البديع في البديع لابن المعتز

ابن المعتز

الفصل الأول: البيان قبل ابن المعتز

الفصل الأول: البيان قبل ابن المعتز: بسم الله الرحمن الرحيم "1" لابن المعتز منزلة كبيرة في البيان العربي؛ فقد ألف فيه كتابه "البديع" الذي عدَّد فيه شتى أساليب ومحاسن الشعر كما عرفها ابن المعتز وعصره. وهذا الكتاب ليس قاصرًا على البديع بالمعنى الضيق المحدود؛ لأن ابن المعتز يذكر فيه التشبيه والاستعارة وهما من صميم البيان العربي، ويذكر فيه الكناية؛ ولكنه يريد بها معناها اللغوي، وهو أهم من المعنى الاصطلاحي المعروف. فإذا قلنا: إن ابن المعتز ألَّف في البيان، فقد سرنا في الحق والتفكير السليم، وإذا قلنا: إنه ألف في البديع، فقد ضيقنا دائرة البحث بغير مبرِّر، وإن كان البديع في الاصطلاح المتأخر جزءًا من البيان، وإن كان البديع بالمعنى القديم المعروف عن بعض علماء البلاغة يرادف كلمة البيان أو البلاغة. فابن المعتز -إذن- ذو أثر كبير في البديع، وعلى وجه الدقة له أثره في البيان العربي ودراساته، وذلك ما سنتناوله الآن بالبحث والتحليل. "2" 1- كان للعرب في حياتهم الأولى ذوق، وفيه طبع، كانوا بهما في غنًى عن الشرح والتحليل والتوجيه والتعليل لأحكام النقد ولأصول البيان العربي ومذاهبه، وكذلك كانت أصول البيان بعيده عن البحث والدراسة والتقرير. وفي ظلال الحياة الإسلامية اختلطت العناصر، وتمازجت الثقافات، فلقحت العقول، وأصابت الألسنة آثار من اللكنة واللحن، وأخذ أئمة العربية يعملون في صبر وعزيمة في وضع أصول النحو العربي، وجمع مواد اللغة الغزيرة، وصحب ذلك وتلاه دراسات أخرى تتناول العربي وأصوله ومذاهبه بالبحث

والتحليل، وأخذت تتكون من تلك الدراسات النواة الأولى للبيان العربي، وظل التقدم الفكري والنضوج الأدبي والعلمي يسير بهذه البحوث والدراسات نحو الكمال المنشود بخطوات كبيرة، وكانت الثقافة البيانية تنمو حين ذاك بجهود ثلاث طبقات: أ- الأولى طبقة رواة وعلماء الأدب من البصريين والكوفيين والبغداديين؛ من أمثال: خلف والأصمعي وأبي زيد وأبي عبيدة ويحيى بن نجيم وعمرو بن كركرة، وأستاذهم أبو عمرو بن العلاء أعلم الناس بالعرب والعربية1، ومن عامة الرواة الذين لا يقفون إلا على البليغ الساحر من الأساليب -كما يقول الجاحظ- دون النحويين واللغويين والإخباريين الذين لم يتجهوا هذا الاتجاه2، وبجوار هؤلاء أئمة الشعراء3 وغيرهم من الخطباء ورجال الأدب الذين تثقفوا بالثقافة العربية. ب- والثانية طبقة الكُتَّاب الذين لم يرَ الجاحظ قومًا قط أمثل طريقة في البلاغة منهم، والذين التمسوا من الألفاظ ما لم يكن وحشيًّا ولا سوقيًّا4، ورأى الجاحظ البصر بهذا الجوهر من الكلام فيهم أعم5، وحكم مذهبهم في النقد6، ومثلهم المعتزلة وفرق المتكلمين الذين رآهم الجاحظ فوق أكثر الخطباء وأبلغ من كثير من البلغاء7، وكان بعضهم من عناصر عربية وتثقفوا بثقافة أجنبية، والآخرون من عناصر أجنبية تثقفت بالثقافة العربية، مما كان له أثره في أصول البيان، وفي توجيه دراسته وبحوثه، وفي الدعوة إلى آراء في الأداب توائم ثقافتهم وعلقيتهم، وكان بعضهم يلقن مذاهبه الأدبية العامة للتلاميذ وشداة الأدب، كما نرى في محاضرة بشر بن المعتمر المعتزلي م210هـ في أصول البلاغة8، والتي يقول الجاحظ عنها: إن بشرًا مر بإبراهيم من جبلة بن مخرمة9،

_ 1 209/ 1 البيان. 2 224/ 3 البيان. 3 54/ 1 البيان. 4 105/ 1 البيان. 5 225/ 3 البيان. 6 240/ 1 البيان. 7 106/ 1 البيان. 8 104/ 1 وما بعدها البيان، 228 وما بعدها صناعتين. 9 يعده الجاحظ من الخطباء الشعراء 155/ 1 البيان.

وهو يعلم الفتيان الخطابة فوقف بشر فظن إبراهيم أنه إنما وقف ليستفيد، فقال بشر: اضربوا عمَّا قال صفحًا، ثم دفع إليهم صحيفة من تحبيره وتنميقه في أصول البلاغة وعناصر البيان1، ومن رجال هذه الطبقة: أبو العلاء سالم مولى هشام، وعبد لحميد الكاتب أو الأكبر -كما يقول الجاحظ2- وابن المقفع، وسهل بن هارون3، والحسن والفضل4 ابنا سهل، ويحيى البرمكي، وأخوه جعفر5، وأيوب بن جعفر، وأحمد بن يوسف، وعمرو بن مسعدة6، وابن الزيات، وسواهم. وكان لهذه الطبقة أثرها في بحث عناصر البيان وبلاغة الكلام، ونستطيع أن نعرف آثار هاتين الطبقتين في دراسات البيان بالرجوع إلى آرائهم المثبتة في شتى أصول الأدب، والتي يمكننا أن نذكر هنا طرفًا منها، وإن شئت فاقرأ جواب صحار لمعاوية حين سأله عن البلاغة7، ويروى قبل هذا بكثير أن عامر بن الظرب سأل حممة بن رافع: مَن أبلغ الناس؟ فقال: من حلَّى المعنى المزيز باللفظ الوجيز، وطبق المفصل قبل التحزيز8. واقرأ: تحديد المفضل الضبي للإيجاز9، وتفسير ابن المقفع للبلاغة10، وحوار الشمري لعمرو بن عبيد في البلاغة11، وتعريف الأصمعي للبليغ12، ورأي إبراهيم بن محمد في

_ 1 ولبشر كتاب في نظم كليلة ودمنة. 2 151/ 1 البيان. 3 كان سهل يقول: سياسة البلاغة أشد من البلاغة "144/ 1 البيان، 33/ 3 العقد". 4 ذكر الحصري كثيرًا من بلاغته "16-19 جـ2 زهر". 5 وصف الجاحظ بلاغته وأشاد به "85 و91/ 2 زهر"، وكان يؤثر الإيجاز "18/ 1 البيان، 177/ 1 الكامل"، ونوَّه به سهل بن هارون "11/ 2 زهر". 6 نوَّه المأمن ببلاغته 264/ 3 زهر. 7 81/ 1 البيان، وراجع 18/ 2 الكامل. 8 216 / 1 العمدة، 280/ 2 الأمالي للقالي. 9 81/ 1 البيان. 10 91/ 1 البيان، 214/ 1 العمدة، 15-17 صناعتين. 11 90/ 1 البيان، 142/ 1 زهر، و47 الرسالة العذراء. 12 86/ 1 البيان، 220/ 1 العمدة.

البلاغة1، وتعريض جعفر البرمكي للبيان2، وتعريف العتابي للبلاغة3، وتفضيل الجاحظ لرايه4، ووصف الرشيد للبلاغة5، ورأي شبيب بن شيبة في تفضيل بلاغة جودة القطع أو القافية على جودة الابتداء6، ووصف ابن المقفع كلام الإعراب7؛ الذين أعجب الجاحظ ببلاغتهم8، ووصف الحسن بن وهب بلاغة أبي تمام9، وتعريف المأمون للبليغ بأنه من كان كلامه في مقدار حاجته ولا يجيل الفكرة في اختلاس ما صعب عليه من الألفاظ، ولا يتعمَّد الغريب الوحشي ولا الساقط السوقي10، وقول خالد بن صفوان: أبلغ الكلام ما لا يحتاج إلى الكلام11، وتعريفه للبلاغة بأنها التقرب من المعنى البعيد، والتباعد عن خسيس الكلام، والدلالة بالكبير على الكثير، وتعريف ابن عتبة لها بأنها: دنو المأخذ وقرع الحجة والاستغناء بالقليل عن الكثير، وعرفها الخليل بأنها: ما قرب طرفاه وبعد منتهاه، وعرفها إبراهيم الإمام بأنها: الجزالة والإصابة، وعرفها ابن المقفع بأنها: قلة الحصر والجراءة على البشر، إلى غير ذلك من شتى هذه التحديدات12، ويقول

_ 1 75/ 1 البيان. 2 85/ 1 البيان، 42-47 صناعتين. 3 90/ 1، و157/ 1 البيان. 4 121/ 1 البيان. 5 264/ 3 زهر. 6 89/ 1 البيان. 7 118/ 2 زهر. 8 110/ 1 البيان. 9 263/ 3 زهر. 10 423 صناعتين. 11 35، 36 الرسالة العذراء. 12 راجع: 44-46 الرسالة العذراء، 75/ 1 البيان، 2، 3، 22، 23/ 3 العقد، 140-150/ 1 زهر، 87-91/ 2 ديوان المعاني، 109، 202 إعجاز القرآن، 213-221/ 1 العمدة.

أبو دؤاد الإيادي: رأس الخطابة الطبع، وعمودها الدربة، وجناحاها رواية الكلام، وحليها الإعراب1.... إلخ، ويقول الخليل: كل ما أدى إلى قضاء الحاجة فهو بلاغة، فإن استطعت أن يكون لفظك لمعناك طبقًا ولتلك الحال وفقًا آخر كلامك لأوله مشابهًا وموراده لمصادره موازنة فافعل، واحرص أن تكون لكلامك متهمًا وإن ظرف2، ووصية أبي تمام للبحتري تدخل في هذا الباب3، ويقول عبد الملك بن صالح م199هـ: البلاغة معرفة رتق الكلام وفتقه4، وقال ابن الرومي: البلاغة حسن الاقتضاب عند البداهة والغزارة عند الإطالة5، ويقول البحتري: خير الكلام ما قلَّ وجلَّ ودلَّ ولم يمل6، ويقول الثعالبي بعد: خير الكلام ما قل ودل وجل ولم يمل7، ويقول ابن الأعرابي: البلاغة التقرب من البغية ودلالة قليل على كثير8. جـ- وأما الطبقة الثالثة فهي طبقة المفكرين والمثقفين الذين تثقفوا بثقافة أجنبية واسعة، وتأثروا كل التأثر بآداب الأمم الأخرى، وترجموا آراءهم في البيان ومناهجه إلى اللغة العربية، أو ألفوا كتبًا تبحث في هذه الاتجاهات، وهؤلاء قد عاشوا في البيئة الإسلامية، وأثروا في النقد والأدب والبيان ودراساته وتطوره تأثيرًا واضحًا كبيرًا، ويمكننا أن نذكر شيئًا عن مجهود هذه الطبقة في خدمة البيان:

_ 1 147/ 1 زهر، 51/ 1 البيان. 2 48 الرسالة العذراء. 3 151/ 1 زهر. 4 268/ 3 البيان. 5 45 صناعتين. 6 36/ 1 المستطرف. 7 218/ 1 العمدة. 8 17/ 1 العمدة.

أهم عمل علمي قامت به هذه الطبقة: هو ترجمة كتابي الخطابة والشعر لأرسطو إلى العربية. فأما الخطابة فهو أصل كبير من أصول البلاغة ودراساتها، وقد "أصيب بنقل قديم، ونقله إسحاق بن حنين م 298هـ، وكذلك نقله إبراهيم بن عبد الله، وفسَّره الفارابي م339هـ"1. وأما كتاب الشعر فقد اختصره الكندي م253هـ، ونقله يحيى بن عدي ومتى في القرن الرابع من السريانية إلى العربية2 ... وقد ألفوا في صناعة الشعر، وللكندي رسالة في صناعة الشعر3، ولأبي زيد البلخي كتاب بعنوان "صناعة الشعر" أيضًا4، وكذلك لأبي هفان5، وهناك آراء كثيرة مأثورة عن هذه الطبقة في البلاغة وعناصرها، وهي متفرقة في شتى كتب الأدب ومصادره، وتجد في البيان والعمدة وسواهما أن صاحب اليونانيين عرَّف البلاغة بأنها: تصحيح الأقسام واختيار الكلام، وعرفها الرومي بأنها: وضوح الدلالة وانتهاز الفرصة وحسن الإشارة، وعرفها الفارسي بأنها: معرفة الوصل من الفصل، وعرفها الهندي بأنها: البصر بالحجة والمعرفة بمواضع الفرصة ... إلخ، وعرفها أرسطو بأنها: حُسْنُ الاستعارة، ويعرفها جالينوس بأنها:

_ 1 349 فهرست. 2 349، 350 فهرست، ونجد تحليلًا كاملًا للكتاب في "64-136 قواعد النقد الأدبي"، وهو لم يصل إلينا كاملًا، وليس من شك في أن للكتاب جزءًا ثانيًا قد فُقد "68 المرجع"، ونكاد نجزم أن أرسطو أراد بكتابه هذا أن يكون ردًّا على أفلاطون في رأيه الذي ذهب إليه؛ وهو أن الشعر عمل غير جدير بمقام الذكاء البشري، وأنه من أشد بواعث الفساد "71 المرجع". ويقول: أرسطو في أوله: "سأتكلم هنا عن فن الشعر وأنواعه المختلفة ووظائف كل نوع، وفي البناء الصحيح للمنظومة وعدد أجزائها وخصائص كل منها" "79 المرجع". وترجمه ابن سينا وابن رشد "24 وما بعدها مقدمة نقد النثر". 3 359 فهرست. 4 198 فهرست. 5 207 فهرست.

إيضاح المفصل وفك المشكل، واقرأ البلاغة كما يراها حكيم الهند1، يقول حكيم: البلاغة معرفة السليم من المعتل وفرق ما بين المضمن والمطلق وفصل ما بين المشترك والمفرد2، ويعرفها سقراط بأنها: استكشاف الحقائق3، ويقسمها الكندي ثلاثة أنواع: فنوع لا تعرفه العامة ولا تتكلَّم به، ونوع بالعكس، ونوع تعرفه ولا تتكلم به وهو أحمدها4، ويقول: يجب للبليغ أن يكون قليل اللفظ كثير المعاني5، وذكر بزرجمهر فضائل الكلام ورذائله، فقال: فضائله أن يكون صدقًا وأن يقع موقع الانتفاع وأن يُتكلم به في حينه وأن يحسن تأليفه وأن يستعمل منه مقدار الحاجة، ورذائله بالضد ... إلخ6، وقال أبرويز لكاتبه: الكلام أربعة: سؤالك الشيء وسؤالك عن الشيء وأمرك بالشيء وخبرك عنه، فإذا طلبت فأسجح وإذا سألت فأوضح وإذا أمرت فاحكم وإذا أخبرت فحقَّق. وقال أيضًا: واجمع الكثير مما تريد في القليل7، ولعل ثعلبًا حين ذكر في صدر كتابه "قواعد الشعر" أقسام الشعر وأنها أمر ونهي وخبر واستخبار8، قد تأثر بذلك الرأي. وبعد، فقد تعاونت هذه الطبقات في خدمة البيان، ولها جميعًا أثرها في نشأته وتطوره.

_ 1 87، 79/ 1 البيان، 20-38 صناعتين، 144/ 1 زهر. 2 88/ 2 البيان والتبيين. 3 أصول النقد الأدبي للشايب. 4 219/ 1 العمدة. 5 35/ 1 المستطرف. 6 183 الموازنة. 7 10 أدب الكاتب. 8 ص11 قواعد الشعر.

الفصل الثاني: ابن المعتز وجهوده في دراسات البيان

الفصل الثاني: ابن المعتز وجهوده في دراسات البيان مدخل ... الفصل الثاني: ابن المعتز وجهوده في دراسات البيان "1" لابن المعتز منزلة كبيرة في البيان العربي؛ فقد ألَّف فيه كتابه "البديع"، الذي عدَّد فيه شتى أساليب البديع ومحاسن الشعر كما عرفها ابن المعتز وعصره، وهذا الكتاب ليس قاصرًا على البديع بالمعنى الضيق المحدود؛ لأن ابن المعتز يذكر فيه الكناية والاستعارة والتشبيه، وهي من صميم البيان العربي، يذكر فيه الكناية ولكنه يريد بها معناها اللغوي وهو أعم من المعنى الاصطلاحي المعروف، فإذا قلنا: إن ابن المعتز ألَّف في البيان؛ فقد سرنا مع الحق والتفكير السليم، وإذا قلنا: إنه ألف في البديع؛ فقد ضيقنا دائرة البحث بغير مبرِّر، وإن كان البديع في الاصطلاح المتأخر جزءًا من البيان، وإن كان البديع بالمعنى القديم المعروف عند بعض علماء البلاغة يرادف كلمة البيان أو البلاغة. فابن المعتز -إذن- ذو أثر كبير في البديع، وعلى وجه الدقة له أثره في البيان العربي ودراساته، وذلك مما سنتناوله الآن بالبحث والتحليل. "2" كان ابن المعتز من أئمة البيان في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، وله في ذلك آراء عظيمة الأهمية ناضجة التفكير1، وقد اهتم بنوع خاص من ألوان البيان؛ هو أساليب البديع وألوان الترف في الأداء.

_ 1 راجع وصفه لبلاغة القرآن "63 رسائل ابن المعتز"، وتعريفه للبلاغة بأنها: بلوغ المعنى ولم يطل سفر الكلام "64 رسائل ابن المعتز، 157/ 1 زهر، 462 / 1 وفيات، 217/ 1 العمدة، 223/ 2 شذرات، 296 الأوراق، 128/ 1 حاشية السبكي على التلخيص"، وله كلمة في الحكمة والبلاغة "63 رسائل ابن المعتز 123/ 1 زهر".

كان ابن المعتز يحتذي حذو أبي تمام في صنعة البديع، ويوشي شعره بشتى ألوانه يقصدها قصدًا ويتعمدها تعمدًا، ويصوغ شعره فنًّا تغلب روح الصناعة فيه ملكات الطبع والفطرة، وكان مع ذلك "يتحقق بعلم البديع تحققًا ينصر دعواه فيه لسان مذكراته"1، وألف فيه عام 274هـ كتابه "البديع"2 وسنه إذ ذاك سبعة وعشرون عامًا، مما يدلنا على أن ابن المعتز لم يتمش في العقد الثالث من عمره حتى كان قد قتل الشعر العربي حفظًا ورواية ودرسًا وفَهْمًا. وكان لكتابه البديع دوي في المجامع الأدبية، ثم شاع وذاع وتلقفته الأيدي وعكف العلماء والأدباء عليه، وصار مصدرًا ممتازًا من مصادر الدراسات البيانية بعد عصر ابن المعتز، ثم فقدت نسخ الكتاب الخطية وقلَّ تداوله ولم يبقَ له أثر إلا ما نقرأ عنه في شتى كتب البيان والبديع؛ ولكن العناية شاءت أن يحفظ من الكتاب نسخة خطية واحدة هي الوحيدة في العالم وهي في الاسكوريال برقم 38 أدب، وقد نشرها المستشرق الروسي المعاصر أغناطيوس كراتشقوفسكي عضو أكاديمية العلوم بليننغراد وعضو المجمع العلمي العربي بدمشق وذلك عام 1935، وقد تسنَّى بعمل هذا المستشرق الاطلاع على هذا الكتاب الفذ النادر والإفادة بما فيه من بحوث تعتبر المصدر الأول للمؤلفين في البلاغة وفن البديع. وقد قمت بشرح هذا الكتاب والتعليق عليه وتصحيحه ونشرته عام 1945، فكان ذلك إحياء لكتاب ابن المعتز، ومساهمة كبيرة في خدمة الثقافة البلاغية، وسعيًا لتداول أهم وأول مصدر أُلِّفَ في البديع. والكتاب أول مؤلَّف في البديع وصنعة الشعر كما أجمع على ذلك جميع الباحثين3، وهو أهم كتب ابن المعتز بالنظر إلى اختصاصه في هذا الفن4،

_ 1 10 رسائل ابن المعتز، 123/ 4 زهر. 2 راجع 106 البديع. 3 235/ 1 العمدة، 146/ 1 معاهد التنصيص، 276 الزيات، 45/ 2 أدب اللغة لمحمد بك دياب ط 1900، 148/ 1 كشف الظنون، 693/ 1 البستاني، 191 الإسكندري، 105 أدب اللغة للظواهري. 4 163/ 2 زيدان.

ويعد فتحًا جديدًا1، ويقول ابن المعتز نفسه: وما جمع فنون البديع ولا سبقني إليه أحد2. "3" ولقب البديع ليس لقبًا مستحدثًا في عهد ابن المعتز؛ ولكنه اسم لهذه الألوان الساحرة في الأسلوب، ولهذا الترف البياني في الأداة، من تشبيه واستعارة وتجنيس وتطبيق وسوى ذلك، سماه به مسلم بن الوليد الشاعر م208هـ، وكان يُعرف قبل ذلك باللطيف3، ودرج على هذا اللقب من بعده من العلماء والأدباء، وفي الأغاني أن الأصمعي م216هـ كان يفضل بشارًا؛ لأنه أكثر تصرفًا وفنون شعر وأغزر وأوسع بديعًا4، وذكر الجاحظ البديع وبعض المشهورين به من الشعراء وأنه مقصور على العرب ومن أجله فاقت لغتهم على كل لغة5، وذكر كثيرًا من الشعراء الذين أكثروا منه في شعورهم، ورأى أنه لم يكن في المولَّدين أصوب بديعًا من بشار وابن هرمة6، ويقول ابن المعتز: البديع اسم موضوع لفنون من الشعراء يذكرها الشعراء ونقاد المتأدبين منهم، فأما العلماء بالشعر القديم

_ 1 280 المجلد الأول من دائرة المعارف الإسلامية، وراجع في الإشادة به: 92-101 الصبغ البديعي في اللغة العربية للأستاذ أحمد موسى، 103-107 تاريخ البلاغة العربية للأستاذ الشعراوي، وهما مخطوطان بمكتبة كلية اللغة. 2 106 البديع. 3 10/ 2 معاهد التنصيص. 4 25/ 3 الأغاني. 5 242/ 3 البيان. 6 45، 55/ 1 البيان.

فلا يعرفون هذا الاسم ولا يدرون ما هو1. والبديع ونشأته في اللغة العربية موضوع عناية الباحيثن المحدثين، فرأى المسيو مرسيه أن الزخرف الفني وألوان البديع قد وصلت إلى العرب من اليونان2، ورأى باحث أنه عنصر أصيل في اللغة العربية وإن شاركتها في ذلك بعض اللغات3، وشاهد ذلك القرآن الكريم؛ فهو أثر عربي صرف وهو مع ذلك يشتمل على ألوان من البديع، والخواص الفنية الموجودة في القرآن توجد كذلك في الشعر الجاهلي كما أثبته صاحب جمهرة أشعار العرب في مقدمتها، وهي موجودة كذلك في الآثار الأدبية التي عاصرت القرآن كالحديث وخطب الخلفاء والولاة الذين شهدوا عصر النبوة4. والحق أن البديع أصباغ عربية خالصة كثرت ألوانه وتطورت زمنًا بعد زمن، وزادت قوة هذا التطور بتأثير الفرس واليونان، فالاستعارة والتشبيه وكثير من هذه الأساليب تشترك فيها سائر اللغات5، ولقد عُرف البديع فنًّا منذ نشأ الأدب العربي، أما معرفته علميًّا فابتدأ في عصر بشار وأبي نواس ومسلم، ثم عُرف بصورة أوضح في عهد أبي تمام والبحتري وابن المعتز، وبما كتبه عنه الجاحظ مُؤلِّف البيان. "4" وموضوع كتاب البديع ذكر لألوان البديع وشواهدها في الأدب العربي شعرًا ونثرًا، يذكر مؤلفه ما أثر للون البديعي من شاهد في كتاب الله ثم في حديث رسوله ثم في كلام الصحابة والأعراب وبلغاء الكتاب ثم في الشعر العربي الجاهلي فالإسلامي فشعر المحدثين، ويختم كل لون بذكر ما عيب من شواهده المتكلَّفة

_ 1 106 البديع. 2 44/ 1 النثر الفني. 3 45/ 1 وما بعدها النثر الفني. 4 47/ 1 النثر الفني. 5 راجع: نقد النثر، مراجعات للعقاد.

السقيمة، والكتاب حافل بشتى النصوص التي جمعها ابن المعتز وساقها في عرض جميل ونظام محكم. وكان الباعث لابن المعتز على تأليف هذا الكتاب أن يعلم كما يقول: "بشاراً ومسلماً وأبا نواس ومن تقيّلهم وسلك سبيلهم لم يسبقوا إلى هذا الفن -البديع- ولكنه كثر في أشعارهم فعرف في زمانهم حتى سمى بهذا الاسم فأعرب عنه ودلّ عليه، ثم إن حبيب بن أوس الطائي شغف به حتى غلب عليه وأكثر منه فأحسن في بعض وأساء في البعض الآخر، وإنما كان يقول الشاعر من ذلك الفنّ البيت والبيتين في القصيدة وربما قُرئت من شعر أحدهم قصائد من غير أن يوجد فيها بيت بديع"1، فالغرض الأول منه "تعريف الناس أنّ المحدثين لم يسبقوا المتقدمين إلى شيء من أبواب البديع"2. لقد نشأ ابن المعتز في عصر لم يخلُ من آثار التعصب للتراث الأدبي القديم، ومن المنكرين لمذاهب المحدثين في البيان والناعين عليهم ما افتنوا فيه من ألوان البديع التي أكثر منها بشار ومدرسته ثم مسلم وأبو تمام ومن جاء بعدهما، فكان لا بُدَّ لابن المعتز أن يدافع ويناضل هؤلاء المتعصبين. نعم، لقد وقف ابن المعتز بين مذهبين في البيان متناقضين: مذهب المحدثين الذي يؤثره ويسير عليه في الشعر وفهمه ونظمه، ومذهب القدماء المتعصبين للقديم الذين كانوا يزدرون نهج المحدثين وقصدهم وتكلفهم للبديع؛ ولكنه انتصر بفطرته وذوقه للمذهب الأول الذي أحبه وشغف به، فأخذ يدافع عنه، وألف في ذلك كتابه البديع الذي أثبت فيه أن ألوان البديع كانت معروفة عند الشعراء القدامى والإسلاميين وألموا بها في شعرهم كما ألم بها المحدثون، فهي ليست غريبة على الشعر الجاهلي والإسلامي، وليست جديدة على أساليب البيان في شعر المحدثين، وليست بدعًا جديدًا في

_ 1 15، 16 البديع، 7، 8 الموازنة. 2 18 البديع.

الأدب والشعر، كما ذهب إليه من تعصبوا للأدب القديم واعتزوا بفحولة الشعر الجاهلي وجزالته، وأنكروا مذاهب المحدثين في صناعة الشعر وسهولته وتكلف البديع فيه، وكان دفاع ابن المعتز رائعًا قويًّا موفقًا استحق عليه كل تقدير من المنصفين والمثقفين من النقاد. ولون الثقافة الشائعة في الكتاب هي الثقافة العربية العميقة الخالصة من شوائب الثقافات الأخرى، فقد ألفه ابن المعتز وهو في سن الشباب قبل أن يتعمق في دراسة آثار الثقافات الأخرى، وإذا ما وازنا بين البديع لابن المعتز وفصول التماثيل أحد مؤلفاته في أواخر حياته وجدنا الأول عربيًّا خالصًا في ثقافته من حيث كان الثاني مظهرًا لثقافة منوعة مختلفة الأصباغ والألوان.

ألوان البديع عند ابن المعتز

ألوان البديع عند ابن المعتز: "5" وألوان البديع عند ابن المعتز خمسة: الاستعارة - التجنيس - المطابقة - رد للعجز على الصدر - المذهب الكلامي. ويجعل ما عدا ذلك من محاسن الكلام والشعر ويقول أنها كثيرة، ولا يرى حرجًا في إضافة هذه المحاسن أو غيرها إلى البديع1، وذكر من هذه المحاسن: الالتفات، الاعتراض، الرجوع، حسن الخروج، تأكيد المدح بما يشبه الذم، تجاهل العارف، الهزل الذي يراد به الجد، حسن التضمين، التعريض والكناية، الإفراط في الصفة، حسن التشبيه، لزوم ما لا يلزم، حسن الابتداء. ونحن الآن نتكلم على كل لون من هذه الألوان وتطور البحث البياني فيه بدقة وتفصيل.

_ 1 106 البديع.

1- الاستعارة: عرَّفها الجاحظ بأنها: تسمية الشيء باسم غيره إذا قام مقام مقامه1، ورجع بعض المثل إليها2. وذكرها أرسطو في خطابته فرأى أن "الاستعارة تجعل الشيء غيره والتشبيه3 يحكم عليه بأنه كغيره"، وقسمها إلى استعارة من الضد واستعارة من التشبيه3، واستعارة من الاسم وحده، وتكلَّم على بلاغة الاستعارة والمقام الذي تستعمل فيه، ورأى يجب أن تكون غير كثيرة التداخل بألا تدخل الاستعارة في استعارة4، وأن تؤخذ من جنس مناسب لذلك الجنس محاك له غير بعيد منه ولا خارج عنه5، وأن تكون المعاني التي يستعار من أجلها لطيفة معروفة ... وهذه الدراسة لا نظير لها عند الجاحظ، وهي دراسة فيلسوف عميق البحث. وأشار المبرد إلى الاستعارة في كامله من غير أن يعرج عليها بالدراسة أو التحديد6، وأشار ابن المدبر إليها إشارة عابرة7، وذكر ثعلب الاستعارة وقال:

_ 1 116/ 1 البيان. 2 192/ 1 البيان. 3 وسار على ذلك عبد القاهر في الأسرار ص68، وفي نقد الشعر ص105 ذكر للاستعارة التي مخرجها مخرج التشبيه. 4 أخذ ذلك قدامة في نقد الشعر، فجعل فاحش الاستعارة أن يدخل بعض الكلام فيما ليس من جنسه وما هو غير لائق به "104 نقد الشعر" مما لم يعرف له مجاز "106 نقد الشعر" وأفاض في شرح ذلك ابن سنان في سر الفصاحة. 5 وذلك ما سار عليه علماء البيان 105، 106 نقد الشعر، 117 الموازنة، 37، 324 الوساطة، 212 أسرار. ويقول ابن رشيق: إنما يستحسنون من الاستعارة القريبة، وعلى ذلك مضى جلة العلماء 239، 240/ 1 العمدة. 6 37، 57، 167 جـ1 الكامل. 7 6، 8 الرسالة العذراء.

"وهي أن يستعار للشيء اسم غيره أو معنى سواه"1، ويذكر مثلًا كثيرة لها2. والاستعارة هي الباب الأول في كتاب البديع، وعرَّفها ابن المعتز بأنها: استعارة الكلمة لشيء لم يعرف بها من شيء قد عرف بها3، وذكر كثيرًا من شواهدها4 ومثلًا لقبيحها5، وبذلك تنتهي دراسته لهذا الباب الذي نهج فيه منهج أستاذه ثعلب في قواعد الشعر. وقد عقد لها أبو هلال بابًا تأثر فيه خطا ابن المعتز في دراسة الاستعارة6، وعلى ضوئه سار ابن رشيق7، وقد ألم بها قدامة في نقد الشعر8 وفي نقد النثر9 مع بعد عن اتجاه ابن المعتز في دراستها، وقد قسمها إلى حسن الاستعارة وفاحشها، وفاحش الاستعارة هي الاستعارة غير المفيدة عند عبد القاهر10.

_ 1 21 قواعد الشعر لثعلب. 2 21-23 قواعد الشعر. 3 17 البديع، و29 حسن التوسل. 4 19-52 البديع. 5 52-54 البديع، ويأخذ ابن المعتز على أبي تمام قبح الاستعارة في كثير من أبيات شعره؛ ولكنه لا يذكر كلمة "استعارة" خلالها في رسالته في أبي تمام. 6 258-297 صناعتين. 7 239/ 1 وما بعدها العمدة. 8 104-106 نقد الشعر. 9 64-66 نقد الشعر. 10 راجع 104 وما بعدها نقد الشعر، 22-28 أسرار.

2- التجنيس: يذكره أرسطو في خطابته ويحدده بأن يكون المكرر وإن كان لفظين في المسموع فهو مختلف في المفهوم، وذلك ما ذكره قدامة في تعريفه لهذا اللون الذي سماه المطابق والمجانس1، وسبقه إلى ذلك أستاذه ثعلب؛ حيث ذكر المطابق وعرفه بأنه تكرير اللفظ بمعنيين مختلفين2، كما بين أرسطو بلاغته وآثاره في الكلام مما احتذاه فيه عبد القاهر في الأسرار3. والجاحظ لا يعرف ذلك اللون ولا يذكر شيئًا عنه ويمر بمثال بليغ للتجنيس4، فلا يذكر عن هذا الاصطلاح شيئًا. وكان العجاج يُسمِّي هذا الباب عطف الرجز5، وألف الأصمعي كتاب الأجناس6، وكان الأصمعي يدفع قول العامة: هذا مجانس لهذا، إذا كان من شكله، ويقول: ليس بعربي خالص. وابن المعتز هو أهم من درس التجنيس وجمعه، قال: التجنيس أن تجيء الكلمة تُجانس أُخرى في بيت شعر أو كلام، والمجانسة أن تشبه اللفظة اللفظة في تأليف حروفها على الوجه الذي ألف الأصمعي كتاب الأجناس عليه، ولم تكن القدماء تعرف هذا اللقب، وقد صنف الناس فيه كتبًا كثيرة وجعلوه أبوابًا متعددة؛ كابن المعتز والحاتمي والقاضي الجرجاني وقدامة وغيرهم7.

_ 1 96 نقد الشعر، وهو أن تكون في الشعر معانٍ متغايرة قد اشتركت في لفظة واحدة وألفاظ متجانسة مشتقة. 2 24 قواعد الشعر. 3 5، 12، 14 الأسرار. 4 218/ 1 البيان. 5 299/ 1 العمدة. 6 55 البديع. 7 98 المثل السائر.

ولابن الحرون كتاب المطابق والمجانس1. وحقيقة التجنيس أن يكون اللفظ واحدًا والمعنى مختلفًا كما يقول ابن الأثير2، ويجعل ابن الأثير أيضًا رد العجز على الصدر ضربًا من التجنيس3. وابن المعتز هو الواضع لهذا اللقب، وهو أول من أفرد هذا الباب بالبحث والتأليف4؛ فقد عرفه5 وذكر أقسامه6 وأفاض في ذكر شواهده7 وذكر مثلًا لمعيبه8. وبذلك ينتهي الباب وقد تأثر أبو هلال خطا ابن المعتز في هذا الباب9.

_ 1 212 الفهرست. 2 100 المثل السائر. 3 299/ 1 العمدة، و55 البديع. 4 299/ 1 العمدة. 5 55 البديع. 6 55 وما بعدها البديع. 7 56-71 البديع. 8 71-73 البديع. 9 310-328 الصناعتين.

3- المطابقة: ذكر الأصمعي المطابقة في الشعر فقال: أصلها وضع الرجل موضع اليد في مشي ذوات الأربع، ثم قال: وأحسن بيت قيل لزهير في ذلك: ليث بعثر يصطاد الرجال إذا ... ما الليث كذب عن أقرانه1 صدقا وقال الأصمعي والخليل: يقال: طابقت بين الشيئين إذا جمعتهما على حرف واحد وألصقتهما2، فذلك هو مساواة المقدار من غير زيادة ولا نقصان، كما قال الرماني: المطابقة مساواة المقدار من غير زيادة ولا نقصان. قال ابن رشيق: هذا أحسن قول سمعته في المطابقة، وهو مشتمل على قول القوم وغيرهم جميعًا3. وفي البيان للجاحظ وردت كلمة التطبيق بمعنى إصابة الكلام الغرض المسوق له4، ويذكر تطبيق الحديث وأنه غير التطبيق الأول5، وفي كامل المبرد كلمة المطابقة بمعنى الجمع بين الشيء وما يقابله في الكلام6، وكذلك أراد ابن المعتز هذا المعنى من هذا الاصطلاح، ويسميه ثعلب مجاروة الأضداد7، ويسميه قدامة التكافؤ8. فالمطابقة -إذن- لها معنيان: مساواة المقدارة، والجمع بين الشيء وضده. وأول مَن

_ 1 6/ 2 العمدة. 2 6/ 2 العمدة، 74 البديع. 3 6/ 2 العمدة. 4 87، 79/ 1، 133/ 2 البيان. 5 182/ 1 البيان. 6 241/ 1 الكامل. 7 قواعد الشعر لثعلب 24. 8 85 نقد الشعر.

سماها هذا الاسم هو الأصمعي مريدًا منه المعنى الثاني، وورد في اشتقاقه كلام عن الخليل والأصمعي رآه ابن رشيق ظاهرًا في المعنى الأول. ويقول الباقلاني: وأكثر العلماء على أن المطابقة أن يذكر الشيء وضده كالليل والنهار، وإليه ذهب الخليل والأصمعي، ومن المتأخرين ابن المعتز. وقال آخرون: المطابقة أن يشترك معنيان بلفظة واحدة، وإليه ذهب قدامة1، ويذكر الآمدي أن قدامة لقب هذا الباب المتكافئ، وأنه سمى ضربًا من المجانس "المطابق" وينقده في مخالفته للعلماء ولابن المعتز في هذه الاصطلاحات2، وردَّ الأخفش على قدامة3، ونقل ابن سينا كلمة الآمدي في نقده وأشاد بها4. وقد ذكر ابن المعتز هذا الباب في كتابه البديع وفيه كثير من الشواهد5، وذكر مثلًا لما عيب منه6. ومن الغريب أن يكون أرسطو قد تكلم على المطابقة والمقابلة؛ حيث ذكر التقابل وأن المتقابلات إذا توافقت أحدثت رونقًا لظهور بعضها ببعض، وأن المعتدل "الذي لا يفرط في الصفة حتى يدخل في حيز الكذب الظاهر" وخصوصًا إذا شحن بالمطابقات المأخوذة من المتقابلات لذيذ جدًّا، وأن المتقابلات بعضها أضداد وبعضها كأضداد.

_ 1 79 إعجاز القرآن. 2 124 الموازنة. 3 291/ 1 العمدة. 4 51/ 1 سر الفصاحة. 5 74-90 البديع. 6 90-92 البديع.

وابن المعتز فوق معرفته بالمطابقة فهو يعرف المقابلة ويذكرها باسمها1، ولم يذكرها في كتابه البديع. وقد ذكر قدامة المقابلة وعرَّفها في نقد الشعر2 تعريفًا تأثر فيه بأرسطو، وأخذ السكاكي تعريف قدامة رأيًا له في تعريفه للمقابلة. وفي الصناعتين باب للمطابقة تأثير فيه أبو هلال بابن المعتز إلى حد كبير3، وكذلك فعل ابن رشيق4.

_ 1 رسائل ابن المعتز. 2 79 نقد الشعر. 3 297-310 صناعتين. 4 5/ 2 العمدة.

4- رد العجز على الصدر: وهو اصطلاح جديد لابن المعتز لم يسبق إليه، وقد ذكر ابن المعتز أقسامه1 وشواهد كثيرة له2، ثم ذكر مثلًا قليلة لما عيب منه3، وقد سار على نهجه أبو هلال4. وابن رشيق يسميه التصدير5، ونقل فيه كثيرًا من مثل ابن المعتز وشواهده، ويذكر ابن رشيق من مثله نقلًا عن ابن المعتز: ولم يحفظ مضاع المجد شيء ... من الأشياء كالمال المضاع6 وهذا البيت غير موجود في نسخة البديع الموجودة بين أيدينا مما يدل على نقصها. وابن الأثير يجعل رد العجز على الصدر ضربًا من التجنيس7.

_ 1 93 البديع. 2 94-100 البديع. 3 100 البديع. 4 377-380 الصناعتين. 5 3/ 2 العمدة. 6 5/ 2 العمدة. 7 100 المثل السائر.

5- المذهب الكلامي: وهو إيراد حجة على المطلوب على طريقة أهل المنطق، وهي أن تكون المقدمات مستلزمة للمطلوب. والجاحظ هو الذي سماه هذا الاسم1، وابن المعتز يذكر أنه ليس في القرآن منه شيء، وأنه ينسب للتكلف2، وقد نقده أبو هلال؛ لأنه عد هذا الباب من البديع مع أنه نسبه إلى التكلف3، وابن المعتز يذكر شواهد له4 ومثلًا للمعيب منه5، واحتذاه أبو هلال6 وابن رشيق7.

_ 1 101 البديع، 75/ 2 العمدة. 2 101 البديع. 3 398 الصناعتين. 4 101-104 البديع. 5 105، 106 البديع. 6 393-339 الصناعتين. 7 75/ 2 وما بعدها العمدة.

6- الالتفات: أشار إليه صاحب الجمهرة فذكر أن العرب تخاطب الشاهد مخاطبة الغائب1، وكذلك فعل المبرد2 فذكر أن العرب تترك مخاطبة الغائب إلى مخاطبة الشاهد وبالعكس3. وحُكي عن إسحاق الموصلي قال: قال لي الأصمعي: أتعرف التفاتات جرير؟ قلت: وما هي؟ فأنشدني: أتنسى إذا تودعنا سليمي ... بعود بشامة سقى البشام؟ ثم قال: ألا تراه مقبلًا على شعره إذا به التفت إلى البشام فدعا له4. والالتفات هو الاعتراض عند قوم -منهم صاحب العمدة5- ولذلك ذكر ابن رشيق في عمدته بعض مثل للالتفات ذكرها ابن المعتز في باب الاعتراض6، كما نقل ابن رشيق مثلًا للالتفات ذكرها ابن المعتز في باب الالتفات7، وقال آخرون: هو الاستدراك، وحكاه قدامة وسبيله أن يكون الشاعر آخذًا في معنى ثم يعرض له معنى غيره فيعدل عن الأول إلى الثاني فيأتي به، ثم يعود إلى الأول من غير أن يخل في شيء مما يشد الأول8.

_ 1 3 جمهرة أشعار العرب. 2 271/ 1، 30/ 2 الكامل. 3 30/ 2 الكامل. 4 44/ 2 العمدة. 5 42/ 2 العمدة. 6 راجع 42-44/ 2 العمدة، 108 البديع. 7 44/ 2 العمدة، 107 البديع. 8 42/ 2 العمدة، 87 البديع.

وعرفه ابن المعتز بأنه انصراف المتكلم عن المخاطبة إلى معنى آخر1، ويستحسن ابن رشيق هذا التعريف2، وتبع أبو هلال قدامة3، وكذلك الباقلاني4 قال: ومتى خرج عن الكلام الأول ثم عاد إليه على وجه يلطف كان ذلك التفاتًا، فللالتفات معنيان: ما ذهب إليه صاحب الجمهرة والمبرد، وما ذهب إليه قدامة وأبو هلال والباقلاني، وقد عرفه ابن المعتز بتعريف يجمع المعنيين ... وصاحب نقد النثر يسمي الالتفات الصرف5. يعرف ابن المعتز هذا اللون6 ويذكر شواهد له7، وقد تبعه ابن رشيق فأفاض في الحديث عنه8.

_ 1 106 البديع، 80 حسن التوسل. 2 44/ 2 العمدة. 3 383-385 الصناعتين. 904 إعجاز القرآن. 5 71 نقد النثر. 6 106 البديع. 7 107 البديع. 8 42/ 2 وما بعدها العمدة.

