنى حسنها المنشأة بشمال الشُّمُول ولولاها لكاد يقْضِي تعبا لمن لَا ينظر فِي وَجه رَاحَته وَيَقْضِي لغبا إِلَى امتلاء قلبه هما لخول يَده وصفر رَاحَته فَهِيَ نقوده وعقوده وعقائده وعقائله وذخائره ومفاخره ومحبواته وموموقاته وأقماره وأرماقه وأمواله وآماله ومفرجاته والمنهومان لَا يشبعان والمطلوبان عِنْد الْمولى موجودان لَا زَالَ مَوْلَانَا مأمول الْإِحْسَان مأهول السُّلْطَان وَلَا برح عدوه مذموما بِكُل لِسَان وَلَو كَانَ من أعدائه الثَّقَلَان عَاد الحَدِيث والمكاتبات الْفَاضِلِيَّةِ مِنْهُ إِلَيّ والإجابات مني إِلَيْهِ كَثِيرَة وفواضله فِيهِ اغزيرة ومطالع مطالبي بهَا منيرة وَلَو أوردتها جَمِيعهَا لم أستوعب فِي الشُّكْر صنيعها لكني فِي الْعُمر بالمهل أفردت لَهَا كتابا بل روضا لَا يلقى لنضيره نَظِير وَلَا ينْسب لملك إِلَّا السرُور بِهِ سدير ذكر الْحَوَادِث فِي هَذِه السّنة وَنحن مخيمون بِظَاهِر حمص وَفَاة الْحَكِيم مهذب الدّين أبي الْحسن عَليّ بن عِيسَى الْمَعْرُوف بِابْن النقاش

فصل من مكاتبة كريمة فاضلية إلي في أمره

الْبَغْدَادِيّ بِدِمَشْق فِي الْمحرم من هَذِه السّنة كَانَ الْمُهَذّب بن النقاش كنعته مهذبا وَمن الْمُلُوك لِتَفَرُّدِهِ بفضله مقربا وَهُوَ فِي فنه مبرز وَملك الشَّام بمحاسنه مطرز من شدا شَيْئا من الطِّبّ يتبجح بأه قَرَأَ عَلَيْهِ وَتردد لاستفادته اليه وَقد راضته الْعُلُوم الرياضية وحكمت أخلاقه المعارف الْحكمِيَّة وفقد فقيد الْمثل وَعَاد بعده خصب فنه فِي الْفضل إِلَى الْمحل فصل من مُكَاتبَة كَرِيمَة فاضلية إِلَيّ فِي أمره وَكنت أعلمها بعلمي بوفاة الْمُهَذّب رَحمَه الله فليت علمي كَانَ بِهِ جهلا وليت أخلاقه تسليني عَنْهَا أَن اسْتثْنِي مِنْهَا بَالا (الوافر) وليت الشامتين بِهِ فدوه وليت الْعُمر مد بِهِ وطالا ... وَهَذَا الْمُصَاب فَهُوَ المنهل المورود وَيَوْم الْيَوْم الْمَوْعُود الَّذِي يَسُوق إِلَى الْيَوْم الْمَشْهُود على من تَأَخّر لمن تقدم من أخلائه وَيعلم أه تَابعه إِن لم يكن من رفقائه ونسأل الله الْخيرَة فِي المنقلب والأمن يَوْم الرهب ذكر وَفَاة الْأَمِير نجم الدّين بن مصال فِي مصر فِي الثَّانِي عشر من جُمَادَى الأولى فِي هَذِه السّنة وَقد سبق ذكر هَذَا الْأَمِير الْكَبِير وفضله وتفضله وَطوله وتطوله وَمَا كاتبته بِهِ نظما ونثرا فِي مبدأ وُصُوله إِلَى الشَّام ونجح مساعيه لي فِي المرام وجاءنا نعيه وَنحن بحمص فجاوز اغتمام السُّلْطَان برزئه حَده وَجلسَ فِي بَيت الْخشب مستوحشا وَحده وَقَالَ لَا يخلف الدثر لي مثله صديقا بعده وأجرى مَا كَانَ لَهُ جَمِيعه لوَلَده وَحفظ عَهده وَكَانَ لجَماعَة من الْأَعْيَان وَالشعرَاء المائل والأدباء لعنايته ووساطته من السُّلْطَان رزق فأبقاه عَلَيْهِم كَأَنَّهُ عَلَيْهِ حق مُسْتَحقّ وَمن جُمْلَتهمْ رجل

ذكر الظفر بخيل ورجل للفرنج أغارت على بلد حماة في العشر الأول من شهر ربيع الآخر

من أَوْلَاد ابْن أبي حَصِينَة وَقد ورث نظم القريض من جده وَقد روج فِي جود سوق السُّلْطَان قصائده بِقَصْدِهِ فَلَمَّا توفّي الْمَذْكُور قصدني واسترفدني استرشدني فَقلت للسُّلْطَان لَو أَن نجم الدّين بن مصال حَيا وشفع إِلَيْك فِي رزق مسحق أَو عتق من رق أما كنت تقبله فَقَالَ بلَى فَقلت فَأقبل الْيَوْم شَفَاعَته وَهُوَ فِي دَار البلى ثمَّ ذكرت لَهُ ابْن أبي حَصِينَة ومواته المتينة وحرماته المبينة وصداقته النجمية ومنزلته المحمية فضاعف أدراره وأذهب عَن أقتاره وسوغ لَهُ دَاره ذكر الظفر بخيل وَرجل للفرنج أغارت على بلد حماة فِي الْعشْر الأول من شهر ربيع الآخر كَانَ مُتَوَلِّي عَسْكَر حماة الْمِقْدَام الْمُقدم الْهمام الْأسد الضرغام الْفَارِس القمقام الْأَمِير ناصرالدين منكورس بن الْأَمِير خمارتكين صَاحب حصن بوقبيس وَهُوَ شَدِيد الحزم سديد السهْم حَدِيد الْفَهم هزبري الربوض عنتري النهوض ليثي النهمة غيثي الرهمة ماضي الصرامة مضيء الشهامة سخي نخي تَقِيّ نقي ذمرسي مشيح لدم الْكفْر مُبِيح وَمن شَرّ الشّرك مريح وبحكم النَّصْر بعزمه متيح حَرِيص على الْعَلَاء الصَّرِيح مجد فِي كسر الْعَدو بالعدو الصَّحِيح سريع إِلَى الصَّرِيخ بِالْقَلْبِ اليقظ والعزم المصيخ وَكَانَت طَائِفَة من الفرنج وَمن انْضَمَّ إِلَيْهَا من الذعار وتبعهم من ذؤبان الْكفَّار قد ألهبوا الْأَعْمَال بنارهم وأرهبوها بغوارهم جمعهم مرهوب وجمرهم مشبوب وَلكم أحرقوا وأرهقوا وأغرقوا وأزهقوا وأغاروا على غرَّة وامتاروا مرّة بعد مرّة شرار من النَّار كشرارها طائرة فجرة بدوائر السوء فِي الديار دَائِرَة يَبْتَغُونَ ويسحتون ويقيمون وَلَا يتشتتون كم صدرُوا وَبَاتُوا ورصدوا وفاتوا فَلهم عُيُون تجس وظنون تحس وظلاله تدلهم ولاله تضلهم وغواية تغريهم وعياية تخفيهم وجرأة تنهضهم ونهضة

تجريهم وجسارة تؤتيهم وذعارة تحزبهم وقلق يثبتهم وثبا يقلقهم وحنق يحدهم وحدة تحنقهم وَقد تذوقوا تطعموا وَكلما تلفقوا تسرعوا وَكَانَت بحماة مَعَ نَاصِر الدّين منكورس عدَّة مَعْدُودَة لَا تبلغ مائَة وَلَا تَجِد لاتجادها عَلَيْهَا فِئَة فَعرف الْقَوْم أَن أَعمال حماة قد بقيت شاغرة فصوبت أَفْوَاه غاراتها لالتقامها فاغرة ونهضوا فِي جمع جم ودهم مدلهم فَخرج غليهم نَاصِر الدي نمنكورس فِي عدته وتوكل على الله وكدمهم بضرسه وضغمهم بفرسه وأوحشهم بأنسه وعضهم بعضبه وخبطهم بخطبه وعرضهم على حُدُود الأشافي وَرَمَاهُمْ من نَفسه بثالثة الأثافي وَأخذ عَلَيْهِم المضائق وَصوب إِلَيْهِم البوائق فوقعوا فيفخاخه وفنيت بياذقهم برخاخه فسفك دِمَاؤُهُمْ على الوهاد والربى وسلكهم فِي خدمَة الحومة بنيران الظبى وَأسر المقدمين وأفنى بِسَفَه البَاقِينَ وَلما فرغ من شغلهمْ وَعز الْإِسْلَام بذلهم وَعَاشَتْ الْأَعْمَال والديار عمرت وَأمنت بأسرهم وقتلهم وَعم الْأَمْن وَتمّ الْيمن وقرت بِفَارِس الْإِسْلَام الْأَعْين وأقرت ببأسه وبسالته الألسن جَاءَ إِلَى الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة بِظَاهِر حمص بمنقبة مُسْتقِلّا وبنهضته مدلا وَلِحَدِيث حادثه مملا وَفِي خطاب خطبه مدقا مجلا وسَاق أُولَئِكَ الْأُسَارَى والأغلال فِي أَعْنَاقهم والآجال آخذة برماقهم فَركب السُّلْطَان فِي الْيَوْم الْحَادِي عشر من شهر ربيع الآخر وَمَاجَتْ عساكره فِي موكب كالبحر الزاخر ووفق رَاكِبًا ووقفنا راكبين ولغير مَا يَأْمُرنَا بِهِ ناكبين فَحَضَرَ الْأَمِير منكورس وترجل ولثم الأَرْض وَقبل تقدم وصافح السُّلْطَان ولثم يَمِينه بعد أعفر بقدم جَبينه ثمَّ أحضر أُسَارَى من الفرنج وَالنَّصَارَى كَأَنَّهُمْ سكارى وَمَا هم بسكارى مشدودين فِي الحبال ممدودين بالخبال معروضين على الردى مقبوضين من العدى ببسط ايدي الْهدى فَأمر بِفَتْح أغلاقهم وَضرب أَعْنَاقهم وَأَن يتَوَلَّى ذَلِك أهل

التقى وَالدّين من الْحَاضِرين وَأَن يكون هَلَاك الْمُشْركين بأيدي الموحدينفأعنق امامهالضياء الطَّبَرِيّ إِلَى بَرى عنق وزهقت علاقه بازهاق علق وفجر من الْفَاجِر ورد الوريد وأدر مُرَاده بارواء المريد وَكَانَ الإِمَام فِي هَذِه الصَّلَاة الجهادية اماما وأزار الْمُقدم الهاتك حمى حماة حَماما ثمَّ تلاه الشَّيْخ سُلَيْمَان الرِّبَوِيّ المغربي وَكَانَ هماما مقداما وتلاه أخرون كرام وَلَكنهُمْ لم يرَوا أَن يَكُونُوا على أهل الشّرك كراما وَكَانَ الْأَمِير آقطغان بن ياروق حَاضرا وَهُوَ من أكَابِر الْأُمَرَاء الياروقية وَقد أخرجته نَار كير الْجِهَاد فِي غَزَوَاته كالسبيكة النقية وَهُوَ ذُو السِّيرَة العفيفة الزكية والسيرة التقية فتقرب إِلَى الله بِضَرْب رَقَبَة أحد أعدائه رَجَاء أَن يعده فِي أوليائه وجائني فِي تِلْكَ الْحَالة رَسُول من السُّلْطَان يدعوني فَظَنَنْت أَنه لمهم لَا يَكْفِيهِ غَيْرِي وَلَا ينْفَرد بِهِ دوني وَلما أجتبه أصبته وَهُوَ يَقُول جرد سَيْفك لهَذَا الْكَافِر وَخذ بِهِ مَا يشْتَمل عل ى سَمعه وبصره وَحل حباك حبا لله وَلَا تقصر فِي نجل قصره فَقلت أَنا للقلم وسوفي بالمداد وَلَا أزاحم السيوف وأنشر الْفتُوح وَلَا أنشئ الحتوف وَلَكِن هَب لي ذَلِك الصَّغِير لأملك رقّه وغيري يَنُوب عين فِي ذَلِك الْأَسير وَيضْرب عُنُقه فَتَبَسَّمَ فعاينت من الضحوك الْقِتَال وأقالني وَأجَاب فِي النوال السُّؤَال وَقَالَ هَذَا الصَّغِير نستفك بِهِ من الْمُسلمين أَسِيرًا وَنهب لَك من سبي الأسطول بِمصْر مَمْلُوكا كَمَا تُؤثر أثيرا فانتهزت الفرصة وأحرزت الْحصَّة وسلكت فِي النجح نهجي وأحضرت دواتي ودرجي واستعنت بالأمير عضد الدّين مرهف بن مؤيد الدولة أُسَامَة بني منقذ حَيْثُ رَأَيْته أكْرم النَّاس فَكتب لي توقيعا بِمُقْتَضى الالتماس وَأخذت فِيهِ عَلامَة السُّلْطَان وشكرته على السُّلْطَان

نسخة فصل من كتابي إلى المولى الأجل في طلب المملوك

وَلما نزلت حررت إِلَى الْمولى الْأَجَل الفاض رِسَالَة فِي الْمَعْنى واستمدت على عادتي مِنْهُ الْحسنى ووصفت الْمَمْلُوك الْمَطْلُوب والغلام المخطوب بأوصاف يتَعَذَّر وجودهَا وَلَا يَفِي بإحضاره يَد عارفة الدَّهْر وجودهَا فسير إِلَيّ فِي جوابها مائَة دِينَار مصرية عَن الْمَمْلُوك عوضا وَقَالَ رَأَيْت تَحْصِيل غرضك مفترضا وَالرَّقِيق الَّذِي أحضر الأسطول مَا فِيهِ مَا يُوَافقهُ مِنْك الْقبُول أجودهم يُسَاوِي عشْرين دِينَارا وَمَا رَأَيْت ذَلِك لَك مُخْتَارًا وَقد أخذت من الدِّيوَان على الْمَمْلُوك خمسين وَمن الخزانة العادلية ثَلَاثِينَ وَمن خاصتي عشْرين فأثمر قلمي بِمَا عف عَنهُ السَّيْف وَمَا ضيعت اللَّبن لما جَاءَ الصَّيف وَلَو أرقت الْأَحْمَر مَا راقني الْأَحْمَر وَطلقت الباتر فأنجب الْقَلَم الأبتر وَإِنَّمَا أَعرَضت عَن ذَلِك مَخَافَة أَن يضْحك مني فِي ذَلِك الْجمع كَمَا ضحكوا من البَاقِينَ وَكُنَّا مِنْهُم بَين الْبَصَر والسمع نُسْخَة فصل من كتابي إِلَى الْمولى الْأَجَل فِي طلب الْمَمْلُوك يُنْهِي الْمَمْلُوك أَن مَالك الْأَمر أَمر لَهُ بمملوك مَقْبُول وَوَقع بِهِ عَليّ سبي الأسطول وَسبب ذَلِك أَنه أره أَن يضْرب رَقَبَة أفرنجي يَوْم قيدت الأساري من حماة فَقَالَ هَذَا أَوَان كَانَ عبَادَة لفاعلها الْحسنى وَزِيَادَة لكنني غير مُتَعَيّن لَهَا وَلَا أَنا معني بهَا فَدَعْنِي لمشق الصحائف وَلَا تدعني لمشق الصفائح وَأَنا لَا أَمر خلف الصائح وأمري خلف الفصائح وَلَا أقلم ظفرا وظفري بالقلم وَأسر بِالْعلمِ وَلَا أَسِير فِي الْعلم وأوثر الْأَحْيَاء لَا الإماتة وأورث الإفادة لَا الإفاتة وأقتل الذَّم لَا الذمر وأبذل الجم لَا الْجَمْر وأفك الرّقاب لَا أضربها وأكف الْعقَاب وَلَا أقربها واستخدم السيوف وَلَا أقربها وَأَرْفَع السقوف وَلَا أهدمها وأفتي واتجافى وَلَا أجنف وأديم الرقة وَلَا أريق الدَّم وَأكْرم الْوُجُود وأكره الْعَدَم وأدواي الأوداء وَلَا أدوي الْأَعْدَاء وَلم يجر هَذَا كُله وَلَا بعضه وَإِنَّمَا بدا من السُّلْطَان رفضه ومني رفضه وَكَانَ من الْأَمر أَن الإِمَام بدر أَمَام العساكر وَقَالَ أَنا أضْرب رَقَبَة هَذَا الْكَافِر فَضرب وَلم يثن وَمَا أضْرب من لم يثن ثمَّ خرج سُلَيْمَان المغربي صَاحب جرديك حاسرا للكمين مجدا بالجدة ماضي الحدين فخطا إِلَى آخر أخطأه حَتَّى خر والمملوك وَاقِف لَا ناقف وَشَاهد لَا شاهر وعائر

عاد الحديث

قائر وَلَا باقر وسال وَلَا سَالَ وفصال وَلَا نصال فَقيل لَهُ إفعل على موافقتهما وَوَافَقَهُمَا على فعلَيْهِمَا فشنف وأنف وَعز وعزف وَصد وصدف وابى إِلَّا الأباء ونيا أَن يهد الْبناء واستجهل الشُّرَكَاء وَلم يُشْرك الجهلاء وَضربت رِقَاب سِتَّة مَا فيهم إِلَّا من تشاهد لينجو فَمَا نجا وتلفظ بِالْكَلِمَةِ فرجا فرجا وَكَانَ فِي الأسراء صَغِير صاغر بَين الأقوام قد حماه سنه الغض من عض سنّ الْحمام فَقَالَ الْمَمْلُوك للْملك هَب لي هَذَا أربيه وَلَا تهب بِي إِلَيّ ذَاك أبريه فوهبه لصَاحب أَسِير وأحال الْمَمْلُوك على سبي الأسطول بصغير وَمَا فِي التوقيع تعويق بل لسهم النجح بِتَوْفِيق سَهْمه تفويق والمأمول من الْمولى أَن يصطفي لمملوكه الَّذِي اصطفاه مَمْلُوكا فِي قالب الْقُلُوب للقبول مسبوكا يتوقى زكاء وتوقد ذكاء مِثْلَمَا مثله الْمِثَال الشريف فِي سناه وسنه وفننه وفنه رومي الْجِنْس نَارِي الْحسن يحمل الدواة ويمسك المداس ويعاف للعفاف من أدنى النَّاس الأدناس وَلَعَلَّ الْمولى يَقُول هَذَا لَا يُوجد فَيُؤْخَذ وَلَا ينفذ فِي تَحْصِيله إِلَّا فَينفذ وَقد أنبأ الْمَمْلُوك عَن مناه والمنى تزيد وتنقص وَإِنَّمَا الْمَطْلُوب أخْلص الَّذِي يخلص ويتركه الْمولى إِذا أَخذه مَعَ مماليكه يحمل عَن الْمَمْلُوك هم نَفَقَته وَكسوته إِلَى أَن يصل إِلَى الْمقَام الْأَشْرَف ويمثل بخدمته وَمَتى حصل الْمَمْلُوك للمملوك بَان سر تَمْيِيزه وَأمن على جراميزه وَلَقَد صدق قَصده وَمَا شرد رشده ونجح أمله وَمَا جنح عمله وَالشُّكْر شركه وَالْحَمْد نُسكه وَالدُّعَاء فِي وسع سَعْيه وَالْوَلَاء ولي هدي هَدْيه وَلَا زَالَ الْمولى وحر الْحَمد من سبي سيبه وَذُو الْفضل مبر فِي الزَّمَان ببره بري من ريبه عَاد الحَدِيث وعاود السُّلْطَان ذكر بعلبك وتمنعها وأحس من أفكارها بتورعها وأشفق عَلَيْهَا وأزمع أَن يسير إِلَيْهَا ذكر الخريف وَوصف فَصله وَدخل فصل الخريف ومالت الطباع إِلَى التحريف وأصفرت الأوراق وأغبرت الْآفَاق وَفصل فصل الخريف خريف صف الصَّيف وَطَاف بِطرف كل طرف طيف الْخيف والغزالة لما نفرت من الْأسد واستوعبت رعي السنبلة قنصتها صَاحِبَة الْمِيزَان دون السماك فِي أول الْمنزلَة وغفرها ربرب الغفر ليتوجها بالإكليل وتنزل الْقلب

وأضب بحجابها الضباب فَفرض لفرضها الْحجب بل وَقع دِينَار الشَّمْس فِي ميزَان السَّمَاء لمشتريها وَفَارَقت بَيت عُطَارِد فَهُوَ للإحتراق بهَا تَالِيهَا وتلقتها الزهرة فِي بَيتهَا وأشعلت سراجها بزيتها فَهِيَ منصرفة عَنْهَا إِلَى بَاب دَار المريخ للأستعداء على الزَّمَان العادي بِصَرِيح الصَّرِيح فقد تشاجرت عواصي العواصف مَعَ الْأَشْجَار وَأَلْقَتْ حواملها أجنة الأثمار وناح الهزار على الأزهار وباح نفس الجو العليل بالأسرار وسافرت الأطيار وكارت الْأَسْفَار ونشا النشاص وَربا الربَاب وسحب ذيل نيله السَّحَاب وسفر محيا الْحيَاء من قناع الْفَزع وغاض القيظ من الغيظ وعزف للفزع وَقبض روحه المنتزع وطلت الديمة دم طلها وشردت الأفناء الْأَحْيَاء من أفياء ظلها وارتجت الأَرْض وارتجزت السَّمَاء وعوى لمكاس السماك العواء وارتعد الثرى من ثرة الرغد وَفَاء الزَّمَان فِي الإعتدال وَلَكِن الإعتداء بالوعد وطفقت ليَالِي تشرين تشري مَا انتثر من لآلئ أيلول وابتدى الندى بَطل الطلول ودق الودق تُرَاب التُّرَاب وطردت طرائد القطار فِي الأقطار أسراب السراب وَآل لآل إِلَى لآلاء وتنادى بالأندية تنادي الأنداء وَقد أجد الجو من الجوى وَضحك الْبَرْق مِنْهُ فِي الْبكاء وَتغَير الْهَوَاء لتغير الْأَهْوَاء وابتدأت مُجْتَمع أشتات الشتَاء وتنكرت معارف الأشياع والأشياء وخزنت الْفَوَاكِه وقرنت الشواكه وتشابهت المجاهل وجهلت المشابه وذكت البراري وبركت الصحارى وراحت الرياحين ويبست الْبَسَاتِين وعاودت مساكنها الْمَسَاكِين وجدت العراجين وأعدت الكوانين للكوانين وتجدد للجديدين فِي منهاج انهاجا فِي الْميل الاسْتوَاء وتنحلت الْأَنْوَار وتنحلت النواء ووصلت النَّار وهجر المَاء وفطقت المشاتي وَطلب الْمُوَافق المواتي وَجمع الفحم وَحمل الشَّحْم وهربت الْحَرَارَة وغلبت المرارة واستشعرت النُّفُوس فِي أمزجتها فأبقت كل طبيعة بمداواتها على درجتها وَاعْتمد كل من كُله مَا يَلِيق بِفضل فَصله وكل مَا عقده الهجير الهاجر وَفِي الخريف الواقد بحله واجتيبت الْحباب وحبيت الْحباب ودفيت القباب وتوارد فِي التزوار فِي الأوطان لمحاب الأوطار الأحباب ومالت كل نفس إِلَى الرَّاحَة وحض كل حظر فِي حَظّ على الإستباحة ودعت دعتها الْأَنْفس النفائس والهوى جس الْهَاء فجاست الهواجس وَطَالَ ليل السَّلِيم وغال غرام الْكَرِيم وَنفذ تَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم ولذ مطاب المطابخ فِي مطال الْمطَالع وناب الْجُود السلطاني مناب الْجُود النابع واقتصيت مبار

ذكر الرحيل إلى بعلبك

المرابع واقتفيت مناقد الْمَنَافِع وانقضى عصر الْبِطِّيخ وَجَاء عرف الطبيخ وَعرف الطريخ وَأَوَان التشريح والتسريح وَمر زمَان الإجتناء وَاسْتمرّ أبان الاجتنان وَمَا اكتنى الْوَاجِد الا بواجد الاكتنان ورعي الهشيم وروعي المشيم وشيم البارق وسيم الشارق وليم المفارق واستديم الْمرَافِق وأمتعت اللَّيَالِي بأسمارها وأقمارها وأسرعت المذاكي فِي إجرائها لمضمارها وراقت بجالي الأطباق وشاقت مجالي الْأَخْلَاق وتقوضت مباني البروق وتعوضت بمغاني الْبيُوت وَدنت مناقلة المناقل وتناثر خلال خَال الْهَوَاء طل الهواطل ذكر الرحيل إِلَى بعلبك وَقَالَ الْأُمَرَاء للسُّلْطَان هَذَا أَوَان الإنصراف وَوقت الإنحراف وَقد قضينا حق الْمقَام وَأمنا على ثغور الْإِسْلَام وتسددت بِنَا مرامي المرام فَقَالَ قد بقيت فِي النَّفس حَاجَة بعلبك نقضيها وعزمتنا فِي تلسمها نمضيها فَإِن المتحصن بهَا من متخوف متعزف فنحضره ونحصره ونهديه ونبصره ونعظه ونوقظه ونحفظه بحمدنا وَلَا نَحْفَظهُ وَإِن أهملنا أمره أَو أمرنَا بإهماله لم نَأْمَن من ضيق مجَال احْتِمَاله ويحمله تخيله على تحيله ويشرع فِي توسله بتسوله وَرُبمَا أطمع الفرنج فِي الثغر وأفضى سر الشَّرّ إِلَى الْجَهْر على أَن حق ابْن الْمُقدم مقدم وَلَا شكّ أَنه متندم لكنه يحملهُ اللجاج على مَا لَا يَصح بِهِ الْمِنْهَاج وَدينه قوي ويقينه رُوِيَ وَلَعَلَّه لَا يحوجنا إِلَى المطاولة وَلَا يحرجنا بالمماطلة وَلَا يزعجنا ويخرجنا إِلَى المنازلة فسرنا على طَرِيق الزِّرَاعَة لقصد حصد زرع الْخلاف ورد من يكدر بظُلْم نَفسه إِن صفا إِلَى الْإِنْصَاف واعادة الْمُنكر العادي إِلَى الِاعْتِذَار وَالِاعْتِرَاف وَجِئْنَا وراسلناه بالاستعطاف والاستسعاف وداريناه لشيخوخته كالأطفال بالألطاف وَكَانَ نزولنا بِظَاهِر بعلبك على رَأس عينهَا وطالبتها العزائم لمتقتضى دينهَا بدينها وطالت

ذكر دخول الشتاء ودخل الشتاء واشتد البرد وبلغ الجد وفرغ الجهد ووقع الثلج وعمي النهج وامتلأ به ذلك المرج وأصبحنا وصباحنا أبيض وجناحنا لا ينهض والعروق لا تنبض والبروق لا تومض والخيام لجمودها واقفة على غير عمودها والنيران مقرورة وشباة الجليد مطرورة

الْإِقَامَة عَلَيْهَا أشهرا وأدلج الْمَذْكُور فِي ليل لجاجه فَلم يبد فِي سفارة مِنْهُ واليه صبحا مُسْفِرًا وَنحن نشفق من نزاله وَلَا نصدق فِي قِتَاله ونرفق بِهِ على عنفه فِي أَحْوَاله فَتَارَة نخوفه فيتجلد وَتارَة نرغبه فَلَا يُجيب بل يتبلد ذكر دُخُول الشتَاء وَدخل الشتَاء وَاشْتَدَّ الْبرد وَبلغ الْجد وَفرغ الْجهد وَوَقع الثَّلج وَعمي النهج وامتلأ بِهِ ذَلِك المرج وأصبحنا وصباحنا أَبيض وجناحنا لَا ينْهض وَالْعُرُوق لَا تنبض والبروق لَا تُومِضْ والخيام لجمودها واقفة على غير عمودها والنيران مقرورة وشباة الجليد مطرورة والزناد كابية والأجناد آبية وَالْوُجُوه فِي عبوس والوجود فِي بوس وَنحن كأننا فِي خيمنا فِي حبوس وَقد جمدنا كأننا بِلَا نفوس فلبدنا على الْمضَارب اللباد وَكُنَّا فِي الأكنان حول الكوانين كأنا فِي صوامع الْعباد نطري أفلاذ الأكباد فعلى الماقل فِي الشيشات شرائح وللإقتراحات على الطهاة قرائح ولأسرار الْملك من صدورنا صرائح وللسلطان فِي كل بكور ركُوب إِلَى الصَّيْد وَله طرائد وطرائح وَقد طلنا بِطُولِهِ وفضلنا بفضله وابتذلنا الْغنى ببذله واهتدينا بهداه وَمَا ضللنا فِي ظله وَاجْتمعَ شَمل عزنا بِجمع شَمله ونحتفل بحفله ونعقد بحله وَنحل بحله فَمَا ألذها شتوة وأطيبها حظوة وأسوغها لهنة ولهوة وأهنأها نوبَة لم نر لَهَا نبوة واصحها إِلَى كرمة غَزْوَة وأوثقها بعصمه عُرْوَة فَكَأَنَّهَا كَانَت غفوة لم تذكر للدهر لَوْلَا انقضاؤها هفوة وهيهات أَن نرى بعده فِي طيب عيشتها عَشِيَّة أَو غدْوَة وامتدت بِنَا تِلْكَ الْحَالة وملأت خواطرنا للأخطار الملالة وأفضت بِنَا إِلَى الشَّام الإطالة وَطلبت من التَّغَيُّر بالتضجر الاستقالة فصل فِي الْمَعْنى من مُكَاتبَة أنشأتها عَن السُّلْطَان إِلَى الرَّسُول بِبَغْدَاد أصدرناها من المخيم الْمَنْصُور على بعلبك وألطاف الله جمة واسباب التَّوْفِيق مستتبة مستتمة وَلَيْسَ لنا شاغل قد صدنَا عَن الْجِهَاد وَضرب على وُجُوه السداد بالأسداد إِلَّا ابْن الْمُقدم فَإنَّا استشعرنا مِنْهُ مراسلة الفرنج فِيمَا لَا يبلغونه من أُمُور

فصل منه في الشكوى من ملوك الزمان وذم عاداتهم

بَعْضهَا تطير الرؤس دونه وَلَو أننا نؤثر مضاجرته حَتَّى نتسلم مِنْهُ القلعة كَيفَ أحْوج ونجتهد أَن لَا يكون فِي الْإِسْلَام دم مضرج لَكنا قد استنزلناه عنْوَة وجعلناه لأمثالة عِبْرَة لَكنا نحلم وَهُوَ يجهل ونسهل وَهُوَ لَا يسهل وَلأَجل ناموس الثغر الْمَحْفُوظ وَأمر احتياطه الملحوظ نسلك أسلم الطَّرِيقَيْنِ وأهون الخطتين وَنَصْبِر إِلَى أَن نبصر كَيفَ تكون عَاقِبَة عُقُوبَته وَكَيف ينقاد للين زِمَام صعوبته وَقد علم الله سُبْحَانَهُ قصدنا وَعرف أَن غرضنا إعلاء منار الدّين لتَكون كلمة الله الْعليا وَالسَّعْي فِيمَا هُوَ أَنْفَع لنا فِي الدّين وَالدُّنْيَا فصل مِنْهُ فِي الشكوى من مُلُوك الزَّمَان وذم عاداتهم كلما عزمنا على خير عرضت فِي طرقه الطوارق وعاقت دونه الْعَوَائِق وَاعْترض نهجه اخوان الشَّيَاطِين وعاثت فِي سرحه اشباه السراحين ونلقى ضد مَا هُوَ الْوَاجِب من وَفَاء الْمُلُوك ووفاء السلاطين وَقد لينًا من الْمُسلمين بِمَا لَا نصفه من رفضهم أَمر الدّين وإغماضهم دون مصالحة واعتراضهم مناهج مناجحه فليتهم إِذْ فرغوا للذاتهم ومعاشرة لداتهم ومباشرة شهواتهم ومراضعة اخلاف لهوهم ومضارعة أحلاف رهوهم ومخادعة أطماعهم ومضاجعة طباعهم ومبايعة دنهم بدينهم ومتابعة الشَّك بمخالفة يقينهم لم يَكُونُوا للخير مانعين وللشر تابعين مانحين وَلَا لزناد الْفِتَن مقتدحين وَلَا فِي سَبِيل الله قادحين فَإِنَّهُم مَعَ ابدائهم صفحة الصُّلْح وَوجه الصّلاح وإعطائهم المواثيق على اقتران النجح مِنْهُم بالاقتراح لَا تَنْقَطِع رسلهم عَن الفرنج والحشيشية وَلَا حثهم أياهم على الأذية ويوقظونهم لكل مخزية ونهضونهم لكل مزية ويعدونهم ويمنونهم غرُورًا ويريدون أَن يطفئوا لله نورا فَإِذا جَنبُوا شجعوهم وَإِن جَنبُوا رجعوهم وَإِن قعدوا أنهضوهم وَإِن رقدوا أيقظوهم وَإِن رهبوا رغبوهم وَإِن بعدوا قربوهم وهم يدلونهم على العورات ويجرونهم على المضرات ويبصرونهم بالسوءات وَالله سُبْحَانَهُ بالمرصاد ومذيل من الأضداد فصل أنشأته عَن السُّلْطَان بحمص فِي كتاب إِلَى ظهير الدّين بن الْعَطَّار صَاحب المخزن بِبَغْدَاد عِنْد انفاذه عسكرا إِلَى بعلبك عِنْد تمنع من ببعلبك من الْحُضُور قد نهد وليه إِلَى ثغر حمص حماه اله حاميا وخيم على العَاصِي إِلَى طَاعَة الله فِي الْغَزْو متراميا وَأما الفرنج فَإِنَّهُم جمعُوا وجندوا وَنَادَوْا وحشروا وحشدوا واجتمعوا فِي مركزهم الْقَرِيب من هَذَا الثغر خَائِفين من بِدَارِنَا الْخَوْف بدارهم مترقبين كل سَاعَة

ذكر مكرمة للسلطان

من غوار الْعَسْكَر الإسلامي مَا يُؤذن ببوارهم وَقد نثلت منا كنائنها الْآفَاق بكماة أمضى فِي الروع من السِّهَام ولهام لَا يلهو إِلَّا بِضَرْب الْهَام وَمَا جرأ الْعَدو على الْإِقْدَام إِلَّا مَا جرى من ابْن الْمُقدم فِي تَأَخره عَن الْخدمَة ونقضه مبرم الطَّاعَة ورفضه حق التباعة ووقوعه فِي ورطة الشنآن بقعقعة لشنآن الشناعة فقد طمع فِي بعلبك وَظن أَنَّهَا مانعته وَجمع أوباشا من الْجُهَّال جماعتها عِنْد أسفار الْعَاقِبَة عَن الْعقُوبَة مانعته فَرَأى وليه قصد هَذَا الطّرف لتَكون العساكر الإسلامية سادة مسالك الْكفَّار صادة لَهَا عَن قصد الديار وسير عسكرا إِلَى بعلبك يحفظ غلاتها ويلحظ حالاتها وَيمْنَع أطرافها ويمنح بالأمن أكنافها حَتَّى تحتوي الْأَيْدِي على ارتفاعها ويحتوي التَّعَدِّي على ضياعها ويرعى رعيتها كلأ الكلاية وَالرِّعَايَة وتقصر عَن تنَاولهَا يَد المتطوال بالغواية وعساكر الْإِسْلَام بِحَمْد الله قَوِيَّة وآثار النَّصْر عَن سراياها مأثورة وطلائعها فِي الْبر وَالْبَحْر منصورة ذكر مكرمَة للسُّلْطَان كتب إِلَيْهِ النواب بِدِمَشْق أَن الْأَمْوَال ضائعة وَأَن الأطماع فِيهَا راتعة وَأَنه لم يبْق الْجُود مَجْمُوع موجودها وطرق الجزر إِلَى ممدودها وَأَنَّهَا لم تفضل عَن الرَّوَاتِب الدارة وفر لوفودها وانا عِنْد الِاحْتِيَاج الى كف ملم وكفاية مُهِمّ لَا نجد مَا ننفقه وَلَا نقدر على جمع مَا نفرقه وَأَن فِي أَرْبَاب الصَّدقَات أَغْنِيَاء لَا يستحقونها وَمَا لَهُم رَقَبَة من الله يتقونها وَأَن أَرْبَاب العنايات استوعبوها وَإِذا ذكرنَا لَهُم الْمصَالح والأوامر بهَا مَا صدقوها بل كذبوها وَأَن الْمصلحَة تَقْتَضِي أَفْرَاد جِهَات لما يسنح من مهمات فَأَمرهمْ فِي كِتَابه بكتب مُؤَامَرَة ووقوف الْعَمَل فِيهَا على مُشَاورَة فَجَاءَت مطالعة مكملة بالأسماء مفصلة وَظن الْوَاصِل بهَا أَنَّهَا تقطع رواتب وَتحرم مواهب فَقَالَ لي السُّلْطَان قربهَا إِلَيّ وأقرأها عَليّ فَبَدَأت بِذكر أَرْبَاب الصَّدقَات وقدمت ذكر جهتهم على الْجِهَات وَكنت مبلغ أحد عشر ألف دِينَار وَمِائَتَيْنِ مبينَة بأسماء الْمُسْتَحقّين فَقلت أحد عشر ألف دِينَار للصدقات فِي مثل دمشق هَذَا قَلِيل وَالعطَاء

ذكر إبقاء القضاء بدمشق وأعمالها على شرف الدين بن أبي عصرون وترتيب ولده محيي الدين أبي حامد لتنفيذ الأحكام بين يديه

بِحَمْد الله جزيل والصنع جميل فَقَالَ اكْتُبْ عَلَيْهَا بالإمضاء وَلَا تكدر على ذَوي الآمال موارد الْعَطاء فَقلت أما أتلو عَلَيْك بَقِيَّة الْأَسْمَاء فَقَالَ لَا بل نزهنى عَن هَذِه الْأَشْيَاء فَبَقيت تِلْكَ الرسوم دارة والآمال بهَا سارة بل تضاعفت على السنين أضعافا واستضافت آلافها آلافا ذكر إبْقَاء الْقَضَاء بِدِمَشْق وأعمالها على شرف الدّين بن أبي عصرون وترتيب وَلَده محيي الدّين أبي حَامِد لتنفيذ الْأَحْكَام بَين يَدَيْهِ قد سبق ذكر الشَّيْخ الإِمَام شرف الدّين ابي سعد عبد الله بن أبي عصرون وتفويض الْقَضَاء إِلَيْهِ بِدِمَشْق وأعمالها وَالنَّظَر فِي جَمِيع أمورها وأشغالها فَلَمَّا عدنا هَذِه النّوبَة من دمشق تكلمُوا بذهاب نور بَصَره وَأَن الْقَضَاء منصب خطير يجب أَن يصان من خطره وَأَكْثرُوا فِيهِ القَوْل وَالسُّلْطَان يغتم وَيكثر قَول لَا حول وَكتب إِلَى الْأَجَل الْفَاضِل كتبا يستشيره فِيهَا وَيَقُول لَهُ كَيفَ نعمل وَهَذِه ولَايَة الْقَضَاء الْعَمى ينافيها فَكتب فِي جَوَابه مثل الشَّيْخ شرف الدّين لَا يُوجد بِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ شيخ الْمذَاهب وَلسَانه المذرب وحاكمه المدرب وَإِذا كَانَ الْمولى قد كشف فَلم يجد الحكم جرت فِيهِ هفوة وَلَا أخذت من خصم على خصم رشوة وَلَا ظَهرت لِوَلَدَيْهِ وَلَا لأَحَدهمَا نبوة وَكَانَ الَّذِي يستقضيه مِمَّن يَقع عَلَيْهِ الإختيار لَا يزِيد عَن وَلَده فِي رُتْبَة الْعلم وَلم تبْق حجَّة فِي أَن يؤلم خاطر الشَّيْخ والمملوك لَا يُشِير بإيلامه وَلَا أَن يكسرقلبه على مَا بَقِي من عدد أَيَّامه وَلَا بِأَن يعان على حَقه وَالْمولى أولى من أحسن ضيافته مُدَّة مقَامه وَيجوز أَن يجرب الْوَلَد بالاستنابة فَإِن ظهر مَا يُوجب الصّرْف كَانَ الْمولى عِنْد عذره وَكَانَ الشَّيْخ قد قضي حَقه بتجريب الْوَلَد واختبار أمره وَكَانَت الأقدار قد أَبَت الا نقل هَذَا المنصب إِلَى مُسْتَحقّه وَأَن كَانَ الْوَلَد يحسن تصرفه وَلَا يبين فِي هَذَا المنصب تخلفه كَانَ الْمولى قد أبقى صنيعته عِنْد بَيته وَحفظ قديم مَا بَينه وَبَينه وسالف تعصب الشَّيْخ للموليين أَبِيه وَعَمه رحمهمَا الله وَتشفع شفيعي الْعلم وَالسّن وَلَا يشمت بِهِ الْأَعْدَاء وَلَا ينْتَقل إِلَى الْآخِرَة وَهُوَ يحمل الدَّاء وَيكون الْوَلَد قد نَاب عَن بصر الْوَالِد لَا غير فَكَأَنَّهُ حَاجِب لَهُ وَبَقِيَّة الواردات لِسَان الشَّيْخ فِيهَا خائض وفكره فِيهَا مستفتى ورأيه مسترشد وَنور قلبه بَاقٍ وَهَذَا أَمر من الْعلم وجانب من الْفَهم لَا يَسْتَطِيع أحد صرفه عَنهُ ان صرفه عَن الحكم وَأما اسْتِخْدَام زيد وَعَمْرو وَقبُول عصبية فلَان لفُلَان فَمَا سمى الْمولى أحدا يستأهل أَن يكون فِي مَكَانَهُ وَلَا يكمل لغير كَونه عوضا عَن أَوْلَاده ثمَّ إِن هَذَا الشَّيْخ لَا يَصح عَلَيْهِ أَن يقدم على الله وَيقدم على الحكم مَعَ فَوَات شَرطه وَهُوَ أعلم من كل من

ذكر ما آل إليه الأمر في بعلبك

افتى فِيهِ إِن لَهُ عهدا فِي وَقت خُرُوجه إِلَى الْمولى من حلب حَتَّى اشْترى دولته وَبَاعَ الدول وفت فِي عضد الْأَعْدَاء بتحيزه إِلَى جَانِبه الْكَرِيم فَإِن قَالَ قَائِل إِن الْأُمُور الشَّرْعِيَّة لَا مجَال لَهَا فِي العهود وَلَا مدْخل لَهَا فِي الشُّرُوط فَصَحِيح وَلكنه لَا يُكَلف مَا يُخَالف الشَّرْع إِذْ تقدم القَوْل أَن الْوَالِد إِن صرف فَلَا يُوجد مثله وَالْولد إِن لم يستصلح فَلَا يُوجد إِلَّا نَظِيره أَو دونه وَإِذا اسْتَوَت الدَّرَجَات فضل الْوَلَد بِقرب مِثَال الاسترشاد من أَبِيه ويسعه أننا نمنعه من تجَاوز القَوْل وتعديه وَمن إسعاف النَّفس إِلَى مَا الله عَنهُ مغنيه الْيَسْ الْمولى يقلده فِي الْفَتَاوَى فَلم لَا يقلده فِي أَمر نَفسه وَإِن كَانَ يُرِيد الِاخْتِيَار لمن يسْتَحق المنصب فدرجة الِاخْتِيَار دقيقة وَمَا ظَاهر الْأَمر إِلَّا أَن مُسْتَند الْمولى فِيهَا إِلَى برهانه ود الْمَمْلُوك لَو أَفِي الْإِسْلَام شَخْصَيْنِ كأبن عصرون وَفِي رعيه الْمولى وَبَيَاض الْأمة جمَاعَة مثله وَلَا يَلِيق أَن يكون الْوَالِي مَحْجُورا عَلَيْهِ والنائب مَأْذُونا لَهُ فَإِن هَذِه الصِّنَاعَة الأَصْل وحوطه فِي الْفَرْع ذكر مَا آل إِلَيْهِ الْأَمر فِي بعلبك وَلما طَال الْمقَام على حصن بعلبك والامتناع وَلم يَقع من ابْن الْمُقدم فِيهِ الِاتِّبَاع وَمَا رأى السُّلْطَان مقاتلة الْمُسلمين فِيهِ وَلَا كسر الناموس أبقى الْحصن على صونه المحروس وَحفظه المأنوس فرتب طغرل الجاندار وَمَعَهُ جمَاعَة يكفون من الرِّجَال ووصاهم أَن لَا يتَعَرَّضُوا لِلْقِتَالِ وَلَا يلموا بالنزال بل يمْنَعُونَ من الْخُرُوج وَالدُّخُول ويلحون الأبي من الْقبُول ورحلنا صوب دمشق فِي الْعشْر الْأَخير من رَجَب وَلم يقْض من قضايا تِلْكَ السّنة وعجائبها الْعجب وَتَمَادَى الْأَمر إِلَى أَن رَضِي ابْن الْمُقدم بحصن بعرين وأعماله وببلد كفرطابوأعيان نواح وقرى من بلد المعرة

رسالة كتبتها إلى الأجل الفاضل بتاريخ سابع عشر رجب من بعلبك في جواب كتاب ورد مع بالعتب ثانيا وقد سير معه سفتجة بمائة دينار منها عوض المملوك خمسون دينارا ومن الملك العادل ثلاثون ومن خاصة عشرون ويبشرني بولد من جارية حامل خلفتها بمصر ويعتب علي تفضيلي

وَسلم بِتَسْلِيم بعلبك من الْمضرَّة والمعرة وَكَانَ الَّذِي أَخذه أَكثر وأنفع مِمَّا خلاه وَمَا خطر بِبَالِهِ مَا حصل لَهُ وَلَا ترجاه وَلَا تمناه وسألني السُّلْطَان أَن أعمل أبياتا فِي الشوق إِلَى مصر فَقلت (الْبَسِيط) يَا سَاكِني مصر لَا وَالله مالكم شوقي الَّذِي لذعت قلبِي لواعجه أَصبَحت أطلب طرق الصَّبْر أسلكها هَيْهَات قد خفيت عني مناهجه إِنِّي لمن كرب يَوْم الْبَين فِي شغل لَعَلَّ رَبِّي بِيَوْم الْوَصْل فارجه فِي الْقلب نَار هموم زَاد مضرمها وَالْعين بَحر دموع فاض مائجه مَا قلت أَن فُؤَادِي قر ساكنه إِلَّا وبالذكر مِنْكُم ثار هائجه مَتى ترى يتسنى لي لقاؤكم وتزهدني كَمَا أَهْوى مباهجه الْقلب عنْدكُمْ قد ظلّ مقتضيا دين الْوِصَال أما تقضي حَوَائِجه ... رِسَالَة كتبتها إِلَى الْأَجَل الْفَاضِل بتاريخ سَابِع عشر رَجَب من بعلبك فِي جَوَاب كتاب ورد مَعَ بالعتب ثَانِيًا وَقد سير مَعَه سفتجة بِمِائَة دِينَار مِنْهَا عوض الْمَمْلُوك خَمْسُونَ دِينَارا وَمن الْملك الْعَادِل ثَلَاثُونَ وَمن خَاصَّة عشرُون ويبشرني بِولد من جَارِيَة حَامِل خلفتها بِمصْر وَيَعْتِبُ عَليّ تفضيلي الشَّام على مصر أدام الله أَيَّام الْمجْلس العالي المولوي الأجلي مولى الْأُمَم ومولي النعم دائمة الجدوى جائدة الديم مكرمَة الموَالِي موالية الْكَرم مشيمة الْحسنى حَسَنَة الشيم هامية السَّمَاء سامية الهمم كالمة للحسود محسودة الْكَلم معلمة بالسعود مسعودة الْعلم قالمة ظفر الْخطب مظفرة الْخط والقلم عادمة للموجودة مَوْجُودَة للعدم حاكمة بالعز عزيزة الحكم حَقِيقَة للْوَلِيّ بِالْحَقِيقَةِ قمنة لِلْعَدو بالنقم وَلَا زَالَ رِضَاهُ روضا لأوليائه بعذب الْعَطاء مصوبا وَسخطه سَوْطًا على أعدائه بِعَذَاب العطب مصبوبا ومحبوب عارفه لمعارفه محبوا وجمر وعيده عَن جرم عبيده خابيا ولإحراق حرم العداة برجم العتاة مخبوا وَلَا بَرحت سيوف أفضاله محيية بالايلاء أولي الْفضل وسيوف إقباله لهجة بإيذاء ذَوي الْجَهْل وَلَا ففتئت ضيوف فيوض نواله من النَّوَى لَهُ آمِنَة وَقُلُوب ذَوي قبُوله واقباله إِلَى جنى جنابه سَاكِنة ومساكن مَسَاكِين أهل رحابه آهلة الأرجاء وبيوت أولي الْبيُوت بل الثُّبُوت فِي ولائه محكمَة الْبناء مَا نظم للأعراب وَأحكم للأعراب بَيْتا شعر وَشعر وأشرف بالسنا وأشرق بالسنا أفقا قرم وقمر وَمَا عدن دَاخل عدن خَالِدا

فصل في عذر القلم والكتابة

وظل آبدا لظى بائدا مَا أجل الْمِثَال الْوَارِد وَأَجْلَاهُ لواردات الْهم الماثل وَمَا أدلاه بترويح الْمحلى وترويض الماحل وَمَا أهداه إِلَى سَبِيل الْمنَار وأهداه إِلَى سلسبيل المبار وَمَا أدله على محجة الأبراء وَدَلاهُ بِحجَّة الْأَبْرَار وَأما العتب فقد نفض بساطه وَنقض ساباطه وَقطع سمطه وَرفع سماطه وعلقت بالمسامع أقراطه وسبقت إِلَى المصانع فراطه وَأما الذَّنب فقد بت حيله ونبث خبله وَعرف خطأوه وَرفع خطله وَزَالَ خجله وَزَل وجله ورحم معترفه وَمَا حرم معتره وَنَجَا من الْجنَاح مضطربه ورجي بالنجاح مضطره وَسَاكن الْجنَّة لَا يعود إِلَى النَّار وامن الْحرم لَا يثار للثار والصاحي يقيل عَثْرَة السَّكْرَان وأدران أردان الْحِرْص حبا يرحضها حباء حَيَاء الغفران فَفِيمَ معاودة العتاب ومواعدة الْعقَاب وحاشا لبيت بناه فَضله من الخراب فَإِن بَيت الْمَمْلُوك من كنف الْمولى عَال وسعره فِي سوم سموهُ غال وعرسه من سقيا الْأَنْعَام وري وزنده من لقيا الأكرام وري فَلَا يحتني على مَوْضِعه وَلَا يخَاف من وَضعه وتعرفه بالمولى سَبَب رَفعه وَلَا يشك أَن الْعذر قبل والذعر قتل والذنب الْفَاسِد ذاب والخب الْحَاسِد وَذُو الْحُوب حوبي وحبي وَذُو النُّبُوَّة أبنى وَبني وَالْعَبْد هفا وَالسَّيِّد عَفا فصل فِي عذر الْقَلَم وَالْكِتَابَة والقلم لما عق عيق والدواة لما لم يصف صوفها بِمَا يَلِيق مَا ليق فاليراع يراع إِلَى أَن يُرَاعى بالأمن من كسر سنه والمن بسنا أَمنه فَهُوَ قَائِم للْخدمَة على رَأسه هائم بلباس بأسه واجم من قِيَاس باسه هاجم من اساءة اساسه باك بِعِبَارَة نَفسه حاك بعبرة نَفسه شَاك من عَثْرَة جنسه زاك بعبرة أنسه وَله لِسَانا شكر واعتذار ووجها حَيَاء وافتخار وَقد دبت الى شهد مداده نمل الأنمل وَقطع شمعة سمعته نصل التَّوَصُّل وبرته سكين السكينَة إِلَى بَرَاءَته ووكلت آلَاء مَوْلَاهُ إِلَى كلاءته وَعَلِيهِ أهبة المهابة من أبهة سَواد السؤدد واحداق احداق نواظره النواضر بعد مره امْرَهْ فِي الْإِثْم من الْعَفو بالأثمد والمأمول من الْكَرم المولوي قبُول وساطة الوَاسِطِيّ فِي الفار البستي الْفَارِسِي وَقد بَين الْمَمْلُوك من قبل مَا دهم سره وَهدم سروره وشغل أُمُوره وشغف تاموره وَقد أعَاد

فصل منه في شكر أنفاد الذهب

ببركة الْمولى حبوره وأطلع بعد أفول ذهنه نوره لَا زَالَ مَوْلَانَا ماحيا للذنوب بعفوه حاميا للقلوب بصفوه فصل مِنْهُ فِي شكر أنفاد الذَّهَب وَمن معجزات الْمِثَال العالي لَا مزعجاته وبركات الباركات المبرات من مبراته أَنه عِنْد العتاب عَن الأعتاب وَأَوَان الاجتناب آوى إِلَى الجناب ولدى النظار ولد النضار وَفِي الْجِدَال وَفِي الْجد بِالذَّهَب الْمَذْهَب بمضاء مضاربه فِي نَفعه المضار والسفتجة المروجة انفتحت لَهَا أَبْوَاب المرتجة وتجددت الأثواب المنهجة واستقامت الآراء المتعوجة واستنامت الْآدَاب المحرجة وهدرت شقشقة الْحَمد وَنظرت حدقة الْمجد وهدلت حمائم المدائح حِين هطلت غمائم المنائح وهتفت صوادحها الصوادق لما هَتَفت سواميها السوامق وَأما ثمن الْمَمْلُوك فَهُوَ ثمن الْمَمْلُوك وَأما الرغيبة العادلية فَغَرِيبَة من عَاد الْمُلُوك وَجهد الشُّكْر فِيهَا يسْتَند وحر العَبْد بهَا يستعبد وَمَا كَانَ الْمَقْصُود الذَّهَب الذَّاهِب بل الشّرف الْمُهَذّب الْمذَاهب وَأما أنعام الْمولى وَالْجمع وَالله من انعامه وآي ميامن أَيَّامه فَهُوَ الْفَخر الفخم والشرف الضخم وَهَا هُنَا وَهِي البنان وَهوى الْبَيَان وخاطر الخاطر وناظر النَّاظر ووقف الْقَلَم وحار وطاش الْفِكر وطار فَلَا لضامر الضَّمِير فِي مضمار الْعَدو على السكينَة مجَال وَلَا لقارح القريحة فِي اقتراح السَّبق إِلَى مدى الْمَدْح حسب الأرتجاء ارتحال وعبودية الْمَمْلُوك لمَالِك رقّه الزم من جيد الْحمام لطوقه وقلب ذِي الغرام لشوقه فصل فِي الْبشَارَة بِالْوَلَدِ وَأما الْبشَارَة بولده فَهُوَ مَمْلُوك الْمولى وَابْن مَمْلُوكه الْقِنّ ورقيقه المستكين للرق المستكن وهمه الْمولى تربيه وَمن الهموم تبريه والآن فَهُوَ مصري الْوَلَد وَإِن كَانَ عراقي المولد مُضَرِي الْعرق وَإِن كَانَ فَارسي المحتد فصل فِي الإعتذار عَن تَفْضِيل الشَّام وَمَا كتبت مَا كتبته فِي تَقْرِير تقريظ الشَّام سأما من بلد السأم بل بِأَمْر السُّلْطَان أذكر فَضِيلَة هَذِه الْبِلَاد وميزها بِقرب مَسَافَة الْجِهَاد فَلَا وَجه للتغضب ونسبته إِلَى التعصب بالتعصب (الْكَامِل) فالشام شامه وجنة الدُّنْيَا كَمَا انسان مقلتها الغضيضة جلق ...

فصل منه في الشكر على انفاد الذهب وانفاد توقيع شمس الدولة إليه

هَذَا بَيت عرقله وَسمع سَمعه وَنقل نَقله وَأما الْمَمْلُوك فَهُوَ من بلد ظلّ الْمولى فِي أَي فضاء ضفا ضافه وَبِأَيِّ طف طَاف بِهِ استجد اطافه واستجدى نطافه وطره وَطنه وسكونه سكينه ولبانته لبنانه وَإِن طَابَ حواره فَهُوَ حورانه وَإِن نجا نجاره فَهُوَ نجرانه قد بعد حيه عَن حيه وَترك رَأْيه بريه فقيس قيسه بطيه وسيق قسه فِي زِيّ عيه بطيه فَمَا يدْرِي أَيْن نزلت آيَته وَمن أيه وَكَيف دب التقلص فِي فِيهِ للتخلص من كيه قد صيره زِيّ وَلَاء الْمولى مضريا وجلالة دُرَيْد جَلَاله فِي مطالع المطالب دريا فآوى إِلَى الثمال وروى الا الْمِثَال وَقَالَ فِي الظلال وَقَالَ فِي الْجلَال وَقل فِي الْمِقْدَار وَأَقل من الْمقدرَة واستقل بالذعر واستقال بالمعذرة والملوك رَجَعَ عَن ذَلِك الصِّنْف رَجَاء النّصْف وَعطف عطف وأستخدائه الى استجداء الْعَطف وأضرب عَن ذَلِك الضَّرْب الى المضرب والأريب اللبيب يُلَبِّي مُنَادِي نَادِي الأرب وَأعْرض صفحا الا من استعراض صفحة الصفح وَهُوَ لَا يسْتَوْجب نفي النَّفْع وَمنع الْمنح فصل مِنْهُ فِي الشُّكْر على انفاد الذَّهَب وانفاد توقيع شمس الدولة إِلَيْهِ وَمِمَّا ينهيه إِلَى الْعلم الْأَشْرَف أَن بركَة حَرَكَة عارفة الْمولى بِالْمِائَةِ جلبت لَهُ مِائَتَيْنِ وأوجبت الْمِنَّة مِنْهُ وَمن ذويه على فئتين فَإِن الْملك الْمُعظم لما وصل وَصله بتشريف يبلغ مائَة دِينَار وبتوقيع مِائَتي دِينَار والأنعام الَّذِي هُوَ عشر هَذَا كَمَا قيل كل الصَّيْد فِي جَوف الفرا وَلَوْلَا اهتمام الْمولى مَا كَانَ أَيْضا يرى وَقد اعْتمد الْمَمْلُوك مرّة أُخْرَى مَا لَا يَلِيق بالأدب وَبسط رَاحَة الرَّاحَة ليقْبض قدمه عَن عتب العتب ونفد التوقيع ليأمن التعويق والمضيق أبدا يحذر الْمضيق وَمَا للملوك إِلَّا مَالِكه وَمَا يَسْتَقِيم على المسلك غلا سالكه ثمَّ وجد الْمُلُوك الْإِذْن بِنَصّ الْأَنْعَام وفحواه وَمَفْهُومه وَمُقْتَضَاهُ فِي تسيير الذَّهَب وَلِأَن العَبْد وَمَا يملكهُ لمَوْلَاهُ وَلِأَنَّهُ ينكسر هَذَا كُله وَلَا يَصح لولاه وَحَتَّى يُحِيط الْعلم الْكَرِيم بِأَن معاقد الْمَمْلُوك فِي التثقيل تتصل وَلَا تَنْقَطِع وَأَن آماله تتسق وأحواله ترْتَفع وَلَا تتضع وَهُوَ بعد حريَّة وحر عبودة وَلم يتَغَيَّر فِي ادِّعَاء الْوَلَاء وَوَلَاء الدُّعَاء من حَالَة معهودة لَا زَالَ ظلّ الْأَنْعَام الوافر من الْمولى على الْأَوْلِيَاء وارفا ولصرف الزَّمَان عَنْهُم صارفا وَلَا برح تالد إحسانه يَقْتَضِي تاليا طارفا وعارفته تتقاضى بدين الشُّكْر قَادِرًا مَلِيًّا بِقَدرِهِ عَارِفًا

ذكر المقياس بمصر ووفاة متوليه عبد السلام بن أبي الرداد ليلة الاثنين السادس من شعبان

ذكر المقياس بِمصْر ووفاة متوليه عبد السَّلَام بن أبي الرداد لَيْلَة الِاثْنَيْنِ السَّادِس من شعْبَان هَذَا المقياس مَوضِع مَبْنِيّ من عهد خلفاء بني الْعَبَّاس لتعرف زِيَادَة المَاء ونقصانه بِالْقِيَاسِ وَهُنَاكَ عَمُود فِي المَاء مقسوم بالأذرع والأذرع مقسومة بالأصابع وَفِي مَسْجِد يَنُوب فِي الجزيرة عَن الْجَامِع تصلى فِيهِ الْجَمَاعَات وَالْجمع وَقد بني فِي جواره الْموضع ويتولاه من الْعَهْد الْقَدِيم مُتَوَلِّي من بني الرداد من هُوَ مَعْرُوف بالنزاهة وَالْعلم والسداد وَله راتب دَار وَقسم وقرار وخلع وتشريفات فِي المواسم وَحُرْمَة مترامية الْمَعَالِي سامية المعالم وَلما توفّي فِي شعْبَان من هَذِه السّنة متولية فوض السُّلْطَان منصبه إِلَى أَخِيه حَدِيث حصن بَيت الأحزان وبنائه وفتحه وخرابه وَمَا تمّ من متجددات النُّصْرَة الَّتِي كَانَت من أَسبَابه قبل ذَلِك كَانَ السُّلْطَان سنة أَربع وَسبعين وَخمْس مائَة على بعلبك نازلا ولتسلمها من شمس الدّين بن الْمُقدم محاولا فَإِن أَخَاهُ شمس الدولة توارن شاه لح عَلَيْهِ فِي طلبَهَا وَامْتنع ابْن الْمُقدم واستوحش بِسَبَبِهَا وَمضى إِلَيْهَا وَطَالَ مقَامه عَلَيْهَا واشتعل جمرها وَلم ينْفَصل أمرهَا حَتَّى دخل الشتَاء وترادفت النواء وتضاعفت الأنداء وَنحن مقيمون محاصرون صَابِرُونَ مصابرون مَا نؤثر قتالا بل نَنْتَظِر لتِلْك العقد انحلالا فانتهز الفرنج فرْصَة الْخُلُو وَاسْتَحَلُّوا عَرصَة العتو وجاءه الداوية مِنْهُم بأحزابها وشرعوا

صفة المحل

فِي بِنَاء حصن على مخاضة بَيت الأحزان وبذلوا فِي أَحْكَامه مَا دخل فِي الامكان وأحكموا بُنيان ذَلِك الْمَكَان وَكُنَّا نقُول للسُّلْطَان مَتى أحكمهذا الحصنتحكممن الثغر الإسلامي الوهن وعلق الرَّهْن فان بَينه وَبَين دمشق مَسَافَة يَوْم وَمَتى خلينا أهل الْكفْر بمالهم فِيهِ من روم لم يخل فِي الْإِسْلَام مَعَ الْإِثْم من ذمّ ولوم فَيَقُول إِذا أتمون واحكموه وظنوا أَنهم من الْحدثَان أذموه وعصموه رحلنا إِلَيْهِ ونزلنا عَلَيْهِ وهدمناه من الأساس وجعلناه من الرسوم الأدراس وغنمنا أسبابهم وضربنا رقابهم فندعهم الْآن حَتَّى يستنفدوا فِيهِ أَحْوَالهم وينفقوا أَمْوَالهم ويتعبوا رجاءهم ورجالهم فَإِذا قصدناهم عكسنا آمالهم وأنحسنا مآلهم فَنَقُول منعم من الأبتداء أسهل من الدّفع فِي الِانْتِهَاء وغذا فَاتَ الفارط لَا يسْتَدرك وَهُوَ الْآن هَين فَلَا يتْرك وَإِذا خرج مَا فِي الْيَد فَمَتَى يملك وَهُوَ صابر بِقُوَّة دينه سَاكن بِنور يقينه كَأَنَّمَا كشف الله لَهُ عَن سر الْغَيْب فأقداره على كشف ذَلِك الريب فَإِن الْعَاقِبَة الحميدة بعد سنة كَانَت على مَا جرى على لَفظه من عدَّة حسنه فَلَمَّا انْفَصل أَمر بعلبك وَخرج ابْن الْمُقدم مِنْهَا وتعوض بِمَا تسلم من الْبِلَاد عَنْهَا وَوصل السُّلْطَان إِلَى دمشق بهَا مُسْتَقرًّا وعَلى عوائده فِي الْعدْل وَالْإِحْسَان مستمرا لم يزل أَمر الْحصن من همه وَقصد حصاره فِي عزمه صفة الْمحل وَكَانَ الْعَام مجدبا والجدب عَاما وَالشَّام لروائح الجوانح شآما وللأسعار أسعار وللأسرار استشعار وللأقوات أقواء وللغلات غلاء وللبلاد بلَاء وللسوء اسْتِوَاء وللضراء استضراء وللشر استشراء وعَلى الْعباد من ثقل الْمحل أعباء وللرجال من لطف الله رَجَاء وَإِلَى عطفه التجاء وَمن الْعُيُون بالدموع استسقاء وللأيدي بالخشوع فِي رَفعهَا إِلَى الله استعداء واستدعاء على أَن الأيادي السُّلْطَانِيَّة نابت عَن الأنواء وَنَادَتْ فِي الأندية بالأناء وعارض سماحها عَارض السَّمَاء وَخص بخصبها الرعايا بالأرعاء وَأمن من الأجداب بالأجداء وَمن الأعطاب بالإعطاء وأزل الْأَزَل ومحا الْمحل وأباح الأهراء وباح السَّرَّاء وأزاح الضراء وأراح بالاغناء الْفُقَرَاء وَأطلق جوده وَقد احْتبسَ الْجُود وتكرر مِنْهُ بعد الْبَراء الْعود فرتعنا من احسانه فِي

وأنشأت في وصف ذلك في كتاب إلى الأجل الفاضل وقد سافر إلى الحج في آخر شوال من تلك السنة

مرعى مريع وشرعنا فِي سُلْطَانه من منبع منيع وَشَمل جميعنا من ظله وفضله بشمل جَمِيع وقوى الضِّعَاف وَقد ضعفت القوات ووسع الأقوات وَقد ضَاقَتْ الْأَوْقَات وأنشأت فِي وصف ذَلِك فِي كتاب إِلَى الْأَجَل الْفَاضِل وَقد سَافر إِلَى الْحَج فِي آخر شَوَّال من تِلْكَ السّنة إِن بِلَاد الشَّام بعد غيبَة الْمولى عَنْهَا انتقمت اللَّيَالِي مِنْهَا فعاقت عواديها غواديها وعفت بَوَادِر السُّيُول والسيوب بواديها بواديها وَنوى النَّوَى نوءها وونى وخبا بالضوى ضوءها واختبا وبخل ودقها وخلب برقها ومحق حَقّهَا وزوي رزقها وبراث الأمطار احْتبسَ ربابها ورثاث الأطمار احتسب أَرْبَابهَا وورت الْأَيْدِي إِلَى الْآلَة باستمداد الأيادي وغدت الهمم صَادِقَة صادعة لاستهماء الغوادي وسعى السّعر يَعْلُو وَالْغلَّة تغلو وهمرت رمقت حفظا وحفظت رمقا وأبقت ذماء وأذمت بَقَاء لَكِن الأشفاق اشفى بالقلوب على التقلب والاستشعار أشعرها التهيؤ للتهيب وَقيل للسُّلْطَان هَذِه سنة الأسنات وَأَن الأناة وَلَا سبة فِي السبات وَالسّنة السّنة عَن فرض الْجِهَاد من الْجِهَات فَإِن استمنحوك السَّلامَة فامنح وَإِن جنحوا للسلم فاجنح واعتقد المتثبت المتثبط أَن الْعِزّ فِي الذل وَقيل لَا قبل للشام بالعساكر الْكَثِيرَة والكتائب الكثيفة فَإِن الجموع تثوي والزروع تتوى والضياع يطرقها طَارق الضّيَاع وأزم الأزمن يروع الرعايا بالارتياع وَقَالُوا إِذا صالحت أصلحت وَإِذا حَارَبت حربت ونسوا النصح المنبئ عَن هدم الْحصن الْمَبْنِيّ وهده وعدوا عَن نصر الله وَصدق وعده فَقَالَ السُّلْطَان أعز الله نَصره وَنصر أعزته إِن الله أَمر بِالْجِهَادِ وتكفل بالرزق فَأمره وَاجِب الِامْتِثَال ووعده ضَامِن الصدْق فنأتي بِمَا كلفنا لنفوز بِمَا كفله وَمن أغفل أمره أغفله وَأَنا بالعسكر الْحَاضِر أنازل وأباري وأحمي الْحمى وأدني فِي المرام المرمى وَمَا دَامَت بالشعاب أعشاب فَخَيرهَا لخيلنا إشباع ومعنا من الفوارس الشباع سِبَاع وَأَنا نجد وَلَا نألوا جهدا فِي الْجِهَاد وَإِن لم نجد وَلم ننل عهدا من العهاد

وذكرت في الكتاب فصلا يتعلق بالحضور الفاضل في الحج

وَذكرت فِي الْكتاب فصلا يتَعَلَّق بالحضور الْفَاضِل فِي الْحَج طُوبَى للحجر والحجون من ذِي الْحجر والحجى منيل الجدى الجدي ومنير الدجى ولندي الْكَعْبَة من كَعْب الندى وللهدايا المشعرات من مشْعر الْهدى وللمقام الْكَرِيم من مقَام الْكَرِيم وَمن حاطم فقار الْفقر للحطيم وَمَتى رئي هرم فِي الْحرم وحاتم ماتح زَمْزَم وَمَتى ركب الْبَحْر الْبَحْر وسلك الْبر الْبر لقد عَاد قس إِلَى عكاظة وَعَاد قيس بحفاظه وَيَا عجبا لكعبة تعضدها كعبة الْفضل والأفضال ولقبلة تستقبلها قبْلَة الْقبُول والإقبال ذكر وُصُول رسل دَار الْخلَافَة وَوصل فِي هَذِه السّنة وَهِي سنة أَربع وَسبعين رَسُول دَار الْخلَافَة بالعاطفة والعارفة والرأفة والتشريف الأمامي الَّذِي فضل كل تشريف واجتباه السُّلْطَان واقاربه فِي أجد سعد مُنِير وأسعد جد منيف وَهُوَ الْأَجَل فَاضل قدم بِأَجل فَضِيلَة وأجلاها وَأحلى حَالَة وأحلاها وأبهج أبهة وأبهاها وأسمى جلالة وأسناها وَأَجد مهلة وأجداها وأوفر محبَّة وأوفاها وَكَانَ هَذَا فَاضل من أفضل الخدم وَندب بِأَفْضَل الخدم وَهُوَ خَاص الْجِهَة الشَّرِيفَة مَخْصُوص بالمنزلة المنيفة وَصَحبه مَا فرقه من الرغائب وأوضح مَذَاهِب المحامد بِمَا أولاه من الْمَوَاهِب وسر السُّلْطَان بوصوله وَحل كل نجح ويمن بحلوله وَأذن كل نصر بشموله وَذَلِكَ رخصت الأسعار ونفض الأعسار وتبدل برخاء الرخَاء الإعصار وسفر السرُور وسر السفور وَزَالَ الشَّرّ وَزَاد الْبشر وتفجرت الْعُيُون وتفرجت الْعُيُون وَسكن الْقَرار وقر السّكُون واشتدت الْأَركان واستند الركون وَوقت مواعد الأقدار وصفت موارد الأكدار وسدلت أطمار الأمطار وهدلت أطيار الأوطار واعتدلت أسحار الأصحار وَحسنت آثَار الإيثار وَكَانَ الرَّسُول كَرِيمًا والسؤل بإقامته مُقيما وَكَأَنَّهُ فِي سَواد انسان عين كناه نور وبالحسن وَالْحُسْنَى مَشْهُور وزرته فَأَلْفَيْته طلق الْوَجْه بشرا وَالْيَد برا وَهُوَ يشبه بحرا

فَلَمَّا خرجت من عِنْده شيع لي من هداياه وتحفه وألطافه وقرا وَلم يدع أحدا من أكَابِر الدولة إِلَّا حباه بحبائه وحبه وحياه من حَيا سحبه وَكَانَت الْجِهَة الأمامية مالكته قد مَلَأت يَده بِمَال وافر ليصل وَيعود بِوَجْه سَافر فَمَا رَأَيْت رَسُولا وَجه فِي وجاهته ونباهته وهمته ونزاهته وسماحته وسجاحته وَهُوَ ذُو فطْرَة كلهَا فطنة ومكانة مَا تفارقها مكنى ومنحة مَا ترافقها محنة وشغف السُّلْطَان بِهِ وكلف بِقُرْبِهِ واستصحبه مَعَه إِلَى الْغُزَاة والغارة على بِلَاد العداة ووقف بِهِ على الْحصن الَّذِي الستجده الفرنج بالمشهد اليعقوبي واطلع من عورات الْموضع على سر الْغَيْب الربوبي وتخطف من حوله من الفرنج جمَاعَة وَأقَام على أهل الْمعْصِيَة بجهاده طَاعَة وبذل استطاعة وَعَاد وَقد عرف مَا يعزم عَلَيْهِ من أَمر فَتحه وَكَيف يُنْهِي ليل أدلاجه إِلَيْهِ إِلَى صبحه وَكَانَ السُّلْطَان بِهَذَا الرَّسُول الأمامي مغبتطا مرتبطا وغليه فِي كشف أسراره منبسطا وَلما جهزه ليعود بالعطايا السنايا وَالْخَيْل والسبايا فرقها قبل قفوله وَأبقى لَهُ أنوار حَمده طالعة بعد أفوله وَمن جملَة مَا حمل لَهُ بغلة شهباء مَوْصُوفَة لَا يُوجد لَهَا نَظِير كَأَنَّهَا تَحت السرج هضبة من ثبير وَفِي الجري برق مستطير وَكَانَ رَسُولنَا ضِيَاء الدّين ابْن الشهرزوري عِنْده حَاضرا وَفِيمَا يبهج من نضارة أَحْوَاله نَاظرا فَقَالَ كنت على طلب هَذِه البغلة من السُّلْطَان وَقد فرحت لَك مِنْهُ بِهَذَا الْإِحْسَان فَقَالَ لَهُ أَنْت أولى بهَا وَبِمَا مَعهَا فَأَخذهَا معما تبعها وفيهَا حصان عَرَبِيّ مَنْسُوب وحجره مَا لَهما قيمَة وَهِي درة يتيمة وَكَانَ إِذا أهديت لَهُ باقة ريحَان جزاها بخلع حسان وانفصل منتصف ذِي الْقعدَة بالإكرام مَوْصُولا وبالأنعام مشمولا

عاد الحديث

عَاد الحَدِيث وَفِي آخر سنة أَربع وَسبعين كَانَت نوبَة هنفري ومقتله وَمَا أوضح الله بِهِ من مناهج النَّصْر وسبله وَذَلِكَ أَنه توالت الْأَخْبَار على السّنة جواسيس الفرنج أَنهم فِي جمع جم كعباب خضم على عزم جزم بِالْخرُوجِ إِلَى دَار السَّلَام مهتم فَتقدم السُّلْطَان إِلَى ابْن أَخِيه عز الدّين فرخشاه بن شاهنشاه وَقد قدمه على عَسَاكِر دمشق وولاه أَن يخرج إِلَى الثغر فِي عسكره ويرتب كلا فِي مركزه محترزا فِي مورده ومصدره فَأَقَامَ مُدَّة واستكمل عدَّة وعدة حَتَّى كَاد الارتياب يَزُول والارتياع يحول فَلَمَّا كَانَ فِي مستهل ذِي الْقعدَة من السّنة تَوَاتَرَتْ الأنباء بخروجهم على الْأَلْسِنَة فَجرى من النَّصْر الَّذِي لم يحْتَسب والنجح الَّذِي الا بعون الله لم يكْتَسب وَمَا وَصفته فِي كتاب أنشأته إِلَى الْأَجَل الْفَاضِل من السُّلْطَان واف بِالْبَيَانِ وَهُوَ قد سبقت الْمُكَاتبَة بِمَا سناه الله وأسناه وهيأه وهناه من النُّصْرَة الحلوة والمنحة الصفوة والنوبة الخالية من النُّبُوَّة الجالية بالحظوة وَالظفر الَّذِي لم يخْطر بالبال والسيرة الَّتِي أوحت سُورَة حسنها أمالي الآمال وأوضحت صُورَة حسناها حوالي الْأَحْوَال وَذَلِكَ يَوْم الْأَرْبَعَاء مستهل ذِي الْقعدَة فَإِنَّهُ فضل بنصرة خَمِيس الْإِيمَان كل خَمِيس وضيق على الْأسود السود من بني الْأَصْفَر كل عريس وخسي وأثمر ورق الْحَدِيد الْأَخْضَر فِي مرتع الْمَوْت الْأَحْمَر مِنْهُم بِرَأْس كل رَئِيس وَأخذ الَّذين كفرُوا بِعَذَاب بئيس فَإِنَّهُم خَرجُوا فِي جمع جم جَمْرَة حام مجرة مائج حشده هائج حشره كثيف عدده كَثِيرَة عدده مجلب بخيله وَرجله لجب بسيله فِي سَله جالب برماحه ورمائه طَالب بأطلابه

وأبطاله من الدّين اطلال دمائه حَامِل بطوارقه طوارق الْبلَاء إِلَى الْبلَاء عَامل بعامله مَا تقف مِنْهُ أوطان الاطواد وَكَانَ الأرجاف قد شاع بخروجهم فِي هَذَا الْجمع مذ أَيَّام والظنون مرتابة والقلوب مرتاعة والعسكر غير حَاضر وخطرهم بالحاضر غير حاظر فَإِن السّنة جَدب ومجاعة وَلَيْسَ فِي مُقَابلَة الفرنج فِي ذَلِك الثغر الا ولدنَا عز الدّين وَهُوَ فِي عدَّة من عسكرنا الْمَنْصُور لَا تبلغ ألفا وَمَا ألفت غير مساورة الْحمام فِي سَبِيل الله إلفا وَهُوَ موصى بإرسال الْحمام عِنْد علمه بخروجهم لنخرج إِلَى لقائهم ونردهم بالردى فِي شقّ شقائهم وأمرناه بِأَن يجفل الْبَلَد ويحذر وينور على الآكام وينذر وَأَنه لَا يلقاهم بل يتوقاهم وَلَا يخاطر بِالْجَمَاعَة الَّذين مَعَه بل يحمي بهم ويتحاماهم ويتركهم حَتَّى يتوسطوا الْبِلَاد وَنحن نجمع عَلَيْهِم الْأَطْرَاف الأجناد الأنجاد وَفِي كل يَوْم يرجف برجفتهم ويهتف بصيحتهم وهم متمادون متباطئون وعَلى محاولة المكيدة متواطئون لتَكون غارتهم على غرَّة ونهضتهم بأرمض مضرَّة فَلم يشْعر مقدمو الطَّلَائِع ذَلِك الْيَوْم الا وَقد خالطوا الْقَوْم فتحيزوا عَنْهُم إِلَى الفئة واجتمعوا وهم دون الْمِائَة فَأخْرج ولدنَا الرُّمَاة الكماة وَقَدَّمَهُمْ إِلَى العداة الْغَدَاة ليشغلوهم سَاعَة ويحولوا بَينهم وَبَين ظعائن الْعَرَب الجافلة وَلم يكن فِي زعم الْعَزْم أَنهم يستدروناخلاف النُّصْرَة الحافلة واستحرت المراماة عِنْد تل الجارة واشتجرت الْحَرْب بَين الْمُغيرَة والغارة وَطلب أَصْحَابنَا طلب الْملك فوفروا سهامه من السِّهَام وظفروا اللتوت بالهام الْهَام وَمَا ترك مماليكنا التّرْك الْملك حَتَّى طرحوا حصانه وجرحوا فرسانه فَحمل طل هنفري ليحميه وأبى اله أَنه كَمَا رمي الْملك الا أَن يرميه وَقتل دونهمَا رهان صَاحب الناصرة وَجَمَاعَة من مقدميهم رموا بالفاقرة وَنَجَا الْملك بجريعة

الذقن وتجرع كأس الشجب والشجن وَحمل هنفري جريحا وأودع بعد يَوْمَيْنِ ضريحا وناح فِي نواحيهم النادب بندوب صريعهم صَرِيحًا وَحَازَ هنفري جراحات فَازَ الْهوى مِنْهَا براحات إِحْدَاهَا نشابه وَقعت فِي مارنه فجدعته ونفذت إِلَى فِيهِ وَمَرَّتْ بضرسه فقلعته وَخرجت من تَحت فكه ففكته وصرعته وَأُخْرَى فِي مشط رجله نفدت إِلَى أَخْمُصُهُ وَأُخْرَى فِي ركتبه جرعته صاب أوصابه وغصته وَكَانَ هَلَاكه بلت فِي جنبه كسر لَهُ ضلعين وَقرب لَهُ حِين الْحِين وَقتلت عدَّة من الخيالة وَثلث ثلة من الرجالة فَمَا انْضَمَّ طرفهم حَتَّى انتظم تلفهم وَمَا نابت روعتهم حَتَّى بَانَتْ عورتهم وَمَا ارْتَفع عثيرهم حَتَّى اتضع عاثرهم وَمَا لغب ناظمهم حَتَّى غلب ناثرهم وَمَا رَاع فارسهم حَتَّى عراه فارسه وَمَا نَهَضَ راجلهم حَتَّى محصه ممارسة وَمَا زَالَت الرُّمَاة يرمونهم ويرامونهم ويدنون مِنْهُم ويدانونهم حَتَّى نفضت الكنائن وانفضت الضغائن وَكَانَت نصْرَة أثيلة ونوبة أثيرة وثورة من أَعدَاء الله فِي تِلْكَ الفورة مستثيرة وَحَالَة صدقت قَول الله فِي مُحكم كِتَابه {كم من فِئَة قَليلَة غلبت فِئَة كَثِيرَة} فَمَا ولوا مُدبرين إِلَّا والأدبار وليهم وَمَا غرهم الله الْغرُور إِلَّا لِأَنَّهُ أَرَادَ أَن يملي لَهُم وبالخزي يمليهم وَمَا عَادوا إِلَّا بخسر وعسر وَقتل فيهم وَأسر وَكسب مِنْهُم وَكسر فيا لَهَا من كسرة وسماء النُّصْرَة فِيهَا أصحت وسحب الْخَيْر بهَا سحت وَتمّ هَذَا الْعِزّ وَلم يتم مدد الْعَسْكَر الغربي وَرجع الفرنج من الخزي بذلك الزي وآذنتنا بطاقة الطير فِي دمشق ذَلِك الْيَوْم بكرَة بكرتهم وبادرنا إِلَى الْخُرُوج لدفع مضرتهم وكشف معرتهم فَمَا وصلنا إِلَى الْكسْوَة إِلَّا ورؤوس رؤوسهم متوافية والبشائر وافية وألطاف الله كَافِيَة والشغف بِحمْل السعف إِلَيْنَا زَائِد والواجد لثَلَاثَة وَأَرْبَعَة من الْأُسَارَى قَائِد فشكرنا الله على تِلْكَ الْحَالة الحالية بظفرها والهالة الجالية لقمرها والقالة القالية غير إِشَاعَة خَبَرهَا وإذاعة أَثَرهَا

وعدنا بِالْحَمْد وحمدنا الله فِي الْعود وأحمدنا فِي نَصره تِجَارَة الْوَعْد ونشرنا للاعلان أَعْلَام السعد وجلونا بِالْبَلَدِ عرائس تِلْكَ الفرائس وعقدنا بعذب الرماح ذوائب أُولَئِكَ الفوارس وعبرنا بأساراهم وعددهم عِبْرَة وأثرنا من أَلْسِنَة النظارة وأقدامها للرحمة وَالرَّحْمَة فِي الدُّعَاء الإدعاء رَغْبَة وغيرة وَطَابَتْ الْقُلُوب وَطَابَتْ الْأَيْدِي ونطقت الألسن فِي هَذِه المعجزة المزعجة للْكفَّار المبهجة للأبرار بالتجدي والتهدي وكفت من الْكفْر كف التَّعَدِّي وَمَا كُنَّا نعلم حَقِيقَة مَا جرى من وهنهم ووهيهم ونكالهم وخزيهم حَتَّى وصل من شاهدهم فِي دِيَارهمْ وشام فِي شامهم بوارق بوارهم فَأخْبر أَنه لَيْسَ فِي خيلهم بل خيالهم إِلَّا مَجْرُوح أَو على فرَاشه مطروح وَفِي كل يَوْم ترد الْبُشْرَى بِمَوْت مقدم من جِرَاحَة أَصَابَته ونكاية نابته وروعة أشابته وفكرة أذابته وغم غام جوه من جواه وَسَهْم أصمى هامه لَا شواه فَالْحَمْد لله على هَذَا النَّصْر الَّذِي علا سناه وحلا جناه وأسرع النجح بِهِ منا إِلَى المنى فِي نعماه وَلما سقط فِي أَيْديهم وتورطوا بتعديهم وأعضل دَاء داويهم وَغدا ثغر الثغر مفترا بِصدق هلك مفتريهم وَعز عِنْدهم موت هنفريهم انْكَسَرت سورتهم وانطفأت فورتهم وسكنت نأمتهم وصدأت هامتهم وسفلت همتهم وفالت آراؤهم وفلت آرابهم ورقب ذلهم حِين ذلت رقابهم وَلَو كَانَ يَوْمئِذٍ عسكرنا حَاضرا لما نجا مِنْهُم نَاجٍ وَلما رأى أرجع للحيا مداج وَلَا مفاجئ بالغارة الا والردى لَهُ مفاج وَلما استحلينا هَذِه الْمرة الَّتِي كَانَت عَلَيْهِم مرّة واستجلينا الكرة الَّتِي جرت إِلَيْهِم بالوبال كرة قصدنا الْحصن الَّذِي بنوه وشاهدناه وكشفنا عوراته وعايناه وأزعجنا الْكفْر بأقدامنا وذعرناه وعدنا على عزم الْعود إِلَيْهِ وَالنُّزُول عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله وَلَقَد كَانَ حتف ذَلِك الْعَظِيم فتحا عَظِيما ونصرا من الله الْكَرِيم لأوليائه الْكِرَام كَرِيمًا وَبَقِي الْعَدو وَفِي كل صباح عَلَيْهِم صائحة وَفِي كل نَاحيَة نائحة وَنزل عندنَا النَّصْر والقطر وسر السرُور وَرخّص السّعر وَنقص زائده وَزَالَ الْعسر ولانت شدائده وخلص الرَّجَاء من يَد الْقنُوط وَخرج نجم الصعُود إِلَى أوج السُّعُود من برج الهبوط وَأَمْسَكت الزروع ارماقها وحفظت الْأُصُول أعراقها ووقف الغلاء وَانْصَرف الْبلَاء وَعلم النَّاس أَنهم فِي هدون وهدو وَأَن سرحهم لَا يطرقه سرحان عَدو وحييت الهمم المتماوتة وتساوت الْقيم المتفاوتة وَعَاشَتْ الرّعية وشاعت الرِّعَايَة وبدا الشكاية وأنبهت العزائم الراقدة ونامت الْأَعْين الساهدة

ذكر مسير شمس الدولة أخي السلطان إلى مصر وتشييع السلطان له

ذكر مسير شمس الدولة أخي السُّلْطَان إِلَى مصر وتشييع السُّلْطَان لَهُ كَانَ الْملك الْمُعظم فَخر الدّين تورانشاه بن أَيُّوب وَهُوَ أَخُوهُ الْأَكْبَر قد ملك الْيمن وَأَحْيَا بهَا للعدل وَالْإِحْسَان السّنَن فَلَمَّا ملك السُّلْطَان دمشق فِي سنة سبعين بعد الْملك الْعَادِل نور الدّين ابْن زنكي كتب إِلَى أَخِيه فِي الْيمن بالشوق الاستيحاش بالوحدة والتشكي فَجَاءَهُ سنة إِحْدَى وَسبعين فسر بقدومه وأجراه من إعظامه وإكرامه على رسومه وَلما عزم السُّلْطَان الْمسير إِلَى مصر سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين لتجديد الْعد بملكها ورده إِلَى النظام فِي اتساع مسلكها واتساق سلكها عول على هَذَا أَخِيه شمس الدولة بِالشَّام فِي السلطنة ورد الْأُمُور إِلَى أوامره المتمكنة وفوض إِلَيْهِ المر وأسنده وولاه تَوْلِيَة مُطلقَة وقلده فَكَانَ بحرا من الْجُود مواجا يُغني بفواضله من الْوُفُود بعد الأفواج أَفْوَاجًا فَحكم وتحكم وَنقض وأبرم ورزق وَمَا حرم وعزم على أَعدَاء الملهوف وحزم وَالْتزم بإسداء الْمَعْرُوف وَجزم وراسله الْمُلُوك وتواصل غليه من الْأَطْرَاف والأوساط السلوك وَكَانَ الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل بن نور الدّين بن زنكي مصَالح السُّلْطَان على مَا تبرجح من الْمصلحَة وتوضح من الشَّرَائِط المفرحة فَجرى شمس الدولة مَعَه على الْوَفَاء والوفاق ونهج سَبِيل الإشفاق وَأقَام السُّلْطَان بِمصْر إِلَى يَوْم عيد الْفطر من سنة ثَلَاث وَسبعين ثمَّ رَحل عَائِدًا إِلَى الشَّام بعز الاعتزام وجد الاهتمام واستئناف الْغُزَاة لاتلاف العداة وَلما عَاد إِلَى دمشق عَاد بِهِ سرُور سريرة وَزَاد الحبور بِحُضُورِهِ وَجرى على عوائد سُلْطَانه وفوائد إحسانه وَأمر وَنهى وَبلغ الْمُنْتَهى وَأدْركَ المشتهى وَانْقطع شمس الدولة إِلَى مُوَاصلَة لذاته فِي لداته ومعافاة عفاته ومصافاة صِفَاته وانتهت أَحْكَام سلطنته وتوقفت أَسبَاب مكنته فاقترح على أَخِيه تَسْلِيم بعلبك إِلَيْهِ والإنعام بهَا عَلَيْهِ فحفظ قلبه وَمَا أحفظه وصان لَفظه وَمَا لَفظه وَمضى إِلَيْهَا وأكره شمس الدّين بن

وكتبت في رسالة أنشأتها

الْمُقدم على النُّزُول مِنْهَا والتسلي عَنْهَا فَمنع ادلالا وتوقع أفضالا فلج فِي حصاره حَتَّى أذن أضجاره بأصحاره وتسلمها لشمس الدولة من شمس الدّين وَتمّ الْمُوَافقَة المؤذنة بالتأنيس والتسكين فانتقل إِلَيْهَا يتَصَرَّف فِيهَا ويتألف أَصْحَابه بالتفرق مقطعين فِي نَوَاحِيهَا وَعَن الْمحل وضن الوبل وجذ الجدب حبال الْحيَاء وَحط الْقَحْط رحال البرحاء وَرَأى السُّلْطَان أَن يَسْتَدْعِي من عَسْكَر مصر مقدمين يقدمُونَ فِي عدَّة منتجبة عدَّة منتخبة وَرَأى أَن الشَّام بمواده الْخَفِيفَة وامداده الضعيفة لَا تحمل أثقال العساكر الْكَثِيرَة الكثيفة فَرغب أَخَاهُ شمس الدولة بِمَا زَاده من الديار المصرية فِي قَصدهَا وَأَنه يجدد بسعده جدها وسعدها وَكَانَ رحيله من دمشق بعد صَلَاة الْجُمُعَة لست بَقينَ من ذِي الْقعدَة بالعدة المستعدة وَصَحبه خلق كثير من التُّجَّار وَالرِّجَال وَالنِّسَاء والأطفال وكتبت فِي رِسَالَة أنشأتها قد بَان لنا وَجه الصَّوَاب فِي استدعاء عدَّة متوسطة من انجاد الْعَسْكَر الْمصْرِيّ الأنجاب بِحَيْثُ يخف وَطْؤُهَا ويثقل فِي الْعَدو نكأها فَإِنَّهُ لَو كَانَ عندنَا مِنْهَا مَعَ عَسْكَر الشَّام ألف فَارس من كل ممار لِلْعَدو ممارس لبلغنا بهم لَك غَرَض وأدينا فِي الْجِهَاد وَالِاجْتِهَاد كل مفترض فَإِن الشّعير غال والسعر وان نزل عَال والعشب قد ولى والاقتصاد مَعَ هَذِه الْحَالة أولى فكتبنا إِلَى أخينا بِمصْر أَن ينتخب لنا من الأقوياء بِالْخَيْلِ وَالْعدة والبأس والشدة الْفَا وَخمْس مائَة فَارس من كل بَاشر بالكريهة وَوجه الْمنون عَابس وأشرنا على الْملك الْمُعظم بالتوجه إِلَى مصر بِالْيمن والنصر ويستصحب مَعَه من طَال بِالشَّام بيكاره وَبَان انفاضه واقتاره وضعفت أَحْوَاله وتضاعفت أثقاله وَعجز عَن الْإِقَامَة احْتِمَاله فاستصحبهم وَسَار بهم من دمشق فِي ذِي الْقعدَة فِي الْعشْر الْأَخير وبادر وحظر التَّأْخِير فِي الْمسير وركبنا وودعناه عِنْد ركُوبه فِي مرج الصفر وَسَأَلنَا الله أَن ينجده فِي السّفر بالظفر وَكَانَ رحيله من بصرى يَوْم الثُّلَاثَاء

ومما اتفق في هذه السنة

الثَّامِن وَالْعِشْرين من الشَّهْر وَمِنْه إِلَى الْأَزْرَق وَمِنْه إِلَى الجفر وَيرد ارْمِ وأيله ويصدر إِلَى صدر وَقد سيرنا الطَّلَائِع إِلَى كل مطلع وأنهضنا كل عَارِف إِلَى الْأَخْبَار متطلع وَالظَّاهِر أَن هَذَا الْعَسْكَر والعسكر الْوَاصِل من مصر يَلْتَقِيَانِ عِنْد أيله وبقربها وَلَا يكترثان بالفرنج وحربها ورأينا الْمصلحَة فِي مسيرَة لمنافع كَثِيرَة وفوائد أثيرة مِنْهَا التَّخْفِيف عَن الشَّام فِي مثل هَذَا الْعَام وَذَلِكَ بعد أَن رتب فِي بعلبك نوابه وأقطعها أَصْحَابه وَمِنْهَا أَن بوصوله إِلَى مصر وَقد خرج مِنْهُ عَسْكَر اسْما كَبِيرا وصيتا عَظِيما ومحلا خطيرا فَإِن الأرجاف شَائِع باسطول صقلية المخذولة وَخُرُوجه وقصده بحشوده وهيوجه ووصول أخينا يكسر من عزم الْعَدو ويحطه من ذرْوَة العتو وَمِنْهَا أَنه إِذا أَقَامَ بِالْقَاهِرَةِ تصرف أخونا الْعَادِل فِي الْبِلَاد بعسكره وعذب صفو نجح مقْصده فِي مورده ومصدره وَتوجه إِلَى الْعَدو فِي الدَّيْر بالدوائر وَاسْتظْهر بِمن يستنجده من العساكر وَمِمَّا اتّفق فِي هَذِه السّنة غادر ابرنس انطاكية وَجمع من أوباشه وأوشابه الزمر وأغار على جشير شيزر وغدر القومص بطرابلس بعد الْأمان بِجَمَاعَة من التركمان فَإِن الفرنجية اجْتَمعُوا وَقَالُوا الصَّوَاب أَن نفرق عَسْكَر الْإِسْلَام فِي ثغوره بالإرعاب والإرهاب والغارة على كل طرف واصماء كل هدف فَإنَّا لَو هادناهم فِي جَانب توفر عَسْكَرهمْ على الْجَانِب الْمُحَارب وتجرد لاصابتنا فِي المصائب فَاقْتضى المر أَن رتب السُّلْطَان ولد أَخِيه تَقِيّ الدّين فِي ثغر حماة وَمَعَهُ شمس الدّين بن الْمُقدم وَسيف الدّين عَليّ المشطوب وعساكرهم الكماة الحماة وَصَاحب شيزر بعسكره محتاط فِي مورده ومصدره وَأمرهمْ

فصل من انشائي في هذا المعنى وارد فيه يقول

بالاستكثار من الرِّجَال واستخدام نجب الابطال وَكَانَ التركمان قد أغار عَلَيْهِم الْعَرَب واستطالوا وأزالوهم عَن مراكزهم وصالوا وَجرى مَا أحوجهم إِلَى البعاد وأزعجهم عَن الْبِلَاد فنفذ السُّلْطَان وَرَاءَهُمْ يستميلهم بالاحسان ويستدعيهم من الْبلدَانِ ورتب نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن شيركوه عَمه فِي ثغر حمص فِي مُقَابلَة القومص ومقاتلته وَالْوُقُوف بحذاء الحذار من غائلته والاشفاق من غرَّة تقع من غارته وَكلهمْ مَأْمُور بالتنبه لكل صوب والاصاخة إِلَى كل صَوت والاحتراز فِيمَا يَقع من الفوارط من فَوت رابض فِي مَكَانَهُ اذا أحس بنبأة وثب عَلَيْهَا ممسكا بعنانه اذا سمع هيعة طَار اليها فصل من انشائي فِي هَذَا الْمَعْنى وَارِد فِيهِ يَقُول وَمَا أغار من الاعداء إِلَى الْيَوْم مغير الا وَعَاد مثلوما مفلولا مهزوما مخذولا وَقد استجاش الابرنس بالأرمن وَالروم وَلَا بُد لَهُ من لِقَاء يَوْمه المشئوم واذا وصل عسكرنا اضرمنا عَلَيْهِم نَارا ادركنا من كل ثَائِر ثارا وخربنا على كل دائر بالسوء دَارا وتلونا {رب لَا تذر على الأَرْض من الْكَافرين ديارًا} والآن ألان الله الشدائد وأنال الْمَقَاصِد وأردنا المراشد وأصفى لنا الْمَوَارِد وأوفد إِلَيْنَا ذَوي الآمال وأنجح بِنَا رَجَاء الرِّجَال ووسع عندنَا فضاء الافضال وتوالت رسل الْمُلُوك إِلَى جنابنا بالحب والحباء وصفاء العقائد وَعقد الصفاء وإعاد الْوَلَاء وَوَلَاء الدُّعَاء فصل فِي معنى رسل الْأَطْرَاف ووصولهم بالإسعاف وَأما الْأَطْرَاف فان مُلُوك ديار بكر إِلَيْنَا ملتجون وَلنَا مرتجون وبحبلنا معتصمون وبحبنا ومتسمون وبحبائنا متوسمون وَإِلَى بشرنا مبتسمون ولبرنا مقتسمون وللصلة طالبون وَفِي الوصلة راغبون وَمن سُلْطَان الرّوم مستشعرون وبسلطاننا مستنصرون فَأَرْسَلنَا إِلَيْهِم أَبَا حَامِد بالألطاف وأدنينا لَهُم مجاني المصافاة الحلوة القطاف العذبة النطاف ولبينا نداءهم وقوينا رجاءهم وروينا صدا أسرارهم وجلينا صدأ أفكارهم وجلينا غمَّة اغتمامهم وَقَبلنَا اعتزاء اعتزامهم وَوصل كتاب

ذكر ما عول عليه السلطان بعد توديع أخيه شمس الدولة

رَسُولنَا بشكر اهتمامهم وَصدق انتمائهم وخلوص ولائهم وخصوص آلائهم وَوصل رسلو سُلْطَان الرّوم قلج أرسلان يصف لنا صفاءه ويوفينا وفاءه ويعرض وده ويعرض بِمَا عِنْده ويثول أَنه هادن الرّوم وخلا مِنْهُم باله وَزَالَ اشْتِغَاله وَهُوَ عَائِد إِلَى ملطية ليدبر بِحُضُورِهِ أَعماله وَكَأَنَّهُ يستعظم منا متاركته إِذا لم نؤثر فِي قَصده من تَلْبِيَة مشاركته وهيهات أَن نَتْرُك الْمُسلمين يقْصد بَعضهم بَعْضًا أَو نرى أحدا مِنْهُم الا فِي سَبِيل الله ودا أَو بغضا وَلَو أنصفت الْأمة الإسلامية بِأَن صفت ووفت بِعَهْد الله وأوفت لما عَادَتْ الا عَداهَا لَكِن الله يَقُول {وَلَو شِئْنَا لآتينا كل نفس هداها} وَقد توفر اجتهادنا على أَن نستميل كلا إِلَى الْجِهَاد ونجمع شملهم على الِاتِّفَاق والاتحاد وَالله عز وَجل يوفق لما رِضَاهُ من امرار حَبل هَذَا المرام وامراع مُرَاد هَذَا المُرَاد ذكر مَا عول عَلَيْهِ السُّلْطَان بعد توديع أَخِيه شمس الدولة أغار على بِلَاد الفرنج لمشاهدة الْحصن الَّذِي بنوه وَالْجد ببأسه فِي إبعاد الْبَأْس الَّذِي أدنوه فصل من إنشائي قصدنا البرج ونازلناه وَمَا زلنا نزاول من عِنْده الْقِتَال حَتَّى أزلناه واحتموا بباطنه فَمَا أخرج أحد رَأسه وسنعود غليه بعون الله ونقلع أساسه وأغار أَصْحَابنَا يَمِينا وَشمَالًا وَقتلُوا رجَالًا وأحرقوا غلالا وقرنوا بأعناق من قرنوه أصفادا وأغلالا وعدنا بِالْغَنِيمَةِ وَعز الْعَزِيمَة وباء الْكفْر بالسخيمة والأعين السخينة وتقصت أصلاب الصليبين من هز الْهَزِيمَة وانتقل السُّلْطَان إِلَى الشُّعَرَاء وخيم فِي مروجها وأسام الْخَيل فِي اكلأ خرومها وفروجها وَلما تطوحت الأعشاب وصوحت الشعاب وَقل

الْكلأ ومل الْمَلأ وَعدم الْعلف وَوجد التّلف وَتعذر الْخلف وَزَاد الكلف وَكَثُرت الكنف انْتقل السُّلْطَان وحقق وَأدنى لنا الرَّجَاء وَأَبَان الْيَأْس وَنزلت النوبتية على تل القَاضِي وَشرع فِي استبداء دين الدّين من شُرَكَاء الشّرك بادامة التقاضي وَقد وَفد من الْبَوَادِي من جرى بسيله الْوَادي فرام أعتاب الْبَريَّة واعراب الْبَريَّة وَقَالَ هَؤُلَاءِ إِذا اكتالوا السّنة من الشَّام بلي الْعَام بِالْمحل الْعَام وَجمع عِنْده الجموع وملأ بهَا صُدُور تِلْكَ السفوح والضلوع وَبَلغت الخيم إِلَى حُدُود بِلَاد الْكَفَرَة وأضرم عَلَيْهِم لَهب النيرَان المستعرة وَكَانَ فِي كل يَوْم يركب وَفِي خدمته الْخَواص وَيظْهر أَن غَرَضه الِاصْطِيَاد والاقتناص ثمَّ ينزل على النَّهر ويجرد فرسَان الجلاد والقهر ويسير قبائل الْعَرَب إِلَى بلد صيدا وبيروت حَتَّى يحصدوا غلات الْعَدو ويجمعوا الْقُوت وَمَا يبرح مَكَانَهُ حَتَّى يعود وَا بجمالهم وأحمالهم موثقة بأثقالها حَتَّى خف من زرع الْكفَّار مَا بِالْقربِ وَلم يحصل مِنْهَا كِفَايَة الْعَرَب والعجم الغرب وأشفق على النَّاس وَحقّ وجوب الاحتزار والاحتراس جمع امراءه للمشورة واستنبط خبايا الضمائر المستورة وشاورهم فِي الْأَمر وحاورهم فِي مضرَّة اهل الْكفْر وَقَالَ قد علمْتُم غلاء الغلات وإقواء الأقوات وَظُهُور اعراب الْبَادِيَة وخفاء الاعشاب الْبَادِيَة وَمَا بالبلاد غلَّة للْعَرَب تكيلها وَلَو رامت لضاقت عَلَيْهَا سَبِيلهَا وَمَا كَانَ بِالْقربِ من غلات الْعَدو وزروعه وثماره ونبوعة قد استبحناه واجتحناه وَمَا تركنَا زندا الا اقتدحناه وَلَا لطفا إِلَى الله الا استمحناه وَلم يبْق الْآن الا ان ننهض عساكرنا بالنوبة وَنُقِيم بقوتها إِلَى حِين الاوبة حَتَّى اذا أنس النَّاس من أَسبَاب الْأَمْن وَلم يستشعروا من احكام الوهن استرسلوا فِي دُخُول تِلْكَ الْبِلَاد واستاروا مَا شَاءُوا من الْغلَّة والزاد وان شرع الْعَدو فِي الاحتشاد لصرفنا عَن هَذَا المُرَاد لَا يكتم سرهم وَلَا يخفى امرهم فان جواسيسنا بالبلاد وعيوننا للارصاد ان نهضوا نهضنا فِي مقابلتهم

فصل من كتاب آخر الى الأجل الفاضل وهو في الحج في معنى قصد الحصن والنزول عليه في ايام العيد والتشريق واعادة ذكر وقعة هنفري

وحرصنا على مُقَاتلَتهمْ وَأما طَائِفَة مِنْهُم فَإِنَّهَا أقل وأذل وأزل قدما على عَن الْأَقْدَام وأشل وأفل حدا وَأكل فَأَجَابُوهُ على هَذِه الْقَاعِدَة المستطاعة بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة والتباعد الا عَن التباعة وَأَقَامُوا ليقيموا بِهَذِهِ الْمصلحَة ويستفيدوا متاجر الْغُزَاة المريحة وَمَا زَالَت المقانب تنهض والطلائع على مراكزها تربض والمزارع على تحصد والمواضي تقصد والأماكن تخلى والمكامن تخلى والبروج تكنس والمروج تدرس والجديد يشسهر والشديد يقهر وَالثِّمَار تصرم وَالنَّار تضرم حَتَّى إكتفى الْبعيد والقريب والبلدي والغريب والداني والعزيب وارتوى الصَّادِر الصادي واحنوى الْحَاضِر والبادي فصل من كتاب آخر الى الْأَجَل الْفَاضِل وَهُوَ فِي الْحَج فِي معنى قصد الْحصن وَالنُّزُول عَلَيْهِ فِي ايام الْعِيد والتشريق واعادة ذكر وقْعَة هنفري قد سبقت الْمُكَاتبَة بشرح النّوبَة الَّتِي شرحت الصُّدُور وحبت الحبور ويسرت السرُور وشدت الظُّهُور ونظمت فِي سلك الاسْتقَامَة الْأُمُور وَهِي الْوَقْعَة الَّتِي انجلى غبارها عَن قتل هنفري وفاز فِيهَا الْإِسْلَام من نهل النَّصْر وَعلة بِالريِّ وَمَا كُنَّا نتحقق قدر تِلْكَ النُّصْرَة وَعظم تِلْكَ المسرة حَتَّى امتدت عَلَيْهَا الْأَيَّام وكشف غطاؤها وكنف عطاؤها وتوالت بِمَوْت الْمَجْرُوحين مِنْهُ أنباؤها وَهَذِه الكسرة الصَّحِيحَة والنصرة الصَّرِيحَة وَالتِّجَارَة الربيحة هِيَ الَّتِي ازعجتهم وأعجزتهم وأخرجتهم مضاجع الْقَتْل وابرزتهم وَأَلْقَتْ فِي قُلُوبهم الرعب وأبقت فِي أكبادهم النّدب ونصبت على بِلَادهمْ الْبلَاء وَالنّصب وصبت على رؤوسهم الوصب فَحَيَّا الله الْوَقْعَة الَّتِي هلك هنفري من جراحها وَالْحَد تَحت الصفائح من حد صفاحها وَكَانَ طاغيتهم الْأَكْبَر وطاغوتهم الْأَشْهر وَرَئِيسهمْ الْأَقْوَى وإبليسهم الأغوى وفارسهم الأفرس الأفرى وممارسهم الأجرأ الأجرى وَكَانَ حتف هَذَا الْعَظِيم فتحا عَظِيما ونجحا عمبما وفضلا من الله جسيما وهلاكه فت فِي أكبادهم وأعضادهم وشتت شَمل انجادهم وأجنادهم وَقد عَادوا الى هونهم وعاذوا بحصونهم وَلَك يبْقى فِي الْعَزْم الا عقرهم فِي عقر دَارهم والإقبال على تَبِعَهُمْ أَوَان أدبارهم وَوَقعت الْبِدَايَة فِي قصد البرج الَّذِي بنوه وااقتهم وبال الْأَمر الَّذِي جنوه فكشف بمنازلته عواره وَبَانَتْ اسراره وهتكت أستاره وَظهر أَنه هَين الْأَخْذ بَين الوقذ يشقى بِهِ أَهله فَهُوَ بَيت احزانهم وَدَار هوانهم ومصرع فرسانهم ومكسر

فصل آخر في معناه

أصلابهم وصلبانهم وَقد نهضنا إِلَيْهِ يَوْم الْخَمِيس فِي خَمِيس شَاكر لألطاف الله غير شَاك وصبحنا البرج يَوْم التَّرويَة وروينا ظمأ الظبا من طلا الطلى وأدينا دين الدّين وأخذنا بثأر الثائر العادي من العدى وفجعنا طبريا بمنية منيتها وأظهرنا بِقُوَّة الْإِسْلَام ضعف ملتها وبتنا تِلْكَ اللَّيْلَة على البرج المخذول وفزنا من كشف عوارة والإطلاع على أسراره بالنجح المأمول وأصبحنا وَجَعَلنَا وَقْفَة غزوتنا بِإِزَاءِ وَقْفَة عرفتكم وأقمنا الْحجَّة بهَا على شُمُول بركَة حجتكم واقمنا عَلَيْهِ يَوْم الْعِيد وأقمنا الْقيمَة عَلَيْهِم بالوعيد وأكثرنا النوائح والنوادب بندوب تِلْكَ النواحي ونحرنا عدَّة من رؤوسهم وطواغيتهم مَعَ الْأَضَاحِي وأقمنا بعد ذَلِك بالتأييد والتوفيق يَوْمًا وَبَعض يَوْم من أَيَّام التَّشْرِيق مشرقين بالغارات ومغربين ومضحين بأعداء الله ومقربين حَتَّى وَجَبت جنُوبهم وركدت شمالهم وجنوبهم وهبت لأدبارهم دبورهم وكبت فِي ورطة الردى بورهم فَهَذِهِ خَمْسَة أَيَّام ارتوى فِيهَا خمس الْإِسْلَام نهلا وعَلى وشفت صدورا وغللا وأوضحت من مصر الدّين والدولة سبلا وخذلت عدى ونصلت هدى ونهجت علا فصل آخر فِي مَعْنَاهُ وَقد تمت المواعدة على مواعدته والمراددة لمراودته وانعقدت العزائم على الرُّجُوع إِلَيْهِ وَالنُّزُول بِالْجمعِ عَلَيْهِ لهد بنيناه وَهدم قَاعِدَته وَلَوْلَا انْتِظَار وُصُول الْعَسْكَر الْمصْرِيّ وارتقاب اقترابه لصب عَلَيْهِ صَوت عَذَابه وقرع بَاب الْفَتْح لفتح بَابه وصل الْآن الْعَسْكَر وَبَان من الظفر الْمُضمر وَمن جملَة نهضاتنا الْقَرِيبَة ودعواتنا الجليبة دَعْوَة الْإِسْلَام المجيبة أننا قُلْنَا يَوْم الْعِيد أَن فَاتَت الْحجَّة فقد كَانَت بِإِمْكَان الْغَزْوَة الْحجَّة وَصحت العزمة ووضحت المحجة فأدجلنا لَيْلَة الْخَمِيس الثَّامِن من الشَّهْر فِي خَمِيس مجر وصبح البرج المخذول حِين شقّ أَنهَار النَّهَار فجر الْفجْر فَروِيَ يَوْم التَّرويَة ظمأ الظبى وسقاها من ورد الوريد طلا الطلى وجلا عَن كفو النَّصْر هدي الْهدى وألحف العدى رِدَاء الردى وعرفنا أَن يَوْم وقفتنا يَوْم عَرَفَة للغزاة تناسب وَقْفَة المحرمين العراة فكلا الْفَرِيقَيْنِ يُؤَدِّي لله فرضا ويجد بعبء عِبَادَته نهضا فَعرف من هَا هُنَا مُجَاهدًا وجاهة من هُنَاكَ مُعَرفا

ودخلت سنة خمس وسبعين وخمس مائة في دولة الإمام المستضيء بأمر الله رضي الله عنه

وَكَانَت الإاضة فااضة الْبلَاء على الْكَفَرَة ودلف إِلَيْهِم مزدلفا وضحى يَوْم الْعِيد بصيدهم وَقرب بنحر صَنَادِيدهمْ وَدخلت سنة خمس وَسبعين وَخمْس مائَة فِي دولة الإِمَام المستضيء بِأَمْر الله رَضِي الله عَنهُ وَالسُّلْطَان صَلَاح الدُّنْيَا وَالدّين نَازل على تل القَاضِي ببانياس وَقد عَم الإيناس النَّاس وَفِي كل يَوْم يصابحون بلد الْعَدو ويماسونه ويداوون جرح الجدب بِمَا ينقلونه من الغلات ويأسونه حَتَّى لم يبْق هُنَاكَ إِلَّا الْيَسِير فأجمعنا على أننا نستبيحه فِي يَوْم وَاحِد ونسير وَكَانَ الْمُقدم على الْعَسْكَر عز الدّين فرخشاه ابْن أخي السُّلْطَان شاهنشاه وَكَانَ مخيمه على بعد من السرادق السلطاني قدامه وَكم قد شكر الْإِسْلَام فِي مَوَاقِف الْعِزّ وأقدامه وَلَقَد كَانَ هماما مقداما سيدا قمقاما ومجربا ضرغاما وأريحيا نجيا وتقيا وذكيا زكيا والمعيا لوذعيا سامي الهمة هامي السَّمَاء نامي الْكَرم كريم الانتماء وَهُوَ ذُو فضل يحب الْفضل وَأَهله وَيجمع بِعَرَفَة الشَّامِل شَمله ويؤثر لموثري الصون بذله وَلم يزل مشكور النقيبة مَشْهُور الضريبة ناجح الْآرَاب رَاجِح الآراء هائجا إِلَى الْأَقْدَام مقدما فِي الهيجاء وَاسع الأكناف أرج الأرجاء وارف الظل وافر الْفضل وَلم يزل كلفا لي بتحمل الكلف وأسامني بأسمائي فِي ورض الجاه الْأنف وتقريب المناجح لأملي وَتَقْرِير المنائح لعملي ويستجدي غرائبي برغائبه المستجداة ويستهدي مدحي بمنحه المستهداة وَله مواهب أبكار وَعون وعقود من عوارفه وعيون وسأذكر فضائله وأشكر فواضله وأصفه كَمَا أعرفهُ فِي كل قَضِيَّة يقرظ فِيهَا موقفه وَأورد من مدائحي فِيهِ وَمَا أبدعته من مَعَاني معاليه وأذكر هَا هُنَا مَا يتَّصل بِهِ الحَدِيث ويشفع قديمه الحَدِيث وَذَلِكَ أَنه لما اسْتهلّ محرم هَذِه السّنة يَوْم السبت حضرعند السُّلْطَان عَمه وأنهى إِلَيْهِ مَا لَاحَ لَهُ فِي زَعمه وَمَا باح بِهِ من عزمه وَقَالَ إِن الْمقَام هَا هُنَا يصعب وَالصَّبْر عَلَيْهِ يتعب لَا سِيمَا وَالْحر قد تضرم وَالزَّرْع قد تصرم وَالْعَام قد تجرم والعسكر قد تفرق والعدو قد أخفق وبلاد الْكفْر خويت وطرافها وتلادها حويت وخلالها جيست وغلاها

ذكر وقعة مرج عيون ونصرها وقمع الفرنج وكسر مقدميها وأسرها

ديست ومراعيها رعيت ومنافعها نعيت وَالْعرب قد اكتالت واكتفت وَالْملَّة قد اختالت واشتفت وَأهل الشّرك هاجمون واجمون ولظنونهم فِيمَا هم لَهُ راجون راجمون فنتحول إِلَى حَيْثُ نتبدل الضّيق بِالسَّعَةِ وتنتقل الْمضرَّة بِالْمَنْفَعَةِ فَقَالَ السُّلْطَان مَا أَنْجَب الرَّأْي الَّذِي رَأَيْتُمُوهُ وأنجح السَّعْي الَّذِي سعيتموه وَقد بَقِي أَنكُمْ تنهضون فِي هَذِه اللَّيْلَة أَجْمَعِينَ وعَلى دُخُول بِلَاد الفرنج مُجْمِعِينَ فتجمعون مِنْهَا مَا تخلف فِي موَاضعهَا المتفرقة وتزورونها بنيران عزماتكم المحرقة وَإِذا عدتم سَالِمين سالبين غَانِمِينَ غَالِبين رحلنا صوب الْبِقَاع واستأنفنا مَا يعود لِلْإِسْلَامِ وأعلامه بالإرتفاع وَالِانْتِفَاع ذكر وقْعَة مرج عُيُون ونصرها وقمع الفرنج وَكسر مقدميها وأسرها وَلما نَهَضَ أَصْحَابنَا تِلْكَ اللَّيْلَة وأدلجوا وخاضوا بَحر الظلام ولججوا وامتدوا وأبعدوا وتعلفوا تزودوا أصبح السُّلْطَان يَوْم الْأَحَد رَاكِبًا وَمَعَهُ صمصمام الدّين أجك وَالِي بانياس مصاحبا فِي موكب خَفِيف وَجمع غير كثيف ووقف على الطَّرِيق وَسَأَلَ الله حسن التَّوْفِيق فَوجدَ فِي تِلْكَ الغياض أبقارا جافلة وسروحا عَن مراتعها زائلة وجاءه بعض الرُّعَاة وَأخْبر أَنه شَاهد عَسَاكِر العداة وَأَنَّهُمْ عبروا بِالْقربِ على قصد المتعلفة بالنهب وَالْحَرب فَعجب السُّلْطَان من هَذَا الْخَبَر واستبعده وَقَالَ لَو كَانَ للفرنج قصد لجاءنا الجاسوس عَن الْعَدو وأوضح لنا جدده وَذكر عدده وعدده فَمَا صدق الْخَبَر حَتَّى جَاءَ من أَوَائِل الْعَسْكَر من ارتاع وَعجل فِي الْعود الْإِسْرَاع فجَاء السُّلْطَان إِلَى المخيم وَقت الظّهْر فتفاءلنا بِهِ للظهور ونادى فِي متخلفي مماليكه وخواصه بالحضور وَكَانَت فِي اسطبله خيل عراب شدت للتضمير وجياد عتاق أعدت ليَوْم النفير فبذل مصونها وأصفى لخواصه صفونها وَقَالَ اركبوا وأدركوا الْعَدو وانكبوا وَعَن قصد لِقَائِه لَا تنكبوا وَمَا زَالَ ينْهض محربا ويقنب مقنبا حَتَّى انتظمت لَهُ كَتِيبَة شهباء وبهمة دهماء ولاحت لَهُ غرَّة النَّصْر وَهِي بَيْضَاء وَسَقَى بِمَاء

الْمنون لهاذمه وصوارمه وَهِي حَمْرَاء وَسَارُوا لَيْلَة العجاج فِي يَوْم الْهياج سَوْدَاء والخضراء من وَقع الحوافر ونقع الحوافر غبراء وهاج كَمَا ماج الدأماء وتلألأت خرصانه كَمَا تزينت بالزهر السَّمَاء وَجَرت بالجبال الرِّيَاح وقلقت فِي اشباح الغمود الْأَرْوَاح ونزعت عرائس الْبيض إِلَى خضابها واشتاقت شفَاه الشفار من ممراشف الطلا إِلَى رياضها واشتارت ذئاب الظبى ضرب ضرابها وأنست عاسلات السبَاع من عاسلات اليراع بِصُحْبَة أضرابها وطارت العقبان مَعَ أَمْثَالهَا من الرَّايَات وتنزلت الْمَلَائِكَة من نَص النَّصْر بِالْآيَاتِ ولوت فوراع الألوية مواعد اللأواء وأشرعت شوارع الأسنة موارد الدِّمَاء وشغفت أحباء الله بلقاء الْأَعْدَاء وحفز الزَّحْف ومرج وَفتح الحتف المرتج ونعب غراب الْغُبَار ببين الأعادي وطميت طي العضاب الغضاب إِلَى هد الهوادي وَجرى سيل الْخَيل وجر القتام على بهار النَّهَار ذيل اللَّيْل وللبنود اختفاق وللجنود التفاف واتفاق وللسعود اشراق وللصوارم انتشاء وانتشاق وللصرائم إِجْمَاع لَا افْتِرَاق وللرماح مراح وللأرواح إِلَى الْمَوْت ارتياح وَالسُّلْطَان فِي موكب جلالته كَالْقَمَرِ المبدر فِي هالته وابداء النَّصْر برشده بدلالته فَلم يزل يعنق ويخب ويبرق ويهب ويغرق ويعب ويزخر ويموج ويزجر ويعنج وَيجْرِي ويجر ويفري ويفر ويمري ويمر والسوائح للتجار حاملة والجوائح للْكفَّار حَاصِلَة شَامِلَة حَتَّى ترَاءى الْجَمْعَانِ ودنا الرعان من الرعان وعنا الْعَنَان للعنان وحنا السنان على السنان ونشطت إِيمَان الْإِيمَان وَقرب قرَان الأقران واحترب حزب الله وحزب الشَّيْطَان وحلا ضرب الضَّرْب وَطعم الطّعْم بعذب الْقَضِيب وَمر المران ومالت للتداني أعطاف اللدان وصافحت الصفاح أشاجع الشجعان ووقف الْجَمْعَانِ ووقد الجمران وطلعت فِي أبراج العجاج نُجُوم الخرصان وَتحقّق خراب مَا لألأعمار من الْعمرَان {مرج الْبَحْرين يَلْتَقِيَانِ بَينهمَا برزخ لَا يبغيان} وَاتفقَ أَن الإفرنج لما أشرفوا على العلافة سدوا طَرِيق الْأَمْن بطوارق المخافة وَكَانَ عسكرنا الناهض لما عرف إقدامهم لم يقف قدامهم وَسَار عَن أثقاله بَعيدا وَرَجا من النجدة مدَدا جَدِيدا فخف رجالتهم إِلَى الأثقال وفارقوا خيل النزال وفوارس

الْقِتَال والمقدمون والأكابر بأنفون من الِاشْتِغَال بالنهب وَلَا يقتحمون الا حر الْحَرْب فقصدهم السُّلْطَان فِي أبطاله وشغلهم بقتاله وَرَمَاهُمْ برماة رِجَاله وكماة مصاله وهم على رَأس راس راكبون شناخيب من آكام وأفراس فأحدق بهم الْعَسْكَر وتكاثر العثار وتكاثف العثير وَجَاء فل الْعَسْكَر الجافل ووفرت أقساطها القساطل وَطلبت صلَة مناها المناصل وَأُصِيب من الْكفْر فِي الْقِتَال الْمقَاتل فتحركت جبالهم وتدركت المنى أَو الْمنون ابطالهم وبرز ابْن بارزان مقدما فِي مقدمتهم وَحمل بحملتهم وكادوا يكسفون الْأَنْوَار ويكشفون الاستار ويشقون الْغُبَار ويسبقون الْمِضْمَار فَثَبت السُّلْطَان أمامهم وردهم وَرَاءَهُمْ وميل بهم عَن استوائهم إِلَى أسوائهم وترادف المدد وسدت الملحمة عَلَيْهِم فَمَا الحموا وَلَا اسدوا فحملوا حَملَة كَادَت تتمّ وَبسر الشَّرّ تنم وَطعن فِيهَا صمصام الدّين أجل وخشي أَنَّهَا لَا تتدارك فردهم خوف الردى إِلَى الْجَبَل وَضَاقَتْ عَلَيْهِم واسعات الْحِيَل وخشي أَنَّهَا لَا تتدارك فردهم خوف الردى إِلَى الْجَبَل وَضَاقَتْ عَلَيْهِم واسعات الْحِيَل وطلبوا وَرَاءَهُمْ طَرِيقا فَمَا وجدوها وعدموا رجالتهم الَّتِي انجدوها وَأَحْدَقَتْ بسيدانهم أسودنا إحداق النَّار بالحلفاء وخاضت غمار الهيجاء واسروا بأسرهم وَصَحَّ النَّصْر من كسرهم وَتمّ يسرنَا بعسرهم وربحنا بخسرهم وَدخل اللَّيْل فَمَا خَفِي بسواده سوادهم وَقيد بخزائم الذل قوادهم وصيد بالصيد صيدهم وَمَا صين صَنَادِيدهمْ وَمَا فرس غلا فرسانهم وَمَا شجى وشجب الا شجعانهم فَإِن الرجالة لما شاهدوا عَسَاكِر الْإِسْلَام تبدد شملهم فِي الوهاد والآكام وارتاعوا من الروع وَمَا اجْتَمعُوا بِمَا لَهُم من الْجمع فَمَا ضغم الا ضيغم وَلَا قدم الا كل مقدم وَلَا شقي الا كل منعم وَلَا اعقتل الا كل معقتل وَلَا شَمل الْبلَاء الا كل قاهر وَلَا عقر الا كل عَاقِر وَلَا ندب الا كل ندب وَلَا ضرب الا كل ضرب وَلم يفلت من بَينهم وَلم ينج من حينهم إِلَّا الْملك المجذوم فَإِنَّهُ أخر مهلكه

المحتوم وَقيل إِن أحدهم حمله على قَفاهُ وسرى بِهِ تَحت اللَّيْل وأخفاه ثمَّ نجا بِهِ ونجاه وَعَاد السُّلْطَان إِلَى مخيمه بعد هدء من اللَّيْل وَيَوْم النَّصْر بالعجاج ساحب الذيل وداعي الْكفْر فِي الفجاج صَاحب الويل ووافت البشائر إِلَى الْعَسْكَر بالنصر من الْعَصْر وصدرت شروحها بشرح الصَّدْر وَجلسَ السُّلْطَان فِي سرداقه وَنحن عِنْده جُلُوس وحول شمسه من الأفاضل شموس وَمن شموع الحضرة المشتعلة نُجُوم وَمن جموع الْكَفَرَة المعتقلة قروم وَهُوَ يحدثنا بالحادث وَيكثر خطر الكارث وَيَقُول لَوْلَا التأييد من الله لَكَانَ الْخطب خطيرا والخبط كثيرا وَالشَّر كريثا والضر حثيثا فَإِن الْقَوْم أَغَارُوا وَنحن غَارونَ وأسروا سراهم وَنحن بحالتنا سارون لَكِن الله أعماهم وَعَن سَبِيل الْقَصْد أغواهم فإنهملو بدأوا بالمعسكر والحي خلوف والكيد مخوف والجند غيب والثأر كتب وَالنَّار خطب لأعجلوا عَن الألجام والإسراج وسدوا على الكرب مناهج الإفراج ووجدوا الفرصة بادية والعرصة خَالِيَة فصد الله قصدهم وأعمى بخطأهم عمدهم ثمَّ أذن فِي تَقْدِيم الْأُسَارَى وهم يتهادون كَأَنَّهُمْ سكارى فَأول من قدم ابْن بارزان بادوين وأسره من أمرائنا الأكراد مُحَمَّد بن خوشترين ثمَّ قدم أود مقدم الداوية الْكَبِير وَقد اشْتهر فِي الفرنج بأسه المبير وأحضر هُوَ ابْن القومصية وَكَانَ يعرف بِالنَّفسِ الأبية والنخوة الغضبية وَقيد أَخُو صَاحب جبيل وطالما انهض إِلَى ثغور الْإِسْلَام الْخَيل وَجَمَاعَة من مقدميهم الأكابر

ذكر فصل من كتاب أنشأته عن السلطان في هذه الوقعة المباركة والألطاف المتداركة إلى مجاهد الدين قايماز بالموصل

جمعتهم الْجَوَامِع وقمعتهم حَتَّى هانوا ودانوا المقامع وَأَنا جَالس بِقرب السُّلْطَان مُنْفَردا استعرضهم بقلمي فِي الدستور ومشاركا أَوْلِيَاء الله فِي الحبور وَالسُّرُور فأجلسهم من حوله وآنسهم بقوله وَأمر لَهُم بفراء مصيصية فأقروا بطولة طوله وَمن ألطاف الله أا وخواصه الْحَاضِرين لم نزد على عشْرين والأسراء قد أنافوا على سبعين وَقد أنزل الله علينا السكينَة وخصهم بالذلة المستكينة وطلع الصَّباح ورفح الْمِصْبَاح وقمنا وصلينا بِالْوضُوءِ الَّذِي صلينَا بِهِ الْعشَاء والأعطاف من المسرة قد شارفت الانتشاء ثمَّ جلسنا حَتَّى تمّ عرض المأسورين فبلغوا مِائَتَيْنِ ونيفا وَسبعين من الفرسان المقدمين سوى من أسره آسره فِي خيمته وَلم يسمح بهديته وَسوى من لَا يذكر من الأتباع فَإِنَّهُم عدوا عَن سقط الْمَتَاع ثمَّ نقل الأسرى إِلَى دمشق فاعتقلوا وبالحديد ثقلوا فَأَما ابْن بارزان فَإِنَّهُ بعد سنة بذل فِي نَفسه مائَة وَخمسين ألف دِينَار واطلاق ألف أَسِير من الْمُسلمين وَكَانَ الْفَقِيه ضِيَاء الدّين عِيسَى من نوبَة الرملة عِنْدهم من المأسورين فالتزم إِدْرَاكه وَأَن يُؤَدِّي من قطيعته الْمَذْكُورَة القطيعة الَّتِي عرف بهَا فكاكه وَأما هُوَ ابْن القومصية فَإِنَّهُ استفكته أمة بِخَمْسَة وَخمسين ألفا من الدَّنَانِير الصورية وَأما أود مقدم الداوية فَإِنَّهُ انْتقل من سجنه إِلَى سِجِّين فطلبت جيفته فَأَخَذُوهَا بِإِطْلَاق أَسِير من مقدمي الْمُؤمنِينَ وكال أسر البَاقِينَ فَمنهمْ من هلك وَهُوَ عان وَمِنْهُم من حرج بقطيعة وأمان ذكر فصل من كتاب أنشأته عَن السُّلْطَان فِي هَذِه الْوَقْعَة الْمُبَارَكَة والألطاف المتداركة إِلَى مُجَاهِد الدّين قايماز بالموصل صدرت هَذِه الْمُكَاتبَة إِلَى الْمجْلس السَّامِي المجاهدي لَا زَالَت موارد الْبُشْرَى

لَدَيْهِ صَافِيَة وملابس النعمى عَلَيْهِ ضافية وأمداد الْحسنى لَهُ وافية والية متوافية دَالَّة على الْبشَارَة بِمَا سناه الله وأسناه وولاه وأولاه من الظفر الهني والنصر السّني وثمر الْعَزْم الجني وَمَا من بِهِ من كسر الفرنج واسرهم وقهر قوامصهم وقسرهم وَمَا أسفرت عَنهُ عَاقِبَة عقوبتهم فِي خسرهم وَمَا أذهبه الله من يسرهم وَقدره من عسرهم وَذَلِكَ أَن ملك الإفرنج حشر حشود ضَلَالَة وأبطال بَاطِلَة وحشد جيوشه من بره وبحره وساحله وَقدم بفارسه وراجله وقناه وقنابله وظباه وعوامله وذؤبانه وذوابله واستتبع عَبدة الطاغوت واسترفع صَلِيب الصلبوت وزحف فِي ألف رمح وَعشرَة الآف مقَاتل مَا بَين فَارس تركبلي وراجل سرجندي وحامل عدَّة للْمَوْت حَامِل وشارع عَامل بِالشَّرِّ عَامل وكل دراع داعر ومراوغ مغاور وَفَارِس فَارس وَسبع عَابس وَذي طوارق بالأذى طوارق وسوابق إِلَى الْمَوْت سوابق وَوصل فِي هَذَا الْجمع المجر الجم الْجَمْر يَوْم الْأَحَد ثَانِي الْمحرم وَقرب فِي بانياس من المخيم وَكَانَ مُعظم الْعَسْكَر الْمَنْصُور قد ادَّلَجَ لَيْلًا مَعَ العلافة إِلَى ضيَاع للفرنج وناوشوها وشعثوها واسعروا نَار الْحَرْب وأرثوها ووافى إِلَيْنَا دَاع مستصرخ فأصرخناه ولبيناه وضممنا إِلَيْنَا الْعَسْكَر الْحَاضِر وعبيناه وسرنا ناهضين وكرنا راكضين ووافيناهم وَالشَّمْس فِي الطِّفْل محجوبة القسطل وَالْأَجَل عَاد على الأمل والقنا راعف بالنجيع القاني والمنايا هازئة بالأماني والعناء سَائِر إِلَى الْأَسير العاني وَقد سَالَ بالدماء سيل الدأماء واعتقلت الْأسود الهائجة الأساود إِلَى الهيجاء وَالْخَيْل تجول وتجور والخيالة تنوء بالردى فِي ردائها وتنور والجماجم من حر الجلاد تفوت وتفور وحمائم الْحمام تجول حول الْحمى من حماة الروع وتحور وَالْبيض محمرة والسمر مغبرة وغران الزغف بورق الْحَدِيد مخضرة ووجوه الشجعان من شحوب الاحن مصفرة وثغور الْمنون من نيوب النوائب مفترة والأرواح للْفرق مضطربة والأشباح

إِلَى فراقها مضطره والصعاد الصم فِي السابريات محطمة والجياد الضمر تَحت الأجواد الْمُؤمنِينَ بسمة النَّصْر مسومة والمقربات للردى وألسنة الأسنة عَمَّا تنشره وتنظمه فصاح الصفاح معبرات معربات وَلما أَشْرَفنَا على الْعَدو أشرف على الْعَدْوى وأوضح الْجد بل الْجد جدد الجدوى وتراجع النَّاس وأنسوا بالرجعة وفازت ظماء الظبي من ورد نجيع الوريد بالنجعة وحملت الفرنج حملات متناسقة فِي وثباته وهدوها وثباتها وَطَابَتْ لَهَا هباتها بالنفوس النفائس عِنْد هباتها وشبت المرهفات فِي مَاء الْحَيَاة نَار شباتها وهبت جفون الجفون لرقداتها من وقداتها وجادت جدوال الأغماد بسقيا هامها واستباحت ضوامن الضوامر وبوادر البواتر حمى حمامها وَوَلَّتْ أدبارها وحنت الحنايا إِلَى أحنائها فوفرت من سهامها سهامها وظفرت بأوتارها أوتارها وترشفت المشرفيات طلا طلاها ولبست الهندوانيات بِمَا سبكته من تبر تبارها عسجديات حلاها وَجعل الله لنا عَلَيْهِم الكرة وَصحح فيهم الكسرة ومنحنا أكتافهم وأعدنا بِالْقَتْلِ والأسر إِلَى الْآحَاد آلافهم ومهدنا فِي بطُون القشاعم أَكْنَافهم ومزقناهم فِي المأزق كل ممزق وَمَا تركنَا جمعا لَهُم فِي المفر غير مفرق ولجأوا إِلَى أَوديَة ومضائق وأدواء وبوائق ومطرتهم فِي مطارهم بوارق بوارهم وَجَرت أَنهَار نهارهم بدماء دمارهم وَلم يزل الضَّرْب يفريهم والطعن يقريهم والمبرية المفوقة تبريهم والمذروبة الموفقة من الْحَيَاة تبريهم وَالْخَوْف يخفر ذمار الذمر والسبف يهدم عمَارَة الْعُمر والرعب يشغل فكر الْكفْر حَتَّى تمت بنقصهم مَقْتَله مقيلة عثار العثير المثار وَاسْتوْفى الله دينه بعد المطال المطال وثار للثأر فَمَا نجا إِلَّا من أمهله الْأَجَل وأجله الْمهل وعدته العاديات وعافته العافيات وأنف الرغام من رغم أَنفه وشنف ثَعْلَب الرمْح إِن بلغ فِي قحفه وَتعلق بمعلق شنفه واشتمل بعد ذَلِك حَبل الأسار على مئين من كبار الْكفَّار فَأسر كل مِقْدَام مقدم وَهَمَّام معلم ودوي الدواي وفر الفريري وبار الباروني وضعفت قوي القوامص وَكَانُوا رُؤَسَاء متربين فصاروا أتراب الأخامص وظلت فوارس فرائس الحبائل مختبلي الفرائص وراحت راحاتهم مخفقة من الراحات وَقُلُوبهمْ بالآراء خافقة للعذاب كعذب الرَّايَات وَمن جملَة مَا حصل فِي الأسار وَصلح للخسار وَكبر بِأَن يذكر فِي الْكِبَار ابْن بارزان وَهُوَ الشانيء الْكَبِير الشان وصهره الْأَعْوَر وَهُوَ الذِّئْب الأغبر وَهُوَ صَاحب طبريا وَهُوَ من الصابرين على اجْتِنَاب السابرية وَابْن صَاحب

فصل من مكاتبة أخرى سلطانة أنشأتها إلى صدر الدين شيخ الشيوخ عبد الرحيم بن أبي البركات ببغداد في المعنى وذكر ظفر الأسطول المصري في البحر

مرقية وَهُوَ المارق بالاذية والمقدم الْكَبِير للداوية وَهُوَ الَّذِي يَرْمِي الْإِسْلَام بالأذى الدوية ومقدم آخرمعه دونه وهما بمعظم الافرنجية ومقدم الاسبتارية وَهُوَ أعظم بلية واخو صَاحب جبيل وَهُوَ فَارس الْخَيل وقسطلان يافا الْبَانِي على القساطل قناطر القنطاريات وَصَاحب جَنِين الْجَانِي ثَمَر الرعب المر بمران الراعبيات فصل من مُكَاتبَة أُخْرَى سلطانة أنشأتها إِلَى صدر الدّين شيخ الشُّيُوخ عبد الرَّحِيم بن أبي البركات بِبَغْدَاد فِي الْمَعْنى وَذكر ظفر الأسطول الْمصْرِيّ فِي الْبَحْر إِن أغبت المكاتبات إِلَى الحضرة السامية بِسَبَب التفرغ لشغل الْغُزَاة وقمع العداة العتاة فَإِن بَرَكَات همته الْكَرِيمَة غير مغبة وتباشير آلائها مسفرة عَن أُمُور للدولة مستتمة مستتبة وَقد تناصرت اسباب النَّصْر فِي هَذِه السّنة المحسنة واستيقظت للهبوب إِلَى الْجِهَاد جفون العزائم المتوسنة وَلَقَد تمت نوب مباركة عز فِيهَا الْإِسْلَام وذل الْكفْر وَعم الْعرف وَعمي النكر ودب الشّرك وَوَجَب الشُّكْر وَبَطل الْبَاطِل وَحقّ الْحق وَفصل الْإِفْك وَنصر الصدْق وَقضي دين الدّين وانتضي بيد الأيد سيف التأييد والتمكين وانتقم التَّوْحِيد من التَّثْلِيث وتميز الطّيب من الْخَبيث

وَفِي هَذِه النوب الْمُبَارَكَة وألطاف النُّصْرَة المتداركة ضعفت الفرنج وأظلم عَلَيْهِم النهج وَكسر عَسْكَرهمْ وَقتل أَكْثَرهم وَإِن أفخمها شَأْنًا وأوضحها برهانا مَا أَجِدهُ الله من النَّصْر يَوْم الْأَحَد ثَانِي الْمحرم وَنحن على بناياس فِي المخيم وَأَنَّهُمْ جَاءُوا بفارسهم وراجلهم ومكائدهم وغوائلهم فلقيناهم فِي رجال يستثيرون المنايا من مرابض الْآجَال وجبال من قوي جبلتها أعدام قوي الْجبَال وبحور من السوابغ والسوابق أمواجها فِي دأماء الدِّمَاء زاخرة وأقدام لِذَوي الْأَقْدَام فِي مستنقع الْمَوْت راسخة والمنايا من الْأَمَانِي الخاسرة ساخرة فسمنا الجفون نفي غرارها والمنون سقِِي عقارها ونقلنا إِلَى رِقَاب العدى مَا فِي قرَاب الْهدى وأضفينا على اؤلئك الأردياء اردية الردى وأضرمنا مِنْهُم نَار الْحَدِيد الْأَخْضَر فِي الوريد الْأَحْمَر وروينا ظماء الييض والسمر بِدَم الْعَدو الْأَزْرَق من بني الْأَصْفَر فَمَا ابيض يَوْم النَّصْر حَتَّى اسود بالنقع جوه وَمَا أَزْهَر نور الشقائق حَتَّى مطر بوبل النبل نوه وَمَا طارت حمام الْحمام بكتب كتبهمْ حَتَّى وفرت السِّهَام من الأحداق إِلَى أحداقهم سهامها وَمَا طَالَتْ أَيدي الأيد بالاعناق إِلَى أَعْنَاقهم حَتَّى أوحت لتوت اللتوت إِلَى الْهَام إلهامها وَمَا حنت الحنية إِلَى إحنائهم حَتَّى قَضَت أوتارها من أوتارهم أوطارها وَمَا شيمت بوارق بوارهم حَتَّى شيمت الظبى من الغمود فَجلت لياليها نَهَارهَا وأجرت جداولها أنهارها وَمَا أرقنا طلا الطلى حَتَّى نسجنا ملا الملاا وصغنا من تبر التبار للهندية الْبيض عسجديات الحلى وأصخنا إِلَى كلمة الله الْعليا فأثبناها بفصائح الصفائح فِي صَحَائِف العلى ونثرنا مِنْهُم بِالضَّرْبِ مَا نظمناه بالطعن ورعنا بأجلابنا عَلَيْهِم وإقبالنا إِلَيْهِم قُلُوب الرعن وثاروا إِلَيْنَا فِي اطلاب للثأر طلاب وآلاف للروع أُلَّاف وثبات فِي وثبات وتماثلت بَيْننَا الحملات وَبينهمْ المثلات فَمَا زلنا نكايلهم بِصَاع المصاع ونزايلهم بِذِرَاع القراع حَتَّى عثروا تَحت العثير بذيل الذل وَمَا كَثُرُوا الا قلوا بِالْقَتْلِ والأسر إِلَى القل وغصت الخوامع بقتلاهم والجوامع بأسراهم وأفلت الْملك اللعين طعينا لَا يجد من رجائه وَرِجَاله معينا وابنا بمقدميهم مُقرنين فِي الأصفاد مُقرنين فِي الأغلال والأقياد وَأسر صَاحب الرملة ابْن بارزان وصهره وأخو صَاحب جبيل وَهُوَ ظَهره وَابْن صَاحب طبرية والمقدم الْكَبِير للداوية وقسطلان يافا وضامنها وَصَاحب جَنِين واين صَاحب مرقية ومقدم الاسبتارية وعدة كَبِيرَة من خيالة الْقُدس وعكا من البارونية وعمت جَمِيع فرسانهم البلية ووقمت اصلاب الصليبية ووقذت أنصار النَّصْرَانِيَّة وَالْحَمْد لله على النُّصْرَة

ومن حسن اتفاقات القدر وحسنى استحقاقات الظفر

الدانية الدِّينِيَّة وَالثَّمَرَة الحلوة المجنية والمنية المتحققة لِلْإِسْلَامِ بايراد الْكفْر موارد الْمنية وَمن حسن اتفاقات الْقدر وحسنى استحقاقات الظفر أَن الأسطول النصور الْمصْرِيّ غزا فِي أول هَذَا الْعَام وتوغل فِي الجزائر على أهل الجراير وَرمى دِيَارهمْ بالدوائر وفقارهم بالفواقر وظفر ببطسة كَبِيرَة فلقيها بالبطشة الْكُبْرَى وَاسْتولى عَلَيْهَا وعَلى أُخْرَى وَعَاد إِلَى الثغر المحروس بشرح الصُّدُور وَطيب النُّفُوس مستصحبا ألف رَأس من السَّبي مصحبا برشد الْقَصْد ونجح السَّعْي وَكَانَ تَارِيخ استطالة الأسطول على الفرنج بِمصْر فِي الْبَحْر تَارِيخ بطشتنا فِي الشَّام من غير تَأْخِير بِحَرب الْكفْر فَمَا أقرب مَا بَين النصرين فِي المصرين وَمَا أعذب عَذَاب الفئتين وتجريعهما الْأَمريْنِ من الْأَمريْنِ لقد عَم النَّصْر وتساوى فِيهِ الْبر وَالْبَحْر وتهادت بِهِ الْبُشْرَى والبشر وَفضل بِهِ سَائِر الإعصار بسيرة فَضله هَذَا الْعَصْر ذكر منقبة للْملك عز الدّين فرخشاه فِي وقْعَة مرج عُيُون قد سبق ذكر نهضته بالعسكر وركوب الفرنج إِلَيْهِ فِي ذَلِك المعشر وَمَا تمّ من إقدام السُّلْطَان ونصرته وَكسر جيوش الْكفْر وَأسر أسرته ذكر عز الدّين فرخشاه أنني فِي تِلْكَ المعركة والحومة الجالية إِمَّا عَن المملكة وَإِمَّا عَن الْمهْلكَة تذكرت بَيْتِي المتنبي ... فَإِن تكن الدولات قسما فَإِنَّهَا لمن يرد الْمَوْت الزؤام تؤول وَمن هون الدُّنْيَا على النَّفس سَاعَة وللبيض فِي هام الكماة صليل ... فهان الْمَوْت فِي عَيْني فَلم أفرق بَين حَياتِي وحيني وَحكى الْأَمِير حسام الدّين تميرك بن يُونُس وَكَانَ لشجاعته وحصافته الْفَارِس المتفرس وَكَانَ مَعَ عز الدّين فِي الْوَقْعَة وَحصل وسط الرقعة انا كُنَّا فِي أقل من ثَلَاثِينَ فَارِسًا تقدمنا من أهل الفتك فشاهدنا خيل الفرنج فِي سِتّمائَة فَارس واقفين

على جبل وهم جَمْرَة الشّرك وبيننا وَبينهمْ المَاء وَقد عب من الروع الدأماء فَقَالَ نعبر إِلَيْهِم ونحمل عَلَيْهِم فَقلت لَهُ كَيفَ تَقول هَذَا وبمن تحمل عَلَيْهِم وبماذا فَقَالَ إِذا عبرنا النَّهر وحملنا ذلوا وتبعنا من رآنا من عساكرنا فانهلوا من دم الْكفَّار وعلوا وان وقفنا لَهُم طمع الفرنج فِينَا وَجَاءُوا وَعمِلُوا مَا شَاءُوا فَسَار إِلَيْهِم وَعبر المَاء وهاج بإقدامه الهيجاء فَمَا وصل إِلَى الْقَوْم إِلَّا فِي عدتهمْ وفل من حد حدتهم وَشد إِلَى شدتهم وَوَافَقَ ذَلِك زحف السُّلْطَان وخذلان الْكفْر وَنصر الْإِيمَان وَمِمَّا مدح بِهِ السُّلْطَان فِي هَذَا الْفَتْح مدحه سَيرهَا من مصر إِلَيْهِ فَخر الْكتاب أَبُو عَليّ الْحسن بن عي الْجونِي الْعِرَاقِيّ وَيذكر فِيهَا الْمُبَارَكَة الْفَاضِلِيَّةِ فِي الْحَج (الْخَفِيف) لَك رب السَّمَاء خير معِين وكفيل لما تحي ضمين فَلهُ الْحَمد أَي نصر عَزِيز قد حبانا بِهِ وَفتح مُبين أدْرك الثأر حِين ثار لَهُ المغ وار حتف الْكفَّار لَيْث العرين الْهمام الغضنفر الْملك النا صر مولى الورى صَلَاح الدّين يَا مليكا أضحى الزَّمَان يُنَاجِي هـ بِلَفْظ الْمُذَلل المستكين قذفت أَهلهَا الْحُصُون إِلَى بأ سك حَتَّى عوضتهم بالسجون وأراهم رب السَّمَاء بأسيا فك مَا لم تجل لَهُم فِي ظنون أطمعتهم مِنْك المراخاة فاستش روا فلاقوا وبال حَرْب ركون عِبْرَة أَصْبحُوا لكل غوي مِنْهُم غادر رجيم لعين أَو يوافون طائعين فَمَا فا ءوا وهم بَين موثق وطعين كم لقِيت الْأَعْدَاء بِاللَّه والقل ب الجريء الصدْق الشَّديد الملين فهزمت الجيوش غير سؤول عَن يسَار من عَسْكَر أَو يَمِين لَك قلب عِنْد اللِّقَاء مكين وَله من تقاة ألف كمين ...

ومنها أيها الطاهر الخلال الكريم ال آل والبدر في الليالي الجون إن هذا الفتح المبين شفاء لصدور وقرة لعيون هو يوم أضحى كيوم حنين سهل الله نصره في الحزون إذ أسرت الأبطال جمعا ولم يم تنعوا من سطاك بالتحصين ساقهم حينهم إليك

.. يَا مليكا بعون الله مستعصما وَصدق الْيَقِين ولرب السَّمَاء جند تقَوِّي هـ بهم غير ظَاهر للعيون ... فَإِذا الظَّن حاد عَنْهُم معَاذ الله وافى مَا لَيْسَ بالمظنون ... وَمِنْهَا ... أَيهَا الطَّاهِر الْخلال الْكَرِيم ال آل والبدر فِي اللَّيَالِي الجون إِن هَذَا الْفَتْح الْمُبين شِفَاء لصدور وقرة لعيون هُوَ يَوْم أضحى كَيَوْم حنين سهل الله نَصره فِي الحزون إِذْ أسرت الْأَبْطَال جمعا وَلم يم تنعوا من سطاك بالتحصين ساقهم حينهم إِلَيْك وَلم يظ فر مليك بِمِثْلِهَا فِي حِين خدمتك الأقدار فِي كل من أع جز صرف الردى وريب الْمنون يَا لَهَا وقْعَة بهَا ذكر الرا ؤون عَنْهَا مَا كَانَ فِي صفّين أشبهت لَيْلَة الهرير وبحر الدَّم طام وَالْخَيْل مثل السفين نلْت مَا أعجز الْمُلُوك تمني هـ وَلما يجل لَهُم فِي ظنون أَنْت من رَحْمَة خلقت وَهَذَا الْخلّ ق من حمأة مَعًا أَو طين ... وَمِنْهَا فِي غيبَة الْفَاضِل ... إِن يكن غَابَ عَنْك مَشْرُوع ورادك والفاضل الْبعيد الدّين والنصيح الْأمين من لم يُشَاهد مثله للأمين والمأمون فَلهُ من دُعَائِهِ خلف عَن دك أبشر بنجحه الْمَضْمُون لَك من حجَّة وَأَنت مُقيم خير ذخر عِنْد الْإِلَه مصون ... ذكر سَبَب غيبَة الْملك المظفر تَقِيّ الدّين ابْن أخي السُّلْطَان عَن هَذِه النّوبَة كَانَ السُّلْطَان الرّوم قلج أرسلان أرسل فِي طلب حصن رعبان وَيَدعِي أَنه من بِلَاده وَإِنَّمَا أَخذه مِنْهُ نور الدّين رَحمَه الله على خلاف مُرَاده وَأَن الْملك الصَّالح وَلَده قد أنعم بِهِ عَلَيْهِ وَرَضي بعوده إِلَيْهِ فَهُوَ لَهُ وَلَا يتْركهُ وَكَيف لَا يُعِيد يَده على مَا يملكهُ وأبى ذَلِك سلطاننا فصد قَصده وَمنعه ورده وَكَانَ مَعَ شمس الدّين بن الْمُقدم وَفِيه نوابه وَقد قوى بالسلطان جَانِبه وَامْتنع جنابه فأنهض قلج ارسلان عسكرا

فصل من كتاب سلطاني أنشأته في المعنى إلى مجاهد الدين قايماز بالموصل

مجرا نزل على حصاره وَشرع فِي تشعيث نواحيه واقطاره فندب السُّلْطَان تَقِيّ الدّين وَمَعَهُ سيف الدّين عَليّ بن أَحْمد المشطوب ليجلوا بكر الْفَتْح المخطوب ويتوليا إِزَالَة رعب رعبان ويرسلا الروع على روع عَسْكَر قلج ارسلان فنهضا وهما فِي ألف من كل ذمر للكريهة ألف وَكَانَت تِلْكَ الحشود فِي عشْرين الْفَا مجمعة على النهب والغارة مزمعة فَلَمَّا شاهدوا أَصْحَابنَا قد جرى بسيل خيلهم الْوَادي أجفلوا من عدوى تِلْكَ العوادي وَزَالَ عَن رعبان رعبها وَأَن سربها وعذب شربهَا ورعي سبقها ورعي سوامها وحيم ذمامها وتلألأت لياليها وايمنت ايامها وارتوى أوامها واستوى قوامها وعصي خرامها وانتظم مرامها وخمد ضرامها وركد عرامها وغري بالدولة الصلاحية غرامها وَبعد برجها وَسعد سرحها وهجر هرجها وتفجر برحها وسمت أضوائها وهمت أنواؤها وأرحب بأرجائها مهاب المهابة وطافت بهَا ألطاف عصمَة الله الذابة بالإصابة وتجلت فِي أبراجها الْأَنْوَار الشمسية ونسيت لمنافع يَوْمهَا المضار الأمسية فصل من كتاب سلطاني أنشأته فِي الْمَعْنى إِلَى مُجَاهِد الدّين قايماز بالموصل قد عرف أَنا نؤثر أَن تكون هَيْبَة الْإِسْلَام كَامِلَة وخيبة الْكفْر حَاصِلَة وَالْقُوَّة على حزب الْكفَّار متوفرة والعساكر الإسلامية كَمَا عود الله بجيوش الْكفَّار مظفرة وَأَن قلج ارسلان قد هادن الرّوم وهادى الفرنج وتنكب فِيمَا يَقْتَضِيهِ الدّين النهج وحرض الْكَافرين على قتال الْمُؤمنِينَ وَقد عاود الْآن وراسل الملاعين وَنفذ عسكره وَزَل على رعبان وعاثوا فِي الضّيَاع وَقَطعُوا السبل وأحرقواالزرع واتلفوا الْمغل وأهلكوا الْحَرْث والنسل ونكأوا قرح قلوبالمسلمين بالقرح وأغارت سراحينهم على السَّرْح وَكَثُرت شكوى شمس الدّين مِنْهُم وَأخْبر بِهَذِهِ المساوئ عَنْهُم وَمَا خفنا على القلعة فَإِنَّهُم كَانُوا أَضْعَف من أَن يؤثروا فِيهَا أثرا أَو يقضوا مِنْهَا وطرا ويفتضوا لَهَا عذرة أَو يقرعُوا لَهَا ذرْوَة أَو يعصموا من سورها سوارا أَو عُرْوَة فَإِنَّهُم أَقَامُوا عَلَيْهَا هَذِه الْمدَّة فِي الْجمع الجم الْجَمْر والعسكر الدثر المجر وَلما رحلوا بل رحلوا راغمين وللسلامة عادمين لم يُوجد لَهُ فِيهَا أثر حجر وَلَا نقب خرم ابر وَذَلِكَ على مَا بذلوه من الْجهد الجهيد وَالْجد الْجَدِيد وَالْحَد الْحَدِيد ونصبوا المجانيق وحلبوا للشر أفاويق وَإِنَّمَا اشفقنا على الرّعية فقد حصلت بمضيعة وتورطت فِي مسبغة فلزمنا انفاذها من

ذكر النزول على حصن بيت الأحزان وتيسير فتحه في أقرب زمان وذلك في شهر ربيع الأول سنة خمس وسبعين

تعديهم واستخلاصها من اجتراحات ايديهم فسيرنا بِحكم الِاضْطِرَار تَقِيّ الدّين فِي عدَّة من الْأُمَرَاء غير مستنجدين بِأحد فِي دفع ذَوي الاعتلاء فِي الاعتداء واندفع عَسْكَر قلج ارسلان بأقبح صُورَة وَهزمَ باختيارنا على ضَرُورَة وَكسر تَقِيّ الدّين بِإِذن الله ثَلَاثِينَ ألفا من عَسْكَر الْمَذْكُور بِأَلف وَكَانُوا ضعفا على ضعف فزيدوا ضعفا على ضعف وَكَانُوا فِي غنى عَن أَن يكسروا ناموسهم ويرفعوا إِلَى خافضها رؤوسهم أَو يحدثوا بِمَا لَا يبلغونه نُفُوسهم وَقد علم الله أَنه كسر ناموسهم المهيب ومؤاخذته على رَأْيه الْمُخطئ الْمُصَاب لَا الْمُصِيب فَإِن الْمَذْكُور يمشي زامنه بناموسه ويوشي نَهَاره بِمَا ينمقه من أشعة الآفلات من شموسه ذكر النُّزُول على حصن بَيت الأحزان وتيسير فَتحه فِي أقرب زمَان وَذَلِكَ فِي شهر ربيع الأول سنة خمس وَسبعين لما ضعف الْكفْر بالنوب الَّتِي نابته والبأس الإسلامي الَّذِي هابته والمصائب الَّتِي أَصَابَته قوي الْعَزْم السلطاني فِي قصد البرج ووسع همته الْكَرِيمَة للخرج وسير التركمان وقبائلها وَإِلَى الْبِلَاد لجمع راجلها ألوفا مصرية تفرق فِي جموعهم وحشودهم وَتطلق لَهُم فَوَائِد وفودهم وَأمر باعداد الدَّقِيق للتركمان وتكثيره وتسهيل كل مَا يُرَاد وتيسيره فخرجنا فِي جَيش فض بالفضاء ختام قتامه وَورد على الاصباح باظلامه وأثرنا الإثاره فِي جوى الجو غرام رغامه وَقدم الرعب إِلَى الْأَعْدَاء بأقدامه وخفق أَعْلَام العقبان بِحَق النَّصْر بعقبان أَعْلَامه وأقرت بقرى العاسلات من قرا الأقران عاسلاته وأسالت الغيات المحتوية على آسادها سلاته ومادت ميادينه وسرحت وعامت ثعابينه وَقَامَت براهينه ورست أهاضيبه وسرت سراحينه وخفقت أرضه واباد عرض البيد عرضه وضجت غمامة ورجت غمائمه وطارت فِي خروقه الْخرق ودجا من فيالقه الفلق وجلبت الترائك على أتراكه وكلبت الممالك بأملاكه وهادت الوهاد آكامه وأهدت الْأسود آجامه وسحبت على السحب أردانه وَجَرت أرسانه فرسانه وذكت بمذاكيه نيرانه وقلقت بغراره أجفانه وغلفت بغباره رهانه وخرصت عناقيد النَّجْم خرصانه وهبت بِهِبَة الْأَرْوَاح أرواحه ودارت بفوز القداح أقداحه ولاحت غرره وأوضاحه وأربت باشتراء الانفس فِي سَبِيل الله أرباحه ودب براجل كَرجل الدبا وغصت بخيولها وسيولها الشعاب والربى وسرنا وسرنا سَار وبرنا

بالبرية بار وَكَانَت الْحَرَكَة فِي سُكُون والنهضة فِي ركون والسرعة فِي هدوء وهدون حَتَّى انضمت الْأَطْرَاف المنتشرة وانتظمت الأفواج المنتثرة والتفت الجموع وارتجت الصُّفُوف المتلفقة وتألفت الاشتات المتبددة واتسقت الْأَسْبَاب المتمهدة وحملت الْآلَات وكملت الْحَالَات ووصلنا إِلَى الْحصن فِي أَيَّام كأنهن لَيَال من ظلمَة العثير وليال كأنهن أَيَّام سنا السنور وَقد جاش الْجَيْش بقساور قساوة وضراغم ضراوة وليوث كفاح وكباش نطاح وأقران قرَان وقراع واخدان مصال ومصاع وفرسان طراد وأجادل جلاد ومثيري عجاج ومديري هياج ومعتقلي أنابيب ومشتملي شآبيب وممتطي شناخيب ومضمري أعاريب ومظهري أَعَاجِيب ومضمري نقع ومضرمي روع ومسعري نَار الوغى ومفجري مَاء الطلى وقابضي أَرْوَاح العدى وباسطي جنَاح الْهدى ومثقفي الوشيج مغارش العلى وجالي الْبيض فِي الدَّم المريج عرائس حمر الحلى ومريقي نجيع الْكفْر بِالْحَرْبِ الزبون ومذيقي جموع الشّرك طعم الْمنون من كل أغلب قسوري وأجدل مضرحي وأحمس حَيّ وَندب شمري وَضرب كمي وذمر مشيح للمهج مُبِيح وللنصل منتض وللضر متقتض وللقصر بار وللظفر جَار وللقرن سالب وللطعن طَالب وللثأر ثَائِر والزار زائر وللقاء العداة محب ولنداء المنايا ملب وللبوس الْبُؤْس مجتاب ولمتنامي النُّفُوس منتاب وَإِلَى نزع الذماء ونزح الدِّمَاء نازح فهاجوا وماجوا وعجوا وعاجوا إِلَى دَار الْبَقَاء من دَار الفناء ووصلنا إِلَى مخاضة بَيت الأحزان يَوْم السبت والحصن مُبين من دونهَا من الغرب فخيمنا مِنْهَا بِالْقربِ وَجَعَلنَا البرج مَرْكَز دوائر المخيم ورميناه من نزالنا ونزولنا بالصليم واحتمى الفرنج وامتلأ بهم البرج وضاق بالعسكر ذَلِك المرج ورفعنا على تِلْكَ الآكام آكاما من الخيم وعقدنا بالجو ركاما من أنفاس تِلْكَ الْأُمَم ورمينا من

الجماجم والغماغم مسامع الْآفَاق بالصمم وأزرنا وجود الْعَدو من جد قصدنا بِالْعدمِ وَقُلْنَا حصن حُصَيْن وَمَكَان مكين وركن ركين وَهُوَ يصعب ويتعب لَوْلَا أَن الله فِي فَتحه معِين وَلَا بُد من نظم ستائر لنصب المنجنيقات وَجمع الأخشاب والآلات فَركب السُّلْطَان بكرَة الْأَحَد إِلَى ضيَاع صفد وَكَانَت قلعة صفد يَوْمئِذٍ للداوية وَهِي عش البلية وَأمر بِقطع كرومها وَحمل زرجونها وأخشابها واستكمل للمجانيق كل مَا يتم بِهِ أَسبَاب انتصابها وَعَاد إِلَى المخيم بعد الظّهْر ظَاهرا وببرهان لطف الله بارهرا وَخرج بعد الْعَصْر وَجمع أراءه وعارض بآرائهم آراءه فَقَالَ لَهُ عز الدّين جاولي الْأَسدي وَهُوَ الْأسد المحرب المجرب الجريء تَأذن لنا بالزحف قبل الِاشْتِغَال بِنصب المنجنيق والانتصاب لهَذَا الْخطب جليله والدقيق حَتَّى نذوق قِتَالهمْ ونجرب نزالهم ونستض نصالهم ونستعرض أَحْوَالهم ونستقبل أهوائهم وأهوالهم فَرُبمَا تلوح فيهم فرْصَة وتخلو لنا عَرصَة وتحلو خصة فَقَالَ استخيروا الله حَيْثُ اخترتم وأثيروا كَمَا أثرتم فَنُوديَ فِي النوادي بالإقدام والحضور فِي مقَام الانتقام وحفز الزَّحْف إِلَى حمى الْحمام والاحتذاء للاحتذام والاصطلاء بِنَار الاصطلام فثاروا الى الثار وطاروا إِلَى الأوطار وداروا بِالدَّار وكشفوا خدودهم لقبل السِّهَام ونصبوا وُجُوههم لشعل الضرام ودنوا من الباشورة وباشروها وَسقوا معاشرها كأس الْمنية وعاشروها وعهدي بشاب من الْعَوام فِي جرْأَة الضرغام عَلَيْهِ

قَمِيص خلق وَفِي يَده عضب ودرق وَهُوَ بنأر الحنق محترق وَقد فرع الْجِدَار وَنزع الحذاروهو يكافح ويقارع ويجالد ويماصع ويواقح ويواقع فَتَبِعَهُ ضرب من أضرابه فِي الضَّرْب وشيعة آخر على حر الْحَرْب فتخاذل الْقَوْم فِي الوقم وهز أعطاف الْهَرم ودخلوا الْحصن وأغلقت الْأَبْوَاب وتقطعت بهم الْأَسْبَاب واسلموا للسوء سورهم وللخراب معمورهم وأحاط النَّاس بِالْحَائِطِ وهانوا بِمَا فرط وَعز عَلَيْهِم اسْتِدْرَاك الفارط ودخلوا الْحصن واستشعروا الوهن وعناهم مَا عَن ووقفوا وَرَاء الْأَبْوَاب وعَلى شرافاته وأشرفوا على شَرّ آفاته وَملك اصحابنا الباشورة وملأوها وانتقلوا بكليتهم إِلَيْهَا وكلأوها وَبَاتُوا طول اللَّيْل يَحْرُسُونَ وعَلى الْقِتَال يحرصون ولنهزة الظفر يفترصون وَالسُّلْطَان يمدهُمْ بالإمداد وينجدهم بالانجاد ويشفق من فتحهم الْأَبْوَاب وكبسهم النَّاس على غرَّة وعود مَا خلناه مَنْفَعَة بمضرة فَقيل لنا انهم قد أوقدوا خلفكل بَاب نَارا ليأمنوا على أفسهم اغْتِرَارًا وَلَا يلْقوا عوارا فقر قَرَار الْأَصْحَاب وَعَاد الجماح إِلَى الْأَصْحَاب وَقُلْنَا هان الْحصن ولان صعبه وَلم يبْق الا نقبه ثمَّ جمع الْأُمَرَاء والكبراء وَفرق عَلَيْهِم الْبناء فَأخذ عز الدّين فرخشاة الْجَانِب القبلي وَجمع عَلَيْهِ الصناع النقابين والحجارين وَجَاء الخراسانية وَرَاء الجفاتي جارين ولأثقالها جارين وَأخذ السُّلْطَان النقب فِي الْجَانِب الشمالي وأهض إِلَيْهِ حجارين للصخور بارين وَأخذ نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن شيركوه بِقُرْبِهِ نقبا وَأقَام لَهُ فِيهِ حَربًا واقر تَقِيّ الدّين لَهُ قسما وجد عَلَيْهِ عزما وَكَذَلِكَ كل كَبِير شرع فِي طرف وَأخذ الْعَمَل فِيهِ بِسُرْعَة وسرف والفرنج من فَوْقهم على السُّور ووراء الستائر يرْمونَ بالفواقر ويصوبون الجروخ ويرومون لعقود الخطوب الفسوخ

وَكَانَ الْحصن جَدِيد الْبناء رطبَة شَدِيد التأتي صعبة يعسر على النقاب إِخْرَاج حجره وَإِظْهَار مضمره كَأَنَّمَا أفرغ من حَدِيد وَقد آوى الْكفْر مِنْهُ إِلَى ركن شَدِيد فَمَا انْقَضى يَوْم الْأَحَد على أهل الْأَحَد الا بالبكاء والنكد وَتمّ النقب السلطاني وعلق وَحشِي بالحطب لَيْلَة الِاثْنَيْنِ وأحرق وَظن أَنه يتضعضع وتوقع أَنه يَقع والنقب فِي طول ثَلَاثِينَ ذِرَاعا وَفِي عرض ثَلَاثَة أَذْرع فِي الْمِقْدَار وَكَانَ عرض السُّور تِسْعَة أَذْرع بالنجار فَمَا تأثر بِالتَّعْلِيقِ وَالتَّحْرِيق وَلَا أبان عَن التشييد وَالتَّشْدِيد فَأصْبح يَوْم الِاثْنَيْنِ والقلوب قد اشفقت والظنون قد اخفقت وَالْعَمَل قد وقف والأمل قد ضعف وَلَا سَبِيل لتعميق النقب وتوسيعه للنيران الملتهبة فِيهِ وَفِي ضلوعه فَأخْرج لاسلطان صرة فِيهَا ثَلَاثمِائَة دِينَار مصرية على اعادة تِلْكَ النَّار الجحيمية ابراهيمية وَتركهَا على يَد عز الدّين جاولي وَأعْطى دِينَارا لكل من جَاءَ من المَاء بِقُرْبِهِ على وَجه زلفى لله وقربه فَرَأَيْت الناسللقرب حاملين ولأوعية المَاء ناقلين حَتَّى اغرقوا تِلْكَ النقوب فخمدت فَعَاد نقابوها وَقد بردت فخرقوه وعمقوه وفتحوه وفتقوه وشقوا حجره وفلقوه ثمَّ علقوه وحشوه واستظهروا فِيهِ يومي الثُّلَاثَاء والاربعاء ثمَّ أحرقوه وَوصل الْخَبَر بالفرنج قد اجْتَمعُوا بطبرية وَأَنَّهُمْ بروا بخيلهم وراجلهم تِلْكَ الْبَريَّة ونقع منا الْحِرْص فِي الْإِسْرَاع وحض الجاندارية والصناع فَلَمَّا أَصْبَحْنَا يَوْم الْخَمِيس الرَّابِع وَالْعِشْرين من شهر ربيع الأول أصبح الْخَمِيس وَقد حمي الوصيس وغص بالأسد الخيس وَالدُّنْيَا تضطرب والبلوى تضطرم والعدوى تحتد والعدو يحتدم وللبأس اقتحام وَلِلنَّاسِ ازدحام وللإسلام من الْكفْر انتقام وَنحن نَنْظُر إِلَى السُّور وَقد طَال الِانْتِظَار ونقع فِي بطء وُقُوعه