7- الاعتراض: في خطابة أرسطو يجعل إدخال كلام في كلام -وهو الاعتراض الطويل بين الكلام المتصل بعضه ببعض- من الأشياء المفسدة لرونق النظم. ويعرف ابن المعتز الاعتراض بأنه اعترض كلام في كلام لم يتم معناه ثم يعود إليه فيتمه في بيت واحد1، وقد تبعه أبو هلال2. 8- الرجوع: عرفه ابن المعتز بأن تقول شيئًا وترجع عنه3، وذكر شواهد له4. وابن المعتز أول مَن ابتكر هذا القلب له، فكانت الرواة تعيب مثل هذا الاسلوب؛ لأن الشاعر يكذب نفسه. كان أستاذه الأسدي يشتد في نقد زهير في قوله: "بلى وغيرها الأرواح والديم"5، ويرد صاحب العقد على هذا النقد6، وابن المعتز يعده من ألوان البديع.

_ 1 108 البديع. 2 385 صناعتين. 3 108 البديع. 4 108، 109 البديع، وراجع 367 خزانة الأدب. 5 35، 36 الموشح. 6 316/ 3 العقد.

9- حسن الخروج: قال ابن رشيق: هو عندهم شبيه بالاستطراد وليس به؛ لأن الخروج هو أن تخرج من نسيب إلى مدح أو غيره بلفط تحيل ثم تستمر فيما خرجت إليه1، والاستطراد أن يبني الشاعر كلامًا كثيرًا على لفظة من غير ذلك النوع يقطع عليه الكلام وهو مراده دون جميع ما تقدم، ويعود إلى كلامه الأول وكأنه عثر بتلك اللفظة من غير قصد، فحسن الخروج على هذا الرأي هو حسن التخلص. ويقول ابن رشيق: ومن الناس من يسمي الخروج تخلصًا وتوسلًا2. وعلى هذا الرأي سار ثعلب في قواعد الشعر، وهو أول من لقبه هذا اللقب، قال: حسن الخروج من بكاء الطلل ووصف الإبل وتحمل الأظعان وفراق الجيران بغير "دع ذا" "عد عن ذا" و"اذكر ذا" بل من صدر إلى عجز لا يتعداه إلى سواه3. وقد سار ابن المعتز على نهج أستاذه ثعلب في اللقب، وعرفه بأنه حسن الخروج معنى إلى معنى4. ويرد على ذلك أن المثل التي ذكرها له منها مثل واضح فيه الاستطراد؛ كقول الشاعر: إذا ما اتقى الله وأطاعه ... فليس به بأس وإن كان من جرم ومثل أخرى واضح فيها حسن التخلص؛ كقول الشاعر: وأحببت من حبها الباخلين ... حتى ومقت ابن سلم سعيدا فالظاهر أن ابن المعتز يريد بحسن الخروج ما يشمل التخلص والاستطراد، والحاتمي يسمي الخروج استطرادًا اتساعًا -كما يقول ابن رشيق5- وعلى أي حال

_ 1 206/ 1 العمدة. 2 208/ 1 العمدة. 3 23 قواعد الشعر. 4 109 البديع. 5 38/ 2 العمدة.

فالاستطراد قريب من التخلص، وكان شبيب بن شيبة يقول: الناس موكلون بتفضيل جودة القطع وبمدح صاحبه1، وجودة القطع هي حسن التخلص؛ فإذن كان القداء يعرفون هذا المعنى ولا يسمونه تخلصًا. أما الاستطراد فقط أشار إليه الجاحظ في بيانه ولم يلقبه هذا اللقب2، وهو ضرب من البديع يظهر الشاعر أنه يذهب لمعنى فيعن له آخر فيأتي به كأنه على غير قصد وعليه يبنى وإليه كان مغزاه، وقد أكثر المحدثون منه، ومنه قول أبي تمام يصف فرسًا: أيقنت أن لم تثبت أن حافره ... من صخر تدمر أو من وجه عثمان واحتذى البحتري هذا الحذو في حمدويه الأحول، قال في فرس: ما إن يعاف قذى ولو أوردته ... يومًا خلائق حمدويه الأحول وهذا المعنى "الاستطراد" أعجب به المحدثون وقد وقع لمن قبلهم، قال الفرزدق: كأن فقاح الأسد حول ابن مسمع ... إذا جلسوا أفواه بكر بن وائل وأتى جرير بهذا النوع فقال: لما وضعت على الفرزدق ميسمي ... وعلى البعيث جدعت أنف الأخطل وأول من ابتكره السموءل -وكل أحد تابع له- فقال: وأنا أناس لا نرى القتل سبة ... إذا ما رأته عامر وسلول3 ولإسحاق الموصلي: فما ذر قرن الشمس حتى كأننا ... من العي نحكي أحمد بن هشام ومن الاستطراد قول ابن المعتز: علت بماء بارد فكأنما ... علت ببرد قصيدة ابن سعيد

_ 1 89/ 2 العمدة. 2 105/ 2 العمدة، 138/ 3 البيان. 3 راجع 149-151/ 2 زهر، 388-391/ 2 الذخيرة.

وأول من سماه استطرادًا أبو تمام. قال البحتري: أنشدني أبو تمام بيته: "أيقنت أن لم تثبت أن حافره ... إلخ" ثم قال لي: ما هذا الشعر؟ قلت: لا أدري، قال: هذا المستطرد والاستطراد، يرى أنه يريد وصف الفرس وهو يريد هجاء عثمان ... قال الصولي: فاقتدى البحتري في هذا بأبي تمام فقال: ما إن يعاف ... البيت1، وقال صاحب حسن التوسل: الاستطراد هذه التسمية نقلها البحتري عن ابن تمام وسماه ابن المعتز الخروج2. وقد تكلم على الاستطراد أبو هلال3 وابن فارس4.

_ 1 راجع 68 أخبار أبي تمام، 38/ 2 العمدة، 93 إعجاز القرآن، 4 مقدمة ديوان البحتري. 2 81 حسن التوسل. 3 389 صناعتين. 4 226 الصاحبي.

10- تأكيد المدح بما يشبه الذم: وهو من ابتكار ابن المعتز واصطلاحه، ويجعله أبو هلال ضربًا من أضرب نوع من البديع يسميه الاستثناء1، وكذلك فعل ابن رشيق2. 11- تجاهل العارف: وهو من ابتكار ابن المعتز واصطلاحه3، وتبعه أبو هلال4. 12- الهزل يراد به الجد 5: وهو من ابتكار ابن المعتز واصطلاحه، وفي الجاحظ مثل تصلح أن تكون من هذا النوع6. 13- حسن التضمين للشعر: وهو أن يضمن الشاعر شيئًا من شعر الغير مع التنبيه عليه إن لم يكن مشهورًا، وقد عرف هذا المعنى من قبل ابن المعتز؛ ولكنهم لم يلقبوه هذا اللقب، وقد نقد عبد الله بن طاهر أبا تمام في اقتباسه من القرآن في شعر له، ورأى أن القرآن أجل من أن يستعار شيء من ألفاظه للشعر7، ويذكر ابن المدبر حسن الأخذ من الشعر والأمثال8، ويقول المبرد في أبي العتاهية: لا يكاد يخلو شعره مما تقدم من الأخبار والآثار9، ويقول ابن سلام: إن الزِّبْرِقَان أخذ بيت النابغة: تعدو الذئاب على من لا كلاب له ... وتتقي حومة المستنفر العادي في شعره كالمثل حين جاء في موضعه لا مجتلبًا له، وقد تفعل العرب ذلك لا يريدون به السرقة10.

_ 1 396 صناعتين. 2 45/ 2 العمدة. 3 راجع 111، 112 البديع. 4 387-389 صناعتين. 5 112، 113 البديع. 6 245/ 2 العمدة. 7 211 أخبار أبي تمام. 8 7 الرسالة العذراء. 9 238/ 2 الكامل. 10 27 طبقات الشعراء لابن سلام.

ويذكر ابن المعتز شواهد لهذا الباب1، واحتذاه أبو هلال2 وابن رشيق3. 14- التعريض والكناية: التعريض أن يكنى عن الشيء ويعرض به ولا يصرح على حسب ما عملوا باللحن والتورية عن الشيء4. والكناية قسمان: لغوية، اصطلاحية. فاللغوية ذكرها المبرد في الكامل وذكر أقسامها5، ويشير إلى مثل للكناية الاصطلاحية6، وكلامه يفهم منه أنه يسميها إيماء ويسميها قدامة الأرداف7، وكذلك أبو هلال8، ويسميها ابن رشيق التتبع9، ويقول الجاحظ في البيان عن أبي عبيدة: العارضة كناية عن البذاء، وإذا قالوا: فلان مقتصد، فتلك كناية عن البخل ... إلخ10، وقال شريح: الحدة كناية عن الجهل، وذكر أمثلة أخرى11، وذكر الجاحظ أنه يستعمل الناس الكناية وربما وضعوا الكلمة بدل الكلمة يريدون أن يظهر المعنى بألين لفظ إما تمويهًا وإما تفصيلًا كما سموا المعدول مصروفًا والبخيل مقتصدًا12.

_ 1 114 البديع. 2 راجع 38 الصناعتين. 3 80/ 2 العمدة. 4 360 صناعتين. 5 5، 6/ 2 الكامل. 6 77، 166/ 1 و92، 281/ 2 الكامل. 7 92 نقد الشعر. 8 341 الصناعتين. 9 282/ 1 العمدة. 10 180/ 1 البيان. 11 29-31/ 2 البيان. 12 133/ 1 رسالة النساء للجاحظ بهامش الكامل للمبرد.

وفي خطابة أرسطو: ومن حسن أدب الخطيب إذا حاول العبارة عن معنى فاحش ألا يصرح؛ بل يستعير له ويقيم شيئًا بدله، وذلك أساس لبحث الكناية التي ذكرها الجاحظ في بيانه. وقد ذكر ثعلب لطافة المعنى وعرفها بأنها: هي الدلالة بالتعريض على التصريح1، وذكر مثلًا لها2، وفي العقد باب الكناية والتعريض3، وفي الصاحبي أيضًا4، ويذكر صاحب نقد النثر اللحن بمعنى التعريض والكناية5. 15- الإفراط في الصفة: ذكره أرسطو في خطابته؛ فذهب إلى أنه لا يحسن استعمال اللفظ المفرط في الصفة حتى لا يدخل في حيز الكذب، ولا يفرط أيضًا تقصيرًا لسلب الصفة رونقها، ويقول: ومن الإفراطات التي تقال للتعظيم مع العلم بكذب من يدعيها قول القائل: ولو أعطيت مثل هذه المرأة ذهبًا لما رضيت في نكاحها. فهذه ليست أمثالًا ولا تشبيهات؛ بل هي أكاذيب ظاهرة ... ويؤاخذ المبرد

_ 1 19 قواعد الشعر. 2 19 المرجع. 3 10-14/ 2 العقد. 4 وينقد ابن الأثير الجاحظ لعده بيتًا لنصيب من الكناية؛ وهو: فعالجوا فأثنوا بالذي أنت أهله ... ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب ويرى أن البيت من التشبيه المضمر الأداء الخارج عن الكناية 249 وما بعدها. 5 59 نقد النثر.

الشعراء على إفراطهم في شعر لهم1، ويذكر ثعلب الإفراط في الإغريق وشواهد له2، وذكره ابن قتيبة في الشعر والشعراء3. وقد ذكره ابن المعتز مع شواهد له4، وذكره الصاحبي5، واستحسن قدامة السرف والمبالغة في الشعر؛ لأن أرسطو ذكر أن الكذب فيه أكثر من الصدق6، ويذكر قدامة الغلو في المعنى والإفراط فيه ويستحسنه ويؤثره على الاقتصار على الحد الوسط7، ويذكر البيت "وأخفت أهل الشرك ... إلخ" ويستحسنه8، وذكره صاحب العقد واعتذر عن إفراطه فيه9، كما اعتذر عن النابغة في إفراطه في وصف السيف10، وفي نقد النثر باب للمبالغة11. ويقول صاحب الخزانة: وتسمية المبالغة منسوبة إلى قدامة ومنهم من سمى هذا النوع التبليغ وسماه ابن المعتز الإفراط في الصفة، وهذه التسمية طابقت المسمى؛ ولكن الناس رغبوا في تسمية قدامة لخفتها12.

_ 1 173/ 1 و44، 46، 76، 77/ 2 الكامل. 2 18، 19 قواعد الشعر. 3 99، 106، 186 الشعر والشعراء. 4 116-121 البديع. 5 224 الصاحبي. 6 90 نقد النثر وابن سنان أيضًا حمد المبالغة والغلو "256 سر الفصاحة"، وراجع تعريف أبي هلال للغلو "348 الصناعتين" وللمبالغة 356 الصناعتين، وقد ذكر قدامة المبالغة "84 نقد الشعر" وكذلك الباقلاني 84 إعجاز القرآن. 7 35-38 نقد الشعر، وراجع 41 نقد الشعر أيضًا. 8 36 نقد الشعر. 9 20، 21/ 1 و418/ 3 العقد. 10 91/ 1 العقد. 11 70، 71 نقد النثر. 12 225 خزانة الأدب للحموي.

16- حسن التشبيه: ذكره أرسطو ورأى أن الشعراء يقبحون في التشبيه إذا أبعدوا وفرق بينه وبين الاستعارة. وأشار إليه الجاحظ عابرة؛ حيث ذكر مثلًا له1، وعقد له المبرد في كامله بابًا مستقلًّا2، وكذلك فعل ثعلب3 وابن المعتز4. والإصابة في التشبيه معدودة من أسباب جودة الشعر5، وذكر ابن قتيبة التشبيه في مواضع كثيرة من كتابه6، ورأى أن المشبه به يجب أن يكون أقوى من المشبه في وجه الشبه7، ذكر قدامة أيضًا بابًا مستقلًّا للتشبيه8، وكذلك صاحب العمدة وأبو هلال وسواهم من العلماء. ولقد كان اهتمام ابن المعتز بالتشبيه وعده له من ألوان البديع متمشيًا مع فطرته وذوقه الأدبي الذي شغف بهذا الصبغ البياني شغفًا خاصًّا. 17- إعنات الشاعر نفسه في القوافي 9: وهو باب لزوم ما يلزم، وهو من إفراد ابن المعتز10، وإذا كان ابن المعتز يسميه إعناتًا فكيف يعده من البديع؟ 18- حسن الابتداء 11: سمى ابن المعتز براعة الاستهلال حسن الابتداء، وأورد في هذا الباب قول النابغة: "كليني لهم يا أميمة ناصب"، قال ابن أبي الأصبع: ولقد أحسن ابن المعتز الاختيار12، ويقول الحلبي: وحسن الابتداء تسمية ابن المعتز وأراد بها ابتداء القصائد، وقد فرع المتأخرون من هذه التسمية براعة الاستهلال13.

_ 1 229/ 2 و243/ 3 البيان. 2 35-101/ 2 الكامل. 3 14-18 قواعد الشعر. 4 121-131 البديع. 5 20 الشعر والشعراء. 6 20، 21، 106 الشعر والشعراء. 7 317 المرجع. 8 65-70 نقد الشعر. 9 132-133 البديع. 10 86 حسن التوسل. 11 133-135 البديع. 12 ص3 خزانة الأدب. 13 93 حسن التوسل.

وقد ذكر أرسطو أنه يحسن في صدر الخطب الإشارة إلى الغرض المقصود، وذكر أن للكلام الخطابي صدرًا واقتصاصًا وخاتمة، وأشار ابن المدبر إلى حسن الابتداء1، وذكر ابن المقفع أنه يجب أن يكون في صدر كلامك دليل على حاجتك2، وشرح ذلك الجاحظ شرحًا وافيًا مقررًا بلاغة هذا اللون أحسن تقرير3؛ ولكن ابن المعتز هو الذي سبق إلى هذه التسمية، وأفاض في ذكر شواهد هذا الباب مما احتذاه فيه أبو هلال وسواه، وبهذا تنتهي ألوان البديع ومحاسن الشعر التي ضمنها ابن المعتز كتابه "البديع".

_ 1 الرسالة العذراء. 2 91/ 1 البيان. 3 92/ 1 المرجع.

ابن المعتز وعلماء البلاغة

ابن المعتز وعلماء البلاغة: "6" فابن المعتز قد جمع من ألوان البديع ثمانية عشر لونًا، ولقد عاصره قدامة بن جعفر الكاتب الذي جمع منها عشرين نوعًا، اشترك مع ابن المعتز في سبعة منها؛ وهي: الغلو أو الإفراط، التشبيه، الاستعارة، الكناية -ويسميها قدامة الإرداف مريدًا بها المعنى الاصطلاحي للكناية، في حين أن ابن المعتز يريد بها المعنى اللغوي- التكافؤ -وهو عند ابن المعتز المطابقة- المطابق أو المجانس -وهو عنده باب التجنيس- الالتفات. وانفرد قدامة بثلاثة عشر نوعًا هي: التصريع، المقابلة، المساواة، الإيغال، الاستطراف، صحة التقسيم، صحة التفسير، المبالغة -وهي غير اللغو عن قدامة- الإشارة "الإيجاز"، التمثيل، التتميم، الترصيع -وهو أن تكون أجزاء البيت مسجوعة- التوشيح1. وهذه الأنواع الثلاثة عشر التي استقل بها قدامة إذا أضيفت إلى السبعة عشر نوعًا التي جمعها ابن المعتز يكون البديع قد وصل في عهد قدامة إلى ثلاثين نوعًا، ثم تتبع الناس هذه الألوان، فجمع أبو هلال منها في الصناعتين سبعة وثلاثين نوعًا، منها 29 نوعًا ذكرها أبو هلال في باب أنواع البديع، ومنها التشبيه الذي ذكره في باب مستقل2 غير الباب الذي عقده للبديع وإن كان لا يشير إلى أنه من البديع، فيكون الجميع ثلاثين نوعًا يضاف إليها سبعة من زياداته3؛ وهي: التشطير، المحاورة، الاستشهاد، المضاعفة "التورية"، التطريز، التلطف، المشتق. ثم جمع ابن رشيق من ألوان البديع مثلما جمع أبو هلال وأضاف إليها

_ 1 سماه علي بن هارون المنجم "تسهيمًا"، وسماه ابن وكيع "المطمع"، وسماه المتأخرون "إرصادا"؛ وهو أن يدل صدر البيت على قافيته. 2 258 صناعتين وما بعدها. 3 226-249 صناعتين.

في عمدته خمسة وستين بابًا في بحث الشعر، وتلاه شرف الدين الشاشي فبلغ بها أكثر من ذلك، ثم تكلم فيها ابن أبي الأصبع المصري "م654هـ" فأوصلها إلى التسعين في كتابه الجيد "تحرير التحبير في علم البديع"، ثم صنف ابن منقذ كتابه "التفريع في البديع" جمع فيه خمسة وتسعين نوعًا، ثم جاء صفي الدين الحلي "م750هـ" فجمع 140 نوعًا في بديعيته في مدح الرسول التي سماها "الكافية البديعية" وشرحها بنفسه ثم حذا الناس حذوه ونظموا كثيرًا من البديعيات. وأما السكاكي فذكر تسعة وعشرين نوعًا من البديع، وقد ذكر صاحب التلخيص من البديع المعنوي ثلاثين نوعًا ومن اللفظي سبعة، وقد أَلَمَّ بتطور البديع في اختصار كثير من الباحثين1. "7" وابن المعتز قد تأثر في كتابه "البديع" بأستاذه ثعلب وبكتابه "قواعد الشعر"، ويسير على نهجه في العرض، وذكر الأمثلة لبعض الألوان لبديعية ودراساتها؛ كالتشبيه والاستعارة والإفراط ولطافة المعنى "التعريض" وحسن الخروج. أما المطابقة عند ابن المعتز فهي مجاورة الأضداد عند أستاذه. وأما التجنيس عند ابن المعتز فمن ألوانه عند ثعلب "المطابق" واحتذى قدامة في ذلك اللون وفي تسميته حذو أستاذه ثعلب. كما جمع ابن المعتز من البيان والتبيين كثيرًا من شواهد البديع من النثر الأدبي، وكذلك أخذ من الحماسة قليلًا من شواهده الشعرية. "8" أما أثر ابن المعتز وكتابه البديع في بحوث البيان وفي الدراسات البيانية وفي علماء البلاغة وكتبها التي أُلفت بعده، فنحن نشير إليها الآن:

_ 1 راجع 92 عقود الجمان للسيوطي، 467/ 4 وما بعدها حاشية السبكي على التلخيص، 45/ 2 تاريخ آداب اللغة لمحمد دياب، وسوى ذلك من المراجع.

ابن المعتز وقدامة: أثر ابن المعتز وكتابه البديع في قدامة قليل، ويتجلَّى فيه: أ- أن كثيرًا من مثل الاستعارة عند قدامة1 تجدها عند ابن المعتز. ب- ويذكر قدامة أن المحدثين أكثروا من الطباق وإن كان الأعراب قد أتوا بكثير منه2، وذلك هو أساس الفكرة التي بسطها ابن المعتز3 في البديع. جـ- والالتفات كما عرفه قدامة أخص من تعريف ابن المعتز له، أو هو جزء منه كما يقولون. ولكن التفاوت بين الكتابين كثير: أ- فالطباق عند ابن المعتز يسميه قدامة التكافؤ ويذكر مثلًا له لا تجدها في البديع4. ب- ويجعل قدامة المطابق نوعًا من أنوع التجنيس5 كأستاذه ثعلب6. جـ- وروح الكتابين ومنهجهما مختلفان كل الاختلاف، ومع أن قدامة كان كابن المعتز تلميذًا لأستاذه ثعلب7؛ إلا أن الغالب عليه هو تأثره بأرسطو وخطابته، سواء في أفكاره العامة في نقد الشعر التي سبقه إليها الجاحظ وسواه ممن تأثروا بثقافة اليونان، وذلك كدعوته إلى حسن الدلالة ووضوح العبارة وفصاحة اللفظ وخلوه من اللحن واستكراه الإغراب، ومن ذلك آراؤه في: التشبيه

_ 1 104-106 نقد الشعر. 2 86 نقد الشعر. 3 16 البديع. 4 75 وما بعدها نقد الشعر. 5 96 نقد الشعر. 6 24 قواعد الشعر. 7 ويكثر قدامة من ذكره والإشارة إليه "45، 46، 84، 104، 113 نقد الشعر".

والاستعارة والكناية والتجنيس، ونظريته في الفضائل الذي تأثر فيها بأرسطو إلى حد بعيد. ويمكننا أن نقول: إن بحوث النظم وعناصر البلاغة في نقد الشعر وفي البيان والتبيين هي مدينة لأرسطو كثيرًا. أما بحوث صناعة الشعر فهي أو الكثير منها مما يستقل به ابن المعتز في بديعه، والسبيل الذي سلكه الجاحظ كان خطوة جريئة في سبيل تدوين عناصر البلاغة والنظم، كما كان عمل قدامة في النقد ذائع الأثر كبير القيمة، وكما كان عمل ابن المعتز خطوة جريئة لتدوين البديع، وإني أرجح أن جد قدامة هو قدامة حكيم المشرق الذي ذكره الجاحظ في رسائله عرضًا وروى شعرًا له1. أما والده فهو جعفر بن قدامة صديق ابن المعتز الحميم "م319هـ". وأما قدامة فقد تتلمذ مع ابن المعتز على ثعلب؛ ولكنه تعمَّق في الفلسفة وفي ثقافة اليونان، وجاء إنتاجه مصطبغًا بصبغة خاصة يدل عليها كتابه نقد الشعر الذي ألف الآمدي كتابًا في نقده وتبيين غلط قدامة فيه2، كما ألف عبد اللطيف البغدادي "م629" كتابًا في شرحه3. ابن المعتز والآمدي: والموازنة للآمدي تتخذ البديع مصدرًا كبيرًا من مصادرها العلمية، تأخذ منه وتعتمد عليه إلى حد كبير: 1- فنشأة البديع وأن المحدثين وأبا تمام ليسوا أول السابقين إلى اختراعه يفيض في شرحها الآمدي4، نقلًا عن ابن المعتز.

_ 1 66 رسائل الجاحظ. 2 125 الموازنة، 58/ 3 معجم الأدباء. 3 7/ 2 فوات، وللبغدادي كتاب قوانين البلاغة وله اختصار الصناعتين "7، 8/ 2 فوات"، وفي كشف الظنون يذكر كتابي تكملة الصلة في شرح نقد قدامة "246/ 1" وكشف الظلامة عن قدامة "40/ 2 كشف الظنون" وينسب الأول لعبد اللطيف بن يوسف، ولعله هو شرح البغدادي لنقد الشعر، والكتاب الثاني لعله رد على مَن نقد قدامة كالآمدي وسواه. 4 6-8 الموازنة.

2- وذكر الآمدي أبا تمام وإفساده لشعره بالبديع نقلًا عن كتاب ابن المعتز1. 3- ويشيد بفضل ابن المعتز وعلمه بالشعر وحسن اختياراته في كتاب البديع2. 4- ويذكر الآمدي مثلًا كثيرة للتجنيس بعضها مأخوذ من كتاب البديع، وصرح بذلك الآمدي أيضًا3، وينقد الآمدي قدامة في مخالفته لابن المعتز في تسميته الطباق تكافؤًا4، إلى غير ذلك من مظاهر التأثر والاحتذاء. ابن المعتز وصاحب العمدة: وابن رشيق في عمدته يرجع إلى البديع ويحتذيه: 1- فهو يشير إلى الكتاب وينوه به5. 2- وينقل عنه تعريف ابن المعتز للتجنيس ويقول: وهو أول مَن نحا هذا النحو وجمعه6. 3- وباب التصدير "رد العجز على الصدر" في العمدة7 تأثر فيه بابن المعتز إلى حد كبير، ونقل فيه من البديع وأشار إليه8.

_ 1 8، 9، 61 الموازنة. 2 راجع 14 موازنة في شرح بيت البحتري "تخفي الزجاجة لونها"، وهو في البديع "ص129". 3 121، 122 الموازنة. 4 راجع 124 الموازنة. 5 235 جـ1 وما بعدها العمدة. 6 199/ 1 العمدة. 7 3-5 العمدة. 8 504/ 2 العمدة.

4- والالتفات عند ابن رشيق هو الاعتراض؛ ولذلك ذكر من شواهده الشواهد التي ذكرها ابن المعتز للاعتراض1. ويقول ابن رشيق: وقد أحسن ابن المعتز في العبارة عن اللالتفات بقوله: هو انصراف المتكلم من الإخبار إلى المخاطبة ومن المخاطبة إلى الإخبار2. 5- والاستثناء عند ابن رشيق هو توكيد المدح بما يشبه الذم3. 6- والمذهب الكلامي في العمدة منقول من البديع4. 7- وبعض شواهد باب التضمين مأخوذة من البديع5. ابن المعتز والباقلاني: وأبو بكر الباقلاني "م403هـ" يعتمد في كتابه "إعجاز القرآن" على بديع ابن المعتز اعتمادًا كبيرًا: فهو ينقل منه مثلًا للبديع6، ويذكر معنى المطابقة عند ابن المعتز7، وينقل عنه تعريفه للتجنيس8 وسواه.

_ 1 42-44/ 2 العمدة، 108 البديع. 2 44/ 2 العمدة، 106 البديع. 3 45/ 2 العمدة، 111 البديع. 4 75، 76/ 2 العمدة، 101 البديع. 5 83/ 2 العمدة، 114 البديع. 6 69-72 إعجاز القرآن. 7 79 إعجاز القرآن. 8 81 المرجع، 55 البديع.

ابن المعتز وأبو هلال: وكتاب الصناعتين لأبي هلال في الباب التاسع الذي وقفه على دراسة أنواع البديع1، وفي دراسته لباب التشبيه أيضًا2، يكاد يكون صورة مطابقة لبديع ابن المعتز، فهو يعرض اللون البديعي كما عرضه ابن المعتز، وينقل كثيرًا من شواهد كتاب البديع، ولا يزيد عليها إلا القليل من شعر الشعراء المتأخرين عن عصر ابن المعتز. وعلى أي حال فقد اطلع أبوهلال على البديع وأخذ منه3. ابن المعتز وعلماء البلاغة: وكثير من علماء البلاغة المتأخرين قد اعتمدوا على كتاب ابن المعتز اعتمادًا وثيقًا: أ- فالحلبي "م729هـ" صاحب "حسن التوسل على صناعة الترسل" ينقل عنه تعريف ابن المعتز للاستعارة4 وللالتفات5، ويشير إلى الاستطراد وأن ابن المعتز يسميه الخروج6، وينقل عنه شواهد كثيرة7. ب- وكذلك ينقل عنه ابن مالك في المصباح كثيرًا8. جـ- وكذلك ينقل عنه الحموي "م837هـ" في خزانة الأدب كثيرًا9. د- وينوه به صاحب كشف الظنون وبأثره في مؤلفات البديع10. هـ- كما ذكره ونوَّه به وبقيمته العلمية كثير من الباحثين11، وللأمير أسامة بن منقذ كتاب سماه "البديع" أيضًا12، ولم نطلع عليه لنرى منه أثر ابن المعتز فيه، وكثير من شواهد البديع عند علماء البلاغة المتأخرين هي من شواهد ابن المعتز في كتاب البديع.

_ 1 257-399 الصناعتين. 2 226 وما بعدها المرجع. 3 راجع 398 صناعتين. 4 29 حسن التوسل. 5 80 المرجع. 6 81 المرجع. 7 راجع مثلًا 87 حسن التوسل، 114 البديع، 86 حسن التوسل، 133 البديع. 8 راجع مثلًا ص103، 124 المصباح. 9 راجع مثلًا ص3، 56، 41، 225، 367 الخزانة. 10 148/ 1 كشف الظنون. 11 163/ 2 زيدان، 276 الزيات وسواهما. 12 149/ 1 كشف الظنون، ومنه نسخة خطية بمكتبة بلدية الإسكندرية رقم 1344ب في 129 ورقة كتبت عام 711هـ.

خصائص كتاب البديع لابن المعتز

خصائص كتاب البديع لابن المعتز: "9" وللبديع أهمية كبيرة في فهم نشأة البديع وتطوره في البيان العربي على مر عصورنا الأدبية، وهو ينحو في دراسة ألوان البديع نحو الدراسة التطبيقية الواسعة التي لها أثرها في تكوين الملَكة والذوق ودعم الفكرة والرأي في نفس القارئ، ويشتمل الكتاب على 312 شاهدًا من عيون الشعر العربي تبلغ 425 بيتًا أو تزيد فوق ما اشتمل عليه من بليغ النصوص والشواهد من الذكر الحكيم وحديث رسول الله وكلام الصحابة والأعراب وبلغاء الكُتَّاب، والكِتَاب مع ذلك يخلو من الاصطلاحات العلمية الدقيقة وتحديدات المنطقيين العميقة، وهو يكتفي في توقيفك على مدلول اللون البديعي بشرح أدبي موجز حينًا، وبما تدل عليه الشواهد حينًا آخر، وبأسلوب يفيض بلاغة وسهولة مما يدل على ذوق سليم وفطرة عربية مطبوعة. وأهم سمة يمتاز بها الكتاب -بعد ذلك كله- هو النظام الدقيق في العرض مما يتجلى في جميع أبواب الكتاب مع الذوق وسعة الاطلاع وحسن الاختيار في جميع شواهد الكتاب، وهو فوق ذلك أول خطوة علمية موفقة في التأليف في البديع والبيان، وإذا غضضنا النظر عن الخطوة الأولى التي خطاها ثعلب في كتابه "قواعد الشعر" كان عمل ابن المعتز جديدًا مبتكرًا من كل نواحيه.

الفصل الثالث: كتاب "البديع" لابن المعتز

الفصل الثالث: كتاب "البديع" لابن المعتز تمهيد: "1" في مكتبة الاسكوريال بمدريد برقم 228 آداب توجد نسخة خطية من كتاب البديع للخليفة العباسي الشاعر أبي العباس عبد الله بن المعتز المقتول في عام 296هـ وهي النسخة الوحيدة الموجودة من الكتاب في جميع مكتبات العالم. وقد قام المستشرق الروسي اغناطيوس كراتشقوفسكي بنشر الكتاب باللغة العربية، معتمدًا على نسخة الاسكوريال الخطية، وطبعه عام 1935 بمطبعة استيفن أوستن بمدينة هرت فورد بإشراف لجنة تذكار جب الإنكليزية. وكان الأستاذ كراتشقوفسكي عضوًا بأكاديمية العلوم بليننغراد عاصمة روسيا الأولى، وقد أنعمت حكومة السوفيت عليه في يونيو عام 1944 بوسام لينين؛ لأنه أنقذ مكتبة ليننغراد، فبقيت في مأمن من الضرب والتلف، بفضل ما بذله من جهود في خلال حصار المدينة وضربها بمدافع الألمان وقنابل طائراتهم في الحرب العالمية الثانية1. وهو من المستشرقين الذين وقَّفوا وقتهم وجهودهم على دراسة العَلاقات بين الإسلام والبلدان الداخلة في الاتحاد السوفيتي على الخصوص، وله في ذلك مباحث قيمة، وهو الذي نشر كتاب البديع لعبد الله بن المعتز الخليفة العباسي البائس، كما أنه نقل إلى الروسية كتاب الأيام للدكتور طه حسين.

_ 1 راجع المصري عدد 17 يونيو 1944.

وقد أخرج هذا المستشرق الكتاب بالعربية في سبع وسبعين صفحة، وأضاف إليه عدة فهارس وتعليقات ومقابلات، ويستغرق ذلك نحو مائة صفحة أخرى، والمجهود الذي قام به الأستاذ الروسي مجهود منظم؛ ولكن الكتاب الذي نشره مملوء بالأخطاء والتحريفات، وقلما يهتدي الأستاذ إلى تصحيح أخطائه الكثيرة. وقد تسنَّى للباحثين بعمل هذا المستشرق الاطلاع على هذا الكتاب الفذ النادر، والإفادة بما فيه من بحوث تعتبر المصدر الأول للمؤلفين في البلاغة والبيان وفن البديع، الذي يعتبر ابن المعتز أوَّل مَن ألَّف فيه، كما يقول ابن رشيق1 في عمدته وسواه من العلماء2، وكما يقول ابن المعتز نفسه في هذا الكتاب؛ إذ يقول: "وما جمع فنون البديع ولا سبقني إليه أحد"3. وقد حفزني ما لهذا الكتاب من أثر علمي كبير، وما يحتاج إليه من جهود جديدة تخدمه وتنير السبيل لدراسته، إلى القيام بشرحه والتعليق عليه، موجهًا عنايتي إلى الإشارة إلى كثير من المصادر الأدبية الهامة في مراجعة نصوصه، وإلى المقابلة بين روايات الكتاب وروايات هذه المصادر، وإلى الترجمة للأعلام الواردة في الكتاب، وإلى شرح نصوصه الأدبية شرحًا أدبيًّا واسعًا، ثم إلى كتابة كلمة تحليلية للكتاب وأثره العلمي الخالد. وهذا المجهود الذي بذلته -على أنه شاق- يعتبر ضرورة لازمة لهذا الكتاب، وتتميمًا للخطوة الأولى التي بدأ بها ناشره، وخدمة أدبية كبيرة لكتاب يستحق هذه الخدمة وتلك الجهود، وهو تذليل واسع النطاق للصعوبات الكثيرة التي تحيط بدراسي الكتاب وقارئيه، فوق أنه عمل جديد في ميدان البحث العلمي والأدبي جميعًا.

_ 1 العمدة لابن رشيق 235/ 1 طبع القاهرة 1934. 2 45/ 2 أدب اللغة لمحمد دياب، 146/ 1 معاهد التنصيص، 276 أدب اللغة للزيات، 208 مجموعة النظم والنثر. 3 106 البديع.

"2" وقد ألف هذا الكتاب عام 274هـ، ألفه الأمير العباسي الشاعر الأديب العالم أبو العباس عبد الله ابن الخليفة المعتز بالله ابن الخليفة المتوكل ابن الخليفة المعتصم ابن هارون الرشيد أعظم خلفاء بني العباس، ونسخه منه صديقه الأديب الشاعر الناقد ابن يحيى بن أبي المنصور المنجم. وقد ألفه وسنه إذ ذاك سبعة وعشرون عامًا؛ أي: بعد أن استكمل الكثير من خصائص شخصيته الثقافية والأدبية؛ فكان إذ ذاك الشاعر الملهم، والأديب الفذ، والكاتب البليغ، والناقد الواقف على خصائص الأدب والبيان، والعالم المحيط بكثير من ألوان الثقافة العربية، وكانت ظروف الحياة السياسة إذ ذاك تبعد ابن المعتز عن السياسة وتصله بالعلم والأدب، فقَتْلُ أبيه المعتز عام 255هـ، وما استتبعه من أحداث، مما أبعد عرش الخلافة عن بيت ابن المعتز إلى بيوت أعمامه وأبناء أعمامه، وجعله محاطًا بالشك والريبة من نفوس هؤلاء وهؤلاء، وكاد أن يقضى على آماله الواسعة وهو في مستهل حياته وفي مقتبل شبابه، وفُرض عليه أن يظهر الوئام مع رجال الحياة السياسة إبان ذاك، وأن يبدي لهم طيب طويته وإخلاص سريرته؛ حتى يطمئن هؤلاء الخلفاء وولاة العهد من جهته، فأخفى ابن المعتز أمانيه المتغلغلة في أعماق نفسه، وعاش للفن والعلم يروي ظمأه من مشاربهما العذاب. ولون الثقافة البادية على الكتاب هو الثقافة العربية الخالصة من شوائب الثقافات الأخرى، فهو مظهر لثقافة أدبية واسعة، تنمُّ عن اطلاع عميق على كتب الأدب والنقد والبيان التي كانت في متناول الشباب الناشئين إذ ذاك، لا سيما كتب الجاحظ عامة، والبيان والتبيين خاصة، كما تنم عن نشأة عالية على يد شيوخ العربية وأئمتها، الذين تتلمذ عليهم ابن المعتز في ذلك العهد. والظاهر: أن كتاب البديع هو من أوائل مؤلفات ابن المعتز1، وأنه ألفه قبل أن يلم بثقافة أخرى

_ 1 لم يُشِر ابن المعتز في كتاب البديع إلى مؤلَّفات له، اللهم إلا كتابه "الفصول القصار".

سوى الثقافة العربية؛ ولذلك فهو نتاج عربي خالص سبق فترة التلقيح التي مرت على تطور البيان العربي بعد عهد ابن المعتز وعلى يد قدامة ومَن تلاه من أئمة النقد والبيان، وإذا ما قارنَّا بين البديع لابن المعتز وفصول التماثيل أحد مؤلفاته الذي ألفه في أواخر حياته وجدنا الأول عربيًّا خالصًا في ثقافته من حيث كان الثاني مظهرًا لثقافة منوعة متعددة تستمد من شتى الثقافات ما تعرضه عليك من آراء وبحوث. "3" وكتاب البديع بعد ذلك كله حافل بالنصوص الأدبية من الشعر والنثر التي جمعها ابن المعتز حين أخذ يعرض ألوان البديع، وساقها في نظام جميل، فهو يعرض عليك ما يجده لهذا اللون البديعي أو ذاك من نصوص أدبية من القرآن واللغة وأحاديث رسول الله حاذفًا منها أسانيدها، ومن كلام الصحابة والأعراب وغيرهم من جلة الكُتَّاب وزعماء البلاغات، ثم من عيون الشعر العربي مبتدئًا بشعر الجاهليين ثم الإسلاميين ثم المحدثين، وهذا -كما يقول ابن المعتز- "ليعلم أن بشاراً ومسلماً وأبا نواس ومن تقيلهم لم يسبقوا إلى هذا الفن -أي: البديع- ولكنه كثر في أشعارهم، فعرف في زمانهم، حتى سُمي بهذا الاسم، ثم أكثر حبيب بن أوس الطائي منه، فأحسن في بعض ذلك وأساء في بعض، وتلك عقبى الإفراط، وإنما كان يقول الشاعر من هذا الفنّ البيت والبيتين في القصيدة، وربما قُرئت من شعر أحدهم قصائد من غير أن يوجد فيها بيت بديع"، وإنما غرضنا من هذا الكتاب تعريف الناس أنّ المحدثين لم يسبقوا المتقدمين إلى شيء من أبواب البديع. وينم كلام ابن المعتز هذا على جدل أدبي حول البديع واستساغته في الشعر وسائر ألوان الأدب العربي؛ ففريق من رجال العربية رآه تكلفًا يذهب بروعة الطبع وسحر الملكات في الأداء، فذمَّه وعابه، وتنقص الشعراء البديعيين، ذاهبًا

إلى أن البديع لو كان خيرًا لكان القرآن والحديث وشعر المتقدمين من الجاهليين والإسلاميين أَوْلَى به من شعر المحدثين وأدب المحدثين، وفريق آخر ذهب إلى استحسانه، ولم يرَ في توشية نتاج الطبع بألوان الصنعة الساحرة شيئًا من الإثم يستحقون عليه المؤاخذة، فألَمُّوا بفنون من البديع في آثارهم الأدبية المختلفة، وكان من نتائج هذا الخلاف الأدبي الواسع أن وجد مذهب بياني وسط بين مذهب الناقمين على البديع ومذهب المسرفين فيه، يدعو إلى قبول هذا الوشي البديعي في الأداء، ما دام قريبًا من الطبع، بعيدًا عن الصنعة والتكلف، يتطلبه الغرض الذي سيق له، والأسلوب الذي سيق فيه، ولعل في ما ذكره ابن المعتز عن أبي تمام في كلمته السابقة ما يدل على أنه هو نفسه كان ينحو نحو هذا الاتجاه، ونقول: إن هذا هو نفس اتجاه الجاحظ، فحين ذكر السجع ذكر آراء رجال البيان فيه استساغة وذمًّا، ثم ذكر وجه من ذمه، ثم ذهب إلى إيثار المطبوع منه دون المتكلَّف1، وقد أيد ابن المعتز رأيه بالبحث عما في الكتاب والحديث والشعر الجاهلي والإسلامي من بديع. "4" ولقب البديع ليس لقبًا مستحدثًا في عهد ابن المعتز؛ ولكنه اسم لهذه الألوان الساحرة في الأسلوب، ولهذا الترف البياني في الأداء؛ من استعارة وتشبيه وتجنيس وطباق ... إلخ، سماه به مسلم بن الوليد الشاعر "م208هـ"، وكان يعرف قبل ذلك باللطيف2، ودرج على هذا اللقب مَن بعده من العلماء والأدباء، وقد

_ 1 البيان والتبيين ص194، 195/ 1. 2 راجع 10/ 2 معاهد التنصيص.

ذكر الجاحظ البديع في "البيان والتبيين" قال: "والراعي كثير البديع في شعره، وبشار حسن البديع، والعتابي يذهب شعره في البديع". وقال: "والبديع مقصور على العرب ومن أجله فاقت لغتهم على كل لغة وأربت على كل لسان". وقد ساق ذلك عرضًا حين ذكر بيت الأشهب بن رميلة: هم ساعد الدهر الذي يتقى به ... وما خير كف لا تنوء بساعد قال الجاحظ: قوله: "هم ساعد الدهر" إنما هو مثل، وهذا الذي تسميه الرواة البديع1. وذكر الجاحظ العتابي ثم قال: "وعلى ألفاظه وحذوه ومثاله في البديع يقول جميع مَن يتكلف ذلك من شعراء المولدين؛ كالنمري ومسلم وأشباهما، وكان العتابي يحتذي حذو بشار في البديع، ولم يكن في المولدين أصوب من بشار وابن هرمة "البيان ج1 ص54، 55". فلقب "البديع" كان معروفًا -كما قلت- قبل ابن المعتز2. أما ألقاب ألوانه وفنونه فبعضها كان معروفًا قبله كالتشبيه، فقد ذكر الجاحظ له شواهد في بيانه "ج2 ص229"، وتكلم عنه ثعلب في قواعد الشعر "ص14-18 طبع ليدن"، وعقد المبرد "م سنة 285هـ" في كامله بابًا واسعًا لدراسة التشبيه وتحليل كثير من أبلغ شواهده الأدبية "راجع 35-101/ 2 الكامل، طبعة 1355هـ بالقاهرة"، وما كتبه المبرد وثعلب عن التشبيه كان أساسًا لابن المعتز وسواه، وكالاستعارة ذكرها الجاحظ وعرفها بأنها "تسمية الشيء باسم غيره إذا قام مقامه" "بيان ج1 ص116"، وعرفها ثعلب في قواعد الشعر بأنها أن يستعار للشيء اسم غيره أو معنى سواه "ص21"، وكالتقسيم والتفصيل "بيان

_ 1 البيان والتبيين 242/ 3. 2 ويقول ابن المعتز في كتابه: البديع اسم موضوع لفنون من الشعر يذكرها الشعراء ونقاد المتأدبين منهم. فأما العلماء باللغة والشعر القديم فلا يعرفون هذا الاسم ولا يدرون ما هو وما جمع فنون البديع ولا سبقني إليه أحد "ص106".