الاستشعار وَلما تَعَالَى النَّار وَعيلَ الاصطبار وَزَالَ الْقَرار انقض الْجِدَار فأبرت الْبُشْرَى وتباشرت الْأَبْرَار وتسابق النَّاس إِلَى الثلمة واجتلوا لمع الرَّحْمَة من فرج الزحمة وَكَانَ الفرنج قد جمعُوا وَرَاء ذَلِك الْوَاقِع حطبا وحموا بِهِ عَن أنفسهم عطبا فَلَمَّا وَقع الْجِدَار دخلت الرِّيَاح مِنْهَا فَعَادَت عَلَيْهِم النَّار واحرقت الْبيُوت الدانية مِنْهَا فِي الجوانب وبلوا من كل صوب بالمصائب فَاجْتمعُوا الى الْجَانِب الْبعيد من النَّار وَقد لفحهم وهج الاستشعار وصاحوا الْأمان وأظهروا الإذعان وحنت حمت النيرَان من الهجوم عَلَيْهِم وَالدُّخُول إِلَيْهِم وتسلق الْخلق وتعلقوا فَلَقوا وفلقوا وأطلقوا أَيْديهم فِي الْقَتْل فقادوا وقيدوا وشدوا وشددوا وَجلسَ السُّلْطَان وَأَنا عِنْده وَقد حمد الله تَعَالَى وَحده فَمن احضر عِنْده من الْأُسَارَى استنطقه فَمن كَانَ مُرْتَدا أَو راميا بجرخ ضرب عُنُقه وخلص من الْأسر أَكثر من مائَة مُسلم أحضروهم للعمارة وَقطع الْحِجَارَة وَأكْثر من أسر قَتله فِي الطَّرِيق الْغُزَاة المطوعة والرعاع المجمعة وَكَانَ فتحا هنيا ومنحا سنيا وَمَا ظن لاحكام بنائِهِ وتوثيق رَفعه واعتلائه وتسفيح تله وتسطيح مَحَله وتوعير سبله أَنه يَتَأَتَّى افتتاحه وَيتَصَوَّر اجتياحه وَكَانَ قد بذل فِي هَدمه لليأس مِنْهُ والسلو عَنهُ مبلغ سِتِّينَ ألف دِينَار فَلم يذعنوا بالفرار وَبلغ بالمبلغ مائَة الف فثبتوا على الاصرار وَقَالُوا مَا أنفقنا فِيهِ الْأَمْوَال وَنحن إِلَيْهَا مفتقرون وَقد أخرج الداوية عَلَيْهِ جَمِيع مَا ملكوه وهم بقوتهم مستظهرون وظنوا أَنهم بِهِ يحاصرون الْبِلَاد ويحصلون المُرَاد وَلَو بَقِي الْحصن لم يحصن الْبَقَاء ولدنَا من الْبِلَاد الْبلَاء ولأعضل بِقرب الداوية الدَّاء واعوز الدَّوَاء لَكِن الله نظر لِلْإِسْلَامِ وَنَصره وقمع الْكفْر وقهره وَيسر لنا مَا ظنناه عسيرا وَلم يزل للْمُؤْمِنين نَصِيرًا وَرَأَيْت السُّلْطَان منتديا فِي حبى الحبور مُسْتَبْشِرًا يتلألأ وَجهه بِنور السرُور وَعِنْده رَسُول القومص معافى وَهُوَ يُشَاهد أهل مِلَّته وَلَا يجد لاستشعار همومه نقع

ومما أنشأته في هذه النوبة رسالة إلى القاضي الأجل الفاضل ونحن بالمخيم على الحصن بشرح ذلك من يومه الى آخره وكان المقام على الحصن في أيام فتحه وبعدها أربعة عشر يوما

غَلَّته وَكَانَ الْحر شَدِيدا لَا يُطَاق وَدم الشّرك مُبَاحا يراق وَقد وَقد القيظ وان رقد الغيظ وانتنت اشلاء الْقَتْلَى وَذكرت آيَات الِاسْتِعَاذَة تتلى وسير من باقاه الاسار الى دمشق للعرض والاعلام بِبِشَارَة اداء الْفَرْض وَأقَام السُّلْطَان فِي مخيمه والاموات قد جافت والأحياء قد عافت وَقَالَ لَا أَبْرَح حتلا أهدم الْموضع من أساسه وأعيد الرَّجَاء فِي تصور اعادته الى ياسه فقمسناه أذرعا على النَّاس حَتَّى هدوه الى الاساس وَعَاد المشهد اليعقوبي مزورا وأري الابتهاج بزيارته مشورا وَكَانُوا قد احتفروا فِيهِ جبا وَاسِعًا على التل نبع مُعينَة وَأحكم بِالْحِجَارَةِ من أَسْفَله إِلَى أَعْلَاهُ طيه وترصيفه وترصينه فَأمر بطمه وَالْجد فيهدمه فاحتيج فِي ذَلِك الى جثث الْقَتْلَى وجيف الهلكى وَدخلت الْحصن فشاهدت الْعجب وعاينت فِي الْأَعْدَاء الشجب وَرَأَيْت فَارِسًا حِين ألْقى على النَّار حصانه وَهُوَ رَاكِبه وَلم يتنكب الْبلَاء وَالْبَلَاء ناكبه فَانْظُر الى هَذِه الحمية وَالنَّفس الأبية واقام السُّلْطَان فِي ذَلِك الْمنزل الكريه حَتَّى فرغ من التخريب والتعفية وشفع حق الْجِهَاد بالتوفير وَورد المُرَاد بالتصفية ورحلنا يَوْم الْأَرْبَعَاء آيبين بالنعماء رجعين بالغنائم والآلاء وَعند الْوُصُول الى دمشق مرضنا من وبال ذَلِك الوباء ونتن ذَلِك الْهَوَاء وانتقل الى جوَار الرَّحْمَة أَكثر من عشرَة من الْأُمَرَاء وَمن الله عليبعد الاشفاء بالشفاء وَمِمَّا أنشأته فِي هَذِه النّوبَة رِسَالَة إِلَى القَاضِي الْأَجَل الْفَاضِل وَنحن بالمخيم على الْحصن بشرح ذَلِك من يَوْمه الى آخِره وَكَانَ الْمقَام على الْحصن فِي أَيَّام فَتحه وَبعدهَا أَرْبَعَة عشر يَوْمًا يهني بِمَا يُنْهِي نبأه وأثره الْأَثِير وَحَدِيثه الحَدِيث وَخَبره الثبت الحثيث وخطبه الْخَطِيب من بره على مِنْبَر العلى وحاله الحالية من الْحسنى حسن الحلى وَهُوَ فتح البرج وحتف الفرنج وتضوع النجح وتوضح النهج وافترار ثنايا الثَّنَاء بأذى ذَوي الافتراء واجترار اللهاذم لَهَا دَمًا من ارماق المراق من أولي الاجترام والاجتراء فان يكن برج الفرنج المستجد المؤثل لَهُ موثرا لَهُم فان خبر الفرنج المستجدي أَذمّ بسلامة الْإِسْلَام ونكاة الْكفْر من كل ذمّ وَقد أخبر بِمَا من الله بِهِ ومنح وأسنى من سمناه فسنح من مُقَدمَات السعادات ومسعدات المقدمين واجتهادات الْغُزَاة ومغزى الْمُجَاهدين

فانه لم حضر الْعَسْكَر وحصره وصابره وأبصره وَقصد مَنْهَج الرَّأْي ومنهل الرّيّ من صوب الصَّوَاب فارتأى وارتوى وَرَأى من النَّهْي أَنه إِن حاوله وطاوله انفض من الزَّاد وَأقوى من القوى وَكَانَ السُّلْطَان ركب بكرَة الْأَحَد إِلَى صفد فصادف ضِيَاء ضياعها بالأوهار زاهرا ورواء روابيها بالبهاء والبهجة ظَاهرا وكرائم كرومها معلقَة الأقراط وغروس عروشها مخلدة الأشراط والأرواح للأحوار وَالْأَشْجَار مشاجرة وَالشمَال لتصفيقها بصفقة الشُّمُول متاجرة والعناقيد روم وزنج بالعناقيد قيدت إِلَى السجون لتبريز ابريز الزرجون والأفنان المورقة المترنحة من فرقها بالفنون وَقد ربى رباها وهدا هداها كَافِر لكَافِر وَسوى أنحائها ونحى سوءها فَاجر لِفَاجِر فأباح الْعَسْكَر حماها وأتى حَتَّى إِذا رامها وبالأذى رَمَاهَا فَمَا ترك نابتة إِلَّا حصدها وَلَا نابتة الا قَصدهَا وَلَا نابضة الا قَصدهَا وَلَا رائضة الا رصدها وَعَاد ظهرا على الْعَدو ظَاهرا وللحصن حاصرا حَامِلا من تِلْكَ الغوارس لحشو المتارس عَاملا لنصب المنجنيق عمل المقاسي ثمَّ رأى أَن يقدم على رَفعه ونصبه جرا للجند إِلَى الْقِتَال وزحفا إِلَى اولئك الرِّجَال المعدودة المحصورة بأولي الْعدة المصحرين من الرِّجَال فَمَا زحف حَتَّى رجف وَمَا جرى حَتَّى جرف وَمَا دلف حَتَّى أوجف والفرنج إِذا ذَاك حَشْو الحوش كالذئاب فِي الجرأة بل فِي الْوُثُوب كالوحوش وتسلق فِي الْحَائِط من تسلى عَن حوطة نَفسه النفيسة وسخا بِالروحِ العزيزة لدفع مَا لزم الْإِسْلَام بِسَبَب الْحصن من الخسيسة فَمَا انْقَضتْ سَاعَة حَتَّى انْقَضتْ عَلَيْهِم جمَاعَة وهم كالشواهين المنقضة على البغاث وكائدي مخلفي الْكِرَام إِذا تصرفت فِي التراث فَكل منقصد بَاب الْحصن من الفرنج فر وَنَجَا وَثَبت أَقْدَام المقدمين وجاءهم الوجى وشجاهم الشجى وملكت الباشورة عنْوَة وكملت تِلْكَ المسورة حظوة فأطلقت النيرَان فِي أَبْوَاب الْحصن وَأخذت النقوب فِي كل جَانب فِي الرُّكْن وأحاطت الْجَمَاعَة بالسور الْمُحكم إحاطة السوار بالمعصم والخلخال بالمخدم بل أحدقت بِهِ إحداق الأجفان بالحدقة والسياج بالحديقة واشرأبت إِلَى الشّرْب من ورد وريد أهل الْبَاطِل ظماء الظبى بأيدي الأيد من أهل الْحق والحقيقة وَإِذا الخَنْدَق عميق والمزلق وثيق والمقصد سحيق والورد مَا إِلَى طرقه طَرِيق وَأهل الْوَفَاء تَحت جفَاء الجفاتي والنقاب النقاب لاجتهاده فِي جهاده منْكب على اسْتِخْرَاج الْحجر العاتي وَهُوَ لَا يؤاتي فكم جرح وأحرج حَتَّى خرج الْحجر وَكم ضرج وأحوج حَتَّى ضج مِنْهُ الشّجر وَالرُّمَاة الكماة على الخَنْدَق بثبات أَقْدَامهم يمْنَعُونَ الفرنج من إِخْرَاج رؤوسهم ويجبون بالمشرف إِلَيْهِم من السِّهَام خراج نُفُوسهم

وَلما أَخذ النقابون مواضعهم شَاهد الْقَوْم مصَارِعهمْ فَمَا زَالَت المعاول تعول والجنادل تتخلخل والنقاب يعْمل واخراب بَيت الأحزان فِي تبييته يعجل حَتَّى استقامت النقوب واستنامت الْقُلُوب وخطب الْخطب مِنْهَا نِكَاح كفاحها وعط العطب بهاء رِدَاء رداحها ظن أالنقب استتم واستتب وَأَنه كَمَا تهوى الْقُلُوب فِي قالب الْهوى للصَّوَاب صب وَلم يعلم أَن الْبكر بعذرتها لم تفتض وَأَن الْحَائِط بحوطته مَا آن أَن يرفض وَأَن الْجِدَار برمتِهِ مَا يُرِيد أَن ينْقض فشب لما شب نَارا وقر رُكْنه بنكره قرارا فأعيد عَلَيْهِ النقب مرَارًا وَيزِيد درس الدُّرُوس فِيهِ تَكْرَارا وَحرقت النقوب صفا فَكلما استكملت ضعفا استكملت ضعفا وَأَتَتْ عَلَيْهَا سِتَّة أَيَّام من جَانب الْكفْر للعطب تخشى وَمن جَانب الْإِسْلَام بالحطب تحشى وَلكم ترمدت النَّار وَمَا تردم الْجِدَار وَمَتى رضت نَار رضوى وَهل يذبل من عدوي وَمَا كَانَ السُّور إِلَّا كَأَنَّهُ مفرغ من الْحَدِيد أَو ثَانِي سد ياجوج وماجوج الشَّديد وأشفق الْمُسلمُونَ من الْبَأْس وَظن نجاة الأنجاس فتدارك الله الْأَرْوَاح وتلافاها من التّلف وجلا عَن وَجه الْإِيمَان سدفة الكلف وأعيدت النقوب على الْمَوَاضِع بعد بردهَا وَأخذت العزائم بترك هزلها وَالْحَمْد لله الَّذِي نصر الْحق وَأَهله وأدال الْبَاطِل وأذله تمّ الْجُزْء الثَّالِث من كتاب الْبَرْق الشَّامي بِحَمْد الله وعونه وَحسن توفيقه يتلوه السُّلْطَان بِفَتْح هَذَا الْحصن وَالله الْمُوفق للصَّوَاب وَالْحَمْد لله وَحده وصلواته على سيدنَا مُحَمَّد نبيه وَآله وَصَحبه وَسَلَامه 0 الْبَرْق الشَّامي

ذكر العزم على قصد حلب وعبور الفرات إلى بلاد الجزيرة والاستيلاء عليها والنزول على الموصل والعود إلى سنجار وأخذها في سنة ثمان وسبعين وخمسمائة

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَبِه نستعين ذكر الْعَزْم على قصد حلب وعبور الْفُرَات إِلَى بِلَاد الجزيرة والاستيلاء عَلَيْهَا وَالنُّزُول على الْموصل وَالْعود إِلَى سنجار وَأَخذهَا فِي سنة ثَمَان وَسبعين وَخَمْسمِائة وَلما وصل السُّلْطَان إِلَى الشَّام أظهر إِلَى قصد حلب صدق الْعَزْم وَأَنه لَا بُد وَلَا غنى من استضافتها والأمن من آفتها فقد انهى إِلَيْهِ من أغراه بهَا وحث عزمه محث على طلبَهَا وَأَن المواصلة قد كاتبوا الفرنج وأنفذوا إِلَيْهِم الرَّسُول وبذلوا لَهُم البذول وَلَو راموا حملُوا الحمول فرغبوهم فِي الْخُرُوج مبادرين إِلَى الثغور وهونوا عَلَيْهِم اسْتِبَاحَة الْمَحْظُور والاستراحة من الْمَحْذُور آمِنين ليشغل شغل الْكفْر عَن الْفَرَاغ لقصدهم واتوا من ذَلِك التحريض والوعد وَالتَّرْغِيب بِمَا فِي وسع جهدهمْ فَقَالَ السُّلْطَان قد جزم عَلَيْهِم معزم الْقعُود وحبب إِلَيْهِم تَعْجِيل النهوض مِمَّا لايتم فرض الْجِهَاد إِلَّا بِهِ جدا وَكَانَ حِين النهوض والتفويض فرغ من غَزْو طبريا وبيسان وَقد شكر الله عز وَجل فِي نهضته بِالْإِحْسَانِ وَتوجه على سمت بعلبك وخيم بالبقاع متبلج ضواحي مسارح الأضواع وَكَانَ قد وَاعد أسطول مصر أَن يتجهز 2 أ

إِلَى بعض بِلَاد السَّاحِل ليوافقه عَلَيْهِ ويسير بعساكره إِلَيْهِ فَجَاءَهُ الْخَبَر بِأَنَّهُ وصل إِلَى سَاحل بيروت فبادره السُّلْطَان بعسكره جَرِيدَة قبل ان يفوت فَلَمَّا وصل رأى أَن أَمر بيروت يطول وان مَسْأَلَة حصرها تعول وَكَانَ قد سبى الأسطول مِنْهَا وسلب وظفر من غنيمتها بِمَا طلب فَأَغَارَ السُّلْطَان على تِلْكَ الْبِلَاد وأتى فِي تخريبها وإخراجها بالمراد وَرجع بِمَا رجا من الْأَثر الحميد وَالظفر العتيد وَأعَاد الْملك معز الدّين إِلَى دمشق ليقوم فِي سد الثغور وتسديد الْأُمُور بالنيابة وينهج فِي آرائه وآرابه سنَن الْإِصَابَة وَسَار لقصد الشرق والعزب مَاض والعزم قَاض والجيش من أوراق حديده وأزهار عديده فِي رياض ورياح السوابق تجْرِي بالجبال وأرزاق الخوامع ترجى من الْآجَال وأعنة الْجِيَاد مسرعة وأسنة الصعاد مشرعة وبحور السوابغ فِي تموج وبوارق البيارق فِي تبوج وللسان العاسل ذلاقة ولوجه الباسل طلاقة وغرار الجفن متجاف وَمَاء الفرند صَاف ولخروق السَّمَاء من تسابيح النَّقْع رقع وَفِي عروق الأَرْض من سنابك القب وَقع ولترائك التّرْك لمع ولسبائك الْبيض طبع ولذوائب الذوابل المجزوءة نصب وَرفع وللحديد من الْحَدِيد قرع وللبنود نشر 2 ب وللجنود نصر وللواء عقد وللاواء وَقد وَحقّ الْهدى نقد وباطل العدى حقد والشعاب سَائِلَة والهضاب جائلة والعراب مجلية والجعاب ممتلئة والحنايا متوترة والمنايا مُؤثرَة وللأوتار اوتار وللأوطار اطوار من مجر الرِّيَاح مراح وللجد جد وللمزاح

من الكامل

مزاح وللعتاق من رق الارتباط أعتاق وللآفاق من سنا السيوف ولمعان الْحَدِيد الْأَخْضَر إشراق وإبراق وَجِئْنَا إِلَى بعلبك وخيمنا بمرج عدوسة أَيَّامًا وأحكمنا اسبابا وسببنا احكاما ورحلنا إِلَى حمص عَن طَرِيق الزِّرَاعَة ونزلنا على العَاصِي مذعنين لله بِالطَّاعَةِ وَجَاء الْفَقِيه الْمُهَذّب عبد الله بن أسعد الْموصِلِي ولقى السُّلْطَان بمدائحه وتلقاه بمنائحه وأوردت فِي هَذَا الْموضع من قصائده مَا أعدهَا من عوائد فَوَائده وَهِي من الْكَامِل ... أعلمت بعْدك وقفتي بالأجرع ... ورضى طلولك عَن دموعي الهمع مطرَت غضا فِي منزليك فذاويا ... فِي أَربع ومؤججا فِي أضلع لم يثن غرب الدمع لَيْلَة غربت ... ولع العذول بفرط عذل المولع يلحي الجفون على الدُّمُوع لبينهم ... والعذل فرط العذل إِن لم تَدْمَع دَعْنِي وَمَا شَاءَ التَّلَذُّذ والأسى وأقصد بلومك من يطيعك أودع لَا قلب لي فأعي الملام فإنني أودعته بالْأَمْس عِنْد مودعي ... هَل يعلم المتحملون لنجعة ... ان الْمنَازل أخصبت من مدمعي كم غادروا حرضا وَكم لوداعهم ... بَين الجوانح من غرام مُودع ...

.. أمروا الضُّحَى أَن يَسْتَحِيل لأَنهم ... قَالُوا لشمس خدورهم لَا تطلعي تَحْمِي قبابهم ظَبْي فِي كلة ... وتذود عَنْهُم أسْهم فِي برقع قل للبخيلة بِالسَّلَامِ تورعا كَيفَ استبحت دمي وَلم تتورعي وبديعة الْحسن الَّتِي فِي وَجههَا ... دون الْوُجُوه عناية للمبدع بَيْضَاء يدنيها النَّوَى ويحلها ... اعراضها فِي الْقلب ألطف مَوضِع مَا بَال مُعْتَمر بربعك دائبا ... يقْضِي زيارته بِغَيْر تمتّع كم قد هجرت إِذْ التواصل ... مكثب وضررت قادرة على أَن تنفعي مَا كَانَ ضرك لَو غمزت بحاجب ... عِنْد التَّفَرُّق أَو أَشرت بإصبع ووعدتني أَن عدت عود وصالنا ... هَيْهَات مَا أبقى إِلَى أَن تَرْجِعِي هَل تسمحين ببذل أيسر نائل ... أَن أشتكي وجدى إِلَيْك وتسمعي أَو شاهدى جسدى ترى أثر الْهوى ... أَو فاسألي إِن شِئْت شَاهد أدمعي فالسقم أَيَّة مَا جن من الجوى ... والدمع بَيِّنَة على مَا أَدعِي فتيقني أَنِّي بحبك مغرم ... ثمَّ اصنعي مَا شِئْت بِي أَن تصنعي يَا صَاح هَل أَبْصرت برقا خافيا ... كالسيف سل على أبارق لعلع برق إِذا لمع استطار فُؤَاده ويبيت ذَا قلق إِذا لم يلمع فسقى الرّبيع الجون ربعا طالما ... أَبْصرت فِيهِ الْبَدْر لَيْلَة أَربع وعلام استسقى لَهُ سيل الحيا ... يَكْفِيهِ مَا يسْقِيه فيض الأدمع ...

.. وَلَو اسْتَطَعْت سقيته سيل الْغَنِيّ ... من كف يُوسُف بالأدر الأنفع بندى فَتى لَو أَن جود يَمِينه ... للغيث لم يَك ممسكا عَن مَوضِع كلف بِأَسْبَاب الْمَعَالِي مغرم ... صب بأبكار المكارم مولع للمعتفين رَجَاء ريح سَجْسَج ... والمعتدين عجاج ريح زعزع رب المكارم وضحا لم تستتر ... بدنية يَوْمًا وَلم تتقنع ومديم بذل النَّفس غير مفرط ... وَكثير بذل المَال غير مضيع ... فَإِذا تَبَسم قَالَ ياجود اندفق ... وَيَا سحب الندى لَا تقلعي ... وَإِذا تنمر ... قَالَ للْأَرْض ارجفي ... بالصاهلات وللجبال تزعزعي وَإِذا علا فِي الْمجد أَعلَى غَايَة ... قَالَت لَهُ الهمم الجسام ترفع ثَبت الْجنان إِذا الْقُلُوب تطايرت ... فِي الروع بعْدك ألف ألف مدرع فضل الورى بفضائل لم تتفق ... فِي غَيره ملكا وَلم تتجمع مَا رام صَعب المرتقى متصاعد إِلَّا وَكَانَ عَلَيْهِ سهل المطلع جمع الجيوش فَشَتْ شَمل عداته ... مَا فرق الْأَعْدَاء مثل مجمع لم يثنه عَن نَصره حلفاءه ... عظم الْعَدو وَلَا بعاد الْموضع ... بجحافل مثل السُّيُول تدافعت ... وَإِذا السيوف تدافعت لم تدفع ...

4 - أ ... من تبع فلكم لَهُ من تَابع ... أوفى وأوفر عزة من تبع من دوحة شاذية ارجت بهَا الد ... نيا لطيب شذى لَهَا متضوع والناثرين الْهَام يَبْرق بيضه ... والخارقين مضاعفات الأدرع والواصلي قصر الظبي بخطاهم ... والقاطعين بهَا طوال الأذرع ... قوم إِذا نقع الصَّرِيخ تبَادرُوا ... نَحْو الْحمام بِكُل أَبْلَج أروع لَا يغررن الرّوم بعد دِيَارهمْ ... ان الخليج عَلَيْك أقرب مشرع لَو أَن مثل الْبَحْر سَبْعَة أبحر ... من دونهم وأردتهم لم تمنع كم وَقْفَة لَك فِي الوغى محمودة ... أبدا وَكم جود حميد الْموقع وَالطير من ثِقَة بِأَكْل مشبع ... تبِعت جيوشك فَوق غَابَ مسبع وَالنَّاس بعْدك فِي المكارم والعلى ... رجلَانِ اما سَارِق أَو مدعي ياغيث لَا تسجم وَمَا حل مربعي ... بنداك الا ذُو غَدِير مرتع راجعت فِيك الشّعْر بعد طلاقة ... طَمَعا بجودك أَي مَوضِع مطمع لولاك لم أَرض القنوع وذلة ... من بعد طول تعززي وتقنعي فسؤال فسؤال جودك عزة للمجتدي ... ونداك تشريف ورفعة مَوضِع فَاسْلَمْ على مر الزَّمَان ممتعا ... بِالْملكِ الاعظم وَالْمحل الأرفع فاذا بقيت فلست أحفل من مضى ... واذا حييت فَمَا أُبَالِي من نعي ...

عاد الحديث إلى سياقة في اعداد العزم السلطاني واعناقة وارعاد عارض الدهر به وابراقه

وَهَذِه القصيدة من أول مدائحه فِيهِ وَإِنَّمَا مدحه فِي هَذِه النّوبَة بالحائية الَّتِي سبقت فاتفق ايرادها على الْجُمْلَة الَّتِي اتّفقت عَاد الحَدِيث إِلَى سِيَاقَة فِي اعداد الْعَزْم السلطاني واعناقة وارعاد عَارض الدَّهْر بِهِ وابراقه ورحل وَوصل إِلَى حماة وأوت عَسَاكِر الْبِلَاد إِلَى حماه وَكَانَت حماة للْملك المظفر تَقِيّ الدّين عمر وَهُوَ مَعَه فَأمره أَن يرتب أُمُور ذَلِك الثغر ويتبعه فامتثل الْأَمر وَمَا فَارقه وكفل الْأَمر ورافقه وَسَار فَلَمَّا قرب من حلب تردد عزمه فِي الْمسير إِلَيْهَا والعبور عَلَيْهَا فَمَا شعرنَا إِلَّا برَسُول مظفر الدّين كوكبرى بن على كوجك يُشِير بعبور الْفُرَات وَحُضُور تِلْكَ الولايات ذكر وُصُول مظفر الدّين واجتماعاته بالسلطان وَوصل مظفر الدّين وَاجْتمعَ بالسلطان وخلا بِهِ لخلابه واغرائه بالممالك وارغابه وَقَالَ لَهُ أَنا مواليك ومحب معاليك ومريد تعاليك والمغالي فِيك وصديق صديقك ومعادي معاديك وَهَذِه الْبِلَاد لَك وَلَيْسَ من النصح أَن لَا أدلك وَأَنا لديك وَبَين يَديك فَإِذا ملكت تِلْكَ الممالك وسلكت تِلْكَ المسالك فَحلبَ تبقى من ورائك وَأَنت بعد ذَلِك على إِيثَار عزمك ورأيك وَإِلَّا فَحلبَ تشغل عَن الْأُمُور ومهماتها والجزيرة

ذكر وصول السلطان إلى الفرات

وولاياتها وَلَك الْمحبَّة الْعَامَّة والمهابة التَّامَّة فَإِذا عبرت الْفُرَات سلمت لَك الأقاليم أقاليدها وجمعت لَك طاعات الْعباد عبابيدها ونظمت شَمل الدولة ووصلت حبلها وألفت اشتات الْكَلِمَة واوضحت سبلها وَمَا زلت شوقا إِلَيْك فِي حران حران وَإِلَى الرى من مورد خدمتك ظمآن وَهِي لَك مبذولة وبأوليائك من اهل الدّين والديانة مأهولة والرها لَا يعسر أمرهَا والرقة لرقك وَبَعض حَقك والخابور فِي انْتِظَار خبرك وارتقابه وايثار ظفرك واقترابه ودارا دَارك ونصيبين نصيبك اذا ظهر استظهارك وَملك الْموصل موصلك إِلَى الْملك وَثمّ عُقُود ثَمَانِيَة تنظمها فِي السلك وَمَا هَذَا أَوَان الونا فادن الينا وكل بعيد دنا وكل عنيد عَنَّا وَهل يقدم أحد على عصيانك وَأَنا أَنا ثمَّ عبر مظفر الدّين إِلَى بلدته عَائِدًا ولنصرته واعدا وبانجاده مساعدا وباسعاده مناجدا وجليت صُورَة اجْتِهَاده وتليت سور أحماده وحلت فِي مساغ الْمَحْض لَا فِي مذاق المذق مشورته المشورة وحلت لَهُ عُقُود الْعُقُول وحلت فِي قُلُوب الْقبُول مساعيه الْمَشْهُورَة المشكورة وقر الجأش ووفر الْجَيْش وَوقر الْحلم وفر الطيش وعاش الطّيب وطاب الْعَيْش ذكر وُصُول السُّلْطَان إِلَى الْفُرَات وَوصل الْبَحْر إِلَى الْفُرَات وتبدل بالغنى فقر المقفرات وَعَاشَتْ الدُّنْيَا بدنو انتعاش العثرات وَقرب الْأَعْدَاء على الْأَعْدَاء وَبَانَتْ فِي مرايا المراء مِنْهُم وُجُوه الترات وَحسنت الْآثَار فِي إثارة كوامن الثارات وخيمنا على الْفُرَات من غربي البيرة وارتاعت

العدى من عدوى سطواتنا المبيرة وَمد الجسر كَمَا امْتَدَّ على الطرس السطر وَكَانَت البيرة قد طمع فِيهَا صَاحب ماردين فاستولى على مَوَاضِع من أَعمالهَا وحوى اليه من حواليها مَا عطل حوالي أحوالها فَلَمَّا سمع بِنَا تخلى عَنْهَا وخلاها وَتركهَا وَمَا سَأَلَ عَنْهَا بل سلاها فأعدنا اليها شهَاب الدّين مُحَمَّد بن الياس الارتقي فاحمد فِي ذروتها الرقي وشرعنا فِي تهيئة أَسبَاب العبور وعقدنا فِي الْحل والترحال حبى الحبور وبدأنا بِنَقْل الاثقال إِلَى السفن لنحصل من مخاطرة الزحام بهَا فِي الجسر على الامن وَضرب كل منا خيمة بالجانب الشَّرْقِي يحول اليها رَحْله ويخفف نَحْوهَا ثقله وأمددنا من معاقل الأَرْض بعدة من السفن والخلق كثير وَالْجمع جم غفير والجيش جائش والجو من قرارنا ووقارنا طائش وَالْفَتْح الكواسر بعثيرنا عاثرة والرعن الجواشر من بأسنا باسره وَالسَّمَاء من عجاجتنا أَرض وَالْبَحْر من أمواجنا برض وَمنا من عبر خيله سباحة وَوجد من الزحمة رَاحَة وَلم يجد على العبور على الجسر جسارة فَوجدَ ربحا وَعدم خسارة وكل فِي عبره على حذر وَمن أمره على قدرومن ورده فِي صدر وَمن صَفوه متحرز من كدره وَمن عزمه على جد وَمن حزمه ذوجد وَمن عدته وعدته فِي غَد والشعاب لأسهم سهمنا جعاب وعَلى الربى من سحب شجبنا ربَاب والعصاب غضاب وللقنا من أسدنا غَابَ وَللَّه من عباده أبرار لنصر دينه أَرْبَاب فَلَمَّا جزنا الْفُرَات وحزنا الثَّبَات وجمعنا من الرِّجَال والرحال الشتات واغتنمنا فِي الطّيب الْأَوْقَات وتسلمنا البيرة والعمق وأوسعنا على العداة فِي ذَلِك الْخرق ورعنا بغربنا الشرق كاتبنا أَصْحَاب الاطراف بالوفود للوفاق والتنحي عَن مَذْهَب

ذكر وصول رسول نور الدين محمد بن قرا أرسلان صاحب حصن كيفا بالإذعان ومجازاة ما سبق اليه من الاحسان بالاحسان

الْخلاف وانه من جَاءَ مُسلما وللأومر مستسلما سلمت بِلَاده وصينت أَطْرَافه وتلاده على أَنه يكون من اجناده فِي غَزْو الْكفْر وجهاده ذكر وُصُول رَسُول نور الدّين مُحَمَّد بن قرا أرسلان صَاحب حصن كيفا بالإذعان ومجازاة مَا سبق اليه من الاحسان بالاحسان وَعَاد رَسُولنَا من ابْن قرا أرسلان يذكر انه مذعن بِالطَّاعَةِ مُؤذن بالتباعة وَاصل بِرِجَالِهِ ورحاله وأشياعه وأسبابه وأجناسه وأنواعه وأوزانه وأوزاعه وأتراكه وأكراده وجرده وجراده وكمته وكماته وحمسه وحماته وقبه وقبابه وعربه وعرابه وسمره وبيضه وقضه وقضيضه وكواهل صواهله وحوامل عوامله وأنابيب صعاده وشآبيب جياده ومناقب مقانبه وسحائب سلاهبه وضوامن ضوامره لخُصُوص النَّصْر وكوامن ضمائره وسرائره لخلوص السِّرّ وَطلب عِنْد وفائه بالعهد ووفاته فِي الود وقيامه بِحسن الْبلَاء واهتمامه بِصدق الْغناء ان يعان على صَاحب آمد فانه تنكب فِي قَصده المحامد وتجرد فِي عداوته فَكَانَ المعاند فشكره السُّلْطَان وَأجَاب سُؤَاله وَأصَاب سؤله وَأعَاد إِلَيْهِ مَعَ رَسُوله رَسُوله وعرفه بعرفه انه مَا موله إلامأموله وَسَنذكر فِي وقته وُصُوله ذكر سيرنا إِلَى الرها وَفتحهَا وتأمين سرحها ثمَّ رحلنا من البيرة والمبرة مبرة وألطاف الله مستدرة فِي ممرنا مستمرة ورغائبنا لغرائب المستجيرين بِنَا مستجرة ومواهبنا فِي مَذَاهِب المستقرين لنا مُسْتَقِرَّة وَفِي كل

ذكر النزول على الرها والمسير إلى حران والرقة

يَوْم قوم لَهُم فِي بحرنا عوم وَمن سمونا سوم وَفِي كل فلق فيلق نسده بالقتام ورونق نجده بالاعتزام وَفِي كل فجر مجر وَلكُل جمع جمر وَفِي كل حَال من عَسْكَر وَاقد وعثير عَاقد وبيارق تبرق وبوارق تخفق وسنا سنابك تقدح وسرى سراحيب تمرح وسراحين تجمح وقنا تعتقل وَمنى تعتقد وظبى تنتضي وربى تنتضد وحبى تعقد وحباء تفتقد وعقود تنتقي وعقول تنتقد وبيض تقد وبيض تعد ذكر النُّزُول على الرها والمسير إِلَى حران والرقة فنزلنا بالرها وانس مَعَ عقوقها برهَا وَاسْتمرّ أَيَّامًا حصرها وفيهَا الْأَمِير فَخر الدّين مَسْعُود بن الزَّعْفَرَانِي فتنمر وتذمر وتربص وتصبر وتسمر بهَا وتشمر وَنَفر واستنفر ثمَّ رأى أَنه لاطاقة وَأَنه لَا يجد إِلَّا فاقة وَأَنه لَا يعْدم الْفَاقَة فاستبدل من عبوسه الطلاقة وَأرْسل إِلَيْنَا بتسليمها لسلامته ووفيناه حق كرامته وتسلمها مظفر الدّين الى حران مُضَافَة وَوجد بهما فِي رُتْبَة الْعَلَاء إنافة وَجِئْنَا إِلَى حران ظافرين ظَاهِرين قَادِرين قاهرين وَالدُّنْيَا دانية والعليا زائنة وَالْحُسْنَى زَائِدَة والجدوى جائدة ونكب الدَّهْر راكدة وَعين الْخطب رَاقِدَة وسحب الْبَأْس بارقة راعدة ومثارات القتام من تَحت الصلاد فَوق الصعاد صاعدة فَأَقَمْنَا حَتَّى

أَقَمْنَا الشعار وأنمنا الاستشعار وقضينا من رِعَايَة الرعايا فِي أوطانها الأوطار وبردنا حر حران واستجلت من مُلُوكنَا الْوُجُوه الغران واستحليت ثَمَرَات المران واستعذبت لذات اللدان واعتدنا السَّعَادَة واستسعدنا الْعَادة وطلبنا الزِّيَادَة ورمنا لمرضى الْبِلَاد بِصِحَّة عزمنا العيادة ولبينا فِي ندي الندى السِّيَادَة واستأنفنا للابداء الاعادة وأحسنا لَدَى الْوِفَادَة الإفادة بعد الْإِجَازَة الإجادة ورحلنا إِلَى الرقة بصرائم قَوِيَّة مجانبة الركة والرقة لنقاضي غُرَمَاء الْملك بديونه الْمُسْتَحقَّة وَتمّ الْحصْر والنزال وفيهَا الْأَمِير قطب الدّين بن حسان ينَال فدارت على قطبه الرحي فَرَأى من النازلين عله جنح الدجى فِي رأد الضُّحَى ثمَّ عرف أَنه لَا يُطيق وَمن سكر خطبه لَا يفِيق فبذل اذعانا وَسَأَلَ أَمَانًا وَسلم وَسلم وعصم المَال وَالدَّم وَخرج بنفائس أَمْوَاله بعد ترك ذخائره وعدده وغلاله وَفَارق وَمَا رافق ووفى لصَاحبه وَمَا وَافق ولبثنا ريثما أَصْلحنَا الْفَاسِد ونفقنا الكاسد وروضنا الماحل وروحنا الناهل وأعذبنا الْمَوَارِد وهذبنا الْمَقَاصِد وأحكمنا الْقَوَاعِد وأبرمنا المعاقد وألنا الشدائد وأنلنا الْفَوَائِد ورددنا الشارد وشردنا المارد وولينا فِي الْبَلَد من أهل الْجلد من يَفِي بِحِفْظ الْمطرف وصون المتلد وَنفي شرعة الشَّرِيعَة من الرنق ويلي بادالته الدولة رائقة الرونق ويعي الْأَمر فيمتثله بالأوفى الأوفق ويسني بشر صفائه بشر

ولائه العبق وروى زند جده فِي منار الْحق لانجياب الغسق ويري الْخلق بحسناه حسن الْخلق ويضيء نَبَات ثباته عِنْد اتساع خرق الْخرق وَلَا يهي عقد حزمه فِي الوقائع الروائع عِنْد انحلال عُقُود أولى الْعَزْم الموثق فِي الْحق المستوسق فَلَمَّا أتممنا الْمصَالح وأحكمنا المناجح وأوضحنا المناهج هززنا معاطف المران إِلَى مشْهد الرُّمَّان وثنينا أَعِنَّة العراب إِلَى عرابان وَجِئْنَا إِلَيْهَا فلاة شاسعة ودوية شاسعة وجرنا فِي جور تِلْكَ الْبَريَّة ببحور تِلْكَ الْبَريَّة وَحين قربنا مِنْهَا تلقانا قضاتها ورؤساؤها وَخرج إِلَيْنَا رجالها ونساؤها وأظهروا بقدومنا الْبشر والبشاشة وَالْبر والهشاشة وَكَانَ عِنْد قربنا من الْمَدِينَة يَوْم الزِّينَة فنفسنا بحبور حضورنا عَن النُّفُوس الحزينة وخيمنا على ظَاهرهَا وَنزلت بأرضها سَمَاء السماح بأزهارها وزواهرها وأصحرنا بصحرائها فَبَدَا كل وَجه حسن وَبَان وكل ضرّ بذلك العراء عرا عرابان بِأَن فرفعنا مِنْهُم الرؤوس ووضعنا عَنْهُم المكوس وضربنا على الضرائب وفللنا نيوب النوائب وثلمنا مضَارب المضار وهدمنا معارج المعار وشفينا أوام الْأَوَامِر وعفينا مناهج المناهي وروينا ظمأ الضمائر وسوينا دَوَاء الدَّوَاهِي وَعدم مَتَاع المتاعب وَأمن مصاع المصاعب وتواصلت أَخْبَار وصولنا الخابور وهبت فِيهَا قبُول اقبالنا بادبار الدبور وشاع الْعدْل وذاع ورتبنا على قانون الدولة العادلة الاوضاع وعمرت الْأَعْمَال وصلحت الاحوال وَفتحت من رَأس عينهَا عينهَا وأصلحت

ذكر الوصول إلى نصيبين

بِالطَّاعَةِ والتباعة بَيْننَا وَبَينهَا وَبَلغت الْخيرَات إِلَى مداها وانتهت الركاب إِلَى مُنْتَهَاهَا حَتَّى سكن سُكُون دور دورين واستنزعنا ماكس ماكسين وطلعت شمس الانس للشمسانية وأشرقت الْآفَاق بالأنوار السُّلْطَانِيَّة وتحصن بعزنا الْحصين وفدانا الفدين وَثَبت الْمجد للمجدل وَأخذ للبزاة الشهب منا قنص الاجدل وقطعنا نهر الخابور على قنطرة التنينير وانتظمنا عَلَيْهَا فِي الزحام نظم النثير وَنشر عبورنا بهَا نشر العبير ذكر الْوُصُول إِلَى نَصِيبين وَلما جزنا الخابور وأتممنا العبور أَخذنَا الطَّرِيق إِلَى نَصِيبين يسرة واستخرنا الله فِي قصدنا واستجدينا مِنْهُ نَصره ونصبنا بنصيبين خيامنا بعد ثَلَاث وسلكنا فِي مسالك سهول وأوعاث وأزلنا جدبها وجورها بغيث وغياث وعزائم حثاث وصرائم ذَات انبعاث على أَن الانفس من خوف الالتباث لوخمها ذَات التياث ودخلنا الْمَدِينَة وانزلنا بهَا السكينَة وَجِئْنَا إِلَى قلعتها وَقد تحصنت وبمنعتها تحسنت وَسَائِر اسوارها مصفوفة وعرائس مجانيقها مزفوفة واشفقنا فِي حصرها من سفك الدَّم وهتك الْحرم فوكلنا بهَا من يمْنَع من الدُّخُول وَالْخُرُوج وسلطنا والى اللجاج على واليها اللجوج فمني بمصاب المصابرة وَعرف انه لَا محيص من المحاصرة فَأرْسل بعد مُضِيّ بُرْهَة من

نسخة فصل من منشور أنشأته له على حروف المعجم بعد الخطبة

الْأَيَّام فِي الاسلام والاستسلام فتسلمناها بِمَا فِيهَا من أخاير الذَّخَائِر وأثرت من احساننا أحسن المآثر وعولنا فِي تولي نَصِيبين على حسام الدّين أبي الهيجاء السمين فتولاها تولي المكين الْأمين وَكُنَّا قد ولينا الخابور جما الدّين خوشترين نُسْخَة فصل من منشور أنشأته لَهُ على حُرُوف المعجم بعد الْخطْبَة أَوله الْحَمد لله المتعالي جَلَاله المتوالي افضاله الْقَدِيم كَمَاله العميم نواله نحمده حمد من اعتصمت بكرمه آماله وانتظمت بنعمه احواله ونسأله أَن يُصَلِّي على سيدنَا مُحَمَّد نبيه الَّذِي امتدت باشراق الْهدى وارهاق الضلال ظلاله وعَلى آله وَصَحبه الَّذين هم اعلام الْحق واركانه وأطواده وجباله وَبعد فانا لما نفترضه لله من شكر شَامِل النعماء والمتوالي المتواصل الثَّنَاء من الالاء والتحدث بِمَا أتمه علينا من النعم والمواهب وانجحه لنا بفضله من المطالب وافاضه من سِجَال المكرمات واصفاه من رِدَاء المبرات المبرات مَا نزال نستزيل بِمَا نستزيده من طوارف الطافه طوارق الْأَحْدَاث ونستهل مَا يحصل من التَّوْفِيق حزون الاوعار والاوعاث ونستفتح بتأييده فِي النَّصْر كل رتاج ونستوضح بارشاده فِي طلب النَّفْع وَدفع الضّر كل منهاج ونقدم من أُمَرَاء دولتنا كل مصافح للصفاح وكل أسل باسه يهْزم العدى قبل الكفاح وكل أَبْلَج سامي الهمة أبلخ وكل أَشمّ ماضي العزمة أشمخ وَهَذَا جمال الدّين أيده الله ذُو الْبَأْس الشَّديد وَالْبَيْت المهيد والعزيمة الْمَعْرُوفَة بالمضاء والنفاذ والنهضة الَّتِي لم تزل فِي مقارعة أَعدَاء الله دائمة الاغذاذ والمخالصة الثَّابِتَة على الاستقراء والاستمرار والمناصحة الناصعة المشرقة الانوار والاعتزاء إِلَى الْخدمَة القاضية لَهُ بالاعتزاز والانتماء إِلَى الْعُبُودِيَّة الشافعة وعد النجاح النجاز وَهُوَ

ذكر الوصول إلى الموصل والنزول عليها

الْأَثِير الأثيل الأساس والكمي الكميش ذُو الشدَّة والبأس وَالْقَوِي الضافي الرياش والجريء الرابط الجأش وَقد اصطفيناه وأصفينا لَهُ مشارع الِاخْتِصَاص وأضفينا عَلَيْهِ مدارع الاخلاص وأفضنا عَلَيْهِ ملبس الاكرام الفضفاض وأغزرنا لريه مورد الْأَنْعَام الْفَيَّاض وأجزلنا لَهُ النِّعْمَة لكَونه لَهَا بالشكر مرتبطا وأفضلنا عَلَيْهِ بالمزيد ليصير بامداده مغتبطا وحفظنا فِيهِ الْحُقُوق لكَونه من ذَوي الْحفاظ ورضينا مقاصده فِي غيظ الْأَعْدَاء بالاحفاظ ووفرنا لَهُ حفظ الاصطفاء والاصطناع وأظهرنا فضل مكانته فِي الْمَعيشَة والاقطاع وقرنا الموهبة فِي حَقه بالسبوغ وأدنينا لأمله فِيهِ صنائعنا أمد الْبلُوغ ورفعنا لَهُ الفوارع من العوارف وأكدنا توالد النعم عِنْده بالطوارف لتصبح مطالع احواله الخوالي مشرقة واشتات مَصَالِحه وَأَسْبَاب مناجحة متألفة متألقه وَيَده لذخائر أعراضه فِي السَّعَادَة متملكة وَالنعْمَة إِلَيْهِ لسكونها بفنائه متحركة والموهبة لَهُ شَامِلَة والْمنَّة عَلَيْهِ كَامِلَة والمنائح منا نَحوه متواترة الامداد متوافرة الْأَقْسَام وَالرَّغْبَة فِي رفع قدره وَأَسْمَاء ذكره نَافِذَة الْحُكَّام مستمرة الْأَيَّام وَقد أجرينا لَهُ من الْوَظَائِف والاحسان مَا يُوضح ذكره من الدِّيوَان ذكر الْوُصُول إِلَى الْموصل وَالنُّزُول عَلَيْهَا وَلما توفر نصيبنا بنصيبين واجتلينا من مشرق الظفر النَّصْر الْمُبين وَكَانَت الحشود مجتمعة والوفود مزدحمة والعقود منتظمة والسعود ملتئمة والجحافل حافلة والعواسل عاسلة وذوائب الذوابل منشورة وعوالم العوامل محشورة والصواهل الصوافن للالجام والاسراج والضوامر الضوامن للاقدام فِي الْهياج والمداكي الْجِيَاد والصلادم الصلاد وجراد الجرد الْمُرْسلَة على منابت الْهَام وحمام المريشات الطائرة

بكتب الْحمام وطيور السِّهَام النافذة إِلَى أوكار الابصار ونسور الحوامي الناهضة بمثار العثار وعقبان البنود فِي المطار وسيدان الْجنُود للغوار وسراحين السراح واكفاء الكفاح ولدات اللدان والمتنمرون المتمرنون بالمران والحمس المساعير والأسد المغافير والمقرنات المقرونات والمسرجات والسربجيات وَالْبيض واليلب وَالْبيض والقضب والسمر السَّلب والجيش اللجب والشأن الْعجب وَالْجِبَال السائرة والنبال الطائرة وغدران الزعف وأقران الزَّحْف وجداول البواتر وجنادل الحوافر ورياح السوابق النكب وبحار السوابح القب وقطعنا أَعمال بَين النهرين بأنهار متدفقة وأزهار متألقة وبحار طامية وهضاب سامية وهواضب ساجية وسحائب هاضبة فكسونا عرى العراء وأسونا جرح الاواء واثرنا غُبَار الغبراء وأدرنا صحاف الصفاح وأطرنا جنَاح النجاح وأزرناالرعية زور الرِّعَايَة وأمرنا بِالْعَدْلِ والاحسان فِي تِلْكَ الْولَايَة ثمَّ جزناها إِلَى أَعمال الْبقْعَة وتبوأ شاهنا بِتِلْكَ الرقعة ثمَّ سرنا إِلَى بلد وأشرفنا على دجلة الْعرَاق وأظهرت من فيض بحورنا الخجلة وَكُنَّا أوردنا خَيْلنَا فِي أشهر من تِلْكَ السّنة نيل مصر والفرات ودجلة الْعرَاق وأهدينا بهدانا الْإِفَاقَة إِلَى الْآفَاق فأصغت الينا المسامع وصيغت منا الصَّنَائِع ومالت نحونا المطامع وسالت من خوفنا المدامع وتوافدت الجيوش واستأنست الوحوش وتواصلت الينا مقطعوا الْبِلَاد وترادفوا امدادا بعد الامداد فَفِي كل صباح يطلع

علينا من الدارعين صباح ويفوز لَهُم منا قداح وَيرى لَهُم من زناد أرعابنا وفْق الاقتراح اقتداح وَمن ثمَّ صممنا عزم الْوُصُول إِلَى الْموصل وبشرنا الصوادى بِقرب المنهل وأطرنا الأطواد برياحها الْأَرْبَع وسرنا اليها بِقصد المصيف والمربع وقربنا مِنْهَا فِي مراحل مُتَقَارِبَة وهواجل بالصدى متجاوبة وهوادى فِي الوهاد كأ نها آكام وضوارى من الاساد لَهَا من القنا آجام ومذاكي كَأَنَّهَا فِي الجري أرام وَفِي المروق سِهَام وعتاق لَهَا فِي المجال حلاب وعراب لَهَا بالتصهال اعراب وَقد رمدت بِمَا أثارته الْأسد عين الغزالة وبطشت من ليل الْعَجَاجَة بضوء النَّهَار يَد الْإِزَالَة وعادت تِلْكَ البرارى من مراكز رماحنا بساتين وَمن مراكض جيادنا ميادين فالليوث معتقلات ثعابين ممتطيات من السراحيب سراحين وَكَأَنَّهَا من لبس الْحَدِيد رياض بأيديها من القواضب قضب رياحين وأسراب الضمر اسرار ضمائر المضامير وجري المذكيات فِي غلائها يعاف ركض اليعافير وتجدد بِنَا مراح المراحل وامتلأت هوادج الهواجل وقضيت منا منى المناهل وَصحت فِينَا عقائد العقائل ووهت مقاعد المعاقل وزهيت بِأَيْدِينَا مناصب المناصل وتوفرت من فَوْقنَا أقساط القساطل وسفر لشوقنا فضاء الْفَضَائِل وكفلت بنصرنا ذَوَات الذوابل وحفلت ببرنا فواض الفواضل وَحسنت لهبوبنا شمائل الشَّمَائِل وعلت بوثوبنا افاضة الافاضل وهتنت سحبنا مواحي المواحل وسكنت بركوبنا نوازى النَّوَازِل وأقدمنا وكلنَا جحاف الجحافل فتاك بالقرن الْمقَاتل مَا ينهنهنا لواذع العواذل وَقد أغنتنا كَثْرَة النَّاصِر عَن اتِّخَاذ الخاذل فَلَمَّا قربنا من الْوُصُول كبرنا تَكْبِير من ظفر بالسؤل

ذكر وصول رسل دار الخلافة للشفاعة ورد المواصلة بالمصلحة في المصالحة الى الطاعة

وَتقدم السُّلْطَان فِي الْأُمَرَاء ذوى الآراء وَدَار حول السُّور وَعدم تحدب الحدباء وَعين لكل مقدم مقَاما وَلكُل مِقْدَام اقداما فَنزل هُوَ وَرَاء الْبَلَد وتقي الدّين شرقية بِأَهْل الْجلد وَأَخُوهُ تَاج الْمُلُوك بورى عِنْد بَاب الْعمادِيَّة ونسفنا الْجبَال برِيح بأسنا العادية العادية وضايقنا الاسوار أَشد مضايقة وعالفنا رحالنا أحد معالفة وقربنا الاسواء إِلَى الاسوار وأدرنا الدَّوَائِر بِالدَّار وسبكنا فِي نَار الْحَرْب تبر البتار وهتكنا بيد الايد أَسْتَار الْأَعْمَار وَصَاحب الْموصل حِينَئِذٍ اتابك عز الدّين سعود بن مودود بن زنكي وَهُوَ لمن عَتبه وشكا يعتب ويشكي وَتَوَلَّى نَائِبه مُجَاهِد الدّين قايماز حفظ الْبَلَد بِأَحْسَن تَدْبِير وتلقى كل مَا قابله من الْعسر بِوَجْه تيسير واستقبل العبوس بالبشر والبؤس بالنعمى واليسر وَشرح صَدره وروح سره وَكَانَ قد كَاتب الدِّيوَان الْعَزِيز للايعاز بإعزازه وإعانته على أعوازه وَله موعد إنْجَاح وإنجاد عِنْد الصاحب مجد الدّين فتقاضى بإنجازه ذكر وُصُول رسل دَار الْخلَافَة للشفاعة ورد المواصلة بِالْمَصْلَحَةِ فِي الْمُصَالحَة الى الطَّاعَة وَوصل الينا الْخَبَر بِأَن رسل دَار الْخلَافَة واصلون وَفِي أَمر الْموصل شافعون

سائلون وهم صدر الدّين شيخ الشُّيُوخ وشهاب الدّين بشر ومعهما من خَواص الدِّيوَان جمع كثير فَتَلقاهُمْ السُّلْطَان بالصدر الرحب والبشر العذب والخلق السهل غير الصعب وَالسّلم الْبكر من عوام الْحَرْب وَالْخطاب المتوجه لصرف وَجه الْخطب وَكنت إِلَى جنب السُّلْطَان لَهُ مسايرا وَإِلَيْهِ وَله فِي المهام نَاظرا مناظرا والموكب مشهود وَالْمذهب مَقْصُود وَالْمطلب مَوْجُود والطالع مَسْعُود والشارع مَحْمُود والملقى مودود والملق مَرْدُود ولواء الاقبال مَعْقُود ورواء الادبار مَفْقُود وشعائر الدولة الامامية المشرقة فِي أيامنا الْبيض سود والبنود غابة من فَوْقهَا عقبان وَمن تحتهَا أسود وَمَا كَانَ أشرح صدرى بلقاء الصَّدْر وَأتم بشرى بِطُلُوع الْبَدْر وطاب بِرُؤْيَتِهِ الرى والريا وطالعت بدنوه طلعة الدُّنْيَا وَلَقِيت الْحسنى بِحسن تِلْكَ اللقيا وَبقيت أروض مواحلي بغيث تِلْكَ السقيا وَشهد الْمَوْسِم وعهد الْمغنم وَأحمد الْمُقدم وَنفي المغرم وشفي المعزم وغني المعدم وَظهر الْمعلم وَشهر الْمعلم وَذكر الشّرف وَشرف الذّكر وشكر السّلف وَسلف الشُّكْر وَزَاد الْعرف وَزَالَ النكر وَصَحَّ الْكسر وصحا السكر وَبَان منا الْعذر وَبَان عَنْهُم الذعر وَأمر الْقَضَاء وَقضي الْأَمر وَسكن الدَّهْر وخمد الْجَمْر وشاع أَن شيخ الشُّيُوخ قد وصل فِي الصُّلْح وإغلاق بَاب الْفَتْح وحص قوادم الْحصْر وشيم صوارم النَّصْر وَبرد حر الْحَرْب ورد خبط الْخطب وتفليل نيوب النوائب وتقليل شوائن السوائب وتذليل الجوامح وتعديل الجوانح وتدمير الشنان وتدبير الشؤون وتزبيل الاحزان وتسهيل الحزون وتأليف النُّفُوس النافرة وتوظيف النفائس الوافرة وإطفاء الْوقُود وإخفاء الحقود وإغماد السيوف وإخماد الحتوف وَوضع الاوزار وَرفع الاوتار ورحض الأوضار ورفض المضار وإزاحة الْعِلَل وإراحة الشّغل وايضاح السبل وانجاح الأمل وسد الْخلَّة وتسديد الْخلَل وَفصل الْخطاب وَوصل الْأَسْبَاب وتلفيق الْكَلم وتوفيق الْكَرم وَتَقْرِير السّلم وتقريب الْحلم وَوصل رَسُول مظفر الدّين قزل أرسلان حسن الجاندار فحبا الاحسان

وَاجْتمعت رسل الْآفَاق داعين إِلَى الْوِفَاق فَقَالَ الَّذين لاذوا بِنَا من الْبِلَاد من الاجناد الاتراك والاكراد هَؤُلَاءِ غَدا يصطلحون وتندمل قروحهم على مَا يقترحون وَنحن نحظى بالاخفاق وحرمان الارزاق ونبوء بالشقاء والشقاق وَسُوء سمعة النِّفَاق ونقع فِي الحضيض وَلَا تقع بِنَا الحظوظ وَيقطع اقطاعنا الْمَوْصُول الْمَحْفُوظ فَأخذُوا أَمَان الْبَلَد ودخلوا وكما طلعوا لنا عَنَّا أفلوا وَاعْتَذَرُوا بأننا نشبنا ونسبنا إِلَى الْخلاف لَو اننا اليكم نسبنا وَوَافَقَهُمْ جمَاعَة من أَصْحَابنَا طمعوا مِنْهُم فِي العطايا وَالْخلْع وَهَذِه من أيسر جنايات الطمع وَنحن نصرح بإباء الْمُصَالحَة والاستواء على المكافحة وَترك قبُول الشَّفَاعَة واستفراغ المجهود فِي شغل الْحصْر وبذل الِاسْتِطَاعَة وَالنَّاس يَقُولُونَ هَذَا لَا يستتم وان هَذَا الشعث لايدوم بل يسترم وَفِي كل يَوْم نناوب الْقِتَال ونعاقب النزال وَالْملك المظفر تَقِيّ الدّين يحمل من جَانِبه ويبلى وَمن وَسعه فِي الجلاد لَا يخلي وَيجْرِي فِي مضمار النضال وَهُوَ السَّابِق المجلي وتاج الْمُلُوك أَخُو السُّلْطَان فِي كل حلبة وجلية نوبَة يبارز ويحاجر ويناجز ويفترض ويفترس ويحترز ويحترس ويجتلب ويختلس والاقران تقترن والشجعان تضطعن والعثرات تقترع والنعرات ترْتَفع وجمرات اللظى تضطرم وغمرات الوغى تقتحم ونجوم النصال تنقض ورجوم النضال ترفض وَشَيخ الشُّيُوخ ينْهَى وينكر ويردد التوبيخ ويكرر ويعدد ويفند ويقرر التقريع ويؤكد ويصدر بالتغضب وَيرد وَيَقُول كَيفَ أحظر الْمَحْظُور وَلَا احذر الْمَحْذُور وَأَنا جِئْت فِي التَّوَسُّط وَالْمَنْع من التورط وَلَا رضى من التسخط وَهَذَا الْفِعْل الممقوت إِذا غبت لَا يفوت فان كَانَ لي قبُول وَعلي اقبال ولعقد حلولي لهَذِهِ العقد انحلال فتصبروا وتربصوا واسكنوا وَلَا تحرصوا حَتَّى ارسل من الْيَوْم إِلَى الْقَوْم وأتكفل فِي مَتَاع هَذِه المتاعب بِرَفْع السّوم وأحسنوا بترك مَا لَا يحسن وانزلوا إِلَى اللين عَن النزال الَّذِي يحسن واقبلوا تقبلُوا واعدلوا عَمَّا انتم فِيهِ تعدلوا فَقُلْنَا لَهُ السّمع وَالطَّاعَة وَالْحب والكرامة وَمَا أحسن مرادك إِذا أردْت السّلم والسلامة وتحولنا إِلَى جَانب لَا يبعد على الرُّسُل طَرِيقه وَلَا يفرق على الْبعد فريقه وَأرْسل شيخ الشُّيُوخ إِلَى الْقَوْم صَاحبه وَذكر مطالبه فشرعوا يندبون كل يَوْم رسلهم ويملأون بالمراسلات الخادعة سبلهم فَخرج أول يَوْم جمال الدّين محَاسِن مَعَ أخي النَّقِيب الشريف واستفتحنا فِيمَا عراهم بالتقريع والتأنيب وَكَانَ حضورهم فِي

خيمة شيخ الشُّيُوخ عِنْده وَقد خلا بهم وتخلا بهم وَحده فأنفذ إِلَى السُّلْطَان من عرفه وصولهم واستدعى مِنْهُ ثقاته الَّذين يسمعُونَ فصولهم فَتقدم إِلَى القَاضِي الْأَجَل الْفَاضِل وَالِي والى الْفَقِيه ضِيَاء الدّين عِيسَى الهكارى بِأَن نحضر ونحصي كل مَا يَقُولُونَهُ ونحصر وننهي مَا نَسْمَعهُ بفضله وفصه ونتلو مَا نعيه بِظَاهِرِهِ وَنَصه فاذهبوا ذَلِك الْيَوْم بالشكاية وَلم يوصلوا مبدأها إِلَى الغايه ثمَّ قَالُوا ندخل وَنخرج غَدا بِالْحَدِيثِ الْمُبين والامر الْمعِين وَلَا نخرج عَن الْمُمكن وَجَاءُوا ضحوة الْغَد مستقيمين فِي جدهم على ذَلِك الجدد وَذكروا مطَالب متكثرة ومآرب متعذرة واقترحوا إِعَادَة الْبِلَاد الْمَأْخُوذَة وقصدوا بهَا تفليل الْحُدُود المشحوذة واننا نعود إِلَى الْفُرَات ثمَّ نتكلم فِيمَا يعود بِجمع الاشتات وراموا بذلك اذهاب الاوقات ومكثنا على هَذِه السّنَن وتفسيخ الْعُقُود وتمسيخ الزَّمن قَرِيبا من شهر لَا ننتهي إِلَى أَمر مُسْتَقر وهم يقصدون الخدع والختل وَشَيخ الشُّيُوخ ينسبناإلى أننا لَا نؤثر الْفَصْل فَدَخَلْنَا فِي كل مَا أرادوه وزدنا فِي جَوَاب سُؤال مَا زادوه وانفصل الامر على أَن ردَّتْ علينا حلب ونرد على صَاحب الْموصل كل مَا طلب وَكَانَ قد عرف الْأَجَل الْفَاضِل فحوى مقالهم وَدَعوى محالهم وَأَن وَجه

ذكر دخول شيخ الشيوخ إلى الموصل

صَلَاحهمْ وصبح صلحهم لَا يُؤذن بالاسفار والسفور فَانْقَطع بعد أَيَّام بِعُذْر ذكره عَن الْحُضُور وَكنت احضر أَنا والفقيه عِيسَى للسماع والانهاء والتحمل والاداء ثمَّ انْقَطع الْفَقِيه عَنْهُم وتأفف مِنْهُم وَاسْتمرّ ترددى وَلم أجذب عَن المهم يَدي فوجدوا بذلك مهلة وَأَصَابُوا لظمائهم بوردهم وصدرهم نهلة وهم فِي أثْنَاء ذَلِك يستنجدون الاملاك ويستجدون الاشراك وينصبون الحبائل وَيطْلبُونَ الْمقَاتل ويجلبون المخاتل ويستفسدون بالاطماع ويسترشدون بالخداع ويلتمسون وساطة الاطراف ويظهرون الْوِفَاق ويذهبون فِي السِّرّ مَذْهَب الْخلاف حَتَّى صُفُونا من اكدار الغرباء وعفونا عَن اوزار الْجُبَنَاء ذكر دُخُول شيخ الشُّيُوخ إِلَى الْموصل وَلم يزل يتمخض الزّبد وينتقض العقد ويتمحض الصَّوَاب ويتفذلك الْحساب حَتَّى اسْتَقر ان يدْخل إِلَيْهِم شيخ الشُّيُوخ لابرام العقد المفسوخ واحكام الْعَهْد الْمَنْسُوخ وَظهر أَن وردهم صفو وَأَن وعدهم من الْخلف خلو وَأَن حَقهم صَحِيح وان صدقهم صَرِيح فَمضى لإيلافهم واحلافهم ومري أخلافهم وَرفع خلافهم فظل وَبَات عِنْدهم يَوْمه وليله وأجرى فِي مضمار ختلهم خيله وأ راهم ميله ووفاهم كَيْله وَسمع حَدِيثا حَدِيثا رد عَلَيْهِ الغطاء ذيله وَوجد للخلف مجالا وَلم يجد للخلف محلا إِلَّا محالا ورآهم مُتَفَرّقين فِي طرق التلون والتلوم غير مُجْتَمعين على سلوك النهج الأقوم وانكروا كل مَا ذكره رسولهم وان سوى مَا سَأَلَهُ سؤلهم وَقَالُوا فان صَلَاح الدّين ان اراد وفاقنا وَوَافَقَ مرادنا ورحل عَنَّا ورد بِلَادنَا فَنحْن نخلي بَينه وَبَين حلب وَلَا يطْلب أَيْضا عَلَيْهَا اسعادنا فان لعماد الدّين زنكي اخينا مَعنا يَمِينا فَكيف يجد منا عَلَيْهِ معينا فان رَضِيتُمْ بِمَا سَأَلنَا وَإِلَّا فَمَا سمع النَّاس وَمَا قُلْنَا وَكَانَ

ذكر الرحيل إلى سنجار وحصارها وفتحها وسبب قصدها

المستقر مَعَ الرُّسُل انهم يسلمُونَ الينا حلب ويستعيدون منا الْبِلَاد ونعقد مَعَهم الوداد ويحضرون مَعنا الْجِهَاد ثمَّ ندموا على مَا قدمُوا من التَّقْرِير وَأخذُوا فِي غَيره من التَّدْبِير وَلم يكن عرضهمْ لَهُ مرضيا فَانْصَرف مغضبا مغضيا وَخرج إِلَى بَغْدَاد مُتَوَجها وعَلى نكر مَكْرهمْ متنبها فجاؤا اليه وتعرضوا وَتَضَرَّعُوا وسألوه وتشفعوا وَقَالُوا تعود وتعيد مَا سمعته وتحكى من الْمَعْنى مَا استعملته فلعلك تَأتي بالعلل بعد النهل وتر بلطفك من عنف علينا وصعب إِلَى الْمنْهَج الاسهل فَرجع بِغَيْر مَا رجا واستكشف كذبهمْ الحجى وَمَا اضوأ صباح مَا جد فِيهِ الْمَاجِد لَو ان ليل جدهم مَا دجا فَلَمَّا اجْتمع بالسلطان استعفى من الْكَلَام وَاسْتوْفى حَدِيث مَا أبصره وسَمعه من الاقسام فَقَالَ لَهُ هَذِه اشهر شراف وميامن بقدومك طراف وَقد عزمنا ان نرحل وَنهب لوصولك الْموصل وَكَانَ نزولنا عَلَيْهَا فِي رَجَب وَدخل شعْبَان وامتد الزَّمَان وَحدثت على تلونها الصّرْف وَتصرف الْحدثَان ذكر الرحيل إِلَى سنجار وحصارها وَفتحهَا وَسبب قَصدهَا كَانَ من بسنجار من الْعَسْكَر الْموصِلِي مُدَّة مقامنا على الْموصل يقطع دُوننَا طَرِيق الْوَاصِل ويخيف إِلَيْنَا نهج السابل ويغاور ويراوغ ويبلغ ويبالغ ويمنح الْغَيْر وَيمْنَع المير وينفخ فِي ضرم الضَّرَر وَيقف حذاء الحذر وينكي وينكب ويركب ويكرب فَأمر السُّلْطَان ابْن اخيه الْملك المظفر عمر ان يمْضِي لحصر سنجار وقسر من جَار فَسَار فِي الاسد والغاب والحمس الغضاب والصم الصلاب والغلب الغلاب والبرق والرعد والسحاب والقب والقباب وَالْعتاق والعراب والخضرم الْعباب والعرموم الْجَواب وصباح الصحاب وجماح الْأَصْحَاب والسمر الدقاق وَالْبيض الرقَاق الْغِلَاظ الرّقاب ونهض فِي عجيجه وعجاجة وخرصانه وزجاجه وبحوره وأمواجه

وجموعه وافواجه ولجبه وضجاجه وارتجائه لِلْفَتْحِ وارتجاجه وامتراجه بالحتف وامتزاجه وخفقت كواسره وتدفقت مواطره وَبَرقَتْ بواتره ورعدت قساوره وهاجت زماجره وَمَاجَتْ زواخره ودجت بالعثير سوافره وسفرت بالستور دياجره وترتبت ميمنة وميسرة وَقَلْبًا وجناحين عساكره وصبح بِمَنْزِلَة بارنجان قَرِيبا من سنجار عسكرا من الْموصل اليها مُجَردا فأحاط بِهِ ولجمعه مشردا وَأخذ خيلهم وعددهم وشتت عَددهمْ ومددهم ووكل بهم من ردهم إِلَى الْموصل رِجَاله ونالوا فِي عثرتهم مِنْهُ إِقَالَة وَاحْتبسَ عِنْده مقدمين محترمين مكرمين وَكتب بخبرهم الينا وَقَالَ قد وَفينَا بِمَا علينا فاغتنموا استضافة سنجار فانه غنيمَة وَخير مَا تصمم لَهُ عَزِيمَة فرحلنا ومعنا رسل دَار الْخلَافَة ومطالع المطالب مؤذنة بالانارة والانافة وَفِي طرقنا الْأَمْن وأمامنا إِلَى الْمُخَالفين طوارق المخافة واستطبنا المغدى والمراح لنا فِي مراحلنا واستعذبنا مناهب مناهلنا فأوصلنا من المواصلة الآلاء إِلَى مواصلنا وَكَانُوا فِي كرب بقربنا ففرجنا عَنْهُم ضيق كربنا ولاح سنا سنجار بعد لَيَال ونزلنا على عيونها وطرقتها الْخَيل طروق خيال واقتسمنا الْمنَازل حواليها وولينا الْوُجُوه اليهما وَكَانَ فِيهَا شرف الدّين أَخُو صَاحب الْموصل فاحتمى مِنْهَا بالمعقل ومعنا نور الدّين بن قرا ارسلان صَاحب حصن كيفا وَكَانَ حق قدومه بتقديمه أبدا يُوفى فانزلناه فِي أنزه الرياض وأنضرها وَأَفْرج الْبَسَاتِين وأعمرها فَأَذنت نزولهم بنوازلها والحاق معالمها بمجاهلها فَإِن عساكرنا لَا تعدو الجدوى وَلَا تُوجد الْعَدْوى وَلَا تستبيح محرما وَلَا تستجب مغرما وعسكر ديار بكر يستحلي الْحَرَام ويستحله ويتملى بِكُل مايكره وَلَا يمله فَقطعُوا أشجارا ووصلوا أشجانا ورموا جدرانا وبنوا بنيانا وخربوا عمرانا فكم غُصْن نارنج للنار جني وَكم شَجَرَة اترج عَلَيْهَا بالاجتثاث وَكَانَ يَسُؤْنِي ذَلِك المرأى ويسرني ان

من كتاب أنشأته إلى الديوان العزيز بشرح الحال عند نزولنا على سنجار وذكر سبب قصد الموصل وذلك في العشر الاوسط من شعبان

أنأى وأنهى إِلَى السُّلْطَان اجتراء الْقَوْم واجتراحهم ومرامي فسادهم وَكَانَ المرام صَلَاحهمْ فيغتم ويمتعض ويرتمي إِلَى ذرْوَة الاباء ويرتمض وَينفذ وَيمْنَع ويوبخ ويقرع وَكَانَ نور الدّين بن قرا أرسلان كَرِيمًا حَلِيمًا لنهج الْخَيْر مستديما وَمن جُنُوده قبائل الكرد والاكراد اكدار الْورْد فالتزمنا بهم ضَرُورَة وَكَانَت حدودهم فِي الْجِنَايَات مطروره من كتاب أنشأته إِلَى الدِّيوَان الْعَزِيز بشرح الْحَال عِنْد نزولنا على سنجار وَذكر سَبَب قصد الْموصل وَذَلِكَ فِي الْعشْر الاوسط من شعْبَان بعد الدُّعَاء على الْعَادة أصدر الْخَادِم هَذِه الْخدمَة ومطالع خدماته بأنوار طاعاته مشرقة وَأَيَّام عمره بِذكر مَا شَمله من عوارض المواقف المقدسة وشكره مستغرقة والعساكر الاسلامية الإمامية كَثِيرَة كثيفة وآفاق النَّصْر وأعلامه منيرة منيفة وَلما وصل سيدنَا الْأَجَل العابد صدر الدّين سيد الطوائف شيخ الشُّيُوخ ادام الله سموهُ عرف الْخَادِم قدر الْمعرفَة بارسال اليه من مَعْدن الرسَالَة وَقَامَ باحلال مَا عين لاجلاله من مقرّ الْجَلالَة والتثم الارض وامتثل الْفَرْض واذعن الْأَمر إذعن وأيقن من النَّصْر مَا ظن وَعلم أَن الظفر مضافره وَالْقدر مظاهره والنجح مصاحبه ومسامره وَالرِّبْح فازت بِهِ متاجره وَأَن مَوْلَانَا أَمِير الْمُؤمنِينَ الامام النَّاصِر لدين الله صلوَات الله عَلَيْهِ ناصره وصادف وُصُوله وُصُول الْخَادِم إِلَى قرب الْموصل وتهيؤ أَسبَاب فتحهَا المؤمل وَأَقْبل اليها لينزل عَلَيْهَا بجد جَدِيد وحد حَدِيد وهيبة رائعة وهيئة رائقة وعزمة فِي ابطال الْبَاطِل وَتَحْقِيق الْحق صادقه ونشاط نَشأ من حميته بحمى الدّين واحتياط رَآهُ فِي تَملكهَا للْمُسلمين فان الْقَوْم قد اجترأوا على الاسلام باسلامه واجترحوا كسب الذَّم فِي فض ذماره وَنقض ذمامه واستنصروا بالنصارى وبذلوا لَهُم البذول منقودة وموعودة واخرجوا من الفرنج إِلَى ثغور الشَّام جُنُودا محشورة وجموعا محشودة وهم إِلَى الْآن فِي حصنهمْ الذى لَا حَظّ لَهُم مِنْهُ الا عَاجل الخسار وحصهم الَّذِي يحثو فِي وُجُوه اعتزازهم باغترارهم ترب الصغار وَتقدم الْخَادِم بعزائم مَاضِيَة وصرائم قاضية وَنِيَّة خَالِصَة مِنْهُ بِغَيْر وَنِيَّة وخيفة ظَاهِرَة مِنْهُم بِغَيْر خُفْيَة

فَلَمَّا وصل صدر الدّين دفع فِي صدر نشاطه وَقبض بِمَا جَاءَ فِيهِ من الْأَمر المطاع على يَد انبساطه وَذكر أَنه مَأْمُور بِمَا يرَاهُ من مصلحَة الْمُصَالحَة وسد عزم بَاب الْفَتْح بِمَا عزم عَلَيْهِ من المفاتحة فَقرب الْخَادِم من الْموصل ليقرب مَسَافَة التَّوَسُّط وليأخذ فِي اظهار الْحجَّة على الْقَوْم من معاندة الْحق والمواربة عَنهُ بالاحوط وَترك الْقِتَال ارتساما للامر واحتراما للشهر واتباعا للاشارة الصدرية وَبقيت رسلهم مترددة فِي كل يَوْم بمطالب لم تخطر من قبل ببالهم وَلم يدر أيسرها فِي امالهم فَمَا زَالَت تستنزله من مطلب بعد مطلب وتسلك بِهِ فِي مَذْهَب بعد مَذْهَب حَتَّى نزل بِحكمِهِ على اغراضهم المشتطه فاستقالوا بهَا من العثرة واستقلوا من السقطة وطالت مُوَاصلَة المواصلة بالمخادعات ورقت الْحَال بهم عَن الشفاعات والضراعات إِلَى المدافعات وهم فِي اثناء ذَلِك يراسلون الجوانب ويواصلون الاجانب ويتوسلون بالاكابر والاصاغر وَيلبسُونَ من بواطنهم من الْخلاف خلاف مَا لبسوه بل لبسوه فِي الظَّوَاهِر ويشيعون حَدِيث الصُّلْح حَتَّى يخافهم من نِيَّته الِاعْتِصَام بالخادم ويسعون بِكُل فن فِي استفساد النيات وتغيير العزائم حَتَّى انْتَهَت مطالبهم وانتبهت مطامعهم ووعت حَدِيث من يعزهم من رسل الاطراف الجبلية مسامعهم دخل صدر الدّين إِلَى الْموصل لاحلافهم على مَا اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ خَاتِمَة الْحَال فَيعرف انه كَانَ محالا مِنْهُم على الْمحَال فنفض يَده من صَلَاحهمْ وانفض رجاؤه من فلاحهم وَعلم ان جنَاح جناحهم اخفى وَجه نجاحهم وعثر على اتضاحهم فِي افتضاحهم وَعَاد مِنْهُم وهم على عَادَتهم العادية واطماعهم المتمادية وَقد اعتزوا بِمن يعدهم ويمينهم وَمَا يعدهم الشَّيْطَان إِلَّا غرُورًا والآن فَلم يتْركُوا بَينهم وَبَين الْخَادِم طَرِيقا للصلح وَالصَّلَاح معمورا وَقد ترك الْموصل فِي العاجل اكراما للشفاعة والتزاما للتباعة واشتغل بسنجار لينظمها فِي السلك ويضيفها إِلَى بِلَاده الدَّاخِلَة فِي منشور الْولَايَة وَالْملك فقد كَانَ عَسْكَر سنجار مُدَّة مقَامه على الْموصل يواصل قطع السَّبِيل وَيمْنَع السابلة من جلب الْميرَة فِي الْكثير والقليل واذا فتحت زَالَت المخاوف وَدنت الْمَقَاصِد والمقاطف والعزم مصمم على انه لَا يُفَارق هَذِه الْبِلَاد بِمَشِيئَة الله وعونه حَتَّى يستوعبها فتحا ويطلع بهَا على غب ظلام الظُّلم من الْعدْل صبحا وَيُعِيد الْكَلِمَة الاسلامية وَاحِدَة ويخرس أَلسنا للنعمة الامامية جاحدة

وعَلى الْجُمْلَة فان الْخَادِم لم يصل بِجَمِيعِ عسكره فَإِنَّهُ رتب بِدِمَشْق شطره وَجَاء بِبَعْضِه وَبعد أَن استناب من يقوم بِالْجِهَادِ وفرضه وَعبر الْفُرَات فَلم يصل يصل إِلَى بلد إِلَّا تسلمه سلما وتولاه حلما وتملكه سهلا وَلَقي بِهِ أَهلا فَكَأَنَّمَا وصل إِلَى بَيته ورعيته وأجناده مستبشرون بخدمته كَذَلِك الى الْموصل لم يشهر سَيْفا وَلم يقْصد لعَدوه من فتح حتفا وَلما وصل الرُّسُل وَجرى حَدِيث الصُّلْح خَافَ النَّاس من استتبابه وَقدم كل مِنْهُم على مكاشفة المواصلة واشفق من عُقبى الْأَمر وعقابه فَمنهمْ من شرع فِي اصلاح أمره مَعَهم وَمِنْهُم من حذر على اهله فأخفى شخصه لِئَلَّا يسلمهم للظلمة ويدعهم على أَن الْخَادِم لم يكن متكثرا بِمَا جَاءَ مِنْهُم فِي الِابْتِدَاء وَلَا متأثرا بِمن فَارق فِي الِانْتِهَاء وَهُوَ فِي نصر الله وتأييده قوي الرَّجَاء وَاتفقَ وُصُول الْكتب من الْيمن باستشعار حطَّان فِي زبيد من الْجَمَاعَة الَّذين ندبوا فَمَضَوْا اليها وغلبوا ووصلت أَيْضا كتب مصر بظفر الاسطول وَعوده بالسؤل فختمت الْكتاب إِلَى ديوَان الْعَزِيز بالخبرين وجلوت فِيهِ سنا الظفرين بِفضل مِنْهُ وَهُوَ وَمن جملَة نعم الله الَّتِي نحمده على اتمامها ونسأله فِي مزيدها ودوامها وُصُول المبشر من الْيمن بِفَتْح زبيد وان حطَّان بهَا أبق اباق العبيد وَأَن الْكَلِمَة فِيهَا قد اتّحدت والقلوب قد اتّفقت والعصبة العصية تَفَرَّقت ومطالع الدولة بأنوار الطَّاعَة الامامية أشرقت وَقد كَانَ الْخَادِم جهز إِلَيْهَا جَيْشًا من مصر لتمهيد أمرهَا وتقوية ثغرها واخراج من خرج بهَا مِنْهَا وابعاد من بعد عَن رشده عَنْهَا فَجرى الامر على وفْق المُرَاد واستن الْغَرَض فِي مَسْلَك النجاح وانتظم فِي سلك السداد وَالْحَمْد لله على ذَلِك حمدا يديم لنضارته وغزارته حلي الأزديان وحلب الازدياد وَمن جملَة البشائر الْوَاصِلَة من مصر

ذكر كتاب إلى الأمير عثمان عز الدين الزنجارى متولي عدن في ذلك الزمن وفيه شرح ما جرى من الاحوال في طريق مصر والغزوات المنوطة بالنصر وعبور الفرات وأخذ الولايات الى ان رحلنا من الموصل ونزلنا على سنجار ومن رشد في القصد ومن جار وانما قصدت ايراد هذه الكتب

عود الأسطول نوبَة ثَانِيَة إِلَيْهَا كاسرا كاسبا غانما غَالِبا بعد نكايته فِي أهل الجزائر بالخسائر وَبعد إخراب مَا وجده فِيهَا من الاعمار والعماير وَمن جملَة مَا ظفر بِهِ فِي طَرِيقه بسطة من مراكب الفرنج تحمل اخشابا منجورة إِلَى عكا وَمَعَهَا نجارون ليبنوا مِنْهَا شواني فَأسر النجارون وَمن مَعَهم وهم نَيف وَسَبْعُونَ وَأما الاخشاب فقد انْتفع بهَا المجاهدون وكفي شَرها الْمُؤْمِنُونَ وللخدام عَسْكَر فِي الْمغرب قد عَسْكَر وَبَلغت أقْصَى أفريقية فتوحه وعاود بِهِ شخص الدّين فِي تِلْكَ الْبِلَاد روحه ذكر كتاب إِلَى الْأَمِير عُثْمَان عز الدّين الزنجارى مُتَوَلِّي عدن فِي ذَلِك الزَّمن وَفِيه شرح مَا جرى من الاحوال فِي طَرِيق مصر والغزوات المنوطة بالنصر وعبور الْفُرَات وَأخذ الولايات الى ان رحلنا من الْموصل ونزلنا على سنجار وَمن رشد فِي الْقَصْد وَمن جَار وانما قصدت ايراد هَذِه الْكتب لاشتمالها على شرح النوب فصل وَأما احوالنا فَهِيَ على مَا يسر الاولياء ويسوء الْأَعْدَاء وَقد سبقت اليه الْمُكَاتبَة

بوصولنا من مصر إِلَى الشَّام لاعلاء كلمة الاسلام وَمَا جرى لنا من الْغَزَوَات فِي هَذِه السّنة الْمُبَارَكَة وَمَا تلقيناه بالشكر من ألطاف الله المتداركة وَمَا من الله بِهِ من الْفتُوح الَّتِي تفوح بأرج الرَّجَاء أرجاؤها وتبوح بسر السرُور لأوليائنا آلاؤها وتبني اركان الدولة المشيدة أبناؤها وتنبي عَن مناهج الْعِزّ ومباهج الْفَوْز أنباؤها وَمَا تهَيَّأ فِي طَرِيق مصر عِنْد قدومنا من اعجاز الفرنج وازعاجها وارهاقها إِلَى الذل وارهاجها فانها اجْتمعت إِلَى طريقنا فألجأناها إِلَى الْحصار واعجزناها عَن الاصحار ووطئنا مِنْهُم الرّقاب والأعمال وأذهبنا مِنْهُم الاموال والامال واضرمنا عَلَيْهِم دِيَارهمْ نَارا وملاناها خيبة وخسارا وذلة وصغارا وَجِئْنَا إِلَى دمشق واستأنفنا الْغَزَوَات وكررنا إِلَيْهِم النهضات وأمضينا فِي قِتَالهمْ ورقابهم المرهفات والعزمات فَتَارَة ازرناهم الْبُؤْس فِي بيسان وروينا من وريدهم النصل والسنان وَتارَة أتيناهم بالبوار فِي بيروت وقدنا بل سقنا إِلَى سقر مِنْهُم اولياء الطاغوت ثمَّ وصل الْخَبَر بِأَن المواصلة مواصلوا الافرنج فِي الِاتِّفَاق مَعهَا وأشاروا على الْكفْر بِأَن تحشد جموعها وتجمعها ويتفقوا على قصد بِلَادنَا وَالدَّفْع لما يدهمهم من قصدنا بِلَادهمْ وجهادنا فانه لما توفّي ولد نور الدّين رحمهمَا الله فِي حلب كُنَّا بِمصْر وَجَاء إِلَيْهَا صَاحب الْموصل وَاسْتولى عَلَيْهَا فَقُلْنَا لَهُم أَن هَذِه حلب وأعمالها جَارِيَة فِي مثالنا وتقليدنا من أَمِير الْمُؤمنِينَ صلوَات الله عَلَيْهِ فخافوا عُقبى هَذَا الْخطاب ولاذوا من الْكفْر بأوهى الاركان واوهن الاسباب فرتبنا بِدِمَشْق من يقوم بِفَرْض الْجِهَاد وقويناه بِالْعدَدِ الوافية والاعداد ومضينا إِلَى جَانب الْفُرَات ببحر من الْجَيْش جائش عبابه سامية هواضبه وهضابه وعبرنا الْفُرَات والبلاد ملقية إِلَيْنَا مقاليدها والاقدار منجزة لنا فِي الفتوحات مواعيدها والممالك مَفْتُوح لنا رتاجها مسلوك فِيهَا الينا بوفود النَّصْر منهاجها فَمَا جِئْنَا إِلَى بَلْدَة الا تسلمناها سلما وأوسعنا رعيتها وأجنادها عدلا لم يروه من قبل وحلما وكأنا واصلون إِلَى اوطاننا وأوطار اهليها وَقد أعدنا السّكُون إِلَى ساكنيها وأزلنا دوائر الظُّلم عَن متدبريها فكم كَانَ لمتوليها فيهم من أَيَّام ظلم أضوء مِنْهَا سود اللَّيَالِي ومواسم سوء فِي الرّعية يَقْتَضِي حرهَا بِبرد الْجَمْر الصالي ففتحنا وَمَا فدحنا وملكنا وَمَا انتهكنا واستوى بِنَا وَمَا استعلينا وحطنا جَمِيع مَا بِهِ أحطنا وتسلمنا وَمَا

اسلمنا الرّعية إِلَى الحيف وحزنا الجزيرة وَمَا فَارق الجفن عرار السَّيْف وأخذنا البيرة وسروج والرها وحران والرقة والمجدل وعرابان وَسَائِر بِلَاد الخابور من حد رَأس عين الى مُنْتَهى بلد دورين وَجِئْنَا وتسلمنا نَصِيبين وقصدنا مُلُوك الْأَطْرَاف فَمنهمْ من كشف مَعنا للمخالفين وَجه الْخلاف وَمِنْهُم من راسل بالشفاعة والاستسعاف وسرنا إِلَى الْموصل والنصر عذب المنهل والخصم بَادِي المقتل فتلقتنا رسل دَار الْخلَافَة المعظمة خلد الله سلطانها وشيد بالنصر أَرْكَانهَا وَغَيرهَا هُنَالك وهم سيدنَا الصَّدْر الْكَبِير صدر الدّين شيخ الشُّيُوخ وَفِي خدمته الاجل شهَاب الدّين بشير ورسل قرا أرسلان ورسل شاه ارمن صَاحب خلاط وَمَا مِنْهُم إِلَّا من شفع وَسَأَلَ وضرع وَسَأَلنَا شيخ الشُّيُوخ صدر الدّين ادام الله بركاته على الاسلام وَالْمُسْلِمين ان الدّين الْقِتَال فتركناه احتراما لَهُ واعظاما وَشرع فِي التَّوَسُّط تكفلا بِالْمَصْلَحَةِ وإلتزاما وَظهر انهم يطْلبُونَ الْمصلحَة والمصالحة وَيدعونَ الْفِتْنَة ويأمنون المكافحة فأعضل دواؤهم وبرح فِي الضلال خفاؤهم ورحلنا عَن الْموصل ونزلنا على سنجار لننظمها فِي السلك ونضيفها إِلَى الْملك واكرمنا الرُّسُل بالافراج عَاجلا عَن الْموصل وحضرنا سنجار والنصل ماضي المنصل وَالْحَمْد لله على مَا اتاحه الله لنا من الْفَتْح الْقَرِيب والنصر الْمُعَجل وَالظفر المؤمل وَكلما يَتَجَدَّد عندنَا بعْدهَا من الْفتُوح المرجوة وَالنعَم المحبوبة المحبوة نكاتبك بِهِ لتأْخذ من المسرة بأسنى الاقسام وتستدني إِلَى النجح مرامي المرام وَأَنت تعلم تطلعنا إِلَى تِلْكَ الاحوال والاخبار وتوقعنا لوُرُود الانباء المبشرة من تِلْكَ الديار وتعرفنا مجارى الامور بهَا على الايثار فواصل بمطالعاتك وأشرح فِيهَا الْأَحْوَال شرحا تشرح بِهِ الصُّدُور وَيظْهر بِهِ على وُجُوه الايام من بشر بشراه السُّعُود ان شَاءَ الله تَعَالَى وَكتب لعشر بَقينَ من

ذكر الاحوال السنجارية الجارية في قدح زناد الآراء المتوارية الوارية

شعْبَان من المخيم الْمَنْصُور على سنجار ذكر الاحوال السنجارية الْجَارِيَة فِي قدح زناد الآراء المتوارية الوارية وَلما أنخنا على سنجار رسخنا بالحجى وفسخنا بالحجار وفصمنا اسورة الاسوار واستفتحنا الاستفتاح بالرسائل وعددناه من أحسن الْوَسَائِل وقربنا من السُّور من يكلمهم فكلموه وافهمناهم الرشد فَمَا فهموه وناظروا بألسنة النصال ونظروا بأعين المصال ونزوا بالنزال ونبوا بالنبال وتجلدوا على الجلاد وتبلدوا عَن مصَالح الْبِلَاد واستدنوا زِيَارَة الزيارات وعربدة العرادات وايتار الجروخ وايثار الجروح والميل إِلَى الفضول والكيل من الفضوح والمكايلة بِصَاع المصاع والمسائلة برقاع القراع والمقاولة بفصاح الصفاح والمجادلة بمراح الرماح والمجاوبة بِلِسَان السنان والمخاطبة بخراص الخرصان والمجاذبة بعنان العناد والمجابنة للسدى والسداد والتقعقع بشنان الشنان والتزعزع بعران الرعان والمواربة عَن الصَّحِيح والمواثبة بالقبيح ولجوا وألحوا وَإِلَى الالتجاج فِي لجة اللجاج ورد من هاج الْهياج إِلَى الْمِنْهَاج وَقَامَت الْحَرْب على اقدام المجانيق وأداروا بخلف الْخلف عَن دَار الْوِفَاق در الافاويق فحنت الحنايا وقست القسي وصرخت الصخور واحمرت الْبيض وانتجع النجيع وحاضت الذُّكُور وضج الْحَدِيد واحتد الضجيج وطار العجاج وثار العجيج وَنَشَأ النشج وشجا الِاضْطِرَاب واضطرب الوشيج فَقدم المنجنيق وَهدم النيق الوثيق وعضت بسن الْجور سنجار وفضت مِنْهَا بالاحجار ونضبنا ونصبنا وصبنا وأصبنا وأثرنا وأرثنا وشعبنا وشعثنا وصدقنا الْقِتَال وصعدنا وعقرنا الرِّجَال وقرعنا وخرقنا الخَنْدَق وضيقنا المخنق وحجزنا القلق بالنقع وفلقنا الْحجر بالوقع ووسعنا الْخرق عَن الرقع وأشعنا الصَّوَاعِق فِي ذَلِك الصقع وأغرينا النقاب بِرَفْع نقاب السُّور وهتك حجاب المستور وَدخل رَمَضَان فَقُلْنَا شهر مبارك وبر متدارك وَأَيَّام أيامن وليالي محَاسِن وساعات سعادات وآناء أَنَاة وَقد تعين استفراغ المجهود فِي الاسْتِغْفَار واستمراء الْمَقْصُود على الِاسْتِمْرَار ففترنا وَنحن فِي زى الارهاب وسكنا مظهرين التحرك للارعاب وَفِي كل يَوْم نَجْتَمِع للايهام ونستمع مِنْهُم رسلات السِّهَام ونحترز من اراقة دم واستباحة محرم فطال عَلَيْهِم الامد وضاق

بهم الْجلد وتمادت المدد فسكنوا إِلَى السّكُون وركنوا إِلَى الركون ووكنوا فِي الوكون ووكلوا بثلم السُّور أَقْوَامًا يتناوبون على الحماية ويبلغون فِي التحفظ من النكاية إِلَى الْغَايَة فجاءنا لَيْلَة من أخبرنَا ان الحراس نيام وان نارهم برد وَسَلام فندب منا اليهم انداب وَجمع عَلَيْهِم لأصحابهم أَصْحَاب فجاؤوهم وفجأوهم وبغتوهم وبعثوهم وضبطوهم وربطوهم واخذوهم وجبذوهم وانقضوا عَلَيْهِم انقضاض البزاة على القنص واغتنموا فِي قبضهم انتهاز الفرص وَجَاءُوا بهم وهم من المقدمين المقدمين والاعلام المعلمين فَأصْبح الَّذين بسنجار بادى الانكسار متفادى الانحسار قد عرف العقبى واعترف بالعتبى وأزال الجدوى وَأحسن فِي التقاضي وَاقْتضى الْحسنى وفزع بَعْدَمَا عرف ورفق بَعْدَمَا عنف واستأنف الرضى وَقد أَبى وأنف ولانت شدته وهانت عزته وَبَانَتْ حِدته فأجيبت دَعوته وَأُصِيبَتْ حظوته وأثيبت بالرغبة رغبته وخبيت بالحب والحيا محبته وسيرت اليه هَدَايَا وتحف وعطاياوزلف لكَونه من أَوْلَاد أتابك وَقد تلافى مَا جرى مِنْهُ وتدارك وَشرف أَصْحَابه وَخرج عَن الْعَطاء الْحساب حسابه وَخرج من سنجار بكوسه وَعلمه وجنده وحشمه وعبيده وخدمه وضاله وَسلمهُ ونعمه ونعمه وسيفه وقلمه وحظاياه وَحرمه وبزاته ورخمه ورعاته وغنمه ومسرجه وملجمه ومغنمه ومغرمه وأخلى لنا الْمَدِينَة وأسكناها السكينَة وَخرج الينا أعيانها واشتدت بِنَا أَرْكَانهَا وصافحنا على الصفاء ايمانها وَحسن بِنَا ظُهُورهَا وَظهر احسانها وَفتحت لنا جنانها واستبشر بِنَا رضوانها فراح رعاياها فرحين برعايتنا أمنين بهدونا مُؤمنين بهدايتنا داعين لدولتنا واعين لدعوتنا سارين بسيرتنا قارين بمعدلتنا منتصفين من اللَّيَالِي بأيامنا مستسعفين آلَاء انعامنا وَمَا اسرع مَا أعدنا عمارتها وأجدنا اجارتها واستجلينا بالمباهي مباهجها وأخلينا من المناهي مناهجها وتعلت عَن المعار معارجها وتحلت بالمسار مسارجها وأنارت وأفاقت بالمعالي معالمها وذرت وَدرت فِي الْمعَانِي مغانمها ودخلنا جنَّة دانية قطوفها عالية عروشها زاكية عروسها حَالية نقوشها آنسة بِنَا وحوشها والقينا رئاستها لصدورها بني يَعْقُوب فأتيناهم من كرامتهم سؤلهم المحبوب المخطوب وعول السُّلْطَان مِنْهُم فِي الْقَضَاء على

نظام الدّين نصر بن المظفر فَإِنَّهُ كَانَ اعرفهم بِحكم الشَّرْع المطهر وأنشأت لَهُ تقليدا وخلدت ذكرهم بِهِ تخليدا ونسخه ذَلِك أجل الولايات شَأْنًا وأعلاها سُلْطَانا ولَايَة الشَّرْع الَّتِي بهَا تستقيم الامور ويستنيم اليها الْجُمْهُور وعَلى دعائمها ترْتَفع معالم الْحق وبمنارها تنكشف مظالم الْخلق وبأنوارها تشرق مطالع الْهدى وباظهارها تخفق مطامع الْهوى وانا لما نفترضه من مُتَابعَة الشَّرْع وملاحظة احكامه بالاحكام فِي الاصل وَالْفرع مَا نزال نحافظ على معينه العذب الصافي من الكدر والأجون ونتوخى حراسة الدهماء بهدية الْمَتْبُوع وَحكمه الْمَشْرُوع على السّكُون وَلَا نولي منصب الشَّرْع الا من يقوم بِحقِّهِ ويحيط الاذى عَن طرقه ويمزق حجب الخفاء عَن وَاضح افقه وَلما كَانَ القَاضِي الْأَجَل الْعَالم الأوحد نظام الدّين أَبُو الْقَاسِم نصر بن المظفر بن مُحَمَّد بن يَعْقُوب أدام الله توفيقه موفقا للسداد مصيبا فِي الِاجْتِهَاد متحليا بالنزاهة مجليا فِي حلبة النباهة متعليا فِي ذرْوَة الوجاهة مرتديا برداء العفاف جَامعا محَاسِن الْأَوْصَاف خَبِيرا بِأَحْكَام الشَّرْع وقضاياه مَخْصُوصًا بمزاين الْفضل ومزاياه وَهُوَ من الْبَيْت المؤثل عل الرِّئَاسَة وَالْعلم والمحتد الزاكي الأرومة فِي الْمجد الوافي الْقسم عولنا عَلَيْهِ فِي تَوْلِيَة الْقَضَاء بِمَدِينَة سنجار وَالْحكم بَين أَهلهَا وَالنَّظَر فِي الْخُصُومَات وفصلها وَاتِّبَاع سنَن الشَّرِيعَة وايضاح سبلها فليتول ذَلِك بِحكم يفرق بَين الْحق وَالْبَاطِل وَعلم يُوضح للهدى ابين الدَّلَائِل ونفاذ يدحض بِهِ شُبْهَة الْمُبْطل ويسفر بنوره وَجه الْحق المتهلل ورأي تعلو بِهِ للشَّرْع رايته وثبات تثبت بِهِ حجَّته وتقوى تقوى باستشعار اهبتها هيبته وتكمل أبهته وخشية لله عز وَجل يحسن بلزومها بهجته وتسمو بسيماها مَنْزِلَته مراقبا لله فِي كل مَا يحله ويعقده ويصدره ويورده ويقصده ويعتمده ويعلمه ويعتقده مُسْتَقِيمًا على الجدد اللاحب غير مائل عَن سنَن الْوَاجِب مسويا فِي مَجْلِسه وَنَظره بَين الْخُصُوم منتصفا من القوى الظَّالِم للضعيف الْمَظْلُوم كاشفا أسرار الشَّرِيعَة فِي الفسوخ والعقود مثبتا فِي تثبيت السجلات والعهود

فصل من منشور برئاسة سنجار لرئيسها من بني يعقوب

مُعْتَبرا ببينات الْوُرُود وأمانات الشُّهُود مُعْتَمدًا على الثِّقَات الْعُدُول عَاملا بِالدَّلِيلِ الْمَنْقُول وَالْقِيَاس الْمَعْقُول واثقا بِاللَّه تَعَالَى فِي توفيقه لتوثيق احكامه ونظم أمره فِي حفظ أَمر الشَّرْع على نظامه مقتنعا بِمَا هُوَ مجْرى لَهُ من الْمَعيشَة والاقطاع صائنا بِهِ ضِيَاء عمله المنزه من الضّيَاع بدنس الأطماع وسبيل الْوُلَاة والنواب أَيّدهُم الله احترام جَانِبه وتسهيل مطالبه ومساعدته على استخلاص الْحُقُوق والتنكيل بالظلمة اهل الفسوق والعقوق وَحبس من يرى حَبسه إِلَى أَن يخرج من عَهده الْحق المتوجه عَلَيْهِ ومعاضدته على كل منا يعضد الشَّرْع ويقوى باحكامه قَوَاعِد احكام يَدَيْهِ فصل من منشور برئاسة سنجار لرئيسها من بني يَعْقُوب وَهُوَ ذُو الْموَات السالفة لأسلافه الْكِرَام المستدعية منا فِيهِ احياء الاموات والموالاة الَّتِي تقضي خلوصها لَهُ من عُمُوم نعمتنا بِخُصُوص الْمُوَالَاة وَقد رَأينَا أَن نؤنس عِنْده ابكار النعم بعونها ونقر عُيُون الْمَعَالِي مِنْهُ بإنارة مطالعها وغرارة عيونها ونفوض إِلَيْهِ تَدْبِير مَدِينَة سنجار وقلعتها والزعامة على أَهلهَا ورعيتها والرئاسة الَّتِي لم تزل فِي بَيته ثَابِتَة الْقَوَاعِد وَالْولَايَة الَّتِي اضحت لَهُ منا بصفو ولائه صَافِيَة الْمَوَارِد وَالنَّظَر فِي الْأَعْمَال نظر المستقل المستبد والنهضة فِي مصَالح الْخدمَة نهضة الْمُجْتَهد الْمجد وَبسط الْيَد للرعايا بِالْعَدْلِ والاحسان وتولي أُمُورهم بالإحكام والاتقان والاستنامه للاستنابة عَنهُ فِي الْمُعَامَلَات الى ذَوي الْكِفَايَة وَالْأَمَانَة والاعتماد فِي الْأَعْمَال دقيقها وجليلها وكثيرها وقليلها على أهل النزاهة والصيانة وَله الْيَد الطولي فِي التَّنْفِيذ والامضاء والاعادة للْمصَالح والابداء واظهار شعار الدولة بِاتِّبَاع الشَّرْع والمحافظة عَلَيْهِ فِي الأَصْل وَالْفرع واحياء سنة الْعدْل ورد المناجح المتشتته والمناهج المتشعثة الى جمع الشمل فليتول ذَلِك بنفاد ماضي الغرار ومضاء مضيء المطلع مُنِير الْمنَار ونهوض بأعباء التدبيرات مضطلع وفكر على عواقب التَّصَرُّفَات فِي مبادئها مطلع مستشعرا تقوى الله الَّتِي تقوى بهَا العزائم وتبنى على دعائمها المكارم وتجلى بحليتها الْفَضَائِل وتحلي برتبتها العواطل مقتديا بعاداتنا العادلة وسيرتنا الفاضلة فِي خفض الْجنَاح للرعية بالرعاية والغلظة على اهل الضَّلَالَة والغواية واثابة المحسن باحسانه وردع الْمُسِيء عَن عدوانه وَضم نشر الْخَاصَّة والعامة بنشر المعدلة وانزال كل مِنْهُم فِيمَا يسْتَحقّهُ من الْمنزلَة

ذكر تولية الامير سعد الدين مسعود بن أنر في سنجار

واستدناء من أبعده جور الظلمَة بانصافه وايناس من نفره العنف وشرده العسف بالطافة واستمالة النازحين من الاعمال بِحسن السِّيرَة واستمداد توفيق الله بخلاص النِّيَّة واصفاء السريرة وليقدم الاهتمام بالعمارات الَّتِي تؤذن بوفور البركات ونمو الثمرات وحفول اخلاف الارتفاعات مُعْتَمدًا فِيهَا على أولى الكفايات مستعينا بِاللَّه عز وَجل فِي كل مَا يَضَعهُ وَيَرْفَعهُ ويقتفيه ويتبعه ويقتضيه من المهام ويمضيه وَيحكم من الْقَوَاعِد وَيحكم فِيهِ ذكر تَوْلِيَة الامير سعد الدّين مَسْعُود بن أنر فِي سنجار كَانَ الْأَمِير سعد الدّين مَسْعُود بن أنر مسعودا أنار سعده وَسَار بِالذكر الْحسن حَمده وَأبر جده وبر الْأَعْمَال جده وَمضى حَده وورى زنده وَلم يزل سامي الْقدر نامي الْفَخر كريم الْفضل عديم الْمثل جميل الفعال جزيل النوال كثير الْفَضَائِل غزير الفواضل قد جلاه حسن خلقه على الْقُلُوب بِالْقبُولِ كَأَن لشمائله نشوة الشُّمُول وَمَا أسمح ملقاه وأسمى مرقاه وأبلج محياه وأرج رياه وأبهى وأبهج رُؤْيَته ورؤياه وأوفر زينته وأوقر زنته فِي سمته وسمته وأرزن حصا حصافته واهتن سما سماحته وَكَانَ لي صديقا كريم المغيب والمحضر حميد المورد والمصدر ناجح الْوَسِيلَة رَاجِح الْفَضِيلَة وَالسُّلْطَان يعْتَمد عَلَيْهِ فِي اعلانه واسراره واظهاره وإضماره وإيراده واصداره وَأُخْته ابْنة معِين الدّين أنر فِي حبالته وَأَهله فِي كِفَايَته وكفالته فَلم يعْتَمد الا عَلَيْهِ وَلم يسلم مَدِينَة سنجار وقلعتها إِلَّا إِلَيْهِ واولاه وولاه وألفاه على الهمة فأعلاه وعول مِنْهُ على كَاف كافل ووصاه بتأليف كل جَاف جافل وتنبيه كل غاف غافل ودله من المكارم بِمَا يُؤمن فِيهِ انفاض فَاضل باتجاه جَاهِل وانساء سَائل عَن أسناء نائل وحذره من اسعاد عَاد أَو ابعاد عَادل وَحكمه وَقدمه ووطا قدمه وَحكم سَيْفه وقلمه وَأَعْلَى علمه وأنفذ كَلمه وابقى عِنْده من خواصه من استحمد شيمه واسترفد فِي النجح دِيمَة

ذكر الرحيل صوب نصيبين وانفصال شيخ الشيوخ صدر الدين في شهر رمضان سنة ثمان وسبعين

ذكر الرحيل صوب نَصِيبين وانفصال شيخ الشُّيُوخ صدر الدّين فِي شهر رَمَضَان سنة ثَمَان وَسبعين وَلما قضينا بسنجار الْآرَاب تقاضينا الآراء وشاورنا الامراء فَقَالُوا قد توسطنا الشتَاء وَالصَّوَاب الاقامه بمَكَان حَتَّى يَنْقَضِي فَصله وتتفرق أشتات الشتَاء ويجتمع الْعَسْكَر وينتظم شَمله وَحِينَئِذٍ نستأنف الْفتُوح ونستزيد من الله بِزِيَادَة الشُّكْر بره الممنوح فاذا نَزَعْنَا برد الْبرد نَزَعْنَا حرد الطَّرْد واحتبينا رِدَاء العجاج وأجبنا نِدَاء الْهياج وأخفنا روع الروع وشفينا روح الطوع وأزرنا الْقَوْم بالوقم وأعدنا الصِّحَّة إِلَى ذى السقم فرحلنا إِلَى نَصِيبين للراحة مصيبين وأقمنا حَتَّى وَدعنَا شيخ الشُّيُوخ صدر الدّين وشهاب الدّين بشير وَكِلَاهُمَا لنا بِمَا يُفْضِي إِلَى الصّلاح وَيَقْضِي بالنجاح مشير وَحصل بالقلوب من الوحشة بالغيبة الصدرية تاريث وتأثير وركبنا مَعَه حَتَّى توجه سائرا إِلَى الْعرَاق وعدنا من الْوَدَاع وداعي الْهم يخلف فرق الْفِرَاق وشكا اهل نَصِيبين مَا هاج من نصبهم بِأبي الهيجاء فاستلمنا الينا بصرفه رجال الرَّجَاء واستصحبنا الْمَذْكُور مَعنا ورحلنا وكل من بِالْبَلَدِ وَدعنَا وَجِئْنَا إِلَى دَارا فديرت دورها لنا بالحافلات وتلقانا أميرها صمصام الدّين بهْرَام الارتقي فَأذن طالعه بسعوده الافلات فأكرمناه واحترمناه وأرفدناه وأرفدنا ووصلنا كتاب شيخ الشُّيُوخ بشرح اموره ووصوله الْموصل وعبوره فكتبنا جَوَابه وعظمنا خطابه فصل من الْكتاب الَّذِي أنشأته إِلَيْهِ بتاريخ خَامِس عشْرين ذى الْقعدَة سنة ثَمَان وَسبعين من حران وَردت الْمُكَاتبَة الْكَرِيمَة ففضضناها عَن بشر بهيج وَنشر أريج وكرم وَفِي ووفاء

كريم وَأنس وَافد وَوَلَاء مستنيم فأهدى نورها الناضر نور النَّاظر وباح سرها السائر بسرور بالسرائر وتكفل موردها العذب بارواء الارواح وشفى ظمأ الضمائر وتهلل وَجه الاستبشار لوجه بشرها السافر وجدد الْقلب للأريحيتها عَهده بالارتياح وتلقى الصَّدْر تحيتها الصدرية بالانشراح وغض دونهَا طرف الْوَقار واهتز نَحْوهَا عطف الافتخار وشوقت الانفس إل طيب أنفاس تِلْكَ النفحات وأقوات استسعادها واستعدادها من تِلْكَ الاوقات فَلَقَد كَانَت مطالع الانس بضوء بهجه وضوع أرجه زاهره عاطره ومباهج النَّفس للمباهاة بشهوده وَشَهَادَة بهائه وافية وافرة وتأملنا مواقع انامله الْكَرِيمَة فألفيناها من نسخ غوادى الْمعَانِي مفوفة الرياض وَمن حَيَاء هواضب المكارم والمعالي مفعمة الْحِيَاض وَعلمنَا مَا ذكره من ايثاره مَا يعود بالصلاح وَيُؤذن بالنجاز والنجاح وَإِنَّا لما ضيقنا عَلَيْهِ مجَال القَوْل بِأحد الْقسمَيْنِ لم يروجها لنظم الامر من الْجَانِبَيْنِ فاستخار الله فِي سيره ووكل الامور إِلَى الله فِي تَقْدِيره وَلَقَد كَانَ الْمجْلس السَّامِي يحسن ظَنّه بالمواصلة وَيُشِير علينا بمقاربتهم وَالرُّجُوع إِلَى السّلم عَن محاربتهم وَنحن نقُول ان هَؤُلَاءِ يضمرون خلاف مَا يظهرون ويسرون ضد مَا يعلنون وَإِنَّهُم يحلفُونَ ويحنثون ويقسمون بِاللَّه جهد أَيْمَانهم وينكثون وَلَيْسَت هَذِه بِأول مرّة من غدرهم وجولاتهم فِي مكر مَكْرهمْ وروغانهم بخدعهم وخترهم فَمَا زَالَ بِنَا حَتَّى نزلنَا على إقتراحهم وأضربنا على اجترائهم واجتراحهم فحملوا ذَلِك على أَنهم قد خدعوا وأمنوا مَا كَانُوا فِيهِ من الرعب وطمعوا ونكلوا عَمَّا قَالُوا وعثروا وَمَا استقالوا وَعرف سيدنَا حَقِيقَة الْأَمر وأطلع مِنْهُم على سر الشَّرّ وَبَان لَهُ منا وَجه الْعذر وَمِنْهُم وَجه الْغدر وأيقن ان مَقْصُود الْقَوْم مدافعة الايام والمغالطة بِتِلْكَ الاقسام والتشبث من جَانب الاجانب بِمن لَا ينجيهم من الْغَرق والاعتلاق مِنْهُم بِمَا يكون لَهُم وثاقا لَهُم فِي ورطات العلق فَمَا فَارق إِلَّا بعد علم أَنهم لَا يفلحون وانهم للصلاح لَا يصلحون

ذكر الوصول إلى حران وذلك في أوائل ذى القعدة

وَلما كتب الينا فِي الطَّرِيق من الْموصل يُشِير علينا بِحكم عوده مَعَهم إِلَى حسن الظَّن بهم ثمَّ أننا نتمهل وَلَا نعجل وأننا نبين لَهُم طريقنا عَن سلوكها لَا نعدل عرفنَا ان الْقَوْم مقيمون على الْعَادة العادية وانه لَا مطمع فِي عمَارَة رسوم صَلَاحهمْ الْعَافِيَة ذكر الْوُصُول إِلَى حران وَذَلِكَ فِي أَوَائِل ذى الْقعدَة ثمَّ وصلنا إِلَى حران والقينا بظاهرها الجران وأقمنا للاستراحة وَاشْتَغَلْنَا بشكر نعم الله المتاحة الممناحة وَسَار الْملك المظفر تَقِيّ الدّين بعسكره وَعبر الْفُرَات إِلَى حماه وَعَاد كل متغرب عَن بَلَده إِلَى مثواه وأقمنا بالمخيم بِظَاهِر حران فِي الْخَواص من ذوى الاستخلاص فِي أحلى حَالَة وَأجلى جلالة وأدل هِدَايَة وَأهْدى دلَالَة وأسعد جد وَأَجد سعد وَنحن من تأييد الله وَنَصره على أصدق وعد وَقُلْنَا ان الدَّهْر قد اطْمَأَن والامر قد ارجحن والحروب قد وضعت أَوزَارهَا والخطوب قد رحضت أوضارها والقلوب قد رفضت استشعارها وفرضت شعارها والجنود قد عاودت أوطانها والنفوس قد أحمدت آثارها واعتمدت ايثارها والجفون قد راجعت غرارها والسيول قد واصلت قَرَارهَا والخيول قد اعريت عَن سُرُوجهَا والذيول قد جرت بالمرح فِي مروجها وَالْعتاق قد أعتقت من رق الاجراء والرقاق قد أغمدت لحق المضاء والحنايا قد انْحَلَّت عُقُود اوتارها والمنايا قد اعتلت عُقُود اوتارها وَالْمُضَارب ملائمة اغمادها وَالْمُضَارب مُلَازمَة أوتادها والنوب مَضْرُوبَة والقضب مقروبة والالوية ملوية والاعلام مطوية والبنود محلولة والرماح مركوزة والصفاح لَا مسلولة وَلَا مهزوزة والخيم قَائِمَة والديم دائمة وَالدُّنْيَا سَاكِنة والسكينة دانية والهموم نائية والهمم وانية والاذيال من تحتهَا الْأَقْدَام والايدى من فَوْقهَا الاكمام والدروع متعوضة بالفرا والعيون متعرضة للكرى وَلَا مبالاة بالعدى وَلَا اكتراث بِمن رَاح أَو غَدا وَأهل الْموصل مَعَ من وازرهم فِي حشد وَحشر وطي وَنشر وَرفع وَنصب مجر وإضراء جمع وإضرام جمر ومجاولة مكر وَإِظْهَار أيد وإضمار كيد والاستنجاد بمغاوير غورونجد والاستزادة من عمائر عَمْرو وَزيد والاختلاط بِصُحْبَة صَاحب خلاط والاستجذاب من الْأَطْرَاف والأوساط واستنفار الأنفار واستنصار

فصل من الإنشاء الاجلي الفاضلي في جواب ما وصل من المثال الديواني صحبة القاضي ضياء الدين ابن الشهرزورى والاستطراد في وصف المثال بذكر المواصلة مما مثله لي فكتبه بخطي

الْأَنْصَار واستدرار الأخلاف لاستمرار الْخلاف ومصافاة الاضراب بِضَرْب المصاف والم علينا والمخالفة الينا وَقد اغتنموا لتفرق جموعنا الجموع واعتزموا الينا لرجوعنا الرُّجُوع وَنحن مَعَ قلتنا ثابتون وَفِي حلتنا نابتون ولجانبي خلتنا كابتون ومهابتنا عَظِيمَة ورهبتنا مُقِيمَة ورعبنا فِي الْقُلُوب بالازعاج سَاكن وخوفنا للنفوس للاظهار كامن وهم يَعْتَقِدُونَ اننا إِذا سمعنَا بِجَمْعِهِمْ نتفرق وَقبل الاشتمال بالمأزق شملنا يتمزق وأننا نتأخر وَلَا نتقدم وانا على مَا فرطنا فِي حَقهم نتندم فاستحال تخيلهم واختل تحيلهم وَسَيَأْتِي ذكر ذَلِك فصل من الْإِنْشَاء الاجلي الفاضلي فِي جَوَاب مَا وصل من الْمِثَال الديواني صُحْبَة القَاضِي ضِيَاء الدّين ابْن الشهرزورى والاستطراد فِي وصف الْمِثَال بِذكر المواصلة مِمَّا مثله لي فَكَتبهُ بخطي الْخَادِم يذكر أَنه ورده بل أوردهُ من منتدى الدِّيوَان بل من افق الاحسان كتاب مرقوم بل سَحَاب مركوم أثبت فِي الأسماع بل أنبت فِي الطباع العقد النقي بل العقد التقي وَأهْدى إِلَى البصائر الصادقة بل أبدى الابصار الرامقة أَي شائقة أنس بل أى شارقة شمس فأضاء الفضاء بنوره وَضرب بَينه وَبَين الظلماء بسوره فاستقلت مُلُوك الْمعَانِي على سَرِيره وَدخل الْفَهم جنته ورفلت الْيَد فِي حريره ونقلته عينه فِي الْحَال إِلَى ضَمِيره فأنست مَعَانِيه بِمَا هُنَالك من عقائد اخْتِصَاص وموارد اخلاص مُسْتَقِرَّة فِي حَيْثُ لَا تجرى كل الاسرار وَلَا تسرى كل الْأَنْوَار وَلَا تستودع إِلَّا عُقُود التَّكْلِيف وخواطر التَّعْرِيف فَأَلْقَت عصاها وَلَقِيت من أطاعها وَمَا عصاها وحلت حَيْثُ حلت وحليت حَيْثُ جلت فَهِيَ الْمرْآة غير أَن الصدا مصدود عَن صفحتها وَهِي القبس الا أَن الَّيْلِ وَالنَّهَار سَوَاء فِي وصف قدحتها وَهِي الفلق إِلَّا أَن الْعُيُون دائمة الِاسْتِمْتَاع

بلمحتها وَهِي الرَّوْض الا أَن أنفاس النسيم مُنَافَسَة فِي الْعبارَة عَن عبير نفحتها وَهِي المذكرات للانفس بِاللَّه الا أَن أسطرها سلوكها وحروفها دُرَر سبحتها وَمَا زَالَ الْخَادِم الى مثل هَذِه الْفقر فَقِيرا وَبهَا على نَفسه بَصيرًا واذا أنعم بتسييرها اليه عدهَا نعيما واذا ملكهَا رَآهَا ملكا كَبِيرا وَمَا ترد وَارِدَة من الدَّار العزيزة الَّتِي بنت عزها يَد الله وَغَيرهَا مَنْسُوب الى بِنَاء البنان الا أمضت البصائر واسترهفتها وأحمت أنوف القنا على أَعدَاء الله فاستر عفتها فالخادم قد بورك لَهُ فِي صقال خاطرة بأوامرها الَّتِي لَهَا يأتمر وَقد لزم مَا بورك لَهُ فِيهِ فَهُوَ وان اضجر لَا يزَال مستبدا بِهَذِهِ الطَّرِيقَة مُسْتَندا إِلَى هَذِه الْحَقِيقَة دون وُلَاة الاقطار وامراء الْأَمْصَار الَّذين لَا يطالعون الدَّار العزيزة الا إِذا مسهم الضّر فدعوها لجنبهم وَإِذا عتبوا على الدَّهْر قارضوها لأجل عتبهم واذا تَأَمَّلت هَذِه اللطيفة واعتبرت افعاله وافعالهم نظرة شريفة علم أَن الْخَادِم قد أعْطى الدَّار العزيزة قياد سكونه وزمام حركته وَأَن اوامرها بِهِ نَافِذَة فِي مملكتها وَلَا يضيف إِلَى نَفسه فَيَقُول فِي مَمْلَكَته فرسله على ايوانها وَكتبه فِي ديوانها وجهاده تَحت رايتها السَّوْدَاء واجتهاده فِي رفع كلمتها الْبَيْضَاء والخافقان قد خَفَقت فيهمَا الويتها فَفِي الْمغرب مِنْهَا مثل مَا فِي الْمشرق ونفذت فيهمَا أقضيتها فأطاع المنجد كَمَا أطَاع الْمُتَّهم وَسلم المشيم كَمَا سلم المعرق وَإِذا ولاه أَمِير الْمُؤمنِينَ ثغرا لم يبت فِي وَسطه وَأصْبح فِي طرفه وَإِذا سوغه بَلَدا هجر فِي ظلّ خيمته وَلم يقم فِي ظلّ غرفه واذا بَات بَات السَّيْف لَهُ ضجيعا واذا أصبح أصبح معترك الْقِتَال لَهُ ربيعا لَا كَالَّذِين يغبون أَبْوَاب الْخلَافَة اغاب الاستبداد وَلَا يؤامرونها فِي تصرفاتهم مُؤَامَرَة الاستعباد وَكَأن الدُّنْيَا لَهُم اقطاع لَا ايداع وَكَأن الامارة لَهُم تخليد لَا تَقْلِيد وَكَأن السِّلَاح عِنْدهم زِينَة لحامله ولابسه وَكَأن مَال الْخلق عِنْدهم وَدِيعَة فَلَا عذر عِنْدهم لمانعه وحابسه وَكَأَنَّهُم فِي الْبيُوت دمى مصورة فِي لُزُوم جدرها لَا فِي مستحسنات صورها راضين من الدّين بالعروة اللقبية وَمن اعلاء كَلمته بِمَا يسمعونه على الدَّرَجَات الخشبية وَمن جِهَاد الخارجين على الدولة باستحسان الاخبار المهلبية وَمن قتال الْكفَّار بِأَنَّهُ فرض يقوم بِهِ طَائِفَة فَيسْقط عَن الاخرى فِي آخرهَا وَمن طَاعَة الْخلَافَة بِذكر اسْمهَا وَالْخُرُوج عَن سيماها فَالله تَعَالَى

يعلي يَد الامام حَتَّى يخْفض أَيدي الظُّلم المستطيلة وَيُمكن فِي الارض بسطتها الى أَن ترفع العثرات عَن هَذِه الامة المستقيلة وَالْخَادِم كَمَا يشْكر الاقبال عَلَيْهِ يشكو الاعراض عَنهُ وَذَلِكَ ان المواصلة مَا فزعوا إِلَى دَار الْخلَافَة إِلَى أَن فزعوا والا فطالما طمع اولهم كَمَا طمعوا وقديما دعوا إِلَى طاعاتها فَمَا سمعُوا وسمعوا فَمَا اتبعُوا حَتَّى ان الاولين مِنْهُم علمُوا أَوْلِيَاء الدولة من الأتراك ضد ماجبلت عَلَيْهِ اخلاقهم من عقوقها وسنوا لَهُم إِضَاعَة حُقُوق الله باضاعة حُقُوقهَا وَلَا يُربي الصَّغِير الا على مَا رَبِّي عَلَيْهِ الْكَبِير وَلَا ثبتَتْ جِنَايَة الأول إِلَّا بِمَا جناه الاخير وَقد كَانَت دولة الْعَجم بالعراق استعلت ثمَّ اسْتَقَلت وهبت ثمَّ وهنت فتعبت رجال اللَّيَالِي والايام وأولو تدبيرات السيوف والاقلام بدار الْخلَافَة إِلَى ان ضرحوا القذى عَن موردها وأبعدوا الاذى عَن معهدها واستقلت الْخلَافَة وَحدهَا ولزمت الامور حَدهَا وَمَا يَبْغِي من يَبْغِي على الْخَادِم الا أَن يُعِيد دولتهم جذعه وَيَقُول فيهم بالرجعة وان شكّ فِي هَذَا القَوْل فِي الايام السِّتَّة فالخادم يستشهد بِيَوْم الْجُمُعَة حَيْثُ تعلو بالموصل اسماء طرداء الْخلَافَة مُقَارنَة لاسمها وتشاهد احكامهم نَافِذَة مَعَ الْبعد والانقياد مَعَ الْقرب الا لحكمها واذا كَانَت المواصلة قد تقطعت بهم الاسباب وأوصلهم حِسَاب الْحَرْب إِلَى الْعقَاب وتبرأ الَّذين اتبعُوا من الَّذين اتبعُوا وتفرق الَّذين اجْتَمعُوا بَعْدَمَا جمعُوا ففريق فر نازحا وفريق قر مصالحا وفريق على الْبعد يواصل مستصلحا ومتطارحا وفريق فتح بَلَده الَّذِي كَانَ التَّقْلِيد لَهُ فاتحا وَلم يبْق للمواصلة الا ان يأووا إِلَى جبل الا انه لَا يعصمهم من المَاء ويتعللوا بسراب بقيعة لَا متعلل فِيهِ الا ظماء وَمَعْلُوم انهم إِذا اجتلبوا تِلْكَ الْجِهَة اعادوا طَائِر نفاق الى عشه واسترجعوا خَاتم ملك فَرُبمَا رَجَعَ الامر جَارِيا على نقشه

ذكر الحوادث في سنة ثمان وسبعين وانما اوردناها حتى إذا فرغنا منها وصلنا الحادثة في فتح امد بعد هزم الاحزاب بالسنة الاخرى ومنها وفاة الملك المنصور معز الدين فرخشاه بدمشق في آخر جمادى الاولى سنة ثمان وسبعين

ذكر الْحَوَادِث فِي سنة ثَمَان وَسبعين وانما اوردناها حَتَّى إِذا فَرغْنَا مِنْهَا وصلنا الْحَادِثَة فِي فتح امد بعد هزم الاحزاب بِالسنةِ الاخرى وَمِنْهَا وَفَاة الْملك الْمَنْصُور معز الدّين فرخشاه بِدِمَشْق فِي آخر جُمَادَى الاولى سنة ثَمَان وَسبعين وانما أخرت ذكر وَفَاة معز الدّين وان تقدم تاريخها وَوصل الينا عِنْد عبور الْفُرَات صريخها لسردي الاحوال على سياقتها وإفراد حادثته بِالذكر لسكرة اللَّيَالِي بهَا وَتعذر افاقتها وفقر الايام من بعده الى مثله وفاقتها فانه بعد انفصالنا عَنهُ بِالشَّام لَازم الْجِهَاد بِحَدّ الِاجْتِهَاد وَصدق الاعتزام فوعك فِي نهضة من نهضاته ونهك بمرضة أعضلت خلاف مَا اعتادته من مرضاته وَلما اشتدت عَلَيْهِ عَاد الى دمشق منيبا الى الله فِي طلب مرضاته وانتقل من حومة الشَّهَادَة الى حمى السَّعَادَة وَمن مقَام الدَّوَائِر إِلَى دَار المقامة وَمن اسْتِبْقَاء المحن الى منح الاسْتقَامَة وَمن حضيض المهالك إِلَى حظوظ الممالك وَمن غَار الاغترار الى مقرّ الِاسْتِقْرَار وَمن معاطن المعاطب الى مَذَاهِب الْمَوَاهِب وَمن حَيَاة الفناء الى فنَاء الْحَيَاة وَمن جناب الدهاة الى جنَّات الهداة وَمن منَازِل الْعَدْوى إِلَى مناهل الجدوى وانتقل من الاتراب الى التُّرَاب وَمن المتربة الى الاتراب وَمن الرُّتْبَة الى التربة وَمن الوطن إِلَى الغربة فتبا للدهر مَا تبقى نياته على بنيه وَلَا تلِي نكباته بالسوء سوى موَالِيه لقد فجعت الدّين والدولة بِهِ ملكا هماما وَسَيِّدًا قمقاما وأسدا ضرغاما ومقدما مقداما ماجدا ماجد فِي الامر الا بلغ وَغلب وَمَا سعى فِي نجح الا ظفر بِمَا طلب وَلم يزل المستشار المؤتمن والمستجار المتمكن والسمح السخي والذمر النحي والاريحي الْحَيِي والالمعي اللوذعي وَكَانَ السُّلْطَان يقطع بِرَأْيهِ ويصل ويكلأ بِهِ الثغور واليه يكل

من الكامل

ويستبد إِلَى استبداده ويستند باسناده رَآنِي يَوْمًا بَين يَدي السُّلْطَان وَهُوَ يَأْمُرنِي بفصول اُكْتُبْهَا ومقاصد فِي مجاوبات مخاطبات أرتبها ومذاهب متنوعة أجنسها وأهذبها وَأَنا سَاكِت مصغ وَسَاكن غير لاغ وَلَا ملغ فَعجب مني فِي السُّكُوت والسكون واطراقي وَترك استفهامي عَن طرق تِلْكَ الْفُنُون فلعبت بِهِ مرجمات الظنون فَقُمْت وكتبت الْكتاب ونظمت تِلْكَ الاراب ورتبت الابواب واعجبت بانشائي وأنشأت العجاب وكسوت كل معنى لفظ الْفضل وختمت كل قَضِيَّة بفص الْفَصْل وزدت وزنت وعيرت بحصا الحصافه مَا وزنت وَجئْت بِالْكتاب مسطورا وبالادب منشورا وبالفضل منثورا فَأَقْرَأهُ معز الدّين فرخشاه فَقَالَ لله دَرك من فضلاء الْكتاب وتلا {وَترى الْجبَال تحسبها جامدة وَهِي تمر مر السَّحَاب} وَلَقَد كَانَ لَهُ فِي عقودى اعْتِقَاد ولنقودى انتقاد ولأمورى افتقاد وعَلى حضورى اذا غبت عَنهُ اتقاد وَكَانَ من اهل الْفضل ويفضل على اهله ويغني الْكِرَام عَن الابتذال بكرم بذله وَمن اخص خواصه وذوى اصطفائه واستخلاصه الصَّدْر الْكَبِير الْعَالم تَاج الدّين ابو الْيمن الكندى أوحد عصره ونسيج وَحده وقريع دهره وَهُوَ عَلامَة زَمَانه وَحسان احسانه ووزير دسته ومشير وقته وجليس انسه ورفيق درسه وشعاع شمسه وحبِيب نَفسه يرْوى بصوب رُوَائِهِ ويروي صَوَاب صوب ارائه ولي فِي هَذَا الْملك قصائد ملكت وَحسنت بعوائد حسناه عوائدها وَكَانَت منائحه بواعث القرائح ودواعي المدائح وَلَو اوردت مَا مدحته بِهِ لافردت بِهِ ديوانا وَرفعت فِي سوق الْفضل بنقوده النضارية ميزانا وَلَكِنِّي اورد قصيدة هائية موسومة بجواهر الْفقر وفرائد الدُّرَر منظومة مدحته بهَا فِي أول سنة صَحِبت فِيهَا السُّلْطَان الى مصر وَهِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين ووردت بهَا من فيض فَضله العذب الْمعِين وعارضها تَاج الدّين أَبُو الْيمن بِكَلِمَة بديعة فِي وَزنهَا ورويها وَحسن ريها وَطيب رياها وريها فَأَما كلمتي فَهِيَ من الْكَامِل

.. بَين أَمر حلاوة الْعَيْش الشهي ... وَهوى أحَال طلاوة الزَّمن الْبَهِي وصبابه لَا أستقل بشرحها عَن حصرها حصر البليغ المدره أأحبتي ان غبت عَنْكُم فالهوى ... دَان لقلب بالغرام موله أنهِي اليكم أَن صبري منتىء ... بل منته والشوق لَيْسَ بمنته أما عُقُود مدامعي فَلَقَد وهت وأبت عُقُود الود مني أَن تهي وَلَقَد دهيت ببينكم فاشتقتكم ... يامن لمشتاق ببينكم دهي مَا زلت عنْدكُمْ بأرضى عيشة ... وَبقيت بعدكم بعيش أكره أرعى نُجُوم اللَّيْل فِيكُم ساهرا ... لنجوم دمع أوجها فِي الاوجه أما الْهوى فَأَنا مدل عنْدكُمْ ... عوفيتم مِنْهُ بقلب مدله أبدت دموعي مِنْهُ مَا لم أبده ... وبدهت مِنْهُ أسى بِمَا لم أبده خطب الْفِرَاق شدهت مِنْهُ وإنني ... للنائبات أَشدّهَا لم أشده نظرى إِلَيْكُم كَانَ إثمد ناظرى ... وَبقيت أَمْرِي خلف جفن أمره وَإِذا ألم خيالكم متأوبا ... لاقيته بتألم المتأوه فِي شوقكم أَبَد الزَّمَان تفكري ... وبذكركم عِنْد الْكِرَام تفكهي لَو قيل لي مَا تشْتَهي من هَذِه الد ... نيا لَقلت سواكم لَا أشتهي ... مَا كَانَ أرفه عيشتي والذها ... من ذَا الذى يبْقى بعيش أرفه وَمن السفاهة انني فارقتكم ... من أَيْن ذُو الْحلم الَّذِي لم يسفه ...

.. وعقاب أَيْلَة مَا يُفَارق جلقا ... أحد اليها غير غر أبله حلبت غرُوب الشَّأْن مني غربَة ... فِي بَلْدَة شأني بهَا لم يُنَبه مَالِي ومصر وللمطامع انما ... ملكت قيادى حَيْثُ لم اتنزه لَا تنهني يَا عاذلي فَأَنا الذى ... تبع الْهوى وأتى بِمَا عَنهُ نهي قد قلت للحادى وَقد ناديته ... فِي مهمة اقصر وصلت مَه مَه حتام جذبك للزمام فأرخه ... فَلَقَد انخت الى ذرى فر خشه قد لذت بالمتطول المتفضل الم ... تكرم المتحلم المتنبه نجح الرَّجَاء جَوَاب قصدى بَابه ... مهما هَمَمْت لَهُ بجوب المهمه ... ملك يُجيب خطاب كل مُؤَمل ... وَيُجِير من عض الخطوب العضه ... من لم يجب بسوى نعم سُؤَاله ولمعتفيه بلاو لن لم يجبهُ متكرم بالطبع لامتكره ... شتان بَين تكرم وَتكره بيدَيْهِ نجح المرتجى واليه قصّ ... د الملتجي ولديه رشد الأتيه احسان ذى مجد وهمة محسن ... مجد وتقوى عَابِد متأله مَا بارق ذُو عَارض من ودقه ... ورعوده فِي نادب ومقهقه هام يظل الرَّوْض من أمواهه ... فِي الزهر بَين مَذْهَب ومموه فالأرض من حلل الرّبيع أنيقة ... وَالرَّوْض من حلي الشقائق مزده أجدى واسمح من يَدَيْهِ فجودها ... عِنْد الغيوث إِذا انْتَهَت لَا يَنْتَهِي لَا عز الا عِنْد عز الدّين مو ... لانا الْأَجَل أخي الفخار الأنبه ...

.. يهب الالوف لمجتديه وظنه ... ان قد حباهم بِالْأَقَلِّ الأتفه أَنْتُم بني أَيُّوب أكْرم عصبَة ... هَذَا الزَّمَان بفخر سؤددكم زهي وَأولُوا وُجُوه بل صُدُور من ندى ... مَاء البشاشة والسماحة موه عذبت مواردكم وَطَابَتْ للورى ... وصفت فَلم تأسن وَلم تتسنه مَا يَدعِي ملك بُلُوغ محلكم ... الا تَقول لَهُ مساعيكم صه والناصر الْملك الصّلاح هُوَ الَّذِي الا بِهِ اللزبات لم تتنهنه لاه عَن اللاهي بدنياه وَعَن ... اعلاء دين الله يَوْمًا مَا لهي فَاتَ الْكِرَام على وان لم يظفروا ... مِنْهَا بِغَيْر تشبث وتشبه ان الْمُلُوك تخلفوا وسبقتهم ... أَيْن السوام من الْعتاق الفره راجيكم من دَاء كل ملمة ... يشفى وعد سماحكم لم يشفه وَعَدُوكُمْ من مهرب من ينجه ... ووليكم من مطلب لم ينجه ان يجْحَد الشاني علاك فَمَا ... ترى اشراق عين الشَّمْس عين الأكمه ولرب مجر رائع حملاته ... وتخاله فِي الزَّحْف سيل مدهدة يقرى العواسل من فرائس أسده ... لَحْمًا بِنَار الْبيض مشعلة طهي متحت بِهِ قلب الْقُلُوب ذوابل ... أشبهن أشطانا بأيدي مته والأسمر الْعَسَّال يَحْكِي ناحلا ... متلويا من سقمه لم ينقه واللهذم الرعاف يشبه معلما ... حضر الوغى وأصابه جرح صهي ...

.. وَهُوَ الَّذِي ترك العدى من رعبه ... يَوْم اللِّقَاء بصدمه فِي وهره بك أَصبَحت راياته منصورة ... يَا سيدا عنت الْوُجُوه لوجهه لَك فِي الشهامة والصرامة موقف ... لصفاته اعجاز كل مفوه مَا الصارم الهندى غير مكهم ... والباسل الصنديد غير منفه وَإِذا عزمت تركت اعداء الْهدى ... مَا بَين هَلَاك وحيرى عَمه ... يَا حلف جود للغيوث مخجل ... أبدا وبأس بالليوث مجهجه مولاى من مدحي سوالك توجعي ... وَإِلَيْك من دون الْمُلُوك تَوَجُّهِي أهب الثَّنَاء لمجد بَيْتك طَائِعا ... وأبيعه لسواك بيع الْمُكْره مدح الْجَمِيع موجه ومديحكم ... فِي الصدْق والاخلاص غير موجه يفديك مغرور الزَّمَان بلهوه ... ولهاه غرار السراب بلهله ... مولاى مصر أخملت قدرى فَكُن ... باسمي جزيت الْخَيْر خير منوه شرهي على العلياء جر معاطبي ... أَمن المعاطب كل من لم يشره وَلَقَد تملى بالسعادة ذُو غنى ... عَن شقوة المتطلب المتطله ايْنَ الْكَرَامَة للأفاضل عنْدكُمْ ان لم تكن عِنْد الْكِرَام فَأَيْنَ هِيَ لبّى نِدَاء ندالك لب رجائه ... فازجر ملم الْيَأْس عَنهُ وأنده أعليت فِي مصر مَكَاني بَعْدَمَا ... خفضت بِهِ ولقدره لم يؤبه طلعت نجومكم الثواقب للورى ... زهرا واني كالسهى عَنهُ سهي عرف بعرفك مِنْهُ مَا لم يعرفوا ... نبأ وَمن سنة التغافل نبه جبرت يَد الإفضال من مكاسرا ... من فضلي المتكسر المتكده فضلي خلوت لأَجله من حظوة ... هِيَ للاريب كنبت مرت أَجله ...

وهذى نظمتها على وزن قصيدة لبعض أهل العصر مطلعها العز في صهوات خيل الأجبه وأوردتها في كتاب

.. الْفضل مشتعل بِنَار بلائه ... والحظ مشتغل بأخرق أوره أعر التَّأَمُّل فقه شعرى منعما ... لَا يشْعر الانسان مل لم يفقه وتملها غراء جَامِعَة لكم ... فِي النَّعْت بَين تمدح وتمده يَهْتَز ذُو الْحسنى لجلوة حسنها ... وتجل عَن تَحْسِين كل مزهزه أَفْوَاه أهل الْفضل ناطقة لَهَا ... بِالْفَضْلِ إِن قيست بِشعر الأفوه وان الْعُقُول لهت بهَا فَلِأَنَّهَا ... محمية عَن كل معنى لهله صهباء تودع سامعيها نشوة ... وَتعير عرف الْمسك للمستنكه فوليها بتشوف وَتَشَوُّقِ ... وحسودها بتشور وتشوه دم يَا ابْن شاهنشاه ملكا سيدا ... متوحشا بالسؤدد الشاهنشهي متمليا بهْرَام شاه ممتعا ... مِنْهُ بشاه سيد شهم شهي لَو شَاهد اليمني جبهة يمنكم ... مَا ظلّ مفتخرا بخيل الأجبه ... وهذى نظمتها على وزن قصيدة لبَعض أهل الْعَصْر مطْلعهَا الْعِزّ فِي صهوات خيل الأجبه وأوردتها فِي كتاب خريدة الْقصر وجريدة الْعَصْر وَأما القصيدة التاجية الَّتِي نظمها على وَزنهَا ورويها تَاج الدّين أَبُو الْيمن فَهِيَ من الْكَامِل

.. هَل أَنْت رَاحِم عِبْرَة وتوله ... ومجير صب عِنْد مأمنه دهي هَيْهَات يرحم قَاتل مقتوله ... وسنانه فِي الْقلب غير منهنه من بل من دَاء الغرام فانني ... مذ حل بِي مرض الْهوى لم انقه اني بليت بحب أغيد سَاحر ... بلحاظه رخص البنان برهره أبغي شِفَاء تدلهي من دله ... وَمَتى يرق مدلل لمدله كم آهة لي فِي هَوَاهُ وَإنَّهُ ... لَو كَانَ يَنْفَعنِي عَلَيْهِ تأوهي ومآرب فِي وَصله لَو أَنَّهَا ... تقضى لكَانَتْ عِنْد مبسمه الشهي يَا مُفردا بالْحسنِ إِنَّك منته ... فِيهِ كَمَا أَنا فِي الصبابة منتهي قد لَام فِيك معاشر أفانتهي ... باللوم عَن حب الْحَيَاة وَأَنت هِيَ ... أبْكِي لَدَيْهِ فان أحس بلوعة ... وتشهق أومى بِطرف مقهقه ... أَنا من محاسنه وحالي عِنْده ... حيران بَين تفكه وتفكه ضدان قد جمعا بِلَفْظ وَاحِد ... لي فِي هَوَاهُ بمعنيين موجه لأجردن من اصطبارى عَزمَة ... مَا رَبهَا فِي محفل بمسفه أولست رب فَضَائِل لَو حَاز أد ... ناها وَمَا أزهى بهَا غيرى زهي ...

.. شهِدت لَهَا الاعداء واستشفت بهَا عينا حسود بالغباوة أكمه أَنا عبد من شهد الزَّمَان بعجزه ... عَن أَن يجيئ لَهُ بند مشبه عبد لعز الدّين ذى الشّرف الذى ... ذل الْمُلُوك لعزه فر خشه الموقد الْحَرْب الْعوَان ببأسه ... ولأسد بَين معرد وموهوه المفحم الفصحاء فصل خطابه ... من ذى الروية فيهم والمبده فَكَأَن قرنا يبتلى بنزاله ... يرْمى بطود فَوْقه متدهده وَكَذَا البليغ ملجلج فِي نطقه ... حصرا كألكن فِي الحوار متهته فلتبجح العلياء مِنْهُ بمحرب ... عِنْد الجلاد وَفِي الْجِدَال بمدره هُوَ غرَّة الزَّمن البهيم وعصمة المل ... ك الْعَقِيم وغوث كل مؤيه ملك همام حَازِم يقظ رَضِي ... بَحر غمام عَالم ندس نهي فطن لأخذ محامد خفيت على ... فطن الألى فلمثلها لم يؤبه متنبه للمكرمات وَلم يكن ... عَنْهَا ينَام فيبتدى بتنبه يعدى على جور الزَّمَان بعدله ... وَيُجِير بالنعماء كل موله واذا اسْتَغَاثَ اليه مِنْهُ مَاله ... كَانَت اغاثته لَهُ صه أَو مَه وعَلى شمائل مجده وروائه ... للمجد أبهة بِغَيْر تأبه مَا اللَّيْث أوغل فِي الترائب نابه ... سغبا يصول بأهرت متكهكه ...

يَوْمًا بأسفك للدماء لَدَى الوغى ... مِنْهُ واقتل للعداوة واعضه تعبت اسنته على عليائه حَتَّى تفرد بِالْمحل الأنوه فغدا وَرَاح بِهِ رعايا ملكه ... فِي رَاحَة تبهو بسؤدده الْبَهِي كم فِي عناء المتعبين على العلى ... من مترف بعنائهم مترفه انْظُر اذا ازْدحم الْوُفُود بِبَابِهِ ... من كل ذى أمل بِهِ مُتَوَجّه ان شط لم يشطط رِضَاهُ وان سَطَا ... فِيمَا يحاول عِنْده لم ينجه طابت موارده فغص فناؤه ... وشدا الحداة بِذكرِهِ فِي المهمه كَالْمَاءِ عِنْد وُرُوده مَا لم يكن ... عذبا نميرا سائغا لم يشفه يَا خير بَان بالشجاعة والندى ... مجدا يهي عمر الزَّمَان وَلَا يهي يفديك كل مملك متتايه ... ابدا بألسنة الرعاع ممده لَا يفقه النَّجْوَى اذا حدثته ... واذا بدا بحَديثه لم يفقه أَنِّي على شرف القريض لهاجر ... للنظم هِجْرَة آنف متنزه أضحى وأهلوه كممدوحيهم ... فِي جهل قيمَة ذى الحجى والأوره أبدا عرائس مدحه تجلى على ... دنس الخبيئة بالعيوب مُشَوه قل للمميز سَامِعًا أَو منشدا ... فِي النَّاس بَين مفهه ومفوه ...

.. آلَيْت لَا أوليت غَيْرك مِدْحَة ... شعرًا وان افْعَل فمدحة مكره أَصبَحت من نعماك صَاحب انْعمْ ... ترجى نوافلها وعيش أبله وبدا لديك صَرِيح فضلى مثل مَا ... لَا يستسر لديك نقص مموه حزت السَّعَادَة من الهك مَا سرت فِي اللَّيْل دَعْوَة عَابِد متأله ... وَفِي شَوَّال سنة ثَمَان وَسبعين كَانَت نصْرَة الأسطول المتوجه إِلَى بَحر القلزم والمقدم فِيهِ الْحَاجِب حسام الدّين لُؤْلُؤ لطلب الفرنج السالكين بَحر الْحجاز لما صَعب على الأبرنس أرناط صَاحب الكرك مَا توالى عَلَيْهِ من نكاية أَصْحَابنَا المقيمين بقلعة أَيْلَة وَهِي فِي وسط الْبَحْر لَا سَبِيل عَلَيْهَا لأهل الْكفْر أفكر فِي اسباب احتياله وَفتح ابوبا اغتياله ودبر فِي نهج طرق بالغوائل فَبنى لَهُ سفنا وَنقل اخشابها على الْجمال الى السَّاحِل ثمَّ ركب المراكب هُنَاكَ وَطلب فِي الْبَحْر الادراك والاستدراك وشحنها بِالرِّجَالِ والات الْقِتَال ووقف مِنْهَا مركبين على جَزِيرَة القلعة وهما شَدِيدا المنعة فَمنع اهلها من استقاء المَاء وَندب أشياعها فِي الاشياء وَمضى الْبَاقُونَ فِي مراكب نَحْو عيذاب فَقطعُوا طَرِيق التُّجَّار وشرعوا فِي الْقَتْل والنهب

والاسار ثمَّ توجهوا إِلَى أَرض الْحجاز فَتعذر على النَّاس وَجه الِاحْتِرَاز فانه لم يعْهَد فِي ذَلِك الْبَحْر طروق الْكفَّار وَلَا تأجج فِي لجة شرار الاشرار فَعظم الْبلَاء واعضل الدَّاء واستشرى الشَّرّ واستضرى الضّر وشاعت النكاية وراعت الاية وجزع الْعَاجِز وَعجز الجازع وَضعف النازع وقوى المنازع وبليت الرّعية مِنْهُم بأفجع لوعة وأفجأ روعة وأشرف أهل الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة مِنْهُم على خطر وأصيبوا بالنفيسين من وَطن ووطر وخافت السواحل حُلُول الاسواء وَنزلت بالبلاد نَوَازِل الْبلَاء وَوصل الْخَبَر إِلَى مصر وَالْملك الْعَادِل أَخُو السُّلْطَان متوليها وَرَافِع اعلام الاسلام ومعليها فأفكر فِيمَن يتدرك بالامر ويسلك إِلَى الْقَوْم فِي الْبَحْر ويفتك بِأَهْل الْكفْر وَوَقع اخْتِيَاره على الشهم الْمُخْتَار وَاللَّيْث المغوار والفارس الكرار والخضرم التيار والخضم الزخار والضيغم الزآر وَهُوَ الْحَاجِب حسام الدّين لُؤْلُؤ فأحيا بِهِ السّنة الْقَدِيمَة والنصرة الْكَرِيمَة فِي القَوْل السَّابِق بِالْفِعْلِ الصَّادِق ... ايش مَا شِئْتُم فَقولُوا ... إِنَّمَا الْفَتْح للولو ... فعمر فِي بَحر القزم مراكب الرِّجَال البحرية ذوى التجربة والتحرية من اهل النخوة للدّين وَالْحمية وَسَار إِلَى أَيْلَة فظفر بالمركب الفرنجي عِنْدهَا فخرق السَّفِينَة وَأسر جندها ثمَّ عدى إِلَى عيذاب وَشَاهد بِأَهْلِهَا الْعَذَاب وَدلّ على مراكب الْعَدو فتبعها وَرَأى تسرعه وراها لما عرف فِي نكرها تسرعها وَوَقع بهَا بعد ايام فأوقع بهَا وواقعها وَقطع قطعهَا ونسف برِيح بأسه سفنها وأزارها وَهِي هاوية

فصل من الانشاء الفاضلي يتضمن هذه النصرة في كتاب الى الديوان العزيز عن السلطان مما مثله لي

وهيها ووهنها إِلَى بعض سواحل الْبَريَّة بشعابها محتمية وَفِي تَلَاهَا مرتقية وبقتالها مبتدئة وَمن اغتيالها مختشية فَلم يزل الْحَاجِب لُؤْلُؤ ناكب مراكبها وراكب مناكبها حَتَّى أزالها وأزلها وفل فلهَا وأشلها وسلها وهجم على كثرتها فاستقل اليها واستقلها فَلَمَّا استنفرت وفرت وَفرقت وَتَفَرَّقَتْ وَمَا قرت بَدَأَ بالسفن فاطلق المأسورين من التُّجَّار ورد عَلَيْهِم كل مَا اخذ لَهُم من الْمَتَاع وَالدِّرْهَم وَالدِّينَار ثمَّ اقْتضى بدين الدّين عِنْد الْكفَّار ثمَّ صعد إِلَى الْبر فَوجدَ أعرابا قد نزلُوا مِنْهُ شعابا فَركب خيلهم وَرَاء الهاربين وَكَانُوا فِي أَرض تِلْكَ الطّرق ضاربين فحصرهم فِي شعب لَا مَاء فِيهِ وَحلق عَلَيْهِم بقوادم الْبَأْس وخوافيه وجلاهم عَن المَاء وأحاهم بالاظماء وأتاهم بالاتواء وداوى أدواهم بالادواء وناظر ناضرهم بالاذواء وحسر ظامئهم على الارواء وعثر اردياءهم فِي سبل الارداء حَتَّى اسْتَكَانُوا ولانوا وهابوا وهانوا واستأمنوا واستسلموا وَلَو أَسْلمُوا لسلموا فأسرهم بأسرهم وَأَخذهم فِي مكر مَكْرهمْ وَقيد مِنْهُم اقدام اقدامهم وأكف كفرهم وَكَانَ ذَلِك فِي أشهر الْحَج فساق مِنْهُم أسيرين إِلَى منى كَمَا يساق الْهَدْي وَعَاد إِلَى الْقَاهِرَة وَمَعَهُ الاسر والسبي وَقد بذل وسع بالنجح ونجح السَّعْي وَجَاءَت الْبُشْرَى بِمَا من الله بِهِ من الحظوة والنصرة الحلوة فَكتب السُّلْطَان اليه بِضَرْب رقابهم وَقطع اسبابهم بِحَيْثُ لَا يبْقى مِنْهُم عين تطرف وَلَا أحد يخبر طَرِيق ذَلِك الْبَحْر أَو يعرف فصل من الانشاء الفاضلي يتَضَمَّن هَذِه النُّصْرَة فِي كتاب الى الدِّيوَان الْعَزِيز عَن السُّلْطَان مِمَّا مثله لي ان الابرنس خذله الله كَانَ قد عمر مراكب واستكثر عدتهَا وعدتها واستجد

شوكتها وشكتها وَله مُدَّة يجْتَهد فِيهَا وَيعْمل ويؤمل من قصد قلعة أَيْلَة مَا يؤمل فَلَمَّا بلغ من كمالها مَا أمله وَبلغ كتاب ملاعبته أَجله سَار بهَا إِلَى الْبَحْر ايلة ورام القلعة فَبَاتَ بجانبها وهزئت بطالبها وَرَأى مَا لَا مطمع لَهُ فِيهِ وأخلفه مَا كَانَ يرتجيه فَعمد الى المراكب الْمشَار اليها فسير منعتها وقوتها فِي بَحر الْحجاز وَترك مركبين تَحت القلعة يمْنَع مورد المَاء ويحصر رجال القلعة عَن الاستقاء وَكَانَ الْملك الْعَادِل بِمصْر قد عمر مراكب اعدها للقاء هَذِه المراكب وَنظر من أول هَذَا الْخَبَر فِيمَا يسفر عَن العواقب وَعرف تفرق مراكب العو على المَاء لتمنعه وعَلى طَرِيق الْحَاج لتقطعه فَجهز الى القلعة من ظفر بالمركبين لوقت الاطلال عَلَيْهِمَا وَسَاعَة الْوُصُول اليهما وَكفى الله اهل الدّين مؤونة من حمى المَاء عَن الحائمين وَقطع الله بأوليائه المطيعين دابر اعدائه الظَّالِمين وسارت هَذِه المراكب الاسلامية طالبة شَوْكَة المراكب الحربية المتعرضة للمراكب الحجازية واليمنية وَكَانَت مراكب الْعَدو قد أوغلت فِي الْبَحْر ودلها على عورات الساحلين من الْعَرَب من أشبه ركابهَا فِي الْكفْر فوصلت إِلَى عيذاب فَلم تنَلْ مِنْهَا مرَادا وَلَا أنجحت مِنْهَا ارتيادا غير أَن من وجدته فِي طريقها من المراكب أَو من عبرت بِهِ فِي فَرْضه عيذاب نَالَتْ مِنْهُ وشعثت وأفسدت فِيهِ وعيثت وتمادت فِي السَّاحِل الحجازى الى رابغ الى سواحل الْحَوْرَاء وَهُنَاكَ وَقع عَلَيْهَا اصحابنا وأوقعوا بهَا أَشد الايقاع وَأخذُوا المراكب الفرنجية بأسرها على حكم البدار والاسراع وفر فرنجها إِلَى السَّاحِل فَركب أَصْحَابنَا وَرَاءَهُمْ خُيُول العربان الَّتِي وجدوها وأسروا الْكفَّار من شعاب وجبال اعتصموا بهَا وقصدوها وكفي الْمُسلمُونَ اشد فَسَاد فِي أَرضهم وأقطع قاطعع لفرضهم وانبسطت آمالهم بقبضهم وعميت على الْكفَّار هَذِه الطَّرِيق الَّتِي لَو كشف لَهُم غطاؤها قدما وَلَو أحاطوا بهَا علما لَا شتطت نكايتهم واشتدت جنايتهم وَعز على قدماء مُلُوك مصر أَن يصرعوا هَذِه الاقران ويطفئوا

ومن كتاب آخر من انشائه في المعنى

هَذِه النيرَان ويركبوا عورات اللجج ويرخصوا غوالي المهج ويقتنصوا هَذَا الطَّائِر من جوه الَّذِي لَا يدْرك لوحه ويدركوا هَذَا الْعَدو الذى لَا يدْرك الا أَن يتَّخذ عَلَيْهِ مَلَائِكَة الله وروحه وَنَرْجُو من الله فراغا نجد بِهِ بلاغا إِلَى مَا يؤمله من استئصال هَذِه الشأفة وشفاء الممطول بهَا من غلل الكافة وَمن كتاب آخر من انشائه فِي الْمَعْنى كَانَ الفرنح قد ركبُوا من الْأَمر نكرا وافتضوا من الْبَحْر بكرا وظنوا ان الشواغل عَنْهُم تتعرض والليالي دون الْيَقَظَة لمكرهم تتقرض وعمروا مراكب حربية شحنوها بالمقاتلة والأسلحة والازواد وضربوا بهَا سواحل الْيمن والحجاز واثخنوا وأوغلوا فِي الْبِلَاد واشتدت مَخَافَة اهل تِلْكَ الجوانب بل اهل الْقبْلَة لما اومض اليهم من خلل العواقب وَمَا ظن الْمُسلمُونَ الا انها السَّاعَة وَقد نشر مطوي أشراطها وَالدُّنْيَا قد طوى منشور بساطها وانفطر غضب الله لفناء بَيته الْمحرم ومقام خَلِيله الأكرم وتراث أنبيائه الاقدم وضريح نبيه الْأَعْظَم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورجوا ان تشحذ البصائر اية كآية هَذَا الْبَيْت اذ قَصده أَصْحَاب الْفِيل ووكلوا الى الله الامر وَكَانَ حسبهم وَنعم الْوَكِيل وَكَانَ للفرنج مقصدان احدهما قلعة أَيْلَة الَّتِي هِيَ على فوهة بَحر الْحجاز ومداخله وَالْآخر الْخَوْض فِي هَذَا الْبَحْر الذى تجاوره بِلَادهمْ من ساحله وانقسموا فريقين

وسلكوا طَرِيقين فَأَما الْفَرِيق الذى قصد قلعة ايلة فَإِنَّهُ قدر ان يمْنَع اهلها من مورد المَاء الَّذِي بِهِ قوام الْحَيَاة ويقاتلهم بِنَار الْعَطش المشبوب المشبوب الشباة واما الْفَرِيق القاصد سواحل الْحجاز واليمن فَقدر ان يمْنَع طَرِيق الْحَاج عَن حجه وَيمْنَع مُجيب الدعْوَة ويصرفه عَن نهجه ويحول بَينه وَبَين فجه ويلم بسواحل الْحجاز فيستبيح وَالْعِيَاذ بِاللَّه الْمَحَارِم ويجيح جَزِيرَة الْعَرَب بعظيمة دونهَا العظائم وَالله يعكس تَقْدِير الْمُقدر اذا كَانَ عَاصِيا وَيقرب حتف الْبَاغِي وان كَانَ مَوضِع حتفه قاصيا وَكَانَ الْأَخ سيف الدّين بِمصْر أوعز بانشاء مراكب حربية لما علم خبر مراكب الْعَدو الْكَافِر وانتخبها انتخاب المتخير وَلم يحشدها حشد المكاثر وفرقها على الْفرْقَتَيْنِ وأمرها بِأَن تطوى وراهم الشقتَيْنِ فَأَما السائرة إِلَى قلعة أَيْلَة فانها انْقَضتْ على مرابطي منع المَاء انقضاض الْجَوَارِح على بَنَات المَاء وقذفتها قذف شهب السَّمَاء مسترقي سمع الظلماء وَأخذت مراكب الْعَدو برمتها وَقتلت اكثر مقاتليها وَأما السائرة إِلَى بَحر الْحجاز فانها طلبت شَوْكَة المراكب الحربية المتعرضة للمراكب الحجازية واليمنية وَقد أوغلت وغالت ووصلت وصالت وَأخذت تجارًا وأخافت رفاقا ودلها على عورات الْبِلَاد من الْأَعْرَاب من هُوَ أَشد كفرا ونفاقا فأوقعت بهَا المراكب الاسلامية أَشد الايقاع وَقطعت طَرِيق النجاه على الطراق القطاع وفر فرنجها بعد اسلام المراكب وسلكوا فِي الْجبَال مهاوى المهالك ومعاطن المعاطب وَركب

ذكر تولية الأمير شمس الدين بن المقدم بدمشق بعد الملك معز الدين فرخشاه

أَصْحَابنَا وَرَاءَهُمْ خيل الْعَرَب يشلونهم شلا وقبضونهم أسرا وقتلا وَمَا زَالُوا يتبعونهم خَمْسَة ايام خيلا ورجلا نَهَارا وليلا حَتَّى لم يتْركُوا مِنْهُم مخبرا وَلم يبقوا لَهُم أثرا وسيق الَّذين كفرُوا الى جَهَنَّم زمرا وَقيد مِنْهُم إِلَى مصر مائَة وَسَبْعُونَ أسرا ذكر تَوْلِيَة الْأَمِير شمس الدّين بن الْمُقدم بِدِمَشْق بعد الْملك معز الدّين فرخشاه لما وصل إِلَيْنَا بوفاة معز الدّين النعي فتر منا إِلَى الْبِلَاد الشرقية السَّعْي وَكُنَّا عبرنا الْفُرَات على قصد الرها وَقد دنت دارها ودرها تقدم السُّلْطَان الى شمس الدّين بن الْمُقدم بِالْعودِ إِلَى دمشق اخذا بالاحوط الاحزم وَلَقَد كَانَ بأسه للعدى دامغا ولباسه للهدى سابغا وَقَلبه لشغل الاهتمام بمصالح الدّين فَارغًا ورأيه فِي تَدْبِير سداد الثغور وسداد الْجُمْهُور بَالغا وَهُوَ أكبر الامراء المقدمين وَأكْرم الاكابر الْمُكرمين وَله عرف بنشر الْعرف يشيعه وعسكر على البأساء وَالضَّرَّاء يطيعه وَهُوَ القرم الذى لَا يُوجد قريعه والقرن الذى لَا يسْتَقلّ فِي الوغى صريعه وَأَمرَنِي بانشاء منشوره وتحكيمه فِي احكام اوامره وأموره ونسخة المنشور الْحَمد لله ذِي السُّلْطَان القاهر والاحسان الظَّاهِر والبرهان الباهر والامتنان الوافر نحمده على إنعامه المتناصر الْمُتَوَاتر وافضاله المتكاثف المتكاثر ونسأله ان يُصَلِّي على سيدنَا نبيه مُحَمَّد الطّيب الطَّاهِر وعَلى آله وَأَصْحَابه ذَوي المحامد والمكارم والمآثر والمفاخر وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا وَبعد

فانا لما نرى من اجراء الامور احسن مجاريها واعطاء قَوس السياسة باريها ونظم أُمُور المملكة بتقليد الكفاة الاكابر فِي سلك اتساقها وَضم نشر العساكر المنصورة بتفويض أَحْكَامهَا الى مطلع شمس النَّصْر بِعَزَائِمِهِ الْمَاضِيَة المضيئة من آفَاق اشراقها عولنا على الْمجْلس السَّامِي الشمسي اسماه الله فِي التَّقَدُّم على عساكرنا المظفرة بِدِمَشْق وأعمالها المحروسة وقلدناه امرهم وشددنا بقوته أزرهم وأمرناهم ان يتصرفوا على حكمه وَأَن يجروا على رسمه وَأَن يركبُوا بركوبه ويهبوا بهبوبه وينهضوا بنهوضه وينزلوا بنزوله ويحلوا بحلوله وَأَن ينزل مفردو دمشق فِي حلقته ويخيموا عِنْد مضربه اويجتمعوا للتَّصَرُّف على امْرَهْ فِي موكبه ويصدروا عَن آرائه وَينفذ أمره على جَمِيع الْعَسْكَر مقدميه ومفرديه وأمرائه وَقد أمرناه بعرضهم وَحفظ احوالهم والزامهم بعدة اجنادهم وعدة رِجَالهمْ وَأَن لَا يغيب أحد الا باذنه لعذر وَاضح وان يَكُونُوا محتاطين مَعَه للرباط فِي الثغر المحروس لاجابة كل دَاع والهبوب لكل صائح آخذين للْجِهَاد الأهب حافظين فِي اتِّبَاع اشاراته وطاعته الادب موقنين ان أمره أمرنَا وطاعته طاعتنا وَحكمه حكمنَا وارادته ارادتنا وليسمعوا لَهُ ويطيعوه وليأتمروا لما يَأْمر بِهِ ويسمعوه وَقد قلدناه أَمر الْعَرَب جَمِيعهم ليجمعهم إِلَى النقرة المحروسة ويستدعي النازحين ويستدني قاصيهم ويستحضر حاضرهم وباديهم وَيكْتب الامان للخائفين وَيحسن إِلَى الْمُحْسِنِينَ وَيَأْخُذ على يَد المفسدين ويؤلف بَين قُلُوبهم المتنافرة ويخمد بهيبته وبأسه مَا بَينهم من نائرة الْفِتَن الثائرة وَهُوَ مُحكم فِي جَمِيع قبائل الْعَرَب وعشائرها وافخاذها وبطونها وعمائرها وَهُوَ يتولاهم ويجريهم على معتادهم فِي رسمهم ومعيشتهم وعدادهم ويرتب النواب والشحن من قبله على الْعَادة الْجَارِيَة ويحملهم على السِّيرَة الْحَسَنَة الراضية وَمن ينزل من الْعَرَب فِي بلد الفرنج فَلهُ انهاض الْعَسْكَر اليه وَشن الْغَارة عَلَيْهِ حَتَّى يتنظموا فِي سلك الطَّاعَة رَغْبَة وَرَهْبَة ويزيدوا من الْخدمَة قربا إِذا زادوا طَاعَة وقربة فليتول ذَلِك كُله بِأَمْر قَاطع وبأس قامع للأعداء وازع وعزم صَادِق صادع وحشد لشمل الْكَلِمَة الاسلامية جَامع وَعَذَاب بالمشركين والمفسدين وَاقع وَعدل شَامِل لرعاية الرّعية وَفصل رَاع قَوَاعِد العوائد المرعية المرضية حاسما بهيبته مواد الاطماع مُخْتَصًّا للمحسنين بِالْإِحْسَانِ والاصطناع كافا للمقطعين من ظلم أهل الضّيَاع والأمراء من التحيف على رِجَالهمْ فِي الْقَرار والاقطاع وسبيل الْوُلَاة والامراء والاجناد والمفردين والاصحاب والاتباع مُقَابلَة أمرنَا فِي تلقي أمره بالامتثال والاتباع فَهُوَ المطاع الامر بأمرنا المطاع والمفوض اليه أَمر الْعَسْكَر وَالْعرب فِي حالتي الِافْتِرَاق

ذكر مكرمة لمظفر الدين كوكبري صاحب حران

والاجتماع والموثوق إِصَابَة رَأْيه السَّامِي وبسالة عزمه الْمَاضِي فِي السّلم والقراع والمستضاء بأنوار ميامنه فِي ليَالِي الملمات المدلهمات والمقتدى بآثاره المبرات المبرات فِي كشف الظلامات والمظلمات وَالْمُعْتَمد على مضاء مضاربه ونفاذ مراسمه فِي جر عَسَاكِر الاسلام وكتائبه إِلَى الْغَزَوَات ذكر مكرمَة لمظفر الدّين كوكبري صَاحب حران لما وصل السُّلْطَان حران عِنْد عبوره الْفُرَات وَبعد تَسْلِيم الرها بلغ فِي إكرام مظفر الدّين الْمُنْتَهى المشتهى وَقَامَ الْمَذْكُور بِمَا وَجب عَلَيْهِ من حق الْخدمَة وشكر النِّعْمَة واحتفل بنزولنا على بَلَده وسخا لنا بسبده ولبده وبذل مطرفه ومتلده ولحبنا فِي قلبه حبانا بِمَا فِي يَده وَذخر فِي يَوْمه منا لغده وَمن غرائب رغائبه ومذهبات مذاهبه ومبتكرات مواهبه انه نفذ الي صَاحبه بالطافه وَيعْتَذر عَن الْقدر المنقود بوعد أضعافه وَيَقُول هَا هُنَا بحران قَرْيَة من قراها وَقد جعلهَا برسم وفادتك لقراها وَلم تزل هَذِه الضَّيْعَة الْمُسَمَّاة ضرعاء باسم كَاتب الْموصل وَأَنت أولى بهَا فَأَنت يَمِين الدولة وَأجل كتابها وَاسْتَأْذَنَ السُّلْطَان فِي كتبهَا لي ملكية شَرْعِيَّة ومبايعة معقودة مرعية وأشهدت عَلَيْهِ وَعلي السُّلْطَان باجازتها وتفردت بحيازتها عشر سِنِين إِلَى آخر الْعَهْد السلطاني سقَاهُ الله العهاد وتسلم أَخُوهُ الْملك الْعَادِل الْبِلَاد فَأَبت النبوات وفجأت الجفوات وَشَمل ذَلِك الشمل الشتات وَعرضت نَوَائِب نوابه بالاعراض وعادت مرائر تِلْكَ الْأُمُور إِلَى الانتفاض واقطع الْملك وَقطع السلك وَلَيْسَ هَذَا مَوضِع ذكر هَذِه الْعَدْوى وَللَّه الْحَمد واليه الشكوى ذكر مَا أنعم بِهِ السُّلْطَان على ابْن قرا أرسلان وَشرح مُقَدمَات ذَلِك وَفِي هَذِه السّنة وَهِي سنة ثَمَان وَسبعين انْعمْ السُّلْطَان على نور الدّين