ج2 ص91، 92 وج1 ص170"، وكالاستطراد الذي أشار إليه الجاحظ دون أن يذكر اسمه ويسميه ابن المعتز: حسن الخروج "ج3 ص205 وج1 ص138"، وأبو تمام هو الذي سماه استطرادًا1، وكجودة الابتداء، ويسميها المتأخرون: حسن الابتداء وبراعة الاستهلال، وجودة القطع والقافية "بيان ج1 ص89، 90"، ويعني بها استقرار خاتمة الكلام وقافية البيت في مقرها وحسن ملاءمتها للغرض المقصود ولما قبلها من الكلام. قال ابن رشيق في العمدة: "ورواية الجاحظ تدل على أن المقطع آخر البيت والقصيدة، وهو بالبيت أليق "190/ 1 العمدة" وكالمذهب الكلامي، والجاحظ هو الذي سماه هذا الاسم2، وهو القياس المضمر عند أصحاب الخطابة والمنطق، والتطبيق كان معروفًا بمعنى إصابة الكلام الغرض المسوق له"، أو كما يقول الرماني: "مساواة المقدار من غير زيادة ولا نقصان". واختاره ابن رشيق3، وذكره الجاحظ كثيرًا في بيانه4، وهو بهذا المعنى خلاف ما عرف عند ابن المعتز حيث سماه "مطابقة" مريدًا به الجمع بين الشيء وما يقابله في الكلام5؛ ولكن الأصمعي سبق ابن المعتز إلى ذلك وتسميته بالمطابقة "6/ 2 العمدة" ويسميه قدامة في نقد الشعر: التكافؤ6، ويسميه ثعلب في "قواعد الشعر": مجاورة الأضداد "ص24 طبع ليدن"، وكالإفراط في الصفة، فقد ذكر ابن قتيبة في الشعر والشعراء كثيرًا مما أخذه على الشعراء من إفراط، مسميًا لهذا النوع من المبالغة بهذا الاسم، فيقول في

_ 1 راجع ص4 مقدمة ديوان البحتري طبع 1911 بالقاهرة، و38/ 2 العمدة. 2 101 البديع، 75/ 2 العمدة لابن رشيق. 3 6/ 2 العمدة. 4 86-89/ 1، 133/ 2 البيان والتبيين. 5 ويسميه ثعلب المطابق "24 قواعد الشعر طبع ليدن"، وتبعه قدامة فسمى نوعًا من الجناس بذلك الاسم "96 نقد الشعر". 6 85 نقد الشعر.

مهلهل وهو أحد الكذبة لقوله: "ولولا الريح ... " البيت1، ويقول في النمر بن تولب: ومن إفراطه قوله يصف السيف ... إلخ2، ويذكره المبرد في كامله كثيرًا3، ويذكره ثعلب في "قواعد الشعر" "ص18، 19 طبع ليدن". وأما التجنيس4 والاعتراض والالتفات وتأكيد المدح بما يشبه الذم وتجاهل العارف والتعريض5 وحسن التضمين والرجوع ورد الأعجاز على الصدر والهزل الذي يراد به الجد، فتكاد كلها أن تكون ألقابًا خصصها ابن المعتز ابن المعتز بمدلولاتها الفنية. "5" أما موضوع كتاب البديع فهو ذكر لألوان البديع وشواهدها في الأدب العربي شعرًا ونثرًا، ويذكر مؤلفه ما أثر للون البديعي من شاهد في كتاب الله، ثم في حديث رسوله، ثم في كلام الصحابة وسواهم، ثم الأعراب وبلغاء الكُتَّاب، ثم يذكر كثيرًا مما أثر له من شواهد في الشعر العربي: الجاهلي فالإسلامي فشعر المحدثين، ويختم الكلام على كل لون بذكر ما عيب من شواهده المتكلفة الخارجة عن حدود البلاغة وسحر البيان. والبديع عند ابن المعتز خمسة أنواع: الاستعارة، التجنيس، المطابقة، رد أعجاز الكلام على ما تقدمها، المذهب الكلامي.

_ 1 الشعر والشعراء ص99. 2 الشعر والشعراء ص106. 3 173/ 1، 46، 87/ 2 الكامل للمبرد ط1355 بالقاهرة. 4 راجع إعجاز القرآن للباقلاني ص79. 5 في قواعد الشعر لثعلب "ص19 طبع ليدن" يذكر "لطافة المعنى"، ويعرفها بأنها: الدلالة بالتعريض على التصريح، ثم يذكر أمثلة كثيرة لها.

ويجعل ابن المعتز ما عدا ذلك من محاسن الكلام والشعر ويقول: إنها كثرة، ولا يرى حرجًا في إضافة هذه المحاسن أو غيرها إلى البديع1، وذكر من هذه المحاسن ثلاثة عشر نوعًا؛ وهي: الالتفات، الاعتراض، الرجوع، حسن الخروج، تأكيد المدح بما يشبه الذم، تجاهل العارف، الهزل الذي يراد به الجد، حسن التضمين، التعريض والكناية، الإفراط في الصفة، حسن التشبيه، لزوم ما لا يلزم، حسن الابتداء. وبذلك تنتهي ألوان البديع ومحاسن الكلام وينتهي معها الكتاب. ويقول السيوطي عن البديع2: "أول مَن اخترع ذلك ابن المعتز فجمع منها سبعة عشر نوعًا، وعاصره قدامة فجمع منها عشرين نوعًا، تواردا منها على سبعة، فكان جملة ما زاده ثلاثة عشر نوعًا، فتكامل بها ثلاثون نوعًا، ثم تتبَّعها الناس فجمع العسكري سبعة وثلاثين، ثم جمع ابن رشيق مثلها وأضاف إليها خمسة وستين بابًا من الشعر، وتلاهما شرف الدين الشاشي، فبلغ بها السبعين ثم تكلم فيها ابن أبي الأصبع واستخرج عشرين، وكتابه المحرر أصح كتب هذا الفن لاشتماله على النقل والنقد ... إلخ". وهذا رأي ابن السبكي أيضًا، وهو صحيح؛ فنحن نجد ألوان البديع عند ابن المعتز هي ثمانية عشر لا سبعة عشر3، وهو عند أبي هلال سنة وثلاثون يضاف إليها التشبيه الذي ذكر في بحث مستقل4، ومنها سبعة من زياداته؛ وهي: التشطير، المجاورة، التقرير، المضاعفة، الاستشهاد، التلطف، المشتق5، وهي عند قدامة عشرون نوعًا لا غير: الترصيع، التصريع، الغلو أو الإفراط، صحة التقسيم، صحة المقابلة، صحة التفسير، التتميم، المبالغة، التكافؤ، الالتفات، الاستغراب أو الطرافة، المساواة،

_ 1 106 البديع. 2 شروح التلخيص ج4 ص467، شرح عقود الجمان للسيوطي ص92. 3 اللهم إلا إذا لم يعد الإعنات "لزوم ما لا يلزم". 4 226 صناعتين وما بعدها. 5 الصناعتين ص399-416 وص258 أيضًا.

الإشارة، الإرداف، حسن التشبيه، التمثيل، المطابق أو المجانس، التوشيح، الاستعارة، الإيغال. ويتفق قدامة مع ابن المعتز في سبعة أنواع منها، كما قال ابن السبكي؛ وهي: الغلو أو المبالغة "أو الإفراط في الصفة كما يسميه ابن المعتز"، التكافؤ "أو المطابقة كما يسميه ابن المعتز"، المجانس "أو التجنيس كما لقبه به ابن المعتز"، حسن التشبيه، الالتفات1 "ومعناه عند ابن المعتز غير معناه عند قدامة2"، الكناية3، الاستعارة. "6" ولكتاب البديع ميزات كبيرة الأهمية: فهو ينحو في دراسة البديع وفنونه دراسة تطبيقية واسعة، لها أثرها في تكوين الملَكة والذوق، وفي دعم الفكرة والرأي في نفس القارئ، وحسبك أن الكتاب يشتمل على 313 شاهدًا من عيون الشعر العربي تبلغ حوالي 425 بيتًا أو يزيد، فوق ما اشتمل عليه من بليغ الشواهد من: الذكر الحكيم، وحديث رسول الله، وكلام الصحابة والأعراب، وبلغاء الكُتَّاب. والكِتَاب مع ذلك مطبوع بالطابع الأدبي الخالص؛ فهو خلو من الاصطلاحات العلمية، وتحديدات المنطقيين العميقة، وهو يكتفي في توقيفك على مدلول اللون البديعي بشرح أدبي موجز حينًا، وبما تدل عليه الشواهد حينًا آخر، وبأسلوب واضح يفيض بلاغة وسهولة. ويمتاز بحصافة الذوق وسَعَة الاطلاع وحسن الاختيار في جميع شواهد الكتاب.

_ 1 راجع 87 نقد الشعر، 383 الصناعتين. 2 يعني به قدامة ما يشتمل التذييل وشبه كمال الاتصال. 3 يسميها قدامة الإرداف مريدًا بها المعنى الاصطلاحي المعروف لكلمة كناية، وهي عند ابن المعتز مراد بها المعنى اللغوي العام.

وكذلك بالنظام الدقيق في العرض مما يتجلى لك في جميع أبواب الكتاب. والكتاب يعد أول خطوة عملية موفقة في التأليف في البديع وفي البيان، فلا شك أن بعضًا من موضوعات الكتاب كالاستعارة والتشبيه هما العمود الفقري للبيان العربي عند علماء البلاغة والبيان، أما ما عداهما من أنواع البديع الباقية التي احتوى عليها الكتاب فهي أهم أبواب البديع عند علماء البديع. "7" وقد ألف ثعلب -إمام1 العربية "م291هـ"- كتابًا سماه "قواعد الشعر"، وكان هو أحد مؤلفات هذا العالم الكبير، وللمبرد كتاب اسمه "قواعد الشعر" أيضًا، لا ندري عنه ولا عن موضوعه شيئًا، ولا نعلم مَن منهما الذي سبق بتأليف كتابه، وإن كان يغلب على ظني أن ثعلبًا هو السابق بتأليف كتابه لتقدمه في السن، والكتاب جديد في شتى نواحيه. أما من حيث موضوعه، فقد درس ثعلب في الكتاب هيكل الشعر العربي دراسة عامة جيدة جميلة مبتكرة، فتكلم على قواعد الشعر العامة وأنها أربع: أمر ونهي وخبر واستخبار، ولا شك أن ذلك لا يختص بالشعر وحده؛ بل النثر مثله فيه، وعرض لفنون الشعر وقسمها إلى: مدح وهجاء ومرثية واعتذار وتشبيه وتشبيب واقتصاص أخبار، وذكر شواهد للتشبيه الجيد، وشواهد لرائع المديح، ثم تحدث عن المبالغة "الإفراط في المعنى"، وذكر شواهد لها من الشعر العربي، وعن لطافة المعنى "التعريض والكناية بدل التصريح" وشواهدها، والاستعارة ومثلها، وحسن الخروج أو التخلص -كما يقول البلاغيون- ومجاروة الأضداد أو الطباق -كما يسميه البلاغيون- والمطابق وهو نوع من الجناس، مع ذكر نماذج لكل باب من هذه الأبواب من جيد الشعر الجاهلي والإسلامي والأموي، دون أن

_ 1 راجع 134/ 5 معجم الأدباء.

يتخطى ذلك في الاستشهاد إلى شعر المحدثين، ثم عرف الجزالة في الشعر، وتكلم على اتساق النظم ومحترزاته، وأخيرًا نجده يقسم الشعر خمسة أقسام، ويتحدث عن كل قسم ويحدده ويوضحه ويذكر شواهد كثيرة له، وبذلك ينتهي الكتاب. والكتاب أول أثر علمي لعالم من علماء القرن الثالث يتحدث فيه مؤلفه عن الشعر بهذا اللون من الدقة والتحديد والوضوح والفَهْم للشعر والأدب والتذوق لهما والوقوف على آثار بلاغتهما. و"البديع لابن المعتز" "م296هـ" لا يشارك "قواعد الشعر" في هذا؛ لأن ابن المعتز ألف "البديع" ليتحدث فيه عن ألوان البديع العامة كما كان يعرفها هو ويعرفها عصره، لا ليتحدث عن الشعر بمثل هذا الحديث الفني. و"الرسالة العذارء" لابن المدبر "م279هـ" لا تشارك "قواعد الشعر" في ذلك أيضًا؛ لأنها إلى البلاغة أقرب منها إلى الحديث عن الشعر. و"الكامل" للمبرد "م285هـ" ليس فيه أثر للتخصص في دراسة الشعر أو البديع أو البلاغة بوجه عام. و"البيان" للجاحظ وما فيه من دراسات عن الشعر أو النقد أو البيان هي عامة لا تخصص فيها، والكتاب لم يؤلف لها، وأحكامه الأدبية والبيانية أحكام مقاربة ليس فيها مثل هذا الوضوح ولا مثل تلك الدقة. وأما أثر قواعد الشعر في البيان فهو -ولا شك- أثر كبير، فنحن نجد أنفسنا لأول مرة أمام يؤلف ويكتب ويتحدث عن كثير من ألوان البديع والبيان: كالتشبيه، والاستعارة، ولطافة المعنى، أو التعريض والكناية كما نقول نحن، وكالإفراط في المعنى "المبالغة"، وحسن الخروج، ومجاورة الأضداد "الطباق"، والمطابق "لون من ألوان الجناس"، والثلاثة الأنواع الأولى هي أصل علم البيان، وباقي الأنواع هي أبرز ما في البديع من فنون، وابن المعتز -من غير شك- مدين لأستاذه ثعلب في هذه الدراسة، فنحن نكاد نجزم بأن ثعلبًا ألف هذا الكتاب قبل أن يؤلف ابن المعتز كتابه "البديع" عام 274هـ؛ لأن ثعلبًا عالم معمر، ولأنه لو كان ابن المعتز قد سبقه بالتأليف لما أمكن ثعلبًا أن يقف عند هذا الحد في عرض

ألوان البيان والبديع الساحرة في الشعر العربي والتي ألَمَّ بها ابن المعتز، مثل: الالتفات والاعتراض وتجاهل العارف والهزل يراد به الجد وحسن الابتداء وحسن التضمين وتأكيد المدح بما يشبه الذم والمذهب الكلامي وغيرها؛ إذ كان ثعلب -ولا شك- سيستفيد من دراسات ابن المعتز -لو كان ابن المعتز قد ألف كتابه "البديع" قبل أن يؤلف أستاذه "قواعد الشعر"- وسيحاول أن يقتبس منها بعض الاقتباس في كتابه. فثعلب -إذن- هو أول مَن كتب في مؤلَّف عن هذه الألوان البيانية والبديعية بمثل هذا الوضوح والعرض والنظام، وذلك أثر غير قليل لثعلب في فن البيان. ومن الغريب ألا يشير ابن المعتز في "البديع" إلى كتاب "قواعد الشعر" مع أنه ساق بعض الشواهد الواردة في "قواعد الشعر"، ومع أنه قريب في تحديد الاستعارة وغيرها من أستاذه ثعلب؛ بل ومن الغريب أيضًا أن يخالفه في تسميه "المطابق" الذي سماه ثعلب "مجاورة الأضداد"، وفي تسمية "الجناس" الذي سمى ثعلب نوعًا منه "المطابق"؛ ولكن لا ضير في اختلاف الاصطلاحات، فلكل مؤلف أو مبتكر الحق في تسمية ما يشاء بما يشاء، ومن قبل ذكر أرسطو أنه مطلق لكل أحد احتاج إلى تسمية شيء ليعرفه به أن يسميه بما شاء من الأسماء1؛ ولكن الغريب حقًّا أن يقول ابن المعتز عن نفسه: "وما جمع فنون البديع ولا سبقني إليه أحد"2، فلا شك أن لثعلب الفضل في أنه جمع في "قواعد الشعر" أهم ألوان البديع التي ذكرها ابن المعتز في كتابه مثل: التشبيه والاستعارة ولطافة المعنى والتعريض ومجاورة الأضداد والمطابق، وهذه الأنواع هي أهم ما في كتاب "البديع" لابن المعتز من ألوان البديع، و"قواعد الشعر" يمتاز بأنه يعرض لأصل هام في البلاغة العربية بتقسيمه الشعر إلى: خبر واستخبار وأمر ونهي.

_ 1 74 نقد النثر ط 1937. 2 106 البديع.

وأما أثر الكتاب في الأدب والشعر فلا شك فيه لوضوحه، فهذا الحديث عن الشعر بهذا الأسلوب قد أفاد دراسات الشعر ودراسات الأدب جميعًا، فوق ما في الكتاب من شواهد كثيرة من جيد الشعر العربي تبلغ نحو المائتي بيت، فوق هذا العرض الجميل لفنون الشعر وألوانه العامة. وأما أثره في النقد الأدبي بمعناه العام، فالكتاب نراه يتحدث عن الجزالة في الشعر، وعن اتساق النظم، وعن أقسام أخرى للشعر في أسلوب جيد وعرض هو إلى النقد أقرب منه إلى الشعر أو البلاغة، مما لا شك في قيمته في النقد فوق قيمته في دراسات الشعر. "8" ويرجع قدامة إلى "البديع" في كتابه "نقد الشعر"، وكذلك رجع إليه الآمدي كثيرًا حين ألف موازنته1. وكتاب "الصناعتين" لأبي هلال -في الباب التاسع الذي وقفه على دراسة أنواع البديع2- يكاد يكون صورة مطابقة لبديع ابن المعتز تمام المطابقة، فهو يعرض عليك اللون البديعي كما عرضه ابن المعتز، وينقل كل الشواهد التي احتواها كتاب "البديع"، ولا يزيد عليها إلا القليل من الشواهد للشعراء المتأخرين عن عصر ابن المعتز. وكذلك كان مصدرًا كبيرًا لابن رشيق حين درس في عمدته ألوان البديع،

_ 1 راجع ص7، 8، 9، 14، 61، 122، 124 من الموازنة "طبع صبيح". 2 257-416 صناعتين.

وقد أشاد به العارف بقيمته وخطره1، ونقل عنه الكثير من شواهد فنون البديع في عمدته، ويشير إليه الباقلاني في إعجاز القرآن، ويأخذ منه2. وكثير من مثل ألوان البديع عند علماء البلاغة المتأخرين -كالخطيب ومَن سواه- هي من شواهد كتاب البديع، سبقهم إلى جمعها من شتى أبواب الأدب العربي، وأحصاها في كتابه القيم "البديع". و"للبديع" أهميته الكبيرة في فَهْم نشأة البديع وتطوره في الأدب العربي وعلى مرور عصوره الأدبية المختلفة، وهو من هذه الناحية كبير الأثر عظيم الخطر، وكل من عرض لنشأة البديع وتطوره من علماء النقد -كالآمدي والقاضي الجرجاني وسواهما- فلا شك أنه كان متأثرًا بكتاب البديع. ولا يفوتنا أن نشير إلى أهم المصادر لكتاب البديع، وأَجَلُّ هذه المصادر وأهمها كتاب "قواعد الشعر" لثعلب الذي احتذاه ابن المعتز في التأليف والبحث في أساليب البديع، وكتاب "البيان والتبيين" للجاحظ؛ حيث أخذ منه ابن المعتز كثيرًا من النصوص والشواهد المختارة من بديع النثر الأدبي، وقد أخذ ابن المعتز من حماسة أبي تمام بعض شواهد البديع من الشعر العربي. كما لا يفوتنا أن نشير إلى أننا قد وضعنا بعض عناوين للكتاب من عندنا3. وأخيرًا، فهذا هو كتاب البديع، وهذا مجهودنا الشاق في شرحه شرحًا أدبيًّا مستفيضًا، وفي الترجمة لجميع الأعلام الواردة فيه4، وفي تحقيق الكثير من رواياته الأدبية، وفي تحليل الكتاب الذي عرضناه عليك في هذه المقدمة. نعرض كل ذلك على الباحثين، راجين أن نكون قد أصبنا الهدف فيما نشدناه من توفيق، وأردناه من خدمة لهذا الأثر الخطير.

_ 1 110، 235/ 1 العمدة. 2 راجع ص69، 79 وما بعدها، 81 من إعجاز القرآن للباقلاني "طبع القاهرة 1349هـ"، ففي الموضع الأول يشير إليه، وفيما بعده يأخذ منه دون إشارة إليه. 3 كما أننا صححنا أخطاء الأصل الخطي للكتاب الذي نشره المستشرق الروسي، وكل كلمة تناولناها بالتصحيح فقد أشرنا إلى أصلها كما ورد في أصل الكتاب، وبينا ذلك في هامش هذا الشرح. 4 في هذا الشرح نحو مائتي ترجمة، وفيه شرح نحو 420 بيتًا من الشعر، فوق ما فيه من شرح النصوص النثرية وتحقيق الروايات الأدبية.

آراء المستشرق كراتشقوفسكي في الكتاب

آراء المستشرق كراتشقوفسكي في الكتاب: بحث "كراتشقوفسكي" في المقدمة التي كتبها لكتاب البديع باللغة الإنجليزية مسألتين: 1- احتمال التأثير الأجنبي على نظرية الشعر العربي. 2- أسبقة ابن المعتز أول من ترك في هذا الميدان بحوثًا منهجية، وقد ذكر أن له بحوثًا منظمة أخرى حول احتمال وجود أي تأثير أجنبي في نظريات الشعر العربي وعلى الأخص تأثير أرسطو. وبسبيل الإجابة عن هذين السؤالين تطور الموضوع إلى بحث في نقطتين أساسيتين: 1- الدور الذي قام به كتاب أرسطو في فن الشعر. 2- البحث عن مصادر تمكنه من إصدار كتاب ابن المعتز. وقد عالج النقطة الأولى ببحث: 1- مقالات المعتزلة وتأثيرها في القرن التاسع على الإنتاج الأدبي. 2- والمؤثرات الهندية والفارسية في الشعر العربي. وقد وصل إلى نتيجة سلبية من ناحية تأثير كتاب الشعر لأرسطو على نظريات الشعر العربي، وهو يشير إلى قلة معلوماته في البحوث الإفريقية، وإلى أن رأيه في نفي تأثير أرسطو على نظريات الشعر العربي يطابق رأي بعض النقاد الغربيين في هذا البحث. وذلك ملخص ما أورده كراتشقوفسكي في الصفحات "1-5" من مقدمته لكتاب البديع.

نص الكتاب

نص الكتاب: مقدمة ابن المعتز لكتاب البديع: قال عبد الله بن المعتز رحمه الله: قد قدمنا1 في أبواب كتابنا هذا بعض ما وجدنا في القرآن واللغة وأحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكلام الصحابة والأعراب وغيرهم وأشعار المتقدمين من الكلام الذي سماه المحدثون البديع؛ ليعلم أن بشاراً2 ومسلماً3 وأبا نواس4 ومن تقيّلهم5 وسلك سبيلهم لم يسبقوا إلى هذا الفن؛ ولكنه كثر في أشعارهم فعرف في

_ 1 قدم الشيء: جعله مقدَّمًا. 2 أبو معاذ بشار بن برد، نشأ في البصرة وقدم بغداد وأدرك الدولتين: الأموية والعباسية، وهو زعيم المحدثين ومن المبتدعين في مذاهب الشعر ومعانيه والمتصرفين في شتى فنونه والمجيدين في الأساليب الشعرية، اتهم بالزندقة وقتل سنة 167هـ. 3 نشأ صريع الغواني مسلم بن الوليد الأنصاري في الكوفة، وفيها درس وتأدَّب ونظم القريض ومدح الأمراء وأثرى، ويعد في الطبقة الأولى من المحدثين، وهو ممن تكلفوا البديع في شعرهم حتى رُمي بإفساده، ويجمع شعره بين الأسلوب القديم والحديث مع رقة واضحة، مات بجرجان سنة 208هـ. 4 نشأ أبو نواس الحسن بن هانئ بالبصرة ثم تحول إلى الكوفة ليتخرج على والبة بن الحباب، ونبغ في الشعر فرحل إلى بغداد وفيها تألق نجمه ووثقت صلاته بالرشيد والأمين، وكان ضليعًا في سائر فنون الثقافة الدينية والأدبية، وهو شاعر اللذات الحسية وشعره صورة لمذهب اللذة الذي طبع عليه، ويمتاز بافتنانه وكثرة تصرفه وحُسْن جودته وسهولة أسلوبه ورقة لفظه وسلامة نظمه، وأجود شعره خمرياته، مات ببغداد سنة 198هـ. 5 تقيل الولد أباه: نزع إليه في الشبه واحتذى حذوه.

زمانهم حتى سُمي بهذا الاسم فأعرب عنه ودلّ عليه، ثم إن حبيب1 بن أوس الطائي من بعدهم شُعفَ2 به حتى غلب عليه وتفرع3 فيه وأكثر منه فأحسن في بعض ذلك وأساء في بعض، وتلك عقبى الإفراط وثمرة الإسراف، وإنما كان يقول الشاعر من هذا الفنّ البيت والبيتين في القصيدة، وربما قُرئت من شعر أحدهم قصائد من غير أن يوجد فيها بيت بديع، وكان يُستحسنُ ذلك منهم إذا أتى ناردًا ويزداد حظوة بين الكلام المرسل، وقد كان بعض العلماء يشبه الطائيّ في البديع بصالح بن عبد القدوس4 في الأمثال، ويقول: لو أن صالحاً نثر أمثاله في شعره وجعل بينها فصولاً من كلامه لسبق أهل زمانه، وغلب على مدّ5 ميدانه، وهذا أعدل كلام سمعته في هذا المعنى6.

_ 1 ولد بجاسم من قرى حوران بالشام عام 190هـ ورحل إلى مصر صبيًّا فتروى الأدب وأكثر من حفظ الشعر وعالج نظم القريض حتى أجاده، ثم رحل إلى بغداد ومدح المعتصم وولي بريد الموصل، واشتهر أبو تمام بقوة الحافظة وألف "الحماسة" و"فحول الشعراء" و"نقائض جرير والأخطل" وغير ذلك، ويمتاز شعره بتخير اللفظ وتجويد الصياغة ودقة المعاني وتكلف البديع، مات سنة 231هـ. 2 شعفه الحب: أمرضه أو أحرق قلبه، وشُعف بكذا على البناء للمجهول. 3 تفرعت أغصان الشجرة: كثرت. وتفرع القوم: ركبهم، وفرع من هذا الأصل مسائل جعلها فروعه فتفرعت. 4 شاعر حكيم متكلم كان يعظ الناس في البصرة، اتهم بالزندقة وقتل ببغداد نحو سنة 160هـ. 5 المد: السيل، ومد البصر: مداه. 6 بسط الجاحظ ذلك الرأي في البيان والتبيين "نشر السندوبي عام 1926" 150 ج1، وألم به ابن رشيق في العمدة "255/ 1".

أصل الكتاب

أصل الكتاب مدخل ... أصل الكتاب: بسم الله [الرحمن الرحيم] : من الكلام البديع قول الله تعالى: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الزخرف: 4] . ومن الشعر البديع قوله "من البسيط": والصُبحُ بالكوكب الدُّرىِّ منْحورُ1 وإنما هو استعارة الكلمة لشيء لم يعرف بها من شيء قد عرف بها؛ مثل: أم الكتاب، وجناح الذل، ومثل قول القائل: الفكرة مخ العمل2، فلو كان قال: "لبّ العمل" لم يكن بديعاً. ومن البديع أيضاً: التجنيس والمطابقة، وقد سبق إليهما المتقدمون، ولم يبتكرهما المحدثون، وكذلك الباب الرابع3 والخامس4 من البديع. وقد أسقطنا من كتابنا هذا أسانيد الأحاديث: عن رسول الله -صلى الله عليه وآله- وعن أصحابه؛ إذ كان من التكثير، ولم نذكر إلا حديثاً مشهوراً. ولعل بعض من قصَّر عن السبق إلى تأليف هذا الكتاب ستحدثه نفسه وتمنّيه مشاركَتنا في فضيلته، فيسمى فناً من فنون البديع بغير ما سميناه به، أو يزيد في الباب من أبوابه كلامًا منثورًا، أو يفسرشعرًا لم نفسره، أو يذكر شعراً قد تركناه ولم نذكره؛ إما لأن بعض ذلك لم يبلغ في الباب مبلغ غيره فألقيناه، أو لأن فيما ذكرنا كافياً ومغنياً، وليس من كتاب إلا وهذا ممكن فيه لمن أراده5، وإنما غرضنا في هذا الكتاب تعريف الناس أنّ المحدثين لم يسبقوا المتقدمين إلى شيء من أبواب البديع، وفي دون ما ذكرنا مبلغ الغاية التي قصدناها، وبالله التوفيق.

_ 1 صدر البيت: أوردتهم وصدور العيس مسنفة "راجع 347 صناعتين، 96 نقد الشعر"، ويروى: أوردتها، والبيت لعبد الرحمن بن علي بن علقمة بن عبدة، مسنفة "بصيغة اسم المفعول": أي مشدودة بالسناف "بكسر السين" وهو خيط يشد من حقب البعير إلى تصديره ثم يشد في عنقه إذا أضمر "مادة سنف في اللسان"، منحور: أي مستقبل "بصيغة اسم المفعول" كما في مادة نحر في اللسان، والكوكب الدري: المضيء الثاقب نسب إلى الدر لبياضه. ومعنى البيت: أنه أورد هذه الإبل الضامرة -أو أورد القوم الذي كان رائدًا لهم- منهل الماء والإبل في نهاية الكلال والليل تضيء كواكبه وتبعد إشراق الصباح عنه فكأنها نحرته. قال قدامة: أشار إلى الفجر إشارة ظريفة بغير لفظه. وقال أبو هلال: وليس في هذا البيت إشارة إلى الفجر؛ بل صرح بذكر الصبح، وقال: هو منحور بالكوكب الدري أي صار في نحره، ووَضْعُ هذا البيت في باب الاستعارة أولى "347 صناعتين". 2 هي لإبراهيم بن يزيد النخعي فقيه العراق سنة 96هـ. وخالص كل شيء: هو مخه، والمراد أنها الروح المدبرة للعمل، كما سيأتي في الكتاب. 3 هو رد أعجاز الكلام على ما تقدمها. 4 هو المذهب الكلامي. 5 وذكر أرسطو: أنه مطلق لكل أحد احتاج إلى تسمية شيء ليعرفه به أن يسميه بما شاء من الأسماء "ص74 نقد النثر ط 1927".

الباب الأول من البديع وهو الاستعارة

الباب الأول من البديع وهو الاستعارة 1: قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} 2. وقال: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} 3. وقال:

_ 1 سبق أن عرفها ابن المعتز بأنها: "استعارة الكلمة لشيء لم يعرف بها من شيء قد عرف بها"، وقد عقد لها أبو هلال في الصناعتين بابًا تأثر فيه خطا ابن المعتز في دراسة الاستعارة "الصناعتين 258-297"، وكذلك فعل ابن رشيق "العمدة ج1 ص239 طبعة القاهرة 1934"، وألم بها قدامة في نقد الشعر "ص104-106" وفي نقد النثر "من 64-66" وذكرها وذكر مثلًا لها ثعلب في كتابه قواعد الشعر "ص21-23 طبع ليدن". 2 سورة آل عمران، آية: 7. 3 سورة الإسراء، آية: 24.

{وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} 1. وقال: {أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ} 2. وقال: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} 3. الأحاديث: فأما أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- فقوله: "خير الناس رجل ممسك بعِنَانِ فرسه في سبيل الله، كلما سمع هيعة طار إليها" 4. وقوله: "ضموا ماشيتكم حتى تذهب فحمة العشاء" 5. وقوله: "إنا لا نقبل زبد المشركين" أي: رفدهم. وقال صلى الله عليه وسلم: "رب تقبل توبتي واغسل حوبتي" 6. وقال صلى الله عليه وسلم: "غلب عليكم داء الأمم الذين من قبلكم: الحسد والبغضاء، وهي الحالقة، حالقة الدين لا حالقة الشعر". كلام الصحابة: قال علي بن أبي طالب7 -رضي الله عنه- في كتابه إلى ابن عباس8 وهو عامله على البصرة في بعض كلامه: "أرغِب راغبهم واحلل عُقد الخوف عنهم"9. وسُئل عن تغيير الشيب10 وما رُوي في ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: "غيِّروا الشيب ولا تشبهوا باليهود". فقال علي رضي الله عنه: "إنما قال ذلك والدين في قُلٍ11، فأما وقد اتسع نطاق الإسلام فكل امرئ وما اختار لنفسه". وقال أبوبكر الصديق12 -رضي الله عنه- وذكر الملوك فقال: "إن الملوك إذا ملك أحدهم زهّده الله في ماله، ورغّبه في مال غيره، وأشرب قلبه الإشفاق

_ 1 سورة مريم، آية: 4. 2 سورة الحج، آية: 55. 3 سورة يس، آية: 37. 4 العِنَان: اللجام. الهيعة: الصوت تفزع منه وتخافه من عدو ونحوه، أو هي صوت الصارخ للفزع. المعنى: خير الناس رجل أخذ عِنَان فرسه واستعد للجهاد في سبيل الله كلما دعا داعي الجهاد. استعار الطيران للعدو. 5 فحمة العشاء: ظلمته. الضم: الجمع والحفظ. 6 الحوبة: الإثم. 7 ابن عم رسول الله، تولى الخلافة بعد عثمان، قتل سنة 40هـ. 8 هو عبد الله بن عباس، ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، كان حَبْرَ الأمة وعالمها، وولي البصرة لعلي، وتوفي بالطائف سنة 68هـ. 9 عقد: جمع عقدة؛ وهي موضع العقد وهو ما عقد عليه. 10 أي: بالخضاب. 11 أي: قلة. 12 الخليفة الإسلامي العظيم الأول، توفي سنة 13هـ.

وهو يحسد على القليل، ويتسخط على الكثير، جذلُ الظاهر، حزين الباطن، فإذا وجبت نفسهُ ونضب عمره وضحاً ظلّه [حاسبه الله عز وجل] فأشد حسابه وأقل غفره"1، أراد2 من هذا نضب عمره، وهو الاستعارة. ورووا أن علياً -رضي الله عنه- سأل كبير فارس عن أحمد سير ملوكهم عندهم فقال: لأردشير3 فضيلة السبق غير أن أحمدهم سيرة أنوشروان4، قال: فأي أخلاقه كان أغلب "عليه"؟ قال: الحِلْم والأناة، قال علي رضي الله عنه: هما توءمان ينتجهما علو الهمة. وقال علي رضي الله عنه: "العلم قفل مفتاحه السؤال". ورووا أن علياً -رضي الله عنه- قال لبعض الخوارج في حديث طويل: "والله ما عُرفْتَ حتى نعرَ الباطل فنجمت نجوم قرن الماعزة"5 أردنا قوله: نعر الباطل. ورووا أن عمر6 -رضي الله عنه- لما حصّب المسجد7 قال له رجل: لِمَ فعلت ذلك؟ قال: هو أغفرُ للنخامة8. وقال الشعبيّ9: "كتب خالد بن الوليد10 إلى مرازبة11 فارس عند مقدمه العراق: أما بعد، فالحمد لله الذي فض خدمتكم

_ 1 من خطبة لأبي بكر تراها في البيان والتبيين "47/ 2" مع اختلاف قليل في الرواية. يتسخط: يستقل من تسخط عطاءه أي استقله، أو من السخط وهو المقت والكراهية والغضب. الجذل: الفرح. وجب الميت والحائط: سقط. ووجبت الشمس: غابت. ضحا ظله: أي مات، من ضحا الظل إذا صار شمسًا، والإنسان إذا صار ظله شمسًا فقد بَطَل. 2 أي: أبو العباس عبد الله بن المعتز. 3 من ولد ساسان بن أردشير مؤسس الدولة الساسانية، مكث في الحكم خمسة عشر عامًا. 4 من الأكاسرة الساسانية، مكث في الحكم 48 عامًا، بلغت فيها فارس ذروة المجد. 5 نعر: صوَّت وصاح. نجم: ظهر وطلع. 6 الخليفة الإسلامي الثاني، قتل عام 23هـ. 7 أي: فرشه بالحصى. 8 أي: أستر للبصقة إذا سقطت فيه. 9 راوية كوفي كان نديم عبد الملك بن مَرْوان، وكان محدثًا وفقيهًا وشاعرًا، استقضاه عمر بن عبد العزيز "19-103هـ". 10 الصحابي المشهور والقائد الإسلامي الفاتح، مات عام 21هـ. 11 أي: قواد.

وفرَّق كلمتكم. الخدمة: الحلقة المستديرة، ومنه قيل للخلاخيل: خدام، قال الشاعر "من المتقارب": وتُبْدي لذاك العذارى الخِداما1 وسُئلت عائشة2 رضي الله عنها: هل كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفضل بعض الأيام على بعض؟ قالت: كانت عمله ديمة؛ أي: دائماً. ولما قتل عثمان3 -رضي الله عنه- قال أبو موسى4: هذه حيصة من حيصات من حيصات الفتن، بقيت المثقلة الرداح5. وقال الحجاج6 يوماً في حديث ذكره الشعبي: دلوني على رجل سمين الأمانة. ولما عقدت الخوارج7 الرياسة لعبد الله بن وهب الراسبي8 أرادوه على الكلام فقال: لا خير في الرأي الفطير والكلام القضيب، فلما فرغوا من البيعة له قال: دعوا الرأي يغب؛ فإن غبوبه يكشف لكم عن فصة9. وقال بعض الصالحين في ذمة الدنيا: "دار غرست فيها الأحزان، وسكنها الشيطان، وذمَّها الرحمن،

_ 1 الإبداء عن الخدام مثل في صعوبة الأمر وشدة الخطب، وأصله في الروع والهزيمة وتشمير النساء عن سوقهن وإبداء خلاخلهن عند ذلك. 2 بنت الصديق وزوج الرسول وأم المؤمنين "9ق. هـ-58هـ". 3 الخليفة الإسلامي الثالث، قتل سنة 35هـ. 4 الأشعري الصحابي من الولاة وأحد الحكمين في فتنة علي ومعاوية، كان أحسن الصحابة صوتًا وحدث عن رسول الله، مات بالكوفة عام 44هـ. 5 الحيصة: الجلبة والضوضاء، وحيصة من حيصات الفتن: أي روغة منها عدلت إلينا، الرداح: الثقيلة العجيزة والضخمة الوركين، أراد: الفتنة الهائلة الثقيلة. 6 قائد داهية وبليغ مصقع ولي العراق واشتهر بالقسوة وكان خطيبًا مؤثِّرًا، توفي عام 95هـ. 7 فرقة خرجت على علي بعد التحكيم، وكفَّروا عليًّا ومعاوية، وناضلوا بحد السيوف عن آرائهم طول دولة بني أمية. 8 أزدي ومن أئمة البياضية، أدرك النبي وخرج على علي وقتل في موقعة النهروان عام 38هـ. 9 راجع: الرواية في البيان والتبيين 149/ 1، 26، 93/ 2. والفطير: العجين الذي لم يختمر. والقضيب: الناقة التي لم تمهر الرياضة أو التي لم ترض، يريد: الكلام المرتجل عن غيره خبرة، والغبوب تدل مادتها على المكث والانتظار، فالغب في سقي الإبل يوم ويوم، وغب كل شيء عاقبته. فص الأمر: مفصله الذي يفصل منه كما يحز العظم من المفصل.

وعوقب بها الإنسان. وكان يقال: رأس المآثم الكذب، وعمود الكذب البهتان. وقال ابراهيم النخعي1: الفكر مخ العمل. وقيل لأعرابي: إنك لحسن الكدنة2، قال: ذلك عنوان نعمة الله عندي. ووصف أعرابي قوماً فقال: كانوا إذا اصطفوا سفرت بينهم السهام، وإذا تصافحوا بالسيوف قعد الحمام3. وقال أكثم4: الحلم دعامة5 العقل. وسُئل آخر عن البلاغة فقال: دنو المآخذ، ونزع6 الحجة، وقليل من كثير. وقال خالد بن صفوان7 لرجل: رحم الله أباك؛ فإنه كان يقرى العين جمالاً والأذن بياناً8. وسئل أعرابي عن صديق له فقال: صفرت عياب9 الود بيني وبينه بعد امتلائها، واكفهرت وجوه كانت بمائها. وذكر أعرابي رجلاً فقال: إن الناس يأكلون أماناتهم لقماً وفلان يحسوها حسواً10. وقيل لأعرابية: أين بلغتْ قِدْرك؟ فقالت: حين قام خطيبها11. وقال بعضهم: من ركب ظهر الباطل نزل دار الندامة. وقيل

_ 1 من أكابر التابعين صلاحًا وصدق رواية وحفظًا للحديث، وكان فقيه العراق وإمامًا مجتهدًا صاحب مذهب، وهو من أهل الكوفة، مات عام 96هـ، وقد سبق ذكر له في الشرح. 2 الكدنة: السنام والشحم والمراد الهيئة. 3 راجع الرواية في الصناعتين ص274. ويروى: فغر فمه: فتحه. وقعد أصوب. 4 أكثم بن صيفي حكيم العرب في الجاهلية وأحد المعمرين، أدرك الإسلام وقصد المدينة عام 9هـ مع جماعة من قومه ليسلموا فمات في الطريق "الأغاني 70/ 15". 5 دعامة كل شيء: عماده. 6 في رواية: وقرع، كما في البيان والصناعتين. 7 خطيب بليغ ومتكلم فصيح عاصر الدولة الأموية وجالس السفاح، وتوفي في أول عهده عام 133هـ، وكان بخيلًا مطلاقًا، وقال فيه الجاحظ: هو من الخطباء المشهورين في العوام المقدمين في الخواص وكان يقارض شبيب بن شبيب ... إلخ "البيان 219، 220/ 1، 228/ 2". 8 رواية الجاحظ: يملأ العين جمالًا "264/ 3 البيان". 9 صفرت: خلت. عياب: جمع عيبة وهي الحقيقة. 10 اللقم: الابتلاع. وحسا المرق من باب عدا: شربه شيئًا بعد شيء. 11 تريد صوت مائها وهو يغلي.

لأعرابي: كم أهلك؟ قال: أب وأم وثلاثة أولاد، أنا سبيل عيشهم. وقيل لرؤبة1: كيف خلَّفت ما رواءك؟ قال: المراد يابس والمال عابس2. ومن الاستعارة قول امرئ القيس3 "من الطويل": وليل كموج البحر أرخى سدوله ... عليَّ بأنواع الهموم ليبتلي فقلت له لما تمطَّى بصلبه ... وأردف أعجازاً وناء بكلكل4 هذا كله من الاستعارة؛ لأن الليل لا صلب له ولا عجز، وقال "من الطويل: يضيء سناه أو مصابيح راهب ... أمال السليط بالذبال المفتل5 أردنا من البيت قول: "أمال السليط". وقال زهير6 "من الطويل":

_ 1 يعرف الأدب العربي بهذا الاسم ثلاثة "121، 122 المؤتلف للآمدي" وأشهرهم رؤبة بن العجاج التميمي، راجز فصيح مشهور من مخضرمي الدولتين، كان أكثر إقامته في البصرة، وأخذ عنه كثيرون من رجال اللغة، وكانوا يرون إمامته فيها ويحتجون بشعره، ولما مات قال الخليل: دفنا الشعر واللغة والفصاحة، مات بالبادية عام 145هـ. 2 رواية الجاحظ: قال عتبة بن هارون قلت لرؤبة: كيف خلفت ما وراءك؟ قال: التراب يابس والمرعى عابس "83، 126/ 2 البيان". المراد: المكان الذي يذهب فيه ويجاء، والمراد: الأرض التي كانت تهيأ للإنبات. يريد: قلة الماء وانعدام النبات وظهور الجدب. 3 إمام الشعراء ورأس الطبقة الأولى من الجاهليين، مات نحو عام 540م. 4 السدول: الستور. الابتلاء: الاختبار. تمطى: تمدد. الإرداف: الإتباع. الأعجاز: المآخير. الكلكل: الصدر. ناء: بعد. المعنى: رب ليل شبيه بأمواج البحر في هوله أرخى عليَّ سدول ظلامه مع أنواع الأحزان ليختبرني أأصبر أم أجزع حتى تمنيت أن ينكشف الليل وينجلي بنور الصباح لما أفرط طوله وبعدت أوائله وازدادت أواخره طولًا. يفتخر بالصبر والجلد وتحمل آلام الأحزان في ظلام الليالي الطوال. 5 السنا: الضوء. السليط: الزيت. الذبال: الفتيل. المعنى: أن هذا البرق يتلألأ ضوؤه وهو شبيه في لمعانه بمصابيح الراهب إذا أفعم صب الزيت عليها فتكون أشد إضاءة. 6 من فحول الطبقة الأولى من الشعراء الجاهليين وصاحب هرم بن سنان، وشعره مختار مهذَّب بعيد عن الحوشية والمعاظلة، ومات قبل الإسلام.

إذا لقحت حرب عوان مضرة ... ضروس تهر الناس أنيابها عصل1 تهر: أي تحملهم على أن يكرهوا، يقال: هرّ فلان كذا إذا كرهه، وأهررته أنا: حملته عليه، وهرير الكلب صوت يردده إلى جوفه إذا كره الشيء أو الشتاء لشدّة البرد أو لغيره، وقال أبو سعيد2: القول تهر ومن قال: تهر الناس أراد أنها أساءت أخلاقهم لشدتها، وتهر كأنها تنبح في وجوههم. وقال أيضاً "من الطويل": صحا القلب عن سلمى واقصر باطله ... وعرى أفراس الصبا ورواحله3 وقال أيضاً "من الوافر": إذا سدت به لهوات ثغر ... يشار إليه جانبه سقيم4

_ 1 لقحت: حملت، والمراد: اشتدت، وضرب اللقاح مثلًا لشدتها. العوان: الحرب التي قوتل فيها مرة بعد مرة. الضروس: العضوض السيئة الخلق. تهر الناس: قال الأعلم الشنتمري: أي تصيرهم يهرونها أي يكرهونها. العصل: الكالحة المعوجة، وضربها مثلًا لقوة الحرب وقدمها. وقال قدامة: أراد أن هذه الحرب قديمة قد اشتد أمرها كما يكون ناب البعير أعصل إذا طال عمره واشتد "105 نقد الشعر". 2 أبو سعيد عبد الملك بن قريب الأصمعي، راوية العرب وأحد علماء اللغة، ولد ومات بالبصرة عام 216هـ، وكان وثيق الصلة بالرشيد. 3 المعنى: صحا القلب عن حب سلمى وكف باطله أي صباه ولهوه، وتعرية أفراس الصبا مثل ضربه أي أنه ترك الصبا وركوب الباطل، والتقدير: وعرى أفراس ورواحل كنت أركب بها في الصبا وطلب اللهو. 4 لهوات الثغر: مداخله جمع لهاة؛ وهي مدخل الطعام في الحلق استعارة لمدخل الثغر. والثغر: الموضع المخوف الذي ينفذ منه الأعداء، ويشار إليه صفة لثغر أي يهتم به ويذكره، وجانبه سقيم: أي جانب الثغر مخوف يخشى القوم أن يؤتوا منه فجعله سقيمًا لذلك، وسداد الثغر: تحصينه ومنع العدو منه، هذا رأي الأعلم الشنتمري، وأرى أن "يشار إليه" جواب الشرط أي يهتف به ويشار إليه، وهو مع ذلك لا يرى ما أتى به من بطولة شيئًا يستحق أن يزهى به، فهو سقيم من الحياء والتواضع.

وقال النابغة1 "من الطويل": وصدر أراح الليل عازب همه ... تضاعف فيه الحزن من كل جانب2 أراد قوله: أراح الليل عازب همه، هذا مستعار من إراحة الراعي الإبل إلى مباءتها: أي موضع تأوي إليه. وقال أيضاً "من الطويل": على أن حجليها إذا قلت أوسعا ... صموتان من ملء وقلة منطق3 وقال الأعشى4 "من الكامل": إذ لمتى سوداء أتبع ظلها ... غزلاً قعود بطالة أمشى ددا5 وقال أيضاً "من الطويل": سما لابن هر في العثار بطعنة ... تفور على سرباله نعراتها6

_ 1 شاعر ذبيان في الجاهلية، كان من أشراف قومه، وتكسب بالشعر، وقصد به ملوك الحيرة والغساسنة، وهو من الطبقة الأولى من فحول الجاهليين، واشتهر باعتذارياته، وشعره محكم قوي، مات قبل البعثة بقليل. 2 أراح: رد. والعازب: البعيد الماضي المنصرف. 3 الحجل: الخلخال. المعنى: خلخالاها لا يتحركان من امتلاء ساقيها فهما في قدميها ضيقان مع سعتهما. 4 ميمون بن قيس صناجة العرب وأحد رجال الطبقة الأولى من الجاهليين، أستاذ الأخطل وأبي نواس في خمرياته، وكان لشعره دوي بين العرب، قصد الرسول فأغرته قريش بالمال، فعاد إلى بلده ومات في الطريق. 5 اللمة: الشعر الذي يجاوز شحمة الأذن. غزل: أي صاحب غزل. القعود: ما يقتعده الراعي في كل حاجة، والمعنى: ملازم بطالة. الدد: اللهو واللعب. المعنى: أنه كان كلفا بالنساء حين كان في نضارة الشباب يسير وفق لذاته ومآربه، صاحب غزل، وخدن لهو ولعب. 6 المعنى: أن هذا الممدوح سما -أي نهض وعلا- لهذا الرجل الشجاع فطعنه طعنة مميتة تركته تفور وتتدفق على قميصه الدماء المتصببة منها. والنعرة: صوت في الخيشوم جمعها نعرات، ونعر الجرح بالدم إذا فار، ونعر العرق فار منه الدم. العثار: الحرب. السربال: القميص.

وقال أيضاً "من الوافر": فإن الحرب أمسى فحـ ... ـلها في الناس مغتلما1 وقال أوس2 بن حجر "من الطويل": وإني امرؤ أعددت للحرب بعدما ... رأيت لها نابًا منالشر أعصلا3 وقال عنترة4 بن معاوية العبسي "من الكامل": جادت عليه كل بكر حرة ... فتركن كل قرارة كالدرهم5 البكر: أول السحاب، أراد أنها لم تمطر قبل ذلك. وقال مهلهل6 "من الكامل": تلقى فوارس تغلب ابنة وائل ... يستطعمون الموت كل همام7

_ 1 المعنى: أنها ضربت واشتدت وازدادت تماديًا، وكأن فحلها هائج ثائر تدفعه شهوة الحيوان لأن يقضي حاجاتها وأوطارها. 2 شاعر تميم في الجاهلية طويلًا ولم يدرك الإسلام، وفي شعره حكمة ورقة وجودة، مات قبل الهجرة بقليل. 3 ناب أعصل: كالح معوج كناية عن شدتها، ومفعول أعددت ذكره في أبيات تالية "قوسا ... ونبلًا ... ودرعًا ... وسيفًا ... وطرفًا ... إلخ". 4 أشهر فرسان العرب في الجاهلية ومن شعرائها المعدودين ومن أصحاب المعلقات، مات قبل الهجرة بأكثر من عشرين عامًا. 5 البكر من السحاب التي لم تمطر قبل، وفي شرح المعلقات أنها ما سبق مطره. الحرة: الخالصة من البرد والريح. والمعنى: مطرت على هذه الروضة كل سحابة سابقة المطر لا برد ولا ريح حتى تركت كل حفرة كالدرهم لاستدارتها بالماء وبياض مائها وصفائه. 6 عدي بن ربيعة أخو كليب وائل الذي هاج بمقتله حرب البسوس، وهو شاعر مجيد وخال امرئ القيس من بني تغلب، وكان الشعر في الجاهلية في ربيعة ومهلهل هذا أولهم، ولقب مهلهلًا لأنه أول من هلهل الشعر: أي رققه، وينكر ذلك المعري في رسالة الغفران "ص105". 7 يصف أبطال تغلب -من قومه- بالشجاعة والقوة والظفر، فهم يناضلون ويذيقون الموت كل سيد كريم.

وقال الأفوه الأودى1 "من الرمل": ملكنا ملك لقاح أول ... وأبونا من بني أود خيار2 قال أبو سعيد: اللقاح من العرب الذين لا يدينون للملوك، وهو مأخوذ من لقاح الإبل؛ أي: هم مستغنون بما عندهم من العز عن غيرهم. وقال علقمة بن عبدة3 "من البسيط": بل كل قوم وإن عزوا وإن كرموا ... عرفهم بأثافي الشر مرجوم4 وقال المسيب بن علس5 "من المتقارب": وإنهم قد دعوا دعوة ... يتبعها ذنب أهلب6 وقال الأسود بن يعفر7 "من الوافر":

_ 1 شاعر جاهلي قديم، ورائيته -التي منها هذا البيت- في هجاء الجرهميين، جمعها صاحب الطرائف الأدبية. 2 يفخر بحسب عشيرته ومجدهم وعزهم. واللقاح من العرب: هم الذين لا يدينون للملوك، وهو مأخوذ من لقاح الإبل؛ لأن الناقة إذا لقحت لم تطاوع الفحل. 3 من بني تميم شاعر جاهلي عاصر امرأ القيس ومات قبل الهجرة بنحو سبعين عامًا. 4 العريف: سيد القوم وهو النقيب دون الرئيس. الأثافي: هي الحجارة يحمل عليها القدر واحدتها أثفية واستعار للشر أثافي، يريد: أن الموت لا يترك زعيمًا ولا سيدًا مهما كان مجده ومنعة قومه، ويروى بدل الشر: الدهر. 5 شاعر جاهلي قديم اسمه زهير بن علس والمسيب لقب له، وله في المفضليات قصيدة عينية مختارة "ص17 المفضليات". 6 لعل المعنى أنهم أحدثوا بدعة لها عواقبها الوخيمة. والهلب: كثرة الشعر، والأهلب: الذي لا شعر له أيضًا. 7 أعشى بني نهشل بن دارم شاعر جاهلي مشهور، وله قصيدتان مختارتان في المفضليات، وجمع ما بقي من شعره في ذيل ديوان الأعشى، وهو من سادات تميم ومن قوم الفرزدق، مات قبل الهجرة بأكثر من عشرين عامًا، وشعره فيه قوة وجزالة وطبع وحكمة.

فأدِّ حقوق قومك واجتنبهم ... ولا يطمح بك العز الفطير1 قال أبو سعيد: أراد عزاً ليس بالمحكم، كما أن الفطير من العجين ليس بمستحكم، والفطير في غير ذا: الجلد الذي لم يدبغ. وقال طفيل2 "من الكامل": وجعلت كوري فوق ناجية ... يقتات شحم سنامها الرحل3 وقال أيضاً "من الطويل": جذت حول أطناب البيوت وسوفت ... مراداً فإن تقرع عصا الحرب تركب4 سوفت: شمت. مرادها: الموضع الذي ترود فيه. وقال الحارث بن حلزة5 "من الكامل": حتى إذا التفع الظباء بأطراف ... الظلال وقلن في الكنس6 قال أبو سعيد: التفع من اللفاع وهو اللحاف الذي يلتفع به ثم صار كل ثوب

_ 1 كل شيء أعجلته عن إدراكه فهو فطير. والمعنى: أدِّ لقومك ما لهم عليك من حقوق مع اجتنابهم وعدم انتظار شيء منهم، ثم لا يطمح بك العز الذي لم يستحكم أمره إلى غايات لا يستطيع الوصول بك إليها. 2 طفيل الغنوي شاعر جاهلي شجاع، وأوصف العرب للخيل، وربما سمي طفيل الخيل لكثرة وصفه لها، عاصر النابغة زهيرًا ومات نحو 13 ق هـ. 3 الكور: الرحل بأداته. الناجية: الناقة الكريمة. يذكر سفره على ناقة كريمة قد أضناها السفر وأذاب شحم سنامها ملازمة الرحل لها في الظعن والارتحال. وفي الأصل: لحم بدل شحم. 4 جذ: ثبت قائمًا أو قام على أطراف أصابعه. التسويف: الشم. المراد: الموضع الذي يراد فيه أي يجاء ويذهب. وقرع عصا الحرب كناية عن الدعوة إليها. يصف فرسه بأنها واقفة حول أطناب الخيام، فإذا دعا داعي الوغى امتطيت وسير عليها إلى الميدان، والمراد: الافتخار بالبطولة والاستعداد الدائم للحرب. 5 أحد أصحاب المعلقات، ويعد في الطبقة الثالثة من الجاهليين، مات سنة 5 ق هـ. 6 الظلال: ما يظلل الإنسان من شجر ونحوه، القائلة: الظهيرة أو النوم فيها وقال فهو قائل. الكنس: جمع كناس وهو موضع الظبي في الشجر يكتن فيه ويستتر.

يجلل1 به الإنسان لفاعًا. وقال عمرو بن كلثوم2 "من الطويل": ألا ابلغ النعمان عني رسالة ... فمجدك حولي ولؤمك قارح3 وقال النابغة الجعدي4 "من المتقارب": إذا أغلق الأمر أبوابه ... وعىّ ذوو الحزم بالمذهب علا بهم لجة مهلكاً ... وإن يطف أصحابه يرسب5 وقال الحطيئة6 "من الطويل": ألا من لقب عارم النظرات ... يقطع طول الليل بالزفرات7 وقال أبو ذؤيب الهذلي8 "من الكامل":

_ 1 أي: يغطي. 2 شاعر جاهلي ساد قومه شابًّا وعمر طويلًا وقتل الملك عمرو بن هند، وأشهر شعره معلقته النونية، وفي شعره سهولة واعتداد بالنفس والقبيلة، مات عام 40 ق هـ. 3 يقول: إن مجده ناشئ ضئيل -والحولي من الإبل ما أتى عليها حول- ولؤمه قديم متأصل كهل، والقارح من الإبل ما أتى عليها خمس سنين. 4 أبو ليلى حسان بن قيس بن عبد الله الجعدي العامري، شاعر مفلق صحابي معمر، واشتهر في الجاهلية وسمي النابغة لنبوغه في الشعر بعد سن عالية، وفد على الرسول فأنشده فدعا له، وشهد صفين مع علي ثم سكن الكوفة، فسيره معاوية إلى أصبهان مع أحد ولاتها فمات فيها نحو عام 80هـ، وقد جاوز المائة بكثير. 5 أغلق الأمر أبوابه: كناية عن إشكال الأمر والتباسه وعدم تبين الطريق فيه، عي بالأمر: لم يهتد لوجهه. المذهب: الطريق والرأي. علا في المكان من باب سما. رسب: سفل. لجة الماء: معظمه. المهلك: هو الهلاك. طفا: رسب، يصف ممدوحه بثقوب الرأي وسداده حين تشتبه الأمور وتظلم وجوه الرأي ويعي أولو الحزم بطريق السداد. 6 شاعر مخضرم مجيد كان راوية زهير، وفي شعره قوة طبع وشدة أسر ويكاد يكون الفذ في طبقته، مات نحو سنة 30هـ. 7 العارم: الخبيث النظر. 8 شاعر مخضرم ومرثيته -في أبنائه الخمسة الذين هاجروا إلى مصر في عهد عثمان فماتوا في عام واحد- رائعة، وهو راوية ساعدة بن جؤبة الهذلي، وخرج مع عبد الله بن الزبير في غزوة فمات في خلافة عثمان "راجع ص19 المؤتلف، و154 الشعر والشعراء".

وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفع1 وقال أبو خرش الهذلي2 "من الطويل": أراد شجاع البطن قد تعلمينه ... وأوثر غيري من عيالك بالطعم3 وقال لبيد4 "من الكامل": فبتلك إذا رقص اللوامع بالضحى ... واجتاب أردية السراب إكامها5 وقال أيضاً "من الكامل": وغداة ريح قد كشفت وقرة ... إذا أصبحت بيد الشمال زمامها6

_ 1 أنشبت: أعلقت، ونشب في الشيء: علق فيه. التميمة: عوذة تعلق على الإنسان. المنية: الموت. ألفى: وجد. 2 شاعر مخضرم أدرك الجاهليةوالإسلام وأسلم يوم حنين، وقصيدته الضادية في الحماسة "232/ 1". 3 الشجاع: الثعبان، وشجاع البطن كناية عن ألم الجوع، وهو خرافة كانت تتحدث به العرب. 4 لبيد بن ربيعة العامري أحد الشعراء الفرسان الأشراف الأجواد، وأحد أصحاب المعلقات، أسلم وترك الشعر، وسكن الكوفة وعمر طويلًا، وهو في شعره بدوي يصف حياة البادية والصحراء، وفيه جزالة وقوة غرابة واستقصاء للمعاني، وإشادة بنفسه وقومه، وفي شعره في كهولته حكمة وقوة شعور ديني، مات سنة 41هـ عن 157سنة. 5 المعنى: أقضي حوائجي بتلك الناقة في وقت الحر الشديد. ورقصت لوامع السراب: أي تحركت، وهو كناية عن احتدام الهواجر، وكذلك قوله: لبست الأكام "جمع أكمة". أردية: "جمع رداء" من السراب. 6 القرة: البرد. المعنى: كم من غداة تهب فيها الشمال -وهي أبرد الرياح- وبرد قد ملكت الشمال زمامه، قد كففت عادية البرد -الذي يلازمه الجدب- عن الناس بنحر الجزور وإطعام الطعام.

وقال أوس بن مغراء1 يهجو بني عامر2 "من الطويل": يشيب على لؤم الفعال كبيرها3 ... ويغذى بثدي اللؤم فيها وليدها وقال مزرد4 "من الطويل": عسوف السرى خبازة في عشائها ... رءوس الأفاعي بين خف ومنسم5 هو6 ضربها بيدها، ومنه أخذ الخبز لإلصاقه بالتنور. وقال الأخطل7 "من الطويل": وأهجر هجراناً جميلاً وينتحى ... لنا من ليالينا الأوائل أول8 وقال جرير9 "من الطويل":

_ 1 شاعر جاهلي أدرك الإسلام. 2 هم بنو عامر بن صعصعة من قيس عيلان. 3 أنث الضمير لرجوعه على القبيلة. 4 من غطفان واسمه يزيد، وهو أخو الشماخ، ولقب مزرد لبيت قاله، وهو طويل النفس في شعره، وفي شعره جزالة وجودة سبك وكثرة افتنان، وله قصيدتان في المفضليات. 5 العسف: الأخذ على غير الطريق، والعسوف: الظلوم. خبازة: صيغة مبالغة من الخبز. العشاء: عدم الإبصار ليلًا والإبصار نهارًا. الأفاعي: الحيات. الخف: واحد أخفاف البعير. والمنسم: خف البعير. يصف ناقته بالجلد والقوة واحتمال آلام السير بالليل ورغم ظلامه وما يصاحب السائر فيه من ضعف البصر والتعرض للأذى. 6 أي قوله: "خبازة". 7 تغلبي نصراني، ولد في أوائل خلافة عمر، وكان شاعر عبد الملك بن مَرْوان السياسي، واشترك في ملحمة جرير والفرزدق، ومات سنة 95هـ، ويمتاز بتنقيح الشعر وجودة المدح ووصف الخمر. 8 نحا بصره عنه: عدله. 9 من كليب من يربوع من تميم، ولد في خلافة عثمان باليمامة من أسرة شاعرة، ثم نظم القريض ونبغ فيه وهجا كثيرًا من الشعراء فأخملهم، وهاجى الفرزدق عشر سنين وهو مقيم باليمامة، ثم انحدر إلى البصرة مقيمًا بها، واتصل بولاة العراق ومات سنة 100هـ، وهو عميد الشعراء الإسلاميين، وشعره شعر الطبع المتدفق، وامتاز برقة النسيب وسطوة الهجاء وروعة المدح وبقوة شعره السياسي.

لحقت وأصحابي على كل حرة ... مروح تباري الأخنسي المكاريا1 وقال المرار الفقعسي2 "من البسيط": والقوم قد طلحوا والعيس رازحة ... كأن أعينها نزح القوارير3 وقال الفرزدق4 "من الطويل": ليغمز عزاً قد عسا عظم رأسه ... قراسية كالفحل يصرف بازله5 ومن البديع والاستعارة من كلام المحدثين وأشعارهم قول مالك بن دينار6:

_ 1 ناقة حرة: أي كريمة. مروح: ذات نشاط في السير. تباري: تعارض. الخنساء: البقرة الوحشية، والخنس: الظباء والبقر. والمكاري: الذي يكرو في مشيته: أي يثب وثبًا. 2 إسلامي كثير الشعر "176 المؤتلف، 408 معجم الشعراء". 3 طلح: أضناه السفر. العيس: الإبل يخالط بياضها شيء من الشقرة. رازحة: مجدة في السفر مهزولة منه، ورزحت الناقة: سقطت إعياء أو هزالًا. أعين: جمع عين. نزحت الدار: بعدت. القوارير: جمع قارورة؛ وهي حدقة العين. 4 تميمي دارمي، ولد عام 14هـ بالبصرة، وهاجى جريرًا أكثر من نصف قرن، ومات عام 110هـ، وفي شعره بعض غرابة وتعقيد، وقد ضمنه كثيرًا من أخبار العرب وشعرها، والهجاء والفخر والمدح هي الفنون التي غلبت عليه، وشعره في أسلوبه حصيف قوي الأسر. 5 نسب قدامة البيت إلى المخبل "106 نقد الشعر". يغمز: يصيب ويطعن. عسا الشيء: يبس وصلب. القراسية: الضخم الشديد من الإبل أو البعير الأضجم والضجم اعوجاج في الفم كما يقول الجاحظ "57/ 1 البيان" الفحل: معروف. البازل: الناب يطلع في سن التاسعة. يقول: عزنا قديم ثابت راسي الدعائم لا ينال منه الطاعن عليه منالًا. 6 بصري عالم ناسك زاهد ورع محدث، توفي عام 131هـ.

القلب إذا لم يكن فيه فكرة خرب. ورأى المأمون1 بعض ولده في يده دفتر فقال: ما هذا يا بني؟ فقال: بعض ما يشحذ2 الفطنة ويؤنس في الوَحْدَة، فقال المأمون: الحمد لله الذي أراني من ذريتي من ينظر بعين عقله. وقال المنصور3 لمحمد بن عمران التيمي4 قاضي المدينة: بلغني أنك بخيل، قال: والله ما أجمد في حق ولا أذوب في باطل. وقال إسحاق بن ابراهيم الموصلي5: حدثني أبو دلف6 قال: دخلت على الرشيد7 وهو في طارمة8، وإذا بباب الطارمة شيخ جليل على طنفسة9، فلما سلمت قال لي الرشيد: كيف أرضك؟ قلت: خراب يباب، خربها الأعراب والأكراد، فقال قائل: هذا آفة الجبل10 هو أفسده، فقلت: فأنا أصلحه، فقال الرشيد: وكيف ذاك؟ قلت: أفسدته وأنت عليَّ فأصلحه وأنت معي11، فقال الشيخ

_ 1 الخليفة العباسي المشهور، ولي الخلافة عام 198 ومات عام 218. 2 شحذ السكين: حدها. 3 ثاني خلفاء بني العباس، ولي الخلافة عام 136 ومات عام 158هـ. 4 تجد بعض أخباره في الأغاني "152/ 1، 90/ 4، 87/ 6" وهو مدني من رجال العلم والفقه والفتيا بها على عهد المنصور، وتوفي في عهد المهدي، وله ابن يسمى عبد الله ولاه الرشيد قضاء المدينة ومكة ثم عزله ومات بالري عام 189هـ "61/ 10 تاريخ بغداد". 5 علم في الغناء والموسيقى، وكان شاعرًا عالمًا أديبًا، ولد ومات ببغداد، ونادم كثيرًا من الخلفاء "155-235هـ". 6 قائد عباسي كان في جيش الرشيد، وقربه المأمون، وتوفي عام 225هـ. 7 الخليفة العباسي الخامس العظيم، ولي الخلافة عام 170هـ بعد أخيه الهادي بن المهدي، ومات بطوس سنة 193هـ. 8 بيت من خشب فارس معرب. 9 بالفتح والكسر واحدة الطنافس. 10 إقليم بين أذربيجان وعراق العرب. 11 راجع: الرواية في زهر الآدب "131، 132/ 1".

إن همته لترمي به من وراء نسه مرمى بعيداً1، فسألت عنه فقيل لي: العباس بن الحسن العلوي2. ووقع بين أحمد3 بن يوسف وبين رجل شر بين يدي المأمون، فقال أحمد للمأمون: قد -والله- رأيته يا أمير المؤمنين يستملي عن عينيك ما يلفاني4 به. وقال الرشيد وقد أنشده النمري5 "من البسيط": ما كنتُ أوفي شبابي كنه غرته ... حتى انقضى فإذا الدنيا له تبع6 وما خير الدنيا لا يخطر7 فيها برداء الشباب. وكتب خالد بن برمك8 إلى ابنه يحيى9 لعمرو10 بن عثمان التيمي: عافانا الله وإياك من السوء برحمته، قد عرفت حال عمرو بن عثمان التيمي، وتقادم وده، وانخراطه في سلكنا، فتول

_ 1 وكان أبو دلف في ذلك الوقت شابًّا، وهذه الجملة يسندها الحصري إلى الرشيد. 2 هو العباس بن الحسن بن عبيد الله بن عباس بن علي بن أبي طالب، شريف هاشمي شاعر أديب، عاصر الرشيد والمأمون وقرباه لسنه وأدبه "130/ 1 زهر الآداب" وقد حرف ناشر زهر الآداب اسم والده فجعله الحسين، وفي الإمتاع والمؤانسة كلمة بليغة له "144، 145/ 2". 3 كاتب بليغ اشتهر في زمن المأمون، وله كتب ورسائل في نهاية البلاغة، وله ترجمة كبيرة في الأوراق للصولي قسم أخبار الشعراء "ص206- 236" ومات عام 213هـ. 4 في الأصل: تلقاني. 5 منصور النمري شاعر عباسي رقيق، مدح الرشيد وكان يتعصب للعلويين، وهو من فحولة الشعراء في عصر الرشيد، وكان تلميذ التعابي وراويته، وقربه العتابي من البلاط العباسي، ثم حدثت بينهما جفوة فتهاجيا، وشعره -كما يقول إسحاق الموصلي فيه- غريب المبنى قريب المعنى سهل الكلام صعب المرام سليم المتون كثير العيون "65-69/ 13 تاريخ بغداد". 6 كنه الشيء: نهايته. الغرة: الغلفة وقلة التجربة. 7 خطر الرجل: اهتز في مشيه وتبختر. 8 من أسرة فارسية عريقة "90-163هـ"، وزر للسفاح والمنصور "358/ 2 الخزانة تصحيح محيي الدين"، ومدحه بشار عام 158هـ وهو والٍ على الموصل. 9 ابن خالد، ووالد الرشيد رضاعًا ومربيه ووزر للرشيد "120-190هـ". 10 من أنصار البرامكة، وكان قاضي البصرة في عهد المهدي، وله أخبار مع أبي نواس "ص4/ 18 الأغاني"، وفيه يذكر اسمه عمر لا عمرو، ولعله تحريف.

من أمره ما يشبهك أو يشبهه، فأمر له يحيى بألف ألف درهم. وقال إسحاق1: قلت للعباس بن الحسن2: إني لأحبك، فقال: رائد3 ذاك معي، وذكر له رجلًا فقال: دعني أتذوَّق فراقه، فهو والله لا تشجي4 به النفس، ولا تكثر في أثره الالتفات. وكتبت إلى بعضهم: إنما قلبي نجى5 ذكرك ولساني خادم شكرك. وكتبت في بعض الكتاب: قد طالت علتك أو تعالك واشتد شوقنا إليك فعافاك الله مما بك من مرض في بدنك أو إخائك ولا أعدمناك. وقال عبد الله6 بن إدريس قال: كان لي جار معتوه فقلت له يوماً: ما أجود الشعر؟ فقال: ما لم يحجبه عن القلب شيء، انظر إلى قوله "من الطويل": ألا أيها النيام ويحكمو هبوا7 وأنشده بصوت جهير، ثم قال: أعرابي استأذن على القلب فلم يؤذن له، ثم أنشد "من الطويل": أسائلكم هل يقتل الرجل الحب8

_ 1 هو إسحاق الموصلي الذي مرت ترجمته. 2 مرت ترجمته. 3 الرائد: الذي يتقدم القوم في طلب الماء والكلأ. 4 شجاه: حزنه، أشجاه: أغصه. وتذوقه: ذاقه مرة بعد مرة وشيئًا بعد شيء. 5 النجي: الذي تساره واحدًا أو جماعة. 6 كوفي محدث ورع أراد الرشيد أن يوليه القضاء فأبَى، مات عام 193هـ وهو غير ابن إدريس الشافعي م سنة 204هـ. 7 شطر بيت لجميل بين معمر العذري "وراجع 13، 14 الشعر والشعراء، وص13 من فصول التماثيل لابن المعتز، و7/ 4 العقد الفريد طبع القاهرة 1928". 8 عجز الشطر السابق وهو لجميل، والبيت تجده في الأمالي "298/ 2".

بصوت لين، ثم قال: هذا مخنث استأذن على القلب فأذن له. وقال أبو عبد الله الزبيري1: ما سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- أحداً يحمد الله إلا جاذبه الحمد. وقال عمر2 بن عبد العزيز: وجبت حجة الله على ابن الأربعين، وأنشد "من الطويل": إذا المرء وفى الأربعين ولم يكن ... له دون ما يأتي حياء ولا ستر فدعه ولا تنفس عليه الذي مضى ... وإن مد أسباب الحياة له العمر3 يقال: نفست بالشيء على فلان أنفس: إذا بخلت به عليه. وكان رجل من أهل أدب له أصحاب يشرب معهم وينادمهم فدعوه فلم يجبهم فقالوا: ما منعك؟ قال: دخلت البارحة في الأربعين، وأنا استحي من سني. وحج المهدي4 فمر ببلاد بني جعفر5، فقالت امرأة منهم: أي شرف وجمال لو أن الله دعمه6 بأم جعفرية. وقال يحيى بن خالد: العقل خادم للجهل. وقال بعضهم في رسالة: وحصن الله وليه، وأوقع بأسه بجرثومة7 الضلال، ومناخ8 الشرك،

_ 1 لعله أبو عبد الله الزبير بن بكار من أحفاد الزبير بن العوام، وكان عالمًا راوية ولي قضاء مكة وتوفي بها عام 256هـ، ويقال لمصعب بن الزبير: الزبيري "110/ 12 الأغاني، 15 الأوراق للصولي قسم أشعار أولاد الخلفاء ط 1936" ومصعب مدني نسابة وهو عم الزبير بن بكار ومات عام 236هـ. وقال في المرزباني: إنه كان شاعرًا راوية. 2 الخليفة الأموي العادل المتوفَّى سنة 101هـ. 3 هما -كما في سر العربية للثعالبي- للأقيشر الأسدي، وهو أحد مجان الكوفة وشعرائهم، هجا عبد الملك ورثى مصعب بن الزبير "راجع: 56 المؤتلف، 369 معجم الشعراء"، وينسبان لأيمن بن خريم كما في الأمالي، وهما في البيان والتبيين "215/ 3" مع تغيير في الرواية. 4 الخليفة العباسي الثالث، ولي الخلافة بعد أبيه المنصور عام 158هـ وتوفي عام 169. 5 هم بنو جعفر بن كلاب العامري، وبلادهم كانت بنجد. 6 دعم الشيء: جعل له دعامة، والدعامة: أساس البيت. 7 جرثومة الشيء: أصله. 8 المناخ: موضع الإناخة والبرك.

ومركز الظلم، بعد طول الإملاء1، وقلة المراقبة والارعواء2. وقال آخر: الاستطالة3 لسان الجهالة. وقال ذو الرياستين4: الطب استدامة الصحة، ومرمة5 السقم. وكتب ابن مكرم6 في تعزيته أحمد بن7 دينار بأخيه: ليس لأهله وولده مرجع إلا غيرك، ولا مقيل8 إلا في ظلك، فأنشدك الله فيهم؛ فإنه خربهم بعمارة مروّته9. ولإبراهيم بن العباس10 في بعض كتبه: إن أحق من أشاد بنعمة، ناطقاً بلسان شكرها، من ألبس من نعمة أعز ملابسها، وحبى أفضل مواهبها، كتبت إليك وأمير المؤمنين من لين الطاعة، واتساق الكلمة، ممن في بلدانه وحواشي سلطانه، على ما يحمد الله عليه ويستزيده منه. وقال يحيى بن خالد: الشكر كفاء11 النعمة، ولبعضهم: فأتيتك حين أنفد12 الصبر مدته، وبلغ المكروه غايته، ولم يبقَ من الستر إلا ما يشف دونه. ولبعضهم في رسالة:

_ 1 الإملاء: الإمهال. 2 الارعواء: الكف. 3 الاستطالة: التطاول على الناس. 4 هو الأفضل بن سهل وزير المأمون، ولي له الوزار وقيادة الجيش فلقب ذا الرياستين، مات مقتولًا عام 202هـ. 5 رم الشيء مرمة: أصلحه. 6 محمد بن مكرم الكاتب، وله مع أبي العيناء أخبار مشهورة "444 معجم الشعراء"، وتوفي نحو عام 285هـ. 7 من رجال الدولة العباسية وأعيانها، توفي نحو عام 280. 8 المقيل: النوم في الظهيرة. 9 أي: مروءته، يريد: أن عائلهم كان جوادًا فلم يترك لهم مالًا مؤثرًا عمارة مروءته ولو كان فيها شقاء ذريته وإقتار أسرته. 10 الصولي الشاعر الكاتب البليغ، كان يلقب بكاتب العراق وتولى ديوان النفقات للمتوكل، وشعره مجموع في مجموعة الطرائف الأدبية، مات سنة 243هـ. 11 الكفء: النظير، وكفاه وكافأه: جزاه. 12 نفد الشيء: فَنِيَ، وأنفده: أفناه.

إن شدة الحجاب تنغل1 أديم المودة. ودخل أبو سعيد2 المخزومي على إسحاق بن ابراهيم المصعبي3 فأنشده قصيدة، وكان حسن الإنشاد، ثم دخل بعده الطائي4 فأنشده، وكان رديء الإنشاد، فقال المصعبي للطائي: لو رأيت المخزومي أنشدنا آنفاً!! فقال الطائي: أيها الأمير، نشيد المخزومي يطرق5 بين يدي نشيدي. وحدثني أبو عبد الله6 قال: قال الحسن7 بن سهل: خرير الماء لحن العمارة8. ولأعرابي في البرق "من الطويل": إذا شيم أنف الليل أومض وسطه ... سناً كابتسام العامرية9 شاعف وقال أبو نواس "من الكامل":

_ 1 أنغل الأديم: أفسده في الدباغ. 2 شاعر عباسي مقل مجيد، هجا دعبلًا ومدح المأمون وكان يعاصر أبا تمام "260 معجم الشعراء" وقد حرف في المعجم إلى أبي سعد، ونعته الجاحظ في البيان بأنه دعي بني مخزوم "143/ 3". 3 من بني مخزوم صاحب شرطة بغداد أيام المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل، مات عام 235. 4 هو أبو تمام الشاعر م123هـ. 5 طرقت القطاة: حان خروج بيضها، وطرق فلان بحقي: جحده ثم أقرَّ به، وطرق الإبل: حبسها عن الكلأ، وطرق لها: جعل لها طريقًا. 6 هو محمد بن داود الجراح الكاتب العالم، عمه علي بن عيسى الوزير، وكان صديق ابن المعتز، وكان له رغبة في أن يلي ابن المعتز الخلافة، وولى له الوزارة لما تقلدها، ولما فشلت حركة ابن المعتز قبض عليهما ولقيا حتفهما عام 296هـ، وله كتاب في الشعر والشعراء، وله ترجمة في تاريخ بغداد "255/ 5"، وكان ميلاده سنة 243هـ. 7 وزير المأمون وصهره "أبو زوجه بوران"، توفي عام 236هـ، ولبثت بوران بعد المأمون مدة طويلة وتوفيت عام 271هـ، وقد روى صاحب العقد قصة زواج المأمون بها، وهي أسطورة أدبية رائعة. 8 يريد أن الماء بشير بالخصب والعمران والرخاء. 9 شام البرق: نظر إلى سحابته أين تمطر. أنف الليل: أوله. وسط: ظرف. السنا: الضوء. والعامرية: محبوبته. شعفه الحب: أحرق قلبه أو أمرضه.

صهباء تفترس العقول فما ترى ... منها بهنّ سوى السبات جراحا1 وقال آخر "من الكامل": أما الطلول فمخبرا ... ت أنهم ظعنوا قريبا أخذتني الأحزان حيـ ... ـن وقفت فيها والكروبا فتركن في قلبي الندوبا ... وزرعن في رأسي المشيبا2 وقال أبو الشيص3 "من الخفيف": ربع دار مدرس العرصات ... وطلول ممحوة الآيات خفق الدهر فوقها بجناحيـ ... ـن مريشين بالبلى والشتات4 وقال سليمان5 بن أبي الجنوب بن مَرْوان بن أبي حفصة "من الكامل": يتبعن جاهلة الزمام كأنها ... إحدى القناطر وهي حرف ضامر6

_ 1 الصهباء: الخمر. السبات: النوم وأصله الراحة. والجراح: جمع جرح. 2 الطلول: ما شخص من آثار الديار. ظعنوا: رحلوا. أحذاه: أعطاه. الندب: أثر الجرح الباقي على الجلد، جمعه ندوب، ويروى: في قلبي بدل رأسي. 3 هو محمد بن رزين الخزاعي، ابن عم دعبل، عاصر الرشيد، شاعر مطبوع سريع الخاطر رقيق اللفظ عاصره أبو نواس ومسلم وقتل عام 196هـ "104/ 15 الأغاني" وتهاجى هو ومسلم، وكان لأبي الشيص طبع ولمسلم إدمان "147/ 2 شرح الحماسة". 4 درس الرسم: عفا، ودرس مضعف درس. الربع: الدار. العرصة: كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بناء. الطلل: ما شخص من آثار الديار. محا الشيء فهو ممحو. الآية: العلامة. خفقت الراية: اضطربت. راش السهم: ألزق عليه الريش فهو مريش. البلى: مصدر بلي أي: خَلُقَ. الشتات: التفرق. 5 شاعر عاصر المتوكل، جده مَرْوان شاعر المهدي، ووالده شاعر أيضًا "راجع: 500 معجم الشعراء، 302 الموشح". 6 الضمير في: يتبعن للإبل. زمام البعير: خطامه، وجاهلة الزمام: كناية عن مرحها في السير. القناطر: جمع قنطرة وهي الجسر. ضامر: هزيل خفيف اللحم. الحرف: الناقة التي هزلها طول السفر.

وقال أبو نواس "من الكامل": في مجلس ضحك السرور به ... عن ناجذيه وحلت الخمر1 وقال مسلم "من الطويل": فأقسمت أنسى الداعيات إلى الصبا ... وقد فاجأتها العين والستر واقع قطفت بأيديها ثمار نحورها ... كأيدي الأسارى أثقلتها الجوامع2 وقال أشجع3 "من الطويل": وجارية لم تسرق الشمس نظرة ... إليها، ولم يعبث بأيامها الدهر4 وقال العتابي5 "من الطويل": ومعضلة قام الربيع6 إزاءها ... ليعمد ركن الدين لما تهدما غداة عدة الملك شاحذة المدى ... عليه وغلو الحرب فاغرة فما7

_ 1 الناجذ: آخر الأضراس. 2 الجوامع: جمع جامعة وهي الغل. أنسى: أي لا أنسى بحذف لا. وقع الستر: سقط. الأسارى: جمع أسير. 3 هو أبو الوليد أشجع السلمي، شاعر فحل عاصر بشارًا، ولد باليمامة ونشأ بالبصرة واتصل بجعفر البرمكي فقربه من الرشيد، وله ترجمة طويلة في الأوراق. قسم أخبار الشعراء "ص74-137 ط 1934 بالقاهرة" وتوفي عام 195هـ. 4 لم تسرق الشمس نظرة إليها: كناية عن لزومها الخدر لترفهها ونعمتها. 5 كلثوم بن عمرو التغلبي العتابي، كاتب بليغ وشاعر مجيد، مدح الرشيد، وتوفي عام 220هـ، وكان منصور النمري راويته وتلميذه "12/ 488 تاريخ بغداد"، وكان يجمع بين الخطابة والشعر الجيد والرسائل الفاخرة مع البيان الحسن، وعلى نهجه في البديع يقول جميع من يتكلف ذلك من المولدين "1/ 54 البيان والتبيين". 6 يمدح الفضل بن الربيع بن يونس م208هـ، وكان وزير الرشيد بعد البرامكة ثم وزير الأمين وصاحب تدبيره، وينوه في ذلك المدح بوالده الربيع بن يونس العدو اللدود للبرامكة المتوفَّى عام 170هـ. 7 الأبيات في زهر الآداب "250، 251 ج2". المعضلات: الشدائد. عمد الشيء: أقامه بعماد يعتمد عليه. شحذ السكين: حدها. المدى: جمع مدية وهي الشفرة. فغر فمه: فتحه.

وقال "من البسيط": إن البرامك لا تنفك أنجية ... بصفحة الدين من نجواهم ندب تجرمت حجج عشر ومنصلهم ... مضرج بدم الإسلام مختضب1 وقال "من الطويل": ومن فوق أكوار المطايا لبانة ... أحل لها أكل الذرى والغوارب فتى ظفرت منه الليالي بزلةٍ ... فأقلعْن عنه داميات المخالب2 وقال "من الكامل": ناهضتُّ بالحسنِ بن عمران العلا ... وتنبهت لذكائه آمالي سكتاته عدة وفي نطقاته ... تفريق بين قرائن الأموال لما لجأت إلى ذراك وأشرفت ... عنق من الحدثان قلت نزال3 وقال النمري للرشيد "من الوافر": مننت علي ابن عبد الله4 يحيى ... وكان من الحتوف على شفير

_ 1 أنجية: جمع نجي وهو الذي تساره. الندب: الجرح. تجرم: انقضى. حِجَج: جمع حِجة أي سنة. المنصل: السيف. مضرج: ملطخ بالدم، يرمي البرامكة بالكيد للإسلام والعمل على القضاء عليه، والأبيات في زهر الآداب "39/ 3". 2 أكوار: جمع كور وهو الرحل، لبانة: حاجة، أحل: في الأصل بالبناء للمفعول، ولا معنى لها؛ بل هي بالبناء للفاعل وفاعلها هو قوله: "فتى"، و"أكل" مفعولها، وأحل -أي أباح- للأكوار أكل الذرى والغوارب من هذه المطايا، كناية عن هزله لها بكثرة السفر. ذرى الشيء: أعاليه. الغارب: ما بين السنام إلى العنق. دُمي الشيء: تلوث بالدم. 3 ناهضت: ساميت. سكتات: جمع سكتة أي سكوت. نطقات: جمع نطق. عدة: أي وعد بالعطاء. قرن بين الشيئين قرانًا: جمع بينهما، والقرين: الصاحب، وقرينة الرجل: امرأته. والذرى بالفتح: الملجأ. أشرفت: تطلعت. عنق من الحدثان: طائفة منها أو أوائلها، والحدثان والحادثة بمعنى، وفي الأصل ذراك بالضم، وهو خطأ. 4 هو حفيد الحسن بن علي بن أبي طالب ثار على الرشيد ببلاد الديلم عام 176، فجهز إليه الرشيد الفضل على رأس جيش، فطلب الأمان من الرشيد وحضر يحيى العلوي إلى بغداد فأكرمه الرشيد ثم حبسه حتى مات في الحبس "أبو الفداء، 308 مقاتل الطالبيين".