وصف مدينة آمد

مُحَمَّد بن قرا ارسلان بالهيثم وَكَانَت جَارِيَة فِي عمل الْموصل فَلَمَّا تسلمها جعلهَا من نصِيبه الأجزل وَقد كَانَ الْملك الْعَادِل نور الدّين مَحْمُود بن زنكي حِين توجه إِلَى الْموصل فِي أَوَائِل سنة سِتّ وَسِتِّينَ عِنْد وَفَاة أَخِيه قطب الدّين مودود وعد ابْن قرا ارسلان بقلعة الْهَيْثَم ثمَّ سلمهَا إِلَه دون أَعمالهَا تَحِلَّة ليمينه ووفاء بوعده لكرمه وَدينه وَلما جَاءَ لمساعدتنا فِي هَذَا الْعَام خصّه السُّلْطَان عَاجلا بِهَذَا الانعام ثمَّ وهب لَهُ قلعة الجديدة وَهِي من نَصِيبين قريبَة وَلَا ستصراخ من يدعوا مجيبه وصف مَدِينَة آمد ووعد بِفَتْح آمد لَهُ وينجح بتسليمها اليه أمله فقد كَانَ أَبوهُ فَخر الدّين قرا أرسلان درج على حسرة حصرها وَلم يزل مهزوزا عَلَيْهِ نصل نصرها وَكَانَ الرئيس عَليّ بن نيسان مربيا بحضانتها مُرَتبا لحصانتها واثقا بوثاقتها عالقا بعلاقتها آويا إِلَى جبلها لعصمته ثاويا فِي حصنها بعصبته حاميا بحمايته وحميته ساميا بعزته فِي ذروته وَهُوَ من امدته آمد السَّوْدَاء وسودته وَمَا لم يتعوده اسلافه من العلى عودته وَلم يزل مِنْهَا للأبلق الْفَرد رَاكِبًا وَلكُل من يُقَارِبه فِيهَا مجانبا متقيدا من تحزمه بِكُل قيد متأيدا بتحرزه من كل كيد محتميا بسوره من السوء مرتميا من آمد فِي الْعُلُوّ إِلَى امد العتو وَلم يزل باحكامها يضْرب الْمثل وَفِي تيَسّر

فتحهَا يُحَقّق الامل وَكم تحيل قرا ارسلان فِي أَخذهَا سَرقَة لما أعياه فتحهَا وصالحها لَعَلَّه ينتهز لَهَا فرْصَة فَمَا أرضاه صلحها وتمناها فحالت الْمنية دون الأمنية وَنوى لَهَا فَكَانَ عمله بِقدر الله مُخَالف النِّيَّة وَابْن نيسان مرتبع فِي نيسان رَبِيعه مُرْتَفع عَن قراع قريعه رابض بجنوحه ريض فِي جموحه متغور فِي كهفه متكهف فِي غاره آمن من النَّوَازِل والدوائر فِي منزله وداره وَهُوَ متهوم فِي جَاره متوهم من جَاره وَاقِف حذاء حذاره عاكف وَرَاء جِدَاره وَكَانَ لآمد أَمِير قديم يُقَال لَهُ ايكلدي من أَيَّام السلاطين القدماء وَولده مَحْمُود شيخ كَبِير عِنْده يطعمهُ ويسقيه وَيَدعِي انه من غلمانه ومصطنعيه وانه يحفظ الْبَلَد لَهُ وانه لَا يغدر بِهِ وَلَا يُؤثر بدله واذا جَاءَ رَسُول يحضرهُ عِنْد اميره ويسند مَا يدبره إِلَى تَدْبيره وَيَقُول انه غُلَام وَمَا مَعَه كَلَام وَلَا عَلَيْهِ فِيمَا يجرى ملام وحافظ على سر هَذِه السريرة وَأمن باحتياطه من جور الجيرة بل مَا مِنْهُم الا من يخَاف مكره ويحفظ مِنْهُ طَائِره وفكره وينكر عرفه وَيعرف نكره وَكنت عبرت فِي سنة خمس وَسِتِّينَ بآمد وَقد سيرني الْملك الْعَادِل نور الدّين مَحْمُود بن زنكي إِلَى خلاط رَسُولا فِي مُهِمّ وَدفع ملم وَاتفقَ نزولي بِظَاهِر آمد بكرَة جُمُعَة وحسبت صلَاتهَا عَليّ غير ممتنعه فَقيل لي تحْتَاج إِلَى اسْتِئْذَان الرئيس وَرفع أَحْكَام استيحاشه بِأَسْبَاب التأنيس وَذَلِكَ يحْتَاج إِلَى مُقَدمَات ونتائج ومواصلات ووشائج فَقلت هَذَا عذر فقد ضَاقَ الْوَقْت وَلَا حَاجَة الى مقه فِيهَا المقت فانا اذا تعرفنا اليه اعْتقد أَنا نثقل عَلَيْهِ ثمَّ تقدّمت عَلَيْهِ ثمَّ تقدّمت الى غلماني بابتياع مَا لَا بُد مِنْهُ للطريق من الطَّعَام والعليق فَقيل هَذَا ايضا مَشْرُوط باذن الرئيس فأسرعت الرحيل إِزَالَة الْكُرْبَة بالتنفيس وَكَذَلِكَ فِي هَذِه النّوبَة عبرت بميافارقين وفارقتها وَلم ادخلها وَفِي الْعود جاوزتها وَلم انزلها فَقدر الله بعد سِنِين فِي الدولة

ذكر السبب في ذلك

الصلاحية اني دَخَلتهَا بِالسَّيْفِ وحللتها حُلُول الْمَالِك لَا الضَّيْف وانما شرحت هَذِه الْحَال اسْتِدْلَالا بهَا على حزم ابْن نيسان وَأَنه قد بذل فِي صِيَانة الْمَكَان الْإِمْكَان وَتُوفِّي وَتَوَلَّى ابْنه مَسْعُود على رسم أَبِيه وَجرى على عَادَة تأبيه وَلم يخْطر ببال ملك من الْمُلُوك الطمع فِيهِ حَتَّى جَاءَت الايام الصلاحية وَصَارَ ابْن قرا ارسلان من أشياعها وَتَدين باتباعها وَفرع يفاع ارتفاعها واطمعته فِي افتضاض ابكار الْفتُوح وافتراعها وعرفته ان أمد آمد لَا يبعد وانها عَن الْقيام بمساعدته فِيهَا لَا تقعد وَحلف السُّلْطَان لَهُ على هَذَا الْوَعْد وانه يُحَقّق بعز عزمه فِي حَقه صدق الْقَصْد وَكَانَ جمال الدّين عِيسَى صَاحب السويدا مسايرا لي فِي الطَّرِيق ومذاكرا فِي جليل ودقيق وَفِي جملَة مَا قَالَه وتعجب مِنْهُ وأحاله هَذَا سلطانكم يحلف على المستحيل فان فتح أمد مُمْتَنع السَّبِيل فَقلت لَهُ سعادته من الله تذلل المصاعب وتسهل المطالب وتبدي الْعَجَائِب وتهدي الغرائب وَلما خيمنا بحران بعد الْعود من الْموصل تقاضى ابْن قرا أرسلان بانجاز عدته وإيجاد حِدته وَأذن فِي تفرق الْعَسْكَر للإستراحة ووعده بتحقيق الْوَعْد عِنْد الْعود فِيمَا بعد وَاسْتمرّ على هَذَا العقد الْعَهْد الى أَن وصل الْخَبَر باجتماع شَاة أرمن صَاحب خلاط وَأَنه اغتاظ للموصل واستشاط وانه اتَّصل بِهِ صَاحب الْموصل عِنْد ماردين وَأَنه خَرجُوا على نِيَّة أَن يَكُونُوا لنا طاردين وعلينا ماردين ذكر السَّبَب فِي ذَلِك كَانَ عِنْد نزولنا على الْموصل وصلت رسل شاه أرمن فِيهَا شافعين وَلَا سباب الْحَرْب رافعين ثمَّ استتب الرحيل عَنْهَا اظهارا لقبُول الشَّفَاعَة الامامية واعلانا بسر الطَّاعَة الناصرية ونزلنا على سنجار وَوصل سيف الدّين بكتمر وَهُوَ أعز أَصْحَاب شاه أرمن وبذل للسُّلْطَان فِي الشَّفَاعَة فِي سنجار كل مَا أمكن فاشترطنا شَرَائِط ماقبلها وكفلناه فِي الوساطة أمورا استثقلها فنفر سيف الدّين بكتمر وَسَار مغيظا وَأبْدى خلقا خشنا وَقَالَ

قولا غليظا وقفل سرعَة وَلم يقبل خلعة وَمضى إِلَى صَاحبه ونخاه وَنَقله عَمَّا توقاه إِلَى مَا توخاه وشاه أرمن ظهير الدّين سكمان وَهُوَ خَال صَاحب ماردين قطب الدّين ايلغازي بن آلبي بن تمرتاش وَهَذَا ابْن خَال صَاحب الْموصل عز الدّين مَسْعُود بن مودود بن زنكي وَكتب اليه فاستدعاه فَخرج وَاجْتمعَ بِهِ وَأَتَاهُ الياروقية وَغَيرهم من عَسْكَر حلب فِي لجبة وجلبة ونزلوا من ماردين إِلَى ضَيْعَة يُقَال لَهَا حرزم ومطي قصدهم يرزم ولجهم ملتطم وفجهم مزدحم وجمرهم مضطرم وجمعهم مقتحم وموجهم عباب وفوجهم ذُبَاب وشعابهم سَائِلَة وذئابهم عاسلة ورواسيهم سائرة وسواريهم ثائرة وَالْجِبَال تحملهَا الرِّيَاح والرماح تميلها المراح والصفاح وللعراب باعراب صليلها وصهيلها فصاح ولأشباح الْقرب من أشباه الشهب أَرْوَاح وللسماء استتار وللارض افتضاح ولنيران الْحَدِيد لمياه النجيع فِي الاحتراق اقتراح والفلق بستور الفيلق مَسْتُور ورق الْخرق فِي ورق الخزق من يراع الْخط مسطور وظلام العثير معثر وضياء الستور مُسْفِر وللعجاج ارتتاج وللضجاج ارتجاج ولسبائك السنابك طبع ولترائك الاتراك لمع ولاكدار الاكراد نقع ولصخور الحوافر رض ولبحور السوانح فيض ولختام القتام بالفضاء فض وسيلهم مرفض وخيلهم لَهَا فِي الْعرض طول وَعرض وصدى رعبهم متجاوب وصدا غربهم متناوب والقباب مَضْرُوبَة والقب مجنوبة والكفائن منتثلة والضغائن مشتعلة والعقود لَازِمَة والحقود جاحمة والهمم هائمة وَالْقِيَامَة قَائِمَة ونهار المعترك ليل معتكر ولبريق الْبيض والسمر وَقد مستعر وودق منهمر وللجراد اجراء وللطرد اطراء وللعتاق انطلاق وللرفاق اندلاق ولأقمار الْبيض فِي سرار النَّقْع محاق ولشرار الْقدح من وَقع الحوامي فِي السباق استباق والسوابغ مفاضة والسوابق مرتاضة والمسرجات مشلولة والسريجيات مسلولة ومعاقد الريث محلولة وَعين الشَّمْس بإثمد الثرى مكحولة وللسراحين سراح وللجماهير جماح وضربوا خيامهم والهبوا ضرامهم وأرهجوا وأوهجوا وأزعجوا وأججوا وَرفعُوا صوتهم وصيتهم وشهروا مصاليتهم وجاءنا خبرهم فَلم نبديه اكتراثا وَلم نظهر لصِحَّته التياثا وكتبنا الى أمرائنا الغائبين بِقرب الْقَوْم المجانبين فبادر الْملك المظفر تَقِيّ الدّين بالوصول الينا من حماة إِلَى حران فِي خَمْسَة أَيَّام ووافانا بِحَدّ اهتمام وَصدق اعتزام وَقَالَ قومُوا بِنَا الى

الْقَوْم فَلَا قعُود بعد الْيَوْم فَقُلْنَا انهم فِي كَثْرَة وَلَا بَأْس بالحتراس من عَثْرَة وَهَذَا الْعشْر الْمُبَارك من ذى الْحجَّة والنصر مَعَ الصَّبْر وَاضح المحجة فَأبى إِلَّا الرحيل مُوَافقَة لرَأى السُّلْطَان ومتابعة لأَمره ومشايعة لسرور سره وأقمنا حَتَّى صلينَا الْعِيد واستقبلنا الطالع السعيد وَقدمنَا الازماع وأجلنا الانساع وأسلنا الادوية ونشرنا الالوية وأطرنا العقبان وأثرنا الاضغان وسرنا بلأسود فِي غابها وبالبروق فِي سحابها وبالرعود فِي اصطخابها وبالبروق فِي سحابها وبالنصول فِي جعابها وبالدروع فِي عيابها وبالبحور فِي عبابها وبالشموس فِي حجابها وبالنجوم فِي نقابها وبالاجال وكتابها وبالجبال وهضابها وبالخطوب وخطابها وبالكروب وركابها وَقدمنَا من الرعب جَيْشًا وأبدينا من الْحلم طيشا وأشعنا من الْعلم جهلا وقطعنا إِلَى الْحزن سهلا وأجوينا الجو وأدوينا الدو وأضوينا الاضواء وسوينا لَهُم الاسواء وهززنا أعطاف الظبى وأطراف القنا وحللنا عُقُود الحبى وقطعنا أَسبَاب الونا وعلونا الجدد بعزائم صَحِيحَة غير عليلة وتلونا {كم من فِئَة قَليلَة} وجلونا بيدى التّرْك عرائس الْهِنْد ورجونا لإشباع السبَاع الجياع من قرا الانجاد وقرى الاقران فرائس الْأسد ونزلنا بِرَأْس عين وعلينا لرؤسائها عُيُون فِي ذممهم لذمامنا عِنْدهم دُيُون فطار الْخَبَر إِلَى الْقَوْم فطاروا شعاعا وغربوا وَلم نذر لما ذَر من شموسهم شعاعا وَذَلِكَ يَوْم عَرَفَة فتركوا الْوُقُوف وعزفوا العزوف ونفروا قبل يَوْم النَّفر ونحروا اضاحي جلدهمْ قبل النَّحْر وَعَاد الخلاطي إِلَى خلاطه باختلاطه وَرجع الْموصِلِي إِلَى موصله لمواصلة احتياطه واعتصم الماردي بحصنه المارد وهتكوا حرز حرزم للصادر والوارد وهاب عَسْكَر حلب الْعود إِلَيْهَا وَنحن على طَرِيقه فَأذن جمعه بتفريقه وَمضى معظمهم إِلَى الْموصل فَعبر الْفُرَات عِنْد

وصف القصر القطبي بحرزم

عانة وَلم يجد مِمَّن أَعَانَهُ الْإِعَانَة ونسفتهم ريحنا وهم جبال وذهبوا بقلوب النِّسَاء وَقد جَاءُوا وهم رجال وَوصل الينا خبرهم وَمَا وعظت بهم عبرهم وركد شرهم وخمد شررهم وَنحن فِي طَرِيق الْقَصْد سائرون وبأجنحة النجاح طائرون ولطلب الثأر ثائرون فأكملنا السّير وأملنا الْخَيْر وَقُلْنَا قد أخلى الشاه رقعته ببيادقه وأفراسه ورخاخه وَخَافَ وُقُوعه فِي الشّرك بعد نصب فخاخه واستصرخ صَاحب الْموصل بِهِ فَلم يظفر بإصراخه وَصدر إِلَى كدر بعد ورد نقاخه وَلَا يحمد الْعَاقِبَة شَاب استبد بِرَأْيهِ وَلم يصغ إِلَى نصائح أشياخه فان مُجَاهِد الدّين قايماز مَا زَالَ يُشِير عَلَيْهِ بالثبات ويحذره مخاوف الزلات ومواقف العثرات وَعرف بِنور فراسته عواقب الْحَال ومغبة الاستعجال وَلما نزلنَا فِي منزلَة الْقَوْم وملأنا بتوافي اثقالنا إِلَى آخر النَّهَار طرف الْيَوْم لم نسْمع لَهُم خَبرا وَلم نعاين مِنْهُم أثرا وصف الْقصر القطبي بحرزم وَهُنَاكَ بحرزم لصَاحب ماردين قصر مشيد مزين مَا على حسنه مزِيد كَانَ لَهُ فِي فروجه تفرج وَفِي مروجه تمرج وَفِي أرجائه تأرج وَفِي بروجه تبلج وَفِي مدارجه دروج وَفِي معارجه عروج يَخْلُو فِيهِ بخلانه ويند اليه مَعَ ندمائه وَقد زوقه وصوره وسوره ونمقه ونوره وخاله جنَّة تجرى من تحتهَا الْأَنْهَار وتترنم من فَوْقهَا الأطيار وتترنح من حولهَا الاشجار وتتنفس بسحرها أنفاس الاسحار وتشرق فِي آفاقها زهر الازهار ويشوق بهَا البهار ويروق نور النوار ويرق غرار العرار وَمَا أعطر وَأطيب صبا صباحه وأسفر وأعجب رواء رَوَاحه وأضوع ريا رياحينه وأضوأ دَار دارينه فلنوافجه نوافج ولمباهجه مباهج ولبلابله بلابل ولبابليته من شُمُول شمائله بابل وَفِي عقر دَاره در الْعقار ولهزاهز اهتزازه زهازه الهزار ومناطه جَاوز مناطق الجوزاء وأرضه منبت سماك السَّمَاء وَمَا أغْنى الرياضة برياضة الْغناء فأبقيناه بأسه الْأَثِير الأثيل وَحسنه الْجَلِيّ الْجَلِيل واشفقنا على نبته الاثيث وعصمنا عِمَارَته من التشعيث وَأقَام فِيهِ تَاج الْمُلُوك أَخُو السُّلْطَان برسم التَّنَزُّه ووكل بحفظه عَن التنية وصناه بِأَسْبَاب التكرم من احكام التكره

فصل من الإنشاء الفاضلي من كتاب الى الديوان العزيز النبوي في المعنى مثله لي فكتبته

فصل من الْإِنْشَاء الفاضلي من كتاب الى الدِّيوَان الْعَزِيز النَّبَوِيّ فِي الْمَعْنى مثله لي فكتبته اجْتمع المواصلة وشاه أرمن وَصَاحب ماردين ودولة شاه صَاحب أرزن وبدليس وَغَيرهم على قصد الْخَادِم حِين ظنُّوا أَنه تفلل من عسكره وَندب الى الْكفَّار من امرائه من اكْتفى فِي مغيبه بمحضره وقدروا انه يتم لَهُم اغتراره ويمكنهم غواره أَو يتناصرون عَلَيْهِ قبل ان تَجْتَمِع أنصاره ونزلوا تَحت الْجَبَل فَلَمَّا صَحَّ لَهُم قصد الْخَادِم ظنُّوا انه وَاقع بهم فأجدوا عَنهُ الْفِرَار بِقُوَّة وَذكروا مَا فِي لِقَائِه من عوائد عِنْدهم مخوفة وَعِنْده مرجوة وَسَار كل فريق على طَرِيق بنية عَدو وَفعل صديق معتقلا مَا لَا يَهْتَز وَلَا يعتز ومتقلدا مَا لَا يرقى وَلَا يريق واعدي أنفسهم بِجمع لَيْسَ فِيهِ تبشير وَلَا تيسير وان كَانَ فَمَا هُوَ جمع سَلامَة بل هُوَ جمع تكسير ذكر الْمسير إِلَى آمد وَالنُّزُول عَلَيْهَا وَفتحهَا وتيسير الْمَقَاصِد وَأَسْبَاب نجحها وَكَانَ النُّزُول عَلَيْهَا يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشر ذى الْحجَّة وَفتحهَا يَوْم الاحد فِي الْعشْر الاول من الْمحرم وَلما أحمدنا الْمَقَاصِد وقصدنا المحامد اغتنمنا الْقرب من آمد فَقُلْنَا ننجز لنُور الدّين بقصدها المواعد ونصفي لَهُ بهَا الْمَوَارِد وَكُنَّا لما رَجعْنَا عَن الْموصل اظهارا لقبُول الشَّفَاعَة ودخولا فِيمَا يلْزمنَا للديوان الْعَزِيز من الطَّاعَة كتبنَا نطلب الاذن فِي قصد آمد بتقليد إمامي نجعله إمامنا فوصل التَّقْلِيد بملكها والاذن فِي فتحهَا ونظمها من الممالك فِي سلكها فقوي الْعَزْم وَرُوِيَ الحزم وَتحقّق بِالصّدقِ الْقَصْد الْجَزْم وَلَكِن سبق لنُور الدّين بن قرا أرسلان بهَا الْوَعْد الحتم فراى السُّلْطَان بِحكم كرمه أَن وعده يتم وَمَا زَالَت قُلُوب اهلها صادية إِلَى وردنا والسنتهم صادحة بحمدنا فتصدينا لَهَا لنوضح بالرى مَنْهَج منهلها وَنحل بِالْفَتْح معقد معقلها وَنَذْهَب بتوريد خدود الْبيض سَوْدَاء سودائها ونزيل باحسان سؤددنا سودانها ونضعف جلد بَلَدهَا ونقوى بملكنا لَهَا أيد يَدهَا ونعتقها من الرّقّ النيساني ونوثقها بِالْحَقِّ السلطاني فأعدنا إِلَى الشَّام من أكَابِر

أمرائنا من يسد الثغور ويسدد الامور وتوجهنا فِي ايام التَّشْرِيق وتأييد الله مَعنا فِي الطَّرِيق وجزنا على قلعة البارعية فتلقانا بِالْبرِّ ألباء الرّعية وَمَا اعترضنا بَلَدا وَلَا عَارَضنَا أحدا وَلَا قصدنا ضَيْعَة وَلَا أضعنا مقصدا وَلَا رددنا ذمَّة وَلَا ذممنا موردا ونزلنا على آمد يَوْم الاربعاء سَابِع عشر ذى الْحجَّة بالغي الْحجَّة واضحي المحجة فِي كل مدجج فِي الْفَارِسِي المسرد وكل مفرح ضيق المأزق بالمشرفي المهند وكل باسل للرديني معتقل وكل باسر بالسريجي مُشْتَمل وكل عَابس بجنى مر الْمَوْت بَاشر وكل فَارس بسنا السنور سَافر وكل أَمِير على الْملك أَمِين وكل قرن للبأس قرين كل ذمر حامي الذمار سامي الْمنَار ماضي الغرار ثَائِر للطلب طَالب للثأر وكل شُجَاع أشاجعه لقبض القضب وكل خطير خواطره لعض العضب وكل كَبِير متكبر على ذِي الْعُلُوّ وَأسد متنمر على ذِي العتو وكل لَيْث ذِي لوثه وكل ذِي حَدَاثَة رَاغِب فِي حسن احدوثه وكل رئبال ذِي بَال وعاسل بعسال ومستليم بلام ومصمم بصمصام وحاسم بحسام وسام بمحاسن وسام أَو صَاف بمزاين أَوْصَاف وكاف بكرم عَارض وكاف ومعنا رجال الى الْمَوْت عِجَال لَهُم الى الى رحاب الْحُضُور وحلاب الْحَضَر مجَال وَمنا من جَاءَ بمنجنيق مَا مَعَه منجانيق وَلَا وثوق مَعَه لكل ركن وثيق وَمن عرا بعرادة وبالشر شراده سراده وبالحجر طراده جراده وكل زيار زيارته بِخُرُوج الرّوح والجروخ المرديات الجروح وَكَانَ مَعنا منجنيق هائل بسيول الْحِجَارَة سَائل يُقَال لَهُ المفتش لِأَن حجره يَدُور فِي الزوايا بدوائر المنايا ويشوش فَنصبت المجانيق وجمعت مِنْهَا التفاريق وحلبت من افواقها الافاويق وشدت حبالها وَرفعت جبالها واشتدت رجالها ونضدت ستائرها واعضدت أوائلها وأواخرها وانتظمت سقوفها وجزمت أفعالها حروفها وشمخت أنوفها وسمحت حتوفها وَمَا سمجت زحوفها ورأينا الحجارين بالمراح جارين والعتالين بالاثقال لتِلْك التلاع تالين والخراسانية للجفاتي الجفاة حاملين وللعدوى على العداة عاملين وشرعنا فِي أدوات الْحصْر وَحصر أدوائه واستجادة أَنْوَاعه واستجداء انوائه واشتغل الْجمع واشتعل الْجَمْر وَاسْتمرّ الامر وَوَقع بِالْحجرِ على الْبَلَد الْحجر

فصل من كتاب انشأته إلى صدر الدين شيخ الشيوخ ببغداد عن السلطان في شرح اجتماع الجموع واحتشاد الحشود ورعبهم عنا واندفاعهم عنا ومسيرنا إلى آمد ونزولنا عليها

فصل من كتاب انشأته إِلَى صدر الدّين شيخ الشُّيُوخ بِبَغْدَاد عَن السُّلْطَان فِي شرح اجْتِمَاع الجموع واحتشاد الحشود ورعبهم عَنَّا واندفاعهم عَنَّا ومسيرنا إِلَى آمد ونزولنا عَلَيْهَا قد عسلت ذئابهم ونسلت دبابهم وطنوا فِي لوح الهجير ووطنوا أنفسهم على التشمير وتحركت رجل دبارهم للدبيب وقمشت يَد حَاطِب ليلهم وجالب خيلهم ورجلهم من الْبعيد والقريب وتواثبت أفاعيهم وتجاوبت فِي إطلال عواديهم اصداء دعاويهم وحكموا آراءهم المخدوعة وَلم يعلمُوا أَن شُهُود نصالها تجرح بَيِّنَة دعاويهم وَلما عرفنَا انهم يجولون فِي مكر الْمَكْر ويلوبون حول غَدِير الْغدر وَقد صَارُوا بالبغي بالغي أمد الْبَغي ويكيدون وَمَا قيد مِنْهُم كيد كيدهم قدم السَّعْي وحققنا انهم وهموا وهموا وَلما كروا مَعَ نقصهم حسبوا أَنهم قد تَمُّوا استدعينا ولدنَا تَقِيّ الدّين فَسَار من حماة إِلَى حران فِي خَمْسَة أَيَّام وَقدم مسرعا لمقام الاقدام وَلم نَنْتَظِر اجْتِمَاع جَمِيع العساكر واستغنينا بوصول اوائلها عَن لحاق الاواخر وَلم نرتقب وُصُول نَاصِر الدّين وَلَا حُضُور من غَابَ الى دمشق وَغَيرهَا من الاجناد وَلم نحتج بِحَمْد الله إِلَى الحشد وَالْجمع للانجاد فان الله تَعَالَى ثَبت قُلُوبنَا ثِقَة بنصره وعودنا مزِيد النِّعْمَة بمزيد شكره وأيقنا ان الْحق يقوينا وَالْبَاطِل يصعفهم وَأَن قصدنا الصَّالح يؤمننا وَالنِّيَّة الْفَاسِدَة تخوفهم وَحين علمنَا باجتماعهم صممنا الْعَزْم على فل جمعهم وخرق اجماعهم أشرعت نحوهم الأسنة وأسرعت اليهم الأعنة وَلَوْلَا أَن الْعِيد قد أقبل والعسر بسناه تهلل لَكَانَ فِي الْعَزْم ان نبادر ونفرق تِلْكَ العساكر فأجرانا الله على سنة نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النَّصْر بِالرُّعْبِ وفروا على الْبعد قبل أَن تظهر لَهُم مستودعات الْقرب على الْقرب وَكَانُوا قد تشاوروا بَينهم فِي ضرب المصاف فَلم يُوَافق بَعضهم بَعْضًا وَلم يَجدوا لقصورهم وعجزهم فِي أنفسهم إقداما وَلَا نهضا وَعَاد الْموصِلِي إِلَى موصله والمارديني إِلَى معقله وَمضى كل يجر ذيل خجله ويستتر بلَيْل وجله ويراسل معتذرا من نِيَّته الَّتِي مَا اعانه الله بِفِعْلِهَا وراجعا عَن سوء عقيدته الَّتِي سعادته فِي أَن يوفق لحلها وَقد كُنَّا قضينا سنتي الْعِيد من الصلوة والنحر ورحلنا على أَن ظن الْقَوْم مقيمون على الحشد والحشر فَلَمَّا وصلنا إِلَى رَأس عين عرفنَا فرقهم وتفرقهم وتبددهم فِي مهب دبور الادبار وتمزقهم وَكَانُوا تحققوا أَنا نصلي يَوْم الْعِيد ونرحل فرحلوا يَوْم عَرَفَة ونفروا قبل يَوْم النَّفر ولقوا فِي ليل ذعرهم يَوْم

فصل من مكاتبة أخرى

الْحَشْر وطاروا شعاعا وصاروا من ارتياعهم بعد أَن انتحلوا الْملك رعاعا وَرَجَعُوا الى مراكزهم سرَاعًا وغدوا سباعا فعادوا ضباعا وأخطأوا سَعَة الْكر فقدموا للفرار خطى وساعا وَالْحَمْد لله الَّذِي هزم أُولَئِكَ الاحزاب وَنصر منا الآراء وانجح الْآرَاب وَحَاصِل الامر ان الْقَوْم لما افترقنا اجْتَمعُوا وَلم يقدموا لما اجْتَمعُوا وَعرفُوا اقدامنا تفَرقُوا وَقد كَانُوا حققوا فِي أنفسهم المعاودة وأخلفوا المواعدة وهابوا المقاربة فتعجلوا المباعدة ورأينا اعادة ولدنَا تَقِيّ الدّين إِلَى الشَّام ليَكُون بصدد حفظ ثغور الاسلام وَكَانَ عَسْكَر حلب مَعَ المواصلة فانفصل عَنْهَا رَاجعا وجد فِي السّير مسارعا وَعَلمُوا انهم لَا يَجدونَ إِلَى النجَاة سَبِيلا وَلَا يصادفون ان عثروا مقيلا وان اقاموا مقيلا فنفروا من المخافة نفور عانة الى عانة وعدموا من عَسْكَر الْموصل فِي اسعادهم الْإِعَانَة وَلَو ساقوا إِلَى الخابور وسبقوا إِلَى العبور لم يحتاجوا إِلَى جوب الشَّهْبَاء وَلم يتخذوا اللَّيْل جملا تَحت الظلماء وَرُبمَا صادفهم تَقِيّ الدّين فِي طَرِيقه وأيدها الله بتأييده وتوفيقه وكما أَن الرعب يطردهم ويشلهم فَإِن الْبَغي يقيدهم ويغلهم وان فَسَاد الحلبيين قد تفاقم شَره وفدح ضره لقطع الطَّرِيق وإخافة السَّبِيل وَلَا بُد ان يلْقوا عَاقِبَة وبال امرهم الوبي الوبيل وَلما فرغ الله منا البال وَكفى الله الْمُؤمنِينَ الْقِتَال وَكَانَ أَمر آمد من المهام سرنا اليها ونزلنا عَلَيْهَا يَوْم الاربعاء سَابِع عشر ذى الْحجَّة وَالله يمن بالنصر الْوَاضِح المحجة فصل من مُكَاتبَة أُخْرَى علمُوا بِمَا نَحن عَلَيْهِ من الْعَزِيمَة فشرعوا قبل اللِّقَاء فِي الْهَزِيمَة ونفروا لَيْلَة عَرَفَة قبل النَّفر ونحروا قرابين جلدهمْ قبل النَّحْر وعادت عشرات الوفهم إِلَى الْآحَاد قبل انْقِضَاء الْعشْر ولقوا الوهل فِي ليل قرارهم هول يَوْم الْحَشْر فَفرُّوا وَمَا قروا وامتاروا زَاد الذل ومروا ووصلنا الى آمد سَابِع عشر ذى الْحجَّة بالغي الْحجَّة واضحي المحجة وَقد قرب بِحَمْد الله فتحهَا ودنا الآمال نجحها لَا زَالَت سَعَادَة الاخ مقمرا لَيْلهَا مُسْفِرًا صبحها وَدخلت سنة تسع وَسبعين وَخَمْسمِائة والعسكر السلطاني للنصر فِي حصر آمد آمل

ذكر تفرد السلطان بفتح آمد من غير مشاركة أحد ووصف عاداتنا وعاداتهم ومقاماتنا ومقاماتهم

والشمل جَامع وَالْجمع شَامِل والشغل شاغل وضف الظفر واغل وَنَصّ النَّصْر نَازل وجد جدنا بالعدو هازىء هازل والعز الذى هُوَ الينا عاز لعز من لم يعتز بولايتنا عازل وَكَانَ الْفَتْح قد تسنى والمنح قد تهنى وَلَكِنِّي أصف مَا جرى من قبل وَكَيف وضحت فِي مرادنا السبل فانا لما وصلنا الى آمد صدقنا الْقِتَال وحققنا النزال وَنور الدّين مُحَمَّد بن قرا أرسلان بمقامنا مُلْتَزم وبذمامنا معتصم وبعقدنا متمسك ولعهدنا متدرك وبملكنا متملك والى حركتنا سَاكن ولسكوننا متحرك وبجناحنا طَائِر والى نجاحنا نَاظر وبشريعتنا قوى وَمن شرعتنا رُوِيَ وَفِي رياضنا سارح وَمن حياضنا ماتح وبزنتنا رَاجِح وبزينتنا باجح وبالاعتزاء الينا ذُو اعتزاز ومعاطف حبوره بمواقف حضورنا ذَات إهتزاز وَقد أَمن فِي الايعاز السلطاني بغناه كل إعواز وبنزولنا على مُرَاده ونزالنا لمراده نَوَازِل اللَّيَالِي عَلَيْهِ غير نوار وَمَا صدق ان الْفَتْح يحصل وَأَن النجح يكمل فان اسلافه اسلفوه الاعمار وَأَقَامُوا لَهُم لتعذره الاعذار وأطالوا مَعَ الصَّبْر الْحصار وأداموا لتنظره وتيسره الإنتظار وأسفر غناهم بافلاس وابلاؤهم الْعذر بابلاس وَحصل رجاؤهم على يأس وَقَالَ هَذَا يصعب ويتعب وَلَا يشكى وَلَا يعتب ذكر تفرد السُّلْطَان بِفَتْح آمد من غير مُشَاركَة أحد وَوصف عاداتنا وعاداتهم ومقاماتنا ومقاماتهم وَكُنَّا اذا شددنا الْقِتَال ورددنا النزال وقفُوا بمعزل وقُوف النظارة وَحَسبُوا أَن الخسارة فِي الجسارة وَكُنَّا نعذرهم فان أهل ديار بكر لَا تجربة لَهُم بتجربة الْحَرْب فِي مضمار وَلَا اصحار لحصار وانما ألفوا مداناة الدنان ومعاقرة الْعقار وأنين الاوتار وحنين الاوطار ونعرات الصنج وغمزات الغنج ورموز الزمور وبدور الْخُدُور وأقمار الْقُصُور وشموس الندام وكؤوس المدام وهتك المشيز وسبك الابريز وقدح زناد الْفَرح بالقدح وَملك قياد المرح بالمنح ومزج الصّرْف لصرف المزاج إِلَى الاسْتقَامَة

والهم بالمزاح للهم المزاح للمدامة وَقبض روح الدن لاحياء جسم الكأس وتفريغ الاكياس لشغل الكياس ورقص الأحباب على ارتقاص الْحباب وإطراء الاغاريد لإغراء الاطراب وممازجة القرقف ومغانجة الأهيف ومعانقة المهفهف ومعالقة المشنف وقهقهة الابريق لبكاء الراووق وزهزهة الرفيق لذكاء الشروق ورشف الظُّلم والشنب وكشف اللثم والنقب ولثم الخدود وثلم الْحُدُود ورشفات الْقبل ورشقات الْمقل وشفاء الْأَلَم بلمى الشفاه وبشاعة الْحلم ولذاذه السفاه وحلاوة العتاب والاعتاب وطلاوة الطلى لذوى الطلاب وتحريك الْعود وتحريق الْعود وتمايل الاعطاف وتثاقل الأرداف وجنات الْورْد وَورد الوجنات وعمرات الجوى لجور العمرات وأوقات الغبوق والصبوح وأوقات الْقلب وَالروح وَتقبل الاعذار من تبقل العذار وَكسر الْقُلُوب بعيون الانكسار واضناء المحبين من ضني حُضُور الحبايب واجناء المتيمين من جنى ثغور الكواعب وسهام اللواحظ من قسي الحواجب وبيض الجفون من جفون الْبيض وَمرض النَّاظر الى النَّاظر الْمَرِيض وأوارة السلاف الى انارة السوالف وإنالة العواطف بإمالة المعاطف ونشوة الصاحي لصحوة المنتشي وهيئة المجتري فِي هَيْبَة المختشي ونشاط اللحظ الفاتر فِي المستشاط العضب الباتر والميلان إِلَى مائلات القدود والجولان مَعَ جائلات الْعُقُود وَالْوَفَاء لناقضات العهود والوفاق لمخالفات الوعود وأسفار صباح السوافر الصَّباح وَمُرَاد لمراح المراح واعتام ليَالِي الاصداغ واغتنام أَيَّام الْفَرَاغ ومناغاة الغواني ومناجاة الاغاني ومقاناة القناني ومعاناة الْمعَانِي ومغاناة المثالث والمثاني ومجاذبة قياد القيان ومطايبة مجاني المجان ومناقشة حِسَاب الحسان ومناقلة خوان الاخوان ومنافثة النافثات فِي العقد ومحادثة الباسمات بالبرد ومباحثة المستدلات بالدلال ومباعثة المستملات من الملال ومناظرة الناظرات بالكحل ومحاضرة الحاضرات بالخجل ومواقحة الحيية للعياء ومفاضحة العيية للحياء ومناهبة لدات اللَّذَّات ومناهبة سنات الْحَسَنَات بالسيئات ومجالس عادات السعادات ومغارس شجرات الحجرات ونفحات الصِّبَا ولفحات الصبابات ونسمات الطّيب ونغمات العندليب ومسامرة السمر ومخامرة ذَوَات الْخمر ونشوات المسار ونشآت المبار وأريحيات السقاة وتحيات الرقاة وتضجر الشّرْب وتفرج الكرب

وشهود الحانات ودعاوى النايات والمبادىء والغايات والراح والراحات واستبطاء القهوة الانتشاء وامتطاء صهوة الصَّهْبَاء وَالْجمع بَين المَاء وَالنَّار وَالظُّلم والانوار والجفن والغرار والخلخال والسوار والاطواق والازرار والشموس والاقمار وَالْيَمِين واليسار وَالرِّبْح والخسار وَالْخمر والخمار والسيل والقرار وَاللَّيْل والاستقرار والنهب والغوار والخط والعذار والسر والجهار والانكار والاقرار والعون والابكار والاضمار والاظهار والاعلان والاسرار والزهر والازهار فَهَؤُلَاءِ الَّذين ألفوا الراح والراحة واعتادوا فِي بَحر الطَّرب السباحة كَيفَ يَصح اعتزاء اعتزامهم وَتثبت اقدام اقدامهم وَكَيف يطْلبُونَ مَتَاع المتاعب ويركبون مطا المطالب وأنى يهيجون الى الْهياج ويتعرضون عَن مدامة الزجاجة بمدمية الزّجاج فاذا عاينوا الكريهة كرهوها وَمن حَقهم أَن يشنؤها وَلَا يشتهوها وَأَيْنَ ذووا الحميا من ذوى الحمية ولاثموا المراشف من ثالمي المشرفية ومعتقلوا القنا من معتقدي الْقَيْنَة ومقدمي الْمنية من مقدمي المنيه ومنتضوا الْبيض من مقتضي الْبيض وأصحاء العزائم من مرضِي اللحظ الْمَرِيض وأرباب الحجى من ربات الحجال وموسعوا المجال من موشعي الْجمال ومعانقوا الكعوب من معانقي الكعاب ومقابلوا الثغور من مقبلي الثغور ومقصدوا المران فِي النحور من قاصدى رمان النحور ومصبحوا المعارك من معاركي الصَّباح ومقوموا الرماح من مقيمي المراح ومطيفوا الصفاح من مطيفي الصحاف وملاحفوا المؤازرة من مزاورى اللحاف وَكُنَّا لأجلهم عَالمين ولقتلهم حالمين ولآرائهم قاضين وَفِي آرابهم ماضين وباقتراحهم راضين ولجماحهم مرتاضين لَا نكلفهم مَا لَا يتكلفون وَلَا نستسعفهم الذى بِهِ لَا يسعفون ويرقبون وَلَا يقربون وبجذبنا ينجذبون وَالسُّلْطَان مجد لجده مجد لمجده رائع لِبَاسه باسل فِي روعه طائع لرَبه وَقد رباه الرب على طوعه وصبرنا وصابرنا وحصرنا وحاصرنا وأمطرنا المحصورين حِجَارَة لم يَجدوا بالأسوار من اسوائها اجارة وخلا مَا حواليها من حام وَمَا رام الاشراف على شراريفها رام فصبحناهم يَوْمًا بالسلاليم وطمعنا مِنْهُم فِي التسلي من الْبَلَد بِالتَّسْلِيمِ وَصعد فِيهَا الرِّجَال وجالت فِي قُلُوب الْخُصُوم الاوجال وَملك أَصْحَابنَا بَين السورين قِطْعَة من الفصيل وتعمدوا عقد بنيانها بالتحليل وتطرفوا فِيهَا فاذا هِيَ ممدودة السَّبِيل فانهم

ذكر شرح الحال في ذلك

قطعُوا من الْجَانِبَيْنِ فِي الْعرض بسورين فشرعوا فِي النقب ومعاناة الصعب وخطاب الْخطب وَتَقْدِيم أَسبَاب الرعب وابلاء الخرب واصلاء الْحَرْب واذكاء الكرب واستحلاء طعم الطعْن وَضرب الضَّرْب وَابْن نيسان فِي الْبَلَد جلد على الْجلد باذل فِي صونه الْمطرف والمتلد يحمي بالمغاوير وَيَرْمِي بِالْقَوَارِيرِ ويسعر بالمساعير ويسخوا بِالدَّنَانِيرِ ويقصد المنجنيق بالحريق وَيُرْسل الْفرق إِلَى الْفَرِيق ويتوسل فِي الْجمع بِالتَّفْرِيقِ ويصمي بالجروخ ويباشر الْعُقُود بالفسوخ وَقد جمع الرِّجَال وَفرق الاموال وحرض الكماة وحض الرُّمَاة وانهض الحماة وَكم أَخذنَا نقوبا فِي الفصيل قبل الطُّلُوع فحرقوها ونصبنا آلَات قبل الِالْتِزَام بِالشُّرُوعِ فأحرقوها ونظمنا ستائر فمزقوها وظنوا أننا نكل ونمل وَبعد شدنا العقد ننحل فألفوا كل يَوْم جدنا جَدِيدا وحدنا حديدا وشدنا شَدِيدا والمبدأ قبل الْغَايَة مبيدا ووجدوا من بأسنا عَلَيْهِم مزيدا وكتبنا فِي اعداد من النشاب فصولا للارغاب والارهاب نعدهم تَارَة ونتوعدهم ونهديهم مرّة ونتهددهم ونقول لَهُم اكفونا معديتكم وَكفوا ايديكم فانا ان ملكناكم وَأَنْتُم مصرون اهلكناكم والا اعطيناكم سؤالكم وملكناكم وان ملتم الينا مولناكم ونولناكم وعولنا عَلَيْكُم وعليناكم ففترت عَنهُ مساعدة اهل الْمَدِينَة وحصلوا منا على الوثوق والسكينة وعادوا الى طباعهم المستكينة وَقد كَانُوا تضجروا بِولَايَة ابْن نيسان وعدموا الْعدْل وألفوا الْعدوان فتقاصروا عَن الاستطالة وسرعوا مَعَه فِي الاستقالة واشتط عله أَيْضا أَصْحَابه واشترطوا وتقبضوا عَنهُ وَعَلِيهِ انبسطوا فَبَدَا لَهُ وَجه الخذلان وَخط الحرمان وخلل الخلان وخيانة الاخوان وَجبن الغلمان وخطاب الخطوب وَحَدِيث الحدثات وان صرف الْقدر صرف عَن يَد قدرته زِمَام الزَّمَان فَعرف ان سَلَامَته فِي السّلم اذا عز الاذعان وانه لَا بَقَاء مَعَ أَنْوَاع الْبلَاء بِلَا نصْرَة الاعوان فَأرْسل فِي الاستعطاف والاستلطاف والاستشفاع والاستسعاف قبل طلب الامان ذكر شرح الْحَال فِي ذَلِك وأصبحنا بعض الايام بِصدق الاهتمام وحد الاعتزام وَفرض الِالْتِزَام ومواضع النقب يخْشَى عَلَيْهَا من الانهدام وَالْعَمَل منته الى التَّمام والأمل مُتَّجه إِلَى نجح المرام اذ خرج نسْوَة من الْمَدِينَة ذَوَات جاه وَقدر قد أخرجن وأخرجن من أعز خدر قاصرات تكاثفت حجبهن فِي الْقُصُور سافرات فِي بروجهن لم تبرز وجوهها نقبها عَن السفور

مقصورات محصورات تَحت الْحجر فِي حجرات محتجرات بجلابيب الخفر مُعْتَجِرَات لَا عهد لاقمارهن بالتبرج من البروج وَلم يحوجهن الا صرف الزَّمَان الجافي إِلَى الْخُرُوج وَمَا جررن فِي ثرى الاثراء الا ذيل الافتخار وَمَا أبصرن فِي يَوْم الْغنى ليل افتقار وَلم تطف بنارهن فرَاش وَلم يطو الا لصونهن فرَاش ساجيات فِي السجف مكتنفات بالانف مؤتنفات فِي الكنف معتصمات بالذمم مبتسمات بالعصم موصوفات بالتطهر معروفات بالتستر آنسات بالاستيحاش من النَّاس لابسات ملابس الِاحْتِرَاز والاحتراس لم يقْلع عَن شموسهن السَّحَاب وَلم يرفع عَن حجالهن الْحجاب وَلم يرشف كلامهن سمع لم يكْشف ظلامهن سمع وَلم يعرف برامهن لمع وَلم يَهْتِف بغرامهن دمع وَلم يطْرق كراهن طيف وَلم يطْلب قراهن ضيف وَلم يذو ربيعهن صيف وَلم يثور بعهن حيف وَلم يثن هيفهن هيف وَلم يرو قوافيهن عويف وَلم يعر شملهن تشتيت وَلم يبر حبلهن تبتيت وَلم يقْض بقلقهن تثبيت وَلم يقْض إِلَى فرقهن تبييت وَلم يشْعر بعطاسهن تسميت وَلم يعثر بنعاشهن تصويت وَلم يسر بمرادهن تعويت وَلم يسر فِي اكبادهن تفتيت وَلم يصبحهن سوى ظلالهن فِي أطلالهن وَلم يحللن غير حلالهن بحلالهن وَهن فِي عصمَة لم يدر لَهَا فِي الْوَهم وَهن وَفِي كَثْرَة قُوَّة لم يطر حول حولهَا قل وكل دَار لَهُنَّ لبدور الغسق دارة وكل مقرّ دونهن لرماة الحدق قارة مَا يحمي غيرالغيران حماهن وغار من الشَّمْس إِذا ذرت يَهْتِف بغرامهن دمع وَلم يطْرق كراهن ذمَّة مَا وَهِي مِنْهَا بالنكر وَكن وَفِي عزة لم يطف بهَا ذل بذراهن فَلم يقم على جرس برهَان براهن وَلم يَقع فِي حدس هوان هواهن وَلم يخْطر فِي ضمير ضمور خطرهن وَلم يدر فِي بَال وبال ضررهن وَلم يَفِ صفو وردهن بكدر صدرهن وَمَا فتئن تِلْكَ الفتيات فِي خفارة خفرهن وَلم يزل يشب دون خمارهن الْجَمْر ويذب عَن ذمارهن الذمر فأحوجن فِي هَذَا الْحصار للانتصار وارتدين على الِاضْطِرَاب برداء الِاضْطِرَار ووقعن على النَّار وترفعن عَن الْعَار وتبرقعن بالاستتار ورقعن بِالْخمرِ خرق الاشتهار وبرزن من السرَار اسرارا فِي ضمائر الازار وطلعن سحره طُلُوع كواكب الاسحار معتمرات إِلَى حرم الْكَرم الفاضلي محتميات من الْعَدو بالولي معتفيات نصْرَة الْعَفو الناصرى مناديات ندى ذَلِك الندى مبديات من نقب الذعر الْخَفي وَجه الْعذر الْجَلِيّ مستشفعات بشفيع كريم لَا ترد شَفَاعَته بل ترَاد لطاعة الله طَاعَته فأواهن أواهات إِلَى فنَاء الْخَيْمَة

ذكر ما استقر عليه الأمر في البلد وتسليمه وتستقيم ما اعتل فيه وتقسيمه

وامترى لَهُنَّ خلف شَفَاعَته لشفا الغيمة وسعى وَسعه ووسع سَعْيه وسَاق بأوساق هداياهن هَدِيَّة وَعرف السُّلْطَان أَن لقصد الْحرم حُرْمَة وَأَن للمعتصمات بعزة عزة وعصمة وأنهن نسْوَة الامير والرئيس يسألن فِي كشف مَا حزبهن من حربهن لحربهن بالتنفيس فأكرمن واحترمن ورحمن وَمَا حرمن وبجلن وَمَا أخجلن ولأجبن وَمَا حجبن واعتبن وَمَا أتعبن ووصلن بِمَا فِيهِ وصلن وشفعن فِيمَا لَهُ شفعن وأعطين الامان على أَنهم ان اقاموا توفرت عَلَيْهِم الاملاك والاموال وان تحولوا سهل عَلَيْهِم الِانْتِقَال وَلم يسألن فِي البد لعلمهن أَنه لَا يخلى وانما سألن أَنه لَا تسلم الْمَدِينَة إِلَى ان تفرغ من نفائس اعلاقهم وتخلى فأعطين الامان على انهم يخرجُون بِكُل مَا يقدرُونَ عَلَيْهِ وتمتد ايديهم اليه مُدَّة ثَلَاثَة أَيَّام بلياليها وَأَنا نعينهم بدوابنا وأصحابنا على إِخْرَاج جَمِيع مَا لَهُم فِيهَا وعدن بِمَا وعدن وَمَا سعدن كَيفَ مَا اسعدن فانهن وان قربن أبعدن وان فزن بالافراج فقد حزن الاخراج وان شفعن فِي استتباب أمورهن لقد أضعن بخراب معمورهن وتوجعن بحجاب خُدُورهنَّ واغتراب بدورهن واخلاء دورهن والاخلال عِنْد سفورهن بستورهن فحادثهن صرف الْحدثَان بالانصراف وجاذبهن انحارف إِلَى الانحراف وَهَذِه عَادَة اللَّيَالِي العادية وَقَضِيَّة الاقدار القاضية فِي ارخاء الطول وانقضاء الدول وتصرم الْأَعْمَار وَتصرف الاعصار وانقضاء الدول وانقراضها واعتراء النوب واعتراضها وانتهاء المدد بانتهابها والتهاء الكرب بالتهابها وايماء البوارق فِي ايماضها واغراء البوائق باغراضها ووفاة النُّفُوس على وفائها وانضواء الشموس فِي اضوائها وَذَهَاب اللَّيَالِي بحسراتها وارهاب الايام لسراتها وإيقاذ النواظر بشوك اقذائها وايقاظ النواضر بوشك اذوائها ومعاقبة الرّبيع بتعقب الخريف واعادة الْقوي إِلَى عَادَة الضَّعِيف واحالة حَال الحالي على العطل وإقالة العاثر باليأس من الامل وَقد آن لِابْنِ نيسان زمَان نِسْيَان ذكره وان نبا وَكره خراب بُنيان وَكره وانْتهى الى سواهُ فِي الاسْتوَاء أمد آمده والزمن المزمن محا مده محامدة الدَّهْر والهر الخائن فِي أخوانه خانه والخطب الشائن فِي شَأْنه شانه والملوان ملا بتقريع اوانيه أَوَانه والجديدان جدا فِي جد جده فأسلبنا مَكَانَهُ وامكانه ذكر مَا اسْتَقر عَلَيْهِ الْأَمر فِي الْبَلَد وتسليمه وتستقيم مَا اعتل فِيهِ وتقسيمه وَلما اسْتَقر تَسْلِيم الْبَلَد بعد ثَلَاثَة ايام وَتقدم السُّلْطَان برد النِّسَاء باكرام واحترام

نفذ ابْن نيسان يخبر بِأَن غلمانه خَرجُوا عَن طَاعَته وانه لَا يقدر على نقل مَاله اذا وكل الى مُجَرّد استطاعته فندب بله من خواصه من يُرَاعى باعانته أَحْوَاله ودواب من اصطبلاته تنقل امواله فَخرج وَنزل فِي غير منزل وَضرب لَهُ خيمة بمعزل فشرع ينْقل درهمه وديناره ويحول اليه من كلا الجنسين أوقاره وتعجل مِنْهَا مَا خف حمله وَخيف عَلَيْهِ اذا لم يعجل نَقله وَترك مَا كبر حجمه واذهب الزَّمَان ثقله وَنقل المصوغات النضارية والفضية والمنسوجات الذهبية والجواهر والفرائد والعقود والقلائد وَالثيَاب المعدنية وصانها ان تكون مَعَ الدنية قلم يقدر فِي الْمدَّة المضروبة الا على تَحْويل الامتعة الْكَرِيمَة المحبوبة وَكم نشبت الطوارق فِي طرقه بنشبه وَكم ذهب اعوانه فِي مذاهبه بذهبه فان الطَّرِيق من دوره فِي بَاطِن الْبَلَد بَعدت الى خيمته فِي ظَاهره فولعت ايدي التَّعَدِّي بنفائس اعلاقه وكرائم جواهره وَمن اصحابنا جمَاعَة ندبوا لاعانته فاستغنوا بِمَا أَصَابُوهُ وحازوا وفازوا بِمَا بِهِ فازوا وَذكر انه كَانَ يحمل من دَاره عشرَة احمال باثقال أَمْوَال فَيذْهب فِي الطَّرِيق بَعْضهَا ويتعذر باعداد عروضها فَرُبمَا وصلت اليه من تِلْكَ الْعشْرَة الثمينة ثَمَانِيَة وَيسْأل عَن الْبَاقِي فَيُقَال دوابها وانية وَهِي فِي الْوُصُول متدانية وَمَا يزَال يدْخل جملَة فِي جملَة وَقد عبثت بمجانيها ايدى جانية فنضا أعوانه أَنْوَاع نضاره وهيهات ان يرجع مَا ذهب وَهُوَ فِي انْتِظَاره فكم اختزل مِنْهُ وَاعْتَزل وَكَانَ يعْتَقد انه سمين فاذا هُوَ قد هزل فراح وَقد أعوز عزه وبز بزه وهتك حرزه ونهك كنزه ووجدوا من مصائبه فَوَائِد وَوَضَعُوا من لحومه مَوَائِد واستجدوا من مضاره مَنَافِع واستنجدوا من مغرابه مطالع وسلخوا من قدره وطبخوا فِي قدره ومالوا بِمَالِه وحالوا بِحَالهِ وسمنوا بهزاله واعتزوا باعتزاله وخفوا بثقاله واستفادوا الصِّحَّة من علله والحلية من عطله واسداد من خلله وَالْجمال من حلله وَهُوَ لما بِهِ من روع وَكره بِغَيْر طوع وهم وهم بِكُل نوع يحصر لَدَى التَّكَلُّم وَيقصر عَن التظلم ويغتنم لما حواه فوزه وَلَا يصدق بِمَا حصل فِي يَده من ذخره حوزه فَهُوَ عَلَيْهِ مرتعد مرتعش على أَنه بِمَا راعه من الرعب من كل أنيس مستوحش فَلَمَّا انْقَضى الْأَجَل خامرة الوجل واعترف بِأَنَّهُ عَن نقل سَائِر ذخائره عَاجز وان غدر الزَّمَان بَينه وَبَين

ذكر تسلم مدينة آمد وتسليمها إلى نور الدين محمد بن قرا ارسلان بجميع ما فيها وذلك في العشر الاول من محرم سنة تسع وسبعين

مَا غَادَرَهُ حاجز فانه ترك أخاير الذَّخَائِر وسلا عَن حبها سلو الخائر الحائر وَكَانَت ابراج الْمَدِينَة ودورها واماكنها قد ملئت بِكُل ذخر من اجناس الغلات وأنوع الالات والادوات اهراؤها ومخازنها فَتَركهَا من غير ان فركها وَفَاته دركها وَمَا ادركها وخلاها وَمَا اخلاها وَأبقى ثراه بثراها وسهرت عينه لَهَا وَمَا كرّ عَلَيْهَا طيفها فِي كراها وَلَو اسْتَزَادَ مهلة لاستفاد نهلة لكنه هاب وارتاع وارتاب وَفِي مظنه الرجا خَابَ وعَلى مطيه النجا نجا وَغَابَ وَلَو رشد لنشد ضالته فِي ظلّ السُّلْطَان وَأَوَى احسانه الى مأوى الاحسان لكنه بعد فَبعد وَلَو اسعده لسعد ذكر تسلم مَدِينَة آمد وتسليمها إِلَى نور الدّين مُحَمَّد بن قرا ارسلان بِجَمِيعِ مَا فِيهَا وَذَلِكَ فِي الْعشْر الاول من محرم سنة تسع وَسبعين وَلما انْقَضتْ مُدَّة الْأمان فتحت لاولياء الله أَبْوَاب الْجنان وَقد ذكرنَا النُّزُول على آمد فِي سَابِع عشر ذى الْحجَّة وَكَانَ الِاشْتِغَال بِالْقِتَالِ وادواته وَنصب المنجنيق وآلاته فِي بَاقِي السّنة فَمَا استهلت السّنة إِلَّا وَقد اسفرت الْحَسَنَة ونطقت بالبشائر الْأَلْسِنَة وَقيل للسُّلْطَان هَذِه آمد فِيهَا ذخائر تربي قيمتهَا على الف الف دِينَار وَمَا دخلت عِنْد الْوَعْد بآمد فِي شَرط وقرار فَاقْض بهَا المهام وخصص وعمم بهَا الْخَواص والعوام وَهُوَ يقنع بآمد فارغة ويعدها لكل حجَّة بَالِغَة ونعمة عَلَيْهِ سابغة فَقَالَ نور الدّين صَار من أشياعنا فَمَا نضن عَلَيْهِ بِهَذِهِ الاشياء وَلَا نظن بِهِ جحود هَذِه النعماء وهبنا وهبنا لَهُ الاصل مَعَ الضنة بالفرع فَمَا يَلِيق بِمَا سنته مكرماتنا من الشَّرْع فَأَما مَا كَانَ فِي الاهراء من اجناس الغلات وأنوع الْحُبُوب فَمَا يحويه وهم المظنون وَعلم المحسوب وَأما الامتعة والاسلحة وَالْعدَد وَقد جمعت مددها على طول الازمنة المدد وَقد تكاثرت بهَا الْعتْق والجدد وأحضر النواب دساتير المخازن ففقدنا إِمْكَان معرفَة مَا فِي الْأَمَاكِن وَمِنْهَا برج من الْمَدِينَة يحوى على ثَمَانِينَ ألف شمعة لم يظفر مِنْهَا من احرزها فِي ظلام الْخطب الداجي بلمعة فَأخذت مِنْهَا لحاجتي الى انشاء كتب الْفتُوح لَيْلًا عشرا فألقيت لضوئها وضوعها بشرا ونشرا وَلَو شِئْت لأخذت مِنْهَا

ذكر بعض الامثلة الفاضلية بسحر الالفاظ والمعاني السحرية البابلية فمن ذلك فصل إلى بعض امراء الاطراف

لكنني عددتها ثقلا وَمَا رَأَيْت لَهَا نقلا وَأما المستعملات الآمدية من الْبسط والفرش والخيام فَلَا يدْخل حصر مبالغها فِي الاوهام وَلَو ذكرت مَا وَجَدْنَاهُ من الطّرف ومصنوعات الاواني من الْحَرْف لطال الذّكر وتعب فِي احصائه واستقصائه الْفِكر وَكَانَ من جملَة المستودعات الْقطن قدامتلأ بِهِ الْبَلَد وَلَا أَقُول الخزن وَذكر انه بيع مِنْهُ سبع سِنِين فَمَا فني مَعَ أَن مُتَوَلِّي الْبَلَد بِبيعِهِ غَنِي فاستغنى باثمان الاذخار واستفرغ الْجهد فِي اسْتِخْرَاج مَا فِي ابراج الاسوار وانما شرحت هَذِه الْقِصَّة لتعلم ان الدُّنْيَا لم يكن لَهَا عِنْد السُّلْطَان قدر وانه لم ينطو مِنْهُ على قَلبهَا صدر فَأول يَوْم فكها نصبت على سورها أَعْلَامه ونفذت فِي امورها أَحْكَامه ثمَّ سلمهَا إِلَى نور الدّين بن قرا أرسلان وكتبت لَهُ بهَا وبأعمالها التَّقْلِيد وتسلم مني بِهِ لمغالق المعاقل الاقليد وَعمر طريف فخاره بِنَا التليد وَدخل جنَّة النَّعيم لَو انها فِي الدُّنْيَا توجب التَّخْلِيَة لَا التخليد وآمال للاهتزاز لَهَا والاعتزاز بهَا أعطاف أطرية الأماليد وتوطا بهَا وتوطد وتوطن وتأثث بأثاثها ومكانها وَتمكن وملكناه زمامها وحسرنا لَهُ طالما تحسر عَلَيْهِ لثامها وفضضنا لَهُ ختامها ونشرنا لملكه اعلامها وقررنا فِي سلكه انتطامها وأسعدنا بِعُمُوم عدلنا عامها واعدناها بعد الْخَوْف إِلَى أَمن أَنَام انامها واستعبد السُّلْطَان من نور الدّين حرا وفاه ثمنه ووفى لَهُ ومكنه وأناله خطرا لم يخْطر مناله بِبَالِهِ وامال لَهُ اعطاف اعطيات لم تهتز فِي اماله وَوصل بِعَمَلِهِ مَا نوى لَهُ من نواله فَأَضَاءَتْ فِي قَضَائِهِ مجالي مجاله وصان لَهُ بالعطاء من العطل حَالي حَاله ثمَّ مَلأ بالمناجح من منائحه رَجَاء رِجَاله وَخَصه واستخلصه باحتفائه واحتفاله وَعلا بِهِ على امثاله بمثاله وَمَا اسْتَقل عَن دَاره حَتَّى درى باستقلاله وَكَانَ سيدنَا الاجل الْفَاضِل حَاضرا فجلا لَهُ بفضله جلالة أفضاله ذكر بعض الامثلة الْفَاضِلِيَّةِ بِسحر الالفاظ والمعاني السحرية البابلية فَمن ذَلِك فصل إِلَى بعض امراء الاطراف صدرت الْمُكَاتبَة مشعرة لَك بِفَتْح آمد وَذَلِكَ بِقِتَال اعْمَلْ السَّيْف فِيهِ إِعْمَال المشفق وَاسْتعْمل فِيهِ الْعَزْم اسْتِعْمَال المترفق فَلَمَّا رأى صَاحبهَا غير مَا ظَنّه وَسوى مَا

فصل آخر من انشائه

عَهده لم ير الْغَنِيمَة الا نَفسه وَمَاله وَولده فاستام الصُّلْح فأرخصناه وَاسْتَأْمَنَ فأمناه مِمَّا خَافَ وخلصناه واغمد مَا كَانَ مُجَردا واجرانا الله من نصرته على مَا لم يزل متعودا ورفعنا عَنهُ الْقِتَال يدا وأوليناه الاحسان يدا وَكِتَابنَا هَذَا وَالْمَدينَة قد فتحت ابوابها وعذقت بدولتنا أَسبَابهَا وَتكلم لِسَان علمنَا فِي فَم قلعتها وبشرها بِعدْل نشرها بخصب نجعتها وَبعد أَن لبستها دولتنا وَفينَا بموعد خلعتها فَالْحَمْد لله الَّذِي تتمّ النِّعْمَة بِحَمْدِهِ وينجح الامل بِقَصْدِهِ مَا يفتح الله للنَّاس من رَحْمَة فَلَا مُمْسك لَهَا وَمَا يمسك فَلَا مُرْسل لَهُ من بعده فصل آخر من انشائه قد رفعت على قلعتها أعلامنا ونفذت فِي مدينتها احكامنا ونال صَاحبهَا صلحنا وَعم اهلها صفحنا ووفى فِيهَا موعدنا ونجح وَالْحَمْد لله مقصدنا وألان الله صعبتها وحطم فِي ثَلَاثَة أَيَّام صعدتها وَنحن نستعيذ بِاللَّه من أَن نظن أَن لنا فِي هَذَا الصنع صنعا وَأَن نعتقد انا نملك لأنفسنا ضرا وَلَا نفعا فصل آخر لَهُ نزلنَا على آمد وَمَا استبعدنا أمدها وأردنا ان ننجز لنُور الدّين موعدها ففتحت بِقِتَال ثَلَاثَة أَيَّام أعقبت سلما حقنت الدِّمَاء فِي أهبها وَردت السيوف بغيظها إِلَى قربهَا فَالْحَمْد لله الَّذِي فتح مِنْهَا مَا كَانَ فِي وُجُوه الهمم سدا وَجعل نارها لبني الاسلام خليلية يناديها الصفح {يَا نَار كوني بردا} فصل آخر لَهُ مشعرة بِفَتْح آمد وَهِي الَّتِي طالما اعرضت بجانبها وصدت عَن خاطبها فرضناها بساعات عزم على الاولياء فرضناها وَسلمهَا صَاحبهَا مستأمنا وسام منا الاحسان الذى طالما ارخصناه على مستامنا وقضينا لنُور الدّين عدتهَا وابتنى بهَا بانينا من كَانَ بهَا قبل ان تقضي عدتهَا وَكِتَابنَا هَذَا اليك وَالْيَد لَهَا مالكة وواهبة وَالدُّنْيَا الا بِمن يكون بهَا ذَاهِبَة ذَاهِبَة

فصل آخر له

فصل آخر لَهُ توجهنا إِلَى آمد بعد أَن ولانا الاعداء ظهورا وأولانا الله نصرا وظهورا واستصحبنا دونهم من مُلُوك بِلَادهمْ من كُنَّا بِهِ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ {وَجَعَلنَا لَهُ نورا} وَهِي طريدة الصَّدْر الاول الَّتِي صدر عَنْهَا محلا عَن وردهَا حَاصِلا على رَاحَة يأسه وتعب طردها فَفَتحهَا الله بأيسر مَعَاني المعاناة وبلغنا صَاحبهَا وكافة اهل الْبَلَد مَا كَانَ اقصى الاماني من الامانات وَكِتَابنَا هَذَا ومنبر الْجُمُعَة باسمنا صادح وَالْملك عقيم وَنحن على ثِقَة بِأَنَّهُ مَعنا لاقح وَقد أعطينا نور الدّين مَا ورث من سلفه ارادته وَأحسن الله على يدنا افادته فصل آخر لَهُ نزلنَا عَلَيْهَا وَلم يكن الا رباضة ثَلَاثَة أَيَّام ريثما فتح الجفن عَن نصله واستيقظ صَاحبهَا بجد الْقِتَال من هزله وَاسْتَأْمَنَ فأومن على نَفسه وَمَاله وَأَهله وَكِتَابنَا هَذَا ولواء النَّصْر قد مد بَاعه معانقا لقلعتها وخطيب منبرها قَائِم باسمنا سَاعَة تسلمها للموافقة لساعة جمعتها ووصلنا نور الدّين إِلَى عقيلة طَال مَا واعدها أَبوهُ وخطبها وَقَبلنَا مِنْهُ مهرهَا بمعونة فِي سَبِيل الله أوجبهَا فصل آخر من الانشاء الفاضلي من كتاب الى الصاحب مجد الدّين بِبَغْدَاد ان آمد قصر الأمد فِي الظفر بهَا وانقاذها من الْمَظَالِم الَّتِي كَانَت تلبس نَهَارهَا نقبة غيهبها فَلَمَّا حل بعقوتها اراد ان يجْرِي الامر على صَوَابه وَأَن يلج الْأَمر من بَابه وَأَن ينذر المغتر ويوقظه ويغلظه بالْقَوْل الَّذِي من الرِّفْق أَن يغلظه فَبعث اليه بِأَن يهب من كراه ويعد لضيف التَّقْلِيد قراه وينجو بِنَفسِهِ منجا الذُّبَاب وَلَا يتَعَرَّض لَان يكون منتحيا للدباب واذا عريكته لَا تلين الا بالعراك وطريدته لَا تصاد الا بالشراك فهنالك رأى عَاجلا مَا هُنَاكَ وقوتل حق الْقِتَال فِي يَوْم وَاحِد عرف مَا بعده من الايام وَوَقع الاشفاق من روعة الْحَرِيم وَسَفك الْحَرَام وَنصب المنجنيقات فَأرْسل عارضها

فصل في وصف التقليد

مطره وَفطر السُّور بِقَدرِهِ الَّذِي فطره وخطب امامها خطيب خطبه وأغمد الصارم اكْتِفَاء بضربه وترفه اهل الْحَرْب لحسن المناب عَنهُ بحربه فَصَارَ فِي اقْربْ الاوقات جبلها كثيبا مهيلا وعفرت الابرجة وَجها تربا وَنظرت القلعة نظرا كليلا كَذَلِك حَتَّى امكنت النقوب ان تُؤْخَذ وكبد السُّور أَن يفلذ فَرَأى الذى لَا يصبر على بعضه وَاعْتذر اليه الْبناء الَّذِي بنى الامر اذ لم يقضه والا فَلَا يَأْمَن من نقضه وَسُئِلَ فِيهِ فَأُجِيب إِلَى الامان على نَفسه وَقد كربت وتقطعت الاكراب وَبَلغت وَقد كَانَ يظنّ انها تبلغ الاسباب وَخرج مِنْهُ وانما أخرجه الظُّلم بالظلم وَسلم وَهُوَ يرى السَّلامَة اما من الْحلم واما من الْحلم فصل فِي وصف التَّقْلِيد وان كَانَت هَذِه الالات الموصوفة وَهَذِه الْعدَد المرصوفة هِيَ الَّتِي تنَاول بأنملها ورامي بجند لَهَا وصالت بأنصالها فن الْآلَة المعدودة من الالاء وَالسَّبَب المتدرع بِهِ الى المُرَاد الدرْع بِهِ لَدَى الهيجاء هُوَ التَّقْلِيد الامامي الذى لما أُوتِيَ مِنْهُ كِتَابه بِيَمِينِهِ وَسجد الى قبلته فَبَان نور الْقبُول على جَبينه وَتحقّق ان الْحق مَعَه وَأَن لَا قبل بِهِ لباطل وَأَن القَوْل الذى فِيهِ مَا ترك مقَالا لقَائِل وَأَن السَّيْف الَّذِي حمله أقطع من السَّيْف الذى حَملته الحمائل وَأَن الْقَلَم الذى جرى بِهِ اجرى من الرمْح فان الْخط هُوَ النَّضِير والخطي هُوَ الذابل ولولاه مَا فتح لَهُ الْبَاب الَّذِي قرعه وَلَا انْزِلْ عَلَيْهِ النَّصْر الَّذِي انْزِلْ مَعَه وَلَا ساعد سَيْفا ساعد وَلَا نَالَتْ يَد من مصر فاخذت آمد وَمن بآمد وَقد وضح لَهُ الْيَقِين الذى لَا شُبْهَة فِيهِ وَالدَّلِيل الذى لَا يُسلمهُ الا الْغرُور وَلَا يدليه انه لَو اجيبت رغبته وَقبلت مَسْأَلته فِي تَقْلِيد الْموصل لَكَانَ قد ولجها وَلَو بدلجة واخذها وَلَو بحصاة نبذها ولكانت الاقدار تؤتيه وتواتيه والآمال توفيه وتوافيه وَلكنه لما لم ترد دَار السَّلَام تحيته وَلم يقبل ولي العقيلة خطبَته كَانَ مَمْنُوعًا من الْموصل بِغَيْر يَد من كَانَ بهَا محصورا ومنصرفا عَنْهَا بيد من كَانَ بَاعه بأَمْره مَقْصُورا وَحَيْثُ شملته الْعِنَايَة فِي آمد فَهِيَ طَلِيعَة لَهَا مَا بعْدهَا وتقدمه لَا تقف آماله عِنْدهَا وازرق الْفجْر بعده أبيضه وانزر الْقطر بعده افيضه وَهُوَ يتَوَقَّع فِي جَوَاب هَذَا الْفَتْح ان يمد بِجَيْش هُوَ الْكَلَام

وأما الكتاب بفتح آمد من الانشاء الكريم الفاضلي الى الديوان العزيز في محرم سنة تسع وسبعين ووصف التقليد الامامي بولاية آمد فهو

ورماح هِيَ الاقلام وَنصر هُوَ وَافد الامر وترشيد هُوَ فك الْحجر وَلَيْسَ ذَلِك لوسائل تقدّمت من دولة اقامها بعد ميل عروشها وَلَا لدَعْوَة قَامَ فِيهَا بِمَا تصاغرت دونه همم جيوشها وَلَكِن لَان هَذِه الجزيرة الصَّغِيرَة مِنْهَا تنبعث الجزيرة الْكَبِيرَة وَهِي دَار الْفرْقَة ومدار الْمَشَقَّة وَلَو انتظمت فِي السلك لانتظم جَمِيع عَسْكَر الاسلام فِي قتال الشّرك ولكان الْكفْر يلقِي بيدَيْهِ وينقلب على عَقِبَيْهِ ويغشاه الْإِسْلَام من خَلفه وَبَين يَدَيْهِ ويغزى من مصر برا وبحرا وَمن الشَّام سرا وجهرا وَمن الجزيرة مدا وجزرا وَأما الْكتاب بِفَتْح آمد من الانشاء الْكَرِيم الفاضلي الى الدِّيوَان الْعَزِيز فِي محرم سنة تسع وَسبعين وَوصف التَّقْلِيد الامامي بِولَايَة آمد فَهُوَ أدام الله ايام الدِّيوَان الْعَزِيز النبوى وَلَا زَالَت دواوين الْخَلَائق منتصبة بولاء مَالِكه وطاعته من أهم فَرَائض الدّين ومناسكه وَالدُّنْيَا إِمَّا سَاكِنة بالامر تَحت سَرِيره وَإِمَّا منزعجة بالعجاج تَحت سنابكه وَالْحق وَالْبَاطِل منصرفين بَين أمره وَنَهْيه فطوبى لآخذه وطوبى لتاركه والاقلام تنقل الى علمه من آثَار أرماح اوليائه واخبار نصر لوائه مَا يعلم بِهِ ان الاقلام عباسية لما لبست من شعار ايامه وَلما أمهت من شفار انتقامه وَلما أبدت من آثَار خُدَّامه وَلما خطبت من أَخْبَار إنعامه وَلما نابت فِيهِ فأحسنت عَن حسامه ورد الْخَادِم التَّقْلِيد بِولَايَة آمد فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقرًّا عِنْده قَالَ هَذَا مفتاحها وَسمع الْوَصَايَا فاستضاء بهَا فِي ظلمات الْقَصْد وَقَالَ هَذَا مصباحها وتناوله فَمَا ظَنّه الا كتابا انْزِلْ عَلَيْهِ من السَّمَاء فِي قرطاس وَمَا تيقنه إِلَّا نورا يمشي بِهِ فِي النَّاس وَلَا شكّ ان الذى تقلد مِنْهُ امضى من الذى تقلد وَلَا ارتاب ان الذى تبلج من نوره عَمُود صبح اهْتَدَى بِهِ فَمضى وَمَا تبلد وَسَار بِهِ وَلَوْلَا الْعَادة لما استصحب جنديا وعول عَلَيْهِ وَلَوْلَا الزِّينَة مَا تقلد هنديا فطرق بَابه باقليده ولولاه مَا اسْتَطَاعَ الاولياء ان يظهروه {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نقبا} وناشد الْمُقِيم بهَا بتقليده وَلَو كَانَ ذَا سمع أصغى وَلَو كَانَ ذَا لب لبّى وَلم يعد السّنة فِي الانذار لَهُ والاعذار اليه ثَلَاثَة أَيَّام بِثَلَاث رسائل ارسل اثْنَيْنِ

فكذبهما فعزز بثالث وتنقل إِلَى جهلة قارح قبلهَا خطْفَة جارح قبلهَا نفثة نافث فَلَمَّا انْقَضتْ ضِيَافَة أَيَّام النذارة واحتقر من بآمد نَار الْحَرْب جَاهِلا أَن {وقودها النَّاس وَالْحِجَارَة} عمد لَهَا فِي الْيَوْم الرَّابِع فزلزل عمدها وقاتلها فأزال جلدهَا وزيل جلمدها ثمَّ رأى أَن الشَّوْكَة رُبمَا أَصَابَت غير ذى الشكة من جندها وَأَن الْمُسلم قد آمنهُ الله من عَذَاب الْحَرِيق وَلَا يَأْمَن أَن تحرقه القسي من السِّهَام بشرار زندها فَعدل الى منجنيقه الذى أمل صَاحبه مِنْهُ منجى نيقه وَرَأى ان سَوط سطوته يضْرب الْحجر عَن أَن يُبَاشر الْبشر وَتلك الابرجة قد شمخت بأنفها ونأت بعطفها وتاهت على وامقها وغضت عين رامقها وَذَهَبت همة فِي حالقها وَلكنهَا لم تذْهب هَامة عَن حالقها فَهِيَ فِي عِقَاب لوح الجو كالطائر الا ان المنجنيق اغرى بهَا عقابيه وضغمها بمخلبيه وجثم أمامها يخاصمها وَقَامَ الى الْغَيْر يحاكمها وَيضْرب بعصاه الْحجر فتنبجس من الثقوب أعين لَا ترسل المَاء وَلَكِن تروى العطاش إِلَى منهل الْمَدِينَة وتنهل الظمأى كَذَلِك اياما حَتَّى مُحي من الشرفات شنب ثغرها وتناوبها كأس فتك تبين بِهن ابرجتها اثار سكرها وعلت الايدى الرامية لَهَا وعلت الايدي المحامية عَنْهَا فَلم يبْق على سورها من يفتح جفنا وَلَا جفنا وَشن المنجنيق عَلَيْهَا غارته الى ان صَارَت شنا وفضت صناديق الْحِجَارَة المقفلة وفصلت مِنْهَا أَعْضَاء السُّور الْمُتَّصِلَة وَوَجَب الْقِتَال لِئَلَّا يظنّ بالخادم انه لَا جند لَهُ الا جندله فأوعز بالتقدم اليها وَدخُول النقابين فِيهَا فاثخنت جراحاتها بالنقوب وهتك الْحجاب من أضالع الْبَلَد فكاد يُوصل الى مَا وَرَائِهَا من الْقُلُوب وخشيت معرة الْجَيْش فِي وَقت هجمه وطل صَاحبهَا وَقد كشف لَهُ الخذلان حَتَّى نصر على شكه بِعِلْمِهِ فاعاد الرسَالَة

مستكشفا بحجب النجَاة بارسال ذَوَات الْحجاب وابرازهن ومستكفا ليد الْقَتْل بِمن لم يكن جَوَابه غير احرازه واحرازهن وَلم يُعَارض فِي نَفسه وَلَا فِي قومه وَلَا فِي أَمْوَاله وَهِي مَا هِيَ من ذخائر موفرة ومكاسب أرباح مخسرة وَكَانَت الْحُقُوق عَنْهَا مذودة وَكَانَت مُسْتَقِرَّة فِي مأمنها من يَدَيْهِ والامال دونهَا مطرودة وغض الْخَادِم كل عين عَن عينه وورقه وصانه فِي مخيمه من الْفقر صيانته فِي ذَات سوره وخندقه وَاسْتوْفى شَرط الْوَفَاء بِمَا أعطَاهُ من موثقه وَهَذِه آمد فَهِيَ مَدِينَة ذكرهَا من الْعَالم متعالم وطالما صادم جَانبهَا من تقادم فَرجع عَنْهَا مقدوعا أَنفه وَإِن كَانَ فحلا وقرعها فريد الهمة وان استصحب حفلا وَرَأى حجرها فَقدر انه لَا يفك لَهُ حجر وسوادها فَحسب انه لَا ينسخه فجر وجمية أنف أنفها فَاعْتقد انه لَا يستجيب لزجر من مُلُوك كلهم طوى صَدره على الغليل إِلَى موردها وَكلهمْ وقف مِنْهَا وَقْفَة الْمُحب السَّائِل فَلم يفز بِمَا أمل من جَوَاب بعهدها وَرَأى الْخَادِم ان الْخَادِم نور الدّين بن قرا ارسلان قد تقدّمت مِنْهُ فِي الْخدمَة مكاونه وشرطت عَلَيْهِ فِي وَقت الْغُزَاة الى الْكفْر معاونه وَأَنه جارها الادنى الدَّار وخاطبها وَابْن خاطبها فِي سالف الاعصار وانه ذُو جَيش مجرور وَأَرَادَ ان يَجعله بولايتها ذَا جَيش جرار فسلمها اليه وَشرط عَلَيْهِ مَا شَرط من الدِّيوَان الْعَزِيز عَلَيْهِ من معدلة تنسخ مَا كَانَ بهَا من ظلمَة الظُّلم ونزاهة ان يكون اتباعها من حِكْمَة الحكم وَتَخْفِيف الْوَطْأَة وتحسين السمعة وَقبُول الْوَصَايَا الديوانية الَّتِي هِيَ لاولياء أَمِير الْمُؤمنِينَ صلوَات الله عَلَيْهِ منهاج وشرعه وَلما رأى صَاحب ميافارقين ان أُخْت صاحبته قد ابتنى بهَا ابْن عَمه خَافَ ان يجمع لَهُ بَين الاختين فراسل ببذل الْخدمَة الَّتِي يكون فِيهَا لنُور الدّين ثَانِي اثْنَيْنِ وَالْخَادِم يَقُول من حَيْثُ املاه الْوَلَاء فانه يَقُول من لِسَانه ويجني من جنانه ويقتطف نور الْقبُول من بستانه وَلَا يقدم على ذكره مذكرا ويعيذه

ذكر الدخول إلى البلد

الله من نسيانه أَنه مهما ارادت مِنْهُ الآراء الشَّرِيفَة أَتَاهُ وَمهما نَوَت فِيهِ من احسان قرب عَلَيْهِ نوى مَأْوَاه وعَلى ذَلِك دَلِيل جلي جليل وبرهان لَا نوره يأفل وَلَا رَأْيه يفيل فَهَذِهِ آمد لما أرسل اليه مفتاحها وَهُوَ التَّقْلِيد بِفَتْحِهَا وَهَذِه الْموصل لما تَأَخّر عَنهُ الْمِفْتَاح منعهَا وَمَا منحها وَلَو أعين بِهِ لعظمت على سَلام عائدته وَظَهَرت فِي رفع مناره فَائِدَته لِأَن ليد بِهِ على عَدو الْحق وَاحِدَة والهمة لآلات النَّصْر واجدة وَذَلِكَ أَمر عقباه أَن لَا يعبد إِلَّا الله وَحده وفحواه الظفر الادنى بِالْمَسْجِدِ الاقصى الذى حمل الله اليه لَيْلَة الْمِعْرَاج عَبده ومغزاه أَن يكون لأمير الْمُؤمنِينَ عبد ولي لَا يبْقى على الدولة والاسلام عدوا بعده وَمَعْنَاهُ أَن يجرد للاسلام سيف نَصره يمده قلم الدِّيوَان بمده ذكر الدُّخُول إِلَى الْبَلَد وَدخل السُّلْطَان إِلَى الْمَدِينَة فِي يَوْم كَانَ يَوْم الزِّينَة وعادت بِهِ خواطر الإنزعاج الى السكينَة وَحَضَرت أكَابِر اهلها بالطاعات المستكينة واستمسك رعايها من رعايته بحبال الحباء المتينة وَجلسَ فِي دَار الامارة وَهِي على أحسن وابدع واعجب وأزين مَا يُمكن من الْعِمَارَة من دَخلهَا تَلا {إرم ذَات الْعِمَاد الَّتِي لم يخلق مثلهَا فِي الْبِلَاد} نائية عَن الظنون ناهية للعيون عقيلة من عقائل الْجنان حَلِيلَة من الحلائل الحسان عالية الايوان حَالية الْبُنيان بهية البهو شهية الزهو رائقة الرواق شائقة الاشراق معْجزَة صفتهَا معجبة صنعتها سارة تزاويقها دارة أفاويقها قد تحركت الافلاك إِلَى سمائها وتنزلت الاملاك لهنائها وتسنى بهَا السنا الناصرى فأضاء بفضائها كَأَنَّمَا نبع من بركها الْكَوْثَر واطلع من فلكها الْقَمَر الازهر وبدا فِي دارة دارها الْبَدْر وامتلأ ببشر الانشراح من تصدر مَالِكهَا الصَّدْر روضية الازهار رضوانية الانهار سلطانية الانواء والانوار يحدث ربيع ربوعها نيسان نيسانها وَيحدث ذكر نباهتنا نبأ نسيانها