وقد سخطت بسخطتك المنايا ... فظلت وهي1 حائمة النسور لهم رخم تصوركم عليهم ... وتكسر عنكم حمة النكير2 وقال يصف بغداد "من البسيط": تحيا النفوس إذا أرواحها نفحت ... وحرشت بين أوراق الرياحين3 وقال العباس بن الأحنف4 "من البسيط": قد سحب الناس أذيال الظنون بنا ... وفرق الناس فينا قولهم فرقا5 فكاذب قد رمى بالظن غيركم ... وصادق ليس يدري أنه صدقاً وقال محمود6 الوراق "من الوافر": أإن ناصى7 سواد الرأس شيب ... فزعت إلى التعلل بالخضاب ألم تعلم وفرط الجهل أولى ... بمثلك أنه كفن الشباب وقال أشجع من "الطويل":

_ 1 في الأصل: فهي. 2 الحتوف: جمع حتف وهو الموت، شفير الشيء: حرفه، السخطة: الغضب، حام حول الشيء: دار، حمة العقرب: سمها وضرها، والمراد بحمة النكير شدة لذعه. 3 الأرواح جمع ريح، نفحت: هبت، التحريش: الإغراء، وفي تاريخ بغداد قالت زبيدة للنمري: قل شعرًا تحبب بغداد فيه إلى الرشيد؛ فقد اختار عليها الرقة، فقال أبياتًا منها هذا البيت فأعطته ألفي دينار. 4 شاعر غزل ظريف، نشأ في بغداد في نعمة ولم يصطنع المدح، وتوفر على الغزل في محبوبته فوز، مات عام 192. 5 سحب: مضعف سحب بمعنى جر، قال الصولي: سمعت عبد الله بن المعتز يقول: "لو قيل لي: ما أحسن شيء تعرفه؟ لقلت: شعر العباس بن الأحنف: قد سحب الناس ... إلخ". 6 شاعر أكثر شعره في المواعظ والحِكَم، توفي نحو عام 230هـ. 7 أي: قبض على ناصيته والمراد خالط.

تعض بأنياب المنايا سيوفه ... وتشرب من أخلاف كل وريد1 وقال بشّار "من الكامل": تبعث عطاياه مواهبه ... كالسيل متبعاً قفا مطره2 وقال "من المتقارب": صببت هواك على قلبه ... فضاق وأعلن ما قد كُتم وبيضاء يضحك ماء الشبا ... ب في وجهها لك أو يبتسم ألا أيها السائلي جاهلاً ... ليعرفني أنا أنف الكرم3 نمت في الكرام بني عامر ... فروعي وأصلي قريش العجم وقال "من الوافر": شربنا من فؤاد الدن حتى ... تركنا الدن ليس له فؤاد وقال محمد4 بن احمد من ولد طباطبا العلوي الإصفهاني "من المنسرح": رُبَّ نهار أمست أصائله ... ترشف من شمسه صبابات5 وقال محمد6 بن يزيد -من ولد مسلمة بن عبد الملك- يصف فرسه "من الكامل":

_ 1 أنياب: جمع ناب، الأخلاف: جمع خلف، هو حلمة ضرع الناقة، أو هو للناقة كالضرع للشاة، الوريد: عرق من الوتين؛ وهما وريدان غليظان في جانبي العنق. 2 القفا: مؤخر العنق، والمراد أواخر المطر. 3 استعارة، يشير إلى أنه موضع العزة والمنعة والسيادة. 4 هو محمد بن أحمد بن إبراهيم طباطبا العلوي الحسني شاعر أديب عالم، ولد ومات بأصبهان عام 322هـ "راجع: 463 معجم الشعراء، 265/ 6 معجم الأدباء". 5 الأصائل: جمع أصيل وهو ما بعد العصر إلى المغرب، الرشف: المص، الصبابة: بقية الماء في الإناء. 6 شاعر محسن مكثر مدح المأمون "419 معجم الشعراء".

عودته فيما أزور حبائبي ... إهماله وكذاك كل مخاطر فإذا احتبى قربوسه بعِنَانه ... علك الشكيم إلى انصراف الزائر1 وقال أبو العتاهية2 "من المديد": راكب الأيام يجري عليها ... وله منهن يوم حرون3 وقال أبو نواس السابق في ميدان الشعراء "من الرجز": يغتال خزان الصحارى الرقطا يلقين منه حاكماً مُشتطا للعظم حطماً والأديم عطا4 وقال "من الكامل": عرم الزمان على الذين عهدتهم ... بك قاطنين وللزمان عرام5 وقال "من الخفيف": إسقني الراح6 في شباب النهار ... وانف همي بالخدريس العقار

_ 1 الضمير في عودته لفرسه، الحبائب: جمع حبيبة، المخاطِر: الذي لا يبالي النتائج، القربوس: هو مقدم السرج، العلك: المضغ، الشكيم: الحديدة المعترضة في فم الفرس، وأراد بالزائر نفسه، يقول: قد رضت فرسي على الأدب الحميد وعودته الإهمال والترك عند زيارة الأحبة وعند فعل كل أمر خطير، فإذا نزلت عنه وألقيت لجامه في مقدم سرجه وقف مكانه كالمنتظر لربه لا يبرح ذلك المكان حتى أعود إليه. 2 نشأ بالكوفة وعالج الشعر فتى ونبغ فيه وألم بمذاهب المتكلمين والفلاسفة والزهاد، وامتاز بالسهولة والوضوح والطبع، ومات عام 211هـ. 3 فرس حرون: أي لا ينقاد. 4 يصف فرسه بقوة السير وشدة الأبد، والاغتيال: الافتراس من حيث لا يشعر، الخزان بالكسر: الذكور من الأرانب، الرقط: جمع رقطاء وهي ما بها سواد يشوبه نقط بياض، الاشتطاط: الجور، الحطم: مصدر حطمه أي كسره، الأديم: الجلد، العط مصدر عط الثوب أي شقه بلا بينونة، وعط فلانًا صرعه وغلبه. 5 العرام: الحدة والشدة، وعرام الزمان: ما فيه من شراسة وأذى، قاطنين: مقيمين. 6 من أسماء الخمر، والأبيات في 43/ 2 ديوان ابن المعتز، وجلا العروس: يجلوها. القطر: المطر، نثره فانتثر والاسم النثار بالكسر.

فكأن الربيع يجلو عروساً ... وكأنَّا من قطره في نثار وقال أبو الشيص "من الطويل": سقاني بها والليل قد شاب رأسه ... غزال بحناء الزجاجة مختضب1 وقال الخريمي2 يذكر الإبل "من الطويل": وكم خبطت من3 فحمة لدُجُنة ... وحمرة وهاج من الصيف جاحم4 وقال أبو نواس "من الكامل": عين الخليفة بي موكلة ... عقد الحذار بطرفها طرفي صحت علانيتي له وأرى ... دين الضمير له على حرف فلئن وعدتك تركها عدة ... إني عليك لخائف خلفي سلبوا قناع الطين عن رمق ... حي الحياة مشارف الحتف فتنفست في البيت إذ مُزجت ... كتنفس الريحان في الأنف5 وقال6 في الفرس "من الكامل":

_ 1 الحناء: معروف، واختضب بها فهو مختضب. 2 شاعر عباسي مجيد، اسمه أبو يعقوب إسحاق بن حسان، وهو حسن الديباجة جيد المعاني. 3 في الأصل: عن. 4 خبط البعير الأرض بيده: ضربها، الفحمة: الظلمة، والدجنة من الغيم المطبق أو المظلم الذي ليس فيه مطر، والدجنة: الظلمة، الحمرة: الحصاة، ويروى: وجمرة، الوهج: حر النار، الجاحم: الشديد القيظ والحرارة. 5 الحذار: المحاذرة، الطرف: العين، القناع: الغطاء، الرمق: بقية الروح، الحياة: ضد الموت، والحي: ضد الميت، مشارف: مقارب، الحتف: الهلاك، تنفس الصبح: تبلج، مزجت: صب عليها الماء. 6 وينسب البيت لرؤبة.

يبني العجاج على مفارقه ... بمقعب لم يعد أن وقحا1 وقال العلوي الإصفهاني ابن طباطبا2 "من الخفيف": صدف شق على لآلئ در ... أم كتاب قد فض عن نظم شعر؟ وقواف مقومات لدى الأبيـ ... ـات موزونة بقسطاس3 فكر وقال الطائي "من الكامل": مطر يذوب الصحو منه وبعده ... صحو يكاد من النضارة يمطر4 وقال "من البسيط": أمطرتهم عزمات لو رميت بها ... يوم الكريهة ركن الدهر لانهدما حتى انتهكت بحد السيف هامهم ... جزاء ما انتهكوا من قبلك الحرما5 وقال يخاطب منزلاً "من الكامل": يا منزلاً أعطى الحوادث حكمها ... لا مطل في عدة ولا تسويفا أرسى بناديك الندى وتنفست ... نفساً بعقوتك الرياح ضعيفا ولئن ثوى بك ملقيًا بجرانه ... ضيف الخطوب لقد أصاب مضيفا6

_ 1 العجاج: الغبار، المفرق: وسط الرأس، وهو الموضع الذي يفرق فيه الشعر، التقعيب: أن يكون الحافر مقببًا، توقيح الحافر: تصليبه بالشحم المذاب. 2 شاعر عالم أديب، توفي عام 322هـ. 3 صدف الدرة: هو غشاؤها، اللؤلؤة: الدرة والجمع لآلئ، قوم الشيء تقويمًا فهو قويم أي مستقيم، القسطاس: الميزان. 4 الصحو: ذَهَاب الغيم. النضارة: الحسن والرونق. 5 نهكه السلطان عقوبة: أي بالغ في عقوبته، وانتهك الحرمة: تناولها بما لا يحل، الهام: الرءوس، الحرم: جمع حرمة، وهي ما لا يحل انتهاكها. 6 أرست السفينة ورست: وقفت في مرساها. النادي: مجلس القوم ومتحدثهم. الندى: الجود. العقوة: ما حول الدار والمحلة. ثوى: أقام. الجران: مقدم عنق البعير. المضيف: صاحب الضيف، وأضاف الرجل: أنزله به، وضافه: نزل عليه.

المعنى: أنه أصاب موضعاً يضيف إليه فيه أي: يميل إليه؛ لأن أهله قد فارقوه، ومضيف محال؛ لأن البلد لا يضيف، ولأن الزمان لا يحتاج؛ وإنما المعنى أن الزمان مال عليك فأصاب موضع محل ومنزل. وقال "من الكامل": يا سهم كيف يفيق من سكر الهوى ... حران يصبح بالفراق ويغبق عمري لقد نصح الزمان وإنه ... لمن العجائب ناصح لا يُشفق1 نصح الزمان: أي أدبك بما يريك من غيره واختلافه، والزمان لا يشفق على أحد؛ لأنه يأتي على الإنسان بما يقضي عليه، فقال: "من العجائب أن ينصحك الدهر وهو لا يشفق". وقال "من الطويل": كلوا الصبر غضاً واشربوه فإنكم ... أثرتم بعير الظلم والظلم بارك من يأتك المقدار لا تك2 هالكاً ... ولكن زمان غال مثلك هالك3 وقال العباس بن الأحنف "من البسيط": ولي جفون جفاها النوم فاتصلت ... أعجاز دمع بأعناق الدم والسرب4 وهذا وأمثاله من الاستعارة مما عُيب من الشعر والكلام؛ وإنما نخبر بالقليل ليُعرف فيتُجنب. قال المهلب5 لرجل من الأزد: متى أنت؟ قال: أكلت من

_ 1 الصبوح: الشراب بالغداة، ضد الغبوق وهو الشراب بالعشي. 2 في رواية: لا تدع. 3 أثار الشيء: أنهضه من مقامه. برك البعير: أي أناخ. المقدار: القدر. غال الشيء: اغتاله. 4 أعجاز: جمع عجز وهو مؤخر الشيء. العنق: جمعها أعناق وهي أول الشيء؛ لأن العنق من أول ما يرى من الإنسان. دم سرب: أي سائل متدفق. 5 سيد أهل العراق نشأ بالبصرة وولى إمارتها لمصعب وصمد لقتال الأزارقة تسعة عشر عامًا، وولي خراسان عام 79هـ، ومات فيها عام 83هـ.

حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سنتين، فقال: أطعمك الله لحمك. وقال عبيد الله1 بن زياد يوماً وكانت فيه لُكنه: افتحوا سيفي2، يريد: سلوه، فقال يزيد3 بن مفرغ "من الوافر": ويوم فتحت سيفك من بعيد ... أضعت وكل أمرك للضياع4 وقال عبيد الله أيضاً لسويد5 بن منجوف: اقعُد على است الأرض، فقال سويد: ما أعلم أن للأرض استاً6. وقال الجاحظ7: رأى قوم مع رجل خفًّا فقالوا: ما هذا؟ فقال: قلنسوة، فضحكوا منه، فقال عياض8: صدق، هذه قلنسوة الرجل. وقال بعضهم9 في يوم مطر شديد: قد انقطع شريان الغمام. وقال بعض أهل زماننا في مخاطبته لصاحبه: يا إمام الخطباء، ويا عنصر10 الخلصاء، ومولى الأدباء. ولعلي بن عاصم العبدي11 الإصفهاني "من الكامل":

_ 1 هو ابن زياد بن أبيه، ولي بعد أبيه العراق، وقتل في حرب المختار الثقفي عام 67هـ. 2 ذعر بأصوات طير فخالها صوت الأعداء فقال ذلك. 3 شاعرمحسن، له أهاج كثيرة في زياد وابنه، وتوفي عام 71هـ. 4 ضاع الشيء: هلك. والإضاعة والتضييع بمعنى. 5 ابن عم ابن ظبيان التيمي العائشي الخطيب الفاتك "213/ 1 البيان والتبيين" وانضم لمصعب بن الزبير وكان من رجاله "1/ 134 الحيوان، نشر مطبعة الحلبي" وهجاه الأخطل "19 موازنة، 7/ 147 أغاني". 6 راجع الرواية مفصلة في البيان "155، 156/ 1". 7 أبو عمرو عثمان بن بحر الجاحظ، إمام البيان العربي وشيخ الأدباء ورئيس المؤلفين وزعيم من زعماء المعتزلة، توفي عام 255هـ. 8 ربما كان هو عياض المدني الشاعر "269 معجم الشعراء". 9 هو جحظة البرمكي الأديب الشاعر الراوية المتصرف في كثير من فنون العلم ونادم ابن المعتز والمعتمد "224-324هـ" وراجع هذه الرواية في معجم الأدباء نشر فريد رفاعي "263، 264/ 2"، وهذا من كتاب بعث به جحظة إلى ابن المعتز. 10 العنصر: الأصل. 11 شاعر جبلي متكلف "91 المؤتلف".

زُم العزاء غداة زم جِمالهم ... فحدا الحداةُ به مع الأجمال والحادثات متى فغرن بغُصتي ... لقمتهنّ شجاً بوخد جمال1 وقال آخر "من الطويل": خطوب المنايا صرحت عن مواهب ... مواهب أجر من نتاج المصائب2 وقال الطائي "من الخفيف": فضربت الشتاء في أخدعيه ... ضربة غادرته عوداً ركوباً3 ومن عجيب هذا الباب قول الكميت4 "من الطويل": ولما رأيت الدهر يقلب ظهره ... على بطنه فعل الممعك في الرمل كما طعنت عنا قضاعة طعنة ... هي الجد مأدوم النحيزة بالهزل5

_ 1 زم البعير: خطمه. والمراد أن صبره ذهب برحيل أحبابه. والحدو: سوق الإبل والغناء لها، الأجمال: جمع جمل، فغر فمه: فتحه. الغصة: الشجا. اللقم: الابتلاع. الشجا: ما ينشب في الحلق من عظم وغيره. الوخد: ضرب من السير. 2 المواهب: جمع موهبة، وهي الاسم من وهب. نتجت الناقة بالبناء للمفعول: حان نتاجها. 3 الأخدعان: عرقان في صفحتي العنق. العود: الجمل المسن. 4 أسدي شاعر متشيع مكثر مجيد، توفي عام 126هـ. 5 الْمَعْكُ: اللَّيُّ، وتمعكمت الدابة: تمرغت، ومعكها صاحبها، مأدوم: من أدم الخبز باللحم، والإدام: ما يؤتدم به، النحيزة: الطبيعة.

الباب الثاني من البديع وهو التجنيس

الباب الثاني من البديع وهو التجنيس 1: وهو أن تجيء الكلمة تُجانس أُخرى في بيت شعر وكلام، ومجانستها لها أن تشبهها في تأليف حروفها على السبيل الذي ألف الأصمعي كتاب الأجناس عليها. وقال الخليل2: الجنسُ لكل ضرب من الناس والطير والعروض والنحو، فمنه: ما تكون الكلمة تُجانس أخرى في تأليف حروفها ومعناها ويشتق منها، مثل قول الشاعر "من الكامل": يوم خلجت على الخليج نفوسهم3 أو يكون تُجانِسها في تأليف الحروف دون المعنى مثل قول الشاعر "من البسيط": إن لوم العاشق اللُّوم4 قال الله تعالى: {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 5. وقال سبحانه: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ} 6. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عصية 7 عصت الله، وغفار غفر الله لها". وقال: "الظلم ظلمات". وقال معاوية8 لابن عباس رحمه الله: "ما لكم يا بني هاشم تصابون في أبصاركم؟ "فقال9": كما تصابون في بصائركم" ويقال: ان عقيل بن أبي طالب تكلم بذلك. وقال أبو تمام "من الطويل": جلا ظلمات الظلم عن وجه أمة ... أضاء لها من كوكب الحق آفله10 وسرقه من قول النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي تقدم. وقال القطامي11 "من الوافر":

_ 1 عقد له صاحب الصناعتين بابًا "310-328" تأثر فيه بابن المعتز إلى حد بعيد، وكذلك فعل ابن رشيق "289/ 1 العمدة طبعة 1934" ويسميه قدامة المجانس "ص96 نقد الشعر" وسمَّى نوعًا منه بالمطابق، وقد تأثر في ذلك بثعلب "24 قواعد الشعر لثعلب طبع ليدن، 96 نقد الشعر". 2 إمام اللغة والأدب وصاحب العين ومبتكر علم العروض وأستاذ سيبويه "100-170هـ". 3 خلجت عينه: من باب جلس ودخل، واختلجت: طارت، والخليج من البحر: شرم منه، وهو أيضًا النهر، والبيت للخزيمي كما سيأتي في الشاهد 117. 4 جزء من بيت شعر لمسلم كما سيأتي في الشاهد 113، واللوم مخفف اللؤم. 5 سورة النمل، آية: 44. 6 سورة الروم، آية: 43. 7 اسم قبيلة، وفي الأصل: له بدل. 8 أول خلفاء بني أمية، مات عام 60هـ. 9 زيادة عن الأصل لتصحيح المعنى، وهي رواية الصناعتين أيضًا. 10 جلا: كشف. ظلمات: جمع ظلمة. 11 شاعر فحل رقيق حواشي الكلام كثير الأمثال في شعره، مات نحو عام 101هـ.

ولما ردها في الشول شالت ... بذيال يكون لها لفاعا1 ويروى في بعض الحديث عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: "هاجروا ولا تهجروا"2. وقال محمد بن كناسة3 "من الطويل": وسميته يحيى ليحيا ولم يكن ... إلى رد أمر الله فيه سبيل4 تيممت في الفأل حين رزقته ... ولم أدرِ أن الفألَ فيه يفيل وقال جرير "من الطويل": فما زال معقولاً عقال عن الندى ... وما زال محبوساً عن المجد حابس5 وقال ذو الرمة6 "من الطويل": كأن البرى والعاج عيجت متونه ... على عشر يرمى به السيل أبطح7

_ 1 شال الميزان: ارتفعت إحدى كفتيه. الشول: جمع شائلة وهي الناقة التي تشول بذنبها عند إرادة اللقاح ولا لبن فيها، والشائلة من الإبل ما أتى عليها من حملها أو من وضعها سبعة أشهر فجف لبنها، جمعها شول على غير قياس، الذيال: الذيل الطويل. اللفاع: ما يلتفع به. يقول: لما أراد لفاح ناقته رفعت -طلبا له- ذيلها الطويل الذي يكاد يكون لفاعًا وغطاء لها. 2 تهجر فلان تشبه بالمهاجرين. 3 من أسرة شاعرة، وهو شاعر عباسي رقيق الحاشية جميل الطبع، عاصر المأمون ومات عام 207هـ، وكان كوفي المولد والنشأة، وروى عنه شيء من الحديث، وكان لا يتعرض لمدح أو هجاء، ورفض الاتصال بالخلفاء مع إملاقه "12/ 111 الأغاني". 4 البيتان في رثاء ابن له كان اسمه يحيى. يممه: قصده. الفأل: التفاؤل بالخير، وفال: خاب. 5 عقال وحابس أحد أجداد الفرزدق "راجع 58، 59/ 3 زهر الآداب". 6 هو غيلان بن عقبة عشيق مية واشتهر بها، وتوفي عام 117، وهو شاعر أموي مجيد في وصف الأطلال، وكان يذهب في ذلك مذهب الجاهليين، ويعد من فحول الطبقة الثانية في عصره. 7 البرى: جمع برة وهي الخلخال والحلقة في أنف البعير، العاج: عظم الفيل والذيل أيضًا، عاج عطف رأس البعير بالذمام، والعشر: شجر بعينه كما قال المبرد، والأبطح: مسيل واسع فيه دقاق الحصى المتن: الصلب، ذكر المبرد البيت في كامله وشرحه "12/ 2" وذكر أن العاج كان يتخذ مكان الأسورة، ورواية ابن رشيق في العمدة: نهى بدل يرمى، وقال: قال ابن المعتز: نهى به السيل أي بلغ به إليه فهو أفعم له وأكثر لدونه، وأنا أقول: معناه ترك به السيل نهيًا وهو الغدير، وذلك أتم لما أراده ابن المعتز، اللهم إلا أن يكون معناه جعل نهايته هناك فإنه أتم وأجود أي: لم يجد متصرفًا فأقام "1/ 293 العمدة".

وقال زياد الأعجم1 "من الطويل": ونبئتهم يستنصرون بكاهل ... وللؤم منهم كاهل وسنام2 وفي هذا البيت تجنيس واستعارة. وقال رجل من بني عبس "من البسيط": أبلغ لديك بني سعد مغلغلة ... إن الذي بيننا قد مات أو دنفا وذاكم أن ذل الجار حالفكم ... وأن أنفكم لا يعرف الأنفا3 وقال مسكين4 الدارمي "من البسيط": وأقطع الخرق بالخرقاء لاهية ... إذا الكواكب كانت في الدجى سرجا5 وقال حيان بن ربيعة الطائي "من الوافر"6:

_ 1 شاعر مشهور جزل الشعر فصيح الألفاظ، مات بخراسان عام 85هـ. 2 كاهل الأول اسم، والثاني المراد به الحارك وهو ما بين الكتفين، السنام واحد أسنمة الإبل، نبئ: خبر. 3 المغلغلة: الرسالة، دنف المريض: ثقل. حالفه: صار حليفًا له. الأنف بفتح النون والأنفة: الاستنكاف والعزة. 4 شاعر إسلامي، جزل الشعر مطبوعه، اتصل بمعاوية ويزيد، وتوفي في آخر القرن الأول، ولقب المسكين ببيت شعر له "256/ 2 الخزانة نشر الأستاذ محيي الدين". 5 الخرق: الصحراء الواسعة. الخرقاء: الناقة تخرق الأرض أي: تجوبها. سرج: جمع سراج. 6 ذكره أبو تمام في حماسته وروى البيت: ذوو حد، وذكره المؤتلف "ص98".

لقد علم القبائل أن قومي ... لهم حد إذا لبس الحديد1 وقال النعمان2 بن بشير لمعاوية "من الطويل": ألم تبتدركم يوم بدر سيوفنا ... وليلك عما ناب قومك نائم3 وقال الكميت "من الطويل": ونحن طمحنا لامرئ القيس بعدما ... رجا الملك بالطماح نكباً على نكب4 وأخذه من قول امرئ القيس "من الطويل": لقد طمح الطماح من بعد أرضه ... ليلبسني من دائه ما تلبسا5 وقال الفرزدق "من الطويل": خفاف أخف الله عنه سحابة ... وأوسعه من كل ساف وحاصب6 وقال أوس بن حجر يصف وادياً وموضعاً "من البسيط":

_ 1 ذوو حد: أي ذوو منعة وقوة، الحديد: يريد به الدروع. 2 أنصاري أمير خطيب شاعر من أهل المدينة ومن أجلاء الصحابة، ولي قضاء دمشق لمعاوية ثم إمارة الكوفة له ثم ولي حمص، وبايع لابن الزبير بعد موت يزيد، قتل سنة 95هـ. 3 ابتدروا السلاح: تسارعوا إلى أخذه. 4 طمح بصره إلى الشيء: ارتفع، نكب عن الطريق: عدل، والنكب: الطرح أيضًا والمصيبة. 5 الطماح: رجل من بني أسد بعثه قيصر بحلة مسمومة إلى امرئ القيس، وهو الذي وشى به عند قيصر، ومعنى البيت: أصابني الطماح بما نالني من البلاء من بعد، يقال: طمح ببصره إذا أبعد النظر ورفعه، وقوله: ليلبسني من دائه ما تلبسا أي: ما لبس جسمه وغشاه "130 شرح ديوان امرئ القيس لابن أيوب". 6 السحابة: الغيم، وجمعها سحاب. سفت الريح التراب: أذرته، والحاجب: الريح الشديدة تثير الحصباء أي: الحصى، يدعو عليه بالجدب وانقطاع المطر.

لكن بفرتاج1 فالخلصاء1 أنت بها ... فحنبل1 فعلى سراء1 مسرور وقال زهير بن أبي سُلمى "من البسيط": كأن عيني وقد سال السليل بهم ... وجيرة ما هم لو أنهم أمم2 وقال الكميت "من الطويل": فقل لجذام قد جذمتم وسيلة ... إلينا كمختار الرداف على الرحل3 وقال الأرقط4 "من الرجز": مرتجز في عارض عريض5 وحدثني العنزي6 قال: حدثني عمر بن7 عبيدة قال: حدثني الوليد بن

_ 1 اسم موضع. 2 سال للسليل بهم: أي ساروا فيه سيرًا سريعًا لما انحدروا فيه، والسليل: واد بعينه. عبرة ما هم -ويرى وجيرة- أي هم عبرة لي أي: سبب عبرتي وبكائي، وما: زائدة لتوكيد المعنى. أمم: قريب، وجواب لو محذوف. 3 جذام: قبيلة. جذام: أي قطع. وسيلة: صلة مودة. الرداف: الركوب على عجز الدابة. 4 حميد الأرقط شاعر إسلامي أموي، عاصر الحجاج، ويعده الجاجظ ممن جمع الرجز والقصد من الشعراء. 5 الرجز: ضرب من الشعر. ورجز الراجز وارتجز بمعنى واحد. العارض: السحاب المعترض في الأفق، والمراد به هنا ما يعترض الإنسان في سيره من وديان وجبال، وعريض: واسع. 6 هو الحسن بن عليل العنزي "6/ 94 ياقوت، نشر مرجليوث"، وهو أحد الأدباء الذين عاصروا ابن المعتز، وهو أحد رواة الأغاني، وكان راوية للأخبار كما كان وثيق الصلة بابن المعتز، ومات عام 290هـ "398/ 7 تاريخ بغداد". 7 راوية أخباري كان في عصر المأمون والمتوكل.

هشام1 قال: مر عامر بن عبد الله بن الزبير2 بحسن بن حسن3 بمر4 قال: نزلت بمر فمرر عليك عيشك، فقال: بل نزلت في مر في حال طاب لي أكله إذ أنت متلوث في أدناس بني أمية5. وقال أعرابي وذكر عباداً: ما تراهم إلا في وجه وجيه6. المحدثون: كتب أبو العيناء7 إلى ابن مكرم في بعض ما يذمه وأخاه8 وكيف أظهرتم حب النساء وبكم عرق النسا9، وكيف تقدمتم المهور10 مع حاجتكم إلى الذكور. قال الطائي "من البسيط": ويوم أرشق والهيجاء قد رشقت ... من المنية رشقاً وابلاً قصفا11 وقال "من الطويل": إذا ألجمت يوماً لجيم وحولها ... بنو الحصن نجل المحصنات النجائب

_ 1 أديب عاصر المهدي والرشيد. 2 عبد الله بن الزبير، ولي الخلافة من عام 64 إلى عام 73هـ، وعامر هذا هو أحد أبنائه. 3 كان مثل والده الحسن م عام 49هـ صلاحًا وورعًا، وتزوج فاطمة بنت عمه الحسين، وتوفي في آخر القرن الأول الهجري. 4 بطن مر: يقال له: مر الظهران على مرحلة من مكة. 5 الأكل البضم: ثمر الشجر والنخل. لوث ثيابه بالطين: لطخها. الأدناس: جمع دنس وهو الوسخ. 6 الوجه: المذهب والطريق. وجيه: أي حسن وجميل. 7 محمد بن القاسم ضرير ذو لسان وبيان وعارضة ورواية واسعة، وله مع المتوكل أخبار، وله شعر قليل، وتوفي بالبصرة عن سن عالية عام 282هـ. 8 هكذا في الأصل. 9 النسا: عرق يتصل بالفخذ، ولا تقل: عرق النساء، وأجاز ذلك ابن السكيت. 10 تقدم: أي قدم. المهور: جمع مهر، وهو الصداق. 11 أرشق: اسم مكان. الرشق: الرمي. رشقه بالنبل: رماه. القصف: القاصف الشديد الصوت. الوابل: المطر الشديد.

فإن المنايا والصوارم والقنا ... أقاربكم في الروع دون الأقارب1 وقال "من الخفيف": فاض فيض الأتي حتى غدا المو ... سم من فضل سيبه موسوماً2 وقال "من الخفيف": سعدت غربة النوى بسعاد ... فهي طوع الاتهام والإنجاد3 وهذا من الأبيات الملاح، ثم مدح فيها فقال "من الخفيف": عاتق معتق من الهون إلا ... من مقاساة مغرم أو نجاد للحمالات والحمائل فيه ... كلحوب الموارد الأعداد كادت المكرمات تنهد لولا ... أنها أيدت بحي إياد ملائك الأحساب أي حياة ... وحياة أزمة وحية وادي4 وقال سعيد بن حميد5 "من الكامل":

_ 1 ألجمت: وضعت اللجم في الأفراس. لجيم وبنو الحصن: قومان بينهما صلة. المحصنات: العفائف. نجائب: أي كريمات أو منجبات. الصوارم: السيوف القاطعة. القنا: الرماح. الروع: الفزع. 2 الأتي: السيل. السيب: المنحة. أرض موسومة: أصابها الوسمي. 3 هو طوع يديه: أي مناقد له. أتهم الرجل: صار إلى تهامة. أنجد: دخل في بلاد نجد. 4 العانق: موضع الرداء من المنكب. معتق: أي أعتق من ذلة الهوان. المقاساة: المعاناة. مغرم: غرامة. النجاد: حمائل السيف، الحمالات: جمع حمالة بالفتح، ويقال: حمل به حمالة أي كفل. الحمائل: علائق السيف. اللحوب: الشحوب الموارد، جمع وراد، وهم الذين يردون الماء، والمراد بهم ضيوفه، الأعداد: الكثير. والمعنى: هو شاحب كشحوب عفاته لما حمل من الحقوق وحمائل السيوف. والحيا: المطر. الأزمة: الجدب والشدة. وأي خبر مبتدأ محذوف أي: أنت أي ... إلخ. 5 كاتب شاعر مترسل عذب الألفاظ مقدم في صناعته، وراجع نُبْذة من شعره في زهر الآداب "164- 170/ 4". وتوفي نحو عام 260هـ.

طلعت أوائل الرياض فبشرت ... نور الربيع بجدة وشباب وغدا السحاب يكاد يسحب في الربا ... أذيال أسحم حالك الجلباب وترى السماء إذا أسف ربابها ... وكأنها كسيت جناح غراب وترى الغصون إذا الرياح تنفست ... ملتفعة كتعانق الأحباب تبكي لتضحك نورهن فيا له ... ضحكاً تكشف عن بكاء سحاب1 أردنا قوله: "وغدا السحاب يكاد يسحب". وقال مسلم بن الوليد "من الكامل": دار الغواني بدلت أطلالها ... حور المها وشوادن الغزلان لعبت بها حتى محت آثارها ... ريحان رائحتان باكرتان2 وقال عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير3 في المطر "من الطويل": وعلا لغاط فبات يلغط سيله ... ويعج في لبب الرغام ويصخب4

_ 1 النور: الزهر. الجدة: من جد الشيء صار جديدًا. سحب: جر. الربا: جمع ربوة، وهي المكان المرتفع. أذيال: جمع ذيل. أسحم: أسود. حالك: مشتد السواد. الجلباب: الملحفة. أسف: دنا من الأرض. الرباب: السحاب الأبيض أو السحاب المرئي دون السحاب أبيض أو أسود، وكل ذي رئة فهو متنفس، وتنفس الصبح: تبلج. تكشف: انكشف. 2 الغواني: جمع غانية؛ وهي المرأة التي غنيت بزوجها أو بحسنها وجمالها. الأطلال: ما شخص من آثار الديار. حور: جمع حوراء من الْحَوَر؛ وهو شدة بياض العين في شدة سوادها. المها: جمع مهاة؛ وهي البقرة الوحشية. شوادن: جمع شادن من شدن الغزال أي قوي وطلع قرناه واستغنى عن أمه. الغزلان: جمع غزال. ريحان: فاعل لعبت. رائحتان: من راحت بالعشي أي رجعت. باكرتان: من بكر. وكل من بادر إلى شيء فقد بكر إليه، والبكرة: الغداة. 3 شاعر فصيح من أحفاد جرير، مدح المأمون وقواده، ومات سنة 240هـ. 4 لغاط: جبل أو مكان مرتفع. واللغط: الصوت والجلبة، والعجة والعجيج: رفع الصوت. واللبب: اللبة وهي المنحر. الرغام: التراب. صخب: أي اشتد صوت وقعه على الأرض.

جمع في هذا البيت التجنيس والاستعارة. وقال الطائي "من الكامل": راحت لأربعك الرياح مريضة ... وأصاب مغناك الغمام الصيب1 وقدم في بعض المجالس إلى صديق لنا بخور، فقال له غلام صاحب المنزل: "تبخر فإنه ند، فلما ألقاه على النار لم يستطبه فقال: هذا ند عن الند"2. وقال بعضهم في "البسيط": لا تصغ للوم إن اللوم تضليل ... واشرب ففي الشرب للإخوان تعليل فقد مضى القيظ واحتثت رواحله ... وطابت الراح لما آل أيلول لم يبق في الأرض نبت يشتكي مرهاً ... إلا وناظره بالطل مكحول3 وقال أبو محمد اليزيدي4 للأصمعي "من المتقارب": وما أنت هل أنت إلا امرؤ ... إذا صح أصلك من باهلة

_ 1 أربع: جمع ربع وهو الدار بعينها. مريضة: أي ضعيفة. المغنى: منزل الإقامة. الغمام: السحاب. الصيب: السحاب المتدفق. 2 الند: عود طيب الرائحة. وند: نفر. وهذه الرواية في الصناعتين ص313. 3 أصغى إليه: مال بسمعه نحوه. تضليل: منسوب إلى الضلال. علله بالشيء تعليلًا: لهاه به. القيظ: شدة الحر. احتثت: سير بها سيرًا حثيثًا. الرواحل: جمع راحلة وهي الناقة التي تصلح لأن ترحل. الراح: الخمر. آل: رجع. أيلول: من أشهر الربيع. مرها: قحطًا، والمره: مرض في العين لترك الكحل. الناظر في المقلة: السواد الأصغر الذي فيه سواد العين. الطل: أضعف المطر. 4 هو يحيى بن المبارك، صحب يزيد بن المنصور خال المهدي يؤدب ولده فنسب إليه، واتصل بالرشيد فعهد إليه بتأديب المأمون، وله شعر جيد، وكان من علماء العربية والأدب، توفي سنة 202هـ.

وللباهلي على خبزه ... كتاب لآكله الآكله1 وقال أبو العباس2: وكتب إلى بعض الإخوان: "قد رخصت الضرورة في الإلحاح، وأرجو أن تحسن النظر كما أحسنت الانتظار". وقال إسحاق بن ابراهيم الموصلي: نزل بأبي دلامة3 أضياف له فغداهم ثم بعث إلى سندية نباذة4 يقال لها: دوم، وأرسل إليها بجرة5، فوجهت إليه6، فشربوها، ثم أعاد فبعثت بأخرى، وجاءت تقتضيه الثمن7، فقال: ليس عندي ما أعطيك، ولكن أدعو لك، فقال "من الوافر": ألا يا دوم دام لك النعيم ... وأحمرُ ملء كفك مستقيم شديد الأصل بنبض حالباه ... قوى فوقه فهر عظيم يقويه الشباب ويزدهيه ... وينفخ فيه شيطان رجيم8 وقال مسلم بن الوليد "من البسيط":

_ 1 باهلة: قبيلة الأصمعي. الآكل: اسم فاعل من أكل. الآكلة: النار أو السياط أو العصا المحددة، وآكلة اللحم: السكين. والبيت الأخير في الكامل مع تغيير في الرواية "24/ 2 كامل، طبعة التجارية". 2 يعني به ابن المعتز نفسه. 3 شاعر كوفي مليح الشعر كثير النادرة، شهد آخر الدولة الأموية، واتصل بالسفاح والمنصور والمهدي، وتوفي في آخر خلافة المهدي عام 161هـ. 4 أي: تصنع النبيذ. 5 الجرة من الخزف. 6 المراد: أرسلتها إليه مملوءة نبيذًا. 7 تطالبه به. 8 يعني أحمر: آلة الرجل، ويروى: الأسر بدل الأصل، والأسر: الخلق، نبض العرق: تحرك الحالبان عرقان في جانبي الذكر، الفهر: الحجر الصلب، وهذه الأبيات والرواية الأدبية مذكورة في الأغاني "131/ 9" مع تغيير ضئيل.

يا صاح إن أخاك الصب مهموم ... فارفق به إن لوم العاشق اللوم1 وقال أيضاً "من البسيط": تورى بزندك أو تسعى بجدك أو ... تفرى بحدك كل غير محدود2 وقال بعضهم3 يصف السحاب "من الخفيف": نسجته الجنوب وهي صناع ... وترقى كأنه حبشي وقرى كل قرية كان يقرؤ ... ها قرىً لا يجف منه القرى4 وقال آخر "من الكامل": وقالت فراسة من يطور بمشبل ... ورد وتزعم أنه لا يفرس5 وقال أبو يعقوب إسحاق بن حسان الخريمي6 "من الكامل": يوم خلجت على الخليج نفوسهم ... غضباً وأنت بمثلها مستام7

_ 1 اللوم مخفف اللؤم. 2 ورى الزند وريًا: خرجت ناره وأوراه غيره. والزند: العود الذي يقدح به النار وهو الأعلى. الجد: الحظ. فرى الشيء: قطعه الحد المراد به السيف، والمحدود الممنوع من البخت وغيره، والرواية بالياء في الأفعال كلها. 3 ينسب لأبي الغمر الجبلي الطهوي "أمالي 179/ 1"، وكان كاتب الحسن بن زيد العلوي مؤسس الدولة العلوية في طبرستان والمتوفى سنة 270هـ، واسم أبي الغمر هارون بن موسى ورثى الحسين بن زيد "485 معجم الشعراء"ووقع في اسمه في المعجم تحريف، ومات بعد عام 270هـ. 4 الجنوب ريح تقابل الشمال. الصناع: الجيد الصنعة، وترقى: رقي درجة بعد درجة. والقرية: البلدة. والمصر: الجامع، وقرى الضيف يقريه قرى: أحسن إليه ويقروها من القرو وهو القصد، وقري الماء على وزن فعيل: مسيله من التلاع. 5 طار يطور: حلق. المشبل: الأسد الذي له أشبال "أولاد" الورد الأسد بين الكميت والأشقر، فرس الأسد فريسته وافترسها: دق عنقها. 6 شاعر عباسي مجيد، عاش في عصر الرشيد والمأمون. 7 الشطر الأول سبق في الشاهد 82 شرحه. سامت الماشية: رعت، والسوم في المبايعة تقول: ساومه واستام على، واستام الناقة: ساوم عليها.

وقلت من الكامل: يا دار أين ظباؤك اللعس ... قد كان لي في إنسها أنس أين البدور على غصون نقا ... من تحتهن خلاخل خرس1 وقال أبو نواس "من الكامل": تدع المطي أمامها وكأنها ... صفت تقدمهن وهي إمام2 وقال والبة بن الحباب3 يرثي أخاً له "من المنسرح": أمسيت في حفرة ببلقعة ... جاورها في محلها حفر وكنت لي مألفاً إذا نفر ... من بعض إخوان ودهم نفروا4 وقال البحتري5 "من البسيط": لولا علي بن مر لاستمر بنا ... خلق من العيش فيه الصاب والصبر برد الحشا وهجير الروع محتفل ... ومسعر، وشهاب الحرب مستعر

_ 1 اللعس: جمع لعساء، يقال: شفة أو امرأة لعساء، واللعس لون الشفة إذا كانت تقرب إلى السواد قليلًا وبابه طرب. الإنس: ضد الجن، والإنس: المؤانسة، والنقا: كثيب الرمل يشبه به الردف، خرس: أي لشدة امتلاء الساقين. 2 يصف سرعة ناقته وتقدمها على المطايا، ويشبهها مع النوق التي زاملتها في السير بالإمام يتقدم على الصف الأول في الصلاة، ويروى -بدل أمامها- وراءها. 3 كوفي شاعر غزل ظريف ماجن وصاف للشراب وأستاذ أبي نواس، توفي قريبًا من عام 175هـ. 4 البلقعة: الأرشض القفر لا شيء بها، النفر: عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة، نفرت الدابة تنفر نفارًا. المألف: الإلف. 5 أبو عبادة الوليد بن عبيد الطائي، ولد بمنبج سنة 206، وتنقل في قبائل طيئ وغيرها، واتصل بالمتوكل والفتح بن خاقان، ومات سنة 284هـ. ويمتاز شعره برقة الأسلوب وحسن الخيال وجودة الوصف والرثاء والعتاب والغزل والمديح، كما يمتاز بقوة الطبع وباتباع مذاهب العرب في نظم القريض.

ألوي إذا شابك الأعداء كدهم ... حتى يروح وفي أظفاره ظفر جافى المضاجع ما ينفك في لجب ... يكاد يقمر من لألائه القمر1 وقال أيضاً "من الكامل": ورمى بثغرته الثغور فسدها ... طلق اليدين مؤملاً مرهوباً2 وقال أيضاً "من الطويل": حيا الأرض ألقت فوقه الأرض ثقلها ... وهول الأعادي حوله الترب هائل ستبكيه عين لا ترى الجود بعده ... إذا فاض منها هامل عاد هامل3 وقال أبو تمام "من الكامل": وله إذا خلق التخلق أو نبا ... خلق كروض الحزن أو هو أخصب4

_ 1 استمر: صار مرًّا من المرارة ضد الحلاوة، واستمر: ذهب ومر مرورًا، واستمر أيضًا: استحكم. الصبر: الدواء المر. وبرد الحشا: أي الممدوح، برد الحشا: أي به يثلج الصدر ويطيب القلب. الهجير: اشتداد الحر في نصف النهار، الروع: الفزع. احتفل بالشيء: اجتمع له وعُنِيَ به. ويقال: هو مسعر حرب من سعر النار والحرب هيجها وألهبها، واستعرت النار: توقدت. الشهاب: شعلة نار ساطعة، رجل ألوى: أي قوي شديد الجدل، والألوى: الشديد الخصومة والجدل، المنفرد: المعتزل، ومن الطريق البعيد المجهول، شابك الأعداء: أي اشتبك واختلط بهم في الحرب، والشبك: الخلط. كدهم: أتعبهم. جافى: جانب. اللجب: الجيش العظيم المختلط الأصوات. اللألاء: التلألؤ، أقمر: طلع أو أضاء. 2 الثغرة: النقرة في أعلى البحر. الثغور: موضع المخافة من فروج البلدان، طلق اليدين: أي كريم. 3 حيا الأرض: أي هو -أي المرثي- حيا الأرض، والحيا: الخصب والمطر، وألقت فوقه الأرض ثقلها: أي دفن في جوفها وهيل عليه التراب، وهول الأعادي: أي هو هولهم من هاله الشيء أفزعه، هائل: عظيم، هامل من هملت عينه: أي فاضت، ويروى: غاض بدل فاض. 4 خلق الثوب: بلى، التخلق: إظهار الإنسان غير خلقه، نبا السيف: إذا لم يعمل في الضريبة، الحزن: ما غلظ من الأرض.

وأنشد العتبي1 "من الكامل": دنس القميص غليظه ... من غير لحمته سداه وشعار من شعره ... فكأنه من مسك شاه2 ويقال: إن عبد الله بن إدريس3 سئل عن النبيذ فقال: جل أمره عنه المسألة، أجمع أهل الحرمين على تحريمه، ولم يقصده فيما أظن، ولكن كما تهيأ له في الكلام. ومن التجنيس المعيب في الكلام والشعر قول بعض المحدثين، وهو منصور بن الفرج4 "من المتقارب": أكابد منك أليم الألم ... فقد أنحل الجسم بعد الجسم5 وقال أيضاً "من الكامل": إن كان يوم صائراً لمنية ... إلفاً فيوم تفرق الإلفين6

_ 1 محمد بن عبد الله من بني عتبة بن أبي سفيان البصري، راوية للأخبار والآداب، وله شعر حسن ومصنفات "420 معجم الشعراء"، كان متصلًا بمحمد بن خالد بن برمك "20/ 76 أغاني"، وقال ابن النديم: كان العتبي وأبوه عبد الله فصيحين، وتوفي العتبي عام 228. 2 الدنس: الوسخ، السدى: ضد اللحمة، ولحمة الثوب بضم اللام وفتحها. الشعار: ما ولي الجسد من الثياب، المسك: الجلد. 3 مرت ترجمته، وهو محدث ورع، توفي عام 193هـ، وهو بالطبع غير أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي المتوفى عام 204هـ، وقد أخطأ عبد القاهر حيث فهم أنه الشافعي فنسبها إليه "7 أسرار البلاغة، المنار". 4 شاعر عباسي رقيق عذب الأسلوب واضح الصنعة فيه، أنيق الديباجة، عاصر ابن المعتز، وتوفي في أواخر القرن الثالث، وهو أخو إبراهيم بن الفرج البندنيجي الشاعر، وفي الصناعتين أنشده ابن المعتز "327 صناعتين". 5 الجسم: الجسد، جسم الشيء: عظم، والبيت في الصناعتين 327. 6 الإلف: الأليف، والمعنى: أن يوم تفرق الأحباب هو اليوم الذي صار أليف المنية؛ أي: يوم الفراق ويوم المنية سواء عند المحبين.

وقال آخر "من البسيط": كم رأس راس بكى من غير مقلته ... دماً وتحسبه بالقاع مبتسماً1 وهذا أيضاً يدخل في باب المطابقة. وقال أيضاً بعض المحدثين يعرف بالبندنيجي2 يمدح عبيد الله بن عبد الله بن طاهر3 "من البسيط": هي الجآذر إلا أنها حور ... كأنها صور لكنها صور نور الحجال ولكن من معايبها ... إذا طلبت هواها إنها نور غيداء لو بل طرف البابلي بها ... لارتد وهو بغير السحر مسحور إن الرواح حكى روح العراق لنا ... أصلاً وقد فصلت من مكة العير تشكي العقوق وقد عق العقيق لها ... وأرض عروة من بطحان فالنير يحتثها كل زوال دأبه دأب ... من طول شوق وهجيراه تهجير مقورة الآل من خوض الفلات إذا ... ما اعتم بالآل من أرْجائها القور4

_ 1 القاع: الأرض المستوية. المقلة: شحمة العين التي تجمع البياض والسواد. والرأس معروفة، والرأس الثانية: الرجل العظيم، يقال: فلان رأس قومه أي عظيمهم. والمعنى: كم سيد عظيم قتل وطرح رأسه في القاع والدماء تتدفق منها فكأنما يبكي من غير مقلته. والبيت في الصناعتين ص227. 2 إبراهيم بن الفرج شاعر عباسي متأنق جميل النظم مونق البديع رقيق الألفاظ، عاش إلى آخر القرن الثالث الهجري. 3 أمير أديب شاعر، انتهت إليه رياسة أهله وولي شرطة بغداد ومولده ووفاته بها "233-300هـ" وكان رفيع المنزلة عند المعتضد، وله براعة في الهندسة والموسيقى، حسن الترسل، ألف كتابًا في أخبار الشعراء، وكتاب السياسة الملوكية، وكتاب البراعة والفصاحة، وله مراسلات مع ابن المعتز. 4 الجآذر: الظباء. حور: جمع حوراء من الحور وهو شدة بياض العين في شدة سوادها. الصور: المائلة. الحجال: بيت يزين بالثياب والأسرة والستور؛ أي: هي بهجتها وأنسها. ونور الثانية بمعنى نافرات، وبينهم نائرة: أي عدواة وشحناء. غيداء: ناعمة من الغيد وهو النعومة، بابلي: نسبة إلى بابل موضع بالعراق ينسب إليه السحر والخمر، يريد به هاروت. الطرف: العين. وبل بها: كناية عن رؤيته إياها. الرواح: من راح السفر بالعشي يروحون أي: رجعوا. والروح: الاستراحة والرزق والنعمة. أصل: جمل أصيل وهو ما بعد صلاة العصر إلى الغروب فصل من الناحية خرج العير: =

وقال أبو تمام "من الكامل": ذهبت بمذهبه السماحة فالتوت ... فيه الظنون أمذهب أم مذهب1 وقال "من البسيط": أحطت بالحزم حيزوماً أخا هِمَم ... كشاف طخياء لا ضيقاً ولا حرجا2 وقال البهروي3 في طاهر بن الحسين4 "من البسيط": ولو رأى هرم معشار نائله ... لقيل في هرم قد جن أو هرما5

_ = الإبل تكمل الميرة. العقوق: جحود الجميل، العقيق: واد بظاهر المدينة. أرض عروة وبطحان والنير: أسماء أمكنة بعينها، وللضمير في تشكي للإبل أي: إرهاقها في المسير كالعقوق حثه على الشيء فاحتث: أي حضه، والضمير في يحثها للعير. الزول: الرجل الضخم العظيم. الدأب: العادة. الدأب: الدءوب والجد، هجيراه: أي عادته. التهجير: السير في الهاجرة. الآل: الشبح والسراب، مقورة: مكورة. وقور الشيء أي خرقه من وسطه مستديرًا، والقور: جمع قوراء وهي الأرض الواسعة أي: أن جسمها هزل من إنضاء السفر وخوض الفلوات. خاض في الماء: اجتازه، وخاض الغمرات: اقتحمها. الفلاة: المفازة، اعتم: تعمم، ورواية الأصل: من حوض الفلاة بالحاء. 1 المذهب: الطريق. 2 الحزم: ضبط الرجل أمره. الحيزوم: وسط الصدر وما يضم عليه الحزام، الطخياء: الليلة المظلمة والمشكلات الملتبسة، لا ضيقًا: أي لا ضيق الصدر من العجز يضيق بالأمور ذرعه، أو لا بخيلًا، وحرج: ضيق، وحرج صده: ضاق. 3 لعل هنا حريفًا، وصحته البهراني، وهو إسحاق بن خلف شاعر عاصر المأمون، وروى له المبرد في كامله شعرًا كثيرًا، ورواية الصناعتين. المخزومي "صفحة 328" وهو أبو سعيد المخزومي الشاعر، وقد سبقت ترجمته، ولعل هذه الرواية هي الصحيحة. 4 من كبار القواد والوزراء، وطد الملك للمأمون فولاه شرطة بغداد ثم ولاه خراسان سنة 205، وتوفي بها عام 207 بمرو. 5 هرم بن سنان ممدوح زهير، وهرم: أي كَبِرَ وشاخ.

الباب الثالث من البديع وهو المطابقة

الباب الثالث من البديع وهو المطابقة 1: قال الخليل رحمه الله: "طابقت بين الشيئين: إذا جمعتهما على حذو2 واحد". وكذلك قال أبو سعيد. فالقائل لصاحبه: أتيناك لتسلك بنا سبيل التوسع فأدخلتنا في ضيق الضمان3، قد طابق بين السَّعَة والضيق في هذا الخطاب. وقال الله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} 4. وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للأنصار: "إنكم لتكثرون عند الفزع وتقلون عند الطمع"5. وقال عيسى بن طلحة6 لعروة بن الزبير7 حين ابتلي في رجله: إن ذهب

_ 1 يسميها قدامة في نقد الشعر: "التكافؤ" "ص85"، وقد نقل العسكري في الصناعتين جميع ما كتبه ابن المعتز في الطباق ولم يزد عليه إلا القليل "297 وما بعدها"، قال أبو هلال: المطابقة في الكلام الجمع بين الشيء وضده في جزء من أجزاء الرسالة والخطبة أو البيت من بيوت القصيدة مثل: الجمع بين البياض والسواد والليل والنهار والحر والبرد، وخالفهم قدامة فقال: المطابقة إيراد لفظتين متشابهتين في البناء والصيغة مختلفتين في المعنى؛ كقول زياد الأعجم: ونبئتهم يستنصرون بكاهل ... وللؤم فيهم كاهل وسنام وسمى الجنس الأول التكافؤ، وأهل الصنعة يسمون النوع الذي سماه المطابقة التعطف ... إلخ، وقريب من ذلك في إعجاز القرآن للباقلاني "ص79". وراجع باب المطابقة في العمدة الذي تأثر فيه ابن رشيق بمن سبقه من العلماء وخاصة ابن المعتز "ص5 ج2 العمدة، طبعة 1934". وثعلب يسمي المطابقة مجاورة الأضداد "24 قواعد الشعر، طبع ليدن". 2 حذا النعل بالنعل: قدر كل واحدة منها على صاحبتها. 3 ضمن الشيء ضمانًا: تكفل به. 4 سورة البقرة، آية: 179. 5 في صفحة 3 من الكامل للمبرد شرح وافٍ للحديث. 6 هو عيسى بن طلحة بن عبد الله ناسك جيد الكلام، وفد على عبد الملك وكلمه في عزل الحجاج فعزله، وتوفي سنة 101هـ. 7 عروة هو أحد الفقهاء السبعة، ولد بالمدينة سنة 32هـ، وقدم إلى مصر، وأقام بها سبع سنين، ثم عاد إلى المدينة، وتوفي فيها عام 93.

أهونك علينا فقد بقى أعزك علينا، فطابق -كما ترى- بين العز والهوان1. وقال أدد2 بن مالك بن زيد بن كهلان وهو من طيئ في وصيته لولده: لا تكونوا كالجراد3، أكل ما وجد، وأكله مَن وجده. وقيل لابن عمر4 رضي الله عنه: ترك فلان مائة ألف، فقال: لكنها لا تتركه. وقال الحجاج في خطبته: إن الله كفانا مئونة الدنيا، وأمرنا بطلب الآخرة، فليت الله كفانا مئونة الآخرة وأمرنا بطلب الدنيا. وقال: من العمل ما هو ترك للعمل، ومن ترك العمل ما هو عمل. ومن المطابقة قول الحسن5 المشهور: ما رأيت يقيناً لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت6. وقال الوليد بن عتبة بن أبي سفيان7 للحسين8 وهو والي المدينة في بعض منازعاتهم: ليس طول حلمنا عنك لا يدعو جهل غيرنا إليك. وقال أبو الدرداء9: معروف زماننا منكر زمان قد فات، ومنكره معروف زمان لم يأتِ. وقال الحسن -رضي الله عنه- وقد أُنكر عليه الإفراط في تخويف الناس: إن

_ 1 في البيان "ج2 ص63 طبعة سنة 1927" الرواية تفصيلًا مع بعض تغيير، وفي صفحة 211/ 2 يرويها الجاحظ برواية أخرى وهي: قال عيسى لعروة حين ابتلي برجله فقطعها: يا أبا عبد الله، ذهب أهونك علينا وبقي أكثرك لنا. 2 جاهلي قديم، وكان رئيس قومه. 3 يضرب به المثل في التفرق والانتشار. 4 صحابي جليل آثر البعد عن ضجيج الحياة وشغب الفتنة وورث عن والده الفاروق الخلق والدين، وكان فقيهًا ومحدثًا، وتوفي بالمدينة عام 73هـ. 5 هو الحسن البصري الإمام الزاهد الواعظ، المتوفى سنة 110هـ، وولد في خلافة عمر. 6 وفي رواية للجاحظ: من أمر نحن فيه، بدل من الموت "97/ 3 بيان". 7 سيد شريف من قريش في الصميم، وكان من أسرة بني أمية، وولاه معاوية المدينة، وتوفي بعد منتصف القرن الأول. 8 سبط رسول الله وابن فاطمة الزَّهْرَاء، وقتل عام 63 في عهد يزيد بن معاوية. 9 صحابي جليل، وولي قضاء دمشق لمعاوية بأمر الفاروق، مات سنة 32هـ.

من خوفك حتى تبلغ الأمن خير ممن آمنك حتى تبلغ الخوف1. ولما حضر بشر بن منصور2 الموت فرح، فقيل له: أتفرح بالموت؟ فقال: أتجعلون قدومي على خالق أرجوه كمقامي مع مخلوق أخافه. وقال عمر: إذا أنا لم أعلم ما لم أرَ فلا علمت ما رأيت. وقال مسلمة3 بن عبد الملك: ما حمدت نفسي على ظفر ابتدأته بعجز، ولا لمتها على مكروه ابتدأته بحزم. وقال4: الغنى في الغربة وطن، والفقر في الوطن غربة. وقال ابن عباس: كم من أذنب وهو يضحك دخل النار وهو يبكي، وكم من أذنب وهو يبكي دخل الجنة وهو يضحك. وقال أعرابي لرجل: إن فلاناً وإن ضحك لك فإنه يضحك منك، فإن لم تتخذه عدواً في علانيتك فلا تجعله صديقاً في سريرتك. وقال علي رضي الله عنه: إن أعظم الذنوب ما صغر عند صاحبه. وقال الحسن: كثرة النظر إلى الباطل تذهب بمعرفة الحق من القلب. وشتم رجل الشعبي5 فقال له: إن كنت كاذباً فغفر الله لك، وإن كنت صادقاً فغفر الله لي6. وأوصى يزيد بن معاوية7 غلاماً فقال: اعلم أن الظن إذا أخلف فيك

_ 1 في البيان 97/ 3: وقال الحسن للمغيرة بن مخارش التميمي ... إلخ، ومن جيد الطباق قول أبي بكر لخالد: احرص على الموت تُوهَبْ لك الحياة. 2 ناسك صالح ورع من جلة رجال العصر الإسلامي الأول. 3 أمير قائد أموي له فتوحات مشهورة، وكان شجاعًا خطيبًا وبارع اللسان جوادًا ولم يكن في ولد عبد الملك مثله "114/ 3 بيان". 4 وتنسب هذه الحكمة لأرسطو، ولبعض الشعراء: الفقر في أوطاننا غربة ... والمال في الغربة أوطان "203 رسالة الغفران، طبعة 1903 بمصر". 5 راوية يضرب المثل بحفظه، ولد ونشأ ومات بالكوفة سنة 103، وكان نديم عبد الملك بن مروان، وتقدمت له ترجمة. 6 راجع هذه الرواية في البيان 69/ 2، والكامل 190 الطبعة القديمة. 7 الخليفة الأموي الثاني، توفي سنة 64 بعد أن مكث في الخلافة ثلاث سنين ونصف. وفي البيان 119، 120/ 2 نسبتها لمعاوية، وفي رواية الجاحظ: إذا أخلف منك أخلف مني فيك.

أخلف منك. وقال الحسن1: أما تستحيون من طول ما لا تستحيون2. وقال: من خاف الله أخاف الله منه كل شيء، ومن خاف الناس أخافه3 من كل شيء. وقال علي4 بن عبد الله بن عباس وقد ذكرت عنده بلاغة بعض أهله: إني لأكره أن يكون مقدار لساني فاضلًا عن مقدار علمي، كما أكره أن يكون مقدار علمي فاضلاً على مقدار عقلي. وقال لقمان5 لابنه: إياك والكسل والضجر، فإنك إذا كسلت لم تؤدِّ حقاً، وإذا ضجرت لم تصبر على حق. وقال بعض الواعظين6: كان الناس ورقاً بلا شوك، فصاروا شوكاً بلا ورق. وحدثني الأسدي7 قال: قيل لأبي دؤاد الإيادي8، وبنته تسوس دابته: أهنتها يا أبا دؤاد، فقال: أهنتها بكرامتي كما أكرمتها بهواني9. وقال زهير "من البسيط":

_ 1 نسبها الجاحظ لعبد الواحد بن زيد "102/ 3 بيان". 2 ويروى: تستحون، وهو الأولى. 3 الفاعل يعود على الله، وقد ورد مظهرًا في رواية الصناعتين. 4 من أعيان التابعين وجد الخلفاء العباسيين، توفي سنة 118، وفي البيان "74/ 1" نسبتها لمحمد بن علي بن عبد الله بن عباس، وروايته بالهاء بدل ياء المتكلم. 5 نبي وحكيم وردت قصته وآثار من حكمته في القرآن الكريم. 6 نسبها الجاحظ لأبي الدرداء، وروايته: "كان الناس ورقًا لا شكوك فيه، وهم اليوم شوك لا ورق فيه" "73/ 3 بيان"، وفي موضع آخر نسبها لأبي ذر "147/ 2". 7 راوية أديب وأستاذ من أساتذة ابن المعتز واسمه محمد بن هبيرة الأسدي ويعرف بصعودا. وتوفي نحو عام 305هـ "110 فهرست، 370/ 3 تاريخ بغداد". 8 أبو دؤاد بن جرير الإيادي مشهور باللسان والخطابة، وأحد من يجيد قريض الشعر وتحبير الكلام، وله كلمات في بلاغة الخطابة "49-51/ 1 بيان"، وتوفي في أوائل عهد العباسيين. 9 يريد: خدمتها لي كبيرًا حفظًا لكرامتي كما كانت خدمتي لها وأنا شاب حفظًا لكرامتها.

ليث بعثر يصطاد الرجال إذا ... ما الليث كذب عن أقرانه صدقا1 وقال عبد الله بن الزبير الأسدي2 "من الوافر": رمى الحدثان نسوة آل حرب ... بمقدار سمدن له سمودا فرد شعورهن السود بيضا ... ورد وجوههن البيض سودا3 وقال حسين بن مطير4 "من الطويل": مبتلة الأرداف زانت عقودها ... بأحسن مما زينتها عقودها5 وقال طفيل الغنوى6 "من البسيط":

_ 1 ليث بعثر: أي هو في الجرأة والإقدام على الأقران كالأسد، وعثر اسم مكان، كذب: لم يصدق الحملة، القرن: الصاحب في القتال، يقول: إذا رجع الشجاع عن قرنه ولم يصدق الحملة عليه فالممدوح يحمل ولا يكذب. 2 شاعر من شعراء الدولة الأموية، كوفي المنشأ والمنزل، تعصب للأمويين فلما غلب مصعب بن الزبير على الكوفة أخذه أسيرًا، فمَنَّ عليه ووصله فمدحه وانقطع إليه حتى قتل مصعب، وعمي بعد ذلك، ومات بالري في خلافة عبد الملك. 3 الحدثان والحدثان: الحادثة ونائبة الدهر، المقدار: ما قدره الله، وفيه قلب؛ أي: رمى تقدير الله نسوة آل حرب بحدثان، والسمود: تغير الوجه من الحزن، وآل حرب: هم بنو أمية "84 خزانة تصحيح محيي الدين"، وشرح البيتين في الحماسة "397/ 1". 4 شاعر فصيح متقدم في الرجز والقصيد، ومن فحول المحدثين من مخضرمي الدولتين، وشعره بدوي، وتوفي سنة 169، وله رثاء بليغ في معن بن زائدة. 5 الأرداف: جمع ردف وهو الكفل والعجز، العقد: القلادة، مبتل كمعظم: الجميلة كأنه بتل حسنها على أعضائها أي قطع، والتي في أعضائها استرسال، والمعنى: لهذه المرأة كشح لطيف دقيق، وعقود لباتها تكتسب الحسن والجمال منها وليست هي التي تكسبها الجمال، والبيت وشرحه في الحماسة "60/ 2"، ويروى: مبتلة الأطراف، ورواية الأمالي: الأعجاز "43/ 1 أمالي". 6 شاعر جاهلي فحل، أوصفهم للخيل، عاصر الجعدي وزهيرًا، ومات قبل الهجرة بقليل.

بساهم الوجه لم تقطع أباجله ... يصان وهو ليوم الروع مبذول1 وقال الأخطل "من الكامل": المهديات لمن هوين مسبة ... والمحسنات لمن قلين مقلا2 وقال الطائي "من الطويل": إذا ذاقها -وهي الحياة- رأيته ... يقطب تقطيب المقدم للقتل3 وقال كثير4 "من الطويل": تشنى إلى الأعداء حتى إذا أتوا ... لمرضاته طوعاً وكرهاً تحبباً5 وقال الفرزدق "من الطويل": قبح الإله بني كليب إنهم ... لا يغدرون ولا يفون لجار6 وقال آخر من "من الطويل": ألا يا نسيم الريح إن كنت هابطاً ... بلاد سليمى فالتمس أن تكلما

_ 1 يصف فرسًا، والروع: الفزع. الأباجل: جمع أبجل؛ عرق غليظ في الرجل أو في اليد بإزاء الأكحل، السهام: حر السموم ووهج الصيف، وسهم أي أصابه ذلك، والسهام التغير والضمر، وقد سهم سهومًا، والساهمة: الناقة الضامرة، والسهوم: العبوس. 2 هوى: أحب وبابه صدى، مسبة: سبًّا وشتمًا، قلين: هجرن، والقِلَى: البغض، المقال: القول. 3 قطب وجهه تقطيبًا: عبس، ومن بيت أبي تمام معنى قول الحسن بن أبي رجاء: تعبس في وجهها وهي تضحك في وجهك، وقول ابن المعتز: ضحكت إليه فشمها بتعبس، "راجع 22 فصول التماثيل". 4 شاعر إسلامي وفد على عبد الملك وأكثر الإقامة بمصر، وتوفي بالمدينة سنة 105هـ. 5 تشنأ: تباعد وتباغض، والشانئ المبغض من شنئه، والتحبب: التقرب، والبيت من قصيدة لكثير في مدح عبد الملك "350 معجم"، ورواية المعجم مخالفة لهذه الرواية بعض المخالفة. 6 يذم بني كليب ويصفهم بالعجز واللؤم والهوان.

وبلغ سليمى حاجة لي مهمة ... وكن بعدها عن سائر الناس أعجما1 وقال بعضهم: "إذا شربت النبيذ فاشربه مع من يفتضح هو، لا مع من يفتضح به". المحدثون: سعى علي2 بن عيسى بن ماهان إلى الرشيد بالفضل بن يحيى3 فرمى بكتابه إلى جعفر4 وقال: أجبه، فكتب على ظهره: حفظك الله يا أخي، وحبب إليك الوفاء فقد أبغضته، وبغض إليك الغدر فقد أحببته، إن حسن الظن بالأيام داعية الغير5، والله المستعان. وقال محمد6 بن إسرائيل بن محمد بن إسرائيل القاضي: قال لي مجنون يكون في الخرابات7: يا إسرائيل، خف الله خوفاً يشغلك عن الرجاء؛ فإن الرجاء يشغلك عن الخوف، وفر إلى الله ولا تفر منه. وقال ابن السماك8: لأن أكون في السوق وقلبي في المسجد أحب إلي من أكون في المسجد وقلبي في السوق.

_ 1 النسيم: الريح الطيبة، هبط: نزل وانحدر، المهم: الأمر الشديد، وأهمه الأمر: أقلقه وأحزنه، الأعجم: الذي لا يفصح وهو الذي في لسانه عجمة لا يبين كلامه. 2 من كبار القواد في عصر الرشيد والأمين، وهو الذي حرض الأمين على خلع المأمون من ولاية العهد، وتولى قتال جيوش المأمون، وقتل سنة 195هـ. 3 وزير الرشيد وأخوه في الرضاع وولاه خراسان سنة 178هـ، ثم قبض عليه في نكبة البرامكة عام 187هـ، فسجن وتوفي في سجنه بالرقة عام 193، وكان مولده عام 148هـ. 4 جعفر بن يحيى البرمكي وزير الرشيد، يوصف بفصاحة المنطق وبلاغة القول وكرم اليد والنفس. راجع "180/ 1 بيان"، وقتل سنة 187هـ. 5 غير الأيام: أحداثها ونوائبها. 6 أديب عالم ومن بيت مجد ونفوذ، وزر أحمد بن إسرائيل للمعتز وقتل عام 255هـ، وكان محمد معاصرًا لابن المعتز. 7 جمع خربة؛ وهي ما أفقر وخلا من الديار. 8 ناسك زاهد ورع، توفي في عصر الرشيد، وله أحاديث وعظات مع الرشيد، وتوفي عام 185هـ.

وباع أبو العيناء دابة، كان عبيد الله بن1 يحيى حمله عليها من ابن لعبيد الله، فدافعه بثمنه، ثم لقيه، فقال: ايش2 خبرك يا أبا العيناء؟ فقال: بخير، يا من أبوه يحمل وهو يرجل. وقال ذو الرياستين3: احذورا اجتماع المضار وافتراق المسار4. وكتب عبد الصمد5 بن على إلى مروان6، وقد ذكر له أمر الحرم: الحق لنا في دمك، وعلينا في حرمك7. وقال عبيد8 الله بن عبد الحميد في تعزية: ما أشبه الباقي الذي ينتظر الفناء بالماضي الذي قد أتى عليه الفناء. وقلت لبعض فقهائنا وأنا عليل وقد سألني عائد لي بحضرته كيف أنت: أتراني ان قلت في عافية كاذباً؟ فقال لي: لا، قال بعض الصالحين: إن أعلك الله من جسمك فقد أصحّك من ذنوبك. وكتب يحيى بن خالد9 إلى الرشيد: يا أمير المؤمنين، إن كان الذنب لي خاصاً فلا تعمن بالعقوبة؛ فإن الله يقول: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} 10. ولبعضهم: الكريم واسع المغفرة إذا ضاقت المعذرة11. وقال ابو تمام "من الطويل":

_ 1 وزر للمتوكل والمعتمد، وتوفي سنة 262هـ، وله ألف ابن قتيبة "أدب الكاتب". 2 أي: أي شيء. 3 الفضل بن سهل قتل 202هـ، وتقدمت ترجمته. 4 جمع مضرة ومسرة، والمضرة خلاف المنفعة، والمسرة السرور. 5 عباسي هاشمي عم المنصور، وتولى ولاية كثير من البلاد، ومات سنة 185هـ عن 81 عامًا. 6 هو مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية، قتل سنة 132. 7 جمع حرمة، وحرمة الرجل: حرمه وأهله. 8 أبو عبيد الله محمد بن عبد الحميد الطائي الطوسي القائد، شاعر أديب وإخوته شعراء أدباء "27 معجم الشعراء". 9 مضت ترجمته. 10 سورة فاطر، آية: 18. 11 عذره في فعله عذرًا، والاسم المعذرة.

لهم منزل قد كان بالبيض كالمها ... فصيح المعاني ثم اصبح أعجما1 ورد عيون الناظرين مهانة ... وقد كان مما يرجع الطرف مكرما وقال في الإبل "من البسيط": ألمرضياتك ما أرغمت آنفها ... والهادياتك وهي الشرد الضلل إذا تضللت من أرض فصلت بها ... كانت هي العز إلا أنها ذلل2 وقال في الشيب "من الخفيف": غرة مرة ألا إنما كنـ ... ـت أغر أيام كنت بهيماً دقة في الحياة تُدعى جلالاً ... مثل ما سُمي اللديغ سليماً3 وقال ابن السماك للرشيد: يا أمير المؤمنين، تواضعك في شرفك أشرف من شرفك. وقال الطائي "من الطويل": وضل بك المرتاد من حيث يهتدي ... وضرت بك الأيام من حيث تنفع

_ 1 بيض: جمع بيضاء وصف لأحبابه. المها: وصف للبيض، جمع مهاة وهي البقرة الوحشية. وأعجم: أي غير ناطق، مهانة: من الهوان. وأرجعه ورجعه واحد. والطرف: العين، ومكرمًا: اسم مفعول من أكرم. يصف عفاء مغاني أحبابه بعد فراقهم إياه ورحليهم عنه وآثار هذا العفاء في نفس المحب الواله. 2 المرضيات: جمع مرضية من أرضيته عني، أرغمت: أهنت، من أرغم الله أنفه أي ألصقه بالتراب. آنف: جمع أنف. والهاديات: جمع هادية من هداه الطريق أي أرشده إليه. شرد البعير: نفر فهو شارد وشرود وهم شرد. والضلل: جمع ضالة من الضلال ضد الرشاد، وتضللت: بمعنى نسبت فيها إلى الضلال فكرهت الإقامة بها، أو بمعنى تظلمت، كانت هي -أي الإبل- العز؛ لأنها تنأى بي عن موطن الذل والهوان، والذلل: جمع لناقة ذلول من الذل بالكسر؛ وهو اللين والانقياد. 3 الغرة: بياض في جبهة الفرس، مرة: من المرارة أي: شديدة الألم للنفس، وأغر: أي أكرم، وغرة كل شيء: أوله، وأكرمه. والفرس البهيم: هو الذي لا يخالط لونه شيء سوى لونه. والدقة: مصدر دق الشيء أي صار دقيقًا، والدقيق ضد الغليظ، ولدغته العقرب فهو ملدوغ ولديغ.

وقد كان يدعى لابس الصبر حازماً ... فأصبح يدعى حازماً حين يجزع1 وقال آخر "من الكامل": أما القبور فإنها مأنوسة ... بجوار قبرك والديار قبور2 وقال أبو العتاهية "من الكامل": يا حسرتا من يوم يَجمـ ... ـع شرتى كفن ولحد ضيعت ما لا بد لي ... منه بما لي منه بد3 وقال سديف4 "من الكامل": واصح ما رأت العيون محاجرًا ... ولهن أمرض ما رأيت عيوناً5 وقال عمارة بن عقيل "من الخفيف":

_ 1 ضل الطريق: لم يهتد إليه. والمرتاد: من راد الكلأ وارتاده أي طلبه، والرائد: الذي يرسل في طلب الكلأ، والبيتان في الرثاء، يقول: قد كان هدى المرتاد فضل بعده، وكانت الأيام تنفع بما يفعل فيها من مكرمات، فصارت تضر بعده، ولئن كان الحزم في الصبر فلقد صار بعد وفاته في الجزع والبكاء. 2 مأنوسة: من الإيناس ضد الإيحاش، والبيت للتميمي في منصور بن زياد، والتميمي هو أبو محمد عبد الله بن أيوب من أهل اليمامة، شاعر مولد فصيح عربي متكلم عالم، وكان بعد مسلم بن الوليد بقليل "راجع 401/ 1 حماسة" ونسبه الكامل لرجل من خزاعة ولكثير، وقال: إن الصحيح أنه لقطرب النحوي في رثاء عمر بن عبد العزيز "267/ 2 كامل طبعة التجارية" ونسبته الموازنة للعتابي "56 الموازنة". 3 شرة الشباب: نشاطه وجلده وحرصه. 4 سديف بن ميمون مولى بني هاشم، شاعر حجازي مقل، كان شديد التعصب لبني هاشم، وعاش إلى زمن المنصور، مات سنة 146هـ. 5 محاجر: جمع محجر، ومحجر العين: ما يبدو من النقاب، ورواية الأصل: جوارحا، وجوارح الإنسان: أعضاؤه التي يكتسب بها، وفي الأصل منهن بدل ولهن.

وأرى الوحش في يميني إذا ما ... كان يوماً عنانه في شمالي1 وقال أبو تمام "من البسيط": فيم الشماتة إعلاناً بأسد وغى ... أفناهم الصبر إن بقاكم الجزع2 وقال البحتري "من الخفيف": إن أيّامَه من البيض بيضٌ ... ما رأين المفارقَ السودَ سودا3 وقال النميريّ4 "من الكامل": ومجالس لك بالحمى ... وبها الخليط نزول أيامهنّ قصيرة ... وسرورهن طويل وسعودهنّ طوالع ... ونحوسهن أفول والمالكية والشبا ... ب وقينة وشمول5 وقال بشار "من البسيط": حتّام قلبي مشغول بذكركمُ ... يهذي وقلبُك مربوط بنسياني لهفي عليها ولهفي من تذكرها ... يدنو تذكرها مني وتنآني

_ 1 العنان: اللجام، يقول: إذا ركبت الفرس فكان لجامه في شمالي اصطدت الوحش فكان عنانه في يميني، يصف فرسه بسرعة العدو. 2 الشماتة: الفرح بمصيبة العدو، إعلانا: جهارًا، الأُسْد: جمع أسد. 3 في الأصل: رأينا، البيض: جمع بيضاء، وامرأة بيضاء: أي حسنة جميلة، والمفارق جمع مفرق وهو وسط الرأس وما يفرق منه الشعر، والمعنى أنه ينعم بجمال الحياة وبهجة الدنيا بوصال الغانيات الذي يظل ما دام في روعة الشباب ونضارة العمر. 4 النمري هو منصور النمري، شاعر الرشيد من سلالة النمر بن تولب، والنميري هو محمد بن عبد الله بن نمير من قيس، وهو شاعر غزل مولد من شعراء الدولة الأموية، وله في زينب أخت الحجاج غزل كثير، راجع "24/ 6 الأغاني"، وفي الأبيات روح منصور النمري مما يجعلني أجزم بأن الصحيح هو "وقال النمري" فتكون كلمة النميري الواردة في الأصل محرفة، وفي زهر الآداب "69/ 3": "وقال العتابي يعرض بالنميري"، وهو تحريف أيضًا. 5 الحمى: المكان المحمي، ويقال للوطن: حمى لحمايته من الأعداء، والخليط: المخالط كالنديم والمنادم وهو واحد وجمع، والمالكية: اسم محبوبته، والقينة: المغنية، الشمول: الراح.

إني لمتنظر أقصى الزمان بها ... إن كان أدناه لا يصفو لحران1 وقال أبو العتاهية "من الطويل": غنيت عن الوصل القديم غنيتا ... وضيعت قلباً كان لي ونسيتا تجاهلت عما كانت تحسن وصفه ... ومن عن الإحسان حين حييتا2 وقال إبراهيم بن العباس "من الوافر": غنى عنك ما استغنيت عنه ... وطلاع عليك مع الخطوب3 وقال ابو العتاهية "من الخفيف": عاذلى في المدام غير فصيح ... لا تلمني على شقيقة روحي لا تلمني على التي فتنتني ... وأرتني القبيح غير قبيح إن بذلي لها لبذل جواد ... واقتنائي لها اقتناء شحيح4 وقال أيضاً "من الخفيف": يا بني النقص والغير ... وبني الضعف والخور وبني البعد في الطبا ... ع على القرب قي الصور وقال أيضاً "من الرمل": قل لذي الوجه الطرير ... ولذي الردف الوثير ولمغلاق همومي ... ولمفتاح سروري يا قليلاً في التلاقي ... وكثيراً في ضميري5

_ 1 هذى في منطقة: يهذي خلط، ونأى ينأى: بعد. وأقصى الزمان: أي بعيده، والصفو: ضد الكدر، والحران: العطشان. 2 غنى: أي استغنى. 3 البيت في وصف ما يلقاه من الإخوان من كيد وكفران. 4 المدام: الخمر. اقتناء المال: اتخاذه. والشحيح: البخيل الحريص. 5 الطرير: الحسن من طر النبت نبت. والردف: الكفل. والوثير: الضخم. والمغلاق: ما يغلق به الباب.

وقال البحتري يصف بركة المتوكل1 "من البسيط": إذا علتها الصبا أبدت لنا حبكاً2 ... مثل الجواشن مصقولاً حواشيها فحاجب الشمس أحياناً يضاحكها ... وريق الغيث أحياناً يباكيها3 وقال أيضاً "من الكامل": حالت بك الأشياء عن حالاتها ... فالحزن حلّ والعزاء حرام وبرغم أنفي أن أراك موسداً ... يد هالك والشامتون قيام4 وشرب بعض الناس عند الحسن بن وهب5 قدحاً فلما استوفاه عبس فقال: والله ما أنصفتها، تضحك في وجهك وتعبس في وجهها، فأخذه بعض المحدثين6 "من الكامل": ما أنصف الندمان كأس مدامة ... ضحكت إليه فشمّها بتعبس7 ودخل ابن شبابة8 على قوم يشربون الخمر ومعه صديق له فقال الرجل: الويل لنا إن كان ما يشربون خمراً، فقال ابن شبابة: بل الويل لنا إن لم يكن ما

_ 1 الخليفة العباسي المشهور، قتل سنة 247. 2 الصبا: ريح تهب من مطلع الشمس إذا استوى الليل والنهار، أبدى: أخبر. حبك: جمع حباك جمع حبيكة، وهي الطريقة في الرمل، والحبك تكسر كل شيء كالماء القائم إذا مرت به الريح. الجواشن: الدروع. 3 الحواشي: الأطراف، مصقول: أي مجلو. حاجب الشمس: أول ما يبدو منها عند الشروق. الغيث: المطر. 4 حال الشيء: انقلب عن حاله، وحال لونه: انقلب واسود، والحالة واحدة حال الإنسان، وحل: أي حلال، والوساد: المخدة، ووسدته الشيء: جعلته تحت رأسه. 5 كاتب شاعر عاصر أبا تمام ورثاه ولما مات رثاه البحتري، وكانت يكتب لمحمد بن عبد الملك الزيات، توفي سنة 250. 6 البيت لابن المعتز في ديوانه جـ2 ص52، وراجع ص22 فصول التماثيل لابن المعتز. 7 الندمان والنديم من ينادمك على الشراب، والمدامة: الخمر. التعبس: التجهم. 8 لعله محمد بن حماد بن شبابة شاعر بغدادي "429 معجم الشعراء".

يشربون خمراً. وقال سعيد بن سلم1: تركنا كثير النبيذ لله وقليله للناس2. ويقال: اشرب من النبيذ ما لا يشربك. ولأعرابي في البراغيث "من الطويل": إذا درج البرغوث منها رأيته ... على الجلد ضخم الجسم وهو صغير وقال الطائي "من الطويل": لقد ضاقتِ الدنيا عليَّ بأسرها ... لهجرانه حتى كأني في حبس أسكن قلبًا وهائمًا فيه مأتم ... من الشوق إلا أن عيني في عرس3 وقال سهل بن هارون4: من طلب الآخرة طلبته الدنيا حتى توفر5 زرقه منها، ومن طلب الدنيا طلبه الموت حتى يخرجه منها. وقال بعضهم يهجو قوماً "من المتقارب": فيا قبحهم بالذي خولوا ... ويا حسنهم في زوال النعم6 وقال عبد الله بن أبي عيينة7 في عيسى بن سليمان8 "من الطويل":

_ 1 أخباره في الأغاني في مواضع متفرقة، وراجع ترجمته عند البيت 230، وهو سعيد بن سلم بن قتيبة، أمير شريف من أسرة عظيمة وعاصر الرشيد، وكان شجاعًا أديبًا. 2 يريد: أن كثير النبيذ حرام وقد تركه خوفًا من الله، وقليله حلال وقد تركه حياء من الناس. 3 الهيام: أشد الحب. المأتم: النساء يجتمعن في الخير والشر، والمراد به هنا المناحة. 4 كاتب حكيم فارسي الأصل، نشأ في البصرة واتصل بخدمة المأمون فولاه رئاسة خزانة الحكم بغداد، وكان يتهم بالشعوبية ووضع كثيرًا من القصص ورسالته في البخل دونها الجاحظ في البخلاء، وتوفي في عصر المأمون، وقد أشاد به الجاحظ في البيان "ج1 ص55". 5 وفر عليه حقه توفيرًا واستوفره: أي وفاه. 6 خولوا: أي ملكوا. 7 جده أبو عيينة بن المهلب وهو مولى ابن كعب، كان من كبار القواد الذين رفعوا دعائم دولة بني العباس، وتوفي سنة 141، وعبد الله شاعر مجيد من أطبع الناس وأقربهم مأخذًا في الشعر وأقلهم تكلفًا وهجا ابن عمه خالدًا كما هجا ابن عمه مروان أحد تلامذة الخليل "267، 398 معجم الشعراء" وعاصر المأمون. 8 ولي والده البصرة للسفاح والمنصور، وتوفي سنة 142هـ، وابنه عيسى أمير عباسي من رجال الدولة في عصر المهدي والرشيد، وهذه الأبيات وقصة هجاء عبد الله لعيسى بن سليمان تراها في كامل المبرد "206/ 1" والأغاني 16 ج18.

أفاطم قد زوجت من غير خبرة ... فتى من بني العّباس ليس بطائل فإن قلت من آل النبي فإنه ... وإن كان حر الأصل عبد الشمائل1 وقلت في الفصول الصغار القصار: طلاق الدنيا مهر الجنة. غضب الجاهل في قوله، وغضب العاقل في فعله. ومن المعيب من المطابقة في الكلام والشعر قول الأُخيطل2 "من الكامل": قلت المقام وناعب قال النوى ... فعصيت أمري والمطاع غراب3 وهذا من غث الكلام وبارده. وقال أيضاً "من الكامل": كم جحفل طارت قدامى خيله ... خلفته يوم الردى منتوفا أعلمت بابك وهو رأس أنه ... سيكون بعدك حافراً ووظيفا4 وقال أيضاً في الخمر "من الكامل": ورمى النديم بماء مزن رأسها ... فرمته من أضغانها في الراس وحسا مصونتها فأرخت نفسها ... حتى احتست بالسكر نفس الحاسي5

_ 1 فاطمة هي زوجة عيسى، وهي فاطمة بنت عمر بن حفص هزار مرد، وهو من ولد قبيصة بن أبي صفرة المهلبي "راجع الكامل والأغاني". ويقال: هذا لأمر لا طائل فيه إذا لم يكن فيه غناء. الشمائل: جمع شمال وهو الخلق. 2 شاعر مليح ظريف الشعر كان يسلك طريق أبي تمام، ومدح محمد بن عبد الله بن طاهر سنة 253هـ. "432 معجم الشعراء وج5 ص422 تاريخ بغداد" ومات بعد متنصف القرن الثالث بقليل. 3 الناعب: الغراب. النوى: الفراق. 4 الجحفل: الجيش الجرار. قدامى الطير: قوادمه وهي مقاديم ريشه وعددها عشرة في كل جناح. الردى: الهلاك. منتوفًا من نتف الشعر. بابك: هو بابك الخرمي وله ترجمة عند البيت "241". فلان رأس قومه: أي عظيمهم. الوظيف: مستدق الذراع والساق من الخيل وغيرها. 5 النديم: من ينادمك على الشراب. والمزن: السحاب، والضمير في رأسها للخمر، الأضغان: جمع ضغن وهو الحقد. حسا المرق: فهو حاس واحتساه بمعنى وتحساه حساه في مهلة، مصونة: من صان الشيء صيانًا وصيانة إذا بالغ في المحافظة عليه. أرخى الستر وغيره: أرسله.