ذكر استحضار نور الدين محمد بن قرا ارسلان وأخذ يده على طاعة السلطان ومعاملة الرعية بالعدل والاحسان

وينبىء طيبها وطينها عَن ريا رئاسة بانيها وتصف غضارة معاليها ونضارة مجاليها طلاوة مَعَانِيهَا وحلاوة مجانيها وتذكر بأيام أيامنها وازدهاء الدَّهْر فِي سُكُون سكانها فَمَا محا سنا محاسنها فزرنا اعلامها بأعلام وحطنا أَحْكَامهَا بِأَحْكَام ووصلنا رغامها بغرام وأنشأنا سحابها بسجام ودخلنا دَار سلامها بِسَلام وانزلنا عَنْهَا الازل وازحنا عَن محلهَا الْمحل وارحناها من مشاق المشاقق بوفاق الْمُوفق الْمُوَافق واخرجناها من يَد الْمُبْطل الى يَد المحق المحاقق وَبَانَتْ تِلْكَ الْعَرُوس من زَوجهَا وَكم جلت لِلْحسنِ وَالْحُسْنَى أوجها فِي أوجها وخلا مِنْهَا فج فوجها وَرمى بهَا مج موجها وَهَذِه شِيمَة الدُّنْيَا لَا تمق وامقا وَلَا ترمق رامقا من جنى مِنْهَا جنت عَلَيْهِ وَمن علت يَده فِيهَا غلت يَدَيْهِ وَمن اطاعها عصته وَمن داناها أقصته وَمن وفى لَهَا خانته وَمن أعزها أهانته وَمن وَصلهَا قطعته وَمن نزع اليها نَزَعته وَمن اكل مِنْهَا أَكلته وَمن خف الى اثقالها استخفته واستثقلته وَمن تملأ بهَا مِلَّته وَمن تخلى لَهَا خلته وَمن ارتمى اليها رمته وَمن استحلى شَهِدَهَا سمته وَمن انتجع غمامها غمته وَمن برهَا برته وَمن اكتساها أعرته وَمن ارتداها اردته وَمن صدق مخايلها كَذبته وَمن استعذب مناهلها عَذبته وَمن اسْتغنى مِنْهَا افقرته واحوجته وَمن سكن دارها أزعجته واخرجته وَمن استطبها أمرضته وَمن استطابها أمضته وَمن أرضاها أغضبته وَمن أحبها وَقبلهَا قلته وقلبته وَمن قر بهَا قبرته وَمن أقالها عثرته أَو أرادها ردته أَو أباد بهَا أبدته ومتاعها قَلِيل ومتاعبها كَثِيرَة ومقاريها مقرة ومبارها مبرة فَلَا مطار بهَا لمطاربها وَلَا مطال بهَا الا لمطالبها فمشارقها صائرة الى مغاربها ومشاربها غائرة فِي مساربها ومراقبها مترامية على مراقبها ومطالعها متعامية على مطالعها ومقارها نابية عَن مقارعها وَقد ظَهرت آثَار غدرها بِابْن نيسان حَيْثُ غادرته وَقد رجا نصرها مخذولا وَتركته وَقد اعْتصمَ بهَا متبذلا لليالي الباخلات مبذولا وَهَكَذَا من تلاه فان نور الدّين مَا امْتَدَّ زَمَانه وانتقل إِلَى وَلَده بعد سِنِين مَكَانَهُ وَسَيَأْتِي ذكر ذَلِك فِي مَوْضِعه وَشرح شَأْنه ذكر استحضار نور الدّين مُحَمَّد بن قرا ارسلان وَأخذ يَده على طَاعَة السُّلْطَان ومعاملة الرّعية بِالْعَدْلِ والاحسان وَلما اسْتَقر السُّلْطَان فِي الدَّار ودارت بأقدار مُرَاده الاقدار من الْفلك الْمدَار

ذكر القوام أحمد بن سماقة وزير نور الدين بن قرا ارسلان

استحضر نور الدّين وَأخذ يَده وأوضح لجده جدده واستوثق مِنْهُ بِحلف أكده وَعقد مِيثَاق عقده وعاهده من طَاعَته على مَا عَهده وأسعده بمناه مِنْهُ وأسعده وأرشفه شفَاه شفاهه وأرشده وأقامه لملكه وَفِي دسته أقعده وَشرط عَلَيْهِ طَاعَته وَفِي كل غزَاة مُتَابَعَته ومشايعته ومبادرته عِنْد الاستدعاء وبالاستعداد ومسارعته وَكَانَ لَهُ مِمَّن صحت مناصحته ولزمت بمصافاته مصافحته وَلَا يكون لمن ينازعه على غير مصالحة مصالحته وَأَنه يعمر الْبَلَد وأعماله ويعمها بإحسانه وَيُعِيد مَا تشعث مِنْهَا الى عمرانه وَيسْقط المكوس ويغبط النُّفُوس ويبدل بالنعمى الْبُؤْس وبالبشر العبوس ويبنى العروش ويزكي الغروس ويديم لمطي المكاره وكف العظائم الرّكُوب ولنشر المكارم وكشف الْمَظَالِم الْجُلُوس ويسعي السُّعُود وينحي النحوس وَصدق الصداقة صداقك الذى جلونا بِهِ عَلَيْك هَذِه الْعَرُوس فأمدنا بالامداد وَأحل مِنْهَا أجناء الاجناد وانجاء الانجاد واحمل بحملك اعباء الْعباد واكف بحكمك بلَاء الْبِلَاد وأقم صلوَات الصلات وأدم سكنات الْحَسَنَات وحركات البركات وأد صدقَات الصَّدقَات وتنكب طرق طوارق النكبات وَأبْعد عَن مَعَاني الشُّبُهَات ومظان الشَّهَوَات وانتهز فرص الْخيرَات فَوَاتهَا قبل الْفَوات وأحي لاوليائك بآلائك موَات الْموَات ثمَّ استودعه وودعه بعد ان نور للعيون مطلعه وَنور بالعيون منبعه وهب لَهُ اغنائه بِمَا وهب لَهُ وَبِمَا فض لَهُ من ختام عطاياه فَضله وأوضح وأعذب منهجه ومنهله وَأَتَاهُ من تفضيله بجميلة وجمله ذكر القوام أَحْمد بن سماقة وَزِير نور الدّين بن قرا ارسلان كَانَ صَدرا رحيب الصَّدْر جليل الْقدر متحببا إِلَى الْقُلُوب بكرمه متقربا إِلَى الْمُلُوك بخدمه ناصحا فِي خدمَة مخدومه مُدبرا لقلمه باقليمه حَافِظًا لاوليائه غائظا

لأعدائه منفذا بِحسن المضاء أوامره معودا بِصدق الْوَلَاء مفاخرة مُسَددًا بِالْأَمر السديد الامور مجددا بسفارته لجدة السفور وَهُوَ يقرب بِفضل توصله الْبعيد ويلين بلطف توسله الشَّديد ويتولى تذليل المصاعب وتفليل النوائب بِنَفسِهِ ويستلين المستعصب المستوحش بأنسه أريحي الى المكارم مرتاح المعي سنا ضَمِيره لظلم الخطوب مِصْبَاح لوذعي إِصَابَة رايه لمغالق الْمَقَاصِد مِفْتَاح لَهُ فِي مطار المطالب لكل نجاح جنَاح وَفِي كل مزاح عرف مراح وَلكُل مرض علاج وَفِي كل عرض منهاج وَفِي كل ليل اسراء وَمَعَ كل خيل اجراء وَفِي كل وَاد لسحبه سيل وَفِي كل نَاد لسحبه ذيل وَلكُل هاد إِلَى صَحبه ميل وَهُوَ الَّذِي عطف الْقلب السلطاني على مخدومه باستعطافه واستلطفه بألطافه ونال مُرَاده مِنْهُ باستسعافه وتكلف وتكفل بوفاء الِالْتِزَام ومضاء الاعتزام وتسديد المرامي وتصويب المرام وَكَانَ لَهُ بوفود الغرامات أوفى غرام وريه لزند كل اوار وريه لري كل أوام وَقد حكمه صَاحبه فِي أَمْوَاله فَهُوَ يصونه ببذلها وَيجمع شَمل ملكه بِشَتٍّ شملها وَلما سَأَلَهُ السُّلْطَان فِي مُبْتَدأ ايام سفارته ومفتتح عَام زيارته عَن مشتهى مخدومه ومنتهى مرومه وَمَا الْعَمَل الَّذِي يقترحه وَمَا الامل الَّذِي يستنجحه وَمَا الَّذِي يَقْضِيه من اربه ويؤتيه من طلبه فَقَالَ لَهُ ان اباه فَخر الدّين قرا ارسلان درج على حسرة آمد وَإِن فتحتها لَهُ اقتنيت المحامد واستعبدته للابد وأرشدته فِي الْجد بخدمتك إِلَى أوضح الجدد وَأخذ الْيَد الناصرية لاتخاذ يَد نصرته وحسر لثام الْحِرْص على تَحْصِيل مَا هُوَ فِي حسرته فَسبق الْوَعْد وَصدق وَاتفقَ من الْفَتْح مَا اتّفق وَكَانَ هَذَا الْوَزير المنعوت بقوام الدّين قوام دولته ونظام مَمْلَكَته وَدخل إِلَى سلطاني من بَاب عرفاني وانتظم مَعَ اخواني وَلم يزل نحوى متوددا وَالِي متودا حَتَّى اخجلني بمننه واثقلني بمنحه وشغلني بفروضه وسننه وألزمني بمقترحه ووثقت من وده بدوامه وضمنت لَهُ الاهتمام باتمامه وَجَعَلَنِي فِي مقاصده مقصدا وَاتخذ عندى بِصدق صداقته يدا فَمَا زلت معتنيا بوده مقتنيا لحمده مبتنيا لمجده وتحجبت لَهُ عِنْد السُّلْطَان وسهلت حجابه وصوبت لَدَيْهِ اراءه وارابه وسببت

ذكر الرحيل عن آمد والتوجه إلى الفرات لقصد حلب والولايات

احكامه وأحكمت أَسبَابه وَقرر لي على مخدومه وبمرسومه وظائف عطايا ورواتب هَدَايَا اسْتَقَرَّتْ من احسانه وَاسْتمرّ إِلَى آخر زَمَانه وسأنهي ذَلِك فِي مَكَانَهُ ذكر الرحيل عَن آمد والتوجه إِلَى الْفُرَات لقصد حلب والولايات وَلما تسنى الْغَرَض وتأدى المفترض وَقضي الأرب وَرَضي الطّلب وَحصل بِالْمَقْصُودِ وَوصل المنشود واستتم المرام واسترم التَّمام ورشد الْقَصْد وَقصد الرشد وبذ الْفَتْح ولد الْمنح ووافى الظفر وَوَافَقَ الْقدر وَزَاد بالصفا وَزَالَ الكدر وافتض الْبكر وَاقْتضى الشُّكْر وَوزن بِالْمهْرِ وزان الدَّهْر وتوضح الْبشر وتضوع النشر وفرغنا من شغل آمد وبلغنا ببلوغ أمد فتحهَا وفرغنا ومنحناها المحامد رميت النوبتية وَقد دنت العشية فَعرفنَا دَلِيل الرحيل ونهجنا سَبِيل التَّحْوِيل فشرعنا فِي ضم نشر الاثقال وَجمع شتات الاحمال وتونخ الْجمال وتوكيف البغال وتقويض ذَات الْعِمَاد وَحل الاطناب وَقلع الاوتاد وتعزيل الخيم وتعديل الشيم وتوثيق الصناديق وتلفيق التفاريق وتوسيق الاعدال وتوفيق الاحوال والالجام والاسراج والتبريز والاخراج وطي الْبسط وَحل الرَّبْط وايضاح مطلع الايضاع لطلوع الْقَمَر وحسر اردية الرديان للسحر وإعلام أَمِير الْعلم بِمَا فِي الْعَزْم المبرم من معاودة السرحة والروحة ومواعده الغبقة والصبحة وَشد العرى بالبرى وترتيب السّير والسرى وَتَقْدِيم الجمازات للسبق وأدلة المفازات للهداية الى الطّرق فاستقلت الْجمال نصف اللَّيْل آخذة فِي الإعناق كاعناق السَّيْل فالسيول جارفة والخيول جَارِيَة والاودية سَائِلَة وَالْجِبَال الراسية سَارِيَة والمشاعل مشعلة والرواحل مرقلة والرواسم تسرع والمناسم تدرع والوشيج يعْمل والوشيح يحمل حَتَّى خفت الاثقال وحم الارتحال وأصبحنا على الرّكُوب وملأنا الشعاب بالشعوب والصواهل فِي الأعنة تمرح والذوابل بالأسنة تلمح وبحر الْبر بالجيش جائش وقلب الجو من جوى النَّقْع طائش وَصدر

ذكر انجاز أمور الرسل

الْفلك الرحب لعثار العثير ناعش وَالسَّمَاء قد تنقبت من الوقع الثائر والارض قد تنقبت من وَقع الحوافر والمصم يسترق السّمع بشهبها والشم تخترق الْجمع بهضبها والسوابغ فِي روض الْحَدِيد غُدْرَان وأمواه الزرد المتضاعف للمعانها نيران ولضرام الْبيض واليلب من القتام دُخان والأجواد تجرى بهَا الْجِيَاد والرياح قد امتطتها الأطواد وَلكُل جفن غرار وَلكُل روض عرار وَلكُل زند جد شرار وَفِي كل كبد عزم نَار عَار وكل وَلكُل ضامر سبق وَلكُل سَابق مضمار وكأنما الغاب يسير بأسوده وَقد سَار الْجَيْش فِي جُنُوده وبنوده فَمَا تحرّك الْخَمِيس حَتَّى سَار بالأسد الخيس وعرس فِي دجى عجاجه العريس وكأنما مَالَتْ باعطاف المران لاهتزازها الخندريس وتعينت الْمنَازل وتبينت المراحل ذكر انجاز أُمُور الرُّسُل وَكَانَت عندنَا رسل مُلُوك الْأَطْرَاف وَقد وصلوا على اخْتِلَاف الْمَقَاصِد بِاتِّفَاق الاستعطاف والاستلطاف وكل يسْأَل فِي سؤل بِكِتَاب مِنْهُ وَرَسُول يشفع أَن يشفع مَا قبله بِقبُول ويضرع أَن يرضع طِفْل لطفه من خلف الاحتفال بِهِ در حفول ويلتمس طولا بِهِ يطول ووصولا إِلَى الْخدمَة بجاه وجاهته يصول ويتقرب بِكُل فن ويترقب كل من ويترسل ويتوسل ويتوصى ويستدعي ويستعدي وَيهْدِي ويستهدي ويجتذب ويجتدي ويقتضب وَيَقْتَضِي ويستأمن لرعبه ويستأمر فِي خطبه ويستام قرب قلبه ويروم أَن يضم الى ملكه وينتظم فِي سلكه ويذعن بِطَاعَتِهِ ويمعن فِي تباعته وأحضرني السُّلْطَان تِلْكَ اللَّيْلَة عِنْده وأفردني بخطابه وَحده حَتَّى أنجزت الْكتب وجهزت الرُّسُل وتفرغت لتِلْك القضايا حَتَّى قضيت الشّغل فَمَا نهضت حَتَّى أنهضت كتائب كتبي الى الْبِلَاد وَمَا قُمْت حَتَّى قُمْت فِي ذَلِك المُرَاد بالمراد وأمددت الاقاليم من مداد اقلامي بالامداد ووسعت صدرى للإصدار والايراد وكتبت

فصل من انشائي من تقرير آمد على ابن قرا أرسلان ومصالحة ابن عمه صاحب ماردين

وبتكت وسكنت وحركت وتملكت وملكت وحكمت وأحمكت ونقضت وأبرمت وَأمنت وخوفت ووعدت وسوفت ووشعت وفوفت وأنشأت وأنشرت وافتكرت وابتكرت وأطنبت وأوجزت وأعجبت وأعجزت ونسجت وطرزت وبنيت وقوضت وقلدت وفوضت وروحت وروضت وختمت وعنونت وحتمت وكونت وابتدأت وأنهيت وصقلت وأمهيت وبريت وبرأت ودريت ودرأت وحللت وعقدت وانتقيت وانتقدت ورقمت ورقشت ونقحت ونقشت ورشت ونشت ونعشت وملأت البروج بالدراري والدروج بالدرر وجلوت بلجة بَيَاض الطرس فِي دلجة سَواد النَّفس فِي الأوضاح وَالْغرر فَمنهمْ من احلت على رَسُوله بسؤله وَمِنْهُم من بَشرته باقباله وقبوله وَمِنْهُم من عَرفته بمأموله من عرف مأموله وَمَا هُوَ لَهُ من معمور بَلَده ومأهوله وَمِنْهُم من رددت اشتطاطه وَقبلت اشْتِرَاطه ونشطت عقلته بعد أَن عقلت نشاطه وأوثقت بالعصمة وَالنعْمَة ارتباطه واغتباطه وَمِنْهُم من وقفته بَين الْمحبَّة والمهابة واسعفته بالاجارة والاجابة وأزلت مَا سامره وخامره من الاسترابه وَمِنْهُم قطب الدّين إيلغازى بن آلبي بن تمرتاش الارتقي رتق فتقه ورعى فِي اعتذاره حَقه وآفاق من نشوته وانتشا بِنَا الاحسان أفقه وَكَانَ أمره كَمَا ذكر فِي فصل من كتاب وَلما رأى صَاحب ميافارقين أَن أُخْت صاحبته قد ابتنى بهَا ابْن عَمه خَافَ ان يجمع لَهُ بَين الاختين فراسل ببذل الْخدمَة الَّتِي يكون فِيهَا لنُور الدّين ثَانِي اثْنَيْنِ وَقرر ان ينْهض عسكره فِي اوقات الملاقاة وَأَن ينْتَقل من حكم الثقاف الى حكم الثِّقَات فصل من انشائي من تَقْرِير آمد على ابْن قرا أرسلان وَمُصَالَحَة ابْن عَمه صَاحب ماردين كَانَ الْملك نور الدّين بن قرا أرسلان فِي الْخدمَة مُنْذُ عبرنا الْفُرَات بِنَفسِهِ وَعَسْكَره ملازما لنا بحرصه على المناصحة وتوفره فأنجزنا لَهُ فِي آمد موعده وأنجحنا مقْصده وقررنا أَن يكون فِي الْخدمَة هُوَ وعساكره وراقتنا مباهج ابتهاجه بالانتماء الينا وسوافره وَرَأى صَاحب ماردين ان ابْن عَمه قد فَازَ بِالسَّبقِ وَحَازَ الْفَضِيلَة فَدَعَا بالاذعان وابتغى الينا الْوَسِيلَة وَقد كُنَّا فتحنا من بِلَاده طرفا وحركنا من قلبه شنفا

فصل من انشائي في فتح آمد الى الصاحب

فحين عَاد إِلَى الْحَمد والاخلاص شملته عاطفتنا بالاصطناع والاختصاص وملكناه مَا ملكناه عَلَيْهِ وأعدنا كل مَا أخذناه من ولَايَته اليه واستمسك منا بِحَبل الْعِصْمَة وَاسْتقر أَيْضا أَن يكون عسكره عِنْد الْغُزَاة فِي الْخدمَة فصل من انشائي فِي فتح آمد الى الصاحب صدرت هَذِه الْمُكَاتبَة من آمد بعد فتحهَا وإسفار لَيْلَة السرى فِي الْقَصْد لَهَا عَن صبحها فانه لما وصل اليه التَّقْلِيد الذى هُوَ اقليد رتاج اقليمها ومفتاح بَاب تَسْلِيمهَا سَار اليها فَفَتحهَا وَختم وَورد جمتها الَّتِي طالما صدت عَن صدائها الحائمين فمنحها وَهِي المحجبة الَّتِي كشفت ستورها وَدَار لعصمتها كسوار معصمها سورها وغلت على انها السَّوْدَاء على خطابها لَان المهج مهورها وطالما نأت بجانبها للاعراض ونبا جوهرها عَن الاعراض وصافت دون أوصافها سِهَام الْأَغْرَاض ودرجت الْمُلُوك على حسرتها فَلم يحسرلها لثاما وَمَا استطاعت لثغرها ثلمًا وَلَا لثغرها التثاما التثاما فَلَمَّا وصل اليها وص إِلَيْهَا وصال عَلَيْهَا منعت كعادتها العادية وصالها وَحرمت المنى منالها وحجبت عَن الحجى حجالها وصدت بوجهها وتصدت لنجهها وَردت شفاها وردعت سفاها فَبَدَا صَاحبهَا بالانذار فكذب النذير وانكر التَّقْدِير ذكر القفول بالنصر الدَّار بالحفول وعبور الْفُرَات وَفتح تل خَالِد وقفلنا عَن آمد وَقد فتح مقفلها ومتح منهلها وجليت بسناها عروسها وحليت بجناها غروسها وأسنيت عروشها وأنست وحوشها وامتزجت بجيوشها جيوشها ووصلنا الى الْفُرَات فِي مراحل مري حلبها هم أَمر حلب وَجَرَّدْنَا لَهَا الطّلب وعبرنا الْفُرَات ببحر الْجَيْش اللجي وغزونا النَّهَار بلَيْل العجاج الدجوجي وارعبنا بتقليب الأَرْض قلب السَّمَاء وفرطنا بمشرعات الأسنة جوز الجوزاء وكسونا بمشرعات الأعنة عرى العراء وأسدلنا على الخضراء ستر الغبراء وسلونا عَن السَّوْدَاء بحب الشَّهْبَاء فصل من كتاب ونزلنا على تل خَالِد يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشر الْمحرم وَقد كَانَ تقدمنا الْأَجَل تَاج

ومن الإنشاء الكريم الفاضلي في المعنى

الْمُلُوك بورى أَخُو السُّلْطَان اليها وأناخ عَلَيْهَا وقابلها وقاتلها وعالجها وَلَو شَاءَ لعاجلها وَلما أطلت عَلَيْهِ راياتنا ألْقى من فِيهَا بِيَدِهِ وأنجز النَّصْر صَادِق موعده وأصفى عِنْد موردها عذب مورده وأجرى الله تَعَالَى على الْعَادة فَلَا عدم فَضلهَا رَجَاء معوده وَكِتَابنَا هَذَا وَقد جازتها القبضة واستفتحت بهَا هَذِه النهضة وأرسلتها حلب مُقَدّمَة لفتحها وعولجت لَيْلَة سرى الْعَزْم بصحبتها وَمن الْإِنْشَاء الْكَرِيم الفاضلي فِي الْمَعْنى 3 - أَن رايتنا المنصوبة المنصورة قد صَارَت مغناطيس الْبِلَاد تجذبها بطبعها وسيوفنا مفاتح الْأَمْصَار نفحتها بنصر الله لَا بحدها وَلَا بقطعها فقد كفانا الله من احتيازباجتياز وَقد سبق الْحُصُول عَلَيْهَا الْوَعْد مِنْهَا فَلَا مؤونة لمطل وَلَا مِنْهُ لنجاز وَلما قَطعنَا الْفُرَات بعثنَا سرعَان الْعَسْكَر الْمَنْصُور إِلَى تل خَالِد فنزلوا بعقوتها وَرفع المنجنيق يَده إِلَى ذروتها فَلَمَّا نزلنَا بهَا نزل من فِيهَا على حكمنَا وأجريناه من الاحسان على رسمنا واستجار من حربنا بِذِمَّة سلمنَا وطوينا إِلَى أُخْرَى بِمَشِيئَة الله قَرِيبا كتاب فتحهَا ويقر الله بهَا الْعُيُون أسْرع بهَا من لمحها وَفِي الْمَعْنى كتَابنَا هَذَا وَقد جزنا الْفُرَات ونزلنا على تل خَالِد واستنزلنا من بهَا على السّلم وأذمت لَهُ من عَادَة الفتك عَادَة الظُّلم وَفِي الْحَال تسلمت قلعتها وبلدها وكرم بالنصر موردنا وَصفا بِالْعَدْلِ موردها وتجاوزنا عَمَّن بهَا قَادِرين وتجاوزنا عَنْهَا إِلَى أهم مِنْهَا سائرين وأصدرنا هَذِه الْبُشْرَى حامدين لله شاكرين فذكرناها لَك لنسرك بهَا فَإِن فِيهَا ذكرى لِلذَّاكِرِينَ وَفِي ذَلِك أَيْضا من الْإِنْشَاء الْكَرِيم من النعم مَا يزِيد على حلاوة موقعه بديهة مطلعه وَيرْفَع من قدره سهولة

ذكر الوصول إلى عين تاب

أمره ويصفي من مورده وُرُود النجح سائقا لموعده وَتلك النِّعْمَة فِي فتح تل خَالِد فَإِنَّهُ أعْطى القياد قبل عراكه وَلم يفرط مِمَّن بِهِ فارط يحْتَاج إِلَى استدراكه فَنزل مستعفيا من المنازلة وَألقى بِيَدِهِ قبل لِقَاء مَوَاقِف الْمُقَاتلَة وَكِتَابنَا هَذَا وَقد تسلمنا قلعتها ذَات الهضبة المنيعة وبلدته ذَات الرساتيق الوسيعة الوشيعة وَجَاء هَذَا الْفَتْح لما بعده من الْفتُوح طَلِيعَة وَكَانَ عجالة الْقرى عِنْد مقدمنا من بِلَاد الجزيرة وسابق فتوح مَا بعده من الْبِلَاد الْكَثِيرَة وَالله يتَوَلَّى من ذَلِك مَا يكون الصنع فِيهِ صنعه وَمَا لَا يبلغهُ الْمُجْتَهد وَإِن بذل وَسعه ذكر الْوُصُول إِلَى عين تَابَ ثمَّ نزلنَا على عين تَابَ جائزين ولأعمالها حائزين وبالنصر من الله فائزين فَنزل صَاحبهَا الينا نَاصح الدّين مُحَمَّد بن خمارتكين ذُو الْمَكَان المكين والحصا الرزين الركين وتبرع بِطَاعَتِهِ وَشرع فِي بذل استطاعته وَأخذ جموع أَصْحَابه بالاصحاب وجنوح أَسبَابه بالاستتباب وَأَحْكَامه بالاحكام وإلزامه بالالتزام وخلط عسكره بعسكرنا وربط مفخرة بمفخرنا وأبدل النزال بالانزال وَعجل مَا نوى لنا من النوال فَانْزِل من الْمنزل مَا فضل وَبِه فضل وَتحمل من الْهَدَايَا والتحف مَا ثقل لما حمل فهنأنا لَهُ النحلة وعجلنا عَنهُ الرحلة وَذَلِكَ بعد أَن مكناه فِي مَكَانَهُ وأحسنا اليه لاحسانه ووفرنا زينته ووقرنا رتبته فاجتاب لما احتبى خلعته واحتل لما حلى قلعته وقرت عين عين تَابَ تَابِعَة للامر قَارِعَة ذرى الْفجْر سَابِقَة الى الاستسلام صَادِقَة فِي الِاعْتِصَام جَارِيَة مَعَ الدولة فِي مَسْلَك المرام وسلك الانتظام راجية كَرَامَة صَاحبهَا بالجميل لكَونه من جملَة الْأَصْحَاب الْكِرَام فصل من الانشاء الْكَرِيم فِيهِ وَوصل صَاحب عين تَابَ بِنَفسِهِ وبعسكره مسابقا للنزول عَلَيْهِ بمحضره وملقيا بِيَدِهِ من معقله ومستذما بالاحسان الذى ورد عذبا من منهله ومهديا لما صرف عَن قوته الى مَا فتح لَهُ من تحيله وانه اقر فِي مَكَانَهُ وعومل بِفضل الابقاء واحسانه واستجلب سواهُ مَا فعل مَعَه وَنحن على انْتِظَار من اذا سمع مَا رَآهُ الْمَذْكُور تبعه

ذكر الْوُصُول إِلَى حلب فِي الْمحرم من السّنة ووصلنا إِلَى حلب وعماد الدّين زنكي بن مودود ثاقب سمائها وراكب شهبائها ومفترع عذرتها وفارع ذروتها وقارع مروتها وَبدر هالتها وَصدر جلالتها وحصين قلعتها وقرين تلعتها وَأمين سلعتها وَمَالك بضاعتها وَملك جماعتها وَلَيْث غابها وغيث سحابها ومقيم أرْضهَا والقائم بفرضها ورابض حماها وحامي ربضها وآمرها وناهيها وزاهرها وزاهيها وشاه رقعتها وجاه بقعتها وضوء بلجها وضوع أرجها وَوجه انيسها ووجيه ناسها ووارث ارثها وباعث بعثها ووالي جنتها وحالي وجنتها ورضوان قصرهَا وسلطان عصرها ومروض جنانها ومروج جنانها وراعي رعاياها وقاضى قضاياها ومشتري فلكها ومشتري ملكهَا وَمَالك بَلَدهَا وسالك جددها ومبدي فجرها ومجري مجرها وجار جرمها وجار عرمرمها وَهُوَ مَعَ ذَلِك على مَا فِي يَده متخوف والى سنجار بَلَده متشوف ولتصريف الزَّمَان ومدده متعيف وَمن اسْتِئْنَاف الْحَرْب مَعَ امكان السّلم آنف وَلكنه بِأَمْر الامراء النورية مستنير ولرأيهم فِيمَا رابه وراعه مستشير وكل مِنْهُم على سَبِيل التعصب والتصعب والتبغض والتغضب بِالشَّرِّ مشير وللثأر مستثير وَكم وَكم أوقدوا للحرب نَارا وعقدوا للشر شرارا وشاموا الْبيض وساموا التحريض وبارزوا الاقران وحاجزوا الشجعان وَاسْتَحَلُّوا ضرب الضَّرْب واستمروا طَعَام الطعان واستمروا على الهر وَمر الْمَوْت وهز المران واقحوا وواقعوا وعاقروا وقارعوا وَخَرجُوا مدججين فِي بَحر الْحَرْب ملججين وَفِي ليل النَّقْع مدلجين والى الرّكُوب اليهم والوثوب عَلَيْهِم محوجين وثبتوا على دين الْجلد وثبتوا دون الْبَلَد واستنوا من الْجد فِي سنَن الجدد وَأخذُوا فِي تكثيف الْعدَد وتكثير الْعدَد وتضعيف المدد ودفعونا عَن مُقَارنَة السوء ومقاربة السُّور وَاحْتَملُوا بارتداء حومة الردى عارين من عَار المحصور المحسور وضاربوا الاضراب وأرضوا ببسالتهم الْأسد العضاب وروعوا روع الروع ووسعوا خطى

الكره إِلَى الطوع فاذا ساءوا بالاقدام سروا واذا فروا وفروا وَإِذا فروا كرموا وكروا وهم على كل حَال أجناد الْجِهَاد وأجلاد الجلاد وكماة المأزق وحماة الْحَقَائِق وحمس اللِّقَاء وشمس الاحراء وَمِنْهُم النورية النارية الاذكاء القارية الرماء الهائجة إِلَى الهيجاء المائجة فِي دأماء الوغى بأمواج الدِّمَاء وَمِنْهُم الياروقية الروق وَقد سلفت لاسلافهم واخلافهم على الاسلام الْحُقُوق وَالسُّلْطَان لَا يُؤثر جراحهم وَلَا يروم اجتياحهم وَلَا يُنكر اجتراءهم واجتراحهم ويفكر كَيفَ يطغى بِغَيْر حرق احتراقهم وَيَكْفِي بِغَيْر قرح اقتارحهم وَقد اعجبته فِي مقَام الاقدام سماحتهم وحماستهم وراقه بأسهم وبسالتهم وَثبتت عِنْده بالتجريح عدالتهم وحالت لَهُ حالتهم وترجحت فِي نظره استمالتهم وَلم يظْهر للكريهة وان ظَهرت كَرَاهَته وَنبت همته ان يتْرك نباهته وَلم يزل يكف الاصحاب عَن هوى الْهوى فِي مطار المطاردة ويرجو عواقب المقاربة ويزجي مبادىء المباعدة ويشيع انهم لانتهاز فرص القنص بزاة الْغُزَاة واصلاحهم بالمولاة أولى من افسادهم بالمعاداة وَكَانَ هُوَ مَعَ عقلاء الْعَسْكَر يَتَّقِي واليزكية مَعَ جهلاء المعشر تلتقي ونفع الرقعة صباح مسَاء يرتقي والذمر المشيح بأشطان الاسل يَسْتَقِي وَكَانَ تَاج الْمُلُوك أَخُو السُّلْطَان فَارس الفرسان ومعفر الاقران ومعثر الشجعان بِحكم شبابه الطري وشباه الطرير وَلما سبق بِهِ حكم الله فِي التَّقْدِير يسْرع الى الحملات ويشرع الأسلات ويعيم سابحه فِي دأماء الدِّمَاء وَيُقِيم الْحَرْب على سَاق حَيْثُ لَا ثبات للقدم ويعتري الْوُجُود بِالْعدمِ وَقد سلبت رزانة حصاه خفَّة حصانه وَكم جَار عَن مجاراته مدانيه فِي ميدانه يشك بالرديني ردن الردى ويفك بيد الأيد عرى العدى وَهُوَ مِقْدَام متذمر متهور متمرن على حب الكريهة متنمر محب للْمَوْت ملب للصوت طَائِر لكل هيعة ثَائِر لكل روعة وَاقع على كل وقْعَة زعيم كل

ذكر المنزلة الاولى بالميدان الأخضر

جحفل عَظِيم كل محفل ضرامي الوقدة ضرغامي الوقذة ليثي اللوثة عمري الأحدوثة فَمَا زَالَ الاقدام بِهِ حَتَّى تورط وفراه طعن فِي فَخذه حِين فرط فَمَا ملاه الامل وَلَا أَجله الاجل وَسَنذكر شرح ذَلِك مَعَ ذكر النُّزُول بِظَاهِر حلب فِي منزلتين ذكر الْمنزلَة الاولى بالميدان الْأَخْضَر نزلنَا بالميدان الْأَخْضَر فِي الزَّمَان الانضر وَالربيع فِي ريعانه والصنيع فِي احسانه والدهر فِي زهره وزهوه وَالشَّجر فِي نوره ونوئه وَالرَّوْض فِي ضوعه وضوئِهِ وَالطير فِي شوقه وشدوه والدوح بالورق بَين أوراقه فِي حدوه وللاشجار اشجان تبثها الحمائم وللزوار ادوار تحثها العزائم والنوار قد شب وشاب والهزار قد لب ولاب والعندليب قد طرب وغنى والحبيب قد طرف وتجنى وللاندية انداء وللاودية اوداء وللصبا صبابات وللبيب لبانات والشادى هزج والنادى أرج والوادي بهج والعيش رغد والطيش غرد وَالْحسن جاذب والحزن كَاذِب والبلابل تهيج بلابل الاشواق وامالي تكْتب بانفاس الانفاس من الندى السَّحَرِيِّ فِي الاوراق والنور شائب والجور غَائِب والدور راتب والزور مواظب واحداق الحدائق الناظرة ناظرة ولذات الذَّات الحاظرة حَاضِرَة وغدائر الاعشاب وَارِدَة وغدران الشعاب مورودة والظلال ممدودة والخلال مودودة وساعات الفرص مَعْدُودَة وساحات الرُّخص محدودة وَالْحُدُود مسعودة والسعود مجدودة وللشمال شُمُول وللقبول قبُول وللعرار شميم وللبهار نسيم وللمجلس زين وللنرجس عين وللورد جنَّة وللورد وجنة وللكمام أجنة وللغمام دجنة وللأنس من الأغاني جنَّة وللأنس بالمغاني جنَّة وللجدول جدوى وللبلبل شكوى وللاقاحي ثغور وللضواحي حبور وللشقائق خدود وللحقائق حُدُود وللرقائق لحون وللافنان فنون وَلِلْحَدِيثِ شجون وللاحداث وهون ولجبهة الغدير من حَرَكَة النسيم غصون ولهزة المسار اعطاف يُقَال لَهَا غصون وللتطريب تطرية وللتحريب تحرية وللتعريد تعريب وللتشبيه تشبيب وللانشاد انشاء وللازهار ازهاء وللنفوس بالنفائس اشتهار واشتهاء وللانهاء الى قَرَار القري انهاء فَجِئْنَا إِلَى حلب وفجأناها فِي أطيب أوانها وَأحسن زمانها وفجعناها بِكُل طرب وحرمناها كل ارب واعدنا سلمهَا حَربًا وبردها كربا وخدها تربا وَحدهَا دربا وحزنها مقتربا وسرورها مغتربا وغمضها سهدا وشملها بددا وجديدها سملا وجذلها جدلا وبساتين خضرها ميادين خضرها وأماكن مكينها مكامن كمنها واثرنا الغبراء من خضرائها وقلبنا

ذكر المنزلة الثانية على جبل جوشن

أرْضهَا الى سمائها وَضربت سرادقات السُّلْطَان فِي صدر الميدان وَضربت خَيْمَتي عَن يَمِينهَا على الْعَادة فِي الْبُسْتَان وَكَانَت لي خيمة فويق نهر قويق مَضْرُوبَة وَهِي محجبة عَمَّن يشغلني عَن مهام الْخدمَة محجوبة وَلَقَد أسفت على تِلْكَ المتنزهات كَيفَ تشعثت وأيدي التَّعَدِّي بهَا تشبثت فَإِن الْحلقَة الْخَاصَّة فِيهَا ازدحمت وعَلى نثر منثورها ومنظومها انتظمت ثمَّ العساكر على كثرتها من بعيد بِالْبَلَدِ احاطت واشتطت فِي حب الكريهة واستشاطت وَفِي كل غدْوَة وَعَشِيَّة ركُوب إِلَى كروب وهبوب إِلَى وثوب وزحف بحفز وعزم بعز وجهلات وحملات ووثبات وثبات وفر وكر وشزر وَطعن يفصل ويخيط وَضرب يطيش ويشيط وعثير يرتقى وعاثر يَتَّقِي وعامل يجبي خراج الارواح بخروجها وباسل يجلو أقمار التّرْك من الترائك فِي بروجها وتاج الْمُلُوك موقد نارها وخائض تيارها ومضرم حربها ومغرم حبها ومتيم كربها ومتيمم تربها ومقدم طَعنهَا وضربها وَالسُّلْطَان لرعيته فِي الابقاء وكراهيته للقاء واشفاقه على رجال الاسلام وأبطال الشَّام يَأْمُرهُم بالكف وينهاهم عَن الزَّحْف وَيَقُول مقصودنا الْبَلَد وَمن دون فَتحه على الجلاد الْجلد واذا تهَيَّأ فَتحه وَتَهْنَأ منحه عَادوا عَن الْعَدَاوَة وآبوا وأبوا خلق الضّر والضراوة ويقيضهم عَن أَن يباسطوا وَيَتْلُو عَلَيْهِم {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابطُوا} لَكِن كَانَ الشَّبَاب يشبون الضرام وَيُحِبُّونَ الاقدام ويلبون الْحمام فأصابت تَاج الْمُلُوك طعنة لم يكترث بهَا وفكت ركبته وَقلت ركبته بِسَبَبِهَا وفضت بفلول شبا شبابه وذبول جنا جنَاحه وحؤول رتبته الى ترابه وَسَنذكر يَوْمه وَكَيف شغل يَوْم الْفَتْح عَن حتفه قومه ذكر الْمنزلَة الثَّانِيَة على جبل جوشن ثمَّ رأى السُّلْطَان أَن مقَامه بالميدان الْأَخْضَر لَا يقْضِي بتضييق حصر وَلَا يُفْضِي الى تَحْقِيق نصر فأصبحنا بعد أَيَّام على عزم الرحيل وازماع التَّحْوِيل وعبرنا بِمن حضر من العساكر على بيُوت الْحَاضِر وَلما وصلنا إِلَى جبل جوشن لبسنا جواشن الصَّبْر

وأنسنا من ليل النَّصْر مطلع الْفجْر وضربنا عَلَيْهِ الْخيام واظهرنا بِهِ الْمقَام وأحضر السُّلْطَان بنائين وصناعا ومهندسين وَأمر بِحَفر أساس قصر يبنيه وَنصر مجتنيه وَحمد بالكف عَن الْقِتَال يقتنيه وَقَالَ ان كَانَ الْبَلَد منَازِل فهاهنا مَنَازلنَا وَبهَا تركز عواملنا وَنحن نتصرف فِي الْبِلَاد والأعمال ونقطعها للرِّجَال ونترك حلب على مَا بهَا من الْحَال وَأمر بترك الْقِتَال والاعفاء عَن النزال والعسكر تركب فِي كل يَوْم صُفُوفا وتطيل على الطلل وقوفا وَتعلق فِي اذان شراريفه من النصال شنوفا وتشعل بِنَار أَنفه عيُونا وأنوفا حَتَّى أنسنا النعشه وأنسينا الوحشة وسكنا ماكثين وركنا لَا بثين ولهونا عابثين لَا عائثين ولرسل التَّرْهِيب باعثين وَفِي عقد التَّرْغِيب نافثين وَنَذْكُر اننا من عباد الله الصَّالِحين الَّذين جعلهم الله للارض وارثين وَقد ضنت حلب بحلبها وظنت ببيضها ويلبها ورنت بأوتارها وحنت الى اوتارها وثارت لثارها وطاش نحونا حجى حجارها وَثقل علينا حصا حصارها وَنَادَتْ الاسواء على اسوارها وَسمع شفَاه سفاهها وفضع فحش أفواها وَكثر سبع سباعها وَثَبت حكم اجتماعها وَمَا فِي الْقَوْم الا من حميت حميته واهتمت همته وأبت الا الاباء أبيته وخشنت كَلمته وَكلمت خشونته وَعلمت جهلته وَعرفت نكرته وَبَانَتْ نبوته وَمَا تجافت جفوته وَالسُّلْطَان يحمل ويحلم ويتغابى وَهُوَ يعلم ويتكره ويتكرم ويعاود الاستماله ويواعد بالاقالة وَيُعِيد القَوْل الْجَمِيل ويفيد الطول الجزيل ويعين الاقطاع وَيبين الضّيَاع وينادمهم باسماء مناقبهم ويناديهم باسماء مَرَاتِبهمْ فجدوا بالاضرار وشدوا أَرْكَان الانكار وصدوا بِوُجُوه الاعراض وَقُلُوب النفار وعسوا على الْعَجم وعصوا قبُول الحكم وحاصوا وصاحوا وَبسر السِّرّ باحوا وهم يحسبون انهم يحْمُونَ الْحمى لحمام صبور ويحفظون العقيلة لمستام غيور وَمَا عرفُوا أَن صاحبهن قد أصحب بعد جمَاعه واكثب بعد الظَّن بسماحه وَرغب فِي الْمُبَايعَة وتقرب بالمتابعة وَاخْتَارَ السّلم والسلامة وآثر الْكَرم والكرامة

ذكر رغبة عماد الدين في السلم ودخوله في الحكم والمخاطبة فيه سرا من أصحابه والمراسلة في احكام احكامه وتسبيب اسبابه وتسليم حلب على ما شرط وطلب وكان ذلك في يوم السبت ثامن عشر صفر سنة تسع وسبعين

ذكر رَغْبَة عماد الدّين فِي السّلم ودخوله فِي الحكم والمخاطبة فِيهِ سرا من أَصْحَابه والمراسلة فِي احكام احكامه وتسبيب اسبابه وَتَسْلِيم حلب على مَا شَرط وَطلب وَكَانَ ذَلِك فِي يَوْم السبت ثامن عشر صفر سنة تسع وَسبعين وَكَانَ عماد الدّين صَاحب حلب للسوء عائفا ولسوى الْعِزّ عازفا وبعواقب الامر عَارِفًا وعَلى نَوَائِب الدَّهْر وَاقِفًا وَفِي كل مَا يستبعد مقاربا وَلكُل مَا يكره مجانبا وَفِي كل شَدِيد لينًا وَفِي كل حَدِيد هينا وَلكُل مُبْهَم مُبينًا وَلكُل منعم معينا رَاغِبًا فِي التحدي بالاتحاد والاعتداد والاعتضاد وَالِاجْتِهَاد فِي الْجِهَاد وإماطة الْبلَاء عَن الْبِلَاد والاحاطة بِمُرَاد المُرَاد وإماتة إيقاد الاحقاد وَعقد الحبى لحب الِاعْتِقَاد وَفرض سدى السداد ورفض عناء العناد وَالنُّزُول من سَمَاء السماحة الى أَرض الارضاء والبروز فِي فيض الْفَضَائِل الى الفضاء وحسم الدَّاء قبل اعضاله باقتضاب الِاقْتِضَاء وافكر وَوجد عَلَيْهِ فِي كل شهر يفرقه ثَلَاثُونَ ألف دِينَار على الأجناد والأمراء واذا طَال الْحصار وَتعذر الإنتصار رَاح الرِّبْح ورسخ الخسار وَكَانَ يعْتَمد على رَأْي الْأَمِير حسام الدّين طمان الياروقي وَهُوَ قَدِيما يوالي السُّلْطَان ويولي الاحسان ويؤثر المرافقة والموافقة وَيُحب فِي مضمار الْوَلَاء الْمُسَابقَة فَأَشَارَ على عماد الدّين بِمَا كشفه من ضَمِيره ووعده اذا سفر فِيهِ بازكاء الْغَرْس وتثميره وتسهيل الصعب وتيسيره وترتيب النجح وتدبيره فَخرج لَيْلًا من بَاب السِّرّ سرا وبر بالحضور وأحضر برا وَقد قر بِقُرْبِهِ السُّلْطَان وخلا بِهِ لخلابه وعامله بآداب دأبه وأخلى لَهُ جنا جنابه وشفى عتابه باعتابه وَأبْعد عَنهُ الجوى بجوابه وفذلك لَهُ بجود الْجُود حِسَاب سحابه وسامه اصحار الاسد الخادر من غابه واعطاه يَمِينه مَعَ سطر يَمِينه فِي كِتَابه وانه اذا قضى بِرَأْيهِ اربه تَابعه فِي آرائه وآرابه فَعَاد الْأَمِير طمان مطمئن الْجنان مرجحن الْمِيزَان طيب الثَّنَاء صيب الحباء وأفضى إِلَى مخدومه بسر مكتومه وفض مختومه واستفاضة معلومه فافتتحنا بكره ببكر الْفَتْح وَقد جليت وَرَايَة النَّصْر وَقد اعليت وَآيَة الظفر وَقد تليت وعروس القلعة وَقد جليت والابواب قد فتحت والآراب قد نجحت والاوزان قد رجحت والاحزان قد سرحت والصدور قد شرحت والامور قد

نكته مدح القاضي محي الدين بن الزكي السلطان بأبيات منها وفتحكم حلبا بالسيف في صفر مبشر بفتوح القدس في رجب

صلحت وَعرف الامراء فَمنهمْ من خجل وَمِنْهُم من وَجل وكل مِنْهُم نَدم على مَا ند من إبائه وَعدم مَا أعده ليَوْم بلائه وَحسب انه يذب عَمَّن يشْكر ذبه وَيُحب من يذكر حبه فَأرْسل إِلَيْهِم السُّلْطَان استزال روعهم وخوفهم واستزاد طوعهم وشوقهم ومدح لجاجهم والتجاجهم وَأحمد ارتياجهم واحتجاجهم وشفع انكسارهم بجبرهم وقرظهم على صبرهم ووعد كل مَعْرُوف بِمَعْرُوف وَبَدَأَ بالاحسان الى كل شرِيف ومشروف وَحَدَّثَهُمْ بِمَا طيب النُّفُوس بعد الْحَادِث الَّذِي شيب الرؤوس وأزال ببشره العبوس وأطلع فِي مَذَاهِب الْمَوَاهِب بعد غي الغياهب من انوار الرشد الشموس وأوجد النعمى واعدم الْبُؤْس نكته مدح القَاضِي مُحي الدّين بن الزكي السُّلْطَان بِأَبْيَات مِنْهَا ... وفتحكم حَلبًا بِالسَّيْفِ فِي صفر ... مُبشر بفتوح الْقُدس فِي رَجَب فَوَافَقَ فتح الْقُدس كَمَا ذكره فَكَأَنَّهُ من الْغَيْب ابتكره فَفِي صفر سنة تسع وَسبعين كَانَ فتح حلب وَكَانَ فتح الْقُدس سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ فِي رَجَب وَيُشبه هَذَا انني فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين طلبت من السُّلْطَان جَارِيَة من سبي الاسطول الْمَنْصُور فِي أَبْيَات وَهِي ... يؤمل الْمَمْلُوك مَمْلُوكَة ... تبدل الوحشة بالانس ... تخرجه من ليل وسواسه ... بطلعة تشرق كَالشَّمْسِ فوحدة الغربة قد حركت ... سواكن البلبال والمس فَلَا تدع يهدم شَيْطَانه ... مَا احكم التَّقْوَى من الأس فَوَقع الْيَوْم بمطلوبه ... مِمَّا سبى الاسطول بالامس لَا زلت وهابا لما حازه ... سَيْفك من حور وَمن لعس ...

عاد الحديث في فتح حلب وتسليمها وتصحيحها بعد السقم بتقويمها وتسقيمها

.. وانني آمل من بعْدهَا ... كرائم السَّبي من الْقُدس ... فجَاء الامر على وفْق الامل كَمَا قلت ووهب لي تِلْكَ السّنة مَا سَأَلت واعطاني عَام فتح الْقُدس من سباياه مَا أملت عَاد الحَدِيث فِي فتح حلب وتسليمها وتصحيحها بعد السقم بتقويمها وتسقيمها وَخرج عماد الدّين زنكي الى خيامه الَّتِي ضربهَا وَشرع فِي استنجاز الْموعد فِي الْبِلَاد الَّتِي طلبَهَا وَلم يزل وزيره شمس الدّين بن الْكَافِي وَهُوَ من الكفاة مترددا فِي الطّلب مَعَ العفاة وَأَمرَنِي السُّلْطَان بانشاء عهد وانجاب عقد يتَأَكَّد بِهِ الْمِيثَاق ويتمهد بِهِ الْوِفَاق فلازمني أَيَّامًا وَأَنا أَزِيد تَارَة وانقص وأغلي مرّة وأرخص حَتَّى حررت نُسْخَة حكمهَا الْمُحكم لَا ينْسَخ وعقدها المبرم لَا يفْسخ وَعلمهَا فِي السرائر يرسخ وثوبها بالمعاير لَا يتوسخ وأنعم عَلَيْهِ ببلدة سنجار وآن لمطالبه ان تروج وَزيد الخابور ونصيبين والرقة وسروج وَاتخذ التحدى وتعدى التعدى وتهدا التهدى وتأيدت الايدى وَشَمل الاسلام الْجُود المجدي وَعلا الاشراك الْبَأْس المردى فُصُول من كتب انشأتها فِي فتح حلب كتَابنَا مُبشر بِفَتْح حلب الذى وقعه فِي الْفتُوح كوقعها فِي الْبِلَاد وعزته فِي النُّفُوس كعزتها فِي المُرَاد وقرنت الينا الشَّهْبَاء وسكنت بحركتها اليها الدهماء وانجلت الظلماء وتجلت النعماء وكشفت الغماء وَفتحت أَبْوَاب جنانها من بَاب الْجنان واعتمدت باحياء الشان إماتة الشنان وَلم يغل فِي الْخطْبَة عندنَا مهر حسنائها وَلم يصلح لركوبنا صهوة شهبائها وَكَانَت لنا وَدِيعَة فِي يَد من بهَا فَأدى أمانتها وَرَأى بِنَا دون نَفسه صيانتها وَمَا خلب حلب الا بارق عزمنا الَّذِي لَيْسَ بخلب وَمَا تركت يَدهَا الا فِي يَد حول فِي تملك الْبِلَاد قلب وعوضنا ابْن اتابك عَنْهَا بلادا سلا باعدادها عَن الْفَذ فحصلنا على الارفع الأمنع وَحصل على الأمتع الألذ وَحلف لنا وحلفنا لَهُ وَحصل منا لَهُ مناله وظفر بالمغنمين من ودادنا وبلاده وَأظْهر الحسنتين من طاعتنا وسداده وَلَقَد كَانَت الشَّهْبَاء

فصل آخر في المعنى

علمت بِمَا جرى على السَّوْدَاء فَأَصْبَحت قبل الرياضة ونهض جناحها فِي مطار النَّصْر تفاديا من أَجْنِحَة تِلْكَ المناهضة فصل آخر فِي الْمَعْنى وَلَقَد كَانَت شهباء وَهِي جامحة ولبعد عهد اهلها بِالْجِهَادِ طامحة الى من يلجمها ويسرجها ليملكها الذى يتَفَرَّع من أَصله فتوح الْبِلَاد وينتجها فَلَمَّا وجدت كفؤها وهبت نَفسهَا وأطلعت لساري الْقَصْد لَهَا صبحها بل شمسها وأحمدت يَوْمهَا فذمت أمسنها ومدت يَدهَا الينا للمبايعة وَعرضت علينا مَتَاع الْمُتَابَعَة فاشتريناها بأعواض وقابلنا جوهرها بأعراض وتفرقنا بعد اللُّزُوم عَن ترَاض وَصرف دينارها منا بِدَرَاهِم وَظن من سمح بهَا حَيْثُ أبذل فذه بالاعداد أَنه حَاز الْمَغَانِم فصل آخر من انشائي وَذكر إِزَالَة المكوس بهَا ان الله ببركة أدعية الصَّالِحين اسْتَجَابَ منا الدُّعَاء وحقق الرَّجَاء وَيسر النعماء وَسكن بحركتنا الدهماء وكشف بِنَا الغماء وملكنا الْيَوْم الشَّهْبَاء كَمَا ملكنا أمس السَّوْدَاء وَجعل لمن يذب عَن كَلمته العلياء الْيَد الْبَيْضَاء وَكِتَابنَا هَذَا وحلب قد حلت لنا عقدَة اشكالها وأدرت لنا حلب منالها وَفتحت من بَاب الْجنان ابواب جنانها وشرعت أَبْوَابهَا للدولة ظامئة الى شرعة عدلها وإحسانها وَقد أفضنا عَلَيْهَا سِجَال الْعَوَارِض وسجام الْمَوَاهِب واعفيناها من الْمَظَالِم والنوائب واصفيناها من الشّبَه والشوائب وأزلنا عَنْهَا رسوم المعاير والمعايب ونقلنا عَن اسواقها أوساق المضار ومتاع المتاعب فأنوارنا فِي آفاقها طالعة وأشعة سنا سنتنا فِي فضائها بفضائلنا شائعة وأوامرنا فِي مملكتها نَافِذَة وأيدى ايادينا بأطواق شكرها آخذة وَاحْتَاجَ من بهَا فَبَاعَهَا بِالْعِوَضِ وَنزل عَن جوهرها بِالْعرضِ وَلما من الله علينا بالغرض وَجب علينا ان نستفتح شكره فِي الْجِهَاد بأَدَاء المفترض وَقد ربحت الصَّفْقَة وَأعْطيت بحلب سنجار ونصيبين والخابور وسروج والرقة وَمَا خرجت هَذِه الْبِلَاد عَنَّا فقد اسْتَقَرَّتْ لنا عساكرها الْمُسْتَحقَّة فصل آخر من انشائي فِي الْمَعْنى وَذكر أَبْوَاب حلب وَقد من الله بِفَتْحِهَا سلما لم نكشف لحوبها قناعا وَلم نقصر لَهَا فِي مدها الْيَد

فصل من انشائي في كتاب بشرح الحال الى خطلبا والي زبيد

بالاذعان والمصافحة باعا وكشفت غماها وأخرجت وألجمت شهباؤها واسرجت وشرعت أَبْوَابهَا وَفتحت وسرت قُلُوب أَهلهَا بقبولها وروحت وزخرفت لنا من بَاب الْجنان جنانها وَمَا كَانَ الا لحلبة سوابقنا ميدانها وأرج من بَاب قنسرين نسرينها وَصفا لنا وَالله الْمعِين معينها فَهِيَ جنَّة عدن مفتحة الابواب لِلْمُتقين وَقد أَوْرَثنَا الله اياها وَقد سبقت كَلمته بِإِرْث الارض لِعِبَادِهِ الصَّالِحين وَوجدنَا فتح بَاب انطاكية مبشرا بِفَتْح سميه وَكَذَلِكَ الْوَلِيّ يكون بعد وسميه وَقد عرضنَا من كَانَ بهَا بلادا لنا مَا لَا نسمح بِهِ وَهُوَ عسكرها وَله مَالا نضن بِهِ وَهُوَ دينارها ودرهمها وَقد بقيت تِلْكَ الْبِلَاد بِأَيْدِينَا فقد اعطيناها من يساعدنا على الْغَزْو الْمَفْرُوض وَيقوم فِي إِقَامَة واجبه بالنهوض وَالْحَمْد لله على الْكَلِمَة المتحدة والسكينة المتئدة والألفة المتجددة والنصرة بالمتوحدة فصل من انشائي فِي كتاب بشرح الْحَال الى خطلبا وَالِي زبيد وَأما أحوالنا فقد تناسقت فِي النَّصْر وتناسبت فِي حمد الله وَالشُّكْر وَقد سبقت المكاتبات اليك بشرح مَا سناه الله من الْفتُوح وَسَببه وقربه لنا من الامور وهذبه فبلاد الجزيرة قد اسْتَقَرَّتْ فِي خدمتنا عساكرها ودانت لطاعتنا اكابرها وَأمر فِيهَا امراؤنا وَولي بهَا أولياؤنا وأصحب ريضها لرضا اصحابنا وانصرفت نوائبها بِتَصَرُّف نوابنا وعنا ذَوُو عنادها وساد ذَوُو سدادها ومجدنا كرامها واكرمنا أمجادها وروضنا بآلائنا مواحلها فَمَا ضرها أخلفها الْحيَاء أم جادها وديار بكر لما قصر امد آمدها وطالت يَد أَيْدِينَا بالطول على معاهدة معاهدها وَفتحت سوداؤها واخضرت ببركة اقدامنا فِي الاقدام غيرائها بَعْدَمَا أغبرت من مثار النَّقْع عِنْد نزولنا عَلَيْهَا خضراؤها سكنت دهماؤها وانكشفت غماؤها واصحت سماؤها وَصحت اسماؤها ووطيءبساط الْخدمَة مُلُوكهَا الصَّيْد وَأقر بالعبودية لنا احرارها الصناديد وَجِئْنَا إِلَى حلب وَقد اسرجت لنا والجمت شهباؤها وزينت لتزف علينا حسناؤها وَقَامَت بِعُذْر خفرها فِي تمنعها عذراؤها ودانت لأرضينا فِي ارضائها سماؤها وَتحقّق فِي عرفنَا رجاؤها وأرجت بعرفنا ارجاؤها وَظهر حَقّهَا وخفي باطلها وتروض ماحلها وتحلى عاطلها وعقل جاهلها وغنم عاقلها وانتظمت فِي سلك الممالك حصونها ومعاقلها وانضمت الينا عساكرها

ذكر تسني فتح حارم

واستفاضت بِنَا مغافرها وأطاعت عواصي عواصمها وامتلأت المغاني بمغانيها وَظَهَرت الْمَعَالِي فِي معالمها وَلم يبْق الا التوفر على الْجِهَاد بِالِاجْتِهَادِ من سَائِر الْجِهَات وانجاز عدات الله فِي النَّصْر على العداة وَالسَّعْي فِي تملك الْقُدس وافتتاحه وَتَحْصِيل مُرَاد الاسلام وَالنُّزُول على اقتراحه فصل من إنشائي من أُخْرَى وَلما تسلمنا حلب وتسنمنا قلعتها وفرغنا شهباءها وسكنا دهماءها باكرنا بالايلاف فألفيناها على الْبكارَة واجتلينا عروسها افقية الانارة روضية النضارة وزفت الينا حسناء لم يغلها الْمهْر وعقيلة لَا يسمح الا لنا بهَا الدَّهْر فقر بهَا سَرِير السرُور وَصفا لأَهْلهَا حبير الحبور وتأصلت فِيهَا أرومة الامور وتوالت النعم من الله فِي وُفُود الوفور وتبلج صبح الْيُسْر وَوجه الْبشر بالاسفار والسفور وغض الظُّلم طرفه وكف العسف كَفه وَقبض الخور يَده وأوضح الْعدْل جدده وَحط الْحَظ لثامه واخذ بالامر نظامه ومجد الشَّرْع احكامه وانجابت الظلماء وطلت الشموس وانفرجت الغماء وَطَابَتْ النُّفُوس وأسقطت الْمَظَالِم وأطلقت المكوس واهتزت الاعطاف من سكر الشُّكْر حِين طافت من الطاف الله على الْأمة الكؤوس ذكر تسني فتح حارم لما فتحنا حلب ودانت لنا معاقلها وزفت علينا عقائلها بقيت حارم مَعَ اُحْدُ المماليك الصغار النورية يُقَال لَهُ سرخك وَقد طمع فِيهَا وَظن انه يحميها وَذكرت شرح الْحَال فِي فصل من كتاب انشأته وأبدعت مَا أفْضى اليه الامر وأبدأته وَكَانَت اذ ذَاك حارم بَاقِيَة فِي يَد واليها حامية بِنَار حاميها وَهُوَ مَمْلُوك نورى لَا يسر بِمثلِهِ ثغر وَلَا يشد بكفايته أزر وَهُوَ يراسلنا وَيشْتَرط ويشتط ويرتفع فِي سومه وَلَا ينحط ويبالغ ويغالب ويباعد وَلَا يُقَارب وَلم يدر أَن لَهُ فِي حارم حارما وَأَنه لَا يجد فِيهَا اذا عثرنا عشا وَلَا راخما وَكَانَ من ألطاف الله بهَا انه فِي اثناء سومه ورومه ودورانه

كتاب آخر من انشائي

حول حمى الطِّبّ وحومه وسباحته فِي بَحر الْغرُور وعومه دهمه من خطر الْبلَاء مَا لم يخْطر بِبَالِهِ من قومه فان أجناد حارم اتَّهَمُوهُ بمراسلة الفرنج ومداخلتهم فأخرجوه واكرهوه على النُّزُول وَنزل بِهِ الْمَكْرُوه واعلنوا بشعارنا وكشفوا ليل لبسهم بنهارنا فسرنا اليها وتسلمناها ودبرنا امرها واحكمناها ووفرنا من الاحسان حَظّ أُولَئِكَ الْمُسلمين وتلونا فِي حَقهم {إِن الله لَا يضيع أجر الْمُحْسِنِينَ} فَحِينَئِذٍ صفت الشَّرَائِع وأضاءت الْمطَالع ورجفت انطاكية رعْبًا وأثارت من رهج اختلاطهم ووهج اخْتلَافهمْ سحبا وايقن الفرنج بانتهاء مدَّتهَا واقتضاء عدتهَا واقواء قواها وَقطع مناياهم طَرِيق مناها فراسل صَاحب انطاكية ضارعا وللعجز عارضا والى الانقياد مسارعا وسير إِلَيْنَا من اسارى الْمُسلمين عدَّة وافية واظهر استكانة لاسباب الايقاع فِيهِ مُنَافِيَة وانخذل الفرنج فِي جَانب الْقُدس وربضوا وانهاضوا فَمَا قدرُوا لخوا فيهم من الْخَوْف ان ينهضوا كتاب آخر من انشائي صدرت الْمُكَاتبَة مبشرة بِمَا من الله بِهِ من الْفَتْح الْعَزِيز والنصر وَالْوَجِيز والنجح الحريز والموهبة الواهبة قُوَّة الِاسْتِظْهَار والعارفة الْمعرفَة زِيَادَة الاستبصار وَالنعْمَة الَّتِي جلت النعماء فَجلت وحلت فِي مذاق الشُّكْر حلت وعلت بإعلاء كلمة الدّين فانهلت وعلت وطالت يَدهَا بالطول وبأديها أظلت وَذَلِكَ فتح حلب الَّذِي در حلبه ونجح طلبه وَبلغ أمد الفلج غَلبه ووضح لحب هَذِه الدولة الْقَاهِرَة لحبه فَإِنَّهُ قد سكنت الدهماء مُنْذُ سكنت الشَّهْبَاء وبشرت بهما بالْأَمْس أُخْتهَا السَّوْدَاء لما كَانَ لنا من فتحهَا الْيَد الْبَيْضَاء فاخضرت الغبراء وآلت إِلَّا تغبر بعْدهَا إِلَّا فِي سَبِيل الله الخضراء وتلاها فتح حارم الَّذِي انْحَلَّت بِهِ الداهية الْحَمْرَاء وعلت بالعواصم لقمع بني الْأَصْفَر راياتنا الصَّفْرَاء واهتزت طَربا إِلَى الْجِهَاد فِي أَيدي شائميها ومعتقليها الْبَيْضَاء والسمراء فقد زَالَ الشغب وأسفر عَن الرَّاحَة التَّعَب وخمد اللهب وَأخذت للغزاة الأهب وسقت غيمة الرَّأْي بِالريِّ حلب وَقد اتّحدت كلمة الْإِسْلَام وعساكره وصدقت زواجره وربحت بالتنقل فِي الْأَسْفَار متاجره وَالْحَمْد لله الَّذِي ضاعف المنن وأضعف عَن شكرها المنن وَشَمل بالألفة وَألف الشمل وافضل بظهورنا وَأظْهر الْفضل

ومن إنشائي أيضا في فتح حلب

وَمن إنشائي أَيْضا فِي فتح حلب كتَابنَا وَقد أوضح الله فِي الْخَيْر السبل وأمل فِي النجح الأمل وأعذب للرأي والري والعل والنهل ونقع الغل وشفي الْعِلَل وسد الْخلَّة وسدد الْخلَل وأدر لنا حلب حلب وأنجح فِيهَا الطّلب وَسلم إِلَيْنَا الشَّهْبَاء مسرجة ملجمة وألبسنا النعماء مطرزة معلمة وجلا علينا رياض الرِّضَا بعرف الْعرف فاغمة وحياض المنى بِالْيمن والمن مفعمة وكادت تتمنع فأغلينا مهرهَا وأعلينا قدرهَا ورغبنا فِي خطبهَا وَمَا رعبنا بخطبها وتقربنا إِلَى أَهلهَا فتأهلنا لقربها وَفتحت أَبْوَاب جنانها من بَاب الْجنان وحصلنا على المحامد الحسان بِالْإِحْسَانِ ثمَّ شرعت الْأَبْوَاب وأحكمت الْأَسْبَاب ونقعت اوامرنا أوامها وشفت أَقسَام عدلنا سقامها وكشفت أشعة مشايعتنا ظلمها وظلامها وسددت اراؤنا وآلاؤنا مراميها ومرامها وخصصنا عَامَّة الرّعية بالرعاية وأزحنا عَنْهُم غيابة الغواية وزالت المكوس وَطَابَتْ النُّفُوس وأضربت عَن الضرائب ووفرت الرغبات بالرغائب وفاضت أمواه الْمَوَاهِب وفاضت مهج الْأَعْدَاء وغاضت لجج الاعتداء وغاظت مواطؤنا الْكفَّار وملأت أنصارها الْأَمْصَار وهيبتنا وهباتنا الْقُلُوب والأبصار وَالْحَمْد لله الَّذِي بلغ الإيثار ونعش العثار وَحسن الْآثَار فصل من إنشائي فِيهِ قد حقق الله لنا الارب وأنجح الطّلب وأوضح الْمَذْهَب الْمَذْهَب وَقطع الشغب وأوصل الالفة بَين اهل الاسلام السَّبَب وأخمد اللهب ووفر للْمُؤْمِنين الرغب وَفِي قُلُوب اهل الْكفْر الرهب فَإِنَّهُ أدر لنا حلب حلب وملكنا شهباءها الَّتِي جَازَت الشهب وجمل بسير ايامنا التواريخ والكتب وذلل لنا كل مَا صَعب وَأدنى لنا كل مَا بعد من الفتوحات فَقرب وَلم يبْق لنا إِلَّا أَن نَأْخُذ فِي الْجِهَاد الأهب ونقوم بِمَا علينا من جِهَاد اعداء الله الَّذِي وَجب وَالْحَمْد لله الذى ملك وَأعْطى ووهب وَأَعْلَى للْعَالمين كلمة الرتب فصل آخر مِنْهُ كتَابنَا وَقد افضل الله علينا وَمن بِمَا منحه وَبسط بِهِ الامل وفسحه وَأظْهر بِهِ نهج النجح وأوضحه ووهب للرجاء مَا اقترحه ووهب للزمان مَا اجترمه من خلف اهل

فصل آخر منه

الاسلام واجترحه وَفتح بَاب الْخَيْر بِمَا سهله من أَبْوَاب الْفتُوح وفتحه وَأحلى حلية حلب لاجراء ضوامرنا وشفى اوام رعيتها فِي رعايتها بأوامرنا وجلا علينا الشَّهْبَاء فِي شهب سمائها وَانْزِلْ الى طاعتنا الْملك الاشم من شمائها وملكنا قياد كل أبي وتواضع فِي افق مملكتنا كل حصن فِي السمو كوكبي فصل آخر مِنْهُ صدرت هَذِه الْمُكَاتبَة وَقد تضوعت ارجاء الرجا بأرج النجح وأعقبت لَيْلَة سرى الْعَزْم من النَّصْر سفور الصُّبْح وفازت متاجرنا فِي سَبِيل الله بِالرِّبْحِ واجزل الله لنا نصيب الْمَنّ والمنح وَذَلِكَ بِمَا يسره لنا من فتح حلب سلما أبدينا فِيهِ صفحة الصفح وسفرت وُجُوه الْمُسلمين كَافَّة بِمَا وَقعت السفارة فِيهِ من هَذَا الْفَتْح وَهُوَ حتف عَاجل للأعداء وتحف الطاف للاولياء وَبَانَتْ شهب السَّمَاء بملكنا لَهَا دون مَحل الشَّهْبَاء وَجعل الله لنا الْيَد الْبَيْضَاء فِي تسكين الدهماء وَلم يبْق الا تصميم الْعَزْم على الْجِهَاد فِي سَبِيل الله مشحوذة فِيهِ مضَارب المضاء وَقد دَانَتْ لنا بِلَاد الشَّام بأسرها وتضاعفت نعم الله الَّتِي لَا نقوم بشكرها وَلَا نعرفها حق قدرهَا فصل آخر وَنعم الله دارة وفرص الْجِهَاد مُمكنَة والأيدى والآمال من الظفر والنجح متمكنة وللاسلام بتألف عساكرها المنصورة قُوَّة لأهل الْكفْر موهنة وَالسّنة المحامد لنا بشعار الدولة معلنة والمتجددات الْمُوَافقَة لكل مَا يُؤذن بِحُصُول المرام مؤذنة وحلب قد حلت لنا هديها وحلت لما حلت ثَمَرَتهَا وطاب جنيها وجلت فَجلت علينا عروسها لما كمل من عدلنا واحساننا حليها وَقد علت اعلامنا الصفر عَلَيْهَا كانها علم فِي رَأسه نَار وعزت شهباؤها بِنَا عز الابلق الْفَرد فَمَا لَهَا غير حلبة عزنا مضمار وَقد أخلى الله منا للْجِهَاد الذرع ومهد لاعدائنا الضّر ولاوليائنا بِنَا النَّفْع كتاب آخر من إنشائي فِيهِ صدرت هَذِه الْمُكَاتبَة مبشرة بِمَا من الله من الْفَتْح الاغر والنجح الابر والمنح الادر وَالصُّبْح الاسفر الاسر وَهُوَ فتح حلب الَّذِي حلا لنا لري الرَّأْي حلبه ووضح لحب وضوح دولتنا بالأدالة لحبه وانارت فِي سَمَاء شهبائها الشماء بنمو السمو شهبه واضاء فِي فضاء الْفَضَائِل على علم الْعلَا لهداية العاشين إِلَى نَار الْهدى لهبه فالدهماء سَاكِنة والشهباء مسكونة والرعايا آمِنَة والأذايا مَأْمُونَة والايدي

ومن الإنشاء العالي الكريم المولوي الفاضلي كتاب إلى الديوان العزيز النبوي بفتح حلب

بأيدها للبلاد مستفيضة والايادي بفيضها فِي الْعباد مستفيضة وعد الْعدْل غزير وجود الْجُود مطير وَقُلُوب الْقبُول مبتهجه ومطالع المطالب متبلجه والألفة شَامِلَة والشمل آلف وَالْفضل وافر والظل وارف ولمضارب نصل النَّصْر مضاء ولسنا افق التَّوْفِيق سناء وعود الوعود بثمر الظفر مُورق وطائر الوطر بجناح النجاح محلق والجنى دَان وَالدّين جَان وَالْهدى هاد والندى مُنَاد وَفتح الاسلام حتف الْكفْر وَربح الْحق هُوَ للباطل حَقِيقَة الخسر فَلم يبْق الا الاعداد لقمع جمع الاعداء والاضداد وَالِاجْتِهَاد فِي صدق قصد الْجِهَاد وايقاظ الجفون من غرارها فطالما قرت بالاغماض فِي الاغماد وَنقل من قرَاب الْهدى الى رِقَاب العدى واضعاف الاعداء بِتَضْعِيف الاعداد والغزاة قد شغل حَقّهَا وَبَطلَت شواغلها ووليمة النَّصْر على الْكفَّار من ظمأ الظبي إِلَى طلا دم الطلى قد ورش واغلها وَقد آن ان يمْلَأ بالأعنة والأسنة سَاحل السَّاحِل وَينزل الدّين ويرحل الْكفْر فَمَا أوفر رَاحَة الْمُقِيم واصفر رَاح الراحل وان كَانَ امس حد الْمَسْجِد الْأَقْصَى فاليوم الادنى بِنَا يَوْم وفائه ووفاقه وان ظهر شَرّ الشّرك فِيهِ آونه فَهَذَا اوان إخفائه وإخفاقه والقدس قد سر سره منا بعز عزمنا فقد جرينا فِي تعفية رسم الْبَغي والغي على رسمنا وَالْحَمْد لله الَّذِي بِحَمْدِهِ تثمر الطَّاعَات وتنزل البركات وَمن الْإِنْشَاء العالي الْكَرِيم المولوي الفاضلي كتاب إِلَى الدِّيوَان الْعَزِيز النَّبَوِيّ بِفَتْح حلب أدام الله سُلْطَان الدِّيوَان ممتثلة مراسمه متأثلة مكارمه متبارية رياض فَضله وغمائمه متكشفة بأنوار فَضله ظلم الدَّهْر ومظالمه معليا للاقدار لثم ثراه فينال السَّمَاء من هُوَ لاثمه مخشية مباسمة مغشية مواسمه مقوية ربوع اعدائه فَكلهَا الرّبع الذى اشجاه طاسمه صدرت هَذِه الْخدمَة وَقد تسلم مَدِينَة حلب ممتثلا لِلْأَمْرِ الْوَارِد عَلَيْهِ وَاقِفًا حَيْثُ وقف بِهِ الِاخْتِيَار لَهُ وهداه اليه وَعوض من كَانَت فِي يَده مَا اشْترط فِيهِ خدمَة عسكره فِي الْغَزْو الَّذِي هُوَ مُرَاده وَالْجهَاد الذى فِيهِ اجْتِهَاده وَقد كَانَ الْخَادِم أشرف على مَدِينَة حلب عَاجلا وقلعتها اجلا الا انه لما امْر بالمصالحة والمصلحة سلك إِلَيْهَا هَذِه الطَّرِيق من الطَّرِيق وَسلم الْأَمر إِلَى وليه بجمعه بَين فَرِيضَة المطاع وفضيلة الشفيق وَقد نشر لبصيرته من أنوار الْوَلَاء مَا لم يكن عَنْهَا انطوى وَعلم أَن الآراء الْعَالِيَة مهما ارادت فِيهِ اته وَمهما زوت عَنهُ انزوى وَهُوَ الْآن مُسْتَقْبل بِمَشِيئَة الله مَا بورك لَهُ فِي لُزُومه وَلَا يمل الْعَزْم المستشير وَلَا يمِيل الى جثومه ويستأنف من قتال الْكفْر مَا كَانَ اليه ظامئا ويسوم حَظه من ثَوَاب الْغُزَاة الَّتِي مَا زَالَ طرفه اليها ساميا وَلَو كَانَ من ناضله

ومن إنشائه الكريم في جواب شيخ الشيوخ

وناظره لحظ بالامر من اوله واخذ بالحزم من مستقبله لَكَانَ قد قدم مَا أخر وَأورد مَا أصدر وَالله سُبْحَانَهُ يديم ايام الدِّيوَان لملك يصونه ويتيحه ولطف يجريه الله على يَدَيْهِ ويبيحه وضيم عَن جِهَة الاسلام يزحزحه ويريحه وَمن إنشائه الْكَرِيم فِي جَوَاب شيخ الشُّيُوخ وصل كتاب حَضْرَة سيدنَا فأوصل الْأنس إِلَى الْقلب والنور إِلَى الطّرف وعقل الخاطر بالود واطلق اللِّسَان بِالْوَصْفِ واستوحش لحظه بعد استيحاشه لنظره ورقع مِنْهُ فِي روض كَاد يمد يَده لاقتطاف ثمره ووقف على الْكتاب الْموصِلِي الْموصل فِيهِ القَوْل وعَلى مَا تلاه من فَرِيضَة رأى سيدنَا الَّتِي لَا حجب فِيهَا وَلَا عول وَقد امتثل الْأَمر وقنع بِمَا قنع لَهُ بِهِ وَنزل عَن الْبِلَاد لمن كَانَت حلب بِيَدِهِ وتسلمها وعوضه عَنْهَا بِبِلَاد الجزيرة إِلَّا اقلها وَاشْترط خدمَة الْعَسْكَر فِي الْغُزَاة الَّتِي مهما مل فَإِنَّهُ لن يملها وَهَذِه الْمُكَاتبَة صادرة وَقد أحاطت الْيَد بحلب وَكَانَت على الْإِحَاطَة برساتيقها وبلادها وَمَا كَانَ يخَاف إِلَّا تاخر أَمر قلعتها فَعجل بمشورة الآراء الْعَالِيَة وإرشادها وَمِمَّا يسر من هَذَا الْأَمر مَا كَانَ مستصعبا وَأوجب من نجازه مَا لم يكن مستوجبا مَا أَشَارَ إِلَيْهِ سيدنَا من أَن ينْهض إِلَى هَذِه الْجِهَة مَعَ بعْدهَا وحر القيظ فِيهَا وَرَأى أَنه إِذا جشمه الحركتين أزعج ذَلِك الْجِسْم الَّذِي يرفهه ويقنع من زِيَادَته بالطيف وَلم ير أَن يكلفه الرحلتين رحْلَة الشتَاء ورحلة الصَّيف وَهُوَ يشْكر الله على مصائر هَذَا الْأَمر فالأمور لَهَا مصائر ويسأله بِلِسَان سيدنَا وبلسانه ان ينور بصيرته فِي طَاعَته فيدعى بِنور البصائر وَمن كتاب من الانشاء الْكَرِيم الفاضلي إِلَى الْملك الْعَادِل {ولينصرن الله من ينصره إِن الله لقوي عَزِيز} وَقد علم موقع حلب من الْبِلَاد وموقعها من المُرَاد وفاتحة النجدة بهَا من الله فِي الْجِهَاد وفادحة فتحهَا فِي الْكَفَرَة والأضداد وَكِتَابنَا وَقد انْعمْ الله بهَا بسلم مَا شفيت فِيهَا للسيف غلَّة وَلَا ارتجت للردى عِلّة وَلَا أَتَى فِيهَا مَا يشق على أهل الْملَّة ولاعدونا مَا يَبْنِي للْمُسلمين الْعِزَّة وَيُورث عدوهم الذلة وَعوض عماد الدّين عَنْهَا من بِلَاد الجزيرة سنجار ونصيبين والرقة وسروج والخابور وَهُوَ صرف بِالْحَقِيقَةِ اخذنا فِيهِ الدِّينَار وأعطينا فِيهِ الدَّرَاهِم ونزلنا عَن المبيحات وأحرزنا العواصم وسرنا أَنَّهَا انْحَلَّت وَالْكَافِر الْمُحَارب وَالْمُسلم المسالم وَكِتَابنَا هَذَا وَقد تمكنت أعلامنا موفية على قلعتها المنيفة وتصرفت نوابنا فِي مدينتها موفية

ومن الإنشاء الكريم المذكور

بمواعد عدلنا الجليلة اللطيفة وفرقنا إقطاعاتها وبلادها وقلاعها على أهل الْغناء وحصلت بيدنا وَمَا فِيهَا بِالْحَقِيقَةِ إِلَّا مَا نرجو من آجله الْأجر وعاجله الثَّنَاء واشترطنا على عماد الدّين الْخدمَة والمظاهرة والحضور فِي مَوَاقِف الْعَزْم والمصابرة وانتظم الشمل الَّذِي كَانَ نثيرا وَأصْبح الْمَرْء بأَخيه كثيرا وَذهب الكلال وأرهف الكليل وَنزع الغل وشفي الغليل وَالْحَمْد لله قولا يسترهن النِّعْمَة ويستزيدها وَنِيَّة تبدي العارفة وتعيدها ونسأله إيزاع شكر مَا بِنَا من مواهبه الَّتِي احرزنا أَولهَا فِي التعداد وأولاها بالاعتداد وَمن الْإِنْشَاء الْكَرِيم الْمَذْكُور أولى مَا انْطَلَقت الأقلام والألسنة بِذكرِهِ وتجردت الخواطر لقَضَاء حق شكره وهني الْإِسْلَام فِيهِ بِيَوْم ضَامِن لما بعده من أَيَّام نَصره مَا كَانَ لشمل الْأمة جَامعا ولعدوه كلما هم قاصرا وَكلما قَامَ قامعا وَذَلِكَ مَا من الله بِهِ من تسلمنا مَدِينَة حلب وقلعتها بسلم وضعت بهَا الْحَرْب أَوزَارهَا وَبَلغت بهَا الهمم أوطارها واحسنت فِيهَا التقية أثارها وَعوض صَاحبهَا بِمَا لم يخرج عَن الْيَد لِأَنَّهُ مشترط عَلَيْهِ الْخدمَة بِنَفسِهِ وبعسكره ومختلط بِالْجُمْلَةِ فَهُوَ أحد الْأَوْلِيَاء فِي مغيبة ومحضره وَكِتَابنَا هَذَا وَقد ظفر الساري بفجره وَحمد الصابر عُقبى صبره وَالْأَحْكَام فِي مَدِينَة حلب جائلة والعلام على قلعتها مَحْمُولَة بل حاملة فالسيوف الَّتِي كَانَت لَهَا مبيحة هِيَ الَّتِي كَانَت بصونها كافلة وَقد حقق الله الْخَيْر وزواجره وَصرف الضير واخرس زماجره والألفة وَاقعَة والمصلحة جَامِعَة وأشعة أنوار الِاتِّفَاق شائعة فصل آخر مِنْهُ صدر إِلَيْك هَذَا الْكتاب والاوامر بحلب نَافِذَة والرايات بأطواق قلعتها آخذة وَجَاء اهل الْمَدِينَة يستبشرون قد بلغُوا مَا كَانُوا يؤملون وأمنوا مَا كَانُوا يحذرون وَالْحَمْد لله على هَذَا الْمصير وعَلى مَا من بِهِ من هَذَا الطول الطَّوِيل فِي الزَّمَان الْقصير وَنحن نستنصر بِاللَّه مَوْلَانَا فَنعم الْمولى وَنعم النصير فصل آخر من انشائه الْكَرِيم ان الله سُبْحَانَهُ يَسُوق مقاديره إِلَى مواقيتها ويؤلف بَين قُلُوب اهل طَاعَته على طواغي الْكفْر وطواغيتها وَيتم مَا سبق فِي مَشِيئَته من جمع كلمة هَذِه الْملَّة وتأليف شتيتها وَمن ذَلِك مَا أنعم بِهِ من فتح مَدِينَة حلب سلما سفر فِيهَا وَجه الاسلام ورقي قلعتها سلما بِمَشِيئَة الله تَعَالَى الى دَار السَّلَام