وقال بعض الشعراء في القاسم1 بن عبيد الله "من الكامل": من كان يعلم كيف رقة طبعه ... هو مقسم أن الهواء ثخين وقال الطائي "من الوافر": فيه ثلج الفؤاد وكان رضفاً ... ويا شبعى برؤيته وريى2 وقال "من الخفيف": فإذا الصنع كان وحشا فمليـ ... ـت برغم الزمان صنعًا وربيبا3 ولبعض المحدثين وهو من عجيب هذا الباب في الرداءة "من الكامل": وجعلت مالك دون عرضك جنة ... إذ عرض غيرك لا يقيه بقوة4 وقال كاتب تامش5 -واسمه شجاع6- في دعائه: "يا رب، ارحم ترحم".

_ 1 القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب وزير المعتضد، وتوفي سنة 291هـ. "444 ج1 ابن خلكان". 2 يصف الشاعر رقة طبع الممدوح، وأن الذي يتصل به ويرى رقة طبعه يعلم أن طبعه أرق من الهواء، وأن الهواء مع رقته يعد بالنسبة إلى طبعه ثخينًا غليظًا. الرضف: عظام في الركبة قد أخذ بعضها بعضًا واحدتها رضفة، والرضف أيضًا حجارة محماة، ورضفه يرضفه بها: أي كواه. هو ثلج الفؤاد: أي طمأنينته ومسرته، وكان أي الفؤاد. 3 الوحش: كبير السن قبيح المنظر، والربيب: ولده وهو صغير السن فتي الشباب، وملاك الله حبيبك تملية: متعك به وأعاشك الله معه طويلًا. يقال: رغم أنفه: أي ذل وانقاد، وأرغم الله أنفه: ألصقه بالرغام وهو التراب، يقول: إذا كان فعل الزمان معك سيئًا فمتعك الله برغم أنف الزمان وملاك صنعًا جميلًا حسنًا، يعني إذا كانت أيامك الماضية أيام شدة وشقاء، فأحالها الله إلى أيام خير ورخاء ويسر. 4 الجنة: ما استتر به من سلاح، والجنة: الستر. وقى الشيء يقيه وقاية: حفظه. القوة ضد الضعف، وأخذ الشيء بقوة: أي بجد وعزم. 5 قائد تركي تولى البيعة للخليفة المستعين سنة 248هـ فأطلق يده في شئون الدولة، فأثرى ثراء عظيمًا فثارت عليه الموالي وقتلوه. 6 هو شجاع بن القاسم، كان موضع ثقة تامش القائد، وكان تامش لا يعرف الكتابة، فكان شجاع كاتبه يتولى له أمورها، ومات مقتولًا في نكبة مولاه.

الباب الرابع من البديع وهو رد العجز على الصدر

الباب الرابع من البديع 1 وهو رد العجز على الصدر: وهو رد أعجاز الكلام على ما تقدمها، وهذا الباب ينقسم على ثلاثة أقسام: 1- فمن هذا الباب ما يوافق آخر كلمة فيه أخر كلمة في نصفه الأول؛ مثل قول الشاعر "من الكامل": تلقى إذا ما الأمر كان عرمرماً ... في جيش رأى لا يفل عرمرم2 2- ومنه ما يوافق آخر كلمة منه أول كلمة في نصفه الأول؛ كقوله "من الطويل": سريع إلى ابن العم يشتم عرضه ... وليس إلى داعى الندى بسريع3 3- ومنه ما يوافق آخر كلمة فيه بعض ما فيه؛ كقول الشاعر "من الوافر": عميد بني سليم أقصدته ... سهام الموت وهي له سهام4 وقال الله تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ

_ 1 قائد تركي تولى البيعة للخليفة المستعين سنة 248هـ فأطلق يده في شئون الدولة، فأثرى ثراء عظيمًا فثارت عليه الموالي وقتلوه. 2 هو شجاع بن القاسم، كان موضع ثقة تامش القائد، وكان تامش لا يعرف الكتابة، فكان شجاع كاتبه يتولى له أمورها، ومات مقتولًا في نكبة مولاه. 3 عقد له أبو هلال في الصناعتين بابًا "377-380" تأثر فيه بابن المعتز إلى حد كبير، ويسميه ابن رشيق التصدير "3 ج2 العمدة ط1934" وقد نقل فيه كثيرًا من مثل ابن المعتز المذكورة هنا. 4 العرمرم: الجيش الكبير، والمراد أن الأمر شديد. وفل الجيش: هزمه. 5 يروى: يلطم وجهه، واللطم: الضرب على الوجه بباطن الكف، والبيت للأقيشر الأسدي الكوفي الشاعر الأموي. 6 عميد القوم: سيدهم. أقصد السهم: أصاب، وأقصد فلانًا طعنه فلم يخطئه، وينسب البيت للأشجع السلمي أيضًا.

دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا} 1. وقال عز وجل: {لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} 2. وقال تقدست أسماؤه: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} 3. وفي الحديث: "من مقت نفسه فقد آمنه الله من مقته"4. وقال طفيل: "من الطويل": محارمك أمنعها من القوم إنني ... أرى حقبة قد ضاع فيها المحارم5 وقال عمرو بن أحمر6 "من الطويل": تغمرت منها بعدما نفد الصبا ... ولم يرومن ذي حاجة من تغمر7 وقال الحطيئة "من الطويل": تدرون إن شد العصاب عليكم ... ونأبى إذا شدّ الصعاب فلا ندر8 وقال الفرزدق "من البسيط": أصدر همومك لا يقتلك واردها ... فكل واردة يوماً لها صدر9

_ 1 سورة الإسراء، آية: 21. 2 سورة طه، آية: 61. افترى الكذب: اختلقه. يسحتكم: يستأصلكم. 3 سورة الأنعام، آية: 10. 4 مقته: أبغضه من المقت وهو البغض. 5 المحرم من النساء: ما لا يحل نكاحها. الحقبة: المدة والزمن. 6 باهلي أدرك الإسلام فأسلم، وغزا مغازي الروم، وتوفي على عهد عثمان بعد سن عالية، وهو كثير الغريب صحيح الكلام. 7 تغمر بالقدح: شرب به، وتغمرت: أي شربت من الغمر، وهو قدح صغير جدًّا، ضربه مثلًا: أي تعللت منها بالشيء القليل، وذلك لا يبلغ ما في النفس منها من المراد، يقال: حاولت أن أتمتع بمحبوبتي بعد أن ذهب الشباب ولكن هيهات، وروى من الماء: ارتوى، نفد: فَنِيَ. 8 الدر: اللبن. ودر الضرع باللبن يدر. العصاب: العصابة. يقال: عصب رأسه بالعصابة، والمعنى: أنتم أذلاء قبلتم الهوان، ونحن أعزاء لا نضام، ولا نعطي القياد عن ضيم. 9 صدر عن الماء: رجع ضد ورد، والمعنى: لا تدع الهموم التي تطيف بك تعذبك، وتقض مضجعك؛ بل اطردها من نفسك، وتسل عنها، والواردة لا بد لها يومًا من الصدر؛ أي: أن الهموم مهما أقمتها لا بد أن تذهب من نفسك؛ فعجل بطردها.

وقال الأعشى ميموم بن قيس "من المتقارب": كتوم الرغاء إذا هجرت ... وكانت بقية ذود كتم1 وقال جرير "من الطويل": سقى الرمل جون مستهل ربابه ... وما ذاك إلا حب من حل بالرمل2 المحدثون: قال أبو نواس "من المديد": ظن بي من قد كلفت به ... فهو يجفوني على الظنن3 وقال في الخمر "من الكامل": رقت ورقت مذقة من مائها ... والعيش بين رقيقتين رقيق4 وقال مسلم "من الطويل": تبسم عن مثل الأقاحى تبسمت ... له مزنة صيفية فتبسما وليلة مات اللهو إلا بقية ... تداركها طيف ألم فسلما

_ 1 الرغاء: صوت ذوات الخف، والراغية: الناقة أو البعير. هجرت: سارت في الهاجرة، البقية: ما بقي من الشيء، الذود من الإبل: ما بين الثلاث إلى العشرة، يصف ناقته بأنها كريمة قوية صبورة على ألم السير في الهجرة لا تتعب ولا تشكو الكلال، وأنها البقية الباقية من إبل كثير كرام. 2 الجون: السحاب الأبيض أو الأسود. الرباب: السحاب الأبيض. وقيل: هو السحاب المرئي كأنه دون السحاب سواء كان أبيض أو أسود. استقل القول: مضوا وارتحلوا. 3 كلف بكذا: أولع به. الظنة: التهمة. جفاه: هجره. 4 المرقة: القطعة من الشيء المخلوط بغيره، ويقول ابن رشيق في البيت هو عندي بعيد من إحكام الصنعة التي يدخل بها في هذا الباب، على أنه غاية في ذاته؛ لأن أكثر السعادة أن تعاد اللفظة بنفسها "5/ 2 العمدة".

مزيدك عندي أن أقيك من الردى ... وإن كان شجواً أن أكون المقدما1 أردنا من هذه الأبيات البيت الأول. وقال محمد2 بن أبي أمية الكاتب "من المديد": حسن هذا الوجه لا يسلمني ... أبدًا منه إلى غير حسن3 وقال بشار الأعمى "من الطويل": طلوب ومطلوب إليه إذا غدا ... وخير خليليك الطلوب المطلب4 وقال منصور بن الفرج "من الوافر": مفيد إن تزره وأنت مقوٍ ... تكن من فضل نعمته مفيدا حميد حين تكثر ذم صرف ... لدهر لا ترى فيه حميدا وإن فقد الربيع وكل خصب ... فليس ربيع كفيه فقيدا

_ 1 الأقاحي: جمع أقحوانة نبت طيب الرائحة حواليه ورق أبيض ووسطه أصفر ويشبه الثغر به. والمزنة: السحابة البيضاء. صيفية: أي تهطل في الصيف. والتبسم دون الضحك. يقول: يبسم المحبوب عن ثغر كأنه الأقحوان جاء وابتسم له في الصيف السحاب فنور وابتسم، ومات اللهو كناية عن ذهابه وعفاء ذكرياته من النفس، وطيف الحبيبة خيالها الذي يتراءى في النوم وطاف الخيال جاء في النوم، وألم به: نزل به. وقاه من الردى: حفظه. الردى: الهلاك، الشجو: الهم والحزن، يقول الشاعر: أحبه وأزيده من الحب فلو كان ردى لوقيته منه بنفسي وإن كان يحزنني أن أتقدم عليه فأموت قبله وأفارقه غير متمتع به. 2 محمد بن علي بن أمية الكاتب غنى المأمون ومن بعده من الخلفاء إلى المستعين، ومدح المتوكل والخلفاء بعده، وتوفي بعد منتصف القرن الثالث. 3 يقول ما أجمل هذا الوجه الذي لا تقع عيني منه أبدًا على غير حسن وجمال! وهو شبيه بقول أبي نواس: يزيدك وجهه حسنًا ... إذا ما زدته نظرًا 4 طلوب: مبالغة في طالب. يقول في محبوبه: إنني وقعت في أسر هواه، ووقع هو أيضًا في أسري، فهو يطلبني وأنا أطلبه، وخير الأخلاء من هام بك وهمت به.

وفود أملوك أبا عليٍ ... ولولا أنت ما كانوا وفودا1 وقال في صفة الشيب "من الخفيف": يا بياضاً أذرى دموعي حتى ... عاد منها سواد عيني بياضا2 وقال أيضاً "من الوافر": شريف لا ترى قولاً وفعلاً ... ولا خلقاً له إلا شريفا وقال أبو الغمر الطهوي3 "من الخفيف": ما لجنية المحاسن لا تأوي ... لخرقٍ كأنه جنى4 وقال أحمد بن يوسف في بعض كتبه: فشكر الله لك ما أصبحت مشكوراً به. وكتب بعضهم: إن الشكر من الله بأحسن المواضع فازدد منه تزدد به وحافظ عليه تُحفظ به. وقال بعض المحدثين وهو إبراهيم بن الفرج البندنيجي5 "من البسيط": تقاصرت همم الأملاك عن ملكٍ ... أمسى الرجاء عليه وهو مقصور فوفره بين أهل العرف منتهب ... وعرضه عن لسان الذم موفور6

_ 1 مفيد: من أفاد المال أعطاه، وأفاده أيضًا: أخذه. أقوى القوم: صاروا بالقواء هو القفر، والمقوى أيضًا الذي لا زاد معه، والمراد: وأنت فقير، صرف الدهر: حدثانه ونوائبه، أمله: رجاه. 2 أذرت العين دمعها: صبَّته. 3 مضت ترجمته في البيت "115". 4 جنية المحاسن: أي فائقتها، تأوي: تسكن، الخرق: الرجل الكريم الحسن الخلق أو الشديد الذي ليس برقيق يعني نفسه، والمعنى: أن محبوبته الفائقة في الحسن لا تواصله وهو كريم النفس حسن الخلق يتحمل الشدائد، فهو دائب السعي يحمل نوائب المعروف حتى صار كأنه جني من طول تحمله وسعيه في سبيل المعروف. 5 البندنيجي نسبة إلى موضع اسمه البندنيجيين، وورد في الكلام 150/ 2. 6 تقاصرت: عجزت عن بلوغ شأوه، الهمم: جمع همة، الأملاك: جمع ملك، الوافر: المال الكثير، العرف: البذل والجود، أنهب الرجل ماله فانتهبوه ونبهوه وناهبوه بمعنى واحد، والنهب: الغنيمة، عرض الرجل موضع الذم والمدح منه، الموفور: الشيء التام، وفر عليه حقه توفيرًا واستوفره: استوفاه.

وقال أبو نواس "من السريع": من لم يطب في الناس يومئذ ... من ريحه -إن مر- لم يطب1 وقال البحتُري "من الطويل": أنائل جاوزت الأحص وأهله ... وما جدت المشوق بنائل2 وقال الطائي في الربيع "من الطويل": أسائلكم ما باله حكم البلى ... عليه وإلا فاتركوني أسائله وقال أيضاً "من الطويل": ومن كان بالبيض الكواعب مغرما ... فما زلت بالبيض القواطع مغرما ومن تيمت سمر الحسان فؤاده ... فما زلت بالسمر العوالي متيما تجشم حمل الفادحات وقلما ... أقيمت صدور المجد إلا تجشما3 وقال أيضاً "من الطويل": إلى سالم الأخلاق من كل عائب ... وليس له مال على الجود سالم إذا سيفه أضحى على الهام حاكماً ... غدا العفو منه وهو في السيف حاكم4

_ 1 يقال: طاب يطيب طيبة، والطيب الرائحة الطيبة العبقة، يصف المحبوبة بعبق الرائحة وطيب النشر ويقول: إن من لم يطب من الناس من طيب رائحة المحبوب وهو مار عليهم لم يطب بعدها. 2 نائل: اسم محبوبته، جاوزت الأحص مثل يضرب لمن يطلب الشيء بعد فوات موضعه، والأحص: ماء في موضع بهذا الاسم بتهامة، جاد بالشيء: منحه، النائل: العطاء، الصب: ذو الصبابة والشوق، شاقه الشيء فالشئ شائق وهو مشوق. 3 البيض: النساء الحسان، والبيض الثانية: السيوف، الكواعب: جمع كاعب وهي الفتاة التي كعب ثديها أي بدا للنهود. تيمه الحب: أضناه، سمر الحسان: أي الحسان السمر اللون، والسمر الثانية: الرماح. تجشم الأمر: تكلفه على مشقة، والتجشم: التكلف، والفادحات: الأمور الفادحة وهي الثقيلة، وهي أعباء المجد. 4 الهام: الرءوس، والمعنى: أنه -أي الممدوح- نبيل الخلق كثير الجود مسلط على الأعداء، سلم خلقه من كل عيب ولم يسلم ماله من تبديد الجود.

وقال "من البسيط": إن ينج منها أبو نصرٍ فعن قدرٍ ... ينجى الرجال ولكن سله كيف نجا وقال آخر -وأظنه متقدماً لسلمة بن عباس1- "من الطويل": سمين قريش مانع منك غثه ... وغث قريش حيث كان سمين2 وقال البحتري "من الكامل": سلبوا وأشرقت الدماء عليهم ... محمرةً فكأنهم لم يسلبوا3 وقلت "من البسيط": يا دائم الهجر والتجني ... دعني من الهجر أو فدعني فر فؤادي إليك مني ... فسله عما أردت مني4 ومن المعيب منه في الكلام أو الشعر قول ذي نواس البجلي "من الطويل": يتيمني برق المباسم بالحمى ... ولا بارق إلا الكريم يتيمه5

_ 1 شاعر مخضرم أدرك الدولتين، ومدح عمارة بن حمزة صاحب خراج البصرة للمهدي، وينسب البيت لعروة بن أذينة "204/ 3 بيان". 2 الغث: اللحم المهزول والحديث الرديء، والسمين: ضد المهزول. ويروى: منك لحمه "253/ 2 الكامل" وهي رواية البيان أيضًا. 3 سلب الأعداء: أخذ سلبهم، والسلب: المسلوب، والسلب: الاستلاب والاختلاس. 4 في الديوان "1/ 99" هذان البيتان بوزن آخر وهو المجتث وهما هنا من مخلع البسيط وهما كما في الديوان: يا دائم الهجر دعني ... من الصدود وقلني فرّ فؤادي مني ... فسل يحدثك عني والتجني: الدلال والتيه. والمعنى: أيها المحب الدائم الهجر والدلال حسبك هذا، فإما أن تدع هجرك، وإما أن تدعنا وتتركنا، فليس بالخليل الوفي من يهجر ويتجنى على محبيه، وإن قلوبنا فرت من صدورنا وأقامت في حماك فاسألها تنبئك بما تكنه لك من حب ولوعة ووفاء. 5 تيمه الحب: أضناه شوقًا، البرق: التلألؤ، وبرق السيف وغيره: تلألأ، المباسم: جمع مبسم وهو الثغر. والمعنى: أن مبسم الحبيب الساحر الجميل المتلألئ عند افتراره يزيدني هيامًا ولوعة وكل كريم يتيمه الحسن ويأسره الجمال.

وهذا قد جمع على غثاثته بابين من بديع الكلام، وهما هذا الباب وباب الاستعارة. وقال منصور بن الفرج "من البسيط": زدناك شوقاً ولو أن النوى نشرت ... بسط الملا بيننا بعداً لزرناك1 وهذا أيضاً قد جمع معنيين من البديع، وليس بشيء.

_ 1 النوى: الفراق، البسط: جمع بساط وهو ما يبسط، ومكان بسيط: أي واسع وهو المراد هنا، الملا: القفار الواسعة، والمعنى: دفع بنا الشوق إلى زيارتها ومهما صنع الفراق وباعد بيننا وبين ديارها فلا نكف عن زيارتها.

الباب الخامس من البديع وهو المذهب الكلامي

الباب الخامس من البديع وهو المذهب الكلامي: وهو مذهب سماه عمرو الجاحظ المذهب الكلاميّ1. وهذا باب ما أعلم أني وجدت في القرآن منه شيئاً، وهو ينسب إلى التكلف -تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. المتقدمون: قال أبو الدرداء: إن أخوف ما أخاف عليكم أن يقال: علمت فماذا عملت2. وقال الفرزدق "من الطويل": لكل امرئ نفسان نفس كريمةٌ ... وأخرى يعاصيها الفتى ويطيعها

_ 1 هو إيراد حجة للمطلوب على طريقة أهل المنطق؛ وهي أن تكون المقدمات مسلمة مستلزمة للمطلوب وهو النوع الثامن والعشرون من أنواع البديع عند أبي هلال العسكري "راجع 398، 399 الصناعتين" وراجع هذا الباب أيضًا في العمدة "75/ 2". 2 في الأصل: علمت، وهو تحريف.

ونفسك من نفسيك تشفع للندى ... إذا قل من أحرارهن شفيعها وقال عمر لعبد الله بن عباس: من ترى أن نوليه حمص؟ قال: رجلاً صحيحاً منك صحيحاً لك، قال: كن أنت ذلك الرجل، قال: لا ينتفع بي مع سوء ظني في سوء ظنك بي. المحدثون: قال أبو عبد الرحمن العطوي1 "من الخفيف": فوحق البيان يعضده البر ... هان في مأقط ألد الخصام ما رأينا سوى الحبيبة شيئاً ... جمع الحسن كله في نظام هي تجري مجرى الأصالة في الرأ ... ي ومجرى الأرواح في الأجسام2 وقال إبراهيم3 بن المهدي للمأمون "من البسيط": ألبر بي منك وطا العذر عندك لي ... فيما فعلت فلم تعذل ولم تلم وقام علمك بي فاحتج عندك لي ... مقام شاهد عدل غير متهم4

_ 1 هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي عطية مولى كناني بصري شاعر وأحد حذاق المتكلمين وهو متوكلي، والأبيات ذكرها المرزباني في معجم الشعراء "342". وقد استبد في شعره -كما يقول أبو الفرج الأصبهاني- بمذهب جديد في الشعر هو الكلام على العقائد وجدال خصومه من المتكلمين "20/ 58 الأغاني" وراجع كثيرًا من القصيدة في الرد على هشام ومطلعها: جل رب الأعراض والأجسام ... عن صفات الأعراض والأجسام في الأمالي "ص222 ج2". 2 المأقط: موضع القتال، أو المضيق في الحرب، عضده: أعانه، اللدد: شدة الخصومة. النظام: الخيط الذي ينظم به اللؤلؤ. رجل أصيل الرأي: أي محكم الرأي. ومجد أصيل: أي ذو أصالة. 3 أمير عباسي هاشمي أخو الرشيد، ولد ونشأ في بغداد، وولاه الرشيد دمشق، وخرج على المأمون سنة 202 وأعلن خلافته في بغداد، وظل في الخلافة عامين وتغلب على الكوفة والسواد والمأمون بخرسان، ثم استطاع المأمون التغلب عليه والظفر به سنة 210 فعفا عنه، وكان أفصح أولاد الخلفاء لسانًا وأجودهم شعرًا حاذقًا بصنعة الغناء، ومات في سر من رأى سنة 224هـ، وله ترجمة في الأوراق قسم أشعار أولاد الخلفاء "17-49 ط 1936". 4 والأبيات وتاريخها الأدبي في الأوراق للصولي قسم أشعار أولاد الخلفاء "ص19 ط 1936".

وقال إبراهيم بن العباس "من الطويل": وعلمتني كيف الهوى وجهلته ... وعلمكم صبري على ظلمكم ظلمي وأعلم مالي عندم فيميل بي ... هواي إلى جهلي فأعرض عن حلمي وقال أبو نواس "من الخفيف": إن هذا يرى -ولا رأى للأحمـ ... ـق- أني أعده إنسانا ذاك في الظن عنده وهو عندي ... كالذي لم يكن وإن كان كانا وقال الطائي "من الكامل": ألمجد لا يرضى بأن ترضى بأن ... يرضى المؤمل منك إلا بالرضا1 وبلغنا أن إسحاق بن إبراهيم رأى حبيبًا2 الطائي ينشد هذا وأمثاله عند الحسن بن وهب فقال: يا هذا، شددت على نفسك. ولما ودع المأمون الحسن3 بن سهل مخرجه4 إلى بغداد فقال له المأمون: يا أبا محمد، ألك حاجة؟ قال نعم، يحفظ على من قلبك ما لا أستعين على حفظه إلا بك. وكتب أحمد بن يوسف إلى إسحاق بن إبراهيم الموصلي وقد زاره إبراهيم المهدي: عندي من أنا عنده وحجتنا عليك إعلامنا ذلك إياك والسلام. وقال إبراهيم بن العباس "من المتقارب": ولما نأت كيف كنا لها ... ولما دنت كيف كنا بها5

_ 1 يقول الشاعر لممدوحه: إن المؤمل لا ترضى أنت ولا المجد ولا هو إلا برضائك عليه وبرك به. 2 في الأصل "حبيب" وهو تحريف، وتقدمت ترجمته. 3 هو وزير المأمون وصهره -والد زوجه بوران- توفي عام 236، وعقد المأمون عقد بوران عام 202، ودخل بها سنة 210هـ. 4 وذلك سنة 204 حين أرسله من خرسان بجيش لمحاربة إبراهيم بن المهدي. 5 يريد: كنا لها بمنزلة عظيمة من الوفاء عند نأيها، ولما قربت منا كنا بها وبقربها في نعمة وسرور بالغَيْنِ.

وكتب بعضهم إلى صاحب له: ارضَ بما حكم بالحق في أمرك أكن بالمكان الذي أنزلتني به الحق بيني وبينك. وقلت في هذا الباب1 "من المجتث": أسرفت في الكتمان ... وذاك مني دهاني كتمت حبك حتى ... كتمته كتماني ولم يكن لي بد ... من ذكره بلساني ما عيب من ذلك: كُتب إلى بعض أهل زماننا: أطال الله بقاءك، منشئاً لك ريح2 عز لا يعدم هبوبها، ومطلعاً لنعمتك شمس نصرة يؤمن غروبها وأراك أمنيتك ببلوغكها3، قد جعل الله إبداءك وإعادتك في الجود أذاناً وإقامةً يدلان العفاة إلى مباءتك للري من ساحتك، ولما رأيت ذكرك عطراً، ولمن رجاك سترًا، جئتك ظامئًا مستقيًا ماء أنعمك4، وغير غرو أن أكون ممن يمدحك بمبلغ طاقته وفرط محبته، فإن رأيت أعزك الله أن تقرأ رقعته5، وليكن شعره فعلت إن شاء الله، وصلى الله على محمد نبيه والسلام كثيراً، وفي هذا الباب استعارة وتعقيد أيضاً على بغضه كما ترى. وكتب الحسن بن وهب إلى صديق له استزاره: لما أذن الله في النهوض إليك أحدث القدر ما لم أكن أحتسبه من شغل يعم قلبي، فلا أجد بقية تتذوقك فكرهت أن آتيك على هذه الحال، فيكون نظري إليك حسرة يجلجلها6 الضمير؛ إذ كان الشغل حاجبًا على استقصائك7 بكنهك8.

_ 1 راجع: 99/ 1 ابن المعتز، 75/ 2 العمدة. 2 الريح هنا: القوة والغلبة. 3 في الأصل: ببلوغكها، وهو تحريف. 4 جمع نعمة. 5 في الأصل: رقعة. 6 اللجلجة: التردد في الكلام يقال: الحق أبلج والباطل لجلج: أي يتردد من غير أن ينفذ. 7 استقصى المسألة: تقصاها. 8 كنه الشيء: نهايته. يقال: أعرفه كنه المعرفة.

وللحكم بن قنبر1 "من البسيط": فلا تسدوا فما لي غيركم أمل ... على علي بالصد مجرى2 ريح آمالي وقلت لسليمان3 الطبيب: كم آكل من الرطب؟ 4 فقال: سبعين؛ يعني: أربع عشرة رطبة. وممن أساء في هذا المعنى العلوي الكوفي5؛ حيث يقول "من البسيط": أشكو إلى الله قلبا ولو كحلت به ... عينيك لاكتحلت من حره بدم وقال آخر "من الطويل": نعم منك كانت مثل لا إذ بلوتها ... فما لنعم عندي على لاء من فضل6 انتهت أبواب البديع الخمسة: قد قدمنا أبواب البديع الخمسة وكمل عندنا، وكأنى بالمعاند المغرم بالاعتراض على الفضائل قد قال: البديع أكثر من هذا [أ] 7 وقال: البديع باب أو بابان من الفنون الخمسة التي قدمناها، فيقل من يحكم عليه؛ لأن البديع اسم موضوع لفنون من الشعر، يذكرها الشعراء ونقاد المتأدبين منهم، فأما العلماء باللغة والشعر

_ 1 شاعر ماجن مخضرم أدرك الدولتين، وكان بينه وبين مسلم بن الوليد منافسة أدبية أشعلت نار الهجاء بينهما، وتوفي في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري. 2 مجرى الريح طريق هبوبها. 3 طبيب معاصر لابن المعتز، وكان لسانه لا يكاد يبين. 4 الرطب من النخل والتمر معروف، والرطب ضد اليابس. 5 هو علي بن محمد العلوي الكوفي، شاعر عباسي عاصر المتوكل وهجا علي بن الجهم م249 لانحرافه عن آل البيت، ومات في القرن الثالث على وجه التقريب. 6 بلوتها: أي خبرتها. والمعنى: أن وعدك بوصالي كان مثل وعيدك بهجري، فنعم مثل لا عندك وليس لنعم عندي إذا صدرت منك على "لا" فضل ولا فيها رجاء. 7 زيادة عن الأصل لتصحيح المعنى.

القديم فلا يعرفون هذا الاسم ولا يدرون ما هو، وما جمع فنون البديع، ولا سبقني إليه أحد، وألفته سنة أربع وسبعين ومائتين، وأول من نسخه مني علي بن هارون بن يحيى بن أبي المنصور المنجم1.

_ 1 لعل الصواب" علي بن يحيى" بحذف هارون، وعلي بن يحيى فارسي الأصل، وكان أديبًا شاعرًا مقدمًا في علوم العرب والعجم، ونادم المتوكل وكان أثيرًا لديه ولدى الخلفاء بعده، ومات سنة 275 عن أربعة وسبعين عامًا، ورثاه ابن المعتز وعبيد الله بن عبد الله بن طاهر وسواهم من الشعراء "286 معجم الشعراء". وقد يكون صحة الكلام: هارون بن علي بن يحيى وهو أديب ناقد "251-289هـ" وفي العمدة "37/ 2" أن هارون بن علي هو الذي سمى التوشيح تسهيمًا، وفي الأغاني "142/ 9" ورد اسم علي بن هارون المنجم، فلعله ابن أخي علي بن يحيى المنجم.

محاسن الكلام والشعر

محاسن الكلام والشعر باب الالتفات ... محاسن الكلام والشعر: ونحن الآن نذكر بعض محاسن الكلام والشعر، ومحاسنها كثيرة لا ينبغي للعالم أن يدعى الإحاطة بها، حتى يتبرأ من شذوذ1 بعضهما عن علمه وذكره2، وأحببنا لذلك أن تكثر فوائد كتابنا للمتأدبين، ويعلم الناظر أنا اقتصرنا بالبديع على الفنون الخمسة اختيارًا3 من غير جهل بمحاسن الكلام، ولا ضيق في المعرفة، فمن أحب أن يقتدي بنا، ويقتصر بالبديع على تلك الخمسة، فليفعل، ومن أضاف من هذه المحاسن أو غيرها شيئاً إلى البديع، ولم يأتِ غير رأينا، فله اختياره. 1- باب الالتفات 4: وهو انصراف المتكلم عن المخاطبة إلى الإخبار وعن الإخبار إلى المخاطبة وما يشبه ذلك، ومن الالتفات الانصراف عن معنى يكون فيه إلى معنى آخر. قال الله

_ 1 شذ عنه شذوذًا: أي انفرد. 2 الذكر ضد النسيان. 3 أي: عن معرفة بالكلام وتذوق له وابتلاء لجيده ورديئه، وهي بالياء لا الباء كما ورد في الأصل. 4 راجع الباب في الصناعتين "383-385"، وفي نقد الشعر "ص87"، وفي العمدة "42/ 2"، وهو عند قدامة وأبي هلال أخص من معناه عند ابن المعتز؛ حيث قصره على المعنى الثاني الذي ذكره ابن المعتز، ويقصد به قدامة ما يشمل التزييل، ويسميه صاحب نقد النثر "الصرف" "ص70 نقد النثر". والالتفات عند صاحب العمدة هو الاعتراض "42 ج2 العمدة".

جلّ ثناؤه: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} 1. وقال: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} 2، ثم قال: {وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا} 3. وقال جرير "من الوافر": متى كان الخيم بذي طلوحٍ ... سقيت الغيث أيتها الخيام أتنسى يوم تصقل عارضيها ... بعود بشامة سقى البشام4 وقال "من الكامل": "ودعا الزبير فما تحركت الحبى" ... ثم رجع إلى المخاطبة فقال: لو سمتهم أكل الخزير لطاروا5 وقال الطائي "من الطويل": وأنجدتم من بعد إتهام داركم ... فيا دمع أنجدني على ساكني نجد6 وقال جرير "من الكامل": طرب الحمام بذي الأراك فشاقني ... لا زلت في غلل وأيك ناصر7

_ 1 سورة يونس، آية: 22. 2 سورة فاطر، آية: 11. 3 سورة إبراهيم، آية: 21. 4 ذو طلوح: واد فيه شجر كثير من الطلح، والطلح: شجر عظام من شجر العضاة. الغيث: المطر. صقل السيف: جلاه. عارضتا الإنسان: صفحتا خديه، وفلان خفيف العارضين: يراد به خفة شعر عارضيه. البشام: شجر طيب يستاك به. 5 احتبى: جمع بين ظهريه وساقيه بثوب، والاسم الحبوة بفتح الحاء وضمها. الخزير: طعام شبه عصيدة. سامه: كلفه وسامه ذلًّا أولاه إياه وأراده عليه. ولعله يريد بالزبير عبد الله بن الزبير الذي خرج على الدولة الأموية في الحجاز وقتل سنة 73هـ. 6 أنجد: دخل في بلاد نجد. وأتهم: دخل في تهامة، وقد سبق البيت في التجنيس. 7 ذو الأراك: مكان فيه شجر أراك كثير. الأيك: الشجر المتلف. الغلل: المكان الخصب الذي يجود بالغلة.

الاعتراض

2- الاعتراض 1: ومن محاسن الكلام أيضاً والشعر اعتراض كلام في كلام لم يتمم معناه ثم يعود إليه فيتممه في بيت واحد؛ كقول بعضهم من "الطويل": فظلوا بيوم -دع أخاك بمثله- ... على مشروع يروى ولما يصرد2 وقال كثير "من الوافر": لو أن البخالين -وأنت منهم- ... رأوك تعلموا منك المطالا3 وقال النابغة الجعدي "من الوافر": ألا زعمت بنو سعد بأني ... -ألا كذبوا- كبير السن فاني

_ 1 عنوان وضعته زيادة على الأصل، وراجع هذا الباب في الصناعتين ص385، وقد تأثر أبو هلال بابن المعتز تأثرا كبيرًا، والاعتراض هو الالتفات عن بعض البيانيين "42 ج2 العمدة". 2 مشرع الماء: مورد الشاربة. روي من الماء وأرواني الماء بمعنى. يصرد من التصريد وهو في السقي دون الري، والصرد: البرد. 3 المطال: من المطل بالدين.

الرجوع

3- الرجوع 1: ومنها الرجوع؛ وهو أن يقول شيئاً ويرجع عنه؛ كقول بشار "من الكامل": نبهئت فاضح أمه يغتابني ... عند الأمير وهل عليه أمير2 وقال أبو نواس "من الرجز": يا خير من كن ومن يكون ... إلا النبي الطاهر الأمين إمام عدل ما له قرين ... أستغفر الله بلى هارون3 وقال آخر4 "من الطويل": أليس قليلاً نظرةً إن نظرتها ... إليك وكلا ليس منك قليل5 وقال بعضهم: ما معك من العقل شيء، بلى مقدار ما تجب الحجة به عليك والنار لك.

_ 1 راجع هذا الباب في الصناعتين ص386. 2 البيت من أبيات هجا بها بشار رجلًا هجاه عند الأمير محمد بن سليمان. 3 تروى الأبيات بروايات مختلفة، وهي في مدح الأمين ولي عهد الرشيد. 4 هو ليزيد بن الطثرية "راجع: الأمالي 196/ 1"، وهو شاعر أموي من الشعراء الغزليين. 5 وشبيه به قول ابن أبي ربيعة: إن ما قلّ منك يكثر عندي ... وكثير ممن تحب القليل

حسن الخروج

4- حسن الخروج 1: ومنها حسن الخروج من معنى إلى معنى، قال بعضهم "من الطويل": إذا ما اتقى الله الفتى وأطاعه ... فليس به بأس وإن كان من جرم2 وقال بشار "من الطويل": خليلى من جرم أعينا أخاكما ... على دهره إن الكريم معين ولا تبخلا بخل ابن قزعة إنه ... مخافة أن يرجى نداه حزين إذا جئته في الحق أغلق بابه ... فلم تلقه إلا وأنت كمين3 وقال آخر -ويقال: أنه السموءل بن عاديا اليهودي4- "من الطويل": وإنا لقوم ما نرى القتل سبة ... إذا ما رأته عامر وسلول5

_ 1 يسميه أبو هلال والمتأخرون الاستطراد "389 صناعتين، 81 حسن التوسل إلى صناعة الترسل". وقال ابن رشيق: وأما الخروج عندهم فهو شبيه بالاستطراد وليس به؛ لأن الخروج إنما هو أن تخرج من نسيب إلى مدح أو غيره بلطف تخيل ثم تتمادى فيما خرجت إليه "206/ 1 العمدة" فهو عنده حسن التخلص، وذكر ثعلب في قواعد الشعر "ص23" حسن الخروج عن بكاء الطلل ووصف الإبل بغير داع عن ذا واذكر ذا ... إلخ. 2 جرم: قبيلة، والبيت هجاء بالغ. 3 رواية الأصل: قرعة، ولم تلفه بدل تلقه، كمين: أي مختف، هذه الأبيات من قصيدة يهجو بها بشار أبا يحيى عبيد الله بن قزعة أخا الملوي المتكلم من أصحاب النظام "1/ 189 الكامل للمبرد". 4 شاعر جاهلي حكيم من أهل الحجاز يُضرب به المثل في الوفاء، وتوفي قبل الإسلام. 5 عامر وسلول: قبيلتان، وسبة: أي عارًا يسب به.

وقال زهير "من البسيط: إن البخيل ملوم حيث كان ولـ ... ـكن الجواد على علاّته هرم1 ومنه قول حسان2 "من الكامل": إن كنت كاذبة التي حدثتنا ... فنجوت منجى الحارث بن هشام3 وقال الطائي "من الكامل": لا والذي هو عالم أن النوى ... صبر وأن أبا الحسين كريم4 وقال أبو العتاهية "من المتقارب": وأحبيت من حبها الباخلين ... حتى ومقت ابن سلم سعيدا إذا سيل عرفاً كسا وجهه ... ثياباً من المنع صفراً وسودا يغير على المال فعل الجواد ... وتأبى خلائقه أن تجودا5 وقال إسحاق الموصليّ يصف السكر "من الطويل": فما ذر قرن الشمس حتى كأننا ... من العي تحكي أحمد بن هشام6

_ 1 على علاته: أي على ما ينوء به من قلة ذات يد وعزو، هرم: اسم الممدوح، وهذا البيت ذكره ابن رشيق من شواهد التتميم "48/ 2 عمدة". 2 شاعر أنصاري مجيد، دافع عن رسول الله بشِعْره، عاش في الجاهلية والإسلام، ومات سنة 54هـ. 3 يخاطب فرسه ويعرض بالحارث بن هشام في فراره يوم بدر. 4 النوى: الفراق، صبر: أي مر، أبو الحسين: ممدوحه. 5 ومقه: أي أحبه، الخلائق: جمع خليقة وهي الطبيعة، وسعيد بن سلم بن قتيبة بن مسلم الباهلي من أمراء الدولة العباسية وولاتها، وكان شجاعًا حازمًا مع أدب ورواية، وهجاه أبو العتاهية بهذه الأبيات، وتنسب لمسلم وهي في ديوانه "ص39". 6 ذر: طلع، قرن الشمس: أعلاها وأول ما يبدو منها في الطلوع، العي: ضد البيان.

تأكيد المدح بما يشبه الذم

5- تأكيد المدح بما يشبه الذم 1: ومنها تأكيد مدح بما يشبه الذم؛ كقول الذبياني "من الطويل": ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب2 وكقول الجعدي "من الطويل": فتى كملت أخلاقه غير أنه ... جواد فما يبقى من المال باقيا

_ 1 يجعله أبو هلال ضربًا من أضرب نوع من البديع يسميه "الاستثناء" ص396 صناعين، وكذلك فعل ابن رشيق "ص45 ج2 العمدة طبعة 1934". 2 الفلول: موضع الفل، وقراع: مصدر قارع أي جالد، الكتائب: جمع كتيبة وهي الجيش.

تجاهل العارف

6- تجاهل العارف 1: ومنها تجاهل العارف؛ كقول زهير "من الوافر": وما أدري وسوف إخال أدري ... أقوم آل حصن أم نساء2 وقال ابن أبي أمية "من الطويل": فديتك لم تشبع ولم ترو من هجري ... أتستحسن الهجران أكثر من شهر أراني سأسلو عنك إن دام ما ترى ... بلائقة لكن أظن ولا أدري3 وقال آخر "من البسيط": إن لم يكن لبن الدايات غيره ... عن فعل آبائه الغر الميامين فربما غاب بعل عن حليلته ... فناكها بعض سواس البراذين4

_ 1 يسميه أبو هلال تجاهل العارف ومزح الشك باليقين 387 صناعتين، ويعرفه بأنه "إخراج ما يعرف صحته مخرج ما يشك فيه ليزيد بذلك تأكيدًا". 2 يقول: ما أدري أرجال آل حصن أم نساء، والقوم: الرجال دون النساء، ثم قال: وسوف أخال أدري: أي سأبحث عن حقيقة أمرهم حتى أتبينها، وإنما يهزأ بهم ويتوعدهم، وآل حصن هؤلاء حي من كلب، هجاهم زهير لأنهم أهانوا جوار رجل من غطفان نزل بجوارهم، وكان زهير نزالًا في غطفان. 3 روى من الماء يروي، وبلائقة يرجع إلى قوله: أراني أي أظنني -إن دام هجرك ونأيك ودلالك- سأسلو عنك بلائقة في هذا الظن، ولا تحقق له، ولا عزم عليه. 4 الدايات: جمع داية؛ وهي القابلة أو المرضعة، الغر: جمع أغر ورجل أغر: أي شريف، ميامين: أي كرام أخيار يتيامن بهم، واليمن: البركة، وفلان ميمون على قومه: أي مبارك عليهم، البعل: الزوج، الحليلة: الزوجة، ساس الدابة: قادها، البرذون: الدابة.

الهزل يراد به الجد

7- الهزل يراد به الجد: ومنها هزل يراد به الجد، قال أبو العتاهية "من البسيط": أرقيك أرقيك باسم الله أرقيكا ... من بخل نفس لعل الله يشفيكا ما سلم نفسك إلا من يتاركها ... وما عدوك إلا من يرجيكا1 وقال أبو نواس "من الطويل": إذا ما تميمي أناك مفاخراً ... فقل عد عن ذا كيف أكلك للضب2 وقال أيضاً للفضل بن الربيع "من الوافر": ولى حرم فلا تتغط عنها ... لتدفع حقها دفع الغريم تغافل لى كأنك واسطي ... وبيتك بين زمزم والحطيم3 وقال آخر "من المديد": من رأى فيمن رأى رجلاً ... تيهه مرب على جدته يتباهى راجلًا وله ... شاكري في قلنسوته4

_ 1 السلم: السلام أو الصلح أو المسالمة، ترك الشيء: خلاه، وتاركه البيع متاركة، رجاه ورجاه بمعنى. 2 عد عما ترى: أي اصرف بصرك عنه، يقول: هم يفخرون، وكيف يفخرون؟ إن نسوا فذكرهم بما هو المنقبة التي لهم وهي أكلهم للضب. 3 الحرم: جمع حرمة وهي ما لا يحل انتهاكه، غطاه يغطيه، وتغطى تغطيًا: تستر بالغطاء وهو ما يتغطى به، الغريم: المدين، بيته بين زمزم والحطيم كناية عن سمو الحب وعراقة المحتد، واسطي: نسبة إلى واسط بلد سمي بالقصر الذي بناه الحجاج بين الكوفة والبصرة، يقول: لي لديك حقوق فلا تتغافل عنها ولا تماطل في أدائها كما يفعل عامة الناس، فلا تكن مثلهم، فأنت العظيم المجد والحسب، والفضل هو الفضل بن الربيع بن يونس من رجال الدولة العباسية في عصر المهدي والرشيد. 4 التيه: الصلف والخيلاء، أربى الشيء: زاد، الجدة: الاستغناء، الراحل: ضد الفارس، تباهى: تفاخر، الشاكري: بمعنى الأجير والمستخدم فارسي معرب، والجند الشاكرية من جند الخلافة، القلنسوة: غطاء الرأس، والبيتان لمحمد بن أبي أمية الشاعر الكاتب، ومرت ترجمته عند البيت 185.