آخر من الإنشاء الكريم

آخر من الْإِنْشَاء الْكَرِيم يشْعر الامير بِمَا من الله بِهِ من فتح مَدِينَة حلب الَّتِي هِيَ مِفْتَاح الْبِلَاد وتسلم قلعتها الَّتِي هِيَ أحد مَا رست بِهِ الارض من الاوتاد وَللَّه الْحَمد وَأَيْنَ يَقع الْحَمد من هَذِه الْمِنَّة ونسأل الله تِلْكَ الْغَايَة الْمَطْلُوبَة بعد هَذِه الْغَايَة الْمَوْهُوبَة فَتلك الْجنَّة فانتظمت الامور ونفذت الْأَوَامِر وسر أَهلهَا سيرنا فيهم وَنَرْجُو أَن نسر بِهِ يَوْم تبلى السرائر عِبْرَة كَانَ السُّلْطَان قد عين يَوْمًا للضيافة الْعمادِيَّة وَأعد لَهُ من الألطاف الودادية مَا يربى على التحف والهدايا العادية وَكَانَ ذَلِك فِي المخيم قبل انْتِقَاله إِلَى الْبَلَد وصور لَهُ من نَظَائِر جنَّة الْخلد مَا لم يخْطر بالخلد وجلا بهَا عرائس المحاسن ونفائس المزاين وكملت لَهَا اسباب وشروط ونظمت للسماط سموط وترنم الشادى وترنح النادي وادى حق الطَّرب ذَلِك الْوَادي فالنغم هزجه وَالنعَم ممتزجة والارجاء ارجه والافاق متبلجة والالحان فصيحة والاوزان صَحِيحَة وَفِي نصب الخوان خفض عَيْش الاخوان وكأنما اجْتمع القمران بجلوس عماد الدّين بِجنب السُّلْطَان والمجلس فِي اسر مجلى والدهر قد افاض علينا من انواره وانوائه سجلا فَبينا هم فِي أحظى حُضُور وَأحب حبور وأسفر بهجه وأبهج سفور وَأتم نشاط وانم اغتباط إِذْ جَاءَ بعض الْحجاب وَأسر إِلَيْهِ بنعي اخيه تَاج الْمُلُوك فَمَا تنكب عَن نهج ثباته المسلوك وَلم تَتَغَيَّر طلاقة وَجهه بانقباض قلبه وحزنه وَأمر سرا بتجهيزه وَدَفنه وَأعْطى تِلْكَ الضِّيَافَة حَقّهَا وَبسط بسنا انبساطه أفقها فَكَانَ فِي ذَلِك الْيَوْم ضدان وَلِيمَة حسن وألم حزن وموسم هناء ومأتم عزاء وشجو نادب وشجو آدب وَفِي جَانب نائحة نوح وَفِي جَانب رَائِحَة روح وَمَا وفى ذَلِك الْفَتْح بذلك الحتف وَلَا ذَلِك الرِّفْق بذلك العنف وَجَاءَت البلية منتشرة فِي طي النِّعْمَة والمنية تقضي والأمنية تقضى والعمر يمْضِي والعمارة تمضى والترح يمهي الْغُرُوب والفرج يلهي الْقُلُوب وَالدُّنْيَا تعدِي وافي مرها وَالْأُخْرَى تَدْعُو الى اجرها وَالْمَوْت ينْقض ابرام الْحَيَاة وَاللَّيْل ينْسَخ اية الاناة

فصل من انشائي في جواب كتاب صاحب ماردين بالتعزية

وللأنفس انفاس مَعْدُودَة وآساس مجدودة وطلولها أدراس وربوعها أرماس فَكَانَ السُّلْطَان فِي طرف من العثرة ينعش وَأَخُوهُ العاثر فِي طرف ينعش وَهَذَا يضْحك وَذَاكَ عَلَيْهِ يبكى وَهَذَا يَحْكِي اصاباته وَذَاكَ مصابه يحْكى وَهَا هُنَا دَعْوَة الزهر وَهُنَاكَ عدوة الدَّهْر وَهَا هُنَا عود يشعل وَهُنَاكَ عود يحمل وانقضى ذَلِك الْيَوْم أنسا ووحشة ونعشا ونعشة وضيافة وَآفَة وملكا وهلكا وسعة وضنكا وَكرها وطوعا وروحا وروعا وَعزا وعزاء ونعمة وبلاء وتواردت كتب الْمُلُوك بالتعزية والجري على رسم التسلية فصل من انشائي فِي جَوَاب كتاب صَاحب ماردين بالتعزية ورد كتاب الْكَرِيم وَالْبر العميم فجدد الابتهاج واجدى وَأعَاد من الْإِحْسَان مَا أبدى واتحف بِمَا هدى إِلَى الْكَرَامَة وَأهْدى وَأولى المعروض وأسنى وأسدى فالفاه من الرَّوْض فِي السحر ابهج واعطر واندى فاما مَا تضمنه من اقامة سنة التَّعْزِيَة فَهَذِهِ سَبِيل كلنا على جددها وَغَايَة لَا بُد من بُلُوغ أمدها وشربة لَا ظمأ إِلَّا فِي ريها ولهجة لَا فصاحة إِلَّا فِي عيها ورقدة لَا يقظه الا فِي نومها وَسَاعَة لَا مقَام فِي لَيْلَتهَا إِلَّا الْقيام فِي يَوْمهَا ومحجة لَا عِبْرَة الا فِي عبورها وَحجَّة لَا خَفَاء الا فِي ظُهُورهَا وَطَرِيقَة لَا حَقِيقَة إِلَّا فِي مجازها ومفازة لَا مفاز إِلَّا بِجَوَاز أجوازها وفناء لَا بَقَاء الا فِي فنائه وَقَضَاء لَا لُزُوم إِلَّا فِي اقتضائه وَللَّه عز وَجل فِي كل حكم حِكْمَة وَفِي كل بلية نعْمَة وَفِي كل عِبْرَة موعظة وَفِي كل قدرَة آيَة من السّنة موقظة فَالْحَمْد لله على السَّرَّاء وَالضَّرَّاء والتنبيه على التأهب من دَار الفناء لدار الْبَقَاء والسعيد من اغتنم الْحَيَاة الفانية للحياة الْبَاقِيَة وأخلص الله عمله بالعقيدة الصادقة والسريرة الصافية فصل من كتاب إِلَى صَاحب السويداء فِي جَوَابه وَقد توفّي أَيْضا وَلَده فَأَما مَا أَقَامَهُ من سنة العزاء فَنحْن معزوه فِي الْمُصَاب الَّذِي نَحن فِيهِ مساهموه ولنصيب التفجع لملمه المؤلم مقاسموه فَعظم الله لنا وَله الثَّوَاب الصافي الاثواب واجرى لنا وَله الْأجر الْمَوْعُود بِهِ على الصَّبْر والاحتساب وان الْعَاقِل من لَا يسخطه مَا جرى من الْقدر بل يرضيه وَلَا يُفَارق يقظته لما يَقْضِيه وَمَا الأعزة الا ودائع الله فاذا استردها فَلَا يعد ذَلِك من الفجيعة وَالْمُودع الْأمين لَا يجزع لرد الْوَدِيعَة والاسى المفاجىء لَا يتولج معاقل الْعُقُول المنيعة والروعة الْحَادِثَة لَا تلهى عَن التحدث بِمَا سلف من الصنيعة وان الله عز وَجل قد يبتلى عَبده بنعمته وَقد ينعم عَلَيْهِ فِي ضمن بليته فَيجب ان يكون الْمَرْء فِي الْحَالَتَيْنِ لَا يمِيل بِهِ الْخَوْف فيأسى وَلَا يبطره الرجا فيتناسى وَلَا يأسف على مَا

ذكر القضاء بحلب

فَاتَ فَيهْلك يأسا وَلَا يفرح بِمَا أُوتِيَ فيطلب فِي دَار الوحشة إيناسا وَالْمَوْت طَرِيق إِلَى الْآخِرَة لَا بُد من انتهاجها والحياة حلَّة ان راقت جدَّتهَا فَمر الجديدين يسْرع فِي إنهاجها وَآيَة نفس تسكن الى قدرتها وقوتها والقدرالمحتوم جَار باعجازها وازعاجها ان لله وانا اليه رَاجِعُون وبقضائه راضون ولقدره مستسلمون لَا مرد لمراده وَلَا معَاذ من معاده وبهاء الدّين يحافظ على بهاء دينه بِمَا يلْزمه من سنة الصَّبْر الْمُؤَذّن بتسليته وتسكينه وَالله يَخُصُّهُ بتوفيقه وتمكينه ذكر الْقَضَاء بحلب وعول فِي الحكم وَالْقَضَاء بحلب على قَاضِي الْقُضَاة مُحي الدّين بن الزكي أبي الْمَعَالِي مُحَمَّد بن عَليّ الْقرشِي فَقضى وَحكم وَنقض وأبرم وَعقد وألزم وأنفذ وأمضى وأغضب فِي الله وأرضى واستناب فِيهَا القَاضِي زين الدّين أَبَا الْبَيَان نبأ بن الْفضل بن سُلَيْمَان الْمَعْرُوف بِابْن البانياسي ذكر دُخُول السُّلْطَان إِلَى مَدِينَة حلب ومقامه فِي قلعتها واحسانه إِلَى رعيتها ثمَّ انْتقل السُّلْطَان إِلَى حلب وَأقَام بالقلعة مستويا على عرش السمو والرفعة فأدار الْعدْل فِي دَاره وأفاض الْفضل بأنوائه وأنواره ووظف المكارم وكشف الْمَظَالِم وَدفع النوائب وَرفع الضرائب وَأسْقط المكوس وأغبط النُّفُوس ووفى لمن وعده وان لم يكن لَهُ كَمَا شَرط فِي الْفَتْح صنع بعداته وسعى الْقدر لَهُ فِي اعلاء اقدار سعاداته وَكتب الى أَصْحَاب الاطراف والاوساط لِاجْتِمَاع عَسَاكِر الْجِهَاد من جَمِيع الْجِهَات عِنْده للرباط وَتمّ لَهُ ملك الشَّام وسر سره بالتمام وحالفه عماد الدّين فِي الْمُوَافقَة فِي

ذكر القلاع وما رتب من وجوه الاصطناع

سَائِر المرام وَأَمرَنِي بكتب المناشير لأكابره وَأَمْثَاله بَعْدَمَا خص أَرْبَاب الْفَضَائِل بفواضله وَمَرَّتْ حلب حلب مروته واعتصمت العواصم بعصمته ووقفت الْقُلُوب فِي الْقبُول بَين مهابته ومحبته وأسلى أَهلهَا بحبائه عَن حب من عداهُ وعادوا أولياؤه على عداهُ وَأحسن رِعَايَة محسني الرّعية وَأعَاد الْقَضَاء وَالْخطْبَة إِلَى أهل مذْهبه الشَّافِعِيَّة وأعلا سنا السّنة وَلكم قلد الاعناق من الْمِنَّة وتباعد فِي ندى الندى عَن مظان الضنة وترجح بعلاه على مَوَازِين الموازين المرجحنة ذكر القلاع وَمَا رتب من وُجُوه الاصطناع أبقى عين تَابَ على صَاحبهَا وَخَصه بايادي يَده ومواهبها وَأما تل خَالِد فَإِنَّهُ أنعم بهَا على بدر الدّين دلدرم بن بهاء الدولة بن ياروق مُضَافَة الى تل بَاشر قَضَاء لحق مسابقته الى الْخدمَة الَّتِي بَادر اليها وباشر فهدم قلعتها وَتصرف فِي أَعمالهَا واستبد بارتفاعاتها وغلاها وَأما قلعة عزاز فان عماد الدّين زنكي بن مودود صَاحب حلب كَانَ قد هدمها لتوفر قوته على حفظ حلب وَمَا خطر بِبَالِهِ أَنه ان ضويق سلمهَا فأقطعها وأعمالها للأمير علم الدّين سُلَيْمَان بن جندر وكلن قد أورد من المناصحة وأصدر فَأَعَادَ عمارتها أحسن مَا كَانَت وَظَهَرت آثَار كِفَايَته وَبَانَتْ وَسلم حارم الى اُحْدُ الْخَواص من اهل الْوَلَاء والاخلاص وَولى الْقَضَاء بحلب مُحي الدّين أَبَا الْمَعَالِي مُحَمَّد بن زكي الدّين عَليّ الْقرشِي فرتب عَنهُ نَائِبا وَجعل لَهُ من رَأْيه راتبا

ذكر بعض المناشير التي كتبتها لأهل حلب منشور من انشائي للشيخ الامام علاء الدين الكاساني مدرس المدارس الحنيفية بحلب

وَأقَام فِي قلعة حلب سيف الدّين يازكوج واليا بأوصاف الْفَضَائِل حاليا ولانوار المحاسن جاليا وَولى الدِّيوَان العميد نَاصح الدّين اسماعيل بن العميد وَوصل وَجمع بِهِ حَبل التسديد وَشَمل مَا شملته يَد التبديد وَجعل حلب باسم وَلَده الْملك الظاهرغازى وَقد جلّ فِي صِفَات جَلَاله وسمات كَمَاله عَن الموازن والموازي وَكَانَ قد استصحبه من مصر عِنْد وُصُوله إِلَى الشَّام وعادت الامور بسيرته السارة الى النظام وَمَا برح السُّلْطَان من حلب حَتَّى استقامت احوالها على جدد الصّلاح واستنامت آمالها الى مددالنجاح واتسقت عقودها واشرقت سعودها وقضيت حُقُوقهَا ونقضت حقودها وَسعد بِوُجُودِهِ وجوده وجودهَا وتجددت بِحُدُودِهِ جدودها وعادت نضرتها ونضر عودهَا وَضرب باسمه درهمها ودينارها وانارت معالمها وَعلا منارها وصدحت بالادعية منابرها وَصدق لارعاء الرّعية منا برهَا وسفرت وُجُوه الصَّنَائِع ووفرت جِهَات الْمَنَافِع ونابت أياديه مناب المنابع ونجزت عدات الانوار فكفينا مطال الْمطَالع وقطف مجانى المناجح مناحي المناجع وَدرت فِي مسارح المسار ومبارك المبار رواتب الرواتع ووصلت كتب المحبين بِدِمَشْق باهتزاز أعطاف الاشواق ومزج مدام المدامع فشرعنا فِي اصفاء المشارع واصفاء المدارع وَجمع الامراء لِلْأَمْرِ الْجَامِع وَسَيَأْتِي ذكر كل شيىء فِيمَا نبينه من الْمَوَاضِع ذكر بعض المناشير الَّتِي كتبتها لأهل حلب منشور من انشائي للشَّيْخ الامام عَلَاء الدّين الكاساني مدرس الْمدَارِس الحنيفية بحلب الْحَمد الله ذى المنن المتضاعفة المتظاهرة والمنح المتناصرة المتضافرة وَالنعَم المتكاثفة المتكاثرة وَالْقسم المتوافرة نحمده على نعمه الْبَاطِنَة وَالظَّاهِرَة ونسأله أَن يُصَلِّي على سيدنَا نبيه مُحَمَّد هادي وشفيع الْآخِرَة وعَلى آله واصحابه ذَوي المفاخر الْعلية والمعالي الفاخرة وَبعد فان من شرف بِالْعلمِ قدرَة وَشرح لشرح صُدُور المستفيدين بافادته صَدره وسما فِي سَمَاء السنا لكشف ظلمات الشّبَه بسنا هداه بدره وسفر لتسفير مَعَاني الشَّرْع وَتَحْقِيق وُجُوه أدلته وَجهه واسفر فجره وطاب فِي نشر مطاوي الْعُلُوم واحياء معالمها وإنشار مواسمها نشره كَانَ جَدِيرًا بتوفير الهمم على اعزاز جَانِبه وابداء

منشور من انشائي أيضا لمحتسب حلب وهو شريف متضمنا شروط الاحتساب

انوار المناجح فِي مطالع مطالبه وإصفاء مشارب الانعام لَهُ وإعذاب مشارعه وإضفاء ملابس الاكرام عَلَيْهِ واسباغ مدارعه وتفويض مدارس الْعلم الى نظره وتصفية مورده بِهِ من رنق الشوب وكدره وَالشَّيْخ الامام الْعَالم عَلَاء الدّين أَبُو بكر بن مَسْعُود بن مُحَمَّد الكاساني ادام الله توفيقه ذُو الْفضل الْوَاسِع وَالْعلم الْجَامِع والبرهان الْقَاطِع وَالدَّلِيل الصَّادِق الصادع وَهُوَ الْبَحْر الطامي عبابه والغيث الهامي سحابه والعالم الَّذِي هُوَ أوحد الْعَالم فِي عصره والحبر الذى حبر علم الْفِقْه بِذكر وضوحه وايضاح ذكره وَهُوَ مَالك قلم الْفتيا وسالك لقم الْعليا وموضح الْمَذْهَب الى رفع الْخلاف والموضع فِي سَبِيل الافادة بِفضل الاسعاد والاسعاف والمتحلي من الْفَضَائِل بِأَحْسَن الحلى وأشرف الاوصاف وَقد أقررناه على المستمر من عَادَته والمستقر من قَاعِدَته فِيمَا هُوَ مفوض إِلَيْهِ ومعول فِيهِ عَلَيْهِ من تولى الْمدَارِس الَّتِي تَحت ولَايَته وَنَظره ورعايته بمدينتى حلب والرقة للحنفية وفقهم الل وَهِي الْمدرسَة النورية غربي الْجَامِع عِنْد بَاب الحلاويين ومدرسة الحدادين ومدرسة جاولي وخزانة الْكتب بالجامع والمدرسة النورية بالرقة على الْفُرَات وَتَوَلَّى أوقاف ذَلِك جَمِيعه على الِاسْتِقْلَال والاستبداد وان يَسْتَنِيب فِي هَذِه الْمدَارِس من الْفُقَهَاء مدرسا ومعيدا ومفتيا ومفيدا واليه الْعَزْل وَالتَّوْلِيَة والتبديل وَالعطَاء وَالْمَنْع والتسوية والتفضيل وترتيب كل مِنْهُم فِي مَنْزِلَته الَّتِي يستحقهابأهليته والنزيل فَمن قبله فَهُوَ الْمقبل المقبول وَمن حرمه فَهُوَ المحروم المرذول فانه مَا يعْتَمد امرا الا بِدَلِيل مُسْتَنده الْمَشْرُوع والمعقول وَهُوَ الذى دلّت على الْفُرُوع ببيانه الاصول وَصَحَّ بروايته واسناده المسموع وَالْمَنْقُول وسبيل النواب اعزاز جَانِبه وانجاح مآربه والشد على ايدى نوابه واظهار جاه اصحابه وتفريغ سره فِيمَا هُوَ بصدده وترفيه خاطره لإِفَادَة الْعلم وإيضاح جدده وكف أَيدي معارضه فِي ولَايَته واقامة حُرْمَة الشَّرْع بِهِ فانه نَافِع رِوَايَته وَرَافِع رايته منشور من انشائي أَيْضا لمحتسب حلب وَهُوَ شرِيف متضمنا شُرُوط الاحتساب الْحَمد لله الْآمِر بِالْعَدْلِ والاحسان الناهي عَن الظُّلم والعدوان نحمده على مَا قَلّدهُ من الامتنان وَهدى اليه من الايمان ونسأله أَن يُصَلِّي على سيدنَا مُحَمَّد نبيه وَاضع الْمِيزَان بِالْقِسْطِ الْوَاضِح الْبُرْهَان وعَلى آله وَأَصْحَابه اهل الرَّحْمَة والرضوان وَبعد فَإنَّا

لما يفترض من الامر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر واجراء أُمُور الرّعية على وفْق أَحْكَام الشَّرْع المطهر وَأَخذهم فِي مَعَايشهمْ ومعاملاتهم مَا يحظر عَلَيْهِم مُلَابسَة الْخطر وَيُقِيم الْوَزْن بِالْقِسْطِ للبدو مِنْهُم والحضر حَتَّى تدوم الْمعَاهد بِالْعَدْلِ آهلة والمحافل بِالْفَضْلِ حافلة والرعية فِي ملابس الرِّعَايَة رافلة وسيدان الأذايا وسراحينها عَن سراح أَمنهم جافلة نرى أَن نولي الاحتساب من يكرم محتده ويسمو سؤدده فيضح فِي النباهة بالفضائل والنزاهة عَن الرذائل جدده وَمن تقوى بالتقوى نَفسه ويشرق فِي افق دينه بالتوفيق رشده وتنبسط فِي الْحق بالأيد يَده ويخلص لله فِي الإستقامة عَن سنَن الْعدْل مقْصده وَمن يَسْتَقِيم فِي الدّيانَة مذْهبه وَيصِح فِيهَا معتقده وَيعرف بِالتَّوْحِيدِ توحده فَيتَحَقَّق لنهج سَبِيل الْهدى تجرده ويصفو من شبه الشوائب مصدره ومورده وَلما كَانَ فلَان أدام الله توفيقه جَارِيا فِي نزاهة النجار ونباهة الفخار على سنَن شرفه مُتبعا فِي كرم المحتد وَصِحَّة المعتقد سنَن سلفه شافعا متلده فِي الاحسان بِحسن مطرفه مغضيا عَن مطامح المطامع بِعَين عزوفة وَأَنْفه مهيبا لفضل وقاره مصيبا فِي إِيرَاده وإصداره مجيلا قداح النّظر فِي اخْتِيَاره مستطيلا على ذوى التَّقْصِير والاستطالة بانتصافه وانتصاره عَارِفًا بأحوال النَّاس فِي الْمُعَامَلَات والمعاش ثَابت الْقلب فِي مُلَابسَة الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر رابط الجأش عولنا عَلَيْهِ فِي تولي الْحِسْبَة بحلب حرسها الله وفوضنا اليه أمرهَا ورفعنا بِهِ قدرهَا وقلدناه عَملهَا وحلينا بِهِ عطلها استنامة الى أَمَانَته وسكونا الى صيانته وديانته وَمَعْرِفَة بشرف نَفسه وعزوفها وصدود همته عَن كل مَا تأباه الْمُرُوءَة وصدوفها واعتمادا على امانته الَّتِي على التَّقْوَى اعتمادها واستنادا إِلَى حزامته الَّتِي إِلَى التَّوْفِيق استنادها وثقة بسريرته الَّتِي بتأييد الله ثقتها وَفِي مرضاة الله مقتها ومقها وعلما بسيرته الَّتِي لمح سنا محاسنها وموالاته للدولة الَّتِي أبهجت الانام أَيَّام أيامنها فليتول ذَلِك بنهضة تَامَّة وكفاية لشمل الْمصَالح ضامة وسياسة لشعب الشّعب الملئم لَامة وَفِي تَهْذِيب الْخَاصَّة والعامة خَاصَّة وَعَامة وَنظر

يذلل الجوامح ويروضها وَمِنْه تستقل بالامانة نهوضها وفطنه ينْكَشف بهَا من الخافيات غموضها وعدالة تُقَام بهَا من المعدلة سننها وفروضها وهداية تنفى الضَّلَالَة وتنسخها ودراية تحل عقد الشُّبُهَات وتفسخها وصرامة تلبى دَعْوَة المستصرخ وتصرخها وسيرة يثبتها كَاتب الْيَمين ويؤرخها وسطوة تدمر الغواية وتدمغها وشهامة تَنْتَهِي فِي حفظ الِاعْتِدَال الى الْغَايَة وتبلغها ورافة بالمتورعين فِي الْمُعَامَلَة توسع عَلَيْهِم الْمَعيشَة وتسوغها وعفة عَن المطاعم والمطامع تضفي عَلَيْهِ حلل الثَّنَاء وتسبغها ومحافظة على خلقه عِنْد الانكار يحفظه فِيمَا يحفظه ومراقبة لله فِي السِّرّ والجهر تبهضه بِمَا لَا يبهضه وتفكر فِي الْحَوَادِث يحدثه بِالْغَيْر ويعظه وخشية الله فِي سَائِر احواله تنذره بالمخاوف وتوقظه وليشرع فِي حفظ الْمُعَامَلَات على جدد الشَّرِيعَة ومنهاجها وليصن حدتها بتجديد دُعَاء النَّاس اليها من انهاجها وليعتمد فِي زجر الفجرة مَا يُؤذن باعجازها وازعاجها وَفِي الْبر بالبررة مَا يُفْضِي باغتباطها وابتهاجها وليعتبر اهل الاسواق فَمن ألفاه ألفا للسداد الفه وَمن عرفه جَاهِلا بالمشروع عَرَفَة وَمن وجده متجوزا فِي امانته أوجده وخوفه وَمن صادفه مائلا عَن مَنْهَج النَّصِيحَة صدفة وثقفه وليتبع بالمسكر باراقته وليقم الْحَد على شَاربه فِي حَال افاقته وَمن ذاق مِنْهُ من اهل التَّحْرِيم وَلَو جرعة فليجرعه من الْحَد مر مذاقته وَمن اسْتوْجبَ التَّعْزِير فَلَا يبلغن بِهِ حد الْحَد وَلَا يحملهُ من الْعقُوبَة فَوق طاقته وليردع مقترف الذَّنب وَلَا يخل بنصيحته وَلَا يتجسس على الْمُسَافِر فيفضي اشاعة الْفَاحِشَة مِنْهُ الى فضيحته وَمن الْتبس عَلَيْهِ أمره فليتوقف فِيهِ حَتَّى يسفر بالكشف عَنهُ ليل الارتياب عَن صبيحته وَمن تفرس فِيهِ حَالا فَلَا يقطع فِيهِ بهَا دون ظُهُور امارتها ووضوح بيناتها بفراسته وقريحته وَلينه عَن الْغِشّ فِي الْعرُوض والنقود وَعَن الرِّبَا فِي المقروض والمعقود وَعَن التطفيف فِي الْكَيْل وَالْوَزْن والذرع وَعَن التنكب فِي الْمَقَادِير والمعايير والمكاييل عَن الْعرف الْمُعْتَبر فِي الشَّرْع وليبحث عَن اهل الصناعات كل الْبَحْث وَعَن المصنوعات جديدها والرث وسمينها والغث فَمن شهد لَهُ أهل الْمعرفَة بالبراعة أقره على مَا يتعاطاه من الصِّنَاعَة وَمن رَآهُ مقصرا نَهَاهُ عَن التَّقْصِير أَو مغررا ردعه عَن التَّغْرِير بالتعزير أَو مفرطا عاقبه على التَّفْرِيط أَو مخلطا أدبه على التَّخْلِيط وَمن عرفه جَاهِلا بصنعته مَنعه وَمن أبصره غير بَصِير بحرفته قدعه وليمنع الطرقيين والمتعاطين للطب على التخمين وليصدهم عَن مداواة الامراض ومزاولة الاعراض ومعالجة الْعُيُون ومعالجة الأدواء بالظنون وَبيع الادوية المغشوشة والمجهولة

منشور من انشائي لطبيب بحلب

وَوضع اساميها على غير المقولة والمنقولة وليزع المتلبسين بالتنجيم والشعبذة وَالْكهَانَة وليهن الْقَائِلين بهَا والقاطعين بحكمها كل الاهانة وليصن الْمَسَاجِد وبيوت الْعِبَادَات من اتخاذها حوانيت لذوى الصناعات وحلفا لذوى الخرافات ومخازن ومساكن لذوى الصَّنَائِع والتجارات ولينكر غَايَة الانكار كشف العورات لَا سِيمَا فِي الحمامات وليكف صَوت المتحدثين فِي العقائد بِمَا يوتغها وَيقطع الالسن عَمَّا يطلقهَا فِي اعراض السّلف الصَّالح ويولغها وليلتزم كل مَا يتَعَيَّن على الْمُحْتَسب وَيلْزمهُ وليعمل بِمَا يعرفهُ من الصَّوَاب وَالصَّلَاح ويعلمه من اطايب المعايش وازالة الْفَوَاحِش واصلاح المكاسب وايضاح الْمذَاهب وتبطيل الملاهي وتعطيل المناهي وتحسين العوائد وتمكين الْفَوَائِد وايجاد المراشد واعدام الْمَفَاسِد وَحفظ الاسعار والقيم وصون الاموال والعصم وابعاد اهل الريب والتهم وإبعاد أهل الظنن وإخماد نَار الْفِتَن وَمن جملَة مَا يلْزمه عمَارَة الطّرق وتنظيفها وتشييد جوانبها وترصيفها فانه متولى أوقافها والناظر فِي مصالحها ومصارفها وَيجب أَن يتولاها ويحافظ فِيهَا على شُرُوط واقفها مشمولا من الدولة بأنص عوارفها مجتنيا من النِّعْمَة من أَغضّ مقاطعها مُحْتَبِيًا من الْحُرْمَة فِي أَعلَى مراتبها معتليا من الْكَرَامَة فِي أسمى مراقيها مقتنعا بِمَا قرر لَهُ عَن الْخدمَة من وظائف المبرة ورواتب النِّعْمَة وسبيل الْوُلَاة والأمراء والشحن والنواب معاونته على مَا وليناه ومساعدته وتقوية يَده على مَا هُوَ بصدده وَإِقَامَة جاهه ومنصبه وإنجاح مقْصده فِي إنالة إربه وتنفيذ احكامه وتمكينه من نقضه وابرامه وموافقته على حبس من يرَاهُ وإطلاقه وإرهاق حد من نبا عَن الْحق ليمضي فِيهِ وارهاقه وتلبية دَعوته وإجابتها وإنالته بغيته وإصابتها وتقليده فِي مهذب التَّهْذِيب والتفويض اليه فِي مناهج التَّقْوِيم والتأديب وَالْعَمَل فِي جَمِيع ذَلِك بالامر العالي وَمُقْتَضَاهُ والاعتماد على التوقيع فِيهِ ان شَاءَ الله منشور من انشائي لطبيب بحلب لما كَانَ الْحَكِيم فلَان حرسه الله متفردا بصناعة الطِّبّ متوحدا فِي علمه مُنْطَلقًا فِي تَدْبيره بدرايته وفهمه مجربا لمداواة الامراض ومداراتها وَاقِفًا على أدلتها فِي مبادئها وغاياتها عَارِفًا بإماراتها ماهرا فِي تشريح الاعضاء وحالاتها عَالما بالعناصر الاربعة واستقصاءاتها ومتفطنا على الامزجة على اختلافها فِي أَوْقَات انحرافها واعتدالها

ذكر بشائر بوقعات نصر فيها الاسلام ونحن بحلب من ذلك

متمرنا بِالْوُقُوفِ على مَا يجب وَيَنْبَغِي لَهَا فِي حفظ صِحَّتهَا وإماطة اعتلالها فارقا بَين الطبائع الغريزية والغريبة نَاظرا فِي القوى الْآتِيَة مِنْهَا والمجيبة متوسلا فِي تسقيم السقيم وتقسيم الادوية بِحَسب الْعَوَارِض على القانون الْمُسْتَقيم وحماية الناقه بانقائه بالحمية حَتَّى يعود بوفور حِصَّة الصِّحَّة حَالي الْبَهْجَة بهيج الْحِلْية ذَا دراية بالجواهر وأعراضها والاجسام وأمراضها صناعَة طبية اكتسبها بتجريبه وَمهر فِيهَا بِحسن تَدْبيره وترتيبه وأمرناه بِأَن يواظب على الْخدمَة بقلعة حلب المحروسة لمداواة أَهلهَا وحيازة مرضاة مرضاها ومعالجة كل حَالَة بمقتضاها ومداواة أهل الْبَلَد على حسب مَا يكون فِيهِ من الْجلد لمن لابد من ملازمته وَلمن تتوفر الرغبات على حفظ صِحَّته وَقد قرر لَهُ مَا يُعينهُ على استثمار صناعته ويغنيه عَن سواهُ بمواظبته فليتول هَذِه الْخدمَة متوفرا على حفظ الصِّحَّة حَاصِلَة واسترجاعها بِمَشِيئَة زائلة مُقَابلا كل مرض بوزانه من قُوَّة الدَّوَاء مُسْتقِلّا بِمَعْرِِفَة الادوية المركبة والمفردة على تغاير الادواء صائغا فِي تركيبها وَدفع ضَرَر بَعْضهَا بِبَعْض فارقا بَين السَّرِيع والمتواتر والمتخلف والمنتظم فِي النبض مشفقا على الْأَعْضَاء الرئيسة والاجزاء النفيسة بإمالة الْخَلْط عَنْهَا قبل استفراغه والاضافة الى الدَّوَاء مَا يعين على ايصاله وابلاغه وترجيح الْأَمر فِي الْعرض الهائج هَل يستفرغ أَو يُبدل مزاجه وَالْفرق بَين مَا يدارى فَلَا يُحَرك ساكنه وَبَين مَا يُبَادر فيعاجل علاجه وَمَعْرِفَة الدَّوَاء الذى تنْحَل قوته بالطبخ أَو الدق وَمَا يصلح كيفيته بالتصويل والسحق والاطلاع على مَا يسهل ويمسك أَو يُؤْخَذ أَو يتْرك وَالنَّظَر فِي زِيَادَة الْخَلْط على مِقْدَاره الَّذِي يَنْبَغِي بتنقص ضِدّه عَمَّا يَنْبَغِي بفطنته وذكائه وَالِاجْتِهَاد فِي ملاطفة أَخْلَاق الْمَرِيض فِي دوائه وغذائه مُؤديا لامانته فِي كِفَايَته موفيا بالمحافظة على القوانين الصَّحِيحَة حق صناعته واقتصرت على ذكر هَذِه المناشير الثَّلَاثَة لِئَلَّا يُفْضِي بطول الْكتاب وَفِي كل وَاحِد مِنْهَا فِي فنه مَا يتشوف اليه ذَوُو الالباب ذكر بشائر بوقعات نصر فِيهَا الاسلام وَنحن بحلب من ذَلِك وقْعَة بَريَّة بالفرنج على مَاء يعرف بالعسيلة ووقعة بحريّة فِي ظفر الاسطول وَذَلِكَ

فِي محرم سنة تسع وَسبعين وَشرح ذَلِك فِي كتاب من الانشاء العالي الْكَرِيم الفاضلي إِلَى الدِّيوَان الْعَزِيز يتَضَمَّن الوقعتين بعد ذكر فتح حلب ونسخته أدام الله ايام الدِّيوَان الْعَزِيز وَلَا زَالَت منَازِل ملكه منَازِل التَّقْدِيس والتطهير وموالاته وَسِيلَة التمحيص والتكفير ومواقف الاولياء بِبَابِهِ مَوَاطِن السُّجُود والتعفير وَالْولَايَة من قبله عَلامَة التَّمْلِيك والتأمير وَالْوُقُوف بأقصى المطارح من ترابه مُوجب التَّقْدِيم والتصدير وآيات نعم الله فِي وجوده وَاضِحَة تغني فِيهَا الالباب عَن التَّبْيِين وَالتَّفْسِير وَالْأمة مَجْمُوعَة الشمل بإمامته جمع السَّلامَة لَا جمع التكسير وَالْخَادِم يُنْهِي ان الذى يحملهُ على مَا يحملهُ الى الدِّيوَان الْعَزِيز من كتبه ويندبه من رسله ويجيب بِهِ دَاعِي طبعه فِي الْوَلَاء المسترسل على سجيته المنبعث فِيهِ على رسله أَمْرَانِ أَحدهمَا أَن الذى يفتتحه من الْبِلَاد ويتسلمه إِمَّا بِسُكُون التغمد اَوْ بحركة مَا فِي الاغماد إِنَّمَا يعده طَرِيقا إِلَى الاستنفار الى بِلَاد الْكفَّار واما يحسبه جنَاحا يُمكنهُ من المطار إِلَى مُلَابسَة الْكَفَرَة من الاقطار وَالثَّانِي إِعْلَام أَمِير الْمُؤمنِينَ ان تقليداته وتقليد آبَائِهِ الطاهرين اذا صدرت عَنهُ وعنهم قُرِئت وَمَا عصيت ونفذت وَمَا نبذت فَيعلم ان لَهُ عبدا ممتثل امْرَهْ وَيلْزم النَّاس بامتثاله وخادما يُطِيع حكمه الْجَلِيل وَيحكم على غَيره بِطَاعَتِهِ واجلاله وَإِلَّا فَكَانَ من الْوَاجِب ان يذخر بريده الَّذِي يبرده ويلجم القَوْل الَّذِي يُورِدهُ ويدع الحَدِيث الَّذِي يصوغه سنّ الْقَلَم والنور الذى يقتدح مِمَّا يَقْتَضِيهِ المداد من الظُّلم لخَبر عَن الْكَافِر لَا تلغى شمس معجزته يدا فِي كَافِر وَلِحَدِيث عَن الْبَيْت الْمُقَدّس ينْتَظر النَّاظر بسفور صَاحبه السافر وَذَلِكَ بِمَشِيئَة الله غير بعيد من لطف الله بديع وَغير عَزِيز عِنْد قدرَة الله الْكَافِر بهَا غير عَزِيز وعَلى هَذِه التقدمة فَهُوَ يستفتح هَذِه الْخدمَة بِذكر ظفرين للاسلام بري وبحري شَامي ومصري أَحدهمَا وَهُوَ البحري عود أحد الاسطولين اللَّذين اغزاهما أَخُو السُّلْطَان

أَبُو بكر بِمصْر وَكَانَت مُدَّة غيبته من وَقت خُرُوجه الى وَقت عودته الى دمياط تِسْعَة أَيَّام لِأَنَّهُ غزا مِنْهَا فِي خَامِس عشر الْمحرم وقفل رَابِع عشرينه فظفر ببطسة مقلعة من الشَّام فِيهَا ثَلَاثمِائَة وَخَمْسَة وَسَبْعُونَ علجا مِنْهُم خيالة ذَوُو شَوْكَة وازعة وتجار ذَوُو ثروة وَاسِعَة فَأَخذهُم الله بأيدى الاولياء برقابهم وَمكن الحطم والقصم من صلبهم واصلابهم ومسخ عزة إقدامهم بذلة إحجامهم وَسُيُوفهمْ الَّتِي فِي ايديهم سلاسل فِي أَقْدَامهم وملئت آمال الْمُجَاهدين أَمْوَالًا وأثقالا وانتقلوا بالقلوب خفافا وبالأيدي ثقالا وَبرد مغنمهم بعد مَا تقدمه من حر الْحَرْب وعادوا عَن الْبَحْر الْملح شاكرين لما أوردهم من الشّرْب العذب وَالظفر الثَّانِي وَهُوَ الْبري مَا طولع بِهِ من مصر من نهوض فرنج الداروم الى أَطْرَاف بعيدَة وَهَذِه الْعصبَة ملعونة مقبلة على الْقِتَال مذربة النصال مدربة على النضال لَا تزغ الأعنة وَلَا تنْزع الأسنة تسري فتسبق الصَّباح وتدلج فتستصبح الرماح فَنَذر بهم وَالِي الشرقية فَركب اللَّيْل فرسا كَمَا ركبوه جملا وسروا ثقيلا وسرى رملا فتوافى الْفَرِيقَانِ إِلَى مَاء يعرف بالعسيلة سبق الفرنج الى موردته وَالسَّابِق إِلَى المَاء محاصر الْمَسْبُوق ووردوا زرقه فتعصب لأزرقهم فَظن الْمُؤمن أَن الْكَافِر مَرْزُوق وَاشْتَدَّ بِالْمُسْلِمين الْعَطش وغل ايديهم الدهش فَأَنْشَأَ الله فِي ناجر الهواجر سَحَابَة مَاء صَيْفِي سقاهم بهَا {من فَوْقهم وَمن تَحت أَرجُلهم} وَأمْسك بِهِ ايديهم فاستمسكت على أنصلهم فآبوا إِلَى الفرنج بِقُوَّة انجاد

فصل من كتاب من انشائي في معنى الظفرين

السَّمَاء بِالْمَاءِ وثاروا الى الملاعين الاعداء بالعزم الجري ذاكرين معْجزَة الْيَوْم البدري يَوْم من الله على أهلة بالتطهير والري فَلم ينج من الفرنج الا رجلَانِ احدهما الدَّلِيل وَالثَّانِي الذَّلِيل وانجلت الجلى بعد أَن صَارُوا معتفين وتساقوا كؤوس الْمَوْت تَحت ليل العجاج معتبقين فقطت شَوْكَة شَدِيدَة وفلت شكة كفر حَدِيدَة وَعَاد الْمُسلمُونَ برؤوس عدوهم فِي رُؤُوس القنا وَقد اجتنوا ثمراتها وأرواحهم فِي صُدُور الظبي وَقد أطفأوا بِمَائِهَا جمراتها فصل من كتاب من انشائي فِي معنى الظفرين وَردت إِلَيْنَا مُوَافقَة لفتح حلب فِي صفر بشارتان بِمَا تمّ فِي مصر للاسطول فِي الْبَحْر والعسكر فِي الْبر من الظفر فَأَما الاسطول الْمَنْصُور فانه نَهَضَ فِي الْبَحْر مغيرا فَعَاد بعد تِسْعَة أَيَّام بثلاثمائة وَخَمْسَة وَسبعين أَسِيرًا وتجهز الاسطول الثَّانِي فتواترت الاخبار بظفره وَعوده حامدا لأثره وَأما المعسكر الْمَنْصُور فان فرنج الداروم خصهم الله بالذمور كَانُوا قد نهضوا نَحْو فاران وَجمع الطّور فِي جمع محشود وحشد مَجْمُوع ومجر من الْخَيل وَالرجل رائع غير مروع فَاشْتَدَّ ضررهم واشتهر خبرهم وَتمكن من النُّفُوس حذرهم ولقح تِلْكَ الأرجاء شررهم فأنهض اخونا الْعَادِل نَصره الله وَرَاءَهُمْ من الْعَسْكَر رجَالًا منتخبين وابطالا للحق من الْبَاطِل منتخبين وَقدم عَلَيْهِم سعد الدّين كمشة وَعلم الدّين قَيْصر وسيرهم لأهل تِلْكَ النَّاحِيَة مصرخين فعارضوهم على صوب طَرِيق صدر وائلة وصادفوهم وَقد عَادوا على مَاء يعرف بالعسيلة فترجل الفرنج وآووا إِلَى جبل يعصمهم وَمَا عرفُوا ان الاسلام يَأْخُذهُمْ ويقذفهم وان الْكفْر لَا ينقذهم بل يسلمهم فَأتى عَلَيْهِم أَصْحَابنَا عَن آخِرهم قتلا وأسرا واستلموا من صَحَائِف الصفائح لاثبات ايات الْإِسْلَام وتبيين سور سيره نصرا وَالْحَمْد لله الَّذِي نصر التَّوْحِيد على التَّثْلِيث وميز الطّيب من الْخَبيث وألهانا عَن التحدث بنصره الْقَدِيم بحَديثه الحَدِيث وَلم يبْق لنا الان أرب إِلَّا فِي الْجِهَاد الَّذِي تعين فَرْضه وَلزِمَ فِي الذِّمَّة فَرْضه

ذكر الرحيل من حلب والعود الى دمشق وقصده غزاة بيسان منها

وَوَجَب علينا حَقه وسهلت لدينا الى اقامة واجبه طرقه فَفتح الْمَسْجِد الاقصى أدنى الينا من كل فتح وَربح الْمُسلمين فِيهِ أوفر وأوفى من كل ربح وَلَيْلَة انْتِظَار فَتحه وان طَالَتْ فَلَا بُد من صبح ذكر الرحيل من حلب وَالْعود الى دمشق وقصده غزَاة بيسان مِنْهَا وَلما تمّ الْفَرَاغ من شغل حلب وأعمالها وتسديد إختلالها وردهَا بعد اعتلالها الى اعتدالها وَكَانَ صَاحب انطاكية قد راسل بِالصُّلْحِ مذعنا والى السّلم جانحا ولقياد الاستكانة مانحا وببرق التَّقَرُّب بالاستئمان والتقرب للاحسان سانحا فوطئ مهاد المهادنة وبذل بذل الاستخذاء الْأَخْذ بالامعان فِي المعاونة فشددنا حزم الحزم وعاودنا عز الْعَزْم وَخَرجْنَا من حلب وَقد حلبت لنا كل در وجلبت الينا كل بر وزودتنا بِكُل ود وأراحتنا من كل لد وشيعتنا من المنائح بِكُل شَيْء ووسعت لنا فِي المناجح كل سعي ودعت لنا إِذْ ودعتنا بِكُل صَالِحَة ولقيتنا بأوجه باسرة من هم فراقنا كالحة وأبدت تَقربهَا بالمرافقة وتكربها بالمفارقة وَعبر بِنَا أعيانها بعيون مستعبرة وأنفاس مستعرة ونفوس مستشعرة فشكرنا صدق الأصداق ووفاء الْمُوَافق ووقرنا مرافق الْمرَافِق وأصبنا مَوَدَّة الْمُودع وأجبنا مشْيَة المشيع فَمنهمْ من سوغ خُرُوجه لتسويغ خراجه وَمِنْهُم من جَاءَ برجائه وَوجد بِعَدَمِ ارجائه وضوح مناهجه وَآخر قدم اطلاق شكره لاطلاق حكره وَآخر أخر ذكر مطالبه لعلمه انها من السُّلْطَان على ذكره وأمل ادرار در أمله وعامل ضيَاع مَا ضَاعَ عمله ونائب رفْعَة رفعت نوائبه وطالب منحة منحت مطالبه وعافى جود جيد عفوا وصادي ورد رد كدر دره صفوا وبائع فضل ابتيع بافضال ومدعي قبُول دعِي باقبال وَسَائِل بوسائل اخْتِصَاص ودائل بدلائل اخلاص وباسط يَده للايادي المبسوطة وغابط صَاحبه على صحبتنا المغبوطة وناشد قصد بانشاد قصيدة وعاقد صداقة بِصدق عقيدة ومستنيل نيل ومستقيل أقيل ومستعد أعدي ومستجد أجدي ومستهد هدى وأهدي ومقتض بِحَق قضي حَقه ومسترزق أجر أجري رزقه وراغب فِي خدمَة استخدم برغبته ومبدع غَرِيبَة حظى

ذكر الوصول الى حماة ووصف القاضي أبي القاسم

بحظوة بديعة غَرِيبَة ومظهر فَضِيلَة فضل بِظُهُور ومستعيد حباء عَاد بحبور ومستسعف أسعف ومسترهف أرهف ومقو من غنى أُغني وَقَوي وشاكي صدى أشكى وأروي وراج أنطي وراجل أمطي ومتألم كفت ملمته ومتظلم كشفت مظلمته وموال وجد مُوالَاة الوجد وجال صُورَة الود تال سُورَة الْحَمد وقضينا الْحَوَائِج وأقضينا الجوائح وذللنا الجوامح وعدلنا الجوانح وأقمنا المائل وأسمنا النائل وأزحنا الْعِلَل وَأَرِحْنَا الغلل ونهجنا السبل وأنهجنا النبل وأفضلنا بالجميل وَفصل الْجمل وعصينا العذل واطعنا الجذل ونشطنا الْعقل وبسطنا الامل واستقمنا على الطَّرِيق بالتأييد من الله والتوفيق واستصحبنا عَسَاكِر حلب والجزيرة واجتمعنا فِي جموع كثيفة كَثِيرَة وحضرناالحاضر بِقِنِّسْرِينَ بأسود اعتقلت العرين وتلونا السُّلْطَان بتل السُّلْطَان مخيمين وعَلى عزم الْغُزَاة مصممين فَمَا وصلنا جباب التركمان حَتَّى وصلت قبائل التركمان مترنمة قسيها الموترة لأوتارها بالارنان وَسَار الْجمع وأنار اللمع وثار النَّقْع وَتمّ لخرق السَّمَاء من الأَرْض الرقع وعرت المجاهل ووعورت الهواجل وعرت الناهل فتفرقت العساكر على الطّرق وَأخذت فِي الخبب والعنق وطرقت معاشر طَرِيق المعشرية وبرت عصائب الْبَريَّة حَتَّى ناطحتنا قُرُون حماه وصافحتنا سعود قرانها وقرت بِنَا عُيُون اعيانها ذكر الْوُصُول الى حماة وَوصف القَاضِي أبي الْقَاسِم فَأول من تلقانا بأقسام بره القَاضِي أَبُو الْقَاسِم قَاسم المكارم وحاتم الأكارم وحاكم الْمَغَانِم وَكَانَ هَذَا القَاضِي أَمِين الدّين بن حُبَيْش قد أرغدلأهل حماة بمنائحه الْعَيْش وَلم يزل ذَا سجية سخية وعيشة رخية ومبرة مبرة ومسرة بالوفود معلنة بالمحامد مَسَرَّة وَكُنَّا اذا وردنا حماه تتباشر بِنَا غلمانه ويتبادر الينا احسانه وتدر بالحفول لنا دَاره ويتدلى علينا بالاثمار بستانه وَكم قيدنَا بحبال حبائه المتينة وامتنانه واجتنينا جنى جنابه وجنانه وطنت بأوطارنا اوطانه وغنت مغانيه بغنانا ودعانا موقد قراه ودخانه فَكَأَنَّمَا ضيفانه اخوانه متنوعة لَهُم الوانه مسموط سماطه مَبْسُوط خوانه فاذا وصل الى حماه سُلْطَان أَو أَمِير أَو مَعْرُوف أَو كَبِير دَعَاهُ الى ربعه

ذكر الملك المظفر تقي الدين

وأجراه على كريم طبعه فَإِن لم يزره زارته تحاياه وقرته فِي مخيمه تحفه وهداياه وَله من الْقُلُوب اتم قبُول وَلكُل نَازل بِهِ من جَانِبه أهنأ نزل وَفِي جنابه أكْرم نزُول ولهذه الشَّرَائِع لم ترد لَهُ عِنْد السلاطين والاكابر شَفَاعَة وَلم يعن شَيْئا من حُقُوقه المصونة اضاعة وَجرى بمراده مدَار افلاكه وَزَاد الاملاك فِي املاكه وَلم يكن هَذَا القَاضِي مُتَوَلِّيًا لعمل وَلَا قَضَاء وَلَا حكم لَهُ فِي إِنْفَاذ وَلَا إِمْضَاء وَكَانَ قانعا بجدى ملكه وسدى سلكه ويستثمره بِفضل جاهه ويفوق المعروفين بتيقظه وانتباهه ذكر الْملك المظفر تَقِيّ الدّين وَكَانَ الْملك المظفر تَقِيّ الدّين بن أخي السُّلْطَان صَاحب حماه ومالكها وَقد تولى بِالْعَدْلِ والأمن ممالكها ومسالكها فأنار لنا من مطالع سعوده ضِيَاء ضيافته والفينا رزانة حصا حصافته واجتلينا انوار طلعته من منار قلعته وجلا لنا سنا جلالته وجلنا فِي مكر مكرمته وحضرنا فِي مقار مقاريه وحظرنا ذكر مبار مباريه ووشع ذراه ووسع قراه ورحب نديه وَحبر نداه وَأجلى جناه وَأَعْلَى سناه وَحسن الْحصن الذى بحماة حماه وسر ببشره ونشره سر من سَاءَهُ أساه وَمَا قصر نَظرنَا فِي قصره النَّاظر الذى بالقلعة اعتنى بِهِ وابتناه وَمَا ابهج وأبهى بهوه وبهاه وَأعظم ايوانه واكرم ايواءه فانه مَا أَوَى اليه الا من صانه وأعداه على زَمَانه واعانه ونظرنا كل نضير بِلَا نَظِير وعبرنا بِكُل مَا عبرنا فِيهِ عَن ريا عبير وَطن النادى وغنى الشادي وَتَروح الغادي وتروى الصادي وطاب الْوَقْت وَغَابَ المقت وانزاح الْبُؤْس وارتاحت النُّفُوس وراقت الاغاريد وشاقت الاناشيد وشملت الارواح وكملت الافراح واهتزت الاعطاف واعتزرت الاطراف واشتملت الدعْوَة على كل صَالِحَة وَصدر كل بصدر بِشَارَة سالكة وَبشَارَة شارحة وَمَا زلنا نصيب من النوال كل نصيب ونجيب حَتَّى أَصْبَحْنَا نعيب كل نعيب وتفرقنا بعد الِاجْتِمَاع وجد بِنَا زِمَام الازماع وشاقتنا عِنْد الاسفار مشاق الاسفار وألهانا الْجَوَاز بالاجواز عَن أوطان الأوطار واستن الْعَسْكَر سكر الرستن واستقاموا على الْمنْهَج الأبين وعبرنا نهر العاصى فِي طَاعَة الله بِقصد الْغُزَاة والجرد تَحت المرد والكمت تَحت الكماة وجالت العراب وسالت الشعاب فالبر بَحر من موج العرموم المجر وَالنَّقْع

رقع لخرق الْفجْر ورد وصل الصَّباح بظلامه إِلَى الهجر وللدودوى من صهلات الْخَيل وجهلات الزّجر ولإيناس رشد الحوافر فِي الْقَصْد كف الْحجر بفك الْحجر والسوابق فِي ميدان الاجراء سَابِقَة إِلَى مدى الاجر ومالت بِنَا أَعْنَاق الاعناق وقصرنا الى حمص اشواط الاشواق وخيمنا على عاصيها وَضَاقَتْ بجموعنا ادانيها واقاصيها وَجِئْنَا الى الزِّرَاعَة ثمَّ اللبوة وحدود العزائم بِتَوْفِيق الله مصونة من النُّبُوَّة ووصلنا إِلَى بعلبك بعد أَن قَطعنَا الهواجل وعبرنا المراحل وشافهنا الفدافد وشفهنا الْمَوَارِد وحمدنا العوائد وعاودنا المحامد ذَاك وصباح السرى مَحْمُود ونجاح المنى مَعْهُود وحوض الافضال مورود وَروض الاقبال مجود وريض الْمَقْصُود مقود وللمع البارق ومض ولجفن الغرار غمض وليد الدولة بسط وَقبض ولعيش الرّعية من رفع نصبها خفض ولعين الْحدثَان غض وللأيام بأيامنها على كل حَظّ حض وقربنا من دمشق وَخرج اهلها لتلقينا وترقوا بترقينا وَقُلْنَا وقاية الله خير من توقينا ودخلنا إِلَيْهَا وَهِي ببشرانا مستبشرة وَعَن صباح سفورنا مسفرة وعَلى الْوَلَاء الْخَالِص وَالدُّعَاء الصَّالح لنا متوفرة واستجلينا وُجُوهًا غرا وَالسّنة مديمة شكرا وَلم نطل بهَا الْمقَام وعجلنا الرحلة لشوقنا إِلَى أَن نعجل من أهل الْكفْر الانتقام واتممنا لله الاعتزاء وصممنا للْجِهَاد فِي سَبِيل الله الاعتزام واغتنمنا حُضُور العساكر المتضاعفة الْعدَد المتظاهرة الْعدَد المتضافرة المدد فخرجنا نَحْو الْعَدو متوجهين فِي رياض مراضي الله متنزهين وللقاء الكريهة محبين غير متكرهين ولسلب غمض الْأَعْدَاء بِتَقْدِيم جَيش الرعب إِلَيْهِم منتبهين والى غَايَة كشف عناية ذَوي الغواية فِي نهج النهى منتهين فِي جمع شَاك وجمر ذَاك ومجر لنسج النَّقْع حواك وغريد باعداد الأعادي فتاك وحديد برقاقة للرقاب الغلب الْغِلَاظ بتاك وباشراقة لستر القتام الداجي هتاك فِي صواهل طالما صدرت عَن أوراد الأوردة نواهل وجحافل قَلما احتفلت بالزحف واستكثرت للحتف الا أَبَت النَّصْر حوافل وأساد تحمل غاباتها وتبث وثباتها وضراغم تعتقل غيلها وتعتقد فِي ظلال السيوف مقيلها وقساور تسير فِي خيسها وتعرس من القنا العراض فِي عريسها ونار بيض تقد وتقد الْبيض وَمَاء زرق من النصال تغيض فِي عُيُون العدى الزرق فتغزر فِي

فصل من كتاب انشأته عن السلطان وذلك في جمادى الاخرة سنة تسع وسبعين

منتجع النجيع الْفَيْض وصحاف صفاح تَطوف بطلاء الطلى وثعالب اللهاذم تصيح وترتع فِي كلأ الكلى وذباب شفار تطن فِي لوح هجير الْهياج ونجوم حرصان تلوح فِي ابراجها من العجاج فَأول مَا وَقع الْبَأْس ببيسان فقد اخْتَلَط فِيهَا الْغُبَار وَالدُّخَان لما اطلقت للغزاة فِيهَا النيرَان وَجَاء الفرنج فرابطهم السُّلْطَان على عين الجالوت وأوقع باعداء الله اولياء الطاغوت وَقد وصفت غَزْوَة بيسان فِي فصل من كتاب انشأته عَن السُّلْطَان وَذَلِكَ فِي جُمَادَى الاخرة سنة تسع وَسبعين واقرب غزواتنا عهدا للفرنج غَزْوَة كَانَ من حَدِيثهَا الْمُبْهِج أَنا سرنا بعساكرنا المنصورة وجحافلنا الموفورة فِي مجر مجر على المجرة ذيل عجاجه ويضيق على الْأُفق وَاسع فجاجه وقطعنا الاردن فِي اشرافنا عَلَيْهِ بقواطع المشرفية والردينية وعبرنا مخاضة الحسينية بخلوص الضَّمِير فِي سَبِيل الله وَحسن النِّيَّة وَذَلِكَ يَوْم الْخَمِيس تَاسِع جُمَادَى الْآخِرَة فَلَمَّا وصلنا إِلَى بيسان قد وجدنَا بأسنا قد سبق إِلَيْهَا بالبؤس وهتك فِيهَا ستر عصمتها المحروس وَقد أخلاها أَهلهَا وخلوها وأذالوها بعد الصون وأذلوها واستقالوا من الذى حل بهم وَعرفُوا الَّتِي يستوجبونها من عُقُوبَة النَّار فاستقلوها فعاجلها الْأَصْحَاب بِمَا أجل لأَهْلهَا الْكفَّار من النيرَان وعقدوا تَحت سَمَاء العجاج مِنْهَا سَمَاء الدُّخان وتقارنت بَينهمَا نُجُوم السرَار ونجوم الخرصان حَتَّى عفوا اثارها وأثاروا عفاها وَعَاد لَيْلهَا بالضرام ضحوة وَنهب الْعَسْكَر مِنْهَا من زَاد وقوت مَا زَاد بِهِ قُوَّة وَكَانَت بِهَذِهِ الْمُقدمَة نصرته مرجوة وألحقنا بِهِ مدنا معمورة وقلاعا حَصِينَة وديارا وأبراجا كَانَت على بِلَاد الْكفْر من الأسواء اسوارا فَلم نَتْرُك لشىء مِنْهَا أثرا وأضرمناها نَارا وَلم نذر بهَا من الْكَافرين ديارًا وَوَقعت مُقَدّمَة العساكر المنصورة فِي أول يَوْم على خيل وَرجل للفرنج عابرين من نابلس فأوقعت بهم وسدت عَلَيْهِم طَرِيق مهربهم وَقتلت راجلهم وأسرت جمَاعَة من الفرسان فبدوا فِي الأقياد وتوغل الْبَاقُونَ فِي الْجبَال

بحزازات الْقُلُوب وحرارات الاكباد وَكَانَ مقدمهم ابْن هنفرى ففر وَطلب طَرِيق الْخَلَاص قبل ان يعثر بذيل العثير فَمَا قر وَوصل الْخَبَر بَان الفرنج قد وافوا بِجَمْعِهِمْ المحشود الْمَجْمُوع مائحين بالسوابح السوابق فِي بحار السوابغ والدروع وَكَانُوا فِي الف وَخَمْسمِائة رمح وَمثله تركبلي وَخَمْسَة عشر الف راجل مَا بَين طَاعن وضارب وناشب ونابل وزحفوا كَأَنَّهُمْ أسود الشرى فِي آجامها وهضاب شرورى بعلامها فَبَعَثنَا اليهم الجاليشية فجالت أمامها وجاشت قدامها والهبت نصالها فِي مَاء الوريد ضرامها وعبينا الاطلاب للْمَوْت طلابا وللنصر بِلِسَان النصل خطابا وحلقت أَجْنِحَة الرَّايَات فاقترنت بهَا فِي الجو اجنحة امثالها من العقبان الكواسر وَنزلت عَسَاكِر الْمَلَائِكَة منجدة لما استصحبناه من العساكر وَكثر بِاللَّه الْمُؤمنِينَ فِي أعين الْكَافرين فعادوا بعد الْأنس نافرين فَلَمَّا رَأَوْا بأسنا أخلدوا إِلَى الأَرْض مهطعين ووقعوا عَلَيْهَا للهلاك متوقعين وخندقوا حَولهمْ واسندوا الى الْجَبَل بالذل لائذين وركزوا قنطارياتهم فِي مَرْكَز دَائِرَة الخذلان رَضوا بِمَا كَانُوا يأبونه وَهُوَ أَن عزوا بالهوان وطلبوا ربح سلامتهم من الخسران وَأَقَامُوا كَذَلِك خَمْسَة أَيَّام آخرهَا الْأَرْبَعَاء خَامِس عشر جُمَادَى الْآخِرَة فِي دَائِرَة السوء وَعَلَيْهِم ديم السِّهَام ماطرة النوء وَنحن كل يَوْم نتوقع مِنْهُم الحملة الَّتِي هِيَ عَادَتهم والمبادرة فِي اللِّقَاء الَّتِي هِيَ فِي الصدمة الاولى سورتهم فنكلوا عَن اللِّقَاء وَمَا هاجوا الى الهيجاء وعساكرنا المنصورة حَولهمْ حائمة وَفِي بحار السوابغ فِي بِلَاد السَّاحِل دونهم عائمة والملازمون المنازلون لَهُم يثخنون فيهم جراحا ويعاودونهم مسَاء وصباحا ويسمعونهم ركزا ويسمعون مِنْهُم صياحا

فصل من كتاب آخر من انشائي في المعنى

والفرنج قد يَبِسَتْ ايديهم على الأعنة وغلت فِي صُدُورهمْ وخزات الرعب على صُدُور الأسنة والمغيرون فِي بِلَادهمْ يسنون لَهَا الغرار ويشنون فِيهَا الغوار ويكثرون الْقَتْل والأسار ويحكمون بَين الغمد والزند وَالسيف وَالنَّار فَلَمَّا رأيناهم لَا يبرحون وَلَا يخرجُون على انهم يقتلُون أَو يجرحون رحلنا عَنْهُم يَوْم الْخَمِيس لخناقهم منفسين ولمستوحشهم عَن الحملة بِضَرْب المصاف مؤنسين ولجنانهم بأنواع العزائم مستخرجين ولناكليهم عَن الْحَرْب الى الْحَرْب والنكال مستدرجين فَمَا صدقُوا حَتَّى اجفلوا أجفال النعام وتوقلوا فِي الْجبَال وهم أضلّ من الْأَنْعَام وتصاعدوا فِي الْعقَاب ونكصوا على الأعقاب وَنحن قد بلغنَا النكاية فيهم غايتها وجلونا بسنا الْبيض والسمر غيابتها والغنائم والاسارى قد مَلَأت الايدى وثقلت الظُّهُور وَعجل الله للاسلام وَعَسْكَره النَّصْر والظهور وعدنا سَالِمين سالبين غَانِمِينَ غَالِبين ظَاهِرين ظافرين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَقد شرعنا الْآن فِي غَزْوَة ثَانِيَة لغرب الْكفْر ثَانِيه والمسير بالعسكر الذى عدنا بِهِ إِلَى الكرك والالتقاء بالعسكر الْوَاصِل من مصر عَلَيْهَا فَإِن الفرنج قد بَان لنا هوانها وَهَذَا وَقت منيتها وأوانها فَمَا نزال بتأييد الله نتبع اليهم الْغَزَوَات ونوالى النهضات حَتَّى يَأْذَن الله من فتح الارض المقدسة ويطهرها من رجسهم بدمائهم النَّجِسَة فصل من كتاب آخر من انشائي فِي الْمَعْنى كتَابنَا هَذَا صادر بعد الْعود الحميد من الْغَزْو السعيد فانا دَخَلنَا بعساكرنا المنصورة الى بِلَاد الفرنج ثامن جُمَادَى الْآخِرَة وَخَرجْنَا مِنْهَا فِي تَاسِع عشرَة وَكَانَ قصدنا ان يخرجُوا الينا كَمَا جرت عَادَتهم فَنَضْرِب مَعَهم المصاف فَمَا اقدموا أحجموا وحصروا انفسهم فِي عين الجالوت فَمَا تَأَخَّرُوا وَلَا تقدمُوا وأحطنا بهم خَمْسَة أَيَّام وهم إِلَى الْجَبَل مسندون وَإِلَى الارض مخلدون وعساكرنا تَأْخُذ مِنْهُم يَمِينا وَشمَالًا وتوسعهم إدالة وإذلالا حَتَّى رحلنا عَنْهُم وَقُلْنَا لَعَلَّهُم يتبعوننا فنعود عَلَيْهِم دَرك الْعَائِد أَو يطمعون ويقعون فِي شرك المصائد فَرَجَعُوا على الحافرة وآبوا الى الناصرة وباءوا بالصفقة الخاسرة وَفِي خلال الْمدَّة خربنا بِلَادهمْ وعفينا آثارها وأحرقنا ديارها وعجلنا دمارها وأضرمنا لاحراقها نارها فكم أَسِير سير بِهِ وَقيد وقيذا وَكم مستعيذ من الْبلَاء بالبلاد لم يجد معيذا وَلما بلغنَا النكاية فيهم أسرا وقتلا وفتكا وَفِي دِيَارهمْ اخرابا واحراقا وهتكا واستكثرنا من الْأُسَارَى والغنائم وتصرمت الايام عَن حطم القنا فِي

كتاب آخر من انشائي في شرح هذه الغزوة وصفة نكولهم عن الحرب وإنما كررت ذكر هذه الكتب ليعرف منها جلية الحال

الْأَعْدَاء وثلم الصوارم وعدنا ظَاهِرين وبالنجح ظافرين وشرعنا فِي غَزْوَة اخرى الى الكرك تقرن أمل الاسلام من الم الْكفْر بالدرك وَالله تَعَالَى كَفِيل بالنصر المنتظم السلك الْوَاضِح المسلك كتاب آخر من انشائي فِي شرح هَذِه الْغَزْوَة وَصفَة نكولهم عَن الْحَرْب وَإِنَّمَا كررت ذكر هَذِه الْكتب ليعرف مِنْهَا جلية الْحَال كناا فترضنا بعد فتح حلب ونجح الأرب أَدَاء شكر الله سُبْحَانَهُ على مَا حَقَّقَهُ من الرَّجَاء وأسبغه من النعماء فَلم نر عملا أجمع لأشتات الشُّكْر من الْغَزْو الى بِلَاد الْكفْر فَإِنَّهُ يجمع بذل النَّفس وَالْمَال وَلذَلِك كَانَ الْجِهَاد أفضل الْأَعْمَال فنهضنا بعساكرنا المنصورة المصرية الْحَاضِرَة والشامية وعساكر حلب وبلاد الجزيرة وسرنا فِي مجر مجر على المجرة ذيل نقعة المثار ويسدل عجاجه دون عروس الشَّمْس سترا على الأقطار وضوامر مَا أردن مَاء الاردن إِلَّا ليردن من أهل السَّاحِل بَحر الدَّم وبواتر بواتك كَأَنَّهَا فِي ايدى الدارعين بوارق السحب تتألق فِي جنباتها لفحات الضرم وعبرنا مخاضة الحسينية يَوْم الْخَمِيس تَاسِع جُمَادَى الاخرة فِي الْخَمِيس العرمرم وَكَانَ قصدنا لِقَاء الفرنج فِي مجتمعها وإخراجها إِلَى مصرعها وإلجائها إِلَى ضرب المصاف حَتَّى إِذا صَحَّ كسرهم بِإِذن الله تصرفنا فِي بِلَادهمْ فِي الاوساط والاطراف فَلَمَّا وصلنا الى بيسان وجدناها وَقد اخليت وخليت وعراها الْجَيْش فعريت وأمتار الْعَسْكَر مِنْهَا علوفة وأقواتا وفرقنا اجزاء مبانيها وَجَعَلنَا شملها أشتاتا وَكَذَلِكَ فعلنَا بِمَا حولهَا من قرى حَصِينَة وقلعة ومدينة وَكَانَت مُقَدّمَة الْعَسْكَر قد وَقعت على خيل الفرنج وَرجل فأوقعت بهَا ايقاع الآساد بالنقاد وَقتلُوا معظمهم وقادوا من عافه السَّيْف فِي الاقياد وَجَاء الفرنج وَقد جمعُوا من حد الداروم إِلَى حد الرّوم بِكُل فَارس وراجل ورامح ونابل وَحرب حق وحزب بَاطِل ورجفت الأَرْض لرجفهم وَفتحت السَّمَاء لحتفهم وأغرينا الجاليشية بهم فجالت شَيْئا وشوتهم بِنَار النصال شيا وعبينا ابطال الروع أطلابا للْمَوْت طلابا وَفِي كسر اصلاب عَبدة الصَّلِيب صلابا فَمَا جَاءُوا حَتَّى مَا جوا للقاء وهاجوا للهيجاء وَلما وَقت الْعين فِي الْعين عاينوا حِين الْحِين وأيقنوا بِالْمَوْتِ فِي الْإِقْدَام وأبوا إِسْلَام انفسهم إِلَى الاسلام فحامت عَلَيْهِم من السِّهَام المريشة حمام الْحمام وَأَشَارَ حجاهم عَلَيْهِم بالإحجام وَكثر الله الْمُؤمنِينَ فِي أَعينهم فَقَلُّوا وأعز الله عساكرنا المحيطة بهم فذلوا وَلما نازلناهم نزلُوا وَمن خوف الْحَرْب والنكال عَن الْحَرْب نكلوا وأخلدوا الى الارض وأسندوا إِلَى الْجَبَل وخندقوا حَولهمْ فِي ذَلِك الْمضيق فَضَاقَ عَلَيْهِم مجَال الْخَيل وَصَارَ الراجل لَهُم سورا

يحميهم بالطوارق من الطوارق ومطرتهم من رواعد المنايا الَّتِي هِيَ الحنايا بوارق البوائق فَأَقَمْنَا على مقابلتهم بالمقاتلة ومجاولتهم بالمصاولة ومباستطهم بِالْقَبْضِ ومراوضتهم للقسر بالرض ومرابطتهم بالربط والاسر ومصابرتهم للقهر والاسر وهم فِي مَرْكَز دَائِرَة الخذلان وسرحهم مذعور من السرحان وللجراحات فيهم اجتراحات وللقروح مِنْهُم اقتراحات ولطيور السِّهَام من حبات قُلُوبهم سِهَام ولأفواه الْكَلَام من السّنة الأسنة كَلَام وَكلهمْ ضَاقَ بالروع ذرعا وأساغ عَن كأس الْمنية جرعا وتجبب من القراع وتجبن يديم لباب النجَاة بل لسن النَّدَم قرعا وَحقّ لَهُم ان يتمثلوا لقومهم استنت الفصال حَتَّى القرعى فقد عرفُوا أَنهم إِذا برزوا وبارزوا صَارُوا على الْمُلْتَقى صرعى فَمَكَثُوا كَذَلِك خَمْسَة ايام بلياليهن مَحْصُورين محسورين تخالهم فِي ذَلِك الْمضيق مسجونين مأسورين ورجالنا من الْجَبَل ترومهم وترميهم وتديم عَلَيْهِم رش المريشات وتدميهم وخيلنا تغير يَمِينا وَشمَالًا وَتوسع فِي ساحات سواحلهم مجالا وَتَسْبِي عقائل وتعقل سَبَايَا وتجبي نقود آجالهم وَكَانَت نسايا وَتحصل على مرباع الْغَنَائِم والصفايا وتستخرج من زَوَايَا ذخائرهم الخبايا وهم فِي مقامهم الذى برح بهم لَا يبرحون ولقذى اليغالق فِي الحمالق مِنْهُم لَا يصرخون ورحلنا عَنْهُم يَوْم الْخَمِيس سادس عشر جُمَادَى الْآخِرَة لاستخراجهم من مكانهم واستدراجهم ليبرزوا الى أقرانهم فَمَا صدقُوا بتنفيس خناقهم وتخلص ارماقهم حَتَّى نكصوا على الاعقاب وتوقلوا فِي تِلْكَ الْعقَاب وراينا النكاية فيهم قد بلغت غايتها وجاوزت نهايتها وَالْأَيْدِي قد كلت والسمر وَالْبيض تحطمت وانفلت والأزواد قد تَعَذَّرَتْ وَقلت وَفِي الْغَنَائِم مَا أوجب ثقل الظُّهُور وَفِي عدد الاسرى مَا تعدى حد الوفور فعدنا بالنصر والحبور وَوجه الْإِسْلَام بَادِي السفور وَقد شرعنا فِي غَزْوَة أُخْرَى الى الكرك قبل دُخُول الشتوة وانطلاقها وَرُجُوع العساكر الى مواطنها وافتراقها ونأمل من الله أَن يجرينا من نَصره على أحسن العوايد ويوردنا من الظفر عذب الْمَوَارِد

ذكر الغزوة الى الكرك واستدعاء الملك العادل من مصر لتولى حلب واستنابة الملك المظفر تقى الدين وشرح السبب في ذلك والبداية بذكر الملك العادل

ذكر الْغَزْوَة الى الكرك واستدعاء الْملك الْعَادِل من مصر لتولى حلب واستنابة الْملك المظفر تقى الدّين وَشرح السَّبَب فِي ذَلِك والبداية بِذكر الْملك الْعَادِل كَانَ الْملك الْعَادِل سيف الدّين أَبُو بكر اخو السُّلْطَان على عَادَته فِي تولي الديار المصرية مستمرا ولأمورها بِفضل سياسته وَحسن رعايته ممرا ولإحلاف رفعته بِرَفْع الْخلاف والمراء ومري أفاويق الْوِفَاق مستدرا وَهُوَ مُسْتَقل بِالْأَمر وَالنَّهْي والنجح فِي السَّعْي وابرام المعاقد واحكام الْقَوَاعِد وصونها من الوهن والوهي مستبد بِالْبرِّ والبري والجر والجري والرأي الْمَاضِي الْمُضِيّ الوري والرفو والفري وسداد الرَّمْي وامداد المري مستفيض النَّهْي فائض النَّهْي يولي ويعزل وَيعْلي وَينزل ويسمن ويهزل ويسمي ويحول ويصون ويبذل ويعين ويخذل ويعقد وَيحل ويوقذ وَيدل وَيكرم ويهين ويبهم وَيبين ويصل وَيقطع وَيَضَع وَيرْفَع فَكل أَمِير بتأميره وتأميله وكل أثير بتأثيره وتأثيله وكل جمر بتأريثه وكل جمع بتأثيثه وكل إلْف بتأليفه وكل صرف بتصريفه وكل شَمل بنظمه وكل شُمُول بضمه وكل شعب بلمه وكل شعث برمه وكل حَاكم بِحكمِهِ وكل راسم برسمه وكل خطير بخطره وكل نَاظر بنظره وكل اقليم بدور قلمه وكل ذِي علم يسير تَحت علمه وكل وَال بتوليته وكل عَال بتعليته وكل حَال بتحليته وكل حِسَاب فِي ديوانه وكل كتاب بعنوانه وكل منصب فِي إيوانه وكل نصيب لجنابه مَا نصب الا لجنانه وكل عقد بشده وكل شدّ بعقده وكل أَمر بأَمْره وكل جَار فِي نهره وكل روض لزهره وكل تمر لهجره وكل ثَمَر لشجره وكل دارة لقمره وكل دَار لدره وكل دارين لعطره لَا يَد على يَده وَلَا ينكب عَن جدده وَلَا ذهَاب عَن مذْهبه وَلَا شراب إِلَّا من مشربه وَلَا سنا إِلَّا لشمسه وَلَا جنى إِلَّا لغرسه وَلَا لقحات إِلَّا لأشجاره وَلَا لفحات الا لناره وَلَا إرتسام الا لمراسمه وَلَا اتسام الا بالتسامي فِي مواسمه وَهُوَ سُلْطَان الديار المصرية على الْحَقِيقَة ومرتب أمورها الجليلة والدقيقة وَالسُّلْطَان بِالشَّام فِي مهام الاسلام قد حمل بِمصْر عَنهُ أَخُوهُ وَقد اذعن لَهُ مُلُوك الارض وأملاك السَّمَاء مصرخوه وَهُوَ بأَخيه كثير وَبِحسن أَثَره اثير وَهُوَ يمده بِالْمَالِ وَالرِّجَال ذخرى الارزاق والاجال فَلَمَّا ملك حلب

ذكر الاجتماع على حصار الكرك في رجب سنة تسع وسبعين

كتب الْملك الْعَادِل لَهَا طَالبا وفيهَا وَفِي اعمالها وَمَا يجْرِي مَعهَا من الْبِلَاد والمعاقل رَاغِبًا فَكتب إِلَيْهِ لسؤله مصيبا ولسؤاله مجيبا وواعده الى الِاجْتِمَاع بِهِ على الكرك ليفوز من بغيته بالدرك واستصحب مَعَه الْملك المظفر تَقِيّ الدّين ابْن اخيه ليوليه فِي مصر ويستنيبه وَيقدم على أحسن الْأَحْوَال ترتيبه وكل ذَلِك بمشورة الْأَجَل الْفَاضِل وعنايته بالسائر والواصل فان السُّلْطَان لم يزل يبري ببريه ويفري بفريه وَيَأْخُذ باشارته وَيُعْطِي ويصيب ببركات ارائه فِي آرابه وَلَا يخطي ويستمع فِي كف الملمات قَوْله وينتجع فِي كِفَايَة الْمُهِمَّات طوله وَيتبع كلما يُشِير بِهِ أَن شكّ انه عَلَيْهِ أَوله فيسفر بِأَحْسَن الْوُجُوه عواقبه وتزهر فِي أفق التَّوْفِيق ثواقبه وَتَصِح مذاهبه وتضح مطالبه وياتيه الله فِي الوقائع الْآتِيَة من الْغَيْب بالنصر فيحضر غائبه وتنبو بنوب الدَّهْر نوائبه ذكر الِاجْتِمَاع على حِصَار الكرك فِي رَجَب سنة تسع وَسبعين فَلَمَّا آب السُّلْطَان من الْغَزْوَة فائزا من الْغَنِيمَة الحلوة بالحظوة جعل مآب الْجِهَاد الى جِهَة مآب من اقليم الشراة وَقد تلاقح بهَا من الفرنج شرار شَرّ الشراه ونزلنا بآدر أدر فأدرنا على منازلها النَّوَازِل وتركناها من ساكنيها الْكفَّار طلولا عواطل وَاسْتَأْمَنَ إِلَيْنَا اهلها الْمُسلمُونَ فأذقناهم لحلية الايمان حلاوة الامان وأولينا السّكُون لأولئك السكان وساكنوا تِلْكَ الاعمال مُسلمُونَ فِي قديم الزَّمَان وتربى اولادهم فِي حكم الافرنج فألفوا مَا ألفوه وخافوا مِنْهُم على ظُهُور حبهم لنا فأخفوه ثمَّ خيمنا على الربة رانين رضَا الرب وَضَاقَتْ بعساكرنا أَوديَة ذَلِك الفضاء الرحب وَتَقَدَّمت الى الْعَدو قبل رعب جيوشنا جيوش الرعب ثمَّ حَضَرنَا الكرك وحصرناها وعَلى الاستطالة عَلَيْهَا بِقِتَال المنجنيق قصرناها فَكَانَت المجانيق تراوحها وتغاديها وتعاودها وتباديها وتجاوبها وتناديها وَتَأْخُذ مآخذها وتهتم بواحدها وتهجم منافذها وتقرع بِالْحِجَارَةِ حجارها وتصدع بالاسواء اسوارها وتناظرها بألسنة حبالها وتناضلها

ذكر وصول أيلبه مملوك سيف الاسلام اخي السلطان واخباره بتوجهه إلى بلاد اليمن من مصر في رجب من هذه السنة

بأسنة نصالها وتحول السُّلْطَان إِلَى الربض ملازما للغرض ومواظبا على الْجِهَاد المفترض واقام بدار الرئيس ليدنو من أَخذ أهل الْكفْر بِالْعَذَابِ البئيس وَيقرب من المنجنيقات المنصوبة ويشاهد مواقع النكاية فِي القلعة المحصورة المحصوبة ومطرها صوب الحجارات فناحت لَهَا الْمُصِيبَة فِي نَوَاحِيهَا وَقَامَت الْحَرْب من المنجنيق على سَاق واقمنا من نصر الله على أوكد مِيثَاق وَكَانَت سَبْعَة قد فتحت لأهل جَهَنَّم سَبْعَة ابوابها وفغرت افواهها وكشرت عَن انيابها وأذوت ذوى الْعَذَاب بعذابها وفصلت اوصال السُّور بِسوء خطبهَا وخطابها وَقد رتب السُّلْطَان نوب الرماء على رجال الْأُمَرَاء فِي الصَّباح والمساء وَلم يزل يرْجم الْحصن الزَّانِي وتهدم مِنْهُ المباني وَعَلِيهِ النوب متناوبة والعقوبات متعاقبة وحصاة الْحصار لَا تحصى والحماة الأدنون مِنْهُم من الشراريف تقصى فَمَا اخْرُج أحد رَأسه إِلَّا طَار راسه وَخرجت نَفسه وإنقطعت انفاسه وَالسُّلْطَان فِي اثناء ذَلِك مشتغل من جَانب بتعمير الْبِلَاد وترتيب الممالك وَمن جَانب بتدمير الْكفْر وَالتَّدْبِير فِي المهالك ثمَّ انْقَضى شهر رَجَب وَقد قَارب الْعَدو الشجى والشجب وحص الْحصار جنَاح المعقل لَكِن أرجاء الرجا نجاح المؤمل وَعلم باجتماع الفرنج فِي الْموضع الْمَعْرُوف الواله وَكلهمْ فِي طلب الثأر فِي طيش الواله قُلْنَا هَذَا حصر يطول ومسألته تعول وَقد أضعفنا الْحصن وهددنا مِنْهُ الرُّكْن ومكنا مِنْهُ الوهن وسبلبنا اعماله قواتها وأقواتها وَهَذِه نصْرَة قد احكمنا اسبابها وَلَا خوف من فَوَاتهَا وَمَا نزال بعون الله نعاوده بالاضعاف ونزوره ببواعث الاتلاف حَتَّى نفوز بالفتوح ونحوز ذخر الظفر الممنوح وَهَذَا جمع الفرنج ملتئم وجمرهم مضطرم وَلَا يفرق جموعهم الا جَمعنَا المنتظم وَلَا يغرق برهم وساحلهم الا بحرنا الملتطم وَقد اجْتَمعُوا فَنحْن نقصدهم ونلقاهم ونقدم عَلَيْهِم فَلَا نتوقاهم وَسَيَأْتِي ذكر عودنا فِي مَوْضِعه ذكر وُصُول أيلبه مَمْلُوك سيف الاسلام اخي السُّلْطَان واخباره بتوجهه إِلَى بِلَاد الْيمن من مصر فِي رَجَب من هَذِه السّنة قد سبق ذكر تعويل السُّلْطَان على أَخِيه سيف الاسلام بِالْيمن قبل خُرُوجه من مصر فِي سنة ثَمَان وَسبعين وَكَانَ قد سير مَمْلُوكه صارم الدّين خطلبة وَالِي مصر إِلَى