حسن التضمين

8- حسن التضمين 1: ومنها حسن التضمين، قال الأخيطل "من الكامل": ولقد سما للخرمي فلم يقل ... بعد الوغى: "لكن تضايق مقدمى"2 وقال "من الطويل": إذا دله عزم على الجود لم يقل ... غدا عودها إن لم تعقها العوائق ولكنه ماضٍ على عزم يومه ... فيفعل ما يرضاه خلق وخالق3 وقال آخر "من السريع": عوذ لما بت ضيقًا له ... أقراصه بخلًا بياسين فبت والأرض فراش وقد ... غنت "قفا نبك" مصاريني4

_ 1 يعرفونه بأنه: أن يضمن الشاعر شيئًا من شعر الغير مع التنبيه عليه إن لم يكن مشهورًا عند البلغاء، وراجع هذا الباب في العمدة "80/ 2" وقد ذكره أبو هلال في الصناعتين "ص38". 2 الوغى: الحرب، المقدم: مكان الإقدام، والمراد أنه لم يكن منه في الحرب جبن ولا هلع ولا تأخر عن مناجزة العدو حتى يحتاج إلى الاعتذار عن شيء من ذلك بعد الحرب، والخرمي هو بابك الخرمي الذي استولى على جبال طبرستان في عصر المأمون عشرين عامًا، وعظم أمره وقتل محمد بن حميد الطوسي وسواه من القواد وهزم عساكر المعتصم مرارًا، حتى انتدب له الأفشين القائد التركي فظفر به وأسره وأحضره إلى المعصتم فقتله سنة 223، والبيت تضمين لبيت عنترة: إذ يتقون بي الأسنة لم أخم ... عنها ولكني تضايق مقدمي 3 دله: أرشده، غدا عودها: أي لم يتأخر عن البذل والجود، ولم يقل لنفسه: إن فاتك بذل اليوم فغدًا تعود العفاة طالبة الخير والمعروف، عاقته العوائق: من عاقه عن كذا أي حسبه عنه وصرفه، وعوائق الدهر: الشواغل من أحداثه. 4 التعويذ: اتخاذ العوذة، القرص من الخبز، وقرص العجين: قطعة قرصة قرصة. والمصارين: جمع واحده مصران جمع مصير، وهي المعي، وهو تضمين لقول امرئ القيس: قفا نبك ... إلخ.

التعريض والكناية

9- التعريض والكناية 1: ومنها التعريض والكناية، قال علي -رضي الله عنه- لعقيل2 ومعه كبش له: أحد الثلاثة أحمق، فقال عقيل: أما أنا وكبشي فعاقلان. وكان عروة3 بن الزبير إذا أسرع إليه إنسان بسوء لم يجبه ويقول: أنى لأتركك رفعاً لنفسي عنك، فجرى بينه وبين علي4 بن عبد الله بن عباس كلام، فأسرع إليه عروة بسوء، فقال: إنى أتركك لما تترك الناس له، فاشتد ذلك على عروة.

_ 1 يسميها صاحب نقد النثر "اللحن" "ص59-61 نقد النثر" وراجع باب التعريض في العمدة "ص207 ج1" وباب الكناية فيها "209 ج1" والتعريض يسميه أبو هلال بهذا الاسم أيضًا راجع "360 صناعتين"، وعرفه بأنه أن يكنى عن الشيء ويعرض به ولا يصرح على حسب ما عملوا باللحن والتورية عن الشيء، وابن المعتز يطلق الكناية هنا مريدًا بها التعريض، أما الكناية بمعناها الاصطلاحي فيسميها قدامة الإرداف "923 نقد الشعر"، وتبعه في ذلك أبو هلال 341 صناعتين، وقد ورد ذكر التعريض في قواعد الشعر لثعلب "ص19". 2 عقيل بن أبي طالب نسابة فصيح اللسان صحابي أسن من أخويه علي وجعفر، فارق أخاه عليًّا في خلافته، ووفد على معاوية في دين لحقه، وتوفى سنة 60هـ. 3 عروة فقيه عالم قرشي، توفي بالمدينة سنة 93هـ. 4 من أعيان التابعين وجد الخلفاء العباسيين، وتوفي بالشام 118هـ.

وقال بعض ولد العباس1 بن محمد لابنه: يابن الزانية، فقال: الزانية لا ينكحها إلا زانٍ أو مشرك. وقال بشار "من الخفيف": وإذا ما التقى ابن أعيا وبكر ... زاد في ذا شبر وفي ذاك شبر أراد: أنهما يتبادلان2. وقال عباس3 بن الفضل يهجو رجلاً "من السريع": يلوط من خلف على أربع ... بخاندان من بنى آدم4 وقال أبو نواس في جلد عميرة5 "من الطويل": إذا أنت أنكحْتَ الكريمةَ كفأها ... فأنكح حبيشاً راحة ابنة ساعد وقل بالرفا ما نلت من وصل حرة ... لها راحة حفت بخمس ولائد6 وقال آخر في حجام "من الطويل": أبوك أب ما زال للناس موجعاً ... لأعناقهم نقر كما ينقر الصقر إذا عوج الكتاب يوماً سطورهم ... فليس بمعوج له أبدًا سطر7

_ 1 لعله عباس بن محمد الهاشمي البغدادي من حفاظ الحديث والثقات في روايته، وتوفي سنة 271. 2 يريد: أن كلا منهما يحن إلى صاحبه حنين الحليلة لبعلها. 3 أنصاري قاض ومحدث وعالم بالقرآن والشعر، ولد في البصرة وولي قضاء الموصل في أيام الرشيد ومات بها سنة 186هـ. 4 اللواط: معروف، وخاندان: كلمة فارسية معناها أمرد. 5 جلد عميرة: هو الاستمناء بالكف. 6 حبيش: علم رجل يهجوه الشاعر، والراحة: باطن الكف وهي ابنة الساعد بمعنى أنها موصولة بساعد الإنسان وهو عضده. الرفا: كلمة تقال للمتزوج يقال له: بالرِّفاء والبنين؛ أي: بالالتحام والاتفاق أو بالسكون والطمأنينة. حفت: أي أحيطت. خمس ولائد: يكنى بها عن أصابع اليد. 7 الأعناق: جمع عنق. نقر الطائر الحبة: التقطها. ونقر الشيء: نقبه بالمنقار، والمراد: أنه ينقب عروق الإنسان بمحجمه، عوج البناء: أي أقامه معوجًّا أي: مائلًا.

الإفراط في الصفة

10- الإفراط في الصفة 1: ومنها الإفراط في الصفة، فمن ملح2 في هذا المعنى إبراهيم بن العباس الصولى في قوله "من المديد": يا أخا لم أرَ في الناس خلا ... مثله أسرع هجرًا ووصلا كنت لى فى صدر يومى صديقاً ... فعلى عهدك أمسيت أم لا؟ وقال أبو نواس "من الكامل": ملك أغر إذا احتبى بنجاده ... غمر الجماجم والسماط قيام3 ثم أسرف الخثعمي4 حتى خرج عن حد الإنسان فقال "من الكامل": يدلي يديه إلى القليب فيستقى ... في سرجه بدل الرشاء المكرب5 وقال آخر يهجو رجلًا "من السريع":

_ 1 هو عند أبي هلال باب الغلو "راجع 348-356 صناعتين"، وعرفه بأنه تجاوز حد المعنى والارتفاع فيه إلى غاية لا يكاد يبلغها، وكذلك فعل ابن رشيق 57/ 2 العمدة. وسبقهما إلى ذلك قدامة "37 نقد الشعر"، وأبو هلال يذكر المبالغة كنوع آخر من أنواع البديع غير اللغو "356-399 صناعتين". 2 ملح الشيء: حسن، وهي في الأصل ملح بتشديد اللام، ولعلها بمعنى أتى بالمليح الحسن. 3 أغر: أي شريف أو كريم، الاحتباء: ضم الرجل ظهره وساقيه بثوب ونحوه. والنجاد: حمائل السيف. غمرهم: أي علاهم. الجماجم: جمع جمجمة؛ وهي عظم الرأس المشتمل على الدماغ. السماط من النخل والناس: الجانب، ويقال: مشى بين السماطين أي: بين جانبي الحفل. والمعنى: أنه -أي الخليفة المهدي الممدوح- عظيم كريم، إذا جلس محتبيًا بحمائل سيفه علا الرجال الوقوف في جانبي السماط. 4 شاعر عباسي عاصر أبا تمام والبحتري. 5 رواية الصناعتين: المحصد بدل المكرب، أدلى الدلو: أرسلها في البئر. القليب: البئر قبل أن تُطوى أي: تبنى بالحجارة ونحوها. الرشاء: الحبل. الكرب: الحبل يشد في وسط الدلو لِيَلِيَ الماء. والمكرب من المفاصل: الممتلئ عصبًا والشديد.

تبكي السماوات إذا ما دعا ... وتستعيذ الأرض من سجدته إذا اشتهى يوماً لحوم القطا ... صرعها في الجو من نكهته1 وقال آخر "من الطويل": وأقسم لو خرت من أستك بيضة ... لما انكسرت من قرب بعض إلى بعض2 وقيل3 في كثير وكان قصيراً "من الطويل": قصير القميص فاحش عند بيته ... يعض القراد باسته وهو قائم4 وقال آخر "من البسيط": يا حابس الروث في أعفاج بلغته ... خوفًا على الحب من لقط العصافير5 وقال أبو نواس يصف قدراً صغيرة "من الطويل": يغص بحيزوم الجرادة صدرها ... وينضج ما فيها بعود خلال وتغلى بذكر النار من غير حرها ... وتنزلها عفواً بغير جعال هي القدر قدر الشيخ بكر بن وائل ... ربيع اليتامى عام كل هزال6

_ 1 القطا: جمع قطاة؛ وهي طائر معروف. صرعه: أي ضرعه. النكهة: هي ريح الفم. 2 المعنى: أنه قصير مفرط في القصر قريب من الأرض قربًا غير مألوف. وينسب البيت لكعب بن جعيل، وهو به أشبه. 3 وينسب البيت للحزين الكناني الدؤلي. 4 قصر القميص كناية عن قصر الرجل، فاحش عند بيته: أي إذا كان في أهله وأمن شر الناس نطق بالفحش وعمل به، والقراد: واحد القردان. ويصفه بالفحش والجبن وبالقماءة وإفراط القصر. 5 الأعفاج: جمع عفج؛ وهو مسلك الفضلات في جسم الدابة، يصفه بالبخل والشح الشديد. 6 الغصة: الشجا، وغص بالطعام يغص، الحيزوم: الصدر، الجرادة: واحد الجراد. والضمير في صدرها يعود إلى القدر. نضج اللحم ينضج: إذا أدرك، الخلال: العود الذي يتخلل به، الجعال: خرقة ينزل بها القدر. الهزال: يريد به القحط، يتهكم الشاعر بهذه القدر ويصور صغرها في صورة فيها جمال وسخرية.

وقال اسحاق بن إبراهيم الموصلي: قالت سعدة1 بنت عبد الله بن سالم: لقيت سكينة2 بنت الحسين -صلوات الله عليه- بين مكة والمدينة، فقالت3: قفي يابنت عبد الله، ثم سفرت عن وجه ابنتها4، وإذا هي قد أثقلتها بالدر، وقالت: ما ألبستها إياه إلا لتفضحه5. وكانت امرأة من العجم حسناء، فكانت لا تظهر من بيتها إذا طلع القمر والشمس، فقيل لها في ذلك، فقالت: أخاف أن تكسفانى. وقال الفرزدق يصف إبلهم "من الطويل": ألم تعلما يابن المجشر انها ... إلى السيف تستبكي إذا لم تعقر6 وقال هدبة7 العذري "من الطويل":

_ 1 سيدة كريمة من سيدات الحجاز ووالدة شعيب بن صخر توفيت في القرن الهجري الأول. 2 نبيلة هاشمية كريمة شاعرة، تزوجها مصعب بن الزبير فمات، وتزوجها بعده سواه، وتوفيت سنة 117هـ. 3 أي: سكينة. 4 أي: ابنة سكينة، ومر الرباب بنت مصعب بن الزبير المتوفى عام 72هـ. 5 في الأغاني "17/ 164، 165" هذه الرواية الأدبية عن شعيب بن صخر عن أمه سعدة بتفصيل. 6 الضمير في أنها يعود إلى الإبل. عقر البعير بالسيف وعقره به بالتشديد أي: ضرب به قوائمه، يقول: إن إبلنا اعتادت فعل الكرم حتى إنها لتبكي إذا لم تنحر في المكرمات، والألف في "تعلما" مقلوبة عن نون التوكيد الخفيفة. 7 هو هدبة بن الخشرم الشاعر المفلق، كان كثير الأمثال في شعره، قتل ابن عم له أيام معاوية فحبس خمس سنين، ثم قتله ابن المقتول عام 54هـ أخذًا منه بثأر أبيه، ومن شعره في الحبس: عسى الكرب الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب

بإجانة لو أنه خر بازل ... من البخت فيها ظل للجنب يسبح1 وصف أعرابي فرساً فقال: إن الوابل ليصيب عجزه فيما يبلغ معرفته حتى أبلغ ما أريد2. وقال المؤمل3 "من الخفيف": من رأى مثل حبتى ... تشبه البدر إذا بدا تدخل اليوم ثم تد ... تخل أردافها غدا4 وقال عباس5 الخياط "من الرمل": لأبي عيسى رغيف ... فيه خمسون علامة فعلى جانبه الوا ... حد لقيت الكرامه ثم لأذاقك إلى ضيف ... إلى يوم القيامة وعلى الآخر سطر ... نسأل الله السلامه وقال أيضًا يجهو إماماً بطيء القراءة "من المنسرح": إن قرأ "العاديات" في رجب ... لم يقر آياتها إلى رجب بل هو لا يستطيع في سنة ... يختم {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} 6 وقال أعرابي في وصف امرأة: ما يمس ثوبها منها إلا مشاش منكبيها، وحلمتي ثدييها، ورانفتى أليتيها7.

_ 1 الإجانة معروفة "شبه الماجور"، خر: أي سقط، البازل من الإبل: الكبير في السن، والبختي من الإبل: الأنثى بختية؛ وهي الإبل الخرسانية، الجنب: معروف. سبح في الماء: عام فيه، ينوه الشاعر بكرم قومه ويصف قدورهم وضخامتها، وضخامة القدر من مستلزمات الكرم. 2 الوابل: المطر الشديد، معرفة الفرس: هي الموضع الذي ينبت عليه العرف وهو الذي في أعلى عنقه ورأسه. يصف الشاعر فرسه بالكرم وسرعة العدو. 3 المؤمل بن أميل المحاربي الشاعر الكوفي، أدرك الدولتين وانقطع إلى المهدي، وهو صالح المذهب في شعره، وفي شعره لين وطبع صالح "523 ج3 خزانة طبع بولاق" ومات نحو سنة 190هـ. 4 الحبة: أبي الحبيبة، الأرداف جمع ردف وهو الكفل. 5 لم أقف على ترجمة له ورد اسمه في الموشح ص324. 6 سورة المسد، آية: 1. 7 المنكب: مجمع عظيم العضد والكتف، المشاش: رأس العظم، الحلمة: رأس الثدي، الألية: العجيزة، الرائفة: طرف غضروف الأنف.

حسن التشبيه

11- حسن التشبيه 1: ومنها حسن التشبيه، نبدأ بإمام الشعراء، قال امرؤ القيس "من المتقارب": ومسرودة السك موضونة ... تضاءل في الطِىّ كالمبرد تفيض على المرء أردانها ... كفيض الأتي على الجدجد2 وقال "من الطويل": كأن قلوب الطير رطباً ويابساً ... لدى وكرها العناب والحشف البالي3

_ 1 راجع باب التشبيه في العمدة "256 ج1" وقد عقد له قدامة فصلًا في نقد الشعر "ص65-70" وعقد له العسكري بابًا طويلًا في الصناعتين "226-249"، وقد سبق الجميع إلى الكلام على التشبيه المبرد؛ حيث عقد له بابًا في كامله "35-101 ج2"، وكذلك ثعلب في قواعد الشعر "ص14-18 طبع ليدن". 2 درع مسرودة من السرد؛ وهو تداخل الحلق بعضها في بعض، وقيل: السرد هو الثقب والمسرودة المثقوبة، والسك: الدرع الضيقة الحلق، والدرع الموضونة: هي المنسوجة، وقيل: المنسوجة بالجواهر، تضاءل: أي تتضاءل وتقل، الطي ضد النشر، والمبرد آلة الحداد المعروفة، الأردان: جمع ردن وهو أصل الكم، الأتي: السيل. والجدجد: الصخور الصلبة، وراجع شرح البيتين أيضًا في نقد الشعر "ص68": قال: وصف الدرع في حال طيها بالبيت الأول، ثم وصفها في حال نشرها بالثاني، ومعنى البيت الأول أنها إذا طويت صغرت ولطفت حتى تصير كالمبرد. 3 العناب: ثمر أحمر، والحشف: ما يبس من التمر ولم يكن له طعم ولا نوى، شبه الطري من القلوب بالعناب والعتيق بالحشف، يشبه الشاعر فرسه بعقاب صيود، وفرخ العقاب يأكل لحم الطائر ما خلا قلبه؛ فلذلك كثر ذلك عند وكرها.

وقال يصف الناقة "من الطويل": كأن حصى المعزاء بين فروجها ... إذا خذفته رجلها خذف أعسرا كأن صليل المرو حين تشذه ... صليل زيوف ينتقدن بعبقرا1 وقال الراعي2 "من الكامل": في مهمهٍ قلقت به هاماتها ... قلق الفئوس إذا أردن نصولا3 وقال ابن مقبل4 "من الطويل": تقلقل من ضغم اللجام لهاته ... تقلقل عود المرخ في الجعبة الصفر5

_ 1 المعزاء: الأرض الصلبة، الفروج: جمع فرجة، وهذان الشيئان بينهما فرجة أي انفراج، والفروج أيضًا جمع فرج وهو معروف؛ الخذف بالحصى، الرمي به بالأصابع، والأعسر الذي يعمل بشماله ورميه لا يذهب مستقيمًا، والمعنى: أن هذه الناقة تطير الحصى يمينًا وشمالًا كأنه رمى الأعسر الذي لا يمضي على وجهه، والصليل: امتداد الصوت، والمرو: الحجارة، واحدته مروة، وكل حجر فيه نار فهو مروة، تشذه: أي تطيره، اليزيوف: هي الدراهم التي ليس فيها فضة واحدها زيف، والزيف: شديد الصوت صافية كما يقول المبرد "76/ 2 الكامل"، ونقدت الشيء: ضربته بالأصبع كما ينقد الصبي الجوز بأصبعه فيسمع له صوت، شبه صوت المرو بصوت صافيته، وعبقر موضع باليمن كانت دراهمه زيوفا ويقال: بلد من بلاد الجن. 2 هو راعي الإبل النميري شاعر مشهور هجاه جرير وتوفي في أوائل القرن الثاني، كان كثير وصف الرعاء في شعره فسمي الراعي، وهو من أسرة طيبة في البادية. 3 المهمة: الأرض المقفرة الخلاء، والقلق: الاضطراب، وهامات: جمع هامة وهي الرأس، والضمير فيها للإبل، والفأس معروف، وفأس اللجام والحديدة القائمة في الحنك وهو المراد هنا، ونصل السهم: خرج نصله. يشبه الشاعر اضطراب الإبل في سيرها في الصحراء باضطراب فأس اللجام في نصولها من حنك الدابة. 4 تميم بن أبي بن مقيل شاعر جاهلي فحل، أدرك الإسلام وأسلم، وكان يبكي أهل الجاهلية، وتوفي سنة 25هـ. 5 التقلقل: الاضطراب، ضغم اللجام: إمساكه، اللهاة: الهنة المطبقة في أقصى سقف الفم، المرخ: شجر سريع الورى، الجعبة: كناية السهام، الصفر: الخالية، الضغم: العض.

وقال النابغة الذبياني "من الطويل": تراهن خلف القوم زورًا عيونها ... جلوس الشيوخ في مسوك الأرانب1 وقال زهير "من الطويل": بكرن بكوراً واستحرن بسحرةٍ ... فهن بوادي الرس كاليد في الفم2 ومن التشبيهات العجيبة قول ابن مقبل "من البسيط": وللفؤاد وجيب تحت أبهره ... لدم الغلام وراء الغيب بالحجر3 وقال رؤبة4 "من الرجز": حتى رأين هامتي كالطس ... جلحاء جلهاء كظهر العس5 وقال زهير في الحمار والأتن "من المتقارب": تبادرن جرياً يبادرنه ... كقرع القليب حصى القاذفينا

_ 1 زورا: أي منحرفات، زور عن الشيء: أي عدل عنه وانحرف، والمسوك: الجلود. 2 بكر: سار بكرة، واستحر: سار سحرًا، وسحرة اسم للسحر، يقول: ابتدأن السير وسرن سحرًا وهن قاصدات لوادي الرس لا يخطئنه كاليد القاصدة للفم لا تخطئه. 3 الوجيب: خفقان القلب وتحركه، الأبهر: عرق مستبطن في الصلب متصل بالقلب، اللدم: الضرب، والغيب: ما كان بينك وبينه حجاب، والمعنى: أنه يشبه صوت خفقان القلب الذي لا يرى بصوت الحجر الذي يرمي به الصبي من خلف حجاب ولا يراه. وخص الغلام لأن الصبيان كثيرًا ما يلعبون برمي الحجارة. 4 راجز من مخضرمي الدولتين كان أكثر مقامه بالبصرة، وكان يحتج بشعره، وأخذ عنه أعيان أهل اللغة، وكان بشار يحاول أن يظهر عليه في الرجز، وأبوه العجاج الراجز المشهور، ومات بالبادية سنة 145هـ. 5 الهامة: الرأس. الطس: لغة في الطست. العس: القدح العظيم. والجلحاء من الجلح؛ وهو انحسار شعر الرأس من الجانبين، والجلهاء: من الجله، وهو قريب من الجلح، الأنزع: الذي قد انحسر الشعر عن جانبي جبهته، فإذا زاد قليلًا فهو أجلح، فإذا بلغ النصف فهو أجلى ثم هو أجله.

وتحسب بالفجر تعشيره ... تغرد أهوج في منتشينا1 وقال الأعشى "من الطويل": وعريت من ملك وخير جمعته ... كما عريت مما تمر المغازل2 وقال أبو دؤاد3 في الفرس "من الكامل": يمشي كمشي نعامتـ ... ـين تتابعان أشق شاخص4 ومن تشبيهات عنترة بن شداد5 العبسي "من الكامل": جادت عليه كل بكرٍ حرةٍ ... فتركن كل قرارةٍ كالدرهمِ6 وفي الذباب "من الكامل": هزجاً يحك ذراعه بذراعه ... قدح المكب على الزناد الأجذم7

_ 1 الجري: المشي السريع، ولعله جريًا بكسر الجيم جمع جرو وهو الصغير من كل شيء. والجروة: الناقة الصغيرة. والقرع: مصدر قرع الباب ونحوه. والقليب: البئر التي لم تطو. التعشير: صوت الأتان والناقة، والتغرد: التغريد. الأهوج: الأحمق أو السكران، المنتشي: من انتشى أي سكر. 2 عري من ثيابه وعراه بالتشديد، وفرس عري أي: ليس عليه سرج، تمر: تحكم الفتل، يقول: ذهب عنك ما جمعته من مال وبنيته من مجد كما يذهب الفتل عن المغازل وتبقى عارية عنه. 3 أبو دؤاد الإيادي شاعر جاهلي مشهور، وأحد نعات الخيل المجيدين، والعرب لا تروي شعره ولا شعر عدي بن زيد؛ لأن ألفاظهما ليست بنجدية، وكان الحطيئة ينوه به. 4 النعامة: معروفة، تبعه: مشى خلفه أو مر به، ومن المادة: تابعه، إذا سار يريد اللحاق به شخص بصره فهو شاخص إذا فتح عينيه وجعل لا تطرف، الأشق من الخيل: ما يشتق في عدوه يمينًا وشمالًا. 5 سبق أن سمي والده معاوية. 6 سبق شرحه. 7 هزجًا: أي مصونًا. المكب: المقبل على الشيء. الأجذم: الناقص. يقول الشاعر: إن الذباب قد خلت بهذه الروضة فهي تغرد فيها فعل الشارب الثمل وتحك إحدى ذارعيها بالأخرى مثل رجل ناقص اليد قد أقبل على قدح النار. ويعد النقاد -وفي طليعتهم الجاحظ- هذا البيت من الأبيات الفذة التي لم يسبق أحد إلى معناها.

وفي الغراب "من الكامل": خرق الجناح كأن لحي رأسه ... جلمان بالأخبار هش مولعُ إن الذين نعبت لي بفراقهم ... هم أسهروا ليلى التمام وأوجعوا1 وقال الفرزدق "من الطويل": بني دارم ما تأمرون بشاعر ... برد الثنايا ما يزال مزعفرا إذا هو استلقى رأيت سلاحه ... كمقطع عنق الناب أسود احمرا2 وقال الطرماح3 في الثور "من الكامل": يبدو وتضمره البلاد كأنه ... سيف على شرف يسل ويغمد4

_ 1 الخرق: هو الأخرق، اللحي: منبت اللحية من الإنسان وغيره، شبه حلييه بالجلمان لأن الغراب يخبر بالفرقة ويقطع كما يقطع الجلمان، والجلم الذي يجذ به، وهما جلمان، هش به يهش: خف إليه وارتاح له، أولع بالشيء فهو مولع أي مغرى، نعب الغراب: أي صاح. ليل التمام: أطول ليل في السنة، أسهروا من السهر وهو الأرق، ويروى: أسهدوا، والسهاد: الأرق أيضًا. 2 بنو دارم: قوم الفرزدق، البرود: البارد، الثنايا: مقدم الأسنان، زعفر الثوب: صبغه بالزعفران، استلقى: اضطجع على قفاه، مقطع الشيء: موضع قطعه، الناب: الجمل الذي طلع نابه، والناب أسنان طويلة تلي الثنايا وهي أربع. 3 شاعر خطيب وأحد زعماء الخوراج توفي سنة 80هـ، وقال محمد بن سهل راوية الكميت: أنشدت قول الطرماح للكميت: إذا قبضت نفس الطرماح أخلقت ... عرى المجد واسترخى عنان القصائد فقال: إي والله، وعنان الخطابة والرواية "52/ 1 البيان". وقال عبد الأعلى: رأيت الطرماح مؤدبًا بالري فلم أرَ أحدًا آخذ لعقول الرجال ولا أجذب لأسماعهم إلى حديث منه "226/ 2 البيان". 4 يبدو: يظهر، تضمره: تغيبه وتخفيه، الشرف: المكان المرتفع، غمد السيف: جعله في غمده، سله: أخرجه من الغمد.

وكتب مروان إلى بعض الخوارج: إني وإياك كالزجاجة والحجر إن وقع عليها رضها1 وإن وقعت عليه فضها. وقال آخر يصف السيل "من الرجز": يكب فيه دوحه للأذقان ... شحذ المواسي حجام الرهبان2 ومن عجائب التشبيه قول عدي3 بن الرقاع "من الكامل": تزجى أغن كأن إبرة روقه ... قلم أصاب من الدواة4 مدادها وقال آخر يصف صوت شخب5 الضرع "من الرجز": كأن صوت شخبها غديه ... حفيف ريح أو كشيش حية6 وقال حسان "من الكامل": بزجاجةٍ رقصت بما في قعرها ... رقص القلوص براكبٍ مستعجل7 وقال جرير "من الوافر": لها برص بأسفل إسكتيها ... كعنفقة الفرزدق حين شابا8

_ 1 الرض: الدق، وكل شيء كسرته فقد رضضته، والفض: الكسر بالتفرقة. 2 الكب: ألقاء الشيء على الوجه. والإكباب: خرور الشيء على وجهه، الدوح: جمع دوحة، وهي الشجرة العظيمة. المواسي: جمع موسي، وهو ما يحلق به. الحجام: موضع الحجامة. الرهبان: جمع راهب. 3 شاعر فحل هاجى جريرًا، واجتمعا عند عبد الملك أو الوليد فأنشده عدي قصيدته الدالية فحسده جرير عليها، واختص بالوليد بن عبد الملك ومات سنة 95هـ في دمشق. 4 أزجى الإبل: ساقها. الأغن: الظبي، والغنة: صوت في الخيشوم، يقال: طير أغن أي: يتكلم من قبل خياشيمه. الروق: القرن. إبرته: طرفه المدبب. المداد: الحبر. 5 الشخب: جريان اللبن في الإناء وقت الحلب ويضم. 6 الغدية: تصغير غدوة، وهي ما بين صلاة الغداة إلى طلوع الشمس. حفيف الريح: صوت هبوبها. الكشيش: صوت الحية. 7 رقصت: تحرك ما فيها من شراب في اضطراب. القلوص: الناقة الشابة. 8 البيت من قصيدة لجرير في هجاء الراعي النميري. والمضير في لها لعل مرجعه إلى الناقة أو إلى المرأة. البرص: داء معروف. الأسكتان: جانبا الرحم. العنفقة: ما بين الشفة السفلى والذقن لخفة شعرها.

وقال عبد الله بن الزبير الأسدي "من الطويل": وأنتم بني حام بن نوح أرى لكم ... شفاهاً كآذان المشاجر ورما1 المحدثون: ومن أحسن التشبيه قول بشار "من الوافر": كأن فؤاده كسرة تنزى ... حذار البين لو نفع الحذار2 وقال عبد الصمد3 يصف ذنب العقرب "من الرجز": أسود كالمسحاة فيه مبضعه ... ينطف منها صابه وسلعه4 وقال منصور بن الفرج "من الكامل": إن تأته يك منه ربعك مخصباً ... والأرض مجدبة كخد الأمرد طلب المحامد جاهداً وهي التي ... لا يحتويها طالب لم يجهد5 وقال العلوي الإصفهاني "من الطويل": كأن انتصار البدر من تحت غيمه ... نجاء من البأساء بعد وقوع6 ومما يستحسن من التشبيه قول أبي نواس "من الرجز":

_ 1 شفاه: جمع شفة. المشجر: موضع الشجر، والشجر: الذقن وما انفتح من منطق الفم، أو ما بين اللحيين، والمشجر: عود الهودج. ورم جمع وارم من الورم وهو معروف. 2 تنزى: يثب. الحذار: الخوف. 3 عبد الصمد بن المعدل بن غيلان شاعر عباسي هجاء شديد المعارضة، ولد ونشأ في البصرة وتوفي سنة 240. 4 المسحاة: كالمجرفة إلا أنها من حديد. المبضع ما يبضع أي يشق به العرق، ينطف: أي يسيل. الصاب: عصارة شجر مر. السلع: شجر مر أو ضرب من الصبر أو بقلة خبيثة الطعم، والضمير في منها لذنب العقرب. 5 الربع: الدار. الأمرد: الغلام الذي لم ينبت شعر لحيته. جهد الرجل في الأمر: جد فيه وبالغ. 6 ويروى: انتضاء بدل انتصار، انتضى الثوب: خلعه، وانتضى السيف: سله، الغيم: السحاب. النجاء: مصدر نجا. والبأساء: الشدة.

لما تبدى الصبح من حجابه ... كطلعة الأشمط من جلبابه1 وقال في الطير "من الرجز": كأنما يصفر من ملاعق ... صرصرة الأقلام في المهارق2 وقال يصف الطير إذا أحست بالبازى "من السريع": وهن يرفعن صراخاً كما ... يصوت في الشعب الملبونا3 ومن التشبيه الحسن قول البحتري "من الكامل": يخفى الزجاجة نورها فكأنها ... في الكف قائمة بغير إناء4 وقال أبو نواس في ناقة "من المنسرح": كأنما رجلها قفا يدها ... رجل غلام يلهو بدبوق5 وأنشد الأسدي6 "من الطويل": إذا نحن رمنا هجرها ضم حبها ... صميم الحشا ضم الجناح الخوافيا7

_ 1 تبدى: ظهر. الحجاب: الستر. الشمط: بياض يخالط سواد شعر الرأس، والرجل أشمط والمرأة شمطاء، وشمط بالكسر. والجلباب: الملحفة. 2 يصفر: يصوت. الملاعق: جمع ملعقة. الصرصرة: الصوت المرجع، المهارق: الصحائف جمع مهرق وهي الصحيفة فارسي معرب. 3 الصراخ: الصوت. صات يصوت: أي صوت. الشعب: الطريق في الجبل. الملبون: جميع ملب من لبى بالحج تلبية إذا رفع صوته بذكره. 4 البيت في وصف الخمر، ووروده هنا ينفي نسبته لابن المعتز كما في "28 ج2 ديوان ابن المعتز"، وقد عاب بعض النقاد البيت وقالوا: هو وصف لإناء الخمر لأنه لو ملئ الإناء دبسًا لكان هذا وصفته "12 موازنة" وقد رد عليهم الآمدي "راجع 14، 164"، ورواية الأصل: تخفى بالتاء. 5 القفا: مؤخَّر العنق، والمراد خلف، الدبوق: لعبة. 6 تقدمت ترجمته، والبيت يروى للأقرع بن معاذ القشيري "راجع ترجمته في 380 معجم الشعراء"، وهو شاعر أموي كان في أيام هشام بن عبد الملك. 7 الحشا: ما انضم عليه الضلوع. صميم الشيء: خالصه. الخوافي: جمع خافية وهي ما دون الريشات العشر من مقدم الجناح.

وقال آخر "من الطويل": عشىّ وداعٍ قبحت من عيشة ... ولكنها لا قبحت من مودع كأن انحدار الدمع منها تعده ... لها ذات عقد قيل عدي فأسرعي1 وقال آخر "من الخفيف": لعن الله "لا" فلا ... خلقت خلقة الجلم إنها تقرض الجميل ... وتأبى على الكرم2 وقال أبو نواس "من الكامل": وإذا قصرت لها الزمام سما لها ... فوق المقدم ملطم حر وكأنها مصغٍ لتسمعه ... بعض الحديث بأذنه وقر3 ومن عجائب التشبيه قوله أيضاً "من السريع": تبكي فتذرى الدر من نرجسٍ ... وتلطم الورد بعنابِ4 وقال آخر5 "من الكامل": عظمت روادفها فآدت خصرها ... ووشاحها قلق كقلبٍ مغرم6 وقال آخر في البرق "من الرجز": وتارةً ينبض باستخفاء ... كلمحة من ذي عوى مرائي أسرها خوفًا من الأعداء7

_ 1 العشى والعشية: من صلاة المغرب إلى العتمة، ولكنها أي المحبوبة. الانحدار: الهبوط، عده: أحصاه، وعدى: أي أحسب. والمعنى شاهدت عشيات الوداع ولا شاه وجه من ودعناه، فلقد فارقنا وهو الوفي المخلص إذا خنقته العبرات وانهمرت منه الدموع متواليات حتى حسبناه في سرعة انهمار دموعه امرأة تحسب وتعد مالها في سرعة فائقة، والمعنى: تساقط الدمع من عينيه كتساقط المال المعدود من يد الحاسب. 2 الجلم: المقص، تقرض: تقطع. 3 الزمام: مقود الدابة. سما: علا. المقدم: ضد المؤخر، ويقال: ضرب مقدم وجهه. الملطم: الوجه لأنه موضع اللطم، وأصغى: استمع في إنصات. القر: الثقل. 4 الدر: يريد به قطرات الدموع. أزرت العين دمعها: حبسته. النرجس معرب وتشبه به العيون. اللطم: ضرب الوجه بباطن الراحة. العناب: ثمر أحمر يشبه به البنان، والورد مستعار للخد. 5 ينسب البيت لعروة بن أذنية الشاعر الغزل فقيه المدينة وقاضيها في عصر بني أمية ووفد على هشام. 6 الروادف: جمع رادفة وهي الكفل. آدت: أثقلت. الخصر: وسط الإنسان. الوشاح: ما يتوشح به، وقلق الوشاح كناية عن ضمور الخصر. 7 نبض العرق: تحرك. استخفى مه استخفاء: توارى. لمحه: أبصره بنظر خفيف، والاسم اللمحة. الهوى: الحب، مرائي: من الرياء، وتراءى الجمعان: رأى بعضهم بعضًا، وفلان يتراءى: أي ينظر إلى وجهه في المرآة. الضمير في أسرها للمحة. الخوف: الحذر. أسر: أخفى. والمعنى: أن البرق حينا يلمح في خفية كما يبدو المحب في سرعة وخفية إذا شاهد الأعداء والوشاة.

لزوم ما لا يلزم

12- لزوم ما لا يلزم: ومن إعنات الشاعر نفسه في القوافي وتكلفه من ذلك ما ليس له قول رافع1 بن هريم اليربوعي "من الطويل": فإلا تحاموني تصبكم بعرةٍ ... مفارقتي أو تقبسوا من شراريا إذا صار لوني كل لون وبدلت ... نضارة وجهي مخضباً باصفراريا فسرى كإعلاني وتلك سجيتي ... وظلمة ليلي مثل ضوء نهاريا بني عاصم من ذا الذي ترسلونه ... مع الخيل يجري مثل ما كنت جاريا له مثل طرفي سامياً عند غايتي ... وطول عناني وارتفاع عذاريا ويمسي ورائي من عرام جماعة ... شياطين "أصليها" بشهبان ناريا2

_ 1 ورد له في الأمالي شعر "82/ 2" ولم أقف على ترجمة له. 2 حامى عنه: دافع، ولعلها تحاموني، من تحاماه الناس توقوه واجتنبوه. العرة: العار. مفارقة: مصدر فارقه. لقبس: شعلة نار، وقبس منه نارًا فأقبسه: أي أعطاه منه قبسًا. الشرار: ما يتطاير من النار. النضارة: البهجة والحسن والرونق. مخضبا: أي مخضوبا من الخضاب وهو ما يختضب به. السجية: الطبع. بنو عاصم: قومه. الطرف بالكسر: الجواد الكريم. ساميا: رافعا بصره نحو الشيء. العنان: مقود الدابة. عذار الرجل: شعره النابت في موضع العذار. عرام: أعداه قومه. صليت الرجل نارًا وأصليته: أدخلته فيها. شهبان: جمع شهاب وهو شعلة نار ساطعة. وفي الأصل تحريف كثير هنا في رواية الأبيات، وقد صححناها بما يساير المعنى.

وقال آخر "من الطويل": يقولون في البستان للعين لذةٌ ... وفي الخمر والماء الذي غير آسن1 فإن شئت أن تلقى المحاسن كلها ... ففي وجه من تهوى جميع المحاسن وقال آخر وأظنه قديماً "من الطويل": عصاني قومي والرشاد الذي به ... أمرت ومن يعص المجرب يندم فصبراً بني بكرٍ على الموت إنني ... أرى عارضًا ينهل بالموت والدم2 وأنشد إسحاق بن إبراهيم الموصلي "من الوافر": إذا ما كنت يوماً مستضافاً ... فقل للعبد يسقِى القوم برّا فحسن البر مكرمة ومجد ... ومدفأةٌ إذا ما خفت قرا3

_ 1 أسن الماء: أجن وتغير طعمه. 2 عارض الإنسان: صفحة خده. ينهل: يتساقط في انصباب وكثرة. 3 المستضاف: صاحب الضيف. المدفأة: الدفء. القر بالضم: البرد.

حسن الابتداء

13- حسن الابتداء 1: ومنها حسن الابتداءات، قال النابغة "من الطويل": كليني لهمٍ يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكبِ2 وقال الأعشى "من الطويل": كفى بالذي تولينه لو تحببا3

_ 1 راجع باب المبدأ والخروج والنهاية في العمدة لابن رشيق ص191/ 1 وما بعدها. وحسن الابتداء تسمية ابن المعتز، وقد فرع المتأخرون من هذه التسمية براعة الاستهلال "93 حسن التوسل إلى صناعة الترسل". 2 كليني: من وكله إلى نفسه يكله وكولًا من باب وعد. والهم: الحزن. أميمة: اسم محبوبته. ناصب: شديد أي: ذو نصب؛ لأنه ينصب فيه ويتعب. 3 تحبب إليه: تودد.

وقال بعض المحدثين "من الطويل": كأن اللواتي قلن لي أتسير ... غُصون رمالٍ فوقهن بدور1 وقال أبو تمام "من الطويل": أجل أيها الربع الذي خف آهله ... لقد أدركت فيك النوى ما تحاوله2 وقال أيضاً "من الكامل": يا ربع لو ربعوا على ابن هموم3 وقال أيضاً "من البسيط": يا بعد غاية دمع العين إذا بعدوا ... هي الصبابة طول الدهر والكمدُ4 وقال أيضاً "من الكامل": بأبي وغير أبي وذاك قليلُ ... ثاوٍ عليه ثَرَى النِبّاح مَهيلُ5 وقال أبو حية6 "من الطويل": ألا حَىِّ من أجل الحبيب المغانيا ... لبسن البلى ممّا لبسن اللياليا7 وهذا أيضاً يدخل في باب اعتراض كلام في كلام ثمّ يعود الشاعر فيتمم الكلام.

_ 1 يصف حبيباته باعتدال القامة وحسن الوجوه وجمالها. 2 أجل: أي نعم. خف: ارتحل. آهله: المقيمون به. النوى: الفراق. 3 الربع: الدار. ربعوا: وقفوا. 4 الصبابة: رقة الشوق وحرارته. الكمد: الحزن. 5 ثوى: أقام. الثرى: التراب. النباح: العويل. هال التراب: أرسله إرسالًا فهو مهيل. 6 أبو حية النميري واسمه الهيثم بن الربيع، شاعر مشهور مجيد من مخضرمي الدولتين. توفي سنة 160هـ. 7 المغاني: المنازل التي كان بها أهلوها.

وقال عبد الله بن محمد بن أبي عيينة المهلبي1 "من البسيط": من أقعدته صروف الدهر لم ينمِ2 [[أعاذنا الله تعالى من جميع الآفات ووفقنا وجميع أصدقائنا للخيرات بمنه ولطفه. . . . . على محمد وآله]]

_ 1 شاعر عباسي متوسط في منزلته الشعرية، وقد مرت له ترجمة عند البيت 165. 2 صروف الدهر: حدثانه ونوائبه.

الفهرس

الفهرس: الصفحة الموضوع 5 الفصل الأول: البيان قبل ابن المعتز 15 الفصل الثاني: ابن المعتز وجهوده في درسات البيان 22 - ألوان البديع عند ابن المعتز 44 - ابن المعتز وعلماء البلاغة 51 - خصائص كتاب "البديع" لابن المعتز 53 الفصل الثالث: كتاب "البديع" لابن المعتز 55 - تمهيد 70 - آراء المستشرق كراتشقوفسكي في الكتاب 71 نص الكتاب: 73 - مقدمة ابن المعتز لكتاب البديع 75 - أصل الكتاب 76 - الباب الأول من البديع وهو الاستعارة 107 - الباب الثاني من البديع وهو التجنيس 124 - الباب الثالث من البديع وهو المطابقة 140 - الباب الرابع من البديع وهو رد العجز على الصدر 147 - الباب الخامس من البديع وهو المذهب الكلامي 152 - محاسن الكلام والشعر

الصفحة الموضوع 152 1- الالتفات 154 2- الاعتراض 154 3- الرجوع 155 4- حسن الخروج 157 5- تأكيد المدح بما يشبه الذم 157 6- تجاهل العارف 158 7- الهزل يراد به الجد 159 8- حسن التضمين 160 9- التعريض والكناية 162 10- الإفراط في الصفة 166 11- حسن التشبيه 175 12- لزوم ما لا يلزم 176 13- حسن الابتداء 179 الفهرس

§1/1