ذكر مسير الملك المظفر تقي الدين عمر ابن شاهنشاه الى الديار المصرية للنيابة بها

زبيد لضبط بلادها وربط اجنادها فَمضى واخرج مِنْهَا حطَّان بن منقذ وَقد حدث نَفسه بالاستقلال وتملك تِلْكَ الاعمال وأعانه الامير عز الدّين عُثْمَان الزنجارى وَالِي عدن فضبطا تِلْكَ السّنة الْيمن ثمَّ قضى خطلبه بزبيد نحبه وَترك بِغَيْر إمرة صَحبه فَعَاد الامير حطَّان فاستولى على زبيد وَفرق من بهَا من الاجناد عباديد فوصل رَسُول صَاحب عدن وَنحن على الكرك يذكر مَا يلْزمه فِي الْخدمَة من الدَّرك وانه قد استولى حطَّان وَرُبمَا اغواه الشَّيْطَان فتولد من تولي طَاعَته الْعِصْيَان فَأَجَابَهُ السُّلْطَان بِكُل مَا ارهف حَده واسعف جده وقوى امله وروى بِمَا ألجاه عمله وَقد كَانَ كتب إِلَى اخيه سيف الاسلام يحضه على حضه ويحثه على الْمسير الى ملكه بِالْيمن وَحفظه فَخرج من مصر فِي رَجَب مُتَوَجها ولاستدراك فارطه متنبها وأدركنا مَمْلُوكه حَتَّى قضى لَهُ اشغالا واخذ لَهُ بانشائي مِثَالا وَسَار حَتَّى اِدَّرَكَ موسم عَرَفَة وادى فَرِيضَة الْحَج ثمَّ استقام الى الْبِلَاد اليمنية على الْمنْهَج وَملك وأجرى بمراده الْفلك ذكر مسير الْملك المظفر تَقِيّ الدّين عمر ابْن شاهنشاه الى الديار المصرية للنيابة بهَا وَلما وصل الْملك الْعَادِل أظهر عَن حب مصر سلوة وَطلب من حلب واقطاعها لَهُ مرجوة فعول السُّلْطَان على تَقِيّ الدّين فِي تولي تِلْكَ الديار ورد الى حكمه الصارم تِلْكَ الامصار وزاده على اقطاعه بِالشَّام فِي مصر اقطاعا وَفرع بِهِ من المكانة والمنزلة يفاعا وسما بِهِ على الأضراب وأحله فَوق مَرَاتِب التُّرَاب وانعم عَلَيْهِ فِي مصر بالاعمال الفيومية وَسَائِر نَوَاحِيهَا بِجَمِيعِ جهاتها وجواليها وزاده القايات

وبوش وقاد بايالته هُنَاكَ الجيوش وابقى عَلَيْهِ بالبلاد الشامية مَدِينَة حماه وقلعتها وَجَمِيع اعمالها وحلى بِهِ عطل احوالها وجمله بِصُحْبَة سيدنَا الْأَجَل الْفَاضِل المتفرد بِأَجل الْفَضَائِل حَتَّى اذا وصل تَقِيّ الدّين الى مصر اقْتدى بِالتَّدْبِيرِ الفاضلي واهتدى بسنا رايه الْجَلِيل الْجَلِيّ وَكَانَ السُّلْطَان لَا يُؤثر مُفَارقَته وَلَا يحضرهُ انس اذا فَارق حَضرته ويستوحش اذا حذر غيبته فقد الف صُحْبَة السَّعَادَة بمساعدته فِي صحبته ومعاقدته على صِحَة مناصحته وَلم يزل يَسْتَأْذِنهُ وَلَا ياذن ويسأله التَّمْكِين من السّفر وَلَا يتَمَكَّن وَيخَاف على تشعث أَحْوَال مَمْلَكَته وَلَا يامن وَهُوَ برايه يرى وبوريه يرى وببريه وفريه يبري ويفري فَلَمَّا لم يجد من تَوْجِيه تَقِيّ الدّين إِلَى مصر بدا وانه يكون بِالْأَعْمَالِ مستبدا وَكَانَت فِي تَقِيّ الدّين حِدة لم تكن فِي الْعَادِل احْتَاجَ فِي تقويمه الى تَدْبِير الْأَجَل الْفَاضِل فَأذن لَهُ فِي السّفر بِشَرْط الْإِسْرَاع فِي العودة والمبادرة إِلَى الاجابة عِنْد تَحْقِيق الدعْوَة فسارا سارين وبمن فِي صحبتهما بارين وَعَاد السُّلْطَان بالعادل وكتبت لَهما منشورين فَأَما المنشور التَّقْوَى بِمصْر فنسخته وَقد كتب فِي شعْبَان سنة تسع وَسبعين الْحَمد لله المتعالي جَلَاله المتوالي افضاله الْقَدِيم كَمَاله العديم مِثَاله نحمده على احسانه الْعَظِيم نواله العميم افضاله ونساله أَن يُصَلِّي على سيدنَا نبيه مُحَمَّد الْمُصْطَفى الفصيح مقاله الفسيح فِي الشَّرْع مجاله الشَّفِيع المقبول فِي الْأمة سُؤَاله وعَلى اله وَصَحبه الَّذين هم نُجُوم الْهدى وأنصار الْحق وَرِجَاله أما بعد فَإنَّا مُنْذُ استودعنا الله ملك بِلَاده واسترعانا أَمر عباده وَمكن لنا فِي الارض وَبسط فِي البسيطة أيدى ايدينا بالبسط وَالْقَبْض واقدرنا فِي ممالكه على العقد والحل والابرام والنقض وملكنا زِمَام الزَّمَان بالامر وَالنَّهْي ونهج لنا وبنا سبل الرشاد وَعفى طرق الغي وناط الْهدى بتوفيقنا واماط الضَّلَالَة عَن ملكنا فَهُوَ للاحكام وَهِي للوهي واعز بنصرنا الاسلام واداله وأذل الْكفْر وأذاله وَثَبت الْحق ومكنه وَنفى الْبَاطِل وازاله نفترض اداء شكر نعْمَته وان كُنَّا معترفين بالقصور عَن ادائه وَنرعى لَهُ فِي بِلَاده وعباده حق مَا

خصنا بِهِ من عُمُوم استرعائه فَلَا يسترعبها من الْوُلَاة الا أولاهم برعاية الرّعية وأتبتهم حجَّة على سلوك الْحجَّة المرعية المرضية وَأَحْسَنهمْ طَريقَة فِي إجراءالأمور على الْقَوَاعِد الشَّرْعِيَّة واكرمهم للتقوى الَّتِي تقوى بهَا المكارم وتوقى المكاره وحكمهم فِي الرَّأْي الَّذِي يَصح ويضح بِهِ فِي الْأُمُور الْمُحكم والمتشابه وأقومهم على سنتنا فِي إِقَامَة فروض الْعدْل وسننه وأعرفهم بِحَق إنعامنا فِي تقبل منحه وتقلد مننه وأطولهم فِي الطول باعا وأفضلهم اتساعا وأسماهم فِي يفاع العلى ارتفاعا وأولاهم لأبكار المحامد والمفاخر افراعا وأجلاهم فِي مَشَارِق السَّعَادَة طلوعا وأجلهم على واجباتها إطلاعا وأبذلهم فِي الْجِهَاد اجْتِهَاد وَأَكْثَرهم فِي سداد الثغور الإسلامية سدادا حَتَّى تعود الْولَايَة بايالته منتظمة الْعُقُود والمملكة ببهجته مبتسمة السُّعُود والسياسة بنصره نَضرة مورقة الْعود والمصالح بصوب صَوَابه مصوبة الْمعَاهد مصونة العهود ونصل النَّصْر بمضاء مضاربه مغمود فِي مفارق الاعداء مفارقا للغمود وتمحو حَسَنَات أيامنا الْبيض بتوليه اللَّيَالِي السود وَلما كَانَ ولدنَا الْأَجَل الْملك المظفر تَقِيّ الدّين أدام الله علوه وضاعف رفعته وسموه ذَا الْمجد الشامخ وَالْجد الباذخ والرأى الرَّاجِح الراسخ وَالْعدْل الْمُجيب المجير استصراخ الصَّارِخ والاصابة الَّتِي تقصر عَنْهَا خطى الخطوب الْخَاطِئَة الْقدر المواتية الَّتِي لَدَيْهَا العظائم ذَوَات الاقدار المتوطية والشيمة الزكية الذكية الَّتِي تضوع نشرها المتأرج وتوضح بشرها المتبلج وشيم عَارض كرمها المتبوج وزجى بَحر سماحها المتموج والمناقب الَّتِي اشرقت زواهرها فِي سَمَاء السمو وأنقت ازهارها فِي رياض النمو وتليت آيَات مدائحها بِلِسَان الْعَدو وجليت عرائس محاسنها فِي مطالع الْعُلُوّ والبسالة الَّتِي فرق جموع الاعداء بأسها الشَّديد وثلم حد الْكفْر حَدهَا الْحَدِيد وأعلا جد الْإِسْلَام جدها الْجَدِيد وهد ركن النكر ركن عرفهَا المشيد وَهُوَ مقتد بسنتنا العادلة فِي احياء سنة الْعَادِل وتقوية منَّة الْفضل وَرفع منار الشَّرْع الْمُنِير واعلاء معالم الْمجد الأثيل الْأَثِير وخفض جنَاح الرَّحْمَة للصَّغِير وَالْكَبِير وإسعاف الْعَافِي وإعانة العاني وإغاثة المستجير قلدناه ولَايَة الممالك والبلاد والثغور والديار المصرية وذقناها بكفايته وأوليناها النظام بولايته وحليناها بحلية أيالته وعولنا عَلَيْهِ فِي سياسة مملكتها وحماية حوزتها والذب عَن بيضتها وفوضنا اليه نظرة أمورها وجلون فِي آفَاق تدبيراته الْمُوَافقَة الموفقة نورها وأمرنا كَافَّة الامراء والنواب والعساكر المنصورة المصرية على اخْتِلَاف طبقاتهم وتفاوت درجاتهم بامتثال أمره

والانقياد لحكمه وَالتَّصَرُّف على رسمه والحضور اذا طَلَبهمْ والهبوب اذا ندبهم فَإنَّا قد عضدنا بِهِ سلطاننا وسددنا بِهِ مَكَاننَا وبسطنا بِهِ على الرّعية عدلنا وإحساننا وَجَعَلنَا يَده يدنا وَلسَانه لساننا وامضينا سَيْفه اذا اقتضته حُدُود الله فِي الْآجَال وأطلقنا قلمه فِي الارزاق الَّتِي يجريها الله تَعَالَى لكافة الاولياء وَالرِّجَال وفوضنا اليه هَذِه الْبِلَاد تفويضا ماضيه أَحْكَامه متسقا نظامه مَوْصُولَة بِمَشِيئَة الله أَيَّامه ووليناه إِيَّاه تَوْلِيَة من عرف قِيَامه بِحَق الْولَايَة وانتهاءه فِي مصَالح الاسلام الى الْغَايَة وانتظام خلاله الْكَرِيمَة بِشُرُوط الْكِفَايَة وَالْكَفَالَة واضاءته فِي فضاء الْفَضَائِل بالْحسنِ وَالْحُسْنَى من الْحِلْية وَالْحَالة وتوفره على الْجِهَاد فِي سَبِيل الله عز وَجل بحرا وَبرا بتجهيز أساطيله وكتائبه واعتماده كل مَا يدل مِنْهُ على مزِيد الشُّكْر فِي استمداد مزِيد مواهبه وقيامه بِتَوْفِيق الله الْمعد لَهُ بالمعدلة وكشفه بالرأى الثاقب مهمات الخطوب المشكلة وَبسط الْيَد وَالْقَوْل فِي العارفة والعاطفة للاولياء بالنيل واللين وانتضاء سَيْفه وَسَوْطه فِي السطو على الْأَعْدَاء لاقْتِضَاء دين الدّين حَتَّى تعلو كلمة الاسلام وَتثبت وَحَتَّى تبتت عروق الْكفْر من أَرض الله وَلَا تنْبت وَحَتَّى تكْتب المذلة على العداة فتكبت وَحَتَّى تَجْتَمِع الْقُلُوب والالسنة على محبته وشكره وتتفق الكافة على الائتمار لطاعته وَطَاعَة امْرَهْ وَنحن نسْأَل الله ان يوفقه ويسدده ويعضدنا بِهِ ويعضده ويؤيدنا بِحسن تَدْبيره وَيُؤَيِّدهُ والمستقر لَهُ من اقطاعاته مَا اثْبتْ فِي الدِّيوَان ذكره وَبَين فِي هَذَا المنشور قدره وَهُوَ مَا سبق ذكره فليتق نعْمَة الله بالشكر الذى يرتبطها وَبسط الْيَد الذى ينشرها عَلَيْهِ ويبسطها ونشاط الهمة الَّذِي يطلقهَا من عقال التَّوَقُّف وينشطها مستمسكا من التَّقْوَى بأوثق عُرْوَة عاقدا بهَا من حب بذل الحباء اصدق حبوة فائزا من النَّصْر والنجح فِي مغازيه ومساعيه بأوفق حظوة ساميا من الْعِزّ الْجَلالَة والمهابة على اسمق ذرْوَة مؤيدا من الله بالتسديد فِي صرف كل خطب وتصريف كل خطْوَة وَكَانَ رحيل سيدنَا الاجل الْفَاضِل من الكرك الى مصر فِي منتصف شعْبَان من السّنة وكتبت اليه عِنْد الرُّجُوع من وداعه رَجَعَ الْمَمْلُوك من الْوَدَاع وداعي الاسى يحفزه وعادي الاسف يزعجه فَعدم الشَّمْس الَّتِي تفيض عَلَيْهِ والظل الَّذِي يفِيء اليه لَا مُجيب لاستدعائه وَلَا مجير لاستعدائه وَلَا مقيل لعثراته وَلَا منفق لنقده وَلَا موثق لعقده وَلَا مروج

وتولى الملك العادل سيف الدين أخو السلطان حلب وقلعتها وجميع اعمالها ومعاقلها ومدينة منبج وجميع قلاعها واعمالها فكتبت منشورا ايضا في شعبان سنة تسع وسبعين ونسخته

لرجائه وَلَا مورج لأرجائه وَلَا مرجي لإرجائه وَلَا مرجي لإنجازه وَأصْبح مَعَ عدم اللِّقَاء الصبيح لقيا للعدم وَصَارَ مذ ند من نَادِي الندى ندا للندم وظل كالضالة لَا ينشد وكالضال لَا يرشد وكالفقيد لَا يفتقد وكالزيف لَا ينْتَقد وكالرميم يرْمى وكالمرير لَا يمرى وكالمأيوس شفاؤه لَا يطب وكالمأنوس جفاؤه لَا يحب وَكَيف حَال من حَالَتْ كيفيته أيأسه يأسوه أم نِيَّته امنيته ياليت الْمولى قبله صاحبا لركابه وراكبا فِي صحابه وترابا لمواطىء قدمه وتربا لمواطن خدمه وماشيا فِي رَكبه ناشئا فِي صَحبه متلاشيا فِي أشعة آلائه متعايشا فِي شَائِع لألائه وضيعا مَعَ الشرفاء ثقيلا مَعَ الظرفاء سقيما مَعَ الأصحاء هجينا مَعَ الصرحاء وَالْعقد الثمين رُبمَا انتظمت فِيهِ لمصرف الْعين الخرزة وشدت بالسبحة ثلمتها المعوزة على انه اذا اقامه فِي كنف الرِّعَايَة مرعي الكنف مكفي الكلف منفي الكلف غبطه السائرون وتحاماه الضائرون وَلم يثر اليه الثائرون وَلَا غنى بالمملوك فِي كل وَقت لاستزاده مقه واستزاله مقت عَن تَجْدِيد جاهه وتوجيه جده واسعاد رجائه واجراء سعده فالمغارس تستثمر بالتربية غرسه والمؤسس يستعمر بالتقوية اسه وَلَا يضيع الْمَمْلُوك الذى ملك رقّه باحسان عشر سِنِين {إِن الله لَا يضيع أجر الْمُحْسِنِينَ} وَتَوَلَّى الْملك الْعَادِل سيف الدّين أَخُو السُّلْطَان حلب وقلعتها وَجَمِيع اعمالها ومعاقلها ومدينة منبج وَجَمِيع قلاعها واعمالها فَكتبت منشورا ايضا فِي شعْبَان سنة تسع وَسبعين ونسخته الْحَمد لله ذى السُّلْطَان القاهر والاحسان الظَّاهِر والامتنان الوافر والبرهان الباهر نحمده على انعامه المتضاعف المتضافر وإفضاله المتوافد المتوافر حمدا يُؤذن بالمزيد للشاكر ونسأله أَن يُصَلِّي على سيدنَا نبيه مُحَمَّد الْمُصْطَفى ذى الشَّرْع الظَّاهِر والنور الزَّاهِر وَآله الاكارم الاكابر ذوى المفاخر والمآثر وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا أما بعد فَإِن الله عندنَا نعما ان نعدها لَا نحصيها ومننا قد جمع الله لنا بشمولها الدَّائِم شَمل أعمها

وأخصها ومواهب وَاضِحَة الْمذَاهب فِي التواصل والتناصر ومنائح متظاهرة الغوادي والروائح فِي التوافد والتوافر وأيادي مَلَأت الْأَيْدِي والآمال نجاة ونجاحا وعوارف عمرت منا وَمن اوليائنا الصُّدُور والقلوب انشراحا وارتياحا وَلَقَد أَتَانَا من الْملك مَا قَامَت لنا بِالْحَقِّ حجَّته ووضحت فِي نهج السَّعَادَة بنجح الارادة محجته وأيدنا عَلَيْهِ بالنصر الْمَاضِي النصل والعز الْجَامِع الشمل حَتَّى أذلّ لنا رِقَاب الاعداء ومهد لنا وبنا أَسبَاب الْوَلَاء وملكنا قياد الْعباد وكف عَنَّا وبنا عنان ذَوي العناد وَجعل سُيُوفنَا واقلامنا للاقاليم أقاليد وَفرق جموع الْكفْر ببأسنا أشتاتا عباديد فالفتوح الْأَبْكَار بصوارمنا الذُّكُور افتضاضها واقتضاؤها والحتوف نَحْو الْكفَّار بعزائمنا الْمَاضِيَة الْمضَارب فِي ضرب الْهَام وَطعن النحور انتهاضها وانتهاؤها وثغور الاسلام عَن ثنايا الثَّنَاء عَلَيْهِ ضاحكة الثغور وأوامرنا فِي إعلاء أَعْلَام الدّين منتظمة الْأُمُور وَالْجهَاد من جَمِيع جِهَات ممالكنا برا متسق الجموع والتوحيد لقمع هَل التَّثْلِيث ثَابت الاصول نامي الْفُرُوع والحمدلله عودا بعد بداء على مَا ولاه من نعْمَة وأولاه وَأعَاد من منحه بعد مَا أبداه {رب أوزعني أَن أشكر نِعْمَتك الَّتِي أَنْعَمت عَليّ وعَلى وَالِدي وَأَن أعمل صَالحا ترضاه} وَمن جملَة نعم الله وأجملها وقوعا وأجلاها فِي الْجَلالَة طلوعا وأجدرها منا بالاخلاص وَالْجد وأشرقها لنا فِي مطالع السعد وأوجبها لفرض الشُّكْر وأحراها بدوام الاشاعة والنشر أَنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى شدّ أزرنا بأخينا الْملك الْعَادِل سيف الدّين نَاصِر الدّين أبي بكر أدام الله علوه ورفعته وسموه وَنعمته وتسديده وأيد بسطته ذِي الباع الطَّوِيل والطول الجزيل والصدر الرحيب والرأى الرَّاجِح الْمُصِيب وَالْجد المنيف الْمُنِير وَالْمجد الأثيل الْأَثِير وَالْقدر الْجَلِيل الْجَلِيّ والعزم الْمَاضِي الْمُضِيّ والحلم والأناة والحزم والثبات وَالْقَبُول الَّذِي وفر لَهُ فِي الْقُلُوب مواد المودات والجود الَّذِي ينهل جوده باسعاف العافين من سَمَاء السماح والمعاطفة الَّتِي تلحف الراجين جنَاح النجاح والعارفة الفارعة والمعرفة الصادعة والهمة الصادقة والمهابة الرائقة الرائعة والسياسة الجامعة الْمَانِعَة والبسالة الَّتِي زلزل الْكفْر باسها وتقوضت بهَا قَوَاعِد الْبِدْعَة وأساسها وَالتَّدْبِير الْمُوَافق فِي حفظ الممالك ونظم عقودها وَالنَّظَر الصائب الصَّادِق فِي تَرْتِيب الْمصَالح وصون حُقُوقهَا وحدودها وَالْعدْل الذى أوضح سنَنه وَأقَام بَين الرّعية بالرعاية فروضه وسننه والسيرة الَّتِي تحلي التواريخ بأيامن أَيَّامهَا ويسددها للدولة مرامي مرامها والاعتقاد الَّتِي أنارت آفاقه من التَّوْفِيق بأنوار الخلوص وتوفر حَظه من عُمُوم تأييد الله اياه على الْخُصُوص فالملك بإيالته مُحكم الْقَوَاعِد مبرم المعاقد مستهل العهاد

أهل الْمعَاهد والدولة بإدالته شَدِيدَة السواعد سديدة المساعد صَافِيَة الْمَوَارِد صَادِقَة المواعد وَالدّين بنصرته داني النَّصْر سامي الْقدر عالي الامر نامي النشر والاسلام مِنْهُ بناصره زاه وَالْكفْر من بأسه بقامعه واه وَالْقدر بِقَضَاء الله على مُوَافقَة أمره آمُر ناه وَالشَّرْع بمحافظته على احكامه وملاحظته أَسبَاب نظامه ومفاخره مُبَاهٍ فَهُوَ الشَّقِيق الشفيق الذى لايثارنا يُؤثر ولرضانا يقْصد وعَلى مرادنا يجْرِي وَهُوَ كَمَا قَالَ الله تَعَالَى عَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام {وَاجعَل لي وزيرا من أَهلِي هَارُون أخي اشْدُد بِهِ أزري وأشركه فِي أَمْرِي} وَالْحَمْد لله الذى سعدنا بمساعدته وأسعدنا بمعاضدته وأظهرنا بنجدته وأنجدنا بظاهرته وأظفرنا بموافقته ووفقنا لمضافرته وَلما أنعم الله علينا هَذِه السّنة بالفتوح المستفاضة والممالك المستضافة وَحكم لنا فِي توسيع دَائِرَة المملكة بِالزِّيَادَةِ على الْمُلُوك والإناقة وفتك لنا الْبِلَاد وأنجح المُرَاد وَملك من كل مَا رمناه القياد جرينا على أحسن الشيم فِي إحْيَاء سنة الْكَرم فَمَا فتحنا معقلا الا ويدنا لَهُ مالكة واهبة والحازم من يكون ذَا هبة بالدنيا فانها ذَاهِبَة وَقد جعلنَا لأخينا الْملك الْعَادِل من الممالك الَّتِي تملكناها والبلاد الَّتِي فتحناها والمعاقل الَّتِي استضفناها أوفى نصيب واصبح النجح منا لداعي رجائه أسْرع مُجيب ورأيناه أَحَق بِحقِّهِ من كل بعيد وَقَرِيب وقلدناه أُمُور الْبِلَاد والمعاقل والثغور وفوضنا اليه فِيهَا جَمِيع الْأُمُور فبيده الْحل وَالْعقد والبسط وَالْقَبْض واليه الْولَايَة والعزل والابرام والنقض وَله القَوْل الثَّابِت والامر النَّافِذ والى فَضله يرجع الْعَائِد وبعدله يلوذ العائذ وَنحن نرغب الى الله أَن يوفقه وَيُؤَيِّدهُ ويسدده وسبيل الْوُلَاة والامراء والنواب والاعيان والرعية والاصحاب لانقياد لأَمره المطاع ومقابلة مراسمه بالامتثال والارتياع وَالرُّجُوع الى بَابه والجري على حكم نوابه والنهوض إِلَى الْغَزَوَات فِي خدمَة ركابه والوفود فِي حَالَة الضراء والسراء إِلَى المرتع المريع والمنبع المنيع من جنابه فانه فتح الاولياء بالآلاء وحتف الْأَعْدَاء بالاعداء ولديه كشف الغماء بالنعماء وَفِي مهاب المحاب مِنْهُ نضوع أرج الارجاء وَمن شيمته الِاقْتِدَاء بسنتنا فِي بسط الْعدْل والاحسان وَقبض أيدى الظُّلم والعدوان وإسداء الْمَعْرُوف وإعداء الملهوف وإعلاء معالم الْمَعَالِي وتكثير حَسَنَات أَيَّامه لتكفير سيئات اللَّيَالِي والمجاهدة فِي سَبِيل الله رابط الجأش لتأليف الآلاف من جيوش الرِّبَاط وَعمارَة الْبِلَاد بِحسن سيرته الَّتِي لم تزل مُسْتَقِيمَة على الجدد فِي الاقساط ومشايعة الشَّرِيعَة المطهرة فِي جَمِيع أَحْوَاله آخِذا بِالِاحْتِيَاطِ مؤيدا بالنصر من الله والتأييد والتمكين حَتَّى تنسي فِي

ذكر الرحيل الى الشام

تِلْكَ الثغور غزوات سيف الدولة غزوات سيف الدّين ويحقق بِجَمِيعِ الْمُسلمين قمع الْمُشْركين وَيعْلي كلمة الاسلام بِمَا يوليه من النَّصْر الظَّاهِر وَالْفَتْح الْمُبين ان شَاءَ الله وَكتب لَهُ فِي اخر المنشور تَفْصِيل مَا أنعم عَلَيْهِ من حلب ومعاقلها ذكر الرحيل الى الشَّام وَلما رَأينَا أَمر الكرك يطول ودافعنا عَن حَقه الْقدر المطول وَأَن شهر الصّيام قد قرب وَأَن الْعَسْكَر قد تَعب وَأَنا مَا استصحبنا هَذِه النّوبَة مَعنا من آلَات الْحصار مَا يَكْفِي وَأَن أدواء الشّرك مَا يحسمها إِلَّا الدَّوَاء الَّذِي يشفي جهز السُّلْطَان الْعَسْكَر الْمصْرِيّ فِي الْخدمَة التقوية الَّتِي بالصحبة الْفَاضِلِيَّةِ تقويتها وَمن آرائها فِي كل مَا يُنَادى لَهُ تلبيتها وتربيتها وَانْصَرف بعسكر الشَّام عَائِدًا وَمن حمى الدّين بجده وجهده ذائدا وعدنا الى دمشق عود الحيا الهاطل الى الثرى الماحل وَقدمنَا قدوم الصَّباح على الساري والضيف على الْقَارِي والنجاح على الراجي والفلاح على اللاجي وألقينا بهَا الْعَصَا وأجرينا خيرات السّنة وَذكر من أطَاع وَعصى وعدنا من فرض الْجِهَاد الى فرض الصّيام وَوَقع الشُّرُوع فِي إراحة العساكر عِنْد اسْتِقْبَال الْعَام واستئناف الْجمع لنصرة الاسلام ذكر مسير الْملك الْعَادِل إِلَى حلب وتسلمها فِي شهر رَمَضَان سنة تسع وَسبعين وَسَار الْملك الْعَادِل سيف الدّين إِلَى حلب وتولاها بِمُقْتَضى المنشور وَنشر المطوي من أَعماله بِضَم المنشور واعاد سر الخفيات من الْمُعَامَلَات إِلَى الظُّهُور وترافدت حوافلها بالدرور ومحافلها بالحبور وابدت وُجُوه أعيانها بعنايته وُجُوه الْبشر وأسارير السرُور وتسلط بهَا سُلْطَانه وَتمكن فِيهَا مَكَانَهُ وتجلت ولاته وتولتها أَحْكَامه وشفيت بطبه أسقامه وأصفيت على حبه أقسامه وَنفذ بأوامره فِي أمورها نقضه وإبرامه وأصحب حمامها بِأَصْحَابِهِ بِأَصْحَابِهِ وانصرفت نوائبها بِتَصَرُّف نوابه وَدرت على مُرَاده أخلافها وَزَالَ بوضوح مذْهبه فِي الْوِفَاق خلَافهَا وأجنى اجنادها قطاف

ذكر وصول صدر الدين شيخ الشيوخ ومعه شهاب الدين بشير في الرسالة الشريفة الامامية من الديوان العزيز النبوى ووصول محي الدين الشهرزوردى معهما رسولا من الموصل

إقطاعها وَرفع خصَاصَة خواصها بغنى ارتفاعها وقر قراره وسرت أسراره وَانْصَرف نواب السُّلْطَان الى دمشق فِي خدمَة وَلَده الْملك الظَّاهِر ظَاهِرين بصفو الْمَوَارِد والمصادر ذكر وُصُول صدر الدّين شيخ الشُّيُوخ وَمَعَهُ شهَاب الدّين بشير فِي الرسَالَة الشَّرِيفَة الامامية من الدِّيوَان الْعَزِيز النبوى ووصول مُحي الدّين الشهرزوردى مَعَهُمَا رَسُولا من الْموصل وَلما اسْتَقر بِنَا فِي دمشق الْمقَام وَتمّ الصّيام وَأحمد الختام وَعم بالفتوح من أَوله الْعَام واتسق النظام واتسع المرام وَظهر بِظُهُور الدولة الاسلام ونام فِي مهاد الدعة الْأَنَام واستطاب الْكرَى بالامن فِي حرم الْكَرم الْكِرَام جَاءَ من وَافد نعم الله التَّمام ووصلت رسل أَمِير الْمُؤمنِينَ عَلَيْهِ السَّلَام فعمت الْبُشْرَى وتمت الْيُسْرَى ونمت بِالْحُسْنَى وعلت الدُّنْيَا وَدنت الْعليا وَأمنت الْبلوى وضمنت الجدوى وعدمت الْعَدْوى وَوجدت من الدَّهْر العتبى ونقعت السقيا ونفعت البقيا وكرمت اللقيا واحمدت العقبى واستقبلنا الرُّسُل الْكِرَام بارسال كَرَامَة وارساء فخامة وابداء ترحيب وإبداع تَرْتِيب وسفور بشاشة ووفور هشاشة واحتفال واحتفاء واكتفال واكتفاء وَقبُول واقبال واعظام واجلال وتلق بتعظيم وترق الى تكريم وتوق من تَقْصِير وتقو بتوقير وَتَقْدِيم حمول بِغَيْر تَأْخِير وتحف بتحف وتكلف بكلف وتهد لهدايا وَتسن لسنايا وَتقدم ركُوب ببكور القادمين ماجدين بآلاء أُولَئِكَ الماجدين واجدين لكل أُمْنِية غير عادمين فوفيناهم فِي الِاسْتِقْبَال كل حق وفزنا من الاسراع الى الاستعاد بهم بِكُل سبق وَلَقي السُّلْطَان الرُّسُل فَنزل ونزلوا وَأَقْبل عَلَيْهِم وَأَقْبلُوا ثمَّ قدم لَهُم المراكب الَّتِي اعدت لَهُم فَرَكبُوا وسايرهم السُّلْطَان واصطحبوا وَنزل صدر الدّين شيخ الشُّيُوخ بالرباط على المنيبع وَبَان بِهِ شرف الْموضع وَنزل القَاضِي مُحي

ذكر وفاة ولد شيخ الشيوخ ثاني يوم وصوله

الدّين بن كَمَال الدّين الشهرزوري فِي جوسق بُسْتَان الخلخال حَالي الْحَال حَالا فِي منزلَة الْكَمَال وَنزل شهَاب الدّين بشير جوسق صَاحب بصرى على الميدان سامي الْمَكَان نامي الاحسان ذكر وَفَاة ولد شيخ الشُّيُوخ ثَانِي يَوْم وُصُوله كَانَت بيني وَبَين شيخ الشُّيُوخ قرَابَة قريبَة لدعواتنا فِي الْحَوَادِث والحوائج مستجيبة فانه اتَّصل الى ابْن عمي الصَّدْر الشَّهِيد عَزِيز الدّين أبي نصر أَحْمد بن حَامِد فقد كَانَت عقيلة بَيت السؤدد وكريمة شرف المحتد وَقد كَانَ من وزراء الزَّمَان وَعُظَمَاء دولة السُّلْطَان يخطبونها رَغْبَة فِي طيب النجار وطهارته ونزاهة العنصر ونضارته وَاتفقَ حضورهما بِالْكَعْبَةِ المعظمة فِي سنة خمس وَأَرْبَعين وتكررت مِنْهُ الْخطْبَة وَصحت الرَّغْبَة فَأُجِيب لدينِهِ وَأَصله وتقواه وفضله وَبَارك الله مِنْهَا فِي ذُريَّته ونسله وَكَانَ لَهُ مِنْهَا اولاد نجباء اسْتَأْثر الله بهم فِي ريعان شبابهم ونقلهم الى التُّرَاب عَن اترابهم وَبَقِي الذى استصحبه فِي هَذِه الرسَالَة من انجابهم وَكَانَ منعوتا مكني مُسَمّى بِمَا كَانَ جده الْعَزِيز أبي نصر أَحْمد أعز وَأقرب وَأحمد فَمَرض عَلَيْهِ فِي الطَّرِيق فاستشعر من اقامته حذر الْوَالِد الشفيق واستصحبه مَعَه فِي محفة وَرَجا أَن يعتاض ثقلا بخفة فوصل وَنَفسه رهينة بِنَفس وناره ضنينه بقبس وحركته قد خضعت للسكون وامنيته قد اتضعت للمنون وذماؤه قد خفر مِنْهُ الذمام وحماه قد استباحه الْحمام وَقد جَاءَ الاجل وَذهب الأمل وانقضى الْعُمر وَقضي الْأَمر وضاق صدر الصَّدْر بمصاب وَلَده وانصدعت كبده للفجيعة بكبده وَجلسَ ثَانِي يَوْم وُصُوله للعزاء وَحضر عِنْده السُّلْطَان

ذكر السبب المقتضي لهذه الرسالة في هذه السنة

وَجَمَاعَة الْأُمَرَاء وَصلى عَلَيْهِ وَدفن فِي الْمقْبرَة محاذية الرِّبَاط وَقطع هم الْوَلَد عَلَيْهِ طَرِيق النشاط وَبَردت حرارة الرسَالَة وحالت بهجتها لتِلْك الْحَالة وشغلت حادثته عَن محادثته وخطبه عَن مخاطبته ونقشه عَن مناقشته وَبث همه عَن الْهم بمباثثته حَتَّى انْقَضتْ ثَلَاثَة ايام موسم التَّعْزِيَة وَلم يقدر على غير التَّسْلِيم للقدر والتسلية ذكر السَّبَب الْمُقْتَضِي لهَذِهِ الرسَالَة فِي هَذِه السّنة لما عرف صَاحب الْموصل مَا تسنى لنا من فتح آمد وحلب وتيسر كل مَا اراده السُّلْطَان وَطلب خطر بِبَالِهِ خطر الْبلوى وعود الْعَدْوى واتساع خطب الخطوب اليه واتساق كرب الكروب عَلَيْهِ فكر فكره فِي خلاب الحلاب ومزج بِمَاء التودد طلاء الطلاب وَمَال الى الاستعطاء والاستعطاف وتنكب بالاستكانة نهج الاستنكاف وَشرع فِي استسعاء رسله للاستسعاف واستدعى من الدِّيوَان الْعَزِيز إرْسَال شيخ الشُّيُوخ للاستشفاع لعلمهم انا لَا نرى إِلَّا الائتمار بِالطَّاعَةِ لِلْأَمْرِ المطاع وَندب قَاضِي الْقُضَاة مُحي الدّين أَبَا حَامِد مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن الْقَاسِم الشهرزورى للرسالة من جَانِبه وناط بسعيه ونجح مطالبه فجَاء فِي جاه أنيق ولسان ذليق وأبهة وبهاء وَرِوَايَة ورواء وتكفل وتكلف وتطرق وتظرف وترفع وتعرف وتقشع وتقشف وتأرج فِي مهاب المهابة وتبلج فِي صباح الاصابة وتلق لما ترفع من راية الْمجد بِيَمِين عرابة وترق فِي ذرْوَة الْخطاب بجلوته على مِنْبَر من بره الخطابة وَلَو تخلق بِخلق مرسله فِي الترفع بالتواضع وصلَة احكام التواصل بِقطع أَسبَاب التقاطع لكفي الْغَرَض وشفي الْمَرَض وَلم يكن فِي بَلَاغ بَلَاغ وَلم يحدث قلبه فِي المشغل شغل الْقلب وَهُوَ يرى أَنه مصح ونصع فرَاغ الى فرَاغ فانه لما وصل لزم ناموسه واطال فِي مَحل تسامية جُلُوسه وقطب ببشر وَجهه عِنْد تَوْجِيه غَرَضه قطوبه وعبوسه وَأظْهر كَأَنَّهُ الامين نزل بِالْوَحْي من السَّمَاء وَجَاء بعطارد فِي بَيته بالجوزاء وَلم يَأْخُذ فِي طَرِيق الاستخذاء وَظن أَن فِي ذَلِك لمخدومه نصيحة وخدمة صَرِيحَة وبغية صَحِيحَة ونيابة فِي كف نائبته كَافَّة مريحة على أَن السُّلْطَان قَابل شدته باللين وَأَعْطَاهُ يَمِينه على أَخذ الْيَمين فاشتط وَاشْترط وَكلما قاربناه شحط وَكلما أرضيناه سخط وَكلما قوينا رَجَاءَهُ قنط وَكلما توخينا

ذكر كشف الحال في ذلك

أمرا جَامعا للْمصَالح أَبى الا مُرَاده المارد وَلم توَافق مصادره الْمَوَارِد وَلَو انه تلطف واستعطف وترفق وَمَا عنف وَعرف وَمَا عزف وتألف وَمَا تأفف وَعَفا مَا عاف وَمَا تعنف لوضحت المحجة وَصحت الْحجَّة وَحصل المخطوب وَوصل الْمَطْلُوب وأجدى الْمَقْصُود وَوجد المنشود وبرح الخفاء وَرجح الرَّجَاء وجلا الجناء وَعلا السناء وتأيدت المنى فتشيدت البنى وتأكدت الْعُقُود وتمهدت العهود وَتمّ الصّلاح ونم الْفَلاح وحسم الدَّاء وسمح الدَّوَاء وَجزم الشِّفَاء وَلزِمَ الْوَفَاء وامنت عَادَة الْفِتْنَة وأمكنت سَعَادَة الْقَيْنَة لكنه لزم مَا لَا يلْزم وَجزم مَا لَا يجْزم وَعين شرطا لَهُ مَانع وَبَين قسطا فِيهِ مُنَازع وَكَانَ قد اسْتَعَانَ بِقوم من خَواص السُّلْطَان فِي تمشية الامر بِقدر الامكان فحسنوا ظَاهرا لَهُ بواطن وباديا لَهُ كوامن وحلفا يبْقى مَعَه الْخلف ورفقا لَا يَنْتَفِي بِهِ العنف ووفاقا كُله خلاف ووفاء كُله إخلاف وعقدا مَا فِيهِ خِيَار ونقدا مَا لَهُ عيار وعجماء جرحها جَبَّار وعشواء خبطها عثارا وشعواء خطبهَا غوار ومجازا تتعور بِهِ الْحَقَائِق ونجارا تتوعر بِهِ الطرائق ومبادئ تخفي عواقبها وَتظهر على مر الْأَيَّام عجائبها وغرائبها ذكر كشف الْحَال فِي ذَلِك كَانَت قد وصلت رسل صَاحب الجزيرة وَصَاحب إربل وصاحبي تكريت والحديثة يَشكونَ من صَاحب الْموصل وتكليفاته واثقاله الْكَبِيرَة الْكَثِيرَة فَأَما صَاحب الجزيرة فَهُوَ معز الدّين سنجر شاه بن غازى بن مودود بن زنكي وَهُوَ خَائِف من صَاحب الْموصل عَمه وَأَنه يلْزمه أَن يدْخل تَحت حكمه ويخشى أَن يكْشف ضِيَاء حَاله ظلمه ظلمه وَأما صَاحب اربل فَهُوَ زين الدّين يُوسُف بن عَليّ كوجك

وَهُوَ أَيْضا مُشفق من أمره محترق بجمره وَكَذَلِكَ صَاحب الحديثة وتكريت يرهبان وَفِي الاعتزاز بِنَا والاعتزاء الينا يرغبان وكل اخذ من السُّلْطَان عهدا أَن يحميه ويقيه ويسعده وَلَا يشقيه وإنصرف رسلهم على هَذَا الْقَرار وشفعت شفاعاتهم فِي امورهم بالامرار ثمَّ كَانَ وُصُول صدر الدّين شيخ الشُّيُوخ ومحي الدّين الشهرزورى وَوَقع الشُّرُوع فِي حَدِيث حادثتهم وإجازة دواعيهم وَإجَابَة بواعثهم وَكَانَ القَاضِي مُحي الدّين الشهرزوري سالفا فِي الْمدرسَة النظامية رفيقي وآنفا فِي الايام النورية صديقي فصدفوه فِي هَذِه الْمرة عَن مشاورتي وصرفوه عَن محاورتي وَلَو استشارني لعرفته النهج ولقنته الْحجَّة اذا احْتج وسلكت بِهِ طَرِيقا للْمصَالح جَامِعَة وللعوائق رَافِعَة فصرت عَن سره بمعزل وَعَن رسمه بمعدل حَتَّى اسْتَقَرَّتْ قَاعِدَته واستمرت عائدته وَلم يبْق الا عقدَة للتأليف تحرر ونسخه للتحليف تقرر فاستدعاني السُّلْطَان ذَات يَوْم غدْوَة وَقَالَ اكْتُبْ شرطا يكون لنا فِي الْوِفَاق قدوة فَقلت لَهُ فَكيف تستثني باولئك الَّذين توثقوا بعهدك وَسَكنُوا الى وَعدك وَهَؤُلَاء لَا يرضون بِالِاسْتِثْنَاءِ وَلَا يأْتونَ إِلَّا بالاباء وَكَيف تنْسب الى ترك الْوَفَاء وَكَيف تشيع هَذَا بَين الْأَوْلِيَاء والأعداء فَقَالَ اكْتُبْ مَا تنزهني فِيهِ عَن الْخلف وتنبهني بِهِ على صدق الْحلف فَقلت تحلف لصَاحب الْموصل على موصله ونجح مؤمله وإصفاء منهله وَتجْعَل أَمر أَصْحَاب تِلْكَ الْبِلَاد الى اختيارهم وتجريهم على ايثارهم فَمن اختارنا تمّ لَهُ منا مناله وَمن اخْتَارَهُ فَلهُ عِنْده سؤله وسؤاله وَهُوَ يشرع فِي استرضائهم واسترغابهم واستدعائهم على وفْق آرائهم فاذا صَحَّ لنا فِي عودهم اليه امرهم بسط عذرنا وَقبض ذعرهم فَقَالَ لي امْضِ الْآن الى شيخ الشُّيُوخ وعرفه الْقَضِيَّة وارضه بِهَذِهِ الْحَالة المرضية وَمَا فِيهِ من الْمصلحَة المرعية للرعاة والرعية والمم أَيْضا بمحي الدّين وَأَنا قد أجبناه على هَذِه الشريطة إِلَى الْيَمين فَأَما شيخ الشُّيُوخ فانه عرف واعترف وأسعد بالمراد واسعف وَأما مُحي الدّين فانه أَبى الا الإباء وَأنكر الِاسْتِثْنَاء وَقَالَ لَا نقبل وَلَا نقِيل وَهَذَا مِمَّا يَسْتَحِيل فَلَا ينجح بِهِ التأميل وَلَا يَنْقَطِع بِهِ القال والقيل واولئك فِي بِلَادنَا نوابنا وَفِي ولاياتنا ولاتنا واصحابنا وَفِي خُرُوجهمْ علينا مَا لَا خَفَاء بِهِ من تَفْرِيق الْكَلم وتشتيت الشمل المنتظم وتبتيت الْحَبل الملتئم واذا عرفُوا انكم لَهُم توثقتم وَعَلَيْهِم

اشفقتم خرق اجماعهم وطرقت أطماعهم وزاغت عَنَّا أَبْصَارهم وأسماعهم فاتركونا واياهم وَلَا تدركوا بلواهم وَاعْتَذَرُوا إِلَيْهِم بِأَنا انما قبلناكم ايام السخط وقربناكم فِي أَوَان الشحط والآن فقد كمل الصُّلْح وَشَمل النجح فاجروا على الْعَادة وَلَا تخالفوافي الارادة فَقُلْنَا تَأْخُذ منا الان عهدا كَمَا شرعنا وشرطنا وحفظنا بِهِ الجوانب واحتطنا واشرعوا انتم فِي الاستمالة وتنكبوا طرق الاستحالة فَمَا قبل الرَّسُول وَلَا تمّ بقبوله السؤل ثمَّ اسْتَأْذنُوا فِي الِانْصِرَاف والاستئمار على مَا تقرر من الِاسْتِحْلَاف فَأكْرم الرُّسُل الْكِرَام وقضيت حُقُوقهم بِكُل تشريف وعطية وتحفة وهدية وَكَانَ صدر الدّين شيخ الشُّيُوخ كَبِير الهمة أثيرا لَا يقبل قَلِيلا وَلَا كثيرا فاذا حمل لَهُ الطَّعَام فرقه على الاجناد الَّذين مَعَه من الدِّيوَان الامامي وعصم أَحْوَاله بالخلق العصامي فَمَا زلت بِهِ حَتَّى أجَاب كل يَوْم إِلَى رغيف وباجة متخذة من دجَاجَة فَلَمَّا خَرجُوا من دمشق عازمين على السّير وَعرف السُّلْطَان انهم قد خيموا بالقصير قَالَ السُّلْطَان قد استحييت من صدر الدّين شيخ الشُّيُوخ وانه كلما ورد بِالْعُقُودِ صدر بالفسوخ وَقد عولت على أَن أركب لوداعه وَأقرب لاتباعه وأقابل مِثَاله بامتثاله وَأَقْبل مقاله لأَجله وَلَا جَلَاله وَنحن نشتار أرى رَأْيه وإشارته ونكتب نُسْخَة الْيَمين كَمَا يمليه بعبارته فسبقت اليهم بِأَمْر السُّلْطَان وعرفتهم بِسُرْعَة وُصُوله وشرعة قبُوله فَلَمَّا وصل نزل فِي خيمة الصَّدْر متضح الْبشر ثمَّ كشف لَهُ عَن القناعة بِمَا سَأَلَهُ القناع وَسَأَلَهُ بالرسول فِي عقد الاجماع الِاجْتِمَاع فَأرْسل اليه من يُعلمهُ بالامر ويقفه على السِّرّ ويضيق عَلَيْهِ سَعَة الْعذر وَلما رأى تواضع السُّلْطَان ترفع وَنسي مَا اقترح وَلم يذكر مَا اخترع وَقَالَ أَنا بعد مَا جرى من الْحَال لَا رَغْبَة لي فِي الاسترسال حَتَّى أنهِي الى من خصني بالارسال ولعلكم اعتقدتم انه لَيْسَ لنا مظَاهر وَلَا مظافر وَلَا مؤازر بل لنا من يسْأَل عَنَّا ويشتمل علينا ويعصمنا ويميل إِلَيْنَا وَنحن نكاتبه ونستشير بِهِ وَلَا نتوخى خلاف مذْهبه واشار الى سُلْطَان الْعَجم البهلوان فَأذن هَذَا القَوْل مِنْهُ بنفار السُّلْطَان وَترك مَا عزم عَلَيْهِ وودع وَركب وَبعد الامر الَّذِي كَانَ قرب وَكَانَ قد

ذكر وصول رسول عماد الدين زنكي صاحب سنجار أخي صاحب الموصل في معنى الموافقة بينه وبين أخيه وهو شمس الدين بن الكافي وزيره

ارسل للاطفاء فأسعر وللإستخذاء فتكبر وللإخماد فَأشْعلَ وللإرشاد فأذهل وللتقليل فَكثر وللإقالة فعثر وللإسترضاء فأغضب وللإنباع فانصب وللإستلانة فَاشْتَدَّ وللإستكانة فاحتد وللإستعطاف فشمخ وللإستعطاء فديخ وللأسو فعقر وللصفو فكدر وَكَانَ السُّلْطَان فاتر الْعَزْم فِي الْعود الى الْموصل فهاجه وحرف اليها مزاجه وسدد لَهَا منهاجه فَلَو تمسك مِنْهُ بِظَاهِر يَمِين لوضع يَده فِي يَد أَمِين وفاز لمرسله فِي مَكَانَهُ بتمكين ولوى وَلم يعرج وكوى وَلم ينضج وَزَاد وَلم يخرج وحاد وَلم يفرج وَكَأَنَّهُ ذكر بِمَا نسي واستعجل فِيمَا أنسي فَخَطب خطابه خطوبا وزرجوا بِهِ من الازورار جيوبا وَغير تغير قلبه قلوبا وجر ذَنْب تجرئه ذنوبا وَحدثت كوارث وكرثت حوادث كلهَا الى هَذِه الْحَالة مَنْسُوب وَمن هَذِه الْمُعَامَلَة مَحْسُوب وَسَيَأْتِي ذكر ذَلِك فِي مَكَانَهُ بشرحه وَبَيَانه ذكر وُصُول رَسُول عماد الدّين زنكي صَاحب سنجار أخي صَاحب الْموصل فِي معنى الْمُوَافقَة بَينه وَبَين أَخِيه وَهُوَ شمس الدّين بن الْكَافِي وزيره وَوصل رَسُول عماد الدّين صَاحب سنجار فَاتخذ توخي الْمصلحَة فِي الْمُصَالحَة وغار وَلكم سلك الاوعار ليسل الاوغار فَعرف مَا افضى اليه من الامر من التَّقْرِير والتقريب والتربيب وَالتَّرْتِيب وَمَا جرى عَلَيْهِ أَمر خلق رسل الْموصل من الإباء وَالْعود الى عَادَة الاعتداء وَإِنَّا فِي هَذِه السّنة الْمُقبلَة قد عزمنا على الْكر إِلَى الكرك وانا راغبون مِنْهُ فِي جِهَاد اهل الشّرك وَالثَّوَاب الْمُشْتَرك وقوبلت تحاياه وهداياه بأضعافها وبذل لَهُ من الابتهاج بمودته كلما يُؤذن ببهجة الدولة وهز اعطافها وَكتب مَعَ رَسُوله فِي جَوَابه كتاب من انشائي بتاريخ ثَلَاث خلون من ذِي الْحجَّة سنة تسع وَسبعين نسخته بعد الدُّعَاء ورد الْكتاب الْكَرِيم وَالْعرْف العميم سافرا وَجهه الوسيم شَامِلًا فَضله الجسيم ساميا فِي العلى نهجه القويم فَتَلقاهُ التبجيل والتعظيم والاجلال والتفخيم والفاه للكرم وللفخار حلفا وهز للنجح بموقعه الْأَثِير ومطلعه الأثيل عطفا وفضه عَن فيض دِيمَة ربعيه وَنشر لطيمة دارية وزهر نضارة روضية وشكر الله على مَا تضمنه من الانباء الأرجة والاحوال الْبَهْجَة والآلاء المبهجة وتأملت فصوله ونصوصه

ذكر كثرة الامطار في شتوة هذه السنة والثلوج وتعذر الحركة والخروج

وحكمت فِي استنباط شكره ظواهره ونصوصه وقوبل بالاخلاص فِي الْقبُول خلوصه وتؤمل فِي الدّلَالَة على إحكام أَحْكَام الْوُلَاة وإبرام معاقد الصَّفَا عُمُومه وخصوصه فَكل مَا ابان بِهِ مجده عَن سر المكارم واغرب فِي الود لَهُ عَن مضاء مضَارب العزائم فيد الِاعْتِدَاد باحسانه معتلقة وانوار الابتهاج بمكانته مشرقة وَرِوَايَة الاسناد الى صِحَّته بِالصّدقِ مستملاة وطلعة الِاغْتِبَاط بعارفته بسنا الشُّكْر مستجلاة ومواد التوفير على إحماده مستعذبة مستحلاه وَالله عز وَجل يديم سعادات الْمجْلس السَّامِي جَدِيدَة وجدوده سعيدة ودولته للدوام مستفيدة ومكرمته للشكر مستزيدة وَقد حضر شمس الدّين ايده الله وشافه بِكُل مَا شفى وَوصف مَا عذب من مورد المصافاة وَصفا وأتى بِكُل مَا تضمنه الْمَقْصُود ووفى وكفل ايراده البليغ بِكُل معنى مغن وامل للنجح مدن وَكفى وَأورد مَا ورد لَهُ بِأَحْسَن سفارة وافصح عبارَة وكمل الاعتضاد بِكُل مَا فاوض فِيهِ وأفاض فِي ذكر مَعَانِيه وَقد شَاهد الاحوال وَعرفهَا واستصلح اسرار الاستمساك بمودته وكشفها وشوفه فِي جَمِيع الْمعَانِي بِمَا يُورِدهُ على المسامع السامية ويذكره وفورض فِي جَمِيع مَا يولده ويقرره وَهُوَ يشْرَح كل دَقِيق وجليل ويوضح فِي مناهج الْمَوَدَّة الْخَالِصَة كل سَبِيل وَجُمْلَة مَا مَعَه من التحميلات وافية من بلاغته بالتفصيل والمؤثر من الْمجْلس السَّامِي الاتحاف بالمشرفات والتشريف بِمَا يسنح من المقترحات والرأي أسمى ان شَاءَ الله ذكر كَثْرَة الامطار فِي شتوة هَذِه السّنة والثلوج وَتعذر الْحَرَكَة وَالْخُرُوج فصل من كتاب انشأته الى الْأَجَل الْفَاضِل عَن السُّلْطَان فِي وصف ذَلِك وَعِيد الْفطر هَذِه سنة قد قدمت حسنتها وَفتحت عيونها فغسلت بِمَائِهَا أسناتها وسنتها وطولت بِطُولِهَا عوارض بوارقها ألسنتها وَوضعت حوامل السحب اجنتها وَقد آن تزخرف الارض جنتها فَلَقَد نزل الحيا فأغرق وأعرب وسحب السَّحَاب ذيل سيله فشرق وَغرب واكتست رُؤُوس الْجبَال شعار الثَّلج للمشيب فشعرها الجثل شائب والعارض بالبرق مَذْهَب وبالودق مفضض وَله فِي فض ختم الشعاب للاعشاب

مَذَاهِب والجداول قد صقلت من الجليد سيوف سيولها والثلوج فصلت للآكام أكمام ملابسها المروية فجرت على الوهاد فضول ذيولها وَالسَّمَاء قد غارت على غزالتها فسدلت سجف المزن دونهَا وصانتها فِي خدر الخفر فَلم تبدل مصونها والليالي جَادَتْ على رائب التُّرَاب بعقود اللآلي بل بامثال شهبها والافاق عقدت بالاقطار اوتاد القطار خوفًا من تسحب سحبها والبدر يحجب بالغيم فَكَأَنَّمَا استسر بالسرار وعارض الْعَارِض اشتعل شيبا فترامى بالشرار وفاضت الديم ودام فيضها وتروضت الربى وأربى روضها وأحست ظُهُور الارض بالبرد فَلبِست الحواصل وواصلها لحبى بالحيآ فَلم تمل الْوَاصِل وَمَا أصحت السَّمَاء إِلَى أَن أصحت شُهُود الْعِيد فسفرت بطوق هلالها حَالية الْجيد وانقضى الشَّهْر عَن تسع وَعشْرين وَلم يبلغ الى اتمام وعد الثَّلَاثِينَ فكملت نعمتا الدجن والصحو وزالت شبهتا الجدب وَالشَّكّ بالمحو وأعرب الزَّمَان للْأمة عَن بلاغة كل صبغ حسن مبالغا بالغاء اللُّغَة والنحو فالتصريف مَصْرُوف وَالْعرْف مَعْرُوف ولمجاني النعم قطوف وَفِي مسامع الرياض من الزهر شنوف وعَلى أَعْنَاق الافاق من الجليد سيوف وَدون حَاجِب الشَّمْس من السحب سجوف والآن ألان الله الشدائد وأنال الْمَقَاصِد وَأحلى المراشف وَأحل المراشد وقوى العزائم وروى الصرائم وَيسر مناهج الْفتُوح وَأظْهر مباهج النَّصْر الممنوح والعوائق زائلة والمرافق حَاصِلَة وَالْمَنَافِع شَامِلَة والصنائع كَامِلَة والعساكر مجمعة على الْإِجْمَاع ونداء الاستعداد للاستدعاء ظافر بتلبية الِاسْتِمَاع علما بِأَن الْعَام عَام الْخيرَات تَامّ البركات وَأَن السّنة مخصبة وَأَن أُمُور الْغُزَاة مرتبَة وان الْأسود الربض فِي عرين الاسلام على ذؤبان الْكفْر متوثبة وَالْفَتْح بِمَشِيئَة الله قريب والنصر لدعاء الْمُؤمنِينَ مُجيب وَمن ذَلِك فِي الْمَعْنى بإنشائي صدر مكَاتبه إِلَى تَقِيّ الدّين واستدعاء العساكر للْجِهَاد قد تقدّمت الْمُكَاتبَة إِلَى مجْلِس الْملك المظفر لَا زَالَت ايامه بِالْملكِ وَالظفر منعوتة وَصَلَاة صلَاته بِالْحَمْد وَالْإِخْلَاص موقوتة وولاة ولائه موموقة وعداة آلائه ممقوتة ومنايا مناوئية مكبوبة وشناة شَأْنه مكبوتة وعرفناه مَا شَمل من نعم الله وفاض واستنار من لألاء آلائه واستفاض وان الله عجل غياثه بغيوث رَحمته وبعوث نعْمَته حَتَّى سَالَتْ أَوديتهَا وسفكت دِمَاء المحول بسيوف البوارق فَلَا يُقَال قودها أَو دِيَتهَا

ذكر نبذ من أحوالي في الغيبة الفاضلية واشتياقي إلى حضرته العلية وفصل ما كتبته في المعنى وشكر ما يسديه إلي من الحسنى

فدم الجدب مطلول وَروض الخصب مطلول وَسيف البارق مسلول ونطاق الْحيَاء محلول وَغرب الْمحل لضرب الوبل مغلول وَالشمَال مسحورة وَالسحر مشمول والآمال ظافرة وَالظفر مأمول وَأَن العزائم قد قويت والصرائم قد رويت وزناد الهمم ورت وآثار النَّصْر قد رويت وَهَذِه سنة قد هبت حسنتها من سنتها وأثنت فِيهَا عهادها على محَاسِن الرياض بألسنتها وَلَو عَادَتْ سَيِّئَة سنة الأسنات لإعتذرت إِلَى محسنتها فالعساكر تَجْتَمِع والمعاذر ترْتَفع والخيرات تتسع والآمال تنتجع والأعشاب تكْثر وتكنف والبركات تكمل وتكثف وَقد أنهض الله إِلَيْنَا أَمْدَاد آلائه وأقدمها لينهض بقوادمها إِلَى جِهَاد أعدائه فَلم يبْق لنا عذر فِي ترك الْجِهَاد يقبل وَلَا يُقَال بعد هَذَا من أَمر الْغَزْو مَا لَا يفعل وَقد كاتبنا أُمَرَاء الْأَطْرَاف باستعدادهم لإستدعائهم وَأَن يجزموا بِجمع العساكر أوامرهم لأمرائهم فَمَا مِنْهُم إِلَّا من يسابق إِلَى تَلْبِيَة النداء ويسارع إِلَى إِجَابَة الدُّعَاء ويعشق وَلَا عشق لِقَاء الْأَحِبَّة لِقَاء الْأَعْدَاء وهم الْآن ينتظرون شتات شَمل الشتَاء وَإِذا رأواآذار مُقبلا أَقبلُوا فَإِنَّهُم مذ شاهدوا ضرع الْعَارِض حافلا احتفلوا واجمعوا أَمرهم قبل الْإِجْمَاع بأمرنا فعلوا بِمَا فعلوا وَالله عز وَجل يمد الْإِسْلَام بفتوح تفوح أرجاؤها بأرج الْعِزّ ويسمي للمجاهدين فِي سَبيله مَا وعدهم بِهِ من درج الْفَوْز وَقد عزمنا مَعَ خُرُوج شباط الْمسير إِلَى حلب لِأَن هُنَاكَ العساكر يقرب إجتماعها والغنائم تتَحَقَّق إتساعها والمشاورات الصائبة يتدانى استماعها والهيبة فِي النُّفُوس تقحم والصيت فِي الْآفَاق يعظم والهمم الساكنة تتحرك وحساب كل راج بِمَا يَنَالهُ من عطائنا الْحساب يتفذلك وَقد جَاءَ الغيوث دائمة ديمها سابغة نعمها وأصحت السَّمَاء لَيْلَة الْعِيد فضاهت نعْمَة الإصحاء لأصحاء الدّين نعْمَة الدجون وعرج النُّور فِي السَّمَاء ليبين الْهلَال الَّذِي بدا كالعرجون فيا لله من قطر وَعِيد أنْجز للأولياء كل وعد وَأعد للأعداء كل وَعِيد وَالْحَمْد لله على مَا من بِهِ من إِحْسَان عتيد وإفضال طارف مَوْصُول تليد ذكر نبذ من أحوالي فِي الْغَيْبَة الْفَاضِلِيَّةِ واشتياقي إِلَى حَضرته الْعلية وَفصل مَا كتبته فِي الْمَعْنى وشكر مَا يسديه إِلَيّ من الْحسنى وَلما سَار المخدوم الْفَاضِل إِلَى مصر فِي هَذِه السّنة من غزَاة الكرك وَدخلت من إنفرادي بِالْخدمَةِ السُّلْطَانِيَّة والنيابة عَنهُ فِي الدَّرك وعدمت مَا كنت أَجِدهُ بِحُضُورِهِ من

الرفه والرفق وأظلم عَليّ من قوادح الصبابة ولوافح الكآبة مضىء الالفق وبهضني ثقل الاستبداد وانهضني كل الاستعداد وشغلني عَن مهامي بهم الشّغل وتكلفت التبرىء من الضجر والملل فِي الْأَمر المضجر الممل وشملتني بركَة همته الْعلية فِي تقويتي وتربيتي واجابني فِي مخطوب تلبيتي وَقمت بتسقيم المعتل وتقويم المختل وشمول النظام ونظم الشمل وواصلت تِلْكَ الحضرة بخدمات مطالعاتي وبرح صباباتي وَشرح مطالباتي وإذكاره من عدات مكرماته بعاداتي وانني اتمنى بيمن عودته عود ايام سعاداتي وَكنت قد كتبت اليه كتابا وشعته وَبَلغت فِيهِ الى مجَال البلاغة ووسعته فَقطعت طَرِيقه واتيح من الْقَضَاء تعويقه وَنَجَا بالقائه فِي الْبَحْر عِنْد لِقَاء الْعَدو نجابه وَكَاد يؤسر لما خانه صحابه فَلَمَّا عرفت مَا تمّ على الْكتاب عقدت لَهُ مأتم الاكتئاب وحبرت رِسَالَة فِي تعويقه وَقطع طَرِيقه بتاريخ محرم سنة ثَمَانِينَ وَهِي أدام الله أَيَّام مَوْلَانَا الصاحب الْعَالم الْأَجَل الْفَاضِل ظَاهِرَة المباهج مبهجة الظُّهُور منيرة الْمطَالع طالعة النُّور آمرة بالثبات ثَابِتَة الامور وافرة الْمَزِيد زَائِدَة الوفور سافرة بِالْحُسْنَى حَسَنَة السفور محبورة بالحبا حابية بالحبور سارة النعمى منعمة بالسرور قادرة على الاسعاف مساعفة بالمقدور مُؤثرَة للافضال فاضلة الْمَأْثُور شاهرة للميامن مَيْمُونَة الشُّهُور وخلد إنعامه وأنعم خلوده وَأحكم عهوده وأبرم عقوده وأسعد علاهُ وَأَعْلَى سعوده وأنجح مَقْصُوده وأنجز موعوده وَرفع ودوده وقمع حسوده وقيض عدله وفيض جوده وأجرى على إِيثَار أَيَّامه وآثار الْجَارِي من أقلامه بيض الدَّهْر وسوده وَلَا زَالَت اللَّيَالِي بلألائه مُقْمِرَة وَالْوُجُوه بآلائه مسفرة والقلوب بقبوله مقبلة واسود الممالك بأقلامه مشبلة والكتائب بكتائبه مكتبة والمذاهب بمواهبه مهذبة وَالْكَوَاكِب لمناقبه حاسدة والفضائل إِلَّا فِي سوق فواضله كاسدة والسحب من بنانه مستعيرة والشهب ببيانه مستنيرة والصباح من صباحته خجلا والسماح من سمائه هطلا وَالْحَد بحده مشفوعا وَالْمجد بحذائه مَرْفُوعا وَلَا فتىء بجود كَفه الْوَلِيّ محبورا مجبورا وبكف جوده الْعَدو مكسورا محسورا وبميسور شكمه الشُّكْر مأسورا وبمنشور أفضاله الْفضل منشورا وبتولية تصريفه الصّرْف

فصل منه في وصف الرسالة التي قطعت طريقها وكان قاطع الطريق يعرف بأبي سنينة

معزولا وبحد خطه الْخطب مغلولا وبأهل عهد ولائه معهد الموالين مأهولا وبمحمود اسعاف رفده لوفده حمد العافين اليه مَحْمُولا مَا وفى صَدُوق وَصدق وَفِي وَصفا كريم وكرم صفي وكفي هاد وَهدى كفي فصل مِنْهُ فِي وصف الرسَالَة الَّتِي قطعت طريقها وَكَانَ قَاطع الطَّرِيق يعرف بِأبي سنينة كلما بكر الْمَمْلُوك ببكر وجهز ببنت فكر وسيرها فِي محامد المحامد وضمنها مصادق الْمَقَاصِد وحلاها وأحلاها وغالى فِيهَا وأغلاها وشط عقيلتها ونشط عقلتها وقمع بنانها المخضب للْيَمِين وَرفع بَيَانهَا الْمُهَذّب للتأمين ونثر لُؤْلُؤ نرجسها على وردهَا ونظم من أقاحي بردهَا نَظِير عقدهَا وعود صبحها ودجا بسورتي اللَّيْل وَالضُّحَى وَأهْدى لَهَا نشوة من فطنته ونشأة من فطرته وَصَحَّ لَهَا وصحا وجذب خيزرانتها بحقف وعذق ختروانتها بِحرف وروى مخدمها وأظمأ موشحها وَأبْدى لمحها وَأعَاد ملحها وعلق قلبه بِقُرْطِهَا الْمُعَلق ووفق سَهْمه من سهمها المفوق وغاص لاستخراج در حليها الَّتِي صاغها وَورد بجمر ذكائه وجناتها وسلسل اصداغها ودب النَّمْل إِلَى عقاربها وَأنْبت الرُّمَّان فِي روض ترائبها وأبرزها فِي فضَّة قد مَسهَا ذهب وجلاها فِي مَاء مازجها لَهب وحاك لَهَا من خمر خاطره خمارا واشعل فِي خدها من جمر قريحته نَارا وَعقد من نطقه لَهَا نطاقا وَجعل من قَيده لَهَا اطلاقا عراها بغارته الغيران وعراها وفر خفيرها وأخفر ذمَّتهَا وفراها وبرىء من بحرها الْبر فبرأها وسرى اليها الْعَدو فَعدى على سراها وَجَهل قدرهَا فَلَو عرفهَا رَفعهَا وَلَو قَرَأَهَا قراها فيالها مَقْبُوضَة صد خَبَرهَا الْيَقِين عَن جُهَيْنَة معضوضة من كلاب الفرنج سين ابي سنينة مفضوضة وَهِي على عذرتها مهجورة وَهِي فِي طَرِيق هجرتهَا مأسورة من اسرتها مَأْخُوذَة من أسرتها مَا بالها نبا لَهَا فض ذَلِك الفض وَمَالهَا لَهَا عَنْهَا لَحْظَة الْحَظ قيل إِن حاملها دَفنهَا فَدلَّ طينها على موضعهاونورها على مطْلعهَا وفيضها على منبعها أما استحيى مستحييها وَمَا ضره لَو كَانَ يستبقيها لكنه لما شنأها شن عَلَيْهَا وَلَو ودها لما وأدها وتبا لَهُ حِين كلم روحها وَلَو أبْصر روح كلمتها لِعَبْدِهَا أما سَارَتْ عيسها السِّيرَة العيسوية أما مريمها بنفحة النفخة المريمية أما هابوا إهابها أما أَصَابُوا صوابها حَتَّى أخافوا سَبِيلهَا وأخفوا سلسبيلها وأراقوا مدامها وأداموا إرقاقها وحولوا شقتها وحاولوا شقاقها ونبذوها بالعراء وَهِي سقيمة وأقعدوها عَن الْمسير فَهِيَ مَعَ نبوة الْمحل بهَا مُقِيمَة وَمَا هِيَ بِأولى مودودة مؤوده ومحلاة عَن الْورْد مصدودة بل ثَلَاث بَنَات وئدن وَمَا أعدن

ومنها فصل في صفة القلم

وَلما أبدين وجوههن وتوجهن الى البيد أبدن فَلهَذَا قريحته كالثكلى الوالهة قريحة الْقلب بحريق الكرب تعول على انها تعول وتتألم حِين تتأمل الْيَأْس مِمَّا تؤمل فان كبا زندها أَو خبا وقدها فَلِأَنَّهَا مَذْعُورَة معذورة مصدودة مصدورة فَهَل آيَة تعوذ با عانية غانية وماسورة تفل بهَا مأسورة وَقيل انهم لما دخلُوا بهَا السَّاحِل عرفهَا الْبَحْر فاستعادها ونشد ضَالَّتهَا حِين ألقيت فِي اليم فاستفادها وَفتحت لَهَا الاصداف أفواهها واستنجدت أمواجه الزواخر أمواهها وَحقّ لَهَا ان تَفْخَر فانها كَانَت بمعاني الْمَعَالِي المولوية مَمْلُوءَة وبحباء الْحبّ الفاضلي محبوءة وَلَقَد كَانَ يعْتَقد انها وصلت وصلت الى قبْلَة الإقبال وجدت وَوجدت كعبة الآمال وَردت فوردت مشرع الْفضل والافضال حَتَّى ورد الْمِثَال الْمَعَالِي عَنْهَا مسليا وَعَن اختها مسائلا آيسا من الغرام بهَا ولغرامتها آملا فَعلم أَن السبية قد سبيت وان البريئة بالبرية قد بريت وَأَن العقيلة قد عقلت وَأَن المتحلية قد عطلت وَأَن الرَّاحَة قد عيقت وَأَن الراح قد أريقت وَأَن الصفيحة قد كسرت وَأَن الفصيحة قد أسرت والحصيفة قد وَجَبت والصحيفة قد محيت وَأَن الْحَسَنَة قد حبست وَأَن المحجبة المحجوبة قد حجبت وَأَنَّهَا راحت فحارت فغارت وإغتاظت فَفَاضَتْ وَمَا فاظت لَو أَنَّهَا بِمَا فِيهَا فاضت وَلَقَد اقْسمْ الْقَلَم الَّذِي زبرها وأبرزها وأعلمها وطرزها وأحلها وحرمها وأجلها وَأَكْرمهَا ورضعها بمجاجة وارشفها من زجاجة وارشدها الى منهاجه ليجرن على أحديها كل مجر لدمائهم مجر وليجمعن بأساطيره وَكتبه لغزوهم الاساطيل والكتائب فِي كل بَحر وبر حَتَّى ينزل نَص النَّصْر على نصله وَيقطع سبل قَاطع سبله وَيجْرِي بحرا من دِمَاء اهل السَّاحِل ويديل الْحق بادراك ثَأْره من الْبَاطِل ويلقح الْحَرْب الْعوَان من ذكوره بِالْفَتْح الْبكر وَيذكر بِتَصْدِيق مَا وعد الله من النَّصْر وَالظفر أهل الذّكر أما عرفُوا ان اليراع الذى يُرَاعى ويروع لَا يراع وان الصواع الذى يضيء ويضوع لَا يضاع وان الْحرَّة الَّتِي تبوء وتبوع لَا تبَاع وان الْكَرِيمَة الَّتِي تضيف وَتفِيض لَا تجاع وَمِنْهَا فصل فِي صفة الْقَلَم فَلَا جرم ان الخطية الحظية تخْطب هدى الْفَتْح للهدى وَلَا تخطيء بالحتف فِي العدى وتستدعي وتيتدعي من الْجِهَات للْجِهَاد جموع الاجناد الانجاد للانجاد وَتجمع رَأسهَا رُؤُوس الْجمع ويقمع بنانها لبِنَاء القمع وتصيب وَهِي عامدة وتصوت وَهِي جامدة وتعسكر وَهِي وَاحِدَة وتزمجر وَهِي راعدة وتغرق وَهِي بارقة وَتحرق وَهِي صَاعِقَة وتقد وَهِي لافحة وتقذ وَهِي فادحة وتقود الاطلاب وتطلب الْقود وتحد

الْمِنْهَاج وتنهج الجدد وتثور بالثأر وتزور بالزآر وتشغل بل تشغل افكار الْكفَّار فَهِيَ تَقول للمريغ المغير والمريب المبير وَالسَّارِق القاسر والسارب الباسر والقاطع القاطف والمخاطر المخاطف واللص الصل والملط المطل ان تقت بمقت وبنيت ببنت ورميت رمية وأدميت دمية وبدأت بأدبية وَذَهَبت بذهبية واجهزت على مجهزة وبرزت ذَات بزَّة وغمست بمينك فِي غموس وغرست لاغتيال عروس فان الْيَتِيمَة لَهَا أَخَوَات وَمَا أم هَذَا الصَّغِير عَمَّا قيل بمقلات وَالْبَنَات نَبَات والخاطر ودود ولود والاقلام فِي فرس الْمعَانِي الْبيض أسود سود وَمَا يضر الرياض ذبول زهره والحياض عدُول قطره وَالْبَحْر خُرُوج دره وَالْبر عروج ذره فَأَما الْجَانِي عَلَيْهَا فَوَائِد الْفَوَائِد وَأما الجابي مِنْهَا فرائد الفرائد والمعين عد والمعني مستعد والصدف ذُو جَوَاهِر والسدف ذُو زواهر والدأماء ذُو امواج وَالسَّمَاء ذَات أبراج والزعيم عازم والعريم عَارِم وَالْعَبْد الْمَأْذُون لَهُ اذا اقبل فِي بَيْعه وإجارته بِمَا فِي يَده مَال مَالِكه بتجارته والمملوك من كسي مَالِكه يكتسي وَمن كيسه يحْتَسب وَمن كأسه يحتسي وَمن ورد حمياه ورد محياه وَمن عرفه وعرفه ريه ورياه فَهُوَ مَلِيء بالاملاء منتش من سكر الشُّكْر للانشاء والخاطر العاطر ثاري دَاري وَالضَّمِير الضمين بوري دري على أَن الدَّهْر وَإِن جَاءَ بالسيئات فَسَيَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ وَمَا صرف زِمَام صرف الزَّمَان فِي وثبات عظائمه عَن ثبات العظماء الا بالثبات وللطرق آفَات وللآفات طرقات وَمَا اخوف الْمَمْلُوك على هَذِه المسفرة المسفرة والميسرة الميسرة والمغربية المغربة والعجيبة المعجبة والطبيبة الآسية والحبيبة المواسية والرفيقة الرقيقة والرفيقة الرفيقة والصديقة الصادقة والموفقة الْمُوَافقَة والعاطية الطائعة والخاشية الخاشعة والوصيفة الموصوفة والالفة المألوفة والعارفة الْمَعْرُوفَة والماشقة الممشوقة والراشقة المرشوقة والعاشقة المعشوقة والوامقة الموموقة والشائقة المشوقة والعاسلة المعسولة والواصلة الموصولة والفضيلة الْعَاقِلَة والبخيلة الباذلة والداهية الهادية والغانية المناغية والساقية القاسية والساعية العاسية والساهرة الحاسرة والفاتنة الفاترة والحسناء اللسناء والمجيدة الجيداء وَلَو نجا بهَا

نجابها وأتى بجوابها جوابها لقلد مننا وَقيد مننا وَأبْدى جميلا واسدى جزيلا واسترق من لهجته درا واسترق من مهجته حرا وَلَا قَرَار للمملوك حَتَّى يعرف ان سيلها بَالغ الى الْقَرار وَأَن لَيْلهَا والغ فِي النَّهَار وَأَن نهجها خَال من الشرار وَأَن بدرها خَالص من السرَار وان طرقها آمِنَة من الطوارق وَأَن حُقُوقهَا ضامنة للحقائق وَأَن بحرها يحملهُ الْبر وَأَن عذراءها لَا يعروها الذعر حَتَّى ينشط لتسيير اترابها الْفِكر وينبسط لتحبير أخواتها السِّرّ وأردفت الرسَالَة بِهَذِهِ الأبيات من الْكَامِل ... عذر الزَّمَان بِأَيّ وَجه يقبل ... ومحبكم بالصد فية يقتل مَالِي سوى انسان عَيْني مسعدا ... بالدمع انسا عَلَيْهِ أعول والدهر ليل كُله فِي ناظرى ... لَا صبح الا وَجهك المتهلل خيرتم بَين الْمنية والنوى ... لَا تهجروا فالموت عندى اسهل مَا كَانَ مُنكر فضل حَقي جَاهِلا ... إِن كنت أنكر فَضلكُمْ أَو أَجْهَل يَا غائبين وهم لفكرى حضر ... يَا راحلين وهم بقلبي نزل مَا للسلو الى فُؤَادِي مَنْهَج ... مَا للصبابة غير قلبِي منهل لَا تعدلوا عني فَمَا لي معدل ... عَنْكُم وَلَيْسَ سواكم لي موئل كل الخطوب دفعتها بتجلدي ... إِلَّا التَّفَرُّق فَهُوَ خطب معضل اذ لم يجدني طيفكم فِي زورة ... فلأنني مِنْهُ أدق وأنحل ... لَا صَبر لي لَا قلب لي لَا غمض لي ... لَا علم لي بالبين مَاذَا افْعَل إِن تذهلوا عني فَانِي ذاهل ... بهواكم عَن ذكركُمْ لَا أذهل ... فصل من مُكَاتبَة اخرى قبلهَا انشأتها اليه فِي جَوَاب كِتَابه عِنْد وُصُوله الى الْقَاهِرَة ورد الْمِثَال المتبلجة أنواره المتبوجة أنواؤه الْمشرق سناه المشرف سناؤه المروية موارده المروية فَوَائده الْمُقبلَة مراشفه الْمُقبلَة مراشده المسندة صحافه الصَّحِيح اسناده الموردة فَصَاحَته الفصيح إِيرَاده الطالعة صبيحته الصبيحة طلعته المصطنعة مَمْلَكَته المملكة صنيعته المؤتمرة طَاعَته المطاعة أوامره السافرة زواهره الزاهرة

سوافره فشرف الْمَمْلُوك وَملكه الشّرف وَوَقفه على العلى وَالْعَظَمَة فَعَظمهُ ووقف واسمى قدره وَقدر سموهُ واعلى جاهه وَوجه علوه وأقدره على البسطة وَبسط قدرته ونشط عقله ونشط عقلته وحلى عقده وَحل عقدته واعتقد اخلاصه واخلص عقيدته وانجح أمله وأملى نجحه ونصح بالهداية واهدى نصحه فصحا من الشُّكْر وفصح بالشكر وَصَحَّ من الْكسر وَأصْبح من منته فِي الاسر وضج يعلن الدُّعَاء وَلعن الاعداء وسر بِمَا سرى اليه من الآلاء وَعرف بعارفته أَن هضبة بنائِهِ راسخة راسية وَأَن حسدة غنائه خاسرة خاسئة وَأَن الحسود وَإِن نم ونمق وزور وزوق وروى وروق وورى وورق وولف ولفق وعرى وعرق واغرى واغرق وعمى وعمق وفرى وَفرق واختلى واختلق وَسوى وسوق ونافق ونفق فان الْمولى أعرف بعده وارفع لجده وَاقْبَلْ لمجده وامجد بقبوله وأدل على صدقه واصدق لدليله وَاعْلَم بمملوكه وأملك لعلمه واحكم بعافيته واعفى بِحكمِهِ واثبت على وده وأود لثباته وأشب لسناه وأسن لشبابه وَأولى بحفظه واحفظ لولائه وأرجى لسماحه وأسمح برجائه وَمن الَّذِي يباري الْمَمْلُوك فِي فضيلته ويبر عَلَيْهِ بوسيلته وَمَالك رقة مَا أنساه وَلَا نَسيَه وجبى للحب حديقته وحدقته بِالنورِ والنور ليجتنيه ويجتليه كَيفَ وَقد قرن كِتَابه الى السُّلْطَان بِكِتَاب اليه فأصاره للسُّلْطَان قرينا وَأعَاد رثه جَدِيدا وغثه سمينا وأوصله يَوْم الْوُصُول الى الْقَاهِرَة بعزة الى الْعِزَّة الْقَاهِرَة وأظهره على أكفائه بالكفاية الظَّاهِرَة فَمَا الهاه أَهله بايناسهم عَن ايناسه وأرج فِي مهاب المحاب من أرجائه بِأَنْفَاسِ أنفاسه فَهزمَ جَيش الْهم من جأشه بكتيبة كِتَابه وَرَوَاهُ بِمَا رَوَاهُ من اثار مآثره بصوب صَوَابه فَمَا أَسْفر سفرا مَا فِي تَارِيخه تَأْخِير وَمَا أَنْجَب نجابا تسير نجابه للنجاح بتيسير وَمَا احلى جنا لَا لَغْو فِي جنانه وَلَا تأثيم وَمَا أَعلَى سنا لَا تهوين فِي احسانه وَلَا تهويم وَمَا أحل رَاحا احلت روح الرّوح وَمَا انفث سحرًا نفثات سحره ونفحات سحره تفوح بالفتوح وَمَا أرفع مَضْمُونا مَضْمُونَة الرّفْعَة وَمَا انجح مَخْتُومًا مختومة النجعة وَمَا اسمى درجا أسمى درجاته وَمَا أجد نهجا جدد منهجاته وَرَأى الْمَمْلُوك ضم نشره فِي نشر ضمه وَختم رفْعَة فِي رفع خَتمه فأضاء بفضه لَهُ فضاء الْفَضَائِل وَأَنْشَأَ لَهُ من إنشائه الانتشاء بشمول الشَّمَائِل ولبى اللب منادى نداه وانْتهى بالنهى الى انتهاج جادة جداه وانعم النّظر فَرَأى نظرة

النَّعيم وارتاح لعرف عرفه فقمعه نسيم التسنيم وَمثل مثلا بحمياه جذلا بمحياه حَيا بتحاياه سارا بسراياه سَاجِدا لسجاياه واجدا لمزاياه حاظيا بحظاياه مهتديا بهداياه مثريا بعطاياه مثنيا بقضاياه وَقد اشْتَمَل على استرعاء قلبه واستدعاء كتبه وتقريب حبه لحب قربه ... أسائل الركب عَنْكُم ... وَأَنْتُم فِي فُؤَادِي وقف عَلَيْكُم طريقي ... فِي حبكم وتلادي تصبري فِي انتقاص ... ولوعتي فِي ازدياد قَالُوا مرادك مَاذَا ... فَقلت انتم مرادى مَا بالكم لم تلبوا ... وَقد سَمِعْتُمْ أنادي وَكم لكم من أياد ... لم أُنْسُهَا وأياد يَا مالكي الرّقّ رقوا ... فقد ملكتم قيادى صددتم الْورْد عني ... علما بِأَنِّي صَاد سِرْتُمْ بقلبي وسرى ... وراحتي ورقادى مَا هَكَذَا لَو عَرَفْتُمْ ... يكون شَرط الوداد ... والممولك لما عجز عَن الْمعرفَة اعْترف بِالْعَجزِ وَلزِمَ نِسْبَة المعتزى ونصبحه المعتز وَرجع الى رجائه وَسمي بأسمائه وآلى بآلائه وَعدا على اعدائه فو الله لَهو المحبور المحبو بالمحبوب والمجلو بِالْحَمْد المجبول لَا المجلوب تمّ الْجُزْء الْخَامِس من الْبَرْق الشَّامي بِحَمْد الله وَمِنْه حسن توفيقه وعونه وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على مُحَمَّد نبيه وَآله وَصَحبه وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل يتلوه فِي الْجُزْء السَّادِس وَدخلت سنة ثَمَانِينَ وعَلى هَذِه الصفحة كتبت هَذِه الْعبارَات 1 ملك العَبْد الْفَقِير الى رَحْمَة ربه الْغَفِير مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الاملح سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة 2 قوبل بِقدر الطَّاقَة والامكان وَالْحَمْد لله حق حَمده 3 طالع العَبْد الْفَقِير وصفحة وترحم على منشئة اقل عبيد الله مُحَمَّد ابْن عُثْمَان سلخ الْعشْرين من شهر صفر تسع عشرَة وَسَبْعمائة عَفا الله عَنْهُم 4 وطالع فِيهِ ايضا العَبْد الْفَقِير الله تَعَالَى مَحْمُود بن مُحَمَّد بن صفى العمادى سلخ سَابِع عشر رَمَضَان الْمُعظم من سنة تسع عشرَة وَسَبْعمائة بحرم المولا الْمولى الْملك رحم الله منشؤه ومصنفه وَمن قراه ودعا لَهما بِالتَّوْبَةِ وَالْمَغْفِرَة وَلِجَمِيعِ الْمُسلمين

§1/1